فرج المهموم في تاريخ علماء النجوم

اشارة

المؤلف : السيد ابن طاووس.

المجموعة : مصادر الحديث الشيعية - القسم العام.

سنة الطبع : 1363 ش.

وعلامات وبالنجم هم يهتدون.

فرج المهموم.

في تاريخ علماء النجوم.

تصنيف.

العالم العامل الزاهد رضي الدين أبي القاسم.

علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس.

الحسني الحسيني المتوفى 664 هج.

حقوق الطبع محفوظة للناشر.

ص :1

مقدمه المولف

بسم الله الرحمن الرحيم.

(ترجمة مصنف هذا الكتاب عن روضات الجنات).

(وعن الامل والحوادث الجامعة ملخصا).

هو السيد العالم العامل العابد الزاهد نقيب الطالبيين رضي الدين أبو القاسم ابن سعد الدين أبي إبراهيم موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس المنتهي بنسبه الشريف إلى داود بن الحسن المثنى ابن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب عليهم السلام العلوي الحسني كما ذكر سلسلتهم الذهبية ابن عنبة في عمدة الطالب وغيره، وأمه بنت الشيخ الجليل الزاهد الشيخ عيسى ابن أبي الفوارس المعروف بالشيخ ورام المتوفى سنة ست وستمائة كما ذكره ابن الأثير في الكامل، وأمها بنت الشيخ أبي علي الحسن بن الشيخ الجليل شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي قدس سره وكانت ولادته يوم الخميس منتصف المحرم من السنة التاسعة والثمانين والخمسمائة كما في الامل، ووفاته يوم الاثنين الخامس من ذي القعدة من السنة الرابعة والستين والستمائة في بغداد ونقل إلى النجف كما في الحوادث الجامعة لابن الفوطي.

* مصنفاته ذكر هو رضي الله عنه في كتاب الإجازات ان من كتبه 1 مصباح الزائر 2 فرحة الناظر 3 روح الاسرار (كتبه بالتماس ابن زهرة) 4 الطرائف 5 الطرف 6 غياث سلطان الورى 7 فتح الباب في الاستخارة

ص :2

8 فتح الجواب الباهر في خلق الكافر 9 مهمات صلاح المتعبد في تتمات مصباح المتهجد ثلاث مجلدات، 10 فلاح السائل مجلدتان، 11 مضمار السبق 12، السالك المحتاج إلى مناسك الحاج، 13 جمال الأسبوع، 14 القبس الواضح من الجليس الصالح، 15 الاقبال في الأدعية، 16 أمان الاخطار في الاسفار، 17 كتاب الملاحم والفتن، 18 كتاب البهجة لثمرة المهجة 19 كشف المحجة، 20 كتاب اللهوف في قتلى الطفوف. 21 كتاب الدروع الواقية. 22 سعد السعود. 23 مهج الدعوات. 24 كتاب اليقين 25 كتاب محاسبة النفس 26 كتاب المجتنى من الدعا المجتبى. 27 كتاب فرج المهموم في علم النجوم يتضمن ان النجوم جعلها الله دلالات وهو تعالى شانه الفاعل المختار وانه علم علمه إدريس وانتشر بعده في الزمن القديم والحديث في الأنبياء والأئمة والعلماء الاسلاميين وغيرهم من سائر الملل ويتضمن جملة من إصابات المنجمين وكتبهم وغير ذلك فإليكم يا بني التاريخ والآداب يزف هذا الكتاب - 15 / شوال سنة 1368 الناشر.

محمد كاظم الكبشي

ص :3

بسم الله الرحمن الرحيم قال السيد الإمام العالم الفقيه الفاضل العلامة الكامل الورع البارع رضي الدين ركن الاسلام والمسلمين افتخار آل طاها وياسين عمدة أهل بيت النبوة محمد آل الرسول شرف العترة الطاهرة ذو الحسبين أبو القاسم علي ابن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس الحسني بلغه الله غاية آماله بمحمد وآله عليهم السلام.

احمد الله جل جلاله فاطر السماوات والأرضين. الذي جعلها هداة ودعاة بلسان حالها للعالمين. إلى معرفة منشيها وفاطرها. وآيات باهرات للناظرين، في حقائق تدبيرها وجواهرها، وأوضح انها من أعظم دلالاته على مقدس ذاته فقال جل جلاله في الانكار على من (....) أعجز الحسن بن سهل في علم النجوم وكان أقوم منه بالعلم بها ورجع الحسن ابن سهل إليه.

ص :1

(فصل) وكما رواه ابن جمهور القمي في كتاب الواحدة ان مولانا علي بن موسى الرضا صلوات الله عليه أجاب ذا الرياستين الفضل ابن سهل في علم النجوم بما لم يكن عارفا به ولا قادرا عليه.

(فصل) وكما رواه الحميري الثقة المعتمد عليه رحمة الله جل جلاله عليه في الجزء الثاني من كتاب (الدلائل) في دلائل الصادق صلوات الله عليه انه كان عالما بالنجوم حتى أنه لا يخفي منها شي عليه.

(فصل) وكما رواه يونس بن عبد الرحمان رضي الله عنه في (جامعه الصغير) قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك اخبرني عن علم النجوم ما هو؟ فقال هو علم من علوم الأنبياء فقلت أكان علي بن أبي طالب عليه السلام خبيرا بعلمه؟ فقال كان اعلم الناس به.

(فصل) وكما رواه مصنف كتاب " التجمل " تاريخ كتابته سنة ثمان وثلثين ومأتين عن الصادق عليه السلام انه اذن لبني نوبخت (1) في علم النجوم وقد سألوه عنه وكرروا مسألته وأطلعهم عليه وعرفهم جوازه واباحته.

(فصل) وكما رواه أبو بصير عن الصادق عليه السلام في حديث معرفة آزر (2) بعلم النجوم وتحقيق ما كان يحكم به عليه.

ص :2


1- (1) بنو نوبخت بيت شهير من الشيعة المصنفين في العلوم وتراجمهم معلومة في كتب طبعت في طهران.
2- (2) آزر هو المذكور في القرآن الكريم بمجادلة إبراهيم له.

(فصل) وكما رواه ابن أذينة عن أبي عمرو من تصديق الصادق عليه السلام له في علم النجوم وتعريفه كيف يتحرز من الضرر الذي يخاف وصوله إليه.

(فصل) وكما رواه صاحب التواقيع (1) عن العبد الصالح علي بن مولانا جعفر الصادق صلوات الله عليه فيما رواه عن أخيه مولانا موسى بن جعفر سلام الله جل جلاله في ترك الانكار على خواص شيعته لما سير مولده وخاف من القطع (2) فعرفه كيف يعمل حتى يتجاوز قطع مولده ويسلم من مضرته.

(فصلى) وكما رواه عبد الرحمان بن سيابة عن الصادق " ع " واطلاقه في علم النجوم وانه مأذون فيه معتمد عليه وسيأتي تفصيل ذلك الذي أشرنا إليه.

(فصل) واعلم أن الأحاديث عن الأنبياء عليهم السلام من لدن إدريس " ع " إلى الناطق من عترة النبي محمد " ص " ومن لدن الملوك الذين ذكرت تواريخهم وتواريخ العلماء المترددين إليهم ما يضيق عنه مجلد

ص :3


1- (1) صاحب التواقيع هو الحميري المذكور جمع توقيعات المهدي " ع " وهو من أصحاب العسكري.
2- (2) القطع في عرف المنجمين الهلاك والموت فإذا أخذ الطالع ساعة الولادة وعمل له زايجة علم المنجم كيفية حاله من رزق وعمر وحكم عليه انه في سنة كذا من عمره يكون عليه قطع حسب دلالة بيوت الزايجة عليه والحديث يأتي مفصلا في الكتاب.

واحد من ذكر الجميع، وفيهم من هو حجة وفيهم أعيان معتمد عليهم بتحقيق ما ذكرناه من أن علم النجوم دلالات وعلامات، وآيات لله جل جلاله باهرات، وحجج على عباده ظاهرات، وسأذكر تفصيل ما أجملته من الروايات إن شاء الله.

(فصل) واعلم اني كنت أحب أن لا يبلغني حديث إلا أطلع عليه وكان مما بلغني اختلاف الناس في علم النجوم، وما الذي يحرم منها، وما الذي يعتمد عليه، فحضر عندي جماعة من علماء المنجمين، وكاتبني بعض من كان بعيدا من العراق من علمائهم الموصوفين ورصدوا مواليد في أوقات متفرقة وسيروها، وحولوا عدة سنين وحرروها، فكنت أجد غلطهم وخاصة في الجزئيات أكثر من أصابتهم، وأجد إصابات تقتضي ان الغلط من جهتهم، فسالت جماعة منهم عن سبب الخطا والخلل، فاختلفوا في العلل، فقال بعضهم ان النجوم تحتاج كل مدة معينة عن أهل النجوم أن يعيدوها إلى أرصاد جديدة وانه قد تعدد عليهم تحقيق الأرصاد، فأفسد ذلك عليهم بعض الاجتهاد، وقال آخرون ان العلماء من المنجمين القدماء اختلفوا في كيفية النجوم وأحكامها وتأثيرها فوقع الخلل من المتأخرين بحسب ما يختلفون فيه من اختلاف القدماء وتفاوت تدبيرها، وقال بعضهم ان وقتهم لا يسع لكشف علم النجوم على التحقيق، وان علوم المتأخرين قاصرة عن علوم المتقدمين في التدقيق.

(فصل) ورأيت أنا في أخبار الأئمة الأطهار، الذين أطلعهم الله

ص :4

جل جلاله عليه بطريق رسوله صلوات الله عليه على الاسرار، أسبابا لغلط المنجمين غير ما ذكروه من الاعذار، وسيأتي سبب غلطهم في مضمون ما نذكره من الاخبار، إن شاء الله.

(فصل) ومن أعجب ما وجدته من تمويه المنجمين في هذه الأوقات الذي يتمشى على الملوك والأعيان وذوي المقامات، شئ ما عرفت ان أحدا سبقني إلى كشفه، وذكرت ذلك لبعضهم ولغيرهم فما رأيت لهم عذرا في التمويه الذي أشرت إلى وصفه، وذلك انهم يكتبون تقاويم السنة نسخة واحدة في سعودها ونحوسها وممتزجاتها فينفذون كل تقويم إلى واحد مع علمهم ان مواليد الذين ينفذون إليهم التقاويم وطوالعهم مختلفة في نحوسها وممتزجاتها وسعاداتها، فيمكن ان يكون سعود واحد نحوسا لسواه ونحوس انسان سعودا لمن عداه ويمكن أن يكون سعود واحد ونحوسه ممتزجا خلاف من يجري مجراه فيقبل الناس التقاويم المتفقة في المواليد المختلفة منهم وتبتاع منهم، وقد استمر ذلك على مدة الدهور، وتسنى ما فيه من التمويه المستور، حتى بعث واحد من المنجمين الأعيان إلي تقويمين واعتد بهما فأعدتهما وعرفته ما في ذلك من التمويه بهما.

(فصل) وقد كان ينبغي أن يكون تقويم كل واحد ممن يحتاج إلى التقويم، على مقتضى مولده وطالعه وتحويل سنته ليكون أقرب إلى الصراط المستقيم، وكان مراد المنجم من تقويمه مجرد ذكر ان في النجوم سعدا وفيها نحسا وفيها ممتزجا من غير أن يقصد انتفاع من يحمل إليه

ص :5

التقويم بسعودها واجتناب نحوسها، كان قد وقع الغناء عن التقويم وكان يكفي ذكر أسماء النجوم السعيدة والنجوم النحسة وما كان كل سنة يحتاج إلى تقويم جديد، وإنما يقولون ان مرادهم انتفاع من تحمل إليه التقاويم بما فيها من السعود والنحوس، ليستدل في الحركات والسكنات على سلامة النفوس، واجتلاب النفع ودفع الضرر والبؤس، وهذا يدل على أنه ما يحصل ما يكون من منافعه، الا أن يكون لكل واحد تقويم على مقتضى طالعه (فصل) ومما وجدت في خاطري مما يسال عنه علماء المنجمين وربما تعذر عليهم الجواب عنه على اليقين، أن يقال لهم، ما المقتضي لورود النوم على الانسان من طالع ميلاده، وقد يتأتى غير وقت مراده، وكيف كان هذا النجم في طالع كل انسان؟ وأوقات الولادات، عظيمة الاختلافات، من زمان آدم إلى الآن، وهلا صادف طالع واحد من الأنام، انه ولد في وقت لا ينام (واعلم) ان هذا يدلك بغير التباس على أن وراء تدبير الناس، ووراء الولادات قادرا مختارا يتصرف في ملكه ومماليكه بحسب ما يريد من الاختبارات، ان شاء جعل النجوم دلالات وان شاء أسقط دلالاتها على الحادثات.

(فصل) ومما وجدته في كتب النعمان (1) المؤرخ لسيرة خلفاء مصر ما عجز المنجمون عن جوابه قال المعز ذكر لي ان بعض المنجمين أتاه

ص :6


1- (1) هو أبو حنيفة المصري صاحب دعائم الاسلام وغيرها من الكتب للعلويين المصريين.

بكتاب الفه له يذكر فيه خلق آدم وكيف كانت الكواكب يوم خلقه الله عز وجل وما دلت عليه مما آل أمره وأمر ذريته إليه، ورأي أنه قد أتى في ذلك بعلم ما سبق إليه، فلما وقفت سألته فقلت هل كان قبل آدم شئ؟ قال نعم قلت فما كان ومن كان؟ وكيف كانت هذه الكواكب قبل ذلك؟ وما دلت عليه؟ فلم يحر جوابا وقال هذا شئ ما ظننت اني اسال عنه، فقلت وهذا الذي عملته وجئت به ما سئلت عنه أيضا.

(أقول) فكل هذه الأمور دلالة باهرة عند ذوي الاعتبار، ان دلائل النجوم بتدبير الفاعل المختار، وانها ليست بأنفسها فاعلة ولا علة موجبة وذلك واضح لأولي الابصار.

(فصل) ورأيت الاستخارة، أقوى في كشف بعض الاسرار وأبلغ في الإشارة، وتعدد الصدقات والدعوات، دافعة لما يجمع المنجمون عليه من المحذورات، وكان ما وجدته بالتجربة كما نقلته من الروايات وعلى مقتضى صريح مقدس كلام مالك الأسباب، في قوله جل جلاله:

(يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده علم الكتاب).

(فصل) ووجدت الناس اما معاملا لله جل جلاله في أيام حياته فإذا قطعه الموت بوفاته، فقد فاته ما كان يقدر عليه من سعاداته، واما غير معامل لله جل جلاله في حياته، بل يكون مشغولا بلذاته وشهواته وكان معرفة وقت الممات القاطع من السعادات أو اللذات، عند الفريقين من جملة المهمات، فإذا أمكن تحصيل معرفة ذلك بطرق علمية على لسان

ص :7

رسول يخبره عن العلوم الآلهية، والا فمتى قدر على طريق طبية، يحترز بها من الضرر المظنون، فقد أوجب العقلاء الاحتراز عن الضرر بكل طريق يمكن أو يكون، وقد أطبق العقلاء على تجويز ان تكون النجوم دلالات، وعلامات وامارات، ونطقت بذلك الروايات من الثقات ولو أن بعض هؤلاء القائلين والناقلين خوف انسانا من سفر، وذكر له عند تحذيره الخطر، لتوقف من السفر المذكور، أو تحذر بقدر دفع المحذور فال أقل ان يكون حكم المحترس من النجوم المذكورة، كحال حكم المظنون من الأمور المحذورة، فيحتاج المكلف إلى كشف طريق السلامة والأمان لمعرفة ما يحتاج إلى معرفته بحسب الامكان، ويكون كلما ذكروا ان عليه قطعا في وقت مدته، يستعد قبل حضوره للقاء الله جل جلاله بمقتضى قدرته أو يتصدق أو يدعو لدفع خطر ذلك وتحصيل الأمان من تجويز مضرته ولا يكون الانسان على حال من الغفلة عن الاستعداد للمعاد، أو انقطاع لذاته ان كان من أهله دار الفناء والنفاد، فلا يحس الا بحيطان الموت أو القواطع قد وقعت عليه، فيحصل في ندم ترك الاحتياط بكل ما كان يقدر عليه وقد رأينا من يستريح إلى منامات عند الحادثات، وروي ذلك فيما لا أحصيه من الروايات، وما زال الاستظهار والاحتياط في طلب المجاب من كمال ذوي الألباب ولو كان كل علم ضل فريق من أهله مبطلا ذلك لاصله لتعذر ثبوت شئ من المعلومات، إذ كان وقع فيها اختلاف حتى في البديهيات.

ص :8

(فصل) ولو كان غلط فريق من علوم التحقيق يقتضي ترك ذلك العلم بالكلية، لأدى ذلك إلى ترك المعلومات العقلية والنقلية والشرعية إذ في كل علم مهنا غلط في شئ منه فريق من البرية، وسوف أذكر في كل باب من هذا الكتاب ما يليق بالتوفيق من تحقيق الأسباب، واشرح ما تقتضي الأمانة ايضاح شرحه، حتى يظهر الحق لكل ناظر إلى أفق فجره وصبحه وقد سميته فرج المهموم في معرفة نهج الملال في علم النجوم وسوف أرتبه في الأبواب، بحسب ما يدلني الله جل جلاله عليه من الصواب وها أنا ذاكرها بابا بابا على التجميل، ثم اذكرها فيما بعد على التفصيل، ليعرف الناظر في تجميلها، ما يريد منها ويقصده في تفصيلها، ولا يحتاج إلى مطالعة جميع الأبواب، وتصفح الكتاب.

(الباب الأول) فيما نذكره من الإشارة إلى أن النجوم والعلم بها من آيات مالك الجلالة، ومن معجزات صاحب الرسالة (ص).

(الباب الثاني) فيما نذكره من الرد على من زعم أن النجوم موجبة أو فاعلة مختارة.

(الباب الثالث) فيما نذكره من أخبار من قوله حجة في العلوم في صحة علم النجوم.

(الباب الرابع) فيما نذكره عن مولانا موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام في إزالة القطوع في العمر إذا دل مولد الانسان عليه.

(الباب الخامس) فيما نذكره ممن كان عالما بالنجوم من الشيعة

ص :9

وصنف في تلك العلوم، أو خول مولده على الوجه الموسوم.

(الباب السادس) فيما نذكره ممن كان عالما بالنجوم من غير الشيعة من المسلمين وصنف فيها ما يظهر صحة حكمه للحاضرين.

(الباب السابع) فيما نذكره عمن صح حكمه، بدلالة النجوم قبل الاسلام ولم يذكر اسمه.

(الباب الثامن) فيما نذكره من الاخبار التي صح فيها الحكم على الحوادث بالنجوم، ممن لم يذكر اسمه وبعض من عرف منهم بعلم النجوم وان لم نعرف له شيئا من الاحكام، ومن كان عارفا بذلك من الملوك قبل الاسلام.

(الباب التاسع) فيما نذكره في جواب من أنكر أن النجوم لا يصح أن تكون دلالات على الحادثات.

(الباب العاشر) فيما نذكره من أخبار من كان مستغنيا عن النجوم، بتعريف النبي صلوات الله عليه وأئمة العلوم، عليهم السلام.

ص :10

الباب الأول: فيما نذكره من الإشارة إلى أن النجوم والعلم بها من آيات

(مالك الجلالة ومن معجزات صاحب الرسالة) اعلم أن كون الأفلاك والشمس والقمر والنجوم دلالة باهرة، دالة على مالك الدنيا والآخرة، ومما لا يحتاج إلى برهان، لأنه موجود بالعيان والوجدان، قد تضمن القرآن الشريف، تنبيه أهل التكليف، على الدلالة بها والتعريف.

(فصل) فاما كونها من معجزات صاحب الرسالة، فقد تضمن (كتاب الإهليلجة) عن مولانا الصادق عليه السلام ما يغني عن الإطالة، فقد قال فيه فقلت له (يعني للهندي الذي كان يناظره) اخبرني هل يعرف أهل بلادك من الهند علم النجوم، قال إنك لغافل عن علم أهل بلادي بالنجوم، قلت وما بلغ من علمهم بها، قال أنا أخبرك عن علمهم بخصلتين تكتفي بهما عما سواها، قلت فأخبرني ولا تخبرني إلا بخبر صدق قال اما الخصلة الأولى فان ملوك الهند لا يتخذون إلا الخصيان منهم، قلت ولم؟ قال لان لكل رجل منهم منجما حاسبا فإذا أصبح

ص :11

أنى باب الملك فقاس الشمس وحسب فأخبره بما كان في يومه ذاك وما حدث في ليلته التي كان فيها فان كانت امرأة من نسائه قارفت شيئا أخبره به وقال فلانة قارفت كذا وكذا مع فلان ويحدث في هذا اليوم كذا وكذا، قال وأما الخصلة الأخرى، فان قوما بالهند بمنزلة الخناقين عندكم يقتلون الناس بلا سلاح ولا خنق ويأخذون أموالهم، قلت وكيف يكون هذا؟ قال يخرجون مع الرفقة والتجار بقدر ما فيها من الرجال فيمشون معهم أياما بلا سلاح ويحدثون الرجال ويحسبون حساب كل رجل من التجار، فإذا عرف أحدهم موضع النفس من صاحبه، وكز كل واحد منهم صاحبه الذي حسب له في ذلك الموضع، فيقع جميع التجار موتى. قلت هذا أرفع من الأول ان كان ما تقول حقا، قال أحلف لك بديني انه حق، أو لربما رأيت ببلاد الهند بعضهم قد أخذ وأمر بقتله قلت فأخبرني كيف كان هذا حتى اطلع عليه؟ قال بحساب النجوم قلت قما سمعت كهذا علما قط وما أشك ان واضعه الحكيم العليم، فأخبرني من وضع هذا العلم الدقيق؟ الذي لا يدرك بالحواس ولا بالعقول ولا بالفكر قال وضعه الحكماء وتوارثه الناس فإذا سالت الرجل منهم قاس الشمس ونظر في منازل الشمس والقمر وما الطالع من النجوم وما الباطن من السعود ثم يحسب ولا يخطئ، ويحمل إليه المولود إذا ولد فيحسب له ويخبر بكل علامة فيه وبما يصيبه إلى يوم يموت، قلت وكيف دخل الحساب في مواليد الناس؟ قال لان جميع الناس إنما يولدون بهذه

ص :12

النجوم، ولولا ذلك لم يستقم هذا الحساب، فمن ثم لا يخطى إذا علم الساعة واليوم والشهر والسنة التي يولد فيها المولود، قلت لقد وصفت علما عجيبا ليس في علم الدنيا أدق منه ولا أعظم ان كان حقا كما قلت من تعريف هذا المولود الصبي وما فيه من العلامات ومنتهى أجله وما يصيبه في حياته، أفليس هذا حسابا يولد به جميع من في الدنيا من كان من الناس؟ قال بلى لا أشك فيه، قلت فتعال ننظر بعقولنا فهم علم الناس هذا والعلم به هل يستقيم أن يكون لبعض الناس؟ إذا كان جميع الناس يولدون بهذه النجوم؟ حتى عرفها بسعودها ونحوسها وساعاتها ودقايقها ودرجاتها وبطيئها وسريعها ومواضعها من السماء ومواضعها تحت الأرض ودلالاتها على غامض الأشياء التي وصفت في السماء وما تحت الأرض فما يقبل عقلي ان مخلوقا من أهل الأرض قدر على هذا، قال وما أنكرت من هذا؟ قلت لم أبدءك به، إنك زعمت أن جميع أهل الأرض إنما يتولدون بهذه النجوم، فارى الحكيم الذي وضع هذا الحساب بزعمك من بعض أهل الدنيا ولا أشك ان كنت صادقا انه ولد ببعض هذه النجوم والساعات والحساب، الذي كان قبله، إلا أن تزعم أن ذلك الحكيم لم يولد بهذه النجوم كما ولد سائر الناس، قال وهل هذا الحكيم إلا كسائر الناس، قلت أفليس ينبغي أن يدلك عقلك على أن هذه النجوم قد خلقت قبل هذا الحكيم الذي زعمت أنه وضع هذا الحساب، وقد زعمت أنه ولد ببعض هذه النجوم، قال بلى، قلت

ص :13

فكيف أهتدي لوضع هذه النجوم والعلم بها إلا من معلم كان قبله، وهو الذي أسس هذا الحساب الذي زعمت أنه وضع علم النجوم وهي أساس المولود، فالأساس أقدم من المولود، والحكيم الذي زعمت أنه وضع علم النجوم على هذا إنما يتبع أمر معلم أقدم منه، وهو الذي خلقه مولودا ببعض هذه النجوم، وهو الذي أسس هذه البروج التي ولد بها غيره من الناس، فواضع الأساس ينبغي أن يكون أقدم منها وهب أن هذا الحكيم عمر مذ كانت الدنيا عشرة أضعاف، هل كان نظره في هذه النجوم إلا كنظرك إليها معلقة في السماء، أو تراه قادرا على الدنو منها وهي في السماء حتى يعرف منازلها ومجاريها وسعودها ونحوسها ودقايقها؟ وأيها تنكسف عن الشمس والقمر، وأيها يولد كل مولود عليها، وأيها السعد، وأيها النحس، وأيها السريع، وأيها البطئ، ثم يعرف بعد ذلك سعود ساعات النهار ونحوسها وأيها السعد وأيها النحس وكم ساعة يمكث كل نجم منها تحت الأرض، وفي أي ساعة يغيب وأي ساعة يطلع، وكم ساعة يمكث طالعا، وفي أي ساعة يغيب، وكم استقام لرجل حكيم كما زعمت من أهل الدنيا أن يعلم علم السماء مما لا يدرك بالحواس ولا يقع عليه الفكر، ولا يخطر على الأوهام، وكيف اهتدى أن يقيس الشمس، حتى يعرف في أي بزج هي، وفي أي برج القمر، وفي أي بروج السماء هذه السبع النحوس والسعود، وما الطالع منها والباطن، وهي معلقة في السماء، وهو من أهل الأرض لا ينظر إليها وقد غشيها ضوء

ص :14

الشمس، إلا أن تزعم أن هذا الحكيم الذي وضع هذا العلم قد رقى في السماء، وأنا أشهد ان هذا العالم لم يقدر على هذا العلم إلا بمن في السماء لان هذا ليس من علم أهل الأرض، قال ما بلغني ان أحدا من أهل الأرض رقى إلى السماء، قلت فلعل هذا الحكيم رقى إلى السماء ولم يبلغك، قال ولو بلغني ما كنت مصدقا، قلت فانا أقولك قولك، فهبه رقى إلى السماء فهل كان له بد من أن يجري مع كل برج من هذه البروج ونجم من هذه النجوم من حيث يطلع إلى حيث يغيب ثم يعود إلى الآخر فيفعل مثل ذلك حتى يأتي على آخرها فان منها ما يقطع السماء في ثلاثين سنة ومنها ما يقطع في أقل من ذلك، وهل كان له بد من أن يحول في أقطار السماء حتى يعرف مطالع السعود منها والنحوس والبطئ والسريع حتى يحصي ذلك، وهبه قدر على ذلك حتى فرغ مما في السماء فهل كان يستقيم له حساب ما في السماء حتى يحكم حساب ما في الأرض وما تحتها وأن يعرف ذلك كما عاين ما في السماء، فلم يكن يقدر على حسابها ودقايقها وساعاتها إلا بمعرفة ساعات ما في الأرض منها، لأنه ينبغي أن يعرف أي ساعة من الليل يطلع طالعها وكم مكث تحت الأرض، وأي ساعة من النهار يغيب غائبها، لأنه لا يعاينها بالنهار ولا ما طلع منها ولا ما غاب عنها، ولابد من أن يكون العلم بها واحدا وإلا لم ينتفع بالحساب إلا أن تزعم أن ذلك الحكيم قد دخل في ظلمات الأرضين والبحار وسار مع النجوم والشمس والقمر في مجاريها على قدر ما سار في السماء

ص :15

قال وهل رأيتني أجيبك إلى أن أحدا من أهل الأرض قدر أن يطلع إلى السماء وقدر على ذلك فأخبرك انه دخل في ظلمات الأرض والبحور قلت وكيف وضع هذا العلم الذي زعمت وحسب هذا الحساب الذي ذكرت ان الناس ولدوا به، قال أرأيت ان قلت لك ان البروج لم تزل وهي التي خلقت أنفسها على هذا الحساب، ما الذي ترد به علي، قلت أسألك كيف يكون بعضها سعدا وبعضها نحسا وبعضها مضيئا وبعضها مظلما وبعضها صغيرا وبعضها كبيرا، قال كذلك أرادت ان تكون بمنزلة الناس وعلى حدهم فان بعضهم جميل وبعضهم قبيح وبعضهم طويل وبعضهم قصير وبعضهم أبيض وبعضهم أسود وبعضهم صالح وبعضهم طالح، قلت فالعجب منك اني أريدك اليوم على أن تقر بصانع فلم تجبني إلى ذلك حتى كان الآن أقررت بان القردة والخنازير خلقن أنفسهن قال لقد منيت منك بما لم يسمع مني الناس، قلت أفمنكر أنت لذلك؟ قال أشد إنكار قلت فمن خلق القردة والخنازير ان كان الناس والنجوم خلقوا أنفسهم فلا بد أن تقول إنهن من خلق الناس أو تقول انهن خلقن أنفسهن، أفتقول انها من خلق الناس؟ قال لا، قلت فلا بد أن تقول انهن خلقن أنفسهن أو لهن خالق فان خلقت لها خالق صدقت، وما أعرفنا به وان قلت انهن خلقن أنفسهن رجعت إلى ما أنكرت، قال ما أجد بدا من أن أقول انهن خلقن أنفسهن كما أقول ان البروج والناس خلقوا أنفسهم، قلت فكيف

ص :16

لا تجد بدا من أن تقول ان السماء والأرض والذر خلقوا أنفسهم فقد أعطيتني فوق ما طلبت منك من الاقرار بصانع فأخبرني اذن ان بعضا قبل بعض خلقن أنفسهن أم كان في يوم واحد فان قلت لبعضهن قبل بعض فأخبرني السماوات وما فيهن قبل النجوم خلقن وقبل الأرض أم بعد ذلك فان قلت إن الأرض قبل فلا ترى قولك ان الأشياء لم تزل الا قد بطل حيث كانت السماء بعد الأرض، قال بلى ولكني أقول خلقن جميعا معا قلت قد أقررت انها لم تكن شيئا قبل ان خلقت وقد أذهبت حجتك في الأزلية، قال إني على حد وقوف لا أدري ما أجيبك به لأني اعلم أن الصانع إنما سمي صانعا لصناعته والصناعة غير الصانع والصانع غير الصناعة لأنه يقال للرجل الباني لصناعته البناء والبناء غير الباني والباني غير البناء وكذلك الحارث غير الحرث والحرث غير الحارث، قلت فأخبرني عن قولك ان الناس خلقوا أنفسهم أفبكمالهم خلقوها لأرواحهم وأجسادهم وصورهم وأنفاسهم أم خلق بعض ذلك غيرهم قال بكمالهم لم يخلق ذلك ولا شيئا منه غيرهم قلت فأخبرني الحياة أحب إليهم أم الموت؟ قال أو تشك انهم لا شئ أحب إليهم من الحياة ولا أبغض إليهم من الموت قلت فأخبرني من خلق الموت الذي يخرج أنفسهم التي زعمت أنهم خلقوها فإنك لا تنكر ان الموت غير الحياة وانه هو الذي يذهب بالحياة فان قلت إن الذي خلق الموت غيرهم، فان الذي خلق الموت هو الذي خلق الحياة لهم فان قلت هم الذين خلقوا الموت لأنفسهم فان هذا محال من القول وكيف خلقوا

ص :17

لأنفسهم ما يكرهون ان كانوا كما زعمت خلقوا أنفسهم، هذا ما يستنكر من ضلالك ان تزعم أن الناس قدروا على خلق أنفسهم بكمالهم وان الحياة أحب إليهم من الموت وانهم خافوا ما يكرهون لأنفسهم، قال ما أجد واحدا من القولين ينقاد لي ولقد قطعته علي من قبل الغاية التي أريدها، قلت دعني من الدخول في أبواب الجهالات ومالا ينقاد من الكلام، وإنما أسألك عن معلم هذا الحساب الذي علم أهل الأرض علم هذه النجوم المعلقة في السماء فلابد ان تقول ان هذا الحكيم علمه حكيم في السماء، قال إن قلت هذا فقد أقررت لك بإلهك الذي تزعم أنه في السماء، قلت اما أنت فقد أعطيتني ان حساب هذه النجوم حق وان جميع الناس ولدوا بها، قال أتشك في غير هذا قلت وكذلك أعطيتني ان أحدا من أهل الأرض لم يرق إلى السماء فيعرف مجاري هذه النجوم وحسابها، قال لو وجدت السبيل إلى أن لا أعطيك ذلك لفعلت، قلت وكذلك أعطيتني ان أحدا من أهل الأرض لا يقدر ان يغيب مع هذه النجوم والشمس والقمر في المغرب حتى يعرف مجاريها ويطلع منها إلى المشرق، قال الطلوع إلى السماء دون هذا، قلت فلا أراك تجد بدا من أن تزعم أن المعلم لهذا من أهل السماء، قال لئن قلت لك انه ليس لهذا الحساب معلم لقد علمت اذن غير الحق ولئن زعمت أن أحدا من أهل الأرض علم علم ما في السماء وما تحت الأرض لقد أبطلت لان أهل الأرض لا يقدرون على علم ما وصفت من هذه النجوم والبروج بالمعاينة فاما الدنو منها فلا يقدرون عليه

ص :18

لان علم أهل الدنيا لا يكون عندنا الا بالحواس ولا يدرك علم هذه النجوم بالحواس لأنها معلقة في السماء وما زادت الحواس على النظر إليها حيث تطلع وحيث تغيب فاما حسابها ودقايقها وسعودها ونحوسها وبطيئها وسريعها وخنوسها ورجوعها فانى يدرك بالحواس أو يهتدي إليه بالقياس، قلت فأخبرني لو كنت واصفا معلم هذا الحساب وواضع هذه الأشياء من أهل الأرض أحب إليك أم من أهل السماء، قال من أهل السماء إذ كانت هذه النجوم في السماء حيث لا يعلم أهل الأرض، قلت فافهم وادق النظر وناصح نفسك ألست تزعم أن جميع أهل الدنيا إنما يولدون بهذه النجوم وانهن على ما وصفت من السعود والنحوس وانهن كن قبل الناس، قال ما امتنع من أن أقول هذا، قلت أفليس ينبغي لك ان تعلم أن قولك ان الناس لا يزالون وما زالوا قد أنكر عليك حيث كانت النجوم قبل الناس فما تجد بدا من القول بان الأرض خلقت قبلهم، قال ولم تقول ان الأرض خلقت قبل الناس قلت أليس تعلم أنه لو لم تكن الأرض التي جعلها الله لخلقه فراشا ومهادا ما استقام الناس ولا غيرهم من الخلق ولا قدروا ان يكونوا في الهواء الا ان تكون لهم أجنحة قال وما تغنى الا جنحة إذا لم تكن لهم معيشة، قلت ففي شك أنت ان الناس خلقوا بعد الأرض والبروج، قال لا ولكن على اليقين من ذلك، قلت آتيك أيضا بما تبصره، قال ذلك انفى للشك غني، قلت الست تعلم أن الذي تدور عليه هذه النجوم والشمس والقمر هو هذا الفلك قال بلى قلت أفليس كان أساسا لهذه النجوم، قال بلى، قلت فما أرى ان

ص :19

هذه النجوم التي زعمت أن مواليد الناس بها الا وقد وضعت بعد هذا الفلك لأنه به تدور البروج ويسفل مرة ويصعد أخرى قال قد جئت بأمر واضح لا يشكل على ذي عقل، ان الفلك الذي يدور بالنجوم هو أساسها الذي وضع لها لأنها إنما جرت به، قلت فقد أقررت ان خالق النجوم التي يولد الناس بها سعودهم ونحوسهم هو خالق الأرض لأنه لو لم يكن خلقها لم يكن ذر، قال ما أجد بدا من اجابتك إلى ذلك، قلت أفليس ينبغي ان يدلك عقلك على أنه لا يقدر على خلق السماء الا الذي خلق الأرض والذر والشمس والقمر والنجوم وانه لولا السماء وما فيها لهلك ذرا الأرض، قال اشهد ان الخالق واحد غير ذي شك لأنك اتيتني بحجة بهرت عقلي فانقطعت بها حجتي وما أراه يستقيم ان يكون واضع هذا الحساب ومعلم هذه النجوم واحدا لامن أهل الأرض لأنها في السماء ولا يعرف مع ذلك ما تحت الأرض منها الا من يعرف ما في السماء ولا أدري كيف سقط أهل الأرض على هذا العلم الذي هو في السماء حتى اتفق على ما رأيت من الدقة والصواب فاني لو لم اعرف من هذا الحساب ما اعرف لأنكرته ولا خبرتك انه باطل في بدء الامر وكان أهون علي (أقول) ثم إن مولانا الصادق صلوات الله عليه ابتدأ في الاستدلال على الهندي باثبات الله جل جلاله بطريق اهليجة كانت في يده وكشف الدلالة حتى أقر بذلك بعد مجاحدات من الهندي وإطالة، وقد تضمن كتاب الإهليلجة شرح ذلك على التفصيل، وإنما كان مرادنا ههنا ما يتعلق بالنجوم وانها

ص :20

صادرة من قدرة الله وانه جل جلاله هو الذي اطلع عباده على اسرارها وكشف لهم عن دلالاتها وآثارها ثم ذكر ان الصادق صلوات الله عليه بلغ من الاستدلال مع الهندي إلى أن قال له الهندي معترفا لله بما دل عليا ما هذا لفظه، وانه واضع هذه النجوم والدال على سعودها ونحوسها وما يكون في المواليد بها وان التدبير واحد لم يختلف متصل فيما بين السماء والأرض وما فيها وما بقي لي أمر أذعه ولا شئ انظر فيه، هذا آخر ما أردنا من ذكره مما يتعلق بالنجوم من كتاب الإهليلجة عن الصادق عليه السلام (وأقول) فانظر إلى ما تضمنه كلام مولانا الصادق صلوات الله عليه فإنه ما أبطل هذا العلم بالكلية، ولا طعن فيه بوجه من الوجوه الدينية ولا الدنيوية بل جعل الطريق إليه تعريف الله جل جلاله الأنبياء عليهم السلام بالوحي وبما دلهم عليه وأصحاب النجوم على اختلاف طبقاتهم اتفقوا في رواياتهم بان هذا العلم عن إدريس عليه السلام ومن يجري مجراه وروى الشيخ الفاضل محمد بن إبراهيم الثعلبي (1) في كتاب (العرائس في المجالس) و (يواقيت التيجان في قصص القرآن) في قصة إدريس (ع) تصديق ذلك فقال، وإنما سمي إدريس لكثرة درسه للكتب وصحف آدم وشيث وابنه انوش، وكان إدريس أول من خط بالقلم وأول من

ص :21


1- (1) هو أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي النيسابوري صاحب التفسير المسمى بالكشف والبيان لم يطبع إلى الآن توفى سنة 27

خاط الثياب ولبس المخيط وأول من نظر في علم النجوم والحساب انتهى وذكر علي بن المرتضى (1) في كتاب (ديوان النسب) في آخر الجزء الثالث منه عن إدريس انه أول من خط بالقلم وأول من حسب حساب النجوم هذا لفظه فيما حكاه من التوراة. ورأيت في رسالة أبى اسحق الطرسوسي إلى عبد الله بن مالك في باب معرفة أصل العلم ما هذا لفظه ان الله تبارك وتعالى اهبط آدم من الجنة وعرفه علم كل شئ فكان مما عرفه النجوم والطب، ووجدت في كتاب المنتخب من طريق أصحابنا في دعاء كل يوم من رجب (ومعلم إدريس عدد النجوم والحساب والسنين والشهور والأيام)، وذكر عبد الله بن محمد بن طاهر الطربثي (2) في كتاب لطائف المعارف ما هذا لفظه أول من أظهر علم النجوم ودل على ترتيبها وقدر مسير الكواكب وكشف عن وجوه تأثيرها هرمس وهو إدريس (فصل) أقول ووجدت في كتاب عتيق عن عطاء قال قيل لعلي بن أبي طالب هل

ص :22


1- (1) هو أبو القاسم علي بن الحسن الرضي والمرتضى بن محمد بن علي بن محمد بن السيد المرتضى وكتابه المذكور ثلاثة اجزاء أولها في نسب بني الحسن والثاني في بني الحسين والثالث في بقية الطالبيين والعباسيين أوصى مصنفه باغراقه في دجلة بعده ولكنه حصل بيد السيد ابن الطاووس فأوصى ولده بكتمانه لان به اسرارا لم يرد الاطلاع عليها كما ذكر ذلك في كشف الحجة وفى رياض العلماء وفى عمدة الطالب
2- (2) لعله الطريثيثي ناحية بنيسابور

كان للنجوم أصل قال نعم نبي من الأنبياء قال له قومه لا نؤمن لك حتى تعلمنا بدء الخلق وآجالها فأوحى الله عز وجل إلى غمامة فأمطرتهم واستنقع ما حول الجبل ماء صافيا ثم أوحى الله عز وجل إلى الشمس والقمر والنجوم ان تجري في ذلك الماء ثم أوحى تعالى إلى ذلك النبي ان يرتقي هو وقومه على ذلك الجبل فارتقوا وأقاموا على الماء حتى عرفوا بدا الخلق وآجالهم بمجاري الشمس والقمر والنجوم وساعات الليل والنهار فكان أحدهم يعرف متى يمرض ومتى يموت ومن الذي يولد له ومن الذي لا يولد له فبقوا كذلك برهة من دهرهم ثم إن داود قاتلهم على الكفر فاخرجوهم إلى داود في القتال من لم يحضر اجله واخروا من حضر أجله في بيوتهم فكان يقتل من أصحاب داود ولا يقتل من هؤلاء أحد، فقال داود ربي أقاتل على طاعتك ويقاتل هؤلاء على معصيتك فيقتل أصحابي ولا يقتل من هؤلاء أحد فأوحى الله عز وجل إليه اني كنت علمتهم بدء الخلق وآجاله وإنما اخرجوا إليك من لم يحضر اجله ومن حضر اجله خلفوه في بيوتهم فمن ثم يقتل من أصحابك ولا يقتل منهم أحد فقال داود يا رب على ماذا علمتهم قال على مجاري الشمس والقمر والنجوم وساعات الليل والنهار فدعا الله عز وجل فحبس الشمس عليهم فزاد الوقت واختلط الليل بالنهار فاختلط حسابهم قال علي عليه السلام فمن ثم كره النظر في علم النجوم (فصل) ورويت بعدة طرق إلى يونس بن عبد الرحمان في جامعه الصغير وهو ممن اثنى المعصوم عليه رضوان الله جل جلاله عليه باسناده قال

ص :23

قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك اخبرني عن علم النجوم ما هو فقال هو علم الأنبياء قلت أكان علي بن أبي طالب عليه السلام يعلمه فقال كان اعلم الناس به (فصل) ووجدت في أصل من أصول أصحابنا اسمه كتاب التجمل تاريخ مقابلته يوم الأربعاء لسبع بقين من شعبان سنة ثمان وثلاثين ومائتين في باب النجوم باسناده عن جميل بن دراج عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام قال قد كان علم نبوة نوح بالنجوم (أقول) قد تضمن هذا الحديث ان نبوة نوح عرفها من كان عارفا بالنجوم وطريقها فكان في علم النجوم دلالة على نبوته ومنواة لحجته (فصل) واما دلالة النجوم على أن إبراهيم عليه السلام نبي فمنقولة عند علماء الاسلام ظاهرة بين الأنام، فمن ذلك ما رواه صاحب الأصل المذكور الذي تاريخه سنة ثمان وثلاثين ومائتين قال إن آزر أبا إبراهيم كن منجما لنمرود ولم يكن يصدر الا عن أمره. فنظر ليلة في النجوم فأصبح وهو يقول لنمرود لقد رأيت الليلة في النجوم عجبا قال ما هو قال رأيت مولودا يولد في زماننا يكون هلا كنا على يديه ولا نلبث الا قليلا حتى يحمل به فتعجب من ذلك وقال هل حملت به النساء قال لا بعد فحجب الرجال عن النساء فلم يدع امرأة الا جعلها في المدينة لم يخلص بعلها إليها فوقع آزر على أهله فحملت بإبراهيم فظن أنه صاحبه فأرسل إلى قوابل ذلك الزمن وكن اعلم الناس بالجنين فلا يكون في الرحم شئ الا

ص :24

عرفنه وعلمنه فنظرن فالزم ما في الرحم الظهر فقلن ما نرى في بطنها شيئا قال وكان مما أوتي من العلم ان المولود سيحرق بالنار ولم تؤثر به وان الله سينجيه منها (أقول) ورويت هذا الحديث عن إبراهيم الخزاز عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام من أصل قرى على هارون بن موسى التلعكبري رحمه الله (1) (فصل) وأقول وقد روى هذا الحديث علي بن إبراهيم رضوان الله عليه في كتاب (تفسير القرآن) في تفسير قوله جل جلاله (فلما جن عليه الليل) في سورة الأنعام بأبسط من هذه الرواية فقال ما هذا لفظه وكان من خبره ان آزر أباه كان منجما لنمرود بن كنعان فقال لنمرود اني أرى في حساب النجوم انه يجئ في هذا الزمان رجل ينسخ هذا الدين ويدعوا إلى دين آخر فقال له نمرود في أي بلاد يكون قال آزر في هذه البلاد فقال نمرود أفولد وخرج إلى الدنيا قال لا قال فينبغي ان يفرق بين الرجال والنساء ففرق وحملت أم إبراهيم بإبراهيم ولم بين

ص :25


1- (1) وأقول هذا الخبر وأمثاله لا يمكن اعقاده للقائلين بان النبي محمدا صلى الله عليه وآله تقلب في أصلاب طاهرة وأرحام زاكية بدلالة (وتقلبك في الساجدين) والأحاديث الكثيرة عن الأئمة المهتدين بان أبا إبراهيم أخنوخ وان آزر عمه ورباه. والأب يطلق مجازا على المربي وعلى العم وعلى المؤدب بالعلم، فانظر كتاب تنزيه الأنبياء للمرتضى وغيره وتفاسير القرآن للشيعة في هذا المقام)

حملها فلما حان ولادتها قالت لآزر اني عليلة وأريد ان اعتزل عنك وكانت المرأة في ذلك الزمن إذا اعتلت اعتزلت زوجها فخرجت واعتزلت في غار فوضعت إبراهيم فهيأته وقمطته ورجعت إلى منزلها وسدت باب الغار بالحجارة واجري الله تعالى لإبراهيم لبنا من إبهامه وكان نمرود يقتل كل ذكر يولد فما زال إبراهيم في الغار وكما يشب في اليوم كما يشب غيره في الأسبوع حتى اتى له ثلاث عشرة سنة فزارته أمه فلما أرادت ان تفارقه تشبث بها فقالت يا بني ان الملك إذا علم انك قد ولدت في هذا الزمان قتلك فأبى عليها وخرج من الغار فلما خرج وكانت الشمس قد غابت رأى الزهرة في السماء فقال هذا ربي فلما غابت قال لو كان هذا ربي ما تحرك وما برح ثم قال (لا أحب الآفلين) الآفل الذي يغيب فلما كان بعد ذلك اطلع فرأى القمر المشرق فقال إبراهيم هذا ربي هذا حسن فلما تحرك قال (لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين) فلما أصبح وطلعت الشمس ورأي ضوءها وقد أضاءت الدنيا بطلوعها (هذا ربي هذا أكبر) فلما تحركت وزالت (قال يا قوم اني برئ مما تشركون اني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما انا من المشركين) فكشف له عن السماوات حتى رأى العرش وما فوقه وما تحته ونظر إلى ملكوت السماوات والأرض، (قال العالم) عليه السلام لما رأى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض التفت فرأى رجلا يزنى فدعا عليه فمات ثم رأى آخر فدعا عليه فمات حتى دعا على

ص :26

ثلاثة فماتوا فأوحى الله إليه يا إبراهيم ان دعوتك مجابة فلا مجابة فلا تدع على عبادي فاني لو شئت لم أخلقهم اني خلقت خلقي على ثلاثة أصناف صنف يعبدني ولا يشرك بي شيئا فأثيبه وصنف يعبد غيري فلن يفوتني وأعذبه وصنف يعبد غيري فاخرج من صلبه من يعبدني فلن يفوتني هو، ورواه أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في (الجزء الأول) من تاريخه، ورواه سعيد بن هبة الله الراوندي رحمه الله في كتاب (قصص الأنبياء) ورواه أيضا الثعلبي في كتاب (العرائس والمجالس) في قصص القرآن ورواه غيرهم من العلماء فلا حاجة إلى الإطالة بروايتهم ويكفي التنبيه عليها للاعتناء (فصل) ومن أخبر المنجمون عن نبوته ورسالته موسى بن عمران صلوات الله على سيدنا رسول الله وعلى من تزيده الصلاة من خاصة رسل الله فقد تضمنت كتب التاريخ وغيرها من المصنفات ما يغني عن جميع الروايات، فمن ذلك ما رواه الثعلبي في كتاب (العرائس والمجالس) قال إن فرعون رأى في منامه ان نارا قد أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر فأحرقتها وأحرقت القبط وتركت بني إسرائيل فدعا فرعون السحرة والكهنة والمغبرين والمنجمين وسألهم عن رؤياه فقالوا له انه يولد في بني إسرائيل فلام يسلبك ملكك ويغلبك على سلطانك ويخرجك وقومك من أرضك ويذل دينك وقد أظلك زمانه الذي يولد فيه، ثم ذكر ولادة موسى وما صنع فرعون في قتل ذكور الأولاد، وليس

ص :27

في ذكر ذلك ههنا ما يليق بالمراد، وذكر حكم المنجمين في ميلاد موسى ونبوته الزمخشري في (كتاب الكشاف)، وروى حديث دلالة النجوم على ولادة موسى عليه السلام وهب بن منبه في الجزء الأول من (كتاب المبتدا)، بأبسط من رواية الثعلبي وحدثني بعض علمائنا المنجمين بحكم دلائل المنجمين على عيسى عليه السلام ولم احفظ لفظ حديثه لا حكيه، ووجدت ذلك مشروحا بالعربية في أوائل الإنجيل (فصل) وذكر أبو جعفر محمد بن بابويه رضوان الله جل جلاله عليه في جزء السادس من (كتاب النبوة) في باب سياقة حديث عيسى بن مريم عليه السلام فقال. ما هذا لفظه، وقدم عليها وفد من علماء المجوس زائرين معظمين لأمر ابنها وقالوا انا قوم ننظر في النجوم فلما ولد ابنك طلع بمولده نجم لا يفارقه حتى يرفعه إلى السماء فيجاور ربه عز وجل ما كانت الدنيا مكانها ثم يصير إلى ملك هو أطول وأبقى مما كان فيه، فخرجنا من قبل المشرق حتى دفعنا إلى هذا المكان فوجدنا النجم متطلعا عليه من فوقه فبذلك عرفنا موضعه، وقد أهدينا له هدية جعلناها له قربانا لم يقرب مثله لاحد قط، وذلك انا وجدنا هذا القربان يشبه أمره وهو الذهب والمر واللبان، لان الذهب سيد المتاع كله وكذلك هو ابنك سيد الناس ما كان حيا، ولان المرحباة الجراحات والجنون والعاهات كلها وكذلك ابنك يعافي المرضى كلها. ولان اللبان يبلغ دخانه السماء ولن يبلغها دخان غيره وكذلك ابنك يرفعه الله إلى السماء وليس يرفع من

ص :28

أهل زمانه غيره (فصل) ووجد في كتاب (دلائل النبوة) جمع أبى القاسم الحسين ابن محمد السكوني من نسخة عتيقة عليها سماع تاريخه يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة ونسخ من أصل كتاب مصنفه، فذكر في معرفة بعض اليهود بعلم النجوم حديث بعثة النبي محمد صلوات الله عليه وآله فقال ما هذا لفظه، حدثني الشريف أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسين بن علي بن عبد الرحمان قال حدثنا الحسن قال حدثنا عبد الله بن غانم قال حدثنا هناد قال حدثنا يونس عن أبي إسحاق قال حدثنا صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمان بن عوف بن يحيى بن عبد الرحمان بن أسعد بن زرارة قال حدثنا ابن شيث عن رجال قومه عن حسان بن ثابت قال انى والله لغلام يفقه ابن سبع أو ثمان سنين أعقل كلما سمعت إذ سمعت يهوديا وهو على أطمة يثرب يصيح، يا معشر اليهود فاجتمعوا له وقالوا له ويلك ما لك؟ قال طلع نجم احمد الذي يبعث به اللية، هذا آخر لفظه، وسيأتي معرفة النصارى بنبوته من طريق النجوم أيضا (فصل) ووجدت كتابا عندنا الآن اسمه كتاب الندا الصيني الذي عمله كيشتا ملك الهند يذكر فيه تفصيل دلالة النجوم على نبوة نبينا محمد صلوات الله عليه وآله وخلفائه، وهو شرح طويل، وقصدنا ذكر جملته دون التفصيل

ص :29

(فصل) ووجدت في كتاب " درة الا كليل " في تتمة التذييل تأليف محمد بن أحمد بن عمرو بن حسين بن القطيعي في الجزء الثالث منه عند قوله، مفاريد الأسماء على التعبيد، فذكر في ترجمة عبد الأول بن عيسى بن شعيب بن إبراهيم بن إسحاق الشجري الأصل المروي المولد الصوفي الشيخ المعمر الثقة الموقت لابن أبي عبد الله، حديث دلالة النجوم عند هر قل ملك الروم غلى نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله، والحديث طويل يتضمن سؤال هر قل لبعض قريش عن صفات النبي ولفظ كتاب النبي صلوات الله عليه وآله وسلامه إلى هر قل، ثم قال ما هذا لفظه وكان ابن الناطور صاحب ايلياء وهرقل أشفقا على نصارى الشام فحدث ان هر قل حين فقد ايلياء أصبح يوما خبيث النفس، فقال بعض بطارقته قد أنكرنا هيئتك قال ابن الناطور، وكان هر قل جيد النظر في علم النجوم، فقال لهم حين سألوه، اني نظرت الليلة في النجوم، فرأيت ملكا يظهر في من يختتن من هذه الأمة، فقالوا له ليس يختتن الا اليهود فلا يهمنك شأنهم، فاكتب إلى مدائن ملكك يقتلون من فيها من اليهود فبينما هم على أمرهم إذ اتي برجل ارسل إلى هر قل من ملك غسان يخبره بخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما استخبره هر قل، قال اذهبوا فانظروا أيختتن هو أم لا فنظروه وأخبروا انه مختتن، فسألهم عن العرب، فقالوا انهم يختنون فقال هر قل هذا ملك هذه الأمة قد ظهر، ثم كتب إلى صاحب رومية، وكان نظيره في العلم، وسار هر قل إلى حمص

ص :30

حتى اتاه كتاب صاحبه يوافق رأيه على خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وانه نبي، فاذن هر قل لعظماء الروم في دسكرة له بحمص ثم أمر بأبوابها فغلقت ثم اطلع عليهم فقال يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد ان يثبت ملككم، قالوا بلى، قال يا يعوا هذا النبي، فحاصوا حوصة حمر الوحش إلى الأبواب فوجدوها مغلقة، فلما رأى هر قل نفرتهم وأيس من الايمان قال ردوهم فلما ردوا قال لهم اني قلت مقالتي آنفا، اختبر بها شدتكم على دينكم، وقد رأيت ما أعجبني، فسجدوا له ورضوا عنه فكان ذلك آخر شان هر قل " أقول " هذا آخر لفظ مصنف كتاب (درة الا كليل " ولم أذكر أسانيد هذه الرواية تخفيفا، فهذا يتضمن ان النجوم دلت هر قل وصاحبه برؤيته على نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ووطأت له بلوغ الأمنية وأذلت قلوب الرومية وكان ذلك من الآيات الربانية، والدلالات الخارقة الإلهية ومن فكان مطلعا على كتب الاسلام وجد دلالة النجوم واضحة معلومة للأفهام لا يمكن جحودها إلا بالعناد وتهوين آيات الله جل جلاله في العباد وتصغير عظمته تعالى شانه وحكمته في تدبير خليقته (فصل) واما دلالة النجوم لكسرى ملك الفرس على نبوة نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه وآله وتوطئة النبوة بما دلت عليه النجوم بتدبير الله جل جلاله لها، فهو مذكور في كتب التواريخ يطول كتابنا بايراد كلما وقفنا عليه ولكنا نذكر ما يكون تنبيها على ما أشرنا إليه ومن

ص :31

أراد استيفاء ذلك فلينظره في كل تاريخ اشتمل عليه، ونحن نقتصر على ما ذكره " الطبري " في تاريخه فهو تاريخ مشهور (فصل) ذكر " الطبري " في تاريخه عن معرفة كسرى بالمنجمين وغيرهم بنبوة محمد صلوات الله عليه وآله بما يأتي ذكره بلفظه، وهو ذكر الخبر عن الأسباب التي حدثت من إرادة الله تعالى إزالة ملك فارس من أهل فارس فوطا بها للعرب ما أكرمهم به نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم من النبوة والخلافة والملك والسلطان في أيام كسرى أبرويز فمن ذلك ما روى وهب بن منية وهو ما حدثنا به ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال كان من حديث كسرى ما حدثني به بعض أصحابي عن وهب بن منبه، ان كسرى كان سكن دجلة العوراء وأنفق عليها من الأموال ما لا يدري ما هو؟ وكان طاق مجلسه قد بني بنيانا لم ير مثله وكان يعلق به تاجه فيجلس فيه إذا جلس للناس. وكان عنده ستون وثلاثمائة رجل من الخراة " والخراة العلماء " ما بين كاهن ومنجم وساحر وكان فيهم رجل من العرب يقال له السائب يعتاف اعتياف العرب فلما يخطئ بعثه إليه باذان من اليمن، وكان كسرى إذا ضربه أمر جميع كهانه وسحرته ومنجميه فقال انظروا في هذا الامر ما هو؟ فلما ان بعث الله نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم أصبح كسرى ذات غد وقد انقصمت طاق ملكه من وسطها من غير نقل وانخرفت دجلة العوراء فلما رأى ذلك حزن وقال طاق ملكي انقصمت من غير ثقل وانخرقت دجلة

ص :32

العوراء (شاه بشكسته) يقول الملك انكسر، وجمع الكهان والسحرة والمنجمين ودعا السائب معهم فقال انظروا في هذا الامر ما هو فخرجوا من عنده ونظروا في الامر فاخذ عليهم بأقطار السماء وضاقت عليهم الأرض وتسكعوا بعلمهم فلا يمضي لساحر سحره ولا لكاهن كهانته ولا يستقيم لمنجم علم نجومه، وبات السائب في ليلة ظل فيها على ربوة من الأرض يرمق برقا نشأ من الحجاز ثم استطار حتى بلغ المشرق، فلما أصبح ذهب ينظر إلى ما تحت قدميه فإذا روضة خضراء، فقال فيما يعتاف لئن صدق ما أرى ليخرجن من الحجاز سلطان يبلغ المشرق وتخصب به الأرض كأفضل ما أخصبت من ملك كان قبله، فلما خلص الكهان والمنجمون بعضهم إلى بعض، رأوا ما أصابهم، ورأي السائب ما قد رأى قال بعضهم لبعض تعلمون والله ما حيل بينكم وبين علمكم الا لأمر جاء من السماء وانه لنبي قد بعث، أو هو مبعوث يسلب هذا الملك ويكسره ولئن بنيتم لكسرى خراب ملكه ليقتلنكم فأقيموا بينكم أمرا تلقونه فيه حتى تؤخروا أمره إلى آخر ساعة، فجاؤوا إلى كسرى، فقالوا قد نظرنا في هذا الامر، فوجدنا بناءك الذي وضعته على الحساب، قد أخطأوا فيه فوضعوا طاق الملك وسكور دجلة على النحوس، فلما اختلف عليه الليل والنهار وقعت النحوس على مواقعها، فدك كل ما وضع عليها، وانا سنحسب حسابا تضع عليه بنيانا لا يزول، قال فاحسبوا، فحسبوا ثم قالوا ابن، فبنى فعمل في دجلة ثمانية أشهر، وأنفق فيها من الأموال ما لا يذري ما هو حتى

ص :33

إذا فرغ قال لهم اجلس على سورها قالوا نعم، فامر بالبسط والفرش والرياحين فوضعت عليها، وأمر بالمرازبة فجمعوا واجتمع إليه النقابون ثم خرج حتى جلس عليها فبينا هو هناك إذ انتسفت دجلة البنيان من تحته فلم يخرج الا بآخر رمق، ولما أخرجوه جمع كهانه وسحرته ومنجميه فقتل منهم قريبا من مائة فقال لهم سميتكم وأدنيتكم دون الناس وأجريت عليكم أرزاقي وتلعبون بي، فقالوا أيها الملك أخطأنا كما أخطأ من قبلنا ولكنا سنحسب حسابا نبينه حتى نضعه على الوفاق من السعود قال لهم انظروا ما تقولون قالوا فانا نفعل قال فاحسبوا فحسبوا له ثم قالوا له ابن فبنى وأنفق من الأموال ما لا يدري ما هو ثمانية أشهر كذي قبل فقالوا قد فرغنا فقال أخرج واقعد عليها قالوا نعم، فهاب الجلوس عليها وركب برذونا وخرج يسير عليها، فبينا هو يسير فوقها إذ انتسفت دجلة بالبنيان فلم يخرج الا بآخر رمق فدعاهم، وقال والله لاتين على آخركم ولأنزعن أكتافكم ولأطرحنكم تحت أيدي الفيلة أو لتصدقوني ما هذا الامر الذي تلفقونه علي، قالوا لا نكذبك أيها الملك امرتنا حين انخرقت دجلة وانقصمت طاق المجلس من غير ثقل ان ننظر في علمنا لم ذلك، فنظرنا فاظلمت علينا أقطار السماء، فتردى علمنا وسقط في أيدينا، فلا يستقيم لساحر سحر أولا لكاهن كهانة ولا لمنجم علم نجوم فعلمنا ان هذا أمر حدث من السماء وانه قد بعث نبي أو هو مبعوث فحيل بيننا وبين علمنا لأجله وخشينا ان نعينا إليك ملكك ان تقتلنا فكرهنا من الموت ما يكره

ص :34

الناس وعللناك على أنفسنا بما رأيت قال ويحكم فهلا بينتم لي هذا لأرى فيه رأيي قالوا منعنا من ذلك ما تخوفنا منك فتركهم ولها عن دجلة حتى علم ذلك (فصل) وذكر علي بن المرتضى في أواخر الجزء الثالث من ديوان النسب ما ذكر انه من التوراة في دلالة النجوم على نبوة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في زمن كسرى المشار إليه مثله (أقول) وهلك كسرى هذا في حياة النبي صلى الله وسلم عليه وآله، واما كسرى الذي خرج الملك عنه إلى المسلمين فسنذكر ما ذكره الطبري من دلالة النجوم على ما آل حاله إليه في فصل منطو عليه فنقول (فصل) واما دلالة النجوم على ظهور المسلمين على ملوك الفرس فالاخبار بها كثيرة فمن ذلك ما ذكره الطبري في تاريخه فقال ولما أمر يزدجرد رستم بالخروج من ساباط بعث إلى أخيه بنحو من الكتاب الأول وزاد فيه فان السمكة قد كدرت والنعايم قد حبست وحسنت الزهرة واعتدل الميزان وذهب بهرام ولا أرى هؤلاء القوم الا سيظهرون علينا ويستولون على ما بأيدينا وان أشد ما رأيت أن الملك قال لتسيرن إليهم أو لأسيرن انا بنفسي وانا سائر إليهم وكان الذي جرأ يزد جرد على إرسال رستم غلام جاه بان منجم كسرى وكان من أهل قراب بادقلى فأرسل إليه ما ترى في مسير رستم الحرب العرب فكذبه خوفا وكان رستم يعلم نحوا من علم ذلك المنجم فثقل عليه سيره وخف على الملك

ص :35

لمشاغره به، وقال له اني أحب ان تخبرني بشئ أراه فاطمئن به إلى قولك فقال الغلام لدرنابند الهندي سلني فسأله فقال الغلام أيها الملك يقبل طائر فيقع على ايوانك ويقع منه ما في فيه ههنا وخط دائرة فقال العبد صدق والطائر غراب والذي في فيه درهم، وبلغ جابان ان الملك طلبه فاقبل فسأله عما قاله غلامه فحسب وقال صدق ولم يصب هو عقعق في فيه درهم يقع منه على هذا المكان وكذب درنا بند في مكان الدرهم بل ههنا ودور دائرة أخرى فاقاموا حتى وقع على الشرفات عقعق فسقط منه درهم فوقع في الخط الأول وتدهده حتى صار في الخط الآخر ونافر الهندي جابان حيث خطاه فاتى ببقرة نتوج فقال الهندي سخلتها غبراء سوداء فقال جابان كذبت بل سوداء سفعاء فنخرت البقرة واستخرجت سخلتها فإذا ذنبها ابيض فقال جابان من ههنا اتى درنا بند وشجعاه على اخراج رستم فأمضاه ثم قال الطبري ما معناه ان جابان كتب إلى من يشفق عليه من العسكر يأمره بالدخول معهم فيما يريدون وان ملك الفرس ذهب فقبل منه فكان الامر على ما اقتضاه دلالة النجوم على ظهور العرب على الفرس (فصل) فيما نذكره من دلالة النجوم على مولانا المهدي بن الحسن العسكري صلوات الله عليهما ذكرها بعض أصحابنا في كتاب الأوصياء وهو كتاب معتمد عند الأولياء وجدته في أصل عتيق لعله كتب في زمان مصنفه وقد د؟؟ تاريخه، فيه دلالات الأئمة وولادة المهدي صلوات الله عليهم رواه الحسن بن جعفر الصيمري، ومؤلفه علي بن محمد بن زياد الصيمري

ص :36

وكانت له مكاتبات إلى الهادي والعسكري وجوابهما إليه وهو ثقة معتمد عليه فقال ما هذا لفظه، حدثني أبو جعفر القمي ابن أخي أحمد بن إسحاق ابن مصقلة، انه كان بقم منجم يهودي موصوفا بالحذق في الحساب فأحضره أحمد بن إسحاق وقال له قد ولد مولود في وقت كذا وكذا فخذا لطالع واعمل له ميلادا فاخذ الطالع ونظر فيه وعمل عملا له، فقال لأحمد لست أرى النجوم تدلني على شئ لك من هذا المولود بوجه الحساب ان هذا المولود ليس لك ولا يكون مثل هذا المولود الا لنبي أو وصي نبي وان النظر فيه يدلني على أنه يملك الدنيا شرقا وغربا وبرا وبحرا وسهلا وجبلا حتى لا يبقى على وجه الأرض أحد إلا دان له وقال بولايته، يقول علي بن موسى بن جعفر ابن محمد بن محمد الطاوس وهذا من آيات الله الباهرة وحججه؟ لي من عرفه بالعين الباصرة، فان أحمد بن إسحاق ستر المولود على المنجم المذكور فدله الله جل جلاله بدلالة النجوم على ما جعل فيه من السر المستور، وقد كنت أشرت إلى قدامة بن الأحنف البصري المنجم ليحقق طالع ولادة المهدي صلوات الله عليه ولم أكن وقفت على هذا الحديث المشار إليه فذكر انه حقق طالعه واحضر زايجته وكما سبقنا راوي هذا الحديث إليه فصار ذلك اجماعا منهما عليه (فصل) فيما نذكره من كلام الشيخ المقيد محمد بن محمد بن النعمان رضوان الله عليه، وهو الذي انتهت رياسة الإمامية في وقته إليه، وذلك فيما رويناه عنه في (كتاب المقالات) انه لا مانع من أن يكون الله اعلم

ص :37

بالنجوم بعض أنبيائه وجعلها علما على صدقه من بعض المعجزات فقال ما هذا لفظه وأقول ان الشمس والقمر وسائر النجوم أجسام نارية لا حياة لها ولا موت خلقها الله لينتفع بها عباده وجعلها زينة لسماواته وآية من آياته كما قال سبحانه (وهو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك الا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون) وكما قال تعالى (هو الذي جعل النجوم لتهدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون) وكما قال عز وجل (وعلامات وبالنجم هم يهتدون) وكما قال تبارك اسمه (وزينا السماء بمصابيح)، فاما الاحكام على الكائنات بدلالتها والكلام على مدلول حركاتها فان العقل لا يمنع منه ولسنا ندفع ان يكون الله تعالى اعلمه بعض أنبيائه وجعله علما له على صدقه غير انا لا نقطع عليه ولا نعتقد استمراره في الناس إلى هذه الغاية فاما نجده من احكام المنجمين في هذا الوقت وإصابة بعضهم فيه فإنه لا ينكر ان يكون ذلك بضرب من التجربة وبدليل عادة وقد يختلف أحيانا ويخطئ المعتمد عليه كثيرا ولا تصح اصابته فيه ابدا لأنه ليس بجار مجرى دلائل العقول ولا براهين الكتاب ولا اخبار الرسول. وهذا مذهب جمهور متكلمي أهل العدل واليه ذهب بنو نوبخت رحمهم الله من الامامية وأبو القاسم وأبو علي من المعتزلة أقول فانظر إلى قوله رحمه الله فاما الاحكام على الكائنات بدلالتها والكلام على مدلول حركاتها فان العقل لا يمنع منه فهذا تصريح صحيح ان العقول السليمات

ص :38

لا تمنع ان تكون النجوم دلائل على الكائنات، وانظر قوله رحمه الله ولسنا ندفع ان يكون الله سبحانه اعلمه بعض أنبيائه وجعله علما على صدق فهذا توفيق منه رحمه الله وتحقيق انه لا يدفع ان يكون الله تعالى علمه بعض أنبيائه وجعله علما على صدقه فهل تقبل العقول ان يكون الله تعالى اعلم أنبيائه بما يكون تعليمه والعلم به حراما ونقصانا لمن علمه وتعلمه وهل يمكن أن يجعل الله جل جلاله علما على صدق نبي من أنبيائه ما يكون كذبا وجهلا وبهتانا وضلا، وانظر قوله رحمه الله غير انا لا نقطع عليه ولا نعتقد استمراره إلى هذه الغاية فإنه ذكر انه ما نقطع عليه ولو كان هذا العلم باطلا وتعليمه والعلم به ضلالا كان قد قطع على أن الله لا يعلمه أنبيائه ولا يكون علما على صدقهم، واما قوله انا لا نعتقد استمراره في الناس إلى هذه الغاية فلقد صدق رحمه الله لان استمراره على الوجه الذي يمكن من تعليم الله تعالى بعض أنبيائه آية على صدقهم ما هو مستمر لعدم النبي الذي يمكن تعليم الله جل جلاله له وعدم الحاجة الآن إلى أن يكون علم النجوم علما على صدق نبي من الأنبياء عليهم السلام وانظر قوله رحمه الله، وأما ما نجده من احكام المنجمين في هذا الوقت وإصابة بعضهم فيه فإنه لا يكون ذلك بضرب من التجربة أو بدليل عادة فهل تراه رحمه الله أحال أصابتهم وابطلها وذكر تحريم التصديق بها واهملها وانما تأول الإصابات بأنها يمكن ان تكون للتجارب ودلائل العادات. واعلم أن جماعة من علماء المنجمين من المؤمنين والمسلمين حضروا عندنا ووقفا على تسييرهم وتحاويلهم وجربنا كثيرا من أقاويلهم وعرفنا انهم ما يذكرون دلائل هذه

ص :39

النجوم من طريق تجربة ولإعادة بل على ما يبلغه علمهم من تدبير الله تعالى لها دلائل على المدلولات كما يعتمد أصحاب كل علم لما يقتضيه علمهم من العبادات وقد قد منافى مناظرة الصادق عليه السلام للهندي انها لا تعرف بالتجربة والعادة كما أشرنا إليه. ثم أقول وانظر إلى قول المفيد رحمه الله عن احكام النجوم وقد تختلف أحيانا ويخطئ المعتمد عليه كثيرا ولا تصح إصابة فيه ابدا لأنه ليس بجار مجرى دلائل العقول ولا براهين الكتاب ولا اخبار الرسول أفلا تراه صدق بعض ما يحكم به المنجمون من دلائلها على الحادثات وانما قال قد تختلف أحيانا ويخطئ المعتمد عليه كثيرا وانهم لا يستمرون على الإصابات (أقول) وأي علم من العلوم العقلية والنقلية يستمر أصحابها على الإصابة فيها ولا يختلفون ولا يخطئون كثيرا بما تقتضيها وانظر قوله رحمه الله انه ليس بجار مجرى دلائل العقول ولا براهين الكتاب ولا اخبار الرسول فهل تراه أنكر هذه الأحكام أو رآها محرمة في شرائع الاسلام وانما ذكر انها لا تجري مجرى غيرها من الدلالات ولقد قال حقا وهو المؤيد بالعنايات ثم انظر قوله وهذا مذهب جمهور متكلمي أهل العدل واليه ذهب بنو نوبخت رحمهم الله من الامامية وأبو القاسم وأبو علي من المعتزلة كيف ذكر ان هذا مذهب جمهور متكلمي أهل العدل، فمن ذا يرغب بنفسه عن مذهب أهل العدل الا سقيم العقل بعيد من الفضل وانظر قوله واليه ذهب بنو نوبخت رحمهم الله من الامامية فلم ينكر عليهم بل ترحم عليهم. وبنو نوبخت من أعيان هذه الطائفة المحقة المرضية ومنهم وكيل مولانا المهدي صلوات الله عليه أبو القاسم

ص :40

الحسين بن روح رضوان الله جل جلاله عليه (فصل) ومن أعظم من يعتقد فيه انه ينكر دلالة النوم على الحادثات من أصحابنا المتكلمين تغمدهم الله بالرحمات، السيد المرتضى رضي الله عنه وأبلغ ما وقفت عليه من كلماته في ذلك في جملة مسائل سأله عنها تلميذه سلاز رحمه الله وإذا اعتبر الناظر فيها ما ذكره في أواخر جوابه عنها وجده يقول إن اتصال الكواكب وانفصالها وتسييرها لها أصول صحيحه وقواعد سديدة، وهذا من أعظم الموافقة على ما ذكرناه من صحة دلالة النجوم وانما ينكر رحمه الله ان النجوم فاعلة، وذلك منكرو كفر كما دللنا على فساده ومنكر ان تكون النجوم مؤثرة في أجسامنا ونحن على اعتقاده (فصل) واعلم إنني لو وجدته رحمه الله ما نعا بالكلية من صحة دلالة النجوم على الوجه الذي أشرنا إليه، فإنني لا ارضى بالتقليد لمن يجوز الاشتباه عليه ولو قلد هذا السيد المعظم في كل ما دخل فيه من الدول والولايات كان قد دخل غيره فيها واعتذر بنحو ما اعتذر به واعتمد عليه، ولقد وثق غيره بمن انبسط إليه فهدده بما لا صبر عليه من المؤاخذة والذل وكلمة من الاقتداء به والتقليد له وآثر الله جل جلاله عند الكل (فصل) ومن وقف على ما اشتبه على هذا السيد المعظم قدس الله روحه، وجد في بعض كتبه من المسائل العقلية، التي انفرد بها عن شيخه المفيد وجملة من علماء الإمامية، عرف انه لا يجوز تقليد من يجوز الخطا عليه فيما لا يسوغ شرعا تقليده فيه، وقد ذكر الراوندي رحمه الله نحو تسعين

ص :41

مسالة بل أكثر أصولية خالف فيها المرتضى شيخه المفيد وهى عندنا الآن بتفصيلها، ومن أعجبها اثبات الجوهر في العدم، فان شيخه المفيد استعظ في العيون والمحاسن الاعتقاد بصحتها، والمرتضى في كثير من كتبا عضدها وانتصر لها وهى خطا بجملتها (فصل) وكذلك من وقف على ما اشتبه على هذا السيد العالم رضي الله عنه في مسائل كثيرة شرعية، مثل ان الشيعة لا تعمل باخبار الآحاد في المسائل الدينية وهى من العلوم التي كان شغولا بها، فلا عجب ان يشتبه عليه شئ من علوم النجوم الذي ما هو معروف بها، ولا يكاد تعجبي ينقضي، كيف اشتبه عليه ان الشيعة لا تعمل باخبار الآحاد في الأمور الشرعية ومن اطلع على التواريخ والاخبار، وشاهد عمل ذوي الاعتبار وجد المسلمين والمرتضى وعلماء الشيعة الماضين عاملين باخبار الآحاد بغير شبهة عند العارفين (1) كما ذكر محمد بن الحسن الطوسي في (كتاب العدة) وغيره من المشغولين بتصفح اخبار الشيعة وغيرهم من المصنفين وقد ذكرنا في (كتاب غياث سلطان الورى) لسكان الثرى، صحة العمل

ص :42


1- (1) أقول ان المرتضى خلف الشيخ المفيد بالرياسة وابتلى بالجدل كما ابتلى الشيخ المفيد، وربما اعترض الخصم بخبر لا يسعه ان برده من جهة الراوي فيرده من جهة انه منفرد به وهذا جار مع كل خصم في الاخبار وكذلك في المعقولات فان جملة منها تخالف الشرع وعلماء الدين يدرسونها ليردوا الخصم من طريقه لا عن اعتقاد

باخبار الآحاد، وأوضحنا العمل به في سائر البلاد، وبين كافة العباد (فصل) وأبلغ ما رأيت من كلام المرتضى رضي الله عنه في احكام النجوم في (المسائل السالارية) وهى الثمان مسائل التي أشرنا إليها وكان سلار الفقيه عزيزا عليه وهو الذي تولى تغسيله مع غيره رضوان الله عليه وأول هذه المسائل، سؤال السائلين عن الجوهر وانه جوهر بالفاعل وقد منع المرتضى رحمه الله من ذلك غاية المنع. ونرجو ان يكون رجع عن هذا الدفع، إلى مذهب شيخه المفيد وغيره من أن الجوهر بالفاعل، فمن أعجب العجب اشتباه ذلك على أهل التأييد، فلا عجب اذن ممن اشتبه عليه ان الجوهر بالفاعل وهو من علوم العقل، ان تشتبه عليه مسالة في علم النجوم الذي هو ليس من علوم العقل، بل طريقة صادرة عن النقل والعقل أظهر والنقل اخفى واستر (فصل) فقال السائل للمرتضى رحمهما الله، وكيف تقول ان المنجمين حادسون مع أنه لا يفسد من أقوالهم الا القليل، فقال المرتضى في الجواب ما نذكر منه الذي إلى نحتاج الجواب عنه دون التطويل فذكر ابطال ان النجوم فاعلة مختارة، وقد كنا نبهنا على بطلانه، فلا حاجة الآن إلى ذكر برهانه، ثم قال ما هذا لفظه ما وقفنا عليه، واما الوجه الآخر وهو ان يكون الله سبحانه أجري العادة بان يفعل أفعالا مخصوصة عند طلوع كوكب أو غروبه، واتصاله أو مفارقته، فقد بينا ان ذلك ليس مذهب المنجمين البتة، وانما يحتملون الآن بالنظائر، وانه قد كان جائزا ان

ص :43

يجري الله تعالى العادة بذلك لكن لا طريق إلى العلم بان ذلك قد وقع وثبت، ومن أين لنا طريق ان الله تعالى اجرى العادة بان يكون زحل أو المريخ إذا كان في درجة الطالع كان نحسا وان المشتري إذا كان كذلك كان سعدا، وأي سمع مقطوع جاء به شئ من ذلك؟ وأي نبي خبر به واستفيد من جهته؟ والجواب، اما قوله رحمه الله ان ذلك ليس بمذهب المنجمين البتة، فسياتى في أواخر جوابه عن هذه المسائل ان اتصال الكواكب وانفصالها أصول صحيحة وقواعد سديدة، وياتي أيضا في كتابنا هذا في باب علماء المنجمين من الشيعة، وفى باب علماء المنجمين من غير الشيعة، قبل وجود المرتضى بأوقات كثيرة ممن كان يتعبد بالاسلام ان دلالة النجوم صادرة من الله جل جلاله، وهذا لا يليق انكاره وجحوده ثم كان خلق عظيم يعتقدون ان الأصنام فاعلة ورجعوا عنها ولم يكن ذلك الاعتقاد الأول حجة، ولا الرجوع عنها نقصا، بل زيادة في سعادة فكذا يجوزان يكون حال من ذكره من المنجمين، واما قوله قد كان جائزا ان يجرى الله تعالى العادة بذلك لكن لا طريق إلى العلم بان ذلك وقع وثبت فالجواب ان هذا موافقة منه ان العقول لا تمنع من جواز ذلك فاما كونه ذكر انه لا طريق إلى العلم بان ذلك وقع وثبت، فهذا مما يصعب الاعتذار له فيه لأنه ان كان يريد انه لا طريق أصلا في نفس الامر فعظيم، فإنه كان يحسن ان يقول يمكن ان يكون هناك طريق إلى العلم لكن ما عرفتها إلى الآن فان كثيرا من المسائل عرفها بعد أن لم يكن عارفا بها وتصانيفه تتضمن

ص :44

انه رحمه الله رجع عن مسائل كان قائلا بها ومعتقدا لها، وهذا شاهد عليه بجواز وجود الطريق فيما بعد إلى العلم بذلك واما قوله ومن أين ان الله تعالى اجرى العادة فهو استبعاد منه لوجود الدلالة وما هو نفي لها ولا إحالة وقد اعترف بصحته في أواخر جواب مسالته، وسوف نورد في كتابنا هذا من الاخبار المروية من علماء الفرقة المحقة المرضية الذي ثبت بامثالها بعض الأحكام الشرعية ما يقتضي وجود الطريق إلى التحقيق، بان دلالة النجوم صحيحة عند أهل التوفيق، واما قوله وأي نبي خبر به واستفيد من جهته فقد ذكرنا بعض من أورد إلينا انه نقل عن الأنبياء عليهم السلام وسنذكر بعد في هذا الكتاب من أشرنا إليهم، وإذا علمنا بالتجربة التي تنبت بمثلها المعلومات طريقا واضحة من دلالات النجوم كالكسوفات، كان ذلك كافيا وشافيا في أن هذا العلم صادر عن أهل النبوات، وان لم نعلمه بالروايات، كما ذكره الصادق (ع) في مناظرته للهندي وقد قدمنا (فصل) ثم قال رحمه الله تعالى في تمام كلامه ما هذا لفظ ما وقفناه عليه فان عولوا في ذلك على التجربة فانا جربنا ذلك ومن كان قبلنا فوجدناه على هذه الصفة وإذا لم يكن موجبا فيجب ان يكون معتادا قلنا لهم ومن سلم لكم هذه التجربة وانتظامها واطرادها وقد رأينا خطاكم فيها أكثر من صوابكم وصدقكم أقل من كذبكم فالا نسبتم الصحة إذا اتفقت منكم إلى الاتفاق الذي يقع من المخمن والمترجم، فقد رأينا من يصيب من هؤلاء أكثر ممن يخطئ وهم على غير أصل معتمد ولا قاعدة صحيحة

ص :45

فإذا قلتم ان سبب خطأ المنجم زلل دخل عليه من أخذ الطالع أو تسيير الكواكب، قلنا ولم لا كانت اصابته سببها اتفاق للمنجمين، وانما يصح لكم هذا التأويل والتخريج لو كان على صحة احكام النجوم دليل قاطع من غير إصابة المنجم، فاما إذا كان دليل صحة الاحكام الإصابة، فالا كان دليل فسادها الخطاء، فما أحدهما الا في مقابلة صاحبه فالجواب ان الجحود بالإصابة في الخسوفات والكسوفات وما جرى مجراهما من الدلالات لا يليق بمثل من كان دونه في المقامات العاليات، وقد وافق على أن هذه الطرق الواضحة عرفت بالحساب وستأتي موافقته في آخر الجواب وهو كاف في دلالة النجوم وصحتها لذوي الألباب ولو كان خطا العالم في بعض علمه قادحا في كله ما ثبت علم من العلوم إذ كلها وقع في بعضها خطا وغلط كما قدمنا، فاما قوله ان الإصابة تحتمل الاتفاق فقد ذكرنا عن الصادق (ع) في كتاب الإهليلجة وغيره فيما أسندناه إليه انه يستحيل ان تكون دلالة النجوم بالاتفاق وبالتجربة أيضا وانما هي معروفة نم جانب الله جل جلاله واما قوله ان صدقهم أقل من كذبهم وان المخمن والمترجم صوابهم أكثر من خطاهم فما اعلم من أين اعتقد رحمه الله تعالى ان المخمن والمترجم من طريق يسلك فيها إلى تخمينه وترجيمه وجد صوابه أكثر من خطاه وان أصحاب الحساب المبني على علم المعقول المستند أصله إلى علوم الأنبياء يكون دون المخمن والمترجم هذا مما لا احتاج إلى الجواب عنه وجوابه منه واما قوله رحمه الله في جوابهم ان الغلط يكون من المنجم

ص :46

عند اخذ الطالع بأنهم يحتاجون إلى دلالة من غير ذلك فأقول في الجواب سوف تأتي الدلالة المحوجة إلى أن يكون الغلط من المنجم كما أحوجت الدلالة على صحة المذاهب المحقة الإلهية والنبوية وظهر ان الغلط كان منهم في ترتيب الأدلة فالحالة واحدة واما قوله رحمه الله ان الغلط في مقابلة الإصابة فما أحدهما الا في مقابلة صاحبه فهذا ما يرد عليهم في دلالة الكسوفات والخسوفات ولا في ذكرهم لا هلة الشهور وما يناسبها من كليات الأمور فلا ينبغي اطلاق القول المذكور وقد تقدم في السؤال ان السائل ذكر انه لا يفسد من أقوالهم الا القليل وهو شاهد لهم جليل مشهود له بالتعديل، فتقابل دعواه بدعوى سائله رحمه الله (فصل) قال رحمه الله مما افحم به القائلون بصحة الاحكام ولم يحصل عنه منهم جواب انهم ان قيل لهم في شئ بعينه خذوا الطالع واحكموا هل يؤخذ أو يترك فان حكموا بالأخذ أو بالترك وفعل خلاف ما حكموا به فقد أخطأوا وقد أعضلتهم هذه المسألة والتعريف فالجواب ان هذه المسألة انما تلزم من يقول إن النجوم علة موجبة فاما من يقول إنها ليست بفاعل مختار بل وراءها فاعل مختار قادر على خراب الفلك إذا شاء وعلى ان يمحو ما يثبت وينبت ما محا فإنه لا يلزمهم لانهم يمكنهم ان يقولوا ان النجوم وان دلت على فعل فان الله فاعل مختار قادر على الترك والفعل لا يطلع على ما يريده سبحانه أحدا على ما ستر من اسراره فلا يحكم عليه بأنه جل جلاله يلزمه الاستمرار على فعله أو تركه بل يقولون هذا الفعل

ص :47

يقع بشرط الاختيار والله سبحانه عكس دلالته وهذا الامر يترك بشرط الاختبار، والله تعالى عكس علامته كما نسخ الفاعل المختار الشرايع ومحا وأثبت وكان ذلك حكمة وصوابا (فصل) واما من يقول إن النجوم دلالات وان العبد فاعل مختار فإنه يقول يحتمل انها تارة تدل بالله جل جلاله الفاعل المختار على شروط لا يطلع غيره على اسرارها وتارة تدل بغير شروط فالدلالة في نفسها صحيحة لكن وراءها العبد وهو قادر على ترك الاستمرار عليها. فلا يلزمهم ان ما أخبروا بفعله انه يستحيل تركه من العبد ولاما أخبروا بتركه انه يستحيل فعله من العبد لتجويز شروط منها ان لا يكون العبد المختار يختار خلاف مادلت عليه وهذا وجه يدفع الشبهة التي ذكرها رحمه الله (فصل) ثم ذكر حكاية جرت له مع بعض الوزراء الذين يقولون بصحة دلالات النجوم وانه رحمه الله قال للوزير ما معناه ان النجوم لو كانت تدل على الإصابة لكان المنجمون سالمين من الآفات وكان الجاهلون بالنجم حاصلين في المخافات وكانوا كبصير واعمى إذا سلكا في الطريق والجواب ان يقال ليس كل من عرف علما عمل بعلمه وخلص نفسه من الردي قال الله جل جلاله (واما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى) ثم يقال له لو أن قائلا قال لك لو كان العقل موجودا مع الموصوفية من بني آدم لكان السالمون به من الآفات اضعاف الهالكين به من الدواب والحيوانات المختارة التي ليس معها عقول. ونحن نرى الآفات

ص :48

بحري على الفريقين على المقارنة والمناسبة بل لعل هلاك العقلاء بعقولهم أكثر من هلاك الحيوان المختار من غير عقل بما هو عليه من الجهل ويقال له لو كان في علوم بني آدم بديهيات لقد كان يتعذر على أحد منهم الخلاف فيها وقد اختلفوا فيها، ويقال له لو كان العلم ثابتا بانا فاعلون ضرورة لكان السالم منه أكثر من الهالك ونحن نرى ثلثا وسبعين فرقة من الأمة المرحومة جهلتها أكثر من الفرقة الناجية في كل وقت من الأوقات ومع ذلك ما دل هذا الاختلاف على بطلان العلم بانا فاعلون بالضرورة، وقد تركنا معارضات كثيرة (فصل) ثم قال رحمه الله عن شخص غير منجم سماه الشعراني له اصابات عظيمة بعضها وقعت بحضوره من اخباره بالغائبات، فقال كان لنا صديق يقول ابدا من أدل دليل على بطلان علم النجوم إصابة الشعراني والجواب ان الذين يذهبون إلى أن الولادة في وقت معين دالة من طوالع النجوم، فيقولون ان طالع هذا الشعراني اقتضى تعريف الله تعالى له بهذه الإصابات وهم يجعلون هذا من حججهم ان النجوم دلالات من آيات فاطر الأرضين والسماوات، ولو كان هذا الشعراني يصيب من مجرد عقله لاشترك في اصابته كل من له عقل مثله وخاصة كان يلزم ذلك من يقول إن العقول متساوية وحكى مجلسا جرى له مع منجم ذكر نحو ما ذكرناه، ثم اعترض عليه بان قال وإذا كانت الإصابة بالمواليد فالنظر في علم النجوم عبث وتعب لا يحتاج إليه والجواب ان يقال له رحمه الله إذا كانت الإصابة في

ص :49

احكام النجوم بالمواليد على شروط تعلم الطريق وقد دلت الولادة على تعلمها لمن كانت ولادته مقتضية لذلك، فكيف يقال مع هذا ان النظر في علم النجوم عبث وتعب لا يحتاج إليه، وأين حجته فيما ذكره واعتمد عليه، (فصل) ثم قال رحمه الله ما معناه ان معجزات الأنبياء عليهم السلام اخبارهم بالغيوب فكيف يقدر عليها غيرهم فيصير ذلك ما نعا من أن يكون معجز الهم، والجواب انا نقول هذا ول من بعد ما شهده من الشعراني من أنه كان يخبر بالغيوب وانه شاهد ذلك منه، فمهما أجاب به عن الشعراني في أن اخباره بالغائبات لا يقدح بالمعجزات، فهو جواب المنجمين، فاما قوله كيف يقدر عليها غيرهم فالجواب عنه إذا كان الله جل جلاله هو الذي جعل النجوم دلالات وكانت من معجزات إدريس عليه السلام، فجوابه عنه هو جوابه عن الأنبياء ويقال له ان الأنبياء ادعوا تصديق الله جل جلاله لهم بالمعجزات فصدقهم تعالى مع حكمته وعدله فلا يشبه ذلك منجم لا يدعي لقوله تصديقا وينسب دلالة النجوم إلى الله تعالى (فصل) وقد وجدنا في التواريخ كثيرا من المسلمين والمعتبرين ذكروا في معجزات النبي صلى الله عليه وآله وسلم اخبار سطيح وغيره من الكهنة والمنجمين بغائبات أخبروا بها ووقعت، ولم يكن ذلك قادحا في معجزات الأنبياء فيما أخبروا به من الغائبات لأجل اختلاف الأنبياء والكهنة في صفات تعريفهم بالغائبات والحادثات لان الأنبياء يخبرون

ص :50

بالغيب من غير سبب من البشر، وغيرهم يخبر بأسباب من توصله بالبشر (فصل) وذكروا أيضا من اخبار الجن والتوابع لجماعة من الجاهلية والمسلمين بغائبات ما لو أردنا ذكرها بلغنا حد الإطالة، بل فيها ما جعله جماعة من المسلمين معجزة لصاحب النبوة حيث أخبرت الجن بنبوته واسلم ذلك الذي أخبروه برسالته، ولم يكن ذلك الاخبار بالغيوب قادحا في معجزات الأنبياء عليهم السلام (فصل) ولو لم يكن الا ما يأتي في المنامات التي لا يليق جحودها ولا يحسن انكارها بشئ من المكابرات، ولم يقدح ذلك في معجزات الأنبياء بتعريف الغائبات فلدلالة النجوم أسوة بهذه الدلالات، وأين تعريف الأنبياء بالحادثات؟ من تعريف المنجمين وغيرهم من سائر المخبرين، لان اخبار الانباء كما ذكرنا من حيلة ولا توصل منهم ولا خطا ولا غلط ابدا صدر عنهم وستأتي في تضاعيف هذا الكتاب أيضا زيادة دلالات في في الفرق بين الأنبياء وبين المنجمين وغيرهم في تعريفهم بالغائبات ولقد تعجبت كيف اشتبه الامر بينهما على ذوي البصائر والعارفين بالدلالات (فصل) ثم ذكر المرتضى رحمه الله على عاه ته في كثير من مسائله وجوابهما ان الاجماع عليه وقد قدمنا قول شيخه المفيد بخلاف ما اعتمد المرتضى عليه فإنه قال فيه مذهب جمهور متكلمي أهل العدل واليه ذهب بنو نوبخت من الامامية، وأبو القاسم وأبو علي من المعتزلة، فكيف يقول إن الاجماع عليه وهذا قول شيخه المفيد رحمه الله كما تراه ممن ذكرهم على

ص :51

القول بخلافه وسوف نذكر أيضا من علماء المنجمين ومن علماء المسلمين وعلماء العقلاء من الماضين والباقين واستعمالهم لذلك أجمعين، ما يقتضي ان الاجماع على خلاف السيد المرتضى، مما لم نذكر قوله فيه، شفقة عليه.

(فصل) وقد وجدت في عدة كتب روينا بعضها ان المرتضى رحمه الله أخذ غيره طالعه وعملت زايجته وان طالعه الجوزاء، وان ولده الآخر المسمى بمحمد والمكنى بابي جعفر اخذ طالعه وعملت زايجته، فكان بالأسد وفي رواية أخرى ان طالعه بالعقرب ووجدت أيضا ان أخاه المرتضى رحمه الله أخذ طالعه وعملت زايجته فكان طالعه بالجوزاء، وان ولد الرضي المسمى بعدنان أخذ طالعه وعملت زايجته فكان طالعه بالميزان، وفي رواية أخرى بالجوزاء، فممن ذكر ذلك بعض ولد السيد المرتضى في كتاب (ديوان النسب)، وفى كتاب عندنا عتيق يتضمن طوالع خلق عظيم من الخلفاء والوزراء والملوك والفقهاء والعلماء، أقول فهل يقبل العقل ان طالع المرتضى وأخيه الرضي رحمهما الله أخذا بغير علم والدهما المعظم الذي لا يطعنان عليه؟ وهل يكون طوالع أولادهما أخذت وحضر الراصدون عند نسائهم وقت ولادتهن بغير علم من المرتضى والرضي وعملت زوائجهم وهما منكران لذلك؟ فلا ريب ان استعمال الأعمال، أرجح من انكارها بالأقوال، وهو مما ينبه ان النجوم عندهم دلالات وإمارات وانها مستعملة ومباحات، على اختلاف الأوقات (فصل) ثم قال المرتضى ما هذا لفظ ما وقفنا عليه، وأما أصابتهم

ص :52

بالاخبار عن الكسوفات وما مضى في أثناء المسألة من طلب الفرق بين ذلك وبين سائرها يخبرون به من تأثير الكواكب في أجسامنا، فالفرق بين الامرين ان الكسوفات واقترانات الكواكب وانفصالها طريقه الحساب وتسيير الكواكب وله أصول صحيحة وقواعد سديدة وليس كذلك ما يدعونه من تأثيرات الكواكب الخير والشر والنفع والضر، ولو لم يكن الفرق بين الامرين الا الإصابة الدائمة المتصلة في الكسوفات وما يجري مجراها ولا يكاد يقع فيها خطا البتة، فإنما الخطا المعهود الدائم انما هو في الاحكام الباقية حتى أن الصواب هو العزيز فيها وما لعله يتفق فيها من إصابة فقد يتفق من المخمنين أكثر منه فجمل الامرين على الآخرين قلة دين وحياء، هذا آخر لفظ الجواب منه رحمه الله، والجواب انه قد اعترف بصحة ما استند إلى الحساب من الكسوفات وغيرها مما يجري مجراها وهذه موافقة واضحة لما دللنا عليه واعتراف بصحة ما ذهبنا إليه، ونحن ما نخالف ان الصحيح من دلالات النجوم ما دل عليه حساب العلماء منهم دون ما يقال عنهم بتجربة أو تخمين، ويكفى تصديقه ان اقترانات الكواكب وانفصالاتها وتسييراتها له أصول صحيحة وقواعد سديدة فاذن قد ظهر اتفاق من قد ذكرناه من العلماء من أصحابنا المعظمين تغمدهم الله جل جلاله بالرحمات على ما حررناه ونحرره في النجوم بالحساب، وانها دلالات على الحادثات واضحات (فصل) ووجدت في مجلد كبير فيه مسائل وتصانيف للمفيد

ص :53

والمرتضى قدس الله روحيهما، أول مسالة منه في قول النبي صلى الله وسلم عليه وآله علي اقضاكم وفيه جواب جملة من مسائل المرتضى، وقد أجاز وأورد الدلالة بالسمع على أن النجوم دلائل على الحادثات، ثم ذكر ما هذا لفظ ما وقفنا عليه، وعلى هذه الطريقة قلنا ان الذي جاء بعلم النجوم من الأنبياء هو إدريس (ع)، وانما علم من جهته على الحد الذي ذكرناه، واعلم انا لا نجوز كونها دلالة الا على هذا الوجه فقط، لان النبي انما يدل على هذا الحد على الوجه الذي يدل الدليل العقلي عليه، وقد بينا العذر في النجوم فلم يبق الا ما ذكرناه، والقطع على أن كيفيته دلالتها معلوم الا انه الآن غير ممكن لان شريعة إدريس وما علم من قبله كالمندرس فلا يعلم الحال فيه فان كان بعض تلك العلوم قد بقى محفوظا عند قوم تناقلوه وتداولوه. لم نمنع ان يكون معلوما لهم إذا اتصل التواتر، وإذا لم يكن كذلك لم نمنع ان يكون العلم، وان بطل وزال، يمكن ان تكون آيات تقتضي غالب الظن عند كثير منهم. وهذا هو الأقرب فيما تمسك به أهل النجوم لانهم إذا تدبرت أحوالهم وجدتهم غير واثقين بما يتقدم أحدهم في ذلك العلم كتقدم الطبيب في الطب المبني على الامارات التي يقتضيها التجارب وغالب الظن، كذلك القول في علم النجوم الا في أمور مخصوصة يمكن ان تعلم بضروب من الاخبار، أقول هذا كما تراه تأييد لما دللنا عليه وتشييد فيما أشرنا إليه، ودافع لما يحكى عنه فيما يخالف معناه، وشاهد ان انكاره انما هو ان تكون النجوم علة موجبة، أو فاعلة مختارة أو مؤثرة بأنفسها، كما

ص :54

أبطلنا الذي ابطله من هذا وأوضحناه، ومعاذ الله انه كان يستمر على ذلك السيد الفاضل انكاره لما هو معلوم من صحة دلالات النجوم، في أصل الامر كما روينا وذكرناه ههنا (فصل) وقد وقفت بعد جميع ما ذكرته من مسالة سلار للسيد المرتضى قدس الله روحيهما وما اجبت واعتذرت له، على تعليقة بخط الصفي محمد بن معد الموسوي رضي الله عنه في مجلد عندنا الآن فيه عدة مصنفات أكثرها بخطه وأول المجلد (كتاب العلل) تأليف أبى الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم القمي (ره) فقال في تعليقه ما هذا لفظه، وكان يقرأ على المرتضي علوم كثيرة منها النجوم، وحكي ان في بعض السنين أصاب الناس قحط شديد، وان رجلا يهوديا توصل في تحصيل قوت يحفظ به نفسه، فحضر مجلس المرتضى ليقرأ عليه النجوم فاستاذن فاذن له فاجرى له في كل يوم جراية فقرأ عليه برهة وأسلم بعد ذلك، أقول هذا يقتضي ان المرتضى قدس الله روحه كان اعتقاده على ما ذكره في آخر جوابه لسلار (ره) من التصديق بما يقتضيه الحساب من علم النجوم، وانه صحيح وله أصول صحيحة وقواعد سديدة وانه قد كان عالما بهذا العلم وقائلا بصحته ومفتيا بصواب التعلم له وانما كان ينكر ما أنكرناه من أن تكون النجوم علة موجبة أو فاعلة مختارة ومؤثرة وانما هي دلالات على الحادثات كما قال الحمصي وغيره وقلناه وقد استظرفنا ما أظفرنا الله تعالى به من أن السيد المرتضى كان منجما وأستاذا في علم النجوم ومعاذ الله ان يكون منكرا لما يشهد

ص :55

العقل والنقل بصحته من سائر العلوم (فصل) يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس وقد تضمنت خطبة الأشباح المذكورة في (نهج البلاغة) المروية عن مسعدة بن صدقة عن الصادق عليه السلام عن مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه التي ما يحتاج لفظها الباهر ومعناها الظاهر إلى اسناد متواتر بل هي شاهدة لنفسها انها من كلام مولانا عليه السلام ومن شريف أنفاسه المكملة في قدسها ما يقتضي تصديق ما رويناه من علمه بالنجوم وتصديق ما ذكرناه عن الذين قولهم حجة في العلوم، فقال عليه السلام في صفة السماء وجعل شمسها آية مبصرة انهارها وقمرها آية ممحوة من ليلها وأجراها في مناقل مجراهما، وقدر مسيرهما في مدارج درجهما ليميز بين الليل والنهار ويعلم عدد السنين والحساب بمقاديرهما ثم علق في جوفهما فلكها وناط به رتقها من خفيات دراريها ومصابيح كواكبها ورمى مسترق السمع بثواقب شهبها، وأجراها على ادلال تسجرها - من اثبات ثابتها ومسير سائرها وهبوطها وصعودها ونحوسها وسعودها، أقول فانظر إلى قوله عليه السلام ونحوسها وسعودها فإنك تعرف منه تصديق دلالة النجوم في النحوس والسعود. ولو كانت النجوم مخلوقة في السماء على السوآء وليس فيها دلالة على الأشياء ما كان لوصفها بالسعود والنحوس معنى عند العقلاء وأقول وفيها إشارات وتنبيهات منها وصف السماء بالضوء وتخوف الساعة التي من سار فيها حاق به السوء (فصل) فاما ما روي أنه عليه السلام عارضه منجم في سفر النهروان

ص :56

وقال له لا يصلح لك الركوب في هذا الوقت فقال له عليه السلام، من صدقك بهذا فقد كذب القرآن واستغنى عن الاستعانة بالله في نيل المحبوب ودفع المكروه وينبغي في قولك للعامل بامرك ان يوليك الحمد دون ريبة فإنك بزعمك هديته إلى الساعة التي فيها النفع ودفع الضرر ثم أقبل على الناس فقال أيها الناس إياكم وتعلم النجوم إلا ما يهتدي به في بر أو بحر فإنها تدعو إلى الكهانة والمنجم كالكاهن والساحر في النار سيروا على اسم الله. فأقول بالله جل جلاله ولله. اني رأيت فيما وقفت عليه في كتاب (عيون الجواهر) تأليف أبي جعفر محمد بن بابويه رضوان الله عليه حديث المنجم الذي عرض لمولانا علي صلوات الله عليه عند مسيره للنهروان مسندا وفي رجال روايته من لا يليق في منزلته العمل به والالتفات إليه.

فقال ما هذا لفظه. حدثني محمد بن علي بن ماجيلويه رضي الله عنه قال حدثني محمد بن أبي القاسم عن محمد بن علي القرشي عن نصر بن مزاحم المنقري عن عمر بن سعد عن يوسف بن يزيد عن مينا عن وجزين الأحمر قال لما أراد أمير المؤمنين المسير إلى النهروان اتاه منجم، ثم ذكر حديثه أقول في هذا الحديث عدة رجال لا يعول علماء أهل البيت على روايتهم.

ويمنع من يجوز العمل باخبار الآحاد من العمل باخبارهم وشهادتهم منهم عمر بن سعد بن سعد بن أبي وقاص قاتل الحسين صلوات الله عليه فان اخباره ورواياته مهجورة ولا يلتفت عارف بحاله إلى ما يرويه أو يسند إليه وقد أورد ابن بابويه رحمه الله اخبارا في هذه الطرق وطعن فيها وظهر

ص :57

منه ان المقصود بروايتها غير العمل بها وكان هذا الاسناد وهذا الطعن مغنيا عن زيادة عليه ولكنا نستظهر في تفصيل الجواب فأقول بالله ولله جل جلاله انني رأيت فيما وقفت عليه أيضا ان المنجم الذي قال لمولانا علي صلوات الله عليه، هو عفيف بن قيس أخو الأشعث بن قيس ذكر ذلك المبرد، واعلم أنه لو كانت هذه الرواية صحيحة على ظاهرها لكان مولانا علي عليه السلام قد حكم في هذا على صاحبه الذي قد شهد مصنف نهج البلاغة انه من أصحابه أيضا باحكام الكفار اما بكونه مرتدا من الفطرة فيقتله في الحال أو برده ان كان عن غير الفطرة ويتوبه أو يمتنع فيقتله.

لان الرواية قد تضمنت ان المنجم كالكافر أو كان يجري عليه احكام الكهنة والسحرة لان الرواية تضمنت انه كالكاهن والساحر وما عرفنا إلى وقتنا هذا انه عليه السلام حكم على هذا المنجم صاحبه باحكام الكفار ولا السحرة ولا الكهنة ولا ابعده ولا عزره بل قال سيروا على اسم الله تعالى والمنجم من جملتهم لأنه صاحبه وهذا يدلك على تباعد الرواية من صحة النقل أو يكون لها تأويل على غير ظاهرها موافق للعقل (فصل) ونحن نذكر فيما بعد حديث المنجم الذي عرض لمولانا عليه السلام انه من دهاقين المدائن لما توجه إلى الخوارج وانه لما ظهر له منه عليه السلام المعرفة بعلم النجوم التي لم يدركها أهل العلوم أسلم الدهقان وصار من أصحابه وهى موافقة لما ذكرنا من الحجج المعقول والمنقول ومعارضة لهذه الرواية البعيدة من كلامه الباهر للعقول

ص :58

(فصل ومما نذكره من من التنبيه على بطلان ظاهر هذه الرواية بتحريم علم النجوم. قول مولانا علي عليه السلام من صدقك فقد كذب القرآن واستغنى عن الاستعانة بالله فيعلم منه ان الطلائع في الحروب يدلون على السلامة من هجوم الجيوش وكثير من النحوس ويشرون بالسلامة وما لزم من ذلك ابتغاء ان يوليهم الحمد على دربتهم وأمثال ذلك كثير فيكون لدلالة النجوم أسوة بما ذكرناه من الدلالات على كل معلوم. يقول أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس مصنف هذا الكتاب. فأين هذه الرواية الضعيفة من احتجاجات مولانا علي صلوات الله عليه الشريفة التي يضيق مجال الاعتراض عليها وتقصر علوم العلماء غير النبي صلوات الله عليه وسلامه من الاهتداء إليها (فصل) ومن التنبيه المظنون على بطلان ظاهر هذه الرواية انا وجدنا في الدعوات الكثيرة التعوذ من الكهانة والسحر فلو كان المنجم مثلهم كان قد تضمن بعض الأدعية التعوذ منه وما عرفنا في الأدعية تعوذا من المنجم إلى وقتنا هذا فصل ومن التنبيه المظنون على بطلان ظاهر هذه الرواية ان الدعوات تضمن كثير منها ومن غيرها في صفات النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه لم يكن كاهنا ولا ساحر أو ما وجدنا إلى الآن فيها وما كان عالما بالنجوم فلو كان المنجم كالكاهن والساحر ما كان يبعدان تتضمنه بعض الدعوات والروايات في ذكر الصفات ويكفي ما ذكرنا اولا من الاعتراضات والدلالات لأهل الديانات

ص :59

الباب الثاني: فيما نذكره من الرد على من زعم أن النجوم علة موجبة أو فاعلة مختارة أقول قد قدمت في خطبة هذا الكتاب من التنبيه على الصواب ومن الجواب. ما يكفي عند ذوي الألباب. وانا أزيده تفصيلا فأقول لو كانت الأفلاك والشمس والقمر والنجوم عللا موجبات، وان كلما في العالم صادر عنها من سائر الموجودات كان قد استحال ان يوجد في العالم حيوان مختار وقد علمنا بالضرورة والبديهة عند ذوي الاعتبار ان الانسان فاعل مختار، بل علمنا كثيرا من الحيوانات انها مختارة، لان العلل والمعلولات وتضاد الافعال المختارات، ولانا وجدنا اختيارات الحيوانات مختارات في المرادات، لو كانت صادرة عن مختار باختيار غير قادر على غيره ما أمكن وقوع الحيوانات المختلفة الاختيارات، فثبت انها صادرة عن مختار لذاته قادر على كل اختيار يقدر ان يصدر عنه (فصل) وقال الشيخ الفقيه العالم الفاضل العارف بعلم النجوم المصنف بها عدة مصنفات أبو الفتح محمد بن عثمان الكراجكي (1) رحمه الله في كتاب (كنز الفوائد) في الرد على من قال إن الشمس والقمر والنجوم علل موجبات ما هذا لفظه، اعلم أنهم سالوا عن مسالة حيرتهم وأظهرت

ص :60


1- (1) هو تلميذ المفيد والمرتضى وكتابه هذا مطبوع في إيران ومعه كتاب التعجب له.

عجزهم وأخرستهم فقيل لهم إذ كان سائر ما في العالم من النفع والضرر والخير والشر، وجميع أفعال الخلق والشمس والقمر والنجوم واجبة وهى علته وسببه وليس داخل الفلك غير ما اثرت ولا فعل لاحد يخرج به عما أوجبت، فما الحاجة إلى الاطلاع على الاحكام وأخذ الطوالع عند المواليد وعمل الزوايج وتحويل السنين، قالوا الحاجة إلى ذلك حصول العلم بما سيكون من حوادث السعود والنحوس، قيل لهم وما المنفعة بحصول هذا العلم؟ فان الانسان لا يقدر ان يزيد فيه سعد اولا ينقص منة نحسا مما أوجبه مولده، فهو كائن لا مغير له فمنهم من استمر على طريق وبنى على أصله فقال ليس في ذلك أكثر من فضيلة العلم بالحادثات قبل كونها، فقيل له ما هذه الفضيلة المدعاة في علم لانهال به مكتسبه نفعا ولا يدفع به عن نفسه ولا عن غيره ضرا، وما هذا العناء في اكتساب ما لا ثمر له؟ والجاهل به كالعالم في عدم المنفعة منه، وسئلوا أيضا عن هذا الاكتساب وسببه؟ وهل الفلك موجبه أو غير موجبه؟ فلم يرد منهم ما يتشبث العاقل به، ومنهم من تعذر عليه عند توجه الالزام، فأنزله الاحجام درجة عن قول أصحاب الاحكام، فقال بل للعلم تأثير في اكتساب نفع كثير وهو ان يتعجل الانسان بالسعادة ويتأهب لها فيكون في ذلك مادة فيها ويتحرز من النحاسة ويتوفاها فيكون بذلك دفعا لها أو نقصا منها، فقيل له ما لفرق بينك وبين من عكس عليك قولك، فقال بل المضرة باكتساب هذا العلم حاصلة والاذية إلى معتقده واصلة وذلك أن متوقع السعادة والمسارة معه قلق

ص :61

المتوقع وحرقة الانتظار، ففكره متقسم وقلبه معذب يستعيد قرب الساعات ويستطيل قير الأوقات شوقا إلى ما يرد وتطلعا إلى ما وعد وفي ذلك ما يقطعه عن منافعه ويقصر به عن حركاته في مطامعه اتكالا على ما يأتيه وتعويلا على ما يصل إليه وربما اخلف الوعد وتاخر السعد فليست جميع احكامكم تصيب ولا الغلط منكم بعجيب، فتصير المضرة حسرة والمنفعة مضرة فاما متوقع المنحسة، فلا شك انه قد تعجلها لشدة رعبه بقدومها وعظم هلعه بهجومها فهو لا ينصرف بفكره عنها فيجعلها أكبر منها فحياته منغصة ونفسه متغصصه وقلبه عليل وتغممه طويل لا يهنيه اكل ولا شرب ولا يسليه عذل ولا عتب ضعيف النبضات فاثر الحركات إذا احترز لا ينفع وربما كان احترازه لا ينتفع فهذا القول أشبه يا لحق مما ذكرتم وهو شاهد يلزمكم الاقرار به ان أنصفتم، ونحن الآن نعترف في مقابلتكم به، ولا نطالبكم بشئ من موجبه ونعود إلى دعواكم التي ذكرتموها فنقول سائلين لكم عنها أخبرونا عن هذه المسرة التي تحصل للعالم والتأهب الزائد في السعد الواصل وعن هذا الاحتراز من المنحسة والتأني من المضرة والمهلكة هل جميع ذلك مما توجبه وتقضي به الكواكب؟ أم هو عن احكامها خارج مضاف في الحقيقة إلى اختيار الحي القادر فرأوا انهم ان قالوا مما توجبه الكواكب وتقضي بكونه احكام الفلك في العالم قيل لهم فيكون ذلك سواء اطلع الانسان على احكام النجوم أم لم يطلع؟ وسواء عليه اهتم لمولده وتحويل سنته أم لم يهتم؟ فعرجوا عن هذا وقالوا ان أفعالنا

ص :62

منفصلة عما يوجبه الفلك فينا، فتصح بذلك الزيادة والنقص الذي قلنا، قيل لهم لقد نقضتم أصولكم وخرجتم عن قوانين علمائكم فيما اقررتم به من جواز أفعال يحيط بها الفلك ليست حادثة من جهته ولا من تأثير كواكبه وما نراكم قنعتم بهذا الاقرار حتى جعلتم الافعال البشرية واقعة لما توجب الأقضية النجومية ومانعة مما تؤثر الحركات الفلكية بقولكم ان الانسان يمكن ان يحترز من المنحسة فيدفعها، أو ينقص منها ما سلطته لها فلولا ان فعله أقوى واحترازه امضى لم يرفع عن نفسه سوءا ثم سئلوا أيضا فقيل لهم إذا سلمتم ان أفعال العباد مختصة بهم، وليست مما توجبه النجوم فيهم وأنتم مع هذا تقولون للانسان احذر على مالك من طروق سارق، فقد اقررتم ان حذره من تأثير المختص به فأخبرونا الآن عن طروق السارق وما الموجب له فان قلتم النجوم رجعتم عما أعطيتم ورددتم إليها أفعال العباد ونافيتم وان قلتم ان طروق السارق مختص به ولا موجب له غير اختياره أجبتم بالصواب وقيل لكم فما نرى للنجوم تأثيرا في هذا الباب واعلم أيدك الله انهم لم يبق لهم ملجا إلا ان ينزلوا عن قول أصحابهم درجة أخرى، فيقولون ان النجوم دالة وليست بفاعلة، وعلامة غير ملجئة فإذا قالوا ذلك انصرفوا عمن يقول إنها موجبة قادرة وأبطلوا دعواهم انها مدبرة وقيل لهم أفتقولون كل أمر تدل عليه فإنه سيكون لا محالة فان قالوا نعم نقضوا ما تقدم وان قالوا قد يجوز ان يحرم تداولها ويحرم ما دلالته عليه مهما لم تبق بعد هذا درجة ينتهون إليها واقتصروا على مقالة لا يضرك

ص :63

مناقشتهم فيها، وانا أخبرك بعد هذا بطرق من بطلان أفعالهم ونكت من إفساد استدلالهم والأغلاط التي تمت عليهم فاتخذوها أصولا لاحكامهم اعلم أن تسمية البروج الاثني عشر بالحمل والثور والجوزاء إلى آخرها لا أصل لها ولا حقيقة وانما وضعها الراصدون لهم متعارفا بينهم وكذلك جميع الصور التي عن جنبي منطقة البروج الاثني عشر وغيرها والجميع ثمان وأربعون صورة، عندهم مشهورة، وعلماؤهم معترفون بان ترتيب هذه الصور وتشبيهها، وقسمة الكواكب عليها وتسميتها صنعه متقدموهم، ووضعه حذاقهم الراصدون لها، وقد ذكر أبو الحسين عبد الرحمان بن عمر الصوفي (1) ذلك وهو من جلتهم وله مصنفات لم يعمل مثلها في علمهم، وقد بينه في الجزء الأول من كتابه (المعمول في الصور) وقد ذكر رصد الأوائل منهم الكواكب وانهم رتبوها في المقادير والعظم لست مراتب وبين انهم الفاعلون لذلك ما؟؟؟ مبينه على حقيقة وناقله من كتابه وهو انهم وجدوا من هذه الكواكب التي رصدوها تسعمائة وسبعة عشر كوكبا ينتظم منها ثمان وأربعون صورة كل صورة تشتمل على كواكبها، وهى الصور التي أثبتها بطلموس في كتابه (المجسطي) بعضها في النصف الشمالي من النكرة وبعضها على منطقة البروج التي في طريقة الشمس والقمر والكواكب السريعة السير وبعضها في النصف الجنوبي ثم سموا كل صورة باسم الشيئ المشبه لها بعضها على صورة الانسان مثل كواكب الجوزا وكواكب

ص :64


1- (1) منجم عضد الدولة البويهي توفي سنة 376 عن خمس وثمانين سنة

الجاثي على ركبتيه، وبعضها على صورة الحيوانات البرية والبحرية مثل الحمل والثور والسرطان والأسد والعقرب والحوت والدب الأكبر والدب الأصغر، وبعضها خارج من شبه الانسان وسائر الحيوانات مثل الإكليل والميزان والسفينة، وليس ترتيبهم لها وتسميتهم إياها وما فعلوه فيها لدليل وذكر عذرهم في ذلك فقال، وانما انهوا هذه الصور وسموها بأسمائها وذكروا كوكبا من كل صورة، ليكون لكل كوكب أسم يعرف به إذا أشاروا إليه، وذكروا موضعه من الصورة وموقعه في فلك البروج ومقدار عرضه في الشمال والجنوب على الدائرة التي تمر بأوساط البروج، لمعرفة أوقات الليل والنهار والطلع في كل وقت وأشياء عظيمة المنفعة تعرف بمعرفة هذه الكواكب، وهذا آخر الفصل من كلامه في هذا الموضع وهو دليل واضح على أن الصور والاشكال والأسماء والألقاب ليست على سبيل الوجوب والاستحقاق، وانما هي اصطلاح واختيار، ولو عزب عن ذلك إلى تشبيه آخر لأمكن وجاز، ثم انهم بعد هذا الحال جعلوا كثيرا من الاحكام مستخرجا من هذه الصور والاشكال، ومنتسبا إلى الأسماء الموضوعة والألقاب. حتى أنهم على ما ذكروه على نحو واجب ودليل عقل ثابت، فقالوا ان الحكم على الكسوف، على ما حكاه ابن هبنتي (1) عن بطلميوس، انه ان كان البرج الذي يقع فيه الكسوف من ذوات الأجنحة

ص :65


1- (1) هبنتي بالهاء والباء والنون والتاء والف تكتب ياء وألفا كما ذكر ذلك في محاضرات علم الفلك طبعة مصر صفحة 185

مثل العذراء والرامي والدجاجة والنسر الطائر وما أشبهها فان الحادث في الطير الذي يأكل الناس، وان كان الحيوان مثل السرطان والدلين فان الحادث في الحيوانات البحرية أو النهرية، وهذه فضيحة عظيمة، وحال قبيحة أفما يعلم هؤلاء القوم انهم هم الذين جعلوا ذوات الأجنحة بأجنحة والصور البحرية بحرية، وانهم لولا ما فعلوه لم يكن شئ مما ذكروه فكيف صارت أفعالهم التي ابتدعوها وتشبيهاتهم التي وضعوها موجبة لان يكون حكم الكسوف مستخرجا منها وصادرا عنها، وهذا يؤدي إلى أنهم المدبرون للعالم وان أفعالهم سبب لما توجبه الكواكب (فصل) ولم يقنع ابن هبنتي بهذه الجملة، حتى قال في كتابه المعروف بالمغني وهو كتاب نفيس عندهم، قد جمع فيه عيون أقوال علمائهم وذوي الفضيلة منهم رأيته بدار العلم في القاهرة بخط مصنفه، قال فيه ان وقع الكسوف في المثلث في أي الدرج التي تحتوي عليه، دل ذلك على فساد أصحاب الهندسة والعلوم اللطيفة، وهذا المثلث أيدك الله هو من كواكب على شكل مثلث لان في السماء عدة مثلثات ومربعات مما هو داخل في الصورة التي الفوها وخارج عنها، فكيف صار الحكم مختصا هذا دونها وما نرى العلة فيه إلا تسميتهم له بذلك، فكان سببا لوقوع أهل الهندسة في المهالك، قال ابن هنتي وان كان الكسوف في الكاس، دل على فساد الأشربة وهذا أعجب من الأول وذلك أن الكأس عندهم من سبعة كواكب شبهوها بالكاس وبالباطية أيضا فان كان الحكم الذي ذكروه انما

ص :66

اختص بذلك من اجل التشبيه والتسمية فان هذه الكواكب بأعيانها قد شبهتها بالمعلف وسميتها بهذا الاسم، فكيف صار تشبيه المنجمين وتسميتهم لها بالكاس أولى من أن يكون تشبيه العرب لها بالمعلف، وتسميتهم لها بهذا الاسم موجبا لانصراف الحكم فيها إلى الدواب، اللهم الا ان يقولوا ان المعول على تشبيهها للمنجمين دونهم فلا اعتراض. قال ابن هنبي وقد شاهدنا بعض الحذاق من أهل هذه الصناعة قد نظر في مولد انسان من الأصاغر فوجد النسر الطائر في درجة وسط السماء، فقال يكون بإزاء دار الملك وزعم أن الامر كما ذكر، وهذا يؤكد ما ذكرناه من تعويلهم على الأسماء والصور المعروفة من اصطلاح البشر (فصل) وقد اطلعت انا في مولد فوجدت فيه الكواكب التي يقولون انها النسر الطائر في وسط السماء فلم يدل من حال صاحبه على نظيرها، قال ابن هبني وكان هذا الرجل فقيرا فأثرى، ولم اره قط الا ماقتا لأنواع الطير غير معتبر لشئ منها في حالتي الفقر والغنى، فان صدق ابن هبني فيما ذكر فما هو إلا عن شئ لا أصل له، يصح بعضه فيوافق الظنون، ويبطل بعضه فلا يكون، فان كان اختلافه في حال لا يدل على بطلان حكمهم، فاتفاقه في حال أخرى لا يدل على صحة حكمهم وجزمهم ومن هذيانهم أيضا الموجود في عيون كتبهم، والمأثور من احكامهم قولهم ان الحمل والثور يدلان على الوحوش وكل ذي ظلف، والجدي مشترك بينهما، والأسد والنصف الأول من القوس يدلان على كل ذي ناب

ص :67

ومخلب، وانما ذكروا نصف القوس، لان صورته التي الفوها وشبهوها صورة دابة وانسان فجعلوا النصف الأول للوحوش والنصف الآخر للناس قالوا والسرطان والعقرب يدلان على حشرات الأرض والثور للغرس والسنبلة للبذر، وهذا كله قياس على الصور والأسماء التي لم يوجبها العقل ولا اتاهم بها خبر من الله تعالى في شئ من النقل، وانما هو من اختيارهم وقد كان يمكن غيره ويجوز خلافه وتركه، قالوا ومن يولد برأس الأسد يكون فتن الغم، فمن شبهة تلك الكواكب بصورة الأسد غيركم؟ ومن سماها بهذا الاسم سواكم، وكيف لم تقولوا انها الكلب، أو تشبهوها بغير ذلك من دواب الأرض، هذا أيدك الله والصور عندهم لا تثبت في مواضعها ولا تستقر على اقامتها، فصورة الحمل التي يقولون انها أول البروج قد تنتقل إلى أن تصير البرج الثاني ويصير البرج الأول الحوت، وهذا عندهم هو القول الصحيح، لان الكواكب عندهم كلها تتحرك لي جهة المشرق بخلاف ما يتحرك بها الفلك، والخمسة المضافة إلى الشمس والقمر هي السريعة السير، وحركاتها مختلقة في الابطاء والسرعة، وبقية الكواكب متحرك عندهم بحركة واحدة خفيفة بطية، ولخفاء حركتها سموها الثابتة وهى علي رأي بطلميوس ومن قبله في كل مائة سنة تتحرك درجة واحدة وعلى رأي أصحاب سمين ومن رصد في أيام المأمون وحسب في كل ست وستين سنة درجة، والصوفي يقول في كتاب (الصور) ان مواضع هذه الصور التي كانت على منطقة فلك البروج كانت منذ

ص :68

ثلاثة آلاف سنة على غير هذه الأجسام، وان صورة الحمل كانت في القسم الثاني عشر وصورة الثور كانت في القسم الأول، وكان يسمى القسم الأول من البروج الثور والثاني الجوزاء والثالث السرطان، ولما جددت الأرصاد في أيام طيموخارس وجدوا صورة الحمل قد انتقلت إلى القسم الأول من القسم الثاني عشر الذي هو بعد منطقة التقاطع، فغيروا أسماءها فسموا القسم الأول الحمل والثاني الثور والثالث الجوزاء، قال ولا يخالفنا أحد في أن هذه الصور تنتقل بحركاتها على مر الدهور من أماكنها حتى تصير صورة الحمل في القسم السابع الذي للميزان، والميزان في القسم الأول الذي هو للحمل، فيسمى أول البروج الميزان والثاني العقرب، ثم مر في كلامه موضحا عما ذكرناه من تنقلها الموجب لتغير أسماء بروجها وهم مجمعون على أن الكوكبين المتقاربين المعروفين بالشرطين على قرني الحمل هما أول منازل القمر، فيجب ان يكون أول البروج الاثني عشر، ومن امتحنهما في وقتنا هذا (وهو سنة ثمان وعشرين وأربعمائة للهجرة) الموافقة لسنة الف وثلثمائة وثمان وأربعين لذي القرنين، وجد أحدهما في عشرين درجة من الحمل والآخر في إحدى وعشرين منه أعني من البرج الأول ويعرف ما ذكرته من كانت له خبرة وعناية بهذا الامر، فأي برج من البروج الاثني عشر يبقى على صورة واحدة؟ وكيف ثبت الحكم الأول بأنه دال على الوحوش وعلى كل ذي ظلف، وقد انتقلت إليه أكثر صورة الحوت وكذلك حال جميع البروج، فافهم هذا فإنه طريف

ص :69

(فصل) ومن عجيب غلطهم في الأسماء الدالة على عدم معرفتهم بمعانيها انهم سمعوا العرب التي تسمي الكواكب التي عن جنوب التوأمين الجوزا فلم يفهموا هذا الاسم وظنوا انه مشتق من الجوز الذي يوكل فرأوا من الرأي ان يسموا النسر الواقع مع الكواكب الغربية من اللوز قياسا على الجوزا، وهذا من الغاية في الجهل والعناد، وليس تقوله إلا شيوخهم ومصنفو الكتب منهم، ومن اطلع في ذكرهم الصور الثمان والأربعين وقف على صحة ما حكيته عنهم، فهل سمع أحد قط بأعجب من هذا الامر (فصل) وانما سمت العرب هذه الكواكب بالجوزا لتوسطها إذا ارتفعت أو لأنها تشبه رجلا في وسطه منطقة، فاشتقوا لها اسما من التوسط يقولون جوز الفلا يعنون وسطه، ومن قولهم الدال على فساد احكامهم ان كل درجة من درج الفلك ستون دقيقة وكل دقيقة ستون ثانية وكل ثانية ستون ثالثة، وهكذا إلى مالا نهاية له، ولكل جزء من هذه الاجزاء التي لم تنحصر حكم مختص به ولا ينضبط فكيف يصح الحكم على هذا الأصل وليس في أيديهم الا الجمل التي تفاضلها يختلف وقد ولد لي ولدان توأمان ليس بين ظهورهما من الفرق والزمان بقدر ما بين الأسطرلاب فاشتركا في درجة واحدة من طالع واحد في نصبه، ولم يدرك فيهما التغيير ولو قلت إنهما اشتركا في الدقيقة لصدقت، فلما رأيت ذلك قلت هذه حالة في الجملة قد اتفقت فيها النصبة، وفي غاية ما يمكن ادراكه بالآلة فان الحكم على الحمل يوجب ان تكون حالة هذين المولودين متماثلة، فلا والله

ص :70

ما تماثلت صورتهما ولا أحوالهما ولا صحتهما من سقمهما ولقد مات أحدهما بعد ولادته بأيام، ومات الآخر وامتدت بعمره الأعوام، لسأل الله السعد التام، ولقد سالت بعضهم عن هذا الحال، فقال لي النمودار (1) يحرج لك الفرق بين المولودين، فقلت له الذي عرفت من علمائكم انهم لا يقولون على النمودار الا عند عدم الرصد فمتى حصل الرصد اغني عنه، ويوضح ذلك انكم تقولون في عمل النمودار، خذ ساعات الحزر، ولا يكون الحزر الا عند عدم الرصد، وإذا كان الرصد ههنا لم يخط الحقيقة ولا اتاه الفرق فبان بان لا يعطيه النمودار بعد الرصد وقلت له أيضا لست أشك في كثرة الاختلاف بينكم في كل أصل وفرع وعلى كل وجه فإنما يعلم النمودار بين الساعات سواء كانت عند رصد لو حزر، وقد كانت ولادة هذين التوأمين في ساعة واحدة لم يصح فيها الفرق، فما الحيلة في هذا الامر؟ فخلط في ذلك ولم يأت بشئ يفهم (فصل) واعلم أيدك الله ان نمودار واليس يخالف نمودار بطلميوس ونمودار الفرس يخالفهما جميعا، وليس في ذلك ما يتفق عليه ولا يؤدي إلى أمر متفق ولا يدل على صحة واحد منها العقل وجميعها دعاوى لا يعلم لها أصل، ولو تتبعت مواضع اختلاطهم وذكرت ما اعرفه من تناقض أصولهم المبطلة لاحكامهم، لخرجت عن الغرض في الاختصار، وفيما أوردته غنى عن الاكثار

ص :71


1- (1) النمودار اخذ درجة الطالع من أقرب درجة إليه بالتخمين

(فصل) وانا أذكر لك بعد هذا مقالتنا في النجوم وما نعتقده فيها لتعرف الطريقة في ذلك فتعتمد عليها، اعلم أيدك الله ان الشمس والقمر والنجوم أجناس محدثة من جنس هذا العالم مؤلفة من اجزاء تحلها الاعراض وليست فاعلة في الحقيقة ولا ناطقة ولا حية قادرة، وقال شيخنا المفيد رضوان الله عليه انها أجسام نارية فاما حركاتها فهي فعل الله تعالى فيها وهو المحرك لها وهى من آيات الله الباهرة لخلقه وزينة في سمائه وفيها منافع لعباده لا تحصى وبها لا يهتدي السائرون برا وبحرا قال الله تعالى (وعلامات وبالنجم هم يهتدون) وفيها للخلق مصالح لا يعلمها الا الله تعالى فاما التأثير المنسوب إليها، فانا لا ندفع كون الشمس والقمر مؤثرين في العالم ونحن نعلم أن الأجسام وان كان لا يؤثر أحدها بالآخر الا مع مماسة بينهما بأنفسهما أو بواسطة فان للشمس والقمر شعاعا متصلا بالأرض وما عليها يقوم مقام المماسة وتصح به التأثيرات الحادثة، ومن ذا الذي ينكر تأثير الشمس والقمر وهو مشاهد؟ وان كان تأثير الشمس أظهر للحسن وأبين من تأثير القمر في الأزمان والبلدان والنبات والحيوان واما غيرهما من الكواكب فلسنا نجد لها تأثيرا يحس ولا نقطع على وجوبه بالعقل وهو أيضا ليس من الممتنع المستحيل بل هو من الجائز في العقول لان لها شعاعا متصلا في الأرض وان كان من دون شعاع الشمس والقمر فغير منكران يكون لها تأثير خفي على الحس خارج عن أفعال الخلق فان كان لها تأثير كما يقال فتأثيرها مع تأثير الشمس والقمر في الحقيقة من أفعال الله

ص :72

تعالى، وليس يصح اضافته إليها الا على وجه التوسع والتجوز كما نقول أحرقت النار وبرد الثلج وقطع السيف وشج الحجز، وكذلك قولنا أحمت الشمس الأرض ونفعت الزرع، وفى الحقيقة ان الله أحمى لها ونفع، ومما يدل على أن الله تعالى يشغل شيئا بشئ، قوله سبحانه (هو الذي ارسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا اقلت سحابا ثقالا سقناه إلى بلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات وكذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون) وليس فيما ذكرناه رجوع إلى قول أصحاب الاحكام، ولا قول بما أنكرناه عليهم في متقدم الكلام لأنا أنكرنا عليهم إضافة تأثيرات الشمس والقمر إليهما من دون الله سبحانه وقطعهم على ما جوزناه من تأثيرات الكواكب بغير حجة عقلية ولا سمعية وأضافتهم إليها جميع الأفعال في الحقيقة مع دعواهم لها الحياة والقدرة، وانكرنا ان تكون الشمس أو القمر أو شئ من الكواكب موجبا لشئ من أفعالنا بشهادة العقل الصحيح، فان أفعالنا لو كانت مخترعة فينا، أو كانت عن سبب أوجبها من غيرنا، لم تصح بحسب قصودنا وإراداتنا، ولا كان فرق بينها وبين جميع ما يفعل فينا من صحتنا وسقمنا وتاليف أجسامنا وحصول الفرق لكل دلالة على اختصاصها بنا وبرهان واضح، بأنها حدثت من قدرتنا وانه لا سبب لها غير اختيارنا، وانكرنا عليهم قولهم ان الله تعالى لا يفعل في العالم فعلا الا والكواكب دالة عليه، فلن كل شئ يدل عليه لابد من كونه، وهذا باطل، يثبت لها تأثيرا أو دلالة، فان الله اجرى تلك

ص :73

العادة وليس يستحيل منه تغير تلك العادة لما يراه من المصلحة، وقد يصرف الله تعالى السوء عن عبده بدعوة، ويزيد في اجله بصلة رحم أو صدقة، فهذا الذي ثبتت لنا عليه الأدلة، وهو الموافق للشريعة، وليس هو بملائم لما يدعيه المنجمون والحمد لله، وانكرنا عليهم اعتمادهم في الاحكام على أصول مناقضة، ودعاوي مظنونة متعارضة وليس على شئ منها بينة فان كان لهذا العلم أصل صحيح على وجه يسوغ في العقل ويجوز فليس هو ما في أيديهم، ولا من جملة دعاويهم، وقد قال شيخنا المفيد رضوان الله عليه ان الاستدلال بحركات النجوم على كثير مما سيكون ليس يمتنع العقل منه ولا يمنع ان يكون الله عز وجل علمه بعض أنبيائه وجعله علما على صدقه هذا آخر ما ذكره الكراجكي رضوان الله عليه في كتابه ونعتقد انه اعتمد عليه، وقد قدمنا نحن فصلا منفردا حكينا فيه كلام الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان رضوان الله جل جلاله عليه في كتابه المسمى كتاب أوائل المقالات، ونبهنا على ما فيه الموافقة لنا على أن النجوم يصح ان تكون دلالة على الحادثات، وانها من المعلوم المباحات (فصل) يقول أبو القسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس مصنف هذا الكتاب، ومن أبلغ ما وقفت عليه في معارضة المنجمين في تصانيف متاخري علماء الأصحاب، ما ذكره شيخ المتكلمين في زمانه محمود بن علي الحمصي (1) رضوان الله عليه وهو ممن وصل العراق

ص :74


1- (1) هو سديد الدين صاحب التعليق العراقي فرغ منه سنة 581 بالحلة المزيدية

للحج والزمه جدي ورام بن أبي فراس قدس الله روحه، ونور ضريحه بالإقامة سنة وقرأ عليه وبالغ في الاحسان إليه، وكلامه عندنا الآن في مجلد فيه مهمات مسائل قد سأله عنها جملة من الأعيان وعليها خطه رحمه الله بأنها قرأت عليه، وقد اعترف أيضا بما يتعلق في النجوم من جهة الحساب وأنكر كون النجوم علة موجبة أو فاعلة مختارة أو مؤثرة كما قررناه سواء فقال في صحة حساب النجوم ما هذا لفظه، وأقول انا لا نرد عليهم فيما يتعلق في الحساب من تسيير النجوم واتصالاتها التي يذكرونها فان ذلك مما لا يهمنا ولا هو مما يقابل بانكار ورود، أقول انا فهذا منه رحمه الله بان حسابها لا يقابل بانكار ورود، ثم قال لما انتهى إلى ابطال ان النجوم علة أو مختارة وذكر وجوها صحيحة لكنها على طريقة المتكلمين في إطالة الألفاظ والتعقيد على السامعين، والذي ذكرناه في كتابنا هذا من ابطال كونها علة أو مختارة واضح للخواص والعوام قريب إلى الافهام، وزاد في ابطال كون النجوم علة ما معناه ان قال ويبطل بكل ما يبطل دعوى المجبرة بأننا غير مختارين وذكر من جواباته هو وطرقه في أن النجوم ما هي علة موجبة ولا فاعلة مختارة ما لا حاجة إلى ذكره والذي ذكرناه ما يحتاج إلى تعب عند العارفين ثم لما أبطل احكام النجوم بكونها علة ومختارة سال نفسه فقال ما هذا لفظه، فان قيل كيف تنكرون وقد علمنا أنهم يحكمون بالكسوف والخسوف وروية الأهلة ويكون الامر على ما يحكمون في ذلك. وكذا يخبرون عن أمور مستقبلة تجري على الانسان

ص :75

فتجري تلك الأمور على ما أخبروا عنها فمع الوضوح للامر الذي ذكرناه كيف تدفع الاحكام، ثم قال رحمه الله في الجواب ما هذا لفظه، قلنا ان اخبارهم في الكسوف والخسوف وروية الأهلة ليس من باب الاحكام وانما هو من باب الحساب لانهم يعلمون من طريق الحساب ان الشمس متى يكون هذا باجتماعها مع القمر في موضع إحدى العقدتين الرأس والذنب يرتفع هنا لك العرض بينهما فتتوسط الأرض بينهما فينقطع نور الشمس عنه فيبقى بلا ضوء، إذ هو يستمد الضوء والنور من الشمس وذلك هو الخسوف، ويعلمون من طريق الحساب أيضا مقدار أقل الابعاد بين الشمس والقمر عند انصرافه عن المحاق الذي يكون القمر معه مرئيا ولا يكون بدونه مرئيا فيخبرون به، وهذا من باب الحساب من باب الحكم انما الحكم ان يقولوا ان كان كسوف أو خسوف كان من الحوادث كذا وكذا. أقول لعل الشيخ العالم الحمصي رحمه الله اكتفى بهذا الكلام بما قدمناه، والا فكيف يقول مثله مع فضله ان هذا ليس من هذا الباب وقد قال حكموا في حسابهم بالكسوف والخسوف ورؤية الأهلة في وقت معين يصح الحكم بذلك، واما قوله انما الحكم ان يقولوا إذا كان كسوف أو خسوف كان من الحوادث كذا وكذا، فأقول ان هذا الذي ذكره يكون حكمه حكم الأول وفرعا عليه، وكلاهما يسمى حكما عند الانصاف مع أنهم يحكمون بحوادث عند الكسوف والخسوف، فلا أرى كلامه في هذا الباب متناسبا لما كان عليه من العلوم المشهورة بين ذوي الألباب

ص :76

إلا أن يكون له كلام ولم نره، وما ذكرناه ههنا فليس بصواب، ثم قال الحمصي رحمه الله، ما هذا لفظه، فاما الأمور المستقبلة التي يخبرون عنها، فأكثرها لا يقع على ما يقولون منها، وانما يقع قليل منه بالاتفاق، ومثل ذلك يقع لأصحاب الفال والزجر الذين لا يعرفون النجوم، بل للعجائز اللاتي يتناقلن بالأحجار، والذي قد يخبر به المصروع وكثير من ناقصي العقول عن أشياء، فيتفق وقوع ما يخبرون عنه، أقول وهذا أيضا يستحيل أن يكون ذكره معتقدا أنه كاف في الرد عليهم لان المنجمين من معلوم حالهم ان الذي يخبرون عنه في المستقبل انما هو بالحساب على نحو الطريق الواجبة في الكسوف والخسوف فكيف ينسب بعضها إلى التحقيق والوفاق، وبعضها إلى الاتفاق، كما يتفق للمصروع وللناقصي العقول، وهذا مالا يرتضي من يعرفه ان ينسب إليه، ولعله رحمه الله قاله لعذر أو غلط ناسخه، وقد تقدم فيما حكيناه عن كتاب الإهليلجة عن مولانا الصادق صلوات الله عليه، ان علم النجوم يستحيل ان يكون عن تجربة أو عادة، ولا يصح ان يكون تعليمه من غير الله تعالى على لسان أنبيائه عليهم السلام (فصل) ومما يدل على موافقته لنا وان هذه المسألة ذكرها على نحو ما سأل السائل المرتضى رضي الله عنه في النجوم، ما ذكره في الجزء الثاني من التعليق العراقي عند ذكره معجزات النبي صلوات الله عليه بتعريفه بالغائبات فقال محمود بن علي بن الحسن الحمصي فيما يذكره مما يختص

ص :77

بالنجوم، ونذكره بلفظه، فان قيل أليس المنجم يخبر عن أمور فتوجد تلك الأمور على ما يخبر بها، ثم قال في الجواب قلنا المنجم يقول. ما يقول ولا يخبر عما يخبر عنه الا عن طريق، وذلك لأنه تعالى جعل اتصالات النجوم وحركاتها دلالات على ما يحدث، فمن احكم العلم بها، امكنه الوقوف عليها اما بعلم أو ظن، وليس هذا من الاخبار عن الغيوب ومعلوم من حال رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم انه ما كان تعلم من هذا العلم شيئا ولا أهم به ولا رأى كتبه قط، يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس وهذا الذي ذكره الحمصي صورة ما حققناه وهذا كتاب التعليق العراقي صنفه أيام مقامه في خدمة جدي ورام بن أبي فراس قدس الله روحه ليكون بدلا عن صاحبه رضي الله عنه إذا توجه إلى وطنه في بلد العجم، وسمعت من اعتمد عليه يقول إنه ما ذكر فيه الا ما كان جدي معتقدا له، ولذلك كلفني جدي ورام رضي الله عنه بحفظ هذا الكتاب المشار إليه، فاما قول الحمصي رضي الله عنه ومعلوم من حال رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم انه ما كان تعلم شيئا فلعله بالتاء فوقها نقطتان فان علمه صلوات الله عليه كان من الله عز وجل ولعل الناسخ سقط من لفظه كلمة قبل تعلم من هذا العلم شيئا وهو قد أو نحوها وإلا فقد كان نبينا صلوات الله عليه عالما بجميع علوم الأنبياء والمرسلين بغير خلاف فيما اعلم من المسلمين وهذا علم النجوم أهله مجمعون انه من علوم إدريس وجماعة من الأنبياء عليهم السلام وقد روينا نحن وغيرنا بعض ما وقفنا عليه، وانما معجزة

ص :78

نبينا انه علم بذلك العلم وغيره من علوم الأنبياء بغير تعليم أحد من البشر بل من سلطان الأرض والسماء فعلى ما ذكرنا عنه بلفظه في مسالته يكون له عذر يليق بما حكيناه عنه في التعليق في عقيدته وقال رحمه الله في تمام المسألة المذكورة في غير التعليق، ومن جيد ما يبطل به قولهم ان تقول لأهل الاحكام خذ الطالع واحسب وانعم النظر فيه واحكم أفعل هذا أم لا افعله، تشير بذلك إلى أي شئ يعرض لك فان حكم انك تفعله فلا تفعله، أو انك لا تفعله فافعله فتخالفه، أقول انا، وهذا أيضا قد استعظمت قدره ان يعتقد جودة هذا القول في الرد على جميع أصحاب الاحكام، وانما هذا يرد على من يدعي ان النجوم علة موجبة واما من يقول إن النجوم جعلها الله المختار لذاته دلائل على السعود والنحوس والحوادث فإنه يقول لشيخنا الحمصي زيادة عما قدمناه من جواب المرتضى قدس الله روحه ان حكمه بأنك ان فعلت أمرا كان سعادة لك لا يمنع انك تخالفه ويكون نحوسا لك كما أن الله جل جلاله دل على طاعته وهى سعادة لعباده فاختار خلق منهم النحوس لمخالفته، ويكون المنجم قد اطلع بمقدار علمه على ما حكم به ولم يطلع على حده وقد تقدم تمام هذا الجواب في جوابنا المرتضى تغمده الله برحمته، واعلم أنه يقتضي لهذا الشيخ المعظم الحمصي رضوان الله عليه انه معتقد لصحة النجوم والحساب، وهذه موافقة لما حررناه ودللنا عليه في هذا الكتاب، وهو من أواخر من تخلف من العلماء الموصوفين، وأفضل من انتفع بالقراءة عليه أهل العراق من المتكلمين

ص :79

وكان جدي ورام قدس الله روحه ونور ضريحه يرجحه على غيره من العلماء ويفضل تصنيفه على من لا يجري مجراه من الفضلاء، وقد كان تحقيقه لهذه المسألة في علم النجوم في الجزء الثاني من (التعليق العراقي) كما حكيناه عن لفظ تحقيقه، في حياة جدي ورام في دار ضيافته تغمده الله برحمته دليلا على أن جدي ورام رضوان الله عليه كان قائلا به ومعتقدا لما أشار الحمصي إليه، لأنه لم يصنف بالعراق ما يخالف جدي فيه، وخاصة في علم النجوم الذي صار من مهمات ما ينبغي كشفه والدلالة عليه، كما تقدم في إشارتنا إليه، وأقول وأما قوله رحمه الله ان أكثر ما يحكمون به في المستقبل لا يقع فان الحساب يختلف حاله عند ذوي الألباب فاول مراتبه سهل على الحاسبين، فإذا ارتفع الحاسب في طرق الحساب أمكن الغلط فيه وذلك بخلاف أوائل مراتبه، وهذا لا يخفى التفاوت فيه على من انصف في الجواب، أما ترى الفرائض إذا كان مسائلها في أوائل حسابها سهل ذلك على الناظرين في أبوابها وإذا تناسخت وارتفعت سهام الوارثين أمكن غلط الحاسبين واحتاجت إلى الماهرين في علم الفرائض والناقدين فكذا حال ما دل عليه حساب النجوم ويسهل القريب منه فيدل على التحقيق باليقين، ويصعب البعيد منه فيقع فيه الغلط على الحاسبين، وقد ذكرنا في كتابنا هذا وجوهات أسباب غلطهم وأوضحنا جوابهم عن ذلك للمنصفين (فصل) وقال رحمه الله في بعض كلامه ما معناه انه قد يولد مولود

ص :80

ان في وقت واحد ودرجة واحدة ويختلف حالهما في السعود والنحوس، فأقول أيضا وهذا مما استبعده ان يكون ذكره معتقدا لثبوت الدلالة به على من يقول إن النجوم جعلها الله الفاعل المختار دلالات لان من يقول بصحة احكام النجوم يقول هذا التقدير لا يكون، واما من يقول منهم كما قلنا بأنها دلالات وان فاعل هذه الدلائل مختار قادر لذاته، يقول إن القادر لذاته يصح منه مع تساوي وقت الولادة في الدرجة، ان يخالف بين المولودين في السعود والنحوس، وتكون الدلائل مشروطة دلالتها إذا لم يرد القادر غيرها، وأقول فقد ظهر ان الذي منع العقل والنقل منه ان تكون النجوم علة موجبة للحادثات، أو فاعلة مختارة للكائنات ولم يمنع العقل والنقل من أن تكون النجوم علامات للحادثات، وقد تركنا ما كنا نقدر ان نورده من خواطرنا من زيادات في الاحتجاج على من زعم أنها علل ومعلولات لئلا يكون كتابنا مطولا يتضجر من يقف عليه لكثرة الدلالات (فصل) وأما من زعم أنها فاعلة مختارة فقد نبهنا في خطبة هذا الكتاب على بطلان هذه الدعوى بوجوه من الصواب ونزيد على الفريقين على ما قدمنا اننا سنريك بعض ما ذكره الحمصي رضوان الله عليه فنقول كل من القرآن والعقل والنقل دل على بطلان قول المجبرة فهو دليل على بطلان قول من قال اننا صادرون عن علة موجبة واننا غير مختارين ونقول كل دليل دل على الوحدانية من المعقول والمنقول، فهو دليل على بطلان قول من قال إن النجوم تفعل كفعل الله جل جلاله وتلك الأدلة في مواضعها

ص :81

مذكورة مشروحة واضحة لذوي العقول (فصل) ومما نذكره في أن النجوم فاعلة مختارة ما ذكره أبو معشر في كتاب (اسرار النجوم)، وهو من أعلم علماء هذا العلم الموسوم، فقال ما هذا لفظه، الأغلب على طبعي ان هذه النجوم غير مستطيعة ولا مختارة لان الفرق بين المستطيع وغير المستطيع ظاهر، بل الاظهر ان المستطيع لفعل يفعل ضده ويقدر ان يمسك عن الفعلين جميعا فلا يكون منه أحدهما والذي لا يستطيع انما يجري على طبع واحد، والكواكب حركتها واحدة ولا تمسك عنها في حال ولا تنتقل إلى غيرها، أقول ان هذا قول الخبير بها المطلع على اسرارها، وقوله كالحجة على المدعين لاختيارها وقد قدمت في الخطبة انها لو كانت مختارة بطل الحتم بالحكم على شئ من النجوم لجواز ان يحكم المنجم بحكم محتوم فيري المنجم المختار باختياره غير ما رآه ذلك المنجم فيبطل ذلك الحكم ويحكم بضده أو بغيره فكان قد انسد باب الدعوى للعلم باحكام النجوم وهذا جواب واضح معلوم (فصل) مع أن الأنبياء عليهم السلام بعثوا ببطلان ان الأفلاك والشمس والقمر والنجوم علل ومعلولات وفاعلات مختارات وثبتت أقوالهم بالآيات والمعجزات والبراهين الخارقات للعادات ثم جاؤوا بالشرايع المختلفات وكان اختلافهم بالشرايع دليلا على أن باعثهم مختار من غير علة ولا عامل بالطبايع وكان تصديقهم بالآيات والبراهين الخارقة لعقول المكلفين دليلا على أن النجوم ليست كاملة ولا مختارة وكيف تكون كاملة الاختيار والصفات وهى تصدق

ص :82

بالآيات الخارقات من يدعي انها غير مختارات ولا فاعلات، فكانت النجوم تكون من أسفه وانقص وأرذل الفاعلين وكان قد انتثر نظام الفلك وفسد جميع العالمين بتصديقها من لا يصدقها ويبطل فضلها ويزيل محلها فقد ثبت بطلان قول من ادعى ان النجوم علة وانها فاعلة وكل حديث ورد بالنهي عن تصديق النجوم وتحريمها والمنع من معرفتها وورود الاخبار بذلك فمحول على هذين القسمين اللذين ثبت بطلانهما وتحريم التصديق بهما وانما صح من علم النجوم القوم بأنها دلالات وعلامات على الحادثات بقدرة الفاطر لها الآمر بها في الدلالات كما جعل قلب ابن آدم وعقله ونظره دلائل على التصديق بأمور حاضرات مع تباعدها عما يحيط بعلمه في المسافات والجهات، وسوف نورد من اخبار من قوله حجة في العلوم بما ذكرناه من تحقيق هذا القسم الثالث من علم النجوم وقد قدمنا ما فيه كفاية لمن طلب التوفيق وشرفه الله جل جلاله بالظفر في التحقيق وصانه عن جحود الآيات الدالة عليه جل جلاله وعلى رسله عليهم السلام بمعرفة اسرار دليل النجوم الموصوفة وما أبانه بالهداية به من آياته المكشوفة ولعل السبب في توقف قوم من الضعفاء عن العلوم بهذه الأشياء خوفهم ان يشتبه الحال بين المنجمين وبين الأنبياء فيما أخبروا به من الغائبات وأين حديث المنجمين المستضعفين الذين يشهد عليهم لسان حالهم وبيان مقالهم باستحالة الدعوى بالمعجزات والآيات من مقام الأنبياء عليهم أفضل الصلوات الذين لم يعرف لهم أستاذ منجم ولا كاهن ولا قائف ولا من

ص :83

اخذوا العلوم منه ولا من رواها عنه. فكان مجرد احاطتهم بالعلوم من غير أستاذ ينسبون إليه ويقرأون عليه معجزة من الله جل جلاله في تصديقهم وتحقيقهم وثبوت طريقهم وليس كذلك علماء المنجمين فان كل واحد منهم معروف الأستاذ الذي قرأ عليه، ومشهور بالكتب الذي أخذ عنها علمه الذي أشير إليه (فصل) وقد كنا قدمنا انه لو كان كل طريق حصل منه تعريف بالغائبات طعنا في معجزات الأنبياء عليهم الصلوات، وقدحا في اخبارهم بالحوادث المستقبلات لكان الذي تضمنته كتب التاريخ من أصحاب الرياضات باخبارهم عن الغائبات ومن أهل الحق باخبارهم عن الحادثات وكان حكم المنامات الصادقات التي تقتضي التعريف بالحادثات، طعنا في النبوات، ولكن هذه وأمثالها لا قدح بها على المعجزات، وكذلك ما جعل الله جل جلاله من دلائل النجوم على الكائنات (فصل) واعلم أن أهل المعقول والمنقول ذكروا ان موسى عليه السلام لما كثر في زمانه السحر، احتج الله جل جلاله عليهم بما لم يبلغه علمهم من عصا موسى تلقفت حبالهم وعصيهم، وان عيسى عليه السلام لما كثر الطب في زمانه احتج الله جل جلاله عليهم بما لم يبلغه علمهم من احياء الموتى وابراء الاكمه والأبرص على يد عيسى، ولما كثرت الفصاحة في زمن نبينا صلوات الله عليه، احتج الله جل جلاله عليهم بفصاحة القرآن الشريف على لسان رسوله محمد صلى الله وسلم عليه وآله الذي لا يعرف في ذلك

ص :84

الحال خطا ولا قراءة كتاب، فكانت معجزات الأنبياء حجة على العباد لأجل ما اتوا به من الزيادة على العلوم التي كانت في زمانهم خارقة للمعتاد، فكذلك يكون تعريف الأنبياء والأوصياء بالغائبات بغير أستاذ، ولا آلات حجة على المنجمين وغيرهم خارقة للعادات

الباب الثالث: فيما نذكره من اخبار من قوله حجة في العلوم على صحة علم النجوم

فأقول ان الاخبار عن الذين قولهم حجة في العالمين، صلوات الله عليهم أجمعين في صحة علم النجوم كثيرة يعرفها من كان كثير الاطلاع على العلوم وانما أذكر ههنا من الأحاديث ما لا يضجر المطلع عليه، ويكفي المنصف في الهداية إليه....

(الحديث الأول) فيما روي غمن قوله حجة في العلوم انه لا يضر في الدين علم النجوم، روينا باسنادنا إلى الشيخ المتفق على عدالته وفضله وأمانته محمد بن يعقوب الكليني في كتاب (الروضة) ما هذا لفظه قال عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن ابن فضال عن الحسن بن

ص :85

أسباط عن عبد الرحمن بن سيابة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت لك الفداء ان الناس يقولون ان النجوم لا يحل النظر فيها وهى تعجبني فان كانت تضر بديني فلا حاجة لي بشئ يضر بديني وان كانت لا تضر بديني فوالله اني لأشتهيها وأشتهي النظر فيها، فقال عليه السلام ليس كما يقولون لا تضر بدينك، ثم قال إنكم تنظرون في شئ منها كثيره لا يدرك وقليله لا ينتفع به تحسبون على طالع القمر ثم قال أتدري كم بين المشتري والزهرة من دقيقة قلت لا والله قال أتدري كم بين الزهرة والقمر من دقيقة قلت لا والله قال أتدري كم بين الشمس والسنبلة من دقيقة قلت لا والله ما سمعته من أحد من المنجمين قط فقال أفتدري كم بين السنبلة وبين اللوح المحفوظ من دقيقة قلت لا والله وما سمعته من منجم قط، قال ما بين كل واحد منهما إلى صاحبه ستون دقيقة أو سبعون دقيقة (الشك من عبد الرحمان) ثم قال يا عبد الرحمان هذا حساب إذا حسبه الرجل ووقع عليه عرف القصبة التي في وسط الاجمة وعدد ما عن يمينها وعدد ما عن يسارها وعدد ما خلفها وعدد ما امامها حتى لا تخفى عليه من قصب الاجمة واحدة أقول وقد روي هذا الحديث من أصحابنا في المصنفات والأصول والروايات جملة من الثقات فممن رواه محمد بن أبي عبد الله في (أماليه) رأيته في نسخة تاريخها سنة تسع وثلثماية. ومحمد بن يحيي أخو فعلس عن حماد بن عثمان وجدته في كتاب أصل لعله كتب في مدة حياته (الحديث الثاني) فيما روي عمن قوله حجة في العلوم بصحة أهل علوم

ص :86

النجوم ما رويناه باسنادنا إلى محمد بن يعقوب الكليني في كتاب تفسير الرؤيا باسناده عن محمد بن غانم قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام عندنا قوم يقولون النجوم أصح من الرؤيا فقال عليه السلام كان ذلك صحيحا قبل ان ترد الشمس على يوشع بن نون وعلى أمير المؤمنين فلما رد الله تعالى الشمس عليها ضل علماء النجوم فمنهم مصيب ومنهم مخط.

(الحديث الثالث) فيما روي عمن قوله حجة في العلوم بصحة أصل علم النجوم ما رويناه باسنادنا إلى محمد بن يعقوب الكليني في كتاب (الروضة) من كتاب الكافي عن علي بن إبراهيم عن ابن عمير عن جميل بن صالح عمن أخبره عن أبي عبد الله عليه السلام انه سئل عن علم النجوم فقال ما يعلمها إلا أهل بيت من العرب وأهل بيت في الهند وحدثني بعض علماء المنجمين ان الذين يعلمون النجوم بالهند أولاد وصي إدريس عليه السلام وروينا هذا الحديث باسنادنا إلى محمد بن أبي عمير من (كتاب أصله) عن أبي عبد الله عليه السلام قال ذكرت النجوم فقال ما يعلمها الا أهل بيت بالهند وأهل بيت بالعرب، وأقول ان مفهوم الأخبار الواردة بان النجوم لا يعرفها إلا أهل بيت بالهند وأهل بيت بالعرب لعله لا يعلمها على أبلغ الغايات ولا يدركها ادراكا لا يخطئ ابدا في الإصابات أولا يعلمها بغير أستاذ وآلات الا أهل بيت من العرب وأهل بيت من الهند، لأننا قد ذكرنا ونذكر وجود من يعلم كثيرا من احكام النجوم وتحصل له اصابات، وان كثيرا من المنجمين يذكرون انهم عرفوا علم النجوم من إدريس النبي عليه السلام

ص :87

ومن أهل الذين اقتضت الاخبار انهم عالمون بها، وعلى كل حال فان علمهم وعلم أهل بيت من العرب بالنجوم دليل على أنه علم صحيح في نفسه جليل لاختصاصهم ومشروع لأنه من جملة فضائلهم (الحديث الرابع) فيما روى عمن قوله حجة في العلوم بصحة أصل علم النجوم ما رويناه باسنادنا عن محمد بن يعقوب الكليني في كتاب (الروضة) أيضا عن أحمد بن علي وأحمد بن محمد جميعا عن علي بن الحسين الميثمي عن محمد بن الواسطي عن يونس بن عبد الرحمان عن أحمد بن عمر الحلبي عن حماد الأزدي عن هاشم الخفاف قال قال لي أبو عبد الله (ع) كيف بصرك بالنجوم فقلت ما خلفت بالعراق أبصر في النجوم مني قال كيف دوران الفلك عندكم قال فأخذت قلنسوتي من رأسي فأدرتها وقلت هكذا فقال لو كان الامر على ما تقول فما بال بنات النعش والجدي والفرقدين لا تدور يوما من الدهر في القبلة؟ قلت هذا والله شئ لا اعرفه ولا سمعت أحدا من أهل الحساب يذكره فقال كم للسكينة من الزهرة جزءا في ضوئها؟ فقلت وهذا والله نجم ما عرفته ولا سمعت أحدا يذكره فقال سبحان الله أفأسقطتم نجما باسره فعلى ما تحسبون ثم قال كم للزهرة من القمر جزءا في الضوء؟ قلت هذا شئ لا يعلمه الا الله قال فكم للقمر جزءا في ضوئها قلت ما اعرف هذا قال صدقت ثم قال عليه السلام ما بال العسكرين يلتقيان في هذا حاسب وفي هذا حاسب، فيحسب هذا لصاحبه بالظفر ويحسب هذا لصاحبه بالظفر ثم يلتقيان فيهزم أحدهما الآخر فأين كانت

ص :88

النحوس؟ فقلت لا والله لا اعلم ذلك قال صدقت ان أصل الحساب حق ولكن لا يعلم ذلك الامن علم مواليد الخلق كلهم،...

(الحديث الخامس) فيما روي عمن قوله حجة في العلوم ان آزر كان عالما بالنجوم) روينا باسنادنا إلى محمد بن يعقوب الكليني في كتاب (الروضة) عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن آزر أبا إبراهيم عليه السلام كان منجما لنمرود ولم يكن يصدر إلا عن أمره، فنظر ليلة في النجوم فأصبح وهو يقول لنمرود لقد رأيت عجبا قال وما هو قال رأيت مولودا يولد بأرضنا يكون هلا كنا على يديه فلا يلبث الا قليلا حتى يحمل به قال فتعجب من ذلك وقال هل حملت به النساء فقال لا قال فحجب الرجال عن النساء ولم يدع امرأة الا جعلها في المدينة لا يخلص إليها بعلها، ووقع آزر على أهله فحملت بإبراهيم (ع) فظن أنه صاحبه الذي يكون الهلاك على يده، فأرسل على نساء من القوابل عارفات في ذلك الزمان لا يكون شئ في الرحم الا علمن به في البطن فالزم الله عز وجل ما في بطنها في الظهر فقلن ما نرى في بطنها شيئا، وكان فيما أوتي من العلم انه سيحرق بالنار ولم يؤت من العلم ان الله سينجيه منها، أقول ثم ذكر كيف حفظ الله جل جلاله إبراهيم وكيف جرت أموره، وهذا الحديث قد قدمنا معناه في أن للنجوم دلالة على نبوة إبراهيم وانما ذكرناه ههنا في باب صحة علم النجوم، عن الصادق المعصوم، بصحة ما كان لآزر من صحة علم النجوم

ص :89

ولاختلاف طرق الرواية، ولان محمد بن يعقوب أبلغ فيما يرويه وأصدق في الدراية، (الحديث السادس) فيما روي عمن قوله حجة في العلوم بتدبير ما ذكره في النجوم) روينا باسنادنا عن محمد بن يعقوب الكليني في كتاب (الروضة) عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن مالك بن عطية عن سليمان ابن خالد قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الحر والبرد مم يكونان؟ فقال لي يا أبا أيوب ان المريخ كوكب حار وزحل كوكب بارد فإذا بدا المريخ في الارتفاع انحط زحل وذلك في الربيع فلا يزالان كذلك كلما ارتفع المريخ درجة انحط زحل درجة ثلاثة أشهر حتى ينتهي المريخ في الارتفاع وينتهي زحل في الهبوط فيلحق المريخ فلذلك يشتد الحر فإذا كان في آخر الصيف، وأول الخريف بدا زحل في الارتفاع وبدا المريخ في الهبوط فلا يزالان كذلك كلما ارتفع زحل درجة انحط المريخ درجة حتى ينتهي المريخ في الهبوط وينتهي زحل في الارتفاع فيلحق زحل وذلك في أو ان الشتاء وآخر الصيف فلذلك يشتد البرد وكلما ارتفع هذا هبط هذا وكلما هبط هذا ارتفع هذا فإذا كان في الصيف يوم بارد فذلك الفعل من القمر وإذا كان في الشتاء يوم حار فذلك الفعل من الشمس وكل بتقدير العزيز العليم، وانا عبد رب العالمين (الحديث السابع) فيما روي عمن قوله حجة في العلوم فيما ذكره من صحة علم النجوم) روينا باسنادنا إلى محمد بن يعقوب الكليني أيضا في كتاب

ص :90

(الروضة) قال عدة من أصحابنا عن سهل بن زيد عن الحسن بن علي بن عثمان قال حدثني أبو عبد الله المدائني عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن الله تعالى خلق زحل في الفلك السابع من ماء بارد وخلق سائر النجوم الست الجاريات من ماء حار وهو نجم الأنبياء والأوصياء وهو نجم أمير المؤمنين عليه السلام بأمر بالخروج من الدنيا والزهد فيها ويأمر بافتراش التراب وتوسد اللبن واكل الجشب، وما خلق الله تعالى نجما أقرب إليه منه سبحانه..

(الحديث الثامن) فيما روي عمن قوله حجة في العلوم بتصديق ما ذكره من علم النجوم) روينا باسنادنا إلى محمد بن يعقوب في كتاب (الروضة) قال عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن علي بن أسباط عن إبراهيم بن خيران عن عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال من سافر أو تزوج والقمر في العقرب لم ير الحسنى،..

(الحديث التاسع فيما روي عمن قوله حجة في العلوم بشهادته في تحقيق علم النجوم) ما رواه معوية بن حكيم عن محمد بن زياد عن محمد بن يحيى الخثعمي قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن النجوم أحق هي؟ قال نعم فقلت أو في الأرض من يعلمها؟ قال نعم في الأرض من يعلمها (الحديث العاشر) فيما نذكره عمن قوله حجة في العلوم في صحة علم النجوم) روينا باسنادنا عن معوية بن حكيم عن كتاب أصله حدثنا آخر عن أبي عبد الله عليه السلام قال في السماء أربعة نجوم ما يعلمها الا أهل بيت

ص :91

من العرب، وأهل بيت من الهند يعرفون منها نجما واحدا فلذلك قام حسابهم (الحديث الحادي عشر) فيما روي من تصديق من قوله حجة في العلوم بعلم النجوم. وجدت في كتاب قالبه قطع نصف الورقة عتيق بخزانة مولانا علي صلوات عليه يتضمن فضائله عليه السلام تأليف أبي القاسم علي بن عبد العزيز بن محمد النيشابوري ما هذا لفظه، علي بن أحمد قال حدثني إبراهيم ابن فضل عن اياد بن تغلب قال كنت عند أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام إذ دخل إليه رجل من أهل اليمن فسلم عليه فرد عليه السلام وقال ما جاء بك يا سعيد؟ فقال هذا الاسم سمتني به أمي، وما أقل من يعرفني به فقال صدقت يا سعيد المزني، فقال الرجل جعلت فداك، وبهذا كنت القب فقال عليه السلام لا خير في اللقب. ان الله عز وجل يقول في كتابه (ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان) يا سعيد المزني ما صناعتك فقال له الرجل جعلت فداك انا رجل معروف من أهل بيت تنظر في النجوم ولا اعلم في اليمن أحدا اعلم منا بالنجوم فقال (ع) له فانا أسألك فقال اليماني سل ما شئت من النجوم جعلت فداك فانا أجيبك بعلم فقال عليه السلام اخبرني كم لضوء القمر على ضوء الزهرة من درجة قال لا أدري فقال عليه السلام فكم لضوء الزهرة على ضوء المريخ من درجة قال لا أدري قال فكم لضوء الزهرة على ضوء المشتري من درجة قال لا أدري فقال (ع) صدقت لا تدري فكم لضوء المشتري على ضوء عطارد من درجة قال لا أدري قال (ع) فما اسم النجوم التي إذا طلعت هاجت

ص :92

الإبل قال لا أدري قال (ع) فما اسم النجوم التي إذا طلعت هاجت الكلاب قال لا أدري قال (ع) فما اسم النجوم التي إذا طلعت هاجت البقر قال لا أدري فقال (ع) صدقت في قولك لا تدري، فما عندكم زحل قال نجم النحوس فقال عليه السلام لا تقل هذا فإنه نجم أمير المؤمنين وهو نجم الأوصياء وهو النجم الثاقب الذي ذكره الله تعالى في كتابه فقال ما معنى الثاقب؟ فقال (ع) ان مطلعه في السماء السابعة وانه يثقب بضوئه حتى يصير في السماء الدنيا فمن ذلك سماه الله تعالى النجم الثاقب يا أخا أهل اليمن هل عندكم علماء قال نعم جعلت فداك ان باليمن قوما ليسوا كأحد من الناس في علمهم فقال (ع) وما بلغ من علم عالمهم، قال إن عالمهم ليزجر الطير ويقفو الأثر في ساعة واحدة مسيرة شهر للراكب المجد فقال (ع) ان عالم المدينة اعلم من عالم اليمن، قال جعلت فداك ما بلغ من عالم المدينة فقال (ع) ان عالم المدينة لا يقفو الأثر ولا يزجر الطير، وينتهي في اللحظ إلى علم مسيرة الشمس اثنى عشر برا واثنى عشر بحرا واثنى عشر عالما قال جعلت فداك ما ظننت أحدا يعلم هذا أو يدري ما كنهه فقال صدقت لا تدري، ثم قالم الرجل اليماني فخرج، ورويت هذا الحديث بأسانيد إلى أبان بن تغلب عن الصادق (ع) من كتاب عبد الله بن القاسم الحضرمي من كتاب أصله وفي إحدى الروايتين زيادة على الأخرى (الحديث الثاني عشر) فيما روي من تصديق من قوله حجة في العلوم بعلم النجوم) وجدت في كتاب (نوادر الحكمة) تأليف محمد بن أحمد بن

ص :93

عبد الله القمي وهو جليل القدر بين علماء الشيعة رواه عن الرضا (ع) قال قال أبو الحسن صلوات الله عليه للحسن بن سهل كيف حسابك للنجوم؟ قال ما بقي شئ الا تعلمته فقال أبو الحسن عليه السلام له كم لنور الشمس على نور القمر فضل درجة؟ وكم لنور القمر على نور المشتري فضل درجة وكم لنور المشتري على نور الزهرة فضل درجة؟ فقال لا أدري فقال (ع) ليس في يدك شئ ان هذا أيسره، ووجدت في كتاب (مسائل الصباح) بن نضر الهندي لمولانا علي بن موسى الرضا صلوات الله عليه رواية أبي العباس بن نوح وأبي عبد الله بن محمد بن أحمد الصفواني من أصل " كتاب عتيق " لنا الآن ربما كان كتب في حياتهما بالاسناد المتصل فيه عن الريان بن الصلت وذكر اجتماع العلماء بحضرة المأمون وظهور حجة الرضا عليه السلام على جميع العلماء وحضور الصباح بن النضر الهندي عند مولانا الرضا (ع) وسؤاله إياه عن مسائل كثيرة، منها سؤاله عن علم النجوم فقال ما هذا لفظه، هو علم في أصل صحيح، ذكروا أن أول من تكلم في النجوم إدريس، وكان ذو القرنين به ماهرا، واصل هذا العلم من الله تعالى ويقال ان الله تعالى بعث المنجم الذي هو المشتري إلى الأرض في صورة رجل فاتى بلد العجم فعلمهم، في حديث طويل، فلم يستكملوا ذلك، فاتى بلد الهند فعلم رجلا منهم، فمن هناك صار علم النجوم بالهند وقال قوم هو من علم الأنبياء وخصوا به لأسباب شتى، فلم يدرك المنجمون الدقيق منها فشابهوا الحق بالكذب، هذا آخر لفظ مولانا علي

ص :94

ابن موسى " ع " في هذه الرواية الجليلة الاسناد، وقوله عليه السلام حجة على العباد، فاما قوله فيها ذكروا، ويقال فان عادتهم عليهم السلام عند التقية ولدي المخالفين من العامة يقولون نحو هذا الكلام تارة، وتارة كان أبي يقول، وتارة روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " الحديث الثالث عشر " فيما روى من شهادة من قوله حجة في العلوم بصحة حساب النجوم أروية بأسانيدي إلى أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن جعفر النعماني الثقة في كتاب الدلائل في الجزء التاسع فيما فيه من دلائل مولانا أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام قال حدثنا محمد بن همام قال حدثني محمد بن موسى بن عبيد بن يقطين قال حدثنا إبراهيم بن محمد اليقطيني المعروف بطلل، قال حدثني ابن ذي العلمين قال كنت واقفا بين يدي ذي الرياستين بخراسان في مجلس المأمون وقد حضره أبو الحسن الرضا " ع "، فجرى ذكر الليل والنهار وأيهما خلق قبل الآخر فخاضوا في ذلك واختلفوا، ثم إن ذا الرياستين سال الرضا " ع " عن ذلك وعما عنده فيه فقال " ع " أتحب ان أعطيك الجواب من كتاب الله عز وجل أو من حسابك فقال أريده أولا من جهة الحساب فقال له ألستم تقولون ان طالع الدنيا السرطان وان الكواكب كانت في شرفها قال نعم قال فزحل في الميزان والمشترى في السرطان والمريخ في الجدي والزهرة في الحوت والقمر في الثور والشمس في وسط السماء بالحمل وهذا لا يكون الا نهارا قال نعم وفي كتاب الله قال عليه السلام قوله

ص :95

عز وجل " لا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر ولا الليل سابق النهار " أي النهار يسبقه...

" الحديث الرابع عشر " فيما روى عمن قوله حجة في العلوم من تصديق حساب النجوم " روى أيضا من طريق آخر معاضد لحديث محمد بن إبراهيم، رويناه بعدة أسانيد عن ابن جمهور القمي وكان عالما فاضلا في " كتاب الواحدة " في اخبار مولانا الرضا صلوات الله عليه قال ومن مسائل ذي الرياستين للرضا " ع " ان الناس تذاكروا بين يدي المأمون في خلق الليل والنهار فقال بعض خلق الله النهار قبل الليل وقال بعض خلق الله الليل قبل النهار فرجعوا بالسؤال إلى أبي الحسن الرضا " ع " فقال إن الله عز وجل خلق النهار قبل الليل وخلق الضياء قبل الظلمة فان شئتم أوجدتكم ذلك من النجوم وان شئتم من القرآن فقال ذو الرياستين أوجدنا من الجهتين جميعا فقال عليه السلام أما من النجوم فقد علمت أن طالع العالم السرطان ولا يكون ذلك الا والشمس في شرفها في نصف.

النهار، واما من القرآن فاستمع قوله تعالى فيه " لا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون " أقول وروى ابن جمهور القمي في كتاب الواحدة في أوائل اخبار مولانا الحسن بن علي عليه السلام في خطبة له في صفة النجوم ما هذا لفظه ثم اجرى في السماء مصابيح ضوءها في حندسها وجعلها من حرسها، من النجوم الدراري المضيئة التي لولا ضوءها ما نفذت ابصار العباد في ظلم الليل المظلم بمغالسه

ص :96

المدلهم بحنادسة، وجعل فيها أدلة على منهاج السبل، لما أحوج الخليقة من التحول والانتقال والادبار والاقبال، وهذا عام موافق لما نقلنا عنهم عليهم السلام من الاخبار، أقول ومن كتاب ابن جمهور القمي باسناده ان أمير المؤمنين صلوات الله عليه لما صعد المنبر وقال سلوني قبل ان تفقدوني قال إليه رجل فسأله عن السواد الذي في القمر فقال أعمى سال عن عمياء أما سمعت ان الله عز وجل يقول (فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة) فالمحو السواد الذي تراه في القمر ان الله تعالى خلق من نور عرشه شمسين وأمر تعالى جبرائيل فامر جناحه بالذي سبق من علمه جلت عظمته لما أراد ان يكون من اختلاف الليل والنهار والشمس والقمر وعدد الساعات والأيام والشهور والسنين والدهور والارتحال والنزول والاقبال والادبار والحج والعمرة ومحل الدين واجر الأجير وعدة أيام الحمل والمطلقة والمتوفى عنها زوجها وما أشبه ذلك، (الحديث الخامس عشر) فيما روي عمن قوله حجة في العلوم، من شهادته بتصديق علم النجوم روينا بأسانيد جماعة عن الشيخ الثقة الفقيه الفاضل الحسين بن عبد الله الغضائري ونقلته من خطه في الجزء الثاني من كتاب الدلائل تأليف أبي العباس عبد الله بن جعفر الحميري الذي قال فيه جدي أبو جعفر الطوسي في الفهرست انه ثقة، وقال النجاشي في كتاب أسماء المصنفين انه شيخ القميين ووجههم باسناده عن بياع السابري قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام ان لي في نظر النجوم لذة وهى معيبة عند الناس

ص :97

فان كان فيها اثم تركت ذلك وان لم يكن فيها اثم فان لي فيها لذة فقال تعد الطوالع قلت نعم وعددتها فقال كم تسقي الشمس من نورها القمر قلت هذا شئ لم أسمعه قط فقال وكم تسقي الزهرة الشمس من نورها قلت ولا هذا فقال وكم تسقي الشمس من اللوح المحفوظ نورا قلت وهذا شئ لم اسمه قط فقال هذا شئ إذا علمه الرجل عرف أوسط قصبة في الاجمة ثم قال ليس يعلم النجوم إلا أهل بيت من قريش وأهل بيت من الهند،..

(الحديث السادس عشر) فيما روي عمن قوله حجة في العلوم بمعاضدة الحديث الحادي عشر في النجوم روينا بأسانيد جماعة إلى الشيخ العظيم الشأن أبي جعفر ابن بابويه القمي رضوان الله عليه فيما ذكره بكتاب (الخصال في الجزء الثاني) من أصل مجلدين قال حدثنا موسى بن المتوكل رضوان الله عليه قال حدثني علي بن الحسين السعد آبادي عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه وغيره عن محمد بن سليمان الصنعاني عن إبراهيم بن الفضل عن أبان بن تغلب قال كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه رجل من أهل اليمن فسلم عليه فقال مرحبا بك يا سعيد فقال الرجل هذا الاسم سمتني به أمي وما أقل من يعرفني به فقال له أبو عبد الله صدقت يا سعيد المزني فقال الرجل جعلت فداك وبهذا كنت القب فقال له أبو عبد الله عليه السلام لا خير في اللقب ان الله تعالى يقول (ولا تنابزوا في الألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان) ما صناعتك يا سعيد قال جعلت فداك انا أهل بيت ننظر في النجوم ولم يكن بالين أحد اعرف بالنجوم منا فقال

ص :98

له أبو عبد الله عليه السلام كم ضوء الشمس يزيد على ضوء القمر درجة فقال اليماني لا ادرى قال صدقت في قولك لا تدري، فما زحل عندكم في النجوم فقال نجم نحس فقال لا تقل هذا فإنه نجم أمير المؤمنين صلوات عليه وهو نجم الأوصياء عليهم السلام وهو النجم الثاقب الذي قال الله عز وجل في كتابه فقال اليماني ما معنى الثاقب؟ قال إن مطلعه في السماء السابعة وانه ثقب بضوئه حتى أضاء في السماء الدنيا فمن ثم سماه الله تعالى النجم الثاقب يا أخا اليمن أعندكم علماء قال نعم جعلت فداك ان باليمن قوما ليسوا كأحد من الناس في علمهم فقال (ع) وما يبلغ من علم عالمهم؟ قال إن عالمهم ليزجر الطير ويقفو الأثر في الساعة الواحدة مسيرة شهر للراكب المجد فقال عليه السلام ان عالم المدينة ينتهي إلى حيث لا يقفي الأثر ولا يزجر الطير ويعلم في اللحظة الواحدة مسيرة الشمس تقطع اثني عشر برجا واثني عشر برا واثنى عشر بحرا واثني عشر عالما، فقال اليماني جعلت فداك ما ظننت ان أحدا يعلم هذا أو يدري ما كنهه قال ثم قام وخرج (الحديث السابع عشر) فيما روي عمن قوله حجة في العلوم في التصديق بصحة علم النجوم رويناه باسنادنا إلى محمد بن يحيى الخثعمي من غير كتاب معوية بن حكيم المقدم ذكره قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن النجوم أحق هي قال لي نعم قلت وفي الأرض من يعلمها؟ قال نعم وفي الأرض من يعلمها (الحديث الثامن عشر) فيما روى عمن قوله حجة في العلوم بتصديق معرفة علم النجوم، وجدنا في أصل عتيق اسمه كتاب (التجمل) تاريخ

ص :99

مقابلته سنة ثمان وثلاثين ومأتين، قال أبو أحمد عن حفص ابن البختري (وقد ذكر النجاشي انه ثقة) قال ذكرت النجوم عند أبي عبد الله (ع) فقال ما يعلمها الا أهل بيت بالهند وأهل بيت من المعرب (الحديث التاسع عشر) فيما روي عمن قوله حجة في العلوم من إباحة النظر في علم النجوم، وهو ما وجدناه في كتاب التجمل المقدم ذكره عن محمد وهرون ابني أبي سهل انهما كتبا إلى أبي عبد الله (ع) ان ابانا وجدنا كانا ينظران في علم النجوم فهل يحل النظر فيه فكتب نعم (الحديث العشرون) فيما روي عمن قوله حجة في العلوم في الفتوى بتحليل علم النجوم) وجدنا أيضا في كتاب التجمل المقدم ذكره عن محمد وهرون ابني أبي سهل قالا كتبنا إليه عليه السلام نحن ولد نوبخت المنجم وقد كنا كتبنا إليك هل يحل النظر في علم النجوم فكتبت نعم، والمنجمون يختلفون في صفة الفلك فبعضهم يقول إن الفلك فيه النجوم والشمس والقمر معاق بالسماء وهو دون السماء وهو الذي يدور بالنجوم والشمس والقمر فإنها لا تتحرك ولا تدور وبعضهم يقول إن دوران الفلك تحت الأرض وان الشمس تدور مع الفلك تحت الأرض فتغيب في المغرب تحت الأرض وتطلع من الغداة من المشرق فكتب عليه السلام نعم يحل ما لم يخرج من التوحيد (الحديث الحادي والعشرون) فيما روي عمن قوله حجة في العلوم في تفسير نحو من النجوم) من كتاب التجمل أيضا أبو محمد عن الحسن بن عمر عن أبي عبد الله (ع) في قوله عز وجل (يوم نحس مستمر) قال كان

ص :100

القمر منحوسا بزحل، (الحديث الثاني والعشرون) فيا روينا من اطلاع من قوله حجة في العلوم على الملكوت وعلمه منه ما علمه مالك الجبروت) روينا بعدة أسانيد إلى أبي جعفر محمد بن بابويه رضوان الله عليه، فيما رواه في كتاب (الخصال) وهو الثقة في المقال، في أحاديث تسع خصال باسناده في حديث إلى أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه والله لقد أعطاني الله تبارك وتعالى تسعة أشياء لم يعطها أحدا قبلي خلا النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقد فتحت لي السبل وعلمت الأسباب واجري لي السحاب وعلمت المنايا والبلايا وفصل الخطاب ولقد نظرت في الملكوت فاذن لي ربي جل جلاله فما غاب عني ما كان قبلي وما يأتي بعدي، وان بولايتي أكمل الله لهذه الأمة دينهم وأتم عليهم النعمة ورضي اسلامهم إذ يقول سبحانه يوم الولاية لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، يا محمد اخبرهم اني أكملت لهم دينهم ورضيت الاسلام لهم دينا وأتممت عليهم نعمتي كل ذلك من من الله تعالى من به علي فله الحمد، هذا آخر الحديث بلفظه، وكان المراد منه ان نظرة في الملكوت يعلم منه ما مضى وما يأتي، أقول وروي معنى هذا الحديث وزيادة فيه سليمان بن صالح ونقلته من نسخة مقروءة على هارون بن موسى التلعكبري رضوان الله جل جلاله عليه قال ما هذا لفظه، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل (وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض) قال

ص :101

كشط له ما في السماوات السبع وفى الأرضين السبع حتى رأى العرش وما عليه وكان يرى الناس على مكاسبهم وصنع ذلك برسول الله (ص) وصنع ذلك بالأئمة عليهم السلام من بعده، قال الهيثم وسمعت هاشما يروي عن مفضل قال كان محمد بن علي (ع) يقول انى ارى ما في السماوات والأرض كما أرى راحتي هذه، (الحديث الثالث والعشرون) في احتجاج من قوله حجة في العلوم على صحة علم النجوم) وهو ما رويناه باسنادنا عن الشيخ السعيد محمد بن رستم ابن جرير الطبري الامامي رضوان الله عليه في الجزء الثاني من كتاب (دلائل الإمامة) قل اخبرني أبو عبد الله الحسين بن عبد الله الحربي وأبو الحسين محمد بن هارون بن موسى بن أحمد التلعكبري قالا حدثنا أبو محمد هارون بن موسى بن أحمد التلعكبري رضي الله عنه قال حدثنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن مخزوم المقرى، مولى بني هاشم قال حدثنا أحمد بن القاسم البري قال حدثنا يحيي بن عبد الرحمان عن علي بن حي بن صالح الكوفي عن زياد بن المنذر عن قيس بن سعد قال كنت أسائر أمير المؤمنين صلوات الله عليه كثيرا إذا سار إلى وجه من الوجوه فلما قصد أهل النهروان وصرنا بالمدائن وكنت يومئذ مسائرا له، إذ خرج إلينا قوم من أهل المدائن من دهاقينهم معهم براذين قد جاؤوا بها هدية إليه فقبلها، وكان فيمن تلقاه دهقان من دهاقين المدائن يدعى سرسفيل، وكانت الفرس تحكم برأيه فيما يعني وترجع إلى قوله فيما سلف فلما بصر بأمير المؤمنين صلوات الله عليه

ص :102

فال يا أمير المؤمنين تناحست النجوم الطوالع فنحس أصحاب السعود وسعد أصحاب النحوس، ولزم الحكيم في مثل هذا اليوم الاختفاء والجلوس، وان يومك هذا يوم مميت، قد اقترن فيه كوكبان قنالان، وشرف فيه بهرام في برج الميزان واتقدت من برجك النيران، وليس لك الحرب بمكان فتبسم أمير المؤمنين صلوات الله عليه ثم قال أيها الدهقان المنبئ بالاخبار والمحذر من الاقدار، أتدري ما نزل البارحة في آخر الميزان، وأي نجم حل السرطان، قال سأنظر ذلك واخرج من كمه أسطرلابا وتقويما فقال له أمير المؤمنين صلوات الله عليه، أنت مسير الجاريات؟ قال لا قال أفتقضي على الثابتات؟ قال لا قال فأخبرني عن طول الأسد وتباعده عن المطالع والمراجع؟ وما الزهرة من التوابع والجوامع؟ قال لا علم لي بذلك قال فما بين السواري إلى الدراري؟ وما بين الساعات إلى الفجرات؟ وكم قدر شعاع المدارات؟ وكم تحصيل الفجر في الغدوات! قال لا علم لي بذلك قال هل علمت يا دهقان ان الملك اليوم انتقل من بيت إلى بيت في الصين، وتغلب برج ما جين، واحترقت دور بالزنج، وطفح جب سر نديب وتهدم حصن الأندلس، وهاج نمل السيح وانهزم مراق الهند وفقد ربان اليهود بأيلة وجدم بطريق الروم برومية، وعمي راهب عمورية، وسقطت شرافات القسطنطينية، أفعالم أنت بهذه الحوادث؟ وما الذي أحدثها شرقها وغربها من الفلك؟ قال لا علم لي بذلك فال قباي الكواكب تقضي في أعلى القطب، وبأيها تنحس من تنحس، قال لا علم لي بذلك قال فهل علمت

ص :103

انه سعد اليوم اثنان وسبعون عالما في كل عالم سبعون عالما منهم في البر ومنهم في البحر وبعض في الجبال وبعض في الغياض وبعض في العمران فما الذي سعدهم؟ قال لا علم لي بذلك قال يا دهقان أظنك حكمت على اقتران المشتري وزحل لما استنارا لك في الغسق، وظهر تلالي المريخ وتشريقه في السحر، وقد سار فاتصل جرمه بنجوم تربيع القمر، وذلك دليل على استخلاف الف الف من البشر، كلهم يولدون اليوم والليلة، ويموت مثلهم ويموت هذا (وأشار إلى جاسوس في عسكره لمعوية) فلما قال ذلك ظن الرجل انه قال خذوه فاخذه شئ في قلبه وتكسرت نفسه في صدره فمات لوقته، فقال للدهقان ألم ارك عين التقدير في غاية التصوير قال بلى يا أمير المؤمنين فقال يا دهقان انا مخبرك انى وصحبي هؤلاء لا شرقيون ولا غربيون انما نحن ناشئة القطب، وما زعمت البارحة انه انقدح من برج الميزان فقد كان يجب ان يحكم معه لي، لان نوره وضياءه عندي، فلهبه ذهب عني يا دهقان هذه قضية عيص فأحسبها وولدها ان كنت عالما بالأكوار والأدوار، ولو علمت ذلك لعلمت انك تحصى عقود القصب في هذه الاجمة، ومضى أمير المؤمنين صلوات الله عليه، فهزم أهل النهروان وقتلهم فعاد بالغنيمة والظفر، فقال الدهقان ليس هذا العلم بأيدي أهل زماننا هذا علم مادته من السماء (الحديث الرابع والعشرون) في رواية حديث الدهقان مع أمير المؤمنين صلوات الله عليه باسناد وتفصيل غير الأول، وهو أطول

ص :104

وأكمل، رويناه باسناد متصل إلى الأصبغ بن نباته قال لما رحل أمير المؤمنين صلوات الله عليه من نهر براثا إلى النهروان وقد قطع جسرها وسمرت سفنها فنزل وقد سرح الجيش إلى جسر بوران ومعه رجل من أصحابه قد شك في قتال الخوارج فإذا رجل يركض فلما رأى أمير المؤمنين عليه السلام قال البشرى يا أمير المؤمنين قال وما بشراك قال لما بلغ الخوارج نزولك البارحة نهر براثا ولوا هاربين فقال له علي عليه السلام أنت رأيتهم حين ولوا قال نعم قال كذبت لا والله ما عبروا النهروان ولا تجاوزوا الأثيلات ولا النخيلات حتى يقتلهم الله عز وجل على يدي عهد معهود وقدر مقدور، لا ينجو منهم عشرة ولا يفتل منا عشرة فبينا هو كذلك إذ اقبل إليه رجل يقتدي برأيه في حساب النجوم لمعرفته بالطوالع والمراجع وتقويم القطب في الفلك ومعرفته بالحساب والضرب والتجزئة والجبر والمقابلة وتاريخ السنداباد وغير ذلك فلما بصر بأمير المؤمنين صلوات الله عليه نزل عن فرسه وسلم عليه وقال يا أمير المؤمنين لترجعن عما قصدت إليه وكان الرجل دهقانا من دهاقين المدائن واسمه سرسفيل سوار فقال (ع) له ولم يا سرسفيل سوار فقال تناحست النجوم السعدات وتساعدت النجوم النحسات فلزم الحكيم في مثل هذا اليوم الاختفاء والقعود، ويومك هذا يوم مميت، تغلب فيه برجان وانكسف فيه الميزان وافتدح زحل بالنيران وليست الحرب لك بمكان فقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه له اخبرني يا دهقان عن قصة الميزان وفي أي مجرى كان برج السرطان قال سأنظر

ص :105

لك فضرب بيده على كمه وأخرج زيجا وأسطرلابا فتبسم أمير المؤمنين عليه السلام وقال له يا دهقان أنت مسير الثابتات قال لا قال أفانت تقضي على الحادثات قال لا قال يا دهقان فما ساعة الأسد من الفلك؟ وما له من المطالع والمراجع؟ وما الزهرة من التوابع والجوامع قال لا اعلم يا أمير المؤمنين قال فعلى أي الكواكب تقضي على القطب؟ فما هي الساعات المتحركات؟ وكم قدر الساعات المدبرات؟ وكم تحصيل المقدرات؟ قال لا علم لي بذلك يا أمير المؤمنين قال يا دهقان صح لك علمك ان البارحة انقلب بيت في الصين وانقلب آخر بدمانسين واحترقت دور الزنج أو تحطم منار الهند وطفح جب سر نديب وهلك ملك إفريقية وانقض حصن الأندلس وهاج نمل الشيح وفقد ربان اليهود بايلة وجذم بطريق النصاري بأرمينية وعمي راهب عمورية وسقطت شرفات القسطنطينية وهاجت سباع البر على أهلها ورجعت رجال النوبة للراهج والتقت الزرف مع الفيلة وطار الوحش إلى العلقين وهاجت الحيتان إلى الحضرين واضطربت الوحوش بالأنقلين أفانت عالم بهذه الحوادث؟ وما أحدثها من الفلك، شرقية أم غربية، وأي برج أسعد صاحب النحس وأي برج أنحس صاحب السعد قال لا علم لي بذلك قال عليه السلام فهل ذلك علمك ان اليوم سعد فيه سبعون عالما في كل عالم سبعون الف عالم منهم في البحر ومنهم في البر ومنهم في الجبال ومنهم في السهل والغياض والخراب والعمران، فابن لنا ما الذي من الفلك أسعدهم؟ فقال لا علم لي بذلك يا أمير المؤمنين قال يا دهقان فأظنك

ص :106

حكمت على اقتران المشتري بزحل حين لا حالك في الغسق قد شارفهما واتصل جرمه بجرم القمر وذلك استخلاف مائة الف من البشر كلهم يولدون في يوم واحد، واستهلاك مائة الف من البشر كلهم يموتون الليلة وغدا وهذا منهم (وأشار بيده إلى سعد بن مسعود الحارثي) وكان في عسكره جاسوسا للخوارج فظن أن عليا صلوات الله عليه يقول خذوا هذا فقبض على فؤاده ومات من وقته ثم قال عليه السلام له ألم أرك عين التوفيق انا وأصحابي هؤلاء لا شرقيون ولا غربيون، انما نحن ناشئة القطب وأعلام الفلك فاما ما زعمت أن البارحة اقتدح في برجي النيران فقد كان يجب عليك ان تحكم به لي، فان ضياءه ونوره عندي، وحرقه ولهبه ذاهب عني، فهذه قضية عقيمة فأحسبها ان كنت حاسبا وأعرفها ان كنت عارفا بالأكوار والأدوار، ولو علمت ذلك لعلمت عدد كل قضية في هذه الاجمة (وأشار إلى أجمة قصب كانت عن يمينه) فتشهد الدهقان وقال يا مولاي ان الذي فهم إبراهيم وموسى وعيسى ومحمدا صلوات الله عليهم فهمكها وهو الله تعالى يا أمير المؤمنين لا اثر بعد عين مد يدك فانا اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وانك الامام والوصي المفترض الطاعة، (الحديث الخامس والعشرون) فيما روي عمن قوله حجة في العلوم بصحة علم النجوم) نقلناه من كتاب (نزهة الكرام وبستان العوام) تأليف محمد بن الحسين الرازي وهذا الكتاب خطه بالعجمية فكلفنا

ص :107

من نقله إلى العربية فذكر في أواخر المجلد الثاني منه ما هذا لفظ من عربه، وروي ان هارون الرشيد انفذ إلى موسى بن جعفر عليهما السلام من احضره فلما حضر قال له ان الناس ينسبونكم يا بني فاطمة إلى علم النجوم وان معرفتكم بها جيدة وفقهاء العامة يقولون ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا ذكر أصحابي فاسكتوا وإذا ذكر القدر فسكتوا وإذا ذكر النجوم فاسكتوا، وأمير المؤمنين علي كان أعلم الخلائق بعلم النجوم وأولاده وذريته التي تقول الشيعة بإمامتهم كانوا عارفين بها فقال له الكاظم (ع) هذا حديث ضعيف واسناده مطعون فيه، والله تبارك وتعالى قد مدح النجوم فلولا ان النجوم صحيحة ما مدحها الله عز وجل والأنبياء عليهم السلام كانوا عالمين بها قال الله عز وجل في إبراهيم خليله عليه السلام (وكذلك) نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين) وقال في موضع آخر (فنظر نظرة في النجوم فقال اني سقيم) فلو لم يكن عالما بالنجوم ما نظر فيها ولا قال إني سقيم، وإدريس عليه السلام كان أعلم أهل زمانه بالنجوم، والله عز وجل قد أقسم فيها بكتابه في قوله تعالى (فلا أقسم بمواقع النجوم وانه لقسم لو تعلمون عظيم) وفى قوله بموضع آخر (فالمد برات أمرا) يعني بذلك اثني عشر برجا وسبع سيارات، والذي يظهر في الليل والنهار هي بأمر الله تعالى، وبعد علم القرآن لا يكون أشرف من علم النجوم وهو علم الأنبياء والأوصياء وورثة الأنبياء الذين قال الله تعالى فيهم (وعلامات وبالنجم هم يهتدون) ونحن نعرف هذا العلم وما

ص :108

ننكره فقال هارون بالله عليك يا موسى هذا العلم لا تظهروه عند الجهال وعوام الناس، حتى لا يشيعوه عنكم وتنفس العوام به وغط هذا العلم وارجع إلى حرم جدك ثم قال هارون بقيت مسالة أخرى بالله عليك اخبرني بها قال سل قال بحق القبر والمنبر، وبحق قرابتك من رسول الله (ص) أنت تموت قبلي أم انا أموت قبلك؟ فإنك تعرف هذا من علم النجوم فقال له موسى آمني حتى أخبرك فقال لك الأمان قال انا أموت قبلك ما كذبت ولا اكذب ووفاتي قريب قال قد بقيت لي مسالة تخبرني بها ولا تضجر قال سل قال أخبروني انكم تقولون ان جميع المسلمين عبيدنا وإماؤنا وانكم تقولون من يكون لنا عليه حق ولا يوصله لنا فليس بمسلم فقال موسى كذب الذين زعموا انا نقول ذلك وإذا كان كذلك فكيف يصح البيع والشراء عليهم ونحن نشتري عبيدا وجواري ونعتقهم ونقعد معهم ونأكل معهم ونشتري المملوك ونقول له يا بني وللجارية يا بنية ونقعدهم يأكلون معنا تقربا إلى الله تعالى، فلو أنهم عبيدنا وإماؤنا ما صح البيع والشراء، وقد قال النبي (ص) لما حضرته الوفاة الله الله في الصلاة وما ملكت ايمانكم، يعني واظبوا على الصلاة وأكرموا مماليككم من العبيد ولا ماء فنحن نعتقهم، فهذا الذي سمعته كذب من قائله، ودعوى باطلة، ولكن نحن ندعي ان ولاء جميع الخلائق لنا نعني ولاء الدين وهؤلاء الجهال يظنون ولاء الملك حملوا دعواهم على ذلك ونحن ندعي ذلك لقول النبي (ص) يوم غدير خم من كنت مولاه فعلي مولاه يعني بذلك ولاء الدين والذي يوصلونه

ص :109

إلينا من الزكاة والصدقة فهو حرام علينا مثل الميتة والدم ولحم الخنزير فاما الغنائم والخمس من بعد موت رسول الله (ص) فقد منعونا ذلك ونحن إليه محتاجون إلى ما في أيدي بني آدم الذين هم لنا ولاؤهم ولاء الدين لا ولاء الملك فان انفذ إلينا أحد هدية ولا يقول انا صدقة نقبلها لقول النبي (ص) لو دعيت إلى كراع لأجبت (وكراع اسم قرية) ولو أهدي إلي كراع لقبلت (الكراع يد الشاة) وذلك سنة إلى يوم القيمة ولو حملوا إلينا زكاة وعلمنا انها زكاة لرددناها فان كانت هدية قبلناها، ثم إن هارون اذن له في الانصراف فتوجه إلى الرقة ثم تقولوا عليه أشياء فاستعاده واطعمه السم فتوفي صلوات الله عليه، (الحديث السادس والعشرون) في شهادة من يروي عن المعصوم تعظيم علم النجوم) وجدت في كتاب عتيق باسناد متصل إلى الوليد بن جميع قال إن رجلا سأله عن حساب النجوم فجعل الرجل يتحرج ان يخبر فقال قال عكرمة سمعت ابن عباس يقول عجز الناس عنه وودت اني علمته (فصل) ومما رأيت ورويت عن ابن عباس في النجوم ما رويته عن شيخ المحدثين ببغداد محمد بن النجار في المجلد الحادي والعشرين من تذييله على تاريخ الخطيب في ترجمة علي بن طراد باسناده إلى عكرمة قال قيل لابن عباس ان ههنا رجلا يهوديا يتكهن ويخبر، فبعث عبد الله بن عباس إليه فجاءه فقال له يا يهودي بلغني انك تخبر بالغيب قال أما الغيب فلا يعلمه الا الله ولكن ان شئت أخبرتك قال هات قال لك ولد له عشر سنين يختلف إلى الكتاب

ص :110

قال نعم قال فإنه يأتي غدا محموما من الكتاب ويموت يوم العاشر واما أنت فلا تخرج من الدنيا حتى يذهب بصرك فقال هذا ما أخبرتني به عن ابني ونفسي فأخبرني عن نفسك قال أموت رأس السنة قال عكرمة فجاء ابن ابن عباس محموما من الكتاب ومات في اليوم العاشر فلما كان رأس السنة قال ابن عباس يا عكرمة انظر ما فعل اليهودي فاتيت أهله فقالوا مات أمس ثم ما خرج ابن عباس من الدنيا حتى ذهب بصره (فصل) في مدح مولانا علي بن الحسين عليهما السلام المنجم بعد ظهور الحجة عليه ذكر محمد بن علي مؤلف كتاب (الأنبياء والأوصياء) من آدم إلى المهدي عليهما السلام في حديث ما هذا لفظه، وروي ان رجلا اتى علي ابن الحسين عليهما السلام وعنده أصحابه فقال عليه السلام من الرجل قال ؟؟؟ منجم قائف عراف فنظر إليه ثم قال هل أدلك على رجل قد مر منذ دخلت علينا في أربعة آلاف عالم قال من هو قال اما الرجل فلا أذكره ولكن ان شئت أخبرتك بما اكلت وادخرت في بيتك قال اخبرني فقال عليه السلام اكلت في بيتك هذا اليوم حيسا وادخرت عشرين دينارا منها ثلاثة دنانير وازنة فقال الرجل اشهد انك الحجة العظمى والمثل الاعلى وكلمة التقوى فقال عليه السلام له وأنت ص؟ يق امتحن الله قلبك بالايمان فأثبت، قلت لعل قوله عليه السلام مر في أربعة آلاف عالم، انه قد جعل الله نورا يشاهد هذه العوالم كما يطلع النائم في نومه علي الجهات الكثيرة في نوم ساعة واحدة ولعله عنى بالرجل نفسه عليه السلام،

ص :111

(الحديث السابع والعشرون) في تزكية حديث ابن عباس، بطريق آخر مشهور بين الناس) وجدته في كتاب (ربيع الأبرار) تالف أبي القسم محمود بن عمر الزمخشري في الجزء الأول قال ما هذا لفظه، الوليد ابن جميع رأيت عكرمة سال رجلا عن علم النجوم والرجل يتحرج ان يخبره فقال عكرمة سمعت ابن عباس يقول علم عجز الناس عنه وودت لو اني علمته (الحديث الثامن والعشرون) في رواية ابن عباس في صحة علم النجوم وانها من العلم المرسوم) من كتاب (ربيع الأبرار) للزمخشري من الجزء الأول أيضا عند ذكره علم النجوم قال ما هذا لفظه، وعن ابن عباس انه علم من علم النبوة وليتني كنت أحسنه (الحديث التاسع والعشرون) فيما نرويه عن المعصوم من تعظيم علم النجوم) من كتاب (ربيع الأبرار) من الجزء الأول أيضا قال وعن علي عليه السلام من اقتبس علما من علم النجوم من حملة القرآن ازداد به ايمانا ويقينا ثم تلا " ان في اختلاف الليل والنهار الآية،..

(الحديث الثلاثون) فيما روى عمن جرت عادته في الروايات عن المعصوم في صحة علم النجوم، ومن كتاب " ربيع الأبرار " من الجزء الأول أيضا قال وعن ميمون بن مهران إياكم والتكذيب في علم النجوم فإنه علم من علوم النبوة.

" الحديث الحادي والثلاثون " في رواية الزمخشري عن المعصوم في تحذير ما يتعلق بعلم النجوم، وهو ما وجدناه في الجزء الأول من

ص :112

(ربيع الأبرار) قال ما هذا لفظه، علي عليه السلام يكره أن يسافر الرجل أو يتزوج في محاق الشهر وإذا كان القمر في العقرب، وذكر الخطيب في (تاريخ بغداد) عند ذكره الحسن بن الحسين العكسري النحوي حديثا أسنده إلى تميم بن الحرث عن أبيه عن علي عليه السلام انه كان يكره أن يتزوج الرجل أو يسافر إذا كان القمر في محاق الشهر أو العقرب أقول وقد قدمنا كراهية التزويج والسفر في برج العقرب، وما كان فيه كراهية في محاق الشهر، (الحديث الثاني والثلاثون) في تأكيد كراهية السفر في المحاق عن المشهود له بالسباق والكمل في الأخلاق، قال الزمخشري في ربيع الأبرار فيما رواه عن مولانا علي صلوات الله عليه، ويروى ان رجلا قال له اني أريد الخروج في تجارة لي وذلك في محاق الشهر فقال عليه السلام له اتريد أن يمحق الله تجارتك؟ استقبل الشهر بالخروج، (الحديث الثالث والثلاثون) في رواية عن علماء بني إسرائيل في صحة علم النجوم بطريق أهل العلوم، ما ذكرها الزمخشري في ربيع الأبرار فقال ما هذا لفظه، وكان من علماء بني إسرائيل من يسترون من العلوم علمين علم النجوم وعلم الطب فلا يعلمونهما لأولادهم لحاجة الملوك إليها لئلا يكون سببا لصحبة الملوك والدنو منهم فيضمحل دينهم (الحديث الرابع والثلاثون) يتضمن ان النبي سيد كل معصوم، ذكر مولده الشريف بمقتضى علم النجوم، مما ذكره الزمخشري في (ربيع الأبرار)

ص :113

فقال قال بعض المنجمين ان مواليد الأنبياء السنبلة أو الميزان، وقال صلى الله عليه وآله وسلم ولدت بالسماك وحساب أهل النجوم انه السماك الرامح فكان في ثاني طالعه زحل فلم يكن له ملك ولا عقار

الباب الرابع: فيما نذكره عن مولانا موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام في إزالة القطوع في العمر إذا دل مولد الانسان عليه.

فيما نذكره عن مولانا موسى بن جعفر الكاظم صلوات الله عليه في إزالة القطوع في العمر إذا دل مولد الانسان عليه (1) من ذلك ما رواه عبد الله بن الصلت في كتاب (التواقيع) من أصول الاخبار قال حملت الكتاب وهو الذي نقلته من العراق كتب مصقلة بن إسحاق إلى علي ابن جعفر رقعة يعلمه فيها ان المنجم كتب ميلاده ووقت عمره وقتا وقد قارب ذلك الوقت وخاف على نفسه فأحب ان يسأله ان يدله على عمل يعمله يتقرب به إلى الله عز وجل فأوصل علي بن جعفر رقعته التي كتبها إلى موسى بن جعفر عليه السلام فكتب إليه، (بسم الله الرحمن الرحيم) متعني الله بك قرأت رقعة فلان فأصابني والله إلى ما أخرجني إلى بعض لائمتك، سبحان الله أنت تعلم حاله منا وفي طاعتنا وأمورنا فما منعك من نقل الخبر إلينا. ليستقبل الامر ببعض

ص :114


1- (1) القطوع في اصطلاح المنجمين الموت وهو متعارف عندهم لقطعه الحياة

السهولة حتى لو نقلت انه رأى رؤيا في منامه، أو بلغ سن أبيه أو أنكر شيئا من نفسه، فكان الامر يخف وقوعه، ويسهل خطبه ويحتسب هذه الأمور عند الله عز وجل. بالأمس تذكره في اللفظ بان ليس أحد يصلح لنا غيره واعتمادنا عليه على ما تعلم، فليحمد الله كثيرا ويساله الامتاع بنعمته وما أصلح المولى وأحسن الأعوان عونا برحمته ومغفرته، مر فلانا لا فجعنا الله به، بما يقدر عليه من الصيام كل يوم أو يوما ويوما أو ثلثة في الشهر ولا يخلي كل يوم أو يومين من صدقة على ستين مسكينا وما يحركه عليه النسبة وما يجري ثم يستعمل نفسه في صلاة الليل والنهار استعمالا شديدا وكذلك في الاستغفار وقراءة القرآن وذكر الله تعالى والاعتراف في القنوت بذنوبه والاستغفار منها ويجعل أبوابا في الصدقة والعتق والتوبة عن أشياء يسميها من ذنوبه، ويخلص نيته في اعتقاد الحق ويصل رحمه وينشر الخير فيها، فنرجو ان ينفعه الله عز وجل لمكانه منا وما وهب الله تعالى من رضانا وحمدنا إياه، فلقد والله ساءني أمره فوق ما أصف، وانا ارجوان يزيد الله في عمره، ويبطل قول المنجم فيما اطلعه عى الغيب والحمد لله وقد رأيت هذا الحديث في كتاب (التوقيعات) لعبد الله بن جعفر الحميري رحمه الله وقد رواه عن أحمد بن محمد بن عيسى باسناده إلى الكاظم (ع) يقول أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس فلو كان القول بعلم النجوم محالا ما كان مولانا الكاظم صلوات الله عليه قد اهتم بتدبير زواله بما أشار إليه، ولا كان بلغ الامر في استعمال صاحب القطع

ص :115

نفسه في صلاة الاستيجار وكثرة الاستغفار والعتق والصدقة مما يدفع به الاخطار.

(فصل) وذكر مصنف كتاب (اخوان الصفا) في المجلد الأول منه في فضل فوائد علم النجوم فقال ما هذا لفظه، واعلم أيها الأخ أيدك الله وإيانا بروح منه ان في معرفة علم النجوم فوائد كثيرة فيما يكون في الحادث المستقبل والكائن من بعد أيام، فإنه إذا علم الانسان ما يكون امكنه حينئذ أن يدفعه عن نفسه أو بعضه لابان يمنع كونه، ولكن يتحرز منه ويستعد له كما يستعد سائر الناس لدفع برد الشتاء بجمع الدثار ولحر الصيف باتخاذ الأماكن وللغلاء باتخاذ الغلات والادخار ولخوف العين بالصرف منها وللمخاوف وما شاكل هذه الأمور، مع علمهم بأنهم لا يصيبهم الا ما كتب الله عليهم (وشئ آخر) وهو انه متى علم الناس الحوادث قبل كونها أمكنهم أن يدفعوها قبل نزولها بالدعاء والتضرع إلى الله تعالى والتوبة بالإنابة إليه، وبالصوم والصلاة والفرائض والنذور، والسؤال من الله تعالى ان يدفع عنهم المحذور ويصرف ما يخافونه من الأمور (فصل) واعلم أيها الأخ أيدك الله وإيانا بروح منه انك إذا نظرت اسرار النواميس الإلهية وتأملت السنن الشرعية، وتبينت اغراض واضعي النواميس كان هذا الذي ذكرت لك، وذلك أن موسى بن عمران عليه السلام أوصى بني إسرائيل فقال احفظوا شرائع التوراة واعملوا بوصاياها فان الله يستجيب دعاءكم، ويرخص أسعاركم ويخصب بلادكم

ص :116

ويكثر أموالكم وأولادكم، ويكف عنكم أعداءكم، ومتى خفتم حوادث الدهر ومصائب الأيام، فتوبوا إلى الله واستغفروا وصلوا وادعوه ان يصرف عنكم ما تخافون، ويدفع عنكم شر ما تحذرون، ويكشف عنكم شر ما يكون من محن الدنيا ومصائبها، وحوادث الأيام ونواكبها. وعلى هذا المنوال (1) كانت وصية عيسى عليه السلام لصحابته ووصية سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم لامته (فصل) وقد روينا بعدة أسانيد عن الأئمة الاطهار، ان القطع بالموت في الاعمار، يزول بالصدقة والمبار، فمن ذلك ما ذكره الشيخ الثقة محمد بن يعقوب الكليني في كتاب (الكافي) باسناده رحمه الله إلى أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله (ص) الصدقة تدفع ميتة السوء ومن ذلك ما ذكره أيضا في الكافي باسناده إلى أبي جعفر الباقر (ع) قال البر والصدقة ينفيان الفقر، ويزيدان في العمر، ويدفعان ميتة السوء ومن ذلك ما ذكره أيضا باسناده إلى الصادق عليه السلام قال مر يهودي بالنبي (ص) فقال له السام عليكم فقال له وعليك فقال أصحابه عليه السام انما السام الموت فقال النبي صلى الله عليه وآله وكذلك رددته عليه ثم قال إن هذا اليهودي يعقبه (2) اسود في قفاه فيقتله قال فذهب اليهودي فحطب حطبا كثيرا واحتمله ثم لم يلبث ان انصرف، فقال له رسول الله (ص) ضعه فوضعه فإذا فيه اسود عاض (3) فقال يا يهودي أي شئ

ص :117


1- (1) المقال (2) خ يعضه (3) لعله عاض على ذنبه كما في الخبر الآتي فسقطت =

عملت اليوم قال ما عملت إلا عملا حطبي أحطبته واحتملته وجئت به وكان معي قرصان اكلت واحدا وتصدقت على مسكين بواحد، فقال رسول الله (ص) بها دفع الله عنك، ان الصدقة تدفع ميتة السوء عن الانسان، ومن ذلك ما رويناه عن محمد بن يعقوب أيضا في كتابه المشار إليه باسناده عن أبي الحسن عليه السلام انه قال كان رجل من بني إسرائيل ولم يكن له ولد فولد له غلام فقيل له انه يموت ليلة عرسه فمكث الغلام فلما كان ليلة عرسه نظر إلى شيخ كبير ضعيف فرحمه ودعاه فاطعمه فقال له أحييتني أحياك الله فاتى أباه آت في النوم فقال له سل ابنك ما صنع؟ فسأله فأخبره ثم اتاه مرة أخرى في النوم فقال له ان الله أحيى ابنك بما صنع مع الشيخ، ومن ذلك ما ذكره سعيد بن هبة الله الراوندي رحمه الله في كتاب " قصص الأنبياء " قال إن عيسى عليه السلام مر بقوم معرسين فسال عنهم فقيل له ان بنت فلان تهدى إلى فلان فقال إن صاحبتهم مية من ليلتهم فلما كان من الغد قيل له انها حية فجاء بالناس إلى دارها فخرج إليه زوجها فقال (ع) سل زوجتك ما فعلت البارحة فقالت ما فعلت شيئا الا ان سائلا كان يأتيني كل ليلة جمعة فأنيله شيئا وانه جاء ليلتنا فهتف ثم قال عز علي أن لا يسمع صوتي، وعيالي يبقون الليلة جياعا، فقمت متنكرة وأنلته

ص :118

ما كنت أنيله فيما مضى فقال عيسى (ع) تنحي عن مجلسك فتنحت فإذا بفراشها أفعى عاض على ذنبه فقال لها بما صنعت صرف عنك هذا ومن ذلك ما رواه أبو العباس عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب (الدلائل في دلائل الصادق (ع) باسناده إلى ميسر قال قال لي أبو عبد الله (ع) يا ميسر قد حضر اجلك غير مرة ويؤخره الله تعالى بصلتك رحمك وبرك قرابتك (فصل) واما دفع البلاء والقضاء بالدعاء، فانا ذاكر من الدعوات في الرخاء والبلاء عدة مقامات تكون عندكل مسلم من أعظم الشهادات منها مقام الأنبياء عليهم السلام في الرخاء والرجاء، دعاء زكريا (ع) (فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله ربي رضيا) فقال جل جلاله (يا زكريا انا نبشرك بغلام اسمه يحيي لم نجعل له من قبل سميا) ومنها دعاء الأنبياء عند الابتلاء دعاء أيوب (ع) (رب اني مسني الضر وأنت ارحم الراحمين) فقال جل جلاله (فكشفنا ما به من ضر واتيناه أهله ومثلهم معه رحمة من عندنا وذكرى للعابدين) ومنها دعاء الأنبياء عند النصر على الأعداء دعاء نوح (ع) (رب اني مغلوب فانتصر) فاجابه الله جل جلاله (ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر) ومنها دعاء الأنبياء فيما يخافون به ما يقضي على الحياة دعاء يونس (ع) (سبحانك لا اله الا أنت اني كنت من الظالمين) فقال جل جلاله (فنجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين)، ومنها مقامات الأولياء كأصحاب طلوت في الدعاء " ربنا افرغ علينا صبرا وثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين)

ص :119

فقال جل جلاله " فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت " ومنها دعاء أصحاب الكهف حين دعوا فقالوا " ربنا آتنا من لدنك رحمة وهي لنا من أمرنا رشدا " فقال جل جلاله (فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا ثم بعثناهم)، ومنها مقامات النساء في الدعاء كدعاء امرأة فرعون (إذ قالت ربي ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين)، فروي في الأحاديث إجابة سؤالها، ومنها مقامات العصاة في الدعاء كقوم إدريس " ع " فإنه دعا عليهم ان يحبس عنهم الغيث فبقوا عشرين سنة لم يمطروا فدعوا الله جل جلاله فأجاب سؤالهم وكقوم يونس " ع " فإنه دعا عليهم، فدعوا الله تعالى فرحمهم وعكس في الظاهر على نبيهم وبلغتهم آمالهم، ومنها الأمم الهالكون في العذاب فقد بينهم الله جل جلاله في الكتاب وذكر لعل المراد منه انهم لو دعوه لزالت كروبهم، قال سبحانه " فلولا إذ جاءهم باسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم "، ومنها دعاء أعظم الجناة في حال اصراره واستكباره إبليس إذ قال " اجعلني من المنظرين " فاجابه الله جل جلاله بقوله " انك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم "، أقول فهل بقيت شبهة ان الدعاء دافع للبلاء عند العقلاء؟

ص :120

الباب الخامس: فيما نذكره ممن كان عالما بالنجوم من الشيعة وصنف في تلك العلوم، أو خول مولده على الوجه الموسوم.

فيما نذكره ممن كان عالما بالنجوم من الشيعة أو خول مولده الموسوم أقول قد تقدم في الكتاب، ان جماعة من بني نوبخت وهم أعيان الشيعة كانوا علماء في هذا الباب. ووقفت على عدة مصنفات لهم في النجوم وانها دلالات على الحادثات، وكان الحسن بن موسى أبو محمد النوبختي عارفا بعلم النجوم وقدوة في تلك العلوم، وصنف كتابا استدرك فيه على أبي علي الجباني لما رد على المنجمين وقد وقفت على كتاب أبي محمد وما فيه من موضع يحتاج إلى زيادة تبين، وقد ذكره النجاشي في فهرست مصنفي الشيعة فقال الحسن بن موسى أبو محمد النوبختي شيخنا المبرز على نظرائه في زمانه قبل الثلثمائة وبعدها له على مذهب الأوائل كتب كثيرة منها كتاب (الآراء والديانات) كتاب كبير حسن يحتوي على علوم كثيرة، قرأت هذا الكتاب على شيخنا أبي عبد الله رحمه الله، أقول انا هذا الكتاب المسمى (الآراء والديانات) عندنا الآن ووقفت على معرفته فيه بعلم النجوم وما اختاره وما رده على أهل الأديان، ثم ذكر النجاشي في كتبه كتاب الرد على أبي علي الجبائي في رده على المنجمين وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي عن الحسن بن موسى النوبختي انه كان اماميا حسن الاعتقاد، أقول وقال الشيخ الطوسي في كتاب (الرجال الحسن بن موسى النوبختي ابن أخت أبي سهل أبو محمد متكلم فقيه،

ص :121

وأقول وصل إلينا من كتبه أيضا كتاب الرصد (1) على بطلميوس في هيئة الفلك والأرض (فصل) ومن علماء المنجمين من الشيخ الفاضل أحمد بن خالد بن عبد الرحمان البرقي " 2 " وقد نص عليه شيخنا أبو جعفر الطوسي في كتاب الفهرست، والشيخ أحمد بن العباس النجاشي فقالا كان ثقة في نفسه وذكرا أسماء كتبه وانه صنف كتابا في علم النجوم " فصل " ومن العلماء بالنجوم الشيخ الفاضل أحمد بن محمد بن طلحة أبو عبد الله وهو ابن أخي أبي الحسن علي بن عاصم المحدث يقال له العاصمي وقد اثنى عليه شيخنا أبو جعفر الطوسي والشيخ أحمد بن العباس النجاشي في كتابيهما في فهرست أسماء المصنفين من الشيعة وقالا انه ثقة وذكرا في كتبه كتاب النجوم " فصل " وممن وقفت على تصنيفه من الشيعة فيما يتعلق بالنجوم الشيخ أحمد بن العباس النجاشي مؤلف كتاب فهرست المصنفين وذكر فيه ان كتابا صنفه اسماه كتاب " مختصر الأنوار " في مواضع النجوم " فصل " ومن المذكورين بعلم النجوم والمصنفين فيها الجلودي " 3 " من أصحابنا في البصرة فيما صنفه أبو العباس مؤلف كتاب فهرست كتب المصنفين فإنه لم ذكر مصنفاته قال وفضل ثواب الأعمال والطب والنجوم " فصل " ومن العلماء بالنجوم من الشيعة علي بن محمد العدوي الشمشاطي " 4 "

ص :122

وقد اثنى عليه أبو العباس النجاشي في كتابه فقال عنه كان شيخنا بالجزيرة فاضل أهل زمانه وأديبهم وذكر في تصانيفه رسالة في ابطال احكام النجوم أقول قوله في ابطال احكام النجوم لعله في ابطال ان تكون النجوم علة فاعلة أو مختارة وهما باطلان ولم اقف على رسالته هذه إلى الآن " فصل " ومن العلماء بالنجوم من الشيعة والمصنفين فيها علي بن محمد بن العباس بن فسابخس " 1 " قال أحمد بن العباس النجاشي كان عالما بالاخبار والاشعار والسير والآثار، ما رئي في زمانه مثله، وذكر في تصانيفه كتاب الرد على المنجمين وكتاب الرد على أهل المنطق وكتاب " الرد على الفلاسفة " " فصل " ومن العلماء بالنجوم من الشيعة محمد بن أبي عمير " 2 " وهو من اعلم أهل زمانه علما وفضلا وورعا ونبلا عند الموالف والمخالف، وقد بالغ شيخنا أبو جعفر الطوسي والنجاشي في الثناء عليه، وروي الشيخ أبو جعفر ابن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه، ما هذا لفظه وروي عن ابن أبي عمير قال كنت انظر في علم النجوم وأعرفها واعرف الطالع فتداخلني من ذلك شئ فشكوت ذلك إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام

ص :123

فقال إذا وقع في نفسك شئ فتصدق على أول مسكين ثم امض فان الله تعالى يدفع عنك، أقول وروينا هذا الحديث أيضا من كتاب التجمل الذي تاريخه سنة ثلاث وثلاثين ومائتين فقال في باب الفال والطيرة ما هذا لفظه محمد بن أذينة عن ابن أبي عمير قال كنت انظر في النجوم واعرف الطالع فيدخلني من ذلك شئ فشكوت إلى أبي عبد الله عليه السلام فقال إذا وقع في نفسك شئ من ذلك فخذ شيئا وتصدق به على أول مسكين تلقاه فان الله تعالى يدفع عنك، أقول ولو لم يكن في الشيعة عارفا بالنجوم إلا محمد بن محمد أبي عمير لكان حجة في صحتها واباحتها لأنه من خواص الأئمة عليهم السلام والحجج في مذاهبها ورواياتها، " فصل " ومن العارفين بالنجوم من الشيعة والمصنفين فيها الشيخ المعظم عند كافتهم، والمتفق على عدالته وجلالته عند خاصتهم وعامتهم محمد بن مسعود ابن محمد بن عياش " 1 " وقد اثنى عليه محمد بن إسحاق النديم وشيخنا أبو جعفر الطوسي وأحمد بن العباس النجاشي وبالغوا في الثناء عليه رضوان الله عليهم وعليه وذكروا له كتابا في النجوم " فصل " ومن العلماء بالنجوم المصنفين فيه الشيخ الفاضل محمد بن علي الكراجكي رحمه الله وقفت له على تصنيفين فيها وفي صحة انها دلالات على الحادثات وتضمن فهرست كتبه تصانيف فيها غير ما أشرت إليه ولم اقف عليه ولقد كان فاضلا في العلم فيها معتمدا عليه

ص :124

" فصل " ومن العلماء بالنجوم من الشيعة الإمامية المشهورين بعلمها والمصنفين في فضلها موسى بن الحسن بن عباس بن إسماعيل بن نوبخت قال أحمد بن العباس النجاشي (1) كان حسن المعرفة بالنجوم وله فيها كلام كثير وكان مقوما عالما وكان مع هذا متدينا حسن الاعتقاد والعبادة وله مصنفات في النجوم وكان مع حسن معرفته بعلم النجوم حسن الدين والعبادة " فصل " ومن العلماء بالنجوم من الشيعة الفضل بن أبي سهل بن نوبخت وصل إلينا من تصانيفه كتاب، في المسائلة، وابتداء الأعمال، الأعمال المعروف بالسجل وهو كتابه الثاني، يدل على قوة معرفته بعلم النجوم، وانه قدوة في هذه العلوم " فصل " ومن علماء النجوم والمصنفين فيها السيد الفاضل أبو القاسم علي ابن أبي الحسن العلوي الحسيني المعروف بابن الأعلم، قال العمري النسابة في كتاب الشافي، منهم صاحب الزيج ابن الأعلم وكان مقدما في صناعته وهو أبو القاسم علي بن أبي الحسن علي بن أبي المجيب علي بن جعفر بن محمد الأعلم، ورأيت جماعة يثنون على علمه، وصل إلينا من تصانيفه هذا الزيج المشار إليه، وهو في معناه معتمد عند جماعة عليه، وذكر العمري النسابة في. سابع المبسوط. ما هذا لفظه، وأبا القاسم عليا المنجم الحاذق ببغداد صاحب الزيج، ووجدت في كتاب عندنا الآن فيه مواليد الخلفاء والملوك وكثير من العلماء ذكر فيه ما هذا لفظه، ولد أبو القسم علي بن

ص :125


1- (1) توفي سنة 402 هج

محمد بن الأعلم العلوي المنجم بالكوفة يوم الثلاثاء ثالث عشر ربيع الآخر سنة أربع وعشرين وثلثمائة، وذكر زايجته وان طالع مولده الميزان " 1 " (فصل) ومن المذكورين بعلم النجوم من العلويين من ذكره العمري في كتاب الشافي في النسب عند ذكر أبى الحسن النقيب الملقب ابا قيراط أبي عبد الله المحدث وأولاده فقال العمري ما هذا لفظه، ومنهم أبو الحسن المنجم المبجل مات دارجا (فصل) ومن الموصوفين بعلم النجوم الشيخ الفاضل الشيعي علي بن الحسين بن علي المسعودي مصنف كتاب مروج الذهب له تصانيف جليلة ومنزلته في العلوم والتواريخ والرياسة كبيرة (فصل) ومن أولئك من حدثني به الحسين ابن الدورقي وقال إن الشيخ الفقيه ابا القاسم ابن مانع من أصحابنا الشيعة كان قريبا من زقاقنا وكان ممن يقرأ عليه في الفقه وعلم الكلام وكان عارفا بعلم النجوم معروفا بذلك (فصل) وممن أدركته من علماء الشيعة العارفين بالنجوم وعرفت بعض إصاباته العالم الزاهد الملقب بخطير الدين محمود بن محمد وكان قد أوصى إلي حين ورد العراق وهو إذ ذاك بمشهد موسى بن جعفر صلوات الله عليهما وانا في تلك الأوقات مقيم ببغداد وقد مرض في سنة اقتضت دلالة النجوم ان عليه قطعا وعرفني موضع القطع عليه منها، وقال تعاهدني فاني إذا تجاوزته بقيت عشر سنين وإلا فإنه مخوف، فمات

ص :126

رحمه الله في الوقت الذي ذكره لي، أقول ومن اصابته اننا قد توصلنا إليه وللشيخ الصالح بدر الأعجمي في رسمين في أيام المستنصر لكل واحد خمسون دينارا فسعي بهذا الشيخ محمود إلى المستنصر بأنه غير محتاج إلى الرسم وان بدرا الأعجمي فقير مستحق لذلك، فاعتبر الشيخ محمود بن محمد وقتا عرفه بالنجوم وقصد لاخذ رسمه، وقد تقدم بقطعه فسلموه إليه وجاء بعده بدر فمنع مع ظهور فقره فبقينا مدة نجتهد لبدر حتى استدركنا إعادة رسمه وتوفي رحمه الله في تلك السنة (فصل) وممن اشتهر بعلم النجوم بدقة رأيه من علماء الشيعة الشيخ الفاضل نصر بن الحسن القمي وصل إلينا من تصانيفه كتاب المدخل في علم النجوم.

(فصل) وممن اشتهر بعلم النجوم وقيل إنه من علمائه أبو سعيد أحمد ابن محمد بن عبد الجليل السنجري وصل إلينا من تصانيفه كتاب سني المواليد، وكان والده محمد بن عبد الجليل السنجري من الفضلاء في علم النجوم وصل إلينا من تصانيفه كتاب الزيجات في استخراج الهيلاج والكدخدا (1) ومقالة في فتح الباب (فصل) وممن اشتهر بعلم النجوم وقيل إنه من الشيعة الشيخ الفاضل أبو الحسن علي بن أحمد العمراني وصل إلينا من تصانيفه كتاب المواليد والاختيارات قال محمد بن إسحاق النديم في كتاب الفهرست انه من أهل

ص :127


1- (1) الكدخدا بيت الرزق والهيلاج بيت العمر في الزايجة عند أهل النجوم

الموصل وكان فاضلا تقصده الناس من المواضع البعيدة لتقرأ عليه (فصل) وممن اشتهر بعلم النجوم من بني العباس الشريف الفاضل أبو علي محمد بن عبد العزيز الهاشمي وصل إلينا من تصانيفه كتاب الجوابات الحاضرة. في علاج عبد الله بن أحمد بن الحسن (فصل) وممن اشتهر بعلم النجوم من بني العباس أيضا الشريف الفاضل أبو القاسم علي بن القاسم القصري وصل إلينا من تصانيفه كتاب ترتيب حساب دساتر الكواكب السبعة.

(فصل) وممن ظهر عليه علم النجوم من الشيعة إبراهيم الفزاري صاحب القصيدة في النجوم، وكان منجما للمنصور في زمنه (فصل) وممن اشتهر بعلم النجوم من الشيعة أحمد بن يوسف بن إبراهيم المصري كان منجما لآل طولون وصل إلينا من تصانيفه كتاب. تفسير الثمرة. لبطلميوس (فصل) وممن اشتهر بعلم النجوم من علماء الشيعة الشيخ الفاضل محمد بن عبد الله بن عمر البازيار القمي تلميذ أبي معشر وصل إلينا من تصانيفه كتاب القرانات، والدول والملل، (فصل) وممن اشتهر بعلم النجوم وقيل إنه من علماء الشيعة الشيخ الفاضل إسحاق بن يعقوب الكندي وصل إلينا من تصانيفه رسالته في علم النجوم خمسة اجزاء، وذكر محمد بن إسحاق النديم في الجزء الرابع من الفهرست نسب الكندي وانه من ولد محمد بن الأشعث بن قيس

ص :128

وقال إنه فاضل دهره في علومه، واحد عصره في نجومه، ثم ذكر له أحد وثلاثين كتابا ورسالة في دلالة علوم الفلاسفة على مذهب الاسلام وعلوم النبوة واحد عشر كتابا في الحسابيات، وثمانية كتب في الكريات وسبعة كتب في الموسيقات وتسعة وعشرين كتابا في النجوميات منها كتاب ان رؤية الهلال لا تضبط على الحقيقة وانما القول فيها بالتقريب واثنين وعشرين كتابا في الهندسة، وستة عشر كتابا في الفلك، واثنين وعشرين كتابا في الطب، وتسعة كتب في احكام النجوم وستة عشر كتابا في الجدل، وخمسة كتب في لنفس، واحد عشر كتابا في السياسة وأربعة عشر كتابا في الاحداث، وثمانية كتب في الابعاد، وستة وثلاثين كتابا في التقدميات، ووصف محمد بن إسحاق كل كتاب من جميع ما ذكرناه بأسمائها فأوردت الأسماء لتعلم مواهب الله جل جلاله وعنايته به (فصل) وممن اشتهر في علم النجوم من فضلاء الشيعة الشيخ الفاضل أبو الحسين ابن أبي الخصيب القمي صاحب كتاب (كارمهتر) وله عدة تصانيف وكان مقيما بالكوفة (فصل) وممن كان قائلا بصحة النجوم وانها دلالات، الشيخ المتفق على علمه وعدالته أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه، فإننا روينا عنه في كتاب الخصال صحة ذلك، وقد تضمن في خطبة كتاب من لا يحضره الفقيه انه لا يذكر فيه الا ما يفتي فيه، ويحكم بصحته ويعتقد انه حجة بينه وبين الله جل جلاله.

ص :129

(فصل) ووجدت في بعض ما وقفت عليه، ان والده المعظم علي ابن الحسين بن بابويه رضي الله عنه، كان ممن أخذ طالعه في النجوم وان ميلاده بالسنبلة، وعلي بن بابويه كانت له مكاتبة إلى مولانا المهدي صلوات الله عليه على يد أبي القاسم الحسين بن روح رضوان الله عليه واجتمع به على يد علي بن جعفر بن الأسود، وهو الذي سأله أن يرزقه الله الولد فيما كتبه إلى مولانا المهدي سلام الله عليه، فكتب إليه قد دعونا الله تعالى لك بذلك وسترزق ولدين ذكرين خيرين، وذكر جماعة انهم كانوا عند أبي الحسن علي بن محمد السمري رحمه الله، فقال رحم الله علي بن الحسين ابن بابويه، فقيل له انه حي فقال إنه مات في يومنا هذا، فكتب، فجاء الخبر بأنه مات في ذلك اليوم، وقد ذكر هذه المعاني أبو العباس النجاشي في فهرست كتب الشيعة (فصل) ورويت في كتاب اختيار جدي أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي رحمه الله من كتاب أبي عمر ومحمد بن عمرو بن عبد العزيز الكشي، ما يقتضي ان الطوسي كان يختار التصديق بحكم النجوم ولا ينكر ذلك ونحن نذكر ما روي عنه في أول اختياره، ولم ننقل الحديث بذلك من خطه قدس سره، فاما ما ذكرنا عنه في خطبة اختياره لكتاب الكشي، فهذا لفظ ما وجدناه، املى علينا الشيخ الجليل الموفق أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي أدام الله علوه وكان ابتداء املائه يوم الثلاثا السادس والعشرين من صفر سنة ست وخمسين

ص :130

وأربعمائة في لما شهد الشريف المقدس الغروي على ساكنه السلام قال هذه الأخبار اختصرتها من كتاب الرجال لأبي عمر ومحمد بن عمرو بن عبد العزيز واحترت ما فيها، أقول انا فانظر قوله واخترت ما فيها (فصل) فاما حديث الحكم بالنجوم فيما اختاره الطوسي فهذا لفظ ما رويناه من خطه رضي الله عنه ما روي في أبي خالد السجستاني حمدويه وإبراهيم قالا حدثنا أبو خالد السجستاني انه لما مضى أبو الحسن (ع) وقف عليه ثم نظر في نجومه فعلم أنه قد مات وقطع على موته وخالف أصحابه (فصل) قلت انا في هذه عدة فوائد منها ان هذا ابا خالد كان واقفيا يعتقد ان أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلام ما مات فدله الله تعالى بعلم النجوم على موته، وكان هذا سبب هدايته، ومنها انه كان من أصحاب موسى بن جعفر عليه السلام، ولم يبلغنا انه أنكر عليه النجوم، ومنا انه لو علم أبو خالد ان علم النجوم منكر عند امامه، لما اعتمد عليه في عقيدته ومنها اختيار جدي الشيخ الطوسي رضوان الله عليه لهذا الحديث وتصحيحه وقد تقدم ثناؤه قدس سره على جماعة من العلماء بالنجوم (فصل) وممن اشتهر في علم النجوم من بني نوبخت عبد الله بن أبي سهل وذكر الزمخشري من أحاديثه في كتاب ربيع الأبرار ما هذا لفظه، لما قدم المأمون بغداد، وصل الناس على مراتبهم واغفل عن عبد الله بن أبي سهل بن نوبخت المنجم فقال أصبت وأخطأ قبل كل منجم * فقرب من أخطأ وكنت المبعدا

ص :131

فلو انهم كانوا أصابوا لما قضوا * وكنت الذي أخطأ القضاء لما عدا أقول وقد قدمنا ذكر جماعة من بني نوبخت وعملهم بالنجوم باذن الصادق عليه السلام لمن استأذنه منهم، وكانوا من أعيان الشيعة، (فصل) ومن مدائحهم بعلم النجوم ما مدحهم به ابن الرومي الشيعي وافرط على عادة الشعراء فقال اعلم الناس بالنجوم بنو * نوبخت علما لم يأتهم بالحساب بل بان شاهدوا السماء علوا * يترقى في المكرمات الصعاب ساوروها بكل علياء حتى * بلغوها مفتوحة الأبواب (فصل) ومن المعلومين بعلم النجوم والمصنفين فيها من اتباع بعض أهل البيت عليهم السلام، من ذكره محمد بن إسحاق النديم في الجزء الرابع من الفهرست، فقال ما هذا لفظه ابن قرة ويكنى ابا علي كان منجما للعلوي المصري، وذكر كتبا من تصانيفه (فصل) ومن المذكورين بالتصنيف في علم النجوم الحسن بن أحمد ابن محمد بن عاصم المعروف بالعاصمي المحدث الكوفي ثقة سكن بغداد ذكره ابن شهرآشوب في كتاب معالم العلماء (فصل) وممن اشتهر بعلم النجوم من المنسوبين إلى مذهب الإمامية الفضل بن سهل وزير المأمون الذي تعصب لمولانا الرضا صلوات الله عليه أبلغ العصبية، وقد ذكره جدي أبو جعفر الطوسي في كتاب الرجال من أصحاب الرضا عليه السلام وقد ذكرنا فيما تقدم ما يدل على علمه بها

ص :132

ونزيد ههنا ما يدل على بعض إصاباته في احكامها ودلائلها، فنقول قد روى صاحب التاريخ محمد بن عبدوس الجهشياري وغيره ما معناه، انه لما وقع بين الأمين والمأمون ما وقع، واضطربت خراسان، وطلب جند المأمون ارزاقهم وتوجه علي بن عيسى بن ماهان من العراق لحرب المأمون وصعد المأمون إلى منظرة للخوف على نفسه من جنده ومعه الفضل وقد ضاق عليه مجال التدبير وعزم على مفارقة ما هو فيه، اخذ الفضل طالعه ورفع أسطرلابه فقال له ما تنزل هذه المنزلة إلا خليفة غالبا لأخيك الأمين، فلا تعجل وما زال يسكنه ويثبته حتى ورد عليهم في تلك الساعة رأس ابن ماهان وقد قتله طاهر وثبت ملكه وزال ما كان يخافه وظفر بالأمان (فصل) ومن اصابات الفضل بن سهل ما ذكره الطبري وابن مسكويه في تاريخها، فقالا في اخبار المأمون ما هذا معناه، ان المأمون لما استشار الفضل بن سهل في أمر الأمين، وكان الفضل ينظر في النجوم وكان جيد المعرفة باحكامها فرأى الغلبة لعبد الله المأمون والعاقبة له، عرف المأمون بذلك فوطن نفسه على محاربة الأمين ومناجزته (فصل) وممن كان عالما بالنجوم من المنسوبين إلى الشيعة الحسن بن سهل وقد ذكره جدي أبو جعفر الطوسي في (كتاب الرجال) من أصحاب الرضا عليه السلام وقد تقدم ما ينبه على علمه بها، فمن إصاباته فيها ما ذكره أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه في كتاب (عيون أخبار الرضا) عليه السلام فقال باسناده إلى ياسر خادم الرضا (ع) قال ورد على الفضل

ص :133

كتاب من أخيه الحسن بن سهل، اني نظرت في تحويل هذه السنة في حساب النجوم فوجدت انك تذوق في شهر كذا يوم الأربعاء حر الحديد وحر النار وأرى انك تدخل أنت والرضا وأمير المؤمنين الحمام في هذا اليوم وتحتجم وتصب الدم على بدنك ليزول نحسه عنك، فكتب الفضل بذلك إلى المأمون وساله ان يدخل الحمام معه، وسال أبا الحسن الرضا ذلك وكتب المأمون إلى الرضا ذلك وساله، فكتب إليه الرضا لست بداخل الحمام غدا ولا أرى لك يا أمير المؤمنين ان تدخل الحمام غدا ولا أرى للفضل ان يدخل الحمام غدا، فأعاد إليه الرقعة مرتين، فكتب إليه أبو الحسن الرضا عليه السلام، لست بداخل الحمام غدا فاني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الليلة في النوم يقول لي، يا علي لا تدخل الحمام غدا، فكتب إليه المأمون يقول، صدقت يا سيدي وصدق رسول الله (ص) وانا لست بداخل غدا الحمام، والفضل فهو اعلم وما يفعل قال ياسر فلما أمسينا وغابت الشمس قال لنا الرضا عليه السلام قولوا نعوذ بالله من شر ما ينزل في هذه الليلة، فأقبلنا نقول ذلك فلما صلى الرضا (ع) الصبح قال لنا قولوا نعوذ بالله من شر ما ينزل في هذا اليوم فما زلنا نقول ذلك، فلما كان قريبا من طلوع الشمس، قال الرضا عليه السلام لي اصعد السطح واصغ هل تسمع شيئا فلما صعدت سمعت الصيحة والنحيب وكثرة ذلك، وإذا بالمأمون قد دخل من الباب الذي كان من داره إلى دار أبي الحسن الرضا (ع) وهو يقول آجرك الله

ص :134

يا أبا الحسن بالفضل، كان دخل الحمام فدخل عليه قوم بالسيوف وقتلوه هذا مرادنا من الحديث، أقول وما يخفى على من يفهم ان امتناع الرضا عليه السلام من دخوله الحمام واشارته إلى المأمون ان لا يدخل هو ولا الفضل الحمام في ذلك الوقت، وتعوذ جماعة الرضا (ع) من شر تلك الليلة وذلك اليوم، وامر ياسر بصعود السطح في وقت القتل يدل على أن الله جل جلاله كان قد اطلعه على تفصيل ما يجري على الفضل (فصل) أقول وكنت لما وجدت الاخبار متظافرة بمعرفة الفضل بن سهل في النجوم أتعجب كيف ما دلته معرفته على ما يحذر عليه من القطع والقتل، وكيف احتاج إلى تعريف أخيه الحسن بالقطع عليه حتى رأيت بعد ذلك في كتاب (الوزراء) جمع عبد الرحمان بن المبارك ما هذا لفظه وذكر أبو عيسى محمد بن سعيد، انه وجد على كتاب من كتب ذي الرياستين يخطه هذه السنة الفلانية التي تكون فيها النكبة والى الله نرغب في دفعها، وان صح من حساب الفلك فيها شئ فالامر واقع لا محالة، ونسال الله أن يختم لنا بخير بمنه تعالى، وكان يعمل لذي الرياستين تقويم في كل سنة يوقع عليه هذا يوم يصلح لكذا ويجتنب فيه كذا فلما كان في السنة التي قتل فيها عرض عليه التقويم فجعل يوقع فيه ما يصلح وما يجتنب حتى انتهى إلى اليوم الذي قتل فيه، قال اف لهذا اليوم ما أشره ثم قال عبد الرحمان بعد أحاديث ذكرها عن أخت الفضل قالت دخل الفضل إلى امه في الليلة التي قتل في صبيحتها فقعد إلى جانبها

ص :135

وجعل يعظها ويعزيها عن نفسه، ويذكرها حوادث الدهر ثم قبل صدرها وثدييها وودعها وداع المفارق ثم قام فخرج قلنا منزعجا لما دخل عليه من الحساب وجعل ينتقل من موضع إلى موضع ومن مجلس إلى مجلس وامتنع عليه النوم فلما كان في السحر قام إلى الحمام وقد رغمتها وحرارتها وكربها هو الذي دلت عليه النجوم فقدمت له بغلة فركبها، وكانت الحمام في آخر البستان فكبت به البغلة فسره ذلك وقدر انها هي النكبة التي كان يتخوفها ثم مشى إلى الحمام ولم يزل ماشيا حتى دخل الحمام فاغتسل فيها فقتل، يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس مصنف هذا الكتاب، اعلم أن تعريف الله جل جلاله بدلالة النجوم للعلم بها على موضع القطوع وستره جل جلاله للكيفية والنكبات، وتغطيتها عنهم من أي الجهات شهادات واضحات على أنه فاعل مختار يظهر من اختياره وتدبيره ما شاء، ولو كانت النجوم علة موجبة أو مختارة لانتصب الكشف بالكلية ولو كان الفضل بن سهل غير متعلق بالأمور الدنيوية لكان قد قبل نهي مولانا الرضا عليه السلام عن دخول الحمام في ذلك الوقت أو كان عوض التنقل من موضع إلى موضع، قد صانع الله الفاعل المختار بالصدقات يقدمها عن نفسه ولو شيئا بعد شئ أو بالدعوات كما ذكر مولانا الكاظم عليه السلام في إزالة القطع كما قدمناه، وأقول قد ذكر محمد بن عبدوس الجهشياري عند ذكر الفضل بن سهل نحو ما ذكره عبد الرحمان ابن المبارك من معرفة الفضل بنكبته والعقوبة له وحديثه مع والدته

ص :136

(فصل) ومن المذكورين بعلم النجوم وصحة الحكم بها بوران بنت الحسن ابن سهل، وقد وجدت من حديثها في مجموع عتيق ما هذا لفظه، كانت بوران بالمنزلة العليا باصناف العلوم، لا سيما في علم النجوم فإنها برعت في درايته وبلغت اقصى غايته وكانت ترفع الأسطرلاب كل وقت وتنظر إلى مولد المعتصم، فعثرت يوما بقطع عليه سببه الخشب فقالت لوالدها الحسن انصرف إلى أمير المؤمنين وعرفه ان الجارية فلانة قد نظرت إلى المولد ورفعت الأسطرلاب فدل الحساب والله أعلم على أن قطعا يلحق أمير المؤمنين بالخشب في الساعة الفلانية من يوم عينته فقال لها الحسن يا قرة العين وسيدة الحرائر ان أمير المؤمنين قد تغير علينا وربما اصغي إلى شئ بغير ما تقتضيه المشورة والنصيحة قالت يا ابة وما عليك من نصيحة امامك؟ لأنه خطر بروح لا عوض لها فان قبلها والا فقد أديت المفروض عليك، فجاء الحسن إلى المعتصم وأخبره بما قالت ابنته بوران فقال المعتصم للحسن، أحسن الله جزاءك وجزاء ابنتك، انصرف إليها وخصها عني بالسلام وسلها ثانيا واحضر عندي في اليوم الذي عينته ولازمني حتى ينصرم اليوم ويذهب فلست أشاركك في هذه المشورة والتدبير بأحد من البشر قال فلما كان صباح ذلك اليوم دخل عليه الحسن فامر المعتصم كل من كان في المجلس بالخروج وخلا به فأشار عليه ان ينتقل من المجلس السقفي إلى مجلس ازجي لا يوجد فيه وزن درهم واحد من الخشب، وما زال الحسن يحدثه والمعتصم يمازحه وينشطه حتى أظهر النهار وضربت نوبة

ص :137

الصلاة فقام المعتصم ليتوضأ فقال الحسن له لا يخرج أمير المؤمنين من هذا الموضع وليكن الوضوء والصلاة وما يريده فيه حتى ينصرم الوقت فجاء خادم ومعه المشط والمسواك فقال الحسن للخادم امتشط بالمشط واستك بالمسواك فقال وكيف اتناول آلة أمير المؤمنين فقال المعتصم ويلك امتثل قول الحسن ولا تخالفه، ففعل فسقطت ثناياه وانتفخ دماغه وخر مغشيا عليه ورفع ميتا فقام الحسن ليخرج فاستدعاه المعتصم إليه واحتضنه ولم يفارقه حتى قبل عينيه ورد على بوران أملاكا وضياعا كان ابن الزيات سلبها منها (فصل) أقول ورأيت هذا الحكم من بوران في المجلد الرابع من أخبار الوزراء والكتاب تأليف أبي عبد الله محمد بن عبدوس الجهشياري فذكرته من الكتاب بلفظه قال حدثنا علي بن محمد بن العباس قال كان المعتصم منحرفا عن الحسن بن سهل وأصحابه وقد كان حاز كثيرا من املاكهم فقالت بوران لأبيها الحسن بن سهل اني نظرت في حساب المعتصم فوجدته يدل على شئ يجب ان يحذر عنه في الوقت الذي ينكب من جهته وهو الخشب فاجتمع معها على النظر في ذلك فوجد الامر على ما قالت لها لست آمن مع انحرافه عنا ان لا يقع منه هذا موقعه فقالت اقض ما عليك وهو اعلم وما يختار فصار إلى باب المعتصم فاستاذن استئذان من يريد ان ينهي شيئا لما قيل قد انحرف فاستقبله على كره فلما وصل قدم تقدمة بذكرها يلزمه من النصح والصدق عما يقف عليه، وعرفه ما وقف عليه من الحكم في النجوم فقلق المعتصم بذلك فقال له تأذن لي ان

ص :138

الزمك إلى انقضاء الوقت فقال افعل، فلزمه يومه وليلته إلى آخرها فلم يحدث شئ ينكره فلما كان وقت الصبح اقبل الخادم بالماء والوضوء والمسواك فنهض الحسن وقبض على المسواك فمنعه الخادم منه فقال الحسن ليس بد من أخذه فارتفع الكلام بينها إلى أن سمعه المعتصم فقال اعطه المسواك فدفعه إليه فقال تقدم يا أمير المؤمنين لهذا الخادم ان يستاك بهذا المسواك ففعل. فلما استاك به وقعت ثنيتاه وأسنانه وسقط ميتا من وقته، وإذا المسواك مسموم فحمل بدفع ذلك عند المعتصم وكان ذلك سبب رجوعه إلى الحسن وأهله وذكر في اخبار المأمون ان بوران لقب فارسي وان اسمها خديجة.

(فصل) ومما يقتضي ان الحسن بن سهل كان من الموالين وكان علمه بالنجوم ما يضره في الدنيا ولا في الدين وصف شخص لامام زمانه انه من الواليه وسؤاله عن مهمات شانه كما ذكره محمد بن الحسن بن الوليد الثقة الأمين ورواه عنه باسناده محمد بن بابويه رضوان الله عليه في كتاب الجامع، فقال حدثنا محمد بن الحسن الصفار وعبد الله بن جعفر الحميري عن محمد بن عيسى بن عبد عن هشام بن إبراهيم العباسي قال قلت للرضا (ع) أمرني بعض مواليك ان أسألك عن مسالة قال ومن هو قلت الحسن بن سهل أخو الفضل بن سهل ذي الرياستين قال في أي شئ المسألة قلت في التوحيد قال في أي التوحيد قلت يسألك عن الله تعالى جسم أو ليس بجسم، فقال إن الناس في التوحيد ثلاثة فمذهب اثبات تشبيهه لا يجوز

ص :139

ومذهب النفي لا يجوز فلا محيص عن المذهب الثالث اثبات بلا تشبيه، أقول المراد من هذا الحديث انه سمي الحسن بن سهل انه من مواليه (ع) وان الحسن عدل عن العلماء وخص مولانا الرضا (ع) بهذا السؤال وان الرضا ما أنكر قوله انه من مواليه ولا توقف عن جوابه بجواب شاذ يرتضيه وممن ذكر هذه الحكاية أبو عبد الله محمد بن عبدوس الجهشياري في كتاب الوزراء وقال لما ذكره بان البشري وجهه وانتفض عليه سروره عند ذكره (فصل) وقد ذكر محمد بن عبدوس الجهشياري في كتاب الوزراء أحاديث عن يحيي بن خالد تقتضي ان يحيى كان عارفا بالنجوم فقال ما هذا لفظه قال إسماعيل بن صبيح كنت يوما اكتب بين يدي يحيى بن خالد فدخل عليه جعفر بن يحيى فأشاح بوجهه عنه وقطب وكره رؤيته، فلما انصرف قلت له أطال الله بقاءك، أتفعل هذا بابنك؟ وحاله عند أمير المؤمنين حال لا يقدم عليه أحدا والدا ولا ولدا، فقال إليك عني أيها الرجل فوالله لا يكون هلاك هذا البيت إلا بسببه، فلما كان بعد مدة من ذلك دخل إليه جعفر أيضا وانا بحضرته ففعل مثل فعله الأول فكررت عليه القول فقال ادن مني الدواة فأدنيتها فكتب كلمات يسيرة في رقعة وضمها ودفعها إلي وقال لتكن عندك فإذا دخلت سنة سبع وثمانين ومائة ومضى المحرم فانظر فيها فلما كان في صفر الذي أوقع الرشيد بهم فيه نظرت في الرقعة فكان في الوقت الامر الذي ذكر، قال إسماعيل بن صبيح وكان يحيى بن خالد اعلم الناس بالنجوم.

ص :140

(فصل) وذكر محمد بن عبدوس الجهشياري أيضا في كتاب الوزراء من اخبار يحيى بن خالد في معرفة النجوم ما هذا لفظه، قال موسى بن نصير الوصيف حدثني أبي قال غدوت إلى يحيى بن خالد في آخر أمرهم أريد عيادته من علة كان يجدها فوجدت في دهليزه بغلا مسرجا فدخلت إليه وكان يأنس بي ويفضي إلي بسره فوجدته مفكرا مهموما ورأيته مستخليا مشتغلا بحساب النجوم ينظر فيه فقلت له انى لما رأيت بغلا مسرجا سررت لأني قدرت ايقاف البغلة اوان عزمك الركوب ثم غمني ما أراه من غمك فقال إن لهذا قصة اني رأيت البارحة في النوم كأني راكبها حتى وافيت الجسر من الجانب الأيسر فوقفت وإذا صائح يصيح من الجانب الآخر كان لم يكن بين الحجون إلى الصفا * أنيس ولم يسمر بمكة سامر قال فضربت بيدي على قربوس السرج وقلت بلى نحن كنا أهلها فأبادنا * صروف الليالي والجدود العواثر ثم انتبهت فلم أشك انا أردنا بالمعنى، فلجات إلى اخذ الطالع فاخذته وضربت الامر ظهرا لبطن فوقفت على أنه لابد من انقضاء مدتنا وزوال أمرنا، فما كاد يفرغ من كلامه حتى دخل عليه مسرور الخادم واتى بجونة مغطاة وفيها رأس جعفر بن يحيى وقال له يقول لك أمير المؤمنين كيف رأيت نقمة الله في الفاجر؟ فقال له يحيى قل له يا أمير المؤمنين أرى انك أفسدت عليه دنياه وافسد عليك آخرتك، أقول أنا وهذا غاية المعرفة بالنجوم.

ص :141

(فصل) وممن كان عارفا بالنجوم من الشيعة أخو الفضل بن سهل النوبختي الذي قدمنا ذكره في بعض فصول هذا الباب، وقد ذكر معرفته بدلالتها أبو جعفر محمد بن بابويه رحمه الله في الجزء الثاني من (عيون أخبار الرضا) فقال ما هذا لفظه، قال الصولي وقد صح عندي ما حدثني به أحمد بن عبد الله من جهات، منها ان عون بن محمد حدثني عن الفضل ابن سهل عن أخ له قال لما عزم المأمون على عقد عهد الرضا عليه السلام قلت والله لأعرفن ما في نفس المأمون من هذا الامر أيحب اتمامه أم يتصنع به؟ فكتبت إليه على يد خادم له كان يكاتبني باسراره على يده، انه قد عزم ذو الرياستين على عقد العهد والطالع السرطان وفيه المشتري والسرطان وان كان شرف المشتري ولكنه برج منقلب لا يتم أمر يعقد فيه ومع هذا فان المريخ في الميزان في بيت العاقبة وهذا يدل على نكبة المعقود له عرفت أمير المؤمنين ذلك لئلا يعتب علي إذا وقف على هذا من غيري، فكتب إلي، إذا قرأت جوابي إليك فاردده مع الخادم إلي ونفسك ان يقف أحد على ما عرفتنيه وان يرجع ذو الرياستين عن عزمه الحقت الذنب بك وعلمت انك سببه قال فضاقت علي الدنيا وتمنيت اني ما كتبت إليه، ثم بلغني ان الفضل قد تنبه على الامر ورجع عن عزمه وكان حسن العلم بالنجوم. فخفت والله على نفسي وركبت إليه فقلت له أتعلم في السماء نجما أسعد من المشتري قال لا قلت أفتعلم ان الكواكب تكون أسعد منها في شرفها قال لا قلت فامض العزم على رأيك ان

ص :142

كنت تعتقد ان الفلك في أسعد حالاته، فامضى الامر على ذلك، فما علمت اني من أهل الدنيا حتى وقع العقد، فزعا من المأمون (فصل) ومن المعروفين في علم النجوم من الشيعة أبو جعفر السقاء المنجم الأحول ذكر ذلك جدي أبو جعفر الطوسي في (كتاب الرجال) في باب الكنى فقال ما هذا لفظه، وكان لقي الرضا عليه السلام، رآه التلعكبري بدسكرة الملك سنة أربعين وثلثمائة، ووصف له الرضا وحكى حكايته، هذا آخر لفظ الطوسي رحمه الله (فصل) ومن الإصابات بدلالات النجوم من امرأة منجمة دخلت في دين يوشع بن نون مما رواه محمد بن خالد البرقي في (قصص الأنبياء) فقال ما هذا لفظه، عبد الله بن سنان عن عمار بن معوية قال وفتحت مدائن الشام على يد يوشع بن نون حين انتهى إلى البلقاء فوجد فيها رجلا يقال له بالق وبه سميت البلقاء فجعلوا يخرجون يقاتلونه فلا يقتل منهم رجل فسأله يوشع عن ذلك فقيل له ان في مدينته امرأة منجمة تستقبل الشمس ببرجها ثم تحسب فتعرض عليها الخيل فلا تخرج يومئذ رجلا حضرا جله فصلى يوشع ركعتين ودعا ربه ان يؤخر الشمس فاضطرب عليها الحساب فقالت لبالق انظر ما يفرضون عليك فاعطهم فان حسابي هذا قد اختلط علي قال فتصفحي الخيل فاخرجي فإنه لا يكون الا بقتال فتصفحت وأخرجت فقتلوا قتلا لم يقتله قوم فسألوا يوشع الصلح فابى حتى تدفع إليه المرأة فابى بالق أن يدفعها فقالت المرأة له ادفعني وصالحه فدفعها إليه. فقالت هل

ص :143

تجد فيما أوحي إلى صاحبك قتل النساء قال لا قالت أليس انما تدعوني إلى دينك قال بلى قالت فاني قد دخلت في دينك، هذا آخر لفظه في حديثه (فصل) ومن العارفين بالنجوم من الشيعة والمصنفين فيها محمد بن أحمد ابن سليم الجعفي مصنف كتاب (الفاخر المختصر) من كتاب تحبير الأحكام الشرعية.

(فصل) ومن العلماء بالنجوم من الشيعة فيما ذكره الشيخ الفاضل محمد بن شهرآشوب رضي الله عنه في كتاب معالم العلماء فقال في فصل بعض الشعراء لأهل البيت عليهم السلام، وهم على أربع طبقات المجاهرون والمقتصدون والمتقون والمتكلفون، ثم ذكر رحمه الله من جملة المجاهرين بالتشيع ما هذا لفظه، أبو الفتح محمود بن الحسين بن السندي بن شاهك المعروف بكشاجم وكان شاعرا اديبا منجما متكلما (فصل) وممن رأيت ذكره من علماء النجوم مردويه بن إبراهيم بن السندي كان خطيبا ناسبا فقيها وكان منجما طبيبا وكان من رؤساء المتكلمين وكان عالما بالدولة وكان احفظ الناس لما يسمع (فصل) ومن العلماء بالنجوم من الشيعة عفيف بن قيس الكندي أخو الأشعث بن قيس الكندي، ذكره المبرد ورأيت في بعض حديثه انه كان من أصحاب مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه لما صار إلى حرب الخوارج وقد تقدم فيما ذكرناه عن نهج البلاغة (فصل) ومن العلماء بالنجوم، عضد الدولة بن بابويه وكان منسوبا

ص :144

إلى التشيع ولعله كان يرى مذهب الزيدية، فممن ذكر معرفته بعلم النجوم الحطيب من (تاريخ بغداد) في الجزء الحادي والخمسين، عند ذكر الحسن بن أحمد بن عبد الغفار بن سلمان المعروف بابي علي الفارسي النحوي وقد مدحه الخطيب مع أنه كان فاضلا، فقال ما هذا لفظه، قال التنوخي ولد أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي النحوي بفارس وقدم بغداد فاستوطنها وسمعنا منه في رجب سنة خمس وسبعين وثلثمائة وعلت منزلته في النحو حتى قال قوم من تلامذته هو فوق المبرد وأعلم منه صنف كتبا عجيبة حسنة لم يسبق إلى مثلها واشتهر ذكره في الآفاق، وبرع له غلمان حذاق مثل عثمان بن جني وعلي بن عيسى الشيرازي وغيرهما وخدم الملوك وتقدم عند عضد الدولة وسمعت أبي يقول سمعت عضد الدولة يقول انا غلام أبي علي النحوي في النحو وغلام أبي الحسين الصوفي في النجوم، ثم ذكر ان وفاة أبي علي الفارسي كانت يوم الاحد السابع عشر من ربيع الأول سنة سبع وسبعين وثلثمائة (فصل) ومن القائلين بصحة علم النجوم وانها دلالات على الحادثات الشيخ المعظم محمود بن علي الحمصي قدس الله روحه كما حكيناه عنه في هذا الكتاب من كلامه في الجزء الثاني من كتاب (التعليق) العراقي ويسمى كتاب (المرشد إلى التوحيد) والمنقذ من التقليد، وقد صرح فيه أن النجوم دلالات على الحادثات، وان من احكم العلم بها امكنه الوقوف عليها بعلم أو ظن، وقد قدمنا ألفاظه بذلك عند ذكر مسالة وجدناها له يحسبها

ص :145

من وقف عليها انه قد ناقض بين قوليه، واعتذرنا له وكان جدي ورام ابن أبي فراس قدس الله روحه ونور ضريحه من أورع من رأيناه عارفا بأصول الدين وأصول الفقه والفقه وتاركا ما تقتضيه الرياسة الدنيوية بالكلية وكان معظما للحمصي ولكتابه التعليق العراقي فاما تعظيمه للحمصي فان جدي وراما ما عرفت انه كان يلقب أحد ورأيت خطه على هذا الجزء الثاني بما هذا لفظه، تأليف الشيخ المفيد العالم الاجل الأوحد سديد الدين ظهير الاسلام لسان المتكلمين أسد المناظرين محمود بن علي بن الحسن الحمصي رضي الله عنه ورحمه وأرضاه وحشره مع الأئمة الطاهرين المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين انتهى، واما تعظم جدي لهذا الكتاب التعليق فإنه أشار علي يحفظه واحضره بيده من خزانته ومدح هذا الكتاب مدحا كثيرا وكان عمري إذ ذاك نحو ثلاث عشرة سنة (فصل) وممن وقفت على كتاب منسوب إليه من علماء الشيعة جابر ابن حيان من أصحاب الصادق صلوات الله عليه يسمى (الفهرست) والنجاشي ذكر جابر بن حيان، وذكر في باب الأشربة ما هذا لفظه، ان الطالع في الفلك لا يكذب في الدلالة على ما يدل ابدا هذا آخر لفظه في المعنى ثم شرح ما يدل على فضله في علم النجوم وغيرها، وقد ذكره ابن النديم في رجال الشيعة وان له تصانيف على مذهبنا (فصل) وقد تقدم في جواب مولانا علي بن موسى الرضا صلوات الله عليه للصباح بن نصر الهندي ان ذا القرنين كان ملهما بعلم النجوم، أقول

ص :146

وهذا ذو القرنين وان لم يكن يذكر دخوله في الشيعة فهو ممن اتفق أهل الاسلام كافة على صلاحه واختصاصه بالله جل جلاله واطلاعه على اسراره تعالى، وإذا كان ملهما بعلمها فهو أيضا مما يمكن ان يكون من أسباب ثبوتها في الدلالة وتعليمها للعباد لأنه لا يمكن معرفته أصولها إلا من جانب الله جل جلاله.

(فصل) ومن جوابي ما ذكرته لبعض من حكم بدلالة النجوم على منعي من حركة عزمت عليها بتدبير العالم بكل معلوم، وهى انتقالنا إلى بغداد في سنة اثنتين وخمسين وستمائة، ان قلت ما معناه نحن أبناء قوم حكموا برتب الفلك على الفلك ففرج لجدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه الطرق في السماوات، لما اسرى به إلى غاية مقامات العنايات، وانشق القمر لأجله وسقط في دار جدنا المعظم علي اظهارا لفضله واعيدت الشمس لأجل صلاته وجعلت النجوم جندا تمنع الشياطين اكراما لولادة جدنا وتعظيما لمقاماته، فنحن ان سلكنا في تلك الطرائق، ظافرون بما يقتضيه فضل ربنا علينا من الوراثة لنصيبنا من تركة أهل الحقائق، وما أحضركم مرة حذرني المنجمون من حركة لي فأقدمت، وأمروا بالحركات فأحجمت كل ذلك بتدبير من عليه توكلت واليه فوضت، وهو حسبي ونعم الوكيل (فصل) وممن ذكر بعلم النجوم وزير المنصور أبو أيوب سليمان بن محمد المورياني وهو منسوب إلى قرية من قرى الأهواز يقال لها الموريان فذكر عبد الرحمان بن المبارك في الجزء الأول من (تاريخ الوزراء) بخط

ص :147

المصنف في ذكر أبي أيوب الوزير فقال ما هذا لفظه، وكان قد أخذ من كل شئ طرفا، وكان يقول ليس من شئ إلا وقد نظرت فيه إلا الفقه فاني لم انظر فيه، ونظرت في الكيميا والطب والنجوم والحساب، ثم شرح اختصاصه بالمنصور إلى غاية عظيمة وانه أول وزير كان له (فصل) وممن ظهر له عند العمل بالنجوم دلالتها في دولة الرشيد البرامكة فقد ذكر عبد الرحمان بن المبارك في الجزء الثاني من (أخبار الوزراء (1) ما هذا لفظه ان جعفر البرمكي لما عزم على الانتقال إلى قصره الذي بناه، جمع المنجمين لاختيار وقت ينتقل فيه فاختاروا له وقتا من الليل فلما حضر الوقت خرج على حمار من الموضع الذي كان ينزله إلى قصره والطرق خالية والناس ساكنون فلما وصل إلى سوق يحي رأى رجلا ينشد شعرا.

يدبر بالنجوم وليس يدري * ورب النجم يفعل ما يريد فاستوحش ووقف ودعا بالرجل فقال له أعد ما قلت فأعاده فقال ما أردت بهذا فقال والله ما أردت بهذا معنى من المعاني لكنه شئ عرض لي وجرى على لساني فامر له بدنانير (فصل) ولقد وجدت فيما أشرنا من الكتب كتابا يدل على اهتمام الخلفاء والملوك والامراء والعلماء واعتمادهم على العمل بدلالات النجوم،

ص :148


1- (1) الظاهر أن اخبار الوزراء هو كتاب تاريخ الوزراء لعبد الرحمان بن المبارك؟

وذكر زرائجهم على الوجه الموسوم، فذكر فيه ما اشتمل عليه من طوالع الخلفاء من بني العباس وطوالع الملوك من بني بويه وطوالع السلطان محمود والسلطان مسعود، وطوالع الوزراء من يحيي بن خالد إلى أيام الطائع ويتضمن مواليد أعيان الدولتين بني حمدان وبني دبيس ومن العلماء جماعة منهم السيد المرتضى وزائجة مولده وقد كان العقرب، درجة وطالع ولده الأطهر أبي محمد بن المرتضى وهو الجوزاء، وطالع ولده الآخر أبي عبد الله الحسين بن المرتضى هو الأسد، ومولد محمد بن الحسين الرضى الموسوي وطالعه الجوزاء ومولد أبي احمد وطالعه الميزان وقدمنا ذكر ذلك ومولد أبي على عمر بن محمد بن عمر العلوي وطالعه السرطان ومولد محمد بن عمر وطالعه الدلو، وغيرهم ممن يطول ذكر مواليدهم وطوالعهم وشرح زوايجهم مطبقين متفقين على استعمال ذلك واثباته في التذاكر والتظاهر به، وذكر صاحب (ديوان النسب) في المجلد الأول مولد المرتضى ومولد أخيه الرضي ومواليد أولادهما وطوالعهم وزوائجهم، رضوان الله عليهم كما أشرنا إليه، وهذا يدل المنصف العارف به على صواب القول بان النجوم دلالات وعلامات على الحادثات وان استعمال ذلك من المباحات الجائزات والمهمات لأجل ما يستعمل عليه واعتبارها في معرفة القواطع المخوفات، فيدفع خطرها بما قدمنا ذكره من الصدقات والصلوات والدعوات وتنبيهها أيضا على أوقات الممات ليستعد الانسان لما بين يديه مما يحتاج إليه من الوصايا وأداء الجنايات واستدراك المفروضات واغتنام تحصيل السعادات

ص :149

والباقيات، يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس فلما رأيت ذلك بما وهبني الله جل جلاله من أنوار عقل وشرفني من ابصار نقل انه لا يمتنع ان تكون النجوم دلالات على الحادثات، ووجدت النقل الموافق للعقل كما قلناه قد ورد بجواز ذلك والعمل عليه عمن أوجب الله طاعته والركون إليه، ووجدت صرف محذوراته بدلالة النجوم والأفلاك ممكنا دفعها وصرف خطرها بصوم أو صدقة أو ما ذكرناه من الاستدراك ووجدت التحرز من الضرر المظنون واجبا في حكم اولي الألباب وأرباب العقول تخاطر بأنفسها وبالاصحاب، في تحصيل نفع مظنون يؤل أمره إلى الفناء والذهاب، وتركب في تحصيله مطايا الاخطار، وتحتمل لأجله أهوال البحار في الاسفار حولت مولدي عند ثلاثة من المنسوبين إلى علم النجوم ببغداد يعتمد كثير من الناس عليهم، وعند أربعة من أهل الموصل بعثت مولدي إليهم وعند من كان منسوبا إلى ذلك من أهل البلاد الحلية وشافهت من حضرني غيرهم بما تدل عليه الاسرار الربانية ولم اقتصر على من كان منهم على عقيدة واحدة، بل عند أصحاب العقائد المتباعدة، وعند بعض أهل الذمة. ورأيت ذلك من الأمور المهمة لاكون على قدم الاستظهار للخروج من دار الاغترار، كما يراد من الاستعداد للمعاد ولقد جربت في عمري من صحة دلالات النجوم الكليات شيئا كثيرا تصديقا لما نقل في الروايات وما رأيت عقلي يوافقني على الاهمال لهذه الأحوال والتغافل عما بين يدي من الأهوال مع التمكن بكشفها بعلم

ص :150

أو ظن واستدراكها بما يدلني الله جل جلاله عليه فلا أقل من أن يكون المحصول منه كقول القائل ان انسانا تخيل ان بين يديه خطرا يوجب ان يتحرز منه ولا يتهجم عليه (ره) وقد قال أكثرهم ان عمري يتسع إلى خمس وسبعين شمسية، وقال آخر إلى أربع وسبعين شمسية، وقال اثنان يزيد على ثمانين سنة، وانا على قدم التحرز والاستظهار الزائد عند كل سنة مخوفة، بزيادة على عوائد الاستظهارات المألوفة، ولولا وجوب التفويض إلى مالك الأشياء لأحببت سؤاله عز وجل في تعجيل مفارقة دار الفناء، خوفا من الشواغل عما يريده جل جلاله من عمارة دار البقاء ومن شرف حبه وتحف قربه وطلب رضاه ولكني فوضت لما يختاره جل جلاله ويراه، وحسب المحب ان يسلم زمام مطلوبه إلى محبوبه (فصل) ووجدت في كتاب (ريحان المجالس) وتحفة المؤانس تأليف أحمد بن الحسين بن علي الرخجي، وسمعت من يذكر انه من مصنفي الامامية، وعندنا الآن تصنيف له آخرا سمه " انس الكريم " وقد كان يروي عن المرتضى رضي الله عنه ما هذا لفظه، حدثني أبو الحسن الهيثم ان الحكماء العلماء الذين أجمع الخاصة والعامة على معرفتهم وحسن أفهامهم ولم يتطرق الطعن عليهم في علومهم، مثل هرمس المثلث بالحكمة وهو إدريس النبي عليه السلام، ومعنى المثلث ان الله أعطاه علم النجوم والطب والكيمياء، ومثل ابرخسي وبطلميوس، ويقال انهما كانا من بعض الأنبياء وأكثر الحكماء كذلك وانما التبس على الناس أمرهم لعلة أسمائهم

ص :151

باليونانية، ومثل نظرائهم ممن صدر عنهم العلم والحكمة المفضلين الذين مسحوا الأرض ورصدوا الفلك وافنوا في علمها أموالهم وأعمارهم حتى عرفوا منه ورسموه لنا وأخبرونا به ثم ذكر مصنف ريحان المجالس ما صرحه هؤلاء العلماء من حديث الكواكب وأسرارها مالا حاجة لنا إلى ذكر ما شرحه من وصف اختبارها (فصل) وذكر أيضا في كتاب (ريحان المجالس) ما لفظه وجرى ذلك بحضرة والدي الوزير الرخجي رضي الله عنه وبين يديه جماعة من أعيان الزمان وفضلائهم مثل أبي الحسن علي بن عيسى الربعي النحوي وأبي القاسم بن مهر بسطام وأبي القاسم المكي الرملي المنجم وأبي علي الحسن ابن الهيثم وأبي القاسم الخاقاني وأبي الفتح ابن المقدر النحوي ورؤساء ذلك الزمان في وقتهم وتفاوضوا في فنون من العلم وانجر الحديث إلى ذكر النجوم، فقال ابن الهيثم لابن مهر بسطام كيف بمن لا يعلم ارتفاع الشمس من المشرق والمغرب في كل وقت من اليوم ولا يعلم ما يطلع من المشرق ويغرب في المغرب من البروج في كل يوم ولا يعلم ما يمضي من النهار والليل من الساعات المستويات والساعات المعوجات اولا يعلم امتحان ذات الصفا أعني الأسطرلاب على خطا عمل أو على صواب، أو علم قوس النهار في كل يوم، أو علم قوس الليل، أو علم مطالع كل بلد أو علم درجة الشمس ودرجة القمر في كل يوم، أو علم عروض الكواكب الثابتة وأطوالها، أو علم درج البروج، أو علم الدرج التي طلعت معها

ص :152

الكواكب أو علم ارتفاع نصف نهار الكواكب، أو علم بعد الكواكب من خط الاستواء أو علم سير الكواكب أو علم الظل أو علم ارتفاع الكواكب في كل وقت من النهار، أو علم ما دار من الفلك من كل ساعة أو علم السمت للساعات أو علم وقت طلوع القمر على كم من ساعة يطلع وعلى كم من ساعة يغرب، أو علم اتصال القمر بالكواكب وانصرافه عنها أو علم منازل القمر التي ذكرها الله تعالى في كتابه ما أسماءها؟ أو علم دخول شهور الفرس وشهور الروم وشهور القبط، أو علم اعباد الملل أو علم الأهلة أو علم تواريخ الملوك من العرب والفرس والروم والقبط، أو علم مجاري النجوم طولا وعرضا، أو علم ظهور الكواكب واستتارها، ثم ذكر من علوم النجوم التي يحتاج إلى معرفتها زيادة على ما ذكرناه أكثر من ثلاث قوائم مما لا ضرورة إلى ذكر جمعيه هنا وشرح بعد ذلك اتفاق الشيخ علي ابن عيسى الربعي النحوي، وابن الهيثم ووالده الوزير على تصديق علم النجوم وصحته والازدراء على من يجهد ذلك لجهله بحقيقته، ولم نذكر نحن ذلك لطوله، وذكر في تضيعه عدة مواضع تتعلق بالنجوم لم نذكرها نحن لان مقصودنا ذكر أسماء من ذكرهم من علماء النجوم المتقدمين واستعمال ذلك بين العلماء الفاضلين، وان هذا المصنف كان من الامامية وهؤلاء الرخجبون كان فيهم جماعة من الشيعة ولهم خصائص مرضية مع مولانا علي بن محمد الهادي صلوات الله عليه، وبعضهم مخالفون، وقد وقفنا على كثير من اخبار الفريقين منهم رحم الله أهل الحق منهم ورضي عنهم،

ص :153

وهذا مصنف ريحان المجالس ممن لقي المرتضى الموسوي وروى عنه..

الباب السادس: فيما نذكره ممن كان عالما بالنجوم من غير الشيعة من المسلمين وصنف فيها ما يظهر صحة حكمه للحاضرين.

فيمن كان عالما بالنجوم من غير الشيعة من المسلمين وبعضهم من الشيعة أو من بعض فرقها المختلفين، وصنف فيها أو ظهر صحة حكمه للحاضرين فمن العلماء من أهل الاسلام، المعروفين في علم النجوم وعلم الكلام أبو علي الجبائي، فذكر المحسن بن علي التنوخي في كتاب (نشوار المحاضرة واخبار المذاكرة) في الجزء الحادي عشر منه وقد ضمن في خطبة كتابه هذا انه تحقق ما يوجد فيه عنده قال حدثني الحسن بن الأزرق قال كان أبو هاشم ابن أبي علي الجبائي لما قدم بغداد يخبرنا ان أباه ابا علي كان كثير الإصابة في علم النجوم ويحدثنا من ذلك بأحاديث كثيرة وأخبرنا انه حكم له ان يعيش نيفا وسبعين سنة شمسية فكنا لإصابة أبي علي في الاحكام طياب النفوس بهذا الحكم فلما اعتل أبو هاشم علته التي مات فيها ببغداد جئت إليه عائدا فوجدت أخته ابنة أبى علي قلقة عليه فأخذت أطيب نفسها حتى قلت أليس قد حكم أبوه انه يعيش نيفا وسبعين سنة شمسية؟ قالت بلى ولكن على شرط، قلت ما هو قالت إنه قال إن أفلت من السنة السادسة والأربعين. وقد اعتل هذه

ص :154

العلة الصعبة فيها فقلقي عليه لذلك خوفا من أن يصح الحكم الأول. قال الحسن فمات في تلك العلة.

(فصل) ومن اصابات أبي علي الجبائي في احكام النجوم ما رواه أيضا في (نشوار المحاضرة) قال حدثني أبو القاسم ابن بدر الرامهرمزي وكان يخلفني على العيار في دار الضرب. قال حدثنا أبو محمد عبد الله بن عباس قال كنت مع أبي علي الجبائي في عسكر مكرم فاجتاز بدار فسمع فيها ضجة بولادة. فقال إن صح ما يقول المنجمون فهذا المولود ذو عاهة فدققت الباب فخرجت امرأة فسألتها الخبر فجمجمت ثم خرج رجل كهل فحين رآه أبو علي قال هذه دارك قال نعم قال فكيف هو يعني المولود قال أحنف فاخذ أبو علي يطيب نفسه فقال تتفضل يا ابا علي فتدخل تحنكه وتؤذن في اذنه فلعل الله يجعله مباركا فدخل وحنكه واذن في اذنه ورأينا وهو أحنف.

(فصل) ومن اصابات أبي علي في النجوم ما حكاه التنوخي في كتاب (نشوار المحاضرات) أيضا قال سمعت ابا أحمد بن مسلمة بن الشاهد العسكري المعتزلي الحنفي وكان شيخ بلده يحكي عن رجل من أهل عسكر مكرم وثقة وعظمة قال كنت مع أبي علي الجبائي جالسا في داره في عسكر مكرم فدخل إليه بعض غلمانه فقال له اجلس قال لي زوجة تطلق وأريد الرجوع إليها لحاجة طلبتها فقال أبو علي لبعض من حضر امض معه فإذا ولدت امرأته فخذ الارتفاع وجئني به ففعل فلما كان في غد قال

ص :155

لنا أبو علي ان صح حكم التنجيم فان هذا الولد يموت بعد خمسة عشر يوما فلما كان اليوم السادس عشر وكنا جلوسا ندرس على أبي علي إذ دخل الرجل فقال إن فلانا قد مات يعنى ولده فقال أبو علي قوموا فاحضروه ووفوه حقه.

(فصل) ومن اصابات أبي علي ما ذكره التنوخي أيضا في كتابه المذكور قال حدث أبو هاشم بن أبي علي الجبائي قال كان أبو علي احذق الناس في علم النجوم فولد في جواره مولود فقالت أمه لأبي علي اني أحب ان تأخذ طالعه وكان ليلا فاخذ الأسطرلاب وعمل مولده وحكم بأشياء صحت كلها بعد ذلك أقول وهذا الحديث غير الحديث الأول لان ذاك اتاه حين ولادته وهو يدرس نهارا وامر هو من غير أن يطلب الوالد عمل طالع للولد وحكم بوفاته. وهذا الحديث يتضمن ان الولادة كانت ليلا وان والدة الصبي طلبت اخذ طالعه ولم يذكر حكم لهذا المولود بوفاة (فصل) ومن اخبار أبي علي الجبائي بالاعتذار عن العمل باحكام النجوم ما ذكره التنوخي أيضا قال اخبرني غير واحد من أصحابنا ان عبد الله بن عباس الرامهرمزي المتكلم اخبره قال أردت الانصراف من محل أبى علي الجبائي إلى بلدي فجئته مودعا فقال يا ابا محمد لا تخرج اليوم فان المنجمين يقولون من سافر هذا اليوم في سفينة غرق فاقم إلى يوم كذا وكذا فإنه محمود عندهم فقلت أيها الشيخ مهما تعتقده في قولهم كيف تجيبني بهذا؟ فقال يا ابا محمد لو أخبرنا ونحن في طريق بان فيه سبعا أليس

ص :156

أن يجب في الحكم علينا أن لا نسلك ذلك الطريق إذا قدرنا على سلوك غيره وان كان المخبر ممن يجوز عليه الكذب فقلت نعم قال فهذا مثله، وقد يجوز ان يكون الله تعالى اجرى العادات بان تكون الكواكب إذا نزلت هذه المواضع حدث كذا، فلا جرم ان الحزم أولى قال فاخرت خروجي إلى اليوم الذي وذكر (فصل) ومن المشهور بعلم النجوم من المسلمين الذين هم قدوة في هذا العلم أبو معشر، فقد قال التنوخي في كتاب (النشوار) المذكور حدثني أبو الحسن بن أبي بكر الأزرق، قال كان في نواحي القفص ضيعة نفيسة لعلي ابن يحيي المنجم وقصر جليل فيه خزانة كتب عظيمة يسميها خزانة الحكمة يقصدها الناس من كل بلد يقيمون بها ويتعلمون صنوف العلم والكتب مبذولة في ذلك لهم والضيافة مشتملة عليهم والنفقة في ذلك من مال علي ابن يحيي فقدم أبو معشر المنجم من خراسان يريد الحج وهو إذ ذاك لا بحسن كثيرا من علم النجوم فوصفت له الخزانة فمضى وراءها فهاله أمرها فأقام بها واعرض عن الحج وتعلم النجوم واغرب فيها (فصل) وذكر محمد بن إسحاق النديم في الجزء الرابع من كتاب الفهرست ما هذا لفظه أبو معشر جعفر بن محمد البلخي كان اولا من أصحاب الحديث فنزل بالجانب الغربي بباب خراسان من بغداد وكان يضاغن الكندي ويغري به العامة ويشنع عليه بعلوم الفلاسفة، فدس إليه الكندي من حسن له النظر في علم الحساب والهندسة فدخل في ذلك

ص :157

فلم يكمل له فعدل إلى علم النجوم فانقطع شره عن الكندي علمه ان هذا العلم من جنس علوم الكندي، ويقال انه تعلم النجوم بعد سبع وأربعين سنة من عمره وكان فاضلا حسن الإصابة ضربه المستعين أسواطا لأنه أصاب في شئ وأخبر به قبل وقته، وكان يقول أصبت فعوقبت وتوفي أبو معشر وقد جاوز المائة بواسط يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من شهر رمضان سنة اثنتين وسبعين ومائتين، ثم ذكر محمد بن إسحاق تصانيف أبي معشر (فصل) فمن اصابات أبي معشر في احكام النجوم ما ذكره التنوخي في النشوار قال حدثني أبو الحسين قال حدثني أبو القاسم سليمان بن مخلد قال لما بعد أبي إلى مصر اجتذبت البحتري وأبا معشر وكنت آنس بهما لوحدتي وملازمتي البيت فكانا في أكثر الأوقات عندي، فحدثاني يوما انهما اصابتهما إضافة شديدة وكانا مصطحبين، فخطر لهما ان يلقيا المعتز وهو محبوس ويتردد إليه، فلقياه في حبسه (فنذكر نحن ما يختص بابي معشر من الحديث) قال أبو معشر وكنت قد اخذت مولده وعرفت عقد البيعة للمستعين ووقت البيعة من المتوكل بالعهد للمعتز، ونظرت بها وصححت النظر، وحكمت له بالخلافة بعد فتنة وحروب، وحكمت على المستعين بالخلع والقتل، فسلمت ذلك إليه وانصرفنا وضربت الأيام ضربها فصح الحكم باسره فدخلنا جميعا إلى المعتز وهو خليفة، وقد خلع المستعين وكان المجلس حافلا، قال أبو معشر فقال لي المعتز لم انسك وقد صح حكمك، وقد اجريت لك مائة دينار في كل شهر رزقاه وثلاثين دينار انزلا، وجعلتك

ص :158

رئيس المنجمين في دار الخلافة، وأمرت لك عاجلا بألف دينار صلة، قال فقبضت ذلك كله عاجلا في يومي، وروي هذا الحديث مصنف (الفرج بعد الشدة) (فصل) ومن اصابات أبي معشر ومنجم آخر معه ما ذكره التنوخي في كتابه (نشوار المحاضرة) قال حدثني أبو أحمد عبد الله بن عمر بن الحارث الحارثي قال حدثني أبي قال كنت أحد من يعمل في إحدى خزائن السلاح للمعتمد، وكنت قائما بحضرة الموفق في عسكره لقتال الزنج وبحضرته أبو معشر ومنجم آخر سماه لي وأنسيته، فقال لهما خذا الطالع في شئ قد أضمرته أنا البارحة لا سالكا عنه وامتحنكما فيه، فاخرجا ضميري فأخذا الطالع وعملا زايجته وقالا معا تسألنا عن حمل غير أنسي فقال هو كذلك فما هو؟ ففكرا طويلا ثم قالا حمل بقرة قال هو كذلك فما تلد؟ قالا ثورا قال فما صفته فقال أبو معشر أسود في جبهته بياض وقال الآخر أسود في ذنبه بياض فقال الموفق للناس سأختبر هؤلاء احضروا البقرة فأحضرت وهى مقربة فقال اذبحوها فذبحت وشق بطنها فاخرج منها ثور صغير أسود أبيض طرف الانف وقد التف ذنبه فصا على وجهه، فتعجب الموفق ومن حضر من ذلك عجبا شديدا واسنى جائزتهما (فصل) ومن اصابات أبي معشر ورفيقه ما رواه التنوخي في ذلك الكتاب قال حدثني أبي قال كنت بحضرة الموفق فاحضر ابا معشر وهذا المنجم فقال لهما في كمي شئ فما هو؟ فقال أحدهما بعد ما اخذ الطالع وعمل

ص :159

الزائجة وفكر هو شئ من الفاكهة، وقال أبو معشر هو شئ من الحيوان فقال الموفق للآخر أصبت وقال لأبي معشر أخطأت، ورمى من يده تفاحة وأبو معشر واقف فتحير وعاود النظر في الزائجة ساعة ثم سعر نحو التفاحة حتى اخذها وكسرها فإذا هي تنتثر دودا فقال انا أبو فلان فهال الموفق ما رآه منهما في الإصابة وأمر لهما بجائزة (فصل) ومن اصابات أبي معشر ما ذكره الزمخشري في (ربيع الأبرار) فقال ما هذا لفظه. افتقدت امرأة بعض الكتاب خاتما فوجهت إلى أبي معشر فسألته فقال خاتم اخذه الله تعالى فعجبت من قوله ثم وجدته في أثناء ورق المصحف.

(فصل) ومن اصابات أبي معشر ما ذكره أبو حيان علي بن محمد التوحيدي في الجزء الثالث من (البصائر) فقال ما هذا لفظه (ومر في الكتاب ذكر أبى معشر) قال حضرت وسلمة والزيادي والهاشمي عند الموفق، وكان الزيادي أستاذ أهل زمانه في النجوم فأضمر الموفق ضميرا فقال الزيادي اضمر الأمير رياسة وسلطانا فقال كذبت، فقال سلمة بل اضمر الأمير أمرا جليلا رفيعا فقال وكذبت، فقال الهاشمي لست أعرف ما قالا الرأس وسط السماء وصاحب الطالع ناظر إليه والكواكب ساقطة عنه، فقال وكذبت أيضا ثم قال لي هات ما عندك من شئ فقلت اضمر الأمير الله عز وجل، فقال لي أحسنت والله، ويلك انى لك هذا قلت الرأس يرى فعله ولا يرى نفسه كان في رابع درجة من الفلك ولا اعرف له مثلا

ص :160

إلا الله عز وجل فهو فوق كل ذي عز وسلطان، وليس فوقه شئ (فصل) ومن اصابات أبي معشر ما حكاه أبو سعيد شاذان بن بحر عنه في كتاب (الاسرار) قال نزلت في خان ببعض قرى الري وفى الخان كاتب بريد العراق قد انست به وانس بي وقد نظر في شئ من النجوم فقال لي القمر أين هو فقلت له هل تقيم غدا فان القمر في تربيع المريخ قال نعم هذا ان ساعدنا المكاريون على ذلك، فكلمنا هم حتى أجابوا على أن نعطيهم العلوفة وسالنا أهل القافلة أن يقيموا، فاقبلوا يسخرون منا وينكرون ما قلنا فاقمنا وارتحلوا، فصعدت إلى سطح الخان واخذت الارتفاع فإذا الطالع لمسيرهم الثور وفيه المريخ والقمر في الأسد فقلت الله الله في أنفسكم فامتنعوا أن يجيبوا إلى المقام ومضوا، فقلت للكاتب أما هؤلاء فاهلكوا أنفسهم، فجلسنا واكلنا وجعلنا نشرب، فعاد جماعة من أهل تلك القافلة مجروحين قد قطع عليهم الطريق على فرسخين من الموضع وقتل بعضهم واخذ ما كان معهم، فلما رأوني أخذوا الحجارة والعصي وقالوا يا ساحر يا كافر أنت قتلتنا وقطعت علينا الطريق وتناولوني ضربا وما خلصت منهم إلا بعد جهد وعاهدت الله أن لا أكلم أحدا من السوقة في شئ من هذا العلم، وانا على العهد ابدا، وأرجوان لا ادعه حتى أموت (فصل) ومن اصابات أبي معشر وإبراهيم الحاسب بالبصرة حكمهما لعلي بن محمد صاحب الزنج الخارج بالبصرة، على مولده، وقد ذكر ذلك محمد بن عبد الملك الهمداني (في المجلد الثاني من تاريخه) فقال ما هذا لفظه

ص :161

قال عبد الله بن إبراهيم القمي كنت عند إبراهيم الحاسب بالبصرة فحضر عنده شاب حسن الهيئة لا يتكلم ولا بخوض معنا فيما نتذاكره فلما قام الناس عرض عليه إبراهيم ان كانت حاجة له، فذكر له انه من آل أبي طالب وانه شخص من قم قاصدا إليه، والذي قصد له مكتوم، ثم اخرج له صورة مولده وانه يحتاج إلى موافقة عليه، فلما نظره أنكره واستعظمه وقال لست أقدم على الحكم عليه حتى اكتب لأبي معشر جعفر بن محمد البلخي لتثق بما حكمنا به عليه وكتب له ومضى فاتى الجواب يا أبا عمران كان هذا للولد صحيحا فإنه الرجل الذي ذكر ما شاء الله في كتاب الدول وسيكون من أمر هذا الفتى شئ عظيم من اقدامه على الدماء واخرابه المدن، فشخص في المحرم سنة ست وأربعين ومائتين فاتفق حكمه وحكم إبراهيم بذلك وخرج إلى البصرة في رجب سنة تسع وأربعين ومائتين وهى الدفعة الثالثة من خروجه إليها ثم شرح ما جرى عليه وله من حاله (فصل) ومن اصابات أبي معشر في انقضاء أمر صاحب الزنج علي بن محمد بن عبد الله ووقت وفاته، ما ذكره محمد بن عبد الملك الهمداني في تاريخه عن الليلة التي انقضى أمره فيها فقال حكي لي بعض أصحابه عنه انه قال إن مضت هذه الليلة بقيت الأربع عشرة سنة أخرى غير الأربع عشرة الماضية، وجعل كل ساعة يقول كم مضى من الليل حتى قلت ساعة، فقال في هذه أخاف، وكان يقول ذلك من طريق النجوم التي علمها من أبي معشر، فهلك في تلك الساعة

ص :162

(فصل) ومن اصابات أبي معشر مناظرته للسلماني المنجم في عمره حيث سأله عن القطع الذي يخافه، وما بينه في الجواب عليه، وظهور حجته على السلماني المذكور وقد ذكرنا معاني هذه المناظرة لأنها تتضمن كلاما في النجوم لا فائدة في شرحه بلفظه (فصل) ومن اصابات أبى معشر ما أخبر بالمولد الذي حمل إليه من ابن ملك الهند وجوابه لتلميذه شاذان بن بحر لما اعترضه في الحكم الذي حكم به، وظهور حجة أبى معشر، وقد حكينا معنى هذا دون لفظه، لأنه كانت مناظرته في النجوم موضع قائمة (فصل) ومن آيات الله جل جلاله، في تعجيز أبى معشر عن تدبير نفسه وخلاصها من مرض مرض به، مع علمه بالنجوم ودلائلها واطلاعه على دقائق معانيه وجلائها، قال شاذان كان أبو معشر على علمه وفهمه وتقدمه في هذه الصناعة يصيبه الصرع عند امتلاء القمر في كل شهر مرة وكان لا يعرف لنفسه مولدا ولكن كان قد عمل مسالة عن عمره وأحواله وسال فيها الزيادي المنجم ليكون أصح دلالة إذا اجتمع عليها طبيعتان طبيعة السائل وطبيعة المسؤول فخرج طالعه تلك المسألة السنبلة والقمر في العقرب في مقابلة الشمس والمريخ ناظر إلى القمر في بيت الولد وهذه الصورة توجب الصرع (فصل) ومن اصابات المنجمين المعروفين بأسمائهم عند أبي معشر ما ذكره التوحيدي في الجزء الثالث من (البصائر) فقال ما هذا لفظه

ص :163

أخبرني محمد بن موسى المنجم الجليس وليس هو الخوارزمي قال حدثني يحي بن أبي منصور قال دخلت أنا وجماعة من المنجمين إلى المأمون وعنده إنسان قد تنبا ونحن لا نعلم، وقد دعا بالقضاة ولم يجيئوا بعد فقال لي ولمن حضر من المنجمين اذهبوا فخذوا طالعا لدعوى رجل في شئ يدعيه وعرفوني ما يدل عليه الفلك من صدقه أو كذبه، ولم يعلمنا المأمون انه متنبئ فجئنا إلى بعض تلك الغرف فأحكمنا الطالع وصورناه فوقع الشمس والقمر في دقيقة واحدة وسهم السعادة وسهم الغيب في دقيقة الطالع والطالع الجدي والمشتري في السنبلة ينظر إليه والزهرة وعطارد في العقرب ينظران إليه فقال كل من حضر غيري كل ما يدعيه صحيح وله حجة زهرية وعطاردية فقلت انا هو في طلب تصحيح وتصحيح الذي يطلبه لا يتم ولا ينتظم، فقال من أين قلت لان صحة الدعاوي من المشترى في تثليث الشمس وتسديسها إذا كانت الشمس غير منحوسة وهذا يخالف هبوط المشترى والمشترى ينظر إليه نظر موافقة، إلا أنها فاسدة بهذا البرج والبرج كاره له، فلا يتم التصديق والتصحيح، والذي قالوا من حجة عطاردية وزهرية انما هو ضرب من التحسين والتزويق والخداع، فتعجب المأمون وقال لله درك ثم قال أتدرون من الرجل قلنا لا قال هذا ويزعم أنه نبي فقلت يا أمير المؤمنين أفمعه شئ يحتج به؟ فسأله فقال نعم معي خاتم ذو فصين ألبسه فلا يتغير مني شئ ويلبسه غيري فيضحك ولا يتمالك من الضحك حتى ينزعه، ومعي قلم آخذه فاكتب فيه ويأخذه غيري فلا تنطلق إصبعه

ص :164

فقلت يا سيدي هذه الزهرة وعطارد زور عمله بهما فأمره المأمون ان يفعل ما كان ففعل، فعلم أنه علاج من الطلسمات، فما زال به المأمون اياما كثيرة حتى تبرأ من دعوى النبوة ووصف الحيلة التي احتالها في الخاتم والقلم فوهب له ألف دينار. ثم اتيناه بعد فإذا هو اعلم الناس بالنجوم قال أبو معشر وهو الذي عمل طلاسم الخنافس في ديور كثيرة، وقال أبو معشر في كتاب (الاسرار) لو كنت مكان القوم فقد ذهبت عليهم أشياء كثيرة لكنت أقول أول الدعوى باطلة لان البرج منقلب والمشتري في الوبال والقمر في المحاق، والكوكبان ناظران إلى الطالع في برج كذاب مزور وهو العقرب.

(فصل) ومن علماء المذكورين بعلم النجوم محمد بن عبد الله بن طاهر قال أبو معشر في كتاب (الاسرار) وحكاه أيضا التوحيدي في كتاب البصائر، ما هذا لفظه قال أبو معشر زعم محمد بن عبد الله بن طاهران فيما وقع إليه من اسرار علم النجوم، ان عطارد مع الرأس في أوجه يدل على شئ من النبوة، وقد قال الأوائل ان الكوكب مع أوجه يكون أقوى له ولكن البنوة لم اسمع بها إلا من محمد بن عبد الله بن طاهر (فصل) ومن المعروفين بعلم النجوم والإصابة فيها وهو ولد يحي بن يعقوب فمن حكايته في ذلك ما ذكره التنوخي في كتابه قال حدثني أبو الحسين قال حدثني أبو إسحاق إبراهيم ابن السري الزجاج النحوي قال كنت أو أدب القاسم بن عبيد الله، وكان أبوه إذ ذاك يحضر الديوان فلما

ص :165

أخرجه من المكتب كنت معه في الديوان ببادوريا وهو معه فيه وله من العمر ست عشرة سنة وأبوه متعطل، وذلك في وزارة إسماعيل بن بلبل للموفق والمعتمد، وكان معه في ذلك الديوان جماعة من أولاد الكتاب وفيهم فتى نجيب من ولد يعقوب بن فرازون النصراني وكان يفهم النجوم فقال له ذلك الفتى، يا سيدي أرى فيك نجابة وصناعة ولك حظ في الرياسة وقد رأيت مولدك وهو بدل على انك تتقلد الوزارة وتطول أيامك فيها فاكتب لي خطا يكون معي تذكر فيه اجتماعنا وتضمن لي أن يكون لي حظ منك إذ ذاك حق بشارتي لك قال فاخذ القرطاس وكتب فيه بحسن خطه ليلقني فلان إذا بلغني الله ما أحب لا بلغه ما يحب إن شاء الله فحدثت أباه في ذلك ففرح وقال قد والله سررتني بذلك، واحضر المنجمين واخرج مولده فحكموا له بالوزارة وانه يتقلدها سنة ثمان وسبعين فخلف أباه علي وزارة المعتضد في امارته ودامت إياه إلى أن مات، فقال لي الزجاج لما ولي القاسم الوزارة بعد موت أبيه ودخل داره، وقفت في صحن الدار لينصرف الناس ودخل هو ليستريح فيخرج للناس فلا انسى هيبتي عند غلمانه حيث دخلت عليه فلم امنع فوجدته قد صلى وسلم وهو يدعو الله في خلوته وليس بحضرته أحد فلما رآني قام إلي فانكببت على رجله فقال لي يا سيدي يا ابا إسحاق أنت أستاذي وهذا الذي اعتقده في اكرامك وكان في نفسي ان أعاملك قبل ان تشرفني عند حضور الناس وتوقير مجلس الخلاقة، وإذا فعلت ذلك فهو حقك علي وإذا لم افعله فهو

ص :166

نقص حق العلم والعمل قال ثم ما أنكرت منه شيئا في عشرة ولا مخاطبة عما كان يعاملني به إلى أن مات (فصل) ومن المشهورين بعلم النجوم من المسلمين وبمعرفتها وصحة الحكم فيها محمد بن علي التنوخي والد مصنف نشوار المحاضرة فقال ولده في الجزء (السادس) من كتابه المذكور، كان أبي يحفظ للطالبين سبعمائة قصيدة ومقطوعة سوى ما لغيرهم من المحدثين والمخضرمين والجاهلية ولقد رأيت له دفترا بخط يده يحتوي علي رؤس ما حفظه وهو عندي الآن في نيف وثلاثين ورقة أثمان منصوري لطاف وكان بحفظ من اللغة والنحو شيئا عظيما، ومع ذلك كان علم الفقه والفرائض والشروط والمحاضرة والسجلات رأس ماله، وكان يحفظ منه ما قد اشتهر به وكان يحفظ من الكلام والمنطق والهندسة الكثير، وكان في علم النجوم والاحكام والهيئة قدوة وكذلك في علم العروض وله فيها وفي الفقه وغيره عدة كتب مصنفة، وكان مع ذلك يحفظ ويحدث فوق عشرين الف حديث، وما رأيت أحدا احفظ منه ولولا أن حفظه متفرق في هذه العلوم لكان أمرا هائلا فمن إصاباته ما قال ولده كان أبى حول مولد نفسه في السنة التي مات فيها فقال لنا هذه سنة قطع على مذهب المنجمين وكتب بذلك إلى بغداد إلى الحسن ابن البهلول القاضي ينعى نفسه إليه ويوصيه فلما اعتل أدنى علة قبل أن تتحكم اخرج التحويل ونظر فيه طويلا وانا حاضر فبكى وأطبقه واستدعى كاتبه وأملى عليه وصيته التي مات عنها وأشهد فيها من يومه فجاء أبو القاسم

ص :167

غلام زحل المنجم فاخذ يطيب نفسه ويورد عليه شكوكا، فقال يا ابا القاسم ليس يخفى عليك فأنسبك إلى غلط ولا انا ممن بجوز عليه هذا فتستغفلني ثم جلس فأوقفه على الموضع الذي خافه وانا حاضر ثم قال له دعني من هذا لست أشك إذا كان يوم الثلاثاء العصر لسبع بقين من الشهر فهي ساعة قطع عندهم فامسك أبو القاسم غلام زحل لأنه كان خادما لأبي فبكى أبي بكاء طويلا وقال يا غلام آتني بتحويل مولدي فجاء به ففتل التحويل وقطعه وودع أبا القاسم توديع مفارق فلما كان ذلك اليوم يعينه العصر، مات كما قال.

(فصل) ومن الموصوفين بعلم النجوم من المسلمين أبو القاسم غلام زحل وقد حكى الشيخ الفاضل المحسن بن علي التنوخي في الجزء السادس من (نشوار المحاضرة) عنه جملا وذكر طرفا من فضله واصابته في الاحكام بالنجوم، فقال ومن العجيب حكمه في قتل أبي يوسف فإنه قد كان يخدمه في النجوم أبو القاسم غلام زحل المنجم، وهو الآن شيخ من شيوخ المنجمين في الاحكام، وكان أبي يقدمه في هذه الصناعة ويستخدمه فيها ويسلم إليه سني تحويل مولده ومولدي إذا قطعه قاطع من عملها بيده لأنه كان قلما يأخذ تحاويلنا بيده بل يولي ذلك غيره، وأبو القاسم الآن مقيم بخدمة الأمير عضد الدولة بشيراز فقال أبو القاسم هذا لأبي يوسف البريدي في اليوم الذي عزم فيه الركوب إلى الأبلة ليسلم فيه على أخيه أبي عبد الله، أيها الأستاذ لا تركب فان هذا اليوم يوجب تحويلك فيه

ص :168

عليك قطعا بالحديد فقال يا فاعل انما اركب إلى أخي فممن أخاف وخرج بالطيارة (1) فعاد غلام زحل فاخرج جميع ما كان له في الدار من أثاث وذهب لينصرف فقال له الحجاب إلى أين قال أهرب لان الدار بعد ساعة تنهب، ومضى أبو يوسف إلى أبي عبد الله فقتله في ذلك اليوم، وكان هذا الخبر مشهور اعن أبي القاسم غلام زحل، نقله أبي وشهد بصحته وكان يحكى ذلك في تلك الأيام وأنا صبي فاسمع ذلك وكان يعده من اصابات غلام زحل (فصل) ومن اصابات التنوخي ما حكاه ولده في الجزء الرابع من (النشوار) قال حدثني أبي قال كنت أتقلد القضاء بالكرخ وكان بو أبي بهار جلا من أهل الكرخ وله ابن سنه نحو اثنتي عشرة سنة، وكان يدخل داري بلا اذن ويمزح مع غلماني، واهب له في الأوقات الدراهم والثياب كما يفعل الناس بأولاد الغلمان، ثم خرجت من الكرخ ورحلت ولم اعرف للرجل البواب ولا لابنه خبرا ومضت على ذلك السنون فأنفذني أبو عبد الله البريدي من واسط برسالة إلى ابن بويه فلقيته بدير العاقول وانحدرت أريد واسطا فقيل أن بالطريق لصا يعرف بالكرخي مستفحل الامر، وكنت خرجت بطالع اخترته على موجب تحويل مولدي لتلك السنة فاستظهرت به عند نفسي وكفاني الله أمر اللص وذلك اني لما عدت من دير العاقول خرج علينا اللصوص في عدة سفن بقسي ونشاب وسلاح شاك وهم نحو مائة نفس كالعسكر العظيم وكان معي غلمان يرمون فحلفت ان من رمى منهم ضربته إذا صرنا في البلد

ص :169


1- (1) الطيارة نوع من السفن

مائتي مقرعة ثم بادرت فأخذت ذلك السلاح الذي معهم ورميته في الماء وذلك اني خفت ان يقصدنا اللصوص فلا يرضون إلا بقتلي واستسلمت للامر طلبا للسلامة في نفسي وجعلت أفكر في الطالع الذي خرجت فيه فإذا ليس فيه ما يوجب القطع علي، والناس قد ابرزوا إلى الشط وانا في جملتهم، وهم يفرغون السفن وينقلون ما فيها إلى الشط ويشلحون ويقطعون وكنت في وسط المكان فلما انتهى إلي الامر جعلت أعجب من حصولي في الخوف والطالع لا يوجبه وليس اتهم عملي في هذا، فانا كذلك إذا سفينة فيها رئيسهم قد طرح علي كما كان يطرح على سفن الناس ليشرف على ما يوجد، فحين رآني منع أصحابه من انتهاب مالي أو شئ من سفينتي وصعد وحده إلى أن صار قدامي وتأملني طويلا ثم انكب يقبل يدي وكان متلثما فلم اعرفه فعجبت وقلت يا هذا مالك فأسفر وقال أما تعرفني يا سيدي؟ فتأملته وانا جزع فلم اعرفه فقلت لا والله قال بلى انا عبدك ابن فلان بوابك الكرخي هناك، وانا الصبي الذي ربيت في دارك فبررتني فتأملته فإذا الخلقة خلقته إلا ان اللحية قد غيرته في عيني فسكن روعي قليلا، وقلت في الحال يا هذا كيف بلغت إلى هذا الحال؟ قال سيدي نشأت فلم أتعلم غير معالجة السلاح وجئت إلى بغداد اطلب الديوان فما طلبني أحدا إلى هذا الحال فطلبت قطع الطريق فلو كان أنصفني السلطان وأنزلني بحيث استحق من الشجاعة ما فعلت هذا بنفسي فأقبلت أعظه وأخوفه الله ثم خشيت ان يشق ذلك عليه فتفسد رعايته لي فاقتصرت، فقال يا سيدي لا يكون بعض هؤلاء اخذ منك شيئا قلت لا

ص :170

ما ذهب منا الا السلاح رميته انا في الماء وشرحت له القصة فضحك وقال والله قد أصاب القاضي فمن بالمكان ممن يعني به؟ فقلت كلهم عندي بمنزلة واحدة في الغم بهم فلو فرجت عن الجميع، فقال والله لولا أن أصحابي تفرقوا بما اخذوا لفعلت ذلك ولكنهم لا يطيعون إلى رده، ولكن ما بقي من السفن في المكان الذي لم يؤخذ بعد فلا يمسه أحد فجزيته الخير، فصعد إلى الشط واصعد أصحابه ومنع ان يؤخذ شئ مما في السفن الباقية فما تعرضها أحد ورد على القوم أشياء كثيرة مما اخذت منهم وأطلق الناس وسار معي في أصحابه إلى أن أوصلني إلى المأمن ثم ودعني ورجع (فصل) ومن المعروفين بعلم النجوم وللإصابة في الحكم عبد الله بن محمد ابن عبد الله بن طاهر ذكر ذلك المعافي بن زكريا، في كتاب (الجليس الصالح والأنيس الناصح)، فقال في اسناده ان عبد الله بن محمد بن عبد الله بن طاهر كان مولده في السرطان فلما كان ذات ليلة وهو عند أهله قال إن مولدي في السرطان وان طالع السنة السرطان وان القمر الليلة يكسف في السرطان وهى الساعة الأخيرة فان نجوت الليلة فسابقي إلى سنين وان كانت الأخرى فاني ميت لا محالة فقالوا له بل يطيل الله عمرك فلما كانت الليلة دعا غلاما له وكان قد علمه النجوم، فأصعده قبة له وأعطاه بنادق وأسطرلابا وقال له خذ الطالع فكلما مضى من انكساف القمر دقيقة فارم بندقة فلما انكسف من القمر ثلاثة قال لأصحابه ما تقولون في رجل قاعد معكم يقضى ويمضي وقد ذهب ثلث عمره فقالوا بل يطيل الله عمرك أيها الأمير فلما انكسف من

ص :171

القمر ثلثاه عمد إلى جواريه فاعتق منهن من أحب والى ضياعه فوقف منها ما وقف وقال لأصحابه ما تقولون في رجل بينكم يقضي ويمضي وقد ذهب من عمره ثلثاه فقالوا بل يطيل الله بقاء الأمير فلما انقضى من الثلث الثالث دقيقتان قال لهم إذا استغرق القمر فامضوا إلى أخي عبيد الله ثم قام فاغتسل ولبس أكفانه وتحنط ودخل إلى بيت الله ورد عليه الباب واضطجع فلما استغرق القمر في الانكساف فاضت نفسه فدخلوا عليه فإذا هو ميت فانطلقوا إلى عبيد الله أخيه ليعلموه فإذا عبيد الله في طيارة قد سبقهم فقال لهم مات أخي قالوا نعم فقال لهم ما زلت آخذ الطالع حتى استغرق القمر في الخسوف فعلمت انه قد قبض ثم دخل فانكب على أخيه باكيا طويلا ثم خرج وهو يقول شعرا فيه من جملته.

هد ركن الخلافة الموطود * زال عنها السرادق الممدود حط فسطاطها المحيط عليها * ملن اطنابها فمال العمود كسف البدر والأمير جميعا * فانجلى البدر والأمير عميد عاود البدر نورة فتجلى * ونور الأمير ليس يعود فلما حمل السرير أنشأ أخوه يقول تداولت الأكف على سرير * الا لله ما حمل السرير اكف لو تمد إليه حيا * اذن رجعت وأطولها قصير تباشرت القبور به واضحى * تبكيه الأرامل والفقير (فصل) وممن اشتهر بعلم النجوم من ملوك المسلمين جماعة من الخلفاء

ص :172

المصريين المنسوبين إلى إسماعيل ابن مولانا الصادق صلوات الله عليه فرأيت في كتاب قد صنفه النعمان المؤرخ لفضائلهم يقول في بعض كلامه ما يحكيه عن المسمى بالمعز، ما هذا لفظه ولقد كان المنصور اعلم الناس بالنجوم، ولقد قال غير مرة ما نظرت والله فيها إلا طلبا لعلم توحيد الله تعالى وتأثير قدرته. وعجائب خلقته، وقد عانيت ما عانيت بالحروف وغيرها فما عملت في شئ من اختيار النجوم ولا التفت إليه ومن ذلك ما ذكره النعمان هذا في وصفه المعز أيضا بعلم النجوم فقال ما هذا لفظه، واما الطب والهندسة وعلم النجوم والفلسفة فالنقاد من أهلها عيال عليه، وبين يديه وكلهم كل عليه ومن ذلك ما حكاه النعمان عنه أيضا فقال ما هذا لفظه، وذكر المعز يوما ان رجلا قد ورد عليه من المغرب يعنى بعلم النجوم فاحسن أمير المؤمنين منزله وكساه وحمله واجري عليه جراية من كان مثله ممن بعدت رحلته إليه ولم يلبث قليلا حتى سال الاذن في الانصراف فاذن له فكنا نتعجب من ذلك ونسال عنه فقال المعز يوما وانا بين يديه الا أخبرك بسبب انصرافه قلت يفعل ذلك أمير المؤمنين إذا رأى قال إن هذا الرجل لما وفد علينا وصار إليه من دخلنا ما صار إليه، حسده بعض أهل صنعته ممن أولع بالشناعة علينا فذكر له مولدا من المواليد وقال له ما ترى لمن ولد بهذا المولد؟ فقال له ان النحوس تداخلته ولا أشك ان أيامه انقضت قال له فذلك الذي أنت في منزله وقصدك إليه بعينه وهذا مولده فرأى للضعيف العقل ان انصرافه منا بما قال ذلك غنيمة فسال الاذن وقد انتهى إلينا ما قيل له، فاذنا له

ص :173

فانصرف، ولقد دفع إلينا في حال انصرافه رقعة يعرض فيها بالصلة، وقد كنت قبل ذلك أمرت له بمائتي دينار فصرت في صرة وكنت على البعثة بها إليه ثم نظرت إلى وقت وقع فرأيته وقت سعد فقلت لا أظن إلا أنه قد تحرى لدفع رقعته هذا السعد ولكن والله لا يصدق ذلك عنده فتركتها على أن نعطيها له في وقت آخر على غير سؤاله فانسيتها وخرج محروما (فصل) ومن ذلك حكاية ذكرها النعمان تتعلق بالمعز نذكر ما نحتاج إليه من لفظها ومعناها، ذكر انه لما أراد المعز بناء قصره المعروف بقصر البحر كان يحتاج أن يكون الابتداء بعد شهر، فرأى في نومه كان رجلا دخل عليه وقال له قد اتيتك لأسألك عما تريد ان تصنع قال قلت فمن أنت قال بطلميوس قلت أي بطلميوس أنت قال بطلميوس المعروف المذكور قلت صاحب الحساب والتنجيم قال نعم قلت وصاحب كتاب المجسطي قال نعم قلت فما كان دينك ومذهبك قال توحيد الله قلت فماذا صرت إليه قال إلى خير بحمد الله ثم قال ابتدء في القصر يوم الثلاثا قلت أي يوم الثلاثا قال هذا الآتي قلت سبحان الله ما يتهيأ لي أن أقيس الموضع في هذه المدة فضلا عن أن ادبر ما اردته فقل ابدأ فيه يوم الثلاثا على كل حال بما أمكن من العمل فإنه يوم صالح، فانتبهت وقلت لا نظرن في قول أهل النجوم في الاختيار وفي هذا اليوم الذي قاله فنظرت فلم أر يوما على ما قالوه إلى مدة أحسن في الاختيار عندهم من اليوم الذي قاله هو أعني يوم الثلاثا فابتدأت به، أقول قد اقتصرت على بعض ما روي عن خلفاء مصر من علم النجوم

ص :174

لشهرته حتى قيل إن علمهم بذلك سبب توصلهم إلى خلافتهم والله سبحانه العالم بذلك (فصل) ووجدت في كتاب (سير الفاطمي) الذي ملك طبرستان الحسن بن علي المعروف بالناصر للحق لا يستبعد أن يكون الذي بسط آماله في طلب ذلك معرفته بالنجوم ودلالتها على ما انتهت حاله إليه، فقال فيه ما لا يحضرني في ذكر كلما اعتمد عليه، لكن أذكر رواية مختصرة بمعرفته بعلم النجوم المشار إليه، فقال ما هذا لفظه قال أبو الحسن الآملي رحمه الله سمعت حمزة بن علي العلوي الآملي رحمه الله يقول ما كان من العلوم علم الا والناصر للحق كان اعلم به من علمائه ثم ذكر العلوم من كل فن حتى الطب والنجوم، وذكر أيضا مصنف الكتاب المذكور وهو اسفنديار ابن مهر نوش النيشابوري، وعندي منه الان نسختان عتيقة وجديد، فقال ما هذا لفظه سمعت أبا الحسن الزاهد الخطيب يقول ما دخل طبرستان من آل محمد صلوات الله عليه مثل الحسن بن علي الناصر للحق قط، ولا كان في زمانه في سائر الآفاق مثله ظاهرا ولقد كان طالبا لهذا الامر إلا أنه وجده عند الكبر وما كان يفارق العلم والكتب مع قيامه بهذا الامر وكثرة اشتغاله حيت كان وانى كان، ولقد كان عالما بكل فن من فنون العلم حتى الطب والنجوم والشعر، ولو كنت قائلا بالتزيد لقلت بإمامته أقول أن المراد من ذكر حديثه انه كان عالما بالنجوم، وهذا المصنف يذكر في خطبة كتابه ان معرفته بعلوم هذا السيد، التي اكتسبها من

ص :175

من الناس المعروفين، ومن كتب المصنفين هدته إلى القول بإمامته فتعجبت من ضلال الناس عن أئمة الهدى صلوات الله عليهم، فان جميع ما سمع منهم ونقل عنهم من العلوم لم يعرف لهم فيها أستاذ ولا رآهم عدو ولا ولي يقرأون على عالم ولا يدرسون في كتب العلماء (فصل) وممن قال بصحة أحكام النجوم أبو حامد الغزالي مصنف كتاب (الاحياء) فإنه قال في كتاب (التبر المسبوك في نصيحة الملوك) في الباب الأول عند ذكر الملوك ما هذا لفظه، ومن بعده جاماسب الحكيم وكان صاحب علم النجوم وله فيها الاحكام الصحيحة، وملك سنة وستة أشهر (فصل) وممن وصف بعلم النجوم سهلوك ويزدجرد من علماء الاسلام فيما ذكره التنوخي في أربع اجزاء (النشوار) فقال ما هذا لفظه، حدثني أبو عبد الله محمد الحارثي قال كان ببغداد في أيام المقتدر اخوان كهلان فاضلان وعندهما من كل فن مليح وهما من أحرار فارس قد نشأ ببغداد وتأدبا بها وتعلما علوما كثيرة يقال لأحدهما سهلون وللآخر يزدجرد ابنا مهمندار الكسروي ويعرفان بذلك لانتسابهما إلى الأكاسرة وكانا ذوي نعمة قديمة وحالة ضخمة وكنت ألزمهما على طريق الأدب، وكان ليزدجرد منهما كتاب حسن الفه في صفة بغداد وعدد سككها وحماماتها وشوارعها وما يحتاج إليه في كل يوم من الأقوات والأموال وما تحتوي عليه من الناس، وعدة كتب أدبية وفلسفية، قرأت أكثرها عليه وكان هو واخوه ينشدان الشعر الجيد لأنفسهما، وسهلون بن مهمندار كان لزم

ص :176

بعض الرؤساء وعمل له وسائل وقصائد، ثم ذكر التنوخي من شعر سهلون ما يقتضي علمه بالنجوم، فقال أنشد من شعره تعففت عن أخذ الدراهم والبر * ليمسك من سرى فبالغت بالسبر ولم ير ميلي للجين وللسبر * ولكن لا كرامي وان يعرفوا قدري ولست أسوم الناس صعبا من الامر * ولا عابني حال من العسر واليسر ولا انا ممن يمدح الناس بالشعر * ولا انا من يهجو بشعر ولا نثر ولكنني رب العلوم وذو الامر * بنظم تغليه الجواري على الدر ولي دربة طالت على كل عالم * إذا اعوز الانسان علم بما يدري من الطب والتنجيم من بعد منطق * ولا علم الا ما أحاط به صدري وها انا سيف الله علما بدينه * أذب عن التوحيد في أمم الكفر ثم ذكر تمام الأبيات والمراد منها ما ذكره عن نفسه في علم النجوم (فصل) وممن كان عالما عارفا بعلم النجوم وصحة حكمه بها، الصاحب إسماعيل بن عباد الطالقاني المعدود من الافراد، في السعادة والعلم وثناء العباد، فمن ذلك ما وجدته في مجموع عتيق قالبه أكبر من الربع، اوله حديث عن النبي صلى الله عليه وآله، العلماء في الأرض مثل النجوم في السماء، فقال في هذا المجموع، ان الصاحب كان يتعصب للأمير بدر بن حسنويه، وكان يلقى الصاحب في كل عام مرة واحدة بالري ويعرض عليه حوائجه فيقضيها، وإذا أراد الانصراف، أحسن خلعه وصرفه أحسن صرف، فلما انتهى عمره نظر الصاحب بالمولد، وعلم أن العمر

ص :177

تناهى، وان الاجل تداعى والأمل تواهي، ارسل إلى بدر بن حسنويه واستدعاه إليه وقضى كل حاجة كانت له، وكانت العادة جرت ان كل ما أراد الانصراف حضر عند الصاحب وقبل يده وخرج منصرفا، ولما كانت هذه الكرة الأخيرة خرج الصاحب إلى ظاهر الري، وكان الفصل خريفا، فوقف وسط قراح قد بذر خريفيا وسقي، فحضر بدر بن حسنويه على العادة دار الصاحب ليقبل يده وينصرف، فقيل له ان الصاحب قد خرج بشغل، فبادر إليه وتوحل وجعل يعالج وحل القراح بالخفين والجور بين حتى وصل إلى الصاحب واهوى ليقبل يده فامتنع وقال له أتدرى أ؟ ها الأمير لم خرجت وسقيت قال لا قال لأنها آخر الالتقاء بيننا فان إسماعيل بن عباد يموت بعد مائة وثلاثة أيام فإذا قضى فان الشاهنشاه سيجزع جزعا شديدا ويجلس في العزاء سبعة أيام، ثم إن أعداء الصاحب سيشيرون عليه بان يستوزرا بالعباس الضبي (1) فإذا بلغك أيها الأمير أرشدك الله انه قد قبض عليه ففض ختم هذه الأنبوبة وافتحها واقض حق إسماعيل بن عباد في العمل بما فيها، وأعطاه أنبوبة فضية، ثم بكى بكاء شديدا وقال هذا آخر العهد منا وتفرقا، فلما انقضت مائة وثلاثة أيام قضى الصاحب نحبه فجزع عليه فخر الدولة ابن بويه جزعا شديدا وجلس في العزاء سبعة أيام ثم إن وجوه الدولة ساروا إليه وسألوه الخروج من العزاء فقال لهم كيف السبيل إلى ذلك وانا لا أقر في قرار، والدولة ليس لها نظام ولا استقرار بفقد كافي الكفاة، فقالوا عن بكرة أبيهم أيها الشاهنشاه الجزع

ص :178

يفقد الصاحب لا يغني ولا يجدي، ولكن ولده ومعشوقه أبو العباس الضبي لا يقصر عنه أصلا وفصلا، وسدادا وفضلا وله في التصرف أثبت قدم وفي كيس الرأي أطول يد، فاستوزره فإنه خريجه الكافي الوافي فقبل هذا الرأي منهم وأرسل إلى أصفهان واستحضر ابا العباس الضبي فولاه الوزارة وقلده الولاية، فلما مضى عليه سنة مشى الأعداء وسعوا فيه فقبض عليه واتصل الخبر ببدر بن حسنويه ففض ختم تلك الأنبوبة وفتحها فوجد فيها رقعه مكتوبة بخط الصاحب بن عباد نسختها بسم الله الرحمن الرحيم: أيها الأمير الوفي أبو النجم بدر بن حسنويه أعزك الله ان اعادي إسماعيل بن عباد أرادوا ان يشمتوا ويشنعوا لعداوتهم ابا العباس الضبي خلصه الله وحماه وأبقاه، فقد قبض عليه وإسماعيل عالم عارف ان بدرا يستعان به بعد إسماعيل وكذلك سائر أصحاب الأطراف والمرغوب إلى همه الأمير أبي النجم ان يخلص ابا العباس بروحه وأصحابه ويقضي فيه حق إسماعيل فقد علم أنه لا يتعذر على غرمه ذلك إن شاء الله فأرسل بدر الجواسيس إلى الري وكان قد استقصى وكذلك صاحب طبرستان وغيره فأخبره الجواسيس ان ابا العباس قد استقصي ماله وهو مطالب بروحه محبوس، فركب بعسكره حتى أصبح الري فدخلها نهارا جهارا وكسر الحبس واخرج ابا العباس الضبي وأركبه حصانا وحمله معه إلى نعمته، وذكر بعد هذه الحكاية شعرا مليحا في مدح الصاحب بن عباد ورثائه منه للرضي الموسوي رضي الله عنه قوله

ص :179

أكذا المنون تقطر الابطالا * أكذا الزمان يقرب الآجالا أكذا تغيض الزاخرات وقد طغت * لحججا وأوردت الظماء زلالا أكذا يقام عن الفرائس بعدما * ملأت هماهمها الورى أوجالا يا طالب المعروف حلق نجمه * حط الرحال وعطل الاجمالا وأقم على ياس فقد ذهب الذي * كان الأنام على نداه عيالا أقول ورأيت في الجزء الثالث من كتاب (يتيمة الدهر) تأليف عبد الملك ابن محمد بن إسماعيل النيشابوري عند ذكر أبي القاسم إسماعيل بن عباد رحمه الله ما يقتضى ان اعتقاده في النجوم، على ما دللنا عليه وانها دلالات وعلامات على ما جعلها الله جل جلاله دالة عليه كما أشرنا إليه، فقد قال مؤلف الكتاب عن أبي القاسم إسماعيل بن عباد ما هذا لفظه ولما كنى المنجمون عما هو يعرض في سنة موته قال في ذلك يا مالك الأرواح والأجسام * وخالق النجوم والاحكام مدبر الضياء والظلام * لا المشتري أرجوه للانعام ولا أخاف الضر من بهرام * فإنما النجوم كا لاعلام والعلم عند الملك العلام * يا رب فاحفظني من الاسقام ووقني حوادث الأيام * وهجنة الأوزار والاثام هبني لحب المصطفى الخيتام * وصنوه وآله الكرام أقول ومما ينبه على أن ابا القاسم إسماعيل بن عباد رحمه الله كان يعتقد ان ربه تعالى كان يمحو ما يشاء ويثبت، لا احكام النجوم، زيادة على

ص :180

ما تضمنه شعره الذي أشرنا إليه، ما ذكره مؤلف كتاب (اليتيمة) من أبيات شعر له أيضا فقال ما هذا لفظه، وكتب على تحويل السنة التي دلت احكامها على انقضاء عمره هذه الأبيات أرى سنتي قد ضمنت بعجائب * وربي يكفيني جميع النوائب ويدفع عني ما أخاف بمنه * ويؤمن ما قد خوفوا من عواقب إذا كان من اجرى الكواكب أمره * معيني فما اخشى صروف الكواكب عليك أيا رب السماء توكلي * فحطني من شر الخطوب اللوازب وكم سنة حذرتها فتزحزحت * بخير واقبال وجد مصاحب ومن اضمر اللهم سؤا لمهجتي * فرد عليه الكيدا خيب خائب فلست أريد السوء بالناس انما * أريد لهم خيرا مريع الجوانب وادفع عن أموالهم ونفوسهم * يجدي وجهدي باذلا للمواهب ومن لم يسعه ذاك مني فإنني * سأكفاه ان الله أغلب غالب ثم ذكر ان وفاته كانت ليلة الجمعة الرابعة والعشرين من صفر سنة خمس وثمانين وثمانمائة (فصل) ومن الذين عرفوا النجوم العالم (1) فإنه سأله المرتضى عن مناظرة وقعت له مع منجم، فقال المرتضى رضي الله عنه في الجواب انما يناظرك من يقول أن في النجوم دلالات على الحادثات فان ثبت قوله ان النجوم دلالات كانت هذه الشبهة واردة عليك وعليه وان بطل قوله ان النجوم دلالات فقد استغنيت عن هذه الشبهة، فالمهم النظر منكما هي دلالات

ص :181

أم لا، فيقال له رحمه الله ان قال لك المنجم ان هذه الشبهة على تقدير محال فلا يلزم الجواب عنها لأنه إذا كانت النجوم دلالات على الحادثات فلابد ان تدل على ذلك الشئ المفروض اما ان يقع أولا، ويقال له أيضا ما تقول لو قال نبي من الأنبياء لرجل قد اوحى إلى ربك ان تسافر غدا، ويفرض ان يقول مخالف الاسلام اترك السفر وأبطل بذلك نبوته، فمهما اجبت عن هذا فهو جواب المنجم الذي يقول إن لله جعل النجوم دلالات على الحادثات (فصل) ومما يعارض هذه الشبهة التي ذكر المرتضى ان يتعذر الجواب عنها ان يقال انما وجدنا العلماء بالعلوم العقلية يزدادون في أنفسهم علوما وتفضيلا فيما لم يكونوا محيطين بها وبعضهم يزداد على بعض في العلوم العقلية وهذه معلومة منهم لا يحسن الجحود بها، فما المانع ان يكون المخبر من المنجمين علمه وحكمه أحاط بأنه يكون ولم يحط بالعكس عليه، كما أحاط علم يونس بعذاب قومه فوعدهم به ولم يحط بنجاتهم منه، وكما أحاط علم موسى عليه السلام بان ميقات قومه ثلاثين ليلة فأخبرهم بها، ولم يحط علما باتمام الثلاثين حتى صارت أربعين ليلة، وكما روينا ان منجم النمرود اخبره بان إبراهيم عليه السلام يحرق بالنار وكان عالما بالقائه فيها ولم يكن أوتي العلم بأنه ينجو منها، وقد ذكرنا فيما تقدم من كتابنا هذا من رواه عن الصادق عليه السلام ولم يجعل الصادق ذلك طعنا على بطلان علم النجوم فهذا الأصح لأهل العلوم،

ص :182

الباب السابع: فيما نذكره عمن صح حكمه، بدلالة النجوم قبل الاسلام ولم يذكر اسمه.

فيمن صح حكمه بدلالة النجوم قبل الاسلام ولم يذكر اسمه فمن ذلك الذي وجدنا في صحة الحكم بدلالة النجوم ممن عرف اسم المحكوم له ولم يذكر اسم المنجم، ما ذكره أبو عبد الله الحسين بن خالويه في كتاب (الملح) من نسخة عتيقة يقتضي انها كتبت في حياته احضرها إلينا السيد حسن بن علي المدائني المعروف بابن بنت الكال كرهت شراءها لأجل ما فيها من الهزل فقال فيها ما هذا لفظه، أبو بكر بن الأشعث حدثنا عباس بن محمد الصايغ حدثنا منصور بن أبي مزاحم حدثنا نصر بن باب عن الحجاج بن ارطاة قال كتب ملك الهند إلى عمر بن عبد العزيز من ملك الاملاك الذي في مربطه الف فيل، والذي تحته بنات الف ملك والذي يوجد ريحه من تسعة عشر ميلا والذي له نهران يجبيان له اللؤلؤ والعنبر والكافور إلى ملك العرب الذي لا يشرك بالله شيئا، اما بعد فقد أهديت لك هدية وليست هدية ولكنها تحفة وقد أحببت ان تبعث إلي رجلا يفصح لي عن دينكم ويعلمني والسلام، قال ابن الأشعث وقد أدركت انا الذي كتبت إلى عمر بن عبد العزيز فإنه عاش مائة وثمانين سنة واسمه بهرة، وكان عمله على ثلاثمائة الف فرسخ، وعلى مربطه الف فيل وكانت أمه راعية، فادركها الطلق قبل طلوع الشمس، فمر بها منجم هندي فقال

ص :183

ان لم يولد هذا الجنين حتى يطلع قرن الشمس ملك الهند، فجمعت المرأة عباءة كانت معها واستقرت بها وقعدت عليها، فلما ذر قرن الشمس قذفت بعبائتها فولد وبلغ ما قال ذلك المنجم، ويقال انه أسلم على يد عمر بن عبد العزيز واخفى اسلامه خوفا على نفسه من القتل (فصل) وذكر الحاكم النيشابوري في تاريخه في الجزء السابع في اواخره ما يقتضي انه مصدق بعلم النجوم وان علم النجوم قد صح فيما ذكره المنجمون عن سابور ذي الأكتاف وهو جنين في بطن أمه فقال ما هذا لفظه في ذكر المدينة الداخلة بنيشابور، حدثنا الحسين بن أحمد بن مشوقة المدائني عن آبائه قالوا لما ملك شابور بن هرمز وهو الذي وضع التاج على بطن أمه، وكتب عنه إلى ملوك الآفاق، وهو جنين في بطن امه وقد مات أبوه هرمز، وقد كان المنجمون أعلموه قبل وفاته انه يلد ذكرا يملك الأرض وأخبروا أمه والوزراء بذلك وسموه شابور أي ابن الملك على أنه إذا بلغ ان شاء غير اسمه، فلما بلغ أربعين سنة غير اسمه، وكان ذا رأى وهمة جليلة ملك العرب والعجم وقهر اياد وفيه يقول علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ان حيا يرى الفساد صلاحا * ويرى الرشد للشقاء فسادا لقريب من الهلاك كما أهلك * شابور بالسواد أيادا ثم ذكر الحاكم بناءه لمدينة نيشابور وطرفا من صحة حكم المنجمين له بالملك (فصل) وذكر أبو الفرج ابن الجوزي واسمه عبد الرحمان في

ص :184

طرائف اللطائف في تاريخ السوالف ما يستظهر منه على أنه كالمصدق بعلم النجوم وصحة الحكم بها واعتماد بعض ملوك الأكاسرة عليها، كما قدمنا بعضه، فقال إن سبب ملك شابور ذي الأكتاف انه كان حملا بعد موت أبيه هرمز فقال المنجمون هذا الحمل يملك الأرض، فوضع التاج على بطن أمه وكتب بذلك إلى الآفاق وهو جنين، أقول ثم ذكر صحة حكم المنجمين فيه وان شابور ذا الأكتاف كان ملكا عظيما وهو الذي بنى أيوان كسرى وبنى نيشابور وسجستان والسوس، وقال هو وغيره انما سمي ذا الأكتاف. لأنه كان حين ملك ينزع الأكتاف من مخالفيه.

وأقول أي عقل يمنع من قدرة الله جل جلاله على أن يجعل دلالات النجوم من قدرته؟ فهو سبحانه القادر لذاته الحكيم في مقدوراته (فصل) ومن العلماء بالنجوم الذي صح حكمه بها ودلالتها على يديه من أهل الاسلام المعروف بالعماد من أهل هرات، ذكر ذلك صدقة بن الحسن في المجلد الخامس من (التذييل) في حوادث سنة ثمان وأربعين وخمسماية فقال ما هذا لفظه وكان لقماج صاحب بلخ منجم يعرف بالعماد من أهل هرات فاستاذن الأمير قماج في خروجه إلى أهله فلم يعطه اذنا فقال له المنجم اعطني اذنا واعطني أمانا لأخبرك بما يجرى على خراسان فقال له قد أمنتك قال قد آل ملكهم إلى الزوال، وان خراسان تخرب ويهلك أهلها في العام القابل من قوم بغزنة مما وراء النهر يفعلون الخير ويعودون بعد ذلك، فيكون هلاك ملك خراسان على أيديهم وهلاك

ص :185

خرسان ونفسي تعلم يقينا انهم هؤلاء القوم الذين نزلوا رعايا يعنى الغز ثم شرح صاحب التذييل كيف ملكت الغز بلد خراسان وهلك السلطان وهلك أهل خراسان على نحو ما جرى عليهم هلاكهم من التتر في هذه الأزمان وصح الحكم بذلك جميعة وفى شرحه غرائب لكن يطول ذكرها والمقصد ما ذكرناه (فصل) وذكر جدي أبو جعفر الطوسي فيما نقلته من خطه في كتاب أبي العباس أحمد بن محمد من وجهة أوله في القائمة الأخيرة من الكراس السادس ما هذا لفظه، قال بعضهم حكم المنجمون في سنة سبعين ومائة ان في ليلة واحدة يموت ملك عظيم ويقوم ملك كريم ويولد ملك حكيم فمات موسى الهادي وقام الرشيد وولد المأمون، أقول ولم يذكر جدي الطوسي بهذا الحكم دلالة النجوم ولا طعنا في ذلك (فصل) ومن ما ذكره الحاكم في ترجمة هارون الرشيد من المجلد الثالث في تاريخ نيشابور قال حدثني عبد الرحمان بن أحمد بن حمدويه قال سمعت أبي يقول سمعت جماعة من مشايخنا المعمرين بنيشابور يذكرون ورود هارون الرشيد أمير المؤمنين نيشابور ومقامه بها وذلك أنه لما خرج من بغداد وكان الفضل بن الربيع وزيره صار إلى الري وكان بها جماعة من المنجمين فجمعهم وسألهم النظر في أمر خروجه وما يستقبله فيه، وما يستقبله في بقية عمره؟ فنظروا وحكموا انه يهلك بخراسان بقرية يقال لها سناباد فسألهم عنها فقالوا هي من قرى بيهق، فتنحى عن الطريق ولم يدخل بيهق

ص :186

وعدل إلى ناحية جرجان على أن يكون قدومه لنيشابور على طريق جرجان ثم انه ورد نيشابور وأقام بها وبعث منها العساكر والقضاة وأصحاب البرد إلى النواحي، ثم خرج من نيشابور إلى طوس، ونزل قرية حميد الطوسي التي يقال لها سناباد، فسال عن اسم القرية فقال له سناباد فمرض وعلم أنها تربته، ووطن نفسه على أن يموت بها، وانه لا مرد لقضاء الله عز وجل، فأرسل المأمون على مقدمته إلى مرو وأقام هو في سناباد عليلا إلى أن توفي فدفن بها.

(فصل) ورأيت في الجزء التأني من كتاب (الوزراء) تأليف علي ابن الحسين بن عبد الله الخازن عند ذكر وزارة أبي الحسن ناصر بن مهدي العلوي الحسني رضوان الله عليه وكنت انا سمعت ذلك منه فعلق بحفظي واني الآن احفظه، قال حدثني الحافظ أبو عبد الله البغدادي قال حدثني كثير القمي صاحب الوزير ناصر بن المهدي قال كنت بخدمته في قم وكان حينئذ يتفقه في مدرسة هنا لك فقدم علينا منجم عالم باحكام النجوم فجمع الجماعة مواليدهم وألقوها بين يديه، وكان في جملتها مولدا لوزير فنظر فيها ثم أمسك مولدا لوزير وقال صاحب هذا المولد يحكم في الشرق والغرب قلت انا وقد كان كثير القمي اذن لي في أيام وزارته بالرواية عنه (فصل) ومن المذكورين بالإصابة في علم النجوم ولم يذكر اسمه قبل الاسلام ما ذكره أبو جعفر ابن بابويه رحمه الله في الجزء الثالث من كتاب الكمال في الغيبة في جملة حديث ملك الهند وولده يوذاسف وبلوهر

ص :187

الحكيم فقال عن ملك الهند ما هذا لفظه، وكان حريصا على الولد ولم يكن له ولد إلى أن طال عليه أمره فحملت امرأة من نسائه وولدت غلاما فاستبشر بذلك وأمر للناس بالاكل والشرب سنة وسمى الغلام يوذاسف وجمع العلماء والمنجمين لتقويم ميلاده فرفع المنجمون إليه انهم يجدون الغلام يبلغ من الشرف والمنزلة ما لم يبلغ أحد واتفقوا على ذلك جميعا غير أن واحدا منهم قال ما أظن أن الشرف الذي يبلغه هذا الغلام الأشرف الآخرة، ولا احسبه إلا ان يكون إماما في الدين والنسك وذا فضيلة في درجات الآخرة، لأني أرى الشرف الذي يبلغه ليس يشبه شرف الدنيا بل هو يشبه شرف الآخرة، فوقع ذلك القول من الملك موقعا كاد ينغصه سروره بالغلام، وكان المنجم الذي أخبر بذلك من أوثق المنجمين في نفسه، وأعلمهم وأصدقهم عنده، ثم ذكر ابن بابويه كيف تقلبت الأمور بيوذاسف ابن الملك حتى زهد في الدنيا زهدا عظيما وفارق ملك أبيه وصح حكم المنجم فيه، بدلالة الله تعالى له بالنجوم والتنبيه (فصل) وروى أيضا ابن بابويه في كتاب (الغيبة) ما هذا لفظه انه كان في أول الزمان ملك للهند حريصا على أن يولد له، وكان لا يدع شيئا مما يعالج به الناس أنفسهم إلا اتاه وصنعه، فلما طال ذلك من أمره حملت امرأة من نسائه وولدت غلاما فلما وضعته خطا ذات يوم خطوة فقال ميعادكم تكبرون ثم خطا أخرى فقال تهرمون ثم خطا الثالثة فقال تموتون ثم دعا كهيئته يفعل كما يفعل الصبي، فدعا الملك العلماء والمنجمين

ص :188

فقال لهم أخبروني بخبر ابني هذا، فنظروا في شانه وأمره فأعياهم أمره ولم يكن عندهم فيه علم إلا ان منجما منهم قال سيكون هذا إماما فلما رأى الملك ان ليس لهم علم دفعه إلى المرضعين فاخذوا في رضاعه فاقبل يوما من عند مرضعته والحرس معه ومر بالسوق فراى جنازة فقال ما هذا قالوا انسان مات قال ما امانه قالوا كبر وفنيت أيامه ودنا اجله قال أو كان صحيحا يمشى وياكل ويشرب قالوا نعم، ثم مضى فإذا بشيخ كبير فقام ينظر إليه تعجبا منه ثم قال ما هذا قالوا شيخ كبير قد كبر وكان صغيرا ففني قال أو كان شابا فشاب قالوا نعم ثم مضى فإذا هو برجل مريض مستلق على ظهره فجعل ينظر إليه ويتعجب منه ثم قال ما هذا قالوا مريض قال أو كان صحيحا ثم مرض قالوا نعم فقال والله لئن كنتم صادقين فان الناس لمجانين أقول ثم شرح ابن بابويه رضي الله عنه كيف جرى أمر المشار إليه من صحة ما حكم به العالم بالنجوم ودلت آيات الله جل جلاله عليه

الباب الثامن: فيما نذكره من الاخبار التي صح فيها الحكم على الحوادث بالنجوم، ...

(فيما نذكره ممن يذكر اسمه في أهل الاسلام) بعض عرف بالنجوم ولم يعرف له شئ من الاحكام، وبعض عرف له ذلك ومن كان عاملا بذلك من الملوك قبل الاسلام، وقد ذكرنا طرفا من ذلك، ونذكر بعض من نختار ذكره من أهل الاسلام فمن ذلك

ص :189

ما ذكره التنوخي في الجزء السابع من نشوار المحاضرة قال حدثني أبو الحسين قال حدثني علي بن العباس النوبختي قال حدثني محمد بن داود بن الجراح قال حدثني أبو علي الحسن بن وهب، قال رأيت يوما محمد بن عبد الملك الزيات قد عاد من موكب المعتصم قبل خروجه إلى سامرا وهو على غاية من الضجر وكنت جسورا عليه، فقلت مالي ارى الوزير أيده الله مهموما قال أفما عرفت خبري قلت لا قال ركب أمير المؤمنين وانا أسايره من جانب وابن أبي داود يسايره من الجانب الآخر حتى بلغنا رحبة الجسر فأطال الوقوف حتى ظننا انه ينتظر شيئا ثم أسرع خادم يركض حتى أسر إليه سرا فقال غممتني وكر راجعا إلى الجانب الشرقي فلما توسط الطريق جعل يضحك ولا شئ يضحكه، فجسر عليه ابن أبي داود فقال إن رأى أمير المؤمنين ان يشركنا بالسرور فيما يسره قال ليست لكما حاجة في ذلك فقال ابن داود بلى قال أما إذا سألتماني لم ركبت اليوم فاني اعتمدت ان أتبعد وصرت إلى رحبة الجسر فذكرت منجما كان يجلس فيها أيام فتنة الأمين وبعدها وكان موصوفا بالحذق قديما، وكنت اسمع به فلما فسدت الأمور في أيام الفتنة لجا إلى الجلوس على الطريق والتنجيم فلما غلب إبراهيم ابن شكلة على الامر اعتمد علي في الرزق واجري لي خمسمائة دينار في الشهر ولم يكن أحد داخله أكثر رزقا منى لان جيشه انما كان كل واحد له تسعة دراهم وعشرة، والقواد مثلها دينارا ونحو ذلك لضيق الأحوال وخراب البلاد، والناس انما كانوا يقاتلون معه

ص :190

عصبية لا لجائزة فركبت يوما حمارا متنكرا لبعض شاني فرأيت ذلك المنجم فتطلعت إليه نفسي ان اساله عن أمر إبراهيم وأمري وهل يتم لنا شئ أم يغلبنا المأمون، فعدلت إلى المنجم وكنت متنكرا وقلت للغلام اعطه ما معك فأعطاه درهمين وقلت له خذ الطالع واعمل لي مسالة ففعل، ثم قال له سألتك بالله هل أنت هاشمي قلت فما سؤلك عن هذا فقال كذا يوجب الطالع فان لم تصدقني لم انظر لك فقلت نعم قال فهذا الطالع أسد وهو الطالع في الدنيا وانه يوجب لك الخلافة وأنت تفتح الآفاق وتزيل الممالك ويعظم جيشك وتبني لك بلادا عظيمه ويكون من شأنك كذا ومن أمرك كذا وقص علي جميع ما أنا فيه الآن فلت فهذا السعود فهل علي من النحوس قال لا ولكنك إذا ملكت فارقت وطنك وكثرت أسفارك قلت فهل غير هذا قال نعم ما شئ عليك أنحس من شئ واحد قلت ما هو قال يكون المتولون عليك في أيام ملكك أصولهم دنية سفلة فيغلبون عليك ويكونون أكابر أهل مملكتك، قال فعرضت عليه دراهم كانت في خريطة معي قي خفي، فخلف ان لا يقبل غير ما اخذه وقال إذا رأيت هذا الامر فاذكرني وأحسن في ذلك الوقت إلي فقلت أفعل ولكن ما ذكرته إلى الآن ولما بلغت الرحبة وقعت عيني على موضعه فذكرته وذكرت مكرمته وتأملتكما حوالي وأنتما أكبر أهل مملكتي وأنت ابن زيات وهذا ابن قيار، وأومأ إلى ابن أبي داود فإذا صح جميع ما قال فأنفذت هذا الخادم في طلبه والبحث عنه لا في له بسالف الوعد فعاد

ص :191

إلي وذكر لي انه قد مات قريبا، فكسلت وغمني ان فاتني الاحسان إليه فرجعت عن الابتعاد وأخذني الضحك إذ ترأس في دولتي أولا السفل قال فانكسرنا ووددنا انا ما سألناه (فصل) وممن ذكر أصحاب التواريخ اصابته بالنجوم، ولم يذكر اسمه ما رواه ابن مسكويه في تجارب الأمم فقال في ركوب علي بن عيسى ابن ماهان متوجها إلى خراسان لحرب المأمون فذكر ان منجما اتاه فقال أصلح الله الأمير لو انتظرت بمسيرك صلاح القمر فان النحوس غالبة فقال أنا لا ندري فساد القمر من صلاحه غير أنه من نازلنا نازلناه ومن وادعنا وادعناه ومن قاتلنا لم يكن عندنا الا ارواء السيف من دماه انا لا نعتد بلسان القمر ما وطنا أنفسنا على صدق اللقاء ثم حكى بعد ذلك انعكاس الامر عليه وفساد أمره وقتله، ونهب عسكره وفله وصدق للمنجم قوله (فصل) وممن ذكر معرفته بالنجوم ولم يذكر اسمه ما ذكره أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري في كتاب (ربيع الأبرار) فقال ما هذا لفظه ادخل رجل إصبعيه في حلقي مقراض فقال للمنجم أي شئ ترى في يدي فقال خاتمي حديد وفي (ربيع الأبرار) قال فقدت في دار بعض الرؤساء مشربة فضة فوجه إلى ابن ماهان يسأله فقال المشربة سرقت نفسها فضحك فأغاظ وقال هل في الدار جارية اسمها فضة قالوا نعم قال فضة سرقت الفضة، وفي (ربيع الأبرار) قال سعى بمنجم فقدم لصلبه فقيل هل رأيت هذا في نجومك فقال رأيت ارتفاعا ولكن لم اعلم

ص :192

انه فوق الخشبة (فصل) وممن صح له حكم في النجوم ولكن لم يذكر اسمه ما ذكره المحسن بن علي التنوخي في كتاب (الفرج بعد الشدة) وهو حديث أسنده إلى الحسين بن محمد بن عبد الرزاق المعروف بابن العسكري وذكر انه ممجد أخذنا من حديثه موضع المراد منه بالمعنى وهو انه ذكر ان المنجمين طالعوا مولده عند الولادة فحكم منجم عليه بقطع في سنة أربع وثلاثين من عمره وانه ركب فيها مهرا فنفر به فدق رأسه فأشرف على الموت وبقي عليلا مدة وما خلص من الموت إلا بعد شدة (فصل) ومن الإصابة في تحويل المواليد ولم يذكر اسم من حوله ما ذكره يحي بن محمد الصولي في الجزء الثالث من كتاب (الوزراء) في أخبار سليمان بن وهب قال ما هذا لفظه، وكان أبو الحسن يقول قد تحولت في سنة رديئة أخاف ان أتلف فيها فأوصى قبل شخوصه من واسط إلى رجل من سراة أهلها وثقاتهم وسلم إليه مالا خطيرا عظما وأوصاه بابنيه الحسن وسليمان وكانا معه فخلفهما بواسط وشخص فغرق في طريقه (فصل) وممن ذكر بإصابته النجوم ولم يذكر أسم من حكم به بل ذكر اسم حائله، ما ذكره راوي حديث بهرام وملوك الفرس الكسروية فذكر في حديثه جواب كسرى بهرام لولده إذ قال له، واما أنت خاصة فمن فضلنا عليك ان المنجمين كانوا قد قضوا في حكم مولدك انك مزر علينا وناقض ما قد أبرمنا ويكون ذلك بسببك فلم نأمر بقتلك ولكنا ختمنا على

ص :193

كتاب مولدك وبعثته إلى شيرين صاحبتنا، ومع يقيننا انه كائنة تلك القضية انا وجدنا فرمسيا ملك الهند كتب إلينا في سنة ست وثلاثين من ملكنا مع وفد أوفده إلينا وذكر في الكتاب أمور شتى واهدى لنا ولكم معاشر أبنائنا هدايا وكتب إلى كل واحد كتابا وكانت هديته لك فيلا وسيفا وبازيا ابيض وديباجة منسوجة بذهب، فلما نظرنا ما اهدى إليكم وكتب إليكم، وجدناه قد وقع على كتابه إليك بالهندية، اكتم ما فيه فأمرنا ان نصرف لكل واحد ما بعث إليه من هدية وكتاب واحتبسنا ما كتبه إليك من اجل التوقيع الذي كان فيه، ودعونا بكاتب هندي وأمرناه بفض خاتم الكتاب وقراءته فكان فيه البشر وقر عينا وانعم بالأفانك متوج ماه آذار وروز آذار سنة ثمان وثمانين من ملك كسرى ومتملك على مملكته وبلاده، وتيقنا انك لم تملك أملاكنا إلا ببوارنا فلم ننقصك مع ما استقر عندنا من ذلك مما أمرنا باجرائه عليك من الأرزاق والمعادن والصلات في الأبواب التي عددنا، وفوق ذلك فضلا عن عدم أمرنا بقتلك، أما كتاب فرمسيا فقد ختمنا عليه بختمنا واستودعناه عند صاحبتنا شيرين فان أحببت ان تأخذ منها قضية مولدك وكتاب فرمسيا إليك لتنهكك قراءتها ندامة وثبورا فافعل (فصل) وممن ذكر صحة دلالة النجوم ولم يذكر اسم المنجم ما ذكره الطبري في تاريخه في اخبار أبي مسلم الخراساني، قال وكان أبو مسلم يقول والله لاقتلن في الروم، وكان المنجمون يقولون ذلك له فكان قتله في

ص :194

رومية المدائن كما دلت عليه النجوم (فصل) ومما ذكره التنوخي في (النشوار) وله تعلق ببني بويه بعلم النجوم وتعبير الرؤيا قال حدثنا أبو القاسم علي بن حماد الأنباري الكاتب وكان محله في الجلالة في خدمة الملوك من الوزير أبي محمد المهلبي والأمير معز الدولة ما هو مشهور، قال لما أنفذني معز الدولة من بغداد إلى الديلمان لابني له في بلدة منها دورا قال لي اسال عن رجل من الديلم يقال له أبو الحسين بن شير كوه فأكرمه واعرف حقه وأبلغه سلامي وقل له، سمعت وانا صبي منا ما رآه أبى وعرضه هو وأنت على مفسر بديلمان ولم أقم على مفصله للصبي فحدثني به واحفظه أنت لتعيده علي، فلما جئت الديلمان جائني الرجل مسلما ومت إلي بصداقة كانت بينه وبين بويه والد الأمير فأكرمته وأعطيته وأبلغته رسالة معز الدولة، فقال لي كانت بيني وبين بويه مودة أكيدة وهذه داري وداره متجاوران وأو ما إليهما فقال لي ذات يوم اني قد رأيت رؤيا هالتني فاطلب لي انسانا يفسر هالي فقلت نحن ههنا في شبيه مغازة فمن أين لنا من يفسرها ولكن اصبر علي حتى يجتاز بنا منجم أو عالم أو من نسأله عن ذلك قال نعم، ومضى على هذا شهور فخرجت أنا وهو في بعض الأيام إلى شاطئ البحر نصطاد سمكا فجلسنا واصطدنا شيئا كثيرا وحملناه على ظهورنا انا وهو وجئنا به فقال ليس في داري من يغمله، فخذ الجميع إليك يعمل عندك فاخذته وقلت له تعال إلي غدية لنجتمع ففعل، فقعدنا انا وهو وعيالي ننظفه ونطبخ بعضا ونشوي بعضا إذ اجتاز

ص :195

على الباب رجل يصيح منجم مفسر الرؤيا فقال لي يا ابا الحسين أتذكر ما قلت لك بسبب منام رأيته قلت بلى قال فهذا وقته فقمت وجئت بالرجل فقال له بويه رأيت ليلة في منامي كأني جالس أبول فخرج من ذكري نار عظيمة كالعود ثم تشعبت يمنة ويسرة واماما وخلفا حتى ملأت الدنيا وانتبهت فما تفسير هذا، فقال له الرجل لا افسرها لك بأقل من ألف درهم قال فسخرنا منه وقلنا له ويلك نحن فقراء نصطاد سمكا لنأكله، والله ما رأينا قط الألف درهم، ولا عشرة ولكنا نعطيك سمكة من أكبر هذا السمك فرضي بذلك وقال لنا صالحوني لا ترجعون علي فصالحناه على ذلك ورسمنا له انا إذا صالحنا انسانا ان لا نخطر فيما صالحنا عليه قليلا أو كثيرا فقال لبويه يكون لك أولاد ويفترقون في الدنيا فيملكون ويعظم سلطانهم فيما قدر ما احتوت النار من الأرض التي رأيتها في المنام قال فصفعناه وقلنا له سخرت بنا وأخذت السمكة منا حراما وطنزت بنا ثم قال له بويه ويلك أنا صياد فقير كما ترى وأولادي هؤلاء فترى أي شئ منهم يكون وأومأ إلى علي وكان إذ ذاك أول ما اختط عارضه، والحسن دونه واحمد فوق الطفولية قليلا قال ومضت السنون على ذلك وأنسيت المنام حتى خرج بويه بخراسان وبلغت منزلته ومنزلة أولاده عند محمد بن إبراهيم بطبرستان وخرج علي بن بويه من عندنا بعد أن ظهرت فيه شدة في جسمه وقلبه وصار مع مرداويج، وعزت اخباره، فما شعرت إلا ببلوغ خبره إلينا انه قد ملك أرجان وعصى على مرداويج فاستعظمنا ذلك، وأنسيت انا

ص :196

الحديث ثم ملك فارس كلها، وهرب ياقوت واستقلت له شيراز وأعمال فارس كلها، فما شعرنا الا بصلاته قد جاءت إلى أهله وشيوخ بلد الديلم وجاءني رسوله يطلبني ويسألني القدوم عليه فخرجت إليه فحين رأيته وعظيم ملكه هالني أمره واستعظمت ذلك جدا وأنسيت المنام، فعاملني من الجميل بالاكرام والصلات والأموال، وحمل إلي من الثياب والفرش والآلة والدواب وبالبغال أمرا عظيما، ثم قالي بعد أيام وقد خلونا، يا ابا حسين المنام الذي كان أبي قد رآه وانا غلام، أذكر يوم عرضتموه على المفسر وصفعتموه لما فسره لكم ولم احفظه ولا تفسيره فأحب ان تحدثني به، قال فذكرت الحديث واستولى علي من التعجب ما أمسكت معه ساعة مفكرا فقال لي أنسيته قلت لا، قال فحدثني به فحدثته إياه فاستدعى عشرة آلاف دينار عينا فأحضرت في الحال فدفعها إلي وقال هذه لك فخذها فقبلت الأرض فقال لي تقبل منى قلت نعم قال انفذ بها إلى بلد الديلم واشتر ضياعا هناك تكون لأعقابك ويعلو بها ذكرك ودعني ادبر أمرك بعدها ففعلت ذلك ثم أقمت عنده مدة ثم استأذنته في الرجوع إلى بلد الديلم فقال لي أقم عندي فاني أقويك وأعطيك وأقطعك اقطاعا بخمسمائة ألف درهم في السنة وافعل بك واصنع فقلت ان بلدي أحب إلي قال فاحضر عشرة آلاف دينار أخرى فأعطاني إياها وقال خذها ولا تعلم أحدا فإذا وصلت إلى بلد الديلم فادفن منها خمسة آلاف دينار تكن عونا لك على الزمان وجهز بناتك بخمسة آلاف دينار ولولا أني إذا أعطيتك أكثر من هذا اخشى عليك ان يأخذها منك أهل

ص :197

الديلم لأعطيتك أكثر ثم أعطاني عشرة دنانير وقال هذه فاحتفظ بها ولا تخرج من يديك فاخذتها وإذا في كل دينار مائة دينار وعشرة دنانير فودعته وانصرفت قال أبو القاسم فحفظت القصة ولما عدت إلى معز الدولة حدثته الحديث فسر به وتعجب منه (فصل) ومن الأحاديث المتعلقة ببنى بويه وله تعلق بالنجوم ما ذكره التنوخي في كتابه قال حدثني أبو الحسين الصوفي المنجم، ثم حدثني عضد الدولة وأبو الحسين حاضر وعضد الدولة يحدثني بهذا الحديث وقد مضت سنون على حديث أبي الحسين ولم أكن حدثته بهذا الحديث ولا غيره، قال عضد الدولة اعتللت علة صعبة أيس منها الطبيب وأيست من نفسي وكان تحويل سنتي تلك في النجوم رديا جدا نحسا موحشا ثم زادت العلة علي فأمرت ان يحجب الناس كلهم ولا يدخل أحدا لي البتة بوجه ولا سبب الا حاجب النوبة في أوقات حتى منعت الطبيب من الوصول ضجرا بنفسي ويا سامن العافية فأقمت كذلك اياما ثلاثة أو أربعة وانا أبكي في خلوتي على نفسي إذ جاء حاجب النوبة فقال في الدار أبو الحسين الصوفي يطلب الوصول وقد اجتهدنا به في الانصراف بكل رفيق وجميل فما فعل وقال لابد من أن أصل ولم أحب ان أجبره بالانصراف على أي وجه كان إلا بامرك فقد عرفته انه رسم ان لا يصل إليه أحد من خلق الله أجمعين فقال الذي حضرت له بشارة لا يجوز ان يتأخر وقوفه عليها فعرفه هذا عنى واستاذنه في الوصول فقلت له بصوت ضعيف وكلام خفيف يريد ان يقول لي قد

ص :198

بلغ الكوكب الفلاني ويمخرق علي من هذا القبيل ما يضيق به صدري ويزيد به ألمي مع ما انا فيه مما لا أقدر به على سماع كلام فانصرف فخرج الحاجب ورجع إلي مستعجلا وقال لي اما ان يكون أبو الحسين قد جن أو معه أمر عظيم فاني قد عرفته بما قال مولانا فقال لي ارجع وقل له والله لو أمرت بضرب عنقي ما انصرفت أو ادخل إليك، ووالله ما أكلمك في معنى النجوم بكلمة واحدة، فعجبت من ذلك عجبا شديدا لعلمي بقتل أبي الحسين وبأنه ممن لا يمخرق معي في شئ وتطلعت نفسي إلى ما يقوله فقلت ادخله فلما دخل إلي وقبل الأرض بكى وقال أنت والله في عافية لا باس عليك واليوم تبرأ ومعي معجزة بذلك من أمير المؤمنين (ع) فقلت له ما هي قال رأيت في منامي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه والناس يهرعون إليه يسألونه المسائل وكان يقضيها لهم فتقدمت إليه وقلت يا أمير المؤمنين انا رجل غريب في هذا البلد تركت نعمتي بالري وتجارتي وتعلقت بحب هذا الأمير الذي انا معه وقد بلغ إلى الياس من العلة التي اصابته وقد أشفقت ان أهلك فادع الله له بالعافية فقال تعنى فنا خسرو بن الحسين بن بويه فقلت نعم يا أمير المؤمنين فقال امض إليه وقل له أنسيت ما أخبرتك به أمك في المنام الذي رأته وهى حامل بك؟ أليس قد أخبرتها بمدة عمرك وانك ستعتل إذا بلغت كذا وكذا سنة علة ييأس منها أطباؤك وأهلك ثم تبرأ منها واتت تصلح من هذه العلة غدا ويتزايد صلاحك إلى أن تركب وتعاود عاداتك كلها في كذا وكذا يوما ولا قطع

ص :199

عليك قبل الاجل الذي أخبرتك به أمك عنى، قال عضد الدولة وقد كنت أنسيت ان أمي قالت لي في المنام اني إذا بلغت هذه السنة اعتللت هذه العلة التي ذكرتها، حتى قال لي أبو الحسين الصوفي فحين سمعت الكلام منه ذكرت، وحدثت لي في نفسي قوة في الحال لم تكن من قبل فقلت اجلسوني، فجاء الغلمان وأمسكوني حتى جلست على الفراش وقلت لأبي الحسين الصوفي اقعدوا عد علي الحديث فقد قويت نفسي فأعاده فتولدت لي شهوة الطعام فدعوت بالأطباء فأشاروا بتناول غذاء وصفوه عمل في الحال فأكلته ولم ينقض اليوم حتى بان بي من الصلاح أمر عظيم وأقبلت العافية فركبت وعاودت عاداتي في اليوم الذي قال أبو الحسين في المنام اني اركب فيه وكان عضد الدولة يحدثني وأبو الحسين يقول كذا والله كان وكذا والله قلت لمولانا وأعيذه بالله ما أحسن حفظه وذكره ما جرى حرفا بحرف ثم قال عضد الدولة ما فاتني في نفسي من هذا المنام إلا شئ كنت أشتهي أن يكون فيه، وشئ كنت أشتهي ان لا يكون فيه، فقلت بلغ الله مولانا آماله واحدث له كلما يسر به، وصرف عنه كل ما يؤثر ان لا يكون ولم أزد على الدعاء له خوفا من سوء الأدب في الخدمة ان سألته عن ذلك فعلم غرضي وقال أما الذي كنت أشتهي ان لا يكون فيه فهو انه صلوات الله عليه وقف على اني أملك حلب، ولو كان عنده انى أملك شيئا مما تجاوز حلبا لقاله، واني أخاف أن يكون هذا غاية حدي من تلك الناحية حتى لما جاءني الخبر بان سيف الدولة قد اخذ لي الدعوة بحلب واعماله

ص :200

ودخوله تحت طاعتي ذكرت المنام فتنغص علي لأجل هذا الاعتقاد، واما الذي كنت أشتهي أن يكون فيه فهو ان اعلم من هذا الذي يملك من ولدي وقد ينتقل الملك على يديه، فدعوت له عقيب هذا وقطعنا الحديث وبقي سنين بعد هذا وما تجاوزت دعوته اعمال حلب بوجه ولا سبب (فصل) وذكر هلال في تاريخه ان مولد عضد الدولة كان بأصبهان يوم الاحد الخامس من ذي القعدة سنة أربع وعشرين وثلثمائة، وكان طالعه على ما ذكر الحمل ووصف زايجته قلت وكان عضد الدولة عارفا بطرف من علم النجوم ومقربا للعارفين بها، وكانت وفاته وقد تكمل له سبع وأربعون سنة وتسعة أشهر وثلاثة أيام قمرية (فصل) ومن المعروفين بعلم النجوم من أهل الاسلام، وان لم يعرف له شئ من الاحكام ممن ذكرهم التنوخي في كتابه النشوار، جماعة منهم أبو بكر ابن نمرد، وقد صنف كتبا كثيرة في النجوم، ومنهم أبو الفتح علي بن هارون المنجم، ومنهم يحيى بن أبي منصور المنجم، وكان يحيى محبوسا أسلم على يد المأمون فصار مولاه بذلك وكان خصيصا به ومنجمه ونديمه، وأبو منصور والده منجم صاحبه، ومنهم أبو الحسن محمد بن سليمان صاحب الجيش وكان منقطعا إلى أبي علي بن مقلة قبل الوزارة وبعدها مختصا به من أجل النجوم والأدب، ومنهم الحسن بن علي بن زيد المنجم غلام أبي نافع عامل معز الدولة على الأهواز وقطعة من كورها ومحله عنده المحل وعند وزرائه، ومنهم والد أبي العباس هبة الله بن المنجم الذي

ص :201

ذكر التنوخي ان ولده العباس جرت له حكاية، فقال أنشد أبو العباس لنفسه يعرض بابي عبد الله البصري المتكلم لما صير له عضد الدولة رسما ان يحمل إليه كل يوم من مائدته جونة كبيرة طعاما تشريفا له بذلك، وانا أقول كان سبب ذلك أنه اقطعه اقطاعا بمال جليل في كل سنة، فلم يقبل فبذل له شراء ضياع ينفقها عليه بعد هذه الاقطاع ويستطاب من ملازمتها ويصح انفاقها، فلم يقبل وأبى، قال عضد الدولة فلا أقل من أن ينفذ لك في كل يوم من حضرتي بما تأكله وفى كل فصل بكسوة وطيب تستعمله فأجاب إلى ذلك، فانفذ إليه ثيابا جليلة من صنوف القطن والكتان والعود الهندي وأنواعا من العطر وصار ينفذ إليه جونة في كل يوم مع غلام من أصحاب مائدته من الطعام الذي يقدم إليه، ثم يشال ما بين يديه فقال هبة الله أبو العباس المنجم، لكني سمعت هذا الشعر وأبو العباس ليس بحي ولا أبو إسحاق النصيبي فاعرف صحته الا اني اثق بخبر أبي علي والشعر هو.

أظهر هذا الشيخ مكنونه * وجن لما أبصر الجونه شح عليها إذ رأى حسنها * وهى بلحم الطير مشحونه أسلم للعاثور اسلامه * وباع في اكلتها دينه (فصل) ومن العلماء بالنجوم من أهل الاسلام الشيخ الفاضل ثابت بن قرة ووصل إلينا من تصانيفه كتاب (الابصار) وكتاب آخر، أقول ورأيت في (تاريخه) الذي يسمى (جراب البيت) ما ذكره حماد بن

ص :202

عبد الله الحراني في شرحه لكتاب ثابت بن قرة ان محمد بن الحسين انصرف من بلاد الروم راجعا إلى بغداد فاجتمع به ثابت بن قرة فرآه فاضلا عالما فصيحا فاستصحبه إلى العراق وانزله في داره ووصله بالخليفة المعتضد في جملة المنجمين فسكن بغداد وأولد الأولاد، وعقبه الآن موجودون في بغداد وذكر ان ولادته في سنة إحدى وعشرين ومائتين وكانت وفاته يوم الخميس سادس عشر صفر سنة ثمان وثمانين ومائتين، وقال محمد بن إسحاق في كتاب الفهرست انه من جملة المنجمين للمعتضد (فصل) ومن العلماء بالنجوم من أهل الاسلام الشيخ المسمى الحسن ابن سيار المعروف بابي الخير وصل إلينا من تصانيفه كتاب الآثار المخبأة بالجو (فصل) ومن العلماء بالنجوم من أهل الاسلام الشيخ أحمد بن عبد الله الثقفي وصل إلينا من تصانيفه (كتاب الأنواء) (فصل) ومن العلماء بالنجوم من أهل الاسلام الشيخ أبو نصر منصور ابن علي بن عراق وصل إلينا من تصانيفه كتاب الشاهي (فصل) ومن العلماء بالنجوم من أهل الاسلام إبراهيم بن شاهك حكاه محمد بن معنية في كتاب (الموالي) انه كان ناسبا فقيها من رؤساء المتكلمين وكان منجما طبيبا وقد قدمنا ذكره (فصل) ومن العلماء بالنجوم من أهل الاسلام الشيخ المسمى بالحسين ابن احمد الصوفي الكرماني وصل إلينا من تصانيفه كتاب (الزيج المأموني) الرصدي وكتاب (جداول تقريبات الميل) والممر السيار وبعض الثوابت

ص :203

(فصل) ومن العلماء بالنجوم من أهل الاسلام الشيخ عمر بن فرحان الطبري، وله تصانيف كثيرة وصل إلينا منها كتاب المواليد (فصل) ومن العلماء بالنجوم من أهل الاسلام الشيخ المكنى بابي موسى القرشي وصل إلينا من تصانيفه كتاب (الاختيارات) (فصل) ومن العلماء بالنجوم من أهل الاسلام الشيخ المعروف بالنقاش وصل إلينا من تصانيفه كتاب (المدخل) (فصل) ومن العلماء بالنجوم من أهل الاسلام الشيخ محمد بن خطير المعروف بالتياني وصل إلينا من تصانيفه رسالة وهو معروف بالهندسة (فصل) ومن العلماء بالنجوم من أهل الاسلام الشيخ المسمى بعلي بن عيسى وصل إلينا من تصانيفه كتاب في علم الأسطرلاب (فصل) ومن العلماء بالنجوم من علماء الاسلام شيخ الأشعرية في علم الكلام محمد بن عمر الرازي وقد وصل إلينا من تصانيفه في علم النجوم كتاب قد اجتهد فيه، وبالغ في معانيه، وحكم لنفسه بتصنيفه انه من المنجمين القائلين بصحة تأثيرها واستقامة تدبيرها وسماه كتاب الملخص فيما ادعاه من الطلسمات والسحر والعزائم ودعوة الكواكب صنعه لخوارزم شاه ومات الرازي وهو مسودة بخطه نحو ثلاثين كراسا، يقول فيه والانصاف ان هذا العلم مما لا يحتمل البحث فيه ومع ذلك فان من يراعي هذه القوانين فإنه يجد أكثر الاحكام مطابقا لما قيل، أقول انا وقد قدمنا في أول هذا الباب ان ابا على شيخ المعتزلة كان عالما بهذا العلم وعاملا به

ص :204

وهو حجة عند المعتزلة، وهذا الرازي شيخ الأشعرية فهو حجة عندهم في جواز العلم بالنجوم والعمل بها، وقد قدمنا أيضا قول الغزالي في تصديق احكام النجوم وهو شيخ أهل الرياضة (فصل) ومن العلماء بالنجوم والمصنفين فيها الشيخ الفاضل صاحب التاريخ أحمد بن يعقوب بن مسكويه، وقد ذكر في كتاب (مراتب العلوم) وترتيب السعادات ما يدل على علمه بها والتنبيه على انها دلالات على الحادثات (فصل) ومن المتظاهرين بالقول ان النجوم دلالات على الحادثات من علماء الاسلام أبو حنيفة الدينوري، ذكر عنه الزمخشري في ربيع الأبرار ما هذا لفظه، قال أبو حنيفة الدينوري في كتاب الأنواء المنكر هو نسبة الأثر إلى الكواكب وانها هي المؤثرة، فاما من نسب الأثر إلى خالق الكواكب وزعم أنه تعالى صيرها امارات ونصبها اعلاما على ما يحدثه ويجدده في كل اوان بالمشيئة الربانية فلا جناح عليه (فصل) ومن العلماء بالنجوم والمصنفين بها من علماء الاسلام الفاضل يحيى بن أبي منصور وقد وصل إلينا من تصانيفه كتاب الزيج (فصل) ومن العلماء بالنجوم المشتهرين فيه وهو قدوة فيه الشيخ عبد الله ابن أحمد بن أبي حبيش، وقد وصل إلينا من تصانيفه كتاب الزيج (فصل) ومن العلماء بالنجوم الذين هم قدوة فيه الشيخ المعروف بحبيش واسمه أحمد بن عبد الله ولا نعلم هل هو والد هذا المتقدم أم لا وصل إلينا من تصانيفه كتاب الزيج

ص :205

(فصل) وذكر محمد بن معنية في كتاب الموالي ان علقمة بن أبي علقمة كان من موالي عائشة وكان يروي عنه مالك بن انس وكان علقمة معلما بعلم النجوم والعربية والعروض ومات في أول خلافة أبى جعفر يعني المنصور (فصل) ومن العلماء بالنجوم من الاسلام الشيخ المسمى بالحسين بن مصباح الحاسب وصل إلينا من تصانيفه كتاب الزيج المخترع (فصل) ومن علماء الاسلام المشتهرين بعلم النجوم محمد بن أحمد البيروني الخوارزمي وصل إلينا من تصانيفه كتاب الارشاد إلى تصحيح المبادئ (فصل) ومن العلماء بالنجوم من أهل الاسلام الشيخ أبو علي المعروف بالخياط وصل إلينا من تصانيفه كتاب المواليد (فصل) ومن العلماء بالنجوم من أهل الاسلام الشيخ المعروف بابن المنجم المبارك بن الحسين بن طراد المارديني وصل إلينا من تصانيفه كتاب المنار في علم مواقيت الليل والنهار (فصل) ومن العلماء بالنجوم من أهل الاسلام الشيخ أحمد بن محمد بن كثير الفرغاني وصل إلينا من تصانيفه كتاب جوامع علوم النجوم وأصول الحركات السماوية وهو ثلاثون فصلا (فصل) ومن العلماء بالنجوم من أهل الاسلام الشيخ المسمى بالفضل ابن يحيى طاباد وصل إلينا من تصانيفه كتاب مكتوب عليه كتاب جميع ما استخرجته من آراء العلماء في ممازجة الكواكب واعمالها (فصل) ومن العلماء بالنجوم من أهل الاسلام الشيخ محمد بن جابر

ص :206

ابن سنان التياني وصل إلينا من تصانيفه كتاب القرآنات والكسوفات (فصل) ومن العلماء بالنجوم من أهل الاسلام الشيخ المعروف بابى الحسين البزاز الأصفهاني وصل إلينا من تصانيفه في علم الأسطرلاب " فصل " ومن العلماء بالنجوم من فضلاء أهل الاسلام علي بن الحسين ابن محمد المعروف بابى الفرج الأصفهاني، وقد ذكره أحمد بن ثابت بن الخطيب في تاريخه فقال عنه، حفظ شيئا كثيرا مثل علم الجوارح والبيطرة وشيئا من علم الطب والنجوم والأشربة وغير ذلك " فصل " ومن العلماء بالنجوم والمصنفين باحكامها ممن ذكره الصولي في الأوراق في اخبار المكتفي في أواخر تصنيفه " فصل " ومن الملوك المشهورين بعلم النجوم وتقريب أهل تلك العلوم المأمون ومع ذلك فان الله جل جلاله ستر عليه موضع وفاته، حتى حصل فيه وهو لا يعلم، فذكر محمد بن إسحاق النديم في كتاب الفهرست في الجزء الرابع انه كان سبب نقل كتب النجوم وأمثالها من بلاد الروم ونشرها بين المسلمين، وذكر الشيخ الفاضل علي بن الحسين المسعودي في حديث وفاة المأمون قال فامر حين مرض باحضار جماعة من أهل الموضع فسألهم ما تفسير البديون فقالوا تفسيره مد رجليك فلما سمع المأمون بذلك اضطرب وتطير بهذا الاسم فقال سلوهم ما اسم هذا الموضع بالعربية قالوا اسمه بالعربية الرقة فلما سمع اسم الرقة عرف انه الموضع الذي يموت فيه فان المنجمين قالوا يموت بالرقة، فمات به كما اقتضت دلالة النجوم بطالعه

ص :207

" فصل " وحكى المسعودي في كتاب مروج الذهب في جملة اخبار القاهر ان المنصور كان أول خليفة من بني العباس بالغ في تقريب المنجمين والعمل باحكام النجوم، وكان معه نوبخت المجوسي المنجم فاسلم على يده، وكان معه من المنجمين، إبراهيم الفزاري المنجم الشيعي صاحب القصيدة في النجوم، وكان معه أيضا علي بن عيسى الأسطرلابي المنجم " فصل " وممن كان عالما بالنجوم قبل الاسلام من أشار إليه ابن مسكويه صاحب العلوم الجمة ومصنف أمور الاسلام المهمة في كتاب مراتب العلوم وترتيب السعادات فقال ما هذا لفظه، وقد كان عقلاء الملوك وأفاضلهم إذا حزنهم أمر جمعوا له أهل الرأي والتجارب وطبقات من يدعي العلوم التي اختلف فيها من الكهان والمنجمين ومعبري الرؤيا وأصحاب الفال والزجر والقيافة، ثم سمعوا من الجميع وحكموا بمقدار ما يركنون له من احكامهم بما يصرفون به ذلك الامر الذي حزنهم ولولا أن علماءهم ومدبري ممالكهم استحسنوا ذلك واستصوبوه ما تركوهم يفعلون ذلك ولا سطروا به كتبهم، ولا عرضوا به عقولهم على الأمم الغابرة، والعقول الحادثة بعدهم تبهرهم وتتعجب من امعانهم، ومن قرأ اخبارهم وكان له حظ من الدراية يعلم أساس ارجاع فضلاء المملوك أمورهم لأمثال هؤلاء الطبقات كالإسكندر مع حضور وزيره ارسطو طاليس ومن بعده من ملوك اليونان، فملوك الهند وملوك الفرس فأخبارهم أشهر وأكثر من أن تحصى على ذي أدب أو متصفح لا حوال الناس، هذا آخر كلام ابن مسكويه

ص :208

(فصل) وذكر محمد ابن بابويه في الجزء الخامس من (دلائل النبوة) ان بختنصر لما رأى رؤياه أحضر جملة العلماء من أصحاب النجوم (فصل) وذكر مصنف درة " الا كليل " ما جملته ان جامع بغداد وهو الذي تجتمع دولة الاسلام فيه، كان تحقيق القبلة فيه بقول بهرام المنجم (فصل) وذكر ابن قتيبة في الجزء الأول من كتاب عيون الاخبار، ما هذا لفظه، ولما بنى أبو جعفر بغداد قال المنجمون ان بناءها في وقت يدل طالعه على أنه لا يموت بها خليفة، أقول انا الذي بناه أبو جعفر الجانب الغربي من بغداد، وهو ما مات فيه خليفة، وذكر الزمخشري في (ربيع الأبرار) ما هذا لفظه، وكانت الأكاسرة إذا أراد أحدهم طلب ولد أمر باحضار المنجمين، ويخلو الملك مع المطلوب منها الولد فساعة يقع الماء في الرحم أمر خادما له على باب البيت فضرب طشتا بيده فإذا سمع المنجم اخذ الطالع بالأسطرلاب " فصل " وأقول فلما تفضل الله جل جلاله على الخلائق بمحمد " ص " رحمة للعالمين واتصل الوحي إليه بالغائبات وبمهام الاسلام والمسلمين استغنى الناس عن علم النجوم إلى أن نقله الله جل جلاله إليه صلوات الله عليه، كان الصحابة متفانين بحفظ سنته، فلما بلغ الامر إلى معاوية، عاد الحديث إلى قاعدة الأكاسرة، وبدا معاوية بسنن الجبابرة، واعرض عما كان يصح منه علوم الدنيا والآخرة " فصل " وذكر الزمخشري في " ربيع الأبرار " ان معاوية قال لدغفل

ص :209

ابن حنظلة العلامة حين ضمه إلى يزيد علمه العربية والأنساب والنجوم " فصل " وقال هلال العسكري في كتاب " الأوائل " ان أول من ترجم له كتب الطب والنجوم خالد بن يزيد يعني ابن معاوية بن أبي سفيان " فصل " وذكر الزمخشري ان أبا جعفر لما أراد السفر إلى عبد الله بن معوية بن عبد الله بن جعفر الطالبي سال نوبخت عما يؤل أمره إليه في طريقه فقال نوبخت أما أنت فتصير ملك العرب واما وجهك هذا فسينالك منه مكروه يعني بوجه قصده، فوصل هناك وولي الدج فاخذه سليمان بن حبيب ابن المهلب فحبسه وأراد قتله فسلم بعد أن أشرف على القتل كما أخبر به نوبخت " فصل " وقال ابن الهمداني قرأت في بعض الكتب ان نوبخت سال أبا جعفر المنصور عن مولده فأخبره فقضى بان يملك ويطول عمره في الخلافة، ثم قال ما جملته، فلما استخلف المنصور قصده نوبخت فوصله المنصور وأكرمه، وقد قدمنا ذكر من روي أن المنصور أول من قرب المنجمين في الدولة الهاشمية ومنهم نوبخت واسلم على يده " فصل " وذكر أحمد بن مسكويه في الجزء الرابع من تجارب الأمم ما ينبه على أن من أسباب ثبوت المنصور عند محاربة إبراهيم بن عبد الله بن الحسن ما اخبره به نوبخت المنجم، فقال ابن مسكويه ما هذا معناه ان المنصور هيا مطايا ليخرج من الكوفة إلى الري منهزما لما قد رأى من قوة إبراهيم بن عبد الله في الامر ثم قال ما هذا لفظه، فبلغني ان نيبخت المنجم دخل على أبي جعفر فقال له يا أمير المؤمنين لك الظفر ويقتل إبراهيم

ص :210

فلم يقبل ذلك منه فقال أجلسني عندك فان لم يكن الامر كما قلت لك فاقتلني، فبينا هو كذلك إذ جاء الخبر بهزيمة إبراهيم فتمثل ببيت البارقي فألقت عصاها واستقر بها النوى * كما قر عينا بالإياب المسافر واقطع نيبخت الفي جريب بنهر حويزة، أقول انما ذكرت حديث نوبخت، وفي هذا الحديث نيبخت كما رأيت في لفظ النسخ التي نقلت منها، وهذا حكم نوبخت بدلالة النجوم ان لم يصح حكمه من أعظم تقوية لقلب المنصور، على ما بلغ إليه من الأمور، ووجدت بخط محمد بن معد رحمه الله في تعليقه ما هذا لفظه، بنو نوبخت بضم النون وفتح الواو وضم الباء هذا آخر لفظ ابن معد رحمه الله " فصل " وقد روينا حديث نوبخت المنجم مع المنصور من تاريخ الخطيب في المجلد السادس عشر من عشرين مجلدا من الجزء التاسع والستين من ترجمة عبد الله المنصور ما هذا لفظه أخبرنا القاضي أبو القاسم التنوخي أنبأنا محمد بن عبد الرحيم المازني أنبأنا الحسين بن القاسم الكسروي حدثني أبو سهل بن علي بن نوبخت قال كان جدنا نوبخت على دين المجوسية وكان في علم النجوم نهاية وكان محبوسا في سجن الأهواز قال رأيت أبا جعفر المنصور قد دخل السجن فرأيت من هيبته وجلالته وسيماه وحسن وجهه وشأنه ما لم اره لاحد قط فصرت من موضعي إليه فقلت يا سيدي ليس وجهك من وجوه أهل هذه البلاد فقال اجل يا مجوسي قلت من أي بلاد أنت قال من المدينة قلت أي مدينة قال مدينة الرسول " ص "

ص :211

فقلت وحق الشمس والقمر لمن أولاد صاحب المدينة قال لا ولكن من عرب المدينة فلم أزل أتقرب إليه واحدثه حتى سألته كنيته فقال أبو جعفر فقلت ابشر وجدتك في الاحكام النجومية تملكني وجميع ما في هذا البلد حتى تملك فارس وخراسان والجبال فقال لي وما يدريك يا مجوسي قلت هو كما أقول واذكر لي هذا، قال إن قضى الله فسوف يكون قلت قد قضى الله من السماء فطب نفسا، وطلبت دواة فوجدتها فقلت اكتب فكتب بسم الله الرحمن الرحيم إذا فتح الله على المسلمين وكفاهم معرة الظالمين ورد الحق إلى أهله فلا نغفل فقلت اكتب لي من خدمتك حظا وامانا فكتب لي قال نوبخت ولما ولي الخلافة صرت إليه فأخرجت الكتاب فقال انا له ذاكر مع الأمان والحمد الله الذي صدق وعده ورد الحق إلى أهله قال فاسلم نوبخت وكان منجما لأبي جعفر ومولى له انتهى " فصل " ومن الروايات في أن منع الملك تبع ممن هدم الكعبة ونقلها إليه كان بطريق النجوم ما ذكره الحاكم النيشابوري في المجلد الثالث من تاريخه في ترجمة مخلد بن مالك الرازي وكان رجلا صالحا قال اخبرني محمد ابن بصلة قال حدثني أبي عن جدي قتادة بن بصلة عن النبي " ص " قال بعث تبع إلى مكة لنقل البيت إليه فابتلى بجسده فقال لمنجميه انظروا فقالوا لعلك أردت ببت الله بشئ قال نعم أردت ان ينقل إلي قالوا لا يكون هذا ولكن اكسه وردهم عن ذلك، فردهم وكساه فبرئ (فصل) وذكر الحاكم النيشاري في ترجمة طاهر بن الحسين انه ارسل

ص :212

لحرب عيسى بن هامان من طريق النجوم فقال ما هذا لفظه، حدثني يحيى ابن محمود الكاتب قال سمعت أبي يحدث عن أبيه محمود بن الحسين ان عبد الله المأمون وصف له وهو بمرو منجم من الهند فاستحضره واستشاره في أمر محمد الأمين فأشار عليه بطاهر بن الحسين ووصفه له وكان والي سنجاب بأنه طوال أعور وسماه له وقال هذا الامر لا يتم إلا به فاستحضره وأراد العلة فلم تسعه واستدعاء في سنة خمس وتسعين ومائة، فخرج طاهر من حضرة أمير المؤمنين وكان كما قال المنجم (فصل) ومن المعروفين بعلم النجوم وصحة حكمه فيها المغيرة بن محمد المهدي، وذكر ذلك أحمد بن إبراهيم القمي في آخر الجزء الثالث من كتاب اخبار علي بن أحمد صاحب الزنج بالبصرة، وقد تضمن الحديث إصابة أبي معشر في جملة الحكاية فقال ما هذا لفظه، كنا عند المغيرة بن محمد المهدي وهو مريض يوم قتل علي بن محمد فتذاكرنا فقال قائل حكم أبو معشر انه يقتل غرة سنة سبعين وقد مضى المحرم فقال المغيرة على علته وهو مقتول في يوم هذا، وقد أخبرت الأمير بهذا وكتب به إليه فكان جوابه حسبنا الله.

(فصل) ثم قال بعد كلام لا حاجة بنا إليه، وسيعلم الصدق هذه الساعة يا غلام أين الأسطرلاب فاخذ الطالع وقال قد أخذ عليه بالمخنق ثم قال والله خنق ثم قال يا غلام خذ الطالع فقد قتل، وسمعنا الضجة فقال ما هذا انظروا ثم سمعنا أكثر منها فقال انظروا ثم جاء الرأس فناد الامر فخرجنا فإذا

ص :213

الرأس ثم قال في حديثه قال الموفق وقد وصل الرأس ثم أقبلت على الرأس وقلت أين كهانتك وأين نجومك، أقول ففي هذا الحديث تصديق أبي معشر بتحقيق المغيرة بن محمد المهدي، وان محمد بن علي صاحب الزنج كان عارفا بالنجوم، فاما قوله أين نجومك فالنجوم كما دلت على ولادته دلت على زوال دولته وصح الحكم (فصل) ومن القائلين بصحة علم النجوم وان النجوم دلالات على الحادثات محمود بن عبد الله بن أحمد الخوارزمي مصنف كتاب الفائق فقد وجدت في كتابه المذكور في نسخة عتيقة عليها خطا في أواخرها يذكر ذلك في أواخر آيات في ذكر معجزاته عليه السلام، فقال الخوارزمي ما هذا لفظه، فان قيل أليس المنجم يخبر عن أمور فيوجد مخبرها على ما أخبر وكذلك الكاهن وأصحاب الفال والزجر، فالجواب ان المنجم لا يحكم بما أخبر به إلا عن طريق، وذلك أنه تعالى جعل حركات النجوم دلالات على ما يحدث في العالم، فمن احكم العلم بها امكنه الوقوف عليها بعلم أو ظن أقول وهذا من اعلم علماء المعتزلة، وكان جدي ورام قدس الله روحه يثني على كتاب الفائق (فصل) ومن المشهورين في القول بصحة علم النجوم وتحقق أصلها ما رويناه باسنادنا إلى علم بن حاتم القزويني في كتاب (علل الشريعة) في باب علة الأوقات باسناده إلى أبي بصير، قال رأيت رجلا يسال أبا عبد الله عليه السلام عن علم النجوم أله أصل؟ قال نعم قال فحدثني عنه قال أحدثك

ص :214

منه بالسعد ولا أحدثك بالنحس، ان الله تعالى فرض الصلاة في الفجر لساعة وهى فرض وهى سعد وفرض الظهر لسبع ساعات وهى فرض وهي سعد وفرض العصر لتسع ساعات وهى فرض وهى سعد وفرض المغرب لأول ساعة من الليل وهى فرض وهي سعد وفرض العشاء بعدها وهى فرض وهي سعد، أقول وهذا صريح فيما ذكرناه (فصل) وذكر محمود بن محمد بن الفضل في كتاب المنجمين في الجزء الخامس ما هذا لفظه، حدثنا محمود قال حدثنا عبد الله قال حدثنا مصعب قال قال الربيع رفع إلي ما شاء الله المنجم رقعة وقال ادفعها إلى أمير المؤمنين فدفعتها إليه فقال لي هل قرأتها قلت لا قال فإنه زعم أن الذي يحج بالناس في هذه السنة يموت في طريقه فقلت يقيك الله يا أمير المؤمنين، وما عليك لو تركت الحج فقال ويحك ان كان ما زعم حقا فالموت في هذا الوجه أولى، يا ربيع اني رأيت كأني دخلت الكعبة فانفرجت في عيني حتى دخلت علي الشمس فجاء رجل فضمها فرجعت قال فلما كنا بذات عرق إذا بابل معرضة، فقال يا ربيع أنت الذي رأيت أنه ضم علي الكعبة حين أشرف فانظر كيف يكون المهدي فمات وصلى عليه يحيى بن محمد قال أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس المصنف انا وجدنا رواية ان منجمه نوبخت عرفه انه يموت في ذلك الوقت، ولم نجد في وصاياه انه أوصى برد المظالم، ولا استعد لآخرته، أعاذنا الله من ترك الاحتياط في طلب رضاه ومحبته،،

ص :215

الباب التاسع: فيما نذكره في جواب من أنكر أن النجوم لا يصح أن تكون دلالات على الحادثات.

فيما نذكره عمن يقول إن النجوم لا تصح ان تكون دلالات علي الحادثات اعلم أن المنكرين لذلك من المسلمين فرق، فريق لم يقفوا على ما رويناه ونقلناه ودللنا عليه من كون النجوم دلالات، وانها آيات وهدايات ولو وقفوا على ما أشرنا إليه، لكان يرجى منهم الاعتماد عليه، وفريق من المنكرين لهذا العلم الموسوم، قوم مستضعفون لا حكم لخلافهم في العلوم فجوابهم بحسب حالهم، جواب أمثالهم وفريق خافوا أن يكون ذلك طعنا على النبوات، وما اتى به الأنبياء من المعجزات، ولو كان كل آية هدى بها الله عباده، وخرق بها العادة، مفسدة للمعجزات الصادقة، وطعنا على الآيات الخارقة كان قد أفسد طريق المعجزات، لان كلما في الوجود من المخلوقات، كانت في ابتدائها آيات باهرات خارقات، ولكنها لما استمرت هانت على الناظرين، وغفلوا عن جلالتها وما فيها من الدلالة على رب العالمين، فتكون لدلالة النجوم أسوة بسائر ما ابتدأ الله جل جلاله به من آياته، ودل به على أعظم مقدوراته، وقد قدمنا الإشارة إلى بعض ما فرقنا به بين اخبار المنجمين بالحادثات، وبين تعريف الله جل جلاله على يد الأنبياء والأولياء بالغائبات، ونزيده هنا ان طريقة المنجمين معروفة بين العقلاء وموصوفة عند الفضلاء لو منع أحد من معرفة مولد الانسان ما قدر ان يحكم على طالعه، ولو منع الأسطرلاب لتعذر عليه

ص :216

بمنافعه، ولو حيل بينه وبين أستاذ يتعلم منه، لاستحال صدور هذا العلم عنه، ولو حيل بينه وبين كتب ينظر فيها، لتعذر عليه الاخبار بشئ من معانيها، فاما الأنبياء والأوصياء والأولياء فمعلوم بالضرورة من حالهم وصفات كما لهم ان تعريفهم للعباد بالغائبات ليس عن أستاذ ولا استعمال شئ من الآلات، ولا في وقت يحتمل الفكر في ترتيب الدلالات، وان الأنبياء لم يقتصر الله جل جلاله بهم في المعجزات، على التعريف بالغائبات بل جعل لهم من الآيات مثل احياء الأموات، ومثل ابراء المرضى بغير معالجات، مثل إجابة الدعوات في أوقاتها المعينات، ومثل الحكم على مولود قبل ولادته، ومثل نطق الحيوانات الخالية من العقل بتصديق من يصدقه الله تعالى منهم بتزكيته وشهادة الجمادات لهم بما يريدونه منهم بالله جل جلاله منه وغير ذلك مما يطول الكلام بشرح حقيقته، فأين شرف هذا المقام، وأين ما يذكره المنجمون من الاحكام وفريق رأى في الكتب اخبارا بالمنع في شئ من النجوم، فحمل ذلك على العموم، ولم يدر ان المراد بالتحريم انما هو لمن اعتقد ان النجوم علة موجبة أو فاعلة مختارة وذلك كفر عظيم وليس هذا لما ذكرناه بمثيل بل كغيرها في كل دليل على ما اراده الله تعالى من واضح السبيل، أقول ويحتمل ان يكون النهي عن علم النجوم وتعلمه واستعماله لمن يستعمل دلالتها في معصية الله تعالى كما يستعملها الذين يتوصلون بمعرفتها وهدايتها إلى خلاف مراد الله ومراد رسوله، وفريق يستبعدون ان تكون النجوم مع ارتفاعها في السماوات، دالة

ص :217

على ما في الأرض لتباعد الجهات وهذا الفريق معدودون من أهل الضعف فينبغي ان يعرفوا قدرة القادر لذاته تعالى ثم يحتمله حالهم من الكشف وفريق سمعوا انه ادى هذا العلم بالجهال إلى جحود الشرايع وترك العبادة والأعمال فخافوا من تعليمه والتصديق به ان يقعوا في تلك الأهوال، ولو كان هذا عذرا في طلب التحقيق وسلوك صواب الطريق ادى ذلك إلى الاهمال بالكلية وترك العلوم الدينية لان كل علم منها ضل فريق في طريقه واختلفوا في تحقيقه، وفريق سمعوا ان هذا العلم ابتدعه قوم غير الأنبياء من الفلاسفة والحكماء فهربوا من التصديق بشئ من معانيه لئلا يقعوا فيما وقع أولئك فيه من الضلالة والتشبيه وقد قدمنا الدلالات الواضحات على أن هذا العلم من علوم الأنبياء والأوصياء عليهم الصلوات وأوضحنا ذلك بما ذكرنا من المعقولات والمنقولات.

(فصل) ولقد وجدت تصنيفا لبعض العلماء الماضين ولا اسمية لئلا يكون عيبة له واظهار النقص بين السامعين قال فيه جوابا عمن سأله من المكاتبين انه لا يصح أن تكون النجوم علامات على الحادثات وذكر في أقوى الاحتجاجات انه ربما تكون جماعة مواليدهم مختلفة ويغرقون في سفينة في وقت واحد أو يقع عليهم حائط أو نحو ذلك من الحوادث المألوفة فيقال له ان الذين قالوا ان النجوم علامات، معتقدون ان الله جل جلاله قادر مختار بالذات والاعمار بحسب حكمه فيقصر منها ما شاء ويتم ما شاء ولا اعتراض عليه في الإرادات مع أن جميع المسلمين الصادقين بالاعتقاد عارفون ان الله

ص :218

تعالا لا بد ان يخرب الفلك والنجوم عند انقضاء دار النقاد فمن يقدر على ابطال الفلك ونجومه وهى أصل دلالات العباد. أما يقدر ان يبطل أعمارا يمكن ابطالها بوجه من جوه السداد والصواب كما قال تعالى (يمحو الله ما يشاء وعنده أم الكتاب) وقال ذلك المصنف في كتابه انه قد جرب عليهم غلطا في الاحكام وقد تقدم الكلام في جواب هذا الكلام بما معناه انه لو كان غلط فريق من أهل العلوم أو تعمدهم الغلط مبطلا لتلك الرسوم كان قد فسد كل علم في الوجود فان جميعها فيها اختلاف لا يحسن ان يقابل بالجحود فلعلم دلالات النجوم أسوة أسوة بسائر العلوم (فصل) ومن اعتبر السائل الذي سأله فلعله يفهم منه انه من ملوك الدنيا أوانه يريد ويعتقد نصرة مسالة المرتضى في الجواب عن مسالته ولا يبعد انه اتقى في ذلك لان السائل من الولاة في مملكته ويؤيده ما ذكر في آخر حديثه من تصريح الحمصي في التعليق العراقي بصحة علم النجوم ودلالته " فصل " وقال آخر من علماء الاسلام في رده على القائلين بان النجوم دلالات على حوادث الأيام كلمات استحسنها من سمعها منه وحكاها على سبيل الاستحسان عنه طيبا لنفسه ان هذا كظن القائل يخطئ تارة ويصيب أخرى والمنجمون كذلك؟ فيقال له انه لا يقدر على ظن يقطع به في شئ من خوف أو يشرى والنجوم قد دلت على كسوفات وحادثات يقطع علماؤهم بها ونقلوا التحقيق لها فصدقت مقالتهم وظهرت حجتهم والاستدلال لهم وهذا فرق بين ظن ابن آدم الضعيف وبين ما جعل الله جل جلاله

ص :219

النجوم دلالة عليه بتدبيره الشريف ويقال أيضا لهذا المساوى بين ظنة وبين دلائل النجوم ان الطريق مسدود عليك بين ظنونك وبين اطلاعك على علامات النجوم بالظنون والعلوم فلو كان القائلون بدلالة النجوم مثل الظنون لكان انفرادهم بالاطلاع على الامارات المقتضية للحادث المظنون تفضيلا لهم بهذا الظن المغبون وداعيا إلى ترجيح الباب بمعرفة هذه الأسباب أقول وما رأيت أن العقل ولا النقل ولا شريعة أصحاب الرسالة عن صاحب الجلالة تقتضي أو تجيز الجحود أو المكابرة للأمور المعلومة الظاهرة فإنه متى وقع جحود ومكابرات من أهل الديانات ادى ذلك إلى الطعن عليهم فيما يذكرونه من المقالات وتزهيد العقلاء فيما هم عليه من الاعتقادات بل يجب ان يصدق الصادق فيما يكون صدقا من مقاله ولو كان عدوا وقد قال ذلك من شبه وكان ناقصا في مرتبته وحاله وفي حديث أهل الكمال انظر إلى ما قال ولا تنظر إلى من قال...

الباب العاشر: فيما نذكره من أخبار من كان مستغنيا عن النجوم، بتعريف النبي صلوات الله عليه وأئمة العلوم، عليهم السلام.

فيما نذكره من بعض اخبار من كان مستغنيا عن النجوم بتعريف النبي والأئمة المستمدين من النبي المعصوم صلى الله عليهم فأقول ان مع وجود من يخبر عن الله جل جلاله مثل الأنبياء ومن استودعوه اسراره تعالى من الأوصياء فان في وجودهم غنى لمن تمكن من لقائهم وكشف ما يحتاج إليه بأنوار آرائهم ولذلك قل علماء المنجمين في زمن

ص :220

مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ولما انتقل إلى الله جل جلاله والتزم من بقي بعده من الحاملين لاسراره بالتقية ومنعوا من اظهار الاسرار الربانية احتاج معشر من خواصهم من يتعلم علم النجوم وخاصة من لا يقدر على لقائهم إلا في وقت معلوم متباعدا كزمان الحج وأوقاته واستمرت التقية بالمستودعين لأسرار الله تعالى وآياته فتعلم جماعة من الشيعة العلم المشار إليه، لما عرفوا انه يجوز الاعتماد عليه، في أبواب الدلالات والإشارات، وفيما يعرض لهم من الحاجات ومعرفة ما بين أيديهم من المحذورات والمسرات ليدفعوا المحذورات بالصدقات والدعوات فيبلغوا المنى بشكر الله جل جلاله على ما فتح عليهم من أبواب العنايات كما حكيناه فيما تقدم ورويناه من الاذن لهم في علم النجوم للدلالة والاستدلال بها فيما يخصه الله من الجلالة ليكون تنبيها على فتح بابها من أهل الرسالة، وسوف نذكر طرفا مما انتفع به الشيعة من التعريف بالغائبات والتشريف بتعريفهم بأوقات الحادثات عن ظهور نبيهم وأئمتهم صلوات الله عليهم وتمكينهم فتارة يسألونهم عن أوقات وفاتهم ومدة أعمارهم وحياتهم فيخبرونهم ويستغنون بذلك عن علماء المنجمين وتارة ينبؤنهم بعلوم المنايا والبلايا، واسرار سيد البرايا صلوات الله عليه وعليهم أجمعين، وحيث يراد ان نذكر من هذا طرفا مما يصدر من خواص عترته الحاملين لأسرار رسالته، فنذكر عن كل واحد منهم حديثين من طريقين صادقين، لئلا يعتقد من يقف على كتابنا من علماء المنجمين، وممن لم يطلع على مرادنا من اخبار النبي والأئمة الطاهرين

ص :221

ان أهل النجوم والاحكام قدروا على ما لم يقدر على مثله النبي والأئمة (ع) ولو أردنا ان نذكر كلما ورد عنهم من الاخبار بالغائبات لكان ذلك مجلدات وانما اقتصرنا على حديثين لئلا يمل الناظر إذا أراد الوقوف على ما رويناه وربما زدنا على حديثين فيما يختص بالحسن بن مولانا علي والحسن العسكري والمهدي (ع) (فصل) فمن ذلك من دلائل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كتاب الدلائل تصنيف عبد الله بن جعفر الحميري وقد شهد بأمانته وفضله الشيخان العالمان أبو جعفر الطوسي وأحمد بن العباس النجاشي رضي الله عنهما وقد رويناه بعدة طرق إليه رضوان الله عليه باسناده المذكور في كتابه، قال طلب قوم من قريش إلى النبي حاجة فقال لهم انكم تمطرون غدا فأصبحت كأنها زجاجة وارتفع النهار فاتاه رجل عظيم عند الناس فقال ما كان أغناك عما تكلمت به الأمس فما رأيناك هكذا قط فارتفعت سحابة من قبل السور فأمطرت الأودية وجاءهم من المطر ما جاؤوا إلى رسول الله (ص) من اجله فقالوا يا رسول الله اطلب ان يكفها عنا فقال اللهم حوالينا ولا علينا فانقشع السحاب يمينا وشمالا، ومن ذلك ما في كتاب الخرائج والجرائح تأليف الشيخ الثقة سعيد بن هبة الله الراوندي قال ومنها يعني معجزات النبي (ص) ان رسول الله لقي في غزوة ذات الرقاع رجلا من محارب يقال له عاصم فقال يا محمد أتعلم الغيب قال لا يعلمه إلا الله تعالى فقال والله لجملي هذا أحب إلي من الهك قال لكن الله اخبرني عن علم غيبه انه سيبعث عليك قرحة في لحييك حتى تصل إلى دماغك فتمرن والله إلى النار فرجع

ص :222

وقد بعث الله قرحة في لحييه وصلت إلى دماغه فجعل يقول لله در القرشي إذ قال بعلم أو زجر فأصاب (فصل) ومن ذلك من دلائل مولانا علي (ع) ما في كتاب (الدلائل) للحميري ما رويناه باسنادنا إليه باسناده المتصل في كتابه إلى أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال أراد قوم بناء مسجد بساحل عدن فكلما بنوه سقط فاتوا أبا بكر وسألوه فقال استوثقوا من بنائه ففعلوا واستوثقوا فسقط فعادوا وسألوه فخطب الناس وناشدهم ان كان عند أحد منه علم فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام احتفروا ميمنة القبلة وميسرتها فسيظهر لكم قبران عليهما تربة مكتوب عليها انا رضوي وأخي حبا متنامية لا نشرك بالله شيئا فغسلوهما وكفنوهما وصلوا عليهما وادفنوهما ثم ابنوا مسجدكم ففعلوا فقام بناؤه، ومن ذلك ما رواه الشيخ سعيد بن هبة الله الراوندي باسنادنا إليه في كتاب (الخرائج والجرائح) عند ذكر معجزات أمير المؤمنين (ع) فقال ومنها ما روي عن مينا قال سمع علي في عسكره ضوضاء فقال ما هذا قالوا هلك معاوية فقال كلا والذي نفسي بيده لن يهلك حتى تجتمع عليه هذه الأمة قالوا ففيم تقاله؟ فقال لا عدر فيما بيني وبين الله تعالى (فصل) ومن ذلك في دلائل الحسن بن علي عليه السلام ما روينا باسنادنا إلى الشيخ أبي جعفر محمد بن رستم الطبري في كتاب (دلائل الإمامة) باسناده إلى عبد الله بن عباس قال مرت بالحسن بن علي عليهما السلام بقرة فقال هذه حبلى بعجلة أنثى لها غرة في جبينها ورأس ذنبها ابيض فانطلقنا

ص :223

مع القصاب حتى ذبحها فوجدنا العجلة كما وصف على صورتها فقلنا له أليس الله عز وجل يقول (لا يعلم الغيب إلا الله) فقال ما يعلم المخزون المكنون المجزوم المكتوم الذي لم يطلع عليه ملك مقرب ولا نبي مرسل غير محمد وذريته، أقول لعل معناه ما يعلم المكنون بغير أستاذ على تفصيل معلوم إلا محمد وذريته عليهم السلام، ومن ذلك ما رويناه باسنادنا إلى أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان المفيد الذي انتهت رياسة الإمامية إليه رضوان الله جل جلاله عليه، من كتابه الذي سماه كتاب مولد النبي ومواليد الأوصياء عليهم الصلاة والسلام، وهو كتاب جليل قد ذكر فيه من معجزات الأئمة ما لم يذكره في كتاب الارشاد فقال فيه باسناده إلى جابر ما هذا لفظه، عن أبي جعفر عليهما السلام قال جاء الناس إلى الحسن بن علي عليهما السلام فقالوا أرنا من عجائب أبيك التي كان يريناها فقال أو تأمنون بذلك قالوا نعم نؤمن بذلك قال ألستم تعرفون أبي قالوا جميعا بلى نعرفه، فرفع لهم جانب الستر، فإذا أمير المؤمنين عليه السلام قاعد فقالوا جميعا هذا أمير المؤمنين نشهد انك أنت ولي الله حقا والامام من بعده ولقد أريتنا أمير المؤمنين بعد موته كما ارى أبوك أبا بكر رسول الله جدك في مسجد قبا بعد موته، فقال الحسن ويحكم أما سمعتم قول الله عز وجل (ولا تقولن لمن يقتل في سبيل الله امواتا بل احياء ولكن لا تشعرون) فإذا كان هذا فيمن قتل في سبيل الله فما تقولون فينا قالوا أنتم أفضل بابن رسول الله، أقول وسنذكر حديثا ثالثا فيما يختص بالحسن

ص :224

ابن علي عليهما السلام لأنه أول من حكم التغلب عليه بسر اسراره الربانية ومعجزاته النبوية، إلى أن انتقل إلى الدار الأخروية، وكذلك ربما ردنا في روايتي دلالات الحسن العسكري عليه السلام لأنه آخر من كان ظاهرا من خلف آبائه كما أشرنا إلى أنه ممن حكم التغلب عليه كما أن سيدنا رسول الله " ص " لما كان بمكة منعه التغلب عليه من اظهار كثير من دلالاته، وكما جرى من حال مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه فإنه لم يظهر في زمن المتقدمين عليه، ما ظهر بعد انتقال الامر إليه فمن دلالات مولانا الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام ما وجدناه ثابتا في جزء عن أبي عبد الله عليه السلام وهو من جملة مجلد فيه فرائد أوله مختصر فيه أدعية وعوذ، والمختصر بخط محمد بن علي بن الحسين بن مهزيار ونسخته في سنة ثمان وأربعين وأربعمائة، وكان على الجزء الذي نقل منه هذا الحديث ما هذا المراد من لفظه، من حديث أبي الحسن بن محمد بن عبد الوهاب قدم علينا في سنة أربعين وثلثمائة، فاما لفظ الحديث فهو. حدثنا أبو محمد بن عبد الله بن محمد الأحمري المعروف بابن داهر المرادي قال حدثني أبو جعفر محمد بن علي الصير في القرشي أبو سمينة قال حدثني داود بن كثير الرقي عن أبي عبد الله عليه السلام قال لما صالح الحسن بن علي عليهما السلام معوية جلسا بالنخيلة فقال معوية يا ابا محمد بلغني ان رسول الله كان يخرص النخل فهل عندك من ذلك علم فان شيعتكم يزعمون أنه لا يغرب عنكم علم شئ في الأرض ولا في السماء، فقال الحسن ان رسول الله " ص " كان يخرص

ص :225

كيلا وانا أخرص عددا فقال معوية كم في هذه النخلة من بسرة قال الحسن أربعة آلاف بسرة وأربع بسرات وأقول ووجدت قد انقطع من المختصر المذكور كلمات فوجدتها في رواية ابن عياش الجوهري هي، فامر معوية بها فصرمت، فجاءت أربعة آلاف بسرة وثلاث بسرات، ثم صح الحديث بلفظهما، فقال الحسن والله ما كذبت ولا كذبت فنظرنا فإذا في يد عبد الله بن عامر بن كريز بسرة ثم قال عليه السلام أما والله يا معوية لولا انك تكفر لأخبرتك بما اعلم، وذلك أن رسول الله (ص) كان في زمان لا يكذب وأنت تكذب وتقول متى سمع من جده على صغر سنه والله لقد عين زياد أو لتقتلن حجرا ويحمل إليك رأس عمرو بن الحمق (فصل) ومن دلائل الحسين بن علي عليه السلام ما رويناه باسنادنا إلى أبي العباس عبد الله بن جعفر الحميري من كتاب الدلائل باسناده إلى أبى عبد الله عليه السلام قال خرج الحسين عليه السلام إلى مكة في سنة ماشيا فورمت قدما فقال له بعض مواليه لو ركبت ليسكن الورم هذا منك فقال كلا إذا اتينا هذا المنزل فإنه يستقبلك أسود ومعه دهن فاشتره فقال له مولاه بابي أنت وأمي ما قد آمنا منزل يبيع فيه أحد هذا الدهن فقال بلى امامك دون المنزل فسار ميلا فإذا هو بالأسود فقال الحسين لمولاه دونك الرجل فخذ منه الدهن واعطه الثمن فقال الأسود للمولى لمن أردت هذا الدهن فقال للحسين بن علي فقال انطلق بنا إليه فصار نحوه فسلم وقال يابن رسول الله انا مولاك فلا آخذ منك ثمنا ولكن ادع الله ان يرزقني

ص :226

ولدا ذكرا سويا يحبكم أهل البيت فاني خلفت امرأتي تمخض، فقال انطلق إلى منزلك فان الله قد وهب لك ولدا سويا، فذهب فوجده ثم عاد إلى الحسين فدعا له بالخير لولادة الغلام له، ثم إن الحسين عليه السلام مسح من الدهن فما قام من موضعه حتى ذهب الورم عنه، ومن ذلك ما رويناه باسنادنا إلى محمد بن جرير بن رستم الطبري في كتاب دلائل الإمامة باسناده عن حذيفة قال سمعت الحسين بن علي عليه السلام يقول والله ليجتمعن على قتلي طغاة بني أمية ويقدمهم عمر بن سعد وذلك في حياة النبي " ص " فقلت انباك بهذا رسول الله؟ قال لا فأخبرت النبي بذلك فقال عملي عمله وعلمي علمه فانا نعلم بالكائن قبل كينونيته، ومن ذلك ما روينا باسنادنا إلى الشيخ سعيد بن هبد الله الراوندي من كتاب (الخرائج والجرائح) عن أبي خالد الكابلي عن يحيى بن أم الطويل قال كنا عند الحسين (ع) إذ دخل إليه شاب يبكي قال ما يبكيك قال إن والدتي توفيت هذه الساعة ولم توصي ولها مال وقد أمرتني ان لا أحدث في أمرها حدثا حتى اعلمك خبرها فقال الحسين قوموا بنا حتى نصير إلى هذه الحرة فقمنا معه حتى انتهينا إلى باب البيت الذي فيه المرأة فإذا هي ملقاة، فأشرف والله ودعا الله تعالى ان يحيها حتى توصي بما تحب وإذا هي جلست تتشهد، فنظرت إلى الحسين وقالت ادخل البيت يا مولاي وأمرني بامرك، فدخل وجلس على مخدة ثم قال لها أوصي رحمك الله فقالت يابن رسول الله لي من الملك كذا وكذا وقد جعلت ثلثه إليك

ص :227

لتضعه حيث شئت من أوليائك والثلثان لابني هذا ان علمت أنه من مواليك وأوليائك وإذا كان مخالفا فخذه لك فلا حق للمخالفين في أموال المؤمنين، ثم سألته ان يصلي عليها ويتولى أمرها وعادت ميتة كما كانت " فصل " ومن ذلك في دلائل علي بن الحسين عليهما السلام ما رويناه باسنادنا إلى الشيخ أبي جعفر بن رستم قال حضر علي بن الحسين الموت فقال لولده يا محمد أي ليلة هذه قال كذا قال وكم مضى من الشهر قال كذا وكذا قال فإنها الليلة التي وعدتها، ثم دعا بوضوء فجئ به فقال إن فيه فارة فقال بعض القوم انه ليهجر، فجاؤوا بالمصباح فإذا فيه فارة فامر به فاهريق وجئ بماء آخر فتوضأ وصلى حتى إذا كان آخر الليل توفي صلى الله علية ومن ذلك ما رويناه باسنادنا إلى سعيد بن هبة الله الراوندي يرفعه قال إن عليا بن الحسين عليهما السلام نزل بعسفان ومعه من مواليه أناس كثير، وعسفان منزل بين مكة والمدينة، فضرب غلمانه فسطاطه بموضع فلما دنا منه قال لغلمانه كيف ضربتم في هذا الموضع وفيه قوم من الجن وهم أولياء لنا وشيعة، وقد أضررنا بهم وضيقنا عليهم فقالوا ما علمنا أن هؤلاء يكونون ههنا، فإذا بهاتف من جانب الفسطاط نسمع كلامه ولا نرى شخصا يقول يابن رسول الله لا تحول فسطاطك من موضعه فانا نحتمله وهذا شئ بعثنا به إليك، فنظروا وإذا بجانب الفسطاط طبق عظيم وفيه اطباق من عنب ورطب ورمان وفواكه كثيرة من الموز وغيره فدعا علي بن الحسين عليه السلام رجلا معه واستحضر الناس فأكلوا وارتحلنا

ص :228

(فصل) ومن ذلك في دلائل أبي جعفر محمد الباقر عليه السلام ما رويناه باسنادنا إلى الشيخ أبي العباس عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب الدلائل بخط الشيخ الفقيه ابن الغضائري باسناده إلى عبد الله ابن أبي يعفور قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول قال أبي صلوات الله عليه ذات يوم بقي من اجلى خمس سنين فحسبت ذلك فما زاد ولا نقص ومن ذلك ما رويناه عن الشيخ سعيد بن عبد الله الراوندي في كتاب الخرائج والجرائح يرفعه إلى أبي بصير قال أبا جعفر (ع) قال لرسول من أهل خراسان كيف أبوك قال تركتا سالما قال قتله جار له يقال له صالح يوم كذا في ساعة كذا فبكى الرجل وقال انا لله وانا إليه راجعون مما جعلت فقال له أبو جعفر (ع) أسكن فقد صار إلى الجنة وهى خير له مما كان فيه، فقال الرجل اني خلفت ابني وجعا قال قد برئ وقد زوجه عمه ابنته فستقدم عليه وقد ولد له غلام اسمه علي وهو شيعة لنا اما ابنك فليس لنا شيعة بل هو لنا عدو فقال له الرجل هل من حيلة قال إنه لنا عدو فقام الرجل من عنده وهو وقيد فعلت من هذا قال رجل من أهل خراسان وهو لنا شيعة وهو مؤمن (فصل) ومن ذلك في دلائل أبي عبد الله (ع) ما رويناه باسنادنا إلى الشيخين أبي العباس عبد الله بن جعفر وأبي جعفر محمد بن جرير الطبري بروايتهما عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال سمعته يقول وكنت عنده فجرى ذكر المعلى بن خنيس يا ابا محمد ما أقول لك في للعلى ما ينال درجتنا إلا بما ينال منه داود. بن علي قلت فما أدري ما يصيبه من داود قال يدعوه

ص :229

عليه لعنة الله، إلى الدار فيأمر به فيضرب عنقه ويصلبه قلت انا لله وانا إليه راجعون قال فلما ولي داود المدينة قصد المعلى ودعاه فسأله ان يسمى له أصحاب جعفر بن محمد فقال ما اعرف من أصحابه أحدا وانما انا رجل اختلف في حوائجه وما ينوبه وما اعرف له أصحابا فقال له ان كتمتني قتلتك قال ابا لقتل تهددني والله لو كانوا تحت قدمي ما رفعت عنهم قدمي ولئن قتلتني ليسعدني الله عز وجل ويشقيك، فكان الامر كما كان أبو عبد الله (ع) لم يغادر كثيرا ولا قليلا، ومن ذلك ما رويناه باسنادنا إلي الشيخ سعيد بن هبة الله الراوندي يرفعه إلي المفضل بن عمر قال كنت أمشي مع أبي عبد الله (ع) إذ مررنا بأمر أتين بين أيديهما بقرة ميتة وهى مع صبيتها تبكيان فقال ما شأنك فقالت انا وصبياتي نعيش من هذه البقرة وقد ماتت فتحيرت في أمري قال أفتحبين ان يحييها الله لك فقالت أو تسخر مني مع مصيبتي قال كلا ما أردت ذلك ثم دعا بدعاء وركضها برجله وصاح بها فقامت البركة مسرعة سوية فقالت المرأة عيسى ابن مريم ورب الكعبة فدخل الصادق (ع) بين جمع الناس لم تعرفه المرأة وروي انه كان بمنى (فصل) ومن ذلك في دلائل أبي الحسن موسى الكاظم (ع) ما روينا باسنادنا إلى الشيخ أبي العباس عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب الدلائل يرفعه إلى علي بن أبي حمزة قال كنت عند أبي الحسن موسى جالسا إذ اتاه رجل من أهل الري يقال له جندب فسلم عليه ثم جلس

ص :230

وسال أبا الحسن فاحسن السؤال فقال يا جندب ما فعل أخوك قال حي وهو يقرؤك السلام قال يا جندب عظم الله اجرك في أخيك فقال ورد والله كتابه من الكوفة ليلة الأمس بالسلامة قال فإنه والله مات بعد كتابه إليك بيومين ودفع إلى امرأته مالا وقال لها ليكن هذا المال عندك فإذا قدم أخي فادفعيه إليه فأودعته الأرض في البيت الذي تكون فيه فإذا أنت اتيتها فتلطف بها وأطمعها في نفسك فإنها ستدفعه إليك قال علي وكان جندب رجلا جميلا قال فلقيت جندبا بعد ما فقد أبو الحسن (ع) فسألته عما كان فقال صدق والله سيدي ما زاد وما نقص لا في الكتاب ولا في المال ومن ذلك ما رويناه باسنادنا إلى أبي جعفر محمد بن جرير الطبري باسناده إلى أبي الحسن موسى (ع) قال اشتكى محمد بن جعفر حتى خيف عليه الموت فكنا مجتمعين عنده ودخل أبو الحسن (ع) فقعد ناحية وإسحاق عمه عند رأسه يبكي فقعد قليلا ثم قام، فتبعته وقلت جعلت فداك يلومك اخوتك وأهلك يقولون دخلت على أخيك وهو في الموت ثم خرجت فقال يبرأ أخي أريت هذا الجالس سيموت ثم يبكي عليه هذا فبرأ محمد، واشتكى إسحاق فمات وبكى عليه محمد (فصل) ومن ذلك في دلائل علي الرضا (ع) ما رويناه باسنادنا إلى الشيخ أبي جعفر محمد بن جرير الطيري يرفعه باسناده إلى معبد بن عبد الله الشامي قال دخلت على علي بن موسى الرضا (ع) فقلت له قد كثر الخوض فيك وفى عجائبك، فلو شئت أثبت بشئ واحدثه عنك قال وما تشاء

ص :231

قلت له تحيي لي أبي وأمي فقال انصرف إلى منزلك فقد أحييتهما فانصرفت وإذا هما والله حيان في البيت وأقاما عندي عشرة أيام ثم قبضهما الله تعالى إليه، ومن ذلك ما رويناه باسنادنا إلى الشيخ أبي العباس عبد الله ابن جعفر الحميري باسناده إلى عمر بن بزيع قال كان عندي جاريتان حاملتان فكهبت إلى الرضا (ع) اعلمه ذلك واساله ان يدعو الله ان يجعل ما في بطنيهما ذكرين فوقع أفعل إن شاء الله وابتدأني بكتاب مفرد نسخة بسم الله الرحمن الرحيم عافانا الله وإياك أحسن عافية في الدنيا والآخرة برحمته الأمور بيد الله تعالى قضى فيها مقاديره على ما يحب يولد لك غلام وجارية إن شاء الله فسم الغلام محمدا والجارية فاطمة على بركة الله، قال فولد لي غلام وجارية على ما قال (فصل) ومن ذلك في دلائل محمد الجواد (ع) ما رويناه باسنادنا إلى الشيخ أبي جعفر محمد بن جرير الطبري باسناده إلى إبراهيم بن سعيد قال كنت جالسا عند محمد بن علي الجواد عليهما السلام إذ مر بنا فرس فقال هذه تلد الليلة فلو ابيض الناصية في وجهه غرة فاستاذنته وانصرفت مع صاحبها فلم أزل أحدثه إلى الليل حتى ولدت فلوا كما وصف (ع) فعدت إليه فقال يابن سعيد كأنك قد شككت فيما قلت لك، وان التي في منزلك ستلد ابنا أعور، وكانت جاريتي حبلى فولدت والله محمدا وكان أعور، ومن ذلك ما رويناه باسنادنا إلي الشيخ أبي العباس عبد الله ابن جعفر الحميري في كتاب (الدلائل) باسناده إلى صالح بن عطية.

ص :232

قال حججت فشكوت إلى أبي جعفر يعني الجواد، الوحدة فقال (ع) أما انك لا تخرج من الحرم حتى تشتري جارية ترزق منها ابنا قلت جعلت فداك أهوى ان تشير علي قال نعم اعترض فإذا عرضت فأعلمني قلت جعلت فداك فقد عرضت قال اذهب فكن في السوق حتى أوافيك فصرت إلى دكان نخاس انتظره حتى وافى ثم مضى فصرت معه فقال قد رأيتها فان أعجبتك فاشترها على انها قصيرة العمر قلت جعلت فداك فما اصنع بها قال قد قلت لك فلما كان من الغد صرت إلى صاحبها فقال الجارية محمومة وليس بها مرض وعدت إليه من الغد وسألته فقال قد دفنتها اليوم فاتيته عليه السلام وأخبرته الخبر فقال اعترض فاعترضت وأعلمته فأمرني ان انتظره فصرت إلى دكان النخاس فركب ومر بنا فصرت إليه فقال اشترها فقد رأيتها فاشتريتها وصبرت عليها حتى طهرت فوقعت عليها فولدت لي محمدا ابني.

(فصل) ومن ذلك في دلائل مولانا علي الهادي (ع) مما روينا باسنادنا إلى الشيخ أبى جعفر محمد بن جرير الطيري باسناده قال حدثني أبو الحسن محمد بن إسماعيل الكاتب بسر من رآى سنة ثمان وثلاثين وثلثمائة قال حدثني أبي قال كنت بسر من رأى بدرب الحصا فرأيت يزداد الطبيب النصراني تلميذ بختيشوع وهو منصرف من دار موسى بن بغا فسايرني وأفضى الحديث إلى أن قال أترى هذا الجدار أتدري من صاحبه قلت من قال الحجازي العلوي يعني علي بن محمد بن علي الرضا

ص :233

(ع) وكنا نسير في فنا داره قلت وما شانه قال إن كان مخلوق يعلم الغيب فهو قلت وكيف ذاك قال أخبرك عنه بأعجوبة لن تسمع بمثلها ابدا ولا غيرك من الناس ولكن لي الله عليك كفيل وراع ان لا تحدث بهذا الحديث ابدا فانى رجل غريب ولي معيشة عند السلطان وبلغني ان الخليفة استقدمه من الحجاز فرقا منه لئلا تنصرف وجوه الناس إليه فيخرج هذا الامر عنهم يعني عن بنى العباس، قلت لك علي ذلك فحدثني وليس عليك في ذلك باس انما أنت رجل نصراني لا يتهمك أحد مما تحدث به من هؤلاء قال نعم اعلمك انى لقيته منذ أيام وهو على فرس أدهم وعليه ثياب سود وهو أسود اللون، فلما بصرت به وقفت اعظاما له وقلت في نفسي لا والمسيح ما خرجت من فمي لواحد من الناس، ثياب سود ودابة سوداء ورجل اسود سواد في سواد، فلما بلغ إلي نظر إلي واحد النظر وقال قلبك اسود مما ترى عيناك من سواد في سواد قال أبى رحمه الله فقلت له فما قلت له قال سقط في يدي فلم احر جوابا فقلت له أفما ابيض قلبك قال الله اعلم قال أبى فلما اعتل يزداد بعثا لي فحضرت عنده فقال إن قلبي قد ابيض بعد اسوداده فانا اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا رسول الله وان علي بن محمد حجة الله على خلقه وناموسه الأعظم، ثم مات في مرضه ذلك، فحضرت الصلاة عليه رحمه الله، ومن ذلك ما رويناه باسنادنا إلى الشيخ سعيد بن هبة الله الراوندي، في كتاب الخرائج والجرائح، قال إن هبة الله بن أبي منصور الموصلي قال كان بديار ربيعة كاتب لها نصراني

ص :234

وكان من أهل كفر تو؟؟ يسمى يوسف بن يعقوب وكانت بينه وبين والدي صداقة، فوافانا ونزل عند والدي فقال له ما شأنك قدمت في هذا الوقت قال قد دعيت إلى حضرة المتوكل ولا أدري ما يراد مني إلا انى اشتريت نفسي من الله بمائة دينار، وقد حملتها إلى علي بن محمد بن الرضا وهى معي فقال له والدي قد وفقت يا هذا، ثم خرج إلى حضرة المتوكل وانصرف إلينا بعد أيام قلائل فرحا مستبشرا فقال له والدي حدثني حديثك قال صرت إلى سر من رأى، وما كنت دخلتها قط، ونزلت في دار فقلت يجب ان أوصل المائة إلى ابن الرضا قبل مصيري إلى باب المتوكل وقبل ان يعرف أحد قدومي، فعرفت ان المتوكل منعه من الركوب وانه ملازم لداره، فقلت كيف اصنع رجل نصراني يسال عن دار ابن الرضا، لا آمن ان ينذر بي فتكون زيادة على ما أحاذره، ففكرت ساعة في ذلك فوقع في قلبي ان اركب حماري واخرج في البلد ولا امنعه حيث أراد، فلعلي اقف على داره من غير أن اسال، فحملت الدنانير في كاغذه وجعلتها في كمي وركبت وسرت، فوقف الحمار بي في محل فجهدت به ان يزول فلم يزل فقلت لغلامي سل لمن هذه الدار؟ فقيل له دار ابن الرضا فقلت الله أكبر دلالة والله مقنعة، وإذا خادم اسود قد خرج وقال أنت يوسف بن يعقوب قلت نعم قال انزل فنزلت فقعدت في الدهليز ودخل فقلت وهذه دلالة أخرى من أين عرف هذا الخادم اسمي واسم أبى وليس في هذا البلد من يعرفني وما دخلته قط ثم خرج الخادم فقال المائة

ص :235

دينار التي في الكاغذة في كمك هاتها فناولته إياها وقلت هذه دلالة ثالثة ثم رجع الخادم إلي فقال ادخل فدخلت إليه وهو في مجلسه وحده فقال يا يوسف، ما بان لك؟ فقلت يا مولاي قد بان من البرهان ما فيه كفاية لمن اكتفى فقال هيهات اما انك لا تسلم ولكن يسلم ولدك فلان وهو من شيعتنا يا يوسف ان أقواما يزعمون أن ولايتنا لا تنفع أمثالك كذبوا والله انها لتنفع أمثالك، امض لما وافيت له فإنك سترى ما تحت قال فمضيت إلى باب المتوكل فنلت كلما أردت وانصرفت قال هبة الله فلقيت ابنه بعد هذا وهو مسلم حسن التشيع وأخبرني ان أباه مات على النصرانية وانه أسلم بعد موت أبيه، وكان يقول انا بشارة مولاي صلى الله عليه (فصل) ومن ذلك في دلائل مولانا الحسن العسكري عليه السلام ما رويت ونقلت من خط من حدثه محمد بن هارون بن موسى التلعكبري وهو شيخنا المفيد رضوان الله عليه قال ما هذا لفظه، حدثنا أبو الحسين محمد بن أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري في يوم الجمعة السابع عشر من المحرم سنة عشر وأربعمائة بالمشهد المعروف في الكرخ بالعتيقة صلوات الله على صاحبه قال أنفذني والدي رحمه الله مع بعض أصحابه إلى صاعد النصراني لا سمع منه ما روى عن أبيه من حديث مولانا أبى محمد الحسن ابن علي العسكري صلوات الله عليه فوصلنا إليه، فرأيت رجلا معظما فاعلمته قصدي فأدناني وقال حدثني أبي انه خرج هو واخوته وجماعة من أهله من البصرة إلى سر من رآى لأجل ظلامة من العامل فانا

ص :236

بسر من رآى في بعض الأيام إذ بمولانا أبي محمد على بغلة وعلى رأسه شاشة وعلى كتفه طيلسان، فقلت في نفسي هذا الرجل الذي يدعي بعض المسلمين انه يعلم الغيب فان كان الامر على هذا فليحول مقدم الشاشة إلى مؤخرها ففعل ففلت هذا اتفاق ولكن فليحول طيلسانه الأيمن إلى الأيسر والأيسر إلى الأيمن ففعل ذلك وهو يسير فوصل إلي وقال يا ثابت لم لا تشتغل بأكل حيتانك عما لا أنت منه ولا إليه، قال وكنا نأكل السمك هذا لفظ حديثه نقلناه كما رأيناه ورويناه واسلم صاعد وكان وزيرا للمعتمد ومن ذلك ما روينا باسنادنا إلى الشيخ أبي العباس عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب (الدلائل) باسناده إلى الكليني عن إسحاق بن محمد قال حدثني أبو علي عمر بن أبي مسلم قال كتبت إلى أبي محمد عليه السلام وجاريتي حامل، اساله ان يسمي ما في بطنها، فورد الجواب إذا ظهرت فسمها زينب ثم ماتت بعد شهر من ولادتها فبعث إلي بخمسين دينارا على يد محمد بن سنان الصراف وقال اشتر بهذا جارية، ومن ذلك ما رويناه باسنادنا إلى الشيخ سعيد بن هبة الله الراوندي في كتابه المذكور في بعض معجزاته عليه السلام فقال ومنها ما حدث به نصراني متطبب بالري يقال له مر عبدا وقد اتى عليه مائة سنة ونيف قال كنت تلميذ بختيشوع طبيب المتوكل وكان يعظمني فبعث إليه الحسن بن علي بن محمد بن الرضا ان يبعث إليه بأخص أصحابه عنده ليفصد فاختارني وقال طلب منى ابن الرضا من يفصده فصر إليه وهو اعلم في يومنا هذا ممن هو تحت السماء فاحذر أن تعترض عليه

ص :237

فيما يأمرك به فمضيت إليه فامر بي إلى حجرة فقال كن بها إلى أن أطلبك قال وكان الوقت الذي دخلت به محمودا عندي فدعاني في وقت غير محمود له واحضر طشتا عظيما وفصدت الأكحل فلم يزل الدم يخرج حتى ملاء الطشت ثم قال اقطع فقطعت وشديده وردنى إلى الحجرة فبت فيها فلما أصبحت وطلعت الشمس دعاني واحضر ذلك الطست وقال سرح فسرحت فخرج من يده مثل اللبن الحليب إلى أن امتلاء الطشت ثم قال اقطع فقطعت وشديده وقدم لي تخت ثياب وخمسين دينارا وقال خذوا عذر وانصرف فأخذت وقلت يأمرني سيدي بخدمة قال نعم أحسن صحبة من يصحبك بدير العاقول فصرت إلى بختشيوع وأخبرته بالقصة فقال أجمعت الحكماء على أن أكثر ما يكون في بدن الانسان من الدم تسعة امنان وهذا الذي حكيت لو خرج من عين ماء لكان عجبا، واعجب من ذلك اللبن وفكر ساعة ثم مكث ثلاثة أيام بلياليها يقرأ الكتب على أن يجد لهذه القصة ذكرا في العالم فلم يجد ثم قال لم يبق اليوم في النصرانية اعلم بالطب من راهب بدير العاقول وكتب إليه كتابا يذكر فيه ما جرى فأعطانيه فخرجت به إليه وناديته فأشرف علي فقلت صاحب بختيشوع قال معك كتابه قلت نعم فأرخى إلي زنبيلا فجعلت الكتاب فيه ورفعه إليه فقرأه ونزل من ساعته فقالت أنت فصدت الرجل؟ قلت نعم قال طوبى لك وانا سآتيه فركب بغلا وسرنا فوافينا سر من رأى وقد بقي من الليل ثلثه وقلت أين تريد دار الأستاذ أم دار الرجل قال بل دار الرجل فصرنا إلى بابه

ص :238

قبل الاذان الأول ففتح الباب وخرج إلينا غلام أسود فقال أيكما راهب دير العاقول قال انا جعلت فداك قال انزل ثم قال لي الخادم احتفظ البغلين ودخلا فأقمت إلى أن أصبحنا وارتفع النهار ثم خرج إلي الراهب وقد رمى ثياب الرهبانية ولبس ثيابا بيضا واسلم وقال لي خذني الآن إلى دار أستاذك فصرنا إلى باب بختيشوع فلما رآه بادر يعدو إليه وقال له ما الذي أزالك عن دينك قال وجدت وجدت المسيح أو نظيره في آياته وبراهينه ثم انصرف إليه ولزم خدمته إلى أن مات " فصل " ومن ذلك في دلائل المهدي عليه السلام ما رويناه باسنادنا إلى الشيخ سعيد بن هبة الله الراوندي في كتاب (الخرائج والجرائح) عن الكليني قال حدثنا الأعلم المصري وكان أحد الصالحين قال خرجت في الطلب بعد مضي أبى محمد عليه السلام وقلت في نفسي لو كان شئ لظهر بعد ثلاث سنين، فسمعت صوتا ولم أر شخصا يقول يا نصر بن عبد العزيز قل لأهل مصر هل رأيتم رسول الله (ص) فآمنتم به، قال أبو الرجاء لم اعلم أن اسم أبى عبد ربه، وذلك انى ولدت بالمدائن فحملني أبو عبد الله النوفلي إلى مصر فنشات بها فلما سمعت الصوت لم أعول على شئ وخرجت. ومن ذلك ما رويناه باسنادنا إلى الشيخ أبى جعفر محمد ابن جرير الطبري باسناد يرفعه إلى احمد الدينوري الملقب بأستار قال انصرفت من أردبيل إلى الدينور أريد الحج وذلك بعد مضي أبى محمد الحسن بن علي عليهم السلام بسنة أو سنتين وكان الناس في حيرة فاستبشر

ص :239

أهل الدينور بموافاتي واجتمع الشيعة عندي وقالوا اجتمع عندنا ستة عشر ألف دينار من مال الموالي ونحن نحتاج ان تحملها معك وتسلمها لمن يجب تسليمها إليه فقلت يا قوم هذه أيام حيرة ولا يدرى الباب في هذا الوقت فقالوا انا اخترناك لحمل هذا المال لما نعرف من ثقتك وكرمك فاعمل عل ان لا تخرجه من يدك الا بحجة فحملوا إلي ذلك المال وخرجت فلما وافيت قرمسين كان أحمد بن الحسن بن الحسن مقيما بها فانصرفت إليه مسلما فلما رآني استبشر ثم أعطاني ألف دينار في كيس وتخوت ثياب ألوان معكمة لم اعرف ما فيها ثم قال احمل هذا معك ولا تخرجه من يدك إلا بحجة فقضبت المال والتخوت بما فيها من الثياب فلما وردت بغداد لم تكن لي همة غير البحث عمن أشير إليه بالنيابة فقيل ان ههنا رجلا يعرف بالباقطاني يدعي بالنيابة وآخر يعرف بإسحاق الأحمر يدعي أيضا بالنيابة وآخر يدعى بابى جعفر العمرى يدعي أيضا بالنيابة، فبدأت بالباقطاني وصرت إليه فوجدته شيخا مهيبا له مروة ظاهرة وفرس عربي وغلمان كثير وتجتمع إليه الناس فيتناظرون فدخلت إليه وسلمت عليه فرحب وقرب وسر وبر فاطلت القعود إلى أن خرج أكثر الناس فسألني عن أربتي فعرفته انى رجل من الدينور وافيت ومعي شئ من المال احتاج إلى أن أسلمه فقال أحمله فقلت أريد حجة قال تعود إلي في غد فعدت إليه من الغد فلم يأت بحجة وعدت في اليوم الثالث فلم يأت فصرت إلى إسحاق الأحمر فوجدته شابا نظيفا منزله أكبر من منزل الباقطاني وفرسه ولباسه ومروته اسرى وغلمانه أكثر ويجتمع عنده

ص :240

أكثر مما يجتمع عند الباقطاني فدخلت وسلمت فرحب وقرب فصبرت إلى أن خف الناس فسألني عن حاجتي فقلت له كما قلت للباقطاني ووعدني بالحجة فعدت إليه ثمانية أيام فلم يأت بحجة فصرت إلى أبي جعفر العمري فوجدته شيخا متواضعا عليه منطقة بيضاء قاعد على لبد في بيت صغير ليس له غلمان ولاله من المروة والفرش ما وجدته لغيره فسلمت فرد السلام وأدناني وبسط مني ثم سألني عن حاجتي فعرفته اني وافيت من الجبل وحملت مالا فقال إن أحببت ان يصل هذا الشئ إلى من يجب ان يصل إليه تخرج إلى سر من رأى وتسال عن فلان بن فلان الوكيل، وكانت دار ابن الرضا (ع) عامرة، فإنك تجد هناك ما تريد، فخرجت إلى سر من رأى وصرت إلى دار ابن الرضا (ع) وسالت عن الوكيل فذكر البواب انه مشتغل بالدار، وانه يخرج آنفا فقعدت على الباب انتظر خروجه فخرج بعد ساعة فقمت وسلمت عليه فاخذ بيدي إلى بيت كان له وسألني عن حالي وما وردت له فعرفته اني حملت شيئا من المال من ناحية الجبل واحتاج ان أسلم بحجة فقال نعم ثم قدم إلي طعاما وقال تغد بهذا واسترح فإنك تعب وبيننا وبين الصلاة الأولى ساعة فاني احمل إليك ما تريد فأكلت ونمت فلما كان وقت الصلاة الأولى ساعة فاني احمل الك ما تريد فأكلت ونمت فلما كان وقت الصلاة قمت وصليت وذهبت إلى المشرعة فاغتسلت وزرت وانصرفت إلى بيت الرجل ومكثت إلى أن مضى من الليل ربعه فجائني ومعه درج فيه (بسم الله الرحمن الرحيم) وافى محمد بن أحمد الدينوري وقد حمل ستة عشر ألف دينار في كذا وكذا صرة فيها صرة فلان بن فلان وفيها

ص :241

كذا وكذا دينار وصرة فلان بن فلان وفيها كذا وكذا دينار إلى أن عدد الصرر كلها وفيها صرة فلان ابن فلان الزراع ستة عشر دينارا قال فوسوس لي الشيطان وقلت في نفسي ان سيدي اعلم بهذا منى فمازلت اقرأ ذكر صرة صرة وذكر صاحبها عليها حتى اتى على آخر صرة وذكر بعد ذلك وقد حمل من قرمسين من أحمد بن الحسن المادراني أخي الصراف كيسا فيه ألف دينار وكذا وكذا تختا من الثياب ثوب لونه كذا وثوب لونه كذا حتى وصف ألوان الثياب ونسبها إلى أصحابها عن آخرها) قال فحمدت الله وشكرته على ما من به علي مما أزال الشك عن قلبي ثم امرني بتسليم جميع ما حملت إلى حيث يأمرك أبو جعفر العمري، قال فانصرفت إلى بغداد وصرت إلى أبي جعفر العمري وكان خروجي وانصرافي في ثلاثة أيام فلما بصر بي أبو جعفر قال لي ألم تخرج قلت يا سيدي بلى وانصرفت من سر من رأى فانا أحدث أبا جعفر إذ وردت رقعة إليه من صاحب الامر عليه السلام ومعها درج مثل الدرج الذي كان معي فيه ذكر المال والثياب وأمره ان يسلم جميع ذلك إلى أبي جعفر محمد بن أحمد بن جعفر القطان القمي فلبس أبو جعفر ثيابه وقال لي احمل ما معك إلى منزل محمد بن أحمد بن جعفر القطان فحملت المال والثياب إلى منزل القطان وسلمتها إليه وخرجت إلى الحج فلما رجعت إلى الدينور اجتمع عندي الناس فأخرجت الدرج الذي أعطانيه وكيل مولانا صلوات الله عليه وقرأته على القوم فلما سمع ذكر الصبرة باسم الزراع صاحبها سقط مغشيا عليه وما زلنا نعلله حتى افاق ولما

ص :242

افاق سجد شكر الله عز وجل وقال الحمد لله الذي من علينا بالهداية الآن علمت أن الأرض لا تخلو من حجة، هذه الصرة دفعها إلي هذا الزراع ولم يقف على ذلك إلا الله عز وجل قال وخرجت بعد ذلك فلقيت أبا الحسن المادراني وعرفته الخبر وقرأت عليه الدرج فقال يا سبحان الله مهما شككت في شئ فلا تشك ان الله لا يخلي ارضه من حجة، اعلم أنه لما غزا أزكوتكين يزيد بن عبد الله بشهر زور وظفر ببلاده واحتوى على على خزائنه صار إلى رجل وذكر ان يزيد ابن عبد الله جعل الفرس الفلاني والسيف الفلاني في باب مولانا، فجعلت انقل خزائن يزيد إلى أزكوتكين اولا فاولا وكنت أدافع عن الفرس والسيف إلى أن لم يبق شئ غيرهما وكنت ارجوان أخلص ذلك لمولانا عليه السلام فلما اشتدت مطالبة أزكوتكين إياي ولم يمكننى مدافعته جعلت في السيف والفرس على نفسي ألف دينار ورتبتها ودفعتها إلى الخازن وقلت له ادفع هذه الدنانير في أوثق مكان ولا تخرجن إلي في حال من الأحوال شيئا منها ولو اشتدت الحاجة إليها وسلمت الفرس والسيف فانا قاعد في مجلسي الذي ابرم فيه الأمور، وأوفي القصص وآمر وانهى إذ دخل أبو الحسن الأسدي وكان يتعاهدني في الوقت بعد الوقت وكنت اقضي حوائجه فلما طال جلوسه وعلي بؤس كثير قلت له ما حاجتك قال احتاج منك إلى خلوة فأمرت الخازن ان يهئ لنا مكانا فدخلنا الخزانة، فاخرج لي رقعة صغيرة من مولانا صلوات الله عليه فيها (يا أحمد بن الحسن الألف دينار التي عندك ثمن الفرس والسيف سلمها

ص :243

إلى أبي الحسن الأسدي) فخررت لله ساجدا لما من به علي من معرفة حجة الله حقا لأنه لم يكن وقف على هذا أحد غيري، فأضفت إلى ذلك المال ثلاثة آلاف دينار أخرى سرورا بما من الله به علي من معرفة هذا الامر ومن ذلك ما رويناه باسنادنا إلى الشيخ أبي جعفر الطبري أيضا من كتابه قال كتب علي بن محمد السمرى يسال الصاحب (ع) كفنا يتبين ما يكون من عنده، فورد الجواب انك تحتاجه سنة إحدى وثمانين، فمات في الوقت الذي حده عليه السلام وبعث إليه الكفن قبل موته بشهر. ومن الكتاب أيضا ما لفظه قال القاسم بن العلا كتبت إلى صاحب الامر عليه السلام كتابا في حوائج وأعلمته اني رجل كبر سنى ولا ولد لي فأجابني عن الحوائج ولم يجيبني عن الولد بشئ فكتبت إليه في الرابعة أسأله ان يدعو الله لي ان يرزقنى الله ولدا، فأجابني بحوائجي وكتب اللهم ارزقه ولدا ذكرا تقربه عينه واجعله هذا الحمل الذي أردت، فورد الكتاب وأنا لا اعلم أن لي حملا، فدخلت على جاريتي وسالتها عن ذلك فأخبرتني ان علتها قد ارتفعت وانها حامل، فولدت غلاما، وهذان الحديثان رويتهما عن الطبري والحميري، ومن ذلك ما رويناه عن الشيخ أبى جعفر الطبري والشيخ أبي العباس الحميري باسنادنا إليهما قالا حدثنا أبو جعفر قال ولد لي مولود فكتبت استأذن في تطهيره يوم السابع فورد الجواب لا فمات المولود في اليوم السابع ثم كتبت إليه اخبره بموته فكتب في الجواب بخلف الله عليك غيره وغيره فسم احمد ومن بعد احمد جعفرا، فجاءا كما

ص :244

قال صلوات الله عليه، ومن الكتاب المذكور ما رويناه باسنادنا إلى الشيخ أبي جعفر الطبري قال حدثنا محمد بن يعقوب الكليني قال حدثني أبو حامد المراغي عن محمد بن شاذان بن نعيم، قال قال لي رجل من أهل بلخ تزوجت امرأة سرا فلما وطأتها علقت وجاءت بابنة فاستأت وضاق صدري فكتبت أشكو ذلك فورد الجواب ستكفاها، فعاشت أربع سنين فماتت فوردني منه عليه السلام، الله ذو أناة وأنتم تستعجلون، ومن الكتاب المذكور ما رويناه باسنادنا إلى الشيخ أبي جعفر الطبري قال حدثنا أبو جعفر محمد بن هارون بن موسى التلعكبري قال حدثني أبو الحسين بن أبي البغل الكاتب قال تقلدت عملا من أبي منصور الصالحان وجرى بيني وبينه ما أوجب استتاري عنه، فطلبني وأخافني فمكثت مستترا خائفا ثم قصدت مقابر قريش ليلة الجمعة واعتمدت المبيت هناك للدعاء والمسألة، وكانت ليلة ريح ومطر، فسألت أبا جعفر القيم يقفل الأبواب وان يجتهد في خلوة الموضع لأخلو بما أريده من الدعاء والمسألة، خوفا من دخول انسان لم آمنه وأخاف من لقائه ففعل وقفل الأبواب وانتصف الليل فورد من الريح والمطر ما قطع الناس عن الموضع، فمكثت أدعو وازور واصلي، فبينا انا كذلك إذ سمعت وطئا عند مولانا موسى عليه السلام وإذا هو رجل يزور فسلم على آدم وعلى اولي العزم ثم على الأئمة واحدا واحدا إلى أن انتهى إلى صاحب الزمان فلم يذكره فعجبت من ذلك وقلت في نفسي لعله نسي أو لم يعرف أو هذا مذهب لهذا الرجل فلما فرغ من زيارته صلى ركعتين

ص :245

واقبل إلى مولانا أبي جعفر عليه السلام زار مثل تلك الزيارة وسلم ذلك السلام وصلى ركعتين وانا خائف منه اذلم اعرفه شابا من الرجال عليه ثياب بيض وعمامة محنك بها وله ذوابة ورداء على كتفه، فالتفت إلي وقال يا ابا الحسين ابن أبي البغل، أين أنت عن دعاء الفرج قلت فما هو يا سيدي قال تصلي ركعتين وتقول، يا من أظهر الجميل وستر القبيح. يا من لم يؤاخذ بالجريرة، ولم يهتك الستر، يا عظيم المن، يا كريم الصفح، يا حسن التجاوز، يا واسع المغفرة، يا باسط اليدين بالرحمة. يا منتهى كل نجوى وغاية كل شكوى، يا عون كل مستعين، يا مبتدأ بالنعم قبل استحقاقها يا رباه عشر مرات، يا منتهى غاية رغبتاه عشر مرات، أسألك بحق هذه الأسماء، وبحق محمد وآله الطاهرين إلا ما كشفت كربي، ونفست همي، وفرجت غمي، واصلحت حالي، وتدعو بعد ذلك ما شئت وتسال حاجتك ثم تضع خدك الأيمن على الأرض وتقول مائة مرة في سجودك يا محمد يا علي اكفياني فإنكما كافياي وانصراني فإنكما ناصراي، ثم تضع خدك الأيسر على الأرض وتقول ادركني يا صاحب الزمان، وتكر ذلك كثيرا وتقول الغوث الغوث الغوث حتى ينقطع النفس وترفع رأسك فان الله بكرمه يقضي حاجتك إن شاء الله، فلما اشغلت بالصلاة والدعاء خرج فلما فرغت خرجت إلى أبي جعفر لا سأله عن الرجل وكيف دخل فرأيت الأبواب على حالها مقفلة فعجبت من ذلك وقلت لعل بابا هنا آخر لم اعلمه وانتهيت إلى أبى جعفر القيم فخرج إلي من باب الزيت فسألته عن الرجل

ص :246

ودخوله، فقال الأبواب مقفلة كما ترى ما فتحتها فحدثته الحديث فقال هذا مولانا صاحب الزمان وقد شاهدته دفعات في مثل هذه الليلة عند خلوتها من الناس، فتأسفت على ما فاتني منه وخرجت عند قرب الفجر وقصدت الكرخ إلى الموضع الذي كنت مستترا فيه فما اضحى النهار إلا وأصحاب ابن أبي الصالحان يلتمسون لقائي ويسألوا عنى أصحابي وأصدقائي، ومعهم أمان من الوزير ورقعة بخطه فيها كل جميل، فحضرت مع ثقة من أصدقائي فقام والتزمني وعاملني بما لم أعهده، وقال انتهت بك الحال إلى أن تشكوني إلى صاحب الزمان صلوات الله عليه، فاني رأيته في النوم البارحة يعنى ليلة الجمعة وهو يأمرني بكل جميل، ويجفو علي في ذلك جفوة خفتها، فقلت لا إله إلا الله اشهد انهم الحق ومنتهى الحق، رأيت البارحة مولانا في اليقظة، وقال لي كذا وكذا، وشرحت ما رأيته في المشهد، فعجب من ذلك، وجرت منه أمور عظام حسان في هذا المعنى وبلغت منه غاية لم أظنها، وذلك ببركة مولانا صلوات الله عليه (فصل) ومما روينا باسنادنا إلى الشيخ أبى العباس عبد الله بن جعفر الحميري في الجز الثاني من كتاب (الدلائل) قال وكتب رجل من ربض حميد يسأله الدعاء في حمل له، فورد عليه الدعاء في الحمل قبل الأربعة أشهر وانها ستلد ابنا، فكان الامر كما قال صلوات الله عليه (فصل) ومن الكتاب المذكور قال الحسن بن علي بن إبراهيم السياري كتب علي بن محمد السمري يسال الصاحب (ع) كفنا، فورد عليه انك

ص :247

تموت في إحدى وثمانين، فمات في تلك السنة وبعث إليه بالكفن قبل موته بشهرين، (فصل) ومما روينا باسنادنا إلى الشيخ سعيد بن هبة الله الراوندي في الجزء الأول من كتاب الخرائج والجرائح فقال عن رشيق الحاجب المادراني قال بعث إلينا المعتضد وأمرنا ان نركب ونحن ثلاثة نفر ونخرج مخفين على السرج وبحيث لا نرى، وقال الحقوا بسامرا واكبسوا دار الحسن بن علي فإنه توفي فمن رأيتم بها فاتوني به، فاتينا سامرا وكبسنا الدار كما أمرنا فوجدنا دار أسترته كان الأيدي رفعت عنها في ذلك الوقت فرفعنا السترة فإذا سرداب في الدار الأخرى فدخلنا فرأينا كان بحرا فيه وفى اقصاه حصير قد علمنا أنه على الماء وفوقه رجل من أحسن الناس هيبة قائم يصلي، فلم يلتفت إلينا ولا إلى شئ من أسبابنا فسبق أحمد بن عبد الله ليتخطى فغرق في الماء وما زال يضطرب حتى مددت يدي إليه فخلصته واخرجته وغشي عليه وبقي ساعة، وعاد صاحبي الثاني إلى فعل الأول فناله مثل ذلك فبقيت مبهوتا فقلت لصاحب البيت المعذرة إلى الله والى رسوله واليك فوالله ما علمت كيف الخبر والى من نجئ وانا تائب إلى الله، فما التفت إلي بشئ مما قلت ثم عدنا إلى المعتضد فأخبرناه فقال اكتموه وإلا ضربت أعناقكم، ومن الكتاب المذكور ما رويناه عن الشيخ المفيد ونقلناه عن نسخة عتيقة جدا من أصول أصحابنا قد كتبت في زمان الوكلاء فقال فيها ما هذا لفظه، قال الصفواني رحمه الله

ص :248

رأيت القاسم ابن العلاء وقد عمر مائة سنة وسبعة عشرة منها ثمانون سنة صحيح العينين فيها لقي مولانا أبا الحسن ومولانا ابا محمد العسكري عليهما السلام وحجب بعد الثمانين وردت عيناه قبل موته بسبعة أيام، وذلك اني كنت مقيما عنده بمدينة اران من ارض آذربيجان، وكان لا تنقطع عنه توقيعات مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه على يد أبي جعفر محمد ابن عثمان العمري وبعده علي يد أبي القاسم بن روح قدس الله روحيهما فانقطعت عنه المكاتبة نحوا من شهرين فقلق رحمه الله لذلك فبينا نحن عنده إذ دخل البواب مستبشرا وقال فيج العراق قد ورد ولا يسمى بغيره فاستبشر أبو القاسم وحول وجهه إلى القبلة فسجد ودخل رجل قصير بالصرر الفيوج عليه وعليه جبة مصرية وفى رجليه نعل آملي وعلى كتفه مخلاة فقام إليه وعانقه ووضع المخلاة من عنقه ودعا بطست من ماء فغسل وجهه واجلسه إلى جانبه فأكلنا وغسلنا أيدينا فقام الرجل واخرج كتابا أفضل من نصف الدرج فناوله القاسم فقبله ودفعه إلى كاتب له يقال له عبد الله بن أبي سلمة فاخذه وفضه وقراه وبكى حتى احس القاسم ببكائه فقال القاسم له يا عبد الله خيرا قال ما يكره فلا قال فما هو قال ينعى الشيخ نفسه بعد ورود هذا الكتاب بأربعين يوما وانه يمرض في اليوم السابع من ورود هذا الكتاب وان الله يرد عليه بعد ذلك عينيه وقد حمل سبعة أثواب فقال القاسم، في سلامة من ديني؟ قال في سلامة من دينك فضحك رحمه الله وقال ما أو مل بعد هذا العمر، ثم قام الرجل الوارد فاخرج من

ص :249

مخلاته ثلاثة ازر يمانية حمراء وعمامة وثوبين ومنديلا فاخذها الشيخ وكان عنده قميص خلعه عليه مولانا أبو الحسن ابن الرضا عليه السلام، وكان له صديق يقال له عبد الرحمان ابن محمد السرى وكان شديد النصب وكان بينه وبين القاسم نضر الله وجهه مودة في أمور الدنيا شديدة وكان يواده وكان عبد الرحمان وافى إلى آران للاصلاح بين أبي جعفر ابن حمدون الهمداني وبين حيان العين فربما حضر عنده فقال لشيخين كانا مقيمين عنده أحدهما يقال له أبو حامد عمران بن المفلس والآخر يقال له أبو علي محمد أريد ان أقرأ هذا الكتاب لعبد الرحمان فانى أحب هدايته وارجو ان يهديه الله عز وجل بقراءة هذا الكتاب فقال لا إله إلا الله، هذا الكتاب لا يحتمل ما فيه خلق من الشيعة فكيف عبد الرحمان، فقال اني أعلم اني مفش سرا لا يكون لي اعلانه ولكن لمحبتي عبد الرحمان أشتهي ان يهديه الله لهذا الامر، فاقرأه له فلما مر ذلك اليوم وكان الخميس لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب سنة أربع وثلاثمائة دخل عبد الرحمان وسلم عليه، فقال له اقرأ هذا الكتاب وانظر لنفسك فقرأه فلما بلغ إلى موضع النعي به رمى الكتاب من يده وقال للقاسم يا ابا محمد اتق الله فإنك رجل فاضل في دينك متمكن من عقلك، ان الله يقول (وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس باي ارض تموت) ويقول (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا) فضحك القسم وقال أتم الآية (إلا من ارتضى من رسول) ومولاي هذا المرتضى من رسول، قد علمت أنك تقول هذا ولكن ارخ

ص :250

هذا اليوم فان انا عشت بعد هذا اليوم المؤرخ في الكتاب فاعلم اني لست على شئ وان انا مت فانظر لنفسك، فأرخ عبد الرحمان اليوم وافترقوا فلما كان اليوم السابع من ورود الكتاب حم القاسم واشتدت به العلة واستند في فراشه إلى الحائط، وكان ابنه الحسن بن القاسم مدمنا على شرب الخمر وكان متزوجا إلى أبى عبد الله بن حمدون الهمداني وكان ابن حمدون الهمداني جالسا في ناحية من الدار ورداؤه على وجهه، وأبو حامد في ناحية وأبو علي بن محمد وجماعة من أهل البلد يبكون إذ اتكاء القاسم على يديه إلى خلف وجعل يقول يا محمد يا علي يا حسن يا حسين إلى آخر الأئمة يا موالي كونوا شفعائي إلى الله عز وجل ثم قالها ثانية ثم قالها ثالثة فلما وصل إلى يا موسى يا علي تفرقعت أجفان عينيه كما تفرقع الصبيان شقائق النعمان وانفتحت حدقتاه وجعل يمسح بكمه عينيه وخرج من عينيه شئ يشبه ماء اللحم ثم مد طرفه إلى ابنه فقال يا حسن إلي يا ابا حامد إلي يا ابا علي إلي، فاجتمعوا حوله ونظر إلى حدقتيه صحيحين، فقال أبو حامد تراني، فجعل يده على كل واحد منا، وشاع في الناس هذا فاتاه الناس ينظرون إليه، وركب إليه القاضي وهو عينية بن عبيد الله أبو ثابت المسعودي قاضي القضاة ببغداد فدخل عليه وقال يا ابا محمد ما هذا الذي بيدي واراه خاتما فصه فيروزج وقربه منه فقال خاتم فصه فيروزج عليه ثلاثة أسطر فتناوله القاسم فلم يمكنه قراءته، وخرج الناس متعجبين يتحدثون بخبره، فالتفت القسم إلى ابنه الحسن فقال يا بني ان الله عز اسمه جعل منزلتك منزلتي ومرتبتك مرتبتي

ص :251

فاقبلها بشكر فقال الحسن قد قبلتها قال القاسم على ماذا قال على ما تأمرني به قال إن تنزع عما أنت عليه من شرب عما أنت عليه من شرب الخمر فقال يا ابه وحق من أنت في ذكره لا نزعن عن شرب الخمر ومع الخمر أشياء لا تعرفها، فرفع القاسم يده إلى السماء وقال اللهم الهم الحسن طاعتك وجنبه معصيتك ثلاث مرات ثم دعا بدرج وكتب وصيته رحمه الله بيده، وكانت الضياع التي بيده لمولانا عليه السلام وقفها له أبوه فكان فيما أوصى الحسن ان قال له انك ان أهلت الامر يعني الوكالة لمولانا عليه السلام تكون مؤونتك من نصف ضيعتي المعروفة بفرجند وسائرها ملك لمولاي وان لم تؤهل فاطلب خيرك من حيث يبعث الله لك فقبل الحسن وصيته على ذلك فلما كان يوم الأربعين وقد طلع الفجر مات القسم فوافاه عبد الرحمان بن محمد يعدو في الأسواق حافيا حاسرا وهو يصيح وا سيداه فاستعظم الناس منه ذلك، وجعلوا يقولون له ما الذي تفعل بنفسك، فقال اسكتوا فانى رأيت ما لم تروا، وشيعه ورجع عما كان عليه ووقف أكثر ضياعه، فتجرد أبو علي بن محمد وغسل القاسم وأبو حامد يصب عليه الماء ولف في ثمانية أثواب على بدنه قميص مولانا وما يليه السبعة أثواب التي جاءت من العراق، فلما كان بعد مدة يسيرة ورد كتاب تعزية على الحسن من مولانا صلوات الله عليه ودعا له في آخره الهمه الله طاعة وجنبه معصيته، وهو الدعاء الذي كان دعا به أبوه وكان في آخره قد جعلنا أباك لك إماما وفعاله مثلا، وروينا هذا الحديث الذي

ص :252

ذكرناه أيضا عن أبي جعفر الطوسي رضوان الله عليه، ومن ذلك ما رويناه باسنادنا إلى الشيخ سعيد بن هبة الله الراوندي في الجزء الأول من كتاب الخرائج والجرائح قال روي عن أبي الحسن المسترق الضرير قال كنا يوما في مجلس الحسن بن عبيد الله بن حمدان ناصر الدولة فتذاكرنا أمر الناحية فقال كنت ازري عليها حتى حضرت مجلس عمي الحسين فأخذت اتكلم بذلك فقال يا بني كنت أقول بمقالتك هذه إلى أن ندبت إلى ولاية قم حين استصعبت على السلطان وكان كل من ورد إليها يحاربه أهلها فسلم إلي الجيش وخرجت نحوها فلما بلغت إلى ناحية نهر خرجت إلى الصيد ففاتتني طريدة فاتبعتها وأوغلت في طلبها واثرها حتى بلغت إلى نهر فسرت فيه وكلما سرت اتسع ذلك النهر فبينا انا كذلك إذ طلع علي فارس تحته شهباء وهو معم بعمامة خز أخضر لا أرى منه سوى عينيه وفى رجليه خفان أحمران فقال لي يا حسين لا هو لقبني ولا كناني قلت ما ذا تريد قال كم تزري على الناحية ولم تمنع أصحابي خمس مالك، قال وكنت الرجل الوقور الذي لا يخاف شيئا، فارعدت وتهيبته وقلت افعل يا سيدي ما تأمر به قال فإذا مضيت إلى الموضع الذي أنت متوجه إليه ودخلته وكسبت ما كسبت فيه فاحمل إلى من يستحق خمسه فقلت السمع والطاعة قال فامض راشدا ولوى عنان دابته وانصرف فلم أدري أي طريق سلك فطلبته يمينا وشمالا فخفي علي اثره، فازددت رعبا وانفلت راجعا إلى عسكري وتناسيت الحديث حتى بلغت قم، وعندي انى محارب القوم فخرج إلي أهلها وقالوا كنا نحارب

ص :253

من يجيئنا لخلافهم لنا فإذا وافيت أنت فلا خلاف بيننا وبينك ادحل البلد ودبرها كما ترى، فدخلت البلد وأقمت فيها زمانا واكتسبت اموالا زائدة على ما كنت أقدر ثم وشى القواد بي إلى السلطان وحدثوه بطول مقامي وكثرة ما اكتسبت، فعزلت ورجعت إلى بغداد فابتدأت بدار السلطان فسلمت وأقبلت إلى منزلي فجائني فيمن جائني محمد بن عثمان العمري فتخطى الناس حتى اتكاء على متكلي فاغتظت من ذلك ولم يزل قاعدا ما يبرح والناس داخلون وخارجون وانا ازداد غيظا فلما تصرم المجلس دنا إلي وقال بيني وبينك سرفا سمعه قلت ماذا قال صاحب الشهباء والنهر يقول هلا وفيت بما وعدتنا فذكرت الحديث وارتعت وقلت السمع والطاعة وقمت ففتحت الخزائن له ولم يزل يخمس إلى أن خمس شيئا كثيرا كنت أنسيته مما جمعته فذكرنيه واخذ الخمس وانصرف، فلم أشك بعد ذلك وتحققت الامر قال فانا منذ سمعت هذا الحديث من عمي أبى عبد الله زال ما كان عرض لي من شك بحمد الله، ومن ذلك ما رويناه باسنادنا عن الشيخ سعيد الراوندي في كتابه المذكور قال ومنها ما روي عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه رحمه الله قال لما وصلت بغداد سنة سبع وثلاثين وثلثمائة أردت الحج، وهى السنة التي رد القرامطة فيها الحجر إلى مكانه من البيت، لأنه يمضي في الكتب قصة اخذه وانه ينصبه في مكانه الحجة في ذلك الزمان كما وضعه في مكانه زين العابدين عليه السلام في زمن الحجاج فاستقر في مكانه، فاعتللت علة صعبة خفت منها على نفسي، ولم

ص :254

يتهيأ لي ما قصدت فاتيت ابن هشام وأعطيته رقعة مختومة اسال فيها عن مدة عمري وهل تكون الميتة في هذه العلة أولا وقلت له همى ايصال هذه الرقعة إلى من يضع الحجر في مكانه ويستقر واخذ جوابه، فإنما أندبك لهذا فقال الرجل المعروف بابن هشام لما وصلت مكة وعزم أهلها على إعادة الحجر مكانه بذلت لسدنة البيت جملة تمكنت معها من الوقوف بحيث ارى واضع الحجر في مكانه وأقمت معي منهم من يمنع عنى ازدحام الناس فكلما عمد انسان لوضعه اضطرب ولم يستقم، فاقبل غلام أسمر اللون حسن الوجه فتناوله ووضعه في مكانه فاستقام ولم يزل عن مكانه فعلت لذلك الأصوات، فانصرف خارجا من الباب، فنهضت من مكاني اتبعه وادفع الناس عني يمينا وشمالا حتى ظن الاختلاط بي في العقل، والناس يفرجون له وعيني لا تفارقه حتى انقطع عن الناس، وكنت أسرع المسير خلفه وهو يمشي على توأدة، فلما حصل بحيث لا يراه أحد غيري وقف والتفت إلي وقال هات ما معك، فناولته الرقعة فقال من غير أن ينظر إليها، قل له لا خوف عليك في هذه العلة وسيكون ما لا بد منه بعد ثلاثين سنة، قال فوقع على الزمع حتى لم اطق حراكا وتركني وانصرف قال أبو القاسم فحضر وأعلمني هذه الجملة فلما كانت سنة الثلاثين اعتل أبو القاسم فاخذ ينظر في أمره بتحصيل جهازه في قبره وكتب وصيته واستعمل الجد في ذلك فقيل له ماذا الخوف؟ ونرجو ان يتفضل الله عليك بالسلامة، فما علتك مما يخاف فقال هذه السنة التي خوفت فيها ومات في علته رحمه الله

ص :255

(فصل) فيما نرويه عن أبي محمد عبد الله بن محمد بن أبي محمد عبد الله الحذاء الدعلجي (منسوب إلى موضع خلف باب الكوفة ببغداد يقال لأهله الدعالجة) وكان فقيها عارفا ذكره النجاشي في كتابه بما ذكرناه قال وعليه تعلمت المواريث وله كتاب الحج، قال الشيخ سعيد بن عبد الله الراوندي في الجزء الأول من كتابه الخرائج والجرائح ما هذا لفظه ان ابا محمد الدعلجي كان له ولدان وكان من خيار أصحابنا وكان قد سمع الأحاديث وكان أحد ولديه على الطريقة المستقيمة وهو أبو الحسن وكان يغسل الأموات والولد الآخر يسلك مع الفساق فدفع إلي أبى محمد حجة تحج بها عن صاحب الزمان صلوات الله عليه، وكان ذلك عادة الشيعة في ذلك الوقت وتركت بعد ذلك، فدفع منها شيئا إلى ولده المذكور بالفساد وخرج إلى الحج ولما عاد حكى انه كان واقفا بالموقف رأى شخصا إلى جانبه حسن الوجه أسمر اللون ذا ذؤابتين مقبلا على شانه في الابتهال والدعاء، حسن العمل والتضرع قال فلما نفر الناس التفت إلي وقال يا شيخ اما تستحي قلت من أي شئ يا سيدي قال تدفع إليك حجة عمن تعلم فتدفع منها إلى فاسق يشرب الخمر يوشك ان تذهب عينك هذه، وأومأ إلى عيني فانا من ذلك علي وجل ومخافة، وسمع منه أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان ذلك فما مضى عليه إلا أربعون يوما من بعد ملاقاته مولانا عليه السلام حتى خرجت في عينه التي أو ماء إليها قرحة فذهبت بها، ومن ذلك ما رويناه باسنادنا إلى الشيخ سعيد بن هبة اللة الراوندي في كتابه

ص :256

(الخرائج والجرائح) في الجزء الثاني منه قال ومنها ما روي عن أحمد بن أبي روح قال وجهت إلي امرأة من أهل الدينور فاتيتها فقالت يابن أبي روح أنت أوثق من في ساحتنا دينا وورعا واني أريد ان أودعك أمانة اجعلها في رقبتك تؤديها وتقوم بها قلت افعل إن شاء الله قالت هذه دراهم في هذا الكيس المختوم لاتحله ولا تنظر إليه حتى تؤديه إلى من يخبرك بما فيه وهذا قرطي يساوي عشرة دنانير وفيه ثلاث حبات لؤلؤ تساوي عشرة دنانير ولي إلى صاحب الزمان حاجة أريد ان يخبرني بها قبل ان اساله عنها قلت وما الحاجة قالت عشرة دنانير اقترضتها ولا أدري إلى من ادفعها فان أخبرك فادفعها إلى من يأمرك، فاتيت سامراء فقيل لي ان جعفر بن علي يدعي الإمامة فقلت ابدأ بجعفر ثم تفكرت فقلت ابدأ بهم فان كانت الحجة عندهم والا اتيت جعفرا، فدنوت من باب دار أبي محمد عليه السلام فخرج إلي خادم وقال أنت احمد ابن أبي روح قلت نعم قال فهذه الرقعة اقرءها فإذا فيها، بسم الله الرحمن الرحيم أودعتك بنت الدينوري كيسا فيه ألف درهم بزعمك وهو خلاف ما تظن وقد أديت الأمانة ولم تفتح الكيس ولم تدر ما فيه ألف درهم وخمسون دينارا صحاحا ومعك قرطان زعمت المرأة انهما تساوي عشرة دنانير، وهى تساوي ثلاثين دينارا فادفعها إلى جاريتنا فلانة فانا قد وهبناها لها، وصر إلى بغداد وادفع المال إلى حاجز وخذ منه ما يعطيك لنفقتك. فاتيت بغداد ودفعت المال إليه فأعطاني شيئا منه، فاخذته وانصرفت إلى الموضع الذي نزلت

ص :257

فيه، فإذا بفيج فاجأني من المنزل يخبرني بان حموي قد مات وأهلي يأمروني بالانصراف إليهم، فرجعت فإذا هو مات وورثت منه ثلاثة آلاف دينار ومائة ألف درهم، ومن ذلك ما ذكره الراوندي رحمه الله أيضا في الجزء الأول من كتاب الخرائج والجرائح قال إن علي بن الحسين ابن موسى بن بابويه كانت تحته ابنة عمه ولم يرزق منها ولدا، فكتبت إلى الشيخ أبي القاسم بن روح ان يسال الحضرة ليدعو الله ان يرزقه أولادا فجاء الجواب انك لا ترزق من هذه وستملك جارية ديلمية ترزق منها ولدين فقيهين ماهرين، فرزق منها محمدا والحسين وكان لهما أخ أوسط مشتغل بالزهد لا فقه له، ومن الكتاب المذكور ما روي عن علي بن إبراهيم الفدكي قال قال الأودي بينا انا في الطواف طفت ستة أشواط وأريد ان أطوف السابع فإذا انا بحلقة عن يمين الكعبة وشاب حسن الوجه طيب الرائحة هيوب مع هيبته متقرب إلى الناس وقالوا هذا ابن رسول الله يظهر للناس في كل سنة لخواصه يوما فيحدثهم، فجئته وقلت مسترشد فارشدني هداك الله عز وجل فناولني حصاة فحولت وجهي فقال لي بعض خدامه ما الذي دفع إليك قلت حصاة فقال هو لي قد تبينت لك الحجة وظهر الحق وذهب عنك العمى أتعرفني قلت اللهم لا قال انا المهدي انا قائم الزمان أملؤها عدلا كما ملئت جورا، ان الأرض لا تخلو من حجة ولا تبقى الناس في فترة أكثر من تيه بني إسرائيل فقد ظهر أيام خروجي فهذه أمانة في رقبتك تحدث بها إخوانك من أهل الحق

ص :258

(فصل) يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس الحسنى قد اقتصرت على هذه الأحاديث اليسيرة على ما كان ولو ذكرت ما في معناها كانت عدة مجلدات، واقتصرت على طريقين في الرواية من غير زيادة، إلا ما استثنيته منهم عليهم السلام لأجل السعادة، واني أرويه بعدة طرق من أهل المعرفة والسيادة، وانما ذكرت من هذه الأحاديث في هذا الكتاب، المتعلق بأحاديث النجوم وما في النجوم من خطا وصواب، لأني لما ذكرت اخبارا في صدق دلالات النجوم على الحادثات وصدق المخبرين بذلك فيما أوردناه من الحكايات اقتضى وجوب الاستظهار لنبوة جدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولحرمة مقامه الشريف، وبما دعا إليه من التكليف، ان أبادر إلى التعريف، لمن يقف على هذا التصنيف، ان رسول الله صلى الله عليه، ومن أكرمه الله جل جلاله من خاصته المنسوبة إليه، كان منهم من أخبر عنه بالغائبات وشرف لأجله بالكرامات، وبلغ ما بلغ الذين نقلوا عنه الاحكام المذكورات، وما كانوا معروفين بعلم النجوم وما فيها من الدلالات على الكائنات، ولا عرف لهم أستاذ من غيرهم تعلموا ذلك عليه، ولا وجد لهم كتاب في علم النجوم ينظرون إليه، ولا عوف ان ذاكر أذكر انهم افتقروا إلى الآلات من أصطرلاب ولا تقويم ولا زائجة ولا رمل ولا زجر ولا قيافة، بل كان ذلك من فضل الله عليهم والرحمة والرأفة كما قال سبحانه في محكم الآيات، (أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا

ص :259

بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات) وهذا آخر ما ورد على خاطري ان أذكره في كتاب فرج المهموم في معرفة منهج الحلال والحرام من علم النجوم، بما رجوت ان يكون صادرا عن رضا الله جل جلاله فاتح أبواب العلوم، وان يجعله ذخيرة ووسيلة إلى رحمته في اليوم المعلوم، وكان الفراغ من تأليفه يوم الثلاثا لعشرين من شهر المحرم سنة خمسين وستمائة هلالية بمشهد مولانا الشهيد المعظم الحسين صلوات الله عليه إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين وصلاته على محمد وآله الطاهرين، وفرغ من كتابته على نسخة كتبت بأصفهان لأمر السيد علي نظام الدين المكي الشيرازي سنة الف ومائة وثمان عشرة وقوبلت أقل العباد محاسن وأكثرهم مساوي محمد بن الشيح طاهر السماوي في النجف سنة 1366 من الهجرة الموصوفة بأكرم وصف، حامدا مصليا مسلما مستغفرا

ص :260

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.