مصباح الشريعة

هویة الکتاب

بطاقة تعريف: جعفربن محمد(ع)، امام ششم، ق 148 - 80

عنوان العقد: [مصباح الشریعة و مفتاح الحقیقة]

عنوان واسم المؤلف: مصباح الشریعة/ للامام جعفرالصادق

تفاصيل المنشور: بیروت: موسسه الاعلمی للمطبوعات، 1400ق. = 1980م. = 1359.

مواصفات المظهر: ص 208

حالة الاستماع: القائمة السابقة

لسان : العربية

عنوان آخر: مصباح الشریعة و مفتاح الحقیقة

مشكلة : الأحاديث الأخلاقية

مشكلة : أحاديث الشيعة -- قرن ق 2

مشكلة : الأخلاق الإسلامية -- نصوص قديمة تا قرن 14

مشكلة : التصوف -- نصوص قديمة تا قرن 14

ترتيب الكونجرس: BP248/ج 7م 6 1359

تصنيف ديوي: 297/61

رقم الببليوغرافيا الوطنية: م 81-28578

ص: 1

اشارة

ص: 2

منشورات

موسسه الاعلمی للمطبوعات

بیروت- لبنان

ص.ب 7120

ص: 3

الطبعة الثانية

حقوق الطبع محفوظة للناشر

1402ه-1983 م

ص: 4

الباب الأول في العبودية

بسم اللّه الرحمن الرحيم

في العبودية

قال الصادق علیه السلام : أصول المعاملات تقع على أربعة أوجه : معاملة الله ، ومعاملة النفس ، ومعاملة الخلق ومعاملة الدنيا ، وكل وجه منها منقسم على سبعة أركان .

أما أصول معاملة الله تعالى فسبعة أشياء : أداء حقه ، و حفظ حده ، وشكر عطائه ، والرضا بقضائه ، والصبر على بلائه ، وتعظيم حرمته ، والشوق إليه .

ص: 5

وَ أُصُولُ مُعَامَلَةِ النَّفْسِ سَبْعَةٌ الْخَوْفُ وَ الْجَهْدُ وَ حَمْلُ الْأَذَى وَ الرِّيَاضَةُ وَ طَلَبُ الصِّدْقِ وَ الْإِخْلاَصُ وَ إِخْرَاجُهَا مِنْ مَحْبُوبِهَا وَ رَبْطُهَا فِي الْفَقْرِ وَ أُصُولُ مُعَامَلَةِ الْخَلْقِ سَبْعَةٌ الْحِلْمُ وَ الْعَفْوُ وَ التَّوَاضُعُ وَ السَّخَاءُ وَ الشَّفَقَةُ وَ النُّصْحُ وَ الْعَدْلُ وَ الْإِنْصَافُ وَ أُصُولُ مُعَامَلَةِ الدُّنْيَا سَبْعَةٌ الرِّضَا بِالدُّونِ وَ الْإِيثَارُ بِالْمَوْجُودِ وَ تَرْكُ طَلَبِ الْمَفْقُودِ وَ بُغْضُ الْكَثْرَةِ وَ اخْتِيَارُ الزُّهْدِ وَ مَعْرِفَةُ آفَاتِهَا وَ رَفْضُ شَهَوَاتِهَا مَعَ رَفْضِ الرِّئَاسَةِ فَإِذَا حَصَلَتْ هَذِهِ الْخِصَالُ فِي نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَهُوَ مِنْ خَاصَّةِ اللَّهِ وَ عِبَادِهِ الْمُقَرَّبِينَ وَ أَوْلِيَائِهِ حَقّاً.

ص: 6

الباب الثاني في العبودية

قال الصادق علیه السلام : العبودية جوهر كنهها الربوبية ، فما فقد من العبودية وجد في الربوبية ، وما خفي عن الربوبية أصيب في العبودية .

قال الله تعالى : ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ) ، أي موجود في غيبتك وفي حضرتك . وتفسير العبودية بذل الكل، وسبب ذلك منع النفس عما تهوى، وحملها على ما تكره ، ومفتاح ذلك ترك الراحة وحب العزلة ، وطريقة الافتقار إلى الله تعالى .

ص: 7

قَالَ النَّبِيُّ (صلی الله علیه و اله) اعْبُدِ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ وَ حُرُوفُ الْعَبْدِ ثَلاَثَةٌ ع ب د فَالْعَيْنُ عِلْمُهُ بِاللَّهِ وَ الْبَاءُ بَوْنُهُ عَمَّنْ سِوَاهُ وَ الدَّالُ دُنُوُّهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِلاَ كَيْفٍ وَ لاَ حِجَابٍ وَ أُصُولُ الْمُعَامَلاَتِ تَقَعُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ كَمَا ذُكِرَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الْأَوَّلِ.

ص: 8

الباب الثالث في غض البصر

قال الصادق امام صادق علیه السلام: ما اغتنم أحد بمثل ما اغتنم بغض البصر ، لأن البصر لا يغض عن محارم الله تعالى ، ألا وقد سبق إلى قلبه مشاهدة العظمة والجلال.

سئل أمير المؤمنين علیه السلام بماذا يستعان على غض البصر ؟ فقال علیه السلام : بالخمود تحت السلطان المطلع على سرك، والعين جاسوس القلوب وبريد العقل، فغض بصرك عما لا يليق بدينك ويكرهه قلبك وينكره عقلك.

قال النبي صلی الله علیه و اله : غضوا أبصاركم ترون العجايب .

ص: 9

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ وَ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ علیهما السلام لِلْحَوَارِيِّينَ إِيَّاكُمْ وَ النَّظَرَ إِلَى الْمَحْذُورَاتِ فَإِنَّهَا بَذْرُ الشَّهَوَاتِ وَ نَبَاتُ الْفِسْقِ قَالَ يَحْيَى علیه السلام الْمَوْتُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَظْرَةٍ بِغَيْرِ وَاجِبٍ وَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ لِرَجُلٍ نَظَرَ إِلَى امْرَأَةٍ قَدْ عَادَهَا فِي مَرَضِهَا لَوْ ذَهَبَتْ عَيْنَاكَ لَكَانَ خَيْراً لَكَ مِنْ عِيَادَةِ مَرِيضِكَ وَ لاَ تَتَوَفَّرُ عَيْنٌ نَصِيبَهَا مِنْ نَظَرٍ إِلَى مَحْذُورٍ إِلاَّ وَ قَدِ انْعَقَدَ عُقْدَةٌ عَلَى قَلْبِهِ مِنَ الْمُنْيَةِ وَ لاَ تَنْحَلُّ بِإِحْدَى الْحَالَتَيْنِ إِمَّا بِبُكَاءِ الْحَسْرَةِ وَ النَّدَامَةِ بِتَوْبَةٍ صَادِقَةٍ وَ إِمَّا بِأَخْذِ نَصِيبِهِ مِمَّا تَمَنَّى وَ نَظَرَ إِلَيْهِ فَآخِذُ الْحَظِّ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ مَصِيرُهُ إِلَى اَلنَّارِ وَ أَمَّا التَّائِبُ الْبَاكِي بِالْحَسْرَةِ وَ النَّدَامَةِ عَنْ ذَلِكَ فَمَأْوَاهُ اَلْجَنَّةُ وَ مُنْقَلَبُهُ اَلرِّضْوَانُ .

ص: 10

الباب الرابع في المشي

قال الصادق علیه السلام : إن كنت عاقلاً فقدم العزيمة الصحيحة والنية الصادقة ، في حين قصدك إلى أي مكان أردت ، فإن النفس من التخطي إلى محذور وكن متفكراً في مشيك ومعبراً بعجائب صنع الله تعالى أينما بلغت ، ولا تكن مستهزءاً ولا متبختراً في مشيك . قال تعالى : ولا تمش في الأرض مرحاً الخ .. وغض بصرك عما لا يليق بالدين ، واذكر الله كثيراً فإنه قد جاء في الخبر ان المواضع التي يذكر الله فيها وعليها تشهد بذلك عند الله يوم القيامة وتستغفر لهم إلى أن يدخلهم الله الجنة ، ولا تكثرن

ص: 11

الْكَلاَمَ مَعَ النَّاسِ فِي الطَّرِيقِ فَإِنَّ فِيهِ سُوءَ الْأَدَبِ وَ أَكْثَرُ الطُّرُقِ مَرَاصِدُ اَلشَّيْطَانِ وَ مَتْجَرَتُهُ فَلاَ تَأْمَنْ كَيْدَهُ وَ اجْعَلْ ذَهَابَكَ وَ مَجِيئَكَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَ السَّعْيِ فِي رِضَاهُ فَإِنَّ حَرَكَاتِكَ كُلَّهَا مَكْتُوبَةٌ فِي صَحِيفَتِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ وَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَ كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ .

ص: 12

الباب الخامس في العلم

قال الصادق علیه السلام : العلم أصل كل حال سني ومنتهى كل الان منزلة رفيعة ولذلك قال النبي صلی الله علیه و اله : طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ، أي علم التقوى واليقين .

وقال علي علیه السلام : اطلبوا العلم ولو بالصين ، فهو علم معرفة النفس وفيه معرفة الرب عز وجل .

قال النبي صلی الله علیه و اله : من عرف نفسه فقد عرف ربه، ثم عليك من العلم بما لا يصح العمل إلا به وهو الاخلاص .

قال النبي : نعوذ بالله من علم لا ينفع وهو العلم

ص: 13

الَّذِي يُضَادُّ الْعَمَلَ بِالْإِخْلاَصِ وَ اعْلَمْ أَنَّ قَلِيلَ الْعِلْمِ يَحْتَاجُ إِلَى كَثِيرِ الْعَمَلِ لِأَنَّ عِلْمَ سَاعَةٍ يُلْزِمُ صَاحِبَهُ اسْتِعْمَالَهُ طُولَ دَهْرِهِ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ علیهما السلام رَأَيْتُ حَجَراً عَلَيْهِ مَكْتُوبٌ اقْلِبْنِي فَقَلَبْتُهُ فَإِذَا عَلَى بَاطِنِهِ مَكْتُوبٌ مَنْ لاَ يَعْمَلُ بِمَا يَعْلَمُ مَشْئُومٌ عَلَيْهِ طَلَبُ مَا لاَ يَعْلَمُ وَ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ مَا عَلِمَ أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى دَاوُدَ علیه السلام إِنَّ أَهْوَنَ مَا أَنَا صَانِعٌ بِعَالِمٍ غَيْرِ عَامِلٍ بِعِلْمِهِ أَشَدُّ مِنْ سَبْعِينَ عُقُوبَةً بَاطِنَةً أَنْ أُخْرِجَ مِنْ قَلْبِهِ حَلاَوَةَ ذِكْرِي وَ لَيْسَ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ طَرِيقٌ يُسْلَكُ إِلاَّ بِعِلْمٍ وَ الْعِلْمُ زَيْنُ الْمَرْءِ فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ وَ سَائِقُهُ إِلَى اَلْجَنَّةِ وَ بِهِ يَصِلُ إِلَى رِضْوَانِ اللَّهِ تَعَالَى وَ الْعَالِمُ حَقّاً هُوَ الَّذِي يَنْطِقُ عَنْهُ أَعْمَالُهُ الصَّالِحَةُ وَ أَوْرَادُهُ الزَّاكِيَةُ وَ صِدْقُهُ وَ تَقْوَاهُ لاَ لِسَانُهُ وَ مُنَاظَرَتُهُ وَ مُعَادَلَتُهُ وَ تَصَاوُلُهُ وَ دَعْوَاهُ وَ لَقَدْ كَانَ يَطْلُبُ هَذَا الْعِلْمَ فِي غَيْرِ هَذَا الزَّمَانِ مَنْ كَانَ

ص: 14

فِيهِ عَقْلٌ وَ نُسُكٌ وَ حِكْمَةٌ وَ حَيَاءٌ وَ خَشْيَةٌ وَ إِنَّا نَرَى طَالِبَهُ الْيَوْمَ مَنْ لَيْسَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْ ءٌ وَ الْعَالِمُ يَحْتَاجُ إِلَى عَقْلٍ وَ رِفْقٍ وَ شَفَقَةٍ وَ نُصْحٍ وَ حِلْمٍ وَ صَبْرٍ وَ قَنَاعَةٍ وَ بَذْلٍ وَ الْمُتَعَلِّمُ يَحْتَاجُ إِلَى رَغْبَةٍ وَ إِرَادَةٍ وَ فَرَاغٍ وَ نُسُكٍ وَ خَشْيَةٍ وَ حِفْظٍ وَ حَزْمٍ.

ص: 15

الباب السادس في الفتيا

قال الصادق علیه السلام: لا يحل الفتياء لمن لا يصطفى من الله تعالى بصفاء سره وإخلاص عمله وعلانيته وبرهان من ربه في كل حال ، لأن من أفتي فقد حكم ، والحكم لا يصح إلا بإذن من الله عز وجل وبرهانه، و من حكم بالخير بلا معاينة فهو جاهل مأخوذ بجهله ومأثوم بحكمه كما دل الخبر ، العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء .

قال النبي صلی الله علیه و اله : أجرأكم على الفتياء أجر أكم على الله عز وجل ، أولا يعلم المفتي أنه هو الذي يدخل بين الله تعالى وبين عباده وهو الحائر بين الجنة والنار .

ص: 16

قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ كَيْفَ يَنْتَفِعُ بِعِلْمِي غَيْرِي وَ أَنَا قَدْ حَرَمْتُ نَفْسِي نَفْعَهَا وَ لاَ تَحِلُّ الْفُتْيَا فِي الْحَلاَلِ وَ الْحَرَامِ بَيْنَ الْخَلْقِ إِلاَّ لِمَنِ اتَّبَعَ الْحَقَّ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِ وَ نَاحِيَتِهِ وَ بَلَدِهِ بِالنَّبِيِّ صلی الله علیه و اله وَ عَرَفَ مَا يَصْلُحُ مِنْ فُتْيَاهُ قَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه و اله وَ ذَلِكَ لِرُبَّمَا وَ لَعَلَّ وَ لِعَسَى لِأَنَّ الْفُتْيَا عَظِيمَةٌ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ علیه السلام لِقَاضٍ هَلْ تَعْرِفُ النَّاسِخَ مِنَ الْمَنْسُوخِ قَالَ لاَ قَالَ فَهَلْ أَشْرَفْتَ عَلَى مُرَادِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِي أَمْثَالِ اَلْقُرْآنِ قَالَ لاَ قَالَ علیه السلام إِذاً هَلَكْتَ وَ أَهْلَكْتَ وَ الْمُفْتِي يَحْتَاجُ إِلَى مَعْرِفَةِ مَعَانِي اَلْقُرْآنِ وَ حَقَائِقِ السُّنَنِ وَ بَوَاطِنِ الْإِشَارَاتِ وَ الْآدَابِ وَ الْإِجْمَاعِ وَ الاِخْتِلاَفِ وَ الاِطِّلاَعِ عَلَى أُصُولِ مَا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ وَ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ثُمَّ إِلَى حُسْنِ الاِخْتِيَارِ ثُمَّ إِلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ ثُمَّ إِلَى الحِكْمَةِ ثُمَّ إِلَى التَّقْوَى ثُمَّ حِينَئِذٍ إِنْ قَدَرَ .

ص: 17

الباب السابع في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر

قال الصادق علیه السلام : من لم ينسلخ عن هواجسه ولم عليك يتخلص من آفات نفسه وشهواتها ولم يهزم الشيطان ، ولم يدخل في كنف الله تعالى وأمان عصمته لا يصلح له الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لأنه إذا لم يكن بهذه الصفة فكلما أظهر أمراً يكون حجة عليه ولا ينتفع الناس به . قال تعالى : ( أتأمرُونَ النَّاسَ بالبر وتنسون أنفسكم ) . ويقال له : يا خائن أتطالب خلقي بما خنت به

نفسك وأرخيت عنه عنانك .

روي أن ثعلبة الأسدي سأل رسول الله صلی الله علیه و اله عن

ص: 18

هَذِهِ الْآيَةِ - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ أْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَ انْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ اصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحّاً مُطَاعاً وَ هَوًى مُتَّبَعاً وَ إِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ فَعَلَيْكَ بِنَفْسِكَ وَ دَعْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَامَّةِ وَ صَاحِبُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ يَحْتَاجُ أَنْ يَكُونَ عَالِماً بِالْحَلاَلِ وَ الْحَرَامِ فَارِغاً مِنْ خَاصَّةِ نَفْسِهِ مِمَّا يَأْمُرُهُمْ بِهِ وَ يَنْهَاهُمْ عَنْهُ نَاصِحاً لِلْخَلْقِ رَحِيماً لَهُمْ رَفِيقاً بِهِمْ دَاعِياً لَهُمْ بِاللُّطْفِ وَ حُسْنِ الْبَيَانِ عَارِفاً بِتَفَاوُتِ أَخْلاَقِهِمْ لِيُنَزِّلَ كُلاًّ مَنْزِلَتَهُ بَصِيراً بِمَكْرِ النَّفْسِ وَ مَكَايِدِ اَلشَّيْطَانِ صَابِراً عَلَى مَا يَلْحَقُهُ لاَ يُكَافِئُهُمْ بِهَا وَ لاَ يَشْكُو مِنْهُمْ وَ لاَ يَسْتَعْمِلُ الْحَمِيَّةَ وَ لاَ يَغْتَاظُ لِنَفْسِهِ مُجَرِّداً نِيَّتَهُ لِلَّهِ مُسْتَعِيناً بِهِ تَعَالَى وَ مُبْتَغِياً لِوَجْهِهِ فَإِنْ خَالَفُوهُ وَ جَفَوْهُ صَبَرَ وَ إِنْ وَافَقُوهُ وَ قَبِلُوا مِنْهُ شَكَرَ مُفَوِّضاً أَمْرَهُ إِلَى اللَّهِ نَاظِراً إِلَى عَيْبِهِ .

ص: 19

الباب الثامن في آفة العلماء

قال الصادق علیه السلام: الخشية ميراث العلم وميزانه ، الخشبة لا والعلم شعاع المعرفة وقلب الإيمان ، ومن حرم يكون عالماً وأن يشق الشعر بمتشابهات العلم . قال الله تعالى : ( إنما يَخشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَماء ) .

وآفة العلماء ثمانية : الطمع والبخل، والرياء والعصبية، وحب المدح، والخوض فيما لم يصلوا إلى حقيقته، والتكلف في تزيين الكلام بزوائد الألفاظ ، وقلة الحياء من الله ، والافتخار ، وترك العمل بما علموا .

قال عيسى علیه السلام : أشقى الناس من هو معروف

ص: 20

بِعِلْمِهِ مَجْهُولٌ بِعَمَلِهِ وَ قَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه و اله لاَ تَجْلِسُوا عِنْدَ كُلِّ دَاعٍ مُدَّعٍ يَدْعُوكُمْ مِنَ الْيَقِينِ إِلَى الشَّكِّ وَ مِنَ الْإِخْلاَصِ إِلَى الرِّيَاءِ وَ مِنَ التَّوَاضُعِ إِلَى الْكِبْرِ وَ مِنَ النَّصِيحَةِ إِلَى الْعَدَاوَةِ وَ مِنَ الزُّهْدِ إِلَى الرَّغْبَةِ وَ تَقَرَّبُوا إِلَى عَالِمٍ يَدْعُوكُمْ إِلَى التَّوَاضُعِ مِنَ الْكِبْرِ وَ مِنَ الرِّيَاءِ إِلَى الْإِخْلاَصِ وَ مِنَ الشَّكِّ إِلَى الْيَقِينِ وَ مِنَ الرَّغْبَةِ إِلَى الزُّهْدِ وَ مِنَ الْعَدَاوَةِ إِلَى النَّصِيحَةِ وَ لاَ يَصْلُحُ لِمَوْعِظَةِ الْخَلْقِ إِلاَّ مَنْ جَاوَزَ هَذِهِ الْآفَاتِ بِصِدْقِهِ وَ أَشْرَفَ عَلَى عُيُوبِ الْكَلاَمِ وَ عَرَفَ الصَّحِيحَ مِنَ السَّقِيمِ وَ عِلَلَ الْخَوَاطِرِ وَ فِتَنَ النَّفْسِ وَ الْهَوَى قَالَ عَلِيٌّ علیهما السلام كُنْ كَالطَّبِيبِ الرَّفِيقِ الشَّفِيقِ الَّذِي يَضَعُ الدَّوَاءَ بِحَيْثُ يَنْفَعُ فِي الْخَبَرِ سَأَلُوا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ع يَا رُوحَ اللَّهِ مَعَ مَنْ نُجَالِسُ قَالَ علیه السلام مَنْ يُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ رُؤْيَتُهُ وَ يَزِيدُ فِي عِلْمِكُمْ مَنْطِقُهُ وَ يُرَغِّبُكُمْ فِي الْآخِرَةِ عَمَلُهُ.

ص: 21

الباب التاسع في الرعاية

قال الصادق عليه السلام : من رعى قلبه عن الغفلة و نفسه عن الشهوة وعقله عن الجهل فقد دخل في ديوان المتنبهين ،ثم من رعى علمه عن الهوى ودينه عن البدعة وماله عن الحرام ، فهو من جملة الصالحين.

قال رسول الله صلی الله علیه و اله : طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة وهو علم الأنفس ، فيجب أن يكون نفس المؤمن على كل حال في شكر أو عذر على معنى ، إن قبل ففضل وإن رد فعدل ، وتطالع الحركات في الطاعات بالتوفيق وتطالع السكون عن المعاصي بالعصمة ، وقوام

ص: 22

ذَلِكَ كُلِّهِ بِالاِفْتِقَارِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَ الاِضْطِرَارِ إِلَيْهِ وَ الْخُشُوعِ وَ الْخُضُوعِ وَ مِفْتَاحُهَا الْإِنَابَةُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مَعَ قَصْرِ الْأَمَلِ بِدَوَامِ ذِكْرِ الْمَوْتِ وَ عِيَانِ الْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيِ الْجَبَّارِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ رَاحَةً مِنَ الْحَبْسِ وَ نَجَاةً مِنَ الْعَدُوِّ وَ سَلاَمَةَ النَّفْسِ وَ سَبَبُ الْإِخْلاَصِ فِي الطَّاعَاتِ التَّوْفِيقُ وَ أَصْلُ ذَلِكَ أَنْ يُرَدَّ الْعُمُرُ إِلَى يَوْمٍ وَاحِدٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و اله الدُّنْيَا سَاعَةٌ فَاجْعَلْهَا طَاعَةً وَ بَابُ ذَلِكَ كُلِّهِ مُلاَزَمَةُ الْخَلْوَةِ بِمُدَاوَمَةِ الْفِكْرِ وَ سَبَبُ الْخَلْوَةِ الْقَنَاعَةُ وَ تَرْكُ الْفُضُولِ مِنَ الْمَعَاشِ وَ سَبَبُ الْفِكْرِ الْفَرَاغُ وَ عِمَادُ الْفَرَاغِ الزُّهْدُ وَ تَمَامُ الزُّهْدِ التَّقْوَى وَ بَابُ التَّقْوَى الْخَشْيَةُ وَ دَلِيلُ الْخَشْيَةِ التَّعْظِيمُ لِلَّهِ تَعَالَى وَ التَّمَسُّكُ بِخَالِصِ طَاعَتِهِ فِي أَوَامِرِهِ وَ الْخَوْفُ وَ الْحَذَرُ مَعَ الْوُقُوفِ عَنْ مَحَارِمِهِ وَ دَلِيلُهَا الْعِلْمُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ .

ص: 23

الباب العاشر في الشكر

قال الصادق علیه السلام : في كل نفس من أنفاسك شكر لازم لك بل ألف أو أكثر ، وأدنى الشكر رؤية النعمة من الله تعالى من غير علة يتعلق القلب بها دون الله عز وجل والرضا بما أعطى ، وأن لا تعصيه بنعمته وتخالفه بشيء من أمره ونهيه بسبب نعمته ، فكن لله عبداً شاكراً على كل حال ، تجد الله رباً كريماً على كل حال ، ولو كان عند الله تعالى عبادة تعبد بها عباده المخلصون أفضل من الشكر على كل لأطلق لفظة فيهم من جميع الخلق بها، فلما لم يكن أفضل منها خصها من بين العبادات وخص أربابها فقال :

ص: 24

وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ وَ تَمَامُ الشُّكْرِ الاِعْتِرَافُ بِلِسَانِ السِّرِّ خَالِصاً لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ بِالْعَجْزِ عَنْ بُلُوغِ أَدْنَى شُكْرِهِ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ فِي الشُّكْرِ نِعْمَةٌ حَادِثَةٌ يَجِبُ الشُّكْرُ عَلَيْهَا وَ هِيَ أَعْظَمُ قَدْراً وَ أَعَزُّ وُجُوداً مِنَ النِّعْمَةِ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا وُفِّقَ لَهُ فَيَلْزَمُكَ عَلَى كُلِّ شُكْرٍ شُكْرٌ أَعْظَمُ مِنْهُ إِلَى مَا لاَ نِهَايَةَ لَهُ مُسْتَغْرِقاً فِي نِعَمِهِ عَاجِزاً قَاصِراً عَنْ دَرْكِ غَايَةِ شُكْرِهِ فَأَنَّى يَلْحَقُ الْعَبْدُ شُكْرَ نِعْمَةِ اللَّهِ وَ مَتَى يَلْحَقُ صَنِيعُهُ بِصَنِيعِهِ وَ الْعَبْدُ ضَعِيفٌ لاَ قُوَّةَ لَهُ أَبَداً إِلاَّ بِاللَّهِ تَعَالَى عَزَّ وَ جَلَّ وَ اللَّهُ تَعَالَى غَنِيٌّ عَنْ طَاعَةِ الْعَبْدِ فَهُوَ تَعَالَى قَوِيٌّ عَلَى مَزِيدِ النِّعَمِ عَلَى الْأَبَدِ فَكُنْ لِلَّهِ عَبْداً شَاكِراً عَلَى هَذَا الْوَجْهِ تَرَى الْعَجَبَ.

ص: 25

الباب الحادي عشر في الخروج من المنزل

قال الصادق علیه السلام : إذا خرجت من منزلك فاخرج خروج من لا يعود ، ولا يكن خروجك إلا لطاعة أو سبب من أسباب الدين ، والزم السكينة والوقار واذكر الله سراً وجهراً .

سأل بعض أصحاب أبي ذر (ره) أهل داره عنه، فقالت خرج ، فقال ، فقالت : متى يرجع : متى يرجع من روحه بيد غيره ، ولا يملك لنفسه شيئاً واعتبر بخلق الله تعالى برهم وفاجرهم أينما مضيت ، فاسأل الله تعالى أن يجعلك من خلص عباده الصادقين ويلحقك بالماضين منهم ويحشرك

ص: 26

فِي زُمْرَتِهِمْ وَ احْمَدْهُ وَ اشْكُرْهُ عَلَى مَا جَنَّبَكَ مِنَ الشَّهَوَاتِ وَ عَصَمَكَ مِنْ قَبِيحِ أَفْعَالِ الْمُجْرِمِينَ وَ غُضَّ بَصَرَكَ مِنَ الشَّهَوَاتِ وَ مَوَاضِعِ النَّهْيِ وَ اقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَ رَاقِبِ اللَّهَ فِي كُلِّ خُطْوَةٍ كَأَنَّكَ عَلَى اَلصِّرَاطِ جَائِزٌ وَ لاَ تَكُنْ لَفَّاتاً وَ أَفْشِ السَّلاَمَ لِأَهْلِهِ مُبْتَدِئاً وَ مُجِيباً وَ أَعِنْ مَنِ اسْتَعَانَ بِكَ فِي حَقٍّ وَ أَرْشِدِ الضَّالَّ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ وَ إِذَا رَجَعْتَ مَنْزِلَكَ فَادْخُلْ دُخُولَ الْمَيِّتِ فِي الْقَبْرِ حَيْثُ لَيْسَ لَهُ هِمَّةٌ إِلاَّ رَحْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى وَ عَفْوَهُ.

ص: 27

الباب الثاني عشر في قراءة القرآن

قال الصادق علیه السلام : من قرأ القرآن ولم يخضع لله ولم يرق قلبه ولا ينشى حزناً ووجلاً في سره ، فقد استهان بعظم شأن الله تعالى وخسر خسراناً مبيناً .

فقارىء القرآن محتاج الى ثلاثة أشياء : قلب خاشع و بدن فارغ ، وموضع خال ، فإذا خشع الله قلبه فرّ منه الشيطان الرجيم ، قال الله تعالى : ( فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّحِيمِ ) ، فإذا تفرغ نفسه من الأسباب تجرد قلبه للقراءة ولا يعترضه ع_ارض فيحرمه بركة نور القرآن وفوائده ، فإذا اتخذ مجلساً خالياً

ص: 28

وَ اعْتَزَلَ عَنِ الْخَلْقِ بَعْدَ أَنْ أَتَى بِالْخَصْلَتَيْنِ خُضُوعِ الْقَلْبِ وَ فَرَاغِ الْبَدَنِ اسْتَأْنَسَ رُوحُهُ وَ سِرُّهُ بِاللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ وَجَدَ حَلاَوَةَ مُخَاطَبَاتِ اللَّهِ تَعَالَى عَزَّ وَ جَلَّ عِبَادَهُ الصَّالِحِينَ وَ عَلِمَ لُطْفَهُ بِهِمْ وَ مَقَامَ اخْتِصَاصِهِ لَهُمْ بِفُنُونِ كَرَامَاتِهِ وَ بَدَائِعِ إِشَارَاتِهِ فَإِنْ شَرِبَ كَأْساً مِنْ هَذَا الْمَشْرَبِ لاَ يَخْتَارُ عَلَى ذَلِكَ الْحَالِ حَالاً وَ عَلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ وَقْتاً بَلْ يُؤْثِرُهُ عَلَى كُلِّ طَاعَةٍ وَ عِبَادَةٍ لِأَنَّ فِيهِ الْمُنَاجَاةَ مَعَ الرَّبِّ بِلاَ وَاسِطَةٍ فَانْظُرْ كَيْفَ تَقْرَأُ كِتَابَ رَبِّكَ وَ مَنْشُورَ وَلاَيَتِكَ وَ كَيْفَ تُجِيبُ أَوَامِرَهُ وَ تَجْتَنِبُ نَوَاهِيَهُ وَ كَيْفَ تَتَمَثَّلُ حُدُودَهُ فَإِنَّهُ كِتَابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ فَرَتِّلْهُ تَرْتِيلاً وَ قِفْ عِنْدَ وَعْدِهِ وَ وَعِيدِهِ وَ تَفَكَّرْ فِي أَمْثَالِهِ وَ مَوَاعِظِهِ وَ احْذَرْ أَنْ تَقَعَ مِنْ إِقَامَتِكَ حُرُوفَهُ فِي إِضَاعَةِ حُدُودِهِ.

ص: 29

الباب الثالث عشر في اللباس

قال الصادق عليه السلام : زين اللباس للمؤمن التقوى وأنعمه الإيمان ، قال الله تعالى : ( وَلِبَاسُ التَّقْوى ذَلِكَ خَيْرٌ ) ، وأما اللباس الظاهر فنعمة من الله تعالى تستر بها عورات بني آدم ، هي كرامة أكرم الله بها ذرية آدم ما لم يكرم بها غيرهم ، وهي للمؤمنين من إله لأداء ما افترض عليهم ، وخير لباسك ما لا يشغلك عن الله عز وجل بل يقربك من ذكره وشكره وطاعته، ولا يحملك على العجب والرياء والتزيين والتفاخر والخيلاء ، فإنها من آفات الدين ومورثه القسوة في القلب ، فإذا لبست ثوبك فاذكر ستر

ص: 30

اللَّهِ عَلَيْكَ ذُنُوبَكَ بِرَحْمَتِهِ وَ أَلْبِسْ بَاطِنَكَ كَمَا أَلْبَسْتَ ظَاهِرَكَ بِثَوْبِكَ وَ لْيَكُنْ بَاطِنُكَ مِنَ الصِّدْقِ فِي سِتْرِ الْهَيْبَةِ وَ ظَاهِرُكَ فِي سِتْرِ الطَّاعَةِ وَ اعْتَبِرْ بِفَضْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ حَيْثُ خَلَقَ أَسْبَابَ اللِّبَاسِ لِيَسْتُرَ الْعَوْرَاتِ الظَّاهِرَةَ وَ فَتَحَ أَبْوَابَ التَّوْبَةِ وَ الْإِنَابَةِ وَ الْإِغَاثَةِ لِيَسْتُرَ بِهَا الْعَوْرَاتِ الْبَاطِنَةَ مِنَ الذُّنُوبِ وَ أَخْلاَقِ السَّوْءِ وَ لاَ تَفْضَحْ أَحَداً حَيْثُ سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْكَ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ وَ اشْتَغِلْ بِعَيْبِ نَفْسِكَ وَ اصْفَحْ عَمَّا لاَ يَعْنِيكَ حَالُهُ وَ أَمْرُهُ وَ احْذَرْ أَنْ يَفْنَى عُمُرُكَ بِعَمَلِ غَيْرِكَ وَ يَتَّجِرَ بِرَأْسِ مَالِكَ غَيْرُكَ وَ تَهْلِكَ نَفْسُكَ فَإِنَّ نِسْيَانَ الذُّنُوبِ مِنْ أَعْظَمِ عُقُوبَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْعَاجِلِ وَ أَوْفَرِ أَسْبَابِ الْعُقُوبَةِ فِي الْآجِلِ وَ مَا دَامَ الْعَبْدُ مُشْتَغِلاً بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَ مَعْرِفَةِ عُيُوبِ نَفْسِهِ وَ تَرْكِ مَا يَشِينُ فِي دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَهُوَ بِمَعْزِلٍ عَنِ الْآفَاتِ غَائِصٌ فِي بَحْرِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى يَفُوزُ بِجَوَاهِرِ الْفَوَائِدِ مِنَ الْحِكْمَةِ وَ الْبَيَانِ وَ مَا دَامَ نَاسِياً لِذُنُوبِهِ جَاهِلاً لِعُيُوبِهِ رَاجِعاً إِلَى حَوْلِهِ وَ قُوَّتِهِ لاَ يُفْلِحُ إِذاً أَبَداً.

ص: 31

الباب الرابع عشر في الرياء

قال الصادق علیه السلام : لا تراني بعملك من لا ويميت ولا يغني عنك شيئاً ، والرياء شجرة لا تشمر إلا الشرك الخفي وأصلها النفاق . يقال للمرائي عند الميزان خذ ثواباً تعد ثواب عملك ممن أشركته معي ، فانظر من تعبد وتدعو ومن ترجو ومن تخاف، واعلم أنك لا تقدر على إخفاء شيء من باطنك عليه تعالى وتصير مخدوعاً بنفسك .

قال الله تعالى : ( يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ) ، وأكثر ما يقع

ص: 32

الرِّيَاءُ فِي الْبَصَرِ وَ الْكَلاَمِ وَ الْأَكْلِ وَ الشُّرْبِ وَ الْمَجِيءِ وَ الْمُجَالَسَةِ وَ اللِّبَاسِ وَ الضَّحِكِ وَ الصَّلاَةِ وَ الْحَجِّ وَ الْجِهَادِ وَ قِرَاءَةِ اَلْقُرْآنِ وَ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ الظَّاهِرَةِ فَمَنْ أَخْلَصَ بَاطِنَهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَ خَشَعَ لَهُ بِقَلْبِهِ وَ رَأَى نَفْسَهُ مُقَصِّراً بَعْدَ بَذْلِ كُلِّ مَجْهُودٍ وَجَدَ الشُّكْرَ عَلَيْهِ حَاصِلاً وَ يَكُونُ من [مِمَّنْ] يُرْجَى لَهُ الْخَلاَصُ مِنَ الرِّيَاءِ وَ النِّفَاقِ إِذَا اسْتَقَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي كُلِّ حَالٍ.

ص: 33

الباب الخامس عشر في الصدق

قال الصادق علیه السلام : الصدق نور متشعشع في عالمه ، كالشمس يستضيء بها كل شيء بمعناها من غير نقصان يقع على معناها ، والصادق حقاً هو الذي يصدق كل كاذب بحقيقة صدق ما لديه وهو المعنى الذي لا يسع معه معه سواه أو ضده مثل آدم على نبينا و آله و علیه السلام صدق إبليس في كذبه حين أقسم له كاذباً لعدم ما به من الكذب في آدم. قال الله تعالى : ( وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ) لأن إبليس أبدع شيئاً كان أول من أبدعه ، وهو غير معهود ظاهراً وباطناً فحشر هو بكذبه على معنى لم ينتفع به من صدق آدم علیه السلام بقاء الأبد ، وأفاد آدم علیه السلام علالت الام بتصديقه كذبه بشهادة الله عز وجل له ينفي عزمه عما يضاد عهده في

ص: 34

الْحَقِيقَةِ عَلَى مَعْنًى لَمْ يَنْتَقِصْ مِنِ اصْطِفَائِهِ بِكَذِبِهِ شَيْئاً فَالصِّدْقُ صِفَةُ الصَّادِقِ وَ حَقِيقَةُ الصِّدْقِ يَقْتَضِي تَزْكِيَةَ اللَّهِ تَعَالَى لِعَبْدِهِ كَمَا ذَكَرَ عَنْ صِدْقِ عِيسَى ع فِي اَلْقِيَامَةِ بِسَبَبِ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ مِنْ صِدْقِهِ وَ هُوَ بَرَاءَةُ الصَّادِقِينَ مِنْ رِجَالِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ص فَقَالَ تَعَالَى هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ صِدْقُهُمْ وَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع الصِّدْقُ سَيْفُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ وَ سَمَائِهِ أَيْنَمَا هَوَى بِهِ يَقُدُّهُ فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ أَ صَادِقٌ أَنْتَ أَمْ كَاذِبٌ فَانْظُرْ فِي صِدْقِ مَعْنَاكَ وَ عَقْدِ دَعْوَاكَ وَ عَيِّرْهُمَا بِقِسْطَاسٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى كَأَنَّكَ فِي اَلْقِيَامَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَ الْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَإِذَا اعْتَدَلَ مَعْنَاكَ بِغَوْرِ دَعْوَاكَ ثَبَتَ لَكَ الصِّدْقُ وَ أَدْنَى حَدِّ الصِّدْقِ أَنْ لاَ يُخَالِفَ اللِّسَانُ الْقَلْبَ وَ لاَ الْقَلْبُ اللِّسَانَ وَ مَثَلُ الصَّادِقِ الْمَوْصُوفِ بِمَا ذَكَرْنَا كَمَثَلِ النَّازِعِ لِرُوحِهِ إِنْ لَمْ يَنْزِعْ فَمَا ذَا يَصْنَعُ.

ص: 35

الباب السادس عشر في الإخلاص

قال الصادق عليه السلام : الاخلاص بجميع فواضل الأعمال وهو معنى افتتاحه القبول وتوقيعه الرضاء ، تقبل الله منه ويرضى عنه فهو المخلص ، وإن قل عمله ومن لم يتقبل منه فليس بمخلص وإن كثر عمله اعتباراً بآدم علیه السلام وإبليس عليه اللعنة، وعلامة القبول وجود الاستقامة ببذل كل محاب مع إصابة علم كل حركة وسكون، والمخلص ذائب روحه باذل مهجته في تقويم ما به ، العلم والأعمال و العامل والمعمول بالعمل لأنه إذا أدرك ذلك فقد أدرك الكل ، وإذا فاته ذلك فاته الكل وهو تصفية معاني التنزيه

ص: 36

فِي التَّوْحِيدِ كَمَا قَالَ الْأَوَّلُ هَلَكَ الْعَامِلُونَ إِلاَّ الْعَابِدُونَ وَ هَلَكَ الْعَابِدُونَ إِلاَّ الْعَالِمُونَ وَ هَلَكَ الْعَالِمُونَ إِلاَّ الصَّادِقُونَ وَ هَلَكَ الصَّادِقُونَ إِلاَّ الْمُخْلِصُونَ وَ هَلَكَ الْمُخْلِصُونَ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَ هَلَكَ الْمُتَّقُونَ إِلاَّ الْمُوقِنُونَ وَ إِنَّ الْمُوقِنِينَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى - وَ اعْبُدْ رَبَّكَ حَتّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ وَ أَدْنَى حَدِّ الْإِخْلاَصِ بَذْلُ الْعَبْدِ طَاقَتَهُ ثُمَّ لاَ يَجْعَلُ لِعَمَلِهِ عِنْدَ اللَّهِ قَدْراً فَيُوجِبَ بِهِ عَلَى رَبِّهِ مُكَافَأَةً بِعَمَلِهِ لِعِلْمِهِ أَنَّهُ لَوْ طَالَبَهُ بِوَفَاءِ حَقِّ الْعُبُودِيَّةِ لَعَجَزَ وَ أَدْنَى مَقَامِ الْمُخْلِصِ فِي الدُّنْيَا السَّلاَمَةُ مِنْ جَمِيعِ الْآثَامِ وَ فِي الْآخِرَةِ النَّجَاةُ مِنَ اَلنَّارِ وَ الْفَوْزُ بِالْجَنَّةِ.

ص: 37

الباب السابع عشر في التقوى

قال الصادق عليه السلام : التقوى على ثلاثة أوجه : تقوى بالله وهو ترك الخلاف فضلاً عن الشبهة وهو تقوى خاص الخاص ، وتقوى من الله تعالى وهو ترك الشبهات فضلاً عن الحرام وهو تقوى الخاص ، وتقوى من خوف النار والعقاب وهو ترك الحرام وهو تقوى العام، ومثل التقوى كماء يجري في النهر ، ومثل هذه الطبقات الثلاث في معنى التقوى كأشجار مغروسة على حافة ذلك النهر من كل لون وجنس وكل شجرة منها تمتص الماء من ذلك النهر على قدر جوهره وطعمه ولطافته وكثافته ثم منافع الخلق من ذلك الأشجار والثمار على قدرها وقيمتها .

ص: 38

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى صِنْوانٌ وَ غَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَ نُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ فَالتَّقْوَى لِلطَّاعَاتِ كَالْمَاءِ لِلْأَشْجَارِ وَ مَثَلُ طَبَائِعِ الْأَشْجَارِ وَ الْأَثْمَارِ فِي لَوْنِهَا وَ طَعْمِهَا مَثَلُ مَقَادِيرِ الْإِيمَانِ فَمَنْ كَانَ أَعْلَى دَرَجَةً فِي الْإِيمَانِ وَ أَصْفَى جَوْهَرَةً بِالرُّوحِ كَانَ أَتْقَى وَ مَنْ كَانَ أَتْقَى كَانَتْ عِبَادَتُهُ أَخْلَصَ وَ أَطْهَرَ وَ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ مِنَ اللَّهِ أَقْرَبَ وَ كُلُّ عِبَادَةٍ مُؤَسَّسَةٍ عَلَى غَيْرِ التَّقْوَى فَهِيَ هَبَاءٌ مَنْثُورٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَ فَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللّهِ وَ رِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَ تَفْسِيرُ التَّقْوَى تَرْكُ مَا لَيْسَ بِأَخْذِهِ بَأْسٌ حَذَراً مِمَّا بِهِ الْبَأْسُ وَ هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ طَاعَةٌ بِلاَ عِصْيَانٍ وَ ذِكْرٌ بِلاَ نِسْيَانٍ وَ عِلْمٌ بِلاَ جَهْلٍ مَقْبُولٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ.

ص: 39

الباب الثامن عشر في الورع

قال الصادق علیه السلام: اغلق أبواب جوارحك عما يقع ضرره إلى قلبك ويذهب بوجاهتك عند الله تعالى ويعقب الحسرة والندامة يوم القيامة ، والحياء عما اجترحت من السيئات .

والمتورع يحتاج إلى ثلاثة أصول: الصفح عن عثرات الخلق أجمع ، وترك خطيته فيهم ، واستواء المدح والذم ، وأصل الورع دوام محاسبة النفس وصدق المقاولة وصفاء المعاملة ، والخروج من كل شبهة ، ورفض كل عيبة وريبة

ص: 40

وَ مُفَارَقَةُ جَمِيعِ مَا لاَ يَعْنِيهِ وَ تَرْكُ فَتْحِ أَبْوَابٍ لاَ يَدْرِي كَيْفَ يُغْلِقُهَا وَ لاَ يُجَالِسُ مَنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ الْوَاضِحُ وَ لاَ يُصَاحِبُ مُسْتَخِفَّ الدِّينِ وَ لاَ يُعَارِضُ مِنَ الْعِلْمِ مَا لاَ يَحْتَمِلُ قَلْبُهُ وَ لاَ يَتَفَهَّمُهُ مِنْ قَائِلِهِ وَ يَقْطَعُهُ عَمَّنْ يَقْطَعُهُ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ تَعَالَى شَأْنُهُ.

ص: 41

الباب التاسع عشر في المعاشرة

قال الصادق عليه السلام : حسن المعاشرة مع خلق الله تعالى في غير معصيته من مزيد فضل الله تعالى عند عبده ، و من كان مخلصاً خاضعاً لله في السركان حسن المعاشرة في العلانية، فعاشر الخلق لله تعالى ولا تعاشر هم لنصيبك لأمر الدنيا ولطلب الجاه والرياء والسمعة ، ولا تسقطن لسببها عن حدود الشريعة من باب المائلة والشهرة، فإنهم لا يغنون عنك شيئاً وتفوتك الآخرة بلا فائدة ، فاجعل من هو الأكبر منك بمنزلة الأب والأصغر بمنزلة الولد والمثل بمنزلة الأخ ، ولا تدع ما تعامه يقيناً من نفسك يا تشك

ص: 42

فِيهِ مِنْ غَيْرِكَ وَ كُنْ رَفِيقاً فِي أَمْرِكَ بِالْمَعْرُوفِ وَ شَفِيقاً فِي نَهْيِكَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ لاَ تَدَعِ النَّصِيحَةَ فِي كُلِّ حَالٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَ قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً وَ اقْطَعْ عَمَّنْ يُنْسِيكَ وَصْلُهُ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَ تَشْغَلُكَ أُلْفَتُهُ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اَلشَّيْطَانِ وَ أَعْوَانِهِ وَ لاَ يَحْمِلَنَّكَ رُؤْيَتُهُمْ إِلَى الْمُدَاهَنَةِ عِنْدَ الْخَلْقِ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ خُسْرَاناً عَظِيماً نَعُوذُ بِاللَّهِ تَعَالَى.

ص: 43

الباب العشرون في النوم

قال الصادق علیه السلام: نم نوم المعتبرين ولا تنم نوم الغافلين ، فإن المعتبرين من الأكياس ينامون استراحة ولا ينامون استبطاراً استبصاراً .

قال النبي صلی الله علیه و اله : تنام عيناي ولا ينام قلي، وانو بنومك تخفيف مؤنتك على الملائكة واعتزال النفس عن شهواتها و اختبر بها نفسك ، وكن ذا معرفة بأنك عاجز ضعيف لا تقدر على شيء من حركاتك وسكونك إلا بحكم الله وتقديره ، وان النوم أخو الموت واستدل بها على الموت الذي لا تجد السبيل إلى الانتباه فيه والرجوع إلى صلاح

ص: 44

مَا فَاتَ عَنْكَ وَ مَنْ نَامَ عَنْ فَرِيضَةٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ نَافِلَةٍ فَاتَهُ بِسَبَبِهَا شَيْ ءٌ فَذَلِكَ نَوْمُ الْغَافِلِينَ وَ سِيرَةُ الْخَاسِرِينَ وَ صَاحِبُهُ مَغْبُونٌ وَ مَنْ نَامَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَ السُّنَنِ وَ الْوَاجِبَاتِ مِنَ الْحُقُوقِ فَذَلِكَ نَوْمٌ مَحْمُودٌ وَ إِنِّي لاَ أَعْلَمُ لِأَهْلِ زَمَانِنَا هَذَا شَيْئاً إِذَا أَتَوْا بِهَذِهِ الْخِصَالِ أَسْلَمَ مِنَ النَّوْمِ لِأَنَّ الْخَلْقَ تَرَكُوا مُرَاعَاةَ دِينِهِمْ وَ مُرَاقَبَةَ أَحْوَالِهِمْ وَ أَخَذُوا شِمَالَ الطَّرِيقِ وَ الْعَبْدُ إِنِ اجْتَهَدَ أَنْ لاَ يَتَكَلَّمَ كَيْفَ يُمْكِنُهُ أَنْ لاَ يَسْتَمِعَ إِلاَّ مَا لَهُ مَانِعٌ مِنْ ذَلِكَ وَ إِنَّ النَّوْمَ مِنْ إِحْدَى تِلْكَ الْآلاَتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً وَ إِنَّ فِي كَثْرَتِهِ آفَاتٍ وَ إِنْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَ كَثْرَةُ النَّوْمِ يَتَوَلَّدُ مِنْ كَثْرَةِ الشُّرْبِ وَ كَثْرَةُ الشُّرْبِ يَتَوَلَّدُ مِنْ كَثْرَةِ الشِّبَعِ وَ هُمَا يُثَقِّلاَنِ النَّفْسَ عَنِ الطَّاعَةِ وَ يُقْسِيَانِ الْقَلْبَ عَنِ التَّفَكُّرِ وَ الْخُشُوعِ وَ اجْعَلْ كُلَّ نَوْمِكَ آخِرَ عَهْدِكَ مِنَ الدُّنْيَا وَ اذْكُرِ اللَّهَ

ص: 45

تَعَالَى بِقَلْبِكَ وَ لِسَانِكَ وَ خَفِ اطِّلاَعَهُ عَلَى سِرِّكَ مُسْتَعِيناً بِهِ فِي الْقِيَامِ إِلَى الصَّلاَةِ إِذَا انْتَبَهْتَ فَإِنَّ اَلشَّيْطَانَ يَقُولُ لَكَ نَمْ فَإِنَّ لَكَ بَعْدُ لَيْلاً طَوِيلاً يُرِيدُ تَفْوِيتَ وَقْتِ مُنَاجَاتِكَ وَ عَرْضِ حَالِكَ عَلَى رَبِّكَ وَ لاَ تَغْفُلْ عَنِ الاِسْتِغْفَارِ بِالْأَسْحَارِ فَإِنَّ لِلْقَانِتِينَ فِيهِ أَشْوَاقاً.

ص: 46

الباب الواحد و العشرون في الحج

قال الصادق عليه السلام : إذا أردت الحج فجرد قلبك الله عز وجل من قبل عزمك من كل شاغل وحجب عن كل حاجب ، وفوض أمورك كلها إلى خالقك ، وتوكل عليه في جميع ما يظهر من حركاتك وسكونك وسلم لقضائه وحكمه وقدره وتدع الدنيا والراحة والخلق ، واخرج من حقوق يلزمك من جهة المخلوقين ، ولا تعتمد على زادك وراحلتك وأصحابك وقوتك وشبابك ومالك ، مخافة أن تصير ذلك أعداء ووبالاً ليعلم أنه ليس قوة ولا حيلة ولا حد إلا بعصمة الله تعالى وتوفيقه ، واستعد استعداد من

ص: 47

لاَ يَرْجُو الرُّجُوعَ وَ أَحْسِنِ الصُّحْبَةَ وَ رَاعِ أَوْقَاتَ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى وَ سُنَنَ نَبِيِّهِ صلی الله علیه و اله وَ مَا يَجِبُ عَلَيْكَ مِنَ الْأَدَبِ وَ الاِحْتِمَالِ وَ الصَّبْرِ وَ الشُّكْرِ وَ الشَّفَقَةِ وَ السَّخَاءِ وَ إِيْثَارِ الرَّادِّ عَلَى دَوَامِ الْأَوْقَاتِ ثُمَّ اغْتَسِلْ بِمَاءِ التَّوْبَةِ الْخَالِصَةِ ذُنُوبَك وَ الْبَسْ كِسْوَةَ الصِّدْقِ وَ الصَّفَاءِ وَ الْخُضُوعِ وَ الْخُشُوعِ وَ أَحْرِمْ عَنْ كُلِّ شَيْ ءٍ يَمْنَعُكَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ يَحْجُبُكَ عَنْ طَاعَتِهِ وَ لَبِّ بِمَعْنَى إِجَابَةٍ صَافِيَةٍ خَالِصَةٍ زَاكِيَةٍ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِي دَعْوَتِكَ لَهُ مُتَمَسِّكاً بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَ طُفْ بِقَلْبِكَ مَعَ الْمَلاَئِكَةِ حَوْلَ اَلْعَرْشِ كَطَوَافِكَ مَعَ اَلْمُسْلِمِينَ بِنَفْسِكَ حَوْلَ اَلْبَيْتِ وَ هَرْوِلْ هَرْوَلَةً فَرّاً مِنْ هَوَاكَ وَ تَبَرِّياً مِنْ جَمِيعِ حَوْلِكَ وَ قُوَّتِكَ وَ اخْرُجْ مِنْ غَفْلَتِكَ وَ زَلاَّتِكَ بِخُرُوجِكَ إِلَى مِنًى وَ لاَ تَمَنَّ مَا لاَ يَحِلُّ لَكَ وَ لاَ تَسْتَحِقُّهُ وَ اعْتَرِفْ بِالْخَطَإِ بِالْعَرَفَاتِ وَ حَدِّدْ عَهْدَكَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى بِوَحْدَانِيَّتِهِ وَ تَقَرَّبْ إِلَيْهِ وَ اتَّقِهِ بِمُزْدَلِفَةَ وَ اصْعَدْ بِرُوحِكَ

ص: 48

إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى بِصُعُودِكَ إِلَى الْجَبَلِ وَ اذْبَحْ حَنْجَرَةَ الْهَوَى وَ الطَّمَعِ عِنْدَ الذَّبِيحَةِ وَ ارْمِ الشَّهَوَاتِ وَ الخَسَاسَةَ وَ الدَّنَاءَةَ وَ الْأَفْعَالَ الذَّمِيمَةَ عِنْدَ رَمْيِ اَلْجَمَرَاتِ وَ احْلِقِ الْعُيُوبَ الظَّاهِرَةَ وَ الْبَاطِنَةَ بِحَلْقِ شَعْرِكَ وَ ادْخُلْ فِي أَمَانِ اللَّهِ تَعَالَى وَ كَنَفِهِ وَ سَتْرِهِ وَ حِفْظِهِ وَ كِلاَئِهِ مِنْ مُتَابَعَةِ مُرَادِكَ بِدُخُولِ اَلْحَرَمِ وَ زُرِ اَلْبَيْتَ مُتَحَفِّفاً لِتَعْظِيمِ صَاحِبِهِ وَ مَعْرِفَتِهِ وَ جَلاَلِهِ وَ سُلْطَانِهِ وَ اسْتَلِمِ اَلْحَجَرَ رِضًى بِقِسْمَتِهِ وَ خُضُوعاً لِعَظَمَتِهِ وَ دَعْ مَا سِوَاهُ بِطَوَافِ الْوَدَاعِ وَ صَفِّ رُوحَكَ وَ سِرَّكَ لِلِقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى يَوْمَ تَلْقَاهُ بِوُقُوفِكَ عَلَى اَلصَّفَا وَ كُنْ ذَا مُرُوَّةٍ مِنَ اللَّهِ بِفِنَاءِ أَوْصَافِكَ عِنْدَ اَلْمَرْوَةِ وَ اسْتَقِمْ عَلَى شُرُوطِ حَجِّكَ وَ وَفَاءِ عَهْدِكَ الَّذِي عَاهَدْتَ رَبَّكَ وَ أَوْجَبْتَهُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ اعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْتَرِضِ الْحَجَّ وَ لَمْ يَخُصَّهُ مِنْ جَمِيعِ الطَّاعَاتِ بِالْإِضَافَةِ إِلَى نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ اَلْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَ لاَ شَرَعَ نَبِيُّهُ صلی الله علیه و اله فِي خِلاَلِ الْمَنَاسِكِ عَلَى تَرْتِيبِ مَا

ص: 49

شَرَعَهُ إِلاَّ لِلاِسْتِعْدَادِ وَ الْإِشَارَةِ إِلَى الْمَوْتِ وَ الْقَبْرِ وَ الْبَعْثِ وَ اَلْقِيَامَةِ وَ فَصْلِ بَيَانِ السَّبْقِ مِنْ دُخُولِ اَلْجَنَّةِ أَهْلُهَا وَ دُخُولِ اَلنَّارِ أَهْلُهَا بِمُشَاهَدَةِ مَنَاسِكِ الْحَجِّ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا لِأُولِي الْأَلْبَابِ وَ أُولِي النُّهَى.

ص: 50

الباب الثاني و العشرون في الزكاة

قال الصادق علیه السلام : على كل جزء من أجزائك زكاة واجبة الله تعالى ، بل على كل منبت شعر من شعرك ، بل على كل لحظة من لحظاتك زكاة .

فزكاة العين النظرة بالعبرة والغض عن الشهوات وما يضاهيها ، وزكاة الأذن استماع العين والحكمة والقرآن وفوائد الدين من الموعظة والنصيحة وما فيه نجاتك ، وبالاعراض عما هو ضده من الكذب والغيبة وأشباههما وزكاة اللسان النصح للمسلمين والتيقظ للغافلين وكثرة التسبيح والذكر وغيرها ، وزكاة اليد البذل والعطاء

ص: 51

وَ السَّخَاءُ بِمَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْكَ بِهِ وَ تَحْرِيكُهَا بِكِتَابَةِ الْعِلْمِ وَ مَنَافِعَ يَنْتَفِعُ بِهَا اَلْمُسْلِمُونَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَ الْقَبْضُ عَنِ الشَّرِّ وَ زَكَاةُ الرِّجْلِ السَّعْيُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ زِيَارَةِ الصَّالِحِينَ وَ مَجَالِسِ الذِّكْرِ وَ إِصْلاَحِ النَّاسِ وَ صِلَةِ الْأَرْحَامِ وَ الْجِهَادِ وَ مَا فِيهِ صَلاَحُ قَلْبِكَ وَ سَلاَمَةُ دِينِكَ هَذَا مِمَّا تَحْتَمِلُ الْقُلُوبُ فَهْمَهُ وَ النُّفُوسُ اسْتِعْمَالَهُ وَ مَا لاَ يُشْرِفُ عَلَيْهِ إِلاَّ عِبَادُهُ الْمُخْلَصُونَ الْمُقَرَّبُونَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَ هُمْ أَرْبَابُهُ وَ هُوَ شِعَارُهُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ اللَّهُمَّ وَفِّقْنِي بِمَا تُحِبُّ وَ تَرْضَى.

ص: 52

الباب الثالث و العشرون في النية

قال الصادق علیه السلام : صاحب النية الصادقة صاحب القلب السليم ، لأن سلامة القلب من هواجس المحذورات بتخليص النية الله تعالى في الأمور كلها . قال الله تعالى : يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سلیم .

وقال النبي صلی الله علیه و اله : نية المؤمن خير من عمله . وقال صلی الله علیه و اله : إنما الأعمال بالنيات ، ولكل امرىء ما نوى ، فلا بد للعبد من خالص النية في كل حركة وسكون، لأنه إذا لم يكن بهذا المعنى يكون غافلاً ، والغافلون قد ذمهم

ص: 53

اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ إِنْ هُمْ إِلاّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً وَ قَالَ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ ثُمَّ النِّيَّةُ تَبْدُو مِنَ الْقَلْبِ عَلَى قَدْرِ صَفَاءِ الْمَعْرِفَةِ وَ تَخْتَلِفُ عَلَى حَسَبِ اخْتِلاَفِ الْإِيمَانِ فِي مَعْنَى قُوَّتِهِ وَ ضَعْفِهِ وَ صَاحِبُ النِّيَّةِ الْخَالِصَةِ نَفْسُهُ وَ هَوَاهُ مَعَهُ مَقْهُورَتَانِ تَحْتَ سُلْطَانِ تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى وَ الْحَيَاءِ مِنْهُ وَ هُوَ مِنْ طَبْعِهِ وَ شَهْوَتِهِ وَ مُنْيَةُ نَفْسِهِ مِنْهُ فِي تَعَبٍ وَ النَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَةٍ.

ص: 54

الباب الرابع و العشرون في الذكر

قال الصادق علیه السلام : من كان ذاكراً الله تعالى على الحقيقة فهو مطيع ومن كان غافلاً عنه فهو عاص ، والطاعة علامة الهداية والمعصية علامة الضلالة وأصلهما من الذكر والغفلة ، فاجعل قلبك قبلة للسانك لا تحركه إلا باشارة وموافقة العقل ورضى الايمان ، فإن الله تعالى عالم بسرك وجهرك، وكن كالنازع روحه أو كالواقف في العرض الأكبر غير شاغل نفسك عما عناك بما كلفك به ربك في أمره ونهيه ووعده ووعيده، ولا تشغلها بدون ما كلف به ربك واغسل قلبك بماء الحزن والخوف ، واجعل ذكر الله تعالى من أجل ذكره إياك فإنه ذكرك وهو غني عنك ،

ص: 55

فَذِكْرُهُ لَكَ أَجَلُّ وَ أَشْهَى وَ أَثْنَى وَ أَتَمُّ مِنْ ذِكْرِكَ لَهُ وَ أَسْبَقُ وَ مَعْرِفَتُكَ بِذِكْرِهِ لَكَ تُورِثُكَ الْخُضُوعَ وَ الاِسْتِحْيَاءَ وَ الاِنْكِسَارَ وَ يَتَوَلَّدُ مِنْ ذَلِكَ رُؤْيَةُ كَرَمِهِ وَ فَضْلِهِ السَّابِقِ وَ تَصْغُرُ عِنْدَ ذَلِكَ طَاعَتُكَ وَ إِنْ كَثُرَتْ فِي جَنْبِ مِنَّتِهِ وَ تَخْلُصُ لِوَجْهِهِ وَ رُؤْيَتُكَ ذِكْرَكَ لَهُ تُورِثُكَ الرِّيَاءَ وَ الْعُجْبَ وَ السَّفَهَ وَ الْغِلْظَةَ فِي خَلْقِهِ وَ اسْتِكْثَارَ الطَّاعَةِ وَ نِسْيَانَ فَضْلِهِ وَ كَرَمِهِ وَ لاَ تَزْدَادُ بِذَلِكَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى إِلاَّ بُعْداً وَ لاَ تَسْتَجْلِبُ بِهِ عَلَى معنى [مُضِيِّ] الْأَيَّامِ إِلاَّ وَحْشَةً وَ الذِّكْرُ ذِكْرَانِ ذِكْرٌ خَالِصٌ بِمُوَافَقَةِ الْقَلْبِ وَ ذِكْرٌ صَارِفٌ لَكَ بِنَفْيِ ذِكْرِ غَيْرِهِ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و اله أَنَا لاَ أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ فَرَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و اله لَمْ يَجْعَلْ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى مِقْدَاراً عِنْدَ عِلْمِهِ بِحَقِيقَةِ سَابِقَةِ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْ قَبْلِ ذِكْرِهِ لَهُ وَ مَنْ دُونَهُ أَوْلَى فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ الْعَبْدَ بِالتَّوْفِيقِ لِذِكْرِهِ لاَ يَقْدِرُ الْعَبْدُ عَلَى ذِكْرِهِ.

ص: 56

الباب الخامس و العشرون في آفة القرّاء

قال الصادق علیه السلام : المتقري بلا علم كالمعجب بلا مال ، ولا ملك يبغض الناس لفقره ويبغضونه لعجبه ، فهو أبداً مخاصم للخلق في غير واجب ، ومن خاصم الخلق في غير ما يؤمر به فقد نازع الخالقية والربوبية .

قال الله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدَى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ ) ، وليس أحد أشد عقاباً ممن لبس قميص الدعوى بلا حقيقة ولا معنى.

قال زيد بن ثابت لابنه : يا بني لا يرى الله اسمك في ديوان القراء .

ص: 57

قَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه و اله وَ سَيَأْتِي عَلَى أُمَّتِي زَمَانٌ تَسْمَعُ فِيهِ بِاسْمِ الرَّجُلِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَلْقَاهُ وَ أَنْ تَلْقَاهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تُجَرِّبَ وَ قَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه و اله أَكْثَرُ مُنَافِقِي أُمَّتِي قُرَّاؤُهَا وَ كُنْ حَيْثُ نُدِبْتَ إِلَيْهِ وَ أُمِرْتَ بِهِ وَ أَخْفِ سِرَّكَ مِنَ الْخَلْقِ مَا اسْتَطَعْتَ وَ اجْعَلْ طَاعَتَكَ لِلَّهِ تَعَالَى بِمَنْزِلَةِ رُوحِكَ مِنْ جَسَدِكَ وَ لْتَكُنْ مُعْتَبِراً حَالَكَ مَا تُحَقِّقُهُ بَيْنَكَ وَ بَيْنَ بَارِئِكَ وَ اسْتَعِنْ بِاللَّهِ فِي جَمِيعِ أُمُورِكَ مُتَضَرِّعاً إِلَى اللَّهِ فِي آنَاءِ لَيْلِكَ وَ أَطْرَافِ نَهَارِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَ الاِعْتِدَاءُ مِنْ صِفَةِ قُرَّاءِ زَمَانِنَا هَذَا وَ عَلاَمَتِهِمْ فَكُنْ لِلَّهِ فِي جَمِيعِ أُمُورِكَ عَلَى وَجَلٍ لِئَلاَّ تَقَعَ فِي مَيْدَانِ التَّمَنِّي فَتَهْلِكَ.

ص: 58

الباب السادس و العشرون في بيان الحق و الباطل

قال الصادق عليه السلام : اتق الله وكن حيث شئت ومن أي قوم شئت فإنه لا خلاف لأحد في التقوى، والتقوى محبوب عند كل فريق وفيه اجتماع كل خير ورشد وهو ميزان كل علم وحكمة وأساس كل طاعة مقبولة ، والتقوى ماء ينفجر من عين المعرفة بالله تعالى يحتاج اليه كل فن من العلم، وهو لا يحتاج إلى تصحيح المعرفة بالحمود تحت هيبة الله تع______الى وسلطانه ، ومزيد التقوى يكون من أصل اطلاع الله عز وجل على سر العبد بلطفه ، فهذا أصل كل حق . واما الباطل فهو ما يقطعك عن الله تعالى ، متفق عليه أيضاً كل فريق فاجتنب عنه و افرد سرك الله تعالى بلا علاقة

ص: 59

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و اله أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَتْهَا اَلْعَرَبُ كَلِمَةُ لَبِيدٍ حَيْثُ قَالَ

أَلاَ كُلُّ شَيْ ءٍ مَا سِوَى اللَّهِ بَاطِلٌ

وَ كُلُّ نَعِيمٍ لاَ مَحَالَةَ زَائِلٌ

فَالْزَمْ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الصَّفَاءِ وَ التُّقَى مِنْ أُصُولِ الدِّينِ وَ حَقَائِقِ الْيَقِينِ وَ الرِّضَا وَ التَّسْلِيمِ وَ لاَ تَدْخُلْ فِي اخْتِلاَفِ الْخَلْقِ وَ مَقَالاَتِهِمْ فَيَصْعُبَ عَلَيْكَ وَ قَدِ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ الْمُخْتَارَةُ بِأَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ وَ أَنَّهُ عَدْلٌ فِي حُكْمِهِ وَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ وَ لاَ يُقَالُ فِي شَيْ ءٍ مِنْ صُنْعِهِ لِمَ وَ لاَ كَانَ وَ لاَ يَكُونُ شَيْ ءٌ إِلاَّ بِمَشِيئَتِهِ وَ إِرَادَتِهِ وَ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى مَا يَشَاءُ وَ صَادِقٌ فِي وَعْدِهِ وَ وَعِيدِهِ وَ أَنَّ اَلْقُرْآنَ كَلاَمُهُ وَ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْكَوْنِ وَ الْمَكَانِ وَ الزَّمَانِ وَ أَنَّ إِحْدَاثَ الْكَوْنِ وَ إِفْنَاءَهُ عِنْدَهُ سَوَاءٌ مَا ازْدَادَ بِإِحْدَاثِهِ عِلْمُهُ وَ لاَ يَنْقُصُ بِإِفْنَائِهِ مُلْكُهُ عَزَّ سُلْطَانُهُ وَ جَلَّ سُبْحَانُهُ فَمَنْ أَوْرَدَ عَلَيْكَ مَا يَنْقُضُ هَذَا الْأَصْلَ فَلاَ تَقْبَلْهُ وَ جَرِّدْ بَاطِنَكَ لِذَلِكَ تَرَى بَرَكَاتِهِ عَنْ قَرِيبٍ وَ تَفُوزُ مَعَ الْفَائِزِينَ.

ص: 60

الباب السابع و العشرون في معرفة الأنبياء

قال الصادق علیه السلام : إن الله عز وجل مكن أنبيائه من خزائن لطفه وكرمه ورحمته ، وعلّمهم من مخزون علمه وأفردهم من جميع الخلائق لنفسه فلا يشبه أحوالهم وأخلاقهم أحداً من الخلائق أجمعين ، إذ جعلهم وسائل سائر الخلق اليه وجعل حبهم وإطاعتهم سبب رضائه ، وخلافهم وإنكارهم سبب سخطه وأمر كل قوم وفئة باتباع ملة رسولهم ، ثم أبى أن يقبل طاعة إلا بطاعتهم وتمجيدهم ومعرفة حبهم

وتبجيلهم وحرمتهم ووقارهم وتعظيمهم وجاههم عند الله تعالى ، فعظم جميع أنبياء الله ولا تنزلهم

ص: 61

مَنْزِلَةَ أَحَدٍ مِنْ دُونِهِمْ وَ لاَ تَتَصَرَّفْ بِعَقْلِكَ فِي مَقَامَاتِهِمْ وَ أَحْوَالِهِمْ وَ أَخْلاَقِهِمْ إِلاَّ بِبَيَانٍ مُحْكَمٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَ إِجْمَاعِ أَهْلِ الْبَصَائِرِ بِدَلاَئِلَ يَتَحَقَّقُ بِهَا فَضَائِلُهُمْ وَ مَرَاتِبُهُمْ وَ أَنَّى بِالْوُصُولِ إِلَى حَقِيقَةِ مَا لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ قَابَلْتَ أَفْعَالَهُمْ و أَقْوَالَهُمْ بِمَنْ دُونَهُمْ مِنَ النَّاسِ فَقَدْ أَسَأْتَ صُحْبَتَهُمْ وَ أَنْكَرْتَ مَعْرِفَتَهُمْ وَ جَهِلْتَ خُصُوصِيَّتَهُمْ بِاللَّهِ وَ سَقَطْتَ عَنْ دَرَجَةِ حَقَائِقِ الْإِيمَانِ وَ الْمَعْرِفَةِ فَإِيَّاكَ ثُمَّ إِيَّاكَ.

ص: 62

الباب الثامن و العشرون في معرفة الأئمة علیهم السلام

قال الصادق علیه السلام: روي باسناد صحيح عن سلمان عن الام الفارسي ( ره ) قال : دخلت على رسول الله صلی الله علیه و اله فلما نظر إلي فقال : يا سلمان إن الله عز وجل لن يبعث نبياً ولا رسولاً إلا وله إثنا عشر نقيباً ، قال قلت يا رسول الله صلی الله علیه و اله عرفت هذا من أهل الكتابين . قال : يا سلمان هل عرفت نقبائي الإثنا عشر الذين اختارهم الله تعالى للإمامة من بعدي ، فقلت الله ورسوله اعلم ، فقال : يا سلمان خلقني الله تعالى من صفوة نوره ودعاني فأطعته ، فخلق من نوري علياً ودعاء فأطاعه فخلق من نوري ونور

ص: 63

عَلِيٍّ فَاطِمَةَ وَ دَعَاهَا فَأَطَاعَتْهُ فَخَلَقَ مِنِّي وَ مِنْ عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ الْحَسَنَ وَ اَلْحُسَيْنَ فَدَعَاهُمَا فَأَطَاعَاهُ فَسَمَّانَا اللَّهُ تَعَالَى بِخَمْسَةِ أَسْمَاءٍ مِنْ أَسْمَائِهِ فَاللَّهُ تَعَالَى الْمَحْمُودُ وَ أَنَا مُحَمَّدٌ وَ اللَّهُ الْعَلِيُّ وَ هَذَا عَلِيٌّ وَ اللَّهُ الْفَاطِرُ وَ هَذِهِ فَاطِمَةُ وَ اللَّهُ ذُو الْإِحْسَانِ وَ هَذَا الْحَسَنُ وَ اللَّهُ الْمُحْسِنُ وَ هَذَا اَلْحُسَيْنُ وَ خَلَقَ مِنْ نُورِ اَلْحُسَيْنِ تِسْعَةَ أَئِمَّةٍ فَدَعَاهُمْ فَأَطَاعُوهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ تَعَالَى سَمَاءً مَبْنِيَّةً وَ أَرْضاً مَدْحِيَّةً أَوْ هَوَاءً أَوْ مَلَكاً أَوْ بَشَراً وَ كُنَّا أَنْوَاراً نُسَبِّحُهُ وَ نَسْمَعُ لَهُ وَ نُطِيعُ قَالَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي مَا لِمَنْ عَرَفَ هَؤُلاَءِ حَقَّ مَعْرِفَتِهِمْ فَقَالَ يَا سَلْمَانُ مَنْ عَرَفَهُمْ حَقَّ مَعْرِفَتِهِمْ وَ اقْتَدَى بِهِمْ فَوَالاَهُمْ وَ تَبَرَّأَ مِنْ عَدُوِّهِمْ كَانَ وَ اللَّهِ مِنَّا يَرِدُ حَيْثُ نَرِدُ وَ يَكُنْ حَيْثُ نَكُنْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صلی الله علیه و اله فَهَلْ إِيمَانٌ بِغَيْرِ مَعْرِفَتِهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَ أَنْسَابِهِمْ فَقَالَ لاَ يَا سَلْمَانُ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صلی الله علیه و اله فَأَنَّى لِي بِهِمْ فَقَالَ صلی الله علیه و اله قَدْ عَرَفْتَ إِلَى اَلْحُسَيْنِ علیه السلام قُلْتُ نَعَمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و اله ثُمَّ سَيِّدُ الْعَابِدِينَ

ص: 64

عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ثُمَّ ابْنُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ بَاقِرُ عِلْمِ الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الْمُرْسَلِينَ ثُمَّ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ لِسَانُ اللَّهِ الصَّادِقُ ثُمَّ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ الْكَاظِمُ غَيْظَهُ صَبْراً فِي اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا الرَّاضِي بِسِرِّ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُخْتَارُ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ ثُمَّ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْهَادِي إِلَى اللَّهِ ثُمَّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّامِتُ الْأَمِينُ عَلَى سِرِّ اللَّهِ ثُمَّ م ح م د النَّاطِقُ الْقَائِمُ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ سَلْمَانُ فَبَكَيْتُ ثُمَّ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صلی الله علیه و اله إِنِّي مُؤَجَّلٌ إِلَى عَهْدِهِمْ قَالَ يَا سَلْمَانُ اقْرَأْ - فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَ كانَ وَعْداً مَفْعُولاً. ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَ أَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ وَ جَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً قَالَ ره فَاشْتَدَّ بُكَائِي وَ شَوْقِي قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ

ص: 65

صلی الله علیه و اله أَ بِعَهْدٍ مِنْكَ فَقَالَ إِي وَ الَّذِي بَعَثَنِي وَ أَرْسَلَنِي لَبِعَهْدٍ مِنِّي وَ بِعَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنِ وَ اَلْحُسَيْنِ وَ تِسْعَةِ أَئِمَّةٍ مِنْ وُلْدِ اَلْحُسَيْنِ ع وَ بِكَ وَ مَنْ هُوَ مِنَّا وَ مَظْلُومٌ فِينَا وَ كُلُّ مَنْ مَحَضَ الْإِيمَانَ مَحْضاً إِي وَ اللَّهِ يَا سَلْمَانُ ثُمَّ لَيَحْضُرَنَّ إِبْلِيسُ وَ جُنُودُهُ وَ كُلُّ مَنْ مَحَضَ الْكُفْرَ مَحْضاً حَتَّى يُؤْخَذَ بِالْقِصَاصِ وَ الأوتاد [اَلْأَوْتَارِ] وَ التُّرَاثِ وَ لاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً وَ نَحْنُ تَأْوِيلُ هَذِهِ الْآيَةِ - وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ. وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ قَالَ سَلْمَانُ فَقُمْتُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه و اله وَ مَا يُبَالِي سَلْمَانُ كَيْفَ لَقِيَ الْمَوْتَ أَوْ لقاه [لَقِيَهُ] .

ص: 66

الباب التاسع و العشرون في معرفة الصحابة

قال الصادق عليه السلام : لا تدع اليقين بالشك والمكشوف بالخفي ، ولا تحكم ما لم تره بما تروى عنه قد عظم الله أمر الغيبة وسوء الظن بإخوانك من المؤمنين ، فكيف بالجرأة على إطلاق قول و اعتقاد زور وبهتان في أصحاب رسول الله صلی الله علیه و اله.

قال الله عز وجل : ( تَلْقُونَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بأفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عند الله عظيم ) .

و ما دمت تجد إلى تحسين القول والفعل في غيبتك

ص: 67

وَ حَضْرَتِكَ سَبِيلاً فَلاَ تَتَّخِذْ غَيْرَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَ قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً وَ اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اخْتَارَ لِنَبِيِّهِ عَنْ أَصْحَابِهِ طَائِفَةً أَكْرَمَهُمْ بِأَجَلِّ الْكَرَامَةِ وَ حَلاَّهُمْ بِحِلْيَةِ التَّأْيِيدِ وَ النَّصْرِ وَ الاِسْتِقَامَةِ لِصُحْبَتِهِ عَلَى الْمَحْبُوبِ وَ الْمَكْرُوهِ وَ أَنْطَقَ لِسَانَ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه و اله بِفَضَائِلِهِمْ وَ مَنَاقِبِهِمْ وَ كَرَامَاتِهِمْ فَاعْتَقِدْ مَحَبَّتَهُمْ وَ اذْكُرْ فَضْلَهُمْ وَ احْذَرْ مُجَالَسَةَ أَهْلِ الْبِدَعِ فَإِنَّهَا تُنْبِتُ فِي الْقَلْبِ كُفْراً وَ ضَلاَلاً مُبِيناً وَ إِنِ اشْتَبَهَ عَلَيْكَ فَضِيلَةُ بَعْضِهِمْ فَكِلْهُمْ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَ قُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي مُحِبٌّ لِمَنْ أَحْبَبْتَهُ أَنْتَ وَ رَسُولُكَ وَ مُبْغِضٌ لِمَنْ أَبْغَضْتَهُ أَنْتَ وَ رَسُولُكَ فَإِنَّهُ لَمْ يُكَلِّفْكَ فَوْقَ ذَلِكَ.

ص: 68

الباب الثلاثون في حرمة المؤمنين

قَالَ اَلصَّادِقُ علیه السلام: لاَ يُعَظِّمُ حُرْمَةَ الْمُؤْمِنِينَ إِلاَّ مَنْ قَدْ عَظَّمَ اللَّهُ حُرْمَتَهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ كَانَ أَبْلَغَ حُرْمَةً لِلَّهِ وَ رَسُولِهِ كَانَ أَشَدَّ تَعْظِيماً لِحُرْمَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنِ اسْتَهَانَ لِحُرْمَةِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَدْ هَتَكَ سِتْرَ إِيمَانِهِ قَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه و اله إِنَّ مِنْ إِجْلاَلِ اللَّهِ إِعْظَامَ ذَوِي الْقُرْبَى فِي الْإِيمَانِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيراً وَ لاَ يُوَقِّرْ كَبِيراً فَلَيْسَ مِنَّا وَ لاَ تُكَفِّرْ مُسْلِماً تُكَفِّرُهُ التَّوْبَةُ إِلاَّ مَنْ ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ اَلنّارِ وَ اشْتَغِلْ بِشَأْنِكَ الَّذِي أَنْتَ بِهِ مُطَالَبٌ.

ص: 69

الباب الواحد و الثلاثون في بر الوالدين

قال الصادق علیه السلام : بر الوالدين من حسن معرفة العبد بالله ، إذ لا عبادة أسرع بلوغاً لصاحبها إلى رضاء الله من بر الوالدين المؤمنين لوجه الله تعالى ، لأن حق الوالدين مشتق من حق الله تعالى إذا كانا على منهاج الدين والسنة، ولا يكونان يمنعان الولد من طاعة الله إلى طاعتهما ومن اليقين إلى الشك و من الزهد إلى الدنيا ، ولا يدعوانه إلى خلاف ذلك فإذا كان كذلك فمعصيتهما طاعة وطاعتهما

معصية .

قال الله تعالى : ( وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ

ص: 70

قَالَ اَلصَّادِقُ ع: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ مِنْ حُسْنِ مَعْرِفَةِ الْعَبْدِ بِاللَّهِ تَعَالَى إِذْ لاَ عِبَادَةَ أَسْرَعُ بُلُوغاً لِصَاحِبِهَا إِلَى رِضَاءِ اللَّهِ مِنْ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ الْمُؤْمِنَيْنِ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ حَقَّ الْوَالِدَيْنِ مُشْتَقٌّ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى إِذَا كَانَا عَلَى مِنْهَاجِ الدِّينِ وَ السُّنَّةِ وَ لاَ يَكُونَانِ يَمْنَعَانِ الْوَلَدَ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ إِلَى مَعْصِيَتِهِ وَ مِنَ الْيَقِينِ إِلَى الشَّكِّ وَ مِنَ الزُّهْدِ إِلَى الدُّنْيَا وَ لاَ يَدْعُوَانِهِ إِلَى خِلاَفِ ذَلِكَ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَعْصِيَتُهُمَا طَاعَةٌ وَ طَاعَتُهُمَا مَعْصِيَةٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَ إِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَ اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ وَ أَمَّا فِي بَابِ الْمُصَاحَبَةِ فَقَارِبْهُمَا وَ ارْفُقْ بِهِمَا وَ احْتَمِلْ أَذَاهُمَا بِحَقِّ مَا احْتَمَلاَ عَنْكَ فِي حَالِ صِغَرِكَ وَ لاَ تُضَيِّقْ عَلَيْهِمَا فِي مَا قَدْ وَسَّعَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْكَ مِنَ الْمَأْكُولِ وَ الْمَلْبُوسِ وَ لاَ تُحَوِّلْ وَجْهَكَ عَنْهُمَا وَ لاَ تَرْفَعْ صَوْتَكَ فَوْقَ صَوْتِهِمَا فَإِنَّ تَعْظِيمَهُمَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَ قُلْ لَهُمَا بِأَحْسَنِ الْقَوْلِ وَ الْطُفْ بِهِمَا فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ.

ص: 71

الباب الثاني و الثلاثون في التواضع

قال الصادق علیه السلام : التواضع كل شرف نفيس ومرتبة رفيعة ، ولو كان للتواضع لغة يفهمها الخلق لنطق عن حقائق ما في مخفيات العواقب ، والتواضع ما يكون وفي الله وما سواه مكر ، ومن تواضع لله شرفه الله على كثير من عباده ولأهل التواضع سيماء ، سئل بعضهم عن التواضع ؟ قال هو أن يخضع للحق وينقاد له ولو سمعه من صي وكثير من أنواع الكبر يمنع من استفادة العلم وقبوله والانقياد له ، وفيه وردت الآيات التي فيها ذم المتكبرين ، ولأهل التواضع سيماء يعرفها أهل السماوات من الملائكة

ص: 72

وَ أَهْلُ الْأَرْضِ مِنَ الْعَارِفِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَ عَلَى اَلْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ وَ قَالَ تَعَالَى أَيْضاً مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ وَ قَالَ تَعَالَى أَيْضاً إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ وَ قَالَ تَعَالَى فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَصْلُ التَّوَاضُعِ مِنْ إِجْلاَلِ اللَّهِ وَ هَيْبَتِهِ وَ عَظَمَتِهِ وَ لَيْسَ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ عِبَادَةٌ يَرْضَاهَا وَ يَقْبَلُهَا إِلاَّ وَ بَابُهَا التَّوَاضُعُ وَ لاَ يَعْرِفُ مَا فِي مَعْنَى حَقِيقَةِ التَّوَاضُعِ إِلاَّ الْمُقَرَّبُونَ مِنْ عِبَادِهِ الْمُتَّصِلُونَ بِوَحْدَانِيَّتِهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ عِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ

ص: 73

عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً وَ قَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَعَزَّ خَلْقِهِ وَ سَيِّدَ بَرِيَّتِهِ مُحَمَّداً بِالتَّوَاضُعِ فَقَالَ عَزَّ وَ جَلَّ - وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ التَّوَاضُعُ مَزْرَعَةُ الْخُشُوعِ وَ الْخُضُوعِ وَ الْخَشْيَةِ وَ الْحَيَاءِ وَ إِنَّهُنَّ لاَ يَتَبَيَّنَّ إِلاَّ مِنْهَا وَ لاَ يَسْلَمُ الشَّرَفُ التَّامُّ الْحَقِيقِيُّ إِلاَّ لِلْمُتَوَاضِعِ فِي ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى .

ص: 74

الباب الثالث و الثلاثون في الجهل

قال الصادق علیه السلام : الجهل صورة ركبت في الدني إقبالها ظلمة وإدبارها نور، والعبد متقلب معها كتقلب الظل مع الشمس ، ألا ترى إلى الانسان تارة تجده جاهلاً بخصال نفسه حامداً لها عارفاً بعيبها في غيره ساخطاً لها ، وتارة تجده عالماً بطباعه ساخطاً لها حامداً لها في غيره ، وهو متقلب بين العصمة والخذلان ، فإن قابلته العصمة أصاب وإن قابله الخذلان أخطأ ، ومفتاح الجهل الرضا والاعتقاد

به ، ومفتاح العلم الاستبدال مع اصابة مرافقة التوفيق

ص: 75

وَ أَدْنَى صِفَةِ الْجَاهِلِ دَعْوَاهُ بِالْعِلْمِ بِلاَ اسْتِحْقَاقٍ وَ أَوْسَطُهُ جَهْلُهُ بِالْجَهْلِ وَ أَقْصَاهُ جُحُودُهُ بِالْعِلْمِ وَ لَيْسَ شَيْ ءٌ إِثْبَاتُهُ حَقِيقَةُ نَفْيِهِ إِلاَّ الْجَهْلُ وَ الدُّنْيَا وَ الْحِرْصُ فَالْكُلُّ مِنْهُمْ كَوَاحِدٍ وَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ كَالْكُلِّ.

ص: 76

الباب الرابع و الثلاثون في الأكل

قال الصادق علیه السلام: قلة الأكل محمود في كل حال وعند كل قوم لأن فيه مصلحة للظاهر والباطن والمحمود من المأكولات أربعة : ضرورة ، وعدة ، وفتوح، وقوت، فالأكل الضروري للأصفياء ، والعدة لقوام الأتقياء ، والفتوح للمتوكلين ، والقوت للمؤمنين، وليس شيء اضر للقلب المؤمن من كثرته فيورث شيئين : قسوة القلب ، وهيجان الشهوة ، والجوع ادام للمؤمنين وغذاء للروح ، و طعام للقلب ، وصحة للبدن .

قال النبي صلی الله علیه و اله : ما ملأ ابن آدم وعاء أشر من بطنه .

ص: 77

وَ قَالَ دَاوُدُ علیه السلام تَرْكُ لُقْمَةٍ مَعَ الضَّرُورَةِ إِلَيْهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ قِيَامِ عِشْرِينَ لَيْلَةً قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و اله الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَ الْمُنَافِقُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ وَ قَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه و اله وَيْلٌ لِلنَّاسِ مِنَ الْقَبْقَبَيْنِ قِيلَ وَ مَا هُمَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ص الْبَطْنُ وَ الْفَرْجُ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ علیهما السلام مَا أَمْرَضَ قَلْبٌ بِأَشَدَّ مِنَ الْقَسْوَةِ وَ مَا اعْتَلَّتْ نَفْسٌ بِأَصْعَبَ مِنْ نَقْصِ الْجُوعِ وَ هُمَا زِمَامَانِ لِلطَّرْدِ وَ الْخِذْلاَنِ.

ص: 78

الباب الخامس و الثلاثون في الوسوسة

قال الصادق علیه السلام : لا يتمكن الشيطان بالوسوسة من العبد إلا وقد أعرض عن ذكر الله تعالى واستهان وسكن إلى نهيه ونسي اطلاعه على سره ، فالوسوسة ما تكون من خارج القلب بإشارة معرفة العقل ومجاورة الطبع، وأما إذا تمكن في القلب فذلك غي وضلالة وكفر والله عز وجل دعا عباده بلطف دعوته وعرفهم عداوة إبليس ، فقال تعالى : ( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عدوا ) ، فكن معه كالقريب مع كلب الراعي يفزع إلى صاحبه من صرفه عنه ، كذلك إذا أتاك الشيطان موسوساً

ص: 79

لِيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ الْحَقِّ وَ يُنْسِيَكَ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى فَاسْتَعِذْ مِنْهُ بِرَبِّكَ وَ بِرَبِّهِ فَإِنَّهُ يُؤَيِّدُ الْحَقَّ عَلَى الْبَاطِلِ وَ يَنْصُرُ الْمَظْلُومَ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ وَ لَنْ تَقْدِرَ عَلَى هَذَا وَ مَعْرِفَةِ إِتْيَانِهِ وَ مَذَاهِبِ وَسْوَسَتِهِ إِلاَّ بِدَوَامِ الْمُرَاقَبَةِ وَ الاِسْتِقَامَةِ عَلَى بِسَاطِ الْخِدْمَةِ وَ هَيْبَةِ الْمُطَّلِعِ وَ كَثْرَةِ الذِّكْرِ وَ أَمَّا الْمُهْمِلُ لِأَوْقَاتِهِ فَهُوَ صَيْدُ اَلشَّيْطَانِ لاَ مَحَالَةَ وَ اعْتَبِرْ بِمَا فَعَلَ بِنَفْسِهِ مِنَ الْإِغْوَاءِ وَ الاِغْتِرَارِ وَ الاِسْتِكْبَارِ حَيْثُ غَرَّهُ وَ أَعْجَبَهُ عَمَلُهُ وَ عِبَادَتُهُ وَ بَصِيرَتُهُ وَ جُرْأَتُهُ عَلَيْهِ قَدْ أَوْرَثَهُ عِلْمُهُ وَ مَعْرِفَتُهُ وَ اسْتِدْلاَلُهُ بِعَقْلِهِ اللَّعْنَةَ عَلَيْهِ إِلَى الْأَبَدِ فَمَا ظَنُّكَ بِنُصْحِهِ وَ دَعَوْتِهِ غَيْرَهُ فَاعْتَصِمْ بِحَبْلِ اللَّهِ الْأَوْثَقِ وَ هُوَ الاِلْتِجَاءُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَ الاِضْطِرَارُ بِصِحَّةِ الاِفْتِقَارِ إِلَى اللَّهِ فِي كُلِّ نَفَسٍ وَ لاَ يَغُرَّنَّكَ تَزْيِينُهُ الطَّاعَاتِ عَلَيْكَ فَإِنَّهُ يَفْتَحُ لَكَ تِسْعَةً وَ تِسْعِينَ بَاباً مِنَ الْخَيْرِ لِيَظْفَرَ بِكَ عِنْدَ تَمَامِ الْمِائَةِ فَقَابِلْهُ بِالْخِلاَفِ وَ الصَّدِّ عَنْ سَبِيلِهِ وَ الْمُضَادَّةِ بِاسْتِهْوَائِهِ.

ص: 80

الباب السادس و الثلاثون في العجب

قَالَ اَلصَّادِقُ علیه السلام: الْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِمَّنْ يُعْجَبُ بِعَمَلِهِ وَ هُوَ لاَ يَدْرِي بِمَ يُخْتَمُ لَهُ فَمَنْ أُعْجِبَ بِنَفْسِهِ وَ فِعْلِهِ فَقَدْ ضَلَّ عَنْ مَنْهَجِ الرَّشَادِ وَ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ وَ الْمُدَّعِي مِنْ غَيْرِ حَقٍّ كَاذِبٌ وَ إِنْ خَفِيَ دَعْوَاهُ وَ طَالَ دَهْرُهُ فَإِنَّ أَوَّلَ مَا يُفْعَلُ بِالْمُعْجَبِ نَزْعُ مَا أُعْجِبَ بِهِ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ عَاجِزٌ حَقِيرٌ وَ يَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ لِتَكُونَ الْحُجَّةُ أَوْكَدَ عَلَيْهِ كَمَا فُعِلَ بِإِبْلِيسَ وَ الْعُجْبُ نَبَاتٌ حَبُّهُ الْكُفْرُ وَ أَرْضُهُ النِّفَاقُ وَ مَاؤُهُ الْبَغْيُ وَ أَغْصَانُهُ الْجَهْلُ وَ وَرَقُهُ الضَّلاَلُ وَ ثَمَرَتُهُ اللَّعْنَةُ وَ الْخُلُودُ فِي اَلنَّارِ فَمَنِ اخْتَارَ الْعُجْبَ فَقَدْ بَذَرَ الْكُفْرَ وَ زَرَعَ النِّفَاقَ فَلاَ بُدَّ مِنْ أَنْ يُثْمِرَ وَ يَصِيرَ إِلَى اَلنَّارِ.

ص: 81

الباب السابع و الثلاثون في السخاء

قال الصادق علیه السلام : السخاء من أخلاق الأنبياء وهو عماد الإيمان ولا يكون مؤمناً إلا سخياً ولا يكون سخياً إلا ذو يقين وهمة عالية ، لأن السخاء شعاع نور اليقين من عرف ما قصد هان عليه ما بذل .

قال النبي صلی الله علیه و اله : ما جبل ولي الله إلا على السخاء والسخاء ما يقع على كل محبوب أقله الدنيا ، ومن علامة السخاء أن لا يبالي من أكل الدنيا ، ومن ملكها مؤمن أو كافر، ومطيع أو عاص، وشريف أو وضيع، يطعم غيره ويجوع، ويكسوغيره ويعرى، ويعطي غيره ويمتنع من قبول

ص: 82

عَطَاءِ غَيْرِهِ وَ يُمَنُّ بِذَلِكَ وَ لاَ يَمُنُّ وَ لَوْ مَلَكَ الدُّنْيَا بِأَجْمَعِهَا لَمْ يَرَ نَفْسَهُ فِيهَا إِلاَّ أَجْنَبِيّاً وَ لَوْ بَذَلَهَا فِي ذَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ مَا مَلَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و اله السَّخِيُّ قَرِيبٌ مِنَ اللَّهِ وَ قَرِيبٌ مِنَ النَّاسِ وَ قَرِيبٌ مِنَ اَلْجَنَّةِ بَعِيدٌ مِنَ اَلنَّارِ وَ الْبَخِيلُ بَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ بَعِيدٌ مِنَ النَّاسِ بَعِيدٌ مِنَ اَلْجَنَّةِ وَ قَرِيبٌ مِنَ اَلنَّارِ وَ لاَ يُسَمَّى سَخِيّاً إِلاَّ الْبَاذِلُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَ لِوَجْهِهِ وَ لَوْ كَانَ بِرَغِيفٍ أَوْ شَرْبَةِ مَاءٍ قَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه و اله السَّخِيُّ بِمَا مَلَكَ وَ أَرَادَ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى وَ أَمَّا الْمُتَسَخِّي فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَحَمَّالُ سَخَطِ اللَّهِ وَ غَضَبِهِ وَ هُوَ أَبْخَلُ النَّاسِ لِنَفْسِهِ فَكَيْفَ لِغَيْرِهِ حَيْثُ اتَّبَعَ هَوَاهُ وَ خَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَ لَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَ أَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ

ص: 83

وَ قَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه و اله يَقُولُ ابْنُ آدَمَ مِلْكِي مِلْكِي وَ مَالِي مَالِي يَا مِسْكِينُ أَيْنَ كُنْتَ حَيْثُ كَانَ الْمِلْكُ وَ لَمْ تَكُنْ وَ هَلْ لَكَ إِلاَّ مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَبْقَيْتَ إِمَّا مَرْحُومٌ بِهِ أَوْ مُعَاقَبٌ عَلَيْهِ فَاعْقِلْ أَنْ لاَ يَكُونَ مَالُ غَيْرِكَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ مَالِكَ فَقَدْ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع مَا قَدَّمْتَ فَهُوَ لِلْمَالِكِينَ وَ مَا أَخَّرْتَ فَهُوَ لِلْوَارِثِينَ وَ مَا مَعَكَ لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِ سَبِيلٌ سِوَى الْغُرُورِ بِهِ كَمْ تَسْعَى فِي طَلَبِ الدُّنْيَا وَ كَمْ تَدَّعِي أَ فَتُرِيدُ أَنْ تُفْقِرَ نَفْسَكَ وَ تُغْنِيَ غَيْرَكَ.

ص: 84

الباب الثامن و الثلاثون في الحساب

قَالَ اَلصَّادِقُ علیه السلام: لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْحِسَابِ مَهُولَةٌ إِلاَّ حَيَاءُ الْعَرْضِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَ فَضِيحَةُ هَتْكِ السِّتْرِ عَلَى الْمَخْفِيَّاتِ لَحَقٌّ لِلْمَرْءِ أَنْ لاَ يَهْبِطَ مِنْ رُءُوسِ الْجِبَالِ وَ لاَ يَأْوِيَ إِلَى عُمْرَانٍ وَ لاَ يَأْكُلَ وَ لاَ يَشْرَبَ وَ لاَ يَنَامَ إِلاَّ عَنِ اضْطِرَارٍ مُتَّصِلٍ بِالتَّلَفِ وَ مِثْلَ ذَلِكَ يَفْعَلُ مَنْ يَرَى اَلْقِيَامَةَ بِأَهْوَالِهَا وَ شَدَائِدِهَا قَائِمَةً فِي كُلِّ نَفْسٍ وَ يُعَايِنُ بِالْقَلْبِ بِالْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيِ الْجَبَّارِ حِينَئِذٍ يَأْخُذُ نَفْسَهُ بِالْمُحَاسَبَةِ كَأَنَّهُ إِلَى عَرَصَاتِهَا مَدْعُوٌّ وَ فِي غَمَرَاتِهَا مَسْئُولٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَ إِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ

ص: 85

أَتَيْنا بِها وَ كَفى بِنا حاسِبِينَ وَ قَالَ بَعْضُ اَلْأَئِمَّةِ حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا وَ زِنُوا أَعْمَالَكُمْ بِمِيزَانِ الْحَيَاءِ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا وَ قَالَ أَبُو ذَرٍّ ره ذِكْرُ اَلْجَنَّةِ مَوْتٌ وَ ذِكْرُ اَلنَّارِ مَوْتٌ فَوَا عَجَبَا لِنَفْسٍ تَحْيَا بَيْنَ مَوْتَيْنِ وَ رُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا علیه السلام أَنَّهُ كَانَ يُفَكِّرُ فِي طُولِ اللَّيْلِ فِي أَمْرِ اَلْجَنَّةِ وَ اَلنَّارِ فَيَسْهَرُ لَيْلَتَهُ وَ لاَ يَأْخُذُهُ النَّوْمُ ثُمَّ يَقُولُ عِنْدَ الصَّبَاحِ اللَّهُمَّ أَيْنَ الْمَفَرُّ وَ أَيْنَ الْمُسْتَقَرُّ اللَّهُمَّ لاَ مَفَرَّ إِلاَّ إِلَيْكَ.

ص: 86

الباب التاسع و الثلاثون في افتتاح الصلاة

قال الصادق علیه السلام : إذا استقبل القبلة فآيس من الدنيا وما فيها والخلق وما هم فيه ، وفرغ قلبك عن كل شاغل يشغلك عن الله تعالى وعاين بسرك عظمة الله عز وجل ، واذكر وقوفك بين يديه قال الله تعالى : ( يَومَ تَبْلُوا كُلَّ نَفْسٍ بِما أَسْلَفَتْ وَرَدُّوا إلى اللهِ مَوْلاهُمُ الحق ) ، وقف على قدم الخوف والرجاء ، فإذا كبرت فاستصغر ما بين السموات العلى والثرى دون كبريائه ، فإن الله تعالى إذا أطلع على قلب العبد وهو يكبر وفي قلبه عارض عن حقيقة تكبيره ،

ص: 87

فَقَالَ يَا كَذَّابُ أَ تَخْدَعُنِي وَ عِزَّتِي وَ جَلاَلِي لَأَحْرِمَنَّكَ حَلاَوَةَ ذِكْرِي وَ لَأَحْجُبَنَّكَ عَنْ قُرْبِي وَ الْمَسَرَّةِ بِمُنَاجَاتِي وَ اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَى خِدْمَتِكَ وَ هُوَ غَنِيٌّ عَنْكَ وَ عَنْ عِبَادَتِكَ وَ دُعَائِكَ وَ إِنَّمَا دَعَاكَ بِفَضْلِهِ لِيَرْحَمَكَ وَ يُبْعِدَكَ عَنْ عُقُوبَتِهِ وَ يَنْشُرَ عَلَيْكَ مِنْ بَرَكَاتِ حَنَانِيَّتِهِ وَ يَهْدِيَكَ إِلَى سَبِيلِ رِضَاهُ وَ يَفْتَحَ عَلَيْكَ بَابَ مَغْفِرَتِهِ فَلَوْ خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَى ضِعْفِ مَا خَلَقَ مِنَ الْعَوَالِمِ أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً عَلَى سَرْمَدِ الْأَبَدِ لَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ سَوَاءٌ كَفَرُوا بِهِ بِأَجْمَعِهِمْ أَوْ وَحَّدُوهُ فَلَيْسَ لَهُ مِنْ عِبَادَةِ الْخَلْقِ إِلاَّ إِظْهَارُ الْكَرَمِ وَ الْقُدْرَةِ فَاجْعَلِ الْحَيَاءَ رِدَاءً وَ الْعَجْزَ إِزَاراً وَ ادْخُلْ تَحْتَ سَرِيرِ سُلْطَانِ اللَّهِ تَعَالَى تَغْتَنِمْ فَوَائِدَ رُبُوبِيَّتِهِ مُسْتَعِيناً بِهِ مُسْتَغِيثاً إِلَيْهِ.

ص: 88

الباب الأربعون في الركوع

قال الصادق علیه السلام : لا يركع عبدالله ركوعا على الحقيقة إلا زينه الله بنور بهائه وأظله في ظلال كبريائه وكساه كسوة صفاته ، والركوع أول والسجود ثان ، فمن أتى بمعنى الأول صلح للثاني وفي الركوع أدب و في السجود قرب ومن لا يحسن للأدب لا يصلح للقرب فاركع ركوع خاضع الله عز وجل متذلل بقلبه وجل تحت سلطانه خافض الله بجوارحه خفض خائف حزين على ما يفوته من فوائد الراكعين. وحكى أن ربيع بن خثيم (ره) كان يسهر بالليل إلى الفجر في ركوع واحد، فإذا أصبح تزفر وقال أوه سبق

ص: 89

الْمُخْلِصُونَ وَ قُطِعَ بِنَا وَ اسْتَوْفِ رُكُوعَكَ بِاسْتِوَاءِ ظَهْرِكَ وَ انْحَطَّ عَنْ هِمَّتِكَ فِي الْقِيَامِ بِخِدْمَتِهِ إِلاَّ بِعَوْنِهِ وَ فِرَّ بِالْقَلْبِ مِنْ وَسْوَسَةِ اَلشَّيْطَانِ وَ خَدَائِعِهِ وَ مَكَايِدِهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرْفَعُ عِبَادَهُ بِقَدْرِ تَوَاضُعِهِمْ لَهُ وَ يَهْدِيهِمْ إِلَى أُصُولِ التَّوَاضُعِ وَ الْخُضُوعِ وَ الْخُشُوعِ بِقَدْرِ اطِّلاَعِ عَظَمَتِهِ عَلَى سِرِّهِمْ .

ص: 90

الباب الواحد و الأربعون في السجود

قال الصادق علیه السلام :ما خسروا الله تعالى قط من أتى بحقيقة السجود ولو كان في عمره مرة واحدة ، وما أفلح من خلا بربه في مثل ذلك الحال شبيهاً بمخادع نفسه غافلاً لاهياً عما أعد الله تعالى للساجدين من البشر العاجل وراحة الأجل ولا بعد عن الله تعالى أبداً من أحسن تقربه في السجود ولا قرب إليه أبداً من أساء أدبه وضيّع حرمته بتعليق قلبه بسواه في حال السجود فاسجد سجود متواضع الله ذليل علم أنه خلق من تراب يطؤه لخلق وأنه ركب من نطفة يستقذها كل أحد وكون ولم يكن ، ولقد جعل الله

ص: 91

مَعْنَى السُّجُودِ سَبَبَ التَّقَرُّبِ إِلَيْهِ بِالْقَلْبِ وَ السِّرِّ وَ الرُّوحِ فَمَنْ قَرُبَ مِنْهُ بَعُدَ عَنْ غَيْرِهِ أَ لاَ تَرَى فِي الظَّاهِرِ أَنَّهُ لاَ يَسْتَوِي حَالُ السُّجُودِ إِلاَّ بِالتَّوَارِي عَنْ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ وَ الْإِحْجَابِ عَنْ كُلِّ مَا تَرَاهُ الْعُيُونُ كَذَلِكَ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَمْرَ الْبَاطِنِ فَمَنْ كَانَ قَلْبُهُ مُتَعَلِّقاً فِي صَلاَتِهِ بِشَيْ ءٍ دُونَ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْ ءِ بَعِيدٌ عَنْ حَقِيقَةِ مَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ فِي صَلاَتِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى - ما جَعَلَ اللّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و اله قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مَا أَطَّلِعُ عَلَى قَلْبِ عَبْدٍ فَأَعْلَمُ فِيهِ حُبَّ الْإِخْلاَصِ لِطَاعَتِي لِوَجْهِي وَ ابْتِغَاءِ مَرْضَاتِي إِلاَّ تَوَلَّيْتُ تَقْوِيمَهُ وَ سِيَاسَتَهُ وَ تَقَرَّبْتُ مِنْهُ وَ مَنِ اشْتَغَلَ فِي صَلاَتِهِ بِغَيْرِي فَهُوَ مِنَ الْمُسْتَهْزِئِينَ بِنَفْسِهِ اسْمُهُ مَكْتُوبٌ فِي دِيوَانِ الْخَاسِرِينَ.

ص: 92

الباب الثاني و الأربعون في التشهد

قَالَ اَلصَّادِقُ علیه السلام: التَّشَهُّدُ ثَنَاءٌ عَلَى اللَّهِ فَكُنْ عَبْداً لَهُ فِي السِّرِّ خَاضِعاً لَهُ فِي الْفِعْلِ كَمَا أَنَّكَ عَبْدٌ لَهُ بِالْقَوْلِ وَ الدَّعْوَى وَ صِلْ صِدْقَ لِسَانِكَ بِصَفَاءِ صِدْقِ سِرِّكَ فَإِنَّهُ خَلَقَكَ عَبْداً وَ أَمَرَكَ أَنْ تَعْبُدَهُ بِقَلْبِكَ وَ لِسَانِكَ وَ جَوَارِحِكَ وَ أَنْ تُحَقِّقَ عُبُودِيَّتَكَ لَهُ بِرُبُوبِيَّتِهِ لَكَ وَ تَعْلَمَ أَنَّ نَوَاصِيَ الْخَلْقِ بِيَدِهِ فَلَيْسَ لَهُمْ نَفَسٌ وَ لاَ لَحْظَةٌ إِلاَّ بِقُدْرَتِهِ وَ مَشِيَّتِهِ وَ هُمْ عَاجِزُونَ عَنْ إِتْيَانِ أَقَلِّ شَيْ ءٍ فِي مَمْلَكَتِهِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ وَ إِرَادَتِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ يَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ - سُبْحانَ اللّهِ وَ تَعالى عَمّا

ص: 93

يُشْرِكُونَ فَكُنْ لِلَّهِ عَبْداً ذَاكِراً بِالْقَوْلِ وَ الدَّعْوَى وَ صِلْ صِدْقَ لِسَانِكَ بِصَفَاءِ سِرِّكَ فَإِنَّهُ خَلَقَكَ فَعَزَّ وَ جَلَّ أَنْ تَكُونَ إِرَادَةٌ وَ مَشِيئَةٌ لِأَحَدٍ إِلاَّ بِسَابِقِ إِرَادَتِهِ وَ مَشِيَّتِهِ فَاسْتَعْمِلِ الْعُبُودِيَّةَ فِي الرِّضَا بِحِكْمَتِهِ وَ بِالْعِبَادَةِ فِي أَدَاءِ أَوَامِرِهِ وَ قَدْ أَمَرَكَ بِالصَّلاَةِ عَلَى حَبِيبِهِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه و اله فَأَوْصِلْ صَلاَتَهُ بِصَلوَاتِهِ وَ طَاعَتَهُ بِطَاعَتِهِ وَ شَهَادَتَهُ بِشَهَادَتِهِ وَ انْظُرْ إِلَى أَنْ لاَ يَفُوتَكَ بَرَكَاتِ مَعْرِفَةِ حُرْمَتِهِ فَتُحْرَمَ عَنْ فَائِدَةِ صَلَوَاتِهِ وَ أَمْرِهِ بِالاِسْتِغْفَارِ لَكَ وَ الشَّفَاعَةِ فِيكَ إِنْ أَتَيْتَ بِالْوَاجِبِ فِي الْأَمْرِ وَ النَّهْيِ وَ السُّنَنِ وَ الْآدَابِ وَ تَعْلَمُ جَلِيلَ مَرْتَبَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ.

ص: 94

الباب الثالث و الأربعون في السلام

قال الصادق علیه السلام : معنى التسليم في دبر كل صلاة اند معنى الأمان أي من أتى بأمر الله تعالى وسنة نبيه صلی الله علیه و اله خاضعاً له خاشعاً فيه فله الأمان من بلاء الدنيا والبرائة من عذاب الآخرة والسلام اسم من أسماء الله تعالى أودعه في خلقه ليستعملوا معناه في المعاملات والأمانات والألصاقات و تصديق مصاحبتهم ومجالستهم فيما بينهم وصحة معاشرتهم فإن أردت أن تضع السلام موضعه وتؤدي معناه فاتق الله تعالى وليسلم دينك وقلبك وعقلك لا تدنسها بظلم المعاصي ولتسلم منك حفظتك لا تبرمهم ولا تملهم وتوحشهم منك

ص: 95

بِسُوءِ مُعَامَلَتِكَ مَعَهُمْ ثُمَّ مَعَ صَدِيقِكَ ثُمَّ مَعَ عَدُوِّكَ فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَسْلَمْ مِنْهُ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إِلَيْهِ فَالْأَبْعَدُ أَوْلَى وَ مَنْ لاَ يَضَعُ السَّلاَمَ مَوَاضِعَهُ هَذِهِ فَلاَ سَلاَمَ وَ لاَ تَسْلِيمَ وَ كَانَ كَاذِباً فِي سَلاَمِهِ وَ إِنْ أَفْشَاهُ فِي الْخَلْقِ وَ اعْلَمْ أَنَّ الْخَلْقَ بَيْنَ فِتَنٍ وَ مِحَنٍ فِي الدُّنْيَا إِمَّا مُبْتَلًى بِالنِّعْمَةِ لِيَظْهَرَ شُكْرُهُ وَ إِمَّا مُبْتَلًى بِالشِّدَّةِ لِيَظْهَرَ صَبْرُهُ وَ الْكَرَامَةُ فِي طَاعَتِهِ وَ الْهَوَانُ فِي مَعْصِيَتِهِ وَ لاَ سَبِيلَ إِلَى رِضْوَانِهِ وَ رَحْمَتِهِ إِلاَّ بِفَضْلِهِ وَ لاَ وَسِيلَةَ إِلَى طَاعَتِهِ إِلاَّ بِتَوْفِيقِهِ وَ لاَ شَفِيعَ إِلَيْهِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ وَ رَحْمَتِهِ.

ص: 96

الباب الرابع و الأربعون في التوبة

قال الصادق علیه السلام : التوبة حبل الله ومدد عنايته ولا بد للعبد من مداومة التوبة على كل حال ، وكل فرقة من العباد لهم توبة ، فتوبة الأنبياء من اضطراب السر ، وتوبة الأولياء من تلوين الخطرات ، وتوبة الأصفياء من التنفيس، وتوبة الخاص من الاشتغال بغير الله تعالى ، وتوبة العام من الذنوب ، ولكل واحد منهم معرفة وعلم في أصل توبته ومنتهى أمره ، وذلك يطول شرحه ها هنا ، فأما توبة العام فان يغسل باطنه بماء الحسرة والأعتراف بجنايته دائماً و اعتقاد الندم على ما مضى والخوف على ما بقى من

ص: 97

عُمُرِهِ وَ لاَ يَسْتَصْغِرَ ذُنُوبَهُ فَيَحْمِلَهُ ذَلِكَ إِلَى الْكَسَلِ وَ يُدِيمَ الْبُكَاءَ وَ الْأَسَفَ عَلَى مَا فَاتَهُ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَ يَحْبِسَ نَفْسَهُ مِنَ الشَّهَوَاتِ وَ يَسْتَغِيثَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِيَحْفَظَهُ عَلَى وَفَاءِ تَوْبَتِهِ وَ يَعْصِمَهُ عَنِ الْعَوْدِ إِلَى مَا أَسْلَفَ وَ يُرَوِّضَ نَفْسَهُ فِي مَيْدَانِ الْجُهْدِ وَ الْعِبَادَةِ وَ يَقْضِيَ عَنِ الْفَوَائِتِ مِنَ الْفَرَائِضِ وَ يَرُدَّ الْمَظَالِمَ وَ يَعْتَزِلَ قُرَنَاءَ السَّوْءِ وَ يَسْهَرَ لَيْلَهُ وَ يَظْمَأَ نَهَارَهُ وَ يَتَفَكَّرَ دَائِماً فِي عَاقِبَتِهِ وَ يَسْتَعِينَ بِاللَّهِ سَائِلاً مِنْهُ الاِسْتِقَامَةَ وَ سَرَّاءَهُ وَ ضَرَّاءَهُ وَ يَثْبُتَ عِنْدَ الْمِحَنِ وَ الْبَلاَءِ كَيْلاَ يَسْقُطَ عَنْ دَرَجَةِ التَّوَّابِينَ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ طَهَارَةً مِنْ ذُنُوبِهِ وَ زِيَادَةً فِي عِلْمِهِ وَ رِفْعَةً فِي دَرَجَاتِهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ - فَلَيَعْلَمَنَّ اللّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ لَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ .

ص: 98

الباب الخامس و الأربعون في العزلة

قال الصادق علیه السلام: صاحب العزلة متحصن بحصن الله تعالى ومتحرس بحراسته ، فيا طوبى لمن تفرد به سراً وعلانية وهو يحتاج إلى عشرة خصال : علم الحق والباطل وتحبب الفقر ، واختيار الشدة ، والزهد ، واغتنام الخلوة والنظر في العواقب ، ورؤية التقصير في العبادة مع بذل المجهود ، وترك العجب ، وكثرة الذكر بلا غفلة ، فإن الغفلة مصطاد الشيطان ، ورأس كل بلية ، وسبب كل حجاب ، وخلوة البيت عما لا يحتاج إليه في الوقت .

قال عيسى بن مريم علیهما السلام : أحرز لسانك لعمارة

ص: 99

قَلْبِكَ وَ لْيَسَعْكَ بَيْتُكَ وَ احْذَرْ مِنَ الرِّيَاءِ وَ فُضُولِ مَعَاشِكَ وَ اسْتَحِ مِنْ رَبِّكَ وَ ابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ وَ فِرَّ مِنَ النَّاسِ فِرَارَكَ مِنَ الْأَسَدِ وَ الْأَفْعَى فَإِنَّهُمْ كَانُوا دَوَاءً فَصَارُوا الْيَوْمَ دَاءً ثُمَّ الْقَ اللَّهَ تَعَالَى مَتَى شِئْتَ قَالَ رَبِيعُ بْنُ خَيْثَمٍ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ الْيَوْمَ فِي مَوْضِعٍ لاَ تَعْرِفُ وَ لاَ تُعْرَفُ فَافْعَلْ فَفِي الْعُزْلَةِ صِيَانَةُ الْجَوَارِحِ وَ فَرَاغُ الْقَلْبِ وَ سَلاَمَةُ الْعَيْشِ وَ كَسْرُ سِلاَحِ اَلشَّيْطَانِ وَ مُجَانَبَةٌ مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَ رَاحَةُ الْقَلْبِ وَ مَا مِنْ نَبِيٍّ وَ لاَ وَصِيٍّ إِلاَّ وَ اخْتَارَ الْعُزْلَةَ فِي زَمَانِهِ إِمَّا فِي ابْتِدَائِهِ وَ إِمَّا فِي انْتِهَائِهِ.

ص: 100

الباب السادس و الأربعون في الصمت

قال الصادق علیه السلام : الصمت شعار المحققين بحقائق ما سبق وجف القلم به وهو مفتاح كل راحة من الدنيا والآخرة وفيه رضى الله وتخفيف الحساب والصون من الخطايا والزلل ، وقد جعله الله ستراً على الجاهل وزيناً للعالم ، ومعه عزل الهوى ورياضة النفس وحلاوة العبادة وزوال قسوة القلب والعفاف والمروة والظرف ، فاغلق باب لسانك عما لك منه بد لا سيما إذا لم تجد أهلاً للكلام عدا المذاكرة لله وفي الله ، وكان ربيع بن خيثم يضع قرطاساً بين يديه فيكتب كل ما يتكلم به ثم يحاسب

ص: 101

نَفْسَهُ فِي عَشِيَّتِهِ مَا لَهُ وَ مَا عَلَيْهِ وَ يَقُولُ آهِ آهِ نَجَا الصَّامِتُونَ يَقِيناً - [وَ بَقِينَا] وَ كَانَ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه و اله يَضَعُ الْحَصَاةَ فِي فَمِهِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِمَا عَلِمَ أَنَّهُ لِلَّهِ وَ فِي اللَّهِ وَ لِوَجْهِ اللَّهِ أَخْرَجَهَا مِنْ فَمِهِ وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ اَلصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ كَانُوا يَتَنَفَّسُونَ تَنَفُّسَ الْغَرْقَى وَ يَتَكَلَّمُونَ شَبِيهَ الْمَرْضَى وَ إِنَّمَا سَبَبُ هَلاَكِ الْخَلْقِ وَ نَجَاتِهِمِ الْكَلاَمُ وَ الصَّمْتُ فَطُوبَى لِمَنْ رُزِقَ مَعْرِفَةَ عَيْبِ الْكَلاَمِ وَ صَوَابِهِ وَ عَلِمَ الصَّمْتَ وَ فَوَائِدَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَخْلاَقِ الْأَنْبِيَاءِ وَ شِعَارِ الْأَصْفِيَاءِ وَ مَنْ عَلِمَ قَدْرَ الْكَلاَمِ أَحْسَنَ صُحْبَةَ الصَّمْتِ وَ مَنْ أَشْرَفَ عَلَى مَا فِي لَطَائِفِ الصَّمْتِ وَ ائْتَمَنَهُ عَلَى خَزَائِنِهِ كَانَ كَلاَمُهُ وَ صَمْتُهُ كُلُّهُ عِبَادَةً وَ لاَ يَطَّلِعُ عَلَى عِبَادَتِهِ هَذِهِ إِلاَّ المَلِكُ الْجَبَّارُ.

ص: 102

الباب السابع و الأربعون في العقل و الهوى

قَالَ اَلصَّادِقُ علیه السلام: الْعَاقِلُ مَنْ كَانَ ذَلُولاً عِنْدَ إِجَابَةِ الْحَقِّ مُنْصِفاً بِقَوْلِهِ جَمُوحاً عِنْدَ الْبَاطِلِ خَصِيماً بِقَوْلِهِ يَتْرُكُ دُنْيَاهُ وَ لاَ يَتْرُكُ دِينَهُ وَ دَلِيلُ الْعَاقِلِ شَيْئَانِ صِدْقُ الْقَوْلِ وَ صَوَابُ الْفِعْلِ وَ الْعَاقِلُ لاَ يُحَدِّثُ بِمَا يُنْكِرُهُ الْعُقُولُ وَ لاَ يَتَعَرَّضُ لِلتُّهَمَةِ وَ لاَ يَدَعُ مُدَارَاةَ مَنِ ابْتُلِيَ بِهِ وَ يَكُونُ الْعِلْمُ دَلِيلَهُ فِي أَعْمَالِهِ وَ الْحِلْمُ رَفِيقَهُ فِي أَحْوَالِهِ وَ الْمَعْرِفَةُ يَقِينَهُ فِي مَذَاهِبِهِ وَ الْهَوَى عَدُوَّ الْعَقْلِ وَ مُخَالِفَ الْحَقِّ وَ قَرِينَ الْبَاطِلِ وَ قُوَّةَ الْهَوَى مِنَ الشَّهَوَاتِ وَ أَصْلُ عَلاَمَاتِ الْهَوَى مِنْ أَكْلِ الْحَرَامِ وَ الْغَفْلَةِ عَنِ الْفَرَائِضِ وَ الاِسْتِهَانَةِ بِالسُّنَنِ وَ الْخَوْضِ فِي الْمَلاَهِي.

ص: 103

الباب الثامن و الأربعون في الحسد

قَالَ اَلصَّادِقُ علیه السلام: الْحَاسِدُ يُضِرُّ بِنَفْسِهِ قَبْلَ أَنْ يُضِرَّ بِالْمَحْسُودِ كَإِبْلِيسَ أَوْرَثَ بِحَسَدِهِ لِنَفْسِهِ اللَّعْنَةَ وَ لِآدَمَ علیه السلام الاِجْتِبَاءَ وَ الْهُدَى وَ الرَّفْعَ إِلَى مَحَلِّ حَقَائِقِ الْعَهْدِ وَ الاِصْطِفَاءَ فَكُنْ مَحْسُوداً وَ لاَ تَكُنْ حَاسِداً فَإِنَّ مِيزَانَ الْحَاسِدِ أَبَداً خَفِيفٌ بِثِقْلِ مِيزَانِ الْمَحْسُودِ وَ الرِّزْقُ مَقْسُومٌ فَمَا ذَا يَنْفَعُ الْحَسَدُ الْحَاسِدَ وَ مَا ذَا يَضُرُّ الْمَحْسُودَ الْحَسَدُ وَ الْحَسَدُ أَصْلُهُ مِنْ عَمَى الْقَلْبِ وَ الْجُحُودِ بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَ هُمَا جَنَاحَانِ لِلْكُفْرِ وَ بِالْحَسَدِ وَقَعَ ابْنُ آدَمَ فِي حَسْرَةِ الْأَبَدِ وَ هَلَكَ مَهْلَكاً لاَ يَنْجُو مِنْهُ أَبَداً وَ لاَ تَوْبَةَ لِلْحَاسِدِ لِأَنَّهُ مُسْتَمِرٌّ عَلَيْهِ مُعْتَقِدٌ بِهِ مَطْبُوعٌ فِيهِ يَبْدُو بِلاَ مُعَارِضٍ مُضِرٍّ لَهُ وَ لاَ سَبَبٍ وَ الطَّبْعُ لاَ يَتَغَيَّرُ مِنَ الْأَصْلِ وَ إِنْ عُولِجَ.

ص: 104

الباب التاسع و الأربعون في الطمع

قال الصادق علیه السلام : بلغني أنه سئل كعب الأحبار ما الأصلح في الدين وما الأفسد ؟ فقال : الأصلح الورع والأفسد الطمع ، فقال له السائل: صدقت يا كعب والطمع خمر الشيطان يسقي بيده لخواصه ، فمن سكر منه لا يصحى إلا في أليم عذاب الله تعالى بمجاورة ساقيه ، ولو لم يكن في الطمع سخطة إلا مثارات الدين بالدنيا لكان سخطاً عظيماً.

قال الله عز وجل : ( أُولئك الَّذِينَ اشَتَرُوا الضَّلالة بالهدى والعذابَ بالمغفرة) .

ص: 105

قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام تَفَضَّلْ عَلَى مَنْ شِئْتَ فَأَنْتَ أَمِيرُهُ وَ اسْتَغْنِ عَمَّنْ شِئْتَ فَأَنْتَ نَظِيرُهُ وَ افْتَقِرْ إِلَى مَنْ شِئْتَ فَأَنْتَ أَسِيرُهُ وَ الطَّامِعُ مَنْزُوعٌ عَنْهُ الْإِيمَانُ وَ هُوَ لاَ يَشْعُرُ لِأَنَّ الْإِيمَانَ يَحْجُزُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَ بَيْنَ الطَّمَعِ فِي الْخَلْقِ فَيَقُولُ يَا صَاحِبِي خَزَائِنُ اللَّهِ تَعَالَى مَمْلُوَّةٌ مِنَ الْكَرَامَاتِ وَ هُوَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً وَ مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ مَشُوبٌ بِالْعِلَلِ وَ يَرُدُّهُ إِلَى التَّوَكُّلِ وَ الْقَنَاعَةِ وَ قَصْرِ الْأَمَلِ وَ لُزُومِ الطَّاعَةِ وَ الْيَأْسِ مِنَ الْخَلْقِ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَزِمَهُ فَقَدْ صَلَحَ وَ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ تَرَكَهُ مَعَ شُؤْمِ الطَّبْعِ وَ فَارَقَهُ.

ص: 106

الباب الخمسون في الفساد

قال الصادق علیه السلام : فساد الظاهر من فساد الباطن ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته ، ومن خاف الله في السر لم يهتك الله علانيته ، ومن خان الله في السرهتك الله ستره في العلانية، وأعظم الفساد أن يرضي العبد بالغفلة عن الله تعالى ، وهذا الفساد يتولد من طول الأمل والحرص والكبر، كما أخبر الله تعالى في قصة قارون في قوله تعالي : (ولا تبغي الفساد في الأرضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ المفسدين) وقوله تعالى : ( تِلكَ الدار الآخرة نَجْعَلُهَا للَّذِين لا يُريدون علوا في الأرض ولا فَسَاداً إلخ ) وكانت هذه

ص: 107

الْخِصَالُ مِنْ صُنْعِ قَارُونَ وَ اعْتِقَادِهِ وَ أَصْلُهَا مِنْ حُبِّ الدُّنْيَا وَ جَمْعِهَا وَ مُتَابَعَةِ النَّفْسِ وَ هَوَاهَا وَ إِقَامَةِ شَهَوَاتِهَا وَ حُبِّ الْمَحْمَدَةِ وَ مُوَافَقَةِ اَلشَّيْطَانِ وَ اتِّبَاعِ خُطُوَاتِهِ وَ كُلُّ ذَلِكَ يَجْتَمِعُ تَحْتَ الْغَفْلَةِ عَنِ اللَّهِ وَ نِسْيَانِ مِنَنِهِ وَ عِلاَجُ ذَلِكَ (1)الْفِرَارُ مِنَ النَّاسِ وَ رَفْضُ الدُّنْيَا وَ طَلاَقُ الرَّاحَةِ وَ الاِنْقِطَاعُ عَنِ الْعَادَاتِ وَ قَطْعُ عُرُوقِ مَنَابِتِ الشَّهَوَاتِ بِدَوَامِ الذِّكْرِ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لُزُومُ الطَّاعَةِ لَهُ وَ احْتِمَالُ جَفَاءِ الْخَلْقِ وَ مُلاَزَمَةِ الْقَرِينِ وَ شَمَاتَةِ الْعَدُوِّ مِنَ الْأَهْلِ وَ الْقَرَابَةِ فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ فَقَدْ فَتَحْتَ عَلَيْكَ بَابَ عَطْفِ اللَّهِ وَ حُسْنِ نَظَرِهِ إِلَيْكَ بِالْمَغْفِرَةِ وَ الرَّحْمَةِ وَ خَرَجْتَ مِنْ جُمْلَةِ الْغَافِلِينَ وَ فَكَكْتَ قَلْبَكَ مِنْ أَسْرِ اَلشَّيْطَانِ وَ قَدِمْتَ بَابَ اللَّهِ فِي مَعْشَرِ الْوَارِدِينَ إِلَيْهِ وَ سَلَكْتَ مَسْلَكاً رَجَوْتَ الْإِذْنَ بِالدُّخُولِ عَلَى الْمَلِكِ الْكَرِيمِ الْجَوَادِ الرَّحِيمِ وَ اسْتِبْطَاءِ بِسَاطِهِ عَلَى شَرْطِ الإِذْنِ وَ مَنْ وَطِئَ بِسَاطَ الْمَلِكِ عَلَى شَرْطِ الْإِذْنِ لاَ يُحْرَمُ سَلاَمَتَهُ وَ كَرَامَتَهُ لِأَنَّهُ الْمَلِكُ الْكَرِيمُ وَ الْجَوَادُ الرَّحِيمُ.

ص: 108


1- وعلی ذَلِكَ . خ ل

الباب الواحد و الخمسون في السلامة

قال الصادق علیه السلام : اطلب السلامة أينما كنت وفي أي حال كنت لدينك وقلبك وعواقب أمورك من الله عز وجل فليس من طلبها وجدها ، فكيف من تعرض للبلاء وسلك مسالك ضد السلامة وخالف أصولها ، بل رأى السلامة تلفاً ، والتلف سلامة ، والسلامة قد عزلت من الخلق في كل عصر خاصة في هذا الزمان ، وسبيل وجودها في احتمال جفاء الخلائق وأذيتهم والصبر عند الرزايا وخفة الموت والفرار من الأشياء التي تلزمك رعايتها والقناعة بالأقل من الميسور ، فإن لم تكن فالعزلة ، فإن لم

ص: 109

تَقْدِرْ فَالصَّمْتُ وَ لَيْسَ كَالْعُزْلَةِ وَ إِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَالْكَلاَمُ بِمَا يَنْفَعُكَ وَ لاَ يَضُرُّكَ وَ لَيْسَ كَالصَّمْتِ وَ إِنْ لَمْ تَجِدِ السَّبِيلَ إِلَيْهِ فَالاِنْقِلاَبُ فِي الْأَسْفَارِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ (1)وَ طَرْحُ النَّفْسِ فِي بَرَارِي التَّلَفِ بِسِرٍّ صَافٍ وَ قَلْبٍ خَاشِعٍ وَ بَدَنٍ صَابِرٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ - إِنَّ الَّذِينَ تَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيهَا وَ انْتَهِزْ مَغْنَمَ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ وَ لاَ تُنَافِسِ الْأَشْكَالَ وَ لاَ تُنَازِعِ الْأَضْدَادَ وَ مَنْ قَالَ لَكَ أَنَا فَقُلْ أَنْتَ وَ لاَ تَدَّعِ شَيْئاً وَ إِنْ أَحَاطَ بِهِ عِلْمُكَ وَ تَحَقَّقَتْ بِهِ مَعْرِفَتُكَ وَ لاَ تَكْشِفْ سِرَّكَ إِلاَّ لِمَنْ هُوَ أَشْرَفُ مِنْكَ فِي الدِّينِ فَتَجِدَ الشَّرَفَ فَإِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ أَصَبْتَ السَّلاَمَةَ وَ بَقِيتَ مَعَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ بِلاَ عِلاَقَةٍ.

ص: 110


1- في لآلىء الأخبار : عن رسول الله صلی الله علیه و اله سيأتي زمان على الناس لا يسلم الذي دين دينه حتى يفر من عين شاهق إلى عين ، إلخ »

الباب الثاني و الخمسون في العبادة

قال الصادق علیه السلام : داوم على تخليص المفروضات والسنن فإنها الأصل، فمن أصابهما وأداهما بحقهما ، فقد أصاب الكل، وإن خير العبادة أقربها بالأمن وأخلصها من الآفات وأدومها وإن أقل ، فإن سلم لك فرضك وسنتك فأنت عابد و احذر أن تطأ بساط ملك إلا بالذل والافتقار والخشية والتعظيم ، واخلص حركاتك من الرياء وسرك من القساوة، فإن النبي صلی الله علیه و اله قال : المصلي مناج ربه فاستحی من المطلع على سرك ، والعالم بنجواك وما يخفي ضميرك ، وكن بحيث يراك لما أراد منك ودعاك إليه ، فكان السلف

ص: 111

لاَ يَزَالُونَ يَشْتَغِلُونَ مِنْ وَقْتِ الْفَرْضِ إِلَى وَقْتِ الْفَرْضِ فِي إِصْلاَحِ الْفَرْضَيْنِ جَمِيعاً فِي إِخْلاَصٍ حَتَّى يَأْتُوا بِالْفَرْضَيْنِ جَمِيعاً وَ أَرَى أَهْلَ هَذَا الزَّمَانِ يَشْتَغِلُونَ بِالْفَضَائِلِ دُونَ الْفَرَائِضِ و كَيْفَ يَكُونُ جَسَدٌ بِلاَ رُوحٍ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ علیهما السلام عَجِبْتُ لِطَالِبِ فَضِيلَةٍ تَارِكِ فَرِيضَةٍ وَ لَيْسَ ذَلِكَ إِلاَّ لِحِرْمَانِ مَعْرِفَةِ الْأَمْرِ وَ تَعْظِيمِهِ وَ تَرْكِ رُؤْيَةِ مَشِيَّتِهِ بِمَا أَهَّلَهُمْ لِأَمْرِهِ وَ اخْتَارَهُمْ لَهُ.

ص: 112

الباب الثالث و الخمسون في التفكر

قال الصادق علیه السلام : اعتبر بما مضى من الدنيا ، هل ما بقي على أحد ، هل أحد فيها باق من الشريف والوضيع والغني والفقير والولي والعدو ، فكذلك مالم يأت منها بما مضى أشبه من الماء بالماء .

قال رسول الله صلی الله علیه و اله : كفى بالموت واعظاً وبالعقل دليلاً وبالتقوى زاداً وبالعبادة شغلاً وبالله مونساً وبالقرآن بياناً .

قال رسول الله صلی الله علیه و اله : لم يبق من الدنيا إلا بلاء وفتنة ، وما نجا من نجا إلا بصدق الإلتجاء .

ص: 113

وَ قَالَ نُوحٌ علیه السلام وَجَدْتُ الدُّنْيَا كَبَيْتٍ لَهُ بَابَانِ دَخَلْتُ مِنْ إِحْدَاهُمَا وَ خَرَجْتُ مِنَ الْآخَرِ هَذَا حَالُ نَجِيِّ اللَّهِ علیه السلام فَكَيْفَ حَالُ مَنِ اطْمَأَنَّ فِيهَا وَ رَكَنَ إِلَيْهَا وَ ضَيَّعَ عُمُرَهُ فِي عِمَارَتِهَا وَ مَزَّقَ دِينَهُ فِي طَلَبِهَا وَ الْفِكْرَةُ مِرْآةُ الْحَسَنَاتِ وَ كَفَّارَةُ السَّيِّئَاتِ وَ ضِيَاءُ الْقَلْبِ وَ فُسْحَةٌ لِلْخَلْقِ وَ إِصَابَةٌ فِي إِصْلاَحِ اَلْمَعَادِ وَ اطِّلاَعٌ عَلَى الْعَوَاقِبِ وَ اسْتَزَادَةٌ فِي الْعِلْمِ وَ هِيَ خَصْلَةٌ لاَ يُعْبَدُ اللَّهُ بِمِثْلِهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و اله فِكْرَةُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سَنَةٍ وَ لاَ يَنَالُ مَنْزِلَةَ التَّفَكُّرِ إِلاَّ مَنْ قَدْ خَصَّهُ اللَّهُ بِنُورِ الْمَعْرِفَةِ وَ التَّوْحِيدِ.

ص: 114

الباب الرابع و الخمسون في الراحة

قال الصادق علیه السلام : لا راحة لمؤمن على الحقيقة إلا عند لقاء الله تعالى وما سوى ذلك ، ففي أربعة أشياء صمت تعرف به حال قلبك ونفسك فيما يكون بينك وبين بارتك وخلوة تنجو بها من آفات الزمان ظاهراً وباطناً وجوع تميت به الشهوات والوسواس وسهر تنور به قلبك وتصفي به طبعك وتزكي به روحك .

( قال النبي صلی الله علیه واله): من أصبح في سربه آمناً وفي بدنه معافاً، وعنده قوت يومه فكأنما خيرت له الدنيا بحذافيرها.

وقال وهب بن منبه في كتب الأولين والآخرين

ص: 115

مَكْتُوبٌ يَا قَنَاعَةُ الْعِزُّ وَ الْغِنَى مَعَكِ فَازَ مَنْ فَازَ بِكِ قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ مَا قَسَمَ اللَّهُ لِي مَا يَفُوتُنِي وَ لَوْ كَانَ فِي جَنَاحِ رِيحٍ وَ قَالَ أَبُو ذَرٍّ ره هُتِكَ سِتْرُ مَنْ لاَ يَثِقُ بِرَبِّهِ وَ لَوْ كَانَ مَحْبُوساً فِي الصُّمِّ الصَّيَاخِيدِ فَلَيْسَ أَحَدٌ أَخْسَرَ وَ أَرْذَلَ وَ أَنْزَلَ مِمَّنْ لاَ يُصَدِّقُ رَبَّهُ فِيمَا ضَمِنَ لَهُ وَ تَكَفَّلَ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ خَلَقَهُ وَ هُوَ مَعَ ذَلِكَ يَعْتَمِدُ عَلَى قُوَّتِهِ وَ تَدْبِيرِهِ وَ جُهْدِهِ وَ سَعْيِهِ وَ يَتَعَدَّى حُدُودَ رَبِّهِ بِأَسْبَابٍ قَدْ أَغْنَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا.

ص: 116

الباب الخامس و الخمسون في الحرص

قال الصادق علیه السلام : لا تحرص على شيء لو تركته لوصل إليك ، وكنت عند الله تعالى مستريحاً محموداً بتركه و مذموماً باستعجالك في طلبه وترك التوكل عليه والرضا بالقسم ، فإن الدنيا خلقها الله تعالى بمنزلة الظل إن طلبته أتعبك ولا تلحقه أبداً ، وإن تركته تبعك وأنت مستريح . قال النبي صلی الله علیه و اله : الحريص محروم وهو مع حرمانه مذموم في أي كان ، وكيف لا يكون محروماً ، وقد فر من وثاق الله تعالى عز وجل ، وخالف قول الله تعالى : ( الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُم رَزَقَكُمْ ثُم يُميتكُم ثُم يُحيكُم) والحريص

ص: 117

بَيْنَ سَبْعِ آفَاتٍ صَعْبَةٍ فِكْرٍ يَضُرُّ بَدَنَهُ وَ لاَ يَنْفَعُهُ وَ هَمٍّ لاَ يَتِمُّ لَهُ أَقْصَاهُ وَ تَعَبٍ لاَ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ إِلاَّ عِنْدَ الْمَوْتِ وَ يَكُونُ عِنْدَ الرَّاحَةِ أَشَدَّ تَعَباً وَ خَوْفٍ لاَ يُورِثُهُ إِلاَّ الْوُقُوعَ فِيهِ وَ حُزْنٍ قَدْ كَدَّرَ عَلَيْهِ عَيْشَهُ بِلاَ فَائِدَةٍ وَ حِسَابٍ لاَ مَخْلَصَ لَهُ مَعَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ تَعَالَى إِلاَّ أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَ عِقَابٍ لاَ مَفَرَّ لَهُ مِنْهُ وَ لاَ حِيلَةَ وَ الْمُتَوَكِّلُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى يُصْبِحُ وَ يُمْسِي فِي كَنَفِ اللَّهِ تَعَالَى وَ هُوَ مِنْهُ فِي عَافِيَةٍ وَ قَدْ عَجَّلَ اللَّهُ كِفَايَتَهُ وَ هَيَّأَ لَهُ مِنَ الدَّرَجَاتِ مَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَلِيمٌ وَ الْحِرْصُ مَاءٌ يَجْرِي فِي مَنَافِذِ غَضَبِ اللَّهِ تَعَالَى وَ مَا لَمْ يُحْرَمِ الْعَبْدُ الْيَقِينَ لاَ يَكُونُ حَرِيصاً وَ الْيَقِينُ أَرْضُ اَلْإِسْلاَمِ وَ سَمَاءُ الْإِيمَانِ.

ص: 118

الباب السادس و الخمسون في البيان

قال الصادق علیه السلام: نجوى العارفين تدور على ثلاثة أصول : الخوف ، والرجاء ، والحب ، فالخوف فرع العلم والرجاء فرع اليقين والحب فرع المعرفة ، فدليل الخوف الهرب، ودليل الرجاء الطلب ، ودليل الحب إيثار المحبوب على ما سواه ، فإذا تحقق العلم في الصدق خاف ، وإذا صح الخوف هرب ، وإذا هرب نجا ، وإذا أشرف نور اليقين في القلب شاهد الفضل، وإذا تمكن من رؤية الفضل رجاء، وإذا وجد حلاوة الإيمان الرجاء طلب ، وإذا وفق للطلب وجد ، وإذا تجلى ضياء المعرفة في الفؤاد هاج ريح المحبة ،

ص: 119

وَ إِذَا هَاجَ رِيحُ الْمَحَبَّةِ اسْتَأْنَسَ فِي ظِلاَلِ الْمَحْبُوبِ وَ آثَرَ الْمَحْبُوبَ عَلَى مَا سِوَاهُ وَ بَاشَرَ أَوَامِرَهُ وَ اجْتَنَبَ نَوَاهِيَهُ وَ اخْتَارَهُمَا عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ غَيْرِهِمَا وَ إِذَا اسْتَقَامَ عَلَى بِسَاطِ الْأُنْسِ بِالْمَحْبُوبِ مَعَ أَدَاءِ أَوَامِرِهِ وَ اجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ وَ نَوَاهِيهِ وَصَلَ إِلَى رَوْحِ الْمُنَاجَاةِ وَ الْقُرْبِ وَ مِثَالُ هَذِهِ الْأُصُولِ الثَّلاَثَةِ كَالْحَرَمِ وَ اَلْمَسْجِدِ وَ اَلْكَعْبَةِ فَمَنْ دَخَلَ اَلْحَرَمَ أَمِنَ مِنَ الْخَلْقِ وَ مَنْ دَخَلَ اَلْمَسْجِدَ أَمِنَتْ جَوَارِحُهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَهَا فِي الْمَعْصِيَةِ وَ مَنْ دَخَلَ اَلْكَعْبَةَ أَمِنَ قَلْبُهُ مِنْ أَنْ يَشْغَلَهُ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَانْظُرْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ فَإِنْ كَانَتْ حَالَتُكَ حَالَةً تَرْضَاهَا لِحُلُولِ الْمَوْتِ فَاشْكُرِ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى تَوْفِيقِهِ وَ عِصْمَتِهِ وَ إِنْ كَانَتْ أُخْرَى فَانْتَقِلْ عَنْهَا بِصَحِيحِ الْعَزِيمَةِ وَ انْدَمْ عَلَى مَا قَدْ سَلَفَ مِنْ عُمُرِكَ فِي الْغَفْلَةِ وَ اسْتَعِنْ بِاللَّهِ تَعَالَى عَلَى تَطْهِيرِ الظَّاهِرِ مِنَ الذُّنُوبِ وَ تَنْظِيفِ الْبَاطِنِ مِنَ الْعُيُوبِ وَ اقْطَعْ رِبَاطَ الْغَفْلَةِ عَنْ قَلْبِكَ وَ أَطْفِئْ نَارَ الشَّهْوَةِ مِنْ نَفْسِكَ.

ص: 120

الباب السابع و الخمسون في الأحكام

قال الصادق علیه السلام : اعراب القلوب على أربعة أنواع رفع وفتح وخفض ووقف، فرفع القلب في ذكر الله تعالى وفتح القلب في الرضا عن الله تعالى ، وخفض القلب في الاشتغال بغير الله ، ووقف القلب في الغفلة عن الله تعالى ألا ترى أن العبد إذا ذكر الله بالتعظيم خالصاً ارتفع كل حجاب كان بينه وبين الله تعالى من قبل ذلك، فإذا انقاد القلب لمورد قضاء الله تعالى بشرط الرضا عنه كيف ينفتح بالسرور والروح والراحة ، وإذا اشتغل القلب بشيء من أمور الدنيا وأسبابها ، كيف تجد ماذا ذكر الله بعد ذلك

ص: 121

وَ أَنَابَ مُنْخَفِضاً مُظْلِماً كَبَيْتٍ خَرَابٍ خِلْوٍ لَيْسَ فِيهَا عُمْرَانٌ وَ لاَ مُونِسٌ وَ إِذَا غَفَلَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى كَيْفَ تَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَوْقُوفاً مَحْجُوباً قَدْ قَسَا وَ أَظْلَمَ مُنْذُ فَارَقَ نُورَ التَّعْظِيمِ فَعَلاَمَةُ الرَّفْعِ ثَلاَثَةُ أَشْيَاءَ وُجُوهُ الْمُوَافَقَةِ وَ فَقْدُ الْمُخَالَفَةِ وَ دَوَامُ الشَّوْقِ وَ عَلاَمَةُ الْفَتْحِ ثَلاَثَةُ أَشْيَاءَ التَّوَكُّلُ وَ الصِّدْقُ وَ الْيَقِينُ وَ عَلاَمَةُ الْخَفْضِ ثَلاَثَةُ أَشْيَاءَ الْعُجْبُ وَ الرِّيَاءُ وَ الْحِرْصُ وَ عَلاَمَةُ الْوَقْفِ ثَلاَثَةُ أَشْيَاءَ زَوَالُ حَلاَوَةِ الطَّاعَةِ وَ عَدَمُ مَرَارَةِ الْمَعْصِيَةِ وَ الْتِبَاسُ عِلْمِ الْحَلاَلِ وَ الْحَرَامِ.

ص: 122

الباب الثامن و الخمسون في السواك

قال الصادق علیه السلام : قال رسول الله صلی الله علیه و اله : السواك مطهر للفم مرضات للرب وجعلها من السنن المؤكدة وفيها منافع للظاهر والباطن ما لا يحصى لمن عقل فكما تزيل التلوث من أسنانك مأكلك ومطعمك بالسواك ، كذلك نازل نجاسة ذنوبك بالتضرع والخشوع والتهجد والاستغفار بالأسحار وطهر ظاهرك من النجاسات وباطنك من كدورات المخالفات وركوب المناهي كلها خالصاً لله ، فإن النبي صلی الله علیه و اله ضرب باستعمالها مثلاً لأهل التنبه واليقظة ، وهو أن السواك

ص: 123

نَبَاتٌ لَطِيفٌ نَظِيفٌ وَ غُصْنُ شَجَرٍ مُبَارَكٍ وَ الْأَسْنَانُ خَلْقٌ خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْفَمِ آلَةً لِلْأَكْلِ وَ أَدَاةً لِلْمَضْغِ وَ سَبَباً لاِشْتِهَاءِ الطَّعَامِ وَ إِصْلاَحِ الْمَعِدَةِ وَ هِيَ جَوْهَرَةٌ صَافِيَةٌ تَتَلَوَّثُ بِصُحْبَةِ تَمْضِيغِ الطَّعَامِ وَ تَتَغَيَّرُ بِهَا رَائِحَةُ الْفَمِ وَ يَتَوَلَّدُ مِنْهَا الْفَسَادُ فِي الدِّمَاغِ فَإِذَا اسْتَاكَ الْمُؤْمِنُ الْفَطِنُ بِالنَّبَاتِ اللَّطِيفِ وَ مَسَحَهَا عَلَى الْجَوْهَرَةِ الصَّافِيَةِ زَالَ عَنْهَا الْفَسَادُ وَ التَّغَيُّرُ وَ عَادَتْ إِلَى أَصْلِهَا كَذَلِكَ خَلَقَ اللَّهُ الْقَلْبَ طَاهِراً صَافِياً وَ جَعَلَ غِذَاءَهُ الذِّكْرَ وَ الْفِكْرَ وَ الْهَيْبَةَ وَ التَّعْظِيمَ وَ إِذَا شِيبَ الْقَلْبُ الصَّافِي بِتَغْذِيَتِهِ بِالْغَفْلَةِ وَ الْكَدَرِ صَقِّلْ بِمِصْقَلَةِ التَّوْبَةِ وَ نَظِّفْ بِمَاءِ الْإِنَابَةِ لِيَعُودَ عَلَى حَالَتِهِ الْأُولَى وَ جَوْهَرَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى - إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ قَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه و اله وَ عَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صلی الله علیه و اله

ص: 124

أَمَرَ بِالسِّوَاكِ فِي ظَاهِرِ الْأَسْنَانِ وَ أَرَادَ هَذَا الْمَعْنَى وَ الْمَثَلَ وَ مَنْ أَنَاخَ تَفَكُّرَهُ عَلَى بَابِ عَتَبَةِ الْعِبْرَةِ فِي اسْتِخْرَاجِ مِثْلِ هَذِهِ الْأَمْثَالِ فِي الْأَصْلِ وَ الْفَرْعِ فَتَحَ اللَّهُ لَهُ عُيُونَ الحِكْمَةِ وَ الْمَزِيدَ مِنْ فَضْلِهِ وَ اللَّهُ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ.

ص: 125

الباب التاسع و الخمسون في التبرز

قال الصادق علیه السلام: إنما سمي المستراح مستراحاً عن الام لاستراحة الأنفس من أثقال النجاسات واستفراغ الكثافات والقذر فيها ، والمؤمن يعتبر عندها أن الخالص من الطعام والحطام الدنيا ، كذلك يصير عاقبته فيستريح بالعدول عنها وبتركها ، ويفرغ نفسه وقلبه من شغل ويستنكف عن جمعها وأخذها استنكافة عن النجاسة والغائط والقذر ، ويتفكر في نفس المكرمة في حال كيف تصير ذليلاً في حال ويعلم أن التمسك بالقناعة والتقوى يورث له راحة الدارين، فإن الراحة من هوان الدنيا

ص: 126

وَ الْفَرَاغِ مِنَ التَّمَتُّعِ بِهَا وَ فِي إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ مِنَ الْحَرَامِ وَ الشُّبْهَةِ فَيُغْلِقُ عَنْ نَفْسِهِ بَابَ الْكِبْرِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ إِيَّاهَا وَ يَفِرُّ مِنَ الذُّنُوبِ وَ يَفْتَحُ بَابَ التَّوَاضُعِ وَ النَّدَمِ وَ الْحَيَاءِ وَ يَجْتَهِدُ فِي أَدَاءِ أَوَامِرِهِ وَ اجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ طَلَباً لِحُسْنِ الْمَآبِ وَ طِيبِ الزُّلْفَى وَ يَسْجُنُ نَفْسَهُ فِي سِجْنِ الْخَوْفِ وَ الصَّبْرِ وَ الْكَفِّ عَنِ الشَّهَوَاتِ إِلَى أَنْ يَتَّصِلَ بِأَمَانِ اللَّهِ تَعَالَى فِي دَارِ الْقَرَارِ وَ يَذُوقُ طَعْمَ رِضَاهُ فَإِنَّ الْمُعَوَّلَ ذَلِكَ وَ مَا عَدَاهُ فَلاَ شَيْ ءَ.

ص: 127

الباب الستون في الطهارة

قال الصادق علیه السلام : إذا أردت الطهارة والوضوء فتقدم إلى الماء تقدمك إلى رحمة الله تعالى، فإن الله تعالى قد جعل الماء مفتاح قربته ومناجاته ، ودليلاً إلى بساط خدمته وكما أن رحمة الله تطهر ذنوب العباد ، كذلك النجاسات الظاهرة يطهرها الماء لا غير.

قال الله تعالى : ( وَهُوَ الذِي أَرَسلَ الرِّيَاحَ بشراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً طَهُوراً). وقال الله تعالى : ( وَجَعَلْنَا مِنَ الماءِ كُلِّ شيءٍ حَى أَفَلا يُؤْمِنُونَ ) . فكما أحيا به كل شيء من نعيم الدنيا، كذلك

ص: 128

بِرَحْمَتِهِ وَ فَضْلِهِ جَعَلَ حَيَاةَ الْقَلْبِ بِالطَّاعَاتِ فَتَفَكَّرْ فِي صَفَاءِ الْمَاءِ وَ رِقَّتِهِ وَ طُهْرِهِ وَ بَرَكَتِهِ وَ لَطِيفِ امْتِزَاجِهِ بِكُلِّ شَيْ ءٍ وَ اسْتَعْمِلْهُ فِي تَطْهِيرِ الْأَعْضَاءِ الَّتِي أَمَرَكَ اللَّهُ بِتَطْهِيرِهَا وَ تَعَبَّدَكَ بِأَدَائِهَا فِي فَرَائِضِهِ وَ سُنَنِهِ فَإِنَّ تَحْتَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا فَوَائِدَ كَثِيرَةً فَإِذَا اسْتَعْمَلَهَا بِالْحُرْمَةِ انْفَجَرَتْ لَكَ عُيُونُ فَوَائِدِهِ عَنْ قَرِيبٍ ثُمَّ عَاشِرْ خَلْقَ اللَّهِ كَامْتِزَاجِ الْمَاءِ بِالْأَشْيَاءِ يُؤَدِّي كُلَّ شَيْ ءٍ حَقَّهُ وَ لاَ يَتَغَيَّرُ عَنْ مَعْنَاهُ مُعْتَبِراً لِقَوْلِ الرَّسُولِ صلی الله علیه و اله مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الْمُخْلِصِ كَمَثَلِ الْمَاءِ وَ لْتَكُنْ صَفْوَتُكَ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى فِي جَمِيعِ طَاعَتِكَ كَصَفْوَةِ الْمَاءِ حِينَ أَنْزَلَهُ مِنَ السَّمَاءِ وَ سَمَّاهُ طَهُوراً وَ طَهِّرْ قَلْبَكَ بِالتَّقْوَى وَ الْيَقِينِ عِنْدَ طَهَارَةِ جَوَارِحِكَ بِالْمَاءِ.

ص: 129

الباب الواحد و الستون في دخول المسجد

قال الصادق عليه السلام: إذا بلغت باب المسجد ، فاعلم أنك قد قصدت باب ملك عظيم لما يطأ بساطه إلا المطهرون ولا يؤذن لمجالسته إلا الصديقين ، فتهب القدوم إلى بساط هيبة الملك فإنك على خطر عظيم إن غفلت ، فاعلم انه قادر على ما يشاء من العدل والفضل معك وبك ، فإن عطف عليك برحمته وفضله قبل منك يسير الطاعة وأجزل لك عليها ثواباً كثيراً ، وإن طالبك باستحقاقه الصدق والإخلاص عدلاً بك، حجبك ورد طاعتك ، وإن كثرت وهو فعّال لما يريد وأعترف بعجزك و تقصيرك وانكسارك

ص: 130

وَ فَقْرِكَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِنَّكَ قَدْ تَوَجَّهْتَ لِلْعِبَادَةِ لَهُ وَ الْمُؤَانَسَةِ بِهِ وَ اعْرِضْ أَسْرَارَكَ عَلَيْهِ وَ لْتَعْلَمْ أَنَّهُ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ أَسْرَارُ الْخَلاَئِقِ أَجْمَعِينَ وَ عَلاَنِيَتُهُمْ وَ كُنْ كَأَفْقَرِ عِبَادِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَ أَخْلِ قَلْبَكَ عَنْ كُلِّ شَاغِلٍ يَحْجُبُكَ عَنْ رَبِّكَ فَإِنَّهُ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ الْأَطْهَرَ الْأَخْلَصَ انْظُرْ مِنْ أَيِّ دِيوَانٍ يُخْرَجُ اسْمُكَ فَإِنْ ذُقْتَ حَلاَوَةَ مُنَاجَاتِهِ وَ لَذِيذَ مُخَاطَبَاتِهِ وَ شَرِبْتَ بِكَأْسِ رَحْمَتِهِ وَ كَرَامَاتِهِ مِنْ حُسْنِ إِقْبَالِهِ عَلَيْكَ وَ إِجَابَتِهِ فَقَدْ صَلَحْتَ لِخِدْمَتِهِ فَادْخُلْ فَلَكَ الْإِذْنُ وَ الْأَمَانُ وَ إِلاَّ فَقِفْ وُقُوفَ مَنْ قَدِ انْقَطَعَ عَنْهُ الْحِيَلُ وَ قَصُرَ عَنْهُ الْأَمَلُ وَ قَضَى عَلَيْهِ الْأَجَلُ فَإِنْ عَلِمَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْ قَلْبِكَ صِدْقَ الاِلْتِجَاءِ إِلَيْهِ نَظَرَ إِلَيْكَ بِعَيْنِ الرَّأْفَةِ وَ الرَّحْمَةِ وَ اللُّطْفِ وَ وَفَّقَكَ لِمَا يُحِبُّ وَ يَرْضَى فَإِنَّهُ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَامَةَ لِعِبَادِهِ الْمُضْطَرِّينَ إِلَيْهِ الْمُحْدِقِينَ عَلَى بَابِهِ لِطَلَبِ مَرْضَاتِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى - أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَ يَكْشِفُ السُّوءَ .

ص: 131

الباب الثاني و الستون في الدعاء

قال الصادق علیه السلام : احفظ أدب الدعاء وانظر من تدعو كيف تدعو ولماذا تدعو وحقق عظمة الله وكبريائه وعاين بقلبك علمه بما في ضميرك واطلاعه على سرك ، وما تكن وما تكون فيه من الحق والباطل واعرف طرق نجاتك وهلاكك كيلا تدعو الله تعالى بشيء عسى فيه هلاكك وأنت تظن أن فيه نجاتك.

قال الله تعالى : ( وَيَدْعُو الإنسان بالشر دعائه بالخير وكان الإنسان عجولاً ) وتفكر ماذا تسأل ولماذا تسأل والدعاء استجابة الكل منك للحق وتذويباً لمهجة في

ص: 132

مُشَاهَدَةِ الرَّبِّ وَ تَرْكُ الاِخْتِيَارِ جَمِيعاً وَ تَسْلِيمُ الْأُمُورِ كُلِّهَا ظَاهِراً وَ بَاطِناً إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ لَمْ تَأْتِ بِشَرْطِ الدُّعَاءِ فَلاَ تَنْتَظِرِ الْإِجَابَةَ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفَى فَلَعَلَّكَ تَدْعُوهُ بِشَيْ ءٍ قَدْ عَلِمَ مِنْ سِرِّكَ خِلاَفَ ذَلِكَ قَالَ بَعْضُ اَلصَّحَابَةِ لِبَعْضِهِمْ أَنْتُمْ تَنْتَظِرُونَ الْمَطَرَ بِالدُّعَاءِ وَ أَنَا أَنْتَظِرُ الْحَجَرَ وَ اعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ أَمَرَنَا بِالدُّعَاءِ لَكَانَ إِذَا أَخْلَصْنَا الدُّعَاءَ تَفَضَّلَ عَلَيْنَا بِالْإِجَابَةِ فَكَيْفَ وَ قَدْ ضَمِنَ ذَلِكَ لِمَنْ أَتَى بِشَرَائِطِ الدُّعَاءِ وَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و اله عَنِ اسْمِ اللَّهِ الْأَعْظَمِ فَقَالَ صلی الله علیه و اله كُلُّ اسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ أَعْظَمُ فَفَرِّغْ قَلْبَكَ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ وَ ادْعُهُ تَعَالَى بِأَيِّ اسْمٍ شِئْتَ فَلَيْسَ لِلَّهِ فِي الْحَقِيقَةِ اسْمٌ دُونَ اسْمٍ بَلْ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ وَ قَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه و اله إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَجِيبُ الدُّعَاءَ مِنْ قَلْبٍ لاَهٍ قَالَ اَلصَّادِقُ علیه السلام إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ لاَ يَسْأَلَ رَبَّهُ

ص: 133

إِلاَّ أَعْطَاهُ فَلْيَيْأَسْ مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ وَ لاَ يَكُنْ رَجَاؤُهُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَإِذَا عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ مِنْ قَلْبِهِ لَمْ يَسْأَلْهُ شَيْئاً إِلاَّ أَعْطَاهُ فَإِذَا أَتَيْتَ بِمَا ذَكَرْتُ لَكَ مِنْ شَرَائِطِ الدُّعَاءِ وَ أَخْلَصْتَ سِرَّكَ لِوَجْهِهِ فَأَبْشِرْ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ إِمَّا أَنْ يُعَجِّلَ لَكَ مَا سَأَلْتَ وَ إِمَّا أَنْ يَدَّخِرَ لَكَ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ وَ إِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْكَ مِنَ الْبَلاَءِ مَا لَوْ أَرْسَلَهُ إِلَيْكَ لَهَلَكْتَ قَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه و اله قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِيَ لِلسَّائِلِينَ قَالَ اَلصَّادِقُ علیه السلام لَقَدْ دَعَوْتُ اللَّهَ مَرَّةً فَاسْتَجَابَ لِي وَ نَسِيتُ الْحَاجَةَ لِأَنَّ اسْتِجَابَتَهُ بِإِقْبَالِهِ عَلَى عَبْدِهِ عِنْدَ دَعْوَتِهِ أَعْظَمُ وَ أَجَلُّ مِمَّا يُرِيدُ مِنْهُ الْعَبْدُ وَ لَوْ كَانَتِ اَلْجَنَّةَ وَ نَعِيمَهَا الْأَبَدِيَّ وَ لَيْسَ يَعْقِلُ ذَلِكَ إِلاَّ الْعَامِلُونَ الْمُحِبُّونَ الْعَارِفُونَ صَفْوَةُ اللَّهِ وَ خَوَاصُّهُ.

ص: 134

الباب الثالث و الستون في الصوم

قال الصادق علیه السلام : قال النبي صلی الله علیه و اله: الصوم جنة من آفات الدنيا و حجاب من عذاب الآخرة ، فإذا صمت فانو بصومك كف النفس عن الشهوات وقطع الهمة عن خطوات الشيطان والشياطين، وانزل نفسك منزلة المرضى لا تشتهي طعاماً ولا شراباً ، وتوقع في كل لحظة شفاك من مرض الذنوب وطهر باطنك من كل كذب وكدر وغفلة وظلمة يقطعك عن معنى الإخلاص لوجه الله تعالى ، قيل لبعضهم إنك ضعيف ، وإن الصيام يضعفك ، قال : إني أعده بشر يوم طويل والصبر على طاعة الله أهون من الصبر على عذابه.

ص: 135

وَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و اله قَالَ تَعَالَى الصَّوْمُ لِي وَ أَنَا أَجْزِي بِهِ وَ الصَّوْمُ يُمِيتُ مُرَادَ النَّفْسِ وَ شَهْوَةَ الطَّبْعِ وَ فِيهِ صَفَاءُ الْقَلْبِ وَ طَهَارَةُ الْجَوَارِحِ وَ عِمَارَةُ الظَّاهِرِ وَ الْبَاطِنِ وَ الشُّكْرُ عَلَى النِّعَمِ وَ الْإِحْسَانُ إِلَى الْفُقَرَاءِ وَ زِيَادَةُ التَّضَرُّعِ وَ الْخُشُوعِ وَ الْبُكَاءِ وَ حَبْلُ الاِلْتِجَاءِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَ سَبَبُ انْكِسَارِ الْهِمَّةِ وَ تَخْفِيفِ السَّيِّئَاتِ وَ تَضْعِيفِ الْحَسَنَاتِ وَ فِيهِ مِنَ الْفَوَائِدِ مَا لاَ يُحْصَى وَ كَفَى بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْهُ لِمَنْ عَقَلَهُ وَ وُفِّقَ لاِسْتِعْمَالِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

ص: 136

الباب الرابع و الستون في الزهد

قال الصادق علیه السلام : الزهد مفتاح باب الآخرة والبرائة من النار وهو تركك كل شيء يشغلك عن الله تعالى من غير تأسف على فوتها ولا إعجاب في تركها ولا انتظار فرج منها ولا تطلب محمدة عليها ولا غرض لها ، بل يرى فوتها راحة وكونها آفة ، ويكون أبداً هارباً من الآفة معتصماً بالراحة ، الزاهد الذي يختار الآخرة ، والذل على العز والدنيا ، والجهد على الراحة، والجوع على الشبع ، وعافية الأجل على المحنة العاجل ، والذكر على الغفلة ، وتكون نفسه في الدنيا وقلبه في الآخرة .

ص: 137

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و اله حُبُّ الدُّنْيَا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ وَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و اله الدُّنْيَا جِيفَةٌ وَ طَالِبُهَا كِلاَبٌ أَ لاَ تَرَى كَيْفَ أَحَبَّ مَا أَبْغَضَهُ اللَّهُ وَ أَيُّ خَطِيئَةٍ أَشَدُّ جُرْماً مِنْ هَذَا قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْبَيْتِ لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا بِأَجْمَعِهَا لُقْمَةً فِي فَمِ طِفْلٍ لَرَحِمْنَاهُ فَكَيْفَ حَالُ مَنْ نَبَذَ حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى وَرَاءَ ظُهُورِهِ فِي طَلَبِهَا وَ الْحِرْصِ عَلَيْهَا وَ الدُّنْيَا دَارٌ لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى سَاكِنِهَا لَرَحِمَتْكَ وَ لَأَحَبَّتْكَ وَ أَحْسَنَتْ وَدَاعَكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و اله لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى الدُّنْيَا أَمَرَهَا بِطَاعَتِهِ فَأَطَاعَتْ رَبَّهَا فَقَالَ لَهَا خَالِفِي مَنْ طَلَبَكِ وَ وَافِقِي مَنْ خَالَفَكِ وَ هِيَ عَلَى مَا عَهِدَ اللَّهُ إِلَيْهَا وَ طَبَعَهَا عَلَيْهَا.

ص: 138

الباب الخامس و الستون في صفة الدنيا

الدُّنْيَا بِمَنْزِلَةِ صُورَةٍ رَأْسُهَا الْكِبْرُ وَ عَيْنُهَا الْحِرْصُ وَ أُذُنُهَا الطَّمَعُ وَ لِسَانُهَا الرِّيَاءُ وَ يَدُهَا الشَّهْوَةُ وَ رِجْلُهَا الْعُجْبُ وَ قَلْبُهَا الْغَفْلَةُ وَ كَوْنُهَا الْفَنَاءُ وَ حَاصِلُهَا الزَّوَالُ فَمَنْ أَحَبَّهَا أَوْرَثَتْهُ الْكِبْرَ وَ مَنِ اسْتَحْسَنَهَا أَوْرَثَتْهُ الْحِرْصَ وَ مَنْ طَلَبَهَا أَوْرَثَتْهُ الطَّمَعَ وَ مَنْ مَدَحَهَا أَلْبَسَتْهُ الرِّيَاءَ وَ مَنْ أَرَادَهَا مَكَّنَتْهُ مِنَ الْعُجْبِ وَ مَنْ رَكَنَ إِلَيْهَا أَوْلَتْهُ الْغَفْلَةَ وَ مَنْ أَعْجَبَهُ مَتَاعُهَا أَفْتَنَتْهُ وَ لاَ تَبْقَى وَ مَنْ جَمَعَهَا وَ بَخِلَ بِهَا رَدَّتْهَا إِلَى مُسْتَقَرِّهَا وَ هِيَ اَلنَّارُ.

ص: 139

الباب السادس و الستون في المتكلف

قال الصادق عليه السلام : المتكلف متخلف عن الصواب، وإن أصاب والمتطوع مصيب ، وإن أخطأ والمتكلف لا يستجلب في عاقبة أمره إلا الهوان ، وفي الوقت إلا التعب والعناء والشقاء ، والمتكلف ظاهره رياء وباطنه نفاق ، وهما جناحان يطير بهما المتكلف، وليس في الجملة من أخلاق الصالحين ولا من شعار المؤمنين ، المتكلف في أي باب كان . قال الله تعالى لنبيه صلی الله علیه و اله : ( قُلْ مَا أَسَتَلَكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ، وَمَا أَنَا مِنَ المتكلفينَ ) .

قال صلی الله علیه و اله: نحن معاشر الأنبياء والأتقياء والأمناء

ص: 140

بِرَاءٌ مِنَ التَّكَلُّفِ فَاتَّقِ اللَّهَ تَعَالَى وَ اسْتَقِمْ يُغْنِكَ عَنِ التَّكَلُّفِ وَ يَطْبَعُكَ بِطِبَاعِ الْإِيمَانِ وَ لاَ تَشْتَغِلْ بِلِبَاسٍ آخِرُهُ الْبَلاَءُ وَ طَعَامٍ آخِرُهُ الْخَلاَءُ وَ دَارٍ آخِرُهَا الْخَرَابُ وَ مَالٍ آخِرُهُ الْمِيرَاثُ وَ إِخْوَانٍ آخِرُهُمُ الْفِرَاقُ وَ عِزٍّ آخِرُهُ الذُّلُّ وَ وَقَارٍ آخِرُهُ الْجَفَاءُ وَ عَيْشٍ آخِرُهُ الْحَسْرَةُ.

ص: 141

الباب السابع و الستون في الغرور

قال الصادق علیه السلام : المغرور في الدنيا مسكين ، وفي الآخرة مغبون لأنه باع الأفضل بالأدنى ، ولا تعجب من نفسك ، فربما اغتررت بمالك وصحة جسدك ، ان لعلك تبقى ، وربما اغتررت بطول عمرك وأولادك وأصحابك لعلك تنجو بهم ، وربما اختررت بجمالك ومنبتك وأصابتك ما مولك وهواك ، فظننت أنك صادق ومصيب ، وربما اغتررت بما ترى الخلق من الندم على تقصيرك في العبادة ، ولعل الله تعالى يعلم من قلبك بخلاف ذلك ، وربما أقمت نفسك على العبادة متكلفاً ، والله يريد الإخلاص، وربما

ص: 142

افْتَخَرْتَ بِعِلْمِكَ وَ نَسَبِكَ وَ أَنْتَ غَافِلٌ عَنْ مُضْمِرَاتِ مَا فِي غَيْبِ اللَّهِ تَعَالَى وَ رُبَّمَا تَوَهَّمْتَ أَنَّكَ تَدْعُو اللَّهَ وَ أَنْتَ تَدْعُو سِوَاهُ وَ رُبَّمَا حَسِبْتَ أَنَّكَ نَاصِحٌ لِلْخَلْقِ وَ أَنْتَ تُرِيدُهُمْ لِنَفْسِكَ أَنْ يَمِيلُوا إِلَيْكَ وَ رُبَّمَا ذَمَمْتَ نَفْسَكَ وَ أَنْتَ تَمْدَحُهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ وَ اعْلَمْ أَنَّكَ لَنْ تَخْرُجَ مِنْ ظُلُمَاتِ الْغُرُورِ وَ التَّمَنِّي إِلاَّ بِصِدْقِ الْإِنَابَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَ الْإِخْبَاتِ لَهُ وَ مَعْرِفَةِ عُيُوبِ أَحْوَالِكَ مِنْ حَيْثُ لاَ يُوَافِقُ الْعَقْلَ وَ الْعِلْمَ وَ لاَ يَحْتَمِلُهُ الدِّينُ وَ الشَّرِيعَةُ وَ سُنَنُ الْقُدْوَةِ وَ أَئِمَّةِ الْهُدَى وَ إِنْ كُنْتَ رَاضِياً بِمَا أَنْتَ فِيهِ فَمَا أَحَدٌ أَشْقَى بِعِلْمِهِ وَ عَمَلِهِ مِنْكَ وَ أَضْيَعُ عُمُراً فَأُورِثْتَ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

ص: 143

الباب الثامن و الستون في صفة المنافق

قال الصادق علیه السلام : المنافق قد رضي ببعده عن رحمة الله تعالى لأنه يأتي بأعماله الظاهرة شبيهاً بالشريعة ، وهو لاء ولاغ وباغ بالقلب عن حقها مستهزىء فيها ، وعلامة النفاق قلة المبالات بالكذب والخيانة والوقاحة والدعوى بلا معنى واستخانة العين والسفه والغلط وقلة الحياء واستصغار المعاصي واستيضاع أرباب الدين واستخفاف المصائب في الدين والكبر والمدح ومدح الحب وحب المدح والحسد وإيثار الدنيا على الآخرة ، والشر على الخير ،

ص: 144

وَ الْحَثُّ عَلَى النَّمِيمَةِ وَ حُبُّ اللَّهْوِ وَ مَعُونَةُ أَهْلِ الْفِسْقِ وَ الْبَغْيِ وَ التَّخَلُّفُ عَنِ الْخَيْرَاتِ وَ تَنَقُّصُ أَهْلِهَا وَ اسْتِحْسَانُ مَا يَفْعَلُهُ مِنْ سُوءٍ وَ اسْتِقْبَاحُ مَا يَفْعَلُهُ غَيْرُهُ مِنْ حَسَنٍ وَ أَمْثَالُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ وَ قَدْ وَصَفَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ قَالَ تَعَالَى وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللّهَ عَلى حَرْفٍ فِي التَّفْسِيرِ أَيْ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَ إِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ قَالَ تَعَالَى فِي وَصْفِهِمْ - وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا بِاللّهِ وَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ ما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ. يُخادِعُونَ اللّهَ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ ما يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ وَ ما يَشْعُرُونَ. فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً قَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه و اله الْمُنَافِقُ مَنْ إِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَ إِذَا

ص: 145

فَعَلَ أَسَاءَ وَ إِذَا قَالَ كَذَبَ وَ إِذَا ائْتُمِنَ خَانَ وَ إِذَا رُزِقَ طَاشَ وَ إِذَا مُنِعَ عَاشَ وَ قَالَ أَيْضاً مَنْ خَالَفَتْ سَرِيرَتُهُ عَلاَنِيَتَهُ فَهُوَ مُنَافِقٌ كَائِناً مَنْ كَانَ وَ حَيْثُ كَانَ وَ فِي أَيِّ زَمَنٍ كَانَ وَ عَلَى أَيِّ رُتْبَةٍ كَانَ .

ص: 146

الباب التاسع و الستون في حسن المعاشرة

قَالَ اَلصَّادِقُ علیه السلام: حُسْنُ الْمُعَاشَرَةِ مَعَ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ مِنْ مَزِيدِ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ عَبْدِهِ وَ مَنْ كَانَ خَاضِعاً لِلَّهِ فِي السِّرِّ كَانَ حَسَنَ الْمُعَاشَرَةِ فِي الْعَلاَنِيَةِ فَعَاشِرِ الْخَلْقَ لِلَّهِ تَعَالَى وَ لاَ تُعَاشِرْهُمْ لِنَصِيبِكَ لِأَمْرِ الدُّنْيَا وَ لِطَلَبِ الْجَاهِ وَ الرِّيَاءِ وَ السُّمْعَةِ وَ لاَ تقطن [تَسْقُطَنَّ] بِسَبَبِهَا عَنْ حُدُودِ الشَّرِيعَةِ مِنْ بَابِ الْمُمَاثَلَةِ وَ الشُّهْرَةِ فَإِنَّهُمْ لاَ يُغْنُونَ عَنْكَ شَيْئاً وَ تَفُوتُكَ الْأَخِيرَةُ بِلاَ فَائِدَةٍ.

ص: 147

الباب السبعون في الأخذ و العطاء

قال الصادق علیه السلام : من كان الأخذ أحب إليه من الإعطاء فهو مغبون لأنه يرى العاجل بغفلته أفضل من الآجل ، وينبغي للمؤمن إذا أخذ أن يأخذ بحق ، وإذا أعطى ففي حق وبحق ومن حق ، فكم من آخذ معطى دينه وهو لا يشعر ، وكم من معطى مورث بنفسه سخط الله ، وليس الشأن في الأخذ والإعطاء ، ولكن الناجي من اتق الله في الأخذ والإعطاء واعتصم بحبل الورع ، والناس في هاتين الخصلتين خاص وعام ، فالخاص ينظر في دقيق الورع ، فلا يتناول حتى يتيقن أنه حلال ، وإذا أشكل

ص: 148

عَلَيْهِ تَنَاوَلَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَ الْعَامُّ يَنْظُرُ فِي الظَّاهِرِ فَمَا لَمْ يَجِدْهُ وَ لاَ يَعْلَمُهُ غَصْبٌ وَ لاَ سَرِقَةٌ تَنَاوَلَ وَ قَالَ لاَ بَأْسَ هُوَ لِي حَلاَلٌ وَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ بَيِّنٌ يَأْخُذُ بِحُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ يُنْفِقُ فِي رِضَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ.

ص: 149

الباب الواحد و السبعون في المؤاخاة

قال الصادق علیه السلام: ثلاثة أشياء في كل زمان عزيزة وهي : الإخاء في الله تعالى والزوجة الصالحة الأليفة تعينه في دين الله عز وجل ، وولد الرشيد ومن وجد الثلاثة فقد أصاب خير الدارين والحظ الأوفر من الدنيا والآخرة واحذر ان تواخي من أرادك الطمع أو خوف أو ميل أو مال أو أكل أو شرب ، واطلب مواخاة الأتقياء ولو في ظلمات الأرض ، وإن أفنيت عمرك في طلبهم ، فإن الله عز وجل لم يخل على وجه الأرض أفضل منهم بعد النبيين : وما أنعم الله تعالى على العبد بمثل ما أنعم به من التوفيق

ص: 150

بِصُحْبَتِهِمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى - اَلْأَخِلاّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ وَ أَظُنُّ أَنَّ مَنْ طَلَبَ صَدِيقاً فِي زَمَانِنَا هَذَا بِلاَ عَيْبٍ بَقِيَ بِلاَ صَدِيقٍ أَ لاَ تَرَى أَنَّ أَوَّلَ كَرَامَةٍ أَكْرَمَ اللَّهُ بِهَا أَنْبِيَاءَهُ عِنْدَ إِظْهَارِ دَعْوَتِهِمْ صَدِيقٌ أَمِينٌ أَوْ وَلِيٌّ فَكَذَلِكَ مِنْ أَجَلِّ مَا أَكْرَمَ اللَّهُ بِهِ أَصْدِقَاءَهُ وَ أَوْلِيَاءَهُ وَ أَصْفِيَاءَهُ وَ أُمَنَاءَهُ و [زائد] صحبته [صُحْبَةُ] أَنْبِيَائِهِ وَ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا فِي الدَّارَيْنِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى نِعْمَةٌ أَجَلَّ وَ أَطْيَبَ وَ أَزْكَى مِنَ الصُّحْبَةِ فِي اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ الْمُؤَاخَاةِ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى.

ص: 151

الباب الثاني و السبعون في المشاورة

قال الصادق علیه السلام: شاور في أمورك مما يقتضي الدين من فيه خمس خصال : عقل وعلم وتجربة ونصح وتقوى ، وإن تجد فاستعمل الخمسة واعزم وتوكل على الله تعالى، فإن ذلك يؤديك إلى الصواب، وما كان من أمور الدنيا التي هي غير عائدة إلى الدين فاقضها ولا تتفكر فيها ، فإنك إذا فعلت ذلك أصبت بركة العيش وحلاوة الطاعة ، وفي المشاورة اكتساب العلم ، والعاقل من يستفيد منها علماً جديداً ويستدل به على المحصول من المراد ، ومَثَل المشورة مع أهلها مثل التفكر في خلق السموات والأرض وفنائهما

ص: 152

وَ هُمَا عَيْنَانِ مِنَ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ كُلَّمَا تَفَكَّرَ فِيهِمَا غَاصَ فِي بِحَارِ نُورِ الْمَعْرِفَةِ وَ ازْدَادَ بِهِمَا اعْتِبَاراً وَ يَقِيناً وَ لاَ تُشَاوِرْ مَنْ لاَ يُصَدِّقُهُ عَقْلُكَ وَ إِنْ كَانَ مَشْهُوراً بِالْعَقْلِ وَ الْوَرَعِ وَ إِذَا شَاوَرْتَ مَنْ يُصَدِّقُهُ قَلْبُكَ فَلاَ تُخَالِفْهُ فِيمَا يُشِيرُ بِهِ عَلَيْكَ وَ إِنْ كَانَ بِخِلاَفِ مُرَادِكَ فَإِنَّ النَّفْسَ تجمع [تَجْمَحُ] عَنْ قَبُولِ الْحَقِّ وَ خِلاَفُهَا عِنْدَ قَبُولِ الْحَقَائِقِ أَبْيَنُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ وَ قَالَ تَعَالَى وَ أَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ أَيْ مُتَشَاوِرُونَ فِيهِ.

ص: 153

الباب الثالث و السبعون في الحلم

قال الصادق علیه السلام : الحلم سراج الله يستضيء ب____ه الام صاحبه إلى جواده ، ولا يكون حليماً إلا المؤيد بأنوار المعرفة والتوحيد، والحلم يدور على خمسة أوجه أن يكون عزيزاً فيذل ، أو يكون صادقاً فيتهم، أو يدعو إلى الحق فيُستخف به ، أو أن يؤذي بلا جرم ، أو أن يطلب بالحق يخالفوه فيه ، فإذا أتيت كلاً منها حقه فقد أصبت ، وقابل السفيه بالإعراض عنه وترك الجواب ، تكن الناس أنصارك لأن من حارب السفيه فكأنه قد وضع الحطب على النار .

ص: 154

قَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه و اله مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الْأَرْضِ مَنَافِعُهُمْ مِنْهَا وَ أَذَاهُمْ عَلَيْهَا وَ مَنْ لاَ يَصْبِرُ عَلَى جَفَاءِ الْخَلْقِ لاَ يَصِلُ إِلَى رِضَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ رِضَى اللَّهِ تَعَالَى مَشُوبٌ بِجَفَاءِ الْخَلْقِ وَ حُكِيَ أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِأَحْنَفَ بْنِ قَيْسٍ إِيَّاكَ أَعْنِي قَالَ وَ عَنْكَ أَحْلُمُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و اله بُعِثْتُ لِلْحِلْمِ مَرْكَزاً وَ لِلْعِلْمِ مَعْدِناً وَ لِلصَّبْرِ مَسْكَناً صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و اله وَ حَقِيقَةُ الْحِلْمِ أَنْ تَعْفُوَ عَمَّنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ وَ خَالَفَكَ وَ أَنْتَ الْقَادِرُ عَلَى الاِنْتِقَامِ مِنْهُ كَمَا وَرَدَ فِي الدُّعَاءِ إِلَهِي أَنْتَ أَوْسَعُ فَضْلاً وَ أَعْظَمُ حِلْماً مِنْ أَنْ تُؤَاخِذَنِي بِعَمَلِي وَ تَسْتَذِلَّنِي بِخَطِيئَتِي.

ص: 155

الباب الرابع و السبعون في الاقتداء

قال الصادق علیه السلام : ليس الاقتداء إلا بصحة قسمه الأرواح في الأول وامتزاج نور الوقت بنور الأزلي ، وليس الاقتداء بالتوسم بحركات الظاهرة والنسب إلى أولياء الدين من الحكماء والأئمة.

قال الله عز وجل: ( يَوْمَ نَدعُوا كُلَّ أُناس بإمَامِهِمْ ) أي من كان اقتدى بمحق فهو زكي .

وقال الله عز وجل : ( فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلاَ أنساب بَيْنَهُم يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسائلون).

قال أمير المؤمنين علیه السلام : الأرواح جنود مجندة ،

ص: 156

فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَ مَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ وَ قِيلَ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ مَنْ أَدَّبَكَ فَقَالَ أَدَّبَنِي رَبِّي فِي نَفْسِي فَمَا اسْتَحْسَنْتُ مِنْ أُولِي الْأَلْبَابِ وَ الْبَصِيرَةِ تَبِعْتُهُمْ بِهِ وَ اسْتَعْمَلْتُهُ وَ مَا اسْتَقْبَحْتُهُ مِنَ الْجُهَّالِ اجْتَنَبْتُهُ وَ تَرَكْتُهُ مستقرا [مُسْتَنْفِراً] فَأَوْصَلَنِي ذَلِكَ إِلَى كُنُوزِ الْعِلْمِ وَ لاَ طَرِيقَ لِلْأَكْيَاسِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَسْلَمَ مِنَ الاِقْتِدَاءِ لِأَنَّهُ الْمَنْهَجُ الْأَوْضَحُ وَ الْمَقْصَدُ الْأَصَحُّ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لِأَعَزِّ خَلْقِهِ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه و اله أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ وَ قَالَ عَزَّ وَ جَلَّ ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً فَلَوْ كَانَ لِدِينِ اللَّهِ تَعَالَى عَزَّ وَ جَلَّ مَسْلَكٌ أَقُومُ مِنَ الاِقْتِدَاءِ لَنَدَبَ أَنْبِيَاءَهُ وَ أَوْلِيَاءَهُ إِلَيْهِ قَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه و اله فِي الْقُلُوبِ نُورٌ لاَ يُضِيءُ إِلاَّ مِنِ اتِّبَاعِ الْحَقِّ وَ قَصْدِ السَّبِيلِ وَ هُوَ مِنْ نُورِ الْأَنْبِيَاءِ مُوَدَّعٌ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ .

ص: 157

الباب الخامس و السبعون في العفو

قَالَ اَلصَّادِقُ ع: الْعَفْوُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ وَ أَسْرَارِ الْمُتَّقِينَ وَ تَفْسِيرُ الْعَفْوِ أَلاَّ تُلْزِمَ صَاحِبَكَ فِيمَا أَجْرَمَ ظَاهِراً وَ تَنْسَى مِنَ الْأَصْلِ مَا أُصِيبَ مِنْهُ بَاطِناً وَ تَزِيدَ عَلَى الاِخْتِيَارَاتِ إِحْسَاناً وَ لَنْ تَجِدَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلاً إِلاَّ مَنْ قَدْ عَفَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَ غَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَ مَا تَأَخَّرَ عَنْهُ وَ زَيَّنَهُ بِكَرَامَتِهِ وَ أَلْبَسَهُ مِنْ نُورِ بَهَائِهِ لِأَنَّ الْعَفْوَ وَ الْغُفْرَانَ صِفَتَانِ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْدَعَهُمَا فِي أَسْرَارِ أَصْفِيَائِهِ لِيَتَخَلَّقُوا مَعَ الْخَلْقِ بِأَخْلاَقِ خَالِقِهِمْ وَ جَاعِلِهِمْ لِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لْيَعْفُوا وَ لْيَصْفَحُوا - أَن

ص: 158

لا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لَكُمْ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَ مَنْ لاَ يَعْفُو عَنْ بَشَرٍ مِثْلِهِ كَيْفَ يَرْجُو عَفْوَ مَلِكٍ جَبَّارٍ قَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه و اله حَاكِياً عَنْ رَبِّهِ يَأْمُرُهُ بِهَذِهِ الْخِصَالِ قَالَ صِلْ مَنْ قَطَعَكَ وَ اعْفُ عَمَّنْ ظَلَمَكَ وَ أَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ وَ أَحْسِنْ إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ وَ قَدْ أُمِرْنَا بِمُتَابَعَتِهِ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ - وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا فَالْعَفْوُ سِرُّ اللَّهِ فِي الْقُلُوبِ قُلُوبِ خَوَاصِّهِ فمن [مِمَّنْ] يُسِرُّ لَهُ سِرَّهُ وَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص أَ يَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ كَأَبِي ضَمْضَمٍ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَ مَا أَبُو ضَمْضَمٍ قَالَ صلی الله علیه و اله رَجُلٌ مِمَّنْ قَبْلَكُمْ كَانَ إِذَا أَصْبَحَ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ تَصَدَّقْتُ بِعِرْضِي عَلَى النَّاسِ عَامَّةً .

ص: 159

الباب السادس و السبعون في الموعظة

قال الصادق علیه السلام : أحسن الموعظة ما لا تجاوز القول حد الصدق ، والفعل حد الاخلاص ، فإن مثل الواعظ والمتعظ كاليقظان والراقد ، فمن استيقظ عن رقدة غفلته ومخالفاته ومعاصيه صلح أن يوقظ غيره من ذلك الرقاد ، وأما الساير في مفاوز الاعتداء والخائض في مراتع الغي وترك الحياء باستحباب السمعة والرياء والشهرة والتضيع إلى الخلق المتزي بزي الصالحين ، المظهر عمارة باطنه، وهو في الحقيقة خال عنها قد غمرتها وحشته حب المحمدة وغشيتها ظلمة الطمع ، فما أفتنه بهواه واضل الناس بمقاله .

ص: 160

قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَبِئْسَ الْمَوْلى وَ لَبِئْسَ الْعَشِيرُ وَ أَمَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ بِنُورِ التَّأْيِيدِ وَ حُسْنِ التَّوْفِيقِ فَطَهَّرَ قَلْبَهُ مِنَ الدَّنَسِ فَلاَ يُفَارِقُ الْمَعْرِفَةَ وَ التُّقَى فَيَسْتَمِعُ الْكَلاَمَ مِنَ الْأَصْلِ وَ يَتْرُكُ قَائِلَهُ كَيْفَمَا كَانَ قَالَتِ الْحُكَمَاءُ خُذِ الْحِكْمَةَ وَ لَوْ مِنْ أَفْوَاهِ الْمَجَانِينِ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ علیهما السلام جَالِسُوا مَنْ يُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ رُؤْيَتُهُ وَ لِقَاؤُهُ فَضْلاً عَنِ الْكَلاَمِ وَ لاَ تُجَالِسُوا مَنْ تُوَافِقُهُ ظَوَاهِرُكُمْ وَ تُخَالِفُهُ بَوَاطِنُكُمْ فَإِنَّ ذَلِكَ الْمُدَّعِي بِمَا لَيْسَ لَهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فاستقادتكم [فِي اسْتِقَادَتِكُمْ] فَإِذَا لَقِيتَ مَنْ [فِيهِ] ثَلاَثُ خِصَالٍ فَاغْتَنِمْ رُؤْيَتَهُ وَ لِقَاءَهُ وَ مُجَالَسَتَهُ وَ لَوْ كَانَ سَاعَةً فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤَثِّرُ فِي دِينِكَ وَ قَلْبِكَ وَ عِبَادَتِكَ بَرَكَاتُهُ فَمَنْ كَانَ كَلاَمُهُ لاَ يُجَاوِزُ فِعْلَهُ وَ فِعْلُهُ لاَ يُجَاوِزُ صِدْقَهُ وَ صِدْقُهُ لاَ يُنَازِعُ رَبَّهُ فَجَالِسْهُ بِالْحُرْمَةِ وَ انْتَظِرِ الرَّحْمَةَ وَ الْبَرَكَةَ وَ احْذَرْ لُزُومَ الْحُجَّةِ عَلَيْكَ وَ رَاعِ وَقْتَهُ كَيْلاَ تَلُومَهُ فَتَخْسَرَ وَ انْظُرْ إِلَيْهِ بِعَيْنِ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ تَخْصِيصِهِ لَهُ وَ كَرَامَتِهِ إِيَّاهُ.

ص: 161

الباب السابع و السبعون في الوصية

قال الصادق علیه السلام : أفضل الوصايا وألزمها أن لا الكلام تنسى ربك وأن تذكره دائماً ولا تعصيه ، وتعبد قاعداً وقائماً ، ولا تغتر بنعمته واشكره أبداً ، ولا تخرج من تحت أستار رحمته وعظمته وجلاله، فتضل وتقع في ميدان الهلاك، وإن مسك البلاء والضراء واحرقتك نيران المحن واعلم أن بلاياه محشوة بكراماته الأبدية ، ومحنه مورثة رضاه وقربه ولو بعد حين ، فيا لها من أنعم لمن علم ووفق لذلك.

روى أن رجلاً استوصى رسول الله صلی الله علیه و اله ، فقال

ص: 162

صلی الله علیه و اله لاَ تَغْضَبْ قَطُّ فَإِنَّ فِيهِ مُنَازَعَةَ رَبِّكَ فَقَالَ زِدْنِي فَقَالَ صلی الله علیه و اله إِيَّاكَ وَ مَا تَعْتَذِرُ مِنْهُ فَإِنَّ فِيهِ الشِّرْكَ الْخَفِيَّ فَقَالَ زِدْنِي فَقَالَ صلی الله علیه و اله صَلِّ صَلاَةَ مُوَدِّعٍ فَإِنَّ فِيهِ الْوُصْلَةَ وَ الْقُرْبَى فَقَالَ زِدْنِي فَقَالَ صلی الله علیه و اله اسْتَحْيِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى اسْتِحْيَاءَكَ مِنْ صَالِحِي جِيرَانِكَ فَإِنَّ فِيهَا زِيَادَةَ الْيَقِينِ وَ قَدْ أَجْمَعَ اللَّهُ تَعَالَى مَا يَتَوَاصَى بِهِ الْمُتَوَاصُونَ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ فِي خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَ هِيَ التَّقْوَى قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ - وَ لَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ إِيّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللّهَ وَ فِيهِ جِمَاعُ كُلِّ عِبَادَةٍ صَالِحَةٍ وَ بِهِ وَصَلَ مَنْ وَصَلَ إِلَى الدَّرَجَاتِ الْعُلَى وَ الرُّتَبِ الْقُصْوَى وَ بِهِ عَاشَ مَنْ عَاشَ بِالْحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ وَ الْأُنْسِ الدَّائِمِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَ نَهَرٍ. فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ .

ص: 163

الباب الثامن و السبعون في التوكل

قال الصادق علیه السلام : التوكل كأس مختوم بختام الله عز وجل ، فلا يشرب بها ولا ينفض ختامها إلا المتوكلون كما قال تعالى : ( وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكل المتَوكِلُونَ ) وقال تعالى : ( وَعَلَى الله فتوكلوا إن كُنتُم مُؤمِنينَ) ، جعل الله التوكل مفتاح الإيمان ، والإيمان قفل التوكل ، وحقيقة التوكل الايثار ، واصل الايثار تقديم الشيء بحقه ، ولا ينفك المتوكل في توكله من إثبات أحد الايثارين ، فإن أثر المعلول وهو الكون حجب به ، وإن أثر المعلّل علة التوكل وهو الباري سبحانه وتعالى بقي معه ، وإن أردت أن

ص: 164

تَكُونَ مُتَوَكِّلاً لاَ مُتَعَلِّلاً فَكَبِّرْ عَلَى رُوحِكَ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ وَ وَدِّعْ أَمَانِيَّكَ كُلَّهَا تَوْدِيعَ الْمَوْتِ لِلْحَيَاةِ وَ لَيْسَ أَدْنَى حَدِّ التَّوَكُّلِ إِلاَّ تَسَابُقَ مَقْدُومِكَ بِالْهِمَّةِ وَ لاَ تُطَالِعْ مَقْسُومَكَ وَ لاَ تَسْتَشْرِفْ مَعْدُومَكَ فَتَنْتَقِضُ بِأَحَدِهَا عَقْدَ إِيمَانِكَ وَ أَنْتَ لاَ تَشْعُرُ وَ إِنْ عَزَمْتَ أَنْ تَقِفَ عَلَى بَعْضِ شِعَارِ الْمُتَوَكِّلِينَ فِي تَوَكُّلِهِ مِنْ إِثْبَاتِ أَحَدِ الْإِيثَارَيْنِ حَقّاً فَاعْتَصِمْ بِعُرْوَةِ هَذِهِ الْحِكَايَةِ وَ هِيَ أَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ بَعْضَ الْمُتَوَكِّلِينَ قَدِمَ عَلَى بَعْضِ اَلْأَئِمَّةِ علیهم السلام فَقَالَ لَهُ اعْطِفْ عَلَيَّ بِجَوَابِ مَسْأَلَةٍ فِي التَّوَكُّلِ وَ الْإِمَامُ علیه السلام كَانَ يَعْرِفُ الرَّجُلَ بِحُسْنِ التَّوَكُّلِ وَ نَفِيسِ الْوَرَعِ وَ أَشْرَفَ عَلَى صِدْقِهِ فِيمَا سَأَلَ عَنْهُ مِنْ قَبْلِ إِبْدَائِهِ إِيَّاهُ فَقَالَ لَهُ قِفْ مَكَانَكَ وَ أَنْظِرْنِي سَاعَةً فَبَيْنَمَا هُوَ مُطْرِقٌ لِجَوَابِهِ إِذَا اجْتَازَ بِهِمَا فَقِيرٌ فَأَدْخَلَ الْإِمَامُ علیه السلام يَدَهُ فِي جَيْبِهِ وَ أَخْرَجَ شَيْئاً فَنَاوَلَهُ الْفَقِيرَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى السَّائِلِ فَقَالَ لَهُ هَاتِ وَ سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ فَقَالَ السَّائِلُ أَيُّهَا الْإِمَامُ كُنْتُ أَعْرِفُكَ قَادِراً مُتَمَكِّناً مِنْ جَوَابِ مَسْأَلَتِي

ص: 165

قَبْلَ أَنْ تَسْتَنْظِرَنِي فَمَا شَأْنُكَ فِي إِبْطَائِكَ عَنِّي فَقَالَ الْإِمَامُ ع لِتَعْتَبِرَ الْمَعْنَى قَبْلَ كَلاَمِي إِذَا لَمْ أَكُنْ أَرَانِي سَاهِياً بِسِرِّي وَ رَبِّي مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ أَنْ أَتَكَلَّمَ بِعِلْمِ التَّوَكُّلِ وَ فِي جَيْبِي دَانِقٌ ثُمَّ لَمْ يَحِلَّ لِي ذَلِكَ إِلاَّ بَعْدَ إِيثَارِهِ فَافْهَمْ فَشَهِقَ السَّائِلُ شَهْقَةً وَ حَلَفَ أَلاَّ يَأْوِيَ عُمْرَاناً وَ لاَ يَأْنَسَ بِبَشَرٍ مَا عَاشَ .

ص: 166

الباب التاسع و السبعون في تبجيل الإخوان

قال الصادق علیه السلام : مصافحة إخوان الدين أصلها من محبة الله لهم .

قال رسول الله صلی الله علیه و اله : ما تصافح إخوان في الله إلا تناثرت ذنوبها حتى يعودان كيوم ولدتها أمهما ولاكثر حبهما وتبجيلهما كل واحد لصاحبه إلا كان له مزيد والواجب على أعلمهما بدين الله أن يريد صاحبه في فنون الفرائد التي ألزمه الله بها ويرشده إلى الاستقامة والرضا والقناعة ، ويبشر برحمة الله ويخوفه من عذاب_____ه ، وعلى الاخوان يتبارك باهتدائه ويمسك ما يدعوه إليه ، ويعظه به

ص: 167

وَ يَسْتَدِلَّ بِمَا يَدُلُّهُ إِلَيْهِ مُعْتَصِماً بِاللَّهِ وَ مُسْتَعِيناً بِهِ لِتَوْفِيقِهِ عَلَى ذَلِكَ قِيلَ لِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ علیهما السلام كَيْفَ أَصْبَحْتَ قَالَ لاَ أَمْلِكُ نَفْعَ مَا أَرْجُو وَ لاَ أَسْتَطِيعُ دَفْعَ مَا أَحْذَرُ مَأْمُوراً بِالطَّاعَةِ وَ مَنْهِيّاً عَنِ الْمَعْصِيَةِ فَلاَ أَرَى فَقِيراً أَفْقَرَ مِنِّي وَ قِيلَ لِأُوَيْسٍ الْقَرَنِيِّ كَيْفَ أَصْبَحْتَ قَالَ كَيْفَ يُصْبِحُ رَجُلٌ إِذَا أَصْبَحَ لاَ يَدْرِي أَ يُمْسِي وَ إِذَا أَمْسَى لاَ يَدْرِي أَ يُصْبِحُ قَالَ أَبُو ذَرٍّ ره أَصْبَحْتُ أَشْكُرُ رَبِّي وَ أَشْكُرُ نَفْسِي قَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه و اله مَنْ أَصْبَحَ وَ هِمَّتُهُ غَيْرُ اللَّهِ فَقَدْ أَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ الْمُعْتَدِينَ.

ص: 168

الباب الثمانون في الجهاد و الرياضة

قال الصادق علیه السلام : طوبى لعبد جاهد الله نفسه وهواه ، ومن هزم حينئذ هواه ظفر برضى الله ، ومن جاوز عقله نفسه الأمارة بالسوء بالجهد والاستكانة والخضوع على بساط خدمة الله تعالى، فقد فاز فوزاً عظيماً ولا حجاب أظلم وأوحش بين العبد وب_____ين الله تعالى من النفس والهوى ، وليس لقتلهما وقطعها سلاح وآلة مثل الافتقار إلى الله سبحانه ، والخشوع والجوع والظماء بالنهار، والسهر بالليل ، فإن مات صاحبه مات شهيداً ، وإن عاش واستقام أداه عاقبته إلى الرضوان الأكبر .

ص: 169

قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ - وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَ إِنَّ اللّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ وَ إِذَا رَأَيْتَ مُجْتَهِداً أَبْلَغَ مِنْكَ فِي الاِجْتِهَادِ فَوَبِّخْ نَفْسَكَ وَ لُمْهَا وَ عَيِّرْهَا تَحْثِيثاً عَلَى الاِزْدِيَادِ عَلَيْهِ وَ اجْعَلْ لَهَا زِمَاماً مِنَ الْأَمْرِ وَ عِنَاناً مِنَ النَّهْيِ وَ سُقْهَا كَالرَّائِضِ الْفَارِهِ الَّذِي لاَ يَذْهَبُ عَلَيْهِ خُطْوَةٌ مِنْ خُطُوَاتِهَا إِلاَّ وَ قَدْ صَحَّحَ أَوَّلَهَا وَ آخِرَهَا وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و اله يُصَلِّي حَتَّى يَتَوَرَّمَ قَدَمَاهُ وَ يَقُولُ أَ فَلاَ أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً أَرَادَ صلی الله علیه و اله أَنْ يَعْتَبِرَ بِهِ أُمَّتُهُ فَلاَ يَغْفُلُوا عَنِ الاِجْتِهَادِ وَ التَّعَبِ وَ الرِّيَاضَةِ بِحَالٍ أَلاَ وَ إِنَّكَ لَوْ وَجَدْتَ حَلاَوَةَ عِبَادَةِ اللَّهِ وَ رَأَيْتَ بَرَكَاتِهَا وَ اسْتَضَأْتَ بِنُورِهَا لَمْ تَصْبِرْ عَنْهَا سَاعَةً وَاحِدَةً وَ لَوْ قُطِعْتَ إِرْباً إِرْباً فَمَا أَعْرَضَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْهَا إِلاَّ بِحِرْمَانِ فَوَائِدِ السَّلَفِ مِنَ الْعِصْمَةِ وَ التَّوْفِيقِ قِيلَ لِرَبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ مَا لَكَ لاَ تَنَامُ بِاللَّيْلِ قَالَ لِأَنِّي أَخَافُ الْبَيَاتَ .

ص: 170

الباب الواحد و الثمانون في ذكر الموت

قال الصادق علیه السلام : ذكر الموت يميت الشهوات في النفس ويقطع منابت الغفلة ويقوي القلب بمواعد الله ، ويرق الطبع ويكسر اعلام الهوى ويطفي نار الحرص ويحقر الدنيا ، وهو معنى ما قال النبي صلی الله علیه و اله: فكر ساعة خير من عبادة سنة ، وذلك عند ما تحل أطناب خيام الدنيا و تشدها بالآخرة ، ولا يسكن نزول الرحمة عند ذكر الموت بهذه الصفة، ومن لا يعتبر بالموت وقلة حيلته وكثرة عجزه وطول مقامه في القبر وتحيّره في القيامة، فلا خير فيه. قال النبي صلی الله علیه و اله : اذكروا هادم اللذات ، قيل : وما

ص: 171

هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ صلی الله علیه و اله فَقَالَ صلی الله علیه و اله الْمَوْتُ فَمَا ذَكَرَهُ عَبْدٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ فِي سَعَةٍ إِلاَّ ضَاقَتْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا وَ لاَ فِي شِدَّةٍ إِلاَّ اتَّسَعَتْ عَلَيْهِ وَ الْمَوْتُ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ وَ آخِرُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الدُّنْيَا فَطُوبَى لِمَنْ أُكْرِمَ عِنْدَ النُّزُولِ بِأَوَّلِهَا وَ طُوبَى لِمَنْ أُحْسِنَ مُشَايَعَتُهُ فِي آخِرِهَا وَ الْمَوْتُ أَقْرَبُ الْأَشْيَاءِ مِنْ بَنِي آدَمَ وَ هُوَ يَعُدُّهُ أَبْعَدَ فَمَا أَجْرَأَ الْإِنْسَانَ عَلَى نَفْسِهِ وَ مَا أَضْعَفَهُ مِنْ خَلْقٍ وَ فِي الْمَوْتِ نَجَاةُ الْمُخْلِصِينَ وَ هَلاَكُ الْمُجْرِمِينَ وَ لِذَلِكَ اشْتَاقَ مَنِ اشْتَاقَ إِلَى الْمَوْتِ وَ كَرِهَ مَنْ كَرِهَ قَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه و اله مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَ مَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ.

ص: 172

الباب الثاني و الثمانون في حسن الظن

قال الصادق علیه السلام: حسن الظن أصله من حسن إيمان المرء وسلامة صدره ، وعلامته أن يرى كلما نظر إليه بعين الطهارة والفضل من حيث ركب فيه وقذف في قلبه من الحياء والأمانة والصيانة والصدق .

قال النبي صلی الله علیه و اله: أحسنوا ظنونكم بإخوانكم تغتنموا بها صفاء القلب وإثاء الطبع.

وقال أبي بن كعب : إذا رأيتم أحد إخوانكم في خصلة تستنكرونها منه ، فتأولوها بسبعين تأويلاً ، فإن اطمأنت قلوبكم على أحدها وإلا فلوموا أنفسكم حيث

ص: 173

حَيْثُ لَمْ تَعْذِرُوهُ فِي خَصْلَةٍ يَسْتُرُهَا عَلَيْهِ سبعين [سَبْعُونَ] تَأْوِيلاً فَأَنْتُمْ أَوْلَى بِالْإِنْكَارِ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مِنْهُ أَوْحَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى إِلَى دَاوُدَ علیه السلام ذَكِّرْ عِبَادِي مِنْ آلاَئِي وَ نَعْمَائِي فَإِنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا مِنِّي إِلاَّ الْحَسَنَ الْجَمِيلَ لِئَلاَّ يَظُنُّوا فِي الْبَاقِي إِلاَّ مِثْلَ الَّذِي سَلَفَ مِنِّي إِلَيْهِمْ وَ حُسْنُ الظَّنِّ يَدْعُو إِلَى حُسْنِ الْعِبَادَةِ وَ الْمَغْرُورُ يَتَمَادَى فِي الْمَعْصِيَةِ وَ يَتَمَنَّى الْمَغْفِرَةَ وَ لاَ يَكُونُ مُحْسِنُ الظَّنِّ فِي خَلْقِ اللَّهِ إِلاَّ الْمُطِيعَ لَهُ يَرْجُو ثَوَابَهُ وَ يَخَافُ عِقَابَهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و اله يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ أَنَا عِنْدَ حُسْنِ ظَنِّ عَبْدِي بِي يَا مُحَمَّدُ صلی الله علیه و اله فَمَنْ زَاغَ عَنْ وَفَاءِ حَقِيقَةِ مُوجِبَاتِ ظَنِّهِ بِرَبِّهِ فَقَدْ أَعْظَمَ الْحُجَّةَ عَلَى نَفْسِهِ وَ كَانَ مِنَ الْمَخْدُوعِينَ فِي أَسْرِ هَوَاهُ .

ص: 174

الباب الثالث و الثمانون في التفويض

قال الصادق علیه السلام: المفوض أمره إلى الله في راحة الأبد والعيش الدائم الرغد، والمفوض حقاً هو العالي عن كل همة دون الله تعالى كما قال أمير المؤمنين علیه السلام :

رضيت بما قسم الله لي

وفوضت أمري إلى خالقي

كما أحسن الله مما مضى

كذلك يحسن فيما بقى

وقال الله عز وجل في مؤمن آل فرعون : ( وأفوض أمري إلى الله ، إن الله بصير بالعباد فوقاه الله سيئات ما مَكَرُوا وحاق بآل فرعون سوء العذاب). والتفويض خمسة أحرف : لكل حرف منها حكم ، فمن

ص: 175

أَتَى بِأَحْكَامِهِ فَقَدْ أَتَى بِهِ التَّاءُ مِنْ تَرْكِهِ التَّدْبِيرَ فِي الدُّنْيَا وَ الْفَاءُ مِنْ فَنَاءِ كُلِّ هِمَّةٍ غَيْرِ اللَّهِ وَ الْوَاوُ مِنْ وَفَاءِ الْعَهْدِ وَ تَصْدِيقِ الْوَعْدِ وَ الْيَاءُ الْيَأْسُ مِنْ نَفْسِكَ وَ الْيَقِينُ بِرَبِّكَ وَ الضَّادُ مِنَ الضَّمِيرِ الصَّافِي لِلَّهِ وَ الضَّرُورَةِ إِلَيْهِ وَ الْمُفَوِّضُ لاَ يُصْبِحُ إِلاَّ سَالِماً مِنْ جَمِيعِ الْآفَاتِ وَ لاَ يُمْسِي إِلاَّ مُعَافًى بِدِينِهِ.

ص: 176

الباب الرابع و الثمانون في اليقين

قال الصادق علیه السلام: اليقين يوصل العبد إلى كل حال سني ومقام عجيب ، كذلك أخبر رسول الله صلی الله علیه و اله : عن عظم شأن اليقين حين ذكر عنده أن عيسى علیه السلام كان يمشي على الماء .

فقال علیه السلام : لو زاد يقينه لمشى على الهواء، فدل بهذا على أن الأنبياء مع جلالة محلهم من الله ، كانت يتفاضل على حقيقة اليقين لا غير ولا نهاية بزيادة اليقين على الأبد ، والمؤمنون أيضاً متفاوتون في قوة اليقين وضعفه ، فمن قوى منهم يقينه فعلامته التبري من الحول والقوة إلا بالله

ص: 177

وَ الاِسْتِقَامَةُ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ وَ عِبَادَتِهِ ظَاهِراً وَ بَاطِناً قَدِ اسْتَوَتْ عِنْدَهُ حَالَتَا الْعَدَمِ وَ الْوُجُودِ وَ الزِّيَادَةِ وَ النُّقْصَانِ وَ الْمَدْحِ وَ الذَّمِّ وَ الْعِزِّ وَ الذُّلِّ لِأَنَّهُ يَرَى كُلَّهَا مِنْ عَيْنٍ وَاحِدَةٍ وَ مَنْ ضَعُفَ يَقِينُهُ تَعَلَّقَ بِالْأَسْبَابِ وَ رَخَّصَ لِنَفْسِهِ بِذَلِكَ وَ اتَّبَعَ الْعَادَاتِ وَ أَقَاوِيلَ النَّاسِ بِغَيْرِ حَقِيقَةٍ وَ السَّعْيَ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا وَ جَمْعِهَا وَ إِمْسَاكِهَا مُقِرّاً بِاللِّسَانِ أَنَّهُ لاَ مَانِعَ وَ لاَ مُعْطِيَ إِلاَّ اللَّهُ وَ أَنَّ الْعَبْدَ لاَ يُصِيبُ إِلاَّ مَا رُزِقَ وَ قُسِمَ لَهُ وَ الْجَهْدَ لاَ يَزِيدُ فِي الرِّزْقِ وَ يُنْكِرُ ذَلِكَ بِفِعْلِهِ وَ قَلْبِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَ اللّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ وَ إِنَّمَا عَطَفَ اللَّهُ تَعَالَى لِعِبَادِهِ حَيْثُ أَذِنَ لَهُمْ فِي الْكَسْبِ وَ الْحَرَكَاتِ فِي بَابِ الْعَيْشِ مَا لَمْ يتعد [يَتَعَدَّوْا] حُدُودَ اللَّهِ وَ لَمْ يَتْرُكُوا فَرَائِضَهُ وَ سُنَنَ نَبِيِّهِ فِي جَمِيعِ حَرَكَاتِهِمْ وَ لاَ يَعْدِلُوا عَنْ مَحَجَّةِ التَّوَكُّلِ وَ لاَ يَقِفُوا فِي مَيْدَانِ الْحِرْصِ فَأَمَّا إِذَا نَسُوا ذَلِكَ وَ ارْتَبَطُوا بِخِلاَفِ مَا حَدَّ لَهُمْ كَانُوا مِنَ الْهَالِكِينَ الَّذِينَ

ص: 178

لَيْسَ مَعَهُمْ فِي الْحَاصِلِ إِلاَّ الدَّعَاوِي الْكَاذِبَةُ وَ كُلُّ مُكْتَسِبٍ لاَ يَكُونُ مُتَوَكِّلاً فَلاَ يَسْتَجْلِبُ مِنْ كَسْبِهِ إِلَى نَفْسِهِ إِلاَّ حَرَاماً وَ شُبْهَةً وَ عَلاَمَتُهُ أَنْ يُؤْثِرَ مَا يَحْصُلُ مِنْ كَسْبِهِ وَ يَجُوعَ وَ يُنْفِقَ فِي سَبِيلِ الدُّنْيَا وَ لاَ يُمْسِكَ وَ الْمَأْذُونُ بِالْكَسْبِ مَنْ كَانَ بِنَفْسِهِ مُكْتَسِباً وَ بِقَلْبِهِ مُتَوَكِّلاً وَ إِنْ كَثُرَ الْمَالُ عِنْدَهُ قَامَ فِيهِ كَالْأَمِينِ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَالُ وَ فَوْتُهُ سَوَاءً وَ إِنْ أَمْسَكَ أَمْسَكَ لِلَّهِ وَ إِنْ أَنْفَقَ أَنْفَقَ فِيمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ يَكُونُ مَنْعُهُ وَ إِعْطَاؤُهُ فِي اللَّهِ تَعَالَى.

ص: 179

الباب الخامس و الثمانون في الخوف و الرجاء

قال الصادق علیه السلام : الخوف رقيب القلب ، والرجاء شفيع النفس، ومن كان بالله عارفاً، كان من الله خائفاً وإليه راجياً ، وهما جناحا الإيمان يطير بهما العبد المحقق إلى رضوان الله ، وعينا عقله يبصر بهما إلى وعد الله تعالى ووعيده والخوف طالع عدل الله باتقاء وعيده ، والرجاء داعي فضل الله وهو يحيي القلب والخوف يميت النفس . قال رسول الله صلی الله علیه و اله: المؤمن بين خوفين : خوف ما مضى ، وخوف ما بقى ، وبموت النفس يكون حياة القلب ، وبحياة القلب البلوغ إلى الاستقامة ، ومن عبد الله

ص: 180

تَعَالَى عَلَى مِيزَانِ الْخَوْفِ وَ الرَّجَاءِ لاَ يَضِلُّ وَ يَصِلُ إِلَى مَأْمُولِهِ وَ كَيْفَ لاَ يَخَافُ الْعَبْدُ وَ هُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِمَا يُخْتَمُ صَحِيفَتُهُ وَ لاَ لَهُ عَمَلٌ يَتَوَسَّلُ بِهِ اسْتِحْقَاقاً وَ لاَ قُدْرَةَ لَهُ عَلَى شَيْ ءٍ وَ لاَ مَفَرَّ وَ كَيْفَ لاَ يَرْجُو وَ هُوَ يَعْرِفُ نَفْسَهُ بِالْعَجْزِ وَ هُوَ غَرِيقٌ فِي بَحْرِ آلاَءِ اللَّهِ وَ نَعْمَائِهِ مِنْ حَيْثُ لاَ تُحْصَى وَ لاَ تُعَدُّ وَ الْمُحِبُّ يَعْبُدُ رَبَّهُ عَلَى الرَّجَاءِ بِمُشَاهَدَةِ أَحْوَالِهِ بِعَيْنِ سَهَرٍ وَ الزَّاهِدُ يَعْبُدُ عَلَى الْخَوْفِ قَالَ أُوَيْسٌ لِهَرِمِ بْنِ حَيَّانَ قَدْ عَمِلَ النَّاسُ عَلَى الرَّجَاءِ فَقَالَ بَلْ تَعْمَلُ عَلَى الْخَوْفِ وَ الْخَوْفُ خَوْفَانِ ثَابِتٌ وَ مُعَارِضٌ فَالثَّابِتُ مِنَ الْخَوْفِ يُورِثُ الرَّجَاءَ وَ الْمُعَارِضُ مِنْهُ يُورِثُ خَوْفاً ثَابِتاً وَ الرَّجَاءُ رَجَاءَ انِ مِنْهُ عَاكِفٌ وَ بَادٍ فَالْعَاكِفُ مِنْهُ يُورِثُ خَوْفاً ثَابِتاً يُقَوِّي نِسْبَةَ الْمَحَبَّةِ وَ الْبَادِي مِنْهُ يَصِحُّ أَمَلُ الْعَجْزِ وَ التَّقْصِيرِ وَ الْحَيَاةِ .

ص: 181

الباب السادس و الثمانون في الرضا

قَالَ اَلصَّادِقُ علیه السلام: صِفَةُ الرِّضَا أَنْ يَرْضَى الْمَحْبُوبَ وَ الْمَكْرُوهَ وَ الرِّضَا شُعَاعُ نُورِ الْمَعْرِفَةِ وَ الرَّاضِي فَانٍ عَنْ جَمِيعِ اخْتِيَارِهِ وَ الرَّاضِي حَقِيقَةً هُوَ الْمَرْضِيُّ عَنْهُ وَ الرِّضَا اسْمٌ يَجْتَمِعُ فِيهِ مَعَانِي الْعُبُودِيَّةِ وَ تَفْسِيرُ الرِّضَا سُرُورُ الْقَلْبِ سَمِعْتُ أَبِي مُحَمَّداً الْبَاقِرَ علیه السلام يَقُولُ تَعَلُّقُ الْقَلْبِ بِالْمَوْجُودِ شِرْكٌ وَ بِالْمَفْقُودِ كُفْرٌ وَ هُمَا جَنَاحَانِ مِنْ سُنَّةٍ وَ أَعْجَبُ مِمَّنْ يَدَّعِي الْعُبُودِيَّةَ لِلَّهِ كَيْفَ يُنَازِعُهُ فِي مَقْدُورَاتِهِ حَاشَا الرَّاضِينَ الْعَارِفِينَ عَنْ ذَلِكَ.

ص: 182

الباب السابع و الثمانون في البلاء

قال الصادق علیه السلام : البلاء زين للمؤمن وكرامة لمن عقل لأن في مباشرته الصبر عليه ، والثبات عنده تصحيح نسبة الإيمان .

قال النبي صلی الله علیه و اله : نحن معاشر الأنبياء أشد الناس بلاء والمؤمنون الأمثل فالأمثل ، ومن ذاق طعم البلاء تحت سر حفظ الله له تلذذ به أكثر من تلذذه بالنعمة ، واشتاق إليه إذا فقده ، لأن تحت ميزان البلاء والمحنة أنوار النعمة ، وتحت أنوار النعمة ميزان البلاء والمحنة ، وقد ينجو من البلاء ويهلك في النعمة كثير ، وما أثنى الله على عبد من

ص: 183

عِبَادِهِ مِنْ لَدُنْ آدَمَ علیه السلام إِلَى مُحَمَّدٍ صلی الله علیه و اله إِلاَّ بَعْدَ ابْتِلاَئِهِ وَ وَفَاءِ حَقِّ الْعُبُودِيَّةِ فِيهِ فَكَرَامَاتُ اللَّهِ فِي الْحَقِيقَةِ نِهَايَاتٌ بِدَايَاتُهَا الْبَلاَءُ وَ بِدَايَاتٌ نِهَايَاتُهَا الْبَلاَءُ وَ مَنْ خَرَجَ مِنْ سِكَّةِ الْبَلْوَى جُعِلَ سِرَاجَ الْمُؤْمِنِينَ وَ مُونِسَ الْمُقَرَّبِينَ وَ دَلِيلَ الْقَاصِدِينَ وَ لاَ خَيْرَ فِي عَبْدٍ شَكَا مِنْ مِحْنَةٍ تَقَدَّمَهَا آلاَفُ نِعْمَةٍ وَ اتَّبَعَهَا آلاَفُ رَاحَةٍ وَ مَنْ لاَ يَقْضِي حَقَّ الصَّبْرِ فِي الْبَلاَءِ حُرِمَ قَضَاءَ الشُّكْرِ فِي النَّعْمَاءِ كَذَلِكَ مَنْ لاَ يُؤَدِّي حَقَّ الشُّكْرِ فِي النَّعْمَاءِ يُحْرَمُ عَنْ قَضَاءِ الصَّبْرِ فِي الْبَلاَءِ وَ مَنْ حُرِمَهُمَا فَهُوَ مِنَ الْمَطْرُودِينَ وَ قَالَ أَيُّوبُ علیه السلام فِي دُعَائِهِ اللَّهُمَّ قَدْ أَتَى عَلَيَّ سَبْعُونَ فِي الرَّاحَةِ وَ الرَّخَاءِ حَتَّى تَأْتِيَ عَلَيَّ سَبْعُونَ فِي الْبَلاَءِ وَ قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ الْبَلاَءُ لِلْمُؤْمِنِ كَالشِّكَالِ لِلدَّابَّةِ وَ الْعِقَالِ لِلْإِبِلِ وَ قَالَ عَلِيٌّ علیه السلام الصَّبْرُ مِنَ الْإِيمَانِ كَالرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ وَ رَأْسُ الصَّبْرِ الْبَلاَءُ وَ مَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَامِلُونَ.

ص: 184

الباب الثامن و الثمانون في الصبر

قال الصادق علیه السلام : الصبر يظهر ما في بواطن العباد من النور والصفاء ، والجزع يظهر ما في بواطنهم من الظلمة والوحشة ، والصبر يدعيه كل أحد ، وما يثبت عنده إلا المخبتون ، والجزع بنكره كل أحد وهو أبين على المنافقين لان نزول المحنة والمصيبة مخبر عن الصادق والكاذب، وتفسير مذاقه ، وما كان عن اضطراب لا يسمى الصبر ما يستمر صبراً ، وتفسير الجزع اضطراب القلب وتحزن الشخص وتغير اللون وتغير الحال ، وكل نازلة خلت أوائلها من الأخبات والانابة والتضرع إلى الله فصاحبها جزوع غير

ص: 185

صَابِرٍ وَ الصَّبْرُ مَا أَوَّلُهُ مُرٌّ وَ آخِرُهُ حُلْوٌ لِقَوْمٍ وَ لِقَوْمٍ مُرٌّ أَوَّلُهُ وَ آخِرُهُ فَمَنْ دَخَلَهُ مِنْ أَوَاخِرِهِ فَقَدْ دَخَلَ وَ مَنْ دَخَلَهُ مِنْ أَوَائِلِهِ فَقَدْ خَرَجَ وَ مَنْ عَرَفَ قَدْرَ الصَّبْرِ لاَ يَصْبِرُ عَمَّا مِنْهُ الصَّبْرُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ علیهما السلام وَ خَضِرٍ وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً فَمَنْ صَبَرَ كُرْهاً وَ لَمْ يَشْكُ إِلَى الْخَلْقِ وَ لَمْ يَجْزَعْ بِهَتْكِ سِتْرِهِ فَهُوَ مِنَ الْعَامِّ وَ نَصِيبُهُ مَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ بَشِّرِ الصّابِرِينَ أَيْ بِالْجَنَّةِ وَ الْمَغْفِرَةِ وَ مَنِ اسْتَقْبَلَ الْبَلاَءَ بِالرُّحْبِ وَ صَبَرَ عَلَى سَكِينَةٍ وَ وَقَارٍ فَهُوَ مِنَ الْخَاصِّ وَ نَصِيبُهُ مَا قَالَ تَعَالَى إِنَّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ .

ص: 186

الباب التاسع و الثمانون في الحزن

قال الصادق علیه السلام : الحزن من شعار العارفين لكثرة مواردات الغيب على سرائرهم وطول مباهاتهم تحت ستر الكبرياء ، والمحزون ظاهره قبض وباطنه بسط يعيش مع الخلق عيش المرضى ، ومع الله عيش القربي ، والمحزون غير المتفكّر، لأن المتفكر متكلف، والمحزون مطبوع والحزن يبدو من الباطن ، والتفكر يبدو من رؤية المحدثات وبينهما فرق .

قال الله تعالى في قصة يعقوب علیه السلام الامة : ( إنما أَشكُو بتي وحزني إلى الله وَاعلَمُ مَا لا تَعَلَّمُون) . فبسبب ما

ص: 187

تَحْتَ الْحُزْنِ عِلْمٌ خُصَّ بِهِ مِنَ اللَّهِ دُونَ الْعَالَمِينَ قِيلَ لِرَبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ مَا لَكَ مَحْزُونٌ قَالَ لِأَنِّي مَطْلُوبٌ وَ يَمِينُ الْحُزْنِ الاِنْكِسَارُ وَ شِمَالُهُ الصَّمْتُ وَ الْحُزْنُ يَخْتَصُّ بِهِ الْعَارِفُونَ لِلَّهِ وَ التَّفَكُّرُ يَشْتَرِكُ فِيهِ الْخَاصُّ وَ الْعَامُّ وَ لَوْ حُجِبَ الْحُزْنُ عَنْ قُلُوبِ الْعَارِفِينَ سَاعَةً لاَسْتَغَاثُوا وَ لَوْ وُضِعَ فِي قُلُوبِ غَيْرِهِمْ لاَسْتَنْكَرُوهُ فَالْحُزْنُ أَوَّلٌ ثَانِيهِ الْأَمْنُ وَ الْبِشَارَةُ وَ التَّفَكُّرُ ثَانٍ أَوَّلُهُ تَصْحِيحُ الْإِيمَانِ وَ ثَالِثُهُ الاِفْتِقَارُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ بِطَلَبِ النَّجَاةِ وَ الْحَزِينُ مُتَفَكِّرٌ وَ الْمُتَفَكِّرُ مُعْتَبِرٌ وَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَالٌ وَ عِلْمٌ وَ طَرِيقٌ وَ حِلْمٌ وَ شَرَفٌ.

ص: 188

الباب التسعون في الحياء

قال الصادق علیه السلام : الحياء نور جوهره صدر الإيمان وتفسيره التثبت عند كل شيء ينكره التوحيد والمعرفة . قال النبي صلی الله علیه و اله: الحياء من الايمان ، فيقبل الحياء بالايمان ، والايمان بالحياء ، وصاحب الحياء خير كله ، ومن حرم الحياء فهو شر كله ، وإن تعبد وتورع ، وإن خطوة يتخطاه في ساحات هيبة الله بالحياء منه إليه خير له من عبادة سبعين سنة ، والوقاحة صدر النفاق والشقاق والكفر.

قال رسول الله صلی الله علیه و اله : إذا لم تستح فاعمل ما شئت أي إذا فارقت الحياء ، فكل ما عملت من خير وشر فأنت

ص: 189

بِهِ مُعَاقَبٌ وَ قُوَّةُ الْحَيَاءِ مِنَ الْحُزْنِ وَ الْخَوْفِ وَ الْحَيَاءُ مَسْكَنُ الْخَشْيَةِ وَ الْحَيَاءُ أَوَّلُهُ الْهَيْبَةُ وَ آخِرُهُ الرُّؤْيَةُ وَ صَاحِبُ الْحَيَاءِ مُشْتَغِلٌ بِشَأْنِهِ مُعْتَزِلٌ مِنَ النَّاسِ مُزْدَجِرٌ عَمَّا هُمْ فِيهِ وَ لَوْ تَرَكُوا صَاحِبَ الْحَيَاءِ مَا جَالَسَ أَحَداً قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و اله إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْراً أَلْهَاهُ عَنْ مَحَاسِنِهِ وَ جَعَلَ مَسَاوِيهِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَ كَرَّهَهُ مُجَالَسَةَ الْمُعْرِضِينَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَ الْحَيَاءُ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ حَيَاءُ ذَنْبٍ وَ حَيَاءُ تَقْصِيرٍ وَ حَيَاءُ كَرَامَةٍ وَ حَيَاءُ حُبٍّ وَ حَيَاءُ هَيْبَةٍ وَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ أَهْلٌ وَ لِأَهْلِهِ مَرْتَبَةٌ عَلَى حِدَةٍ.

ص: 190

الباب الواحد و التسعون في المعرفة

قَالَ اَلصَّادِقُ علیه السلام: الْعَارِفُ شَخْصُهُ مَعَ الْخَلْقِ وَ قَلْبُهُ مَعَ اللَّهِ لَوْ سَهَا قَلْبُهُ عَنِ اللَّهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ لَمَاتَ شَوْقاً إِلَيْهِ وَ الْعَارِفُ أَمِينُ وَدَائِعِ اللَّهِ وَ كَنْزُ أَسْرَارِهِ وَ مَعْدِنُ أَنْوَارِهِ وَ دَلِيلُ رَحْمَتِهِ عَلَى خَلْقِهِ وَ مَطِيَّةُ عُلُومِهِ وَ مِيزَانُ فَضْلِهِ وَ عَدْلِهِ قَدْ غَنِيَ عَنِ الْخَلْقِ وَ الْمُرَادِ وَ الدُّنْيَا وَ لاَ مُونِسَ لَهُ سِوَى اللَّهِ وَ لاَ نُطْقَ وَ لاَ إِشَارَةَ وَ لاَ نَفَسَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَ لِلَّهِ وَ مِنَ اللَّهِ وَ مَعَ اللَّهِ فَهُوَ فِي رِيَاضِ قُدْسِهِ مُتَرَدِّدٌ وَ مِنْ لَطَائِفِ فَضْلِهِ مُتَزَوِّدٌ وَ الْمَعْرِفَةُ أَصْلٌ فَرْعُهُ الْإِيمَانُ.

ص: 191

الباب الثاني و التسعون في حب اللّه

قال الصادق علیه السلام : حب الله إذا أضاع على سر عبده أخلاه عن كل شاغل وكل ذكر سوى الله ، والمحب أخلص الناس سراً لله وأصدقهم قولاً وأوفاهم عهداً وأذكاهم عملاً وأصفاهم ذكراً وأعبدهم نفساً تتباهى الملائكة عند مناجاته وتفتخر برؤيته ، وبه يعمر الله تعالى بلاده و بكرامته يكرم الله عباده يعطيهم إذا سألوه بحقه، ويدفع عنهم البلايا برحمته ولو علم الخلق ما محله عند الله ، ومنزلته

لديه ما تقربوا إلى الله إلا بتراب قدميه .

وقال أمير المؤمنين علیه السلام : حب الله نار لا يمر على

ص: 192

شَيْ ءٍ إِلاَّ احْتَرَقَ وَ نُورُ اللَّهِ لاَ يَطْلُعُ عَلَى شَيْ ءٍ إِلاَّ أَضَاءَ وَ سَمَاءُ اللَّهِ مَا ظَهَرَ مِنْ سَحَابٍ تَحْتَهُ من [زائد] شَيْ ءٌ إِلاَّ غَطَّاهُ وَ رِيحُ اللَّهِ مَا تَهُبُّ فِي شَيْ ءٍ إِلاَّ حَرَّكَتْهُ وَ مَاءُ اللَّهِ يَحْيَا بِهِ كُلُّ شَيْ ءٍ وَ أَرْضُ اللَّهِ يَنْبُتُ مِنْهَا كُلُّ شَيْ ءٍ فَمَنْ أَحَبَّ اللَّهَ أَعْطَاهُ كُلَّ شَيْ ءٍ مِنَ الْمُلْكِ وَ الْمِلْكِ قَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه و اله إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْداً مِنْ أُمَّتِي قَذَفَ فِي قُلُوبِ أَصْفِيَائِهِ وَ أَرْوَاحِ مَلاَئِكَتِهِ وَ سُكَّانِ عَرْشِهِ مَحَبَّتَهُ لِيُحِبُّوهُ فَذَلِكَ الْمُحِبُّ حَقّاً طُوبَى لَهُ ثُمَّ طُوبَى لَهُ وَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ شَفَاعَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

ص: 193

الباب الثالث و التسعون في الحب لله

قال الصادق علیه السلام : المحب في الله، محب الله، والمحبوب الام في الله ، حبيب الله لأنهما لا يتحابان إلا في الله .

قال رسول الله صلی الله علیه و اله : المرء مع من أحب ، فمن أحب عبداً في الله ، فإنما أحب الله تعالى ، ولا يحب الله تعالى إلا من أحبه الله .

قال رسول الله صلی الله علیه و اله : أفضل الناس بعد النبيين في الدنيا والآخرة لله المتحابون فيه ، وكل حب معلول يورث فيه عداوة إلا هذين وهما من عين واحدة يزيدان أبداً ولا ينقصان أبداً .

ص: 194

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى - اَلْأَخِلاّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ لِأَنَّ أَصْلَ الْحُبِّ التَّبَرِّي عَنْ سِوَى الْمَحْبُوبِ وَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام إِنَّ أَطْيَبَ شَيْ ءٍ فِي اَلْجَنَّةِ وَ أَلَذَّهُ حُبُّ اللَّهِ وَ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ - وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ وَ ذَلِكَ أَنَّهُمْ إِذَا عَايَنُوا مَا فِي اَلْجَنَّةِ مِنَ النَّعِيمِ هَاجَتِ الْمَحَبَّةُ فِي قُلُوبِهِمْ فَيُنَادُونَ عِنْدَ ذَلِكَ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

ص: 195

الباب الرابع و التسعون في الشوق

قال الصادق علیه السلام : المشتاق لا يشتهي طعاماً ولا يلتذ شراباً ولا يستطيب وقاداً ولا يأنس حميماً ولا يأوي داراً ولا يسكن عمراناً ولا يلبس ثياباً ولا يقر قراراً ، ويعبد الله ليلاً ونهاراً راجياً بأن يصل إلى ما يشتاق إليه ويناجيه بلسان الشوق معبّراً عما في سريرته كما أخبر الله تعالى عن موسى علیه السلام في ميعاد ربه: (وَعَجلتُ إِلَيْكَ رَبِّي لِتَرضى). وفسر النبي صلی الله علیه و اله عن حاله : أنه ما أكل ولا شرب ولا نام ولا اشتهى شيئاً من ذلك في ذهابه ومجيئه أربعين يوماً شوقاً إلى ربه ، فإذا دخلت ميدان الشوق فكبر على

ص: 196

نَفْسِكَ وَ مُرَادِكَ مِنَ الدُّنْيَا وَ دَعْ جَمِيعَ الْمَأْلُوفَاتِ وَ اصْرِفْهُ عَنْ سِوَى مَعْشُوقِكَ وَ لَبِّ بَيْنَ حَيَاتِكَ وَ مَوْتِكَ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَكَ وَ مَثَلُ الْمُشْتَاقِ مَثَلُ الْغَرِيقِ لَيْسَ لَهُ هِمَّةٌ إِلاَّ خَلاَصُهُ وَ قَدْ نَسِيَ كُلَّ شَيْ ءٍ دُونَهُ.

ص: 197

الباب الخامس و التسعون في الحكمة

قال الصادق علیه السلام : الحكمة ضياء المعرفة وميزان التقوى وثمرة الصدق ، ولو قلت ما أنعم الله على عبد بنعمة أعظم وأنعم وأجزل وأرفع وأبهى من الحكمة للقلب . قال تعالى : ( يُؤتي الحِكَمَة مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤتي الحكمة ، فَقَدْ أُوتِي خَيراً كَثيراً وَمَا يَذكر إلا أُولُوا الألباب) . أي لا يعلم ما أودعت وهيأت في الحكمة إلا من استخلصه لنفسي وخصصته بها ، والحكمة هي النجاة، وصفة الحكمة الثبات عند أوائل الأمور والوقوف عند

ص: 198

عَوَاقِبِهَا وَ هُوَ هَادِي خَلْقِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و اله لِعَلِيٍّ علیه السلام لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ عَلَى يَدَيْكَ عَبْداً مِنْ عِبَادِهِ خَيْرٌ لَكَ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ مِنْ مَشَارِقِهَا إِلَى مَغَارِبِهَا.

ص: 199

الباب السادس و التسعون في الدعوى

قَالَ اَلصَّادِقُ علیه السلام: الدَّعْوَى بِالْحَقِيقَةِ لِلْأَنْبِيَاءِ وَ اَلْأَئِمَّةِ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ أَمَّا الْمُدَّعِي بِغَيْرِ وَاجِبٍ فَهُوَ كَإِبْلِيسَ اللَّعِينِ ادَّعَى النُّسُكَ وَ هُوَ عَلَى الْحَقِيقَةِ مُنَازِعٌ لِرَبِّهِ مُخَالِفٌ لِأَمْرِهِ فَمَنِ ادَّعَى أَظْهَرَ الْكَذِبَ وَ الْكَاذِبُ لاَ يَكُونُ أَمِيناً وَ مَنِ ادَّعَى فِيمَا لاَ يَحِلُّ لَهُ فُتِحَ عَلَيْهِ أَبْوَابُ الْبَلْوَى وَ الْمُدَّعِي يُطَالَبُ بِالْبَيِّنَةِ لاَ مَحَالَةَ وَ هُوَ مُفْلِسٌ فَيَفْتَضِحُ وَ الصَّادِقُ لاَ يُقَالُ لَهُ لِمَ قَالَ عَلِيٌّ علیه السلام الصَّادِقُ لاَ يَرَاهُ أَحَدٌ إِلاَّ هَابَهُ.

ص: 200

الباب السابع و التسعون في العبرة

قَالَ اَلصَّادِقُ علیه السلام: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و اله الْمُعْتَبِرُ فِي الدُّنْيَا عَيْشُهُ فِيهَا كَعَيْشِ النَّائِمِ يَرَاهَا وَ لاَ يَمَسُّهَا وَ هُوَ يزيد [يُزِيلُ] عَنْ قَلْبِهِ وَ نَفْسِهِ بِاسْتِقْبَاحِهِ مُعَامَلاَتِ الْمَغْرُورِينَ بِهَا مَا يُورِثُهُ الْحِسَابَ وَ الْعِقَابَ وَ يُبَدِّلُ بِهَا مَا يُقَرِّبُهُ مِنْ رِضَا اللَّهِ تَعَالَى وَ عَفْوِهِ وَ يَغْسِلُ بِمَاءِ زَوَالِهَا مَوَاضِعَ دَعْوَتِهَا إِلَيْهِ وَ تَزْيِينِ نَفْسِهَا إِلَيْهِ فَالْعِبْرَةُ تُورِثُ صَاحِبَهَا ثَلاَثَةَ أَشْيَاءَ الْعِلْمَ بِمَا يَعْمَلُ وَ الْعَمَلَ بِمَا يَعْلَمُ وَ الْعِلْمَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ وَ الْعِبْرَةُ أَصْلُهَا أَوَّلٌ يُخْشَى آخِرُهُ وَ آخِرٌ قَدْ تَحَقَّقَ الزُّهْدُ فِي أَوَّلِهِ وَ لاَ يَصِحُّ الاِعْتِبَارُ إِلاَّ لِأَهْلِ الصَّفَاءِ وَ الْبَصِيرَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ قَالَ تَعَالَى أَيْضاً فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَ لكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ فَمَنْ فَتَحَ اللَّهُ عَيْنَ قَلْبِهِ وَ بَصِيرَتَهُ بِالاِعْتِبَارِ فَقَدْ أَعْطَاهُ مَنْزِلَةً رَفِيعَةً وَ مُلْكاً عَظِيماً.

ص: 201

الباب الثامن و التسعون في القناعة

قال الصادق علیه السلام : لو حلف القانع بتملكه على الدارين لصدقه الله عز وجل بذلك ، ولا بره لعظم شأن مرتبة القناعة ، ثم كيف لا يقنع العبد بما قسم الله له وهو يقول : ( نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم معيشتهم في الحياة الدنيا ). فمن أذعن وصدقه بما شاء ، ولما شاء بلا غفلة ، وأيقن بربوبيته أضاف تولية الأقسام إلى نفسه بلا سبب، ومن قنع بالمقسوم استراح من الهم والكرب والتعب ، وكلما أنقص من القناعة زاد في الرغبة ، والطمع في الدنيا أصل كل شر وصاحبها لا ينجو من النار إلا أن يتوب .

ص: 202

وَ لِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه و اله الْقَنَاعَةُ مُلْكٌ لاَ يَزُولُ وَ هِيَ مَرْكَبُ رِضَا اللَّهِ تَعَالَى تَحْمِلُ صَاحِبَهَا إِلَى دَارِهِ فَأَحْسِنِ التَّوَكُّلَ فِيمَا لَمْ تُعْطَ وَ الرِّضَا بِمَا أُعْطِيتَ وَ اصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ.

ص: 203

الباب المائة في الغيبة

قال الصادق علیه السلام : الغيبة حرام على كل مسلم مأثوم صاحبها في كل حال، وصفة الغيبة: أن تذكر أحداً بما ليس هو عند الله عيب أو تذم ما تحمده أهل العلم فيه ، وأما الخوض في ذكر الغائب بما هو عند الله مذموم ، وصاحبه فيه ملوم فليس بغيبة، وإن كره صاحبه إذا سمع به، وكنت أنت معافاً عنه وخالياً منه ، ويكون في ذلك مبيناً للحق من الباطل ببيان الله تعالى ورسوله صلی الله علیه و اله، ولكن على شرط أن لا يكون للقائل بذلك مراد غير بيان الحق والباطل في دين الله عز وجل ، وأما إذا أراد به نقص

ص: 204

الْمَذْكُورِ بِغَيْرِ ذَلِكَ الْمَعْنَى فَهُوَ مَأْخُوذٌ بِفَسَادِ مُرَادِهِ وَ إِنْ كَانَ صَوَاباً وَ إِنِ اغْتَبْتَ فَبَلَغَ الْمُغْتَابَ فَاسْتَحِلَّ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ تَبْلُغْهُ وَ لَمْ تَلْحَقْهُ فَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ لَهُ وَ الْغِيبَةُ تَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ اَلنَّارُ الْحَطَبَ أَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ علیهما السلام الْمُغْتَابُ هُوَ آخِرُ مَنْ يَدْخُلُ اَلْجَنَّةَ إِنْ تَابَ وَ إِنْ لَمْ يَتُبْ فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ اَلنَّارَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى - أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَ وُجُوهُ الْغِيبَةِ تَقَعُ بِذِكْرِ عَيْبٍ فِي الْخَلْقِ وَ الْخُلْقِ وَ الْعَقْلِ وَ الْفِعْلِ وَ الْمُعَامَلَةِ وَ الْمَذْهَبِ وَ الْجَهْلِ وَ أَشْبَاهِهِ وَ أَصْلُ الْغِيبَةِ مُتَنَوِّعٌ بِعَشَرَةِ أَنْوَاعٍ شِفَاءِ غَيْظٍ وَ مُسَاعَدَةِ قَوْمٍ وَ تُهَمَةٍ وَ تَصْدِيقِ خَبَرٍ بِلاَ كَشْفِهِ وَ سُوءِ ظَنٍّ وَ حَسَدٍ وَ سُخْرِيَّةٍ وَ تَعَجُّبٍ وَ تَبَرُّمٍ وَ تَزَيُّنٍ فَإِنْ أَرَدْتَ الْسْلاَمَةَ فَاذْكُرِ الْخَالِقَ لاَ الْمَخْلُوقَ فَيُصَيِّرُ لَكَ مَكَانَ الْغِيبَةِ عِبْرَةً وَ مَكَانَ الْإِثْمِ ثَوَاباً..

ص: 205

الفهرس

الموضوع الصفحة

في العبودية 5

في العبودية 7

في غض البصر 9

في المشي 11

في العلم 13

في الفتياء 16

في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر 18

في آفة العلماء 20

في الرعاية 22

في الشكر 24

في الخروج من المنزل 26

في قراءة القرآن 28

في اللباس 30

في الرياء 32

في الصدق 34

في الإخلاص 36

في التقوى 38

في الورع 40

في المعاشرة 42

في النوم 44

في الحجّ 47

في الزكاة 51

في النية 53

في الذكر 55

في آفة القراء 57

في بيان الحق و الباطل 59

في معرفة الأنبياء 61

ص: 206

في معرفة الأئمة عليهم السلام 63

في معرفة الصحابة 67

في حرمة المؤمنين 69

في برّ الوالدين 70

في التواضع 72

في الجهل 75

في الأكل 77

في الوسوسة 79

في العجب 81

في السخاء 82

في الحساب 85

في افتتاح الصلاة 87

في الركوع 89

في السجود 91

في التشهد 93

في السلام 95

في التوبة 97

في العزلة 99

في الصمت 101

في العقل و الهوى 103

في الحسد 104

في الطمع 105

في الفساد 107

في السلامة 109

في العبادة 111

في التفكر 113

في الراحة 115

في الحرص 117

في البيان 119

في الأحكام 121

في السواك 123

في التبزر 126

في الطهارة 128

في دخول المسجد 130

في الدعاء 132

في الصوم 135

في الزهد 137

في صفة الدنيا 139

في المتكلف 140

في الغرور 142

ص: 207

في صفة المنافق 144

في حسن المعاشرة 147

في الأخذ و العطاء 148

في المواخاة 150

في المشاورة 152

في الحلم 154

في الاقتداء 156

في العفو 158

في الموعظة 160

في الوصية 162

في التوكل 164

في تبجيل الاخوان 167

في الجهاد و الرياضة 169

في ذكر الموت 171

في حسن الظنّ 173

في التفويض 175

في اليقين 177

في الخوف و الرجاء 180

في الرضا 182

في البلاء 183

في الصبر 185

في الحزن 187

في الحياء 189

في المعرفة 191

في حبّ اللّه 192

في الحب للّه 194

في الشوق 196

في الحكمة 198

في الدعوى 200

في العبرة 201

في القناعة 202

في الغيبة 204

ص: 208

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.