المؤلف : البهائي العاملي
المجموعة : فقه الشيعة من القرن الثامن
مفتاح الفلاح
في عمل اليوم والليلة من الواجبات والمستحبات
والآداب تأليف الشيخ الفقيه العلامة المتبحر
بهاء الدين محمد بن الحسين بن عبد الصمد
الحارثي الهمداني العاملي
المعروف بالشيخ
البهائي
قدس الله سره تعالى
منشورات
مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
بيروت - لبنان
ص ب 7120
مفتاح الفلاح
في عمل اليوم والليلة من الواجبات والمستحبات
والآداب تأليف الشيخ الفقيه العلامة المتبحر
بهاء الدين محمد بن الحسين بن عبد الصمد
الحارثي الهمداني العاملي
المعروف بالشيخ
البهائي
قدس الله سره تعالى
منشورات
مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
بيروت - لبنان
ص ب 7120
ص :1
«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»
الحمد لله الذي دلنا على جادة النجاة وهدانا إلى ما يوجب علو الدرجات والصلاة على أشرف البريات وأفضل أهل الأرض والسماوات محمد وآله الذين بموالاتهم تقبل الصلوات وببركاتهم تستجاب الدعوات (وبعد) فإن أقل العباد عملا وأكثرهم زللا محمد المشتهر ببهاء الدين العاملي وفقه الله للعمل في يومه ولغده قبل أن يخرج الأمر من يده (يقول) قد التمس مني جماعة من أخوان الدين وخلان اليقين تأليف مختصر يحتوي على ما لا بد لأهل الديانة من الإتيان به في كل يوم وليلة من واجب العبادات ومندوبها ومحمود الآداب ومرغوبها مقتصرا في الأعمال المسنونة على ما هو قليل المؤنة كثير المعونة فأجبت مسؤلهم وحققت بتوفيق الله مأمولهم وسميته (بمفتاح الفلاح) سائلا من الله سبحانه أن ينفع به الطالبين وأن يجعله من أحسن
ص :2
الذخائر ليوم الدين (ورتبته) على ستة أبواب متوكلا على ملهم الصواب في كل باب (الباب الأول) فيما يعمل ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس (الباب الثاني) فيما يعمل ما بين طلوع الشمس إلى الزوال (الباب الثالث) فيما يعمل ما بين المغرب إلى وقت النوم (الباب الخامس) فيما يعمل ما بين وقت النوم إلى انتصاف الليل (الباب السادس) فيما يعمل ما بين انتصاف الليل إلى طلوع الفجر الباب الأول فيما يعمل ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وفيه مقدمة وفصول مقدمة قد ورد عن أصحاب العصمة سلام الله عليهم في فضيلة هذا الوقت روايات عديدة ويطلق عليه ساعة الغفلة كما يطلق ذلك على ما بين غروب الشمس وذهاب الشفق أيضا وينبغي أن يكون الإنسان فيه متيقظا فإن النوم في ذلك الوقت شوم (روى) رئيس المحدثين في الفقيه عن الباقر عليه السلام أنه قال نومة الغداة مشؤمة تطرد الرزق وتصفر
ص :3
اللون وتغيره وهو نوم كل مشوم إن الله تبارك وتعالى يقسم الأرزاق ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فإياكم النومة (وروى) أيضا في الكتاب المذكور عن أبي الحسن الرضا عليه السلام في تفسير قوله تعالى (فالمقسمات أمرا) قال إن الملائكة تقسم أرزاق بني آدم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فمن نام عن رزقه (وقد روي) أن صلاة الصبح (1) تكتب في أعمال النهار معا (روى) ثقة الإسلام في الكافي (عن الصادق عليه السلام) في قوله تعالى (إن قرآن الفجر كان مشهودا) قال يعني صلاة الفجر تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار فإذا صلى العبد الصبح في (مع خ ل) (من خ ل) طلوع الفجر أثبتت له مرتين أثبتها ملائكة الليل وملائكة النهار (وههنا إشكال) وهو أنه قد (روى) جماعة من علمائنا (عن الصادق عليه السلام) التي ليست من ساعات الليل ولا من ساعات النهار (عقال) عليه
ص :4
السلام هي الساعة التي بين طلوع الشمس ولا يخفى أن هذا ينافي ما نقل أصحابنا عليه الإجماع من أن صلاة الصبح من صلاة النهار وأنه لم يخالف في ذلك إلا سليمان بن مهران الأعمش (1) حيث عدها من صلاة الليل مستدلا بقول (النبي صلى الله عليه وآله وسلم) صلاة الليل عجمي أي إخفاتية (وقد يستدل) له أيضا بما (رواه) رئيس المحدثين في الفقيه عن (أبي جعفر عليه السلام) أنه قال كان (رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) لا يصلي بالنهار شيئا حتى تزول الشمس (ويمكن) التفصي عن هذا الإشكال بأن الرواية قد وردت بأن ذلك السائل كان قسيسا من علماء النصارى وأنه سأل (الباقر عليه السلام) عن مسائل عديدة لم تكن معروفة إلا بين أكابر علمائهم وهذه المسألة من جملتها فلعل (الإمام عليه السلام) أجاب السائل عما يوافق عزمه (على ما يوافق عرفه خ ل) واعتقاده وذلك لا ينافي كون النهار حقيقة شرعية فيما بين طلوع الفجر وغروب الشمس (وأما ما استدل) به الأعمش (2) من (قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم) صلاة النهار عجمي (فقد أجاب) عنه علمائنا
ص :5
قدس الله أرواحهم بأنه من قبيل تغليب الأكثر على الأقل (أو أنه عليه السلام) جعل صلاة الصبح من صلاة الليل مبالغة في التغليس بها فقد روي أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يغلس بها حتى أنه كان إذا فرغ منها انصرف النساء وهن لا يعرفن من الغلس (1) (وروى رئيس المحدثين في الفقيه) أن يحيى بن أكثم سأل (أبا الحسن (2) الأول عليه السلام) عن صلاة الفجر لا يجهر فيها بالقراءة وهي من صلاة النهار فقال لأن (النبي صلى الله عليه وآله) كان يغلس به فقرآنها من الليل وبهذا يظهر الجواب عن ما استدل به الأعمش (للأعمش خ ل) مع أن الظاهر أن مراد (الإمام عليه السلام) نفي صلاة النافلة ردا على المخالفين القائلين باستحباب صلاة الضحى (تبصرة) لا بأس في تحقيق الفجر الأول والثاني بإيراد كلام في هذا المقام ذكره العلامة جمال الملة والحق والدين
ص :6
قدس الله روحه في منتهى المطلب قال طاب ثراه (إعلم) أن ضوء النهار من ضوء (ضياء خ ل) الشمس وإنما يستضئ بها ما كان ضياء كدرا (مكدرا خ ل) في نفسه كثيفا في جوهره كالأرض والقمر وأجزاء الأرض المتصلة والمنفصلة وكلما يستضئ من جهة الشمس فإنه يقع له ظل من ورائه وقد قدر (الله سبحانه وتعالى) بلطيف حكمته دوران الشمس حول الأرض فإذا كانت تحتها وقع ظلها فوق الأرض على شكل مخروط ويكون الهوى المستضئ بضياء الشمس محيطا بجواب ذلك المخروط فتستضئ نهايات الظل بذلك الهوى المضئ لكن ضوء الهوى ضعيف إذ هو مستعار فلا ينفذ كثيرا في أجزاء المخروط بل كلما ازداد بعدا ازداد ضعفا فإذا متى يكون في وسط المخروط تكون في أشد الظلام فإذا قربت الشمس من الأفق الشرقي مال مخروط الظل عن سمت الرأس وقربت الأجزاء المستضيئة في حواشي الظل بضياء الهواء من البصر وفيه أدنى قوة فيدركه البصر عند قرب الصباح وعلى هذا كلما ازدادت الشمس قربا من الأفق ازداد ضوء نهايات الظل قربا من البصر إلى أن تطلع الشمس وأول ما يظهر الضوء عند قرب الصباح يظهر مستدقا مستطيلا كالعمود ويسمى الصبح الكاذب ويشبه بذنب السرحان لدقته واستطالته ويسمى الأول لسبقه على الثاني والكاذب لكون الأفق مظلما أي لو كان يصدق
ص :7
أنه نور الشمس لكان (1) المنير دون ما يبعد منه ويكون ضعيفا دقيقا ويبقى وجه الأرض على ظلامه بظل الأرض ثم يزداد هذا الضوء إلى أن يأخذ طولا وعرضا فينبسط في عرض الأفق كنصف دائرة وهو الفجر الثاني الصادق لأنه صدقك عن الصبح وبينه لك (انتهى) هذا كلامه أعلى الله مقامه (واعلم) أنه لا يتعلق بطلوع الفجر الأول من العبادات إلا أمور يسيرة كدخول وقت فضيلة الوتر فإن أفضل أوقاتها ما بين الفجرين كما (رواه شيخ) الطائفة (في التهذيب) بسند صحيح عن إسماعيل بن سعيد (سعد خ ل) الأشعري قال سألت (أبا الحسن الرضا عليه السلام) عن ساعات الوتر فقال أحبها إلي الفجر الأول (وروي) أن رجلا سأل (أمير المؤمنين عليه السلام) عن الوتر أول الليل فلم يجبه فلما كان بين الصبحين خرج (أمير المؤمنين عليه السلام) إلى المسجد فنادى أين السائل عن الوتر ثلاث مرات نعم ساعة الوتر هذه ثم قام (عليه السلام فأوتر (وأما) الفجر الثاني (2) (فالعبادات) المتعلقة به
ص :8
كثيرة فإذا تحققت طلوعه (فقل) يا فالقه من حيث لا أرى ومخرجه من حيث أرى صل على محمد وآله واجعل أول يومنا هذا صلاحا وأوسطه فلاحا وآخره نجاحا وقل أيضا (ما رواه) رئيس المحدثين في الفقيه بسند صحيح (عن الصادق عليه السلام) قال كان (نوح عليه السلام) يقول إذا أصبح وأمسى اللهم إني أشهدك أنه ما أصبح بي من نعمة وعافية في دين أو دنيا فمنك وحدك لا شريك لك لك الحمد ولك الشكر بها علي حتى ترضى وبعد الرضى (يقولها) إذا أصبح عشرا وإذا أمسى عشرا فسمي بذلك عبدا شكورا وقل أيضا (ما رواه ثقة الإسلام في الكافي) بسند حسن عن أبي (عبد الله عليه السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام) كان يقول إذا أصبح سبحان الملك القدوس (ثلاثا) اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك ومن تحويل عافيتك ومن فجأة
ص :9
نقمتك ومن درك الشقاء ومن شر ما سبق في الليل والنهار اللهم إني أسألك بعزة ملكك وقوة سلطانك وبشدة قوتك وبعظم (وبعظيم خ ل) سلطانك وبقدرتك على جميع خلقك (ب) أن تفعل بي كذا وكذا (ومما) يقال عند طلوع الفجر (ما رواه) قدس الله روحه في الكافي أيضا بسند صحيح (عن الباقر عليه السلام) قال (مر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) برجل يغرس غرسا في حائط له فوقف وقال ألا أدلك على غرس هو أثبت أصلا وأسرع إيناعا وأطيب ثمرا وأبقى قال بلى فدلني (يا رسول الله صلى الله عليك وآلك (فقال) إذا أصبحت وأمسيت فقل (1) سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فإن لك عند الله إن قلته بكل تسبيحة عشر شجرات في الجنة من أنواع الفاكهة وهن من الباقيات الصالحات (2) قال فقال الرجل فإني
ص :10
أشهدك (يا رسول الله) أن حائطي هذا صدقة مقبوضة على فقراء المؤمنين (المسلمين خ ل) من أهل الصدقة فأنزل (الله عز وجل) آيات من القرآن (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى) (وروى) السيد الجليل جمال العارفين رضي الدين علي بن طاووس قدس الله روحه (عن الباقر عليه السلام) أنه قال من أصبح وعليه خاتم فضة عقيق متختما به في يده اليمنى فأصبح (1) من قبل أن يرى أحدا فقلب فصه إلى باطن كفه وقرأ (إنا أنزلناه في ليلة القدر)
ص :11
(إلى آخرها) ثم قال آمنت بالله وحده لا شريك له وكفرت بالجبت والطاغوت وآمنت بسر آل محمد وعلانيتهم وظاهرهم وباطنهم وأولهم وآخرهم (وقاه الله تعالى) في ذلك اليوم شر ما ينزل من السماء وما يعرج فيها وما يلج في الأرض وما يخرج منها وكان في حرز الله وكنفه حتى يمسي (ومما يقال) عند الصبح (ما روي عن الصادق عليه السلام) أستودع الله العلي الأعلا الجليل العظيم ديني ونفسي وأهلي ومالي وولدي وإخواني المؤمنين وجميع ما رزقني ربي وجميع من يعنيني أمره أستودع الله المخوف المرهوب المتضعضع لعظمته كل شئ ديني ونفسي وأهلي ومالي وولدي وجميع من يعنيني أمره (يقول ذلك ثلاث مرات) (فصل) فإن لم تكن عند طلوع الفجر على وضوء فبادر
ص :12
إلى الوضوء لتكون حال أذان الفجر متطهرا ولنذكر هنا صفة الوضوء الكامل (فنقول) إذا أردت الوضوء فابدأ قبله بالسواك وليكن على عرض الأسنان لا طولها ويجزي الإصبع عن المسواك (روى شيخ الطائفة في التهذيب) بسند صحيح عن (الصادق عليه السلام) أن (رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) قال السواك بالإبهام والمسبحة عند الوضوء سواك (1) (وينبغي) استقبال القبلة حال الوضوء وأكثر علمائنا قدس الله أرواحهم لم يذكروه وقد ذكره بعضهم مستندا بما (روي عن أئمتنا عليهم السلام) خير المجالس ما استقبل القبلة (ثم) إن كان وضوءك من إناء يمكن الاغتراف منه فضعه على يمينك ولو توضأت من نهر أو حوض مثلا (فينبغي) أن تجلس بحيث يكون على يمينك ولو تعارض جعله على اليمنى واستقبال القبلة فالظاهر ترجيح الاستقبال (وقل عند النظر إلى الماء الحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا (ثم) اغسل يديك إلى الزندين قبل إدخالهما الإناء مرة واحدة إن كان وضوءك من حدث البول أو النوم لا من حدث الريح مثلا
ص :13
ومرتين إن كان من حدث الغائط ولا يستحب عد غسلهما من غير هذه الأحداث الثلاثة ولو كان وضوءك من حوض أو إبريق مثلا فالأكثر على سقوط غسل اليدين ومال بعضهم إلى بقائه ولا بأس به (ثم) ضع يدك اليمنى في الماء آتيا بالتسمية كما (رواه) شيخ الطائفة في التهذيب بسند صحيح (عن الباقر عليه السلام) أنه قال إذا وضعت يدك في الماء (فقل) بسم الله وبالله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين (ثم) تمضمض ثلاثا بثلاث أكف (ثم) استنشق كذلك (وقل) عقيب كل منهما ما يأتي ذكره في الفصل الآتي (ثم) اغترف بيمناك غرفة وانو الإتيان بالوضوء الواجب امتثالا لأمر الله تعالى أو طاعة له أو قربة إليه سبحانه (وأما) أفعاله المستحبة فتندرج في ذلك إذا نويت الإتيان بأفضل الواجبين ولو نويت كلا منهما عند الإتيان به لكان أولى (وقارون) بالنية غسل أعلا وجهك مستديما لها حكما إلى فراغك (وقل) (بسم الله) (كما رواه) ثقة الإسلام في الكافي (عن الباقر عليه السلام) بسند صحيح (حسن خ ل) والظاهر عدم إغناء للشروع في المستحب وقد
ص :14
جوزوا مقارنة النية اليدين إذا اجتمعت شرائطه وللمضمضة والاستنشاق أيضا معللين بأن هذه الأفعال الثلاثة من أفعال الوضوء الكامل وتوقف ابن طاووس طاب ثراه في جواز مقارنتها لغير غسل الوجه والاحتياط معه رحمه الله (فإذا) صببت الماء على وجهك (فينبغي) أمرار يدك عليه تأسيا بما نقل عن (أصحاب العصمة سلام الله عليهم) عند حكايتهم الوضوء البياني وخروجا من خلاف بعض علمائنا (أصحابنا خ ل) حيث أوجب ذلك 1 ...... ولا يجب عليك تقديم غسل كل جزء من أجزاء الوجه على ما سفل عن ذلك الجزء بل إذا ابتدأت بغسل أعلاه كفى (وحد الوجه) طولا وعرضا ما دارت عليه الإبهام والوسطى كما نطقت به صحيحة زرارة (عن الباقر عليه السلام) وقد بسطنا الكلام في ذلك في شرح (الحديث الرابع) من كتاب الأربعين (ويجب) تخليل الشعر الذي ترى بشرة الوجه من تحته في مجلس التخاطب بحيث يصل الماء إليها على سبيل الغسل أما الذي لا ترى البشرة من تحته فلا بل إنما يجب عليك غسل ما تواجه به منه وافتح عينيك حال الوضوء فقد
ص :15
(روى) رئيس المحدثين في الفقيه (عن النبي صلى الله عليه وآله) أنه قال افتحوا أعينكم (عيونكم خ ل) عند الوضوء لعلها لا ترى نار جهنم وأكثر علماءنا رحمهم الله لم (يذكروا) ذلك في مستحبات الوضوء وقد يظن أن سبب إهمالهم له نقل الشيخ الإجماع على عدم استحباب إيصال ماء الوضوء إلى داخل العينين (وقال شيخنا في الذكرى) أنه لا منافاة بين الأمرين لعدم التلازم بين فتح العينين وإيصال الماء إلى داخلهما وهو جيد ولا يبعد ترتب الثواب على رؤية ما يأتي به المتوضي من أفعال الوضوء (تتمة) فإذا فرغت من غسل وجهك فخذ غرقه من الماء بيدك اليسرى كما فعله (الباقر عليه السلام) عند بيان وضوء (النبي صلى الله عليه وآله وسلم) اغسل بها اليمنى مبتديا بالمرفق ممرا يدك عليها إلى أطراف الأصابع كما مر في الوجه لكن يجب هنا تخليل الشعر وإن ستر ما تحته (وابدأ) بغسل ظاهر الذراع والمرأة بباطنه (ثم) خذ غرفة أخرى بيدك اليمنى فاغسل اليسرى كأختها (ولكن) غسل كل من الوجه واليدين مرة واحدة لا أزيد (كما) هو مختار ثقة الإسلام في (الكافي) ورئيس المحدثين في (الفقيه) وقد بسطنا الكلام في ذلك في كتاب مشرق الشمسين وفي الحبل المتين (ثم) امسح بشرة مقدم رأسك أو شعره الذي لا يخرج بمده عن حده بمقدار ثلاث أصابع مضمومة ببلل يمينك (ثم) امسح ببقية ذلك البلل ظهر قدمك اليمنى من رؤس الأصابع إلى الكعب أعني مفصل الساق والقدم ولا يجزي
ص :16
المسح إلى ما دونه (وبينا) ذلك في الكتابين بما لا مزيد عليه (ثم) امسح ظهر قدمك اليسرى ببلل يسارك وليكن مسح الرأس والقدمين بباطن الكف تلا بظاهر ها إلا لضرورة ولا بد من إمراره على الممسوح فلا يكفي وضع الكف (كما رواه شيخ الطائفة في التهذيب بسند صحيح) عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي قال سألت (أبا الحسن الرضا عليه السلام) عن المسح على القدمين كيف هو فوضع كفه على الأصابع ثم مسحها إلى الكعبين فقلت لو أن رجلا قال 2 بأصبعين من أصابعه إلى الكعبين هكذا قال لا إلا بكفه كلها (وليكن) أفعال وضوءك على التوالي من دون تراخ بينها مراعيا فيها الترتيب المذكور حتى في مسح القدمين كما هو مختار جماعة من قدماء علمائنا (ورواه) ثقة الإسلام في الكافي بسند حسن (عن أبي عبد الله عليه السلا م) أنه قال امسح على القدمين وابدأ بالشق الأيمن (وينبغي) الإتيان عند كل فعل من الغسلات والمسحات بدعائه الموظف له كما يأتي عي الفسل الآتي فإذا فرغت من الوضوء فقل.....
الحمد لله رب العالمين
ص :17
(كما واه شيخ الطائفة في التهذيب) بسند صحيح (ثم قل) اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين اللهم إني أسألك تمام الوضوء وتمام الصلاة وتمام رضوانك والجنة......
(واعلم) أن أكثر الأفعال وجميع الأذكار المذكورة مستحبة (والأفعال الواجبة) عشرة (النية) مستدامة الحكم والغسلات الثلاث (ومسمى) المسحات الثلاث بشرط اتصاله في الأخيرتين من طرف القدم إلى الكعبين (والترتيب) (والموالاة) (ومباشرة) الوضوء بنفسك إلا لضرورة (وينبغي) ترك التمندل من الوضوء (فقد روى) ثقة الإسلام في الكافي (عن الصادق عليه السلام) أنه قال من توضأ فتمندل كانت له حسنة ومن توضأ ولم يتمندل حتى يجف وضوءه كانت له ثلاثون حسنة (والظاهر) أن تعمد التجفيف بالشمس أو النار مثلا كالتمندل ولا بأس بالوضوء في المسجد من غير حدثي البول والغائط أما منهما فيكره كما (رواه ثقة الإسلام في الكافي) بسند صحيح (فصل) (روى) ثقة الإسلام (في الكافي) ورئيس المحدثين (في الفقيه) وشيخ الطائفة (في التهذيب) عن عبد الرحمن بن كثير الهاشمي عنن (أبي عبد الله عليه السلام) قال بينا (أمير المؤمنين عليه السلام) ذات يوم جالس مع ولده (محمد بن الحنفية رضي الله عنه) إذ
ص :18
قال له يا محمد آتني بإناء من ماء أتوضأ للصلاة فأتاه محمد بالماء فأكفاه بيده اليمنى على يده اليسرى (ثم قال) ...... بسم الله والحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا (قال) ثم استنجى (فقال) اللهم حصن فرجي وأعفه واستر عورتي وحرمني على النار (قال) ثم تمضمض (فقال) اللهم لقني حجتي يوم ألقاك وأطلق لساني بذكرك 0 بذكراك خ ل) (قال) ثم استنشق (قال) اللهم لا تحرم علي ريح الجنة واجعلني ممن يشم ريحها وروحها وطيبها (قال) ثم غسل وجهه (فقال) اللهم بيض وجهي يوم تسود فيه الوجوه ولا تسود
ص :19
وجهي يوم تبيض فيه الوجوه ثم غسل يده اليمنى (فقال) اللهم أعطني كتابي بيميني والخلد في الجنان بيساري وحاسبني حسابا يسيرا ثم غسل يده اليسرى (فقال) اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي وأعوذ بك من مقطعات النيران ثم مسح رأسه (فقال) اللهم غشني رحمتك وبركاتك ثم مسح رجليه (فقال) اللهم ثبتني على الصراط يوم تزل فيه الأقدام واجعل سعيي فيما يرضيك عني (يا ذا الجلال والإكرام خ) ثم رفع عليه السلام رأسه فنظر إلى محمد (فقال) يا محمد من توضأ مثل وضوئي وقال مثل قولي (خلق الله تعال) له من كل قطرة ملكا يقدسه ويسبحه ويكبره ويكتب الله له ثواب ذلك تالي يوم القيامة (توضيح) ولا بأس ببيان ما يحتاج إلى البيان في هذا الحديث مما تضمنه من
ص :20
أمر (أمير المؤمنين عليه السلام) ولده (رضي الله عن) بإحضار الماء قد يستفاد منه أن الأمر بإحضار ماء الوضوء ليس من الاستعانة المكروهة صونا لفعل المعصوم عن الكراهة واحتمال كون صدور ذلك (عنه عليه السلام) لبيان جوازه لا يخلو من بعد (وإكفاء) الإناء) بمعنى صبه (والجيم) في نجسا يجوز كسرها وفتحها وعطف إعفاف الفرج على تحصينه تفسيري وعطف ستر العورة عليه من قبيل عطف العام على الخاص إذ العورة في اللغة كلما يستحيي الإنسان من اطلاع غيره عليه (ولقني حجتي) بالقاف والنون المشدد بين من التلقين وهو التفهيم (ويشم) بفتح الشين وأصله يشمم كعلم وماضيه شمم بالكسر (والريح) الرائحة (والروح) بفتح الراء النسيم الطيبة (والمراد) بالخلد براءة الخلد أي أعطني صحيفة الأعمال بيميني وبراءة خلودي في الحنان بيساري وله تفسيرات أخر أوردتها في شرح الحديث الخامس من كتاب الأربعين (والمقطعات) بالقاف والطاء المهملة المفتوحة الثياب التي تقطع كالقميص والجبة لا ما لا يقطع كالإزار والرداء وبعضهم ضبط المقطعات بالفاء والظاء المعجمة من قولهم أمر فظيع أي شديد شنيع والمنقول هو الأول (ويؤيده) قوله تعالى) (فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار) (وغشني) رحمتك بالمعجمات وتشديد الشين أي غطني بها واجعلها
ص :21
شاملة لي ونصب رحمتك بنزع الخافض (واعلم) أن بين نسخ الكافي والفقيه والتهذيب اختلافا يسيرا في بعض ألفاظ هذه الأدعية والذي أوردته هنا هو ما أورده شيخ الطائفة في التهذيب ونسخته التي عندي نسخة معتمدة بخط والدي طاب ثراه وقرأها على شيخه 1 الشهيد الثاني قدس الله روحه وفي آ خرها الإجازة بخطه نور الله مرقده (فصل) وإذا فرغت من الوضوء فتوجه إلى المسجد (روى) رئيس المحدثين في الفقيه (عن الصادق عليه السلام) أنه قال من مشى إلى المسجد لم يضع رجلا على رطب ولا يابس إلا سبحت له الأرض إلى الأرض السابعة (وينبغي) أن تقول عند خروجك من بيتك بسم الله الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين والذي يميتني ثم يحيين والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين واجعل لي لسان صدق في الآخرين واجعلني من ورثة جنة النعيم واغفر لأبي
ص :22
(فقد روى) جمال السالكين في كتاب عدة الداعي عن (النبي صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال من توضأ ثم خرج إلى المسجد فقال حين يخرج من بيته بسم الله الذي خلقني فهو يهدين) (هداه الله) إلى الصواب والإيمان (وذا قال) (ولذي هو يطعمني ويسقين) أطعمه الله من طعام الجنة وسقاه من شرابها (وإذا قال) (وإذا مرضت فهو يشفين) (جعل الله) ذلك كفارة لذنوبه (وإذا قال) (والذي يميتني ثم يحيين) (أماته الله) ميتة الشهداء وأحياه حياة السعداء (وإذا قال) (والذي أطمع أن يغر لي خطيئتي يوم الدين) (غفر الله) له خطأ كله وإن كان أكثر من زبد البحر (وإذا قال) (رب هب لي حكما والحقني بالصالحين) وهب الله له حكما وعلما وألحقه بصالح من مضى وصالح من بقي (وإذا قال)
ص :23
(واجعل لي لسان صدق في الآخرين) كتب الله له في ورقة بيضاء أن فلان بن فلان من الصادقين وإذا قال واجعلني من ورثة جند النعيم (واغفر لأبي) غفر الله لأبويه وإذا أردت الدخول إلى المسجد فتعاهد نعليك أولا وقدم رجلك اليمنى (وقل) بسم الله ومن الله وإلى الله وخير الأسماء كلها لله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله اللهم صلى على محمد وال محمد وافتح لي أبواب رحمتك وتوبتك وأغلق عني أبواب معصيتك واجعلني من زوارك وعمار مساجدك وممن يناجيك في الليل والنهار ومن الذين هم في صلاتهم خاشعون وادحر عني الشيطان الرجيم وجنود إبليس أجمعين
ص :24
فإذا خلعت نعليك فاخلع اليسرى قبل اليمنى بعكس لبسهما فإن كانا عربيين وأمكنك أن لا تنزعهما فلا تنزعهما فإن الصلاة فيها مستحبة لكن بشرط طهارتها (وقد روى) شيخ الطائفة في التهذيب بسند صحيح عن معاوية بن عمار قال رأيت أبا (عبد الله عليه السلام) يصلي في نعليه غير مرة ولم أره ينزعهما قط (روي) عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي (عبد الله عليه السلام) أنه قال إذا صليت فصل في نعليك إذا كانت 1 طاهره فإنه يقال 3 ذلك من السنة وقوله (عليه السلام)
ص :25
أنه يقال إلى آخره (الظاهر) أنه أراد به إنك إذا صليت في نعليك عرفت الشيعة أن الصلاة فيهما من السنة وقالوا بذلك فإن هذا الراوي من أعيان أصحاب (الصادق عليه السلام) الموثوق بأقوالهم وأفعالهم (ثم) أذن 1 فإن أذان الصبح من المتحتمات حتى أن السيد المرتضى رضي الله عنه قال بوجوبه على الرجال ووافقه ابن أبي عقيل وزاد عليه بطلان الصلاة بتركه عمدا (وصورة) الأذان (الله أكبر) أربعا وكل من (الشهادتين) وحي (على الصلاة) وحي (على الفلاح) وحي (على خير العمل والله أكبر) (ولا إله إلا الله (مرتين (ولكن) في حال الأذان قائما مستقبلا دافعا صوتك متأنيا واضعا إصبعيك في أذانيك (واقفا) على الفصول الثمانية عشر غير ملتفت يمينا وشمالا
ص :26
ولا متكلم في أثنائه (وصل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم) عند ذكره فقد (روى) رئيس المحدثين في (الفقيه) بسند صحيح عن (أبي جعفر عليه السلام) أنه قال صل (على النبي صلى الله عليه وآله وسلم) كلما ذكرته وذكره ذا كر عندك في أذان وغيره (ولا يخفى) أن ظاهر هذا الحديث يدل على وجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وآله على كل ذاكر وسامع كلما ذكره أو سمع ذكره وذهب بعض العامة إلى وجوبها في العمر مرة وبعضهم إلى وجوبها في كل مجلس مرة وبعضهم إلى وجوبها كلما ذكر وهو مذهب رئيس المحدثين قدس الله روحه (وأما) ما ذهب إليه من عدم وجوب الصلاة على النبي وآله صلى الله عليه وآله وسلم في التشهد الأول في الصلاة فلا يريد به عدم وجوبها من هذه الجهة بل من حيث كونها جزءا من الصلاة فلا تنافي بين كلاميه أعلى الله درجته وقد واقفه صاحب كنز العرفان 1 على الوجوب كلما ذكره وهو الأصح (وقد يستدل) على ذلك بقوله تعالى (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا) (وبما روي) عن (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال (من ذكرت) عنده فلم يصل علي فدخل النار فأبعده الله (وبما روي) أنه صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن (قول الله تعالى)
ص :27
(إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) (فقال) هذا من العلم المكنون ولولا أنكم سألتموني عنه ما أخبرتكم به إن الله وكل ذلك الملكان غفر الله لك وقال الله وملائكته آمين ولا أذكر عند 2 مسلم ولم 3 يصل علي إلا قال الملكان لا غفر الله لك وقال الله وملائكته آمين (ولا يخفى) أن ظاهر قول (الباقر عليه السلام) في الحديث الأول كلما ذكرته أو ذكره ذاكر يقتضي وجوب الصلاة 4 سواء ذكر صلى الله عليه وآله وسلم باسمه أو بلقبه أو بكنيته (ويمكن) أن يكون ذكره صلى الله عليه وآله وسلم بالضمير الراجع إليه (صلوات الله عليه وآله) كذلك ولم أظفر في كلام علمائنا قدس الله أرواحهم في ذلك بشئ والاحتياط يقتضي ما قلناه من العموم (واعلم) أن الأظهر تأدية القدر الواجب بقولنا (اللهم صل على محمد وآل محمد) (وأما ما روي) أنه لما نزلت تلك الآية قيل يا رسول الله هذا السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة عليك فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) قولوا
ص :28
(اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد).
(فالظاهر) أن المراد به بيان أفضل كيفيات الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم) (وينبغي) إذا قلت ذلك أن تلاحظ أنه صلى الله عليه وآله من جملة آل إبراهيم فالصلاة عليه حاصلة أولا في ضمن الصلاة على إبراهيم وآل إبراهيم (ويكون) الغرض من التشبيه أن يختص نبينا وآله صلوات الله عليهم بصلاة أخرى على حدة مماثلة للصلاة التي عمتهم مع غيرهم لئلا يلزم خلاف القاعدة المقررة بين البلغاء من أنه لا بد من كون المشبه به أقوى من المشبه (فإن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم) أفضل من إبراهيم عليه السلام وبتلك الملاحظة ينطبق الكلام على تلك القاعدة أنه لا ريب أن الصلاة العامة للكل من حيث العموم أقوى من الخاصة بالبعض (وقد يوجه) هذا التشبيه تارة بأن الصلاة على إبراهيم من حيث الأقدمية أقوى وهو كاف في التشبيه وأخرى بأن المشبه إنما هو الصلاة على الآل وحدهم (ويضعف الأول) بقوله صلى الله عليه وآله وسلم كنت نبيا وآدم بين الماء والطين (والثاني) بأنه خلاف المتبادر إلى الأفهام
ص :29
كيف وسؤالهم إنما هو عن كيفية الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم (وقد يوجه) هذا التشبيه بتوجهات أخرى (ذكرنا) بعضها في بحث التشهد 1 من كتاب حبل المتين (توضيح) لا بأس ببيان ما لعله يحتاج إلى البيان في هذا الفصل (فنقول) قد فسر الحكم (في قوله تعالى) في سورة الشعراء حكاية عن دعاء إبراهيم على نبينا وعليه السلام (رب هب لي حكما) بالحكم بين الناس بالحق فإنه من أفضل الأعمال (وفسر) أيضا بالكمال في العلم والعمل وعلى هذا يكون عطف العلم في الحديث على الحكم من قبيل التجريد وإرادة العمل لا غير وفسر (لسان الصدق) في الآخرين بتفسيرين (الأول) الصيت الحسن والذكر الجميل بين من يتأخر عنه من الأمم يحبونه ويثنون عليه (والثاني) أن مراده عليه السلام اجعل من ذريتي صادقا يجدد معالم ديني ويدعو الناس إلى مثل ما كنت أدعوهم إليه وهو نبينا صلى الله عليه وآله وسلم (وأنت) إذا قلت ذلك حال دخولك المسجد فقصد بقاء ذكرك الجميل 2 بعد موتك أو أن يرزقك الله ولدا صالحا يدعو الناس إلى أعمال الخير (وأما قوله) على نبينا وعليه السلام
ص :30
(واغفر لأبي إنه كان من الصالحين) (فقد قال) أصحابنا أن المراد عمه وهو آزر والعم يسمى أبا وإلا (فالأنبياء عليهم السلام) عندنا منزهون عن وصمة الكفر في آبائهم عليهم السلام ولعله عليه الصلاة والسلام لم يكن في ذلك الوقت ممنوعا من الاستغفار للكفار (وما تضمنه) دعاء الدخول إلى المسجد في قوله (واجعلني من زوارك) أي من القاصدين لك الملتجئين إليك وفي قوله (وعمار مساجدك) (إشارة إلى قوله تعالى) في سورة براءة (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين) (وقد فسرت) عمارة المساجد في الآية تفسير ين (الأول) بناؤها وكنسها أو فراشها والإسراج فيها (الثاني) إكثار التردد إليها وشغلها بالعبادة وإخلاؤها من الأعمال الدنيوية والصنائع (وادحر) بالمهملات على وزن اعلم صيغة أمر بمعنى أبعد (والرجيم) بمعنى
ص :31
المطرود وهو فعيل بمعنى مفعول وأصله من الرجم بالحجارة (وقد روي) في تفسير (الله أكبر) أن المراد أنه أكبر من كل شئ أو أكبر من أن يوصف (وحي في حي على الصلاة) بفتح الياء اسم فعل بمعنى أقبل والفلاح أقبل على ما يوجب الفوز والظفر بالسعادة العظمى في الآخرة (ومعنى حيى على خير العمل) أقبل على عمل هو أفضل الأعمال أعني الصلاة (وقد روى) ثقة الإسلام في الكافي بسند صحيح عن معاوية بن وهب قال سألت (أبا عبد الله عليه السلام) عن أفضل ما يتقرب به العباد إلى ربهم وأحب ذلك إلى (الله عز وجل) ما هو فقال ما أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة الحديث (المراد) بالمعرفة الاعتقادات التي يتحقق بها الإيمان فالصلاة بعد الإيمان أفضل من جميع الأعمال النفسية والبدنية والمالية (وقد) انعقد الإجماع على ذلك (وربما يشكل) الجمع بين أفضلية الصلاة على بعض الأعمال كالحج والجهاد مثلا وبين (قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم) أفضل الأعمال أحمزها أي أكثرها مشقة فإن هذه العبادات أشق من الصلاة (وقد يقال) في دفع الإشكال أن معنى الحديث أن كل عمل يمكن وقوعه على أنحاء شتى فأفضلها أحمزها كالصوم فإن وقوعه في الصيف أحمز منه في الشتاء وكالوضوء فإنه بالعكس وكإخراج الزكاة والصدقات في أيام الغلا وأيام الرخص
ص :32
إلى غير ذلك وبهذا يحصل (1) الجمع أيضا بين هذا الحديث وبين حديث نية المؤمن خير من عمله (وقد قيل) في الجمع بينهما وجوه أخرى ذكرناها في شرح الحديث السابع والثلثين من كتاب الأربعين...
(فصل) فإذا فرغت من الأذان فافصل بينه وبين الإقامة بسجدة أو جلسة وقل وأنت ساجدا وجالس (اللهم) اجعل قلبي بارا وعيشي قارا ورزقي دارا واجعل لي عند قبر رسولك صلى الله عليه وآله وسلم مستقرا وقرارا ثم تدعو بما شئت وتسأل حاجتك (فقد روي) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد (ثم تقوم) إلى الإقامة (وفصولها) كلها مثنى إلا التهليل آخرها فإنه مرة وتزيد بعد التعجيل قد قامت الصلاة مرتين وتأتي بالآداب المذكورة في الأذان إلا التأني ووضع الإصبعين في الأذنين ورفع الصوت فليكن فيها الخفض والطهارة والقيام فيها آكد حتى أوجبهما المرتضى رضي الله عنه (وتقول) إذا فرغت من الإقامة وأنت مستقبل القبلة
ص :33
(اللهم) إليك توجهت ومرضاتك طلبت وثوابك ابتغيت وبك آمن وعليك توكلت اللهم صل على محمد وآله وافتح قلبي أذكرك وثبتني على دينك ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب (وليكن) قيامك بالوقار والسكينة والخشوع واضعا يديك على فخذيك بإزاء ركبتك مفرجا بين قدميك بقدر ثلاث أصابع منفرجات إلى شبر ناطرا إلى موضع سجودك غير رافع نظرك 1 إلى السماء محضرا 2 ببالك أنها صلاة مودع ثم أقصد أداء صلاة الصبح 3 الواجبة امتثالا لأمر الله تعالى أو طاعة له أو قربة إليه سبحانه وقارن النية بإحدى التكبيرات السبع الافتتاحية دافعا الإبهامين غير متجاوز بكفيك أذنيك مبتديا بالتكبير حال ابتداء الرفع منهيا بانتهائه (واعلم) أن بعض فقهائنا 4 المتأخرين
ص :34
أطنبوا في أمر النية وطولوا زمام الكلام فيها وليس في أحاديث أئمتنا سلام الله عليهم شئ من ذلك بل المستفاد من تتبع ما ورد عنهم (عليهم السلام) في بيان الوضوء والصلاة وسائر العبادات التي علموها شيعتهم سهولة أمر النية وأنها غنيمة عن البيان مر كوزة في أذهان جميع العقلاء عند صدور أفعالهم الاختيارية عنهم ولذلك لم يتعرض قدماء فقهائنا رضوان الله عليهم للبحث عنها (وإنما) خاض فيها جماعة من المتأخرين وساقوا الكلام فيها على وجه يوهم تركها من أجزاء متكثرة وأوجب ذلك صعوبتها على أكثر الناس فأداهم ذلك الوقوع في الوسواس وليست النية في الحقيقة إلا القصد البسيط إلى إيقاع الفعل المعين لعلة غائية وإنما التركيب في المنوي وهذا القصد لا يكاد ينفك عنه عاقل عند كل فعل (حتى قال) بعض علمائنا لو كلفنا الله تعالى بإيقاع الفعل المعين من دون النية لكان تكليفا بما لا يطاق (وإحضار) المنوي في الذهن بوجه مميز له عن غيره (وقصد) الإتيان به امتثالا لأمر الله تعالى (في غلية السهولة) فإن الظهر التي نحن مكلفون بأدائها في هذا الوقت مثلا متصورة بهذا الوصف العنواني الذي تمتاز به عن جميع ما عداها من العبادات وغيرها من وقصد إيقاعها امتثالا للأمر لا صعوبة فيه أصلا كما يشهد به الوجدان الصحيح ومن وجده صعبا فيسأل 1 الله أن يصلح وجدانه إنه على كل شئ
ص :35
قدير " وتأتي " بين " 1 " التكبيرات السبع بالأدعية الثلاثة التي رواها ثقة الإسلام (في الكافي) بطريق حسن عن (الصادق عليه السلام) فتعد التكبيرة الثالثة (اللهم) أنت الملك الحق المبين لا إله إلا أنت سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي ذنبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت وبعد الخامسة (لبيك) وسعد يك والخير في يديك والشر ليس إليك والمهدي من هديت لا ملجأ منك إلا إليك سبحانك وحنانيك تباركت وتعاليت سبحانك رب البيت وبعد السابعة 2 سواء كانت تكبيرة الإحرام أولا وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة حنيفا مسلما وما أنا من المشركين
ص :36
إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين (وفي رواية) أخرى هكذا وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض على 1 ملة إبراهيم ودين محمد ومنهاج علي حنيفا مسلما (من دون إضافة عالم الغيب والشهادة) (وقد اتفق) علمائنا على جواز مقارنة نية الصلاة بكل 2 واحدة من هذه التكبيرات فأنت مخير في ذلك وكل تكبيرة قارنت النية بها فاجعلها تكبيرة الإحرام (وقد رجح سيخ الطائفة) نور الله مرقده في (المصباح) جعلها الأخيرة (والذي يظهر من صحيحة زرارة في افتتاح (النبي صلى الله عليه وآله وسلم) الصلاة بالتكبير ومتابعة (الحسين) 3
ص :37
(عليه السلام) له (جعلها الأولى) كما ذكرته في المقالة الاثني عشرية وبسطت الكلام فيه في الحبل المتين (ثم) تأتي بالاستعاذة بعد فراغك من الدعاء الثالث فتقول (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم) (والاستعاذة) عندنا مختصة بالركعة الأولى لا غير وتخافت (1) بها ثم اقرأ الحمد. مرتلا واجهر بها مراعيا للوقوف 2 في مواضعه محضر ا قلبك متدبرا معانيها وتسكت بعدها بقدر نفس (ثم) اقرأ سورة كذلك (ولكن) سورة النبأ أو الغاشية أو الدهر وما شابهها في الطول كما (رواه شيخ الطائفة في التهذيب) بسند صحيح (عن أبي عبد الله عليه السلام) وتسكت بعدها كما سكت (2) قبلها ثم ترفع يديك كرفعك في السبع (وتقول) الله أكبر (ثم) اركع واضعا يمناك على ركبتك اليمنى قبل يسراك على اليسر ى ماليا كفيك
ص :38
بركبتيك ملقما لها بأطراف أصابعك زادا لها إلى خلف مسويا ظهرك مادا عنقك مغمضا عينيك أو ناظرا 1 إلى ما بين قدميك (ثم) تقول (ما رواه ثقة الإسلام في الكافي) بسند صحيح عن (الصادق عليه السلام) (اللهم) لك ركعت ولك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وأنت ربي خشع لك سمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي ومخي وعصبي وعظامي وما أقلته قدماي غير مستنكف ولا مستكبر ولا مستحسر. (ثم تقول) سبحان ربي العظيم وبحمده وليكن سبعا أو خمسا أو ثلاثا ثم انتصب (وتقول) (سمع الله لمن حمده) (ثم تكبر) واهو للسجود بخضوع وخشوع متلقيا للأرض بكفيك قبل ركبتيك وتجنح في سجودك بيديك باسطا كفيك مضمومتي الأصابع * 1 كما يوجد في العبادات الواجبة التخييري كذلك يوجد في المستحب التخييري (منه) (*)
ص :39
حيال منكبيك ووجهك غير واضع شيئا من جسدك على شئ منه ممكنا جهتك من الأرض وأفضلها التربية الحسينية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام جاعلا أنفك ثامن مساجد السبعة مرغما به ناظرا إلى طرفه (ثم تقول) ما رواه ثقة الإسلام (في الكافي) أيضا بسند صحيح 1 (عنه عليه السلام) (اللهم) لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت وعليك توكلت وأنت ربي سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره الحمد لله رب العالمين تبارك الله أحسن الخالقين.
(ثم قل) سبحان ربي الأعلى وبحمده (وليكن) كما في الركوع (ثم ارفع) رأسك وتكبر وتجلس متوركا (وتقول) أستغفر الله ربي وأتوب إليه (ثم تقول) ما رواه ثقة الإسلام أيضا بذلك السند (عنه عليه السلام) ثم تكبر واسجد 2 الثانية كالأولى (ثم) ارفع رأسك وتجلس متروكا هنيئة وهي جلسة الاستراحة ولا 3 تهملها (فقد) أوجبها
ص :40
المرتضى رضي الله عنه مدعيا 1 على ذلك الإجماع (ثم قم) رافعا ركبتيك قبل كفيك معتمدا عليهما قائلا (اللهم) اغفر لي وارحمني وأجرني وادفع عني أني لما أنزلت إلي من خير فقير تبارك الله رب العالمين (بحول الله) وقوته أقوم وأقعد وأركع وأسجد (فإذا) انتصبت فاقرأ الحمد وسورة كما مر في الأولى (ولتكن) بسورة التوحيد (ثم تسكت) بقدر نفس (ثم بكبر) للقنوت وتقنت بكلمات الفرج رافعا كفيك تلقاء وجهك مستقبلا ببطنهما السماء ضاما أصابعهما ما عدى الإبهامين (فتقول) (لا إله إلا الله) الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن 2 ورب العرش
ص :41
العظيم والحمد لله رب العالمين (وهذه) هي كلمات الفرج على (ما رواه) ثقة الإسلام في الكافي بسند حسن عن (الباقر عليه السلام) (وفي بعض كتب الدعاء) زيادة وما تحتهن وما بينهن (وفي بعضها) زيادة وما فوقهن بعد وما تحتهن (وفي بعضها) وهو رب العرش العظيم (ولم أظهر) بهذه الزيادات فيما أطلعت عليه من الروايات المعتبرة (وتقول) بعد كلمات الفرج (اللهم) اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا في الدنيا والآخرة إنك على كل شئ قدير (ثم تقول) (اللهم) إليك شخصت الأبصار ونقلت الأقدام ورفعت الأيدي ومدت الأعناق وأنت دعيت بالألسن وإليك سرهم ونجواهم في الأعمال ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين (اللهم) إنا نشكو إليك فقد نبينا وغيبة إمامنا وقلة عددنا وكثرة عدونا وتظاهر الأعداء علينا
ص :42
ووقوع الفتن بنا ففرج ذلك اللهم بعدل " 1 " تظهره وإمام حق نعرفه 2 إله الحق آمين رب العالمين (ثم تقول) (اللهم) من كان أصبح وأمسى وله ثقة أو رجاء غيرك فأنت ثقتي ورجائي يا أجود من سئل ويا أرحم من استرحم إرحم ضعفي ومسكنتي وقلة حيلتي وامنن علي بالجنة وفك رقبتي من النار وعافني في نفسي وفي جميع أموري برحمتك يا أرحم الراحمين 0 ومن أراد) التطويل في (الباب السادس إنشاء الله تعالى) (ثم) ترفع يديك بالتكبير واركع واسجد السجدتين كما مر (ثم)
ص :43
اجلس للتشهد متوركا ناظرا إلى حجرك (وتقول) 1 بسم الله وبالله وخير الأسماء لله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة وأشهد أن ربي نعم الرب وأن محمدا نعم الرسول (اللهم) صل على محمد وآل محمد وتقبل شفاعته في أمته وارفع درجته (ثم تحمد الله مرتين أو ثلثا والواجب منه الشهادتان ولصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم (ثم تسلم) ناويا به الخروج من الصلاة (فتقول) السلام عليكم ورحمة الله وبركاته قاصدا به الأنبياء والأئمة والحفظة موميا بمؤخر عينيك 2 إلى يمينك
ص :44
(واعلم) أن جميع ما ذكر في هذا الفصل من الأفعال والأقوال فهو مستحب إلا ما هو مبدوء بفعل الأمر فهو واجب 1 (توضيح) ولنبين ما لعله يحتاج إلى البيان في هذا الفصل (ففي) الدعاء بين الأذان والإقامة (قلبي بارا) 2 (وعيشي قارا) له تفسيرات ثلثه (الأول) أن المراد بالعيش القار أن يكون مستقرا دائما 3 غير منقطع (الثاني) أن يكون واصلا إلى حال قراري في بلدي فلا أحتاج في تحصيله إلى سفر والانتقال من بلد إلى بلد (الثالث) أن المراد بالعيش القار العيش في السرور والابتهاج أي قارا لعيني مأخوذ من قرة العين (والمراد بالرزق الدار) الذي يتجدد شيئا فشيئا من قولهم در اللبن إذا زاد وكثر جريانه من الضرع (والمستقر) على صيغة اسم المفعول المكان والمنزل (والقرار) المكث فيه (ونقل) عن شيخنا الشهيد رحمه الله تعالى أن المستقر قي الدنيا (كما قال الله سبحانه وتعالى) (ولكم في الأرض مستقر) ولقرار في الآخرة (كما قال) جل وعلا (وأن الآخرة هي دار القرار) (وأورد) عليه أنه لا يلائم (قوله) عند قبر رسولك (وأجبت) بأن
ص :45
المراد بالآخرة ليس ما بعد يوم القيامة بل ما قبله أعني أيام الموت والمراد أن يكون مسكنه في الحياة ومدفنه بعد الممات في المدينة المقدسة على ساكنها وآله أفضل الصلاة والسلام (ولبيك وسعديك) أي إقامة على طاعتك بعد إقامة ومساعدة على امتثال أمرك بعد مساعدة (والشر ليس إليك) أي ليس منسوبا إليك ولا صادر عنك (والحنان) تخفيف النون الرحمة وبتشديدها ذو الرحمة ومعنى (سبحانك وحنانيك) أنزهك عما لا يليق بك تنزيها والحال إني أسألك رحمة بعد رحمة (والحنيف) المائل عن الباطل إلى الحق وهو وما بعده حالان من الضمير في وجهت (والنسك) قد يفسر بمطلق العبادة 1 فيكون من قبيل عطف العام على الخاص (وقد يفسر) بأعمال الحج (ومحياي ومماتي) قد يفسر المحيا بالخيرات التي تقع في حال الحياة منجزة والممات بالخيرات التي تصل إلى الغير بعد الموت كالوصية بشئ للفقراء وكالتدبير وسائر ما ينتفع به الناس بعدك وفي دعاء الركوع (وما أقلته قدماي) بتشديد الأم أي ما حملته قدما ي فهي من قبيل عطف العام على الخاص (والاستنكاف) معناه بالفارسية ننك داشتن (والاستكبار) طلب الكبر من غير استحقاق (والاستحسار) بالحاء والسين المهملتين التعب والمراد إني لا أجد في الركوع تعبا ولا كللا ولا مشقة بل أجد لذة
ص :46
وراحة (ومعنى سبحان ربي العظيم وبحمده) أنزه ربي العظيم عما لا يليق بعز شأنه تنزيها وأنا متلبس بحمده على ما وفقني له من تنزيهه وعبادته كأن 1 المصلي لما أسند التنزيه إلى نفسه خاف أن يكون في هذا الاسناد نوع تبجح بأنه مصدر لهذا الفعل العظيم فتدارك ذلك بقوله وأنا متلبس بحمده على أن صيرني أهلا لتسبيحه وقابلا لعبادته (فسبحان) مصدر كغفران ومعناه التنزيه ونصبه على أنه مفعول مطلق وعامله محذوف سماعا (ولو أو) في (بحمده) واو الحال وبعض النجاة يجعلها عاطفة وهو من قبيل عطف الجملة الإسمية على الفعلية (وسمع) في قوله (سمع الله لمن حمده) إنما عدي باللام مع أنه متعد بنفسه لتضمنه معنى الاستجابة أو الشكر أو الإصغاء ولو مجازا (وينبغي) أن يقصد المصلي به الدعاء لا مجرد الثناء كما أشرنا إليه في حبل المتين (وشخص) بالفتح فهو شاخص إذا فتح عينه وصار لا يطرف بجفنه وشخوص الأبصار أي استمرار انفتاحها من غير انطباق كما يفعل السائل المسكين المترجي الاحسان من كريم عند عرض حاجته عند عرض حاجته عليه وإظهار فاقته لديه (فصل) فإذا فرغت من الصلاة فاشرع في التعقيب فقد (ورد) في تفسير (قوله تعالى فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب) أي إذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب إلى ربك في
ص :47
الدعاء وارغب إليه في المسألة يعطك (وروى سيخ الطائفة في التهذيب) بسند صحيح (عن الصادق عليه السلام) أنه قال التعقيب أبلغ في طلب الرز ق من الشرب 1 في البلاد يعني بالتعقيب الدعاء بعقب الصلاة وروى أيضا فيه بسند صحيح عن (أحدهما عليهما السلام) أنه قال الدعاء دبر المكتوبة أفضل من الدعاء دبر التطوع كفضل المكتوبة على التطوع (وروى) ثقة الإسلام (في الكافي) بسيد حسن (عن الباقر عليه السلام) أنه قال الدعاء بعد الفريضة أفضل من الصلاة تنفلا والروايات في هذا الباب (عنهم عليهم السلام (روى شيخ الطائفة في التعقيبات تسبيح الزهراء) عليها السلام (روى شيخ الطائفة في التهذيب) بسند صحيح (عن الصادق عليه السلام) أنه قال من سبح تسبيح (الزهراء عليها السلام) قبل أن يثني 2 رجليه من صلاة الفريضة غفر الله له ويبدأ بالتكبير 3 (وقد روى أيضا عنه عليه السلام) أنه قال
ص :48
إنا نأمر صبياننا بتسبيح (فاطمة الزهراء عليها السلام) كما نأمرهم بالصلاة فالزمه فإنه لم يلزمه عبد فشق (وعنه عليه السلام) أنه قال تسبيح (فاطمة الزهراء عليها السلام) في كل يوم دبر كل صلاة أحب إلي من صلاة ألف ركعة في كل يوم (وعن الباقر عليه السلام) أنه قال ما من عبد عبد الله بشئ من التمجيد أفضل من تسبيح فاطمة الزهراء عليها السلام ولو كان شئ أفضل منه لنحله (رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة الزهراء عليها السلام والروايات في فضيلة (تسبيح الزهراء عليها السلام) غير محصورة (وليكن) جلوسك في التعقيب متصلا بجلوسك في التشهد وعلى تلك الهيئة من الاستقبال والتورك واترك في أثنائه الكلام والتلفت فإذا سلمت فكبر التكبيرات الثلث رافعا بها كفيك حيال وجهك مستقلا بظهرهما وجهك وببطنهما القبلة وهذه التكبيرات أول التعقيل (ثم تقول) لا إله إلا الله إلها واحدا ونحن له مسلمون (لا إله)
ص :49
إلا الله لا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره المشركون (لا إله إلا الله) وحده وحده أنجز وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده فله الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه (اللهم) اهدني من عندك وأفض علي من بركاتك سبحانك لا إله إلا أنت اغفر لي ذنوبي كلها جميعا فإنه لا يغفر الذنوب كلها جميعا طلا أنت (اللهم) إني أسألك من كل خير أحاط به علمك وأعوذ بك من كل شر أحاط به علمك (اللهم) إني أسألك عافيتك في أموري كلها وأعوذ بك من خزي الدنيا وعذاب
ص :50
الآخرة وأعوذ بوجهك الكريم وسلطانك القديم وعزتك التي لا ترام وقد رتك التي لا يمتنع منها شئ من شر الدنيا وعذاب الآخرة ومن شر الأوجاع كلها ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم توكلت على الحي الذي لا يموت والحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكره تكبيرا (ثم تسبح) تسبيح الزهراء عليها السلام (ثم تقول) عشر مرات (وهي مما يختص بتعقيب الصبح 1
ص :51
لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت ويحيي وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير (وعشر مرات) (وهي مما يختص بتعقيب الصبح أيضا) سبحان الله العظيم (ومائة مرة) 1 ما شاء الله كان لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
(ومائة مرة) أستغفر الله وأتوب إليه (ومائة مرة)
ص :52
أستجير بالله من النار وأسأله 1 الجية (ومائة مرة) (اللهم صل على محمد وعجل فرحهم) (وعشر مرات 2 سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر
ص :53
(وينبغي) أن تعد الأذكار والتسبيحات بسبحة من التربة الحسينية (على صاحبها السلام) (فقد روى) شيخ الطائفة في التهذيب بسند صحيح (عن صاحب الأمر عليه السلام) أنها أفضل شئ يسبح به وأن المسبح ينسى التسبيح ويدير السبحة فيكتب له ذلك التسبيح (ثم تقول وهو مما يختص بتعقيب الصبح) يا مقلب القلوب والأبصار صل على محمد وآل محمد وثبت قلبي على دينك ودين نبيك صلى الله عليه وآله ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب (اللهم إني) أعوذ بك من زوال نعمتك وتحويل عافيتك ومن فجأة نقمتك ومن درك
ص :54
الشقاء ومن شر ما سبق في الكتاب (اللهم) إني أسألك بعز ة ملكك وعظيم سلطانك وشدة قوتك على جميع خلقك أن تصلي على محمد وآل محمد.
(وأن تفعل بي كذا وكذا) (ثم تقول) (أعيذ) نفسي وديني وأهلي وما لي وولدي وإخواني وما رزقني ربي وجميع من يعنيني أمره بالله الأحد 1 الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد (وبرب الفلق) إلى آخرها (وبرب الناس) إلى آخرها (ثم اقرأ) (الحمد) وآية الكرسي) إلى هم فيها خالدون (وآية) (شهد الله) أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو ا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم
ص :55
إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب (وآية الملك) وهي قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شئ قدير تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب (وآية السخرة) وهي (إن) ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ادعوا ربكم
ص :56
تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمة الله قريب من المحسنين (قل) لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدادا (قل) إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا (بسم الله الرحمن الرحيم) والصافات صفا فالزاجرات زجرا فالتاليات ذكرا إن إلهكم لواحد رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد
ص :57
لا يسمعن إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب دحور أولهم عذاب واصب إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب.
(وثلاث آيات من آخرها) (سبحان) ربك رب أعزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين (وثلاث آيات من سورة الرحمن) (يا معشر الجن) والإنس أن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان فبأي آلاء ربكما تكذبان يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران 1
ص :58
(وأربع آيات من آخر سورة الحشر) (لو أنزلنا) هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون (هو الله) الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم (هو الله) الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون (هو الله) الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم (ثم تقرأ) سورة الاخلاص اثنتي عشرة مرة (ثم تقول وأنت باسط يديك) 1
ص :59
إني أسألك باسمك المكنون المخزون الطهر الطاهر المبارك وأسألك باسمك العظيم وسلطانك القديم يا واهب العطايا يا مطلق الأسار ى يا فكاك 1 الرقاب من النار أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تعتق رقبتي من النار وأن تخرجني من الدنيا آمنا وتدخلني الجنة سالما وأن تجعل دعائي أوله فلاحا وأوسطه نجاحا وآخره صلاحا إنك أنت علام الغيوب.
(ثم تقول) (وهو مما يختص بتعقيب الصبح) (اللهم) إني أصبحت أشهدك وكفى بك شهيدا
ص :60
وأشهد ملائكتك وحملة عرشك وسكان سمواتك وأرضك وأنبيائك ورسلك والصالحين من عبادك وجميع خلقك فاشهد لي وكفى بك شهيدا أني أشهد أنك أنت الله وحدك لا شريك لك وأن محمدا صلى الله عليه وآله عبدك ورسولك وأن كل معبود مما دون عرشك إلى قرار أرضك السابعة السفلى باطل مضمحل ما عدا وجهك الكريم فإنه أعز وأكرم وأجل وأعظم من أن يصف الواصفون كنه جلاله أو تهتدي القلوب إلى كنه عظمته يا من فاق مدح المادحين فخر مدحه وعدا 1 وصف الواصفين مآثر حمده وجل عن مقالة الناطقين تعظيم شأنه صل على محمد وآل محمد وافعل بنا ما أنت أهله يا أهل التقوى وأهل المغرة (ثم بقول)
ص :61
(سبحان الله) كلما سبح الله شئ وكما يحب الله أن يسبح وكما هو أهله وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله (والحمد لله) كما حمد الله شئ وكما يحب الله أن يحمد وكما هو أهله وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله (ولا إله إلا الله) كما هلل الله شئ وكما يحب الله أن يكبر وكما هو أهله وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله (سبحان الله) والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر على كل نعمة أنعم الله بها علي وعلى كل حد من خلقه ممن كان أو يكون إلى يوم القيامة (اللهم) إني أسألك أن بصلي على محمد وآل محمد وأسألك خير ما أرجو وخير ما لا أرجو وأعوذ
ص :62
بك من شر ما أخذ ر ومن شر ما لا أحذر (ثم تقول) (1) (وهو مما يدعى به في المساء أيضا بابدال لفظ أصبحت بأمسيت نسخة) بسم الله خير الأسماء بسم الله رب الأرض والسماء بسم الله الذي لا يضر مع اسمه ولا داء (بسم الله أصبحت وعلى الله توكلت بسم الله على قلبي ونفسي بسم الله على ديني وعقلي بسم الله على أهلي وما لي بسم الله على ما أعطاني ربي بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شئ في الأرض ولا في السماء وهو
ص :63
السميع العليم الله الله ربي حقا لا أشرك به شيئا الله أكبر الله أكبر الله أعز وأجل مما أخاف وأحذر عز جارك وجل ثناؤك وتقدست أسماؤك ولا إله غيرك اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي ومن شر كل سلطان شديد ومن شر كل شيطان مريد ومن شر كل جبار عنيد ومن شر قضاء السوء ومن شر كل دابة أنت آخذ بنا صيتها إنك على صراط مستقيم وأنت على كل شئ حفيظ إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطاهرين (ثم تقول) (وهو مما يختص بتعقيب الصبح) 1
ص :64
بسم الله وصلى الله على محمد وآله وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد فوفاه الله سيئات ما مكروا لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء 1 ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله ما شاء
ص :65
الله لا ما شاء الناس ما شاء الله وإن كره الناس حسبي الرب من المربوبين حسبي الله رب العالمين حسبي من هو حسبي حسبي الله الذي لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم (ثم تقول) (اللهم) أصبح ظلمي مستجيرا بعفوك (وأصبحت) ذنوبي مستجيرة بمغفرتك (وأصبح) خوفي مستجيرا بأمانك
ص :66
(وأصبح) فقري مستجيرا بغناك (وأصبح) ذلي مستجيرا بعزك (وأصبح) ضعفي مستجيرا بقوتك (وأصبح) وجهي الفاني مستجيرا بوجهك الباقي يا كائنا قبل كل شئ ويا كائنا بعد كل شئ ويا مكون كل شئ صل على محمد وآله محمد واجعل لي من أمري فرجا ومخرجا وارزقني من حيث أحتسب ومن حيث لا أحتسب (ثم تقول سبع مرات) وأنت قابض لحيتك بيدك اليمنى باسط باطن يدك اليسرى إلى السماء يا رب محمد وآل محمد صل على محمد وآل محمد وعجل فرج محمد وآل محمد (وسبع مرات) يا رب محمد وآل محمد صل على محمد وآل محمد واعتق رقبتي من النار (ثم تقول) (يا الله) يا رحمن يا رحيم يا حي يا قيوم برحمتك
ص :67
أستغيث اللهم) أنت ثقتي في كل كربة وأنت رجائي في كل شدة وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة فاغفر لي ذنوبي كلها واكشف همي وفرج غمي (اللهم) أغنني 1 بجلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك.
(ثم) تقول) (وهو مما يدعا في المساء أيضا (أصبحت) (اللهم) معتصما بذمامك المنيع الذي لا يحاول ولا يطاول من شركا غاشم وطارق من سائر ما خلقت ومن خلقت ومن خلقت من خلقك الصامت والناطق في جنة من كل مخوف بلباس سابغة ولاء أهل بيت
ص :68
نبيك محمد صلواتك عليه وعليهم محتجبا من كل قاصد لي بأذية بجدار حصين الإخلاص في الاعتراف بحقهم والتمسك بحبلهم موقنا بأن الحق معهم وفيهم وبهم أوالي من والوا وأجانب من جانبوا (وأحارب من حاربوا خ) فصل على محمد وآل محمد وأذني (اللهم) بهم من شر كل ما أتقيه يا عظيم حجز ت الأعادي عني ببديع السماوات والأرض وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون (ثم تقول) (وهو ما يختص بتعقيب الصبح) الحمد لله الذي أذهب الليل بقدرته وجاء بالنهار مبصرا برحمته خلقا جديدا ونحن في عافية بمنه وجوده وكرمه مرحبا بالحافظين.
(والتفت إلى يمينك وقل) وحيا كما الله من كاتبين وشاهدين (والتفت إلى شمالك وقل)
ص :69
أكتبا رحمكما الله بسم الله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأشهد أن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور على ذلك أحيا وعليه أموت وعليه أبعث إن شاء الله إقرءا محمدا صلى الله عليه وآله مني السلام (ثم تقول) (اللهم) صل على محمد وآل محمد في النهار إذا تجلى وصل على محمد وآل محمد في الليل إذا يغشى وصل على محمد وآل محمد في الآخرة والأولى وصل على محمد وآل محمد ما لاح الجديدان وصل على محمد وآل محمد ما اطرد الخافقان وصل على محمد وآل محمد ما حدا الحاديان وصل على محمد وآل محمد ما عسعس ليل وما أدلهم ظلام وما تنفس صبح وما أضاء فجر (اللهم) اجعل محمدا خطيب وفد المؤمنين إليك
ص :70
والمكسو حلل الأمان إذا وقف بين يديك والناطق إذا خرست الألسن بالثناء عليك (اللهم) أعل منزلته وارفع درجته وظهر حجته وتقبل شفاعته وابعثه المقام المحمود الذي وعد به واغفر له ما أحدث المحدثون من أمته بعده (اللهم إني أسألك الفوز بالجنة والنجاة من النار (اللهم صل على محمد وآل محمد) واجعل لي في صلاتي ودعائي بركة تطهر بها قلبي وتؤمن بها روعي وتكشف بها فقري وتذهب بها ضري وتفرج بها همي وتسلي بها غمي وتشفي بها سقمي وتؤمن بها خوفي وتجلو بها حزني وتقضي بها ديني وتجمع بها شملي وتبيض بها وجهي واجعل ما عندك خيرا لي (ثم تقول)
ص :71
اللهم إني أدعوك لهم لا يفرجه غيرك ولرحمة لا تنال إلا منك ولحاجة لا يقضيها إلا أنت يا كريم اللهم كما كان من شأنك ما أردتني به من ذكرك وألهمتنيه من شكرك وعائك فليكن من شأنك الإجابة لي فيما دعوتك والنجاة فيما فزعت إليك منه فإن لم أكن أهلا أبلغ رحمتك فإن رحمتك أهل أن تبلغني وتسعني لأنها وسعت كل شئ وأنا شئ فلتسعني رحمتك يا مولاي (ثم تقول) (وأنت تبكي أو تتباكى) 1 إلهي إن ذنوبي وكثرتها قد غيرت وجهي عندك وحجبتني عن استيهال رحمتك وباعدتني عن استنجاز 2
ص :72
مغفرتك ولولا تعلقي بالآئك وتمسكي بالرجاء لما وعدت أمثالي من المسرفين وأشباهي من الخاطئين بقولك يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم وحذرت القانطين من رحمتك فقلت ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون ثم ندبتنا برحمتك إلى دعائك فقلت ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين إلهي لقد كان ذل الأياس علي مشتملا والقنوط من رحمتك بي ملتحفا 1 إلهي لقد 2 وعدت المحسن ظنه بك ثوابا وأوعدت المسئ بك ظنه 3 عقابا اللهم وقد أسبل دمعي حسن الظن بك في عتق رقبتي من النار وتغمد زللي وإقالة عثرتي وقلت وقولك الحق الذي
ص :73
لا خلف فيه ولا تبديل يوم ندعوا كل أناس بإمامهم (اللهم) إني أقر وأشهد وأعترف ولا أجحد وأسر وأظهر وأعلن وأبطن بأنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمدا صلى الله عليه وآله عبدك ورسولك وأن عليا أمير المؤمنين وسيد الوصيين ووارث علم النبيين وقاتل المشركين وإمام المتقين ومجاهد الناكثين والقاسطين والمارقين إمامي وحجتي وصراطي ودليلي ومحجتي ومن لا أثق بالإعمال وإن زكت ولا أراها منجية وإن صلحت إلا بولايته والائتمام به والإقرار بفضائله والقبول من حملتها والتسليم لرواتها اللهم وأقر بأوصيائه من أنبائه أئمة وحججا وأدلة وسرجا وأعلاما ومنار أو سادة أبرارا وأدين بسرهم وجهرهم وظاهرهم وباطنهم وحيهم وميتهم وشاهدهم وغائبهم لا شك في ذلك
ص :74
ولا ارتياب ولا تحول عنه ولا انقلاب اللهم فادعني يوم حشري وحين نشري بإمامتهم 1 واحشرني في زمرتهم واكتبني في أصحابهم وانقذني بهم يا مولاي من حر 2 النيران فإنك إن أعتقتني 3 منها كنت من الفائزين اللهم وقد أصبحت في يومي هذا لا ثقة لي ولا مفزع ولا ملجأ غير من توسلت بهم إليك من آل رسولك علي وفاطمة والحسن والحسين وعلي ومحمد وجعفر وموسى وعلي ومحمد وعلي والحسن ومحمد صلواتك عليهم أجمعين اللهم فاجعلهم حصني من المكاره ومعقلي من المخاوف ونجني بهم من كل عدو طاع وفاسق باغ ومن شر ما أعرف وما أنكروا ما استتر علي وما أبصر ومن شر كل
ص :75
دابة ربي آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم اللهم بوسيلتي إليك بهم وتقربي بمحبتهم إفتح علي أبواب رحمتك ومغفرتك وحببني إلى خلقك وجنبني عداوتهم وبغضهم 1 إنك على كل شئ قدير (اللهم) ولكل متوسل ثواب ولكل ذي شفاعة حق فأسئلك بمن جعلتهم إليك سببي وقدمتهم أمام طلبتي أن تعرفني بركة يومي هذا وشهري هذا وعامي هذا (اللهم) فهم معولي في شدتي ورخائي وعافيتي وبلائي ونومي ويقظتي وظعني وإقامتي وعسري ويسري وصباحي ومسائي ومنقلبي ومثواي (اللهم) فلا تخلني بهم من نعمتك ولا تخيبني بهم من نائلك ولا تقطع رجائي من رحمتك ولا تفتني بإغلاق أبواب الأرزاق وانسداد
ص :76
مسالكها وارتتاج مذاهبها وافتح لي من لدنك فتحا يسيرا واجعل لي من كل ظنك مخرجا وإلى كل سعة منهجا برحمتك يا أرحم الراحمين (اللهم) واجعل الليل والنهار مختلفين علي برحمتك ومعافاتك ومنك وفضلك ولا تفقرني إلى أحد من خلقك برحمتك يا أرحم الراحمين إنك على كل شئ قدير وبكل شئ محيط (ثم تقول) اللهم إني أسألك يا مدرك الهاربين ويا ملجأ الخائفين ويا صريخ المستصرخين يا غياث المستغيثين ويا منتهى غاية السائلين ويا مجيب دعة المضطرين يا أرحم 1 الراحمين يا الله يا رباه يا عزيز يا حكيم يا غفور يا رحيم يا قاهر يا عليم يا سميع يا بصير يا لطيف يا خبير يا قهار يا جبار يا رحمن يا منان يا سبوح يا قدوس يا مبدي يا معيد
ص :77
يا باعث يا وارث يا فارج الهم يا كاشف الغم يا منزل الحق يا قائل الصدق يا ذا البلاء الجميل والطول العظيم يا معروفا بالاحسان يا موصوفا بالامتنان يا من قصرت عن وصفه ألسن الواصفين وانقطعت 1 عنه أفكار المتفكرين يا شاهد النجوى يا كاشف الغم ودافع البلوى يا نعم النصير والمولى يا منعم يا مفضل يا محسن يا مجمل يا من بدأ بالنعمة قتل استحقاقها وبالفضيلة قبل استيجابها يا أحق من عبد وحمد ورجي واعتمد أسألك بكل اسم مقدس مطهر مكنون اخترته لنفسك وكل ثناء عال رفيع كريم رضيت به مدحة لك وبحق كل ملك قربت منزلته عندك وبحق كل نبي أرسلته إلى عبادك وبحق كل شئ جعلته مصدقا
ص :78
لرسلك وكل كتاب فصلته وأحكمته وشرعته وكل دعاء سمعته فأجبته وكل عمل رفعته وأسألك بكل من عظمت حقه وأعليت قدره وعرفتنا أمره ومن لم تعرفنا مقامه ولم تظهر لنا شأنه ممن خلقته من أول ما ابتدأت به من خلقك وممن تخلقه إلى انقضاء الهر وأسألك بتوحيدك الذي فطرت عليه العقول وأخذت به المواثيق وأرسلت به الرسل وجعلته أول فروضك ونهاية طاعتك وأتوجه إليك بجودك ومجدك 1 وكرمك وعز ك وجلالك وعفوك وامتنانك وطولك 2 وأسألك يا الله يا الله يا الله يا رباه يا رباه يا رباه وأرغب إليك خاصا وعاما وأولا وآخرا بحبيبك ورسولك محمد سيد المرسلين وأشرف الأولين والآخرين وبالرسالة التي أداها والعبادة التي
ص :79
اجتهد فيها والمحنة التي صبر عليها والمغفرة التي دعا إليها والديانة التي حض عليها منذ وقت رسالتك إياه إلى أن توفيته وبما بين ذلك من أقواله الحكيمة وأفعاله الكريمة ومقاماته المشهودة وساعاته المعدودة أن تصلي عليه كما وعدته من نفسك وتعطيه أفضل ما أم من ثوابك وتزلف لديك منزلته وتعلي عندك درجته وتبعثه المقام المحمود وتورده حوض الكرم والجود وعلى آله الطيبين الأطهار المنتجبين الأبرار وعلى جبرئيل ومكائيل والملائكة المقربين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين والشهداء والصالحين (اللهم) إني أصبحت لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة قد 1 انقطعت وسائلي وذهبت مسائلي وذل ناصر ي وأسلمني أهلي وولدي اللهم وقد أكدى الطب وأعيت الحيل إلا
ص :80
عندك وانقطعت الطرق وضاقت المذاهب إلا إليك ودرست الآمال وانقطع الرجاء إلا منك وكذب الظن واختلفت العدات إلا عدتك (اللهم) إن مناهل الرجاء بفضلك مترعة وأبواب الدعاء لمن دعاك مفتحة والاستعانة لمن استعان بك مباحة والاستغاثة لمن استغاث بك موجودة وأنت لداعيك بموضع إجابة وللصارخ إليك ولي الإغاثة وللقاصد إليك قريب المسافة وأنت لا تحتجب عن خلقك إلا أن تحجبهم الأعمال السيئة وقد علمت أن أفضل زاد الراحل إليك هزك إرادة وإخلاص نية وقد دعوتك بعزم إرادتي وإخلاص طويتي وصادق نيتي فها أنا ذا مسكينك بائسك أسيرك فقيرك سائلك منيخ بفنائك قارع باب رجائك وأنت أولى بنصر الواثق بك وأحق برعاية المنقطع إليك سري لك مكشوف وأنا إليك ملهوف إذا
ص :81
أوحشتني الغربة آنسني ذكرك وإذا صعبت 1 علي الأمور استجرت بك وإذا تلاحكت علي الشدائد أملتك وأين يذهب 2 بي يا رب عنك وأزمة الأمور كلها ببرك صادرة عن قضائك مذعنة بالخضوع لقدرتك فقيرة إلى عفوك ذات فاقة إلى رحمتك قد مسني الفقر ونالني الضر وشملتني الخصاصة وعرتني الحاجة وتوسمت بالذلة وعلتني المسكنة وحقت علي الكلمة وأحاطت بي الخطيئة وهذا الوقت الذي وعدت أوليائك فيه الإجابة فامسح ما بي بيمينك الشافية وانظر إلي بعينك الراحمة وأدخلني في رحمتك الواسعة وأقبل علي بوجهك يا ذا 3 الجلال والإكرام فإنك إدا أقبلت عل أسير فككته وعلى ضال هديته وعلى حائر أويته وعلى ضعيف قويته وعلى خائف أمنته (اللهم) إنك أنعمت
ص :82
علي فلم أشكر وابتليتني فلم أصبر فلم يوجب عجزي عن شكرك منع المؤمل من فضلك وأوجت عجزي عن الصبر على بلائك كشف ضرك وإنزال رحمتك فيا من قل عند بلائه صبري فعافاني وعند نعمائه شكري فأعطاني أسألك المزيد من فضلك والايزاع لشكرك والاغتذاء بنعمائك في أعفا العافية وأسبغ النعمة إنك على كل شئ قدير (اللهم) لا تخلني من يدك ولا تتركني لقا لعدوك ولا لعدوي ولا توحشني من لطائفك الخفية وكفايتك الجميلة هذا مقام العائذ بك اللائذ بعفوك المستجير بعز جلالك قد رأى أعلام قدرتك فأره آثار رحمتك (اللهم) تولني ولاية تغنيني بها عن سواها 1 وأعطني عطية لا أحتاج إلى غيرك معها فإنها ليست ببدع من ولايتك
ص :83
ولا بنكر من عطيتك ادفع الصرعة وانعش القطة وتجاوز عن الزلة واقبل التوبة وارحم الهفوة وأنج من الورطة وأقبل العثرة يا منتهى الرغبة ويا غياث 1 الكربة وولي النعمة وصاحبا في الغربة ورحمن الدنيا والآخرة خذ بيدي من دحض المزلة فقد كبوت وثبتني على الصراط المستقيم وإلا غويت يا هادي الطريق يا فارج المضيق يا جاري اللصيق يا ركني الوثيق أحلل عني المضيق واكفني شر ما أطيق وشر ما لا أطيق 2 يا أهل التقوى وأهل المغفرة والعزة والقدرة والآلاء والعظمة (يا أرحم الراحمين) وأكرم الناظرين ورب العالمين لا تقطع رجائي ولا تخيب دعائي ولا تجهد بلائي ولا تسئ قضائي ولا تجعل النار مأواي واجعل الجنة مثواي وأعطني من
ص :84
الدنيا مناي وبلغني من الآخرة أملي ورجائي وآتني في الدنيا حسنة وفي مبصرا الآخرة حسنة وقني عذاب النار إنك على كل شئ قدير وبكل شئ محيط (ثم تدعو بدعاء الصباح لسيد العابدين عليه السلام) (وهو من أدعية الصحيفة) الحمد لله الذي خلق الليل والنهار بقوته وميز بينهما بقدرته وجعل لكل واحد منهما حدا محدودا وأمدا ممدودا يولج كل واحد منهما في صاحبه ويولج صاحبه فيه بتقدير منه للعباد فيما يغذوهم به وينشئهم عليه فخلق لهم الليل ليسكنوا فيه من حركات التعب ونهضات (1) النصب وجعله لهم لباسا ليلبسوا من راحته ومنامه فيكون ذلك لهم جماما (2) وقوة ولينالوا به لذة وشهوة وخلق لهم النهار مبصرا
ص :85
ليبتغوا فيه من فضله وليتسببوا إلى رزقه ويسرحوا في أرضه إلا لما فيه نيل العاجل من دنياهم ودرك الآجل في أخراهم بكل ذلك يصلح شأنهم ويبلوا أخبارهم وينظر كيف هم في أوقات طاعته ومنازل فروضه ومواقع أحكامه ليجزي الذين أساؤا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسني (اللهم) فلك الحمد على ما فلقت لنا من الإصباح ومتعتنا به من ضوء النهار وبصرتنا به من مطالب الأقوات ووقيتنا فيه من طوارق الآفات أصبحنا وأصبحت الأشياء كلها بجملتها لك سماءها وأرضها وما بثثت في كل واحد منهما ساكنه ومتحركه ومقيمه وشاخصه وما علا في الهواء وما كن تحت الثرى أصبحنا في قبضتك يحوينا ملكك وسلطانك وتضمنا مشيتك ونتصرف عن أمرك ونتقلب في تدبيرك ليس لنا من الأمر إلا ما
ص :86
قضيت ولا من الخير إلا ما أعطيت (اللهم) وهذا يوم حادث جديد وهو علينا شاهد عتيد إن أحسنا ودعنا بحمد وإن أسأنا فارقنا بدم (اللهم) صل على محمد وآل (1) محمد وارزقنا حسن مصاحبته واعصمنا من سوء مفارقته بارتكاب جريرة أو اقتراف صغيرة أو كبيرة وأجزل لنا فيه من الحسنات وأخلنا فيه من السيئات واملأ لنا ما بين طرفيه حمدا وشكرا وأجرا وذخرا وفضلا وإحسانا (اللهم) يسر على الكرام الكاتبين مؤنتنا واملأ لنا من حسناتنا صحائفنا ولا تخزنا عندهم بسوء أعمالنا (اللهم) اجعل لنا في كل ساعة من ساعاته حظا من عبادتك ونصيبا من شكرك وشاهد صدق من ملائكتك (اللهم) صل على محمد وآله واحفظنا من بين أيدنا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن
ص :87
شمائلنا ومن جميع نواحينا حفظا عاصما من معصيتك هاديا إلى طاعتك مستعملا لمحبتك (اللهم) صل على محمد وآله ووفقنا في يومنا هذا وليلتنا هذه وفي جميع أيامنا لاستعمال الخير وهجران الشر وشكر النعم واتباع السنن ومجانبة البدع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحياطة الإسلام وانتقاص الباطل واذلاله ونصرة الحق وإعزازه وارشاد الضال ومعاونة الضعيف وادراك اللهيف (اللهم) صل على محمد وآله واجعله أيمن يوم عهدناه وأفضل صاحب صحبناه وخير وقت ظللنا فيه واجعلنا من أرضى من مر عليه الليل والنهار من جملة خلقك أشكرهم لما أوليت من نعمتك وأقومهم بما شرعت من شرائعك وأوقفهم عما حذرت من نهيك (اللهم) إني أشهدك وكفى بك شهيدا وأشهد سماؤك وأرضك ومن أسكنتهما من
ص :88
ملائكتك وسائر خلقك في يومي هذا وساعتي هذه وليلتي هذه (1) ومستقري هذا أني أشهد أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت قائم بالقسط عدل في الحكم كم رؤوف بالعباد مالك الملك رحيم بالخلق وأن محمدا عبدك ورسولك وخيرتك من خلقك حملته رسالتك فأداها وأمرته بالنصح لأمته فنصح لها (اللهم) فصل على محمد وآله أكثر ما صليت على أحد من خلقك وآته عنا أفضل ما آتيت أحدا من عبادك واجزه عنا أفضل وأكرم ما جزيت أحدا من أنبيائك عن أمته إنك أنت المنان بالجسيم الغافر للعظيم وأنت أرحم من كل رحيم وصلى (2) الله على سيدنا محمد وآله
ص :89
الطيبين الطاهرين الأخيار الأنجبين واعلم أن الأدعية والأذكار الواردة عن (أصحاب العصمة سلام الله عليهم) في التعقيبات وسيما تعقيب صلاة الصبح كثيرة جدا وإنما اقتصرنا على هذا القدر رعاية للاختصار والله ولي الإعانة والتوفيق (واعلم) أيضا أن ما ذكرناه من التعقيب مأخوذ من روايات عديدة وليس مجتمعا في رواية واحدة فلك أن تقتصر على البعض إذا لم يتسع وقتك للكل فإذا (1) وجدت من نفسك كلالا فاقطعه ولا تكلفها كماله من دون ميلها إليه واقبالها عليه فإن التوجه والاقبال روح العبادة والدعاء ويستحب جلوسك في مصلاك بعد فراغك من صلاة الصبح إلى أن تطلع الشمس وإن لم تكن مشتغلا بالتعقيب (فقد روي) عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال من صلى فجلس في مصلا إلى طلوع الشمس كان له سترا من النار وينبغي قراءة (سورة يس) بعد التعقيب فإن قارئها في الصباح لا يزال محفوظا مرزوقا حتى يمسي وتسمى الدافعة لأنها تدفع عن قارئها كل شر والقاضية لأنها تقض له كل حاجة (توضيح) ولنبين ما لعله يحتاج إلى البيان في هذا الفصل كما هو عادتنا في هذا الكتاب (ونحن له مسلمون) أي مذعنون بحكمه (2) منقادون لأمره
ص :90
مخلصون في عبادته (كما قاله) المفسرون في (قول تعالى) (لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون) وليس المراد بالإسلام هنا معناه المتعارف (لا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين) أي عبادتنا منحصرة فيه سبحانه حال كوننا غير خالطين مع عبادته عبادة غيره (والمراد أنا لا نعبد غيره) لا على الانفراد ولا على الاشتراك (القيوم) الذي قام كل موجودا والقيم على كل شئ بمراعاة حاله وتبليغه درجة كماله (اهدني من عندك) يمكن أن يراد بالهداية هنا الدلالة الموصلة إلى المطلوب وأن يراد بها الدلالة على ما يوصل إلى المطلوب وهو الفوز بالجنة أو محو آثار العلائق الجسمانية ورفع أستار العوائق الهيولانية وقصر العقل والحسن على مطالعة أسرار الجلال وملاحظة أنوار الجمال (وقدرتك التي لا يمتنع (1) منها شئ) فيه إشارة إلى عدم صدق الشيئية على الممتنعات الذاتية ولا (تزغ قلبي) من الزيع وهو الميل عن طريق الحق والمراد لا تسلبني التوفيق للبقاء على
ص :91
الاهتداء (ومن فجأة) نقمتك الفجأة بالضم والمد وقوع الشئ بغتة (والمراد بالنقمة) العقاب وهي بفتح النون وكسرها فبالفتح على وزن كلمة وبالكسر على وزن نعمة (ومن درك) الشقاء الدرك بالتحرك يطلق على المكان وطبقاته دركات يقال النار دركات والجنة درجات ويطلق (أيضا) على أقصى قعر الشئ (ومن يعنيني أمره) بالعين المهملة والياء المثناة التحتانية بين نونين يقال عني بالشئ (1) إذا اهتم بشأنه (بالله الواحد الأحد) الصمد كما يراد من لفظة الله الجامع لجميع صفات الكمال أعني الصفات الثبوتية كذلك (يراد بلفظ) الأحد الجامع لجميع صفات الجلال أعني الصفات السلبية إذ الواحد الحقيقي (2) ما يكون منزه الذات عن التركيب الذهني والخارجي والتعدد وما يستلزم أجدهما كالجسمية
ص :92
والتحيز والمشاركة في الحقيقة ولوازمهما كوجوب الوجود والقدرة الذاتية والحكمة التامة (والصمد) هو المرجع والمقصود في الحوائج (والكفؤ) هو المثل فأول هذه السورة الكريمة دل على الأحدية وآخرها على الواحدية (برب الفلق) الفلق هو ما ينفلق عنه الشئ أي يشق فعل بمعين مفعول وهو عن الشئ وهو يعم جميع الممكنات فإنه جل شأنه فلق عنها ظلمة عدمها بنور إيجادها (والفلق) بإسكان اللام مصدر فلفت (1) الشئ فلقا أي شققته شقا (والغاسق) الليل الشديد الظلمة (ووقب) أي دخل ظلامه في كل شئ (والنفاثات في العقد) أي النفوس أو النساء السواحر اللاتي يعقدون في الخيوط عقد ا وينفثن عليها (واعلم) أنا معاشر الإمامية على أن السحر لم يؤثر في النبي صلى الله عليه وآله وأمره في هذه السورة بالاستعاذة من سحر هن لا يدل على تأثير السحر فيه صلى الله عليه وآله كالدعاء في ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا وأما ما نقله من أن السحر أثر فيه صلى الله عليه وآله كما رواه من أنه صلى الله عليه وآله سحر حتى أنه كان يخيل إليه أنه فعل الشئ ولم يكن فعله فهو من جملة الأكاذيب ولو صبح ما نقلوه لصح (2) قول الكفار إن تتبعون إلا رجلا مسحورا وأما الاعتذار
ص :93
بأنهم أردوا أن السحر أثر فيه جنونا فهو اعتذار واه إذ الأثر الذي نقلوه لا يقصر عنه (والخناس) الذي يخنس أي يتأخر إذا ذكر الإنسان ربه تعالى وسنذكر تفسير الفاتحة في خاتمة هذا الكتاب إن شاء الله تعالى (لا تأخذه سنة ولا نوم) السنة فتور يتقدم النوم وتقديمها عليه مع أن القياس في النفي الترقي من الأعلى إلى الأسفل بعكس الاثبات لتقدمها عليه طبعا (1) أو المراد نفي هذه الحالة المركبة التي تعتري الحيوان (ولا يؤوده حفظهما) أي لا يثقله ولا يتعبه (والطاغوت) الشيطان أو ما يعبد من دون الله أو ما يصد ويمنع عن عبادته جل شأنه (لا انفصام لها) أي لا انقطاع لها (ثم استوى على العرش) استوى أي استولى (يغشي الليل النهار) أي يغطيه به (يطلبه حثيثا) فعيل من الحث أي يتعقبه سريعا كأن أحدهما يطلب الآخر بسرعة (والشمس والقمر والنجوم) منصوبة بالعطف على السماوات (ومسخرات) حال منها في قراءة النصب وهي مرفوعة بالابتداء ومسخرات خبرها في قراءة الرفع (تضرعا وخفية) أي حال كونكم
ص :94
متضرعين ومخفين فإن دعاء السر أفضل (إنه لا يحب المعتدين) فسر بالطالبين ما لا يليق بهم كرتبة الأنبياء وبالصياح بالدعاء (وادعوه خوفا وطمعا) أي حال كونكم خائفين من الرد لقصور أعمالكم وطامعين في الإجابة لسعة رحمته ووفور كرامته (مدادا لكلمات ربي) أي مدادا تكتب به كلمات علمه وحكمته عز شأنه (لنفد البحر) أي انتهى ولم يبق منه شئ (ولو جئنا بمثله) الضمير للبحر (مددا) أي زيادة ومعونة له (فمن يرجو لقاء ربه) أي حسن الرجوع إليه يوم القيامة (والصافات صيفا) قد تفسر الصافات والزاجرات والتاليات بطوائف (1) الملائكة الصافين في مقام العبودية على حسب مراتبهم الزاجرين للأجرام العلوية والسفلية إلى ما يراد منها بالأمر الإلهي التالين آيات الله تعالى على أنبيائه (وقد تفسر) بنفوس العلماء الصافين في العبادات الزاجرين عن الكفر والفسق بالبراهين والنصائح التالين آيات الله وشرائعه (وقد يفسر) بنفوس المجاهدين الصافين حال القتال الزاجرين الخيل والعدو والتالين ذكر الله لا يشغلهم عنه ما هم فيه من المحاربة (ورب المشارق) (2) أي
ص :95
مشارق الشمس أو مشارق الكواكب (إنا زينا السماء الدنيا أي التي هي أقرب إليكم من دنا يدنو) بزينة الكواكب) الإضافة بيانية وعلى قراءة تنوين الزينة فالكواكب بدل منها وما اشتهر من أن الثوابت بأسرها مركوزة في الفك الثامن وكل واحد من السبعة الباقية منفرد بوحدة من السيارات السبع لا غير فلم يقم برهان (1) على ثبوته واشتمال فلك القمر على كواكب (2)
ص :96
واقعة (1) في غير ممر السيارات وممر الثوابت المرصودة لم يثبت دليل على امتناعه ولو ثبت لم يقدح في تزيين فلك القمر بتلك الأجرام المشرقية لرؤيتها فيه وإن كانت مركوزة في ما فوقه (وحفظا من كل شيطان مارد) نصب حفظا على المصدرية أي حفظناها حفظا إذ لم يسبق ما يصلح لعطفه عليه وقد يجعل عطفا على علة يدل عليها الكلام السابق أي أنا جعلنا الكواكب زينة وحفظا (والمارد) الخارج عن الطاعة (لا يسمعون (2) إلى الملأ الأعلى) جملة مستأنفة لبيان حالهم بعد الحفظ لا صفة للشياطين المفهومة من كل شيطان إذ لا حفظ ممن لا يسمع (3) (والملأ الأعلى) لملائكة الساكنون الأعلى كما أن الملأ الأسفل الإنس والجن الساكنون في الأرض وتعدية السماع أو التسمع على قراءتي التخفيف والتشديد بإلى لتضمين معنى الاصغاء مبالغة في نفيه (ويقذفون من كل جانب دحورا) أي يرمون من كل
ص :97
جانب من جوانب السماء يقصدونه لاستراق السمع (ودحورا) أي طردا مفعولا لأجله أي يقذفون للطرد أو مفعول مطلق لقربه من معنى القذف (لهم عذاب واصب) في الآخرة (والواصب) الدائم الشديد (إلا من خطف الخطفة) استثناء من فاعل يسمعون أي اختلس خلسة من كلام الملائكة (فأتبعه شهاب ثاقب) أي تبعه شهاب مضئ كأنه يثقب الجو بضوئه والشهاب ما يرى كأن كوكبا انقض (1) (وما خمنه الطبيعيون) من أنه بخار فيه دهنية يصعد إلى كرة النار فيشتعل لم يثبت ولو صح لم يناف ما دلت عليه الآية الكريمة ولا ما دل عليه قوله جل شأنه (إنا زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين) فإن الشهاب والمصباح يطلقان على المشتعل وكل مشتعل في الجو زينة للسماء ولا استبعاد في اصعاد الله سبحانه ذلك البخار الدهني عند استراق الشيطان السمع فيشتعل نارا فتحرقه وليس خلق الشيطان من محض النار الصرفة كما أن خلق الإنسان ليس من محض التراب فاحتراقه (2) بالنار التي
ص :98
أقوى من ناريته ممكن ولعل الشياطين لا يسمعون كلام الملائكة إلا إذا انتهوا في الصعود إلى قرب كرة الأثير (1) فإذا استرق الشيطان السمع وبادر إلى النزول لحقه الشهاب فاحرقه فلذلك عبر سبحانه عن انتهاء الشهاب إليه باتباعه له (إن استطعتم أن تنفذوا) أي تخرجوا من أقطار السماوات والأرض هار بين من الله سبحانه (فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان) جملة برأسها أي لا تقدرون على النفوذ منها إلا بقوة تامة ومن أين لكم ذلك (وسلطان) مصدر كغفران ومعناه التسلط ومنه قوله تعالى (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه
ص :99
سلطانا) أي تسلطا على القصاص أو أخذ الدية) يرسل عليكما شواظ) لهب (من نار ونحاس) دخان أو صفر مذاب يصب على رؤسهم ورفعه بالعطف على شواظ وعلى قراءة الجر عطف على نار (فلا تنتصران) أي لا تمتنعان من ذلك (خاشعا متصدعا من خشية الله) التصدع التشقق والغرض توبيخ القاري على عدم تخشعه عند قراءة القرآن بقساوة قلبه وقلة تدبر معانيه (عالم الغيب والشهادة) أي ما غاب عن الحس وما حضر أو السر والعلانية (القدوس) البالغ في النزهة عما يوجب النقائص (السلام) مصدر وصف به للمبالغة والمراد السالم من النقائص بأسرها وسميت الجنة دار السلام لأن سكانها سالمون من كل آفة أو لأنها داره جل شأنه (المؤمن) واهب الأمن (وعن الصادق عليه السلام) سمي سبحانه مؤمنا لأنه يؤمن عذابه من أطاعه (المهيمن) الرقيب الحافظ لكل شئ (العزيز) الذي لا يعدله شئ ولا يماثله شئ أو الغالب الذي لا يغلب (ومنه) قوله تعالى) (وعزني في الخطاب) أي غلبني (الجبار) الذي يجبر الخلق ويقهرهم على بعض الأمور التي ليس لهم فيها اختيار ولا على تغيرها قدرة أو يجبر حالهم ويصلحه (المتكبر) ذو الكبرياء عن الحاجة والنقص (الخالق البارئ المصور) قد يظن أن الثلاثة مترادفة لأنها بمعنى الايجاد والإنشاء فذكرها للتأكيد وليس كذلك بل هي أمور
ص :100
متخالفة ألا ترى أن البنيان يحتاج إلى تقدير في الطول والعرض وإلى إيجاد بوضع الأحجار والأخشاب على نهج خاص وإلى تزيين ونقش وتصوير فهذه أمور ثلاثة مرتبة تصدر عنه جل شأنه في إيجاد الخلايق من كتم العدم فله سبحانه باعتبار كل منها اسم على ذلك الترتيب (يسبح له ما في السماوات وما في الأرض) هذا التسبيح أما بلسان الحال فإن كل ذرة من الموجودات تنادي بلسان حالها على وجود صانع حكيم واجب الوجود لذاته وأما بلسان المقال وهو في ذوي العقول ظاهر وأما غيرهم من الحيوانات فذهب فرقة عظيمة إلى أن كل طائفة منها تسبح ربها بلغتها وأصواتها كبني آدم وحملوا عليه قوله تعالى (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم) وأما غير الحيوانات من الجمادات فذهب جم غفير إلى أن لها تسبيحا لسانيا أيضا واعتضدوا بقوله سبحانه (وإن من شئ إلا يسبح بحمده وقالوا لو أريد به التسبيح بلسان الحال لاحتاج قوله جل شأنه (ولكن لا تفقهون تسبيحهم) إلى تأويل وذكروا أن الاعجاز في تسبيح الحصى في كف (النبي صلى الله عليه وآله) ليس من حيث نفس التسبيح بل من حيث اسماعه للصحابة وإلا فهي في التسبيح دائما أن تخرجني من الدنيا آمنا أي من الذنوب التي بيني بينك بأن توفقني للتوبة منها قبل الموت ومن التي بيني وبين خلقك بأن توفقني للتخلص منها (وتدخلني الجنة سالما) أي من
ص :101
العقاب قبل دخولها بأن تعفو عن ذنوبي وتدخلنيها وهذه الجملة كالمؤكدة لسابقتها (ولا حول ولا قوة إلا بالله) وقد يراد من الحول هنا القدرة أي لا قدرة على شئ ولا قوة إلا بإعانة الله سبحانه (وقد روي) أن الحول هنا (ههنا خ ل) بمعنى التحول والانتقال والمعنى لا حول لنا عن المعاصي إلا بعون الله ولا قوة لنا على الطاعات إلا بتوفيق الله سبحانه (إلا باعانته سبحانه نسخه) روى ذلك رئيس المحدثين قدس الله روحه في كتاب التوحيد عن الباقر عليه السلام فينبغي قصد هذا المعنى المروي لا غير (واكشف همي وفرج غمي) قد يفرق بينهما بأن (الهم) ما يقدر الإنسان على ازالته كالافلاس مثلا (والغم) ما لا يقدر على ازالته كموت الولد وقد يفرق بينهما بأن الهم قبل نزول المكروه والغم بعده (من شر كل غاشم) أي مبغض معتد (متعد خ ل) (وطارق) أي وارد في الليل بشر (لشر خ ل) (الصامت والناطق) كثيرا ما يطلق الصامت على الجماد والناطق على الحيوان وإن كان من الحيوانات العجم يقال فلان لا يملك صامتا ولا ناطقا أي لا يملك شيئا (ومنه) قول الفقهاء الزكاة في الناطق والصامت ويجوزان يراد هنا الناطق معناه المعروف (بديع السماوات والأرض) من قبيل حسن الغلام أي أن السماوات والأرض بديعة أي عديمة النظير وقد يقال المراد يا بديع المبدع أي الموجد من غير مثال سابق فليس من قبيل اجراء الصفة على غير من هي له ونوقش
ص :102
بأن مجئ فعيل بمعنى مفعل لم يثبت في اللغة وإن ورد فشاذ لا يقاس عليه وفيه كلام سنذكره في الباب الثالث (ما لاح الجديدان) هما الليل والنهار وما اطرد (الخافقان) هما المشرق والمغرب واطرادهما بقاؤهما (وما حدا الحاديان) هما الليل والنهار كأنهما يحدوان بالناس ليسيروا إلى قبورهم كالذي يحدي بالإبل (ما عسعس ليل) أقبل أو أدبر وهو من الأضداد (وما أدلهم ظلام) بتشديد الميم على وزن اقشعر أي اشتدت ظلمته (وما تنفس صبح) أي ظهر وعبر عنه بالتنفس لهبوب النسيم عنده فكأنه تنفس به (خطيب وقد المؤمنين) خطيب القوم في اللغة كبيرهم الذي يخاطب السلطان ويكلمه في حوائجهم (والوافد) بفتح الواو يراد به هنا الجماعة الوافدون (المكسو حلل الأمان) المراد أمان أمته من النار فإن الله تعالى قال له (ولسوف يعطيك ربك فترضى) وهو صلى الله عليه وآله لا يرضى بدخول أحد من أمته في النار كما ورد في الحديث (وحلل الأمان) استعارة وذكر الكسوة (المكسو خ ل) ترشيح (وعزايم مغفرتك) أي متحتماتها (والمراد) ما يجعلها حتما (فيما فزعت إليك منه) فزعت بالفاء والزاء المعجمة والعين المهملة بمعنى التجأت (قد غيرت وجهي) بالغين المعجمة والباء الموحدة المشددة من الغبار والكلام استعارة (ولولا تعلقي) جواب لولا ما يأتي من قوله لقد كان ذل الأياس علي مشتملا (لا تقنطوا) أي لا تيأسوا (ندبتنا) أي دعوتنا (داخرين) ذليلين صاغرين قد
ص :103
أسبل دمعي حسن الظن بك) اسبال الدمع جراؤه والمراد أن حسن ظني بعفوك عن المذنبين وصفحك عن العاصين وإن عظمت ذنوبهم وكثرت خطاياهم قد أبكاني (فإن قلت) حسن الظن موجب للمسرة والابتهاج لا للبكاء (قلت) المراد البكاء من شدة الفرح (1) (وتغمد زللي) أي اجعله مشمولا بالعفو والغفران (وإقالة عثرتي) الإقالة المسامحة والتجاوز والعثرة الخطيئة ما خوذة من عثرة الرجل (ومجاهد الناكثين) المراد بهم عسكر الجمل ورؤساؤه الذين نكثوا بيعته عليه السلام (والقاسطين) معاوية وأعوانه الذين عدلوا عنه عليه السلام والقسوط هو العدول عن الحق (والمارقين) المراد بهم الخوارج الذين مرقوا من الدين كما يمرق السهم من القوس كما ورد في الحديث (أمامي) خبران والأوصاف الستة السابقة نعوت ويراد بها معنى الثبوت لا الحدوث (2) فصح وقوعها نعتا للمعرفة كما قالوه في قوله تعالى (مالك يوم الدين) والقبول من حملتها والتسليم لرواتها العطف للبيان والتوضيح
ص :104
والحملة بالحاء المهملة بالفتحات جمع حامل والمراد ناقلوها (1) (أعلاما ومنارا) أي مدة (والأعلام) جمع علم وهو الجبل يعلم وبه الطريق في الصحاري (والمنار) بفتح الميم الموضع المرتفع الذي يوقد في أعلاه النار لهداية الضال ونحوه (لا مفزع ولا ملجأ) العطف تفسيري (ومعقلي من المخاوف) المعقل بفتح الميم وكسر القاف قريب من المعنى الحصن ويطلق على الملجأ (أمام طلبتي) أي قدام حاجتي ومطلبي (والطلبة) الطاء وكسر الأم (ومعولي) على صيغة اسم المفعول أي ثقتي ومعتمدي (وظعني) بالظاء المعجمة والعين المهملة ساكنة ومفتوحة أي سيري أو سفري (ومنقلبي ومثواي) أي رجوعي وإقامتي أو حركتي وسكوني (من نائلك) أي من عطائك (عطيتك خ ل) واحسانك (ومنة النوال من روحك) بفتح الراء أي من فرجك ولطفك (ارتتاج مذاهبها) الارتتاج بتائين مثناتين فوقانيتين وآخره جيم بمعنى الانغلاق يقال ارتجت الباب أي أغلقته (من كل ضنك مخرجا) الضنك بالضاد المعجمة المفتوحة والنون الساكنة الضيق (ومجدك) أي كبريائك وعظمتك (والديانة التي حض عليها) بالضاد المعجمة المشددة أي بالغ في شأنها وحث على الاتصاف بها (أم) بتشديد الميم أي قصد
ص :105
(وتزلف) على وزن تكرم وزن تكرم أي تقرب (وقد أكدى الطلب) بالدال المهملة أي تعسر وتعذر وانقطع (وأعيت الحيل) بالعين المهملة والياء المثناة التحتانية أي أتعبت (منيخ) بالنون وآخره خاء معجمة أي مقيم (بفنائك) الفناء بكسر وبعدها نون الفضاء حول الدار والكلام استعارة (وإذا تلاحكت علي الشدائد) بالحاء المهملة أي تداخلت والتصقت بي ونالني الضر أي أصابني (والضر) هنا بضم الضاد سوء الحال وأما بفتحها فضد النفع (شملتني الخصاصة) بالخاء المعجمة المفتوحة وصادين مهملتين بينهما ألف بمعنى الاحتياج (وعرتني الحاجة) أي شملتني (وتوسمت بالذلة) أي صرت موسوما بها (وحقت علي الكلمة) أي صرت حقيقا بكلمة العذاب (فامسح ما بي) أي اذهب وأزل ويجوز قراءته بالصاد المهملة أيضا المعنى واحد (والايزاع لشكرك) الايزاع بالياء المثناة التحتانية وبعدها زاي وآخره عين مهملة الالهام (ولا تخلني من يدك) (1) بالخاء المعجمة وتشديد اللام من التخلية (ليست ببدع من ولايتك) بدع بإسكان الدال والمراد أن العطية التي لا يحتاج معها إلى غيرك ليست أمرا بديعا غيبا لم يعهد مثله ومن (ولايتك) بفتح الواو أي من امدادك
ص :106
واعانتك (ادفع الصرعة) بكسر الصاد المهملة وإسكان الراء الوقوع في بلية (وانعش السقطة) انعش بالنون والعين المهملة المفتوحة وآخره شين معجمة وهو كادفع وزنا ومعنى ويراد بالسقطة ما يراد من الصرعة (والكلام) استعارة ولا ينكر أي منكر ومستبعد (وارحم الهفوة) بفتح الهاء وإسكان الفاء أي الزلة (خذ يدي من دحض المزلة) دحض بالحاء المهملة والضاد المعجمة أي انقذني من مزلقة الخطئة (فقد كبوت) بالباء الموحدة أي وقعت على وجهي (يولج كل واحد منهما في صاحبه ويولج صاحبه فيه) أي يدخل كلا من الليل والنهار في الآخر بأن ينقص من أحدهما شيئا ويزيده في الآخر كنقصان نهار الشتاء وزيادة ليله وزيادة نهار الصيف ونقصان ليله (فإن قلت) هذا المعنى يستفاد من قوله عليه السلام يولج كل واحد منهما في صاحبه فأي فائدة في قوله عليه السلام ويولج صاحبه فيه (قلت) مراده عليه السلام التنبيه على أمر مستغرب وهو حصول الزيادة والنقصان معا في كل من الليل والنهار في وقت واجد وذلك بحسب اختلاف البقاع كالشمالية عن خط الاستواء والجنوبية عنه سواء كانت مسكونة أولا فإن صيف الشمالية شتاء الجنوبية وبالعكس فزيادة النهار ونقصانه واقعان في وقت واحد لكن في بقعتين وكذلك زيادة الليل ونقصانه ولو لم يصرح عليه السلام بقوله ويولج صاحبه فيه لم يحصل التنبيه على ذلك بل كان الظاهر من كلامه
ص :107
عليه السلام وقوع زيادة النهار في وقت ونقصانه في آخر وكذا الليل كما هو محسوس معروف للخاص والعام فالواو في قوله عليه السلام ويولج صاحبه فيه واو الحال بإضمار مبتدأ كما هو المشهور بين النحاة (ونهضات النصب) بالنون والضاد المعجمة من النهوض والمراد الترددات البدنية الموجبة النصب أي التعب (ويروى) بهظات بالباء الموحدة والظاء المعجمة من بهظه الحمل أي أثقله (ليكون لهم جماما) بفتح الجيم أي راحة (ويبلو أخبارهم) أي يختبرها (ومنه) قوله تعالى (يوم تبلى السرائر) فلقت لنا من الاصباح (1) قد علم مما سبق (وما بثثت) بثائين مثلثين من البث بالتشديد وهو التفريق (مقيمه وشاخصه) المراد بالشاخص هنا ضد المقيم (وما كن تحت الثرى) ما كن بالتشديد أي ما خفي تحت التراب (ليس لنا من الأمر إلا ما قضيت) المراد بالأمر النفع فالمعطوفة عليها كالمفسرة لها (شاهد عتيد) بالتاء المثناة الفوقانية أي مهيأ (بارتكاب جريرة) الجريرة بالجيم والراء الجناية ومنه ضمان الجريرة والمراد بها هنا الخطيئة (واقتراف صغيرة) أي اكتسابها (وأجزل لنا) أي أكثر (واخلنا فيه من السيئات) أي اجعلنا
ص :108
خالين منها (يسر على الكرام الكاتبين مؤنتنا) هذا كناية عن طلب العصمة عن إكثار الكلام والاشتغال بما ليس فيه نفع دنيوي ولا أخروي إذ يحصل بها التخفيف على الكرام الكاتبين بتقليل ما يكتبونه من أقوالنا وأفعالنا (مستعملا لمحبتك) من إضافة المصدر إلى الفاعل أو المفعول (وحياطة الإسلام) بالحاء المهملة والياء المثناة التحتانية والطاء المهملة أي حفظه وحراسته (وأوقفهم عما حذرت) من وقف عن الشئ أي لم يدخل فيه (وسائر خلقك) بالجر عطفا على ملائكتك أو بالنصب عطفا على سمائك (وخيرتك من خلقك) بكسر الخاء المعجمة والياء المثناة التحتانية والراء المفتوحتين أي المختار المنتخب (المنتجب خ ل) وجاء (بتسكين الياء أيضا (فصل) واعلم أنه قد ورد قسمة النهار إلى اثني عشرة ساعته ونسبة كل واحدة منها إلى واحد من الأئمة الاثني عشر سلام الله عليهم وتخصيصها بدعاء يدعى به فيها وأنا أذكر كلا منها مع دعائها في محلها (إن شاء الله تعالى (فالساعة الأولى) هي هذه الساعة التي كلامنا في هذا الباب فيها أعني ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وهي منسوبة إلى أمير المؤمنين علي عليه لسلام وهذا دعاؤها (اللهم) رب الظلام والفلق والفجر والشفق والليل
ص :109
وما وسبق والقمر إذا اتسق خالق الإنسان من علق أظهرت قدرتك ببديع صنعتك وخلقت عبادك لما كلفتهم من عبادتك وهديتهم بكرم فضلك إلى سبيل طاعتك وتفردت في ملكوتك بعظيم السلطان وتوددت إلى خلقك بقديم الإحسان وتعرفت إلى بريتك بجسيم الامتنان يا من يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شان أسألك اللهم بمحمد خاتم النبيين وبالقرآن الذي نزل به الروح (خاتم النبيين الذي نزل الروح خ ل) الأمين على قلبه ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين (وبأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ابن عم الرسول وبعل البتول الذي فرضت ولايته على الخلق وكان يدور حيث دار الحق أن تصلي على محمد وآل محمد فقد جعلتهم وسيلتي وقدمتهم أمامي وبين يدي حوائجي وأن تغفر لي ذنبي وتطهر قلبي وتستر عيبي
ص :110
وتفرج كربي وتبلغني من طاعتك وعبادتك أملي وتقضي لي حوائجي للدنيا والآخرة يا أرحم الرحمين ولك أن تجعل هذا الدعاء من جملة التعقيب (وليكن) آخر ما تأتي به بعد الصلاة سجدة (روى) رئيس المحدثين في الفقيه عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال سجدة (1) الشكر واجبة على كل مسلم تتم بها صلاتك وترضي بها ربك وتعجب الملائكة منك وأن العبد إذا صلى ثم سجد سجدة الشكر فتح الرب الحجاب بين العبد وبين الملائكة (فيقول) يا ملائكتي انظروا إلى عبدي أدى فرضي وأتم عهدي ثم سجد لي شكر أعلى ما أنعمت به عليه ملائكتي ماذا له (فتقول) الملائكة يا ربنا رحمتك (ثم فيقول لرب تعالى) ثم ماذا (فتقول) الملائكة يا ربنا كفاية مهمه (فيقول الرب تعالى) ثم ماذا فلا يبقى شئ من الخير إلا قالته الملائكة (فيقول الله تعالى) يا ملائكتي ماذا (فتقول) الملائكة يا ربنا لا علم لنا (فيقول) الله تعالى لأشكرنه كما شكرني
ص :111
وأقبل عليه (إليه خ ل) بفضلي وأريه رحمتي ويستحب الإطالة فيها فقد روي في الفقيه أيضا أن الكاظم عليه السلام كان يسجد بعد ما يصلي الصبح فلا يرفع رأسه حتى يتعالى النهار (1) وإذا سجدتهما تفرش ذراعيك وتلصق صدرك وبطنك بالأرض وتأتي بما رواه ثقة الإسلام في الكافي بسند حسن عن أبي الحسن الماضي عليه السلام (فتقول في الأولى) (اللهم) إني أشهدك وأشهد ملائكتك وأنبيائك ورسلك وجميع خلقك أنك (2) الله ربي والإسلام ديني ومحمدا صلى الله عليه وآله نبيي وعليا والحسن والحسين وعليا ومحمدا وجعفرا وموسى وعليا ومحمدا وعليا والحسن ومحمد سلام الله عليهم أئمتي بهم (3) أتولى ومن أعدائهم أتبرأ (ثم تقول) (اللهم)
ص :112
إني أنشدك دم المظلوم ثلاث مرات (ثم تقول) اللهم إني أنشدك بإيوائك على نفسك لأوليائك لتظفر نهم بعدوك وعدوهم أن تصلي على محمد وعلى المستحفظين من آل محمد صلى الله عليه وآله (ثم تقول) اللهم إني أسألك اليسر بعد العسر ثلاث مرات ثم تضع خدك الأيمن على الأرض (وتقول) يا كهفي حين تعييني (1) المذاهب وتضيق علي الأرض بما رحبت يا باري خلقي رحمة بي وكان عن خلقي غنيا صل على محمد وعلى المستحفظين من آل محمد صلى الله عليه وآله (ثم) تضع خدك الأيسر (فتقول) ثلاث مرات يا مذل كل جبار ويا معز كل ذليل قد وعزتك بلغ بي مجهودي (ثم تقول) ثلاث مرات يا حنان يا منان يا كاشف الكرب العظام (ثم) تأتي بالسجدة الثانية
ص :113
(فتقول) فيها مائة مرة شكرا شكرا ثم تسأل حاجتك (وعنه) عليه السلام أنه كان يقول في سجدتي (1) الشكر بصوت حزين ودموعه تحري عصيتك رب بلساني ولو شئت وعزتك لأخرستني وعصيتك ببصري ولو شئت وعزتك لأكمهتني وعصيتك بسمعي ولو شئت وعزتك لأصممتني وعصيتك بيدي ولو شئت وعزتك لكنعتني وعصيتك برجلي ولو شئت وعزتك لجذمتني وعصيتك بفرجي ولو شئت وعزتك لعقمتني وعصيتك بجميع جوارحي التي أنعمت بها علي وليس هذا جزاؤك مني (ثم يقول) العفو العفو ألف مرة ثم يلصق خده الأيمن بالأرض ويقول ثلاث مرات بصوت حزين بوت إليك بذنبي عملت سوء وظلمت نفيي فاغفر لي ذنوبي فإنه لا يغفر الذنوب غيرك مولاي (ثم) يلصق خدة الأيسر
ص :114
بالأرض (ويقول) ثلاث مرات إرحم من أساء واقترف واستكان واعترف (وتقول) إذا رفعت رأسك من سجدتي الشكر (اللهم) لك الحمد كما خلقتني ولم أك (1) شيئا مذكورا رب أعني علي أهوال الدنيا وبوائق الدهر ونكبات الزمان ومصيبات الليالي والأيام واكفني شر ما يعمل الظالمون في الأرض وفي سفري فاصحبني وفي أهلي فاخلفني وفيما رزقتني فبارك لي وفي نفسي لك فذللني وفي أعن الناس فعظمني وإليك فحببني وبذنوبي فلا تفضحني وبعملي فلا تبسلني وبسريرتي فلا فلا تخزني ومن شر الجن والإنس فسلمني ولمحاسن الأخلاق فوفقني ومن مساوي الإخلاف فجنبني إلى
ص :115
من تكلني يا رب (1) المستضعفين وأنت ربي إلى عدو ملكته أمري أم إلى بعيد فيتجهمني فإن لم تكن عضبت على يا رب فلا أبالي غير أن عافيتك أوسع لي وأحب إلي أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت به السماوات والأرض وكشفت به الظلمة وصلح عليه أمر الأولين والآخرين من أن يحل علي غضبك وينزل بي سخطك لك الحمد حتى ترضى وبعد الرضى ولا حول ولا قوة إلا بك (توضيح) (رب الظلام والفلق) المراد بالفلق النور (والليل وما وسق) أي جمع وستر (والقمر إذا اتسق) أي اجتمع وتم وصار بدرا وكان يدور حيث دار الحق المضارع عامل في الحق وضمير الماضي عائد إليه عليه السلام لينطبق على قول النبي صلى الله عليه وآله (اللهم أدر الحق معه كيف ما دار) ولعل تأخير الفاعل لرعاية الفواصل كما قال سبحانه (فأوجس في نفسه خيفة موسى) (أنشدك دم المظلوم) أنشد علس وزن اقعد (يقال) نشدت فلانا
ص :116
وأنشده أي قلت له (نشدتك الله) (1) أي سألتك بالله والمراد هنا أسألك بحقك أن تأخذ بدم المظلوم أعني (الحسين بن علي عليهما السلام) وتنتقم من قاتليه ومن الأولين الذين أسسوا أساس الظلم والجور عليه وعلى أبيه وأخيه سلام الله عليهم أجمعين (بايوائك على نفسك) الايواء بالياء المثناة التحتانية وآخره ألف ممدودة العهد (وعلى المستحفظين) (2) يقرأ بالبناء للفاعل والمفعول معا أي استحفظوا الإمامة أي حفظوها أو استحفظهم الله إياها (يا كهفي حين تعيبني المذاهب) أي يا ملجئي حين تتبعني مسالكي إلى الخلق وتردداتي إليهم (وتعييني) بيائين مثناتين من تحت أو بنونين أولهما (3) مشددة وبينهما ياء مثناة تحتانية (وتضيق علي الأرض بما رحبت) أي بسعتها وما مصدرية (والرحب) السعة (ولو شئت وعزتك لأكمهتني) أي لأعميتني والأكمه الذي ولد أعمى (لكنعتني) بالنون والعين المهملة أي لقبضت أصابعي (لجذمتني) بالجيم والذال المعجمة أي لقطعت رجلي (فإن قيل) كيف يصدر عن المعصوم مثل هذا الدعاء
ص :117
(قلنا) إن (1) الأنبياء والأئمة سلام الله عليهم لما كانت أوقاتهم مستغرقة في ذكر الله وقلوبهم مشغولة به جل شأنه فكانوا إذا اشتغلوا بلوازم البشرية من الأكل والشرب والنكاح وسائر المباحات عدوا ذلك ذنبا وتقصيرا كما أن الذين يجالسون الملك لو اشتغلوا وقت مجالسته وملاحظته بالالتفات إلى غيره لعدوا ذلك ذنبا وتقصيرا واعتذروا منه وعلى هذا يحمل (ما رواه) ثقة الإسلام في الكافي عن الصادق عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله) كان يتوب إلى الله عز وجل في كل يوم سبعين مرة وكذا (ما رواه) العامة (في صحاحهم أنه صلى الله عليه وآله) (قال) إنه ليغان (2) على قلبي وأني لأستغفر بالنهار سبعين مرة (بؤت إليك بذنبي) بالباء الموحدة المضمومة والهمزة وآخره تاء مثناة أي أقررت (وبوائق الدهر) مصائبه (وبعملي فلا تبسلني) بالباء الموحدة والسين المهملة أي لا تؤدني (3) إلى الهلاك ومنه أن قوله (أن تبسل
ص :118
نفس بما كسبت) (أم إلى بعيد فيتجهمني) أي يعبس وجهه إذا واجهني (الباب الثاني فيما يعمل ما بين طلوع الشمس إلى الزوال) قد مر في أواخر الباب الأول أنه قد ورد قسمة النهار إلى اثنتي عشرة ساعة لكل واحد من الأئمة الاثني عشر عليهم السلام ساعة ولكل دعاء يختص بها (فالساعة الأولى) وهي ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس لأمير المؤمنين عليه السلام وقد ذكرنا دعاؤها في أعمال ذلك الوقت فلنذكر هنا ما يختص بهذا الوقت فنقول الساعة الثانية) من طلوع الشمس إلى ذهاب حمرتها وهي (للحسن عليه السلام وتدعوا فيها بهذا الدعاء (اللهم) يا خالق السماوات والأرض ومالك (1) البسط والقبض ومدبر الإبرام النقض ومن لا يخيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء يا مالك يا جبار يا واحد يا قهار يا عريز يا غفار يا من لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار يا من لا يمسك خشية الانفاق ولا يقتر خوف الإملاق يا كريم يا رزاق
ص :119
يا مبتدئا بالنعم قبل الاستحقاق يا من ينزل الروح (1) من أمره على من يشاء عباده لينذر يوم التلاق كبرت نعمتك على وصغر في جنبها شكري ودام غناك عني وعظم إليك فقري أسألك يا عالم سري وجهري يا من لا يقدر سواه على كشف ضري أن تصلي على محمد رسولك المختار وحجتك على الأبرار والفجار وعلى أهل بيته الطاهر بن الأخبار وأتوسل إليك بالأنزع البطين علما وبالإمام الزكي الحسن المقتول سما فقد استشفعت بهم إليك وقدمتهم أمامي وبين يدي حوائجي أن تزيدني من لدنك علما وتهب لي حكما وتجبر كمري وتشرح بالتقوى صدري وترحمني إذا انقطع من الدنيا أثري وتذكرني إذا نسي ذكري برحمتك
ص :120
يا أرحم الراحمين (والساعة الثالثة) من ذهاب حمرة الشمس إلى ارتفاع النهار للحسين عليه السلام وتدعو فيها بهذا الدعاء (اللهم) رب الأرباب ومسبب الأسباب ومالك الرقاب ومسخر السحاب ومسهل الصعاب يا حليم يا تواب يا كريم يا وهاب يا مفتح الأبواب يا من حيث ما دعي أجاب يا من ليس له حجاب (ولا بواب يا من ليس لخزائنه قفل ولا باب يا من لا يرخي عليه ستر ولا يضرب دونه حجاب يا من يرزق من يشاء بغير حساب يا غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب (اللهم) انقطع الرجاء إلا من فضلك وخاب الأمل إلا من كرمك فأسألك بمحمد رسولك وبعلي بن أبي طالب صفيك وبالحسين الإمام التقي الذي اشترى نفسه
ص :121
ابتغاء مرضاتك وجاهد الناكثين عن صراط طاعتك فقتلوه ساغبا ظمآنا وهتكوا حرمته بغيا وعدوانا وحملوا رأسه في الآفاق وأحلوه محل أهل العناد والشقاق (اللهم) فصل على محمد وآله (1) وجدد على الباغي عليه مخزيات لعنتك (2) وانتقامك ومرديات سخطك ونكالك (اللهم) إني أسألك بمحمد وآله وأستشفع بهم إليك وأقدمهم أمامي وبين يدي حوائجي أن لا تقطع رجائي من امتنانك وإفضالك ولا تخيب تأميلي في إحسانك ونوالك ولا تهتك الستر المسدول علي من جهتك ولا تغير عني عوائد طولك ونعمك ووفقني لما ينفعني (3) إليك واصرفني عما يباعدني عنك وأعطني من الخير أفضل
ص :122
ما أرجوا (1) واكفني من الشر ما أخاف وأحذر برحمتك يا أرحم الرحمين (والساعة الرابعة) من ارتفاع النهار إلى الزوال وهي لسيد العابدين عليه السلام وتدعوا فيها بهذا الدعا (اللهم) أنت الملك المليك المالك وكل شئ سوى وجهك الكريم هالك سخرت بقدرتك النجوم السوالك وأمطرت بقدرتك الغيوم السوافك وعلمت ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة في الظلمات الحوالك يا سميع يا بصير يا بر يا شكور يا غفور يا رحيم يا من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور يا من له الحمد في الأولى والآخرة وهو الحكيم الخبير أسألك سؤال البائس الحسير وأتضرع إليك تضرع الضالع الكسير وأتو كل عليك توكل
ص :123
الخاشع المستجير وأقف ببابك وقوف المؤمل الفقير وأتوسل إليك بالبشير النذير والسراج المنير محمد خاتم النبيين وابن عمه أمير المؤمنين وبالإمام على ابن الحسين زين العابدين وإمام المتقين المخفي للصدقات والخاشع في الصلوات والدائب المجتهد في المجاهدات الساجد ذي الثفنات أن تصلي على محمد وآل محمد فقد توسلت بهم إليك وقدمتهم أمامي وبين يدي حوائجي وأن تعصمني من مواقعة معاصيك وتر شدني إلى موافقة ما يرضيك وتجعلني ممن يؤمن بك ويتقيك ويخافك ويرتجيك ويراقبك ويستحييك ويتقرب إليك بموالاة من يواليك ويتحبب إليك بمعاداة من يعاديك ويعترف لديك بعظيم نعمك وأياديك برحمتك يا أرحم الرحمين (واعلم) أن نسخ أدعية الساعات كثيرة الاختلاف بالزيادة
ص :124
والنقصان والذي أوردته في هذا الكتاب هو الذي أثق به وأعتمد عليه والله ولي التوفيق (توضيح) (مالك البسط والقبض) أي بيده توسعة الرزق وتضييقه أو سرور القلب وانقباضه (ومدبر الابرام والنقض) الابرام في الأصل فتل الحبل (والنقض) بالضاد المعجمة نقيضه والكلام استعارة والمراد تدبير أمور العالم علي ما تقتضيه حكمته البالغة من الابقاء والافناء والاعزاز والاذلال والتقوية والاضعاف وغير ذلك (يا من لا يقتر خوف الاملاق) يقتر بالقاف والتاء الفوقانية المثناة المشددة من التقتير والمعنى لا يضيق الرزق لخوف الفقر بل لمصلحة هو أعلم بهما (كما ورد في الحديث القدسي) أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لا يفسده ذلك (ينزل الروح) أي الوحي (ويوم التلاق) من أسماء يوم لقيامة لأن فيه يتلاقى أهل السماوات وأهل الأرض أو الأولون والآخرون أو الظالم والمظلوم أو الخالق والمخلوق أو المرء وعمله أو الأرواح والأجساد أو كل واحد من هذه الستة (1) مع قرينه منها (ومخزيات لعنك) بالخاء المعجمة والزاء أي ما يوجب الخزي من لعنك (ومرديات سخطك ونكالك) أي ما يوجب الردى أي الهلاك من سخطك (والنكال) بفتح النون العقاب (والغيوم السوافك) من سفك من الدم بمعنى أهرقه فكأنه استعارة (والظلمات الحوالك) بالحاء المهملة جمع حالكة أي الشديدة
ص :125
السواد (يا من يعلم خائنة الأعين) أي النظرة الخائنة الصادرة عن الأعين أو خائنة مصدر كالعافية أي خيانة الأعين (الضالع الكسير) بالضاد المعجمة أي المائل الحائر (المخفي للصدقات) ذكر المؤرخون أن (زين العابدين عليه السلام) كان يعول أربعمائة بيت في المدينة وكان يوصل قوتهم إليهم بالليل وهم لا يعرفون من أين يأتيهم فلما مات عليه السلام انقطع ذلك عنهم فعلموا أن ذلك كان منه عليه السلام (1) (الدائب المجتهد في المجاهدات) الدائب بالدال المهملة والياء المثناة التحتانية والباء الموحدة اسم فاعل من دأب أي جد وتعب (المراد) بالمجاهدات العبادات الشاقة (فقد روي عنه عليه السلام) أنه كان يصلي كل ليلة ألف ركعة الساجد (ذي الثفنات) بالثاء المثلثة والنون المفتوحات جمع ثفنة وهي ما في ركبة البعير وصدره من كثر مماسته الأرض وقد كان حصل (2) في جبهته عليه السلام مثل ذلك من طول السجود وكثرته (وتجعلني ممن يؤمن بك) يراد بالايمان هنا المعرفة والتصديق الكامل فإن مراتب ذلك متفاوتة (قال) رئيس المحققين نصير الملة والدين الطوسي قدس الله روحه في بعض رسائله أن مراتب ذلك متخالفة كمراتب معرفة النار مثلا فإن أدناها معرفة من سمع أن في الوجود
ص :126
شيئا يظهر أثره في شئ يحاذيه وإن أخذ منه شيئا لم ينقص ويسمى ذلك الموجود نارا (ونظير) هذه المرتبة في معرفة الله تعالى معرفة المقلدين الذين صدقوا بالدين من غير وقوف على الحجة (وأعلا) منها مرتبة من وصل إليه دخان النار وعلم أن لا بد له من مؤثر فحكم بذات لها أثر هو الدخان (ونظير) هذه المرتبة في معرفة الله تعالى معرفة أهل النظر والاستدلال الذين حكموا بالبراهين القاطعة على وجود الصانع تعالى (وأعلا) منها مرتبة (1) من أحس بحرارة النار لسبب مجاورتها وشاهد الموجودات بنورها وانتفع بذلك الأثر (ونظير) هذه المرتبة في معرفة الله سبحانه وتعالى معرفة المؤمنين الخلص الذين اطمأنت قلوبهم بالله وتيقنوا (أن الله نور السماوات والأرض) كما وصف به نفسه (أعلا) منها مرتبة من احترق بالنار بكليته (2) وتلاشى فيها بجملته (ونظير) هذه المرتبة في معرفة الله تعالى معرفة أهل الشهود والفناء في الله وهي الدرجة العليا والمرتبة القصوى رزقنا الله تعالى الوصول إليها والوقوف عليها بمنه وكرمه انتهى كلامه أعلا الله مقامه (فصل) (ومما ينبغي أن يعمل في صدر النهار) التصدق بمهما تيسر وإن كان حقيرا (روى ثقة الإسلام) في الكافي عن
ص :127
الصادق عليه السلام أنه قال (قال رسول الله صلى الله عليه وآله) بكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطاها (وروي) أيضا فيه عنه عليه السلام أنه (قال) بكروا بالصدقة وارغبوا فيها فما من مؤمن بتصدق بصدقة ير يد بها ما عند الله ليدفع الله بها عنه شر ما ينزل من السماء إلى الأرض في ذلك اليوم إلا وقاه الله شر ما ينزل في ذلك اليوم (ومما بعمل في صدر النهار) التمسح بماء الورد (ففي الحديث) عن أصحاب العصمة سلام الله عليهم أجمعين من مسح وجهه بماء الورد لم يصبه في ذلك اليوم بؤس ولا فقر وليمسح الوجه واليدين ويصلي على النبي صلى الله عليه وآله (ومما يعمل) في صدر النهار غالبا) التعمم ولبس الثياب ولخف والنعل فلنذكر بعض آدابها وأدعيتها (فنقول) أما التعمم فقد روي أنه ينبغي أن يقال عنده (اللهم) سومني بسيماء الإيمان وتوجني بتاج الكرامة وقلدني حبل الإسلام ولا تخلع ربقة الإيمان من عنقي ولا تتعمم وأنت جالس وإذا تعممت فتحنك بعمامتك فإن التحنك سنة مؤكدة (روى شيخ الطائفة) في التهذيب بسند حسن عن الصادق عليه السلام (أنه قال) من اعتم ولم يدر العمامة تحت حنكه فأصابه داء لا دواء له فلا يلومن إلا نفسه (وروى)
ص :128
رئيس المحدثين في الفقيه (عن الصادق عليه السلام) أنه قال إني لأعجب ممن يأخذ في حاجته وهو على وضوء كيف لا تقضى حاجته وأني عجب ممن يأخذ في حاجته وهو معنم تحت حنكه كيف لا تقضى حاجته والأحاديث في الترغيب في التحنك كثيرة (وقد) انعقد) الاجماع منا عليه والعجب من مخالفينا كيف ينكرونه مع أنهم رووا في كتبهم (عن النبي صلى الله عليه وآله) أنه نهى عن الاقتعاط وأمر بالتلحي (قال في الصحاح) الاقتعاط شد العمامة على الرأس من غير إدارة تحت الحنك (وفي الحديث) أنه صلى الله عليه وآله نهى عن الاقتعاط وأمر بالتلحي انتهى كلامه (فالتلحي) إدارة العمامة تحت اللحيين (واعلم) أن استحباب التحنك عام في جميع الأوقات والحالات وليس مختصا بحال الصلاة وإن كانت الصلاة فيه أفضل بل هو مستحب برأسه سواء صلى فيه أولم يصلي وليس استحبابه للصلاة (1) كما يظهر من كلام بعض علمائنا (2) ولم أظفر في شئ من الروايات التي تضمنها (3) أصولنا بما يدل على استحبابه للصلاة بل هي عامة (وقد صرح) بهذا العلامة قدس الله سره في منتهى المطلب حيث أورد (الأحاديث) الدالة على أن التحنك سنة
ص :129
في نفسه (ثم قال) قد ظهر بهذه لأحاديث استحباب التحنك مطلقا سواء كان في الصلاة أو في غيرها انتهى كلامه (فينبغي) إذا تحنك عند إرادة الصلاة أن تقصد استحبابه لنفسه كأكثر المستحبات لا أنه مستحب لغيره أعني للصلاة كالرداء مثلا وكونه شرطا في زيادة ثوابها لا يقتضي استحبابه (1) لها وهذا ظاهر (وأما الآداب في لبس الثياب) فينبغي تقصير الثواب (فقد نقل) في تفسير قوله تعالى (وثيابك فطهر) أي فقصر وينبغي أن لا يتجاوز بالكم أطراف الأصابع ولا تبتذل ثوب الصون ولا تلبس ثوب شهرة والبس في الصلاة بيض (فقد روي عن الصادق عليه السلام) يكره السواد إلا في ثلاثة (الخف والعمامة والكساء (وأما الدعاء عند لبس الثوب (فقد روي عن الصادق عليه السلام) أنه يقال عند لبس الثوب (اللهم) اجعله ثوب يمن وبركة (اللهم) ارزقني فيه شكر نعمتك وحسن عبادتك والعمل بطاعتك الحمد لله الذي رزقني ما أستر به عورتي وأتجمل به في الناس (وعن الباقر عليه السلام) أنه يقال عند لبس الثوب الجديد (اللهم) اجعله ثوب يمن وتقوى
ص :130
وبركة (اللهم) ارزقني فيه حسن عبادتك وعملا بطاعتك وأداء شكر نعمتك الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في الناس (وروي) أنه يقال عند لبس السراويل (اللهم) ستر عورتي وآمن روعتي وأعف فرجي ولا تجعل للشيطان في ذلك نصيبا ولا له إلى ذلك وصو لا فيضع لي المكائد ويهيجني لارتكاب محارمك (وينبغي) أن لا يلبس السراويل وهو مستقبل القبلة (وأما لبس الخف والنعل) فليكن وهو جالس ويلبس نعل اليمنى قبل اليسرى وعند الخلع بالعكس وهو قائم (ويقول) عند لبس كل من الخف والنعل بسم الله وبالله (اللهم) صل على محمد وآل محمد ووطي قدمي في الدنيا والآخرة وثبتهما على الصراط المستقيم يوم تزل فيه الأقدام (وتقول) عند خلعهما بسم الله وبالله (اللهم) صل علس محمد وآل محمد الحمد لله الذي رزقني ما أوقي به قدمي من الأذى (اللهم)
ص :131
ثبتهما على صراطك ولا تزلهما عن صراطك السوي (وروي عن الصادق عليه السلام) كراهة لبس الخف الأحمر في الحضر دون السفر (وعنه عليه السلام) أنه قال من السنة لبس الخف الأسود والنعل الأصفر (وكره عليه السلام) لبس النعل الأسود (وعنه عليه السلام) من لبس نعلا صفراء كان في سرور حتى يبليها (وعنه عليه لسلام) من لبس نعلا صفراء لم يبلها حتى يستفد ما لا (ولنوضح) بعض ما تضمنه هذا الفصل (سومني بسيماء الايمان) أي علمني بعلامته أي أظهر علامة الايمان في أفعالي وسائر أحوالي (وقر بين أمير المؤمنين عليه السلام) علامة المؤمنين في خطبته المشهورة التي وصفهم فيها عند سؤال همام (1) رضي الله عنه ذلك منه عليه السلام (والربقة) بالكسر حبل ذو عرى والفقر الثلاث استعارات (وآمن روعتي) أي بدل (2) خوفي بالأمن (والروعة) بفتح الراء المهملة الخوف (فصل) ومما جرت العادة بفعله في أثناء هذا الوقت أعني ما بين طلوع الشمس والزوال (الأكل والشرب) فلنذكر نبذة من آدابها وأدعيتها المروية عن أصحاب العصمة سلام الله عليهم (فنقول)
ص :132
إذا أردت الأكل فاجلس على يسارك ولا تجلس مربعا (1) فإنها جلسة يبغضها (2) الله تعالى ويمقت صاحبها كما (روي عن أمير المؤمنين عليه السلام) وإذا مددت يدك إلى الأكل فقل بسم الله والحمد لله رب العالمين (فقد روي عن الصادق عليه السلام) إن الرجل إذا أراد أن يطعم فأهوى بيده (وقال) بسم الله والحمد لله رب العالمين غفر الله له قبل أن تصير اللقمة إلى فيه (وروي) استحباب التسمية على كل لون (وروي) أيضا استحبابها على كل إناء على المائدة وإن اتحدت ألوان الطعام ومن نسي التسمية على كل لون (فليقل) بسم الله على أوله وآخره (رواه) رئيس المحدثين في الفقيه (ومما ينبغي أن يقال) عند الشروع في الأكل
ص :133
الحمد لله الذي يطعم ولا يطعم ويجير ولا يجار عليه ويستغني ويفتقر إليه (اللهم) لك الحمد على ما رزقتنا من طعام وإدام في يسر وعافية من غير كد منا ولا مشقة بسم الله خير الأسماء بسم الله رب الأرض والسماء بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شئ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم (اللهم) أسعدني في مطعمي هذا بخيره وأعذني من شره وأمتعني بنفعه وسلمني من ضره (وينبغي) أن يكون أول ما تأكله كل يوم إحدى وعشرين زبيبة حمراء (فعن النبي صلى الله عليه وآله) أنه قال من أكل كل يوم على الريق إحدى وعشرين زبيبة حمراء لم يعقل إلا علة الموت واغسل يديك معا قبل الطعام وبعده وإن كان أكلك بيد واحدة (وروى) رئيس المحدثين في الفقيه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه (قال) من غسل يده (1) قبل الطعام وبعده عاش في سعة وعوفي من بلوى في جسده (وقد روي عن أمير المؤمنين
ص :134
عليه السلام) أنه يزيد في العمر ويجلو البصر وابدأ إن كنت صاحب الطعام بالغسل الأول ثم يغسل بعدك من على يمينك وفي الغسل الثاني تغسل أنت أخيرا ومن على يسارك أولا (وروي) لابتداء في الغسل الثاني بمن على يمين الباب حرا كان أو عبدا ولا تمسح يدك بالمنديل بعد الغسل الأول وامسحها به بعد الغسل الثاني بعد أن تمسح ببللها عينيك ولا تمسحها بالمنديل وفيها أثر الطعام حتى تمصها وكرر حمد الله سبحانه في أثناء الأكل وابدأ بالأكل قبل الحاضرين إن كنت صاحب الطعام وارفع يدك منه بعدهم ولا ينبغي الأكل باليسار ولا الشرب بها ولا الأكل بأصبعين وإذا حضر الخبز فلا تنتظر حضور غيره من الأطعمة ولا تضعه تحت القصعة ولا تقطعه بالسكين وابدأ بالملح واختم به (وروى) الختم بالخل أيضا ويستحب إحضار البقل الأخضر على المائدة ولا تأكل للحم في يوم واحد مرتين وكلمه في كل ثلاثة أيام ويكره تركه أربعين يوما ولا تهتك (1) العظم بل ابق فيه بقية (فقد روي) أن للجن فيه نصيبا وأن من فعل ذلك ذهب من بيته ما هو خير من ذلك ويبتغي اطالتك الجلوس على المائدة إن كنت صاحب الطعام (2) (فقد روى) ثقة
ص :135
الإسلام في الكافي بطريق حسن عن زرارة (قال) سمعت أبا عبد الله عليه السلام (يقول) ثلاث إذا تعلمهن الرجل كانت زيادة في عمره وبقاء للنعمة عليه (فقلت) وما هن (قال) تطويله في ركوعه وسجوده في صلاته وتطويله في جلوسه إذا أطعم على مائدته واصطناعه المعروف إلى أهله (1) وقل بعد الفراغ من الأكل (روي عن الصادق عليه السلام) الحمد لله الذي أطعمنا في جائعين وسقانا في ظامئين (2) وكسانا في عارين وهدانا في ضالين وحملنا في راجلين وأوانا في ضاحين وأخدمنا في عانين وفضلنا على كثير من العالمين (وأما) ما اشتهر في هذا الزمان من قراءة الفاتحة (3) بعد الطعام فلم أطلع عليه في كتب الحديث (وينبغي) أن يغسل الحاضرون أيديهم في طشت واحد ولا يرفع الطشت ويراق حتى يمتلئ
ص :136
ويستحب التخليل (1) ويكره اتخاذ الخلال من الخوص والقصب والريحان والآس والرمان (وينبغي) قذف ما خرج من بين الأسنان بالخلال وابتلاع ما خرج باللسان (وينبغي) أن يكون ما تأكله موافقا لما تشتهيه عيالك لا ما تشتهيه أنت دونهم فقد (روى) ثقة الإسلام عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال (قال رسول الله صلى لله عليه وآله) المؤمن يأكل بشهوة أهله والمنافق يأكل أهله بشهوته (وأما آداب شرب الماء) فإنه يقول عند شربه الحمد لله منزل الماء من السماء ومصرف الأمر كيف يشاء بسم لله خير الأسماء (ويقول) بعد شربه الحمد لله الذي سقاني ماء عذبا ولم يجعله ملحا أجاجا بذنوبي (الحمد الله) الذي سقاني فأرواني وأعطاني فأرضاني وكافاني وعافاني وكفاني اللهم) اجعلني ممن تسقيه في المعاد من حوض محمد صلى الله عليه وآله وتسعده بمرافقته برحمتك يا أرحم الراحمين (ويستحب) شربه مصا لا عبا (فقد روي عن الني صلى الله
ص :137
عليه وآله) أن شرب الماء عبا يورث الكباد (1) (وينبغي) أن يكون شربك بيدك وبثلاثة أنفاس والحمد الله سبحانه بعد كل نفس (وسئل الصادق عليه السلام) عن الشرب بنفس واحد (فقال) إن كان الذي يناولك الماء مملو فاشرب بثلاثة أنفاس والحمد الله سبحانه عند كل نفس وإن كان حرا فاشربه بنفس واحد فقد (روي) من من شرب الماء فنحاه وهو يشتهيه وحمد الله يفعل ذلك ثلاثا وجبت له الجنة (وينبغي) اجتناب الشرب من جانب العروة ومن موضع الكسر ولا تكثر شرب الماء (فقد روي عن الصادق عليه السلام) إياك والاكثار من شرب الماء فإنه مادة كل داء (وروي) أن من شرب الماء فذكر عطش الحسين عليه السلام) ولعن قاتله كتب الله له مائة ألف حسنة وحط عنه مائة ألف سيئة ورفع له مائة ألف درجة وكأنما أعتق مائة ألف نسمة (ولنوضح) ببعض ألفاظ هذا الفصل يا من يجير ولا يجار عليه) أي ينقذ من هرب إليه ولا ينقذ أحد من هرب منه فكلاهما من الإجارة ولبس الثاني من الجور (وامتعني) على وزن أكرمني ينفعه أي اجعلني ممتعا به (وآوانا في ضاحين) بالضاد المعجمة والحاء المهملة أي أسكننا في المساكن بين جماعة ضاحين أي ليس بينهم وبين ضحوة
ص :138
الشمس ستر يحفظهم من حرها (واخدمنا في عانين) أي جعل لنا من يخدمنا ونحن بين جماعة عانين من العنا وهو التعب والمشقة (الباب الثالث) (فيما يعمل ما بين زوال الشمس إلى الغروب) وفيه مقدمة وفصول (مقدمة) روى رئيس المحدثين الفقيه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه (قال) إذا زالت الشمس فتحت أبواب السماء وأبواب الجنان واستجيب الدعاء فطوبى لمن رفع له عمل صالح (وروى) طاب ثراه أيضا عن النبي صلى الله عليه وآله أنه (قال) إن الشمس عند الزوال لها حلقة تدخل فيها فإذا دخلت فيها زالت الشمس فيسبح كل شئ دون العرش بحمد ربي عز وجل وهي الساعة التي يصلي علي فيها ربي جل جلاله وفرض علي وعلى أمتي فيها لصلاة وقال (أقم الصلة لدلوك الشمس إلى غسق الليل) وهي الساعة التي يؤتى فيها بجهنم يوم القيامة فما من مؤمن يوافق تلك الساعة أن يكون ساجدا أو راكعا أو قائما إلا حرم الله جسده على النار (ولا بأس بتوضيح) ما تضمنه بعض هذا الحديث (الحلقة) بسكون اللام وليس في كلام العرب حلقة بفتح اللام إلا حلقة الشعر فقط جمع حالق كفجرة جمع فاجر ولعله صلى الله عليه وآله أراد بالحقة دائرة نصف النهار فعبر عنها
ص :139
بذلك تقريبا إلى الأفهام ولفظة هي دون في قوله صلى الله عليه وآله دون العرش بمعنى تحت (1) ولفظة هي في قوله صلى الله عليه وآله وهي الساعة التي يصلي علي فيها ربي جل جلاله تعود إلى ما دل عليه سوق الكلام أعني الوقت الذي أوله (2) الزوال (ودلوك الشمس) زوالها وكأنهم إنما سموه بذلك لأنهم كانوا إذا نظروا إليها ليعرفوا انتصاف النهار يدلكون عيونهم (3) بأيديهم فالإضافة لأدنى ملابسة (وغسق الليل) منتصفه لا ظلمة أوله كما قاله بعض اللغويين (روى ثقة الإسلام) في الكافي بسند صحيح عن الباقر عليه السلام أنه قال فيما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل أربع صلوات إلى أن قال عليه السلام (وغسق الليل) انتصافه والمصدر المسبوك من لفظة أن ومعمولها في قوله صلى الله عليه وآله أن يكون ساجدا أو راكعا أو قائما فاعل الفعل أعني يوافق واسم الإشارة مفعوله وجملة الفعل وفاعله ومفعوله نعت للمؤمن (فصل) (4) (ينبغي) القيام إلى الصلاة في أول وقتها فريضة كانت أو نافلة إلا ما استثنى فإن فضل أول الوقت على آخره كفضل الآخرة على الدنيا كما (روي) عن الصادق عليه السلام (وعنه) صلى الله
ص :140
عليه وآله أول الوقت رضوان الله وآخر الوقت عفو الله والظاهر أن هذه الفضيلة تدرك بالاشتغال في أول الوقت بمقدمات الصلاة كالطهارة مثلا من غير توان كما قاله شيخنا الشهيد رحمه الله ولا يتوقف إدراكها على الدخول في الصلاة في أول الوقت (وأما) ما تضمه بعض الروايات مما ظاهره خلاف ذلك كما (روي عنهم عليهم السلام) ما وقر الصلاة من أخر الطهارة حتى يدخل وقتها فلم أظفر لهذا (1) بسند يعول عليه وعلى تقدير اندراج العمل بما (رواه) ثقة الإسلام في الكافي بسند حسن عن الصادق عليه السلام) من سمع شيئا من الثواب على شئ فصنعه كان له أجره وإن لم يكن كما بلغه فذلك لا يضرنا لأنها إنما تدل على مانعية توسط الاشتغال بالطهارة بين أول الوقت والصلاة من توقيرها لا على مانعية من ادراك فضيلة الوقت فإنه أمر آخر فتدبر (وينبغي) انتظار الصلاة والتطلع إلى وقتها كما (روي أن النبي صلى الله عليه وآله) كان ينتظر دخول وقت الصلاة ويقول أرحنا يا بلال أي أدخل علينا الراحة بالأعلام بدخول الوقت كما (قال صلى الله عليه وآله) قرة عيني في الصلاة (وأول الزوال) شروع الظل في الازدياد بعد الانتقاص أو الحدوث بعد الانعدام فإن الشمس كلما
ص :141
ازداد ارتفاعها زاد انتقاصه حتى إذا بلغت غاية ارتفاعها في ذلك اليوم بلغ غاية انتقاصه فيه أو انعدم وذلك عند وصولها إلى دائرة نصف النهار أعني إلى منتصف ما بين المشرق والمغرب (ومعلوم) أنها في هذا الوقت بالنسبة إلى سكان الأقاليم مختلفة الأوضاع فقد يكون حينئذ بحسب الأوضاع جنوبية عن سمت رأس سكان بعض الأولى لا يعدم (1) الظل في منتصف النهار بل يكون ذلك الوقت في منتهى قصره ممتدا إلى الشمال أو إلى الجنوب وفي هذين الحالين بكون شروعه في الزيادة أول وقت الزوال (وفي الثالث) يعدم بالكلية ويكون أول ظهوره أول وقت الزوال وظل الشاخص قبل الزوال يسمى ظلا وبعده يسمى فيئا من فاء بفئ إذا رجع لرجوعه إلى ما كان عليه من قبل فشيئا (ويمتد) وقت فضيلة الظهر من الزوال إلى أن يصير الفئ أعني ما حدث بعد الزوال مساويا للشاخص (ووقت فضيلة العصر) إلى أن يصير ظل كل شئ مثليه (2) (ويستحب) لك تأخير كل من الفريضتين عن أول وقتها بمقدار ما تصلي فيه نافلتها ومن لم يصلي النافلة فلا ينبغي التأخير عن أول وقت الفضيلة (والمشهور) أن أول وقت نافلة الظهر وتسمى صلاة
ص :142
الأوابين من الزوال إلى أن يصير الفئ قدمين أي بمقدار سبعي الشاخص إذ الغالب أن قامة كل شخص سبعة أقدام بأقدام (1) (ووقت نافلة العصر) وتسمى السبحة من الفراغ من الظهر إلى أن يصير الفئ أربعة أقدام وبعض علمائنا على امتدادهما بامتداد وقت فضيلة الفرضين فنافلة الظهر إلى أن يصير الفئ مثل الشاخص (ونافلة العصر) إلى أن يصير مثليه وهو غير بعيد (وفي الأخبار المعتبرة) دلالة عليه بل في بعضها ما يدل بظاهره على ما فوق هذه التوسعة كما (رواه) شيخ الطائفة في التهذيب بسند صحيح عن الصادق عليه السلام أنه قال صلاة التطوع بمنزلة الهدية متى ما أتى بها قبلت فقدم منها ما شئت وأخر ما شئت (2) لكن لا أعلم أن أحدا من علمائنا قدس الله أرواحهم عمل بما تضمنه إطلاق هذه الرواية من التوسعة في التقديم والتأخير ولعل المراد بالتقديم الأداء وبالتأخير القضاء والله أعلم (والمشهور) بين علمائنا قدس الله أرواحهم أنه لا يجوز التعويل على أظن بدخول الوقت إلا مع عدم القدرة على
ص :143
تحصيل العلم فلا يجوز التعويل على أخبار العدل الواحد بالوقت ولا على أذان البلد وإن كان المؤذن عدلا إلا مع العجز عن العلم فظاهر كلام المحقق في المعتبر جواز التعويل على أذان العدل الواحد (أما) أخبار العدلين وأذانهما فالظاهر جواز التعويل عليه وإن قدر على العلم فإن العلم الشرعي حاصل به (وينبغي) لمن له اعتناء بأمر النوافل واهتمام بإدراك فضيلة أول الوقت أن يكون قد أعد في داره أو على سطحه عودا مستقيما منصوبا في مكان مستو وليكن منتصبا غير مائل إلى جهة مقسوما بأسباع فإذا (1) انتهى ظله إلى غاية النقصان وابتدأ فيئه (2) في الزيادة أو في الحدوث فليشرع في نافلة الزوال إن كان ممن وفقه الله تعالى لسعادة القيام بالنوافل أو في أداء الظهر في أول وقتها إن كان محروما من تلك السعادة وليتفقد الفئ فإذا صار بقدر سبعي الشاخص أو مثله على الخلاف تحقق المتنفل خروج وقت نافلة الظهر فإن لم يكن حينئذ قد أكمل منها ركعة تركها واشتغل بالفرض وإن كان قد أكملها وذلك بأن يكون قد فرغ من ذكر سجودها الثاني وإن لم يرفع رأسه منه زاحم بالسبع الباقية الفرض والأظهر أن الست حينئذ أداء فإن الثمان في
ص :144
حكم صلاة واحدة (ثم) يصلي الظهر ويتفقد الفئ بعدها فإن لم يبلغ أربعة أسباع الشاخص أو مثليه على ما مر فليشرع في نافلة العصر وإن بلغه علم خروج وقتها ويكون حاله في تركها ومزاحمة الفرض كحاله فيما سبق هذا في غير الجمعة وفيها يزيد على الثمانيتين أربعا ويأتي من العشرين بثمانية عشر قبل الزوال ثلاثا في الانبساط والارتفاع والقيام وبالأخيرتين بعده (فصل) أول ما تفعله عند تحقق الزوال أن تقول (ما رواه) رئيس المحدثين في الفقيه أن الباقر عليه السلام علمه لمحمد بن مسلم وقال له حافظ عليه كما تحافظ على عينيك وهو سبحانه الله ولا إله إلا الله والحمد لله الذي لم يتخذ صاحب ولا ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا (ثم) بادر إلى الوضوء (ثم) تشرع في نافلة الزوال فتنوي الركعتين الأولين وتأتي بالتكبيرات السبع مع أدعيتها على النحو الذي تقدم ذكره في الباب الأول (ثم) تتعوذ من الشيطان الرجيم وتقرأ بعد الفاتحة في الركعة الأولى التوحيد وفي الثانية الجحد (كما رواه) ثقة الإسلام في الكافي بسند حسن (ثم) تسلم وتأتي بالتكبيرات الثلاث وتسبح تسبيح الزهراء عليها السلام (ثم تقول)
ص :145
(اللهم) إني ضعيف فقو في رضاك ضعفي وخذ إلى الخير بناصيتي واجعل الإيمان منتهى رضاي وبارك لي فيما قسمت لي وبلغني برحمتك كل الذي أرجو منك واجعل لي ودا وسرورا للمؤمنين وعهدا عندك ثم تصلي ركعتين كذلك سوى التكبيرات للست الافتتاحية وأدعيتها ثم أخرتين مثلهما وتأتي بعد كل بالتعقيب والدعاء المذكورين وبعد اكمالك ست ركعات مع توابعها تقوم وتؤذن للظهر وتفصل بين الأذان والإقامة بركعتين على ذلك المنوال وهاتان الركعتان هما السابعة والثامنة من نافلة الظهر ثم تقيم وتقول بعد الإقامة (اللهم) رب هذا الدعوة التامة والصلاة القائمة بلغ محمدا صلى الله عليه وآله الدرجة والوسيلة والفضل والفضيلة بالله أستفتح وبالله أستنجح وبمحمد صلى الله عليه وآله أتوجه (اللهم) صل على محمد وآل محمد واجعلني بهم وجيها في الدنيا والآخرة من المقربين
ص :146
(ثم اشتغل) بصلاة الظهر مراعيا ما راعيته في صلاة الصبح من الأعمال وخافت بالقراءة بما عدا البسملة (وتقرأ) في الركعة الأولى سورة الأعلى أو الشمس أو شابههما في الطول (كما رواه) شيخ الطائفة في التهذيب عن الصادق عليه السلام بسند صحيح وانهض من التشهد الأول آتيا بما مر عند نهوضك إلى ثانية الصبح واقرأ الحمد أو سبح التسبيحات الأربع ثلاثا مضيفا إليها الاستغفار (ثم) تكبر للركوع رافعا كفيك كما مر واركع واسجد على قياس ما مر ثم انهض وأت بركعة أخرى كذلك ثم تشهد وسلم ثم تكبر التكبيرات الثلاث (ثم تقول) لا إلا الله إلها وحدا ونحن له مسلمون إلى آخره (ثم تسبح) تسبيح الزهراء عليها السلام وتأتي بما شئت مما قدمناه في تعقيب صلاة الصبح سوى الأذكار المختصة بتعقيب الصبح والأدعية المتضمنة لذكر الدخول في الصباح كالا دعية الثلاثة الأخيرة (ثم تقول) يا من أظهر الجميل وستر القبيح يا من لم أخذ بالجريرة ولم يهتك الستر يا كريم الصفح يا عظيم المن يا حسن التجاوز يا واسع المغفرة يا باسط اليدين
ص :147
بالرحمة يا سامع كل نجوى ويا منتهى كل شكوى يا مبتدئا بالنعم قبل استحقاقها يا رباه يا رباه يا رباه يا سيداه يا سيداه يا سيداه يا غاية رغبتاه يا ذا الجلال والإكرام أسألك بحق محمد وعلي وفاطمة وأحسن والحسين وعلي ومحمد وجعفر وموسى وعلي ومحمد وعلي والحسن ومحمد صاحب الزمان سلام الله عليهم أجمعين أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تكشف كربي وتغفر ذنبي وتنفس همي وتفرج غمي وتصلح شأني في ديني ودنياي وأن تدخلني الجنة ولا تشوه خلقي بالنار ولا تفعل بي ما أنا أهله برحمتك يا أرحم الراحمين (ثم تقول) يا سامع كل صوت يا جامع كل فوت يا بارى النفوس بعد الموت يا باعث يا وارث يا إله الآلهة يا جبار الجبابرة يا مالك الدنيا والآخرة يا رب الأرباب (1) يا مالك الملوك يا بطاش ذا البطش الشديد يا مبدي يا معيد يا فعال لما
ص :148
يريد يا محصي عدد الأنفاس ونقل الأقدام يا من السر عنده علانية أسألك بحق خيرتك من خلقك وبحقهم الذي أو جبت لهم على نفسك أن تصلي على محمد وأهل بيته وأن تمن علي الساعة بفكاك رقبتي من النار وأن تنجز لوليك وابن نبيك الداعي إليك بإذنك وأمينك في أرضك وعينك في عبادك وحجتك على خلقك عليه صلواتك وبركاتك (اللهم) أيده بنصرك وقو أصحابه وصبرهم واجعل لهم من لدنك سلطانا نصيرا وعجل فرجه ومكنه من وأعدائك وأعداء رسولك يا ألحم الراحمين (ثم تقول) اللهم رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن وما تحتهن ورب العرش العظيم ورب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ورب السبع المثاني والقرآن العظيم ورب محمد خاتم النبيين صل على محمد وآله وأسألك باسمك
ص :149
الأعظم الذي به تقوم السماوات والأرض وبه تحيي الموتى وترزق الأحياء وتفرق بين المجتمع وتجمع بين المتفرق وبه أحصيت عدد الآجال ووزن الجبال وكيل البحار أسألك يا من هو كذلك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تفعل بي كذا كذا (ثم) تسئل حاجتك (ثم) تسجد سجدتي الشكر وتقول فيهما وبعدهما ما مر في (الباب الأول) (فصل) وبعد فراغك مما يتعلق بصلاة الظهر تقوم إلى نافلة العصر وتحرم بالركعتين الأوليين من دون الاتيان بباقي التكبيرات الست الافتتاحية فإنه لا يؤتى بها في شئ من النوافل المرتبة (1) إلا في ست (2) (أول) نافلة الزوال (وأول) نافلة المغرب (والوتيرة وأول) صلاة الليل (ومفردة) الوتر (وأول) ركعتي الاحرام كذا قال بعض الأصحاب والأظهر استحبابها (3) في جميع الصلوات فرضها ونفلها وفاقا للشهيدين (4) رحمه الله تعالى (وتقرأ) في نافلة العصر ما شئت من
ص :150
السور والأولى أن تقرأ فيها وفي غيرها السور المرغب فيها عن أئمة الهدى عليهم السلام وتختار منها ما لا يخرج الوقت بقراءتها (وقد روي عن الباقر عليه السلام) من قرأ سورة (الصف) في فرائضه ونوافله صفه الله مع ملائكته وأنبيائه المرسلين (وعنه عليه السلام) من أدمن قراءة سورة (ق) في فرائضه ونوافله وسع الله عليه رزقه وأعطاه كتابه بيمينه وحاسبه حسابا (وعنه عليه السلام) أكثر وا تلاوة سورة (الحاقة) في الفرائض والنوافل لأن ذلك من الايمان بالله ورسوله ولن يسلب قارئها دينه حتى يموت (وبعد) فراغك من الركعتين الأولتين (تقول) (اللهم) إنه لا إله إلا أنت الحيي القيوم العلي العظيم الحليم الكريم الخالق الرازق المحيي المميت البدي البديع لك الحمد ولك المن ولك الجود ولك الكرم والجود ولك الأمر وحدك لا شريك لك يا واحد يا أحد يا فرد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد ولم يتخذ صاحبة ولا ولدا صل على محمد وآله (وافعل بي كذا ثم تصلي ركعتين وتقول بعدهما (اللهم) رب
ص :151
السماوات السبع إلى آخره (هم) تصلي ركعتين (وتقول) بعدهما (اللهم) إني أدعوك بما دعاك به عبدك يونس إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر (1) عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا (2) له ونجيناه من الغم (3) فإنه دعاك وهو عبدك وأنا أدعوك وأنا عبدك وسألك وهو عبدك وأنا أسألك وأنا عبدك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تستجيب لي كما استجبت له وأدعوك بما دعاك به عبدك أيوب إذ مسه الضر فدعاك أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين فاستجبت له وكشفت ما به من ضر وآتيته أهله ومثلهم معهم فإنه دعاك وهو عبدك وأنا أدعوك وأنا عبدك وسألك وهو عبدك
ص :152
وأنا أسألك وأنا عبدك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تفرج عني كما فرجت عنه وأن تستجيب لي كما استجبت له (وأدعوك) بما دعاك به يوسف إذ فرقت بينه وبين أهله وإذ هو في السجن فإنه دعاك وهو عبدك وأنا أدعوك وأنا عبدك وسألك وهو عبدك وأنا أسألك وأنا عبدك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تفرج عني كما فرجت عنه وأن تستجيب لي كما استجبت له فصل على محمد وآل محمد (وافعل بي كذا كذا) وتذكر حاجتك (ثم) تصلي الركعتين الأخيرتين (وتقول) بعدهما يا من أظهر الجميل وستر القبيح إلى آخره (وبعد) فراغك من ذلك تؤذن للعصر وتفصل بين الأذان والإقامة بسجدة وتدعو بما مر (1) في الصبح والظهر (ثم اشتغل) بصلاة العصر مراعيا جميع الآداب السابقة وتقرأ في الركعة الأولى (إذا جاء نصر الله والفيح) أو (ألهاكم التكاثر) ونحوهما في القصر (كما رواه) شيخ الطائفة في التهذيب عن الصادق عليه السلام بسند صحيح (وبعد)
ص :153
فراغك من الصلاة تعقب بما عقبت به في الظهر سوى ما يختص بها (وتقول) بعد ذلك ما يختص بالعصر أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم الرحيم ذا الجلال والإكرام وأسأله أن يتوب على توبة عبد ذليل خاضع (1) فقير بائس مستكين مستجير لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا (اللهم) إني أعوذ بك من نفس لا تشبع ومن قلب لا يخشع ومن علم لا ينفع (2) ومن صلاة لا ترفع ومن دعاء لا يسمع (اللهم) أني أسألك اليسر بعد العسر والفرج بعد الكرب والخاء بعد الشدة (اللهم) ما بنا من نعمة فمنك وحدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
ص :154
(ويستحب) الاستغفار بعد صلاة العصر سبعين مرة وقراءة سورة القدر عشر مرات (فقد روي عن الصادق عليه السلام) أنه قال من استغفر الله بعد صلاة العصر سبعين مرة غفر الله سبعمائة ذنب (وعن أبي جعفر الثاني عليه لسلام) أنه قال من قرأ (إنا أنزلناه في ليلة القدر) عشر مرات بعد صلاة العصر مرت له (1) على مثل أعمال الخلائق في ذلك اليوم (ثم) اسجد سجدتي الشكر وادع فيهما وبعدهما بما مر وليكن آخر ما تدعو به أن (تقول) (اللهم) إني وجهت وجهي إليك وأقبلت بدعائي عليك راجيا إجابتك طامعا في مغفرتك طالبا ما وأيت به على نفسك مستنجزا وعدك إذ تقول ادعوني أستجب لكم فصل على محمد وآل محمد وأقبل إلي بوجهك وارحمني واستجب دعائي يا إله العالمين (توضيح) لا بأس ببيان ما لعله يحتاج إلى البيان في هذين
ص :155
الفصلين (خذ إلى الخير بناصيتي) أي اصرف قبلي إلى عمل الخيرات (ووجهني) إلى القيام بوظائف الطاعات كالذي يجذب بشعر مقدم رأسه إلى عمل فالكلام استعارة (يا من أظهر الجميل وستر القبيح) روى في تأويله (عن الصادق عليه السلام أنه قال) ما من مؤمن إلا وله مثال في العرش فإذا اشتغل بالركوع والسجود ونحوهما فعل مثاله مثل فعله فعند ذلك تراه الملائكة فيصلون ويستغفرون له وإذا اشتغل العبد بمعصيته أرخى الله على مثاله سترا لئلا تطلع الملائكة عليها فهذا تأويل يا من أظهر الجميل وستر القبيح (يا من لم يؤاخذ بالجريرة) قد مر تفسير الجريرة آخر تعقيب الصبح والمراد يا من لم يعجل عقوبة المعصية في الدنيا حلما وكرما لعل العاصي يتوب منها فيسلم من عقابها (والصفح) التجاوز عن الذنب (والنجوى) الكلام الخفي (وتنفس همي) أي تريحني منه وتزيله (ولا تشوه خلقي بالنار) بالشين المعجمة والواو المشددة أي لا تقبح خلقي بها (ريا جامع كل فوت) أي كل فائت وما بعده أعني (يا بارئ النفوس) أي يا خالقها ومعيدها كالتفسير له (يا بطاش ذا البطش الشديد) البطش الأخذ بعنف (ويقال) للسطوة بطشة ويمكن حمل البطاش على هذا المعنى وذا البطش على المعنى الأول خيرتك من خلقك) قد مر تفسير الخيرة في آخر تعقيب الصبح (ورب السبع المثاني) هي سورة فاتحة
ص :156
الكتاب ولتسميتها بذلك وجوه ذكرتها في تفسيري الموسوم بالعروة الوثقى فمنها (1) أنها تثني في كل صلاة مفروضة (وأما صلاة الجنازة) فهي صلاة مجازية عندنا إذ لا صلاة إلا بطهور ولا صلاة لا بفاتحة الكتاب ومنها (2) اشتمال كل من آياتها السبع على الثناء على الله تعالى (ومنها) أنها قد تثنى نزولها فمرة بمكة حين فرضت الصلاة وأخرى بالمدينة حين حولت القبلة (ولا يرد) أن تسميتها بالسبع المثاني كان بمكة قبل تثنية نزولها بالمدينة فإن قوله سبحانه (ولقد آتيناك سبعا من المثاني) من سورة الحجر وهي مكية (لجواز) أن يكون جل شأنه سماها بذلك من قبل لعلمه بأنه سيثنى نزولها فيما بعد (البدئ البديع) أي المبدئ (3) الموجد لما سواه من كتم العدم (والبديع) المبدع أي خالق الخلائق لا على مثال سابق كما
ص :157
يقال لمن صنع أمرا لم يسبق إلى مثله أنه ابتدعه (وقد) تقدم في تعقيب الصبح (حجزت الأعادي عني ببديع السماوات والأرض) وذكرنا هناك أن بعضهم توقف في مجئ فعيل بمعني مفصل وجعل تلك العبارة من قبيل الوصف بحال المتعلق ولا يخفي أن عدم إضافة فعيل هنا يقتضي حمله على معنى مفعل فينبغي عدم التوقف بعد ورود ذلك في الأدعية المأثورة والأسماء التسعة والتسعين (إذ ذهب مغاضبا) المراد والله أعلم أنه ذهب مغاضبا لقومه لأنه دعاهم مدة إلى الايمان فلم يؤمنوا (فظن أن لن نقدر عليه) الظن هنا بمعنى العلم (ولن نقدر عليه) أي لن نضيق عليه رزقه (والقدر) الضيق وقد ذكر في وجه تسمية ليلة القدر أن الملائكة ينزلون من السماء إلى الأرض في تلك الليلة فتضيق الأرض بهم (ومنه) قوله تعالى (وأما إذا ما ابتلاه ربه فقدر عليه رزقه) أي ضيق (والمراد) (1) والله أعلم أن يونس على نبينا وعليه السلام علم أنا لا نضيق عليه رزقه إذا خرج عن وطنه وقومه (والبائس) شديد الحاجة وكذا المسكين (فصل) قدمنا أن النهار منقسم إلى اثنتي عشرة ساعة كل واحدة
ص :158
منها منسوبة إلى واحد من الأئمة الاثني عشر سلام الله عليهم ولكل منها دعاء يختص بها وقد ذكرنا أدعية الساعات الأربع المنسوبة إلى الأئمة الأربعة عليهم السلام وتقول هنا (وأما الساعة الخامسة) فهي من زوال الشمس إلى مضي مقدار أربع ركعات وهي (للباقر عليه السلام) وهذا دعاؤها والأحسن أن تدعو به بعد الركعة الثانية (1) من نوافل الزوال (اللهم) أنت الله الذي لا إله إلا أنت هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا لوم هو الله الذي لا إله هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزير العليم يا غالبا غير مغلوب ويا شاهدا لا يغيب يا قريب يا مجيب ذلكم الله ربي لا إله إلا
ص :159
هو عليه توكلت وإليه أنيب أتذلل إليك تذلل الطالبين وأخضع بين يديك خضوع الراغبين وأسألك سؤال الفقير المسكين وأسألك وأدعوك تضرعا وخيفة إنك لا تحب المعتدين وأدعوك خوفا وطمعا إن رحمتك قريب من المحسنين وأتوسل إليك بخيرتك وصفوتك من العالمين الذي جاء بالصدق وصدق المرسلين محمد عبدك ورسولك النذير المبين وبوليك وعبدك علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وبالإمام محمد بن علي باقر علوم الأولين والآخرين والعالم بتأويل الكتاب المستبين وأسألك بمكانهم عندك وأقدمهم أمامي وبين يدي حوائجي أن توزعني شكر ما أوليتني من نعمتك وتجعل لي فرجا ومخرجا من كل كرب وغم وترزقني من حيث أحتسب ومن حيث لا أحتسب ويسر (وتيسر خ ل) لي
ص :160
من فضلك ما تغنيني به من كل مطلب واقذف في قلبي رجاك واقطع رجائي عمن (1) سواك حتى لا أرجو إلا إياك إنك تجيب الداعي إذا دعاك وتغيث الملهوف إذا ناداك وأنت أرحم الراحمين (وأما الساعة السادسة) فهي من مضي مقدار أربع ركعات من الزوال إلى صلاة الظهر وهي للصادق عليه السلام وهذا دعاؤها ويحسن أن تدعو به بعد السادسة من نافلة الزوال اللهم أنت أنزلت الغيث برحمتك وعلمت الغيب بمشيئتك ودبرت الأمور بحكمتك وذللت الصعاب بعزتك وأعجزت العقول تعن علم كيفيتك وحجبت الأبصار عن إدراك صفتك والأوهام عن حقيقة معرفتك واضطررت الأفهام إلى الإقرار بوحدانيتك يا من يرحم العبرة ويقيل العثرة لك العزة والقدرة لا يعزب عنك في الأرض ولا في السماء مثقال ذرة أتوسل إليك بالنبي
ص :161
الأمي محمد رسولك العربي المكي المدني الهاشمي الذي أخرجتنا به من الظلمات إلى النور وبأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الذي شرحت بولايته الصدور وبالإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام في الأخبار المؤتمن على مكنون الأسرار صلى الله عليه وعلى أهل بيته بالعشي والإبكار اللهم إني أسألك بهم وأستشفع بمكانهم لديك وأقدمهم أمامي وبين يدي حوائجي فأعطني الفرج الهني والمخرج الوحي والصنع القريب والأمان من الفزع في اليوم العصيب وأن تغفر لي موبقات الذنوب وتستر على فاضحات العيوب فأنت الرب وأنا المربوب وأنا الطالب وأنت المطلوب (1) وأنت الذي بذكرك تطمئن القلوب وأنت الذي تقذف بالحق وأنت علام الغيوب يا أكرم الأكرمين ويا خير
ص :162
الفاصلين ويا أحكم الحاكمين ويا أرحم الراحمين (وأما الساعة السابعة) فمن صلاة الظهر إلى مضي مقدار أربع ركعات قبل العصر وهي للكاظم عليه السلام وهذا دعاؤها (اللهم) أنت المر جو إذا اشتد الأمر وأنت المدعو إذا مس الضر ومجيب الملهوف المضطر والمنجي من ظلمات البر والبحر ومن له الخلق والأمر والعالم بوساوس الصدور (1) والمطلع على خفي السر يا غاية كل نجوى ومنتهى كل شكوى يا من له الحمد في الآخرة والأولى يا من خلق الأرض والسماوات العلى الرحمن على العرش استوى له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى وإن تجهر بالقول فإنه بعلم السر وأخفى الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى أسألك بحق محمد خاتم النبيين خيرتك من خلقك والمؤتمن على أداء
ص :163
رسالتك وبأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الذي جعلت ولايته مفروضة مع ولايتك ومحبته مقرونة برضاك ومحبتك وبالإمام الكاظم موسى بن جعفر عليه السلام الذي سألك أن تفرغه لعبادتك وتخليه لطاعتك فأجبت دعوته أن تصلي على محمد وآله صلاة تقضي بهما عني واجب حقوقهم وترضى بها في أداء فروضهم وأتوسل إليك بهم وأستشفع بمنزلتهم وأقدمهم أمامي وبين يدي حوائجي أن تجريني على جميل عوائدك وتمنحني جزيل فوائدك وتأخذ بسمعي وبصري وسري وعلانيتي وناصيتي وقلبي وعزيمتي ولبي إلى ما تعينني به على هواك وتقربني من أسباب رضاك وتوجب لي نوافل فضلك وتستديم لي منائح طولك يا أرحم الراحمين (توضيح) (فالق الأصباح) أي شاق عمود الصبح عن ظلمة الليل (وجاعل الليل سكنا) بفتح أوله وثانيه أي موجبا للسكون
ص :164
والراحة من التعب (والشمس والقمر حسبانا) أي يحسب بدورانهما الأزمنة (وإليه أنيب) بالنون ثم الياء المثناة التحتانية أي أرجع بالتوبة (واقذف في قلبي رجاك) اقذف وبالقاف والذال المعجمة من القذف وهو الرمي (يا من يرحم العبرة) بفتح العين المهملة وإسكان الباء الموحدة الدمعة أو تردد البكاء في الصدر (لا يعزب) بالعين المهملة والزاء على وزن يقعد أي لا يغيب (فاعطني الفرج الهني) أي الذي ليس فيه تعب (والمخرج الوحي) بالحاء المهملة وتشديد الياء أي السريع (والصنع القريب) بالصاد المهملة المضمومة والنون الاحسان (في اليوم العصيب) بالعين والصاد المهملتين والياء المثناة التحتانية والباء الموحدة أي الشديد الصعب (موبقات الذنوب) بالباء الموحدة والقاف أي مهلكاتها من إضافة الصفة إلى الموصوف (أن تجريني على جميل عوائدك) بالجيم والراء المهملة أي تجعلني جاريا على ما عودتني عليه من إحسانك (وتمنحني) أي تعطيني من المنحة وهي العطية (وتوجب لي نوافل فضلك) جمع نافلة وهي العطية (ومنايح طولك) منايح بالنون والياء المثناة التحتانية جمع منحة وهي العطية (والطول) بفتح الطاء يراد به الاحسان (فصل) وأما الساعة الثامنة فمن مضي أربع ركعات قبل العصر
ص :165
إلى صلاة العصر وهي للرضا عليه السلام وهذا دعاؤها اللهم أنت الكاشف للملمات ولكافي للمهمات والمفرج للكربات والسامع للأصوات والمخرج من الظلمات والمجيب للدعوات الراحم للعبرات جبار الأرض والسماوات يا ولي يا مولى يا علي يا أعلى كريم يا أكرم يا من له الاسم الأعظم يا من علم الإنسان ما لم يعلم فاطر السماوات والأرض وهو يطعم ولا يطعم أسألك بمحمد المصطفى من الخلق المبعوث بالحق وبأمير المؤمنين الذي أوليته فألفيته شاكرا وابتليته فوجدته صابرا وبالإمام الرضا علي بن موسى الذي أوفى بعهدك ووثق بوعدك وأعرض عن الدنيا وقد أقبلت إليه ورغب عن زينتها وقد رغبت فيه أن تصلي على محمد وآل محمد فقد توسلت بهم إليك وقدمتهم أمامي وبين يدي حوائجي أن تهديني إلى سبل مرضاتك وتيسر لي أسباب طاعتك
ص :166
وتوفقني لابتغاء الزلفة بموالاة أوليائك وإدراك الحظوة من معاداة أعدائك وتعينني على أداء فروضك واستعمال سنتك وتوقفني على المحجة المودية إلى العتق من عذاب والفوز برحمتك يا أرحم الراحمين (وأما الساعة التاسعة) فمن صلاة العصر إلى أن تمضي ساعتان وهي للجواد عليه السلام وهذا دعاؤها (للهم) يا خالق الأنوار ومقدر الليل والنهار تعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شئ عندك بمقدار إذا تفاقم أمر طرح عليك وإذا غلقت الأبواب قرع باب فضلك وإذا ضاقت الحاجات فزع إلى سعة طولك وإذا انقطع الأمل من الخلق اتصل بك وإذا وقع اليأس من الناس وقف الرجاء عليك أسألك بحق النبي الأواب الذي أنزلت عليه الكتاب ونصرته على الأحزاب وهديتنا به إلى دار المآب وبأمير المؤمنين
ص :167
علي بن أبي طالت الكريم النصاب المتصدق بخاتمه في المحراب وبالإمام الفاضل محمد بن علي عليه السلام الذي سئل فوفقته لرد الجواب وامتحن فعضدته بالتوفيق والصواب صلى الله عليه وعلى أهل بيته الأطهار (1) أن تجعل موالاتي لهم عصمة من النار ومحجة إلى دار القرار فقد توسلت بهم إليك وقدمتهم أمامي وبين يدي حوائجي وأن تعصمني من التعرض لمواقف سخطك وتوفقني لسلوك سبيل محبتك ومرضاتك يا أرحم الراحمين (وأما الساعة العاشرة فمن ساعتين بعد صلاة العصر إلى قبل (2) اصفرار الشمس وهي منسوبة إلى الهادي عليه السلام وهذا دعاؤها (اللهم) أنت الولي الحميد الغفور الودود البدي المعيد ذو العرش المجيد والبطش الشديد فعال لما يريد
ص :168
يا من هو أقرب إلي من حبل الوريد يا من هو على كل شئ شهيد يا من لا يتعاظمه غفران الذنوب ولا يكبر عليه الصفح عن العيوب أسألك بجلالك (1) وبنور وجهك الذي ملأ أركان عرشك وبقدرتك التي قدرت بها على خلقك وبرحمتك التي وسعت كل شئ وبقوتك التي ضعف لها كل قوي وبعزتك التي ذل بها كل عزيز وبمشيئتك التي صغر (1) فيها كل كبير وبرسولك الذي رحمت به العباد وهديت به إلى سبل الرشاد وبأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أول من آمن برسولك وصدق والذي وفي بما عاهد عليه وتصدق وتصدق وبالإمام البر علي بن محمد عليه السلام الذي كفيته حيلة الأعداء وأريتهم عجيب الآية إذ توسلوا به في الدعاء أن تصلي على محمد وآل محمد فقد استشفعت
ص :169
بهم إليك وقدمتهم أمامي وبين يدي حوائجي وأن تجعلني من كفايتك في حرز حريز ومن كلاءتك تحت عز عزيز وتوزعني شكر آلائك ومننك وتوفقني للاعتراف بأياديك ونعمتك يا أرحم الراحمين (توضيح) (الكاشف للملمات) بضم الميم الأولى وتشديد الثانية وكسر اللام بينهما المصائب والشدائد (الراحم للعبرات) بفتحتين جمع عبرة بالسكون وقد مر تفسيرها عن قريب (جبار الأرض والسماوات) الجبار هنا بمعنى القهار المتسلط ولا يوصف بذلك غيره تعالى إلا على سبيل الذم (يطعم ولا يطعم) أي يرزق ولا يرزق (الذي أوليته) أي أنعمت عليه (إلى سبل) بضمتين جمع سبيل وهو الطريق (لابتغاء الزلفة) أي لطلب القرب (وادراك الحظوة) بالحاء المهملة المفتوحة والظاء المعجمة الساكنة أي بلوغ المرام (وتوقفني على المحجة) أي تجعلني واقفا عليها وهي جادة الطريق (وما تغيض الأرحام) أي ما تنقص مدة حملها من غاض الماء يغيض إذا نقص (بحق النبي الأواب) هو بالتشديد بمعنى كثير الرجوع ووصفه صلى الله عليه وآله بذلك أما لأنه كثير الرجوع إلى التسبيح والتقديس أو إلى
ص :170
الوقت (1) الذي لا يسعه معه ملك مقرب ولا نبي مرسل (الكريم النصاب) بالنون والصاد المهملة بمعنى الأصل (لا يكبر عليه) بالباء الموحدة المضمومة أي لا يصعب (الذي سئل فوفقته لرد الجواب) فيه إشارة إلى ما نقله الخاصة والعامة من أن المأمون ركب يوما للصيد فمر ببعض أزقة بغداد على جماعة من الأطفال فخافوا وهربوا وتفرقوا وبقي منهم واحد في مكانه فتقدم إليه المأمون وقال له كيف لم تهرب كما هرب أصحابك فقال لأن الطريق ليس ضيقا فيتسع بذهابي ولا لي عندك ذنب فأخافك لأجله فلأي شئ أهرب فأعجب من كلامه المأمون فلما خرج إلى خارج بغداد أرسل صقره فارتفع في الهواء ولم يسقط على الأرض حتى رجع وفي منقاره سمكة صغيرة فتعجب المأمون من ذلك فلما رجع تفرق الأطفال وهربوا إلا ذلك الطفل فإنه بقي في مكانه كما في المرة الأولى فتقدم إليه المأمون وهو ضام كفه على السمكة وقال له قل أي شئ في يدي (فقال عليه السلام) إن الغيم حين يأخذ من ماء البحر يداخله سمك صغار فتسقط منه فتصطادها صقور الملوك فيمتحنون بها سلالة النبوة فأدهش ذلك المأمون وقال له من أنت (فقال أنا محمد ابن علي الرضا) وكان ذلك بعد واقعة الرضا عليه السلام (وكان)
ص :171
عمره عليه السلام في ذلك الوقت أحد عشر سنة (وقيل) عشرا فنزل المأمون عن فرسه وقبل رأسه وتذلل له ثم زوجه ابنته (وامتحن فعضدته) بالتوفيق والصواب (عضدته) بالعين المهملة والضاد المعجمة قويته وفي هذه الفقرة إشارة إلى ما اشتهر من أن المأمون لما أراد أن يزوجه ابنته أم الفضل قال له علماء عصره إنه صغير السن لم يتعمق في العلم فاتركه ليكتسب ما يحتاج إليه من العلم ثم افعل ما بدا لك (فقال) المأمون إن علم هؤلاء علم لدني لا كسبي فإن أردتم أن تعلموا صدق مقالتي فاسألوه عما شئتم (ثم) عقد المأمون مجلسا عظيما لايقاع العقد وأجلس العلماء وأكابر بني العباس كلا في مرتبته وأجلس الجواد عليه السلام في صدر المجلس وجلس هو بين يديه (ثم قال) سلوه ما شئتم (1) فتقدم يحيى بن أكثم القاضي وقال له ما تقول يا ابن رسول الله في محرم قتل صيدا (فقال عليه السلام) قتله في حل أو حرم محلا أو محرما عالما أو جاهلا خطأ أو عمدا حرا أو عبدا مبتدئا أو معيدا والصيد بري أو بحري من الطيور أو من غيرها من صغار الصيد أو كباره فتحير يحيى بن أكثم وتلجلج (2) ولم يدر ما يقول ثم إنه عليه السلام) بين الجواب في جميع
ص :172
هذه الشقوق فقال المأمون الآن علمتم صدق مقالتي (ثم قام) وخطب (ثم قال) اشهدوا أني قد زوجت ابنتي أم الفضل بمحمد ابن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أي طالب عليه السلام) (1) فوالله لو تليت هذه الأسماء الشريفة على صخرة لانفلقت هذا ولا يخفى عليك أنه يجوز أن يحمل كل من تينك الفقرتين على كل من هاتين الروايتين (لا يكبر عليه) بالباء الموحدة المضمومة أي لا يصعب (الذي كفيته حيلة الأعداء) فيه إشارة إلى ما رواه أصحاب السير من الخاصة والعامة من أن المتوكل أمر بعض السحرة أن يعمل ما يوجب خجل الهادي عليه السلام فلما أراد الساحر فعل ذلك أشار عليه السلام إلى صورة أسد منقوشة على بعض وسائد المتوكل وأمرها بافتراس الساحر فصارت بإذن الله أسدا وافترست الساحر ثم عادت إلى ما كانت (2) (وأريتهم عجيب الآية إذ توسلوا به في الدعاء) المراد بالآية المعجزة وقد ذكر
ص :173
بعض مشايخنا إن هذه الفقرة إشارة إلى ما روي من أن المتوكل أراد الانتقاص بشأنه عليه السلام فركب إلى مكان عينه وأمر جميع الأمراء والأشراف من بني هاشم وغيرهم أن يمشوا قدامه وعن جانبيه ولا يركب أحد منهم قطعا وكان قصده بذلك احتقار شأنه عليه السلام وإنما أمر الجميع بالمشي لئلا يظن أن مقصوده (1) إنما هو (الإمام عليه السلام) وكان يوما شديد الحر (وكان عليه السلام) يتوكأ على عبيده على هذا تارة وعلى ذلك أخرى لما أصابه من التعب والعرق فرآه بعض أصحاب الخليفة على تلك الحالة فقال له إن هذا الحال ليس مختصا بك والخليفة لم يقصدك بذلك دون غيرك (فقال له الإمام عليه السلام) والله ما ناقة صالح بأعز مني عند الله تعالى (تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب) فلم تمض إلا ثلاثة أيام حتى قتل المتوكل في الليلة الرابعة وتشيع ذلك الرجل انتهى كلامه وأنت خبير بأن ما تضمنته تلك الفقرة من توسل الأعداء به عليه السلام في الدعاء لا تناسبه هذه القصة والذي يناسب ذلك أن يكونوا توسلوا به في الدعاء لبعض الأمور كنزول المطر مثلا فوقع ما دعا به فه في الحال كما جرى للرضا عليه السلام مع المأمون على ما أورده رئيس المحدثين في عيون الأخبار
ص :174
والله أعلم بحقائق الأمور) من كلاء تك) أي من حفظك وحمايتك (فصل) (وأما الساعة الحادية عشر) فمن قبل اصفرار الشمس إلى اصفرارها وهي (للعسكري عليه السلام) وهذا دعاؤها (اللهم) إنك منزل (1) القرآن وخالق الإنس والجان وجاعل الشمس والقمر بحسبان المبتدئ بالطول والامتنان والمبدئ للفضل والإحسان وضامن الرزق لجميع الحيوان لك المحامد والممادح ومنك العوائد والمنائح وإليك يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح وأنت العالم بما تخفي الصدور والجوانح أسألك بمحمد صلى الله عليه وآله رسولك إلى الكافة وأمينك المبعوث بالرحمة والرأفة وبأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام المفترض طاعته على القريب والبعيد المؤيد بنصرك في كل موقف مشهود والإمام الحسن بن
ص :175
علي الذي طرح للسباع فخلصته من مرابضها وامتحن بالدواب الصعاب فذلت له مراكبها أن تصلي على محمد وآل محمد فقد توسلت بهم إليك وقدمتهم أمامي وبين يدي حوائجي وأن ترحمني بالتوفيق لترك معاصيك ما أبقيتني وتعينني على التمسك بطاعتك ما أحييتني وأن تختم لي بالخيرات إذا توفيتني وتفضل علي بالمياسرة إذا حاسبتني وتهب لي العفو إذا كاشفتني ولا تكلني إلى نفسي فأضل ولا تحوجني إلى غيرك فأذل ولا تحملني ما لا طاقة لي به فأضعف ولا تبتليني (1) بما لا صبر لي عليه فأعجز وأجرني على جميل عوائدك عندي ولا تؤاخذني بسوء علمي (2) ولا تسلط علي من لا يرحمني برحمتك يا أرحم الراحمين (وأما الساعة الثانية عشر) فمن اصفرار الشمس إلى غروبها للخلف الحجة عليه السلام وهذا دعاؤها
ص :176
اللهم يا خالق السقف المرفوع والمهاد الموضوع ورازق العاصي والمطيع الذي ليس له من دونه ولي ولا شفيع أسألك بأسمائك التي إذا سميت (1) على طوارق العسر عادت يسرا وإذا وضعت على الجبال كانت هباء منثورا وإذا رفعت إلى السماء تفتحت لها المغالق وإذا هبطت إلى ظلمات الأرض اتسعت لها المضايق وإذا دعيت بها الموتى انتشرت من اللحود وإذا نوديت بها المعدومات خرجت إلى الوجود وإذا ذكرت على القلوب وجلت خشوعا وإذا قرعت الأسماع فاضت العيون دموعا أسألك بمحمد رسولك المؤيد بالمعجزات المبعوث بحكم الآيات وبأمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي اخترته لمواخاته ووصيته واصطفيته لمصافاته ومصاهرته وبصاحب الزمان المهدي الذي
ص :177
تجمع على طاعته الآراء المتفرقة وتؤلف به بين الأهواء المختلفة وتستخلص به حقوق أوليائك وتنتقم به من شر (1) أعدائك وتملأ به الأرض عدلا وإحسانا وتوسع على العباد بظهوره فضلا وامتنانا (2) وتعيد الحق إلى مكانه عزيزا حميدا وترجع الدين على يديه غضا جديدا أن تصلي على محمد وآله محمد فقد استشفعت بهم إليك وقدمتهم أمامي وبين يدي حوائجي وأن توزعني شكر نعمتك في التوفيق لمعرفته والهداية إلى طاعته وتزيدني قوة في التمسك بعصمته والاقتداء بسنته والكون في زمرته إنك سميع الدعاء برحمتك يا أرحم الراحمين (توضيح) (جاعل الشمس والقمر بحسبان) أي مقدر سير كل
ص :178
منهما في البروج والمنازل بحسبان معين لا يتجاوزانه (لك الحامد والممادح) أي كلها راجعة إليك فأنت المحمود والممدوح في الحقيقة لأنك واهب كل قدرة واختيار كل محمود وممدوح (ومنك العوائد و المنائح) بالعين المهملة جمع عائدة وهو التعطف والإحسان والمنائح تقدم تفسيرها في آخر دعاء الساعة السابعة (إليك يصعد الكلم أطيب والعمل الصالح) قد يفسر الصعود إليه جل شأنه بالقبول والآية هكذا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه وضمير يرفعه إما أن يعود إلى العمل الصالح أي يتقبله كما هو المراد في هذا الدعاء وإما إلى الكلم الطيب أي العمل الصالح يرفع الكلم الطيب (وقيل) هو من باب القلب أي الكلم الطيب يرفع العمل الصالح (والمراد) من الطيب كلمتا الشهادة (بما تخفي الصدور والجوانح) بالجيم والنون ما يلي الصدر من الأضلاع (الذي طرح للسباع فخلصته من مرابضها) طرح بالبناء للمجهول (والمراد بالمرابض) بالباء الموحدة والضاد المعجمة مواضع (1) استقرار السباع (وقد ذكر) أصحاب السير من الخاصة والعامة أنه كان للخليفة في سامرا بركة عظيمة مملوءة بالسباع الضواري تسمى بركة السباع وكان يلقي من أراد قتله إليها فتفترسه في آن واحد فأمر
ص :179
أتباعه بإلقاء الحسن العسكري عليه السلام فها ليلا فلما أصبحوا وجدوه عليه السلام قائما يصلي سالما من السباع وهي خاضعة حوله متواضعة لديه (وامتحن بالدواب الصعاب) امتحن بالبناء للمجهول وفي هذه الفقرة إشارة إلى ما شاع وذاع من أنه كان للخليفة بغل صعب شموس لا يقدر أحد على الجامه ولا على اسراجه ولا على ركوبه فجاء العسكري عليه السلام يوما إلى رؤية الخليفة فقال له التمس منك يا أبا محمد الجام هذا البغل واسراجه فقام عليه لسلام ووضع يده على كفل البغل فتصبب عرقه وصار في غاية التذلل فأسرجه عليه السلام وألجمه ثم ركبه وأركضه في الدار فتعجب الخليفة مما رأى ووهبه للإمام عليه السلام (وتفضل علي بالمياسرة إذا حاسبتني) تفضل فعل مضارع محذوف التاء الأولى (والمياسرة) بالياء المثناة التحتانية والسين المهملة مفاعلة من اليسر والمراد المسامحة في الحساب (ولا تحملني ما لا طاقة لي به) أي من عقوبات النار التي هي فوق طاقة البشر وإن أريد طلب عدم التكليف بما لا يطاق فالمراد به ما فيه شدة وصعوبة زائدة أو هو من قبيل بسط الكلام مع المحبوب (1) فلا يضر كون مضمونه واقعا كما
ص :180
في قوله تعالى ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا (والمهاد الموضوع) المهاد بكسر الميم الفراش ويراد به الأرض (المبعوث بمحكم الآيات) قد يراد بالحكم ما ليس فيه إجمال ويقابله المتشابه (غضا جديدا) بالغين المعجمة والضاد المعجمة المشددة أي طريا وجديدا كالتفسير له (الباب الرابع) (فيما يعمل ما بين غروب الشمس إلى وقت النوم) أول وقت المغرب على المشهور ذهاب الحمرة المشرقية ويمتد وقت فضيلتها إلى غيبوبة الشفق ووقت أدائها إلى أن يبقى لانتصاف الليل قدرها (1) مع العشاء فإذا تحققت دخول الوقت (تقول) عشر مرات (ما رواه) رئيس المحدثين في الفقيه بسند صحيح عن الصادق عليه السلام من دعاء نوح على نبينا وعليه السلام وما (رواه) ثقة الإسلام في الكافي بسند صحيح أيضا عن الباقر عليه السلام وقد
ص :181
مر ذكرهما في الأدعية عند طلوع الفجر وتضع يدك على رأسك ثم تمرها على وجهك وتقبض على لحيتك (وتقول) أحطت على نفسي وأهلي ومالي وولدي من غائب وشاهد بالله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب وللشهادة الرحمن الرحيم الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم إلى قوله وهو العلي العظيم ولك الاقتصار على أحد هذه الأدعية الثلاثة وسيما إن خفت ضيق الوقت ثم ينبغي المبادرة إلى صلاة المغرب فإن المستفاد من الروايات المعتبرة عن أصحاب العصمة سلام الله عليهم أن وقتها مضيق والروايات في ذلك متضافرة كما (رواه) ثقة الإسلام في الكافي بسند صحيح عن الصادق عليه السلام أنه قال إن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وآله لكل صلاة بوقتين غير صلاة المغرب فإن وقتها واحد ووقتها وجوبها وكما (رواه) رئيس المحدثين في المجلس الثاني والستين من الأمالي عن أبي أسامة (قال) سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول من أخر المغرب حتى تشتبك النجوم فأنا برئ منه وكما (رواه) شيخ الطائفة في التهذيب بسند
ص :182
صحيح عن ذريح المحاربي (قال) قلت لأبي عبد الله عليه السلام أن أناسا من أصحاب أبي الخطاب يمسون بالمغرب حتى تشتبك النجوم (فقال أبرأ إلى الله ممن فعل ذلك متعمدا وكما (رواه) في التهذيب أيضا بسند صحيح عنه عليه السلام أنه قال إن جبريل أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بالصلاة فجعل لكل صلاة وقتين إلا صلاة المغرب فإنه جعل لها وقتا واحدا (وقد ورد) أيضا في الروايا المعتبرة خروج وقتها بذهاب الشفق وعمل بذلك جماعة من علمائنا وجعلوا ما بين المغرب وذهاب الشفق وقتها للمختار وما بعده وقتا للمضطر وإلا ظهر ما ذهب إليه المتأخرون من أن المضيق إنما هو وقت فضيلتها لا وقت أدائها فيحمل براءة الصادق عليه السلام ممن أخرها إلى اشتباك النجوم على من اعتقد وجوب تأخيرها إلى ذلك الوقت (وينبغي) عدم الاخلال الأذان والإقامة عندها (فقد قال) جماعة من علمائنا كالسيد المرتضى رضي الله عنه وابن أبي عقيل وابن الجنيد بوجوبهما فيها بل قال بعضهم ببطلانها بتعمد تركهما فإذا أذنت فافصل بيه وبين الإقامة بسكته أو جلسة (فقد روي) عن الصادق عليه السلام أنه قال من جلس فيما بين أذان المغرب والإقامة كان كالمتشحط بدمه في سبيل الله (ومما يقال) بين أذان المغرب وإقامته
ص :183
اللهم إني أسألك باقبال ليلك وإدبار نهارك وحضور صلواتك وأصوات دعاتك (1) وتسبيح ملائكتك أن تصلي على محمد وآل محمد أن تتوب علي إنك أنت التواب الرحيم (وأما الفصل) بينهما بالخطوة فمذكور في كتب الفروع (وقال) شيخنا في الذكرى أنه لم يوجد به حديثا (وتقول) بعد الإقامة ما مر ثم افتتح الصلاة مراعيا للآداب السالفة ويختار من السور في الركعة (الأولى) سورة النصر أو التكاثر وما شابههما في القصر كما (رواه) شيخ الطائفة في التهذيب بسند صحيح وفي (الثانية) التوحيد وتعقب بعد الفراغ بالتكبيرات الثلاثة وتسبيح الزهراء عليها السلام (ثم تقول) ثلاث مرات (ما رواه) رئيس المحدثين في الفقيه (2) عن الصادق عليه السلام
ص :184
الحمد لله الذي يفعل ما يشاء ولا يفعل ما يشاء غيره (ثم تقوم) إلى النافلة وإن أحببت الطويل في التعقيب فالأفضل أن تأتي بما زاد على ذلك بعدها إن اتسع الوقت لذلك (فقد ورد) عن أصحاب العصمة سلام الله عليهم الحث على نافلة المغرب (فقد روي) عن الصادق عليه السلام أنه قال للحرث بن المغيرة لا تدع أربع ركعات بعد المغرب في سفر ولا حضر وإن طلبتك الخيل ويكره الكلام بينها (1) وبين المغرب (وفي رواية) الخفاف عن الصادق عليه السلام دلالة على ذلك (وروى) رئيس المحدثين في الفقيه عن الصادق عليه السلام أنه قال من صلى المغرب ثم عقب ولم يتكلم حتى يصلي ركعتين كتبتا له في عليين فإن صلى أربعا كتبت له حجة مبرورة ولم يشتهر كراهية الكلام فيما بين الأربع ويدل على كراهيته (رواية) أبي الفوارس قال نهاني أبو عبد الله عليه لسلام عن أن أتكلم بين الأربع التي بعد المغرب (وقد) استدل العلامة في المنتهى بهذه الرواية على كراهة الكلام بين المغرب وبينها ووافقه شيخنا في الذكرى على هذا الاستدلال وهو كما ترى (2) وأول وقت هذه الأربع الفراغ
ص :185
من الفرض وآخره على المشهور ذهاب الشفق ولا يزاحم بها العشاء سواء تلبس بها أو لا وربما قيل بامتداد وقتها إلى أن يبقى بعد المغرب وقبل الانتصاف مقدار أدائها وقد مال إليه شيخنا في الذكرى لكن لكام العلامة طاب ثراه في المنتهى يدل على اتفاق علمائنا على أن آخر وقتها غيبوبة الشفق فلا عدول حينئذ عن المشهور وإذا فات وقتها فينبغي قضاؤها كسائر الرواتب فعن الصادق عليه السلام أنه قال (قال رسول الله صلى الله عليه وآله) إن الله تعالى يباهي بالعبد يقضي (1) صلاة الليل بالنهار يقول يا ملائكتي انظروا إلى عبدي يقضي ما لم أفترض عليه أشهدكم أني قد غفرت له (وقد روي) عنهم عليهم السلام في تفسير قوله تعالى (والذين هم على صلاتهم دائمون) أي يدومون على صلاة السنة فإن فاتتهم بالليل قضوها بالنهار وإن فاتتهم بالنهار قضوها بالليل وينبغي عند الشروع فيها أن
ص :186
تفتتح الركعة (الأولى) بالتكبيرات السبع مع أدعيتها الثلاثة وتقرأ فيها بعد الحمد التوحيد ثلاثا وفي (الثانية) القدر وإن شئت قرأت في الأولى الجحد وفي الثانية التوحيد وإن اقتصرت على الحمد أجزاك كما في سائر الرواتب (وينبغي) الجهر بالقراءة فيها وفي جميع النوافل الليلية (وتقول) (1) بعد فراغك من الأوليين اللهم إنك ترى ولا ترى وأنت بالمنظر الأعلى وإن إليك الرجعي والمنتهى وإن لك الممات والمحيا وإن لك الآخرة والأولى (اللهم) إنا نعوذ بك أن نذل ونخزى ونأتي ما عنه تنهى (2) اللهم إني أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد وأسألك الجنة برحمتك وأستعيذ بك من النار بقدرتك وأسألك من الحور العين بعزتك وأن تجعل أوسع رزقي عند كبر سني
ص :187
وأحسن عملي عند اقتراب أجلي وأطل في طاعتك وما يقرب منك ويحظى عندك ويزلف لديك عمري وأحسن في جميع أحوالي وأموري معرفتي ولا تكلني إلى أحد من خلقك وتطول علي بقضاء جميع حوائجي للدنيا والآخرة وابدأ بوالدي وولدي وجميع إخواني المؤمنين (1) في جميع) 2) ما سألتك لنفسي برحمتك يا أرحم الراحمين (تتمة) وبعد فراغك مما يتعلق بالركعتين الأوليين من نافلة المغرب تشرع في الركعتين الأخرتين وتقرأ في أوليهما بعد الحمد أول سورة الحديد (بسم الله الرحمن الرحيم) سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت وهو على كل شئ قدير هو الأول والأخر
ص :188
والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعلمون بصير له ملك السماوات والأرض وإلى الله ترجع الأمور ولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور (وتقرأ) في الثانية آخر سورة الحشر لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس العلهم يتفكرون هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون هو الله الخالق الباري المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض
ص :189
وهو العزيز الحكيم (وتقول) في السجدة الأخيرة من هاتين الركعتين سبع مرات (اللهم) إني أسألك بوجهك الكريم واسمك العظيم وملكك القديم أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تغفر لي ذنبي العظيم إنه لا يغفر الذنب العظيم إل العظيم (فإذا فرغت) من الركعات الأربع فلا مانع من إكمال التعقيب ببعض ما مر في تعقيب الصبح فإنه مما يدعى به في الصباح والمساء كما نبهنا عليه هناك (فصل) وإن اتسع وقتك فادع عقيب نافلة المغرب بهذا الدعاء (بسم الله الرحمن الرحيم) اللهم صل على محمد البشير النذير السراج المنير الطهر الطاهر خاتم أنبيائك وسيد أصفيائك وخالص أخلائك ذي المقام المحمود والمنهل المشهود والحوض المورود اللهم صل على محمد كما بلغ رسالتك وجاهد في سبيلك ونصح لأمته حتى أتاه اليقين وصل على آله الطاهرين الأخيار الأتقياء
ص :190
الأبرار الذين انتجبتهم لنفسك واصطفيتهم من خلقك وأمنتهم على وحيك وجعلتهم خزان علمك وتراجمة وحيك وأعلام نورك وحفظة سرك وأذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرا (اللهم) انفعنا بحبهم واحشرنا في زمرتهم وتحت لوائهم ولا تفرق بيننا وبينهم واجعلني بهم عندك وجيها في الدنيا والآخرة من المقربين الذين لا خوف عليهم ولا هو يحزنون الحمد لله الذي أذهب النهار بقدرته وجاء بالليل برحمته خلقا جديدا وجعله لباسا وسكنا وجعل الليل والنهار آيتين لنعلم بهما عدد السنين والحساب الحمد لله على إقبال الليل وإدبار النهار (اللهم) صل على محمد وآل (1) محمد وأصلح لي دني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي آخرتي التي إليها منقلبي واجعل الحياة زيادة لي من كل خير واجعل
ص :191
الموت راحة لي من كل سوء واكفني أمر دنياي وآخرتي بما كفيت به أوليائك وحزبك من عبادك الصالحين واصرف عني شرهما ووفقني لما يرضيك عني يا كريم أمسينا والملك لله الواحد القهار وما في الليل والنهار (اللهم) إني وهذا الليل والنهار خلقان من خلقك فاعصمني فيهما بقوتك ولا ترهما جرأة مني على معاصيك ولا ركوبا لمحارمك واجعل عملي فيهما مقبولا وسعيي مشكورا وسهل لي ما أخاف عسره واقض لي فيه بالحسنى وأمني مكرك ولا تهتك عني سترك ولا تنسني ذكرك ولا تحل بيني وبين حولك (1) وقوتك لا تلجئني إلى نفسي طرفة عين أبدا ولا إلى أحد من
ص :192
خلقك يا كريم (اللهم) صل على محمد وآل محمد وافتح مسامع قلبي لذكرك حتى أعي وحيك وأتبع أمرك وأجتنب نهيك (اللهم) صل على محمد وآل محمد (1) ولا تصرف عني وجهك ولا تمنعني فضلك ولا تحرمني عفوك واجعلني أوالي أولياءك وأعادي أعداءك وارزقني الرهبة منك والرغبة إليك والتسليم لأمرك والتصديق بكتابك واتباع سنة نبيك صلى الله عليه وآله (اللهم) إني أعوذ بك من نفس لا تقنع وبطن لا يشبع وعين لا تدمع وقلب لا يخشع وصلاة لا ترفع وعمل لا ينفع ودعاء لا يسمع وأعوذ بك من سوء القضاء ودرك الشقاء وشماتة الأعداء وجهد البلاء وعمل لا يرضى وأعوذ بك من الفقر والكفر والغدر وضيق الصدر وسوء الأمر ومن بلاء ليس لي به صبر ومن لداء العضال *
ص :193
وغلبة الرجال وخيبة المنقلب وسوء المنظر في النفس والأهل والمال والدين والولد وعند معاينة ملك الموت وأعوذ بالله من إنسان سوء وجار سوء وقرين سوء وساعة سوء ومن شر ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها ومن شر طوارق الليل والنهار إلا طارقا يطرق بخير ومن شر كل دابة ربي آخذ بناصيتها إن ربي صراط مستقيم فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم الحمد لله الذي قضى عني صلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا (ثم تقول) (1)
ص :194
(اللهم) إني أسألك بحق محمد وآل محمد أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تجعل النور في بصري والبصيرة في ديني واليقين في قلبي والإخلاص في عملي والسلامة في نفسي والسعة في رزقي والشكر لك أبدا ما أبقيتني ثم تسجد سجدتي الشكر وتقول فيهما وبعدهما ما مر وأقل ما يجزي أن تقول في كل منهما شكرا شكرا شكرا (1) وقد روي فعلهما بعد نافلة المغرب (2) وفي بعض الروايات فعلهما قبلها وبعد فراغك من ذلك تقوم إلى ركعتي ساعة الغفلة فتقرأ في الأولى بعد الحمد وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من
ص :195
الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ء ننجي المؤمنين (وفي الثانية بعد الحمد) وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حية في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين (ثم تقنت فتقول) (اللهم) إني أسألك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا أنت أن تصلي على محمد وآل محمد (وأن تفعل بي كذا وكذا) ثم تقول (اللهم) أنت ولي نعمتي والقادر على طلبتي تعلم حاجتي فأسألك بحق محمد وآله عليه وعليهم السلام لما قضيتها لي وتسأل حاجتك (فقد روى) هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام أن من صل هاتين الركعتين بين العشاء بن ودعا بهذا الدعاء وسأل الله حاجة أعطاه الله ما سأل واعلم أنه قد اشتهر تسمية هاتين الركعتين بركعتي الغفيلة وركعتي الغفلة وركعتي ساعة الغفلة ووجه ذلك أن
ص :196
الساعة التي تصلى هاتان الركعتان فيها وهي ما بين المغرب والعشاء تسمى ساعة الغفلة (روى) (1) رئيس المحدثين في الفقيه عن الباقر عليه السلام أنه قال إن إبليس إنما يبث جنوده جنود الليل من حين تغيب الشمس إلى مغيب الشفق ويبث جنود (2) النهار من حين يطلع الفجر إلى مطلع الشمس وذكر أن النبي صلى الله عليه وآله كان يقول أكثروا ذكر الله عز وجل في هاتين الساعتين وتعوذوا بالله عز وجل من شر إبليس وجنوده وعوذوا صغار كم في هاتين الساعتين (3) فإنهما ساعتا غفلة (وروى) شيخ الطائفة في التهذيب
ص :197
عن الصادق عليه السلام أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله تنفلوا في ساعة الغفلة ولو بركعتين خفيفتين فإنهما يورثان (1) دار الكرامة قيل يا رسول الله وما ساعة الغفلة قال ما بين المغرب والعشاء ولا يخفى أن الظاهر أن المراد بما بين المغرب والعشاء ما بين وقت المغرب ووقت العشاء أعني ما بين غروب الشمس وغيبوبة الشفق كما يرشد إليه الحديث السابق لا ما بين الصلاتين وقد ورد) في الأحاديث الصحيحة أن أول وقت العشاء غيبوبة الشفق كما سيجئ ومن هذا يستفاد ا ن وقت أداء ركعتي الغفلة ما بين الغروب (2) وذهاب الشفق فإذا خرج ذلك صارت قضاء (ومما يستحب) فعله في ساعة الغفلة ركعتان يقرأ في (الأولى) بعد الحمد الزلزال ثلاث عشر مرة وفي (الثانية) بعد الحمد التوحيد خمس عشر مرة (فقد روى) شيخ الطائفة عن الصادق عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله قال من فعل ذلك في كل ليلة زاحمني (3) في الجنة ولم يحص ثوابه إلا الله تعالى (توضيح) (وأصوات دعاتك) بالتاء الفوقانية جمع
ص :198
داع (يحظي عندك) بالحاء المهملة والظاء المعجمة على وزن يعطي أي يوجب الحظ (يزلف) على وزن يكرم أي يقرب (والنهل المشهود) النهل موضع النهل بفتحتين وهو أول الشرب والمراد بالنهل هنا حوض الكوثر فعطفه عليه تفسيري (حتى أتاه اليقين) المراد باليقين الموت وبه فسر قوله تعالى (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) (وترجمة وحيك) بالتاء المثناة الفوقانية ثم الراء المهملة ثم الألف ثم الجيم مكسورة ثم ميم هاء جمع ترجمان وهو المترجم أي المفسر للسان بلسان آخر (وجعله لباسا وسكنا) المراد باللباس الغطاء لأنه يغطي ويستر بظلمته وبه فسر قوله تعالى (جعلنا الليل لباسا) وقد مر تفسير السكن في تفسير دعاء الساعة الخامسة (وجعل الليل والنهار آيتين) أي علامتين دالتين على كمال القدرة (عصمة أمري) بكسر العين وإسكان الصاد المهملتين أي وقاية (1) حالي وحافظي من الشقاء الخلد (واجعل الحياة زيادة لي من كل خير) أي اجعلها موجبة لازديادي من كل نوع من أنواع الخيرات (اللهم إني وهذا الليل والنهار خلقان) أي مخلوقان ولما كان الليل والنهار عبارة عن مقدار دورة الشمس صحت تثنية خبر إن ويمكن أن يجعل الخير عن اسمها محذوفا فيكون من عطف الجملة على الجملة والتقدير إني خلقك
ص :199
هذا الليل والنهار خلقان (ولا ترهما جرأة مني) أي لا تجعلهما بحيث يريان مني جرأة على الذنوب والغرض التوفيق لترك الذنوب (حتى أعي وحيك) أعي بالعين المهملة أي حتى أفهمه (ودرك الشقاء) مر تفسيره في تعقيب الصبح (وجهد البلاء) الجهد بفتح أوله وقد يضم المشقة وجهد البلاء هي الحالة التي يتمنى الإنسان معها الموت وقيل هي كثرة العيال مع الفقر (ومن الداء العضال) بالعين المهملة المضمومة والضاد المعجمة المرض الصعب الذي يعجز عنه الطبيب (وخيبة المنقلب) الخيبة بالخاء المعجمة والياء المثناة التحتانية والباء الموحدة من خاب يخيب إذا صار محروما خاسرا والمنقلب بفتح اللام مصدر بمعنى الانقلاب أي الرجوع والمراد به الرجوع إلى الله سبحانه يوم القيامة (من إنسان سوء وجار سوء) السوء بالفتح مصدر ساء أي فعل به ما يكره وبالضم اسم للمعنى الحاصل بالمصدر (ويقال) إنسان سوء بالإضافة وفتح السين كذلك جار سوء وقرين سوء وأمثال ذلك (كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) الكتاب مصدر كالقتال والمراد منه المكتوب أي المفروض والموقوت المحدود أوقات معينة (وذا النون) أي صاحب الحوت وهو يونس بن متى على نبينا وعليه السلام (كذلك ننجي المؤمنين) ننجي بنونين مضارع أنجينا فالنون الثانية ساكنة وقرأ ابن عامر وأبو
ص :200
بكر نجي بالتشديد ونون واحدة على وزن الماضي المبني للمفعول لكنه مضارع أصله ننجي بنونين فسقطت الثانية كما سقطت التاء الثانية في قوله تعالى (تظاهرون) وقد تقدم تفسير بقية الآية الكريمة في أدعية نافلة العصر (وعنده مفاتح الغيب) أي خزائنه أو مفاتيحه (إلا في كتاب مبين) أي في اللوح المحفوظ وقيل في علم الله سبحانه وتعالى (والقادر على طلبتي) بفتح الطاء وكسر اللام وفتح الباء أي مطلبي كما مر في تعقيب الصبح (لما قضيتها لي) لما بالتشديد بمعنى ألا يقال أسألك لما فعلت كذا أي ما أسألك ألا فعل كذا وقد يقرأ بالتخفيف أيضا فلا حاجة إلى تأويل الفعل المثبت بالنفي وتكون لفظة ما زائدة وقد قرأ بالوجهين قوله تعالى (أن كل نفس لما عليها حافظ) (فصل) وأول وقت العشاء الفراغ من المغرب على المشهور ويمتد وقت فضيلتها إلى ثلث الليل ووقت أدائها إلى أربع ركعات قبل انتصافه (وينبغي) بعد فراغك من ركعتي الغفلة تتفقد الشفق فإن كان باقيا فلا ينبغي الشروع في العشاء حتى يذهب وقد ذهب الشيخان إلى أنه لا يدخل وقتها إلا بغيبوبة الشفق (وروي عن الصادق عليه السلام) أن أول وقت العشاء الآخرة ذهاب الحمرة رواه رئيس المحدثين في الفقيه بسند صحيح وهو محمول على استحباب تأخيرها إلى ذهاب الشفق فإذا
ص :201
تحققت ذهابه فينبغي أن تبادر إلى الأذان والإقامة آتيا بالأدعية قبل الإقامة وبعدها (ثم اشرع في العشاء) مفتتحا داعيا كما مر وتقرأ في الركعة (الأولى) سورة الأعلى أو الشمس أو ما شابههما في الطول كما رواه شيخ الطائفة في التهذيب بسند صحيح وفي (الثانية) سورة التوحيد كباقي الصلوات وتكبر وتقنت بما مر في الباب الأول وبما يأتي في الباب السادس وتطيل القنوت والتعقيب فإنك في سعة من الوقت فتأتي بالتعقيبات المشتركة بين الخمس وبالمشتركة بين الصباح والمساء ثم بما يختص بالعشاء (فتقول) (اللهم) بحق محمد وآل محمد صل على محمد وآل محمد ولا تؤمنا مكرك ولا تنسنا ذكرك ولا تكشف عنا سترك ولا تحرمنا فضلك ولا تحل علينا غضبك ولا تباعدنا من جوارك ولا تنقصنا من رحمتك ولا تنزع عنا بركاتك ولا تمنعنا عافيتك وأصلح لنا ما أعطيتنا وزدنا من فضلك المبارك الطيب الحسن الجميل ولا تغير ما بنا من نعمتك ولا تؤيسنا من روحك ولا تهنا بعد
ص :202
كرامتك ولا تضلنا (1) بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب (ثم) تقرأ كلا من الفاتحة والتوحيد والمعوذتين عشر مرات (ثم تقول) سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر عشر مرات ثم تقول (اللهم) صل على محمد وآل محمد عشر مرات (ثم تقول) (اللهم) افتح لي أبواب رحمتك وأسبغ علي من حلال رزقك ومتعني بالعافية ما أبقيتني في سمعي وبصري وجميع جوارحي (اللهم) ما بنا من نعمة فمنك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك يا أرحم الراحمين (ثم تقول) وهو من أدعية طلب الرزق (اللهم) إنه ليس لي علم بموضع رزقي وإنما أطلبه بخطرات تخطر على قلبي فأجول في طلبه البلدان وأنا فيما
ص :203
أطلب كالحيران لا أدري أفي سهل هو أم في جبل أم في أرض حزن أم في سماء أم في بر أم في بحر وعلى يدي من ومن قبل من وقد علمت أن علمه عندك وأسبابه بيدك وأنت الذي تقسمه بلطفك وتسببه برحمتك (اللهم) فصل على محمد وآل محمد واجعل يا رب رزقك لي واسعا ومطلبه سهلا ومأخذه قريبا ولا تعنني بطلب ما لم تقدر لي فيه رزقا فإنك غني عن عذابي وأنا فقير إلى رحمتك (اللهم) فصل على محمد وآل محمد وجد على عبدك بفضلك إنك ذو فضل عظيم (ثم تقول) (بسم الله الرحمن الرحيم) (اللهم) صل على محمد وآل محمد صلاة تبلغنا بها رضوانك والجنة وتنجينا بها من سخطك والنار (اللهم) صل على محمد وآل محمد وأرني الحق حقا حتى أتبعه وأرني الباطل باطلا حتى أجتنبه ولا تجعله علي متشابها فأتبع هواي بغير هدى منك
ص :204
واجعل هو أي تبعا لرضاك وطاعتك وخذ لنفسك رضا من نفسي واهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم (اللهم) صلى على محمد وآله واهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك وتجير ولا يجار عليك تم نورك (اللهم) فهديت فلك الحمد وعظم حملك فعفوت فلك الحمد وبسطت يدك فأعطيت فلك الحمد تطاع ربنا فتشكر وتعصى ربنا فتغفر وتستر أنت كما أثنيت على نفسك بالكرم والجود لبيك وسعديك تباركت وتعاليت لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك عملت سوأ وظلمت نفسي فاغفر لي وارحمني وأنت أرحم الراحمين لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين لا إله
ص :205
إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي يا خير الغافرين لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك عملت سوأ وظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين (اللهم) صل على محمد وآل محمد وبيتني منك في عافية وصبحني منك في عافية واسترني منك في عافية وارزقني تمام العافية ودوام العافية والشكر على العافية (اللهم) إني أستودعك نفسي وديني وأهلي ومالي وولدي وأهل حزانتي وكل نعمة أنعمت بها علي وتنعم فصل على محمد وآل محمد واجعلني في كنفك وأمنك وكلاءتك وحفظك وحياطتك وكفايتك وسترك وذمتك وجوارك وودائعك يا من لا تضيع ودائعه ولا يخيب سائله ولا
ص :206
ينفد ما عنده إني أدرأ بك في نحور أعدائي فكد من كادني وبغى علي (اللهم) من أرادنا (1) فأرده ومن كادنا فكده ومن نصب علينا عداوة فخذه يا رب أخذ عزيز مقتدر (اللهم) صل على محمد وآل محمد واصرف عني البليات والآفات والعاهات والنقم ولزوم السقم وزوال النعم وعواقب التلف وما طغى به الماء لغضبك وما عتت به الريح عن أمرك وما أعلم وما لا أعلم وما أخاف وما لا أخاف وما أحذر وما لا أحذر وما أنت أعلم به (اللهم) صلى على محمد وآل محمد وفرج عني همي ونفس غمي وسل حزني واكفني ما ضاق به صدري وعيل به صبري وقلت فيه حيلتي وضعفت عنه قوتي وعجزت عنه طاقتي وردتني فيه الضرورة عند انقطاع الآمال وخيبة الرجاء من المخلوقين
ص :207
إليك فصل على محمد وآل محمد واكفنيه يا كافيا من كل شئ ولا يكفي منه شئ اكفني كل شئ حتى لا يبقى شئ يا كريم (اللهم) صلى على محمد وآل محمد وارزقني حج بيتك الحرام وزيارة قبر نبيك صلواتك (1) عليه وآله مع التوبة والندم (اللهم) إني أستودعك نفسي وأهلي وولدي وإخواني وأستكفيك ما أهمني وما لم يهمني وأسألك بخيرتك من خلقك الذي لا يمن به سواك يا كريم الحمد لله الذي قضى عني صلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ثم تسجد سجدتي الشكر وتقول في الأولى (اللهم) أنت أنت انقطع الرجاء إلا منك يا أحد يا من (2) لا أحد له يا أحد من لا أحد له يا أحد من لا أحد له غيرك يا من لا يزيده كثرة العطاء إلا
ص :208
كرما وجودا يا من لا يزيده كثرة العطاء إلا كرما وجودا يا من لا يزيده كثرة العطاء إلا كرما وجودا صلى على محمد وأهل بيته صلى على محمد وأهل بيته صل على محمد وأهل بيته وافعل بي كذا كذا (ثم) تضع خدك الأيمن على الأرض وتقول مثل ذلك (ثم) تضع خدك الأيسر على الأرض وتقول مثل ذلك (ثم) تعود وتضع جبهتك على الأرض وتقول مثل ذلك (ثم تقول) وهو من الأدعية التي تدفع بها الشدائد (1) يا سابغ النعم يا دافع النقم يا بارئ النسم يا مجلي الهم يا مغشي الظلم يا كاشف الضر والألم يا ذا الجود والكرم يا سامع كل صوت يا مدرك كل فوت يا محيي العظام وهي رميم ومنشئها بعد الموت صل على محمد
ص :209
وآل محمد واجعل لي من أمري فرجا ومخرجا يا ذا الجلال والإكرام (ثم تصلي) ركعتي الوتيرة جالسا ويجوز فصلهما قائما والمشهور فيهما الجلوس (وذكر) بعض علمائنا أنه فيهما أفضل من القيام (وروى) شيخ الطائفة في التهذيب بسند صحيح عن الصادق عليه السلام أنه قال ركعتان بعد العشاء كان أبي يصليهما وهو قاعد وأنا أصليهما وأنا قائم وعلمنا على المشهور ويمتد وقتهما بامتداد وقت العشاء فهما بعد الانتصاف قضاء وتفتتحهما بالتكبيرات السبع والأدعية الثلاثة وتقرأ في (الأولى) سورة الملك أو الواقعة وفي (الثانية) التوحيد وتدعوا بعد الفراغ (1) بما شئت (توضيح) (لا تؤمنا مكرك) كالاستدراج ونحوه (ولا تؤيسنا من روحك) بفتح الراء أي من رحمتك (والروح) في الأصل بمعنى الراحة و (أسبغ علي من حلال رزقك) أي الجعل رزقك الحلال سابغا أي واسعا وتعدية الإسباغ بعلي لتضمنه معنى الإفاضة (ولا تعنني) بالعين المهملة والنونين وأولاهما مشددة أي لا تتعبني بطلب غير المقدر لي والمراد ألهمني الاعراض عن طلبه (وخذ لنفسك رضا
ص :210
من نفسي) أي اجعل نفسي راضية بكل ما يرد عليها منك (وأهل حزانتي) بالحاء المهملة المضمومة والزاي الميال لأنك تحزن لأجلهم (واجعلني في كنفك) بفتح النون أي في حرزك (وحياطتك) بالحاء المهملة المكسورة أي تعهدك (وصيانتك وذمتك) أي عهدك وكفالتك (أدرأ بك في نحور أعدائي) أدرأ بالمهملتين كأدفع وزنا ومعنى (ونحور) بضم النون جمع نحر وهو موضع القلادة وقد ضمن أدرأ معنى أضرب أو أطعن فقال في نحور أعدائي (أخذ عزيز مقتدر) المراد بالعزيز هنا الغالب (والنقم ولزوم السقم) الأولى قراءة السقم هنا بفتحتين ليناسب النقم وإن جاء بضم أوله وإسكان ثانيه أيضا (وما طغى به الماء لغضبك) طغى بالطاء المهملة والغين المعجمة أي جاوز الحد والمراد ما يوجب الهلاك بالماء بسبب غضبه جل شأنه (وما عتت به الريح عن أمرك) عتت يا لعين المهملة والتائين الفوقانيتين من العتو وهو مجاوزة الحد أي ما عتت بسببه الريح عتوا صادرا عن أمرك لها بذلك (وعيل به صبري) بالعين وبعد ها يا مثناة تحتانية على صيغة المجهول من عال إذ أغلب (الذي لا يمن به سواك) أي أسألك الأمن الذي لا يقدر على إعطائه لي والمن به علي إلا أنت كغفران الذنوب والخلود في الجنة (يا سابغ النعم) من قبيل الوصف بحال التعلق وقد عرفت معنى السبوغ
ص :211
(يا بارئ النسم) البارئ الخالق والنسم بالنون والسين (1) المفتوحتين جمع نسمة بفتحتين وهي الإنسان ويطلق على المملوك ذكرا كان أو أنثى ويمكن أن يراد به هنا جميع الخلائق من الناس وغيرهم (الباب الخامس) (فيما يعمل ما بين وقت النوم إلى انتصاف الليل) أول ما تعمله عند إرادة النوم الطهارة (روى رئيس المحدثين) في الفقيه عن الصادق عليه السلام أنه قال من تطهر (2) ثم أوى إلى فراشه بات وفراشه كمسجده (وقد ذكر علماؤنا) قدس الله أرواحهم أن القادر على الماء يجوز له التيمم للنوم كالتيمم لصلاة الجنازة (ومن الأعمال المستحبة عند النوم) قراءة سورة التوحيد والجحد رواه رئيس المحدثين أيضا في الفقيه بسند صحيح (وورد) أيضا عن أصحاب العصمة سلام الله عليهم قراءة سورة التوحيد مائة مرة كما رواه ثقة الإسلام في الكافي بطريق صحيح عن أبي أسامة (قال) سمعت أبا عبد الله
ص :212
عليه السلام يقول من قرأ قل هو الله أحد مائة مرة حين يأخذ مضجعه غفر الله له ما قبل ذلك خمسين عاما (وروي) فيه أيضا عنه عليه السلام أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من قرأ (ألهاكم التكاثر) عند النوم وقي فتنة القبر (وينبغي) أن تدعو إذا اضطجعت بما رواه رئيس المحدثين في الفقيه بطريق صحيح عن محمد بن مسلم قال قال لي أبو جعفر عليه السلام إذا توسد الرجل يمينه (فليقل) بسم الله (اللهم) إني أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمر إليك وألجأت ظهري إليك وتوكلت عليك رهبة منك ورغبة إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت وبرسولك الذي أرسلت (ثم) تسبح تسبيح الزهراء عليها السلام هذا آخر الحديث (واعلم) أن المشهور استحباب تسبيح الزهراء عليها السلام في وقتين أحدهما بعد الصلاة والآخر عند النوم وظاهر الرواية الواردة به عند النوم تقتضي تقديم التسبيح على التحميد وظاهر الرواية الصحيحة الواردة
ص :213
في تسبيح الزهراء عليها السلام على الاطلاق يقتضي تأخيره عنه ولا بأس ببسط الكلام (1) في هذا المقام وإن كان خارجا عن موضوع الكتاب (فنقول) قد اختلف علماؤنا قدس الله تعالى أرواحهم في ذلك مع اتفاقهم على الابتداء بالتكبير لصراحة صحيحة ابن سنان عن الصادق عليه السلام في ا لابتداء به فالمشهور الذي عليه العمل في التعقيبات تقديم التحميد على التسبيح (وقال) رئيس المحدثين وأبوه وابن الجنيد بتأخيره عنه والروايات عن أئمة الهدى سلام الله عليهم لا تخلو بحسب الظاهر من اختلاف والروايات المعتبرة التي ظاهرها تقدمي التحميد شاملة بإطلاقها لما يفعل بعد الصلاة (وما يفعل عند النوم) وهي ما رواه شيخ الطائفة في التهذيب بسند صحيح عن محمد بن عذافر قال دخلت مع أبي على أبي عبد الله عليه السلام فسأله أبي عن تسبيح الزهراء عليها السلام (فقال الله أكبر) حتى أحصى أربعا وثلاثين مرة (ثم قال الحمد لله) حتى بلغ سبعا وستين مرة (ثم قال سبحان الله) حتى بلغ مائة مرة يحصيها بيده جملة واحدة والرواية التي ظاهرها تقديم التسبيح على التحميد مختصه بما يفعل
ص :214
عند النوم وهي (ما رواه) رئيس المحدثين في الفقيه عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال لرجل من بني سعد ألا أحدثكم عني وعن فاطمة عليها السلام أنها كانت عندي فاستقت بالقربة حتى أثر في صدرها وطحنت بالرحاء حتى مجلت يداها وكسحت البيت حتى اغبرت ثيابها وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها فأصابها من ذلك ضرر شديد فقلت لها لو أتيت أباك فسألته خادما يكفيك حرما أنت فيه من (1) العمل فأتت النبي صلى الله عليه وآله فوجدت عنده أحداثا فاستحيت وانصرفت فعلم عليه السلام أنها جاءت لحاجة فغدا علنيا ونحن في لحافنا (فقال) السلام عليكم فسكتنا واستحيينا (2) لمكاننا (ثم فقال) السلام عليكم فسكتنا واستحيينا لمكاننا (ثم قال) السلام عليكم فخشينا إن لم نرد عليه أن ينصرف وقد كان يفعل ذلك يسلم ثلاثا فإن أذن له وإلا انصرف فقلت وعليك السلام يا رسول الله أدخل فدخل وجلس عند رؤسنا (وقال) يا فاطمة ما كانت حاجتك أمس عند محمد فخشيت إن لم تجبه أن يقوم
ص :215
فأخرجت رأسي وقلت والله أنا أخبرك (1) يا رسول والله أنها استقت بالقربة حتى أثر في صدر ها وجرت بالرحا حتى مجلت يدا ها وكسحت البيت حتى اغبرت ثيابها وأو قدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها فقلت لها لو أتيت أباك فسألته خادما يكفيك حرما أنت فيه من هذا العمل (فقال) صلى الله عليه وآله أفلا أعلمكما ما هو خير لكما من الخادم إذا أخذتما منامكما فكبرا أربعا وثلاثين تكبيرة وسبحا ثلاثا وثلاثين واحمدا ثلاثا وثلاثين فأخرجت فاطمة عليها السلام رأسها وقالت رضيت عن الله ورسوله رضيت عن الله ورسوله (ولا بأس) بايضاح بعض ما تضمنه هذا الحديث (حتى مجلت يداها) يقال مجلت يده بفتح الجيم وكسرها إذا حصلت فيها من شدة العمل نفاطه وهي التي يقال لها بالفارسية آبله (وكسحت البيت) بالمهملتين أي كنسته (ودكنت ثيابها) بالدال المهملة والكاف المكسورة والنون أي اسودت (لو أتيت أباك) جواب لو محذوف لدلالة المقام عليه (فسألته خادما) الخادم يطلق على الغلام والجارية يستوي
ص :216
فيه المذكر والمؤنت (يكفيك حرما أنت فيه) الحر بالمهملتين بمعنى التعب والشدة (ووجدت عنده أحداثا) يقال رجل حدث بفتح الدال أي شاب وأحداث جمعه هذا (ولا يخفى) أن هذه الرواية غير صريحة في تقديم التسبيح على التحميد فإن الواو لا تفيد الترتيب وإنما هي لمطلق الجمع على الأصح كما بين في الأصول نعم ظاهر التقديم اللفظي يقتضي ذلك وكذا الرواية السابقة غير صريحة في تقديم التحميد على التسبيح فإن لفظة ثم فيها من كلام الراوي فلم يبق (1) لا ظاهر التقديم اللفظي أيضا فالتنافي بين الروايتين إنما هو بحسب الظاهر (فينبغي) حمل الثانية على الأولى لصحة سندها واعتضادها ببعض الروايات الضعيفة كما رواه أبو بصير عن الصادق عليه السلام أنه قال في تسبيح الزهراء عليها السلام تبدأ بالتكبير أربعا وثلاثين وهذه الرواية
ص :217
صريحة في تقديم التحميد فهي مؤيدة لظاهر لفظ الرواية الصحيحة فتحمل الرواية الأخرى على خلاف ظاهر لفظها ليرتفع التنافي بينهما كما قلنا (فإن قلت) يمكن العمل بظاهر الروايتين معا تحمل الأولى على الذي يفعل بعد الصلاة والثانية على الذي يفعل عند النوم وحينئذ لا يحتاج إلى صرف الثانية عن ظاهرها فلم عدلت عنه وكيف لم تقل به (قلت) لأني لم أجد قائلا بالفرق بين تسبيح الزهراء عليها السلام في الحالين بل الذي يظهر بعد التتبع أن كلا من الفريقين القائلين بتقديم التحميد وتأخيره قائل به مطلقا سواء وقع بعد الصلاة أو قبل النوم فالقول بالتفصيل احداث قول ثالث في مقابل الاجماع المركب (وأما ما يقال) من أن احداث القول الثالث إنما يمتنع إذا لزم منه رفع ما اجتمعت عليه الأمة (كما يقال) في رد البكر الموطوءة (1) بعيب مجانا لاتفاق الكل على عدمه بخلاف ما ليس كذلك كالقول بفسخ النكاح ببعض العيوب الخمسة دون بعض لموافته كل من الشطرين في شطر وكما نحن فيه إذ لا مانع منه مثل القول بصحة بيع الغائب وعدم قتل المسلم بالذمي بعد قول أحد الشطرين بالثاني
ص :218
ونقيض الأول والشطر الثاني بعكسه (فجوابه) أن هذا التفصيل إنما يستقيم على مذهب العامة كما ذكرته في زبدة الأصول أما على ما قرره الخاصة من أن حجية الاجماع مسببة عن كشفه عن دخول المعصوم فلا إذ مخالفته حاصلة وإن وافق القائل كلا من الشطرين في شطر وقس عليه مثال البيع والقتل (فصل) وينبغي أن يكون اضطجاعك على جانبك الأيمن فإنه نوم المؤمنين كما رواه ثقة الإسلام في الكافي بسند صحيح عن أحمد ابن إسحاق قال قلت لأبي محمد يعني الحسن العسكري عليه السلام جعلت فداك إني مغتم لشئ يصيبني في نفسي وقد أردت أن أسأل أباك عليه السلام عنه فلم يقض لي ذلك (فقال) وما هو يا أحمد فقلت (روي) لنا عن آبائك عليهم السلام أن نوم الأنبياء على أقفيتهم ونوم المؤمنين على أيمانهم ونوم المنافقين على شمائلهم ونوم الشياطين على وجوههم (فقال عليه السلام) كذلك هو فقلت يا سيدي فإني أجهد أن أنام على يميني فما يمكنني ولا يأخذني النوم عليها فسكت ساعة فقال يا أحمد ادن مني فدنوت منه (فقال أدخل يدك تحت ثيابك فأدخلتها فأخرج يده من تحت ثيابه فمسح بيده اليمنى على جانبي الأيسر وبيده اليسرى على جانبي الأيمن ثلاث مرات (فقال) أحمد فما أقدر أن أنام على يساري منذ فعل ذلك بي عليه
ص :219
السلام ولا يأخذني عليها نوم أصلا (ومما يدعى به) عند الاضطجاع (ما رواه) ثقة الإسلام في الكافي بطريق صحيح عن الصادق عليه السلام أنه قال من قال حين يأخذ مضجعه ثلاث مرات الحمد لله الذي علا فقهر والحمد لله الذي بطن فخبر والحمد لله الذي ملك فقدر والحمد لله الذي يحفي الموتى ويميت الأحياء وهو على كل شئ قدير خرج من الذنوب كهيئة ولدته أمه (وروي) في الكتاب المذكور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال من قر أهذه الآية عند منامه قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبدة ربه أحدا سطح له نور إلى المسجد الحرام حشو ذلك النور ملائكة يستغفرون له (وروي) في الكتاب المذكور أيضا عن الصادق عليه السلام أنه قال ما من عبد يقرأ آخر (الكهف) حين ينام إلا استيقظ في الساعة التي يريد قلت هذا من الأسرار العجيبة المجربة التي لا شك فيها والمراد بآخر الكهف الآية الأخيرة منها أعني الآية المقدمة
ص :220
وإذا خفت من عقرب أو نحوها فقل (ما رواه) في الكتاب المذكور عن الباقر (الصادق خ ل) أنه قال من قرأ هذه الكلمات فأنا ضامن أن لا تصيبه عقرب ولا هامة حتى يصبح أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ذرأ ومن شر ما برأ ومن شر كل دابة هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم (وروي) في الكتاب المذكور بسند صحيح لدفع الاحتلام عن الصادق عليه السلام أنه قال إذا خفت الجنابة فقل في فراشك (اللهم) إني أعوذ بك من الاحتلام ومن شر (1) الأحلام ومن أن يتلاعب بي الشيطان في اليقظة والمنام (وروي فيه أيضا للأمن من أن يسقط عليه البيت عن الرضا عليه السلام أنه قال لم يقل (2) أحدا إذا أراد أن ينام إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا
ص :221
إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا فسقط عليه البيت (وروي) فيه أيضا أن النبي صلى الله عليه وآله كان ذا أوى إلى فراشه (قال) باسمك اللهم أحيى وباسمك أموت (وإذا استيقظ قال) الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه النشور (وروي) فيه أيضا عن الصادق عليه السلام أنه قال إذا سمعت صوت الديك (فقل) سبوح قدوس رب الملائكة والروح سبقت رحمتك (1) غضبك لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوأ وظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت (ومما ينبغي) فعله عند النوم الاكتحال (فقد روي) أن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان يكتحل بالأثمد إذا أراد أن يأوي إلى فراشه (وقد روي) عن الرضا عليه اللام أنه قال من أصابه ضعف في بصره فليكتحل سبع مراود عند منامه من الأثمد أربع في اليمنى
ص :222
وثلاثة في اليسرى (وعنه عليه السلام) أنه قال الكحل عند النوم أمان من الماء الذي ينزل في العين (وروي) أنه يدعى بهذا الدعاء عند الاكتحال (اللهم) إني أسألك بحق محمد وآله محمد أن تصلي على محمد وآله محمد وأن تجعل النور في بصري والصيرة في ديني واليقين في قلبي والإخلاص في عملي والسلامة في نفسي والسعة في رزقي والشكر لك أبدا ما أبقيتني (وروى) ثقة الإسلام في الكافي بسند حسن عن الصادق عليه السلام أنه قال إذا رأى الرجل ما يكره في منامه فليتحول عن شقه الذي كان عليه نائما وليقرأ إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله (ثم ليقل) عذت بما عاذت به ملائكة الله المقربون وأنبياؤه المرسلون وعباده الصالحون من شر ما رأيت ومن شر الشيطان الرجيم
ص :223
(الباب السادس) (فيما يعمل ما بين انتصاف الليل إلى طلوع الفجر) وفيه مقدمة وفصول (مقدمة) قد تظافرت الروايات عن أصحاب العصمة سلام الله عليهم في قيام الليل وبيان فضله (روى) ثقة الإسلام في الكافي بسند صحيح عن الصادق عليه السلام أنه قال شرف المؤمن قيامه بالليل وعزه استغناؤه عن الناس (وروى) فيه بسند حسن عن عبد الله بن سنان (قال) سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول ثلاث هن فخر المؤمن وزينته (1) في الدنيا والآخرة الصلاة في آخر الليل ويأسه مما في أيدي الناس وولاية الإمام من آل محمد صلى الله عليه وآله (وروى) فيه بسند حسن أيضا عنه عليه السلام في قول الله تعالى (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون) (2) قال كان
ص :224
أقل الليالي تفوتهم لا يقومون فيها (وروي) فيه أيضا أنه جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام (فقال) إني حرمت صلاة الليل (فقال) أمير المؤمنين عليه السلام أنت رجل قد قيدتك ذنوبك (وروى) شيخ الطائفة في التهذيب بسند صحيح عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى (إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا) قال قيامه عن فراشه لا يريد إلا لله تعالى (وروى) طاب ثراه فيه بسند صحيح أيضا عنه عليه السلام أنه قال ليس من عبد إلا يوقظ في كل ليلة مرة أو مرتين فإن قام كان (1) ذلك وإلا فحج الشيطان فبال في أذنه أو لا يرى أحدكم أنه إذا قام ولم يكن ذلك منه قام وهو متخثر ثقيل كسلان (وروى) فيه بسند صحيح أيضا عن عمر ابن يزيد أنه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول إن في الليل لساعة
ص :225
لا يوافقها عبد مسلم يصلي ويدعو الله فيها إلا استجاب له في كل ليلة (قلت) أصلحك الله فأية ساعة من الليل قال إذا مضى نصف الليل إلى الثلث الباقي (1) (وروى) رئيس المحدثين في الفقيه بسند صحيح عن عبد الله بن سنان أنه سأل الصادق عليه السلام عن قول الله تعالى عز وجل (سيماهم في وجوههم من أثر السجود) قال هو السهر (2) في الصلاة (والروايات) عن أصحاب العصمة سلام الله عليهم في قيام الليل كثيرة (ولنبين) بعض ما يحتاج إلى البيان في هذه المقدمة (إن ناشئة الليل) قد تفسر الناشئة بالنفس التي تنشأ من مضجعها للعبادة وهو قريب مما ذكره عليه السلام (وأشد وطأ) أي أشد كلفة أو ثبات قدم وقرأ بعض السبعة (وطاء) بالمد أي مواطأة القلب اللسان لما فيها من الاخلاص (وأقوم قيلا) أي أشد (3) قولا لحضور القلب في ذلك الوقت وإلا فحج
ص :226
الشيطان بالحاء المهملة والجيم (1) نوع من المشي ردي وهو أن يتقارب صدر القدمين ويتباعد العقبان وهو كناية عن سوء الجيئة ورداءتها كما أن البول في الأذن كناية عن تلاعب الشيطان به (متخثر) بالثاء (2) الفوقانية والخاء المعجبة والثاء والمثلثة وقوله عليه السلام (ثقيل كسلان) كالمفسر له (فصل) فإذا انتبهت من نومك فأول ما ينبغي لك فعله أن تسجد لله تعالى (فقد روي) أن النبي صلى الله عليه وآله كان إذا انتبه من نومه يسجد (ثم قل) في سجودك أو بعد رفع رأسك منه الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه النشور الحمد لله الذي رد علي روحي لأحمده وأعبده (وروى) ثقة الإسلام في الكافي بسند حسن عن الباقر عليه السلام إذا قمت بالليل فانظر في آفاق السماء وقل (اللهم) إنه لا يواري عنك ليل ساج ولا سماء ذات أبراج ولا أرض ذات مهاد ولا ظلمات بعضها فوق بعض ولا بحر لجي تدلج بين يدي المدلج من خلقك
ص :227
تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور غارت النجوم ونامت العيون وأنت الحي القيوم لا تأخذك سنة ولا نوم سبحان (1) الله رب العالمين وإله المسلمين والحمد لله رب العالمين تم اقرأ الآيات الخمس من آخر آل عمران إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لا ولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيآتنا وتوفنا مع الأبرار ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسولك ولا
ص :228
تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد الحديث (توضيح) (لا يواري عنك ليل ساج) أي لا يستر عنك من المواراة وهي الستر (وساج) بالسين المهملة وآخره جيم اسم فاعل من سجى بمعنى ركد واستقر والمراد ليل راكد ظلامه مستقر قد بلغ غايته (ولا أرض ذات مهاد) بكسر أوله جمع ممهود (1) أي ذات أمكنة مستوية ممهدة (ولا بحر لجي) بضم اللام وقد تكسر وتشديد الجيم المسكورة والياء المشددة أي عظيم (تدلج بين يدي المدلج) الادلاج السير بالليل وربما يختص بالسير في أوله وربما يطلق الادلاج على العبادة في الليل مجازا لأن العبادة سير إلى الله تعالى وقد فسر بذلك قول النبي صلى الله عليه وآله من (2) خاف أدلج ومن أدل بلغ المنزل ومعنى تدلج بين
ص :229
يدي المدلج إن رحمتك وتوفيقك وإعانتك لمن توجه لك وعبدك صادرة عنك قبل توجهه إليك وعبادته لك إذ لولا رحمتك وتوفيقك وايقاعك ذلك في قلبه ل تخطر ذلك بباله فكأنك سريت إليه قبل أن يسري هو إليك (تعلم خائنة الأعين) قد تقدم تفسيره في الباب الثاني (وغارت النجوم) أي تسفلت وأخذت في الهبوط والاخفاض بعد ما كانت آخذة في الصعود والارتفاع واللام للعهد ويجوز أن يكون بمعنى غابت والسنة بالكسر مبادي النوم وقد تقدم في الباب الأول وجه تقديمها على النوم مع أن القياس في النفي الترقي من الأعلى إلى الأدنى (الآيات) أي علامات عظيمة أو كثيرة دالة على كما ل القدرة (لأولي الألباب) أي لذوي العقول الكاملة وسمي العقل لبا لأنه أنفس ما في الإنسان فما عداه كأنه قشر (ويتفكرون في خلق السماوات والأرض) قال المفسرون في هذا دلالة علي شرف علم الهيئة (ربنا ما خالقت هذا باطلا) أي قائلين حال تفكرهم في المخلوقات العجيبة الشأن (ربنا ما خلقت هذا عبثا سبحانك) أي ننزهك عن فعل العبث ننزيها (سبحانك فقنا عذاب النار) لما كان خلق هذه الأشياء لحكم ومصالح منها أن يكون سببا لمعاش الإنسان ودليلا يدله على معرفة الصانع ويحثه
ص :230
على طاعته والقيام بوظائف عباداته لينال الفوز الأبدي والإنسان محل في الأغلب بذلك حسن التفريع على الكلام السابق (من تدخل النار فقد أخزيته) قال بعض المفسرين فيه اشعار بأن العذاب الروحاني أشد من العذاب الجسماني إذ الخزي فضيحة وحقارة نفسانية (ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للايمان) المراد به الرسول صلى الله عليه وآله وقيل القرآن (ربنا فاغفر لنا ذنوبنا) المراد بها الكبائر (وكفر عنا سيآتنا) المراد بها الصغائر أي اجعلها مكفرة عنا بتوفيقنا (1) لاجتناب الكبائر (وتوفنا مع الأبرار) أي في زمرتهم (ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك) أي على تصديقهم أو على ألسنتهم (فصل) فإذا انتصف الليل فقد دخل وقت صلاة لليل وقد يعبر عن انتصاف الليل بالزوال أيضا (روى) رئيس المحدثين في الفقيه أن عمر بن حنظلة سأل الصادق عليه السلام فقال زوال النهار نعرفه بالنهار فكيف لنا بالليل فقال عليه السلام لليل زوال كزوال الشمس قال فبأي شئ نعرفه قال بالنجوم إذا انحدرت والظاهر أنه عليه
ص :231
السلام أراد بالنجوم النجوم التي طلعت عند غروب الشمس كما قاله شيخنا الشهيد رحمه الله والمراد بانحدارها شروعها في الانخفاض وصلاة الليل تطلق في الأحاديث تارة على الثمان وأخرى على الإحدى عشر بإضافة الشفع ومفردة الوتر وأخرى على الثلاث عشر بإضافة ركعتي الفجر وهي من النوافل المؤكدة (روى) شيخ الطائفة في التهذيب بسند صحيح عن الصادق عليه السلام أنه قال كان في وصية رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام يا علي أوصيك في نفسك بخصال فاحفظها (ثم قال) اللهم أعنه وذكر جملة من الخصال إلى أن قال وعليك بصلاة الليل وعليك بصلاة الزوال وعليك بصلاة الزوال والظاهر أنه (1) أراد بصلاة الليل الثلاث عشرة ركعة وبصلاة الزوال الركعات الثمان التي هي نافلة الزوال كما قاله بعض علمائنا فإذا أردت التوجه إلى العبادة وكان لك حاجة إلى التخلي فابدأ به أولا فإذا أردت الدخول إلى الخلاء فإن كان في نقش خاتمك أو معك اسم محترم فلا تدخله معك وكذا الدراهم البيض الغير المصرورة ثم قدم رجلك اليسرى
ص :232
عند أول دخولك إن كان بيتا وإن تخليت في فضاء كالصحراء ونحوها فقدمها في موضع جلوسك وقل بسم الله وبالله أعوذ بالله من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم واختر إن تخليت في فضاء موضعا لا يرى فيه شخصك وليكن اعتمادك في حال التخلي على رجلك اليسرى (وينبغي) تفريج اليمنى ولا تطل الجلوس ولا تتكلم إلا الحاجة تخاف فوتها أو قراءة آية الكرسي أو الحمد لله رب العالمين أو حكاية الأذان أو ذكر الله سبحانه وامسح بطنك بعد الفراغ بيدك اليمنى قائما قائلا الحمد لله الذي أماط عني الأذى وهناني طعامي وشرابي وعافاني من البلوى (واستبرئ) بأن تضع الوسطى عند المقعدة وتمسح بها إلى أصل القضيب ثلاثا (ثم) تضع السبابة تحته والإبهام فوقه وتنتره ثلاثا وتعصر الحشفة ثلاثا وتنحنح في حال الاستبراء وإذا أردت الاستنجاء بالماء (فقل) الحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا
ص :233
واستنج بيسارك في الماء وغيره فإن كان فيها خاتم فصه من حجر زمزم (1) فانزعه وليكن غسل المقعدة ببنصرها ولا تمس ذكرك بيمينك أثر في غير المتعدي (2) من الغائط الماء على الاستجمار والجمع بينهما مع التعدي وغيره أولى واغسل مخرج الغائط إلى أن تحس بالصرير (وقل حال الاستنجاء) (اللهم) حصن فرجي وأعفه واسبر عورتي وحرمني على النار وقد غسل الدبر على القبل وأوتر عدد الأحجار إن لم ينق بالثلاث واستوعب المحل بكل حجر على سبيل الإدارة عليه (فإذا خرجت) من الخلاء فقدم رجلك اليمنى (وقل عند الخروج) الحمد لله الذي عرفني لذته وأبقى في جسدي قوته وأخرج
ص :234
عني أذاه يا لها نعمة يا لها نعمة يا لها نعمة لا يقدر القادرون عدها (1) (فصل) فإذا خرجت من الخلاء فابدأ بالسواك ثم توضأ الوضوء الكامل كما مر في الباب الأول ثم تطيب (فقد روي) عن الصادق عليه السلام أنه قال كانت للنبي صلى الله عليه وآله ممسكة إذا هو توضأ أخذها بيده وهي رطبة (وروي) عنه أيضا صلى الله عليه وآله أنه قال ركعتان يصليهما متعطر أفضل من سبعين ركعة يصليها غير متعطر (واعلم) أن التعطر مستحب لكل صلاة وكل دعاء وليس مختصا بصلاة الليل وأدعيته فإذا توضأت وتعطرت فاجلس مستقبل القبلة (ثم ادع) بدعاء زين العابدين عليه السلام الذي كان يدعو به في جوف الليل إلهي غارت نجوم سمائك ونامت عيون أنامك وهدأت أصوات عبادك وأنعامك وغلقت الملوك عليها أبوابها وطاف عليه حراسها (2) واحتجبوا عمن يسألهم حاجة
ص :235
أو ينتجع منهم فائدة وأنت إلهي حي قيوم لا تأخذك سنة ولا نوم ولا يشغلك شئ أبواب سمائك لمن دعاك مفتحات وخزائنك غير مغلقات وأبواب رحمتك غير محجوبات وفوائدك لمن سألك غير محظورات بل هي مبذولات أنت إلهي (1) الكريم الذي لا ترد سائلا من المؤمنين سألك ولا تحتجب عن أحد منهم أرادك لا وعزتك وجلالك ولا تختزل حوائجهم دونك ولا يقضيها أحد غيرك (اللهم) وقد تراني ووقوفي وذل مقامي بين يديك وتعلم سريرتي وتطلع على ما في قلبي وما يصلح به أمر آخرتي ودنياي (اللهم) إن ذكر الموت وأهوال (2) المطلع والوقوف بين يديك نغصني مطعمي ومشربي وأغصني بريقي وأقلقني عن وسادي
ص :236
ومنعني رقادي كيف ينام من يخاف ملك الموت في طوارق الليل وطوارق النهار بل كيف ينام العاقل وملك الموت لا ينام لا بالليل ولا بالنهار ويطلب روحه (1) بالبيات وفي آناء الساعات (وكان عليه السلام) يسجد بعد هذا الدعاء ويلصق خده بالتراب (ويقول) أسألك الروح والراحة عند الموت والعفو عني حين ألقاك (وكان عليه السلام) يصلي قبل صلاة الليل ركعتين يقرأ في (الأولى) بقل هو الله أحد وفي (الثانية) بقل يا أيها الكافرون ثم يرفع يديه بالتكبير ويدعو وأنت إذا صليت هاتين الركعتين فيحسن أن تدعو بهذا الدعاء الذي رواه رئيس المحدثين في كتاب الأمالي عن أبي الدرداء أنه سمع أمير المؤمنين عليه السلام يدعوا به في جوف الليل
ص :237
(إلهي) كم من موبقة حلمت عن مقابلتها بنقمتك (1) وكم من جريرة تكرمت عن كشفها بكرمك (إلهي) إن طال في عصيانك عمري وعظم في الصحف ذنبي فما أنا بمؤمل () غير غفرانك ولا أنا راج (2) غير رضوانك (إلهي) أفكر في عفوك فتهون على خطيئتي ثم أذكر العظيم من أخذ فتعظم علي بليتي آه إن أنا قرأت في الصحف (3) سيئة أنا ناسيها وأنت محصيها فتقول خذوه فياله من مأخوذ لا تنجيه عشيرته ولا تنفعه قبيلته آه من نار تنضج الأكباد والكلأ آه من نار نزاعة للشوى آه من غمرة من لهبات لظى (ثم ابك) بعد هذا الدعاء وادع بما شئت (ثم قم) إلى صلاة
ص :238
الليل وقد أجمع علماؤنا على أن أول وقتها انتصاف الليل وأنها كلما قربت من الفجر الثاني كانت أفضل من تقديمها فإن طلع وقد تلبس بأربع أتمها مخففة بالحمد أداء والمشهور جواز تقديمها على الانتصاف الذي العذر وقضاؤها أفضل من تقديمها فإذا أردت الشروع في صلاة الليل فينبغي أن تقول (اللهم) إني أتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة وآله وأقدمهم بين يدي حوائجي فاجعلني بهم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين (اللهم) ارحمني بهم ولا تعذبني بهم واهدني بهم ولا تضلني بهم وارزقني بهم ولا تحرمني بهم واقض لي حوائج الدنيا والآخرة إنك على كل شئ قدير وبكل شئ عليم (ثم تفتتح الركعة الأولى) بالتكبيرات السبع مع أدعيتها الثلاث والأفضل أن تقرأ فيها بعد الحمد سورة التوحيد ثلاثين مرة وفي (والثانية) سورة الجحد وفي الركعات الست الباقية السور الطوال مثل (سورة الأنعام والكهف والأنبياء ويس والحواميم)
ص :239
وما أشبهها في الطول ويجوز لك في كل قراءة السورة من الصحف وإن كنت تحفظ غيرها أما في الفرائض فلا إلا مع عدم الحفظ وقيل بالجواز فيها مطلقا وهو ضعيف ولو ضاق وقتك عن السور الطوال كفاك (الحمد والتوحيد) في كل ركعة ولك الاقتصار على الحمد وحدها كسائر النوافل (واعلم) أنه قد اتفق علماؤنا على أن القنوت كما يستحب في الفرائض يستحب في كل ثانية (1) من النوافل أيضا (روى) ذلك ثقة الإسلام في الكافي بسند صحيح عن الصادق عليه السلام ويجزيك منه أن تقول (اللهم) اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا في الدنيا والآخرة إنك على كل شئ قدير كما رواه في الكافي أيضا عنه عليه السلام بسند حسن (وروي) الاجتزاء بثلاث تسبيحات ويستحب الجهر به ولو في نوافل النهار وينبغي تطويله وسيما في صلاة الليل فإن وقتك فيها وسيع (وقد روى) رئيس
ص :240
المحدثين في الفقيه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال أطولكم قنوتا في دار الدنيا أطولكم راحة يوم القيامة (وقد أورد) السيد الجليل رضي الدين علي بن طاوس قدس الله روحه في كتاب مهج الدعوات نبذة من القنوتات الطويلة التي كان (1) يقنت بها أئمتنا سلام الله عليهم ويدعون فيها على أعداء الدين (ولا بأس) بأن تقنت في النوافل بما تقرؤه من كتاب ونحوه وإنما يمنع من ذلك في الفرائض من الأدعية المختصرة التي يليق أن تقنت بها في النوافل والفرائض (ما روي عن الصادق عليه السلام) (إلهي) كيف أدعوك وقد عصيتك وكيف لا أدعوك قد عرفت حبك في قلبي وإن كنت عاصيا مددت إليك يدا بالذنوب مملوءة وعينا بالرجاء ممدودة مولاي أنت عظيم العظماء وأنا أسير الأسراء أنا الأسير بذنبي المر تهن بجرمي (إلهي) لأن طالبتني بذنبي لأطالبنك بكرمك ولإن طالبتني بجريرتي لأطالبنك بعفوك ولإن
ص :241
أمرت بي إلى النار لأخبرن أهلها أني كنت أقول لا إله إلا الله محمدا رسول الله (اللهم) إن الطاعة تسرك والمعصية لا تضرك فهب لي ما يسرك (1) واغفر لي ما لا يضرك يا أرحم الراحمين (ومن الأدعية المتوسطة) التي يليق أن يدعى بها في القنوت أيضا وهو من أدعية الوسائل إلى المسائل المروية عن الرضا عليه السلام (2) (اللهم) إن الرجاء لسعة رحمتك أنطقني باستقالتك والأمل لأناتك ورفقك شجعني على طلب أمانك وعفوك ولي يا رب ذنوب قد واجهتها أوجه الانتقام وخطايا قد لاحظتها أعين الاصطلام واستوجبت بها على عدلك أليم العذاب واستحققت باجتراحها مبير العقاب وخفت تعويقها لإجابتي وردها إياي عن قضاء حاجتي بإبطالها
ص :242
لطلبتي وقطعها لأسباب رغبتي من أجل ما أنقض ظهري من ثقلها وبهظني من الاستقلال بحملها ثم تراجعت ربي إلى حلمك عن الخاطئين وعفوك عن المذنبين ورحمتك للعاصين فأقبلت بثقتي متوكلا عليك طارحا نفسي بين يديك شاكيا بثي إليك سائلا ما لا أستوجبه من تفريج الهم وما لا أستحقه من تنفيس الغم مستقيلا (1) إياك واثقا مولاي بك (اللهم) فامنن علي بالفرج وتطول علي بسهولة المخرج وادللني برأفتك على سمت المنهج وأزلقني برحمتك (2) عن الطريق الأعوج وخلصني من مجن الكرب بإقالتك وأطلق أسري برحمتك وطل علي برضوانك وجد علي بإحسانك وأقلني عثرتي وفرج كربتي وارحم عبرتي ولا تحجب دعوتي واشدد بالإقالة أزري وقوبها ظهري وأصلح بها أمري وأطل بها عمري
ص :243
وارحمني يوم حشري ووقت نشري إنك جواد كريم رؤوف رحيم وتدعو بين كل ركعتين من الركعات الثمان بهذا الدعاء (اللهم) إني أسئلك ولم يسأل مثلك أنت موضع مسألة السائلين ومنتهى رغبة الراغبين أدعوك ولم يدع مثلك وأرغب إليك ولم يرغب إلى مثلك أنت مجيب دعوة المضطرين وأرحم الراحمين أسألك بأفضل المسائل وأنجحها وأعظمها يا الله يا رحمن يا رحيم وبأسمائك الحسنى وأمثالك العليا ونعمتك (1) التي لا تحصى وبأكرم أسمائك (2) وأحبها إليك وأقربها منك وسيلة وأثر فها عندك منزلة وأجزلها لديك ثوابا وأسرعها في الأمور إجابة وباسمك المكنون الأكبر الأعز الأجل الأعظم أكرم الذي تحبه وتهواه وترضي به عمن دعاك
ص :244
فاستجبت (1) له دعاءه وحق عليك أن لا تحرم سائلك ولا ترده (2) وبكل اسم هو لك في التوراة والإنجيل والزبور والفرقان العظيم ن بكل اسم دعاك به حملة عرشك ملائكتك وأنبياؤك ورسلك وأهل طاعتك من خلقك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تعجل فرج وليك وابن وليك وتعجل خزي أعدائه وأن تفعل بي كذا وكذا ثم تسبح تسبيح الزهراء عليها السلام وتدعو بعده بما شئت (ثم تسجد سجدتي الشكر) ويحسن أن تدعو في إحديهما بهذا الدعاء المنسوب إلى سيد العابدين عليه السلام (إلهي) وعزتك وجلالك وعظمتك لو أني منذ بدعت فطرتي من أول الدهر عبدتك دوام خلود ربوبيتك بكل شعرة في كل طرفة عين سرمد الأبد بحمد الخلائق وشكرهم أجمعين لكنت مقصرا في بلوغ أداء
ص :245
شكر خفي نعمة من نعمك علي ولو أني كربت معادن حديد الدنيا بأنيابي وحرثت أرضيها (1) بأشفار عيني وبكيت من خشيتك مثل بحور السماوات (2) والأرضين دما وصديدا لكان ذلك قليلا في خ ل كثير ما يجب من حقك علي ولو أنك (إلهي) عذبتني بعد ذلك بعذاب الخلائق أجمعين وعظمت للنار خلقي وجسمي وملأت (3) طبقات جهنم مني حتى لا يكون في النار معذب غيري ولا يكون لجهنم حطب سواي لكان ذلك بعدلك علي قليلا في كثير ما أستوجبه من عقوبتك فإذا فرغت من الركعة الثامنة فادع بهذا الدعاء يا الله يا الله (عشرا) صل على محمد وآله وارحمني وثبتني على دينك ودين نبيك ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني
ص :246
وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب وتقول أيضا (اللهم) أنت الحي القيوم العلي العظيم الخالق الرازق المحيط الميت البدي البديع لك الكرم ولك الجود ولك المن ولك الأمر وحدك لا شريك لك يا خالق يا رازق يا محيي يا مميت يا بديع يا رفيع أسئلك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن ترحم ذلي بين يديك وتضرعي إليك ووحشتي من الناس وأنسي بك (ثم تقول) ما كان أمير المؤمنين عليه السلام يدعوا به بعد الثامنة (اللهم) إني أسألك بحرمة من عاذا بك ولجأ إلى عزك واستظل بفيئك واعتصم بحبلك ولم يثق إلا بك يا جزيل العطايا يا مطلق الأسارى يا من سمى نفسه من جوده وهابا أدعوك راغبا وراهبا وخوفا وطمعا وإلحاحا وإلحافا وتضرعا وتملقا وقائما وقاعدا وراكعا وساجدا وراكبا وماشيا وذاهبا وجائيا وفي كل حالاتي
ص :247
أسئلك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تفعل بي كذا وكذا وتذكر حاجتك ثم تسجد سجدتي الشكر وتدعو فيهما وبعدهما بما سبق (توضيح) (غارت نجوم سمائك) مر معنى غور النجوم في الدعاء عند الانتباه قبيل هذا (وهدأت) بالدال المهملة قبل الهمزة أي سكنت (وينتجع منهم قائده) الانتجاع بالنون والتاء المثناة الفوقانية ثم الجيم وآخره عين مهملة طلب الاحسان ولعله هنا بمعنى مطلق الطلب (ولا يشغلك) يشغل على وزن يعلم (وفوائدك) لمن سألك غير محظورات) بالحاء المهملة والظاء المعجمة أي غير ممنوعات (ولا تختزل حوائجهم دونك) تختزل بالبناء للمجهول والاختزال بالخاء المعجمة والتاء المثناة الفوقانية والزاء يراد به التعويق (وأهوال المطلع) بتشديد الطاء المهملة والبناء للمفعول أمر الآخرة الذي يحصل الاطلاع عليه بعد الموت (وأغصني بريقي) بالغين المعجمة والصاد المهملة المشددة من الغصة بالضم وهي الشجى في الحلق والريق ماء الفهم (وأغصني بريقي) كناية عن كمال الخوف والاضطراب أي صيرني بحيث لا أقدر على أن أبلع ريقي وقد وقف في حلقي (ويطلب روحه بالبيات وفي آناء الساعات) البيات بالباء الموحدة والياء المثناة التحتانية وقت البيتوتة (كم من موبقة) بالباء
ص :248
الموحدة المكسورة والقاف أي خطيئة مهلكة للدين هادمة له (وعظم في الصحف) بضمتين صحائف الأعمال (تنضج الأكباد والكلى) تنضج على وزن تكرم بالضاد المعجمة والجيم والكلى بالضم جمع كلية وكلوه (آه من نار نزاعة للشوى) النزع القلع والشوى الأطراف أو جمع شواة بالضم وهي جلدة الرأس (آه من غمرة من لهبات لظى) الغمرة بالغين المعجمة والراء ما يغمر الشئ أي يشتمل عليه ويستره (ولهبات) جمع لهب بالسكون والفتح الاشتعال (ولظى) اسم من أسماء النار نعوذ بالله منها (قد واجهتها أوجه الانتقام) الكلام استعارة أي سارت موجبة لسرعة الانتقام ومقربة منه (قد لاحظتها أعين الاصطلام) هذا أيضا استعارة والمعنى كالأول مع زيادة (والاصطلام) بالصاد والطاء المهملتين الاستئصال (واستحققت باجتراحها مبير العقاب) الاجتراح بالجيم والتاء المثناة الفوقانية وآخره حاء مهملة الاكتساب (والمبير) بالباء الموحدة والياء المثناة التحتانية والراء المهلك (من أجل ما أنقض ظهري من ثقلها) أنقض بالنون والقاف والضاد المعجمة أي حمل ظهري على النقض وهو صوت عظامه (1) عند حمل ثقيل (وبهظني من الاستقلال بحملها) بهظني
ص :249
بالباء الموحدة والظاء المعجمة أي أثقلني (شاكيا بثي إليك) البث بالباء الموحدة والثاء المثلثة الهم الذي لا تصبر على كتمانه فتبثه أي تظهره (من تنفيس الغم) أي ازالته (وادللني برأفتك على سمت المنهج) ادللني على وزن اشكرني والسمت الجهة والمنهج الطريق (وازلقني بقدرتك عن الطريق الأعوج) أزلقني بالزاي والقاف أي أي أبعدني (وطل علي برضوانك) بضم الطاء أي تفضل علي به (واشدد بالإقالة أزري) الأزر بفتح الهمزة وإسكان الزاء القوة (كربت معادن حديد الدنيا) كربت بالراء المهملة والباء الموحدة كحفرت معنى ووزنا (بأشفار عيني) أشفار جمع شفرة بضم الشين المعجمة وإسكان الفاء طرف الجفن الذي ينبت عليه الشعر (وأستظل بفيئك) أي التجئ إليك وهو كناية مشهورة (والحاحا) بالحائين المهملتين المبالغة في الطلب (والحافا) بالحاء المهملة والفاء بمعنى الالحاح (وتضرعا وتملقا) التضرع التذلل والتملق يطلق تارة على التودد والتلطف والخضوع التي يطابق فيها اللسان الجنان وهذا هو المراد هنا وأخرى على اظهار هذه الأمور باللسان مع مخالفة الجنان كما يفعله (1) أكثر أبناء الزمان نعوذ بالله منه (فصل) وبعد فراغك
ص :250
من الركعات الثمان تقوم إلى ركعتي الشفع ومفردة الوتر وأفضل أوقاتها ما بين الفجرين كما مر ذكره في الباب الأول عند ذكر الفجر الصادق والكاذب من ورود الرواية بذلك عن أمير المؤمنين عليه السلام (واعلم) أن الشائع على السنة المتأخرين أطلق الوتر على الركعة الثالثة وحدها لا على مجموع الثلاث والشائع في الأحاديث الواردة عن أصحاب العصمة سلام الله عليهم عكس ذلك (كما رواه) شيخ الطائفة في التهذيب بسند صحيح عن الصادق عليه السلام أن أباه الباقر عليه السلام كان يقرأ في الوتر بقل هو الله أحد في ثلاثهن (وكما رواه) فيه بسند موثق عنه عليه السلام أنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي ثمان ركعات الزوال وأربعا الأولى والثمان بعدها وأربعا العصر وثلاثا المغرب وأربعا بعد المغرب والعشاء الآخرة أربعا وثماني صلاة الليل وثلاثا الوتر وركعتي (1) الفجر وصلاة الغداة ركعتين الحديث (وكما رواه) رئيس المحدثين بسند صحيح عن حفص بن سالم الحناط قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لا بأس أن يصلي الرجل ركعتين من الوتر ثم ينصرف فيقضي حاجته ثم يرجع فيصلي ركعة إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة وأما اطلاق الوتر على الثالثة وحدها فهو في
ص :251
الأحاديث قليل جدا لكنه كثير في عبارات متأخري علمائنا قدس الله أرواحهم وأما القدماء فأكثر ما يعبرون عنها بمفردة الوتر كما عبر عنها شيخ الطائفة في الصباح وغيره ومن هذا يظهر أن من نذر صلاة الوتر الموظفة لم يخرج عن العهدة بيقين إلا بالإتيان بالثلاث إنما ذكره الشيخ الجليل أبو علي الطبرسي عطر الله مر قده في كتاب مجمع البيان من تعليل تسميته الفاتحة بالسبع المثاني (1) بأنها تثنى قراءتها في كل صلاة فرض ونقل كلام مستقيم خال عن القصور وإنما أورد عليه من انتقاض هذه الكلية بصلاة الوتر (2) غير وارد والله أعلم (وتقرأ) في كل من ركعتي الشفع بعد الحمد التوحيد (وإن شئت) فاقرأ أولى المعوذتين (3) في إحديهما والأخرى في الأخرى فإذا سلمت فادع بهذا الدعاء
ص :252
(إلهي) تعرض لك في هذا الليل المتعرضون وقصدك فيه القاصدون وأمل فضلك ومعروفك الطالبون ولك في هذا الليل نفحات وجوائز وعطايا ومواهب تمن بها على من تشاء من عبادك وتمنعها من لم تسبق له العناية منك وها أنا ذا عبدك الفقير إليك المؤمل فضلك ومعروفك فإن كنت يا مولاي تفضلت في هذه الليلة على أحد من خلقك وعدت عليه بعائدة من عطفك فصل على محمد وآله الطيبين الطاهرين الخيرين الفاضلين وجد علي بطولك ومعروفك يا رب العالمين وصلى الله على محمد خاتم النبيين وآله الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا إن الله حميد مجيد (اللهم) إني أدعوك كما أمرت فاستجب لي كما وعدت إنك لا تخلف الميعاد (ثم قم) إلى مفردة الوتر وتوجه بالتكبيرات السبع والأدعية الثلاثة
ص :253
وتقرأ فيها بعد الحمد التوحيد ثلاثا والمعوذتين ثم ترفع يديك وتقنت وأنت تبكي أو تتباكى (بما رواه رئيس المحدثين في الفقيه بسند صحيح عن معروف بن خربوذ عن أحدهما أعني الباقر أو الصادق عليهما السلام قال قل في قنوت الوتر لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن (1) ورب العرش العظيم (اللهم) أنت الله نور السماوات والأرض وأنت الله زين السماوات والأرض وأنت الله جمال السماوات والأرض وأنت الله عماد السماوات والأرض وأنت الله قوام السماوات والأرض وأنت الله صريخ المستصرخين وأنت الله غياث المستغيثين وأنت الله المفرج عن المكروبين وأنت الله المروح عن المغمومين وأنت الله مجيب دعوة المضطرين وأنت الله إله العالمين وأنت
ص :254
الله الرحمن الرحيم وأنت الله كاشف السوء وأنت الله بك تنزل كل حاجة يا الله ليس يرد غضبك إلا حلمك ولا ينجي من عقابك إلا رحمتك ولا ينجي منك إلا التضرع إليك فهب لي من لدنك يا إلهي رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك بالقدرة التي أحييت بها (1) جميع ما في البلاد وبها تنشر ميت العباد لا تهلكني غما حتى تغفر لي وترحمني وتعرفني الإجابة (2) في دعائي وارزقني العافية إلى منتهى أجلي وأقلني عثرتي ولا تشمت بي عدوي ولا تمكنه من رقبتي (اللهم) (3) إن رفعتني فمن ذا الذي يضعني وإن وضعتني فمن ذا الذي يرفعني وإن أهلكتني فمن ذا الذي يحول بينك وبيني أو يتعرض لك في شئ من أمري وقد علمت أن ليس في حكمك ظلم ولا في نقمتك عجلة وإنما يعجل من
ص :255
يخاف الفوت وإنما يحتاج إلى الظلم الضعيف وقد تعاليت عن ذلك يا إلهي فلا تجعلني للبلاء غرضا ولا لنقمتك نصبا ومهلني ونفسني وأقلني عثرتي ولا تتبعني ببلاء على أثر بلاء فقد ترى ضعفي وقلة حيلتي أستعيذ بك الليلة فأعذني وأستجير بك من النار فأجرني وأسألك الجنة فلا تحرمني (ثم ادع الله بما أحببت) واستغفر الله سبعين مرة هذا آخر الحديث (ويستحب أن تدعوا لأربعين من إخوانك فصاعدا فتقول (اللهم) اغفر لفلان وفلان إلى آخرهم (ثم تقول) أستغفر الله ربي وأتوب إليه سبعين مرة (وينبغي) أن تعد الاستغفار بيدك اليمنى وتنصب يدك اليسرى (1) (رواه رئيس المحدثين) في الفقيه بسند صحيح ولو بلغت بالاستغفار المائة كان أفضل (ثم تقول) سبع مرات أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم لجميع ظلمي وجرمي وإسرافي على نفسي وأتوب إليه (ثم تقول)
ص :256
رب أسأت وظلمت نفسي وبئس ما صنعت وهذه يداي يا رب جزاء بما كسبت وهذه رقبتي خاضعة لما أتيت وها أنا ذا بين يديك فخد لنفسك من نفسي الرضا حتى ترضى لك العتبي ألا أعود (ثم تقول) العفو العفو ثلاثمائة مرة (ثم تقول) رب اغفر لي و (1) ارحمني وتب على إنك أنت التواب الرحيم ويستحب لك التطويل في قنوتك فتضيف له ما تقدم ذكره في الركعات الثمان وإن اتسع الوقت فأضف إلى ذلك ما كان يدعوا به سيد العابدين عليه السلام في قنوته (كما رواه) رئيس المحدثين في كتاب الأمالي سيدي سيدي هذه يداي قد مددتهما إليك بالذنوب مملوءة وعيناي بالرجاء ممدودة وحق بمن دعاك بالندم تذللا أن تجيبه بالكرم تفضلا سيدي أمن أهل الشقاء
ص :257
خلقتني فأطيل بكائي أم من أهل السعادة خلقتني فأبشر رجائي سيدي الضرب المقامع خلقت أعضائي أم لشرب الحميم خلقت أمعائي سيدي لو أن عبدا استطاع الهرب من مولاه لكنت أول الهاربين منك لكني أعلم أني لا أفوتك سيدي لو أن عذابي مما يزيد في ملكك لسألتك الصبر عليه غير أني أعلم أنه لا يزيد في ملكك طاعة المطيعين ولا ينقص منه معصية العاصين سيدي ما أنا وما خطري هب لي بفضلك وجللني بسترك واعف عن توبيخي بكرم ووجهك إلهي وسيدي ارحمني مصروعا على الفراش تقلبني أيدي أحبتي وارحمني مطروحا على المغتسل يغسلني صالح جيرتي وارحمني محمولا قد تناول الأقرباء أطراف جنازتي وارحم في ذلك البيت المظلم وحشتي وغربتي ووحدتي وإن ضاق الوقت عن تطويل القنوت فلك الاقتصار على ما شئت مما
ص :258
يسعه الوقت ومن الأدعية المختصرة التي يحسن القنوت بها في السعة والضيق في الوتر وغيرها (اللهم) إن كثرة الذنوب تكف أيدينا عن انبساطها إليك بالسؤال والمداومة على المعاصي تمنعنا عن ( ) التضرع والابتهال والرجاء يحثنا على سؤالك يا ذا الجلال والإكرام فإن لم يعطف السيد على عبده فممن يبتغي النوال فلا تردا كفنا المتضرعة إليك إلا ببلوغ الآمال وصلى الله على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطاهرين فإذا فرغت من القنوت فاركع وتقول بعد رفع رأسك من الركوع هذا مقام من حسناته نعمة منك وسيئاته بعمله وذنبه عظيم وشكره قليل (إلهي) طموح الآمال قد خابت إلا لديك معا كف الهمم قد تقطعت إلا عليك ومذاهب العقول قد سمت إلا إليك فإليك الرجاء
ص :259
وإليك الملتجأ يا أكرم مقصود ويا أجود مسؤول هربت إليك تنفي يا ملجأ الهاربين بأثقال الذنوب أحملها على ظهري وما أجد لي إليك شافعا سوى معرفتي بأنك أقرب من رجاه الطالبون ولجأ إليه المضطرون وأمل ما لديه الراغبون يا من فتق العقول بمعرفته وأطلق الألسن بحمده وجعل ما امتن به على عباده كفاء لتأدية حقه صل على محمد وآله ولا تجعل للهموم (1) على عقلي سبيلا ولا للباطل على عملي دليلا برحمتك يا أرحم الراحمين (ثم تسجد السجدتين) وتتشهد فإذا سلمت فسبح تسبيح الزهراء عليها السلام ثم تدعو بهذا الدعاء المعروف بدعاء الحزين أناجيك يا موجود في كل مكان الملك سمع ندائي فقد عظم جرمي وقل حيائي مولاي يا مولاي أي
ص :260
الأهوال أتذكر وأيها أنسى ولو لم يكن إلا الموت لكفى كيف وما بعد الموت أعظم وأدهى مولاي يا مولاي حتى متى وإلى متى أقول لك العتبي مرة بعد أخرى ثم لا تجد عندي صدقا ولا وفاء فيا غوثاه ثم وا غوثاه بك يا الله من هوى قد غلبني ومن عدو قد استكلب علي ومن دنيا قد تزينت لي ومن نفس أمارة بالسوء إلا ما رحم ربي مولاي يا مولاي إن كنت رحمت مثلي فارحمني وإن كنت قبلت مثلي فاقبلني يا قابل السحرة اقبلني يا من لم أزل أتعرف منه الحسنى يا من يغديني بالنعم صباحا ومساء ارحمني يوم آتيك فردا شاخصا إليك بصري مقلدا عملي قد تبرأ جميع الخلق مني نعم وأبي وأمي ومن كان له كدي وسعيي فإن لم ترحمني فمن يرحم في القبر وحشتي ومن ينطق لساني إذا خلوت بعملي وسألتني
ص :261
عما أنت أعلم به مني فإن قلت نعم فأين المهرب من عدلك وإن قلت لم أفعل قلت ألم أكن الشاهد عليك فعفوك عفوك يا مولاي قبل (1) سرابيل القطران عفوك عفوك يا مولاي قبل أن تغل الأيدي إلى الأعناق يا أرحم الراحمين وخير الغافرين (ثم تسجد وتقول) (اللهم) صل على محمد وآله وارحم ذلي بين يديك وتضرعي إليك ووحشتي من الناس وأنسي بك يا كريم يا كائنا قبل كل شئ يا مكون كل شئ يا كائنا بعد كل شئ لا تفضحني فإنك بي عالم ولا تعذبني فإنك علي قادر (اللهم) إني أعوذ بك من كرب الموت ومن سوء المرجع في القبور ومن الندامة يوم القيامة أسألك عيشة هنيئة وميتة سوية ومنقلبا كريما غير مخذولا فاضح (اللهم) مغفرتك أوسع من ذنوبي ورحمتك
ص :262
أرجى عندي من عملي فصل على محمد وآل محمد واغفر لي يا حيا لا يموت (توضيح) (تعرض لك) أي تصدى لطلب عفوك واحسانك الفقرة الثانية والثالثة كالمفسرة للفقرة الأولى (وعدت عليه بعائدة من عطفك) عدت بضم العين المهملة وبعدها دال مهملة يقال عاد عليه بعائدة تكرم عليه بكرمه (وجد علي بطولك) الطول بفتح الطاء المهملة الفضل والغنى والقدرة (وأنت الله عماد السماوات والأرض) عماد الشئ بالكسر ما يقوم ويثبت به الشئ لولاه لسقط وزال (وأنت الله قوام السماوات والأرض) قوام الشئ بالكسر عماده فهذه الفقرة كالمفسرة لما قبلها وهو من قبيل قوله تعالى (إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا) وهو دليل سمعي على احتياج الباقي في البقاء إلى علة مبقية (وأنت الله الروح) بالراء والحاء المهملتين اسم فاعل قريب من معنى الفرج بالجيم (ولا تجعلني للبلاء غرضا) الغرض بالغين المعجمة والراء المفتوحتين الهدف (ولا لنقمتك نصبا) النصب بالنون والصاد المهملة المفتوحتين قريب من معنى الغرض (1) (ولا تتبعني ببلاء على أثر بلاء) تتبع
ص :263
على وزن تكرم وأثر بكسر الهمزة وفتحها وإسكان الثاء الثلاثة يقال خرجت على أثره أي بعده بقليل (لك العتبي) بضم العين المهملة وإسكان التاء (1) الفوقانية بمعنى المؤاخذة والمعنى أنت حقيق بأن تؤاخذني بسوء أعمالي (أم من أهل السعادة خلقتني فأبشر رجائي) أبشر بالباء الموحدة وتشديد الشين المعجمة من البشارة والكلام استعارة وربما يقرأ بالنون الساكنة والشين المعجمة المضمومة أي أبسط رجائي وأكثره (أم لضرب المقامع خلقت أعضائي) المقامع جمع مقمعة بكسر الميم وإسكان القاف شئ كالعمود يضرب به قال الله تعالى في صفة عذاب أهل النار ولهم مقامع من حديد (أم لشرب الحميم خلقت أمعائي) الحميم الماء الشديد الحرارة والأمعاء جمع معا بالكسر والقصر وهو ما ينتقل إليه الطعام بعد المعدة والظاهر أن المراد بالأمعاء هنا ما يشمل المعدة وسائر الأحشاء أيضا (ما أنا وما خطري) الخطر بالخاء المعجمة والطاء والراء المهملة المفتوحتين القدر والنزلة والاستفهام للتحقير (ارحمني مصروعا) بالمهملات أي ملقا على الأرض (إلهي طموح
ص :264
الآمال قد خابت إلا لديك) طموح بالطاء المهملة المضمومة وآخره حاء مهملة جمع طامح كقعود جمع قاعد من طمح بمعنى ارتفع والمراد أن الآمال الطامحة أي المرتفعة العظيمة قد خابت إلا آمالنا العظيمة عندك كالعفو عن ذنوبنا التي استوجبنا بها أليم العقاب وادخالنا الجنة تفضلا من غير استيجاب (ومعا كف الهمم قد تقطعت إلا عليك) المعاكف جمع معكف وهو مصدر بمعنى العكوف أي الإقامة والمراد أن عكوفات الهمم وإقاماتها على باب كل أحد في طلب الاحسان منه قد تقطعت وخابت إلا عكوفاتها على باب جودك واحسانك (ومذاهب العقول قد سمت (1) إلا إليك) المذاهب الطرق وتطلق على الآراء أيضا وسمى إلى الشئ ارتفع إليه والمراد أن طرق العقول والآراء قد ارتفعت إلى الأشياء أما إليك فقد قصرت عن الارتقاء وضلت في بيداء العظمة الكبرياء (وجعل ما امتن به على عباده كفؤا لتأدية حقه) أي جعل تكليفنا بعبادته مكافيا لأداء حق نعمائه مع أن تكليفنا بعبادته وتشريفنا بخدمته وجعلنا أهلا للقيام بها لطفا جزيلا بنا ومنة عظيمة علينا ألا ترى أن
ص :265
الملك العظيم إذا شرف شخصا بخدمته وجعله أهلا لمخاطبته فإن ذلك الشخص يعد ذلك من عظيم ألطاف ذلك الملك به وجزيل منته عليه فهو سبحانه لوفور كرمه جعل بعض نعمائه التي من بها علينا ووفقنا لها شكرا ومكافأة منا لبعض نعمائه الأخرى ومع ذلك قد وعدنا عليها ثوابا جزيلا في الآخرة فسبحانه سبحانه ما أعلا شأنه وأعظم امتنانه (ومن عد وقد استكلب علي) أي وثب علي وفيه تشبيه له بالكلب وربما يقال أن فيه إشارة إلى أن عداوته على الأمور الدنيوية فإن الدنيا جيفة وطالبوها كلاب (قبل سرابيل القطران) تلميح إلى قوله تعالى (وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد سرابيلهم من قطران) والسرابيل جمع سربال وهو القميص (والقطران) بكسر الطاء عصارة شديدة النتن والحدة يطلى بها الجمل الأجرب فتحرق جربه لحدتها ومن شأنها أن تشتعل النار فيما يطلى بها بسرعة (روي) أنه يطلى بها جلود أهل النار إلى أن تصير لهم بمنزلة القمصان فيجتمع عليهم لدغها وحدتها مع احتراق النار نعوذ بالله من ذلك (وميتة سوية) بكسر الميم والمراد بالميتة السوية الموت بعد حصول الاستعداد لنزوله والتهيؤ لحلوله من تقديم التوبة وقضاء الفوائت والخروج من حقوق الناس المالية والعرضية وغيرها
ص :266
(فصل) وبعد فراغك من مفردة الوتر وما يتعلق بها تقوم إلى ركعتي الفجر وتسميان الدساستين لدسهما في صلاة الليل (كما رواه) شيخ الطائفة في التهذيب بسند صحيح عن الرضا عليه السلام أنه قال احشوا بهما صلاة الليل والظاهر امتداد وقتهما إلى طلوع الحمرة كما تضمنه بعض الروايات (وكما قال) جماعة من علمائنا قدس الله تعالى أرواحهم وأن أفضل أوقاتهما ما بين طلوع الفجرين وتقرأ في الأولى بعد الحمد سورة الجحد وفي الثانية التوحيد فإذا سلمت فاضطجع على يمينك مستقبل القبلة كالملحود وضع خدك الأيمن على يدك اليمنى وقل استمسكت بعروة الله الوثقى التي لا انفصام لها واعتصمت بحبل الله المتين وأعوذ بالله من شر فسقة العرب والعجم ومن شر فسقة الجن والإنس ربي الله ربي الله ربي الله آمنت بالله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شئ قدرا حسبي الله ونعم الوكيل (اللهم) من أصبح وله حاجة إلى مخلوق فإن حاجتي
ص :267
ورغبتي إليك وحدك لا شريك لك لك الحمد الحمد الله رب الصباح الحمد لله فالق الإصباح الحمد لله ناشر الأرواح الحمد لله قاسم المعاش الحمد لله جاعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم (اللهم) صل على محمد وآل محمد واجعل في قلبي نورا وفي بصري نورا وعلى لساني نورا ومن بين يدي نورا ومن خلفي نورا وعن يميني نورا وعن شمالي نورا ومن فوقي نورا ومن تحتي نورا وأعظم لي النور واجعل لي نورا أمشي به في الناس ولا تحرمني نورك يوم القيامة (ثم اقرأ) أيد الكرسي والمعوذتين والخمس من آل عمران (إن في خلق السماوات والأرض إلى قوله إنك لا تخلف الميعاد) (ثم تجلس) وتسبح تسبيح الزهراء عليها السلام (ثم تقول مائة مرة) سبحانه ربي العظيم وبحمده أستغفر الله ربي وأتوب إليه (ثم تقول سبع مرات)
ص :268
بسم الله الرحمن الرحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (ثم تسجد) سجدتي الكشر وتقول فيهما ما يسنح لك مما قدمناه وادع فيهما لإخوانك المؤمنين (فتقول) (اللهم) رب الفجر والليالي العشر والشفع والوتر والليل إذا يسر ورب كل شئ وإله كل شئ وخالق كل شئ ومليك كل شئ صل على محمد وآل محمد وافعل بي وبفلان وبفلان ما أنت أهله ولا تفعل بنا ما نحن أهله فإنك أهل التقوى وأهل المغفرة (فصل) وينبغي أن تدعو بعد فراغك من صلاة الليل أعني الثلاثة عشر ركعة بما كان يدعو به سيد العابدين عليه السلام وهو من أدعية الصحيفة الكاملة (اللهم) يا ذا الملك المتأبد بالخلود والسلطان الممتنع بغير جنود ولا أعوان والعز الباقي على مر الدهور وخوالي
ص :269
الأعوام ومواضي الأزمان والأيام عز سلطانك عزا لا حد له بأولية ولا منتهى له بآخرية واستعلى ملكك علوا سقطت الأشياء دون بلوغ أمده ولا يبلغ أذني ما استأثرت به من ذلك أقصى نعت الناعتين ضلت فيك الصفات وتفسخت دونك النعوت وحارت في كبريائك لطائف الأوهام كذلك أنت الله الأول في أوليتك وعلى ذلك أنت دائم لا تزول وأنا العبد الضعيف عملا الجسيم املأ خرجت من يدي أسباب الوصلات إلا ما وصلت رحمتك وتقطعت عني عصم الآمال إلا ما أنا معتصم به من عفوك قل عندي ما أعتد به من طاعتك وكثر (1) علي ما أبوء به من معصيتك ولن يضيق عليك عفو عن عبدك وإن أساء فاعف عني (اللهم) وقد أشرف على خفايا الأعمال علمك وانكشف كل مستور دون
ص :270
خبرك ولا تنطوي عنك دقائق الأمور ولا تغرب عنك غيبات (1) السرائر وقد استحوذ علي عدوك الذي استنظرك لغوايتي (2) فأنظرته واستمهلك إلى يوم الدين لإضلالي فأمهلته فأوقعني وقد هربت إليك من صغائر ذنوب موبقة وكبائر أعمال مردية حتى إذا قارفت معصيتك واستوجبت بسوء سعيي سختطك (3) فتل عني عذار (4) غدره وتلقاني بكلمة كفره وتولى البراءة مني وأدبر موليا عني فأسحرني لغضبك فريدا وأخرجني إلى فناء نقمتك طريدا لا شفيع يشفع لي إليك ولا خفير يؤمنني عليك ولا حصن يحجبني عنك ولا ملاذ ألجأ إليه منك فهذا مقام العائد بك ومحل المعترف لك فلا يضيقن عني فضلك ولا
ص :271
يقصرن (1) دوني عفوك ولا أكن أخيب عبادك التائبين ولا أقنط وفودك الآملين واغفر لي إنك خير الغافرين (اللهم) إنك أمرتني فتركت ونهيتني فركبت وسول لي الخطايا (2) خاطر السوء ففرطت ولا استشهد على صيامي نهارا ولا أستجير بتهجدي ليلا ولا تثني علي بإحياءها سنة حاشا فروضك التي من ضيعها هلك ولست أتوسل إليك بفضل نافلة مع كثير ما أغفلت من وظائف فروضك وتعديت عن مقامات حدودك إلى حرمات انتهكتها وكبائر ذنوب اجترحتها كانت عافيتك لي من فضائحها سترا وهذا مقام من استحيا لنفسه منك وسخط عليها ورضي عنك فتلقاك (3) بنفس خاشعة ورقبة خاضعة وظهر مثقل من الخطايا واقفا بين الرغبة إليك والرهبة منك وأنت أولى من رجاه وأحق من
ص :272
خشيه واتقاه فاعطني يا رب ما رجوت وآمني ما (1) حذرت وعد علي بعائدة رحمتك إنك أكرم المسؤولين (اللهم) وإذ سترتني بعفوك وتغمدتني بفضلك في دار الفناء بحضرة الأكفاء فأجرني من فضيحات دار البقاء عند مواقف الأشهاد من الملائكة المقربين والرسل المكرمين والشهداء والصالحين وكم من جار كنت أكاتمه سيئاتي ومن ذي رحم كنت أحتشم منه في سريرتي لم أثق بهم رب في الستر ووثقت بك رب في المغفرة لي وأنت أولى من وثق به وأعطى (2)
ص :273
من رغب إليه وأرأف من استرحم فارحمني (اللهم) وأنت حدرتني ماء مهينا من صلب متضائق العظام حرج المسالك إلى رحم ضيقة سترتها بالحجب تصرفني فيها حالا عن حال حتى انتهيت بي إلى تمام الصورة وأثبت في الجوارح كما نعت في كتابك نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما ثم كسوت العظام لحا ثم أنشأتني خلقا آخر كما شئت حتى إذا احتجت إلى رزقك ولم استغن عن غياث فضلك جعلت لي قوتا من فضل طعام وشراب أجريته لأمتك التي أسكنتني جوفها وأودعتني قرار رحمها ولو تكلني يا رب في تلك الحالات إلى حولي أو تضطرني إلى قوتي لكان الحول عني معتزلا ولكانت القوة مني بعيدة فغذوتني بفضلك غذاء البر اللطيف تفعل ذلك بي تطولا علي إلى غايتي هذه
ص :274
لا أعدم برك ولا يبطئ بي (1) حسن صنيعك ولا تتأكد مع (2) ذلك ثقتي فأتفرغ لما هو أحظى لي عندك قد ملك الشيطان عناني في سوء الظن وضعف اليقين فأنا أشكو سوء مجاورته لي وطاعة نفسي له وأستعصمك من ملكته (3) وأتضرع إليك في أن تسهل إلى رزقي سبيلا فلك الحمد على ابتدائك بالنعم الجسام والهامك الشكر على الإحسان والإنعام فصل على محمد وآله وسهل علي رزقي وأن تقنعني بتقديرك لي وأن ترضيني بحصتي فيما قسمت لي وأن تجعل ما ذهب من
ص :275
جسمي وعمري في سبيل طاعتك إنك خير الرازقين (اللهم) إني أعوذ بك من نار تغلظت بها على من عصاك وتوعدت بها من صدف عن رضاك ومن نار نورها ظلمة وهينها أليم وبعيدها قريب ومن نار يأكل بعضها بعض ويصول بعضها على بعض ومن نار تذر العظام رميما وتسقي أهلها حميما ومن نار لا تبقي على من تضرع إليها ولا ترحم من استعطفها ولا تقدر لي التخفيف عمن خشع لها واستسلم إليها تلقى سكانها بأحر ما لديها من أليم النكال وشديد الوبال وأعوذ بك من عقاربها الفاغرة أفواهها وحياتها الصالفة بأنيانها وشرابها الذي يقطع أمعاء وأفئدة سكانها وينزع قلوبهم وأستهديك لما باعد منها وأخر عنها (اللهم) صل على محمد وآله وأجرني منها بفضل رحمتك وأقلني عثراتي بحسن إقالتك ولا تخذلني يا خير المجيرين إنك تقي الكريهة وتعطي
ص :276
الحسنة وتفعل ما تريد وأنت على كل شئ قدير (اللهم) صل على محمد وآله إذا ذكر الأبرار وصل على محمد وآله ما اختلف الليل والنهار صلاة لا ينقطع مددها ولا يحصى عددها صلاة تشحن الهواء وتملأ الأرض والسماء وصلى الله عليه حتى يرضي وصلى الله عليه وآله بعد الرضا صلاة لا حد لها ولا منتهى (يا أرحم الراحمين) (توضيح) السلطان) كما مر في ذيل تعقيب الصبح مصدر كغفران بمعنى التسلط (وخوالي الأيام) بالخاء المعجمة أي مواضيها من إضافة الصفة إلى الموصوف (استعلى ملك) الاستفعال هنا بمعنى الفعل أي على (وتفسخت دونك النعوت) تفسخت بالفاء والسين المهملة والخاء المعجمة أي تقطعت وبطلت فإنك فوق نعت الناعتين (خرجت من يدي أسباب الوصلات) بالصاد المهملة جمع وصله بضم الواو وهي ما يتوصل به إلى المطلوب والمراد أنه قد فاتتني الأسباب التي يتوصل بها إلى السعادات الأخروية إلا السبب الذي هو رحمتك فإنه لا يفوت من أحد (وتقطعت عني عصم الآمال) العصم بكسر العين المهملة جمع عصمة وقد تقدم تفسيرها
ص :277
(ما أبوء به من معصيتك) أبوء بالباء الموحدة وآخره همزة بمعنى أقر وأرجع (فتل عني عذار غدره) فتل بالفاء والتاء المثناة الفوقانية أي صرف والمراد بالعذار بكسر العين المهملة بعدها ذال معجمة ما يقع على خد الفرس من اللجام والرسن والكلام استعارة والمراد أن الشيطان بعد حصول مراده من إيقاعه لي في المعصية بالحيلة والغدر يصرف عني عنان غدره حيث حصل مني مراده (وتلقاني بكلمة كفره) إشارة إلى ما حكاه سبحانه عنه بقوله تعالى إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني برئ منك (فأصحرني لغضبك) أصحرني بالصاد والحاء المهملتين أخرجني إلى الصحراء والمراد هنا جعلني تائها في بيداء الضلال متصديا لحلول غضبك علي (ولا خفير يؤمنني عليك) الخفير بالخاء المعجمة والفاء بمعنى المانع والمجير (إلى حرمات انتهكتها) بالنون والتاء الفوقانية أي بالغت فيها (وكبائر ذنوب اجترحتها) أي اكتسبتها قد قدمنا في الباب الأول ما يحمل عليه أمثال هذا الكلام إذا صدر من المعصوم عليه السلام (بحضرة الأكفاء) أي بحضور الأمثال والأشباه كنت احتشم منه أي استحيي منه (حدرتني ماء
ص :278
مهينا) بفتح الميم أي محقورا (حرج المسالك) بالحاء المهملة المفتوحة والراء المسكورة وآخره جيم صفة مشبه من الحرج بفتحتين وهو الضيق (نطفة ثم علقة) نصب النطفة والمعطوفات عليها لما على حكاية ما وقع في القرآن المجيد أو على اضمار عامل كخلقني ونحوه فالنطفة مأخوذة من النطف هو الصب والعلقة قطعة جامدة من الدم وهي أول ما يستحيل إليه النطفة (ثم مضغة) أي قطعة من اللحم وهي في أصل بقدر ما يمضغ (ثم عظاما) بتصليب بعض أجزاء المضغة (1) والإتيان بصيغة الجمع لاختلاف العظام في الهيئة والصلابة (ثم كسوت العظام لحما) أما مما بقي من المضغة أو لحما جديدا (ثم أنشأتني خلقا آخر) وهو صورة البدن ونفخ الروح فيه وهذا الكلام منه عليه السلام إشارة إلى ما تضمنه (قوله تعالى) ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم
ص :279
أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين (من فضل طعام وشراب أجريته لأمتك) النضل بمعنى الفضلة والمراد به هنا دم الحيض فإن بعضه يصير غذاء للحمل ما دام في الرحم وبعضه يصعد إلى الثديين ويستحيل لبنا ليصير غذاء له إذا خرج (وأستعصمك من ملكته) بالفتحات أي تملكه إياي واسترقاقه لي (من صدف عن رضاك) صدف بالصاد والدال المهملتين والفاء بمعنى خرج وأعرض (من أليم النكال) تقدم تفسير النكال (الفاغرة أفواهها) فغر فاه بالفاء والغين المعجمة والراء أي فتحه (الصالقة بأنيابها) صلق بالصاد المهملة وآخره قاف كضرب وزنا ومعنى (صلاة تشحن الهواء) بالشين المعجمة والحاء المهملة بمعنى تملأ (حتى يرضى) بصيغة الغائب والضمير للنبي صلى الله عليه وآله وفيه إشارة إلى ما وعده به سبحانه بقوله جل شأنه ولسوف يعطيك ربك فترضى وفي بعض الأحاديث عن أصحاب العصمة سلام الله عليهم أنه صلى الله عليه وآله لا يرضى وواحد من أمته في النار وأن هذه الآية أبلغ في الرجاء من آية
ص :280
لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم (خاتمة) ينبغي للمصلي ملاحظة معاني أذكار الصلاة وأدعيتها وتعقيباتها وما يقرأ فيها وأن لا يكون ذكره ودعاؤه وقراءته مجرد تحريك اللسان من غير ملاحظة المعاني المقصودة منها فيكون حاله كحال العربي إذا تلفظ بكلام الفارسي من غير شعور بمعاني ما يتلفظ به أو كحال الساهي أو المصروع إذا تكلم بشئ من دون أن يخطر معناه بباله ويكفي تنبيه الصلي وحثه على ملاحظة معاني ما يقول في الصلاة قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون (وروى رئيس المحدثين) عن الصادق عليه السلام أنه قال من صلى ركعتين يعلم ما يقول فيهما انصرف وليس بينه وبين الله ذنب إلا غفر له ونحن بتوفيق الله تعالى قد بينا في الأبواب السالفة (1) ما يحتاج إلى البيان وشرحنا ما يفتقر إلى الشرح من أذكار الصلاة
ص :281
وبعض ما يقرأ فيها ويتلى بعدها من التعقيبات وقد ختمنا كتابنا هذا بتفسير الفاتحة رجاء لحسن الخاتمة وليكون جميع ما يقال في الصلاة وقلبها وبعدها مما ذكرناه في هذا الكتاب مفسرا مشروحا سهل التناول على أخوان الدين وخلان اليقين (وعلى الله أتوكل وبالله أستعين) بسم الله الرحمن الرحيم (الباء) أما للاستعانة أو للمصاحبة وقد ترجح الأولى باشعارها بكون ذكر الاسم الكريم عند ابتداء الفعل وسيلة إلى وقوعه على الوجه الأكمل الأتم حتى كأنه لا يتأتى ولا يوجد بدون التبرك بذكره والمصاحبة عرية عن ذلك الاشعار وأما متعلق الباء فمقدر خاص أو عام فعل أو اسم مؤخر أو مقدم وأولى هذه الثمانية أولها أعني الخاص الفعلي المؤخر إذ العام المطلق الابتدائي يوهم بظاهره قصر الاستعانة على ابتداء الفعل فيفوت شمولها لجملته (1) والخاص الاسمي كقراءتي مثلا يوجب زيادة تقدير بإضمار خبره إذ تعلق الظرف به يمنع جعله خبرا عنه والمقدم كاقرأ بسم الله يفوت معه
ص :282
قصر الاستعانة على اسمه جل وعلا والله اسم علم شخصي للذات المقدسة الجامعة لصفات الكمال لا اسم لمفهوم واجب الوجود وإلا لم يكن كلمة لا إله إلا الله مفيدة للتوحيد لاحتمال تعدد أفراد ذلك المفهوم في اعتقاد قائلها والمعارضة بأنه لو كان كذلك لم يكن (قل هو الله أحد) مفيدا للتوحيد لجواز كونه علما لأحد أفراد الواجب مع عدهم السورة من الدلائل السمعية على التوحيد مدفوعة بأن الواحدية تستفاد من آخرها وأما صدرها فيفيد الأحدية أعني عدم قبول القسمة بأنحائها (والرحمن الرحيم) صفتان مشبهتان من رحم بالكسر بعد نقله إلى رحم بالضم والرحمن أبلغ لدلالة زيادة المباني على زيادة المعاني وهي هنا (أما باعتبار الكمية) وعليه حملوا ما ورد في الدعاء يا رحمن الدنيا ويا رحيم الآخرة لشمول رحمة الدنيا للمؤمن والكافر واختصاص رحمة الآخرة بالمؤمن (وأما باعتبار الكيفية) وعليه حملوا ما ورد في الدعاء أيضا يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا لجسامة نعم الآخرة بأسرها بخلاف نعم الدنيا فمعنى الرحمن البالغ في الرحمة غايتها فلهذا اختص به سبحانه ولم يطلق على غيره لأنه هو المتفضل حقيقة وأما من عداه فطالب بإحسانه إما ثناء دنيويا أو ثوابا أخر ويا أو إزالة رقة الجنسية أو إزاحة خساسة البخل ثم هو كالواسطة فإن ذات
ص :283
النعمة وسوقها إلى المنعم واقداره على ايصالها كلها صادرة عنه جل شأنه وعظم امتنانه وتقديمه على الرحيم مع اقتضاء الترقي العكس لصيرورته بسبب الاختصاص به سبحانه كالواسطة بين العلم والوصف فناسب توسطه بينهما وفي ذكر هذه الأسماء في البسملة التي هي مفتتح الكتاب الكريم تأسيس لمباني الجود والكرم وتشييد لمعالم العفو والرأفة وإيماء إلى مضمون سبقت رحمتي غضبي وتنبيه على أن الحقيق بأن يستعان بذكره في مجامع الأمور هو الجامع لصفات الكمال البالغ في الرحمة غايتها المولي للنعم بأسرها عاجلها وآجلها جليلها وحقيرها (الحمد لله رب العالمين) (الحمد) هو الثناء على مزية اختيارية وأما حمده سبحانه على بعض صفاته فراجع إلى الحمد على الآثار المرتبة على نفس الذات المقدسة بناء على ما هو الحق من عينيتها لها وتلكك الآثار اختيارية ولامه إما جنسية أو استغراقية وعهدية أي حقيقة الحمد أو جميع أفراده أو الفرد الأكمل اللائق به ثابت له جل وعلا ثبوتا قصر يا كما تفيده لام الاختصاص ولو بمعونة المقام والرب إما مصدر بمعنى التربية وهي تبليغ الشئ كما له تدريجا وصف به للمبالغة كالعدل وإما صفة مشبهة من ربه يربه بعد نقله إلى اللازم كما مر في الرحمن وإضافة حقيقته لانتفاء عمل النصب فهو مثل كريم البلد فجاز
ص :284
وصف المعرفة مع أن المراد الاستمرار لا التجدد والعالم اسم لما يعلم به الشئ غلب في كل جنس مما يعلم به الصانع كما يقال عالم الأفلاك وعالم العناصر وعالم الحيوان وعالم النبات (الرحمن الرحيم) تكريرهما للاشعار في مفتتح الكتاب المجيد بأن اعتناءه جل شأنه بالرحمة أشد وأكثر من الاعتناء بقيد الصفات ولبسط بساط الرجاء بأن مالك يوم الجزاء (رحمن رحيم) فلا تيأسوا أيها المذنبون من صفحه عن ذنوبكم في ذلك اليوم الهائل (مالك يوم الدين) قراءة عاصم والكسائي وقرأ الباقون ملك وقد تؤيد الأولى بموافقة (قوله تعالى) يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله والثانية بوجوه خمسة (الأول) أنها أدخل في التعظيم (الثاني) أنها أنسب بالإضافة إلى يوم الدين كما يقال ملك العصر (الثالث) أنها أوفق (بقوله تعالى) لمن الملك اليوم لله الواحد القهار (الرابع) أنها أشبه بما في خاتمة الكتاب من وصفه سبحانه بالملكية بعد الربوبية فيناسب الافتتاح الاختتام (الخامس) أنها غنية
ص :285
عن توجيه وصف المعرفة بما ظاهره التنكير وإضافة اسم الفاعل إلى الظرف لاجرائه مجرى المفعول به توسعا والمراد مالك الأمور كلها في ذلك اليوم وسوغ وصف المعرفة (1) إرادة معنى المضي تنزيلا الحقق الوقوع منزلة أو إرادة الاستمرار الثبوتي وأما قراءة ملك فغنية عن التوحيد لأنها من قبيل كريم البلد والدين الجزاء ومنه قولهم كما تدين تدان وتخصيص يوم الدين بالإضافة مع أنه سبحانه ملك ومالك لك الأشياء في كل الأوقات لتعظيم ذلك اليوم ولأن الملك والملك حاصلين لبعض الناس في هذه النشأة بحسب الظاهر يزولان ويبطلان في ذلك اليوم بطلانا بينا وينفرد جل شأنه بهما انفرادا ظاهر أعلى كل أحد وفي ذكر هذه الصفات بعد اسم الذات الدال على استجماع صفات الكمال إشارة إلى أن من يحمده الناس ويعظمونه إنما يكون حمدهم وتعظيمهم له لأحد أمور أربعة إما لكونه كاملا في ذاته وصفاته وإما لكونه محسنا إليهم ومنعما عليهم وإما لأنهم يرجون الفوز في الاستقبال بجزيل إحسانه وجليل امتنانه وإما لأنهم يخافون من قهره وكمال قدرته وسطوته فكأنه جل وعلا (يقول) يا أيها الناس كنتم تحمدون وتعظمون للكمال الذاتي والصفاتي فإني
ص :286
أنا الله وإن كان للإحسان والتربية (فأنا رب العالمين) وإن كان للرجاء والطمع في المستقبل (1) (فأنا الرحمن الرحيم) وإن كان للخوف من كمال القدرة والسطوة (فأنا مالك يوم الدين) (إياك نعبد وإياك نستعين) العبادة أعلى مراتب الخضوع والتذلل ولذلك لا يليق بها إلا من هو مول لا على النعم وأعظمها من الوجود والحياة وتوابعها والاستعانة طلب المعونة على الفعل والمراد هنا طلب المعونة في المهمات بأسرها أو في أداء العبادات والقيام بوظائفها من الاخلاص التام وحضور القلب وفي الآية الكريمة أمور خمسة لا بد من بيان النكتة في كل منها (أولها) تقديم العبادة على الاستعانة (وثانيها) تقديم المعمول على العامل (وثالثها) تكرير لفظة إياك (ورابعها) إيثار صيغة المتكلم مع الغير على المتكلم وحده (وخامسها) الالتفات من الغيبة إلى الخطاب فنقول أما تقديم العبادة على الاستعانة فلعل النكتة فيه أمور سبعه (الأول) رعاية توافق الفواصل كلها في متلو الحرف الأخير وهذه النكتة إنما يستقيم على ما هو الأصح من كون البسملة آية من الفاتحة (2) (الثاني) أن العبادة مطلوبه سبحانه من العباد
ص :287
والإعانة مطلوبهم منه فناسب تقديم مطلوبه تعالى على مطلوبهم (الثالث) أن العبادة أشد مناسبة لما ينبئ عن الجزاء والاستعانة أقوى اتصالا بطلب الهداية فناسب إيلاء كل ما يناسبه (الرابع) أن المعونة التامة ثمرة العبادة كما يظهر من الحديث القدسي ما يتقرب إلي عبدي بشئ أحب (1) مما افترضت عليه وأنه ليتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت له سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها الحديث (الخامس) أن التخصيص بالعبادة أول ما يحصل به الإسلام وأما التخصيص بالاستعانة فإنما يحصل بعد الرسوخ التام في الدين فهو أحق بالتأخير (السادس) أن العبادة وسيلة إلى حصول الحاجة التي هي المعونة وتقديم الوسيلة على طلب الحاجة أدعى إلى الإجابة (السابع) أن المتكلم لما نسب إلى نفسه العبادة كان في ذلك نوع تبجح واعتداد بما يصدر عنه فعقبه بقوله وإياك نستعين يعني أن العبادة أيضا لا تتم ولا تستتب إلا بمعونتك وتوفيقك وأما تقديم مفعولي العبادة والاستعانة عليهما فلعل
ص :288
النكتة فيه أمور ثلاثة (الأول) قصرهما عليه سبحانه قصرا حقيقيا أو إضافيا أفراديا (الثاني) تقديم ما هو مقدم في الوجود (الثالث) الايماء إلى أن العابد والمستعين ينبغي أن يكون مطمح نظرهما أولا وبالذات هو الحق سبحانه على وتيرة ما رأيت شيئا إلا رأيت الله قبله ثم منه إلى أنفسهم لا من حيث ذواتها بل من حيث أنها ملاحظة له عز وجل ومنتسبة إليه ثم إلى أعمالهم من العبادة ونحوها لا من حيث صدورها عنهم بل من حيث أنها نسبة شريفة ووصلة لطيفة بينهم وبينه جل شأنه وأما تكرير الضمير فلعل النكتة فيه أمور أربعة (الأول) التنصيص على التخصيص بالاستعانة وإلا لاحتمل تقدر مفعولها مؤخرا فيفوت التنصيص (الثاني) رفع ما يتوهم من أن التخصيص إنما هو بمجموع الأمرين لا بكل واحد منهما (الثالث) الاستلذاذ بالخطاب (الرابع) بسط الكلام مع المحبوب كما في قول موسى على نبينا وعليه السلام هي عصاي أتوكأ عليها الآية والفرق بين الأخيرين جريان الثاني في ضمير الغيبة دون الأول وأما إيثار صيغة المتكلم مع الغير على المتكلم وحده فاعل النكتة فيه أمور أربعة (الأول) الارشاد إلى ملاحظة التمادي دخول الحفظة أو حضار صلاة الجماعة أو جميع حواسه وقواه الظاهرة والباطنة أو جميع ما حوته دائرة الإمكان
ص :289
واتسم بسمة (1) الوجود (كما قال سبحانه) وإن من شئ إلا يسبح بحمده (الثاني) الايذان بحقارة نفسه عن عرض العبادة منفردا وطلب الإعانة مستقلا من دون الانضمام والدخول في جملة جماعة يشار كونه في عرض العبادة على باب العظمة والكبرياء كما هو الدأب في عرض الهدايا علي الملوك ورفع الحوائج إليهم (الثالث) أن في خطابنا له عز وعلا بأن خضوعنا التام واستعانتنا في الهام منحصران فيه سبحانه مع خضوعنا الكامل لا هل الدنيا من الملوك والوزراء ومن يحذو حذوهم جرأة عظيمة وجسارة ظاهرة فعدل في الفعلين عن الافراد إلى الجمع لأنه يمكن أن يقصد حينئذ تغليب الأصفياء الخلص على غيرهم فيحترز بذلك عن الكذب الظاهر والتهور الشنيع (الرابع) أن هنا مسألة فقهية هي أن من باع أمتعة مختلفة صفقة واحدة وكان بعضها معيبا فإن المشتري لا يصح أن يقبل الصحيح ويرد المعيب بل إما يقبل الجميع أو يرد الجميع فكأن العابد أراد أن يحتال لقبول عبادته الناقصة المعيبة ويتوصل إلى نجاح حاجته فأدرج عبادته الناقصة المعيبة في عبادات غيره من الأولياء والمقربين وعرض الجميع صفقة واحدة على حضرة ذي الجود والافضال
ص :290
فهو عز شأنه أجل من أن المعيب ويقبل الصحيح كيف وقد نهى عباده عن تبعيض الصفقة ولا يليق بكرمه رد الجميع فلم يبق لا قبول الكل وفيه المطلوب وأما الالتفات من الغيبة إلى الخطاب فقد ذكرت له في تفسيري الموسوم بالعروة الوثقى أربع عشرة نكتة واقتصر هنا على ست نكات (الأول) التنبيه على أن القراءة ينبغي أن تكون عن قلب حاضر وتوجه كامل بحيث كلما أجرى القاري اسما من تلك الأسماء العليا والنعوت العظمى على لسانه أو نقشه على صفحة جنانه حصل للمطلوب مزيد انكشاف وانجلاء وأحس هو بتزايد قرب واعتلاء وهكذا شيئا فشيئا إلى أن يترقى من مرتبة البرهان إلى درجة الحضور والعيان فيستدعي المقام حينئذ العدول إلى صيغة الخطاب والجري على هذا النمط المستطاب (الثاني) أن من يبده هدية حقيرة معيبة وأراد أن يهديها إلى ملك عظيم ويجعلها وسيلة إلى نجاح حاجتة فإن عرضها بالمواجهة وطلب منه حاجته بالمشافهة كان ذلك أقرب إلى قبول الهدية ونجاح الحاجة من العرض بدون المواجهة فإن في رد الهدية في وجه المهدي لها كسرا عظيما لخاطره وأما ردها في الغيبة فليس بهذه المثابة (الثالث) الإشارة إلى أن حق الكلام أن يجري من أول الأمر على طريق (1) *
ص :291
الخطاب لأنه سبحانه حاضر لا يغيب بل هو أقرب من حبل الوريد ولكنه إنما جرى على طريق الغيبة والبعد عن مقام القرب والحضور رعاية لقانون الأدب لذي هو دأب السالكين وشعار العاشقين كما قيل طريق (1) العشق كلها آداب فلما حصل القيام بهذه الوظيفة جرى الكلام على ما كان حقه أن يجري عليه في ابتداء الذكر ففي الحديث القدسي أنا جليس من ذكرني (الرابع) التنبيه على علو مرتبة القرآن المجيد وسيما آياته المتضمنة لذكر الله عز شأنه والإرشاد (2) إلى أن العبد باجراء هذا القدر منه على لسانه ونقشه على صفحة جنانه يصير أهلا لمجلس الخطاب فائزا بسعادة الحضور والاقتراب فكيف لو لازم وظائف الأذكار وواظب على تلاوته وتدبر معانيه بالليل والنهار فلا ريب في ارتفاع الحجب من البين والوصول من الأثر إلى العين (وقد روي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام) أنه قال لقد تجلى الله لعبادة في كلامه ولكن لا يبصرون (وروي أنه عليه السلام) كان يصلي في بعض الأيام فخر مغشيا عليه في أثناء الصلاة فسئل بعد ها عن سبب غشيته فقال ما زلت أردد هذه الآية حتى سمعها من قائلها (قال بعض العارفين) عن لسان
ص :292
جعفر الصادق عليه السام كان في ذلك الوقت كشجرة الطور عند قوله (إني أنا الله) وما أحسن قول الشيخ الشبستري بالفارسية نظما روا باشد أنا الله از درختي * جرا نبود روا از نيك بختي (الخامس) أن العبادة لما كان فيها كلفة ومشقة ومن دأب المحب أن يتحمل من المشاق العظيمة في حضور المحبوب ما لا يتحمل عشر عشيرة في غيبته بل لا يحصل له بسبب عز حضوره إلا غاية الابتهاج ونهاية السرور قرن سبحانه العبادة بما يشعر بحضوره ونظره سبحانه إلى العابد ليحصل بذلك تدارك ما فيها من الكلفة وينجبر به ما يلزمها من الشقة ويأتي بها العابد عارية عن الكلال خالية عن الفتور والملال مقرونة (1) بتمام النشاط ونهاية الانبساط (السادس) أن الحمد كما قاله المحققون (2) اظهار مزايا المحمود على الغير فما دام للأغيار وجود في نظر السالك فهو يظهر كمالات المحبوب عليهم ويذكر مزاياه لديهم وأما إذا آل أمره وترقى حاله بسبب ملازمة الأذكار وملاحظة الآثار إلى ارتفاع الأستار واضمحلال جميع الأغيار لم يبق سوى المعبود بالحق والجمال المطلق وعرف حقيقة (قوله تعالى) أينما تولوا فثم وجه الله
ص :293
فبالضرورة لا يصير توجيه الخطاب إلا إليه ولم يكن (1) ذكر الشئ إلا لديه فينصرف عنان لسانه (2) نحو عز جنابه ويصير كلامه منحصرا في خطابه وفوق هذا المقام مقام لا يفي بتقريره الكلام ولا يقدر على تحريره ألسنة الأقلام بل لا يزيده الكشف إلا سترا وخفاء ولا يورثه البيان إلا غموضا واعتلاء وأن قميصا خيط من نسج تسعة * وعشرين حرفا عن معاليه (3) قاصر اللهم اكشف عن بصائرنا الغواشي الجسمانية واصرف عن ضمائرنا النواشي الهيولانية حتى لا نطمح إلى ما سواك بنظر ولا نحس منه بعين ولا أثر إنك جواد كريم رؤوف رحيم (اهدنا الصراط المستقيم) الهداية مطلق الارشاد والدلالة بلطف سواء كان معها وصول إلى البغية أم لا وسواء تعدت إلى ثاني المفعولين بنفسها أو بالحرف وقيل إن تعدت به فكذلك أو بنفسها فموصلة وقيل بل هي موصلة مطلقا ويدفعهما (قوله تعالى) وهديناه النجدين إذ امتنان في الايصال إلى طريق الشر ويدفع الأول (بقوله تعالى فاستحبوا العمى على الهدى
ص :294
(وأما قوله تعالى شأنه) إنك لا تهدي من أحببت فأخص من مطلوبهم (واعلم) أن أصناف هدايته عز (1) شأنه وإن كانت ما لا يحصر مقداره (2) ولا يقدر انحصاره إلا أنها على أربعة أنحاء (الأول) الهداية إلى جلب المنافع ودفع المضار بإفاضة المشاعر الظاهرة المدارك الباطنة والقوة العاقلة (وإليه يشير قوله تعالى) أعطى كل شئ خلقه ثم هدى (الثاني) نصب الدلائل العقلية الفارقة بين الحق والباطل والصلاح (والفساد (وإليه يشير قوله عز وعلا وهديناه النجدين (الثالث) الهداية بارسال الرسل وإنزال الكتب وإليه يومئ (قوله تعالى) وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى (الرابع) الهداية إلى طريق السير إلى حضائر القدس والسلوك إلى مقامات الأنس بانطماس آثار التعلقات البدنية واندراس أكدار
ص :295
الجلابيب الجسمية والاستغراق في ملاحظة أسرار الكمال ومطالعة أنوار الجمال وهذا النوع من الهداية يختص به الأولياء ومن يحذو حذوهم فإذا تلا هذه الآية أصحاب المرتبة الثالثة أرادوا بالهداية المرتبة الرابعة وإن تلاها أصحاب المرتبة الرابعة أرادوا الثبات على ما هم عليه من الهدى (كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام) من تفسير اهدنا بثبتنا أو زيادته والهداية على الأول مجاز وكذا على الثاني إن اعتبر مفهوم الزيادة داخلا في المعنى المستعمل فيه وإلا فحقيقة (والصراط) الجادة كأنها تسترط السابلة أو هم يسترطونه (1) وقراءة ابن كثير بالسين ومن عدا حمزه بالصاد وهو باشمامها صوت الزاي والمراد بالصراط المستقيم إما مطلق طريق الحق أو دين الإسلام (صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) هذه بأجمعها آية واحدة عند من يعد البسملة آية من الفاتحة وهم علماؤنا ومن وافقهم من بقية الفرق وأما من لا يعدها آية منها فهو يعد صراط الذين أنعمت عليهم آية سادسة وما بعد ها آية سابعة وذلك أن الأمة متوافقون على أن الفاتحة سبع آيات فمن نذر قراءة آية من الفاتحة لا يبر (2) عندنا بقراءة صراط الذين أنعمت عليهم كما لا يبر عندهم بقراءة البسملة وهذه الآية
ص :296
كالتفسير للصراط المستقيم وصراط بدل كل منه والمراد بالذين أنعمت عليهم هم المذكورون في قوله تعالى) أولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وقيل المراد بهم المسلمون فإن نعمة الإسلام رأس جميع النعم (واعلم) أن نعمه سبحانه وإن جلت عن أن يحيط بها نطلق الحصر كما قال (جل شأنه) وإن تعد وا نعمة الله لا تحصوها لكنها ثمانية أنواع لأنها إما دنيوية أو أخروية (وكل منهما إما موهبي أو كسبي وكل منهما إما روحاني أو جسماني وهذا تفصيلها دنيوي موهبي إما روحانية (1) كإفاضة العقل والفهم أو جسماني وكخلق الأعضاء دنيوي كسبي إما روحاني كتحلية النفس بالأخلاق الزكية أو جسماني كتزيين البدن بالهيئة المطبوعة أخروي موهبي إما روحاني كغفران ذنوبنا من غير سبق توبة أو جسماني كالأنهار من اللبن والعسل في الجنة أخروي كسبي إما روحاني كغفران الذنوب بعد التوبة أو جسماني كاللذات (1) الجسمانية المستجلبة بفعل الطاعات والمراد هنا الأربعة الأخيرة
ص :297
وما يكون وسيلة إلى نيلها من الأربعة الأول والغضب ثوران النفس لإرادة الانتقام وإذا أسند إليه سبحانه فهو باعتبار الغاية كالرحمة (والضلال) العدول عن الطريق السوي ولو خطأ وقد اشتهر تفسير المغضوب عليهم باليهود والضالين بالنصارى وقد يفسر المغضوب عليهم بالعصاة في الفروع والضالون بالمخالفين في الاعتقاديات فإن النعم عليه من وفق للجمع بين العلم بالأحكام الاعتقادية والعمل بالشريعة الطهرة فالقابل له من اختل إحدى فوتيه أي العاقلة والعاملة ولفظة غير إما بدل من الموصول أو صفة له إما مبينة أو مقيدة فكيف كانت فتوغلها في النكارة مع تعرف الموصوف يحوج إلى اخراج أحدهما عن صرافته إما يجعل لفظة غير بالإضافة إلى ذي الضد الواحد قريبة من المعرفة أو يجعل الموصول مقصودا به جماعة لا بأعيانهم فيجري مجرى المعرف باللام الجنسية إذا أريد به فرد غير معين ولفظة لا تفيد تأكيد النفي الواقع قبلها مع التصريح بشموله كلا من المتعاطفين وسوغ مجيئها غير المغايرة والنفي معا ولذلك جزأنا زيدا غير ضارب رعاية لجانب النفي فتصير الإضافة بمنزلة العدم فيجوز تقديم معمول المضاف إليه على المضاف كما جاز أنا زيدا لا ضارب ولن لم يجز في أنا مثل ضارب زيدا أنا زيدا مثل ضارب لامتناع وقوع
ص :298
المعمول حيث يمتنع وقوع العامل هذا وفي عدوله سبحانه عن اسناد الغضب إلى نفسه جل شأنه مع التصريح باسناد عديله أعني النعمة إليه عز سلطانه تشييد لعالم العفو والرحمة وتأسيس لمباني الجود والكرم حتى كأن الصادر عنه هو الانعام لا غير وأن الغضب صادر عن غيره سبحانه وإلا فالمناسب بعد قوله عز وعلا (صراط الذين أنعمت عليهم) أن يقول غير الذين غضبت عليهم وعلى هذا النمط من التصريح في جانب الرحمة والتعريض في جانب العقاب جرى (قوله عز وجل) لأن شكرتم لأزيدنكم ولإن كفرتم إن عذابي لشديد حيث لم يقل لأعذبنكم مع أنه هو مقتضى المقابلة وكذلك أغلب لآيات المتضمنة لذكر العفو والانتقام فإنك تجدها ظاهرة في ترجيح جانب العفو كما في قوله تعالى يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وكان الله غفورا رحيما فإن ظاهر المقابلة وكان الله غفورا معذبا فعدل سبحانه عن ذلك إلى تكرير الرحمة ترجيحا لجانبها (وكما في قوله عز سلطانه) غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول حيث وحد صفة الانتقام وجعلها محفوفة بنعوت العفو والإحسان
ص :299
مغمورة في صفات الرحمة والغفران ولنقطع الكلام على لفظي الرحمة والغفران سائلين منه (جل شأنه) أن يغمرنا برحمته وغفرانه ويعاملنا بعفوه وجوده وامتنانه وأن يوفقنا وسائر الأخوان للمواظبة على العمل بما تضمنه هذا الكتاب وأن يجعله من أحسن الذخائر ليوم الحساب ونتوسل إليه سبحانه بسيد المرسلين وأشرف الأولين والآخرين وعترته الأئمة الطاهرين صلوات الله عليه وعليهم أجمعين أن لا يردنا عن بابه خائبين وأن لا يؤاخذنا بسوء أعمالنا يوم الدين إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين وسلم تسليما كثيرا (برحمتك يا أرحم الراحمين) * * * فرغت بعون الله من تأليفه مع تراكم أفواج العلائق وتلاطم أمواج العوائق وتوزع البال بالحل والترحال في أوائل العشر الثالث من الشهر الثاني من السنة الخامسة من العشر الثاني بعد الألف ببلدة (كنجه) وأنا أقل الأنام محمد المشتهر ببهاء الدين العاملي تجاوز الله عن سيئاته والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وكان الفراغ من طبعه في يوم الخميس 15 من شهر ربيع الثاني سنة 1324 هجرية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية
ص :300
صورة
ص :301
صورة
ص :302
صورة
ص :303
صورة
ص :304
صورة
ص :305
صورة
ص :306
صورة
ص :307