وقعه صفين

اشارة

سرشناسه : نصربن مزاحم ، - ق 212

عنوان و نام پديدآور : وقعه صفين / لنصربن مزاحم المنقري ؛ تحقيق و شرح عبدالسلام محمد هارون

مشخصات نشر : قم : مكتبه آيه العظمي المرعشي النجفي ، 1418ق . = 1376.

مشخصات ظاهري : ص 691

شابك : 964-6121-110-Xبها:15000ريال ؛ 964-6121-110-Xبها:15000ريال

وضعيت فهرست نويسي : فهرستنويسي قبلي

يادداشت : اين كتاب در سالهاي مختلف توسط ناشرين مختلف منتشر شده است

يادداشت : عربي

يادداشت : كتابنامه به صورت زيرنويس

موضوع : جنگ صفين ، ق 36

موضوع : علي بن ابي طالب (ع )، امام اول ، 23 قبل از هجرت - 40ق . -- جنگها

شناسه افزوده : هارون ، عبدالسلام محمد .Harun, Abdol - Salam Muhammadمصحح

شناسه افزوده : كتابخانه عمومي حضرت آيت الله العظمي مرعشي نجفي

رده بندي كنگره : BP37/95/ص 7ن 6 1376

رده بندي ديويي : 297/951

شماره كتابشناسي ملي : م 76-6056

ص: 1

مراجع التحقيق

* مراجع التحقيق(1)

إتحاف فضلاء البشر للدمياطى طبع،مصر 1359

الاستيعاب لابن عبد البر،طبع حيدرآباد 1318

الاشتقاق لابن دريد،طبع جوتنجن 1853

الإصابة لابن حجر العسقلانى،طبع السعادة 1323

الأصمعيات،اختيار الأصمعى،طبع ليبسك 1902 م

الأغانى لأبى الفرج الأصبهانى،طبع الساسى 1323

الأمالى للقالى،طبع دار الكتب المصرية 1344

الإمامة و السياسة لابن قتيبة،طبع مطبعة الفتوح 1331

الأنساب للسمعانيّ،طبع ليدن 1612 م

أيمان العرب للنجيرمى،طبع السلفية 1343

تاريخ الأمم و الملوك لابن جرير الطبريّ،طبع الحسينية 1323

تاريخ بغداد للخطيب البغداديّ،طبع السعادة 1349

تاريخ دمشق لابن عساكر(مخطوطة المكتبة التمورية بدار الكتب المصرية)

تذكرة الحفاظ للذهبى،طبع حيدرآباد 1333

تقريب التهذيب لابن حجر.طبع الهند 1230

التنبيه و الإشراف للمسعوديّ،طبع الصاوى 1357

تهذيب التهذيب لابن حجر،طبع حيدرآباد 1325

الجامع الصغير للسيوطي،طبع مصر 1352

جمرة الأمثال للعسكرى،طبع بمباى 1306

جنى الجنتين للمولى المحبى،طبع دمشق 1348

حماسة البحترى،طبع الرحمانية 1929 م

حماسة أبى تمام،طبع السعادة 1331

حماسة ابن الشجرى،طبع حيدرآباد 1345

الحيوان للجاحظ،طبع الحلبيّ من سنة 1357

خزانة الأدب لعبد القادر البغداديّ،طبع بولاق 1299

الخيل لأبى عبيدة،طبع حيدرآباد 1358

ديوان الأخطل،طبع بيروت 1891 م

ديوان امرئ القيس،طبع أمين هندية 1324

ص: 1


1- اقتصر فيها على ما ورد له ذكر في حواشى الكتاب.

ديوان حاتم(من خمسة دواوين العرب)،طبع الوهبية 1293

ديوان حسان،طبع الرحمانية 1347

ديوان طرفة،طبع قازان 1909 م

ديوان المعاني لأبى هلال العسكريّ،طبع 1352

الروض الأنف للسهيلى،طبع مصر 1332

سفر التكوين،طبع جامعة كمبردج

السيرة لابن هشام،طبع جوتنجن 1859 م

شذرات الذهب لابن العماد الحنبلى،طبع مصر 1350

شرح الألفية للأشمونى،طبع بولاق 1287

شرح الشافية للرضى،طبع مطبعة حجازى 1358

شرح شواهد المغني للسيوطي،طبع البهية 1322

شرح الكافية للرضى،طبع الآستانة 1275

شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد،طبع الحلبيّ 1329

الشعر و الشعراء لابن قتيبة،طبع الخانجى 1322

شفاء الغليل للخفاجى،طبع السعادة 1325

صفة الصفوة لابن الجوزى،طبع حيدرآباد 1355

صحيح مسلم،طبع بولاق 1290

الطبقات الكبير لابن سعد،طبع ليدن 1323

العقد لابن عبد ربّه،طبع الجمالية 1331

العمدة لابن رشيق،طبع هندية 1344

عيون الأخبار لابن قتيبة،طبع دار الكتب 1343

الفرق بين الفرق للبغداديّ،طبع مطبعة المعارف 1328

الفهرست لابن النديم،طبع الرحمانية

الكامل للمبرد،طبع ليبسك 1864 م

كتاب سيبويه،طبع بولاق 1316

لباب الآداب لأسامة بن منقذ،طبع الرحمانية 1354

لسان الميزان لابن حجر،طبع حيدرآباد 1330

مجمع الأمثال للميدانى،طبع البهية 1342

مختلف القبائل و مؤتلفها لابن حبيب،طبع جوتنجن 1850 م

مروج الذهب للمسعوديّ،طبع البهية 1346

مشارق الأنوار للقاضي عياض،طبع السعادة 1332

المشتبه للذهبى،طبع ليدن 1881 م

المعارف لابن قتيبة،طبع مصر 1353

معجم الأدباء لياقوت،طبع مصر 1355

معجم البلدان لياقوت،طبع السعادة 1323

ص: 2

معجم الشعراء للمرزبانى،طبع القدسي 1354

المعجم الفارسيّ الإنجليزى لاستينجاس،طبع لندن

المفضليات للمفضل الضبى،طبع دار المعارف 1362

المنتظم لابن الجوزى،طبع حيدرآباد 1359

منتهى المقال لأبى على محمّد بن إسماعيل،طبع إيران 1320

المؤتلف و المختلف للآمدى،طبع القدسي 1354

نهاية الأرب للنويرى،طبع دار الكتب 1342

نهج البلاغة مع شرح ابن أبي الحديد طبع الحلبيّ 1329

وفيات الأعيان لابن خلّكان،طبع الميمنية 1310

ص: 3

مصور لأهم البلدان و المواضع الواردة في الكتاب

ص: 4

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

مقدّمة الطبعة الأولى

صفّين:

ما بين أعالي العراق و بلاد الشام تقع صفّين،تلك البلدة التي خلدها التاريخ، و خلدت هي تاريخا ظاهرا في حياة الأمة العربية و الخلافة الإسلامية،و ألوان المذاهب الدينية و السياسية التي ولّدتها حرب صفّين،و نشرت أطيافها في ربوع الدولة الإسلامية،تلك الحرب التي استنفدت من تاريخ الدم المهراق مائة يوم و عشرة أيام،بلغت فيها الوقائع تسعين وقعة فيما يذكر المؤرخون(1).

كانت حربا ضروسا أوشكت أن تفنى المسلمين و تذهب بمجدهم و تمحو آثارهم؛فما كاد المسلمون ينزلون عن خيلهم بعد وقعة الجمل سنة 36 من الهجرة، حتى اعتلوها مرة أخرى في حرب صفّين،لخمس مضين من شوال من تلك السنة(2).و لو لا أن تداركتهم عناية اللّه بصلح حقن من دماء الفريقين،و حفظ عليهم بقيّة من أبطالهم و أنجادهم لتغيّر وجه التاريخ الإسلامى.

و قد عنى علماء التاريخ بتسجيل هذه الوقعة.و من أقدم من ألّف في ذلك أبو مخنف لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سليم الأزديّ المتوفى قبل سنة 170.

ثمّ أبو الفضل نصر بن مزاحم المتوفّى سنة 212.قال ابن النديم(3):«أبو الفضل

ص: 5


1- (1) معجم البلدان(صفين).
2- (2) انظر ص 131 من الكتاب.
3- (3) الفهرست ص 137.

من طبقة أبى مخنف».و قد عاصر ابن مزاحم مؤرخ آخر ألّف في وقعة صفّين، و هو عبد اللّه محمّد بن عمر الواقدى المولود سنة 130 و المتوفّى سنة 207 (1).و من أقدم من كتب في تاريخ صفّين أبو جعفر محمّد بن جرير الطبريّ المتوفّى سنة 310،و هو لم يفرد لها تأليفا خاصا،و إنّما ذكر الوقعة في أثناء تاريخه لحوادث سنة 33 و سنة 37 (2).

و أقدم نص معروف لدينا في هذه الوقعة هو(كتاب صفّين)لنصر بن مزاحم،الذي نستطيع أن نعده في طبقة شيوخ شيوخ الطبريّ،إذ أن الطبريّ يروى عمن يروى عن أبي مخنف(3) الذي يعد نصر بن مزاحم في طبقته كما سلف القول.

نصر بن مزاحم:

هو أبو الفضل نصر بن مزاحم بن سيّار المنقريّ.و نسبته إلى بنى منقر بن عبيد بن الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم(4).و هو مؤرخ عربى،شيعى يغلو في مذهبه،كما يذكر المؤرخون،و هو كوفيّ النشأة و لكنه سكن بغداد و حدّث بها عن سفيان الثوري،و شعبة بن الحجاج،و حبيب ابن حسان،و عبد العزيز بن سياه،و يزيد بن إبراهيم التستريّ،و أبى الجارود زياد بن المنذر.و روى عنه ابنه(الحسين بن نصر)،و نوح بن حبيب القومسى، و أبو الصلت الهروى،و أبو سعيد الأشج،و عليّ بن المنذر الطريقى،و جماعة من الكوفيين.و لسكناه بغداد أورد له الخطيب البغداديّ ترجمة في تاريخه(5).

ص: 6


1- (1) انظر فهرست ابن النديم 144.و قد اجتمع مع نصر في الرواية عن الثوري. انظر ابن خلّكان(1:506).
2- (2) انظر تاريخ الطبريّ(5:235-6/244:2-40).
3- (3) يروي الطبريّ عن أبي الحسن عليّ بن محمّد المدائنى،عن أبي مخنف.انظر(5:233). و يروى أيضا عن عمر بن شبة،عن أبي الحسن المدائنى،عن أبي مخنف.انظر(5:184).
4- (4) انظر المعارف 36 و الاشتقاق 152.
5- (5) انظر تاريخ بغداد(13:282-283).

و لم تذكر لنا التواريخ مولده،و لكنّ عدّه في طبقة أبى مخنف يحملنا على القول بأنّه كان من المعمرين؛إذ أن أبا مخنف لوط بن يحيى توفى قبل سنة 170 كما ذكر ابن حجر في لسان الميزان.و ذلك يرجح أن ولادة نصر كانت قريبة من سنة 120.

و يذكر المترجمون له أنّه كان عطارا يبيع العطور،و لعلّ ذلك ممّا أسبغ على تأليفه ذلك الذوق الحسن الذي يلمع في أثناء كتابه.و لعلّ ذلك أيضا ممّا أكسبه هذه الروح البارعة في التأليف؛إذ أنّه يسوق مقدمات حرب صفّين في حذق، ثمّ هو يصور لنا الحرب و هي دائرة الرحى في دقة تصوير و حسن استيعاب، و يروى لنا أحاديث القوم و خطبهم و أشعارهم،على ما في ذلك الشعر من صناعة الرواة أو تلفيق أصحاب الأخبار،و لكنه في ذلك كله يكاد لا يخطئه التوفيق في مراعاة الانسجام،و استواء التصوير،و اتّساق العرض.

و المؤرخون يختلفون في توثيق نصر،شأنهم في كل راو من الشيعة؛ فبينا يذكره ابن حبّان في الثقات(1)،و يقول ابن أبي الحديد الشيعى في شأنه(2):

«و نحن نذكر ما أورده نصر بن مزاحم في كتاب صفّين في هذا المعنى،فهو ثقة ثبت صحيح النقل غير منسوب إلى هوى و لا إدغال.و هو من رجال أصحاب الحديث»،إذ يقول فيه العقيلى:«شيعى في حديثه اضطراب».و يقول أبو حاتم:«زائغ الحديث متروك(3)».

و مهما يكن فإن الناظر في كتابه هذا يلمس هدوء المؤرخ الذي لا تستفزه العصبيّة إلى هواه،إلاّ في القليل لا يستطيع منه إفلاتا،فهو حين يذكر مثالب معاوية لا يخفى مطاعن الأعداء في عليّ.

ص: 7


1- (1) انظر لسان الميزان(6:157).
2- (2) شرح نهج البلاغة(1:183).
3- (3) لسان الميزان(6:157).

مصنّفاته:

قال ياقوت(1):«كان عارفا بالتاريخ و الأخبار».و سرد له ابن النديم(2) من المصنّفات.كتاب الغارات(3).كتاب الجمل.كتاب صفّين.كتاب مقتل حجر بن عدى.كتاب مقتل الحسين بن على.

و زاد صاحب منتهى المقال(4):كتاب عين الوردة(5).كتاب أخبار المختار(6).كتاب المناقب.

فأنت ترى أن جهد هذا الرجل كان موجّها إلى التأليف الشيعى.و لم تحفظ لنا الأيّام من آثاره إلاّ هذا الكتاب،«كتاب صفّين».

نسخ كتاب صفّين:

1-طبع هذا الكتاب لأول مرة على الحجر في إيران سنة 1301.

و هذه الطبعة نادرة الوجود،عزيزة المنال،حتى إنها لم تدخل خزائن دار الكتب المصرية إلاّ منذ عهد قريب.و هي نسخة مرويّة تقع في ثمانية أجزاء،في صدر كل منها سند الرواية التي تنتهى إلى نصر بن مزاحم.و هذه الأجزاء الثمانية في 305 صفحة،كل صفحة منها تشتمل على نحو 20 سطرا في كل سطر نحو 12

ص: 8


1- (1) معجم الأدباء(19:225).
2- (2) الفهرست 137.و قد نقل أسماء هذه المصنّفات ياقوت في معجمه و لم يصرح بالنقل.
3- (3) ممن ألف كتابا بهذا الاسم أيضا إبراهيم بن هلال الثقفى،يروى عنه ابن أبي الحديد كثيرا.انظر(1:369)و ما بعدها.
4- (4) منتهى المقال لأبى على محمّد بن إسماعيل س 317.
5- (5) عين الوردة،هى رأس عين،المدينة المشهورة بالجزيرة،كانت فيها وقعة للعرب و يوم من أيامهم.معجم البلدان.
6- (6) هو المختار بن أبي عبيد الثقفى،صاحب«المختارية»و يسمون«الكيسانية»، فرقة من الشيعة.انظر الفرق بين الفرق 27-38.

كلمة.و قد طمست بعض كلمات هذه النسخة و وقع فيها كثير من التحريف و التصحيف،و الزيادة و النقص.و هذه النسخة هي التي قد اتخذتها أصلا في نشر هذا الكتاب و تحقيقه،و هي التي أعبّر عنها بلفظ(الأصل).

2-و طبع مرة أخرى في المطبعة العباسية ببيروت سنة 1340.و هذه الطبعة عمد فيها الناشر إلى حذف جميع أسانيد الكتاب،و كذلك بعض النصوص و الشعر،و ليس لهذه الطبعة قيمة في التحقيق؛إذ أن ناشرها لم يزد على أن قدّم مختصر النسخة الأولى إلى المطبعة،و لم يشأ أن يمسّ ما شاع فيها من التحريف و التصحيف،و مهما يكن فإن له كبير الفضل في إذاعة كتاب صفين بطبعته هذه التي اعتمد عليها كثير من الباحثين.

3-و هناك نسخة ثالثة كانت في ضمير الغيب،و أمكننى أن أكشفها شيئا فشيئا،بمطالعتى في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد،الذي جرت عادته على أن يضمن تأليفه جملة من الكتب ينثرها في تضاعيف كتابه،كما جرى على ذلك من بعد صاحب خزانة الأدب عبد القادر بن عمر البغداديّ.

و قد اقتضانى استخراج هذه النسخة و تكشيفها أن أنفق نحو الشهر في صناعتها، و أمكننى عون اللّه-و الحمد له-أن أعثر على جميع نصوص هذا الكتاب في شرح ابن أبي الحديد،من مواضع متباينة لم يلتزم فيها ترتيب الكتاب، و إنّما وردت في الشرح وفقا لما تقتضيه المناسبات المختلفة.و لم يخطئنى من ذلك إلاّ نحو نيّف و عشرين صفحة.و هذه النسخة هي التي رمزت إليها بالرمز(ح) اقتباسا من اسم ابن أبي الحديد.

و إلى القارئ صفحات نسخة الأصل معارضة بصفحات النسخة المصنوعة من شرح ابن أبي الحديد،المرموز إليها بالرمز(ح)،ليتضح له كيف أمكن استخراجها و تعقّبها:

ص: 9

الصورة

ص: 10

الصورة

ص: 11

فعلى هذه النسخة المستخرجة من شرح ابن أبي الحديد،و على النسخة الأولى،كان اعتمادى في نشر هذا الكتاب.

تحقيق الكتاب:

لم يكن لي بدّ من أن ألتزم معارضة نسخة إيران بتلك النسخة المستخرجة من شرح ابن أبي الحديد.و قد وجدت في نسخة إيران أسقاطا كثيرة أكملتها من النسخة المصنوعة،و لم أنبه عليها إلاّ بوضعها بين معقفى الإكمال:[].

فما وجده القارئ بين هاتين العلامتين خاليا من التنبيه فهو من هذه النسخة، و ما لم يكن منها فقد نبّهت على موضع اقتباسه.

و لم يكن لي بدّ أيضا أن أرجع إلى مختلف مصادر التاريخ و كتب الرجال و الشعر و العربية و البلدان،في تحقيق النصوص المختلفة لهذا الكتاب الزاخر بالحوادث و الأعلام و الشعر و الرجز و الآثار الأدبية.و قد عيّنت بعض هذه المراجع في صدر هذا الكتاب.

فهارس الكتاب:

وضعت لهذا الكتاب فهارس تحليلية ستة:أولها للأعلام،و قد عنيت فيه بتبيين الصور المختلفة التي يرد عليها العلم في مختلف مواضعه من الكتاب.

و لم أجعل الإحالة على موضع واحد كما يفعل كثير من الناشرين،فيجهد الباحث نفسه في العثور على صورة خاصّة من صور العلم الذي يبغيه.و ألفيت ثمّة أعلاما -هى سبعة في العدّ-يكثر دورانها في الكتاب،فلا يجد القارئ في تتبّع أرقامها إلاّ الجهد و العنت،فهذه أسقطت أرقامها و اكتفيت بتسجيل العلم فقط، و نبهت على ذلك في ص 647 (1).كما وضعت أرقام الصفحات التي ترجم فيها كلّ علم بين قوسين،تنبيها على موضع الترجمة.

ص: 12


1- (1) من أرقام الطبعة الأولى،كما هو المفهوم.

و يلي فهرس الأعلام فهرس القبائل و الطوائف،ثمّ فهرس البلدان و المواضع.و قد صنعت في هذين الفهرسين ما صنعت بسابقهما.

و بعد هذين فهرس الأشعار،ثمّ فهرس الأرجاز،و قد فصلت بينهما لكثرة هذا الأخير بحيث يكاد يكون قسيما للأول.و قد عيّنت بحور الشعر و قائليه في الفهرس الأول،و جعلت الأرجاز كلها بابا واحدا مهما اختلفت بحورها،و أثبتّ أسماء قائليها.

ثمّ فهرس مواضيع الكتاب،صنعته مختصرا من العنوانات التي أثبتّها في أعلى صفحات الكتاب.

و أرجو أن أكون قد وفّقت في جلاء الرّيب عن كثير من مشتبهات هذا الكتاب،و أن أكون قد أسديت إلى المكتبة التاريخية و العربية جهدا متواضعا؟

الإسكندرية في منتصف المحرم سنة 1365

عبد السلام محمّد هارون

ص: 13

مقدمة الطبعة الثانية

و هذه هي الطبعة الثانية من وقعة صفين،و قد أتاحت لي الفترة التي بين الطبعتين أن أعيد النظر في بعض النصوص و التفسيرات،و أن أضيف إلى الفهارس الفنية فهارس أخرى،تيسيرا للانتفاع بنصوص الكتاب.

و في هذه الطبعة روجعت الفهارس مراجعة دقيقة و أدخل عليها بعض الاستدراكات و التكملات،فكانت بذلك أدق من سابقتها،و أوسع إحاطة و شمولا.

و اللّه المسئول أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه،و أن يمنحنا من العون و القوة ما نستطيع به أن نحقق بعض ما نأمل من خدمة هذا التراث الخالد، و تجلية وجهه و تيسير الانتفاع به،إنه نعم المولى و نعم المعين.

مصر الجديدة في أول ربيع الثاني سنة 1382 آخر أغسطس سنة 1962

عبد السلام محمد هارون

ص: 14

الجزء الأول

اشارة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قُدُومُ عَلِيٍّ إِلَى الْكُوفَةِ

أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْحَافِظُ شَيْخُ الْإِسْلاَمِ أَبُو الْبَرَكَاتِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارَكِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْأَنْمَاطِيُّ (1)قَالَ أَخْبَرَنَا اَلشَّيْخُ أَبُو الْحُسَيْنِ الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ أَحْمَدَ الصَّيْرَفِيُّ (2)بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخِرِ مِنْ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَ ثَمَانِينَ وَ أَرْبَعِمِائَةٍ وَ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْوَكِيلُ (3)قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَ أَنَا أَسْمَعُ فِي رَجَبٍ مِنْ سَنَةِ ثَمَانٍ وَ ثَلاَثِين

ص: 1


1- كان أبو البركات محدث بغداد،و هو أحد حفاظ الحنابلة،ولد سنة 462 و قرأ على ابن الطيورى جميع ما عنده.و قال ابن الجوزى:«كنت أقرأ عليه الحديث و هو يبكى، فاستفدت ببكائه أكثر من استفادتى بروايته».و توفّي سنة 538.انظر المنتظم(10: 108-109)و صفة الصفوة(2:281)و تذكرة الحفاظ(4:75-76) و شذرات الذهب(4:116-117).
2- هو أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد بن القاسم بن أحمد الصيرفى الطيورى، و يعرف أيضا بابن الحمامى،و المحدث البغداديّ،سمع أبا عليّ بن شاذان،و أبا الفرج الطناجيرى و أبا الحسن العتيقى،و أبا محمّد الخلال.و كان عنده ألف جزء بخط الدارقطنى.و أكثر عنه السّلفي،و انتقى عليه مائة جزء تعرف بالطيوريات.و ابن الحمامى بتخفيف الميم،كما في لسان الميزان(5:11).ولد سنة 411 و توفّي سنة 500.انظر المنتظم(9:154) و لسان الميزان(5:9-11)و شذرات الذهب(3:412).
3- هو أحمد بن عبد الواحد بن محمّد بن جعفر بن أحمد بن جعفر بن الحسن بن وهب، أبو يعلى،المعروف بابن زوج الحرة.سمع موسى بن جعفر،و أبا الحسن الدارقطنى.قال الخطيب البغداديّ:«كتبت عنه،و كان صدوقا يسكن درب المجوس من نهر طابق. و سألته عن مولده فقال:ولدت بعد أن استخلف القادر باللّه بأربعين يوما،و كان.

وَ أَرْبَعِمِائَةٍ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ الصَّيْرَفِيُّ (1)قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَ أَنَا أَسْمَعُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ [بْنِ مُحَمَّدِ] (2)بْنِ عُقْبَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ هَمَّامِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحِمَارِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ سُمَيْرِ (3)بْنِ أَسْعَدَ بْنِ هَمَّامِ (4)بْنِ مُرَّةَ بْنِ ذُهَلَ بْنِ شَيْبَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُكَابَةَ بْنِ صَعْبِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ قِرَاءَةً عَلَيْهِ فِي سَنَةِ أَرْبَعِينَ وَ ثَلاَثِمِائَةٍ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ سُلَيْمَانُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ هِشَامٍ النَّهْدِيُّ الْخَزَّازُ (5)قَالَ).

ص: 2


1- ترجم له الخطيب في تاريخ بغداد(2:111)و قال:سمع إسماعيل بن محمّد الصفار،و أبا عمرو بن السماك،و عبد الصمد بن على الطستى.و ذكر أن وفاته في سنة 393.و هي السنة التي توفى فيها أبو الفتح عثمان بن جنى،و القاضي عليّ بن عبد العزيز الجرجانى.
2- هذه التكملة ثابتة في سائر أسانيد أجزاء الكتاب،و كذلك في ترجمته من منتهى المقال ص 225،قال:«سمع منه التلعكبرى بالكوفة و ببغداد،و له منه إجازة». و التلعكبرى الذي يشير إليه هو أبو محمّد هارون بن موسى بن أحمد بن سعيد الشيباني، ترجم له صاحب منتهى المقال في ص 320-321.
3- استخلاف القادر بالله في يوم السبت الحادي عشر من شهر رمضان سنة إحدى و ثمانين و ثلاثمائة.و مات أبو يعلى في يوم الخميس الرابع و العشرين من شهر شوال سنة ثمان و ثلاثين و أربعمائة،و دفن من يومه بباب الدير قريبا من قبر معروف الكرخى».انظر تاريخ بغداد(4:270).
4- ذكر في نهاية الأرب(2:333):«الأسعد بن همام».و انظر لإدخال أل على الأعلام التي هي في الأصل صفات ما كتبت في حواشى الحيوان(3:382)و مجلة الثقافة 2152.
5- هو أبو محمّد سليمان بن الربيع بن هشام بن عزور بن مهلهل،النهدى الكوفيّ. قدم بغداد و حدث بها عن حصين بن مخارق،و همام بن مسلم الزاهد،و أبى نعيم الفضل بن دكين،و روى عنه محمّد بن جرير الطبريّ،و يحيى بن صاعد،و محمّد بن مخلد العطار. توفى بالكوفة سنة 274.انظر تاريخ بغداد(9:54-55)و لسان الميزان (3:91).

أَنْبَأَنَا نَصْرُ بْنُ مُزَاحِمٍ التَّمِيمِيُّ قَالَ عُمَرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي الصَّيْدِ الْأَسَدِيُّ (1)عَنِ اَلْحَارِثِ بْنِ حَصِيرَةَ (2)عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ أَبِي الْكَنُودِ وَ غَيْرِهِ قَالُوا:

لَمَّا قَدِمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنَ اَلْبَصْرَةِ إِلَى اَلْكُوفَةِ - يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ رَجَبٍ سَنَةَ سِتٍّ وَ ثَلاَثِينَ وَ قَدْ أَعَزَّ اللَّهُ نَصْرَهُ وَ أَظْهَرَهُ عَلَى عَدُوِّهِ وَ مَعَهُ أَشْرَافُ النَّاسِ وَ أَهْلُ اَلْبَصْرَةِ اسْتَقْبَلَهُ أَهْلُ اَلْكُوفَةِ وَ فِيهِمْ قُرَّاؤُهُمْ وَ أَشْرَافُهُمْ فَدَعَوْا لَهُ بِالْبَرَكَةِ وَ قَالُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَيْنَ تَنْزِلُ أَ تَنْزِلُ الْقَصْرَ؟ فَقَالَ 1لاَ وَ لَكِنِّي أَنْزِلُ اَلرَّحَبَةَ فَنَزَلَهَا وَ أَقْبَلَ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْأَعْظَمَ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ وَ صَلَّى عَلَى رَسُولِهِ وَ قَالَ 1«أَمَّا بَعْدُ يَا أَهْلَ اَلْكُوفَةِ فَإِنَّ لَكُمْ فِي اَلْإِسْلاَمِ فَضْلاً مَا لَمْ تُبَدِّلُوا وَ تُغَيِّرُوا دَعَوْتُكُمْ إِلَى الْحَقِّ فَأَجْبُتْم وَ بَدَأْتُمْ بِالْمُنْكَرِ فَغَيَّرْتُمْ أَلاَ إِنَّ فَضْلَكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ اللَّهِ فِي الْأَحْكَامِ وَ الْقَسْمِ فَأَنْتُمْ أُسْوَةُ مَنْ أَجَابَكُمْ وَ دَخَلَ فِيمَا دَخَلْتُمْ فِيهِ أَلاَ إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اتِّبَاعُ الْهَوَى وَ طُولُ الْأَمَلِ فَأَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَى فَيَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ وَ أَمَّا طُولُ الْأَمَلِ فَيُنْسِي الْآخِرَةَ أَلاَ إِنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَرَحَّلَتْ مُدْبِرَةً وَ الْآخِرَةُ تَرَحَّلَتْ مُقْبِلَةً وَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَ لاَ حِسَابَ وَ غَداً حِسَابٌ وَ لاَ عَمَلَ -7.

ص: 3


1- في ميزان الاعتدال(2:258):«عمر بن سعد.عن الأعمش.شيعى بغيض. قال أبو حاتم:متروك الحديث».
2- هو الحارث بن حصيرة الأزديّ،أبو النعمان الكوفيّ.روى عن زيد بن وهب و أبى صادق الأزديّ،و جابر الجعفى.و عنه:عبد الواحد بن زياد،و الثوري،و مالك بن مغول.و عبد السلام بن حرب.قال ابن عدى:عامة روايات الكوفيين عنه في فضائل أهل البيت.و هو يعد من المحترفين بالكوفة في التشيع.و حصيرة،بفتح المهملة و كسر المهملة بعدها.و في الأصل:«حضيرة»بالضاد المعجمة،تحريف.انظر تهذيب التهذيب (2:140)و تقريب التهذيب 87.

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَصَرَ وَلِيَّهُ وَ خَذَلَ عَدُوَّهُ وَ أَعَزَّ الصَّادِقَ الْمُحِقَّ وَ أَذَلَّ النَّاكِثَ الْمُبْطِلَ عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَ طَاعَةِ مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ الَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِطَاعَتِكُمْ فِيمَا أَطَاعُوا اللَّهَ فِيهِ مِنَ الْمُنْتَحِلِينَ الْمُدَّعِينَ الْمُقَابِلِينَ إِلَيْنَا (1)يَتَفَضَّلُونَ بِفَضْلِنَا وَ يُجَاحِدُونَّا أَمْرَنَا وَ يُنَازِعُونَّا حَقَّنَا وَ يُدَافِعُونَّا عَنْهُ (2)فَقَدْ ذَاقُوا وَبَالَ مَا اجْتَرَحُوا« فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا »أَلاَ إِنَّهُ قَدْ قَعَدَ عَنْ نُصْرَتِي مِنْكُمْ رِجَالٌ فَأَنَا عَلَيْهِمْ عَاتِبٌ زَارٍ فَاهْجُرُوهُمْ وَ أَسْمِعُوهُمْ مَا يَكْرَهُونَ حَتَّى يُعْتَبُوا (3)لِيُعْرَفَ بِذَلِكَ حِزْبُ اللَّهِ عِنْدَ الْفُرْقَةِ فَقَامَ إِلَيْهِ مَالِكُ بْنُ حَبِيبٍ الْيَرْبُوعِيُّ وَ كَانَ صَاحِبَ شُرْطَتِهِ فَقَالَ وَ اللَّهِ إِنِّي لَأَرَى الْهُجْرَ وَ إِسْمَاعَ الْمَكْرُوهِ لَهُمْ قَلِيلاً وَ اللَّهِ لَئِنْ أَمَرْتَنَا لَنَقْتُلَنَّهُمْ فَقَالَ عَلِيٌّ 1«سُبْحَانَ اللَّهِ يَا مَالِ جُزْتَ الْمَدَى وَ عَدَوْتَ الْحَدَّ وَ أَغْرَقْتَ فِي النَّزْعِ» فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَبَعْضُ الْغَشْمِ أَبْلَغُ فِي أُمُورٍ تَنُوبُكَ مِنْ مُهَادَنَةِ الْأَعَادِي فَقَالَ عَلِيٌّ 1«لَيْسَ هَكَذَا قَضَى اللَّهُ يَا مَالِ قَتْلَ النَّفْسِ بِالنَّفْسِ فَمَا بَالُ الْغَشْمِ (4)وَ قَالَ« وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً »وَ الْإِسْرَافُ فِي الْقَتْلِ أَنْ تَقْتُلَ غَيْرَ قَاتِلِكَ فَقَدْ نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَ ذَلِكَ هُوَ الْغَشْمُ» فَقَامَ إِلَيْهِ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ عَوْفٍ الْأَزْدِيُّ وَ كَانَ مِمَّنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ فَقَالَ».

ص: 4


1- في ح(1:256):«القائلين إلينا».
2- كذا وردت الأفعال الثلاثة هنا و في ح بحذف نون الرفع لغير ناصب أو جازم، و هي لغة صحيحة.انظر خزانة الأدب(3:525-526).
3- الإعتاب:إعطاء العتبى،و هي الرضا.و أعتبنى فلان:ترك ما كنت أجد عليه من أجله.
4- في ح(1:257)«قال سبحانه النفس بالنفس فما بال ذكر النفس».

يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَ رَأَيْتَ الْقَتْلَى حَوْلَ عَائِشَةَ وَ اَلزُّبَيْرِ وَ طَلْحَةَ بِمَ قُتِلُوا (1)قَالَ 1«قَتَلُوا شِيعَتِي وَ عُمَّالِي وَ قَتَلُوا أَخَا رَبِيعَةَ اَلْعَبْدِيَّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي عِصَابَةٍ مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ قَالُوا لاَ نَنْكُثُ كَمَا نَكَثْتُمْ وَ لاَ نَغْدِرُ كَمَا غَدَرْتُمْ فَوَثَبُوا عَلَيْهِمْ فَقَتَلُوهُمْ فَسَأَلْتُهُمْ أَنْ يَدْفَعُوا إِلَيَّ قَتَلَةَ إِخْوَانِي أَقْتُلُهُمْ بِهِمْ ثُمَّ كِتَابُ اللَّهِ حَكَمٌ بَيْنِي وَ بَيْنَهُمْ فَأَبَوْا عَلَيَّ فَقَاتَلُونِي وَ فِي أَعْنَاقِهِمْ بَيْعَتِي وَ دِمَاءُ قَرِيبٍ مِنْ أَلْفِ رَجُلٍ مِنْ شِيعَتِي فَقَتَلْتُهُمْ بِهِمْ أَ فِي شَكٍّ أَنْتَ مِنْ ذَلِكَ؟» قَالَ قَدْ كُنْتُ فِي شَكٍّ فَأَمَّا الْآنَ فَقَدْ عَرَفْتُ وَ اسْتَبَانَ لِي خَطَأُ الْقَوْمِ وَ إِنَّكَ أَنْتَ الْمَهْدِيُّ الْمُصِيبُ وَ كَانَ أَشْيَاخُ الْحَيِّ يَذْكُرُونَ أَنَّهُ كَانَ عُثْمَانِيّاً وَ قَدْ شَهِدَ مَعَ عَلِيٍّ عَلَى ذَلِكَ صِفِّينَ وَ لَكِنَّهُ بَعْدَ مَا رَجَعَ كَانَ يُكَاتِبُ مُعَاوِيَةَ فَلَمَّا ظَهَرَ مُعَاوِيَةُ أَقْطَعَهُ قَطِيعَةً بِالْفَلُّوجَةِ (2)وَ كَانَ عَلَيْهِ كَرِيماً.

ثُمَّ إِنَّ عَلِيّاً تَهَيَّأَ لِيَنْزِلَ وَ قَامَ رِجَالٌ لِيَتَكَلَّمُوا فَلَمَّا رَأَوْهُ نَزَلَ جَلَسُوا وَ سَكَتُوا .

اِخْتِيَارُ عَلِيٍّ لِمَنْزِلِهِ بِالْكُوفَةِ

نَصْرٌ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ عَنْ سَعْدِ بْنِ طَرِيفٍ عَنِ اَلْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ : أَنَّ عَلِيّاً لَمَّا دَخَلَ اَلْكُوفَةَ قِيلَ لَهُ أَيَّ الْقَصْرَيْنِ نُنْزِلُكَ قَالَ 1«قَصْرَ الْخَبَالِ لاَ تُنْزِلُونِيهِ» فَنَزَلَ عَلَى جَعْدَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ الْمَخْزُومِيِّ (3) .

نَصْرٌ عَنِ اَلْفَيْضِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ

ص: 5


1- في ح:«علام قتلوا.أو قال:بم قتلوا؟».
2- الفلوجتان:قريتان كبيرتان من سواد بغداد و الكوفة قرب عين التمر:و يقال الفلوجة الكبرى و الفلوجة الصغرى و الفلوجة العليا و الفلوجة السفلى أيضا.
3- قال ابن أبي الحديد:«قلت:جعدة ابن أخت هانئ بنت أبى طالب،كانت تحت هبيرة بن أبي وهب المخزومى،فأولدها جعدة».

عَلِيٌّ اَلْكُوفَةَ نَزَلَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَدَخَلَ وَ صَلَّى ثُمَّ تَحَوَّلَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ النَّاسُ فَسَأَلَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ كَانَ يَنْزِلُ اَلْكُوفَةَ فَقَالَ قَائِلٌ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِهِ فَقَالَ 1«إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَأْثِرْ بِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ» وَ قَرَأَ« وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ »قَالَ فَلَمَّا لَحِقَ الثَّقَلُ قَالُوا أَيَّ الْقَصْرَيْنِ تَنْزِلُ فَقَالَ 1«قَصْرَ الْخَبَالِ لاَ تُنْزِلُونِيهِ» (1) .

مُتَابَعَتُهُ سُلَيْمَانَ بْنَ صُرَدٍ

- نَصْرٌ عَنْ سَيْفٍ قَالَ حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي عَمِيرَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ أَبِي الْكَنُودِ : أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنُ صُرَدٍ الْخُزَاعِيَّ (2)دَخَلَ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بَعْدَ رَجْعَتِهِ مِنَ اَلْبَصْرَةِ فَعَاتَبَهُ وَ عَذَلَهُ وَ قَالَ لَهُ 1«اِرْتَبْتَ وَ تَرَبَّصْتَ وَ رَاوَغْتَ وَ قَدْ كُنْتَ مِنْ أَوْثَقِ النَّاسِ فِي نَفْسِي وَ أَسْرَعِهِمْ فِيمَا أَظُنُّ إِلَى نُصْرَتِي فَمَا قَعَدَ بِكَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكَ وَ مَا زَهَدَكَ فِي نَصْرِهِمْ» فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لاَ تَرُدَّنَّ الْأُمُورَ عَلَى أَعْقَابِهَا وَ لاَ تُؤَنِّبْنِي بِمَا مَضَى مِنْهَا وَ اسْتَبْقِ مَوَدَّتِي يَخْلُصْ (3)لَكَ نَصِيحَتِي وَ قَدْ بَقِيَتْ أُمُورٌ تَعْرِفُ فِيهَا وَلِيَّكَ مِنْ عَدُوِّكَ.فَسَكَتَ عَنْهُ وَ جَلَسَ سُلَيْمَانُ قَلِيلاً ثُمَّ نَهَضَ فَخَرَجَ إِلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَ هُوَ قَاعِدٌ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَ لاَ أُعْجِبُكَ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَا لَقِيتُ

ص: 6


1- ح:«قالوا انزل القصر.فقال:قصر الجبال لا تنزلوا فيه».و لم أجد ذكرا لهذا القصر برسميه اللذين وردا في الأصل و ح.لكن وجدت السيّد فرج اللّه الحسيني قد كتب «أراد منه عليه السلام قصر دار الامارة؛فكأنّه سماها به لما وقع فيها قبله من أمراء الجور و عمال أهل النفاق و الشقاق،من الهلكة و النقصان».
2- هو سليمان بن صرد،بضم المهملة و فتح الراء،بن الجون الخزاعيّ،أبو مطرف الكوفيّ.صحابى جليل.قال ابن حجر:و كان خيرا فاضلا شهد صفّين مع على و قتل حوبشا مبارزة،ثمّ كان ممن كاتب الحسين ثمّ تخلف عنه،ثمّ قدم هو و المسيب بن نجبة في آخرين فخرجوا في الطلب بدمه و هم أربعة آلاف،فالتقاهم عبيد اللّه بن زياد بعين الوردة بعسكر مروان،فقتل سليمان و من معه،و ذلك في سنة خمس و ستين.انظر الإصابة و تهذيب. التهذيب.
3- ح:«تخلص».

مِنْهُ مِنَ التَّبْكِيتِ وَ التَّوْبِيخِ؟ فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ 2«إِنَّمَا يُعَاتَبُ مَنْ تُرْجَى مَوَدَّتُهُ وَ نَصِيحَتُهُ» فَقَالَ إِنَّهُ بَقِيَتْ أُمُورٌ سَيُسْتَوْسَقُ فِيهَا الْقَنَا (1)وَ يُنْتَضَى فِيهَا السُّيُوفُ وَ يُحْتَاجُ فِيهَا إِلَى أَشْبَاهِي فَلاَ تَسْتَغِشُّوا عَتْبي (2)وَ لاَ تَتَّهِمُوا نَصِيحَتِي فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ : 2«رَحِمَكَ اللَّهُ مَا أَنْتَ عِنْدَنَا بِالظَّنِينِ» .

دُخُولُ سَعِيدِ بْنِ قَيْسٍ عَلَى عَلِيٍّ

نَصْرٌ عَنْ عُمَرَ يَعْنِي اِبْنَ سَعْدٍ عَنْ نُمَيْرِ بْنِ وَعْلَةَ (3)عَنِ اَلشَّعْبِيِّ (4)(4):

إِنَّ سَعِيدَ بْنَ قَيْسٍ دَخَلَ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ 1«وَ عَلَيْكَ وَ إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ» فَقَالَ حَاشَ لِلَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَسْتُ مِنْ أُولَئِكَ قَالَ: 1«فَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ» .

مُعَاَتَبَةُ عَلِيٍّ أَشْرَافَ الْكُوفَةِ

نَصْرٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مِخْنَفٍ قَالَ:

دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حِينَ قَدِمَ مِنَ اَلْبَصْرَةِ وَ هُوَ عَامَ بَلَغْتُ الْحُلُمَ فَإِذَا بَيْنَ يَدَيْهِ رِجَالٌ يُؤَنِّبُهُمْ وَ يَقُولُ لَهُمْ 1«مَا بَطَّأَ بِكُمْ عَنِّي وَ أَنْتُمْ أَشْرَافُ قَوْمِكُمْ وَ اللَّهِ لَئِنْ كَانَ مِنْ ضَعْفِ النِّيَّةِ وَ تَقْصِيرِ الْبَصِيرَةِ إِنَّكُمْ لَبُورٌ (5)وَ اللَّهِ لَئِنْ كَانَ مِنْ شَكٍّ فِي فَضْلِي وَ مُظَاهَرَةٍ عَلَيَّ إِنَّكُمْ لَعَدُوٌّ» قَالُوا حَاشَ لِلَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَحْنُ سِلْمُكَ وَ حَرْبُ عَدُوِّكَ ثُمَّ اعْتَذَرَ الْقَوْمُ فَمِنْهُمْ مَنْ

ص: 7


1- القنا:الرماح.و الاستيساق:الاجتماع،و فعله لازم.و في حديث أحد:«استوسقوا كما يستوسق جرب الغنم»،أي استجمعوا و انضموا.و بدلها في ح:«سيسرع فيها القتال.».
2- استغشه و اغتشه:ظن به الغش،و هو خلافه استنصحه.و في الأصل:«لا تستبشعوا غيبتى»صوابها في ح.
3- ذكره في لسان الميزان مصحفا برسم نمير بن دعلمة.
4- هو عامر بن شراحيل الحميري أبو عمرو الكوفيّ،ثقة مشهور.روى عن أبي هريرة،و عائشة،و ابن عبّاس و غيرهم.و عنه ابن سيرين،و الأعمش،و شعبة،و جابر الجعفى.لسان الميزان(6:840).
5- البور بالضم:الهالك؛يقال رجل بور،و رجلان بور،و قوم بور؛و كذلك الأنثى. اللسان.

ذَكَرَ عُذْرَهُ وَ مِنْهُمْ مَنِ اعْتَلَّ بِمَرَضٍ وَ مِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَ غَيْبَةً فَنَظَرْتُ إِلَيْهِمْ فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُعْتَمِّ الْعَبْسِيُّ (1)وَ إِذَا حَنْظَلَةُ بْنُ الرَّبِيعِ التَّمِيمِيُّ وَ كِلاَهُمَا كَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ وَ إِذَا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ عَوْفٍ الْأَزْدِيُّ وَ إِذَا غَرِيبُ بْنُ شُرَحْبِيلَ الْهَمْدَانِيُّ قَالَ وَ نَظَرَ عَلِيٌّ إِلَى أَبِي فَقَالَ: 1«لَكِنْ مِخْنَفُ بْنُ سُلَيْمٍ وَ قَوْمُهُ لَمْ يَتَخَلَّفُوا وَ لَمْ يَكُنْ مَثَلُهُمْ مَثَلَ الْقَوْمِ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:« وَ إِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً وَ لَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً » (2)» ثُمَّ إِنَّ عَلِيّاً مَكَثَ بِالْكُوفَةِ فَقَالَ اَلشَّنِّيُّ فِي ذَلِكَ (3)شَنُّ بْنُ عَبْدِ الْقَيْسِ -

قُلْ لِهَذَا الْإِمَامِ قَدْ خَبَتِ الْحَرْبُ وَ تَمَّتْ بِذَلِكَ النَّعْمَاءُ

وَ فَرَغْنَا مِنْ حَرْبِ مَنْ نَقَضَ الْعَهْدَ وَ بِالشَّامِ حَيَّةٌ صَمَّاءُ

تَنْفُثُ السُّمَّ مَا لِمَنْ نَهَشَتْهُ فَارْمِهَا قَبْلَ أَنْ تَعَضَّ شِفَاءً

إِنَّهُ وَ الَّذِي يَحُجُّ لَهُ النَّاسُ وَ مِنْ دُونِ بَيْتِهِ الْبَيْدَاءُ0.

ص: 8


1- هو عبد اللّه بن المعتم،بضم الميم و سكون المهملة و فتح المثناة و تشديد الميم،قال ابن حجر:«له صحبة،و هو ممن تخلف عن على يوم الجمل...و قال أبو زكريا الموصلى في تاريخ الموصل:هو الذي فتح الموصل».و في ح:«عبيد اللّه»بالتصغير،محرف. انظر الإصابة 4957.
2- الآيتان 72،73 من سورة النساء.
3- هو الأعور الشى.بشر بن منقذ.أحد بنى شن بن أفصى بن عبد القيس بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار.قال الآمدى:«شاعر خبيث،و كان مع على رضي اللّه عنه يوم الجمل».انظر المؤتلف 38،60.

لَضَعِيفُ النُّخَاعِ إِنْ رُمِيَ الْيَوْمَ بِخَيْلٍ كَأَنَّهَا الْأَشْلاَءُ (1)

جَانِحَاتٍ تَحْتَ الْعَجَاجِ سِخَالاً مُجْهِضَاتٍ تَخَالُهَا الْأَسْلاَءَ (2)

تَتَبَارَى بِكُلِّ أَصْيَدَ كَالْفَحْلِ بِكَفَّيْهِ صَعْدَةٌ سَمْرَاءُ

ثُمَّ لاَ يَنْثَنِي الْحَدِيدُ وَ لَمَّا يَخْضِبِ الْعَامِلِينَ مِنْهَا الدِّمَاءُ

إِنْ تَذَرْهُ (3)فَمَا مُعَاوِيَةُ الدَّهْرَ بِمُعْطِيكَ مَا أَرَاكَ تَشَاءُ

وَ لَنَيْلُ السِّمَاكِ أَقْرَبُ مِنْ ذَاكَ وَ نَجْمُ اَلْعَيُّوقِ وَ اَلْعَوَّاءُ (4)

فَاضْرِبِ الْحَدَّ وَ الْحَدِيدَ (5)إِلَيْهِمْ لَيْسَ وَ اللَّهِ غَيْرُ ذَاكَ دَوَاءً

.

خطبة علي في الجمعة بالكوفة و المدينة

حَدَّثَنَا نَصْرٌ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ سَيْفِ بْنِ عُمَرَ عَنِ اَلْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي طَيْبَةَ (6)عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَمَّ عَلِيٌّ الصَّلاَةَ يَوْمَ دَخَلَ اَلْكُوفَةَ فَلَمَّا كَانَتِ اَلْجُمُعَةُ وَ حَضَرَتِ الصَّلاَةُ صَلَّى بِهِمْ وَ خَطَبَ خُطْبَةً .

ص: 9


1- أشلاء الإنسان:أعضاؤه بعد البلى و التفرق.و قد مثل الخيل في تفرقها للغارة بالأعضاء المتناثرة.
2- جانحات:أراد أنّها تكسر جوانح هذه السخال.و الجوانح:الضلوع القصار التي في مقدم الصدر.و الواحدة جانحة،يقال جنح البعير:انكسرت جوانحه من الحمل الثقيل. و السخال:جمع سخلة.و هي ولد الشاة من المعز و الضأن ذكرا كان أو أنثى.و يقال أيضا في الخيل.كما هنا و كما في قول عبد اللّه بن عنمة: يطرحن سخل الخيل في كل منزل تبين منه شقرها و ورادها انظر المفضلية(114:9 طبع المعارف).و في الأصل و ح:«سحال»محرفة. و المجهضات:التي ألقيت لغير تمام و لما يستبن خلقها.و الأسلاء:جمع سلى،و هو الجلدة الرقيقة التي يكون فيها الولد.و في البيت إقواء.
3- في الأصل:«أو تذره»،صوابه من ح.
4- السماك و العيوق و العواء:نجوم في السماء.ح:«و لنيل السماء».
5- ح:«فأعد بالجد و الحديد»،صواب هذه:«فاغد بالجد و الحديد».
6- أبو طيبة،بفتح المهملة بعدها مثناة تحتية ساكنة ثمّ باء موحدة،و اسمه عبد اللّه بن مسلم السلمى المروزى،كان قاضيا بمرو.

نَصْرٌ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ خُطْبَةَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي اَلْجُمُعَةِ بِالْكُوفَةِ وَ اَلْمَدِينَةِ :

1«إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ أَحْمَدُهُ (1)وَ أَسْتَعِينُهُ وَ أَسْتَهْدِيهِ وَ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الضَّلاَلَةِ مَنْ يَهْدِ اللَّهَ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ وَ مَنْ يُضْلِلْ« فَلا هادِيَ لَهُ »وَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ انْتَجَبَهُ (2)لِأَمْرِهِ وَ اخْتَصَّهُ بِالنُّبُوَّةِ أَكْرَمُ خَلْقِهِ وَ أَحَبُّهُمْ إِلَيْهِ فَبَلَغَ رِسَالَةَ رَبِّهِ وَ نَصَحَ لِأُمَّتِهِ وَ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ وَ أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ فَإِنَّ تَقْوَى اللَّهِ خَيْرُ مَا تَوَاصَى بِهِ عِبَادُ اللَّهِ وَ أَقْرَبُهُ لِرِضْوَانِ اللَّهِ وَ خَيْرُهُ فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ عِنْدَ اللَّهِ وَ بِتَقْوَى اللَّهِ أُمِرْتُمْ وَ لِلْإِحْسَانِ وَ الطَّاعَةِ خُلِقْتُمْ فَاحْذَرُوا مِنَ اللَّهِ مَا حَذَّرَكُمْ مِنْ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ حَذَّرَ بَأْساً شَدِيداً وَ اخْشَوُا اللَّهَ خَشْيَةً لَيْسَتْ بِتَعْذِيرٍ (3)وَ اعْمَلُوا فِي غَيْرِ رِيَاءٍ وَ لاَ سُمْعَةٍ فَإِنَّ مَنْ عَمِلَ لِغَيْرِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى مَا عَمِلَ لَهُ وَ مَنْ عَمِلَ لِلَّهِ مُخْلِصاً تَوَلَّى اللَّهُ أَجْرَهُ وَ أَشْفِقُوا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْلُقْكُمْ عَبَثاً وَ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئاً مِنْ أَمْرِكُمْ سُدًى قَدْ سَمَّى آثَارَكُمْ وَ عَلِمَ أَعْمَالَكُمْ وَ كَتَبَ آجَالَكُمْ فَلاَ تَغُرُّوا بِالدُّنْيَا فَإِنَّهَا غَرَّارَةٌ بِأَهْلِهَا مَغْرُورٌ مَنِ اغْتَرَّ بِهَا وَ إِلَى فَنَاءٍ مَا هِيَ وَ إِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْحَيَوَانِ« لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ »أَسْأَلُ اللَّهَ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَ مُرَافَقَةَ الْأَنْبِيَاءِ وَ مَعِيشَةَ السُّعَدَاءِ فَإِنَّمَا نَحْنُ لَهُ وَ بِهِ» .ن.

ص: 10


1- ح:«الحمد الذي أحمده».
2- في اللسان:«انتجب فلان فلانا،إذا استخلصه و اصطفاه اختيارا على غيره».ح: «انتخبه».و الانتخاب بالخاء:الاختيار.
3- التعذير:التقصير مع إظهار الاجتهاد.و في الحديث:«جاء بطعام جشيب فكنا نعذر»،أي نقصر و نظهر أننا مجتهدون.

[تَوْلِيَتُهُ الْوُلاَةَ عَلَى الْأَمْصَارِ]

ثُمَّ إِنَّ عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَقَامَ بِالْكُوفَةِ وَ اسْتَعْمَلَ الْعُمَّالَ

نَصْرٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَ اَلصَّقْعَبُ بْنُ زُهَيْرٍ عَنْ يُوسُفَ وَ أَبِي رَوْقٍ : أَنَّ عَلِيّاً حِينَ قَدِمَ مِنَ اَلْبَصْرَةِ إِلَى اَلْكُوفَةِ بَعَثَ يَزِيدَ بْنَ قَيْسٍ الْأَرْحَبِيَّ عَلَى الْمَدَائِنِ وَ جَوْخَا كُلِّهَا.

وَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَ بَعَثَ مِخْنَفَ بْنَ سُلَيْمٍ عَلَى أَصْبَهَانَ وَ هَمَذَانَ .

نَصْرٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ اَلْحَكَمِ قَالَ: لَمَّا هَرَبَ مِخْنَفٌ بِالْمَالِ قَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ 1«عَذَرْتُ الْقِرْدَانَ فَمَا بَالُ الْحَلَمِ» (1).

ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: وَ بَعَثَ قَرَظَةَ بْنِ كَعْبٍ عَلَى اَلْبِهْقُبَاذَاتِ (2)وَ بَعَثَ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ الْأَزْدِيَّ عَلَى كَسْكَرٍ وَ عَدِيَّ بْنَ الْحَارِثِ عَلَى مَدِينَةِ بَهُرَسِيرَ وَ أُسْتَانِهَا (3)وَ بَعَثَ أَبَا حَسَّانَ الْبَكْرِيَّ عَلَى أُسْتَانِ الْعَالِي (4)وَ بَعَثَ سَعْدَ بْنَ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيَّ عَلَى أُسْتَانِ الزَّوَابِي (5)».

ص: 11


1- القردان:جمع قراد،بالضم.و الحلم جنس منه صغار.قال الميداني:«و هذا قريب من قولهم:«استنّت الفصال حتّى القرعى».و في الأصل:«غددت القردان فما بال الحكم» محرف،و صواب النصّ من مجمع الأمثال(1:443)،و لم يذكر نسبته إلى على.
2- هن ثلاث بهقباذات ذكرها ياقوت في معجمه.و بهقباذ،بالكسر ثمّ السكون و ضم القاف و باء موحدة و ألف و ذال معجمة.ثلاث كور ببغداد منسوبة إلى قباذ بن فيروز والد أنوشروان.و في الأصل:«البهقياذات»محرفة.
3- بهرسير،بالفتح ثمّ الضم و فتح الراء و كسر السين المهملة:من نواحي سواد بغداد.و الأستان،قال العسكريّ:مثل الرستاق بالضم:السواد و القرى.انظر معجم البلدان(1:223 س 12)و القاموس(رزدق و رستق).و الأستان،بالضم،كما في القاموس.
4- في معجم البلدان:«الأستان العالى»و قال:كورة في غربى بغداد من السواد تشتمل على أربعة طساسيج:و هي الأنبار،و بادرويا،و قطربل،و مسكن.
5- الزوابى،بالزاى المعجمة،قال ياقوت:«فى العراق أربعة أنهر،نهران فوق بغداد و نهران تحتها،يقال لكل واحد منها الزاب».و قال في مادة(الزاب):«و ربما قيل لكل واحد زابى و التثنية زابيان...و إذا جمعت قيل لها الزوابى».و قد تكون: الروابى»،ففي المعجم:«روابى بنى تميم من نواحي الرقة.عن نصر».

وَ اسْتَعْمَلَ رِبْعِيَّ بْنَ كَاسَ عَلَى سِجِسْتَانَ وَ كَاسُ أُمُّهُ يُعْرَفُ بِهَا وَ هُوَ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَ بَعَثَ خُلَيداً إِلَى خُرَاسَانَ فَسَارَ خُلَيْدٌ حَتَّى إِذَا دَنَا مِنْ نَيْسَابُورَ بَلَغَهُ أَنَّ أَهْلَ خُرَاسَانَ قَدْ كَفَرُوا وَ نَزَعُوا يَدَهُمْ مِنَ الطَّاعَةِ وَ قَدِمَ عَلَيْهِمْ عُمَّالُ كِسْرَى مِنْ كَابُلَ فَقَاتَلَ أَهْلَ نَيْسَابُورَ فَهَزَمَهُمْ وَ حَصَرَ أَهْلَهَا وَ بَعَثَ إِلَى عَلِيٍّ بِالْفَتْحِ وَ السَّبْيِ ثُمَّ صَمَدَ لِبَنَاتِ كِسْرَى فَنَزَلْنَ عَلَى أَمَانٍ فَبَعَثَ بِهِنَّ إِلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَلَمَّا قَدِمْنَ عَلَيْهِ قَالَ: 1«أُزَوِّجُكُمْ ؟» قُلْنَ لاَ إِلاَّ أَنْ تُزَوِّجَنَا ابْنَيْكَ فَإِنَّا لاَ نَرَى لَنَا كُفْواً غَيْرَهُمَا فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ اذْهَبَا حَيْثُ شِئْتُمَا فَقَامَ نَرْسَا فَقَالَ:مُرْ لِي بِهِنَّ فَإِنَّهَا مِنْكَ كَرَامَةٌ فَبَيْنِي وَ بَيْنَهُنَّ قَرَابَةٌ (1)فَفَعَلَ فَأَنْزَلَهُنَّ نَرْسَا مَعَهُ وَ جَعَلَ يُطْعِمُهُنَّ وَ يَسْقِيهِنَّ فِي الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ وَ يَكْسُوهُنَّ كِسْوَةَ الْمُلُوكِ وَ يَبْسُطُ لَهُنَّ الدِّيبَاجَ.

وَ بَعَثَ عَلِيٌّ اَلْأَشْتَرَ عَلَى اَلْمَوْصِلِ وَ نَصِيبِينَ وَ دَارَا وَ سِنْجَارَ وَ آمُدَ وَ هِيتَ وَ عَانَاتِ وَ مَا غَلَبَ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْأَرَضِينَ مِنْ أَرْضِ اَلْجَزِيرَةِ .

وَ بَعَثَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ اَلضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ عَلَى مَا فِي سُلْطَانِهِ مِنْ أَرْضِ اَلْجَزِيرَةِ وَ كَانَ فِي يَدَيْهِ حَرَّانُ وَ اَلرَّقَّةُ وَ اَلرُّهَا وَ قَرْقِيسِيَا وَ كَانَ مَنْ كَانَ بِالْكُوفَةِ وَ اَلْبَصْرَةِ مِنَ اَلْعُثْمَانِيَّةِ قَدْ هَرَبُوا فَنَزَلُوا اَلْجَزِيرَةَ فِي سُلْطَانِ مُعَاوِيَةَ فَخَرَجَ اَلْأَشْتَرُ وَ هُوَ يُرِيدُ اَلضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ بِحَرَّانَ فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ اَلضَّحَّاكَ بَعَثَ إِلَى أَهْلِ اَلرَّقَّةِ فَأَمَدُّوهُ وَ كَانَ جُلُّ أَهْلِهَا يَوْمَئِذٍ عُثْمَانِيَّةً فَجَاءُوا وَ عَلَيْهِمْ سَمَّاكُ بْنُ مَخْرَمَةَ وَ أَقْبَلَ اَلضَّحَّاكُ يَسْتَقْبِلُ اَلْأَشْتَرَ فَالْتَقَى اَلضَّحَّاكَ وَ سَمَّاكَ بْنَ مَخْرَمَةَ بِمَرْجِ مَرِّينَا بَيْنَ حَرَّانَ وَ اَلرَّقَّةِ فَرَحَلَ اَلْأَشْتَرُ حَتَّى نَزَلَ عَلَيْهِمْ فَاقْتَتَلُوا اقْتِتَالاً شَدِيداً حَتَّى كَانَ عِنْدَ الْمَسَاءِ فَرَجَعَ اَلضَّحَّاكُ بِمَنْ مَعَهُ فَسَارَ لَيْلَتَهُ كُلَّهَا حَتَّى».

ص: 12


1- أشار ناسخ الأصل إلى أن في بعض النسخ:«لأن بينى و بينهن قرابة».

صَبَّحَ بِحَرَّانَ فَدَخَلَهَا وَ أَصْبَحَ اَلْأَشْتَرُ فَرَأَى مَا صَنَعُوا فَتَبِعَهُمْ حَتَّى نَزَلَ عَلَيْهِمْ بِحَرَّانَ فَحَصَرَهُمْ وَ أَتَى الْخَبَرُ مُعَاوِيَةَ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ خَالِدٍ فِي خَيْلٍ يُغِيثُهُمْ فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ اَلْأَشْتَرَ كَتَّبَ كَتَائِبَهُ وَ عَبَّى جُنُودَهُ وَ خَيْلَهُ ثُمَّ نَادَاهُمُ اَلْأَشْتَرُ أَلاَ إِنَّ الْحَيَّ عَزِيزٌ أَلاَ إِنَّ الذِّمَارَ مَنِيعٌ أَ لاَ تَنْزِلُونَ أَيُّهَا الثَّعَالِبُ الرَّوَّاغَةُ احْتَجَرْتُمْ احْتِجَارَ الضِّبَابِ فَنَادَوْا يَا عِبَادَ اللَّهِ أَقِيمُوا قَلِيلاً عَلِمْتُمْ وَ اللَّهِ أَنْ قَدْ أُتِيْتُمْ فَمَضَى اَلْأَشْتَرُ حَتَّى مَرَّ عَلَى أَهْلِ اَلرَّقَّةِ فَتَحَرَّزُوا مِنْهُ ثُمَّ مَضَى حَتَّى مَرَّ عَلَى أَهْلِ قَرْقِيسِيَا فَتَحَرَّزُوا مِنْهُ وَ بَلَغَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ خَالِدٍ انْصِرَافُ اَلْأَشْتَرِ فَانْصَرَفَ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ عَاتَبَ أَيْمَنُ بْنُ خُرَيْمٍ الْأَسَدِيُّ مُعَاوِيَةَ وَ ذَكَرَ بَلاَءَ قَوْمِهِ بَنِي أَسَدٍ فِي مَرْجِ (1)مَرِّينَا وَ فِي ذَلِكَ يَقُولُ

أَبْلِغْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ رِسَالَةً مِنْ عَاتِبِينَ مَسَاعِرٍ أَنْجَادٍ

مَنَّيْتَهُمْ أَنْ آثَرُوكَ مَثُوبَةً فَرَشَدْتَ إِذْ لَمْ تُوفِ بِالْمِيعَادِ

أَ نَسِيتَ إِذْ فِي كُلِّ عَامٍ غَارَةٌ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ كَرِجْلِ جَرَادٍ (2)

غَارَاتُ أَشْتَرَ فِي الْخُيُولِ يُرِيدُكُمْ بِمَعَرَّةٍ وَ مَضَرَّةٍ وَ فَسَادٍ

وَضَعَ الْمَسَالِحَ مَرْصَداً لِهَلاَكِكُمْ مَا بَيْنَ عَانَاتٍ إِلَى زيداد (3)

وَ حَوَى رَسَاتِيقَ اَلْجَزِيرَةِ كُلَّهَا غَصْباً بِكُلِّ طِمِرَّةٍ وَ جَوَادٍ

لَمَّا رَأَى نِيرَانَ قَوْمِي أُوقِدَتْ وَ أَبُو أَنِيسٍ فَاتِرُ الْإِيقَادِ

أَمْضَى إِلَيْنَا خَيْلَهُ وَ رِجَالَهُ وَ أَغَذَّ لاَ يَجْرِي لِأَمْرِ رَشَادٍ».

ص: 13


1- الكلمتان ساقطتان من الأصل.
2- الرجل،بالكسر:الجراد الكثير،و جمعه أرجال.
3- زيداد.لم أجد لها ذكرا في كتب البلدان.و لعلها«سنداد».

ثُرْنَا إِلَيْهِمْ عِنْدَ ذَلِكَ بِالْقَنَا وَ بِكُلِّ أَبْيَضَ كَالْعَقِيقَةِ صَادٍ (1)

فِي مَرْجِ مَرِّينَا (2)أَ لَمْ تَسْمَعْ بِنَا نَبْغِي الْإِمَامَ بِهِ وَ فِيهِ نُعَادِي

لَوْ لاَ مَقَامُ عَشِيرَتِي وَ طِعَانُهُمْ وَ جِلاَدُهُمْ بِالْمَرْجِ أَيَّ جِلاَدٍ

لَأَتَاكَ أَشْتَرُ مَذْحِجٍ لاَ يَنْثَنِي بِالْجَيْشِ ذَا حَنَقٍ عَلَيْكَ وَ آدٍ (3)

.

حَدِيثُ عَلِيٍّ مَعَ نَرْسَا

نَصْرٌ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَرْدَمِ بْنِ مَرْثَدٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حُشِرَ أَهْلُ اَلسَّوَادِ فَلَمَّا اجْتَمَعُوا أَذِنَ لَهُمْ فَلَمَّا رَأَى كَثْرَتَهُمْ قَالَ 1إِنِّي لاَ أُطِيقُ كَلاَمَكُمْ وَ لاَ أَفْقَهُ عَنْكُمْ فَأَسْنِدُوا أَمْرَكُمْ إِلَى أَرْضَاكُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ وَ أَعَمِّهِ نَصِيحَةً لَكُمْ قَالُوا نَرْسَا مَا رَضِيَ فَقَدْ رَضِينَاهُ وَ مَا سَخِطَ فَقَدْ سَخِطْنَاهُ فَتَقَدَّمَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ فَقَالَ 1أَخْبِرْنِي عَنْ مُلُوكِ فَارِسَ كَمْ كَانُوا قَالَ كَانَتْ مُلُوكُهُمْ فِي هَذِهِ الْمَمْلَكَةِ الْآخِرَةِ اثْنَيْنِ وَ ثَلاَثِينَ مَلِكاً (4)قَالَ 1فَكَيْفَ كَانَتْ سِيرَتُهُمْ قَالَ مَا زَالَتِ سِيرَتُهُمْ فِي عِظَمِ أَمْرِهِمْ وَاحِدَةً (5)حَتَّى مَلَكَنَا كِسْرَى بْنُ هُرْمُزَ فَاسْتَأْثَرَ بِالْمَالِ وَ الْأَعْمَالِ وَ خَالَفَ أُولَينَا وَ أَخْرَبَ الَّذِي لِلنَّاسِ وَ عَمَرَ الَّذِي لَهُ وَ اسْتَخَفَّ بِالنَّاسِ فَأَوْغَرَ نُفُوسَ فَارِسَ حَتَّى ثَارُوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ فَأَرْمَلَتْ نِسَاؤُهُ وَ يُتِمَ أَوْلاَدُهُ فَقَالَ 1يَا نَرْسَا إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ خَلَقَ الْخَلْقَ بِالْحَقِّ وَ لاَ يَرْضَى مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَ فِي سُلْطَانِ اللَّهِ

ص: 14


1- العقيقة:البرق إذا رأيته في وسط السحاب كأنّه سيف مسلول.
2- شدد راء«مرينا»للشعر،و أصلها التخفيف كما في القاموس.و بنو مرينا:قوم من أهل الحيرة من العباد.قال الجواليقيّ:«و ليس مرينا بكلمة عربية».و أنشد لامرئ القيس: فلو في يوم معركة أصيبوا و لكن في ديار بنى مرينا.
3- الآد و الأيد:القوّة.
4- جعلهم المسعوديّ في التنبيه و الإشراف 87-90 ثلاثين ملكا.و هم الساسانيون.
5- عظم الأمر بالضم و الفتح:معظمه.

تَذْكِرَةٌ مِمَّا خَوَّلَ اللَّهُ وَ إِنَّهَا لاَ تَقُومُ مَمْلَكَةٌ إِلاَّ بِتَدْبِيرٍ وَ لاَ بُدَّ مِنْ إِمَارَةٍ وَ لاَ يَزَالُ أَمْرُنَا مُتَمَاسِكاً مَا لَمْ يَشْتِمْ آخِرُنَا أَوَّلَنَا فَإِذَا خَالَفَ آخِرُنَا أَوَّلَنَا وَ أَفْسَدُوا هَلَكُوا وَ أَهْلَكُوا ثُمَّ أَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُمَرَاءَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلاَمُ بَعَثَ إِلَى الْعُمَّالِ فِي الْآفَاقِ وَ كَانَ أَهُمُّ الْوُجُوهِ إِلَيْهِ اَلشَّامَ .

كتابه إلى جرير بن عبد الله البجلي و ما جرى بعد تلك المكاتبة

1,2- نَصْرٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيِّ عَنِ اَلْجُرْجَانِيِّ قَالَ: لَمَّا بُويِعَ عَلِيٌّ وَ كَتَبَ إِلَى الْعُمَّالِ فِي الْآفَاقِ كَتَبَ إِلَى جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ وَ كَانَ جَرِيرٌ عَامِلاً لِعُثْمَانَ عَلَى ثَغْرِ هَمْدَانَ (1)فَكَتَبَ إِلَيْهِ مَعَ زَحْرِ بْنِ قَيْسٍ الْجُعْفِيِّ (2)1«أَمَّا بَعْدُ فَ« إِنَّ اللّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَ إِذا أَرادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ » وَ إِنِّي أُخْبِرُكَ عَنْ نَبَإِ (3)مَنْ سِرْنَا إِلَيْهِ مِنْ جُمُوعِ طَلْحَةَ وَ اَلزُّبَيْرِ عِنْدَ نَكْثِهِمْ بَيْعَتَهُمْ (4)وَ مَا صَنَعُوا بِعَامِلِي عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ (5)إِنِّي هَبَطْتُ مِنَ اَلْمَدِينَةِ بِالْمُهَاجِرِينَ وَ اَلْأَنْصَارِ حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِالْعُذَيْبِ بَعَثْتُ إِلَى أَهْلِ اَلْكُوفَةِ بِالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَ قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَاسْتَنْفَرُوهُمْ

ص: 15


1- همدان،كذا وردت في الأصل و في ح(1:246).و هما لغتان في همدان. و لغة الإعمال هي الفارسية،و بالإعجام معربة.انظر معجم استينجاس 1509.
2- زحر،بفتح الزاى و سكون الحاء المهملة.و هو زحر بن قيس الكوفيّ الجعفى، أحد أصحاب عليّ بن أبي طالب،أنزله المدائن في جماعة جعلهم هناك رابطة،روى عنه عامر الشعبى،و حصين بن عبد الرحمن.انظر تاريخ بغداد 4605.ح:«زجر»محرف.
3- ح:«عن أنباء».
4- ح:«بيعتى».
5- حنيف،بهيئة التصغير.و عثمان بن حنيف صحابى أنصارى،شهد أحدا،و كان على استعمله على البصرة قبل أن يقدم عليها فغلبه عليها طلحة و الزبير.و مات في خلافة معاوية.الإصابة 5427.

فَأَجَابُوا فَسِرْتُ بِهِمْ حَتَّى نَزَلْتُ بِظَهْرِ اَلْبَصْرَةِ فَأَعْذَرْتُ فِي الدُّعَاءِ وَ أَقَلْتُ الْعَثْرَةَ وَ نَاشَدْتُهُمْ عَقْدَ بَيْعَتِهِمْ (1)فَأَبَوْا إِلاَّ قِتَالِي فَاسْتَعَنْتُ بِاللَّهِ عَلَيْهِمْ فَقُتِلَ مَنْ قُتِلَ وَ وَلَّوْا مُدْبِرِينَ إِلَى مِصْرِكُمْ فَسَأَلُونِي مَا كُنْتُ دَعَوْتُهُمْ إِلَيْهِ قَبْلَ اللِّقَاءِ فَقَبِلْتُ الْعَافِيَةَ وَ رَفَعْتُ السَّيْفَ وَ اسْتَعْمَلْتُ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَ سِرْتُ إِلَى اَلْكُوفَةِ وَ قَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ زَحْرَ (2)بْنَ قَيْسٍ فَاسْأَلْ (3)عَمَّا بَدَا لَكَ .

قَالَ:فَلَمَّا قَرَأَ جَرِيرٌ الْكِتَابَ قَامَ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ هَذَا كِتَابُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَ هُوَ الْمَأْمُونُ عَلَى الدِينِ وَ الدُّنْيَا وَ قَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَ أَمْرِ عَدُوِّهِ مَا نَحْمَدُ اللَّهَ عَلَيْهِ وَ قَدْ بَايَعَهُ« اَلسّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ(4) مِنَ اَلْمُهاجِرِينَ وَ اَلْأَنْصارِ »وَ اَلتَّابِعِينَ بِإِحْسَانٍ وَ لَوْ جُعِلَ هَذَا الْأَمْرُ شُورَى بَيْنَ اَلْمُسْلِمِينَ كَانَ أَحَقَّهُمْ بِهَا أَلاَ وَ إِنَّ الْبَقَاءَ فِي الْجَمَاعَةِ وَ الْفَنَاءَ فِي الْفُرْقَةِ وَ عَلِيٌّ (5)حَامِلُكُمْ عَلَى الْحَقِّ مَا اسْتَقَمْتُمْ فَإِنْ مِلْتُمْ أَقَامَ مَيْلَكُمْ.

فَقَالَ النَّاسُ سَمْعاً وَ طَاعَةً رَضِينَا رَضِينَا فَأَجَابَ جَرِيرٌ وَ كَتَبَ جَوَابَ كِتَابِهِ بِالطَّاعَةِ وَ كَانَ مَعَ عَلِيٍّ رَجُلٌ مِنْ طَيْئٍ ابْنُ أُخْتٍ لِجَرِيرٍ فَحَمَّلَ زَحْرَ بْنَ قَيْسٍ شِعْراً لَهُ إِلَى خَالِهِ جَرِيرٍ وَ هُوَ

جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لاَ تَرْدُدِ الْهُدَى وَ بَايِعْ عَلِيّاً إِنَّنِي لَكَ نَاصِحٌ

فَإِنَّ عَلِيّاً خَيْرُ مَنْ وَطِئَ الْحَصَى سِوَى أَحْمَدَ وَ الْمَوْتُ غَادٍ وَ رَائِحٌ».

ص: 16


1- ح:«عهد بيعتهم».
2- في الأصل و ح:«زجر»بالجيم،محرفة.
3- في ح:«فلسأله»،و في الإمامة و السياسة(1:78):«فاسأله عنا و عنهم».
4- (4) ح:«الناس الأولون».
5- ح:«و إن عليا».

وَ دَعْ عَنْكَ قَوْلَ اَلنَّاكِثِينَ فَإِنَّمَا أُولاَكَ أَبَا عَمْرٍو كِلاَبٌ نَوَابِحُ

وَ بَايِعْهُ إِنْ بَايَعْتَهُ بِنَصِيحَةٍ وَ لاَ يَكُ مَعْهَا فِي ضَمِيرِكَ قَادِحٌ (1)

فَإِنَّكَ إِنْ تَطْلُبْ بِهِ الدِّينَ تُعْطَهُ وَ إِنْ تَطْلُبِ الدُّنْيَا فَبَيْعُكَ رَابِحٌ

وَ إِنْ قُلْتَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ حَقُّهُ عَلَيَّ عَظِيمٌ وَ الشَّكُورُ مُنَاصِحٌ

فَحَقُّ عَلِيٍّ إِذْ وَلِيكَ كَحَقِّهِ وَ شُكْرُكَ مَا أُولِيتَ فِي النَّاسِ صَالِحٌ (2)

وَ إِنْ قُلْتَ لاَ نَرْضَى عَلِيّاً إِمَامَنَا فَدَعْ عَنْكَ بَحْراً ضَلَّ فِيهِ السَّوَابِحُ

أَبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنَّهُ خَيْرُ دَهْرِهِ وَ أَفْضَلُ مَنْ ضَمَّتْ عَلَيْهِ الْأَبَاطِحُ.

ثُمَّ قَامَ زَحْرُ بْنُ قَيْسٍ خَطِيباً (3)فَكَانَ مِمَّا حُفِظَ مِنْ كَلاَمِهِ أَنْ قَالَ:

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي اخْتَارَ الْحَمْدَ لِنَفْسِهِ وَ تَوَلاَّهُ دُونَ خَلْقِهِ لاَ شَرِيكَ لَهُ فِي الْحَمْدِ وَ لاَ نَظِيرَ لَهُ فِي الْمَجْدِ وَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ الْقَائِمُ الدَّائِمُ إِلَهُ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِالنُّورِ الْوَاضِحِ (4)وَ الْحَقِّ النَّاطِقِ دَاعِياً إِلَى الْخَيْرِ وَ قَائِداً إِلَى الْهُدَى ثُمَّ قَالَ:أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ عَلِيّاً قَدْ كَتَبَ إِلَيْكُمْ كِتَاباً لاَ يُقَالُ بَعْدَهُ إِلاَّ رَجِيعٌ مِنَ الْقَوْلِ وَ لَكِنْ لاَ بُدَّ مِنْ رَدِّ الْكَلاَمِ إِنَّ النَّاسَ بَايَعُوا عَلِيّاً بِالْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ مُحَابَاةٍ لَهُ بَيْعَتَهُم،

ص: 17


1- القادح،بالقاف:أصله الاكل يقع في الشجر و الأسنان،و المراد به الغش و الدخل. و في اللسان:«قدح في ساق أخيه:غشه و عمل في شيء يكرهه».و في الأصل:«فادح» بالفاء،و هو الحمل الثقيل و النازلة تنزل بالمرء.و الوجه ما أنبت من ح.
2- وليه،كرضيه:صار وليا له.و سكن الياء للشعر.
3- كذا في الأصل.و في ح:«قال نصر:ثم إن جريرا قام في أهل همدان خطيبا». و عقب ابن أبي الحديد على هذه الخطبة و الشعر الذي بعدها بقوله:«قال نصر:فسر الناس بخطبة جرير و شعره».انظر ح(1:247).و قد مضت خطبة لجرير في الصفحة السابقة فيصح ما هنا إن كان قد أشار إلى تلك الخطبة.
4- في الأصل:«بالحق الواضح»و أثبت ما في ح.

لِعِلْمِهِ بِكِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَنِ الْحَقِّ وَ إِنَّ طَلْحَةَ وَ اَلزُّبَيْرَ نَقَضَا بَيْعَتَهُ عَلَى غَيْرِ حَدَثٍ وَ أَلَّبَا عَلَيْهِ النَّاسَ ثُمَّ لَمْ يَرْضَيَا حَتَّى نَصَبَا لَهُ الْحَرْبَ وَ أَخْرَجَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فَلَقِيَهُمَا فَأَعْذَرَ فِي الدُّعَاءِ وَ أَحْسَنَ فِي الْبَقِيَّةِ وَ حَمَلَ النَّاسَ عَلَى مَا يَعْرِفُونَ هَذَا عِيَانُ مَا غَابَ عَنْكُمْ وَ لَئِنْ سَأَلْتُمُ الزِّيَادَةَ زِدْنَاكُمْ وَ« لا قُوَّةَ إِلاّ بِاللّهِ » وَ قَالَ جَرِيرٌ فِي ذَلِكَ:

أَتَانَا كِتَابُ عَلِيٍّ فَلَمْ نَرُدَّ الْكِتَابَ بِأَرْضِ اَلْعَجَمِ

وَ لَمْ نَعْصِ مَا فِيهِ لَمَّا أَتَى وَ لَمَّا نَذُمَّ (1)وَ لَمَّا نَلُمْ

وَ نَحْنُ وُلاَةٌ عَلَى ثَغْرِهَا نَضِيمُ الْعَزِيزِ وَ نَحْمِي الذِّمَمَ

نُسَاقِيهِمُ الْمَوْتَ عِنْدَ اللِّقَاءِ بِكَأْسِ الْمَنَايَا وَ نَشْفِي الْقَرَمِ

طَحَنَّاهُمُ طَحْنَةً بِالْقَنَا وَ ضَرْبِ سُيُوفٍ تُطِيرُ اللِّمَمَ

مَضَيْنَا يَقِيناً عَلَى دِينِنَا وَ دِيْنِ النَّبِيِّ مُجَلِّي الظُّلَمِ

أَمِينِ الْإِلَهِ وَ بُرْهَانِهِ وَ عَدْلِ الْبَرِيَّةِ وَ الْمُعْتَصَمِ

رَسُولِ الْمَلِيكِ وَ مِنْ بَعْدِهِ خَلِيفَتِنَا الْقَائِمِ الْمُدَّعَمِ

عَلِيّاً عَنَيْتُ وَصِيَّ النَّبِيِّ نُجَالِدُ عَنْهُ غُوَاةَ الْأُمَمِ

لَهُ الْفَضْلُ وَ السَّبْقُ وَ الْمَكْرُمَاتُ وَ بَيْتُ النُّبُوَّةِ لاَ يُهْتَضَمُ (2).

وَ قَالَ رَجُلٌ (3)

لَعَمْرُ أَبِيكَ وَ الْأَنْبَاءُ تَنْمِي لَقَدْ جَلَّى بِخُطْبَتِهِ جَرِيرٌ».

ص: 18


1- في الأصل:«و لما نضام»،صوابه من ح.
2- بعد هذا في ح،كما سبق:«قال نصر:فسر الناس بخطبة جرير و شعره».
3- ح:«و قال ابن الازور القسرى في جرير يمدحه بذلك».

وَ قَالَ مَقَالَةً جَدَعَتْ رِجَالاً مِنَ الْحَيَّيْنِ خَطْبُهُمُ كَبِيرٌ

بَدَا بِكَ قَبْلَ أُمَّتِهِ عَلِيٌّ وَ مُخُّك إِنْ رَدَدْتَ الْحَقَّ رِيرُ (1)

أَتَاكَ بِأَمْرِهِ زَحْرُ بْنُ قَيْسٍ وَ زَحْرٌ بِالَّتِي حَدَثَتْ خَبِيرُ

فَكُنْتَ بِمَا أَتَاكَ بِهِ سَمِيعاً وَ كِدْتَ إِلَيْهِ مِنْ فَرَحٍ تَطِيرُ

فَأَنْتَ بِمَا سَعِدْتَ بِهِ وَلِيٌّ وَ أَنْتَ لِمَا تُعَدُّ لَهُ نَصِيرٌ (2)

وَ نِعْمَ الْمَرْءُ أَنْتَ لَهُ وَزِيرٌ وَ نِعْمَ الْمَرْءُ أَنْتَ لَهُ أَمِيرُ

فَأَحْرَزْتَ الثَّوَابَ وَ رُبَّ حَادٍ حَدَا بِالرَّكْبِ لَيْسَ لَهُ بَعِيرُ

لِيَهْنِكَ مَا سَبَقْتَ بِهِ رِجَالاً مِنَ الْعَلْيَاءِ وَ الْفَضْلِ الْكَبِيرِ (3).

وَ قَالَ اَلنَّهْدِيُّ فِي ذَلِكَ:

أَتَانَا بِالنَّبَا زَحْرُ بْنُ قَيْسٍ عَظِيمَ الْخَطْبِ مِنْ جُعْفِ بْنِ سَعْدٍ (4)

تَخَيَّرَهُ أَبُو حَسَنٍ عَلِيٌّ وَ لَمْ يَكُ زَنْدُهُ فِيهَا بِصَلْدِ

رَمَى أَعْرَاضَ حَاجَتِهِ بِقَوْلٍ أَخُوذٍ لِلْقُلُوبِ بِلاَ تَعَدِّ

فَسَرَّ الْحَيَّ مِنْ يَمَنٍ وَ أَرْضَى ذَوِي الْعَلْيَاءِ مِنْ سَلَفَيْ مَعَدٍّ (5)ن.

ص: 19


1- مخ رير:ذائب فاسد من الهزال.يقال مخ رار،و رير بالكسر،و رير بالفتح. و في الأصل:«يزير»و في ح:«و تفخر إن رددت الحق زير»كلاهما محرف، و الصواب ما أثبت.
2- في الأصل:«بصير»بالباء،صوابه من ح.
3- تقرأ بالرفع عطفا على:«ما سبقت»،و بالجر عطفا على«العلياء»،و في القراءة الأخيرة إقواء.
4- جعف،أراد«جعفى»و حقها أن تنتهى في الرسم بالياء،لكن كذا وردت في الأصل و ح.و جعفى،بتشديد الياء،هم بنو سعد العشيرة بن مذحج،حى من اليمن.
5- يعني ربيعة و مضر ابني نزار بن عدنان.

وَ لَمْ يَكُ قَبْلَهُ فِينَا خَطِيبٌ مَضَى قَبْلِي وَ لاَ أَرْجُوهُ بَعْدِي

مَتَى يَشْهَدْ فَنَحْنُ بِهِ كَثِيرٌ وَ إِنْ غَابَ ابْنُ قَيْسٍ غَابَ جَدِّي (1)

وَ لَيْسَ بِمُوحِشِي أَمْرٌ إِذَا مَا دَنَا مِنِّي وَ إِنْ أُفْرِدْتُ وَحْدِي

لَهُ دُنْيَا يُعَاشُ بِهَا وَ دِينُ وَ فِي الْهَيْجَا كَذِي شِبْلَيْنِ وَرْدِ.

قَالَ ثُمَّ أَقْبَلَ جَرِيرٌ سَائِراً مِنْ ثَغْرِ هَمَدَانَ (2)حَتَّى وَرَدَ عَلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِالْكُوفَةِ فَبَايَعَهُ وَ دَخَلَ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ مِنْ طَاعَةِ عَلِيٍّ وَ اللُّزُومِ لِأَمْرِهِ .

مكاتبة الأشعث بن قيس و وفود القوم على علي عليه السلام

ثم بعث إلى الأشعث بن قيس الكندي .

1- نَصْرٌ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ اَلْجُرْجَانِيِّ قَالَ: لَمَّا بُويِعَ عَلِيٌّ وَ كَتَبَ إِلَى الْعُمَّالِ كَتَبَ إِلَى اَلْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ مَعَ زِيَادِ بْنِ مَرْحَبٍ الْهَمْدَانِيِّ وَ اَلْأَشْعَثُ عَلَى آذَرْبِيجَانَ عَامِلٌ لِعُثْمَانَ وَ قَدْ كَانَ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ تَزَوَّجَ ابْنَةَ اَلْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ قَبْلَ ذَلِكَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ 1«أَمَّا بَعْدُ فَلَوْ لاَ هَنَاتٌ كُنَّ فِيكَ كُنْتَ الْمُقَدَّمَ فِي هَذَا الْأَمْرِ قَبْلَ النَّاسِ وَ لَعَلَّ أَمْرَكَ يَحْمِلُ بَعْضُهُ بَعْضاً إِنِ اتَّقَيْتَ اللَّهَ ثُمَّ إِنَّهُ كَانَ مِنْ بَيْعَةِ النَّاسِ إِيَّايَ مَا قَدْ بَلَغَكَ وَ كَانَ طَلْحَةُ وَ اَلزُّبَيْرُ مِمَّنْ بَايَعَانِي ثُمَّ نَقَضَا بَيْعَتِي عَلَى غَيْرِ حَدَثٍ وَ أَخْرَجَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَ سَارَا إِلَى اَلْبَصْرَةِ فَسِرْتُ إِلَيْهِمَا فَالْتَقَيْنَا فَدَعَوْتُهُمْ إِلَى أَنْ يَرْجِعُوا فِيمَا خَرَجُوا مِنْهُ فَأَبَوْا فَأَبْلَغْتُ فِي الدُّعَاءِ وَ أَحْسَنْتُ فِي الْبَقِيَّةِ وَ إِنَّ عَمَلَكَ لَيْسَ لَكَ بِطُعْمَةٍ وَ لَكِنَّهُ أَمَانَةٌ وَ فِي يَدَيْكَ

ص: 20


1- الجد،هاهنا:الحظ.
2- كذا وردت بإهمال الدال،كما هو أصلها الفارسيّ.انظر التنبيه 1 س 15.

مَالٌ مِنْ مَالِ اللَّهِ وَ أَنْتَ مِنْ خُزَّانِ اللَّهِ عَلَيْهِ حَتَّى تُسَلِّمَهُ إِلَيَّ وَ لَعَلِّي أَلاَّ أَكُونَ شَرَّ وُلاَتِكَ لَكَ إِنِ اسْتَقَمْتَ وَ« لا قُوَّةَ إِلاّ بِاللّهِ » فَلَمَّا قَرَأَ الْكِتَابَ قَامَ زِيَادُ بْنُ مَرْحَبٍ (1)فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:

أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ مَنْ لَمْ يَكْفِهِ الْقَلِيلُ لَمْ يَكْفِهِ الْكَثِيرُ إِنَّ أَمْرَ عُثْمَانَ لاَ يَنْفَعُ فِيهِ الْعِيَانُ وَ لاَ يَشْفِي مِنْهُ الْخَبَرُ غَيْرَ أَنَّ مَنْ سَمِعَ بِهِ لَيْسَ كَمَنْ عَايَنَهُ إِنَّ النَّاسَ بَايَعُوا عَلِيّاً رَاضِينَ بِهِ وَ إِنَّ طَلْحَةَ وَ اَلزُّبَيْرَ نَقَضَا بَيْعَتَهُ عَلَى غَيْرِ حَدَثٍ ثُمَّ آذَنَا بِحَرْبٍ فَأَخْرَجَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فَسَارَ إِلَيْهِمَا فَلَمْ يُقَاتِلْهُمْ وَ فِي نَفْسِهِ مِنْهُمْ حَاجَةٌ فَأَوْرَثَهُ اللَّهُ الْأَرْضَ وَ جَعَلَ لَهُ عَاقِبَةَ الْمُتَّقِينَ.

ثُمَّ قَامَ اَلْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:

أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ وَلاَّنِي آذَرْبِيجَانَ فَهَلَكَ وَ هِيَ فِي يَدِي وَ قَدْ بَايَعَ النَّاسُ عَلِيّاً وَ طَاعَتُنَا لَهُ كَطَاعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ وَ قَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَ أَمْرِ طَلْحَةَ وَ اَلزُّبَيْرِ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ وَ عَلِيٌّ الْمَأْمُونُ عَلَى مَا غَابَ عَنَّا وَ عَنْكُمْ مِنْ ذَلِكَ الْأَمْرُ.

فَلَمَّا أَتَى مَنْزِلَهُ دَعَا أَصْحَابَهُ فَقَالَ إِنَّ كِتَابَ عَلِيٍّ قَدْ أَوْحَشَنِي وَ هُوَ آخِذٌ بِمَالِ آذَرْبِيجَانَ (2)وَ أَنَا لاَحِقٌ بِمُعَاوِيَةَ فَقَالَ الْقَوْمُ:اَلْمَوْتُ خَيْرٌ لَكَ مِنْ ذَلِكَ أَ تَدَعُ مِصْرَكَ وَ جَمَاعَةَ قَوْمِكَ وَ تَكُونُ ذَنَباً لِأَهْلِ اَلشَّامِ فَاسْتَحْيَا فَسَارَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى عَلِيٍّ فَقَالَ اَلسَّكُونِيُّ وَ قَدْ خَافَ أَنْ يَلْحَقَ بِمُعَاوِيَةَ :

إِنِّي أُعِيذُكَ بِالَّذِي هُوَ مَالِكٌ بِمُعَاذَةِ الْآبَاءِ وَ الْأَجْدَادِ».

ص: 21


1- في الإمامة و السياسة 1:79:«زياد بن كعب».
2- في الإمامة و السياسة:«و هو آخذى بمال أذربيجان».

مِمَّا يَظُنُّ بِكَ الرِّجَالُ وَ إِنَّمَا سَامُوكَ خُطَّةَ مَعْشَرٍ أَوْغَادٍ

إِنَّ آذَرْبِيجَانَ الَّتِي مُزِّقْتَهَا لَيْسَتْ لِجَدِّكَ فَاشْنَهَا بِبِلاَدٍ (1)

كَانَتْ بِلاَدَ خَلِيفَةٍ وَلاَّكَهَا وَ قَضَاءُ رَبِّكَ رَائِحٌ أَوْ غَادٍ

فَدَعِ الْبِلاَدَ فَلَيْسَ فِيهَا مَطْمَعٌ ضُرِبَتْ عَلَيْكَ الْأَرْضُ بِالْأَسْدَادِ (2)

فَادْفَعْ بِمَالِكَ دُونَ نَفْسِكَ إِنَّنَا فَادُوكَ بِالْأَمْوَالِ وَ الْأَوْلاَدِ

أَنْتَ الَّذِي تُثْنَى الْخَنَاصِرُ دُونَهُ وَ بِكَبْشِ كِنْدَةَ يَسْتَهِلُّ الْوَادِي

وَ مُعَصَّبٍ بِالتَّاجِ مَفْرِقُ رَأْسِهِ مُلْكٌ لِعَمْرِكَ رَاسِخُ الْأَوْتَادِ

وَ أَطِعْ زِيَاداً إِنَّهُ لَكَ نَاصِحٌ لاَ شَكَّ فِي قَوْلِ النَّصِيحِ زِيَادِ

وَ انْظُرْ عَلِيّاً إِنَّهُ لَكَ جُنَّةٌ تَرْشُدْ وَ يَهْدِكَ لِلسَّعَادَةِ هَادٍ (3).

وَ مِمَّا كُتِبَ بِهِ إِلَى اَلْأَشْعَثِ :

أَبْلِغِ اَلْأَشْعَثَ الْمُعَصَّبَ بِالتَّاجِ غُلاَماً حَتَّى عَلاَهُ الْقَتِيرُ (4)

يَا ابْنَ آلِ الْمُرَارِ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَ قَيْسٌ أَبُوهُ غَيْثٌ مَطِيرٌ (5)

قَدْ يُصِيبُ الضَّعِيفُ مَا أَمَرَ اللَّهُ وَ يُخْطِي الْمُدَرَّبُ النِّحْرِيرُ

قَدْ أَتَى قَبْلَكَ الرَّسُولُ جَرِيراً فَتَلَقَّاهُ بِالسُّرُورِ جَرِيرٌ

وَ لَهُ الْفَضْلُ فِي الْجِهَادِ وَ فِي الْهِجْرَةِ وَ الدِّينِ كُلُّ ذَاكَ كَثِيرٌ

إِنْ يَكُنْ حَظُّكَ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ فَحَقِيرٌ مِنَ الْحُظُوظِ صَغِيرٌ».

ص: 22


1- اشنها،أراد اشنأها ثمّ حذف الهمزة و عامله معاملة المعتل.و الشناءة و الشنآن:البغض.
2- أي سد عليه الطريق فعميت مذاهبه،و واحد الأسداد سد.
3- في الأصل:«يرشد و يهديك للسعادة»محرف.
4- القتير:الشيب،أو أول ما يظهر منه.بقول:كان ملكا من صباه إلى مشيبه.
5- أبوه،على الالتفات.و لو لم يلتفت لقال:«أبوك».

يَا ابْنَ ذِي التَّاجِ وَ الْمُبَجَّلِ مِنْ كِنْدَةَ تَرْضَى بِأَنْ يُقَالَ أَمِيرُ

آذَرْبِيجَانَ حَسْرَةٌ فَذَرَنْهَا وَ ابْغِيَنَّ الَّذِي إِلَيْهِ تَصِيرُ

وَ اقْبَلِ الْيَوْمَ مَا يَقُولُ عَلِيٌّ لَيْسَ فِيمَا يَقُولُهُ تَخْيِيرٌ

وَ اقْبَلِ الْبَيْعَةَ الَّتِي لَيْسَ لِلنَّاسِ سِوَاهَا مِنْ أَمْرِهِمْ قِطْمِيرٌ

عَمْرَكَ الْيَوْمَ قَدْ تَرَكْتَ عَلِيّاً هَلْ لَهُ فِي الَّذِي كَرِهْتَ نَظِيرُ؟

وَ مِمَّا قِيلَ عَلَى لِسَانِ اَلْأَشْعَثِ :

أَتَانَا الرَّسُولُ رَسُولُ عَلِيٍّ فَسُرَّ بِمَقْدَمِهِ اَلْمُسْلِمُونَا

رَسُولُ الْوَصِيِّ وَصِيُّ النَّبِيِّ لَهُ الْفَضْلُ وَ السَّبْقُ فِي الْمُؤْمِنِينَا

بِمَا نَصَحَ اللَّهَ وَ الْمُصْطَفَى رَسُولَ الْإِلَهِ النَّبِيَّ الْأَمِينَا

يُجَاهِدُ فِي اللَّهِ لاَ يَنْثَنِي جَمِيعَ الطُّغَاةِ مَعَ الْجَاحِدِينَا (1)

وَزِيرُ النَّبِيِّ وَ ذُو صِهْرِهِ وَ سَيْفُ الْمَنِيَّةِ فِي الظَّالِمِينَا

وَ كَمْ بَطَلٍ مَاجِدٍ قَدْ أَذَاقَ مَنِيَّةَ حَتْفٍ مِنَ اَلْكَافِرِينَا

وَ كَمْ فَارِسٍ كَانَ سَالَ النِّزَالَ فَآبَ إِلَى اَلنَّارِ فِي الْآئِبِينَا (2)

فَذَاكَ عَلِيٌّ إِمَامُ الْهُدَى وَ غَيْثُ الْبَرِيَّةِ وَ الْمُقْحَمِينَا (3)

وَ كَانَ إِذَا مَا دَعَا لِلنِّزَالِ كَلَيْثِ عَرِينٍ يُزَيِّنُ الْمَرِّينَا (4)ف.

ص: 23


1- جاهد العدو:قاتله.و في الكتاب:(جاهد الكفّار و المنافقين).
2- سال:مخفف سأل.قال حسان(انظر ديوانه 67 و الكامل 288 ليبسك): سالت هذيل رسول اللّه فاحشة ضلت هذيل بما سالت و لم تصب.
3- المقحمون:الذين أصابتهم السنة و الجدب،فأخرجتهم من البادية و أقحمتهم الحضر. و في الأصل:«المفخمينا»محرفة.
4- في الأصل:«بن ليث العرينا»و هو تحريف.

أَجَابَ السُّؤَالَ بِنُصْحٍ وَ نَصْرٍ وَ خَالِصِ وُدٍّ عَلَى الْعَالَمِينَا

فَمَا زَالَ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِهِ فَفَازَ وَ رَبِّي مَعَ الْفَائِزِينَا.

وَ مِمَّا قِيلَ عَلَى لِسَانِ اَلْأَشْعَثِ أَيْضاً:

أَتَانَا الرَّسُولُ رَسُولُ الْوَصِيِّ عَلِيٌّ الْمُهَذَّبُ مِنْ هَاشِمٍ

رَسُولُ الْوَصِيِّ وَصِيُّ النَّبِيِّ وَ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ مِنْ قَائِمٍ

وَزِيرُ النَّبِيِّ وَ ذُو صِهْرِهِ وَ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ فِي الْعَالَمِ

لَهُ الْفَضْلُ وَ السَّبْقُ بِالصَّالِحَاتِ لِهَدْيِ النَّبِيِّ بِهِ يَأْتَمِي (1)

مُحَمَّداً أَعْنِي رَسُولَ الْإِلَهِ وَ غَيْثَ الْبَرِيَّةِ وَ الْخَاتَمِ

أَجَبْنَا عَلِيّاً بِفَضْلٍ لَهُ وَ طَاعَةِ نُصْحٍ لَهُ دَائِمٍ

فَقِيهٌ حَلِيمٌ لَهُ صَوْلَةٌ كَلَيْثِ عَرِينٍ بِهَا سَائِمِ

حَلِيمٌ عَفِيفٌ وَ ذُو نَجْدَةٍ بَعِيدٌ مِنَ الْغَدْرِ وَ الْمَأْثَمِ.

وَ أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بَعْدَ قُدُومِهِ اَلْكُوفَةَ اَلْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ وَ جَارِيَةُ بْنُ قُدَامَةَ وَ حَارِثَةُ بْنُ بَدْرٍ وَ زَيْدُ بْنُ جَبَلَةَ وَ أَعْيَنُ بْنُ ضُبَيْعَةَ وَ عَظِيمُ النَّاسِ بَنُو تَمِيمٍ وَ كَانَ فِيهِمْ أَشْرَافٌ وَ لَمْ يُقَدِّمْ هَؤُلاَءِ عَلَى عَشِيرَةٍ مِنْ أَهْلِ اَلْكُوفَةِ فَقَامَ اَلْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ وَ جَارِيَةُ بْنُ قُدَامَةَ وَ حَارِثَةُ بْنُ بَدْرٍ فَتَكَلَّمَ اَلْأَحْنَفُ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّهُ إِنْ تَكُ سَعْدٌ لَمْ تَنْصُرْكَ يَوْمَ الْجَمَلِ فَإِنَّهَا لَمْ تَنْصُرْ عَلَيْكَ وَ قَدْ عَجِبُوا أَمْسِ مِمَّنْ نَصَرَكَ وَ عَجِبُوا الْيَوْمَ مِمَّنْ خَذَلَكَ لِأَنَّهُمْ شَكُّوا فِي طَلْحَةَ وَ اَلزُّبَيْرِ وَ لَمْ يَشُكُّوا فِي مُعَاوِيَةَ وَ عَشِيرَتُنَا بِالْبَصْرَةِ فَلَوْ بَعَثْنَا إِلَيْهِمْ فَقَدِمُوا إِلَيْنَا فَقَاتَلْنَا بِهِمُ الْعَدُوَّة.

ص: 24


1- يأتمى،أراد يأتمم أي يأتم،فقلب إحدى الميمين ياء،و كذلك يفعلون،كما قالوا في التظنن التظنى،و في التنصص التنصّي.و في الأصل:«يأتم»محرفة.

وَ انْتَصَفْنَا بِهِمْ وَ أَدْرَكُوا الْيَوْمَ مَا فَاتَهُمْ أَمْسِ.قَالَ عَلِيٌّ لِجَارِيَةَ بْنِ قُدَامَةَ وَ كَانَ رَجُلَ تَمِيمٍ بَعْدَ اَلْأَحْنَفِ 1«مَا تَقُولُ يَا جَارِيَةُ ؟» قَالَ أَقُولُ هَذَا جَمْعٌ حَشَرَهُ اللَّهُ لَكَ بِالتَّقْوَى وَ لَمْ تَسْتَكْرِهْ فِيهِ شَاخِصاً وَ لَمْ تُشْخِصْ فِيهِ مُقِيماً وَ اللَّهِ لَوْ لاَ مَا حَضَرَكَ فِيهِ مِنَ اللَّهِ لَغَبَّكَ سِيَاسَتُهُ وَ لَيْسَ (1)كُلُّ مَنْ كَانَ مَعَكَ نَافِعَكَ وَ رُبَّ مُقِيمٍ خَيْرٌ مِنْ شَاخِصٍ وَ مِصْرَاكَ خَيْرٌ لَكَ وَ أَنْتَ أَعْلَمُ.

فَكَأَنَّهُ بِقَوْلِهِ كَانَ مَعَكَ رُبَّمَا كَرِهَ إِشْخَاصَ قَوْمِهِ عَنِ اَلْبَصْرَةِ (2).

وَ كَانَ حَارِثَةُ بْنُ بَدْرٍ أَسَدَّ النَّاسِ رَأْياً عِنْدَ اَلْأَحْنَفِ (3)وَ كَانَ شَاعِرَ بَنِي تَمِيمٍ وَ فَارِسَهُمْ فَقَالَ عَلِيٌّ : 1«مَا تَقُولُ يَا حَارِثَةُ ؟» فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّا نَشُوبُ الرَّجَاءَ بِالْمَخَافَةِ وَ اللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ أَمْوَاتَنَا (4)رَجَعُوا إِلَيْنَا فَاسْتَعَنَّا بِهِمْ عَلَى عَدُوِّنَا وَ لَسْنَا نَلْقَى الْقَوْمَ بِأَكْثَرَ مِنْ عَدَدِهِمْ وَ لَيْسَ لَكَ إِلاَّ مَنْ كَانَ مَعَكَ وَ إِنَّ لَنَا فِي قَوْمِنَا عَدَداً لاَ نَلْقَى بِهِمْ عَدُوّاً أَعْدَى مِنْ مُعَاوِيَةَ وَ لاَ نَسُدُّ بِهِمْ ثَغْراً أَشَدَّ مِنَ اَلشَّامِ وَ لَيْسَ بِالْبَصْرَةِ بِطَانَةٌ نُرْصِدُهُمْ لَهَا وَ لاَ عَدُوٌّ نُعِدُّهُمْ لَهُ.

وَ وَافَقَ اَلْأَحْنَفَ فِي رَأْيِهِ فَقَالَ عَلِيٌّ لِلْأَحْنَفِ 1اكْتُبْ إِلَى قَوْمِكَ فَكَتَبَ اَلْأَحْنَفُ إِلَى بَنِي سَعْدٍ ،ة.

ص: 25


1- في الأصل:«و ليس كل من كان معك»و التكملة من الإمامة و السياسة لابن قتيبة 1:75،و قد سقطت منها كلمة«ليس».
2- في الأصل:فكأنّه كان معك و ربما كره...الخ»،و الوجه فيما أنبت.
3- أسد،من سداد الرأى،و هو استتامته و صحته.و في الأصل:«أشد» بالمعجمة،تحريف.
4- في الأصل:«أمراءنا»و صوابه من الإمامة و السياسة.

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ إِلاَّ وَ قَدْ شَقُوا بِرَأْيِ سَيِّدِهِمْ غَيْرَكُمْ شَقِيَتْ سَعْدُ بْنُ خَرَشَةَ بِرَأْيِ اِبْنِ يَثْرِبِيٍّ وَ شَقِيَتْ حَنْظَلَةُ بِرَأْيِ لَحْيَانَ (1)وَ شَقِيَتْ عَدِيٌّ بِرَأْيِ زُفَرَ وَ مَطَرٍ وَ شَقِيَتْ بَنُو عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ بِرَأْيِ عَاصِمِ بْنِ الدُّلَفِ وَ عَصَمَكُمُ اللَّهُ بِرَأْيِي لَكُمْ حَتَّى نِلْتُمْ مَا رَجَوْتُمْ وَ أَمِنْتُمْ مَا خِفْتُمْ وَ أَصْبَحْتُمْ مُنْقَطِعِينَ مِنْ أَهْلِ الْبَلاَءِ لاَحِقِينَ بِأَهْلِ الْعَافِيَةِ وَ إِنِّي أُخْبِرُكُمْ أَنَّا قَدِمْنَا عَلَى تَمِيمٍ اَلْكُوفَةَ فَأَخَذُوا عَلَيْنَا بِفَضْلِهِمْ مَرَّتَيْنِ بِمَسِيرِهِمْ إِلَيْنَا مَعَ عَلِيٍّ وَ مَيْلِهِمْ إِلَى الْمَسِيرِ إِلَى اَلشَّامِ ثُمَّ أَخْمَرُوا (2)حَتَّى صِرْنَا كَأَنَّا لاَ نُعْرَفُ إِلاَّ بِهِمْ فَأَقْبِلُوا إِلَيْنَا وَ لاَ تَتَّكِلُوا عَلَيْهِمْ فَإِنَّ لَهُمْ أَعْدَادَنَا مِنْ رُؤَسَائِهِمْ وَ حَنَاناً أَنْ تَلْحَقَ (3)فَلاَ تُبَطِّئُوا فَإِنَّ مِنَ الْعَطَاءِ حِرْمَاناً وَ مِنَ النَّصْرِ خِذْلاَناً فَحِرْمَانُ الْعَطَاءِ الْقِلَّةُ وَ خِذْلاَنُ النَّصْرِ الْإِبْطَاءُ وَ لاَ تُقْضَى الْحُقُوقُ إِلاَّ بِالرِّضَا وَ قَدْ يَرْضَى الْمُضْطَرُّ بِدُونِ الْأَمَلِ.

وَ كَتَبَ مُعَاوِيَةُ بْنُ صَعْصَعَةَ وَ هُوَ ابْنُ أَخِي اَلْأَحْنَفِ

تَمِيمَ بْنَ مُرٍّ إِنَّ أَحْنَفَ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ لَمْ يَخْصُصْ بِهَا دُونَكُمْ سَعْداً

وَ عَمَّ بِهَا مِنْ بَعْدِكُمْ أَهْلَ مِصْرِكُمْ لَيَالِيَ ذَمَّ النَّاسَ كُلَّهُمُ الْوَفْدَا

سِوَاهُ لِقَطْعِ الْحَبْلِ عَنْ أَهْلِ مِصْرِهِ فَأَمْسَوْا جَمِيعاً آكِلِينَ بِهِ رَغَداً

وَ إِعْظَامُهُ الصَّاعَ الصَّغِيرَ وَ حَذْفُهُ مِنَ الدِّرْهَمِ الْوَافِي يَجُوزُ لَهُ النَّقْدَا

وَ كَانَ لِسَعْدٍ رَأْيُهُ أَمْسِ عِصْمَةً فَلَمْ يُخْطِ لاَ الْإِصْدَارَ فِيهِمْ وَ لاَ الْوِرْدَان.

ص: 26


1- في الأصل:«الحيان».
2- أخمروا،من الإخمار،و هو الستر.أى غلبوا عليهم.و في الأصل:«ثم أحمسوا»، و في الإمامة و السياسة:«ثم انحشرنا معهم».
3- كذا.و لعلها:«و جنانا لن نلحق».جعلهم كالجن.و الجنان:جمع جان.

وَ فِي هَذِهِ الْأُخْرَى لَهُ مَخْضُ زُبْدَةٍ سَيُخْرِجُهَا عَفْواً فَلاَ تَعْجَلُوا الزُّبْدَا

وَ لاَ تُبْطِئُوا عَنْهُ وَ عِيشُوا بِرَأْيِهِ وَ لاَ تَجْعَلُوا مِمَّا يَقُولُ لَكُمْ بُدّاً

أَ لَيْسَ خَطِيبَ الْقَوْمِ فِي كُلِّ وَفْدَةٍ وَ أَقْرَبَهُمْ قُرْباً وَ أَبْعَدَهُمْ بُعْداً

وَ إِنَّ عَلِيّاً خَيْرُ حَافٍ وَ نَاعِلٍ فَلاَ تَمْنَعُوهُ الْيَوْمَ جَهْداً وَ لاَ جِدّاً

يُحَارِبُ مَنْ لاَ يَحْرَجُونَ بِحَرْبَةٍ وَ مَنْ لاَ يُسَاوَى دِينُهُ كُلُّهُ رَدّاً (1)

وَ مَنْ نَزَلَتْ فِيهِ ثَلاَثُونَ آيَةً تُسَمِّيهِ فِيهَا مُؤْمِناً مُخْلِصاً فَرْداً

سِوَى مُوجِبَاتٍ جِئْنَ فِيهِ وَ غَيْرِهَا بِهَا أَوْجَبَ اللَّهُ الْوَلاَيَةَ وَ الْوُدّا.

فَلَمَّا انْتَهَى كِتَابُ اَلْأَحْنَفِ وَ شِعْرُ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَعْصَعَةَ إِلَى بَنِي سَعْدٍ سَارُوا بِجَمَاعَتِهِمْ حَتَّى نَزَلُوا اَلْكُوفَةَ فَعَزَّتْ بِالْكُوفَةِ وَ كَثُرَتْ ثُمَّ قَدِمَتْ عَلَيْهِمْ رَبِيعَةُ وَ لَهُمْ حَدِيثٌ وَ ابْتَدَأَ خُرُوجُ جَرِيرٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ .

.

مكاتبة علي عليه السلام مع معاوية و إرسال جرير اليه

1,14- نَصْرٌ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ نُمَيْرِ بْنِ وَعْلَةَ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ : أَنَّ عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلاَمُ حِينَ قَدِمَ مِنَ اَلْبَصْرَةِ نَزَعَ جَرِيراً هَمْدَانَ فَجَاءَ حَتَّى نَزَلَ اَلْكُوفَةَ فَأَرَادَ عَلِيٌّ أَنْ يَبْعَثَ إِلَى مُعَاوِيَةَ رَسُولاً فَقَالَ لَهُ جَرِيرٌ ابْعَثْنِي إِلَى مُعَاوِيَةَ فَإِنَّهُ لَمْ يَزَلْ لِي مُسْتَنْصِحاً وَ وُدّاً (2)فَآتِيَهُ (3)فَأَدْعُوَهُ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ لَكَ هَذَا الْأَمْرَ وَ يُجَامِعَكَ عَلَى الْحَقِّ عَلَى أَنْ يَكُونَ أَمِيراً مِنْ أُمَرَائِكَ وَ عَامِلاً مِنْ عُمَّالِكَ مَا عَمِلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَ اتَّبَعَ مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ وَ أَدْعُو أَهْلَ اَلشَّامِ إِلَى طَاعَتِكَ

ص: 27


1- الرد:الزائف من الدراهم.و في الأصل:«ريدا»،و لا وجه له.
2- الود،بكسر الواو:الصديق،كالحب بمعنى المحبوب.و الود،بضم الواو: الصديق،على حذف المضاف.و جاء في المسان:«و في حديث ابن عمر:إن أبا هذا كان ودا لعمر.هو على حذف المضاف،تقديره كان ذا ود لعمر،أي صديقا».
3- في الأصل:«نأتيه»،تحريف.و في ح(1:247):«آتيه».

وَ وَلاَيَتِكَ وَ جُلُّهُمْ (1)قَوْمِي وَ أَهْلُ بِلاَدِي وَ قَدْ رَجَوْتُ أَلاَّ يَعْصُونِي.فَقَالَ لَهُ اَلْأَشْتَرُ لاَ تَبْعَثْهُ وَ دَعْهُ وَ لاَ تُصَدِّقْهُ فَوَ اللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّ هَوَاهُ هَوَاهُمْ وَ نِيَّتَهُ نِيَّتَهُمْ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ : 1«دَعْهُ حَتَّى نَنْظُرَ مَا يَرْجِعُ بِهِ إِلَيْنَا» فَبَعَثَهُ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ قَالَ لَهُ حِينَ أَرَادَ أَنْ يَبْعَثَهُ: 1«إِنَّ حَوْلِي مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَ الرَّأْيِ مَنْ قَدْ رَأَيْتَ وَ قَدِ اخْتَرْتُكَ عَلَيْهِمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِيكَ: 14إِنَّكَ مِنْ خَيْرِ ذِي يَمَنٍ (2)ائْتِ مُعَاوِيَةَ بِكِتَابِي فَإِنْ دَخَلَ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ اَلْمُسْلِمُونَ وَ إِلاَّ فَانْبِذْ إِلَيْهِ (3)وَ أَعْلِمْهُ أَنِّي لاَ أَرْضَى بِهِ أَمِيراً وَ أَنَّ الْعَامَّةَ لاَ تَرْضَى بِهِ خَلِيفَةً.» فَانْطَلَقَ جَرِيرٌ حَتَّى أَتَى اَلشَّامَ وَ نَزَلَ بِمُعَاوِيَةَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ وَ قَالَ أَمَّا بَعْدُ يَا مُعَاوِيَةُ فَإِنَّهُ قَدِ اجْتَمَعَ لاِبْنِ عَمِّكَ أَهْلُ اَلْحَرَمَيْنِ وَ أَهْلُ اَلْمِصْرَيْنِ (4)وَ أَهْلُ اَلْحِجَازِ وَ أَهْلُ اَلْيَمَنِ وَ أَهْلُ مِصْرَ وَ أَهْلُ اَلْعَرُوضِ وَ عُمَانَ وَ أَهْلُ اَلْبَحْرَيْنِ وَ اَلْيَمَامَةِ فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ أَهْلُ هَذِهِ الْحُصُونِ الَّتِي أَنْتَ فِيهَا لَوْ سَالَ عَلَيْهَا سَيْلٌ مِنْ أَوْدِيَتِهِ غَرَقَهَا وَ قَدْ أَتَيْتُكَ أَدْعُوكَ إِلَى مَا يُرْشِدُكَ وَ يَهْدِيكَ إِلَى مُبَايَعَةِ هَذَا الرَّجُلِ.

وَ دَفَعَ إِلَيْهِ كِتَابَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَ فِيهِة.

ص: 28


1- ح:«فجلهم»بالفاء.
2- من خير ذى يمن:أى من خير اليمن.و في اللسان(20:349):«و يقال أتينا ذا يمن،أي أتينا اليمن».
3- النبذ:أن يكون بينه و بين قوم هدنة فيخاف منهم نقض العهد،فيلق إليهم أنّه قد نقض ما بينه و بينهم قبل أن يفجأهم بالقتال.و منه قول اللّه:(و إمّا تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء).
4- الحرمان:مكّة و المدينة.و المصران:البصرة و الكوفة.

1« « بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ بَيْعَتِي بِالْمَدِينَةِ لَزِمَتْكَ وَ أَنْتَ بِالشَّامِ (1)لِأَنَّهُ بَايَعَنِي الْقَوْمُ الَّذِينَ بَايَعُوا أَبَا بَكْرٍ وَ عُمَرَ وَ عُثْمَانَ عَلَى مَا بُويِعُوا عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَخْتَارَ وَ لاَ لِلْغَائِبِ أَنْ يَرُدَّ وَ إِنَّمَا الشُّورَى لِلْمُهَاجِرِينَ وَ اَلْأَنْصَارِ فَإِذَا اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ فَسَمَّوْهُ إِمَاماً (2)كَانَ ذَلِكَ لِلَّهِ رِضًا فَإِنْ خَرَجَ مِنْ أَمْرِهِمْ خَارِجٌ بِطَعْنٍ أَوْ رَغْبَةٍ رَدُّوهُ إِلَى مَا خَرَجَ مِنْهُ فَإِنْ أَبَى قَاتَلُوهُ عَلَى اتِّبَاعِهِ « غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ »وَ وَلاَّهُ (3)اللَّهُ مَا تَوَلَّى وَ يُصْلِيهِ« جَهَنَّمَ وَ ساءَتْ مَصِيراً » وَ إِنَّ طَلْحَةَ وَ اَلزُّبَيْرَ بَايَعَانِي ثُمَّ نَقَضَا بَيْعَتِي وَ كَانَ نَقْضُهُمَا كَرَدِّهِمَا فَجَاهَدْتُهُمَا عَلَى ذَلِكَ« حَتّى جاءَ الْحَقُّ وَ ظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَ هُمْ كارِهُونَ »فَادْخُلْ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ اَلْمُسْلِمُونَ فَإِنَّ أَحَبَّ الْأُمُورِ إِلَيَّ فِيكَ الْعَافِيَةُ إِلاَّ أَنْ تَتَعَرَّضَ لِلْبَلاَءِ فَإِنْ تَعَرَّضْتَ لَهُ قَاتَلْتُكَ وَ اسْتَعَنْتُ اللَّهَ (4)عَلَيْكَ وَ قَدْ أَكْثَرْتَ فِي قَتَلَةِ عُثْمَانَ فَادْخُلْ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ اَلْمُسْلِمُونَ ثُمَّ حَاكِمِ الْقَوْمَ إِلَيَّ أَحْمِلْكَ وَ إِيَّاهُمْ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ فَأَمَّا تِلْكَ الَّتِي تُرِيدُهَا فَخُدْعَةُ الصَّبِيِّ عَنِ اللَّبَنِ وَ لَعَمْرِي لَئِنْ نَظَرْتَ بِعَقْلِكَ دُونَ هَوَاكَ لَتَجِدُنِي أَبْرَأَ قُرَيْشٍ مِنْ دَمِ عُثْمَانَ وَ اعْلَمْ أَنَّكَ مِنَ الطُّلَقَاءِ (5)الَّذِينَ لاَ تَحِلُّ لَهُمُ الْخِلاَفَةُ وَ لاَ تَعْرِضُ فِيهِمُ الشُّورَى وَ قَدْ أَرْسَلْتُ إِلَيْكَم.

ص: 29


1- في الأصل:«..بيعتي لزمتك بالمدينة و أنت بالشام»،و الوجه ما أتيت من ح (1:248).
2- ح:«إذا اجتمعوا على رجل و سموه إماما».
3- في الأصل:«و وليه»،و أنبت الصواب من ح.
4- ح:«باللّه».
5- الطلقاء:جمع طليق،و هو الأسير الذي أطلق عنه إساره و خلى سبيله.و يراد بهم الذين خلى عنهم رسول اللّه يوم فتح مكّة و أطلقهم و لم يسترقهم.

وَ إِلَى مَنْ قِبَلَكَ (1)جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَ الْهِجْرَةِ فَبَايِعْ وَ« لا قُوَّةَ إِلاّ بِاللّهِ » فَلَمَّا قَرَأَ الْكِتَابَ قَامَ جَرِيرٌ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمَحْمُودِ بِالْعَوَائِدِ (2)الْمَأْمُولِ مِنْهُ الزَّوَائِدُ الْمُرْتَجَى مِنْهُ الثَّوَابُ الْمُسْتَعَانِ عَلَى النَّوَائِبِ أَحْمَدُهُ وَ أَسْتَعِينُهُ فِي الْأُمُورِ الَّتِي تَحَيَّرَ دُونَهَا الْأَلْبَابُ وَ تَضْمَحِلُّ عِنْدَهَا الْأَسْبَابُ (3)وَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ:

« كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ »وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بَعْدَ الْفَتْرَةِ وَ بَعْدَ الرُّسُلِ الْمَاضِيَةِ (4)وَ الْقُرُونِ الْخَالِيَةِ (5)وَ الْأَبْدَانِ الْبَالِيَةِ وَ الْجِبِلَّةِ الطَّاغِيَةِ فَبَلَّغَ الرِّسَالَةَ وَ نَصَحَ الْأُمَّةَ وَ أَدَّى الْحَقَّ الَّذِي اسْتَوْدَعَهُ اللَّهُ وَ أَمَرَهُ بِأَدَائِهِ إِلَى أُمَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ مِنْ مُبْتَعِثٍ وَ مُنْتَجَبٍ. (6)

ثُمَّ قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ أَمْرَ عُثْمَانَ قَدْ أَعْيَا مَنْ شَهِدَهُ فَمَا ظَنُّكُمْ بِمَنْ غَابَ عَنْهُ وَ إِنَّ النَّاسَ بَايَعُوا عَلِيّاً غَيْرَ وَاتِرٍ وَ لاَ مَوْتُورٍ وَ كَانَ طَلْحَةُ وَ اَلزُّبَيْرُ مِمَّنْ بَايَعَهُ ثُمَّ نَكَثَا بَيْعَتَهُ عَلَى غَيْرِ حَدَثٍ أَلاَ وَ إِنَّ هَذَا الدِّينَ لاَ يَحْتَمِلُ الْفِتَنَ،».

ص: 30


1- كلمة:«و إلى من قبلك»ساقطة من ح.
2- العوائد:جمع عائدة،و هي المعروف،و الصلة،و الفضل.
3- الأسباب:جمع سبب،و هو كل ما يتوصل به إلى غيره.و في الأصل:«الأرباب» و لا وجه له.و هذه الجملة ساقطة من ح.
4- ح:«بعد فترة من الرسل الماضية».
5- الكلام بعد هذه الكلمة إلى:«الطاغية»ليس في ح.
6- منتجب،بالجيم:مختار.و انظر ما سبق في ص 10.ح:«من رسول و مبتعث و منتخب».

أَلاَ وَ إِنَّ اَلْعَرَبَ لاَ تَحْتَمِلُ السَّيْفَ (1)وَ قَدْ كَانَتْ بِالْبَصْرَةِ أَمْسِ مَلْحَمَةٌ إِنْ يَشْفَعِ الْبَلاَءُ بِمِثْلِهَا فَلاَ بَقَاءَ لِلنَّاسِ وَ قَدْ بَايَعَتِ الْعَامَّةُ (2)عَلِيّاً وَ لَوْ مَلَّكَنَا اللَّهُ أُمُورَنَا (3)لَمْ نَخْتَرْ لَهَا غَيْرَهُ وَ مَنْ خَالَفَ هَذَا اسْتَعْتَبَ (4)فَادْخُلْ يَا مُعَاوِيَةُ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ فَإِنْ قُلْتَ اسْتَعْمَلَنِي عُثْمَانُ ثُمَّ لَمْ يَعْزِلْنِي فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ لَوْ جَازَ لَمْ يَقُمْ لِلَّهِ دِينٌ وَ كَانَ لِكُلِّ امْرِئٍ مَا فِي يَدَيْهِ وَ لَكِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلِ لِلْآخَرِ مِنَ الْوُلاَةِ حَقَّ الْأَوَّلِ وَ جَعَلَ تِلْكَ أُمُوراً مُوَطَّأَةً وَ حُقُوقاً يَنْسَخُ بَعْضُهَا بَعْضاً.

ثُمَّ قَعَدَ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ انْظُرْ وَ نَنْظُرُ وَ اسْتَطْلَعَ رَأْيَ أَهْلِ اَلشَّامِ .

فَلَمَّا فَرَغَ جَرِيرٌ مِنْ خُطْبَتِهِ أَمَرَ مُعَاوِيَةُ (5)مُنَادِياً فَنَادَى الصَّلاَةَ جَامِعَةً فَلَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ صَعِدَ الْمِنْبَرَ ثُمَّ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ الدَّعَائِمَ لِلْإِسْلاَمِ أَرْكَاناً وَ الشَّرَائِعَ لِلْإِيمَانِ بُرْهَاناً يُتَوَقَّدُ قَبَسُهُ (6)فِي الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ مَحَلَّ الْأَنْبِيَاءِ وَ الصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِهِ فَأَحَلَّهَا أَهْلَ اَلشَّامِ (7)وَ رَضِيَهُمْ لَهَا وَ رَضِيَهَا لَهُمْ لِمَا سَبَقَ مِنْ مَكْنُونِ عِلْمِهِ مِنْ طَاعَتِهِمْ وَ مُنَاصَحَتِهِمْ خُلَفَاءَهُ وَ الْقُوَّامَ بِأَمْرِهِ وَ الذَّابِّينَ عَنْ دِينِهِى.

ص: 31


1- ما بعد:«الفتن»إلى هنا ليس في ح.
2- ح:«الأمة».
3- ح:«و لو ملكنا اللّه الأمور».
4- استعتب:استقال ممّا فرط منه.
5- بدلها في ح:«فمضت أيّام و أمر معاوية».
6- القبس:النار،أو الشعلة منها.و في الأصل:«قابسه»صوابه من ح.
7- أي أحل الأرض المقدّسة أهل الشام.و في ح:«فأحلهم أرض الشام».و ما في الأصل أولى و أقوى.

وَ حُرُمَاتِهِ ثُمَّ جَعَلَهُمْ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ نِظَاماً وَ فِي سَبِيلِ الْخَيْرَاتِ أَعْلاَماً يَرْدَعُ اللَّهُ بِهِمُ النَّاكِثِينَ وَ يَجْمَعُ بِهِمْ أُلْفَةَ الْمُؤْمِنِينَ وَ اللَّهَ نَسْتَعِينُ عَلَى مَا تَشَعَّبَ مِنْ أَمْرِ اَلْمُسْلِمِينَ بَعْدَ الاِلْتِئَامِ وَ تَبَاعُدِ بُعْدِ الْقُرْبِ اللَّهُمَّ انْصُرْنَا عَلَى أَقْوَامٍ يُوقِظُونَ نَائِمَنَا وَ يُخِيفُونَ آمِنَنَا وَ يُرِيدُونَ هِرَاقَةَ دِمَائِنَا (1)وَ إِخَافَةَ سَبِيلِنَا وَ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ أَنَّا لَمْ نُرِدْ بِهِمْ عِقَاباً (2)وَ لاَ نَهْتِكُ لَهُمْ حِجَاباً وَ لاَ نُوْطِئُهُمْ زَلَقاً غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ الْحَمِيدَ كَسَانَا مِنَ الْكَرَامَةِ ثَوْباً لَنْ نَنْزِعَهُ طَوْعاً مَا جَاوَبَ الصَّدَى وَ سَقَطَ النَّدَى وَ عُرِفَ الْهُدَى حَمَلَهُمْ عَلَى خِلاَفِنَا الْبَغْيُ وَ الْحَسَدُ فَاللَّهَ نَسْتَعِينُ عَلَيْهِمْ (3)أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي خَلِيفَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَ أَنِّي خَلِيفَةُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَلَيْكُمْ (4)وَ أَنِّي لَمْ أُقِمْ رَجُلاً مِنْكُمْ عَلَى خِزَايَةٍ قَطُّ (5)وَ أَنِّي وَلِيُّ عُثْمَانَ وَ قَدْ قُتِلَ مَظْلُوماً وَ اللَّهُ يَقُولُ« وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً » وَ أَنَا أُحِبُّ أَنْ تُعْلِمُونِي ذَاتَ أَنْفُسِكُمْ فِي قَتْلِ عُثْمَانَ فَقَامَ أَهْلُ اَلشَّامِ بِأَجْمَعِهِمْ فَأَجَابُوا إِلَى الطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ (6)وَ بَايَعُوهُ عَلَى ذَلِكَ وَ أَوْثَقُوا لَهُ عَلَى أَنْ يَبْذُلُوا أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوَالَهُمْ أَوْ يُدْرِكُوا بِثَأْرِهِ أَوْ يُفْنِيَ اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ (7). . فلما أمسى معاوية و كان قد اغتم بما هو فيه

قَالَ نَصْرٌ».

ص: 32


1- الهراتة،بكسر الهاء:الإراقة،كما في نص القاموس.و ضبطت في اللسان ضبط قلم مرة بالكسر و مرة بالفتح،و الأخيرة ليست من الصواب.
2- ح:«لا نريد لهم عتابا».
3- ح:«حملهم على ذلك البغى و الحسد فتستعين اللّه عليهم».
4- ح:«و أمير المؤمنين عثمان بن عفان عليكم».
5- الخزاية،بالفتح:الاستحياء.أراد عمل ما يستحيا منه.
6- في الأصل:«إلى دم عثمان»و أنبت ما في ح.
7- في الأصل:«يغنى»،بالغين المعجمة،تحريف.و في ح:«أو تلحق أرواحهم باللّه».

فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ اَلْجُرْجَانِيِّ قَالَ: لَمَّا جَنَّ مُعَاوِيَةَ اللَّيْلُ وَ اغْتَمَّ وَ عِنْدَهُ أَهْلُ بَيْتِهِ قَالَ

تَطَاوَلَ لَيْلِي وَ اعْتَرَتْنِي وَسَاوِسِي لِآتٍ أَتَى بِالتُّرَّهَاتِ الْبَسَابِسِ (1)

أَتَانَا جَرِيرٌ وَ الْحَوَادِثُ جَمَّةٌ بِتِلْكَ الَّتِي فِيهَا اجْتِدَاعُ الْمَعَاطِسِ (2)

أُكَابِدُهُ وَ السَّيْفُ بَيْنِي وَ بَيْنَهُ وَ لَسْتُ لِأَثْوَابِ الدَّنِيِّ بِلاَبِسٍ (3)

إِنِ اَلشَّامُ أَعْطَتْ طَاعَةً يَمَنِيَّةً تُوَاصِفُهَا أَشْيَاخُهَا فِي الْمَجَالِسِ

فَإِنْ يُجْمِعُوا أَصْدِمْ عَلِيّاً بِجَبْهَةٍ (4)تَفُتُّ عَلَيْهِ كُلَّ رَطْبٍ وَ يَابِسٍ

وَ إِنِّي لَأَرْجُو خَيْرَ مَا نَالَ نَائِلٌ وَ مَا أَنَا مِنْ مُلْكِ اَلْعِرَاقِ بِآيِسٍ

وَ إِلاَّ يَكُونُوا عِنْدَ ظَنِّي بِنَصْرِهِمْ وَ إِنْ يُخْلِفُوا ظَنِّي كف عابس (5)..

حديث معاويه مع جرير و عتبة

نَصْرٌ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ اَلْجُرْجَانِيِّ قَالَ: وَ اسْتَحَثَّهُ جَرِيرٌ بِالْبَيْعَةِ فَقَالَ يَا جَرِيرُ إِنَّهَا لَيْسَتْ بِخَلْسَةٍ وَ إِنَّهُ أَمْرٌ لَهُ مَا بَعْدَهُ فَأَبْلِعْنِي رِيقِي حَتَّى أَنْظُرَ وَ دَعَا ثِقَاتَهُ فَقَالَ لَهُ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَ كَانَ نَظِيرَهُ اجْتَمِعَنَّ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ بِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَ أَثْمِنْ لَهُ بِدِينِهِ فَإِنَّهُ مَنْ قَدْ عَرَفْتَ وَ قَدِ اعْتَزَلَ أَمْرَ عُثْمَانَ فِي حَيَاتِهِ وَ هُوَ لِأَمْرِكَ أَشَدُّ اعْتِزَالاً إِنْ يَرَ فُرْصَةً (6).

ص: 33


1- الترهات البسابس:الباطل.و ربما قالوا ترهات البسابس،بالإضافة.
2- اجتداع المعاطس:أى قطع الأنوف،و ذاك علامة الإذلال.
3- أكابده:من قولهم كابد الأمر مكابدة و كبادا:قاساه.ح:«أكايده»بالمثناة التحتية.و في اللسان:«و كل شيء تعالجه فأنت تكيده».
4- قال ابن أبي الحديد:«الجبهة هاهنا الخيل».و قال ابن منظور:«الجبهة الخيل لا يفرد لها واحد».
5- كذا ورد البيت في الأصل.و هو ساقط من ح.
6- ح:«أشدّ اعتزالا إلاّ أن يثمن له دينه».

مبتدأ حديث عمرو بن العاص

و كيفية مسيره إلى معاوية

نَصْرٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ وَ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالاَ: كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَمْرٍو وَ هُوَ بِالْبيع (1)مِنْ فِلَسْطِينَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ أَمْرِ عَلِيٍّ وَ طَلْحَةَ وَ اَلزُّبَيْرِ مَا قَدْ بَلَغَكَ وَ قَدْ سَقَطَ إِلَيْنَا مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ فِي رَافِضَةِ أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ (2)وَ قَدِمَ عَلَيْنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِي بَيْعَةِ عَلِيٍّ وَ قَدْ حَبَسْتُ نَفْسِي عَلَيْكَ حَتَّى تَأْتِيَنِي أَقْبِلْ أُذَاكِرْكَ أَمْراً (3).

قَالَ فَلَمَّا قُرِئَ الْكِتَابُ عَلَى عَمْرٍو اسْتَشَارَ ابْنَيْهِ عَبْدَ اللَّهِ وَ مُحَمَّداً فَقَالَ ابْنَيَّ مَا تَرَيَانِ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَرَى أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قُبِضَ وَ هُوَ عَنْكَ رَاضٍ وَ الْخَلِيفَتَانِ مِنْ بَعْدِهِ وَ قُتِلَ عُثْمَانُ وَ أَنْتَ عَنْهُ غَائِبٌ فَقِرَّ فِي مَنْزِلِكَ فَلَسْتَ مَجْعُولاً خَلِيفَةً وَ لاَ تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ (4)حَاشِيَةً لِمُعَاوِيَةَ عَلَى دُنْيَا قَلِيلَةٍ أَوْشَكَ أَنْ تَهْلِكَ فَتَشْقَى فِيهَا (5)وَ قَالَ مُحَمَّدٌ أَرَى أَنَّكَ شَيْخُ قُرَيْشٍ وَ صَاحِبُ أَمْرِهَا وَ إِنْ تَصَرَّمَ هَذَا الْأَمْرُ وَ أَنْتَ فِيهِ خَامِلٌ (6)تَصَاغَرَ أَمْرُكَ فَالْحَقْ بِجَمَاعَةِ أَهْلِ اَلشَّامِ فَكُنْ يَداً مِنْ أَيَادِيهَا وَ اطْلُبْ بِدَمِ عُثْمَانَ فَإِنَّكَ قَدْ اسْتَنَمْتَ فِيهِ إِلَى بَنِي أُمَيَّةَ (7)فَقَالَ عَمْرٌو أَمَّا أَنْتَ

ص: 34


1- كذا في الأصل.
2- ح(1:136):«فى نفر من أهل البصرة».
3- ح:«أذاكرك أمورا لا تعدم صلاح مغبتها إن شاء اللّه».
4- ح:«و لا تزيد على أن تكون حاشية».
5- ح:«أوشكتما أن تهلكا فتساويا في عقابها».
6- ح:«غافل».
7- استنام:سكن.و في الأصل:«استلمت»،و في ح:«فإنه سيقوم بذلك بنو أميّة».

يَا عَبْدَ اللَّهِ فَأَمَرْتَنِي بِمَا هُوَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَ أَمَّا أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ فَأَمَرْتَنِي بِمَا هُوَ خَيْرٌ لِي فِي دُنْيَايَ وَ أَنَا نَاظِرٌ فِيهِ فَلَمَّا جَنَّهُ اللَّيْلُ رَفَعَ صَوْتَهُ وَ أَهْلُهُ يَنْظُرُونَ (1)إِلَيْهِ فَقَالَ

تَطَاوَلَ لَيْلِي لِلْهُمُومِ الطَّوَارِقِ وَ خَوْلَ الَّتِي تَجْلُو وُجُوهَ الْعَوَاتِقِ (2)

وَ إِنَّ اِبْنَ هِنْدٍ سَائِلِي أَنْ أَزُورَهُ وَ تِلْكَ الَّتِي فِيهَا بَنَاتُ الْبَوَائِقِ (3)

أَتَاهُ جَرِيرٌ مِنْ عَلِيٍّ بِخُطَّةٍ أَمَرَّتْ عَلَيْهِ الْعَيْشَ ذَاتَ مَضَايِقِ

فَإِنْ نَالَ مِنِّي مَا يُؤَمِّلُ رَدَّهُ وَ إِنْ لَمْ يَنَلْهُ ذَلَّ ذُلَّ الْمُطَابِقِ (4)

فَوَ اللَّهِ مَا أَدْرِي وَ مَا كُنْتُ هَكَذَا أَكُونُ وَ مَهْمَا قَادَنِي فَهُوَ سَابِقِي (5)

أُخَادِعُهُ إِنَّ الْخِدَاعَ دَنِيَّةٌ أَمْ أُعْطِيهِ مِنْ نَفْسِي نَصِيحَةَ وَامِقٍ

أَوْ أَقْعُدُ فِي بَيْتِي وَ فِي ذَاكَ رَاحَةٌ لِشَيْخٍ يَخَافُ الْمَوْتَ فِي كُلِّ شَارِقٍ

وَ قَدْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قَوْلاً تَعَلَّقَتْ بِهِ النَّفْسُ إِنْ لَمْ يَعْتَلِقْنِي عَوَائِقِي (6)

وَ خَالَفَهُ فِيهِ أَخُوهُ مُحَمَّداً وَ إِنِّي لَصُلْبُ الْعُودِ عِنْدَ الْحَقَائِقِ (7).

فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ تَرَحَّلَ الشَّيْخُ (8)قَالَ وَ دَعَا عَمْرٌو غُلاَماً لَهُ يُقَالُ لَهُ وَرْدَانُ وَ كَانَ دَاهِياً مَارِداً فَقَالَ ارْحَلْ يَا وَرْدَانُ ثُمَّ قَالَ حُطَّ يَا وَرْدَانُ ،».

ص: 35


1- ح:«و أهله يسمعون».
2- خول:ترخيم خولة لغير نداء،و هي من أعلامهن.و العانق:الشابة أول ما قدرك.
3- البوائق:الدوامى،جمع بائقة.ح:«سألنى أن أزوره».
4- المطابق من المطابقة،و هي المشى في القيد.
5- ح:«فهو سابقى».
6- ح:«تقتطعنى عوائقى».
7- الحقيقة:ما يحق على المرء أن يحميه.
8- ترحل:ارتحل.أراد أنّه استعد للرحيل إلى الدار الآخرة.ح:«رحل الشيخ».

ثُمَّ قَالَ ارْحَلْ يَا وَرْدَانُ احْطُطْ يَا وَرْدَانُ (1)فَقَالَ لَهُ وَرْدَانُ خَلَطْتَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَمَا إِنَّكَ إِنْ شِئْتَ أَنْبَأْتُكَ بِمَا نَفْسِكَ قَالَ هَاتِ وَيْحَكَ قَالَ اعْتَرَكَتِ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةُ عَلَى قَلْبِكَ فَقُلْتَ عَلِيٌّ مَعَهُ الْآخِرَةُ فِي غَيْرِ دُنْيَا وَ فِي الْآخِرَةِ عِوَضُ الدُّنْيَا وَ مُعَاوِيَةُ مَعَهُ الدُّنْيَا بِغَيْرِ آخِرَةٍ وَ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا عِوَضٌ مِنَ الْآخِرَةِ فَأَنْتَ وَاقِفٌ بَيْنَهُمَا قَالَ فَإِنَّكَ وَ اللَّهِ (2)مَا أَخْطَأْتَ فَمَا تَرَى يَا وَرْدَانُ ؟ قَالَ أَرَى أَنْ تُقِيمَ فِي بَيْتِكَ فَإِنْ ظَهَرَ أَهْلُ الدِّينِ عِشْتَ فِي عَفْوِ دِينِهِمْ (3)وَ إِنْ ظَهَرَ أَهْلُ الدُّنْيَا لَمْ يَسْتَغْنُوا عَنْكَ قَالَ آلْآنَ لَمَّا شَهِدَتِ اَلْعَرَبُ مَسِيرِي إِلَى مُعَاوِيَةَ (4)فَارْتَحَلَ وَ هُوَ يَقُولُ

يَا قَاتَلَ اللَّهُ وَرْدَاناً وَ قِدْحَتَهُ أَبْدَى لَعَمْرُكَ مَا فِي النَّفْسِ وَرْدَانٌ (5)

لَمَّا تَعَرَّضَتِ الدُّنْيَا عَرَضْتُ لَهَا بِحِرْصِ نَفْسِي وَ فِي الْأَطْبَاعِ إِدْهَانٌ (6)

نَفْسٌ تَعِفَّ وَ أُخْرَى الْحِرْصُ يَغْلِبُهَا (7)وَ الْمَرْءُ يَأْكُلُ تِبْناً وَ هُوَ غَرْثَانٌ

أَمَّا عَلِيٌّ فَدِينٌ لَيْسَ يَشْرَكُهُ دُنْيَا وَ ذَاكَ لَهُ دُنْيَا وَ سُلْطَانٌ

فَاخْتَرْتُ مِنْ طَمَعِي دُنْيَا عَلَى بَصَرٍ وَ مَا مَعِي بِالَّذِي أَخْتَارُ بُرْهَانٌ

إِنِّي لَأَعْرِفُ مَا فِيهَا وَ أَبْصُرُهُ وَ فِيَّ أَيْضاً لِمَا أَهْوَاهُ أَلْوَانٌ

لَكِنَّ نَفْسِي تُحِبُّ الْعَيْشَ فِي شَرَفٍ وَ لَيْسَ يَرْضَى بِذُلِّ الْعَيْشِ إِنْسَانٌ

أَمْرٌ لِعَمْرِ أَبِيكُمْ غَيْرُ مُشْتَبِهٍ وَ الْمَرْءُ يَعْطِسُ وَ الْوَسْنَانُ وَسْنَانٌ.ح.

ص: 36


1- التكملة من ح و الإمامة و السياسة(1:83).
2- ح:«قاتلك اللّه».
3- العفو:الفضل.و كلمة:«فى»ليست في الأصل،و هي ثابتة في ح.
4- في الإمامة و السياسة:«الآن حين شهرتنى العرب بمسيرى إلى معاوية».
5- في الأصل:«و مزحته»،صوابه من ح و اللسان(قدح).و القدحة،بالكسر: من قولهم اقتدح الأمر:دبره و نظر فيه.
6- الإدهان:المصانعة و الغش و اللين.
7- في الأصل:«يقلبها»،و الصواب من ح.

فَسَارَ حَتَّى قَدِمَ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَ عَرَفَ حَاجَةَ مُعَاوِيَةَ إِلَيْهِ فَبَاعَدَهُ مِنْ نَفْسِهِ وَ كَايَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ طَرَقَتْنَا فِي لَيْلَتِنَا هَذِهِ ثَلاَثَةُ أَخْبَارِ لَيْسَ مِنْهَا وِرْدٌ وَ لاَ صَدْرٌ قَالَ وَ مَا ذَاكَ؟ قَالَ ذَاكَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي حُذَيْفَةَ قَدْ كَسَرَ سِجْنَ مِصْرَ فَخَرَجَ هُوَ وَ أَصْحَابُهُ وَ هُوَ مِنْ آفَاتِ هَذَا الدِّينِ وَ مِنْهَا أَنَّ قَيْصَرَ زَحَفَ بِجَمَاعَةِ اَلرُّومِ إِلَيَّ لِيَتَغَلَّبَ عَلَى اَلشَّامِ وَ مِنْهَا أَنَّ عَلِيّاً نَزَلَ اَلْكُوفَةَ مُتَهَيِّئاً لِلْمَسِيرِ إِلَيْنَا قَالَ لَيْسَ كُلُّ مَا ذَكَرْتَ عَظِيماً أَمَّا اِبْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ فَمَا يَتَعَاظَمُكَ مِنْ رَجُلٍ خَرَجَ فِي أَشْبَاهِهِ أَنْ تَبْعَثَ إِلَيْهِ خَيْلاً تَقْتُلُهُ أَوْ تَأْتِيَكَ بِهِ وَ إِنْ فَاتَكَ لاَ يَضُرُّكَ وَ أَمَّا قَيْصَرُ فَأَهْدِ لَهُ مِنْ وُصَفَاءِ اَلرُّومِ وَ وَصَائِفِهَا وَ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ وَ سَلْهُ الْمُوَادَعَةَ فَإِنَّهُ إِلَيْهَا سَرِيعٌ وَ أَمَّا عَلِيٌّ فَلاَ وَ اللَّهِ يَا مُعَاوِيَةُ مَا تُسَوِّي (1)اَلْعَرَبُ بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ وَ إِنَّ لَهُ فِي الْحَرْبِ لَحَظّاً (2)مَا هُوَ لِأَحَدٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَ إِنَّهُ لَصَاحِبُ مَا هُوَ فِيهِ إِلاَّ أَنْ تَظْلِمَهُ .

نَصْرٌ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ بِإِسْنَادِهِ قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَةُ لِعَمْرٍو يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إِنِّي أَدْعُوكَ إِلَى جِهَادِ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي عَصَى رَبَّهُ وَ قَتَلَ الْخَلِيفَةَ (3)وَ أَظْهَرَ الْفِتْنَةَ وَ فَرَّقَ الْجَمَاعَةَ وَ قَطَعَ الرَّحِمَ قَالَ عَمْرٌو إِلَى مَنْ؟ قَالَ إِلَى جِهَادِ عَلِيٍّ قَالَ فَقَالَ عَمْرٌو وَ اللَّهِ يَا مُعَاوِيَةُ مَا أَنْتَ وَ عَلِيٌّ بِعِكْمَيْ بَعِيرٍ (4)مَا لَكَ هِجْرَتُهُ».

ص: 37


1- في الأصل:«تستوى»و الوجه ما أنبت.
2- و قد تقرأ:«لحظا»باللام الداخلة على:«حظا»،و انظر ما سيأتي في كلام عمرو لمعاوية ص 38 س 2.
3- يعني عثمان بن عفان.
4- يقال:هما كعكمى البعير،للرجلين يتساويان في الشرف.و العكمان:عدلان يشدان على جنبى الهودج بثوب.و في اللسان(15:309)و أمثال الميداني(2:289) و الحيوان(3:10):«كعكمى عير».

وَ لاَ سَابِقُتُهُ وَ لاَ صُحْبَتُهُ وَ لاَ جِهَادُهُ وَ لاَ فِقْهُهُ وَ عِلْمُهُ.وَ اللَّهِ إِنَّ لَهُ مَعَ ذَلِكَ حَدّاً وَ جَدّاً (1)وَ حَظّاً وَ حُظْوَةَ وَ بَلاَءً مِنَ اللَّهِ حَسَناً فَمَا تَجْعَلُ لِي إِنْ شَايَعْتُكَ عَلَى حَرْبِهِ وَ أَنْتَ تَعْلَمُ مَا فِيهِ مِنَ الْغَرَرِ وَ الْخَطَرِ قَالَ حُكْمَكَ قَالَ مِصْرَ طُعْمَةً قَالَ فَتَلَكَّأَ عَلَيْهِ مُعَاوِيَةُ .

قَالَ نَصْرٌ وَ فِي حَدِيثِ غَيْرِ عُمَرَ قَالَ قَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَتَحَدَّثَ اَلْعَرَبُ عَنْكَ أَنَّكَ إِنَّمَا دَخَلْتَ فِي هَذَا الْأَمْرِ لِغَرَضِ الدُّنْيَا قَالَ دَعْنِي عَنْكَ قَالَ مُعَاوِيَةُ إِنِّي لَوْ شِئْتُ أَنْ أُمَنِّيَكَ وَ أَخْدَعَكَ لَفَعَلْتُ قَالَ عَمْرٌو لاَ لَعَمْرُ اللَّهِ مَا مِثْلِي يُخْدَعُ لَأَنَا أَكْيَسُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ ادْنُ مِنِّي بِرَأْسِكَ أُسَارُّكَ قَالَ فَدَنَا مِنْهُ عَمْرٌو يُسَارُّهُ فَعَضَّ مُعَاوِيَةُ أُذُنَهُ وَ قَالَ هَذِهِ خُدْعَةٌ هَلْ تَرَى فِي بَيْتِكَ أَحَداً غَيْرِي وَ غَيْرَكَ (2).

ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ عُمَرَ (3)قَالَ فَأَنْشَأَ عَمْرٌو يَقُولُ (4)ح.

ص: 38


1- الحد:الحدة و النشاط و السرعة في الأمور و المضاء فيها.و الجد،بفتح الجيم:الحظ. و بالكسر:الاجتهاد.و في الأصل:«و حدودا»و لا وجه له.و في ح:«و و اللّه إن له مع ذلك لحظا في الحرب ليس لأحد من غيره،و لكنى قد تعودت من اللّه تعالى إحسانا و بلاء جميلا».
2- قال ابن أبي الحديد بعد هذا:«قلت:قال شيخنا أبو القاسم البلخيّ رحمه اللّه تعالى: قول عمرو له:دعنا عنك،كناية عن الإلحاد بل تصريح به.أى دع هذا الكلام الذي لا أصل له فإن اعتقاد الآخرة و أنّها لا تباع بعرض الدنيا من الخرافات.قال رحمه اللّه:و ما زال عمرو بن العاص ملحدا ما تردد قط في الإلحاد و الزندقة،و كان معاوية مثله.و يكفى من تلاعبهما بالإسلام حديث السرار المروى،و أن معاوية عض أذن عمرو.أين هذا من أخلاق عليّ عليه السلام و شدته في ذات اللّه،و هما مع ذلك يعيبانه بالدعابة».
3- يعني عمر بن سعد الراوي.
4- في الأصل:«فأنشأ و هو يقول»،صوابه في ح.

مُعَاوِيَّ لاَ أُعْطِيكَ دِينِي وَ لَمْ أَنَلْ بِذَلِكَ دُنْيَا (1)فَانْظُرَنْ كَيْفَ تَصْنَعُ

فَإِنْ تُعْطِنِي مِصْراً فَأَرْبَحْ بِصَفْقَةٍ أَخَذْتَ بِهَا شَيْخاً يَضُرُّ وَ يَنْفَعُ

وَ مَا الدِّينُ وَ الدُّنْيَا سَوَاءً وَ إِنَّنِي لَآخُذُ مَا تُعْطِي وَ رَأْسِي مُقَنَّعُ

وَ لَكِنَّنِي أُغْضِي الْجُفُونَ وَ إِنَّنِي لَأَخْدَعُ نَفْسِي وَ الْمُخَادِعُ يُخْدَعُ

وَ أُعْطِيكَ أَمْراً فِيهِ لِلْمُلْكِ قُوَّةٌ وَ إِنِّي بِهِ إِنْ زَلَّتِ النَّعْلُ أَضْرَعُ (2)

وَ تَمْنَعُنِي مِصْراً وَ لَيْسَتْ بِرَغْبَةٍ (3) وَ إِنِّي بِذَا الْمَمْنُوعِ قِدْماً لَمُولَعٌ.

قَالَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ مِصْراً مِثْلُ اَلْعِرَاقِ قَالَ بَلَى وَ لَكِنَّهَا إِنَّمَا تَكُونُ لِي إِذَا كَانَتْ لَكَ وَ إِنَّمَا تَكُونُ لَكَ إِذَا غَلَبْتَ عَلِيّاً عَلَى اَلْعِرَاقِ وَ قَدْ كَانَ أَهْلُهَا بَعَثُوا بِطَاعَتِهِمْ إِلَى عَلِيٍّ قَالَ فَدَخَلَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ فَقَالَ أَ مَا تَرْضَى أَنْ نَشْتَرِيَ عَمْراً بِمِصْرَ إِنْ هِيَ صَفَتْ لَكَ فَلَيْتَكَ لاَ تَغْلِبُ عَلَى اَلشَّامِ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ يَا عُتْبَةُ بِتْ عِنْدَنَا اللَّيْلَةَ قَالَ فَلَمَّا جَنَّ عَلَى عُتْبَةَ اللَّيْلُ رَفَعَ صَوْتَهُ لِيُسْمِعَ مُعَاوِيَةَ وَ قَالَ:

أَيُّهَا الْمَانِعُ سَيْفاً لَمْ يَهُزَّ إِنَّمَا مِلْتَ عَلَى خَزٍّ وَ قَزٍّ (4)ح.

ص: 39


1- ح(1:137):«و لم أنل به منك دنيا».
2- ح:«و ألفى به أن زلت النعل أصرع».
3- في الأصل:«و لست نزعته»و الصواب من ح.قال ابن أبي الحديد تعليقا على هذا البيت:«قال شيخنا أبو عثمان الجاحظ:كانت مصر في نفس عمرو بن العاص لأنّه هو الذي فتحها في سنة تسع عشرة من الهجرة في خلافة عمر،فكان لعظمها في نفسه و جلالتها في صدره و ما قد عرفه من أموالها وسعة الدنيا لا يستعظم أن يجعلها ثمنا من دينه».
4- القز من الثياب أعجمى معرب،و هو الذي يسوى منه الإبريسم.و في الأصل: «بز»،و البز:الثياب،أو ضرب منها.و أثبت ما في ح.

إِنَّمَا أَنْتَ خَرُوفٌ مَاثِلٌ (1) بَيْنَ ضَرْعَيْنِ وَ صُوفٍ لَمْ يُجَزَّ

أَعْطِ عَمْراً إِنَّ عَمْراً تَارِكٌ دِينَهُ الْيَوْمَ لِدُنْيَا لَمْ تَحُزْ (2)

يَا لَكَ الْخَيْرُ فَخُذْ مِنْ دَرِّهِ شُخْبَهُ الْأُولَى وَ أَبْعِدْ مَا غَرَزَ

وَ اسْحَبِ الذَّيْلَ وَ بَادِرْ فُوقَهَا (3) وَ انْتَهِزْهَا إِنَّ عَمْراً يُنْتَهَزُ

أَعْطِهِ مِصْراً وَ زِدْهُ مِثْلَهَا إِنَّمَا مِصْرٌ لِمَنْ عَزَّ وَ بَزَّ

وَ اتْرُكِ الْحِرْصَ عَلَيْهَا ضَلَّةً وَ اشْبُبِ النَّارَ لِمَقْرُورً يُكَزُّ (4)

إِنَّ مِصْراً لِعَلِيٍّ أَوْ لَنَا يُغْلَبُ الْيَوْمَ عَلَيْهَا مَنْ عَجَزَ (5).

فَلَمَّا سَمِعَ مُعَاوِيَةُ قَوْلَ عُتْبَةَ أَرْسَلَ إِلَى عَمْرٍو وَ أَعْطَاهَا إِيَّاهُ قَالَ فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو وَ لِي اللَّهُ عَلَيْكَ بِذَلِكَ شَاهِدٌ؟ قَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ نَعَمْ لَكَ اللَّهُ عَلَيَّ بِذَلِكَ لَئِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْنَا اَلْكُوفَةَ قَالَ عَمْرٌو « وَ اللّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ »قَالَ فَخَرَجَ عَمْرٌو وَ مَنْ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ ابْنَاهُ مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ أَعْطَانَا مِصْرَ طُعْمَةً.

قَالاَ وَ مَا مِصْرٌ فِي مُلْكِ اَلْعَرَبِ قَالَ لاَ أَشْبَعَ اللَّهُ بُطُونَكُمَا إِنْ لَمْ يُشْبِعْكُمَا مِصْرٌ قَالَ فَأَعْطَاهَا إِيَّاهُ وَ كَتَبَ لَهُ كِتَاباً وَ كَتَبَ مُعَاوِيَةُ عَلَى أَنْ لاَ يَنْقُضَ شَرْطَ طَاعَةٍ وَ كَتَبَ عَمْرٌو عَلَى أَلاَّ تَنْقُضَ طَاعَةٌ شَرْطاً (6)وَ كَايَدَ كُلُّك.

ص: 40


1- مائل:قائم.و في الأصل و ح:«مائل».
2- في الأصل:«لم تجز»و الصواب من ح.
3- الفوق،بالضم،هنا:الطريق الأول.
4- الكزاز:داء يأخذ من شدة البرد و تعترى منه رعدة.و في الأصل:«يكن» محرفة.
5- في الأصل:«و لما»و أنبت ما في ح.و في الأصل:«من عجن»تحريف.
6- في الأصل:«و لا ينقض طاعة شرطا»و أنبت ما في ح.و انظر الكامل للمبرد 184 ليبسك.

وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ (1).

وَ كَانَ مَعَ عَمْرٍو ابْنُ عَمٍّ لَهُ فَتًى شَابٌّ وَ كَانَ دَاهِياً حَلِيماً (2)فَلَمَّا جَاءَ عَمْرٌو بِالْكِتَابِ مَسْرُوراً عَجِبَ الْفَتَى وَ قَالَ أَ لاَ تُخْبِرُنِي يَا عَمْرُو بِأَيِّ رَأْيٍ تَعِيشُ فِي قُرَيْشٍ أَعْطَيْتَ دِينَكَ وَ مُنِّيتَ دُنْيَا غَيْرِكَ أَ تَرَى أَهْلَ مِصْرٍ وَ هُمْ قَتَلَةُ عُثْمَانَ يَدْفَعُونَهَا إِلَى مُعَاوِيَةَ وَ عَلِيٌّ حَيٌّ وَ تَرَاهَا إِنْ صَارَتْ إِلَى مُعَاوِيَةَ لاَ يَأْخُذُهَا بِالْحَرْفِ الَّذِي قَدَّمَهُ فِي الْكِتَابِ فَقَالَ عَمْرٌو يَا ابْنَ الْأَخِ إِنَّ الْأَمْرَ لِلَّهِ دُونَ عَلِيٍّ وَ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ الْفَتَى فِي ذَلِكَ شِعْراً

أَلاَ يَا هِنْدُ أُخْتَ بَنِي زِيَادٍ دُهِي عَمْرٌو بِدَاهِيَةِ الْبِلاَدِ (3)

رُمِي عَمْرٌو بِأَعْوَرَ عَبْشَمِيٍّ بَعِيدِ الْقَعْرِ مَخْشِيِّ الْكِيَادِ (4)

لَهُ خُدَعٌ يَحَارُ الْعَقْلُ فِيهَا مُزَخْرَفَةٌ صَوَائِدُ لِلْفُؤَادِه.

ص: 41


1- قال ابن أبي الحديد(1:138):«تفسيره أن معاوية قال للكاتب اكتب على ألا ينقض شرط طاعة،يريد أخذ إقرار عمرو له أنّه قد بايعه على الطاعة بيعة مطلقة غير مشروطة بشيء.و هذه مكايدة له؛لأنّه لو كتب ذلك لكان لمعاوية أن يرجع في إعطائه مصرا و لم يكن لعمرو أن يرجع عن طاعته و يحتج عليه برجوعه عن إعطائه مصرا؛لأن مقتضى المشارطة المذكورة أن طاعة معاوية واجبة عليه مطلقا سواء كانت مصر مسلمة إليه أولا.فلما انتبه عمرو على هذه المكيدة منع الكاتب من أن يكتب ذلك و قال:بل اكتب:على أن لا تنقض طاعة شرطا يريد أخذ إقرار معاوية له بأنّه إذا كان أطاعه لا تنقض طاعته إياه ما شارطه عليه من تسليم مصر إليه.و هذا أيضا مكايدة من عمرو لمعاوية،و منع له من أن يقدر بما أعطاه من مصر».
2- الحليم:ذو الأناة و العقل.و في ح:«و كان لعمرو بن العاص ابن عم من بنى سهم أريب».و في الإمامة و السياسة:«و كان مع عمرو بن العاص ابن أخ له جاءه من مصر».و انظر ما سيأتي في س 5 هذه الصفحة من قوله:«يا ابن الأخ»و ما سيأتي بعد القصيدة في الصفحة التالية.
3- أراد:دمى،فسكن آخره للشعر.و في ح:«رمى»و كلاهما بالبناء للمفعول.
4- في الأصل و ح:«محشى الكباد»،و إنّما يريد أنّه يخشى كيده.

فَشَرَّطَ فِي الْكِتَابِ عَلَيْهِ حَرْفاً يُنَادِيهِ بِخُدْعَتِهِ الْمُنَادِي

وَ أَثْبَتَ مِثْلَهُ عَمْرٌو عَلَيْهِ كِلاَ الْمَرْأَيْنِ حَيَّةُ بَطْنِ وَادٍ

أَلاَ يَا عَمْرُو مَا أَحْرَزْتَ مِصْراً وَ مَا مِلْتَ الْغَدَاةَ إِلَى الرَّشَادِ

وَ بِعْتَ الدِّينِ بِالدُّنْيَا خَسَاراً فَأَنْتَ بِذَاكَ مِنْ شَرِّ الْعِبَادِ

فَلَوْ كُنْتَ الْغَدَاةَ أَخَذْتَ مِصْراً وَ لَكِنْ دُونَهَا خَرْطُ الْقَتَادِ

وَفَدْتَ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ حَرْبٍ فَكُنْتَ بِهَا كَوَافِدِ قَوْمِ عَادٍ

وَ أُعْطِيتَ الَّذِي أَعْطَيْتَ مِنْهُ بِطِرْسٍ فِيهِ نَضْحٌ مِنْ مِدَادٍ

أَ لَمْ تَعْرِفْ أَبَا حَسَنٍ عَلِيّاً وَ مَا نَالَتْ يَدَاهُ مِنَ الْأَعَادِيَ

عَدَلْتَ بِهِ مُعَاوِيَةَ بْنَ حَرْبٍ فَيَا بُعْدَ الْبَيَاضِ مِنَ السَّوَادِ

وَ يَا بُعْدَ الْأَصَابِعِ مِنْ سُهَيْلٍ وَ يَا بُعْدَ الصَّلاَحِ مِنَ الْفَسَادِ

أَ تَأْمَنُ أَنْ تَرَاهُ عَلَى خِدَبٍّ يَحُثُّ الْخَيْلَ بِالْأَسَلِ الْحِدَادِ (1)

يُنَادِي بِالنِّزَالِ وَ أَنْتَ مِنْهُ بَعِيدٌ فَانْظُرَنْ مَنْ ذَا تُعَادِي

فَقَالَ عَمْرٌو يَا ابْنَ أَخِي لَوْ كُنْتُ مَعَ عَلِيٍّ وَسِعَنِي بَيْتِي وَ لَكِنِّي الْآنَ مَعَ مُعَاوِيَةَ (2)فَقَالَ لَهُ الْفَتَى إِنَّكَ إِنْ لَمْ تُرِدْ مُعَاوِيَةَ لَمْ يُرِدْكَ وَ لَكِنَّكَ تُرِيدُ دُنْيَاهُ وَ هُوَ يُرِيدُ دِينَكَ وَ بَلَغَ مُعَاوِيَةَ قَوْلُ الْفَتَى فَطَلَبَهُ فَهَرَبَ فَلَحِقَ بِعَلِيٍّ فَحَدَّثَهُ بِأَمْرِ عَمْرٍو وَ مُعَاوِيَةَ قَالَ فَسَّرَ ذَلِكَ عَلِيّاً وَ قَرَّ بِهِ قَالَ وَ غَضِبَ مَرْوَانُ وَ قَالَ مَا بَالِي لاَ أُشْتَرَى كَمَا اشْتُرِيَ عَمْرٌو قَالَ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ إِنَّمَا تُبْتَاعُ الرِّجَالُ لَكَ فَلَمَّا بَلَغَ عَلِيّاً مَا صَنَعَهُ مُعَاوِيَةُ وَ عَمْرٌو قَالَه.

ص: 42


1- الحدب:الضخم من كل شيء.
2- ح:«لو كنت عند على لوسعني.و لكنى الآن عنده.

1

يَا عَجَباً لَقَدْ سَمِعْتُ مُنْكَراً كِذْباً عَلَى اللَّهِ يُشِيبُ الشَّعَرَا

يَسْتَرِقُ السَّمْعَ وَ يُغْشِي الْبَصَرَا مَا كَانَ يَرْضَى أَحْمَدُ لَوْ خُبِّرَا

أَنْ يُقْرِنُوا وَصِيَّهُ وَ اَلْأَبْتَرَا شَانِي الرَّسُولِ وَ اللَّعِينَ الْأَخْزَرَا (1)

كِلاَهُمَا فِي جُنْدِهِ قَدْ عَسْكَرَا قَدْ بَاعَ هَذَا دِينَهُ فَأَفْجَرَا (2)

مِنْ ذَا بِدُنْيَا بَيْعَهُ قَدْ خَسِرَا بِمُلْكِ مِصْرَ إِنْ أَصَابَ الظَّفَرَا (3)

إِنِّي إِذَا الْمَوْتُ دَنَا وَ حَضَرَا شَمَّرْتُ ثَوْبِي وَ دَعَوْتُ قَنْبَراً (4)

قَدِّمْ لِوَائِي لاَ تُؤَخِّرْ حَذَراً لَنْ يَدْفَعَ الْحِذَارُ مَا قَدْ قُدِّرَا (5)

لَمَّا رَأَيْتُ الْمَوْتَ مَوْتاً أَحْمَرَا عَبَّأْتُ هَمْدَانَ وَ عَبَّوْا حِمْيَرَا

حَيُّ يَمَانٍ يُعْظِمُونَ الْخَطَراَ قِرْنٌ إِذَا نَاطَحَ قِرْناً كَسَرَا

قُلْ لاِبْنِ حَرْبٍ لاَ تَدِبَّ الْخَمَرَا (6)أَرْوِدْ قَلِيلاً أُبْدِ مِنْكَ الضَّجَرَا

لاَ تَحْسَبَنِّي يَا اِبْنَ حَرْبٍ غَمَرَا (7)وَ سَلْ بِنَا بَدْراً مَعاً وَ خَيْبَرَاف.

ص: 43


1- يعني بالأبتر العاص بن وائل،والد عمرو بن العاص،و فيه نزل قول اللّه:« إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ »و بالأخزر عمرو بن العاص،و كأنّه كان أخزر ينظر بمؤخر عينيه.
2- أفجر:كذب،أو عصى،أو كفر.و مثله فجر.
3- ح:«بيعة قد خسرا».
4- قنبر بفتح القاف و الباء:مولى على.و إليه ينسب المحدثان العباس بن الحسن و أحمد ابن بشر القنبريان.
5- الحذار:الحذر.و في الأصل:«لن ينفع»صوابه في ح.
6- الخمر،بفتح الخاء المعجمة و الميم:ما و اراك من الشجر و الجبال و نحوها.و الدبيب: المشى على هينة.يقال للرجل إذا ختل صاحبه:هو يدب له الضراء،و يمشى له الخمر.و في الأصل:«لا ندب الحمرا»و الكلمتان محرفتان،و الصواب في ح.و الإرواد:الإمهال.
7- الغمر،بتثليث أوله و بفتح أوله و ثانيه:من لم يجرب الأمور.و في الأصل: «عمرا»محرف.

كَانَتْ قُرَيْشٌ يَوْمَ بَدْرٍ جَزَرَا (1) إِذْ وَرَدُوا الْأَمْرَ فَذَمُّوا الصَّدَرَا

لَوْ أَنَّ عِنْدِي يَا اِبْنَ حَرْبٍ جَعْفَراً أَوْ حَمْزَةَ الْقَرْمَ الْهُمَامَ الْأَزْهَرَا

رَأَتْ قُرَيْشٌ نَجْمَ لَيْلٍ ظُهُرَا

.

مكاتبة معاويه مع شرحبيل و دخوله في أمره

نَصْرٌ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ اَلْجُرْجَانِيِّ قَالَ: لَمَّا بَاتَ عَمْرٌو عِنْدَ مُعَاوِيَةَ وَ أَصْبَحَ أَعْطَاهُ مِصْرَ طُعْمَةً لَهُ وَ كَتَبَ لَهُ بِهَا كِتَاباً وَ قَالَ مَا تَرَى قَالَ أَمْضِ الرَّأْيَ الْأَوَّلَ فَبَعَثَ مَالِكَ بْنَ هُبَيْرَةَ الْكِنْدِيَّ فِي طَلَبِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حُذَيْفَةَ فَأَدْرَكَهُ فَقَتَلَهُ وَ بَعَثَ إِلَى قَيْصَرَ بِالْهَدَايَا فَوَادَعَهُ ثُمَّ قَالَ مَا تَرَى فِي عَلِيٍّ ؟ قَالَ أَرَى فِيهِ خَيْراً أَتَاكَ فِي هَذِهِ الْبَيْعَةِ خَيْرُ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ وَ مِنْ عِنْدِ خَيْرِ النَّاسِ فِي أَنْفُسِ النَّاسِ وَ دَعْوَاكَ أَهْلَ اَلشَّامِ إِلَى رَدِّ هَذِهِ الْبَيْعَةِ خَطَرٌ شَدِيدٌ وَ رَأْسُ أَهْلِ اَلشَّامِ شُرَحْبِيلُ بْنُ السِّمْطِ الْكِنْدِيُّ وَ هُوَ عَدُوٌّ لِجَرِيرٍ الْمُرْسَلِ إِلَيْكَ فَأَرْسِلْ إِلَيْهِ وَ وَطِّنْ لَهُ ثِقَاتَكَ فَلْيَفْشُوا فِي النَّاسِ أَنَّ عَلِيّاً قَتَلَ عُثْمَانَ وَ لْيَكُونُوا أَهْلَ الرِّضَا عِنْدَ شُرَحْبِيلَ فَإِنَّهَا كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ لَكَ أَهْلَ اَلشَّامِ عَلَى مَا تُحِبُّ وَ إِنْ تَعَلَّقَتْ بِقَلْبِ شُرَحْبِيلَ لَمْ تَخْرُجْ مِنْهُ بِشَيْءٍ أَبَداً (2).

فَكَتَبَ إِلَى شُرَحْبِيلَ إِنَّ جَرِيرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ عِنْدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِأَمْرٍ فَظِيعٍ فَاقْدَمْ وَ دَعَا مُعَاوِيَةُ يَزِيدَ بْنَ أَسَدٍ وَ بُسْرَ بْنَ أَرْطَاةَ وَ عَمْرَو بْنَ سُفْيَانَ وَ مُخَارِقَ بْنَ الْحَارِثِ الزُّبَيْدِيَّ وَ حَمْزَةَ بْنَ مَالِكٍ وَ حَابِسَ بْنَ سَعْدٍ الطَّائِيَّ وَ هَؤُلاَءِ رُءُوسُ قَحْطَانَ وَ اَلْيَمَنِ وَ كَانُوا ثِقَاتَ مُعَاوِيَةَ وَ خَاصَّتَهُ وَ بَنِي عَمِّ شُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَلْقَوْهُ وَ يُخْبِرُوهُ أَنَّ عَلِيّاً قَتَلَ عُثْمَانَ فَلَمَّا قُدِّمَ كِتَابُ مُعَاوِيَةَ عَلَى شُرَحْبِيلَ وَ هُوَ بِحِمْصٍ اسْتَشَارَ أَهْلَ

ص: 44


1- الجزر بفتحتين:اللحم الذي تأكله السباع،يقال تركوهم جزرا إذا قتلوهم.
2- في الأصل:«و إن تعلق بقلبه لم يخرجه شيء أبدا»،و أنبت الصواب من ح.

اَلْيَمَنِ فَاخْتَلَفُوا عَلَيْهِ فَقَامَ إِلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ الْأَزْدِيُّ وَ هُوَ صَاحِبُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَ خَتَنُهُ (1)وَ كَانَ أَفْقَهَ أَهْلِ اَلشَّامِ فَقَالَ يَا شُرَحْبِيلَ بْنَ السِّمْطِ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ يَزِيدُكَ خَيْراً مُذْ هَاجَرْتَ إِلَى الْيَوْمِ وَ إِنَّهُ لاَ يَنْقَطِعُ الْمَزِيدُ مِنَ اللَّهِ حَتَّى يَنْقَطِعَ الشُّكْرُ مِنَ النَّاسِ وَ« لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ »إِنَّهُ قَدْ أُلْقِيَ إِلَيْنَا قَتْلُ عُثْمَانَ وَ أَنَّ عَلِيّاً قَتَلَ عُثْمَانَ (2)فَإِنْ يَكُ قَتَلَهُ فَقَدْ بَايَعَهُ اَلْمُهَاجِرُونَ وَ اَلْأَنْصَارُ وَ هُمُ الْحُكَّامُ عَلَى النَّاسِ وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ قَتَلَهُ فَعَلاَمَ تُصَدِّقُ مُعَاوِيَةَ عَلَيْهِ؟ لاَ تُهْلِكْ نَفْسَكَ وَ قَوْمَكَ فَإِنْ كَرِهْتَ أَنْ يَذْهَبَ بِحَظِّهَا جَرِيرٌ فَسِرْ إِلَى عَلِيٍّ فَبَايِعْهُ عَلَى شَامِكَ وَ قَوْمِكَ (3)فَأَبَى شُرَحْبِيلُ إِلاَّ أَنْ يَسِيرَ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَبَعَثَ إِلَيْهِ عِيَاضٌ الثُّمَالِيُّ (4)وَ كَانَ نَاسِكاً،

يَا شُرْحُ يَا ابْنَ اَلسِّمْطِ إِنَّكَ بَالِغٌ بِوُدِّ عَلِيٍّ مَا تُرِيدُ مِنَ الْأَمْرِ (5)

وَ يَا شُرْحُ إِنَّ اَلشَّامَ شَامُكَ مَا بِهَا سِوَاكَ فَدَعْ قَوْلَ الْمُضَلِّلِ مِنْ فِهْرٍ

فَإِنَّ اِبْنَ حَرْبٍ نَاصِبٌ لَكَ خُدْعَةً تَكُونُ عَلَيْنَا مِثْلَ رَاغِيَةِ الْبَكْرِ (6)).

ص: 45


1- عبد الرحمن بن غنم،أحد الرجال المختلف في صحبتهم للرسول.و مات سنة 78.انظر الإصابة 5173 و 6371.فى الأصل:«و حنثه»و إنّما هى«و ختنه»كما جاء في ح.
2- بدلها في ح:«إنّه قد ألقى إلى معاوية أن عليا قتل عثمان،و لهذا يريدك».
3- ح:«عن شامك و قومك».
4- الثمالى:نسبة إلى ثمالة،بطن من بطونهم.و في الأصل:«اليمانيّ»صوابه في ح و معجم المرزبانى 269.قال المرزبانى:«شامى.يقول لشرحبيل بن السمط لما بويع معاوية...»و أنشد بعض أبيات القصيدة التالية.
5- شرح:مرخم شرحبيل،و هذا بضم الشين و فتح الراء و سكون الحاء،و لكنه سكن الراء للشعر.و في الأصل:«شرخ»بالخاء صوابه في ح.
6- الراغية:الرغاء.و البكر،بالفتح:ولد الناقة.انظر أمثال الميداني(2:78). و هذا مثل يضرب في التشاؤم،يشار به إلى ما كان من رغاء بكر ثمود حين عقر قدار ناقة صالح فأصاب ثمود ما أصاب.انظر ثمار القلوب 282 و المفضليات(2:195 طبع المعارف).

فَإِنْ نَالَ مَا يَرْجُو بِنَا كَانَ مُلْكُنَا هَنِيئاً لَهُ وَ الْحَرْبُ قَاصِمَةُ الظَّهْرِ

فَلاَ تَبْغِيَنْ حَرْبَ اَلْعِرَاقِ فَإِنَّهَا تُحَرِّمُ أَطْهَارَ النِّسَاءِ مِنَ الذُّعْرِ

وَ إِنَّ عَلِيّاً خَيْرُ مَنْ وَطِئَ الْحَصَى مِنَ اَلْهَاشِمِيِّينَ الْمُدَارِيكَ لِلْوَتْرِ (1)

لَهُ فِي رِقَابِ النَّاسِ عَهْدٌ وَ ذِمَّةٌ كَعَهْدِ أَبِي حَفْصٍ وَ عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ

فَبَايِعْ وَ لاَ تَرْجِعْ عَلَى الْعَقْبِ كَافِراً أُعِيذُكَ بِاللَّهِ الْعَزِيزِ مِنَ الْكُفْرِ (2)

وَ لاَ تَسْمَعَنْ قَوْلَ الطَّغَامِ فَإِنَّمَا يُرِيدُونَ أَنْ يُلْقُوكَ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ

وَ مَا ذَا عَلَيْهِمْ أَنْ تُطَاعِنَ دُونَهُمْ عَلِيّاً بِأَطْرَافِ الْمُثَقَّفَةِ السُّمْرِ

فَإِنْ غَلَبُوا كَانُوا عَلَيْنَا أَئِمَّةً وَ كُنَّا بِحَمْدِ اللَّهِ مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ (3)

وَ إِنْ غُلِبُوا لَمْ يَصْلَ بِالْحَرْبِ غَيْرُنَا وَ كَانَ عَلِيٌّ حَرْبَنَا آخِرَ الدَّهْرِ

يَهُونُ عَلَى عُليَا لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ دِمَاءُ بَنِي قَحْطَانَ فِي مُلْكِهِمْ تَجْرِي

فَدَعْ عَنْكَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ إِنَّنَا لَكَ الْخَيْرُ لاَ نَدْرِي وَ إِنَّكَ لاَ تَدْرِي

عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ مَصْرَعُ جَنْبِهِ فَلاَ تَسْمَعَنْ قَوْلَ الْأُعَيْوِرِ أَوْ عَمْرٍو .

نَصْرُ بْنُ مُزَاحِمٍ فِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ اَلْجُرْجَانِيِّ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ شُرَحْبِيلُ عَلَى مُعَاوِيَةَ تَلَقَّاهُ النَّاسُ فَأَعْظَمُوهُ وَ دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَتَكَلَّمَ مُعَاوِيَةُ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ يَا شُرَحْبِيلُ إِنَّ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَدْعُونَا إِلَى بَيْعَةِ عَلِيٍّ وَ عَلِيٌّ خَيْرٌ النَّاسِ لَوْ لاَ أَنَّهُ قَتَلَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَ قَدْ حَبَسْتُ نَفْسِير.

ص: 46


1- المداريك:المدركون،جمع مدراك.و الوتر،بالكسر:الثأر و الذحل.
2- على العقب،فيه إشارة إلى قول اللّه:« يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ. »و في الأصل:«العقد» بالدال،صوابه في ح.
3- يقال فلان من ولد الظهر،بالفتح:أى ليس منها.و قيل معناه أنّه لا يلتفت إليه، قال أرطاة بن سهية: فمن مبلغ أبناء مرة أننا وجدنا بنى البرصاء من ولد الظهر.

عَلَيْكَ وَ إِنَّمَا أَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ أَرْضَى مَا رَضُوا وَ أَكْرَهُ مَا كَرِهُوا فَقَالَ شُرَحْبِيلُ أَخْرُجُ فَأَنْظُرُ فَخَرَجَ فَلَقِيَهُ هَؤُلاَءِ النَّفَرُ الْمُوَطِّئُونَ لَهُ فَكُلُّهُمْ يُخْبِرُهُ بِأَنَّ عَلِيّاً قَتَلَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَخَرَجَ مُغْضَباً إِلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ يَا مُعَاوِيَةُ أَبَى النَّاسُ إِلاَّ أَنَّ عَلِيّاً قَتَلَ عُثْمَانَ وَ وَ اللَّهِ لَئِنْ بَايَعْتَ لَهُ لَنُخْرِجَنَّكَ مِنَ اَلشَّامِ أَوْ لَنَقْتُلَنَّكَ قَالَ مُعَاوِيَةُ مَا كُنْتُ لِأُخَالِفَ عَلَيْكُمْ وَ مَا أَنَا إِلاَّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ قَالَ فَرُدَّ هَذَا الرَّجُلَ إِلَى صَاحِبِهِ إِذاً قَالَ فَعَرَفَ مُعَاوِيَةُ أَنَّ شُرَحْبِيلَ قَدْ نَفَذَتْ بَصِيرَتُهُ فِي حَرْبِ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ وَ أَنَّ اَلشَّامَ كُلَّهُ مَعَ شُرَحْبِيلَ (1)فَخَرَجَ شُرَحْبِيلُ فَأَتَى حُصَيْنَ بْنَ نُمَيْرٍ فَقَالَ ابْعَثْ إِلَى جَرِيرٍ فَلْيَأْتِنَا فَبَعَثَ إِلَيْهِ حُصَيْنٌ أَنْ زُرْنَا فَإِنَّ عِنْدَنَا شُرَحْبِيلُ بْنُ السِّمْطِ فَاجْتَمَعَا عِنْدَهُ فَتَكَلَّمَ شُرَحْبِيلُ فَقَالَ يَا جَرِيرُ أَتَيْتَنَا بِأَمْرٍ مُلَفَّفٍ (2)لِتُلْقِيَنَا فِي لَهَوَاتِ الْأَسَدِ وَ أَرَدْتَ أَنْ تَخْلُطَ اَلشَّامَ بِالْعِرَاقِ وَ أَطْرَأْتَ عَلِيّاً (3)وَ هُوَ قَاتِلُ عُثْمَانَ وَ اللَّهُ سَائِلُكَ عَمَّا قُلْتَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ جَرِيرٌ فَقَالَ يَا شُرَحْبِيلُ أَمَّا قَوْلُكَ إِنِّي جِئْتُ بِأَمْرٍ مُلَفَّفٍ فَكَيْفَ يَكُونُ أَمْراً مُلَفَّفاً (4)وَ قَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ اَلْمُهَاجِرُونَ وَ اَلْأَنْصَارُ وَ قُوتِلَ عَلَى رَدِّهِ طَلْحَةُ وَ اَلزُّبَيْرُ وَ أَمَّا قَوْلُكَ إِنِّي أَلْقَيْتُكَ فِي لَهَوَاتِ الْأَسَدِ فَفِي لَهَوَاتِهَا أَلْقَيْتَ نَفْسَكَ وَ أَمَّا خَلْطُ اَلْعِرَاقِ بِالشَّامِ فَخَلْطُهُمَا عَلَى حَقٍّ خَيْرٌ مِنْ فُرْقَتِهِمَا عَلَى بَاطِلٍ وَ أَمَّا قَوْلُكَ إِنَّ عَلِيّاً قَتَلَ عُثْمَانَ فَوَ اللَّهِ مَا فِي يَدَيْكَ مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ الْقَذْفُة.

ص: 47


1- إلى هنا ينتهى اقتباس ح في(1:140)و ينتقل إلى(1:249).
2- في اللسان:«اللفف:ما لففوا من هاهنا و هاهنا،كما يلفف الرجل شهادة الزور». و في اللسان أيضا:«أحاديث ملففة:أى أكاذيب مزخرفة».ح:«ملفق»بالقاف في آخره،و هما وجهان صالحان كما رأيت.
3- قال ابن منظور:«أطرأ القوم:مدحهم،نادرة،و الأعرف بالياء»،ح: «أطريت»بالياء.
4- ح:«ملفتا»بقاف بعد الفاء،و انظر الحاشية الثانية من هذه الصفحة.

« بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ » (1)وَ لَكِنَّكَ مِلْتَ إِلَى الدُّنْيَا وَ شَيْءٍ كَانَ فِي نَفْسِكَ عَلَى زَمَنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ .

فَبَلَغَ مُعَاوِيَةَ قَوْلُ الرَّجُلَيْنِ فَبَعَثَ إِلَى جَرِيرٍ فَزَجَرَهُ (2)وَ لَمْ يَدْرِ مَا أَجَابَهُ أَهْلُ اَلشَّامِ وَ كَتَبَ جَرِيرٌ إِلَى شُرَحْبِيلَ (3)

شُرَحْبِيلُ يَا اِبْنَ السِّمْطِ لاَ تَتْبَعِ الْهَوَى

فَمَا لَكَ فِي الدُّنْيَا مِنَ الدِّينِ مِنْ بَدَلْ

وَ قُلْ لاِبْنِ حَرْبٍ مَا لَكَ الْيَوْمَ حُرْمَةٌ

تَرُومُ بِهَا مَا رُمْتَ فَاقْطَعْ لَهُ الْأَمَلَ (4)

شُرَحْبِيلُ إِنَّ الْحَقَّ قَدْ جَدَّ جَدَّهُ

وَ إِنَّكَ مَأْمُونُ الْأَدِيمِ مِنَ النَّغَلِ

فَأَرْوِدْ وَ لاَ تُفْرِطْ بِشَيْءٍ نَخَافُهُ

عَلَيْكَ وَ لاَ تَعْجَلْ فَلاَ خَيْرَ فِي الْعَجَلِ (5)

وَ لاَ تَكُ كَالْمُجْرَى إِلَى شَرِّ غَايَةٍ

فَقَدْ خُرِقَ السِّرْبَالُ وَ اسْتَنْوَقَ الْجَمَلُ

وَ قَالَ اِبْنُ هِنْدٍ فِي عَلِيٍّ عَضِيهَةً

وَ لَلَّهُ فِي صَدْرِ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ أَجَلُّ

وَ مَا لِعَلِيٍّ فِي اِبْنِ عَفَّانَ سَقْطَةٌ

بِأَمْرٍ وَ لاَ جَلْبٍ عَلَيْهِ وَ لاَ قَتْلِ (6)ة.

ص: 48


1- انظر الآية 53 من سورة سبأ و أقوال أصحاب التفسير فيها.
2- في الأصل:«فزجوه»صوابه في ح.
3- ح:«و كتب كتاب لا يعرف كاتبه إلى شرحبيل يقول».
4- ح:«ما لك اليوم...فاقلع».
5- الإرواد:الإمهال.و الفرط:السبق.
6- ح:«و لا مالا عليه و لا قتل».و الممالأة:المساعدة و المعاونة.

وَ مَا كَانَ إِلاَّ لاَزِماً قَعْرَ بَيْتِهِ

إِلَى أَنْ أَتَى عُثْمَانَ فِي بَيْتِهِ الْأَجَلْ

فَمَنْ قَالَ قَوْلاً غَيْرَ هَذَا فَحَسْبُهُ

مِنَ الزُّورِ وَ الْبُهْتَانِ قَوْلُ الَّذِي احْتَمَلَ (1)

وَصِيُّ رَسُولِ اللَّهِ مِنْ دُونِ أَهْلِهِ

وَ فَارِسُهُ الْأُولَى بِهِ يَضْرِبُ الْمَثَلْ (2).

فَلَمَّا قَرَأَ شُرَحْبِيلُ الْكِتَابَ ذُعِرَ وَ فَكَّرَ وَ قَالَ هَذِهِ نَصِيحَةٌ لِي فِي دِينِي وَ دُنْيَايَ وَ لاَ وَ اللَّهِ لاَ أَعْجَلُ فِي هَذَا الْأَمْرِ بِشَيْءٍ وَ فِي نَفْسِي مِنْهُ حَاجَةٌ فَاسْتَتَرَ لَهُ الْقَوْمُ وَ لَفَّفَ لَهُ مُعَاوِيَةُ الرِّجَالَ يَدْخُلُونَ إِلَيْهِ وَ يَخْرُجُونَ وَ يُعْظِمُونَ عِنْدَهُ قَتْلَ عُثْمَانَ وَ يَرْمُونَ بِهِ عَلِيّاً وَ يُقِيمُونَ الشَّهَادَةَ الْبَاطِلَةَ وَ الْكُتُبَ الْمُخْتَلِفَةَ حَتَّى أَعَادُوا رَأْيَهُ وَ شَحَذُوا عَزْمَهُ وَ بَلَغَ ذَلِكَ قَوْمَهُ فَبَعَثَ ابْنُ أُخْتٍ لَهُ مِنْ بَارِقٍ وَ كَانَ يَرَى رَأْيَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَبَايَعَهُ بَعْدُ وَ كَانَ مِمَّنْ لَحِقَ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ وَ كَانَ نَاسِكاً فَقَالَ

لَعَمْرُ أَبِي الْأَشْقَى اِبْنُ هِنْدٍ لَقَدْ رَمَى شُرَحْبِيلَ بِالسَّهْمِ الَّذِي هُوَ قَاتِلُهُ

وَ لَفَّفَ قَوْماً يَسْحَبُونَ ذُيُولَهُمْ جَمِيعاً وَ أَوْلَى النَّاسِ بِالذَّنْبِ فَاعِلُهُ

فَأَلْفَى يَمَانِيّاً ضَعِيفاً نُخَاعُهُ إِلَى كُلِّ مَا يَهْوَوْنَ تُحْدَى رَوَاحِلُهُ

فَطَاطَا لَهَا لَمَّا رَمَوْهُ بِثِقْلِهَا وَ لاَ يُرْزَقُ التَّقْوَى مِنَ اللَّهِ خَاذِلُهُ

لِيَأْكُلَ دُنْيَا لاِبْنِ هِنْدٍ بِدِينِهِ (3)أَلاَ وَ اِبْنُ هِنْدٍ قَبْلَ ذَلِكَ آكِلُهُ».

ص: 49


1- أي الذي احتمله.ح:«بعض الذي احتمل».
2- ح:«و من باسمه في فضله يضرب المثل».
3- في الأصل:«ليأكل به دنيا ابن هند».

وَ قَالُوا عَلِيٌّ فِي اِبْنِ عَفَّانَ خُدْعَةٌ وَ دَبَّتْ إِلَيْهِ بِالشَّنَانِ غَوَائِلُهُ (1)

وَ لاَ وَ الَّذِي أَرْسَى ثَبِيراً مَكَانَهُ لَقَدْ كُفَّ عَنْهُ كَفُّهُ وَ وَسَائِلُهُ

وَ مَا كَانَ إِلاَّ مِنْ صِحَابِ مُحَمَّدٍ وَ كُلُّهُمُ تَغْلِي عَلَيْهِ مَرَاجِلُهُ.

فَلَمَّا بَلَغَ شُرَحْبِيلَ هَذَا الْقَوْلُ قَالَ هَذَا بَعِيثُ اَلشَّيْطَانِ الْآنَ امْتَحَنَ اللَّهُ قَلْبِي وَ اللَّهِ لَأُسَيِّرَنَّ صَاحِبَ هَذَا الشِّعْرِ أَوْ لَيَفُوتَنَّنِي فَهَرَبَ الْفَتَى إِلَى اَلْكُوفَةِ وَ كَانَ أَصْلُهُ مِنْهَا وَ كَادَ أَهْلُ اَلشَّامِ أَنْ يَرْتَابُوا .

نَصْرٌ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ بِإِسْنَادِهِ قَالَ: وَ بَعَثَ مُعَاوِيَةُ إِلَى شُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ فَقَالَ إِنَّهُ كَانَ مِنْ إِجَابَتِكَ الْحَقَّ وَ مَا وَقَعَ فِيهِ أَجْرُكَ عَلَى اللَّهِ وَ قَبِلَهُ عَنْكَ صُلَحَاءُ النَّاسِ مَا عَلِمْتَ وَ إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ الَّذِي قَدْ عَرَفْتَهُ لاَ يَتِمُّ إِلاَّ بِرِضَا الْعَامَّةِ فَسِرْ فِي مَدَائِنِ اَلشَّامِ وَ نَادِ فِيهِمْ بِأَنَّ عَلِيّاً قَتَلَ عُثْمَانَ وَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى اَلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَطْلُبُوا بِدَمِهِ فَسَارَ فَبَدَأَ بِأَهْلِ حِمْصٍ فَقَامَ خَطِيباً وَ كَانَ مَأْمُوناً فِي أَهْلِ اَلشَّامِ نَاسِكاً مُتَأَلِّهاً فَقَالَ:يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ عَلِيّاً قَتَلَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَ قَدْ غَضِبَ لَهُ قَوْمٌ فَقَتَلَهُمْ وَ هَزَمَ الْجَمِيعَ وَ غَلَبَ عَلَى الْأَرْضِ فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ اَلشَّامُ وَ هُوَ وَاضِعٌ سَيْفَهُ عَلَى عَاتِقِهِ ثُمَّ خَائِضٌ بِهِ غُمَارَ الْمَوْتِ (2)حَتَّى يَأْتِيَكُمْ (3)أَوْ يُحْدِثَ اللَّهُ أَمْراً وَ لاَ نَجِدُ أَحَداً أَقْوَى عَلَى قِتَالِهِ مِنْ مُعَاوِيَةَ فَجِدُّوا وَ انْهَضُوا فَأَجَابَهُ النَّاسُ إِلاَّ نُسَّاكَ أَهْلِ حِمْصٍ (4)فَإِنَّهُمْ قَامُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا بُيُوتُنَا قُبُورُنَا وَ مَسَاجِدُنَا وَ أَنْتَ أَعْلَمُ بِمَا تَرَى وَ جَعَلَ».

ص: 50


1- الشنان،كسحاب:لغة في الشنآن،و هو البغض.و أنشد للأحوص: و ما العيش إلاّ ما تلذ و تشتهى و إن لام فيه ذو الشنان و فندا.
2- ح:«غمرات الموت».
3- في الأصل:«بيكم»و إعجامه و إكماله من ح.
4- ح:«إلا نساكا من أهل حمص».

شُرَحْبِيلُ يَسْتَنْهِضُ مَدَائِنَ اَلشَّامِ حَتَّى اسْتَفْرَغَهَا لاَ يَأْتِي عَلَى قَوْمٍ إِلاَّ قَبِلُوا مَا أَتَاهُمْ بِهِ فَبَعَثَ إِلَيْهِ اَلنَّجَاشِيُّ بْنُ الْحَارِثِ (1)وَ كَانَ صَدِيقاً لَهُ:

شُرَحْبِيلُ مَا لِلدِّينِ فَارَقْتَ أَمْرَنَا وَ لَكِنْ لِبُغْضِ الْمَالِكِيِّ جَرِيرٍ

وَ شَحْنَاءَ دَبَّتْ بَيْنَ سَعْدٍ وَ بَيْنَهُ فَأَصْبَحْتَ كَالْحَادِي بِغَيْرِ بَعِيرٍ

وَ مَا أَنْتَ إِذْ كَانَتْ بَجِيلَةُ عَاتَبَتْ قُرَيْشاً فَيَا لَلَّهِ بُعْدَ نَصِيرٍ

أَ تَفْصِلُ أَمْراً غِبْتَ عَنْهُ بِشُبْهَةٍ وَ قَدْ حَارَ فِيهَا عَقْلُ كُلِّ بَصِيرٍ

بِقَوْلِ رِجَالٍ لَمْ يَكُونُوا أَئِمَّةً وَ لاَ لِلَّتِي لَقَّوْكَهَا بِحُضُورِ (2)

وَ مَا قَوْلُ قَوْمٍ غَائِبِينَ تَقَاذَفُوا مِنَ الْغَيْبِ مَا دَلاَّهُمُ بِغُرُورٍ

وَ تَتْرُكُ أَنَّ النَّاسَ أَعْطَوْا عُهُودَهُمْ عَلِيّاً عَلَى أُنْسٍ بِهِ وَ سُرُورِ

إِذَا قِيلَ هَاتُوا وَاحِداً تَقْتَدُونَهُ نَظِيراً لَهُ لَمْ يَفْصَحُوا بِنَظِيرِ (3)

لَعَلَّكَ أَنْ تَشْقَى الْغَدَاةَ بِحَرْبِهِ شُرَحْبِيلُ مَا مَا جِئْتَهُ بِصَغِيرِ (4)

.

نَصْرٌ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ نُمَيْرِ بْنِ وَعْلَةَ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ : أَنَّ شُرَحْبِيلَ بْنَ السِّمْطِ بْنِ جَبَلَةَ الْكِنْدِيَّ دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ أَنْتَ عَامِلُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ ابْنُ عَمِّهِ وَ نَحْنُ الْمُؤْمِنُونَ فَإِنْ كُنْتَ رَجُلاً تُجَاهِدُ عَلِيّاً وَ قَتَلَةَ عُثْمَانَ حَتَّى نُدْرِكَ بِثَأْرِنَا أَوْ تَفْنَى أَرْوَاحُنَا اسْتَعْمَلْنَاكَ عَلَيْنَا وَ إِلاَّ عَزَلْنَاكَ وَ اسْتَعْمَلْنَا غَيْرَكَ».

ص: 51


1- و كذا ورد في ح.و المعروف في شعرائهم النجاشيّ الحارثى،و اسمه قيس بن عمرو ابن مالك،من بنى الحارث بن كعب.و هو ممن حده أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب لشربه الخمر.انظر الشعراء 68 و الخزانة(4:368).
2- في الأصل:«و لا بالتي لقوكها»،و الصواب من ح(1:250).
3- تقتدونه،المعروف تعديته بالباء،فقد عداه بتضمينه معنى تتبعونه،و في ح: «يقتدى به».
4- أي ليس الذي جئته بصغير.و في ح:«فليس الذي قد جئته بصغير».

مِمَّنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَاهَدْنَا مَعَهُ حَتَّى نُدْرِكَ بِدَمِ عُثْمَانَ أَوْ نَهْلِكَ فَقَالَ جَرِيرٌ يَا شُرَحْبِيلُ مَهْلاً فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَقَنَ الدِّمَاءَ وَ لَمَّ الشَّعَثَ وَ جَمَعَ أَمْرَ الْأُمَّةِ وَ دَنَا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ سُكُونٌ فَإِيَّاكَ أَنْ تُفْسِدَ بَيْنَ النَّاسِ وَ أَمْسِكْ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ مِنْكَ قَوْلٌ لاَ تَسْتَطِيعُ رَدَّهُ قَالَ:لاَ وَ اللَّهِ لاَ أُسِرُّهُ أَبَداً ثُمَّ قَامَ فَتَكَلَّمَ فَقَالَ النَّاسُ:صَدَقَ صَدَقَ الْقَوْلُ مَا قَالَ وَ الرَّأْيُ مَا رَأَى فَأَيِسَ جَرِيرٌ عِنْدَ ذَلِكَ عَنْ مُعَاوِيَةَ وَ عَنْ عَوَامِّ أَهْلِ اَلشَّامِ .

إبطاء جرير عند معاويه و كتاب على عليه السّلام إليهما

1- نَصْرٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ اَلْجُرْجَانِيِّ قَالَ: كَانَ مُعَاوِيَةُ أَتَى جَرِيراً فِي مَنْزِلِهِ فَقَالَ يَا جَرِيرُ إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَأْياً قَالَ هَاتِهِ قَالَ اكْتُبْ إِلَى صَاحِبِكَ يَجْعَلْ لِيَ اَلشَّامَ وَ مِصْرَ جِبَايَةً فَإِذَا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ لَمْ يَجْعَلْ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ بَيْعَةً فِي عُنُقِي وَ أُسَلِّمُ لَهُ هَذَا الْأَمْرَ وَ أَكْتُبُ إِلَيْهِ بِالْخِلاَفَةِ فَقَالَ جَرِيرٌ اكْتُبْ بِمَا أَرَدْتَ وَ أَكْتُبُ مَعَكَ فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ بِذَلِكَ إِلَى عَلِيٍّ فَكَتَبَ عَلِيٌّ إِلَى جَرِيرٍ 1«أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّمَا أَرَادَ مُعَاوِيَةُ أَلاَّ يَكُونَ لِي فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ وَ أَنْ يَخْتَارَ مِنْ أَمْرِهِ مَا أَحَبَّ وَ أَرَادَ أَنْ يَرْيِثَكَ حَتَّى يَذُوقَ أَهْلَ اَلشَّامِ وَ إِنَّ اَلْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ قَدْ كَانَ أَشَارَ عَلَيَّ أَنْ أَسْتَعْمِلَ مُعَاوِيَةَ عَلَى اَلشَّامِ وَ أَنَا بِالْمَدِينَةِ فَأَبَيْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَرَانِي أَتَّخِذُ« اَلْمُضِلِّينَ عَضُداً »فَإِنْ بَايَعَكَ الرَّجُلُ وَ إِلاَّ فَأَقْبِلْ» .

وَ فَشَا كِتَابُ مُعَاوِيَةَ فِي اَلْعَرَبِ فَبَعَثَ إِلَيْهِ اَلْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ

مُعَاوِيَّ إِنَّ اَلشَّامَ شَامُكَ فَاعْتَصِمْ بِشَامِكَ لاَ تَدْخُلْ عَلَيْكَ الْأَفَاعِيَا

وَ حَامِ عَلَيْهَا بِالْقَنَابِلِ وَ الْقَنَا وَ لاَ تَكُ مَحْشُوشَ الذِّرَاعَيْنِ وَانِياً (1)

ص: 52


1- حام:أمر من المحاماة.و القنابل:الجماعة من الناس،الواحدة قنبلة و قنبل بفتح-

وَ إِنَّ عَلِيّاً نَاظِرٌ مَا تُجِيبُهُ فَأَهْدِ لَهُ حَرْباً تُشِيبُ النَّوَاصِيَا

وَ إِلاَّ فَسَلِّمْ إِنَّ فِي السِّلْمِ رَاحَةً لِمَنْ لاَ يُرِيدُ الْحَرْبَ فَاخْتَرْ مُعَاوِيَا

وَ إِنَّ كِتَاباً يَا اِبْنَ حَرْبٍ كَتَبْتَهُ عَلَى طَمَعٍ يُزْجِي إِلَيْكَ الدَّوَاهِيَا

سَأَلْتَ عَلِيّاً فِيهِ مَا لَنْ تَنَالَهُ وَ لَوْ نِلْتَهُ لَمْ يَبْقَ إِلاَّ لَيَالِيَا

وَ سَوْفَ تَرَى مِنْهُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ بَقَاءٌ فَلاَ تُكْثِرْ عَلَيْكَ الْأَمَانِيَا

أَ مِثْلَ عَلِيٍّ تَعْتَرِيهِ بِخُدْعَةٍ وَ قَدْ كَانَ مَا جَرَّبْتَ مِنْ قَبْلُ كَافِياً

وَ لَوْ نَشِبَتْ أَظْفَارُهُ فِيكَ مَرَّةً حَذَاكَ اِبْنَ هِنْدٍ مِنْهُ مَا كُنْتَ حَاذِياً (1).

قَالَ وَ كَتَبَ إِلَيْهِ أَيْضاً

مُعَاوِيَّ إِنَّ الْمُلْكَ قَدْ جُبَّ غَارِبُهُ وَ أَنْتَ بِمَا فِي كَفِّكَ الْيَوْمَ صَاحِبُهُ

أَتَاكَ كِتَابٌ مِنْ عَلِيٍّ بِخَطِّهِ هِيَ الْفَصْلُ فَاخْتَرْ سِلْمَهُ أَوْ تُحَارِبَهُ

وَ لاَ تَرْجُ عِنْدَ الْوَاتِرِينَ مَوَدَّةً وَ لاَ تَأْمَنِ الْيَوْمَ الَّذِي أَنْتَ رَاهِبُهُ

فَحَارِبْهُ إِنْ حَارَبْتَ حَرْبَ ابْنِ حُرَّةٍ وَ إِلاَّ فَسَلِّمْ لاَ تَدِبَّ عَقَارِبُهُ (2)

فَإِنَّ عَلِيّاً غَيْرُ سَاحِبِ ذَيْلِهِ عَلَى خُدْعَةٍ مَا سَوَّغَ الْمَاءُ شَارِبَهُ (3)

وَ لاَ قَابِلٍ مَا لاَ يُرِيدُ وَ هَذِهِ يَقُومُ بِهَا يَوْماً عَلَيْكَ نَوَادِبُهُم.

ص: 53


1- -القاف و الباء فيهما.ح:«بالصوارم».محشوش،في اللسان:«حشت اليد و أحشت و هي محش:يبست؛و أكثر ذلك في الشلل.و حكى عن يونس حشت على صيغة ما لم يسم فاعله».و في ح:«موهون الذراعين».
2- في الأصل و ح:«حر بن حرة».
3- يقال ساغ الطعام و الشراب و أساغه:إذا ألفاه سائغا سهل المدخل في الحلق.و لم أجد هذه الصيغة من التضعيف في المعاجم.

وَ لاَ تَدَعَنَّ الْمُلْكَ وَ الْأَمْرُ مُقْبِلٌ وَ تَطْلُبُ مَا أَعْيَتْ عَلَيْكَ مَذَاهِبُهُ

فَإِنْ كُنْتَ تَنْوِي أَنْ تُجِيبَ كِتَابَهُ فَقُبِّحَ مُمْلِيهِ وَ قُبِّحَ كَاتِبُهُ

فَأَلْقِ إِلَى الْحَيِّ اَلْيَمَانِينَ كَلْمَةً تَنَالُ بِهَا الْأَمْرَ الَّذِي أَنْتَ طَالِبُهُ

تَقُولُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَصَابَهُ عَدُوٌّ وَ مَالاَهُمْ عَلَيْهِ أَقَارِبُهُ (1)

أَفَانِينُ مِنْهُمْ قَاتِلٌ وَ مُحَضِّضٌ بِلاَ تِرَةٍ كَانَتْ وَ آخَرُ سَالِبُهُ

وَ كُنْتُ أَمِيراً قَبْلُ بِالشَّامِ فِيكُمْ فَحَسْبِي وَ إِيَّاكُمْ مِنَ الْحَقِّ وَاجِبُهُ (2)

فَجِيئُوا وَ مَنْ أَرْسَى ثَبِيراً مَكَانَهُ نُدَافِعُ بَحْراً لاَ تُرَدُّ غَوَارِبُهُ (3)

فَأَقْلِلْ وَ أَكْثِرْ مَا لَهَا الْيَوْمَ صَاحِبُ سِوَاكَ فَصَرِّحَ لَسْتَ مِمَّنْ تُوَارِبُهُ.

قَالَ فَخَرَجَ جَرِيرٌ يَتَجَسَّسُ الْأَخْبَارِ فَإِذَا هُوَ بِغُلاَمٍ يَتَغَنَّى عَلَى قُعُودٍ لَهُ وَ هُوَ يَقُولُ

حُكَيمٌ وَ عَمَّارُ الشَّجَا وَ مُحَمَّدٌ وَ أَشْتَرُ وَ اَلْمَكْشُوحُ جَرُّوا الدَّوَاهِيَا (4)

وَ قَدْ كَانَ فِيهَا لِلزُّبَيْرِ عَجَاجَةٌ وَ صَاحِبُهُ الْأَدْنَى أَشَابَ النَّوَاصِيَا (5)ل.

ص: 54


1- الممالاة:المعاونة و المساعدة.و يعنى بأمير المؤمنين عثمان.
2- في الأصل:«فحبلى»صوابه في ح.
3- في الأصل و ح:«تجيبوا»تحريف.و الغوارب:أعالي الموج.يستحلفهم بمن أرسى جبل ثبير في مكانه أن ينهضوا لمعاونته على عدوه لكثير العدد.
4- حكيم،بهيئة التصغير،هو ابن جبلة بن حصن العبدى،و كان من عمال عثمان على السند ثمّ البصرة.انظر مروج الذهب(1:440)و الإصابة 1991.و عمار،هو عمار ابن ياسر الصحابيّ.و محمد،هو ان أبى بكر الصديق.انظر مروج الذهب(1: 440-442).و الأشتر:لقب ملك بن الحارث الشاعر التابعي،و كان قد قدم في نفر من أهل الكوفة.انظر المعارف 84.و المكشوح،هو المرادى.و قد اختلف في اسمه. انظر الإصابة 7307.
5- يعني بصاحبه الأدنى«الزبير بن العوام».و قد قتل طلحة و الزبير يوم الجمل.

فَأَمَّا عَلِيٌّ فَاسْتَغَاثَ بِبَيْتِهِ فَلاَ آمِرٌ فِيهَا وَ لَمْ يَكُ نَاهِياً

وَ قُلْ فِي جَمِيعِ النَّاسِ مَا شِئْتَ بَعْدَهُ وَ إِنْ قُلْتَ أَخْطَا النَّاسُ لَمْ تَكُ خَاطِيَا

وَ إِنْ قُلْتَ عُمَّ الْقَوْمُ فِيهِ بِفِتْنَةٍ فَحَسْبُكَ مِنْ ذَاكَ الَّذِي كَانَ كَافِياً

فَقُوَلا لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ وَ خُصَّا الرِّجَالَ الْأَقْرَبِينَ الْمَوَالِيَا

أَ يُقْتَلُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَسْطَكُمْ عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ لَيْسَ إِلاَّ تَمَادِياً (1)

فَلاَ نَوْمَ حَتَّى نَسْتَبِيحَ حَرِيمَكُمْ وَ نَخْضِبَ مِنْ أَهْلِ الشَّنَانِ الْعَوَالِيَا (2).

قَالَ جَرِيرٌ يَا ابْنَ أَخِي مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ أَنَا غُلاَمٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَ أَصْلِي مِنْ ثَقِيفٍ أَنَا ابْنُ اَلْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ بْنِ شُرَيْقٍ قُتِلَ أَبِي مَعَ عُثْمَانَ يَوْمَ الدَّارِ فَعَجِبَ جَرِيرٌ مِنْ قَوْلِهِ وَ كَتَبَ بِشَعْرِهِ إِلَى عَلِيٍّ (3)،فَقَالَ عَلِيٌّ : 1«وَ اللَّهِ مَا أَخْطَأَ الْغُلاَمُ شَيْئاً» . .

وَ فِي حَدِيثٍ صَالِحٍ بْنِ صَدَقَةَ قَالَ: أَبْطَأَ جَرِيرٌ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ حَتَّى اتَّهَمَهُ النَّاسُ وَ قَالَ عَلِيٌّ وَقَّتٌّ لِرَسُولِي وَقْتاً لاَ يُقِيمُ بَعْدَهُ إِلاَّ مَخْدُوعاً أَوْ عَاصِياً وَ أَبْطَأَ عَلَى عَلِيٍّ حَتَّى أَيِسَ مِنْهُ .

1- وَ فِي حَدِيثِ مُحَمَّدٍ وَ صَالِحِ بْنِ صَدَقَةَ قَالاَ وَ كَتَبَ عَلِيٌّ إِلَى جَرِيرٍ بَعْدَ ذَلِكَ:

1«أَمَّا بَعْدُ فَإِذَا أَتَاكَ كِتَابِي هَذَا فَاحْمِلْ مُعَاوِيَةَ عَلَى الْفَصْلِ وَ خُذْهُ بِالْأَمْرِ الْجَزْمِ ثُمَّ خَيِّرْهُ بَيْنَ حَرْبٍ مُجْلِيَةٍ أَوْ سِلْمٍ مُحْظِيَةٍ (4)فَإِنِ اخْتَارَ الْحَرْبَ فَانْبِذْ لَهُ (5)وَ إِنِ اخْتَارَ السِّلْمَ فَخُذْ بَيْعَتَهُ.8.

ص: 55


1- ح:«إلا تعاميا».
2- الشنان لغة في الشنآن و هو البغض.انظر ما سبق في ص 50.و العوالى:عوالى الرماح.
3- ح:«من شعره و قوله و كتب بذلك إلى عليّ عليه السلام».
4- ح:«مخزبة».
5- انظر التنبيه الثالث من ص 28.

فَلَمَّا انْتَهَى الْكِتَابُ إِلَى جَرِيرٍ أَتَى مُعَاوِيَةَ فَأَقْرَأَهُ الْكِتَابَ فَقَالَ لَهُ:

يَا مُعَاوِيَةُ إِنَّهُ لاَ يُطْبَعُ عَلَى قَلْبِ إِلاَّ بِذَنْبٍ وَ لاَ يُشْرَحُ صَدْرٌ إِلاَّ بِتَوْبَةٍ (1)وَ لاَ أَظُنُّ قَلْبَكَ إِلاَّ مَطْبُوعاً أَرَاكَ قَدْ وَقَفْتَ بَيْنَ الْحَقِّ وَ الْبَاطِلِ كَأَنَّكَ تَنْتَظِرُ شَيْئاً فِي يَدَيْ غَيْرِكَ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ :أَلْقَاكَ بِالْفَيْصَلِ أَوَّلَ مَجْلِسٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَمَّا بَايَعَ مُعَاوِيَةَ أَهْلُ اَلشَّامِ وَ ذَاقَهُمْ قَالَ:يَا جَرِيرُ الْحَقْ بِصَاحِبِكَ وَ كَتَبَ إِلَيْهِ بِالْحَرْبِ (2)وَ كَتَبَ فِي أَسْفَلِ كِتَابِهِ بِقَوْلِ كَعْبِ بْنِ جُعَيْلٍ

أَرَى اَلشَّامَ تَكْرَهُ مُلْكَ اَلْعِرَاقِ وَ أَهْلُ اَلْعِرَاقِ لَهَا كَارِهُونَا (3)

وَ كُلٌّ لِصَاحِبِهِ مُبْغِضٌ يَرَى كُلَّ مَا كَانَ مِنْ ذَاكَ دِيناً».

ص: 56


1- في الأصل:«و لا ينشرح إلاّ بتوبة»و أثبت ما في ح.
2- لم يذكر لنا نصر نص رسالة معاوية،و هي كما جاءت في كامل المبرد 184: «بسم اللّه الرحمن الرحيم من معاوية بن صخر إلى عليّ بن أبي طالب.أما بعد فلعمرى لو بايعك القوم الذين بايعوك و أنت برىء من دم عثمان كنت كأبى بكر و عمر و عثمان رضى اللّه عنهم أجمعين،و لكن أغريت بعثمان المهاجرين،و خذلت عنه الأنصار،فأطاعك الجاهل و قوى بك الضعيف.و قد أبى أهل الشام إلاّ قتلك حتّى تدفع إليهم قتلة عثمان،فإن فعلت كانت شورى بين المسلمين.و لعمرى ما حجتك على كحجتك على طلحة و الزبير؛لأنهما بايعك و لم أبايعك. و ما حجتك على أهل الشام كحجتك على أهل البصرة؛لأن أهل البصرة أطاعوك و لم يطعك أهل الشام.و أمّا شرفك في الإسلام و قرابتك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم و موضعك من قريش فلست أدفعه».و قد روى هذه الرسالة صاحب الإمامة و السياسة(1:87) و زاد بعد قوله:«كانت شورى بين المسلمين»هذا الكلام:«و قد كان أهل الحجاز أعلى الناس و في أيديهم الحق،فلما تركوه صار الحق في أيدي أهل الشام».و هذه العبارة الأخيرة توضح لنا السر في ارتياب ابن أبي الحديد في آخر الصفحة 252 من الجزء الأول، في تمام الرواية التي رواها المبرد.و قال في أول 253:«و ما وجدنا هذا الكلام في كتابه». و ها هو ذا الكلام بتمامه بين يدي القارئ.
3- ح(1:158):«تكره أهل العراق*و أهل العراق لهم».و في كامل المبرد 184:«تكره ملك العراق*و أهل العراق لهم».

إِذَا مَا رَمَوْنَا رَمَيَنْاَهُمُ وَ دِنَّاهُمُ مِثْلَ مَا يُقْرِضُونَا (1)

وَ قَالُوا عَلِيٌّ إِمَامٌ لَنَا فَقُلْنَا رَضِينَا اِبْنَ هِنْدٍ رَضِينَا

وَ قُلْنَا نَرَى أَنْ تَدِينُوا لَنَا فَقَالُوا لَنَا لاَ نَرَى (2)أَنْ نَدِينَا

وَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ خَرْطُ الْقَتَادِ وَ ضَرْبٌ وَ طَعْنٌ يُقِرُّ الْعُيُونَا (3)

وَ كُلٌّ يُسَرُّ بِمَا عِنْدَهُ يَرَى غَثَّ مَا فِي يَدَيْهِ سَمِيناً

وَ مَا فِي عَلِيٍّ لِمُسْتَعْتِبٍ مَقَالٌ سِوَى ضَمِّهِ الْمُحْدِثِينَا

وَ إِيثَارِهِ الْيَوْمَ أَهْلَ الذُّنُوبِ وَ رَفْعِ الْقِصَاصِ عَنِ الْقَاتِلِينَا

إِذَا سِيلَ عَنْهُ حَدَا شُبْهَةً وَ عَمَّى الْجَوَابَ عَلَى السَّاَئِلِينَا (4)

فَلَيْسَ بِرَاضٍ وَ لاَ سَاخِطٍ وَ لاَ فِي النُّهَاةِ وَ لاَ الْآمِرِينَا

وَ لاَ هُوَ سَاءَ وَ لاَ سَرَّهُ وَ لاَ بُدَّ مِنْ بَعْضِ ذَا أَنْ يَكُونَا.

قَالَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ 1مِنْ عَلِيٍّ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ صَخْرٍ «أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ أَتَانِي كِتَابُ امْرِئٍ لَيْسَ لَهُ نَظَرٌ يَهْدِيهِ وَ لاَ قَائِدٍ يَرْشُدُهُ دَعَاهُ الْهَوَى فَأَجَابَهُ وَ قَادَهُ فَاتَّبَعَهُ زَعَمْتَ أَنَّهُ أَفْسَدَ عَلَيْكَ بَيْعَتِي خَطِيئَتِي فِي عُثْمَانَ وَ لَعَمْرِي مَا كُنْتُ إِلاَّ رَجُلاً مِنَ اَلْمُهَاجِرِينَ أَوْرَدْتُ كَمَا أَوْرَدُوا وَ أَصْدَرْتُ كَمَا أَصْدَرُوا وَ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَجْمَعَهُمْح.

ص: 57


1- دناهم،من الدين،و هو القرض،و في قول الحماسى:«دناهم كما دانوا». يقرضونا،من الإقراض.و قد حذف نون الرفع،و هو وجه جائز في العربية.انظر التنبيه رقم 2 ص 4.و في الأصل:«يعرضونا»صوابه في ح و الكامل.
2- ح:«ألا لا نرى».
3- قال المبرد:«و أحسن الروايتين:يفض الشئونا.و في آخر هذا الشعر ذمّ لعلى بن أبى طالب رضي اللّه عنه،أمسكنا عن ذكره».
4- سيل:سئل.حدا شبهة:ساقها في الأصل:«عن السائلينا»صوابه في ح.

عَلَى ضَلاَلَةٍ وَ لاَ لِيَضْرِبَهُمْ بِالْعَمَى وَ مَا أَمَرْتُ (1)فَيَلْزَمَنِي خَطِيئَةُ الْأَمْرِ وَ لاَ قَتَلْتُ فَيَجِبَ عَلَيَّ الْقِصَاصُ وَ أَمَّا قَوْلُكَ:إِنَّ أَهْلَ اَلشَّامِ هُمُ الْحُكَّامُ عَلَى أَهْلِ اَلْحِجَازِ فَهَاتِ رَجُلاً مِنْ قُرَيْشِ اَلشَّامِ يُقْبَلُ فِي الشُّورَى أَوْ تَحِلُّ لَهُ الْخِلاَفَةُ.فَإِنْ زَعَمْتَ ذَلِكَ كَذَّبَكَ اَلْمُهَاجِرُونَ وَ اَلْأَنْصَارُ وَ إِلاَّ أَتَيْتُكَ بِهِ مِنْ قُرَيْشِ اَلْحِجَازِ وَ أَمَّا قَوْلُكَ:اِدْفَعْ إِلَيْنَا قَتَلَةَ عُثْمَانَ فَمَا أَنْتَ وَ عُثْمَانَ إِنَّمَا أَنْتَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَ بَنُو عُثْمَانَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْكَ فَإِنْ زَعَمْتَ أَنَّكَ أَقْوَى عَلَى دَمِ أَبِيهِمْ مِنْهُمْ فَادْخُلْ فِي طَاعَتِي ثُمَّ حَاكِمِ الْقَوْمَ إِلَيَّ أَحْمِلْكَ وَ إِيَّاهُمْ عَلَى الْمَحَجَّةِ.وَ أَمَّا تَمْيِيزُكَ بَيْنَ اَلشَّامِ وَ اَلْبَصْرَةِ وَ بَيْنَ طَلْحَةَ وَ اَلزُّبَيْرِ فَلَعَمْرِي مَا الْأَمْرُ فِيمَا هُنَاكَ إِلاَّ وَاحِدٌ (2)لِأَنَّهَا بَيْعَةٌ عَامَّةٌ لاَ يُثْنَى فِيهَا النَّظَرُ وَ لاَ يَسْتَأْنِفُ فِيهَا الْخِيَارُ (3)وَ أَمَّا وُلُوعُكَ بِي فِي أَمْرِ عُثْمَانَ فَمَا قُلْتَ ذَلِكَ عَنْ حَقِّ الْعِيَانِ وَ لاَ يَقِينِ الْخَبَرَ (4)وَ أَمَّا فَضْلِي فِي اَلْإِسْلاَمِ وَ قَرَابَتِي مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ شَرَفِي فِي قُرَيْشٍ فَلَعَمْرِي لَوْ اسْتَطَعْتَ دَفْعَ ذَلِكَ لَدَفَعْتَهُ.

وَ أَمَرَ اَلنَّجَاشِيَّ فَأَجَابَهُ فِي الشِّعْرِ فَقَالَ (5)

دَعَنْ يَا مُعَاوِيَّ مَا لَنْ يَكُونَا فَقَدْ حَقَّقَ اللَّهُ مَا تَحْذَرُونَا

أَتَاكُمْ عَلِيٌّ بِأَهْلِ اَلْحِجَازِ وَ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ فَمَا تَصْنَعُونَا (6)».

ص: 58


1- ح:«و ما ألبت».و التأليب:التحريض.
2- ح و الكامل:«إلا سواء».و ما في ح هنا نقل عن الكامل لا عن كتاب نصر.
3- ح و الكامل:«لأنّها بيعة شاملة لا يستثنى فيها الخيار و لا يستأنف فيها النظر».
4- الخبر:العلم،و الاختبار.و في الأصل:«و لا بعين الخير»و الصواب من ح.
5- ح و الكامل:«ثم دعا النجاشيّ أحد بنى الحارث بن كعب فقال له:إن ابن جعيل شاعر أهل الشام،و أنت شاعر أهل العراق،فأجب الرجل.فقال:يا أمير المؤمنين، أسمعنى قوله.قل:إذا أسمعك شعر شاعر.فقال النجاشيّ يجيبه».
6- روى المبرد هذين البيتين،و قال في إثرهما:«و بعد هذا ما نمسك عنه».

عَلَى كُلِّ جَرْدَاءَ خَيْفَانَةٍ وَ أَشْعَثَ نَهْدٍ يَسُرُّ الْعُيُونَا (1)

عَلَيْهَا فَوَارِسُ مَخْشِيَّةٌ (2) كَأُسْدِ الْعَرِينِ حَمَيْنَ الْعَرِينَا

يَرَوْنَ الطِّعَانَ خِلاَلَ الْعَجَاجِ وَ ضَرْبَ الْفَوَارِسِ فِي النَّقْعِ دِيناً

هُمُ هَزَمُوا الْجَمْعَ جَمْعَ اَلزُّبَيْرِ وَ طَلْحَةَ وَ الْمَعْشَرِ اَلنَّاكِثِينَا

وَ قَالُوا يَمِيناً عَلَى حَلْفِةِ لَنَهْدِي إِلَى اَلشَّامِ حَرْباً زَبُوناً (3)

تُشِيبُ النَّوَاصِيَ قَبْلَ الْمَشِيبِ وَ تُلْقِي الْحَوَامِلُ مِنْهَا الْجَنِينَا (4)

فَإِنْ تَكْرَهُوا الْمُلْكَ مُلْكَ اَلْعِرَاقِ فَقَدْ رَضِيَ الْقَوْمُ مَا تَكْرَهُونَا

فَقُلْ لِلْمُضَلِّلِ مِنْ وَائِلٍ وَ مَنْ جَعَلَ الْغَثَّ يَوْماً سَمِيناً

جَعَلْتُمْ عَلِيّاً وَ أَشْيَاعَهُ نَظِيرَ اِبْنِ هِنْدٍ أَ لاَ تَسْتَحُونَا

إِلَى أَوَّلِ النَّاسِ بَعْدَ الرَّسُولِ وَ صِنْوِ الرَّسُولِ مِنَ الْعَالَمِينَا

وَ صِهْرِ الرَّسُولِ وَ مَنْ مِثْلُهُ إِذَا كَانَ يَوْمٌ يُشِيبُ الْقُرُونَا (5)

.

نَصْرٌ صَالِحُ بْنُ صَدَقَةَ بِإِسْنَادِهِ قَالَ: لَمَّا رَجَعَ جَرِيرٌ إِلَى عَلِيٍّ كَثُرَ قَوْلُ النَّاسِ فِي التُّهَمَةِ لِجَرِيرِ فِي أَمْرِ مُعَاوِيَةَ فَاجْتَمَعَ جَرِيرٌ وَ اَلْأَشْتَرُ عِنْدَ عَلِيٍّ فَقَالَ اَلْأَشْتَرُ أَمَا وَ اللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ كُنْتَ أَرْسَلْتَنِي إِلَى مُعَاوِيَةَ لَكُنْتُ خَيْراً لَكَ مِنْ هَذَا الَّذِي أَرْخَى مِنْ خِنَاقِهِ وَ أَقَامَ عِنْدَهُ حَتَّى لَمْ يَدَعْ بَاباً يَرْجُو».

ص: 59


1- الجرداء:الفرس القصيرة الشعر.و الخيفانة:الخفيفة الوثابة.و النهد،من الخيل: الجسيم المشرف.
2- مخشية:مخوفة.و في الأصل:«تحسبهم»،صوابه في ح(1:252).
3- ح:«آلوا»،أي حلفوا.
4- ح:«تشيب النواهد».
5- قال ابن أبي الحديد:«أبيات كعب بن جعيل خير من هذه الأبيات،و أخبث مقصدا و أدمى و أحسن».

رَوْحَهُ إِلاَّ فَتَحَهُ (1)أَوْ يَخَافُ غَمَّهُ إِلاَّ سَدَّهُ فَقَالَ جَرِيرٌ وَ اللَّهِ لَوْ أَتَيْتَهُمْ لَقَتَلُوكَ وَ خَوَّفَهُ بِعَمْرٍو وَ ذِي الْكَلاَعِ وَ حَوْشَبٍ ذِي ظُلَيْمٍ (2)وَ قَدْ زَعَمُوا أَنَّكَ مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ .

فَقَالَ اَلْأَشْتَرُ لَوْ أَتَيْتُهُ وَ اللَّهِ يَا جَرِيرُ لَمْ يُعْيِنِي جَوَابُهَا وَ لَمْ يَثْقُلْ عَلَيَّ مَحْمِلُهَا وَ لَحَمَلْتُ مُعَاوِيَةَ عَلَى خُطَّةٍ أُعَجِّلُهُ فِيهَا عَنِ الْفِكْرِ قَالَ فَأْتِهِمْ إِذاً قَالَ الْآنَ وَ قَدْ أَفْسَدْتَهُمْ وَ وَقَعَ بَيْنَهُمْ الشَّرُّ .

نَصْرٌ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ نُمَيْرِ بْنِ وَعْلَةَ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ قَالَ: اجْتَمَعَ جَرِيرٌ وَ اَلْأَشْتَرُ عِنْدَ عَلِيٍّ فَقَالَ اَلْأَشْتَرُ أَ لَيْسَ قَدْ نَهَيْتُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ تَبْعَثَ جَرِيراً وَ أَخْبَرْتُكَ بِعَدَاوَتِهِ وَ غَشِّهِ وَ أَقْبَلَ اَلْأَشْتَرُ بِشَتْمِهِ وَ يَقُولُ يَا أَخاَ بَجِيلَةَ إِنَّ عُثْمَانَ اشْتَرَى مِنْكَ دِينَكَ بِهَمَدَانَ وَ اللَّهِ مَا أَنْتَ بِأَهْلٍ أَنْ تَمْشِيَ فَوْقَ الْأَرْضِ حَيّاً (3)إِنَّمَا أَتَيْتَهُمْ لِتَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَداً بِمَسِيرِكَ إِلَيْهِمْ ثُمَّ رَجَعْتَ إِلَيْنَا مِنْ عِنْدِهِمْ تُهَدِّدُنَا بِهِمْ وَ أَنْتَ وَ اللَّهِ مِنْهُمْ وَ لاَ أَرَى سَعْيَكَ إِلاَّ لَهُمْ وَ لَئِنْ أَطَاعَنِي فِيكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لَيَحْبِسَنَّكَ وَ أَشْبَاهَكَ فِي مَحْبَسٍ لاَ تَخْرُجُونَ مِنْهُ حَتَّى تَسْتَبِينَ هَذِهِ الْأُمُورُ وَ يُهْلِكَ اللَّهُ الظَّالِمِينَ.

قَالَ جَرِيرٌ وَدِدْتُ وَ اللَّهِ أَنَّكَ كُنْتَ مَكَانِي بُعِثْتَ إِذاً وَ اللَّهِ لَمْ تَرْجِعْ قَالَ فَلَمَّا سَمِعَ جَرِيرٌ ذَلِكَ لَحِقَ بِقَرْقِيسِيَا وَ لَحِقَ بِهِ أُنَاسٌ مِنْ قَسْرٍ مِنْ قَوْمِهِ (4)وَ لَمْ يَشْهَدْ صِفِّينَ مِنْ قَسْرٍ (5)غَيْرُ تِسْعَةَ عَشَرَ وَ لَكِنَّح.

ص: 60


1- روحه،أي ما فيه من روح.و الروح،بالفتح:الراحة.و في ح(1:260): «يرجو فتحه».
2- ظليم،بهيئة التصغير،كما في القاموس.و هو حوشب بن طخمة.
3- ح:«بأهل أن تترك تمشى فوق الأرض».
4- قسر،بفتح القاف،هم بنو بجيلة رهط جرير بن عبد اللّه البجليّ.و في الأصل: «و لحق به أناس من قيس فسر من قومه»،صوابه في ح.
5- في الأصل:«قيس»و الكلام يقتضى ما أثبت من ح.

أَحْمَسَ(1) شَهِدَهَا مِنْهُمْ سَبْعُمِائَةِ رَجُلٍ وَ خَرَجَ عَلِيٌّ إِلَى دَارِ جَرِيرٍ فَشَعَّثَ مِنْهَا وَ حَرَّقَ مَجْلِسَهُ وَ خَرَجَ أَبُو زُرْعَةَ بْنُ عُمَرَ بْنِ جَرِيرٍ فَقَالَ أَصْلَحَكَ اللَّهُ إِنَّ فِيهَا أَرْضاً لِغَيْرِ جَرِيرٍ فَخَرَجَ عَلِيٌّ مِنْهَا إِلَى دَارِ ثُوَيْرِ بْنِ عَامِرٍ فَحَرَّقَهَا وَ هَدَمَ مِنْهَا وَ كَانَ ثُوَيْرٌ رَجُلاً شَرِيفاً وَ كَانَ قَدْ لَحِقَ بِجَرِيرٍ .

وَ قَالَ اَلْأَشْتَرُ فِيمَا كَانَ مِنْ تَخْوِيفٍ جَرِيرٍ إِيَّاهُ بِعَمْرٍو وَ حَوْشَبٍ ذِي ظُلَيْمٍ وَ ذِي الْكَلاَعِ (2)

لَعَمْرُكَ يَا جَرِيرُ لَقَوْلُ عَمْرٍو وَ صَاحِبِهِ مُعَاوِيَةَ الشَّآمِيِّ

وَ ذِي كَلَعٍ وَ حَوْشَبٍ ذِي ظُلَيْمٍ أَخَفُّ عَلَيَّ مِنْ زَفِّ النَّعَامِ (3)

إِذَا اجْتَمَعُوا عَلَيَّ فَخَلِّ عَنْهُمْ وَ عَنْ بَازٍ مَخَالِبُهُ دَوَامِ (4)

فَلَسْتُ بِخَائِفٍ مَا خَوَّفُونِي وَ كَيْفَ أَخَافُ أَحْلاَمَ النِّيَامِ

وَ هَمُّهُمُ الَّذِينَ حَامُوا عَلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا وَ هَمِّي مَا أَمَامِي (5)

فَإِنْ أَسْلَمْ أَعُمُّهُمُ بِحَرْبٍ يَشِيبُ لِهَوْلِهَا رَأْسُ الْغُلاَمِ

وَ إِنْ أَهْلِكْ فَقَدْ قَدَّمْتُ أَمْراً أَفُوزُ بِفَلْجِهِ يَوْمَ الْخِصَامِ (6)

وَ قَدْ زَأَرُوا إِلَيَّ وَ أَوْعَدُونِي وَ مَنْ ذَا مَاتَ مِنْ خَوْفِ الْكَلاَمِر.

ص: 61


1- بنو أحمس،هم من بطون بجيلة بن أنمار بن نزار.و كانت بجيلة في اليمن.انظر المعارف 46 - 29
2- انظر ما سبق في ص 60.
3- أي قول هؤلاء أخفّ من زف النعام.و الزف،بالكسر:صغار ريش النعام.
4- دوام:داميات.و قد عنى بالبازى نفسه.
5- حاموا،من الحوم،و هو الدوران؛يقال لكل من رام أمرا:حام عليه حوما و حياما و حئوما و حومانا.و حاموا،بفتح الميم،من المحاماة و المدافعة.
6- الفلج:الظفر و النصر.و عنى بيوم الخصام اليوم الآخر.

وَ قَالَ اَلسَّكُونِيُّ

تَطَاوَلَ لَيْلِي يَا لِحُبِّ اَلسَّكَاسِكِ

لِقَوْلٍ أَتَانَا عَنْ جَرِيرٍ وَ مَالِكٍ (1)

أَجَرَّ عَلَيْهِ ذَيْلُ عَمْرٍو عَدَاوَةً

وَ مَا هَكَذَا فِعْلُ الرِّجَالِ الْحَوَانِكِ (2)

فَأَعْظِمْ بِهَا حَرَّى عَلَيْكَ مُصِيبَةً

وَ هَلْ يُهْلِكُ الْأَقْوَامَ غَيْرُ التَّمَاحُكِ (3)

فَإِنْ تَبْقَيَا تَبْقَ اَلْعِرَاقُ بِغِبْطَةٍ

وَ فِي النَّاسِ مَأْوًى لِلرِّجَالِ الصَّعَالِكِ

وَ إِلاَّ فَلَيْتَ الْأَرْضَ يَوْماً بِأَهْلِهَا

تَمِيلُ إِذَا مَا أَصْبَحَا فِي الْهَوَالِكِ

فَإِنَّ جَرِيراً نَاصِحٌ لِإِمَامِهِ

حَرِيصٌ عَلَى غَسْلِ الْوُجُوهِ الْحَوَالِكِ

وَ لَكِنَّ أَمْرَ اللَّهِ فِي النَّاسِ بَالِغٌ

يُحِلُّ مَنَايَا بِالنُّفُوسِ الشَّوَارِكِ.

مكاتبة معاوية و عمرو مع أهل مكة و المدينة

قَالَ نَصْرٌ وَ فِي حَدِيثِ صَالِحِ بْنِ صَدَقَةَ قَالَ: لَمَّا أَرَادَ مُعَاوِيَةُ السَّيْرَ إِلَى صِفِّينَ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ :إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَنْ نُلْقِيَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَ أَهْلِ

ص: 62


1- السكاسك:حى من اليمن،أبوهم سكسك بن أشرس بن ثور بن كندى.انظر اللسان(12:327)و الاشتقاق 221.
2- الحوانك:جمع حانك على غير قياس،فهو من إخوان الفوارس.و اشتقاق الحانك من قولهم:«حنكت الشيء فهمته».انظر اللسان(12:299 س 19-20).
3- أراد:أعظم بها مصيبة حرى.و الحرى:الحارة.و التماحك:اللجاج و المشارة.

اَلْمَدِينَةِ كِتَاباً نَذْكُرُ لَهُمْ فِيهِ أَمْرَ عُثْمَانَ فَإِمَّا أَنْ نُدْرِكَ حَاجَتَنَا وَ إِمَّا أَنْ يَكُفَّ الْقَوْمُ عَنَّا قَالَ عَمْرٌو :إِنَّمَا نَكْتُبُ إِلَى ثَلاَثَةِ نَفَرٍ رَاضٍ بِعَلِيٍّ فَلاَ يَزِيدُهُ ذَلِكَ إِلاَّ بَصِيرَةً أَوْ رَجُلٍ يَهْوَى عُثْمَانَ فَلَنْ نَزِيدَهُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ أَوْ رَجُلٍ مُعْتَزِلٍ فَلَسْتَ بِأَوْثَقَ فِي نَفْسِهِ مِنْ عَلِيٍّ قَالَ:عَلِيَّ ذَلِكَ فَكَتَبَا:

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ مَهْمَا غَابَتْ عَنَّا مِنَ الْأُمُورِ فَلَنْ يَغِيبَ عَنَّا أَنَّ عَلِيّاً قَتَلَ عُثْمَانَ وَ الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَكَانُ قَتَلَتِهِ مِنْهُ وَ إِنَّمَا نَطْلُبُ بِدَمِهِ حَتَّى يَدْفَعُوا إِلَيْنَا قَتَلَتَهُ فَنَقْتُلَهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ دَفَعَهُمْ عَلِيٌّ إِلَيْنَا كَفَفْنَا عَنْهُ وَ جَعَلْنَاهَا شُورَى بَيْنَ اَلْمُسْلِمِينَ عَلَى مَا جَعَلَهَا عَلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَ أَمَّا الْخِلاَفَةُ فَلَسْنَا نَطْلُبُهَا فَأَعِينُونَا عَلَى أَمْرِنَا هَذَا وَ انْهَضُوا مِنْ نَاحِيَتِكُمْ فَإِنَّ أَيْدِيَنَا وَ أَيْدِيَكُمْ إِذَا اجْتَمَعَتْ عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ هَابَ عَلِيٌّ مَا هُوَ فِيهِ.

قَالَ:فَكَتَبَ إِلَيْهِمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ : (1)

أَمَّا بَعْدُ فَلَعَمْرِي لَقَدْ أَخْطَأْتُمَا مَوْضِعَ الْبَصِيرَةِ وَ تَنَاوَلْتُمَاهَا مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ وَ مَا زَادَ اللَّهُ مِنْ شَاكٍّ فِي هَذَا الْأَمْرِ بِكِتَابِكُمَا إِلاَّ شَكّاً وَ مَا أَنْتُمَا وَ الْخِلاَفَةَ وَ أَمَّا أَنْتَ يَا مُعَاوِيَةُ فَطَلِيقٌ (2)وَ أَمَّا أَنْتَ يَا عَمْرُو فَظَنُونٌ (3)أَلاَ فَكُفَّا عَنِّي أَنْفُسَكُما فَلَيْسَ لَكُمَا وَ لاَ لِي نَصِيرٌ.

وَ كَتَبَ رَجُلٌ مِنَ اَلْأَنْصَارِ مَعَ كِتَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ :

مُعَاوِيَّ إِنَّ الْحَقَّ أَبْلَجُ وَاضِحٌ وَ لَيْسَ بِمَا رَبَّصْتَ أَنْتَ وَ لاَ عَمْرٌو».

ص: 63


1- في الإمامة و السياسة(1:85)أن صاحب الكتاب هو المسور بن مخرمة.
2- الطليق:واحد الطلقاء،و هم اللين أطلقهم الرسول يوم الفتح.انظر ص 29. و زاد في الإمامة و السياسة:«و أبوك من الأحزاب».
3- الظنون،بالفتح:المتهم و من لا يوثق به.و مثله الظنين.ح:«فظنين».

نَصَبْتَ اِبْنَ عَفَّانَ لَنَا الْيَوْمَ خُدْعَةً كَمَا نَصَبَ الشَّيْخَانِ إِذْ زُخْرِفَ الْأَمْرُ (1)

فَهَذَا كَهَذَاكَ الْبَلاَ حَذْوَ نَعْلِهِ سَوَاءً كَرَقْرَاقٍ يُغَرُّ بِهِ السَّفْرُ (2)

رَمَيْتُمْ عَلِيّاً بِالَّذِي لاَ يَضُرُّهُ (3) وَ إِنْ عَظُمَتْ فِيهِ الْمَكِيدَةُ وَ الْمَكْرُ

وَ مَا ذَنْبُهُ أَنْ نَالَ عُثْمَانَ مَعْشَرٌ أَتَوْهُ مِنَ الْأَحْيَاءِ يَجْمَعُهُمْ مِصْرٌ

فَصَارَ إِلَيْهِ اَلْمُسْلِمُونَ بِبَيْتِهِ عَلاَنِيَةً مَا كَانَ فِيهَا لَهُمْ قَسْرٌ

فَبَايَعَهُ الشَّيْخَانِ ثُمَّ تَحَمَّلاَ إِلَى الْعُمْرَةِ الْعُظْمَى وَ بَاطِنُهَا الْغَدْرُ

فَكَانَ الَّذِي قَدْ كَانَ مِمَّا اقْتِصَاصُهُ رَجِيعٌ فَيَا لَلَّهِ مَا أَحْدَثَ الدَّهْرُ (4)

فَمَا أَنْتُمَا وَ النَّصْرَ مِنَّا وَ أَنْتُمَا بَعِيثَا حُرُوبٍ مَا يَبُوخُ لَهَا الْجَمْرُ (5)

وَ مَا أَنْتُمَا لِلَّهِ دَرُّ أَبِيكُمَا وَ ذِكْرُكُمَا اَلشُّورَى وَ قَدْ فُلِجَ الْفَجْرُ.

إرسال رجل من أقوام عدي بن حاتم إلى معاوية

قَالَ وَ قَالَ نَصْرٌ وَ فِي حَدِيثِ صَالِحِ بْنِ صَدَقَةَ بِإِسْنَادِهِ قَالَ: قَامَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ إِلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ عِنْدِي رَجُلاً مِنْ قَوْمِي لاَ يُجَارَى بِهِ (6)وَ هُوَ يُرِيدُ أَنْ يَزُورَ ابْنَ عَمٍّ لَهُ، حَابِسَ بْنَ سَعْدٍ (7)الطَّائِيَّ بِالشَّامِ فَلَوْ أَمَرْنَاهُ أَنْ يَلْقَى مُعَاوِيَةَ لَعَلَّهُ أَنْ يَكْسِرَهُ وَ يَكْسِرَ أَهْلَ

ص: 64


1- يعني بالشيخين طلحة و الزبير.انظر ح(1:258).
2- يعني بالرقراق السراب؛ترقرق:تلألأ،و جاء و ذهب.
3- ح:«لا يضيره».
4- اقتصاصه:روايته و حكايته.و الرجيع:المكرر المعاد من القول.ح:«مما اقتصاصه يطول».
5- فما أنتما و النصر،يجوز في نحو هذا التركيب الرفع على العطف،و النصب على أنه مفعول معه.انظر همع الهوامع(1:221).
6- ح:«لا يوازى به رجل».
7- حابس بن سعد،قيل كانت له صحبة،و قتل بصفين.انظر تهذيب التهذيب(2:127). و قال ابن دريد في الاشتقاق 235:«كان على طيئ الشام مع معاوية،و قتل.و كان عمر رضي اللّه عنه ولاه قضاء مصر ثمّ عزله».ح:«حابس بن سعيد»محرف.

اَلشَّامِ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ 1نَعَمْ فَمُرْهُ بِذَلِكَ وَ كَانَ اسْمُ الرَّجُلِ خُفَافَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَقَدِمَ عَلَى ابْنِ عَمِّهِ حَابِسِ بْنِ سَعْدٍ بِالشَّامِ وَ كَانَ حَابِسٌ سَيِّدَ طَيْئٍ فَحَدَّثَ خُفَافٌ حَابِساً أَنَّهُ شَهِدَ عُثْمَانَ بِالْمَدِينَةِ وَ سَارَ مَعَ عَلِيٍّ إِلَى اَلْكُوفَةِ .

وَ كَانَ لِخُفَافٍ لِسَانٌ وَ هَيْئَةٌ وَ شِعرٌ فَغَدَا حَابِسٌ وَ خُفَافٌ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ حَابِسٌ هَذَا ابْنُ عَمِّي قَدِمَ اَلْكُوفَةَ مَعَ عَلِيٍّ وَ شَهِدَ عُثْمَانَ بِالْمَدِينَةِ وَ هُوَ ثِقَةٌ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ هَاتِ يَا أَخاَ طَيْئٍ حَدِّثْنَا عَنْ عُثْمَانَ قَالَ حَصَرَهُ اَلْمَكْشُوحُ وَ حَكَمَ فِيهِ حُكَيْمٌ وَ وَلِيَهُ مُحَمَّدٌ وَ عَمَّارٌ (1)وَ تَجَرَّدَ فِي أَمْرِهِ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ، عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ وَ اَلْأَشْتَرُ النَّخَعِيُّ وَ عَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ وَ جَدَّ فِي أَمْرِهِ رَجُلاَنِ طَلْحَةُ وَ اَلزُّبَيْرُ (2)وَ أَبْرَأُ النَّاسِ مِنْهُ عَلِيٌّ قَالَ ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ:

ثُمَّ تَهَافَتَ النَّاسُ عَلَى عَلِيٍّ بِالْبَيْعَةِ تَهَافُتَ الْفَرَاشِ حَتَّى ضَلَّتِ النَّعْلُ (3)وَ سَقَطَ الرِّدَاءُ وَ وُطِئَ الشَّيْخُ وَ لَمْ يَذْكُرْ عُثْمَانَ وَ لَمْ يُذْكَرْ لَهُ ثُمَّ تَهَيَّأَ لِلْمَسِيرِ وَ خَفَّ مَعَهُ اَلْمُهَاجِرُونَ وَ اَلْأَنْصَارُ وَ كَرِهَ الْقِتَالَ مَعَهُ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَلَمْ يَسْتَكْرِهْ أَحَداً وَ اسْتَغْنَى بِمَنْ خَفَّ مَعَهُ عَمَّنْ ثَقُلَ ثُمَّ سَارَ حَتَّى أَتَى جَبَلَ طَيْئٍ فَأَتَاهُ مِنَّا جَمَاعَةٌ كَانَ ضَارِباً بِهِمُ النَّاسَ حَتَّى إِذَا كَانَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ أَتَاهُ مَسِيرَ طَلْحَةَ وَ اَلزُّبَيْرِ وَ عَائِشَةَ إِلَى اَلْبَصْرَةِ فَسَرَّحَ رِجَالاً إِلَى اَلْكُوفَةِ فَأَجَابُوا دَعْوَتَهُ فَسَارَ إِلَى اَلْبَصْرَةِ فَهِيَ فِي كَفِّهِ (4)ثُمَّ قَدِمَ إِلَى اَلْكُوفَةِ فَحَمَلَ إِلَيْهِ الصَّبِيُّ وَ دَبَّتْ (5)ة.

ص: 65


1- انظر التنبيه الرابع من ص 54.
2- ح:«حصره المكشوح و الأشتر النخعيّ و عمرو بن الحمق،وجد في أمره طلحة و الزبير».و فيه سقط كما ترى.
3- ح:«ضاعت النعل».
4- ح:«فإذا هي في كفه».
5- في الأصل:«دنت»و الوجه ما أثبت من ح.و الدبيب:المشى على هينة.

إِلَيْهِ الْعَجُوزُ وَ خَرَجَتْ إِلَيْهِ الْعَرُوسُ فَرَحاً بِهِ وَ شَوْقاً إِلَيْهِ فَتَرَكْتُهُ وَ لَيْسَ هَمُّهُ إِلاَّ اَلشَّامَ .

فَذُعِرَ مُعَاوِيَةُ مِنْ قَوْلِهِ وَ قَالَ حَابِسٌ أَيُّهَا الْأَمِيرُ لَقَدْ أَسْمَعَنِي شِعْراً غَيَّرَ بِهِ حَالِي فِي عُثْمَانَ وَ عَظَّمَ بِهِ عَلِيّاً عِنْدِي قَالَ مُعَاوِيَةُ أَسْمِعْنِيهِ يَا خُفَافُ فَأَسْمَعَهُ قَوْلَهُ شِعْراً

قُلْتُ وَ اللَّيْلُ سَاقِطُ الْأَكْنَافِ وَ لَجَنْبِي عَنِ الْفِرَاشِ تُجَافُ

أَرْقُبُ النَّجْمَ مَائِلاً وَ مَتَى الْغَمْضُ بِعَيْنٍ طَوِيلَةِ التِّذْرَافِ (1)

لَيْتَ شَعْرِي وَ إِنَّنِي لَسَئُولٌ هَلْ لِيَ الْيَوْمَ بِالْمَدِينَةِ شَافٍ

مِنْ صِحَابِ النَّبِيِّ إِذْ عَظُمَ الْخَطْبُ وَ فِيهِمْ مِنَ الْبَرِيَّةِ كَافٍ

أَ حَلاَلٌ دَمُ الْإِمَامِ بِذَنْبٍ أَمْ حَرَامٌ بِسُنَّةِ الْوَقَّافِ (2)

قَالَ لِي الْقَوْمُ لاَ سَبِيلَ إِلَى مَا تَطْلُبُ الْيَوْمَ قُلْتُ حَسْبَ خُفَافٍ

عِنْدَ قَوْمٍ لَيْسُوا بِأَوْعِيَةِ الْعِلْمِ وَ لاَ أَهْلِ صِحَّةٍ وَ عَفَافٍ

قُلْتُ لَمَّا سَمِعْتُ قَوْلاً دَعُونِي إِنَّ قَلْبِي مِنَ الْقُلُوبِ الضِّعَافِ

قَدْ مَضَى مَا مَضَى وَ مَرَّ بِهِ الدَّهْرُ كَمَا مَرَّ ذَاهِبُ الْأَسْلاَفِ

إِنَّنِي وَ الَّذِي يَحُجُّ لَهُ النَّاسُ عَلَى لُحَّقِ الْبُطُونِ الْعِجَافِ (3)».

ص: 66


1- مائلا،أي إلى المغيب.و الغمض،بالضم:النوم.فى الأصل:«راقب الليل»تحريف. هذا و البيت و الستة الأبيات التي بعده لم ترو في ح.
2- الوقاف:المتأنى الذي لا يعجل.و في حديث الحسن:«إن المؤمن وقاف متأن، و ليس كحاطب الليل».و الوقاف أيضا:المحجم عن القتال.
3- لحق البطون،عنى بها الإبل.و لحق:جمع لاحق و لاحقة،و اللاحق:الضامر. و في ح:«لحق البطون عجاف».

تَتَبَاَرَى مِثْلَ الْقَسِّيِّ مِنَ النَّبْعِ بِشُعْثٍ مِثْلَ الرُّصَافُ نِحَافٍ (1)

أَرْهَبُ الْيَوْمَ إِنْ أَتَاكَ عَلِيٌّ صَيْحَةً مِثْلَ صَيْحَةِ اَلْأَحْقَافِ (2)

إِنَّهُ اللَّيْثُ عَادِياً وَ شُجَاعٌ مُطْرِقٌ نَافِثٌ بِسُمِّ زُعَافٍ (3)

فَارِسُ الْخَيْلِ كُلَّ يَوْمِ نِزَالٍ وَ نِزَالُ الْفَتَى مِنَ الْإِنْصَافِ

وَاضِعُ السَّيْفِ فَوْقَ عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ يُذْرَى بِهِ شُئُونُ الْقِحَافِ (4)

لاَ يَرَى الْقَتْلَ فِي الْخِلاَفِ عَلَيْهِ أَلْفَ أَلْفٍ كَانُوا مِنَ الْإِسْرَافِ

سَوَّمَ الْخَيْلَ ثُمَّ قَالَ لِقَوْمٍ تَابَعُوهُ إِلَى الطِّعَانِ خِفَافٍ

اسْتَعِدُّوا لِحَرْبِ طَاغِيَةِ اَلشَّامِ فَلَبَّوْهُ كَالْبَنِينِ اللِّطَافِ

ثُمَّ قَالُوا أَنْتَ الْجَنَاحُ لَكَ الرِّيشُ اَلْقُدَامَى وَ نَحْنُ مِنْهُ الْخَوَافِي

أَنْتَ وَالٍ وَ أَنْتَ وَالِدُنَا الْبِرُّ وَ نَحْنُ الْغَدَاةُ كَالْأَضْيَافِ

وَ قِرَى الضَّيْفِ فِي الدِّيَارِ قَلِيلٌ قَدْ تَرَكْنَا اَلْعِرَاقَ لِلْإِتْحَافِ (5)ح.

ص: 67


1- شبه الإبل بالقسى في تقوسها.و الشعث،عنى بهم الحجاج الذين قد شعثت رءوسهم أى تلبد شعرها و اغبر.و الرصاف:العقبة التي تلوى فوق رعظ السهم إذا انكسر.و رعظ السهم:مدخل سنخ النصل.و في ح:«مثل السهام».
2- الصيحة:العذاب و الهلكة.و قوم الأحقاف هم عاد قوم هود.انظر الآيات 21-26 من سورة الأحقاف.و الأحقاف:رمل فيما بين عمان إلى حضرموت.ح: «إن أتاكم على*صبحة مثل صبحة».و الصبحة:المرة من صبح القوم شرا:جاءهم به صباحا.
3- عاديا،ينظر فيه إلى قول عبد يغوث بن وقاص في المفضليات(1:156): «أنا الليث معدوا عليه و عاديا».وعدا الليث:وثب.و في الأصل:«غازيا»و في ح: «غاديا».و الشجاع،بالضم و الكسر:الحية الذكر.
4- يذرى:يطيح و يلقى و يطير.و الشئون:مواصل قبائل الرأس.ح: «يفرى به».
5- الإتحاف:أن يتحفه بتحفة،و هي ما تتحف به الرجل من البر و اللطف.فى الأصل: «للانحاف»،تحريف.و البيت لم يرو في ح.

وَ هُمُ مَا هُمُ إِذَا نَشِبَ الْبَأْسُ ذَوُو الْفَضْلِ وَ الْأُمُورِ الْكَوَافِي

وَ انْظُرِ الْيَوْمَ قَبْلَ نَادِيَةِ الْقَوْمِ بِسِلْمٍ أَرَدْتَ أَمْ بِخِلاَفِ (1)

إِنَّ هَذَا رَأْيُ الشَّفِيقِ عَلَى اَلشَّامِ وَ لَوْلاَهُ مَا خَشِيتُ مَشَافِ.

فَانْكَسَرَ مُعَاوِيَةُ وَ قَالَ يَا حَابِسُ إِنِّي لاَ أَظُنُّ هَذَا إِلاَّ عَيْناً لِعَلِيٍّ أَخْرِجْهُ عَنْكَ لاَ يُفْسِدْ أَهْلَ اَلشَّامِ وَ كَنَّى مُعَاوِيَةَ بِقَوْلِهِ ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِ بَعْدُ فَقَالَ يَا خُفَافُ أَخْبِرْنِي عَنْ أُمُورِ النَّاسِ فَأَعَادَ عَلَيْهِ الْحَدِيثَ فَعَجِبَ مُعَاوِيَةُ مِنْ عَقْلِهِ وَ حُسْنِ وَصْفِهِ لِلْأُمُورِ .

آخر الجزء الأول من الأصل و الحمد لله و صلواته على رسوله سيدنا محمد النبي و آله و سلم و يتلوه الجزء الثاني».

ص: 68


1- نادية القوم:دعوتهم.و في الحديث:«فبينما هم كذلك إذ نودوا نادية».فى الأصل: «نادبة»بالباء الموحدة،تحريف.و في ح:«قبل بادرة القوم».و البادرة:ما يبدر حين الغضب من قول أو فعل.ح:«بسلم تهم».

الجزء الثاني

اشارة

رواية أبي محمد سليمان بن الربيع بن هشام النهدي الخزاز رواية أبي الحسن علي بن محمد بن محمد بن عقبة بن الوليد رواية أبي الحسن محمد بن ثابت بن عبد الله بن محمد بن ثابت الصيرفي رواية أبي يعلى أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر الحريري رواية أبي الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي رواية أبي البركات عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن الأنماطي سماع مظفر بن علي بن محمد المعروف بابن المنجم غفر الله له

ص: 69

ص: 70

« بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ »

كتاب معاوية إلى ابن عمر و سعد بن أبى وقاص و محمد بن مسلمة

أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الثِّقَةُ شَيْخُ الْإِسْلاَمِ أَبُو الْبَرَكَاتِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارَكِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْأَنْمَاطِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْمُبَارَكُ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ أَحْمَدَ الصَّيْرَفِيِّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ مِنْ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَ ثَمَانِينَ وَ أَرْبَعِمِائَةٍ قَالَ أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ الصَّيْرَفِيُّ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ سُلَيْمَانُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ هِشَامٍ النَّهْدِيُّ الْخَزَّازُ قَالَ أَبُو الْفَضْلِ نَصْرُ بْنُ مُزَاحِمٍ عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ غُنَيٍّ (1)عَنْ زِيَادِ بْنِ رُسْتُمَ قَالَ:

كَتَبَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ خَاصَّةً وَ إِلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ دُونَ كِتَابِهِ إِلَى أَهْلِ اَلْمَدِينَةِ فَكَانَ فِي كِتَابِهِ إِلَى اِبْنِ عُمَرَ :

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يَجْتَمِعَ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ (2)بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ مِنْكَ ثُمَّ ذَكَرْتُ خَذْلَكَ إِيَّاهُ وَ طَعْنَكَ عَلَى أَنْصَارِهِ فَتَغَيَّرْتُ لَكَ وَ قَدْ هَوَّنَ ذَلِكَ عَلَيَّ خِلاَفُكَ عَلَى عَلِيٍّ وَ مَحَا عَنْكَ بَعْضَ مَا كَانَ مِنْكَ (3)فَأَعِنَّا رَحِمَكَ اللَّهُ عَلَى حَقِّ هَذَا الْخَلِيفَةِ الْمَظْلُومِ فَإِنِّي لَسْتُ أُرِيدُ

ص: 71


1- ح(1:259):«عطية بن غناء».
2- ح:«الناس».
3- في الأصل:«و جزنى إليك بعض ما كانت منك»،و أثبت ما في ح.

الْإِمَارَةَ عَلَيْكَ وَ لَكِنِّي أُرِيدُهَا لَكَ فَإِنْ أَبَيْتَ كَانَتْ شُورَى بَيْنَ اَلْمُسْلِمِينَ وَ كَتَبَ فِي أَسْفَلِ كِتَابِهِ

أَلاَ قُلْ لِعَبْدِ اللَّهِ وَ اخْصُصْ مُحَمَّداً وَ فَارِسَنَا الْمَأْمُونَ سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ (1)

ثَلاَثَةُ رَهْطٍ مِنْ صِحَابِ مُحَمَّدٍ نُجُومٌ وَ مَأْوًى لِلرِّجَالِ الصَّعَالِكِ (2)

أَ لاَ تُخْبِرُونَّا وَ الْحَوَادِثُ جَمَّةٌ وَ مَا النَّاسُ إِلاَّ بَيْنَ نَاجٍ وَ هَالِكٍ

أَ حَلَّ لَكُمْ قَتْلُ الْإِمَامِ بِذَنْبِهِ فَلَسْتُمْ لِأَهْلِ الْجَوْرِ أَوَّلَ تَارِكٍ

وَ إِلاَّ يَكُنْ ذَنْباً أَحَاطَ بِقَتْلِهِ فَفِي تَرْكِهِ وَ اللَّهِ إِحْدَى الْمَهَالِكِ

وَ إِمَّا وَقَفْتُمْ بَيْنَ حَقٍّ وَ بَاطِلٍ تَوَقُّفَ نِسْوَانٍ إِمَاءٍ عَوَارِكِ (3)

وَ مَا الْقَوْلُ إِلاَّ نَصْرُهُ أَوْ قِتَالُهُ أَمَانَةَ قَوْمٍ بُدِّلَتْ غَيْرَ ذَلِكَ

فَإِنْ تَنْصُرُونَا تَنْصُرُوا أَهْلَ حُرْمَةٍ وَ فِي خَذْلِنَا يَا قَوْمِ جَبُّ الْحَوَارِكِ (4).

قَالَ فَأَجَابَهُ اِبْنُ عُمَرَ :

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الرَّأْيَ الَّذِي أَطْمَعَكَ فِيَّ هُوَ الَّذِي صَيَّرَكَ إِلَى مَا صَيَّرَكَ إِلَيْهِ أَنَّى تَرَكْتُ عَلِيّاً فِي اَلْمُهَاجِرِينَ وَ اَلْأَنْصَارِ وَ طَلْحَةَ وَ اَلزُّبَيْرَ وَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَ اتَّبَعْتُكَ (5)أَمَّا زَعْمُكَ أَنِّي طَعَنْتُ عَلَى عَلِيٍّ فَلَعَمْرِي مَا أَنَا».

ص: 72


1- هو الصحابيّ الجليل سعد بن أبي وقاص،و اسمه سعد بن مالك بن أهيب-و قيل وهيب-بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب القرشيّ الزهرى.و هو أحد الستة أهل الشورى،و ولى الكوفة لعمر،و هو الذي بناها،ثمّ عزل و وليها لعثمان.توفّي سنة 55. الإصابة 3187.
2- الصعالك:جمع صعلوك.و حذف الياء في مثله جائز.و الصعلوك:الفقير الذي لا مال له.
3- العوارك:الحوائض من النساء،جمع عارك.
4- الحوارك:جمع حارك،و هو أعلى الكاهل.
5- ح:«أترك»مع إسقاط كلمة:«أنى»قبلها.و في ح أيضا«و أتبعك»بدل: «و اتبعتك».

كَعَلِيٍّ فِي الْإِيمَانِ وَ الْهِجْرَةِ وَ مَكَانِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ نِكَايَتِهِ فِي اَلْمُشْرِكِينَ وَ لَكِنْ حَدَثَ أَمْرٌ لَمْ يَكُنْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِلَيَّ فِيهِ عَهْدٌ فَفَزِعْتُ فِيهِ إِلَى الْوُقُوفِ (1)وَ قُلْتُ إِنْ كَانَ هُدًى فَفَضْلٌ تَرَكْتُهُ وَ إِنْ كَانَ ضَلاَلَةً فَشَرٌّ نَجَوْتُ مِنْهُ فَأَغْنِ عَنَّا نَفْسَكَ (2).

ثُمَّ قَالَ لاِبْنِ أَبِي غُزَيَّةَ أَجِبِ الرَّجُلَ وَ كَانَ أَبُوهُ نَاسِكاً وَ كَانَ أَشْعَرَ قُرَيْشٍ فَقَالَ

مُعَاوِيَّ لاَ تَرْجُ الَّذِي لَسْتَ نَائِلاً وَ حَاوِلْ نَصِيراً غَيْرَ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ

وَ لاَ تَرْجُ عَبْدَ اللَّهِ وَ اتْرُكْ مُحَمَّداً فَفِي مَا تُرِيدُ الْيَوْمَ جَبُّ الْحَوَارِكِ

تَرَكْنَا عَلِيّاً فِي صِحَابِ مُحَمَّدٍ وَ كَانَ لِمَا يُرْجَى لَهُ غَيْرَ تَارِكِ (3)

نَصِيرَ رَسُولِ اللَّهِ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ وَ فَارِسَهُ الْمَأْمُونَ عِنْدَ الْمَعَارِكِ

وَ قَدْ خَفَّتِ اَلْأَنْصَارُ مَعَهُ وَ عُصْبَةٌ مُهَاجِرَةٌ مِثْلُ اللُّيُوثِ الشَّوَابِكِ (4)ف.

ص: 73


1- ح:«و لكن عهد إلى في هذا الأمر عهد ففرغت فيه الوقوف»،تحريف و نقص.
2- أغن نفسك:اصرفها و كفها.و منه قول اللّه:« لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللّهِ شَيْئاً. » و في الأصل:«فاعزل عنا نفسك»،صوابه من ح.
3- انظر ما مضى في الصفحة السابقة.
4- أسد شابك:مشتبك الأنياب مختلفها.و الشابك أيضا من أسماء الأسد.و في الأصل:«الشوائك»تحريف.

وَ طَلْحَةُ يَدْعُو وَ اَلزُّبَيْرُ وَ أُمُّنَاً فَقُلْنَا لَهَا قُولِي لَنَا مَا بَدَا لَكِ

حِذَارَ أُمُورٍ شُبِّهَتْ وَ لَعَلَّهَا مَوَانِعُ فِي الْأَخْطَارِ إِحْدَى الْمَهَالِكِ

وَ تَطْمَعُ فِينَا يَا اِبْنَ هِنْدٍ سَفَاهَةً عَلَيْكَ بِعُلْيَا حِمْيَرٍ وَ اَلسَّكَاسِكِ (1)

وَ قَوْمٌ يَمَانِيُّونَ يُعْطُوكَ نَصْرَهُمْ بِصُمِّ الْعَوَالِي وَ السُّيُوفِ الْبَوَاتِكِ.

قَالَ وَ كَانَ مِنْ كِتَابِ مُعَاوِيَةَ إِلَى سَعْدٍ :

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِنَصْرِ عُثْمَانَ أَهْلُ اَلشُّورَى مِنْ قُرَيْشٍ الَّذِينَ أَثْبَتُوا حَقَّهُ وَ اخْتَارُوهُ عَلَى غَيْرِهِ وَ قَدْ نَصَرَهُ طَلْحَةُ وَ اَلزُّبَيْرُ وَ هُمَا شَرِيكَاكَ فِي الْأَمْرِ وَ نَظِيرَاكَ فِي اَلْإِسْلاَمِ وَ خِفْتَ لِذَلِكَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فَلاَ تَكْرَهَنَّ مَا رَضُوا وَ لاَ تَرُدَّنَّ مَا قَبِلُوا فَإِنَّا نَرُدُّهَا شُورَى بَيْنَ اَلْمُسْلِمِينَ .

وَ قَالَ شِعْراً

أَلاَ يَا سَعْدُ قَدْ أَظْهَرْتَ شَكّاً وَ شَكُّ الْمَرْءِ فِي الْأَحْدَاثِ دَاءٌ

عَلَى أَيِّ الْأُمُورِ وَقَفْتَ حَقّاً يُرَى أَوْ بَاطِلاً فَلَهُ دَوَاءٌ

وَ قَدْ قَالَ النَّبِيُّ وَ حَدَّ حَدّاً يَحِلُّ بِهِ مِنَ النَّاسِ الدِّمَاءُ

ثَلاَثٌ قَاتِلٌ نَفْساً وَ زَانٍ وَ مُرْتَدٌّ مَضَى فِيهِ الْقَضَاءُ

فَإِنْ يَكُنِ الْإِمَامُ يُلِمُّ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ فَلَيْسَ لَهُ وَلاَءٌ2.

ص: 74


1- انظر ما سبق في ص 62.

وَ إِلاَّ فَالَّتِي جِئْتُمْ حَرَامٌ (1) وَ قَاتِلُهُ وَ خَاذِلُهُ سَوَاءٌ

وَ هَذَا حُكْمُهُ لاَ شَكَّ فِيهِ كَمَا أَنَّ السَّمَاءَ هِيَ السَّمَاءُ

وَ خَيْرُ الْقَوْلِ مَا أَوْجَزْتَ فِيهِ وَ فِي إِكْثَارِكَ الدَّاءُ الْعَيَاءُ

أَبَا عَمْرٍو دَعَوْتُكَ فِي رِجَالٍ فَجَازَ عِرَاقَيِ الدَّلْوِ الرَّشَاءُ (2)

فَأَمَّا إِذْ أَبَيْتُ فَلَيْسَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ حُرْمَةٌ ذَهَبَ الرَّجَاءُ

سِوَى قَوْلِي إِذَا اجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ عَلَى سَعْدٍ مِنَ اللَّهِ الْعَفَاءُ

فَأَجَابَهُ سَعْدٌ :

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ عُمَرَ لَمْ يُدْخِلْ فِي اَلشُّورَى إِلاَّ مَنْ يَحِلُّ لَهُ الْخِلاَفَةُ مِنْ قُرَيْشٍ فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَّا أَحَقَّ بِهَا (3)مِنْ صَاحِبِهِ [إِلاَّ]باجْتِمَاعِنَا عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّ عَلِيّاً قَدْ كَانَ فِيهِ مَا فِينَا وَ لَمْ يَكُ فِينَا مَا فِيهِ وَ هَذَا أَمْرٌ قَدْ كَرِهْنَا أَوَّلَهُ وَ كَرِهْنَا آخِرَهُ (4)فَأَمَّا طَلْحَةُ وَ اَلزُّبَيْرُ فَلَوْ لَزِمَا بُيُوتَهُمَا كَانَ خَيْراً لَهُمَا وَ اللَّهُ يَغْفِرُ لِأُمٍّ الْمُؤْمِنِينَ مَا أَتَتْ.

ثُمَّ أَجَابَهُ فِي الشِّعْرِ

مُعَاوِيَّ دَاؤُكَ الدَّاءُ الْعَيَاءُ فَلَيْسَ لِمَا تَجِيءُ بِهِ دَوَاءٌ

طَمِعْتَ الْيَوْمَ فِيَّ يَا اِبْنَ هِنْدٍ فَلاَ تَطْمَعْ فَقَدْ ذَهَبَ الرَّجَاءُ

عَلَيْكَ الْيَوْمَ مَا أَصْبَحْتَ فِيهِ فَمَا يَكْفِيكَ مِنْ مِثْلِي الْإِبَاءُ (5)ء.

ص: 75


1- في الأصل:«حراما».
2- أراد انقطع الأمل.و عراقى الدلو:جمع عرقوة،قال الأصمعى:يقال للخشبتين اللتين تعترضان على الدلو كالصليب:العرقوتان،و هي العراقى.و في الأصل:«عوالى الدلو» و لا وجه له.و هذه القصيدة و سابقتها لم أجدهما في كتاب ابن أبي الحديد.
3- في الأصل:«به»صوابه في ح(1:260).
4- ح:«قد كرهت أوله و كرهت آخره».
5- أي الذي يكفيك منى الإباء.

فَمَا الدُّنْيَا بِبَاقِيَةٍ لِحَيٍّ وَ لاَ حَيٌّ لَهُ فِيهَا بَقَاءٌ

وَ كُلُّ سُرُورِهَا فِيهَا غُرُورٌ وَ كُلُّ مَتَاعِهَا فِيهَا هَبَاءٌ

أَ يَدْعُونِي أَبُو حَسَنٍ عَلِيٌّ فَلَمْ أَرْدُدْ عَلَيْهِ بِمَا يَشَاءُ

وَ قُلْتُ لَهُ أَعْطِنِي سَيْفاً بَصِيراً تَمُرُّ بِهِ الْعَدَاوَةُ وَ الْوَلاَءُ

فَإِنَّ الشَّرَّ أَصْغَرُهُ كَبِيرٌ وَ إِنَّ الظَّهْرَ تَثْقُلُهُ الدِّمَاءُ

أَ تَطْمَعُ فِي الَّذِي أَعْيَا عَلِيّاً عَلَى مَا قَدْ طَمِعْتَ بِهِ الْعَفَاءُ

لَيَوْمٌ مِنْهُ خَيْرٌ مِنْكَ حَيّاً وَ مَيْتاً أَنْتَ لِلْمَرْءِ الْفِدَاءُ

فَأَمَّا أَمْرُ عُثْمَانَ فَدَعْهُ فَإِنَّ الرَّأْيَ أَذْهَبَهُ الْبَلاَءُ.

وَ كَانَ كِتَابُ مُعَاوِيَةَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ :

أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي لَمْ أَكْتُبْ إِلَيْكَ وَ أَنَا أَرْجُو مُتَابَعَتَكَ (1)وَ لَكِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أُذَكِّرَكَ النِّعْمَةَ الَّتِي خَرَجْتَ مِنْهَا وَ الشَّكَّ الَّذِي صِرْتَ إِلَيْهِ إِنَّكَ فَارِسُ اَلْأَنْصَارِ وَ عُدَّةُ اَلْمُهَاجِرِينَ ادَّعَيْتَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَمْراً لَمْ تَسْتَطِعْ إِلاَّ أَنْ تَمْضِيَ عَلَيْهِ فَهَذَا نَهَاكَ عَنْ قِتَالِ أَهْلِ الصَّلاَةِ فَهَلاَّ نَهَيْتَ أَهْلَ الصَّلاَةِ عَنْ قِتَالِ بَعْضِهِمْ بَعْضاً وَ قَدْ كَانَ عَلَيْكَ أَنْ تَكْرَهَ لَهُمْ مَا كَرِهَ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَ وَ لَمْ تَرَ عُثْمَانَ وَ أَهْلَ اَلدَّارِ مِنْ أَهْلِ الصَّلاَةِ (2)فَأَمَّا قَوْمُكَ فَقَدْ عَصَوُا اللَّهَ وَ خَذَلُوا عُثْمَانَ وَ اللَّهُ سَائِلُكَ وَ سَائِلُهُمْ عَنِ الَّذِي كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .

فَكَتَبَ إِلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنِ مُسْلِمَةً أَمَّا بَعْدُ فَقَدِ اعْتَزَلَ هَذَا الْأَمْرَ مَنْ لَيْسَ فِي يَدِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِة.

ص: 76


1- ح:«مبايعتك».
2- ح:«أهل القبلة»فى المواضع الثلاثة.

مِثْلُ الَّذِي فِي يَدَيَّ فَقَدْ أَخْبَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِمَا هُوَ كَائِنٌ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ فَلَمَّا كَانَ كَسَرْتُ سَيْفِي وَ جَلَسْتُ فِي بَيْتِي (1)وَ اتَّهَمْتُ الرَّأْيَ عَلَى الدِّينِ إِذْ لَمْ يَصِحَّ لِي مَعْرُوفٌ آمُرُ بِهِ وَ لاَ مُنْكَرٌ أَنْهَى عَنْهُ وَ أَمَّا أَنْتَ فَلَعَمْرِي مَا طَلَبْتَ إِلاَّ الدُّنْيَا وَ لاَ اتَّبَعْتَ إِلاَّ الْهَوَى فَإِنْ تَنْصُرْ عُثْمَانَ مَيِّتاً فَقَدْ خَذَلْتَهُ حَيّاً (2)فَمَا أَخْرَجَنِي اللَّهُ مِنْ نِعْمَةٍ وَ لاَ صَيَّرَنِي إِلَى شَكٍّ إِنْ كُنْتُ أَبْصَرْتُ خِلاَفَ مَا تُحِبُّنِي بِهِ وَ مَنْ قِبَلَنَا مِنَ اَلْمُهَاجِرِينَ وَ اَلْأَنْصَارِ فَنَحْنُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْكَ.

ثُمَّ دَعَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ رَجُلاً مِنَ اَلْأَنْصَارِ وَ كَانَ فِيمَنْ يَرَى رَأْيَ مُحَمَّدٍ فِي الْوُقُوفِ فَقَالَ أَجِبْ يَا مَرْوَانُ بِجَوَابِهِ فَقَدْ تَرَكْتُ الشِّعْرَ فَقَالَ مَرْوَانُ .لَمْ يَكُنْ عِنْدَ اِبْنِ عُقْبَةَ الشِّعْرُ (3) .

نعي عثمان عند معاوية

وَ فِي حَدِيثِ صَالِحِ بْنِ صَدَقَةَ بِإِسْنَادِهِ قَالَ: ضَرَبَتِ الرُّكْبَانُ إِلَى اَلشَّامِ بِقَتْلِ عُثْمَانَ فَبَيْنَمَا مُعَاوِيَةُ يَوْماً إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مُتَلَفِّفٌ فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَ تَعْرِفُنِي قَالَ:نَعَمْ أَنْتَ اَلْحَجَّاجُ بْنُ خُزَيْمَةَ بْنِ الصَّمَةِ فَأَيْنَ تُرِيدُ قَالَ إِلَيْكَ الْقُرْبَانَ (4)أَنْعَى إِلَيْكَ اِبْنَ عَفَّانَ ثُمَّ قَالَ

إِنَّ بَنِي عَمِّكَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ هُمْ قَتَلُوا شَيْخَكُمْ غَيْرَ الْكَذِبِ

وَ أَنْتَ أَوْلَى النَّاسِ بِاْلَوْثِب فَثِبْ وَ اغْضَبْ مُعَاوِيَّ لِلْإِلَهِ وَ احْتَسِبْ

ص: 77


1- يروى عن محمّد بن مسلمة أنّه قال:«أعطانى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سيفا فقال:قاتل به المشركين ما قوتلوا،فإذا رأيت أمتى يضرب بعضهم بعضا فائت به أحدا فاضرب به حتّى ينكسر،ثمّ اجلس في بيتك حتّى تأتيك يد خاطئة أو منية خاطئة.انظر الإصابة 7800.
2- ح:«فقد خذلته حيا.و السلام»و بذلك تنتهى هذه الرسالة في ح.
3- يفهم من هذا أن اسم هذا الأنصارى مروان بن عقبة.
4- القربان،بالضم و الكسر:الدنو.

وَ سِرْ بِنَا سَيْرَ الْجَرِيءِ الْمُتْلَئِبِّ (1) وَ انْهَضْ بِأَهْلِ اَلشَّامِ تَرْشُدْ وَ تَصُبُّ (2)

ثُمَّ اهْزُزِ الصَّعْدَةَ لِلشَّأْسِ الْكَلِبِ (3).

يَعْنِي عَلِيّاً فَقَالَ لَهُ عِنْدَكَ مهز (4) قَالَ نَعَمْ ثُمَّ أَقْبَلَ اَلْحَجَّاجُ بْنُ الصَّمَةِ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ:يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (5)إِنِّي كُنْتُ فِيمَنْ خَرَجَ مَعَ يَزِيدَ بْنِ أَسَدٍ الْقَسْرِيِّ مُغِيثاً لِعُثْمَانَ فَقَدِمْنَا أَنَا وَ زُفَرُ بْنُ الْحَارِثِ فَلَقِينَا رَجُلاً زَعَمَ أَنَّهُ مِمَّنْ قَتَلَ عُثْمَانَ فَقَتَلْنَاهُ وَ إِنِّي أُخْبِرُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّكَ تَقْوَى عَلَى عَلِيٍّ بِدُونِ مَا يَقْوَى بِهِ عَلَيْكَ لِأَنَّ مَعَكَ قَوْماً لاَ يَقُولُونَ إِذَا قُلْتَ وَ لاَ يَسْأَلُونَ إِذَا أَمَرْتَ.

وَ إِنَّ مَعَ عَلِيِّ قَوْماً يَقُولُونَ إِذَا قَالَ وَ يَسْأَلُونَ إِذَا أَمَرَ فَقَلِيلٌ مِمَّنْ مَعَكَ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ مِمَّنْ مَعَهُ.وَ اعْلَمْ أَنَّهُ لاَ يَرْضَى عَلِيٌّ إِلاَّ بِالرِّضَا وَ أَنَّ رِضَاهُ سَخَطُكَ وَ لَسْتَ وَ عَلِيٌّ سَوَاءً (6)لاَ يَرْضَى عَلِيٌّ بِالْعِرَاقِ دُونَ اَلشَّامِ وَ رِضَاكَ اَلشَّامُ دُونَ اَلْعِرَاقِ .ع.

ص: 78


1- قال ابن أبي الحديد في(1:253):«المتلئب:المستقيم المطرد».و في اللسان أيضا:اتلأب:أقام صدره و رأسه.و في الأصل:«الملتبب»و لا وجه له.
2- في الأصل:«و جمع أهل الشام»،صوابه من ح.
3- الصعدة،بالفتح:القناة المستوية.و الشأس،أصل معناه المكان الغليظ الخشن. قال ابن أبي الحديد:«و من رواه:للشاسى،بالياء فأصله الشاصى بالصاد،و هو المرتفع، يقال شصا السحاب إذا ارتفع،فأبدل الصاد سينا.و مراده هنا نسبة عليّ عليه السلام إلى التيه و الرفع عن الناس».قلت:قد أبعد ابن أبي الحديد في التخريج،إنّما يكون:«الشاسى» مخفف«الشاسئ»و هو من المقلوب.و في اللسان(مادة شأس):«و يقال مقلوبا:مكان شاسئ و جاسئ:غليظ».
4- مهز:مصدر ميمى من الهز.يقال هززت فلانا لخير فاهتز.ح:«أ فيك مهز».
5- زاد ابن أبي الحديد:«و لم يخاطب معاوية بأمير المؤمنين قبلها»أي قبل هذه الزيارة. و هذه العبارة تعليق من ابن أبي الحديد.و تقرأ بفتح الطاء من«يخاطب»و إلاّ فإن الحجاج خاطبه قبلها بأمير المؤمنين في أول الحديث.و انظر ص 80 س 6.
6- كذا وردت العبارة في الأصل،و ح.و هو وجه ضعيف في العربية؛إذ لا يحسن العطف على الضمير المرفوع المتصل إلاّ بعد توكيده بالضمير المنفصل،أو وجود فاصل بين المتبوع و التابع.

فَضَاقَ مُعَاوِيَةُ صَدْراً بِمَا أَتَاهُ وَ نَدِمَ عَلَى خِذْلاَنِهِ عُثْمَانَ (1).

وَ قَالَ مُعَاوِيَةُ حِينَ أَتَاهُ قَتْلُ عُثْمَانَ :

أَتَانِي أَمْرٌ فِيهِ لِلنَّفْسِ غُمَّةٌ وَ فِيهِ بُكَاءٌ لِلْعُيُونِ طَوِيلٌ

وَ فِيهِ فَنَاءٌ شَامِلٌ وَ خِزَايَةٌ وَ فِيهِ اجْتِدَاعٌ لِلْأُنُوفِ أَصِيلٌ

مُصَابُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ هَدَّةٌ تَكَادُ لَهَا صُمٌ الْجِبَالِ تَزُولُ (2)

فَلِلَّهِ عَيْنَا مَنْ رَأَى مِثْلَ هَالِكٍ أُصِيبَ بِلاَ ذَنْبٍ وَ ذَاكَ جَلِيلٌ

تَدَاعَتْ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ عُصْبَةٌ فَرِيقَانِ مِنْهَا قَاتَلٌ وَ خَذُولٌ (3)

دَعَاهُمْ فَصَمُّوا عَنْهُ عِنْدَ جَوَابِهِ وَ ذَاكُمْ عَلَى مَا فِي النُّفُوسِ دَلِيلٌ (4)

نَدِمْتُ عَلَى مَا كَانَ مِنْ تَبَعِي الْهَوَى وَ قَصْرِيَ فِيهِ حَسْرَةٌ وَ عَوِيلٌ (5)

سَأَنْعَى أَبَا عَمْرٍو بِكُلِّ مُثَقَّفٍ وَ بَيْضَ لَهَا فِي الدَّارِعِينَ صَلِيلٌ (6)

تَرَكْتُكَ لِلْقَوْمِ الَّذِينَ هُمُ هُمُ شَجَاكَ فَمَا ذَا بَعْدَ ذَاكَ أَقُولُ

فَلَسْتُ مُقِيماً مَا حَيِيتُ بِبَلْدَةٍ أَجُرُّ بِهَا ذَيْلِي وَ أَنْتَ قَتِيلٌع.

ص: 79


1- في الأصل:«و هذه»،صوابها من ح.
2- ح:«على خذلان عثمان».
3- ح:«منهم قاتل».
4- أي عند طلبه الجواب.و في ح:«عند دعائه».
5- يقال:قصرك أن تفعل كذا،أي حسبك و كفايتك و غايتك،كما تقول:قصارك و قصاراك.الأولى بفتح القاف و الأخريان بضمها.
6- أبو عمرو:كنية عثمان بن عفان.و في رثائه تقول زوجه نائلة بنت الفرافصة: و ما لي لا أبكى و تبكى قرابتى و قد غيبوا عنا فضول أبى عمرو ح:«سأبغى»أي سأطلب ثاره.و البيض،بالكسر:السيوف،جمع أبيض. و الدارع:لابس الدرع.

فَلاَ نَوْمَ حَتَّى تُشْجَرَ الْخَيْلُ بِالْقَنَا وَ يُشْفَى مِنَ الْقَوْمِ الْغُوَاةِ غَلِيلٌ (1)

وَ نَطْحَنُهُمْ طَحْنَ الرَّحَى بِثِفَالِهَا وَ ذَاكَ بِمَا أَسْدَوْا إِلَيْكَ قَلِيلٌ (2)

فَأَمَّا الَّتِي فِيهَا مَوَدَّةُ بَيْنِنَا فَلَيْسَ إِلَيْهَا مَا حَيِيتُ سَبِيلٌ

سَأُلْقِحُهَا حَرْباً عَوَاناً مُلِحَّةً وَ إِنِّي بِهَا مِنْ عَامِنَا لَكَفِيلٌ (3).

نَصْرٌ وَ افْتَخَرَ اَلْحَجَّاجُ عَلَى أَهْلِ اَلشَّامِ بِمَا كَانَ مِنْ تَسْلِيمِهِ عَلَى مُعَاوِيَةَ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ .

مدة المكاتبة بين علي و معاوية و عمرو

نَصْرٌ صَالِحُ بْنُ صَدَقَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ زِيَادٍ عَنِ اَلشَّعْبِيِّ : أَنَّ عَلِيّاً قَدِمَ مِنَ اَلْبَصْرَةِ مُسْتَهَلَّ رَجَبٍ اَلْكُوفَةَ وَ أَقَامَ بِهَا سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْراً يُجْرِي الْكُتُبَ فِيمَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ مُعَاوِيَةَ وَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ .

مبايعة مالك بن هبيرة لمعاوية و قصيدة الزبرقان

قَالَ وَ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيِّ قَالَ: بُويِعَ مُعَاوِيَةُ عَلَى الْخِلاَفِ فَبَايَعَهُ النَّاسُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ نَبِيِّهِ فَأَقْبَلَ مَالِكُ بْنُ هُبَيْرَةَ الْكِنْدِيُّ وَ هُوَ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ فَقَامَ خَطِيباً وَ كَانَ غَائِباً مِنْ الْبَيْعَةِ فَقَالَ:يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَخْدَجْتَ هَذَا الْمُلْكَ (4)وَ أَفْسَدْتَ النَّاسَ وَ جَعَلْتَ لِلسُّفَهَاءِ مَقَالاً وَ قَدْ عَلِمَتِ اَلْعَرَبُ أَنَّا حَيُّ فَعَالٍ وَ لَسْنَا بِحَيِّ مَقَالٍ وَ أَنَّا نَأْتِي بِعَظِيمِ فَعَالِنَا عَلَى قَلِيلِ مَقَالِنَا فَابْسُطْ

ص: 80


1- الشجر:الطعن بالرمح.و في حديث الشراة:«فشجرناهم بالرماح،أي طعناهم بها حتّى اشتبكت فيهم».و عنى بالخيل الفرسان.
2- الثفال،بالكسر:جلد يبسط تحت الرجى ليقى الطحين من التراب،و لا تثفل الرحى إلاّ عند الطحن.فى الأصل:«و أطحنهم»و أنبت ما في ح،و في الأصل أيضا:«بما أسدى إلى»،و الوجه ما أثبت من ح.
3- في الأصل:«من عامها».
4- الإخداج:النقص،و في الأصل:«أخرجت»بالراء،تحريف.

يَدَكَ أُبَايِعْكَ عَلَى مَا أَحْبَبْنَا وَ كَرِهْنَا فَكَانَ أَوَّلُ اَلْعَرَبِ بَايَعَ عَلَيْهَا مَالِكُ بْنُ هُبَيْرَةَ .

وَ قَالَ اَلزِّبْرِقَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّكُونِيُّ

مُعَاوِيَّ أَخْدَجْتَ الْخِلاَفَةَ بِالَّتِي شَرَطْتَ فَقَدْ بَوَّا لَكَ الْمُلْكَ مَالِكٌ

بِبَيْعَةِ فَصْلٍ لَيْسَ فِيهَا غَمِيزَةٌ أَلاَ كُلِّ مُلْكٍ ضَمَّهُ الشَّرْطُ هَالِكٌ

وَ كَانَ كَبَيْتٍ الْعَنْكَبُوتِ مُذَبْذَباً فَأَصْبَحَ مَحْجُوباً عَلَيْهِ الْأَرَائِكُ

وَ أَصْبَحَ لاَ يَرْجُوهُ رَاجٍ لِعِلَّةِ وَ لاَ تَنْتَحِي فِيهِ الرِّجَالُ الصَّعَالِكِ

وَ مَا خَيْرُ مُلْكٍ يَا مُعَاوِيَّ مُخْدَجٌ تُجُرُّعَ فِيهِ الْغَيْظُ وَ الْوَجْهُ حَالِكٌ

إِذَا شَاءَ رَدَّتْهُ اَلسَّكُونُ وَ حِمْيَرٌ وَ هَمْدَانُ وَ الْحَيُّ الْخِفَافُ السَّكَاسِكُ ..

خطبة معاوية بعد مقتل عثمان

نَصْرٌ صَالِحُ بْنُ صَدَقَةَ عَنِ اِبْنِ إِسْحَاقَ عَنْ خَالِدٍ الْخُزَاعِيِّ وَ غَيْرِهِ عَمَّنْ لاَ يُتَّهَمُ :(1) أَنَّ عُثْمَانَ لَمَّا قُتِلَ وَ أَتَى مُعَاوِيَةَ كِتَابُ عَلِيٍّ بِعَزْلِهِ عَنِ اَلشَّامِ خَرَجَ حَتَّى صَعِدَ الْمِنْبَرَ ثُمَّ نَادَى فِي النَّاسِ أَنْ يَحْضُرُوا فَحَضَرُوا الْمَسْجِدَ فَخَطَبَ النَّاسَ مُعَاوِيَةُ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ وَ صَلَّى عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ثُمَّ قَالَ يَا أَهْلَ اَلشَّامِ قَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي خَلِيفَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَ خَلِيفَةُ عُثْمَانَ وَ قُتِلَ مَظْلُوماً وَ قَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي وَلِيُّهُ (2)وَ اللَّهُ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ :

« وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً »وَ أَنَا أُحِبُّ أَنْ تُعْلِمُونِي مَا فِي أَنْفُسِكُمْ مِنْ قَتْلِ عُثْمَانَ .

قَالَ فَقَامَ كَعْبُ بْنُ مُرَّةَ السُّلَمِيُّ وَ فِي الْمَسْجِدِ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعُمِائَةِ رَجُلٍ

ص: 81


1- ح(1:253):«ممن لا يتهم».
2- ح:«و خليفة عثمان و قد قتل و أنا ابن عمه و وليه».

أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالَ وَ اللَّهِ لَقَدْ قُمْتُ مَقَامِي هَذَا وَ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّ فِيكُمْ مَنْ هُوَ أَقْدَمُ صُحْبَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مِنِّي وَ لَكِنِّي قَدْ شَهِدْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ مَشْهَداً لَعَلَّ كَثِيراً مِنْكُمْ لَمْ يَشْهَدْهُ وَ إِنَّا كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ نِصْفَ النَّهَارِ فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْحَرِّ فَقَالَ:« 14لَتَكُونَنَّ فِتْنَةٌ حَاضِرَةً فَمَرَّ رَجُلٌ مُقَنَّعٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ 14هَذَا الْمُقَنَّعُ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْهُدَى قَالَ فَقُمْتُ فَأَخَذْتُ بِمَنْكِبَيْهِ (1)وَ حَسَرْتُ عَنْ رَأْسِهِ فَإِذَا عُثْمَانُ فَأَقْبَلْتُ بِوَجْهِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَقُلْتُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: 14«نَعَمْ» .

فَأَصْفَقَ أَهْلُ اَلشَّامِ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَ بَايَعُوهُ عَلَى الطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ أَمِيراً لاَ يَطْمَعُ فِي الْخِلاَفَةِ ثُمَّ الْأَمْرُ شُورَى .

معاوية و عبيد الله بن عمر

وَ فِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ اَلْجُرْجَانِيِّ قَالَ:

لَمَّا قَدِمَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ أَرْسَلَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ يَا عَمْرُو إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحْيَا لَكَ عُمَرَ بْنُ الْخَطَّابِ بِالشَّامِ بِقُدُومِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَ قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أُقِيمَهُ خَطِيباً فَيَشْهَدَ عَلَى عَلِيٍّ بِقَتْلِ عُثْمَانَ وَ يَنَالَ مِنْهُ.

فَقَالَ الرَّأْيُ مَا رَأَيْتَ فَبَعَثَ إِلَيْهِ فَأَتَى فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ يَا ابْنَ أَخِي إِنَّ لَكَ اسْمَ أَبِيكَ فَانْظُرْ بِمِلْءِ عَيْنَيْكَ وَ تَكَلَّمْ بِكُلِّ فِيكَ (2)فَأَنْتَ الْمَأْمُونُ الْمُصَدَّقُ فَاصْعَدِ الْمِنْبَرَ وَ اشْتُمْ عَلِيّاً وَ اشْهَدْ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَتَلَ عُثْمَانَ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (3)أَمَّا شَتْمُهُ فَإِنَّهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَ أُمُّهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدِ بْنِ

ص: 82


1- ح:«بمنكبه».
2- ح(1:256):«و انطق بملء فيك».
3- ح:«أيها الأمير».

هَاشِمٍ فَمَا عَسَى أَنْ أَقُولَ فِي حَسَبِهِ وَ أَمَّا بَأْسُهُ فَهُوَ الشُّجَاعَ الْمُطْرِقُ وَ أَمَّا أَيَّامُهُ فَمَا قَدْ عَرَفْتَ وَ لَكِنِّي مُلْزِمُهُ دَمَ عُثْمَانَ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِذاً وَ اللَّهِ قَدْ نَكَأْتَ الْقُرْحَةَ (1)فَلَمَّا خَرَجَ عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ مُعَاوِيَةُ أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ لاَ قَتْلُهُ اَلْهُرْمُزَانَ وَ مَخَافَةُ عَلِيٍّ عَلَى نَفْسِهِ (2)مَا أَتَانَا أَبَداً أَ لَمْ تَرَ إِلَى تَقْرِيظِهِ عَلِيّاً فَقَالَ عَمْرٌو يَا مُعَاوِيَةُ إِنْ لَمْ تُغْلَبْ فَاخْلُبْ فَخَرَجَ حَدِيثُهُ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ فَلَمَّا قَامَ خَطِيباً تَكَلَّمَ بِحَاجَتِهِ حَتَّى إِذَا أَتَى إِلَى أَمْرِ عَلِيٍّ أَمْسَكَ وَ لَمْ يَقُلْ شَيْئاً فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ (3)ابْنَ أَخِي (4)إِنَّكَ بَيْنَ عِيٍّ أَوْ خِيَانَةٍ! فَبَعَثَ إِلَيْهِ كَرِهْتُ أَنْ أَقْطَعَ الشَّهَادَةَ عَلَى رَجُلٍ لَمْ يَقْتُلْ عُثْمَانَ وَ عَرَفْتُ أَنَّ النَّاسَ مُحْتَمِلُوهَا عَنِّي فَتَرَكْتُهَا فَهَجَرَهُ مُعَاوِيَةُ وَ اسْتَخَفَّ بِحَقِّهِ وَ فَسَّقَهُ فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ

مُعَاوِيَّ لَمْ أَخْرُصْ بِخُطْبَةِ خَاطِبٍ

وَ لَمْ أَكُ عِيّاً فِي لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ (5)

وَ لَكِنَّنِي زَاوَلْتُ نَفْساً أَبِيَّةً

عَلَى قَذْفِ شَيْخٍ بِالْعِرَاقَيْنِ غَائِبٍف.

ص: 83


1- ح:«قد و أبيك إذن نكأت القرحة».
2- ح:«و مخافته عليا على نفسه».
3- ح:«فلما نزل بعث إليه معاوية».
4- في الأصل:«ابن أخ»تحريف،و المنادى إذا كان مضافا إلى مضاف إلى الياء فلياء ثابتة لا غير كقولك:«يا ابن أخى»و«يا ابن خالى»إلا إن كان«ابن أم» أو«ابن عم»ففيهما مذاهب.
5- لم أخرص:لم أكذب.و في الأصل و ح:«لم أحرص»تحريف.

وَ قَذْفِي عَلِيّاً بِابْنِ عَفَّانَ جَهْرَةً

يُجَدِّعُ بِالشَّحْنَا أُنُوفَ الْأَقَارِبِ (1)

فَأَمَّا انْتِقَافِي أَشْهَدُ الْيَوْمَ وَثْبَةٌ

فَلَسْتُ لَكُمْ فِيهَا اِبْنَ حَرْبٍ بِصَاحِبِ (2)

وَ لَكِنَّهُ قَدْ قَرَّبَ الْقَوْمَ جُهْدَهُ

وَ دَبُّوا حَوَالَيْهِ دَبِيبَ الْعَقَارِبِ (3)

فَمَا قَالَ أَحْسَنْتُمْ وَ لاَ قَدْ أَسَأْتُمُ

وَ أَطْرَقَ إِطْرَاقَ الشُّجَاعِ الْمُوَاثِبِ

فَأَمَّا اِبْنُ عَفَّانَ فَأَشْهَدُ أَنَّهُ

أُصِيبَ بَرِيئاً لاَبِساً ثَوْبَ تَائِبٍ

حَرَامٌ عَلَى آهَالِهِ نَتْفُ شَعْرِهِ

فَكَيْفَ وَ قَدْ جَازُوهُ ضَرْبَةَ لاَزِبٍ (4)

وَ قَدْ كَانَ فِيهَا لِلزُّبَيْرِ عَجَاجَةٌ

وَ طَلْحَةُ فِيهَا جَاهِدٌ غَيْرُ لاَعِبِ

وَ قَدْ أَظْهَرَا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ تَوْبَةً

فَيَا لَيْتَ شِعْرِي مَا هُمَا فِي الْعَوَاقِبِ.*.

ص: 84


1- الشحناء:البغض و العداوة،و في الأصل:«أجدع بالشحناء»:و في ح:«كذاب و ما طبعى سجايا المكاذب»،وجه هذه«و ما طبى».
2- البيت لم يرو في ح،و في صدره تحريف.
3- ح:«و لكنه قد حزب القوم حوله».
4- الآهال:جمع أهل،و أنشد الجوهريّ:*و بلدة ما الجن من آهالها*.

فَلَمَّا بَلَغَ مُعَاوِيَةَ شِعْرُهُ بَعَثَ إِلَيْهِ فَأَرْضَاهُ وَ قَرَّبَهُ وَ قَالَ حَسْبِي هَذَا مِنْكَ.

قدوم أبو مسلم الخولاني إلى معاوية و كتاب معاوية معه إلى علي عليه السلام

1- نَصْرٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي وَرَقِ أَنَّ اِبْنَ عُمَرَ بْنِ مَسْلَمَةَ الْأَرْحَبِيَّ أَعْطَاهُ كِتَاباً فِي إِمَارَةِ اَلْحَجَّاجِ بِكِتَابٍ مِنْ مُعَاوِيَةَ إِلَى عَلِيٍّ قَالَ: وَ إِنَّ أَبَا مُسْلِمٍ الْخَوْلاَنِيَّ (1)قَدِمَ إِلَى مُعَاوِيَةَ فِي أُنَاسٍ مِنْ قُرَّاءِ أَهْلِ اَلشَّامِ [قَبْلَ مَسِيرِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى صِفِّينَ ]فَقَالُوا [لَهُ] يَا مُعَاوِيَةُ عَلاَمَ تُقَاتِلُ عَلِيّاً وَ لَيْسَ لَكَ مِثْلُ صُحْبَتِهِ وَ لاَ هِجْرَتِهِ وَ لاَ قَرَابَتِهِ وَ لاَ سَابِقَتِهِ قَالَ لَهُمْ مَا أُقَاتِلُ عَلِيّاً وَ أَنَا أَدَّعِي أَنَّ لِي فِي اَلْإِسْلاَمِ مِثْلَ صُحْبَتِهِ وَ لاَ هِجْرَتِهِ وَ لاَ قَرَابَتِهِ وَ لاَ سَابِقَتِهِ وَ لَكِنْ خَبِّرُونِي عَنْكُمْ أَ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ مَظْلُوماً قَالُوا بَلَى قَالَ فَلْيَدَعْ إِلَيْنَا (2)قَتَلَتَهُ فَنَقْتُلَهُمْ بِهِ وَ لاَ قِتَالَ بَيْنَنَا وَ بَيْنَهُ قَالُوا فَاكْتُبْ [إِلَيْهِ] كِتَاباً يَأْتِيهِ [بِهِ]بَعْضُنَا فَكَتَبَ إِلَى عَلِيٍّ هَذَا الْكِتَابَ مَعَ أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلاَنِيِّ فَقَدِمَ بِهِ عَلَى عَلِيٍّ ثُمَّ قَامَ أَبُو مُسْلِمٍ خَطِيباً فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّكَ قَدْ قُمْتَ بِأَمْرٍ وَ تَوَلَّيْتَهُ (3)وَ اللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنَّهُ لِغَيْرِكَ إِنْ أَعْطَيْتَ الْحَقَّ مِنْ نَفْسِكَ أَنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ مُسْلِماً مُحْرِماً (4)مَظْلُوماً فَادْفَعْ

ص: 85


1- أبو مسلم الخولانى الزاهد الشاميّ هو عبد اللّه بن ثوب،بضم المثلثة و فتح الواو، و قيل بإشباع الواو،و قيل ابن أثوب بوزن أحمر،و يقال ابن عوف و ابن مشكم،و يقال اسمه يعقوب بن عوف،و كان ممن رحل إلى النبيّ فلم يدركه،و عاش إلى زمن يزيد بن معاوية. انظر تقريب التهذيب 612 و المعارف 194.و في الأصل:«الحولانى»بالمهملة،صوابه بالخاء المعجمة،كما في ح(3:407)نسبة إلى خولان،بالفتح،إحدى قبائل اليمن.
2- ح(3:407):«فليدفع إلينا».
3- ح:(3:408):«وليته».
4- محرما:أى له حرمة و ذمّة،أو أراد أنهم قتلوه في آخر ذى الحجة،و قال أبو عمرو: -أى صائما،و يقال أراد لم يحل بنفسه شيئا يوقع به.فهو محرم.و بكل هذه التأويلات فسر بيت الراعي،الذي أنشده صاحب اللسان(15:13): قتلوا ابن عفان الخليفة محرما و دعا فلم أر مثله مقتولا و انظر خزانة الأدب(1:503-504).

إِلَيْنَا قَتَلَتَهُ وَ أَنْتَ أَمِيرُنَا فَإِنْ خَالَفَكَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ كَانَتْ أَيْدِينَا لَكَ نَاصِرَةً وَ أَلْسِنَتُنَا لَكَ شَاهِدَةً وَ كُنْتَ ذَا عُذْرٍ وَ حُجَّةٍ.

فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ 1«اُغْدُ عَلَيَّ غَداً فَخُذْ جَوَابَ كِتَابِكَ» فَانْصَرَفَ ثُمَّ رَجَعَ مِنَ الْغَدِ لِيَأْخُذَ جَوَابَ كِتَابِهِ فَوَجَدَ النَّاسَ قَدْ بَلَغَهُمُ الَّذِي جَاءَ فِيهِ فَلَبِسَتِ اَلشِّيعَةُ أَسْلِحَتَهَا ثُمَّ غَدَوْا فَمَلَئُوا الْمَسْجِدَ وَ أَخَذُوا يُنَادُونَ كُلُّنَا قَتَلَ اِبْنَ عَفَّانَ وَ أَكْثَرُوا مِنَ النِّدَاءَ بِذَلِكَ وَ أُذِنَ لِأَبِي مُسْلِمٍ فَدَخَلَ عَلَى عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَدَفَعَ إِلَيْهِ جَوَابَ كِتَابِ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ لَهُ أَبُو مُسْلِمٍ قَدْ رَأَيْتُ قَوْماً مَا لَكَ مَعَهُمْ أَمْرٌ قَالَ 1«وَ مَا ذَاكَ؟» قَالَ بَلَغَ الْقَوْمَ أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَدْفَعَ إِلَيْنَا قَتَلَةَ عُثْمَانَ فَضَجُّوا وَ اجْتَمَعُوا وَ لَبِسُوا السِّلاَحَ وَ زَعَمُوا أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ قَتَلَةُ عُثْمَانَ فَقَالَ عَلِيٌّ : 1«وَ اللَّهِ مَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْفَعَهُمْ إِلَيْكَ طَرْفَةَ عَيْنٍ لَقَدْ ضَرَبْتُ هَذَا الْأَمْرَ أَنْفَهُ وَ عَيْنَيْهِ مَا رَأَيْتُهُ يَنْبَغِي لِي أَنْ أَدْفَعَهُمْ إِلَيْكَ وَ لاَ إِلَى غَيْرِكَ.» فَخَرَجَ بِالْكِتَابِ وَ هُوَ يَقُولُ الْآنَ طَابَ الضِّرَابُ.

وَ كَانَ كِتَابُ مُعَاوِيَةَ إِلَى عَلِيٍّ عليه السلام (1): « بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » مِنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ سَلاَمٌ عَلَيْكَ فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللَّهَ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهِ اصْطَفَى مُحَمَّداً بِعِلْمِهِ وَ جَعَلَهُ الْأَمِينَ عَلَى وَحْيِهِ وَ الرَّسُولَ إِلَى خَلْقِهِ وَ اجْتَبَى لَهُ مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ أَعْوَاناً أَيَّدَهُ اللَّهُ بِهِمْ،).

ص: 86


1- انظر هذا الكتاب أيضا في العقد(3:107).

فَكَانُوا فِي مَنَازِلِهِمْ عِنْدَهُ عَلَى قَدْرِ فَضَائِلِهِمْ فِي اَلْإِسْلاَمِ فَكَانَ أَفْضَلَهُمْ فِي إِسْلاَمِهِ وَ أَنْصَحَهُمْ لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ الْخَلِيفَةُ مِنْ بَعْدِهِ وَ خَلِيفَةُ خَلِيفَتِهِ وَ الثَّالِثَ الْخَلِيفَةَ الْمَظْلُومَ عُثْمَانَ فَكُلَّهُمْ حَسَدْتَ وَ عَلَى كُلِّهِمْ بَغَيْتَ عَرَفْنَا ذَلِكَ فِي نَظَرِكَ الشَّزْرِ وَ فِي قَوْلِكَ الْهُجْرِ وَ فِي تَنَفُّسِكَ الصُّعَدَاءَ وَ فِي إِبْطَائِكَ عَنِ الْخُلَفَاءِ تُقَادُ إِلَى كُلٍّ مِنْهُمْ كَمَا يُقَادُ الْفَحْلُ الْمَخْشُوشُ (1)حَتَّى تُبَايِعَ وَ أَنْتَ كَارِهٌ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ بِأَعْظَمَ حَسَداً مِنْكَ لاِبْنِ عَمِّكَ عُثْمَانَ وَ كَانَ أَحَقَّهُمْ أَلاَّ تَفْعَلَ بِهِ ذَلِكَ فِي قَرَابَتِهِ وَ صِهْرِهِ فَقَطَعْتَ رَحِمَهُ وَ قَبَّحْتَ مَحَاسِنَهُ وَ أَلَّبْتَ النَّاسَ عَلَيْهِ وَ بَطَنْتَ وَ ظَهَرْتَ حَتَّى ضُرِبَتْ إِلَيْهِ آبَاطُ الْإِبِلِ وَ قُيِّدَتْ إِلَيْهِ الْخَيْلُ الْعِرَابُ وَ حُمِلَ عَلَيْهِ السِّلاَحُ فِي حَرَمِ رَسُولِ اللَّهِ فَقُتِلَ مَعَكَ فِي الْمَحَلَّةِ وَ أَنْتَ تَسْمَعُ فِي دَارِهِ الْهَائِعَةَ (2)لاَ تَرْدَعُ الظَّنَّ وَ التُّهَمَةَ عَنْ نَفْسِكَ فِيهِ بِقَوْلٍ وَ لاَ فِعْلٍ.

فَأُقْسِمُ صَادِقاً أَنْ لَوْ قُمْتَ فِيمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَقَاماً وَاحِداً تُنَهْنِهُ النَّاسَ عَنْهُ مَا عَدَلَ بِكَ مَنْ قِبَلَنَا مِنَ النَّاسِ أَحَداً وَ لَمَحَا ذَلِكَ عِنْدَهُمْ مَا كَانُوا يَعْرِفُونَكَ بِهِ مِنَ الْمُجَانَبَةِ لِعُثْمَانَ وَ الْبَغْيِ عَلَيْهِ وَ أُخْرَى أَنْتَ بِهَا عِنْدَ أَنْصَارِ عُثْمَانَ ظَنِينٌ إِيْوَاؤُكَ قَتَلَةَ عُثْمَانَ فَهُمْ عَضُدُكَ وَ أَنْصَارُكَ وَ يَدُكَ وَ بِطَانَتُكَ (3)وَ قَدْ ذُكِرَ لِي أَنَّكَ تَنْصِلُ مِنْ دَمِهِ فَإِنْ كُنْتَ صَادِقاً فَأَمْكِنَّا مِنْ قَتَلَتِهِ نَقْتُلُهُمْ بِهِ وَ نَحْنُ أَسْرَعُ النَّاسِ إِلَيْكَ وَ إِلاَّ فَإِنَّهُ فَلَيْسَ لَكَ وَ لاَ لِأَصْحَابِكَ إِلاَّ السَّيْفُ وَ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَنَطْلُبَنَّ قَتَلَةَ عُثْمَانَ فِي الْجِبَالِ وَ الرِّمَالِ وَ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ حَتَّى يَقْتُلَهُمُ اللَّهُ أَوْ لَتَلْحَقَنَّ أَرْوَاحُنَا بِاللَّهِ وَ السَّلاَمُ.ح.

ص: 87


1- المخشوش:الذي جعل في عظم أنفه الخشاش،و هو بالكسر،عويد يجعل في أنف البعير يشد به الزمام ليكون أسرع في انقياده.
2- الهائعة:الصوت الشديد.
3- بطانة الرجل:خاصته و صاحب سره.و في الأصل:«بطاشك»صوابه في ح.

فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ « « بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ أَخَا خَوْلاَنَ قَدِمَ عَلَيَّ بِكِتَابٍ مِنْكَ تَذْكُرُ فِيهِ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَ الْوَحْيِ وَ الْحَمْدِ لِلَّهِ الَّذِي صَدَّقَهُ الْوَعْدَ وَ تَمَّمَ لَهُ النَّصْرَ (1)وَ مَكَّنَ لَهُ فِي الْبِلاَدِ وَ أَظْهَرَهُ عَلَى أَهْلِ الْعِدَاءِ (2)وَ الشَّنَئَانِ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ وَثَبُوا بِهِ وَ شَنَّفُوا لَهُ (3)وَ أَظْهَرُوا لَهُ التَّكْذِيبَ وَ بَارَزُوهُ بِالْعَدَاوَةِ وَ ظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِهِ وَ عَلَى إِخْرَاجِ أَصْحَابِهِ وَ أَهْلِهِ وَ أَلَّبُوا عَلَيْهِ اَلْعَرَبَ وَ جَامَعُوهُمْ عَلَى حَرْبِهِ وَ جَهَدُوا فِي أَمْرِهِ كُلَّ الْجَهْدِ وَ قَلَّبُوا لَهُ الْأُمُورَ حَتَّى« ظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَ هُمْ كارِهُونَ »وَ كَانَ أَشَدُّ النَّاسِ عَلَيْهِ أَلْبَةً (4)أُسْرَتَهُ وَ الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى مِنْ قَوْمِهِ إِلاَّ مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ (5)يَا اِبْنَ هِنْدٍ فَلَقَدْ خَبَأَ لَنَا الدَّهْرُ مِنْكَ عَجَباً وَ لَقَدْ قَدَّمْتَ فَأَفْحَشْتَ إِذْ طَفَّقْتَ تُخْبِرُنَا عَنْ بَلاَءِ اللَّهِ تَعَالَى فِي نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ فِينَا فَكُنْتَ فِي ذَلِكَ كَجَالِبِ التَّمْرِ إِلَى هَجَرَ أَوْ كَدَاعِي مُسَدِّدِهِ إِلَى النِّضَالَ (6)وَ ذَكَرْتَ أَنَّ اللَّهَ اجْتَبَى لَهُ مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ أَعْوَاناً أَيَّدَهُ اللَّهُ بِهِمْ فَكَانُوا فِي مَنَازِلِهِمْ عِنْدَهُ عَلَى قَدْرِ فَضَائِلِهِمْ فِي اَلْإِسْلاَمِ ،ل.

ص: 88


1- ح:«و أيده بالنصر».
2- في الأصل:«العدى»تحريف.و في ح:«العداوة».
3- شنف له يشنف شنفا،من باب تعب:أبغضه.و في الحديث في إسلام أبى ذر: «فإنهم قد شنفوا له»،أي أبغضوه.
4- الألبة:المرة من الألب،و هو التحريض.و الذي في ح:«تأليبا و تحريضا».
5- الكلام بعد هذه إلى كلمة:«النضال»لم يرد في ح.
6- التسديد:التعليم.أى كمن يدعو من علمه النضال إلى النضال.

فَكَانَ أَفْضَلَهُمْ زَعَمْتَ فِي اَلْإِسْلاَمِ وَ أَنْصَحَهُمْ لِلَّهِ وَ رَسُولِهِ الْخَلِيفَةُ وَ خَلِيفَةُ الْخَلِيفَةِ وَ لَعَمْرِي إِنَّ مَكَانَهُمَا مِنْ اَلْإِسْلاَمِ لَعَظِيمٌ وَ إِنَّ الْمُصَابَ بِهِمَا لَجَرِحٌ فِي اَلْإِسْلاَمِ شَدِيدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَ جَزَاهُمَا بِأَحْسَنِ الْجَزَاءِ (1)وَ ذَكَرْتَ أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ فِي الْفَضْلِ ثَالِثاً (2)فَإِنْ يَكُنْ عُثْمَانُ مُحْسِناً فَسَيَجْزِيهِ اللَّهُ بِإِحْسَانِهِ وَ إِنْ يَكُ مُسِيئاً فَسَيَلْقَى رَبّاً غَفُوراً لاَ يَتَعَاظَمُهُ ذَنْبٌ أَنْ يَغْفِرَهُ وَ لَعَمْرُ اللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو إِذَا أَعْطَى اللَّهُ النَّاسَ عَلَى قَدْرِ فَضَائِلِهِمْ فِي اَلْإِسْلاَمِ وَ نَصِيحَتِهِمْ لِلَّهِ وَ رَسُولِهِ أَنْ يَكُونَ نَصِيبُنَا فِي ذَلِكَ الْأَوْفَرَ إِنَّ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لَمَّا دَعَا إِلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَ التَّوْحِيدِ كُنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِهِ وَ صَدَّقَ بِمَا جَاءَ بِهِ فَلَبِثْنَا أَحْوَالاً مُجَرَّمَةً (3)وَ مَا يَعْبُدُ اللَّهَ فِي رَبْعٍ سَاكِنٍ مِنَ اَلْعَرَبِ غَيْرُنَا فَأَرَادَ قَوْمُنَا قَتْلَ نَبِيِّنَا وَ اجْتِيَاحَ أَصْلِنَا وَ هَمُّوا بِنَا الْهُمُومَ وَ فَعَلُوا بِنَا الْأَفَاعِيلَ فَمَنَعُونَا الْمِيرَةَ وَ أَمْسَكُوا عَنَّا الْعَذْبَ (4)وَ أَحْلَسُونَا الْخَوْفَ (5)وَ جَعَلُوا عَلَيْنَا الْأَرْصَادَ وَ الْعُيُونَ وَ اضْطَرُّونَا إِلَى جَبَلٍ وَعِرٍ وَ أَوْقَدُوا لَنَا نَارَ الْحَرْبِ وَ كَتَبُوا عَلَيْنَا بَيْنَهُمْ كِتَاباً لاَ يُؤَاكِلُونَّا وَ لاَ يُشَارِبُونَّا وَ لاَ يُنَاكِحُونَّا وَ لاَ يُبَايِعُونَّا وَ لاَ نَأْمَنُ فِيهِمْ حَتَّى نَدْفَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَيَقْتُلُوهُ وَ يُمَثِّلُوا بِهِ فَلَمْ نَكُنْ نَأْمَنُ فِيهِمْ إِلاَّ مِنْ مَوْسِمٍ إِلَى مَوْسِمٍ فَعَزَمَ اللَّهُ لَنَا عَلَى مَنْعِهِ وَ الذَّبِّ عَنْ حَوْزَتِهِ وَ الرَّمْيِ مِنْ وَرَاءِ حُرْمَتِهِ وَ الْقِيَامِ).

ص: 89


1- ح:«و جزاهما أحسن ما عملا».
2- ح:«تاليا».
3- أي سنين كاملة.و المجرمة،بتشديد الراء المفتوحة.
4- الميرة،بالكسر:ما يجلب من الطعام.و العذب،عنى به الماء العذب.
5- أي ألزموناه.انظر ح(3:304).و في الأصل:«و أحلسوا»صوابه في ح (3:303،408).

بِأَسْيَافِنَا دُونَهُ فِي سَاعَاتِ الْخَوْفِ بِاللَّيْلِ وَ النَّهَارِ (1)فَمُؤْمِنُنَا يَرْجُو بِذَلِكَ الثَّوَابَ وَ كَافِرُنَا يُحَامِى بِهِ عَنِ الْأَصْلِ فَأَمَّا مَنْ أَسْلَمَ مِنْ قُرَيْشٍ بَعْدُ فَإِنَّهُمْ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ أَخْلِيَاءُ فَمِنْهُمْ حَلِيفٌ مَمْنُوعٌ أَوْ ذُو عَشِيرَةٍ تُدَافِعُ عَنْهُ فَلاَ يَبْغِيهِ أَحَدٌ بِمِثْلِ مَا بَغَانَا بِهِ قَوْمُنَا مِنَ التَّلَفِ فَهُمْ مِنَ الْقَتْلِ بِمَكَانِ نَجْوَةٍ وَ أَمْنٍ فَكَانَ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِالْهِجْرَةِ وَ أَذِنَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي قِتَالِ اَلْمُشْرِكِينَ فَكَانَ إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ وَ دُعِيَتْ نَزَالِ أَقَامَ أَهْلَ بَيْتِهِ فَاسْتَقْدَمُوا فَوَقَى بِهِمْ أَصْحَابَهُ حَرَّ الْأَسِنَّةِ وَ السُّيُوفِ فَقُتِلَ عُبَيْدَةُ (2)يَوْمَ بَدْرٍ وَ حَمْزَةُ يَوْمَ أُحُدٍ وَ جَعْفَرٌ وَ زَيْدٌ يَوْمَ مُؤْتَةَ وَ أَرَادَ لِلَّهِ مَنْ لَوْ شِئْتُ ذَكَرْتُ اسْمَهُ مِثْلَ الَّذِي أَرَادُوا مِنَ الشَّهَادَةِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ غَيْرَ مَرَّةٍ إِلاَّ أَنَّ آجَالَهُمْ عُجِّلَتْ وَ مَنِيَّتَهُ أُخِّرَتْ وَ اللَّهُ مَوْلَى الْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ وَ الْمَنَّانُ عَلَيْهِمْ بِمَا قَدْ أَسْلَفُوا مِنَ الصَّالِحَاتِ فَمَا سَمِعْتُ بِأَحَدٍ وَ لاَ رَأَيْتُ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَنْصَحُ لِلَّهِ فِي طَاعَةِ رَسُولِهِ وَ لاَ أَطْوَعَ لِرَسُولِهِ فِي طَاعَةِ رَبِّهِ وَ لاَ أَصْبَرَ عَلَى اللَّأْوَاءِ وَ الضَّرَّاءِ وَ حِينَ الْبَأْسِ وَ مَوَاطِنِ الْمَكْرُوهِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مِنْ هَؤُلاَءِ النَّفَرِ الَّذِينَ سَمَّيْتُ لَكَ وَ فِي اَلْمُهَاجِرِينَ خَيْرٌ كَثِيرٌ نَعْرِفُهُ (3)جَزَاهُمُ اللَّهُ بِأَحْسَنِ أَعْمَالِهِمْ وَ ذَكَرْتَ (4)حَسَدِي الْخُلَفَاءَ وَ إِبْطَائِي عَنْهُمْ وَ بَغْيِي عَلَيْهِمْ فَأَمَّا الْبَغْيُ فَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ وَ أَمَّا الْإِبْطَاءُ عَنْهُمْ وَ الْكَرَاهَةُ لِأَمْرِهِمْ فَلَسْتُ أَعْتَذِرُ مِنْهُ إِلَى النَّاسِ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ذَكَرَهُ لَمَّا قَبَضَ نَبِيَّهُح.

ص: 90


1- في الأصل:«و الليل و النهار»،و أثبت ما في ح.
2- هو عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف.و هو أول من عقدت له راية في الإسلام.انظر الإصابة 5367.و قد تزوح الرسول الكريم زوجته زينب بنت خزيمة بعده.انظر المعارف 59.
3- ح(3:409):«خير كثير يعرف».
4- في الأصل:«فذكرت»صوابه بالواو،كما في ح.

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالَتْ قُرَيْشٌ مِنَّا أَمِيرٌ وَ قَالَتِ اَلْأَنْصَارُ مِنَّا أَمِيرٌ فَقَالَتْ قُرَيْشٌ مِنَّا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَنَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ الْأَمْرِ فَعَرَفَتْ ذَلِكَ اَلْأَنْصَارُ فَسَلَّمَتْ لَهُمُ الْوَلاَيَةَ وَ السُّلْطَانَ فَإِذَا اسْتَحَقُّوهَا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ دُونَ اَلْأَنْصَارِ فَإِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَحَقُّ بِهَا مِنْهُمْ وَ إِلاَّ فَإِنَّ اَلْأَنْصَارَ أَعْظَمُ اَلْعَرَبِ فِيهَا نَصِيباً فَلاَ أَدْرِي أَصْحَابِي سَلِمُوا مِنْ أَنْ يَكُونُوا حَقِّي أَخَذُوا أَوِ اَلْأَنْصَارُ ظَلَمُوا بَلْ عَرَفْتَ أَنَّ حَقِّي هُوَ الْمَأْخُوذُ وَ قَدْ تَرَكْتُهُ لَهُمْ تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ أَمْرِ عُثْمَانَ وَ قَطِيعَتِي رَحِمَهُ وَ تَأْلِيبِي عَلَيْهِ فَإِنَّ عُثْمَانَ عَمِلَ مَا قَدْ بَلَغَكَ فَصَنَعَ النَّاسُ بِهِ مَا قَدْ رَأَيْتَ وَ قَدْ عَلِمْتَ أَنِّي كُنْتُ فِي عُزْلَةٍ عَنْهُ إِلاَّ أَنْ تَتَجَنَّى فَتَجَنَّ مَا بَدَا لَكَ وَ أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ أَمْرِ قَتَلَةِ عُثْمَانَ فَإِنِّي نَظَرْتُ فِي هَذَا الْأَمْرِ وَ ضَرَبْتُ أَنْفَهُ وَ عَيْنَيْهِ فَلَمْ أَرَ دَفْعَهُمْ إِلَيْكَ وَ لاَ إِلَى غَيْرِكَ وَ لَعَمْرِي لَئِنْ لَمْ تَنْزِعِ عَنْ غَيِّكَ وَ شِقَاقِكَ لَتَعْرِفَنَّهُمْ عَنْ قَلِيلٍ يَطْلُبُونَكَ وَ لاَ يُكَلِّفُونَكَ أَنْ تَطْلُبَهُمْ فِي بَرٍّ وَ لاَ بَحْرٍ وَ لاَ جَبَلٍ وَ لاَ سَهْلٍ وَ قَدْ كَانَ أَبُوكَ أَتَانِي حِينَ وَلَّى النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ أَنْتَ أَحَقُّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِهَذَا الْأَمْرِ وَ أَنَا زَعِيمٌ لَكَ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ خَالَفَ عَلَيْكَ ابْسُطْ يَدَكَ أُبَايِعْكَ فَلَمْ أَفْعَلْ وَ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ أَبَاكَ قَدْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ وَ أَرَادَهُ حَتَّى كُنْتُ أَنَا الَّذِي أَبَيْتُ لِقُرْبِ عَهْدِ النَّاسِ بِالْكُفْرِ مَخَافَةَ الْفُرْقَةِ بَيْنَ أَهْلِ اَلْإِسْلاَمِ فَأَبُوكَ كَانَ أَعْرَفَ بِحَقِّي مِنْكَ فَإِنْ تَعْرِفْ مِنْ حَقِّي مَا كَانَ يَعْرِفُ أَبُوكَ تُصِبْ رُشْدَكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَسَيُغْنِي اللَّهُ عَنْكَ وَ السَّلاَمُ».

. آخر الجزء الثاني من أصل عبد الوهاب

ص: 91

استشارة علي المهاجرين و الأنصار قبل المسير إلى الشام

نَصْرُ بْنُ مُزَاحِمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَزِيدَ وَ اَلْحَارِثِ بْنِ حَصِيرَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ أَبِي الْكَنُودِ قَالَ:

لَمَّا أَرَادَ عَلِيٌّ الْمَسِيرَ إِلَى أَهْلِ اَلشَّامِ دَعَا إِلَيْهِ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنَ اَلْمُهَاجِرِينَ وَ اَلْأَنْصَارِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ وَ قَالَ: 1«أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّكُمْ مَيَامِينُ الرَّأْيِ مَرَاجِيحُ الْحِلْمِ مَقَاوِيلُ بِالْحَقِّ مُبَارَكُو الْفِعْلِ وَ الْأَمْرِ وَ قَدْ أَرَدْنَا الْمَسِيرَ إِلَى عَدُوِّنَا وَ عَدُوِّكُمْ فَأَشِيرُوا عَلَيْنَا بِرَأْيِكُمْ» فَقَامَ هَاشِمُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ:أَمَّا بَعْدُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَنَا بِالْقَوْمِ جِدٌّ خَبِيرٌ هُمْ لَكَ وَ لِأَشْيَاعِكَ أَعْدَاءٌ وَ هُمْ لِمَنْ يَطْلُبُ حَرْثَ الدُّنْيَا أَوْلِيَاءُ وَ هُمْ مُقَاتِلُوكَ وَ مُجَاهِدُوكَ (1)لاَ يُبْقُوْنَ (2)جَهْداً مُشَاحَّةً عَلَى الدُّنْيَا وَ ضَنّاً بِمَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْهَا وَ لَيْسَ لَهُمْ إِرْبَةٌ غَيْرُهَا إِلاَّ مَا يَخْدَعُونَ بِهِ الْجُهَّالَ مِنَ الطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ (3)كَذَبُوا لَيْسُوا بِدَمِهِ يَثْأَرُونَ (4)وَ لَكِنِ الدُّنْيَا يَطْلُبُونَ فَسِرْ بِنَا إِلَيْهِمْ (5)فَإِنْ أَجَابُوا إِلَى الْحَقِّ فَلَيْسَ بَعْدَ الْحَقِّ« إِلاَّ الضَّلالُ » وَ إِنْ أَبَوْا إِلاَّ الشِّقَاقَ فَذَلِكَ الظَّنُّ بِهِمْ (6)وَ اللَّهِ مَا أَرَاهُمْ يُبَايِعُونَ وَ فِيهِمْ أَحَدٌ مِمَّنْ يُطَاعُ إِذَا نَهَى وَ [لاَ] يَسْمَعُ إِذَا أَمَرَ .

نَصْرٌ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ اَلْحَارِثِ بْنِ حَصِيرَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ أَبِي الْكَنُودِ : أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ قَامَ فَذَكَرَ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ وَ حَمِدَهُ وَ قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَلاَّ تُقِيمَ يَوْماً وَاحِداً فَا[فْعَلْ] اشْخَصْ بِنَا

ص: 92


1- ح(1:278):«و مجادلوك»لعل هذه:«و مجالدوك».
2- ح:«لا يبغون»تحريف.
3- ح:«من طلب دم ابن عفان».
4- ح:«ليسوا لدمه ينفرون».
5- ح:«انهض بنا إليهم».
6- ح:«فذاك ظنى بهم».

قَبْلَ اسْتِعَارِ نَارِ الْفَجَرَةِ وَ اجْتِمَاعِ رَأْيِهِمْ عَلَى الصُّدُودِ وَ الْفُرْقَةِ وَ ادْعُهُمْ إِلَى رُشْدِهِمْ وَ حَظِّهِمْ فَإِنْ قَبِلُوا سُعِدُوا وَ إِنْ أَبَوْا إِلاَّ حَرْبَنَا فَوَ اللَّهِ إِنَّ سَفْكَ دِمَائِهِمْ وَ الْجِدَّ فِي جِهَادِهِمْ لَقُرْبَةٌ عِنْدَ اللَّهِ وَ هُوَ كَرَامَةٌ مِنْهُ.

وَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ثُمَّ قَامَ قَيْسُ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ انْكَمِشْ بِنَا إِلَى عَدُوِّنَا وَ لاَ تُعَرِّدْ (1)فَوَ اللَّهِ لَجِهَادُهُمْ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ جِهَادِ اَلتُّرْكِ وَ اَلرُّومِ لاِدِّهَانِهِمْ فِي دِينِ اللَّهِ (2)وَ اسْتِذْلاَلِهِمْ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مِنَ اَلْمُهَاجِرِينَ وَ اَلْأَنْصَارِ وَ اَلتَّابِعِينَ بِإِحْسَانٍ إِذَا غَضِبُوا عَلَى رَجُلٍ حَبَسُوهُ أَوْ ضَرَبُوهُ أَوْ حَرَمُوهُ أَوْ سَيَّرُوهُ (3)وَ فَيْئُنَا لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ حَلاَلٌ وَ نَحْنُ لَهُمْ فِيمَا يَزْعُمُونَ قَطِينٌ (4)قَالَ يَعْنِي رَقِيقٌ.

فَقَالَ أَشْيَاخُ اَلْأَنْصَارِ مِنْهُمْ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ وَ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ وَ غَيْرُهُمَا لِمَ تَقَدَّمْتَ أَشْيَاخَ قَوْمِكَ وَ بَدَأْتَهُمْ يَا قَيْسُ بِالْكَلاَمِ فَقَالَ أَمَا إِنِّي عَارِفٌ بِفَضْلِكُمْ مُعَظِّمٌ لِشَأْنِكُمْ وَ لَكِنِّي وَجَدْتُ فِي نَفْسِي الضِّغْنَ الَّذِي جَاشَ فِي صُدُورِكُمْ حِينَ ذَكَرْتُ اَلْأَحْزَابَ .

فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ لَيَقُمْ رَجُلٌ مِنْكُمْ فَلْيُجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ جَمَاعَتِكُمْ فَقَالُوا قُمْ يَا سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ فَقَامَ سَهْلٌ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَحْنُ سِلْمٌ لِمَنْ سَالَمْتَ وَ حَرْبٌ لِمَنْ حَارَبْتَ وَ رَأْيُنَا رَأْيُكَ وَ نَحْنُ كَفُّ يَمِينِكَ وَ قَدْ رَأَيْنَا أَنْ تَقُومَ بِهَذَا الْأَمْرِ فِي أَهْلِ اَلْكُوفَةِ فَتَأْمُرَهُمْ بِالشُّخُوصِ وَ تُخْبِرَهُمْ بِمَا صَنَعَ اللَّهُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مِنَ الْفَضْلِ فَإِنَّهُمْ هُمْ أَهْلُ الْبَلَدِك.

ص: 93


1- الانكماش:الإسراع و الجسد.و التعريد:الفرار و الإحجام و الانهزام.ح: «و لا تعرج».
2- الإدهان:الغش و المصانعة.و في التنزيل العزيز:« وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ »
3- في اللسان:«سيره من بلده:أخرجه و أجلاه».
4- القطين:الخدم و الأتباع و الحشم و المماليك.

وَ هُمُ النَّاسُ فَإِنِ اسْتَقَامُوا لَكَ اسْتَقَامَ لَكَ الَّذِي تُرِيدُ وَ تَطْلُبُ وَ أَمَّا نَحْنُ فَلَيْسَ عَلَيْكَ مِنَّا خِلاَفٌ مَتَى دَعَوْتَنَا أَجَبْنَاكَ وَ مَتَى أَمَرْتَنَا أَطَعْنَاكَ .

خطبة علي عليه السلام في الخروج إلى صفين و رأى اصحابه

نَصْرٌ عُمَرُ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي مِخْنَفٍ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي حُشَيْشٍ (1)عَنْ مَعْبَدٍ قَالَ: قَامَ عَلِيٌّ خَطِيباً عَلَى مِنْبَرِهِ فَكُنْتُ تَحْتَ الْمِنْبَرِ حِينَ حَرَّضَ النَّاسَ وَ أَمَرَهُمْ بِالْمَسِيرِ إِلَى صِفِّينَ لِقِتَالِ أَهْلِ اَلشَّامِ فَبَدَأَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ 1«سِيرُوا إِلَى أَعْدَاءِ [اللَّهِ سِيرُوا إِلَى أَعْدَاءِ] السُّنَنِ وَ اَلْقُرْآنِ سِيرُوا إِلَى بَقِيَّةِ اَلْأَحْزَابِ قَتَلَةِ اَلْمُهَاجِرِينَ وَ اَلْأَنْصَارِ » فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ يُقَالُ لَهُ أَرْبَدُ فَقَالَ أَ تُرِيدُ أَنْ تُسَيِّرَنَا إِلَى إِخْوَانِنَا مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ فَنَقْتُلَهُمْ لَكَ كَمَا سِرْتَ بِنَا إِلَى إِخْوَانِنَا مِنْ أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ فَقَتَلْنَاهُمْ كَلاَّ هَا اللَّهِ إِذاً لاَ نَفْعَلُ ذَلِكَ (2)فَقَامَ اَلْأَشْتَرُ فَقَالَ مَنْ لِهَذَا أَيُّهَا النَّاسُ (3)وَ هَرَبَ اَلْفَزَارِيُّ وَ اشْتَدَّ النَّاسُ عَلَى أَثَرِهِ فَلُحِقَ بِمَكَانٍ مِنَ السُّوقِ تُبَاعُ فِيهِ الْبَرَاذِينُ فَوَطِئُوهُ بِأَرْجُلِهِمْ وَ ضَرَبُوهُ بِأَيْدِيهِمْ وَ نِعَالِ سُيُوفِهِمْ (4)حَتَّى قُتِلَ، فَأَتَى عَلِيٌّ فَقِيلَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قُتِلَ الرَّجُلُ قَالَ: 1«وَ مَنْ قَتَلَهُ؟» قَالُوا قَتَلَتْهُ هَمْدَانُ وَ فِيهِمْ شَوْبَةٌ مِنَ النَّاسِ (5)فَقَالَ: 1«قَتِيلُ عِمِّيَّةٍ لاَ يُدْرَى

ص: 94


1- ح(1:279):«أبى خشيش».
2- ها التنبيه،قد يقسم بها،كما هنا.قال ابن منظور:«إن شئت حذفت الألف التي بعد الهاء،و إن شئت أثبت».
3- ح:«من هذا المأزق».
4- نعل السيف:ما يكون في أسفل جفنه من حديدة أو فضة.
5- ح:«و معهم شوب من الناس».

مَنْ قَتَلَهُ (1)دِيَتُهُ مِنْ بَيْتِ مَالِ اَلْمُسْلِمِينَ .» وَ قَالَ عِلاَقَةُ التَّيْمِيُّ (2)

أَعُوذُ بِرَبِّي أَنْ تَكُونَ مَنِيَّتِي كَمَا مَاتَ فِي سُوقِ الْبَرَاذِينِ أَرْبَدُ

تَعَاوَرَهُ هَمْدَانُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ إِذَا رُفِعَتْ عَنْهُ يَدٌ وُضِعَتْ يَدٌ.

قَالَ وَ قَامَ اَلْأَشْتَرُ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لاَ يَهُدَّنَّكَ مَا رَأَيْتَ وَ لاَ يُؤْيِسَنَّكَ مِنْ نَصْرِنَا مَا سَمِعْتَ مِنْ مَقَالَةِ هَذَا الشَّقِيِّ الْخَائِنِ جَمِيعُ مَنْ تَرَى مِنَ النَّاسِ شِيعَتُكَ وَ لَيْسُوا يَرْغَبُونَ بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِكَ وَ لاَ يُحِبُّونَ بَقَاءَّ بَعْدَكَ فَإِنْ شِئْتَ فَسِرْ بِنَا إِلَى عَدُوِّكَ وَ اللَّهِ مَا يَنْجُو مِنَ الْمَوْتِ مَنْ خَافَهُ وَ لاَ يُعْطَى الْبَقَاءَ مَنْ أَحَبَّهُ وَ مَا يَعِيشُ بِالْآمَالِ إِلاَّ شَقِيٌّ وَ إِنَّا لَعَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّنَا أَنَّ نَفْساً لَنْ تَمُوتَ حَتَّى يَأْتِيَ أَجَلُهَا فَكَيْفَ لاَ نُقَاتِلُ قَوْماً هُمْ كَمَا وَصَفَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ قَدْ وَثَبَتْ عِصَابَةٌ مِنْهُمْ عَلَى طَائِفَةٍ مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ بِالْأَمْسِ فَأَسْخَطُوا اللَّهَ وَ أَظْلَمَتْ بِأَعْمَالِهِمْ الْأَرْضُ وَ بَاعُوا خَلاَقَهُمْ (3)بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا يَسِيرٍ.

فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ :اَلطَّرِيقُ مُشْتَرَكٌ وَ النَّاسُ فِي الْحَقِّ سَوَاءٌ وَ مَنِ اجْتَهَدَ رَأْيَهُ فِي نَصِيحَةِ الْعَامَّةِ فَلَهُ مَا نَوَى وَ قَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ ثُمَّ نَزَلَ فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ.

.

نَصْرٌ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو زُهَيْرٍ الْعَبْسِيُّ عَنِ اَلنَّضْرِ بْنِ صَالِحٍ :

أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُعْتَمِّ الْعَبْسِيَّ وَ حَنْظَلَةَ بْنَ الرَّبِيعِ التَّمِيمِيُّ لَمَّا أَمَرَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ النَّاسَ بِالْمَسِيرِ إِلَى اَلشَّامِ دَخَلاَ فِي رِجَالٍ كَثِيرٍ مِنْ غَطَفَانَ وَ بَنِي تَمِيمٍ عَلَىر.

ص: 95


1- العمية،بكسر العين و تشديد الميم المكسورة و الياء المفتوحة المشددة،و يقال أيضا «عميا»بوزنه مع القصر،أي ميتة فتنة و جهالة.
2- بدلها في ح:«فقال بعض بنى تيم اللات بن ثعلبة».
3- الخلاق،بالفتح:الحظ و النصيب من الخير.

أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ لَهُ اَلتَّمِيمِيُّ :يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّا قَدْ مَشَيْنَا إِلَيْكَ بِنَصِيحَةٍ فَاقْبَلْهَا مِنَّا وَ رَأَيْنَا لَكَ رَأْياً فَلاَ تَرُدَّهُ عَلَيْنَا فَإِنَّا نَظَرْنَا لَكَ وَ لِمَنْ مَعَكَ أَقِمْ وَ كَاتِبْ هَذَا الرَّجُلَ وَ لاَ تُعَجِّلْ إِلَى قِتَالِ أَهْلِ اَلشَّامِ فَإِنِّي وَ اللَّهِ مَا أَدْرِي وَ لاَ تُدْرَى لِمَنْ تَكُونُ إِذَا الْتَقَيْتُمْ الْغَلَبَةُ وَ عَلَى مَنْ تَكُونُ الدَّبْرَةُ.

وَ قَامَ اِبْنُ الْمُعْتَمِّ فَتَكَلَّمَ وَ تَكَلَّمَ الْقَوْمُ الَّذِينَ دَخَلُوا مَعَهُمَا بِمِثْلِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ، فَحَمِدَ عَلِيٌّ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ وَ قَالَ 1«أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ وَارِثُ الْعِبَادِ وَ الْبِلاَدِ وَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَ الْأَرَضِينَ السَّبْعِ« وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ »يُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ وَ يَنْزِعُهُ مِمَّنْ يَشَاءُ وَ يُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ وَ يُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ أَمَّا الدَّبْرَةُ فَإِنَّهَا عَلَى الضَّالِّينَ الْعَاصِينَ ظَفِرُوا أَوْ ظُفِرَ بِهِمْ وَ ايْمُ اللَّهِ إِنِّي لَأَسْمَعُ كَلاَمَ قَوْمٍ مَا أَرَاهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَعْرِفُوا مَعْرُوفاً وَ لاَ يُنْكِرُوا مُنْكَراً.

فَقَامَ إِلَيْهِ مَعْقِلُ بْنُ قَيْسٍ الْيَرْبُوعِيُّ ثُمَّ اَلرِّيَاحِيُّ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ هَؤُلاَءِ وَ اللَّهِ مَا أَتَوْكَ بِنُصْحٍ وَ لاَ دَخَلُوا عَلَيْكَ إِلاَّ بِغِشٍّ فَاحْذَرْهُمْ فَإِنَّهُمْ أَدْنَى الْعَدُوِّ.

فَقَالَ لَهُ مَالِكُ بْنُ حَبِيبٍ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ حَنْظَلَةَ هَذَا يُكَاتِبُ مُعَاوِيَةَ فَادْفَعْهُ إِلَيْنَا نَحْبِسُهُ حَتَّى تَنْقَضِيَ غَزَاتُكَ ثُمَّ تَنْصَرِفُ.

وَ قَامَ إِلَى عَلِيٍّ عَيَّاشُ بْنُ رَبِيعَةَ وَ قَائِدُ بْنُ بُكَيْرٍ الْعَبْسِيَّانِ فَقَالاَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ صَاحِبَنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُعْتَمِّ قَدْ بَلَغَنَا أَنَّهُ يُكَاتِبُ مُعَاوِيَةَ فَاحْبِسْهُ أَوْ أَمْكِنَّا مِنْهُ نَحْبِسُهُ حَتَّى تَنْقَضِيَ غَزَاتُكَ وَ تَنْصَرِفَ فَأَخَذَا يَقُولاَنِ هَذَا جَزَاءُ مَنْ نَظَرَ لَكُمْ (1)وَ أَشَارَ عَلَيْكُمْ بِالرَّأْيِ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ عَدُوِّكُمْ فَقَالَ).

ص: 96


1- في الأصل:«من نصركم»صوابه من خ(1:280).

لَهُمَا عَلِيٌّ 1«اَللَّهُ بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ إِلَيْهِ أَكِلُكُمْ وَ بِهِ أَسْتَظْهِرُ عَلَيْكُمْ اذْهَبُوا حَيْثُ شِئْتُمْ» .ثُمَّ بَعَثَ عَلِيٌّ إِلَى حَنْظَلَةَ بْنِ الرَّبِيعِ الْمَعْرُوفِ بِحَنْظَلَةَ الْكَاتِبِ (1)وَ هُوَ مِنَ اَلصَّحَابَةِ فَقَالَ: 1«يَا حَنْظَلَةُ أَ عَلَيَّ أَمْ لِي؟» قَالَ لاَ عَلَيْكَ وَ لاَ لَكَ قَالَ: 1«فَمَا تُرِيدُ؟» قَالَ أَشْخَصُ إِلَى اَلرُّهَا (2)فَإِنَّهُ فَرْجٌ مِنَ الْفُرُوجِ أَصْمُدُ لَهُ حَتَّى يَنْقَضِيَ هَذَا الْأَمْرُ فَغَضِبَ مِنْ ذَلِكَ خِيَارُ بَنِي عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ وَ هُمْ رَهْطُهُ فَقَالَ إِنَّكُمْ وَ اللَّهِ لاَ تَغُرُّونِّي مِنْ دِينِي.دَعُونِي فَأَنَا أَعْلَمُ مِنْكُمْ.

فَقَالُوا وَ اللَّهِ لَئِنْ لَمْ تَخْرُجْ مَعَ هَذَا الرَّجُلِ لاَ نَدَعُ فُلاَنَةَ تَخْرُجُ مَعَكَ لِأُمِّ وَلَدِهِ وَ لاَ وَلَدِهَا وَ لَئِنْ أَرَدْتَ ذَلِكَ لَنَقْتُلَنَّكَ فَأَعَانَهُ نَاسٌ مِنْ قَوْمِهِ فَاخْتَرَطُوا سُيُوفَهُمْ فَقَالَ:أَجِّلُونِي حَتَّى أَنْظُرَ فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ وَ أَغْلَقَ بَابَهُ حَتَّى إِذَا أَمْسَى هَرَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَ خَرَجَ مِنْ بَعْدِهِ إِلَيْهِ مِنْ قَوْمِهِ رِجَالٌ كَثِيرٌ وَ لَحِقَ اِبْنُ الْمُعْتَمِّ أَيْضاً حَتَّى أَتَى مُعَاوِيَةَ وَ خَرَجَ مَعَهُ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلاً مِنْ قَوْمِهِ.

وَ أَمَّا حَنْظَلَةُ فَخَرَجَ بِثَلاَثَةٍ وَ عِشْرِينَ رَجُلاً مِنْ قَوْمِهِ وَ لَكِنَّهُمَا لَمْ يُقَاتِلاَ مَعَ مُعَاوِيَةَ وَ اعْتَزَلاَ الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعاً فَقَالَ حَنْظَلَةُ حِينَ خَرَجَ إِلَى مُعَاوِيَةَ

يَسُلُّ غُوَاةٌ عِنْدَ بَابِي سُيُوفَهَا وَ نَادَى مُنَادٍ فِي الْهَجِيمِ لِأَقْبَلاَ

سَأَتْرُكُكُمْ عُوداً لِأَصْعَبِ فُرْقَةٍ إِذَا قُلْتُمُ كَلاَّ يَقُولُ لَكُمْ بَلَى.

قَالَ فَلَمَّا هَرَبَ حَنْظَلَةُ أَمَرَ عَلِيٌّ بِدَارِهِ فَهُدِمَتْ هَدَمَهَا عَرِيفُهُمْ بَكْرُ بْنُ تَمِيمٍ وَ شَبَثُ بْنُ رِبْعِيٍّ فَقَالَ فِي ذَلِكَم.

ص: 97


1- هو حنظلة بن الربيع-و يقال ابن ربيعة-بن صيفى،ابن أخى أكثم بن صيفى حكيم العرب.و كتب للنبى صلّى اللّه عليه و سلم مرة كتابا فسمى بذلك«الكاتب». و كانت الكتابة قليلة في العرب.و كان ممن تخف عن عليّ عليه السلام يوم الجمل.و هو الذي قال للنبى صلّى اللّه عليه و سلم:«لليهود يوم و للنصارى يوم،فلو كان لنا يوم» فنزلت سورة الجمعة.انظر الإصابة 1855 و المعارف 130.
2- الرها،بضم أوله و المد و القصر:مدينة بالجزيرة بين الموصل و الشام.

أَيَا رَاكِباً إِمَّا عَرَضْتَ فَبَلِّغَنْ مُغْلَغَلةً عَنِّي سُرَاةَ بَنِي عَمْرٍو

فَأُوصِيكُمُ بِاللَّهِ وَ الْبِرِّ وَ التُّقَى وَ لاَ تَنْظُرُوا فِي النَّائِبَاتِ إِلَى بَكْرٍ

وَ لاَ شَبَثٍ ذِي الْمَنْخِرَيْنِ كَأَنَّهُ أَزَبُّ جَمَالٍ فِي مُلاَحِيَةٍ صُفْرِ (1).

وَ قَالَ أَيْضاً يُحَرِّضُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ

أَبْلِغْ مُعَاوِيَةَ بْنَ حَرْبٍ خُطَّةً وَ لِكُلِّ سَائِلَةٍ تَسِيلُ قَرَارُ

لاَ نَقْبَلَنَّ دَنِيَّةً تُعْطُونَهَا فِي الْأَمْرِ حَتَّى تُقْتَلَ اَلْأَنْصَارُ

وَ كَمَا تَبُوءُ دِمَاؤُهُمْ بِدِمَائِكُمْ وَ كَمَا تُهَدَّمُ بِالدِّيَارِ دِيَارُ (2)

وَ تُرَى نِسَاؤُهُمْ يَجُلْنَ حَوَاسِراَ وَ لَهُنَّ مِنْ عَلَقِ الدِّمَاءِ خُوَارٌ (3).

نَصْرٌ عُمَرُ بْنِ سَعْدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ طَرِيفٍ عَنْ أَبِي الْمُجَاهِدِ عَنِ اَلْمُحِلِّ بْنِ خَلِيفَةَ قَالَ: قَامَ عَدِيُّ بْنِ حَاتِمٍ الطَّائِيُّ بَيْنَ يَدَيِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَحَمِدَ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا قُلْتَ إِلاَّ بِعِلْمٍ وَ لاَ دَعَوْتَ إِلاَّ إِلَى حَقٍّ وَ لاَ أَمَرْتَ إِلاَّ بِرُشْدٍ.فَإِنْ رَأَيْتَ (4)أَنْ تَسْتَأْنِيَ هَؤُلاَءِ الْقَوْمَ وَ تَسْتَدِيمَهُمْ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ كُتُبُكَ وَ يَقْدَمَ عَلَيْهِمْ رُسُلُكَ فَعَلْتَ،».

ص: 98


1- الأزب من الإبل:الكثير شعر الوجه و العثنون.و الملاحى،بضم الميم و تخفيف اللام،هو من الأراك ما فيه بياض و شهبة و حمرة.و في ح:«قد غار ليلة النفر»،و في هامش الأصل:«قد دعا ليلة النفر»إشارة إلى أنّه كذلك في نسخة أخرى.صواب هذين:«قد رغا».
2- في الأصل: و تجر قتلاهم بقتلى حروب و كما يقدم بالديار ديار و أنبت ما في ح(1:280).و كتب في حاشية الأصل:«و كما تبوء دماؤهم بدمائكم» إشارة إلى أن صدره كذلك في نسخة أخرى.
3- أصل الخوار صوت البقر و الغنم و الظباء.و في ح:«من ثكل الرجال خوار».
4- ح:(1:280):«و لكن إذا رأيت».

فَإِنْ يَقْبَلُوا يُصِيبُوا وَ يَرْشُدُوا (1)وَ الْعَافِيَةُ أَوْسَعُ لَنَا وَ لَهُمْ وَ إِنْ يَتَمَادَوْا فِي الشِّقَاقِ وَ لاَ يَنْزِعُوا عَنِ الْغَيِّ فَسِرْ إِلَيْهِمْ وَ قَدْ قَدَّمْنَا إِلَيْهِمْ الْعُذْرَ (2)وَ دَعَوْنَاهُمْ إِلَى مَا فِي أَيْدِينَا مِنَ الْحَقِّ فَوَ اللَّهِ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ أَبْعَدُ وَ عَلَى اللَّهِ أَهْوَنُ مِنْ قَوْمٍ قَاتَلْنَاهُمْ بِنَاحِيَةِ اَلْبَصْرَةِ أَمْسِ لِمَا أَجْهَدَ لَهُمُ الْحَقُّ (3)فَتَرَكُوهُ نَاوَخْنَاهُمْ بَرَاكَاءَ (4)الْقِتَالِ حَتَّى بَلَغْنَا مِنْهُمْ مَا نُحِبُّ وَ بَلَغَ اللَّهُ مِنْهُمْ رِضَاهُ فِيمَا يَرَى.

فَقَامَ زَيْدُ بْنُ حُصَيْنٍ الطَّائِيُّ وَ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْبَرَانِسِ (5)الْمُجْتَهِدِينَ فَقَالَ:اَلْحَمْدُ لِلَّهِ حَتَّى يَرْضَى وَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّنَا وَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ نَبِيُّنَا.

أَمَّا بَعْدَ فَوَ اللَّهِ لَئِنْ كُنَّا فِي شَكٍّ مِنْ قِتَالِ مَنْ خَالَفَنَا لاَ يَصْلُحُ لَنَا النِّيَّةُ فِي قِتَالِهِمْ حَتَّى نَسْتَدِيمَهُمْ وَ نَسْتَأْنِيَهُمْ مَا الْأَعْمَالُ إِلاَّ فِي تَبَابٍ وَ لاَ السَّعْيُ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ وَ اللَّهُ يَقُولُ« وَ أَمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ »إِنَّا وَ اللَّهِ مَا ارْتَبْنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ فِيمَنْ يَبْتَغُونَ دَمَهُ (6)فَكَيْفَ بِاتِّبَاعِهِ الْقَاسِيَةَ قُلُوبُهُمْ الْقَلِيلَ فِي اَلْإِسْلاَمِ حَظُّهُمْ أَعْوَانُ الظُّلْمِ وَ مُسَدِّدِي أَسَاسِ الْجَوْرِ وَ الْعُدْوَانِ (7)لَيْسُوا مِنَ اَلْمُهَاجِرِينَ وَ لاَ اَلْأَنْصَارِ وَ لاَ اَلتَّابِعِينَ بِإِحْسَانٍ.».

ص: 99


1- ح:«يصيبوا رشدهم».
2- ح:«بالعذر».
3- في اللسان:«أجهد لك الطريق و أجهد لك الحق:برز و ظهر و وضح».و في الأصل«أجهدنا»و الفعل لازم كما رأيت.كما رأيت.و في ح:«لما دعوناهم إلى الحق».
4- البراكاء،بضم الراء و فتحها:«الابتراك في الحرب،و هو أن يجثو القوم على ركبهم. و المناوخة:مفاعلة من النوخ،و هو البروك.و في الأصل:«ناوحناهم»بالمهملة،صوابه في ح.
5- البرنس،بالضم:قلنسوة طويلة،أو كل ثوب رأسه منه.
6- ح:«فيمن يتبعونه».
7- ح:«و أصحاب الجور و العدوان».

فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ طَيْئٍ فَقَالَ يَا زَيْدَ بْنَ حُصَيْنٍ أَ كَلاَمَ سَيِّدِنَا عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ تُهَجِّنُ قَالَ فَقَالَ زَيْدٌ مَا أَنْتُمْ بِأَعْرَفَ بِحَقِّ عَدِيٍّ مِنِّي وَ لَكِنِّي لاَ أَدَعُ الْقَوْلَ بِالْحَقِّ وَ إِنْ سَخِطَ النَّاسُ قَالَ فَقَالَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ الطَّرِيقُ مُشْتَرَكٌ وَ النَّاسُ فِي الْحَقِّ سَوَاءٌ فَمَنِ اجْتَهَدَ رَأْيَهُ فِي نَصِيحَةِ الْعَامَّةِ فَقَدْ قَضَى الَّذِي عَلَيْهِ (1) .

نَصْرٌ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ اَلْحَارِثِ بْنِ حَصِيرَةَ (2)قَالَ: دَخَلَ أَبُو زَبِيبٍ (3)بْنُ عَوْفٍ عَلَى عَلِيِّ فَقَالَ:يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَئِنْ كُنَّا عَلَى الْحَقِّ لَأَنْتَ أَهْدَانَا سَبِيلاً وَ أَعْظَمُنَا فِي الْخَيْرِ نَصِيباً وَ لَئِنْ كُنَّا فِي ضَلاَلَةٍ إِنَّكَ لَأَثْقَلُنَا ظَهْراً وَ أَعْظَمُنَا وِزْراً أَمَرْتَنَا بِالْمَسِيرِ إِلَى هَذَا الْعَدُوِّ وَ قَدْ قَطَعْنَا مَا بَيْنَنَا وَ بَيْنَهُمْ مِنَ الْوَلاَيَةِ وَ أَظْهَرْنَا لَهُمُ الْعَدَاوَةَ نُرِيدُ بِذَلِكَ مَا يَعْلَمُ اللَّهُ مِنْ طَاعَتِكَ وَ فِي أَنْفُسِنَا مِنْ ذَلِكَ مَا فِيهَا أَ لَيْسَ الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ الْحَقَّ الْمُبِينَ وَ الَّذِي عَلَيْهِ عَدُوُّنَا الْغَيَّ وَ الْحُوبَ الْكَبِيرَ.

فَقَالَ عَلِيٌّ 1«بَلَى شَهِدْتُ أَنَّكَ إِنْ مَضَيْتَ مَعَنَا نَاصِراً لِدَعْوَتِنَا صَحِيحَ النِّيَّةِ فِي نُصْرَتِنَا قَدْ قَطَعْتَ مِنْهُمُ الْوَلاَيَةَ وَ أَظْهَرْتَ لَهُمْ الْعَدَاوَةَ كَمَا زَعَمْتَ فَإِنَّكَ وَلِيُّ اللَّهِ تَسِيحُ (4)فِي رِضْوَانِهِ وَ تَرْكُضُ فِي طَاعَتِهِ فَأَبْشِرْ أَبَا زَبِيبٍ.» .ة.

ص: 100


1- ما بعد:«سخط الناس»ساقط من ح،فهو إمّا دخيل على النسخة،أو تمثل من عدى يقول عليّ عليه السلام،الذي سبق في ص 95.
2- سبقت ترجمته في ص 3.و في الأصل:«حضيرة»بالضاد المعجمة،تحريف.و في هامش الأصل«خ:حصين»إشارة إلى أنه«حصين»فى نسخه أخرى.و هذه الأخيرة توافق ما ورد في ح(1:280).و ليس بشيء.
3- ح:«أبو زينب»فى جميع المواضع.
4- ح:«تسبح»من السباحة.

فَقَالَ لَهُ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ اثْبُتْ أَبَا زَبِيبٍ وَ لاَ تَشُكَّ فِي اَلْأَحْزَابِ عَدُوِّ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ (1).

قَالَ فَقَالَ أَبُو زَبِيبٍ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي شَاهِدَيْنِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَيَشْهَدَا لِي عَلَى مَا سَأَلْتَ عَنْهُ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ الَّذِي أَهَمَّنِي مَكَانُكُمَا قَالَ وَ خَرَجَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَ هُوَ يَقُولُ:

سِيرُوا إِلَى اَلْأَحْزَابِ أَعْدَاءِ النَّبِيِّ سِيرُوا فَخَيْرُ النَّاسِ أَتْبَاعُ عَلِيٍّ

هَذَا أَوَانٌ طَابَ سَلُّ الْمَشْرَفِيِّ وَ قَوْدُنَا الْخَيْلَ وَ هَزُّ السَّمْهَرِيِّ

.

عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِي رَوْقٍ قَالَ: دَخَلَ يَزِيدُ بْنُ قَيْسٍ الْأَرْحَبِيُّ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَحْنُ عَلَى جِهَازٍ وَ عُدَّةٍ (2)وَ أَكْثَرُ النَّاسِ أَهْلُ قُوَّةٍ (3)وَ مَنْ لَيْسَ بِمُضْعَّفٍ وَ لَيْسَ بِهِ عِلَّةٌ فَمُرْ مُنَادِيَكَ فَلْيُنَادِ النَّاسَ يَخْرُجُوا إِلَى مُعَسْكَرِهِمْ بِالنُّخَيْلَةِ فَإِنَّ أَخَا الْحَرْبِ لَيْسَ بِالسَّئُومِ وَ لاَ النَّئُومِ وَ لاَ مَنْ إِذَا أَمْكَنَهُ الْفُرَصُ أَجَّلَهَا وَ اسْتَشَارَ فِيهَا وَ لاَ مَنْ يُؤَخِّرُ الْحَرْبَ فِي الْيَوْمِ إِلَى غَدٍ وَ بَعْدَ غَدٍ.

فَقَالَ زِيَادُ بْنُ النَّضْرِ لَقَدْ نَصَحَ لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَزِيدُ بْنُ قَيْسٍ وَ قَالَ مَا يَعْرِفُ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَ ثِقْ بِهِ وَ اشْخَصْ بِنَا إِلَى هَذَا الْعَدُوِّ رَاشِداً مُعَاناً فَإِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِمْ خَيْراً لاَ يَدَعُوكَ رَغْبَةً عَنْكَ إِلَى مَنْ لَيْسَ مِثْلَكَ فِي السَّابِقَةِ).

ص: 101


1- عدو،يقال للمفرد و المثنى و الجمع و المذكر و المؤنث بلفظ واحد،و يقال أيضا عدوة و عدوان و أعداء.
2- الجهاز:ما يحتاج إليه المسافر و الغازى.ح:«أولو جهاز و عدة».
3- أي أصحاب قوة.و في الأصل:«القوّة»و أنبت ما في ح(1:281).

مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ الْقِدَمِ (1)فِي اَلْإِسْلاَمِ وَ الْقَرَابَةِ مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ إِلاَّ يُنِيبُوا وَ يُقْبِلُوا وَ يَأْبَوْا إِلاَّ حَرْبَنَا نَجِدُ حَرْبَهُمْ عَلَيْنَا هَيِّناً وَ رَجَوْنَا أَنْ يَصْرِعَهُمُ اللَّهُ مَصَارِعَ إِخْوَانِهِمْ بِالْأَمْسِ.

ثُمَّ قَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ فَقَالَ:يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ الْقَوْمَ لَوْ كَانُوا اللَّهَ يُرِيدُونَ أَوْ لِلَّهِ يَعْمَلُونَ مَا خَالَفُونَا وَ لَكِنَّ الْقَوْمَ إِنَّمَا يُقَاتِلُونَ فِرَاراً مِنْ الْأُسْوَةِ (2)وَ حُبّاً لِلْأَثَرَةِ وَ ضَنّاً بِسُلْطَانِهِمْ وَ كُرْهاً لِفِرَاقِ دُنْيَاهُمُ الَّتِي فِي أَيْدِيهِمْ وَ عَلَى إِحَنٍ فِي أَنْفُسِهِمْ وَ عَدَاوَةً يَجِدُونَهَا فِي صُدُورِهِمْ لِوَقَائِعَ أَوْقَعْتَهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِهِمْ قَدِيمَةً قَتَلْتَ فِيهَا آبَاءَهُمْ وَ إِخْوَانَهُمْ (3).

ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى النَّاسِ فَقَالَ فَكَيْفَ يُبَايِعُ مُعَاوِيَةُ عَلِيّاً وَ قَدْ قَتَلَ أَخَاهُ حَنْظَلَةَ وَ خَالَهُ اَلْوَلِيدَ وَ جَدَّهُ عُتْبَةَ فِي مَوْقِفٍ وَاحِدٍ وَ اللَّهِ مَا أَظُنُّ أَنْ يَفْعَلُوا (4)وَ لَنْ يَسْتَقِيمُوا لَكُمْ دُونَ أَنْ تَقْصِدَ فِيهِمْ الْمُرَّانَ (5)وَ تَقْطَعَ عَلَى هَامِهِمُ السُّيُوفَ وَ تَنْثُرَ حَوَاجِبَهُمْ بِعُمُدِ الْحَدِيدِ وَ تَكُونَ أُمُورٌ جَمَّةٌ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ .

نهي علي عليه السلام اصحابه من لعن أهل الشام

نَصْرٌ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ اَلْحَارِثِ بْنِ حَصِيرَةَ (6)

ص: 102


1- القدم،بفتحتين:السبق و التقدّم في الإسلام.
2- الأسوة،هاهنا:التسوية بين المسلمين في قسمة المال.انظر ح(3:4).
3- ح:«و أعوانهم».
4- ح:«ما أظنهم يفعلون».
5- تقصد:تكسر.و المران:الرماح الصلة اللينة.و المران أيضا:نبات الرماح.ح: «دون أن تقصف فيهم قنا المران».
6- ح:«حصين»و انظر ما سبق في ص 3.

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ: خَرَجَ حُجْرُ بْنُ عَدِيٍّ وَ عَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ يُظْهِرَانِ الْبَرَاءَةَ وَ اللَّعْنَ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمَا عَلِيٌّ 1«أَنْ كُفَّا عَمَّا يَبْلُغُنِي عَنْكُمَا» فَأَتَيَاهُ فَقَالاَ:يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَ لَسْنَا مُحِقِّينَ؟ قَالَ: 1«بَلَى» قَالاَ أَ وَ لَيْسُوا مُبْطِلِينَ؟ قَالَ: 1«بَلَى» قَالاَ:فَلِمَ مَنَعْتَنَا مِنْ شَتْمِهِمْ؟ قَالَ: 1«كَرِهْتُ لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا لَعَّانِينَ شَتَّامِينَ تَشْتِمُونَ وَ تَتَبَرَّءُونَ وَ لَكِنْ لَوْ وَصَفْتُمْ مَسَاوِيَ أَعْمَالِهِمْ فَقُلْتُمْ مِنْ سِيرَتِهِمْ كَذَا وَ كَذَا وَ مِنْ عَمَلِهِمْ كَذَا وَ كَذَا كَانَ أَصْوَبَ فِي الْقَوْلِ وَ أَبْلَغَ فِي الْعُذْرِ وَ [لَوْ] (1)قُلْتُمْ مَكَانَ لَعْنِكُمْ إِيَّاهُمْ وَ بَرَاءَتِكُمْ مِنْهُمْ، اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَنَا وَ دِمَاءَهُمْ وَ أَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَ بَيْنِهِمْ وَ اهْدِهِمْ مِنْ ضَلاَلَتِهِمْ حَتَّى يَعْرِفَ الْحَقَّ مِنْهُمْ مَنْ جَهِلَهُ وَ يَرْعَوِىَ عَنْ الْغَيِّ وَ الْعُدْوَانِ مَنْ لَهِجَ بِهِ كَانَ هَذَا أَحَبَّ إِلَيَّ وَ خَيْراً لَكُمْ» فَقَالاَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَقْبَلُ عِظَتَكَ وَ نَتَأَدَّبُ بِأَدَبِكَ وَ قَالَ عَمْرُو بْنُ الْحُمْقِ إِنِّي وَ اللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا أَجَبْتُكَ وَ لاَ بَايَعْتُكَ عَلَى قَرَابَةٍ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ وَ لاَ إِرَادَةِ مَالٍ تُؤْتِينِيهِ وَ لاَ الْتِمَاسِ سُلْطَانٍ يُرْفَعُ ذِكْرِي بِهِ وَ لَكِنْ أَحْبَبْتُكَ لِخِصَالٍ خَمْسٍ إِنَّكَ ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ وَ زَوْجُ سَيِّدَةِ نِسَاءِ الْأُمَّةِ فَاطِمَةَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ أَبُو الذُّرِّيَّةِ الَّتِي بَقِيَتْ فِينَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ أَعْظَمُ رَجُلٍ مِنَ اَلْمُهَاجِرِينَ سَهْماً فِي الْجِهَادِ فَلَوْ أَنِّي كُلِّفْتُ نَقْلَ الْجِبَالِ الرَّوَاسِي وَ نَزْحَ (2)الْبُحُورِ الطَّوَامِي حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيَّ يَوْمِي فِي أَمْرٍ أُقَوِّي بِهِ وَلِيَّكَ وَ أُوهِنُ بِهِ عَدُوَّكَ مَا رَأَيْتُ أَنِّي قَدْ أَدَّيْتُ فِيهِ كُلَّ الَّذِي يَحِقُّ عَلَيَّ مِنْ حَقِّكَ.

فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ 1اللَّهُمَّ نَوِّرْ قَلْبَهُ بِالتُّقَى وَ اهْدِهِ إِلَى صِرَاطٍ).

ص: 103


1- ليست في الأصل و لا في ح،و بها يلتئم الكلام.
2- في الأصل:«و أنزح»صوابه في ح(1:281).

مُسْتَقِيمٍ (1)لَيْتَ أَنَّ فِي جُنْدِي مِائَةً مِثْلَكَ فَقَالَ حُجْرٌ إِذاً وَ اللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ صَحَّ جُنْدُكَ وَ قَلَّ فِيهِمْ مَنْ يَغُشُّكَ.

ثُمَّ قَامَ حُجْرٌ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَحْنُ بَنُو الْحَرْبِ وَ أَهْلُهَا الَّذِينَ نُلْقِحُهَا وَ نُنْتِجُهَا قَدْ ضَارَسَتْنَا وَ ضَارَسْنَاهَا (2)وَ لَنَا أَعْوَانٌ ذَوُو صَلاَحٍ وَ عَشِيرَةٍ ذَاتِ عَدَدٍ وَ رَأْيٍ مُجَرَّبٍ وَ بَأْسٍ مَحْمُودٍ وَ أَزِمَّتُنَا مُنْقَادَةٌ لَكَ بِالسَّمْعِ وَ الطَّاعَةِ فَإِنْ شَرَّقْتَ شَرَّقْنَا وَ إِنْ غَرَبْتَ غَرَّبْنَا وَ مَا أَمَرْتَنَا بِهِ مِنْ أَمْرٍ فَعَلْنَاهُ فَقَالَ عَلِيٌّ : 1«أَ كُلَّ قَوْمِكَ يَرَى مِثْلَ رَأْيِكَ؟» قَالَ:مَا رَأَيْتُ مِنْهُمْ إِلاَّ حَسَناً وَ هَذِهِ يَدِي عَنْهُمْ بِالسَّمْعِ وَ الطَّاعَةِ وَ بِحُسْنِ الْإِجَابَةِ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ خَيْراً .

كتاب علي عليه السلام إلى العمال و أمراء الجنود و الخراج و معاوية و عمرو

1- قَالَ نَصْرٌ وَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: وَ كَتَبَ عَلِيٌّ إِلَى عُمَّالِهِ فَكَتَبَ إِلَى مِخْنَفِ بْنَ سُلَيْمٍ 1«سَلاَمٌ عَلَيْكَ فَإِنِّي أَحْمَدَ اللَّهَ إِلَيْكَ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ جِهَادَ مَنْ صَدَفَ عَنِ الْحَقِّ رَغْبَةً عَنْهُ وَ هَبَّ فِي نُعَاسِ الْعَمَى وَ الضَّلاَلِ اخْتِيَاراً لَهُ فَرِيضَةٌ عَلَى الْعَارِفِينَ إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى عَمَّنْ أَرْضَاهُ وَ يُسْخِطُ عَلَى مَنْ عَصَاهُ وَ إِنَّا قَدْ هَمَمْنَا بِالْمَسِيرِ إِلَى هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ عَمِلُوا فِي عِبَادِ اللَّهِ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَ اسْتَأْثَرُوا بِالْفَيْءِ وَ عَطَّلُوا الْحُدُودَ وَ أَمَاتُوا الْحَقَّ وَ أَظْهَرُوا فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ وَ اتَّخَذُوا الْفَاسِقِينَ وَلِيجَةً مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ فَإِذَا وَلِيٌّ لِلَّهِ أَعْظَمُ أَحْدَاثُهُمْ أَبْغَضُوهُ وَ أَقْصَوْهُ وَ حَرَمُوهُ وَ إِذَا ظَالِمٌ سَاعَدَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ أَحَبُّوهُ وَ أَدْنَوْهُ وَ بَرُّوهُ فَقَدْ أَصَرُّوا عَلَى الظُّلْمِ وَ أَجْمَعُوا عَلَى الْخِلاَفِ.وَ قَدِيماً مَا صَدُّوا عَنْ الْحَقِّ وَ تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ« وَ كانُوا ظالِمِينَ »فَإِذَا أُتِيتَ بِكِتَابِي هَذَا فَاسْتَخْلِفْ عَلَى عَمَلِكَ

ص: 104


1- ح:«صراطك المستقيم».
2- في اللسان(8:424):«و ضارست الأمور:جربتها و عرفتها».

أَوْثَقَ أَصْحَابِكَ فِي نَفْسِكَ وَ أَقْبِلْ إِلَيْنَا لَعَلَّكَ تَلْقَى هَذَا الْعَدُوَّ الْمُحِلِّ فَتَأْمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَ تُجَامِعَ الْحَقَّ وَ تُبَايِنَ الْبَاطِلَ فَإِنَّهُ لاَ غَنَاءَ بِنَا وَ لاَ بِكَ عَنْ أَجْرِ الْجِهَادِ وَ« حَسْبُنَا اللّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ »وَ لاَ حَوْلَ وَ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ وَ كَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَ ثَلاَثِينَ » فَاسْتَعْمَلَ مِخْنَفٌ عَلَى أَصْبَهَانَ اَلْحَارِثَ بْنَ أَبِي الْحَارِثِ بْنِ الرَّبِيعِ وَ اسْتَعْمَلَ عَلَى هَمْدَانَ سَعِيدَ بْنَ وَهْبٍ وَ كِلاَهُمَا مِنْ قَوْمِهِ وَ أَقْبَلَ حَتَّى شَهِدَ مَعَ عَلِيٍّ صِفِّينَ وَ كَانَ عَلِيٌّ قَدِ اسْتَخْلَفَ اِبْنَ عَبَّاسٍ عَلَى اَلْبَصْرَةِ فَكَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ إِلَى عَلِيٍّ يَذْكُرُ لَهُ اخْتِلاَفَ أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ 1«مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَمَّا بَعْدُ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَبْدِهِ وَ رَسُولِهِ أَمَّا بَعْدُ (1)فَقَدْ قَدِمَ عَلَيَّ رَسُولُكَ وَ ذَكَرْتَ مَا رَأَيْتَ وَ بَلَغَكَ عَنْ أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ بَعْدَ انْصِرَافِي (2)وَ سَأُخْبِرُكَ عَنِ الْقَوْمِ هُمْ بَيْنَ مُقِيمٍ لِرَغْبَةٍ يَرْجُوهَا أَوْ عُقُوبَةٍ يَخْشَاهَا (3)فَأَرْغِبْ رَاغِبَهُمْ بِالْعَدْلِ عَلَيْهِ وَ الْإِنْصَافِ لَهُ وَ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِ وَ حُلَّ عُقْدَةَ الْخَوْفِ عَنْ قُلُوبِهِمْ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِأُمَرَاءِ أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ فِي قُلُوبِهِمْ عَظْمٌ (4)إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَ انْتَهِ إِلَى أَمْرِي وَ لاَ تَعِدْهُ وَ أَحْسِنْ إِلَى هَذَا الْحَيِّ مِنْ رَبِيعَةَ وَ كُلِّ مَنْ قِبَلَكَ فَأَحْسِنْ إِلَيْهِمْ مَا اسْتَطَعْتَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَ السَّلاَمُ وَ كَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَ ثَلاَثِينَ »ه.

ص: 105


1- كذا جاءت«أما بعد»مكررة..و أول الرسالة في ح:«أما بعد فقد قدم على رسولك»بإعمال ما قبلها من الكلام.
2- ح:«و قرأت كتابك تذكر فيه حال أهل البصرة و اختلافهم بعد انصرافى عنهم».
3- ح:«أو خائف من عقوبة يخشاها».
4- كذا في الأصل و ح.و لعلها:«عصم»جمع عصام،و هو الحبل يشد به.

وَ كَتَبَ 1«مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى اَلْأَسْوَدِ بْنِ قُطْنَةَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ مَنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِمَا وُعِظَ لَمْ يَحْذَرْ مَا هُوَ غَابِرٌ (1)وَ مَنْ أَعْجَبَتْهُ الدُّنْيَا رَضِيَ بِهَا وَ لَيْسَتْ بِثِقَةٍ فَاعْتَبِرْ بِمَا مَضَى تَحْذَرْ مَا بَقِيَ وَ اطْبُخْ لِلْمُسْلِمِينَ قِبَلَكَ مِنَ الطِّلاَءِ مَا يَذْهَبُ ثُلُثَاهُ (2)وَ أَكْثِرْ لَنَا مِنْ لَطَفِ الْجُنْدِ وَ اجْعَلْهُ مَكَانَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ أَرْزَاقِ الْجُنْدِ فَإِنَّ لِلْوِلْدَانِ عَلَيْنَا حَقّاً وَ فِي الذُّرِّيَّةِ مَنْ يُخَافُ دُعَاؤُهُ وَ هُوَ لَهُمْ صَالِحٌ وَ السَّلاَمُ» وَ كَتَبَ 1« « بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ خَيْرَ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ أَقْوَمُهُمْ لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ فِيمَا لَهُ وَ عَلَيْهِ وَ أَقْوَلُهُمْ بِالْحَقِّ وَ لَوْ كَانَ مُرّاً فَإِنَّ الْحَقَّ بِهِ قَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَ الْأَرْضُ وَ لْتَكُنْ سَرِيرَتُكَ كَعَلاَنِيَتِكَ وَ لْيَكُنْ حُكْمُكَ وَاحِداً وَ طَرِيقَتُكَ مُسْتَقِيمَةً فَإِنَّ اَلْبَصْرَةَ مَهْبِطُ اَلشَّيْطَانِ فَلاَ تَفْتَحَنَّ عَلَى يَدِ أَحَدٍ مِنْهُمْ بَاباً لاَ نُطِيقُ سَدَّه نَحْنُ وَ لاَ أَنْتَ وَ السَّلاَمُ» وَ كَتَبَ 1« « بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَمَّا بَعْدُ فَانْظُرْ مَا اجْتَمَعَ عِنْدَكَ مِنْ غَلاَّتِ اَلْمُسْلِمِينَ وَ فَيْئِهِمْ فَاقْسِمْهُ مَنْ قِبَلَكَ حَتَّى تُغْنِيَهُمْ وَ ابْعَثْ إِلَيْنَا بِمَا فَضَلَ نَقْسِمْهُ فِيمَنْ قِبَلَنَا وَ السَّلاَمُ»ب.

ص: 106


1- في اللسان:الغابر:الباقي.قال:و قد يقال للماضى غابر.
2- الطلاء،بالكسر:ما طبخ من عصير العنب.

وَ كَتَبَ 1« « بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَسُرُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ لِيَفُوتَهُ وَ يَسُوءُهُ فَوْتُ مَا لَمْ يَكُنْ لِيُدْرِكَهُ وَ إِنْ جَهَدَ فَلْيَكُنْ سُرُورُكَ فِيمَا قَدَّمْتَ مِنْ حُكْمٍ أَوْ مَنْطِقٍ أَوْ سِيرَةٍ وَ لْيَكُنْ أَسَفُكَ عَلَى مَا فَرَّطْتَ لِلَّهِ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ وَ دَعْ مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا فَلاَ تُكْثِرْ بِهِ حُزْناً وَ مَا أَصَابَكَ فِيهَا فَلاَ تَبْغِ بِهِ سُرُوراً وَ لْيَكُنْ هَمُّكَ فِيمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَ السَّلاَمُ» (1)وَ كَتَبَ إِلَى أُمَرَاءِ الْجُنُودِ 1« « بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنْ حَقَّ الْوَالِي أَلاَّ يُغَيِّرَهُ عَلَى رَعِيَّتِهِ أَمْرٌ نَالَهُ وَ لاَ أَمْرٌ خُصَّ بِهِ وَ أَنْ يَزِيدَهُ مَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ دُنُوّاً مِنْ عِبَادِهِ وَ عَطْفاً عَلَيْهِمْ أَلاَ وَ إِنَّ لَكُمْ عِنْدِي أَلاَّ أَحْتَجِزَ دُونَكُمْ سِرّاً إِلاَّ فِي حَرْبٍ وَ لاَ أَطْوِيَ عَنْكُمْ أَمْراً إِلاَّ فِي حُكْمٍ وَ لاَ أُؤَخِّرَ حَقّاً لَكُمْ عَنْ مَحَلِّهِ وَ لاَ أَرْزَأَكُمْ شَيْئاً وَ أَنْ تَكُونُوا عِنْدِي فِي الْحَقِّ سَوَاءً فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ وَجَبَتْ عَلَيْكُمْ النَّصِيحَةُ وَ الطَّاعَةُ فَلاَ تَنْكُصُوا عَنْ دَعْوَتِي وَ لاَ تُفْرِطُوا فِي صَلاَحِ دِينِكُمْ مِنْ دُنْيَاكُمْ وَ أَنْ تَنْفُذُوا لِمَا هُوَ لِلَّهِ طَاعَةٌ وَ لِمَعِيشَتِكُمْ صَلاَحٌ وَ أَنْ تَخُوضُوا الْغَمَرَاتِ إِلَى الْحَقِّ وَ لاَ يَأْخُذَكُمْ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لاَئِمٍ فَإِنْ أَبَيْتُمْ أَنْ تَسْتَقِيمُوا لِي عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَهْوَنَ عَلَيَّ مِمَّنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْكُمْ ثُمَّ أُعَاقِبُهُ عُقُوبَةً لاَ يَجِدُ عِنْدِي فِيهَا هَوَادَةً فَخُذُوا هَذَا مِنْ أُمَرَائِكُمْ وَ أَعْطُوهُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ يُصْلِحِ اللَّهُ أَمْرَكُمْ وَ السَّلاَمُ»6.

ص: 107


1- انظر مجالس ثعلب 186.

وَ كَتَبَ إِلَى أُمَرَاءِ الْخَرَاجِ 1« « بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى أُمَرَاءِ الْخَرَاجِ (1)أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ مَنْ لَمْ يَحْذَرْ مَا هُوَ صَائِرٌ إِلَيْهِ لَمْ يُقَدِّمْ لِنَفْسِهِ وَ لَمْ يُحْرِزْهَا وَ مَنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ وَ انْقَادَ لَهُ عَلَى مَا يَعْرِفُ نَفْعَ عَاقِبَتِهِ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحَنَّ مِنَ النَّادِمِينَ أَلاَ وَ إِنَّ أَسْعَدَ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا مَنْ عَدَلَ عَمَّا يَعْرِفُ ضَرَّهُ وَ إِنَّ أَشْقَاهُمْ مَنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ فَاعْتَبِرُوا وَ اعْلَمُوا أَنَّ لَكُمْ مَا قَدَّمْتُمْ مِنْ خَيْرٍ وَ مَا سِوَى ذَلِكَ وَدِدْتُمْ لَوْ أَنَّ بَيْنَكُمْ« وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَ اللّهُ رَؤُفٌ »وَ رَحِيمٌ« بِالْعِبادِ »وَ أَنَّ عَلَيْكُمْ مَا فَرَّطْتُمْ فِيهِ وَ أَنَّ الَّذِي طَلَبْتُمْ لَيَسِيرٌ وَ أَنَّ ثَوَابَهُ لَكَبِيرٌ وَ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيمَا نُهِي عَنْهُ مِنَ الظُّلْمِ وَ الْعُدْوَانِ عِقَابٌ يُخَافُ كَانَ فِي ثَوَابِهِ مَا لاَ عُذْرَ لِأَحَدٍ بِتَرْكِ طَلِبَتِهِ (2)فَارْحَمُوا تُرْحَمُوا وَ لاَ تُعَذِّبُوا خَلْقَ اللَّهِ وَ لاَ تُكَلِّفُوهُمْ فَوْقَ طَاقَتِهِمْ وَ أَنْصِفُوا النَّاسَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ وَ اصْبِرُوا لِحَوَائِجِهِمْ فَإِنَّكُمْ خُزَّانُ الرَّعِيَّةِ لاَ تَتَّخِذُنَّ حِجَاباً وَ لاَ تَحْجُبُنَّ أَحَداً عَنْ حَاجَتِهِ حَتَّى يُنْهِيَهَا إِلَيْكُمْ وَ لاَ تَأْخُذُوا أَحَداً بِأَحَدٍ إِلاَّ كَفِيلاً عَمَّنْ كَفَلَ عَنْهُ وَ اصْبِرُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى مَا فِيهِ الاِغْتِبَاطُ وَ إِيَّاكُمْ وَ تَأْخِيرَ الْعَمَلِ وَ دَفْعَ الْخَيْرِ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ النَّدَمَ وَ السَّلاَمُ» وَ كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ 1« « بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ سَلاَمٌ« عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى »فَإِنِّي أَحْمَدُ اللَّهَ إِلَيْكَ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّكَ قَدْ رَأَيْتُ مِنَ الدُّنْيَا وَ تَصَرُّفِهَا بِأَهْلِهَا وَ إِلَى مَا مَضَى مِنْهَا وَ خَيْرِ مَا بَقِيَ مِنَ الدُّنْيَا مَا أَصَابَب.

ص: 108


1- في نهج البلاغة بشرح ابن أبي الحديد(4:115):«أصحاب الخراج».
2- الطلبة،بالكسر:الطلب.

الْعِبَادُ الصَّادِقُونَ فِيمَا مَضَى وَ مَنْ نَسِيَ الدُّنْيَا نِسْيَانَ الْآخِرَةِ يَجِدْ بَيْنَهُمَا بَوْناً بَعِيداً وَ اعْلَمْ يَا مُعَاوِيَةُ أَنَّكَ قَدِ ادَّعَيْتَ أَمْراً لَسْتَ مِنْ أَهْلِهِ لاَ فِي الْقِدَمِ وَ لاَ فِي الْوَلاَيَةِ (1)وَ لَسْتَ تَقُولُ فِيهِ بِأَمْرٍ بَيِّنٍ تَعْرِفُ لَكَ بِهِ أَثَرَهُ وَ لاَ لَكَ عَلَيْهِ شَاهِدٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَ لاَ عَهْدٌ تَدَّعِيهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ فَكَيْفَ أَنْتَ صَانِعٌ إِذَا انْقَشَعَتْ عَنْكَ جَلاَبِيْبُ مَا أَنْتَ فِيهِ مِنْ دُنْيَا أَبْهَجَتْ بِزِينَتِهَا (2)وَ رَكَنْتَ إِلَى لَذَّتِهَا وَ خُلِّيَ فِيهَا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ عَدُوٍّ جَاهِدٍ مُلِحٍّ مَعَ مَا عَرَضَ فِي نَفْسِكَ مِنْ دُنْيَا قَدْ دَعَتْكَ فَأَجَبْتَهَا وَ قَادَتْكَ فَاتَّبَعْتَهَا وَ أَمَرَتْكَ فَأَطَعْتَهَا فَاقْعَسْ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ (3)وَ خُذْ أُهْبَةَ الْحِسَابِ فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَقِفَكَ وَاقِفٌ عَلَى مَا لاَ يَجُنُّكَ مِنْهُ مِجَنٌّ (4)وَ مَتَى كُنْتُمْ يَا مُعَاوِيَةُ سَاسَةً لِلرَّعِيَّةِ أَوْ وُلاَةً لِأَمْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِغَيْرِ قَدَمٍ حَسَنٍ وَ لاَ شَرَفٍ سَابِقٍ عَلَى قَوْمِكُمْ فَشَمِّرْ لِمَا قَدْ نَزَلَ بِكَ وَ لاَ تُمَكِّنِ اَلشَّيْطَانَ مِنْ بُغْيَتِهِ فِيكَ مَعَ أَنِّي أَعْرِفُ أَنَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ صَادِقَانِ فَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ لُزُومِ سَابِقِ الشَّقَاءِ وَ إِلاَّ تَفْعَلْ أُعْلِمْكَ مَا أَغْفَلَكَ مِنْ نَفْسِكَ (5)فَإِنَّكَ مُتْرَفٌ قَدْ أَخَذَ مِنْكَ اَلشَّيْطَانُ مَأْخَذَهُ فَجَرَى مِنْكَ مَجْرَى الدَّمِ فِي الْعُرُوقِ وَ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَوْ كَانَ إِلَى النَّاسِ أَوْ بِأَيْدِيهِمْ لَحَسَدُونَا وَ امْتَنُّوا بِهِ عَلَيْنَا وَ لَكِنَّهُ».

ص: 109


1- انظر ما سبق في التنبيه الأول ص 102.
2- في اللسان:«أبهجت الأرض:بهج نباتها».و في الأصل:«انتهت»تحريف. و في ح(3:410):«تبهجت»قال ابن أبي الحديد:«و تبهجت بزينتها:صارت ذات بهجة».و لم أجد هذه الصيغة في المعاجم.
3- القعس:التأخر و الرجوع إلى الخلف،كما في اللسان.و في الأصل:«فايس من هذا الأمر«صوابه في ح(3:409).
4- رواه ح:«ما لا ينجيك منه منج»،و قال:«و يروى:و لا ينجيك مجن.و هو الترس:و الرواية الأولى أصح».
5- ح:«ما أغفلت».

قَضَاءٌ مِمَّنِ امْتَنَّ بِهِ عَلَيْنَا عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ الصَّادِقِ الْمُصَدِّقِ لاَ أَفْلَحَ مَنْ شَكَّ بَعْدَ الْعِرْفَانِ وَ الْبَيِّنَةِ اللَّهُمَّ احْكُمْ بَيْنَنَا وَ بَيْنَ عَدُوِّنَا بِالْحَقِّ وَ أَنْتَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ.» فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ « بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » مِنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَمَّا بَعْدُ فَدَعِ الْحَسَدَ فَإِنَّكَ طَالَمَا لَمْ تَنْتَفِعْ بِهِ وَ لاَ تُفْسِدْ سَابِقَةَ قَدَمِكَ بِشِرَّةِ نَخْوَتِكَ فَإِنَّ الْأَعْمَالَ بِخَوَاتِيمِهَا وَ لاَ تَمْحَقْ سَابِقَتَكَ فِي حَقِّ مَنْ لاَ حَقَّ لَكَ فِي حَقِّهِ (1)فَإِنَّكَ إِنْ تَفْعَلْ لاَ تُضِرُّ بِذَلِكَ إِلاَّ نَفْسَكَ وَ لاَ تَمْحَقُ إِلاَّ عَمَلَكَ وَ لاَ تُبْطِلُ إِلاَّ حُجَّتَكَ وَ لَعَمْرِي مَا مَضَى لَكَ مِنْ السَّابِقَاتِ لَشَبِيهٌ أَنْ يَكُونَ مَمْحُوقاً لِمَا اجْتَرَأْتَ عَلَيْهِ مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ وَ خِلاَفِ أَهْلِ الْحَقِّ فَاقْرَأْ سُورَةَ اَلْفَلَقِ وَ تَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ نَفْسِكَ فَإِنَّكَ الْحَاسِدُ« إِذا حَسَدَ » وَ كَتَبَ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ 1« « بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الدُّنْيَا مَشْغَلَةٌ عَنْ غَيْرِهَا وَ صَاحِبُهَا مَقْهُورٌ فِيهَا (2)لَمْ يُصِبْ مِنْهَا شَيْئاً قَطُّ إِلاَّ فَتَحَتْ لَهُ حِرْصاً وَ أَدْخَلَتْ عَلَيْهِ مَئُونَةً تَزِيدُهُ رَغْبَةً فِيهَا وَ لَنْ يَسْتَغْنِيَ صَاحِبُهَا بِمَا نَالَ عَمَّا لَمْ يَبْلُغْهُ وَ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ فِرَاقُ مَا جَمَعَ وَ السَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ فَلاَ تُحْبِطْ أَجْرَكَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَ لاَ تُجَارِيَنَّ مُعَاوِيَةَ فِي بَاطِلِهِ (3)فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ غَمَصَ النَّاسَ».

ص: 110


1- حق الرجل و أحقه:إذا غلبه على الحق.
2- ح(4:114):«و صاحبها منهوم عليها».
3- ح:«و لا تشرك معاوية في باطله».

وَ سَفِهَ الْحَقَّ (1)وَ السَّلاَمُ»(2) وَ كَتَبَ إِلَيْهِ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ مِنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الَّذِي فِيهِ صَلاَحُنَا وَ أُلْفَةُ ذَاتِ بَيْنِنَا أَنْ تُنِيبَ إِلَى الْحَقِّ (3)وَ أَنْ تُجِيبَ إِلَى مَا تُدْعَوْنَ إِلَيْهِ مِنْ شُورًى (4)فَصَبَّرَ الرَّجُلُ مِنَّا نَفْسَهُ عَلَى الْحَقِّ وَ عَذَرَهُ النَّاسُ بِالْمُحَاجَزَةِ وَ السَّلاَمُ فَجَاءَ الْكِتَابُ إِلَى عَلِيٍّ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ مِنَ اَلنُّخَيْلَةِ . .

خطبة علي و الحسنين عليهم السّلام في الدعوة إلى الجهاد و اختلاف الناس في السير

نَصْرٌ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِي رَوْقٍ قَالَ: قَالَ زِيَادُ بْنُ النَّصْرِ الْحَارِثِيُّ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ إِنَّ يَوْمَنَا وَ يَوْمَهُمْ لَيَوْمٌ عَصِيبٌ مَا يَصْبِرُ عَلَيْهِ إِلاَّ كُلُّ مُشَيَّعِ الْقَلْبِ (5)صَادِقُ النِّيَّةِ رَابِطُ الْجَأْشِ وَ ايْمُ اللَّهِ مَا أَظُنُّ ذَلِكَ الْيَوْمَ يُبْقِي مِنَّا وَ مِنْهُمْ إِلاَّ الرُّذَالَ (6)قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَيْلٍ وَ اللَّهِ أَظُنُّ ذَلِكَ فَقَالَ عَلِيٌّ 1«لِيَكُنْ هَذَا الْكَلاَمُ مَخْزُوناً فِي صُدُورِكُمَا لاَ تُظْهِرَاهُ وَ لاَ يَسْمَعْهُ مِنْكُمَا سَامِعٌ إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْقَتْلَ عَلَى قَوْمٍ وَ الْمَوْتَ عَلَى آخَرِينَ وَ كُلٌّ آتِيهِ مَنِيَّتُهُ كَمَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ فَطُوبَى لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ الْمَقْتُولِينَ فِي طَاعَتِهِ»

ص: 111


1- غمص الناس:احتقرهم و لم يرهم شيئا.و سفه الحق،مختلف في تأويله،قيل معناه سفه الحق تسفيها.و قال الزجاج:سفه في معنى جهل.و هو اقتباس من حديث لرسول اللّه رواه ابن منظور في اللسان(غمص).
2- (2) زاد ابن أبي الحديد بعد هذه الكلمة:«قال نصر:و هذا أول كتاب كتبه على عليه السلام إلى عمرو بن العاص».
3- أناب:رجع.
4- ح:«إلى ما ندعوكم إليه من الشورى».
5- المشيع القلب:الشجاع.
6- الرذل،و الرذال،و الرذيل،و الأرذل:الدون الخسيس.

فَلَمَّا سَمِعَ هَاشِمُ بْنُ عُتْبَةَ (1)مَقَالَتَهُمْ [قَامَ] (2)فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ سِرْ بِنَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ الْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ الَّذِينَ نَبَذُوا« كِتابَ اللّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ »وَ عَمِلُوا فِي عِبَادِ اللَّهِ بِغَيْرِ رِضَا اللَّهِ فَأَحَلُّوا حَرَامَهُ وَ حَرَّمُوا حَلاَلَهُ وَ اسْتَوْلاَهُمُ اَلشَّيْطَانُ (3)وَ وَعَدَهُمُ الْأَبَاطِيلَ وَ مَنَّاهُمُ الْأَمَانِيَّ حَتَّى أَزَاغَهُمْ عَنِ الْهُدَى وَ قَصَدَ بِهِمْ قَصْدَ الرَّدَى وَ حَبَّبَ إِلَيْهِمُ الدُّنْيَا فَهُمْ يُقَاتِلُونَ عَلَى دُنْيَاهُمْ رَغْبَةً فِيهَا كَرَغْبَتِنَا فِي الْآخِرَةِ إِنْجَازَ مَوْعُودُ رَبِّنَا وَ أَنْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَقْرَبُ النَّاسِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ رَحِماً وَ أَفْضَلُ النَّاسِ سَابِقَةً وَ قَدَماً وَ هُمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْكَ مِثْلُ الَّذِي عَلِمْنَا وَ لَكِنْ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الشَّقَاءُ وَ مَالَتْ بِهِمُ الْأَهْوَاءُ وَ كَانُوا ظَالِمِينَ فَأَيْدِينَا مَبْسُوطَةٌ لَكَ بِالسَّمْعِ وَ الطَّاعَةِ وَ قُلُوبُنَا مُنْشَرِحَةٌ لَكَ بِبَذْلِ النَّصِيحَةِ وَ أَنْفُسُنَا تَنْصُرُكَ (4)جَذِلَةً عَلَى مَنْ خَالَفَكَ وَ تَوَلَّى الْأَمْرَ دُونَكَ وَ اللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي مَا فِي الْأَرْضِ مِمَّا أَقَلَّتْ وَ مَا تَحْتَ السَّمَاءِ مِمَّا أَظَلَّتْ وَ أَنِّي وَالَيْتُ عَدُوّاً لَكَ أَوْ عَادَيْتُ وَلِيّاً لَكَ.

فَقَالَ عَلِيٌّ 1«اَللَّهُمَّ ارْزُقْهُ الشَّهَادَةَ فِي سَبِيلِكَ وَ الْمُرَافَقَةَ لِنَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ .» ثُمَّ إِنَّ عَلِيّاً صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَ النَّاسَ وَ دَعَاهُمْ إِلَى الْجِهَادِ فَبَدَأَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ وَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ 1«إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْرَمَكُمْ بِدِينِهِ وَ خَلَقَكُمُ لِعِبَادَتِهِ فَانْصِبُوا أَنْفُسَكُمْ فِي أَدَاءِح.

ص: 112


1- هو هاشم بن عتبة بن أبي وقاص.و كان معه لواء على رضي اللّه عنه يوم صفّين، و قتل في آخر أيامها.انظر الإصابة 8913 و الاشتقاق 96.
2- ليست في الأصل.و في ح:«..ما قالاه أتى عليّا عليه السلام فقال:سر بنا».
3- كذا في الأصل.و في ح(1:282):«و استهوى بهم الشيطان»و ظنى بها «استهواهم».
4- في الأصل:«بنورك»،صوابها في ح.

حَقِّهِ وَ تَنَجَّزُوا مَوْعُودَهُ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ أَمْرَاسَ اَلْإِسْلاَمِ مَتِينَةً وَ عُرَاهُ وَثِيقَةً ثُمَّ جَعَلَ الطَّاعَةَ حَظَّ الْأَنْفُسِ بِرِضَا الرَّبِّ وَ غَنِيمَةَ الْأَكْيَاسِ عِنْدَ تَفْرِيطِ الْفَجَرَةِ وَ قَدْ حُمِّلْتُ أَمْرَ أَسْوَدِهَا وَ أَحْمَرِهَا (1)وَ« لا قُوَّةَ إِلاّ بِاللّهِ » وَ نَحْنُ سَائِرُونَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِلَى« مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ »وَ تَنَاوُلِ مَا لَيْسَ لَهُ وَ مَا لاَ يُدْرِكُهُ - مُعَاوِيَةَ وَ جُنْدِهِ الْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ الطَّاغِيَةِ يَقُودُهُمْ إِبْلِيسُ وَ يَبْرُقُ لَهُمْ بِبَارِقِ تَسْوِيفِهِ وَ يُدَلِّيهِمْ بِغُرُورِهِ (2)وَ أَنْتُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِحَلاَلِهِ وَ حَرَامِهِ فَاسْتَغْنُوا بِمَا عَلِمْتُمْ وَ احْذَرُوا مَا حَذَّرَكُمُ اللَّهُ مِنَ اَلشَّيْطَانِ وَ ارْغَبُوا فِيمَا أَنَالَكُمْ مِنَ الْأَجْرِ وَ الْكَرَامَةِ وَ اعْلَمُوا أَنَّ الْمَسْلُوبَ مَنْ سُلِبَ دِينَهُ وَ أَمَانَتَهُ وَ الْمَغْرُورَ مَنْ آثَرَ الضَّلاَلَةَ عَلَى الْهُدَى فَلاَ أَعْرِفُ أَحَداً مِنْكُمْ تَقَاعَسَ عَنِّي وَ قَالَ فِي غَيْرِي كِفَايَةً فَإِنَّ الذَّوْدَ إِلَى الذَّوْدِ إِبِلٌ وَ مَنْ لاَ يُذْدَ عَنْ حَوْضِهِ يَتَهَّدْم ثُمَّ إِنِّي آمُرُكُمْ بِالشِّدَّةِ فِي الْأَمْرِ وَ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ أَلاَّ تَغْتَابُوا مُسْلِماً وَ انْتَظِرُوا النَّصْرَ الْعَاجِلَ مِنَ اللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» .

ثُمَّ قَامَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ خَطِيباً فَقَالَ:

2«اَلْحَمْدُ لِلَّهِ لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ» ثُمَّ قَالَ:

2«إِنَّ مِمَّا عَظَّمَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِنْ حَقِّهِ وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ مِنْ نِعَمِهِ مَا لاَ يُحْصَى ذِكْرُهُ وَ لاَ يُؤَدَّى شُكْرُهُ وَ لاَ يَبْلُغُهُ (3)صِفَةٌ وَ لاَ قَوْلٌ وَ نَحْنُ إِنَّمَا غَضِبْنَاح.

ص: 113


1- يعني العرب و العجم،و لغالب على ألوان العرب السمرة و الأدمة،و على ألوان العجم البياض و الحمرة.فى الأصل:«أمركم أسودها و أحمرها»،صوابه في ح.
2- أي يوقعهم فيما أراد من تغريره.و في الكتاب:(فدلاهما بغرور).
3- في الأصل:«تبلغها»،و الوجه ما أثبت من ح.

لِلَّهِ وَ لَكُمْ فَإِنَّهُ مَنَّ عَلَيْنَا بِمَا هُوَ أَهْلُهُ أَنْ نَشْكُرَ فِيهِ آلاَءَهُ وَ بَلاَءَهُ وَ نَعْمَاءَهُ قَوْلاً (1)يَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ فِيهِ الرِّضَا وَ تَنْتَشِرُ فِيهِ عَارِفَةُ الصِّدْقِ يُصَدِّقُ اللَّهُ فِيهِ قَوْلَنَا وَ نَسْتَوْجِبُ فِيهِ الْمَزِيدَ مِنْ رَبِّنَا قَوْلاً يَزِيدُ وَ لاَ يَبِيدُ فَإِنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ قَوْمٌ قَطُّ عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ إِلاَّ اشْتَدَّ أَمْرُهُمْ وَ اسْتَحْكَمَتْ عُقْدَتُهُمْ فَاحْتَشِدُوا فِي قِتَالِ عَدُوِّكُمْ مُعَاوِيَةَ وَ جُنُودِهِ فَإِنَّهُ قَدْ حَضَرَ وَ لاَ تَخَاذَلُوا فَإِنَّ الْخِذْلاَنَ يَقْطَعُ نِيَاطَ الْقُلُوبِ وَ إِنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الْأَسِنَّةِ نَجْدَةٌ وَ عِصْمَةٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْتَنِعْ (2)قَوْمٌ قَطُّ إِلاَّ رَفَعَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْعِلَّةَ وَ كَفَاهُمْ جَوَائِحَ الذِّلَّةِ (3)وَ هَدَاهُمْ إِلَى مَعَالِمِ الْمِلَّةِ -

وَ الصُّلْحُ تَأْخُذُ مِنْهُ مَا رَضِيتَ بِهِ

وَ الْحَرْبُ يَكْفِيكَ مِنْ أَنْفَاسِهَا جُرَعُ» (4)

.

ثُمَّ قَامَ اَلْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ خَطِيباً فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ:

3«يَا أَهْلَ اَلْكُوفَةِ أَنْتُمُ الْأَحِبَّةُ الْكُرَمَاءُ وَ الشِّعَارُ دُونَ الدِّثَارِ جِدُّوا فِي إِحْيَاءِ مَا دَثَرَ بَيْنَكُمْ وَ إِسْهَالِ مَا تَوَعَّرَ عَلَيْكُمْ وَ أُلْفَةِ مَا ذَاعَ مِنْكُمْ (5)-».

ص: 114


1- في الأصل:«قوك».و الكلام بعد:«إنّما غضبنا للّه و لكم»إلى:«و لا يبيد» لم يرد في ح.
2- الامتناع:العزة و القوّة.و في القاموس:«و الممتنع الأسد القوى العزيز في نفسه». ح:«يتمنع».و في اللسان:«منع الشيء مناعة:اعتر و تعسر..و قد تمنع».
3- الجوائح:الدواهى و الشدائد،واحدتها جائحة.و في الأصل:«حوائج»،و الوجه ما أثبت من ح.
4- البيت للعباس بن مرداس السلمى،كما في الخزانة(2:82)و الرواية.المعروفة: «السلم تأخذ منها».و يستشهد بهذه الرواية اللغويون على أن«السلم»تؤنث.قال التبريزى:«الجرع:جمع جرعة،و هي ملء الفم.يخبره أن السلم هو فيها و ادع ينال من مطالبه ما يريد فإذا جاءت الحرب قطعته عن لذاته و شغلته بنفسه».و هو تحريض على الصلح. و أنفاس الحرب،أراد بها أوائلها.
5- ليست في ح.و ذاع:انتشر و تفرق.و في الأصل:«أذاع».

أَلاَ إِنَّ الْحَرْبَ شَرُّهَا ذَرِيعٌ وَ طَعْمَهَا فَظِيعٌ وَ هِيَ جُرَعٌ مُتَحَسَّاةٌ فَمَنْ أَخَذَ لَهَا أُهْبَتَهَا وَ اسْتَعَدَّ لَهَا عُدَّتَهَا وَ لَمْ يَأْلَمْ كُلُومَهَا عِنْدَ حُلُولِهَا فَذَاكَ صَاحِبُهَا وَ مَنْ عَاجَلَهَا قَبْلَ أَوَانِ فُرْصَتِهَا وَ اسْتِبْصَارِ سَعْيِهِ فِيهَا فَذَاكَ قَمِنٌ أَلاَّ يَنْفَعَ قَوْمَهُ وَ أَنْ يُهْلِكَ نَفْسَهُ نَسْأَلُ اللَّهَ بِعَوْنِهِ أَنْ يَدْعَمَكُمْ بِأُلْفَتِهِ» (1).

ثُمَّ نَزَلَ فَأَجَابَ عَلِيّاً إِلَى السَّيْرِ (2)وَ الْجِهَادِ جُلُّ النَّاسِ إِلاَّ أَنَّ أَصْحَابَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَتَوْهُ وَ فِيهِمْ عَبِيْدَةُ السَّلْمَانِيُّ (3)وَ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا لَهُ:إِنَّا نَخْرُجُ مَعَكُمْ وَ لاَ نَنْزِلُ عَسْكَرَكُمْ وَ نُعَسْكِرُ عَلَى حِدَةٍ حَتَّى نَنْظُرَ فِي أَمْرِكُمْ وَ أَمْرِ أَهْلِ اَلشَّامِ فَمَنْ رَأَيْنَاهُ أَرَادَ مَا لاَ يَحِلُّ لَهُ أَوْ بَدَا مِنْهُ بَغْيٌ كُنَّا عَلَيْهِ فَقَالَ عَلِيٌّ :

1«مَرْحَباً وَ أَهْلاً هَذَا هُوَ الْفِقْهُ فِي الدِّينِ وَ الْعِلْمُ بِالسُّنَّةِ مَنْ لَمْ يَرْضَ بِهَذَا فَهُوَ جَائِرٌ خَائِنٌ» .وَ أَتَاهُ آخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِيهِمْ رَبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ (4)وَ هُمْ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعُمِائَةِ رَجُلٍ فَقَالُوا:يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّا شَكَكْنَا فِي هَذَا الْقِتَالِ عَلَى مَعْرِفَتِنَا بِفَضْلِكَ وَ لاَ غَنَاءَ بِنَا وَ لاَ بِكَ وَ لاَ اَلْمُسْلِمِينَ عَمَّنْ يُقَاتِلُ الْعَدُوَّ فَوَلِّنَا بَعْضَ الثُّغُورِ نَكُونُ بِهِ (5)ثُمَّ نُقَاتِلُ عَنْ أَهْلِهِ فَوَجَّهَهُ عَلِيٌّ (6)عَلَى ثَغْرِ اَلرَّيِّ فَكَانَ أَوَّلُ لِوَاءٍ عَقَدَهُ بِالْكُوفَةِ لِوَاءَ رَبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ .».

ص: 115


1- ح:«بالفيئة».
2- في الأصل:«فأجابه إلى السير».و الوجه ما أثبت من ح.
3- عبيدة،بفتح أوله.و هو عبيدة بن عمرو-و يقال ابن قيس-بن عمرو السلمانى، بفتح السين المهملة و سكون اللام،نسبة إلى سلمان بن يشكر بن ناجية بن مراد.أسلم قبل وفاة النبيّ بسنتين و لم يلقه.روى عن ابن مسعود و على،و روى عنه محمّد بن سيرين، و أبو إسحاق السبيعى،و إبراهيم النخعيّ و غيرهم.و قال ابن نمير:كان شريح إذا أشكل عليه شيء كتب إلى عبيدة.توفّي سنة 72 و قبل ثلاث،و قيل أربع.الإصابة 6401 و المعارف 188 و تقريب التهذيب،و مختلف القبائل و مؤتلفها لمحمّد بن حبيب ص 30.
4- خثيم.بهيئة التصغير.انظر الاشتقاق 112 و شرح الحيوان(4:292).
5- ح(1.283):«نكمن به».
6- ح:«فوجه عليّ عليه السلام بالربيع بن خثيم».

[ارسال باهلة إلى الديلم]

نَصْرٌ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ لَيْثِ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ: دَعَا عَلِيٌّ بَاهِلَةَ فَقَالَ: 1«يَا مَعْشَرَ بَاهِلَةَ أُشْهِدُ اللَّهَ أَنَّكُمْ تُبْغِضُونِّي وَ أُبْغِضُكُمْ فَخُذُوا عَطَاءَكُمْ وَ اخْرُجُوا إِلَى اَلدَّيْلَمِ » وَ كَانُوا قَدْ كَرِهُوا أَنْ يَخْرُجُوا مَعَهُ إِلَى صِفِّينَ .

قدوم اهل البصرة على علي عليه السلام و مكاتبة محمد بن أبي بكر مع معاوية

1- نَصْرٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْأَحْمَرِ : أَنَّ عَلِيّاً لَمْ يَبْرَحِ اَلنُّخَيْلَةَ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْهِ اِبْنُ عَبَّاسٍ بِأَهْلِ اَلْبَصْرَةِ وَ كَانَ كَتَبَ عَلِيٌّ إِلَى اِبْنِ عَبَّاسٍ وَ إِلَى أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ 1«أَمَّا بَعْدُ فَأَشْخِصْ إِلَيَّ مَنْ قِبَلَكَ مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ وَ الْمُؤْمِنِينَ وَ ذَكِّرْهُمْ بَلاَئِي عِنْدَهُمْ وَ عَفْوِي عَنْهُمْ وَ اسْتِبْقَائِي لَهُمْ وَ رَغِّبْهُمْ فِي الْجِهَادِ وَ أَعْلِمْهُمُ الَّذِي لَهُمْ فِي ذَلِكَ مِنَ الْفَضْلِ» .

فَقَامَ فِيهِمْ اِبْنُ عَبَّاسٍ فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ كِتَابَ عَلِيٍّ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:

أَيُّهَا النَّاسُ اسْتَعِدُّوا لِلْمَسِيرِ إِلَى إِمَامِكُمْ وَ« اِنْفِرُوا »فِي سَبِيلِ اللَّهِ« خِفافاً وَ ثِقالاً وَ جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ »فَإِنَّكُمْ تُقَاتِلُونَ الْمُحِلِّينَ اَلْقَاسِطِينَ الَّذِينَ لاَ يَقْرَءُونَ اَلْقُرْآنَ وَ لاَ يَعْرِفُونَ حُكْمَ اَلْكِتَابِ :« وَ لا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ »مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ الْآمِرِ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّاهِي عَنِ الْمُنْكَرِ وَ الصَّادِعِ بِالْحَقِّ وَ الْقَيِّمِ بِالْهُدَى وَ الْحَاكِمِ بِحُكْمِ اَلْكِتَابِ الَّذِي لاَ يَرْتَشِي فِي الْحُكْمِ وَ لاَ يُدَاهِنُ الْفُجَّارَ وَ لاَ تَأْخُذُهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لاَئِمٍ.

فَقَامَ اَلْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ فَقَالَ:نَعَمْ وَ اللَّهِ لَنُجِيبَنَّكَ وَ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكَ عَلَى الْعُسْرِ وَ الْيُسْرِ وَ الرِّضَا وَ الْكُرْهِ نَحْتَسِبُ فِي ذَلِكَ الْخَيْرَ وَ نَأْمُلُ مِنَ اللَّهِ الْعَظِيمَ مِنَ الْأَجْرِ (1).

ص: 116


1- ح:«نحتسب في ذلك الأجر،و نأمل به من اللّه العظيم حسن الثواب».

وَ قَامَ إِلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْمُعَمَّرِ السَّدُوسِيُّ (1)فَقَالَ سَمِعْنَا وَ أَطَعْنَا فَمَتَى اسْتَنْفَرْتَنَا نَفَرْنَا وَ مَتَى دَعْوَتَنَا أَجَبْنَا.

وَ قَامَ إِلَيْهِ عَمْرُو بْنُ مَرْجُومٍ الْعَبْدِيُّ (2)فَقَالَ:وَفَّقَ اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَ جَمَعَ لَهُ أَمْرَ اَلْمُسْلِمِينَ وَ لَعَنَ الْمُحِلِّينَ اَلْقَاسِطِينَ الَّذِينَ لاَ يَقْرَءُونَ اَلْقُرْآنَ نَحْنُ وَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ حَنِقُونَ وَ لَهُمْ فِي اللَّهِ مُفَارِقُونَ فَمَتَى أَرَدْتَنَا صَحِبَكَ خَيْلُنَا وَ رَجِلُنَا.

وَ أَجَابَ النَّاسُ إِلَى الْمَسِيرِ وَ نَشِطُوا وَ خَفُّوا فَاسْتَعْمَلَ اِبْنُ عَبَّاسٍ عَلَى اَلْبَصْرَةِ أَبَا الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيَّ وَ خَرَجَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى عَلِيٍّ وَ مَعَهُ رُءُوسُ الْأَخْمَاسِ - خَالِدُ بْنُ الْمُعَمَّرِ السَّدُوسِيُّ عَلَى بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ وَ عَمْرُو بْنُ مَرْجُومٍ الْعَبْدِيُّ عَلَى عَبْدِ الْقَيْسِ وَ صَبْرَةُ بْنُ شَيْمَانَ الْأَزْدِيُّ (3)عَلَى اَلْأَزْدِ وَ اَلْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ عَلَى تَمِيمٍ وَ ضَبَّةَ وَ اَلرَّبَابِ وَ شَرِيكُ بْنُ الْأَعْوَرِ الْحَارِثِيُّ عَلَى أَهْلِ اَلْعَالِيَةِ فَقَدِمُوا عَلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِالنُّخَيْلَةِ وَ أَمَّرَ الْأَسْبَاعَ مِنْ أَهْلِ اَلْكُوفَةِ - سَعْدَ بْنَ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيَّ عَلَى قَيْسٍ وَ عَبْدَ الْقَيْسِ وَ مَعْقِلَ بْنَ قَيْسٍ الْيَرْبُوعِيَّ عَلَى تَمِيمٍ وَ ضَبَّةَ وَ اَلرَّبَابِ وَ قُرَيْشٍ وَ كِنَانَةَ وَ أَسَدٍ وَ مِخْنَفَ بْنَ سُلَيْمٍ عَلَى اَلْأَزْدِ وَ بَجِيلَةَ وَ خَثْعَمٍ وَ اَلْأَنْصَارِ وَ خُزَاعَةَ وَ حُجْرَ بْنَ عَدِيٍّ الْكِنْدِيَّ عَلَى كِنْدَةَ وَ حَضْرَمَوْتَ وَ قُضَاعَةَ وَ مَهْرَةَ وَ زِيَادَ بْنَ النَّضْرِ عَلَى مَذْحِجَ وَ اَلْأَشْعَرِيَّيْنِ وَ سَعِيدَ بْنَ قَيْسِ بْنِ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيَّ عَلَى هَمْدَانَ وَ مَنْ مَعَهُمْ مِنْ حِمْيَرٍ وَ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ عَلَى طَيْئٍ وَ يَجْمَعُهُمُ9.

ص: 117


1- ترجم له في الإصابة 2317 فيمن له إدراك.
2- مرجوم،بالجيم،كان من أشراف عبد القيس و رؤسائها في الجاهلية،و قد مدحه المسيب بن عبّاس.و كان ابنه عمرو سيدا شريفا في الإسلام.ذكره ابن حجر في الصحابة. انظر الإصابة 5954.
3- في الأصل:«سيمان»صوابه بالشين كما في الاشتقاق 299.

الدَّعْوَةُ مَعَ مَذْحِجَ وَ تَخْتَلِفُ الرَّايَتَانِ رَايَةُ مَذْحِجَ مَعَ زِيَادِ بْنِ النَّضْرِ وَ رَايَةُ طَيْئٍ مَعَ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ .

وَ كَتَبَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ « بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ إِلَى اَلْغَاوِي بْنِ صَخْرٍ سَلاَمٌ عَلَى أَهْلِ طَاعَةِ اللَّهِ مِمَّنْ هُوَ مُسْلِمٌ لِأَهْلِ وَلاَيَةِ اللَّهِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ بِجَلاَلِهِ وَ عَظَمَتِهِ وَ سُلْطَانِهِ وَ قُدْرَتِهِ خَلَقَ خَلْقاً بِلاَ عَنَتٍ (1)وَ لاَ ضَعْفٍ فِي قُوَّتِهِ وَ لاَ حَاجَةٍ بِهِ إِلَى خَلْقِهِمْ وَ لَكِنَّهُ خَلَقَهُمْ عَبِيداً وَ جَعَلَ مِنْهُمْ شَقِيّاً وَ سَعِيداً وَ غَوِيّاً وَ رَشِيداً ثُمَّ اخْتَارَهُمْ عَلَى عِلْمِهِ فَاصْطَفَى وَ انْتَخَبَ مِنْهُمْ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَاخْتَصَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَ اخْتَارَهُ لِوَحْيِهِ وَ ائْتَمَنَهُ عَلَى أَمْرِهِ وَ بَعَثَهُ رَسُولاً مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكُتُبِ وَ دَلِيلاً عَلَى الشَّرَائِعِ فَدَعَا إِلَى سَبِيلِ رَبِّهِ« بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ »فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ أَجَابَ وَ أَنَابَ وَ صَدَّقَ وَ وَافَقَ وَ أَسْلَمَ وَ سَلَّمَ أَخُوهُ وَ ابْنُ عَمِّهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَصَدَّقَهُ بِالْغَيْبِ الْمَكْتُومِ وَ آثَرَهُ عَلَى كُلِّ حَمِيمٍ فَوَقَاهُ كُلَّ هَوْلٍ وَ وَاسَاهُ بِنَفْسِهِ فِي كُلِّ خَوْفٍ فَحَارَبَ حَرْبَهُ وَ سَالَمَ سِلْمَهُ (2)فَلَمْ يَبْرَحْ مُبْتَذِلاً لِنَفْسِهِ فِي سَاعَاتِ الْأَزْلِ (3)وَ مَقَامَاتِ الرَّوْعِ حَتَّى بُرِّزَ سَابِقاً لاَ نَظِيرَ لَهُ فِي جِهَادِهِ وَ لاَ مُقَارِبَ لَهُ فِي فِعْلِهِ وَ قَدْ رَأَيْتُكَ تُسَامِيهِ وَ أَنْتَ أَنْتَ وَ هُوَ هُوَ الْمُبَرَّزُ السَّابِقُ فِي كُلِّ خَيْرٍ أَوَّلُ النَّاسِ إِسْلاَماً وَ أَصْدَقُ النَّاسِ نِيَّةً وَ أَطْيَبُ النَّاسِ ذُرِّيَّةً وَ أَفْضَلُ النَّاسِ زَوْجَةً وَ خَيْرُ النَّاسِ ابْنَ عَمٍّ وَ أَنْتَ اللَّعِينُ ابْنُة.

ص: 118


1- العنت:المشقة.
2- الحرب:العدو المحارب.و السلم:المسلم.
3- الأزل:الضيق و الشدة.

اللَّعِينِ ثُمَّ لَمْ تَزَلْ أَنْتَ وَ أَبُوكَ تَبْغِيَانِ الْغَوَائِلَ لِدِينِ اللَّهِ وَ تَجْهَدَانِ عَلَى إِطْفَاءِ نُورِ اللَّهِ وَ تَجْمَعَانِ عَلَى ذَلِكَ الْجُمُوعَ وَ تَبْذُلاَنِ فِيهِ الْمَالَ وَ تُخَالِفَانِ فِيهِ القَبَائِلَ عَلَى ذَلِكَ مَاتَ أَبُوكَ وَ عَلَى ذَلِكَ خَلَفْتَهُ وَ الشَّاهِدُ عَلَيْكَ بِذَلِكَ مَنْ يَأْوِي وَ يَلْجَأُ إِلَيْكَ مِنْ بَقِيَّةِ اَلْأَحْزَابِ وَ رُءُوسِ النِّفَاقِ وَ الشِّقَاقِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ الشَّاهِدُ لِعَلِيٍّ مَعَ فَضْلِهِ الْمُبِينِ وَ سَبْقِهِ الْقَدِيمِ أَنْصَارُهُ الَّذِينَ ذُكِرُوا بِفَضْلِهِمْ فِي اَلْقُرْآنِ فَأَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ اَلْمُهَاجِرِينَ وَ اَلْأَنْصَارِ فَهُمْ مَعَهُ عَصَائِبُ وَ كَتَائِبُ حَوْلَهُ يُجَالِدُونَ بِأَسْيَافِهِمْ وَ يُهَرِيقُونَ دِمَاءَهُمْ دُونَهُ يَرَوْنَ الْفَضْلَ فِي اتِّبَاعِهِ وَ الشَّقَاءَ فِي خِلاَفِهِ فَكَيْفَ يَا لَكَ الْوَيْلُ تَعْدِلُ نَفْسَكَ بِعَلِيٍّ وَ هُوَ وَارِثُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ وَصِيُّهُ وَ أَبُو وُلْدِهِ وَ أَوَّلُ النَّاسِ لَهُ اتِّبَاعاً وَ آخِرُهُمْ بِهِ عَهْداً يُخْبِرُهُ بِسِرِّهِ وَ يُشْرِكُهُ فِي أَمْرِهِ وَ أَنْتَ عَدُوُّهُ وَ ابْنُ عَدُوِّهِ فَتَمَتَّعْ مَا اسْتَطَعْتَ بِبَاطِلِكَ وَ لْيَمْدُدْ لَكَ اِبْنُ الْعَاصِ فِي غَوَايَتِكَ فَكَأَنَّ أَجَلَكَ قَدِ انْقَضَى وَ كَيْدَكَ قَدْ وَهَى وَ سَوْفَ يَسْتَبِينُ لِمَنْ تَكُونُ الْعَاقِبَةُ الْعُلْيَا وَ اعْلَمْ أَنَّكَ إِنَّمَا تُكَايِدُ رَبَّكَ الَّذِي قَدْ أَمِنْتَ كَيْدَهُ وَ أَيِسْتَ مِنْ رَوْحِهِ وَ هُوَ لَكَ بِالْمِرْصَادِ وَ أَنْتَ مِنْهُ فِي غُرُورٍ وَ بِاللَّهِ وَ أَهْلِ رَسُولِهِ عَنْكَ الْغِنَاءُ وَ السَّلاَمُ« عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى » فَكَتَبَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ « بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » مِنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ إِلَى الزَّارِي عَلَى أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ سَلاَمٌ عَلَى أَهْلِ طَاعَةِ اللَّهِ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ أَتَانِي كِتَابُكَ تَذْكُرُ فِيهِ مَا اللَّهُ أَهْلُهُ فِي قُدْرَتِهِ وَ سُلْطَانِهِ وَ مَا أَصْفَى بِهِ نَبِيَّهُ (1)مَعَ كَلاَمٍ أَلَّفْتَهُ وَ وَضَعْتَهُ لِرَأْيِكَ فِيهِ تَضْعِيفٌ).

ص: 119


1- أصفاه بالشيء:آثره به.و في الكتاب؛(أ فأصفها كم ربكم بالبنان)و في الأصل: «و ما اصطفاه به نبيه».صوابه في ح(1:284).

وَ لِأَبِيكَ فِيهِ تَعْنِيفٌ ذَكَرْتَ حَقَّ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ وَ قَدِيمَ سَوَابِقِهِ وَ قَرَابَتَهُ مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ نُصْرَتَهُ لَهُ وَ مُوَاسَاتَهُ إِيَّاهُ فِي كُلِّ خَوْفٍ وَ هَوْلٍ وَ احْتِجَاجَكَ عَلَيَّ بِفَضْلِ غَيْرِكَ لاَ بِفَضْلِكَ فَاحْمَدْ إِلَهاً صَرَفَ الْفَضْلَ عَنْكَ وَ جَعَلَهُ لِغَيْرِكَ وَ قَدْ كُنَّا وَ أَبُوكَ مَعَنَا فِي حَيَاةٍ مِنْ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ نَرَى حَقَّ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ لاَزِماً لَنَا وَ فَضْلَهُ مُبَرَّزاً عَلَيْنَا فَلَمَّا اخْتَارَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مَا عِنْدَهُ وَ أَتَمَّ لَهُ مَا وَعَدَهُ وَ أَظْهَرَ دَعْوَتَهُ وَ أَفْلَجَ حُجَّتَهُ قَبَضَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ فَكَانَ أَبُوكَ وَ فَارُوقُهُ أَوَّلَ مَنِ ابْتَزَّهُ وَ خَالَفَهُ عَلَى ذَلِكَ اتَّفَقَا وَ اتَّسَقَا (1)ثُمَّ دَعَوَاهُ إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَأَبْطَأَ عَنْهُمَا وَ تَلَكَّأَ عَلَيْهِمَا فَهَمَّا بِهِ الْهُمُومَ وَ أَرَادَا بِهِ الْعَظِيمَ فَبَايَعَ وَ سَلَّمَ لَهُمَا لاَ يُشْرِكَانِهِ فِي أَمِّرِهِمَا وَ لاَ يُطْلِعَانِهِ عَلَى سِرِّهِمَا حَتَّى قُبِضَا وَ انْقَضَى أَمْرُهُمَا ثُمَّ قَامَ بَعْدَهُمَا ثَالِثُهُمَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يَهْتَدِي بِهُدَاهُمَا وَ يَسِيرُ بِسِيرَتِهِمَا فَعِبْتَهُ أَنْتَ وَ صَاحِبُكَ حَتَّى طَمِعَ فِيهِ الْأَقَاصِي مِنْ أَهْلِ الْمَعَاصِي وَ بَطَنْتُمَا لَهُ وَ أَظْهَرْتُمَا (2)وَ كَشَفْتُمَا عَدَاوَتَكُمَا وَ غِلَّكُمَا حَتَّى بَلَغْتُمَا مِنْهُ مُنَاكُمَا فَخُذْ حِذْرَكَ يَا اِبْنَ أَبِي بَكْرٍ فَسَتَرَى وَبَالَ أَمْرِكَ وَ قِسْ شِبْرَكَ بِفِتْرِكَ (3)تَقْصُرُ عَنْ أَنْ تُسَاوِيَ أَوْ تُوَازِيَ مَنْ يَزِنُ الْجِبَالَ حِلْمُهُ وَ لاَ تَلِينُ عَلَى قَسْرِ قَنَاتِهِ (4)وَ لاَ يُدْرِكُ ذُو مَدًى أَنَاتَهُ أَبُوكَ مَهَّدَ مِهَادَهُ وَ بَنَى مُلْكَهُ وَ شَادَهُ فَإِنْ يَكُنْ مَا نَحْنُ فِيهِ صَوَاباً فَأَبُوكَ أَوَّلُهُ وَ إِنْ يَكُ جَوْراً فَأَبُوكَ أَسَّسَهُ (5)وَ نَحْنُ شُرَكَاؤُهُ وَ بِهُدَاهُ أَخَذْنَا وَ بِفِعْلِهِ اقْتَدَيْنَا -».

ص: 120


1- في الأصل:«و انشقا»و أثبت ما في ح.
2- ح(1:284):«و ظهرتما».
3- الشبر،بالكسر:ما بين أعلى الإبهام و أعلى الخنصر.و الفتر،بالكسر أيضا:ما بين طرف السبابة و الإبهام إذا فتحتهما.
4- القسر:القهر و الإكراه.و في الأصل:«قصر»،صوابه في ح.
5- الأسس،بالتحريك:الأساس؛و مثلها الأس،بالضم.ح:«أسه».

وَ لَوْ لاَ مَا سَبَقَنَا إِلَيْهِ أَبُوكَ مَا خَالَفْنَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ وَ أَسْلَمْنَا لَهُ وَ لَكِنَّا رَأَيْنَا أَبَاكَ فَعَلَ ذَلِكَ فَاحْتَذَيْنَا بِمِثَالِهِ (1)وَ اقْتَدَيْنَا بِفِعَالِهِ فَعِبْ أَبَاكَ مَا بَدَا لَكَ أَوْ دَعْ وَ السَّلاَمُ عَلَى مَنْ أَنَابَ وَ رَجَعَ عَنْ غَوَايَتِهِ وَ تَابَ.

قَالَ وَ أَمَرَ عَلِيٌّ اَلْحَارِثَ الْأَعْوَرَ يُنَادِي فِي النَّاسِ أَنِ 1«اُخْرُجُوا إِلَى مُعَسْكَرِكُمْ بِالنُّخَيْلَةِ » فَنَادَى أَيُّهَا النَّاسِ اخْرُجُوا إِلَى مُعَسْكَرِكُمْ بِالنُّخَيْلَةِ وَ بَعَثَ عَلِيٌّ إِلَى مَالِكِ بْنِ حَبِيبٍ الْيَرْبُوعِيِّ صَاحِبِ شُرْطَتِهِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَحْشُرَ النَّاسَ إِلَى الْمُعَسْكَرِ (2)وَ دَعَا عُقْبَةَ بْنَ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيَّ فَاسْتَخْلَفَهُ عَلَى اَلْكُوفَةِ وَ كَانَ أَصْغَرَ أَصْحَابِ اَلْعَقَبَةِ السَّبْعِينَ ثُمَّ خَرَجَ عَلِيٌّ وَ خَرَجَ النَّاسُ مَعَهُ.

.

نَصْرٌ عُمَرُ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنِ اَلْحَارِثِ بْنِ حَصِيرَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَرِيكَ : أَنَّ النَّاسَ لَمَّا تَوَافَوْا بِالنُّخَيْلَةِ قَامَ رِجَالٌ مِمَّنْ كَانَ سَيَّرَ عُثْمَانُ (3)فَتَكَلَّمُوا فَقَامَ جُنْدَبُ بْنُ زُهَيْرٍ وَ اَلْحَارِثُ الْأَعْوَرِ وَ يَزِيدُ بْنُ قَيْسٍ الْأَرْحَبِيُّ فَقَالَ جُنْدَبٌ قَدْ آنَ لِلَّذِينَ« أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ » (4).

نصيحة علي لزياد بن النضر و شريح بن هانئ

1- نَصْرٌ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ قُطْنٍ : أَنَّ عَلِيّاً حِينَ أَرَادَ الْمَسِيرَ إِلَى اَلنُّخَيْلَةِ دَعَا زِيَادَ بْنَ النَّضْرِ وَ شُرَيْحَ بْنَ هَانِئٍ وَ كَانَا عَلَى مَذْحِجَ وَ اَلْأَشْعَرِيَّيْنِ قَالَ: 1«يَا زِيَادُ اتَّقِ اللَّهَ فِي كُلِّ مَمْسَى وَ مُصْبَحٍ وَ خَفْ (5)عَلَى نَفْسِكَ الدُّنْيَا الْغَرُورَ وَ لاَ تَأْمَنْهَا عَلَى حَالٍ مِنَ الْبَلاَءِ وَ اعْلَمْ أَنَّكَ إِنْ لَمْ تَزَعْ

ص: 121


1- ح:«رأينا أباك فعل ما فعل فاحتذينا مثاله».
2- في الأصل:«العسكر»،و أثبت ما في ح.
3- أي سيرهم عثمان.و التسيير:الإجلاء و الإخراج من البلد.
4- كذا وردت العبارة.أى آن لهم أن يقاتلوا.و في الكتاب:« أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. اَلَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ. »
5- في الأصل:«خفف»،صوابه في ح.

نَفْسَكَ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا يُحَبُّ (1)مَخَافَةَ مَكْرُوهَةٍ سَمَتْ بِكَ الْأَهْوَاءُ إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الضُّرِّ فَكُنْ لِنَفْسِكَ مَانِعاً وَازِعاً (2)مِنَ الْبَغْيِ وَ الظُّلْمِ وَ الْعُدْوَانِ فَإِنِّي قَدْ وَلَّيْتُكَ هَذَا الْجُنْدَ فَلاَ تَسْتَطِيلَنَّ عَلَيْهِمْ وَ إِنَّ خَيْرَكُمْ« عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ »وَ تَعَلَّمْ مِنْ عَالِمِهِمْ وَ عَلِّمْ جَاهِلَهُمْ وَ احْلُمْ عَنْ سَفِيهِهِمْ فَإِنَّكَ إِنَّمَا تُدْرِكُ الْخَيْرَ بِالْحِلْمِ وَ كَفِّ الْأَذَى وَ الْجَهْلِ.»(3) فَقَالَ زِيَادٌ أَوْصَيْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَافِظاً لِوَصِيَّتِكَ مُؤَدَّباً بِأَدَبِكَ يَرَى الرُّشْدَ فِي نَفَاذِ أَمْرِكَ وَ الْغَيَّ فِي تَضْيِيعِ عَهْدِكَ.

فَأَمَرَهُمَا أَنْ يَأْخُذَا فِي طَرِيقٍ وَاحِدٍ وَ لاَ يَخْتَلِفَا وَ بَعَثَهُمَا فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً عَلَى مُقَدِّمَتِهِ (4)شُرَيْحُ بْنُ هَانِئٍ عَلَى طَائِفَةٍ مِنَ الْجُنْدِ وَ زِيَادٌ عَلَى جَمَاعَةٍ فَأَخَذَ شُرَيْحٌ يَعْتَزِلُ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ عَلَى حِدَةٍ وَ لاَ يَقْرُبُ زِيَادَ بْنَ النَّضْرِ (5)فَكَتَبَ زِيَادٌ إِلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَعَ غُلاَمٍ لَهُ أَوْ مَوْلًى يُقَالُ لَهُ شَوْذَبٌ لِعَبْدِ اللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ زِيَادِ بْنِ النَّضْرِ سَلاَمٌ عَلَيْكَ فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللَّهَ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّكَ وَلَّيْتَنِي أَمْرَ النَّاسِ وَ إِنَّ شُرَيْحاً لاَ يَرَى لِي عَلَيْهِ طَاعَةً وَ لاَ حَقّاً وَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ بِي اسْتِخْفَافٌ بِأَمْرِكَ وَ تَرْكٌ لِعَهْدِكَ (6)وَ السَّلاَمُ.).

ص: 122


1- في الأصل:«يجب»،صوابه في ح.
2- في الأصل:«و ادعا»صوابه في ح.و جاء في نهج البلاغة(4:161)بشرح ابن أبي الحديد:«رادعا».
3- (3) الجهل:نقيض الحلم.و في الأصل:«الجهد»،و الصواب في ح.
4- مقدّمة الجيش،بكسر الدال المشددة،و عن ثعلب فتح داله.
5- في الأصل:«بزياد»تحريف.و في ح:«زيادا»فقط.
6- في الأصل:«استخفاف»و:«تركا»،صوابه في ح(1:285).

وَ كَتَبَ شُرَيْحُ بْنُ هَانِئٍ سَلاَمٌ عَلَيْكَ فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللَّهَ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ زِيَادَ بْنَ النَّضْرِ حِينَ أَشْرَكْتَهُ فِي أَمْرِكَ وَ وَلَّيْتَهُ جُنْداً مِنْ جُنُودِكَ تَنَكَّرَ وَ اسْتَكْبَرَ وَ مَالَ بِهِ الْعُجْبُ وَ الْخُيَلاَءُ وَ الزَّهْوُ إِلَى مَا لاَ يَرْضَاهُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى (1)مِنَ الْقَوْلِ وَ الْفِعْلِ فَإِنْ رَأَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَعْزِلَهُ عَنَّا وَ يَبْعَثَ مَكَانَهُ مَنْ يُحِبُّ فَلْيَفْعَلْ فَإِنَّا لَهُ كَارِهُونَ وَ السَّلاَمُ فَكَتَبَ إِلَيْهِمَا عَلِيٌّ 1« « بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى زِيَادِ بْنِ النَّضْرِ وَ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُمَا فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكُمَا اللَّهَ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قَدْ وَلَّيْتُ مُقَدِّمَتِي زِيَادَ بْنَ النَّضْرِ وَ أَمَّرْتُهُ عَلَيْهَا وَ شُرَيْحٌ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْهَا أَمِيرٌ فَإِنْ أَنْتُمَا جَمَعَكُمَا بَأْسٌ فَزِيَادُ بْنُ النَّضْرِ عَلَى النَّاسِ وَ إِنْ افْتَرَقْتُمَا فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا أَمِيرُ الطَّائِفَةِ (2)الَّتِي وَلَّيْنَاهُ أَمْرَهَا وَ اعْلَمَا أَنَّ مُقَدِّمَةَ الْقَوْمِ عُيُونُهُمْ وَ عُيُونَ الْمُقَدِّمَةِ طَلاَئِعُهُمْ فَإِذَا أَنْتُمَا خَرَجْتُمَا مِنْ بِلاَدِكُمَا فَلاَ تَسْأَمَا مِنْ تَوْجِيهِ الطَّلاَئِعِ وَ مِنْ نَفْضِ الشِّعَابِ وَ الشَّجَرِ وَ الْخَمَرِ فِي كُلِّ جَانِبٍ (3)كَيْ لاَ يَغْتَرَّكُمَا عَدُوٌّ أَوْ يَكُونَ لَكُمْ كَمِينٌ وَ لاَ تُسَيِّرَنَّ الْكَتَائِبَ وَ القَبَائِلَ مِنْ لَدُنِء.

ص: 123


1- ح:«إلى ما لا يرضى اللّه تعالى به».
2- في الأصل:«على أمير الطائفة»و كلمة:«على»مقحمة.
3- النفيضة:الجماعة يبعثون في الأرض متجسسين لينظروا هل فيها عدو أو خوف. و الشعاب:جمع شعبة،و هو ما انشعب من التلعة و الوادى،أي عدل عنه و أخذ في طريق غير طريقه.و الخمر،بالتحريك:ما و اراك من الشجر و الجبال و نحوها.فى الأصل و ح: «نقض الشعاب»بالقاف،صوابه بالفاء.

الصَّبَاحِ إِلَى الْمَسَاءِ إِلاَّ عَلَى تَعْبِئَةٍ (1)فَإِنْ دَهَمَكُمْ دَاهِمٌ أَوْ غَشِيَكُمْ مَكْرُوهٌ كُنْتُمْ قَدْ تَقَدَّمْتُمْ فِي التَّعْبِئَةِ وَ إِذَا نَزَلْتُمْ بِعَدُوٍّ أَوْ نَزَلَ بِكُمْ فَلْيَكُنْ مُعَسْكَرُكُمْ فِي قِبَلِ الْأَشْرَافِ أَوْ سِفَاحِ الْجِبَالِ (2)أَوْ أَثْنَاءِ الْأَنْهَارِ كَيْ مَا يَكُونُ ذَلِكَ لَكُمْ رِدْءاً (3)وَ تَكُونَ (4)مُقَاتَلَتُكُمْ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ أَوِ اثْنَيْنِ وَ اجْعَلُوا رُقَبَاءَكُمْ فِي صَيَاصِي الْجِبَالِ وَ بِأَعَالِي الْأَشْرَافِ وَ مَنَاكِبِ الْهِضَابِ (5)يَرَوْنَ لَكُمْ لِئَلاَّ يَأْتِيَكُمْ عَدُوٌّ مِنْ مَكَانِ مَخَافَةٍ أَوْ أَمْنٍ وَ إِيَّاكُمْ وَ التَّفَرُّقَ فَإِذَا نَزَلْتُمْ فَانْزِلُوا جَمِيعاً وَ إِذَا رَحَلْتُمْ فَارْحَلُوا جَمِيعاً وَ إِذَا غَشِيَكُمُ لَيْلٌ فَنَزَلْتُمْ فَحُفُّوا عَسْكَرَكُمْ بِالرِّمَاحِ وَ الْأَتْرِسَةِ (6)وَ رُمَاتُكُمْ يَلُونَ تِرَسَتَكُمْ وَ رِمَاحَكُمْ وَ مَا أَقَمْتُمْ فَكَذَلِكَ فَافْعَلُوا كَيْ لاَ تُصَابَ لَكُمْ غَفْلَةٌ وَ لاَ تُلْفَى مِنْكُمْ غِرَّةٌ فَمَا قَوْمٌ حَفُّوا عَسْكَرَهُمْ بِرِمَاحِهِمْ وَ تِرَسَتِهِمْ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إِلاَّ كَانُوا كَأَنَّهُمْ فِي حُصُونٍ وَ احْرُسَا عَسْكَرَكُمَا بِأَنْفُسِكُمَا وَ إِيَّاكُمَا أَنْ تَذُوقَا نَوْماً حَتَّى تُصْبِحَا إِلاَّ غِرَاراً أَوْ مَضْمَضَةً (7)ثُمَّ لْيَكُنْ ذَلِكَ شَأْنَكُمَا وَ دَأْبَكُمَا حَتَّى تَنْتَهِيَا إِلَى عَدُوِّكُمَا -».

ص: 124


1- في الأصل:«إلا من لدن»الخ.و كلمة:«إلا»مقحمة.
2- الأشراف:«الأماكن العالية،جمع شرف.و قبلها:ما استقبلك منها.و سفاح الجبال:أسافلها،حيث يسفح منها الماء.و لم أجد هذا الجمع في المعاجم.و المعروف سفوح.
3- قال ابن أبي الحديد في(3:413):«المعنى أنّه أمرهم أن ينزلوا مسندين ظهورهم إلى مكان عال كالهضاب العظيمة أو الجبال أو منعطف الأنهار التي تجرى مجرى الخنادق على العسكر،ليأمنوا بذلك من البيات،و ليأمنوا من إتيان العدو لهم من خلفهم».
4- في نهج البلاغة:«و لتكن».
5- المنكب من الأرض:الموضع المرتفع.فى الأصل:«و مناكب الأنهار»،صوابه من نهج البلاغة بشرح ابن الحديد(3:412).
6- الترس من السلاح تلك التي يتوقى بها،و تجمع على أتراس و تراس و ترسة و تروس. و في اللسان:«قال يعقوب:و لا تقل أترسة».و في ح(1:285): «و الترسة».
7- في اللسان:«لما جعل للنوم ذوقا أمرهم أن لا ينالوا منه إلاّ بألسنتهم و لا يسيغوه. فشبهه بالمضمضة بالماء و إلقائه من الفم من غير ابتلاع».

وَ لْيَكُنْ عِنْدِي كُلَّ يَوْمٍ خَبَرُكُمَا وَ رَسُولٌ مِنْ قِبَلِكُمَا فَإِنِّي وَ لاَ شَيْءَ إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ حَثِيثَ السَّيْرِ فِي آثَارِكُمَا عَلَيْكُمَا فِي حَرْبِكُمَا بِالتُّؤَدَةِ وَ إِيَّاكُمْ وَ الْعَجَلَةَ إِلاَّ أَنْ تُمْكِنَكُمْ فُرْصَةٌ بَعْدَ الْإِعْذَارِ وَ الْحُجَّةِ وَ إِيَّاكُمَا أَنْ تُقَاتِلاَ حَتَّى أَقْدَمَ عَلَيْكُمَا إِلاَّ أَنْ تُبْدَءَا أَوْ يَأْتِيَكُمَا أَمْرِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَ السَّلاَمُ» .

كتاب علي إلى أمراء الأجناد

1- وَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَيْضاً بِإِسْنَادِهِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ عَلِيّاً كَتَبَ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ 1« « بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكُمْ وَ إِلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ مَعَرَّةِ الْجَيْشِ (1)إِلاَّ مِنْ جَوْعَةٍ إِلَى شِبَعَةٍ وَ مِنْ فَقْرٍ إِلَى غِنًى أَوْ عَمًى إِلَى هُدًى فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَاعْزِلُوا النَّاسَ عَنِ الظُّلْمِ وَ الْعُدْوَانِ وَ خُذُوا عَلَى أَيْدِي سُفَهَائِكُمْ وَ احْتَرِسُوا أَنْ تَعْمَلُوا أَعْمَالاً لاَ يَرْضَى اللَّهُ بِهَا عَنَّا فَيَرُدَّ عَلَيْنَا وَ عَلَيْكُمْ دُعَاءَنَا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ:« قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً »فَإِنَّ اللَّهَ إِذَا مَقَتَ قَوْماً مِنَ السَّمَاءِ هَلَكُوا فِي الْأَرْضِ فَلاَ تَأْلُوا أَنْفُسَكُمْ (2)خَيْراً وَ لاَ الْجُنْدُ حُسْنَ سِيرَةٍ وَ لاَ الرَّعِيَّةُ مَعُونَةً وَ لاَ دِينَ اللَّهِ قُوَّةً وَ أَبْلُوا فِي سَبِيلِهِ (3)مَا اسْتَوْجَبَ عَلَيْكُمْ فَإِنَّ اللَّهَ قَدِ اصْطَنَعَ عِنْدَنَا وَ عِنْدَكُمْ مَا يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَشْكُرَهُ بِجُهْدِنَا وَ أَنْ نَنْصُرَهُ مَا بَلَغَتْ قُوَّتُنَا وَ« لا قُوَّةَ إِلاّ بِاللّهِ » وَ كَتَبَ أَبُو ثَرْوَانَ .» .

ص: 125


1- معرة الجيش:أن ينزلوا بقوم فيأكلوا من زروعهم شيئا بغير علم.
2- يقال فلان لا يألو خيرا:أى لا يدعه و لا يزال يفعله.و في الأصل:«لا تدخروا أنفسكم»،صوابه في ح.
3- في الأصل:«و أبلوه»،صوابه في ح.

[كتاب علي إلى الجنود]

1- قَالَ وَ فِي كِتَابِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ أَيْضاً: وَ كَتَبَ إِلَى جُنُودِهِ يُخْبِرُهُمْ بِالَّذِي لَهُمْ وَ الَّذِي عَلَيْهِمْ 1«مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَكُمْ فِي الْحَقِّ جَمِيعاً سَوَاءً أَسْوَدُكُمْ وَ أَحْمَرُكُمْ (1)وَ جَعَلَكُمْ مِنَ الْوَالِي وَ جَعَلَ الْوَالِيَ مِنْكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ مِنَ الْوَلَدِ وَ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ مِنَ الْوَالِدِ الَّذِي لاَ يَكْفِيهِمْ مَنْعُهُ إِيَّاهُمْ طَلَبَ عَدُوِّهِ وَ التُّهَمَةَ بِهِ مَا سَمِعْتُمْ وَ أَطَعْتُمْ وَ قَضَيْتُمُ الَّذِي عَلَيْكُمْ (2)وَ إِنَّ حَقِّكُمْ عَلَيْهِ إِنْصَافُكُم وَ التَّعْدِيلُ بَيْنَكُمْ وَ الْكَفُّ عَنْ فَيْئِكُمْ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ مَعَكُمْ وَجَبَتْ عَلَيْكُمْ طَاعَتُهُ بِمَا وَافَقَ الْحَقَّ وَ نُصْرَتُهُ عَلَى سِيرَتِهِ وَ الدَّفْعُ عَنْ سُلْطَانِ اللَّهِ فَإِنَّكُمْ وَزَعَةُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ قَالَ عُمَرُ الْوَزَعَةُ الَّذِينَ يَدْفَعُونَ عَنِ الظُّلْمِ فَكُونُوا لَهُ أَعْوَاناً وَ لِدِينِهِ أَنْصَاراً:« وَ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها »:« إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ » .

تحقيق في قبر يهودا

قال و مرت جنازة على علي و هو بالنخيلة

نَصْرٌ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ طَرِيفٍ عَنِ اَلْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ : 1«مَا يَقُولُ النَّاسُ فِي هَذَا الْقَبْرِ؟ وَ فِي اَلنُّخَيْلَةِ قَبْرٌ عَظِيمٌ يَدْفِنُ اَلْيَهُودُ مَوْتَاهُمْ حَوْلَهُ»فَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ : 2«يَقُولُونَ هَذَا قَبْرُ هُودٍ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لَمَّا أَنْ عَصَاهُ قَوْمُهُ جَاءَ فَمَاتَ هَاهُنَا» قَالَ: 1«كَذَبُوا لَأَنَا أَعْلَمُ بِهِ مِنْهُمْ هَذَا قَبْرُ يَهُودَا (3)بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بِكْرِ يَعْقُوبَ » (4)ثُمَّ قَالَ:

ص: 126


1- انظر ما مضى ص 113.
2- الكلام بعد«الولد»إلى هنا ليس في ح.
3- في الأصل:«يهود»و في ح(1:286):«يهوذا»صوابهما ما أثبت كما في القاموس مادة(هود).و في شفاء الغليل للخفاجى:«يهودا معرب يهوذا بذال معجمة. ابن يعقوب عليه السلام».
4- الحق أن بكر يعقوب هو«رأوبين»و أمه ليئة.انظر التكوين(35:23- 27).

«هَاهُنَا أَحَدٌ مِنْ مَهَرَةَ »(1) قَالَ:فَأُتِيَ بِشَيْخٍ كَبِيرٍ فَقَالَ: «أَيْنَ مَنْزِلُكَ؟» قَالَ:

عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ قَالَ: «أَيْنَ مِنَ اَلْجَبَلِ الْأَحْمَرِ ؟» (2)قَالَ:أَنَا قَرِيبٌ مِنْهُ قَالَ: «فَمَا يَقُولُ قَوْمُكَ فِيهِ؟» قَالَ:يَقُولُونَ قَبْرُ سَاحِرٍ قَالَ: «كَذَبُوا ذَاكَ قَبْرُ هُودٍ وَ هَذَا قَبْرُ يَهُودَا (3)بْنِ يَعْقُوبَ بِكْرِهِ» ثُمَّ قَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: «يُحْشَرُ مِنْ ظَهْرِ اَلْكُوفَةِ سَبْعُونَ أَلْفاً عَلَى غُرَّةِ الشَّمْسِ (4):« يَدْخُلُونَ اَلْجَنَّةَ »...« بِغَيْرِ حِسابٍ » .

خطبة معاوية في أهل الشام و توليته العمال

قَالَ نَصْرٌ وَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: بَعَثَ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيَّ مِنَ اَلْكُوفَةِ إِلَى مِصْرَ أَمِيراً عَلَيْهَا.

فَلَمَّا بَلَغَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ مَكَانُ عَلِيٍّ بِالنُّخَيْلَةِ وَ مُعَسْكَرُهُ بِهَا وَ مُعَاوِيَةُ بِدِمَشْقَ قَدْ أَلْبَسَ مِنْبَرَ دِمَشْقَ قَمِيصَ عُثْمَانَ وَ هُوَ مُخَضَّبٌ بِالدَّمِ وَ حَوْلَ الْمِنْبَرِ سَبْعُونَ أَلْفَ شَيْخٍ يَبْكُونَ حَوْلَهُ لاَ تَجِفُّ دُمُوعُهُمْ عَلَى عُثْمَانَ خَطَبَ مُعَاوِيَةُ أَهْلَ اَلشَّامِ فَقَالَ يَا أَهْلَ اَلشَّامِ قَدْ كُنْتُمْ تُكَذِّبُونِّي فِي عَلِيٍّ وَ قَدِ اسْتَبَانَ لَكُمْ أَمْرُهُ وَ اللَّهِ مَا قَتَلَ خَلِيفَتَكُمْ غَيْرُهُ وَ هُوَ أَمَرَ بِقَتْلِهِ وَ أَلَّبَ النَّاسَ عَلَيْهِ وَ آوَى قَتَلَتَهُ وَ هُمْ جُنْدُهُ وَ أَنْصَارُهُ وَ أَعْوَانُهُ وَ قَدْ خَرَجَ بِهِمْ قَاصِداً بِلاَدَكُمْ وَ دِيَارَكُمْ لِإِبَادَتِكُمْ يَا أَهْلَ اَلشَّامِ اللَّهَ اللَّهَ فِي عُثْمَانَ فَأَنَا وَلِيُّ عُثْمَانَ وَ أَحَقُّ مَنْ طَلَبَ بِدَمِهِ وَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِوَلِيِّ الْمَظْلُومِ سُلْطَاناً (5)فَانْصُرُوا خَلِيفَتَكُمُ الْمَظْلُومَ فَقَدْ صَنَعَ

ص: 127


1- مهرة،بالفتح،ابن حيدان بن عمران بن الحاف بن قضاعة.و هم حى من اليمن.
2- ح:«أين أنت من الجبل»فقط.
3- في الأصل:«يهود»و انظر التنبيه رقم 3 من الصفحة السابقة.
4- أي مطلعها.و غرة كل شيء:أوله.و في الأصل:«الشمس و القمر»،و أثبت ما في ح.
5- ح:«لولى المقتول ظلما سلطانا».

بِهِ الْقَوْمُ مَا تَعْلَمُونَ قَتَلُوهُ ظُلْماً وَ بَغْياً وَ قَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِقِتَالِ الْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ:« حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللّهِ »ثُمَّ نَزَلَ.

فَأَعْطَوْهُ الطَّاعَةَ وَ انْقَادُوا لَهُ وَ جَمَعَ إِلَيْهِ أَطْرَافَهُ وَ اسْتَعْمَلَ عَلَى فِلَسْطِينَ ثَلاَثَةَ رَهْطٍ فَجَعَلَهُمْ بِإِزَاءِ أَهْلِ مِصْرَ لِيُغِيرُوا عَلَيْهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ كَتَبَ إِلَى مُعْتَزِلَةِ أَهْلِ مِصْرَ وَ هُمْ يَوْمَئِذٍ يُكَاتِبُونَ مُعَاوِيَةَ وَ لاَ يُطِيقُونَ مُكَاثَرَةَ أَهْلِ مِصْرَ إِنْ تَحَرَّكَ قَيْسٌ عَامِلُ عَلِيٍّ عَلَى مِصْرَ أَنْ يَثْبُتُوا لَهُ وَ فِيهَا مُعَاوِيَةُ بْنُ خَدِيجٍ وَ حُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ وَ أُمَرَاءُ فِلَسْطِينَ الَّذِينَ أَمَّرَهُمْ مُعَاوِيَةُ عَلَيْهَا - حُبَابُ بْنُ أَسْمَرَ وَ سَمِيرُ بْنُ كَعْبِ بْنِ أَبِي الْحِمْيَرِيِّ وَ هَيْلَةُ بْنُ سَحْمَةَ وَ اسْتَعْمَلَ عَلَى أَهْلِ حِمْصٍ مِحْوَلَ بْنَ عَمْرِو بْنِ دَاعِيَةَ وَ اسْتَخْلَفَ عَلَى أَهْلِ دِمَشْقَ عَمَّارَ بْنَ السِّعْرِ وَ اسْتَعْمَلَ عَلَى أَهْلِ قِنَّسْرِينَ صَيْفِيَّ بْنَ عُلَيَّةَ بْنِ شَامِلٍ (1) .

آخر الجزء الثاني من الأصل و يتلوه في الجزء الثالث خروج علي رضي الله عنه إلى النخيلة و صلى الله على سيدنا محمد النبي و آله و سلمف.

ص: 128


1- ترجم له ابن عساكر في تاريخه(18:64)النسخة التيمورية،و قيده بالضبط الذي أثبت.و في الأصل:«صيفى بن عيلة بن سائل»،تحريف.

الجزء الثالث

اشارة

رواية أبي محمد سليمان بن الربيع بن هشام النهدي الخزاز رواية أبي الحسن علي بن محمد بن محمد بن عقبة بن الوليد رواية أبي الحسن محمد بن ثابت رواية أبي يعلى أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر الحريري رواية أبي الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي رواية أبي البركات عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن الأنماطي سماع مظفر بن علي بن محمد بن زيد بن ثابت المعروف بابن المنجم غفر الله له(9-صفين)

ص: 129

ص: 130

« بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » -

خروج علي من النخيلة و خطبته عند الرحيل

أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الثِّقَةُ شَيْخُ الْإِسْلاَمِ أَبُو الْبَرَكَاتِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارَكِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْأَنْمَاطِيُّ قَالَ:أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ أَحْمَدَ الصَّيْرَفِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ مِنْ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَ ثَمَانِينَ وَ أَرْبَعِمِائَةٍ قَالَ أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ :قَالَ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ الصَّيْرَفِيُّ :قَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ سُلَيْمَانُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ هِشَامِ النَّهْدِيُّ الْخَزَّازُ قَالَ أَبُو الْفَضْلِ نَصْرُ بْنُ مُزَاحِمٍ عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ وَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ وَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ عُمَرُ حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ عَنِ اَلْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ الْوَالِبِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ أَبِي الْكَنُودِ قَالَ: لَمَّا أَرَادَ عَلِيٌّ الشُّخُوصَ مِنَ اَلنُّخَيْلَةِ قَامَ فِي النَّاسِ لِخَمْسٍ مَضَيْنَ مِنْ شَوَّالٍ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ فَقَالَ:

1«اَلْحَمْدُ لِلَّهِ غَيْرِ مَفْقُودِ النِّعَمِ (1)وَ لاَ مُكَافَإِ الْإِفْضَالِ وَ أَشْهَدُ أَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَ نَحْنُ« عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشّاهِدِينَ »وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ أَمَّا بَعْدُ ذَلِكُمْ فَإِنِّي قَدْ بَعَثْتُ مُقَدِّمَاتِي وَ أَمَرْتُهُمْ بِلُزُومِ هَذَا

ص: 131


1- في الأصل:«غير معقود النعم»صوابه في نهج البلاغة(1:287)بشرح ابن أبى الحديد.

الْمِلْطَاطِ (1)حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرِي فَقَدْ أَرَدْتَ أَقْطَعُ هَذِهِ النُّطْفَةَ (2)إِلَى شِرْذِمَةٍ مِنْكُمْ مُوَطِّنِينَ بِأَكْنَافِ دِجْلَةَ (3)فَأُنْهِضَهُمْ مَعَكُمْ إِلَى أَعْدَاءِ اللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَ قَدْ أَمَّرْتُ عَلَى اَلْمِصْرِ عُقْبَةَ بْنَ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيَّ وَ لَمْ آلُكُمْ (4)وَ لاَ نَفْسِي فَإِيَّاكُمْ وَ التَّخَلُّفَ وَ التَّرَبُّصَ فَإِنِّي قَدْ خَلَّفْتُ مَالِكَ بْنَ حَبِيبٍ الْيَرْبُوعِيَّ وَ أَمَرْتُهُ أَلاَّ يَتْرُكُ مُتَخَلِّفاً إِلاَّ أَلْحَقَهُ بِكُمْ عَاجِلاً إِنْ شَاءَ اللَّهُ» فَقَامَ إِلَيْهِ مَعْقِلُ بْنُ قَيْسٍ الرِّيَاحِيُّ فَقَالَ:يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَ اللَّهِ لاَ يَتَخَلَّفُ عَنْكَ إِلاَّ ظَنِينٌ وَ لاَ يَتَرَبَّصُ بِكَ إِلاَّ مُنَافِقٌ فَأَمَرَ مَالِكُ بْنُ حَبِيبٍ أَنْ يُضْرَبَ أَعْنَاقُ الْمُتَخَلِّفِينَ قَالَ عَلِيٌّ : 1«قَدْ أَمَرْتُهُ بِأَمْرِي وَ لَيْسَ مُقَصِّراً فِي أَمْرِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ» وَ أَرَادَ قَوْمٌ أَنْ يَتَكَلَّمُوا فَدَعَا بِدَابَّتِهِ فَجَاءَتْهُ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَبَ وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ وَ قَالَ: 1«بِسْمِ اللَّهِ» فَلَمَّا جَلَسَ (5)عَلَى ظَهْرِهَا قَالَ: 1« سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَ ما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَ إِنّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ » ثُمَّ قَالَ: 1 «اَللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَ كَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ وَ الْحَيْرَةِ بَعْدَ الْيَقِينِ وَ سُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَ الْمَالِ وَ الْوَلَدِ اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَ الْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ وَ لاَ يَجْمَعُهَا غَيْرُكَ لِأَنَّ الْمُسْتَخْلِفَف.

ص: 132


1- قال الرضى في تعليقه على نهج البلاغة:«أقول:يعنى عليه السلام بالملطاط هاهنا: السمت الذي أمرهم بلزومه،و هو شاطئ الفرات.و يقال ذلك أيضا لشاطئ البحر.و أصله ما استوى من الأرض».
2- قال الرضى:«يعنى بالنطفة ماء الفرات.و هو من غريب العبارات و عجيبها».
3- يقال وطن بالمكان و أوطن،و الأخيرة أعلى.
4- يقال ما يألو الشيء:أى ما يتركه.فى الأصل:«و لم آلوكم»،صوابه في ح (1:287).
5- في الأصل:«ملس»تحريف.

لاَ يَكُونُ مُسْتَصْحَباً وَ الْمُسْتَصْحَبُ لاَ يَكُونُ مُسْتَخْلَفاً»(1) ثُمَّ خَرَجَ وَ خَرَجَ أَمَامَهُ اَلْحُرُّ بْنُ سَهْمِ بْنِ طَرِيفٍ الرَّبَعِيُّ - رَبِيعَةُ تَمِيمٍ وَ هُوَ يَقُولُ و لا يجمعهما غيرك،إلى آخر الفصل».و وعثاء السفر:مشقته.و المنقلب:الرجوع.

يَا فَرَسِي سِيرِي وَ أُمِّي اَلشَّاَمَا وَ قَطِّعِي الْحُزُونَ وَ الْأَعْلاَماَ (2)

وَ نَابِذِي مَنْ خَالَفَ الْإِمَامَا إِنِّي لَأَرْجُو إِنْ لَقِينَا الْعَامَا

جَمْعَ بَنِي أُمَيَّةَ الطَّغَامَا أَنْ نَقْتُلَ الْعَاصِيَ وَ الْهُمَامَا

وَ أَنْ نُزِيلَ مِنْ رِجَالٍ هَاماَ.

قَالَ:وَ قَالَ مَالِكُ بْنُ حَبِيبٍ :وَ هُوَ عَلَى شُرْطَةِ عَلِيٍّ وَ هُوَ آخِذٌ بِعِنَانِ دَابَّتِهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَ تَخْرُجُ بِالْمُسْلِمِينَ فَيُصِيبُوا أَجْرَ الْجِهَادِ وَ الْقِتَالِ وَ تُخَلِّفُنِي فِي حَشْرِ الرِّجَالِ؟ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ : 1«إِنَّهُمْ لَنْ يُصِيبُوا مِنَ الْأَجْرِ شَيْئاً إِلاَّ كُنْتَ شَرِيكَهُمْ فِيهِ وَ أَنْتَ هَاهُنَا أَعْظَمُ غَنَاءً مِنْكَ عَنْهُمْ (3)لَوْ كُنْتَ مَعَهُمْ» فَقَالَ:سَمْعًا وَ طَاعَةً يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَخَرَجَ عَلِيٌّ حَتَّى إِذَا جَازَ حَدَّ اَلْكُوفَةِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ .

صلاة علي عند الخروج

نَصْرٌ إِسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ : أَنَّ عَلِيّاً صَلَّى بَيْنَ اَلْقَنْطَرَةِ وَ اَلْجِسْرِ رَكْعَتَيْنِ .

ص: 133


1- قال الرضى في نهج البلاغة:«و ابتداء هذا الكلام مرويّ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.و قد قفاه أمير المؤمنين عليه السلام بأبلغ كلام،و تممه بأحسن تمام،من قوله:
2- انظر الأغانى(11:130).
3- ح(1:277):«عنهم منك».

نَصْرٌ عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ عَنْ أَبِي الْحُسَيْنِ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ آبَائِهِ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: خَرَجَ عَلِيٌّ وَ هُوَ يُرِيدُ صِفِّينَ حَتَّى إِذَا قَطَعَ النَّهَرَ أَمَرَ مُنَادِيَهُ فَنَادَى بِالصَّلاَةِ قَالَ:فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى إِذَا قَضَى الصَّلاَةَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ:

1«يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلاَ مَنْ كَانَ مُشَيِّعاً أَوْ مُقِيماً فَلْيُتِمَّ الصَّلاَةَ فَإِنَّا قَوْمٌ عَلَى سَفَرٍ (1)وَ مَنْ صَحِبَنَا فَلاَ يَصُمِ الْمَفْرُوضَ (2)وَ الصَّلاَةُ [الْمَفْرُوضَةُ] رَكْعَتَانِ» .

الحوادث الواقعة في طريقه إلى صفين

الخلاف في رياسة كندة و ربيعة

قَالَ:

ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى دَيْرَ أَبِي مُوسَى وَ هُوَ مِنَ اَلْكُوفَةِ عَلَى فَرْسَخَيْنِ (3)فَصَلَّى بِهَا الْعَصْرَ (4)فَلَمَّا انْصَرَفَ مِنَ الصَّلاَةِ قَالَ: 1 «سُبْحَانَ ذِي الطَّوْلِ وَ النِّعَمِ سُبْحَانَ ذِي الْقُدْرَةِ وَ الْإِفْضَالِ أَسْأَلُ اللَّهَ الرِّضَا بِقَضَائِهِ وَ الْعَمَلَ بِطَاعَتِهِ وَ الْإِنَابَةَ إِلَى أَمْرِهِ فَإِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاءِ» ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى نَزَلَ عَلَى شَاطِئِ نَرْسٍ (5)بَيْنَ مَوْضِعِ حَمَّامِ أَبِي بُرْدَةَ وَ حَمَّامِ عُمَرَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ الْمَغْرِبَ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ:

1 «اَلْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي« يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَ يُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ »وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ كُلَّمَا وَقَبَ لَيْلٌ وَ غَسَقَ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ كُلَّمَا لاَحَ نَجْمٌ وَ خَفَقَ» .

ص: 134


1- ح:«قوم سفر».و سفر،بالفتح:أى مسافرون.
2- ح(1:277):«فلا يصومن المفروض».
3- لم يذكره ياقوت.
4- ح:«به العصر»التذكير للدير،و التأنيث للبقعة.
5- نرس،بفتح النون في أوله:نهر حفره نرسى بن بهرام بنواحي الكوفة،مأخذه من الفرات.و في الأصل:«البرس»بالباء.صوابه ما أثبت من ح و معجم البلدان.

ثُمَّ أَقَامَ حَتَّى صَلَّى الْغَدَاةَ ثُمَّ شَخَصَ حَتَّى بَلَغَ قُبَّةَ قُبَّيْنَ (1)وَ فِيهَا نَخْلٌ طِوَالٌ إِلَى جَانِبِ الْبِيعَةِ مِنْ وَرَاءِ النَّهَرِ فَلَمَّا رَآهَا قَالَ: 1« وَ النَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ » ثُمَّ أَقْحَمَ دَابَّتَهُ النَّهَرَ فَعَبَرَ إِلَى تِلْكَ الْبِيعَةِ فَنَزَلَهَا فَمَكَثَ بِهَا قَدْرَ الْغَدَاةِ.

.

نَصْرٌ عُمَرُ عَنْ رَجُلٍ يَعْنِي أَبَا مِخْنَفٍ (2)عَنْ عَمِّهِ اِبْنِ مِخْنَفٍ (3)قَالَ: إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى أَبِي مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ (4)وَ هُوَ يُسَايِرُ عَلِيّاً بِبَابِلَ وَ هُوَ يَقُولُ إِنَّ بِبَابِلَ أَرْضاً قَدْ خُسِفَ بِهَا فَحَرِّكْ دَابَّتَكَ لَعَلَّنَا أَنْ نُصَلِّيَ الْعَصْرَ خَارِجاً مِنْهَا قَالَ فَحَرَّكَ دَابَّتَهُ وَ حَرَّكَ النَّاسُ دَوَابَّهُمْ فِي أَثَرِهِ فَلَمَّا جَازَ جِسْرَ الصَّرَاةِ (5)نَزَلَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ الْعَصْرَ.

.

1- نَصْرٌ عُمَرُ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَبِيهِ».

ص: 135


1- قبين،بضم القاف و تشديد الباء المكسورة بعده.و في ح:«يبين»محرف.
2- أبو مخنف،هو لوط بن يحيي بن سعيد بن مخنف بن سليم الأزديّ الغامدى؛شيخ من أصحاب الأخبار بالكوفة.روى عن الصعق بن زهير،و جابر الجعفى،و مجالد،و روى عنه المدائنى،و عبد الرحمن بن مغراء.و مات قبل السبعين و مائة.منتهى المقال 248 و لسان الميزان(4:292)و ابن النديم 93 ليبسك.
3- لمخنف أولاد،أحدهم أبو رملة عامر بن مخنف بن سليم الأزديّ.ذكره صاحب منتهى المقال في 299 و قال إنّه روى عن أبيه مخنف.و الآخر حبيب بن مخنف ذكره الحافظ أبو عمرو.و ثالث ذكره صاحب لسان الميزان(5:375)و هو محمّد بن مخنف.
4- مخنف،بكسر الميم.و سليم،بضم السين،كما في الاشتقاق 289 و منتهى المقال 299.و هو صحابى ترجم له في الإصابة 7842.
5- الصراة،بالفتح:نهر يأخذ من نهر عيسى من بلدة يقال لها المحول،بينها و بين بغداد فرسخ.و هو من أنهار الفرات.و في الأصل:«الصراط»تحريف.و في ح: «الفرات».

عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ (1)قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَلِيٍّ أَسِيرُ فِي أَرْضِ بَابِلَ قَالَ وَ حَضَرَتِ الصَّلاَةُ صَلاَةُ الْعَصْرِ قَالَ فَجَعَلْنَا لاَ نَأْتِي مَكَاناً إِلاَّ رَأَيْنَاهُ أَفْيَحَ (2)مِنَ الْآخَرِ قَالَ:حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى مَكَانٍ أَحْسَنَ مَا رَأَيْنَا وَ قَدْ كَادَتِ الشَّمْسُ أَنْ تَغِيبَ قَالَ:فَنَزَلَ عَلِيٌّ وَ نَزَلْتُ مَعَهُ قَالَ:فَدَعَا اللَّهَ فَرَجَعَتِ الشَّمْسُ كَمِقْدَارِهَا مِنْ صَلاَةِ الْعَصْرِ قَالَ:فَصَلَّيْنَا الْعَصْرَ ثُمَّ غَابَتِ الشَّمْسُ ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى دَيْرَ كَعْبٍ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا (3)فَبَاتَ بِسَابَاطَ فَأَتَاهُ دَهَاقِينُهَا يَعْرِضُونَ عَلَيْهِ النُزُلَ (4)وَ الطَّعَامَ فَقَالَ: 1«لاَ لَيْسَ ذَلِكَ لَنَا عَلَيْكُمْ» فَلَمَّا أَصْبَحَ وَ هُوَ بِمُظْلِمِ (5)سَابَاطَ قَالَ: 1« أَ تَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ » . قَالَ وَ بَلَغَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ مَسِيرُهُ فَقَالَ

لاَ تَحْسَبَنِّي يَا عَلِيُّ غَافِلاً لَأُورُدِنَ اَلْكُوفَةَ الْقَنَابِلاَ

(6)

بِجَمْعِيَ الْعَامَ وَ جَمْعِي قَابِلاً

فَقَالَ عَلِيٌّ :

1

«لَأُورِدَنَّ اَلْعَاصِيَ بْنَ الْعَاصِي سَبْعِينَ أَلْفاً عَاقِدِي النَّوَاصِيل.

ص: 136


1- هو عبد خير بن بزيد الهمدانيّ،أبى عمارة الكوفيّ.أدرك الجاهلية و أدرك زمن النبيّ و لم يسمع منه.الإصابة 6360 و تهذيب التهذيب.
2- أفيح من الفيح و هو الخصب و السعة.و في الأصل و ح:«أقبح».
3- ح(1:277):«ثم خرج منه».
4- النزل،بضم و بضمتين:ما يهيأ للضيف.و في الأصل:«النزول»،و أثبت ما في ح.
5- قال ياقوت:مضاف إلى ساباط التي قرب المدائن.
6- القنابل:جمع قنبلة،بالفتح،و هي جماعة الخيل.

مُسْتَحْقِبِينَ حَلَقَ الدِّلاَصِ قَدْ جَنَّبُوا الْخَيْلَ مَعَ الْقِلاَصِ (1)

أَسْوَدَ غِيلٍ حِينَ لاَ مَنَاصَ» (2)

قَالَ وَ كَتَبَ عَلِيٌّ إِلَى مُعَاوِيَةَ :

1

«أَصْبَحْتَ مِنِّي يَا اِبْنَ حَرْبٍ جَاهِلاً إِنْ لَمْ نُرَامِ مِنْكُمُ الْكَوَاهِلاَ

بِالْحَقِّ وَ الْحَقُّ يُزِيلُ الْبَاطِلاَ هَذَا لَكَ الْعَامَ وَ عَامَ قَابِلاً»

.

قَالَ وَ بَلَغَ أَهْلَ اَلْعِرَاقِ مَسِيرُ مُعَاوِيَةَ إِلَى صِفِّينَ وَ نَشِطُوا وَ جَدُّوا غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ اَلْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ شَيْءٌ عِنْدَ عَزْلِ عَلِيٍّ إِيَّاهُ عَنِ الرِّئَاسَةِ وَ ذَلِكَ أَنَّ رِئَاسَةَ كِنْدَةَ وَ رَبِيعَةَ كَانَتْ لِلْأَشْعَثِ فَدَعَا عَلِيٌّ حَسَّانَ بْنَ مَخْدُوجٍ فَجَعَلَ لَهُ تِلْكَ الرِّئَاسَةَ فَتَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ اَلْيَمَنِ مِنْهُمُ اَلْأَشْتَرُ وَ عَدِيٌّ الطَّائِيُّ وَ زَحْرُ بْنُ قَيْسٍ (3)وَ هَانِئُ بْنُ عُرْوَةَ فَقَامُوا إِلَى عَلِيٍّ فَقَالُوا:يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ رِئَاسَة اَلْأَشْعَثِ لاَ تَصْلُحُ إِلاَّ لِمِثْلِهِ وَ مَا حَسَّانُ بْنُ مَخْدُوجٍ مِثْلَ اَلْأَشْعَثِ .

فَغَضِبَ رَبِيعَةُ فَقَالَ حُرَيْثُ بْنُ جَابِرٍ :يَا هَؤُلاَءِ رَجُلٌ بِرَجُلٍ وَ لَيْسَ بِصَاحِبِنَا عَجْزٌ فِي شَرَفِهِ وَ مَوْضِعِهِ وَ نَجْدَتِهِ وَ بَأْسِهِ وَ لَسْنَا نَدْفَعُ فَضْلَ صَاحِبِكُمْ وَ شَرَفَهُ فَقَالَ اَلنَّجَاشِيُّ فِي ذَلِكَ:

رَضِينَا بِمَا يَرْضَى عَلِيٌّ لَنَا بِهِ وَ إِنْ كَانَ فِيمَا يَأْتِ جَدْعُ الْمَنَاخِرِ

وَصِيُّ رَسُولِ اللَّهِ مِنْ دُونَ أَهْلِهِ وَ وَارِثُهُ بَعْدَ الْعُمُومِ الْأَكَابِرِ (4)ة.

ص: 137


1- كانت العرب إذا أرادت حربا فساروا إليها ركبوا الإبل و قرنوا إليها الخيل لإراحة الخيل و صيانتها.انظر المفضليات الخمس 39.
2- انظر لأقوال النحاة في مثل هذه العبارة خزانة البغداديّ(2:90 بولاق).
3- في الأصل:«زجر»بالجيم،صوابه بالحاء كما سبق في ص 15.
4- جمع العم أعمام و عموم و عمومة.

رِضًى بِابْنِ مَخْدُوجٍ فَقُلْنَا الرِّضَا بِهِ رِضَاكَ وَ حَسَّانُ الرِّضَا لِلْعَشَائِرِ

وَ لِلْأَشْعَثِ الْكِنْدِيِّ فِي النَّاسِ فَضْلُهُ تَوَارَثَهُ مِنْ كَابِرٍ بَعْدَ كَابِرٍ

مُتَوَّجُ آبَاءٍ كِرَامٍ أَعِزَّةٍ إِذِ الْمُلْكُ فِي أَوْلاَدِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ

فَلَوْلاَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ حَقُّهُ عَلَيْنَا لَأَشْجَيْنَا حُرَيْثٍ بْنَ جَابِرٍ

فَلاَ تَطْلُبَنَّا يَا حُرَيْثُ فَإِنَّنَا لِقَوْمِكَ رِدْءٌ فِي الْأُمُورِ الْغَوَامِرِ

وَ مَا بِابْنِ مَخْدُوجِ بْنِ ذُهْلٍ نَقِيصَةٌ وَ لاَ قَوْمُنَا فِي وَائِلٍ بِعَوَائِرِ (1)

وَ لَيْسَ لَنَا إِلاَّ الرِّضَا بِابْنِ حُرَّةٍ أَشَمَّ طَوِيلَ السَّاعِدَيْنِ مُهَاجِرِ

عَلَى أَنَّ فِي تِلْكَ النُّفُوسِ حَزَازَةً وَ صَدْعاً يُؤَتِّيهِ أَكُفُّ الْجَوَابِرِ (2).

قَالَ وَ غَضِبَ رِجَالُ الْيَمَنِيَّةِ فَأَتَاهُمْ سَعِيدُ بْنُ قَيْسٍ الْهَمْدَانِيُّ فَقَالَ مَا رَأَيْتُ قَوْماً أَبْعَدَ رَأْياً مِنْكُمْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ عَصَيْتُمْ عَلَى عَلِيٍّ هَلْ لَكُمْ إِلَى عَدُوِّهِ وَسِيلَةٌ؟ وَ هَلْ فِي مُعَاوِيَةَ عِوَضٌ مِنْهُ أَوْ هَلْ لَكُمْ بِالشَّامِ مِنْ بَدَلِهِ (3)بِالْعِرَاقِ أَ وَ تَجِدُ رَبِيعَةَ نَاصِراً مِنْ مُضَرَ ؟ الْقَوْلُ مَا قَالَ وَ الرَّأْيُ مَا صَنَعَ.

قَالَ:فَتَكَلَّمَ حُرَيْثُ بْنُ جَابِرٍ فَقَالَ:يَا هَؤُلاَءِ لاَ تَجْزَعُوا فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ اَلْأَشْعَثُ مَلِكاً فِي اَلْجَاهِلِيَّةِ وَ سَيِّداً فِي اَلْإِسْلاَمِ فَإِنَّ صَاحِبَنَا أَهْلُ هَذِهِ الرِّئَاسَةِ وَ مَا هُوَ أَفْضَلَ مِنْهَا فَقَالَ حَسَّانُ لِلْأَشْعَثِ لَكَ رَايَةُ كِنْدَةَ وَ لِي رَايَةُ».

ص: 138


1- العوائر:جمع عائر،و هو الذي لا يدرى من أين أتى،و أصل ذلك في السهام.
2- يؤتيه:يهيئه و يصلحه.و في اللسان:«أتيت الماء:أصلحت مجراه».و فيه: «و أتاه اللّه:هيأه».و في الأصل:«يأبيه»مع ضبطها بضم الياء و فتح الهمزة.و الوجه ما أثبت.
3- في الأصل:«أو هل لك بالشام من بدلة بالعراق».

رَبِيعَةَ فَقَالَ:مَعَاذَ اللَّهِ لاَ يَكُونُ هَذَا أَبَداً مَا كَانَ لَكَ (1)فَهُوَ لِي وَ مَا كَانَ لِي فَهُوَ لَكَ.

وَ بَلَغَ مُعَاوِيَةَ مَا صُنِعَ بِالْأَشْعَثِ فَدَعَا مَالِكَ بْنَ هُبَيْرَةَ فَقَالَ:اِقْذِفُوا إِلَى اَلْأَشْعَثِ شَيْئاً تُهَيِّجُونَهُ عَلَى عَلِيٍّ فَدَعَوْا شَاعِراً لَهُمْ فَقَالَ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ فَكَتَبَ بِهَا مَالِكُ بْنُ هُبَيْرَةَ إِلَى اَلْأَشْعَثِ وَ كَانَ لَهُ صَدِيقاً وَ كَانَ كِنْدِيّاً:

مَنْ كَانَ فِي الْقَوْمِ مَثْلُوجاً بِأُسْرَتِهِ فَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي غَيْرُ مَثْلُوجٍ

زَالَتْ عَنِ اَلْأَشْعَثِ الْكِنْدِيِّ رِئَاسَتُهُ وَ اسْتَجْمَعَ الْأَمْرَ حَسَّانُ بْنُ مَخْدُوجٍ

يَا لَلرِّجَالِ لِعَارٍ لَيْسَ يَغْسِلُهُ مَاءُ اَلْفُرَاتِ وَ كَرْبٍ غَيْرِ مَفْرُوجٍ

إِنْ تَرْضَ كِنْدَةُ حَسَّاناً بِصَاحِبِهَا يَرْضَ الدُّنَاةُ وَ مَا قَحْطَانُ بِالْهَوَجِ

هَذَا لَعَمْرُكَ عَارٌ لَيْسَ يُنْكِرُهُ أَهْلُ اَلْعِرَاقِ وَ عَارٌ غَيْرُ مَمْزُوجِ

كَانَ اِبْنُ قَيْسٍ هُمَاماً فِي أَرُومَتِهِ ضَخْماً يَبُوءُ بِمِلْكٍ غَيْرِ مَفْلُوجِ

ثُمَّ اسْتَقَلَّ بِعَارٍ فِي ذَوِي يَمَنٍ وَ الْقَوْمُ أَعْدَاءُ يَأْجُوجٍ وَ مَأْجُوجِ

إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا بِالْعِرَاقِ لَهُ لاَ يَسْتَطِيعُونَ طُرّاً ذَبْحَ فَرُّوجِ

لَيْسَتْ رَبِيعَةُ أَوْلَى بِالَّذِي حُذِيَتْ مِنْ حَقِّ كِنْدَةَ حَقٌّ غَيْرُ مَحْجُوجِ (2)

قَالَ فَلَمَّا انْتَهَى الشِّعْرُ إِلَى أَهْلِ اَلْيَمَنِ قَالَ شُرَيْحُ بْنُ هَانِئٍ يَا أَهْلَ اَلْيَمَنِ مَا يُرِيدُ صَاحِبُكُمْ إِلاَّ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ رَبِيعَةَ وَ إِنَّ حَسَّانَ بْنَ مَخْدُوجٍ مَشَى إِلَى اَلْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ بِرَايَتِهِ حَتَّى رَكَزَهَا فِي دَارِهِ فَقَالَ اَلْأَشْعَثُ إِنَّة.

ص: 139


1- في الأصل:«ذلك».
2- حذيت:أعطيت.و الحذوة:العطية.

هَذِهِ الرَّايَةَ عَظُمَتْ عَلَى عَلِيٍّ وَ هُوَ وَ اللَّهِ أَخَفُّ عَلَيَّ مِنْ زَفِّ النَّعَامِ (1)وَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يُغَيِّرَنِي ذَلِكَ لَكُمْ قَالَ فَعَرَضَ عَلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يُعِيدَهَا عَلَيْهِ فَأَبَى وَ قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ يَكُنْ أَوَّلُهَا شَرَفاً فَإِنَّهُ لَيْسَ آخِرُهَا بِعَارٍ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ : 1«أَنَا أُشْرِكُكَ فِيهِ» فَقَالَ لَهُ اَلْأَشْعَثُ ذَلِكَ إِلَيْكَ فَوَلاَّهُ عَلَى مَيْمَنَتِهِ وَ هِيَ مَيْمَنَةُ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ .

وَ قَالَ وَ أَخَذَ مَالِكُ بْنُ حَبِيبٍ رَجُلاً وَ قَدْ تَخَلَّفَ عَنْ عَلِيٍّ فَضَرَبَ عُنُقَهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ قَوْمَهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى مَالِكٍ فَنَتَسَقَّطَهُ (2)لَعَلَّهُ أَنْ يُقِرَّ لَنَا بِقَتْلِهِ فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَهْوَجُ فَجَاءُوا فَقَالُوا يَا مَالِكُ قَتَلْتَ الرَّجُلَ قَالَ أُخْبِرُكُمْ أَنَّ النَّاقَةَ تَرْأَمُ وَلَدَهَا اخْرُجُوا عَنِّي قَبَّحَكُمُ اللَّهُ أَخْبَرْتُكُمْ أَنِّي قَتَلْتُهُ. .

قول علي في كربلاء

قَالَ حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ سَلاَمٍ (3)قَالَ أَبُو حَيَّانَ التَّمِيمِيُّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ هَرْثَمَةَ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ غَزْوَةَ صِفِّينَ فَلَمَّا نَزَلْنَا بِكَرْبَلاَءَ صَلَّى بِنَا صَلاَةً فَلَمَّا سَلَّمَ رَفَعَ إِلَيْهِ مِنْ تُرْبَتِهَا فَشَمَّهَا ثُمَّ قَالَ: 1«وَاهاً لَكِ أَيَّتُهَا التُّرْبَةُ لَيُحْشَرَنَّ مِنْكِ قَوْمٌ« يَدْخُلُونَ اَلْجَنَّةَ »...« بِغَيْرِ حِسابٍ » . فَلَمَّا رَجَعَ هَرْثَمَةُ مِنْ غَزْوَتِهِ (4)إِلَى امْرَأَتِهِ وَ هِيَ جَرْدَاءُ بِنْتُ سَمِيرٍ وَ كَانَتْ شِيعَةً لِعَلِيٍّ فَقَالَ لَهَا زَوْجُهَا هَرْثَمَةُ أَ لاَ أُعْجِبُكِ مِنْ صَدِيقِكِ أَبِي الْحَسَنِ لَمَّا نَزَلْنَا كَرْبَلاَءَ رَفَعَ إِلَيْهِ مِنْ تُرْبَتِهَا فَشَمَّهَا وَ قَالَ: 1«وَاهاً لَكِ يَا تُرْبَةُ لَيُحْشَرَنَّ مِنْكِ قَوْمٌ

ص: 140


1- زف النعام،بالكسر:ريشه الصغير.
2- في اللسان:«و تسقطه و استسقطه:طلب سقطه و عالجه على أن يسقط فيخطئ أو يكذب،أو يبوح بما عنده».و في الأصل:«فنسقطه»تحريف:.
3- في الأصل:«سلم»تحريف.و ترجمة مصعب في تاريخ بغداد(13:108).
4- ح(1:278):«من غزاته».

« يَدْخُلُونَ اَلْجَنَّةَ »...« بِغَيْرِ حِسابٍ » وَ مَا عِلْمُهُ بِالْغَيْبِ فَقَالَتْ:دَعْنَا مِنْكَ أَيُّهَا الرَّجُلُ فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَقُلْ إِلاَّ حَقّاً فَلَمَّا بَعَثَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ بِالْبَعْثِ الَّذِي بَعَثَهُ إِلَى اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ وَ أَصْحَابِهِ قَالَ:كُنْتُ فِيهِمْ فِي الْخَيْلِ الَّتِي بَعَثَ إِلَيْهِمْ فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى الْقَوْمِ وَ حُسَيْنٍ وَ أَصْحَابِهِ عَرَفْتُ الْمَنْزِلَ الَّذِي نَزَلَ بِنَا عَلِيٌّ فِيهِ وَ الْبُقْعَةَ الَّتِي رَفَعَ إِلَيْهِ مِنْ تُرَابِهَا وَ الْقَوْلَ الَّذِي قَالَهُ فَكَرِهْتُ مَسِيرِي فَأَقْبَلْتُ عَلَى فَرَسِي حَتَّى وَقَفْتُ عَلَى اَلْحُسَيْنِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَ حَدَّثْتُهُ بِالَّذِي سَمِعْتُ مِنْ أَبِيهِ فِي هَذَا الْمَنْزِلِ فَقَالَ اَلْحُسَيْنُ : 3«مَعَنَا أَنْتَ أَوْ عَلَيْنَا؟» فَقُلْتُ:يَا اِبْنَ رَسُولِ اللَّهِ :

لاَ مَعَكَ وَ لاَ عَلَيْكَ تَرَكْتُ أَهْلِي وَ وُلْدِي (1)أَخَافُ عَلَيْهِمْ مِنِ اِبْنِ زِيَادٍ فَقَالَ اَلْحُسَيْنُ 3فَوَلِّ هَرَباً حَتَّى لاَ تَرَى لَنَا مَقْتَلاً فَوَ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَرَى مَقْتَلَنَا الْيَوْمَ رَجُلٌ وَ لاَ يُغِيثُنَا (2)إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ اَلنَّارَ قَالَ فَأَقْبَلْتُ فِي الْأَرْضِ هَارِباً حَتَّى خَفِيَ عَلَيَّ مَقْتَلُهُ (3).

.

نَصْرٌ مُصْعَبُ بْنُ سَلاَّمٍ قَالَ حَدَّثَنَا اَلْأَجْلَحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْكِنْدِيُّ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ جَاءَ عُرْوَةُ الْبَارِقِيُّ إِلَى سَعِيدِ بْنِ وَهْبٍ فَسَأَلَهُ وَ أَنَا أَسْمَعُ فَقَالَ حَدِيثٌ حَدَّثْتَنِيهِ (4)عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ نَعَمْ: بَعَثَنِي مِخْنَفُ بْنُ سُلَيْمٍ إِلَى عَلِيٍّ فَأَتَيْتُهُ بِكَرْبَلاَءَ فَوَجَدْتُهُ يُشِيرُ بِيَدِهِ وَ يَقُولُ: 1«هَاهُنَا هَاهُنَا» فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ وَ مَا ذَلِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ قَالَ: 1«ثَقَلٌ لِآلِ مُحَمَّدٍ يَنْزِلُ هَاهُنَا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِنْكُمْ وَ وَيْلٌ لَكُمْ مِنْهُمْ» فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ:مَا مَعْنَى هَذَا الْكَلاَمِ».

ص: 141


1- ح:«ولدى و عيالى».
2- ح:«ثم لا يعيننا».
3- ح:«مقتلهم».
4- في الأصل:«حدثنيه»محرف.و في ح:«حدثتناه».

يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ قَالَ: 1«وَيْلٌ لَهُمْ مِنْكُمْ تَقْتُلُونَهُمْ وَ وَيْلٌ لَكُمْ مِنْهُمْ يُدْخِلُكُمُ اللَّهُ بِقَتْلِهِمْ إِلَى اَلنَّارِ » وَ قَدْ رُوِيَ هَذَا الْكَلاَمُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: 1«فَوَيْلٌ لَكُمْ مِنْهُمْ وَ وَيْلٌ لَكُمْ عَلَيْهِمْ» قَالَ الرَّجُلُ:أَمَّا وَيْلٌ لَنَا مِنْهُمْ فَقَدْ عَرَفْتُ (1)وَ وَيْلٌ لَنَا عَلَيْهِمْ مَا هُوَ؟ قَالَ: 1«تَرَوْنَهُمْ يُقْتَلُونَ وَ لاَ تَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ» .

نَصْرٌ سَعِيدُ بْنُ حَكِيمٍ الْعَبْسِيُّ عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ عَلِيّاً أَتَى كَرْبَلاَءَ فَوَقَفَ بِهَا فَقِيلَ:يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذِهِ كَرْبَلاَءُ قَالَ: 1«ذَاتُ كَرْبٍ وَ بَلاَءٍ» ثُمَّ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى مَكَانٍ فَقَالَ: 1«هَاهُنَا مَوْضِعُ رِحَالِهِمْ وَ مُنَاخُ رِكَابِهِمْ» وَ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فَقَالَ: 1«هَاهُنَا مُهَرَاقُ دِمَائِهِمْ» .

مرور الجيش بآثار كسرى

ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: ثُمَّ مَضَى نَحْوَ سَابَاطَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَدِينَةِ بَهُرَسِيرَ وَ إِذَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يُقَالُ لَهُ حُرُّ (2)بْنُ سَهْمِ بْنِ طَرِيفٍ مِنْ بَنِي رَبِيعَةَ بْنِ مَالِكٍ (3)يَنْظُرُ إِلَى آثَارِ كِسْرَى وَ هُوَ يَتَمَثَّلُ قَوْلَ اِبْنِ يَعْفُرَ التَّمِيمِيِّ (4):

جَرَتِ الرِّيَاحُ عَلَى مَكَانِ دِيَارِهِمْ فَكَأَنَّمَا كَانُوا عَلَى مِيعَادٍ

ص: 142


1- ح:«عرفناه».
2- في الأصل:«حريز»و أثبت ما في ح(1:288).
3- ربيعة بن مالك بن زيد مناة بن تميم.انظر 133 و نهاية الأرب(2:344).
4- هو الأسود بن يعفر بن عبد الأسود بن جندل بن نهشل بن دارم بن مالك بن زيد مناة بن تميم.شاعر جاهلى مقدم،كان ينادم النعمان بن المنذر.و البيت من قصيدة له في المفضليات(2:15-20 طبع المعارف).و في الأصل:«ابن يعقوب التميمى» و الصواب ما أثبت.و في ح:«بقول الأسود بن يعفر».

فَقَالَ عَلِيٌّ : 1«أَ فَلاَ قُلْتَ:« كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنّاتٍ وَ عُيُونٍ وَ زُرُوعٍ وَ مَقامٍ كَرِيمٍ وَ نَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ كَذلِكَ وَ أَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ »إِنَّ هَؤُلاَءِ كَانُوا وَارِثِينَ فَأَصْبَحُوا مَوْرُوثِينَ إِنَّ هَؤُلاَءِ لَمْ يَشْكُرُوا النِّعْمَةَ فَسُلِبُوا دُنْيَاهُمْ بِالْمَعْصِيَةِ إِيَّاكُمْ وَ كُفْرَ النِّعَمِ لاَ تَحُلَّ بِكُمُ النِّقَمُ» ثُمَّ قَالَ: 1«اِنْزِلُوا بِهَذِهِ النَّجْوَةِ» (1) .

مرور الجيش بالمدائن و الأنبار

نَصْرٌ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنِي مُسْلِمٌ الْأَعْوَرُ عَنْ حَبَّةَ الْعُرَنِيِّ (2)رَجُلٍ مِنْ عُرَيْنَةَ قَالَ: أَمَرَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ اَلْحَارِثَ الْأَعْوَرَ فَصَاحَ فِي أَهْلِ اَلْمَدَائِنِ مَنْ كَانَ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ فَلْيُوَافِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ صَلاَةَ الْعَصْرِ فَوَافَوْهُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ وَ قَالَ:

1«أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قَدْ تَعَجَّبْتُ مِنْ تَخَلُّفِكُمْ عَنْ دَعْوَتِكُمْ وَ انْقِطَاعِكُمْ عَنْ أَهْلِ مِصْرِكُمْ فِي هَذِهِ الْمَسَاكِنِ« اَلظّالِمِ أَهْلُها »وَ الْهَالِكِ أَكْثَرُ سُكَّانِهَا لاَ مَعْرُوفاً تَأْمُرُونَ بِهِ وَ لاَ مُنْكَراً تَنْهَوْنَ عَنْهُ» قَالُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّا كُنَّا نَنْتَظِرُ أَمْرَكَ وَ رَأْيَكَ مُرْنَا بِمَا أَحْبَبْتَ فَسَارَ وَ خَلَّفَ عَلَيْهِمْ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ فَأَقَامَ عَلَيْهِمْ ثَلاَثاً ثُمَّ خَرَجَ فِي ثَمَانِمِائَةٍ وَ خَلَّفَ ابْنَهُ يَزِيدَ فَلَحِقَهُ فِي أَرْبَعِمِائَةِ رَجُلٍ مِنْهُمْ ثُمَّ لَحِقَ عَلِيّاً وَ جَاءَ عَلِيٌّ حَتَّى مَرَّ بِالْأَنْبَارِ فَاسْتَقْبَلَهُ بَنُو خُشْنُوشَكَ دَهَاقِنَتُهَا.

ص: 143


1- النجوة:المكان المرتفع.ح:«الفجوة».و الفجوة:ما اتسع من الأرض، و قيل ما اتسع منها و انخفض.
2- هو حبة،بفتح أوله ثمّ موحدة ثقيلة،بن جوين بجيم مصغر،العرنيّ،أبو قدامة الكوفيّ،كان غاليا في التشيع.قال في تقريب التهذيب:«أخطأ من زعم أن له صحبة».ح: «حية»بالياء،تحريف.

قَالَ سُلَيْمَانُ (1)خُشْ طَيِّبٌ نُوْشَكَ رَاضٍ يَعْنِي بَنِي الطَّيِّبِ الرَّاضِي بِالْفَارِسِيَّةِ.

فَلَمَّا اسْتَقْبَلُوهُ نَزَلُوا ثُمَّ جَاءُوا يَشْتَدُّونَ مَعَهُ قَالَ: 1«مَا هَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي مَعَكُمْ؟ وَ مَا أَرَدْتُمْ بِهَذَا الَّذِي صَنَعْتُمْ؟» قَالُوا أَمَّا هَذَا الَّذِي صَنَعْنَا فَهُوَ خُلُقٌ مِنَّا نُعَظِّمُ بِهِ الْأُمَرَاءَ وَ أَمَّا هَذِهِ الْبَرَاذِينُ فَهَدِيَّةٌ لَكَ وَ قَدْ صَنَعْنَا لَكَ وَ لِلْمُسْلِمِينَ طَعَاماً وَ هَيَّأْنَا لِدَوَابِّكُمْ عَلَفاً كَثِيراً قَالَ:(2)«أَمَّا هَذَا الَّذِي زَعَمْتُمْ أَنَّهُ مِنْكُمْ خُلُقٌ تُعَظِّمُونَ بِهِ الْأُمَرَاءَ فَوَ اللَّهِ مَا يَنْفَعُ هَذَا الْأُمَرَاءَ وَ إِنَّكُمْ لَتَشُقُّونَ بِهِ عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَ أَبْدَانِكُمْ فَلاَ تَعُودُوا لَهُ وَ أَمَّا دَوَابُّكُمْ هَذِهِ فَإِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ نَأْخُذَهَا مِنْكُمْ فَنَحْسَبَهَا مِنْ خَرَاجِكُمْ أَخَذْنَاهَا مِنْكُمْ وَ أَمَّا طَعَامُكُمُ الَّذِي صَنَعْتُمْ لَنَا فَإِنَّا نَكْرَهُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ شَيْئاً إِلاَّ بِثَمَنٍ» قَالُوا:يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَحْنُ نُقَوِّمُهُ ثُمَّ نَقْبَلُ ثَمَنَهُ قَالَ: 1«إِذاً لاَ تُقَوِّمُونَهُ قِيمَتَهُ نَحْنُ نَكْتَفِي بِمَا دُونَهُ» قَالُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّ لَنَا مِنَ اَلْعَرَبِ مَوَالِيَ وَ مَعَارِفَ فَتَمْنَعُنَا أَنْ نُهْدِيَ لَهُمْ وَ تَمْنَعُهُمْ أَنْ يَقْبَلُوا مِنَّا؟ قَالَ: 1«كُلُّ اَلْعَرَبِ لَكُمْ مَوَالٍ وَ لَيْسَ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقْبَلَ هَدِيَّتَكُمْ وَ إِنْ غَصَبَكُمْ أَحَدٌ فَأَعْلِمُونَا» قَالُوا:

يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّا نُحِبُّ أَنْ تَقْبَلَ هَدِيَّتَنَا وَ كَرَامَتَنَا قَالَ لَهُمْ:« 1وَيْحَكُمْ نَحْنُ أَغْنَى مِنْكُمْ فَتَرَكَهُمْ ثُمَّ سَارَ.» .

خبر ماء الدير

نَصْرٌ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ سِيَاهٍ 2 عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ

ص: 144


1- هو أبو محمّد سليمان بن الربيع بن هشام النهدى،أحد رواة هذا الكتاب.
2- (2) عبد العزيز بن سياه،بكسر المهملة بعدها تحتانية خفيفة،الأسدى الكوفيّ صدوق يتشيع من كبار أتباع التابعين.انظر تهذيب التهذيب و التقريب.و في ح(1:288): «بن سباع»تحريف.

التَّيْمِيُّ الْمَعْرُوفُ بِعَقِيصَا (1)قَالَ: كُنَّا مَعَ عَلِيٍّ فِي مَسِيرِهِ إِلَى اَلشَّامِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِظَهْرِ اَلْكُوفَةِ مِنْ جَانِبِ هَذَا السَّوَادِ قَالَ:عَطِشَ النَّاسُ وَ احْتَاجُوا إِلَى الْمَاءِ فَانْطَلَقَ بِنَا عَلِيٌّ حَتَّى أَتَى بِنَا (2)عَلَى صَخْرَةٍ ضِرْسٍ مِنَ الْأَرْضِ (3)كَأَنَّهَا رُبْضَةُ عَنْزٍ (4)فَأَمَرَنَا فَاقْتَلَعْنَاهَا فَخَرَجَ لَنَا مَاءٌ فَشَرِبَ النَّاسُ مِنْهُ وَ ارْتَوَوْا قَالَ:ثُمَّ أَمَرَنَا فَأَكْفَأْنَاهَا عَلَيْهِ قَالَ وَ سَارَ النَّاسُ حَتَّى إِذَا مَضَيْنَا قَلِيلاً قَالَ عَلِيٌّ : 1«مِنْكُمْ أَحَدٌ يَعْلَمُ مَكَانَ هَذَا الْمَاءِ الَّذِي شَرِبْتُمْ مِنْهُ؟» قَالُوا نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: 1«فَانْطَلَقُوا إِلَيْهِ» قَالَ:فَانْطَلَقَ مِنَّا رِجَالٌ رُكْبَاناً وَ مُشَاةً فَاقْتَصَصْنَا الطَّرِيقَ إِلَيْهِ حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي نَرَى أَنَّهُ فِيهِ قَالَ:

فَطَلَبْنَاهَا (5)فَلَمْ نَقْدِرْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى إِذَا عِيلَ عَلَيْنَا انْطَلَقْنَا إِلَى دَيْرٍ قَرِيبٍ مِنَّا فَسَأَلْنَاهُمْ أَيْنَ الْمَاءُ الَّذِي هُوَ عِنْدَكُمْ؟ قَالُوا:مَا قُرْبَنَا مَاءٌ قَالُوا:بَلَى إِنَّا شَرِبْنَا مِنْهُ قَالُوا:أَنْتُمْ شَرِبْتُمْ مِنْهُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ قَالَ صَاحِبُ الدَّيْرِ مَا بُنِيَ هَذَا الدَّيْرُ إِلاَّ بِذَلِكَ الْمَاءِ (6)وَ مَا اسْتَخْرَجَهُ إِلاَّ نَبِيٌّ أَوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ .

نزول الجيش بالجزيرة

ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْحَدِيثِ قَالَ: ثُمَّ مَضَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى نَزَلَ بِأَرْضِ

ص: 145


1- في القاموس:«و عقيصى مقصورا:لقب أبى سعيد التيمى التابعي».و في منتهى المقال 132:«دينار،يكنى أبا سعيد،و لقبه عقيصا،و إنّما لقب بذلك لشعر قاله»فجعل اسمه«دينارا».فى الأصل:«التميمى»تحريف.و في ح:«حدّثنا سعيد التيمى المعروف بعقيصاء»،نقص و تحريف.
2- في الأصل:«أتانا»و في ح:«أتى»فقط.
3- الضرس،بالكسر:الأرض الخشنة.
4- ربضة العنز،بالضم:أى جثتها إذا بركت.و روى في الحديث:«كربضة العنز» بكسر الراء.اللسان(9:13).
5- أي الصخرة.و في ح:«فطلبناه»،أي الماء.
6- في الأصل:«لذلك الماء»،و أثبت ما في ح.

اَلْجَزِيرَةِ فَاسْتَقْبَلَهُ بَنُو تَغْلِبَ وَ اَلنَّمِرُ بْنُ قَاسِطٍ بِالْجَزِيرَةِ (1)قَالَ قَالَ عَلِيٌّ : لِيَزِيدَ بْنِ قَيْسٍ الْأَرْحَبِيِّ 1«يَا يَزِيدَ بْنَ قَيْسٍ » قَالَ:لَبَّيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ:

1«هَؤُلاَءِ قَوْمُكَ مِنْ طَعَامِهِمْ فَاطْعَمْ وَ مِنْ شَرَابِهِمْ فَاشْرَبْ.» .

حكاية علي وضوء رسول الله

نَصْرٌ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ اَلْكَلْبِيِّ عَنِ اَلْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ : أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ عَلِيّاً بِالْمَدَائِنِ عَنْ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَدَعَا بِمِخْضَبٍ مِنْ بِرَامٍ (2)قَدْ نَصَفَهُ الْمَاءُ (3)قَالَ عَلِيٌّ : 1«مَنِ السَّائِلُ عَنْ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ؟» فَقَامَ الرَّجُلُ فَتَوَضَّأَ عَلِيٌّ ثَلاَثاً ثَلاَثاً وَ مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَاحِدَةً وَ قَالَ: 1«هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَتَوَضَّأُ .

الوصول إلى الرقة

وفد بني تغلب

ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ، حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ قَيْسٍ الْأَرْحَبِيِّ ثُمَّ قَالَ:

وَ اللَّهِ إِنِّي لَشَاهِدٌ إِذْ أَتَاهُ وَفْدُ بَنِي تَغْلِبَ فَصَالَحُوهُ عَلَى أَنْ يُقِرَّهُمْ عَلَى دِينِهِمْ وَ لاَ يَضَعُوا أَبْنَاءَهُمْ فِي اَلنَّصْرَانِيَّةِ قَالَ: 1«وَ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُمْ قَدْ تَرَكُوا ذَلِكَ وَ ايْمُ اللَّهِ لَئِنْ ظَهَرْتُ عَلَيْهِمْ لَأَقْتُلَنَّ مُقَاتِلَتَهُمْ وَ لَأَسَبْيِنَّ ذَرَارِيَّهُمْ» فَلَمَّا دَخَلَ بِلاَدَهُمْ اسْتَقْبَلَتْهُ مُسْلِمَةٌ لَهُمْ كَثِيرَةٌ فَسُرَ بِمَا رَأَى مِنْ ذَلِكَ وَ ثَنَاهُ عَنْ رَأْيِهِ ثُمَّ سَارَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى أَتَى اَلرَّقَّةَ وَ جُلُّ أَهْلِهَا اَلْعُثْمَانِيَّةُ الَّذِينَ فَرُّوا مِنَ اَلْكُوفَةِ بِرَأْيِهِمْ وَ أَهْوَائِهِمْ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَغَلَّقُوا أَبْوَابَهَا وَ تَحَصَّنُوا فِيهَا وَ كَانَ أَمِيرُهُمْ سَمَّاكَ بْنَ مَخْرَمَةَ الْأَسَدِيَّ فِي طَاعَةِ مُعَاوِيَةَ وَ قَدْ كَانَ فَارَقَ عَلِيّاً فِي نَحْوٍ مِنْ مِائَةِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ ثُمَّ أَخَذَ يُكَاتِبُ قَوْمَهُ حَتَّى لَحِقَ بِهِ مِنْهُمْ سَبْعُمِائَةِ رَجُلٍ .

ص: 146


1- ح:«ابن قاسط بن محرز»تحريف.و هو النمر بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان.
2- المخضب،بالكسر:شبه الإجانة يغسل فيها الثياب،و المركن.و البرام:جمع برمة،بالضم،و هي قدر من حجارة.
3- نصفه الماء:بلغ نصفه.و في الأصل:«قدر نصفه الماء».محرف.و هذا الخبر لم يرد في مظنه من ح.

[حديث راهب بليخ]

نَصْرٌ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنِي مُسْلِمٌ الْمُلاَئِيُّ (1)عَنْ حَبَّةَ (2)عَنْ عَلِيٍّ قَالَ:

لَمَّا نَزَلَ عَلِيٌّ اَلرَّقَّةَ نَزَلَ بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ بَلِيخٌ عَلَى جَانِبِ اَلْفُرَاتِ فَنَزَلَ رَاهِبٌ هُنَاكَ مِنْ صَوْمَعَتِهِ فَقَالَ لِعَلِيٍّ إِنَّ عِنْدَنَا كِتَاباً تَوَارَثْنَاهُ عَنْ آبَائِنَا كَتَبَهُ أَصْحَابُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ أَعْرِضُهُ عَلَيْكَ قَالَ عَلِيٌّ : 1«نَعَمْ فَمَا هُوَ؟» قَالَ الرَّاهِبُ:

« بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » الَّذِي قَضَى فِيمَا قَضَى وَ سَطَرَ فِيمَا سَطَرَ أَنَّهُ بَاعِثٌ« فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ »...« يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ »وَ يَدُلُّهُمْ عَلَى سَبِيلِ اللَّهِ لاَ فَظٌّ وَ لاَ غَلِيظٌ وَ لاَ صَخَّابٌ فِي الْأَسْوَاقِ وَ لاَ يُجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ وَ لَكِنْ يَعْفُو وَ يَصْفَحُ (3)أُمَّتُهُ الْحَمَّادُونَ الَّذِينَ يُحَمِّدُونَ اللَّهَ عَلَى كُلِّ نَشْزٍ وَ فِي كُلِّ صُعُودٍ وَ هُبُوطٍ (4)تُذِلُّ أَلْسِنَتَهُمْ (5)بِالتَّهْلِيلِ وَ التَّكْبِيرِ وَ التَّسْبِيحِ وَ يَنْصُرُهُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ مَنْ نَاوَاهُ فَإِذَا تَوَفَّاهُ اللَّهُ اخْتَلَفَتْ أُمَّتُهُ ثُمَّ اجْتَمَعَتْ فَلَبِثَتْ بِذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ اخْتَلَفَتْ فَيَمُرُّ رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِهِ بِشَاطِئِ هَذَا اَلْفُرَاتِ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَ لاَ يَرْتَشِي فِي الْحُكْمِ (6)الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَيْهِ مِنَ الرَّمَادِ فِي يَوْمَ عَصَفَتْ بِهِ الرِّيحُ وَ الْمَوْتُ أَهْوَنُ عَلَيْهِ مِنْ شُرْبِ الْمَاءِا.

ص: 147


1- هو مسلم بن كيسان الضبى الملائي البراد،أبو عبد اللّه الكوفيّ.انظر تهذيب التهذيب و التقريب.
2- سبقت ترجمته في ص 143.
3- ح(1:289):«بل يعفو و يصفح».
4- النشز،بالفتح و التحريك:المتن المرتفع من الأرض.و الصعود و الهبوط،بفتح أولهما:ما ارتفع و ما انخفض من الأرض.
5- يذل،من الذل،بالكسر و الضم،و هو اللين.
6- ح:«و لا يركس الحكم».و الركس:رد الشيء مقلوبا.

عَلَى الظَّمَأِ (1)يَخَافُ اللَّهَ فِي السِّرِّ وَ يَنْصَحُ لَهُ فِي الْعَلاَنِيَةِ وَ لاَ يَخَافُ اللَّهَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ مَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْبِلاَدِ فَآمَنَ بِهِ كَانَ ثَوَابُهُ رِضْوَانِي وَ اَلْجَنَّةَ وَ مَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ الْعَبْدَ الصَّالِحَ فَلْيَنْصُرْهُ فَإِنَّ الْقَتْلَ مَعَهُ شَهَادَةٌ ثُمَّ قَالَ لَهُ:فَأَنَا مُصَاحِبُكَ غَيْرُ مُفَارِقِكَ حَتَّى يُصِيبَنِي مَا أَصَابَكَ قَالَ:فَبَكَى عَلِيٌّ ثُمَّ قَالَ: «اَلْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْنِي عِنْدَهُ مَنْسِيّاً (2)الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي ذَكَرَنِي فِي كُتُبِ الْأَبْرَارِ» وَ مَضَى الرَّاهِبُ مَعَهُ وَ كَانَ فِيمَا ذَكَرُوا يَتَغَدَّى مَعَ عَلِيٍّ وَ يَتَعَشَّى حَتَّى أُصِيبَ يَوْمَ صِفِّينَ فَلَمَّا خَرَجَ النَّاسُ يَدْفِنُونَ قَتْلاَهُمْ قَالَ عَلِيٌّ اطْلُبُوهُ فَلَمَّا وَجَدُوهُ صَلَّى عَلَيْهِ وَ دَفَنَهُ وَ قَالَ: هَذَا مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُ مِرَاراً .

مسير معقل بن قيس إلى الرقة

نَصْرٌ عُمَرُ عَنْ رَجُلٍ وَ هُوَ أَبُو مِخْنَفٍ عَنْ نُمَيْرِ بْنِ وَعْلَةَ عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ -:(3) أَنَّ عَلِيّاً بَعَثَ مِنَ اَلْمَدَائِنِ مَعْقِلَ بْنَ قَيْسٍ الرِّيَاحِيَّ فِي ثَلاَثَةِ آلاَفِ رَجُلٍ وَ قَالَ لَهُ: «خُذْ عَلَى اَلْمَوْصِلِ ثُمَّ نَصِيبِينَ ثُمَّ الْقَنِى بِالرَّقَّةِ فَإِنِّي مُوَافِيهَا وَ سَكِّنِ النَّاسَ وَ أَمِّنْهُمْ وَ لاَ تُقَاتِلْ إِلاَّ مَنْ قَاتَلَكَ وَ سِرِ الْبَرْدَيْنِ (4)وَ غَوِّرْ بِالنَّاسِ (5)وَ أَقِمِ اللَّيْلَ وَ رَفِّهْ فِي السَّيْرِ وَ لاَ تَسِرْ فِي

ص: 148


1- الظمء،بالفتح،و الظمأ،بالتحريك،و الظماء و الظماءة،كسحاب و سحابة: العطش.ح:«الظمآن».
2- ح:«الذي لم أكن عنده منسيا».
3- (3) هو جبر بن نوف-بفتح النون و آخره فاء-الهمدانيّ-بسكون الميم-البكالى- بكسر الباء الموحدة و تخفيف الكاف-أبو الوداك-بفتح الواو و تشديد الدال.انظر تهذيب التهذيب و التقريب.
4- البردان:الصبح و العصر،كالأبردين.انظر جنى الجنتين 26.
5- التغوير:النزول في القائلة نصف النهار.يقال«غوروا بنا فقد أرمضتمونا»،أي انزلوا بنا وقت الهاجرة حتّى تبرد.

اللَّيْلِ (1)فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ سَكَناً أَرِحْ فِيكَ بَدَنَكَ وَ جُنْدَكَ وَ ظَهْرَكَ فَإِذَا كَانَ السَّحَرُ أَوْ حِينَ يَنْبَطِحُ الْفَجْرُ (2)فَسِرْ» فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى اَلْحَدِيثَةَ وَ هِيَ إِذْ ذَاكَ مَنْزِلُ النَّاسِ إِنَّمَا بَنَى مَدِينَةَ اَلْمَوْصِلِ بَعْدَ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ فَإِذَا هُمْ بِكَبْشَيْنِ يَنْتَطِحَانِ وَ مَعَ مَعْقِلٍ بْنَ قَيْسٍ رَجُلٌ مِنْ خَثْعَمٍ يُقَالُ لَهُ شَدَّادُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ (3)قُتِلَ بَعْدَ ذَلِكَ مَعَ اَلْحَرُورِيَّةِ (4)فَأَخَذَ يَقُولُ:إِيهٍ إِيهٍ فَقَالَ مَعْقِلٌ مَا تَقُولُ:قَالَ فَجَاءَ رَجُلاَنِ نَحْوَ الْكَبْشَيْنِ فَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَبْشاً ثُمَّ انْصَرَفَا فَقَالَ اَلْخَثْعَمِيُّ لِمَعْقِلٍ لاَ تَغْلِبُونَ وَ لاَ تُغْلَبُونَ قَالَ لَهُ:

مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ:أَ مَا أَبْصَرْتَ الْكَبْشَيْنِ أَحَدُهُمَا مَشْرِقٌ وَ الْآخَرُ مَغْرِبٌ الْتَقَيَا فَاقْتَتَلاَ وَ انْتَطَحَا فَلَمْ يَزَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ مُنْتَصِفاً حَتَّى أَتَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فَانْطَلَقَ بِهِ؟ فَقَالَ لَهُ: مَعْقِلٌ أَ وَ يَكُونُ خَيْراً مِمَّا تَقُولُ يَا أَخَا خَثْعَمٍ ؟ ثُمَّ مَضَوْا حَتَّى أَتَوْا عَلِيّاً بِالرَّقَّةِ .

كتاب علي إلى معاوية

1- نَصْرٌ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ : أَنَّ طَائِفَةً مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ قَالُوا لَهُ:اُكْتُبْ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَ إِلَى مَنْ قِبَلَهُ مِنْ قَوْمِكَ بِكِتَابٍ تَدْعُوهُمْ فِيهِ إِلَيْكَ وَ تَأْمُرُهُمْ بِتَرْكِ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْخَطَأِ (5)فَإِنَّ الْحُجَّةَ لَنْ تَزْدَادَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ إِلاَّ عِظَماً فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ

ص: 149


1- ح(1:290):«اول الليل».
2- انبطح الفجر:ذهب هاهنا و هاهنا.و إنّما سمى بطن المسيل أبطح لأن الماء ينبطح فيه أي يذهب يمينا و شمالا.ح:«ينبلج الفجر».
3- ح:«شرار بن شداد بن أبي ربيعة».
4- هذا ضبط ياقوت.و ضبط في اللسان و القاموس و الوفيات(1:224)بفتح أوله و ضم ثانيه.
5- في الأصل:«و تأمرهم بما لهم فيه من الخطأ».

1« « بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَ إِلَى مَنْ قِبَلَهُ مِنْ قُرَيْشٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ فَإِنِّي أَحْمَدُ اللَّهَ إِلَيْكُمْ اللَّهَ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ لِلَّهِ عِبَاداً آمَنُوا بِالتَّنْزِيلِ وَ عَرَفُوا التَّأْوِيلَ وَ فَقِهُوا فِي الدِّينِ وَ بَيَّنَ اللَّهُ فَضْلَهُمْ فِي اَلْقُرْآنِ الْحَكِيمِ وَ أَنْتُمْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَعْدَاءٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ تُكَذِّبُونَ بِالْكِتَابِ مُجْمِعُونَ عَلَى حَرْبِ اَلْمُسْلِمِينَ مِنْ ثَقِفْتُمْ مِنْهُمْ حَبَسْتُمُوهُ أَوْ عَذَّبْتُمُوهُ أَوْ قَتَلْتُمُوهُ حَتَّى أَرَادَ اللَّهُ إِعْزَازِ دِينِهِ وَ إِظْهَارَ رَسُولِهِ (1)وَ دَخَلَتِ اَلْعَرَبُ فِي دِينِهِ أَفْوَاجاً وَ أَسْلَمَتْ لَهُ هَذِهِ الْأَمَّةُ طَوْعاً وَ كَرْهاً وَ كُنْتُمْ مِمَّنْ دَخَلَ فِي هَذَا الدِّينِ إِمَّا رَغْبَةً وَ إِمَّا رَهْبَةً عَلَى حِينَ فَازَ أَهْلُ السَّبْقِ بِسَبْقِهِمْ وَ فَازَ اَلْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ بِفَضْلِهِمْ فَلاَ يَنْبَغِي لِمَنْ لَيْسَتْ لَهُ مِثْلُ سَوَابِقِهِمْ فِي الدِّينِ وَ لاَ فَضَائِلِهِمْ فِي اَلْإِسْلاَمِ أَنْ يُنَازِعَهُمُ الْأَمْرَ الَّذِي هُمْ أَهْلُهُ وَ أَوْلَى بِهِ فَيَحُوبَ بِظُلْمٍ (2)وَ لاَ يَنْبَغِي لِمَنْ كَانَ لَهُ عَقْلٌ أَنْ يَجْهَلَ قَدْرَهُ وَ لاَ أَنْ يَعْدُوَ طَوْرَهُ وَ لاَ أَنْ يُشْقِيَ نَفْسَهُ بِالْتِمَاسِ مَا لَيْسَ لَهُ ثُمَّ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِأَمْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَدِيماً وَ حَدِيثاً أَقْرَبُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ أَعْلَمُهَا بِالْكِتَابِ وَ أَفْقَهُهَا فِي الدِّينِ وَ أَوَّلُهَا إِسْلاَماً وَ أَفْضَلُهَا جِهَاداً وَ أَشَدُّهَا بِمَا تَحْمِلُهُ الرَّعِيَّةُ مِنْ أُمُورِهَا اضْطِلاَعاً فَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ:« وَ لا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَ تَكْتُمُوا الْحَقَّ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ »وَ اعْلَمُوا أَنَّ خِيَارَ عِبَادِ اللَّهِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِمَا يَعْلَمُونَ (3)وَ أَنَّ شِرَارَهُمْ الْجُهَّالُ الَّذِينَ يُنَازِعُونَ بِالْجَهْلِ أَهْلَ الْعِلْمِ فَإِنَّ لِلْعَالِمِ بِعِلْمِهِ فَضْلاً وَ إِنَّ الْجَاهِلَ لَنْ يَزْدَادَ بِمُنَازَعَةِ الْعَالِمِ إِلاَّ جَهْلاً أَلاَح.

ص: 150


1- ح:«و إظهار أمره».
2- حاب يحوب حوبا:أثم.
3- في الأصل:«بما يعطون»،صوابه في ح.

وَ إِنِّي أَدْعُوكُمْ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ حَقْنِ دِمَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَإِنْ قَبِلْتُمْ أَصَبْتُمْ رُشْدَكُمْ وَ اهْتَدَيْتُمْ لِحَظِّكُمْ وَ إِنْ أَبَيْتُمْ إِلاَّ الْفُرْقَةَ وَ شَقَّ عَصَا هَذِهِ الْأُمَّةِ فَلَمْ (1)تَزْدَادُوا مِنَ اللَّهِ إِلاَّ بُعْداً وَ لَنْ يَزْدَادَ الرَّبُّ عَلَيْكُمْ إِلاَّ سَخَطاً وَ السَّلاَمُ» .

فَكَتَبَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ -

لَيْسَ بَيْنِي وَ بَيْنَ قَيْسٍ عِتَابٌ غَيْرُ طَعْنِ الْكُلَى وَ ضَرْبِ الرِّقَابِ.

فَقَالَ عَلِيٌّ : 1« إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ » . .

الحركة نحو صفين و شروع المعركة

العبور على جسر الرقة

نَصْرٌ عُمَرُ عَنِ اَلْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ :

أَنَّ عَلِيّاً قَالَ لِأَهْلِ اَلرَّقَّةِ : 1«اُجْسُرُوا لِي جِسْراً لِكَيْ أَعْبُرَ مِنْ هَذَا الْمَكَانِ إِلَى اَلشَّامِ » فَأَبَوْا وَ قَدْ كَانُوا ضَمُّوا السُّفُنَ عِنْدَهُمْ فَنَهَضَ مِنْ عِنْدَهُمْ لِيَعْبُرَ عَلَى جِسْرٍ مَنْبِجَ وَ خَلَّفَ عَلَيْهِ اَلْأَشْتَرَ فَنَادَاهُمْ فَقَالَ:يَا أَهْلَ هَذَا الْحِصْنِ إِنِّي أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَئِنْ مَضَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ لَمْ تَجْسُرُوا لَهُ عِنْدَ مَدِينَتِكُمْ حَتَّى يَعْبُرَ مِنْهَا لَأُجَرِّدَنَّ فِيكُمُ السَّيْفَ وَ لَأَقْتُلَنَّ مُقَاتِلَتَكُمْ وَ لَأُخْرِجَنَّ أَرْضَكُمْ وَ لآَخُذَنَّ أَمْوَالَكُمْ فَلَقِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً فَقَالُوا:إِنَّ اَلْأَشْتَرَ يَفِي بِمَا يَقُولُ (2)وَ إِنَّ عَلِيّاً خَلَّفَهُ عَلَيْنَا لِيَأْتِيَنَا مِنْهُ الشَّرُّ (3)فَبَعَثُوا إِلَيْهِ:أَنَّا نَاصِبُونَ لَكُمْ جِسْراً

ص: 151


1- في الأصل:«لن»و الصواب دخول الفاء.و في ح:«لم».و هذه لا تطلب الفاء.
2- ح:«بما حلف عليه».
3- ح:«و إنّما خلفه على عندنا ليأتينا بشر».

فَأَقْبِلُوا فَأَرْسَلَ اَلْأَشْتَرُ إِلَى عَلِيٍّ فَجَاءَ وَ نَصَبُوا لَهُ الْجِسْرَ فَعَبَّرَ الْأَثْقَالَ وَ الرِّجَالَ (1)ثُمَّ أَمَرَ اَلْأَشْتَرَ فَوَقَفَ فِي ثَلاَثَةِ آلاَفِ فَارِسٍ حَتَّى لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ إِلاَّ عَبَرَ ثُمَّ إِنَّهُ عَبَرَ آخِرُ النَّاسِ رَجُلاً.

وَ ذَكَرَ اَلْحَجَّاجُ أَنَّ الْخَيْلَ ازْدَحَمَتْ حِينَ عَبَرَتْ وَ زَحَمَ بَعْضُهَا بَعْضاً وَ هِيَ تَعْبُرُ فَسَقَطَتْ قَلَنْسُوَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْحُصَيْنِ (2)فَنَزَلَ فَأَخَذَهَا وَ رَكِبَ وَ سَقَطَتْ قَلَنْسُوَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَجَّاجِ فَنَزَلَ فَأَخَذَهَا ثُمَّ رَكِبَ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ

إِنْ يَكُ ظَنُّ الزَّاجِرِي الطَّيْرِ صَادِقاً كَمَا زَعَمُوا أُقْتَلْ وَشِيكاً وَ تُقْتَلْ (3).

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْحُصَيْنِ مَا شَيْءٌ أُؤتَاهُ هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا ذَكَرْتَ فَقُتِلاَ جَمِيعاً يَوْمَ صِفِّينَ .

وَ قَالَ خَالِدُ بْنُ قُطْنٍ فَلَمَّا قَطَعَ عَلِيٌّ اَلْفُرَاتَ دَعَا زِيَادَ بْنَ النَّضْرِ وَ شُرَيْحَ بْنَ هَانِئٍ فَسَرَّحَهُمَا أَمَامَهُ نَحْوَ مُعَاوِيَةَ عَلَى حَالِهِمَا الَّذِي كَانَا عَلَيْهِ حِينَ خَرَجَا مِنَ اَلْكُوفَةِ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً وَ قَدْ كَانَا حِينَ سَرَّحَهُمَا مِنَ اَلْكُوفَةِ مُقَدِّمَةً لَهُ أَخَذَا عَلَى شَاطِئِ اَلْفُرَاتِ مِنْ قِبَلِ الْبَرِّ مِمَّا يَلِي اَلْكُوفَةَ حَتَّى بَلَغَا عَانَاتِ فَبَلَغَهُمَا أَخْذُ عَلِيٍّ عَلَى طَرِيقِ اَلْجَزِيرَةِ وَ بَلَغَهُمَا أَنَّ مُعَاوِيَةَ أَقْبَلَ فِي جُنُودِ اَلشَّامِ مِنْ دِمَشْقَ لاِسْتِقْبَالِ عَلِيٍّ فَقَالاَ:لاَ وَ اللَّهِ مَا هَذَا لَنَا بِرَأْيٍ أَنّْ.

ص: 152


1- في الأصل:«فعبر على الأثقال و الرحال»بالحاء و بزيادة«على»؛و أثبت صوابه من ح(1:290).و في الطبريّ(5:237):«فعبر عليه بالأثقال و الرحال».
2- في الأصل:«عبد الرحمن بن أبي الحصين»فى هذا الموضع و تاليه،و صوابه في ح و الطبريّ.
3- رسم في الأصل بصورة النثر،و بلفظ:«الزاجر»و«يزعمون»،صوابه في الطبريّ.

نَسِيرَ وَ بَيْنَنَا وَ بَيْنَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا الْبَحْرُ مَا لَنَا خَيْرٌ أَنْ نَلْقَى جُمُوعَ أَهْلِ اَلشَّامِ بِقِلَّةٍ مِنْ عَدَدِنَا مُنْقَطِعِينَ مِنَ الْعَدَدِ وَ الْمَدَدِ فَذَهَبُوا لِيَعْبُرُوا مِنْ عَانَاتِ فَمَنَعَهُمْ أَهْلُ عَانَاتِ وَ حَبَسُوا عِنْدَهُمْ السُّفُنَ (1)فَأَقْبَلُوا رَاجِعِينَ حَتَّى عَبَرُوا مِنْ هِيتَ ثُمَّ لَحِقُوا عَلِيّاً بِقَرْيَةٍ دُونَ قِرْقِيسِيَا وَ قَدْ أَرَادُوا أَهْلَ عَانَاتِ فَتَحَصَّنُوا مِنْهُمْ فَلَمَّا لَحِقَتِ الْمُقَدَّمَةُ عَلِيّاً ،قَالَ: 1«مُقَدِّمَتِي تَأْتِي مِنْ وَرَائِي؟» فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ زِيَادٌ وَ شُرَيْحٌ فَأَخْبَرَاهُ بِالرَّأْيِ الَّذِي رَأَيَا فَقَالَ: 1«قَدْ أَصَبْتُمَا رُشْدَكُمَا» فَلَمَّا عَبَرَ اَلْفُرَاتَ قَدَّمَهُمَا أَمَامَهُ نَحْوَ مُعَاوِيَةَ فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى مُعَاوِيَةَ لَقِيَهُمْ أَبُو الْأَعْوَرِ السُّلَمِيُّ فِي جُنْدِ أَهْلِ اَلشَّامِ فَدَعَوْهُمْ إِلَى الدُّخُولِ فِي طَاعَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَأَبَوْا فَبَعَثُوا إِلَى عَلِيٍّ أَنَّا قَدْ لَقِينَا أَبَا الْأَعْوَرِ السُّلَمِيَّ بِسُورِ اَلرُّومِ فِي جُنْدٍ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ فَدَعَوْنَاهُ (2)وَ أَصْحَابَهُ إِلَى الدُّخُولِ فِي طَاعَتِكَ فَأَبَوْا عَلَيْنَا فَمُرْنَا بِأَمْرِكَ.فَأَرْسَلَ عَلِيٌّ إِلَى اَلْأَشْتَرِ فَقَالَ:

1«يَا مَالِ إِنَّ زِيَاداً وَ شُرَيْحاً أَرْسَلاَ إِلَيَّ يُعْلِمَانِي أَنَّهُمَا لَقِيَا أَبَا الْأَعْوَرِ السُّلَمِيَّ فِي جُنْدٍ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ بِسُورِ اَلرُّومِ فَنَبَّأَنِي الرَّسُولُ أَنَّهُ تَرَكَهُمْ مُتَوَاقِفِينَ (3)فَالنَّجَاءَ إِلَى أَصْحَابِكَ النَّجَاءَ فَإِذَا أَتَيْتَهُمْ فَأَنْتَ عَلَيْهِمْ وَ إِيَّاكَ أَنْ تَبْدَأَ الْقَوْمَ بِقِتَالٍ إِلاَّ أَنْ يَبْدَءُوكَ حَتَّى تَلْقَاهُمْ وَ تَسْمَعَ مِنْهُمْ وَ لاَ يَجْرِمَنَّكَ شَنَآنُهُمْ عَلَى قِتَالِهِمْ (4)قَبْلَ دُعَائِهِمْ وَ الْإِعْذَارِ إِلَيْهِمْ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَ اجْعَلْ عَلَى مَيْمَنِتَك زِيَاداً وَ عَلَى مَيْسَرَتِكَ شُرَيْحاً وَ قِفْ بَيْنَ أَصْحَابِكَ وَسَطاً وَ لاَ تَدْنُم.

ص: 153


1- ح(1:291):«عنهم السفن».
2- في الأصل:«فدعوناهم»صوابه من ح.
3- متواقفين:وقف بعضهم أمام بعض في الحرب.
4- أي لا يحملنك بغضهم على قتالهم.

مِنْهُمْ دُنُوَّ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُنْشِبَ الْحَرْبَ وَ لاَ تَبَاعَدْ مِنْهُمْ تَبَاعُدَ مَنْ يَهَابُ الْبَأْسَ حَتَّى أَقْدَمَ عَلَيْكَ (1)فَإِنِّي حَثِيثُ السَّيْرِ إِلَيْكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» .

وَ كَانَ الرَّسُولُ اَلْحَارِثَ بْنَ جُمْهَانَ الْجُعْفِيَّ (2)وَ كَتَبَ إِلَيْهِمَا:

1«أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قَدْ أَمَّرْتُ عَلَيْكُمَا مَالِكاً فَاسْمَعَا لَهُ وَ أَطِيعَا أَمْرَهُ فَإِنَّهُ مِمَّنْ لاَ يُخَافُ رَهَقُهُ وَ لاَ سِقَاطُهُ (3)وَ لاَ بُطْؤُهُ عَنْ مَا الْإِسْرَاعُ إِلَيْهِ أَحْزَمُ وَ لاَ الْإِسْرَاعُ إِلَى مَا الْبُطْءُ عَنْهُ أَمْثَلُ وَ قَدْ أَمَرْتُهُ بِمِثْلِ الَّذِي أَمَرْتُكَ أَلاَّ يَبْدَأَ الْقَوْمَ بِقِتَالٍ حَتَّى يَلْقَاهُمْ فَيَدْعُوَهُمْ وَ يُعْذِرَ إِلَيْهِمْ (4)[إِنْ شَاءَ اللَّهُ»] فَخَرَجَ اَلْأَشْتَرُ حَتَّى قَدِمَ عَلَى الْقَوْمِ فَاتَّبَعَ مَا أَمَرَهُ بِهِ عَلِيٌّ وَ كَفَّ عَنِ الْقِتَالِ فَلَمْ يَزَالُوا مُتَوَاقِفِينَ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الْمَسَاءِ حَمَلَ عَلَيْهِمْ أَبُو الْأَعْوَرِ السُّلَمِيُّ فَثَبَتُوا لَهُ وَ اضْطَرَبُوا سَاعَةً ثُمَّ إِنَّ أَهْلَ اَلشَّامِ انْصَرَفُوا ثُمَّ خَرَجَ هَاشِمُ بْنُ عُتْبَةَ فِي خَيْلٍ وَ رِجَالٍ حَسَنٍ عُدَّتُهَا وَ عَدَدُهَا وَ خَرَجَ إِلَيْهِمْ أَبُو الْأَعْوَرِ السُّلَمِيُّ فَاقْتَتَلُوا يَوْمَهُمْ ذَلِكَ تَحْمِلُ الْخَيْلَ عَلَى الْخَيْلِ (5)وَ الرِّجَالَ عَلَى الرِّجَالِ فَصَبَرَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا وَ بَكَّرَ عَلَيْهِمُ اَلْأَشْتَرُ فَقُتِلَ مِنْهُمْ (6)عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُنْذِرِ».

ص: 154


1- في الأصل:«إليك»و أثبت ما في ح.
2- ذكره في لسان الميزان(2:149)بدون نسبته،و قال:«ذكره الطوسيّ في رجال الشيعة».و قد ضبط في تاريخ الطبريّ(5:238)بضم الجيم.
3- الرهق:الجهل و خفة العقل؛و هو أيضا الكذب،و العربدة.و السقاط، بالكسر:الخطأ و العثرة و الزلة.
4- في الأصل:«ألا تبدءوا القوم بقتال حتّى تلقاهم فتدعوهم و تعذر إليهم»و أثبت في ح.
5- في الأصل:«فحمل الخيل على الخيل»و أثبت ما في ح و الطبريّ(5:239).
6- ح:«فقتل من أهل الشام».

التَّنُّوخِيُّ قَتَلَهُ ظَبْيَانُ بْنُ عُمَارَةَ التَّمِيمِيُّ وَ مَا هُوَ يَوْمَئِذٍ إِلاَّ فَتًى حَدِيثُ السِّنِّ وَ إِنْ كَانَ الشَّامِيُّ لَفَارِسَ أَهْلِ اَلشَّامِ وَ أَخَذَ اَلْأَشْتَرُ يَقُولُ وَيْحَكُمْ أَرُونِي أَبَا الْأَعْوَرِ ثُمَّ إِنَّ أَبَا الْأَعْوَرِ دَعَا النَّاسَ فَرَجَعُوا نَحْوَهُ فَوَقَفَ عَلَى تَلٍّ مِنْ وَرَاءِ الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ فِيهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ جَاءَ اَلْأَشْتَرُ حَتَّى صَفَّ أَصْحَابَهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ فِيهِ أَبُو الْأَعْوَرِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَقَالَ اَلْأَشْتَرُ : لِسَنَانِ بْنِ مَالِكٍ النَّخَعِيِّ انْطَلِقْ إِلَى أَبِي الْأَعْوَرِ فَادْعُهُ إِلَى الْمُبَارَزَةِ فَقَالَ:إِلَى مُبَارَزَتِي أَوْ مُبَارَزَتِكَ؟ فَقَالَ:إِلَى مُبَارَزَتِي فَقَالَ اَلْأَشْتَرُ :أَ وَ لَوْ أَمَرْتُكَ بِمُبَارَزَتِهِ فَعَلْتَ؟ قَالَ:نَعَمْ وَ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَوْ أَمَرْتَنِي أَنْ أَعْتَرِضَ صَفَّهُمْ بِسَيْفِي فَعَلْتُهُ (1)حَتَّى أَضْرِبَهُ بِالسَّيْفِ فَقَالَ:يَا ابْنَ أَخِي أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَكَ وَ قَدْ وَ اللَّهِ ازْدَدْتُ فِيكَ رَغْبَةً لاَ مَا أَمَرْتُكَ بِمُبَارَزَتِهِ إِنَّمَا أَمَرْتُكَ أَنْ تَدْعُوَهُ إِلَى مُبَارَزَتِي لِأَنَّهُ لاَ يُبَارِزُ إِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِهِ إِلاَّ ذَوِي الْأَسْنَانِ (2)وَ الْكَفَاءَةِ وَ الشَّرَفِ وَ أَنْتَ بِحَمْدِ اللَّهِ مِنْ أَهْلِ الْكَفَاءَةِ وَ الشَّرَفِ وَ لَكِنَّكَ حَدِيثُ السِّنِّ وَ لَيْسَ يُبَارِزُ الْأَحْدَاثَ فَاذْهَبْ فَادْعُهُ إِلَى مُبَارَزَتِي فَأَتَاهُمْ فَقَالَ: (3)أَمِّنُونِي فَإِنِّي رَسُولٌ (4)فَأَمَّنُوهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى أَبِي الْأَعْوَرِ .

.

طلب الأشتر مبارزة الأعور

نَصْرٌ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ رَجُلٌ(5) عَنْ أَبِي زُهَيْرٍ الْعَبْسِيِّ عَنْ صَالِحِ بْنِ سِنَانِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ لَهُ:إِنَّ اَلْأَشْتَرَ يَدْعُوكَ إِلَى مُبَارَزَتِهِ فَسَكَتَ عَنِّي طَوِيلاً ثُمَّ قَالَ إِنَّ خِفَّةَ اَلْأَشْتَرِ وَ سُوءَ رَأْيِهِ هُوَ الَّذِي دَعَاهُ إِلَى

ص: 155


1- ح(1:291):«لفعلت».
2- في الأصل:«لذوى الأسنان»و الوجه ما أثبت في ح.و انظر الطبريّ.
3- في الأصل:«فأتاه فقال»،صوابه في ح.
4- ح:«أنا رسول فأمنونى».
5- (5) كذا في الأصل،و ليست في ح.و معناه حدّثني رجل.

إِجْلاَءِ عُمَّالِ عُثْمَانَ مِنَ اَلْعِرَاقِ وَ افْتِرَاؤُهُ عَلَيْهِ يُقَبِّحُ مَحَاسِنَهُ وَ يُجَهِّلُ حَقَّهُ وَ يُظْهِرُ عَدَاوَتُهُ وَ مِنْ خِفَّةِ اَلْأَشْتَرِ وَ سُوءِ رَأْيِهِ أَنَّهُ سَارَ إِلَى عُثْمَانَ فِي دَارِهِ وَ قَرَارِهِ فَقَتَلَهُ فِيمَنْ قَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مُبْتَغًى بِدَمِهِ (1)لاَ حَاجَةَ لِي فِي مُبَارَزَتِهِ.

قَالَ:قُلْتُ لَهُ:قَدْ تَكَلَّمْتَ فَاسْتَمِعْ مِنِّي حَتَّى أُخْبِرَكَ (2)قَالَ:فَقَالَ:

لاَ حَاجَةَ لِي فِي جَوَابِكَ وَ لاَ الاِسْتِمَاعِ مِنْكَ اذْهَبْ عَنِّي وَ صَاحِ بِي أَصْحَابَهُ فَانْصَرَفْتُ عَنْهُ وَ لَوْ سَمِعَ مِنِّي لَأَخْبَرْتُهُ بِعُذْرِ صَاحِبِي وَ حُجَّتِهِ فَرَجَعْتُ إِلَى اَلْأَشْتَرِ فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّهُ قَدْ أَبَى الْمُبَارَزَةَ فَقَالَ:لِنَفْسِهِ نَظَرَ قَالَ:فَتَوَاقَفْنَا حَتَّى حَجَزَ بَيْنَنَا وَ بَيْنَهُمُ اللَّيْلُ وَ بِتْنَا مُتَحارِسِينَ فَلَمَّا أَنْ أَصْبَحْنَا نَظَرْنَا فَإِذَا هُمْ قَدِ انْصَرَفُوا (3)قَالَ:وَ صَبَّحَنَا (4)عَلِيٌّ غُدْوَةً فَسَارَ نَحْوَ مُعَاوِيَةَ فَإِذَا أَبُو الْأَعْوَرِ السُّلَمِيُّ قَدْ سَبَقَ إِلَى سُهُولَةِ الْأَرْضِ وَ سَعَةِ الْمَنْزِلِ وَ شَرِيعَةُ الْمَاءِ مَكَانٌ أَفْيَحُ (5)وَ كَانَ عَلَى مُقَدِّمَةِ مُعَاوِيَةَ .

مصفة الجيشين

نَصْرٌ عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَ زَيْدِ بْنِ حَسَنٍ وَ مُحَمَّدٍ يَعْنِي اِبْنَ الْمُطَّلِبِ قَالُوا: 5اِسْتَعْمَلَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَلَى مُقَدِّمَتِهِ اَلْأَشْتَرَ بْنَ الْحَارِثِ النَّخَعِيَّ وَ سَارَ عَلِيٌّ فِي خَمْسِينَ وَ مِائَةِ أَلْفٍ مِنْ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ وَ قَدْ خَنَسَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ وَ سَارَ مُعَاوِيَةُ فِي نَحْوٍ مِنْ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ وَ اسْتَعْمَلَ مُعَاوِيَةُ عَلَى مُقَدِّمَتِهِ سُفْيَانَ بْنَ عَمْرٍو أَبَا الْأَعْوَرِ السُّلَمِيَّ ، فَلَمَّا بَلَغَ مُعَاوِيَةَ أَنَّ عَلِيّاً يَتَجَهَّزُ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالتَّهَيُّؤِ.فَلَمَّا اسْتَتَبَّ لِعَلِيٍّ أَمْرُهُ

ص: 156


1- مبتغى:مطلوبا.و في ح و الطبريّ:«متبعا».
2- ح و الطبريّ:«فاسمع حتّى أجيبك».
3- في الطبريّ:«قد انصرفوا من تحت ليلتهم».
4- في الأصل:«و أصبحنا»تحريف.و في ح و الطبريّ:«و يصبحنا على غدوة».
5- الأفيح:الواسع.ح:«مكانا أفسح»،محرف.

سَارَ بِأَصْحَابِهِ فَلَمَّا بَلَغَ مُعَاوِيَةَ مَسِيرُهُ إِلَيْهِ سَارَ بِقَضِّهِ وَ قَضِيضِهِ نَحْوَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ اسْتَعْمَلَ عَلَى مُقَدِّمَتِهِ سُفْيَانَ بْنَ عَمْرٍو وَ عَلَى سَاقَتِهِ اِبْنُ أَرْطَاةَ الْعَامِرِيُّ يَعْنِي بُسْراً (1)فَسَارُوا حَتَّى تَوَافَوْا جَمِيعاً بِقُنَاصِرِينَ (2)إِلَى جَنْبِ صِفِّينَ فَأَتَى اَلْأَشْتَرُ صَاحِبَ مُقَدِّمَةِ مُعَاوِيَةَ وَ قَدْ سَبَقَهُ إِلَى الْمُعَسْكَرِ عَلَى الْمَاءِ وَ كَانَ اَلْأَشْتَرُ فِي أَرْبَعَةِ آلاَفٍ مِنْ مُتَبَصِّرِي أَهْلِ اَلْعِرَاقِ فَأَزَالُوا أَبَا الْأَعْوَرِ عَنْ مُعَسْكَرِهِ وَ أَقْبَلَ مُعَاوِيَةُ فِي جَمِيعِ الْفَيْلَقِ (3)بِقَضِّهِ وَ قَضِيضِهِ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ اَلْأَشْتَرُ انْحَازَ إِلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ غَلَبَ مُعَاوِيَةُ عَلَى الْمَاءِ وَ حَالَ بَيْنَ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ وَ بَيْنَهُ وَ أَقْبَلَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حَتَّى إِذَا أَرَادَ الْمُعَسْكَرَ إِذاً الْقَوْمُ قَدْ حَالُوا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْمَاءِ.

ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْحَدِيثِ بِإِسْنَادِهِ إِلَى الْأَوَّلِ ثُمَّ إِنَّ عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلاَمُ طَلَبَ مَوْضِعاً لِعَسْكَرِهِ وَ أَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَضَعُوا أَثْقَالَهُمْ وَ هُمْ مِائَةُ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ فَلَمَّا نَزَلُوا تَسَرَّعَ فَوَارِسُ مِنْ فَوَارِسِ عَلِيٍّ عَلَى خَيْلِهِمْ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَ كَانُوا فِي ثَلاَثِينَ وَ مِائَةٍ وَ لَمْ يَنْزِلْ بَعْدُ مُعَاوِيَةُ فَنَاوَشُوهُمُ الْقِتَالَ وَ اقْتَتَلُوا هُوِيّاً (4).

.و.

ص: 157


1- بعده في ح(1:291):«و على الخيل عبيد اللّه بن عمر بن الخطّاب،و دفع اللواء إلى عبد الرحمن بن خالد بن الوليد،و جعل على الميمنة حبيب بن مسلمة الفهرى،و على الميسرة عبد اللّه بن عمرو بن العاص،و على الرجالة من الميسرة حابس بن سعيد الطائى و على خيل دمشق الضحّاك بن قيس الفهرى،و على رجالة أهل دمشق يزيد بن أسد بن كرز البجليّ،و على أهل حمص ذا الكلاع،و على أهل فلسطين مسلمة بن مخلد».و سيأتي هذا الكلام في نهاية هذا الجزء الثالث من الكتاب.
2- لم يذكره ياقوت.و في القاموس:«و قناصرين بالضم:موضع بالشام».
3- في الأصل:«جمع الفيلق»صوابه في ح(1:325).
4- الهوى،بفتح الهاء و كسر الواو و تشديد الياء:الحين الطويل من الزمان. و بالضم:السرعة،يقال هوت الناقة تهوى هويا،إذا عدت عدوا شديدا أرفع العدو.

[مكاتبة معاوية مع علي]

1- نَصْرٌ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ طَرِيفٍ عَنِ اَلْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ قَالَ:

كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ :

عَافَانَا اللَّهُ وَ إِيَّاكَ:

مَا أَحْسَنَ الْعَدْلَ وَ الْإِنْصَافَ مِنْ عَمَلٍ

وَ أَقْبَحَ الطَّيْشَ ثُمَّ النَّفْشَ فِي الرَّجُلِ (1).

وَ كَتَبَ بَعْدَهُ (2)

اِرْبِطْ حِمَارَكَ لاَ يُنْزَعْ سَوِيَّتُهُ

إِذَا يَرُدُّ وَ قَيدُ الْعَيْرِ مَكْرُوبٌ (3)

لَيْسَتْ تَرَى السِّيدُ زَيْداً فِي نُفُوسِهِمْ

كَمَا تَرَاهُ بَنُو كُوزٍ وَ مَرْهُوبُ

إِنْ تَسْأَلُوا الْحَقَّ يُعْطَى الْحَقَّ سَائِلُهُ

وَ الدِّرْعُ مُحْقَبَةٌ وَ السَّيْفُ مَقْرُوبٌ

أَوْ تَأْنِفُونَ فَإِنَّا مَعْشَرٌ أُنُفٌ

لاَ نَطْعَمُ الضَّيْمَ إِنَّ السُّمَّ مَشْرُوبٌ

قَالَ:وَ أَمَرَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ النَّاسَ فَوُزِعُوا عَنِ الْقِتَالِ (4)حَتَّى تَأْخُذَا.

ص: 158


1- قال ابن أبي الحديد في(1:326):«و النفش كثرة الكلام و الدعاوى. و أصله من نفش الصوف».
2- التكملة من ح(1:325).
3- الأبيات لعبد اللّه بن عنمة الضبى:انظر الشعر و شرحه و ترجمة قائله و جو الأبيات في المفضليات(2:182 طبع المعارف).
4- وزعوا:كفوا.

أَهْلُ الْمَصَافِّ مَصَافَّهُمْ (1)ثُمَّ قَالَ:

1«أَيُّهَا النَّاسُ هَذَا مَوْقِفُ مَنْ نَطِفَ فِيهِ نَطِفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (2)وَ مَنْ فَلَجَ فِيهِ فَلَجَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ لَمَّا نَزَلَ مُعَاوِيَةُ بِصِفِّينَ 1

«لَقَدْ أَتَاكُمْ كَاشِراً عَنْ نَابِهِ يُهَمِّطُ النَّاسَ عَلَى اعْتِزَابِهِ (3)

فَلْيَأْتِنَا الدَّهْرُ بِمَا أَتَى بِهِ»

وَ كَتَبَ عَلِيٌّ إِلَى مُعَاوِيَةَ :

1

«فَإِنَّ لِلْحَرْبِ عُرَاماً شَرَراً إِنَّ عَلَيْهَا قَائِداً عَشَنْزَراً (4)

يُنْصِفُ مَنْ أَجْحَرَ أَوْ تَنَمَّرَا عَلَى نَوَاحِيهَا مِزَجّاً زَمْجَرَا (5)ت.

ص: 159


1- ح(1:326):«حتى أخذ أهل الشام مصافهم».
2- يقال نطف،كعلم،و نطف بالبناء للمجهول:أى اتهم بريبة.
3- يهمط الناس،أي يقهرهم و يخطبهم.و الاعتزاب،قال ابن أبي الحديد في(1: 327):«أى على بعده عن الإمارة و الولاية على الناس».و في الأصل:«اغترابه» تحريف.
4- العشنزر:الشديد.
5- قال ابن أبي الحديد:«أجحر:ظلم الناس حتّى ألجأهم إلى أن دخلوا جحرتهم أو بيوتهم.و تنمر:أى تنكر حتّى صار كالنمر.يقول:هذا القائد الشديد القوى ينصف من يظلم الناس و يتنكر لهم،أي ينصف منه.فحذف حرف الجر كقوله« وَ اخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ » أى من قومه.و المزج،بكسر الميم:السريع النفوذ،و أصله الرمح القصير كالمزراق. و رجل زمجر أي مانع حوزته،و الميم زائدة.و من رواها:زمخرا،بالخاء،عنى به المرتفع العالى الشأن».فى الأصل:«أحجم»و في ح:«أحجر»بتقديم الحاء على الجيم في الرجز و في شرحه؛و صوابهما بتقديم الجيم على الحاء و آخره راء كما أثبت.

إِذَا وَنِينُ سَاعَةٍ تَغَشْمَرَا» (1)

وَ قَالَ أَيْضاً (2):

1

«أَ لَمْ تَرَ قَوْمِي إِذْ دَعَاهُمْ أَخُوهُمْ

أَجَابُوا وَ إِنْ يَغْضَبْ عَلَى الْقَوْمِ يَغْضَبُوا

هُمُ حَفِظُوا غَيْبِي كَمَا كُنْتُ حَافِظاً

لِقَوْمِيَ أُخْرَى مِثْلَهَا إِذْ تَغَيَّبُوا

بَنُو الْحَرْبِ لَمْ يَقْعُدْ بِهِمْ أُمَّهَاتُهُمْ

وَ آبَاؤُهُمْ آبَاءُ صِدْقٍ فَأَنْجَبُوا»

فَتَرَاجَعَ النَّاسُ إِلَى مُعَسْكَرِهِمْ وَ ذَهَبَ شَبَابٌ مِنَ النَّاسِ وَ غِلْمَانُهُمْ يَسْتَقُونَ فَمَنَعَهُمْ أَهْلُ اَلشَّامِ . .

قتال أهل الشام و العراق على الماء

نَصْرٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْأَحْمَرِ قَالَ: لَمَّا قَدِمْنَا عَلَى مُعَاوِيَةَ وَ أَهْلِ اَلشَّامِ بِصِفِّينَ وَجَدْنَاهُمْ قَدْ نَزَلُوا مَنْزِلاً اخْتَارُوهُ مُسْتَوِياً (3)بِسَاطاً وَاسِعاً وَ أَخَذُوا الشَّرِيعَةَ فَهِيَ فِي أَيْدِيهِمْ وَ قَدْ صَفَّ أَبُو الْأَعْوَرِ عَلَيْهَا الْخَيْلَ وَ الرَّجَّالَةَ وَ قَدَّمَ الْمُرَامِيَةَ وَ مَعَهُمْ أَصْحَابُ الرِّمَاحِ وَ الدَّرَقِ وَ عَلَى رُءُوسِهِمُ الْبَيْضُ وَ قَدْ أَجْمَعُوا أَنْ يَمْنَعُونَا الْمَاءَ فَفَزِعْنَا إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَأَخْبَرْنَاهُ بِذَلِكَ فَدَعَا صَعْصَعَةَ بْنَ صُوحَانَ فَقَالَ:

ص: 160


1- تغشمر:تنمر و أخذهم بالشدة لا يبالى.
2- الشعر لربيعة بن مشروم الطائى،كما في ح(1:327).
3- في الأصل:«اختار و لا مستويا»،صوابه في ح.

: 1«اِئْتِ مُعَاوِيَةَ فَقُلْ:إِنَّا سِرْنَا مَسِيرَنَا هَذَا وَ أَنَا أَكْرَهُ قِتَالَكُمْ قَبْلَ الْإِعْذَارِ إِلَيْكُمْ وَ إِنَّكَ قَدْ قَدِمْتَ بِخَيْلِكَ (1)فَقَاتَلْتَنَا قَبْلَ أَنْ نُقَاتِلَكَ وَ بَدَأْتَنَا بِالْقِتَالِ وَ نَحْنُ مِنْ رَأْيِنَا (2)الْكَفُّ حَتَّى نَدْعُوَكَ وَ نَحْتَجَّ عَلَيْكَ وَ هَذِهِ أُخْرَى قَدْ فَعَلْتُمُوهَا حَتَّى حُلْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ وَ بَيْنَ الْمَاءِ فَخَلِّ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَهُ حَتَّى نَنْظُرَ فِيمَا بَيْنَنَا وَ بَيْنَكُمْ وَ فِيمَا قَدِمْنَا لَهُ وَ قَدِمْتُمْ وَ إِنْ كَانَ أَحَبَّ إِلَيْكَ أَنْ نَدَعَ مَا جِئْنَا لَهُ وَ نَدَعَ النَّاسَ يَقْتَتِلُونَ عَلَى الْمَاءِ حَتَّى يَكُونَ الْغَالِبُ هُوَ الشَّارِبَ فَعَلْنَا» فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِأَصْحَابِهِ: (3)مَا تَرَوْنَ؟ قَالَ اَلْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ امْنَعْهُمُ الْمَاءَ كَمَا مَنَعُوهُ اِبْنَ عَفَّانَ حَصَرُوهُ أَرْبَعِينَ يَوْماً يَمْنَعُونَهُ بَرْدَ الْمَاءِ وَ لِينَ الطَّعَامِ اقْتُلْهُمْ عَطَشاً قَتَلَهُمُ اللَّهُ قَالَ عَمْرٌو :خَلِّ بَيْنَ الْقَوْمِ وَ بَيْنَ الْمَاءِ فَإِنَّهُمْ لَنْ يَعْطِشُوا وَ أَنْتَ رَيَّانٌ وَ لَكِنْ لِغَيْرِ الْمَاءِ فَانْظُرْ فِيمَا بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُمْ فَأَعَادَ اَلْوَلِيدُ مَقَالَتَهُ وَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي سَرْحٍ (4)وَ هُوَ أَخُو عُثْمَانَ مِنَ الرَّضَاعَةِ:اِمْنَعْهُمُ الْمَاءَ إِلَى اللَّيْلِ فَإِنَّهُمْ إِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ رَجَعُوا وَ كَانَ رُجُوعُهُمْ هَزِيمَتَهُمْ امْنَعْهُمُ الْمَاءَ مَنَعَهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ صَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ :إِنَّمَا يَمْنَعُهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْكَفَرَةَ الْفَجَرَةَ شَرَبَةَ الْخَمْرِ ضَرَبَكَ وَ ضَرَبَ هَذَا الْفَاسِقَ (5)يَعْنِي اَلْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ فَتَوَاثَبُوا إِلَيْهِ يَشْتُمُونَهُ وَ يَتَهَدَّدُونَهُ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ كُفُّوا عَنِ الرَّجُلِ فَإِنَّهُ رَسُولٌ.

.

نَصْرٌ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفِ بْنِه.

ص: 161


1- ح:«قدمت خيلك».
2- ح:«ممن رأينا».
3- ح:«فلما مضى صعصعة برسالته إلى معاوية قال معاوية لأصحابه».
4- هو عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح بن الحارث بن حبيب-بالتصغير-بن حذافة ابن مالك بن حسل بن عامر بن لؤى.و هو الذي افتتح إفريقية زمن عثمان و ولى مصر بعد ذلك.و مات سنة تسع و خمسين في آخر عهد معاوية.الإصابة 4702.ح:«بن سعيد» تحريف.
5- الضرب،هاهنا:المثل و الشبيه.

الْأَحْمَرِ : أَنَّ صَعْصَعَةَ رَجَعَ إِلَيْنَا فَحَدَّثَنَا بِمَا قَالَ مُعَاوِيَةُ وَ مَا كَانَ مِنْهُ وَ مَا رَدَّ عَلَيْهِ فَقُلْنَا:وَ مَا رَدَّ عَلَيْكَ مُعَاوِيَةُ ؟ قَالَ:لَمَّا أَرَدْتُ الاِنْصِرَافَ مِنْ عِنْدِهِ قُلْتُ:

مَا تَرُدُّ عَلَيَّ؟ قَالَ:سَيَأْتِيكُمْ رَأْيِي قَالَ:فَوَ اللَّهِ مَا رَاعَنَا إِلاَّ تَسْوِيَةُ الرِّجَالِ وَ الْخَيْلِ وَ الصُّفُوفِ فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِي الْأَعْوَرِ :اِمْنَعْهُمُ الْمَاءَ فَازْدَلَفْنَا وَ اللَّهِ إِلَيْهِمْ فَارْتَمَيْنَا وَ أَطَعْنَا بِالرِّمَاحِ وَ اضْطَرَبْنَا بِالسُّيُوفِ فَطَالَ ذَلِكَ بَيْنَنَا وَ بَيْنَهُمْ فَضَارَبْنَاهُمْ فَصَارَ الْمَاءُ فِي أَيْدِينَا فَقُلْنَا وَ اللَّهِ لاَ نَسْقِيهِمْ فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا عَلِيٌّ :

1«خُذُوا مِنَ الْمَاءِ حَاجَتَكُمْ وَ ارْجِعُوا إِلَى عَسْكَرِكُمْ (1)وَ خَلُّوا بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ الْمَاءِ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ نَصَرَكُمْ بِبَغْيِهِمْ وَ ظُلْمِهِمْ» .

نَصْرٌ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي حُرَّةَ أَنَّ عَلِيّاً قَالَ: هَذَا يَوْمُ نُصِرْتُمْ فِيهِ بِالْحَمِيَّةِ.

نَصْرٌ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ اَلْجُرْجَانِيِّ قَالَ: فَبَقِيَ أَصْحَابُ عَلِيٍّ يَوْماً وَ لَيْلَةً يَوْمَ اَلْفُرَاتِ بِلاَ مَاءٍ وَ قَالَ رَجُلٌ مِنَ اَلسَّكُونِ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ يُعْرَفُ بِالسَّلِيْلِ بْنِ عَمْرٍو (2):يَا مُعَاوِيَةُ

اِسْمَعِ الْيَوْمَ مَا يَقُولُ اَلسَّلِيلُ إِنَّ قَوْلِي قَوْلٌ لَهُ تَأْوِيلُ

امْنَعِ الْمَاءَ مِنْ صِحَابِ عَلِيٍّ أَنْ يَذُوقُوهُ وَ الذَّلِيلُ ذَلِيلُ

وَ اقْتُلِ الْقَوْمَ مِثْلَ مَا قُتِلَ الشَّيْخُ ظَمَأً وَ الْقِصَاصُ أَمْرٌ جَمِيلُ (3)

فَوَ حَقِّ الَّذِي يُسَاقُ لَهُ الْبُدْنُ هَدَايَا لِنَحْرِهَا تَأْجِيلُ (4)».

ص: 162


1- ح:«معسكركم»،و هما سيان؛فإن العسكر كما يقال للجيش يقال أيضا لمجتمع الجيش كالمعسكر.
2- ح:«بالشليل بن عمرو»،و كذا جاءت في الشعر.
3- ح:«صدى فالقصاص أمر جميل».
4- التأجيل:تحديد الأجل.و في التنزيل:« كِتاباً مُؤَجَّلاً. »ح:«هدايا كأنهن الفيول».

لَوْ عَلِيٌّ وَ صَحْبُهُ وَرَدُوا الْمَاءَ لَمَا ذُقْتُمُوهُ حَتَّى تَقُولُوا: (1)

قَدْ رَضِينَا بِمَا حَكَمْتُمْ عَلَيْنَا بَعْدَ ذَاكَ الرِّضَا جِلاَدٌ ثَقِيلُ

فَامْنَعِ الْقَوْمَ مَاءَكُمْ لَيْسَ لِلْقَوْمِ بَقَاءٌ وَ إِنْ يَكُنْ فَقَلِيلُ.

فَقَالَ مُعَاوِيَةُ الرَّأْيُ مَا تَقُولُ وَ لَكِنْ عَمْرٌو لاَ يَدَعُنِي (2)قَالَ عَمْرٌو خَلِّ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ الْمَاءِ فَإِنَّ عَلِيّاً لَمْ يَكُنْ لِيَظْمَأَ وَ أَنْتَ رَيَّانٌ وَ فِي يَدِهِ أَعِنَّةُ الْخَيْلِ وَ هُوَ يَنْظُرُ إِلَى اَلْفُرَاتِ حَتَّى يَشْرَبَ أَوْ يَمُوتَ وَ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ الشُّجَاعُ الْمُطْرِقُ (3)وَ مَعَهُ أَهْلُ اَلْعِرَاقِ وَ أَهْلُ اَلْحِجَازِ وَ قَدْ سَمِعْتُهُ أَنَا وَ أَنْتَ (4)وَ هُوَ يَقُولُ: 1«لَوْ اسْتَمْكَنْتُ مِنْ أَرْبَعِينَ رَجُلاً» فَذَكَرَ أَمْراً يَعْنِي لَوْ أَنَّ مَعِي أَرْبَعِينَ رَجُلاً يَوْمَ فُتِّشَ الْبَيْتُ يَعْنِي بَيْتَ فَاطِمَةَ وَ ذَكَرُوا أَنَّهُ لَمَّا غَلَبَ أَهْلُ اَلشَّامِ عَلَى اَلْفُرَاتِ فَرِحُوا بِالْغَلَبَةِ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ يَا أَهْلَ اَلشَّامِ هَذَا وَ اللَّهِ أَوَّلُ الظَّفَرِ سَقَانِي اللَّهُ وَ لاَ سَقَى أَبَا سُفْيَانَ إِنْ شَرِبُوا مِنْهُ أَبَداً حَتَّى يُقْتَلُوا بِأَجْمَعِهِمْ عَلَيْهِ وَ تَبَاشَرَ أَهْلُ اَلشَّامِ فَقَامَ إِلَى مُعَاوِيَةَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ هَمْدَانِيٌّ نَاسِكٌ يُقَالُ لَهُ اَلْمُعَرِّي بْنُ الْأَقْبَلِ وَ كَانَ نَاسِكاً وَ كَانَ لَهُ فِيمَا تَذْكُرُ هَمْدَانُ لِسَانٌ وَ كَانَ صَدِيقاً وَ مُوَاخِياً لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ:يَا مُعَاوِيَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ أَ لِأَنْ سَبَقْتُمُ الْقَوْمَ (5)إِلَى اَلْفُرَاتِ فَغَلَبْتُمُوهُمْ عَلَيْهِ تَمْنَعُونَهُمْ عَنْهُ؟ أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ سَبَقُوكُمْ إِلَيْهِ لَسَقُوكُمْ مِنْهُ أَ لَيْسَ أَعْظَمُ مَا تَنَالُونَ مِنَ الْقَوْمِ أَنْ تَمْنَعُوهُمُ اَلْفُرَاتَ فَيَنْزِلُوا عَلَى فُرْضَةٍ أُخْرَى فَيُجَازُوكُمْ بِمَا صَنَعْتُمْ؟ أَ مَا تَعْلَمُونَ أَنَّ فِيهِمُ الْعَبْدَ وَ الْأَمَةَ وَ الْأَجِيرَح.

ص: 163


1- هذا البيت ساقط من ح.
2- ح:«و لكن عمرا يدرى».
3- انظر ما سبق ص 67 س 3.
4- ح(1:328):و قد سمعته أنا مرارا».
5- في الأصل:«إن سبقتم القوم».و أثبت ما في ح.

وَ الضَّعِيفَ وَ مَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ هَذَا وَ اللَّهِ أَوَّلُ الْجَوْرِ لَقَدْ شَجَّعْتَ الْجَبَانَ وَ بَصَّرْتَ الْمُرْتَابَ وَ حَمَلْتَ مَنْ لاَ يُرِيدُ قِتَالَكَ عَلَى كَتِفَيْكَ فَأَغْلَظَ لَهُ مُعَاوِيَةُ وَ قَالَ لِعَمْرٍو اكْفِنِي صَدِيقَكَ فَأَتَاهُ عَمْرٌو فَأَغْلَظَ فَقَالَ الْهَمْدَانِيُّ فِي ذَلِكَ:

لَعَمْرُ أَبِي مُعَاوِيَةُ بْنُ حَرْبٍ وَ عَمْرٌو مَا لِدَائِهِمَا دَوَاءٌ

سِوَى طَعْنٍ يَحَارُ الْعَقْلُ فِيهِ وَ ضَرْبٍ حِينَ يَخْتَلِطُ الدِّمَاءُ

فَلَسْتُ بِتَابِعٍ دِينَ اِبْنِ هِنْدٍ طِوَالَ الدَّهْرِ مَا أَرْسَى حِرَاءُ

لَقَدْ ذَهَبَ الْعِتَابُ فَلاَ عِتَابٌ وَ قَدْ ذَهَبَ الْوَلاَءُ فَلاَ وَلاَءُ

وَ قَوْلِي فِي حَوَادِثِ كُلِّ أَمْرِي (1) عَلَى عَمْرٍو وَ صَاحِبِهِ الْعَفَاءُ

أَلاَ لِلَّهِ دَرُّكَ يَا اِبْنَ هِنْدٍ لَقَدْ بَرِحَ الْخَفَاءُ فَلاَ خَفَاءُ (2)

أَ تَحْمُونَ اَلْفُرَاتَ عَلَى رِجَالٍ وَ فِي أَيْدِيهِمُ الْأَسَلُ الظَّمَاءُ

وَ فِي الْأَعْنَاقِ أَسْيَافٌ حِدَادٌ كَأَنَّ الْقَوْمَ عِنْدَهُمُ نِسَاءٌ (3)

فَتَرْجُو أَنْ يُجَاوِرَكُمْ عَلِيٌّ بِلاَ مَاءٍ وَ لِلْأَحْزَابِ مَاءٌ

دَعَاهُمْ دَعْوَةً فَأَجَابَ قَوْمٌ كَجُرْبِ الْإِبِلِ خَالَطَهَا الْهِنَاءُ.

قَالَ ثُمَّ سَارَ الْهَمْدَانِيُّ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ فَلَحِقَ بِعَلِيٍّ قَالَ وَ مَكَثَ أَصْحَابُ عَلِيٍّ يَوْماً وَ لَيْلَةً بِغَيْرِ مَاءٍ وَ اغْتَمَّ عَلِيٌّ بِمَا فِيهِ أَهْلُ اَلْعِرَاقِ .

.

نَصْرٌ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ اَلْجُرْجَانِيِّ قَالَ: خَرَجَ عَلِيٌّ لَمَّا اغْتَمَّ بِمَا فِيهِ أَهْلُ اَلْعِرَاقِ مِنَ الْعَطَشِ قِبَلَ رَايَاتِ مَذْحِجَ وَ إِذَا رَجُلٌ يُنَادِي

أَ يَمْنَعُنَا الْقَوْمُ مَاءَ اَلْفُرَاتِ وَ فِينَا الرِّمَاحُ وَ فِينَا الْحَجَفُ (4)).

ص: 164


1- ح:«كل خطب».
2- يقال برح الخفاء بكسر الراء و فتحها:أى ظهر ما كان خافيا و انكشف.و في الأصل:«ذهب الحياء فلا حياء»،و أثبت ما في ح.
3- في الأصل:«عندكم»،و الصواب ما أثبت من ح.
4- الحجف:جمع حجفة،و هي الترس من جلود الإبل يطارق بعضها ببعض.و انظر مقاييس اللغة(حجف).

وَ فِينَا الشَّوَازِبُ مِثْلُ الْوَشِيجِ وَ فِينَا السُّيُوفُ وَ فِينَا الزَّغَفُ (1)

وَ فِينَا عَلِيٌّ لَهُ سُورَةٌ إِذَا خَوَّفُوهُ الرَّدَى لَمْ يَخَفْ

فَنَحْنُ الَّذِينَ غَدَاةَ اَلزُّبَيْرِ وَ طَلْحَةَ خُضْنَا غُمَارَ التَّلَفِ (2)

فَمَا بَالُنَا أَمْسِ أُسْدَ الْعَرِينِ وَ مَا بَالُنَا الْيَوْمَ شَاءَ النَّجَفُ (3)

فَمَا لِلْعِرَاقِ وَ مَا لِلْحِجَازِ سِوَى الْيَوْمِ يَوْمٌ فَصُكُّوا الْهَدَفْ (4)

فَدِبُّوا إِلَيْهِمْ كَبُزْلِ الْجِمَالِ دُوَيْنَ الذَّمِيلِ وَ فَوْقَ الْقَطَفِ (5)

فَإِمَّا تَحُلُّوْا بِشَطِّ اَلْفُرَاتِ وَ مِنَّا وَ مِنْهُمْ عَلَيْهِ الْجِيَفْ

وَ إِمَّا تَمُوتُوا عَلَى طَاعَةٍ تُحِلُّ الْجِنَانَ وَ تَحْبُو الشَّرَفْ

وَ إِلاَّ فَأَنْتُمْ عَبِيدُ الْعَصَا وَ عَبْدُ الْعَصَا مُسْتَذِلٌّ نَطِفْ (6)

قَالَ فَحَرَّكَ ذَلِكَ عَلِيّاً ثُمَّ مَضَى إِلَى رَايَةِ كِنْدَةَ (7)فَإِذَا مُنَادٍ يُنَادِي إِلَى جَنْبِ مَنْزِلِ اَلْأَشْعَثِ (8)وَ هُوَ يَقُولُن.

ص: 165


1- الشوازب:الخيل الضامرة.و في الأصل:«الشوارب»و في ح:«الشواذب» صوابه بالزاى كما أثبت.و الوشيج:أراد به الرماح،و أصل الوشيج شجر الرماح.و شبه الخيل بالرماح في دقتها و ضمرها.انظر المفضليات(2:180).و الزغف:جمع زغفة، و هي الدرع الواسعة الطويلة؛و الغين تسكن و تحرك في المفرد و الجمع.
2- يشير إلى وقعة الجمل.
3- النجف،بفتح النون و الجيم،قال ابن الأعرابى.«هو الحلب الجيد حتّى ينفض الضرع».انظر خزانة البغداديّ(1:529)و مروج الذهب(2:18)حيث أنشد بعض هذه الأبيات.
4- الصك:الضرب.ح:«سوا الشام خصم».
5- الذميل و القطف:ضربان من السير.
6- عبيد العصا،يقال للقوم إذا استذلوا.قال امرؤ القيس: قولا لدودان عبيد العصا ما غركم بالأسد الباسل و في الأصل:«عبيد الرشاء*و عبد الرشا»صوابه في ح(1:328).و النطف: المريب المعيب.
7- ح:«رايات كندة».
8- في مروج الذهب(2:18):«و ألقى في فسطاط الأشعث بن قيس رقعة فيها» و أنشد البيتين الأولين.

لَئِنْ لَمْ يُجَلِّ اَلْأَشْعَثُ الْيَوْمَ كُرْبَةً مِنَ الْمَوْتِ فِيهَا لِلنُّفُوسِ تَعَنُّتُ (1)

فَنَشْرَبَ مِنْ مَاءِ اَلْفُرَاتِ بِسَيْفِهِ فَهَبْنَا أُنَاساً قَبْلُ كَانُوا فَمَوَّتُوا

فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَجْمَعْ لَنَا الْيَوْمَ أَمْرَنَا وَ تَلْقَ الَّتِي فِيهَا عَلَيْكَ التَّشَتُّتُ (2)

فَمَنْ ذَا الَّذِي تُثْنِي الْخَنَاصُر بِاسْمِهِ سِوَاكَ وَ مَنْ هَذَا إِلَيْهِ التَّلَفُّتُ

وَ هَلْ مِنْ بَقَاءٍ بَعْدَ يَوْمٍ وَ لَيْلَةٍ نَظَلُّ عِطَاشاً وَ الْعَدُوُّ يُصَوِّتُ (3)

هَلُمُّوا إِلَى مَاءِ اَلْفُرَاتِ وَ دُونَهُ صُدُورُ الْعَوَالِي وَ الصَّفِيحُ الْمُشَتَّتُ

وَ أَنْتَ امْرُؤٌ مِنْ عُصْبَةٍ يَمَنِيَّةٍ وَ كُلُّ امْرِئٍ مِنْ غُصْنِهِ حِينَ يَنْبُتُ.

فَلَمَّا سَمِعَ اَلْأَشْعَثُ قَوْلَ الرَّجُلِ أَتَى عَلِيّاً مِنْ لَيْلَتِهِ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَ يَمْنَعُنَا الْقَوْمُ مَاءَ اَلْفُرَاتِ وَ أَنْتَ فِينَا وَ مَعَنَا السُّيُوفُ خَلِّ عَنَّا وَ عَنِ الْقَوْمِ فَوَ اللَّهِ لاَ نَرْجِعُ حَتَّى نَرُدَّهُ أَوْ نَمُوتَ وَ مُرِ اَلْأَشْتَرَ فَلْيَعْلُ بِخَيْلِهِ فَيَقِفْ حَيْثُ تَأْمُرُهُ (4)، فَقَالَ: 1«ذَاكَ إِلَيْكُمْ» (5)فَرَجَعَ اَلْأَشْعَثُ فَنَادَى فِي النَّاسِ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْمَاءَ أَوِ الْمَوْتَ فَمِيعَادُهُ الصُّبْحُ (6)فَإِنِّي نَاهِضٌ إِلَى الْمَاءِ فَأَتَاهُ مِنْ لَيْلَتِهِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ رَجُلٍ (7)وَ شَدَّ عَلَيْهِ سِلاَحَهُ وَ هُوَ يَقُولُ:

مِيعَادُنَا الْيَوْمَ بَيَاضُ الصُّبْحِ هَلْ يَصْلُحُ الزَّادُ بِغَيْرِ مِلْحٍ

لاَ لاَ وَ لاَ أَمْرٌ بِغَيْرِ نُصْحٍ دِبُّوا إِلَى الْقَوْمِ بِطَعْنٍ سَمْحِ».

ص: 166


1- التعنت،من قولهم تعنت فلان فلانا:إذا أدخل عليه الأذى.و في الأصل «تفتت»،و في مروج الذهب:«تعلت»صوابهما ما أثبت.
2- ح:«المذلة».
3- ح«نظل خفوتا».
4- في الأصل:«و مر الأشتر فليعلو بخيله فيقف حين أمره»،صوابه من ح.
5- في الأصل:«إليك»و أثبت ما في ح.
6- ح:«فميعاده موضع كذا».
7- ح:«فأتاه اثنا عشر ألفا من كندة و أفناء قحطان واضعى سيوفهم على عواتقهم».

مِثْلَ الْعَزَالَى بِطِعَانٍ نَفْحِ (1) لاَ صُلْحَ لِلْقَوْمِ وَ أَيْنَ صُلْحِي

حَسْبِي مِنَ الْإِقْحَامِ قَابُ رُمْحِ.

فَلَمَّا أَصْبَحَ دَبَّ فِي النَّاسِ وَ سُيُوفُهُمْ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ وَ جَعَلَ يُلْقِي رُمْحَهُ وَ يَقُولُ:بِأَبِي أَنْتُمْ وَ أُمِّي تَقَدَّمُوا قَابَ رُمْحِي (2)هَذَا فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبَهُ حَتَّى خَالَطَ الْقَوْمُ وَ حَسَرَ عَنْ رَأْسِهِ وَ نَادَى أَنَا اَلْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ خَلُّوا عَنِ الْمَاءِ فَنَادَى أَبُو الْأَعْوَرِ السُّلَمِيُّ أَمَا وَ اللَّهِ لاَ حَتَّى تَأْخُذَنَا وَ إِيَّاكُمُ السُّيُوفُ فَقَالَ قَدْ وَ اللَّهِ أَظُنُّهَا دَنَتْ مِنَّا وَ كَانَ اَلْأَشْتَرُ قَدْ تَعَالَى بِخَيْلِهِ حَيْثُ أَمَرَهُ عَلِيٌّ فَبَعَثَ إِلَيْهِ اَلْأَشْعَثَ أَنْ أَقْحِمِ الْخَيْلَ فَأَقْحَمَهَا حَتَّى وَضَعَ سَنَابِكَهَا فِي اَلْفُرَاتِ وَ أَخَذَتِ الْقَوْمَ السُّيُوفُ فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ.

.

نَصْرٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ [وَ]عَنْ زَيْدِ بْنِ حُسَيْنٍ (3)قَالَ: 5نَادَى اَلْأَشْعَثُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ:وَيْحَكَ يَا اِبْنَ الْعَاصِ خَلِّ بَيْنَنَا وَ بَيْنَ الْمَاءِ فَوَ اللَّهِ لَئِنْ لَمْ تَفْعَلْ لَيَأْخُذُنَا وَ إِيَّاكُمُ السُّيُوفُ فَقَالَ عَمْرٌو وَ اللَّهِ لاَ نُخَلِّي عَنْهُ حَتَّى تَأْخُذَنَا السُّيُوفُ وَ إِيَّاكُمْ فَيَعْلَمَ رَبُّنَا أَيُّنَا الْيَوْمَ أَصْبَرُ فَتَرَجَّلَ اَلْأَشْعَثُ وَ اَلْأَشْتَرُ (4)وَ ذَوُو الْبَصَائِرِ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ وَ تَرَجَّلَ مَعَهُمَا اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً فَحَمَلُوا عَلَى عَمْرٍو وَ مَنْ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ (5)فَأَزَالُوهُمْ عَنِ الْمَاءِ حَتَّى غَمَسَتْ خَيْلُ عَلِيٍّ سَنَابِكَهَا فِي الْمَاءِ.

.

نَصْرٌ رَوَى سَعْدٌ أَنَّ عَلِيّاً قَالَ: «ذَلِكَ الْيَوْمَ هَذَا يَوْمُ نُصِرْتُمْ فِيهِ بِالْحَمِيَّةِ»(6) .

ثُمَّ إِنَّ عَلِيّاً عَسْكَرَ هُنَاكَ وَ قَبْلَ ذَاكَ قَالَ شَاعِرُ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ ،0.

ص: 167


1- العزالى:جمع عزلاء،بالفتح،و هي فم المزادة.شبه بها اتساع الطعنة و اندفاق الدماء منها.و النفح:الدفع.و طعنة نفاحة:دفاعة بالدم.
2- في الأصل:«قاب رمح»و أثبت ما في ح.قاب رمحى:أى قدره.
3- ح:«عن أبي جعفر و زيد بن الحسن».
4- ح:«فالأشتر»بالفاء.
5- ح:«على عمرو و أبى الأعور و من معهما من أهل الشام».
6- (7) ح:«فأتاه اثنا عشر ألفا من كندة و أفناء قحطان واضعى سيوفهم على عواتقهم».

أَ لاَ يَتَّقُونَ اللَّهَ أَنْ يَمْنَعُونَنَا اَلْفُرَاتَ وَ قَدْ يُرْوِي اَلْفُرَاتُ الثَّعَالِبَ

وَ قَدْ وَعَدُونَا الْأَحْمَرَيْنِ فَلَمْ نَجِدْ لَهُمُ أَحْمَراً إِلاَّ قِرَاعَ الْكَتَائِبِ (1)

إِذَا خَفَقَتْ رَايَاتُنَا طَحَنَتْ لَهَا رَحًى تَطْحَنُ الْأَرْحَاءَ وَ الْمَوْتُ طَالِبُ (2)

فَتُعْطِي إِلَهَ النَّاسِ عَهْداً نَفْيِ بِهِ لِصِهْرِ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى نُضَارِبَ.

وَ كَانَ بَلَغَ أَهْلَ اَلشَّامِ أَنَّ عَلِيّاً جَعَلَ لِلنَّاسِ إِنْ فُتِحَتِ اَلشَّامُ أَنْ يَقْسِمَ بَيْنَهُمْ الْبُرَّ وَ الذَّهَبَ وَ هُمَا الْأَحْمَرَانِ (3)وَ أَنْ يُعْطِيَهُمْ خَمْسَمِائَةٍ كَمَا أَعْطَاهُمْ بِالْبَصْرَةِ (4)فَنَادَى مُنَادِي أَهْلِ اَلشَّامِ (5):يَا أَهْلَ اَلْعِرَاقِ لِمَا ذَا نَزَلْتُمْ بِعَجَاجٍ مِنَ الْأَرْضِ؟ (6)نَحْنُ أَزْدُ شَنُوءَةَ لاَ أَزْدُ عُمَانَ يَا أَهْلَ اَلْعِرَاقِ ،

لاَ خَمْسَ إِلاَّ جَنْدَلُ الْإِحَرِّينْ (7)وَ الْخَمْسُ قَدْ يُحَمِّلُ الْأَمَرَّينْ (8)س.

ص: 168


1- الأحمران،سيأتي تفسيرهما بعد الشعر.
2- الأرحاء،هاهنا:القبائل المستقلة،واحدتها رحى.
3- فسرا في المعاجم بأنهما اللحم و الخمر،أو الذهب و الزعفران.أما تفسيرهما بالبر و الذهب فلم أجده إلاّ هاهنا.و في ح:«التبر و الذهب»و لا إخال«التبر»إلا تحريفا.
4- لما فرغ على من بيعة أهل البصرة بعد وقعة الجمل نظر في بيت المال فإذا فيه ستمائة ألف و زيادة،فقسمها على من شهد معه،فأصاب كل رجل منهم خمسمائة خمسمائة،و قال:لكم إن أظفركم اللّه عزّ و جلّ بالشام مثلها إلى أعطياتكم.انظر الطبريّ(4:223).
5- في اللسان(حرر):«أنشد ثعلب لزيد بن عتاهية التميمى،و كان زيد المذكور لما عظم البلاء بصفين قد انهزم و لحق بالكوفة...فلما قدم زيد على أهله قالت له ابنته: أين خمس المائة؟فقال: إن أباك فر يوم صفّين لما رأى عكا و الأشعريين و قيس عيلان الهوازنيين و ابن نمير في سراة الكنديين و ذا الكلاع سيد اليمانين و حابسا يستن في الطائيين قال لنفس السوء هل تفرين لا خمس إلاّ جندل الإحرين و الخمس قد جشمك الأمرين جمزا إلى الكوفة من قنسرين».
6- العجاج،أراد به الأرض الخبيثة.و أصل العجاج من الناس الغوغاء و الأراذل و من لا خير فيه.
7- لا خمس،أراد لا خمسمائة.و الجندل:جمع جندلة،و هي الحجارة يقلها الرجل. و الإحرين بكسر أوله و فتح ثانيه:الحرار من الأرض،كأنها جمع إحرة،و لم يتكلموا بهذه. و هي من ملحقات الجمع السالم كالإوزين و الأرضين و السنين.و الحرار:جمع حرة،و هي أرض ذات حجارة سود نخرات.و المعنى:ليس لك اليوم إلاّ الحجارة و الخيبة.
8- الأمرين:الشر و الأمر العظيم،يقال بكسر الراء و فتحها،كما في القاموس.

جَمْزاً إِلَى اَلْكُوفَةِ مِنْ قِنَّسْرِينْ (1).

.

نَصْرٌ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْعُودِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ :

لاَ خَمْسَ إِلاَّ جَنْدَلُ الْإِحَرِّينْ وَ الْخَمْسُ قَدْ يُجَشِّمُكَ الْأَمَرَّيْنِ (2).

.

حديث الأشتر و الأشعث و عمرو يوم الماء

نَصْرٌ قَالَ عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ (3)عَنْ جَابِرٍ قَالَ:سَمِعْتُ تَمِيماً النَّاجِيَ (4)قَالَ: سَمِعْتُ اَلْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ يَقُولُ يَوْمَ حَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بَيْنَنَا وَ بَيْنَ اَلْفُرَاتِ وَيْحَكَ يَا عَمْرُو وَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ لَكَ رَأْياً فَإِذَا أَنْتَ لاَ عَقْلَ لَكَ أَ تَرَانَا نُخَلِّيكَ وَ الْمَاءَ تَرِبَتْ يَدَاكَ وَ فَمُكَ أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّا مَعْشَرٌ عُرْبٌ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ وَ هَبَلَتْكَ لَقَدْ رُمْتَ أَمْراً عَظِيماً فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو :أَمَا وَ اللَّهِ لَتَعْلَمُنَّ الْيَوْمَ أَنَّا سَنَفِي بِالْعَهْدِ وَ نُقِيمُ عَلَى الْعَقْدِ وَ نَلْقَاكَ بِصَبْرٍ وَ جَدٍّ (5)فَنَادَاهُ اَلْأَشْتَرُ وَ اللَّهِ لَقَدْ نَزَلْنَا هَذِهِ الْفُرْضَةَ يَا اِبْنَ الْعَاصِ وَ النَّاسُ تُرِيدُ الْقِتَالَ عَلَى الْبَصَائِرِ وَ الدِّينِ وَ مَا قِتَالُنَا سَائِرَ الْيَوْمِ إِلاَّ حَمِيَّةً.

ثُمَّ كَبَّرَ اَلْأَشْعَثُ وَ كَبَّرَ اَلْأَشْتَرُ ثُمَّ حَمَلاَ فَمَا ثَارَ الْغُبَارُ حَتَّى انْهَزَمَ أَهْلُ اَلشَّامِ .

ص: 169


1- الجمز:ضرب من السير السريع.و في الأصل:«حمزك من الكوفة إلى قنسرين» و كتب بجواره:«خ:يجزيك من كوف إلى قنسرين»إشارة إلى أنّه كذلك في نسخة أخرى.و صواب هذه الأخيرة:«جمزك»و هذا البيت الأخير ساقط من ح(1:329). و انظر الاشتقاق لابن دريد 85 جوتنجن 136 من تحقيقنا.
2- كتب إلى جوارها في الأصل:«خ:قد يحمل الأمرين».
3- هو عمرو بن شمر الجعفي الكوفيّ الشيعى،أبو عبد اللّه.يروى عن جعفر بن محمّد و جابر الجعفى،و الأعمش.انظر لسان الميزان(4:366).ح:«عمر بن شمر» تحريف.
4- هو تميم بن حذلم بالحاء المهملة و الذال المعجمة و زان جعفر-و يقال حذيم-الناجى الضى.الكوفيّ،أبو سلمة،شهد مع على و كان من خواصه.قال ابن حجر:«ثقة، مات سنة مائة».انظر منتهى المقال 70 و القاموس(حذلم)و تهذيب التهذيب و التقريب.
5- ح(1:329):«و نحكم العقد و نلقاهم بصبر وجد».

قَالُوا فَلَقِيَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بَعْدَ ذَلِكَ (1)اَلْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ فَقَالَ:

أَيْ أَخَا كِنْدَةَ أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ أَبْصَرْتُ صَوَابَ قَوْلِكَ يَوْمَ الْمَاءِ وَ لَكِنِّي كُنْتُ مَقْهُوراً عَلَى ذَلِكَ الرَّأْيِ فَكَايَدْتُكَ بِالتَّهَدُّدِ وَ الْحَرْبُ خُدْعَةٌ.

ثُمَّ إِنَّ عَمْراً أَرْسَلَ إِلَى مُعَاوِيَةَ أَنْ خَلِّ بَيْنَ الْقَوْمِ وَ بَيْنَ الْمَاءِ أَ تَرَى الْقَوْمَ يَمُوتُونَ عَطَشاً وَ هُمْ يَنْظُرُونَ إِلَى الْمَاءِ فَأَرْسَلَ مُعَاوِيَةُ إِلَى يَزِيدَ بْنِ أَسَدٍ الْقَسْرِيِّ أَنْ خَلِّ بَيْنَ الْقَوْمِ وَ بَيْنَ الْمَاءِ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ يَزِيدُ :وَ كَانَ شَدِيدَ اَلْعُثْمَانِيَّةِ كَلاَّ وَ اللَّهِ (2)لَنَقْتُلَنَّهُمْ عَطَشاً كَمَا قَتَلُوا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.

نَصْرٌ عَمْرُو بْنِ شِمْرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ السُّدِّيِّ قَالَ سَمِعْتُ بَكْرَ بْنَ تَغْلِبَ السَّدُوسِيَّ يَقُولُ: وَ اللَّهِ لَكَأَنِّي أَسْمَعُ اَلْأَشْتَرَ وَ هُوَ يَحْمِلُ عَلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَوْمَ اَلْفُرَاتِ وَ هُوَ يَقُولُ

وَيْحَكَ يَا اِبْنَ الْعَاصِي تَنَحَّ فِي الْقَوَاصِي

وَ اهْرُبْ إِلَى الصَّيَاصِي (3)اَلْيَوْمَ فِي عِرَاصِ (4)

نَأْخُذُ بِالنَّوَاصِي لاَ نَحْذَرُ التَّنَاصِي (5)

نَحْنُ ذَوِي الْخِمَاصِ (6)لاَ نَقْرَبُ الْمَعَاصِي

فِي الْأَدْرَعِ الدِّلاَصِ فِي الْمَوْضِعِ الْمُصَاصِ (7).ء.

ص: 170


1- ح:«بعد انقضاء صفّين».
2- في الأصل:«كلا و اللّه يا أم عبد اللّه».و هي عبارة تحتمل أن تكون من إقحام الناسخ،أو من تهكم يزيد بن أسد بمعاوية،كما أشار إلى ذلك ناشر الأصل.لكن عدم إثباتها في ح يؤيد أنّها مقحمة في الكتاب.
3- الصياصى:الحصون و كل شيء امتنع به.
4- العراص،بالكسر:جمع عرصة،بالفتح،و هي الساحة.
5- التناصى:أن يأخذ كل منهما بناصية الآخر.و في الأصل:«القصاص»تحريف.
6- الخماص:الضوامر،أراد بها الخيل.
7- الدلاص:البراقة الملساء اللينة،تقال للواحد و الجمع.و المصاص،بالضم:أخلص كل شيء.

فَأَجَابَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ

وَيْحَكَ يَا اِبْنَ الْحَارِثْ (1)أَنْتَ الْكَذُوبُ الْحَانِثْ

أَنْتَ الْغَرِيرُ النَّاكِثْ (2)أَعِدَّ مَالَ الْوَارِثْ

وَ فِي الْقُبُورِ مَاكِثْ.

.

عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ(3) عَنْ إِسْمَاعِيلَ السُّدِّيِّ عَنْ بَكْرِ بْنِ تَغْلِبَ (4)قَالَ:

حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ اَلْأَشْتَرَ يَوْمَ الْفُرَاتِ وَ قَدْ كَانَ لَهُ يَوْمَئِذٍ غَنَاءٌ عَظِيمٌ مِنْ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ (5)وَ هُوَ يَقُولُ:

اَلْيَوْمُ يَوْمُ الْحِفَاظْ بَيْنَ الْكُمَاةِ الْغِلاَظْ

نَحْفِزُهَا وَ الْمِظَاظْ (6).

قَالَ:ثُمَّ قَالَ:وَ قَدْ قُتِلَ مِنْ آلِ ذِي لَقْوَةَ (7)وَ كَانَ يَوْمَئِذٍ فَارِسَ أَهْلِ اَلْأُرْدُنِّ وَ قُتِلَ رِجَالٌ مِنْ آلِ ذِي يَزَنَ .

نَصْرٌ فَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ السُّدِّيِّ عَنْ بَكْرِ بْنِ تَغْلِبَ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ اَلْأَشْعَثَ يَوْمَ الْفُرَاتِ وَ قَدْ كَانَ لَهُ غَنَاءٌ عَظِيمٌ مِنْ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ وَ قَتَلَ رِجَالاً مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ بِيَدِهِ وَ هُوَ يَقُولُ:وَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَكَارِهاً قِتَالَ أَهْلِ الصَّلاَةِ وَ لَكِنْ مَعِي مَنْ هُوَ أَقْدَمُ مِنِّي فِي اَلْإِسْلاَمِ وَ أَعْلَمُ بِالْكِتَابِح.

ص: 171


1- ابن الحارث،هو الأشتر.و اسمه مالك بن الحارث بن عبد يغوث بن مسلمة بن ربيعة بن الحارث بن جذيمة،تنتهى نسبته إلى النخع.انظر الاشتقاق ص 241 و المعارف 84.
2- الغرير:الذي لم يجرب الأمور.و في الأصل:«العزيز»تحريف.
3- (3) في الأصل:«عمر بن شمر»تحريف.و قد تقدمت ترجمة عمرو في ص 169.
4- في الأصل:«بحر بن تغلب»و أثبت ما اتفق عليه الأصل و ح في الموضع التالى.
5- في الأصل:«من أهل العراق»و الوجه ما أثبت من ح(1:329).
6- الحفز:الطعن بالرمح.و المظاظ:المخاصمة و المنازعة.
7- كذا وردت العبارة ناقصة في الأصل،و لم ترد في مظنها من ح.

وَ السُّنَّةِ وَ هُوَ الَّذِي يَسْخَى بِنَفْسِهِ (1) .

قتال ظبيان بن عمارة التميمي

نَصْرٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ آلِ خَارِجَةَ بْنِ الصَّلْتِ : أَنَّ ظَبْيَانَ بْنَ عُمَارَةَ التَّمِيمِيَّ جَعَلَ يَوْمَئِذٍ يُقَاتِلُ وَ هُوَ يَقُولُ (2)

مَا لَكَ يَا ظَبْيَانُ مِنْ بَقَاءٍ فِي سَاكِنِ الْأَرْضِ بِغَيْرِ مَاءٍ (3)

لاَ وَ إِلَهِ الْأَرْضِ وَ السَّمَاءِ فَاضْرِبْ وُجُوهَ الْغُدُرِ الْأَعْدَاءِ

بِالسَّيْفِ عِنْدَ حَمَسِ الْوَغَاءِ (4)حَتَّى يُجِيبُوكَ إِلَى السَّوَاءِ.

قَالَ فَضَرَبْنَاهُمْ وَ اللَّهِ حَتَّى خَلَّوْنَا وَ إِيَّاهُ.

خطبةالأشتر في تحريض أصحابه

نَصْرٌ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ بِإِسْنَادِهِ قَالَ: طَالَ بَيْنَنَا وَ بَيْنَ أَهْلِ اَلشَّامِ الْقِتَالُ فَمَا أَنْسَى قَوْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفِ [بْنِ] الْأَحْمَرِ (5)يَوْمَ الْفُرَاتِ وَ كَانَ مِنْ فُرْسَانِ عَلِيٍّ وَ هُوَ يَضْرِبُهُمْ بِالسَّيْفِ وَ هُوَ يَقُولُ:

خَلُّوا لَنَا عَنِ اَلْفُرَاتِ الْجَارِي أَوِ اثْبُتُوا لِلْجَحْفَلِ الْجَرَّارِ

لِكُلِّ قَرْمٍ مُسْتَمِيتٍ شَارِ (6) مُطَاعِنٍ بِرُمْحِهِ كَرَّارِ

ضَرَّابِ هَامَاتِ الْعِدَى مِغْوَارِ.

قَالَ ثُمَّ إِنَّ اَلْأَشْتَرَ دَعَا اَلْحَارِثَ بْنَ هَمَّامٍ النَّخَعِيَّ ثُمَّ اَلصُّهْبَانِيَّ (7)فَأَعْطَاهُ

ص: 172


1- السخاء:الجود،يقال سخى كسعى و دعا و رضى.و في الأصل:«بنفسى» و أثبت ما في ح(1:330).
2- الرجز في تاريخ الطبريّ(5:240)مطابق لهذه الرواية.
3- ح(1:33):«و حمل ظبيان بن عمارة التيمى على أهل الشام و هو يقول: هل لك يا ظبيان من بقاء فى ساكنى الأرض بغير ماء».
4- الوغى:الحرب،مقصور،و قد مده هنا للشعر.ح:«الهيجاء».
5- في الطبريّ:«عبد اللّه بن عوف بن الأحمر الأزديّ»،و التكملة هاهنا من الطبريّ و ممّا سبق في 160،161.
6- القرم بالفتح،هو من الرجال السيّد المعظم.و في الأصل:«قوم»صوابه في الطبريّ.و الشارى:البائع،أي الذي يبيع نفسه للّه؛و من ذلك سمى الخوارج شراة لأنّهم زعموا أنهم باعوا أنفسهم للّه بالجنة.
7- الصهبانى،نسبة إلى صهبان بالضم،و هم قبيلة من النخع،منهم كميل بن زياد صاحب على بن أبي طالب.انظر الاشتقاق 242.

لِوَاءَهُ ثُمَّ قَالَ:يَا حَارِثُ لَوْ لاَ أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ تَصْبِرُ عِنْدَ الْمَوْتِ لَأَخَذْتُ لِوَائِي مِنْكَ وَ لَمْ أُحِبَّكَ بِكَرَامَتِي (1)قَالَ:وَ اللَّهِ يَا مَالِكُ لَأَسُّرَّنَّكَ الْيَوْمَ أَوْ لَأَمُوتَنَّ فَاتَّبِعْنِي فَتَقَدَّمَ بِاللِّوَاءِ وَ هُوَ يَقُولُ (2):

يَا أَشْتَرَ الْخَيْرِ وَ يَا خَيْرَ اَلنَّخَعْ

وَ صَاحِبَ النَّصْرِ إِذَا عَمَّ الْفَزَعْ (3)

وَ كَاشِفَ الْأَمْرِ إِذَا الْأَمْرُ وَقَعْ

مَا أَنْتَ فِي الْحَرْبِ الْعَوَانِ بِالْجَذَعْ (4)

قَدْ جَزِعَ الْقَوْمُ وَ عَمُّوا بِالْجَزَعْ

وَ جُرِّعُوا الْغَيْظَ وَ غُصُّوا بِالْجُرَعْ

إِنْ تَسْقِنَا الْمَاءَ فَمَا هِيَ بِالْبِدَعِ (5)

أَوْ نَعْطِشَ الْيَوْمَ فَجُنْدٌ مُقْتَطِعْ (6)

مَا شِئْتَ خُذْ مِنْهَا وَ مَا شِئْتَ فَدَعْ.

فَقَالَ اَلْأَشْتَرُ :اُدْنُ مِنِّي يَا حَارِثُ فَدَنَا مِنْهُ فَقَبَّلَ رَأْسَهُ وَ قَالَ:لاَ يَتْبَعُ رَأْسَهُ الْيَوْمَ إِلاَّ خَيْرٌ (7)ثُمَّ قَامَ اَلْأَشْتَرُ يُحَرِّضُ أَصْحَابَهُ يَوْمَئِذٍ وَ يَقُولُ:ح.

ص: 173


1- الحباء:ما يحبو به الرجل صاحبه و يكرمه به،تقول:حبوته أحبوه حباء.و في الأصل:«لم أجبك».و في ح:«لم أحيك»صوابهما ما أثبت.
2- القائل هو الحارث بن همام النخعيّ.و في مروج الذهب(2:18):«فصار يؤم الأشعث صاحب رايته،و هو رجل من النخع،يرتجز و يقول».
3- في مروج الذهب:«إذا عال الفرع».
4- الحرب العوان:التي حورب فيها مرة بعد مرة.و الجذع:الصغير السن.قال الليث:«الجذع من الدوابّ و الأنعام قبل أن يثنى بسنة».و في الأصل:«بالخدع»، و الخدع بفتح فكسر:الكثير الخداع.و لا وجه له هنا.و أثبت ما في ح.
5- في مروج الذهب:«فما هو بالبدع».
6- في الأصل:«فجد يقنطع»صوابه في ح.
7- الخير،بالفتح و كسيد:الكثير الخير.فى الأصل:«لا يتبع هذا اليوم إلاّ خيرا» و أثبت ما في ح.

فَدَتْكُمُ نَفْسِي شُدُّوا شِدَّةَ الْمُحْرَجِ الرَّاجِي الْفَرَجَ فَإِذَا نَالَتْكُمُ الرِّمَاحُ فَالْتَوُوا فِيهَا وَ إِذَا عَضَّتْكُمُ السُّيُوفُ فَلْيَعَضَّ الرَّجُلُ نَوَاجِذَهُ فَإِنَّهُ أَشَدُّ لِشُئُونِ الرَّأْسِ ثُمَّ اسْتَقْبِلُوا الْقَوْمَ بِهَامَاتِكُمْ قَالَ وَ كَانَ اَلْأَشْتَرُ يَوْمَئِذٍ عَلَى فَرَسٍ لَهُ مَحْذُوفٍ أَدْهَمَ كَأَنَّهُ حَلَكُ الْغُرَابِ (1) .

من قتلهم الأشتر و الأشعث في هذا اليوم

نَصْرٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ (2)عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَامِرٍ عَنِ اَلْحَارِثِ بْنِ أَدْهَمَ عَنْ صَعْصَعَةَ بْنِ صُوحَانَ قَالَ: قَتَلَ اَلْأَشْتَرُ فِي تِلْكَ الْمَعْرَكَةِ سَبْعَةً وَ قَتَلَ اَلْأَشْعَثُ فِيهَا خَمْسَةَ وَ لَكِنَّ أَهْلَ اَلشَّامِ لَمْ يَثْبُتُوا فَكَانَ الَّذِينَ قَتَلَهُمُ اَلْأَشْتَرُ صَالِحَ بْنَ فَيْرُوزَ الْعُكِّيَّ وَ مَالِكَ بْنَ أَدْهَمَ السَّلْمَانِيَّ وَ رِيَاحَ بْنَ عَتِيكٍ الْغَسَّانِيَّ (3)وَ اَلْأَجْلَحَ بْنَ مَنْصُورٍ الْكِنْدِيَّ وَ كَانَ فَارِسَ أَهْلِ اَلشَّامِ وَ إِبْرَاهِيمَ بْنَ وَضَّاحٍ الْجُمَحِيَّ وَ زَامِلَ بْنَ عُبَيْدٍ الْحُزَامِيَّ وَ مُحَمَّدَ بْنَ رَوْضَةَ الْجُمَحِيَّ نَصْرٌ فَأَوَّلُ قَتِيلٍ قَتَلَ اَلْأَشْتَرُ ذَلِكَ الْيَوْمَ بِيَدِهِ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ صَالِحُ بْنُ فَيْرُوزَ وَ كَانَ مَشْهُوراً بِشِدَّةِ الْبَأْسِ فَقَالَ:وَ ارْتَجَزَ عَلَى اَلْأَشْتَرِ

يَا صَاحِبَ الطِّرْفِ الْحَصَانِ الْأَدْهَمِ أَقْدِمْ إِذَا شِئْتَ عَلَيْنَا أَقْدِمِ

أَنَا ابْنُ ذِي الْعِزِّ وَ ذِي التَّكَرُّمِ سَيِّدُ عُكٍّ كُلِّ عُكٍّ فَاعْلَمِ.

فَبَرَزَ إِلَيْهِ اَلْأَشْتَرُ وَ هُوَ يَقُولُ

آلَيْتُ لاَ أَرْجِعُ حَتَّى أَضْرِبَا بِسَيْفِي الْمَصْقُولِ ضَرْباً مُعْجَباً

أَنَا ابْنُ خَيْرِ مَذْحِجٍ مُرَكَّباً مِنْ خَيْرِهَا نَفْساً وَ أُمّاً وَ أَباً (4).

قَالَ ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهِ بِالرُّمْحِ فَقَتَلَهُ وَ فَلَقَ ظَهْرَهُ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ،

ص: 174


1- المحذوف:المقطوع الذنب.و حلك الغراب:شدة سواده.
2- في الأصل:«عمر بن شمر»تحريف.و انظر ترجمته في ص 169.
3- في الأصل:«رماح بن عتيك الغسانى»و أثبت ما في ح.
4- روى هذا البيتان في ح(1:330)مقدمين على البيتين السابقين.

ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْهِ فَارِسٌ آخَرُ يُقَالُ لَهُ مَالِكُ بْنُ أَدْهَمَ السَّلْمَانِيُّ وَ كَانَ مِنْ فُرْسَانِ أَهْلِ اَلشَّامِ وَ هُوَ يَقُولُ:

إِنِّي مَنَحْتُ مَالِكاً سِنَانِيَا (1) أُجِيبُهُ بِالرُّمْحِ إِذْ دَعَانِيَا

لِفَارِسٍ أَمْنَحُهُ طِعَانِيَا.

ثُمَّ شَدَّ عَلَى اَلْأَشْتَرِ فَلَمَّا رَهَقَهُ (2)الْتَوَى اَلْأَشْتَرُ عَلَى الْفَرَسِ وَ مَارَ السِّنَانُ فَأَخْطَأَهُ (3)ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى فَرَسِهِ وَ شَدَّ عَلَيْهِ بِالرُّمْحِ وَ هُوَ يَقُولُ

خَانَكَ رُمْحٌ لَمْ يَكُنْ خَوَّاناً وَ كَانَ قِدْماً يَقْتُلُ الْفُرْسَانَا

لَوَيْتُهُ لِخَيْرِ ذِي قَحْطَانَا لِفَارِسٍ يَخْتَرِمُ الْأَقْرَانَا

أَشْهَلَ لاَ وَغْلاً وَ لاَ جَبَاناً (4).

فَقَتَلَهُ ثُمَّ خَرَجَ فَارِسٌ آخَرُ يُقَالُ لَهُ رِيَاحُ بْنُ عَتِيكٍ (5)وَ هُوَ يَقُولُ

إِنِّي زَعِيمُ مَالِكٍ بِضَرْبٍ بِذِي غِرَارَيْنِ جَمِيعُ الْقَلْبِ (6)

عَبْلُ الذِّرَاعَيْنِ شَدِيدُ الصَّلْبِ.

وَ قَالَ بَعْضُهُمْ شَدِيدُ الْعُصْبِ فَخَرَجَ إِلَيْهِ اَلْأَشْتَرُ وَ هُوَ يَقُولُ:

رُوَيْدَ لاَ تَجْزَعْ مِنْ جِلاَدِي جِلاَدِ شَخْصٍ جَامِعِ الْفُؤَادِ (7)

يُجِيبُ فِي الرَّوْعِ دُعَا الْمُنَادِي يَشُدُّ بِالسَّيْفِ عَلَى الْأَعَادِي.ة.

ص: 175


1- في الأصل:«منحت صالحا»تحريف.و مالك،هو مالك بن الحارث،المعروف بالأشتر النخعيّ.الإصابة 8335 و تهذيب التهذيب و معجم المرزبانى 362.
2- رهقه:غشيه أو لحقه أو دنا منه.
3- مار يمور مورا:اضطرب.
4- الأشهل،من الشهلة و هي أقل من الزرق في الحدقة و أحسن منه.و الوغل: الضعيف النذل الساقط.
5- في الأصل:«رياح بن عبيدة»،و في ح:«رياح بن عقيل»و أثبت ما سبق في ص 174.
6- جميع القلب:مجتمعه لم يتفرق عليه.
7- لا تجزع،أراد لا تجزعن،بنون التوكيد الخفيفة.

فَشَدَّ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْهِ فَارِسٌ آخَرُ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْوَضَّاحِ وَ هُوَ يَقُولُ:

هَلْ لَكَ يَا أَشْتَرُ فِي بِرَازِي بِرَازَ ذِي غَشْمٍ وَ ذِي اعْتِزَازِ

مُقَاوِمٍ لِقِرْنِهِ لَزَّازِ (1).

فَخَرَجَ إِلَيْهِ اَلْأَشْتَرُ وَ هُوَ يَقُولُ:

نَعَمْ نَعَمْ أَطْلُبُهُ شَهِيداً مَعِي حُسَامٌ يَقْصِمُ الْحَدِيدَا

يَتْرُكُ هَامَاتِ الْعِدَى حَصِيداً

فَقَتَلَهُ.ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْهِ فَارِسٌ آخَرُ يُقَالُ لَهُ زَامِلُ بْنُ عَتِيكٍ الْحِزَامِيُّ (2)وَ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْأَلْوِيَةِ فَشَدَّ عَلَيْهِ وَ هُوَ يَقُولُ:

يَا صَاحِبَ السَّيْفِ الْخَضِيبِ الْمِرْسَبِ (3)

وَ صَاحِبَ الْجَوْشَنِ ذَاكَ الْمُذْهَبِ (4)

هَلْ لَكَ فِي طَعْنِ غُلاَمٍ مُحْرَبٍ (5)

يَحْمِلُ رُمْحاً مُسْتَقِيمَ الثَّعْلَبِ

لَيْسَ بِحَيَّادٍ وَ لاَ مُغَلَّبٍع.

ص: 176


1- اللزاز:الشديد الخصومة،اللزوم لما يطالب.و يقال أيضا لزه لزا:طعنه.
2- في الأصل:«أزمل»تحريف.و سبق في ص 174:«زامل بن عبيد» و في ح:«زامل بن عقيل».
3- المرسب،من قولهم سيف رسب و رسوب:ماض يغيب في الضريبة.و كان سيف خالد بن الوليد يسمى«مرسبا».و في الأصل:«المرزبى»و لا وجه له.
4- الجوشن:زرد يلبس على الصدر و الحيزوم.
5- المحرب و المحراب:الشديد الحرب الشجاع.

فَطَعَنَ اَلْأَشْتَرَ فِي مَوْضِعِ الْجَوْشَنِ فَصَرَعَهُ عَنْ فَرَسِهِ وَ لَمْ يُصِبْ مَقْتَلاً وَ شَدَّ عَلَيْهِ اَلْأَشْتَرُ رَاجِلاً فَكَسَفَ قَوَائِمَ الْفَرَسِ بِالسَّيْفِ (1)وَ هُوَ يَقُولُ

لاَ بُدَّ مِنْ قَتْلِي أَوْ مِنْ قَتْلِكَا قَتَلْتُ مِنْكُمْ خَمْسَةً مِنْ قَبْلِكَا

وَ كُلُّهُمْ كَانُوا حُمَاةً مِثْلَكَا.

ثُمَّ ضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ وَ هُمَا رَجِلاَنِ (2)ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْهِ فَارِسٌ يُقَالُ لَهُ اَلْأَجْلَحُ وَ كَانَ مِنْ أَعْلاَمِ اَلْعَرَبِ وَ فُرْسَانِهَا وَ كَانَ عَلَى فَرَسٍ يُقَالُ لَهُ لاَحِقٌ فَلَمَّا اسْتَقْبَلَهُ اَلْأَشْتَرُ كَرِهَ لِقَاءَهُ وَ اسْتَحْيَا أَنْ يَرْجِعَ فَخَرَجَ إِلَيْهِ وَ هُوَ يَقُولُ:

أَقْدِمَ بِاللاَّحِقِ لاَ تُهَلِّلِ (3) عَلَى صُمُلٍّ ظَاهِرِ التَّسَلُّلِ (4)

كَأَنَّمَا يَقْشِمُ مُرَّ الْحَنْظَلِ (5) إِنْ سُمْتَهُ خَسْفاً أَبَى أَنْ يَقْبَلِ

وَ إِنْ دَعَاهُ الْقِرْنُ لَمْ يُعَوِّلِ (6) يَمْشِي إِلَيْهِ بِحُسَامٍ مِفْصَلِ

مَشْياً رُوَيْداً غَيْرَ مَا مُسْتَعْجَلِ يَخْتَرِمُ الْآخَرَ بَعْدَ الْأَوَّلِ.

فَشَدَّ عَلَيْهِ اَلْأَشْتَرُ وَ هُوَ يَقُولُ:

بُلِيتُ بِالْأَشْتَرِ ذَاكَ الْمَذْحِجِي بِفَارِسٍ فِي حَلَقٍ مُدَجَّجٍه.

ص: 177


1- الكسف:القطع.و في الحديث«أن صفوان كسف عرقوب راحلته»،أي قطعه بالسيف.و في الأصل:«فكتف»بالتاء،و في ح:«فكشف»بالشين،صوابهما بالسين المهملة كما أثبت.
2- الرجل،بالفتح و كفرح و ندس:الراجل،و هو خلاف الراكب.ح:«و هما راجلان»و كلاهما صحيح.
3- أقدم:أمر من الإقدام،و أصله أقدمن بنون التوكيد الخفيفة حذفت للضرورة و بقيت الفتحة،كما في قول طرفة: اضرب عنك الهموم طارقها ضربك بالسيف قونس الفرس انظر شرح شواهد المغني 315.و التهليل:النكوص و الإحجام.
4- الصمل،كعتل:الشديد الخلق العظيم.
5- القشم،بالشين المعجمة:الأكل.و في الأصل:«يقسم»تحريف.و أكل الحنظل مثل في شدة العداوة.انظر البيت 13 من المفضلية 40 طبع المعارف.
6- التعويل:رفع الصوت بالبكاء و الصياح.و في الأصل:«لم يقول»و لا وجه له.

كَاللَّيْثِ لَيْثِ الْغَابَةِ الْمُهَيَّجِ إِذَا دَعَاهُ الْقَرْنُ لَمْ يُعَرِّجِ

فَضَرَبَهُ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ رَوْضَةَ وَ هُوَ يَضْرِبُ فِي أَهْلِ اَلْعِرَاقِ ضَرْباً مُنْكَراً وَ هُوَ يَقُولُ:

يَا سَاكِنِي اَلْكُوفَةِ يَا أَهْلَ الْفِتَنْ يَا قَاتِلِي عُثْمَانَ ذَاكَ الْمُؤْتَمَنْ

وَرَّثَ صَدْرِي قَتْلُهُ طُولَ الْحَزَنْ (1) أَضْرِبُكُمْ وَ لاَ أَرَى أَبَا حَسَنْ .

فَشَدَّ عَلَيْهِ اَلْأَشْتَرُ وَ هُوَ يَقُولُ

لاَ يُبَعِّدُ اللَّهُ سِوَى عُثْمَانَا وَ أَنْزَلَ اللَّهُ بِكُمْ هَوَاناً

وَ لاَ يُسَلِّي عَنْكُمُ الْأَحْزَانَا مُخَالِفٌ قَدْ خَالَفَ الرَّحْمَانَا

نَصَرْتُمُوهُ عَابِداً شَيْطَاناً

ثُمَّ ضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ.وَ قَالَتْ أُخْتُ اَلْأَجْلَحِ بْنِ مَنْصُورٍ الْكِنْدِيِّ حِينَ أَتَاهَا مُصَابُهُ وَ كَانَ اسْمُهَا حُبْلَةَ بِنْتَ مَنْصُورٍ

أَلاَ فَابْكِي أَخاً ثِقَةً فَقَدْ وَ اللَّهِ أُبْكِينَا (2)

لِقَتْلِ الْمَاجِدِ الْقَمْقَامِ لاَ مِثْلَ لَهُ فِينَا

أَتَانَا الْيَوْمَ مَقْتَلُهُ فَقَدْ جُزَّتْ نَوَاصِينَا

كَرِيمٌ مَاجِدُ الْجَدَّيْنِ يَشْفِي مِنْ أَعَادِينَا

وَ مِمَّنْ قَادَ جَيْشَهُمُ عَلِيٌّ وَ الْمُضِلُّونَا (3)

شَفَانَا اللَّهُ مِنْ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ فَقَدْ أَبَادُونَا (4)

أَ مَا يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ لَمْ يَرْعَوا لَهُ دِيناً.ح.

ص: 178


1- ح(1:330):«أورث قلبى قتله طول الحزن».
2- في الأصل:«أبلينا»صوابه في ح(1:331).
3- البيت لم يرو في ح.و في الأصل:«و المصلونا»و هي إنّما تهجو أصحاب على رضي اللّه عنه.
4- في الأصل:«قد أبادونا»،و أثبت ما في ح.

[قول علي في مرثية حبلة للأجلح أخيها]

نَصْرٌ قَالَ قَالَ عُمَرُ قَالَ جَابِرٌ : بَلَغَنِي أَنَّهَا مَاتَتْ حُزْناً عَلَى أَخِيهَا وَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ حِينَ بَلَغَهُ مَرْثِيَتُهَا أَخَاهَا: 1«أَمَا إِنَّهُنَّ لَيْسَ بِمِلْكِهِنَّ مَا رَأَيْتُمْ مِنَ الْجَزَعِ (1)أَمَا إِنَّهُمْ قَدْ أَضَرُّوا بِنِسَائِهِمْ فَتَرَكُوهُنَّ [أَيَامَى] خَزَايَا (2)[بَائِسَاتٍ] مِنْ قِبَلِ اِبْنِ آكِلَةِ الْأَكْبَادِ (3)،اَللَّهُمَّ حَمِّلْهُ آثَامَهُمْ وَ أَوْزَارَهُمْ« وَ أَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ(4) » .وَ أُصِيبَ يَوْمَ الَوْقَعْةَ الْعُظْمَى حَبِيبُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخُو اَلْأَجْلَحِ وَ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الرَّايَاتِ وَ جَاءَ بِرَأْسِهِ رَجُلٌ مِنْ بَجِيلَةَ قَدْ نَازَعَهُ فِي سَلَبِهِ رَجُلٌ مِنْ هَمْدَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّهُ قَتَلَهُ فَأَصْلَحَ عَلِيٌّ بَيْنَهُمَا وَ قَضَى بِسَلَبِهِ لِلْبَجَلِيِّ وَ أَرْضَى الْهَمْدَانِيَّ .

نَصْرٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنِ اَلشَّعْبِيِّ عَنِ اَلْحَارِثِ بْنِ أَدْهَمَ عَنْ صَعْصَعَةَ قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلَ اَلْأَشْتَرُ يَضْرِبُ بِسَيْفِهِ جُمْهُورَ النَّاسِ حَتَّى كَشَفَ أَهْلَ اَلشَّامِ عَنِ الْمَاءِ وَ هُوَ يَقُولُ

لاَ تَذْكُرُوا مَا قَدْ مَضَى وَ فَاتَا وَ اللَّهُ رَبِّي بَاعِثٌ أَمْوَاتاً (5)

مِنْ بَعْدِ مَا صَارُوا صَدًى رُفَاتاً (6)لَأُورِدَنَّ خَيْلِيَ اَلْفُرَاتَا

شُعْثَ النَّوَاصِي أَوْ يُقَالَ مَاتَا (7).).

ص: 179


1- ليس بملكهن:أى إن ما بدا عليهن من الجزع خارج عن إرادتهن.و في الأصل: «ليس يملكن»و أثبت ما في ح.
2- الخزايا:جمع خزيا،و هي التي عملت قبيحا فاشتد لذلك حياؤها.ح:«حزانى».
3- آكلة الأكباد يعنى بها هندا بنت عتبة بن ربيعة.و هي أم معاوية.يروى أنّها بقرت عن كبد حمزة فلاكتها،و قالت: شفيت من حمزة نفسى بأحد حتى يقرت بطنه عن الكبد انظر السيرة 581 جوتنجن.
4- (4) ح:«مع أثقاله».
5- في ح:«باعث الأمواتا».
6- الصدى:ما يبقى من الميت في قبره.و في الأصل:«كذا».
7- انظر مروج الذهب(2:18).

وَ كَانَ لِوَاءُ اَلْأَشْعَثِ مَعَ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَارِثِ فَقَالَ لَهُ اَلْأَشْعَثُ لِلَّهِ أَنْتَ لَيْسَ اَلنَّخَعُ بِخَيْرٍ مِنْ كِنْدَةَ قَدِّمْ لِوَاءَكَ فَإِنَّ الْحَظَّ لِمَنْ سَبَقَ فَتَقَدَّمَ صَاحِبُ اللِّوَاءِ وَ هُوَ يَقُولُ:

أَ نَعْطِشُ الْيَوْمَ وَ فِينَا اَلْأَشْعَثُ وَ اَلْأَشْعَثُ الْخَيْرُ كَلَيْثٍ يَعْبَثُ

فَأَبْشِرُوا فَإِنَّكُمْ لَنْ تَلْبَثُوا أَنْ تَشْرَبُوا الْمَاءَ فَسُبُّوا وَ ارْفُثُوا

مَنْ لاَ يَرِدْهُ وَ الرِّجَالُ تَلْهَثُ.

وَ قَالَ اَلْأَشْعَثُ إِنَّكَ لَشَاعِرٌ وَ مَا أَنْعَمْتَ لِي بُشْرَى وَ كَرِهَ أَنْ يَخْلُطَ اَلْأَشْتَرَ بِهِ فَنَادَى اَلْأَشْعَثُ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا الْحَظُّ لِمَنْ سَبَقَ.

قَالَ وَ حَمَلَ عَمْرٌو الْعُكِّيُّ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاوِيَةَ وَ هُوَ يَقُولُ

اُبْرُزْ إِلَى ذَا الْكَبْشِ يَا نَجَاشِي اِسْمِيَ عَمْرٌو وَ أَبُو خِرَاشِ

وَ فَارِسُ الْهَيْجَاءِ بِانْكِمَاشِي تُخْبِرُ عَنْ بَأْسِي وَ احْرِنْفَاشِي (1)

فَشَدَّ عَلَيْهِ اَلنَّجَاشِيُّ وَ هُوَ يَقُولُ

أَرْوِدْ قَلِيلاً فَأَنَا اَلنَّجَاشِي مِنْ سَرْوِ كَعْبٍ لَيْسَ بِالرَّقَاشِي

أَخُو حُرُوبٍ فِي رِبَاطِ الْجَاشِ وَ لاَ أَبِيعُ اللَّهْوَ بِالْمَعَاشِ

أَنْصُرُ خَيْرَ رَاكِبٍ وَ مَاشِ أَعْنِي عَلِيّاً بَيِّنَ الرِّيَاشِ

مِنْ خَيْرِ خَلْقِ اللَّهِ فِي نَشْنَاشِ (2)مُبَرَّأً مِنْ نَزَقِ الطُّيَّاشِ

بَيْتُ قُرَيْشٍ لاَ مِنَ الْحَوَاشِي لَيْثُ عَرِينٍ لِلْكِبَاشِ غَاشِ (3)م.

ص: 180


1- الاحرنفاش:التقبض و التهيؤ للشر.و في الأصل:«يخبر بأني من أحرناشى». تحريف.
2- النشناش:مصدر نشنش الرجل الرجل إذا دفعه و حركه؛و نشنش السلب: أخذه.و لم تذكر هذا المصدر المعاجم،و هذا الوزن من المصادر سماعى.انظر شرح الشافية(1:178).
3- كبش القوم:رئيسهم و سيدهم،و قائدهم.

يَقْتُلُ كَبْشَ الْقَوْمِ بِالْهِرَاشِ وَ ذِي حُرُوبٍ بَطَلٍ وَ نَاشِ

خَفَّ لَهُ أَخْطَفَ فِي الْبِطَاشِ (1) مِنْ أُسْدِ خَفَّاَنٍ وَ لَيْثٍ شَاشِ (2).

فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً فَفَلَقَ هَامَتَهُ بِالسَّيْفِ وَ حَمَلَ أَبُو الْأَعْوَرِ وَ هُوَ يَقُولُ

أَنَا أَبُو الْأَعْوَرِ وَ اسْمِي عَمْرٌو (3)أَضْرِبُ قُدْماً لاَ أُوَلِّي الدُّبُرْ

لَيْسَ بِمِثْلِي يَا فَتَى يُغْتَرُّ وَ لاَ فَتًى يُلاَقِينِي يُسَرُّ (4)

أَحْمِي ذِمَارِي وَ الْمُحَامِي حُرٌّ جَرَى إِلَى الْغَايَاتِ فَاسْتَمَرَّ (5).

فَحَمَلَ عَلَيْهِ اَلْأَشْتَرُ وَ هُوَ يَقُولُ:

لَسْتُ وَ إِنْ يُكْرَهْ ذَا الْخِلاَطِ لَيْسَ أَخُو الْحَرْبِ بِذِي اخْتِلاَطِ

لَكِنْ عُبُوسٌ غَيْرُ مُسْتَشَاطِ هَذَا عَلِيٌّ جَاءَ فِي الْأَسْبَاطِ

وَ خَلَّفَ النَّعِيمَ بِالْإِفْرَاطِ بِعَرْصَةٍ فِي وَسَطِ الْبَلاَطِ

مُنَحَّلُ الْجِسْمِ مِنَ الرِّبَاطِ (6) يَحْكُمُ حُكْمَ الْحَقِّ لاَ اعْتِبَاطِ.

وَ حَمَلَ شُرَحْبِيلُ بْنُ السِّمْطِ فَقَالَ:

أَنَا شُرَحْبِيلُ أَنَا اِبْنُ السِّمْطِ مُبَيِّنُ الْفِعْلِ بِهَذَا الشَّطِّ

بِالطَّعْنِ سَمْحاً بِقَنَاةِ الْخَطِّ أَطْلُبُ ثَارَاتِ قَتِيلِ الْقِبْطِ (7)

جَمَعْتُ قَوْمِي بِاشْتِرَاطِ الشَّرْطِ عَلَى اِبْنِ هِنْدٍ وَ أَنَا الْمُوَطِّير.

ص: 181


1- خف له:أسرع.و البطاش:مصدر باطشه،و البطش:التناول بشدة عند الصولة. و في الأصل:«كف له يخطف بالنهاس».
2- خفان،ككتان:مأسدة قرب الكوفة.و شاش:مدينة بما وراء النهر.
3- هذا يؤيد ما قيل من أن اسمه«عمرو بن سفيان السلمى».
4- في الأصل:«و لا فتى بلا فتى يسر».
5- الغايات:غايات السبق ينتهى إليها.و في الأصل:«جرى على الغايات».
6- الرباط و المرابطة:ملازمة ثغر العدو.
7- يعني عثمان،و عنى بالقبط أهل مصر.

حَتَّى أَنَاخُوا بِالْمُحَامِي الْخَطِّ جُنْدٌ يَمَانٍ لَيْسَ هُمْ بِخَلْطٍ.

فَأَجَابَهُ اَلْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ

إِنِّي أَنَا اَلْأَشْعَثُ وَ اِبْنُ قَيْسٍ فَارِسُ هَيْجَاءِ قَبِيلِ دَوْسِ

لَسْتُ بِشَكَّاكٍ وَ لاَ مَمْسُوسِ (1)كِنْدَةُ رُمْحِي وَ عَلِيٌّ قَوْسِي.

وَ قَالَ حَوْشَبٌ ذُو ظَلِيمٍ (2)

يَا أَيُّهَا الْفَارِسُ ادْنُ لاَ تُرَعْ أَنَا أَبُو مُرَّ وَ هَذَا ذُو كَلَعَ (3)

مُسَوَّدٌ بِالشَّامِ مَا شَاءَ صَنَعَ أَبْلِغْ عَنِّي أَشْتَرَاً أَخَا اَلنَّخَعِ (4)

وَ اَلْأَشْعَثَ الْغَيْثَ إِذَا الْمَاءُ امْتُنِعَ (5)قَدْ كَثُرَ الْغَدْرُ لَدَيْكُمْ لَوْ نَفَعَ.

فَأَجَابَهُ اَلْأَشْعَثُ

أَبْلِغْ عَنِّي حَوْشَباً وَ ذَا كَلَعَ وَ شُرْحَبِيلَ ذَاكَ أَهْلَكَ الطَّمَعَ (6)

قَوْمٌ جُفَاةٌ لاَ حَياً وَ لاَ وَرَعْ يَقُودُهُمْ ذَاكَ الشَّقِيُّ الْمُبْتَدِعْ

إِنِّي إِذَا الْقِرْنُ لِقِرْنٍ يَخْتَضِعُ وَ أَبْرَقُوهَا فِي عَجَاجٍ قَدْ سَطَعَ (7)

أَحْمِي ذِمَارِي مِنْهُمُ وَ أَمْتَنِعُ.

وَ قَالَ اَلْأَشْتَرُ أَيْضاً فَجَالَ

يَا حَوْشَبُ الْجِلْفُ وَ يَا شَيْخَ كَلَعْ أَيُّكُمَا أَرَادَ أَشْتَرَ اَلنَّخَعْ».

ص: 182


1- الممسوس:الذي به مس من الجنون.و في هذا البيت سناد الحذو،و هو اختلاف حركة ما قبل الردف.و في الأصل:«مملوس»و لا وجه له.
2- سبقت ترجمته في ص 66.
3- ذو كلع،هو ذو الكلاع.انظر ص 60،61.
4- أبلغ:أى أبلغا،بنون التوكيد الخفيفة،حذفها و أبقى الحركة قبلها.انظر ما مضى ص 177.
5- في الأصل:«منع».
6- أي أهلكه الطمع.و قد غير ضبط شرحبيل للشعر.
7- العجاج،كسحاب:الغبار.أبرقوها:أى أبرقوا السيوف.و في اللسان:«و أبرق بسيفه يبرق:إذا لمع به».

هَا أَنَا ذَا وَ قَدْ يَهُولُكَ الْفَزَعُ فِي حَوْمَةٍ وَسْطَ قَرَارٍ قَدْ شَرَعْ

ثُمَّ تُلاَقِي بَطَلاً غَيْرَ جَزِعْ سَائِلْ بِنَا طَلْحَةَ وَ أَصْحَابَ الْبِدَعْ

وَ سَلْ بِنَا ذَاتَ الْبَعِيرِ الْمُضْطَجِعْ (1) كَيْفَ رَأَوْا وَقْعَ اللُّيُوثِ فِي النَّقَعْ (2)

تَلْقَى امْرَأً كَذَاكَ مَا فِيهِ خَلَعْ وَ خَالَفَ الْحَقَّ بِدِينٍ وَ ابْتَدَعْ (3).

خروج محمد بن مخنف إلى القتال و تعسر الحصول على الماء

نَصْرٌ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ رَجُلٍ قَدْ سَمَّاهُ (4)عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمِّهِ مُحَمَّدِ بْنِ مِخْنَفٍ (5)قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي يَوْمَئِذٍ وَ أَنَا ابْنُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَ لَسْتُ فِي عَطَاءٍ (6)فَلَمَّا مَنَعَ النَّاسُ الْمَاءَ قَالَ لِي لاَ تَبْرَحْ فَلَمَّا رَأَيْتُ النَّاسَ يَذْهَبُونَ نَحْوَ الْمَاءِ لَمْ أَصْبِرْ فَأَخَذْتُ سَيْفِي فَقَاتَلْتُ فَإِذَا أَنَا بِغُلاَمٍ مَمْلُوكٍ لِبَعْضِ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ وَ مَعَهُ قِرْبَةٌ لَهُ فَلَمَّا رَأَى أَهْلَ اَلشَّامِ قَدْ أَفْرَجُوا عَنِ الْمَاءِ شَدَّ (7)فَمَلَأَ قِرْبَتَهُ ثُمَّ أَقْبَلَ بِهَا وَ شَدَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ (8)فَضَرَبَهُ فَصَرَعَهُ وَ وَقَعَتِ الْقِرْبَةُ مِنْهُ وَ شَدَدْتُ عَلَى الشَّامِيِّ فَضَرَبْتُهُ وَ صَرَعْتُهُ وَ عَدَا أَصْحَابُهُ فَاسْتَنْقَذُوهُ قَالَ وَ سَمِعْتُهُمْ يَقُولُونَ لاَ بَأْسَ عَلَيْكَ وَ رَجَعْتُ إِلَى الْمَمْلُوكِ فَأَجْلَسْتُهُ (9)فَإِذَا هُوَ يُكَلِّمُنِي وَ بِهِ جُرْحٌ رَحِيبٌ (10)فَلَمْ يَكُنْ أَسْرَعَ مِنْ أَنْ

ص: 183


1- ذات البعير،يعنى بها عائشة رضى اللّه عنها.و قد عرقب بعيرها يوم الجمل و أخذته السيوف حتّى سقط و اضطجع.
2- النقع،بالفتح:الغبار؛و حركه للشعر.
3- أي و ما خالف الحق.
4- هو أبو مخنف.و قد سبق نظير هذا الصنيع في ص 135.
5- ذكره في لسان الميزان(5:375)و قال:«روى يحيى بن سعيد عنه أنّه قال: دخلت مع أبى على على رضي اللّه عنه عام بلغت الحلم».و هذا يضم إلى أولاد مخنف.انظر ص 135.
6- العطاء:اسم لما يعطى.يقول:لم أكن في الجند فيفرض لي عطاء.و في الأصل: «فى غطاء»بالمعجمة،تحريف.
7- شد:أسرع في عدوه،كاشتد.
8- شد عليه،هنا،بمعنى حمل عليه.
9- في الطبريّ(5:241):«فاحتملته»أي حملته.
10- في الطبريّ.«رغيب»و هو الأكثر في كلامهم.انظر المفضليات(2:55).

جَاءَ مَوْلاَهُ فَذَهَبَ بِهِ وَ أَخَذْتُ قِرْبَتَهُ وَ هِيَ مَمْلُوءَةٌ مَاءً فَجِئْتُ بِهَا إِلَى أَبِي فَقَالَ:مِنْ أَيْنَ جِئْتَ بِهَا؟ فَقُلْتُ:اِشْتَرَيْتُهَا وَ كَرِهْتُ أَنْ أُخْبِرَهُ الْخَبَرَ فَيَجِدَ عَلَيَّ فَقَالَ:اِسْقِ الْقَوْمِ فَسَقَيْتُهُمْ وَ شَرِبْتُ آخِرَهُمْ وَ نَازَعَتْنِي نَفْسِي وَ اللَّهِ الْقِتَالَ فَانْطَلَقْتُ أَتَقَدَّمُ فِيمَنْ يُقَاتِلُ قَالَ فَقَاتَلْتُهُمْ سَاعَةً ثُمَّ أَشْهَدُ أَنَّهُمْ خَلَّوْا لَنَا عَنِ الْمَاءِ قَالَ فَمَا أَمْسَيْتُ حَتَّى رَأَيْتُ سُقَاتَهُمْ وَ سُقَاتَنَا يَزْدَحِمُونَ عَلَى الْمَاءِ فَمَا يُؤْذِي إِنْسَانٌ إِنْسَاناً قَالَ وَ أَقْبَلْتُ رَاجِعاً فَإِذَا أَنَا بِمَوْلَى صَاحِبِ الْقِرْبَةِ فَقُلْتُ هَذِهِ قَرِبْتُكَ فَخُذْهَا أَوِ ابْعَثْ مَعِي مَنْ يَأْخُذُهَا أَوْ أَعْلِمْنِي مَكَانَكَ فَقَالَ رَحِمَكَ اللَّهُ عِنْدَنَا مَا يُكْتَفَى بِهِ فَانْصَرَفْتُ وَ ذَهَبَ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ مَرَّ عَلَى أَبِي فَوَقَفَ فَسَلَّمَ وَ رَآنِي إِلَى جَنْبِهِ فَقَالَ مَنْ هَذَا الْفَتَى مِنْكَ قَالَ ابْنِي قَالَ أَرَاكَ اللَّهُ فِيهِ السُّرُورَ اسْتَنْقَذَ وَ اللَّهِ غُلاَمِي أَمْسِ وَ حَدَّثَنِي شَبَابُ الْحَيِّ أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَشْجَعِ النَّاسِ قَالَ فَنَظَرَ إِلَيَّ أَبِي نَظْرَةً عَرَفْتُ [مِنْهَا] (1)الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ ثُمَّ سَكَتَ حَتَّى مَضَى الرَّجُلُ ثُمَّ قَالَ هَذَا مَا تَقَدَّمْتُ إِلَيْكَ فِيهِ (2)قَالَ فَحَلَّفَنِي أَلاَّ أَخْرُجَ إِلَى قِتَالٍ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمَا شَهِدْتُ لَهُمْ قِتَالاً حَتَّى كَانَ آخِرُ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِهِمْ إِلاَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ.

نَصْرٌ عَنْ يُونُسَ بْنِ [أَبِي] (3)إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ مِهْرَانَ مَوْلَى يَزِيدَ بْنِ هَانِئٍ السَّبِيعِيِّ قَالَ: وَ اللَّهِ إِنَّ مَوْلاَيَ لَيُقَاتِلُ عَلَى الْمَاءِ وَ إِنَّ الْقِرْبَةَ لَفِي يَدِي فَلَمَّا انْكَشَفَ أَهْلُ اَلشَّامِ عَنِ الْمَاءِ شَدَدْتُ حَتَّى أَسْتَقِيَ وَ إِنِّي فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَأَرْمِي وَ أُقَاتِلُ.6.

ص: 184


1- التكملة من الطبريّ(5:241)،و حذف العائد على الموصوف قليل في كلامهم. انظر حواشى الحيوان(6:241).
2- تقدم إليه في كذا:أمره و أوصاه به.و في الأصل:«قدمت»صوابه من الطبريّ.
3- التكملة من الطبريّ.و انظر منتهى المقال 336.

[حديث سليمان الحضرمي]

نَصْرٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي عَمْرَةَ (1)عَنْ أَبِيهِ سُلَيْمَانَ الْحَضْرَمِيِّ (2)قَالَ: لَمَّا خَرَجَ عَلِيٌّ مِنَ اَلْمَدِينَةِ خَرَجَ مَعَهُ أَبُو عَمْرَةَ بْنُ عَمْرِو بْنِ مِحْصَنٍ (3)قَالَ:فَشَهِدْنَا مَعَ عَلِيٍّ اَلْجَمَلَ ثُمَّ انْصَرَفْنَا إِلَى اَلْكُوفَةِ ثُمَّ سِرْنَا إِلَى أَهْلِ اَلشَّامِ حَتَّى إِذَا كَانَ بَيْنَنَا وَ بَيْنَ صِفِّينَ لَيْلَةٌ دَخَلَنِي الشَّكُّ فَقُلْتُ:وَ اللَّهِ مَا أَدْرِي عَلاَمَ أُقَاتِلُ وَ مَا أَدْرِي مَا أَنَا فِيهِ قَالَ:وَ اشْتَكَى رَجُلٌ مِنَّا بَطْنَهُ مِنْ حُوتٍ أَكَلَهُ فَظَنَّ أَصْحَابُهُ أَنَّهُ طَعِينٌ (4)فَقَالُوا:نَتَخَلَّفُ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ فَقُلْتُ:أَنَا أَتَخَلَّفُ عَلَيْهِ وَ اللَّهِ مَا أَقُولُ ذَلِكَ إِلاَّ مِمَّا دَخَلَنِي مِنَ الشَّكِّ فَأَصْبَحَ الرَّجُلُ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَ أَصْبَحْتُ قَدْ ذَهَبَ عَنِّي مَا كُنْتُ أَجِدُ وَ نَفَذَتْ لِي بَصِيرَتِي حَتَّى إِذَا أَدْرَكْنَا أَصْحَابَنَا وَ مَضَيْنَا مَعَ عَلِيٍّ إِذَا أَهْلُ اَلشَّامِ قَدْ سَبَقُونَا إِلَى الْمَاءِ فَلَمَّا أَرَدْنَاهُ مَنَعُونَا فَصَلَتْنَا لَهُمْ بِالسَّيْفِ فَخَلَّوْنَا وَ إِيَّاهُ وَ أَرْسَلَ أَبُو عَمْرَةَ إِلَى أَصْحَابِهِ قَدْ وَ اللَّهِ جُزْنَاهُمْ فَهُمْ يُقَاتِلُونَّا وَ هُمْ فِي أَيْدِينَا وَ نَحْنُ دُونَهُ إِلَيْهِمْ كَمَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ قَبْلَ أَنْ نُقَاتِلَهُمْ فَأَرْسَلَ مُعَاوِيَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ لاَ تُقَاتِلُوهُمْ وَ خَلُّوا بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَهُ فَشَرِبُوا فَقُلْنَا لَهُمْ قَدْ كُنَّا عَرَضْنَا عَلَيْكُمْ هَذَا أَوَّلَ مَرَّةٍ فَأَبَيْتُمْ حَتَّى أَعْطَانَا اللَّهُ وَ أَنْتُمْ غَيْرُ مَحْمُودِينَ قَالَ فَانْصَرَفُوا عَنَّا وَ انْصَرَفْنَا عَنْهُمْ وَ لَقَدْ رَأَيْتُ رَوَايَانَا وَ رَوَايَاهُمْ بَعْدُ وَ خَيْلُنَا وَ خَيْلُهُمْ تَرِدُ ذَلِكَ الْمَاءَ جَمِيعاً حَتَّى ارْتَوَوْا وَ ارْتَوَيْنَا .

الحوادث التي انتهت إلى غلبة علي عليه السلام على الماء

نَصْرٌ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ اَلْجُرْجَانِيِّ : أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ:

ص: 185


1- في التقريب 603:«أبو عمرة عن أبيه،في سهم الفارس.مجهول من السادسة». و في الأصل:«عن أبيه عمرة»تحريف.
2- في التقريب:«سليمان بن زياد الحضرمى المصرى،ثقة من الخامسة».
3- هو أبو عمرة الأنصارى،قيل اسمه بشر و قيل بشير،و كان زوج بنت عم النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم المقوم بن عبد المطلب.انظر قسم الكنى من الإصابة 805،801. و في الاشتقاق 269:«و أبو عمرة بشير بن عمرو،قتل بصفين».
4- الطعين،هنا:الذي أصابه الطاعون.

يَا مُعَاوِيَةُ مَا ظَنُّكَ بِالْقَوْمِ إِنْ مَنَعُوكَ الْمَاءَ الْيَوْمَ كَمَا مَنَعْتَهُمْ أَمْسِ أَ تَرَاكَ تُضَارِبُهُمْ عَلَيْهِ (1)كَمَا ضَارَبُوكَ عَلَيْهِ وَ مَا أَغْنَى عَنْكَ أَنْ تَكْشِفَ لَهُمُ السَّوْأَةَ؟ قَالَ:دَعْ عَنْكَ مَا مَضَى مِنْهُ مَا ظَنُّكَ بِعَلِيٍّ ؟ قَالَ:ظَنِّي أَنَّهُ لاَ يَسْتَحِلُّ مِنْكَ مَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْهُ وَ أَنَّ الَّذِي جَاءَ لَهُ غَيْرُ الْمَاءِ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ قَوْلاً أَغْضَبَهُ فَأَنْشَأَ عَمْرٌو يَقُولُ

أَمَرْتُكَ أَمْراً فَسَخَّفْتَهُ وَ خَالَفَنِي اِبْنُ أَبِي سَرْحَهْ (2)

فَأَغْمَضْتُ فِي الرَّأْيِ إِغْمَاضَةً وَ لَمْ تَرَ فِي الْحَرْبِ كَالْفُسْحَهْ

فَكَيْفَ رَأَيْتَ كِبَاشَ اَلْعِرَاقِ أَ لَمْ يَنْطِحُوا جَمْعَنَا نَطْحَهْ

أَظُنُّ لَهَا الْيَوْمَ مَا بَعْدَهَا وَ مِيعَادُ مَا بَيْنَنَا صُبْحَهْ

فَإِنْ يَنْطِحُونَا غَداً مِثْلَهَا نَكُنْ (3)كَالزُّبَيْرِيِّ أَوْ طَلْحَهْ

وَ إِنْ أَخَّرُوهَا لِمَا بَعْدَهَا فَقَدْ قَدَّمُوا الْخَبْطَ وَ النَّفْحَهْ (4)

وَ قَدْ شَرِبَ الْقَوْمُ مَاءَ اَلْفُرَاتِ وَ قَلَّدَكَ اَلْأَشْتَرُ الْفُضْحَهْ.

قَالَ:وَ مَكَثَ عَلِيٌّ يَوْمَيْنِ لاَ يُرْسِلُ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَ لاَ يَأْتِيهِ مِنْ قِبَلِ مُعَاوِيَةَ أَحَدٌ وَ جَاءَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَدَخَلَ عَلَى عَلِيٍّ فِي عَسْكَرِهِ فَقَالَ: 1أَنْتَ قَاتِلُ اَلْهُرْمُزَانِ وَ قَدْ كَانَ أَبُوكَ فَرَضَ لَهُ فِي الدِّيوَانِ وَ أَدْخَلَهُ فِي اَلْإِسْلاَمِ فَقَالَ لَهُ اِبْنُ عُمَرَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَكَ تَطْلُبُنِي بِدَمِ اَلْهُرْمُزَانِ وَ أَطْلُبُكَ بِدَمِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ : 1لاَ عَلَيْكَ سَيَجْمَعُنِي وَ إِيَّاكَ الْحَرْبُ غَداً ثُمَّ مَكَثَ عَلِيٌّ يَوْمَيْنِ لاَ يُرْسِلُ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَ لاَ يُرْسِلُ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ (5)م.

ص: 186


1- في الأصل:«ضاربهم عليه»صوابه من ح(1:331).
2- يريد به عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح.و قد تصرف في الاسم للشعر.انظر ما سبق في ص 161.
3- ح:«فكن».
4- الخبط:الضرب الشديد.و النفحة:الدفعة من العذاب.ح:«الخيط»تحريف.
5- انظر أول هذا الكلام.

ثُمَّ إِنَّ عَلِيّاً دَعَا بَشِيرَ بْنَ عَمْرِو بْنِ مِحْصَنٍ الْأَنْصَارِيَّ (1)وَ سَعِيدَ بْنَ قَيْسٍ الْهَمْدَانِيَّ وَ شَبَثَ بْنَ رِبْعِيٍّ التَّمِيمِيَّ فَقَالَ: 1«اِئْتُوا هَذَا الرَّجُلَ فَادْعُوهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ إِلَى الطَّاعَةِ وَ الْجَمَاعَةِ وَ إِلَى اتِّبَاعِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى» فَقَالَ لَهُ شَبَثٌ :

أَ لاَ نُطَمِّعُهُ (2)فِي سُلْطَانٍ تُوَلِّيهِ إِيَّاهُ وَ مَنْزِلَةٍ تَكُونُ بِهِ لَهُ أَثَرَةٌ عِنْدَكَ إِنْ هُوَ بَايَعَكَ؟ قَالَ عَلِيٌّ : 1«اِئْتُوهُ الْآنَ فَالْقَوْهُ وَ احْتَجُّوا عَلَيْهِ وَ انْظُرُوا مَا رَأْيُهُ» وَ هَذَا فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَرِ فَأَتَوْهُ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَحَمِدَ أَبُو عَمْرَةَ بْنُ مِحْصَنٍ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ وَ قَالَ:

يَا مُعَاوِيَةُ إِنَّ الدُّنْيَا عَنْكَ زَائِلَةٌ وَ إِنَّكَ رَاجِعٌ إِلَى الْآخِرَةِ وَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ مُجَازِيكَ بِعَمَلِكَ وَ مُحَاسِبُكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَ إِنِّي أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَنْ تُفَرِّقَ جَمَاعَةَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَ أَنْ تَسْفِكَ دِمَاءَهَا بَيْنَهَا فَقَطَعَ مُعَاوِيَةَ عَلَيْهِ الْكَلاَمَ فَقَالَ:هَلاَّ أَوْصَيْتَ صَاحِبَكَ ؟ فَقَالَ:سُبْحَانَ اللَّهِ إِنَّ صَاحِبِي لَيْسَ مِثْلَكَ إِنَّ صَاحِبِي أَحَقُّ الْبَرِيَّةِ فِي هَذَا الْأَمْرِ فِي الْفَضْلِ وَ الدِّينِ وَ السَّابِقَةِ وَ اَلْإِسْلاَمِ وَ الْقَرَابَةِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالَ مُعَاوِيَةُ :فَتَقُولُ مَا ذَا؟ قَالَ:أَدْعُوكَ إِلَى تَقْوَى رَبِّكَ وَ إِجَابَةِ ابْنِ عَمِّكَ إِلَى مَا يَدْعُوكَ إِلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ فَإِنَّهُ أَسْلَمُ لَكَ فِي دِينِكَ وَ خَيْرٌ لَكَ فِي عَاقِبَةِ أَمْرِكَ قَالَ:وَ يُطَلُّ دَمُ عُثْمَانَ لاَ وَ الرَّحْمَنِ لاَ أَفْعَلُ ذَلِكَ أَبَداً قَالَ:فَذَهَبَ سَعِيدٌ يَتَكَلَّمُ فَبَدَرَهُ شَبَثٌ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:

يَا مُعَاوِيَةُ قَدْ فَهِمْتُ مَا رَدَدْتَ عَلَى اِبْنِ مِحْصَنٍ إِنَّهُ لاَ يَخْفَى عَلَيْنَا مَا تُقَرِّبُ وَ مَا تَطْلُبُ إِنَّكَ لاَ تَجِدُ شَيْئاً تَسْتَغْوِي بِهِ النَّاسَ وَ تَسْتَمِيلُ بِهِ أَهْوَاءَهُمْ وَ تَسْتَخْلِصُ بِهِ طَاعَتَهُمْ إِلاَّ أَنْ قُلْتَ لَهُمْ قُتِلَ إِمَامُكُمْ مَظْلُوماً فَهَلُمُّوا نَطْلُبْ بِدَمِهِ فَاسْتَجَابَ لَكَ سُفَهَاءُ طَغَامٌ رُذَالٌ وَ قَدْ عَلِمْنَا أَنَّكَ قَدْ أَبْطَأْتَ عَنْهُ بِالنَّصْرِ».

ص: 187


1- هو أبو عمرة بن عمرو بن محصن،و قد سبقت ترجمته في ص 185.
2- في الأصل:«لا نطعمه».

وَ أَحْبَبْتَ لَهُ الْقَتْلَ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ الَّتِي تَطْلُبُ وَ رُبَّ مُبْتَغٍ أَمْراً وَ طَالِبِهِ يَحُولُ اللَّهُ دُونَهُ وَ رُبَّمَا أُوتِيَ الْمُتَمَنِّي أُمْنِيَّتَهُ وَ رُبَّمَا لَمْ يُؤْتَهَا وَ وَ اللَّهِ مَا لَكَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهَا خَيْرٌ وَ اللَّهِ لَئِنْ أَخْطَأَكَ مَا تَرْجُو إِنَّكَ لَشَرُّ اَلْعَرَبِ حَالاً وَ لَئِنْ أَصَبْتَ مَا تَتَمَنَّاهُ لاَ تُصِيبُهُ حَتَّى تَسْتَحِقَّ صَلْيَ اَلنَّارِ فَاتَّقِ اللَّهَ يَا مُعَاوِيَةُ وَ دَعْ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ وَ لاَ تُنَازِعِ الْأَمْرَ أَهْلَهُ.

قَالَ فَحَمِدَ اللَّهَ مُعَاوِيَةُ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ أَوَّلَ (1)مَا عَرَفْتُ بِهِ سَفَهَكَ وَ خِفَّةَ حِلْمِكَ قَطْعُكَ عَلَى هَذَا الْحَسِيبِ الشَّرِيفِ سَيِّدِ قَوْمِهِ مَنْطِقَهُ ثُمَّ عَتَبْتَ بَعْدُ فِيمَا لاَ عِلْمَ لَكَ بِهِ وَ لَقَدْ كَذَبْتَ وَ لَوَيْتَ (2)أَيُّهَا الْأَعْرَابِيُّ الْجِلْفُ الْجَافِي فِي كُلِّ مَا وَصَفْتَ وَ ذَكَرْتَ انْصَرِفُوا مِنْ عِنْدِي فَلَيْسَ بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ إِلاَّ السَّيْفُ قَالَ وَ غَضِبَ فَخَرَجَ الْقَوْمُ وَ شَبَثٌ يَقُولُ:أَ فَعَلَيْنَا تُهَوِّلُ بِالسَّيْفِ؟ أَمَا وَ اللَّهِ لَنُعَجِّلَنَّهُ إِلَيْكَ فَأَتَوْا عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَأَخْبَرُوهُ بِالَّذِي كَانَ مِنْ قَوْلِهِ وَ ذَلِكَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَرِ قَالَ وَ خَرَجَ قُرَّاءُ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ وَ قُرَّاءُ أَهْلِ اَلشَّامِ فَعَسْكَرُوا نَاحِيَةَ صِفِّينَ فِي ثَلاَثِينَ أَلْفاً وَ عَسْكَرَ عَلِيٌّ عَلَى الْمَاءِ وَ عَسْكَرَ مُعَاوِيَةُ فَوْقَ ذَلِكَ وَ مَشَتِ الْقُرَّاءُ فِيمَا بَيْنَ مُعَاوِيَةَ وَ عَلِيٍّ فِيهِمْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ (3)وَ عَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسٍ النَّخَعِيُّ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ وَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ الْقَيْسِ وَ قَدْ كَانَ فِي بَعْضِ تِلْكَ السَّوَاحِلِ قَالَ:فَانْصَرَفُوا مِنْ عَسْكَرِ عَلِيٍّ (4)فَدَخَلُوا عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالُوا:».

ص: 188


1- في الأصل:«فإنى أول»تحريف.
2- وردت هذه الكلمة في الأصل غير واضحة هكذا:«و-و ت».
3- هو عبيدة-بفتح أوله-بن عمرو،و يقال ابن قيس بن عمرو السلمانى،بفتح المهملة و سكون اللام،و فتحها بعضهم.قال ابن الكلبى:أسلم قبل وفاة النبيّ بسنتين و لم يلقه. و كان شريح إذا أشكل عليه شيء كتب إلى عبيدة.و السلمانى نسبة إلى سلمان بن يشكر بن ناجية بن مراد.انظر مختلف القبائل و مؤتلفها لمحمّد بن حبيب ص 30 جوتنجن و الإصابة 6401 و المعارف 188 و تهذيب التهذيب و التقريب.
4- في الأصل:«إلى عسكر على».

يَا مُعَاوِيَةُ مَا الَّذِي تَطْلُبُ؟ قَالَ:أَطْلُبُ بِدَمِ عُثْمَانَ قَالُوا:مِمَّنْ تَطْلُبُ بِدَمِ عُثْمَانَ ؟ قَالَ:مِنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالُوا:وَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَتَلَهُ؟ قَالَ:

نَعَمْ هُوَ قَتَلَهُ وَ آوَى قَاتِلِيهِ فَانْصَرَفُوا مِنْ عِنْدِهِ فَدَخَلُوا عَلَى عَلِيٍّ ،فَقَالُوا:

إِنَّ مُعَاوِيَةَ يَزْعُمُ أَنَّكَ قَتَلْتَ عُثْمَانَ قَالَ: 1«اَللَّهُمَّ لَكَذَبَ فِيمَا قَالَ لَمْ أَقْتُلْهُ» فَرَجَعُوا إِلَى مُعَاوِيَةَ فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ لَهُمْ مُعَاوِيَةُ :إِنْ لَمْ يَكُنْ قَتَلَهُ بِيَدِهِ فَقَدْ أَمَرَ وَ مَالَأَ فَرَجَعُوا إِلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالُوا:إِنَّ مُعَاوِيَةَ يَزْعُمُ أَنَّكَ إِنْ لَمْ تَكُنْ قَتَلْتَ بِيَدِكَ فَقَدْ أَمَرْتَ وَ مَالَأْتَ عَلَى قَتْلِ عُثْمَانَ فَقَالَ: 1«اَللَّهُمَّ كَذَبَ فِيمَا قَالَ» فَرَجَعُوا إِلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالُوا:إِنَّ عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ :

إِنْ كَانَ صَادِقاً فَلْيُمْكِنَّا مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ فَإِنَّهُمْ فِي عَسْكَرِهِ وَ جُنْدِهِ وَ أَصْحَابِهِ وَ عَضُدِهِ فَرَجَعُوا إِلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالُوا:إِنَّ مُعَاوِيَةَ يَقُولُ لَكَ:

إِنْ كُنْتَ صَادِقاً فَادْفَعْ إِلَيْنَا قَتَلَةَ عُثْمَانَ أَوْ أَمْكِنَّا مِنْهُمْ قَالَ لَهُمْ عَلِيٌّ : 1«تَأَوَّلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ اَلْقُرْآنَ وَ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ وَ قَتَلُوهُ فِي سُلْطَانِهِ وَ لَيْسَ عَلَى ضَرْبِهِمْ قَوَدٌ» فَخَصَمَ عَلِيٌّ مُعَاوِيَةَ (1)فَقَالَ مُعَاوِيَةُ :إِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا يَزْعُمُونَ فَمَا لَهُ ابْتَزَّ الْأَمْرَ دُونَنَا عَلَى غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَّا وَ لاَ مِمَّنْ هَاهُنَا مَعَنَا؟ فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ :

1«إِنَّمَا النَّاسُ تَبَعُ اَلْمُهَاجِرِينَ وَ اَلْأَنْصَارِ وَ هُمْ شُهُودُ اَلْمُسْلِمِينَ فِي الْبِلاَدِ عَلَى وَلاَيَتِهِمْ وَ أَمْرِ دِينِهِمْ فَرَضُوا بِي وَ بَايَعُونِي وَ لَسْتُ أَسْتَحِلُّ أَنْ أَدَعَ ضَرْبَ مُعَاوِيَةَ (2)يَحْكُمُ عَلَى الْأُمَّةِ وَ يَرْكَبَهُمْ وَ يَشُقَّ عَصَاهُمْ» فَرَجَعُوا إِلَى مُعَاوِيَةَ فَأَخْبَرُوهُ بِذَلِكَ فَقَالَ:لَيْسَ كَمَا يَقُولُ فَمَا بَالُ مَنْ هَاهُنَا مِنَ اَلْمُهَاجِرِينَ وَ اَلْأَنْصَارِ لَمْ يَدْخُلُوا فِي هَذَا الْأَمْرِ فَيُؤَامِرُوهُ (3)فَانْصَرَفُوا إِلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالُوا لَهُ ذَلِكَ وَ أَخْبَرُوهُ فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : 1«وَيْحَكُمْ هَذَا لِلْبَدْرِيِّينَ دُونَ اَلصَّحَابَةِ لَيْسَ فِي الْأَرْضِة.

ص: 189


1- خصمه:غلبه في الخصومة بالحجة.
2- أي مثل معاوية.و الضرب:المثل و الشبيه.
3- المؤامرة:المشاورة.

بَدْرِيٌّ إِلاَّ قَدْ بَايَعَنِي وَ هُوَ مَعِي أَ وَ قَدْ أَقَامَ وَ رَضِيَ فَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ مُعَاوِيَةُ مِنْ أَنْفُسِكُمْ وَ دِينِكُمْ» فَتَرَاسَلُوا ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ رَبِيعاً الْآخَرَ وَ جُمَادَيَيْنِ فَيَفْزَعُونَ الْفَزْعَةَ (1)فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ فَيَزْحُفُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ وَ تَحْجُزُ الْقُرَّاءُ بَيْنَهُمْ فَفَزِعُوا فِي ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ خَمْساً وَ ثَمَانِينَ فَزْعَةً كُلَّ فَزْعَةٍ يَزْحُفُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ وَ يَحْجُزُ الْقُرَّاءُ بَيْنَهُمْ وَ لاَ يَكُونُ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ.

قَالَ وَ خَرَجَ أَبُو أَمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ وَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَدَخَلاَ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَ كَانَا مَعَهُ فَقَالاَ:يَا مُعَاوِيَةُ عَلاَمَ تُقَاتِلُ هَذَا الرَّجُلَ فَوَ اللَّهِ لَهُوَ أَقْدَمُ مِنْكَ سِلْماً (2)وَ أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْكَ وَ أَقْرَبُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَعَلاَمَ تُقَاتِلُهُ؟ فَقَالَ:أُقَاتِلْهُ عَلَى دَمِ عُثْمَانَ وَ أَنَّهُ آوَى قَتَلَتَهُ فَقُولُوا لَهُ فَلْيُقِدْنَا مِنْ قَتَلَتِهِ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ بَايَعَهُ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ فَانْطَلَقُوا إِلَى عَلِيٍّ فَأَخْبَرُوهُ بِقَوْلِ مُعَاوِيَةَ ،فَقَالَ: 1«هُمُ الَّذِينَ تَرَوْنَ» فَخَرَجَ عِشْرُونَ أَلْفاً أَوْ أَكْثَرُ مُسَرْبِلِينَ فِي الْحَدِيدِ لاَ يُرَى مِنْهُمْ إِلاَّ الْحَدَقُ فَقَالُوا كُلُّنَا قَتَلَهُ فَإِنْ شَاءُوا فَلْيَرُومُوا ذَلِكَ مِنَّا فَرَجَعَ أَبُو أُمَامَةَ وَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَلَمْ يَشْهَدَا شَيْئاً مِنَ الْقِتَالِ حَتَّى إِذَا كَانَ رَجَبٌ وَ خَشِيَ مُعَاوِيَةُ أَنْ يُبَايِعَ الْقُرَّاءُ عَلِيّاً عَلَى الْقِتَالِ أَخَذَ فِي الْمَكْرِ وَ أَخَذَ يَحْتَالُ لِلْقُرَّاءِ لِكَيْمَا يُحْجِمُوا عَنْهُ (3)وَ يَكُفُّوا حَتَّى يَنْظُرُوا قَالَ:وَ إِنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ فِي سَهْمٍ:مِنْ عَبْدِ اللَّهِ النَّاصِحِ فَإِنِّي أُخْبِرُكُمْ أَنَّ مُعَاوِيَةَ يُرِيدُ أَنْ يُفَجِّرَ عَلَيْكُمُ اَلْفُرَاتَ فَيُغْرِقَكُمْ فَخُذُوا حِذْرَكُمْ ثُمَّ رَمَى مُعَاوِيَةُ بِالسَّهْمِ فِي عَسْكَرِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي يَدَيْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ اَلْكُوفَةِ فَقَرَأَهُ ثُمَّ أَقْرَأَهُ صَاحِبَهُ فَلَمَّا قَرَأَهُ وَ أَقْرَأَهُ النَّاسَ أَقْرَأَهُ مَنْ أَقْبَلَ وَ أَدْبَرَ قَالُوا:

هَذَا أَخٌ نَاصِحٌ كَتَبَ إِلَيْكُمْ يُخْبِرُكُمْ بِمَا أَرَادَ مُعَاوِيَةُ فَلَمْ يَزَلِ السَّهْمُ يُقْرَأُ وَ يُرْتَفَعُ».

ص: 190


1- في الأصل:«فيقرعون القرعة»و بنى سائر العبارة على ذلك،تحريف.
2- السلم:الإسلام.
3- في الأصل:«عليه».

حَتَّى رُفِعَ (1)إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ قَدْ بَعَثَ مُعَاوِيَةُ مِائَتَيْ رَجُلٍ مِنَ الْفَعَلَةِ إِلَى عَاقُولٍ مِنَ النَّهَرِ (2)بِأَيْدِيهِمْ الْمُرُورُ وَ الزُّبُلُ (3)يَحْفِرُونَ فِيهَا بِحِيَالِ عَسْكَرِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ،فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ 1«وَيْحَكُمْ إِنَّ الَّذِي يُعَالِجُ مُعَاوِيَةُ لاَ يَسْتَقِيمُ لَهُ وَ لاَ يَقُومُ عَلَيْهِ (4)وَ إِنَّمَا يُرِيدُ أَنْ يُزِيلَكُمْ عَنْ مَكَانِكُمْ فَالْهَوْا عَنْ ذَلِكَ وَ دَعُوهُ» فَقَالُوا لَهُ:لاَ نَدَعُهُمْ (5)وَ اللَّهِ يَحْفِرُون السَّاعَةَ فَقَالَ عَلِيٌّ :

1«يَا أَهْلَ اَلْعِرَاقِ لاَ تَكُونُوا ضَعْفَى (6)وَيْحَكُمْ لاَ تَغْلِبُونِّي عَلَى رَأْيِي» فَقَالُوا:

وَ اللَّهِ لَنَرْتَحِلَنَّ فَإِنْ شِئْتَ فَارْتَحِلْ وَ إِنْ شِئْتَ فَأَقِمْ فَارْتَحَلُوا وَ صَعِدُوا بِعَسْكَرِهِمْ مَلِيّاً (7)وَ ارْتَحَلَ عَلِيٌّ فِي أُخْرَيَاتِ النَّاسِ وَ هُوَ يَقُولُ:

1

«وَ لَوْ أَنِّي أُطِعْتُ عَصَبْتُ قَوْمِي إِلَى رُكْنِ اَلْيَمَامَةِ أَوْ شَمَامِ (8)

وَ لَكِنِّي إِذَا أَبْرَمْتُ أَمْراً مُنِيتُ بِخُلْفِ آرَاءِ الطَّغَامِ.»

وَ ارْتَحَلَ مُعَاوِيَةُ حَتَّى نَزَلَ عَلَى مُعَسْكَرِ عَلِيٍّ الَّذِي كَانَ فِيهِ فَدَعَا عَلِيٌّ اَلْأَشْتَرَ فَقَالَ: 1«أَ لَمْ تَغْلِبْنِي عَلَى رَأْيِي (9)أَنْتَ وَ اَلْأَشْعَثُ فَدُونَكُمَا؟» فَقَالَ اَلْأَشْعَثُ :أَنَا أَكْفِيكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ سَأُدَاوِي مَا أَفْسَدْتُ الْيَوْمَ مِنْ ذَلِكَ فَجَمَعَ بَنِي كِنْدَةَ وَ قَالَ:يَا مَعْشَرَ كِنْدَةَ لاَ تَفْضَحُونِي الْيَوْمَ وَ لاَ تُخْزُونِي،».

ص: 191


1- في الأصل:«دفع»بالدال،و أثبت ما في ح(1:343).
2- عاقول النهر و الوادى و الرمل:ما اعوج منه.
3- المرور:جمع مر،بالفتح،و هو المسحاة.و الزبل،بضمتين:جمع زبيل،و هو الجراب و القفة.فى الأصل:«الزبيل»و الوجه الجمع.و في ح:«المزور و الرمل» تحريف.
4- ح:«و لا يقوى عليه».
5- في الأصل:«هم»بدل:«لا ندعهم»صوابه في ح.
6- كذا في الأصل.و لعلها:«خلفى»و هو بالكسر:المخالف.
7- مليا:طويلا.و منه:« وَ اهْجُرْنِي مَلِيًّا »و في الأصل:«عليا»صوابه في ح.
8- ح:«عصمت قومي».و شمام:جبل لباهلة.و في الأصل:«شآم»وجهه في ح.
9- الراء:الرأى.و في ح:«رأيى».

إِنَّمَا أُقَارِعُ بِكُمْ أَهْلَ اَلشَّامِ فَخَرَجُوا مَعَهُ رَجْلاَ يَمْشُونَ (1)وَ بِيَدِ اَلْأَشْعَثِ رُمْحٌ لَهُ يُلْقِيهِ عَلَى الْأَرْضِ وَ يَقُولُ امْشُوا قِيسَ رُمْحِي هَذَا فَيَمْشُونَ فَلَمْ يَزَلْ يَقِيسُ لَهُمُ الْأَرْضَ بِرُمْحِهِ ذَلِكَ وَ يَمْشُونَ مَعَهُ رَجَّالَةً قَدْ كَسَرُوا جُفُونَ سُيُوفِهِمْ حَتَّى لَقُوا مُعَاوِيَةَ وَسْطَ بَنِي سُلَيْمٍ وَاقِفاً عَلَى الْمَاءِ وَ قَدْ جَاءَهُ أَدَانِي عَسْكَرِهِ فَاقْتَتَلُوا قِتَالاً شَدِيداً عَلَى الْمَاءِ سَاعَةِ وَ انْتَهَى أَوَائِلُ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ فَنَزَلُوا وَ أَقْبَلَ اَلْأَشْتَرُ فِي خَيْلٍ مِنْ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ فَحَمَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ حَمْلَةً وَ اَلْأَشْعَثُ يُحَارِبُ فِي نَاحِيَةٍ أُخْرَى فَانْحَازَ مُعَاوِيَةُ فِي بَنِي سُلَيْمٍ فَرَدُّوا وُجُوهَ إِبِلِهِ قَدْرَ ثَلاَثَةِ فَرَاسِخَ ثُمَّ نَزَلَ وَ وَضَعَ أَهْلُ اَلشَّامِ أَثْقَالَهُمْ وَ اَلْأَشْعَثُ يَهْدِرُ وَ يَقُولُ:أَرْضَيْتُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ ثُمَّ تَمَثَّلَ بِقَوْلِ طُرْفَةَ بْنِ الْعَبْدِ

فَفِدَاءٌ لِبَنِي سَعْدٍ عَلَى مَا أَصَابَ النَّاسَ مِنْ خَيْرٍ وَ شَرٍّ (2)

مَا أَقَلَّتْ قَدَمَايَ إِنَّهُمْ نِعْمَ السَّاعُونَ فِي الْحَيِّ الشُّطُرْ (3)

وَ لَقَدْ كُنْتُ عَلَيْكُمْ عَاتِباً فَعَقْبُتْم بِذَنُوبِ غَيْرِ مُرٍّ (4)

كُنْتُ فِيكُمْ كَالْمُغَطِّي رَأْسَهُ فَانْجَلَى الْيَوْمَ قِنَاعِي وَ خُمُرْ

سَادِراً أَحْسُبُ غَيِّي رَشَداً فَتَنَاهَيْتُ وَ قَدْ صَاْبَتْ بَقَرْ (5).ن.

ص: 192


1- ح:«رجالة»و الرجالة و الرجل و الراجلون بمعنى.
2- رواية«فداء»بالرفع،أي نفسى فداء أو أنا فداء.و في ديوان طرفة 82 و الخزانة(4:101 بولاق):«لبنى قيس»و في الديوان و الخزانة:«من سر و ضر» و هما بضم أولهما السراء و الضراء.
3- أقلت:حملت؛أى ما أقلتنى قدماى،أي طول الحياة.و نعم،بكسرتين ففتح: لغة في نعم.و الشطر بضمتين:جمع شطير،و هو الغريب البعيد.و يروى:«خالتي و النفس قدما»على أن تكون«خالتي»مبتدأ خبره«فداء»فى البيت السابق.
4- عقبتم:أى وجدتم عقب ذلك.و الذنوب،بالفتح:النصيب و الحظ.و في الكتاب: « فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ »و المر:نقيض الحلو.
5- تناهيت:أى انتهيت من سفهى.و يقال للأمر إذا وقع في مستقره:«صابت بقر»بضم القاف،أي نزل الأمر في مستقره فلا يستطاع له تحويل.و في الأصل:و قد كادت ثفر»،صوابه في ح و الديوان.

قَالَ:وَ قَالَ اَلْأَشْعَثُ :يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ غَلَبَ اللَّهُ لَكَ عَلَى الْمَاءِ قَالَ عَلِيٌّ :(1)«أَنْتَ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

تُلاَقِينَ قَيْساً وَ أَتْبَاعَهُ فَيُشْعِلُ لِلْحَرْبِ نَاراً فَنَاراً

أَخُو الْحَرْبِ إِنْ لَقِحَتْ بَازِلاً سَمَا لِلْعُلَى وَ أَجَلَّ الْخِطَارَا»

1 .

فَلَمَّا غَلَبَ عَلِيٌّ عَلَى الْمَاءِ فَطَرَدَ عَنْهُ أَهْلَ اَلشَّامِ بَعَثَ إِلَى مُعَاوِيَةَ : «إِنَّا لاَ نُكَافِيكَ بِصُنْعِكَ هَلُمَّ إِلَى الْمَاءِ فَنَحْنُ وَ أَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ» فَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالشَّرِيعَةِ مِمَّا يَلِيهِ قَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِأَصْحَابِهِ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الْخَطْبَ أَعْظَمُ مِنْ مَنْعِ الْمَاءِ» وَ قَالَ مُعَاوِيَةُ لِلَّهِ دَرُّ عَمْرٍو مَا عَصَيْتُهُ فِي أَمْرٍ قَطُّ إِلاَّ أَخْطَأْتُ الرَّأْيَ فِيهِ قَالَ:فَمَكَثَ مُعَاوِيَةُ أَيَّاماً لاَ يُكَلِّمُ عَمْراً ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِ فَقَالَ:يَا عَمْرُو كَانَ فَلْتَةً مِنْ رَأْيٍ أَعْقَبَتْنِي بِخَطَائِهَا (2)وَ أَمَتُّ مَا كَانَ قَبْلَهَا مِنَ الصَّوَابِ أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ تُقَايِسُ [صَوَابَكَ] (3)بِخَطَائِكَ لَقَلَّ صَوَابُكَ فَقَالَ عَمْرٌو :قَدْ كَانَ كَذَا فَرَأَيْتُكَ احْتَجْتَ إِلَى رَأْيِكَ وَ مَا خَطَاؤُكَ الْيَوْمَ حِينَ أَعْذَرْتُ إِلَيْكَ أَمْسِ وَ كَذَلِكَ أَنَا لَكَ غَداً إِنْ عَصَيْتَنِي الْيَوْمَ فَعَطَفَ عَلَيْهِ مُعَاوِيَةُ وَ رَضِيَ عَنْهُ وَ بَاتَ عَلَى مَشْقِ الْحِيَلِ (4)حَتَّى أَصْبَحَ ثُمَّ غَادَاهُمْ عَلَى الْقِتَالِ وَ عَلَى رَايَتِهِ يَوْمَئِذٍ هَاشِمُ بْنُ عُتْبَةَ الْمِرْقَالُ قَالَ:وَ مَعَهُ الْحُدْلُ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا اَلْأَشْتَرُ :

إِنَّا إِذَا مَا احْتَسَبْنَا الْوَغَى أَدَرْنَا الرَّحَى بِصُنُوفِ الْحُدْلِ (5)ا.

ص: 193


1- أي إن لقحت الحرب و هي بازل.و البزول:أقصى أسنان البعير إذا طعن في التاسعة. يقول:إذا تجددت الحرب بعد ما طال عهدها و قوتل فيها مرّات دخل في غمارها و لم يتهيب. أجل:أعظم.و الخطار:مصدر كالمخاطرة؛يقال خاطر بنفسه:أشفى بها على خطر هلك أو نيل ملك.و في الأصل:«لحقت بازلا»،صوابه في ح.
2- الخطاء:الخطأ.و في الأصل:«بخطائها»تحريف.
3- تكملة يقتضيها السياق.
4- كذا في الأصل.
5- الحدل:جمع حدلاء،و هي القوس قد حدرت إحدى سيتيها و رفعت الأخرى. و في الأصل:«الجدل»فى هذا الموضع و سابقه،جمع جدلاء للدرع المجدولة،و لا وجه لها هنا.

وَ ضَرْباً لِهَامَاتِهِمْ بِالسُّيُوفِ وَ طَعْناً لَهُمْ بِالْقَنَا وَ الْأَسَلْ

عَرَانِينَ مِنْ مَذْحِجٍ وَسْطَهَا يَخُوضُونَ أَغْمَارَهَا بِالْهَبَلْ (1)

وَ وَائِلُ تُسْعِرُ نِيرَانَهَا يُنَادُونَهُمْ أَمْرُنَا قَدْ كَمَلَ

أَبُو حَسَنٍ صَوْتُ خَيْشُومِهَا بِأَسْيَافِهِ كُلُّ حَامٍ بَطَلْ (2)

عَلَى الْحَقِّ فِينَا لَهُ مَنْهَجٌ عَلَى وَاضِحِ الْقَصْدِ لاَ بِالْمَيَلْ.

قَالَ وَ بَرَزَ يَوْمَئِذٍ عَوْفٌ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاوِيَةَ وَ هُوَ يَقُولُ:

إِنِّي أَنَا عَوْفٌ أَخُو الْحُرُوبِ عِنْدَ هِيَاجِ الْحَرْبِ وَ الْكُرُوبِ

صَاحِبُ لاَ الْوَقَّافِ وَ الْهَيُوبِ (3) عِنْدَ اشْتِعَالِ الْحَرْبِ بِاللَّهِيبِ

وَ لَسْتُ بِالنَّاجِي مِنَ الْخُطُوبِ وَ مِنْ رُدَيْنِي مَارِنِ الْكُعُوبِ

إِذْ جِئْتَ تَبْغِي نُصْرَةَ الْكَذُوبِ وَ لَسْتَ بِالْعَفِّ وَ لاَ النَّجِيبِ.

فَبَرَزَ إِلَيْهِ عَلْقَمَةُ بْنُ عَمْرٍو مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ وَ هُوَ يَقُولُ:

يَا عَجَباً لِلْعَجَبِ الْعَجِيبِ قَدْ كُنْتَ يَا عَوْفُ أَخاَ الْحُرُوبِ

وَ لَيْسَ فِيهَا لَكَ مِنْ نَصِيبٍ إِنَّكَ فَاعْلَمْ ظَاهِرُ الْعُيُوبِ

فِي طَاعَةٍ كَطَاعَةِ الصَّلِيبِ فِي يَوْمِ بَدْرٍ عُصْبَةِ الْقَلِيبِ (4)

فَدُونَكَ الطَّعْنَةَ فِي الْمَنْخُوبِ (5) قَلْبُكَ ذُو كُفْرٍ مِنَ الْقُلُوبِ.

فَطَعَنَهُ عَلْقَمَةُ فَقَتَلَهُ فَقَالَ عَلْقَمَةُ فِي ذَلِكَ:ه.

ص: 194


1- الهبل:الثكل،هبلته أمه ثكلته.
2- في الأصل:«أبا حسن».
3- أي أنا صاحب من ليس بوقاف و لا هيوب.و الوقوف:المحجم عن القتال. و الهيوب:الجبان.و في الأصل:«صاحبها الوقاف لا الهيوب»محرف.
4- القليب:قليب بدر.
5- المنخوب:الجبان،أراد به قلبه.و في الأصل:«النخوب»و لا وجه له.

يَا عَوْفُ لَوْ كُنْتَ امْرَأً حَازِماً لَمْ تَبْرُزِ الدَّهْرَ إِلَى عَلْقَمَهْ

لاَقَيْتَ لَيْثاً أَسَداً بَاسِلاً يَأْخُذُ بِالْأَنْفَاسِ وَ الْغَلْصَمَهْ

لاَقَيْتَهُ قِرْناً لَهُ سَطْوَةٌ يَفْتَرِسُ الْأَقْرَانَ فِي الْمَلْحَمَهْ

مَا كَانَ فِي نَصْرِ امْرِئٍ ظَالِمٍ مَا يُدْرِكُ اَلْجَنَّةَ وَ الْمَرْحَمَهْ

مَا لاِبْنِ صَخْرٍ حُرْمَةٌ تَرْتَجِى لَهَا ثَوَابَ اللَّهِ بَلْ مَنْدَمَهْ

لاَقَيْتَ مَا لاَقَى غَدَاةَ الْوَغَى مَنْ أَدْرَكَ الْأَبْطَالَ يَا ابْنَ الْأَمَهْ

ضَيَّعْتَ حَقَّ اللَّهِ فِي نُصْرَةٍ لِلظَّالِمِ الْمَعْرُوفِ بِالْمَظْلَمَهْ

إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ مِنْ قَبْلِهِ لَمْ يَكُ مِثْلَ الْعُصَبَةِ الْمُسْلِمَهْ

لَكِنَّهُ نَافَقَ فِي دِينِهِ مِنْ خَشْيَةِ الْقَتْلِ عَلَى الْمَرْغَمَهْ

بُعْداً لِصَخْرٍ مَعَ أَشْيَاعِهِ فِي جَاحِمِ النَّارِ لَدَى الْمَضْرَمَهْ (1).

فَمَكَثُوا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى كَانَ ذُو الْحِجَّةِ فَجَعَلَ عَلِيٌّ يَأْمُرُ هَذَا الرَّجُلَ الشَّرِيفَ فَيَخْرُجُ مَعَهُ جَمَاعَةٌ فَيُقَاتِلُ وَ يَخْرُجُ إِلَيْهِ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاوِيَةَ رَجُلٌ مَعَهُ آخَرُ فَيَقْتَتِلاَنِ فِي خَيْلِهَا وَ رَجِلِهِمَا ثُمَّ يَنْصَرِفَانِ وَ أَخَذُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَتَرَاجَعُوا بِجَمِيعِ الْفَيْلَقِ مِنَ اَلْعِرَاقِ وَ أَهْلِ اَلشَّامِ مَخَافَةَ الاِسْتِئْصَالِ وَ الْهَلاَكِ وَ كَانَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يُخْرِجُ اَلْأَشْتَرَ مَرَّةً فِي خَيْلِهِ وَ حُجْرَ بْنَ عَدِيٍّ مَرَّةً وَ شَبَثَ بْنَ رِبْعِيٍّ التَّمِيمِيَّ مَرَّةً وَ مَرَّةً خَالِدَ بْنَ الْمُعَمَّرِ السَّدُوسِيَّ وَ مَرَّةً زِيَادَ بْنَ النَّضْرِ الْحَارِثِيَّ وَ مَرَّةً زِيَادَ بْنَ جَعْفَرٍ الْكِنْدِيَّ وَ مَرَّةً سَعْدَ بْنَ قَيْسٍ الْهَمْدَانِيَّ وَ مَرَّةً مَعْقِلَ بْنَ قَيْسٍ الرِّيَاحِيَّ وَ مَرَّةً قَيْسَ بْنَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَ كَانَ أَكْثَرُ الْقَوْمِ حُرُوباً اَلْأَشْتَرَ .

وَ كَانَ مُعَاوِيَةُ يُخْرِجُ إِلَيْهِمْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ الْمَخْزُومِيَّا.

ص: 195


1- جاحم النار:معظمها و موضع الشدة فيها.و المضرمة:مصدر ميمى من الضرم، و هو اشتعال النار و التهابها.

وَ مَرَّةً أَبَا الْأَعْوَرِ السُّلَمِيَّ وَ مَرَّةً حَبِيبَ بْنَ مَسْلَمَةَ الْفِهْرِيَّ وَ مَرَّةً اِبْنَ ذِي الْكَلاَعِ وَ مَرَّةً عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَ مَرَّةً شُرَحْبِيلَ بْنَ السِّمْطِ وَ مَرَّةً حَمْزَةَ بْنَ مَالِكٍ الْهَمْدَانِيَّ فَاقْتَتَلُوا ذَا الْحِجَّةِ وَ رُبَّمَا اقْتَتَلُوا فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ مَرَّتَيْنِ أَوَّلَهُ وَ آخِرَهُ .

مبارزة الأشتر لأحد العماليق و التناهي عن القتال في المحرم

نَصْرُ بْنُ مُزَاحِمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ قَوْمِي : أَنَّ اَلْأَشْتَرَ خَرَجَ يَوْماً فَقَاتَلَ بِصِفِّينَ فِي رِجَالٍ مِنْ الْقُرَّاءِ وَ رِجَالٍ مِنْ فُرْسَانِ اَلْعَرَبِ فَاشْتَدَّ قِتَالُهُمْ فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَجُلٌ لَقَلَّ وَ اللَّهِ مَا رَأَيْتُ رَجُلاً قَطُّ هُوَ أَطْوَلُ وَ لاَ أَعْظَمُ مِنْهُ فَدَعَا إِلَى الْمُبَارَزَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِ إِنْسَانٌ وَ خَرَجَ إِلَيْهِ اَلْأَشْتَرُ فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ وَ ضَرَبَهُ اَلْأَشْتَرُ فَقَتَلَهُ وَ ايْمُ اللَّهِ لَقَدْ كُنَّا أَشْفَقْنَا عَلَيْهِ وَ سَأَلْنَاهُ أَلاَّ يَخْرُجَ إِلَيْهِ فَلَمَّا قَتَلَهُ نَادَى مُنَادٍ مِنْ أَصْحَابِهِ

يَا سَهْمَ سَهْمَ بْنَ أَبِي الْعِيزَارِ يَا خَيْرَ مَنْ نَعْلَمُهُ مِنْ زَارِ (1)

وَ جَاءَ رَجُلٌ مِنَ اَلْأَزْدِ فَقَالَ:أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَأَقْتُلَنَّ قَاتِلَكَ فَحَمَلَ عَلَى اَلْأَشْتَرِ [وَ عَطَفَ عَلَيْهِ اَلْأَشْتَرُ (2)]فَضَرَبَهُ فَإِذَا هُوَ بَيْنَ يَدَيْ فَرَسِهِ وَ حَمَلَ أَصْحَابُهُ فَاسْتَنْقَذُوهُ جَرِيحاً فَقَالَ أَبُو رُقَيْقَةَ السَّهْمِيُّ (3)كَانَ هَذَا نَاراً فَصَادَفَتْ إِعْصَاراً.

فَاقْتَتَلَ النَّاسُ ذَا الْحِجَّةِ كُلَّهُ فَلَمَّا مَضَى ذُو الْحِجَّةِ تَدَاعَى النَّاسُ أَنْ يَكُفَّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ إِلَى أَنْ يَنْقَضِيَ اَلْمُحَرَّمُ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُجْرِيَ صُلْحاً وَ اجْتِمَاعاً فَكَفَّ النَّاسُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ.

ص: 196


1- زار:مرخم زارة،و هم بطن من الأزد.انظر الاشتقاق 288.و قد أنشد الطبريّ الرجز في(5:243)و عقب عليه بقوله:«و زارة حى من الأزد».و في الأصل «من نعلم من نزار»،صوابه من الطبريّ.
2- التكملة من الطبريّ(5:243).
3- في الطبريّ:«أبو رفيقة الفهمى».

[اختلاف الرسل للصلح]

نَصْرٌ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الْمُجَاهِدِ عَنِ اَلْمُحِلِّ بْنِ خَلِيفَةَ قَالَ:

لَمَّا تَوَادَعَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ مُعَاوِيَةُ بِصِفِّينَ اخْتَلَفَتِ الرُّسُلُ فِيمَا بَيْنَهُمَا رَجَاءَ الصُّلْحِ فَأَرْسَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ وَ شَبَثَ بْنَ رِبْعِيٍّ وَ يَزِيدَ بْنَ قَيْسٍ وَ زِيَادَ بْنَ خَصَفَةَ فَدَخَلُوا عَلَى مُعَاوِيَةَ فَحَمِدَ اللَّهَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّا أَتَيْنَاكَ لِنَدْعُوَكَ إِلَى أَمْرٍ يَجْمَعُ اللَّهُ بِهِ كَلِمَتَنَا وَ أُمَّتَنَا وَ يَحْقِنُ اللَّهُ بِهِ دِمَاءَ اَلْمُسْلِمِينَ (1)وَ نَدْعُوكَ إِلَى أَفْضَلِهَا سَابِقَةً وَ أَحْسَنِهَا فِي اَلْإِسْلاَمِ آثَاراً (2)وَ قَدِ اجْتَمَعَ لَهُ النَّاسُ (3)وَ قَدْ أَرْشَدَهُمُ اللَّهُ بِالَّذِي رَأَوْا فَأَتَوْا فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ غَيْرُكَ وَ غَيْرُ مَنْ مَعَكَ فَانْتَهِ يَا مُعَاوِيَةُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُصِيبَكَ اللَّهُ وَ أَصْحَابَكَ بِمِثْلِ يَوْمِ الْجَمَلِ .

فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ :كَأَنَّكَ إِنَّمَا جِئْتَ مُتَهَدِّداً وَ لَمْ تَأْتِ مُصْلِحاً هَيْهَاتَ يَا عَدِيُّ كَلاَّ وَ اللَّهِ إِنِّي لاَبْنُ حَرْبٍ مَا يُقَعْقِعُ لِي بِالشَّنَاَنِ (4)أَمَا وَ اللَّهِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُجْلِبِينَ عَلَى اِبْنِ عَفَّانَ وَ أَنْتَ لِمَنْ قَتَلْتَهُ وَ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَقْتُلُهُ (5)اللَّهُ هَيْهَاتَ يَا عَدِيُّ قَدْ حَلَبْتُ بِالسَّاعِدِ الْأَشَّدِّ (6).

وَ قَالَ لَهُ شَبَثُ بْنُ رِبْعِيٍّ وَ زِيَادُ بْنُ خَصَفَةَ :وَ تَنَازَعَا كَلاَماً وَاحِداً (7)،».

ص: 197


1- زاد الطبريّ في(6:2):«و يأمن به السبل و يصلح به البين».
2- أفضلها:أى أفضل الناس.و في تاريخ الطبريّ:«إن ابن عمك سيد المسلمين أفضلها سابقة و أحسنها في الإسلام آثارا».و في ح(1:344):«ندعوك إلى أفضل الناس سابقة و أحسنهم في الإسلام آثارا».
3- ح:«إليه الناس»،الطبريّ:«استجمع له الناس».
4- الشنان:جمع شن،و هو القربة الخلق.و هم يحركون القربة البالية إذا أرادوا حث الإبل على السير لتفزع فتسرع.انظر الميداني(2:191).
5- الطبريّ:«ممن يقتل اللّه عزّ و جلّ به».
6- في الميداني(1:176):«حلبتها بالساعد الأشد.اى أخذتها بالقوة إذا لم يتأت الرفق».و في الأصل:«قد جئت»،و الصواب من الطبريّ(6:3).و هذه العبارة لم ترد في ح.
7- الطبريّ:«جوابا واحدا».

أَتَيْنَاكَ فِيمَا يُصْلِحُنَا وَ إِيَّاكَ فَأَقْبَلْتَ تَضْرِبُ الْأَمْثَالَ لَنَا دَعْ مَا لاَ يَنْفَعُ مِنَ الْقَوْلِ وَ الْفِعْلِ وَ أَجِبْنَا فِيمَا يَعُمُّنَا (1)وَ إِيَّاكَ نَفْعُهُ.

وَ تَكَلَّمَ يَزِيدُ بْنُ قَيْسٍ الْأَرْحَبِيُّ فَقَالَ:إِنَّا لَمْ نَأْتِكَ إِلاَّ لِنُبَلِّغَكَ مَا بُعِثْنَا بِهِ إِلَيْكَ وَ لِنُؤَدِّيَ عَنْكَ مَا سَمِعْنَا مِنْكَ لَنْ نَدَعَ أَنْ نَنْصَحَ لَكَ وَ أَنْ نَذْكُرَ مَا ظَنَنَّا أَنَّ لَنَا بِهِ عَلَيْكَ حُجَّةً أَوْ أَنَّهُ رَاجِعٌ بِكَ إِلَى الْأُلْفَةِ وَ الْجَمَاعَةِ إِنَّ صَاحِبَنَا لَمَنْ قَدْ عَرَفْتَ وَ عَرَفَ اَلْمُسْلِمُونَ فَضْلَهُ وَ لاَ أَظُنُّهُ يَخْفَى عَلَيْكَ أَنَّ أَهْلَ الدِّينِ وَ الْفَضْلِ لَنْ يَعْدِلُوكَ بِعَلِيٍّ عَلَيهِ السَّلاَمُ وَ لَنْ يُمَيِّلُوا بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ (2)فَاتَّقِ اللَّهَ يَا مُعَاوِيَةُ وَ لاَ تُخَالِفْ عَلِيّاً فَإِنَّا وَ اللَّهِ مَا رَأَيْنَا رَجُلاً قَطُّ أَعْمَلَ بِالتَّقْوَى وَ لاَ أَزْهَدَ فِي الدُّنْيَا وَ لاَ أَجْمَعَ لِخِصَالِ الْخَيْرِ كُلِّهَا مِنْهُ.

فَحَمِدَ اللَّهَ مُعَاوِيَةُ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ وَ قَالَ:أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّكُمْ دَعَوْتُمْ إِلَى الطَّاعَةِ وَ الْجَمَاعَةِ فَأَمَّا الْجَمَاعَةُ الَّتِي دَعَوْتُمْ إِلَيْهَا فَنِعِمَّا هِيَ وَ أَمَّا الطَّاعَةُ لِصَاحِبِكُمْ فَإِنَّا لاَ نَرَاهَا إِنَّ صَاحِبَكُمْ قَتَلَ خَلِيفَتَنَا وَ فَرَّقَ جَمَاعَتَنَا وَ آوَى ثَأْرَنَا وَ قَتَلَتَنَا وَ صَاحِبُكُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ فَنَحْنُ لاَ نَرُدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَ رَأَيْتُمْ قَتَلَةَ صَاحِبِنَا أَ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ صَاحِبِكُمْ فَلْيَدْفَعْهُمْ إِلَيْنَا فَلْنَقْتُلْهُمْ بِهِ وَ نَحْنُ نُجِيبُكُمْ إِلَى الطَّاعَةِ وَ الْجَمَاعَةِ.

فَقَالَ لَهُ شَبَثُ بْنُ رِبْعِيٍّ أَ يَسُرُّكَ بِاللَّهِ يَا مُعَاوِيَةُ إِنْ أُمْكِنْتَ (3)مِنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ فَقَتَلْتَهُ؟ قَالَ:وَ مَا يَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ وَ اللَّهِ لَوْ أَمْكَنَنِي صَاحِبُكُمْ».

ص: 198


1- في الأصل:«يصيبنا»و كتب فوقه:«خ:يعمنا»و هو ما في ح و الطبريّ.
2- التمييل بين الشيئين:الترجيح بينهما.تقول العرب:إنى لأميل بين ذينك الأمرين و أمايل بينهما أيهما آتى.و في الأصل:«يمثلوا»تحريف.و في ح:«و لا يميلون».
3- في الأصل:«أنك إن أمكنت»صوابه في ح.و في الطبريّ:«أنك أمكنت».

مِنِ اِبْنِ سُمَيَّةَ (1)مَا قَتَلْتُهُ بِعُثْمَانَ وَ لَكِنْ كُنْتُ أَقْتُلُهُ بِنَائِلٍ (2)مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَقَالَ لَهُ: شَبَثٌ :وَ إِلَهِ السَّمَاءِ مَا عَدَلْتَ مَعْدِلاً لاَ وَ اللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لاَ تَصِلُ إِلَى قَتْلِ اِبْنِ يَاسِرٍ حَتَّى تَنْدَرَ الْهَامُ عَنْ كَوَاهِلِ الرِّجَالِ وَ تَضِيقَ الْأَرْضُ الْفَضَاءُ عَلَيْكَ بِرُحْبِهَا فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ :إِنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ كَانَتْ عَلَيْكَ أَضْيَقَ (3)وَ رَجَعَ الْقَوْمُ عَنْ مُعَاوِيَةَ فَلَمَّا رَجَعُوا مِنْ عِنْدِهِ بَعَثَ إِلَى زِيَادِ بْنِ خَصَفَةَ التَّيْمِيِّ فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ مُعَاوِيَةُ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:

أَمَّا بَعْدُ يَا أَخَا رَبِيعَةَ فَإِنَّ عَلِيّاً قَطَعَ أَرْحَامَنَا وَ قَتَلَ إِمَامَنَا وَ آوَى قَتَلَةَ صَاحِبِنَا وَ إِنِّي أَسْأَلُكَ النُّصْرَةَ عَلَيْهِ (4)بِأُسْرَتِكَ وَ عَشِيرَتِكَ وَ لَكَ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَ مِيثَاقُهُ إِذَا ظَهَرْتُ أَنْ أُوَلِّيَكَ أَيَّ اَلْمِصْرَيْنِ أَحْبَبْتَ.

قَالَ أَبُو الْمُجَاهِدِ : (5)سَمِعْتُ زِيَادَ بْنَ خَصَفَةَ يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ:

فَلَمَّا قَضَى مُعَاوِيَةُ كَلاَمَهُ حَمِدْتُ اللَّهَ وَ أَثْنَيْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ قُلْتُ لَهُ:أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي لَعَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَ بِمَا أَنْعَمَ عَلَيَّ « فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ »قَالَ:ثُمَّ قُمْتُ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَ كَانَ إِلَى جَانِبِهِ جَالِساً:لَيْسَ يُكَلِّمُ رَجُلٌه.

ص: 199


1- سمية،هى سمية بنت خباط،بمعجمة مضمومة و موحدة ثقيلة،و هي أم عمّار بن ياسر،و كانت أمة لأبى حذيفة بن المغيرة المخزومى،ثمّ زوجها ياسرا فولدت له عمارا.و هى أول شهيدة استشهدت في الإسلام،وجأها أبو جهل بحربة فما