الصوارم المهرقه فی نقد الصواعق المحرقه

اشارة

سرشناسه : شوشتری، نور الله بن شریف الدین، 956 - 1019ق.

عنوان قراردادی : الصواعق المحرقه علی اهل الرفض و البدع و الزندقة .شرح

عنوان و نام پديدآور : الصوارم المهرقه فی نقد الصواعق المحرقه کتاب انتقادی یبحث عن الامامه العظمی و الخلافه الکبری علی نهج یقتضیه العقل ببیان واف غیر مستعص علی الافهام/تالیف القاضی نور الله التستری؛عنی بتصحیحه جلال الدین الحسینی. ویتقدمه رساله فیض الا له فی ترجمه القاضی نورالله رحمه الله/ [ جلال الدین الحسینی ]

مشخصات نشر : تهران: مشعر، 1385.

مشخصات ظاهری : 584ص.

شابک : 40000ریال: 964-540-016-3

وضعیت فهرست نویسی : فاپا

يادداشت : کتاب حاضر شرحی بر" الصواعق المحرقه علی اهل الرفض و البدع و الزندقه " اثر "احمد بن محمد بن علی بن الحجر الهیثمی المکی" می باشد.

يادداشت : جلال الدین حسینی مصحح کتاب اول و مولف کتاب دوم است.

یادداشت : کتابنامه به صورت زیرنویس.

یادداشت : نمایه

عنوان دیگر : رساله فیض الاله فی ترجمه القاضی نور الله رحمه الله

موضوع : شوشتری، نور الله بن شریف الدین، 956 - 1019ق. -- سرگذشتنامه

موضوع : ابن حجر هیثمی، احمد بن محمد، 909 - 974ق. الصواعق المحرقة علی اهل الرفض و البرع و الزندقه -- نقد و تفسیر

موضوع : شیعه -- دفاعیه ها و ردیه ها

موضوع : چهارده معصوم --- احادیث

موضوع : بدعت و بدعت گذاران

شناسه افزوده : حسینی، جلال الدین مصحح

شناسه افزوده : ابن حجر هیثمی، احمد بن محمد، 909 - 974ق. الصواعق المحرقة علی اهل الرفض و الزندقه . شرح

شناسه افزوده : حسینی، جلال الدین.فیض الا له فی ترجمه القاضی نور الله رحمه الله

رده بندی کنگره : BP212/الف22ص90213

رده بندی دیویی : 297/417

شماره کتابشناسی ملی : م85-24747

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

ص: 6

المقدمّة

بسم اللَّه الرحمن الرحيم الحمد للَّه وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد

فهذه رسالة موسومة ب «فيض الإله في ترجمة القاضي نور اللَّه» كتبتها أداءً لبعض ما على الشيعة من حق هذا السيد الجليل، وإيفاءً بوظيفة الشكر على ما وصل إلينا من فيض إحسانه الجزيل، وإحياءً لذكره الحسن وثناءه الجميل، لا، بل إحياء لذكرى الميّت بذكره الحيّ كما قال الخوارزمي:

يا ربّ حيّ ميِّتٌ ذِكْرُهُ وَ مَيِّتٌ يَحيى بأخباره

وذلك لاتّصافه بصفة العلم الحقيقي المؤدّي إلى الحياة الأبديّة كما قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«وَالعُلَماءُ باقُونَ ما بَقِيَ الدَّهْرُ، أَعْيانُهُمْ مَفْقُودَةٌ، وَأَمْثالُهُمْ فِي القُلُوبِ مَوْجُودَةٌ»

. (1)

هرگز نميرد آنكه دلش زنده شد به عشق ثبت است بر جريده عالم دوام ما

وينسب إليه عليه السلام أيضاً أنّه قال:

«النّاسُ مَوْتى وَأَهْلُ العِلْمِ أَحْياءٌ» (2)

وأضف إلى هذا العموم خصوصية أخرى في حق الشهداء من العلماء كالقاضي- قدس اللَّه تربته الزكية- فإنّ فوزهم بالشهادة أمر آخر يزداد على تلك السعادة، فهم مشمولون لقوله تعالى:

«وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ» (3)

وذيّلت ترجمته بترجمة أستاذه، الذي إليه ينتهي غالب استناده، وترجمة جماعة من علماء قومه وقبيلته، وفضلاء طائفته وعشيرته، ممّن ينبغي ذكرهم عند ذكره، كجدّه وأبيه، وإخوانه وأحفاده وبنيه، وعمّه وبني عمّه. وحيث أنّ تأليف هذه الرسالة المشتملة على تراجم هؤلاء الأكارم، الجامعين للمفاخر والمآثر والمكارم، اتّفق في هذا الزمان المقترن بطبع كتاب الصوارم، جعلتها كالمقدمة لذلك الكتاب، المشتمل من أدلّة الإمامة على لبّ اللّباب.

مقدمة

لمّا كان ما حرّره الفاضل الجليل المعاصر الشيخ عبدالحسين الأميني التبريزي دام بقائه من شرح حال القاضي قدس سره في كتابه

«شهداء الفضيلة»

من أحسن ما كتب في الباب نذكره أوّلًا ثم نذيّله بما ذكره علاء الملك بن القاضي قدس سره في ترجمة والده القاضي قدس سره لكونه أتقن ما في الباب لأنّ أهل البيت أدرى بما في البيت ونذيّلهما بما يقتضيه المقام، من الردّ والقبول والنقض والإبرام، وسلسلة الكلام في بيان المرام،


1- ديوان على عليه السلام، ص 24
2- ديوان على عليه السلام، ص 24
3- آل عمران/ 169

ص: 7

جارية على هذا النظام حتى تنتهي إلى التمام، واللَّه وليّ التوفيق وبيده زمام الاتمام، ثم لمّا كان ما ذكره ابن القاضي في ترجمة علماء أسرته بالفارسية وكتابنا هذا بالعربية كانت رعاية وحدة السياق تقتضي أن نترجم عباراته وننقله هنا بالعربية لكن حيث كانت تفوت الناظرين حينئذ بعض النكات أعرضنا عن رعاية وحدة السياق، ففي غالب الموارد نورد العبارات بعينها بالفارسية، نعم في بعض الأحيان ننقله بالعربية وننقل عين عبارته الفارسية أيضاً في ذيل الصفحة لئلّا يفوت الناظر شي ء من النكات واللطائف فأقول مستعيناً باللَّه ومتوكلًا عليه:

قال الفاضل المعاصر في كتابه

«شهداء الفضيلة»

ما لفظه:

السيد الإمام العلامة ضياء الدين القاضي نور اللَّه

بن السيد شريف بن نور اللَّه بن محمد شاه بن مبارز الدين مندة بن الحسين بن نجم الدين محمود بن أحمد بن الحسين بن محمد بن أبي المفاخرين علي بن أحمد بن أبي طالب بن إبراهيم بن يحيى بن الحسين بن محمد بن أبي علي بن حمزة بن علي بن حمزة بن علي المرعش بن عبداللَّه بن محمد الملقّب بالسيلق بن الحسن بن الحسين الأصغر بن الإمام علي بن زين العابدين بن الإمام الحسين بن أمير المؤمنين علي عليهم السلام، التستري المرعشي صاحب كتاب إحقاق الحق ومجالس المؤمنين وغيرهما؛ ولد قدس سره سنة 956 ق، واستشهد سنة 1019 ق، وتاريخ شهادته بالفارسية(سيد نوراللَّه شهيد شد).

كعبة الدين ومناره، ولجّة العلم وتياره، بلج المذهب السافر، وسيفه الشاهر وبنده الخافق، ولسانه الناطق، أحد من فيّضه المولى للدعوة إليه، والأخذ بناصر الهدى فلم يبرح باذلًا كلّه في سبيل ما اختاره له ربّه حتى قضي شهيداً، وبعين اللَّه ماهريق من دمه الطاهر، هبط البلاد الهندية فنشر فيها الدعوة وأقام حدود اللَّه، وجلا ما هنالك من حلك جهل دامس ببلج علمه الزاهر، ولعلّه أوّل داعية فيها إلى التشيع والولاء الخالص، تجد الثنآء عليه متواتراً في

«أمل الآمل»

و

«رياض العلماء»

ص: 8

و

«روضات الجنات» و «الإجازة الكبيرة»

لحفيد السيد الجزائري و

«نجوم السماء» و «المستدرك» و «الحصون المنيعة»

وغيرها من المعاجم.

كان المترجم من أكابر علماء العهد الصفوي معاصراً لشيخنا البهائي قدس سره قرأ في

«تستر»

على المولى عبدالوحيد التستري ولم نحط خبراً بتفصيل من أخذ عنه العلم غيره، غير ما دلّنا على غزارة علمه وعبقريته ومشاركته في العلوم و نبوغه فيها من كتبه الثمينة وإليك أسمائها (1).

كتاب إحقاق الحق وهو الذي أوجب قتله، كتاب كبير واسع المادة يتدفّق العلم من جوانبه، نقد فيه القاضي الفضل بن روز بهان في ردّه على آية اللَّه العلامة الحلي في كتاب نهج الحق وكشف الصدق، ردّه فيه ردّاً منطقياً ببيان وافٍ غير مستعصٍ على الأفهام مطبوع.

مجالس المؤمنين في مشاهير رجال الشيعة من علماء وملوك وشعراء وعرفاء.

شرح دعاء الصباح والمساء لعلي صلوات اللَّه عليه بالفارسية.

النظر السليم.

أنس الوحيد في تفسير آية العدل والتوحيد.

خيرات الحسان.

شرح مبحث حدوث العالم من أنموذج الدواني

شرح الجواهر

حاشية على مبحث أعراض شرح التجريد.

نور العين.


1- ذكرها البحّاثة الكبير الشهير ميرزا عبداللَّه التبريزي في(رياض العلماء).

ص: 9

حاشية على حاشية تهذيب المنطق لملّا جلال

ذكر الأبقى

شرح على إثبات الواجب القديم لملّا جلال

كشف العوار

حاشية على إثبات الواجب الجديد لملّا جلال.

دافعة الشقاق.

رسالة في أنّ الوجود لا مسألة له(كذا) (1)

نهاية الأقدام.

رسالة في إثبات تشيع السيد محمد نور بخش.

دفع القدر

رسالة في ردّ مقدمات ترجمة الصواعق

حلّ العقال

حاشية بحث عذاب القبر من شرح القواعد

البحر الغزير

رسالة في ردّ رسالة في تصحيح إيمان فرعون

عدّة الأمراء

حاشية على شرح خطبة المواقف

تحفة العقول

شرح على رباعي الشيخ أبي سعيد بن أبي الخير

موائد الأنعام


1- هي «لا مثل له» كما هو المعنون به في كتب الفلسفة والمصرّح به «في محفل الفردوس» كما يأتي ذكره.

ص: 10

رسالة في ردّ شبهة في تحقيق علم الإلهي

حاشية على رسالة

رسالة في المسح على الرجلين وغسلهما

أجوبة فاخرة

الصوارم المهرقة في نقد الصواعق المحرقة

عشرة كاملة

حاشية على شرح الشمسية في المنطق

سبعة سيارة

حاشية على شرح تهذيب الأصول

رسالة في الأدعية

حاشية على جواهر شرح التجريد

الرسالة الجلالية

رسالة في جواهر شرح التجريد

ديوان القصائد

حاشية على شرح الهداية في الحكمة

سحاب المطر

ردّ على حاشية الچلبي على شرح التجريد للإصفهاني

كتاب في منشآته قدس سره

رسالة بالفارسية

شرح على تهذيب الحديث

حاشية على تفسير البيضاوي

حاشية أخرى على تفسير البيضاوي

ص: 11

حاشية على المطوّل

حاشية على إلهيّات شرح التجريد

حاشية على الحاشية القديمة

حاشية على حاشية شرح التجريد

تفسير آية الرؤياء

حاشية على شرح الچغميني

حاشية على قواعد العلامة

حاشية على المختلف للعلامة

اللمعة في صلاة الجمعة

تفسير آية: «إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ». (1)

رسالة في بحث التجريد(كذا)

رسالة في بيان أنواع كم

رسالة في أمر العصمة

جواب أسئلة السيد حسن

رسالة في ردّ الشيطان

حاشية على تحرير أقليدس

شرح خطبة العضدي القزويني

رسالة في رد إيرادات

حاشية في نجاسة الخمر

گوهر شاهوار بالفارسية


1- توبه/ 28

ص: 12

رسالة في نجاسة الخمر

رسالة في مسألة الفارة

رسالة في غسل الجمعة

رسالة شرح مختصر العضدي

رسالة في ركنية السجدتين

رسالة في تعريف الماضي

مصائب النواصب

رسالة في مسألة لبس الحرير

رسالة گل و سنبل

تراجم وضاعي الحديث

رسالة الأنموذج

حاشية على الخلاصة ولعلها رجال العلامة أو خلاصة الحساب للبهائي

مجموع يجري مجرى الموسوعات رآه صاحب(رياض العلماء) بخطه

حاشية قديم

حاشية على شرح الجامي على كافية ابن الحاجب

ديوان شعره

حاشية على تحقيق كلام البدخشي

النور الأنور في مسألة القضآء والقدر ردّ فيه على رسالة لبعض الهنود من معاصريه وهي في الردّ على رسالة استقصآء النظر للإمام العلامة الحلّي.

حاشية على التهذيب وهو تهذيب شيخنا الطوسي أو تهذيب العلامة

ردّما ألّف تلميذ ابن همام في اقتداء الجمعة بالشفعوية ولعلّه يعني الشافعية

ص: 13

رسالة متعلّقة بقول العلامة الحلي في آخر كتاب الشهادات من قواعده وهو قوله الحلّي: «إذا زاد الشاهد في شهادته أو نقص قبل الحكم»

رسالة في تفسير قوله تعالى: «فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ» (1)

تعرض فيها لدفع كلام النيشابوري في تفسيره وعليها حواش منه.

رسالة في رد ما كتب بعضهم في نفي عصمة الأنبياء عليهم السلام

شرح على حاشية التشكيك من جملة الحواشي القديمة.

رسالة في ردّ رسالة الكاشي ولعلّها ما ألّف بعض العامة من علمآء كاشان في ردّ الإمامية

يمّم المترجم الهند أيام السلطان أكبر شاه فأعجبه فضله ولياقته فقلّده القضاء وجعله قاضي القضاة وقبله السيد وشرط أن يحكم فيه بمؤدّى اجتهاده غير أنه لا يخرج فيه عن المذاهب الأربعة، فقبل منه ذلك فكان يقضي ويفتي مطبقاً له في كلّ قضية بأحد المذاهب الأربعة غير أنّه كان مؤدّى اجتهاده لأنّه لم يك ممّن يرى انسداد باب الاجتهاد وكان هو من أعاظم المجتهدين ممّن منحوا النظر وملكة الاستنباط وإنّما كان يتحرّى تطبيق حكمه بأحد المذاهب حذراً من شقّ العصافي ظروفه الحاضرة، فاستقرّ له الأمر وطفق يقضي ويحكم وينقض ويبرم حتى قضى السلطان نحبه وقام مقامه ابنه جهانگير شاه، فسعى الوشاة إليه في أمر المترجم وعدم التزامه بأحد المذاهب، فردّهم بأنّه شرط ذلك علينا يوم تقلّد القضاء ولا يثبت بهذا تشيعه فالتمسوا لحيلة في إثبات تشيّعه وأخذ حكم قتله من السلطان ورغبوا واحداً في أن يتلمّذ عنده ويظهر أمره الخفي، فالتزمه مدّة حتى وقف على كتابه(مجالس المؤمنين) وأخذه بإلحاح واستنسخه وعرضه على أصحابه ووشوا به


1- انعام/ 125

ص: 14

على السلطان فلم يزل الفتّانون ينحتون له كل يوم ما يشين سمعته عند السلطان حتى أحموا غضبه وأثبتوا عنده استحقاقه الحدّ كذباً وزوراً وأنّه يجب أن يضرب بالسياط كمّية معينة ففوّض ذلك إليهم، فبادر علماء السوء إلى ذلك حتى قضى المترجم تحت السياط شهيداً على التشيع في أكبر آباد إحدى حواضر القطر الهندي(وقيل) إنّ زبانية الحقد قتلوه في الطريق إذ جرّدوه عن ثيابه وجلّدوه بجرائد شائكة فتقطّعت أعضاؤه وتناثرت به أشلاء النبوة وأريقت دمائها فلقى جدّه النبي الأمين صلى الله عليه و آله مضمّخاً بدمه، وقبره بأكبر آباد يزار ويتبرّك به وفي العصور الأخيرة أعيدت إلى عمارة بقعة جدّته.

وله شعر رائق ويتخلّص في شعره(نورى) على ديدن شعراء الفرس ومنه في ردّ قصيدة السيد حسن الغزنوي بالفارسية:

شكر خدا كه نور الهى است رهبرم وزنار شوق اوست فروزنده گوهرم

اندر حسب خلاصه معنى وصورتم واندر نسب سلاله زهرا وحيدرم

داراى دهر سبط رسولم پدر بود بانوى شهر دختر كسرى است مادرم

هان اى فلك چو اين پدرانم يكى بيار ياسر به بندگى نه و آزاد زى برم

شكر خدا كه چون حسن غزنوى نيم يعنى نه عاق والدونه ننك مادرم

بادم زبان بريده چو آن ناخلف اگر مدح مخالفان على بر زبان برم

ص: 15

داند جهان كه او بدروغش گواه ساخت در آنكه گفت قره عين پيمبرم

شايسته نيست آن هم از آن ناخلف كه گفت شايسته ميوه دل زهرا وحيدرم

فرزند را كه طبع پدر در نهاد نيست پاكى ذيل مادر او نيست باورم

«ومن شعره»

عشق تو نهاليست كه خارى ثمر اوست من خارى از آن باديه ام كاين شجر اوست

برمائده عشق اگر روزه گشائى هشدار كه صدگونه بلا ما حضر اوست

وه كاين شب هجران تو بر ما چه دراز است گوئى كه مگر صبح قيامت سحر اوست

فرهاد صفت اين همه جان كندن نورى در كوه ملامت بهواى كمر اوست

«وله»

اى در سر زلف تو صدفتنه بخواب اندر در عشق تو خواب من نقشى است بآب اندر

در شرع محبت زان فضل است تيمم را كز دامن پاكان هست گردى بتراب اندر

(المرعشي) نسبة إلى(مرعش) في(معجم البلدان) مدينة في الثغور بين الشام وبلاد الروم لها سوران وخندق وفي وسطها حصن عليه سور يعرف بالمرواني، بناه مروان بن محمد الشهير بمروان الحمار ثم أحدث الرشيد بعده سائر المدينة وبها ربض يعرف بالهارونية(إلى أن قال:)

وبلغني عنها في عصرنا هذا شي ء استحسنته فأثبته وذلك أن السلطان قلج أرسلان بن سلجوق الرومي كان له طبّاخ اسمه إبراهيم وكان قد خدمه منذ صباه سنين كثيرة، وكان حركاً وله منزلة عنده فرآه يوماً واقفاً بين يديه يرتّب السماط وعليه ألبسة حسنة ووسطه مشدود فقال له: يا إبراهيم أنت طبّاخ حتى تصل إلى القبر؟ فقال له: هذا بيدك أيّها السلطان! فالتفت إلى وزيره وقال له: وقّع له بمرعش وأحضر القاضي والشهود لأشهدهم على نفسي بأني قد ملكته إيّاها ولعقبه بعده ففعل ذلك وذهب فتسلّمها وأقام بها مدة ثم مرض مرضاً صعباً فرحل إلى حلب ليتداوى فمات بها فصارت إلى ولده من بعده فهي في يدهم إلى يومنا هذا اه. (1) قد يقال(المرعشي) في النسبة إلى البلدة المذكورة الشامية، وقد يقال نسبة إلى السيد على الملقّب بالمرعش حفيد الإمام زين العابدين عليه السلام وكل من انتسب بهذه النسبة علوى شريف وبها يعرف المترجم بالمرعشي وقد يشتبه الحال ولا يعلم أن النسبة إلى أيهما؟ وأبناء هذه الأسرة الكريمة المنتمية إلى علي المرعش أربع فرق:

1- مرعشية مازندران.

2- مرعشية تستر.

3- مرعشية إصبهان.

4- مرعشية قزوين، و منهم السيد شريف والد المترجم، كان من أكابر


1- أي إلى آخره.

ص: 16

ص: 17

علمائنا، له كتب وتآليف ينقل فيها عن تأليفات ولده المترجم الشهيد قدس سره.

والسيد أبو محمد الحسن بن حمزة بن علي المرعش كان من أكابر علماء الإمامية في القرن الرابع، توفّي سنة 358 وله كتاب «الغيبة».. والسيد الحبر الورع محمد بن حمزة الحسيني يروي عن أبي عبداللَّه الحسين بن بابويه أخي شيخنا الإمام الصدوق، ويروي عنه الشيخ الجليل إبراهيم بن أبي نصر الجرجاني.. والسيد العلامة الخليفة سلطان حسين بن محمد بن محمود الحسيني الآملي الإصبهاني الشهير بسلطان العلماء، توفى سنة 1064 في مازندران وحمل إلى النجف، له تآليف كثيرة ممتعه.. والسيد بدر الدين الحسن بن أبي الرضا عبداللَّه بن الحسين بن علي..

والسيد الفقيه مير محمد حسين الشهرستاني الحائري.. والسيد رضي الدين أبو عبداللَّه الحسين بن أبي الرضا الحسيني فقيه صالح، والسيد شمس الدين أبو محمد الحسن بن علي الحسيني المعروف بالهمداني نزيل «خوارزم».. والسيد ضياء الدين أبوالرضا فضل بن الحسين بن أبي الرضا عبداللَّه بن الحسين فقيه واعظ صالح.. والسيد العلامة منتهى بن الحسين بن علي الحسيني عالم ورع.. والسيد عزّالدين الحسين بن المنتهى المذكور بن الحسين فقيه صالح... والسيد كمال الدين المرتضى بن المنتهى المذكور عالم مناظر، وخطيب مفوّه صاحب شرح كتاب(الذريعة).. والسيد عماد الدين الرضي بن المرتضى المذكور بن المنتهى ومنهم السيد أبوالرضا عبداللَّه بن الحسين بن علي الحسيني عالم ورع ذكره صاحب «ايجاز المقال» بالشهادة ولم يذكره بها أحد من المترجمين غيره.

والسيد تاج الدين المنتهى بن المرتضى المذكور من أفاضل العلماء له مناظرات أصولية جرت بينه وبين الإمام سديد الدين الشيخ محمود الحمصي.. والسيد أحمد ابن أبي محمد بن المنتهى الحسيني عالم صالح.. والسيد رضا بن أميركا الحسيني عالم زاهد تخرج على الفقيه الشيخ اميرك ابن اللجيم والعلامة الشيخ عبدالجبار

ص: 18

الرازي (1) والسيد قوام الدين علي بن سيف النبي بن المنتهى من العلماء الصالحين.

والسيد نظام الدين محمد بن سيف النبي بن المنتهى صالح دين.. والسيد مجدالدين محمد بن الحسن الحسيني عالم صالح.. والسيد أحمد بن الحسن الحسيني نزيل الجبل.. والسيد جلال الدين محمد بن حيدر بن مرعش الحسيني عالم بارع، والسيد علاء الملك بن عبدالقادر الحسيني من علماء عهد السلطان الشاه طهماسب الصفوي.

كل هؤلاء من فطاحل علماء الشيعة وأعيانهم، تجد تراجمهم في الفهرست للشيخ منتجب الدين، وجامع الأقوال، وإيجاز المقال، وأمل الآمل، واللؤلؤة والرياض، والروضات، والمستدرك، ووفيات الأعلام، وغيرها.

وحيث تمّ لنا إلى هنا نقل ترجمة صاحب العنوان من كتاب شهداء الفضيلة بعين عبارته آن أن نفى بما وعدناك من نقل ترجمته بقلم ولده علاء الملك.

فنقول:

محصّل ما ذكره في الكتاب المشار إليه آنفاً(محفل فردوس) من ترجمة والده قريب من هذا. (2)


1- هو فقيه الأصحاب بالري الشيخ عبدالجبار بن عبداللَّه بن علي المقرى قرأ عليه جمع كثير من علماء عصره وهو من تلامذة الإمام شيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي المتوفي سنة 460 عن خمس وسبعين سنة وقرأ على العلمين الحجتين الشيخ حمزة السلار الديلمي المتوفّى في «خسروشاه» من أعمال «تبريز» سنة 448 أو 463 وابن البراج الشيخ عبدالعزيز المتوفّى سنة 481.
2- وعين عبارته الفارسية في الكتاب المذكور هكذا:

ص: 19

ص: 20

ص: 21

مظهر فيض الاله، ابن شريف الحسيني نور اللَّه- نوّر اللَّه مرقدهما- كان مصداقاً أجلى لآية النور، إذ ببيانه الشافي اضمحلّت من أفق الحقائق نيران الصواعق و أستار الديجور، وصار إحقاق الحق في غاية الظهور، كأنّه النور في شاهق الطور، فاسمه مطابق للمسمّى، كما قيل: «الأسماء تنزل من السماء» بلغ في العلم مرتبة اعلام العلماء الذين بهم قام للدين عمود، واخضرّ للإيمان عود، فصار كلامه في تشييد مبانى الإسلام، وترويج المعارف والأحكام، كأنّ فيه مسحة من الوحي والإلهام، فبنور علمه و اجتهاده، ورسوخ ايمانه واعتقاده، واستقامة رأيه وسداده، انجبر كسر الدين، واجتمع شمل اليقين، وانشرحت صدور المتقين، وصار بناء الملّة والشريعة عن الانهدام مصوناً، وبالعزّ والرفعة والاستحكام مقروناً، وصارت كتبه في المعروفية والاشتهار، في الأقطار والأمصار، «كأنّها علم في رأسه نار» فتزيّنت بها مجامع المسلمين في أكناف الأرضين، وكادت تعد بروج الفلك تماثيل لأبواب كتابه مجالس المؤمنين، ففي شهر ربيع الآخر سنة تسع وسبعين و تسعمائة توجّه من تستر إلى مشهد الرضا- عليه آلاف التحية والثناء- تشرّفاً بالزيارة وتحصيلًا للعلوم و تكميلًا للكمالات النفسية، ووصل جنابه في غرّة شهر الصيام من السنة المذكورة إلى المشهد، وبعد أن حطّ رحل الإقامة في هذا

ص: 22

البلد انكبّ على مطالعة العلوم الدينية والمعارف اليقينية واشتغل بالاستفادة من محضر العالم النحرير المولى عبدالواحد وغيره من الموالى وعلماء العصر، ولكن بعد اثنتي عشرة سنة من إقامته اضطرّه هبوب رياح الحوادث والفتن إلى ترك تلك الديار والخروج إلى ديار أخر، ولهذا في غرّة شوال سنة اثنين وتسعين وتسعمائة توجّه إلى بلاد الهند وبعد حطّ رحله انسلك في سلك المقرّبين عند جلال الدين محمد أكبر شاه ملك الهند، والملك يحترمه ويعتني بشأنه وفوّض إليه أمر الصدارة وقضاء العسكر ومن الحريّ بالذكر في هذا المقام أنّ ملّا عصمة اللَّه أحد مشاهير فضلاء لاهور(من عواصم بلاد الهند) قال يوماً في محضره الشريف: أنّ كريمة «إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ» (1)

تدلّ على جسميّة الروح و تبطل القول بتجرّدها لأنّ البلوغ والحركة إلى الحلقوم والحق من شأن الجسم لا من شأن المجرد.

فأفاد وأجاب رحمه اللَّه بأنّ كلمة الروح ليس لها سبق ذكر في الآية حتى يرجع الضمير المستتر في «بلغت» إليها بل الظاهر أنّ الضمير راجع إلى(القلوب) كما وقعت في الآية الأخرى «بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ» (2) وبعد ذلك البيان أفحم القائل المغترّ، وصار كملتقم الحجر، و من بديع ما يدلّ على علوّ فطرته وجودة قريحته ما نقل عنه بهذه العبارة أنّه لمّا قدم السيد الفاضل الأمير عزّ الدين فضل اللَّه اليزدي رحمه اللَّه لزيارة المشهد المقدس الرضوي- على مشرّفه ألف تحية و سلام- جاء ذات يوم إلى خدمة عمّي و مخدومي الصدر المغفور روّح اللَّه روحه- و كنت حاضراً في المجلس العالي مع زمرة من الأكابر فأخذ السيد المذكور يذكر ما جرى له في سفر الحج قبل ذلك وبيان حال من رآهم من الأفاضل والأكابر في الحرمين الشريفين، فوصف الشيخ أباالحسن البكري الشافعي المصري بالفضل


1- واقعه/ 83
2- احزاب/ 33

ص: 23

والإنصاف، والتجنّب من التعصّب والاعتساف، وقال:

كنت ألاقيه أكثر الأوقات وأسأل عنه مشكلات المسائل الشرعية في مذهب أهل السنّة والشيعة وكان يجيبني عن ذلك بوجه لطيف، و من جملة تلك المسائل أنّي قلت له: ما معنى قول الشيعة: «إنّ الأنبياء معصومون قبل البعثة و بعدها مع أنه لم يكن قبل البعثة شريعة ودين يؤاخذ بأحكامها؟»

فأجاب بأنّ مرادهم أن النبي صلى الله عليه و آله مثلًا كان في سلامة الفطرة ونقاء الطينة بحيث لو كان قبل البعثة شريعة لما وقع منه ما يوجب مؤاخذته في تلك الشريعة.

فلمّا سمعت هذا الجواب من السيّد المذكور سنح في بالي ما هو أقوى منه، وحيث كنت في ذلك الزمان مبتدئاً في التحصيل، مشتغلًا بقراءة هداية الحكمة وما هو من هذا القبيل أجمعني مهابة ذلك الفاضل الحرّ، لكن ضاق الصدر، و لم يسعني السكوت والصبر، فعرضت عليه بين يدي عمّي الصدر، أنّ الشيعة لا يحتاجون في دفع ذلك الإشكال إلى الجواب الذي ذكره شيخ أهل السنة لأنّ من أصول الشيعة الإمامية قاعدة الحسن والقبح العقليين، فقبل البعثة و إن لم يتوجّه المؤاخذة لفرض عدمه لكن يتوجّه المؤاخذة بمقتضى قاعدة الحسن والقبح العقليين، فاستحسن الجواب، وأثنى عليّ بثناء مستطاب، والحمد للَّه ربّ العالمين.

و من لطائفه اللائقة بالذكر أيضاً أنّ الچلبي التبريزي من الفرقة الصوفية المعروفة بالخاكية و كان في الهند مشهوراً بالفضل وملقّباً بعلّامي، أقام برهاناً على تناهي الأبعاد، وبعض المشتغلين عند الرجل أرى صاحب العنوان مسودّة تقرير البرهان، وبعد إمعان النظر فيه زيّفه وأخذ بالاعتراض عليه بوجوه عديدة وحرّر في عنوان نقل البرهان «قال بعض أجلاف الخاكية» ولمّا اطّلع الچلبى عن وجوه الإيراد والاعتراض وعجز عن دفعها والجواب عنها، اشتكى إلى الملك جلال الدين محمد أكبر أنار اللَّه برهانه بأنّ مير نوراللَّه عدّني من الأجلاف، فأمر

ص: 24

الملك بإحضار القاضي، ولمّا حضر بين يديه خاطبه الملك بأنّه ليس من شأنك أن تكتب أنّ الچلبى من الأجلاف، فأجاب القاضى: إنّي كتبت أنّه من الأخلاف وهو صحّف الخاء بالجيم وقرأها(بعض الأجلاف) وعدّ نفسه منهم، فسكت عن السلطان الغضب، ونجا القاضي من التعب والعتب.

للقاضي رحمه الله مؤلّفات ومصنّفات كثيرة، بعضها بالعربية وبعضها بالفارسية(فشرع في ذكر أساميها كما ذكر في الذيل فبعد عدّه ديوان قصائده في آخرها قال:

فتزييناً لهذا الفردوس تذكر قصيدة من قصائده هنا وهي:

ز سرد مهرى و دم سردى شتا و شمال سحاب قاقم برف افكند به دوش جبال

هوا ز ابر بر افكند نيلگون برقع زمين ز برف بپوشيد سيمگون سر بال

بسيط چرخ نهان گشت از غبار بخار محيط آب چو سيم آمد از نسيم شمال

قيامتى شده القصه و زبرف درو هزار رقعه بر آن چو نامه اعمال

چنان بسيط زمين بسته يخ كه همچو فلك بود برونش از اين خرق و التيام محال

چنان شد آب ز سرما كه عكس شخص زبيم به صد فسون ننهد پا درون آب زلال

ز كار رفته چنان دست را مى گردون كه عاجز است ززه كردن كمان هلال

ص: 25

فسرده گشت طبايع چنان ز سردى دى كه جذب نم نكند آب نارسيده سفال

مگو زسردى دى مرد عنصر آتش كه همچو ماتميان شد سياه پوش ذغال

اگر نه مهر شهنشاه را زجان سازند نياورند ز ارحام سر برون اطفال

شه سرير ولايت على عالى قدر كه كنه او نشناسد جز ايزد متعال

به قرب پايه قدرش نمى رسد هرچند زشاخ سدره كند و هم نردبان خيال

به كار اهل طرب جود او چنان آمد كه ماند مرحله ها در عقب بريد سؤآل

سؤال خاتم ازو بى محل ميان نماز لطيفه اى است نهانى ز ايزد متعال

كز استماع صداى سؤال چون او را خوش آمدى چو به وقت نماز بانگ بلال

پى خوش آمدش ايزد ملك فرستادى كزو كنند ميان نماز نيز سؤال

سزد كه بهر سجود حريم درگه تو دوتا شود الف خط اعتدال چو دال

بود شرافت آل تو تا به مرتبه اى كز آن به قدر پيمبر كنند استدلال

ص: 26

به دستيارى حب تو از گناه آيد هر آن غرض كه بود در صوالح اعمال

ز وزن حلم تو عاجز شد آسمان و زمين كه ثقل كوه نسنجد ترازوى مثقال

رسد عتاب تو گرخصم را به كام ضمير هزار جالبش از تاب آن زند تبخال

به كوه گر زغضب يك نگاه گرم كنى روان شود چو عرق سيم از مسام جبال

ز خنجر تو رسد گر ببحر خاصيتى مذاق زهر دهد در دهان ماهى دال

كند ز تيغ تو آيينه ياد اگر به مثل بريده سر متمثّل شود در او تمثال

چنان ز تيغ تو شد امن آسمان و زمين كه آسمان وتر افكند از كمان هلال

بروز كين كه چو سيماب در بسيط زمين فتد ز نعره تكبير پر دلان زلزال

نهند پاى تعرّض يلان دلير چو شير كشند دست تطاول چو نيزه هاى طوال

ز دار و گير شود نيزه منحنى چو كمان زبس جدال شود قد نيزه خم چون دال

تو بركشى زميان تيغ برق گر دارى كه از تصوّر آن مرغ دل بسوزد و بال

ص: 27

به هر طرف كه عنان سمند ميل دهى دو اسبه جان عدو آيدت به استقبال

چنان ز سمّ سمندت عدو شود معدوم كه در معاد بود هم برو اعاده محال

چه آتش است سمندت كه درگه جولان بود زگرم روى چو شعله جوال

به دور عرصه دورانش چون مشاكل بود حكيم دائره را گفت اوسع الاشكال

تكاورى كه بماند ز هم عنانى او هزار مرحله هنگام پويه پيك خيال

به اين بهانه كه بال از فرشته وام كند زهمرهيش بماند براق در دنبال

خوشا دمى كه شوى ساقى شراب طهور مواليان تو نوشند جام مالامال

از آن ميى كه گر ابليس از آن خورد جامى چو جبرئيل شود از مقربان جلال

چنان لطيف كه گر ديو رودر او بيند به لطف شكل پرى مرتسم شود تمثال

سزد كه شعله زنى سرزند به جاى نوا كه از حرارت او مطرب آورد به خيال

ز جذب لطف تو دارم اميد آنكه كند به خاك كوى تو فارغ مرا زفكر مآل

ص: 28

به غير از اين حسنه هيچ مدعايم نيست جز اين دعا نبود بر زبان مرا مه و سال

اميدوار چنانم كه مستجاب كند دعاى خسته دلان لطف ايزد متعال

وتوفى القاضي نوراللَّه- نوّر اللَّه مرقده- في دارالسلطنة «آكرة» ويستفاد تاريخ ارتحاله إلى جوار رحمة اللَّه تعالى من هذه القطعة الفارسية:

سر اكابر آفاق مير نوراللَّه سپهر فضل و وحيد زمانه پاك سرشت

به نيمه شب بيست و شش از ربيع آخر ازين خرابه روان شد به سوى قصر بهشت

چو دل ز فكر طلب كرد سال تاريخش خرد به صفحه دهر «افضل العباد» نوشت

(انتهت ترجمة كلام علاء الملك رحمه اللَّه تعالى)

ينبغي التنبيه على أمور:

كيفيت شهادت قاضى

1- بيان كيفية شهادة القاضى رحمه الله والإشارة إلى الاختلاف فيها

قال العالم الورع التقى الحاج الشيخ على أكبر النهاوندى- أدام اللَّه فيض وجوده- في أواخر الجزء الأول من كتابه المسمى بالجنة العالية وجعبة الغالية. (1) «قال صاحب الروضات في ترجمة السيد السعيد الشهيد القاضي نوراللَّه


1- صفحه 131.

ص: 29

صاحب كتاب احقاق الحق و مجالس المؤمنين وغيرهما نقلًا عن صحيفة الصفاء:

«إنّ نوراللَّه الحسيني المرعشي القاضي بلاهور الهند كان محدّثاً متكلّماً محقّقاً فاضلًا نبيلًا علّامة، له كتب في نصرة المذهب وردّ المخالفين(الى أن قال:) قتل بتهمة الرفض في دولة السلطان جهانگير بن جلال الدين محمد اكبر التيموري بأكبر آباد وقبره هناك مزار معروف كنّا نزوره»، وقال صاحب الروضات بعد نقل هذا الكلام:

«قيل: أنّ النواصب أخذوه في الطريق فجرّدوه وجلّدوه بجرائد الورد الشائكة إلى أن تقطّعت أعضاؤه وقتل ولذا يطلق عليه أيضاً الشهيد.»

ولكن قال النواب واجد على خان الهندي في كتاب مطلع العلوم ومجمع الفنون(في الفصل العاشر في الباب السادس الذي هو في بيان احوال بعض العلماء):

أنّ نوراللَّه المشهور بالقاضي نوراللَّه كان من أهل تستر، وكان في عهد الملك جهانگير قاضى أكبر آباد فسأله الملك يوماً عن مذهبه وقال له: ما مذهبك؟ فاتّقى منه القاضي وقال له: أنا شافعي. وحيث أنّ الملك لم يكن سيّ ء الرأي بالنسبة إلى من كان شيعيّاً بل كان أهل السنة والشيعة عنده سواء ومع ذلك اتّقى منه القاضي وأظهر له مذهبه على خلاف الواقع اغتاظ السلطان وحكم بأن يضرب عليه خمس سياط شائكة لما صدر منه من خلاف الواقع، فمات القاضي من أجل هذه السياط وكتاب مجالس المؤمنين الذي هو معتبر عند الشيعة من تصانيفه وكان يقول الشعر أحياناً ومن شعره:

وه كاين شب هجران تو بر ما چه دراز است! گوئى كه مگر صبح قيامت سحر اوست؟»

(انتهى قوله)

ص: 30

أقول:

صرّح بما يقرب من ذلك صاحب تذكرة «صبح گلشن» (1) حيث قال فيه ما لفظه: «نورى- قاضي نوراللَّه از سادات شوشتر وعلماء نامور فرقه اثنى عشريه بود در عهد اكبر پادشاه به هندوستان رسيد و از حضور پادشاهى به عهده قضاى دارالحكومه لاهور مأمور گرديد و برخلاف عقيده صائبه خويش پرده تقيه برانداخت، و به تأليف مجالس المؤمنين واحقاق الحق پرداخت و بعد سرير آرائى نورالدين محمد جهانگير پادشاه به حضور شاهى رسيد شاه از مذهبش پرسيد وى خود را سنّى المذهب وانمود، پادشاه گفت كه اگر قاضى دروغگو باشد در حق وى حكم شرع چيست؟- جواب داد كه قابل عزل و تعزير واجبى است، همان دم فرمان شاهى نفاذ يافت كه او را تازيانه خار دار زنند و حسب فتواى خودش معذّب كنند، قاضى به ضرب سه تازيانه بى هوش افتاد و به همان صدمه در سنه تسع عشر و ألف بموكلان قضا جان داد، نعشش در اكبر آباد متّصل باغ قندهارى دفن گرديد و در اين عهد مقلدان و معتقدانش بر قبرش گنبدى رفيع و بقاى منيع برآوردند»(فنقل خمسة أبيات من أشعاره التى مضى بعضها و يأتي بعضه الآخر).».

أقول:

صرّح في كيفية شهادته بمثل ذلك أيضاً سامى بيك العثماني تحت عنوان «نوري» في قاموس الأعلام (2) فعلم من هاتين العبارتين أنّ في كيفية قتله وتعذيبه


1- ص 559- 560
2- ج 6، ص 4698) و عين عبارته في الموضع المشار اليه هكذا:

ص: 31

خلافاً الّا أنّ المشهور في سبب شهادته وكيفيتها هو ما مرّ نقله عن صاحب شهداء الفضيلة وهو الذي اعتمد عليه علمائنا، قال خاتم المحدّثين العلامة النوري- طيّب اللَّه مضجعه- في خاتمة المستدرك، في الفائدة الثالثة، (1) في ترجمة الشهيد الثاني قدس سره، في ضمن عده ترجمة جملة من العلماء الذين فازوا بدرجة الشهادة: «وأمّا القاضي التستري رحمه الله ففي التذكرة (2) للفاضل الشيخ على الملقّب بحزين المعاصر للعلامة المجلسي وهو من علماء هند ما خلاصته: إنّ السيد الجليل المذكور كان يخفى مذهبه ويتّقى عن المخالفين وكان ماهراً في المسائل الفقهية للمذاهب الأربعة ولهذا كان السلطان أكبر شاه وأكثر الناس يعتقدون تسنّنه ولمّا رأى السلطان علمه وفضله ولياقته جعله قاضي القضاة وقبل السيد على شرط أن يقضي في الموارد على طبق أحد المذاهب الأربعة بما يقتضي اجتهاده وقال له: لمّا كان لي قوة النظر والاستدلال لست مقيداً بأحدها ولا أخرج من جميعها، فقبل السلطان شرطه وكان يقضي على مذهب الإمامية، فإذا اعترض عليه في مورد يلزمهم أنّه على مذهب أحد الأربعة وكان يقضى كذلك ويشتغل في الخفية بتصانيفه إلى أن هلك السلطان وقام بعده ابنه جهانگير شاه والسيّد على شغله إلى أن تفطّن بعض علماء


1- ص 430، س 16
2- هذه التذكرة مطبوعة لكن ليست فيه من العبارة المنقولة عين ولا اثر فإمّا اسقطوها من النسخة عمداً او سهواًعند الطبع وإمّا اشتبه اسم التذكرة التي كانت العبارة مندرجة فيها على المحدث النوري طاب ثراه بأنّها كانت تذكرة أخرى لغير الحزين فاشتبه الأمر عليه فتوهّم أنّها تذكرة الحزين والاحتمال الأوّل أقوى لوجوه لا يسع المقام ذكرها.

ص: 32

المخالفين المقرّبين عند السلطان أنّه على مذهب الإمامية فسعى إلى السلطان واستشهد على إماميته بعدم التزامه بأحد المذاهب الأربعة وفتواه في كلّ مسألة بمذهب من كان فتواه مطابقاً للإمامية فأعرض السلطان عنه وقال:

لا يثبت تشيّعه بهذا فإنّه اشترط ذلك في أوّل قضاوته فالتمسوا الحيلة في إثبات تشيّعه وأخذ حكم قتله من السلطان ورغبوا واحداً في أن يتلمّذ عنده ويظهر تشيّعه ويقف على تصانيفه فالتزمه مدّة وأظهر التشيّع إلى أن اطمئنّ به ووقف على كتابه مجالس المؤمنين وبعد الإلحاح أخذه واستنسخه وعرضه على طواغيته فجعلوه وسيلة لإثبات تشيّعه وقالوا للسلطان أنّه ذكر في كتابه كذا هكذا واستحقّ إجراء الحدّ عليه فقال: ما جزاؤه؟- فقالوا: أن يضرب بالدّرة العدد الفلاني فقال: الأمر إليكم فقاموا وأسرعوا في إجراء هذه العقوبة عليه فمات رحمه الله شهيداً وكان ذلك في أكبر آباد من أعاظم بلاد الهند ومرقده هناك يزار ويتبرّك به وكان عمره قريباً من سبعين.»

أقول:

قال تلميذه المحدّث القمّي الحاج الشيخ عباس رحمه الله في الجزء الثالث من كتابه «الكني والألقاب»

القاضي نوراللَّه بن شريف الدين الحسيني المرعشي الشوشتري

صاحب كتاب مجالس المؤمنين وإحقاق الحق ومصائب النواصب والصوارم المهرقة وكتاب العقائد الإمامية وكتاب العشرة الكاملة وتعليقات على تفسير القاضي ورسالة في تحقيق آية الغار ألّفها سنة ألف وله حاشية على شرح المختصر للعضدي وحاشية على تفسير البيضاوي ومجموعة مثل الكشكول، إلى غير ذلك وكفى للاطلاع على فضله وكثرة تبحّره وإحاطته بالعلوم وحسن تصنيفه الرجوع إلى كتابه إحقاق الحق وغيره.

كان قدس سره معاصراً للشيخ البهائي، قتل لأجل تشيّعه في أكبر آباد هند و(كيفية قتله) على ما نقل من التذكرة، للفاضل الشيخ علي الحزين،

ص: 33

المعاصر للعلامة المجلسي وهو من علماء هند ما خلاصته: إنّ السيد الجليل المذكور، وساق عبارة المحدث النوري قدس سره مثل ما مرّ إلى قوله: «سبعين» قائلًا بعده: «انتهى».

فما قال صاحب طرائق الحقائق في ترجمة القاضي

بعد تجليله وعده جملة من كتبه بهذه العبارة: «وكيفيت شهادت آن جناب چنان كه بعضى نوشته اند آن است كه در معبر و بر سر راه او بعضى نواصب كمين كرده چون فرصت يافتند او را گرفتند و برهنه نمودند و با شاخه هاى درخت پر خار اين قدر بر بدن آن سيد ابرار زدند كه أعضاى او از هم جدا شد و جان به جان آفرين تسليم نمود و به اين جهت بر آن جناب اطلاق شهيد ثالث مى نمايند.»

لا يعبأ به في قبال ما سمعت من كلمات أرباب التراجم كما يشعر به كلام صاحب الروضات أيضاً إذ قال عند نقل هذا القول بعد ما ذكره عن صاحب صحيفة الصفاء: «وقيل: أنّ النواصب؛ إلى آخر ما مضى نقله.»

إذ كلام صاحب الطرائق ترجمة من كلامه وإذا أحطت خبراً بما مرّ فاعلم أنّ ممّا يشيد أركان بنيان هذا النقل أعني نقل الشيخ محمد علي الحزين اللاهيجي العالم المشهور بالضبط والإتقان ما ذكره معاصره الفاضل المتتبع الضابط عليقلي خان الداغستاني المتخلص بالواله (1)- المتوفى سنة 1165- في تذكرته النفيسة المسمّاة برياض الشعراء وعين عبارته في روضة النون منها هذه: «قاضى نوراللَّه شوشتري از افاضل زمان واعاظم دوران است طنطنه دانشش ازقاف تا قاف رسيده،


1- هذا العالم هوالذي عبر عنه العلامة النورى قدس سره في الفائدة الثالثة من المستدرك عند ترجمة السيد السند الدامادطاب ثراه(ص 422) بهذه العبارة «ذكر الفاضل عليقلى خان الداغستاني المعروف بشش انگشتى المتخلص بواله في رياض الشعراء على ما نقله عنه الفاضل المعاصر الكشميري في كتاب نجوم السماء.» اقول: يروي من هذا الكتاب جمع كثير من علماء التراجم وغيرهم أيضاً.

ص: 34

وصيت فضلش شرق و غرب را فرو گرفته، تصانيف عاليه اش در عالم مشهور، وشرح جلالت شأنش در السنه جمهور مذكور است در عهد اكبرشاه در هندوستان قاضى بوده آخر در سن هفتاد سالگى در عهد جهانگير پادشاه به سبب تصنيف مجالس المؤمنين به ضرب دُرّه خار بدرجه شهادت رسيد، تخلص وى نورى بوده و در فنّ شاعرى كمال قدرت و مهارت داشته، در جواب قصيده حسن غزنوى قصيده اى گفته كه اين چند بيت از آن جاست» فذكر عشرة أبيات من القصيدة، تسعة منها ما ذكره صاحب شهداء الفضيلة (1) وواحد منها قوله:

(وهو مذكور قبل البيت التاسع ممّا مرّ) هذا:

اندر جواب او كه سؤال از رجال كرد ننگ آيدم كه گويم اينك من ايندرم

فذكر الأبيات الآخر كما مرّ إلّاأنّه أضاف على البيتين المذكورين في السابق، الذين أوّلهما «اى در سر زلف تو- إلى آخرهما» بيتاً ثالثاً وهو:

در دفتر عشق تو چون صفر همه هيچند كى من كه كم از هيچم آيم بحساب اندر

فعلم أنّ سبب قتله كان ظهور كتابه مجالس المؤمنين لا احقاق الحق كما ذكره صاحبا أمل الآمل والذريعة وغيرهما وسيأتي الكلام فيه إن شاء اللَّه تعالى.


1- وهو أخذه من كتاب نجوم السماء اذ نقل الفاضل الكشميري أيضاً في كتابه هذا تلك العبارة بعينها(انظرص 13).

ص: 35

2- تعيين موضع شهادة القاضي قدس سره تحقيقاً

تعيين موضع شهادة القاضي

قد قرع سمعك في بعض ما مضى من التراجم أنّ القاضي قدس سره قد استشهد في آگرة وفي بعضها الآخر أنّه استشهد في أكبر آباد فدفعاً لما يتوهّم من التعارض نذكر عبارات جمع من أهل الاطّلاع على الأمكنة والبقاع حتى يكون الناظر على بصيرة تامّة ويرتفع الخلاف المتوهّم في بادي النظر من البين فنقول: قال البستاني في دائرة المعارف (1):

«اكبر آباد

حچح اژچح ح ا وتعرف أيضاً بقلعة أغرة قلعة بناها السلطان أكبر فوق آثار قديمة في مدينة أغرة من مدن هندوستان،(إلى أن قال:) راجع أغرة.»

وقال في الموضع المشار إليه (2): «

أغرة

،(وساق الكلام مفصلًا إلى أن قال:) «ومن أبنيتها الجميلة وآثارها البديعة الباقية إلى الآن قلعة أغرة المسماة أيضاً أكبر آباد»(إلى آخر ما قال)

وقال مؤلّف منجّم العمران (3)

«أغرة(بفتح الهمزة واسكان الغين وفتح الراء آخره تاء مربوطة) ولاية واقعة في الجهة الشمالية الغربية من الهند الإنكليزية» إلى أن قال: «وأغرة أيضاً قصبة الولاية المذكورة،(إلى أن قال): ومن آثار أبنيتها البديعة الباقية القلعة المشهورة بأكبر آباد.

وقال مؤلف كتاب آنندراج (4)

«اكبرآباد بالفتح نام شهرى است در هند كناره درياى جمنه كه آن را آگره هم خوانند.»

قال فرهاد ميرزا في جام جم

في الباب السابع، بعد المائة عند عدّه

في الباب السابع (5)، بعد المائة عند عدّه


1- ج 4، ص 109
2- ج 3، ص 785
3- ص 310
4- ج 1، ص 252
5- ص 492

ص: 36

الولايات الأربع عشرة للهند الخاص: «چهارم آگره است و اسم پايتخت اين ولايت نيز آگره است، حد شمالى او دهلى وحدّ جنوبى او مالوه و حدّ مشرقى او اؤدو اللَّه آباد و حدّ مغربى او اجمير است و در سال نهصد و هشتاد و يك هجرى اكبرشاه اين شهر را پايتخت خود قرار داد و اسم او را اكبر آباد نهاد و اين شهر در جانب رودخانه جمنه و يكصد و بيست ميل در جانب جنوب مشرق قريب به جنوب شهر دهلى واقع شده است و طول اين مملكت دويست و پنجاه ميل و عرض آنجا يكصد و هشتاد ميل است.»

وقال الفاضل الحاج زين العابدين الشروانى في بستان السياحة (1)

«آگره بكسر كاف فارسى و فتح راء و سكون هاء اسم قديم اكبر آباد است و آن مدتها دارالملك كشور هند بوده در ضمن اكبر آباد مذكور خواهد شد»

وقال في اكبر آباد (2): «اكبر آباد در لغت هند او را آگره گويند، وى از صوبه هندوستان و شهرى عظيم و بلده اى كريم است. گويا اختلال به اركان عمارت آن شهر رسيده بود، اكبر شاه بن همايون آنجا را آباد و معمور گردانيد و دارالملك خويش ساخته و به اسم خود موسوم نمود.

(الى ان قال:) بعدها نام أكبر آباد از ميان رفت و باز آنجا را آگره ناميدند».

وقال الصادق الإصفهانى في كتابه الموسوم بشاهد صادق

عند ذكر اكبر آباد: «اكبر آباد همان آگره است».

وفي دائرةالمعارف الإسلامية الفرنسية

بعد ذكر زمان اشتهار بلدة آگره بهذا


1- ص 47
2- ص 108

ص: 37

الاسم ما محصله «حيث أنّ الملك(اكبر شاه) أوّل من جعل هذه البلدة عاصمة لمملكته فبمناسبة اسمه سميت اكبرآباد في ذلك الزمان لكن بعد موت الملك صار الاسم الجديد منسيّاً مهجوراً كأن لم يكن شيئاً مذكوراً» وصرّح بمضمون الكلام سامى بيك العثماني أيضاً في قاموس الأعلام في مادّة «أكر» (1) أقول: ولفظ «آگرة» كان يتلفّظ في الفارسية بالمد كما يقول مسعود سعد الشاعر المشهور:

«حصار آگره پيدا شد از ميانه گرد بسان كوه و بر او باره هاى چون كهسار»

فلعلّ آجرة معرّب هذه اللفظة أيضاً قال مؤلف منجم العمران «آجرة، الجيم مكسورة والراء مفتوحة مدينة قديمة بالهند فتحها السلطان شهاب الدين النورى سنة 547 ثم حمل اليها جريحاً بعد معركة كانت بينه و بين ملوك الهنود وكانت الدائرة فيها على عساكره(قاله البستاني).»

قال العالم الجليل السيد اعجاز حسين الهندي في كشف الحجب والأستار في ضمن كلام له تحت عنوان «احقاق الحق»: «لمّا تشرّفت بزيارة قبره الشريف في بلدة آگره شهر صفر سنة احدى و سبعين و مأتين وألف رأيت مكتوباً على قبره- أعلى اللَّه مقامه- أنّه قتل شهيداً في عهد جهانگير في سنة تسع عشرة ومائة بعد الألف».

فعلم أنّ اكبر آباد وآگرة إسمان لمسمّى واحد و علمان لمكانٍ فارد وعلم أيضاً أنّ ما قاله مؤلّف رياض العلماء رضوان اللَّه عليه من أنّ القاضي قدس سره استشهد بلا هور


1- وعين عبارته في ج 2(ص 1014) بعد ذكر «آكرة» و تعريفها و تعيين جهاتها هذه: «بوشهر سلاله تيموريه حكمدار لرندن مشهور اكبرشاه طرفندن تأسيس و پايتخت اتخاذ اولنه رق مشار اليه وخلفلرى زماننده پك چوق مساجد وجوامع و سائر آثار له اعمال و تزيين اولنمشيدى، ابتدا اكبر آباد تسميه اولنوب بعد آكره اسميله شهرت بولمشدر».

ص: 38

اشتباه وذلك لأنّه بعد وصفه وتجليله بما يليق به قال: «وله في جميع العلوم سيّما في مسألة الإمامة تصانيف جيّدة وقد صدع قدس سره بالحق الصريح والصدق الفصيح تقريراً وتحريراً ونظماً ونثراً وجاهد في إعلاء كلمة اللَّه، وجاهر بإمامة عترة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله حتى أن استشهد جوراً في بلدة لاهور من بلاد الهند وقتل ظلماً فيها لأجل تشيّعه ولتأليفه إحقاق الحق كما يأتي» (1).

2-

حيث نقل ترجمة صاحب العنوان جماعة من علماء العامة أيضاً وما نقلناه إلى هنا من علماء الخاصة خاصة، فالأولى أن نذكر عبارات بعضهم في حق صاحب العنوان ليعلم الناظر في هذه المقدمة أنّه قدس سره ممّن أقرّ بفضله الفريقان وأجمع على علوّ مقامه الخاصة والعامة فنقول: قال العالم الفاضل المنصف عبدالقادر بن ملوك شاه البداوني في الجزء الثالث من كتابه الموسوم بمنتخب التواريخ عند ذكر تراجم الفضلاء الذين أدرك أكثرهم وتلمّذ عندهم (2).

قاضي نوراللَّه ششتري

- اگرچه شيعى مذهب است اما بسيار بصفت نصفت وعدالت و نيك نفسي و حيا و تقوى و عفاف و اوصاف اشراف موصوف است و بعلم و حلم وجودت فهم وحدّت طبع و صفاى قريحه و ذكاء مشهور است، صاحب تصانيف لايقه است، توقيعى بر تفسير مهمل شيخ فيضى نوشته كه از حيّز تعريف و توصيف بيرون است و طبع نظمى دارد و اشعار دلنشين مى گويد، بوسيله حكيم ابوالفتح به ملازمت پادشاهى پيوست و زمانى كه موكب منصور به لاهور رسيد و شيخ معين قاضى لاهور را در وقت ملازمت از ضعف پيرى و فتور در قوا، سقطه اى در دربار واقع شد رحم بر ضعف او آورده فرمودند كه


1- قوله قدس سره «كما يأتي» يشير به لي ما قاله الشيخ الحر العاملي قدس سره في الجزء الثاني من أمل الآمل في ترجمته من أنّ سبب قتله كان ظهور كتاب إحقاق الحق فإنّه نقله من هنا بعيد ذلك ولنا فيه كلام سيأتي إن شاء اللَّه تعالى.
2- ص 137- 138

ص: 39

شيخ از كار مانده بنابراين قاضى نوراللَّه به آن عهده منصوب و منسوب گرديد و الحق مفتيان ماجن و محتسبان حيال محتال لاهور را كه بمعلم الملكوت سبق مى دهند، خوش به ضبط درآورده و راه رشوت را بر ايشان بسته و در پوست پسته گنجانيده، چنانچه فوق آن متصوّر نيست و مى توان گفت كه قائل اين بيت او را منظور داشته و گفته كه(فرد):

توئى آن كس كه نكردى بهمه عمر قبول در قضا هيچ زكس جز كه شهادت زگواه

«روزى در منزل شيخ فيضى تفسير نيشابورى در ميان بود در كريمه «إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا» (1)

كه به اجماع مفسرين در شأن صديق اكبر رضى الله عنه واقع شده مى گفت كه اگر مراد ازين صحبت لغوى است مفيد مدح نيست و اگر اصطلاحى است كه اهل اصول حديث قرار داده اند آن اوّل بحث است و مصاحبت ممنوع گفتم از طفلى هم كه زبان عربى مى دانسته باشد بپرسند خواهد گفت كه اين آيت دلالت صريح بر مدح مى كند نه ذم و همچنين كافرى زنگى و يهودى و هندوى نيز كه داناى زبان عربى باشد و مباحثه بسيار شد و شيخ فيضى بنابر عادت زشت خويش جانب قاضى را با آن كه از هر دو جانب بيگانه مطلق بود گرفت، ناگاه در تفسير نيشابورى نيز مؤيّد همين سخن من برآمد با زيادتى آنكه اگر به فرض و تقدير، رسول صلى الله عليه و آله را در آن وقت داعى حق مى رسيد، معين از براى وصايت، صديق اكبر رضى الله عنه بود نه ديگرى».

أقول:

يؤخذ من هذه الترجمة أنّ تشيّع القاضي قدس سره قد كان معلوماً لمعاصريه


1- توبه/ 40

ص: 40

ومسلّماً عندهم وأنّه ما كان يتّقي من كل أحد كما يظهر ذلك من تصريح هذا المترجم الذي كان على مذهب أهل السنة بتشيّعه صريحاً في أوّل الترجمة وبمناظرته كذلك في آخرها مع وقوعها في زمان تصدي القاضي للقضاء فلعلّ قتله حقيقة لم يكن لتشيّعه فقط بل العلّة الأصليّة لقتلهم له هو حسد معاصريه وقضاة عصره إيّاه على تقدّمه عليهم في الفضل والكمال وتصدّيه لمنصب القضاء وسدّه عليهم أبواب الرشاء والارتشاء كما هو مصرّح به في الترجمة، نعم التمسك بتشيّعه إنّما كان عنواناً لهم لإعمال غرضهم الشّخصي وبغضهم الباطني وحقدهم المضمر.

ونظير هذه الترجمة

ما ذكره صاحب تذكرة علماء الهند (1).

«قاضي نوراللَّه شوشتري

- شيعي مذهب، بصفت عدالت ونيك نفسى و حيا وتقوى وحلم وعفاف موصوف وبه علم وجودت فهم و حدّت طبع وصفاى قريحه معروف بود صاحب تصانيف لايقه كه از آن جمله كتاب مجالس المؤمنين است، توقيعي بر تفسير شيخ فيضى نوشته كه از حيّز تعريف و توصيف بيرون است، طبع نظمى داشت به وسيله حكيم ابوالفتح به ملازمت اكبر پادشاه پيوست. شيخ معين قاضى لاهور كه به وجه ضعف پيرانه سال معزول شده به جايش قاضى نوراللَّه به عهده قاضى لاهور از حضور اكبرى منصوب گرديد و انصرام آن عقده به ديانت وامانت كرد، در سنه هزار و نوزده هجرى وفات يافت».

3- إنّ للقاضي رضوان اللَّه عليه كلاماً يلوح منه أنّه كان يتفرس أنه يمضى من الدنيا شهيداً وذلك أنّه قال في أوائل المجلس الخامس من كتابه مجالس المؤمنين في ترجمة أبي طرفة محمّد بن علي بن النعمان الملقّب بمؤمن الطاق ما لفظه «ودر مختار


1- ص 245 من النسخة المطبوعة في لكنهو.

ص: 41

كشي از مفضل بن عمر روايت مي كند كه او گفت حضرت امام جعفر عليه السلام مرا گفتند كه نزد مؤمن الطاق رو و او را امر كن كه با مخالفان مناظره نكند پس به در خانه او آمدم و چون از كنار بام سركشيد به او گفتم كه حضرت امام تو را امر مى فرمايد با اغيار سخن نكنى گفت مى ترسم كه صبر نتوانم كرد.

مؤلف گويد:

«كه اين بيچاره مسكين نيز مدتى به بلاى صبر گرفتار بودم و با اغيار تقيه و مدارا مى نمودم از بى صبرى مى ترسيدم و آخر از آنچه مى ترسيدم به آن رسيدم و از عين بى صبرى اين كتاب را در سلك تقرير كشيدم، اكنون از جوشش بى اختيار به جناب پروردگار پناه مى برم و همين كتاب را شفيع خود مى آورم».

و يشبه مفادّ هذه العبارة في الجهة المذكورة البيت الذي نقله منه في ضمن ما نقل من أبياته صاحب تذكرة صبح گلشن (1)، وهو هذا:

خوش پريشان شده اى با تو نگفتم نورى آفتى اين سرو سامان تو دارد در پى

و كيف كان هذه العبارة كماترى ظاهرة في أنّه كان يتفرّس في حقّه أنّ آخر أمره ينتهي إلى الشهادة ولاغرو فيه، فإنّ المؤمن ينظر بنور اللَّه كما ورد في الحديث «إتَّقُوا فِراسَةَ المُؤْمِنِ فَإنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ» (2) وإنْ أبيت فلا أقلّ من دلالته على أنّه كان ممّن قد استعد لبذل نفسه في سبيل ترويج الدين وتشييد مبانى شريعة سيدالمرسلين واحياء مذهب الأئمّة الطاهرين- صلوات اللَّه عليه وعليهم أجمعين- وكان لا يعبأ بموته إنْ أتاه في سبيل اللَّه جلّ جلاله، كما وقع الأمر


1- ص 560
2- كافى ج 1/ 218- «قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله...».

ص: 42

كذلك- فأفاض اللَّه على تربته الزكيّة شآبيب الرحمة والرضوان، وأسكنه في دار خلده بحبوحة الجنان- ويؤيّد ذلك الاستظهار القول بأنّ سبب شهادته كان ظهور كتاب مجالس المؤمنين كما أسلفنا نقله.

لكن ينافيه ما وصفه به العالم النحرير المتتبّع الشيخ آغا بزرگ الطهراني دام ظلّه في الجزء الأوّل من الذريعة تحت عنوان إحقاق الحقّ بعد ذكر إسمه بهذه العبارة(الشهيد ببلاد الهند بسبب تأليف هذا الكتاب) يعنى به إحقاق الحق.

أقول: قوله(بسبب تأليف هذا الكتاب) مأخوذ من قول الشيخ الحرّ العاملي رحمه الله في ترجمة القاضي وكلامه في ترجمته في الجزء الثاني من أمل الآمل هذا «نور اللَّه الشوشتري فاضل عالم علّامة محدّث، له كتب منها إحقاق الحق كبير في جواب من ردّ نهج الحق للعلامة وكتاب الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة وكتاب مصائب النواصب(إلى أن قال:) كان معاصراً لشيخنا البهائي وقتل في الهند بسبب تأليف احقاق الحق».

أقول:

ذكر الشيخ فرج اللَّه قدس سره مثل هذا الكلام في كتاب ايجاز المقال. هذا كله بالنسبة الى شهادته وأمّا ولادته قدس سره فلم أر ذكراً منه في كتب التراجم إلّافي كتاب نجوم السماء (1) وعين عبارته هكذا.

«ولادت باسعادتش در سنه نهصد و پنجاه و شش هجرى واقع شده و شهادتش از كلمه «سيد نوراللَّه شهيد شد» كه سنه يك هزار و نوزده هجرى مى شود بر مى آيد، بر اين تقدير مدت عمر شريفش شصت و چهار سال مى شود» فتبيّن أنّ ما ذكره صاحب شهداء الفضيلة في هذا الباب مأخوذ من ذلك الكتاب الشريف.


1- ص 13

ص: 43

3- مشرب القاضي قدس سره ومذاقه

مشرب القاضي

الإنصاف أنّ للقاضي قدس سره تمايلًا إلى مشرب الصوفية وذلك واضح عند من لاحظ كتبه واستأنس بكلماته ولا بأس بذكر كلام منه قدس سره يستشمّ منه هذا المعنى، قال قدس سره في أوائل إحقاق الحق في البحث الخامس من مباحث التوحيد معترضاً على ما ذكره الفاضل روز بهان في ردّ كلام العلامة قدس سره ما لفظه:

«وأقول:

قد ردّد الناصب المردود بقوله: «فإن أراد محقّقي الصوفية كأبي يزيد البسطامي- إلى آخر كلامه-» ولم يذكر عديله، وهو أن يراد غير محقّقي الصوفية وظاهره أنّ تشنيع المصنّف مخصوص بهم وهم الذين يعتقد هم المصنف من صوفية المجهور دون أبي يزيد والجنيد وأشباههم فإنّهم من الشيعة الخالصة كما حققنا ذلك في كتاب مجالس المؤمنين» إلى آخر كلامه وقال أيضاً فيه في المبحث السادس من مباحث التوحيد:

«وأقول: قد بيّنا قبيل ذلك أنّ ههنا جماعة من المتصوفة القائلين بالحلول وكلام المصنف فيهم ويدلّ عليهم من اشعارهم أيضاً قولهم(شعر):

أنا من أهوى ومن أهوى أنا نحن روحان حللنا بدنا

وهكذا الكلام في إنكاره لكون عبادتهم الرقص والتصفيق، فإنّ الكلام في متأخّري المتصوّفة من النقشبنديّة وأمثالهم لا في قدماء الصوفية الحقّة ومن يحذو حذوهم: فإنّ حالهم وأقوالهم خال عن الغناء والتصفيق ونحوهما» ويدلّ على المدّعا دلالة صريحة ما ذكره في المجلس السادس من كتابه مجالس المؤمنين ولا بأس بنقل شي ء منه فقال:

«مجلس ششم

- در ذكر جمعى از صوفيه صافى طويت كه نزد سالكان مسالك طريقت، ومؤسسان قواعد شريعت و حقيقت، مقصود از ايجاد عالم و

ص: 44

اختراع بنى آدم بعد از ايجاد جواهر زواهر انبياء وائمه هدى- عليهم صلوات اللَّه الملك الأعلى- وجود فايض الجود اين طايفه كرام و اصفياى عظام- كثّرهم اللَّه بين الانام- است كه به ميامن توفيق ازادانى مراتب خاك به اعلى مدارج افلاك ترقى نموده اند و از حضيض خمول بشريت به اوج قبول ملكيت تلقى فرموده، از پرتو سراج وهاج و عكس شعاع لمّاع «يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ» (1)

با ساكنان ملأ اعلى ومطمئنان عالم بالا در سلك انتظام منخرط گشته و به مرتبه اى رسيده اند كه عواقب امور قبل از ظهور مشاهده نموده اند و خواتيم اشياء پيش از بروز وجود مطالعه فرموده دعائم دين و دولت بميامن همت ايشان قائم، و قوائم ملك و ملت به روابط وجود ايشان منتظم، پاكبازان بساط مردى، و صدرنشينان صفه دردمندى، بحرآشامان تشنه جگر، و دست افشانان بى پا و سر، گم گشتگان جادّه سلامت، و منزويان كنج ملامت، زنده پيلان ژنده پوش، و زنده دلان صاحب هوش، خرقه پوشان خانقاه قدس، و باده نوشان بزمگاه انس، شاهان بى كلاه و اميران بى سپاه.

(بيت)

قومى ملوك طبع كه از روى سلطنت گوئى كز احترام سلاطين كشورند

شاهان دلق پوش كه گاه حمايتى زير گليم شان جم و خاقان و قيصرند

امروز از نعيم جهان چشم دوختند فردا خود از كرشمه به فردوس ننگرند


1- سوره نور، آيه 35

ص: 45

منگر به چشم خواردرين پابرهنگان نزد خرد عزيزتر از ديده سرند

آدم بهشت را به دو گندم اگر فروخت حقا كه اين گروه به يك جو نمى خرند

ومزيد توضيح و تقرير كلام در تحقيق حال اين طايفه كرام آن است». «إلى آخر كلامه الطويل الذي آخره الذي تركناه أدّل على المطلوب من أوّله الذي ذكرناه لأنّه مشتمل على الاستدلال على بعض الأمور الدائرة بين الصوفية وعلى الدفاع عن بعض افراد الطائفة كالحسن البصري واحمد الغزالي وذلك لأنّ المقدمة لا تسع ذكره بطوله لأنّه كرسالة صغيرة، فمن أراده فليطلبه من هناك» ونظراً إلى أمثال ما ذكر.

قال صاحب رياض العلماء في ترجمته: «وكان له قدس سره تمايل إلى التصوف والاعتناء بشأن أهله:» لكن لا يخفى عليك أنّ هذا التمايل لا يبلغ حداً يمكن أنْ يقال أنّه كان من الصوفية ويكشف عن ذلك تصريحه قدس سره بعقائده بالبيانات الشافية الوافية في كتبه المشهورة السائرة وتصنيفاته المعروفة الدائرة فمن أراد معرفة الحال تفصيلًا فليراجعها.

وأمّا إجمالًا فنشير إليه فنقول:

قال الفاضل الكشميري في كتاب نجوم السماء

في ضمن ترجمة القاضي قدس سره ما محصّله: «لا يخفى أنّ ما ذكره القاضي السيد نوراللَّه التستري في كتاب مجالس المؤمنين وغيره من مدح جماعة من الصوفية وحسن الظن بهم كمدح الحسين بن منصور الحلاج الذي صدر التوقيع المشتمل على لعنه من مولانا صاحب الزمان عجل اللَّه تعالى فرجه كما نقله علمائنا الإماميّة رضوان اللَّه عليهم في كتبهم المعتبرة ومثل مدح سفيان الثوري وأبي يزيدالبسطامي

ص: 46

ومحيى الدين العربي وأضرابهم من متقدّمي الصوفية ومتأخريهم من الذين ثبت عند علماء الإمامية فساد مذهبهم وسوء عقيدتهم لا يستلزم تصوّف القاضي المادح لهم لأنّ مدح شخص لا ينحصر في اختيار مسلكه وقبول مذهبه بل ما ذكره القاضي في كتبه من مدح أعاظم علماء الإمامية وأكابرهم كالشيخين الجليلين ابن بابويه والمفيد وغيرهما من أعيان العلماء من الذين قدحوا في الصوفية وطعنوا على طريقتهم وشنعوا على سيرتهم وأظهروا براءتهم منهم يشعر ببراءته ونزاهة ساحته من مذهب جماعة الصوفية وطريقتهم المبتدعة

وأيضاً

ممّا يدلّ على المطلوب كتابه إحقاق الحق لأنّه مع اشتماله على سائر المباحث من توحيد اللَّه تعالى ومعرفة ذاته وصفاته ومباحث النبوّة والإمامة والمعاد وغير ذلك لا يظهر منه أنّ اعتقاده يوافق أقوال اهل التصوّف ويخالف أصول علماء الإمامية كالقول بوحدة الوجود وغير ذلك من الأمور التي زعم الصوفية حقانيتها وأثبت الإمامية بطلانها، بل السيد المذكور أثبت عقائد الإمامية الثابتة عند علمائهم بالدلائل الوافية والبراهين الشافية، اثباتاً لا مزيد عليه وذلك ينافي التصوف وهو المطلوب.

وممّا يؤيّد هذا المدّعا ما كتبه بعض الأعاظم على ظهر نسخة من مجالس المؤمنين بعد نقل العبارة التي نقلناها فيما سبق من تذكرة عليقلى خان الداغستاني وهو: «الحقّ أنّ المساعي الجميلة التي بذلها السيد نوراللَّه في إعلاء كلمة الحق وتشييد بنيان الدّين وترويج مذهب الإمامية الحقّة أكثر وأوضح من أن يحتاج إلى البيان، بل هي أظهر من الشمس وابهر من الأمس وعلوّ مراتب تصانيفه وسموّ مقامات كتبه واضح عند من كان من أولى العلم والكياسة وذوي الفهم والفراسة ولا سترة عليه ولاخفاء فيه بوجه من الوجوه.

وأيضاً

لا يخفى أنّ تصوف القاضي قدس سره لا يستفاد من مطاوى كلامه وتضاعيف

ص: 47

مرامه في كتبه وتأليفاته ورسائله وتحقيقاته بنهج واضح وطريق جلىّ بحيث يمكن أن يستدلّ به على كونه من الصوفية، نعم يؤخذ منها أنّه كان له قدس سره حسن ظنّ ببعض المتصوّفة وأين هذا من ذاك؟ لأنّ مدح بعض الأشخاص لاينحصر في اختيار مسلكه لأنّ الأغراض والغايات متفاوتة بحسب الأزمنة والأوقات، ومختلفة بحسب الأمكنة والمقامات، ومدح القاضي قدس سره للعلماء والأعاظم الذين صرّحوا بلعن الصوفية وبراءتهم منهم أدلّ دليل على ما ادّعيناه، على أنّ علوّ درجته يقينيّ واليقين لا يزول إلّابيقين مثله، واحتمال بعض المحتملات بل الظن غير كاف، فَ «لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ» (1)

، «إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ» (2)

وتفصيله في محله، انتهى كلامه.

وأيضاً

براءة القاضي نوراللَّه- نوّر اللَّه مرقده الشريف- مذكورة في كتاب الشهاب الثاقب (3) لمولانا السيد دلدار علي طاب ثراه وأيضاً براءته قدس سره مذكورة مع مؤيّدات أخر في رسالة أخرى للسيد دلدار علي المذكور وتلك الرسالة هي التي كتبها في جواب أسئلة المولوي سميع الصوفي فمن أرادها فليرجع إليها».

وقال:

جناب سيد العلماء قدّس اللَّه نفسه الزكيّه في بعض تصانيفه: «إنّ القاضي نوراللَّه قدس سره كان قد حصل له لبعض الأوهام حسن ظنّ بطائفة الصوفية واستيناس بكلماتهم لكن لا يلزم من ذلك فساد عقيدته، ألاترى أنّ القاضي المذكور قال في مجالس المؤمنين بعد ذكره قول محى الدين العربي: «سبحان من أظهر الأشياء وهو عينها» الذي يشعر بوحدة الوجود: يحتمل أن يقرء كلمة عينها


1- اسراء: 36
2- حجرات/ 13
3- هو كتاب صنّفه السيد النحرير المذكور في الرّدّ على الصوفيّة وإثبات بدعهم وتلبيساتهم والتحذير عن الاقتداء بهم وفي جواز اللعن عليهم فهو كالاثني عشرية للشيخ الحرّ العاملي قدس سره فإنّه أيضاً في هذا الباب.

ص: 48

بالغين المعجمة والباء الموحّدة والياء المثنّاة المشدّدة بصيغة الماضي ومعناها أخفاها إلى آخر ما قال زاعماً أنّ كلامه بأمثال هذا التوجيه يخرج عن حدّ مخالفة الشرع، فلو كان القاضي قدس سره معتقداً بوحدة الوجود لما صحف كلامه ولما وجّهه بمثل هذا التوجيه ولما أصلحه بزعمه بمثل هذا البيان، فانكشف أنه قدس سره كان يزعم لبعض المحتملات والوجوه أنّ عقائد ابن العربي وأمثاله من الصوفية لا تخالف الشريعة الطاهرة ولم يكن له اطلاع على كلماتهم الغير القابلة للتأويل، فالقاضي وأمثاله ممّن مدح الصوفية في كلماته كانوا يحملون كلماتهم الفاسدة على المحامل الصحيحة وإن كان ظنّهم في ذلك فاسداً ومصداقاً للمصراع المعروف: «وهل يصلح العطّار ما أفسد الدهر»

فلا يلزم من مدحهم للصوفية كونهم مشاركين لهم في الاعتقادات «انتهى كلامه الشريف»(انتهى ما أردنا نقله من نجوم السماء).

أقول:

نظير ما ذكر في هذا الكلام من توجيه كلام ابن العربي ما وقع في مجالس المؤمنين في ترجمة أحمد بن محمد المعروف بعلاء الدولة السمناني بهذه العبارة: «وآنچه شيخ در اين رساله مذكور ساخته كه امام ابن الإمام محمد بن الحسن العسكري- عليه وعلى آبائه الكرام الصلاة والسلام- در گذشته مى تواند بود كه از مقوله غلط در كشف باشد، چنانچه شيخ محى الدين وبعضى از اكابر اين طايفه را در دعوى مهدويت و خاتم الولاية بودن واقع شده، يا غلط در تشخيص محمد بن الحسن العسكري باشد، چنانچه در نفحات تلويحاً و در حاشيه آن تصريحاً مثل اين تخطئه از ملا نظام الدين هروى در باب تشخيص خضر عليه السلام نسبت به جناب شيخ منقول است و بالجمله چون ركن الدين علاءالدوله قدس سره مشهور بوده به صحبت دارى خضر عليه السلام و مولانا نظام الدين از وى احوال خضر عليه السلام معلوم مى كرده همانا كه احوال بر وجهى فرموده كه مرضى مولاناى

ص: 49

مذكور نبوده و از اين جهت به او گفت كه اين حال خضر تركمان است نه حال خضر ترجمان يعنى حال خضر نامى است از تراكمه نه حال خضرى كه واسطه است ميان حق و خلق، و حاصل كلام آنكه بر قياس تخطئه ملا نظام الدين مى توان گفت كه آن محمد بن الحسن العسكري كه شيخ را بر گذشتن او اطلاع حاصل شده نه محمد بن الحسن العسكرى است كه در عسكر سامره بغداد متولد شده بلكه محمد بن حسن ديگر بوده كه در عسكر اهواز يا در عسكر مصر بوده و خدمت شيخ تشخيص حال نفرموده، با آنكه آنچه درين رساله به او منسوب است معارض است به آنچه در فصل نبوآت وما يضاف إليها از رساله بيان الإحسان لأهل العرفان مذكور ساخته و فرموده كه مهدى را- عليه سلام اللَّه و سلام جدّه خاتم النبيين- از هر سه نطفه يعنى صلبى و قلبى و حقى نصيبى اكمل وحظّى اوفر من حيث الاعتدال لا غالباً ولا مغلوباً بود اگر در حيات است و غايب سبب غيبت او تكميل اين صفات است تا چنان شود كه در حدّ اوسط افتد و از افراط و تفريط ايمن گردد و بر حق ثابت شود و اگر هنوز به وجود نيامده است بى شك بوجود خواهد آمد و به كمالى كه شأن مصطفى است خواهد رسيد و دعوت او شامل اهل عالم خواهد گشت و او قطب روزگار خود در مقام سلطنت خواهد بود بعد از اميرالمؤمنين على عليه السلام انتهى. وبالجمله هر چند صدق شرطيه مستلزم صدق مقدّم نيست اما احتمال دادن وجود و غيبت آن حضرت و تقديم اين احتمال بر احتمال عدم ناظر در ترجيح اوست و كسى كه يك مرتبه آن چنان حكم جزم به وفات مهدى عليه السلام نموده باشد به اين اسلوب سوق كلام نمى نمايد، كما لا يخفى على العارف به اساليب الكلام وبر تقدير تسليم مى گوئيم انكار وجود محمد بن الحسن العسكرى عليه السلام منافى تشيع شيخ نيست چه بعضى از طوايف شيعه حتى جمعى از اماميه قائل به دوازده امام كه يكى از ايشان محمد بن الحسن

ص: 50

العسكرى است نيستند چه مناط تشيع بر اعتقاد آن است كه بعد از پيغمبر صلى الله عليه و آله خليفه بحق بلافصل اميرالمؤمنين على بن ابى طالب عليه السلام است چنانچه در صدر كتاب مذكور شده و آنچه در اين مقام از روايت صاحب احباب وعبارت رساله شيخ نحرير يافت نصّ صريح است در اين باب و مادر مواضع اين كتاب ذكر مطلق اماميه را منظورداشته ايم ومقصود به ذكر، اماميه اثنى عشريه نگذاشته ايم.»

ويكشف عن هذا الإجمال ما ذكره المحدّث النورى قدس سره في الباب الرابع من كتابه المسمّى بالنجم الثاقب بهذه العبارة:

«وطايفه ديگر از اهل سنّت اند كه قائل اند به تولّد آن جناب بلكه رسيدنش به مقامات عاليه ولكن گويند وفات كرده مانند احمد بن محمد سمنانى معروف به علاءالدوله سمنانى، چنانچه در تاريخ خميس وغيره از او نقل كردند كه او گفت در مقام ذكر ابدال و اقطاب كه رسيد به مرتبه قطبيت محمد بن الحسن العسكرى و او چون پنهان شد داخل شد در دائره ابدال، وترقى كرد به تدريج از طبقه اى به طبقه اى تا اينكه گرديد سيد افذاذ، و قطب در آن وقت على بن حسين بغدادى بود پس چون وفات كرد و مدفون شد، در شونيزيه نماز گذارد بر او محمد بن الحسن العسكرى و در جاى او نشست و باقى ماند در رتبه قطبيت نوزده سال، آنگاه خداى تعالى او را از اين جهان با روح و ريحان برد و قائم مقام او شد عثمان بن يعقوب جوينى خراسانى و نماز كرد بر او او و جميع اصحابش و دفن كردند او را در مدينه رسول صلى الله عليه و آله تا آخر مزخرفات او كه بايد حق قلم و كاغذ را نگاه داشت و ملا حسين ميبدى شارح ديوان قريب به اين كلمات را در شرح ديوان گفته و گويا او هم از علاءالدوله برداشته كه از كثرت اقاويل شنيعه مردودالطرفين است، تمام امت را بهشتى مى داند اما با شفاعت، و فرقه ناجيه كه منحصر در يكى است آنان اند كه بى شفاعت به بهشت روند، بلكه در اصل مذهب مشوّش،

ص: 51

چنانچه در رياض از بعضى از رسائل او نقل كرده كه او گفت كه من در بعضى مسائل بقول شيعه مى گويم و در بعضى بقول اهل سنت و من عايشه و ساير ازواج نبى صلى الله عليه و آله را مدح مى كنم پس شيعه مرا ملامت مى كند و يزيد و اشباه او را لعن مى كنم پس اهل سنت مرا سرزنش مى نمايند و شتم مى كنند قاضى نوراللَّه رحمه الله به حسن فطرت در مقام معذرت ابن سمنانى برآمده به اينكه «مى توان گفت» ونقل كلامه الذي ذكرناه.

وإذا أحطت خبراً بذلك فاعلم أنّ ممّا يشيد بنيان أساس هذه البيانات

الدالة على براءة ساحة القاضي قدس سره من عقائد الصوفية وحالاتهم وبياناتهم ومقالاتهم التدبر في ترجمة حاله والنظر في تضلّع كماله وذلك لأنّ مقامه في فهم المراد من الآيات والأخبار واستخراج درر الحقائق من بحار كلمات الملك الجبّار وبيانات النبيّ المختار وأحاديث الأئمة الأطهار أشمخ من أن يقع عليه غبار الإنكار أو يتزلزل في تصديقه أقدام الأفكار فيستبعد من مثله أن يشارك الصوفية في عقائدهم الواهية الضعيفة، وأقوالهم الركيكة السخيفة، وأفعالهم المبتدعة وآثارهم المخترعة، حاشاه عن ذلك، ففيما ذكر كفاية للبصير، ولا ينبّئك مثل خبير.

4- حرص القاضي على تكثير سواد الشيعة

حرص القاضي على تكثير سواد الشيعة

بقى هنا أمر ينبغي أن نشير إليه إجمالًا

وهو أنّ للقاضي قدس سره حرصاً شديداً على تكثير سواد الشيعة فلذا تراه في كتبه ولا سيما في مجالس المؤمنين يتعب نفسه ويتجشّم كلفة عظيمة ويتحمل مشقّة شديدة لنيل هذا المرام ولو بتحمّل احتمالات بعيدة وتطلّب استدلالات غير سديدة وذلك واضح عند من كان مأنوساً بكلماته فلا نطيل الكلام بالخوض فيه بالنقض والإبرام بل نكتفي بذكر شي ء يدلّ على المرام عند من لم يعرف ديدنه ولم يستأنس بكلماته:

ص: 52

فمنهما قوله قدس سره في المقدمة الأولى من مقدمات مصائب النواصب في ضمن الاستدلال على تشيّع المير سيّد شريف العلامة المشهور: «لكنّه قدس سره لحبّ الجاه والمال، أو لدفع توهم الرفض والاعتزال عن مذهب أهل الضلال، أو غير ذلك مما اقتضاه الحال شرح المواقف ونسج على ذلك المنوال (1) بل الظاهر أنّ كلّ من اتّصف من الأفاضل والموالي، بالفطرة الصحيحة والفهم العالي، كالخطيب الرازي والغزالي، كان متظاهراً بمذهب الجمهور، مبطناً للمذهب الحقّ المنصور، لأغراض لا تخفى على ذوي الشعور، وقد شهد بحسن هذا الظنّ المبين مطالعة كتابيهما سرّ العالمين والأربعين»

ومنها قوله قدس سره في المجلس السادس من كتاب مجالس المؤمنين، في ترجمة العارف المعروف بابن العربي بهذه العبارة: «ونسبت خرقه وى بيك واسطه به حضرت خضر مى رسد و خضر به موجب تصريح مولانا قطب الدين انصارى صاحب مكاتيب خليفه امام زين العابدين عليه السلام است و شيخ ابوالفتوح رازى در تفسير اين آيه كه «قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي اْلأَرْضِ» (2)

روايت نموده:

«كه حضرت خضر عليه السلام با بعضى از نظريافتگان درگاه گفته: «كه من از مواليان على و از جمله موكلان بر شيعه اويم» و از بعضى درويشان سلسله نور بخشيه شنيده شد كه هر يك از مشايخ صوفيه كه اظهار ملاقات خضر نمايد يا خرقه خود را به او منسوب سازد في الحقيقة اخبار از التزام مذهب شيعه نموده و اشعار به عقيده خود در باب امامت فرموده» إلى آخر كلامه الطويل الذي آثار التجشم في آخره الذي تركناه أكثر من أوله الذي ذكرناه.


1- ذكر نظيره أيضاً في المجالس، في المجلس السابع، في ترجمة الميرسيد شريف المترجم حاله هنا.
2- مائده/ 26

ص: 53

ومنها قوله قدس سره

في المجلس الثامن، في أوّل الجند الثاني عشر، في ترجمة هلاكو خان بهذه العبارة: «هلاكو خان بن تولى خان بن چنگيز خان در ربيع الأوّل سنه إحدى وخمسين وستّمائة بحكم برادرش منگوقاآن متوجه سمت ايران شده و در سنه ثلاث و خمسين در كان كل سمرقند نزول نمود و در شوال آن سال از جيحون گذشت و بنابر اراده ربّ قدير و حسن تدبير نحرير عدم النظير خواجه نصيرالدين محمد طوسي- طيّب اللَّه مشهده- بنابر اضطرار در قلعه ميمون دز از قلاع ملاحده بسر مى برد و او را در مبادى توجه هلاكو خان به رسم رسالت نزد خان فرستاده بودند تسخير قلاع ملاحده ميسّر گشته ملاحده بقتل رسيدند و در سلخ شوال اربع و خمسين وستّمائة خورشاه پادشاه ملاحده را به چنك آورده، طايفه خنديه را برانداخت، اتفاقاً لفظ خند موافق تاريخ است و در اثناى اين نهضت تقرّب حضرت خواجه به جائى رسيد كه در حرم محترم ايلخان محرم گرديده و بيگم را در تكليف اسلام ايلخان با خود متفق ساخته، ايلخان و بيگم را پنهان از اعيان لشگر به شرف اسلام فايز گردانيد و چنانچه مشهور است ايشان را ختنه ساخت و آنكه بعضى از قاصران استبعاد اسلام او مى كنند از قبيل سخايف اوهام است وليس هذا أوّل قارورة كسرت في الإسلام».

إلى غير ذلك من الكلمات التي لا يترقّب صدورها الّا ممّن كان مقيّداً في قعر سجن الطبيعة بسلسلة مموّهات الوهم والخيال لا ممّن قد فاز بالطيران بجناحي العلم والعمل في أوج سماء المعرفة والفضل والكمال، كالقاضي قدّس اللَّه تربته الزكية فإنّ علوّ مقامه ممّا لا يقبل الإنكار فلولا أنّ الخوض في نقل أمثال ما ذكر يفضي إلى توهّم التّحامل منّي على هذا السيد السند النحرير الباذل نفسه ابتغاء لوجه اللَّه تعالى في إعلاء كلمة الدين وإحياء سنّة خاتم النبيين صلى الله عليه و آله وترويج مذهب الأئمّة الطاهرين عليهم السلام- أعلى اللَّه درجته في أعلى علّيين- لذكرت من ذلك شيئاً

ص: 54

كثيراً، فالأولى الكفّ عن الخوض فيه، والعمل بما ورد في الحديث النبوي

«أُذكُرُوا مَوتاكُمْ بِالْخَيْرِ» (1)

والتمثل بقول من قال:

«ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها»

. وممّا ينبغي ذكره هنا ما اعتذر به السيد إعجاز حسين الهندي قدس سره عمّا وقع فيه القاضي من عدّه الصوفية والعامّة في عداد الشيعة، فإنّه قدس سره قال في كشف الحجب والأستار بعد ذكر مجالس المؤمنين وبيان موضوعه وتعريفه ما لفظه:

«وقد يظنّ من لا بصيرة له أنّه أدخل العامّة والصوفية في هذا الكتاب زاعماً أنّهم كانوا من أهل الحق مع أنّه باطل لأنه رحمه الله قد صرّح في مقدمة هذا الكتاب وعند ذكر علاء الدولة السمناني أنّ غرضه في هذا الكتاب ذكر من كان يعتقد أنّ مولانا عليّاً عليه السلام كان خليفة بعد الرسول بلا فصل وهم الذين يسمّيهم مطلق الإمامية لا الإمامية الإثنى عشرية الناجية.»

أقول:

قد عرفت ممّا ذكرناه في السابق أنّ هذا الاعتذار لا يجدى في جميع الموارد، نعم هو عذر في بعضها وذكر العالم البارع النحرير الآغا محمد علي البهبهاني الكرمانشاهي قدس سره لما صدر من القاضي في الكتاب المشار إليه من عدّة أعيان الصوفية وأعيان علماء العامّة في عداد الشيعة وجهاً آخر، فقال في أواخر كتاب مقامع الفضل، في ضمن كلام له في إثبات تسنّن الملّا عبدالرحمن الجامي ما لفظه (2):

«وجمعى از مَهَره فن و ثقات طرفين بر آن شهادت داده اند و حكم فرموده اند مثل فاضل متبحّر قاضى نوراللَّه تسترى قدس سره كه در مجالس المؤمنين از فاضل قاضى مير حسين ميبدى شافعى شارح ديوان مرتضوى نقل كرده كه در طعن او چنين گفته:


1- فيض الإله في ترجمة القاضى نور اللَّه.
2- ص 288 من النسخة المطبوعة سنة 1316

ص: 55

شعر

آن امام بحق ولى خدا اسد اللَّه غالبش نامى

دو كس او را به جان بيازردند يكى از ابلهى دگر خامى

هر دو را نام عبدرحمن است آن يكى ملجم و دگر جامى

(إلى أنْ قال:) و شهادت جماعت مذكوره كه مقارب عصر او بعضى مؤالف و بعضى مخالف او بوده اند از ادلّ دلائل است بر كمال ظهور نصب و عداوت او كه قابل توجيه و تأويل نبوده، زيرا كه قاضى نوراللَّه مذكور نظر به معارضه در مذهب كه با ميرزا مخدوم شريفى ناصبى داشت، بنابر مصلحتى كه ديده اكثر اعيان سنيان و صوفيان را داخل شيعيان گردانيده و به مفهومات ضعيفه و احتمالات بعيده سخيفه استدلال بر تشيّع ايشان نموده، چنانكه از مطالعه و مراجعه كتاب مجالس معلوم و مفهوم مى گردد و مع ذلك از اعيان صوفيان كسى را كه براى سنيان بجا گذاشته شيخ عبدالقادر گيلانى و ملا عبدالرحمن جامى است» وتفطّن القاضي نفسه بإفراطه في هذا الأمر، فأجاب عنه بزعمه حيث قال في مجالس المؤمنين، في المجلس السابع، في ترجمة الغزالي:

«كسى نگويد كه چون حكم به تشيّع غزالى و مانند او كه به مذهب اهل سنت اشتهار دارند نموديد، پس بايد كه سخنان ايشان را كه در كتب كلاميه و غير آن مسطور است بر اهل سنت حجت نسازيد، زيرا كه مى گوئيم كه حكم ما به تشيع غزالي و امثال او نظر بباطن حال ايشان است و شك نيست كه ظاهر حال ايشان موافق اهل سنت بوده و تصانيف ايشان بر طبق عقائد آن جماعت واقع شده الخ» وذكر نظيره في موارد عديدة من كتاب المجالس وغيره ومنه ما مرّ ذكره قبيل ذلك (1) نقلًا من مصائب النواصب.


1- ص 40

ص: 56

5- أسلوب تحرير القاضي قدس سره وتقريره

أسلوب تحرير القاضي وتقريره

بيان القاضي قدس سره سواء كان عربياً أو فارسياً بمكان عال من الفصاحة والبلاغة ومقام شامخ من الجودة والسلاسة، واللطافة والنفاسة، ألاترى إلى قول السيد إعجاز حسين الهندي قدس سره في كشف الحجب تحت عنوان إبداء الحقّ «وأيضاً لايضاهى بيان هذا الكتاب بيان هذا العلامة النحرير ولا اسلوبه اسلوبه البالغ إلى أقصى المراتب في البلاغة وجودة التقرير مستدلًاّ به على أنّ الكتاب ليس للقاضي قدس سره وهو بيان صحيح وكلام متين وإستدلال قوى، وذلك واضح عند من كان مستأنساً بكتبه إلّاأنّه مع ذلك يلوح قليلًا ما في بعض تعبيراته العربية شي ء يخالف استعمال لغة العرب، مثلًا كلّما يستعمل لغة «ندم» في كتبه العربية يستعملها بمن تبعاً لأسلوب التعبير الفارسي في استعمال معنى هذه الكلمة فيقول مثلًا «ندم منه» كما يقال بالفارسية: «از آن پشيمان شد» والحال أن العرب تقول: «ندم عليه» وقس عليه بعض نظائره إلّاأنّه معفوٌّ عنه في جنب حسن تعبيره الواضح وبيانه الجلىّ على أنّه أقلّ قليل وبعد ما فطنت بهذا الأمر صححت هذه الكلمة في جميع الموارد التي استعملت هي فيها من هذا الكتاب إلّاما زاغ عنه البصر.

6- الكلام حول بعض تأليفات القاضي قدس سره

الكلام حول بعض تأليفات القاضي

ما اشتهر من تأليفات القاضي قدس سره وانتشر نسخها أربعة كتب؛ إحقاق الحق، مجالس المؤمنين، الصّوارم المهرقة، مصائب النواصب وهي تأليفاته المشهورة ولا سيّما الأوّلان، فإنّهما بمكان من الشهرة، ونظراً إلى هذا الاشتهار اكتفى جماعة في ترجمة القاضي قدس سره باختصاصها بالذّكر من بين تأليفاته، كما إليه ينظر كلام صاحب الروضات قدس سره حيث قال بعد ذكر أسامي عدّة من كتب القاضي قدس سره غير هذه أربعة في

ص: 57

ترجمته نقلًا عن غيره «كذا في بعض المواضع المعتبرة وكأنّ المقصود به تفصيل غير كتبه المشهورة المتداولة وإلّا فلاوجه لإسقاطه اسّ أساس مصنفات الرجل مثل كتاب مجالس المؤمنين الذي كتبه في ترجمة أحوال جماعة من العلماء والحكماء والأدباء والعرفاء والرجال والأوائل والرواة الأفاضل من الإسلاميين الذين هم باعتقاد المصنّف من الإماميّين مع طرف من حكاياتهم وطريف من ملح أقاصيصهم ورواياتهم وأشارة إلى ترجمة جملة من البلاد المنسوبة إليهم رضوان اللَّه سبحانه و تعالى عليه وعليهم ومثل كتاب إحقاق الحق الذي كتبه في النقض على إبطال الباطل الذي كتبه الفضل بن روزبهان الإصفهاني في الردّ على نهج الحق لإمامنا العلّامة أعلى اللَّه مقامه وأعظم انعامه، وكتاب صوارمه الذي كتبه في الرّد على صواعق ابن حجر الهيتمي المكّي، إلى غير ذلك من مصنفاته التي تسمعها من غير هذا الموضع على حسب ما سوف نحكى»

فنقول: رابع هذه الثلاثة المذكورة في الاشتهار مصائب النواصب كما ستعرف وجهه إن شاء اللَّه تعالى.

أمّا إحقاق الحق

إحقاق الحق

فهو كتاب شريف قد وقع عند علمائنا الفحول بمكان من القبول بحيث صرّح بعض العلماء بأنّه ممّا يؤلّف مثله في بابه وهو كذلك قال صاحب رياض العلماء في حقّه:

«احقاق الحق كتاب جيّدة الفوائد كبير جدّاً وقد ألّفه في بلاد الهند في جواب ردّ بعض متأخّري العامة على كتاب نهج الحق للعلّامة في مسألة الإمامة وتأليف هذا الكتاب هو من جملة البواعث لشهادة هذا السيد قدس سره وهو كتاب معروف معوّل عليه عند من جاء بعده من العلماء.

قال العالم الجليل السيد اعجاز

حسين الهندي قدس سره في كشف الحجب

ص: 58

والأستار: «إحقاق الحقّ للفاضل الكامل الأديب، العالم العامل الأريب، السيد السند السّديد الشهيد القاضي نوراللَّه بن شريف بن نوراللَّه- نوّراللَّه مرقده- المشتهر بالشهيد الثالث، نقض فيه إبطال الباطل الّذي ألّفه ابن روز بهان زاعماً أنّه جواب لكشف الحق ونهج الصدق لآية اللَّه في العالمين العلامة الحلّي.

قال الحرّ العاملي: «أنّه كان معاصراً للشيخ البهائي، وقتل بسبب تأليف إحقاق الحق(انتهى)».

وقال صاحب الذريعة في حق ذلك الكتاب: «وهو أجلّ كتاب في بابه، تعرّض في الردّ كلمات القاضي فضل بن روزبهان في كتابه «إبطال نهج الباطل، الّذي كتبه في الرّدّ على كتاب نهج الحق لآية اللَّه العلّامة الحلّي، فأظهر الصواب ونال أعظم الأجر والثواب، أوّله: «الحمد للَّه الذي جعل مقام شيعة الحق عليّاً، وصيّرهم مع نبيّه إبراهيم في ذلك الاسم سميّاً»(إشارة إلى تفسير قوله تعالى: «وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ» (1)

.

قال الحاج محمد جعفر الصوفي المتأخّر المعروف بكبودر آهنگى في كتاب مرآة الحق (2) في ضمن كلام له بعد ذكر اسم الكتاب أعني الإحقاق ونقل شي ء منه ما لفظه:

«انصاف آن است كه چنانچه از بعضى أساتيد عظام خود كه جناب مرحوم مغفور ميرزا ابوالقاسم قمى قدس سره باشد و بعضى فضلاى ديگر كه جناب مرحوم مغفور ميرزا محمد مهدى طباطبائي شهرستانى باشد شنيدم كه مى فرمودند كه قاضى قدس سره كمال فضيلت و تحقيق و تتبّع را داشته كه به اين نحو ردّ كلمات فاضل روزبهان را نموده و مى فرمودند كه اگر علامه حلّي خود ايشان مى خواستند كه به


1- صافات/ 83
2- ص 97 من النسخة المطبوعة

ص: 59

اين نحو ردّ كلام و تزييف او نمايند ما را اعتقاد اين است كه به اين نحو ممكن نبود».

وقال أيضاً بعد مدحٍ أعظم من ذلك لهذا الكتاب وبعد مدحٍ بالغ لمؤلّفة وسائر تأليفاته ولاسيّما إحقاق الحق ومجالس المؤمنين (1): «نفاست و شرافت اين دو كتاب بمرتبه اى است كه محقق محدّث مولانا محمد تقى مجلسى قدس سره فرموده است: كه بر هر شيعه لازم است كه اين دو كتاب را داشته باشد» يريد بهما إحقاق الحق ومجالس المؤمنين.

تاريخ تأليف إحقاق الحق وطبعاته

تاريخ تأليف إحقاق الحق وطبعاته

قال السيد إعجاز حسين قدس سره في كشف الحجب والأستار بعد ما مرّ ذكره: «قد صنّف هذا الكتاب في مدّة يسيرة وأيّام قليلة لايكاد أحد أن ينسخه فيها فضلًا عن أن يصنّفه، قال رحمه الله في آخره:

«وقد اتّفق نظم هذه اللئالي، التي وشحت بها عوالي المعالي، في سبعة أشهر من غير الليالي، لما شرحت من كثرة ملالي، وضعف القوى ونحول البدن كالشنّ البالي، وكان آخرها آخر ربيع الأوّل المنتظم في سلك شهور سنة ألف وأربع عشرة في بلدة آگرة أكره بلاد اتّخذها الكفر وَكْرَهُ، واستعمل فيها الشيطان مَكْرَهُ،- صان اللَّه المؤمنين عن مكره وجهله، وأخرجهم عن سواد الهند حزنه وسهله، بحقّ الحقّ وأهله-».

قال الشيخ أغا بزرگ دام ظلّه في الذريعة بعد ما ذكره: «طبع بايران تامّاً في سنة 1273 ق وطبع بمصر أيضاً لكنّه مع اسقاط بعض مطالبه ثمّ في سنة 1326 ق


1- ص 109 من النسخة المطبوعة

ص: 60

طبع بها نصفه الأوّل إلى البحث الرابع في تعيين الإمام بمباشرة الفاضل الشيخ حسن ابن الشيخ دخيل الحجامي النجفي وأتعب نفسه في تصحيحه ومقابلته مع طبع ايران وغيره، وعمد العلامة المعاصر الشيخ محمد حسن مظفر النجفي إلى تأليف كتابه دلائل الصدق في نهج الحق تتميماً لما حقّقه القاضي نوراللَّه الشهيد في هذا الكتاب وهو مجلد كبير يأتي في محلّه».

تتميم

تتميم

قال صاحب رياض العلماء في آخر ترجمة القاضي قدس سره «ثم أعلم أنّ الذي ردّ على العلّامة كتاب نهج الحق هو فضل بن روز بهان الإصفهاني، ويقال أنّه من غير أهل اصفهان ولكن توطّن بها، فلاحظ وكان فضل بن روزبهان في عصر خروج السلطان شاه اسماعيل الصفوى بل بعده بقليل، فلاحظ ويقال: أنّ فضل بن روزبهان كان بعد دولة السلطان محمد خدا بنده الذي ألّف العلامة كتاب نهج الحق له بقليل وهو خطأ، كيف لا وقد يظهر من كلام القاضي نوراللَّه المذكور في مواضع من إحقاق الحق أنّه كان من المتأخرين عن ذلك الزمان بكثير. منها أنّه قال: أنّه قد ألّف ذلك الردّ على العلامة لأجل تلافي قتل قومه بإصبهان يعنى بعد خروج السلطان شاه اسماعيل.

ومنها أنّه قال: أنّ بعض الإيرادات التي أوردها فضل بن روزبهان في بحث رؤية اللَّه تعالى قد أخذها من الشرح الجديد للتجريد ومن المعلوم أنّ الشارح الجديد كان في عصر ميرزا الغ سبط الأمير تيمور وهو قريب من عصر خروج السلطان شاه اسمعيل الصفوي المذكور. ومنها انه».

أقول:

فترك بياضاً لكتابته شي ء ولم يكتبه والظاهر أنّه لم يمهله الأجل لكتابته لأني نقلته من خطّه رحمه الله.

ص: 61

أمّا مجالس المؤمنين

مجالس المؤمنين

فهو أشهر من إحقاق الحق قال الأفندي قدس سره في ضمن عدّ تأليفات القاضي قدس سره «أيضاً كتاب مجالس المؤمنين بالفارسية وهو كتاب كبير معروف في ذكر طائفة من علماء الشيعة ورواتهم وزمرة من مشاهير الإمامية من السلاطين والأمراء والصوفية والشعراء من الأزمنة السالفة إلى زمانه وقد أفرط في ذلك وفرّط وهو من جملة البواعث لنا في إنشاء هذا الكتاب المسمّى برياض العلماء وإنّما ألّف قدس سره كتابه المذكور حيث رأى أنّ المخالفين علينا قد طعنوا بأنّ مذهب الشيعة قد حدث في مبدأ ظهور الدولة الصفوية وخروج السلطان شاه اسماعيل الصفوي ونحو ذلك من أقاويلهم المخيلة الفاسدة وقد مرّت الإشارة إليه أيضاً في أوّل الديباجة».

أقول:

مع ذلك كلّه هذا الكتاب من نفائس الكتب ولولاه لفاتت فوائد جمّة لا يجبر فواتها غيره.

قال السيد إعجاز حسين الهندي قدس سره في كشف الحجب والأستار: «مجالس المؤمنين للقاضي نوراللَّه بن شريف الحسيني الشوشتري المتوفّى سنة تسع عشرة بعد الألف، رتّبه على إثنى عشر مجلساً في ذكر الأماكن والمواطن الّتي لها اختصاص بالأئمة الطاهرين والطوائف والأصحاب والتابعين والمتكلّمين والمفسّرين والمحدّثين والمجتهدين والسادات والقرّاء والنحاة والحكماء والملوك والأمراء والوزراء والشعراء من العرب والعجم(إلى أنْ قال:) أوّله «نفحات دلگشاى حمد ورشحات جانفزاى الخ».

تأريخ تأليف مجالس المؤمنين وطبعاته

تأريخ تأليف مجالس المؤمنين وطبعاته

قال الناقد البصير الأفندي قدس سره في رياض العلماء: «وكان فراغه من مجالس المؤمنين يوم الخميس الثالث والعشرين من شهر ذي القعدة لسنة عشرة وألف؛

ص: 62

وكان افتتاحه في مفتتح شهر رجب المرجب المنتظم في سلك شهور سنة ثمان وتسعين وتسعمائة في بلدة لاهور- رضيت عن آفات الدهور-، هكذا وجدت صورة خطّه على آخر كتاب المجالس المذكور».

أقول:

قد علم من هذا الكلام أنّ ما ذكره ريو (1) في فهرسه (2) من أنّ في متحف البريطانية نسخة خطّية من كتاب مجالس المؤمنين قد كتب في هامش آخرها:

«افتتح هذا الكتاب في رجب سنة 993، واختتم في الثالث والعشرين من ذي القعدة لسنة 1010». ويظنّ أن التاريخ المذكور قد استنسخ من خطّ مؤلفه.

صحيح من جهة الظن إلّاأن في الكلام اشتباهاً نشأ من تحريف «ثمان» إلى «ثلاث» ويمكن أن يكون الأمر بالعكس إلّاأنّه بعيد لا يعبأ به عند المتأمّل البصير، لكون الأفندي أبصر منه. طبع هذا الكتاب في ايران ثلاث مرّات(مرّتين في طهران؛ تأريخ الطبعة الاولى في 16 رجب سنة 1268، والطبعة الثانية ليست عندي الآن منها نسخة فليلاحظ من غير هذا الموضع، وثالثة في تبريز في

مطبعة الحاج ابراهيم

آقا الباسمجى التبريزى لكن بلا ذكر من تأريخ الطبع) إلّاأنّ النسخ المطبوعة في تلك الطبعات الثلاثة ملحونة جدّاً مشوّشة كثيراً بحيث يتعسّر على الناظر بل يتعذّر عليه الاستفادة الكاملة منها من دون مراجعة إلى النسخ الخطّية او المآخذ المنقول عنها وذلك على خلاف ما أوصى به القاضي قدس سره في آخر هذا الكتاب فإنّه أورد في آخره خاتمة تشتمل على وصاياه التي آخرها هذه العبارة:

«ديگر آنكه چون بعد از اتمام هفت نسخه از اين مجالس و مقابله آنها با اصل مسودّه آن، اين فقير مستهام به اشاعت آن اقدام نموده، بنابراين مأمول از الطاف اخوان كرام كه از آن نسخ نقل بردارند آنكه همّت بر تصحيح و مقابله منقول عنه


1- Ch. Rieu.
2- ج 1؛ ص 337- 338

ص: 63

گمارند تا چنانكه در اكثر كتب تواريخ و سير به نظر مى رسد به تعاقب نقل و مرور روزگار نسخه هاى سقيم خاطر آزار بر روى كار نيايد وطبع لطيف ناظران را از مطالعه آن ملالت نيفزايد».

هذا كلّه مع اعتراف القاضي قدس سره بأنّ الأشعار العربيّة قد كانت في النسخة الأصلية أيضاً مشوّشة ملحونة مصحّفة وذلك لأنّه قدس سره قال في المجلس الحادي عشر بعد ذكر حكاية (1) تشتمل على ذكر سبب تأليف أبي تمّام لكتاب الحماسة ما لفظه:

«مخفى نماند كه حال مؤلف اين كتاب در نقل اكثرى از اشعار شعراى عرب بر منوال حال شيخ اصفهان است در نقل كتاب حماسه از آن نسخه سقيم غير مستقيم و اميدوار است كه توفيق تصحيح و تحقيق آن روزى گردد واللَّه الموفق».

أقول:

عمّمه في وصاياه التي ذكرها في خاتمة الكتاب إلى الأخبار أيضاً حيث قال فيها ما لفظه: «ديگر آنكه بر وجهى كه سابقاً در ذيل احوال ابوتمّام طائي از مجلس يازدهم مذكور شده چون بعضى از كلمات واقعه در اخبار واشعار منقوله در اين كتاب خالى از سقمى وارتيابى نيست اگر اصلى صحيح تر از آن اخبار واشعار بدست آرند در تصحيح آن التفات دريغ ندارند.».


1- وهي هذه «آورده اند كه سبب جمع ابى تمّام كتاب حماسه را آن بود كه چون او در وقت توجه از نيشابور به عراق عرب به ولايت همدان رسيد زمستان شد و برف راه را مسدود ساخت و در آن اثناء ابوالوفاء محمد بن عبدالعزيز كه اديبى بود از اولاد رؤساء وشعر نيز مى گفت ابوتمّام را به خانه خود برده به خدمت او مشغول شد و چون مدت توقف ابوتمّام به واسطه زمستان امتدادى داشت، كتب خود را نزد ابوتمّام آورده ابوتمّام از آنها اختيار ابيات حماسه نمود و نسخه نزد ابوالوفاء ماند تا آنكه كتب ابوالوفاء به دست شخصى از اهل دينور افتاد كه او را ابوالعواذل دينورى مى گفتند و او در ايامى كه از هجرت نبويّه دويست و هفتاد سال و كسرى گذشته بود نقلى سقيم مصحف از آن برداشته به اصفهان برد و بعضى از مشايخ اصفهان با آن خلل و قصور كه در آن نسخه بود بر تداول آن رغبت فرمودند و ابوبكر خياط را جهت تفحص اشعارى كه مانند كتاب حماسه بود به اطراف بلاد فرستاد و هميشه در مقام اصلاح آن بود تا چنان شد كه مردم از مطالعه آن بهره يافتند.»

ص: 64

فائدة مهمة-

إعلم أنّ من متمّمات كتاب مجالس المؤمنين رسالة «دفع شبهات ابليس» ويعلم ذلك من ملاحظة صدر الرسالة وذلك لأنّ عبارة صدرها بعد البسملة والاستعاذة هكذا: «مخفى نماند كه اين تراب اقدام مؤمنان در فاتحه كتاب مجالس المؤمنين تشبيه اقوال بعضى از شياطين امت سيدالمرسلين را به شبهات ابليس لعين مذكور ساخته (1) وجهت رعايت معانقه اجزاى اصليه كلام حواله شعور بر بعضى شبهات مذكوره و جواب آن را به كتب جمهور مناسب شناخته بود و چون آن مقام به نظر شريف بعضى از اخوان عالى شأن ملك نشان كه جامع ملكات فطريه انسانى و خالع صفات ردّيه شيطانى بود رسيد استدعا نمود كه به نوشتن تفصيل شبهات مذكوره و جواب آن گرايد و به حاشيه كتاب الحاق آن نمايد تا ناظر در اين مقام را حاجتى بغير اين كتاب نباشد و تكلّف جستجوى خاطر او را نخراشد و چون به حسب استدعاى او شروع در آن واجب گرديد الخ».

وهي تشتمل على أجوبة سبع شبهات القاها ابليس وهذه الرسالة هي التي عبّر عنها صاحب شهداء الفضيلة بقوله: «رسالة في ردّ الشيطان» كما مرّ نقله (2) وذلك لأنّه غير عبارة الرياض وعبارته هكذا «رسالة في رد شبهات الشيطان» كما صرّح به علاء الملك أيضاً في محفل فردوس بقوله: «رساله دفع شبهات ابليس»


1- يريد به ما ذكره في فاتحة كتاب مجالس المؤمنين بهذه العبارة «واوّل شبهه اى كه در عالم پيدا شد شبهه ابليس بود(إلى أن قال:) واز اين استكبار واستبداد هفت شبهه او را سانح شد و بعد از وى در سائر خلائق آن شبهات سرايت كرد تا آنكه بعد از غروب آفتاب نبوت هر نبى بعضى از آن شبهه ها در نفوس علماى امت آن پيغمبر پديد آمد(إلى أنْ قال:) و اين اختلاف و افتراق بحكم حديث «ستفترق» در امت پيغمبر ما صلوات اللَّه عليه وآله زياده گرديد(إلى أن قال:) وتفصيل آن شبهات كه منشأ اشتباهات اهل بدع و ضلالات است با دفع آن در كتب اهل كتاب مذكور و در مصنفات علماى ملت احمدى مسطور است الخ».
2- انظر ص 5

ص: 65

كما مرّ نقله (1) ولهذه العلاقة طبعت في أواخر مجالس المؤمنين في هوامش بعض الصفحات.

أمّا الصوارم المهرقة

الصوارم المهرقة

فهو هذا الكتاب الحاضر الذي لا نخوض في بيان ما ينبغي لشأنه لأنّ عيانه يغنينا عن بيانه، بل نكتفي بذكر ما لابدّ منه وهو التعريف الإجمالي من الكتاب فنقول: هو كتاب كلامي يبحث عن موضوع الإمامة العظمى والخلافة الكبرى، صنّفه القاضي قدس سره في جواب الصواعق المحرقة لابن حجر الهيتمي ومع كونه ردّاً على بعض الصواعق(لأنّه لايتجاوز عن مبحث خلافة أبي بكر) في حكم الردّ على كلّه لما نبّه عليه مصنّفه في آخره، ومع صغر حجمه كثير الجدوى غزير الفحوى. قال الأفندي قدس سره في ضمن عدّ تأليفات القاضي قدس سره: «وكتاب الصوارم المهرقة في ردّ الصواعق المحرقة لابن حجر العسقلاني في دفع الإماميّة وحقّيّة مذهب العامّة معروف، والظاهر أنّه غير ما سبق من رسالة ردّ مقدّمات ترجمة الصواعق»

أقول: قوله قدس سره «العسقلاني» سهو قلم واشتباه منه لأنّ الصواعق لابن حجر الهيتمي المكّي المتأخّر زمانه عن زمان ابن حجر العسقلاني بكثير من السنين، فليلاحظ من محلّه.

قال صاحب كشف الحجب والأستار

: «الصوارم المهرقة في دفع الصواعق المحرقة للسيد السند القاضي نوراللَّه بن شريف بن نوراللَّه المرعشي الشوشتري- نوّراللَّه مرقده-، المتوفّى سنة تسع عشرة بعد الألف وهو شرح بالقول»..

ويؤخذ من ملاحظة

فهارس الكتب أنّ هذا الكتاب أوّل كتاب صنّف في ردّ الصواعق


1- انظر ص 16

ص: 66

وذلك لأنّ العلماء كتبوا في ردّه كتباً كثيرة.

قال الفاضل الجليل السيد إعجاز حسين الهندي قدس سره

في كشف الحجب والأستار:

«إبداء الحقّ في جواب الصواعق المحرقة، قال بعض الأفاضل: أنّه من مصنّفات السيد السند القاضي نوراللَّه بن شريف بن نوراللَّه الحسيني المرعشي الشوشتري- أعلى اللَّه درجته في أعلى علّيّين- لكنّه لا يستقيم لأنّه استشهد سنة تسع عشرة بعد الألف في عهد جهانگير وتاريخ تصنيف إبداء الحق على ما ذكر في أوّله سنة سبع وعشرين بعد الألف، وأيضاً لا يضاهي بيان هذا الكتاب بيان هذا العلامة النحرير ولا أسلوبه اسلوبه البالغ إلى أقصى المراتب في البلاغة وجودة التقرير فلعلّه لابنه أو لبعض تلامذته، أوّله: الحمد للَّه الذي هدانا إلى الصراط المستقيم الخ»

قال صاحب الذريعة بعد نقل الكلام المذكور هنا:

«أقول: نعم ردّ القاضي نوراللَّه الشهيد على الصواعق موجود واسمه الصوارم المهرقة في دفع الصواعق المهرقة كما يأتي، وللقاضي الشيهد أيضاً ردّ على مقدّمات ترجمة الصواعق يأتي».

وقال أيضاً صاحب كشف الحجب: «البوارق الخاطفة في جواب الصواعق المحرقة لابن حجر المكي الهيتمي لم أقف على اسم مصنّفه لعلّه لبعض تلامذة القاضي نوراللَّه الشوشتري- أعلى اللَّه في عليين درجته- أو لولده محمد علي قد التزم فيه أنْ لا يتمسّك في إبطاله بغير ذلك الكتاب، ويظهر من هذا الكتاب أنّ للمصنّف كتاباً في علم الكلام بالفارسية سمّاه الشوارق، أوّله: الحمد للَّه الذي جعل إحقاق الحقّ ذريعة لشفاعة النبيّ المختار، وصيّر إبطال الباطل وسيلة في سلك العترة الأطهار، الخ».

ص: 67

وقال المحدث النوري قدس سره في هامش الموضع

من نسخة خطّية له من كشف الحجب بعنوان الاستدراك: «البوارق الخاطفة والرواعد العاصفة في ردّ الصواعق المحرقة، والظاهر أنّه للسيّد علي بن السيّد علاءالدولة بن ضياءالدين نور اللَّه، أوّله: الحمد للَّه الذي امطر على ابن حجر حجارة العذاب، وطرقه بفطيس العقاب الخ»

قال صاحب الذريعة: «ذكر شيخنا العلامة النوري قدس سره فيما كتبه بخطّه على هامش نسخة كشف الحجب التي أهداها إليه مؤلّفه البوارق المذكور، كتبه استدراكاً لما فات المؤلّف وقال: هو لسبط القاضي الشهيد والظاهر أنّه السيد عليّ بن السيد علاء الدولة بن السيد ضياء الدين نوراللَّه»

أقول: نعم يظهر من مخالفة الخطبتين تعدّد الكتابين وإن اتّحد موضوعهما واسمهما وقد ذكر صاحب الرياض المولود سنة 66 ترجمة السيد على هذا في كتابه وقال: «أنّه كان يسكن بالهند وكان معاصراً لنا» و «لعلّه لبعده عنه لم يطّلع على كتابه هذا»، أقول سنذكر كلام صاحب الرياض في ترجمته.

وقال أيضاً السيد إعجاز حسين قدس سره في كشف الحجب «جواب الصواعق كثيرة؛ إبداء الحق، والبوارق الخاطفة، والصوارم المهرقة، والحدائق».

وقد قرع سمعي

من باب الاتّفاق أنّ من جملة الردود على الصواعق المحرقة كتاباً موسوماً بالبحار المغرقة إلّاأنّي لا أعرف خصوصياته ولا مؤلّفه وذلك لأنّي حيث سمعت تعريف الكتاب لم أكن في صدد الترجمة للقاضي قدس سره حتى أقيّد الخصوصيات كما ينبغي فنسيتها بعده كما نسيت ناقله ولعلّ اللَّه يحدث بعد ذلك أمراً.

وممّن استفاد اسم كتاب له من اسم الصوارم المهرقة السيد الجليل الشهير السيد محمد قدس سره فإنّه صنّف كتاباً وسمّاه بالبوارق الموبقة ولقبه بالسيوف المهرقة كما أنّ

ص: 68

الخواجه نصر اللَّه الكابلي أيضاً صنّف كتاباً وسمّاه بالصواقع المحرقة في الردّ على أهل الكفر والزندقة آخذاً اسمه من اسم الصواعق المحرقة وعبارة كتاب السيد المذكور بالنسبة إلى هذا المدّعا بعد الخطبة هكذا:

«وبعد فهذه سيوف هاشمية شاهرة، تسفك دماء أعادي العترة الطاهرة، المنصوبين بالنصوص الجليّة الظاهرة، أودعت فيها حججاً قاهرة، وبراهين باهرة، متعلّقة بالباب السابع من أبواب التحفة المنسوبة إلى بعض ذوي الأذناب، السارق مضامين بعض إخوانه تأسّياً بسارق الكتاب، فإنّ جلّ تحفته مسروقة من الصواقع المحرقة المشحون بالكفر والزندقة من مصنّفات خواجه نصراللَّه الكابلي- خذله اللَّه وأخزاه- والحمد للَّه الذي فضح الناصب وأظهر سرقته وخيانته على أهل الإيمان وسمّيت هذا الكتاب بالبوارق الموبقة ولقبته بالسيوف المحرقة(الى أنْ قال:) وأنا الراجي رحمة ربّه الغفّار محمد بن علي صاحب ذي الفقار.»

وممّن تبع المصنف أيضاً في تسمية كتاب له باسم الصوارم السيد النحرير الشهير السيّد دلدار علي قدس سره فإنّه صنّف كتاباً وسمّاه الصوارم الإلهيّات في قطع شبهات عابدي العزّى واللّات.

ويؤخذ من ملاحظة مجلّد حديث الولاية(وهو المجلد الثالث من المنهج الثاني) من كتاب عبقات الأنوار في إمامة الأئمة الأطهار من تصنيفات السيد السند الجليل، والحبر المعتمد النبيل، سيف اللَّه المسلول على اهل الالحاد والتضليل، فخر طائفة الشيعة، وحامي حوزة الشريعة، مشيّد أركان الدين، ومروّج مذهب الائمة الطاهرين، السيد حامد حسين الهندي رضى الله عنه وأرضاه وجعل الجنة مسكنه ومأواه (1)


1- ص 390- 391 من المجلد المذكور

ص: 69

أنّ لأحد من فضلاء أهل السنة كتاباً في ردّ الصوارم سمّاه بتنبيه السفيه، وعين عبارته فيه هذه:

«سيف اللَّه ملتانى در تنبيه السفيه كه عبارت است از شبهات سخيفه او بر بعض مقامات صوارم وبمزيد جسارت آنرا موسوم به «تنبيه السفيه» نموده گفته:

مقدوح و مجروح بودن روات اهل سنت اگر مزعوم شيعه است پس چه اعتبار دارد، كه از قبيل شهادة العدوّ على العدوّ است و اگر بر طريق اهل سنت است پس صريح البطلان است چه روات صحاح اهل سنت همه معدل و مزكّى و اهل ديانت و تقوى بوده اند و نيز روايات اهل سنت در هر عصر و هر طبقه مشهور و معروف، و در محافل و مجالس و بر سر منابر مذكور و مدروس، با وصف اين شهرت و اين ظهور تلبيس و دخل و جعل وافترا امكان عادى ندارد به خلاف روايات روافض كه مدام چون لته حيض مستور و مخفى مانده، بيشتر اين قسم روايات مجال تلبيس و دخل و جعل و افترا است.»

و نقله أيضاً في الجزء الثاني من مجلدي حديث الغدير (1) بهذه العبارة:

«وسيف اللَّه بن اسد اللَّه ملتانى در تنبيه كه عين تمويه است گفته الخ».

أقول:

ينقل السيد المذكور قدس سره في مواضع من العبقات من هذا الكتاب معبّراً عنه بالتنبيه فمنها قوله بعيد ما مرّ ذكره (2) «وسيف اللَّه بن اسد اللَّه ملتاني(إلى أن قال فى س 19) وهذه عبارته في التنبيه الذي هو عين التمويه» ومنها قوله في مجلد حديث الطير(وهو المجلّد الرابع من المنهج الثاني، من كتاب عبقات الانوار) (3) «و سيف اللَّه ابن اسد اللَّه ملتانى در تنبيه كه عين تمويه است الخ»


1- ص 555
2- ص 392، من مجلد حديث الولاية
3- ص 125

ص: 70

ومنها قوله في مجلد حديث التشبيه(وهو المجلد السادس من المنهج الثاني (1)) «و از غرائب دهور آن است كه سيف اللَّه ملتانى(إلى أن قال:) وهذه عبارة الملتاني في تمويه السفيه الذي سمّاه تنبيه السفيه» إلى غير ذلك من الموارد التي يقف عليها المتتبّع إلّاأنّه لم يتبين لي أنّ هذا الكتاب هل هو ردّ على الصوارم المهرقة أم على الصوارم الإلهيات فليلاحظ وإن كان الظنّ يميل إلى الكتاب الثاني لبعض القرائن.

7- ذكر سبب طبع الصوارم وما يتعلق به

ذكر سبب طبع الصوارم وما يتعلق به

لمّا رجع أحد العلماء من زيارة الأئمة المدفونة بالعراق عليهم السلام تشرّفت بزيارته وجرى الكلام من الأبواب المتفرقة حتى انتهى إلى الكتب النفيسة النادر الوجود، فسألته عمّا اطلع عليه منها في سفره هذا، فشرع في تعداد ما رآه في هذا السفر وذكر من جملتها الكتاب الحاضر المسمى بالصوارم المهرقة ووصفه وصفاً لا مزيد عليه وقال: لو ظفرنا بنسخة منه لأقدمنا على طبعه ونشره فقلت: إنّ في مكتبة عالم من علماء طهران نسخة منه، وأظنّ أن لا يضايقنا ولا يضنّ بها إن استعرناها منه للطبع، فقال: عليكم الاستعارة والتصحيح، وعلينا بذل النفقة والنشر، وعلى اللَّه المفضل المنعام الأجر والثواب بكرمه وفضله ومنّه وذلك، لأنّ أحد التجار الأخيار قد تعهّد على طبعه ونشره إنْ ظفر به كسائر ما نشره من الكتب الدينية والآثار الإسلامية قربة إلى اللَّه تعالى- حفظه اللَّه تعالى من الآفات والمهالك ووفّقه لخدمة الاسلام والدين أكثر من ذلك- فاستعرتها


1- ص 263

ص: 71

من مالكه أعني العالم الفاضل الشيخ أحمد (1) الملقّب بسلطان العلماء المتوفّى في هذه الايام(13 صفر سنة 1367 ق) فأعار النسخة، واطّلعنا على نسخة أخرى أيضاً كانت في مكتبة مجلس الشورى فأخذنا نسخة عكسية(فوتوغرافية) منها أيضاً، فصارت النسختان أصلًا بنينا عليه طبع الكتاب الحاضر إلّاأنّ تعدّد النّسخة هنا ما كان مثمراً الفائدة التي تترقّب من تعدد النسخة على الإطلاق لأنّ إحداهما كانت مأخوذة من الأخرى، وكان ذلك ظاهراً من القرائن والأمارات التي اطّلعنا عليها ولم تكونا أيضاً خاليتين من الغلط والتشويش البالغ في بعض الموارد منتهى درجته ومع ذلك انضمام النسخة الفوتوغرافية إلى النسخة المستعارة أفاد فوائد معتدّاً بها؛ فصححنا النسخة المطبوعة على حسب الوسع والطاقة، وحيث كان في أوائل ايام الطّبع أحد من اخواننا الديني عازماً على زيارة أئمة العراق وتشرّف تلك الأعتاب المقدسة والمشاهد المشرّفة- على مشرفيها السلام والتحية- استدعيت منه أن يستنسخ الموارد الضائعة فيما عندي من النسختين المذكورتين كما ستقف عليها عند المطالعة (2) لكنّه لم يمهله الأجل لإتمام ذلك، نعم وصلت إلينا بعد طبع الكتاب نسخة أخرى قد كانت في مكتبة الشيخ الشهيد الحاج الشيخ فضل اللَّه النوري قدس سره وكان يظهر من بعض القرائن أنّها هي النسخة التي انتقلت إليه من أبي زوجته خاتم المحدّثين الحاج ميرزا حسين النوري قدس سره الذي يشير إلى كون الكتاب عنده وإطّلاعه على ما فيه قوله قدس سره في الفائدة الثانية من خاتمة المستدرك عند البحث عن حال كتاب الاستغاثة في بدع الثلاثة في مقام اثبات اعتباره بهذه العبارة (3): «ولذا اعتمد


1- وهو ابن جعفر بن محمد بن جعفر بن محمد بن العاشور الكرمانشاهاني صاحب التأليفات العديدة كاعتذارالحقير وبشارة الفرج وغيرهما، المشار إلى ترجمته في الذريعة تحت عنوان الكتابين.
2- انظر ص 113 الى 118
3- ص 334 ج 3

ص: 72

عليه العلماء الأعلام مثل ابن شهرآشوب في مناقبه(إلى أن قال): والقاضي في الصوارم المهرقه» (1) فوجدنا الموارد الضائعة المشار إليها ضائعة في تلك النسخة أيضاً ولعلّ اللَّه يحدث بعد ذلك أمراً.

فالملتمس من المستفيد من هذا الكتاب أنْ يدعو للمشار إليه بالخير وطلب الرحمة والرضوان من اللَّه الواهب المنّان لأنّه قد بذل مجهوده في المساعدة على طبع الكتاب ونشره فأفاض اللَّه على تربته شآبيب الرحمة والرضوان وألبسه بفضله البسة الكرامة والإحسان.

آمين آمين لا أرضى بواحدة حتى أبلغها ألفين آمينا

تاريخ تأليف الصوارم وطبعه

تاريخ تأليف الصوارم وطبعه

أمّا تاريخ تأليفه فلم أطّلع عليه إلى الآن لعدم ذكر منه في موضع لافي النسخ التي رأيتها ولا في موضع آخر من الفهارس وكتب التراجم إلّاأنّه يؤخذ من إحالة المصنف قدس سره تحقيق بعض المطالب المذكورة في هذا الكتاب إلى سائر كتبه المعنونة هنا أنّ تأليفه متأخّر عن تأليفها وذلك لأنه أحال بعض المطالب المطوى ذكرها في هذا الكتاب إلى مصائب النواصب المؤلّف في سنة 995 ق كما سيأتي ذكر تاريخ تأليفه:

لأنّه قدس سره قال هنا: «وههنا تفاصيل مذكورة في كتابنا الموسوم بمصائب النواصب فليرجع إليه من أراد». وأحال أيضاً في هذا الكتاب إلى كتاب مجالس المؤمنين المؤلّف في سنة 1010 ق كما مرّ تفصيله فإنّه قدس سره قال فيه: «وتفصيل ما جرى من هذه المناظرة بين شيخنا قدس سره والقاضي المذكور مسطور في ترجمته قدس سره من كتابنا الموسوم


1- يشير به إلى ما نقله القاضي قدس سره عن كتاب الاستغاثة في أوائل الصوارم(انظر الرقم 9).

ص: 73

بمجالس المؤمنين». وأيضاً أحال فيه إلى إحقاق الحقّ المؤلف في سنة 1014 ق كمامرّ بيانه (1) حيث قال فيه:

«ثم في هذا الحديث من سوء الأدب بالنسبة إلى النّبيّ صلى الله عليه و آله والعباس ما لا يخفى على المتأمّل وقد أوضحناه في شرحنا على كتاب نهج الحق فارجع إليه» وقال أيضاً في الكتاب الحاضر (2): «وقد فصّلنا الكلام في ذلك في شرحنا لكتاب كشف الحق فليرجع إليه من أراد الحق» وقال أيضاً فيه (3): «وههنا زيادة تدقيق وتحقيق وشحنا بها شرحنا لكتاب كشف الحق ونهج الصدق فليطالع ثَمّة»

فيؤخذ من ملاحظة هذه الموارد أنَّ تأليف هذا الكتاب قد وقع في أواخر عمر القاضي قدس سره بعد تأليف تلك الكتب. وأمّا تأريخ خاتمة طبعه فهو ما ذكر في آخره بهذه العبارة «تمّ طبع الكتاب بعون اللَّه الملك الوهاب في عاشر ربيع الأوّل من هذه السنة 1367 الهجرية القمرية مطابقاً لهذا التاريخ «1 ر 11 ر 1326» من السنة الهجرية الشمسية».

أما مصائب النواصب

مصائب النواصب

فهو من مشاهير تأليفات القاضي قدس سره وهو الذي أشار إليه مؤلّفه نفسه قدس سره في مجالس المؤمنين في المجلس الخامس في ترجمة المولى حسين الواعظ المعروف بالكاشفي السبزواري: «واز جمله قصائد او كه در مدح حضرت أميرالمؤمنين عليه السلام واقع شده دو بيت مذكور مى باشد.


1- انظر أواخر الرقم 56 من الكتاب الحاضر
2- أنظر الرقم 65.
3- انظر أواخر الرقم 67 من الكتاب الحاضر.

ص: 74

«مِن ذُرّيتي» سؤال رسول خدا بخوان وز «لاينال عهد» جوابش بكن ادا

گردد ترا عيان كه امامت نه لايق است آن را كه بوده بيشتر عمر در خطا

وتوضيح اين مقال، على سبيل الاجمال، آن است كه مطابقه جواب با سؤال، در «من ذريتي» و «لاينال»، وعلوّ مقام ابراهيم عليه السلام از طلب محال، دليلى است بديع المثال، برآنكه ظالم كافر ضالّ، لايق امامت نيست بهيج حال، و تفصيل اين استدلال با نقض وابرام در كتاب مصائب النواصب كه از مؤلفات اين فقير مستهام است سمت تقرير و تحرير يافته به آنجا رجوع نمايند» وأحال إليه في هذا الكتاب أيضاً (1) كما مرّ الإشارة إليه.

قال الأفندي قدس سره

عند عدّ تأليفات القاضي ناقلًا أساميها عن غيره: «منها كتاب مصائب النواصب في ردّ نواقض الروافض لميرزا مخدوم الشريفي السنّي المعاصر له بالفارسية في تخطئة الإمامية وألّف هذا القاضي ذلك الكتاب باسم السلطان شاه عباس الماضي الصفوي وهو كتاب مشهور» وقال في هامشه معترضاً عليه «لكن كتاب مصائب النواصب الذي رأيته بهراة بالعربية ولم يؤلّفه باسم السلطان المذكور فلعلّ له نسختين فلاحظ».

أقول:

الظاهر من العبارة أنّ قوله «بالفارسية» قيد لكتاب نواقض الروافض وذلك لقرينة قوله «في تخطئة الامامية» لأنّه لايمكن أن يكون قيداً لمصائب النواصب فالاعتراض من هذه الجهة غير وارد لكن كتاب النواقض أيضاً بالعربية فلا يستقيم الكلام على هذا الوجه أيضاً، ففي الكلام تشويش.

قال السيد اعجاز حسين

في كشف الحجب «مصائب النواصب للقاضي نوراللَّه بن شريف بن نوراللَّه الحسيني الشوشتري، استشهد رحمه الله بتاليف إحقاق الحق


1- ص 202.

ص: 75

في سنة تسع عشرة بعد الألف، كما قيل في تاريخ وفاته بالفارسية «سيد نوراللَّه شهيد شد» ودفن في مقابر أهل الحق في اگرة ونقض في هذا الكتاب كتاب نواقض الروافض نقضاً جيّداً ورتّبه على مقدمات جياد وجنود شداد، أوّله» نحمدك يامن جعلنا من الفرقة الناجية الإمامية الإثني عشريّة الخ».

تأريخ تأليف مصائب النواصب

تأريخ تأليف مصائب النواصب

ألّف القاضي قدّس اللَّه تربته هذا الكتاب في زمان قليل كما يعلم من ملاحظة تأريخه فإنّه قال في آخره: «قد اتّفق إتمام أصل المسودّة بيد مؤلّفه الفقير إلى اللَّه الغني نوراللَّه بن شريف الحسيني الشوشتري- نوّراللَّه باله وحقّق آماله- في سبعة عشر أيّام بلياليها من شهر رجب المرجّب المنتظم في سلك شهور سنة خمس وتسعين وتسعمائة هجرية والحمد للَّه على توفيق الإتمام والصلاة والسّلام على النبيّ وآله الطهر الكرام أتمّ الصلوات وأكمل السلام».

قال الأفندي قدس سره بعد نقل العبارة: «أقول: كتابه الذي بالعربية وفي آخره كتب ما نقلناه كتاب طويل الذيل فتأليفه في هذه المدّة القليلة في غاية الغرابة فتأمّل».

أقول:

قد علم من تأريخ تأليف إحقاق الحق أنّ القاضي قدس سره قد كان سريع القلم وسريع الإنتقال وجيّد البيان وحسنة القريحة فلا غرابة فيه بالنسبة إلى مثله.

تراجم مصائب النواصب

تراجم مصائب النواصب

نظراً إلى اهمية هذا الكتاب وكونه مقبولًا عند أولي الألباب نقله جماعة من العربية إلى الفارسية فمنهم من ذكره الأفندي قدس سره في الرياض في هامش موضع البحث عن كتب القاضي بهذه العبارة: «وقد ألّف قدس سره مصائب النواصب في سنة تسعمائة وخمس وتسعين ثم أهداه إلى السلطان شاه عباس الماضي الصفوي وهو قد

ص: 76

وقفه على خزانة كتب الحضرة الرضوية وبعد ذلك بسنين قد ترجمه هناك الأمير محمد أشرف فنقله بالفارسية في سنة سبعين وألف في زمن شاه عباس الثاني الصفوي بأمر أحمد بيگ يوزباشى من أكابر خصيان تلك الدولة الصفوية.

أقول:

نسخة منه موجودة في المشهد المقدس في المكتبة الرضوية على ما قال جامع فهرس كتب هذه المكتبة (1): «مصائب النواصب- فارسى، مؤلف محمد أشرف كه ظاهراً صاحب فضائل السادات ومعاصر بامرحوم ميرداماد و شاه عباس كبير است و اين كتاب ترجمه مصائب النواصب است كه مرحوم قاضى نور اللَّه شوشترى بعربى تأليف كرده بود دررد كتاب نواقض الروافض مير مخدوم شريفى و مترجم بخواهش احمد بيك يوز باشى در سنه 1070 ق بفارسى ترجمه نموده. سطر اول بعد از بسمله «بهترين گلى كه زيب چمن صفحه و خيابان منظر تواند شد ستايش كريمى است جلت آلائه» سطر آخر نسخه «وشكر مرخداى را بر توفيق اتمام، و صلوات و سلام بر جناب گرامى پيغمبر و آل كرام آن سرور تمام ترين صلواتى و كامل ترين سلامى».

و منهم ولد القاضي على ما قال صاحب الذريعة: «ترجمة مصائب النواصب لولد مصنف أصله وهو السيد الشريف القاضي نوراللَّه التستري الشهيد في آگرة(1019 ق) قال في أوله «چون كتاب مستطاب مصائب النواصب در رد نواقض الروافض ميرزا مخدوم شريفى ناصب كه از منصفات والد مرحوم اين بى مقدار است بنظر مقدس پادشاه جمجاه... سلطان محمد قطب شاه المتوفى(1035 ق) رسيد بر زبان ايشان جارى شد كه اگر اين كتاب بفارسى مترجم گردد» توجد نسخة منه في مكتبة سيدنا أبي محمد الحسن صدر الدين طاب ثراه ولم يذكر فيه


1- ج 1 ص 83.

ص: 77

اسم ولد القاضي الذي هو المترجم نعم رأيت النقل عن هذه الترجمة من الحاج المولى باقر التستري جماع الكتب في بعض مجموعاته بخطه مصرّحاً بأن المترجم اسمه السيد محمد علي بن القاضي نوراللَّه الشهيد ولم يذكر مأخذ قوله وتوجد نسخة أخرى منه في مكتبة راجه السيد محمد مهدي في ضلع فيض آباد الهند وقد ذكر في فهرسها أنه للسيد علاء الملك بن قاضي نوراللَّه لكن يظهر من صاحب الرياض أن ابن القاضي نوراللَّه كان اسمه علاء الدولة وكان له ولد اسمه الأمير السيد علي الذي سكن بلاد الهند وقد أدرك صاحب الرياض(المولود في 1066 ق) عصر السيد علي بن علاء الدولة بن القاضي نوراللَّه الشهيد».

أقول:

إستدراك صاحب الذريعة بلا مورد لما سيأتي من أن علاء الملك وعلاء الدولة كليهما من أولاد القاضي قدس سره.

ومنهم المولى الفاضل البارع الجليل الميرزا محمد علي الچهاردهى، قال صاحب الذريعة: «ترجمة نواقض الروافض مذيّلًا له بترجمة ردّه الموسوم بمصائب النواصب لشيخنا ميرزا محمد علي الچهاردهي المدرس في النجف والمتوفّى بها في(1334 ق) يذكر في كل ورقة ترجمة النواقض ثم ترجمة المصائب وهكذا إلى آخرهما والنسخة بخطه عند حفيده».

أقول:

يريد بحفيده الفاضل المتتبع الآغا مرتضى المدرسي وحيث أنّ هذه العبارة غير وافية بتعريف الكتاب أذكر شيئاً من كلام المترجم بعين عبارته حتى يتبيّن حال الكتاب وهو في ضمن مقدمة طويلة قوله: «از قبيل دوم است صاحب نواقض چه اگر كسى تأمل در مطالب آن كتاب نمايد ميداند كه او تبعيت آباء خود نموده است و شايد لجاج و عناد او را داعى شد و احتمال قوى دارد كه حب دنيا او را باعث شد چنانچه از نقل حال از كلام قاضى نوراللَّه شوشترى فهميده ميشود(إلى أن قال) ولذا داعى شد كه ملاحظه كتاب او نمودم از اينكه عربى بود او را و

ص: 78

شرح او را كه مؤلف او قاضى است بترجمه فارسى تعبير نمايم كه برادران دينى از او انتفاع ببرند(إلى أن قال):

اين كتاب را بعد از ترجمه و درج بعضى مطالب از خود و اسقاط بعضى حشو و زوائد او هديه و ارمغان و پيشكش آستانه مباركه عالى جناب سلطان سلاطين، و خاقان خواقين، دوحه هاشمية، و سلاله نبويه، قطب عالم امكان، شمس رفعت و اقتدار، فخر بنى آدم، سبب عزت جن و انس و انتظام موجودات محمد بن حسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن حسين بن علي بن ابي طالب صاحب الزمان نموده است اميد كه شرف قبول نزد آن خانواده و چاكران و نواب و خدمتكاران او يابد(إلى أن قال:)

از اينكه اغلب مرادات و مقصودات صاحب مصائب النواصب و نواقض الروافض مع الزيادة از روايت عيون أخبار الرضا كه مرويست از مأمون استفاده مى شد ولذا از جهت زيادتى بصيرت اين بى بضاعت او را مقدمه ذكر نمودم حقيقة آن روايت در مقام استفاده مطلب سرآمد همه براهين و امارات است اگرچه بحسب ظاهر يك دليل است لكن الفين وآلاف از شعب اوست» فشرع في ترجمة الحديث المذكور، و أوله بعد البسملة «درود و ستايش و ثناء مرموجودى را سزد كه از پرتو وجود وى أعدام أصليه لباس هستى پوشيدند الخ» وآخره «قد وقع الفراغ بيد المترجم وقت عشية الخميس في ثاني رجب من سنة ألف وثلاثمائة وثمانية فألتمس من إخواننا أن لا ينسوني في حياتي ومماتي والحمد للَّه أوّلًا وآخراً سنة 1308 ق».

ومنهم مترجم اسمه محمد تقى الحسيني من فضلاء زمان سلطنة شاه عباس الكبير، وذلك بناءً على ما كتبه إلى بعض المعاصرين في مكتوب حاصله: «أنّ في مكتبة مجلس الشورى نسخة من ترجمة مصائب النواصب ترجمة ونقله إلى

ص: 79

الفارسية محمد تقي الحسيني في زمان شاه عباس الكبير وجعل لكتابه هذا مقدمة تشتمل على ترجمة القاضي قدس سره» هذا محصل مكتوبه لكنّي لم أتحقق حال هذه الترجمة لعدم الفرصة لذلك فمن أراد حقيقة الحال فليراجع المكتبة المذكورة وليكشف عن الكتاب وخصوصياته.

فائدة استطرادية- ذكر القاضي قدس سره في هذا الكتاب في ضمن أجوبته عن كلام الخصم الذي ادّعى حصر كتب الشيعة في الأربعة المشهورة(الكافي والفقيه والتهذيب والاستبصار) ما لفظه: «وأمّا ثالثاً فلأنّ حصره كتب الأحاديث الإمامية في الأربعة المذكورة ليس بصحيح بل هي ستة؛

وخامسها

كتاب المحاسن تأليف أحمد بن محمد بن خالد البرقي،

وسادسها

قرب الاسناد تأليف محمد بن عبداللَّه بن جعفر الحميري» وهذا الكلام حيث كان طريفاً نقلناه وان كان خارجاً عمّا نحن بصدده.

إزاحة وهم وإضاءة فهم

إزاحة وهم وإضاءة فهم

قد توهم بعض من عاصرناه من الفضلاء مما قاله العلامة المجلسي قدس سره في حق كتب القاضي قدس سره أنه قدس سره ماكان يعتمد عليها في نقل الأخبار فلا بدّ من نقل كلامه هنا حتى يتبيّن الأمر فنقول:

قال العلامة المذكور في المجلد الأول من البحار، في الفصل الثاني (1) الّذي عقده لبيان الوثوق والإعتماد على الكتب المنتزع منها البحار: «والسيد الرشيد الشهيد التستري حشره اللَّه مع الشهداء الأولين بذل الجهد في نصرة الدين المبين ودفع شبهة المخالفين وكتبه معروفة لكن أخذنا أخبارها من مآخذها» وأنت خبير بأنه لا


1- ص 16

ص: 80

يدل على ما توهّمه وذلك لأنّ كلام المجلسي قدس سره ليس مسوقاً لبيان رفع الاعتبار عن أخبار كتب القاضي قدس سره بل هو مسوق لبيان الأمر المعهود والسيرة الجارية بين المحدّثين والرواة من أنه ينبغي لناقل الخبر أن يأخذه من الأصل الأوّلي الذي هو منشأ الانتزاع ومرجع النقل لسائر الكتب في صورة الإمكان وذلك رعاية للاحتياط وصوناً للأخبار عن الاشتباه والتصحيف والتحريف كما هو واضح عند التأمل بل هو أمر معهود وسيرة جارية بين العقلاء على الإطلاق فضلًا عن العلماء منهم فلا دلالة له بوجه من الوجوه على التوهّم المذكور وما مرّ نقله من كلام المجلسي قدس سره إشارة إلى ما ذكره في المجلد الأوّل من البحار، في الفصل الاول (1) الذي عقده لبيان الأصول والكتب التي انتزع منها البحار بهذه العبارة: «وكتاب إحقاق الحق وكتاب مصائب النواصب وكتاب الصوارم المهرقة في دفع الصواعق المحرقة وغيرها من مؤلفات السيد الأجلّ الشهيد القاضي نوراللَّه التستري رفع اللَّه درجته».

8- ما نسب إلى القاضي قدس سره من الكتب ولم يثبت كونه منه قدس سره

ما نسب إلى القاضي من الكتب

فمنها كتاب مثالب النواصب، قال الأفندي قدس سره في الرياض في ترجمة القاضى قدس سره: «وقد نسب إليه بعضهم كتاب مثالب النواصب أيضاً وأظنّ أنه لغيره بل هو بعينه كتاب مصائب النواصب له والاشتباه قد نشأ من ذلك البعض فتأمّل ولعلّه لابن شهر آشوب» أقول: الأمر فيه كما قال: لأنّ كل من تعرّض لعدّ كتب ابن شهرآشوب عدّ منها مثالب النواصب؛ قال صاحب كشف الحجب: «مثالب النواصب لزين الدين محمد بن علي بن شهرآشوب المازندراني المتوفى سنة ثمان


1- ص 10.

ص: 81

وثمانين وخمسمائة، أوّله: «الحمدللَّه الذي أظهر الحق ولو كره المشركون، وبيّن المنهاج لذوي الاحتجاج ولو نبذه المبطلون الخ».

ومنها دلائل الإمامة، قال صاحب الرياض أيضاً: «وقد ينسب إليه كتاب دلائل الشيعة في الإمامة بالفارسية وهو كتاب كبير قد ألفه مؤلفه لعبد اللَّه قطب شاه بحيدر آباد وهذه النسبة غلط لأنّه قد ينقل فيه مؤلّفه عن كتب القاضي نوراللَّه هذا فهو متأخّر عنه بقليل»

أقول:

الأمر فيه أيضاً كما ذكره فإنّ مؤلف الكتاب المذكور قد ينقل فيه عن كتب القاضي قدس سره ويشير إليها فمن موارد الإشارة قوله في أواخر كتابه هذا: «هر كه بخواهد شيعه هر طايفه و قبيله را بداند بايد كه به كتاب مجالس المؤمنين مير نوراللَّه كه تصنيف آن را به جهت همين مطلب كرده رجوع نمايد» و أيضاً مما يدلّ على كذب هذه النسبة أمران آخران:

الأوّل

تاريخ تأليفه لأنّه صرّح في آخر الكتاب بأن خاتمة تأليفه في سنة ثمانية وخمسين بعد الألف كما سيأتي فلا يمكن أن يكون من تأليفات القاضي المتوفى بسنين قبل ذلك؛

الثاني

أن الكتاب بتمامه مسروق من حديقة الشيعة كما نبّه عليه العلامة النوري قدس سره في خاتمة المستدرك في الفائدة الثالثة، في ترجمة المحقق الأردبيلي قدس سره (1) بهذه العبارة: «ثمّ إنّ من عجيب السرقة التي وقعت لبعض من لم يجد بزعمه وسيلة إلى جلب الحطام إلّا التدثّر بجلباب التأليف وإن لم يكن له حظ في الكلام أنه سافر إلى هند وسكن بلدة حيدرآباد في عهد السلطان عبداللَّه قطبشاه الإمامي وصار من خدمه وأعوانه على ما صرّح به نفسه، ثم عمد إلى كتاب حديقة الشيعة فأسقط


1- 394 ج 3

ص: 82

الخطبة وثلاثة أسطر تقريباً من بعدها ثم كتب خطبة وذكر بعدها ما حاصله: إنّ الإمامة من أهمّ أمور الدين فوقع في خاطري أن أكتب رسالة عليحدة في إثبات إمامة أمير المؤمنين عليه السلام ونفي الخلافة عن أعداءه بالفارسية ثم جعلها هدية إلى السلطان المذكور أداءً لبعض حقوقه عليه وعلى ولده ومن يتعلق به ثم قال رتبتها على مقدمة و باب وخاتمة وذكر في المقدمة أصلين وفي الباب إثني عشر فصلًا وفي الخاتمة نكتاً متفرقة وذكر فهرست ما في الفصول ثم شرع في السرقة من دون تعب ومشقة في تلخيص أو إيجاز أو تغيير عبارة إلّافي مواضع قليلة أسقط بعض الكلمات أو زاده وأدرج فيه بعض الأشعار نعم أسقط في أحوال الصادق عليه السلام تمام ما يتعلق بأحوال الصوفية وذمهم لميل السلطان إليهم ثم إنه لما وصل إلى المواضع التي أشرنا إليها أنّ المولى الأردبيلي أحال المطلب إلى بعض مؤلفاته رأى أن في إسقاطه إخلالًا بالكلام وفي إبقاءه خوف الافتضاح فلعلّ الناظر يسأله عن تلك المؤلفات فقال في الأصل الأوّل:

«مولانا أحمد أردبيلي در رساله اثبات واجب فرموده كه امام شخصى است»؛ إلى آخر ما في الحديقة، وقال في شرح سورة هل أتى: «وملا احمد اردبيلى در شرحى كه بر ارشاد فقه نوشته گفته است كه ايثار حضرت امير عليه السلام»؛ الى آخر مافي الحديقة، وقال في أحوال الحجة عليه السلام: «علامه اردبيلي در اعتقادات خود نوشته كه اعتقاد بايد كرد»؛ إلى آخر ما مرّ وآخر مافي الحديقة، ثم أسقط من آخر الحديقة أسطراً وشرع في مدح السلطان شاه إسماعيل أوّل السلاطين الصفوية والسلطان المذكور أنشأ أبياتاً أوّله:

شكر حق را كه اين خجسته كتاب كه درو نيست غير صدق و صواب

إلى أن قال:

ص: 83

بود پنجاه و هشت بعد هزار كه بپايان رسيد اين گفتار

إنتهى ما أردنا نقله من هذا الكتاب المسروق الذي من تأمّله لا يرتاب في كون الحديقة للمولى المذكور».

فلا يمكن أن يكون من تأليفات القاضي الذي هو أجلّ شأناً من أن ينسب إليه هذه الكبيرة، كيف لا وهو القائل في خاتمة كتاب مجالس المؤمنين في وصاياه:

«ديگر آنكه چنانكه دأب بعضى از قاصران است جهت آنكه به آسانى كتابى بنام خود سازند به انتخاب و اقتصار آن نپردازند و از غضب پروردگار و امام روزگار كه اين كتاب به نام نامى و اسم سامى او تأليف يافته محترز باشند».

ومنها رسالة مائة باب في علم الأُسطرلاب قال الأفندي قدس سره في الرياض في ضمن عدّ تأليفاته: «ومن مؤلفاته أيضاً على احتمال رسالة في علم الأسطرلاب بالفارسية مشتملة على مائة باب حسنة الفوائد وقد رأيتها ببلدة هراة ولكن اسمه في الديباجة هكذا «نوراللَّه بن محمد الحسيني المرعشي» فتأمّل. وقال أيضاً(ولعلّ التكرار من سهو القلم):

«رأيت ببلدة هراة رسالة مائة باب في الأسطرلاب بالفارسية وكانت من تأليفات الأمير نوراللَّه بن محمد الحسيني الشوشتري ولم يبعد كون مؤلفها هو القاضي نوراللَّه الشوشتري هذا، أو هي لواحد من أجداده فلاحظ وبالجملة هذه رسالة طويلة حسنة الفوائد جامعة».

أقول:

هذه الرسالة لجدّ القاضي قدس سره وهو الذي ترجم حاله حفيده القاضي في أواخر المجلس الخامس من كتابه المجالس وصدر الترجمة بهذه العبارة: «السيد الكامل المؤيّد ضياء الدين نوراللَّه بن محمد شاه الحسيني المرعشي الشوشتري» إلى أن قال في أواخر ترجمته المفصلة المبسوطة عند عدّ تأليفاته: «و از جمله مصنفات

ص: 84

ايشان كه متداول و مشهور شده «كتاب صد باب اسطرلاب» است كه مطرح انظار متعينان هر ديار ومطلع انوار استبصار حكماى روزگار گشته»(شعر:)

عشاق هر كجا رقم كلك آن نگار يا بند بر وى از مژه گوهر فشان كنند

هر كس گرفته حرفى از آنجا بيادگار تعويذ جان و حرز دل ناتوان كنند»

وصرّح بهذا المطلب أيضاً بمثل هذه العبارة حرفاً بحرف علاء الملك ولد القاضي في تذكرته المسمّاة «بمحفل فردوس» كما سيأتي الإشارة إليه في موضعه إن شاء اللَّه تعالى، فعلم أنّ ما نسبه إلى القاضي صاحب شهداء الفضيلة بضرس قاطع في ضمن عدّ تأليفاته بهذه العبارة «43 رسالة في الأسطرلاب تشتمل على مائة باب» اشتباه بلا اشتباه.

ومما نسب إلى القاضى ولم يبلغ حدّ الثبوت رسالة فضل يوم عيد بابا شجاع الدين، كما ذكره صاحب شهداء الفضيلة وعبارة الرياض هكذا «ومن مؤلفاته أيضاً رسالة في فضل يوم عيد بابا شجاع الدين وهو يوم قتل... كما نسبها إليه محمد رضا.. في تفسيره نقلًا عن السيد ماجد البحراني عبدالرشيد التستري ونقلها بتمامها منه وقد ينسب تلك الرسالة إلى الأمير السيد حسين المجتهد العاملي إلّاأنّ بينهما بعض الاختلافات وعندنا منهما نسختان».

9- كشف الحجب عن وجوه بعض ما مرّ ذكره من الكتب

كشف الحجب عن وجوه بعض ما مرّ ذكره من الكتب

قال صديقى الأعزّ المتتبع صاحب المكتبة النفيسة الحسين المتسجّل ب «باستانى راد»- وفّقه اللَّه لمراضيه وجعل مستقبله خيراً من ماضيه- في هامش

ص: 85

ترجمة القاضي من النسخة التي عندي من تذكرة محفل فردوس، مستدركاً لمافات علاء الملك ذكره من أسامي كتب القاضي ما لفظه: «چون ولد ارجمند قاضى رحمه الله ومعشر الماضي تعداد تأليفات پدر بزرگوار خود را نموده اند و صحيح ترين سند است در اين باب لذا مناسب است كه ذكر شود؛ در كتابخانه حقير مجموعه اى است كه قاضى نوراللَّه و پدرش جمع آورى نموده و شامل بعض احاديث مشكلة و حل آنها و مطالب علمى و دينى و عرفانى است كه اگر اين يكى راهم اضافه نمائيم 95 شود و همچنين رساله سؤال و جوابى است كه با امير يوسف على حسينى مكاتبه نموده اند و موضوع آن اشراف و اطلاع نبى است بر ضمائر و غيب كه قاضى نوراللَّه عقيده داشته است كه پيغمبر و امام در همه حال آن اطلاع وقدرت را نداشته اند مگر آنچه خدا ميخواسته و بر آنها افاضه مى كرده و الّا علم بر غيب از گذشته و آينده مخصوص ذات بارى است و در آن رساله پس از مكتوب ششم كار بحث و مناظره بمشاجره و ايراد كلمات درشت رسيده و بسى عبارات زننده رد و بدل شده و در هر حال غلبه و حق با قاضى بوده و شده كه چنانچه اين هم افزوده شود 96 خواهد شد دو نسخه فوق الذكر فعلًا جزو كتابخانه بنده است».

أقول:

حيث أنّ الصديق المذكور اطّلع على اشتغالى بترجمة القاضي، جعل الكتابين المذكورين فى اختيارى لأستطرف منهما ما يناسب الترجمة، والكتابان الآن عندى فأقول: أمّا الكتاب الأوّل الذي أشار إليه فلعلّه ما صرّح به الشيخ الحرّ العاملي قدس سره في أمل الآمل والأفندي قدس سره في «رياض العلماء» في ضمن عدّهما تأليفات القاضي من أنّ له كتاباً يجري مجرى الكشكول، وعبارة الرياض هكذا «وأيضاً كتاب المجموعة مثل الكشكول للشيخ البهائي وقد رأيتها بمشهد الرضا عليه السلام وأنّها كانت بخطّه رحمه الله» وكأن الفاضل المعاصر إلى هذا يشير في شهداء الفضيلة بقوله «85- مجموع يجري مجرى الموسوعات رآه صاحب رياض العلماء بخطه» واللَّه

ص: 86

أعلم- وكيف كان فهذه المجموعة كبيرة قريبة في عدد الأبيات من كتاب الصوارم، أوّله بعد البسملة هذا قال اللَّه تعالى: «وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى» (1)

ذكر فخر الدين الرازي في تفسير سورة «سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى» الخ» وآخرها «صفت نفس مرضيه خلق نيك وترك(كذا) ويقين وتلطف وتقرب وفكر وصفا» وقال الكاتب في آخره «نقلت هذه الفوائد كلها من المجموعة التي نقلها السيد العالم ضياء الدين مير نوراللَّه الحسيني المرعشي الشوشتري ووالده السيد شريف بخطهما عليهما الرحمة والغفران وأسكنهما اللَّه تعالى فراديس الجنان، وقد وقع الفراغ في يوم الخميس، الرابع والعشر من شهر رجب المرجب سنة خمس وثلاثين بعد الألف» وأما الرسالة الثانية المشار إليها في ذلك الكلام فهي عبارة «عن أربعة وعشرين مكتوباً الإثني عشر منها مكاتيب سؤالية اعتراضية أرسلها الأمير يوسف علي الحسيني المذكور إلى القاضي قدس سره والإثني عشر الباقية أجوبة القاضي عنها إلّاأنّ ستّة من مجموع تلك المكاتيب؛ ثلاثة منها سؤالية وثلاثة جوابية سقطت من أوّلها والباقية موجودة، ولعل مراد صاحب الرياض من قوله «رسالة في ردّ إيرادات» قائلًا في ذيله «كذا» هو هذه الرسالة كما نقله عنه بهذه العبارة أيضاً صاحب شهداء الفضيلة كما نقلناه عنه (2) وقال صاحب الذريعة في حقها:

«الأسئلة اليوسفية للسيد مير يوسفعلي الحسيني الأخباري أرسلها إلى السيد القاضي نوراللَّه الشهيد سنة(1019) ومنها السؤال عن اطلاع النبي صلى الله عليه و آله على ما في ضمائر جميع الناس في سائر الأحوال والأزمان ذكر في فهرس تصانيفه» وفيها مطالب نفيسة قابلة للذكر في هذه الترجمة ولعل في بعض هذه المكاتيب تأييداً لما


1- سوره اعلى/ 15
2- انظر ص 5.

ص: 87

أشرنا إليه من أنّ القاضي كأنّ قد استعدّ لبذل نفسه في طريق ترويج الدين (1) ونذكر منها فيما يأتي ما يناسب ذكره المقام.

ومما ينبغي أن يشار إليه هنا ما ذكره صاحب رياض العلماء في خاتمة تأليفات القاضي بعد نقل عبارة الشيخ الحرفي ترجمته بقوله:

«وأقول:

قد ذكر القاضي نوراللَّه نفسه في ترجمة ابن أبي عقيل؛ أنّ السيد الأمير معزّ الدين محمد الإصفهاني الصدر الأعظم قد ألّف رسالة في عدم نجاسة الماء القليل بملاقاة النجاسة تقوية لمذهب ابن أبي عقيل وردّاً على العلامة في المختلف، وقد ألّف القاضي نوراللَّه هذا رسالة عليحدة في رّدها في أوان مطالعته للمختلف وملاحظته لتلك الرسالة كما مرّ في ترجمته».

أقول:

نصّ عبارة القاضي في المجلس الخامس في ترجمة ابن أبي عقيل هكذا:

«الحسن بن علي بن أبي عقيل العمّاني از اعيان فقها، واكابر متكلمين اماميه است- و اول كسى است از مجتهدان اماميه كه با مالك موافقت نموده در آنكه آب قليل بمجرد ملاقات نجاست نجس نمى شود و بخاطر نمى رسد ديگرى از مجتهدان اين طايفه در اين مسأله با او موافقت نموده باشد مگر سيداجلّ حسيب، فاضل نقيب، امير معزّالدين محمد صدر اصفهانى كه در ترويج مذهب ابن ابى عقيل رساله اى نوشته واعتراضاتى كه شيخ علامه جمال الدين بن مطهر حلّى قدس سره در كتاب «مختلف» وغيره بر ادلّه ابن ابى عقيل متوجه ساخته رد نموده و ادله اى ديگر در تقويت ابن ابى عقيل اقامه نموده و اين ضعيف مؤلف كتاب در ايامى كه مطالعه كتاب مختلف مى نمود و امتحان ذهن خود در استنباط مسائل شرعيه مى نمود آن رساله را در نظر مطالعه داشت و رساله اى عليحده در رد آن پرداخت» وصرّح الشيخ الحرّ قدس سره


1- انظر ص 31- 30

ص: 88

في ترجمة القاضي أيضاً: بأنّ له رسالة في نجاسة الماء القليل بالملاقاة للنجاسة.

أمّا كتابه «العشرة الكاملة» فصرّح صاحب الروضات بأنّه في عشرة أبواب من المسائل المشكلة أولها في تفسير آية الخيط الأبيض والخيط الأسود، والثاني في حديث ستفترق أمتي والمراد بالفرقة الناجية، والثالث في كون «الكلم» بكسر اللام جنساً لا جمعاً، والرابع في أنّ اللام في «الحمد للَّه» للجنس لا للاستغراق، والخامس في معنى أصول الفقه مضافاً وعلماً، والسادسة في تحريم صلاة الجمعة في عصر الغيبة، والسابعة في المنطق، والثامنة في الإلهي، والتاسعة في الطبيعي، والعاشرة في الرياضي على عبارة التحرير» وقال بعده: «وله كتاب العقائد الإمامية وتعليقات على تفسير القاضي ورسالة في تحقيق آية الغار، ألّفها سنة ألف من الهجرة، ورسالة في تحريم صلاة الجمعة، كذا في بعض المواضع المعتبرة. وعدّ الشيخ الحرّ من كتبه غير ما ذكرناه عنه إلى الآن؛ حاشية على تفسير البيضاوي وحاشية على شرح المختصر للعضدى إلّاأنّه قال في آخرها: «إلى غير ذلك».

وأمّا شرحه لدعاء الصباح والمساء فقال صاحب الرياض «هي بالفارسية قد فرغ منه مؤلّفه سنة تسعين وتسعمائة ألّفها باسم السلطان خيرات بيگم بنت بعض الملوك ولعلّها من أولاد السلاطين الصفوية».

وقال أيضاً بالنسبة إلى كتابه النور الأنور: «ومن مؤلّفاته أيضاً كتاب النور الأنور الأزهر في تنوير خفايا رسالة القضاء والقدر للعلامة الحلي ورأيت هذا الكتاب في الهراة وهو كتاب حسن جداً في ردّ رسالة بعض علماء الهند من أهل السنّة ممن عاصره وقد توفّي في عصر هذا السيد في ردّ رسالة العلامة الموسومة برسالة «استقصاء النظر في مسألة القضاء والقدر».

وقال أيضاً: «اللمعة في صلاة الجمعة قد قال فيها بحرمة صلاة الجمعة في زمن الغيبة.

ص: 89

أقول:

وعليها حواش منه كثيرة كما رأيناها، وهو غير رسالة اللمعة في تحقيق صلاة الحضر لسبط المحقق الكركي».

وقال أيضاً بعد نقل هذه العبارة «وحاشية على الخلاصة» من الفهرس المذكور على ظهر المجالس: «ولعل المراد خلاصة العلامة في الرجال» أقول: صرّح علاء الملك بذلك في ضمن تعداد كتب أبيه حيث قال: «حاشية خلاصة الأقوال» فما ذكره الفاضل المعاصر في شهداء الفضيلة بقوله: «ولعلّها رجال العلّامة أو خلاصة الحساب للبهائي» تردّد بلا مورد.

وقال بعد نقل شرح الچغميني مكرراً عن الفهرس المكتوب على ظهر المجالس: «أقول: وقد سبق في أوّل الفهرس حاشية على شرح الچغميني، فلعلّ هذه حاشية أخرى عليه كما جعل على تفسير البيضاوي، ويحتمل أن يكون التكرار من غلط الناسخ، أو يقال: أنّ على رسالة الچغميني شروحاً عديدة ومن جملتها شرح قاضى زاده الرومي وهو الذي اشتهر الآن بشرح الچغميني، فلعلّ أحدهما على الشرح المشهور والأخرى على الشرح الآخر فلاحظ.»

أقول:

يكشف عن هذا الإبهام قول علاء الملك في حق الشرحين «حاشيه شرح چغميني»، «ديگر حاشيه شرح الشرح چغميني»: كما مرّ (1) وقال بعد ذكر شرح مختصر العضدي:

«وقد جمعها من تعليقات أستاده المولى عبدالوحيد التستري لكنّها ليس بشي ء والآن هي موجودة عند المولى محمد نصير بن أخي ملّا محمد باقر» أقول:

يؤخذ من كتاب الذريعة أنّ تدوين الكتاب من القاضي لكن مطالبه من أستاده، وهذا نصّ لفظه عند الكلام في الحواشي على شرح مختصر ابن الحاجب (2) «الحاشية


1- انظر ص 15.
2- ج 6 ص 131.

ص: 90

عليه للمولى عبدالواحد بن علي التستري أستاد القاضي نوراللَّه الشهيد في(1019) لم تكن مدوّنة مهذّبة فدوّنها وهذّبها القاضي نوراللَّه ولذا قد تنسب إليه، أوّلها: «حمداً لمن تعذّر شرح مختصر من آلاءه» توجد نسختها في «الفاضلية» كما في فهرسها (1) كتبها عبدالحليم أبو الخير أحمد بن عبدالرحمن القاري اللاهوري في(1052 ق)».

أقول:

لعلّ غالب ما يتراءى من الاختلاف من ذكر بعض العلماء بعض كتب القاضي وترك علاء الملك ابنه إيّاه لاختلاف العنوانين بأن كانت لكتاب واحد عناوين متعددة، فتصور أرباب التراجم تعدّد الكتاب الواحد من تعدّد عناوينه وإلّا فلاوجه لترك علاء الملك له مع ما يلاحظ من دقّته حتى أنه ذكر بعض رسائله الصغيرة جداً كرسالة جواب أسئلة الشيخ حسن (2) وكيف كان فالمعوّل في هذا الباب عليه؛ لأنّ العمدة بعده في باب عدّ كتب القاضي صاحب رياض العلماء وهو قد سلب المسئولية عن نفسه بالنسبة إلى غالبها بقوله:

«وأمّا مصنفاته فقد وجدنا على ظهر كتاب مجالس المؤمنين له فهرس بعض مؤلفاته فنقلناها كما رأيناها» وقال بعد نقلها: «انتهى ما وجدناه على ظهر تلك النسخة من فهرس مؤلفاته» إلى أن قال بعد كلام: «ثم إنّي قد رأيت له مؤلّفات أخرى ولم يذكر في فهرسه هذا» فذكر يسيراً مما ظفر به من مواضع أخرى، وأضف إلى ذلك تصريحه قدس سره في هامش موضع النقل بأنّ المنتسخ في غاية السقم مشيراً بهذا القول إلى عدم اطمينانه بصحة ما ينقله من أسامي الكتب، وأما صاحب شهداء الفضيلة فهو تبع له في الباب من دون تفطن لما ذكرناه، على أنّ علاء الملك ابنه ومن


1- ص 103
2- انظر ص 18.

ص: 91

أهله المطّلعين على كتبه كما قيل:

«أهل البيت أدرى بما في البيت» فيستبعد احتمال عدم اطّلاعه فلذا لا نطيل الكلام بالبحث عن آحاد ما مرّ ذكره من الكتب المذكورة لوضعنا عبارة علاء الملك بمرأى الناظر وبالمسمع منه فلا حاجة في الباب إلى أمر آخر.

بقى هنا أمران ينبغي أن يشار إليهما إجمالًا:

1-

أنّ خصوصيات الكتب المذكورة تطلب من فهارس الكتب كالذريعة وكشف الحجب وغيرهما لأنّها موضوعة لبيانها ولا يسعه كتابنا هذا مع أنّه ليس موضوعاً لهذا الغرض وإنّما تكلّمنا في بعضها لرفع الاشتباه الواقع في مورد آخر أو للتنبيه على نكتة مفيدة أو ضرورة أخرى دعتنا إليها فتفطّن ولا تقنع بما ذكرناه إن شئت البحث عنها مع الاستيفاء.

أنّ الأفندي قد تكلّم في رياض العلماء حول كلمة «مرعش» و «تستر» وذكر ما اقتضاه المقام في كتابه بالنسبة إليهما، وحيث أنّ البحث عن الأوّل منهما مرّ في كلام الفاضل المعاصر ويأتي أيضاً مفصّلًا في ترجمة جدّ القاضي بقلم القاضي، والثاني أيضاً مذكور في كتب الأمكنة والبقاع فلا نطيل الكلام بذكر كلماته هنا فمن أرادها فليطلبها من رياض العلماء.

10- ما استطرفناه من مكاتيب القاضي والأمير يوسفعلى

ما استطرفناه من مكاتيب القاضي والأمير يوسفعلى

حيث أنّا أسلفنا أنّ رسالة المكاتيب المذكورة تبحث عن كيفية علم النبيّ والإمام بالمغيّبات فالأولى أن نذكر شيئاً من عبارة الرسالة حتى ينكشف موضوع البحث فيها للناظرين في هذا الكتاب فنقول: أمّا مدّعا الطرفين، فصرّح به القاضي في جواب المكتوب الخامس بهذه العبارة: «زيرا كه مدّعاى خدام آن بود كه پيغمبر وائمه عليهم السلام بر جميع غيوب وضماير در جميع احوال مطلع اند وفقير مى گفت ومى گويد كه اين كليت نيست بلكه در بعضى از احوال ودر بعضى از اوقات

ص: 92

مى تواند بود كه مطلع باشند و در بعضى اوقات نه، بخاطر شريف باشد كه شعر شيخ سعدى قدس سره ترجمه مضمون كلام فقير بود كه در رقعه اوّل نوشته بود كه:

بگفت احوال ما برق جهانست دمى پيدا و ديگر دم نهانست

گهى بر طارم اعلى نشينيم گهى بر پشت پاى خود نبينيم (1)

الاعتراض على القاضي قدس سره بتركه للتقيّة في كتبه

الاعتراض على القاضي بتركه للتقيّة في كتبه

قال الأمير يوسفعلي في ضمن ما قال في المكتوب العاشر معترضاً على القاضي ما لفظه: «و بر تقديرى كه بزعم (2) ايشان سخنان بنده سراسر مهمل باشد


1- أشار القاضى قدس سره إلى هذا البيان أيضاً في المجالس في ترجمة عبداللَّه بن طاوس في أوائل المجلس الخامس(ص 170 من الطبعة الأولى) بهذه العبارة «وأيضاً از عبداللَّه مرويست كه گفت از آنحضرت(يعنى به أباالحسن الرضا عليه السلام) پرسيدم كه يحيى بن خالد پدرت را زهر داد يعنى موسى بن جعفر عليه السلام را؟ گفت آرى او را زهر داد در سى رطب، گفتم آنحضرت ميدانست كه آن رطبها زهرناكند؟ گفت در آن وقت محدّث از پيش او غايب شده بود گفتم محدّث كيست؟ گفت او ملكى است اعظم از جبرئيل و ميكائيل كه با حضرت رسول صلى الله عليه و آله مى بود و او با ائمه ميباشد و چنين نيست كه هرچه طلبند يابند. مؤلف گويد: از اينجاست كه گفته اند: «مشاهدة الأبرار بين التجلّى والأستتار» وقال العارف الشيرازي:(شعر)
2- ما قبل هذه العبارة هذا الكلام: «مخفى نباشد كه اگرچه مادر برابر گلستان وسبحه نسخه نوشته ايم- و دربرابر مخزن الأسرار هم در دو بحر فكر كرده ايم اما اعتقاد اين نيست كه در برابر ايشان گفته باشيم و بجز اين دو سه كتاب در مثنوى و غزل و قصيده نيز كتب ترتيب داده ايم و هرچه گفته ايم همه را نسبت بسخن استادان مزخرف و هذيان مى دانيم اما چون اين سخنان از سينه اى كه غلّ و غش را در او راه نيست راه خروج گرفته خداى عز وجل حالتى كرامت فرموده كه بنظر هر كس درآمده از موافق و مخالف و خاص و عام اگرچه بنده را نديده اند معتقد گرديده آنها را در برابر منار سدرة المنتهى دانسته بخواندن و نوشتن متوجه شده اند اما چون طبايع مختلف است اگر بعضى منكر باشند عجب نيست چه هيچ كس سخن بنوعى نگفته كه مقبول همه كس باشد، پس اگر موافق طبع بعضى نباشد باك نيست و اگرچه به حسب ضرورت اوقات بنده صرف شعر شد اما الحمدللَّه كه جريده اشعار فقير از هجا و مدح ملوك خالى است بلكه توحيد و تحميد و نعت و منقبت و نصايح و مواعظ است و اگر در دنيا بنده را نفعى از اين سخنان نرسد اميد آن است كه در آخرت برسد و بر تقديرى كه؛ إلى آخر ما في المتن.

ص: 93

اما الحمدللَّه كه آن چنان نيست كه بنده را از آن ضررى متصور باشد يا كسى را كه آن را نويسد و خواند بخلاف مصنفات ايشان، كه هم ايشان را از آن ضرر متصور است وهم كسى را كه آن را نويسد وخواند. اما آنكه ايشان را ضرر متصور است،

ص: 94

ظاهر است كه در بلاد مخالف ترك تقيه كرده اند با آنكه به واجبى مى دانند كه تقيه واجب است و ترك واجب اثم، و نيز مى دانند كه جميع ائمه معصومين عليهم السلام تقيه مى كرده اند، بلكه حضرت رسالت صلى الله عليه و آله تقيه مى كرده چنانكه در عيون اخبار الرضا مذكور است كه شخصى از امام رضا عليه السلام پرسيد كه حضرت رسالت تقيه مى كرده اند؟- فرمود كه بعد از نزول «وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» (1)

تقيه نكرده از اين معلوم ميشود كه قبل از آن تقيه ميكرده پس يقيناً كسى كه ترك تقيه كند مخالفت ايشان كرده باشد اما آنكه تصنيف ايشان را نويسد بيم ضرر است وجه آن است كه ظاهراً در كشمير تصنيف خود را به يكى از شيعيان داده بودند و احمد بيگ حاكم كشمير بر اين معنى اطلاع يافته در مقام آزار و ايذاى آن مرد شده مردم در ميان افتاده سوگندهاى دروغ خورده او را خلاص كرده اند.

پس تصنيف چنان بايد كه پيش موافق و مخالف مقبول باشد كه بيم هلاكت در آن مضمر نباشد الحق بى ملاحظگى هاى ايشان و نمودن ايشان همچنان به مردم بيگانه ناملايم است مگر از حالت ملا احمد تته فراموش كرده اند و نمى دانند كه به او چه رسيد؟ ديگر با بزرگانى كه بوده اند در اين وادى تصنيف كردن بى فايده است اگر غرض ردّ سخنان مخدوم زاده شريفى بوده در معرض جواب او آمدن لازم نبود چه حقيقت حال بر شيعيان واضح ولائح است و به هيچ وجه من الوجوه خاطرنشان مخالفان نمى شود پس بى فايده باشد ديگر تصنيف از زاده طبع خود بايد كه بر صدق «لكلّ جديد لذة» طبايع به آن مايل است تصنيفى كه مشتمل باشد بر اخبار و آثارى كه به كرات و مرات گوشزد اهل معنى شده باشد چه لطافت دارد؟


1- مائده/ 67

ص: 95

جواب القاضي قدس سره عن الاعتراضات المذكورة

جواب القاضي عن الاعتراضات المذكورة

أجاب القاضي عن الاعتراضات المذكورة في جواب المكتوب بما لفظه: «و اما آنكه نوشته اند كه مصنفات شما موجب ضرر است جواب آن است كه فقير نام خود را در آن تصانيف ننوشته تا قربة إلى اللَّه باشد، و أيضاً هرگز به كسى از مخالفان اظهار نكرده كه آن تصانيف از فقير است، بلكه مى گويد كه طالب علمان عراق فارس نوشته اند پس ضرر به فقير چرا رسد؟، وآنكه ديگرى از فقراى مؤمنان آنرا نويسد و به او ضرر رسد خصوصيتى بتصنيف فقير ندارد زيرا كه مؤمنان، لعنيه شيخ على (1) و سائر تصنيفات اماميه را مى نويسند و نگاه مى دارند، كتاب انوار كه در رد بعضى از اهل سنت است و ملا مقصود على تبريزى پيش از آمدن فقير به اين شهر داشت و به ملا غياث على بدخشى و امثال ايشان مى خواند در مرتبه كمتر از لعنيه شيخ على و كتاب فقير نيست، مناسب آن بود كه او را نيز نصيحت كند بلكه به خانه هاى مؤمنان ساكنان آگره رفته هر كسى كتابى در مذهب شيعه داشته باشد از او بگيرند به آتش اندازند و خدام در خراسان تشريف داشتند كه مير ابوالفتح شرح بر باب حادي عشر نوشتند و به ولايت شام به خدمت مرحوم شيخ زين الدين فرستادند و آخر روميان به واسطه آنكه كتاب در ميان كتب او پيدا شد شيخ را شهيد ساختند مى بايست غم خوارى نموده ابوالفتح را نصيحت كنند كه آنچنان تصنيف نكند و به جناب شيخ پيغام كنند كه چنان كتاب را در ميان كتب خود نگاه ندارند تا كشته نشوند.

ديگر به اعتقاد ايشان، هميشه زمان تقيه بوده، پس بايستى كه هيچ يك از


1- يريد به كتاب نفحات اللاهوت(أو أسرار اللاهوت) في وجوب لعن الجبت والطاغوت للمحقق الكركي.

ص: 96

علماى اماميه در رد مخالف تصنيف ننمودى وهذا دليل على أنه باطل، ديگر به اعتقاد فقير در دار الملك هند به دولت پادشاه عادل جاى تقيه نيست (1) و اگر جاى تقيه باشد بر امثال فقير واجب نيست زيرا كه كشته شدن امثال فقير در نصرت مذهب حق موجب عزّت دين است و صاحب شرع رخصت داده اند كه چنين كسى تقيه نكند اما ديگرى را كه در ميان اهل دين او را اسمى و رسمى نباشد و در نصرت دين معقول نتواند گفت واجب است كه تقيه كند ولهذا شيخ على در اول رساله تقيه فرموده كه:

«التقية جائزة وربما وجبت» يعنى در بعضى اوقات بر بعضى كسان واجب مى شود و آنكه نوشته اند كه تصنيف خود را در كشمير به يكى از شيعيان داده اند واحمد بيگ كابلى در مقام آزار او شده جواب آن است كه ظاهراً ملا محمد جامع در هم بافته و به خدام گفته و حقيقت حال آن است كه آن شيعى ملا محمد امين نام دارد و در كشمير بغير از او صاحب نفس ناطقه نيست و در جميع اقسام حيثيات مسلّم مردم اهل است و پادشاه شناس است غرض كه آزار ملا محمد امين مذكور مقدور احمد بيگ نبوده خصوصاً كه حمزه بيگ و محمد قلى سلطان كه قزلباش اند از جمله حكام كشميرند و مريد ملا محمد معين اند آرى چون احمد بيگ فى الجمله طالب علمى دارد و بعضى طالب علمان خوب مثل ملا محمد لاهورى و قاضى منهاج بخارى با او همراه بودند و مذهب ملا محمد امين را مى دانستند بواسطه


1- واجاب المير يوسفعلي عن هذا الجزء وتاليه في مكتوبه الآتي بما لفظه:

ص: 97

آنكه شيعه كشمير هرگز تقيه نكرده اند و نمى كنند، لاجرم گاهى از مسأله امامت بحثى در ميان مى آوردند، چون ملا محمد امين در وقتى كه فقير به كشمير رفته بود به فقير اختصاص ميورزيد، آن ايام مسودّه ردّ النواقض را ديده بود از فقير طلبيد و فقير عذر گفت كه بر بياض نرفته، و چون به لاهور آمديم مكرراً كتابات نوشته آنرا طلبيد و در جواب همان عذر نوشته شد تا آنكه احمد بيك به كشمير رفت و ميان ايشان مباحثات منعقد شد، در اين مرتبه كتابتى بفقير نوشت و در آنجا مذكور ساخت كه اين چنين اجتماعى و مباحثه اى روى داده اگر كتاب ردّ النواقض را نخواهيد فرستاد فرداى قيامت از شما پيش جد شما شكايت خواهم كرد، و در اين مرتبه چون از تصحيح آن نسخه فارغ شده بود نسخه اى از آن به او فرستاد، و از جمله دلائل قبول آن نسخه به درگاه الهى آنكه ملا محمد مذكور بعد از وصول آن نسخه كتابتى به فقير نوشته بود و در آنجا مذكور نموده كه سه روز پيش از آنكه ردّ النواقض برسد خواب ديدم كه حضرت امير المؤمنين عليه السلام تركش پر تير باكمان بر ميان من بستند وبعد از سه روز آن نسخه رسيد و از آن تركش، تيرهاى جانكاه بر مخالفان زدم، و آنكه نوشته اند كه تصنيف بايد پيش مخالف و مؤالف مقبول باشد بسيار بيوجه است زيرا كه اكثر تصانيف اهل سنت مقبول شيعه نيست و اكثر تصانيف شيعه مقبول اهل سنت نيست، خصوصاً آنچه در مسأله امامت نوشته اند في الواقع لعنيه شيخ على مقبول اهل سنت، يا نواقض ميرزاى مخدوم شريفى مقبول شيعيان است؟ و از جمله تصانيف شيعه كتاب تجريد است كه اهل سنت آنرا شوم نام كرده، متعرّض درس و بحث آن نمى شوند، پس خواجه نصير الدين عليه الرحمة تصنيف را ندانسته كه در بحث امامت آن، كتاب مطاعن خلفاى ثلاث را نوشته اند و كتاب خود را از قابليت قبول طبايع اهل سنت بيرون برده اند و در طرز تصنيف كتاب محتاج بنصيحت خدام بوده اند!

ص: 98

خلاصه كلام آنكه سخنى كه مغزى و جانى دارد و رتبه اى دارد، مقبول جميع طبايع است، اگر از وجهى مردود طبع باشد از وجه ديگر مقبول طبع اوست زيرا كه سخن بلند را هر كه انصاف داشته باشد قبول دارد بلكه بعضى از اهل انصاف گاه هست شعر هجو خود را كه خوب واقع شده ياد ميگيرند و ميخوانند چنانكه در امالى شيخ ابو جعفر طوسى مسطور است كه دعبل بن على خزاعى كه مداح حضرت امام رضا بود بعد از شهادت آن حضرت قصيده اى در مرثيه او و مذمت مأمون وسائر بنى العباس گفت و آنرا مخفى ميداشت و آخر مأمون بر آن مطلع شد، آرزوى شنيدن كرد، و دعبل را طلبيد امان داد و بخواندن آن امر كرد چون دعبل باين بيت رسيد:

أرى أميّة معذورين لوقتلوا وما أرى لبني العباس من عذر

مأمون انصاف داد و دستار خود را از سر برداشت و بر زمين زد و دعبل را نوازش نمود، آنكه نوشته اند در اين وادى تصنيف كردن بى فائده است و در معرض رد سخنان مير مخدوم شريفى درآمدن لازم نبود چه حقيقت حال بر شيعيان واضح و لايح است جواب آن است كه اگر اين سخن شما معقول باشد لازم مى آيد كه مدت هزار سال هزار تصنيفى كه علماى شيعه در روزگار مخالفان كرده باشند بى فايده باشد زيرا كه حق هميشه بر اهل حق ظاهر بوده پس احتياج به كتاب كشف الحق شيخ جمال الدين ابن مطهر و كتاب ألفين و كتاب منهاج الكرامة و كتاب طرائف ابن طاووس ولعنيه شيخ على و امثال آنها ممّا لا تعدّ و لا تحصى نباشد بلكه مى گوئيم شكى نيست در آنكه وجود واجب تعالى از جميع مطالب كلامى ظاهرتر است و مع هذا هميشه متكلمان عصر در اثبات واجب تعالى رساله ها و كتابها تصنيف كنند پس بنا بر زعم ايشان بايد كه جميع آن كتب

ص: 99

بى فائده تر باشد و ديگر در آن كتاب تنها اكتفا به ردّ سخنان مير مخدوم شريفى نشده بلكه فوائد ديگر نيز ذكر شده:

غنچه هاى حديقه ناز است تازه گل هاى گلشن راز است

آفتابى است چشم بد زو دور آسمانى است پر كواكب نور

تأمل نمايند كه اين قسم سخنان بغير تيتال بيهوده چيز ديگر هست؟ و از ادنى طالب علمى لايق است كه چنين سخن كند؟، چون فقير تصانيف ايشان را در جنب تصانيف شيخ سعدى و ملا جامى كلونده پاى منار گفته بود خواسته اند كه عوض آن قدحى در تصانيف فقير كنند و ندانسته اند كه اين نيز كلونده پاى منار است اما تميز كار اهل استبصار است نه كار هر غبى بيكار.

ديگر نوشته اند كه تصنيف از زاده طبع خود بايد كرد كه بر صدق «لكلّ جديد لذة» طبع به آن مايل است تصنيفى كه مشتمل باشد بر آثار و اخبارى كه به كرّات و مرّات گوشزد اهل معنى شده چه لطافت دارد؟ جواب آن است كه مسلّم نمى داريم كه تصنيف و تأليف بايد كه تمام زاده طبع مؤلف باشد بلكه اين چنين تصنيف در عالم پيدا نمى شود چه علوم بتلاحق افكار انتظام يافته و گاه هست كه علما بمجرّد طبع سخنان خوب و مسائل ضرورى اكتفا مى نمايد چنان كه اكثر كتب اهل سنت و شرح ملا جامى بر كافيه و مجموعه هاى اخبار و حكايات از آن قبيل است، ديگر مقدمه مشهوره «لكلّ جديد لذة» كليه نيست(إلى أن قال بعد الكلام في عدم كلّيتها).

ديگر از كجا دانسته اند كه تصنيف فقير مشتمل بر آثار و اخبارى است كه به كرّات و مرّات گوشزد اهل معنى شده، خصوصاً كه خود را داخل اهل معنى مى دانند، ديگر مجرد ذكر اخبار و آثار دليل چيزى نمى شود تا كسى بر همان اكتفا

ص: 100

تواند نمود، زيرا كه دليل نقلى صرف محال است، چنانكه علما به آن تصريح نموده اند، بلكه اخبار و آثار كه از جمله نقل اند به ضمّ مقدمات عقليه دليل مى شوند، و ظاهر است كه تحصيل مقدمات عقليه و تأليف و تركيب آن به مقدمات نقليه به تصرف عقل و نظر مى شود، و اگر آنچه فقير در رد كتاب ميرزاى مخدوم نوشته زاده طبع فقير نباشد، بلكه سخنان كهنه ديگران باشد لازم مى آيد كه سخنان ميرزاى مخدوم كهنه تر باشد، و هرگاه ميرزاى مخدوم سخنان كهنه تر را كه به زعم خدام متقدمين علماى شيعه به اخبار و آثار دفع كرده اند، در مقام رد بر متأخرين علماى شيعه مذكور سازند، و آن را تصنيف نام نهند، به طريق اولى فقير را نيز رسد كه سخنان كهنه و اخبار و آثار شيعه را در رد سخنان او مذكور سازد و تصنيف نام نهد، اما حال نه بر آن وجه است كه خدام تصور نموده اند، بلكه اگر طالب عالم صاحب تتبع، نظر در تصنيف ميرزاى مخدوم اندازد، داند كه آن مردود مطرود به مقتضاى طبع يا به واسطه مصلحت جذب قلوب روميان به جانب خود، چه مقدار فكر دقيق تازه در آن كتاب دارد، و لهذا در ميان علماى روم متداول شده، و مردمى كه از مكه به هند مى آمده اند تا الحال قريب به صد نسخه از آنجا آورده اند، و علماى هند آن را از همديگر مى ربايند، و همچنين آن كس كه كتب متقدمين اماميه ديده باشد، و نظر بر آن كتاب فقير اندازد، و اندك فهم و معرفتى داشته باشد، مى داند كه فقير نيز در آن تأليف چه جفا كشيده، و تصرفات خاصه فقير در آنجا چند و چونست، و مرحوم شيخ مبارك كه دانشمند زمان خود بود، و تتبع كتب شيعه نموده، و كتاب ميرزاى مخدوم را نيز داشت، چون مطلع شد كه فقير بر آن رد مى نويسم، مجال نداد كه بر بياض رود، روزبه روز نسخه مسودّه آن را از فقير مى گرفت و به كاتب خود مى داد كه بنويسد، و مى گفت، اگر توفيق بياض شود، يك بار آن را نيز خواهم

ص: 101

نويسانيد، و چون آن تصانيف را قربة الى اللَّه نموده نه از براى اظهار فضل و خودنمائى، زياده از اين در مدح آن سخن نمى گويد و اين نيز كه گفته شد، از باب تحديث به نعم الهى است، نه اظهار فخر و تزكيه نفس، كه مؤدى به نامه سياهى است، إلى آخر المكتوب.

أقول:

لعل عدم ذكر القاضي اسمه فى كتبه كان فى أوائل الحال وذلك لأنّ اسمه مذكور فيما وصل إلينا من كتبه حتى في كتاب مصائب النواصب المبحوث عنه في هذا المكتوب كما مرّ ذكره تفصيلًا.

تصريح القاضي بعدم ثبوت نسبة خطبة البيان إلى أمير المؤمنين عليه السلام

تصريح القاضي بعدم ثبوت نسبة خطبة البيان إلى أمير المؤمنين

مما ينبغي أن يستطرف من محتويات الرسالة ويذكر هنا أنّ المير يوسف علي الحسينى رحمه الله قد استدلّ على مطلوبه فى ضمن دلائله ببعض عبارات خطبة البيان والقاضي رحمه الله اعترض عليه بعدم ثبوت نسبة الخطبة إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهذه عين عبارة القاضي في المكتوب الخامس:

«ديگر نوشته اند كه از عبارات خطبة البيان و غيره چون ثابت نموده ايم كه حضرت امير را اطلاع بر جميع ضمائر بود به طريق اولى لازم آيد كه حضرت پيغمبر عليه السلام نيز چنين باشد جواب آن است كه «ثَبِّت الْعَرْش ثُمَّ انْقُش» سخن در اثبات است، و خدام تا غايت نه اثبات صحت خطبة البيان به حضرت امير كرده اند و نه اثبات اراده عموم كه از ظاهر آن فهميده اند، و در رقعه هاى سابق مكرراً منع هر دو مقدمه نموديم پس چگونه مى گويند كه از عبارات خطبة البيان اثبات مدعا كرده ايم»(إلى أن قال)

«ديگر نوشته اند كه: در صحت نسبت خطبة البيان به حضرت امير دغدغه نمودن جا ندارد زيرا كه عقل ناطق است به آنكه هر كس را ذره اى از ايمان باشد

ص: 102

اين نوع سخنان بلند از زبان حضرت امير عليه السلام نشنيده نقل نمى كند، جواب آن است كه: دغدغه در صحت نسبت خطبه مذكور بنا بر آن است كه هنوز ايمان راوى آن خطبه بر ما ظاهر نشده و هر گاه حال بر اين منوال باشد و اصول مذهب بر خلاف آن دلالت كند حكم جزم بر عدم صحت بايد كرد، چه جاى دغدغه و تردد، و الّا لازم آيد كه هر كس كه كلام فصيح بليغ بر طبق كلام خدا ترتيب نمايد يا كلام بلند فصيح را نسبت به انبياء و ائمه دهد تصديق به آن لازم باشد و خدام خود در همين رقعه خبرى نوشته اند كه هر روايتى كه موافق قرآن نباشد باطل است و فقير مكرراً عرض نموده كه عبارت خطبة البيان بر وجهى كه خدام معنى آن را فهميده اند موافق قرآن و اصول مذهب نيست پس بالضروره مى بايد كه نسبت آن عبارت به حضرت امير باطل باشد يا تأويل به وجهى بايد كرد كه مخالف قرآن و اصول نباشد.

ديگر مخفى نباشد كه غلات شيعه بسيار دعوى هاى بلند و سخنان بلند به آن حضرت نسبت داده اند تا آن كه بعضى او را خدا گفته اند و چون راوى خطبة البيان مجهول است مى تواند بود كه آن خطبه را يكى از ايشان به آن حضرت نسبت داده باشد و همچنين مى تواند بود كه بعضى از عامه يا معتزله آن عبارات را به نام آن حضرت مشهور ساخته باشند تا عوام شيعه به نقل آن اقبال نمايند آنگاه اقبال ايشان را به نقل و روايت آن موجب تشنيع و تجهيل طايفه شيعه سازند و بر خدام ظاهر است كه جميع اين اختلافات كه در دين پيدا شده از احاديث كاذبه و اخبار موضوعه خارجيان و غلاتست و در كتب رجال شيعه تنبيه بر روايات بسيار از غلات شيعه كرده اند بلكه بعضى از اهل اسلام يك سوره قرآنى ترتيب داده مى گويند كه از قرآن است و عثمان آن را از قرآن انداخته و ظاهراً آن سوره به نظر شريف رسيده باشد و بالجمله احتمال عدم صحت نسبت

ص: 103

خطبة البيان به حضرت امير نه از آن قبيل است كه كسى از آن تعجب نمايد؛ «ليس هذا أول قارورة كسرت فى الاسلام»

وقال أيضاً في جواب المكتوب العاشر «وخدام خود در رُقَعهاى سابق نوشته اند كه حضرت رسالت فرموده كه هر حديث و خبر كه از من بشنويد آن را عرض كنيد بر قرآن و با او ملاحظه نمائيد اگر موافق مضمون قرآن است به آن عمل كنيد و إلّاترك كنيد»

پس مى گوئيم: «عبارات خطبة البيان بيش از آن نيست كه در مرتبه حديث نبوى عليه الصلاة والسلام باشد هرگاه ظاهر آن مخالف قرآن باشد بناچار يكى از دو كار بايد كرد يا بالكليه ترك آن كرد و انكار صحت آن نمود يا تأويل آن به وجهى كرد كه موافق ظاهر قرآن شود نه آن كه قرآن را تأويل كنند بر وجهى كه موافق خطبه شود چنان كه از سياق كلام خدام مستفاد مى شود و آنچه اعلام مفسرين و علماى كلام از تابعان اهل البيت عليهم السلام به آن تصريح نموده اند آن است كه اعتقاد بايد كرد كه آنچه از امور غيبى متعلق به احكام دين باشد خداى تعالى عندالاحتياج آن را به پيغمبر و اوصياى او اعلام مى نمايد و زياده از اين دعوى نكرده اند و به تواتر رسيده كه حضرت پيغمبر مدت ها در مسئله اى انتظار وحى كشيده اند و اگر ايشان را در اول فطرت يا در اول بعثت اطلاع بر جميع غيب مى بود انتظار وحى كشيدن بى وجه مى بود.»

صورة مكتوبين من المكاتيب المشار اليها

صورة مكتوبين من المكاتيب المشار اليها

وإتماماً للفائدة للناظرين أنقل المكتوبين الأخيرين من تلك المجموعة هنا بعين عبارتهما وعنوانيهما وهما: جواب قاضى نوراللَّه الحسينى، اللَّه اكبر، ورقهاى مسوده خدام شمرده شد و در وقت شماره مجملًا معلوم شد كه از قبيل همان سخنان

ص: 104

خام بيهوده سابق است كه اصلًا مناسبتى به كلام عقلاء فضلًا عن الفضلاء ندارد و سواد شما را بر آن داشته كه در برابر جفاكشيدگان وادى فضل نا در برابر نويسد اين نوشته ها همان لايق است كه در پهلوى كتاب دلستان شما مجلد شود و در تمثيل حال شما به همين يك بيت اكتفا نموده قطع گفت و شنيد مى نمايد اگرچه يك مرتبه اين سنت را پيش از اين به كار بسته بود:

اى مگس عرصه سيمرغ نه جولانگه تست عرض خود مى برى و زحمت ما مى دارى

رقعه ميريوسف على الحسينى- اللَّه اكبر، بر ارباب وجد و حال و اصحاب فضل و كمال مخفى نيست كه وسيله قرب و منزلت در عجز و مسكنت مضمر است نه در رفعت و مكنت، بنده كه باشم كه برابر مگس باشم، چه مگس را حالت پرواز است و بنده را نيست و از چند وجه مگس بهتر است از سيمرغ:

اول آنكه مگس غالباً با پادشاهان سلوك مى كند و پادشاهان پيش او عاجز آيند، شنيدم كه سلطان محمود سبكتكين از بزرگى پرسيد كه چه حكمت است خداى تعالى را در خلقت مگس؟ گفت كمترين حكمت آنست كه عجز جباران را به ايشان نمايد.

دوم آنكه حكما گفته اند كه مگس دفع عفونت و وبا مى كند، شنيدم كه حضرت اعلى به مرحوم شاه فتح اللَّه در باب مگس سخنى گفتند شاه مرحوم گفت كه اگر مگس دفع عفونت و وبا نمى كرد من مگس را دفع مى كردم و هيچ يك از اين دو در سيمرغ موجود نيست.

سيم آنكه مگس از موجودات است و سيمرغ از معدومات، و وجود از وجهى مقدم است بر عدم، ولهذا اين رباعى روى داد:

ص: 105

از روى جفا مگو كه من هيچ كسم نبود به تو از هيچ ممر دست رسم

من چون مگسم تو همچو سيمرغ ولى سيمرغ تو را شكار سازد مگسم

ديگر خدام ملانجم الدين على از تلقين ايشان نوشته بود كه ما در رنگ طفلان با فلان كس بازى مى كرده ايم و الحق بر اين دليل هست ايشان را و آن دليل آن است كه طفلان در شب ها يك نوع بازى مى كنند و آن را باريام سنگين مى گويند و چيز بزرگى سه چهار دستار بر هم بسته بر سر خوردسالى مى نهند و تا آن چيز بر سر اوست مى گويند باريام سنگى است و هرگاه آن بار را از سر مى اندازد همه يك بار از روى شوق فرياد مى كنند و مى گويند كه گوساله بار انداخت، اين كه ايشان جزو اخير را به تفصيل جواب ننوشتند نه از روى انصاف تصديق كردند و نه سند مانعى آوردند بلكه سپر انداختند و اين سپر انداختن ايشان مثل بار انداختن آن گوساله است، و معذور دارند كه امثال اين گستاخى ها از روى همان بيت استاد گرامى شيخ نظامى است:

درين گنبد به نيكى بر كش آواز كه گنبد هر چه گوئى گويدت باز

ايام افادت و افاضت مخلد باد بالنبى وآله الامجاد، انتهى ما استطرفناه من مجموعة المكاتيب.

فوائد تشيد بنيان بعض ما مرّ ذكره

فوائد تشيد بنيان بعض ما مرّ ذكره

الأولى:

كلام من صاحب الروضات، دال على ما ادعيناه من حرص القاضي على تكثير سواد الشيعة كما مرّ ذكره (1)، و ذلك لأنه قال في ترجمة محمد بن علي


1- انظر ص 43- 39

ص: 106

المعروف بمحيى الدين ابن العربي بعد نقل شي ء من مزخرفات الصوفية وتزييفه ما لفظه:

«نعم في هذه الطائفة جماعة عليحدة، ينظرون دائماً إلى أمثال هؤلاء الملاحدة؛ بعين واحدة مثل ابن فهد الحلي، وشيخنا البهائي ومولانا محسن الكاشي، والمولى محمدتقي المجلسي، والقاضي نوراللَّه التستري، ولاسيما المتأخر منهم المتلقّب من أجل ذلك بشيعه تراش، وقد ذكر هذا المتأخر في كتاب مجالسه أحوال صاحب هذه الترجمة بما ترجمته بعد التسمية له بعنوان «أوحد الدين محيى الدين محمد بن علي العربي الحاتمي الاندلسي قدّس سرّه العزيز» هكذا «كان من أهل بيت الفضل والجود، والمتصاعدين من حضيض تعلقات القيود إلى أوج الإطلاق والشهود، وتنتهى نسبة خرقته بواسطة واحدة إلى خضر النبي عليه السلام والخضر بموجب تصريح مولانا قطب الدين الأنصاري صاحب المكاتيب خليفة الإمام ابن الإمام زين العابدين عليه السلام.

وروى الشيخ أبو الفتوح الرازي في ذيل تفسير آية «فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي اْلأَرْضِ» (1)

أنه قال لبعض الملحوظين بعين العناية في هذه الطريقة

«أنا من جملة موالي علي والموكلين بشيعته»

وقد سمع من بعض فقراء السلسلة النوربخشية أنه قال: كل من أظهر ملاقاة الخضر عليه السلام من مشايخ هذه الطائفة أو نسب إليه خرقته فقد التزم بمذهب الشيعة وقد أشعر هذا الشيخ بمعتقد نفسه في باب الإمامة وعبارته في الفتوحات صريحة في إعتقاده بالأئمة الإثني عشر، وثبوت الوصاية لهم عن سيد البشر صلوات اللَّه عليهم(إلى أن قال:)


1- مائده/ 26

ص: 107

«ثم إنّ صاحب المجالس أخذ في تأويل كلماته الكفرية مثل قوله بوحدة وجود الخالق والمخلوق، وكون عبادة الأصنام هى عبادة اللَّه؛ وأنّ رسل اللَّه يستفيدون المعرفة من خاتم الأولياء، وأنّ الكفار غير مخلّدين في النار، وغير ذلك ولو كان الأمر كذلك، لما بقي على وجه الأرض كافر ولا هالك، ولا جاز إظهار البراءة من أحد من أهل الممالك، في شى ء من المسالك، وهذا ممّا لا يقوله أحد من المليين، فكيف بمن كان من اتباع النبيين ومسافرى العليين؟»

وقال أيضاً في ضمن ترجمة الغزالي ما لفظه: «وقد ذكره صاحب مجالس المؤمنين مع نهاية التمجيد والتبجيل، وعدّه من الشيعة الإمامية وأسبغ عليه الدلائل على سبيل التفصيل، وهذه عين ما ذكره بالفارسية في طرف من كتابة المزبور:

«حجة الإسلام محمد بن محمد الغزالي الطوسي رحمة اللَّه عليه كنيت او ابوحامد است الخ» فبعد ما نقل كلامه الطويل الذيل جداً قال «انتهى كلام صاحب المجالس»

اقول:

وان كنّا رضينا منه بكل خبط وخطاء واشتباه، لكونه مصداق المؤمن الواقعي الّذي ينظر بنور اللَّه، فلسنا نرضى منه بمثل هذه العثرة الفاحشة والزلة العظيمة في زعمه الرجل من الشيعة الإمامية، مع أنه من كبار الناصبة في المراتب الكلامية، وهو في الفروع الفقهية والأحكام الشرعية الفرعية كما عرفته من متعصبي جماعة الشافعية، بل لو فرض كون هذا النمط منهم شيعياً، وأمكن حمل مزخرفاته الباطلة على ما كان رضياً، لما وجد بعد ذلك لسنى مصداق، ولا استند أحد في تشخيص العقائد الملية بسنن وسياق»

هذا كله قوى متين، نعم لصاحب الروضات كلام آخر اشتبه الأمر عليه من جهة أخرى وهي تشخيص طريقة القاضي في المجالس وهو قوله في ترجمة العارف المعروف بمحمد البلخي الرومي بهذه العبارة «وقد أطرء في مدحه صاحب مجالس

ص: 108

المؤمنين وجعله من خلص شيعة آل محمد المعصومين صلوات اللَّه عليهم أجمعين وأيّد ذلك بكونه من أولاد جلال الدين الداعي للدولة العلوية الإسماعيلية وكأن ذلك من جهة ظهور أشعاره الكثيرة الموجودة له في المثنوي وديوانه الكبير وغيرهما بل صراحة جملة منها في هذا المدعا بزعمه مع أنّ ما يوجب أنّه من الأمر أعم من الشيعية الّتي يكون هو بصدد إثباتها وهي الّتي توجب النجاة من عقوبات العقبى، والفوز بدخول الجنات العلى، والعطية الكبرى، كما قد أشرنا إلى وجه ذلك مراراً فيما تقدم من تراجم أمثال هذا المولى فليتأمّل جداً» وذلك لأنّ القاضى قد صرّح فيما نقلنا من كلامه في ترجمة علاء الدولة السمناني (1) أنّ مبناه في المجالس على مطلق التشيع لا التشيع المنجي من نار جهنم الموجب للخلود في الجنة.

الثانية:

بيان من العلامة القزويني فإنّه قال في هامش نسخة له من كتاب نجوم السماء عند ما نقل فيه مؤلفه الأبيات العشرة الّتي مرّ ذكرها من قصيدة القاضي رحمه الله في جواب السيد حسن الغزنوي: ومن هذه القصيدة بلاشك هذا البيت الّذي أورده المترجم نفسه في المجالس هكذا: «لمؤلفه:

بس كن حديث غار كه عار است نزد عقل آن حزن و بى قرارى شيخ معمرم»

أقول: أورده المصنف رحمه الله في ترجمة فريد الدين العطار في المجلس السادس، فلاحظ إن شئت.

الثالثة:

إعلم أن النسخ المطبوعة من الصواعق المحرقة ليست على ترتيب النسخ الخطية الموجودة من هذا الكتاب من جهة تقديم بعض المطالب وتأخيرها،


1- انظر ص 38.

ص: 109

وتبيّن لي هذا المطلب عند المراجعة إلى النسخ الخطية وقت تصحيح الصوارم إلّاأني حيث لم أفحص عن هذا الأمر حق الفحص، ولم أرد في الكشف عنه غاية الكشف، لا أدري هل هذا التصرف في التقديم والتأخير فقط كما ذكرناه أم سرى إلى أصل مطالب الكتاب أيضاً من جهة التقليل والتكثير والإضافة والنقصان فمن أراد العلم به فليفحص عنه حتى يتبيّن له وجه الصواب وذلك لأنه لم يتعلق لنا غرض بالخوض في هذا الأمر وإنّما أشرنا إلى ذلك هنا ليعلم الناظر في كتاب الصواعق والصوارم أنّ ترتيب الرد في كتاب الصوارم مبني على ترتيب النسخ الخطية الغير المتصرّف فيها من كتاب الصواعق فراجع حتّى تعرف صدق المدعا.

11- قصيدة القوسي في مدح القاضى رحمه الله

قصيدة القوسي في مدح القاضى

ممّا ينبغي ذكره هنا قصيدة أنشأها الشاعر المتخلّص بقوسي في مدح القاضي رحمه الله وهو من شعراء عصره، صدر علاء الملك ترجمته في تذكرته ما بهذه العبارة «مجدد طرز انورى و فردوسى مولانا قوسى، نفسى با تأثير و عبارتى دلپذير داشت او را منشآت انيقه و اشعار رشيقه است از اشعار او اين قصيده لطافت آثار است كه در مدح والد مرحوم نوّر اللَّه مرقده وطيّب مشهده گفته:

«قصيده»

چنان زمانه ز ارباب فضل دارد عار كه علم را نبود جز به جهل استظهار

رواج و رونق بازار دهر بين كه بود به قدر مرتبه جهل شخص را مقدار

ص: 110

چنان كساد متاع هنر رواج گرفت كه تنگ بر سر تنگ است و بار بر سر بار

غلط شدم چه هنر؟ كو هنر؟ كدام هنر؟ هنر قماش فرنگ است يا متاع تتار

هنر به قدر پشيزى عزيز اگر بودى چو سيم ناسره صاحب هنر نبودى خوار زبس كه علم زعالم رميده در عجبم

كه نقش علم به عالم چسان گرفته قرار؟!

درين زمانه كه خورشيد فضل را به مثل سهاى جهل بود پيش ديده آينه دار

درين زمانه كه شعر و شعير را به قياس مميزى نبود غير دفتر و خروار

مرا كه بندگى اهل فضل شد قسمت مرا كه خدمت اهل كمال باشد كار

ببين كه گلبن اميد من چه بخشد بر! ببين كه نخل تمناى من چه آرد بار!

بس است شكوه زمانى خموش شوقوسى به شكوه چند خود و خلق را دهى آزار؟

زفقر شكوه كنى و دل تو گنج گهر زخلق رنجه شوى و زبانت آتش بار

گرت فلك نه به وفق رضا كند گردش ورت زمانه نه بر مدّعا بود در كار

ص: 111

به آفتاب توسّل نما كه عرض كند شكايت تو به قطب صدور و فخر كبار

چه آفتاب كه در آسمان تعظيمش چو آفتاب بود صدهزار خدمتكار

زبحر خاطر من باز مطلعى سر زد كه چشم عقل نديد آنچنان دُر شهوار

مسبّحان زواياى اين كبود حصار زبام عرش ندا مى كنند ليل و نهار

كه باد تا ابد اندر پناه فضل خداى سر صدور افاضل زعمر بر خور دار

خليل خلق و مسيحا دم و كليم قدم فرشته طينت و يوسف خصال و خضر شعار

سحاب چرخ شكوه آفتاب كيوان قدر محيط كوه و قار آسمان بحر ايثار

جمال چهره دين نور ديده اسلام سپهر فضل و معالى جهان حلم و وقار

فروغ نور الهى امير نور اللَّه كه دانش از دل او مستضى است ليل و نهار

چو مهر كز پس صبح دوم نمايد روى نمود بعد دوم مطلع سوم ديدار

زهى ضمير تو خورشيد عالم اسرار كمال پيش كمال تو ناتمام عيار

ص: 112

سپهر دست ترا گفته دجله مواج زمانه طبع ترا خوانده قلزم زخار

جهان به مهر تو مشعوف و تا ابد مشعوف خدا زخصم تو بيزار و از ازل بيزار

تو علتى و فنون فضائلت معلول تو مركزى و فحول افاضلت پرگار

زهى مدارج قدرت برون ز حدّ قياس زهى مكارم ذاتت فزون ز حدّ شمار

دل عليم تو انواع فضل را جامع كف كريم تو ميزان جود را معيار

كفت به صورت ابرى بود كه بر سر خلق به جاى باران بارد همه دُر شهسوار

دلت بمعنى بحرى بود كه هر موجش جهان جهان گهر حكمت افكند به كنار

ز استقامت رأى و اصابت نظرت اگر مدوّن منطق شدى دليل گزار

چنان وجوه خطا گشتى از ضميرش محو كه وضع منطق از و يافتى به رفع قرار

وجود دشمن جاه تو كز تهى مغزى چو جزو لا يتجزّى است در خور انكار

چو هست فرض وجودش دليل بر عدمش گرش به فرض وجودى بود عدم پندار

ص: 113

حقيقت بشريت كه عين مردمى است مقول اگر بتفاوت شود عجب مشمار

بلى به ذات مفيض تو و ذوات دگر چسان بود به طريق تساويش تكرار؟

تو عين مردميى زان سبب چو مردم عين بود مقام تو در ديده اولوالأبصار

ز بس كه هست ترا در فضائل استطلاع زبسكه هست ترا در مسائل استحضار

زفيض علم حصولى رسيده كار به آن كه نخل ذهن تو علم حضورى آرد بار

ترا به هندسه و هيأت آن تبحّر هست كه گر كنى به زمين هيئت سپهر نگار

بسى عجب نبود از كمال جنسيت كه چون فلك مترتب شود برآن آثار

ز بس فروع تو است از اصول مستنبط زبس اصول تو با حجت است و برهان بار

بديهةً پى حل كلام و بسط مقام چو معضلات مسائل كنندت استفسار

دليل عقلى و نقلى چهار مذهب را كنى چو حجت فورى و ظاهرى اظهار

تو چون بيان معانى كنى به لفظ بديع كنند اعشى و سحبان بباقلى اقرار

ص: 114

و گر زپرتو حكمت دهى طراز كلام دهد ارسطو چون بوعلى به عجز اقرار

ستايش تو به طب گرچه دون رتبه تست اگر همى نكنم نيست جاى استعذار

كه كس ادا نكند خاصه در مقام ثنا كه آفتاب منير است و آسمان سيار

اگرچه ملتفت طب نه اى ولى به مثل اگر خيال تو در خواب بنگرد بيمار

خواص يمن قدوم تو در لباس خيال صحيح و سالم از خواب سازد بيدار

زمنشآت تو صابى و صاحب از حيرت به خود فرو شده مانند صورت ديوار

مصنفات تو هر يك زشرعى و حكمى جمال شاهد تصنيف راست خال عذار

سپهر منزلتا بنده را به آن درگاه كه هست كعبه اخيار و قبله ابرار

عقيده اى است كزين پيش داشتند مگر به خاندان نبوت مهاجر و انصار

به خدمت تو ز اخلاص غايبانه خويش اگر شروع نمايم به عشرى از معشار

هزار فقره در آن باب طى شود كه هنوز بيان نگردد از آن مدعا يكى ز هزار

ص: 115

به حضرت تو كه باشد مدار فضل و هنر كسى كه تحفه شعر آورد به معرض بار

اگرچه تحفه او در ازاى فضل تو نيست شبيه زيره به كرمان و نافه و تاتار

ولى چو بزم تو دارالعيار معرفت است عجب نباشد اگر نقدى آورد به عيار

به جز تو كيست ز الماس طبع موى شكاف به جز تو كيست زاعجاز فضل وحى گزار

كه شاعر از پى محض قبول خاطر او به فكر دقت شعر آن قدر كند اصرار

كه از خيال دقيق آن چنان دقيق شود كه همچو رشته تواند گذشت از سوفار

درين قصيده چو گشتى مرا زكثرت فكر دماغ فاسد و خاطر كليل و مغز فكار

بياد مدح تو هم مشتغل بآن شدمى كه هم بباده توان كرد دفع رنج خمار

ولى خوشم كه چو معلوم حضرت تو شود كه چيست رتبه اشعار من كنى اشعار

كه اى سخنور جادو بيان عفاك اللَّه كه ختم شد به زبان تو نوبت گفتار

به همت تو اگر همت تو يار شود اساس مدح رسانم به گنبد دوار

ص: 116

وگر ز مهر قبول تو پرتوى يابم برم چو شعرى بر چرخ پايه اشعار

به عهد انورى و روزگار خاقانى كه داشت نقد سخنشان روائى بازار

هم از موافقت روزگار بود كه بود وزير شعر طلب پادشاه شعر شعار

به عهد ما كه به تحسين خشك خرسنديم نشسته اند گروهى به صدر صفه بار

كه مدح شان كند از خامى از كمال طمع كه بسته باد زبان سخنوران زين عار

دو بيتى از سر اكراه بشنوند و كنند در آن ميانه حديث زر و ضياع و عقار

به اين روائى بازار شعر در عجبم كه وزن وقافيه چون مى شوند باهم يار!

عجبتر آنكه كسى در زمانه نيست كه نيست به زعم فاسد خود نقد شعر را معيار

نكرده فرق رديف از روى وردف از قيد مزيد جسته و خود را دخيل كرده شمار

مدار بر سخن زيف و اعتراض سمج مصرّ به دقت بى جا و حرف دور از كار

ز بى تصرّفى شوهران بكر سخن درون حجله خاطر عرائس اند افكار

ص: 117

نشسته اند بزير لباس غم مستور چو بيوگان همه را بر رخ اميد غبار

سخن شناس نه و روزگار سرد سخن گهر طلب نه و گوهر شكن قطار قطار

سخن شناس اگر بشكندم گهر زآن به كه ناشناس كند گوهرم به فرق نثار

فلك جنابا ز احوال نا مشخص خويش به خدمتت سزد ارشمه اى كنم اظهار

دو سال شد كه به جرم هنر زمانه مرا فكنده دور بصد درد دل زيار و ديار

زمانه بر سر آزار و چرخ مايل جور سپهر دشمن روى و ستاره دشمن سار

به هيچ نحو نشد صرف ماضى عمرم به غير كسب كمال از مصارف اعمار

ولى زگردش احوال حال مى ترسم كه بگذرد همه مستقبلم بدين هنجار

مراست منبع آب حيات و چشمه طبع ولى زسنگ جفاى زمانه خاك انبار

گرم زمانه پسندد توأم چنين مپسند ورم فلك بگذارد توأم چنين مگذار

هميشه تا بود اندر جهان شماره عمر اساس عمر تو پاينده تا به روز شمار

أقول:

يؤخذ من ملاحظة هذه القصيدة أن القاضي قدس سره كانت له يد في الهيئة والطب أيضاً.

12- تلمذ القاضي عند المولى عبدالواحد في المشهد الرضوي

تلمذ القاضي عند المولى عبدالواحد في المشهد الرضوي

إعلم أنّ ما ذكره الفاضل المعاصر في شهداء الفضيلة من «أنّ القاضي قدس سره قد قرأ في تستر على المولى عبدالوحيد التستري» يشتمل على الاشتباه من جهتين، الأولى من جهة اسم أستاد القاضي قدس سره وذلك لأنّ اسم العالم النحرير التستري الذي تلمّذ القاضي عليه «عبدالواحد» لا عبدالوحيد نعم «عبدالوحيد» اسم عالم جيلاني معاصر للمولى عبدالواحد كما سيذكر تفصيلًا على أنّا نقلنا سابقاً ما يدلّ على ذلك من صاحب الذريعة (1) الثانية من جهة مكان تحصيل القاضي وتلمّذه وذلك لأنّ تلمّذ القاضي على المولى المذكور لم يكن بتستر بل كان في المشهد المقدس الرضوي كما سيأتي ذكره مبسوطاً إلّاأنّه أخذ هما من صاحب رياض العلماء قدس سره وحيث أنّ كلامه مع اشتماله على الاشتباهين المذكورين نفيس جداً أنقله بطوله هنا ثم أشير إلى وجهي الاشتباه وهو قوله قدس سره:

«السيد الجليل الأوّاه القاضي نوراللَّه بن السيد شريف الدين الحسيني المرعشي التستري الشهير بالأمير السيد الساكن بالبلاد الهندية صاحب كتاب مجالس المؤمنين بالفارسية وغيره من التصانيف الكثيرة الجيّدة وهو قدس سره فاضل عالم ديّن صالح علامة فقيه، محدّث بصير بالسير والتواريخ، جامع للفضائل، ناقد في كل العلوم، شاعر منشى ء، مجيد في قدره، مجيد في شعره، وله يد فى النظم بالفارسية والعربية، وله أشعار وقصائد في مدح الأئمة عليهم السلام مشهورة، وبالبال أنّ له ديوان شعر


1- انظر ص 71.

ص: 118

ص: 119

وكان قدس سره من عظماء علماء دولة السلاطين الصفوية وكان في أوّل أمره في مقرّه ومولده وهو تستر من بلاد خوزستان وقد قرأ فيه على المولى عبدالوحيد التستري ثم رحل عنه إلى بلاد الهند وجعل فيها قاضياً وكان متصلّباً في التشيع(إلى أن قال:) (1) وهو أوّل من أظهر التشيع في الهند من العلماء علانيةً ولم أعلم أنّه على من قرأ وعند من قرأ فليراجع ولكن كان رحمه الله معاصراً لميرزا مخدوم الشريفي صاحب نواقض الروافض».

أقول:

فعلم من هذا الكلام أنّ الأفندي قدس سره زعم أنّ اسم أستاد القاضي قدس سره عبدالوحيد (2) وعلم أيضاً أنّه لم يطّلع على أنّ القاضي قدس سره كان مقيماً مدّة مديدة في المشهد المقدس الرضوي لتحصيل العلوم وعلى أنّ استفادته من المولى عبدالوحيد كانت في تلك العتبة المقدسة كما هو المصرّح به في كلام ولده علاء الملك كما مرّ بل صرّح القاضي قدس سره نفسه في مجالس المؤمنين بأنّه أقام برهة من الزمان في المشهد لتحصيل الكمالات وهذا نصّ كلامه في أواخر المجلس الأوّل (3) تحت عنوان سبزوار:

«ومؤلف اين كتاب وقتى كه در مشهد مقدس به تحصيل علوم وتكميل نفس شوم اشتغال داشت از بعضى اعيان از مردم آن ديار شنيده كه چون كمال الواعظين


1- قولنا «إلى أن قال» إشارة إلى الجزئين اللذين تركنا نقلهما هنا لنقلنا إيّاهما فيما مضى، وكانت بين الجزئين هذه الفقرة «وقصة قتله مشهورة» وقال بعد ذلك في آخر الكلام المذكور هنا: «وأمّا مصنّفاته فقد وجدنا على ظهر كتاب مجالس المؤمنين له فهرس بعض مؤلفاته فنقلناها كما رأيناها» فنقل ما كان هناك وزاد عليه ما ظفر به من مواضع أخرى من اسامي تأليفاته وتصنيفاته التي مرّ ذكرها نقلًا عنه وعن غيره.
2- لا مجال لاحتمال نسبة تحريف «عبدالواحد» إلى «عبدالوحيد» إلى النسّاخ لأنّي نقلت العبارة من خطالأفندي طيّب اللَّه مضجعه.
3- ص 24 من الطبعة الاولى

ص: 120

مولانا حسين كاشفى سبزوارى الخ» وأيضاً يدلّ على المدّعا دلالة صريحة ما نقله علاء الملك قدس سره في محفل فردوس عن والده القاضي قدس سره عن أستاده الجليل المولى المذكوره قدس سره في ضمن ترجمة نفسه ونقل ما جرى عليه في سنى عمره: فالأولى أنّ مذكر الترجمة بعينها هنا حتى يتبيّن صدق المدّعا بالنسبة إلى اشتباهين المذكورين.

13- ترجمة المولى عبدالواحد بقلم تلميذه القاضي قدس سره

ترجمة المولى عبدالواحد بقلم تلميذه القاضي

قال علاء الملك في محفل فردوس في شرح حال هذا المولى ما لفظه:

«المولى المحقق النحرير والبحر الغزير عبدالواحد بن علي- قُدّس سرّهما- افادت پناهى كه عقل مستفاد از قوت قدسيه او مستفيد وفكر فلك پيماى او با ملأ أعلى گفت و شنيد بود، نفس قدسيش در استنباط شرايع اسلام توأم وحى و الهام مى نمود و فهم دقائق پرستش عقل كل را الزام وافحام مى فرمود والد مؤلف نوّر اللَّه مرقده در بعضى از مقالات خود تحرير نموده كه حضرت استاد محقق نحرير عبدالواحد- روح اللَّه روحه- مى فرمودند كه چون در شوشتر كافيه و متوسط در خدمت عم خود ملا سعدالدين متخلص به «بيكسى» خواندم ببصره رفتم كه از آنجا به نجف اشرف رفته در خدمت مير فضل اللَّه استر آبادى و ديگر فضلاء كه آنجا متوطّن شده بودند تحصيل نمايم اتفاقاً مانعى از توجه به آن صوب بهم رسيد و از راه بنادر به شيراز رفتم و وقتى به شيراز رسيدم كه هيچ يك از فضلاى شيراز در شيراز نبود بلكه طالب علمى كه شرح شمسيه پيش او بخوانم نبود چه خواجه جمال الدين محمود را قاضى جهان به تبريز فرستاده به تعليم پسر خود ميرزا شرف برده بود و شيخ نصر البيان به اردوى معلّى رفته بود و شيخ منصور و ملا تقى الدين محمد به گرمسير رفته بودند و ملا سليمان وجمعى ديگر به طرفى ديگر رفته بودند بنابراين شش ماه در شيراز مدرس على الاطلاق بودم و

ص: 121

زنجانى و كافيه و متوسط درس مى گفتم تا آنكه ملا محمد شاه لارى از لار به شيراز آمد و من پيش ملا محمد شاه شرح هدايه قاضى مى خواندم و ملاميرزا جان از غايت كدّى كه داشت با من شريك شد و چون شرح شمسيه و شرح هدايه را تمام كردم ملا آقا جان شيروانى كه از افاضل تلامذه خواجه جمال الدين محمود بود از تبريز به شيراز آمد و من پيش او شروع درخواندن جواهر شرح تجريد نمودم و چون ملا آقا جان غريب بود و از هيچ ممرّ معاشى نداشت من در هفته اى دو روز كتاب را تعطيل مى كردم و از اجرت آن چون در شيراز ارزانى بود اوقات ملا و من و برادر خُرد من كه حسن نام داشت مى گذشت تا آنكه در اين اثنا خواجه جمال الدين محمود بعد از دوازده سال از تبريز به شيراز آمد و قصد او آن بود كه چون از قاضى جهان رعايت خوب يافته طالب علمان را رعايت نموده در شيراز بطريقه سيد الحكماء ميرغياث الدين منصور كرسى نهاده به افاده مشغول شود و نداى «إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ» (1)

به گوش هوش افاضل زمان رساند اما چون در وقتى كه از اصفهان بيرون مى آمد داماد او با اسباب پيش از سوار شدن خواجه در وقت سحر از دروازه شهر بيرون آمد جمعى از يتيمان او را كشتند اموال و كتب و مسودّات خواجه را بردند خواجه پريشان و بى سامان به شيراز درآمده و راه اختلاط مردم را بر خود مسدود ساخت تا آنكه مرحوم شيخ شمس الدين ولد مجتهد الزماني شيخ ابراهيم قطيفي از هند دكن (2) با


1- بقره/ 30
2- دَكَن يادَكهن- ولايتى است در هند و به اعتبار جهات چهارگانه چون در جنوب واقع است دكن گويند وهنديان با هاء(دكهن) مى نويسند ولى در تلفظ دكن مى گويند. ناحيه اى است شبه جزيره اى به شكل مثلث در جنوب هندوستان كه پايتخت آن حيدرآباد است و تا قبل از تقسيم هندوستان نظام دكن بر آن حكومت مى كرد و پس از استقلال هندوستان ايالتى از هند به شمار مى رود. «لغت نامه دهخدا».

ص: 122

زر و جمعيت بسيار به شيراز آمد و او به خدمت خواجه رفته و نيازمندى بسيار اظهار نموده، از نقد و جنس، هداياى لايق به خدمت خواجه فرستاد، و التماس نمود كه شرح تجريد و حاشيه افاده فرمايند، چون طلبه مانند ملا احمد اردبيلى و ملاحاجى محمود يزدى و ملا ميرزا جان باغنوى و سيد حسين عميدى و ملا عبداللَّه شوشترى و ملا محمد شريف اصفهانى (1)، وغيرهم، در حاشيه قديم با شيخ شمس الدين شريك شدند، ملا آقا جان از غايت محبتى كه با من داشت گفت كه برو و شريك درس اين جماعت شو كه ادراك درس حضرت خواجه غنيمت است،(إلى أن قال):

مى فرمودند كه أفهم شريكان ما ملا حاجى محمود يزدى بود و بعد از او ملا احمد اردبيلى و افهام ديگران متقارب بود و چون ملا حاجى محمود (2) بنا بر قوت فهم با حضرت استاد از روى قدرت و جدل بحث ميكرد و استاد را آن طريقه خوش نمى آمد لاجرم خاطر ايشان از او مكدر بود، احياناً روزى كسى نسبت فضلاى تلامذه ايشان از ايشان مى پرسيد و ايشان در آن اثناء فرمودند كه ملا محمد شريف اصفهانى (3)، ملا حاجى محمود را درس ميتواند گفت، چون اين سخن بگوش ملا حاجى محمود رسيد به مقتضاى غيرت طبيعت آزرده شد، به حضرت استاد گفت كه، شنيده ام كه فرموده ايد كه ملا محمد شريف مرا درس مى تواند گفت مى خواهم كه مبحثى را از علمى تعيين كنيد تا من بر او بخوانم و


1- كل هؤلاء من المشاهير المترجمة أحوالهم في كتب التراجم فمن أرادها فليطلبها من هناك.
2- قال بعض الأفاضل في هامش الموضع من نسخة الكتاب ما لفظه: «أقلّ عباد در شطرى از ايام مطالعه شرح تجريد مولانا ملا حاجى محمود را نمودم بمراتب از ملا على قوشچى و شارح قديم اصفهانى بهتر نوشته است و نسبتى ندارد شرح مولانا به آنها فطوبى له و حسن مآب».
3- قال بعض الأفاضل في هامش الموضع من نسخة الكتاب ما لفظه: «واضح باد كه مولانا محمد شريف ازفحول افاضل رويدشت اصفهان و جامع معقول و منقول است و اسم ساميش در اجازات مثبت است».

ص: 123

ببينم كه چگونه از عهده درس گفتن من بر مى آيد، حضرت استاد چون دانستند كه تفضيل ايشان ملا محمد شريف را اصلى ندارد خصوصاً در علوم عقليه فرمودند كه بسم اللَّه شما صفحه اى را از مطوّل مطالعه كنيد و او مطالعه كند و صباح پيش او بخوانيد تا حقيقت ظاهر شود و از طرفين برآن قرار دادند و طالب علمان همگى متوجه مطالعه آن مبحث شدند و حضرت استاد در مقام امداد ملا محمد شريف شدند و چون ملا حاجى محمود را با من طريقه يارى و برادرى بود بعد از يك پاس شب كه از مطالعه آن مبحث فارغ شدم و بعضى از دقائق و نكات به خاطر رسيد متوجه حجره ملا حاجى محمود شدم كه ببينم كه او چكار كرده ديدم كه مغموم و مأيوس تكيه كرده و از مطالعه دلگير شده و سخنان بلند كه به قدر قضاى فهم خود مى خواسته كه بيابد نيافته به او گفتم كه چه حال دارى؟ و چرا مكدّرى؟ گفت هر چند فكر كردم سخنى بلند نيافتم به او گفتم كه اين علم عربيت است سخن بلند در هر مقام نمى توان يافت مدار بر تدقيق در نكات و دخل در آن است از اين مقوله چيزى چند بايد يافت كه قابل سؤال باشد و خصم را به استفسار از آن عاجز توان ساخت اين معنى او را معقول افتاد و به اتفاق نكته اى چند در آن مبحث يافتيم على الصباح ملا حاجى محمود جزء مطول را برداشته در مجلس استاد كه محفوف به افاضل بود حاضر شد و قرائت عبارت بر ملا محمد شريف نمود و چون شروع بتقرير شد ملا حاجى محمد نكته گيرى ها را به جايى رسانيد كه ملا محمد شريف عاجز شد و مدد استاد مفيد نيفتاد و اين معنى موجب كدورت استاد شد و ملا حاجى محمود ترك درس كرد و بواسطه امدادى كه من او را كرده بودم استاد از من نيز اندكى رنجيد اما آخر معذور داشت و بالجمله از شيراز به اصفهان و از اصفهان به قزوين رفتم و به خانه مير علاءالملك مرعشى نزول نمودم و او پيش من حاشيه مطالع قرائت مينمود و

ص: 124

فاضل مدقق ملا ابوالحسن كاشى در آن زمان در قزوين بود و ميان او و ميرعلاءالملك بر سر امرى رقابت بود و مير علاءالملك ميخواست كه او را آزارى كند لاجرم در روزى كه خبر گرفته بود كه ملا ابوالحسن سر مقبره شاهزاده علاءالدين حسين كه محل اجتماع مردم است به سير آمده مرا همراه برداشته و آنجا برد و به اتفاق با ملا ابوالحسن ملاقات واقع شد و خدمت ملا چون بر خصوصيات احوال و طالب علمى من مطلع شد گفت سخنى به شما نقل ميكنم وآنگاه سخنى را كه در تحقيق موجبه سالبة المحمول داشت نقل كرد، من گفتم كه اين تحقيق مخالف اصول قوم است ملا ابوالحسن گفت كه من دعوى موافقت آن با اصول قوم نمى كنم مى گويم كه موجبه سالبة المحمول كه مفهوم محصّلى داشته باشد بهم مى رسانم و بعد از آن به طريقى كه استادان تحسين تلامذه كنند گفت:

«خوبك، خوبك» و من به غايت از آن آزرده شدم و رساله اثبات واجب را كه در آن ايام نوشته بود بدست آورده در مقام ردّ شدم و قطع نظر از منوع و نقوض كه بر او ايراد نمودم ظاهر ساختم كه شش دليل او از شرح هياكل ميرغياث الدين منصور و شرح او بر رساله واجب پدرش ميرصدرالدين محمد مأخوذ و مسروق شده و ملا ابوالحسن بنا بر آن تغيير آن نسخه كرده و نسخه اى را كه الحال مشهور شده نوشت (1) بعد از آن از قزوين متوجه اردبيل شدم و چون وصف درس


1- أشار إلى هذا المطلب القاضي قدس سره في مجالس المؤمنين، في أواخر المجلس السابع، في ترجمة الأميرغياث الدين منصور الشيرازي وعبارته بلفظه هكذا: «وغرض از تفصيل تصانيف حضرت مير واظهار تشرف بمطالعه اكثر آن رد بر كلام بعضى از افاضل عصر است مثل ملا ابوالحسن كاشى و ملا ميرزا جان شيرازي كه مصنفات حضرت ميرزا كه اكثر بواسطه نفاست متداول نشده بود و بدست هر كه مى افتد به آن ضنت ميكرد ايشان بدست آورده سخنان خوب را از آنجا مى دزديدند و جهت پى غلط كردن مى گفتند كه از تصانيف مير غياث الدين منصور به غير نامى است و بعضى كتب كه در مصنفات متداوله خود نام آنرا مذكور ساخته وجود خارجى نيافته و اگر احياناً يكى از آن كتب بدست طالب علمى افتاد و بر دزدى ايشان مطلع شد دعوى توارد ميكنند و از حضرت استاد محقق نحرير- روّح اللَّه روحه- شنيدم كه مى فرمودند كه ملا ابوالحسن شش دليل از جمله ادله اى كه در رساله اثبات واجب ذكر كرده و آن را از جمله خواص فكر خود شمرده از شرح هياكل حضرت مير انتحال نموده و در ايامى كه به التماس بعضى از اعزّه ردّى بر رساله او مى نوشتم اظهار سرقت و انتحال او كردم آن رساله را متروك ساخته رساله ديگر تأليف نمود اگرچه آن نيز خالى از سرقت و انتحال نيست».

ص: 125

حاشيه مطالع مير ابوالفتح شرفه عالم گير شده بود خيال كرده بودم كه درس گفتن او خارج از طوق بشر است لاجرم از غايت حرصى كه به طلب علم داشتم التماس درس حاشيه مطالع از او كردم و خود شروع در درس شرح تجريد و حاشيه قديم نمودم و تمام طلبه كه شرح تجريد و حاشيه پيش او مى خواندند به من رجوع كردند و چون دو درس از حاشيه مطالع خواندم مير ابوالفتح انصاف آورده گفت كه ملا شما را حاجت خواندن شرح مطالع نيست به درس آن مشغول شويد و اگر جاى مشكلى روى دهد با ما مطارحه آن كنيد آن گاه جميع حواشى و متعلقات حاشيه مطالع با حواشى خود پيش من فرستاد و پسر خود مير ابو طالب را نيز گفت كه به درس حاشيه او حاضر شو و چند ماه كه در اردبيل بودم با ميرابوالفتح صحبت نيك درگرفت و با او مطارحه و مباحثه بسيار شد و چون من سخنان بسيار در اثناى شرح حاشيه مطالع بر طلبه القاء مى كردم خدمت مير گمان برده بود كه تعليقه مى كنم در وقتى كه از اردبيل متوجه گيلان شدم به من گفت كه مسودّه تعليقه اى كه بر حاشيه مطالع كرده ايد به ما بدهيد گفتم كه تعليقه نكرده ام و تا غايت عادت بر قيد سخنان واقع نشده و چون از آن جا به گيلان آمدم و شروع در درس سديدى موجز پيش صدر الشريعه كردم ديدم كه علميت او سهل است اما جهت ضبط بعضى اصطلاحات و مسموعات طب اكثر شرح سديدى را بر او خواندم و صدر الشريعه چون قانون نخوانده بود و ديد كه

ص: 126

سليقه مرا در طب مناسبت تمام است گفت كه اگر كليات قانون مباحثه شود خوب است پاره از قانون نيز مباحثه شد و در اكثر مواضع استفاده بيش از افاده بود و چون در آن ايام حاكم گيلان پسر صدرالشريعه را كشته بود و از صدارت معزول ساخته و ملا عبدالرزاق گيلانى صدر شده بود و ميان او و صدرالشريعه نهايت عداوت بود بعضى از طلبه عراق كه به گيلان رفته بودند و به درس ملا عبدالرزاق حاضر مى شدند با من ملاقات نمودند و گفتند كه اگر مى خواهى كه در گيلان چند روزى باشى مى بايد كه با ملا عبدالرزاق ملاقات كنى والّا مضرّت از او خواهى يافت بالضروره متوجه ملاقات او شدم و او از احوال پرسيد و شرح احوال تا وصول به اردبيل و تعريف مير ابوالفتح رسيد وچون او به سبب بعضى از اغراض فاسده منكر مير ابوالفتح بود چون نام مير ابوالفتح از من شنيد در مقام انكار و نفى فضيلت او شد من گفتم كه خدمت مير نه اين چنين است كه شما تصور فرموده ايدايشان را سخنان به رتبت هست اگر خواهيد سخنى از ايشان نقل كنم گفتند نقل كنيد از سخنان مير سخنى را كه با او مطارحه كرده بودم و پسنديده طبع من افتاده بود بر او نقل كردم و ملا عبدالرزاق شروع در منع و نقض نمود و به اندك سعى دفع منع و نقض او نموده آن سخن را تمام كردم ملا خجل شده جهت دفع خجالت گفت يك سخن ديگر نقل كنيد و ملا اينجا نيز در مقام منع و نقض شد و نگذاشتم كه كارى از پيش برد لاجرم به غايت از دعوى خود منفعل شد و تا من در گيلان به صحبت او مى رسيدم هرگز نام مير ابوالفتح نبرد اما به انتقام اين با ملا عبدالوحيد گيلانى كه شاگرد او وشاگرد ديگران بود و به غايت بحّاث و تيز چنك بود قرار داد كه مبحثى از حاشيه قديم را مطالعه كند و با او مطارحه آن نمايد و بعد از آن مجلسى سازند و ملا عبدالوحيد را با من به بحث اندازند و خود و ديگران مدد او كنند شايد غلبه او بر من ظاهر شود و آخر چنان كردند و چون

ص: 127

بحث در ما بين منعقد شد ملا عبدالوحيد با هر مقدمه چندين سخن درشت ناهموار مى گفت و مى خواست كه مرا به درشتى مضطرب سازد و من اغماض عين از درشتى هاى او مى نمودم و القاى مقدمات ميكردم و سخن را منقّح مى گفتم تا سكوت و افحام او را ضرورى شد و مجال مكابره و عناد نماند و ملا عبدالوحيد و ملا عبدالرزاق هر دو سر پيش انداختند در اين اثنا داعيه انتقام آن درشتى هاى ملا عبدالوحيد در دل آمد و به او خطاب كرده گفتم كه آن كه من در جواب درشتى هاى تو كه در اثناى بحث واقع مى شد سپر انداخته بودم و مقابله به مثل آن نمى نمودم جهت آن بود كه مبحث گم نشود و حال سخن هر كس ظاهر گردد و الحال دانسته اى كه بدكردى و بد گفتى و سر بر ديوار زدى ولايق طالب علمان نيست كه در بحث به سخنان نامعقول متكلم شوند و چون از مباحثه طب به قدر امكان فارغ شدم شروع در قرائت شرح مختصر اصول عضدى بر قاضى ابوالحسن لاهيجى كه از قدماى فضلاى گيلان بود نمودم و بعد از مباحثه طرفى از آن كتاب متوجه قزوين گرديدم و از آن جا در خدمت مرحوم صدارت پناه ميرسيد على متوجه زيارت مشهد مقدس شدم و بعد از چند مدت از آن جا به شوشتر رفتم و چهار سال در آن جا به مطالعه كتب نفيسه كه در كتابخانه سادات عالى درجات بود مشغول شدم و شرح مبادى اصول را در آن جا به نام پادشاه دين پناه شاه طهماسب- انار اللَّه برهانه- نوشتم و هم چنين مسودّه شرحى بر تهذيب اصول نمودم و چون كتب نفيسه اصول مثل محصول و نهاية الوصول و تلويح و شروح متعدده منهاج و شروح متعدده تهذيب در آن كتابخانه بسيار بود در آن علم تأمل بسيار نمودم و چون مرتبه دوم و مرحوم ميرسيد على را از شوشتر طلبيده صدر ساختند به اتفاق ايشان آمده منظور نظرشاه دين پناه شدم و تدريس اردوى معلى و تعليم سلطان حيدر ميرزا كه ولى عهد بود به من مفوّض

ص: 128

شد و مدتى در مدرسه رزم ساره قزوين به درس قواعد فقه و شرح اشارات و شرح مختصر عضدى و شرح تجريد و حاشيه قديم و غير آن اشتغال نمودم و قارى درس شرح اشارات ميرزا جان پسر معصوم بيگ صفوى بود و در اكثر آن درس ها ميرزا مخدوم شريفى و خواجه افضل الدين تركه (1) حاضر مى شدند و چون در تعليم سلطان حيدر ميرزا و محافظت تركان محظورى چند بود كه بيم جان بود از خدمت مير التماس نمودم كه مرا از آن خدمت خلاص سازند و خدمت مير فرمودند كه حضرت شاه را با تو اعتقاد تمام است اين التماس به درجه قبول نمى افتد بناچار جهت خلاصى خود را بيمار و محنت دار ظاهر ساخت و تا يك سال حال بدين منوال بود و شاه دين پناه از خدمت مير احوال مى پرسيدند و اظهار كلفت از تضييع اوقات سلطان حيدر ميرزا مى نمودند و مير عذر بيمارى مرا مى گفتند تا آنكه بعد از يك سال سيادت و افادت پناه مير فخرالدين سماكى كه از افاضل تلامذه ميرغياث الدين منصور بود از سبزوار به اردوى معلى آمد و خواهرزاده او مير محمد مؤمن كه جوانى فاضل بود با او همراه بود پادشاه دين پناه از من مأيوس شده تدريس اردو را به مير فخرالدين عنايت كردند و تعليم سلطان حيدر ميرزا را به مير محمد مؤمن و من بعد از اندك وقتى اظهار صحت


1- يعلم حال كليهما من هذه العبارة التي ذكرها القاضي قدس سره في مجالس المؤمنين في أواسط المجلس السادس في ترجمة السيد حيدر الآملي: «و از حكايات مناسب به اين مقام آن است كه در زمانى كه شاه اسمعيل ثانى- رحم اللَّه اسلافه- از زندان قلعه قهقهه خلاصى يافته پادشاه شد و به واسطه احتراز از تناول افيون و استمرار عادت به حبس و سلوك از حركت كردن و سوارى عاجز و زبون شده بود بنابر آن مى خواست كه دفع منازعت پادشاه روم وازبكان شوم به اظهار موافقت در مذهب نمايد تا او را در مدافعه ايشان حركت نبايد كرد، ميرزاى مخدوم شريفى و ملا ميرزا جان غنوى عمرى و ابو حامد پسر شيخ نصر البيان شيرازى گول خورده بودند و او را سنّى گمان برده بودند و بنابراين همواره با خواجه افضل الدين محمد تركه اصفهانى كه در آن اوان از اذكياى فضلاى اماميه و صاحب ذوق در مطالب صوفيه بود مناظره و مشاجره مى نمودند الخ».

ص: 129

نموده التماس رخصت زيارت مشهد مقدس و تدريس آنجا نمودم و فرمان عالى شأن در باب تدريس و وظيفه من صادر گرديد و مرتبه ديگر به شرف زيارت آن مرقد منور فائز شدم و قرار دادم كه در اين مرتبه ترك درس و بحث علوم عقليه نموده اجتهاد در مسائل شرعيه را نصب العين خاطر سازم.

والد مرحوم- نوّراللَّه مرقده- در حاشيه شرح هدايه فرموده كه «إنّ في أوان مجاورتنا للمشهد المقدّس الرضوي- على مشرفها ألف سلام و تحية قدم عدة مستعدة من أبناء بعض أفاضل لاهيجان إلى المشهد المقدس فاستعدّوا ذات يوم لزيارة الأستاد وأعدّوا بأجمعهم شبهة وعرضوها على الأستاد وهي هذه:

«مقدورات اللَّه تعالى إمّا متناهية أو غير متناهية، فإن كانت متناهية فهو باطل لأنّ قدرته تعالى لا تنتهي إلى مرتبة وإن كانت غير متناهية أمكن وجودها في علم اللَّه بالفعل بل نقول: أنّها متحقّقة في علمه تعالى فيلزم إمكان وجود غير المتناهي في الذهن وهو محال؛ لأنّ وجود غير المتناهي سواء كان بين أجزائه ترتّب أم لا ممتنع في نفس الأمر سواء كان في الذهن أو في الخارج، فأجاب الأستاد- روّح اللَّه روحه- بأنّ هذا مبني على أنّ الحصول في غير الأذهان السافلة داخل في الوجود الذهني وهو ممنوع، ولو سلّم فلا نسلّم أنّ حصول الأمور الغير المتناهية في الوجود محال، ولو سلّم فلا نسلّم أنّ غير المتناهي إذا لم يكن بين أجزائه ترتّب ممتنع و جريان الدليل ممنوع كما بيّنه العلامة الدواني في بحث العلة والمعلول في حاشيته القديمة بقوله: «والحق الخ»

إن قيل: نحن نعترض اعتراضاً إلزامياً على من قال بجميع ذلك.

قلنا لم يقل أحد بمجموع ذلك ولا يخفى أنّ تلك الشبهة ترجع إلى إشكال يورد على قول الحكماء: أنّ الجسم ينقسم إلى غير النهاية بمعنى لا يقف و تحريره أنّ الأجزاء الممكنة الحصول إمّا متناهية أو غير متناهية، فإن كانت متناهية انتهت

ص: 130

القسمة، وإن كانت غير متناهية كانت الذوات متحققة في نفس الأمر لأنّ القسمة لا تحدث ذوات الأجزاء فيلزم تحقق الذوات الغير المتناهية وهو محال والفرق بينهما أنّ ههنا يقال: هو محال بعين الدليل الذي يبطل القول بتركّب الجسم من الأجزاء الغير المتناهية بالفعل، وهناك يقال: «إنّه محال لما تقرّر من استحالة وجود الأمور الغير المتناهية» انتهى ما أفاده الأستاد في جوابهم بديهة».

و از مصنفات ايشان شرح تهذيب اصول است، ديگر شرح مبادى، شرح ارشاد، حاشيه شرح مختصر عضدى، حاشيه كنز العرفان، حاشيه شرح تجريد، حاشيه شرح قديم، حاشيه شرح هدايه، حاشيه شريفه شمسيه، حاشيه تهذيب منطق، حاشيه حاشيه خطائى، حاشيه شرح هدايه اصول حديث، حاشيه رساله عمل به قول ميّت، حاشيه اثبات واجب ملا ابوالحسن كاشى، تكمله حساب، انموذج و از اشعار ايشان است اين ابيات(فذكر شيئاً من شعره).

أقول:

للقاضي قدس سره أساتذة أخرى غير المولى المذكور كما يدلّ عليه ما مرّ من عبارة علاء الملك في أثناء ترجمته وهو «و در خدمت محقق نحرير مولانا عبدالواحد و ديگر موالى به استفاده اشتغال نمودند» و يدلّ عليه أيضاً ما ذكره القاضي قدس سره نفسه في مجالس المؤمنين، في أواخر المجلس السابع، في ترجمة المحقق الدواني بعد ذكر تأليفاته وهو «اين است مجموع آنچه از مآثر اقلام خدمت علامى به نظر اين مستهام رسيده يا از استادان خود كه تلميذ ايشان به يك واسطه به او منتهى ميشود شنيده».

14- ترجمة أسرة القاضي قدس سره

ترجمة أسرة القاضي

إلى هنا تمّ لنا ما أردنا ذكره من ترجمة القاضي قدس سره فآن أن نذكر ترجمة جماعة من علماء أسرة القاضي كما وعدناك به في أول الكتاب فنقول: أمّا جدّه السيد

ص: 131

نوراللَّه فقد ذكر حفيده القاضي نوراللَّه قدس سره ترجمته في أوائل المجلس الخامس من كتابه المجالس هكذا:

(ترجمة جدّ القاضي بقلم القاضي قدس سره)

ترجمة جدّ القاضي بقلم القاضي

السيد الكامل المؤيّد ضياء الدين نوراللَّه بن محمد شاه الحسيني المرعشي الشوشتري رافع رايات مذهب اثنا عشري، خالع صفات ذميمه بشرى، متخلّق به اخلاق حميده نبيّ الورى؛ متأدب به آداب مرضيه ائمه هدى، مرجّح آستان فقر بر آسمان غناء، مفضّل سعادت دين بر سلطنت دنيا، معتكف زاويه «ألْفَقْرُ فَخْرِي»، (1) متولى آستانه «مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي» (2)

، جامع علوم ديني، و مستجمع معارف يقينى، مرجع علما و فضلا، و ملجأ فقرا و صلحا بود و صورت نسب شريف و شجره پرثمره منيف آن شجره ثمره هدايت، و ثمره شجره فضل و درايت بر اين وجه است «نوراللَّه بن محمد شاه بن مبارزالدين مندة بن الحسين بن نجم الدين محمود بن أحمد بن الحسين بن محمد بن أبي المفاخر بن علي بن أحمد بن أبي طالب بن إبراهيم بن يحيى بن الحسين بن محمد بن أبي علي بن حمزة بن علي بن حمزة بن علي المرعش بن عبداللَّه بن محمد الملقب بالسيلق بن الحسن بن الحسين الأصغر بن الإمام علي زين العابدين بن الإمام الحسين الشهيد المظلوم بن أميرالمؤمنين علي المرتضى صلوات اللَّه و سلامه عليهم» شعر:

نسبٌ تَضاءَلَت الْمناسب دونه وَالْبَدْرُ مِنْ فَخْرِهِ في بَهْجَةٍ وَضِياء

جدّ چهارم سيد نجم الدين محمود كه اختر فضل و هنر بود از دارالمؤمنين


1- بحار ج 69/ 30 «عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله...»
2- بقره/ 207

ص: 132

آمل مازندران به عزم زيارت عتبات عاليات به جانب بغداد توجه نمود و از آنجا به شوشتر آمده به صحبت سيد أجل أمير عضد الملّة الحسنى كه در آن وقت نقيب سادات آن ديار و مقتداى اهالى آن ناحيه ميمنت آثار بود رسيد و چون آن سيد بزرگوار انوار فضل و نجابت و آثار رشد و نقابت از جبين مبين او مشاهده نمود تكليف او نمود و صبيه قدسيه خود را بحباله او درآورد و چون سيد عضدالملّة وفات يافت و نسل او منحصر در همان صبيه بود، ضياع وأقطاعى كه در شوشتر داشت به حسب ارث و استحقاق به سيد نجم الدين محمود مذكور رسيد و بعد از آنكه آفتاب حيات آن اختر سپهر كمال روى به مغرب فنا نهاد، اختلال بسيار به حال اهالى آن حوالى راه يافت و به علت تمادى رياح حوادث و محن، و توالى عواصف فترات وفتن، و استيلاى اصحاب شقا و شقاق، و استعلاى اهل تغلّب [تقلّب] و نفاق، سال ها چراغ علم در آن دودمان منطفى و به حجب تقاليب روزگار فتنه بار متوارى و مختفى بود

شعر

نه رونق بود در دار السياده ولا عيش على حسب الإراده

فتاده هر دلى در زير بارى بسر مى رفت ناخوش روزگارى

تا آنكه ديگر باره به توفيق ملك علّام و امداد بواطن فيض مواطن اسلاف كرام از پرتو نور وجود فايض الخير والجود سيد ضياءالدين نوراللَّه مذكور- نوّراللَّه تعالى مرقده بمصابيح الغفران وقناديل الرضوان- منوّر و مستضى ء گرديد و اشعه آن نور ثاقب به اباعد و اقارب رسيد، القصّه توفيق يزدانى و تأييد آسمانى قرين رأى آن مظهر الطاف ربانى گشته در عنفوان جوانى به اتفاق برادر خود سيد

ص: 133

زين الدين على كه از راه شيراز متوجه سفر هندوستان شده بود به شيراز آمد و رحل اقامت در آن جا انداخت و مطالعه علوم دينى و تحصيل معارف يقيني را وجهه همت والا نهمت ساخت و در خدمت مولانا قوام الدين كربالى و ديگر موالى آن حوالى كه از اعاظم تلامذه سيد المحققين ميرسيد شريف علامه شيرازى بودند به استفاده اشتغال نمود و به اندك روزى قصب السبق از فضلاى زمان و اكابر دوران ربود و چون بعد از استجماع اقسام فضل و كمال به شوشتر مراجعت نمود تمامى ولايت خوزستان در سلك تصرف و تسخير سلاطين مشعشع انتظام يافته بود و شعشعه رايات ايمان ايشان بر فضاى آن عرصه دلگشاى تافته، هواى جانفزاى آن ديار از غبار فتنه و خلاف و شوائب تفرقه و اختلاف صاف شده بود، لاجرم اقامت آنجا را كه وطن اصلى بود مناسب شمرد و صبيه قدسيه صاحب اعظم خواجه حسين شوشترى را كه از خاندان عزت بود به عقد خود در آورد و بر سجاده نقابت و مسند هدايت نشسته براهين جليّه او در جسم مواد بغى و عناد اهل فساد يد بيضا مى نمود و سده سنيّه اش مرجع اكابر و اشراف و مأمن خائفان آن حدود و اطراف بود و از جمله مآثر توفيقات او آنكه به صحبت فيض بخش غوث المتألّهين سيد محمد نوربخش قدس سره رسيده بود و از او تلقين ذكر و انابت يافته و در شيراز با جناب شمس الدين محمد لاهيجى شارح گلشن راز صحبت بسيار داشته و از خدمت درويشان و فيض صحبت ايشان نصيب فراوان يافته و چنانچه شيمه كريمه نفوس قدسيه اكثر افراد آن سلسله عاليه بود پيش از موت طبيعى بند علايق صورى گسسته و از دركات سجّين اسفل سافلين مرتبه حيوانى رسته و به اوج درجه ملكى پيوسته بر كنگره عرش شهود نشست، فَلِللَّهِ دَرُّهُمْ مِنْ أقْوامٍ، أجْسادُهُم فَرْشِيّة وَأنْفاسُهُم عَرْشِيّة، لا جرم هرگز آن قدسى صفات به اغراض دنيّه دنيويه و اعراض ردّيّه صوريّه التفات نمى نمود و دامن

ص: 134

همت را با لوث تعلّقات جسماني، و ارواث مستلذّات شهوانى نمى آلود، بلكه هميشه همت والا نهمت او بر اكتساب باقيات صالحات و اقتناء درجات عاليات مقصور بود و از اسباب دنيوى به قدر ضرورت اكتفا نموده فواضل آن را صرف فضايل و مثوبات اخروى مى فرمود ولهذا سلاطين مشعشع كه حلقه ارادت او را در گوش و غاشيه متابعتش در دوش داشتند هر چند منصب جليل القدر صدارت خود را بر او عرض نمودند قبول نفرمود و بعد از آنكه سلطان سيد على بن سلطان محسن مبالغه بسيار در آن باب نمودند، آن حضرت قاضى عبداللَّه پسر خواجه حسين مذكور را كه تلميذ و فرزند معنوى او بود صدر ايشان ساخت و خاطر شريف را از وسوسه تكاليف ايشان پرداخت و چون سن شريف او بحدود تسعين رسيد و قواى ظاهرى و باطنى ضعيف گرديد، گرد فتور بر حديقه حدقه او نشست و زنگار كلال در مرآت نظر اثر كرد و گوش تيز هوش كه از سروش ملك و خروش مسبحان فلك درجوش، و صوفى وار با وجد و سماع هم آغوش بود و دبيب نمل را بر كثيب رمل استماع مى نمود، مانند اهل فقر حلقه «فِي آذانِنا وَقْرٌ» (1)

در قصبه غضروف كشيد، حضرت پادشاه غفران پناه شاه اسماعيل صفوى- انار اللَّه برهانه- به تسخير ممالك خوزستان متوجه شدند و چون بعد از كشتن سيد على والى خوزستان و تسخير شهر حويزه و قتل عام طايفه مشعشع بى توقف به شوشتر نزول اجلال فرمودند، سيد نوراللَّه با وجود ضعف و پيرى بيمار بود و به استقبال آن پادشاه دين پناه اقدام نتوانست نمود بنابراين بعضى مفسدان آن ديار به قاضى محمد كاشى كه صدر آن پادشاه كامكار بود گفتند كه سيد نوراللَّه بيمارى را بهانه ساخته و به واسطه رابطه اى كه او را با سلاطين مشعشع بوده از استقبال حضرت پادشاه و زمين بوسى درگاه تقاعد نموده، آن قاضى


1- فصلت/ 5

ص: 135

جابر كه به شرارت ذات و شراست طبع و خشونت خُلق مشهور و طينتش به قساوت قلب و استعمال مكر و اراقت دم نسبت به جميع اهل عالم مجبول و مفطور بود، گواهى آن مفسدان را به سمع قبول شنيد و پى فتواى اشاره عليّه قاهره در مقام مؤاخذه و مصادره آن سلاله ذرّيّه طاهره گرديد. اتفاقاً پادشاه دين پناه در ايامى كه به شوشتر نزول اجلال داشتند حكم فرموده بودند كه مردم آنجا درهاى خانه خود را به شب نبندند و هر شب با دو سه كس از خواص و مقربان به خانه هاى مردم آنجا سير مى نمودند و تحقيق مذهب ايشان مى فرمودند و از هر كس حقيقت مذهب او را مى پرسيدند به جاى آنكه گويد مذهب شيعه دارم مى گفت مذهب سيد نوراللَّه دارم، بنابراين حضرت پادشاه در تحقيق حال او شده بعضى از امراى آن پادشاه عالى جاه كه به خدمت آن سيد ولايت پناه رسيده بودند عرض اوصاف كمال و شرح بيمارى و اختلال حال ايشان نمود و مقارن آن حكم جهان مطاع صادر شد كه او را در ملحفه اى نشانده به مجلس بهشت آئين حاضر كردند و چون بر كماهى حال سعادت قرين و مساعى او در ترويج مذهب حق ائمه طاهرين اطلاع يافتند، مشمول عواطف بى دريغ ساختند و ضياع و اقطاع او را به دستور قديم معاف و مسلم داشتند و آخر در همان ايام به موجب كلام وحى نظام كه «نحن بنو عبدالمطلب، ما عادانا بيت إلّاوقد خرب، و ما عاوانا كلب إلّاوقد جرب» قاضى محمد خانه خراب كه چون سگ به بدنفسى قناعت كرده بود و با آن گُزيده خاندان عبدالمطلب اظهار عداوت مى نمود بنائره انتقام الهى و آتش غضب پادشاهى به حال سگان مرد و جان پليد به زبانيه دوزخ سپرد «وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ». (1)


1- شعرا/ 227

ص: 136

و از جمله مصنّفات ايشان كه متداول و مشهور شده كتاب «صد باب اسطرلاب» است، فسّاق الكلام إلى آخر ما مرّ ذكره عند الكلام فيما نسب إلى القاضي من الكتب ولم يثبت كونه منه (1) ديگر شرح زيج جديد كه مصدر آثار غرائب گوناگون و مظهر بدايع صنع كن فيكون است.

ديگر كتاب در علم طب كه در معالجات آن موافقت آب و هواى خوزستان را رعايت كرده.

ديگر رساله اى در تفسير آيه كريمه «وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلّا إِبْلِيسَ أَبى وَ اسْتَكْبَرَ وَ كانَ مِنَ الْكافِرِينَ» (2)

كه آنرا به التماس يكى از اعيان آن ديار تأليف نموده و در آنجا بسيارى از حقايق و دقايق درج فرموده، وفات او.

أقول: ذكره علاء الملك في محفل الفردوس هذه الترجمة مثل ما مرّ حرفاً بحرف إلّاأنّ القاضي ترك بياضاً لضبط تاريخ وفاته ولم يكتبه وثمّ إنّ عندى نسخة خطّيّة نفيسة صاحبة مزايا من المجالس(من جملة تلك المزايا نقل تاريخ تأليف الكتاب عن خط القاضي مطابقاً لما نقله صاحب الرياض) و فيها في هامش الترجمة هذه العبارة

«سيد محمد شاه راسه پسر بود؛ مير زين الدين على، و مير نوراللَّه المذكور في المتن، و مير مانده، و مير زين الدين را يك پسر بود؛ مير اسد اللَّه صدر، و دو پسر داشت؛ ميرسيد على، و مير عبدالوهاب، و مير نوراللَّه را دو پسر؛ مير محمد شريف كه والد مصنف است، و مير حبيب اللَّه، و اولاد ايشان الحال متوليان بقعه


1- انظر ص 66.
2- بقره/ 34

ص: 137

امام زاده عبداللَّه اند، و مير مانده را ايضاً دو پسر بود؛ مير محمد طاهر، كه بلاعقب بود، وميرعنايت اللَّه، واو دوپسر داشت؛ ميرعبدالغفار، ومير عبدالخالق، واولاد ايشان الحال پير طريقت اند و همگى در شوشتر معروف و مشهورند»

أقول: ذكر صاحب تذكرة شوشتر في الفصل العاشر والحادي عشر (1) ما يقرب مما نقلناه هنا من ترجمة جدّ القاضي وباقي أسرته وسنذكر بعض عباراته متفرّقة في مواضعها كما ننقل تحقيقاً مفيداً عن القاضي قدس سره بالنسبة إلى كلمة(المرعشية) عن قريب إن شاء اللَّه تعالى.

وأمّا والد القاضي قدس سره

فهو العالم الجليل السيد شريف أجاز له الشيخ الأجلّ النحرير إبراهيم بن سليمان القطيفي رضوان اللَّه عليهما قال صاحب الروضات في آخر ترجمة القاضي قدس سره: «ثمّ ليعلم أنّي وجدت في بعض كتب الإجازات المعتبرة صورة إجازة مبسوطة مشتملة على مسائل كثيرة من فنّ الدراية للشيخ إبراهيم القطيفي الفقيه العريف، المتقدّم ذكره المنيف، كتبها باسم السيد شريف بن الفاضل العالم الكامل السيد جمال الدين بن نوراللَّه بن التقي الزكي المكاشف بالسرّ الخفىّ شمس الدين محمد شاه الحسيني التستري مع صفته فيها بالعلم والعمل وعلوّ الهمم وجامعيّة المعقول والمنقول وغير ذلك والظاهر كونه والد صاحب الترجمة بعينه لمساعدة الاسم والرسم والنسب والنسبة والطبقة وغيرها ولكنّى لم أظفر إلى الآن على من ينتهي سلسلة سنده إلى أحد من هذين المتوالدين، إلى أن يرتفع الحجاب من هذا البين» وجزم به في ترجمة الشيخ الأجل المجيز المذكور قائلًا ما لفظه:

«ومن تلامذة هذا الشيخ السيد نعمة اللَّه الحلّي، والسيد شريف الدين المرعشي التستري والد القاضي نوراللَّه التستري»


1- ص 40- 33 من النسخة المطبوعة

ص: 138

وقال أيضاً في هذه الترجمة ما لفظه: «ومنها إجازاته الكبيرة لتلميذه في المعقول والمنقول السيد الجليل شريف الدين بن نوراللَّه المرعشي التستري والد صاحب مجالس المؤمنين وقد بالغ فيها في الثناء عليه كثيراً حتى أنّه ذكر أنّ في أيّام اشتغاله علينا كانت استفادتنا منه أكثر من إفادتنا له، و تاريخ هذه الإجازة كما رأيته في كتاب إجازات الشيخ إبراهيم للشيخ محمد الحرفوشي الآتي ذكره إن شاء اللَّه حادى عشر شهر جمادي الأولى سنة أربع وأربعين وتسع مائة وفيها من التحقيقات الأنيقة النافعة في فنون الدراية والرجال وغيرهما شي ء كثير منها قوله بعد ذكر كلام طويل من هذا القبيل: ثمّ إنّ ما قرء وعرف» فذكر كلاماً طويلًا لا يسع نقله المقام فمن أراده فليطلبه من هناك.

أقول:

نظير ما ذكره صاحب الروضات في عبارته الأولى من استظهار كون المجاز له من الشيخ القطيفي قدس سره والد القاضي، تردد المجلسي قدس سره في إجازات البحار عند نقل صورة تلك الإجازة فإنّه قال قبل النقل (1) «اجازة الشيخ المدقّق إبراهيم بن سليمان القطيفي المذكور للسيد شريف بن جمال الدين نوراللَّه بن السيد شمس الدين محمد شاه الحسيني التستري- قدّس اللَّه روحهما- ولعل المجاز له جدّ القاضي نوراللَّه التستري» ويعلم من آخر الإجازة أنّ العبارة المذكورة هي بعينها عبارة الشيخ الحرفوشي صاحب كتاب الإجازات كما مرّ ذكره في كلام صاحب الروضات فإنّه قال في آخرها: وأنا نقلتها من خط من نقلها من خطه قدّس اللَّه روحه ونوّر ضريحه وكتب الفقير إلى اللَّه الغني إبراهيم بن محمد بن علي الحرفوشي الخ» (2).


1- ص 77
2- هذا العالم صاحب كتاب في الاجازات قال صاحب الذريعة «كتاب الإجازات للشيخ إبراهيم بن علي بن أحمد بن الحرفوشي العاملي المتوفى بمشهد الرضا عليه السلام في سنة 1080 ق، كما أرّخه الشيخ الحرّ الحاضر في تشييعه، ظفر العلامة المجلسي قدس سره بنسخة خط المؤلف فنقل عنها جملة من الإجازات وألحقها بآخر مجلدات البحار».

ص: 139

أقول:

هذا الاحتمال صحيح وذلك الاستظهار صواب لتصريح علاء الملك بن القاضي قدس سره في محفل الفردوس بهذا الأمر وعبارته فيه في ترجمة جدّه هكذا: السيد الزكي الذكي النحرير ذو النسب الطاهر والحسب الباهر شريف بن نوراللَّه الحسيني نوّراللَّه مرقدهما، صيت جلال وبزرگى او را گوش ملك شنيده، وآوازه فضل و بلاغت او به ايوان فلك رسيده، حاوى قوانين عقليه و جامع اساليب فنون نقليه بود پايه فضل و كمال او از آن گذشته كه زبان ثنا و لسان مدحت از كنه رفعت آن بيان تواند كرد، تحصيل علوم شرعيه در خدمت نقاوة المجتهدين شيخ قطيفي قدس سره كرده و جناب شيخ در اجازه اى كه براى آن سيد افادت پناه نوشته نگارش نموده كه افاده او از استفاده بيشتر بود، از مصنفات ايشان رساله اثبات واجب است، ديگر رساله حفظ الصحة در طب، ديگر شرح خطبه شقشقية، ديگر رساله اى در فن مناظره، ديگر رساله مناظره گل و نرگس، ديگر رساله منشآت. و از اشعار لطافت آثار ايشان است اين سه رباعى كه مسطور مى شود:

رباعيات

شب بى تو زديده سيل خون مى گذرد روزم همه در مشق جنون مى گذرد

دور از تو شبم چنان بود روز چنين اوقات شريف بين كه چون مى گذرد

***

ناگفته بهم سخن زبان من و او دارد خبر از هم دل و جان من و او

بى واسطه گوش و زبان از ره چشم بسيار سخنهاست ميان من و او

***

گر خون تو ريخت خصم بد گوهر تو شد خون تو سرخ روئي محشر تو

سوزد دل از آنكه كشته گشتى وچو شمع جز دشمن تو كس نبود بر سر تو

ونظير ذلك ما ذكره الفاضل الكشميري في نجوم السماء في ضمن ترجمة القاضي بهذا اللفظ «و پدر بزرگوارش سيد شريف بن سيد نوراللَّه از اهل علم و فضل و از تلامذة شيخ ابراهيم قطيفي بود چنان كه در كتب رجال مسطور است.»

فالأولى أن نذكر شيئاً من عبارة الإجازه مما ينكشف به حال المجاز له وعظمته عند المجيز وهو «كان ممن صحبته في اللَّه، وتحقّقت أنّ حركاته وسكناته مخلصة للَّه، السيد السند، الظهير المعتمد، العالم العامل، الفاضل الكامل، مرضيّ الأخلاق، زكيّ الأعراق، كريم المحاسن والشيم، عالي المفاخر والهمم، رفيع القدر بين الأمم، حسن المحامد السميّة، والمكارم العليّة، المحافظ على الطاعات الفرضية، المداوم على المرغّبات النفلية، محكم المعارف العقلية ومتقن المسائل الشرعية، وموضح الدقائق الفرعية، سيدنا الأجل الأفضل الأكمل السيد شريف بن السيد الفاضل العالم الكامل السيد جمال الدين نوراللَّه بن التقي الزكيّ المكاشف بالسرّ الخفي، شمس الدين محمد شاه الحسيني التستري، أيّده اللَّه تعالى بالعنايات الأبديّة والكرامات السرمديّة التمس منّي قراءة الكتاب الموسوم بالإرشاد لعلمه أنّ في قراءته الهدى والرشاد والوصول إلى طريق السداد فأجبت ملتمسه لديّ، وعلمت أنّ ذلك فضل من اللَّه تعالى ساقه إليّ، فقرأه من أوّله إلى آخره قراءةً تشهد له بأنّه من أهل العلم والسعادة وكانت الإفادة منه أكثر من الاستفادة ولم يأل جهداً في تحقيق مسائله الشريفة وغوامضه اللطيفة ودقائقه المنيفة ولم يكتف من دون أن قرأ حواشي قد اقتضاها التحصيل للحقائق الشرعية وأوضح بها الدقائق الفرعية وكان يسأل عمّا يشتبه عليه ويبحث فيما يحتاج البحث إليه سؤالًا وبحثاً، يشهد أنّ له بأنّه من أهل التحقيق ومن ذوي الفهم والتوفيق، فلمّا بلغ مبتغاه ووصل إلى منتهاه التمس منّى إجازة له فيما قرأه من المتن والحواشي كما هو عادة

ص: 140

ص: 141

المدرّسين وقاعدة المذاكرين فأجزت له- دامت أيّامه- في رواية ذلك عنّى» إلى آخر الإجازة لأنّها طويلة جدّاً مع كونها مشتملة على فوائد كثيرة فمن أرادها فليراجع البحار.

التنبيه على اشتباه

التنبيه على اشتباه

إعلم أنّ ما ذكره الفاضل المعاصر من ترجمة والد القاضي قدس سره بهذه العبارة «ومنهم السيد شريف والد المترجم، كان من أكابر علمائنا له كتب وتآليف ينقل فيها عن تأليفات ولده المترجم الشهيد- قدّس سرّهما- يشتمل على اشتباه وهو قوله «ينقل فيها عن تأليفات ولده المترجم الشهيد قدس سره» وذلك لأنّ مأخذ قوله عبارة صاحب الرياض وهو بخطّه في أثناء ترجمة القاضي هكذا «وقد كان أبوه أيضاً من أكابر العلماء وقد ينقل عن بعض مؤلفاته ولده هذا في بعض تصانيفه».

والعبارة كماترى صريحة في أنّ القاضي ينقل عن كتب أبيه لا أنّ أباه ينقل عن كتب ابنه كما ذكره الفاضل المذكور ويصدقه ما وجدته في بعض تعليقات القاضي على كتابه المجالس(كما في هامش فاتحة نسخة خطية عندي) من نقله عن والده بهذه العبارة «والد ماجد فقير در بعضى از مؤلفات شريفه خود فرموده اند كه از عبارت «بِهِمْ يُمْسِكُ السّماء» تا آخر چنان معلوم مى شود كه امام در زمان غيبت واسطه فيض؛» إلى آخر العبارة.

إزاحة وهم وإضاءة فهم

إزاحة وهم وإضاءة فهم

لا يقال، لِمَ لم يذكر القاضي ترجمة أبيه وأستاده في كتابه المجالس مع كون كتابه موضوعاً لذلك الغرض وكونهما جليلين عنده كما يظهر مما ذكر هنا فلعلّ في تركه ترجمتهما في المجالس إشعاراً بقلّة اعتناءه بشأنهما وهو خلاف المدعى فكيف وجه

ص: 142

التوفيق؟ لأنّا نقول صرّح القاضي بوجه ذلك في خاتمة كتابه المجالس في ضمن وصاياه بهذه العبارة:

«ديگر آنكه تخصيص اين كتاب را به ذكر جمعى از اكابر مؤمنان كه قبل از ظهور دولت ابد اقتران سلاطين صفويه موسويه أنار اللَّه براهينهم الجليّة بوده اند بى وجه ندانند زيرا كه چون مقصود اصلى از اين كتاب بيان قدم اين طايفه رفيع جناب و عدم ارتكاب تشيع به طريق اجبار و ايجاب است و زمره معاندان اكابر اين زمان را از مقتضيات آن دولت ابداقتران مى دانند پس ذكر ايشان در نظر آن طايفه معاند اسلوب از قبيل مصادره بر مطلوب خواهد بود و اگر گاهى نادرى از بزرگان آن دولت يا معاصر ايشان را در بعضى از مجالس اين كتاب مذكور ساخته بنابر آن است كه توهّم تصرف آن دولت در ظهور ايمان ايشان بغايت دور است يا نكته ديگر كه به تأمّل در آن ظاهر شود منظور است» فعلم أنّ تركه لذكرهما وترجمتهما في هذا الكتاب لهذه النكتة كتركه سائر معاريف عصره ومشاهير زمانه من وجوه الطائفة كالمحقق الداماد والشيخ البهائي والشيخ عبداللَّه التستري بل جماعة المشاهير ممّن تقدّم على هذه الطبقة كالشهيد الثاني والشيخ حسين والد الشيخ البهائي والمحقق الكركي وأضرابهم فتفطّن ولا تغفل، على أنّه قدس سره وإن لم يجعل لهما في كتابه ترجمة مستقلّة إلّاأنّه أودع كتابه ما يدلّ على ثبوت جلالتهما عنده و ذلك لأنّه عبّر عن أستاده المولى عبدالواحد بقوله:

«حضرت استاد محقّق نحرير روّح اللَّه روحه» (1) وعن أبيه بما سيأتي نقله في ضمن كلامه في تحقيق كلمة المرعشية إلى غير ذلك ممّا أودعه مجالس المؤمنين ممّا يدلّ على عظمتهما.


1- كما مر في ذيل ص 97

ص: 143

كلام القاضي قدس سره في تحقيق كلمة «المرعشية»

كلام القاضي في تحقيق كلمة المرعشيّة

«مخفى نماند كه مرعش بر وجهى كه از كتاب صحاح اللغه مستفاد ميشود نام بلده اى است از جزيره موصل و از كلام سيد مذكور أجل عزّ الملة والدين نسّابه چنان مفهوم مى شود كه آن نام قلعه اى است ميان ارمنيه و ديار بكر، و ظاهراً مآل هر دو قول يكى است و همچنين در كلام سيد مذكور اشارت است به آنكه على مرعشى كه جد اعلى سادات مرعشى است منسوب به آن قلعه باشد زيرا كه گفته:

«علي المرعشي كان أميراً كبيراً» ومرعش قلعه اى بين ارمنيه است و ديار بكر» و اين كلام ظاهر در آن است كه على را به مرعش منسوب مى دارد بنابرآنكه معنى مرعش را بعد از ذكر على و وصف او مذكور ساخته و اضافه را به معنى نسبت دانسته ليكن به ثبوت نرسيده كه على در آن قلعه توطن نموده يا در آنجا امير باشد، و ديگر آنكه اضافه منسوب به منسوب اليه و اراده نسبت از آن وضوحى ندارد و اولى آن است كه حمل مرعش بر معنى ديگر كنند كه صاحب صحاح اللغة نيز آن را ذكر نموده و گفته كبوتر بلند پرواز را مرعش گويند و چون على مذكور به علوّ شأن و رفعت منزلت و مكان اتصاف داشت توصيف او به مرعش جهت استعاره علوّ منزلت او نموده باشند و مؤيّد اين است آنكه سمعانى در كتاب انساب بعد از ذكر مرعشى و تفسير او به نسبت بلدى از بلاد ساحل نقل نموده از احمد بن على علوى نسابه كه مرعش نام شخصى علوى است و در بيان سلسله نسبت يكى از سادات مرعشى كه در اين مقام ذكر نموده چون به على مذكور رسيده گفته كه «علي وهو المرعش بن عبداللَّه بن محمد الملقب بالسيلق بن الحسن بن الحسين الأصغر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب» وبالجملة اين طايفه عليّه چهار فرقه اند:

ص: 144

فرقه اول

سادات عالى درجات مازندران كه به تشيع مشهورند و در مجلس سلاطين از اين كتاب مذكور.

فرقه دوم

سادات صاحب سعادات شوشتر كه در اصل از مازندران به آنجا آمده اند و مساعى جميله اسلاف و اخلاف آن گروه عالى تبار در ترويج و اظهار مذهب ائمه اطهار كالشمس في نصف النهار غايت وضوح و اشتهار دارد و از اكابر متأخّران ايشان صدر عالى مقدار امير شمس الدين اسداللَّه الشهير به شاه مير، وبدر منشرح الصدر ميرسيد شريف است كه تشريف كرامت فضل و تقوى به طرز و طرازى كه لطف حقتعالى را ارادت و خواست بوده باشد بر قامت با استقامت او راست آمده.

بيت

فتادگان سر كوى دوست بسيارند وليكن از سر كويش چو من فتاده نخواست

فرقه سيّم مرعشيه اصفهان كه در اصل ايشان نيز از مازندران به اصفهان آمده اند و از افاضل متأخرين ايشان خليفه اسداللَّه است كه به حسن امداد امير شمس الدين اسداللَّه صدر مذكور، منظور نظر كيميا اثر پادشاه مغفور گشته، منصب جليل القدر توليت مشهد مقدس رضوى به او مفوض بود.

فرقه چهارم

مرعشيه قزوين كه از قديم الايام در آن ديار كه خارزار وجود سنيان مردم آزار است از روى تقيه روزگار گذرانيده و محنت بسيار از اغيار جفا كار ديده اند و همواره به مذهب حق ائمه اثنا عشر عمل نموده اند و در اين ايام به يمن عنايت و حسن حمايت و رعايت امير شمس الدين اسداللَّه مذكور مشمول عواطف بى دريغ شاهى گشته بعضى از ايشان نقيب و متولى آستانه حضرت

ص: 145

شاهزاده حسين اندو بعضى در قزوين محتسب اند و از افاضل ايشان در اين زمان مير علاء الملك مرعشى است كه از جويبار تربيت قهرمان زمان آب خورده و بقدر فهم و استعداد آبى به روى كار آن دوحه خزان رسيده هوان ديده آورده منصب قضاى عسكر ظفر أثر به او متعلق است».

وأمّا إخوان القاضي، فهم ثلاثة

إخوان القاضي

قال صاحب تذكرة تستر في الفصل الحادي عشر «مير نوراللَّه را دو پسر بود مير شريف و مير حبيب اللَّه و مير نوراللَّه ثانى صاحب مجالس المؤمنين واحقاق الحق ومصائب النواصب وعشره كامله وكشف العوار وديگر مصنفات كه به هندوستان رفت و در لاهور قاضى و در آنجا شهيد شد، پسر مير شريف بود و اولاد او در هندوستان اند و چندى قبل از اين از ايشان به نجف اشرف آمدند و در آنجا ساكن شدند و مير شريف سه پسر ديگر داشت مير اسماعيل، مير قطب الدين و ميرمحسن».

أقول: قال علاء الملك في محفل الفردوس بالنسبة إلى ميرإسماعيل مالفظه:

«السيد الفاضل الجليل والعالم النبيل إسماعيل بن شريف الحسيني- شرّفه اللَّه تعالى برضوانه- مجموعه علوم دينى وسفينه معارف يقيني بود استفاده علوم عقليه وفنون نقليه از خدمت والد بزرگوار خود مير سيّد شريف قدس سره نموده، خلاصه اوقات را صرف عبادات مى نمود و بر ادعيه مأثوره و تعقيبات مشهوره مواظبت مى فرمود».

وقال بالنسبة إلى السيد محسن ما لفظه: «السيد الفاضل الذكي السعيد الشهيد وجيه الدين محسن بن شريف الحسيني بحليه فيض فضل سرمدى وزيور خلق محمدى آراسته بود در علوم عقلى و نقلى محققى نحرير، و در علوّ

ص: 146

فهم وفطرت مدقّقى بى نظير، استفاده افانين علوم و قوانين حكم از خدمت محقق نحرير، مولانا عبدالواحد كه شطرى از احوال او در محفل سيّم گذارش خواهد يافت نموده در مشهد مقدس رضويه على مشرفها الصلاة والتحية به درجه شهادت فائز گرديد- حشره اللَّه تعالى مع آبائه المعصومين صلوات اللَّه عليهم اجمعين-. از مصنفات ايشان آنچه به نظر اين خاكسار رسيده رساله اى است مشتمل بر هفت بحث از علوم عقليه وفنون نقليه، مسودّات تعاليق ايشان را بعد از فوز ايشان به مرتبه شهادت، ازبكيه به غارت بردند» و أمّا أخوه الآخر المسمّى به مير قطب الدين فلم يذكر بالنسبة إليه شيئاً.

وأمّا أبناء القاضي، فهم خمسة

أبناء القاضي

يعلم من ملاحظة محفل الفردوس أنّ خمسة من أولاد القاضي كانوا من الفضلاء والعلماء:

أوّلهم،

شريف بن نوراللَّه وعبارة علاء الملك في ترجمته هكذا «السيد الفاضل الذكي الألمعي اللوذعي شريف بن نوراللَّه الحسيني- شرّفه اللَّه تعالى برضوانه-، جامع شرف فضل و افضال، و حاوي فنون كمال بود شعشعه علم وسيادت از جبين مبينش لائح، وانوار فضل وسعادت از ناصيه متينش ساطع، تولد با سعادتش روز يكشنبه نوزدهم شهر ربيع الاول سنه نهصد ونود ودو از هجرت خير البشر- عليه وآله صلوات اللَّه الملك الأكبر-، در بدايت حال، بعضى از مقدمات، در خدمت والد بزرگوار خودخواند، و بعد از آن اكثر كتب متداوله را از سيد محقق ميرتقي الدين محمد نسّابه شيرازى استفاده نموده و برخى از شرح اشارات را در خدمت سيد همدان ميرزا ابراهيم همداني گذرانيده، و تهذيب

ص: 147

حديث را در ملازمت ملا عبداللَّه شوشتري مقابله نموده و ارشاد فقه و قواعد را در خدمت زبدة المجتهدين شيخ بهاء الدين محمد خوانده و جناب شيخ براى آن سيد ستوده سير، اجازه كتب اربعه حديث و ساير كتب فقه و جميع مصنّفات خود نوشته، از مصنّفات ايشان حاشيه تفسير بيضاوى است، ديگر حاشيه مبحث جواهر حاشيه قديم است، ديگر حاشيه شرح مختصر عضدى، ديگر حاشيه حاشيه مطالع، ديگر رساله اى است مشتمل بر نه بحث از فنون متعدده.(فبعد أن ذكر شيئاً من شعره قال:) در روز جمعه پنجم ماه ربيع الثاني سنه ألف و عشرين من الهجرة على مهاجرها ألف ألف سلام وألف ألف تحيّة در دار السلطنه آگره به جوار رحمت ايزدى شتافت».

ثانيهم،

السيد محمد يوسف، قال علاء الملك في حقه:

«السيد محمد يوسف بن نوراللَّه نوّر اللَّه بِآلِهِ بِولاه

على خصال و محمد شعار و يوسف خلق كه اين سه نور ز اوضاع او بود شاعل

سيادت از نسب سربلند او عالى سعادت از سبب پاى بوس او حالى

از اشعار ايشان است»(فذكر شيئاً من شعره)

ثالثهم،

علاءالملك صاحب كتاب محفل الفردوس وعبر عن المؤلف والمؤلف صاحب كشف الحجب والأستار بمالفظه «الفردوس للفاضل الكامل علاء الملك بن القاضي نوراللَّه الشوشتري المرعشي الحسيني ذكر فيه احوال فضلاء شوشتر».

ص: 148

أقول: أورد ترجمته أيضاً صاحب تذكرة صبح گلشن فقال في حقه ما لفظه (1):

«علاء الملك مرعشى شوشترى است، و دون رتبه اش سخن پردازى و سخن پرورى، از فضلاى بى نظير و علماى نحارير بود و به منصب تعليم شاهزاده محمد شجاع خلف شاه جهان پادشاه سر به آسمان مى سود «مهذّب» در منطق و «أنوار الهدى» در الهيات و «صراط وسيط» در اثبات واجب و غيرها از تصانيف اوست و سخنش خيلى خوش و نيكو، اين رباعى از اوست:

اى چشم تو بر بستر گل خواب كند زلف تو به روز سير مهتاب كند

رورا همه كس به سوى محراب آرد جز چشم تو كو پشت به محراب كند»

محفل الفردوس و ما فيه

محفل الفردوس و ما فيه

رتّب علاء الملك كتابه الموسوم بمحفل الفردوس الذي نقلنا عنه غالب تراجم هذه الرسالة على خمسة محافل و جعل المحفل الأخير مختصّاً بترجمة نفسه، فأورد شيئاً كثيراً من نظمه و نثره و مكاتيبه و أودعه أيضاً مقاصد علمية لكن لم يورد بالنسبة إلى شرح حاله ما يشفي العليل و يروي الغليل فقال في أول المحفل الخامس:

«محفل پنجم در ذكر بعضى از سوانح خاطر مستهام اين گمنام كه چمن آراى اين فردوس هميشه بهار و رضوان اين روضه فيض آثار است، أوّلًا بعضى از مطالب علميه و مآرب حكميه نگاشته خامه رنگين هنگامه مى گردد.

و ثانياً برخى از منشآت صورت نگارش مى يابد.


1- ص 290

ص: 149

و ثالثاً جمله اى از اشعار به تصوير در مى آيد و مقاصد علميه در دوازده مقصد مصوّر مى شود»

فأخذ في تفصيل ما ذكره إجمالًا. وعرّف نفسه في أوّل الكتاب بعد الخطبة الفارسية المشتملة على الحمد و الثناء والتحية والتسليم بمالفظه:

«بر نظارگيان بهار فيض آثار شوشتر كه گلگونه رخسار هفت كشور است پوشيده و مستور نماند كه يكى از دوستان كه گلدسته گلستان وفا و شكوفه بوستان صفاست از ذرّه محتاج أنوار شهود غيبى «علاءالملك بن نوراللَّه الحسيني» كه چمن آراى اين فردوس و گلبن پيراى اين گلشن است استدعا نمود كه به وساطت خامه واسطى طرح نوى بر صفحه روزگار اندازد و نگارش احوال بعضى از مشاهير آن بلده طيبه از سادات عظام و صوفيه كرامت مقام و علماى اعلام و شعراى فصيح الكلام پردازد چون بنابر اشارت با بشارت آن صافى ضمير كه آب روان به خاك نشسته طبع روان اوست و آتش سركش هوازده گرمى بيان او شروع در آن واجب گرديد، ترتيب پنج محفل در اين فردوس كه نمونه خلد برين و رنگين تر از نگارخانه چين است مناسب ديد الخ».

وقال في أول المحفل الأوّل: «محفل اول، در ذكر جمعى از سادات رفيع الدرجات آن ديار فيض آثار»

وفي أوّل المحفل الثاني: «محفل دوم، در ذكر بعضى از قدماى آن بلده طيبه»

وفي أوّل المحفل الثالث: «محفل سوم، در ذكر طايفه اى از متأخرين»

وفي أول المحفل الرابع: «محفل چهارم، در ذكر بعضى از فضلاى شعراء» فهذه عناوين الكتاب.

رابعهم،

أبوالمعالي بن نوراللَّه، قال علاءالملك في حقه:

«السيد الفاضل الزكي أبوالمعالي بن نوراللَّه الحسيني- نوّراللَّه مرقدهما- در

ص: 150

جودت طبع و سرعت فهم طاق، و در تمييز حق و باطل يگانه آفاق بود، اشعار دلپذيرش دست تصرف از دامن فصاحت آرائى در شاخ بلند سحر آزمائى زده و پاى ترقى حضيض بلاغت گسترى بر ذروه شاهق معجز پرورى نهاده، اگر چه برادر خُرد اين خاكسار است اما در انواع فضل بزرگ و در فنون كمال سترگ بود،(إلى أن قال:) تولد با سعادتش روز پنجشنبه سوم ماه ذى القعده سنه هزار و چهار هجرت سيد الانام عليه وآله الصلاة والسلام و وفاتش در ماه ربيع الثاني سنه هزار و چهل و شش من الهجرة- على مهاجرها ألف ألف تحية-(إلى أن قال) از مصنفات او شرح الفيّه است، ديگر رساله نفى رؤيت واجب تعالى، ديگر رساله اى مشتمل بر چند بحث از فنون متعدده، ديگر ديوان شعر» فذكر شيئاً من شعره.

خامسهم،

علاءالدوله، قال علاء الملك في حقه: «برادر خُرد منست جانم فداى او باد صاحب طبع عالى و ذهن حالى است تولد با سعادتش در ماه ربيع الاول سنه هزار و دوازده از هجرت سيد البشر عليه وآله صلوات اللَّه الملك الاكبر، از اشعار اوست» فذكر شيئاً من شعره.

أقول:

له ولد يسمى بالسيد على كما قال صاحب الرياض في آخر ترجمة القاضي قدس سره:

«واعلم أنّ من أسباط هذا السيد الفاضل السيد علي بن السيد علاءالدولة بن السيد ضياءالدين نوراللَّه الحسيني الشوشتري المرعشي وكان يسكن بالهند ولعله موجود الآن أيضاً لأنّي وجدت- في الهراة في جملة كتب المولى رضا المدرس في ديباجة كتاب شرح الصحيفة الكاملة بشرح ممزوج لا يخلو من طول وترك شرح ديباجة الصحيفة وشرح من أوّل الأدعية، الموسوم بكتاب رياض العارفين الذي كان من تأليفات المولى شاه محمد بن المولى محمد الشيرازي الدارابي- أنّ هذا السيد

ص: 151

قد كان من تلامذته، وأنّ المولى شاه محمد المذكور لما ورد إلى بلاد الهند ولم يكن لشرحه المذكور ديباجة أمر هو ذلك السيد بكتابة ديباجة لذلك الشرح، والظاهر أنّ المراد بالمولى شاه محمد المذكور هو المولى الشاه محمد الشيرازي المعاصر الساكن الآن بشيراز فانه قد رجع من الهند في قرب هذه الاوقات ولكن قد بالغ ذلك السيد في وصف هذا المولى بالفضل والعلم بمالا مزيد عليه ونحن لم نجد هذا المولى بهذا الشأن فتأمل».

اقول: قدمرّ عند البحث عمّا يتعلق بمصائب النواصب ماله ربط بالمقام فراجع.

عم القاضي قدس سره وابناه

عم القاضي وابناه

قد قرع سمعك فيما سبق أن للقاضي قدس سره عمّاً معنوناً بعنوان الصدر فالأولى أن نشير إلى شي ء من ترجمته هنا حتى ينكشف الإبهام فنقول: صرّح القاضي قدس سره فيما نقلناه من ترجمة جده ضياءالدين نوراللَّه بأنّ لجدّه هذا أخاً لقبه واسمه زين الدين عليّ وإليه يشير كلام صاحب تذكرة شوشتر في الفصل الحادي عشر (1):

«ومير زين الدين علي را يك پسر بود مير اسد اللَّه كه در دولت صفويه به صدارت رسيد و قبل از او مير غياث الدين منصور شيرازى دشتكى صدر بود و چون بسعايت مفسدان فيما بين او و شيخ علي بن عبدالعالي شقاق بهم رسيد و روزى در مجلس شاه طهماسب بينهما مكالمه واقع شد كه به تخطئه و تجهيل كشيد و پادشاه تقويت جانب شيخ نمود و مير غياث الدين به اهانت از مجلس بيرون رفت، بعد از چند روزى استعفا و رخصت معاودت شيراز حاصل نمود و به


1- ص 37- 36.

ص: 152

تصديق شيخ على منصب صدارت به مير معزّالدين اصفهانى و بعد از او به مير اسد اللَّه مرجوع گرديد و او را دو پسر بود: مير سيدعلى صدر كه آخر الأمر از صدارت استعفا و اختيار توليت روضه رضويه نمود و مير عبدالوهاب و ايشان در ايام حيات والد ماجد و بعد از آن در تعمير املاك موروثى و احداث املاك جديده زياد كوشيدند و در محل احشام عقيلى و اراضى جلكان و شاه ولى و چمچه گران و لبانستان انهار متعدده از رودخانه برداشتند و به اراضى موات جارى ساختند و رعايا و زارعين از اطراف جمع نمودند و قلعه ها و دهكده ها و بنوارها ساختند و بساتين و باغات مرغوب بعمل آوردند و مالوجهات [مال وجهات] همه اين ها حسب الارقام سلاطين به سيورغال (1) ايشان مقرر بود و از همه جهت معاف و مرفوع القلم بودند و هر يك از حكام و عمال كه با اين سلسله عليّه در مقام معارضه و كجا كجى پى در آمدند به مضمون حديث «نَحْنُ بَنُو عَبْدُالْمُطَّلِب، ما عادانا بَيْتٌ إلّاوَخَرِبَ، وَلاعاوانا كَلْبٌ الَّا وَجَرِبَ (2)

«منكوب و مخذول گرديدند».

أقول:

يكشف عن بعض ما ذكر هنا ما ذكره القاضي في المجالس، في أواخر المجلس السابع، في ترجمة الأمير غياث الدين منصور الشيرازي بهذه العبارة:

«مدتى منصب عالى صدارت پادشاه مغفور به او متعلق بود و در غايت عظمت و استقلال اشتغال مى نمود و در مرتبه ثانى كه جناب مجتهد الزمانى شيخ على بن عبدالعالى روّح اللَّه روحه از عراق عرب متوجه پايه سرير خلافت مصير گشته حكاياتى كه در باب عدم تقيّد حضرت مير به احكام شرع اقدس مذكور مى شد وسيله نقار خاطر شريف جناب شيخ بزرگوار شد و بعضى از مفسدان در


1- عوايد زمين كه به جاى حقوق يا مستمرى به اشخاص بخشند. «لغت نامه دهخدا»
2- بحار ج 107/ 31 «عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ما عادانا بَيْتٌ إلّاوَقَدْ خَرِبَ وَما عادانا كَلبٌ إلّا وَقَدْ جَرِبَ».

ص: 153

مقام افساد در آمده مبانى نزاع استحكام تمام يافت تا آنكه روزى در مجلس بهشت آئين مباحثه علمى در ميان آمده و بحث به خشونت و نزاع كشيد و شاه دين پناه حمايت مجتهد الزمانى نمود حضرت مير رنجيدند و بعد از روزى چند از منصب صدارت استعفا نموده به جانب شيراز روان شدند».

و يكشف عن بعضه الآخر ما ذكره ابنه علاء الملك فإنّه قال بالنسبة إلى السيد أسداللَّه المذكور ما لفظه:

«السيد الحبر الإمام، صدر العلماء الأعلام، شمس الدين أسداللَّه الحسيني، كاشف غوامض أسرار حكميه، ناشر درر لطايف ادبيه بود لواى علوّ شأن و سموّ مكان او به سماء رفعت و سماك علوّ نسبت احمدى رسيده، جذر أصمّ آوازه فضائل او شنيده و فلك با هزار ديده نظير او نديده تلميذ محقق ثانى شيخ على عبدالعالى است جناب شيخ براى آن سيد السادات و منبع السعادات اجازه نوشته و بر مشاهد آن اجازه مخفى نيست كه آن اجازه شاهدى است عادل بر وفور مهارت آن ستوده خصال در علوم عقليه و فنون نقليه، مدت ها منصب جليل القدر صدارت پادشاه غفران پناه شاه طهماسب صفوى- أنار اللَّه برهانه- به جناب ايشان مفوض بود، از مصنفات ايشان رساله كشف الحيره است كه در آن فوائد و حكم غيبت صاحب الأمر عليه السلام را بيان فرموده، ديگر ترجمه نفحات اللاهوت (1)


1- إلى هذا ناظر ما ذكره القاضي قدس سره في المجالس، في ترجمة هشام بن الحكم، بعد ذكر نكتة بهذا اللفظ: «وظاهراًبنابر ملاحظه اين نكته مرحوم صدارت پناه مير شمس الدين اسداللَّه شوشترى در ترجمه رساله نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت هر جا روايات در اصل رساله خطاب به متغلّبان خلافت به اميرالمؤمنين عليه السلام واقع شده ترجمه آن بقول خود كه اى امر كننده بر مؤمنان نموده بخلاف ديگر مترجمان آن رساله مانند مير ابوالمعالى استرآبادى و ملّا ابى طالب كه ايشان از اين دقيقه غافل شده اند و همه لفظ اميرالمؤمنين را بى ترجمه آن ذكر كرده اند».

ص: 154

ديگر رساله اى در تحقيق اراضى انفال، ديگر رساله اى متعلقه به قول علامه حلي در كتاب قواعد كه «إذا زاد الشاهد في شهادته أو نقص قبل الحكم بين يدي الحاكم احتمل ردّ شهادته، ديگر رساله اى در تحقيق اينكه زينب و رقيه از صلب رسول خدا بودند و از اشعار ايشان است» فذكر شيئاً من شعره.

أقول:

يشير إلى الإجازة المشار إليها في هذا الكلام ما ذكره القاضي في أواخر المجلس السابع من مجالس المؤمنين في ترجمة قطب الدين محمد بن محمد البويهي الرازي حيث قال:

«نسب شريفش بر وجهى كه عمدة المجتهدين شيخ علي بن عبدالعالي قدس سره در اجازتى كه جهت عمّ بزرگوار اين خاكسار نوشته به آن اشعار نموده بسلسله آل بويه منتهى مى شود»

وعليه ينطبق أيضاً قوله الآخر الذي ذكره في صدر حكاية ذكرها في ترجمة المحقق جلال الدين محمد الدواني بهذه العبارة «واز جمله مؤيدات آنكه از حضرت غفران پناه امير شمس الدين اسداللَّه صدر شوشترى كه معاصر خدمت علامى بود منقول است (1)» فعلم أنّه عمّ والد القاضي واطلاق القاضى عليه لفظ «عمّى» مبنى على ما هو شائع في العرف من اطلاق العمّ على عمّ الأب.


1- بقية العبارة هذه «كه مى فرموده اند كه در وقتى كه به واسطه فترات خوزستان در شيراز توطن داشتيم پيرزنى صالحه سبزوارى در شيراز بود كه درخانه ما و خانه علامى تردد مى نمود روزى حكايت كرد كه چون من از شيعه سبزوارم و با اهل بيت علامى آشنائى مى نمودم در آن مقام شدم كه تحقيق عقيده او نمايم لا جرم هميشه كمين مى نمودم و مترصد مشاهده اعمال طهارت و نماز او مى بودم تا آنكه روزى كه آب وضو برداشته به يكى از حجره هاى خانه خود درآمد و در را بر روى خود بست من از روزنه اى كه به آن حجره ناظر بود مشاهده نمودم كه وضو ساخته پاى خود را مسح نمود و از بعضى از تلامذه او منقول است كه گفت مدتى در تحقيق عقيده علامى اهتمام داشتم آخر روزى مشاهده نمودم كه نقطه سياهى كه به ناخن پاى ايشان واقع شده بود تا سه روز باقى بود از آن استدلال بر آن نمودم كه مسح مى كشيده اگر غسل مى كرد بايستى كه آن نقطه سياهى در اول روز تباهى مى شد».

ص: 155

وقال علاءالملك في حقّ ابنه السيد زين الدين علي الصدر ما لفظه:

«السيد الفاضل الزكي والعالم العامل الذكي زين الدين علي بن اسداللَّه الحسيني در قوانين عقلى بى نظير، و در فنون نقلى عديم المثيل، جامع مكارم اخلاق و طبيب اعراق بود، صدارت پادشاه مغفور بعد از ارتحال والد ايشان مير شمس الدين اسداللَّه به ايشان تفويض يافت و بعد از مدتى از منصب صدارت استعفا نموده خدمت جليل المنزلت توليت مشهد مقدس را اختيار فرمودند و بقيه عمر را در آنجا به سر بردند و بعد از وفات در آستان ملايك پاسبان امام الإنس و الجانّ على بن موسى الرضا- عليه التحية والثناء- آسودند از مؤلفات ايشان آنچه مؤلف بمشاهده آن تشرّف يافته كتاب عمل السنه است».

أقول،

لهذا السيد سبط ذكر ترجمته علاءالملك بهذه العبارة: «السيد الزكي زين الدين علي بن السيد محمد باقر بن السيد زين الدين على الصدر، از اذكياى فضلا و اذكياى علماست، تحصيل علوم متداوله در مشهد مقدس رضويه نموده، در عهد پادشاه غفران پناه شاه عباس بهادر خان صدارت كوه گيلويان به سيد ستوده سير مفوّض بود، از اشعار اوست» فذكر شيئاً من شعره.

و من احفاده من ذكره صاحب تذكرة شوشتر:

«واز اعاظم معاريف ايشان الحال ميرزا عبداللَّه بن ميرزا شاه مير بن محمد باقر بن مير سيد على بن مير محمد باقر بن مير سيد علي بن مير سيد اسداللَّه است».

وقال علاء الملك في حق السيد عبدالوهاب المشار اليه فيما تقدم نقله من كلام صاحب تذكرة شوشتر ما لفظه «السيد الفاضل الأوّاب عبدالوهاب بن اسد اللَّه الحسيني- قدس اللَّه سرّهما- محيط دائرة افادت و مركز مدار افاضت بود در عهد سلطان مغفورشاه طهماسب مدت ها ايالت دزفول به ايشان مفوّض بود، از

ص: 156

مؤلّفات ايشان آنچه به مؤلّف رسيده رساله تحقيق اراضى انفال است صدقى تخلص مى فرموده اند و از آثار ايشان است اين بيت:

گفت آن كيست كه در عشق كند جان قربان صدقى دلشده برخاست كه اين كار من است

كلمة الاختتام

كلمة الاختتام

تمّ لنا إلى هنا ما أردنا ايراده في هذه الرسالة وحيث صارت بحمد اللَّه و منّه وتوفيقه وفضله رسالة جامعة مفيدة ومجموعة نافعة سديدة ينبغي أن يراجع إليها ويستفاد منها.

فأحمد اللَّه على أن وفّقني للاختتام، مصلياً ومسلماً على سيد الانام، محمد وآله البررة الكرام، وكان تحرير ذلك في منتصف جمادي الثانية من سنة سبع وستين وثلاثمائة بعد الألف من الهجرة النبوية المصطفوية- على مهاجرها ألف سلام و تحية-(مطابقاً لهذا التاريخ الشمسي الهجري(5/ 2/ 1327) بيد مؤلّفه العبد الخادم للعلم الديني، جلال الدين بن القاسم الحسيني- ختم اللَّه له بالحسنى ورزقه في الدارين الفوز بالمقصد الأسنى-.

ص: 157

الصوارم المهرقة

فى جواب

الصواعق المحرقة

تأليف السيد السند السعيد القاضي نور اللَّه التستري الشهيد في سنة 1019 ه. ق قدس سره وطاب ثراه عني بتصحيحه السيد جلال الدين المحدث

ص: 158

ص: 159

خطبة الكتاب وذكر سبب التأليف

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

الحمد للَّه على ما حجر عنّا حجارة ابن حجر، وصير نار صواعقه رماداً بلا أثر، فبهت الذي كفر، وكأنّه التقم الحجر، والشكر على ما أيّدنا بصوارم حجج قاطعة حاكمة فيما شجر، وأعلمنا أنّا على الحقّ الذي لا يزدجر، ولو ساقونا إلى سعفات هجر، ثمّ الصلاة على سيد الوبر والمدر، الذي سبّح في كفّه الحصى واستلمه الحجر، وعلى اثنتي عشرة عيناً باشارتهم إلى الحجر، قد نبّع الماء منه وانفجر، وشهد بإمامتهم البيت والركن والحجر.

وبعد

فإنّ الشيخ الجاهل الجامد الحامل للزجاج الكامل في نقص الفطرة وسوء المزاج أبوالمدر ابن حجر، الثاني الذي نشأ في حجر رخام الانحراف وبرام الإعوجاج، وراج بمشاركة إسم الحافظ العسقلاني بعض الرواج، قد أظهر في مقام ايراد الشبهة والاحتجاج غاية الحماقة واللجاج، فلم يميّز العذب الفرات من الملح الاجاج، ولا ضوء الصبح عن المظلم الداج، ورام رمى الناس بالحجر مع كون بيته من الزجاج، بل حاول بيد قاصرة عن اقتباس قبس الاحتجاج، وقدم داحضة في ميادين الحجاج، معارضة المقتبسين عن مشكوة النبوة والولاية بالطبع الوهّاج،

ص: 160

ومبارزة رجال المنايا وأسود الهياج، المتدرّعين بسوابغ ولاء ادلّاء المنهاج، المؤيّدين بصوارم كأنّها لذي الفقار نتاج، مطفئة بحدّة ماءها الاجاج، حرّ صواعق كل متمجس اجاج، فبادر إلى تسويد كتاب، يستهزء به الألباب، لبيان حقّيّة خلافة أبى فصيل و ابن الخطاب، و مع احتوائه على المصادرة وسوء المكابرة، و انطوائه على الأحاديث الموضوعة والآثار المصنوعة والايرادات البارّة والاعتراضات الجامدة سمّاه بالصواعق المحرقة لمحاً إلى أنّه يحرق قلوب الشيعة، ويخرق صدور تلك الفرقة الناجية الرفيعة، وسيكشف لك ضوء ما قابلناه به من الصوارم المهرقة أنّه لا يحرق إلّالحيته و لا يخرق إلّاإليته، واللَّه يحقّ الحقّ ويهدي السبيل.

الطعن على سند ومتن حديث «أصحابي كالنجوم»

1- قال:

أحرقه اللَّه بنار صواعقه في خطبة كتابه المذموم: الحمد للَّه الذي خصّ نبيّه محمداً بأصحاب كالنجوم، وأوجب على الكافة تعظيمهم واعتقاد حقّية ما كانوا عليه من حقايق المعارف والعلوم.

أقول:

أشار بقوله: أصحاب كالنجوم إلى ما رووا من قوله صلى الله عليه و آله: «أصحابي كالنجوم فبأيّهم اقتديتم اهتديتم» (1)

وفيه بحث سنداً ومتناً.

أمّا أوّلًا فلما قال بعض الفضلاء من أولاد الشافعي في شرح كتاب الشفاء للقاضي عياض المالكي: أنّ حديث «أصحابى كالنجوم» أخرجه الدار قطني في الفضايل، و ابن عبد في العلم من طريقه من حديث جابر، وقال:

هذا اسناد لا يقوم به حجّة، لأنّ في طريقه «الحارث بن غضين» وهو


1- بحار ج 23، ص 156

ص: 161

مجهول، ورواه عبد بن حميد في مسنده من رواية عبدالرحيم بن زيد، عن أبيه عن المسيّب، عن عمر، قال البزار: منكر لا يصح، و رواه ابن عديّ في الكامل من رواية حمزة بن أبي حمزة النصيبي، عن نافع، عن عمر بلفظ «بأيّهم أخذتم» بدل قوله: «اقتديتم» وأسناده ضعيف، لأجل حمزة، لأنّه متّهم بالكذب، ورواه البيهقى في المدخل من حديث ابن عباس، وقال: متنه مشهور و أسانيده ضعيفة لم يثبت في هذا الباب اسناد و قال ابن حزم: أنّه مكذوب موضوع باطل وقال الحافظ زين الدين العراقي:

وكان ينبغي للمصنف أن لا يذكر هذا الحديث بصيغة الجزم، لما عرفت حاله عند علماء الفنّ، انتهى كلام شارح الشفاء، وهو كاف شاف في الردّ على أهل الشقاء.

وأما ثانياً فلأنّ المخاطبين في متن الحديث بلفظ «

اقتديتم واهتديتم

»، إن كانوا هم الصحابة أو الصحابة مع غيرهم فلا يستقيم، إذ لا مساغ للفصيح أن يقول لأصحابه أولهم مع غيرهم؛ «أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم»، وهو ظاهر و إن كانوا غير الصحابة فهو خلاف الظاهر، إذ الظاهر أنّ كلّ من خاطبه النبى صلى الله عليه و آله بهذا الخطاب المتبادر منه الخطاب الشفاهي كان بمرأى منه صلى الله عليه و آله فكان صحابياً ولو سلّم ذلك لكان الظاهر إخبار راويه بأنّ الرسول صلى الله عليه و آله قال لجميع من أسلم غير الصحابة: «

أصحابي كالنجوم

» ولما لم يكن في روايتكم شي ء من هذا التخصيص بطل ادّعاؤكم في ذلك.

تصريح التفتازاني بعدول بعض الصحابة عن الحق

وأيضاً يلزم على هذا التقدير أنّ كلّ من اقتدى بقول بعض الجهّال بل الفسّاق من الصحابة أو المنافقين منهم وترك العمل بقول بعض العلماء الصالحين منهم يكون

ص: 162

مهتدياً، ويلزم أن يكون المقتدي بقتلة عثمان والذي تقاعد عن نصرته تابعاً للحق مهتدياً وأن يكون المقتدي بعايشة وطلحة والزبير الذين بغوا وخرجوا على على عليه السلام وقاتلوه مهتدياً وأن يكون المقتول من الطرفين في الجنة ولو أنّ رجلًا اقتدى بمعاوية في صفين فحارب معه إلى نصف النهار ثمّ عاد في نصفه فحارب مع على عليه السلام إلى آخر النهار لكان في الحالين جميعاً مهتدياً تابعاً للحق والتوالي بأسرها باطلة ضرورة واتفاقاً والذي يسدّ باب كون عموم الصحابة كالنجوم ما قال الفاضل التفتازاني في شرح المقاصد من أنّ ما وقع بين الصحابة من المحاربات والمشاجرات على الوجه المسطور في كتب التواريخ والمذكور على ألسنة الثقات يدلّ بظاهره على أنّ بعضهم قد حادّ عن طريق الحق، وبلغ حدّ الظلم والفسق، وكان الباعث عليه الحقد والعناد والحسد واللداد وطلب الملك و الرياسات والميل الى اللذّات والشهوات إذ ليس كل صحابي معصوماً ولا كلّ من لقى النبي بالخير موسوماً إلّاأنّ العلماء لحسن ظنّهم بأصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ذكروا لها محامل وتأويلات بها يليق، وذهبوا إلى أنّهم محفوظون عمّا يوجب التضليل والتفسيق، صوناً لعقائد المسلمين من الزيغ والضلالة في حق كبار الصحابة سيما المهاجرين منهم والأنصار المبشّرين بالثواب في دار القرار انتهى.

ويتوجّه على ما ذكره آخرا من تعليل ذكر العلماء المحامل والتأويلات لما وقع بين الصحابة بحسن ظنّهم فيه أنّ بعد العلم بوقوع ماوقع بينهم لا وجه لحسن الظنّ بالكلّ إلّاالتعصّب فيهم واما من زعموه كبار الصحابة وعنوا به الثلثة فهم أوّل من أسّس أساس الظلم والعدوان بغصب الخلافة عن أهل البيت والإقدام بكيت و كيت و إنّما صاروا كباراً بغصبهم الخلافة وحكومتهم على الناس بالجلافة ولهذا قال بعض علماء العامّة كلّ زينته الخلافة إلّاعلي بن أبي طالب عليه السلام.

وروى هذا الشيخ الجامد في الفصل الثالث في ثناء الصحابة والسلف على

ص: 163

علي عليه السلام أنّه لما دخل علي عليه السلام الكوفة دخل عليه حكيم من العرب فقال:

«واللَّه يا أميرالمؤمنين لقد زيّنت الخلافة و ما زينتك، ورفعتها وما رفعتك، وهي كانت أحوج إليك منك إليها» (1)

انتهى.

بيان أنّ الصحابي كغيره في أنّه لا يثبت إيمانه إلّابحجّة

وأمّا ما ذكره من البشارة لهم بالثواب في دار القرار فإنْ أشار به إلى حديث بشارة العشرة فهو موضوع لا يصحّ إلّافي واحد منهم عليه السلام كما سيأتي بيانه، وإنْ أشار به إلى غيره من الأحاديث فلعلّ بعد ظهور صحّته يكون بشارة الثواب فيه مشروطاً بشروطه كما روى عن مولانا الرضا عليه السلام أنّه لمّا سئل عن صحّة رواية قوله صلى الله عليه و آله: «من قال لا إله إلّااللَّه وجبت له الجنة» فقال: «نعم بشروطها و أنا من شروطها» (2)

. أي من جملة شروطها الإعتقاد بإمامتى ووجوب طاعتي، والحاصل أنّه لا يتحتّم بمجرّد الصحابية الحكم بالإيمان والعدالة و حسن الظن فيهم واستيهالهم للاقتداء بهم والاستهداء منهم، و ذلك لأنّه لا ريب في أنّ الصحابي من لقى النبي صلى الله عليه و آله مؤمناً به وموته على الإسلام و أنّ الإيمان والعدالة مكسبان وليسا طبيعين جبلّيين فالصحابي كغيره في أنّه لا يثبت إيمانه إلّابحجة لكن قد جازف أهل السنة كلّ المجازفة فحكموا بعدالة كل الصحابة من لابس منهم الفتن ومن لم يلابس، و قد كان فيهم المقهورون على الإسلام، والداخلون على غير بصيرة، والشكّاك كما وقع من فلتات ألسنتهم كثيراً، وكان فيهم شاربوا الخمر وقاتلوا النفس وسارقوا الرداء وغيرها من المناكير، بل كان فيهم المنافقون كما أخبر به البارى جلّ ثناؤه.


1- ينابيع المودّة لذوي القربى، القندوزى، ص 407
2- الصراط المستقيم، ج 2، 175، روايت را اينگونه آورده: «من قال لا اله إلّااللَّه دخل الجنّة لكن بشروطها ...».

ص: 164

نقل قصة العقبة عن دلائل النبوّة للبيهقي

ورواه البخارى في صحيحه وغيره في غيره وكانوا في عهده صلى الله عليه و آله ساكنين في مدينته يصحبونه ويجلسون في مجلسه ويخاطبهم و يخاطبونه ويدعون بالصّحابة ولم يكونوا بالنفاق معروفين ولا متميّزين ظاهراً قال اللَّه سبحانه:

«وَ لَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَ لَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ». (1) بل كان فيهم من يبتغي له الغوائل ويتربّص به الدوائر ويمكر ويسعى في هدم أمره كما ذكره أبوبكر أحمد البيهقي في كتاب دلائل النبوّة حيث قال: أخبرنا أبوعبداللَّه الحافظ، وذكر الأسناد مرفوعاً إلى أبي الأسود، عن عروة قال: لما رجع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله من تبوك إلى المدينة حتى إذا كان ببعض الطريق مكربه ناس من أصحابه، فأتمروا أنْ يطرحوه من عقبة في الطريق، و أرادوا أن يسلكوه معه، فأخبر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله خبرهم فقال: من شاء منكم أن يأخذ بطن الوادى فانه أوسع لكم فأخذ النبى صلى الله عليه و آله العقبة وأخذ الناس بطن الوادي إلّاالنفر الذين أرادوا المكر به، فاستعدوا وتلثّموا وأمر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر فمشيا معه، وأمر عماراً أنْ يأخذ بزمام الناقة، وأمر حذيفة أنْ يسوقها، فبينّاهم يسيرون إذ سمعوا ذكرة القوم من ورائهم قد غشوهم، فغضب رسول اللَّه و أمر حذيفة أنْ يردّهم، فرجعوا متلثّمين، فرعّبهم اللَّه حين أبصروا حذيفة وظنّوا أنّ مكرهم قد ظهر وأسرعوا حتى خالطوا الناس، وأقبل حذيفة حتى أدرك رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فلمّا أدركه قال له: إضرب الراحلة يا حذيفة وامش أنت يا عمار، فأسرعوا وخرجوا من العقبة ينتظرون الناس.

فقال النبي صلى الله عليه و آله: يا حذيفة هل عرفت من هؤلاء الرهط والركب أحداً؟

فقال حذيفة: عرفت راحلة فلان وفلان وكانت ظلمة الليل غشيتهم


1- محمد: 30

ص: 165

وهم متلثّمون.

فقال صلى الله عليه و آله: هل علمتما ما شأن الركب وما أرادوا؟

قالا: لا يا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله.

قال: فإنّهم مكروا ليسيروا معي حتّى إذا أظلمت لي العقبة طرحوني منها.

قالا: أفلا تأمر بهم يا رسول اللَّه إذا جاءك الناس فنضرب أعناقهم؟

قال أكره أنْ يتحدث الناس ويقولون انّ محمداً صلى الله عليه و آله قد وضع يده في أصحابه فسمّاهم لهما، ثمّ قال: أكْتماهم وفي كتاب أبان بن عثمان قال: الأعمش: و كانوا أثنى عشر سبعة من قريش و على تقدير ثبوت الإيمان والعدالة يمكن زوالهما كما في بلعم صاحب موسى عليه السلام حيث قال سبحانه وتعالى:

«وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ. وَ لَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَ لكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى اْلأَرْضِ وَ اتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ» (1)

وكان بلعم أوتي علم بعض كتب اللَّه، و قيل:

يعرف اسم اللَّه الأعظم ثم كفر بآيات اللَّه وكما وقع من الطامة الكبرى في سبعين ألفاً من بني اسرائيل وأولاد الأنبياء الذين كانوا في دين موسى عليه السلام فارتدّوا في حياته بمجرد غيبته عنهم مدّة قليلة إلى الطور، واستضعفوا وصيّه هارون النبى عليه السلام وكادوا يقتلونه و يدفعونه باليد والرجل، واقتدوا بالسامري في عبادة العجل، وإذا كان هذا حال هؤلاء النجباء من أولاد الأنبياء الذين لم يدنّسهم سبق الشرك والكفر في حياة نبيّهم و وجود نبيّ آخر و وصيه فيهم فما ظنّك بحال جماعة مضى أكثر عمرهم في الكفر والجاهلية بعد وفات نبيّهم مع أنّه لم يكن يحصل لهؤلاء عن ذلك العجل الحنيد جاه أو مال عتيد و كان لمن وافق أبابكر في غصب خلافة نبيّنا الحميد من


1- اعراف: 175 و 176

ص: 166

طمع الجاه والمال ما ليس عليه مزيد فعقدوا لواء السلطنة بسيفهم خالد بن الوليد وسدّوا لسان أبي سفيان بتفويض ولاية الشام إلى ولده يزيد، ودفعوا فتنة زبير بما أراد و أريد، و فوّضوا إلى غيرهم كمغيرة و أباعبيدة حكومة صنعاء و زبيد إلى غير ذلك ممّا يطول به النشيد، وإذا كان كذلك فلا بدّ من تتبّع أحوالهم وأقوالهم في حياة النبي صلى الله عليه و آله وبعد موته.

ذكر بعض ما صدر ممّا يخالف الشرع عن بعض الصحابة

ليعلم من مات منهم على الإيمان والعدالة ومن مات ميتة جاهلية مثل ...

الذي أدّعى الإمامة ونصّ الكتاب والحديث المتواتر، ودليل العقل ناطق بأنّه حقّ علي عليه السلام ومنع فاطمة عليها السلام إرثها وكتاب اللَّه ناطق بأنّ لها الإرث و قتاله لبنى حنيف الملتزمين للدّين الحنيف إلى غير ذلك مما يخالف الشرع الشريف.

و ... الذى ادّعى ما ادّعاه وقال للنبي صلى الله عليه و آله في مرض موته من الهجر و الهذيان ماقال وفعل ما فعل من منع كتابته صلى الله عليه و آله ما يصون الأمّة عن الضلالة وإقدامه بتخريق الكتاب الذي كتبه أبوبكر لفاطمة عليها السلام في أخذها لفدك وقوله: متعتان كانتا على عهد رسول اللَّه حلالين وأنا أنهى عنهما و اعاقب عليهما و إحداثه بدعة الجماعة في التراويح وتفضيل العرب على العجم في العطايا، إلى غير ذلك من الطوامّ التي لا تحملها المطايا.

و ... الذي ولى أمور المسلمين وولّى عليهم من لا يصلح لها مع ظهور فسقه و فساد حاله و دعائه حكم بن العاص طريد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وإيوائه وإعطائه المال العظيم من بيت مال المسلمين رعاية لقرابته وإعراضاً عن الدين وهتكاً لحرمة سيد المرسلين وإيذائه لأبي ذر وعمار بن ياسر وابن مسعود و غيرهم من أكابر الصحابة الذين كانوا أسود الغابة وغيرها مما هو بهذه المثابة،

ومعاوية الطليق الباغي الفاسق الذي مال عن علي و سمّ الحسن عليهما السلام و غيّر

ص: 167

سنّة النبي صلى الله عليه و آله في كثير من الأحكام حتّى أنّه كان يلبس الحرير فقال له ابن عباس رحمه الله:

«إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال: «انّه محرّم على رجال امتي» فقال هواناً: لا أرى به بأساً فقال ابن عباس: من عذيرى من معاوية بن أبي سفيان أنا أقول له: قال رسول اللَّه وهو يقول: أنا لا أرى به بأساً»، إلى غير ذلك من المناكير والأباطيل الصادرة عنهم التي لا يحتملها مقام المقال، ويضيق عن ذكرها المجال.

وروي مسلم في صحيحه عن النّبي صلى الله عليه و آله أنه قال: «ليردنّ على الحوض رجال ممّن صاحبني حتى إذا رأيتهم رفعوا إلىّ واختلجوا دوني فلأقولنّ: أى أصيحابي أصيحابي، فليقالنّ: أنّك لا تدري ما احدثوا بعدك» انتهى.

ومثله مذكور في صحيح البخاري الذي هو أصح كتب الأحاديث عندهم في تفسير قوله تعالى: وَ كُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ (1)

الآية.

قال النووي في شرح مسلم: «أمّا اختلجوا فمعناه اقتطعوا وأمّا أصحابي فقد وقع في الروايات مصغّراً مكرراً وفي بعض النسخ أصحابى مكبّراً مكرّراً» وقال القاضي: هذا دليل لصحة تأويل من تأوّل أنّهم أهل الردّة ولهذا قال فيهم سحقاً سحقاً ولا يقول ذلك في مذنبي الأُمّة بل يشفع لهم و يهتمّ لأمرهم قال: وقيل هؤلاء صنفان: أحدهما عصاة مرتدّون عن الاستقامة لاعن الإسلام وهؤلاء مبدّلون الأعمال الصالحة بالسيّئة، والثاني مرتدّون إلى الكفر حقيقة ناكصون على أعقابهم و اسم التبديل يشمل الصنفين، انتهى.

بيان أنّ ليس كلّ صحابي عدلًا مقبولًا

وأقول:

بل المراد بالمرتدّين المحدثون في دين اللَّه الغاصبون للخلافة والآكلون لمال فدك ظلماً و جوراً على فاطمة عليها السلام ولهذا قال فيهم في بعض الروايات: سحقاً


1- مائده: 117

ص: 168

سحقاً فافهم.

وإذاكان الحال بهذا المنوال من الاختلال ووقع الإرتداد من الصحابة فلا يجوز الحكم بالإيمان والعدالة لأحد منهم إلّاإذا تحقق اتصافه بهما وموته عليهما ولا يعلم ذلك إلّابتتبّع الأحوال و استقراء الآثار الدالة على بقاء الإيمان والعدالة أو الزوال.

قال الفاضل التفتازاني في التلويح: «إنّ الجزم بالعدالة يختص بمن اشتهر بطول الصحبة على طريق التتبع والأخذ عن النبي صلى الله عليه و آله والباقون كسائر الناس فيهم عدول وغير عدول».

و قال الفقية الاسنوي الشافعي «إنّ المراد من قول العلماء «الصحابة بأسرهم عدول مطلقاً» أنّ مجرّد الصحبة شاهد التعديل مغن عن البحث عنهم فإنْ ظهر عن أحد منهم ما يفضى إلى التفسيق فليس بعدل كسارق رداء صفوان ومن ثبت زناؤه ولذا غير بعضهم عبارتهم بأن قال: أنّهم عدول إلّامن تحقّقنا قيام المانع فيه وليس المراد من كونهم عدولًا أنّه يلزم اتّصافهم بذلك ويستحيل خلافه، فإنّ هذا معنى العصمة المختصّة بالأنبياء عليهم السلام، انتهى كلامه. (1)

في أنّ الحكم بكون كل صحابة مجتهدا مجازفةً

ومن العجب

أنه زاد بعضهم في المجازقة والمخارفة فحكم بأنّهم كلّهم كانوا مجتهدين وهذا ممّا يقطع من له أدنى عقل بفساده لأنّه كان فيهم الأعراب ومن أسلم قبل موت النبي صلى الله عليه و آله بيسير والأمّيون الذين يجهلون أكثر قواعد الأحكام وشرائع الدين فضلا عن الخوض فيه بالاستدلال، كيف والاجتهاد ملكة لا تحصل إلّابعد


1- اعلم أن للقاضي رحمه الله كلاماً نفيساً و تحقيقاً شافياً يشتمل على تعريف الصحابي وعلى كيفية الحكم بإيمانه وعدالته وعدمهما وعلى تقسيمه بحسب الردّ والقبول، ذكره في المجلس الثالث من كتابه المجالس فإن أردته فارجع إليه.

ص: 169

فحص كثير وممارسة تامّة بغير خلاف، وإمكان حصول التفقّه والإجتهاد لهم لا يمنعه إلّاأنّه لا يقتضى الحكم بذلك، لأنّه خلاف العلم العادى، والذي ألجأهم إلى هذا القول البارد السمج الناشي عن العصبية ما قد تحقّقوه من وقوع الاختلاف والفتن بينهم وأنّه كان يفسّق ويكفّر بعضهم بعضاً، ويضرب بعضهم رقاب بعض، فحاولوا أن يجعلوا لهم طريقاً إلى التخلّص كما جوّزوا الايتمام بكلّ برّ وفاجر ليروّجوا أمر الفسّاق الجهّال من خلفائهم وأئمّتهم.

في نفي العموم عن قوله صلى الله عليه و آله: «أصحابي كالنجوم»

وأما ثالثاً فلما ذكر شارح الشفاء أيضاً من أنّ للقائل بالمذهب المختار من أنّ قول الصحابي ليس حجّة مطلقاً أنْ يقول: الحديث وإن كان عامّاً في أشخاص الصحابة فلا دلالة فيه على عموم الاهتداء بهم في كلّ ما يقتدى فيه، وعند ذلك فيمكن حمله على الاقتداء بهم فيما يروونه عن النبي صلى الله عليه و آله وليس الحمل على غيره بأولى من الحمل عليه انتهى

ويؤيّد وجوب ارتكاب التخصيص فيه أنّ هذا الشيخ الجامد المتولّد من الحجر، استحسن أن يكون المراد بأهل البيت الذين هم أمان في الحديث الذي اسبقنا نقله من علمائهم معلّلًا بأنهم الذين يهتدي بهم كالنجوم ولاريب أن استحسان التخصيص المذكور في ذلك الحديث يوجب استحسان مثله في هذا الحديث بطريق أولى وما ذكره من التعليل يقتضي وجوب التأويل بذلك كما لا يخفى، ولنعم ما قال بعض الفضلاء رحمه اللَّه تعالى:

صحابه گرچه ايشان كالنجومند ولى بعضى كواكب نحس شومند

وإذا بطل الحمل على العموم، بطل استدلالهم بذلك على استيهال الصحابة

ص: 170

الثلاثة وأمثالهم للاقتداء بهم ووضع الخلافة فيهم والاستهداء منهم، فوجب تنزيله على أصحابه صلى الله عليه و آله من أهل بيته عليهم السلام لدلالة الآية والرواية والاتّفاق على عدالتهم وطهارتهم بل على علوّ عصمتهم، فوجب الاعتصام بحبلهم المتين والاهتداء بهداهم المبين.

في أنّ تسمية العامّة الخاصّة بالرفضة لا يقدح في شأنهم

2- قال:

فإنّي سُئلت قديماً في تأليف كتاب يبيّن حقيقة خلافة الصديق وأمارة ابن الخطّاب فأجبت إلى ذلك مسارعة في خدمة هذا الجناب، ثمّ سُئلت في إقرائه لكثرة الشيعة والرفضة ونحوهما الآن بمكّة المشرّفة أشرف بلاد الاسلام فأجبتُ إلى ذلك رجاء لهداية بعض من زلّ به قدمه عن واضح المسالك.

أقول:

أيّها الشيخ الجامد، لعمرك ما زدت بذلك إلّاإبراز زَلّة قدمك وإظهار جهلك المركّب على الشيعةبحيث يضحكون على تأليفك هذا، لما أشرنا إليه من ابتنائه على مجرّد المصادرة وسوء المكابرة الذين أخذتهما بإرث التعصّب من الأشاعرة... لكن قد عمى منكم القلب والبصر، والمسمار لا يؤثّر في الحجر، ثمّ إنْ أراد بالرفضة الغلاة من الشيعة الذين قالوا بألوهيّة على عليه السلام أو نبوّته، فهم كانوا جماعة قليلة قد حكم ساير طوايف الشيعة أيضاً بكفرهم، بل بنجاستهم العينيّة، وقد انقرضوا قبل خمسمائة من زماننا هذا وإنْ اراد به الشيعة الإمامية الذين هم عيون طوائف الشيعة المدار عليهم الطاعنين في خلافة المشايخ الثلاثة فليس في تلقّبهم بهذا الإجل ما ذكر شناعة، كما يشعر به سياق كلام هذا الشيخ الجاهل وأصحابه لأنّ مآل هذا الرفض يرجع عند التحقيق إلى رفض الباطل وهو اعتقاد صحّة خلافة المشايخ الثلاثة، وإنّما الشناعة في أصل تلقّب مخالفيهم بأهل السنّة والجماعة، فإنّ هذا اللقب قد وضع في زمان معاوية وأرادوا بالسنّة سنة معاوية من

ص: 171

سبّ علي عليه السلام على المنابر و نحوه من الكفر والبدعة، وبالجماعة جماعته كما يشعر به ما سيذكره هذا الجامد في باب خلافة الحسن عليه السلام حيث قال: «وكان نزول الحسن عن الخلافة في ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين فسمّي هذا العام عام الجماعة لاجتماع الأمّة على خليفة واحدة» انتهى.

ثمّ لمّا ظهر دولة بني العباس ومعاداتهم لبني اميّة واتباعهم خافوا عن الحمل على ذلك وقالوا: مرادنا بالسنة سنة النبي وبالجماعة جماعة أصحابه، فقد ظهر أنّهم في الحقيقة أهل السنة والجماعة لا أهل سنة النبي وجماعته.

في طعن الزمخشري على أهل السنة والجماعة

و لنعم ما قال صاحب الكشاف فيهم:

لجماعة سمّوا هواهم سنّة وجماعة حمر لعمري موكفة

قد شبّهوه بخلقه فتخوّفوا شنع الورى فتستّروا بالبلكفة (1)


1- ذكر هما الزمخشري في الكشّاف في تفسير قوله تعالى: «وَ لَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَ كَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَ لكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَ خَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ» وهي الآية الثالثة والأربعون بعد المائة من سورة الأعراف يعيّر بهما القائلين بالرؤية وعبارته قبل البيتين هكذا(ص 350، ج 1، المطبوع بمصر، سنة 1307) «ثمّ تعجّب من المتسمّين بالإسلام، المتسمّين بأهل السنة والجماعة، كيف اتّخذوا هذه العظيمة مذهباً؟ ولا يغرّنّك تستّر هم بالبلكفة فإنّه من منصوبات أشياخهم، والقول ما قال بعض العدلية فيهم لجماعة سمّوا الخ» وأنت خبير بأنّ صريح عبارته أنّهما من إنشائات بعض العدلية ويمكن أن يقال إنّ هذا التعبير خوفاً من متعصّبي العامّة وجهّالهم ولذا قال محبّ الدين الأفندي في كتاب تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات المطبوع في ذيل الجزء الثاني من الكشّاف(ص 88) بعد نقل البيتين «البيتان للزمخشري عند قوله تعالى: «لَنْ تَرانِي وَ لكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ»، إلى آخر الآية، اعراف/ 143» موكفة من الإكاف وهو البردعة والبلكفة قولك بلا كيف يقرر مذهبه في نفي الرؤية ويقدح في أهل السنة والجماعة الذين يصدّقون بأنّ رؤية اللَّه تعالى حق و يقولون نرى ربّنا يوم القيامة بلا كيف كما قال النبي صلى الله عليه و آله: «إنّكم تَرَونَ رَبَّكُم يَوْمُ القِيامَةِ كَما تَرَونَ القَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْر لا تُضامّوُنَ فِي رُؤيَتِهِ» وكان الشافعي رضى اللَّه عنه يتمسّك في إثبات الرؤية بقوله تعالى: «كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ»، المطففين/ 15» قال: «لما حجب الكفار بالسخط دلّ على أنّ الأولياء يرونه في الرضا وسئل رسول اللَّه 9 عن رؤية العباد ربّهم يوم القيامة فقال منهم من ينظر إلى ربّه في السنّة مرّة ومنهم من ينظر إلى ربّه في الشهر مرة ومنهم من ينظر إلى ربّه في الجمعة مرة ومنهم من ينظر إلى ربّه بكرة وعشية رزقنا اللَّه تعالى رؤيته في الآخرة كما رزقنا في الدنيا بكرمه معرفته». ولقد عورض ما أنشده و أنشأه من الهذيان بأبيات ذكرها السكوني في التمييز وهي:

ص: 172

بيان ابن حجر سبب تأليفه لكتابه الصواعق

3- قال:

المقدمة الأولى، إعلم أنّ الحامل الداعي لي على التأليف في ذلك، وإن كنت قاصراً عن حقايق ماهنالك، ما اخرجه الخطيب البغدادي في الجامع وغيره أنّه صلى الله عليه و آله قال: «إذا ظهرت الفتن(أو قال البدع) وسبّ أصحابي فليظهر

ص: 173

العالم علمه فمن لم يفعل ذلك فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين لا يقبل اللَّه له صرفاً ولا عدلا».

أقول:

اعترافه بالقصور عن حقايق هذه المسألة حق كما سيظهر و ليس فيه هضم نفس كما قد يتوهّمه بعض أوليائه وما ذكره من الحديث فلا يصلح حاملًا باعثاً على تأليفه هذا، لجواز أن يكون المراد من البدع ما أبدعه خلفائه الثلاثة في دين ربّ العالمين كما أشرنا إليه سابقاً وسيأتي لاحقاً والمراد بمن سبّ من الأصحاب هم مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ومن تابعه من المهاجرين والأنصار فإنّ معاوية ومن بعده من فراعنة بنى اميّة سبّوهم على منابرهم ثمانين سنة كما هو المشهور المذكور على السنة الجمهور.

4- قال:

والطبرانى: «مَن وَقَّرَ صاحِبَ بِدْعَةٍ فَقَدْ اعانَ عَلى هَدْمِ الإسْلامِ» (1)

.

أقول:

هذا حجة عليه لا له حيث وقّر في كتابه هذا جماعة هم أوّل من أبدعوا في دين الإسلام بل حجّة على الصحابة الذين وقّروا الثلاثة ومكنوهم من غصب الخلافة وإحداث فنون البدع والكثافة.

دعوى ابن حجر أنّ الشيعة من أهل البدعة

5- قال:

وسيتلى عليك ما تعلم منه علماً قطعياً أنّ الرافضة والشيعة ونحوهما من أكابر أهل البدعة.

أقول:

لعمرك، أنّ هذا العلم أنّما حصل لك من فرط تقليدك للآباء والامّهات، ونموّك في عداوة أهل الحق من شيعة الأئمة الهداة، وإلّا فالإستدلال على ذلك بما


1- المعجم الأوسط طبرانى، ج 7، ص 35

ص: 174

نسجته من الطامات، والأحاديث الموضوعات، التي وضعها أمثالك لنصرة المذهب، لا يصير حجة على الخصم ولا يورث ظناً ضعيفاً فضلًا عن العلم القطعي ولو سلّم أنّها من أكابر أهل البدعة فأكبرهم أكابر خلفائك الثلاث وسينجلي لك أنّ ما ذكرته مكابرة إنشاء اللَّه تعالى.

6- قال:

وأخرج المحاملي والطبراني والحاكم عن عويمر بن ساعد أنّه صلى الله عليه و آله قال:

«إن اللَّه اختارني واختار لي أصحاباً فجعل لي منهم وزراء وأنصاراً وأصهاراً فمن حفظنى فيهم حفظه اللَّه ومن آذاني فيهم آذاه اللَّه».

أقول:

لو صحّ هذا الحديث فالمراد بالوزراء فيه علي عليه السلام والجمع للتعظيم كما قاله المفسّرون فيما نزل في شأنه عليه السلام من قوله تعالى: «وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ» (1)

إذ لم يتعدّد وزيره صلى الله عليه و آله كما هو الأصل بل كان واحداً هو علي عليه السلام عند الشيعة ولو سلّم أنّ المراد غيره فهو من الأنصار لما سيذكر هذا الرجل في الفصل الأوّل من الباب الأوّل رواية عن أحمد ما يدلّ على حصر الوزارة في الأنصار وعلى هذا يكون لفظ الأنصار في هذا الحديث بمنزلة عطف تفسير للوزراء فافهم وكذا الكلام في الأصهار لظهور أنّ الأصهار على تقدير تسليم كون عثمان صهراً للنبي صلى الله عليه و آله أيضاً لا يبلغ مرتبة الجمعية بالاتّفاق.

في تنزّه الشيعة الإمامية عن الغلو والشرك

7- قال:

واخرج هو يعني أباذر الهروي والذهبي عن ابن عباس مرفوعاً «يكون في آخر الزمان قوم يسمّون الرافضة يرفضون الإسلام فاقتلوهم فإنّهم مشركون».


1- مائده/ 55

ص: 175

أقول:

بعد منع صحّة السند قد مرّ أنّ الكلام في هذا المبحث في كلّ عصر أنّما كان مع الشيعة الإمامية دون من لا يعبأ بهم من الغلاة، ومن الظاهر الذي لا يخفى على كلّ أحد أنّ الإمامية لا يقولون بتعدّد الالهة ولا بألوهية أحد من الأئمة المعصومين عليهم السلام حتى يكونوا مشركين فلو صح الحديث كان المراد من الرفضة المذكورة فيه الغلاة من الشيعة الذين يفرطون في حبّ على عليه السلام إلى أن يعتقدوا الربوبية فيه كما يدلّ عليه الحديث الذي سيذكره بعد ذلك بقوله: وأخرج الدار قطني عن علي كرّم اللَّه وجهه عن النبي صلى الله عليه و آله: «سيأتي من بعدي قوم لهم نبز يقال لهم الرافضة فإن أدركتهم فاقتلهم فإنّهم مشركون، قال قلت يا رسول اللَّه ما العلامة فيهم؟ قال يفرطونك بما ليس فيك ويطعنون على السلف» (1)

إنتهى.

بل المراد بالرفضة كلّما وقع في آثار السلف هم الغلاة وجعله شاملًا للشيعة الإمامية تعنت من مخالفيهم وأما قوله: «ويطعنون على السلف» فمن اضافات الخلف فهو خلف باطل كما لا يخفى.

في بيان المراد من قوله «من سبّ أصحابي فعليه لعنة اللَّه»

8- قال:

الطبراني عن ابن عباس رضى اللَّه عنه: «من سبّ أصحابي فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين» (2)

.

أقول:

الظاهر أن المراد سبّ جميع الأصحاب بحيث يدخل فيه المقبول منهم والمردود على أن يكون الإضافة في أصحابي للإستغراق ولا كلام في أنّ سابّ الجميع ملعون بل الظاهر أنّ المراد كون السبّ لأجل الصحابية لا لأجل استحقاق


1- مقدّمة الصواعق، ص 5
2- المعجم الكبير، للطبرانى، ج 12، ص 111

ص: 176

ذلك الصحابي لذلك وهذا يرجع إلى عداوة النبي صلى الله عليه و آله ولا ريب في أنّ عداوة النبي صلى الله عليه و آله يوجب اللعن وأيضاً المراد من السبّ الشتم والقذف دون اللعن الذي ربما يرتكبه الشيعة بالنسبة إلى بعض المردودين من الصحابة ولا خفاء في أنّ الشتم لا يحلّ بالنسبة إلى كافر ذمّي فضلًا عن مسلم أو من ظاهره الإسلام وأما اللعن فهو دعاء من المظلوم أو من وليه على الظالم وليس بممنوع شرعاً بل قد يستحبّ كما صرّح به الفاضل النيشابوري في تفسيره ويدلّ عليه اللعن الجاري في الشرع بين المتلاعنين المسلمين بل الصحابيين بنصّ الكتاب وقوله صلى الله عليه و آله: «لَعَنَ اللَّهُ المُحَلِّلَ وَالمُحَلِّلَ لَهُ» (1)

مع جواز التحليل بنصّ الكتاب أيضاً غاية الأمر إنّهما ليسا بحسنين في شرع التكرّم كما لا يخفى، تدبّر.

9- قال:

الطبراني والحاكم عن جعدة بن هبيرة نقلًا(يعني عن النبي صلى الله عليه و آله) «خير الناس قرني الذي أنا فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم والآخرون أراذل» ومسلم عن أبى هريرة: «خير أمتي القرن الذي بعثت فيه ثم الذين يلونهم الحديث».

أقول:

بعد الإغماض عما في السند لا دلالة لهذين الحديثين وأمثالهما مما تركنا ذكره على ما قصده هذا الرجل من خيرية جميع الناس الموجودين في قرن النبي صلى الله عليه و آله حتى بعض الصحابة الذين حكم عليهم الشيعة بكونهم أشراراً، فإنّ قولنا قريش أفصح العرب وأكرمهم مثلًا لا يقتضى لغة وعرفاً أن يكون كلّ واحد من آحاده كذلك، لظهور وجود الآحاد المتّصفة بأضداد ذلك من العيّ واللؤم فيهم بل قد اطبقوا على انّ طائفة تيم قوم أبي بكر قاطبة من أراذل قريش وقد نقلوا النص على ذلك عن أبي سفيان وغيره عند البيعة علي أبي بكر على أنّ هذا الحديث معارض بما


1- وسايل ج 17، ص 284؛ بحار ج 22، ص 138

ص: 177

رواه هذا الجامد في أواخر كتابه عند بيان وقوع الخلاف في التفضيل بين الصحابة ومن جاء بعدهم من صالحي هذه الأمة حيث قال ذهب أبوعمر بن عبدالبرّ إلى أنّه يوجد فيمن يأتي بعد الصحابة من هو أفضل من بعض الصحابة واحتجّ على ذلك بخبر عمر قال كنت جالساً عند النّبي صلى الله عليه و آله قال: «أتدرون أيّ خلق أفضل إيماناً؟ قلنا الملائكة. قال: وحقّ لهم بل غيرهم قلنا الأنبياء قال وحق لهم بل غيرهم ثم قال صلى الله عليه و آله أفضل الخلق إيماناً قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني فهم أفضل الخلق إيماناً».

وبحديث «مثل أمتي مثل المطر لا يدري آخره خير أم أوله» (1)

.

و بخبر «ليدركنّ المسيح أقواماً أنّهم لمثلكم أو خير ثلاثاً» (2)

الحديث.

في إبطال ما تمسّك به ابن حجر ببيانات صاحب الاستغاثة:

وقال صاحب الاستغاثة (3) في بدع الثلاثة:

أنّ مضمون هذا الحديث مخالف لحقائق النظر، خارج عن العدل والحكمة، وذلك لأنّه إن كان خيريتهم وفضلهم من جهة تقدّم خلقهم في الأزمنة المتقدّمة لما بعدها فقد زعموا أنّ أمّة محمد صلى الله عليه و آله أفضل من الأمم التي مضت قبلها، وأنّ محمداً صلى الله عليه و آله أفضل من الأنبياء عليهم السلام الذين تقدّموه قبل عصره وكان الواجب على طرد هذه العلة أن يكون كلّ أمة أفضل من التي تأتي بعدها فلمّا أوجبوا آخر الأمم أفضل ممّن تقدّمهم وآخر الأنبياء أفضل ممّن تقدمه كان لا معنى لهذا الخبر، في تفضيل القرن الأول على القرن الثاني من هذه


1- عوالى اللئالي، ج 1، ص 33: «... لا يدري أوّلّه خير أو آخره»
2- فتح البارى ابن حجر، ج 7، ص 5
3- وهو الشريف أبوالقاسم علي بن أحمد الكوفي العلوي المتوفّى في سنة 352 المترجم حاله والمبين اعتباركتابه هذا في كتب التراجم والأخبار.

ص: 178

الامّة، بل يجب في النظر والتميز و ما يلزم من أحوال ما نقل إلينا من سيرة من تقدم عصرنا هذا أن يكون من تأخّر أفضل ممّن تقدّم منهم و ذلك أنّا وجدنا القرن الذي كان في عصر الرسول والقرن الذي كان بعده والقرن الثالث ممن كان في عصر الفراعنة والطواغيت من ملوك بني أمية الذين كانوا يقتلون أهل بيت الرسول، ويسبّون أميرالمؤمنين عليه السلام ويلعنونه على المنابر، وأهل عصرهم من فقهائهم وحكّامهم إلى غير ذلك منهم فهم على ذلك متّبعون و بأفهالهم مقتدون و بإمامتهم قائلون ولهم على ذلك معينون بوجوه المعونة من حامل سلاح إلى حاكم إلى خطيب إلى تاجر إلى غير ذلك من صنوف الأمة وأسباب المعونة ولسنا نجد في عصرنا هذا من كثر من ذلك شيئاً بل نجد الغالب على أهل عصرنا هذا الرغبة عن ذلك و الذمّ لفاعله والتنزّه عن كثير منه إلّامن لا يظهر بمذهبه بينهم فيجب أن يكونوا في حق النظر أفضل من أهل ذلك العصر الذي كانت هذه صفتهم.

قال:

فإن قالوا أنّ أهل عصر الرسول لأجل مشاهدتهم له ومجاهدتهم معه أفضل وكذلك سبيل من شاهدهم من بعد الرسول من التابعين ونقلوا إلينا العلوم والأخبار عنهم ومنهم.

قيل

لهم أليس كلّ من تقدّم خلقته في ذلك العصر فهو فعل اللَّه فلا حمد للمتقدّم في تقدّم خلقه ولا صنع له في ذلك ولا فعل يحمد إليه ولا يذمّ منه فلا بدّ من نعم.

فيقال لهم أفتقولون أنّ اللَّه تعالى يحمد العباد على أفعاله و يذمهم عليها؟

فإن قالوا ذلك جهلوا عند كلّ ذي فهم وكفى بالجهل لصاحبه خزياً وإن قالوا لا قيل لهم فإذا كان كذلك وجب في حق النظر أن يكون من شاهد الرسول و رأى دلائل المعجزات والعلامات وظهر له البرهان وأسفر له البيان بقول يشهد فيه القرآن لا عذر له في تقصير عن حق و لا دخول في باطل فإنّ الحجّة بذلك الزم وعليه أوجب وكان من أشكل عليه منهم شيئى في تفسير آية وتحقيق معنى في

ص: 179

كتاب اللَّه أو سنّته يرجع في ذلك إلى الرسول فأثبت له الحق منه واليقين ونفى عنه الشك والزيغ فمن قصد منهم بعد هذا الحال إلى خلاف الواجب كان حقيقاً على اللَّه أن لا يقبل له عذراً ولا يقبل له عثرة وأمّا من كان في عصرنا هذا الذي قد اختلف فيه الأقاويل وتضادّت المذاهب وتشتّت الآراء و تباينت الأهواء وضلّت المعارف ونقصت البصائر وعدمت التحقيقات إذ ليس من يرجع إليه بزعم أهل الغفلة من صفته في تحقيق الأشياء صفة الرسول فيثبت لنا اليقين وينفى عنا الشك فيها فعذرهم مقبول وعثرتهم مغفورة بل أقول:

لو أوجبت أن من يرتكب من أهل هذا العصر مائة ذنب أعذر ممن ارتكب في ذلك العصر ذنباً واحداً أو قلت أن من استبصر في هذا العصر في دينه فشغل نفسه لمعرفة بصيرته حتى عرف من ذلك ما نجا به بتوفيق اللَّه فيما سعى له من الطلب أفضل من عشرة مستبصرين كانوا في ذلك العصر لقلت حقاً ولكان صدقاً وإذا كان الحال على ما وصفت فيجب أن يكون مستبصرنا أفضل من مستبصرهم إذ كان البرهان قد قطع عذرهم والبيان قد أزاح عللهم بقرعه لأسماعهم صباحاً ومساء ومشاهدتهم إيّاه بأبصارهم من غير تكلّف منهم في طلبه وذلك كلّه معدوم في عصرنا بل نشاهد من الجهل ونباشر من وجوه الباطل ما يضلّ فيه ذهن الحكيم ويطيش فيه قلب العليم ويذهل معه عقولهم، ويزول معه أفهامهم، حتى يسعى الساعي منّا الدهر الطويل يقطع المسافة، ويجول البلدان الشاسعة، يتذلل للرجال ويخضع لكلّ صاحب نوال، إمّا أن يهلك ولم يدرك البغية وإمّا أن يمنّ اللَّه عليه بالبصيرة بعد جهد جهيد وعناء شديد وتعب كديد مع تقية المستبصرين وخوف العارفين من إظهار ذلك للظالمين وكشفه للراغبين فأيّ ظلم أم أيّ جور أبين من ظلم تفضيل اولئك فيما ارتكبوه دونهم؟ أو كم بين من استبصر في دينه تبصرة يزول معه كلّ شك ويثبت معه كلّ يقين من بيان النّبي المرسل وبرهان الكتاب المنزل وبين

ص: 180

من يستبصر في دينه بأخبار متضادة وأقاويل مختلفة وبيان غير شاف وبرهان غيركاف...! حتى يسعى ويطلب ويميز وينظر ويعتبر ويختبر بسهر ليله وظمأ نهاره وتعب بدنه وتصاغر نفسه وتذلّل قدره، هل هذا إلّاجور من قائله وظلم ظاهر من موجبه؟

حقيق على اللَّه أن يوجب لمستبصري أهل هذا العصر بما وصفنا من أحوالهم أضعاف ما يوجب لمستبصري أهل ذلك العصر ولا يبعد اللَّه إلّامن ظلم وقال بما لا يعلم.

وإن قالوا إنّ اللَّه عزّ وجل قد قال في كتابه: «وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ» (1)

قيل لهم قد قال اللَّه عزّ وجل وصدق اللَّه والأمر في ذلك بيّن واضح، والحكمة فيه مستقيمة وذلك أنّ السباق لا يجوز في الحكمة أن يقع في الإيمان إلا بين أهل العصر الحاضرين المشاهدين لندب الداعي لهم إلى السباق، ومحال في الحكمة وفي العدل أن يسابق اللَّه بين قوم خلقهم ومكّنهم من أحوال الإجابة، وبين قوم لم يخلقهم، هذا ظاهر الفساد بعيد من الرشاد بين المحال فظيع من المقال لكنّه عزّ وجل سابق بين الحاضرين من أهل عصرالرسول ولعمرى أنّ من سبق منهم إلى الإيمان أفضل وأجلّ وأقرب منزلة وأعلى درجة ممّن لحق من تقدّمه فلا ينكر هذا ذو فهم ولكن المنكر قول من زعم أنّ اللَّه سابق بين من خلق وبين من لم يخلق فمن قال انّ الصحابة قد سبقونا بالإيمان ويريد بذلك تقدّمهم في عصرهم وتأخّر عصرنا من عصرهم فيما قدّم اللَّه من خلقهم وأخّر خلقنا فذلك كلام صحيح وقول فصيح كما أنّ من تقدّم أيضاً من الأمم في الأعصار التي كانت قبل الصحابة كانوا متقدّمين على


1- واقعة/ 10، 11

ص: 181

الصّحابة بأعصارهم سابقاً من آمن منهم على مؤمني الصحابة وتقدّم خلقهم عليهم ليس في ذلك فضل لهم على من جاء بعدهم ومن قال أنّ الصحابة سبقونا بالإيمان بمعنى التسابق بيننا وبينهم إلى الإيمان فكان لهم بسبقهم ذلك الفضل علينا لأجل تأخّرنا عنهم كان ذلك قولًا محالًا شنيعاً، لأنّ تأخّرنا عن عصرهم من فعل اللَّه لا من فعلنا واللَّه يذمّنا على أفعاله ولو كان لأهل عصر الصحابة علينا فضل في إيمانهم بتقدّمهم علينا في الأعصار والخلق لوجب على هذه القضية أن يكون إيمان من تقدّمهم من الأمم السالفة أفضل من إيمانهم بتقدّمهم عليهم في الأعصار فلما كانوا يمنعون ذلك ويوجبون الفضل لأمّة محمد صلى الله عليه و آله على من تقدّمهم من الأمّة كان إيجابهم تفاضل اوائل هذه الأمّة على أواخرها فاسداً وهذا مالا نطلقه نحن أيضاً في مذهبنا لكنا نقول انّ أهل كلّ عصر يتفاضلون بينهم ومن سبق منهم إلى الإيمان فهو أفضل ممّن تأخّر عنه فلحق بالسابق من أهل عصره ولسنا نفضّل أهل عصر الرسول على من جاء بعدهم في الأعصار المتأخّرة كما لا نفضّل أهل الأعصار المتأخّرة على من تقدّمهم لكنّا نفاضل بين أهل كلّ عصر بعضهم على بعض بما وصفنا من السبق إلى الإيمان دون أن يكونوا فاضلين على من تقدّمهم ولا على من تأخّر عنهم فهذا ما تعلّق به أهل الغفلة والضلالة، وظهر بحمد اللَّه ما فيه من الوضع والجهالة.

في استدلال ابن حجر بزعمه على خيريّة عموم الصحابة:

10- قال:

وكفى فخراً لهم أن اللَّه تبارك وتعالى شهد لهم بأنّهم خير الناس حيث قال تعالى: «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ» (1)

فإنّهم أوّل داخل في هذا الخطاب، وكذلك شهد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بقوله في الحديث المتّفق على صحّته: «خير


1- آل عمران/ 110

ص: 182

القرون قرني» (1)

.

ولا مقام أعظم من مقام قوم ارتضاهم اللَّه عزّ وجلّ لصحبة نبيّه صلى الله عليه و آله ونصرته.

قال تعالى: «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ» (2)

.

و قال تعالى: «وَ السَّابِقُونَ اْلأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ اْلأَنْصارِ وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ» (3)

.

فتأمّل ذلك، فإنّك تنجو من قبيح ما اختلقته الرافضة عليهم ممّا هم بريئون منه كما سيأتي بسط ذلك وإيضاحه، فالحذر الحذر من اعتقاد أدنى شائبة من شوائب البغض فيهم معاذ اللَّه لم يختر اللَّه لأكمل أنبيائه إلّاأكمل من عداهم من بقيّة الأمم كما أعلمنا ذلك بقوله: «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ» (4)

وممّا يرشدك إلى أن ما نسبوه إليهم كذب مختلق عليهم، أنّهم لم ينقلوا شيئاً منه بأسناد عرفت رجاله ولا عدّلت نقلته وإنّما هو من إفكهم وحمقهم وجهلهم وافترائهم على اللَّه سبحانه، فإيّاك أن تدع الصحيح وتتبّع السقيم ميلًا إلى الهوى والعصبية ويتلى عليك عن علي وعن أكابر أهل بيته من تعظيم الصحابة سيّما الشيخان وعثمان وبقية العشرة المبشرين بالجنّة ما فيه مقنع لمن ألهم رشده، وكيف يسوغ لمن هو من العترة النبويّة أو من المتمسّكين بحبلهم أن يعدل عمّا تواتر عن إمامهم على من قوله:

«إنّ خير هذه الأمة بعد نبيّها أبوبكر ثم عمر» (5)

وزعم الرافضة أنّ ذلك


1- فتح البارى لابن حجر، ج 7، ص 5
2- فتح/ 29.
3- توبه/ 100.
4- آل عمران/ 110
5- معجم الأوسط للطبرانى، ج 7، ص 239

ص: 183

تقية سيتكرّر عليك ردّه وبيان بطلانه وان ذلك أدّى بعض الرافضة إلى ان كفر عليّاً قال لأنّه أعان الكفّار على كفرهم فقاتلهم اللَّه ما أحمقهم وأجهلهم.

في ابطال دعوى ابن حجر بسبعة أوجه

أقول: فيه نظر من وجوه:

أمّا أوّلًا:

فلأنّه لا دلالة في الآية على ما قصده من خيرية الصحابة المبحوث فيهم كما عرفته قبل ذلك عند ما تكلّمنا على دلالة حديث خير القرون قرني الحديث، وعلى ذلك فما ذكره من كون المشايخ الثلاثة أول داخل في هذا الخطاب أول البحث كما لا يخفى.

وأما قوله «وكذلك شهد رسول اللَّه الخ» فقد عرفت أيضاً هنالك كذب دلالته على الشهادة بما قصده واللَّه يشهد أن المنافقين لكاذبون.

وأما ثانياً:

فلأنّ قوله «ولا مقام أعظم من مقام قوم ارتضاهم اللَّه لصحبة نبيّه صلى الله عليه و آله الخ» مردود بأنّ اللَّه تعالى ما ارتضاهم لصحبة نبيه صلى الله عليه و آله بل ابتلى نبيه صلى الله عليه و آله بصحبتهم زيادة في ثوابه وتحصيلا لرفع درجاته ولغيرهما من المصالح والحكم على ان صحبة النّبي صلى الله عليه و آله انما ينفع كريم الأصل شريف الذات وأمّا الخسيس الدنيّ فإنّما يزيده فساد الحال والمآل كما قال شاعر الشيعة:

دون شود از قرب بزرگان خراب جيفه دهد بوى بد از آفتاب

وقال شاعر أهل السنة:

هركه را روى به بهبود نبود ديدن روى نبى سود نبود

وأمّا الآية المذكورة فصريحة في إرادة غيرهم لمكان وصف الأشدّاء على الكفّار والثلاثة كان مدارهم على الفرار وولى الأدبار كما حقّق في كتب الأحاديث والأخبار.

وأمّا قوله تعالى «وَ السَّابِقُونَ اْلأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ» (1)

فقد بيّنّا أيضاً في ضمن الحديث المذكور سابقاً عدم دلالته على مدّعاه على أنّا لا نسلّم كون المشايخ الثلاثة من السابقين الأوّلين فإنّ السابقين الأوّلين من المهاجرين هم الذين هاجروا الهجرة الأولى وهي الهجرة إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في حصاره بمكّة حين حاصرت قريش بني هاشم مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في شعب عبدالمطّلب أربع سنين والأمّة مجتمعة على أنّ أبابكر وعمر لم يكونا معهم في ذلك الموطن بل لا نسلم كون أولهم من المهاجرين مطلقاً كما سيأتى بيانه في الموضع اللائق به انشاء اللَّه تعالى.

وأما ثالثاً:

فلأنّ ما اختلقه من نسبة الاختلاق إلى الشيعة فهم برآء منه لأنّ الشيعة عن آخرهم أجلّ مكاناً و فضلًا عن أعمال المصادرة والإحتجاج على خصامهم بما رووه من طرق أهل البيت عليهم السلام كما فعل هذا الرجل في كتابه هذا من الإحتجاج على الشيعة بالأحاديث المروية من طريق أهل نحلته، المتسمّين بأهل السنّة بل الشيعة التزموا أن يحتجّوا بما في كتب أهل السنة عليهم، لعلمهم بأنّه ادّعى إلى تلقّيه بالقبول، وأوفق رأى الجميع متى رجعوا إلى الأصول وأنّ ذلك أتمّ في الورود وقيام الحجة بشهادة الخصم أو كدوان تعدّدت الشهود، فمن أين جاء الافتراء والاختلاق لولا أنه ليس للناصب في الأخرة من خلاق.

وأما رابعاً:

فلأنّ ما ذكره من أنّ اللَّه تعالى لم يختر لأكمل أنبيائه إلّاأكمل من عداهم من بقية الأمم، نقول في جوابه نعم يختر له إلّاالأكمل لكنّ الشأن في إثبات


1- توبه/ 100

ص: 184

ص: 185

أنّ الثلاثة معدودة في الأكمل والشيعة من وراء المنع بأسانيد معتبرة متّفق عليها مروية من طرق أهل البيت عليهم السلام وطرق أهل السنّة.

وأمّا خامساً:

فلأنّ قوله «ومما يرشدك الخ» ليس فيه رشاد ولا إرشاد ولا أدري ما أرى من تكرّر نسبة اختلاقه إلى الشيعة لم ذكره مبهماً بأنّهم لم ينقلوا شيئاً منه بأسناد عرف رجاله وعدلت نقلته إذ كان لابد من ذكر ذلك حتى ننظر في صحة نسبته وفسادها و إلّافالإبهام والإجمال دليل الإفك والانحلال على أنّا نقول أنّه إن أراد أنّ الشيعة نقلوا ما نقلوا في قدح المشايخ الثلاثة بأسناد لم يعرف أهل السنة حال الرجال المذكورة فيه ولم يحكموا بعدالة رجاله فهذا غير واقع بل هم لم ينقلوا شيئاً إلزاماً لأهل السنّة إلّامن كتبهم المعتبرة، نعم إذا تنبهوا حينئذ بما في المنقول من كتبهم من الدلالة على الطعن والقدح في أسلافهم احتالوا في ردّه تارة بضعف الراوي، وتارة بالتأويل البعيد الطويل الذي يرفع الأمان عن فهم الكلام وكفى بذلك إلزاماً وخزياً وإن أراد أنّ الشيعة لم يبحثوا عن حال رجال أسناد ذلك المنقول وعدالتهم فذلك لايهمهم ولا يقدح في احتجاجهم على أهل السنة بل يكفي فيه كون ذلك مسطوراً في الكتب المعتبرة لأهل السنة كصحاحهم الستّ ومسند ابن حنبل ونحوه من كتب المناقب التي ألّفها أكابرهم ومشاهيرهم.

وأمّا سادساً:

فلأنّ ما ذكره من بطلان زعم الرافضة أنّ ما يتلى عن على عليه السلام وعن أكابر أهل بيته من تعظيم الصحابة المبحوث فيهم واقع تقية مدخول بأنّ نسبة الشيعة إلى القول بكون ذلك على إطلاقه واقعاً على سبيل التقية كاذبة بل ربما يقدحون في بعض الرجال المذكورة في سند ما نقله أهل السنة عنهم عليهم السلام في مدح من علم عدم استحقاقه للمدح بدلائل أخرى وأما حمل البعض على التقية فليس بباطل سيما إذا قامت القرينة الحالية والمقالية على إعمال ذلك، وأىّ قراين وأسباب وأمارات أظهر ممّا روي عنه عليه السلام يوم الإكراه على البيعة مخاطباً للرسول صلى الله عليه و آله في

ص: 186

ضريحه: [قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَ كادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ اْلأَعْداءَ وَ لا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ] (1)

.

ويردّد ذلك ويكرّره ومما روي عنه في الشكاية عن غصبهم للخلافة عنه وتقمصهم إيّاها ما هو مصرّح به في الخطبة الشقشقيّة المشهورة المذكورة في نهج البلاغة، وفي قوله عليه السلام أيضاً: «اللَّهُمَّ إنّي أَسْتَعِدِيكَ عَلى قُرَيْشٍ [وَمَنْ أعانَهمُ] فَإنَّهُمْ قَدْ قَطَعُوا رَحِمِي وَكَفَأوُا إنائِى، وَاجْمَعُوا عَلى مَنازَعَتِي حَقّاً كُنْتُ أَوْلى بِهِ مِنْ غَيْري وَقالُوا: ألا انَّ في الحَقِّ أَنْ تَأْخُذَهُ وَفِي الحَقِّ انْ تَمْنَعَهُ فَاصْبِرْ مَغْمُوماً، أو مُتْ مُتأسِّفاً، فَنَظَرْتُ فَاذاً لَيْسَ لِي رافِدٌ وَلا ذابٌّ ولا مُساعِدٌ إلَّا أَهْلَ بَيْتِي فَضَنَنْتُ بِهِمْ عَنِ المَنِيَّةِ، فَاغْضَيْتُ عَلَى القَذى وَجَرَعْتُ رِيقِي عَلى الشَّجى، وَصَبَرْتُ مِنْ كَظْمِ الغَيْظِ عَلى أَمَرَّ مِنَ العَلْقَمِ وَآلَمَ لِلْقَلْبِ مِنْ حُزّ الشِفارِ» (2)

.

إلى غير ذلك من الكلمات التي تواتر معناها على أنّ هذا الكلام إنّما يحتاج إليه في دفع الشبهة متى لم نبن كلامنا على صحّة النصّ على أميرالمؤمنين عليه السلام ومتى بنينا الكلام في أسباب الخوف والتقية وترك النزاع والإنكار على صحّة النصّ ظهر الأمر ظهوراً يدفع الشبهة عن أصله لأنّه إذا كان هو عليه السلام المنصوص عليه بالإمامة والمشار إليه بينهم بالخلافة ثمّ رآهم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه و آله تنازعوا الأمر بينهم تنازع من لم يسمعوا فيه نصّاً ولا أعطوا فيه عهداً ثمّ صاروا إلى إحدى الجهتين بطريق الإختيار وصمّموا على أنّ ذلك هو الواجب الذي لا يعدل عنه ولاحق سواه علم عليه السلام أنّ ذلك مويس من نزوعهم ورجوعهم ومخيف من ناحيتهم وأنهم إذا استجازوا إطراح عهدالرسول صلى الله عليه و آله فهم بأن يطرحوا إنكار ذاعرة(كذاكان) عليهم


1- اعراف/ 150
2- نهج البلاغة، فيض الاسلام، كلام 208/ 689

ص: 187

ويعرضوا عن وعظه وتذكيره أولى وأحرى بل ذلك يورث الجزم بأن النكير عليهم ودفعهم عمّا اختاروه قد كان مؤدّيا إلى غاية المكروه ونهاية المحذور.

وبعبارة أخرى

إنّما يسوغ أن يقال ذلك إذا لم يكن هناك أمارة تقتضي الخوف وتدعو إلى سوء الظن وإذا فرضنا أنّ القوم كانوا على أحوال السلامة متظاهرين متمسّكين بأوامر الرسول صلى الله عليه و آله جارين على سنّته وطريقته ولا يكون لسوء الظنّ عليهم مجال ولا للخوف من جهتهم طريق وأمّا إذا فرضنا أنّهم دفعوا النص الظاهر وخالفوه وعملوا بخلاف مقتضاه فالأمر حينئذ منعكس منقلب، وحسن الظن لا وجه له، وسوء الظن هو الواجب، ولا ينبغي للمخالفين لنا في هذه المسئلة أن يجمعوا بين المتضادّات ويفرضوا أنّ القوم دفعوا النص وخالفوا موجبه وهم مع ذلك على أحوال السلامة المعهودة منهم التي تقتضي من الظنون بهم أحسنها وأجملها.

اعتراف فخر الدين الرازي بمشروعيّة التقيّة

وأما أصل شرعيّة التقية فلا أعلم من محققي أهل السنّة من ينكر ذلك وقد فصّلنا الكلام في كتابنا الموسوم بمصائب النواصب ولنقتصر هيهنا بما ذكره فخرالدين الرازي في تفسيره الكبير عند تفسير قوله تعالى:

[لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْ ءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً] (1)

حيث قال: «التقية إنما تجوز فيما يتعلّق بإظهار الموالاة والمعاداة وقد تجوز أيضاً فيما يتعلّق بإظهار الدين وأمّا ما يرجع ضرره إلى الغير كالقتل والزنا وغصب الأموال والشهادة بالزور وقذف


1- آل عمران/ 28.

ص: 188

المحصنات واطلاع الكفار على عورات المسلمين فذلك غير جائز البتة وقال: التقية جائزة لصون النفس وهل هي جائزة لصون المال، يحتمل أن يحكم فيها بالجواز، لقوله عليه السلام»: «حرمة مال المسلم كحرمة دمه» (1)

ولقوله عليه السلام «من قتل دون ماله فهو شهيد» (2)

.

ولأنّ الحاجة إلى المال شديدة والماء إذا بيع بالعين سقط فرض الوضوء وجاز الاقتصار على التيمم دفعاً لذلك القدر من نقصان المال فكيف لا يجوز هيهنا واللَّه أعلم.

ثم قال: قال مجاهد: هذا الحكم كان ثابتاً قبل دولة الاسلام لأجل ضعف المؤمنين فأمّا بعد قوّة دولة الإسلام فلا، ثم قال: وروي عن الحسن:

«أنّ التقية جائزة للمؤمنين إلى يوم القيامة»

وهذا القول أحسن، لأنّ دفع الضرر عن النفس واجب بقدر الإمكان، ويزيد ذلك وضوحاً ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند عايشة من المتفق عليه وذكره شارح الوقاية من الحنفية في كتاب الحج وهو:

«أنّ النّبي صلى الله عليه و آله قال لعايشة لولا أن لقومك عهداً بالجاهلية وفي رواية عهد حديث بالكفر وأخاف أن ينكر قلوبهم لأمرت بالبيت فهدم فادخلت فيه ما أخرج منه والزقته بالأرض وجعلت لها بابين باباً شرقياً وباباً غربياً فبلغت به أساس إبراهيم الحديث».

وإذا كان النبي صلى الله عليه و آله مع علوّ شأنه وسطوع برهانه كان يتقى القوم الذين هم أعيان الصحابة من سوء تواطؤهم في هدم الكعبة وإصلاح بنائها فما ظنّك بعده بشأن علي عليه السلام ومن عداه من أهل البيت الذين قتلوا آباء هؤلاء وأعمامهم وأقاربهم


1- مجموعه ورّام، ج 1، ص 11
2- من لا يحضره الفقيه، ج 4، ص 380

ص: 189

كما فصّل في الأحاديث الاخر، فتدبر.

وأمّا سابعاً

فلأنّ ما ذكره من أنّ بعض الرافضة كفر عليّاً لأجل أعمال التقية مدفوع بأنّا لا نعلم هذا البعض ولا عبرة بكلام المجاهيل سيما إذا كان دليلهم المذكور على ذلك من أوهن الأباطيل.

في ادّعاء ابن حجر أنّ نصب الإمام واجب على الأمّة

11- قال:

المقدمة الثانية، اعلم أيضاً أنّ الصحابة اجمعوا على أنّ نصب الإمام بعد انقراض زمن النبوة واجب بل جعلوه أهمّ الواجبات حيث اشتغلوا به عن دفن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله واختلافهم في التعيين لا يقدح في الإجماع المذكور، ولتلك الأهمّيّة لمّا توفى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قام أبوبكر خطيباً كما سيأتى فقال:

أيها الناس من كان يعبد محمّداً صلى الله عليه و آله فإن محمّداً صلى الله عليه و آله قد مات، ومن كان يعبداللَّه، فإن اللَّه حيّ لا يموت لابدّ لهذا الأمر ممن يقوم به، فانظروا وهاتوا آراءكم، فقالوا صدقت ننظر فيه ثم ذلك الوجوب عندنا معشر أهل السنة والجماعة وعند أكثر المعتزلة بالسمع أي من جهة التواتر والإجماع المذكور وقال كثير بالعقل ووجه ذلك الوجوب أنه صلى الله عليه و آله أمر بإقامة الحدود وسدّ الثغور وتجهيز الجيوش للجهاد وحفظ بيضة الإسلام وهي لا تتمّ إلّابالإمام وما لا يتمّ الواجب المطلق إلّابه وكان مقدوراً فهو واجب ولأنّ في نصبه جلب منافع لا تحصى، ودفع مضارّ لا تستقصى، وكلّ ما كان كذلك يكون واجباً، أما الصغرى على ما في شرح المقاصد فتكاد تلحق بالضروريات بل بالمشاهدات بشهادة ما نراه من الفتن والفساد وانفصام أمور العباد بمجرد موت الإمام وإن لم يكن على ما ينبغي من الصلاح والسداد وأما الكبرى فبالإجماع عندنا وبالضرورة عند من قال بالوجوب عقلًا من المعتزلة كأبي الحسين والجاحظ والخياط والكعبي انتهى.

ص: 190

أقول: فيه بحث من وجوه

أمّا أولًا:

فإنّه إن أراد انعقاد الإجماع على أنّ نصب الإمام واجب على الأمّة فبطلانه ظاهر لظهور الخلاف من الإمامية والمعتزلة كما لا يخفى، وأيضاً وجوب نصبه على الأمّة يقتضي أنّهم إذا لم يتّفقوا لم يحصل إنعقاد الإمامة، بل يجب إعادة النظر مرّة بعد أخرى وقد لا يثمر شي ء من ذلك اتفاقهم لاختلاف الآراء غالباً وهو يبطل تعليقها على رأي الأمّة وإلّا لزم تعذّر نصب الإمام أو جواز عمل كلّ فريق برأيه فيكون منصوب كلّ فريق إماماً عليهم خاصّة هذا خلف.

أنّ المعرضين عن دفن الرسول صلى الله عليه و آله ما كانوا عالمين عدولًا

وأما ثانياً:

فلأنّ من اشتغل بذلك عن دفن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله كان جائراً جاهلًا زنديقاً لا عالماً عادلًا ولا صدّيقاً، فلا يستلزم ذلك مطلوبهم، والشيعة يستدلّون بفعلهم الشنيع هذا على عصيانهم، بل على عدم إيمانهم، واختيار هم الدنيا على الأخرة، وذلك لأنّهم يذكرون حديثاً وهو أن: «من صلّى على مغفور غفر له ذنوبه» (1)

.

فلو كانوا مصدّقين بما جاء به النّبي صلى الله عليه و آله لما أعرضوا عن هذه السعادة الكبرى والمغفرة العظمى مع أنّ المصلحة والمشورة في أمور الدين والدنيا ما تفوت بيوم أو يومين، فلو كان لهم إيمان ومروّة، لصبروا لدفنه والصلاة عليه والتعزية لأهل البيت عليهم السلام وإدخالهم في المشورة، إذ كان النزاع معهم.

والحاصل أنّهم إنّما اشتغلوا بأمر الخلافة لأنّهم اغتنموا الفرصة بغيبة علي عليه السلام وأصحابه واشتغالهم بتجهيز النّبي صلى الله عليه و آله وتدفينه وعلموا أنه لو حضر علي عليه السلام مجلس


1- مجمع الزوائد، ج 10، ص 160 طبع مصر.

ص: 191

اشتغالهم بأمر الخلافة لفات الأمر منهم وإلّا فلم يكن في تأخير ذلك عن تجهيز النّبي مظنّة فوته وعدم استداركه بل لو صبروا واشتغلوا مع علي عليه السلام وسائر بني هاشم بدفن النّبي صلى الله عليه و آله ومصابهم به والحزن له والصلاة عليه المرغّب فيها لكان أولى لاجتماع الناس حينئذ أكثر مما كان قبل دفنه وليت شعري كيف صار ذلك واجباً فوريّاً؟ مع أنّه حين أراد النّبي صلى الله عليه و آله أن يكتب في مرض موته كتاباً في هذا الباب منع منه عمر و قال: «حسبنا كتاب اللَّه»، كما ذكره هذا الجامد فيما سيجى ء.

لم يكن غرض المجتمعين في السقيفة إلّاطلب الرئاسة

وأيضاً كيف أوجبوا المسارعة إلى انعقاد الإمامة حفظاً للدين عن الشين، ولم يسارعوا لأجل الدين، أيام أحد وبدر وخيبر وحنين، بل هربوا فيها راجعين بخفي حنين، (1) ذاهلين عن وضع أرجلهم في كل أين، وقد فرّوا من الزحف يوم الأحزاب، وعمرو بن عبدود يناديهم ويطلبهم بالأسامي والألقاب، فصمتوا وخمدوا جميعهم عن الجواب، ولم يقم إليه أحد من شهودهم، بل ظلّوا ماكثين


1- تلميح إلى المثل المعروف بين العرب من قولهم: «رجع بخفى حنين» قال الميدانى بعد ذكره(ص 255 من مجمع الأمثال المطبوع بإيران وص 171 من المطبوع بمصر):

ص: 192

ناكثين لسابق عهودهم وكذلك ما أظهروا يوم مرحب (1) لا مرحبا لهم، ما للرجال


1- تصريح الفريقين بفرار أبي بكر وعمر فى غزوة خيبر:

ص: 193

بيان ما فى خطبة أبى بكر من سوء الأدب و أثر الوضع

من عزيمة، بل انهزموا أقبح هزيمة، فلمّا لم يظهر منهم المسابقة والمسارعة في تلك المشاهد لنصرة الدين، علم أنّ مسابقتهم يوم السقيفة إنّما كانت لنيل الرياسة طلباً للجاه وحبّاً للدنيا وحسداً لآل محمد عليهم السلام وذلك موجب لخروجهم بالكلّية عن دين الإسلام وللَّه درّ القائل.

وعلى الخلافة سابقوك وما سبقوك في أحد ولا بدر (1)

بيان ما في خطبة أبي بكر من سوء الأدب وأثر الوضع

وأما ثالثاً:

فلأنّ ما نسبه من الخطبة إلى أبي بكر مع ركاكته من أوضح الموضوعات:

أمّا الأوّل: فلظهور سوء الأدب في خطابه للناس بقوله «من كان يعبد محمداً فإنّ محمداً قد مات» وهل كان هناك من يعبد محمداً صلى الله عليه و آله وكان يعتقد أنّه صلى الله عليه و آله لا يموت؟ أللّهمّ إلّاأن يقال انّه قال ذلك ردّاً على ما روي من أنّ عمر قال في ذلك اليوم لمصلحة زوّرها في نفسه «واللَّه ما مات محمد وسيعود ويقطع أيدي رجال وأرجلهم بما قالوا أنّه مات» لكنّ المشهور عندهم أنّه ردّ عليه أبوبكر هناك من ساعته ورجع هو إلى قول أبي بكر فلم يبق حاجة إلى تكرار الردّ عليه في خطبته البليغة هذه.

وأما الثاني: فلأنّه كيف يصحّ ما فيها من دعاء الناس إلى إجالة آراءهم في


1- يناسب ذلك ما روي من أنّ الصادق عليه السلام مرّ بدار عرس سمع منها صوت الدفّ ومغنّية تغنّى وتقول:

ص: 194

ذلك وطلب الناس المهلة عنه للنظر فيه مع ماشحنوا به كتبهم من أنّ بيعتهم لأبي بكر في سقيفة بني ساعدة إنّما وقعت فلتة وبغتة حتّى رووا عن عمر ما سيذكره هذا الشيخ فيما سيأتي من أنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى اللَّه شرّها عن المسلمين فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه.

وأما رابعاً:

فلأنّ مبادرة القوم إلى تصديق أبي بكر في إيجابه النظر في ذلك يجوز أن يكون لاعتقادهم إرادة التفحّص عن إمام منصوب من اللَّه تعالى لا لإختيار امام من عند أنفسهم ثم لمّا ظهر عليهم خلافه واتّضح آثار العدوان سكتوا فغاية الأمر انعقاد الإجماع السكوتي عن جماعة في ذلك ووهنه ظاهر.

وأما خامساً:

فلأنّ الوجوب المشار إليه بقوله: «وذلك الوجوب عندنا» أعم من الوجوب على اللَّه أو على الأمة فلا يصح إطلاق ذلك الوجوب عندنا معشر أهل السنة والجماعة وعند أكثر المعتزلة بالسمع لأنّ ما ذهب إليه أهل السنّة هو الوجوب السمعي على الأمّة لا الوجوب على اللَّه أيضاً فالصواب أن يقال إنّ ذلك الوجوب الأعم عندنا وعند أكثر المعتزلة على الأمة بالسمع الخ.

وأما سادساً:

فلأنّ ما ذكره من أنّ أكثر المعتزلة على الوجوب سمعاً كذب صريح يشهد به عبارة الشرح الجديد للتجريد حيث قال: «اختلفوا في نصب الإمام بعد انقراض زمان النبوة هل يجب أم لا؟ وعلى تقدير وجوبه على اللَّه أم علينا؟ عقلًا أم سمعاً؟ فذهب أهل السنة إلى أنه واجب علينا سمعاً وقالت المعتزلة والزيدية بل عقلًا وذهبت الإمامية إلى أنه واجب على اللَّه تعالى عقلًا» انتهى.

وأما سابعاً:

فلأنّ قوله وقال كثير بالعقل إن أراد به الوجوب العقلي على الأمة يلزم إهمال ذكر القول بوجوبه على اللَّه تعالى عقلًا و إن أراد به وجوبه على اللَّه تعالى عقلًا يلزم إهمال ذكر القول بوجوبه على الأمة عقلًا فيختلّ كلامه في تحرير محل النزاع كما لا يخفى.

ص: 195

تصريح صاحب المواقف بكفاية الواحد والإثنين فى عقد الإمامة

وأما ثامناً:

فلأنّ القول بكون الوجوب في ذلك سمعياً غير مسموع لأن الوجوب السمعي منحصر في الكتاب والسنة والإجماع والكلّ مفقود هيهنا باعتراف الخصم ومنهم صاحب المواقف حيث قال: «وإذا ثبت حصول الإمامة بالاختيار والبيعة فاعلم أنّ ذلك الحصول لا يفتقر إلى الإجماع من جميع أهل الحلّ والعقد إذ لم يقم عليه أى على هذا الإفتقار دليل من العقل والسمع بل الواحد والاثنان من أهل الحلّ والعقد كاف في ثبوت الإمامة ووجوب اتباع الإمام على أهل الإسلام وذلك لعلمنا بأنّ الصحابة مع صلابتهم في الدين اكتفوا في عقد الإمامة بذلك المذكور من الواحد والإثنين كعقد عمر لأبي بكر وعقد عبدالرحمن بن عوف لعثمان ولم يشترطوا في عقدها اجتماع من في المدينة من أهل الحلّ والعقد فضلًا عن إجماع الأمة من علماء الأنصار ومجتهدي جميع أقطارها هذا ولم ينكر عليهم أحد و عليه أي على الاكتفاء بالواحد والإثنين في عقد الإمامة انطوت الأعصار بعدهم إلى وقتنا هذا» انتهى.

وقد علم من كلامه هذا إنّهم جعلوا عمل الغاصب للخلافة حجة فيها على الأمة لظهور أنّ النزاع إنّما هو فيهم وفي عدم استحقاقهم لذلك وإلّا فما الدليل العقلي والنقلي من الكتاب والسنة على أنّ مجرّد البيعة بل مجرّد بيعة الواحد والإثنين حجة؟، ومن أين ثبت لعمر إمامة أبي بكر حتى بايعه؟، وكيف علم أبوبكر أنه امام حتى ادعى ذلك؟، ولعلّ هذا أول ما أباح على أهل السنة كهذا الشيخ الجاهل في كتابه هذا ارتكاب المصادرة وسوء المكابرة فما بقي لهم في المسألة إلّاالإعتماد على حسن الظن بمن قام ألف دليل على سوء أفعاله وركاكة أقواله كما سيتّضح إن شاء اللَّه تعالى.

ص: 196

اجتماع أصحاب السقيفة لم يكن مبنياً على غرض صحيح

والملخّص أنّ نصب الإمام واجب على اللَّه تعالى عقلًا كما برهن عليه في موضعه مفصّلًا وقد أبان عن ذلك النبي صلى الله عليه و آله ونصّ على من كان أهلًا للإمامة في يوم الغدير وغيره من المواقف والأزمان وحيث كان هذا الإيجاب عند أهل البيت عليهم السلام وسائر بني هاشم واتباعهم شائعاً ذائعاً بحيث لم يظنّوا صدور الخلاف لأحد من الأصحاب لم يشتغلوا به عن دفن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله كما سيعترف به هذا الشيخ الجاهل في أوائل الفصل الأول من الباب الأول وإنّما اشتغل به من الأصحاب من قصد غصب منصب الإمامة وعادى علياً طلباً لثارات الجاهلية فاغتنموا الفرصة باشتغال بني هاشم بتجهيز النبي صلى الله عليه و آله وجلوس علي عليه السلام للمصيبة فسارعوا إلى تقرير ولىّ الأمر ولبسوا الأمر على الناس بإيهام أنّ قعود علي عليه السلام في قعر بيته إنّما كان لتركه الخلافة واعراضه عنها فانخدع الناس بذلك وضمّ إليه اختلاف الأنصار فيما بينهم فلم يصبروا أن يفرغ بنوهاشم من مصاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فيستقر الأمر مقرّه فبايعوا أبابكر بحضوره وعقدوا البيعة الفلتة الفاسدة لأبي بكر بعد إعمال وجوه أخرى من التلبيس وتطميع الناس واستمالتهم بتفويض إمارة البلاد ونحوها فظهر أنّ قول هذا الشيخ حيث اشتغلوا به عن دفن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله على عمومه في محل المنع فتأمل.

وأما تاسعاً:

فلأنّ ما ذكره أولًا في وجه الوجوب على الأمة سمعاً غير متّجه لأنّه لا يتقضي كون نصب الإمام واجباً سمعياً على الأمة كما ادعاه لظهور أنّ أمر النبي صلى الله عليه و آله بإقامة الحدود وسدّ الثغور ونحوهما على آحاد الأمة ليس على أن يفعلها كلّ أحد منهم بإستقلال بل بأمر الإمام كما يرشد إليه قوله وهي لا تتم إلّابالإمام، فهذا الأمر راجع إلى بيان ما يجب على معاونة الإمام في الأمور المذكورة لا إلى وجوب أصل الإمامة، فالواجب المطلق في الأمر بما ذكر هو الوجوب المتعلّق

ص: 197

بإطاعة الأمة لا الوجوب المتعلق بنصب الإمام ولا يلزم من سمعية الأول سمعية الثاني على أنّ لقائل أن يمنع قولهم: «ان ما لا يتمّ الواجب إلّابه وكان مقدوراً للمكلف كان واجباً» وإنّما تصدق هذه المقدمة لو امتنع تكليف ما لا يطاق وهو غير ممتنع عندهم فلم يتم هذا الدليل للاشاعرة وأيضاً الذي يقوم عليه الدليل هو وجوب مقدمة الواجب بمعني كونه ممّا لابدّ منه في تحقّق ما هي مقدمة له لا الوجوب الشرعي الذي قصدوه في هذا المقام وتحقيق ذلك يطلب من كتب الأصول لأصحابنا أيدهم اللَّه تعالى.

في أنّ غير المعصوم لا يعرف المصالح والمفاسد

وأما عاشراً:

فلأنّ ما ذكره ثانياً بقوله «ولأنّ في نصبه جلب منافع لا تحصى ودفع مضارّ لا تستقصى الخ» مردود بأنّ الضرر المظنون:

إمّا دينيّ، وهو تقريب المكلّفين وتبعيدهم وذلك لا يحصل إلّامن إمام مؤيّد من عند اللَّه بالآيات والبيّنات، عارف بجزئيات التكاليف العقلية والشرعية ممّا لا يعرفها إلّاالراسخون ولا يرضى بحكمه إلّاالمتّقون، بخلاف من نصبه الرعيّة على وفق آرائهم، ومقتضى شهواتهم، حيث جوّزوا ترجيح المرجوح وتفضيل المفضول واستأثروا اتباع الظالم الجاهل الذي لا يعرف شيئاً من ضروريات الدين كما ينبغي، بل لا يهتدي بضروريات العقل أيضاً لينالوا بوسيلته إلى مراداتهم الجاهية والمالية.

وإمّا دنيوي كالهرج والمرج والفتن ولا نزاع لنافي حصوله في الجملة من نصب رئيس يختاره طائفة من الناس بينهم لئلّا يختلّ أمر معاشهم إلّاأنّ نصبه ربما يؤدّي إلى المفاسد الدينية كاتّباع العلماء القاصرين لرأيه واعتقاده وتأليفهم كتباً على طبق مرضاته ووضعهم أحاديث كذلك فاستمرّ بينهم كابراً عن كابر حتى شاع في وقته

ص: 198

كما وقع في زمان بني أمية وبني العباس فقالوا بعد مدة: «إنّا وَجَدْنا آباءُنا عَلَى أُمَّةٍ وَإنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ» (1)

.

في أنّ الإمامة لا تثبت إلّابنصّ من جانب اللَّه

قال:

المقدمة الثالثة الإمامة إمّا بنص من الإمام على استخلاف واحد من أهلها وإمّا بعقدها من أهل الحل والعقد لمن عقدت له من أهلها كما سيأتي بيان ذلك في الأبواب وإمّا بغير ذلك كما هو مبين في محله.

وأعلم أنه يجوز نصب المفضول مع وجود من هو أفضل منه لإجماع العلماء بعد الخلفاء الراشدين على إمامة بعض من قريش مع وجود أفضل منه فيهم ولأنّ عمر جعل الخلافة بين ستة من العشرة، منهم عثمان وعلي وهما أفضل أهل زمانهما فلو تعين الأفضل لعيّن عثمان فدل عدم تعيينه أنه يجوز نصب غير عثمان وعلي مع وجودهما والمعنى في ذلك أنّ غير الأفضل قد يكون أقدر منه على القيام بمصالح الدين وأعرف بتدبير الملك واوفق لإنتظام حال الرعية وأوثق في إندفاع الفتة، إنتهى.

أقول:

أولًا التحقيق أنّ الإمامة لا تثبت إلّابنص من النّبي صلى الله عليه و آله أو من الإمام المنصوص على إمامته، وأمّا القسمان الآخران اللذان ذكرهما هذا الشيخ الجامد فقد أشرنا إلى بطلانهما إجمالًا وسيأتي الكلام فيهما تفصيلًا إنشاء اللَّه تعالى.

وثانياً أنّه إن أراد بدعوى إجماع العلماء على إمامة المفضول مع وجود الفاضل إجماع جميع العلماء فالمنع عليه ظاهر كيف وسائر أئمة أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى هذا الزمان على طرف الخلاف وإن أراد إجماع علماء أهل السنة فهو مصادرة ظاهرة لا تقوم حجة على الخصم الشيعي كما لا يخفى.


1- زخرف/ 22

ص: 199

يجب أن يكون الإمام أفضل وأكمل من جميع الأنام

وتفصيل الكلام وتحقيق المرام إنّه قد دلّ العقل والنقل على أنّه يجب أن يكون الإمام أكمل وأفضل في جميع أوصاف المحامد كالعلم والزهد والكرم والشجاعة والعفّة وغير ذلك من الصفات الحميدة والأخلاق المرضية وبالجملة يجب أن يكون أشرفهم نسباً وأعلاهم قدراً وأكملهم خَلقاً وخُلقاً كما وجب ذلك في النّبي بالنسبة إلى أمته وهذا الحكم متفق عليه من أكثر العقلاء إلّاأنّ أهل السنة خالفوا في أكثره كالأعلمية والأشجعية والأشرفية، لأنّ أبابكر لم يكن كذلك مع أنّ عمر وأباعبيدة نصباه أماماً وكذا عمر لم يكن كذلك وقد نصبه أبوبكر إماماً ولم يفطنوا بأنّ هذا الإختيار السوء قد وقع مواضعة ومخادعة من القوم حرصاً على الخلافة وعداوة لإمام الكافة كما يكشف عنه قول طلحة حين كتب أبوبكر وصيته لعمر بالولاية والخلافة بعده حيث قال مخاطباً لعمر

«ولّيته أمس وولّاك اليوم» (1)

إلى غير ذلك من المكائد والحيل والخدع التي استمعلوها في غصب الخلافة عن أهلها وكذلك فريق من المعتزلة منهم عبدالحميد بن أبي الحديد المدائني قالوا بجواز تقديم المفضول على الفاضل لمصلحة ما وقالوا إنّ علياً عليه السلام أفضل من أبي بكر لكن جاز تقديم أبي بكر عليه لمصلحة وهذا القول غير مقبول إذ يقبح من اللطيف الخبير أن يقدّم المفضول المحتاج إلى التكميل على الفاضل الكامل عقلًا ونقلًا كما في النّبوة ومنشأ شبهتهم في هذا التجويز أن النّبي صلى الله عليه و آله قدّم عمرو بن العاص على أبي بكر وعمر وكذا قدّم أسامة بن زيد عليهما مع أنّهما أفضل من كلّ منهما.

والجواب بعد تسليم أفضليتهما والإغماض عن أنّ هذه الأفضلية إنّما توهّم لهما بعد غصبهما للخلافة أنّهما إنّما قدّما عليهما في أمر الحرب فقط، وقد كانا أعلم منهما


1- الطرائف، ج 2، ص 401

ص: 200

فيه قطعاً كما دلّ عليه الأخبار والآثار هذا إن جعلنا التقديم والتأخير منوطاً باختيار اللَّه تعالى، وأمّا إن جعلناه منوطاً باختيار الأمّة كما هو مذهب الجمهور فهو أيضاً غير مقبول لأنّه يقبح في العقول أيضاً أن يجعل المفضول المبتدي في الفقه مقدّماً على ابن عباس رضي اللَّه عنه وذلك بيّن عند كلّ عاقل والمخالف فيه مكابر.

ومن العجائب أنّ ابن أبي الحديد المعتزلي خالف هيهنا مقتضى ما أجمع عليه من القول بالحسن والقبح العقليين ونسب هذا التقديم الذي ذهب إليه إلى اللَّه عزّ وجلّ، فقال في خطبة شرحه لنهج البلاغة «وقدّم المفضول على الفاضل لمصلحة اقتضاها التكليف» وهذا في غاية ما يكون من السخف، لأنّه نسب ماهو قبيح عقلًا إلى اللَّه عزّ وجلّ، مع أنّه عدلي المذهب، فقد خالف مذهبه، ولهذا حمل الشكايات الواردة من علي عليه السلام عن الصحابة، والتظلّم منهم في الخطبة الموسومة بالشقشقيّة وغيرها على ذلك، ولا يخفى أنّ الحمل على ذلك ممّا لاوجه له سوى التحامل على عليّ عليه السلام لأنّ هذا التقديم إن كان من اللَّه تعالى، لم يصح من علي عليه السلام الشكاية مطلقاً لأنّها حينئذ تكون ردّاً على اللَّه، والردّ عليه على حدّ الكفر و إن كان من الخلق، فإن كان هذا التقديم لمصلحة المكلّفين وعلم بها جميع الخلق غير علي عليه السلام فقد نسبه عليه السلام إلى الجهل بما عرفه عامةالخلق وإن كان لا لمصلحة كان تقديماً بمجرّد التشهي، فلم يكن الشكاية على الوجه الذي توهمه، فلا وجه لحملها عليه هذا، والعقل والنقل كما أشرنا إليه دالّ على قبح ذلك، أمّا العقل فظاهر وأمّا النقل فلأنّ القرآن نصّ على إنكار ذلك حيث قال تعالى: [أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ] (1)

.

وقال تعالى: [هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ


1- يونس: 35.

ص: 201

أُولُوا اْلأَلْبابِ] (1)

.

ثم أقول يمكن أن يستدل على عدم جواز تفضيل المفضول بقول أبي بكر:

«أقيلوني فإني لست بخيركم وعلي فيكم» (2)

فاحفظ هذا فانه بذلك حقيق.

وثالثاً أنّ ما ذكره من التعليل العليل بقوله: «ولأنّ عمر جعل الخلافة الخ» قد مرّ ما فيه مع ابتنائه على مجرد حسن الظن الذي لا يغني من الحق شيئاً.

أن غير المعصوم لا يعرف المصالح والمفاسد

ورابعاً أن قوله: «والمعني في ذلك أنّ غيرالأفضل قد يكون أقدر منه الخ» فيه أنّه إن عنى بالأقدر المذكور فيه أنّه لا يعرف مصالح الدين لكنّه أقدر على إقامتها فهذا لايسمن ولا يغني من جوع لأنّ إقامة مصالح الدين فرع العلم بها وهو ظاهر وإن عني به أنّه أقدر بإقامتها مع العلم بها من غير احتياج واستناد إلى استعلامها عن غير فهو خلاف المفروض لأنّ مثل هذا الشخص ليس بمفضول في العلم بل أقلّ الأمر أن يكون مساوياً لغيره وأمّا مجرد معرفة تدبير الملك وانتظام حال الرعية فلا يجدي في الدين لأنّ ذلك التدبير والانتظام يجب أن يكون على الوجه الشرعي الخالي عن شوائب الجور والظلم الذي لا يحصل إلّاممّن اتّصف بالعلم والعفّة والزهد والشجاعة بل بالعصمة كما سنحقّقه دون الوجه العرفي السياسي الحاصل من معاوية الباغي وجروه يزيد، والوليد الجبار العنيد، الذي استهدف المصحف المجيد، والحجاج الظالم الفاتك الشديد، واللصّ المتغلب [المتقلّب] الدوانيقي ونحوهم من كل شيطان مريد، فإنهم كانوا يدفعون


1- زمر: 9.
2- شرح احقاق الحق، ج 2، ص 325؛ غاية المرام، ج 5، ص 313

ص: 202

الفتنة الموهمة على الملك والرعية وعلى خصوص سلطنتهم وجاههم بقتل كلّ متّهم، وصلب كل عدوّ مظنون وإحراق بيوتهم و بيوت أقوامهم وجيرانهم وضرب أعناقهم إلى غير ذلك من العذاب والنكال بلا ثبوت ذنب منهم شرعاً نعم ظلم الشيخين كان مختصاً بأهل البيت عليهم السلام وشيعتهم ولهذا إستقام لهم الأمر بمعونة غيرهم من أعداء أهل البيت بخلاف عثمان فإنّه لمّا عمّ ظلمه وظلم عمّاله على البلاد والعباد، اختلّ أمره وآل إلى قتله على رؤس الأشهاد، وبالجملة أنّ حفظ الحوزة على الوجه المشتمل على الانتظام الظاهري ودفع الهرج والمرج ورفع تطاول بعض الآحاد قد يترتب على وجود الخلفاء المجازية والملوك الجائرة بل بوجود الشحنة والعسس بل ربما يحصل هذا القسم من الانتظام بهم دون غيرهم من الخلفاء الحقيقية فإنّهم بموجب سياساتهم العرفية المذكورة ونحوها ربّما يدفعون تطاول آحاد الناس على غيرهم من الرعية بوجه لا يتيسر لغيرهم من الخلفاء الأمجاد لكنهم أنفسهم وأولياء دولتهم يعملون مع ضعفاء العباد ما يشاؤن من الجور والفساد، ولو وقع خلل في أحكام الدين القويم، واعوجاج في أركان الطريق المستقيم، عجزوا عن الإصلاح والتقويم كما أشار إليه عبداللَّه بن الحرّ في جملة قوله:

شعر (1)

تبيت النشاوى من أمية نوّماً وبالطف قتلى ما ينام حميمها


1- نقل ابن شهرآشوب رحمه الله هذه الأبيات في كتاب المناقب من دون تسمية لقائلها(صفحة 232 من ج 2 من النسخة المطبوعة في سنة 1317 القمرية الهجريه ونقلها المجلسي رحمه الله عن المناقب في البحار(ص 256 من ج 10 من الطبعة المطبوعة بنفقة امين الضرب رحمه الله) «ج 4/ 134 من نسخة المطبوعة في سنة 1412 القمرية».

ص: 203

وما ضيّع (1) الإسلام إلّاقبيلة (2) تأمرّ نو كاها ودام نعيمها (3)

وأضحت (4) قناة الدين في كف ظالم إذا اعوجّ منها جانب لا يقيمها

وليتأمّل ذو الرأي السّديد إنّ فيما وقع في أيّام من صحح أهل السنة سلطنته بل خلافته كيزيد، عليه من اللعنة ما يربوو يزيد، من قتل الحسين عليه السلام وشيعته حفظ حوزة الإسلام أو في قتله لأهل المدينة الطيبة وافتضاض ألف بكر من أولاد الصحابة والتابعين الكرام رعاية نظام الأنام أو في رمي المناجيق على الكعبة وتخريب بيت اللَّه الحرام عمارة لما اختل من النظام أو دعوة لمن دخلها إلى دار السلام. هذا مع إنّا لا نسلّم أنّ الثلاثة كانوا أعرف بحفظ الحوزة ونظم حال الرعية ولو كانوا كذلك لما أمر النّبي عليهما عمرو بن العاص مرّة وزيد بن حارثة مرّة وزيد ابن أسامة تارة أخرى وقد اشتهر أن أكثر ما استعمله عمر من تدبير فتح العجم ونشر الإسلام في بلادهم إنّما كان بإشارة علي عليه السلام وإنّه كتب صفحة من قبيل الجفر والتكسير أوجب عقدها على راية أهل الإسلام انتكاس راية العجم.

فى حسن سياسة أمير المؤمنين عليه السلام ونزاهته عمّا يخالف الشرع

وقد ذكر بعض الجمهور على ما في كتاب الشافي أنّ مقاتلة أبي بكر لأصحاب مسيلمة الكذاب وأمثالهم المشهورين بين أهل السنة بأهل الردة إنّما كان بإشارة


1- المناقب والبحار «قتل»
2- المناقب والبحار «عصابة»
3- المناقب والبحار «نام زعيمها»
4- المناقب والبحار «فاضحت»

ص: 204

علي عليه السلام نعم كان عليه السلام محترزاً عن إستعمال الغدر والمكيدة والحيلة والخديعة الّتي يعدّ العرب مستعملها من الدهاة وكانوا يصفون معاوية بذلك ويقولون إنّما وقع الإختلال في عسكر علي عليه السلام لأن معاوية كان صاحب الدهاء دونه ولمّا سمع عليه السلام ذلك قال «لولا الدين (1) لكنت من أدهى العرب» فتدبر.

أنّ العصمة شرط في الإمامة وبيان معناها

13- قال:

واشتراط العصمة في الإمام وكونه هاشمياً وظهور معجزة على يده يعلم بها صدقه من خرافات نحو الشيعة وجهالاتهم لما سيأتي بيانه وإيضاحه من


1- نقل السيد الرضي رحمه الله في نهج البلاغة ما يحقق هذا المرام بهذه العبارة «ومن كلام له عليه السلام: واللَّه ما معاوية بأدهى مني ولكنه يغدرو يفجرو لولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس، ولكن كل غدرة فجرة وكل فجرة كفرة ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة واللَّه ما استغفل بالمكيدة ولا استغمز بالشديدة»

ص: 205

حقيقة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان مع انتفاء ذلك فيهم ومن جهالاتهم أيضاً قولهم أن غير المعصوم يسمى ظالماً فيتنا وله قوله تعالى: [لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ] (1)

وليس كما زعموا إذ الظالم لغة من يضع الشي ء في غير محله وشرعأ العاصي وغير المعصوم قد يكون محفوظاً فلا يصدر عنه ذنب أو يصدر عنه ويتوب منه حالًا توبة نصوحاً فالآية لاتتناوله وإنّما تتناول العاصى على أنّ العهد في الآية كما يحتمل أن يكون المراد به الإمامة العظمى يحتمل أيضاً أن يكون المراد به النبوة أو الإمامة في الدين أو نحوهما من مراتب الكمال وهذه الجهالة منهم إنّما اخترعوها ليبينوا عليها بطلان خلافة غير علي كرّم اللَّه وجهه وسيأتي ما يرد عليهم و يبين عنادهم وجهلهم وضلالهم نعوذ باللَّه من الفتن والمحن انتهى.

أقول: يتوجه عليه:

أوّلًا: أنّ الإمامية الذين ينبغي أن يكون وجه الكلام معهم إنّما اشترطوا العصمة دون الهاشمية و إن اتّفق كون الأئمة المعصومين من بني هاشم و دون إظهار المعجزة وإن صدر عنهم ذلك حسبما ذكره مؤلف شواهد النبوة وغيره.

وثانياً:

أنّ إثبات حقيقة خلافة أبي بكر وعمر مع انتفاء العصمة فيهم إنّما يوجب خرافة من اشترط العصمة في الإمامة لولم يثبت ذلك ببرهان من العقل والنقل وإلّا فغاية الأمر تعارض الإثباتين فجاز أن يكون الخرافة والجهل في هذا الشيخ الخرف والجهلاء من أهل نحلته على أنّ لنا بحمد ا

أما النقلية: فما ذكره هذا الشيخ الجامد بعيد ذلك من قوله تعالى: [لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ] (2)

وسنوضح دلالته على المقصود بحيث لا يبقى للخصم مجال


1- بقره/ 124
2- بقره: 124.

ص: 206

الإنكار والجحود.

وقوله تعالى: [كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ] (1)

و غير المعصوم لا يعلم صدقه فلا يجب الكون معه [فيجب الكون] مع المعصوم وهم أئمة أهل البيت عليهم السلام كما نطق به آية التطهير على ما اوضحناه في شرح كشف الحق ونهج الصدق.

وأما العقلية: فلأنّ الإمام قائم مقام النبي صلى الله عليه و آله وله الولاية العامة في الدين والدنيا و سادّ مسدّه فكما أنّه شرط في النبي اتفاقاً فكذا في الإمام إلزاماً وبالجملة أنّ الأدلّة الدالّة على عصمة النّبي صلى الله عليه و آله دالّة على عصمة الإمام عليه السلام وهي انتفاء فائدة بعثة النبي صلى الله عليه و آله لولم يكن معصوماً لظهور انتفاء فائدة نصب الإمام أيضاً على تقدير عدم عصمته وللزوم التسلسل لولم يكن الإمام معصوماً وقد شبهوا هذا بدليل وجوب انتهاء سلسلة الممكنات على الواجب لئلا يلزم التسلسل ولأنّ الأمر باتباعه أمر مطلق فلو وقع منه معصية لزم أن يكون اللَّه آمراً لنا بفعل المعصية وهو قبيح عقلًا لا يفعله الحكيم تعالى لما ثبت من الأدلة الدالة على امتناع القبائح منه تعالى ولأنّه لو فعل المنكر فإن لم يعترض عليه لزم سقوط النهي عن المنكر وإن أنكر عليه لزم سقوط محلّه عن القلوب فلا يحصل فائدة نصبه ولأنّ الإمام حافظ للشرع بمعنى أنّه مؤيد له منفّذ لأحكامه بين الناس جميعاً وكلّ من كان حافظاً للشرع بهذا الوجه لا بدّ من عصمته.

أما الصغرى فلاعتبار عموم الرياسة في الدنيا والدين في الإمامة كما سبق.

وأما الكبرى فلأنّ من كان حافظاً للشرع بالوجه المذكور لابدّ أن يكون آمناً عند الناس من تغيير شي ء من أحكامه بالزيادة والنقصان وإلّا لم يحصل الوثوق بقوله وفعله فلا يتابعه العباد فيهما فيختلّ الرياسة العامة وتنتفي فائدة الإمامة.


1- توبه: 119.

ص: 207

لايقال إنّ هذا الدليل يقتضي أن يكون العصمة شرطاً في المجتهد أيضاً لأنّه حافظ للشرع فلا بدّ أن يكون معصوماً ليؤمّن من الزيادة والنقصان وكذا الكلام في الدليل المذكور قبله لأنّه لو فعل المعصية سقط من القلوب وانتفت فائدة الإجتهاد أو سقط حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكلاهما باطل لكنّها ليست بشرط اتفاقاً لأنّا نقول المجتهد ليس حافظاً للشرع بين جميع الناس بل مظهر له على من قلّده فلا يجب فيه أن يكون آمناً من الزيادة والنقصان على سبيل القطع بل يكفي حسن الظن بصدقه بعد ثبوت الإجتهاد ولذلك شرط العدالة فيه وبالجملة مرتبة الإجتهاد لكونها دون مرتبة الإمامة تحصل باستجماع شرائطها المشهورة المسطورة في كتب الأصول ويكفي في وجوب العمل بقول المجتهد حسن الظن بصدقه المتفرع على ثبوت عدالته بعد حصول شرائط الإجتهاد كما تقرّر في محلّه بخلاف مرتبة الإمامة فإنّها رياسة عامة بحسب الدين والدنيا ومن البيّن إنّها لا تحصل لشخص إلّابعد أن يكون آمناً من الزيادة والنقصان في أحكام الشرع وإلّا لاختلّت تلك الرياسة العامّة وانتفت فائدة الإمامة كما لا يخفى على من له طبع سليم وعقل مستقيم.

ولا يبعد أن يقال أيضاً إنّ كلا من جواز الاجتهاد وجواز تقليد المجتهد في أيّام غيبة الإمام من باب الرخصة في أكل لحم الميتة عند الخمصة لئلّا يتعطّل الأحكام الشرعية وإنّما الجائز بحسب أصل الشرع هو الإجتهاد في زمن حضور النبي أو الإمام عند كونه في ناحية بعيدة عنهما يمكنه استعلام ما استبهم من الأحكام بالكتابة إليهما ونحوها إذمع حضور النبي والإمام المعصومين في الأحوال والأقوال يرجع المجتهدون إليهما في مواضع الإشتباه والإشكال وبإعلام كلّ منهما يحصل التفصّي عن الخطاء والضلال فلا يحتاج إلى اعتبار عصمة المجتهد مع حضور النبي صلى الله عليه و آله والإمام الذي يمكن الرجوع إليه في تحقيق الأحكام والكشف عن مسائل

ص: 208

الحلال والحرام.

فإن قيل عمدة ما ذكرتم معشر الإمامية في عصمة الأنبياء والأئمة أنّ تجويز الكبائر يقدح فيما هو الغرض من بعثة الأنبياء ونصب الإمام أعنى قبول أقوالهم و امتثال أوامرهم ونواهيهم فبيّنوا لنا وجه القدح إذ قد طال الكلام في هذه المسألة بين الفريقين.

قلت لا شكّ أنّ من يجوز عليه الكبائر والمعاصي فإن النفس لا تسكن ولا تطمئنّ إلى قبول قوله مثل ما تطمئن إلى قول من لا يجوز عليه شي ء من ذلك جزماً.

نقل كلام عن علم الهدى في معنى العصمة

قال الشريف المرتضى رضي اللَّه عنه هذا معنى قولنا إنّ وقوع الكبائر والمعاصي منفّر عن القبول والإمتنال والمرجع فيهما إلى العادات وليس ذلك ممّا يستخرج بالدليل ومن رجع إلى العادة علم صدق ما ذكرناه فإنّ الكبائر في باب التنفير لا تنحط عن المهاجاة التي تدلّ على خسّة صاحبها وعن المجون والسخافة ولا خلاف في أنّها ممتنعة منهم.

فإن قيل أوليس قد جوّز كثير من الناس الكبائر على الأنبياء والأئمة ومع ذلك لم ينفّروا عن قبول أقوالهم وامتثال أوامرهم وهذا يناقض قولكم إنّ الكبائر منفّرة.

قلنا: هذا كلام من لم يعرف معنى التنفير إذ لم نرد به ارتفاع التصديق والامتثال رأساً بل ما ذكرناه من عدم سكون النفس وحصول الإطمينان ولا يشكّ عاقل في أنّ النفس حال عدم تجويز الكبائر أقرب منها إلى ذلك عند تجويزها وقد يبعد الأمر عند الشي ء ولا يرتفع كما يقرب من الشي ء ولا يقع عنده ألا ترى إنّ

ص: 209

عبوس الداعي إلى طعامه وتضجره منفّر في العادة عن حضور دعوته وتناول طعامه وقد يقع مع ما ذكرناه الحضور والتناول ولا يخرجه من ان يكون منفّراً وكذلك طلاقة وجهه واستبشاره وتبسّمه يقرب من الحضور والتناول وقد يرتفع عنده ذلك.

لا يقال هذا يقتضي أن لا يقع الكبائر عنهم حال النّبوة والإمامة وأمّا قبلها فلا لزوال حكمها بالتوبة المسقطة للعقاب والذّم ولم يبق وجه يقتضى التنفير لأنّا نقول إنّا لم نجعل المانع عن ذلك استحقاق العقاب والذم فقط بل ولزوم التنفير أيضاً وذلك حاصل بعد التوبة ولهذا نجد ذلك من حال الواعظ الداعى إلى اللَّه وقد عهد منه الإقدام على كبائر الذنوب وإن تاب عنها بخلاف من لم يعهد منه ذلك والضرورة فارقة بين الرجلين فيما يقتضي القبول والنفور وكثيراً ما نشاهد أنّ الناس يعيّرون من عهد منه القبائح المتقدّمة وإن حصلت منه التوبة والنزاهة ويجعلونها نقصاً وعيباً وقدحاً غاية ما في الباب أنّ الكبائر بعد التوبة أقلّ تنفيراً منها قبل التوبة ولا يخرج بذلك عن كونها منفّرة.

إن قلت: فلِمَ قلتم إنّ الصغائر لا تجوز عليهم مطلقاً ولا تنفير فيها.

قلت: بل التنفير حاصل فيها أيضاً عند التأمل لأن إطمينان النفس وسكونها إنّما هو مع الأمن عن ذلك لا مع تجويزها والفرق بأنّ الصغاير لا توجب عقاباً وذمّاً ساقط، لأنّ المعتبر التنفير كما ذكرنا مراراً.

ألا ترى أنّ كثيراً من المباحات منفّرة ولا ذمّ ولا عقاب فيها وكيف لا يكون ذلك موجباً للتنفير مع أنّ الخصم حكم على بعض الاجتهادات البعيدة من الشاهدة بكونه منفّراً للعوام مع تصريحهم بأنّ المجتهد المخطي مثاب.

قال أبوالمعالي الجويني في رسالته المعمولة في بيان حقيقة مذهب الشافعي قد اتفق للشافعي أصل مقطوع ببطلانه على وجه أجمعت الأمة شارقة وغاربة أرضاً

ص: 210

فارضاً طولًا وعرضاً على بطلان ذلك الأصل وهو أنّه لم يجوز نسخ السنّة بالكتاب ولم يجوز نسخ الكتاب بالسنّة وهذا من أمحل المحالات والعامي إذا سمع هذا يستنفر طبعه وينزوي عن تقليده والإقتداء به.

الجواب قلنا هذا الأصل غير مقطوع ببطلانه فإنّه إنّما لم يجوّز نسخ السنّة المتواترة بالكتاب لأنّ اللَّه تعالى إلى آخره وتقرير الكلام على هذا التفصيل والتنقيح من نفائس المباحث فاحفظه فإنّه بذلك حقيق.

وثالثاً

إنّ أحداً من الشيعة سيّما من الإمامية لم يقل بأنّ غيرالمعصوم يكون ظالماً كيف وغير المعصوم قد يكون عادلًا في جميع أيّام عمره كما ذكره، نعم قد استدلّوا بالآية التي ذكرها على عدم صلاحية المشايخ الثلاثة للإمامة بما حاصله إنهم كانوا كفّاراً في الأصل وإنّما اسلموا بعد تماديهم في الكفر والضلالة والكافر ظالم بقوله تعالى [وَ الْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (1)

والظالم لا يصلح للإمامة لأنّ إبراهيم على نبيّنا و عليه السلام حين طلب الإمامة لذريته وقال: [وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي] (2)

قال اللَّه تعالى في جوابه: [لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ] (3)

يعنى إن الإمامة لاتصل مني ومن جانبي إلى أحد من الموصوفين بالظلم. وأورد عليه الفاضل القوشچى في شرحه على التجريد بأنّ غاية ما يدلّ عليه الآية إنّ الظالم في حال الظلم لا ينال عهد الإمامة ولا يلزم من ظلم الثلاثة وكفرهم قبل الخلافة ان لا ينالوها حال إسلامهم وعدم اتصافهم بالظلم وفيه نظر ظاهر لأنّ لفظة «من» في قوله «ومن ذريتي» تبعيضيّة كما هوالظاهر وصرّح به المفسرون وحينئذ نقول إنّ سؤال إبراهيم عليه السلام الإمامة لذرّيته الظالمين إمّا إن كان لبعض ذرّيته المسلمين العادلين في تمام


1- بقره: 254.
2- بقره: 124.
3- بقره: 124.

ص: 211

عمرهم، أو لذريّته الظالمين في تمام عمرهم، أو لذريّته المسلمين العادلين في بعض أيام عمرهم، الظالمين في بعضه الأخر، لكن يكون مقصوده عليه السلام نيلهم لذلك حال إسلامهم وعدالتهم أو الأعمّ من هذا القسم والقسم الأوّل، فعلى الأوّل يلزم عدم مطابقة الجواب للسؤال، وعلى الثاني يلزم طلب الخليل، ذلك المنصب الجليل، للكافر والظالم حال الكفر والتضليل، وهذا مما لا يصدر عن أدنى عاقل، بل جاهل من رعية، وعن الثالث والرابع يحصل المطلوب وهو أنّ الإمامة ممّا لا ينالها من كان كافراً ظالماً في الجملة وفي بعض أيام عمره فظهر أنّ الخرافة والجهالة إنّما صدرت عن هذا الشيخ الخرف المبهوت الذي ينسج عليه أموراً واهية كنسج العنكبوت فمقصود الإمامية عنه يفوت.

ورابعاً

أنّ ما ذكره في العلاوة مردود، بأنّ أكثر المفسرين من أهل السنة أيضاً حملوا العهد على الإمامة وهو الظاهر أيضاً من سوق الآية ومدار الإستدلال في النقليات على هذا ما لم يقم دليل آخر على خلافه يستدعى العدول عنه وإقامة الحجة على شطر من علماء مذهبكم كاف لنا في الإلزا

على أنّه يلزم من إشتراط العصمة والعدالة في النّبي صلى الله عليه و آله في جميع أيام عمره إشتراطه في الإمام بطريق أولى لعدم تأييد الإمام بالوحي العاصم عن الخطاء.

وخامساً

أنّ ما نسبه إلى الإمامية من اختراع اشتراط العصمة في الأئمة معارض بمثله فإنّ لهم أن يقولوا إنّ أهل السنة إنّما اخترعوا نفي إشتراط عصمة الأئمة حفظاً لحال مشايخهم الثلاثة الفاقدين للعصمة وبناء لصحّة خلافتهم واللَّه وليّ العصمة.

ص: 212

14-: الباب الأول في بيان كيفية خلافة الصديق والاستدلال على حقيتها بالأدلة النقلية والعقلية وما يتبع ذلك وفيه فصول:

الفصل الأول في بيان كيفيتها:

خطبة عمر عند مراجعته من الحج

روى الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما الذين هما أصحّ الكتب بعد القرآن بإجماع من يعتدّ به أنّ عمر خطب الناس مراجعة من الحج فقال في خطبته قد بلغني أنّ فلاناً منكم يقول لو مات عمر بايعت فلاناً فلا يغترن امرء أن يقول إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة إلّاوإنّها كذلك، ألا إنّ اللَّه وقى شرّهاً وليس فيكم اليوم من يقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر وإنّه كان من خيرنا حين توفي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إنّ عليّاً والزّبير ومن معهما تخلفوا في بيت فاطمة وتخلّفت الأنصار عنّا بأجمعها في سقيفة بني ساعدة واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر فقلت له يا أبابكر انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار فانطلقنا نؤمهم أن نقصدهم حتى لقينا رجلان صالحان فذكرا لنا الذي صنع القوم قالا أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلت واللَّه لنأتينهم فانطلقنا حتى جئناهم في سقيفة بني ساعدة فإذا هم مجتمعون و إذاً بين ظهرانيهم رجل مزمل فقلت من هذا فقالوا سعد بن عبادة فقلت ماله قالوا وجع فلمّا جلسنا قام خطيبهم فاثنى على اللَّه بما هو أهله وقال أما بعد فنحن أنصار اللَّه وكتيبة الإسلام وأنتم يا معاشر المهاجرين رهط منا وقد رفت رأفة منكم أى ذبّ قوم منكم بالإستعلاء والترفع علينا تريدون أى تخزنونا من أصلها وتخضنونا من الأمر أى تنحونا عنه و تستبدون به دوننا فلما سكت أردت أن أتكلم وقد كنت زورت مقالة أعجبتني أردت أن أقولها بين يدي أبى بكر وقد كنت أدارى منه بعض الحد وهو كان أحلم مني وأوقر فقال أبوبكر على رسلك فكرهت أن أغضبه وكان أعلم مني واللَّه ما

ص: 213

ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلّاقالها في بديهة وأفضل حتى سكت فقال أمّا بعد فما ذكرتم من خير فأنتم أهله ولم تعرف العرب هذا الأمر إلّالهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسباً وداراً وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين وأخذ بيدي ويد أبى عبيدة بن الجراح فلم أكره ما قال غيرها وكان واللَّه أن أقدّم فيضرب عنقي لا يقرّبني ذلك من اثم أحبّ إلى من ان اتأمر على قوم فيهم أبوبكر فقال قائل من الأنصار اى جذيلها المحكّك وغديقها المرحب منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش وكثر اللفظ وارتفعت الأصوات حتى خشيت الاختلاف فقلت أبسط يدك يا أبابكر فبسط يده فبايعته و بايعه المهاجرون ثم بايعه الأنصار، أما واللَّه ما وجدنا فيما حضرنا أمراً هو أوفق من مبايعة أبي بكر وخشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة فإمّا أن نبايعهم على ما نرضى وإمّا أن نخالفهم فيكون فيه فساد، انتهى.

تضعيف البخارى ومسلم وعدم اعتبار كتبهما

أقول:

يتوجّه عليه أنّه إن أراد إجماع من يعتدّ به من أهل السنة على صحة ما في الكتابين فهو مصادرة لا يتمشّى مع من هو طرف البحث من الشيعة وإن أراد إجماع من يعتدّ به من الشيعة على صحة ما فيهما فبطلانه ظاهر لأنّ البخاري ومسلماً واضرابهما وضّاعون كذّابون عند الشيعة بل حكموا بحماقة البخاري وقصور فهمه عن التميز بين الصحيح والضعيف لأمور شتّى، منها ما صرّح به بعض الجمهور من أنّ البخاري حدّث عن المتّهم في دينه كعباد بن يعقوب الرواجي واحتجّ بحديث من اشتهر عنه النصب والبغض لعلي عليه السلام كمحمد بن زياد الأبهاني وحريز بن عثمان الرحبي واتّفق البخاري ومسلم على الإحتجاج بحديث أبي معاوية وعبيداللَّه بن موسى وقد اشتهر عنهما الغلو ومنها ما ذكره فقهاء الحنفية

ص: 214

في بحث الرضاع من كافيهم وكفايتهم من بلادته وقصور إدراكه عن فهم معاني الأخبار والفتوى بما يضحك منه الصبيان حتى أجمع علماء بخارا على إخراجه منها وطرده بأسوء حال ومن هذا حاله كيف يعتمد على نقله وكيف يقال إنّ كتابه أصحّ الكتب بعد كتاب اللَّه تعالى على أنّ الكرماني شارح البخاري قد روى في أوائل شرحه ما يدلّ على أنّ صحيح البخاري لم يتم في أيام حياته بل كان كثيراً من مواضعه مبيضّاً وكان على حواشيه ملحقات وعلى أوساطه قطعات استصعبوا الاهتداء إلى مواضع ربطها، وإنّما رتّبه عدة من تلامذته البخاريّين على حسب ما وصل إليه فهمهم ومن البيّن أنه لو بقى البخاري بعد ذلك مدة لجاز أن يرجع عن الحكم بصحّة بعض ما أودع فيه وتصرّف فيه بالزيادة والنقصان فكيف يعتمد بمثل هذا الأبتر الواهي الذي قد لعب به جماعة من نواصب بخارا و فسّاقها في تحقيق الكلام الإلهي سيما الأوامر والنواهي.

وكذا الكلام في مسلم كما فصّلناه في شرح كتاب كشف الحق ونهج الصدق ولو سلّم صحّة نقلهما ذلك عن عمر فالكلام مع عمر وأنّه هو الذي عقد البيعة لأبي بكر ظلماً وجوراً على أهل البيت عليهم السلام ولعلمه بأنّ أبابكر يجعل الخلافة فيه بعده، قال طلحة ولّيته أمس وولّاك اليوم فكيف يسمع كلامه في كيفية خلافة أبي بكر مع ما اشتمل عليه من الأكاذيب الظاهرة وناهيك في ذلك ما قال ابن أبي الحديد المعتزلي من مصححي خلافة الثلاثة، أنّ عمر هو الذي وطأ الأمر لأبي بكر وقام فيه حتى وقع في صدرالمقداد، وكسر سيف الزبير، وكان قد أشهر سيفه عليهم، ولهذا أن أبابكر لمّا صعد المنبر قام إثنى عشر رجلًا، ستّة من المهاجرين وستّة من الأنصار، فأنكروا على أبي بكر في فعله وقيامه مقام رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ورووا أحاديث في حقّ علي عليه السلام ووجوب خلافته لما سمعوا من النص عليه من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله حتى أنّ أبابكر أفحم على المنبر ولم يرد جواباً، فقام عمر

ص: 215

وقال يالكع إذا كنت لا تستطيع أن ترّد جواباً فلِمَ أقمت نفسك هذا المقام وأنزله من المنبر وجاءوا في الأسبوع الثاني ومع معاذ بن جبل مائة رجل ومع خالد بن الوليد كذلك شاهري سيوفهم حتى دخلوا المسجد وعلي عليه السلام جالس في نفر من أصحابه فقال عمر واللَّه يا أصحاب علي لإن ذهب رجل منكم يتكلّم بالذي تكلّم به أمس لنأخذنّ الذي فيه عيناه فقام سلمان الفارسي وقال سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال بينما حبيبي وقرّة عيني جالس في مسجدي اذوثب عليه طائفة من كلاب أهل النار يريد قتله ولا شكّ أنّكم هم، فأومى إليه عمر بالسيف فجذبه علي حتى جلد به الأرض وقال يا ابن صهّاك الحبشية أبأسيافكم تهددوننا وبجمعكم تكاثروننا واللَّه لولا كتاب من اللَّه سبق وعهد من رسول اللَّه تقدم لاريتكم أيّنا أقل عدداً وأضعف ناصراً، وقال لأصحابه تفرّقوا، انتهى، فأحسن تأمّله وهل هذا إلا مصادرة.

الاحتجاج بخبر «الأئمة من قريش» على حقّية مذهب الشيعة

15- قال:

وفي رواية أنّ أبابكر احتجّ على الأنصار بخبر «الأئمة من قريش» (1) وهو حديث صحيح ورد من طرق نحو أربعين صحابياً.

أقول:

الحديث صحيح ويؤيده قوله عليه السلام في صحاح الأحاديث «أنّ الإسلام لا يزال عزيزاً ما مضى فيهم إثنى عشر خليفة كلّهم من قريش» لكن المراد من الخليفة الأوّل القرشى علي عليه السلام إلّاأنّهم لمّا أوقعوا في القلوب أنّه عليه السلام تقاعد من تصدي الخلافة كما ذكرناه سابقاً موهوا ذلك بجواز العدول إلى قرشي آخر فتدبّر.


1- مسند احمد، ج 4، 421

ص: 216

أنّ النبي صلى الله عليه و آله لم يرض بكون أبي بكر إماماً للناس في الصلوة

16- قال:

وأخرج النسائي وأبويعلى والحاكم وصححه عن ابن مسعود رحمه الله أنّه قال لما قبض رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قالت الأنصار منا أمير ومنكم أمير فأتاهم عمر بن الخطاب فقال يا معشر الأنصار ألستم تعلمون أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قد أمر أبابكر أن يؤمّ الناس وأيّكم تطيب نفسه إن يتقدّم أبابكر فقال الأنصار نعوذ باللَّه أن نتقدّم أبابكر، إنتهى.

أقول:

أنّ رواية الحاكم لهذا الحديث عن ابن مسعود كاذبة بل هي ممّا رواه الحسن البصري عن عائشة وقال إنّه نصّ خفى على إمامة أبي بكر والحسن البصري ممن قدح فيه الشيعة والشافعي حيث نقل عنه ابن المعالي الجويني إنه قال: فيه كلام وأمّا عائشة فمع ظهور عداوتها لأميرالمؤمنين عليه السلام وكذبها عند الشيعة كما سيجى ء بيانها متّهمة في خصوص هذه الرواية لما فيها من جرّ نفع لها ولأبيها وبالجملة الشيعة لا تسلّم أنّ النبي صلى الله عليه و آله أمر بذلك وإنّما أمرت به عائشة فقالت للمؤذن مر أبابكر فليصلّ بالناس فظنّ أنّ النبي صلى الله عليه و آله أمرها بذلك ولمّا تفطن النبي صلى الله عليه و آله بذلك خرج متكئاً على علي عليه السلام وفضل بن العباس ونحى أبابكر عن المحراب وصلى مع الناس والأنصار أعلم من أن يصدقوا بهذا الحديث الواهي الذي لا دلالة له على مطلوب أولياء أبي بكر بإحدى الدلالات كما سنوضّحه، وقد صرّح بذلك ابن أبي الحديد المعتزلي في قصيدته الكبيرة المشهورة حيث قال في مدح علي عليه السلام تعريضاً بأبي بكر.

ولا كان معزولًا غداة براءة ولا في صلاة أم فيها مؤخّراً

وأهل السنّة يوافقون في خروج النبي صلى الله عليه و آله على الوجه المذكور لكن يقولون أنّه

ص: 217

صلّى خلف أبي بكر وقد صرّح بذلك الشارح الجديد للتجريد حيث قال واستخلفه في الصلاة في مرضه وصلى خلفه؛ إنتهى.

وفيه أنّ النبي صلى الله عليه و آله لو عجز عن الصلاة فكيف خرج وصلّى خلفه ولو لم يعجز فلِمَ استخلفه.

اللّهمّ إلّاأن يقال للدلالة على خلافته كما توهّمه بعضهم وفساد هذه الدلالة ظاهر جدّاً لأنّ الإمامة الصغرى بمنزلة عن الإمامة الكبرى بدليل أنها تجوز خلف قريش وغيرهم اتفاقاً والإمامة الكبرى لا تصح في غير قريش على قول أهل السنة بل عندهم أنه يجوز الصلاة خلف كل مفضول بل كل برّ وفاجر فكيف تقاس الإمامة الكبرى على إمامة الصلاة ومما ضحك به السيد الشريف الجرجاني على لحيتهم أنه قال في شرحه للمواقف.

وأمّا ما رواه البخاري بإسناده إلى عروة عن أبيه عن عائشة أنّ النبي صلى الله عليه و آله أمر أبابكر أن يصلّى بالناس في مرضه فكان يصلّى بهم، قال عروة فوجد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في نفسه خفة فخرج إلى المحراب فكان أبوبكر يصلّي بصلاة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله والناس يصلون بصلاة أبي بكر أي بتكبيره فهو إنما كان في وقت آخر انتهى.

إذا جاء المنوب عنه ينعزل النائب عن نيابته

وفيه ما فيه فتأمل فيه على أنّ الاستخلاف لا يقتضى الدوام إذ الفعل لادلالة له على التكرار والدوام إن ثبت خلافته بالفعل و إن ثبت بالقول فكذا كيف وقد جرت العادة بالتبقية مدة الغيبة والانعزال عند مجي ء المستخلف.

وأيضاً ذلك معارض بأنّه صلى الله عليه و آله استخلف علياً عليه السلام في غزوة تبوك في المدينة وما عزله وإذا كان خليفة على المدينة كان خليفة في سائر وظائف الإمامة لأنه لا قائل بالفصل والترجيح معناً لأنّ الاستخلاف على المدينة أقرب إلى

ص: 218

الإمامة الكبرى لأنه متضمّن لأمور الدين والدنيا بخلاف الإستخلاف في الصلاة وهو ظاهر.

أنّ النبي صلى الله عليه و آله لا يوصف بأنّه من المهاجرين

17- قال:

وأخرج ابن سعد والحاكم والبيهقي عن أبى سعيدالخدري أنّهم لمّا اجتمعوا بالسقيفة بدار سعد بن عبادة وفيهم أبوبكر وعمر قام خطباء الأنصار فجعل الرجل منهم يقول يا معشر المهاجرين أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله كان إذا استعمل الرجل منكم يقرن معه رجلًا منّا فنرى أن يلي هذا الأمر رجلان منّا ومنكم فتتابعت خطباؤهم على ذلك فقام زيد بن ثابت فقال أتعلمون أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله كان من المهاجرين وخليفته من المهاجرين ونحن كنّا أنصاره ثم أخذ بيد أبي بكر فقال هذا صاحبكم فبايعه عمر ثمّ بايعه المهاجرون والأنصار وصعد أبوبكر المنبر ونظر في وجوه القوم فلم ير الزبير فدعا به فجاء فقال: فلت ابن عمّة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وحواريه أردت أن تشقّ عصا المسلمين فقال لا تثريب يا خليفة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فقام فبايعه ثم نظر في وجوه القوم فلم ير علياً فدعا به فجاء فقال قلت ابن عمّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وختنه على بنته أردت أن تشقّ عصا المسلمين فقال لا تثريب يا خليفة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فقام فبايعه إنتهى.

أقول:

بعد الإغماض عن عدم صلاحية الحديث للإحتجاج به على الخصم كما مرّ أنّ قول زيد أنّ النبي صلى الله عليه و آله كان من المهاجرين باطل، لأنّ المهاجر الشرعي، من هاجر إلى الرسول صلى الله عليه و آله، والأنصار أنصاره، فلا معنى لوصف الرسول صلى الله عليه و آله بالمهاجر، ولا وصف أبي بكر به، لأنّه لم يهاجر إلى النبي صلى الله عليه و آله بل كان معه في الفرار من مكة إلى مدينة، ولو سلّم كون المجي ء مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله هجرة إليه في الجملة فلا نسلّم تحقّق باقي شرائط الهجرة الشرعية في أبي بكر كالإيمان والعدالة

ص: 219

فإنّهما شرط في تحقق الهجرة والنصرة الشرعيّتين ولو لم يشترط ذلك لزم أن يكون المؤلّفة القلوب الذين هاجروا إليه من بلادهم لنصرته مهاجرين وأنصاراً شرعيّة وبطلانه ظاهر.

وقد روى مؤلّف المشكوة في أوائل كتاب الإيمان ما يؤدّ هذا المعنى حيث قال عن عبداللَّه بن عمر قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه والمهاجر من هجر ما نهى اللَّه عنه» الحديث، ولو سلّم فأيّ ملازمة بين كون رسول اللَّه صلى الله عليه و آله من المهاجرين وكون خليفته أيضاً من المهاجرين مع أنّه معارض بدعوى أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله كان من بني هاشم فكان خليفته من بني هاشم وبأنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله من أولاد عبدالمطّلب فكان خليفته منهم بل هذان أقيس من قياس زيد وكيف نجعل هذا الكلام الواهي من زيد بن ثابت أو من الواضع عليه حجّة ثابتة على الخصم وبذلك يستدل على وضع الباقي وإنّه لا يصلحه طبيب ولاراق.

في عدم قبول بعض العامّة حديث أنس فضلًا عن الشيعة

18- قال:

وروى ابن إسحاق عن الزهري عن أنس أنّه لمّا بويع يوم السقيفة جلس من الغد على المنبر فقام عمر فتكلّم قبله فحمداللَّه وأثنى عليه ثم قال إنّ اللَّه قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول اللَّه وثانى إثنين إذهما في الغار فقوموا فبايعوه فبايع الناس أبابكر البيعة العامة بعد بيعة السقيفة ثم تكلّم أبوبكر، فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: أمّا بعد أيّها الناس فإني قد ولّيتكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني و إن أسأت فقوموني الخ.

أقول:

حديث الزهري وأنس عند الشيعة مستحدث موضوع وقد ذكر الزندويسى الحنفي في كتاب الروضة أنّ أباحنيفة طعن في أنس وذكر أبوالمعالي

ص: 220

الجويني الشافعي أيضاً في رسالته المعمولة في بيان أحقيّة مذهب الشافعي أنّ أباحنيفه طعن في أنس ولم يعمل بحديثه وحديث ابن عمر وأبي هريرة وأضرابهم قطّ، فالشيعة في ذلك اعذر ثم لا يخفى أنّ الإمام الذي احتمل صدور الإسائة عن نفسه واحتياجه فيها إلى تقويم غيره له لا يصلح للإمامة الكبرى عند من لم يكابر عقله وحمل ذلك على هضم النفس تعسّف صريح كما سيجي ء بيانه إن شاء اللَّه تعالى عنقريب.

19- قال:

وأخرج أحمد أنّ أبابكر لمّا خطب بهم يوم السقيفة لم يترك شيئاً أنزل في الأنصار ولا ذكره رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في شأنهم إلّاذكره وقال لقد علمتم أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال: «لو سلك الناس وادياً وسلكت الأنصار وادياً لسلكت وادي الأنصار» (1)

.

ولقد علمت يا سعد أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال: «وأنت قاعد قريش ولاة هذا الأمر فبرّ الناس تبع لبرّهم وفاجرهم لفاجرهم» (2)

.

فقال له سعد صدّقت، نحن الوزراء وأنتم الأمراء ويؤخذ منه ضعف ما حكاه ابن عبدالبر أنّ سعداً أبى أن يبايع أبابكر حتى لقى اللَّه تعالى، إنتهى.

أقول:

بعد تسليم صحة ما أخرجه أحمد لا دلالة فيه على بيعة سعد رضي اللَّه عنه لأبي بكر، بل الظاهر من كلامه إنّ كلا من قريش والأنصار صنف على حياله من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لا طاعة لأحدهما على الآخر كما لا طاعة لأحدهما على الآخر كما لا طاعة لأمراء السلطان على وزرائه وبالعكس وأين هذا من الدلالة على البيعة بل الذي ذكره أبوبكر عن النبي صلى الله عليه و آله في شأن الأنصار يدلّ على أنّ بيعة


1- مسند احمد، ج 1، ص 5
2- همان.

ص: 221

أبي بكر إذا لم يسلكه سعد مع كونه سيّد الأنصار وسلك غيره يكون باطلًا، وبهذا يظهر أنّ حكم هذا الشيخ الجاهل بضعف ماحكاه ابن عبدالبرّ ضعيف بل أجوف معتلّ.

أنّ أبا بكر لم يكن كارهاً للخلافة، بل كان طالباً لها

20- قال:

وفي رواية لابن سعد عن أبي بكر، أنّه قال في خطبة:

أمّا بعد فإنّي ولّيت هذا الأمر و أنا له كاره، وواللَّه لوددت أنّ بعضكم كفانيه، ألا وإنّكم إن كلّفتموني أن أعمل فيكم بمثل ما عمل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لم أقم به. كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عبداً أكرمه اللَّه بالوحي وعصمه به إلّاو إنّما أنا بشر ولست بخير من أحدكم فراعوني فإذا رأيتموني استقمت فاتبعوني، وإذا رأيتموني زغت فقوموني، واعلموا أنّ لي شيطاناً يعتريني فإذا رأيتموني عصيت فاجتنبوني، إنتهى.

أقول:

لوكان كارهاً للخلافة لما سارع مع عمر إلى سقيفة بني ساعدة لاستجلابها، ولما رضي بانتزاعها عن أهلها وهو علي عليه السلام ولما اغمض عن وقوع أصحابه على صدر المقداد وكسرهم سيف الزبير عند قولهم نحن لا نرضى بخلافة أبي بكر ولصبروا على فراغ أهل البيت عن دفن النبي صلى الله عليه و آله لأنّ النص أو الظاهر كان فيهم.

قول أبي بكر «لست بخير من أحدكم» يدل على بطلان خلافته

وأمّا إظهاره لوداده أن يكفيه غيره، فهو أكذب من الأول، ولو كان صادقاً في ذلك لما ارتكبه من أول الأمر ولسلمه إلى من علمه متعيّناً له أوطرحه حتى يلتقطه الراغبون المشتاقون له كعمر وطلحة والزبير و عثمان وسعد بن أبى وقّاص

ص: 222

وأمثالهم، مع أنّ قوله لست بخير من أحدكم يدلّ دلالة واضحة على اعترافه بمفضوليته عن الكل فلا يصلح للإمامة.

والجواب بأنّ هذا إنّما وقع على سبيل التواضع كقول النبي صلى الله عليه و آله: «لا تفضلوني على يونس بن متى» (1)

وأنّه لا خلاف في أنه صلى الله عليه و آله أفضل الأنبياء من يونس ومن هو أعظم منه كإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام وما ذلك الأكرم وتواضع منه- عليه أفضل الصلاة والسلام- مدفوع بأنّ قياس ذلك على نهي النبى صلى الله عليه و آله قياس مع الفارق إذ الإنشاء لا يحتمل الصدق والكذب بخلاف الأخبار ولهذا قالت الإمامية كثّرهم اللَّه تعالى:

لا يخلو قول أبي بكر من أحد قسمين:

إمّا أن يكون صدقاً أو كذباً، فعلى الأول لا يصلح للإمامة لكونه مفضولًا، وعلى الثاني لذلك الكذب، فالتواضع ههنا لاينفع المجيب كما لا يخفى على اللبيب.

وأيضاً ما تضمنه آخر كلامه من التماس التقويم عن رعيته والاعتراف بأنّ له شيطاناً يعتريه دليل واضح على عدم صلوحه للإمامة، فالحديث حجة على الشيخ الجاهل لاله.

21- قال:

وأخرج الحاكم أنّ أبا قحافة لمّا سمع بولاية ابنه قال هل رضي بذلك بنو عبد مناف و بنو المغيرة، قالوا نعم، قال لا واضع لما رفعت ولا رافع لما وضعت، انتهى.

أقول:

في هذا الحديث شهادة من أبي قحافة على أنّ ابنه أبابكر كان قبل الخلافة وضيعاً مهيناً وإنّه لم يكن صالحاً للخلافة، وهذه شهادة لا يعتريها جرح كما لا يخفى. فالحديث حجة على الناصبة ولعمري أنّه مع ظهور دلالته على ما ذكرناه


1- تفسير قرطبى، ج 11، ص 333

ص: 223

كيف لم يتنبّه له هذا الشيخ وأورده زعماً منه أنّه من دلائل فضيلة أبي بكر، فتأمّل فإنّ الفكر فيه طويل.

فى بيان انعقاد الاجماع على ولاية

22- قال: الفصل الثاني في بيان انعقاد الإجماع على ولايته

قد علم ممّا قدّمناه أن الصحابة رضوان اللَّه عليهم، أجمعوا على ذلك و إنّ ما حكي عن تخلّف سعد بن عبادة عن البيعة مردود، وممّا يصرّح بذلك أيضاً ما أخرجه الحاكم وصحّحه عن ابن مسعود، قال: «ما رآه المسلمون حسناً فهو عند اللَّه حسن و ما رآه المسلمون سيّئاً فهو عند اللَّه سيّ ء».

و قد رأى الصحابة جميعاً أن يستخلف أبوبكر، فانظر إلى ما صحّ عن ابن مسعود و هو من أكابر الصحابة وفقهائهم و متقدّميهم من حكاية الإجماع من الصحابة جميعاً على خلافة أبي بكر ولذلك كان هو الأحقّ بالخلافة عند جميع أهل السنة والجماعة في كلّ عصر منّا إلى الصحابة، وكذلك كان هو أحق بالخلافة عند جميع المعتزلة وأكثر الفرق، و إجماعهم على خلافته قاضٍ بإجماعهم على أنّه اهل لها مع أنّه من الظهور بحيث لا يخفى.

فلا يقال إنّها واقعة يحتمل أنّها لم تبلغ بعضهم ولو بلغت الكل لربّما أظهر بعضهم خلافاً على أنّ هذا إنّما يتوهّم ان لو لم يصح عن بعض الصحابة المشاهدين لذلك الأمر من أوّله إلى آخره حكاية الإجماع وأمّا بعد أن صحّ عن مثل ابن مسعود حكاية إجماعهم كلّهم فلايتوهّم ذلك أصلًا سيّما وعلي عليه السلام ممن حكى الإجماع في ذلك أيضاً كما سيأتى عنه أنّه لمّا قدم البصرة سئل عن مسيره هل هو بإشارة من النبي صلى الله عليه و آله فذكر مبايعته هو وبقية الصحابة لأبي بكر وأنّه لم يختلف عليه منهم إثنان، انتهى.

ص: 224

أنّ الإجماع الأمّة لم ينعقد على خلافة أبي بكر

أقول:

قد دمّرنا على ما قدّمه من دعوى الإجماع وبيّنا بما نقلناه من كلام صاحب المواقف الناطق بأنّهم لم يشترطوا في عقد البيعة لأبي بكر إجتماع من في المدينة من اهل الحلّ والعقد، أنّ ردّه على ما حكى من تخلّف سعد بن عبادة مردود، بأنّ المتخلّف أبداً كان سعد و أولاده وخواصّ أصحابه وإلى ستّة أشهر علي عليه السلام وسائر بني هاشم ومواليهم كما سيجي ء.

وأمّا حكم الحاكم بصحّة نقل الإجماع عن ابن مسعود فلا حكم إنّه عندنا، وكذا حكم الوسائط التي بينه وبين ابن مسعود من الوضّاعين لنصرة مذهب أهل السنة كإمامهم نعيم بن حماد الخزاعي كما ذكره عبدالعظيم المنذري الشافعي في خاتمة كتاب الترغيب والترهيب على أنّ ما روى الحاكم عن ابن مسعود رضي اللَّه عنه إنّما هو مجرّد» ما رآه المسلمون حسناً فهو عند اللَّه حسن و ما رآه المسلمون سيّئاً فهو عند اللَّه سيّى ء.

أنّ استخلاف أبي بكر لم يكن باجماع الأمّة

وأمّا قوله و قد رأى الصحابة جميعاً أن يستخلف أبوبكر الخ، فقد اكتفى ذلك المستدل بذلك القدر من كلام ابن مسعود على صحّة خلافة أبي بكر لزعمه أنّه ممّا رآه الصحابة قاطبة فلا يلزم منه تصحيح ابن مسعود لانعقاد الإجماع على خلافة أبي بكر، وأيضاً إن أراد بالمسلمين الكل، فلا نسلّم إطباق آراء الكل على خلافة أبي بكر، وإن أراد البعض فقد رآى كل في صاحبه حسناً مثل ما رآه الشيعة في علي عليه السلام وغيرهم في غيره، فمن أين ثبت بذلك الخلافة التي رآها الكل.

إن قيل: يلزم من ذلك تخطئة أصحاب محمد صلى الله عليه و آله من المهاجرين والأنصار.

قلت: اللازم تخطئة بعضهم كما عرفت ولا استبعاد فيه لوقوع أشدّ من ذلك في

ص: 225

أصحاب موسى من بني إسرائيل حيث استضعفوا وصيّه هارون وكادوا يقتلونه فارتدّوا وتابعوا السامري في عبادة العجل وقد تواتر عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه قال: «يقع في أمتي كلّ ماوقع في الأمم السابقة حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة».

ولو سلّم فالإمامة عندهم ليست بنصّ من اللَّه، ولا سنّة من النبي صلى الله عليه و آله، فاجتماع بعضهم عليه لا يسمّى إجماعاً عند الكل بل غايته أن يكون كعدولهم عن أكل المنّ والسلوى إلى أكل الفوم والبصل.

وأمّا ما رواه من إجماع أهل السنّة في سائر الأعصار على أحقّية أبي بكر بالخلافة فلا رواج له في سوق الخصم، وكذا إجماع المعتزلة على ذلك على أنّ المعتزلة لم يقولوا بالأحقّية، بل هم مجتمعون على أحقّية علي عليه السلام من سائر الصحابة بذلك، لكنّهم صحّحوا خلافة المفضول عنه عليه السلام لتجويزهم تفضيل المفضول، كما مرّ بيانه مع دفعه سابقاً.

وأمّا قوله فلا يقال إنّها واقعة يحتمل أنّها لم تبلغ بعضهم الخ، فمدفوع بما نقلناه سابقاً عن صاحب المواقف من عدم انعقاد الإجماع على خلافة أبي بكر في أوائل الأمر بل مطلقاً.

في أنّه لا يمكن العلم بحصول الإجماع الحقيقي إلّالمن علّمه اللَّه

وأمّا دعوى حصول الإجماع عن الباقي بعد طول الأزمنة فهو من قبيل الرجم بالغيب والرمي في الظلام ولو كان المدّعي ابن مسعود، ومن أين علم ابن مسعود إتمام الإجماع على ذلك من علماء الأنصار ومجتهدي أقطارها مع حكم جماعة من العلماء كالنظام وفخر الدين الرازى في المعالم على عدم إمكان العلم بذلك كما حقّق في الأصول، وأيضاً اشترط الأكثر أن لا يتخلّف أحد من المجمعين إلى انقراض الكل كما ذكر في الأصول أيضاً، ولا ريب أنّ العلم بهذا أشدّ امتناعاً

ص: 226

من الأول.

وأيضاً قد اختلفوا في أنّ الإجماع هل هو بنفسه حجة أو لابدّ فيه من سند هو الدليل، والحجة حقيقة، والسند الذي لهم في ذلك مامرّ من قياس استحقاق إمامة الصلاة الموضوعة على أبي بكر على استحقاق الإمامة الكبرى وقد عرفت ما فيه أنّ إثبات شرعيّة القياس دونه خرط القتاد ولهم فيه أيضاً خلاف واختلاف وعلماء اهل البيت عليهم السلام والظاهرية ينكرون حجّيته ولهم على ذلك ادلة عقلية ونقلية لا يسع المقام ذكرها ولغيرهم أيضاً في شروطه اختلاف كثير وعلى تقدير ثبوته الملحق بالمحال إنّما يكون في موضع يتحقّق هناك علّة في الأصل يستوي فيها الفرع مع الأصل ولا ظهور للعلّة ههنا بل الفرق ظاهر بجواز الصلاة عندهم خلف كل فاسق فاجر ولأنّ أمر إمامة الصلاة أمر واحد لا يحتاج فيه إلى علم كثير أو شجاعة وتدبير وغيرها، والإمامة الكبرى خلافة وحكومة في جميع أمور الدين والدنيا ويحتاج فيها إلى العلوم والشرائط الكثيرة التي لم يوجد واحد منها في أبي بكر فلا يصح قياس هذا على ذاك على أنّ الأصل غير ثابت عند الشيعة كما قرّرناه سابقاً، وأمّا ما رواه عن مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام في ذلك فآثار الوضع عليه لائحة إذ لا معنى لأن يجاب عند السؤال عنه عليه السلام من كون مسيره بإشارة من النبي صلى الله عليه و آله بذكر مبايعته هو وبقية الأصحاب لأبي بكر فتدبّر.

أنّ أمير المؤمنين عليه السلام نازع أبابكر ولم يبايعه إلى ستّة أشهر

23- قال:

وأيضاً فالأمة اجتمعت على حقّية إمامة أحد الثلاثة أبي بكر وعلي والعباس، ثم إنّهما لم ينازعاه بل بايعاه فتمّ بذلك الإجماع له على إمامته دونهما، إذ لو لم يكن على الحق لنازعاه كما نازع علي معاوية مع قوّة شوكة معاوية عدّة وعدداً على شوكة أبي بكر فإذا لم يبال علي بها ونازعه فكانت منازعته لأبي بكر أولى

ص: 227

وأحرى فحيث لم ينازعه دل على اعترافه بحقيّة خلافته ولقد سأله العباس في أن يبايعه فلم يقبل ولو علم نصّاً عليه لقبل سيما ومعه الزبير مع شجاعته وبنو هاشم وغيرهم، ومرّ أنّ الأنصار كرهوا بيعة أبي بكر وقالوا منّا أمير ومنكم أمير فدفعهم أبوبكر بخبر الأئمة من قريش فانقادوا له وأطاعوه وعلي عليه السلام أقوى منهم شوكة وعدداً وشجاعة فلو كان معه نصّ لكان أحرى بالمنازعة وأحقّ بالإجابة، انتهى.

أقول:

ما ذكره أولًا من دليل إجماع الأمّة على حقيّة خلافة الثلاثة ساقط جداً لأنّه أدعي فيه عدم نزاع أميرالمؤمنين عليه السلام وقد فصّلنا سابقاً أنّه عليه السلام نازع ولم يبايع أبابكر إلى ستة أشهر وطلب عن أنس من الصحابة الشهادة على نصبه عليه السلام يوم الغدير فلم يشهد عناداً فدعا عليه السلام حتى صار مبروصاً، وكذا لم يشهد زيد بن أرقم فصار بدعائه عليه السلام أعمى، ونزاع سلمان وأبي ذر ومقداد وعمار وخالد بن سعيد الأموي ومالك بن نويرة الحنفي وغيرهم واحتجاجهم على أبي بكر في ذلك مشهور وفي كتب المتقدّمين من الجمهور مسطور.

وأمّا ترك النزاع آخراً والبيعة لأبي بكر بعد ستة أشهر فلا يدل على صحّة خلافته، لأنّ المعتبر في باب الإمامة إنّما هو الرضا والتسليم دون الصفقة باليد، ألا ترى أنّ من نأى عن محل الإمام وبلده يعدّ مبايعاً له من حيث رضى وسلم وانقاد و إن لم يضرب بيده، وإنّما يراد الصفقة ليكون أمارة الرضا فإذا ظهر ما هو ولي منها لم يعتبر بها ولم يحتجّ إليها، فلمّا وقع الإتفاق على تأخّر اميرالمؤمنين عليه السلام عن البيعة يجب أن يكون محمولًا على التأخّر عن إظهار الرضا والتسليم دون الصفقة باليد ولو كان راضياً بالأمر ومسلماً للعقد لم يعتبر بصفقته ولا عوتب على تأخّره ولا قيل في ذلك ما قيل، وجرى ما جرى.

ص: 228

إنّ في قعود علي عليه السلام عن منازعة الشيخين أسوة له بسبعة من الأنبياء

ومن صواب الجواب ما روى أنّه لمّا اتصل بعلي بن أبى طالب عليه السلام إنّ الناس قالوا ما باله لم ينازع أبابكر و عمر كما نازع طلحة والزبير وعائشة قال إنّ لى بسبعة من الأنبياء أسوة:

أوّلهم نوح عليه السلام قال اللَّه تعالى مخبراً عنه: [رَبِّ إِنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ] (1)

فإن قلتم إنّه ما كان مغلوباً فقد كذبتم القرآن وإن كان كذلك فعليّ أعذر.

والثاني إبراهيم عليه السلام وهو خليل الرحمن حيث يقول: وَ أَعْتَزِلُكُمْ وَ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ (2)

فإن قلتم إنّه اعتزلهم من غير مكروه فقد كفرتم، و إن قلتم إنّه رأى المكروه فاعتزلهم فالوصي أعذر،

والثالث، ابن خالته لوط عليه السلام إذ قال لقومه: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ فإن قلتم كان له بهم قوة فقد كذّبتم القرآن، وإن قلتم إنّه ما كان له بهم قوة فالوصي أعذر.

والرابع، يوسف عليه السلام إذ يقول: [رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ] (3)

فإن قلتم إنّه دعى إلى غير مكروه يسخط اللَّه فقد كفرتم، و إن قلتم إنّه دعى إلى ما يسخط اللَّه تعالى فاختار السجن فالوصي أعذر،

والخامس، موسى بن عمران عليه السلام إذ يقول: [فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَ جَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ] (4)

، فإن قلتم إنّه فرّ منهم من غير خوف فقد كفرتم وإن قلتم فرّ منهم خوفاً فالوصي أعذر.


1- «فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ»؛ قمر: 10.
2- مريم: 48.
3- يوسف: 33.
4- شعرا: 21.

ص: 229

والسادس، هارون عليه السلام إذ يقول: قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَ كادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ اْلأَعْداءَ (1)

فإن قلتم إنّهم ما استضعفوه كفرتم، وإن قلتم إنّهم استضعفوه وأشرفوا على قتله فالوصي أعذر.

والسابع، محمد صلى الله عليه و آله حيث هرب إلى الغار، فإن قلتم إنّه هرب من غير خوف أخافوه فقد كفرتم، وإن قلتم إنّهم أخافوه فلم يسعه إلّاالهرب فالوصي أعذر، فقام الناس إليه بأجمعهم وقالوا يا أميرالمؤمنين قد علمنا أنّ القول قولك ونحن المذنبون التائبون وقد عذّرك اللَّه تعالى. انتهي.

ذكر ما يعارض دعوى العامّة من انعقاد الاجماع الطوعي على إمامة أبي بكر

وممّا يعارض دعويهم الإجماع الطوعي على إمامة أبي بكر، الإجماع على إمامة معاوية باتفاق الناس بعد تسليم الحسن عليه السلام الأمر له فكانوا بأسرهم مظهرين للرضا بإمامته و تنفيذ أحكامه وكافين عن النكير عليه حتى سمّي ذلك العام عام الجماعة وكلّما يدّعى ههنا من إنكار باطن وخوف وتقية وعدم الطوع والرضا يمكن أن يدّعى بعينه فيما تقدّم.

وكذا يعارض أيضاً بالإجماع على قتل عثمان وخلعه، فإنّ الناس كانوا بين قاتل وخاذل وكاف عن النكير، وهذه أمارات الرضا عندكم ويدلّ على ما ذكرنا ماسيذكره هذا الشيخ الجامد من أنّه لمّا توفّيت فاطمة عليها السلام استنكر علي عليه السلام وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ولم يكن يبايع تلك الأشهر وأدلّ من ذلك عبارة صحيح البخاري حيث قال:

لمّا توفيت فاطمة عليها السلام تولّت وجوه الناس عن علي عليه السلام فضرع إلى بيعة أبي بكر،


1- أعراف: 150.

ص: 230

فإنّ لفظ ضرع صريح في الإلجاء والإكراه فافهم.

ويرشد إليه أيضاً احتجاج علي عليه السلام يوم الشورى بما ذكره هذه الشيخ أيضاً في هذا الكتاب وكذا الأشعار المنسوبة إليه في ديوانه الشريف الذي جمعه بعض الجمهور، والملخّص أنّ الدعوى لا يثبت إلا بالدليل أو بقبول الخصم، والخصم وهم الشيعة ينكرون إمامة أبي بكر ولا دليل عقلياً ولا نقلياً لهم غير الإجماع المذكور وقد عرفت بطلانه آنفاً فتكون إمامتهم باطلة.

ذكر سبب قيام علي عليه السلام بحرب معاوية وقعوده عن حرب أبي بكر وأخويه

وأمّا مازعم من أنّ نزاعه عليه السلام مع أبي بكر كان أولى من نزاعه مع معاوية فساقط جدّاً، بل الأمر بالعكس بطريق أولى، فإنّ الفرق بين النزاع مع الشيوخ الثلاثة التى زعم القوم كونهم مستأهلين للخلافة الحقيقية الإلهيّة وكونهم من السابقين الأوّلين من المهاجرين الصديقين، وبين النزاع مع معاوية الطليق الذي لم يدرك الإسلام في زمن النبي صلى الله عليه و آله إلا ستة أشهر وكانت إمامته بالسلطنة والملك والغلبة فرق ما بين الفرق والقدم، ومع قطع النظر عن علوّ شأنه في نظر قريش وأنّه من حيث إرادتهم دفع علي عليه السلام عن مقامه به و دنوّ كعب معاوية في نظر هم كان المسلمون حديثى عهد بالجاهلية في زمان أبي بكر وأخويه ولم يكونوا راسخين في الإسلام بل كانوا مستعدّين للارتداد وإفناء الإسلام عن أصله بأدنى سبب وأقلّ فتنة بخلاف الزمان الذي وصل فيه الخلافة إلى علي عليه السلام كما لا يخفى.

وأيضاً من البيّن أنّ ما حصل له في أوّل خلافته من إجماع أكثر المهاجرين وسائر الأنصار وأعراب البوادي والقفار عليه كان وافياً في نظر العقل لدفع معاوية وعزله وإزالة بدعه وتجبره على المسلمين ومخالفته لدين سيد المرسلين لكن عائشة وطلحة والزبير فرّقوا جمعيته عليه السلام بالخروج والبغي عليه عند ذلك وجرّأوا معاوية

ص: 231

أيضاً على منازعته والخروج عليه، بل كاتبوه والتمسوا منه خروجه من الشام معاونة لهم، غاية الأمر أنّه أخّر الخروج تأنّفا عن لزوم متعابعتهم، ثم خرج مستقلّاً إلى حرب علي عليه السلام في صفين وكان آثار غلبة علي عليه السلام في طول أيام ذلك الحرب ظاهرة حتى عجز أصحاب معاوية ورفعوا المصاحف على رؤوس رماحهم صلحاً وشفاعة، لكن جماعة من رؤساء عسكر أميرالمؤمنين عليه السلام كأشعث بن قيس وعبداللَّه بن وهب الراسبي وأمثالهما الذين استمالهم معاوية مكراً وخدعة مرقوا عن الدين فقلّبوا الأمر والجأوه عليه السلام إلى قبول الحكمين ومع ذلك حيث لم يتمّ أمرالحكمين اغتنم معاوية فرصة الهرب إلى الشام ورجع أميرالمؤمنين عليه السلام إلى حرب الخوارج المارقين كما فصّل في كتب السير والتواريخ.

وأما ما ذكره من سؤال العباس مبايعته له عليه السلام وعدم قبوله عليه السلام لذلك ففيه أنّ الوجه فيه أنّه عليه السلام كان يعرف باطن الأمر وكلام العباس كان على الظاهر ولا يمتنع ان يغلب في ظنه ما لا يغلب على ظن العباس فلا يكون في أمثاله دلالة على صواب ماجرى من العقد لأبي بكر، وإنّما يدلّ على أنّ ما بذله له العباس من البيعة لم يكن عنده صواباً، وبالجملة لمّا رأى العباس أنّ القوم شرعوا الإمامة من جهة الإختيار و أوهموا أنّه الطريق إلى الإمامة أراد أن يحتجّ عليهم بمثل حجّتهم، ويسلك في إمامة أميرالمؤمنين عليه السلام مسلكهم على سبيل الإستظهار عليهم والإزالة لشبهتهم، ولمّا علم عليه السلام أنّ العباس ليس ممن يصلح معاضداً معارضاً في هذا الأمر توقّف عن قبوله، و يؤيد هذا ما روي عنه عليه السلام إنّه قال في تلك الأيام لو كان حمزة وجعفر حيّين لما طمع في هذا الأمر أحد، ولكنّي قد ابتليت بجلفين جافين عباس وعقيل.

في أنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة ناشئة من إغفال الناس

وأمّا ما ذكره من أنّ الأنصار كرهوا بيعة أبي بكر الخ. فأقول نعم، لكنّ

ص: 232

الشيخين واتباعهما من قريش أوقعوا في أوهام الأنصار وغيرهم، أنّ قعود علي عليه السلام في بيته لتجهيز النبي صلى الله عليه و آله ترك عنه عليه السلام للخلافة المتعيّنة له عن النبي صلى الله عليه و آله فلهذا اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة وأرادوا عقد الإمارة لواحد منهم على أنفسهم لانتظام أمورهم ولم يظهر لهم خلاف ما توهّموه أوّلًا إلّابعد ماغلب عليهم صناديد قريش وأخذوا منهم البيعة الفاسدة لأبي بكر فلتة كما مرّ فلم يسعهم نقضها بعد ذلك، والرجوع إلى علي عليه السلام ظاهراً إلّامن شذّ منهم كسعد بن عبادة وأولاده رضي اللَّه عنهم و تفصيل ذلك مذكور في كتاب الفتوح وكتاب روضة الصفا، فخذ ما صفا.

وأمّا قوله «فدفعهم أبوبكر بخبر الأئمة من قريش» فالظاهر أنّه ممّا وضعوه وأوقعوا في أوهام الأنصار أنّه حديث النبي صلى الله عليه و آله لأنّ عمر قد ناقض ذلك فيما بعد، وقال حين أظهر الشك في استحقاق كلّ واحد من الستة الذين جعلهم شورى لو كان سالم مولى حذيفة حيّاً ما يحابي فيه شك وسالم عبد لإمرأة من الأنصار وهي اعتقته وحازت ميراثه.

إنّ أكثر طوائف قريش كانوا من مخالفي علي عليه السلام

وأمّا قوله وعلي أقوى منهم شوكة وعدداً فمن أوضح الأكاذيب كما سمعت آنفاً كيف وقد أجمع جميع طوائف قريش الذين كانوا يبغضون علياً عليه السلام للثارات الجاهلية على خلافة أبي بكر كما صرّح به عليه السلام فيما نقلناه سابقاً من قوله في بعض شكاياته:

«اللهم إنّي استعديك على قريش فانهم قطعوا رحمي وكفأوا انائي وأجمعوا على منازعتي حقاً كنت أولى به من غيري» (1)

.

فكيف لا يكون عليه السلام عنهم في خوف وحذر مع أنّ أصحابه من بني هاشم


1- الغارات، ج 2، ص 571(قريب به مضمون).

ص: 233

وغيرهم كانوا بالنسبة إليه مبغضين كما نقل عن النبي صلى الله عليه و آله في أوائل الخاتمة التي عقدها لبيان ما أخبر به ممّا حصل على آله من البلاء والقتل من قوله صلى الله عليه و آله:

«إن أهل بيتي سيلقون بعدي من أمتى قتلًا وتشريداً وان أشد أقوام لنا بغضاً بنو أمية وبنو المغيرة وبنو المخزوم» (1)

.

فهولاء الطالبون لثاراتهم عنه عليه السلام اتّفقوا على منع علي عليه السلام عن الخلافة وهجموا على استخلاف أبي بكر رغماً له عليه السلام ولهذا ذكر أيضاً في الفتوح وغيره إنّ في حرب صفين كان من قريش مع علي عليه السلام خمسة نفر وهم محمد بن أبي بكر ربيبه عليه السلام، وجعد ابن هبيرة المخزومي بن اخته عليه السلام، وأبوالربيع بن أبي العاص بن ربيعة الذي كان أبوه أبوالعاص سلفه، ومحمد بن أبي حذيفةبن عتبة ابن أخت معاوية بن أبي سفيان، وهاشم بن عتبة بن أبي وقّاص رضي اللَّه عنهم، وكان مع معاوية ثلاث عشر قبيلة من قريش مع أهلهم وعيالهم ولا يخفى على الفطن اللبيب أنّ إجماعهم واجتماعهم على باطل معاوية في الأواخر دليل على جواز إجماعهم على باطل أبي بكر وأخويه في الأوائل.

في تعاقد الشيخين وأبي عبيدة وسالم على انتزاع الخلافة عن علي عليه السلام

وتوضيح المقال والكشف عن سريرة الحال ما رواه بعض السلف عن حذيفة رضي اللَّه عنه أنه قال:

حدّثني بريدة الأسلمي أنّه لمّا قمنا من مكاننا في غدير خم نريد مضاربنا سمعت رجلًا يقول لصحابه ما رأيت اليوم ما فعل بابن عمّه؟ لو قدر أن يصيّره نبياً بعده لفعل، فقال له صاحبه اسكت لو فقدنا محمداً صلى الله عليه و آله لم نر من هذا شيئاً، ثم لمّا رحل


1- ينابيع المودّة قندوزي، ج 2، ص 469

ص: 234

النبي صلى الله عليه و آله عن غدير خم ورأى أنّ أبابكر وعمرو أباعبيدة يتناجون في إنكار تلك الخطبة في شأن علي عليه السلام أمر منادياً ينادي ألا لا يجتمع ثلاثة نفر من الناس يتناجون وارتحل عليه السلام فلمّا نزل منزلًا آخر أتى سالم مولى أبي حذيفة أبابكر وعمرو أبا عبيدة فوجدهم يسار بعضهم بعضاً فوقف عليهم وقال أليس رسول اللَّه صلى الله عليه و آله نهى أن يجتمع ثلاثة نفر على سرّ؟ واللَّه لئن لم تخبروني بما أنتم عليه لاتين رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ولأعرفنّه ذلك منكم، فقال أبوبكر يا سالم عليك عهد اللَّه وميثاقه إنّ نحن أخبرناك بما نحن فيه، فإن أحببت أن تدخل معنا دخلت وإن أبيت كتمت علينا، فقال سالم ذلك لكم عليّ فأعطاهم عهد اللَّه وميثاقه أنّه إن لم يدخل معهم يكتمه عليهم، قالوا اجتمعنا على أن نتعاقد اليوم على أن نمنع محمداً ممّا افترضه علينا من ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام.

فقال لهم سالم أنا واللَّه به أولى من يخالفكم على ذلك الأمر، واللَّه ما طلعت شمس على أهل بيت أبغض إليّ من بني هاشم ولا في بني هاشم أبغض إليّ من علي عليه السلام، فاصنعوا أما بدأ لكم فإنّي واحد منكم فتعاقدوا في وقتهم ذلك، ثم تفرّقوا،

في إشهاد المتعاقدين أربعة وثلاثين رجلًا على تعاقدهم المذكور

قال حذيفة: ثم إنّهم أتوا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فقال لهم ما كنتم يومكم هذا تتناجون فيه؟

قالوا يا رسول اللَّه، ما التقينا غير وقتنا هذا فنظر إليهم مغضباً، ثم قال:

[وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ] (1)

ثم أمر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بالرحيل حتى دخل المدينة، واجتمع القوم بها وكتبوا صحيفة على حسب ما تعاقدوا عليه من التنكّب عمّا بايعوا


1- بقره: 74.

ص: 235

عليه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في استخلاف علي عليه السلام و أنّ الأمر لأبي بكر بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ثم بعده لعمر بن الخطاب، ثم بعده للحيّ من أحد الرجلين أبي عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة واشهدوا على ذلك أربعة وثلاثين رجلًا، أربعة عشر رجلًا أصحاب العقبة وعشرين رجلًا غيرهم وهم سعيد بن العاص الأموي و أسامة بن زيد والوليد بن أبي ربيعة وسعيد بن زيد بن نفيل وأبوسفيان بن حرب وسفيان بن أمية وأبوحذيفة بن عتبة ومعاذ بن جبل وبشير بن أبي سعيد الأنصاري وسهل بن عمرو حكيم بن حزام الأسدي وصعيب بن سنان الرومي والعباس بن مرداس السلمي وأبومطيع بن أسد العبدى وقعدابن عمرو سالم مولى أبي حذيفة وسعيد بن مالك وخالد بن عرفطة ومروان بن الحكم والأشعث بن قيس.

في ذكر مضمون صحيفة المتعاقدين عن قول أسماء بنت عميس

قال حذيفة: حدثتني أسماء بنت عميس زوجة أبي بكر، أنّ القوم اجتمعوا في دار أبي بكر، فتوامروا في ذلك وأسماء تسمع جميع كلامهم، فأمروا سعيد بن العاص أن يكتب على اتفاق منهم:

بسم اللَّه الرحمن الرحيم، من المهاجرين والأنصار الذين مدحهم اللَّه في كتابه على لسان نبيّه، اتفقوا جميعاً بعد أن اجتهدوا في آرائهم وكتِبوا هذه الصحيفة نصراً منهم للإسلام وليقتدي بهم من جاء بعدهم،

أمّا بعد فإن اللَّه بمنّه وكرمه بعث محمداً رسولًا إلى الناس كافّة بدينه، الذي ارتضاه لعباده فأدى ما أمر به حتى إذا أكمل الدين وبيّن الفرائض والسنن وعيّن الحلال والحرام فقبضه إليه مكرماً من غير أن يستخلف من بعده أحداً فجعل الإختيار إلى المسلمين ليختاروا لأنفسهم من وثقوا برأيه ودينه وأنّ للمسلمين في رسول اللَّه أسوة حسنة في ترك الاستخلاف فإنه عليه السلام لم يستخلف على الناس أصلًا،

ص: 236

لئلّا يجري ذلك في أهل ملّة واحدة فيكون إرثاً لهم دون سائر المسلمين، ولئلّا يكون دولة بين الأغنياء منهم، ولئلّا يقول الذي يستخلفه أنّ هذا الأمر باق في عقبه من ولد إلى ولد إلى يوم القيامة، والذي يجب على المسلمين عند مضيّ كلّ خليفة أن يجمعوا أهل الصلاح وذوي الرأى منهم ليشاوروا في أمورهم فمن رأوه مستحقّاً للخلافة بدينه وفضله ولّوه أمورهم وجعلوه القيّم عليهم، لأنّه لا يخفى على أهل كلّ زمان من يصلح منهم للخلافة.

فإن ادّعى أحد أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله استخلف رجلًا بعينه بحيث نصبه للناس باسمه ونسبه كان كاذباً في دعواه وأتى بخلاف ما يعرفه أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وخالف إجماع المسلمين، وإن ادعى مدّعٍ أنّ خلافة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وراثة لأهل بيته فقد أبطل وأحال وخالف قول رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:

«نحن معاشر الأنبياء لا نورث فما تركناه صدقة» (1)

وإن ادعى مدّعٍ أن الخلافة لا تصلح إلّالرجل وأحد من جميع الناس وأنّها مقصورة فيه.

وإن قال قائل أنّ الخلافة تتلو النبوة فقد كذب لأنّه صلى الله عليه و آله قال:

«أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم» (2)

.

وإن ادّعى مدّعٍ أنّه يستحقّ بقرابته من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فليس ذلك له لأنّ اللَّه تعالى قال: «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ» (3)

فمن رضي بما اجتمع عليه أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فقد هدى وعمل بالصواب، ومن كره ذلك وخالف أمرهم فقد عاند جماعة المسلمين، فليقاتلوه، فإنّ في ذلك صلاح الأمة، فإنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قد قال:

«الإجتماع لأمتي رحمة والفرقة عذاب ولاتجتمع أمتي على ضلال أبداً»،


1- الطوائف، ص 271
2- المبسوط سرخسي، ج 16، ص 83
3- حجرات: 13.

ص: 237

وأنّ المسلمين يد واحدة على من سواهم وأنّه لا يخرج من جماعة المسلمين إلّا مفارق معاند، لهم مظاهر عليهم، فقد أباح اللَّه ورسوله دمه وأحل قتله.

وكتب سعيد بن العاص باتفاق من أثبت اسمه وشهادته آخر هذه الصحيفة في المحرم سنة عشر من الهجرة والحمد للَّه ربّ العالمين وصلى اللَّه على سيدنا محمد النبي وسلم ثمّ دفعت الصحيفة إلى أبي عبيدة بن الجرّاح فوجّه بها إلى مكة فلم تزل الصحيفة في الكعبة مدفونة إلى أن ولّى عمر بن الخطاب، فأخرجها وهي التي تمنّاها أميرالمؤمنين عليه السلام لمّا توفي عمر فوقف به وهو مسجّى بثوبه وقال ما أحبّ أن ألقى اللَّه تعالى إلّابصحيفة هذا المسجّى، قال حذيفة فلمّا فرّغوا من ذلك أتوا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إلى أبي عبيدة وقال بخّ بخّ لك يا أباعبيدة من مثلك، وقد أصبحت أمين قوم من هذه الأمّة على باطلهم ثم قرأ:

«فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَ وَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ» (1)

.

ولقد أصبح نفر من أصحابي ماهم في فعلهم دون مشركي قريش لمّا كتبوا صحيفتهم وعلّقوها في الكعبة ولو لا أنّ اللَّه أمرنى بالإعراض عنهم لأمر هو بالغه لقدّمتهم وضربت اعناقهم، قال حذيفة فواللَّه لقد رأيت هؤلاء النفر قد استقبلتهم الرعدة فلم يملك أحد منهم نفسه ولم يخف على كلّ من حضر مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله من المهاجرين والأنصار، أن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يذمّهم انتهى.

في بيان معنى قول الشاعر الشيعي

وممّا ينبغي أن ينبّه على أنّ أباعبيدة هو الذي جادل وخاصم مع علي عليه السلام في أمر الخلافة عند إحضارهم له عندهم بعد بيعة السقيفة ليأخذوا منه البيعة أيضاً كما


1- بقره: 79.

ص: 238

هو المذكور المشهور في التواريخ المعتبرة من كتب أهل السنة والجماعة، ولهذا قال شاعر أهل البيت عليهم السلام مشيراً إلى الخائن أبي عبيدة الذي سمّاه القوم أميناً.

غلط الأمين فجازها عن حيدر واللَّه ما كان الأمين أميناً

وقد ذهب ذلك على السيد الشريف الجرجاني في شرح المواقف فزعم أنّ هذا البيت من شعر الغلاة، وأنّ المراد من الأمين جبرئيل عليه السلام، وأنّ ضمير جازها راجع إلى النبوة، فافهم.

سبب نزول قوله تعالى: (سأل سائل ...) وهلاك الحارث بن النعمان

والذي يزيد إيضاحاً لما بينّاه وتثبيتاً لما نقلناه أنّه قد ترشّح عن بعضهم عند مراجعة النبي صلى الله عليه و آله عن الغدير إنكار كون ذلك العهد وحياً من اللَّه تعالى كما صرّح به الثعلبي من رؤساء مفسّريهم حيث قال:

لما كان رسول اللَّه بغدير خم نادى الناس فاجتمعوا فأخذ بيد على عليه السلام فقال:

«من كنت مولاه فعلي مولاه» (1)

فشاع ذلك وطار في البلاد وبلغ ذلك الحارث بن نعمان الفهري القرشي فأتى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله حتى أتى الأبطح، فنزل عن ناقته فأناخها وعقلها وأتى النبي صلى الله عليه و آله وهو في ملاء من أصحابه فقال يا محمد أمرتنا عن اللَّه أن نشهد أن لا إله إلّااللَّه وأنّك رسول اللَّه فقبلناه منك، وأمرتنا أن نصلّي خمس صلوات فقبلناه منك وأمرتنا أن نصوم شهراً فقبلناه منك وأمرتنا أن نزكّي أموالنا فقبلناه منك، وأمرتنا أن نحجّ البيت فقبلناه منك ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمّك ففضّلته علينا وقلت «من كنت مولاه فعلي مولاه» هذا شي ء منك، أم من اللَّه؟


1- شرح الاخبار، قاضي نعمان مغربي، ج 1، ص 99

ص: 239

فقال النبي صلى الله عليه و آله والذي لا إله إلّاهو أنّه من اللَّه، فولى الحارث بن نعمان الفهري يريد راحلته وهو يقول اللهم إن كان ما يقول محمد حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فما وصل إليها حتّى رماه اللَّه بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره فقتله وأنزل اللَّه تعالى:

«سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ» (1)

.

وقد روى هذه الرواية النقاش من علماء الجمهور في تفسيره أيضاً، وذكرها بعض الشافعية في كتابه الموسوم بالفصول المهمة في مناقب الأئمة، فتأمّل وأنصف «وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرتَ وَلا تَتَّبِعْ الهَوى» (2)

، فإنه سبيل من غوى.

وأمّا ما ذكره من أنّه عليه السلام كان أقوى شجاعة، فنقول نعم، لكن بمعنى أنّه أشجع من آحاد شجعان الدنيا لاعن جميع الناس مجتمعاً و مزدحماً عليه، وإلّا لزم انثلام عصمة النبي صلى الله عليه و آله في عدم قتل الكفار في أول الأمر ثم في عام الحديبية حيث صالح معهم و أعطاهم الذمّة كما زعمه عمر مع حضور من معه من علي عليه السلام وخلق كثير من الصحابة حتى أبي بكر الا شجع كما يتناقض هذا الشيخ المكابر بدعواه له فيما سيأتي.

والجواب الجواب بل كان توقّف علي عليه السلام عن الحرب مع هؤلاء المتظاهرين بالإسلام أظهر في الصواب كما لا يخفى على أولى الألباب.

في أنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة ولم يكن فيها مشورة ولا إجماع

24- قال:

ولا يقدح في حكاية الإجماع تأخّر علي والزبير والعباس وطلحة


1- معارج: 1- 3.
2- «وَاْستَقِمْ كَما امِرْتَ وَلا تَتّبعْ أهْواءَهُمْ...»، شورى: 15

ص: 240

مدّة لأمور، منها أنّهم رأوا أنّ الأمر تمّ بمن تيسّر حضوره حينئذ من أهل الحلّ والعقد، ومنها أنّهم لمّا جاؤا وبايعوا اعتذروا كما مرّ عن الأوّلين من طرق بأنّهم أخّروا عن المشورة مع أنّ لهم فيها حقاً لا للقدح في خلافة الصديق، هذا مع الاحتياج في هذا الأمر لخطره إلى المشورة التامة ولهذا مرّ عن عمر بسند صحيح أنّ تلك البيعة كانت فلتة لكن وقى اللَّه شرّها، انتهي.

أقول:

أوّلًا إنّ عدم القدح مقدوح كيف والإجماع اتفاق جميع أهل الحلّ والعقد، فإذا تخلّف البعض لاينعقد الإجماع

وثانياً أنّ ما ذكره في وجه عدم القدح أوّلًا من أنّهم رأوا أنّ الأمر تمّ بمن تيسّر حضوره من أهل الحلّ والعقد غير متّجه بل هو رأي فاسد لا دليل عليه من العقل والنقل.

وثالثاً أنّ ما ذكره من أنّهم لمّا جاؤا وبايعوا اعتذروا الخ، مردود بما مرّ من أنّ بيعتهم في ثاني الحال لم يكن عن طيب النفس والرضا والتسليم وعلى تقدير التسليم يلزم أن يكون خلافته قبل ذلك واقعة على غير سبيل المؤمنين وكفى به منقصة وأمّا ما ذكره كذباً وافتراء من اعتذارهم بأنّهم أخّروا عن المشورة مع أنّ لهم فيها حقاً مدخول بأنّ المشورة لم تقع في بيعة أبي بكر أصلًا كما يذكره هذا الشيخ الجاهل متصلًا بذلك من قوله و عن عمر بسند صحيح أنّ تلك البيعة كانت فلتة فكيف يتوقّعون هم إدخالهم في المشورة دون سائر المهاجرين والأنصار حتى يعتذروا للتأخير بذلك العذر الواهي، بل لا معنى لتأخّرهم عن المشورة أصلًا ولا لكونهم فيها حقّاً قطعاً.

ص: 241

في أنّ القول بتجديد علي عليه السلام بيعته لأبي بكر دعوى بلا وجه

25- قال:

لكن جمع بعضهم بين الخبر المارّ عن عائشة الدالّ على تأخّر بيعة علي عليه السلام إلى موت فاطمة و بين الخبر الذي مرّ عن أبي سعيد من أنّ علياً والزبير بايعا من أول الأمر بأنّ علياً بايع أوّلًا ثم انقطع عن أبي بكر لمّا وقع بينه وبين فاطمة ما وقع في مخلفة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ثم بعد موتها بايعه مبايعة أخرى فتوهّم من ذلك بعض من لا يعرف باطن الأمر أن تخلّفه أنّما هو لعدم رضاه بيعته فأطلق ذلك من أطلق، ومن ثمّ أظهر على مبايعته لأبي بكر ثانياً بعد موتها على المنبر لإزالة هذه الشبهة، انتهى.

أقول:

سيفرق هذا الجمع ما سيذكره قبيل الفصل الخامس حيث قال: إن أبابكر أرسل إليهم بعد ذلك يعنى إلى علي والعباس والزبير والمقداد فجاؤوا فقال للصحابة هذا علي ولا بيعة لي على عنقه وهو بالخيار في أمره إلّافإنّكم بالخيار جميعاً في بيعتكم إيّاي فإن رأيتم لها غيري فأنا أول من بايعه الخ،

وأيضاً لا وجه لتجديد البيعة الواقعة على رؤس الأشهاد لأجل انقطاع المبايع وعزلته في بيته لبعض الأغراض من غير إظهاره لمن بايعه ليخلعه وينكر عليه، وإلّا لوجب تجديد بيعة كلّ من سافر عن أبي بكر مثلًا بعد البيعة إلى مدّة، ثمّ رجع إليه، وهل هذا إلّاأضحوكة يتلهّى بها الصبيان كما إنّ فساد تقييد ذلك التجديد بوقوعه على المنبر ممّا يكاد يبصره العميان.

26- قال:

وحكى النووي بأسانيد صحيحة عن سفيان الثوري أنّ من قال:

إنّ علياً كان أحق بالولاية فقد خطأ أبابكر وعمرو المهاجرين و ما أراه يرفع له عمل إلى السماء انتهى.

أقول:

النووي عندنا أحقر من نواة الحشف البالي، والثوري عجل جسد له خوار عالى؛ وتخطئة أبي بكر وعمر وأتباعهما مما وافق فيه السماوات والأرض فلا

ص: 242

يبالي بها الشيعة يوم العرض، بل يرون ذلك من أرفع أعمال الفرض، وقد سبق منّا زيادة كلام يتعلّق بما في هذه التخطئة فيما كتبناه على أوائل الفصل الثاني فتذكر.

في أنّ من حاربهم أبوبكر بعنوان كونهم من أهل الردّة لم يكونوا من المرتدّين

27- قال: الفصل الثالث في النصوص السمعيّة الدالة على خلافته من القرآن والسنة.

أما النصوص القرآنية فمنها قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ لا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ» (1)

أخرج البيهقي عن الحسن البصري إنّه قال: هو واللَّه أبوبكر لمّا ارتدّت العرب جاهدهم هو وأصحابه حتّى ردّهم إلى الإسلام، انتهى.

أقول:

ليس أحد ممن حاربهم أبوبكر بأصحابه من أهل الردّة كما ذكره إبن حزم في مسئلة أحكام المرتدّين من كتابه الموسوم بالمجلى حيث قال:

إنّ المتسمّين بأهل الردّة قسمان:

قسم لم يؤمن قط كأصحاب مسيلمة وسجاح فهؤلاء حربيون لم يسلموا قط لا يختلف أحد في أنّه يقبل توبتهم وإسلامهم

والثاني: قوم أسلموا ولم يكفروا بعد إسلامهم لكن منعوا الزكوة من أن يدفعوها إلى أبي بكر فعلى هذا قوتلوا ولم يختلف الحنفيون والشافعيون في أنّ هؤلاء ليس لهم حكم المرتد أصلًا وهم قد خالفوا فعل أبي بكر فيهم ولا نسمّيهم أهل الردة ودليل ما قلناه شعر الحطيئة المشهور الذي يقول فيه:


1- مائده: 54.

ص: 243

أطعنا رسول اللَّه ما كان بيننا فيالهفاً ما بال دين أبي بكر

أيورثها بكر إذا مات بعده فتلك لعمر اللَّه قاصمة الظهر

وأين التي طالبتم فمنعتم لك التمر أو أحلى لدى من التمر

فياليتني دون أن رحلى وناقتي عشية نجد بالرماح. أبوبكر

(انتهى)

في أنّ المتهمين بأهل الردّة كانوا من معتقدي خلافة أهل البيت عليهم السلام

بل قد ذكر صاحب الفتوح عند ذكر بني حنيف وبني كندة إنّ منشأ مخالفة طوائف العرب الذين منعوا أبابكر في أيام خلافته عن الزكوة حتى سمّاهم بأهل الردّة وقاتلهم عليه إنّما كان اعتقادهم حقّية خلافة أهل البيت عليهم السلام وقدحهم في خلافة أبي بكر فقد روى بعض المتقدّمين أنه لمّا بويع لأبي بكر دخل مالك بن نويرة سيّد بنى حنيف رضى الله عنه المدينة لينظر من قام بالأمر بعد النبي صلى الله عليه و آله و كان يوم الجمعة فلمّا دخل المسجد وصعد أبوبكر ليخطب على منبر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فلمّا نظر إليه قال هذا أخويتم؟، قالوا نعم، قال فما فعل وصي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله الذي أمرني رسول اللَّه صلى الله عليه و آله باتّباعه و موالاته، فقال له المغيرة بن شعبة إنّك غبت وشهدنا والأمر يحدث بعد الأمر، فقال مالك باللَّه ما حدث شي ء ولكنكم خنتم اللَّه في رسوله، ثم تقدّم إلى أبي بكر وقال يا أبابكر لم رقيت منبر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ووصيّ رسول اللَّه جالس، فقال أبوبكر أخرجوا الأعرابي البوال على عقبيه من المسجد، فقام إليه عمر وخالد وقنفذ فلم يزالوا يلكزونه في ظهره حتى أخرجوه من المسجد كرهاً بعد هانة وضرب فركب مالك راحلته وهو يقول:

أطعنا رسول اللَّه ما كان بيننا فياقوم ما شأني وشأن أبي بكر

ص: 244

إذا مات بكر قام بكر مقامه فتلك وبيت اللَّه قاصمة الظهر

فلو قام بالأمر الوصي عليهم أقمنا ولو كان القيام على الجمر

في أنّ أمير المؤمنين كان موصوفاً بمحبّة اللَّه...

في أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان موصوفاً بمحبّة اللَّه والجهاد في سبيله والتواضع وهو أوّل مجاهد بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله

قال الراوي فلما توطأ الأمر لأبي بكر بعث خالد بن الوليد في جيش وقال علمت ما قال ابن نويرة في المسجد على رؤس الأشهاد، وما أنشده من شعره و لسنا نأمن من أن ينفتق علينا منه فتق لا يلتئم والرأي أن تخدعه وتقتله وتقتل كل من يبارزك دونه وتسبّي حريمهم اتّهاماً لهم بأنّهم قد ارتدّوا ومنعوا الزكوة فسار خالد وجرى من فعله ما اشتهر من الغلبة والغدر، الذي يضيق باستماعه الصدر، على أنه روي عن الباقر عليه السلام وابن عباس وعمار رضى الله عنه أنّ هذه الآية قد وردت في شأن الناكثين من أصحاب الجمل الذين جاهدهم علي عليه السلام، بل الظاهر أنّ المراد من الآية ما هو أعمّ من ذلك بأن يكون خطاباً لكافّة المؤمنين في حياة الرسول صلى الله عليه و آله و إعلاماً منه تعالى أنّ منهم من يرتدّ بعد وفاته بالتساهل على وصيته وإنكارهم للنص عليه وذلك هو ما يقوله جمهور أصحابنا من أنّ دافعي النص كفرة والإرتداد هو قطع الإسلام بما يوجب الكفر فيكون ذلك شاملًا لأصحاب الجمل وغيرهم وهو قول علي عليه السلام يوم الجمل:

«ما قوتل أهل هذه الآية حتى اليوم» (1)

ذلك حق و صدق، فإنّ منكري إمامته من المتقدّمين لم يقع بينه و بينهم قتال بل أوّل قتال وقع له بعد وفاة الرسول صلى الله عليه و آله هو حرب الجمل، ولذلك قال ما قال ومهما أمكن حمل الكلام على


1- تقريب المعارف، أبوالصلاح حلبي، ص 378

ص: 245

عمومه كان أولى، ويدلّ على أنّ الارتداد بإنكار النص والقيام على مخالفة أميرالمؤمنين عليه السلام ذكر أوصافه عليه السلام في متن الآية بقوله [يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ] (1)

فهو كقوله صلى الله عليه و آله له يوم الخيبر:

«لأعطين الراية غداً رجلًا يحب اللَّه ورسوله ويحبه اللَّه ورسوله كرّاراً غير فرّار» (2)

فإن الوصف بمحبته للَّه ومحبة اللَّه له وصف مجمع عليه في علي عليه السلام مختلف فيه في أبي بكر، ثم قال تعالى [أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ] (3)

ومعلوم بلا خلاف حالة أميرالمؤمنين عليه السلام في التخاشع والتواضع عند غضبه وإيذائه ما رأى قط طائشاً ولا مستطيراً في حال من الأحوال، ومعلوم حال أبي بكر وعمر في هذا الباب.

أمّا الأوّل فلأنّه اعترف طوعاً بأنّ له شيطاناً يعتريه عند غضبه. أما الثاني فكان معروفاً بالحدّة والعجلة، مشهوراً بالفظاظة والغلظة، وأمّا النصرة على الكفار فإنّما تكون بقتالهم وجهادهم والانتصاف منهم وهذه حال لم يسبق أميرالمؤمنين عليه السلام إليها سابق ولا لحقه فيها لاحق، ثم قال تعالى: [يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ] (4)

وهذا وصف أميرالمؤمنين عليه السلام مستحقّ له بالإجماع وهو منتف عن أبي بكر وصاحبه بالإجماع لأنّه لاقتيل لهما في الإسلام ولا جهاد بين يدي الرسول صلى الله عليه و آله، وكذا قوله تعالى [وَ لا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ] (5)

فإنّ الخوف من لومة اللائم إنّما كان يتوهّم في قتال الناكثين والقاسطين والمارقين الذين كان أكثرهم من أصحاب سيد الأنام ومتظاهرين بالإسلام.


1- مائده: 54.
2- شرح الاخبار، قاضي نعمان مغربي، ج 1، ص 302
3- مائده: 54.
4- مائده: 54.
5- همان.

ص: 246

في أنّ حكم أبي بكر بقتال أهل الردّة لم يكن صواباً

وأما قتال من زعموا أنّه ارتدّ من العرب في زمان أبي بكر فلم يكن فيه توهّم لوم اللائم حتى يوصف فاعله بعدم خوفه من ذلك، وبهذا التفسير والتقرير سقط إستدلاله بالآية على خلافة أبي بكر وهو ظاهر جدّاً ويزيده سقوطاً أنّ فخر الدين الرازي قال عند تفسير هذه الأية:

«إنّ هذه الأية من أدل الدلائل على فساد مذهب الإمامية لأنّ الذين اتفقوا على إمامة أبي بكر لو كانوا أنكروا نصاً جليّاً على إمامة علي عليه السلام لكان كلّهم مرتدّين ولجاء اللَّه بقوم يحاربهم ويردّهم إلى الحق، ولمّا لم يكن الأمر كذلك بل الأمر بالضدّ، فإنّ الشيعة مقهورون أبداً، حصل الجزم بعدم النص»

وأجاب عنه العلامة النيشابوري الشافعي في تفسيره بقوله: «ولناصر مذهب الشيعة أن يقول ما يدريك أنّه تعالى لا يجي ء بقوم يحاربهم ولعل المراد بخروج المهدي هو ذلك فإنّ محاربة من دان بدين الأوائل هي محاربة الأوائل»

ثمّ قال خوفاً وتقية: إنّ هذا الجواب إنّما ذكرته بطريق المنع لا لأجل العصبية والميل، فإنّ اعتقاد ارتداد الصحابة الكرام أمر فظيع، انتهى.

وفي عذره هذا أيضاً إشارات لا تخفى على أولى النهى. وإذ عرفت ممّا ذكرناه وما لم نذكره من القرائن والآثار في شأن القوم الذين وصفهم اللَّه تعالى بالصفة التي اشتقّ منها إسم نبيّه، فدعاه بنبيه فقد اطّلعت على حقيقة النسبة التي بين النبي والولي، وظهر لك إنّ إنكار الإمامة كإنكار النبوّة، وإنكار النبوة كإنكار ألوهية اللَّه تعالى. فعلم أنّ معرفة الإمام والإعتراف بحقّه شرط الإيمان رغماً لأنف من يتأنّف عن ذلك، ولولا ذلك لم يحكم اللَّه سبحانه و تعالى على منكر بالارتداد، إذ محصّل معنى الآية وعيد لمن أنكرها وارتدّ بذلك عن دين الإسلام قوم يعرفون صاحبها

ص: 247

ويعترفون بحقّه يحبهم اللَّه ويحبونه لمحبتهم إيّاه والقيام بمودته والبراءة من أعدائه.

اللهم اجعلنا من زمرة الذين أنعمت عليهم بمحبة أحبائك، والبراءة من أعدائك، إنّك على كلّ شي ء قدير، وبالإجابة والتفضّل حقيق جدير. وأمّا الرواية في ذلك عن الحسن البصري فقد مرّ أنّه ضعيف فلا يفيد برهانه القسمي، ونحن نعارضه بأضعاف ذلك القسم على خلافه فليضحك قليلًا وليبك كثيراً.

في أنّ أبابكر لم يكن بأعلم الصحابة كما ادّعاه ابن حجر

28- قال:

قال النووي في تهذيبه: واستدل أصحابنا على عظيم علم الصديق بقوله في الحديث الثابت في الصحيحين «واللَّه لأقاتلنّ من فرّق بين الصلوة والزكوة، واللَّه لو منعوني عقالًا كانوا يؤدّونه إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لقاتلتهم على منعه»، واستدل الشيخ أبو إسحاق بهذا وغيره في طبقاته على أنّ أبابكر أعلم الصحابة لأنّهم كلّهم وقفوا عن فهم الحكم في المسئلة إلّاهو، ثم ظهرلهم بمباحثته لهم أنّ قوله هو الصواب، فرجعوا إليه. انتهى.

أقول:

قد بينّا سابقاً نقلًا عن إبن حزم إنّ من منع أبابكر عن أداء الزكوة إليه لم يكونوا مرتدّين حقيقة إتفاقاً، وأنّهم لم يمنعوا الزكوة مستحلّين في الدين، بل منعوه عن أبي بكر لإعتقادهم عدم إستحقاقه للخلافة كما مرّ، فحكمه بقتالهم يكون جهلًا لا علماً. وبالجملة إن أراد بذلك العلم العلم الذي كان يستدعيه انتظام خلافته، وحصول مصلحته بالانتقام منهم، فهو مسلم لكن لا يجدي نفعاً. وإن أراد العلم المطابق لحكم اللَّه تعالى ورسوله فهو ممنوع كيف وقد روى صاحب الفتوح ما سيعترف به هذا الشيخ الجامد عند تقرير الشبهة الخامسة من أنّ عمر أنكر على

ص: 248

ذلك وخاطب خالد بن الوليد الذي ارتكب ذلك بقوله «يا عدو اللَّه» وأراد أن يقتصّ منه بقتله لمالك بن نويرة سيد بني حنيف، فنصحه أبوبكر و قال له لا تلم خالداً فإنّه سيف اللَّه، وإنّما فعل ما فعل بأمري وكان المصلحة فيه، فلم يتكلم عمر في ذلك مدة خلافة أبي بكر حتى وصلت الخلافة إليه فهرب عنه خالد إلى الشام وجمع عمر من بقى من قوم مالك وأخذ ما كان من نسائهم وذراريهم عند المسلمين وسلّمهم إليهم، فإن كان حكم أبي بكر علماً كان منع عمر جهلًا وإن كان بالعكس فالعكس فليختر أوليائهما من هذين ماشاؤا، ويدلّ على ما ذكرناه من أنّهم لم يجحدوا أصل الزكوة لأنّه لا يعقل من مالك وأصحابه ذلك مع القيام على الصلاة، فإنّهما جميعاً في قرن واحد لأنّ العلم الضروري حاصل للكل بأنّهما من دينه عليه السلام وشريعته على حدّ واحد، وهل نسبة مالك إلى الردّة مع ما ذكرناه الأقدح في الأصول ونقض في الدين من أنّ الزكوة معلومة ضرورة من دينه عليه السلام وقد روى جميع أهل النقل أنّ أبي بكر وصى الجيش الذين أنفذهم بأن يؤذنوا ويقيموا فإن أذن القوم بآذانهم وأقاموا كفوا عنهم فإن لم يفعلوا أعادوا عليهم فجعل إمارة الإسلام والبرائة من الردّة الأذان والإقامة وقصة مالك معروفة عند من تأمّلها من النقل لأنّه كان على صدقات قومه والياً من قبل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فلمّا بلغته وفاة النبي صلى الله عليه و آله أمسك عن أخذ الصدقات من قومه وقال لهم تربّصوا بها حتّى يقوم قائم بعد النبي صلى الله عليه و آله وتنظر ما يكون من أمر، وقد صرّح بذلك في بعض أشعاره المشهورة المذكورة في كتاب الكافي وغيره وروى بعضهم أنّه أخذ الصدقات وفرّقها على فقراء قومه، واللَّه أعلم، وإذ قد علم بما قرّرناه أنّ ما ذكره هذا الشيخ الجامد من تصويب جميع الصحابة بقتالهم كذب صريح ارتكبه ترويجاً لحال أبي بكر وسدّاً لباب الطعن القديم المشهور في ذلك عليه ومن أين يثبت العلم لمن لم يعلم من القرآن الذي عرضوه على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله مراراً معنى الأب والكلالة وغيرهما ممّا

ص: 249

فصّل في كتب الجمهور، هذا وسيجي ء منافي ذكر هذا الرجل للشبهة الثانية من شبه الشيعة ما يزيد المطلوب وضوحاً فلا تغفل.

في أنّ من حارب علياً عليه السلام قد مرق من الدين

29- قال:

ومن الآيات الدالة على خلافته أيضاً [قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ اْلأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً] (1)

فإن قلت: يمكن أن يراد بالداعي في الآية النبي صلى الله عليه و آله أو علي عليه السلام.

قلت لا يمكن ذلك مع قوله تعالى: [قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا] ومن ثمّ لم يدعوا إلى محاربة في حياته صلى الله عليه و آله إجماعاً كما مرّ وأمّا علي عليه السلام، فلم يتفق له في خلافته قتال لطلب الإسلام بل لطلب الإمامة ورعاية حقوقها، وأمّا من بعده فهم عندنا ظلمة وعندهم كفار، فتعيّن إنّ ذلك الداعي الذي يجب باتّباعه الأجر الحسن، وبعصيانه العذاب، أحد الخلفاء الثلاثة، وحينئذٍ فيلزم عليه خلافة أبي بكر على كل تقدير لأنّ حقيّة خلافة الآخرين فرع عن حقيّة خلافته، إذ هما فرعاها الناشئان عنها المترتّبان عليها إنتهى.

أقول:

قد علم ممّا قد منافي تقرير الآية السابقة، أنّ هذه الآية أيضاً إنّما تنطبق على علي عليه السلام في قتاله الطوائف الثلاثة، ولو سلّم أنّ مفاد هذه الآية ما فهمه هذا الشيخ الجامد فغاية ما يلزم منه ترتّب الثواب على فعل المأمور به في الآية والعقاب على تركه من حيث أنه كان إطاعة أو مخالفة للَّه تعالى، ولا يلزم منه ترتّبها على مجرد إطاعة الداعي المذكور في الآية، أو على مجرد مخالفته من حيث أنّه إطاعته أو


1- فتح: 16.

ص: 250

مخالفته حتى يلزم منه فضيلة الداعي وكون إطاعته مثلًا من حيث أنّه إطاعته مستلزماً للثواب والعقاب، وكيف يلزم ما ذكر وقد صحّ عن النبي صلى الله عليه و آله «إنّ اللَّه تعالى ليؤيّد هذا الدين بالرجل الفاجر» (1)

وأما ما ذكره من أنّه لم يتفق لعلي عليه السلام في خلافته قتال لطلب الإسلام بل لطلب الإمامة ورعاية حقوقها، فبطلانه واضح لأنّ طلب الإمامة طلب الإسلام، لأنّ الإمامة عندنا من أصول دين الإسلام، كما يدل عليه وجوه من الأدلّة، منها الحديث المشهور المتّفق عليه من قوله صلى الله عليه و آله: «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» (2)

لظهور أنّ الجاهل لشي ء من الفروع لا يكون ميتته كذلك.

قال الشريف المرتضى رضي اللَّه عنه:

«قد تعلّق أبو علي الجبائي من المعتزلة على عدم كون المراد من الآية من حاربهم أميرالمؤمنين عليه السلام من أهل الجمل وأهل صفين وأهل النهر، بقوله تعالى فيها [أَوْ يُسْلِمُونَ] (3)

وإنّهم كانوا مسلمين وأول مافيه أنّهم غير مسلمين عنده وعند أصحابه، لأنّ الكبائر تخرج عن الإسلام عندهم كما تخرج عن الإيمان إذ كان الإيمان هو الإسلام على مذهبهم، ثم مذهبنا في محاربي أميرالمؤمنين عليه السلام معروف، لأنّهم عندنا كانوا كفّاراً لوجوه:

منها: إنّ من حاربه كان مستحلّاً لقتله مظهراً إنّه في ارتكابه على حق، ونحن نعلم أنّ من أظهر استحلال شرب جرعة خمر فهو كافر بالإجماع واستحلال دم المؤمن فضلًا عن أفاضلهم وأكابرهم أعظم من شرب الخمر واستحلاله، فيجب أن يكونوا من هذا الوجه كفاراً


1- الجامع الصغير، جلال الدين السيوطي، ج 1، ص 274
2- مستدرك السفينة البحار، ج 2، ص 147
3- فتح: 16.

ص: 251

ومنها: أنّه صلى الله عليه و آله قال له عليه السلام بلا خلاف بين أهل النقل «حربك يا علي حربي وسلمك سلمي» (1)

ونحن نعلم أنّه لم يرد إلّاالتشبيه بينهما في الأحكام ومن أحكام محاربي النبي صلى الله عليه و آله الكفر بلا خلاف ومنها أنه صلى الله عليه و آله قال له بلا خلاف أيضاً: «أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله» (2)

وقد ثبت عندنا أنّ العداوة من اللَّه لا تكون إلّاللكفار الذين يعادونه دون فسّاق أهل الملّة، انتهى.

فلا يلزم إسلام هؤلاء قطعاً ولا ما زعمه من خلافة أبي بكر، وأمّا تعليله لذلك بأنّ حقّية خلافة الأخيرين فرع خلافتهما إلى آخره، فالخلف فيه ظاهر، لأنّا لا نسلّم أصل خلافة أبي بكر فضلًا عن كونه أصلًا بالنسبة إلى خلافة علي عليه السلام وهل هذا إلّامصادرة ظاهرة.

في أنّ الاستخلاف مع تبديل الأمن بالخوف منطبق على ظهور المهدى ...

في أنّ الاستخلاف في الأرض مع تبديل الأمن بالخوف منطبق على ظهور المهدي عليه السلام لا غير

30- قال:

ومن تلك الآيات أيضاً قوله تعالى: [وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي اْلأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً] (3)

قال إبن كثير هذه الآية منطبقة على خلافة الصديق إنتهى.

أقول:

لا انطباق له بما قصده أصلًا إذ لم يتحقق إلى يومنا هذا تبديل الخوف بالأمن في أكثر الأقطار ولاانتفاء الشرك بالكليّة كما يدلّ عليه قوله تعالى:


1- الغدير، ج 2، ص 300؛ بحار الانوار، ج 36، ص 337
2- مسند أحمد، ج 1، ص 119
3- نور: 55.

ص: 252

[لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً] (1)

وإنّما تنطبق الآية على خلافة المهدي المنتظر عليه السلام لما دلّ عليه الحديث المتواتر المتّفق عليه في شأنه من أنّه عند ظهوره يملأ الدنيا قسطاً وعدلًا كما ملئت جوراً وظلماً.

31- قال:

ومنها قوله تعالى: [لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ أَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَ رِضْواناً وَ يَنْصُرُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ] (2)

وجه الدلالة إنّ اللَّه سمّاهم صادقين ومن شهد اللَّه سبحانه له بالصدق لا يكذب، فلزم أنّ ما أطبقوا عليه من قولهم لأبي بكر يا خليفة رسول اللَّه صادقون فيه فحينئذٍ كانت الآية ناصّة على خلافته انتهى.

أقول:

فيه نظر ظاهر، لأنّه قد وصف اللَّه تعالى بالصدق من تكاملت له الشرائط المذكورة، ومنها ما هو مشاهد كالهجرة والإخراج من الديار والأموال فمنها ماهو باطن لا يعلمه إلّااللَّه تعالى وهو ابتغاء الفضل والرضوان من اللَّه ونصرةاللَّه ورسوله ولا ريب إنّ الاعتبار في ذلك ليس بما يظهر بل بالبواطن والنيّات ولا نسلّم أنّ المهاجرين الذين أطبقوا على خلافة أبي بكر كانوا ممّن تكاملت لهم الشرائط حتى يلزم أن يكونوا متّصفين بالصدق، فيجب على الخصوم أن يثبتوا اجتماع هذه الصفات في كلّ من هاجروا خرج من دياره وأمواله ولا يثبت ذلك إلّابدليل من خارج، ووجوده أبعد من وجود العنقاء، ونقول بوجه آخر إن أراد أنّ الآية تدلّ على صدق المجموع من أمة محمد صلى الله عليه و آله كما استدلّ به صاحب الشرح المسمّى بالتحقيق في أصول الحنفية فهب أن يكون كذلك لكن هذا في الحقيقة يرجع


1- نور: 55.
2- حشر: 8.

ص: 253

إلى الإستدلال بالإجماع الذي أثبتوا حجّيته بهذه الأمة بالأية وقد مرّ أنّ الإجماع غير ثابت في حق خلافة أبي بكر وإن أراد به صدق بعضهم فلا يفيد إلّاإذا ثبت أنّ ذلك البعض قالوا لأبي بكر خليفة رسول اللَّه ودون إثباته خرط القتاد على أنّ القول بذلك إنّما يجدي لو قصد القائل به الخلافة الحقيقية الإلهية أمّا لو قصد به المعنى اللغوي وهو مجي ء واحد خلف آخر فلا يثبت مطلوبهم كما لا يخفى.

ادّعاء فخر الرازي أنّ أبابكر رأس الصديقين ورئيسهم والجواب عنه

32- قال:

ومنها قوله تعالى: [اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ] (1)

قال الفخر الرازي: هذه الآية تدلّ على إمامة أبي بكر، لأنّا ذكرنا أنّ تقدير الآية إهدنا صراط الذين أنعمت عليهم واللَّه تعالى قد بيّن في آية أخرى إنّ الذين أنعم عليهم من هم بقوله تعالى: [فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ] (2)

ولا شك إنّ رأس الصديقين ورئيسهم أبوبكر، فكان معنى الآية إنّ اللَّه تعالى أمر أن نطلب الهداية التي كان عليها أبوبكر وسائر الصديقين ولو كان أبوبكر ظالماً لما جاز الاقتداء به فثبت بما ذكرنا دلالة هذه الآية على إمامة أبي بكر، انتهى.

أقول:

تسمية أبي بكر بالصديق إنّما كان من عند أوليائه الكذّابين الذين صدّقوه لأغراض لا تخفى على أولي النهي وقصدوا بهذه التسمية ترويج أمره لامن عند اللَّه تعالى وعند النبي صلى الله عليه و آله فكونه داخلًا في الآية غير مسلّم ولو ثبت ما زعمه من


1- حمد: 6- 7.
2- وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً؛ نساء: 69.

ص: 254

كون أبي بكر رأس الصدّيقين ورئيسهم لكفى ذلك في إثبات خلافته ولا حاجة معه إلى انضمام الآية إليه كما لا يخفى.

تصريح الفيروز آبادي بأنّ ما ورد في فضائل أبي بكر فهي من المفتريات

33- قال:

وأمّا النصوص الواردة عنه المصرّحة بخلافته والمشيرة إليها فكثيرة جدّاً.

أقول:

إن كان مرجع الضمير في «عنه» هو أبابكر كما هو الظاهر فتوجّه التهمة والمصادرة إليه ظاهر؛ وإن كان المرجع هو النبي صلى الله عليه و آله فجميع ما روي في شأنه عنه صلى الله عليه و آله موضوعات عندنا لا تنهض أيضاً حجّة علينا خصوصاً، وقد ساعدنا في ذلك إمام محدثي أهل السنة وأفضل متأخّريهم الشيخ مجد الدين الفيروزآبادي صاحب القاموس في كتابه المشهور الموسوم بسفر السعادة حيث قال: إنّ ما ورد في فضائل أبي بكر فهي من المفتريات التي يشهد بديهة العقل بكذبها، انتهى فتدبّر.

34- قال:

الأول أخرج الشيخان عن جبير بن مطعم قال: أتت إمرأة إلى النبي صلى الله عليه و آله فأمرها أن ترجع إليه، فقالت أرأيت إن جئت ولم أجدك كأنّها تقول الموت قال: «إن لم تجدينى فأتى أبابكر» وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال جائت امرأة إلى النبي صلى الله عليه و آله تسأله شيئاً فقال لها تعودين فقالت يا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إن عدت فلم أجدك تعرض بالموت فقال إن جئت فلم تجديني فأتى أبابكر فإنّه الخليفة من بعدي.

أقول:

لا نسلّم صحّة الحديث كسائر ما رووه في مدحه ولو سلّم جاز حمل الخليفة على المعنى اللغوي، كما مرّ، إذ لم يتبيّن في الحديث ان أمر النبي صلى الله عليه و آله برجوع السائل إليه أوّلًا وإلى أبي بكر ثانياً كان في أمر ديني يتعلق بالخليفة الشرعية فجاز أن يكون في أمر دنيوي لا اختصاص له بالخلفاء للحقيقية.

ص: 255

في طرق قول النبي صلى الله عليه و آله «حتّى يمضى إثنا عشر خليفة كلّهم من قريش»

35- قال الثاني:

أخرج أبوالقاسم البغوي بسند حسن عن عبداللَّه بن عمر، قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: «يكون خلفى إثنا عشر خليفة أبوبكر لا يلبث إلا قليلًا» قال الأئمة: صدر هذا الحديث مجمع على صحّته، وارد من عدّة طرق، أخرجه الشيخان وغيرهما، فمن تلك الطرق «لا يزال هذا الأمر عزيزاً ينصرون على من ناواهم عليه إلى إثنى عشر خليفة كلّهم من قريش» رواه عبداللَّه بن أحمد بسند صحيح ومنها «لا يزال هذا الأمر صالحاً» ومنها «لا يزال هذا الأمر ماضياً» رواه أحمد و منها «لا يزال أمر الناس ماضياً ماوليهم إثنا عشر رجلًا» ومنها «إن هذا الأمر لا ينقضى حتى يمضي فيهم إثنا عشر خليفة» ومنها «لا يزال الإسلام عزيزاً منيعاً إلى إثنى عشر خليفة» رواها مسلم ومنها للبنرار «لا يزال أمر أمتي قائماً حتى يمضي إثنا عشر خليفة كلّهم من قريش» زاد أبو داود فلمّا رجع إلى منزله أتته قريش فقالوا ثم يكون ماذا؟ قال: ثم يكون الهرج» ومنها لأبي داود «لا يزال هذا الدين قائماً حتى يكون عليكم إثنا عشر خليفة كلّهم يجتمع عليه الأمة»

وعن إبن مسعود بسند حسن إنّه سئل «كم يملك هذه الأمة من خليفة؟ فقال: سألنا عنها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فقال إثنى عشر كعدّة نقباء بنى إسرائيل»

بيان القاضي عياض و ... المراد من الإثني عشر خليفة بزعمهما

بيان القاضي عياض وصاحب فتح الباري المراد من الإثني عشر خليفة بزعمهما

قال القاضي عياض: لعلّ المراد بالإثنى عشر في هذه الأحاديث وما شابهها إنّهم يكونون فى مدّة عزّ الخلافة وقوّة الإسلام واستقامة أموره والاجتماع على من يقوم بالخلافة وقد وجد هذا فيمن اجتمع عليه الناس إلى ان اضطرب أمر بني أمية

ص: 256

ووقعت بينهم الفتنة في زمن الوليد بن يزيد فاتصلت تلك الفتن بينهم إلى أن قامت الدولة العباسية فاستأصلوا أمرهم.

قال شيخ الإسلام في فتح البارى: كلام القاضي هذا أحسن ما قيل في هذا الحديث وأرجحه لتأييده بقوله في بعض طرقه الصحيحة كلّهم يجتمع عليه الناس والمراد باجتماعهم انقيادهم لبيعته، والذي اجتمعوا عليه هم الخلفاء الثلاثة ثم علي إلى أن وقع أمر الحكمين في صفين، فتسمّى معاوية يومئذ بالخلافة ثم اجتمعوا عليه عند صلح الحسن ثم على ولده يزيد ولم ينتظم للحسين أمر، بل قتل قبل ذلك ثم لمّا مات يزيد اختلفوا إلى أن اجتمعوا على عبدالملك بعد قتل ابن الزبير ثم على أولاده الأربعة؛ الوليد، فسليمان، فيزيد، فهشام، وتخلل بين سليمان ويزيد عمر بن عبدالعزيز فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين والثاني عشر الوليد بن يزيد بن عبدالملك اجتمعوا عليه لمّا مات عمّه هشام فولّى نحو أربع سنين ثم قاموا عليه فقتلوه وانتشرت الفتن وتغيّرت الأحوال من يومئذ ولم يتفق أن يجتمع الناس على خليفة بعد ذلك لوقوع الفتن بين من بقى من بني أمية ولخروج المغرب الأقصى عن العباسيّين بتغلب المروانيين على الأندلس إلى أن تسمّوا بالخلافة وانفطر الأمر إلى أن لم يبق في الخلافة إلّاالإسم، بعد أن كان يخطب لعبد الملك في جميع أقطار الأرض شرقاً وغرباً يميناً وشمالًا ممّا غلب عليه المسلمون ولا يتولّى أحد في بلد إمارة في شي ء إلّابأمر الخليفة.

وقيل:

المراد وجود اثنى عشر خليفة في جميع مدّة الإسلام إلى يوم القيامة يعملون بالحق و إن لم يتولّوا أو يؤيده قول أبي الجلد كلّهم يعمل بالهدى ودين الحق منهم رجلان من أهل بيت محمد صلى الله عليه و آله فعليه المراد بالهرج الفتن الكبار كالدجال وما بعده، وبالإثنى عشر الخلفاء الأربعة والحسن ومعاوية وابن الزبير وعمر بن عبدالعزيز.

ص: 257

وقيل:

يحتمل أن يضمّ إليهم المهدي العباسي لأنّه في العباسيّين كعمر بن عبدالعزيز في الأمويين والطاهر العباسي أيضاً لما أوتيه من العدل ويبقى الإثنان المنتظران أحدهما المهدي لأنه من أهل بيت المصطفى صلى الله عليه و آله وحمل بعض المحدثين الحديث السابق على من يأتي بعد المهدي لرواية

«ثم يلى الأمر بعده إثنا عشر رجلًا ستة من ولد الحسن وخمسة من ولد الحسين عليهما السلام» وآخر من غيرهم لكن سيأتي في الكلام على الأية الثانية عشر من فضائل أهل البيت إن هذه الرواية واهية جداً فلا يعول عليها انتهى.

بيان إنّ المراد من الإثنى عشر خليفة أئمّتنا الإثناعشر المعصومون

أقول:

قد استدلّ أصحابنا الإمامية- رضوان اللَّه عليهم- بالصّحاح من هذه الأحاديث على حقيّة خلافة الأئمة الإثنى عشر عليهم السلام إذ لا قائل بانحصار الأئمة في هذا العدد سوى الإمامية، فإنّ الإمامة والخلافة على ما دلّ عليه دليل العقل والنقل أن يكون الشخص المتّصف بها معصوماً منصوصاً من اللَّه تعالى ورسوله صلى الله عليه و آله، فلا يقدح في ذلك عدم جريان أحكام بعض الأئمة عليهم السلام في الظاهر ولهذا قال عليه السلام مشيراً إلى الحسنين عليهما السلام «ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا» (1)

وبالجملة لا يقدح في مرادنا كونهم عليهم السلام منعوا الخلافة والمنصب الذي اختارهم اللَّه له واستبد غيرهم به إذ لم يقدح في نبوة الأنبياء عليهم السلام تكذيب من كذبهم ولا وقع الشك فيهم لانحراف من انحرف عنهم ولا شوّه وجوه محاسنهم تقبيح من قبحها ولا نقص شرفهم، خلاف من عاندهم ونصب لهم العداوة وجاهرهم بالعصيان وقال علي عليه السلام:


1- غنية النزوع، ابن زهره حلبى، ص 299

ص: 258

«وما على المؤمن من عضاضة في أن يكون مظلوماً، ما لم يكن شاكاً في دينه ولا مرتاباً بيقينه»

وقال عمار بن ياسر رضي اللَّه عنه: «واللَّه لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا إنّا على الحق وإنّهم على الباطل».

وهذا واضح لمن تأمله

قال السيد الفاضل رضي الدين علي بن طاووس رضي اللَّه عنه في كتاب ربيع الشيعة: وإذا كانت الفرقة المخالفة قد نقلت أحاديث النص على عدد الأئمة الاثنى عشر عليهم السلام كما نقلته الشيعة الإمامية ولم تنكر ما تضمنه الخبر، فهو أدلّ دليل على أنّ اللَّه تعالى سخّرهم لروايته إقامة لحجته وأعلاء لكلمته، وما هذا الأمر إلّا كالخارق للعادة، والخارج عن الأمور المعتادة، لا يقدر عليه إلّااللَّه سبحانه الذي يذلل الصعب، ويقلب القلب، ويسهل العسير، وهو على كل شي قدير.

في نبذ من مثالب عبداللَّه بن عمر نقلًا عن أبي المعالي الجويني الشافعي

وأمّا استدلال هذا الشيخ الجامد بها على خلافة الثلاثة وعلي والحسن وبعض من بعدهم من بني أميّة وبني العباس ففيه نظر من وجوه:

أما أوّلًا فلمنع صحة الحديث الأوّل، سيّما وأوّل راويه عبداللَّه بن عمر الذي لم يعمل بحديثه أبوحنيفة قطّ، كما مرّ سابقاً بشهادة أبي المعالي الجويني الشافعي والذي لم يعرف من غاية الجهل كيفية طلاق امرأته، والذي قعد عن بيعة أميرالمؤمنين علي عليه السلام ثم جاء بعد ذلك إلى الحجاج فطرقه ليلًا وقال هات يدك أبايعك لأميرالمؤمنين عبدالملك، فإني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: «من مات وليس عليه بيعة إمام فموتته جاهلية» (1)

.


1- التعجّب، أبوالفتح كراجكي، ص 153؛ مسند أحمد، ج 3، ص 446

ص: 259

فأنكر عليه الحجاج ذلك مع كفره وعتوه وقال له: بالأمس تقعد عن بيعة علي بن أبي طالب عليه السلام وأنت اليوم تأتيني تسئلني البيعة من عبدالملك بن مروان؛ يدي عنك مشتغلة لكن هذه رجلي.

وقد روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين من تلزمه بيعة يزيد بن معاوية ما يتعجّب منه العاقل، فمن ذلك في المتّفق عليه من الحديث الحادي والثمانين عن نافع قال:

لمّا خلع أهل مدينة يزيد بن معاوية جمع ابن عمر حشمه وولده وقال: إني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: «لكل غادر لواء يوم القيامة» (1)

وأنّا قد بايعنا هذا الرجل على بيعة اللَّه ورسوله وإنّي لا أعلم عذراً أعظم من أن يبايع رجل على بيعة اللَّه ورسوله ثم ينصب له القتال، وإنّي لا أعلم رجلًا منكم خلعه ولا بايع في هذا الأمر إلّاوأنّه الفيصل بينى وبينه، هذا لفظه أفما كان علي بن أبي طالب و ولده عليهم السلام أو أحد من بني هاشم يجرون مجرى يزيد في أن يبايعه، إن هذا من الطرايف.

وأما ثانياً: فلأنّ مافي روايته عن أبي داود من وصف الإثنى عشر بكون كلّهم مجتمعاً عليه الأمّة مخلّ في مطلوبه لأنّ أحداً من الخلفاء الثلاثة بل الأربعة لم يجتمع عليه الأمة إجتماعاً حقيقيّاً شرعياً، بل تخلّف عن كلّ واحد جماعة، وإنّما ثبت خلافتهم عند أهل السنة ببيعة الواحد الإثنين كما مرّو إن أراد بذلك الإجتماع اللغوي فعلى تقدير تحقّقه في بعضهم فهو لا يصلح امارة على الخلافة الحقيقية حتى يليق من النبي صلى الله عليه و آله أن يجعل ذلك امارة عليه وبهذا يضعف كلام قاضيهم وشيخ إسلامهم، كما يظهر عند التأمل.


1- المبسوط السرخسي، ج 23، ص 169

ص: 260

وأمّا ما ذكره شيخ إسلامهم من أنّ المراد بإجماعهم انقيادهم لبيعته فهو إصطلاح جديد منه في رسم الإجماع ومع ذلك لا يؤدي إلى طائل على أنّ حصول الإنقياد الباطني في ذلك للثلاثة وأضرابهم غير مسلّم كما مرّ.

معاوية ويزيد و ... ما كانوا ممّن يصلح للخلافة

بيان محققي الجمهور أنّ معاوية ويزيد وابن الزبير ما كانوا ممّن يصلح للخلافة

وأمّا ثالثاً: فلأنّه يلزم على تأويل قاضيهم أن يكون معاوية الباغي، وجرّوه الخمير الغاوي، داخلًا في الخلفاء الذين يكون الإسلام بهم عزيزاً، وممن افتخر النبي صلى الله عليه و آله بوجودهم بعده، وفساد ذلك ظاهر جداً، هذا مع اعتراف محققي الجمهور بأنّ معاوية وجرّوه لم يكونا من الخلفاء بل كانا من ملوك الإسلام، وكذا الكلام في ابن الزبير فقد قال إبن عبدالبرّ الشافعي في كتاب الاستيعاب: «إنّه كانَتْ فِيهِ خِلالٌ لا تُصْلِحُ مَعَها لِلْخِلافَةِ لأنّهُ كانَ بَخِيلًا ضَيِّق العطن، سَيِ ءُ الخُلْق، حَسُوداً كثير الخلاف، أخْرَجَ مُحَمَّد بن الْحَنَفِيّة وَنَفَى عَبْدُاللَّهِ بْنِ العَبَّاس إلى الطائِفِ»

وقال علي بن أبى طالب كرّم اللَّه وجهه: «ما زال الزُبَيْر يَعِدُّ مِنّا أهْل البَيْتِ حتّى نَشَأَ عَبْدُاللَّه؛ انتهى» (1)

ومع ظهور بغيه وفساده لم يلحقه الندامة على ذلك أصلًا وكان مصرّاً على عداوة أهل البيت عليهم السلام حتى ذكر في كتاب كشف الغمة وغيره «إنّه في أيام أمارته كان يخطب ولا يصلّي على النبي صلى الله عليه و آله، فقيل له في ذلك فقال: إنّ له أهيل سوء إذا ذكرته أشروا وشمخوا بأنوافهم» وأيضاً يلزم خلو الأزمنة الفاصلة بين الخليفتين الصالحين المنتجبين لهم من بني أمية وما بعد تمام الاثنى عشر منهم عن الخليفة والإمام فيلزم عليهم أن يكون الأحكام المنوطة على آراء الخلفاء


1- استيعاب، ابن عبدالبرّ، ج 3، ص 906

ص: 261

خصوصاً عند الشافعي معطّلة في تلك الأزمنة الخالية وهو كما ترى.

وأما رابعاً فلأنّ قوله: «لم ينتظم للحسين أمر بل قتل قبل ذلك» مدخول بأنّ الحسين عليه السلام كان إماماً معصوماً ولطفاً عظيماً من الحق سبحانه إلى الخلق وهم اختاروا النار، بإطفاء نوره في هوى يزيد الخمّار، كما أنّ زكريا ويحيى كانا لطفين من اللَّه تعالى إلى الخلق واختار الخلق في قتلهما الضلالة على الهدى [أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَ ما كانُوا مُهْتَدِينَ] (1)

قول النبي صلى الله عليه و آله «إثنى عشر خليفة» لا ينطبق إلّاعلى الأئمّة الإثنى عشر

بيان إنّ ما في قول النبي صلى الله عليه و آله «إثنى عشر خليفة» لا ينطبق إلّاعلى الأئمّة

الإثنى عشر

ولقد اتضح بما قرّرناه بقاء هذه الأحاديث صريحة في أنّ خلفاء النبي صلى الله عليه و آله ونقباءهم الأئمة الإثنا عشر من أهل البيت عليهم السلام كما أشرنا إليه سابقاً، وأنّ كلّ ما نقله هذا الشيخ الأبرد من التأويلات الباردة لا يوجب برد الخاطر ولقد أنصف حيث شهد بما ذكرنا المولى فصيح الدين الدشتبياضي، الذي كان أستاد الأمير عليشير المشهور في رسالته الموسومة بإلجام البغاة وإلزام الغلاة حيث قال:

وقد أشكل على مفهوم الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وهو قوله صلى الله عليه و آله «إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضى فيهم إثنا عشر خليفة كلّهم من قريش» (2)

وفي رواية «لا يزال الإسلام عزيزاً إلّاإثني عشر خليفة كلّهم من قريش» (3) قال في شرح المشارق والمصابيح «يريد بهذا الأمر الخلافة، وأمّا العدد فقيل: ينبغي أن يحمل على العادلين منهم فإنّهم إذا كانوا على سنّة الرسول صلى الله عليه و آله


1- بقره: 16.
2- صحيح مسلم، ج 6، ص 3
3- العمدة، ابن البطريق، ص 422

ص: 262

وطريقته يكونون خلفا وإلّا فلا، ولا يلزم أن يكون على الولاء هذا ما قالوه، لكن لامتنع فيه واللَّه أعلم بما هو المراد منه» انتهى كلام الفصيح، وكفى بهم نصح النصيح، لمن سلك الإعوجاج الفضيح، وممّا ينبغي أن ينبّه عليه أنّ قوله «ولكن لامتنع فيه» قد وقع على سبيل رعاية الأدب لأصحابه وإلّا فبطلانه ظاهر جداً كما عرفت.

والحاصل أنّه إن اعتبر خلافة اثنى عشر على الولاء يلزم أن يكون معاوية الباغى، وجرّوه الغاوي والوليد الزنديق المرتد المريد، المستهدف للمصحف المجيد، وأمثالهم من الخلفاء والأئمة الذين يكون بهم الإسلام عزيزاً وهذا مما لا يتفوه به مسلم، وأيضاً يلزم أن تكون الأحكام المنوطة على آراء خلفاء الدين خصوصاً على مذهب الشافعي معطّلة بعد انقضاء هؤلاء الإثنى عشر إلى يوم الدين وإن لم يعتبر ذلك واعتبر انتخاب العادلين منهم، فمع لزوم خطائهم في بعض الانتخاب يلزم خلوّ الأزمنة الفاصلة بين الخليفتين العادلين منهم عن الخليفة والإمام، مع ما يلزم ذلك من تعطيل الأحكام كما مرّ فتدبّر.

ادّعاء ابن حجر أنّ النبي صلى الله عليه و آله قد أمر أمّته بالاقتداء بأبي بكر

36- قال:

الثالث أخرج أحمد والترمذى وحسّنه إبن ماجة والحاكم وصحّحه عن حذيفة قال، قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: «اقتدوا بالذين من بعدى أبي بكر وعمر»، انتهى.

بيان عدم صحّة دعوى ابن حجر من لزوم الاقتداء بالشيخين

أقول: يتوجه عليه القدح من وجوه:

أمّا أوّلًا فلأنّ في إسناده خللا لأنّه يعزى إلى عبدالملك بن عمر عن ربعي بن خداش ثم يرفعونه منهما تارة إلى حذيفة اليماني؛ وتارة إلى حفصة بنت عمر، فأمّا

ص: 263

عبدالملك فهو من أهل الشام، وأخلاف محاربي أميرالمؤمنين عليه السلام، ومن المشهورين بالنصب والعداوة له، ولم يزل يتقرب إلى بنى أمية بتوليد الأخبار الكاذبة في أبي بكر وعمر، والطعن على أميرالمؤمنين عليه السلام حتى قلّدوه القضاء وكان يقبل فيه الرشى ويحكم بالجور والعدوان، وكان متظاهراً بالفجور والعبث بالنساء، وله مع كلثم بنت سريع حيث قاضى بينها وبين أخيها الوليد بن سريع قصة مشهورة مذكورة في كتب الجمهور نقلها صاحب كتاب الأنوار من أصحابنا، طويناها على غرّها لضيق المقام، ثم إنّ ربعي بن خداش عند أصحاب الحديث من المعدودين في جملة الروافض المتهمين على أبي بكر وعمر فاضافته إليه مع ما وصفناه ظاهر البطلان، وأمّا روايته عن حفصة بنت عمر فهي من أظهر البراهين على فساده ووجوب سقوطه في الاحتجاج، لأنّ حفصة متّهمة فيما روته من فضل أبيها وصاحبه لعداوتها لأميرالمؤمنين عليه السلام وتظاهرها ببغضه لهوى أختها عائشة ولما تضمنه من جر النفع إليها وإلى أبيها.

وأما ثانياً: فلأنّه إن أريد به تخصيص الاقتداء بهما من كلّ وجه فيلزم نفي إمامة علي عليه السلام وعثمان والاقتداء بهما ومنافاته لما رووه من حديث «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» (1)

وإن أريد به الإقتداء بهما في الجملة فجاز أن يكون المراد الإقتداء بهما في بعض الأمور بل يكون قضية في واقعة فلا يجب استحقاقهما للإمامة.

وأمّا ثالثاً: فلأنّه قد ظهر اختلاف كثير بين أبي بكر وعمر، فيلزم أن يكون الناس مأمورين بالعمل بالمختلفين وذلك لا يليق بحال النبي صلى الله عليه و آله.

وأمّا رابعاً: فلأنّه لو صحّ هذا الحديث بالمعنى الذي فهموه منه لكان نصاً على


1- المبسوط سرخسي، ج 16، ص 83

ص: 264

إمامتها، ولمّا وقعت المنازعة بين الصحابة في تعيين الإمام بعد النبي صلى الله عليه و آله وقد وقعت فمال بعضهم إلى علي عليه السلام، وبعضهم إلى أبي بكر، وقالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، ولمّا احتاجّ أبوبكر في مدافعة الأنصار إلى الإحتجاج عليهم بعشيرة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وقومه، وما شاكل ذلك فكان يقول:

يا معشر الأنصار قد أمركم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وغيّركم بالإقتداء بنا في جميع الأمور فليس لكم مخالفة أمره عليه السلام ونحن نعلم قطعاً أنه مع وجود مثل هذه الحجة لا يتمسّك بغيرها فلمّا لم يذكرها علمنا أنه موضوع.

وأما خامساً: فلتطرق تهمة التحريف في راويه ولعلّه صلى الله عليه و آله قال: «اقتدوا بالذين من بعدي أبابكر وعمر» على أن يكونا مأمورين بالإقتداء واللذان بعد النبي صلى الله عليه و آله كتاب اللَّه وعترته كما ذكر في الخبر المشهور المتفق عليه و هو قوله صلى الله عليه و آله:

«إنّي مخلف فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي أبداً كتاب اللَّه وعترتي أهل بيتي» (1)

هذا وقال شيخنا الأجل إبن بابويه القمي رحمه اللَّه في كتاب عيون أخبار الرضا: «إنهم لم يرووا أنّ النبي صلى الله عليه و آله قال اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر وإنما رووا أبابكر وعمرو منهم من روى أبوبكر وعمر فلو كانت الرواية صحيحة لكان معنى قوله بالنصب اقتدوا بالذين من بعدي كتاب اللَّه والعترة يا أبابكر وعمر ومعنى قوله بالرفع اقتدوا أبوبكر وعمر بالذين من بعدي من كتاب اللَّه والعترة(انتهي).

لا يقال على هذا التقدير يكونان داخلين تحت مطلق الأمر في قوله صلى الله عليه و آله اقتدوا فما الفائدة في أفرادهما لأنا نقول الفائدة ما علمه صلى الله عليه و آله من شدة خلافهما في ذلك وقد


1- ينابيع المودّة قندوزي، ج 1، ص 121

ص: 265

نطق القرآن بافراد ما دخل تحت مطلق العموم كقوله تعالى:

[فاكِهَةٌ وَ نَخْلٌ وَ رُمَّانٌ] (1)

وقوله تعالى: [وَ إِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَ مِنْكَ وَ مِنْ نُوحٍ] (2)

فإنّه ليس يمتنع أن يؤتى في الأمر بلفظ الجمع ثم يتبعه بالإشارة إلى إثنين على التخصيص بوجهين:

أحدهما التأكيد كما ذكرناه، والثاني أن يكون العبارة عن الإثنين بمعنى الجمع، اتساعاً لتبيينه به عن الواحد، وليس فيه من معاني الجمع شي ء كما قال سبحانه:

[هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا] (3)

وقال: [وَ هَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ(إلى قوله) خَصْمانِ] (4)

وإذا كان الأمر كذلك فقد سقط ما تعلقت به الناصبة من الحديث ولم يبق لهم فيه شبهة كما لا يخفى.

ادّعاء بعض العامّة أنّ النبي قد أمر بسدّ الأبواب عن مسجده إلّاباب أبي بكر

37- قال:

الرابع، أخرج الشيخان عن أبي سعيد الخدري رضي اللَّه عنه قال خطب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وقال: «إن اللَّه تبارك وتعالى خيّر عبداً بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند اللَّه فبكى أبوبكر وقال بل نفديك بآبائنا وأمهاتنا فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عن عبد خيّره اللَّه فكان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله هوالمخيّر وكان أبوبكر اعلمنا فقال رسول اللَّه:

«إنّ من آمن الناس على في صحبته وماله أبابكر ولو كنت متخذاً خليلًا غير ربي لاتخذت أبابكر خليلًا ولكن اخوة الإسلام ومودته لا يبقين باب الاسد إلا


1- رحمن: 68.
2- احزاب: 7.
3- حج: 19.
4- ص: 21- 22.

ص: 266

باب أبي بكر

». وفي لفظ لهما «

لا يبقين في المسجد خوخة إلّاخوخة أبي بكر

» وفي آخر للبخاري: «ليس في الناس أحد آمن على في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة؛ ولو كنت متخذاً خليلًا لاتخذت أبابكر خليلًا ولكن خلة الإسلام أفضل؛ سدوا عني كل خوخة في المسجد غير خوخة أبي بكر» وفي آخر لابن عدي: «سدّوا هذه الأبواب الشارعة في المسجد إلا باب أبي بكر» وطرقه كثيرة قال العلماء: «في هذه الأحاديث إشارة إلى خلافة الصدّيق، لأنّ الخليفة يحتاج إلى القرب من المسجد لشدّة إحتياج الناس إلى ملازمته له للصلاة بهم وغيرها انتهى.

من استثنى عن الحكم بسدّ بابه إلى المسجد على عليه السلام لا أبوبكر

إنّ من استثنى عن الحكم بسدّ بابه إلى المسجد، على عليه السلام لا أبوبكر

أقول:

أوّلًا:

لا يخفى ما في الحديث الأول من ركاكة بعض فصوله، وعدم الارتباط بينها، الدالين على كونه موضوعاً غير صادر عن الفصيح فضلا عن أفصح العرب عليه السلام ومما يلحق بذلك مافيه من تعجب القوم عن بكاء أبي بكر، إذ لاعجب في بكاء المؤمن السامع لوجود عبد خيّره اللَّه تعالى بين الدنيا والآخرة فيبكى لعدم ظن نفسه من ذلك القبيل إلّاأن يكون تعجبهم لاستبعادهم إيمانه ولين قلبه عند ذكر اللَّه تعالى، وذكر الصالحين المختارين.

وثانياً:

أنّه معارض بما في مسند أحمد بن حنبل من عدّة طرق: «أنّ النبي صلى الله عليه و آله أمر بسدّ الأبواب إلا باب علي بن أبي طالب، فتكلّم الناس فخطب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإني أمرت بسدّ هذه

ص: 267

الأبواب غير باب علي عليه السلام (1) فقال فيه قائلكم واللَّه ما غلقت شيئاً ولا فتحته ولكن

أمرت بشي ء فاتبعه»

انتهى، وقد نقل هذا الشيخ الجاهل هذه الرواية فيما سيذكره من فضائل علي عليه السلام عن أحمد، وأيضاً عن زيد بن أرقم، ثم ذكر في دفع المعارضة مالايجري عليه القلم.

وأما حديث خوخة أبي بكر فلا يصلح لأن يكون موازياً في الدلالة على الفضل لفتح الباب وهذا ظاهر من تفسير الجوهري الخوخة بالكوة في جدار يوازي الصفة انتهى. مع أن هذا أيضاً معارض بما رواه ابن الأثير في النهاية حيث قال قال: عليه الصلاة والسلام في حديث آخر:

ألاخوخة علي

انتهى. مع أنّ حديثي الباب والخوخة المرويين في شأن أبي بكر ليسا بمتفق عليهما فلا يصلحان للاحتجاج بهما على الخصم بل الخصم يقول إنّ أولياء أبي بكر لما تفطنوا بأن روايتهم لذينك الحديثين في شأن علي عليه السلام إزراء لجلالة قدر أبي بكر عندهم وضعوا هذين في مقابلهما ترويجاً لشأنه، وبالجملة نحن إنّما نحتجّ برواية من لم يعتقد كون علي عليه السلام أفضل الصحابة على الإطلاق فإن أتيتم من فضائل الثلاثة برواية ممن لم يعتقد أفضليتهم قد تمت المعارضة وإلّا فلا.

وثالثاً:

فلأنّ ما تضمنه الحديث الحادث الأول من قوله: «كنت متّخذاً خليلًا إلى آخره مع أنّه ليس بمتفق عليه بدلالة كلمة لو على أنّه لم يقع فكيف يقابل بما روى اتفاقاً من اتخاذه صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام أخاً والإخوة أفضل من الخلة مع أنّ في رواية ابن مردوية الحافظ أنّه قال صلى الله عليه و آله في شأن على عليه السلام بحرف التحقيق وصيغة الجزم» أن خليلى و وزيري وخليفتي وخير من أتركه بعدي، يقضي ديني وينجز موعدي، علي بن أبي طالب عليه السلام فلا يعارض ما روي في شأن أبي بكر ماروي في شأن علي عليه السلام


1- ما أحسن قول من قال بالفارسية مشيراً إلى هذه المنقبة الجليلة:

ص: 268

وأين المخيل من المحقق المجزوم به.

ورابعاً:

فلأنّ قوله: «الخليفة يحتاج إلى القرب من المسجد» غير مسلّم، وقوله «لشدة احتياج الناس إلى ملازمته للصلاة بهم» إنّما يدلّ على احتياج الناس إلى القرب دونه، والحاصل إن شدة احتياج الناس إلى صلاة أبي بكر بهم في المسجد لا يقتضي قربه إلى المسجد كما لا يتقضي قرب الناس إلى المسجد وإنما يقتضي مسافة وزماناً يمكن له ولهم الوصل إلى الصلاة فيه عادة فهو والناس في القرب والبعد سواء.

لوصحّ أمر النبي صلى الله عليه و آله بدفع الصدقة إلى أبي بكر لكان لكونه مصرفاً لا متولّياً

38- قال:

الخامس، أخرج الحاكم وصحّحه عن أنس قال: بعثني بنوا المصطلق إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أن أسأله إلى من ندفع صدقاتنا بعدك فأتيته فسألته فقال إلى أبي بكر و من لازم دفع الصدقة إليه كونه خليفة إذ هو المتولّي قبض الصدقات انتهى.

أقول:

لو صحّ الحديث مع كون أول راويه أنس الذي مرّ مافيه من القوادح فإنّما يدل على مقصود أولياء أبي بكر أنّ لو كان المراد بدفع الصدقة إليه بعد النبي صلى الله عليه و آله الدفع على وجه التولية، ومن الجائز أن يكون المراد الدفع إليه على وجه كونه مصرفاً. فإنّ أبابكر بعد بذل أمواله في سبيل اللَّه تعالى و رسوله صلى الله عليه و آله كما زعمه أهل السنّة صار فقيراً صعلوكاً لم يبق له شي ء حتى روى هذا الشيخ الجامد في أواخر ما سيذكر من الفصل الرابع فيما ورد من كلام العرب والصحابة وغيرهم في فضل أبي بكر أنه كان يعمل في السوق ولمّا بويع أصبح وعلى ساعده إبراد وهو ذاهب إلى السوق فقال له عمر: أين تريد؟ قال السوق، قال: تصنع ماذا وقد وليت أمر المسلمين؟ قال فمن أين أطعم عيالي؟ قال انطلق يقرض لك أبوعبيدة

ص: 269

إلى آخره.

وأخرج البخاري «أنّ بنته أسماء كانت تنقل النوى من أرض الزبير الذي أقطعه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله على رأسها» وهي من منى على ثلثى فرسخ وغاية الأمر أن يستبعد ذلك لظن أنّ صدقات ذلك القوم ربما كان شيئاً كثيراً زيد على استحقاق أبي بكر وأهله وليس بشي ء لأنّ أبابكر وفقراء أهله أيضاً كانوا جمعاً كثيراً. وقد روي عن النبي صلى الله عليه و آله:

إنّ خير الصدقة ما أبقت غنى.

إن قيل: إنّ دفع الصدقة إلى المصرف بغير إذن الإمام غير جائز.

قلت: هذا لم يعلم من دين النبي صلى الله عليه و آله أصل الخصم إذ ليس هناك إمام منصوب منصوص من اللَّه تعالى ورسول اللَّه صلى الله عليه و آله فمن أين علم وجوب الدفع إليه، وعدم جوازه إلى غيره، و لهذا دفع بنو حنيف صدقات قومهم إلى فقراءهم كما مرّ.

بيان ما يكشف عن عداوة عائشة لعلي عليه السلام

39- قال:

السادس أخرج مسلم عن عائشة قالت: قال لي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:

إدّعى لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابا فإني أخاف أن يتمنى متم

ويقول قائل: أنا أولى ويأبى اللَّه والمؤمنون إلّاأبابكر انتهى.

أقول: فيه بحث

أما أوّلًا: فلظهور تهمة عائشة في مثل هذه الرواية من حيث جرّها بذلك نفعاً وشرفاً لها ولأبيها، ومن حيث ظهور عداوتها لعلي عليه السلام، كما يدل عليه تصفح أخبارهم وتتبع آثارهم.

منها ما أخرجه البخاري في صحيحه من قول عائشة

«إنّ النبي صلى الله عليه و آله خرج في مرضه ويده اليمنى على كتف رجل، واليسرى على كتف ابن عباس»

وقول ابن

ص: 270

عباس

«أتعرف من الرجل الذي لم تسمّه؟ قال: لا، قال: هو علي بن أبي طالب عليه السلام

وأخرج أيضاً في قضية الإفك قول عائشة «أمّا أسامة فقال بما يعلم من نفسه و من براءة أهله: الزم أهلك، وأما علي عليه السلام فقال: النساء كثيرة ولن يضيق اللَّه عليك: وسل الجارية تصدقك الحديث» وكذا أخرج قول العثماني لاخر» أبلغ: إنّ عليّاً كان فيمن رمى به عائشة بالإفك».

وقال ابن قتيبة في كتاب السياسته والإمامة «لمّا قال طلحة لعائشة قد بويع علي عليه السلام فقال: ما لعلي يتولّى على رقابنا؟ لا أدخل المدينة ولعلي فيها سلطان ورجعت» قال: ولمّا أتى عائشة خبر أهل الشام أنهم ردّوا بيعة علي عليه السلام، وأبو أن يبايعوه، أمرت فعمل لها هودج من حديد وجعل فيها موضع لعينها، ثم خرجت ومعها طلحة والزبير و عبداللَّه بن الزبير ومحمد بن طلحة انتهى.

في إخبار النبى صلى الله عليه و آله عن خروج عائشة لقتال على عليه السلام

وكيف ينكر عناد عائشة مع علي عليه السلام وقد أخبر بذلك رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وحذرها عن ذلك كما سيذكره هذا الشيخ الكذوب الناسي في الباب الثامن في خلافة علي عليه السلام في ذيل ما قدّمه هناك من قصة قتل عثمان حيث قال: «وقد أخبر النبي صلى الله عليه و آله بواقعة الجمل، وصفين، وقتال عائشة وطلحة والزبير عليّاً كما أخرجه الحاكم وصحّحه البيهقي عن أم سلمة قالت: «ذكر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله خروج أمهات المؤمنين فضحكت عائشة فقال: أنظري حميراء أن لا تكوني أنت» وأخرج البزار وأبونعيم عن إبن عباس مرفوعاً «أيّتكن صاحبة الجمل الأحمر؟ تخرج حتى ينبحها كلاب الحوأب، يقتل حولها قتلى كثيرة ثم تنجو بعد ما كادت»(انتهى) وروى أنّه لمّا وصلت إلى

ص: 271

الحوأب ونبحها كلابه تذكرت حديث النبي صلى الله عليه و آله فحاضت حيضة للرجوع ثم منعها عنادها وبغضها لعلي عليه السلام فعادوا لما نهوا عنه.

وأما ثانياً: فلأنّ الحديث بعد فرض صحّته التي تلحق بفرض المحال لو كان مفاده ما فهموه لكان نصّاً على خلافة أبي بكر، مع أنّه لم يتمسّك به عند منازعته مع الأنصار ولا بعده و «لا عطر بعد عروس (1)» فدلّ على أنه من موضوعات عائشة أو مفتريات غيرها من أوليائه وسيورد علينا هذا الشيخ الجامد المتحجر مثل هذا البحث فيما سيأتي حيث يقول:

«واحتمال أنّ ثم نصاً غير مازعموه يعلمه علي أو أحد من المهاجرين والأنصار باطل وإلّا لأورده العالم به يوم السقيفة حين تكلموا في الخلافة أو فيما بعده لوجوب إيراده حينئذ»(انتهى).

وأما ثالثاً: فلأنّ هذا الجامد سينكر في حديث الغدير كون الأولى بمعنى الولي والإمام مع أنّ مبنى استدلاله ههنا عليه كما لا يخفى.

وأما رابعاً: فلأنّه يجوز أن يكون قوله: «يأبى» من جملة مقول قول القائل أى يقول قائل يأبى اللَّه والمؤمنون إلّاأبابكر وبهذا القول تقع فتنة بين المسلمين وحينئذٍ لا دلالة للحديث على أنّ النبي صلى الله عليه و آله أخبر عن أباء اللَّه تعالى لخلافة غير أبي بكر كما فهموه فلا حجة فيه على الشيعة أصلًا.

قياس ابن حجر الإمامة في الصلاة على الإمامة العظمى

40- قال:

السابع، أخرج الشيخان عن أبي موسى الأشعري قال: مرض


1- مثل معروف: يضرب لمن لا يؤخر عنه نفيس، أوفي ذمّ إذ خار الشي ء وقت الحاجة(أقرب الموارد).

ص: 272

النبي صلى الله عليه و آله فاشتدّ مرضه فقال مرّوا أبابكر، فليصل بالناس. قال العلماء: في هذا الحديث أوضح دلالة على أنّ الصديق أفضل الصحابة على الإطلاق، وأحقّهم بالخلافة وأولاهم بالإمامة، وقد استدلّ الصحابة أنفسهم بهذا على أنّه أحقّ بالخلافة منهم عمر ومرّ كلامه في فصل المبايعة ومنهم علي عليه السلام فقد أخرج ابن عساكر عنه «لقد أمر النبي صلى الله عليه و آله أبابكر رضي اللَّه عنه أن يصلّي بالناس وإنّى لشاهد و ما أنا بغائب وما بي مرض، فرضينا لدنيانا ما رضيه النبي صلى الله عليه و آله لديننا. ووجه ما تقرّر من أنّ الأمر بتقديمه للصلاة كما ذكر فيه الإشارة أو التصريح بأحقيّته بالخلافة، أنّ القصد الذاتي من نصب الإمام العالم إقامة شعائر الدين على الوجه المأمور به من أداء الواجبات وترك المحرّمات، وإحياء السنن، وإماتة البدع.

وأمّا الأمور الدنيوية وتدبيرها كاستيفاء الأموال من وجوهها وإيصالها لمستحقيها ودفع الظلم ونحو ذلك، فليس مقصوداً بالذات، بل ليتفرّغ الناس لأمور دينهم، إذ لا يتم تفرغّهم له إلّاإذا انتظمت أمور معاشهم بنحو الأمن على الأنفس والأموال ووصول كلّ ذي حق إلى حقه فلذلك رضي النبي صلى الله عليه و آله لأمر الدين وهو الإمامة العظمى أبابكر بتقديمه للإمامة في الصلاة كما ذكرنا من ثمة أجمعوا على ذلك كما مرّ.

أنّ قياس إمامة الصلاة على الإمامة العظمى قياس مع الفارق

أقول:

هذا الحديث المروي عن أبي موسى الأشعري مقيم الفتنة، ومضل الأمّة، الذي أخبر النبي صلى الله عليه و آله إنّه إمام الفرقة المرتدّة ونحوه من الأحاديث سندهم القاصر لإجماعهم الناقص على خلافة أبي بكر كما صرّح به ههنا أيضاً بقوله «ومن ثمّة أجمعوا على ذلك كما مر» وقد مرّمنّا أيضاً أنه لا يصلح ذلك سنداً لإجماعهم، وأنّ

ص: 273

قياس إمامة الصلاة على الإمامة العظمى قياس مع الفارق من وجوه عديدة، وحاشا عن علي عليه السلام باب مدينة العلم بل عن أقل عبيدة المقتبسين من مشكوة أنوار علومه أن يستدلوا بذلك القياس، الذي يضحك منه أول من قاس. وتمسّكهم باستدلال عمر على ذلك مع ظهور فساده إنّما هو من قبيل استشهاد ابن آوى بذنبه.

وأما ما ذكره من «أنّ الأمر بتقديمه للصلاة كما ذكر فيه الإشارة أو التصريح باحقيّته بالخلافة» فهو مخالف لاتفاق متقدّميهم على فقدان النص في شأن الكل، وأما ما ذكره من «أنّ القصد الذاتي من نصب الإمام، إقامة شعائر الدين» فمردود، بأنّه إن أراد به أنّ المقصود الذاتي في نصب الإمام ذلك، والأمور الدنيوية تبع له فهب أن يكون كذلك لكن لا يفيد ذلك مطلوبه، وإنّما يفيده لو لم يكن مقصوداً بالذات في الدين وهذا غير لازم من ذاك وكيف لا تكون الأمور الدنيوية كإقامة الحدود وسدّالثغور وتجهيز الجيوش للجهاد وحماية بيضة الإسلام ونحوها من الأمور المتعلّقة بحفظ النظام وانفاذ المعروف وإزالة المنكر وإصلاح المعاش والمعاد مقصوداً أصلياً في الدين؟ وإن أراد به أنّ المقصود الأصلي في الدين من نصب الإمام ذلك وماعداه مقصود بالتبع فغير مسلّم بل الكل مقصود بالذات من الدين كما أوضحناه وتقريره المذكور لا يفي بإثبات خلافه كما لا يخفى.

41- قال:

وأخرج أحمد عن سفينة وأخرجه أيضاً عن أصحاب السنن وصحّحه إبن حبان وغيره قال: سمعت النبي صلى الله عليه و آله يقول:

«الخلافة ثلاثون عاماً ثم يكون بعد ذلك الملك» (1)

. اقول:

هذا الحديث بعد تسليم صحته معارض بما نقله صاحب تفسير


1- مسند أحمد، ج 5، ص 220

ص: 274

المدارك من الحديث المشتمل على السؤال عن الحق وعد النّبى صلى الله عليه و آله لأقسامه إلى أن عطف على الأقسام السابقة بقوله «

والخلافة إذا انتهت إلى علي عليه السلام

»، وكذا معارض بما سبق من الأخبار المشتملة على خلافة إثنى عشر، وأمّا ما ذكره بعيد ذلك في دفع المعارضة هذا الشيخ المبهوت، فهو أوهن من نسج العنكبوت.

قال: الفصل الرابع في بيان أنّ النّبي صلى الله عليه و آله هل نص على خلافة أبي بكر؟

إعلم أنّهم اختلفوا في ذلك، ومن تأمّل الأحاديث الّتي قدّمناها علم من أكثرها أنّه نصّ عليها نصّاً ظاهراً وعلى ذلك جماعة من المحدّثين وهو الحق؛ وقال جمهور أهل السنة رضوان اللَّه عليهم والمعتزلة والخوارج: لم ينص على أحد.

في تكذيب قول من زعم أنّ النبي صلى الله عليه و آله نصّ على خلافة أبي بكر

اقول:

قد امتثلنا وتأمّلنا الأحاديث الحادثة الّتي قدّمها ودمّرنا عليها بأنّها بعد تسليم صحّتها لا دلالة لها على مقصوده، وبالجملة أنّ الأحاديث الّتى زعم دلالتها على التنصيص في شأن أبي بكر إنّما هي من مفتريات شرذمة قليلة من حشوية أهل الحديث المبيحين للكذب نصرة للمذهب وهم بعد وضع تلك الأحاديث قالوا بوجود النصّ في أبي بكر وهذا لا ينافي إنكار جمهور أهل السنة والمعتزلة بوجود النصّ فيه في زمان النّبي صلى الله عليه و آله مع قطع النظر عن جرأتهم على تخطئة جمهور أهل السنة في إنكار وجود النص بل على خرق إجماعهم على الإنكار كما ذكره النووي في شرح صحيح مسلم: «نقول لو كان هناك نص لكان أبوبكر أعلم به، ولقال أطيعونى مستدلًا به، ولما قال الأنصار: منّا أمير ومنكم أمير، ولما توقّف علي عليه السلام في البيعة إلى ستّة أشهر، ولما قال أبوبكر: وددت أني سألت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عن هذا الأمر وكنا لا ننازعه أهله، ولما قال العباس لعلي عليه السلام أمدد يدك أبايعك حتى

ص: 275

يقول الناس بايع عمّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ابن عمّه، ولم يختلف فيك إثنان، ولما قال أبوسفيان يا بني عبد مناف أرضيتم أن يلى عليكم تيم؟ واللَّه لأملئن الوادي خيلًا ورجلًا، ولما سلّ الزبير بن العوام سيفه قائلًا: انا لا أرضى بخلافة أبي بكر، ولما قال عمر لأبي عبيدة: ابسط يدك أبايعك، ولما قال أبوبكر: بايعوا عمر أو أباعبيدة» إلى غير ذلك ممّا هو مذكور في صحاح أحاديثهم ومعتبرات سيرهم وتواريخهم ثم لا يخفى أنّ دلالة ما ذكره آخراً من الأحاديث الّتي لم نذكرها تحرّزاً عن تضييع الوقت على عدم التنصيص ظاهرة وما ارتكبه لدفع التعارض من التأويلات الباردة، والتوجيهات الكاسدة، ممّا لا يروّج على ذى بصيرة نافدة.

الإشارة إلى وجود النصوص على خلافة على عليه السلام

قال:

فلزم من ذلك بطلان ما نقله الشيعة وغيرهم من الأكاذيب وسودّوابه أوراقهم من نحو خبر «أنت الخليفة بعدي» وخبر «سلّموا على علي بأمرة المؤمنين» وغير ذلك مما يأتي إذ لا وجود لما نقلوه فضلًا عن اشتهاره كيف وما نقلوه لم يبلغ مبلغ الآحاد المطعون فيها إذ لم يصل علمه لأئمة الحديث المسابرين على التنقيب عنه كما اتصل كثير مما ضعفوه وكيف يجوز في العادة أن ينفرد هؤلاء بعلم صحة تلك الأحاديث؟ إلى آخر ما ذكر.

اقول:

الشيعة يدّعون التواتر المعنوي في بعض ما حكم هذا الشيخ الجاهل بعدم وجوده وساعدهم فيها جمع كثير من نقاد محدثي أهل السنة كالحاكم، وابن جرير الطبرى، وابن الأثير الجزري، وكفى به حجة، وأيضاً من شرائط حصول العلم التواتري لسامع الخبر أن لا يكون السامع ممن سبق إلى إعتقاد نفي مخبره بشبهة أو تقليد وألّف بالباطل وأكثر أهل السنة أشدّ تورّطاً من الكفرة في تقليد الآباء واقتداء آثارهم فكيف يحصل العلم التواتري بما يخالف أهواءهم وأهواء

ص: 276

آباءهم من الأحاديث الدالة على بطلان خلافة أبي بكر.

قال الغزالي في موضع من المقاصد مخاطباً لغيره: أنّ هذا تحقيق الأمر فيما نحن فيه وعليه، وإنّما يثبت بطول الألف في سمعه فلا يزال النفرة عن نقيضه في طبعه إذ قطع الضعفاء عن المألوف شديد عجز عنه الأنبياء فكيف غيرهم؟ انتهى. وبالجملة قد وصل علم الطبقة الأولى بل الثانية من أهل السنة أيضاً إلى ذلك بطريق التواتر لكنّهم أخفوها وأطبقوا على سدّ باب نقلها إلى من بعدهم فانتفى تواترها في طبقات متأخّريهم من مدوّني الحديث فلا يوجب ذلك عدم تواترها مطلقاً ولو بين علماء الشيعة، تدبّر.

تصريح علماء العامّة بسعي بني أميّة في محو آثار أهل بيت النبي عليهم السلام

ويؤيد أنّهم لم يزالوا يخفون الأحاديث الدالّة على فضائل أمير المؤمنين ما شهد به فخر الدين الرازي في تفسير الفاتحة من سعي بني أمية في محو آثار أهل البيت عليهم السلام وما أخرجه الجزري في جامع الأصول في الفصل الثالث في التلبية بعرفة ومزدلفة عن سعيد بن جبير قال: «كنت مع ابن عباس بعرفات فقال: ما لي لا أسمع الناس يلبّون؟ قلت يخافون من معاوية فخرج ابن عباس من فسطاطه فقال لبيك اللهم لبّيك فإنّهم قد تركوا السنّة على بغض علي عليه السلام وذوي القربى وممّا رواه هذا الجامد في ذيل الفصل الآتي المتضمّن للأحاديث الواردة في بغض أهل البيت كفاطمة وولديها حيث قال عند ذكر الاثار المترتبة على قتل الحسين عليه السلام: وحكى عن الزهري انّه قدم الشام يريد الغزو، فدخل على عبدالملك ابن مروان فأخبره أنّه يوم قتل حسين بن علي عليهما السلام لم يرفع حجر من بيت المقدس إلّا وتحته دم، ثم قال له: لم يبق من يعرف هذا غيري وغيرك فلا تخبر به، قال فما أخبرت به إلّابعده، انتهى.

ص: 277

في إصرار أهل السّنة على إخفاء مناقب علي عليه السلام

وأمّا ما ذكره ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة مع إقراره بصحّة خلافة أبي بكر وعمر بقوله: وما أقول في رجل اقرّ له أعداءه وخصومه بالفضل، ولم يمكنهم جحد مناقبه، ولا كتمان فضائله، فقد علمت أنّه استولى بنوأمية على بلدان الإسلام في شرق الأرض وغربها واجتهدوا بكلّ حيلة في إطفاء نوره والتخويف عليه، ووضع المعايب والمثالب، ولعنوه على جميع المنابر، وتوعدوا مادحيه بل حبسوهم وقتلوهم ومنعوا من رواية حديث يتضمن له فضيلة أو يرفع له ذكراً حتّى حظروا أن يسمّى أحد باسمه فما زاده ذلك إلّارفعة وسمواً؛ وكان كالمسك كلّما ستر انتشر عرفه، وكلّما كتم تضوع نشره، و كالشمس لا تستر بالراح، وكضوء النار إن حجبت عنه عين واحدة ادركته عيون كثيرة، انتهى.

ولا يخفى أنّ مراده بقوله «ولم يمكنهم جحد مناقبه ولا كتمان فضائله» إنّه لم يمكن ذلك لجميع الأعداء كما يدل عليه قول آخر «إن حجبت عنه عين واحدة أدركته عيون كثيرة» وقال صاحب الفتوح في فتح من أول كتابه «إنّ ههنا أخباراً أخر لم نذكرها لئلا يجعلها الشيعة متمسّكاً لهم» وكم مثل هذه في بطون كتبهم...! فتأمّل وأنصف.

فى إنكار ابن حجر وجود النصّ القاطع على إمامة امير المؤمنين علي عليه السلام

قال:

نعم روى آحاداً خبر «أنت منّي بمنزلة هرون من موسى» (1)

وخبر «من كنت مولاه فعلي مولاه» وسيأتي الجواب عنهما واضحاً مبسوطاً، وإنّه لا دلالة لواحد منهما على خلافة علي لا نصّاً ولا إشارة، وإلّا لزم نسبة


1- المحاسن، ج 1، ص 159

ص: 278

جميع الصحابة إلى الخطاء وهو باطل لعصمتهم من أن يجتمعوا على ضلالة، فإجماعهم على خلاف ما زعمه أولئك المبتدعة الجهال قاطع بأن ما توهّموه من هذين الحديثين غير مراد، أنّ لو فرض احتمالهما لما قالوه فكيف وهما لا يحتملانه كما يأتي.

فظهر أنّ ما سوّدوا به أوراقهم من تلك الأحاديث لا يدل لما زعموه واحتمال إن ثم نصاً غير ما زعموه يعلم علي عليه السلام أو أحد من المهاجرين أو الأنصار باطل أيضاً وإلّا لأورده العالم به يوم السقيفة حين تكلّموا في الخلافة أو فيما بعده لوجوب إيراده حينئذ، وقولهم «ترك علي عليه السلام إيراده مع علمه به للتقية باطل» إذ لا خوف يتوهّمه من له أدنى مسكة وإحاطة بعلم أحوالهم في مجرد ذكره لهم ومنازعته في الإمامة به كيف وقد نازع من هو أضعف منه وأقل شوكة ومنعة من غير أن يقيم دليلًا على ما يقوله ومع ذلك فلم يؤذ بكلمة فضلًا عن أن يقتل فبان بطلان هذه التقية المشومة عليهم سيما وعلي عليه السلام قد علم بواقعة الحباب وبعدم إيذائه بقول أو بفعل مع أنّ دعواه لا دليل عليها ومع ضعفه وضعف قومه بالنسبة لعلي عليه السلام وقومه.

وأيضاً فيمتنع عادة من مثلهم أنّه يذكره لهم ولا يرجعون إليه كيف وهم أطوع للَّه وأعمل بالوقوف عند حدوده وأبعد عن اتباع حظوظ النفس لعصمتهم السابقة وللخبر الصحيح «خير القرون قرني ثم الّذين يلونهم» (1)

.

وأيضاً ففيهم العشرة المبشّرون بالجنة ومنهم أبوعبيدة أمين هذه الأمة كما صح من طرق فلا يتوهم فيهم وهم بهذه الأوصاف الجليلة أنّهم يتركون العمل بما يرويه لهم من يقبل روايته بلا دليل أرجح يعولون عليه، انتهى.


1- إعانة الطالبين، ج 4، ص 333

ص: 279

الإشارة إلى وجود النصوص القاطعة على خلافة امير المؤمنين علي عليه السلام

أقول:

شهرة الحديث الأول وبلوغه حدّ التواتر، لا ينكره غير المعاند المكابر، وأما الحديث الثاني فقد أثبت محمد بن جرير الطبري وإبن الأثير الجزري في رسالته الموسومة باسنى المطالب تواتره من طرق كثيرة، وأمّا ما استدل به ههنا على عدم دلالة الحديثين على خلافة علي عليه السلام بقوله «وإلّا لزم نسبة جميع الصحابة إلى الخطاء... إلى آخره» فالخطاء فيه ظاهر كيف ودلالة الحديثين ليست مما ينبغي باستلزامهما لبعض المحذورات، نعم ربّما يستدل (1)... المعنى المفاد من اللفظ الدال على الملزوم غير مراد وأين (2)............. لزوم ما ذكره من نسبة جميع الصحابة إلى الخطا اذ قد سبق (3)........... أبي بكر باعتراف المحققين من أهل السنة فاللازم إنّما هو نسبة جماعة من الصحابة لأجل غصب الخلافة من أهل البيت عليهم السلام إلى الخطاء وبطلانه غير مسلّم بل هو دال على المطلوب وبما قرّرناه ظهر ضعف ما فرع على ما سرد بقوله «فإجماعهم؛ إلى آخره» من أنّه «فظهر أنّ ما سوّدوابه»، فاتضح إنّ ما سوّد به هذا الشيخ الجامد ببياض أوراق كتابه سوّد به وجهه عند المحصلين.

واما قوله «إحتمال نصاً غير ما زعموه؛ إلى آخره» ففيه ان (4)....... لا محتمل كمايدل عليه مسند ابن حنبل ومناقب الخوارزمي ومناقب ابن المغازلي وغير ذلك.

وأمّا إستدلاله على بطلان هذا الإحتمال بقوله «وإلّا لأورده العالم به يوم السقيفة إلى آخره» فباطل لأنّ علياً عليه السلام وسائر بني هاشم ومواليهم وتابعيهم من المهاجرين استدلوا به فيها، وأمّا الأنصار فقد مرّ أنّ أبابكر وأباعبيدة وسالماً مولى


1- ، 2، 3) هذه الموارد كذا كانت في النسختين اللتين عندي.
2-
3-
4- هذا بياض بمقدار ثلاث كلمات في النسختين اللتين عندي.

ص: 280

حذيفة اوقعوا في قلوب الأنصار وغيرهم ممن سمع النص في شأن علي عليه السلام وشبّهوا الأمر على الناس وعلى الأنصار فيه أنّه عليه السلام ترك الخلافة وقعد في قعر بيته حزناً على النبي صلى الله عليه و آله فلهذا لم يورده أحد من الطائفتين.

وأما من عداهما من قريش كبني أمية وبني مخزوم وبني مغيرة فأعانوهم على خذلان علي عليه السلام بأخذ حقه منه إنتقاماً لثارات الجاهلية كما مرّ و أمّا استبعاده ترك علي عليه السلام لا يراد النص تقية فقد مرّ ما فيه أيضاً من البيعة لأبي بكر في السقيفة وطلبوا عنه عليه السلام البيعة قد احتجّ عليهم بالنص ولم يلتفتوا وجواز التقية كانت موجودة هناك ولا بأس أن نوضح ذلك ههنا ونقول:

لا يخفى على من تتبّع كتب الجمهور في الأحاديث والسير عدم تساوى متابعيه وأنصاره عليه السلام في أيام خلافته ومحاربته الناكثين والقاسطين والمارقين وفقدانه لذلك في أيام خلافة الثلاثة واختياره للسكوت عن طلب حقه حينئذ والمنازعة والمقاتلة معهم فقد نقل عن أميرالمؤمنين «إنّ ذات يوم من أيّام واقعة الصفين ركب مع عسكر كثير ولما نظر إلى كثرتهم قال لأصحابه: كنت انتظر هذه الكثرة ولها لزمت الصبر»، وقد روي من طريق الجمهور أيضاً انّه قال حين أفضى الأمر إليه وقد سألوه عليه السلام بما نقضى يا أميرالمؤمنين؟ فقال عليه السلام: «أقضوا بما كنتم تقضون حتّى يكون الناس جماعة واحدة أو أموت كما مات أصحابي» (1)

.

فدلّ على أنّه قد أخّر القضاء بمذهبه في كثير من الأحكام خوف الاختلاف عليه وانتظر الاجتماع من أهل الخلاف أو وجود المصلحة.

في الإشارة إلى أنّ علياً كان كثير الأعداء

ويؤيّد ذلك ما ذكره هذا الشيخ الجاهل في مواضع متعددّة من كتابه هذا مما


1- غنية النزوع، ابن زهره حلبى، ص 316(پاورقى).

ص: 281

يشعر بعداوة الناس وحسدهم لعلي عليه السلام وإظهارهم لذلك في حياة النّبي صلى الله عليه و آله وبعد وفاته منها ما ذكره في أثناء الباب التالى لهذا الباب من «أنّ بني تيم وبني عدي كانوا أعداء بني هاشم في الجاهلية» ومنها ما ذكره في آخر الفصل الثالث في ثناء الصحابة «أنّ ما نفر الناس عن علي إلّاأنّه لا يبالي بأحد» وفى موضع آخر عن السلفي في الطيوريات من «أنّ علياً عليه السلام كان كثير الأعداء».

ومنها ما ذكره في الفصل الأول من الباب العاشر في فضائل أهل البيت عليهم السلام عند ذكره الآية السادسة وهو قوله تعالى: «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ» (1)

حيث روى عن الباقر عليه السلام انه قال في هذه الآية «نحن الناس واللَّه» (2).

ومنها ما ذكره في دلائل الآية العاشرة وهو «أنّ علياً عليه السلام شكى إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عن حسد الناس إيّاه» ومنها ما ذكره في هذا الباب أيضاً في.... (3) المقصد الثاني من مقاصد الآية الرابعة عشر وهو قوله «قُلْ لَاأَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» (4)

حيث قال: وصحّ أنّ العباس شكى إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ما يلقون من قريش من تعبيسهم في وجوههم وقطعهم حديثهم عند لقائهم فغضب صلى الله عليه و آله غضباً شديداً حتى أحمر وجهه ودرّ عرق بين عينيه وقال:

«والّذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم للَّه ورسوله» (5)

.

وفي رواية صحيحة أيضاً قال: «ما بال أقوام فإذا رأوا الرجل من أهل بيتي


1- نساء: 54.
2- العمدة، لابن بطريق، ص 355
3- هنا بياض بمقدار نصف سطر في إحدى النسختين عندي.
4- شورى: 23.
5- مسند أحمد، ج 1، ص 207

ص: 282

قطعوا حديثهم، واللَّه لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبهم للَّه ولقرابتهم مني».

ومنها ما ذكره في هذا المقصد أيضاً «أنّهم رغّبوا بريدة على إسقاط علي عليه السلام عن عين النبي صلى الله عليه و آله «حيث قال: «وكذلك وقع لبريدة إنّه كان مع علي عليه السلام في اليمن فقدم مغاضباً عليه فأراد شكايته بجارية أخذها من الخمس فقيل له: أخبره ليسقط علي من عينه صلى الله عليه و آله ورسول اللَّه صلى الله عليه و آله يسمع من وراء الباب فخرج مغضباً فقال: ما بال أقوام يتنقصون علياً، من نقص علياً فقد نقصني ومن فارق علياً فقد فارقني، إنّ علياً مني وأنا منه، خلق من طينتي وخلقت من طينة إبراهيم، وأنا أفضل من إبراهيم، ذرية بعضها من بعض واللَّه سميع عليم. يا بريدة أما علمت أنّ لعلي أكثر من الجارية الّتى أخذ»(الحديث).

فليتأمل الناظر المنصف إنّ الصحابة الّذين رغّبوا بريدة على النّبي صلى الله عليه و آله بما تمنّوا أن يسقط علي عليه السلام عن عينه صلى الله عليه و آله وكانوا جالسين من وراء باب النّبي صلى الله عليه و آله بحيث يسمعه هو صلى الله عليه و آله وأصحابه الملازمون له أو جماعة من أجلاف الأعراب..... (1) والبراري ذلك اليوم على ذلك الجناب لعله......... (2) هذا الشيخ أيضاً في خاتمة كتابه من وجه المصلحة......... (3) لقتلة عثمان وتسليمهم إلى معاوية يجري في...... (4) كما لا يخفى على من تأمّل في ذلك الوجه فتوجّه وتأمّل.

وأما استبعاده...... (5) لزعمه أنّه نازع بعد ذلك من هو أقلّ شوكة ففيه أنّه....... (6) نازع من هو أقلّ شوكة منه عليه السلام كالناكثين والقاسطين والمارقين....... (7) إن أراد من هو أقلّ شوكة من أبي بكر وعمر فكذلك ولعلّ قائلًا يقول: كان في قصده أن يقول إنّه عليه السلام نازع بعد ذلك من هو أكثر شوكة من


1- في كلّ واحد من هذه المواضع بياض في كلتا النسختين عندي.
2- في كلّ واحد من هذه المواضع بياض في كلتا النسختين عندي.
3- في كلّ واحد من هذه المواضع بياض في كلتا النسختين عندي.
4- في كلّ واحد من هذه المواضع بياض في كلتا النسختين عندي.
5- في كلّ واحد من هذه المواضع بياض في كلتا النسختين عندي.
6- في كلّ واحد من هذه المواضع بياض في كلتا النسختين عندي.
7- في كلّ واحد من هذه المواضع بياض في كلتا النسختين عندي.

ص: 283

الثلاثة وحينئذ يتوجه منع أكثريّة شوكة من نازع علي عليه السلام معهم ولو سلّم فشوكة علي عليه السلام عند وصول الخلافة إليه بإجماع عظماء المهاجرين كان أكثر ممن نازعه فلا يفيد كون شوكة طرف نزاعه أكثر.

وأمّا ما ذكره من «أنّه يمتنع عادة ان يذكر النص لهم ولا يرجعون إليه؛.....، إلى آخره» ففيه أنّ العادة في ذلك غير منضبطة لظهور أنّ الشيطان وحبّ الدنيا قد تدعوا إلى العادة السيئة وأمّا ما أردف به العادة من حسن الظنّ بهم فقد عرفت ما فيه من السوء، ثمّ في استعماله العصمة ههنا في شأن الثلاثة مريداً به الحفظ عن الكبائر كما مرّ اصطلاحهم عليه سابقاً مع تبادر العصمة الحقيقية منه إلى الإفهام تلبيساً وتدليساً للعوام إلّا من عصمه اللَّه فتدبّر.

إنّ حديث «خير القرون قرني» لا يدلّ على خيريّة جميع الصحابة

وأمّا استدلاله بخبر «خير القرون قرني» فقد مرّ عدم دلالته على خيرية الصحابة المبحوث فيهم وإنّه لا يلزم من خيرية أهل قرن وعصر خيرية كلّ أحد من آحاد أهله وإلّا لزم خيريّة وليد بن عقبة الّذي نزلت الآية على فسقه عند ما بعثه النّبي صلى الله عليه و آله إلى أخذ صدقات بني المصطلق....... (1) الصحابة ومن سرق منهم إلى غير ذلك كما........ (2) الثلاثة من هذا القبيل لولا مجرد حسن ظن...... (3) أنّ العشرة المبشرة كانوا في....... (4) العشرة وهو سعيد بن نفيل وهو فى ذلك.... (5) جملة من تضمّنه الخبر شبهة وطريق إلى التهمة على أنّا نعلم....... (6) أن يعلم مكلّفاً يجوز أن يقع منه القبيح والحسن وليس بمعصوم من الذنوب........ (7) الجنة لأن ذلك تغرية بالقبيح ومما يبين بطلان هذا


1- في كلّ هذه المواضع بياض في كلتا النسختين عندي.
2- في كلّ هذه المواضع بياض في كلتا النسختين عندي.
3- في كلّ هذه المواضع بياض في كلتا النسختين عندي.
4- في كلّ هذه المواضع بياض في كلتا النسختين عندي.
5- في كلّ هذه المواضع بياض في كلتا النسختين عندي.
6- في كلّ هذه المواضع بياض في كلتا النسختين عندي.
7- في كلّ هذه المواضع بياض في كلتا النسختين عندي.

ص: 284

الخبر. ...... (1) ولا احتج به له في مواطن وقع فيها إلى الاحتجاج........ (2) أيضاً لما حوصر وطولب بخلع نفسه وهمّوا بقتله وقد رأيناه احتجّ بأشياء تجرى مجرى الفضائل والمناقب وذكر القطع له بالجنة أو ما في معناه لو كان معه لأحتج به وذكروه، وفي عدول الجماعة عن ذكره دلالة واضحة على بطلانه...... (3) لو كان من خالف كتاب اللَّه وغيّر سنن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وحارب مع علي عليه السلام مرّة بعد أخرى وغير ذلك ممّا قدّ منا من قبائح أكثر العشرة داخلًا في الجنة لجاز أن يقال: إنّ فرعون وهامان في الجنة أيضاً.

وأمّا توصيفه أباعبيدة بكونه أمين الأمّة فجوابه إنّه ما وصفه بذلك رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وإنّما وصفه بذلك أبوبكر وعمر لإعانته إيّاهما في غصب الخلافة عن أهل البيت عليهم السلام واتفاقه مع الأنصار وارتكابه لبيعة أبي بكر بعد عمر وعدوله عن علي عليه السلام....... (4) مع هذا الوصف عن النار، ولنعم ما قيل في بعض الأشعار:

شعر

غلط الأمين فجازها عن حيدر واللَّه ما كان الأمين امينا

44- قال: الفصل الخامس، في ذكر شبه الشيعة والرافضة ونحوهما وبيان بطلانها بأوضح الأدلة وأظهرها.

ادّعاء ابن حجر كون أبى بكر شجاعاً يحسن الشرع والسياسة

الأولى- زعموا أنّه صلى الله عليه و آله لم يولّ أبابكر عملًا يقيم فيه قوانين الشرع والسياسة فدلّ ذلك على أنّه لا يحسنهما وإذا لم يحسنهما لم تصح إمامته لأنّ من شرط الإمام أن


1- في كلّ هذه المواضع بياض في كلتا النسختين عندي.
2- في كلّ هذه المواضع بياض في كلتا النسختين عندي.
3- في كلّ هذه المواضع بياض في كلتا النسختين عندي.
4- في كلّ هذه المواضع بياض في كلتا النسختين عندي.

ص: 285

يكون شجاعاً والجواب عن ذلك بطلان ما زعموه من أنّه صلى الله عليه و آله لم يولّه عملًا ففي البخاري عن سلمة بن الأكوع «غزوت مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله سبع غزوات وخرجت فيما يبعث من البعوث تسع غزوات، مرّة علينا أبوبكر ومرة علينا أسامة وولّاه صلى الله عليه و آله الحج بالناس سنة تسع. وما زعموه من أنّه لا يحسن ذلك باطل أيضاً كيف وعلي كرّم اللَّه وجهه معترف بأنّه أشجع الصحابة فقد أخرج البزار في مسنده عن علي عليه السلام إنّه قال: «أخبروني من أشجع الناس؟، قالوا: أنت. قال: أمّا إنّى ما بارزت أحداً إلا انتصفت منه، ولكن أخبروني بأشجع الناس؟ قالوا لا نعلم، فمن؟ قال: أبوبكر إنّه لمّا كان يوم بدر جعلنا لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله عريشاً فقلنا من يكون مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله؟

لئلّا يهوى إليه أحد من المشركين. فو اللَّه ما دنا منّا أحد إلّاأبوبكر شاهراً بالسيف على رأس رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لا يهوى إليه أحد إلا أهوى إليه فهذا أشجع الناس»، انتهى.

اختيار ابي بكر ... يوم بدر كان خوفاً من المبارزة

أنّ اختيار ابي بكر الكون مع النبى صلى الله عليه و آله في العريش يوم بدر كان خوفاً من المبارزة

أقول:

الحجّة الّتي سمّاها الشيخ المحجوج المبهوت شبهة قطعية وجوابه عنه ضعيف لما يلوح على ما تشبّث به من حديث البخاري وصحيحه من آثار الوضع.

أمّا أولًا فلمّا مرّ من القدح في البخاري وصحيحه.

وأما ثانياً فلأنّه لا وجه لما ذكر فيه من عدّ سلمة تسع غزوات مع غزوات النّبي صلى الله عليه و آله ويكتفى بذكر من كان عليها في مرّتين منها وبالجملة مرّة أسامة مشهورة فليبين أوليائه إنّ مرّة أبي بكر في أيّ بعث كانت؟ وأظن إنّ بيانه أصعب من خرط القتاد لو لم يرتكبوا وضعاً آخر.

وأمّا ما ذكره من دعوى ولاية أبي بكر للحج فسيأتي ما فيه في الشبهة الثانية فانتظر.

ص: 286

وأمّا ما ذكره من إعتراف علي عليه السلام بأنّ أبابكر أشجع منه فهو من أغرب المحال، وأكذب المقال، الّذي تكاد تنشقّ منه الجبال، وفي ألفاظه من المجمجة الّتي لا تصدر عن الفصيح ما لا يخفى على من جاوز قليلًا عن حد الأطفال؛ وأغرب من الكل أنّه جعل اختياره لكونه مع النّبي صلى الله عليه و آله في العريش شجاعة مع ظهور أنّ ذلك كان تستراً عن المبارزة خوفاً وجبناً، كما صرّح به ابن أبي الحديد المعتزلي في بعض قصائده المشهورة وبالجملة الوجه في احتباس أبي بكر في العريش معروف لأنّه صلى الله عليه و آله كان يعهد منه الجبن والهلع لما ظهر في مقام بعد مقام كما اشار اليه ابن أبي الحديد أيضاً في قوله:

شعر

وليس بنكر في حنين فراره ففي أحد قد فرّ خوفاً وخيبراً

فلو تركه يختلط بالمحاربين لم يأمن أن يظهر من جبنه وخوره ما يكون سبباً للهزيمة، وطريقاً إلى استظهار المشركين فاجلسه معه ليكفى هذه المؤنة ويكفى في هذا الوجه ان يكون ما ذكرناه جائزاً فتدبر.

في نقل ابن حجر أشجعيّة أبى بكر حتى من علي عليه السلام

قال:

وقال بعضهم: ومن الدليل على أنّه أشجع من علي عليه السلام، أنّ علياً عليه السلام أخبره النّبي صلى الله عليه و آله بقتله على يد ابن ملجم فكان إذالقي ابن ملجم يقول له متى تخضب هذه من هذه؟ وكان يقول: إنّه قاتلي كما يأتي في أواخر ترجمته فحينئذ كان إذا دخل في الحرب ولاقى الخصم يعلم أنّه لا قدرة له على قتله فهو معه كأنّه نائم على فراش وأمّا أبوبكر فلم يخبر بقاتله وكان إذا دخل الحرب لا يدرى هل يقتل أو لا فمن يدخل إلى الحرب وهو لا يدرى ذلك يقاسى من الكرّ والفرّ، والجزع والفزع، بما

ص: 287

يقاسى بخلاف من يدخلها كأنّه نائم على فراشه، إنتهى.

أقول:

من أين علم هذا القائل الّذي صوّبه الشيخ المخطي أنّ علياً عليه السلام علم ذلك بأخبار النّبي صلى الله عليه و آله في أول أمره لا بإلهام أو نور فراسة أو قرائن تظهر على صفحات وجه ابن ملجم عليه اللعنة وفلتات لسانه عند وجوده عليه اللعنة في أيّام خلافته عليه السلام في الكوفة مع أنّ هذا الشيخ الكذوب الناسي لم ينسب ذلك عند ما سيذكر فى ترجمته عليه السلام إلى أخبار النّبي صلى الله عليه و آله ولو سلّم أنّه صلى الله عليه و آله أخبره عليه السلام بقتله على يد ابن ملجم عليه اللعنة لكن لم يدلّه عليه بعينه حتّى يعرض عنه في الحروب ويتعرّض لغيره ولو سلّم إنّه دلّه عليه بعينه فالغالب ان يكون المحارب ملثماً دارعاً مستوراً في الحديد والبيضة بحيث لا يعرفه أصحابه حينئذ إلّاأن يتكلّم معهم فكيف أمكن الإحتراز عنه، ولو سلّم إنّه دلّه عليه بعينه ولم يمكن ستره في السلاح عند الحرب فابتلاء المحارب ليس بمجرّد أن يصير مقتولا بل إصابة السهام والنصال أعضاءه ربما كان اصعب من الموت حتى ربّما يتمنّى المصاب به الموت بدلًا عن إصابة الجرح بل قد يقطع يده أو يداه، بل رجله أو رجلاه أو يمثلّ به ويترك على ذلك الحال السوء فكيف يكون دخول أميرالمؤمنين عليه السلام في الحرب بمجرّد علمه بعدم قتله بيد غير ابن ملجم عليه اللعنة مثل من نام على فراشه وإنّما النائم على فراش الجبن من كان يتستّر دائماً في العريش، ولم يصبه في حروب النّبي صلى الله عليه و آله شوك من الحشيش، وهو خليفة أهل السنة وشجاعهم، على أنّ ما ذكره معارض بأن النّبي صلى الله عليه و آله كما أخبر علياً عليه السلام بذلك أخبر أبابكر وعمر بما هو أتم من ذلك في ضمن ما ذكره هذا الشيخ الجاهل في كتابه هذا وبزعمه من النصوص الواردة المصرّحة بخلافة أبي بكر بعد النبي صلى الله عليه و آله ففي بعضها «إنّه أي أبابكر الخليفة بعدي» وفي بعضها «اقتدوا بالّذين من بعدي أبوبكر وعمر» وفي بعضها «اقتدوا بالّذين من بعدي أبابكر وعمر» إلى غير ذلك ممّا في معناها.

ص: 288

الإشارة إلى شجاعة على عليه السلام وعدم شجاعة أبى بكر

قال:

ومن باهر شجاعته ما وقع له من قتال أهل الردة فقد أخرج الإسماعيلى عن عمر أنّه لمّا قبض رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ارتدّ من ارتدّ من العرب وقالوا لا نصلّي ولا نزكّي، فأتيت أبابكر فقلت: يا خليفة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله تألف الناس فأرفق بهم فإنهم بمنزلة الوحش فقال رجوت نصرتك وجئتنى بخذلانك جباراً في الجاهلية خواراً في الإسلام بماذا شئت أتألفهم؟ بشعر مفتعل او بسحر مفترى هيهات، هيهات، مضى النّبي صلى الله عليه و آله وانقطع الوحي واللَّه لأجاهدنّهم ما استمسك السيف في يدي وان منعوني عقالا.

قال عمر: «فوجدته في ذلك أمضى منى وأصرم وأدب الناس على أمور هانت على كثير من مؤنتهم حين وليتهم» فعلم بما تقرر عظم شجاعته ولقد كان عنده صلى الله عليه و آله وكذلك الصحابة من العلم بشجاعته وثباته في الأمر ما أوجب لهم تقديمه للإمامة العظمى إذ هذان الوصفان هما الأ همّان في أمر الإمامة لاسيّما في ذلك الوقت المحتاج فيه إلى قتال أهل الرّدة وغيرهم.

أنّ أبا بكر لم يعهد سند ما يدلّ على شجاعته

اقول: يتوجه عليه أوّلًا:

أنّه لا دلالة لما ذكره على شجاعة أبي بكر لأنّ الشجاعة إنّما تعرف في الشخص بمبارزته بنفسه إلى الإبطال ومصادفة الرماح ومصافحة السفاح وأن لا يتستّر بالعريش ولا يهرب براية رسول اللَّه صلى الله عليه و آله كالإماء ولا يذهب فيها عريضته كما قاله سيد الأنبياء، وإنّما ثبت في فتوحه صلى الله عليه و آله وقتال من اتهمهم أبوبكر بالردّة الشجاعة لمباشرتها بأنفسهم لا بغيرهم وتوضيح ذلك أنّ الشجاعة لا تعرف بالحس لصاحبها فقط ولا بادعائها وإنّما هي شي ء في الطبع يمدّه الإكتساب والطريق إليها أحد أمرين:

ص: 289

امّا الخبر منها من جهة علّام الغيوب فيعلم خلقه حال الشجاع.

وامّا أن يظهر منه أفعال يعلم بها حاله كمبارزة الأقران ومقاومة الشجعان، ومنازلة الأبطال، والصبر عند اللقاء وترك الفرار عند تحقق القتال، ولا يعلم ذلك أيضاً بأوّل وهلة ولا بفعل واحد حتى يتكرّر ذلك على حدّ يتميّز به صاحبه ممن حصل له ذلك على وجه الاتفاق أو على سبيل الهوج والجهل بالتدبير وإذا كان الخبر عن اللَّه تعالى بشجاعة أبي بكر معدوماً وكان النقل الدال على الشجاعة غير موجود فكيف يجوز لعاقل أن يدعي له الشجاعة بقول قاله ليس له دلالة على شي ء من ذلك عند أهل النظر لاسيما ودلائل جبنه وخوفه وضعفه أظهر من أن يحتاج فيها إلى التأمل وذلك أنّه لم يبارز قط قرناً ولا قادم قطّ بطلًا ولا سفك بيده دماً وقد شهد مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله مشاهده وكان لكلّ واحد من الصحابة أثر في الجهاد إلّاله وفر في المشاهد الثلاثة كما ذكرنا سابقاً، وأسلم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فيها مع ما كتب اللَّه عليه من الجهاد فكيف يجتمع دلائل الجبن ودلائل الشجاعة لرجل واحد في وقت واحد لولا أنّ العصبية تميل بالعبد إلى الهوى على أنّ الإنسان قد يغضب فيقول لو شاء مني هذا السلطان هذا الأمر ما قبلته، وإنّ في جوارنا لشيخاً ضعيف الجسم ظاهر الجبن، يصلّي بنا في مسجدنا فما يحدث أمر يضجره وينكره إلّا قال واللَّه لأصيّرنّ إلى هذا ولأجاهدنّ فيه ولو اجتمعت علىّ فيه عساكر وجه الأرض بل أقول الظاهر إنّ أبابكر قال هذا القول عند غضبه بمخالفة القوم له ولا خلاف بين ذوي العقول أنّ الغضبان ربما يعتريه عند غضبه من هيجان الطباع ما يفسد عليه رأيه حتى يقدم من القول ما لا يفى به عند سكون نفسه ويعمل من الأعمال ما يندم عليه عند زوال الغضب عنه فلا يكون في وقوع ذلك منه دليل على شجاعته وقد صرّح بذلك في خطبته المشهورة عند أصحابه المذكورة سابقاً في كتاب هذا الشيخ الجاهل ويجعلونها من مفاخره حيث يقول: إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله

ص: 290

خرج من الدنيا وليس أحد من الأمة يطالبه بضربة سوط فما فوقها وكان صلى الله عليه و آله معصوماً من الخطاء تأتيه ملائكة بالوحي فلا تكلّفوني ما كنتم تكلّفونه فإنّ لي شيطاناً يعترينى عند غضبي، فإذا رأيتموني مغضباً فاجتنبوني على أنّ مغلوبية من سمّاهم بأهل الردّة عن عساكر أهل المدينة من المهاجرين والأنصار ومن يحقّ بهما كان أمراً ظاهراً لا يحتاج إلى زيادة تكلّف من رئيسهم ومع هذا لم يقسم أبوبكر باللَّه تعالى أن يقاتل أهل الردّة بنفسه وإنّما أقسم بأن يقاتلهم بإنفاذ جيش من المهاجرين والأنصار إليهم ولهذا أنفذ إليهم خالداً مع جماعة من الفريقين وليس في يمينه باللَّه سبحانه لينفذنّ خالداً وأصحابه إلى حربهم دليل على شجاعته في نفسه كما لا يخفى بل هو في ذلك الإبراق والإرعاد الشديد.

وبعث خالد بن الوليد نظير من لا يقدر على شي ء بنفسه ويحكم به على غيره فيستهزء عليه ويقال إنّ مثله كمثل من يقول لغيره بالفارسية «بگير وببند و به دست من پهلوانش ده» فيلضحك اولياؤه عليه قليلًا وليبكوا كثيراً ولقد أنطق اللَّه تعالى الشيخ الجاهل بالحق فاعترف بأنّ وصفي الشجاعة والثبات هما الأهمّان في أمر الإمامة، فافهم. وبما قررناه يتضح للناظر دفع سائر ما سرده في إثبات شجاعة أبي بكر فلا حاجة لنا إلى التعرّض لها وتضييع الوقت به فتأمل.

استدلال ابن حجر على إمامة أبي بكر بتوليه القرائة لسورة برائة

قال: الشبهة الثانية

زعموا أيضاً أنّه صلى الله عليه و آله لمّا ولّاه قرائة براءة على الناس بمكة عزله وولّى علياً فدلّ ذلك على عدم أهليّته وجوابها بطلان ما زعموا هنا أيضاً وإنّما اتبعه علياً عليه السلام لقرائة براءة لأنّ عادة العرب في أخذ العهد ونبذه أن يتولّاه الرجل أو واحد من بني عمّه ولذلك لم يعزل أبابكر عن أمرة الحج بل أبقاه أميراً وعلياً مأموراً له في ما عدا القراءة على أنّ علياً لم ينفرد بالأذان بذلك ففي

ص: 291

صحيح البخاري أنّ أباهريرة قال بعثني أبوبكر في تلك الحجة في مؤذّنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى أن لا يحجّ بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان، قال أحمد ابن عبدالرحمن ثم أردف رسول اللَّه صلى الله عليه و آله علي بن أبي طالب عليه السلام فأمره أن يؤذن ببراءة قال أبوهريرة فأذّن معنا علي يوم النحر في أهل منى ببراءة أن لا يحجّ بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان فتأمله تجد علياً انما اذن مع مؤذني أبي بكر انتهى.

أنّ النبى صلى الله عليه و آله عزل ابابكر عن قرائة برائة و أرسل علياً لقرائتها

اقول:

دعوى ولاية أبي بكر للحج بالناس كذب صريح وإنّما أدّى إليه إيصال آيات البراءة إلى الكفار في أيام الحج فلم يتم لأنه صلى الله عليه و آله قد عزله قبل وصوله بعلي عليه السلام كما هو المشهور في كتب الجمهور ورواية جامع الأصول ومسند أحمد بن حنبل وغيرهما صريحة في رجوع أبي بكر عن الطريق وغاية ما أجاب به الجاحظ عن ذلك واعتمد عليه أهل السنة ما ذكره هذا الشيخ الجاهل المقلّد من بناء عزل أبي بكر على رعاية عادة العرب في عند الحلف وحلّ العقد وأقول في الرد عليه أنّه لو كان إنفاد علي عليه السلام لأجل ما تعارف بين العرب في العهود كما زعموه واخترعوه لما خفى على النبي صلى الله عليه و آله أولا ومعاذ اللَّه أن يجري النّبي صلى الله عليه و آله سنته وأحكامه على عادات الجاهلية.

أنّ علياً عليه السلام تولّى قرائة برائة عن اللَّه ورسوله

وقد بيّن ذلك عليه السلام لمّا رجع إليه أبوبكر فسأله عن السبب في أخذ السورة منه فقال أوحى إليّ أن لا يؤدىّ عني إلّاأنا أو رجل مني ولم يذكر الجاحظ الإضافة الّتى افتراها هذا الشيخ الكذوب فبقي أنّ السرّ في ذلك التنبيه على لياقة علي عليه السلام للأداء عند اللَّه تعالى دون أبي بكر كما يدّعيه الشيعة ومن لم يره اللَّه سبحانه أهلًا لأداء آيات

ص: 292

قليلة إلى أهل قريته وهم أهله وأقار به جدير أن لا يكون أهلًا لأدنى ولاية فضلًا عن الإمامة والرياسة العامة وهو ظاهر، لا ينكره إلّاجاهل أو مكابر.

والحاصل أنّ بين العزل والولاية فرقاً عظيماً وبوناً بعيداً على من رزق الحجى وفي المثل السائر «العزل طلاق الرجال» فإن كانت ولايته من النّبي صلى الله عليه و آله بحسن اختياره فعزله من اللَّه تعالى بحسن اختياره لأنّ فعله تعالى على باطن الأحوال وفعل النّبي صلى الله عليه و آله على ظاهرها فلا وجه في إنفاد الرجل أولًا وأخذها منه ثانياً، إلّاما ذكرنا من التنبيه على الفضل والتنويه بالإسم والتعلية للذكر لمن ارتضى لتأديتها وعكس ذلك فيمن عزل وأيضاً لولا أنّ الحكمة في إبلاغ علي عليه السلام ما أشرنا إليه من مدخلية خصوص حضوره في انتظام الحج وكفّ المشركين لبأسه وخوفه عن تعرض المسلمين ونحو ذلك من الحكم لأرسل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عمّه العباس أو أخاه عقيلًا أو جعفراً مع كونهم أكبر سنّاً منه أو غيرهم من بني هاشم وقد روي أنه عليه السلام قد قتل جماعة من أهل مكة ولم يخرج أكثر صناديدهم من بيوتهم خوفاً منه.

وفي حديث عن الباقر عليه السلام:

«إنّه لمّا قام علي عليه السلام أيّام التشريق ينادى ذمة اللَّه ورسوله بريئة من كل مشرك فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ولا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت بعد اليوم عريان قام خداش وسعيد أخوا عمرو بن عبدود فقالا وما تبرأنا على أربعة أشهر بل برئنا منك ومن ابن عمّك ليس بيننا ويبن ابن عمّك إلّاالسيف وإن شئت بدأنا بك فقال عليه السلام هلمّوا ثم قال:

«وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ» (1)

الآية».

ولو سلّم أنّ ولاية الحج لم تنسخ لكان الكلام باقياً لأنّه إذ كان ما ولى مع


1- توبه: 2

ص: 293

تطاول الزمان إلّاهذه الولاية ثم سلب شطرها الأفخم الأعظم منها فليس ذلك إلّا تنبيهاً على ما ذكرناه.

أنّ أبا هريره كان كذوباً غير معتمد عليه ولم يعمل أبو حنيفة بحديثه قطّ

وأمّا ما ذكره «من قوله بل أبقاه أميراً وعلياً مأموراً» فهو كسائر كلماته، مجرّد دعوى لا يعجز أحد عن الإتيان بما يضادّها وأمّا ما استدل به على عدم انفراد علي عليه السلام بالأذان من حديث البخاري فلا دلالة له على ذلك لأنّ أباهريرة لم يكن عبداً ولا خادماً ولا أجيراً لأبي بكر وإنّما كان فقيراً من أهل الصفة قد صار رفيقاً له في تلك السنة لأداء الحج، فلو سلّم أنّه بنفسه لم يعاون مؤذني علي عليه السلام فغاية الأمر أنّ أبابكر أشار إليه بذلك تألفاً له عليه السلام.

وأما ما نقله عن أبي هريرة من أنّه قال: فأذّن معنا علي يوم النحر إلى آخره، فمكذوب بأنّه لمّا اعترف سابقاً بأنّ النّبي صلى الله عليه و آله ولّى علياً عليه السلام في أداء البراءة والأذان بها رعاية لعادة العرب فكان هو الأصل، والعمدة في ذلك فكيف يتأتى لأبي هريرة أن يعكس الأمر ويجعل نفسه مع أبي بكر أصلًا ويقول أذّن معنا علي عليه السلام مع أنّ كذب أبي هريرة في أحاديثه مما ملأ الخافقين وقد دلت أحاديث أهل السنة على أنّ التهمة له بالكذب كانت معلومة بين الصحابة فمن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث السادس والستين بعد المائة في المتفق عليه في مسند أبي هريرة عن أبي رزين قال خرج إلينا أبوهريرة فضرب يده على جبهته وقال إنّكم تحدثون علىّ إنّى أكذب على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، الخبر.

ومن ذلك ما رواه الحميدي أيضاً في الجمع بين الصحيحين في مسند عبد اللَّه بن عمر في الحديث الرابع والعشرين بعد المائة من المتفق عليه أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أمر بقتل الكلاب إلّاكلب صيد أو كلب غنم أو ماشية فقيل لابن عمر إنّ أباهريرة يقول

ص: 294

أو كلب زرع فقال ابن عمر إنّ لأبي هريرة زرعاً، ومن ذلك ما فيه أيضاً من الحديث الستين بعد المائة من المتفق في مسند أبي هريره يروى عن النبي صلى الله عليه و آله من تبع جنازة فله قيراط من الأجر فقال ابن عمر لقد أكثر علينا أبوهريرة.

وروى ياقوت الحموي الشافعي عند ذكر أحوال البحرين وأهله إنّه اتفق لأبي هريرة مع عمر بن الخطاب واقعة شهد فيها عليه بأنّه عدوّ اللَّه وعدوّ المسلمين وحكم عليه بالخيانة وأوجب عليه عشرة الف دينار الزمه بها بعد ولايته البحرين ولهذه التهمة لم يعمل أبوحنيفة بأحاديثه قط، كما ذكر أبوالمعالي الجويني إمام الشافعية في رسالته المعمولة في بيان أحقيّة مذهب الشافعي والزندويسي الحنفي في الباب الثالث والمائة من كتابه الموسوم بالروضة، هذا مع ما علم أنّ أباهريرة فارق علي بن أبي طالب عليه السلام وبني هاشم وظهر من عداوته لهم وانضمامه إلى معاوية ما لا يحتاج إلى روايته لظهوره في التواريخ والسير وعند علماء الإسلام فتأمل.

إمامة أبي بكر للصلاة في مرض النبي صلى الله عليه و آله كانت من دون إذنه صلى الله عليه و آله

قال: الثالثة

زعموا أنّ النبي صلى الله عليه و آله لمّا ولّاه الصلاة أيّام مرضه عزله عنها وجوابها إنّ ذلك من قبائح كذبهم وافترائهم فقبحهم اللَّه وخذ لهم كيف وقد قدّمنا في سابع الأحاديث الدالة على خلافته من الأحاديث الصحيحة المتواترة ما هو صريح في بقائه اماماً يصلي بالناس إلى أن توفى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وفي البخاري عن أنس قال إنّ المسلمين بينما هم في صلاة الفجر من يوم الإثنين وأبوبكر يصلي لهم لم يفجأ هم إلّارسول اللَّه صلى الله عليه و آله قد كشف ستر حجرة عائشة فنظر إليهم وهم في صفوف الصلاة ثم تبسّم يضحك فنكص أبوبكر على عقبه أيصل الصف وظنّ أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يريد أن يخرج إلى الصلاة قال أنس وهم المسلمون أن يفتنوا في صلاتهم فرحاً بالنّبي صلى الله عليه و آله فأشار إليهم بيده أن أتمّوا صلاتكم ثم دخل الحجرة

ص: 295

وأرخى الستر ثم قبض الضحى من ذلك اليوم فتأمل عظيم افترائهم وحمقهم على أنّ صلاته بالناس خلافة عنه صلى الله عليه و آله متّفق عليها مجمع منّا ومنهم على وقوعها فمن ادّعى انعزاله عنها فعليه البيان.(انتهى)

أقول:

ما ذكره من أنّ الشيعة قالوا إنّ النّبي صلى الله عليه و آله ولّاه الصلاة أيّام مرضه كذب قبيح وافتراء صريح عليهم، فإنّهم لم يقولوا بذلك بل قالوا إنّ عائشة بنته أشارت إليه بذلك فلمّا أحسّ النبي صلى الله عليه و آله بذلك خرج إلى المسجد مسارعاً معتمداً على أميرالمؤمنين عليه السلام وفضل بن عباس رضى الله عنه حتى نحى أبابكر عن المحراب وصلى بنفسه مع الناس وبهذا يظهر فساد ما ذكره في العلاوة أيضاً من اتفاق الشيعة معهم في صلاته خلافة عن النّبي صلى الله عليه و آله فليس عليهم إثبات عزله لأنه فرع إثبات توليته ودون إثباته خرط القتاد.

وأمّا ما نقله من الأحاديث فقد نبّهنا سابقاً على ما نعتقده في شأن أمثالها مع معارضة حديث البخارى المنقول في شرح المواقف لها وإنّ إتيان هذا الشيخ الجاهل بمثلها في مرتبة المصادرة وتكرار ذلك منه دليل على وقاحته وحماقته كما لا يخفى.

ادّعاء ابن حجر أنّ أبابكر كان أعلم الصحابة

42- قال: الرابعة

زعموا أنّه أحرق من قال: أنا مسلم وقطع يد السارق اليسرى وتوقّف في ميراث الجدّة حتى روي له أنّ لها السدس وإن ذلك قادح في خلافته وجوابها بطلان زعمهم، قدح ذلك في خلافته، وبيانه إنّ ذلك لا يقدح إلّا إذا ثبت أنّه ليس فيه أهلية للإجتهاد وليس كذلك بل هو من أكابر المجتهدين بل هو أعلم الصحابة على الإطلاق للأدلة الواضحة على ذلك منها ما أخرجه البخاري وغيره أنّ عمر في صلح الحديبية سأل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عن ذلك الصلح وقال علام نعطى الدنية في ديننا؟ فأجابه النّبي صلى الله عليه و آله ثم ذهب إلى أبي بكر فسأله عما سأل عن النّبي صلى الله عليه و آله من غير ان يعلم بجواب النّبي صلى الله عليه و آله فأجابه بمثل ذلك سواء بسواء.

ص: 296

ومنها ما أخرجه أبوالقاسم البغوي وأبوبكر الشافعي في فوائده وابن عساكر عن عائشة قالت: لمّا توفي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله اشرأب النفاق أي رفع رأسه وارتدت العرب وانحازت الأنصار فلو نزل بالجبال الراسيات ما نزل بأبي لهاضها أي فتتها فما اختلفوا في لفظة الأطار أبي بعبائها وفصلها قالوا أين ندفن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فما وجدنا عند أحد في ذلك علماً فقال أبوبكر: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: ما من نبي يقبض إلّادفن تحت مضجعه الّذي مات فيه، واختلفوا في ميراثه فما وجدنا عند أحد في ذلك علماً فقال أبوبكر: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: إنّا معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة.

قال بعضهم: وهذا أول اختلاف وقع بين الصحابة فقال بعضهم ندفنه بمكة مولده ومنشأه وبعضهم بمسجده وبعضهم بالبقيع وبعضهم ببيت المقدس مدفن الأنبياء حتى أخبرهم أبوبكر بما عنده من العلم.

قال ابن زنجويه وهذه سنة تفرّد بها الصديق من بين المهاجرين والأنصار ورجعوا إليه فيها ومرّ آنفاً خبر «أتاني جبرئيل فقال: إن اللَّه يأمرك ان تستشير أبابكر» وخبر «إنّ اللَّه يكره أن يخطأ أبوبكر» سنده صحيح، وخبر «لا ينبغي لقوم فيهم أبوبكر أن يؤمّهم غيره» ومرّ أول الفصل الثالث خبر «إنّه وعمر كانا يفتيان الناس في زمن النّبي صلى الله عليه و آله».

وعن تهذيب النووي إنّ أصحابنا استدلوا على عظيم علمه بقوله: «لأ قاتلن من فرّق بين الصلاة والزكوة؛ إلى آخره (1)»، وأنّ الشيخ أبا إسحق استدل به على أنّه أعلم الصحابة لأنّهم كلّهم وقفوا عن فهم الحكم في المسألة إلّاهو، ثم ظهر لهم بمباحثته لهم انّ قوله هو الصواب.


1-

ص: 297

يجب أن يكون الإمام عالماً بجميع أحكام الدين وأبوبكر لم يكن كذلك

أقول:

عدم القدح في أبي بكر على تقدير ثبوت أهليته للاجتهاد مقدوح من وجوه: أمّا أولًا: فلأنه لا يجوز الاجتهاد على الإمام إذ بالاجتهاد لم يحصل الجزم بأن ما يقوله من عند اللَّه تعالى.

وأما ثانياً: فلأنّ المجتهد قد يخطي فحينئذ يجوز على الإمام الخطاء وذلك ينافي الإمامة لاشتراط العصمة فيها كما برهنا عليه سابقاً.

وأما ثالثاً: فلأنّا قد أشرنا فيما مضى إلى أنّ من شرائط الإمامة العلم بجميع أحكام الدين، وإنّ ذلك شرط واجب وإلّا لانتفى فائدة نصبه بعين ما ذكرناه في اشتراط العصمة بل العصمة تستلزم هذا العلم فمن ظهر منه نقصان في هذا العلم لا يجوز أن يكون إماماً وقد ظهر عن أبي بكر في مسائل كثيرة الاعتراف على نفسه بأنّه لا يعرف الحكم وقد بيّن أصحابنا رضوان اللَّه عليهم الفرق بين الأمير والحاكم وبين الإمام من حيث كانت ولاية الإمام عامة وولاية من عداه خاصة وبينّوا أنّ الحاكم والأمير يجب أن يكونا عالمين بالحكم في جميع ما اسند إليهما وأن لا يذهب عليهما شي ء من ذلك إلا أنّه لمّا كانت ولايتهما خاصة لم يجب ان يكونا عالمين بجميع أحكام الدين والإمام بخلاف ذلك لأنّ ولايته عامة كنبوة النّبي صلى الله عليه و آله ومن كمال النقص واللؤم ان يقوم أحد مقام النّبي صلى الله عليه و آله ولا يعلم المسائل الضرورية الّتي يحتاج إليها الناس.

وأما رابعاً فلأنّه يتوجه عليه معارضة بالمثل من أنّه لا يثبت اجتهاد أبي بكر إلّا إذا ثبت انّ ما صدر عنه من أمثال الأحكام المذكورة القادحة ضرورة في كل إنسان عاقل له نصيب من معرفة الأحكام الشرعية يمكن أن يصدر ممن له أهلية الاجتهاد وإذا كان إثبات ذلك محالا او ملحقاً بالتشكيك في الضروريات كان ذلك قادحاً في خلافته.

ص: 298

أنّ أبا بكر لم يكن عالماً بالمسائل الضروريّة فضلًا عن جميع الأحكام

وأمّا أوّل ما ذكره من الأدلة الّتى زعم وضوح دلالتها على أهلية أبي بكر للاجتهاد فمدخول بأنّ جواب أبي بكر عن ذلك من غير أن يعلم جواب النّبي صلى الله عليه و آله قبله غير مسلّم وإن كان ذلك الجواب مما يظهر للعاقل المشاهد بخصوصيات تلك الواقعة بأدنى تأمل فغاية ما يلزم من ذلك قصور فهم عمر لا كمال عقل أبي بكر.

وأمّا الثاني منها فمردود بأنّ الاختلاف في موضع الدفن غير واقع كيف وقد صحّ اتفاقاً أنّه مع أصحابه قد اشتغلوا بالخلافة عن دفن النبي صلى الله عليه و آله بل النبي صلى الله عليه و آله أوصى بذلك إلى أهل بيته في أيام حياته كما نقله غير هذا الرواي الغاوي ولو سلّم فلا اجتهاد في نقل خبر وصية النبي صلى الله عليه و آله بشي كدفنه فيما نحن فيه كما لا يسمى إيصال بعض خدمة السلطان وصيته إلى بعض العساكر او أمره إلى بعض الرعية اجتهاداً إذ ليس في مثله استنباط الفرع من الأصل الّذي هو حاصل معنى الاجتهاد شرعاً بل ليس فيه اجتهاد لغوي أيضاً كما لا يخفى مع أنّ قول أبي بكر «سمعت النبي صلى الله عليه و آله يقول:

ما من نبي؛ إلى آخره» دعوى لابرهان له بها سوى دعوى سماعه لذلك وهو كماترى.

وأما ما ذكره من وقوع الإختلاف في ميراثه فغير واقع أيضاً، غاية الأمر أنّه لمّا أخذ فدك عن فاطمة عليها السلام وادّعت النحلة فيها ثم الميراث تنزلًا افترى أبوبكر لدفع دعواها عليها السلام ذلك فقالت له أترث أباك ولا أرث أبي؟ لقد جئت شيئاً فرياً...!

اللهم إلّاأن يقال: أراد بالاجتهاد، الاجتهاد اللغوي في دفعها عليها السلام عن حقّها بتكلّف الكذب والحيل، فإنّ هذا مسلّم عند الشيعة، ثم لا يخفى ما في عبارته من البعد عن كلام المحصّلين فإنّه ذكر أولًا الخلاف في موضع دفن النبي صلى الله عليه و آله ثم الخلاف في ميراثه صلوات اللَّه وسلامه عليه وآله ثم قال متصلًا بهذا: قال بعضهم: وهذا أول اختلاف وقع بين الصحابة فقال بعضهم ندفنه بمكة إلى آخره.

وأمّا ما ذكره من خبر نزول جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه و آله بأمر اللَّه تعالى له ان

ص: 299

يستشير أبابكر، ففيه أنّه على فرض صحّته فإنّما كان لتأليف قلبه، وإلّا فالنبي صلى الله عليه و آله إنّما كان يعمل بالوحي الإلهي كما نطق به القرآن الكريم وكان غنياً عن مشاورتهم وتعليمهم كما لا يخفى على من عرف علوّ شأن النّبي صلى الله عليه و آله كما هو حقّه لكن أهل السنة حيث جعلوا النّبي صلى الله عليه و آله مع أبي بكر الجاهل كفرسيّ رهان فقد حرموا عن حق معرفته وقد يقال إنّما كان يستشير أصحابه ليستخرج بذلك دخائلهم وضمائرهم ويطلع على حسن نيّاتهم وفسادها فلافضل في هذه المشاورة وعلى هذا فقس سائر موضوعاته.

ادعاء ابن حجر أنّ أبا بكر كان محراب مدينة العلم

50- قال:

لا يقال بل علي عليه السلام أعلم منه للخبر الآتي في فضائله «أنا مدينة العلم وعلي بابها» (1)

لأنّا نقول سيأتي إنّ ذلك الحديث مطعون فيه وعلى تسليم صحته او حسنه فأبوبكر محرابها ورواية من أراد العلم فليأت الباب» لا تقتضى الأعلمية فقد يكون غير الأعلم يقصد لما عنده من زيادة الإيضاح والتفرغ للناس بخلاف الأعلم على أنّ تلك الرواية معارضة بخبر الفردوس «أنا مدينة العلم، وأبوبكر أساسها، وعمر حيطانها، وعثمان سقفها، وعلى بابها» فهذه صريحة في أّن أبابكر أعلمهم، وحينئذ فالأمر بقصد الباب إنما هو لنحو ما قلناه لا لزيادة شرفه على ما قبله لما هو معلوم ضرورة.

إنّ كلا من الأساس والحيطان والسقف أعلى من الباب وشذ بعضهم فأجاب بأنّ معنى «وعلي بابها» أي من علوّ على حدّ قراءة هذا صراط علي مستقيم برفع علي وتنوينه «عليٌ» كما قرأ به يعقوب، انتهى.


1- معجم الكبير للطبراني، ج 11، ص 55

ص: 300

أنّ ما ادّعاه ابن حجر من قوله «وأبوبكر محرابها» ليس فيما سيذكره من الخبر

أقول:

يتوجه عليه إنّ طعنه على الحديث مطعون بأنّه يكفي في كونه حجة عليه وعلى أصحابه رواية الترمذي من محدثي أصحابه ذلك في صحيحه ورواية البغوي ما في معناه من قوله صلى الله عليه و آله «أنا دار الحكمة وعلي بابها» (1)

لكن قد سبق إنّ مدار أهل السنة على أنّه إذا احتجت الشيعة عليهم من أحاديث صحاحهم بما يقدح في أصل من أصولهم يطعنون فيه على قدر حيلتهم ولا يستحيون عن الناس ولا عن سلفهم وهذا كماترى على أنّا قد أسبقنا إنّ الإنصاف اعتماد الطرفين على ما اتفق بينهما من الأحاديث وهذا الحديث كذلك فضلًا عن صحته فلا يجدى القدح فيه عناداً وهرباً عن قبول الإلزام.

واما ما قاله من قوله «فأبوبكر محرابها» (2)

فمع ظهور عدم اتجاهه دليل على جرأته على الوضع لأنّ هذا ليس بمذكور فيما سيذكره من حديث الفردوس ولا في غيره.

وأمّا ما ذكره من أنّ رواية «من أراد العلم فليأت الباب» (3)

لا تقتضي الأعلمية إلى آخره ففساده ظاهر لظهور ان المراد بالباب في هذا الخبر وما في معناه الكناية عن الحافظ للشي ء الّذي لا يشذّ عنه شي ء ولا يخرج إلّامنه ولا يدخل إلّا به وإذا ثبت إنّه عليه السلام الحافظ لعلوم النّبي صلى الله عليه و آله وحكمه، ثبت إحاطته لما عند غير الأعلم أيضاً من زيادة الإيضاح والبيان وثبت الأمر بالتوصّل به إلى العلم والحكمة فوجب اتباعه والأخذ عنه وهذا حقيقة معنى الإمام كما لا يخفى على ذوي الأفهام.

وأمّا ما زعمه من كون ذلك الحديث معارضاً بخبر رواه الجهنمي صاحب


1- سنن ترمذي، ج 5، ص 301
2- الغدير، ج 7، ص 197
3- فلك النجاة في الإمامة والصلوة، ص 169

ص: 301

كتاب الفردوس من باب تسمية الشي ء باسم ضده فآثار الوضع عليه لائحة:

أما أوّلًا: فلأنّ المدينة لا يكون لها سقف وإنّما السقف للبيوت والدور وحاشا كلام الفصيح فضلًا عن الأفصح من الاشتمال على مثل هذا السخف الصريح.

وأما ثانياً: فلأنّ راويه عن النّبي صلى الله عليه و آله هو أبوهريرة المرميّ بالكذب، المتّهم بالوضع.

وأما ثالثاً: فلأنّ الكلام ليس في العلوّ والإنخفاض والثبات وعدمه بل في الإتيان لأخذ العلم من صاحب المدينة ولا مدخل لأساس المدينة وحيطانها وسقفها في ذلك بل لو كان أساسها من الرمل والتراب وحيطانها وسقفها من السعف والأشواك لأمكن ذلك.

أنّ المراد من علي في قوله صلى الله عليه و آله «وعلي بابها» علي الاسمي لاالوصفي

وأيضاً الحديث إنّما روي على كون لفظ علي فيه إسماً علماً لمولانا أميرالمؤمنين عليه السلام لا على كونه فعيلًا بمعنى الفاعل باقياً عليه، فلو جاز التأويل العليل الّذى تمحله شاذّ منهم لجاز أن يكون المراد بعلي في قوله تعالى «صراط على مستقيم» إسم مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام بأن يكون مضافاً إليه الصراط ولعلّ هذا أصعب على الناصبة من أصل الحديث.

ولعمري إنّ جرأتهم على وضع أمثال هذه الكلمات المشتملة على التمحلات الظاهرة لا توجب إلّازيادة شناعتهم وإشاعة عداوتهم لأهل البيت عليهم السلام.

في ادّعاء ابن حجر أنّ أبا بكر كان يقضى بالكمال الأسني

قال:

فثبت بجميع ما قررناه إنه من أكابر المجتهدين بل أكبرهم على الإطلاق، وإذا ثبت أنّه مجتهد فلاعتب عليه في التحريق لأنّ ذلك الرجل كان

ص: 302

زنديقاً وفي قبول توبته خلاف وأما النهي عن التحريق فيحتمل أنّه لم يبلغه، ويحتمل أنّه بلغه وتأوّله على غير نحو الزنديق، وكم من أدلة تبلغ المجتهدين ويؤولونها لما قام عندهم، لا ينكر ذلك إلا جاهل بالشريعة وحامليها وأمّا قطعه يسار السارق فيحتمل أنّه خطاء من الجلاد، ويحتمل أنّه لسرقة ثانية ومن أين علم أنّها للسرقة الأولى، وإنّه قال للجلّاد اقطع يساره؟ وعلى التنزل فالآية شاملة لما فعله؛ فيحتمل أنّه كان يرى بقاءها على إطلاقها وإنّ قطعه صلى الله عليه و آله اليمنى في الأولى ليس على التحتم بل الإمام مخيّر في ذلك وعلى فرض إجماع في المسئلة فيحتمل إنهم اجمعوا على ذلك بعده.

وأما توقفه في مسألة الجدة إلى أن بلغه الخبر فينبغي سياق حديثه، فإنّ فيه أبلغ ردّ على المعترضين أخرج أصحاب السنن الأربعة ومالك عن قبيصة قال:

جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها فقال مالك في كتاب اللَّه وما علمت لك في سنة نبي اللَّه صلى الله عليه و آله شيئاً فارجعي حتّى أسأل الناس فسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة حضرت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أعطاها السدس فقال أبوبكر هل معك غيرك فقام محمد بن مسلم فقال مثل ما قال المغيرة فانفذه لها أبوبكر فتأمل هذا السياق تجده قاضياً بالكمال الأسني لأبي بكر فإنه نظر أولًا في القرآن وفي محفوظاته من السنة فلم يجد لها شيئاً ثم استشار المسلمين ليستخرج ما عندهم من شي ء حفظوه فأخرج له المغيرة وابن مسلم ما حفظاه فقضى به وطلبه انضمام آخر إلى المغيرة إحتياط فقط إذ الرواية لا يشترط فيها تعدد على أنّه غير بدع من المجتهد أن يبحث عن مدارك الأحكام.

في تخطئة ابن حجر في قوله «تجده قاضياً بالكمال الأسنى»

أقول:

قد عرفت بما قررناه من بطلان جميع ما قرّره نفي ذلك الثبوت، وإنّه

ص: 303

أوهن من نسج العنكبوت.

وأما ما ذكره من أنّ «النهي عن التحريق فيحتمل أنّه لم يبلغه» فهو مخالف لما ادعاه سابقاً من كمال علم أبي بكر وأمّا احتماله لتأوّله على نحو غير الزنديق من غير قرينة ظاهرة مقتضية لذلك التأويل الممقوت، فهو من قبيل تأويلات ملاحدة الموت، ولو جاز أمثال هذا التأويل العليل لارتفع الأمان عن دلالة القرآن المبين، وسنن سيد المرسلين، وخرجا عن كونهما دليلا للمحقين، حجة على المبطلين.

وأمّا قوله «إن قطعه يسار السارق فيحتمل أنّه خطاء من الجلّاد» فوجه الخطاء فيه ظاهر فإنّ قطع يد ذلك السارق لم يكن في خلاء بحيث يكون الجلاد منفرداً بل كان في ملاء مشاهد القوم من الصحابة وغيرهم فإذا كان من غلط الجلاد فلِمَ لم يفهمه أحد من الحاضرين والعقل يحكم باستحالة تواطؤ الجميع على الغلط فمغلط الجلاد غالط.

وأما قوله «فمن أين علم أنّها للسرقة الأولى، وإنّه قال للجلّاد اقطع يساره» ففيه إنّ من قدح في أبي بكر بتلك الرواية إنّما قدح لوجدانه إيّاها في كتب الحديث والسير مشتملة على تلك الخصوصيات فعلم أنّ قوله «من أين علم» نفخ من غير ضرام، على أنّ هذه التخطئة قد توجهت من الصحابة المعاصرين الشاهدين لحكمه الفاسد فلو كانت للسرقة الأولى لما نسبوه إلى الخطاء.

لا يقال: يحتمل أن يكون ذلك لعدم علمهم، أنّه في المرتبة الثانية لأنّا نقول لو كان كذلك لأعلمهم بذلك وسلم عن التخطئة.

وأمّا قوله «وعلى التنزل فالآية شاملة لما فعله؛ إلى آخره» فنازل جداً لأنّ الشمول قد خص بفعل النّبي صلى الله عليه و آله على رؤس الاشهاد فالغفلة عن ذلك لا تليق بحال من قام مقامه صلى الله عليه و آله وكذا الكلام في قوله «إنّ قطع النّبي صلى الله عليه و آله اليمنى في الأولى ليس على التحتم» لما تقرر في الأصول إن فعل النّبي صلى الله عليه و آله ما لم يعلم وجهه محمول على الوجوب.

ص: 304

وأمّا قوله «وعلى فرض إجماع في المسئلة» فمدخول بظهور قطعية هذا الإجماع ظهوراً لا ينكره إلّاهذا الشيخ الفارض الّذى فرض على نفسه إصلاح معايب أبي بكر بكل حيلة ووسيلة على أنّه لو جاز إنعقاد هذا الإجماع بعد فعل أبي بكر لجاز أن يقال في الإجماع الّذي ادعاه هذا الشيخ مراراً في خلافة أبي بكر إنّما انعقد بعد غصبه الخلافة كما وقع نظيره لمعاوية ولعله لا يرضى بذلك فتأمل.

وأمّا ما اعترف به من توقف أبي بكر في مسئلة الجدّة والسؤال فيها عن الناس فهو كاف في ظهور نقصه و قصوره وأين دنوّ من لم يعف على المسئلة حتى سأل، من علوّ من قال مستوياً على عرش التحقيق «سلونى عما دون العرش، وسلونى قبل ان تفقدونى».

وأما قوله «فإنه نظر أولًا في القرآن ومحفوظاته؛ إلى آخره» ففيه نظر ظاهر لأنّه لو كان دأبه في الأحكام الشرعية رعاية الاحتياط بالتأمل والتوقف والمشاورة فلِمَ لم يتأمل في أمر الخلافة إلى فراغ أهل البيت عليهم السلام وسائر بني هاشم من دفن النّبي صلى الله عليه و آله حتى يشاورهم؟ بل سارع في ذلك وأخذ البيعة الفاسدة عن الناس فلتة كما أفصح عنه عمر بقوله «كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى اللَّه شرّها عن المسلمين» (1)

وقد مر.

وأمّا ما ذكره آخراً من ان. «طلبه انضمام آخر إلى المغيرة إحتياط فقط» فهو مع أنّه لا يقدح في مقصودنا ليس بمتعيّن أن يكون منظوراً لأبي بكر لجواز أن يكون منظوره في ذلك إعتقاده لفسق المغيرة فقد روى الجمهور مستفيضاً أنه شهد عليه بالزنا عند عمر بن الخطاب ولقن الرابع وهو زياد بن أبيه حتى تلجلج في الشهادة فدفع عنه الحد هذا ومع ذلك فهو راوى شطر من أحاديث القوم فلا تغفل عنه.


1- شرح احقاق الحق، ج 2، ص 348

ص: 305

ادّعاء ابن حجر إنّ إنكار عمر على أبى بكر عدم قتله خالداً لم يكن ذمّاً

قال: الخامسة

زعموا أنّ عمر ذمّه والمذموم من مثل عمر لا يصلح للخلافة وجوابها إنّ هذا من كذبهم وافتراءهم أيضاً ولم يقع من عمر ذمّ له قط وإنّما الواقع منه في حقه غاية الثناء عليه واعتقاد أنه أكمل الصحابة علماً ورأياً وشجاعة كما يعلم مما قدمناه عنه في قصة المبايعة وغيرها؛ على أنّ إمامة عمر إنّما هي بعهد أبي بكر إليه فلو قدح فيه لكان قادحاً في نفسه وإمامته.

واما انكاره على أبي بكر كونه لم يقتل خالد بن الوليد لقتله مالك بن نويرة وهو مسلّم ولتزوّجه إمرأته من ليلته ودخل بها فلا يستلزم ذمّاً له ولا الحاق نقص به لأنّ ذلك إنّما هو من إنكار بعض المجتهدين على بعض في الفروع الاجتهادية وهذا كان شأن السلف وكانوا لا يرون فيه نقصاً وإنّما يرونه غاية الكمال؛ على أنّ الحق عدم قتل خالد لأن مالكاً ارتدّ وردّ على قومه صدقاتهم لمّا بلغه وفاة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله كما فعل أهل الردّة، وقد اعترف أخو مالك لعمر بذلك وتزوّجه امرأته لعله لانقضاء عدّتها بالوضع عقب موته، أو يحتمل أنّها كانت محبوسة عنده بعد انقضاء عدّتها عن الأزواج على عادة الجاهلية وعلى كل حال فخالد اتّقى للَّه من أن يظن به مثل هذه الرذالة الّتي لا تصدر من أدنى المؤمنين فكيف بسيف اللَّه المسلول على أعدائه؛ فالحق ما فعله أبوبكر لا ما اعترض به عليه عمر رضي اللَّه عنهما ويؤيد ذلك أنّ عمر لمّا افضت الخلافة إليه لم يتعرض لخالد ولم يعاتبه في هذا الأمر قط، فعلم أنّه ظهر له حقيّة ما فعله أبوبكر، انتهى.

بيان إنّ إنكار عمر على أبى بكر في عدم قتله خالداً كان ذمّاً

أقول:

ما أتى به من التكذيب والإنكار مكابرة على الشائع الذائع الّذي ضاقت الدنيا من امتلائه روماً لإصلاح ما أفسده الدهر من حال خلفائه «وهل

ص: 306

يصلح العطار ما أفسد الدهر».

وأما ما ذكره في العلاوة من المقدمة القائلة بأنّ «إمامة عمر إنّما هي بعهد أبي بكر إليه؛ إلى آخره» ففيه إنّا نعلم أنّ المقدمة المذكورة تقتضى كف عمر عن القدح فيه لكن اللَّه تعالى قد انساه تلك المقدمة في بعض الأحيان وأجرى الحق على لسانه بذكر بعض القوادح الّتى نقلها الثقات من أرباب السير والتواريخ ليكون حجة لأهل الحق على أهل الباطل.

وأما ما ذكره من انّ «إنكاره على أبي بكر في عدم قتله خالد بن الوليد لقتله مالك بن نويرة لا يستلزم ذمّاً له؛ إلى آخره» فمدخول بأن الذم كل الذم إنّما هو في إهماله إجراء حكم الشرع في شأن خالد لكن لما كان صدور الذم عليه من مثل عمر أشدّ عنه أوليائه من المتسمّين بأهل السنة خصّه الشيعة بالذكر فقوله «لا يستلزم ذماً له» كماترى.

وأمّا ما ذكره من اجتهاده في ذلك فهو من قبيل اجتهاد أبي جهل وأمثاله في مقاتلة النّبي صلى الله عليه و آله، واجتهاد معاوية في محاربة أميرالمؤمنين عليه السلام؛ والقائل بمثل ذلك لا يليق بالجواب، ولا يستحق الخطاب.

وأمّا ما ذكره في العلاوة الثانية من «أنّ الحق إنّ مالكاً ارتدّ وردّ على قومه؛ إلى آخره» فقد عرفت بطلانه بما نقلناه سابقاً من كلام ابن حزم وغيره عند الكلام على ما عقده هذا الشيخ المكابر من الفصل الثالث في النصوص السمعية الّتى زعم دلالتها على خلافة أبي بكر فتذكر واعطفه إلى هذا الموضع عسى ان يزيدك وضوحاً في تحقيق المرام.

في أنّ قتل خالد مالكاً كان من غير حق لأنّه لم يكن مرتداً

وأما ما احتمله من تزوّج خالد لامرأة مالك بعد انقضاء عدتها بالوضع عقب موته فمردود بأنّ عدّة امرأة المسلم لا تنقضي بما ذكره، نعم استبراء الإماء المسبّية

ص: 307

من الكفار يتحقق بمثل ذلك وقد بيّنّا أنّ مالكاً لم يرتدّ قطعاً.

وأمّا احتمال «إنّها كانت محبوسة عنده؛ إلى آخره» فمع ابتنائه أيضاً على ارتداد مالك مردود كسابقه بأنه كيف يليق بشأن عمر مع ما رووا فيه «إنّه لو كان نبي بعد نبينا صلى الله عليه و آله لكان هو عمر» أن ينكر على أبي بكر ذلك الإنكار المنقول، ويحرضه على قتل خالد سيف اللَّه المسلول، من غير علم بحال القاتل والمقتول.

ولعمرى إنّه لو قيل لانسان: أسخف واجتهد ما قدر على أكثر ممّا أتى به هذا الشيخ من الهذيان والهذر؛ ومن بلغ إلى هذه المرتبة من المكابرة، فقد كفى مؤنة خصمه في المناظرة.

وأمّا ما ذكره من «أنّ خالداً اتقى للَّه من أن يظن به مثل هذه الرذالة؛ إلى آخره» فهو مجرد حسن ظن لا يغني من الحق شيئاً.

ولو سلّم فأول من يرد عليه هذا الاعتراض هو عمر حيث ساء الظن بخالد وهمّ بقتله.

واما تسمية خالد بسيف اللَّه فوقعت من أبي بكر لإعانته له في غصب الخلافة أولًا وقتل مالك الّذى أوقع الخلل في خلافته ثانياً، فانكشف المعمى، وظهر أنّه لا كرامة في ذلك الاسم والمسمى.

وأمّا قوله «فالحق ما فعله أبوبكر لا ما اعترض عليه» ففيه أنّ هذا اعتراف منه ببطلان عمر في ذلك الإعتراض و هو يكفي للقدح فيهما لأنهما كالحلقة المفرغة في غضب الخلافة والبدع الّتي أحدثاها في الدين عن فرط الجلافة.

واما ما ذكره من التأييد فوهنه ظاهر ممّا قدّمناه في الكلام المتعلق بالفصل الثالث أيضاً من أنّه لمّا افضت الخلافة إلى عمر هرب خالد إلى الشام واسترجع عمر بقية ما كان في أيدي الناس من أسارى بني حنيف من النساء والذراري وسلمهم إلى أزواجهم وآبائهم من بقية سيف أبي بكر، تدبر.

ص: 308

في أنّ قول عمر «كانت بيعة أبي بكر فلتة» يزرى بخلافة أبى بكر

قال: السادسة

زعموا أنّ قول عمر «إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة لكن وقى اللَّه شرّها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه» قادح في حقيقتها.

وجوابها أنّ هذه من غباواتهم وجهالاتهم، إذ لا دلالة في ذلك لما زعموه، لأنّ معناه أنّ الاقدام على مثل ذلك من غير مشورة الغير وحصول الاتفاق منه مظنّة الفتنة فلا يقدمن أحد على ذلك على إني أقدمت عليه فسلّمت على خلاف العادة ببركة صحّة النية وخوف الفتنة لو حصل توان في هذا الأمر كما مرّ مبسوطاً في فصل المبايعة، انتهى.

اقول:

حاصل احتجاج الشيعة بذلك أنّ ضمير «شرّها» في قول عمر راجع إلى البيعة فيلزم توصيف بيعة أبي بكر بالشرّ وهذا إزراء بجلالة قدره عندهم وكذا في لفظ الفلتة استحقار لها ففي ما ذكره عمر غاية المذمة إذ لا مذّمة فوق الوصف بالشرّ ولقد أنطقه اللَّه بالحق حيث اعترف في بيان المعنى بعدم حصول الاتفاق على خلافة أبي بكر وبهذا ظهر أنّ الغبي الجاهل هل هو هذا الشيخ المتحجر أو الشيعة؟

وقد مرّ منّا أيضاً مفصلًا في الفصل الّذى ذكره ما هو الفيصل فتذكر.

استدلال ابن حجر على أنّ أبا بكر كان في منع فدك مصيباً

قال: السابعة:

زعموا أنّه ظالم لفاطمة عليها السلام بمنعه إيّاها من مخلف أبيها وإنّه لا دليل له في الخبر الّذى رواه «نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة» (1)

لأنّ فيه احتجاجاً بخبر الواحد مع معارضته لآية المواريث وفيه ما هو مشهور عند الأصوليين وزعموا أيضاً إنّ فاطمة عليها السلام معصومة بنص إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ


1- تفسير ابن كثير، ج 3، ص 370

ص: 309

لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (1)

وخبر «فاطمة بضعة مني» (2)

وهو معصوم فتكون معصومة وحينئذ فيلزم صدق دعواها الإرث.

وجوابها أمّا عن الأول فهو لم يحكم بخبر الواحد الّذي هو محل الخلاف وإنّما حكم بما سمعه من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وهو عنده قطعي فساوى آية المواريث في قطعية المتن. وأما حمله على ما فهمه منه فلانتفاء الاحتمالات الّتي يمكن تطرّقها إليه عنه بقرينة الحال فصار عنده دليلًا قطعياً مخصصاً لعموم تلك الآيات.

وأمّا عن الثاني فمن أهل البيت أزواجه على ما يأتي في فضائل أهل البيت عليهم السلام ولسن بمعصومات اتفاقاً فكذلك بقية أهل البيت.

وأمّا «بضعة منى» فمجاز قطعاً فلم يستلزم عصمتها وأيضاً فلا يلزم مساواة البعض للجملة في جميع الأحكام بل الظاهر إنّ المراد أنّها كبضعة منّي فيما يرجع للحُنُوّ والشفقة.

ودعواها أنّه صلى الله عليه و آله نحلها فدكاً لم تأت عليها إلّابعلي وأم أيمن فلم يكمل نصاب البيّنة على أنّ في قبول شهادة الزوج لزوجته خلافاً بين العلماء، وعدم حكمه بشاهد ويمين إمّا لعلّه لكونه ممن لا يراه ككثيرين من العلماء أو أنّها لم تطلب الحلف مع من شهد لها، وزعمهم أنّ الحسن والحسين وأمّ كلثوم شهدوا لها باطل على أنّ شهادة الفرع والصغير غير مقبولة، وسيأتي عن الإمام زيد بن علي بن الحسين رضي اللَّه عنهم أنّه صوّب ما فعله أبوبكر وقال:

«لو كنت مكانه لحكمت بمثل ما حكم به» وعن أخيه الباقر عليه السلام أنّه قيل له:

«أظلمكم الشيخان من حقكم شيئاً؟ فقال: لا ومنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً ما ظلمانا من حقنا ما يزن حبة خردلة».


1- احزاب: 33.
2- المبسوط سرخسى، ج 30، ص 288

ص: 310

وأخرج الدار قطني إنّه سئل ما كان يعمل على في سهم ذوي القربى؟ قال:

عمل فيه بما عمل أبوبكر وعمر، كان يكره أن يخالفهما. وأمّا عذر فاطمة في طلبها مع روايته لها الحديث فيحتمل إنه لكونها رأت أنّ خبر الواحد لا يخصّص القرآن كما قيل به فاتضح عذره في المنع وعذرها في الطلب فلا يشكل عليك ذلك وتأمّله فإنّه مهم.

في الجواب عن استدلال ابن حجر على قضية فدك

أقول:

فيه نظر من وجوه: أمّا أوّلًا فلأنّه يتوجه على جوابه عن الأول إنّ الخبر الّذي رواه أبوبكر في ذلك أولى بأن يكون محل الخلاف لأنّه متهم في روايته بعداوته لأهل البيت عليهم السلام وجر النفع لنفسه لما روى الشيخ جلال الدين السيوطي في تاريخ الخلفاء من أنّ فدكاً كان بعد ذلك حبوة أبي بكر وعمر ثم اقتطعها مروان و أنّ عمر بن عبدالعزيز قد ردّ فدكاً إلى بني هاشم، وروي أنه ردّها إلى أولاد فاطمة رضي اللَّه عنها انتهى.

وفي هذا دلالة على اتهام أبي بكر عند عمر بن عبدالعزيز أيضاً كما وقع التصريح به في الروايات الأخر على أنّ تخصيص الكتاب بغير الحديث المتواتر والمشهور مما خالف فيه جمع كثير فمنهم أبوحنيفة كما ذكر في شروح منهاج البيضاوي.

وأيضاً المنصف المتأمل يجزم بأنّه لا وجه لأن يكون مثل هذا الخبر موجوداً ولم يسمعه غير أبي بكر حتى نساء النّبي صلى الله عليه و آله و علي و فاطمة عليهما السلام مع أنّهم كانوا مداومين في ملازمة النبي صلى الله عليه و آله وبالجملة كيف يبيّن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله هذا الحكم بغير ذرّيته ويخفيه عمن يرثه ولا يوصى إليهم بذلك حتى يقعوا في ادعاء الباطل والتماس الحرام على أنّه صلوات اللَّه وسلامه عليه كان مأموراً خصوصاً في محكم الكتاب

ص: 311

بإنذار عشيرته الأقربين.

وقد أخرج في جامع الأصول حديث شهر بن حوشب عن الترمذي وأبي داود «أنّ النّبي صلى الله عليه و آله قال: ان الرجل والمرأة ليعملان بطاعة اللَّه تعالى ستين سنة ثم يحضرهما الموت فيضارّان في الوصية فيجب لهما النار» فأىّ ضرر أعظم من أن يكون النبي صلى الله عليه و آله كتم ذلك عن وصيه وورثته واودعه أجنبياً لا فائدة له فيه ظاهراً وحاشاه من ذلك إذ هو رحيم رؤوف بالأ باعد؛ فضلًا عن الأقارب.

لا يقال كفى تعريفاً وإعلاماً بذلك الخبر الّذي ذكره النّبي صلى الله عليه و آله لأبي بكر من كبار أصحابه لأنّا نقول: الكفاية ممنوعة لأنّ أبابكر إنّما غلب على فاطمة عليها السلام بذلك الخبر من حيث أنّه صار خليفة وقاضياً وادعى أنّ علمه قد حصل بذلك من الخبر المذكور وعلم القاضي كاف في إجراء الحكم ومن البيّن أنّه لو لم يتفق سوء اختيار القوم على خلافة أبي بكر بل كان الخليفة غيره لما كان لذلك الخبر الواحد حجّية عنده في إثبات كون تركة النّبي صلى الله عليه و آله صدقة إمّا عند الخليفة على تقدير كونه غير أبي بكر فلأنّ شهادة الواحد مردودة فضلًا عن روايته في مقام الشهادة وإمّا عند المدّعية أعني فاطمة عليها السلام فلما ظهر من أنّها قد انكرت ذلك وغضبت على أبي بكر في حكمه بما ذكر ولا مجال لأن يقال: إنّ النّبي صلى الله عليه و آله لمّا عيّن أبابكر للخلافة لم يحتج إلى إظهار ذلك لغيره لأنّ هذا خلاف ما عليه جمهور أهل السنة من عدم النص والتعيين لأحد كما مرّ؛ على أنّه يجوز أن يكون الحديث الّذى تفرّد به أبوبكر من قبيل «الغرانيق العلى» الّذي جوّز أهل السنة إلقاء الشيطان له على لسان النّبي صلى الله عليه و آله وكيف يستبعد إلقاء مثل ذلك له مع ما روى سابقاً عن أبي بكر من انه قال: «إنّ لي شيطاناً يعترينى؛ إلى آخره» (1)

.


1- طبقات الكبرى، ج 3، ص 212

ص: 312

وأمّا قوله «وإنّما حكم بما سمع من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله» ففيه أنّ دعوى سماعه منه غير مسموع لما سمعت من اتهامه سابقاً.

وأمّا قوله «وهو عنده قطعي» فمردود بقول شاعرنا: «ومن أنتم حتى يكون لكم عند».

وأمّا ما ذكره من قوله «وأمّا حمله على ما فهمه منه فلانتفاء الاحتمالات؛ إلى آخره» ففيه أنّ ذلك وهم لافهم، وانتفاء الاحتمالات غير ثابت لاحتمال أن يكون قوله «صدقة» في الحديث الحادث تميزاً، ويكون معنى الحديث إنّ ما تركناه على وجه الصدقة لا يورثه أحد وقد وهم الراوي وهو أبوبكر في ذلك لاحتمال أنّ النّبي صلى الله عليه و آله قد وقف على لفظ صدقة فظنه أبوبكر موقوفاً على الرفع بالخبرية لا على النصب بكونه تميزاً والتميز إنّما هو شأن أهل الاستبصار، لا كلّ قاصر يكثر منه العثار. ولعلّ هذا الشيخ المعاند أراد بقرينة الحال الّذي علم بها أبوبكر انتفاء الاحتمالات الأخر في ذلك الحديث قرينة حال أبي بكر وعمر في إرادتهما الظلم على أهل البيت عليهم السلام وهذا مسلّم لا شك فيه.

المراد من أهل البيت، الذين أذهب اللَّه عنهم الرجس

وأمّا ثانياً فلأنّه يتوجه على ما ذكره في الجواب عن الثاني: «إنّ من أهل البيت أزواجه على ما يأتى في فضائل أهل البيت؛ إلى آخره» إنّا قد راجعنا إلى ما ذكره هناك فلم نجد فيه إلّاما يجديه من ذكره أحاديث موضوعة، وأقاويل من أهل السنة مصنوعة زعم معارضتها لما ذكره أيضاً من الأحاديث الصحيحة اتفاقاً الدالة على خروج الأزواج فلنضرب عن نقلها ههنا صفحاً، ولنذكر من الاحتجاج الدافع للعناد واللجاج ما يدمّر أيضاً على ما أتى به ثمّة عن غاية الإعوجاج فنقول:

قد اتفق المفسرون من الشيعة والسنة على ذلك وهذا الاتفاق حجة متحققة بموافقة

ص: 313

بعض المفسرين من أهل السنة مع الشيعة فضلًا عن أكثرهم كما اعترف به هذا الشيخ الجامد في أوائل الفصل العاشر من كتابه هذا لظهور أنّ ما ذهب إليه بعض من طائفة حجة على الكل سيما إذا وافقهم فيه غيرهم.

وأيضاً قد انعقد الإجماع على ذلك قبل ظهور المخالف من أتباع بني امية المعادين لأهل البيت عليهم السلام والمخالف الحادث لا يقدح خلافه في انعقاد الإجماع السابق.

وأيضاً والّذي يدل على ذلك أنّ من روى خلاف ذلك من المفسرين كانوا متأخرين عن قدماء المفسرين والمحدثين كالثعلبي، وأحمد بن حنبل، والظاهر أنّ منشأ المتأخرين ذكر آية التطهير متصلًا بما قبله من الاية الّتي وقع فيها النداء على نساء النّبي صلى الله عليه و آله والخطاب معهن. وفيه ان رعاية هذه المقارنة والمناسبة إنّما تجب إذا لم يمنع عنها مانع ومن البيّن أنّ تذكير ضمير «عنكم» و «يطهركم» وبعض الدلائل والقرائن الآخر الخارجة مانع عن ذلك.

منها ما روى هذا الشيخ في كتابه هذا من «أنّه عليه السلام لمّا نزلت آية المباهلة جمع علياً وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وجلّلهم بكساء فدكي فقال: هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً».

ومنها ما رواه أيضاً في الباب الحادي عشر حيث قال: «في مسلم عن زيد ابن أرقم إنّه صلى الله عليه و آله قال: أذكركم اللَّه في أهل بيتي قلنا لزيد: من أهل بيته نسائه؟ قال: لا أيم اللَّه، أنّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها؛ أهل بيته أهله وعصبته الّذين حرموا الصدقة بعده»(انتهى) وهو مذكور في جامع الأصول أيضاً ولا يخفى أنّه يفهم من قول زيد أنّ إطلاق أهل البيت ليس على الحقيقة اللغوية بل على الحقيقة الشرعية ويمكن أن يكون مراده إنّ الّذى يليق ان يراد في أمثال الحديث المذكور من أهل البيت أهله

ص: 314

وعصبته الّذين لا يزول نسبتهم عنه أصلًا دون الأزواج وعلى التقديرين فهو مؤيّد لمطلوبنا.

أنّ نساء النبى صلى الله عليه و آله لسن من أهل البيت الذين أذهب اللَّه عنهم الرجس

وذكر سيد المحدثين جمال الملة والدين عطاء اللَّه الحسيني في كتاب تحفة الأحباء خمسة أحاديث إثنان منها وهما المسندان إلى أم سلمة رضي اللَّه عنها نصّ صريح في الباب لأنّ أحدهما وهو الّذى نقله في جامع الترمذي وذكر أنّ الحاكم حكم بصحّته قد اشتمل على أنّه لمّا قال النّبي صلى الله عليه و آله عند إدخال علي وفاطمة وسبطيه في العباء ما قال، قالت أم سلمة رضي اللَّه عنها: «يا رسول اللَّه الست من أهل بيتك؟ قال إنّك على خير أو إلى خير».

والآخر وهو الحديث الّذى نقله عن كتاب المصابيح في بيان شأن النزول لأبي العباس أحمد بن الحسن المفسر الضرير الاسفراينى قد تضمّن أنّه عليه السلام لمّا أدخل علياً وفاطمة وسبطيه في العباء قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وأطهار عترتي وأطايب أرومتي من لحمي ودمي إليك لا إلى النار أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، وكرّر هذا الدعاء ثلاثاً قالت أمّ سلمة رضي اللَّه عنها قلت: يا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وأنا معهم. قال: إنك إلى خير وأنت من خير أزواجي.

ثم قال السيد قدس سره فقد تحقّق من هذه الأحاديث أنّ الاية إنّما نزلت في شأن الخمسة المذكورين عليهم السلام ولهذا يقال لهم آل العباء وللَّه درّمن قال من أهل الكمال.

عَلَى اللَّهِ فِي كُلِّ الأُموُرِ تَوَكُّلي وَبِالخَمْسِ أَصْحابُ العَباءِ تَوَسُّلي

مُحَمَّدٌ المَبْعوُثْ حقاً وَبِنْتُهُ وَسِبْطَيْهِ ثُمَّ الْمُقْتَدى المُرتَضى عَلي

إن قيل: ما ذكر من الأحاديث معارضة بما روى أنّ أمّ سلمة قالت

ص: 315

لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله: «ألست من أهل البيت؟ فقال بلى ان شاء اللَّه».

قلنا لا نسلّم صحة سندها ولو سلّم نقول: إنها في هذه الرواية في معرض التهمة بجر نفع لنفسها فلا يسمع قولها وحدها ولو سلّم نقول: إنّ كونها من أهل البيت قد علق فيها بمشية اللَّه تعالى فلا تكون من أهل البيت جزماً مع أنّها لو كانت منهنّ لما سألته لأنّها من أهل اللسان، والترجيح معنا بعد التعارض وهو ظاهر.

وأيضاً أهل بيت الرجل في العرف هم قرابته من عترته لا أزواجه بدليل سبق الفهم إلى ذلك وهو السابق إلى فهم أهل كل عصر والمتداول في أشعارهم وأخبارهم فما أحد يذكر أهل بيت النّبي صلى الله عليه و آله في شعر أو غيره إلّاوهو يريد من ذكرناه لا أزواجه، ولعلّ مناقشة الجمهور في هذا المقام إنّما نشأت من حملهم البيت في الآية والحديث على البيت المبنى من الطين والخشب المشتمل على الحجرات الّتي كان يسكنها النّبي صلى الله عليه و آله مع أهل بيته وأزواجه إذ لو أريد بالبيت ذلك لاحتمل فهمه من الآية والرواية لكن الظاهر إنّ المراد بأهل البيت على طبق قولهم أهل اللَّه وأهل القرآن أهل بيت النبوة ولا ريب أنّ هذا منوط بحصول كمال الأهلية والاستعداد المستعقب للتنصيص والتعيين من اللَّه ورسوله على المتّصف به ولهذا احتاجت أمّ سلمة رضي اللَّه عنها إلى السؤال عن أهليتها للدخول فيهم كما مرّ.

وفوق ما ذكرناه كلام وهو أنّه لا يبعد أن يكون اختلاف أسلوب آية التطهير لما قبلها على طريق الالتفات من الأزواج إلى النّبي وأهل بيته عليهم السلام على معنى أنّ تأديب الأزواج وترغيبهنّ إلى الصلاح والسداد من توابع إذهاب الرجس والدنس عن أهل البيت عليهم السلام فحاصل نظم الآية على هذا:

إن اللَّه تعالى رغّب أزواج النّبي صلى الله عليه و آله إلى العفّة والصلاح بأنّه إنّما أراد في الأزل أن

ص: 316

يجعلكم معصومين يا أهل البيت واللائق أن يكون المنسوب إلى المعصوم عفيفاً صالحاً كما قال «والطيبات للطيبين» على انه قد وقع اختلاف كثير في ترتيب المصاحف حتى اصطلح الناس على مصحف واحد والاختلاف إنّما هو في الترتيب البتة لأنّ القرآن متواتر كما لا يخفى.

إنّ آية التطهير تدلّ على عصمة فاطمة و علي والحسن و الحسين عليهم السلام:

ثم أقول: يمكن أنّ يستدلّ على خروج الأزواج بأنّ الإرادة المدلول عليها في الآية بقوله تعالى «يريد اللَّه» إمّا أن تكون إرادة محضة لم يتبعها الفعل أو إرادة وقع الفعل عنادها، والأول باطل لأنّ ذلك لا تخصيص فيه بأهل البيت بل هو عام في جميع المكلّفين ولا مدح في الإرادة المجرّدة واجتمعت الأمة على أنّ الآية فيها تفضيل لأهل البيت وإبانة لهم عن سواهم فثبت الوجه الثاني وفي ثبوته ما يقتضي عصمة من عنى بالآية، وإنّ شيئاً من القبائح لا يجوز أن يقع منهم، ولا شكّ في عدم القطع بعصمة الأزواج والآية موجبة للعصمة فثبت إنّها فيمن عداهن من آل العباء لبطلان تعلّقها بغيرهم.

وأمّا ما ذكره ههنا من أنّ «بضعة مني» مجاز، فهب أن يكون كذلك لكنّه يجب حمل المجاز على المعنى الأقرب إلى المعنى الحقيقي كما تقرر في الأصول وهو ههنا ترتّب الأحكام الّتي تترتّب على النّبي صلى الله عليه و آله ومنها العصمة والطهارة. ولو اغمضنا عن ذلك نقول:

الاستدلال على عصمة فاطمة عليها السلام بالنّص الثابت عن النبي صلى الله عليه و آله عند الفريقين:

إنّ الإستدلال على عصمتها عليها السلام إنّما وقع من الشيعة بمجموع الحديث وتقريره أنّ النّبي صلى الله عليه و آله عليه وآله قال في حقّها عليها السلام: «فاطمة بضعة مني، من آذاها فقد آذانى،

ص: 317

ومن آذاني فقد آذى اللَّه» (1)

وفي رواية «من اغضبها فقد اغضبنى» (2)

وفي رواية «يريبنى ما رابها» (3)

وأمثالها كثيرة فلو فرض عدم عصمتها لجاز عليها صدور معصية موجبة للحدّ أو التعزير عليها، ولا ريب في إيذاءها حينئذ بذلك وهو منهى عنه لما عرفت من أنّ إيذاءها إيذاء اللَّه تعالى ورسوله فلو لم تكن معصومة لزم جواز إيذاءها بالحدّ والتعزير فلزم أن يكون إيذاءها عليها السلام منهياً عنه وجائزاً هذا خلف فسقط جميع ما نسجه في نفي دلالة الحديث على عصمتها عليها السلام.

وبعبارة أخرى نقول: لا شك إنّ هذه الأحاديث جاءت في باب مناقبها وفضلها عليها السلام ومن وما من ألفاظ العموم كما تقرّر في الأصول فلو كانت تغضب وتتأذى بالباطل كما احتمله الناصبة في مقام التأويل لما جاز من النّبي صلى الله عليه و آله ان يغضب لها ولو أمكن صدور الباطل منها لما ساغ من النّبي صلى الله عليه و آله إطلاق لفظ الغضب بل كان يجب أن يقيّده وعلى هذا لم يبق لها مزيّة على غيرها إذ يجب عليه أن يغضب لكلّ مسلم بل ولكلّ كتابي إذا أغضب بغير حق فلم يبق إلّاأن غضبها مطلقاً يغضبه صلى الله عليه و آله وذلك دليل على عصمتها عليها السلام وإنّها لا يصدر عنها غضب إلّاوهو حق، وكذلك القول في حق بعلها عليه السلام لأنّ النّبي صلى الله عليه و آله دعا له على القطع في قوله:

«اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله» (4)

ومثله أخبار النّبي صلى الله عليه و آله على القطع وهو قوله «يدور الحق معه حيثما دار» (5)

وقوله «على مع الحق؛ والحق مع علي» (6)

وقوله «من اقتدى بعلي،


1- عوالى اللئالي، ج 4، ص 93
2- شرح الاخبار قاضى نعمان مغربى، ج 3، ص 31
3- صحيح مسلم، ج 7، ص 141
4- مسند أحمد، ج 1، ص 119
5- الغدير، ج 9، ص 362
6- شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد، ج 18، ص 72؛ شرح الأخبار قاضي نعمان، ج 2، ص 60

ص: 318

فقد اهتدى» (1)

كما ذكره فخر الدين الرازي في تفسير الفاتحة وكذلك آية التطهير تدل على عصمة أهل البيت جميعهم كما أوضحناها سابقاً.

في بعض الاعتراضات الواردة على أبي بكر في قضيّة فدك

وأما ما ذكره من «أنّ دعواها إنّه نحلها فدكاً لم تأت عليها إلّابعلي وأم أيمن فلم يكمل نصاب البيّنة؛ إلى آخره» فمدخول بأنّ الحكم بالشاهد واليمين قد دل عليه الخبر وليس نسخاً لمقتضى الآية كما توهّم.

أمّا أوّلًا فلأنّ الآية دلت على الحكم بالشاهدين أو الشاهد و المرأتين وإنّ شهادتهما حجّة وليس فيها ما يدل على امتناع الحكم بحجة أخرى إلّابالنظر إلى المفهوم ولا حجّة فيه فرفع الحكم الّذي دل عليه المفهوم ليس بنسخ فجاز الحكم بما دل عليه الخبر.

وأمّا ثانياً فلأنّ قوله تعالى «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ» (2)

تخيير بين استشهاد رجلين أو رجل وامرأتين والحكم بالشاهد واليمين زيادة في التخيير وهي ليست نسخاً.

ومن قال إنّ الحكم بالشاهد واليمين نسخ لهذه الآية يلزمه أن يكون الوضوء بالنبيذ نسخاً لقوله تعالى «فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا» وقد علم بهذا أنّ الحكم بقصور شهادة الرجل والمرأة عن نصاب الشهادة شي ء توهّمه بعض الجمهور من مفهوم الآية أو اختلفوه تعمداً لهدم ما هو الحق في المسئلة مع أنّ أكثر الجمهور يقول


1- مناقب ابن شهر آشوب، ج 2، ص 217؛ نور الافهام في علم الكلام، ج 2، ص 80
2- بقره: 282.

ص: 319

بموافقتنا من تكميل البيّنة باليمين بل قال شارح الينابيع: إنّ ثبوت المال بشاهدو يمين مذهب الخلفاء الأربعة، فمذهب أبي بكر حجّة عليه في قضية فاطمة عليها السلام وعلى تقدير وقوع الاختلاف في المسئلة هل يكون وجه لوقوع قرعة رأى ابى بكر على الطرف الذي وجب تضييع حق أهل البيت عليهم السلام وأخذ ضياعهم وعقارهم، إلّاقصد إضرارهم، والاهتمام في فقرهم وافتقارهم، وتفريق مواليهم وأنصارهم، كيف لاو «هُمْ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَاتُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا».

وأيضاً يعارض ذلك ما رواه البخاري من حديث جابر «أنّ أبابكر لمّا جاءه مال البحرين صبه على نطع وقال: من له على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله دين من له عليه صلى الله عليه و آله عدة؟ فقال جابر: وعدنى رسول اللَّه بكذا وكذا فحثا له أبوبكر حثوات في حجره فكيف استجاز إعطاء مال المسلمين ههنا من غير بيّنة ولم يجوّز إعطاء حق فاطمة عليها السلام مع البينة مع أنّه لم يقل أحد إنّه عرف صدق جابر لأنّه سمعه من النّبى صلى الله عليه و آله.

وأيضاً فقد رووا فى صحاحهم كالبخارى «إنّه لا ينبغي للحاكم أن يحكم بعلمه لموضع التهمة» وأىّ تهمة أوضح مما قرّرناه من معاداة القوم لعلي وفاطمة عليهما السلام ويدل عليه تصفح أخبارهم وتتبع آثارهم.

ثم اقول: حاصل كلام الشيعة في هذا المقام إنّ فدكاً كانت مما انحله النّبي صلى الله عليه و آله لفاطمة عليها السلام وصرفه إليها في ايّام حياته ويوم مات أبوها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله كان ذلك في يدها وتصرّفها عليها السلام ولمّا تقمّص أبوبكر بالخلافة أرسل إلى فدك وأخرج وكيل فاطمة عليها السلام وغصبه منها فنازعته في ذلك ولمّا طلب منها عليها السلام البينة على النحلة قال له على عليه السلام: «حكمت فينا بخلاف ما حكم اللَّه ورسوله في جميع المسلمين فانك طلبت البينة من فاطمة على شى ء هو في يدها وذلك قول رسول اللَّه صلى الله عليه و آله «البينة على المدعي واليمين على من انكر» واما شهادة على عليه السلام وامّ ايمن رضي اللَّه عنها فانما وقعت على وجه التبرع وعلى جهة الإستظهار.

ص: 320

إذا كان المدّعي معصوماً لايفتقر في إثبات دعواه إلى البيّنة

وأمّا ما ذكره في العلاوة من «أنّ في قبول شهادة الزوج لزوجته خلافاً بين العلماء».

فأقول فيه: انه لو سلّم الخلاف فهل لاختيار أبى بكر الطرف المخالف لدعوى فاطمة عليها السلام سوى ما ذكرناه من الضرر والإضرار؟ على أنّا قد بيّنّا عصمة فاطمة عليها السلام بالآية والرواية والمدعي إنّما افتقر إلى الشهود إذا ارتفع العصمة عنه و حيث جاز ادعائه باطلًا استظهر بالشّهود على قوله لئلا يطمع كثير من النّاس في أموال غيرهم وجحد الحقوق الواجبة عليهم وإذ كانت العصمة مغنية عن الشهادة وجب القطع على قول فاطمة عليها السلام وعلى ظلم مانعها وطالب البينة عليها.

اكتفاء النبى صلى الله عليه و آله بشهادة خزيمة مع أنّه شاهد واحد

ويشهد على صحّة ما ذكرناه إنّ النبي صلى الله عليه و آله استشهد على قوله في بيعه لناقة الأعرابي فشهد له خزيمة بن ثابت فقال له النبي صلى الله عليه و آله من أين علمت يا خزيمة إنّ هذه الناقة لي؟ أشهدت ابتياعي لها؟ فقال لا ولكّني علمت أنّها لك من حيث علمت صدقك وعصمتك، فأجاز النبي صلى الله عليه و آله شهادته بشهادة رجلين وحكم بقوله. فلولا أنّ العصمة دليل الصدق ويغني عن الشهادة لما صوّب النبي صلى الله عليه و آله شهادة خزيمة على ما لم يره ولم يحضره باستدلاله عليه بدليل صدقه وعصمته.

وبمثل هذا قال مالك بن انس على ما نقل عنه ابن حزم من أنّه إذا هلكت الوديعة وادعى من أودعت عنده ردّها إلى المودّع فلا يمين عليه إذا كان ثقة. وإذا وجب قبول قول فاطمة عليها السلام بدلائل صدقها وعصمتها واستغنت عن الشهود لها ثبت إنّ الّذي منعها حقها وأوجب عليها الشهود على صحّة قولها قد جار في حكمه وظلم في فعله وآذى اللَّه تعالى ورسول الله صلى الله عليه و آله بإيذاء فاطمة عليها السلام، وقد قال اللَّه تعالى

ص: 321

«إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً» (1)

.

وأمّا ما ذكره من «أنّ زعمهم أنّ الحسن والحسين شهدا باطل» فمجرد دعوى لا يعجز أحد عن الحكم ببطلانها وما ذكره من «أنّ شهادة الفرع والصغير باطلة» مردود بانّه كيف خفي على أميرالمؤمنين عليه السلام باب مدينة العلم أنّ شهادتهما غير مقبولة للفرعية أو للصّغر؟ ولو كان عالماً كيف أقامهما شاهدين على أنّ عدم شهادة الفرع إنّما ذهب إليه مستنداً بعمل أبي بكر فلا حجّة فيه.

في أنّ شرع التكرّم كان مقضياً لردّ فدك إلى فاطمة عليها السلام

وبعد اللتيا والتي نقول: أين ذهب شرع الإحسان والتكرّم...! ولِمَ لم يعامل أبوبكر مع فاطمة عليها السلام في فدك ما عامل النبى صلى الله عليه و آله مع زينب فى التماسه عن المسلمين في ايام عسرتهم أن يردّوا إليها المال العظيم الّذي بعثته لفداء زوجها أبي العاص حيث اسر يوم بدر كما فصّل ابن أبي الحديد الكلام في ذلك في شرح نهج البلاغة وبالجملة لو استنزل أبوبكر المسلمين عن فدك واستوهبه عنهم كما استوهب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله المسلمين عن فداء أبي العاص بأن قال: هذه بنت نبيكم صلى الله عليه و آله تطلب هذه النخلات افتطيبون عنها نفساً؟ أكانوا منعوها ذلك؟ وحيث لم يتأسّوا بالنبي صلى الله عليه و آله في شرع الإحسان والتكرم فلا أقل من أن يستحقوا اللعنة بمعنى البعد عن مرتبة الأبرار.

إن قلت: يتوجّه على ما ذكره ابن أبي الحديد إنّا نمنع إمكان استيهاب أبي بكر فدكاً من المسلمين على قياس ما أمكن للنّبي صلى الله عليه و آله استيهاب ما بعثته زينب لأجل


1- احزاب: 57.

ص: 322

فداء أبي العاص لأنّ المال الّذي بعثته كان مشتركاً بين جمع محصور من المسلمين وهم غزاة يوم بدر فأمكن الاستيهاب منهم بخلاف فدك فإنّه كان صدقة مشتركة بين سائر المسلمين الغير المحصورين.

قلت: لو سلّم كثرة المشاركين في فدك فنقول: من البيّن أنّها على تقدير كونها صدقة لم تكن صدقة واجبة محرّمة على أهل البيت عليهم السلام بل إنّما كانت الصدقة المستحبة المباحة عليهم أيضاً والصدقة المستحبة ممّا يجوز للإمام تخصيصها ببعض كماروى من سيرة الثلاثة سيّما عثمان من أنّه أعطى الحكم بن أبي العاص طريد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ثلث مال افريقية وقيل ثلاثين ألفاً، فلو كان أبوبكر في مقام التكرّم مع أهل بيت سيد الأنام، عليه و آله الصلاة والسلام، لخصّ فدكاً بفاطمة عليها السلام، ولما جوز إيذاءها المستعقب للطعن والملام، إلى يوم القيام. والذى يدل على استحباب تلك الصدقة أنّ من جملة تركة النبى صلى الله عليه و آله السيف والدرع والعمامة والبغلة فلو كانت تركة النبى صلى الله عليه و آله صدقة واجبة لكان كل ذلك داخلًا في التركة معدوداً من الصدقة الواجبة حراماً على أمير المؤمنين فكيف جاز لهم ترك ذلك عنده؟ وكيف استحل أميرالمؤمنين عليه السلام التصرف في ذلك مع علمه بأنّه ممّا حرّمه اللَّه عليه...!

وأيضاً يدلّ عليه ما رواه هذا الجامد في كتابه هذا من أنّ العباس رافع علياً إلى أبي بكر في مطالبته بالميراث عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله من الدّرع والبغلة والسيف والعمامة وزعم أنّه عمّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وإنّه أولى بتركة الرسول صلى الله عليه و آله من ابن العمّ فحكم أبوبكر بها لعلي عليه السلام.

لو أراد الشيخان إعطاء فدك لفاطمة عليها السلام لما نازعهما أحد

وكذا يدل عليه ما مرّ روايته عن جلال الدين السيوطي الشافعي في تاريخ الخلفاء من أنّ فدكاً كان بعد ذلك حبوة أبي بكر وعمر ثم اقتطعها مروان وإنّ

ص: 323

عمر ابن عبدالعزيز قد ردّ فدكاً إلى بني هاشم، وروي إلى أولاد فاطمة انتهى.

وأنت خبير بأن جعل أبي بكر وعمر فدكاً حبوة لأنفسهما دون سائر المسلمين كما رواه السيوطى يدلّ على أنّهما لو أرادا أعطاءها لفاطمة عليها السلام لما نازعهما أحد من المسلمين، ولما توجّه إليهما حرج في الدّنيا والدّين، لكن غلبتهم العصبية، وملكتهم الحمية الجاهلية، «سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ» (1)

.

وأمّا ما نقله عن مولانا زين العابدين عليه السلام (2) فظاهر أنّه افتراء مع أنّ احتمال


1- شعراء: 227.
2- عدم دلالة قول زيد الشهيد والباقر عليهما السلام على صحّة عمل أبي بكر في قضيّة فدك

ص: 324

وقوعه تقية قائم ويدل عليه انّه عليه السلام قد سلك في هذا المقال، مسلك الإبهام والإجمال، حيث قال: «لو كنت مكانه لحمكت بمثل ما حكم به، ولم يقل لو كنت خليفة او إماماً فما ذكره عليه السلام بمنزلة ان يقول احد؛ لو كنت فى مكان الشيطان، وما هو فيه من الطغيان، لفعلت مثل ما يفعله من الشرور والعصيان، وحينئذ ليس في كلامه عليه السلام ما يدل على تصويب حكم أبي بكر، وكذا الكلام فيما رواه عن الباقر عليه السلام لأنّه وقع السؤال فيه عن ظلم الشيخين ولم يقل عليه السلام في مقام الجواب إنّهما «ما ظلمانا» بل قال «ما ظلمنا» والظّاهر إنّه يكون الضمير المستتر في «ظلمنا» راجعاً إلى ما هو الأقرب أعني «منزل الفرقان» وهو حق لا ريب فيه؛ هذا ان قرى، لفظ «ظلمنا» بصيغة الماضى المعلوم وإن قرى ء بصيغة المجهول فجاز حمل ضمير الجمع فيه على نفسه عليه السلام ومن معه من أولاده وأصحابه ومن البيّن أنّ أبابكر وعمر لم يظلماه عليه السلام حقّه وإنّما ظلما حق جدته وجده عليهما السلام.

ص: 325

في نقل حديث عن الصادق عليه السلام لا يخلو عن غرابة

ونظير هذه الرّوايات ما اشتهر من أنّه سأل رجل من المخالفين عن مولانا جعفر الصادق عليه السلام وقال:

يا ابن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ما تقول في ابي بكر وعمر؟ فقال عليه السلام:

هما إمامان عادلان قاسطان كانا على الحق وماتا عليه فرحمة اللَّه عليهما يوم القيامة. فلمّا انصرف النّاس قال له رجل من الخواص: يا ابن رسول اللَّه لقد تعجبت مما قلت في حق أبي بكر وعمر فقال عليه السلام نعم هما إماما أهل النّار كما قال تعالى

«وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ» (1)

وأمّا القاسطان فقد قال تعالى

«وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً» (2)

وأمّا العادلان فلعدولهما عن الحق

كقوله تعالى:

«الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ» (3)

، والمراد من الحقّ الّذي كانا

مستوليين عليه هو أميرالمؤمنين عليه السلام حيث آذياه وغصبا حقه عنه، والمراد من موتهما على الحق أنّهما ماتا على عداوته عليه السلام من غير ندامة على ذلك، والمراد من رحمة اللَّه، رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فإنّه كان رحمة للعالمين، وسيكون مغضباً عليهما خصماً لهما منتقماً منهما يوم الدّين.

وأمّا ما ذكره ممّا أخرجه الدار قطني فهو أوهن من القطن المنفوش، لجواز أنّه عليه السلام أراد بقوله «وكان يكره أن يخالفهما» إنه كان يكره ذلك لكراهة من كان هناك من أوليائهما المستصوبين لاعما لهما وقد مرّ أنّه عليه السلام لم يكن يقدر على تغيير كثير من بدعهما لأجل ذلك.

في أنّ الخبر الواحد إذا كان مخالفاً للقرآن يكون مردوداً

وأمّا ما ذكره من «أنّ فاطمة عليها السلام إنّما طلبت الميراث مع الرواية المذكورة


1- قصص: 41.
2- جن: 15.
3- انعام: 1.

ص: 326

لاحتمال أنها رأت الخبر الواحد لا يخصّص القرآن كما قيل به» ففيه أنّه لامساغ لهذا الاحتمال لأنّها عليها السلام حكمت ببطلان هذا الحديث عن أصله ونسبته إلى الفرية كما مرّ ولو كان ذلك لأجل ما ذكره هذا الشيخ الجاهل لناظرته في ذلك ولم تخاطبه بما ساءه ولم تهجره مدة حياتها إلى حين وفاتها ولم توص علياً عليه السلام بأن تدفن ليلًا حتى لا يصلّى عليها أبوبكر فالإشكال باقٍ بحاله تأمله فإنه من أهمّ المهمّات ولو سلّم بناء ما قالته فاطمة عليها السلام على أنّها رأت أنّ الخبر الواحد لا يخصّص القرآن فهو رأي قوي لا يمكن لأبي بكر وأوليائه إتمام الكلام في إبطاله ولو عضّوا الأرض بالنواجذ لأنّ الخبر الواحد اذا كان مخالفاً لكتاب اللَّه تعالى يكون مردوداً لقوله صلى الله عليه و آله في الحديث المتفق عليه بين الفريقين «إذا روى عنّي حديث فأعرضوه على كتاب اللَّه تعالى، فإن وافقه فاقبلوه، وإلّا فردّوه».

إن قيل: لوصحّ هذا الخبر لما خصّ الكتاب بالخبر المتواتر أيضاً واللازم باطل.

قلنا: المراد بالحديث الواجب عرضه على الكتاب هو ما لم يقطع بأنّه حديثه صلى الله عليه و آله كما دلّ عليه سياق الكلام والمتواتر ليس كذلك كما لا يخفى.

قال: وتأمل أيضاً إنّ أبابكر منع ازواج النبي صلى الله عليه و آله من ثمنهن أيضاً فلم يخصّ المنع بفاطمة والعباس ولو كان مداره على محاباة لكان أولى من حاباة ولده فلما لم يحاب عائشة ولم يعطها شيئاً علمنا انّه على الحق المرّ الّذي لا يخشى فيه لومة لائم انتهى.

أقول:

تأملنا فوجدنا أنّ تركة النّبي صلى الله عليه و آله ما عدا فدك على فرض كونها ميراثاً لا نحلة لم تكن شيئاً يعتدّ به ولم يكن يصل منها إلى كل من النّساء إلّاما هو أقلّ من القليل كما لا يخفى على العالم باخباره وأحواله صلى الله عليه و آله ولمّا إحتال أبوبكر في أخذ فدك عن فاطمة عليها السلام بالحديث المذكور لم يعط بنته عائشة وسائر الأزواج من ثمن ميراث

ص: 327

النبى صلى الله عليه و آله تحرزاً عن تطرّق التناقض في قوله وفعله وبالجملة لم يكن في إيصاله الثمن القليل من تركة النبى صلى الله عليه و آله إلى عائشة محبة بالنسبة إليها سيّما وأمكن له تلافيها عن حبوة فدك بأضعاف ذلك فأحسن تأمله.

في ادّعاء ابن حجر انّ حجرات زوجات النبي صلى الله عليه و آله ملكهنّ

أو اختصاصهنّ، والشيخين دفنا في حجرة عائشه بإذنها لكونها ملكها

56- قال: لا يقال (1): أقرّ أبوبكر أمّهات المؤمنين في حجرهن وكان يتعيّن صرفها للفقراء كما فعل في فدك وكيف استجازهو وعمر ان يدفنا معه صلى الله عليه و آله مع قوله تعالى «لَاتَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِىِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ» (2)

ولِمَ دفع لعلىّ عليه السلام بغله صلى الله عليه و آله وسيفه وهو لا يحلّ له الصدقة ولِمَ كان أبوبكر وعمر يعطيان عائشة في كلّ سنة عشرة آلاف درهم فهل هذا إلّامحاباة؟ إذ هو فاضل عن نفقتها المرتبة في تركة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله من فدك وغيره، لأنّا نقول:

الجواب عن الأوّل: إنّ الحجر ملكهن أو اختصاصهنّ بدليل «وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ» (3)

أو يحتمل أنّه قسمها بينهن في حياته فلم يجز إخراجهن منها كما لم يخرج فاطمة من حجرتها أو أنّه رأى الصلاح فى إقرارها بأيديهن كيد فاطمة في حجرتها ولانّهن في حكم المعتدّات لبقاء تحريمهن ولهذا قال صلى الله عليه و آله: «ما تركت بعد نفقة نسائى ومؤنة عيالي فهو صدقة»، فاستثناء نفقتهن صريح فيما قلناه.


1- هذه العبارة إلى آخرها أعنى من قوله: «لا يقال» إلى قوله: «كبقية الصحابة» ليست في النسخة المطبوعة من الصواعق فى هذا الموضع والحال إنّ موضعها هنا كماترى فكأنّها سقطت سهواً أو أسقطوها عمداً إذ من البعيد جدّاً أن تذكرغير هذا الموضع منه فتأمل حتى تجد سرّه إن شاء اللَّه تعالى.
2- احزاب: 53.
3- احزاب: 33.

ص: 328

وعن الثانى أنّه كان حجرة عائشة ملكها واختصاصها ولم يدفنا فيها إلّا بإذنها ولهذا استأذنها عمر في ذلك ثم أوصى أن تستأذن بعد موته خوفاً إنّها لم تأذن أولًا إلّاحياء منه وأيضاً فالرأي في الحجر كما كان له صلى الله عليه و آله في حياته يكون لخليفته بعده فيحتمل أنّهما أرادا ذلك لمصلحة رأياها أو أنّه أذن لهما في حياته أو أشار إليه كما في قضية بئر أريس ووضع أحجار مسجد قبا وغيرهما وقد أشار إليه أيضاً بكونهما أقرب الناس مكاناً له صلى الله عليه و آله وأكثر ملازمة وقد أوصى الحسن رضى الله عنه أن يدفن معهم فمنعه من ذلك مروان وغيره فما أجابوا عنه كان جوابنا.

وعن الثالث إنّه لم يدفع ذلك لعلي ميراثاً ولا صدقة لما مرّ بل بطريق الوصية منه صلى الله عليه و آله على ما ورد وعلى فرض عدم الوصية فيحتمل أنّه دفعهما إليه عارية أو نحوها ليستعين بهما في الجهاد ولتميزه على غيره بالشّجاعة العظمى أوثر بذلك.

وعن الرابع أنّ برّ أمهات المؤمنين واجب على كل أحد والإمام بذلك أولى على أنّه إنّما يتوجّه أن لوخصّا عائشة وحفصة بذلك بل أعطياه لكل منهن وعلى أنّ علياً رضى الله عنه كان يفعله فإن توجه إليهما به عتب توجه إليه وعلى أنّ علياً رضى الله عنه لم يكن معتقداً إنّه صلى الله عليه و آله يورث وأنّ الشيخين ظلماه، وإنّه لمّا ولي وصار مخلف رسول اللَّه صلى الله عليه و آله من الأرضين وغيرها بيده لم يغيّر شيئاً مما فعلاه، ولم يقسم لبنى العباس ولا لأمّهات المؤمنين منها شيئاً، ولا لأولاده من فاطمة رضى اللَّه عنها نصيبهم ممّا ورثته، فدل ذلك دلالة قطعية على أنّ اعتقاده موافق لاعتقادهما كبقية الصحابة انتهى.

في الردّ على ابن حجر بأنّ الحجرات لم تكن ملك الزوجات ولا اختصاصهنّ

أقول:

جميع ما ذكره في الجواب، خارج عن الصواب.

أمّا ما ذكره في الجواب عن الأول فلأنّا نقول كيف لم يقم احتمال ملكية فدك في

ص: 329

حق فاطمة عليها السلام عند ادعائها للنحلة كما سبق وقام ههنا على وجه لم يقع حاجة إلى الفحص عنه أصلًا؟ مع أنّ احتمال ملكية الأزواج لبيوتهن مما أبطله إنشاد ابن عباس رضى الله عنه على عائشة حين مجيئها راكبة على بغلة لمنع أن يطاف بجنازة الحسن عليه السلام في حجرة النبي صلى الله عليه و آله.

تجمّلت، تبغّلت، وإن عشت، تفيّلت لك التسع من الثمن، وللكلّ، تملّكت (1)

وأمّا ما ذكره في قوله من احتمال الاختصاص، فليس فيه رجاء الخلاص لأنّه إن أراد به الاختصاص التمليكى فهو الاحتمال الأول وإن أراد به الاختصاص الارتباطى بالسكنى فيه ونحوها فلا يفيد. وقوله تعالى «وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ» (2)

لا يدل على الاختصاص التمليكى وإلّالزم إنّ كل من قال لزوجاته مثلًا: قرن في بيوتكن، أن يكون ذلك صيغة تمليك لهن ولم يقل به أحد بل ذهب بعض الفقهاء إلى أنّ الزوجة لاترث من بيت الزوج لأدلة مذكورة في كتب الفقه وكذا ما ذكره من احتمال التقسيم سقيم لأنّه إن أراد به ما هو على وجه التمليك فيرجع إلى الاحتمال الأول أيضاً وإن أراد به ما لم يكن على ذلك الوجه فلا يفيد أصلًا.

وأمّا ما ذكره من «أنّهن في حكم المعتدّات لبقاء تحريمهن» ففيه أنّ بقاء


1- في المناقب لإبن شهرآشوب ص 175 ج 2 من النسخة المطبوعة بإيران سنة 1317 عند ذكر وفاة الحسن عليه السلام «قال ابن عباس فاقبلت عائشة في أربعين راكباً على بغل مرحل وهي تقول: مالي ولكم؟ تريدون ان تدخلوا بيتى من لا اهوى ولا احب. فقال ابن عباس بعد كلام «جمّلت وبغّلت ولو عشت لفيّلت». الصقر البصرى
2- احزاب: 33.

ص: 330

المعتدّات فى بيوت الأزواج إنّما يجب في عدّة الطلاق الرّجعي دون عدة الوفاة ونحوها فإنّ المعتدّة الغير الرجعية لا تستحق عندنا وعند فقهاء أهل السنة سكنى ولا نفقة وأيضاً لا نسلّم إنّ ما في حكم الشي ء حكمه حكم ذلك الشي ء بل الحكم بذلك تحكم على أنّ اكثر علمائنا ذهبوا إلى أنّ الزوجة إذا لم يكن لها ولد من الزوج المتوفى لاترث عن رقبة الأرض شيئاً ويعطى حصّتها من قيمة الآلات والأبنية والشجر، وذهب بعضهم إلى أنّها إنّما تمنع من الدور والمساكن وقيل ترث من قيمة الأرض لا من العين وعلى التقادير الثلاثة يدخل بيت المتوفى من حين موته في ملك من عداتلك الزوجة من الوارث فاعتدادها فيها يكون غير جائز عندنا بدون إذن الوارث.

واما ما استدل على كونهن في حكم المعتدّات بقوله صلى الله عليه و آله «ما تركت بعد نفقة نسائي إلى آخره» ففيه أنّ النفقة والمؤنة لا تشمل البيت كما لا يخفى فلا دلالة له على مدّعاه أصلًا.

وأمّا ما أجاب به عن الثاني من «انه كان حجرة عائشة ملكها واختصاصها ولم يدفنا فيها إلّابإذنها إلى آخره» فمدفوع بما مرّ من عدم ثبوت الملكية وعدم جدوى الاختصاص، فإذنها لا يجدي لها ولالهما الخلاص.

ومما يناسب هذا المقام ما حكاه بعض مشايخنا من أنّ فضّال بن الحسين الكوفي من أصحابنا مرّ بأبي حنيفة وهو في جمع كثير يملى عليهم شيئاً من فقهه وحديثه فقال لصاحب كان معه: واللَّه لا أبرح أو أخجل أبا حنيفة، فقال صاحبه:

إن أبا حنيفة قد علمت حاله وظهرت حجّته قال مه، هل رأيت حجة علّت على مؤمن؟ ثم دنا منه فسلّم عليه فرد القوم السلام بأجمعهم فقال: يا أباحنيفة رحمك اللَّه انّ لي أخاً يقول إنّ خير الناس بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله علي بن أبي طالب وأنا أقول إنّ أبابكر خير الناس وبعده عمر فما تقول أنت رحمك اللَّه؟ فأطرق ملياً ثم رفع رأسه

ص: 331

وقال كفى بمكانهما من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله كرماً وفخراً أما علمت أنّهما ضجيعاه في قبره؟

فايّ حجة لك أوضح من هذه؟ فقال: له فضّال إنّي قد قلت ذلك لأخي قال واللَّه لئن كان الموضع لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله دونهما فقد ظلما بدفنهما في موضع ليس لهما فيه حق، وإن كان الموضع لهما فوهباه لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله فقد أساءا وما أحسنا إذ رجعا في هبتهما ونكثا عهدهما، فأطرق أبوحنيفة ساعة ثم قال لم يكن له ولا لهما خاصة ولكنهما نظرا في حق عائشة وحفصة فاستحقا الدفن في ذلك الموضع بحقوق ابنتيهما فقال فضال قد قلت له ذلك فقال أنت تعلم أنّ النبى صلى الله عليه و آله مات عن تسع حشايا ونظرنا فإذاً لكل واحدة منهن تسع الثمن ثم نظرنا فى تسع الثمن فإذاً هو شبر في شبر فكيف يستحق الرّجلان أكثر من ذلك وبعد فما بال عائشة وحفصة ترثان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وفاطمة بنته تمنع التراث؟ فقال أبوحنيفة يا قوم نحوه عني فواللَّه إنّه رافضي خبيث انتهى.

وإنّما نقلناها ليظهر للناظر إنّه لعدم أصل صحيح لهم في ذلك يهتدون به إلى الحق لم تزل تدقّ رؤسهم على الجدار فيجيبون عما يرد عليهم فيه على وجه الرمي في الظلام بالأجوبة المتناقضة الواهية.

وأمّا ما ذكره فيه بقوله: «وأيضاً فالرأي في الحجر كما كان له صلى الله عليه و آله في حياته يكون لخليفته بعده»، فمردود، بأنّ خلافته لم تثبت فانتفى الاعتبار برأيه سيما الرأي المردّد بين ما ذكره من الاحتمالات السخيفة الباردة و «إِنَّا للَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ» (1)

إذا صارت الشرائع تشرع بمثل هذا الرأي.

وأمّا ما زعمه من النقص بوصية الحسن عليه السلام أن يدفن معهم فجوابنا عنه ظاهر لأنّه عليه السلام ما أوصى إلّابطوف جنازته حول قبر النّبي صلى الله عليه و آله تجديداً للعهد به فزعمت عائشة عند حمل جنازته عليه السلام إلى الروضة المتبركة النبوية، على مشرفها الصلاة


1- بقره: 156.

ص: 332

والسلام والتحية، إنّهم يريدون دفنه عنده صلى الله عليه و آله فركبت على البغلة مع مروان وجماعة من أتباعه للمدافعة حتّى جرى بينها وبين ابن العباس رضى الله عنه ما نقلناه سابقاً وآل الأمر إلى أن رموا جنازة الحسن عليه السلام بالسهام، ووصل بعض النصال إلى بدنه الشريف عليه السلام، وممّا ينبغي التنبيه عليه انّ المراد من لفظ غيره في قوله «فمنعه من ذلك مروان وغيره» عائشة فأضمرها وجعلها تبعاً ومروان اصلا حفظاً لحال عائشة بالإصلاح الكاذب فتدبر.

انّ نزاع علي عليه السلام والعباس في تركة النبي صلى الله عليه و آله كان على وجه طلب الميراث

وأمّا ما أجاب به عن الثالث بأنّه «لم يدفع ذلك لعلى عليه السلام ميراثاً ولا صدقة لما مرّ بل بطريق الوصية منه صلى الله عليه و آله، فمدفوع بأن المروي أنّ النزاع بينهما إنّما كان على وجه طلب الميراث فإنّه لو كان هناك وصية لما اتجه النزاع منهما بخلاف الإرث فانّه لما كان في اولوية العم من الأب فقط كالعباس من ابن العم من الأب والأم معاً كعلي عليه السلام خلاف اتجه نزاع علي وعباس ظاهراً والرّجوع إلى أبي بكر وايقاءهما لأبي بكر في ورطة حكمه ما يناقض حكمه سابقاً بأنّ الأنبياء لا يورثون حيث حكم ههنا بأولوية علي من العباس لما ذكر في فقه الفرائض من أنّ المتقرب بالسببين أولى من المتقرب بسبب وأحد وما يقال: إنّ أولوية علي عليه السلام بالسّيف والدّرع والبغلة إنّما كانت لكونه أشجع وأقوى نصرة لدين الإسلام بها إنّما يتم في السّيف والدرع دون البغلة ولو سلّم فلا أقل من أن يصلح العبّاس للدّراعة الّتي كانت من جملة المتنازع فيها أيضاً. ثم من أين سمع أبوبكر وصية النّبي صلى الله عليه و آله فيها ولم يسمعه علي عليه السلام والعباس رضى الله عنه وهل هذا إلّاترويج المدّعى بالظّن والتخمين؟

وأمّا احتمال العارية فهو عارعن المعقول؛ وما ذكره في توجيهه ليس بوجيه.

وأمّا قوله «ولتميّزه بالشجاعة العظمى؛ إلى آخره» فهو مناف لما تكلّفه سابقاً

ص: 333

من إثبات أشجعية أبي بكر فتذكر.

وأمّا ما أجاب به عن الرّابع من «أنّ برّأمهات المؤمنين واجب» فلا برّ فيه. و من العجب أنّ برّأمهات المؤمنين واجب وبرّ فاطمة البتول، وفلذة كبد الرسول، في قضية فدك. لم يكن واجباً...! وهل هذا القول مع ذلك الفعل إلّاعناد وبغض لسيد الأبرارو وآله الطاهرين الأخيار.

وأمّا ما ذكره في العلاوة الأولى من «أنّه لم يخصّ عائشة وحفصة بذلك؛ إلى آخره». ففيه أنّه وإن لم يخصهما في أصل العطية لكن خصّهما بالزيادة وإنّما أعطى غيرهما قليلًا تقليلًا لملامة النّاس إيّاه.

انّ علياً عليه السلام كان في ايّام خلافته على حال التقيّة

وأمّا ما ذكره في العلاوة الثانية من «أنّ علياً عليه السلام كان يفعله إلى آخره» ففيه ما مرّ من أنّ الخلافة ما وصلت إليه عليه السلام إلّابالاسم دون المعنى؛ وقد كان عليه السلام معارضاً منازعاً منغصاً طول أيّام ولايته وكيف يأمن في ولايته الخلاف على المتقدمين عليه وجل من بايعه وجمهورهم شيعة أعدائه ومن يرى أنّهم مضوا على أعدل الأمور وأفضلها وإنّ غاية أمر من بعدهم أن يتبع آثارهم ويقتفى طرائقهم. وما العجب من ترك أميرالمؤمنين عليه السلام ما ترك من إظهاره بعض مذاهبه الّتي كان الجمهور يخالفه فيها وإنّما العجب من إظهاره شيئاً من ذلك مع ما كان عليه من إشراف الفتنة وخوف الفرقة وقد كان عليه السلام يجهر في كل مقام لقومه بما عليه من فقد التمكن وتقاعد الأنصار وتخاذل الأعوان بما ان ذكر لطال به الكلام وهو عليه السلام القائل وقد استأذنه قضاته فقالوا:

«بماذا نقضى يا أميرالمؤمنين؟ فقال عليه السلام لهم: اقضوا بما كنتم تقضون حتّى تكون النّاس جماعة أو أموت كما مات أصحابي». يعنى عليه السلام من تقدم موته من

ص: 334

أصحابه والمخلصين من شيعته الّذين قبضهم اللَّه تعالى وهم على أحوال التقية والتمسك باطناً بما أوجب اللَّه تعالى عليهم التمسك به وهذا واضح فيما قصدناه.

انّ في نزاع على عليه السلام والعباس في تركة النبى صلى الله عليه و آله قدحاً في خلافة أبي بكر

وأمّا ماذكره في العلاوة الثالثة من «أنّ علياً رضى الله عنه لم يكن معتقداً أنّه يورث وإنّ الشيخين ظلماه» فيعارضه مرافعته عليه السلام مع العباس إلى أبي بكر في طلب ميراث النبى صلى الله عليه و آله كما رواه هذاالشيخ الناسي في كتابه هذا وما رواه مسلم في صحيحه من أنّه «قال عمر للعباس وعلي: فلمّا توفي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال أبوبكر: أنا ولى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فجئتما أنت تطلب ميراثك من ابن أخيك، ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها، فقال: أبوبكر قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لا نورث ما تركناه صدقة فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً واللَّه يعلم أنّه لصادق بارّ راشد تابع للحق ثم توفّي أبوبكر فقلت: أنا ولي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وولي أبي بكر فرأيتماني كاذباً آثماً غادراً خائناً واللَّه يعلم أنى لصادق بارّ تابع للحق فولّيتهما، ثم جئت أنت وهذا وانتما جميع وأمركما واحد فقلتما إدفعها إلينا إلى آخره» وهو صريح في اعتراف عمر باعتقادهما بإرث النّبي صلى الله عليه و آله وعدم اعتقادهما بخلافة عمر بل بخلافة أبي بكر أيضاً لتوقفها عليها، ثم في هذا الحديث من سوء الأدب بالنسبة إلى النّبي صلى الله عليه و آله والعباس ما لا يخفى على المتأمل وقد أوضحنا في شرحنا على كتاب نهج الحق (1) فارجع إليه.

وفيه أيضاً شهادة علي عليه السلام والعباس في أبي بكر وعمر بالكذب والإثم والغدر والخيانة واستمرار قولهما إلى خلافة عمر وعدم تغيّرهما عن شهادتهما وقولهما،


1- يريد به كتابه المعروف الموسوم بإحقاق الحق في نقض إبطال الباطل إذ هو اسم شرحه لنهج الحق للعلامة رحمه الله.

ص: 335

والناصبة يكذبون جميع ذلك ويقولون إنّهما رضيا بخلافة أبي بكر وعمر وإنّ كل ما يذكر عنهم من الخلاف والشقاق فإنّه من تشنيعات الشيعة وأعجب ما في هذا قول الترمذى وقوله إنّ علياً والعباس كانا يطلبان القسمة لأنّهما يعلمان أنّ فدكاً والعوالي صدقة ونسى قول عمر للعباس تطلب ميراثك في ابن أخيك، ويطلب هذا ميراثه من امرأته فتدبر.

انّ ترك على عليه السلام فدكاً في زمان خلافته كان لرعاية التقيّة

وأمّا ما ذكره من أنّه عليه السلام لم يغيّر شيئاً مما فعلاه؛ إلى آخره، فقد مرّ الوجه فيه قبيل ذلك من أعماله للتقية فيه وقد قال أصحابنا في وجه تركه عليه السلام فدكاً لما ولى الناس وجوهاً منها رعاية التقية لما مرّ من أنّه عليه السلام لما رأى اعتقاد الجمهور بحسن سيرة الشيخين وإنّهما كانا على الحق لم يتمكن من الإقدام على ما يدل على فساد امّا متّهماً لما فى ذلك من الشهادة بالظلم والجور منهما، وإنّهما كانا غير مستحقين لمقامهما؛ وكيف يتمكّن من نقض أحكامهم وتغيير سنّتهم وإظهار خلافهم على الجماعة الّتي يظنّون أنّهم كانوا مصيبين في جميع ما فعلوه وتركوه وإنّ إمامته مبنية على إمامتهم فإن فسدت إمامته، وقد روي انّه عليه السلام نهاهم عن الجماعة في صلاة التراويح الّتي أبدعها عمر فامتنعوا ورفعوا أصواتهم قائلين «وا عمراه، وا عمراه» حتّى تركهم في خوضهم يلعبون.

ومنها ما رواه شيخنا الأجل ابن بابويه رضوان اللَّه عليه في أوائل كتاب العلل مرفوعاً إلى الصادق عليه السلام قال سألته لأيّ علّة ترك علي عليه السلام فدكاً لمّا ولّى الناس؟ قال للاقتداء برسول اللَّه صلى الله عليه و آله لمّا فتح مكة وقد باع عقيل بن أبي طالب داره فقيل له يا رسول اللَّه ألّاترجع إلى دارك؟ فقال هل ترك عقيل لنا داراً...! إنّا أهل بيت لا نسترجع شيئاً اخذ منّا ظلماً فكذلك لم يسترجع فدكاً لمّا ولى.

ص: 336

ومنها ما رواه بإسناده إلى موسى بن جعفر عليهما السلام قال سألته لِمَ لم يسترجع أميرالمؤمنين عليه السلام فدكاً لمّا ولى الناس؟ فقال لأنّا أهل بيت لا يأخذ حقوقنا ممن ظلمنا إلّااللَّه تعالى، ونحن أولياء المؤمنين نحكم لهم ونأخذ حقوقهم ممن ظلمهم.

فدلّ ما ذكرناه دلالة قطعية على ما يرغم أنف هذا الشيخ الجاهل وأنوف أصحابه والحمد للَّه سبحانه.

إنّ الإرث لغة وشرعاً حقيقة في إرث المال لافي أمر آخر كالعلم والنبوّة

قال: تنبيه:

لا يعارض قوله صلى الله عليه و آله «نحن معاشر الأنبياء لا نورث» قوله تعالى «وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ» (1)

لانّ المراد ليس وراثة المال بل النبوة والملك ونحوهما بدليل اختصاص سليمان بالإرث مع أنّ له تسعة عشر أخاً فلو كان المراد المال لم يختص به سليمان وسياق «علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شي ء» قاض بما ذكرناه، ووراثة العلم قد وقعت في آيات منها قوله تعالى «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ» (2)

، «فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ» (3)

وقوله تعالى «فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً يَرِثُنِي» (4)

لأنّ المراد فيها ذلك أيضا بدليل «وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِىَ مِنْ وَرَائِي» (5)

أي أن يضيّعوا العلم والدين وبدليل «مِنْ آلِ يَعْقُوبَ» (6)

وهم أولاد الأنبياء على أنّ زكرياء لم يحك أحد أنّه كان له مال حتّى يطلب ولداً يرثه ولو سلّم فمقام النّبي صلى الله عليه و آله يأبى طلب ذلك إذ القصد بالولد إحياء ذكر الأب والدعاء له


1- نمل: 16.
2- فاطر: 32.
3- اعراف: 169.
4- مريم: 5.
5- مريم: 5.
6- مريم: 6.

ص: 337

وتكثير سواد الأمةفمن طلبه لغير ذلك كان ملوماً مذموماً، سيّما إن قصد به حرمان عصبته من إرثه لو لم يوجد له ولد انتهى.

أقول: ما ذكره من قبيل التنبيه من لا يتنبه

أمّا أوّلًا فلأنّ الإرث حقيقة في إرث المال لغة وشرعاً فإطلاقه على غيره يكون مجازاً لا يصار إليه إلّابدليل، وما ذكره هذا الشيخ الجامد من الدليل عليل، إذ لو أراد باختصاص سليمان بالإرث الاختصاص الذكرى، فهو لا ينفى إرث غيره من إخوته وإن أراد به الاختصاص الحصرى، فالآية خالية عنه وأبعد من ذلك دعواه دلالة سياق «علمنا واوتينا» على ذلك.

وأمّا ما ذكره من الايات الّتي زعم دلالتها على وراثة العلم فمدفوع إجمالًا بما ذكرناه من أنّ استعمال الوراثة في العلم مجاز بدليل أنّ الإرث انتقال أمر من محل إلى آخر وقد استدلّ أهل السنّة على بطلان قول النصارى بانتقال العلم والحياة إلى عيسى عليه السلام بأنّ المستقل بالانتقال لا يكون إلّاالذّات دون الإعراض والصفات، صرّح بذلك الفاضل التفتازانى في شرح العقائد وغيره في غيره.

وأيضاً لو كان العلم والنّبوة مما يورث لم يكن على وجه الأرض إلّاالأنبياء والعلماء إذ الميراث لا يجوز أن يكون لواحد من الورثة دون الآخر فأوّل خلق اللَّه كان نبياً هو آدم عليه السلام فلو ورث ولده نبوّته وعلمه لوجب أن يكون جميع ولد آدم أنبياء وعلماء وكذلك أولاد أولاده إلى يوم القيامة ويلزم أيضاً قائل هذا أن يحكم بأنّ ورثة محمد صلى الله عليه و آله قد ورثوا نبوّته فهم الأنبياء فلا يجوز تقديم أبي بكر عليهم وإن صحّحنا خلافته كما ذكروه في إنكار تجويز تقدّم المهدي على عيسى عليهما السلام، والعجب من الناصبة أنّهم لا يثبتون على طريقة واحدة، لأنّهم إذا قال لهم الإمامية ينبغي أن يكون الخلافة لعلي عليه السلام لئلّا يخرج سلطان محمّد صلى الله عليه و آله من داره وقعر بيته، قالوا هذه

ص: 338

سنّة هرقلية لايجتمع النبوة والإمامة فى بيت واحد وههنا يثبتون مذهبهم الهرقلى ويقولون إنّ النّبى يتولد منه النّبي ويرث منه النبوة.

وأمّا تفصيلًا فلأنّه إن أريد بالكتاب في الاية الأولى الكاغذ مع ما فيه من النقوش وما يشتمل عليه من الجلد فهو مال يورث حقيقة وإن أراد به الألفاظ والمعاني فهي إعراض لا تنتقل كما مرّ فلا يورث.

إنّ الإرث لغة وشرعاً حقيقة في إرث المال

وأمّا الآية الثانية فلأنّه لا مجال لحمل الآية على إرث النبوة لانّ الموالي في قول زكريا عليه السلام فى «خِفْتُ الْمَوَالِىَ مِنْ وَرَائِي» (1)

هم الّذين يرثون المال بالضرورة ولا يرثون النبوة بالإجماع ولأنّ الموالي الّتي يخاف منهم ما كانوا صالحين للنّبوة لأنّهم كانوا أشراراً فلا يجعلهم اللَّه أنبياء، فالمراد بقوله «خفت الموالى؛ إلى آخره» خفت تضييع الموالي مالي وإنفاقهم إيّاه في معصية اللَّه عزّوجلّ ولأنّهم لو كانوا قائلين بها لما كان معنى للخوف من وصول إرث النّبوة إليهم وطلب غيرهم لأنّ نبي اللَّه عالم بأنّ اللَّه تعالى لا يعطى النبوة إلّالمن يكون أهلًالها.

وما ذكره هذا الشيخ الجاهل من «أنّ معنى: خفت الموالى من ورائى إنّي خفت أن يضيّعوا العلم والدّين» فلا معنى له لأنّه يمكن تضييع الموالى لعلم زكريا ودينه مع وجود الوارث المرضي كما ضيّع الفرقة الهالكة من أمّة نبينا صلى الله عليه و آله علمه ودينه، ونبذوا الكتاب وأهملوا قرينه، وبالجملة لا اختصاص للعلم والدّين بالولد الوارث كما يقتضى سياق الآية طلب زكريا عليه السلام له بل هو يشمل جميع أمّته عليه السلام فيمكن لغير الولد المرضي تضييع ذلك وكذا حفظ العلم والدّين لا يخصّ الولد بل ربّما يحصل ذلك لغيره من المرضيين فلو أراد زكريا عليه السلام طلب من يحفظ العلم والدّين عن التحريف ونحوه لقال: أبعث من يحفظ ديني فإنّي خفت الموالي(الآية) بخلاف المال فإنّه يخصّ


1- مريم: 5.

ص: 339

إرثه بالولد عند وجوده دون الموالى من بني العمّ فإذا وصل إلى الولد المرضي حصل الأمن من فساد الموالي السوء له.

وأمّا ما ذكره من «أنّه لم يحك أحد أنّه كان لزكريا مال حتّى يطلب ولداً يرثه» ففيه ان من حمل الإرث على حقيقته من إرث المال حكى ذلك مع أنّ عدم الحكاية لا يقتضى حكاية العدم فافهم.

وأمّاما ذكره من «أنّ مقام النّبي صلى الله عليه و آله يأبى طلب ذلك؛ إلى آخره» فيرد عليه إنّاقد ذكرنا إنّ الموالي كانوا مفسدين أشراراً خاف عليه السلام صرفهم لماله في معصية اللَّه عزّ وجلّ فليس في طلب الوارث المرضي لدفع هذه المفسدة ما ذكره هذا الشيخ المفسد من مفسدة قصد حرمان العصبة ولا غيرها فهو في حكمه بأن من طلب الولد لغير ذلك كان ملوماً مذموماً، ملوم مذموم مدحور، على مرّ الدهور.

في إنكار ابن حجر وجود نصّ جليّ على خلافة علي عليه السلام

قال: الثامنة

زعموا أنّ النبى صلى الله عليه و آله نصّ على الخلافة لعلي إجمالًا قالوا: لأنّا نعلم قطعاً وجود نصّ جلىّ وإن لم يبلغنا لأنّ عادته صلى الله عليه و آله في حياته قاضية باستخلاف علي على المدينة عند غيبته عنها حتّى لا يتركهم فوضى أي متساوين لا رئيس لهم فإذا لم يخل بذلك في حياته فبعد وفاته أولى وجوابها مرّ مبسوطاً في الفصل الرابع بأدلته ومنه إنّما ترك ذلك لعلمه بأنّ الصحابة يقومون به ويبادرون إليه لعصمتهم عن الخطاء اللازم لتركهم له ومن ثم لم ينص على كثير من الأحكام بل وكلّها إلى آراء مجتهديهم على أنّا نقول: انتفاء النص الجلي معلوم قطعاً وإلّالم يمكن ستره عادة إذ هو مما تتوفّر الدواعي على نقله. وأيضاً لو وجد نص لعلي لمنع به غيره كما منع أبوبكر مع أنّه أضعف من علي رضى الله عنه عندهم الأنصار بخبر «الأئمة من قريش» فأطاعوه مع كونه خبر واحد وتركوا الإمامة وادعائها لأجله فكيف حينئذ يتصور

ص: 340

وجود نصّ جلىّ يقينى لعلي وهو بين قوم لا يعصون خبر الواحد في أمر الإمامة وهم من الصلابة في الدّين بالمحل الّا على بشهادة بذلهم الأنفس والأموال، ومهاجرتهم الأهل والوطن، وقتلهم الأولاد والآباء في نصرة الدين، ثم لا يحتجّ علي عليهم بذلك النص الجلي بل ولا قال أحد منهم عند طول النّزاع في أمر الإمامة ما لكم تتنازعون فيها والنّصّ الجلي قدعيّن فلاناً لها؟ فإن زعم زاعم إن علياً قال لهم ذلك فلم يطيعوه كان جاهلًا ضالًا مفترياً منكراً للضروريات فلا يلتفت إليه.

وأمّا الخبر الآتي في فضائل علي رضى الله عنه إنّه قام فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال:

انشد اللَّه من شهد يوم غدير خم الاقام ولا يقوم رجل يقول نبئت أو بلغني إلّارجل سمعت أذناه ووعاه قلبه فقام سبعة عشر صحابياً، وفي رواية ثلاثون، فقال: هاتوا ما سمعتم فذكروا الحديث الآتي ومن جملته «من كنت مولاه فعلي مولاه» فقال صدقتم وأنا على ذلك من الشاهدين فإنّما قال ذلك على بعد أن آلت إليه الخلافة لقول أبي الطفيل راويه كما ثبت عند أحمد والبزار جمع على النّاس بالرحبة يعنى بالعراق ثم قال لهم: أنشد اللَّه من شهد يوم غدير خم إلى آخر ما مرّ فأراد به حثّهم على التمسك به والنصرة له حينئذ انتهى.

في الجواب عن إنكار ابن حجر وجود النصّ الجليّ على خلافة علي عليه السلام

اقول:

لا يخفى إنّ الشيعة صرّحوا بأنّ النّبي صلى الله عليه و آله نصّ على خلافة علي بن أبي طالب عليه السلام نصاً جليّاً مفصّلًا خالياً عن الإبهام والإجمال وإنّما ذكروا هذا التقرير الإجمالي بطريق الفرض تدرّجاً بذلك إلى إثبات النّص التفصيلي آخراً على الخصم فإنّ النصّ الإجمالي مما لا يبادر الخصم إلى إنكاره من أول الأمر لادّعاء بعضهم النص الخفي على خلافة أبي بكر فقد تسامحوا في أوّل الأمر إلى أن يتبيّن جلية الحال ويثبت وجود النّص التفصيلي في المآل كما قال شاعرنا:

ص: 341

صد پايه پست كرده ام آهنگ قول خويش تا بو كه اين سخن بمذاق تو در شود

وأمثال ذلك في كلام الحكماء كثيرة كما ذكره العلامة الدواني في حواشيه القديمة على التجريد.

وأمّا ما ذكره من سبق جوابه عن ذلك مبسوطاً فقد عرفت ردّه منّا مفصّلًا مشروحاً.

وأمّا ما ذكره في الجواب بقوله «ومنه انّه انّما ترك ذلك لعلمه بانّ الصحابة يقومون به إلى آخره» ففيه أنّ النّبي صلى الله عليه و آله قد بيّن كثيراً من الأمور الّتى هي دون أمر الإمامة بمراتب بل لا نسبة بينها وبينه مع علمه بأنّ أصحابه بل كل من يقوم بالمعروف يقوم به فظهرأنّ ما ذكره لا يصلح وجهاً للترك أصلًا وبالجملة لا يدانى شي ء من الأحكام الفرعية عظم أمر الإمامة الّتي هي رياسة عامة في أمور الدّين والدّنيا نيابة عن النّبي صلى الله عليه و آله وقد صرّح القاضي البيضاوي في بحث الأخبار من منهاج الأصول بأنّها من أعظم أصول الدين وهو عندنا كذلك فلا وجه لقياس تركه على ترك بعض الأحكام الفرعية. وامّا قوله «لو وجد نص لعلى لمنع به غيره» ففيه ما مرّ مراراً من أنّه عليه السلام منع به بعد فراغه عن دفن النّبي صلى الله عليه و آله لكن لم ينفع بعد خراب البصرة بسبق بيعة قريش على أبي بكر واتفاقهم في ذلك الغدر والمكر.

وأمّا ما ذكره من منع أبي بكر الأنصار بخبر «الأئمة من قريش» فإنّما اتفق لما أوقعوا في أوهامهم من أنّ الفرد الكامل المنصوص عليه بالخلافة من قريش قد تقاعد عنها وقعد في قعر بيته حزناً على النّبي صلى الله عليه و آله أو لغيره من الأغراض.

وأمّا ما ذكره من «أنّه لم يقل أحد منهم عند طول النزاع فى أمر الإمامة ما لكم تتنازعون فيها والنّص الجلي قدعيّن فلاناً لها؟» فمردود بأن قريشاً كتموا ذلك حسداً وعداوة لعلي عليه السلام، وأمّا الأنصار فللتوهم المذكور؛ ثمّ إن أراد بطول النّزاع

ص: 342

طول النّزاع يوم وفاة النّبي صلى الله عليه و آله والبيعة على أبي بكر فيه فلتة فلا طول فيه وإن أراد طول النزاع المطوي قلوب أهل البيت بعد تقرر البيعة على أبي بكر فقد مرّ أنّ علياً عليه السلام وجماعة من الصحابة نازعوا في ذلك ولم ينجع لسوء اتفاق معاندي قريش على أبي بكر فقالوا «لاعطر بعد عروس» (1)

وبالجملة الحديث الآتي الّذي ذكره هذا الغافل صريح في تحقّق النّزاع فضلًا عن غيره مما شاع وذاع فظهر فساد تفريعه على ما قرّره من الجهالات والتمويهات بقوله: «فإن زعم زاعم» إلى آخره.

وأمّا ما ذكره في تأويل الخبر الآتي الصريح في دعوى علي عليه السلام نصبه للخلافة يوم الغدير من «أنّه إنّما قال ذلك بعد أن آلت إليه الخلافة فأراد به حثّهم على التمسك به والنصرة له حينئذ» فمرودد بأنه على تقدير كون ذلك النّص موجوداً يثبت به خلافة علي عليه السلام ويقوم حجة على الخصم سواء احتج به على أبي بكر عند غصبه للخلافة أو سكت عنه تقية إلى أن آلت إليه الخلافة وإرادته عليه السلام من ذكر ذلك الحديث على المجتمعين عليه في أيّام خلافته حثّهم على التمسك به والنصرة له لا يقدح في كونه نصاً على خلافته وهو ظاهر.

إنكار ابن حجر وجود النصّ التفصيلي على خلافة علي عليه السلام

قال: التاسعة

زعموا وجود نص على الخلافة لعلي تفصيلًا وهو قوله تعالى «وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ» (2)

وهي تعمّ الخلافة وعلي من أولى الأرحام دون أبي بكر، وجوابها منع عموم آلاية بل هي مطلقة فلا تكون نصاً في الخلافة وفرق ظاهر بين المطلق والعام إذ عموم الأول بدلي والثاني شمولي، انتهى.


1- تاريخ طبرى، ج 4، ص 82
2- انفال: 75، احزاب: 6.

ص: 343

جواب عن إنكار ابن حجر وجود النصّ التفصيلي على خلافة علي عليه السلام

أقول:

لو سلّم عدم عموم أولى الأرحام بحسب الصيغة فهو عام بحسب المدلول بقرينة السياق والسباق ودلالة قوله «بعضهم» فكأنّه تعالى قال: وجميع أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض لظهور ركاكة أن يقال بعض أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض وأيضاً قد انعقد الإجماع على عدم تخصيص الأولويه ببعض دون بعض.

وأيضاً لو لم يكن المراد به العموم لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة إذ لم يتبيّن أنّ ذلك البعض الّذي هو أولى بالبعض من ذوي الأرحام بدلًا أيّ بعض كان؟

نعم لقائل أنّ يقول في بادى النظر أنّ العباس رضي اللَّه عنه كان أقرب إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله من علي عليه السلام ويجاب:

أوّلًا بأنّ اللَّه سبحانه لم يذكر الأقرب إلى النّبي صلى الله عليه و آله دون أن علقه بوصف فقال:

«النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ» (1)

فشرط الأولى بالنّبي الإيمان والمهاجرة ولم يكن العباس من المهاجرين بالاتفاق.

وثانياً أنّ أميرالمؤمنين عليه السلام كان أقرب إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وأولى بمقامه إن ثبت أنّ المقام موروث وذلك إنّ علياً عليه السلام كان ابن عمّ النّبى صلى الله عليه و آله لأبيه وأمّه والعباس عمّه لأبيه خاصّة ومن تقرب بسببين كان أقرب ممن تقرب بسبب واحد كما ذكر في فقه الفرائض ولهذا حكم أبوبكر في الدّرع والسيف والبغلة وغيرها من ميراث النّبيّ صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام دون العباس كما نقله هذا الشيخ الجامد سابقاً فتدبر.


1- احزاب: 6.

ص: 344

ادّعاء ابن حجر على عدم دلالة (إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ الخ) على خلافة علي عليه السلام

قال: العاشرة

زعموا أنّ من النّص التفصيلي المصرح بخلافة علي قوله تعالى «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ؛ الاية» (1)

قالوا والوليّ إمّا الأحقّ والأولى بالتّصرف كولى الصبى وإمّا المحبّ والناصر وليس له في اللغة معنى ثالث، والناصر غير مراد لعموم النصرة لكل المؤمنين بنص قوله تعالى «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ» (2)

فلم يصح الحصر بأنّما في المؤمنين الموصوفين بما في الآية فتعين أنّه في الآية المتصرّف وهو الإمام وقد أجمع أهل التفسير على أنّ المراد ب «الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» (3)

علي إذ سبب نزولها إنّه سئل وهو راكع فأعطى خاتمه وأجمعوا أن غيره كأبي بكر غير مراد فتعيّن أنّه المراد في الآية فكانت نصاً في إمامته وجوابها منع جميع ما قالوه إذ هو حزرو تخمين من غير إقامة دليل يدل له بل الولي فيها بمعنى الناصر ويلزم على ما زعموه إنّ علياً أولى بالتصرف حال حياة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ولا شبهة في بطلانه وزعمهم الإجماع على إرادة علي دون أبي بكر كذب قبيح لأنّ أبابكر داخل في جملة «الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ؛ إلى آخره» (4)

لتكرر صيغة الجمع فيه فكيف يحمل على الواحد ونزولها في حقّ على عليه السلام لا ينافى شمولها لغيره ممن يجوز اشتراكه معه في تلك الصيغة وكذلك زعمهم الإجماع على نزولها في علي عليه السلام باطل أيضاً فقد قال الحسن وناهيك به جلالة وإمامة إنّها عامة في سائر المؤمنين ويوافقه.

إنّ الباقر سئل عمن نزلت فيه هذه الآية أهو علي؟ فقال علي من المؤمنين،


1- مائده: 55.
2- توبه: 71.
3- مائده: 55.
4- همان.

ص: 345

ولبعض المفسرين إنّ قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا (1)

ابن سلام وأصحابه ولبعض آخر منهم قول انّه عبادة لما تبرأ من خلفائه من اليهود وقال عكرمة وناهيك به حفظاً لعلوم مولاه ترجمان القرآن عبداللَّه بن عباس رضي اللَّه عنهما أنها نزلت في أبي بكر فبطل ما زعموه وأيضاً فحمل الولي على ما زعموه لا يناسب ما قبلها وهو «لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ؛ الى آخره» (2)

إذ الولي فيها بمعنى الناصر جزماً ولا ما بعدها وهو «وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؛ الى آخره» (3)

إذ التولى هنا بمعنى النصرة فوجب حمل ما بينهما عليها أيضاً لتتلائم أجزاء الكلام انتهى.

بيان دلالة (إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ؛ الخ) على خلافة علي عليه السلام

أقول:

جميع منوعه مكابرات مردودة والدلائل على ثبوت مقدمات استدلالنا بالآية الكريمة موجودة.

أمّا الدليل على أنّ المراد بالولي الأولى بالتّصرف دون المعاني الآخر فلأنّ حصر الولاية في المؤمنين الموصوفين في الآية بإيتاء الزكوة حال الركوع يدلّ على عدم إرادة النصرة ونحوها وإلّا لزم بمقتضى الحصرأن يكون من شرط الولي المؤمن مطلقاً إيتاء الزكوة حال الركوع وفساده ظاهر.

والحاصل إنّه إن أريد بالولي الناصر وبالّذين آمنوا جماعة من المؤمنين الذين يمكن اتصافهم بالنصرة فيستقيم الحصر حينئذ لكن لا يستقيم الوصف بإيتاء الزكوة حال الركوع. وإن أريد به الناصر وبالّذين آمنوا علي عليه السلام يبطل الحصر، وإن أريد به الأولى بالتصرف وبهم علي عليه السلام يستقيم الحصر والوصف معاً لأنّ كون


1- مائده: 56.
2- مائده: 51.
3- مائده: 56.

ص: 346

إيتاء الزكوة حال الركوع من شأن الإمام الأولى بالتصرف في أحكام المؤمنين غير مستبعد بل روي أنّه قد وقع هذه الكرامة عن باقي الأئمة المعصومين عليهم السلام وايضاً العطف دال على تشريك اللَّه تعالى ورسوله ووليه في اختصاص النصرة بهم ولاخفاء في أنّ نصرة اللَّه ورسوله للمؤمنين مشتملة على التصرف في أمورهم على ما ينبغى، فكذلك نصرة من أريد بالّذين آمنوا، غاية الأمر إنّ التصرف في أمورهم مفهوم مشكّك يختلف بالأولية والأولوية والأشدية بل حقّق إنّ جميع المعانى العشرة الّتي ذكروها للولي مرجعها إلى الأولى بالتصرف كما سنبيّنه فيما سيورده من حديث الغدير فما نسبه إلى الشيعة في تقرير كلامهم من أنّهم قالوا ليس له معنى ثالث مرية بلا مرية.

وأمّا ما أورده من «أنّه يلزم على ما زعموه أنّ علياً أولى بالتصرف في حال حياة النّبي صلى الله عليه و آله إلى آخره» فمردود بأنّا نلتزمه ولا نسلّم بطلانه لأنّه لا مانع عن ثبوت الولاية له عليه السلام في الحال بل الظاهر أنّ المراد إثباتها على سبيل الدّوام بدلالة اسمية الجملة وكون الولي صفة مشبهة وهما دالتان على الدوام والثبات ويؤيد ذلك استخلاف النّبي صلى الله عليه و آله لأمير المؤمنين عليه السلام في المدينة في غزوة تبوك وعدم عزله إلى زمان الوفاة فيعم الأزمان والأمور للإجماع على عدم الفصل ويؤيده أيضاً حديث المنزلة على ما سيجي ء لدلالته على ولايته عليه السلام في زمان حياة النّبي صلى الله عليه و آله ومماته كما سيجى ء تحقيقه إنشاء اللَّه تعالى.

وأمّا الدليل على ثبوت الإجماع على أنّ المراد من ضمائر الجمع في الآية علي عليه السلام وأنّ الجمع للتعظيم كما وقع في كثير من الآيات والأخبار فهو نقل جماعة من علماء أهل السنة كالفاضل التفتازاني والفاضل القوشجي اتفاق المفسرين على ذلك والإجماع المنقول بخبر الواحد حجة.

وأمّا استبعاد الإجماع على إرادة علي عليه السلام دون أبي بكر مستنداً بأنّ أبابكر

ص: 347

داخل في جملة «الّذين آمنوا؛ إلى آخره» فلا يخفى ما فيه لأنّ دخول أبي بكر أو غيره من المؤمنين بحسب عموم اللفظ لو سلّم لا ينافي وقوع الإجماع على إرادة علي عليه السلام فقط وأين الإرادة من الدّلالة...!

وأمّا ما ذكره من «أنّ نزولها في علي لا ينافي شمولها لغيره ممن يجوز؛ إلى آخره» ففيه أنّ من منع شمول الآية لغير علي عليه السلام لم يستند فيه بمجرّد نزولها في شأن علي عليه السلام بل ضمّ مع ذلك كون الأوصاف المذكورة فيها قد انحصر بالاتفاق في واحد هو علي عليه السلام دون غيره على أنّه قد قرّر العلامة الحلي قدس سره الاستدلال بالآية على وجه لا يتوجّه إليه شي ء من ذلك فقال: «إنّ لفظة إنّما تفيد الحصر بالنّقل عن أهل اللغة والولي يطلق على الناصر ونحوه والمتصرّف ولا معنى للأوّل ههنا لأنّ هذه الآية متخصّصة ببعض النّاس والنصرة عامّة لقوله تعالى «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ» (1)

إذا ثبت هذا فنقول: إنّ المراد بالّذين آمنوا ههنا بعض المؤمنين لأنّ اللَّه تعالى وصفهم بإيتاء الزكوة حال ركوعهم وليس هذا الوصف ثابتاً لكلّ المؤمنين، وأيضاً لو كان المراد كل المؤمنين لكان الولي والمولّى عليه واحداً وذلك باطل وإذا ثبت أنّ المراد بعض المؤمنين كان ذلك البعض علياً عليه السلام لأنّ الأمّة أجمعوا على أنّ المراد إمّا بعض المؤمنين فهو علي عليه السلام وإمّا جميع المؤمنين فيدخل علي عليه السلام فيهم، وقد بينّا أنّ المراد هو البعض فلو كان غير علي عليه السلام كان ذلك خارجاً للإجماع المركب ولاتّفاق المفسّرين على أنّ المراد بذلك هو علي عليه السلام»(انتهى).

وأمّا إبطاله للإجماع على نزول الآية في علي عليه السلام بمخالفة قول الباقر عليه السلام وشذوذ من المفسرين لذلك فبطلانه ظاهر ومن عجيب تمحّلاتهم إنّهم لم يكتفوا بأن ينسبوا الكذب في ذلك إلى عكرمة ومن شاكلوه حتى نسبوه إلى مولانا الباقر عليه السلام لزعمهم


1- توبه: 17.

ص: 348

أنّ الشيعة إذا سمعوا النسبة إلى مولاهم الباقر عليه السلام يذهلون عن القدح فيمن رواه عنه من الجمهور، فيصححّونها ويجعلونها حجة على أنفسهم مرّ الدهور، على أنّ اتفاق أكثر المفسرين من أهل السنة يكفي احتجاجاً بسبب ما ذكرنا سابقاً من أنّ ما يصير حجة على واحد منهم فهو حجة على الآخرين لأنّ ما يليق أن يعتبر لذي الإنصاف هو ما اتفق عليه الفريقان فتذكر وتأمّل.

وأمّا ما ذكره من أنّ حمل الولي على ما زعموه لا يناسب ما قبلها إلى آخره» فمدخول بأنّ الولاية بمعنى الإمامة والتّصرّف في الأمور أعم من الولاية بمعنى النّصرة في الجملة فنفي الولاية بمعنى الإمامة مفيد لنفي الولاية المنفية عن اليهود والنصارى في الآية الأولى على أتمّ وجه لأن نفي العام نفى الخاصّ مع الزائد فهو أتم في النفى فيكون المناسبة حاصلة.

وأمّا ما بعد الآية فلا دلالة له على مقصودهم إلّاإذا حمل حزب اللَّه على معنى أنصار اللَّه كما تمحّله بعضهم وهو كماترى على أنّ كثيراً من آيات القرآن قد يأتي وأوّلها فى شي ء وآخرها في غيره ووسطها في معنى آخر وليس طريق الإتّفاق في المعنى عن محسنات الكلام ولو سلّم فإنّما يرد على خليفتكم عثمان الّذى رتّب القرآن على غير وجهه فتدبّر.

إنكار ابن حجر تواتر حديث الغدير

قال: الحادية عشرة

زعموا أنّ من النّص التفصيلى المصرّح بخلافة علي عليه السلام قوله يوم غدير خم موضع بالجحفة مرجعه من حجة الوداع بعد أن جمع الصحابة وكرّر عليهم «ألست أولى بكم من أنفسكم» (1)

ثلاثاً وهم يجيبون


1- المعجم الكبير للطبراني، ج 5، ص 195؛ الغدير، ج 1، ص 8

ص: 349

بالتصديق والاعتراف ثم رفع يد علي عليه السلام وقال «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، واحبّ من احبّه، وابغض من ابغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وادر الحقّ معه حيثما دار».

قالوا: فمعنى المولى الأولى أي فلعلي عليهم من الولاء ماله صلى الله عليه و آله عليهم منه بدليل قوله «ألست أولى بكم» (1)

لا النّاصر وإلّا لما احتاج إلى جمعهم كذلك مع الدعاء له لأنّ ذلك يعرفه كلّ أحد.

قالوا: ولا يكون هذا الدعاء إلّالإمام معصوم مفترض الطاعة قالوا فهذا نص صريح صحيح على خلافته انتهى.

وجواب هذه الشبهة الّتي هي أقوى شبههم يحتاج إلى مقدمة وهي بيان الحديث ومخرجيه وبيان أنّه حديث صحيح لامرية فيه وقد أخرجه جماعة كالترمذي والنسائي وأحمد وطرقه كثيرة جداً ومن ثم رواه ستة عشر صحابياً وفي رواية لأحمد إنّه سمعه من النّبي صلى الله عليه و آله ثلاثون صحابياً وشهدوا به لعلي لما نوزع أيّام خلافته كما مرّو سيأتي وكثير من أسانيده صحاح وحسان ولا التفات لمن قدح في صحته ولا لمن ردّه بأنّ علياً كان باليمن لثبوت رجوعه منها وإدراكه الحج مع النّبي صلى الله عليه و آله وقول بعضهم «انّ زيادة اللهم وال من والاه؛ إلى آخره موضوعة» مردود فقد ورد ذلك من طرق صحح الذهبى كثيراً منها وبالجملة فما زعموه مردود من وجوه نتلوها عليك وإن طالت لمسيس الحاجة إليها فأحذر أن تسأمها وتغفل عن تأمّلها أحدها إنّ فرق الشيعة اتفقوا على اعتبار التواتر فيما يستدل به على الإمامة وقد علم نفيه لما مرّ من الخلاف في صحّة هذا الحديث بل الطاعنون فى صحّته جماعة من ائمة الحديث وعدوله المرجوع إليهم فيه كأبي داود السجستاني وأبي


1- المعجم الكبير للطبراني، ج 5، ص 195؛ الغدير، ج 1، ص 8.

ص: 350

حاتم الرّازي وغيرهما فهذا الحديث مع كونه آحاداً مختلف في صحته فكيف ساغ لهم أن يخالفوا ما اتفقوا عليه من اشتراط التواتر في أحاديث الإمامة ويحتجّون بذلك؟ ما هذا إلّاتناقض قبيح وتحكّم لا يعتضد بشى ء من اسباب الترجيح انتهى.

في الإشارة إلى ما يدلّ على تواتر حديث الغدير عند العامّة

أقول:

من البيّن أنّه لا يعتبر في تواتر الخبر والاحتجاج بتواتره كونه متواتراً عند جميع النّاس كما زعمه هذا الشيخ الخنّاس بل يعتبر كونه متواتراً في الجملة وإلّا فيشكل بالكتاب العزيز فإنّه ليس بمتواتر عند الكل ومن جميع الطرق اتفاقاً فلا يلزم مناقضة الشيعة لأنفسهم في استدلالهم بذلك لإثبات الإمامة فانّهم يدعون تواتره من طرقهم ومن بعض طرق أهل السنة فقد ذكر الشيخ عماد الدّين ابن كثير الشامي الشافعي في تاريخه عند ذكر أحوال محمّد بن جرير الطّبري الشافعي إنّي رأيت كتاباً جمع فيه أحاديث غديرخم في مجلدين ضخمين وكتاباً جمع فيه طرق حديث الطير ونقل عن أبي المعالي الجويني إنّه كان يتعجّب ويقول شاهدت مجلّداً ببغداد في يد صحّاف فيه روايات هذا الخبر مكتوباً عليه المجلدة الثامنة والعشرون من طرق «من كنت مولاه فعلي مولاه» ويتلوه المجلدة التاسعة والعشرون ورواه ابن عقدة من الزيدية في مائة وخمس طرق وأثبت الشيخ ابن الجزري الشافعي في رسالته الموسومة بأسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب تواتر هذا الحديث من طرق كثيرة ونسب منكره إلى الجهل والعصبية وبالجملة قد بلغ هذا الخبر في التواتر والإشتهار إلى حد لا يوازي به خبر من الأخبار، وتلقته محققوا الأمة بالقبول والإعتبار، فلا يرده إلّامعاند جاحد أو من لا اطلاع له على كتب الأحاديث والآثار، فاتضح بطلان ما مهّده من المقدمة وما بناه عليها من الوجه الّذى لا يبيض وجهه عند الاخيار.

ص: 351

في الاستدلال بمضمون حديث الغدير على إمامة علي عليه السلام

ثم أقول: إن في روايته لحديث الغدير خصوصاً من طريق استدلّ به الشيعة إهمالًا وإخلالًا لا يخفى لأنّ مضمون الحديث على الوجه المتفق عليه بين الطريق المنقول لقدماء العامة وبعض طرق أصحابنا هو انّه لمّا نزل حين رجوع النّبى صلى الله عليه و آله عن حجة الوداع قوله تعالى «أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ؛ الاية» (1)

نزل النّبي صلى الله عليه و آله بغدير خم وقت الظّهر الّذى لم يكن نزول المسافر فيه متعارفاً في يوم شديد الحرّ حتّى أنّ الرّجل كان يضع رداءه تحت قدميه من شدة الحرّ فأمر النّبي صلى الله عليه و آله بجمع الرّحال وصعد عليها خطيباً بالنّاس ذاكراً في خطبته: إنّ اللَّه تعالى أنزل عليه «بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، الاية» (2)

لدنوّ لقاء ربه وإنّه يبلغ ما أمره اللَّه بتبليغه وتوعده إن لم يبلغه ووعده بالعصمة من النّاس ثم أخذ بيد علي عليه السلام وقال في جملة كلامه: «ألست أولى بكم من أنفسكم قالوا: بلى يا رسول اللَّه. قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللّهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله، وأدر الحق معه كيف دار» فلم ينصرف النّاس حتى نزل قوله تعالى «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي» (3)

فقال النّبي صلى الله عليه و آله: ألحمد للَّه على إكمال الدّين وإتمام النعمة ورضى اللَّه تعالى برسالتي وبولاية علي بعدى.

ولا يخفى على من له شائبة من الإنصاف أنّ مخاطبة اللَّه تعالى للنّبي صلى الله عليه و آله في آخر عمره ووداعه للدّنيا بعد تبليغه الإسلام والصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد وغيرها من أحكام الدّين بقوله «وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ» (4)

ونزول


1- مائده: 67.
2- مائده: 67.
3- مائده: 3.
4- مائده: 67.

ص: 352

النّبي صلى الله عليه و آله في زمان ومكان لا يتعارف فيهما النّزول وصعوده على منبر من الرّحال وقوله في حقّ أميرالمؤمنين عليه السلام «من كنت مولاه فعلي مولاه» ودعاءه له على الوجه المذكور ليس إلّالأمر عظيم الشأن جليل القدر كنصبه للإمامة لا لمجرّد إظهار محبته ونصرته ونظائرهما سيّما مع قوله «ألست أولى بكم من أنفسكم» ومع وقوع هذه الصورة بعد نزول الآية السابقة ونزول الآية اللاحقة بعدها لابدّ أن يكون المراد من المولى المتولّى المتصرّف في أمور المسلمين لا النّاصر والمحب ولا غيرهما من معاني المولى الّتي سيذكرها هذا الشّيخ الجاهل تقليداً لأصحابه في تجويز حمل الحديث عليها فكان المعنى على ما أوضحناه أنّ علياً عليه السلام هو الأولى بالتّصرف في حقوق النّاس والتدبير لأمورهم بعدي ولا معنى للإمامة إلّاهذا فتأمل.

في ادّعاء ابن حجر كان المولى في الحديث بمعنى المحبّ والناصر وأمثالهما

قال:

ثانيها لا نسلّم أن معنى الولي ما ذكروه بل معناه النّاصر لأنّه مشترك بين معان كالمعتق والعتيق والمتصرف في الأمر والنّاصر والمحبوب وهو حقيقة في كل منها وتعيين بعض المعاني المشترك من غير دليل يقتضيه تحكم لا يعتدّ به وتعميمه في مفاهيمه كلّها لايسوغ لأنّه كان مشتركاً لفظياً بأنّ تعدد وضعه بحسب تعدّد معانيه كان فيه خلاف والّذي عليه جمهور الأصوليين وعلماء البيان واقتضاه استعمالات الفصحاء للمشترك إنّه لا يعمّ جميع معانيه على أنّا لو قلنا بتعميمه على القول الآخر أو بناء على أنّه مشترك معنوي بأن وضع وضعاً واحداً للقدر المشترك وهو القرب المعنوي من المولى بفتح، فسكون لصدقه لكل مما مرّ فلا يتأتي تعميمه هنا لامتناع إرادة كل من المعتق والعتيق فتعين إرادة البعض ونحن وهم متّفقون على صحة إرادة الحب بالكسر، وعلي رضي اللَّه عنه سيدنا وحبيبنا

ص: 353

على أنّ كون المولى بمعنى الإمام لم يعهد لغة ولا شرعاً.

أمّا الثاني فواضح وأمّا الأوّل فلأنّ أحداً من أئمة العربية لم يذكر أنّ مفعلًا يأتى بمعنى إفعل وقوله تعالى: «مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ» (1)

اي مقرّكم أوناصرتكم مبالغة في نفي النصرة كقولهم الجوع زاد من لا زاد له. وأيضاً فالاستعمال يمنع من أن مفعلًا بمعنى إفعل إذ يقال هو أولى من كذا دون مولى من كذا وأولى الرّجلين دون مولاهما وحينئذ فإنّما جعلنا من معانيه المتصرّف في الأمور نظراً لرواية الآتية «من كنت وليه» فالغرض من التنصيص على موالاته اجتناب بغضه لأنّ التنصيص عليه أوفى بمزيد شرفه وصدره بألست أولى بكم من أنفسكم ثلاثاً ليكون أبعث على قبولهم، وكذا بالدعاء لأجل ذلك أيضاً ويرشد لما ذكرناه حثه صلى الله عليه و آله في هذه الخطبة على أهل بيته عموماً وعلى علي خصوصاً ويرشد إليه أيضاً ما ابتدء به هذا الحديث ولفظه عند الطبراني وغيره بسند صحيح إنّه صلى الله عليه و آله خطب بغدير خم تحت شجرات فقال: ايّها النّاس إنّه قد نبّأنى اللطيف الخبير إنّه لم يعمر نبي إلّانصف عمر الّذي يليه من قبله وإنّي لأظنّ أنّي يوشك إن ادّعى فأجيب وإنّي مسئول وإنّكم مسئولون فماذا أنتم قائلون؟ قالوا نشهد إنّك قد بلغت وجهدت ونصحت فجزاك اللَّه خيراً فقال أليس تشهدون أن لا إله إلّااللَّه وأنّ محمداً عبده ورسوله وأنّ جنته حق وأنّ ناره حق وأنّ الموت حق وأنّ البعث حق بعد الموت وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها وأنّ اللَّه يبعث من في القبور؟ قالوا بلى، نشهد بذلك قال: اللهمّ اشهد ثمّ قال: يا أيّها النّاس إنّ اللَّه مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فهذا مولاه يعني علياً اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه. ثم قال: يا أيّها النّاس إنّي فرطكم وإنّكم واردون عليّ الحوض حوض أعرض مما بين بصرى إلى صنعاء فيه


1- حديد: 15.

ص: 354

عدد النجوم قدحان من فضة وإنّى سائلكم حين تردّون عليّ عن الثقلين فانظروا كيف تخلفونى فيهما الثقل الأكبر كتاب اللَّه عز وجل سبب طرفه بيد اللَّه وطرفه بأيديكم فاستمسكوا به لا تضلوا ولا تبدلوا وعترتى أهل بيتي فإنّه قد نبّأني اللطيف الخيبر إنّهما لن ينقضيا حتّى يردا عليّ الحوض.

وأيضاً فسبب ذلك كما نقله الحافظ شمس الدّين الجزري عن ابن إسحق إنّ علياً تكلّم فيه بعض من كان معه في اليمن فلمّا قضى النّبي صلى الله عليه و آله حجه خطبها تنبيهاً على قدره ورداً على من تكلّم فيه كبريدة كما في البخاري إنّه كان يبغضه وسبب ذلك ما صححّه الذّهبي أنّه خرج معه إلى اليمن فرأى منه جفوة فقصّه للنّبي صلى الله عليه و آله فجعل يتغيّر وجهه ويقول يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قال بلى يا رسول اللَّه قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه».

وأمّا رواية ابن بريده عنه لا تقع يا بريدة في علي فإنّ علياً مني وأنا منه وهو وليكم بعدي ففي سندها الأصلح وهو وإن وثقه ابن معين لكن ضعفه غيره على أنّه شيعي وعلى تقدير الصحة فيحتمل أنّه رواه بالمعنى بحسب عقيدته وعلى فرض أنّه رواه بلفظه فيتعيّن تأويله على ولاية خاصة نظير قوله صلى الله عليه و آله أقضاكم علي على أنّه وإن لم يحتمل التأويل فالإجماع على حقيّة ولاية أبي بكر وفرعيها قاض بالقطع بحقيّتها لأبي بكر وبطلانها لعلي لأنّ مفاد الإجماع قطعي ومفاد خبر الواحد ظني ولا تعارض بين ظنّي وقطعي بل يعمل بالقطعي ويلغى الظني على أنّ الظني لا عبرة به فيها عند الشيعة كما مرّ انتهى.

في بيان القرائن على أنّ المراد من المولى في الحديث هو الأولى بالتصرّف

أقول:

امتناع إرادة المعتق والمعتق والحليف والجار ههنا ظاهر لا يحتاج إلى بيان وقد مر في آية تصدّق الخاتم الدليل الدال على امتناع إرادة الناصر وكذا المحبّ

ص: 355

اللازم له ههنا أيضاً خصوصاً بملاحظة ما هنا من خصوصية الزمان والمكان وإنّ النّبى صلى الله عليه و آله لم ينزل في الحرّ الشديد ووسط النهار في مكان وزمان لم يكن نزول المسافر فيهما معهوداً إلّالإبلاغ أمر عظيم كما يدل عليه أيضاً التأكيدات المذكورة في الآية والحديث الوارد في شأن نزولها وكيف يجوز أن يجمع صلى الله عليه و آله الجمع العظيم في مثل تلك الحال وخطب على المنبر المعمول من الرحال ليعلم النّاس من قرينة ما يعلمونه صلى الله عليه و آله وأوضح القرائن المقالية على امتناع حمل لفظ المولى على غير الأولى انّه لا يجوز أن يرد من الحكيم تقرير بلفظ مقصور على معنى مخصوص ثم يعطف عليه بلفط محتمل إلّا ومراده المخصوص الّذي ذكره وقرّره دون ما عداه نزيده بياناً وإيضاحاً إنّه لو قال أحد ألستم تعرفون داري الّتي في موضع كذا ثم وصفها وذكر حدودها فإذا قالوا بلى قال فاشهدوا إنّ داري وقف على المساكين وكانت له دور كثيرة لم يجز أن يحمل قوله في الدار الّتي وقفها إلّاعلى أنّها الدّار الّتي قرّرهم على معرفتها ووصفها، وكذا لو قال لهم ألستم تعرفون عبدي فلاناً الفولي فإذا قالوا بلى قال لهم فاشهدوا إنّ عبدي حرّ لوجه اللَّه تعالى وكان له عبيد سواه لم يجز ان يقال إنّه أراد إلّاعتق من قرّرهم على معرفته دون غيره من عبيده وإن اشترك جميعهم في اسم العبودية، وإذا كان الأمر على ما ذكرناه ثبت أنّ مراد النّبي صلى الله عليه و آله بقوله: «من كنت مولاه فعلي مولاه» إنّه أولى به وهو المعنى الأوّل الّذي قدّم ذكره وقرّره بقوله:

«ألست أولى بكلّ مؤمن ومؤمنة من أنفسهم» ولم يجز أن يصرف إلى غيره من سائر أقسام ما يحتمله وذلك يوجب أنّ علياً عليه السلام أولى بكلّ مؤمن من نفسه بما ثبت أنّه صلى الله عليه و آله مولاهم من الحديث ومن قوله تعالى «النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» (1)

فقد ظهر إنّ الحديث خصوصاً مع انضمام نزول الآيتين المحفوفتين به كما


1- احزاب: 6.

ص: 356

تضمّنه ما ذكرناه سابقاً من بعض الطّرق المتّفق عليها برهان قاطع على إمامة مولانا أميرالمؤمنين.

بيان أنّ المولى ليس مشتركاً لفظياً بل وضع لمعنى واحد جامع

وأمّاما استند به على كونه بمعنى الناصر من قوله «لانّه مشترك بين معان؛ إلى آخره» فهو دليل عليه لا له لظهور أنّه إذا كان مشتركاً لفظياً لا يجوز حمله على خصوص الناصر أيضاً من غير دليل.

وأمّا ما ذكره من «أنّ تعيين بعض معاني المشترك من غير دليل تحكّم» فمدفوع بما سمعت منّا سابقاً من أنّا لا نسلّم إنّه مشترك لفظي بين المعاني المذكورة كيف وهو خلاف الأصل كما تقرر في الأصول بل هو موضوع لمعنى واحد هو الأولى والمعاني العشرة أقسام له حاصلة حقيقة بإضافتها إليه.

أمّا النّاصر فلأنّه اختصّ بالنصرة فصاربها أولى من غيره.

وأمّا ابن العم فلأنّه إنّما سمّي مولى لأنّه يعقل عن ابن عمّه و يحوز ميراثه فكان بذلك أولى من غيره.

وأمّا الجار فلأنّه أولى بالملاصقة من البعيد وأولى بالشفعة في العقار من غيره.

وأمّا الحليف فلأنّه أولى بنصرة حليفة ممن لا حلف بينه وبينه.

وأمّا المعتق فلأنّه أولى بنصرة معتقه من غيره.

وأمّا المعتق فلأنّه أولى بميراثه ممن لا يعتقه وأمّا مالك الرّق فلأنّه أولى بتدبير عبده من غيره.

وأمّا ضامن الجريرة فلأنّه ألزم نفسه ما يلزم المعتق فكان بذلك أولى ممن لم يضمن.

وأمّا السيد المطاع فلأنّه أولى بالطاعة.

ص: 357

فاندفع ما أورد من انتقاض التعميم في المعاني المذكورة بامتناع إرادة كلّ من المعتق والمعتق وذلك لأنّا إنّما ادعينا تعميم الأولى لا تعميم الأولى بالتصرف كما زعمه وقد عرفت إنّ تعميم الأولى يتأتّى في كلّ من تلك الأقسام بوجه فتوجه.

في اعتراف الشارح الجديد للتجريد بشيوع استعمال المولى في معنى الأولى

وأمّا ما ذكره في العلاوة من «أنّ كون المولى بمعنى الإمام لم يعهد لغة» فإيراد على مقدمة لم يذكرها الشيعة في استدلالهم لأنّهم لم يقولوا إنّ المولى وضع لمعنى الإمام ابتداء بل قالوا إنه وضع لمعنى الأولى بالتصرف والأولى بالتصرف لا يكون إلّا النّبي أو الإمام كما إنّ الإنسان موضوع للحيوان النّاطق وهو صادق على زيد وعمرووبكر وغيرهم من الأفراد لا أنّه موضوع لكلّ منها على أنّه قد ساعدنا الشارح الجديد للتجريد على كون ذلك معهوداً حيث قال:

إنّ استعمال المولى بمعنى المتولّي والمالك للأمر والأولى بالتّصرّف شائع في كلام العرب منقول عن أئمة اللغة والمراد إنّه اسم لهذا المعنى لا صفة بمنزلة الأولى ليعترض بأنّه ليس من صيغة اسم التفضيل وانّه لا يستعمل إستعماله وينبغي أن يكون المراد في الحديث هذا المعنى ليطابق صدر الحديث أعني قوله «ألست أولى بكم من أنفسكم» انتهى كلامه وبه يندفع أيضاً الاعتراض الآخر الّذي يذكره الشيخ الجاهل بعيد ذلك فلا تغفل.

وأمّا قوله «فالغرض من التنصيص على موالاته اجتناب بغضه؛ إلى آخره» فمشتمل على تمويهات لصرف الحديث عمّا هو صريح في الدّلالة عليه من أولوية التّصرف لما مرّ من ظهور أنّ الأولى بالتّصرف في أمور النّاس من أنفسهم بعد النّبي صلى الله عليه و آله ليس إلّاالإمام وما نقله عن الطّبراني إنّما يرشد إلى ما ذكرناه عند الرشيد.

ص: 358

واما ما نقله عن الجزرى في سبب الخطبة الّتي نقلها الطّبراني فمردود بما اسبقناه من الطرق المتفق عليها للحديث الناطق بأنّ السّبب في ذلك إنّما كان نزول الوحي إلى النّبي صلى الله عليه و آله بإظهار فضائل علي عليه السلام ومناقبه وولايته ووجوب طاعته على الخلق ومدخول بأنّ الإنكار على بريدة والاعتراض عليه في شكاية علي عليه السلام قد وقع عنه صلى الله عليه و آله من قبل ذلك وعند مراجعته مع علي عليه السلام من اليمن كما نقله هذا الشيخ الناسي في فضائل علي عليه السلام من كتابه هذا حيث قال: «وكذلك وقع لبريدة انه كان مع علي في اليمن فقدم مغضباً عليه فأراد شكايتة بجارية أخذها من الخمس فقيل له أخبره ليسقط علي من عينه ورسول اللَّه صلى الله عليه و آله يسمع من وراء الباب فخرج مغضباً فقال ما بال أقوام ينقصون علياً من نقص علياً فقد نقصنى ومن فارق علياً فقد فارقني إنّ علياً منّى وأنا منه خلق من طينتي وخلقت من طينة إبراهيم وأنا أفضل من إبراهيم ذرية بعضها من بعض واللَّه سميع عليم يا بريدة أما علمت أنّ لعلي أكثر من الجارية الّتي أخذ؛ الحديث».

وإذا وقع فيه الاعتراض من النّبي صلى الله عليه و آله على بريدة عند شكايته بل على كل من توقّع منه صدور مثل ما صدر عن بريدة وذكر فيه فضائل علي عليه السلام والحثّ على متابعته والنهي عن مفارقته إلى غير ذلك لم يبق معه حاجة إلى تكرار ذلك عن قريب في غدير خم على الوجه الّذي وصفناه.

في بيان دلالة قوله صلى الله عليه و آله «من كنت مولاه فعلي مولاه» على ولاية علي عليه السلام

وأمّا ما صححه عن الذّهبي- ذهب اللَّه بنوره- من أنّه صلى الله عليه و آله قال عند شكوة بريدة عن على عليه السلام عنده صلى الله عليه و آله «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم قال بلى يا رسول اللَّه قال صلى الله عليه و آله من كنت مولاه فعلي مولاه» فهو أيضاً دليل على إمامته عليه السلام لأنّ شكوته إنّما كان لأجل جارية أخذها علي عليه السلام من خمس الغنائم لنفسه كما مرّ قبيل

ص: 359

ذلك نقلًا عن هذا الجامد فقوله صلى الله عليه و آله في جواب ذلك «من كنت مولاه فعلي مولاه» صريح في حكمه صلى الله عليه و آله على مساواة علي عليه السلام له في أولوية التّصرف وينادى على إرادة هذا المعنى بأعلى صوت ما نقله من رواية ابن بريدة كما لا يخفى.

وأمّا طعنه فيها «بأنّ في طريقها الأصلح فليس بغريب» فإن طعن كل صالح أو أصلح روى شيئاً من فضائل علي عليه السلام عادة مستمرة لهم سيما إذا استشموا منها ما يوجب القدح في بعض مطالبهم وإن صححها مثل ابن معين منهم وبالجملة من قبائح عادات القوم وفضائح وقاحاتهم إنّهم إذا وجدوا آية نازلة في فضائل أهل البيت ومناقبهم أو حديثاً كذلك قد استدلّ به الشيعة على أفضليتهم وأحقّيتهم فمع أنّهم رووه أيضاً قبل ذلك في كتبهم يردّونه حينئذ تارة بإحداث مخالف، وتارة بضعف الراوي، وتارة بالتّخصيص، وتارة بالتعميم، وتارة بالتأويل، كأنّهم مفوّضون في وضع الدّين، موكّلون في تشريع الشرائع لسيد المرسلين، ولم يسمعوا كلام ربّ العالمين حيث قال «قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ» (1)

، «إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَ الْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ» (2)

فما اقلّ حياءهم وأكثر اعتداءهم...! فايّ خير في سلفهم؟ وأيّ جميل يترقّب من خلفهم؟ لا يرحمهم اللَّه ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم.

وأمّا ما ذكره من «أنّه على فرض أنّه رواه بلفظه فيتعيّن تأويله على الآية خاصة؛ إلى آخره» ففيه أنّ دعوى تعيّن ذلك تحكّم بحت لا دليل عليه سوى حفظ حال أبي بكر وأخويه وكذا الكلام قوله صلى الله عليه و آله «أقضاكم على».


1- الذاريات: 10.
2- بقره: 159.

ص: 360

بيان أنّه لم يثبت ولاية أبي بكر فضلًا عن كونها مجمعاً عليها

وأمّا ما ذكره من الإجماع على حقية ولاية أبي بكر فقد مرّ مراراً الكلام فيه وإنّه لم يثبت أصلًا وبعد الإغماض عنه ليس كل إجماع قطعياً بل الأكثر من الإجماعات ظنّي فإثبات قطعية الإجماع على أبي بكر أصعب من خرط القتاد.

وأمّا ما ذكره من «أنّ مفاد الخبر الواحد ظنّي لا عبرة به فيها عند الشيعة في الإمامة كما مر» فهب أنّه كذلك لكن ما نحن فيه من خبر الغدير متواتر عند الشيعة وكثير من أهل السنة كما سبق بيانه.

بيان إنّ قول عمر «اصبحت مولاي الخ» يدلّ على ولاية علي عليه السلام

قال:

ثالثها، سلّمنا أنّه أولى لكن لا نسلّم إنّ المراد أنّه الأولى بالإمامة بل بالاتباع والقرب منه فهو كقوله تعالى «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ» (1)

ولا قاطع بل ولا ظاهر على نفي هذا الاحتمال بل هو الواقع إذ هو الّذي فهمه أبوبكر وعمر وناهيك بهما من الحديث فإنّهما لمّا سمعاه قالا له أمسيت يا ابن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة، أخرجه الدّار قطني وأخرج أيضاً إنّه قيل لعمر إنّك تصنع بعلي شيئاً لا تصنعه بأحد من أصحاب النّبي صلى الله عليه و آله فقال إنّه مولاي، انتهى.

أقول:

هذا المنع ساقط جداً لأنّ إرادة الأولى باتباع النّبي صلى الله عليه و آله والقرب منه في هذه الآية ممّا يأبى عنه تقييد الأولى فيها بالأنفس وذلك لأنّه لا معنى للأولوية من النّاس بنفس النّاس إلّاالأولوية في التّصرف فقياس ما نحن فيه على قوله تعالى «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ» (2)

قياس مع الفارق وهو باطل اتفاقاً.


1- آل عمران: 68.
2- آل عمران: 68.

ص: 361

وأمّاما ترقى عنه بقوله «بل هو الواقع إذ هو الّذي فهمه أبوبكر وعمر؛ إلى آخره» فهو بالإضراب، والإعراض عنه أولى، إذ الظّاهر إنّ هذا الفهم إنّما وقع من أوليائهما نيابة عنهما بعد خراب البصرة كما وقع إثباتهم لشجاعة أبي بكر بنيابة خالد ابن الوليد له كما ذكره هذا الشيخ الجامد سابقاً وإلّا فالمتواتر المشهور عند الجمهور المذكور في مسند أحمد بن حنبل مرفوعاً بسنده إلى البراء بن عازب إنّه قال عمر في ذلك اليوم تهنئة له عليه السلام على الولاية «بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة» ويؤيده ما نقل هذا الشيخ المبهوت بعيد ذلك من إخراج بعضهم أنّه قال عمر «إن علياً مولاي» فتدبر على أنّ فيما رواه عن أبي بكر وعمر من «أنّهما قالا له امسيت؛ إلى آخره» دليل على علوّ شأنه وسموّ مكانه بالنسبة إلى جميع المؤمنين والمؤمنات وهذا أيضاً دليل على إمامته إن لم يتشبّث الناصبي السمج المهزول، بجواز تفضيل المفضول، الّذى قد سبق أنّه من أسخف الفضول، الشاهد على قائله بأنّه عن الرأي لمعزول.

في الإشارة إلى بعض تمحلات العامّة في تأويل بعض ما ورد في علي عليه السلام

قال:

رابعها، سلّمنا أنّه أولى بالإمامة فالمراد المآل وإلّا كان هو الإمام مع وجوده صلى الله عليه و آله ولا تعرض فيه لوقت المآل فكان المراد حين يوجد عقد البيعة له فلا ينافى حينئذ تقديم الثلاثة عليه لانعقاد الإجماع حتّى من علي عليه كما مرّو للأخبار السابقة المصرّحة بإمامة أبي بكر وأيضاً فلا يلزم من أفضلية علي على معتقدهم بطلان تولية غيره لما مرّ من أنّ أهل السّنة أجمعوا على صحة إمامة المفضول مع وجود الفاضل بدليل إجماعهم على صحّة خلافة عثمان واختلافهم في أفضليته على علي وإن كان أكثرهم على أنّ عثمان أفضل منه كما يأتي وقد صحّ عن سفيان الثوري أنّه قال من زعم أنّ علياً كان أحقّ بالولاية من الشيخين فقد خطأهما والمهاجرين

ص: 362

والأنصار وما أراه يرفع له عمل مع هذا إلى السماء نقل ذلك النووي عنه كما مرّ انتهى.

أقول:

مآل هذا المقام يرجع إلى التيتال (1) إذ قد أثبتنا فيما ذكر سابقاً من آية التصدّق بالخاتم صحّة كون على عليه السلام إماماً مع وجود النّبى صلى الله عليه و آله فتذكر.

وأمّا ما ذكره من «إنّه حيث لم يقع التعرض لوقت المآل فكان المراد حين يوجد عقد البيعة له» فتحكّم ظاهر لأنّ المفهوم من المآل على تقدير كون مراد النّبى صلى الله عليه و آله ذلك كونه عليه السلام أولى بالتّصرف بعد النّبى صلى الله عليه و آله بلافصل وكفى هذا في بناء الشيعة كلامهم عليه ولا يخفى أنّ هذا التمحل منهم نظير ما تمحلوه في تأويل قوله صلى الله عليه و آله في شأن على عليه السلام «أنت الخليفة من بعدي» (2)

حيث قالوا لايدلّ على البعدية بلافصل فإنّ هذا أيضاً خروج عن الظاهر بلا ضرورة سوى التعصّب لأبي بكر كيف وقولهم فلان صار سلطاناً بعد فلان، وفلان بعد فلان لايفهم منه إلّاالبعدية من غير فصل فمن أين جاء العدول عن ذلك فيما نحن فيه.

وأمّا ما أتى به من تكرار دعوى انعقاد الإجماع على أبي بكر والإشارة إلى الأخبار الّتي زعم صراحتها في إمامة أبي بكر فقد مرّ بيان بطلانها بوجه لم يبق للنّاظر فيها مجال العناد.

وأمّا ما ذكره «من إجماع أهل السنة على صحة إمامة المفضول مع وجود الفاضل» ففيه ما مرّ مراراً من أنّ إجماع أهل السنة لا يصير حجة على الشيعة بل هو عندهم أوهن من بيت العنكبوت على أنّا قد بيّنّا سابقاً أنّ العقل والعرف حاكمان بقبح ذلك ومن أضحوكاتهم الاستدلال على صحة إجماعهم هذا بإجماعهم


1- كذا في الأصلين الّذين عندي ولم نهتد لفهم المراد منه. «تيتال بمعنى المكر، فريب ومكر و چاپلوسى، لغت نامه دهخدا».
2- شرح المقاصد في علم الكلام، تفتازاني، ج 2، ص 283

ص: 363

على صحة خلافة عثمان واني لهم إثبات صحة خلافة عثمان حتّى يجعل ذلك دليلًا على صحة إجماع آخر وأمّا ما كرّر نقله عن سفيان الثّورى فقد مرّ ما في الاستدلال به من المصادرة والبيان الدّوري وظهور فساد ذلك بأول النظر الفوري.

إنكار ابن حجر دلالة حديث «من كنت مولاه الخ» على ولاية على عليه السلام

قال:

خامسها، كيف يكون ذلك نصاً على إمامته ولم يحتجّ به هو ولا العباس رضي اللَّه عنهما ولا غيرهما وقت الحاجة إليه وإنّما احتجّ به علي في خلافته كما مرّ في الجواب عن الثامنة من الشبه فسكوته عن الاحتجاج به إلى أيام خلافته قاض على من عنده أدنى فهم وعقل بأنّه علم منه أنّه لا نص فيه على خلافته عقب وفاة النّبى صلى الله عليه و آله على أنّ علياً نفسه صرّح بأنّه صلى الله عليه و آله لم ينص عليه ولا على غيره كما سيأتي عنه وفي البخارى وغيره حديث خروج علي والعباس من عند النّبي صلى الله عليه و آله بطوله وهو صريح فيما ذكر من أنّه صلى الله عليه و آله لم ينص عند موته على أحد وكل عاقل يجزم بأنّ حديث «من كنت مولاه فعلي مولاه» ليس نصاً في إمامة علي وإلّا لم يحتجّ هو والعباس إلى مراجعته صلى الله عليه و آله المذكورة في حديث البخاري ولمّا قال العباس فإن كان هذا الأمر فينا علمناه مع قرب العهد جداً بيوم الغدير إذ بينهما نحو الشهرين وتجويز النسيان على سائر الصحابة السامعين بخبر يوم الغدير مع قرب العهد وهم من هم في الحفظ والذكاء والفطنة وعدم التفريط والغفلة فيما سمعوه منه صلى الله عليه و آله محال عادي يجزم العاقل بأدنى بديهة بأنّه لم يقع منهم نسيان ولا تفريط وبأنّهم حال بيعتهم لأبي بكر كانوا متذكرين لذلك الحديث عالمين به وبمعناه على أنّه صلى الله عليه و آله خطب بعد يوم الغدير وأعلن بحق أبي بكر للحديث الثالث بعد المائة الّتي في فضائله فانظره ثم وسيأتي فى الآية الرابعة في فضائل أهل البيت أحاديث إنّه صلى الله عليه و آله في مرض موته إنّما حثّ على

ص: 364

مودتهم ومحبتهم واتّباعهم وفي بعضها آخر ما تكلم به النّبي صلى الله عليه و آله «اخلفونى في اهل بيتي» فتلك وصيته بهم وشتان ما بينها وبين مقام الخلافة وزعم الشيعة والرافضة بأنّ الصحابة علموا هذا النّص ولم ينقادوا له عناد و مكابرة بالباطل كما مرّ، وقولهم «إنما تركها على تقية» كذب وافتراء أيضاً لما تلوناه عليك مبسوطاً فيما مرّ، ومنه أنّه كان في منعة من قومه من كثرتهم وشجاعتهم ولذا احتج أبوبكر رضى الله عنه على الأنصار لما قالوا «منّا أمير ومنكم أمير» بخبر «الأئمة من قريش» فكيف سلّموا له هذا الاستدلال؟ ولأيّ شى ء لم يقولوا له ورد النّص على إمامة علي؟ فكيف تحتج بمثل هذا العموم..! وقد أخرج البيهقي عن أبي حنيفة رضى الله عنه انّه قال أصل عقيدة الشيعة تضليل الصحابة رضوان اللَّه عليهم انتهى.

في نقل ابن حجر بعض الافترائات على الشيعة والرافضة

وانّما نبّه رحمه الله على الشيعة لأنّهم أقلّ فحشاً في عقائدهم من الرافضة وذلك لأنّ الرافضة يقولون بتكفير الصحابة لأنّهم عاندوا بترك النّص على علي بل زاد أبو كامل من رؤسهم فكفر علياً زاعماً أنّه أعان الكفار على كفرهم وأيّدهم على كتمان النصوص وعلى ستر ما لا يتمّ الدّين إلّابه أي لأنّه لم يروعنه قط إنّه احتج بالنص على إمامته بل تواتر عنه إنّ أفضل الأمة أبوبكر وعمر وقبل من عمر إدخاله إيّاه في الشورى وقد اتخذ الملحدون كلام هؤلاء السفلة الكذبة ذريعة لطعنهم في الدين والقرآن وقد تصدّى بعض الأئمة للرّد على الملحدين المحتجّين بكلام الرافضة ومن جملة ما قاله أولئك الملحدون:

وكيف يقول اللَّه تعالى «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ» (1)

وقد ارتدّوا بعد


1- آل عمران: 110.

ص: 365

وفاة نبيّهم إلّانحو ستة أنفس منهم لامتناعهم من تقديم أبي بكر على علي الموصى به فانظر إلى حجة هذا الملحد تجدها عين حجة الرافضة «قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ» (1)

؛ بل هم أشدّ ضرراً على الدّين من اليهود والنّصارى وسائر فرق الضلال كما صرّح به علي رضى الله عنه بقوله «تفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة شرها من ينتحل حبنا ويفارق امرنا» ووجهه ما اشتملوا عليه من افترائهم من قبائح البدع وغايات العناد والكذب حتى تسلّطت الملاحدة بسبب ذلك على الطعن في الدين وأئمة المسلمين بل قال القاضي ابوبكر الباقلاني إنّ فيما ذهبت إليه الرافضة مما ذكر إبطالًا للإسلام رأساً لأنّه إذا أمكن اجتماعهم على الكتم للنصوص امكن فيهم نقل الكذب و التواطؤ عليه لغرض فليمكن أنّ سائر ما نقلوه من الأحاديث زور ويمكن أنّ القرآن عورض بما هو أفصح منه كما تدّعيه اليهود والنصارى فكتمه الصحابة وكذا ما نقله سائر الأمم عن جميع الرسل يجوز الكذب فيه والزور والبهتان لأنّهم إذا ادّعوا ذلك في هذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس فادعاءهم إيّاه في باقي الأمم أحرى وأولى فتأمل هذه المفاسد التي ترتّبت على ما أصله هؤلاء وقد أخرج البيهقي عن الشافعي رضى الله عنه «ما من أهل الأهواء أشدّ بالزور من الرافضة وكان إذا ذكرهم عابهم أشد العيب»، انتهى.

ذكر سبب ترك علي عليه السلام الاحتجاج على أبي بكر في أوّل خلافته

أقول:

لا يخفى إنّه عليه السلام احتجّ بذلك في أثناء خلافة أبي بكر وخلافة عمر ويوم الشورى وإنّما لم يحتجّ به في أول خلافة أبي بكر لأنّه قد احتج به فاطمة عليها السلام فيه كما رواه الجزري في كتاب أسنى المطالب قال هكذا أخرجه الحافظ الكبير أبوموسى


1- توبه: 30.

ص: 366

المدني في كتابه المسلسل بالأسماء مسلسلًا من وجهين ولأنّه علم علماً ضرورياً اتفاقهم على إنكاره حسداً أو عناداً له عليه السلام فعدل إلى الاحتجاج بغيره مما كان إلزامياً لهم وقال أنا احتج عليكم بما جعلتموه أنتم حجة على الأنصار فأنصفوا إنّ من ذا الّذي هو أقرب إلى الرسول صلى الله عليه و آله؟

وأيضاً تعيين الطريق ليس من دأب المحصلين على أنّ ذكره عليه السلام للحجة الثانية الصريحة في الدلالة على المقصود بعد مضيّ زمان لا يقدح في كونها حجة قبل ذلك أيضاً وهو ظاهر غاية الأمر أن يكون سكوته عليه السلام في بعض المراتب للتقية والخوف على النفس تارة وللدين أخرى وما نقل عنه من التظلّم صريح فيما ذكرناه.

وأمّا ما ذكره من تصريح علي عليه السلام نفسه بعدم النص عليه فهو فرية بلامرية وكذا ما نقله عن البخاري فاستدلالهم بأمثال ذلك بعد تسليم دلالتها على مطلوبهم مصادرة ظاهرة كما مرّ مراراً.

في الإشاره إلى افتراق الناس يوم السقيفة وذكر بعض أسبابها

وأمّا ما ذكره من ان «تجويز النسيان على سائر الصحابة السامعين لخبر يوم الغدير غير جائز» فمدخول بأن ما جوّزه الشيعة هو التناسي لا النسيان فافهم، ثم إنّهم إنّما جوّزوا ذلك على جمع من الصّحابة الّذين تواطؤا على غصب الخلافة عن علي عليه السلام لا على الجميع كما زعمه وبالجملة قد افترق النّاس يوم السقيفة فمنهم من طلب الخلافة لنفسه أو قريبه، وهؤلاء يظهروا النّص لذلك، ومنهم من ترك ذكره خوفاً، ومنهم من تركه حسداً، ومنهم من تركه لعدم علمه، ولدخول الشبهة عليه، ومنهم من ذكره، وهم الأقلون كمقداد وسلمان وعمار وأبي ذر فلم يعتدّوا بهم.

وأمّا ما ذكره من «انّه صلى الله عليه و آله خطب بعد يوم الغدير وأعلن بحق أبي بكر» فبطلانه

ص: 367

ظاهر إذ لا يتم إلّابعد إثبات حق لأبي بكر ثم إثبات صحة النقل ودون إثباتهما خرط القتاد.

وأمّا ما ذكره من «أنّه سيأتي أحاديث تدلّ على أنّه صلى الله عليه و آله إنّما حثّ في مرض موته على مودّتهم ومحبتهم» ففيه أنّه لا ارتباط بما نحن فيه من حديث الغدير ولو أغمضنا عن ذلك فنقول إنّ حثّه صلى الله عليه و آله في مرضه على مودتهم لا ينفى حثّه فيه على خلافة علي عليه السلام كما دل عليه ما روي متفقاً «من أمره صلى الله عليه و آله بإحضار الدواة والبياض ليكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده».

وأمّا الحصر الّذي أتى به في ذلك بكلمة إنّما فما أحسن في مقابله قول بعض الظرفاء:

حصْرُكَ يا مَنْ حَوَتْ مَحاسِنه غَرائِباً مارَوَينَ فِي عَصْرِ

أضْعَفَ مِن حُجَّةِ النَواصِبِ فِي أنَّ إمامَ الهُدى أبوبَكرِ،

ولو سلّم أنه صلى الله عليه و آله نص في ذلك الوقت على ذلك فقط فهو لا ينفى نصه على ما يدل على امامة على عليه السلام قبله كيوم الغدير.

وأما ما نسبه إلى الشيعة من العناد والمكابرة في اعتقادهم كتمان طائفة من الصحابة النّص على علي عليه السلام ففيه أنّه لا مكابرة ولا استبعاد في ذلك فإنّه قد ثبت مخالفة بعض القوم لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله في حال حياته كما نقلوه في صحاحهم من حديث ابن عباس رضي اللَّه عنه و «قوله إنّ الرزية كل الرزية ما حال بين رسول اللَّه وبين أن يكتب الكتاب» (1)

ولنعم ما قال الشاعر:

تَاللَّهِ ما جَهِلَ الأقْوامُ مَوْضِعَها لكِنَّهُمْ سَتَروُا وَجْهُ الَّذِي عَلِمُوا

وأمّا ما نقله عن أبي حنيفة «من أنّ أصل عقيدة الشيعة تضليل الصحابة» فإن أراد به تضليل الصحابة الّذين خالفوا علياً وغصبوا الخلافة منه بلا محاربة معه كالمشايخ الثلاثة ومن تبعهم في ذلك فهو صحيح لكن لا يستدعى ذلك أن يكون القول بالتكفير بالنسبة إلى غيرهم من الصحابة زائداً حادثاً لا أصل له كما يشعر به عبارته، وإن أراد به الاعم ممن ظهر منه مجرد المخالفة وممن حاربه كطلحة والزبير ومعاوية وأتباعهم فغير صحيح لأنّ الشيعة عن آخرهم قائلون بأنّ مخالفي علي عليه السلام فسقة ومحاربيه كفرة كما قاله المحقق الطوسي طيّب اللَّه مشهده في كتاب التجريد فالفرق بين الشيعة والرافضة في ذلك كماترى لأنّ الكلّ أتباع لأميرالمؤمنين عليه السلام وتاركون للاعتقاد الباطل وإيهام الناصبة من لقب الرفض إنّهم تركوا اعتقاد الحق تعنت وعداوة منهم للشيعة فلا يلتفت إليه كما مرّ، نعم القول بتكفير جميع الصحابة باطل اتفاقاً ولم يوجد من الشيعة من يعتقد ذلك إلى الآن كما لا يخفى.

في تبرئة الكامليّة من نسبة الكفر إلى علي عليه السلام

وأمّا ما ذكره من أنّ أبا كامل من الشيعة كفر علياً أيضاً فهو شي ء قد سبقه إليه صاحب المواقف وتفرد له عند تعداده لفرق الشيعة حيث قال «وأبو كامل يكفر الصحابة بترك بيعة علي ويكفر علياً بترك طلب الحق» انتهى كلامه.

ولا يخفى أنّ هذه فرية على الكاملية من الشيعة لأنّ نسبة تكفير علي عليه السلام إليهم كما هو مخالف لمفهوم تلقبهم بالشيعة مخالف أيضاً لكلام من تقدمه من الأئمة المعتبرين المعتنين بتحقيق هذا الشأن كمحمد بن عبدالكريم الشهرستاني صاحب كتاب الملل والنّحل فإنّه مع تقدمه في هذا الفن لم ينسب القول بتكفير علي عليه السلام إلى الكاملية بل قال إنّهم طعنوا عليه بتركه لطلب حقه وشتان بين مفهوم الطعن


1- صحيح مسلم، ج 5، ص 76

ص: 368

ص: 369

ومفهوم التكفير ولهذا قد يقع كثيراً الاعتراض والعتاب من الخادم بالنسبة إلى مخدومه بل من المحب إلى محبوبه كما روي أنّه لمّا سلّم الحسن بن علي عليه السلام الخلافة إلى معاوية جاء إليه قيس بن سعد بن عبادة من خلّص شيعته وأخصّ أصحابه وخاطبه وعاتبه بقوله يا مذلّ المؤمنين فأخذ عليه السلام بيده ملاطفة وقرّره عنده حتّى سكن وجعه، الحاصل من ذلك لشدة المحبة ونهاية الغبطة في شأن إمامه ومولاه وأمثال ذلك.

في الجواب عن بعض افترائات ابن حجر

وأمّا ما ذكره «من زعم أبي كامل إنّ علياً عليه السلام أيّدهم على كتمان النّصوص وعلى ستر ما لا يتم الدين إلّابه» فهو من كامل افترائه عليه لمخالفته مع ما نقلناه سابقاً عن إمامة صاحب المواقف من أنّه كفر علياً بترك طلب الحق ولعل مراد أبي كامل بترك طلب الحق ترك طلبه بالسيف لا بإظهار الحجة كيف وقد أجمع الشيعة قاطبة على صدور احتجاج علي عليه السلام على القوم مراراً كما مرّ مراراً، وهذا كما يطعن الزيدية على إمامة من بعد الحسين من الأئمة الإثنى عشر عليهم السلام بعدم خروجهم بالسيف، ثم لا يخفى ما في تفسير قوله الّذي نسبه إلى أبي كامل بقوله ثانياً أي لأنّه لم يرو عنه قط إنّه احتجّ بالنّص إلى آخره من التمحل الواهي الّذي يضحك منه الغبي والداهي.

وأمّا ما ذكره من أنّه قد اتخذ الملحدون كلام الشيعة ذريعة لطعنهم في الدين والقرآن ففيه أنّه لا اختصاص لكلام الشيعة بذلك فقد اتخذ الملاحدة كثيراً من القرآن والحديث ذريعة إلى ذلك كما نقلها المفسرون مع إبطالها وقد قال تعالى في شأن القرآن «يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً» (1)

فلا لوم على الشيعة إن ضلّ


1- بقره: 26.

ص: 370

بعض الملاحدة بكلامهم من غير فهم معناه والذهول عن مقتضاه.

وأمّا ما نسبه إلى الشيعة «من القول بارتداد جميع الصحابة بعد وفاة نبيهم إلّا ستّة أنفس» فعلى تقدير صحة نسبته إليهم لا يخالف مدلول ما ذكره من قوله تعالى «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ» (1)

لأنّ الخيرية الماضية المدلول عليها بقوله «كنتم» لا تنافى الارتداد اللاحق الّذي يدلّ عليه حديث الحوض المذكور في جامعي البخاري ومسلم والشيعة إنّما ينسبون الارتداد إلى الصحابة الّذين نكثوا عهد النّبى عليه السلام وآله باتفاقهم على غصب الخلافة ومخالفة أميرالمؤمنين عليه السلام بعد النّبي صلى الله عليه و آله ومع هذا يقولون برجوع أكثر المخالفين منهم إلى علي عليه السلام بعد ارتفاع الشبهة وإيضاح المحجة ولهذا تراهم يذكرون في كتب رجال أحاديثهم من الصحابة الّذين رجعوا إلى علي عليه السلام ما يزيد على ثلاثمائة أنفس وكيف يستبعد وقوع ذلك مع ما نطق به القرآن الكريم وتواتر بتفاصيله الأحاديث والأخبار من ارتداد سبعين ألف نفر من بني إسرائيل من أمة موسى عليه السلام في حال حياته وغيبته عنهم إلى الطور مع وجود وصيه هرون النّبي عليه السلام فيهم وقد ورد في الحديث المتفق عليه أنّه قال نبينا صلى الله عليه و آله «سيقع في أمّتي ما وقع في أمة موسى حذو النعل بالنعل والقذة بالقذه حتى لو دخلوا جحرضب لدخلتموه» وقد سبق منافي أوائل هذا التعليق ما يتعلق بذلك فتذكر.

جواب شيخنا المفيد عن اعتراض القاضى الباقلاني

وأمّا ما نقله عن القاضي الباقلاني من «أنّه إذا أمكن اجتماعهم على الكتم للنصوص أمكن منهم نقل الكذب والتواطؤ لغرض فليمكن أنّ سائر ما نقلوه من


1- آل عمران: 110.

ص: 371

الأحاديث زور ويمكن أنّ القرآن عورض بما هو أفصح منه كما تدّعيه اليهود فكتمه الصحابة؛ إلى آخره».

فلا يخفى إن هذه الشبهة مما ذكره القاضي الباقلاني بين يدي شيخنا الأجل المفيد قدس سره وأجاب عنه قدس سره بما حاصله إنّه لا يلزم من تجويز نقل بعض الكذب وتواطؤهم عليه لغرض تجويز تواطئهم على الكذب في سائر ما نقلوه للعلم القطعي لنا ولكل من تتبع الأحاديث والأخبار بكذب هذه الكلية دون تلك الجزئية ولو كان نسبة الكذب إلى الكل حقاً لما كان العلم ببطلانه شاملًا لجميع الأمة ولو فرض أنّه لم يكن لأحد من العقلاء السامعين للأخبار علم ببطلان ذلك لاحتجنا في بيان فساد ذلك إلى إيراد دليل على حدّة لكن لمّا كان ذلك الغرض ملحقاً بالمحال أغنانا الاستدلال بغيره وكذا الكلام في احتمال معارضة القرآن بما هو أفصح منه وادعاء اليهود بجواز ذلك تعنت منهم كما لا يخفى.

وايضاً لِمَ لا يلتزمون في تجويز إخفاء الصحابة للنص على علي عليه السلام وكتمانهم إيّاه ما التزموه في مواضع أخرى مثل النص على رجم الزاني وموضع قطع السارق ووصفه الطهاره والصلاة وحدودها والصوم والزكاة والحج وغيرها من الأحكام الّتي وقع الاختلاف فيها مع أنّ تحقيق الحقّ والعلم به لا يحصل إلّابضرب من الاستدلال بل قد وقع النزاع من المعتزلة وغيرهم من أهل الملل والملاحدة في انشقاق القمر مع أنّ القاضي قائل بأنّه كان في حياة النّبي صلى الله عليه و آله مشهوراً وعلى السنة أهل عصره مذكوراً ولا يمكن أن يدعى في ذلك على المخالف العلم الاضطراري بل الاعتماد في بيان غلطهم إنّما هو على نوع الاستدلال وتفصيل ما جرى من هذه المناظرة بين شيخنا قدس سره والقاضي المذكور مسطور في ترجمته قدس سره من كتابنا الموسوم بمجالس المؤمنين ثم لا يخفى إنّ كلامه في هذا المقام مضطرب جداً فتارة ذكر عناداً ما يدل على أنّ الشيعة هم الرفضة وتارة أنّ الشيعة غير الرفضة وأنّ الرفضة هم

ص: 372

الغلاة وتارة أنّ الرفضة هم الخوارج ولا يلزمنا دفع ما أورده قاضيهم على الخوارج أو الغلاة فإنّ كلا منهما عندنا ملحق بالكفار، فتدبر.

إنكار ابن حجر وجود النصّ الجليّ على إمامة علي عليه السلام

قال:

سادسها ما المانع من قوله صلى الله عليه و آله في خطبته السابقة يوم الغدير «هذا الخليفة بعدي» فعدوله إلى ما سبق من قوله «من كنت مولاه إلى آخره» ظاهر في عدم إرادة ذلك بل ورد بسند رواته مقبولون كما قاله الذّهبي وله طرق عن علي رضى الله عنه قال: «قيل له يا رسول اللَّه من يؤم بعدك فقال أن تؤمّروا أبابكر تجدوه أميناً زاهداً في الدّنيا راغباً في الآخرة وأن تؤمروا عمر تجدوه قوياً أميناً لا يخاف في اللَّه لومة لائم وأن تؤمروا علياً ولا أراكم فاعلين تجدوه هادياً مهدياً يأخذ بكم الطريق المستقيم».

ورواه البزار بسند رجاله ثقات أيضاً كما قال البيهقي فهو يدل على أنّ أمر الإمامة موكول إلى من يؤمره المسلمون بالبيعة وعلى عدم النص بها لعلي وقد أخرج جمع كالبزار بسند حسن والإمام أحمد وغيرهما بسند قوي كما قاله الذّهبي عن علي رضى الله عنه: «أنّهم لمّا قالوا استخلف علينا قال لا ولكن أترككم كما ترككم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله» وإخراج البزار أيضاً ورجاله رجال الصحيح «ما استخلف رسول اللَّه فاستخلف عليكم» وأخرجه الدار قطني أيضاً وفي بعض طرقه زيادة «دخلنا على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فقلنا يا رسول اللَّه استخلف علينا قال لا أن يعلم اللَّه فيكم خيراً يولّ عليكم خيركم؛ قال علي كرم اللَّه وجهه فعلم اللَّه فينا خيراً فولّى علينا أبابكر» فقد ثبت بذلك أنّه صرّح بأنّ النّبي صلى الله عليه و آله لم يستخلف، وأخرج الدّار قطني عن أبي حنيفة إنّه: «لمّا قدم المدينة سأل أباجعفر الباقر عن أبي بكر وعمر فترحم عليهما فقال له أبوحنيفة إنّهم يقولون عندنا بالعراق إنّك تتبرّأ منهما فقال معاذ اللَّه كذبوا

ص: 373

ورب الكعبة ثم ذكر لأبي حنيفة تزويج علي بنته أم كلثوم بنت فاطمة من عمر وإنه لو لم يكن لها أهلًا ما زوّجه إيّاها فقال له أبوحنيفة لو كتبت إليهم فقال لا يطيعونى بالكتب» وتزويجه إيّاها يقطع ببطلان ما زعمه الرافضة وإلّا لكان قد تعاطى تزويج بنته من كافر على زعمهم الفاسد.

جواب عن إنكار ابن حجر وجود النصّ على إمامة علي عليه السلام

أقول:

ما ذكره أولًا من «انّه ما المانع للنّبي صلى الله عليه و آله في خطبته السابقة من التصريح بقوله هذا الخليفة بعدي» مردود بجريان مثله في حق الباري سبحانه فلينازع مع اللَّه تعالى في أنّه لِمَ فعل ما يوجب حيرة المؤمنين وقال على سبيل الإطلاق والإجمال «أَقِيمُوا الصَّلَاةَ» (1)

من غير تصريح بعدد الفريضة وعدد السنة ولا بتعيين الوقت ولم ينزل آية لبيان عدد ركعاتها وكيفية أدائها في السفر والحضر بل قال مبهماً أقيموا الصلوة ليتحير أمة محمد صلى الله عليه و آله ثم قال: بذلك الأسلوب «وَآتُوا الزَّكَاةَ» (2)

من غير تعيين النصاب فأوقع الاختلاف بين الفقهاء وأحوجه في استنباط فروعها إلى الرأى والاجتهاد فأدّى ذلك إلى تحقق ثلاث وسبعين فرقة وقولا في أمة محمد صلى الله عليه و آله وكذا الكلام في باقي أركان الشريعة فإذا جاز مثل هذا الإجمال والإبهام فيما ذكر لئلا يكون بعثة محمد صلى الله عليه و آله عبثاً ويحصل بعده الفرق بين الجاهل والعالم فلو عدل النّبي صلى الله عليه و آله أو الباري سبحانه في تعيين الإمام عن التصريح بالخلافة والإمامة إلى التصريح بما يراد فهما من أولوية التصرف كان جائزاً بطريق أولى لأنّ مسئلة الإمامة عندنا عقلية لما ارتكز في عقل العقلاء من أنّه يجب بعد النّبي الخاتم صلى الله عليه و آله وجود إمام لا يجوز عليه الخطاء للأدلة الّتي كشف كتاب التجريد عنها الغطاء فتدبر.


1- بقره: 43.
2- بقره: 43.

ص: 374

في إخبار النبي صلى الله عليه و آله عن كون أهل بيته مشرّدين ومقتولين بعده صلى الله عليه و آله

وأمّا ما نقله عن الذّهبي الناصبي- ذهب اللَّه بنوره- فأوّل ما فيه أنّه لم يرض بمجرد الكذب حتّى رفعه إلى علي عليه السلام على أنّ في المنقول من قوله «وأن تؤمروا علياً ولا أراكم فاعلين» دلالة صريحة على علمه صلى الله عليه و آله بأنّ القوم ينحرفون بعد وفاته عن علي عليه السلام ولا يرضون بإمامته ويؤيّد ذلك ما رواه ابن المغازلي الشافعي في كتاب المناقب بإسناده قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لعلي بن أبي طالب عليه السلام: إن الأمّة سيغدر بك».

وما رواه موسى بن مردويه الحافظ من الجمهور بإسناده إلى ابن عباس قال «خرجت أنا والنّبي صلى الله عليه و آله فرأينا حديقة فقال علي: ما أحسن هذه يا رسول اللَّه...! فقال حديقتك في الجنة أحسن منها ثم مررنا بحديقة فقال: علي عليه السلام ما أحسن هذه يا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال: حتّى مررنا بسبع حدايق فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام حدائقك في الجنة أحسن منها ثم ضرب على رأسه ولحيته وبكى حتى علا بكاؤه فقال علي عليه السلام: ما يبكيك يا رسول اللَّه؟ قال ضغائن في صدور قوم لا يبدونها لك حتى يفقدونى».

وما رواه هذا الشيخ الجامد في الباب الثاني فيما جاء عن أكابر أهل البيت في الثناء على الشيخين مما يدل على أنّ بني تميم وبني عدي كانا أعداء بني هاشم في الجاهلية وما ذكر في أول الخاتمة الّتي عقدها لبيان ما أخبر به صلى الله عليه و آله مما حصل على آله من البلاء والقتل من قوله صلى الله عليه و آله «إنّ اهل بيتي سيلقون بعدي من أمّتى قتلًا وتشريداً وإنّ أشدّ قوم لنا بغضاً بنوأمية وبنو المغيرة وبنو مخزوم» (1)

وفي رواية إنّ أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتشريداً وتطريداً (2).


1- الغدير، ج 8، ص 250؛ مستدرك الحاكم، ج 4، ص 487
2- سنن ابن ماجه، ج 2، ص 1366

ص: 375

وما ذكره في أواخر ذكر فضائل أهل البيت عليهم السلام من أنّه صحّ عن العباس شكايته إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ما يلقون من قريش من تعبيسهم وجوههم وقطعهم حديثهم عند لقائهم فغضب صلى الله عليه و آله غضباً شديداً حتى أحمرّ وجهه ودرّ عرق بين عينيه إلى آخره (1) وغير ذلك من الأخبار والاثار.

وقد روى خواجه ملا الإصفهاني الشافعى إنّه لم يكن بطن من بطون قريش إلّا وكان لهم على أميرالمؤمنين عليه السلام دعوى دم إراقه في سبيل اللَّه والضغائن كان في صدورهم، انتهى.

وأمّا ما رواه عن البزار والدار قطني والذهبي من الروايات الدالة على عدم استخلاف النّبي صلى الله عليه و آله لأحد فهي موضوعات لا يثبت إلّاأعمال المصادرة والاحتيال بالحيل الفاجرة.

أنّ الباقر عليه السلام ما كان يأذن لأبي حنيفة أن يدخل مجلسه الشريف

وأمّا ما نقله عن الدار قطني عن أبي حنيفة فهو إجمال ما فصّله الدميري الشافعي في كتاب حياة الحيوان وغيره في غيره وقد ذكر الدميري ما يدل على أنّ مولانا الباقر عليه السلام كان يمتنع عن ملاقات أبي حنيفة معه ولم يكن يأذنه للدخول في مجلسه الشريف حتى احتال أبوحنيفة ذات يوم وأدخل نفسه بين جماعة من شيعة الكوفة المأذونين عنه عليه السلام فدخل معهم على الإمام عليه السلام وسأله بما سأله وأجاب عنه عليه السلام بما ذكر ههنا من قوله لا يطيعوني بالكتب فقال أبوحنيفة: كيف يسعهم مخالفتك وأنت ابن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله؟ فقال له: كيف تتعجب عن مخالفتهم لي في ذلك مع كونهم غائبين عني مسيرة شهرين وأنت قد خالفت أمري بمحضري وتلقاء وجهي


1- ينابيع المودّة، ج 1، ص 135 ط بيروت.

ص: 376

حيث دخلت بيتي بغير إذني، وجلست على فراشي بغير إذني، وابتدأت بالسوآل بغير إذني، ثم خرج خائباً خاسراً.

ذكر سبب تزويج علي عليه السلام بنته أمّ كلثوم لعمر

وأمّا ما ذكره من «أنّه عليه السلام ذكر لأبي حنيفة تزويج علي عليه السلام بنته، إلى آخره» فرواية الدميري خالية عنه مع أنّ ذلك إنّما وقع تقية كما تدل عليه زائداً على ما روي من طريقنا ما روى صاحب الاستيعاب من علماء الجمهور عند ذكر أم كلثوم «إنّ عمر بن الخطاب خطب إلى علي عليه السلام ابنته أم كلثوم فذكر له صغرها فقيل له ردّك فعاوده فقال: علي عليه السلام أبعث بها إليك فإن رضيت فهي امرأتك فأرسل بها فكشف عن إلية ساقها فقالت: لولا إنك أميرالمؤمنين للطمت عينك» انتهى.

وما روى هذا الشيخ الناسي فيما سيجي ء من كتابه هذا من أنّ علياً عليه السلام لمّا أبى عن إنكاح ابنته لعمر واستعذر بصغرها لم يكن يقبل منه ذلك العذر حتى ألجأه إلى أن يريها إياه فأرسلها إليه فلمّا رآها عمر أخذ بها وضمّها إليه وقبلها ثم اعتذر عن جانب عمر فيما فعله من الضم والتقبيل قبل وقوع العقد والتحليل بانّها لصغرها لم تبلغ حدّاً تشتهي حتّى يحرم ذلك ولو لا صغرها لما بعث بها أبوها انتهى.

وإنّى لأقسم باللَّه على أنّ ألف ضربة على جسده عليه السلام وإصغافه على جسد أولاده أهون عليه من أن يرسل ابنتها الكريمة إلى رجل أجنبي قبل عقدها إيّاه ليريها فيأخذها ذلك الرجل ويضمّها إليه ويقبلها ويكشف عن ساقها وهل يرضى بذلك من له أدنى غيرة من آحاد المسلمين لولا علمه بأنّ الامتناع عن ذلك يؤدى إلى الوقوع فيما هو أعظم ضرراً من هذا ومن هلاك نفسه وأولاده أيضاً وهو خوف ثَوَران الفتنة بين المسلمين وارتداد الخلق وإفناء الدّين فسلّم عليه السلام وصبر واحتسب كما أمره رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فأنزل ابنته في ذلك منزلة آسية امرأة فرعون إذ اللَّه يصف

ص: 377

قولها «رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» (1)

.

ولعمري إنّ الّذي كان قد ارتكبه فرعون في بني إسرائيل من قتل أولادهم واستباحة حريمهم في طلب موسى وما ادعاه لنفسه من الربوبية أعظم من تغلبه على آسية امرأته وتزويجه وهي امرأة مؤمنة من أهل الجنة بشهادة اللَّه تعالى بذلك وكذلك سبيل الرّجل مع أمّ كلثوم كسبيل فرعون مع آسية لأنّ الّذي ادعاه لنفسه ولصاحبه من الإمامة ظلماً وتعدّياً وخلافاً على اللَّه ورسوله بدفع الإمام الّذى ندّبه اللَّه ورسوله لها واستيلائه على أمور المسلمين فالحكم في أموالهم وفروجهم ودمائهم بخلاف أحكام اللَّه وأحكام رسوله أعظم عند اللَّه من اغتصابه لألف فرج من نساء مؤمنات دون فرج واحد كيف ومن البيّن أنّ اغتصاب الفرج المذكور والخبر فيه بعض من فروع غصبهم لمنصب الإمامة وبيعتهم لأبي بكر فلتة لظهور إنّهم لو تركوا الإمامة لعلي عليه السلام وصار مستقلًا فيها لم يجترأوا على تكليفه بإنكاح ابنته إيّاهم ولم يقدروا على غصب فدك وغيرهما من المفاسد المشهورة كبغي الناكثين والقاسطين وخروج المارقين وسمّ الحسن وقتل الحسين عليهما السلام كما أشار إليه دعبل بن علي الخزاعي في قصيدته التائية المشهورة حيث قال:

وما سهلت تلك المذاهب فيهم على الناس إلّابيعة الفلتات

فكيف لا يكون غصب الإمامة مع كونه مفوّتاً لنظام الكلّ أعظم من فوات واحد من المصالح الجزئية وبالجملة عناية الأنبياء والأوصياء بمصالح الدين فوق اهتمامهم بمصالح النفس كما صرّح به الفاضل النيشابوري الشافعي عند تفسير قوله


1- تحريم: 11.

ص: 378

تعالى في سورة يونس على نبينا وآله وعليه السلام «رَبَّنَا لَاتَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنْ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ» (1)

حيث قال «لمّا قدّموا التضرّع إلى اللَّه في أن يصون دينهم عن الفساد اتبعوه سؤال عصمة أنفسهم فقالوا: نجنا الاية، وفي ذلك دليل على أنّ عنايتهم بمصالح الدين فوق اهتمامهم بمصالح أنفسهم، وهكذا يجب أن يكون عقيدة كل مسلم موفق انتهى».

في بيان السيّد مرتضى رحمه الله سبب تزويج علي عليه السلام بنته من عمر

وامّا ما ذكره آخراً من «لزوم تعاطى تزويج بنته من كافر» فمردود بأنّه إن أراد لزوم تزويجها ممن هو كافر في الظاهر فبطلان اللازم ممنوع والسند ما سيأتي، وإن أراد من الكافر الحقيقي فهو مسلم وليس بناء الحكم الشرعي عليه ولنذكر لتوضيح ذلك ما أفاده السيد المرتضى رضى الله عنه في كتاب تنزيه الأنبياء حيث قال: «فأمّا إنكاحه عليه السلام فقد ذكرنا في كتاب الشافي الجواب عن هذا الباب مشروحاً وبيّنا أنّه عليه السلام ما أجاب عمر إلى إنكاح بنته إلّابعد توعّد وتهدّد ومراجعة ومنازعة وكلام طويل مأثور أشفق معه من سوء الحال وظهور ما لا يزال يخفيه منها وان العباس رضي اللَّه عنه لما رأى إنّ الأمر يفضى الى الوحشة ووقوع الفتنة سأله عليه السلام ردّ أمرها عليه ففعل وزوّجها منه وما يجري على هذا الوجه معلوم أنّه على غير اختيار ولا إيثار وبيّنا في الكتاب الّذى ذكرناه إنّه لا يمتنع أن يبيح الشرع أن يناكح بالإكراه ممن لا يجوز مناكحته مع الاختيار ولاسيما إذا كان المنكح مظهراً للإسلام والتمسك بسائر الشريعة وبينا أنّ العقل لا يمتنع من مناكحة أنواع الكفار على سائر كفرهم وإنّما المرجع فيما يحلّ من ذلك أو يحرّم إلى الشريعة وفعل أميرالمؤمنين عليه السلام أقوى حجة من


1- يونس: 85، 86.

ص: 379

أحكام الشرع وبيّنا الجواب عن إلزامهم لنا بأنّه لو أكره على نكاح اليهود والنصارى لكان يجوز ذلك وفرقنا بين الأمرين بأن قلنا إن كان السؤال عما في العقل فلا فرق بين الأمرين وإن كان عما في الشرع فالإجماع يحظر أن ينكح اليهودي على كل حال وما أجمعوا على حظر نكاح من ظاهره الإسلام وهو على نوع من القبح يكفر به إذا اضطررنا إلى ذلك وأكرهنا عليه فإذا قالوا فما الفرق بين كفر اليهود وكفر من ذكرتم قلنا لهم أيّ فرق بين كفر اليهودية في جواز نكاحها عندكم وكفر الوثنية انتهى، وهو كاف شاف إن شاء اللَّه وههنا تفاصيل مذكورة في كتابنا الموسوم بمصائب النواصب فليرجع إليه من أراد واللَّه الموفق للسداد.

إنكار ابن حجر عصمة الإمام عليه السلام

قال:

سابعها قولهم: هذا الدعاء وهو قوله صلى الله عليه و آله «اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه» لا يكون إلّالإمام معصوم دعوى لا دليل عليها إذ يجوز الدعاء بذلك لأدنى المؤمنين فضلًا عن اخصائهم شرعاً وعقلًا فلا يستلزم كونه إماماً معصوماً وأخرج أبوذر الهروي إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال «عمر معي وأنا مع عمر، والحق بعدى مع عمر حيث كان» ولا قيل بدلالته على إمامة عمر عقب وفاة النّبي صلى الله عليه و آله ولا على عصمته ثم إن أرادوا بالعصمة ما ثبت للأنبياء قطعاً فباطل أو الحفظ فهذا يجوز لدون علي من المؤمنين ودعواهم وجوب عصمة الإمام مبني على تحكيمهم العقل وهو وما بنى عليه باطل لأمور بيّنها القاضي أبوبكر الباقلاني في كتابه في الإمامة أتمّ بيان وأوفى تحرير.

جواب عن إنكار ابن حجر عصمة الإمام

أقول:

لا يخفى على من له أدنى معرفة بأساليب الكلام ومقتضيات الحال

ص: 380

والمقام إنّ هذا الدعاء لا يليق إلّابمن كان له أولياء ويحتاج إلى النصرة ويحذر من الخذل ولا يكون ذلك إلّاسلطان أو إمام، نعم لا يستلزم ذلك الدعاء كون الإمام معصوماً لكنّ التقييد بالمعصوم ههنا إنّما هو من إضافات هذا الشيخ المخطي ولا يستدعى دعوى إختصاص الدعاء المذكور بالإمام اتصافه بالعصمة وإن كان الإمام عند الشيعة يجب أن يكون متصفاً بالعصمة في الواقع فافهم.

وأمّا ما أخرجه أبوذر الهروي الخارجي فاللائح عليه وضعه في مقابل ما روى في شأن علي عليه السلام في الحديث المتفق عليه المشهور وهو «علي مع الحق والحق مع علي (1)، يدور الحق معه كيفما دار» (2)

فلظهور وضعه لم يلتفتوا إلى دلالته على إمامة عمر. وأمّا ما ذكره من «الترديد في عصمة الإمام» فمردود بأنّا قد بيّنا سابقاً إنّ الإمامة نيابة عن النّبي في أمور الدين والدنيا فيعتبر فيها ما اعتبر في النبوّة بل الإمام أحوج إلى ذلك لأنّ النّبي مؤيّد بالوحي بخلاف الإمام، وقد ذكرنا هناك من الحجج العقلية والنقلية ما يفيد القطع فما زعمه هذا الباطل من البطلان باطل قطعاً، وكذا ما زعمه من بناء دعوى وجوب عصمة الإمام على تحكيم العقل فإنّ ما قدّمناه من الأدلة براهين عقلية قطعية لا ابتناء لشي ء منها على تحكيم العقل في الحسن والقبح على أنّ تحكيم العقل فيهما مع موافقة جمهور المعتزلة والما تريدية الحنفية فيه قد أقيمت عليه براهين عقلية لا يمكن لمن تفرّد بالخلاف فيه من الأشاعرة الفاجرة القدح فيها ولو عضّوا بالحجر، وقد فصّلنا الكلام في ذلك في شرحنا لكتاب كشف الحق فليرجع إليه من أراد الحق واللَّه يحق الحق ويبطل الباطل ببينات آياته.

قال:

ثامنها إنّهم اشترطوا في الإمام أن يكون أفضل الأمة وقد ثبت


1- الغدير، ج 3، ص 177
2- أعيان الشيعة، ج 3، ص 381

ص: 381

بشهادة على الواجب العصمة عندهم إنّ أفضلها أبوبكر ثم عمر رضي اللَّه عنهما فوجبت صحة إمامتهما كما انعقد عليه الإجماع السابق انتهى.

أقول:

قد قدّمنا سابقاً بيان بطلان ما ذكره ههنا من انعقاد الإجماع السابق ووقوع الشهادة اللاحق ولنحمد اللَّه تعالى على سلامتنا من عظيم ما ابتلوا به من المجاهرة بالباطل، ومعارضة الحق بالكلام الغث العاطل.

إنكار ابن حجر دلالة حديث المنزلة على إمامة علي عليه السلام

قال: الشبهة الثانية عشرة

زعموا إنّ من النص التفصيلى على إمامة علي قوله صلى الله عليه و آله له لمّا خرج إلى تبوك واستخلفه على المدينة «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّاأنّه لا نبيّ بعدي» (1)

قالوا ففيه دليل على أنّ جميع المنازل الثابتة لهارون من موسى سوى النبوة ثابتة لعلي من النّبي صلى الله عليه و آله وإلّا لما صحّ الإستثناء، وممّا ثبت لهارون من موسى استحقاقه الخلافة عنه لو عاش بعده إذ كان خليفته في حياته فلو لم يخلفه بعد مماته لو عاش بعده لكان لنقص فيه وهو غير جائز على الأنبياء.

وأيضاً فمن جملة منازله منه أنّه كان شريكاً له في الرسالة ومن لازم ذلك وجوب الطاعة لو بقي بعده فوجب ثبوت ذلك لعلي إلّاأنّ الشركة في الرسالة ممتنعة في حق علي فوجب أن يبقى مفترض الطاعة على الأمة بعد النبي صلى الله عليه و آله عملًا بالدليل بأقصى ما يمكن، وجوابها أنّ الحديث إن كان غير صحيح كما يقوله الآمدي فظاهر وان كان صحيحاً كما يقوله أئمة الحديث والمعول في ذلك ليس إلّاعليهم كيف وهو في الصحيحين فهو من قبيل الآحاد وهم لا يرونه حجة في الإمامة وعلى التنزل فلا عموم له في المنازل بل المراد ما دل عليه ظاهر الحديث إنّ علياً خليفة عن النبي صلى الله عليه و آله


1- صحيح مسلم، ج 7، ص 120

ص: 382

مدةغيبته بتبوك، كماكان هارون خليفة عن موسى في قومه مدةغيبته عنهم للمناجاة وقوله «اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي» (1)

لا عموم له حتّى يقتضي الخلافة عنه في كل زمن حياته وزمن موته بل المتبادر منه ما مرّ أنّه خليفة مدّة غيبته فقط وحينئذ فعدم شموله لمابعدوفاة موسى عليه السلام إنّما هولقصور اللفظ عنه لالعزله كمالوصرّح باستخلافه في زمن معين ولو سلّمنا تناوله لما بعد الموت وإنّ عدم بقاء خلافته بعده عزل له لم يستلزم نقصاً يلحقه بل إنّما يستلزم كمالًا له أي كمال لانّه يصير بعده مستقلًا بالرسالة والتصرف من اللَّه تعالى وذلك أعلى من كونه خليفة وشريكاً في الرسالة.

سلّمنا أنّ الحديث يعم المنازل كلّها لكنه عام مخصوص إذ من منازل هارون كونه أخاً نبياً والعام المخصوص غير حجة في الباقي أو حجة ضعيفة على الخلاف فيه ثم نفاذ أمر هارون بعد وفاة موسى عليه السلام لو فرض إنّما هو للنبوة لا للخلافة عنه وقد نفيت النبوة هنا لاستحالة كون علي نبياً فيلزم نفي مسببه الّذي هو افتراض الطاعة ونفاذ الأمر فعلم مما تقرر إنّه ليس المراد من الحديث مع كونه آحاداً لايقاوم الإجماع إلا إثبات بعض المنازل الكائنة لهارون من موسى وسياق الحديث وسببه يبيّنان ذلك البعض لما مرّ أنّه إنّما قاله لعلي حين استخلفه فقال علي كما في الصحيح:

اتخلفني في النساء والصبيان؟ كأنه استنقص تركه وراءه فقال له: ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى يعنى حيث استخلفه عند توجهه إلى الطور إذ قال له «اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ» (2)

وأيضاً فاستخلافه على المدينة لا يستلزم أولويته بالخلافة بعده من كل معاصريه افتراضاً ولا ندباً بل كونه أهلا لها في الجملة وبه نقول وقد استخلف صلى الله عليه و آله في مرار أخرى غير علي كابن أم مكتوم ولم يلزم فيه بسبب ذلك إنّه أولى بالخلافة بعده انتهى.


1- اعراف: 142.
2- اعراف: 142.

ص: 383

بيان دلالة حديث المنزلة على إمامة علي عليه السلام

اقول:

يظهر من تفرد الآمدي من بين جميع المتسمّين بأهل السنة ومحدّثيهم بنفي صحة هذا الحديث إنّه لمّا ظهر عليه قوّة دلالة هذا الحديث على إمامة علي عليه السلام التجأ إلى القدح في صحته كما هو دأب قومه وإنّما لم يوافقه غيره من المتأخرين في ذلك لما رأوه من غاية الشناعة في إنكار صحة ما ملأ به المتقدّمون كتبهم ولعمري لو تفطن متقدّموهم لذلك لأخفوه ولم يكثروا من ذكره كما هو عادتهم في جحد الحق والشهادة بالباطل كما يشهد به مؤلّفاتهم إذ كل ما ندّعيه فيه شواهد من كتبهم نصوص أئمتهم مما لا يقدرون على إنكاره في خيار كتبهم عن خيار مصنّفيهم. وقد أوضحنا ذلك في هذا التعليق بعون ولي التوفيق ولتوجه الشناعةترى المتأخرين منهم قد عدلوا عن القدح في صحّة سنده إلى القدح في دلالة متنه بالتأويل والتخصيص الّذي هو أشنع من الأوّل كما أتى به هذا الشيخ الجاهل ولا يخفى أنّه يظهر مما فعله الآمدي أنّه لا يبالى بما في الصحيحين ولا يعتقد صحّة ما فيهما من الأحاديث كلًا أو بعضاً فاحفظ هذا.

وأمّا ما ذكره من «أنّ الشيعة لا يرون أخبار الآحاد جحّة في الإمامة» فهب أن يكون كذلك لكنّهم جعلوا الاحتجاج بها إلزامياً لأهل السنة فلا يلزم أن يكون جميع دلائلهم على هذا المطلب تحقيقياً.

وأمّا ما ذكره بعد التنزل فهو أنزل مما تنزل منه لأنّ ما أتى به فيه من إنكار العموم منع للمقدمة المستدل عليها حيث استدل الخصم على العموم بما نقله من قولهم وإلّا لما صح الاستثناء فافهم وقوله «بل المراد إلى آخره» مردود بأنّ الكلام في الدلالة لا في الإرادة وإنّى له إثبات المراد وكيف يبقى بعد ظهور دلالة اللفظ على عموم المنازل دلالة ظاهرة للفظ الحديث على ما ذكره من التخصيص المخالف للأصل والظاهر.

ص: 384

وأمّا ما ذكره من «ان قول موسى عليه السلام: أخلفنى في قومي لا عموم له إلى آخره»، ففيه انّه إن لم يكن له عموم بحسب الصيغة لكنه يفيد العموم بحسب العرف كما في قولنا «اللَّهُمَّ وَفِّقْنا لِما تُحِبُّ وَتَرْضى» فكما أنّ العرف يفهم ههنا العموم لا طلب التوفيق في وقت دون وقت فكذا فيما نحن فيه يفهم أنّ المطلوب الخلافة الثابتة مدّة حياة الخليفة لا الخلافة المستعقبة للعزل ولانّ الغرض من ذلك الاستخلاف رعاية مصالح الرعية وذلك بعد الموت أهمّ إذ رعايتها وقت الغلبة ممكنة للمستخلف وأمّا بعد الموت فغير ممكنة وبالجملة لاخفاء في كون ذلك ظاهراً في العموم وبناء الدليل على الظاهر والعدول عنه من غير ضرورة غير جائز وأمّا تخصيص الخلافة بوقت معين فمن الظاهر إنّه خلاف الظاهر فكيف يدّعى كونه متبادراً.

وأمّا ما ذكره من «أنّ عدم الشمول لما بعد الوفاة إنّما هو لقصور اللفظ» فإنّما نشأ عن قصور فهمه وإلّا فاللفظ قد خيط على قد المعنى سواء بسواء كما عرفت.

وأمّا ما ذكره من «أنّ عزل هارون عن الخلافة بعد موسى عليه السلام كمال له لأنّه يوجب استقلاله في الرسالة وإنّ ذلك أعلى من كونه خليفة له وشريكاً في رسالته» فمدخول بأنّه لو سلّم إنّه كان شريكاً له في النبوة والرسالة فلا يلزم استقلاله فيها بعد وفاة موسى عليه السلام إذ الشركة لا تقتضي استقلال للتصرّف في حصة الشريك بعد وفاته لجواز ضمّ آخر إليه بدله على أنّه إذا كان هارون شريكاً لموسى في النبوة غير مستقل فيه كما هو صريح عبارته فيلزم منه أن يكون موسى عليه السلام أيضاً كذلك ولم يقل أحد بأنّهما عليهما السلام كانا نبياً واحداً مستقّلًا وهو ظاهر وأيضاً لو صحّ ذلك لما تميّز عن هرون بكونه من أولى العزم دونه، ولما نسب نزول التوراة إليه وحده، ولما نسب بنوإسرائيل إلى كونهم أمته وحده، فظهر أنّ المراد بقوله «أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي» (1)


1- طه: 32.

ص: 385

المشاركة في دعوة فرعون ونحوه من الأمور وكذا المراد باستخلافه بهارون كونه خليفة فيما يختص بموسى عليه السلام من أحكام نبوته بل الظاهر إنّه لا معنى لعدم الاستقلال في النبوة سواء كان النبي مبعوثاً على نفسه أو على غيره أيضاً فتأمل.

وأمّا ما ذكره من «أنّ العام المخصوص غير حجة في الباقي او حجة ضعيفة» فضعيف جداً لانّ المحققين من أئمة الأصول على كونه حجة في الباقي والمخالف شاذ لا يعتدّ به لكن هذا الشيخ الجاهل قلب الأمر في نسبة القوة والضعف إلى المذهبين ترويجاً لما هو في صدده ههنا وإلّا فقد تراه في غيره من المطالب على خلاف ذلك كما يشهد به كتب أصحابه من الشافعية في الأصول.

وأمّا ما ذكره من «أنّ نفاذ أمر هارون بعد وفاة موسى لو فرض إنّما هو للنبوة لا للخلافة» مجرّد دعوى لا دليل عليه أصلًا ولِمَ لا يجوز أن يكون بالأمرين معاً ففي لوازم نبوة نفسه بها وفي إجراء أحكام نبوة موسى عليه السلام بالخلافة عنه ويؤيد هذا ما روى محمد الشهرستاني الأشعري عند بيان أحوال اليهود من كتاب الملل والنحل حيث قال «إنّ الأمر كان مشتركاً بين موسى وبين أخيه هارون عليهما السلام إذ قال «أشركه في أمري» فكان هو الوصي فلمّا مات هارون في حياته انتقلت الوصاية إلى يوشع وديعة ليوصلها إلى شبير وشبر قراراً وذلك لأنّ الوصية والإمامة بعضها مستقر وبعضها مستودع» انتهى وهو نص في أنّ المراد بالمنزلة في حديث المنزلة هو الوصاية والخلافة.

وأمّا ما ذكره بقوله «فعلم بما تقرر إنّه ليس المراد؛ إلى آخره» فهو مردود بما علمت من عدم تقرّر ما ذكره بل كان ذلك كالرقم على الماء والنقش على الهواء.

وأمّا ماذكره من «أنّ الحديث مع كونه آحاداً لا يقاوم الإجماع» ففيه ما قد بيّنا سابقاً من بطلان انعقاد الإجماع على خلافة أبي بكر وإنّه لغاية وهنه ربما يقاومه ما هو أوهن من بيت العنكبوت فضلًا عن الخبر الواصل إلى حد التواتر في

ص: 386

الصحة والثبوت.

وأمّا ما استدل به على مطلوبه من دلالة السياق بمعونة الدليل المنفصل من موضوعات البخاري ومعونة تفسيره للآية بما شاء فلا يخفى وهنه ونحن نبرأ إلى اللَّه تعالى من هذا التفسير البارد الفاسد الّذي هو إمّا زلّة عالم فاضل أو افتراء كاذب فاسق ونحمده تعالى على السلامة من ذلك.

وأمّا ما ذكره آخراً من «أنّ وأيضاً فاستخلافه على المدينة لا يستلزم؛ إلى آخره» فمقدوح بأنّ الإجماع من الأمة حاصل على أنّ هؤلاء لاحظ لهم بعد الرسول صلى الله عليه و آله في إمامة ولا فرض طاعة وذلك دليل ظاهر على ثبوت عزلهم وأيضاً الفرق ظاهر لأنه صلى الله عليه و آله عزل ابن أم مكتوم بتولية علي عليه السلام ولم يعزل عند ما عرف أنه آخر غزواته ولو عرف أنّ غيره يقوم مقامه في الحروب وكشف الكروب لاستخلفه في جميع غزواته ولو عرف صلى الله عليه و آله بوقوع قتال في تبوك ما تركه في المدينة كما قال ابن الجوزي حين قيل له: هل جرى في تبوك قتال؟ قال: قعدت الحرب الشجاع فمن يقاتل؟ ولو لم يكن في هذه المنقبة الشريفة إلّاعزل الغير وتوليته لكفاه شرفاً ونبلًا وأصحابنا كثّرهم اللَّه لم يستدلوا بمجرد الاستخلاف بجميع الأمور للإجماع على هذا وعدم القائل بالفرق وهذا أقوى من استدلالهم بإمامة أبي بكر في الصلاة على تقدير صدقها كما لا يخفى على انّا لو اغمضنا عن دلالة الحديث على الخلافة نصاً فنقول لا يشك عاقل أنّ منزلة هارون من موسى أعظم من منزلة غيره من أصحاب موسى عليه السلام فكذا منزلة علي عليه السلام يكون أعظم وأقوى من منزلة غيره من أصحاب النّبي صلى الله عليه و آله فيكون أولى بالإمامة من غيره بعده ومما يؤيد ذلك ما أخرجه صاحب جامع الأصول في صحيح النسائي عن علي عليه السلام قال: «كانت لي منزلة من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لم تكن لأحد من الخلائق» انتهى، وههنا زيادة تدقيق وتحقيق وشحنا بها شرحنا لكتاب كشف الحق ونهج الصدق فليطالع ثمة.

ص: 387

في إنكار ابن حجر تواتر بعض الأحاديث الدالّة على إمامة علي عليه السلام

قال: الشبهة الثالثة عشرة

: زعموا أيضاً إنّ من النصوص التفضيلية الدالة على خلافة علي قوله صلى الله عليه و آله لعلي «أنت أخي ووصيي، وخليفتي وقاضي ديني» (1)

أي بكسر الدال وقوله «أنت سيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغرّ المحجّلين» (2)

وقوله صلى الله عليه و آله «سلّموا على علي بأمرة الناس» (3)

وجوابها مرّ مبسوطاً قبيل الفصل الخامس ومنه إنّ هذه الأحاديث كذب باطلة موضوعة مفتراة عليه صلى الله عليه و آله ألا لعنة اللَّه على الكاذبين ولم يقل أحد من أئمة الحديث إنّ شيئاً من هذه الأكاذيب بلغ مبلغ الآحاد المطعون فيها بل كلّهم مجتمعون على أنّها محض كذب وافتراء فإن زعم هؤلاء الجهلة الكذبة على اللَّه ورسوله وعلى أئمة الإسلام ومصابيح الظلام، إنّ هذه الأحاديث صحت عندهم قلنا لهم هذا محال في العادة إذ كيف تتفرّدون بعلم صحة تلك مع أنكم لم تتّصفوا قط برواية ولا صحبة محدّث ويجهل ذلك مهرة الحديث وسباقة الّذين أفنوا أعمارهم في الأسفار البعيدة لتحصيله وبذلوا جهدهم في طلبه وفي السعي إلى كل من ظنوا عنده شيئاً منه حتى جمعوا الأحاديث ونقبوا عنها، وعلموا صحيحها من سقيمها ودونوها في كتبهم على غاية من الاستيعاب ونهاية من التحرير وكيف والأحاديث الموضوعة جاوزت مآت الألوف وهم مع ذلك يعرفون واضع كل حديث منها وسبب وضعه الحامل لواضعه على الكذب والافتراء على نبيه صلى الله عليه و آله ومن عجيب أمر هؤلاء الجهلة إنّا إذا استدللنا عليهم بالأحاديث الصحيحة الدالة صريحاً على خلافة أبي بكر كخبر «إقتدوا بالّذين من بعدي» (4)

وغيره من الأخبار الناصّة على خلافته الّتي قدمتها مستوفاة


1- شرح احقاق الحق، ج 20، ص 236
2- شرح احقاق الحق، ج 4، ص 11
3- سيرة الحلبية، ج 3، ص 338
4- مسند أحمد، ج 5، ص 382

ص: 388

في الفصل الثالث قالوا هذا خبر واحد فلا يغني فيما يطلب فيه اليقين وإذا أرادوا أن يستدلوا على ما زعموه من النصّ على خلافة علي أتوا إمّا بأخبار لا تدلّ بزعمهم كخبر «من كنت مولاه» وخبر «أنت منّي بمنزلة هرون من موسى» مع أنّها آحاد وإمّا بأخبار باطلة كاذبة متيقنة البطلان واضحة الوضع والبهتان لاتصل إلى درجة الأحاديث الضعيفة الّتي هي أدنى مراتب الآحاد فتأمل في هذا التناقض الصريح والجهل القبيح لكنّهم لفرط جهلهم وعنادهم وميلهم عن الحق يزعمون التواتر فيما يوافق مذهبهم الفاسد وإن أجمع أهل الحديث والأثر على أنّه كذب موضوع مختلق ويزعمون فيما يخالف مذهبهم إنّه آحاد وإن اتفق أولئك على صحته وتواتر روايته تحكّماً وعناداً وزيغاً عن الحق فقاتلهم اللَّه ما أجهلهم وأحمقهم انتهى.

جواب إنكار ابن حجر وبيان الفرق بين الكتمان والكذب ...

في الجواب عن إنكار ابن حجر وبيان الفرق بين الكتمان والكذب وبيان ترجيح اهل السنّة الرأي على النصّ

أقول:

أمّا الحديث الأول فهو مذكور في مسند أحمد بن حنبل من عدّة طرق بألفاظ متقاربة وكذا رواه الثعالبي في تفسيره وإبن المغازلي في كتاب المناقب بأدنى تغيير فنسبة الشيعة في رواية ذلك إلى الافتراء والارتياب، كما أتى به هذا الشيخ المعاند في الجواب إنّما نشأ من غاية العجز والاضطراب.

وأما الحديث الثاني والثالث فقد مرّ انّهما من المتواترات في الطبقة الأولى كافة، وإنّما انقطع تواتره في أواخر تلك الطبقة سيّما بني أمية وأتباعهم، المنحرفين عن النصوص عليه، المانعين لظهور نقلها على الكافة فصار الخوف منهم موجباً لكتمان جمهور الطبقة الثانية الموجودين في حاق زمان ملكهم بذلك وبقي بين الشيعة بحاله مستسرّين في نقله طائفة بعد طائفة.

إن قيل:

كيف يجوز على العدد الكثير وعلى من يتواتر به الأخبار من جماعة

ص: 389

أهل السنة أن يكتموا خبراً يحتاج إليه الأمة أشدّ حاجة وهو في الأمر العظيم الخطير الشريف الرفيع وقد توعدوا على كتمانه ووعدوا على إذعانه لبعض ما ذكرتم من الأسباب الفاسدة والأغراض الكاسدة ولو جاز هذا عليهم لجاز عليهم تعمّد الكذب فيما شاهدوا وعاينوا، وما الفرق بين الكتمان والكذب؟

قلنا:

إنّا لا نجيز وقوع الكتمان من العدد الكثير إلّابعد أن يتغيّر حالهم ويحتال عليهم محتال في إدخال شبهة عليهم يزيلهم بها عن دينهم فإذا تغيرت الحال وعملت الشبهة وزال القوم عن الدّين أمكن أن يعرضوا عماقد سمعوه وعاينوه فإذا أعرضوا أمكن وقوع الكتمان على الأيّام وتطاولها وما يعرض فيها من غلبة سلطان جائر يقصد الّذين يدينون دين الحق فيقتلهم ويشرّدهم ويخوّفهم حتّى يسكت العلماء ويتخذ الناس رؤساء جهّالًا فسّاقاً كمعاوية ويزيد، عليهم من اللعن ما يربو ويزيد، فيضلّون ويضلون والدليل على صحة ما ادعيناه إنّا وجدنا من أمة موسى عليه السلام ما تغيرت حالهم وتمكنت الشبهة في قلوبهم أعرضوا عما كانوا سمعوه ووعوه من قول موسى عليه السلام وارتدّ الّذى لا مثل له ولم يلتفتوا مع ما في عقولهم من أنّ الصانع لا نسبة لصنعه إلى صنعة السامري إلى ما كان يذكرهم به هارون عليه السلام وهمّوا بقتله وقالوا «لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى» (1)

هذا عند ما قال لهم هارون «يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمْ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي» (2)

وبين وقوع الكتمان على هذه الجهة وبين وقوع الكذب فرق واضح وهو أنّ الكتمان إذا وقع على هذه الجهة وقع شبهة يمكن معها أن يتوهّم القوم إنّهم على صواب ما، والكذب لا يمكن وقوعه من هذه الجهة، ألاترى إنّه يمكن للمحتالين


1- طه: 91.
2- طه: 90.

ص: 390

من الرؤساء أن يقولوا للقوم الّذين سمعوا خبراً أنّ معنى هذا الكلام وغرض المخاطب لكم به لم يكن ما سبق إلى قلوبكم وقد غلطتم وأخطأتم ونحن أعلم بمراده ومقصوده وإن أنتم لا تقبلوا منا أفسدتم الإسلام فعند ذلك يتمكن الشيطان وينجوا الّذين سبقت لهم من اللَّه الحسنى وليس يمكن للرؤساء أن يقولوا لهم تعالوا حتى نتخرّص خبراً نصنعه ونذيعه لأنّهم إذا قالوا ذلك كشفوا عما يخفيه صدورهم وظهر أمرهم للعامة وتبين نفاقهم فصح بما قرّرنا أنّ الكتمان يجوز وقوعه على وجه لا يجوز وقوع الكذب عليه وبالجملة يجوز أن يكون السبب في انقطاع تواتر الخبر أو كتمانه دخول الشبهة لهم في نسخه بما رووه من قوله صلى الله عليه و آله «الأئمة من قريش» (1)

أو أن يكون لترك عمل الصحابة بالنّص ترجيحاً لرأيهم كما وقع عن عمر حيث قال «متعتان كانتا على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما» (2)، وكما قال أبوحنيفة في مقابل نص النّبي صلى الله عليه و آله على مشروعية القرعة في بعض المشتبهات ومشروعية إشعار الهدي في الحج «إنّ القرعة قمار والإشعار مثلة» (3)

أو لطمعهم في ترك النقل التقرب إلى ملوك بني أمية ومن قبلهم ومن بعدهم من الملوك الّذين سلكوا مسلكهم في بغض أهل البيت عليهم السلام أو كما قاله النيشابوري الشافعي في تفسير سورة طه من أنّ الدليل قد يكون في غاية الظهور ومع ذلك يخفى على أعقل الناس كما خفى على آدم عليه السلام عداوة إبليس وإنّه تعرض لسخط اللَّه في شأنه حين امتنع من سجوده فكيف قبل وسوسته لولا كتاب من اللَّه سبق انتهى إذ يعلم من هذا إنّ مجرد ظهور أدلة الشيعة على الإمامة ونحوها من مطالبهم في نفس الأمر لا يوجب عدم خفائها على أهل السنة وكذا بالعكس وبعبارة أخرى لا وجه


1- مسند أحمد، ج 3، ص 129
2- أصول سرخسي، ج 2، ص 6
3- شرح إحقاق الحق، ج 7، ص 399(هامش)

ص: 391

لأن يقال لو كان الأمر كما عليه الشيعة لما جاز على خلق كثير من علماء أهل السنة مثلًا أن لا يتفطنوا بمدلول ذلك الدليل ولا يهتدوا به إلى الحق ولنعم ما قال عارف الشيراز:

شعر

زاهد ار راه برندى نبرد معذور است عشق كاريست كه موقوف هدايت باشد

في ذكر بعض شرائط التواتر

فلابدّ لكل من الفريقين من الفحص عن أدلة الآخر بل المباحثة والمناظرة معه حتى يتقرّر له الدّليل ويتضح عليه السبيل وكل من رام الحق بدون ذلك فهو في تضليل ولعلّه كما قال النيشابوري قد سبق كتاب من اللَّه في أن لا ينال أهل السنة مدلول دليل أهل الحق على إثبات الحق فتأمل هذا، وقد مرّ إنّ من شرط حصول العلم التواتري لسامع الخبر أن لا يكون السامع ممن سبق إلى اعتقاده نفي مخبره بشبهة أو تقليد فمتى كان السامع كذلك لا يحصل له العلم لمخبر الخبر المتواتر.

لا يقال: فعلى هذا الشرط يجب أن لا يحصل لمن سبق إلى اعتقاده نفي مكة العلم بوجودها لأنّا نقول مادة النقض غير متحققة إذ لا داعي ههنا إلى سبق اعتقاد النفي فلا يطرء فيه شبهة.

لإشاره إلى كثرة كتب الشيعه ومحدّثيهم

وأمّا ما ذكره من «أنّه كيف ينفرد الشيعة بعلم صحّة تلك مع أنّهم لم يتصفوا قط برواية ولا صحبة محدّث ويجهل ذلك مهرة الحديث؛ إلى آخره» ففيه أنّه إن أراد أنّهم لم يتّصفوا برواية وصحبة لمحدّث من أهل السنة فعلى تقدير تسليمه وجهه ظاهر

ص: 392

لحصول المعاندة بينهم على وجه يتقى الشيعة منهم، وإن أراد روايتهم من أكابر شيعتهم وصحبتهم مع المحدّثين منهم أنفسهم فلهم بحمد اللَّه تعالى أكابر فضلاء، محدّثون علماء، وقد دونوا في الحديث النّبوي والإمامي من نفائس الكتب ما يزيد على الأصول الستة لأهل السنة فمن تلك الكتب الجامع المسمى بالكافي لمحمد بن يعقوب الكليني الرازي وكتابا التهذيب والاستبصار للشيخ أبي جعفر الطوسي وكتابا مدينة العلم ومن لا يحضره الفقيه لابن بابويه وغير ذلك لكن أهل السنة لا يلتفتون إلى تفاصيل أحاديث الشيعة ومؤلفاتهم الكلامية والأصولية والفروعية حذراً من أن يظهر عليهم ويلزمهم ترك تقليد الأسلاف لا يرحمهم اللَّه ولا يزكيهم وأيضاً فالشيعة وإن لم يتصفوا برواية وصحبة محدّث من أهل السنة فقد اتصفوا برواية أهل السنة منهم وصحبتهم إيّاهم كما يرشد إليه ما صرّحوا به من أنّ سبعة من مشايخ البخاري كانوا من محدّثي الشيعة منهم عبيد اللَّه بن موسى موابي معاوية كما مرّ وذكر الذهبي في أول كتابه الموسوم بميزان الاعتدال في أحوال الرجال أبان بن تغلب رحمه اللَّه وقال إنّه شيعي صلب لكنه لما كان صدوقاً فصدقه لنا وبدعته له وقد وثقه أحمد بن حنبل وابن معين وقال ابن عدي: «إنّه كان غالياً في التشيع».

ثم قال: «فإن قيل كيف يحكم بثقة المبتدع مع أنّ العدالة الّتي هي ضدّ البدعة مأخوذ في تعريف الثقة.

قلنا: الغلوّ في التشيع والتشيّع بلا غلوّ كان كثيراً في التابعين مع أنهم كانوا متحلين بحلية التدين والورع والصدق فلو ردّت أحاديثهم مع كثرتها لضاع كثير من الآثار النبوية وهذه مفسدة ظاهرة» انتهى.

في ذكر نبذمن كلمات علماء العامّة في شأن ابن عقدة

ومن محدثي الشيعة الّذين قد روي عنه جماعة من محدثي أهل السنة الحافظ

ص: 393

أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد السبيعي الهمداني الكوفي الملقّب بابن عقدة وقد ذكره الذهبي في ميزانه واليافعي وابن كثير الشامي في تاريخهما وقالوا «أبوالعباس كوفي شيعي وهو أحد من أركان الحديث والحفاظ الكبار وكان قد سمع أحاديث كثيرة وسافر في طلب الحديث أسفاراً عديدة واستفاد من خلق كثير واستمع منه الطبراني والدارقطني والجعامي وابن عدي وابن مظفر وابن شاهين وكان آية من آيات اللَّه تعالى في الحفظ حتّى قال الدارقطنى:

إنّ أهل بغداد أجمعوا على أنّه لم يظهر من زمان ابن مسعود إلى زمان ابن عقدة من يكون ابلغ منه في حفظ الحديث».

وأيضاً قال الدارقطني «سمعت منه انّه قال قد ضبطت ثلاثمائة ألف حديث من أحاديث أهل البيت وبني هاشم وحفظت مائة ألف حديث بأسانيدها».

ونقل الذهبي عن عبدالغني بن سعيد إنّه قال «سمعت عن الدار قطني إنه قال إنّ ابن عقدة يعلم ما عند الناس ولا يعلم الناس ما عنده».

وقال الثلاثة «إنّ ابن عقدة كان يقعد في جامع البراثا من كوفة ويذكر مثالب الشيخين عند الناس فلهذا تركوا بعض أحاديثه وإلّا فلا كلام في صدقه» انتهى.

وأمّا ما ذكره من «أنّ محدّثي أهل السنة دوّنوا الأحاديث في كتبهم على غاية من الإستيعاب» فهو كذب صريح ظاهر على أصحابه أيضاً لأنّه صرّحوا بأن كتاب البخاري مشتمل على أربعة آلاف حديث بعد إسقاط المكررات وقد نقل عنه إنّه كان يحفظ مائة ألف حديث وقس على هذا مسلماً وغيره جمعاً وحفظاً مع تداخل أكثر أحاديث جوامعهم وقال النووى في مقدمة شرحه لصحيح مسلم «إنّ البخاري ومسلماً لم يلتزما استيعاب الصحيح بل صحح عنهما تصريحهما بانّهما لم يستوعباه وإنّهما قصداجمع جمل من الصحيح كما يقصد المصنف في الفقه جمع جملة

ص: 394

من مسائله لا أنّه يحصر جميع مسائله هذا مع ما سمعت منّا سابقاً من القدح التفصيلي في الكتابين فتذكر، وأعجب من جميع ما ذكر تعجبه من الشيعة في نفيهم لصحة شطر من أحاديث أهل السنة كيف ودعوى صحة تلك الأحاديث أول المسألة ومصادرة على المطلوب كما مرّ مراراً خصوصاً في دعوى صحة خبر «اقتدوا بالّذين من بعدي» (1)

ولقد أحسن حيث حذف ذكر أبي بكر وعمر ههنا فافهم.

وأمّا ما ذكره من «أنّ الشيعة يقولون في مقابلة استدلال أهل السنة بتلك الأحايث إنّها أخبار آحاد؛ إلى آخره» فهو افتراء عليهم بل هم لا يسلّمون صحتها من أول الأمر. وأمّا استدلالهم بالخبر الواحد الثابت عند أهل السنة المذكور في بعض كتبهم عليهم فإنّما وقع إلزاماً كما مرّ مراراً ولا تناقض في ذلك وإنّما التناقض عند ابن حجر البليد المتحجر الّذى لم يفهم بجمود طبعه معنى التناقض كما لم يفهم بطلان المصادرة الّتي شحن بها كتابه هذا فتأمل.

توجيه ابن حجر قول أبي بكر «أقيلوني أقيلوني»

قال: الرابعة عشر

زعموا أنّه لو كان أهلًا للخلافة لما قال لهم «أقيلوني أقيلوني» لأنّ الإنسان لا يستقيل من الشي ء إلّاإذا لم يكن أهلًا له وجوابها منع الحصر فيما عللوا به فهو من مفترياتهم وكم وقع للسلف والخلف التورع عن أمورهم لها أهل وزيادة بل لا تكمل حقيقة الورع والزهد إلّابالإعراض عما تأهّل له المعرض وأمّا مع عدم التأهل فالإعراض واجب لا زهد ثم سببه هنا إنّه إمّا خشي من وقوع عجز مأمنه عن استيفاء الأمور على وجهها الّذى يليق بكماله


1- مسند أحمد، ج 5، ص 382

ص: 395

له أو أنّه قصد بذلك استبانة ما عندهم وانه هل فيهم من يودّ عزله فأبرز ذلك كذلك فرآهم جميعهم لا يودّون ذلك أو أنّه خشي من لعنته صلى الله عليه و آله لإمام قوم وهم له كارهون فاستعلم أنّه هل فيهم أحد يكرهه أولا والحاصل أنّ زعمهم إنّ ذلك يدل على عدم الأهلية غاية في الجهالة والغباوة والحمق فلا ترفع بذلك رأساً، انتهى.

ردّ توجيه ابن حجر قول أبى بكر «أقيلوني أقيلونى»

أقول:

الرواية المشهورة إنّها قال أبوبكر عند امتناع علي عليه السلام عن بيعته وادعاء الخلافة لنفسه محتجّاً عليه بما احتجّ هو به على الأنصار وغيرهم «أقيلوني أقيلوني فإني لست بخيركم وعلي فيكم» ولا ريب إنّ شيئاً من الوجوه الّتي تكلف إبداءها في تأويل هذه الإقالة مما لا يتمشى ولا يصلح جواباً بعد أن يكون وجه إقالته ما ذكرناه وعبارته ما نقلناه وإن ارتكب متكلف إرجاع بعض وجوهه إلى ما ذكره الشارح الجديد للتجريد من أنّه قصد بما ذكره التواضع وهضم النفس فيتوجه عليه أولًا ما ذكرناه عند الكلام على رواية ذكرها في أواخر الفصل الأول من الباب الأول وثانياً إنّ هضم النفس في إمر الدين غير موجّه كيف ولا يبقى حينئذ وثوق بكلامه لعدم العلم بقصده بل نقول لا يعقل ممن أعطاه اللَّه تعالى ورسوله صلى الله عليه و آله الإمامة والخلافة في أمور المسلمين بحسب الدين والدنيا أن يقول لهم دعوا قبولي للإمامة لأنّى لست بخيركم وغيري خير مني موجود فيكم لأنّ ذلك يصير كذباً على اللَّه ورسوله وثالثاً أنّ القول المذكور إنّما وقع منه عند إنكار علي عليه السلام لإمامته وتعريض الناس عليه بعدم لياقته بذلك مع وجود علي عليه السلام كما مرّ فلو كان غرضه هضم النفس لما خص الخيرية بعلي عليه السلام بل قال أقيلوني فإنّ كل واحد منكم خير مني كما قال عمر

ص: 396

«كل الناس أفقه من عمر حتّى المخدّرات في البيوت» (1)

مع أن هذا أيضاً في الحقيقة اعتراف بالواقع، فافهم.

تمويه ابن حجر وصية النبي صلى الله عليه و آله إلى علي عليه السلام بعدم سلّ السيف

قال: الشبهة الخامسة عشرة

زعموا أيضاً إنّ علياً إنّما سكت عن النزاع في إمر الخلافة لأنّ النبي صلى الله عليه و آله أوصاه أن لا يوقع بعده فتنة ولا يسلّ سيفاً وجوابها إنّ هذا افتراء وكذب وحمق وجهالة مع عظيم الغباوة عما يترتب عليه إذ كيف يعقل مع هذا الّذي زعموه أنّه جعله إماماً والياً على الأمة بعده ومنعه من سلّ السيف على من امتنع من قبول الحق ولو كان ما زعموه صحيحاً لما سلّ علي السيف في حرب صفين وغيرها ولما قاتل بنفسه وأهل بيته وشيعته وجالد وبارز الألوف منهم وحده أعاذ اللَّه من مخالفة وصية رسول اللَّه صلى الله عليه و آله.

وأيضاً فكيف يتعقلون أنّه صلى الله عليه و آله يوصيه بعدم سلّ السيف على من يزعمون فيهم إنّهم يجاهرون بأقبح أنواع الكفر مع ما أوجبه اللَّه من جهاد مثلهم قال بعض أئمة أهل البيت النبوي والعترة الطاهرة وقد تأملت كلماتهم فرأيت قوماً أعمى الهوى بصائرهم فلم يبالوا بما ترتب على مقالاتهم من المفاسد ألاترى إلى قولهم «إن عمر قاد علياً بحمائل سيفه، وحصر فاطمة فهابت فاسقطت ولداً اسمه المحسن» فقصدوا بهذه الفرية القبيحة، والغباوة الّتي أورثتهم العار والبوار والفضيحة، إيغار الصدور على عمر رضى الله عنه ولم يبالوا بما يترتب على ذلك من نسبة علي رضى الله عنه إلى الذل والعجز والخور بل ونسبة جميع بني هاشم وهم أهل النخوة والنجدة والأنفة إلى ذلك العار اللاحق بهم الّذى لا أقبح منه عليهم، انتهى.


1- الغدير، ج 6، ص 98

ص: 397

تنظير حال على عليه السلام في عدم سلّ السيف بحال النبي صلى الله عليه و آله في أوّل الإسلام

أقول:

الأحمق الجاهل الغبي هو معدن التحجر والجمود، أبوجلمود أخو سمهود، ابن حجر الّذي يحرّف الكلم كملا عين اليهود، ويفتري على خصمه بما هو بري منه عند أعدل الشهود، ثم يعترض عليه استجلاباً لقلوب عوام مذهبه المردود، فإنّ الّذي نقله الشيعة هو وصية النّبي صلى الله عليه و آله إلى علي عليه السلام بأن لا يسلّ سيفاً على الثلاثة لا مطلقاً كما موه به وقد بيّنا وجه الحكمة في ذلك سابقاً بالفرق الظاهر بين زمان الثلاثة وبين زمان الناكثين والقاسطين والمارقين.

وأمّا ما ذكره من «أنّه كيف يعقل مع جعله إماماً منعه من سلّ السيف على من امتنع من قبول الحق» وما كرّره به بعيد ذلك بقوله «وأيضاً فكيف يتعقلون أنّه صلى الله عليه و آله يوصيه بعدم سلّ السيف؛ إلى آخره» فمعارض بإرسال اللَّه تعالى موسى وهارون عليهما السلام إلى فرعون الطاغي عليه اللعنة ووصية لهما بأن «قُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً» (1)

وبعدم سلّ النّبي صلى الله عليه و آله السيف على كفار قريش مع وجود عميه الناصرين له أبي طالب وحمزة وسائر بني هاشم وتحصّنه معهم بشعب أبي طالب مدة طويلة ثم فراره بعد وفاة أبي طالب إلى الغار ومنه إلى المدينة وبعدم محاربته لمن صدّه من قريش في الحديبية عند توجهه إلى الحج بل صالح معهم بكتابة عهد معهم قد تضمن شرائط منها ان من لحق محمداً صلى الله عليه و آله وأصحابه من قريش فإنّ محمداً يردّه إليهم ومن رجع من أصحاب محمد إلى قريش بمكة فإنّ قريشاً لا تردّه إلى محمد ولما كتبوا في كتابة العهد «بسم اللَّه الرحمن الرحيم هذا ما قاضى عليه محمد رسول اللَّه قالوا إنّا لا نعرف إلّاله الرحمن الرحيم ولم نقرّ برسالتك فألزموه أن يمحو ذلك ويكتب بدله باسمك اللهم هذا ما قاضى عليه محمد بن عبداللَّه؛ إلى آخره» ثم رجع صلى الله عليه و آله إلى المدينة


1- طه: 44.

ص: 398

بلاحجّ حتى اعترض عمر على النبي صلى الله عليه و آله بأنّك لِمَ تعطي هذه الدنية؟ مع أنّه صلى الله عليه و آله كان أشجع الناس اتفاقاً وكان معه علي عليه السلام وأبوبكر الّذى كان أشجع الخلق بعد النّبي صلى الله عليه و آله في زعم هذا الجامد وأصحابه الجوامد وعمر الّذى أيّداللَّه به الدين، على زعم المفترين، فما هو جوابه عن هذا فهو جوابنا عن ذلك بطريق أولى للفرق الظاهر بين الكف عن قتال المتظاهرين بالإسلام والكف عن قتال المشركين والمصالحة معهم بما سمّاه عمر دنية.

وأيضاً يمكن المعارضة بما ذكره هذا الجامد في أثناء الخاتمة المتضمنة لبيان اعتقاد أهل السنة في الصحابة من أنّ امتناع علي عليه السلام عن تسليم قتلة عثمان إلى معاوية ومن معه من بني أمية إن ظن أنّ تسليمهم إليهم على الفور مع كثرة عشائرهم واختلاطهم بعسكر على يؤدي إلى الاضطراب وتزلزل أمر الخلافة الّتي بها انتظام كلمة أهل الإسلام سيما وفي بدايتها لم يستحكم الأمر فيها فرأى علي رضى الله عنه إنّ تأخير تسليمهم أصوب إلى أن ترتسخ قدمه في الخلافة ويتحقق التمكن من الأمور فيها على وجهها ويتم له انتظام شملها واتفاق كلمة المسلمين ثم بعد يلتقطهم واحداً فواحداً ويسلّمهم إليه بل يتأتى المعارضة بما فوق ما ذكرناه فإنّ اللَّه تعالى قد أمهل فرعون الطاغي الكافر إعواماً وإحقاباً خائضاً في كفره وطغيانه فافهم.

وقد ذكرنا سابقاً ما اعتذر أميرالمؤمنين عليه السلام عن ذلك بأنّ له في صبره على طغيان قومه وكفّه عن قتالهم أسوة بسبعة من الأنبياء عليه السلام فتذكر.

وأمّا ما نسبه إلى بعض ائمة أهل البيت، فهو من مفتريات نفسه الميت.

تعيير معاوية علياً عليه السلام بأنّه لم يبايع حتى أكره وجواب علي عليه السلام عن ذلك

وأمّا ما ذكره من «أنّهم قالوا إنّ عمر قاد علياً بحمائل سيفه» فهو مما رواه حشوية تعيير أهل السنة وأشار إليه معاوية فيما كتبه إلى علي عليه السلام ويقول فيه «إنّك

ص: 399

كنت تقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتّى تبايع» يعيّره ويؤنبّه أنّه لم يبايع طوعاً ولا رضي ببيعة أبي بكر بل استكره عليها خاضعاً ذليلًا كالجمل إذا لم يعبر على قنطرة وشبهها فإنّه يكره ويخش بالرماح وغيرها ليعبر كرهاً فكتب إليه علي عليه السلام في الجواب عن هذا ما هذا لفظه كما في نهج البلاغة «قلت إنّي كنت أقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتّى أبايع ولعمر اللَّه لقد أردت أن تذم فمدحت وأن تفضح فافتضحت وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوماً ما لم يكن شاكاً في دينه أو مرتاباً بيقينه وهذه حجتى إلى غيرك قصدها ولكنّى أطلقت لك منها بقدر ماسنح من ذكرها»، انتهى.

وأمّا ما ذكره «من حصر عمر لفاطمة عليها السلام» فهو مما نقله محمد بن عبدالكريم الشهرستاني الأشعري في كتاب الملل والنحل عن النظام المعتزلي المشارك مع جمهور أهل السنة في تصحيح خلافة أبي بكر فلعل الشيعة احتجوا بذلك إلزاماً على أهل العناد والإنكار، فاندفع العار والبوار عن الأئمة الأطهار، وإنّما العار والشنار على من فرّفي مبارزة آحاد الكفار، وولّى الدبر في خيبر واحد وحنين بلا مبالاة عن لحوق العار، وخوف عن دخول النار.

خاتمة:

في اختلاف علماء أهل السنّة في حكم من سبّ الصحابة

قال:

قال شيخ الإسلام مجتهد عصره التقى السبكى كنت بالجامع الأموي ظهر يوم الاثنين سادس عشر جمادي الأولى سنة خمس وخمسين وسبعمائة فأحضر إلى شخص شقّ صفوف المسلمين في الجامع وهم يصلّون الظهر ولم يصلّ وهو يقول «لعن اللَّه من ظلم آل محمد» وقد تكرر منه ذلك فسألته من هو؟ فقال أبوبكر، قلت أبوبكر الصديق؟ قال أبوبكر وعمر وعثمان ومعاوية ويزيد

ص: 400

فأمرت بسجنه وجعل غل في عنقه ثم أخذه القاضي المالكى فضربه وهو مصرّ على ذلك وزاد فقال إنّ فلاناً عدوّ اللَّه شهد عليه عندي بذلك شاهدان وقال إنّه مات على غير الحق وإنّه ظلم فاطمة ميراثها وإنّه يعنى ابابكر كذّب على النّبي صلى الله عليه و آله في منعه ميراثها وكرّر عليه المالكي الضرب يوم الاثنين المذكور ويوم الاربعاء الّذى يليه وهو مصرّ على ذلك ثم احضروه يوم الخميس بدار العدل وشهد عليه في وجهه فلم ينكر ولم يقرو لكن صار كلّما سئل يقول إن كنت قلت فقد علم اللَّه تعالى فكرّر السؤال عليه مرّات وهو يقول هذا الجواب ثم أعيد عليه فلم يبد واقعاً ثم قيل له تب فقال تبت من ذنوبي وكرّر عليه الإستتابة وهو لا يزيد في الجواب على ذلك فطال البحث في المجلس على كفره وعدم قبول توبته فحكم نائب القاضي بقتله فقتل وسهل عندي قتله ماذكرته من هذا الاستدلال فهو الّذى انشرح صدري لكفره بسبّه وبقتله لعدم توبته وهو منزع لم أجد غيري سبقنى إليه إلّاما سيأتي من كلام النووي وضعّفه وأطال السبكى الكلام في ذلك وهاأنا أذكر حاصل ما قاله مع الزيادةعليه مما يتعلّق بهذه المسئلة وتوابعها منبّهاً على ما أزيده بأي ونحوها فأقول:

ادعى بعض الناس إنّ هذا الرجل الرافضي قتل بغير حق وشنع السبكي في الرد على مدعى ذلك بحسب ما ظهر له ورآه مذهباً وإلّا فمذهبنا كما ستعلمه إنّه لا يكفر بذلك فقال كذب من قال إنّه قتل بغير حق بل قتل بحق لانّه كافر مصرّ على كفره وإنّما قلنا إنّه كافر لأمور:

أحدها قوله صلى الله عليه و آله في الحديث الصحيح «من رمى رجلًا بالكفر أو قال عدو اللَّه وليس كذلك إن كان كما قال وإلّا رجعت عليه» ونحن نتحقق أنّ أبابكر مؤمن وليس عدو اللَّه ويرجع على هذا القائل ما قاله بمقتضى نصّ هذا الحديث للحكم بكفره وإن لم يعتقد الكفر كما يكفر ملقى المصحف بقذر وإن لم يعتقد الكفر وقد حمل مالك هذا الحديث على الخوارج والّذين كفروا أعلام الأمة فما استنبطته من هذا

ص: 401

الحديث موافق لما نص عليه مالك أي فهو موافق لقواعد مالك لا لقواعد الشافعي على أنّه ستعلم مما يأتي عن المالكية المعتمد عندهم في ذلك وهذا الحديث وان كان خبراً واحداً إلّاأنّ خبر الواحد يعمل به في الحكم بالتكفير وإن كان جحده لا يكفر به اذ لا يكفر جاحد الظني بل القطعي وقول النووى «إنّ حمل مالك لهذا الحديث على الخوارج ضعيف لأنّ المذهب الصحيح عدم تكفيرهم» فيه نظر وإنّما يتجه ضعفه إن لم يصدر منهم سبب مكفر غير الخروج والقتال ونحوهما أمّا مع التكفير لمن تحقق إيمانه فمن أين للنووي ذلك انتهى ويجاب بأنّ نص الشافعي رضى الله عنه وهو قوله أقبل شهادة أهل البدع والأهواء إلّاالخطابية صريح فيما قاله النووي مع أنّ المعنى يساعده وأيضاً فتصريح أئمتنا في الخوارج بأنّهم لا يكفرون وإن كفرونا لأنّه بتأويل فلهم شبهة غير قطعية البطلان صريح فيما قاله النووي ويؤيده قول الأصوليين إنّما لم يكفر الشيعة والخوارج لكونهم كفروا أعلام الصحابة المستلزم لتكذيبه صلى الله عليه و آله في قطعه لهم بالجنة لأنّ اولئك المكفرين لم يعلموا قطعاً تزكية من كفروه على الإطلاق إلى مماته وإنّما يتجه كفرهم أن لو علموا ذلك لأنّهم حينئذ يكونون مكذبين له صلى الله عليه و آله وبهذا يعلم أنّ جميع ما يأتى عن السبكي إنّما هو اختيار له مبني على غير قواعد الشافعية وهو قوله جواب الأصوليين المذكور إنّما نظروا فيه إلى عدم الكفر لأنّه لا يستلزم تكذيبه صلى الله عليه و آله ولم ينظروا لما قلناه إنّ الحديث السابق دال على كفره وقد قال إمام الحرمين وغيره: يكفر نحو الساجد لصنم وإن لم يكذب بقلبه ولا يلزم على ذلك كفر كل من قال لمسلم يا كافر لأنّ محلّ ذلك في المقطوع بإيمانهم كالعشرة المبشرين بالجنة وعبداللَّه بن سلام ونحوهم بخلاف غيرهم لأنّه صلى الله عليه و آله أشار إلى اعتبار الباطن بقوله «إن كان كما قال وإلّا رجعت عليه».

نعم يلحق عندي وإن لم يذكر ذلك متكلم ولا فقيه بمن ورد النص فيهم

ص: 402

من اجتمعت الأمة على صلاحه وإمامته كابن المسيب والحسن وابن سيرين ومالك والشافعي.

فإن قلت: الكفر جحد الربوبية أو الرسالة وهذا المقتول مؤمن باللَّه ورسوله وآله وكثير من صحابته فكيف يكفر؟

قلت: التكفير حكم شرعي سببه جحد ذلك أو قول أو فعل حكم الشارع بأنّه كفر وإن لم يكن جحداً وهذا منه وهذا أحسن الأدلة في المسألة وينضّم إليه خبر الحلية «من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب» والخبر الصحيح «لعن المؤمن كقتله» (1)

وأبوبكر أكبر الأولياء والمؤمنين وهذا هو المأخذ الّذي ظهر لي في قتل هذا الرافضي وإن كنت لم اتقلده لا فتوى ولا حكماً وانضمّ إلى احتجاجي بالحديث السابق ما اشتملت عليه أفعال هذا الرافضي من إظهاره ذلك في الملأ وإصراره وإعلانه البدعة وأهلها، وغمّصه السنة وأهلها، وهذا المجموع في غاية الشناعة وقد يحصل بمجموع أمور حكم لا يحصل بكل واحد منها وهذا معنى قول مالك «تحدّث للناس أحكام بقدر ما يحدث لهم من الفجور» ولسنا نقول بتغيير الأحكام بتغيّر الزمان بل باختلاف الصورة الحادثة وهذا نهاية ما انشرح صدري له بقتل هذا الرّجل وأمّا السبّ وحده ففيه ما قدّمته وماسأ ذكره وإيذائه صلى الله عليه و آله أمر عظيم إلّاأنّه ينبغي ضابط (2) فيه وإلّا فالمعاصي كلّها تؤذيه ولم أجد في كلام أحد من العلماء إنّ سبّ الصحابي يوجب القتل إلّاما يأتي من إطلاق الكفر من بعض أصحابنا وأصحاب أبي حنيفة ولم يصرّحوا بالقتل وقد قال ابن المنذر «لا أعلم أحداً يوجب القتل بمن سبّ من بعد النّبي صلى الله عليه و آله» انتهى.


1- مسند أحمد، ج 4، ص 33
2- قال فيما بعد «والضابط إنّ كل شتم قصد به أذى النّبي صلى الله عليه و آله كما من عبداللَّه بن أبي كفر وإلّا فلا كما وقع من مسطح في قصة الإفك» انتهى الضابط(كذا كان في الحاشية منه رحمه الله).

ص: 403

في الإشاره إلى الذين آذوا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وأهل بيته عليهم السلام

أقول:

قد تورّط هذا الشيخ الجاهل المتعصب الجامد في خاتمته هذه الّتي تشهد عليه بسوء خاتمته في ورطة لا نجاة له منها أبداً وأكثر فيها من الخرافات والترهات الّتي نسي أوّلها آخرها يغترّ الجاهل فيظن أنّه أتى بشي ء غامض دقيق من اختراعاتهم مع أنّ جميع ما أتى به هذا الحجر اللامنحوت، وشيخه السبكي المبهوت، أبعد ثبوتاً من حقيقة الجبت والطاغوت، وأوهن ثباتاً من نسج العنكبوت، فنقول:

أوّلًا إن نظر هذا الرجل فيما وقع عن بعض الصحابة المرضيين عندهم ثم عنهم من سبّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وأهل بيته عليهم السلام أولى من نظرهم في حال من سبّ بعض الصحابة الذين وقع النزاع في كونهم مرضيين وذلك لأنّ أول من سبّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في مرضه الّذي توفي فيه صلوات اللَّه عليه وآله هو عمر بن الخطاب، خليفة...

حيث قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:

«ايتوني بدواة وكتف لأكتب كتاباً لن تضلوا بعده ابداً؛ فقال عمر: إنّ الرجل ليهجر، حسبنا كتاب اللَّه فأعرض النّبي صلى الله عليه و آله مغضباً؛ ثم وقع التشاجر بين الصحابة فقال بعضهم: القول ما قاله عمر، وقال آخرون: القول ما قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فأمر النّبي صلى الله عليه و آله بالانصراف عنه حيث آذوه بذلك السقط من الكلام وبالصياح عنده فسأل بعضهم من الكتابة ففتح عينيه صلوات اللَّه عليه وآله وقال بعد ما سمعت...!» ثم سبّ معاوية وبنوأمية أميرالمؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام على المنابر ثمانين سنة، وكذا سبّ أمير المؤمنين عليه السلام معاوية وعمرو بن العاص وأمثاله ممن كانوا مع معاوية ثم قتل الصحابة أعظم كثيراً من سبّهم وقد قتل يزيد بن معاوية الحسين عليه السلام ونهب حريمه مع إظهار النّبي صلى الله عليه و آله محبّته له واشتهار أمره وأمر أخيه عليهما السلام وجعل اللَّه تعالى مودّتهم أجر الرسالة الّتي هي أعظم الألطاف

ص: 404

الربانية على العبيد فإنّ بسببها يحصل الثواب الدائم والخلاص عن العقاب السرمد؛ ثم سبّ أهل السنة والجماعة النّبي صلى الله عليه و آله حيث نسبوا إليه الكفر لأنّه صلّى يوماً صلاة الصبح وقرأ فيها سورة النجم إلى أن وصل إلى قوله تعالى «وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى» (1)

وقالوا قرأ بعد ذلك «تلك الغرانيق العلى، منها الشفاعة ترتجى» وهذا عين الكفر وأيّ سب أعظم من نسبة الكفر إلى من قال اللَّه تعالى فيه «وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْىٌ يُوحَى» (2)

ونسبوا آبائه إلى الكفر وأيّ سبّ أعظم من أن يقال للشخص يا ابن الكافر بل سبّوا اللَّه تعالى حيث أسندوا جميع الموجودات من الحسن والقبيح إليه تعالى فجميع شرفي العالم أو ظلم أو غير ذلك فهو صادر منه تعالى اللَّه عن ذلك وإذا سبّ الإنسان غيره فقال أنت كافر كان معناه إنّك أوجدت الكفر وفعلته فبأيّ شي ء يسب اللَّه تعالى بأعظم من ذلك.

وثانياً إنّ ذلك الشخص الّذي ذكر هذا الشيخ الجامد إنّه شقّ صفوف الجماعة وقال في شأن أبي بكر ما قال، قد استدلّ على استحقاقه لما قال فيه «من أنّه ظلم فاطمة عليها السلام في ميراثها إلى آخره» وقد أشرنا إلى إثبات مقدماته فيما مرّ فلو فرض إنّ شيئاً من مقدماته كان نظرياً في نظرهم يجب عليهم مطالبته بإثباتها والدليل عليها فلو عجز عن ذلك عومل معه بما شاء وأمن الضرر والضرار لا بأن يعدلوا عن ذلك تعصباً وحيفاً ويكلّف بالتوبة مما لا ذنب فيه، ويقتل بفتوى الفقيه المتعصب السفيه، المتشبث بالأحاديث الموضوعة والأقاويل المضطربة المخترعة لهم جرأة على اللَّه تعالى ورسوله صلى الله عليه و آله.


1- نجم: 20
2- نجم: 3، 4.

ص: 405

استظهار أنّ الناس في زمان بني أميّة ماكانوا يصلّون الجمعة

وأمّا قوله «وهم يصلّون الظهر ولم يصلّ إلى آخره» ففيه أنّه لا حرج في عدم صلاته معهم كما يوهّمه كلامه لجواز إنه تأسّى في ذلك بمثل ما نقله قاضي خان الحنفي من عمل أكابر التابعين في زمان بني أمية بمثله حيث قال في كتابه الكبير الشهير «روى عن إبراهيم النخعي وإبراهيم بن مهاجر إنّهما كانا يتكلمان عند وقت الخطبة فقيل لإبراهيم النخعي في ذلك فقال إنّي صليت الظهر في داري ثم رحت إلى الجمعة تقية فلذلك تأويلان أحدهما إنّ الناس في ذلك الزمان كانوا فريقين فريق منهم لا يصلّى الجمعة لأنّه كان لا يرى السلطان الجائر سلطاناً وسلطانهم يومئذ كان جائراً فإنّما كانوا لا يصلّون الجمعة لأجل ذلك؛ وكان فريق منهم ترك الجمعة لأنّ السلطان يؤخّر الجمعة عن وقتها في ذلك الزمان ويصلّون الظهر في دارهم ثم يصلون الجمعة مع الإمام ويجعلونها سبحة» إنتهى.

وبالجملة يجوز أن يعتقد ذلك الشخص عدم كون إمام تلك الصلاة مرضياً ولا يقول بما اشتهر بين أهل السنة من جواز الصلاة خلف كل برّ وفاجر كما هو مذهب الفرقة الناجية أيّدهم اللَّه تعالى بنصره.

وأما قوله «وسهل عندي قتله؛ إلى آخره» فالوجه فيه ظاهر بسهولة من قول شاعر أهل البيت:

شعر

وما سهلت تلك المذاهب فيهم على الناس إلّابيعة الفلتات

وأمّا ما أتى به من الإستدلال الّذي انشرح به صدر جاهليته فالظاهر إنّه أشار به إلى قوله «أحدها قوله صلى الله عليه و آله؛ إلى آخره» ودلالته على ما زعمه من كفر ذلك الشخص ممنوعة لأنّ ضمير رجعت في قوله «وإلّا رجعت عليه» غير راجع إلى

ص: 406

الكفر وهو ظاهر فهو إمّا راجع إلى نتيجة ذلك القول من المقت والخزي كما هو الظاهر من سوق أمثال هذا الكلام أو راجع إلى العداوة المفهومة من قوله عدوّ اللَّه لكن عداوة اللَّه تعالى شاملة للكافر والفاجر فعلى التقديرين لا يلزم منه الحكم بالكفر بل الحاكم بذلك كافر لجرأته على تأويل كلام النّبي صلى الله عليه و آله تأويل الجاهلين.

وأمّا التشبيه بالمصحف فلا يصدر إلّاعمن نبذه وراء ظهره بل ألقاه فيما ذكره وذلك فرع إثبات أنّ أبابكر آمن بالمصحف فضلًا عن أن يكون له قدر عند اللَّه تعالى ودون إثبات ذلك خرط القتاد كما عرفته مراراً وحققته أطواراً.

وأمّا ما ذكره من «أنّ خبر الواحد يعمل به في الحكم بالتكفير» فمجرد دعوى لا دليل عليه سوى تقرير وجوب الحد والتعزيز على من طعن أبابكر بالتكفير، وأمّا تضعيف قول النووي «في عدم تكفيره للخوارج مطلقاً ولو بسبب آخر غير الخروج» فقوى لكن إذا كان ذلك السبب مما وقع الاتفاق على صلوحه للسببية من الأمة وتحقق مثل هذا السبب في الطاعن على أبي بكر الّذى اختلف الأمة من غير الخوارج على كفره أو فسقه غير مسلّم كما عرفت.

تزييف استدلال القاضي السبكي بعدم دلالة دليله على مدّعاه

وأمّا ما نقله عن السبكي من قوله «إنّ الأصوليين لم ينظروا لما قلناه إنّ الحديث السابق دال على كفره» فمردود بما أريناكه من عدم دلالته على ذلك قطعاً.

وأمّا ما نقله عن إمام الحرمين من «أنّه يكفر نحو الساجد لصنم» فلا يجدي فيما نحن فيه لأنّ المخالف يدّعي أنّ الطعن في أبي بكر ليس في مرتبة الطعن في ساجد الصنم فكيف يصحّ تنظير تكفير أبي بكر بنحو السجود للصنم.

وأمّا قوله «نعم يلحق عندي بمن ورد النص فيهم من اجتمعت الأمة

ص: 407

على صلاحه وإمامته كابن المسيب؛ إلى آخره» فنعم الإلحاق لكن ليس أحد ممن سمّاهم هاهنا على الصلاح، أمّا ابن المسيب فلأنه كان ناصبياً قد اشتهر عنه الرغبة عن الصلاة على جنازة مولانا زين العابدين عليه السلام فقيل له ألا تصلي على هذا الرجل الصالح من أهل البيت الصالح؟ فقال صلاة ركعتين أحب إليّ من صلاة على الرجل الصالح من أهل البيت الصالح. وروي عن مالك إنّه كان خارجياً أباضياً.

وأمّا الحسن البصري فمع قطع النظر عن القوادح المروية فيه عن طريقة أهل البيت عليهم السلام قد سبق الرواية عن الشافعي إنّه قال «فيه كلام».

وأمّا ابن سيرين فقد كان مرائياً مصانعاً وقد قال صاحب جامع الأصول في آخر الجامع في ذكر الرجال عمران بن حطان البيدوي الخارجي وذكر انه روى عنه محمد بن سيرين «ولا اعتداد بمن يروى عن خارجي يكفر علياً عليه السلام».

في طعن بعض مشاهير أهل السنّة على بعض آخر منهم

وأمّا مالك والشافعي فقد طعن فيهما أصحاب أبي حنيفة وابن حزم الظاهري وغيرهما وأصحاب الشافعي كإمام الحرمين والغزالي وغيرهم طعنوا في أبي حنيفة ومالك بل قال ابن الجوزي في المنتظم «اتفق الكل على الطعن في ابي حنيفة، وكذلك تعرض البخاري في صحيحه لأبي حنيفة وذلك لردّه الأحاديث الصحيحة الصريحة كقوله «القرعه عندي قمار، والأشعار مثله» وهذا كماترى خلاف ما رواه سائر المسلمين عن النبي صلى الله عليه و آله.

تصريح جماعة من أكابر أهل السنّة بعدم جواز تكفير من سبّ الشيخين

وأمّا ما ذكره من «ان التكفير حكم شرعي سببه جحد ذلك أو قول أو فعل،

ص: 408

حكم الشارع بأنّه كفر» فمسلّم لكن لا نسلّم ما ذكره من أنّ سبّ أبي بكر من هذا القبيل والسند واضح مما اسبقناه مراراً وكذا الكلام في خبر الحلية فإنّا نقول بموجبه لكن لا نسلّم تحلّى أبي بكر بمدلوله وكونه من الأولياء فضلًا عن كونه أكبرهم وقس على هذا باقي كلماته بل سائر وجوهه الخمسة الآتية فلنضرب عنه صفحاً تحرزاً عن تضييع الوقت بأزيد من ذلك و نقول قد ذهب الشيخ الأشعري والغزالي والآمدي وفخر الدين الرازي وصاحب المواقف وصاحب المكاتيب المشهورة وأمثالهم من أكابر أهل السنة إلى عدم تكفير من سبّ الشيخين من الشيعة والرافضة ولنذكر ما ذكره الغزالي في كتاب المستظهري وصاحب المكاتيب قطب الدين الأنصاري الشافعي في مكاتيبه لأنّ تحصيلهما ربّما يتعسّر أو يتعذّر على سائر الناظرين-.

نقل قول الغزالي وصاحب المكاتيب بأنّ سبّ الصحابة لايوجب الكفر لذاته

قال الغزالي (1) بعد جملة من الكلام في تحقيق هذا المرام «فإن قيل: فلو اعتقد معتقد فسق أبي بكر وعمر وطائفة من الصحابة ولم يعتقد كفرهم فهل تحكمون بكفره؟ قلت لا نحكم بكفره وإنّما نحكم بفسقه وضلالته ومخالفته لإجماع الأمة ونحن نعلم أنّ اللَّه تعالى لم يوجب على من قذف محصناً بالزنا إلّاثمانين جلدة وإنّ هذا الحكم يشمل كافة الخلق ويعمّهم على وتيرة واحدة، وإنّه لو قذف قاذف أبابكر وعمر بالزنا، ما زادوا على إقامة حدّ اللَّه المنصوص عليه في كتابه ولم يدعوا لأنفسهم التميز بخاصية في الخروج عن مقتضى العموم.

فإن قيل: فلو صرّح مصرّح بكفر أبي بكر وعمر ينبغي أن ينزل منزلة ما لو كفر شخصاً آخر من آحاد المسلمين والقضاة والأئمة من بعدهم؟


1- قال الرازي في نهاية العقول: «لا يجوز تكفير الشيعة على السبّ لاعتقادهم كفر من يسبونه» منه نوّر اللَّه مرقده(كذا كان في حاشية الموضع)

ص: 409

قلنا هكذا نقول فلا يفارق تكفيرهم تكفير آحاد الأئمة والقضاة بل أفراد المسلمين المعروفين بالإسلام إلّافي شيئين.

أحدهما مخالفة الإجماع وخرقه فإنّ تكفير غيره ربما لا يكون خارقاً لإجماع معتدّ به.

الثاني إنّه ورد في حقّهم من الوعد بالجنة والثناء عليهم والحكم بصحة دينهم وثبات يقينهم وتقدّمهم على الخلق أخبار كثيرة فقائل ذلك إن بلغه الأخبار ثم اعتقد مع ذلك كفرهم فهو كافر لا بتكفيره إيّاهم ولكن بتكذيبه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فمن كذبه في كلمة من أقاويله فهو كافر بالإجماع؛ ومهما قطع النظر عن التكذيب في هذه الأخبار وعن خرق الإجماع نزل تكفيرهم منزلة تكفير القضاة والأئمة وآحاد المسلمين» انتهى كلامه.

بحث صاحب المكاتيب في أنّ إنكار أيّ إجماع يوجب الكفر

قال صاحب المكاتيب بعد نقل كلام الغزالي هذا في مكاتيبه:

«اگر كسى گويد كه امام غزالى فرموده كه كسى كه اخبار در تزكيه ايشان وارد است به او رسيده باشد و مع هذا تكفير ايشان كند كافر است و كريمه «إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَاتَحْزَنْ» (1)

بهمه كس رسيده چه قرآن متواتر الجميع است.

جواب آنستكه قرآن متواتر الجميع نيست نسبت با همه كس، چه كسى هست كه غير سوره فاتحه نخوانده و ايضاً آن كس كه آيه مذكوره به او رسيده باشد على سبيل التواتر شايد كه، اين كه آن صاحب مذكور در آيه ابوبكر است بر سبيل قطع نداند چه اين كه ورود آيه مذكوره در شأن ابوبكر است از قبيل ساير


1- توبه: 40.

ص: 410

شأن نزول آياتست كه در تفاسير و احاديث مذكور است و از اخبار آحاد است و ايضاً شايد كه آن كس بر آن باشد كه مراد از صاحب، صاحب لغوى است يعنى كسى كه با وى همراه بود در غار و از اين صاحبيت اصطلاحى كه كلام در آنست لازم نمى آيد پس اگر كسى انكار صحابيت او بنابر اين شبهات كند چگونه او را تكفير توان كرد؟ بلى اگر انكار صحابيت ابى بكر لذاته كفر باشد كفر او لازم آيد ليكن از سخن امام غزالى معلوم شد كه آن لذاته كفر نيست براى استلزام تكذيب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله كفر است و چون كسى آيه مذكوره به وى نرسيده باشد يا اعتقاد اينكه منزول فيه ابوبكر است نداشته باشد از انكار او صحابيت ابى بكر را تكذيب به قرآن و رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لازم نمى آيد چه دلالت آيه مذكوره بر معنى مذكور نه چنان دلالتى قطعى ضرورى است كه اگر كسى انكار كند ظاهر حال اين باشد كه او مضمر انكار قرآن است و ادعاى اين تأويل بهانه اى است كه براى خود ساخته.

اگر كسى سؤال كند كه گيرم كه نظر به آيه چنين است چه مى گوئى در خرق اجماع كه اكثر علماء بر آن رفته اند كه صاحب آن كافر است:

قال القاضي عياض في الشفاء «فأمّا من أنكر الإجماع المجرد الّذي ليس طريقه النقل المتواتر عن الشارع فأكثر المتكلمين والفقهاء والنظار في هذا الباب قالوا بتكفير كل من خالف الإجماع الصحيح الجامع لشروط الإجماع المتفّق عليه عموماً وحجتهم قوله تعالى:

«وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ» (1)

الاية؛


1- نساء: 115.

ص: 411

وقوله صلى الله عليه و آله: «من خالف الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام» (1)

.

جواب گويم اگرچه مذهب غزالى در اين مسئله نه مذهب جمهور است و خرق اجماع نزد او كفر نيست چنانكه در نقل مذكور شد امّا ما استناد به مذهب او مى جوئيم و مى گوئيم كه اجماعى كه خرق آن كفر است اجماعاً اجماعى است كه در امور دين باشد از عقائد اصليه و احكام عمليه مانند حرمت خمر كه اگر كسى انكار آن كند در اين انكار رفع حكمى است از احكام دين چه ثمره اين انكار آنست كه شرب خمر نمايند و در اين خرم دين است اما اجماعى كه نه امرى چنين باشد به انكار آن شخص كافر نمى شود مثلًا مجمع عليه است كه اين كعبه كه امروز بر آن طواف مى كنند بناكرده حجاج است اگر كسى اين را انكار كند او را تكفير نكنيم چه به انكار اين هيچ حكمى از احكام دين اختلال نمى يابد خواهى بناى حجاج باش خواهى بناى ديگرى، و اجماعى كه بر صحابيت است از اين قبيل است چه اگر كسى صحابيت كسى از صحابه را انكار كند با آنكه به تمام احكام دين اصولًا و فروعاً معترف باشد و به مضمون آن تمسك نمايد لازم نيايد از اين خرم چيزى از دين الا اينقدر هست كه اين در نفس خود باطل است چه معرفت صحابه نه از آن قبيل است كه بنفسها از اركان اسلام است همچون ايمان بخداى و ملائكه و كتب و رسل چنان كه در كلام غزالى گذشت و طوائف مبتدعه كه در شأن بعضى از صحابه نابايست گويند از خوارج و روافض هيچ از اصول و فروع دين بدان سبب از دست نگذاشته اند و آنچه از اصول و فروع دين در آن بر خلاف رفته اند از براى قصور نظر است كه داشته اند و اجتهاد باطل، نه از سبب آن نابايست گوئى آن ايشان را لازم شده.


1- أصول سرخسي، ج 1، ص 299

ص: 412

اگر كسى سؤال كند كه كسى اگر نابايست در شأن ابى بكر و عمر گويد بمجرد اين همه مستحق تعزير باشد و بس چنانچه در سخن غزالى گذشت كأنّ كه دل به اينقدر خشنود نمى شود و دوست مى دارد كه به اين استحقاق تكفير درست شود.

جواب آنست كه مقصود ما از سخن آنست كه خوارج و شيعه كافر نباشند چه اهل علم تكفير ايشان نكرده اند ايشان را مبتدع و ضال شمرده اند و همه ايشان نابايست مى گويند و عامل عمر بن عبدالعزيز از كوفه به وى نوشت كه شخصى سب عمر بن الخطاب كرده اگر رخصت فرمائى او را قتل كنم در جواب نوشت كه جايز نيست كه كسى را كه سب عمر كند قتل كنند الا وقتى كه سب پيغمبر كرده باشد اما سخنى گويم كه روشنى چشم تو و هر مؤمنى باشد و آن اين است كه حكم اين عصر و عصر سابق در اين باب تفاوت دارد و حكم خارجى و شيعى كه شبهه بر او مستولى شده يا به تشبه در عقائد كه او را با آباء دست داده نابايست مى گويد و حكم ديگرى يكسان نيست چه امروز ابى بكر و عمر در نفوس بنوعى نشسته كه كسى كه تهجم بر سب و قدح در ايشان كند كه نه از طوائف خوارج و روافض باشد اين نشانه خلاعت او است از دين، چه ايشان و دين امروز كالمتلازمين اند فيما يعرف الناس واين حكم از ابى بكر و عمر بمثل شافعى و ابى حنيفه نيز متعدى گردد در مرتبه بل بهمه ائمه دين و علماى متقين كه چون كسى نابايست درباره ايشان گويد بنوعى كه خلاعت از آن معلوم شود كافر است چه نشانه عداوت دين است چه عالم فيما يعرف هو به صاحب دين است پس كسى كه او را دشمن دارد دين را دشمن مى دارد و الا چه مرگ دارد» انتهى.

ص: 413

توضيح المصنّف لمدّعاه بما ذكره بعض فضلاء أهل السنّة

و يزيد ذلك وضوحاً ما ذكره بعض فضلاء أهل السنة في شرحه للشفاء المذكور حيث قال في شرح فصل عقده مصنف الشفاء لبيان حكم الفرق المعتقدين غير اعتقاد أهل السنة من المشبّهة والمجسّمة والمعتزلة والشيعة وغيرهم «إنّه يفهم من كلام المصنف في هذا المقام إنّ لمالك وأصحابه أقوالًا بالتكفير والقتل إن لم يقع لهم توبة وهو مشكل لأنّ القول بالتكفير في مثل هذا المقام أعني مقام» التأويل والاجتهاد يتعين عنه الإبعاد لأنه أمر عظيم الخطر مهوّل في الدين القويم، تحسبونه هيّناً وهو عند اللَّه عظيم، إذ هو عبارة عن الإخبار عن شخص إنّ عاقبته في الآخرة هو العقوبة الدائمة وإنّه في الدنيا مباح الدم والمال لا يمكن من نكاح مسلمة ولا يجري عليه أحكام الإسلام في حياته وبعد مماته والخطاء في ترك ألف كافر أهون عند اللَّه من الخطاء في سفك محجمة من دم مسلم ثم إنّ هذه المسائل الاجتهادية الّتي يحكم فيها هذا الحكم في غاية الدقة والغموض لكثرة شبهها واختلاف قرائن أحوالها وتفاوت دواعيها والاستقصاء في معرفة الخطاء مع كثرة صنوف وجوهه والاطلاع على حقيقة التأويل وشرائطه في الأماكن ومعرفة الألفاظ المحتملة للتأويل وغير المحتملة يستدعى معرفة طرق أهل السنة العربية في حقائقها ومجازاتها واستعاراتها ومعرفة دقائق علم التوحيد وغوامضه إلى غير ذلك وهذا متعذّر جدّاً؛ على أنّ ذلك مع انضمام الأغراض واختلاف التعصبات وتفاوت دواعي الخاصة والعامة في الأزمنة المختلفة إلى تلك الفتوى وقال عليه أفضل الصلاة والسلام «أجرأكم على الفتوى أجرأكم على النار فإنّ المفتي على شفير جهنم» (1)

هذا هو التحقيق في هذا المقام لاسيما الفتوى في مثل هذا المقام ولهذا ترددّ


1- كتاب الأربعين، محمّدطاهر القمّي الشيرازي، ص 638

ص: 414

أقوال الأئمة المحققين في ذلك فقال الإمام أبوالقاسم الأنصارى والقاضي أبوبكر والأستاذ أبو إسحاق الإسفراينى «ذكروا أقوالًا لأبي الحسن الأشعري في تكفير المتأوّلين متعارضة فالظاهر إنّه قد تردّد في ذلك».

في أنّ الحكم بكفر أهل القبلة من أصعب الأمور

وروى عبدالجبار البيهقي الخواري عن الإمام أحمد بن الحسين البيهقي عن أبي حارة العبدوي عن الإمام أبى علي زيد بن أحمد السرخسي «إنّه سمعه يقول: لمّا قرب حضور أجل الإمام أبي الحسن الأشعري في دارى ببغداد دعاني وقال أشهد على أنّنى لا أكفر أحداً من أهل القبلة لأنهّم يستوون إلى معبود واحد وقال الإمام أبوالحسن الأشعري أيضاً في صدر كتاب المقالات: «إختلف المسلمون في أشياء كثيرة ضلّل فيها بعضهم بعضاً وتبرّأ بعضهم من بعض إلّاإنّ الإسلام يشملهم ويعمهم ألاترى كيف سمّاهم مسلمين وإن كانوا مختلفين».

وقال الإمام الشافعي «إقبل شهادة من قال بالوعيد والخوارج إلّاالخطابية وهم قوم يشهد بعضهم لبعض من غير تفرقة في المذهب» ووافقه الإمام أبوحنيفة في ذلك وحكى القاضي عن أبي حازم عن المزني «إنّه كان يجعل أهل القبلة مع اختلافهم في مذاهبهم مسلمين، وقال: نمتنع عن تكفيرهم لأنّ المسائل الّتي اختلفوا فيها لطاف ودقاق يدقّ النظر فيها».

وقال إمام الحرمين في كتاب غياث الأمم «إن قيل لنافعلوا ما يقتضي التكفير وما يوجب التضليل والتبديع، قلنا هذا طمع في غير مطمع فإنّ هذا بعيد المدرك، عزيز المسلك، شمل من تيار بحار التوحيد، ومن لم يحط علماً بما هيأت الحقائق، لم يحصل من التكفير على وثائق، ولو أوغلت في جميع ما يتعلق بإذيال الكلام في هذا الباب لبلغ مجلدات ثم لا يبلغ الغايات».

ص: 415

وقال الأنصاري في نكت الأدلة «سمعت الأستاذ أبا القاسم القشيري يقول:

راجعت الأستاذ أبابكر بن فورك في هذه المسألة مراراً ولم يحرّ جواباً وقال حتى أنظر فانه دين».

وقال القاضي ابو المحاسن الروياني في الحلية «ولا ينبغي أن يصلّى خلف المبتدع فإن صلّى لا يلزمه الإعادة لأنّا لا نكفر أحداً من أهل المذاهب المختلفة».

وقال عليه الصلاة والسلام «من صلّى صلاتنا واستقبل قبلتنا واكل ذبيحتنا فله ما لنا وعليه ما علينا» (1)

ولهذا يناكحون ويقرّون عليه مع وجوب الاحتياط فهؤلاء هم العلماء أعضاد الدين وأعلام الإسلام تراهم كيف يحترزون من إطلاق التكفير فبهداهم اقتده؛ وإياك والاغترار بقول مجازف يوهمك التعصب للدين وقصده استتباع العوام واجتذاب الحطام والأغراض الدنيوية وهلاك الأعمال النفسية ومن خادع بالتمويه مولاه فقد باع دينه بدنياه وخسر أولاه وعقباه وليعلم الإنسان إن الدنيا زجاج ذو تلاويح وسراج في مدرك الريح والآخرة ملك أبدى وبقاء سرمدى عند جوار الحق في مقعد صدق فانظر أيّ الفريقين أحق بالأمن».

نقل ابن حجر مناقب الشيخين عن زعماء الشيعة وأئمتهم

قال: الباب الثاني فيما جاء عن أكابر أهل السنة من مزيد الثناء على الشيخين ليعلم براءتهما مما يقول الشيعة والرافضة من عجائب الكذب والافتراء وليعلم بطلان ما زعموه من أنّ علياً إنّما فعل

* ما مرّ عنه تقية ومداراة وخوفاً وغير ذلك من قبائحهم*


1- الفصول المهمّة في تأليف الأمّة، السيّد شرف الدين، ص 36

ص: 416

أخرج الدار قطني عن عبداللَّه الملقب بالمحض لقب به لأنّه أوّل من جمع ولادة الحسن والحسين رضي اللَّه عنهم وكان شيخ بني هاشم ورئيسهم وولده كان يلقّب بنفس الزكية وكان من أئمة الدين بويع بالخلافة زمن الإمام مالك بن أنس بالمدينة فأرسل المنصور جيشاً فقتلوه «إنه سئل أتمسح على الخفين؟ فقال أمسح فقد مسح عمر فقال له السائل: إنّما أسئلك أنت تمسح؟ قال ذلك أعجز لك أخبرك عن عمر وتسألني عن رأيي فعمر خير مني وملاء الأرض مثلي؛ فقيل له هذا تقية فقال نحن بين القبر والمنبر اللهم هذا قولي في السرّ والعلانية فلا تسمع قول أحد بعدى».

ثم قال: «من هذا الّذي يزعم أنّ علياً كان مقهوراً؟ وأنّ النبي أمره بأمر فلم ينفذه؟ فكفى بهذا ازراء ومنقصة له».

وأخرج الدار قطني أيضاً عن ولده الملقب بالنفس الزكية إنّه قال لمّا سئل عن الشيخين «لهما عندي أفضل من علي» وأخرج عن محمد الباقر إنّه قال: «أجمع بنو فاطمة رضي اللَّه عنهم على أن يقولوا في الشيخين أحسن ما يكون من القول».

وأخرج أيضاً عن جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر «أنّ رجلًا جاء إلى أبيه زين العابدين علي بن الحسين رضي اللَّه عنهم فقال أخبرني عن أبي بكر فقال عن الصديق؟ فقال وتسميه الصديق؟ فقال ثكلتك أمك قد سمّاه صدّيقاً رسول اللَّه صلى الله عليه و آله والمهاجرون والأنصار ومن لم يسمّه صديقاً فلا صدّق اللَّه عز وجل قوله في الدنيا والآخرة إذهب فأحب أبابكر وعمر رضى اللَّه عنهما» وأخرج أيضاً عن عروة عن عبداللَّه «سألت أباجعفر الباقر عن حلية السيف قال لا بأس به قد حلي أبوبكر الصديق رضى الله عنه سيفه قال: قلت تقول الصديق؟ قال نعم الصديق نعم الصديق نعم الصديق فمن لم يقل الصديق فلا صدّق اللَّه قوله في الدنيا وفي الآخرة» انتهى.

ص: 417

في جواب المصنّف رحمه الله عمّا نقله ابن حجر من المناقب المشار إليها

أقول:

ما نقله في هذا الباب من أكابر أهل البيت، لإحياء الميت، وإضاءة سراجه الفاقد للزيت، إمّافرية ناشئة من العصبية، أو صادرة عنهم على سبيل التقية، كما سنوضحه بعون خالق البرية، والظاهر أنّ هذا الشيخ الجاهل وأصحابه الوضّاعين لنصرة المذهب زعموا أنّهم إذا وضعو خبراً ينتهي اسناده إلى مولانا الباقر والصادق عليهما السلام أو إلى عبداللَّه المحض وولده النفس الزكية رضي اللَّه عنهما يغترّ الشيعة بمجرد ذلك ويحكمون بأنّه محض الصدق والصواب، ويعتقدون تزكية رجال اسناده ولو كانوا من ذوي الأذناب، فيقعون في مضيق الأفحام، ويحصل لهم فضيح الإلزام، وهذه غباوة لا تخفى على الورى، وحماقة لا تصدر إلا عن الكرى، أطرق كرى أطرق كرى، إنّ النعامة في القرى. وها أنا أبيّن ما في أكثر رواياته من أعمال التقية وجل ما زعمه من الدلائل القطعية وأضرب صفحاً عن التعرض للبقية تحرزاً عن تكثير السواد، وتضييع الوقت والمداد، في توضيح الواضح من الفساد، فأقول: أمّا ما رواه عن عبد اللَّه فبعد تسليم صحة سندها يتوجه عليه أنّ في عبارة متنها قرائن واضحة على أنّ السائل كان من أهل السنة وأنّ المسئول عنه تكلم معه تقية:

أمّا أوّلًا فلأن السائل سأل عن فعل عبداللَّه رضى الله عنه في المسح على الخفين وعدمه وهو قد أجابه بجواب غير مطابق لذلك السؤال فقال إنّ عمر كان يفعل ذلك حتى اعترض عليه السائل بأنّ جوابك غير مطابق لسؤالي ثم احتال رضى الله عنه في التخلص عنه بأن قال له «إنّ ذلك أعجز لك» ففي قوله رضى الله عنه هذا دليل على أنّ السائل كان من أهل السنة إذ لو كان من شيعته وشيعة آبائه عليهم السلام لكان فعل عبد من عبيدهم أعجز له من فعل عمر وأخويه فضلًا عنه رضى الله عنه.

وأمّا ثانياً فلأنّه لو لا ما ذكرناه لكان الظاهر من حاله أن يستند بما علمه في

ص: 418

المسئلة من فعل جده صلى الله عليه و آله أو آبائه عليهم السلام وحيث لم يستند بفعل أحد منهم عليهم السلام علم أنّهم لم يكونوا ماسحين على الخفيّن وإنّه رضى الله عنه لم يكن فاعلًا لما لم يفعله جدّه وآبائه الطاهرون عليهم السلام.

وأمّا ثالثاً فلأنّ قول السائل له ثانياً «هذا تقية» صريح في أنّه رضى الله عنه كان في معرض تهمة أعماله للتقية ومن البيّن أنّ المسئول عنه إذا علم أنّ سؤال السائل إنّما صدر على وجه الإمتحان وإنّه عند السائل متّهم بالرفض وإخفاء ما يعتقده خوفاً وتقية عن السائل لابدّ له أن يسلك في جوابه مسلك التقية حذراً عن الوقوع في التهلكة.

وأمّا رابعاً فلأنّ قوله رضى الله عنه «هذا قولي في السر والعلانية؛ إلى آخره» يحتمل أن يكون المشار إليه فيه بهذا التقية أي القول بالتقية قولي ففي كلامه هذا أيضاً إعمال التقية كما لا يخفى وكذا الكلام في قوله «من هذا الّذي يزعم أنّ علياً كان مقهوراً؟» فإنّ هذا الكلام مع صراحته في الوضع لقلة ارتباطه بكلام السائل إنّما يدل على إنكار زعم مقهوريته عليه السلام دائماً ومن كل أحد ولا يمكن أن يكون مراده إنكار زعم مقهوريته في الجملة والأوّل لا يفيد مطلوب الخصم والثاني اعنى انكار زعم مقهوريته في الجملة يكادأن يكون كفراً فكيف يكون مقصوداً من كلامه رضى الله عنه؟ وكذا الحال أيضاً في قوله رضى الله عنه «وان النبي صلى الله عليه و آله أمره بأمر فلم ينفذه؛ إلى آخره» لأنّ إنفاذ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مشروط بشروط مذكورة في محلّها وحينئذ يظهر أنّه رضى الله عنه لم يرد أنّ من أمره النبي صلى الله عليه و آله لا بدّ له من إنفاذه مطلقاً وإن منع عنه مانع شرعي، بل المراد وجوب إنفاده مع رفع الموانع ونحن معشر الإمامية نقول إنّ النّبي صلى الله عليه و آله أمر علياً عليه السلام بأن يتولّى إمامة المسلمين بعده لكن أوصاه أن لايتنابذن الثلاثة عند ظهور المخالفة منهم بل يصبر على آذاهم ويتوقف عن محاربتهم تقية كما مر، فظهر أنّ كل ما تكلم به عبد اللَّه رضى الله عنه إنّما كان كلمات مجملة مبهمة ناشئة عن

ص: 419

الخوف والتقية ولا دلالة لشي ء منها على ما قصده الخصم دلالة صريحة كما زعمه الجاهل.

وأمّا ما رواه عن النفس الزكية فبعد تسليم تزكية من بعده من رجاله لا يرحمهم اللَّه ولا يزكيهم وجه إعمال التقية فيه ظاهر لأنّ قوله «لهما» كما يحتمل أن يكون اللام فيه لام التأكيد على ما اغترّ به الراوي يحتمل أن يكون لام الجر بأن يكون المعنى أنّ لابي بكر وعمر عندي من هو أفضل من علي عليه السلام ويكون المراد بالأفضل نبينا صلى الله عليه و آله ووجه تخصيصهما باعتقاد وجود من هو أفضل من علي عليه السلام هو دلالة آية المباهلة على المساواة بين النّبي صلى الله عليه و آله وبينه عليه السلام كما صرّح به المحقق الطوسي رحمه الله في التجريد وحاصله أنّ اللَّه تعالى قال في آية المباهلة حكاية عن النبي صلى الله عليه و آله «وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ» (1)

وأجمع المفسرون على أنّ المراد بالنفس ههنا علي عليه السلام والإتحاد محال فلم يبق إلّاالمساواة في الصفات الفاضلة النفسية فيكون مساوياً له في الفضل.

لا يقال: كيف يتحقق المساواة في جميع صفات النفس ومنها النبوة الّتي لم تحصل لعلي عليه السلام؟ فيجوز ان يكون النّبي المتصف بهذه الصفة الكاملة العالية أعني النبوة أعظم منزلة عند اللَّه تعالى من غير المتصف بها لأنا نقول:

إن أراد بالنبوة بعث إنسان على الوجه المخصوص فظاهر إنّ ذلك ليس من صفات النفس. وإن أراد به الصفة الكامله النفسية الّتي ينبعث منه البعث المذكور فلا يمتنع أن يكون تلك الصفة حاصلة لعلي عليه السلام، غاية الأمر إنّ خصوصية خاتمية نبينا صلى الله عليه و آله منعت عن بعثه على الوجه المخصوص كما روى الجمهور من أنّ النّبي صلى الله عليه و آله قال في شأن عمر «لو كان بعدي نبي لكان عمر» وبالجملة إنّه عليه السلام كان مستجمعاً


1- آل عمران: 61.

ص: 420

للصفات الصالحة لترتب النبوة عليها عند اللَّه تعالى لكن خاتمية نبينا صلى الله عليه و آله منع عن بعث علي عليه السلام وإطلاق الإسم عليه شرعاً، ويؤيد ذلك ما رواه محمد بن يعقوب الكليني الرازي رحمة اللَّه عليه في الجامع الكافي في باب «أنّ الأئمة هم أركان الأرض عليهم السلام» بإسناده إلى أبي جعفر عليه السلام إلى أن قال: «وقال أميرالمؤمنين عليه السلام أنا قسيم اللَّه بين الجنة والنار لا يدخلهما داخل إلا على حد قسمي، وأنا الفاروق الأكبر، وأنا الإمام لمن بعدي، والمؤدي عمن كان قبلى، لا يتعدي مني إلى أحد إلّاأحمد صلى الله عليه و آله، وإنّى وإيّاه لعلى سبيل واحد إلّاأنّه هو المدعو باسمه» (1)

أي الرسالة والنبوة إلى آخره؛ الحديث. هذا وإيراد الألفاظ المحتملة لا يستعبد من العامل بالتقية كما مرّ لظهور أنّ هذا المقام أنسب بإعمال التقية والإلغاز من الإفصاح والإبراز.

وأمّا ما رواه عن مولانا الباقر عليه السلام ففيه أنّ ما أخبر به عليه السلام من إجماع بني فاطمة رضي اللَّه عنهم على ما ذكر إنّما كان خوفاً وتقية عن بني أمية التابعين لهما أو عن جماعة أخرى من أتباعهما الّذين كانوا في ذلك الزمان إذا سمعوا سبّ الشيخين من لسان أحد الشيعة بادروا في مقابله بسبّ علي عليه السلام ويؤيد هذا ما روى عن الصادق عليه السلام في تفسير قوله تعالى «وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ» (2)

حيث قال عليه السلام: «لا تسبوهم فانّهم يسبون عليكم» (3) وأيضاً عدوّ له عليه السلام عن أن يقول أجمع المسلمون أو نحوه إلى قوله «أجمع بنو فاطمة» يدل على أنه إنّما ذكر هذا الكلام لدفع ضرر متوجه إليهم من اتّهامهم بعدم كونهم قائلين في الشيخين أحسن ما يكون من القول ولو لا ما ذكرناه لكان


1- كافى، ج 1، ص 196
2- انعام: 108.
3- تفسير صافى، ج 2، ص 148

ص: 421

أقلّ ما يناسب مقام التأكيد أن يقول أجمع بنوهاشم حتى يشمل سائر ذرية علي عليه السلام ممن لا يكون فاطمياً وغيرهم من آل عباس وعقيل وجعفر ونظائرهم.

وأيضاً: نحن نعلم علماً قطعياً إنعقاد الإجماع من بني فاطمة عليها السلام على أن لا يقولوا في أحد من آحاد المسلمين إلّاأحسن ما يكون من القول فأيّ وجه لتخصيصه عليه السلام ذلك بالشيخين من بين جميع المسلمين ثم من بين جميع الأصحاب ثم من بين الخلفاء الأربعة، لو لا قيام تهمة في شأنهم وعروض خوف وتقية لهم من نسبتهم إلى القدح في الشيخين والوقوع فيهما؛ على أنّا نقول: لا ريب في أنّ أحسن القول في شأن الشيخين ما استحقاه من المطاعن المتواترة المتداولة على ألسنة الشيعة وغيرهم كما إنّ أحسن القول في حق الشيطان لعنه والاستعاذة منه، فالرواية المذكورة لنا لا علينا.

وأمّا ما رواه عن مولانا الصادق عليه السلام أيضاً من التعبير عن أبي بكر بالصديق والمبالغة فيه فمدخول بأنّ الرجل السائل عنه عليه السلام إن كان من أهل السنّة فوجه التقية ظاهر وإن كان من الشيعة فالظاهر إنّه قد حضر هناك غيره من المخالفين أو عرف عليه السلام من حاله إنّه إذا سمع فساد حال أبي بكر من لسانه عليه السلام لا يطيق السكوت بعد ذلك فيطعن فيه فيقع في الضرر فشدّد عليه السلام عليه صوناً له عن الوقوع في التهلكة وهذا كما روي أنّ مولانا الكاظم عليه السلام كتب بعض الأيام إلى علي بن يقطين رحمه الله من خلّص شيعته وكان من وزراء هارون العباسي «أن أغسل الرجلين في الوضوء بدل المسح» وشدّد عليه في ذلك فجرى علي رحمه الله على ذلك أياماً بمجرد امتثال أمره عليه السلام مع علمه بأنّ وجوب غسل الرجلين ليس من أصول مذهب أهل البيت عليهم السلام وقد اتفق في أثناء ذلك سعاية بعضهم له رحمه الله إلى هارون بنسبة إلى كونه من خلّص شيعة الكاظم عليه السلام ومن المتدينين بدين الإمامية فأمر هارون بإحضاره ذات يوم وأشغله امتحاناً له في بعض بيوت دار الخلافة بأمر من الأمور طويل اليوم

ص: 422

وكان ينظر اليه من كوة ذلك البيت سرّاً حتّى رآه إنّه توضّأ عند دخول وقت صلاة الظهر وغسل رجليه فاعتذر إليه وأكرمه وأساء إلى من سعى فيه ولمّا انقضى هذا الامتحان أرسل عليه السلام إليه كتاباً مشتملًا على أمره بالمسح وإظهار أنّ الأمر السابق إنّما كان لعلمه عليه السلام بما يبتلي به من الامتحان في الوضوء.

إن قلت: إنّه عليه السلام إمّا كاذب في قوله «قد سمّاه صدّيقاً رسول اللَّه صلى الله عليه و آله» وهو لا يليق بعصمته وطهارته، وإمّا صادق وكفى به فضلًا لأبي بكر.

قلت: جاز أن يكون ذلك تهكّماً على من زعم إنّ تلك الشبهة قد وقعت عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وإن يكون بناء على قوله صلى الله عليه و آله «من ابتلي ببليتين فليختر أيسرهما» ومضمون المقدمة مذكور في الكتب الكلامية القائلة إن ارتكاب أقل القبيحين للتخلّص واجب فتدبر.

وأمّا ما رواه من خبر حلية السيف، فبعد الإغماض عما في رجال سنده من الزيف، يتوجه أنّ ذكر الصدّيق فيه إمّا من إضافات الراوي تعظيماً له كما قد يضيف الراوي المتأخر لفظ «عليه السلام، و رضي اللَّه عنه» مع فقد أنّه في عبارة الراوي المتقدم أو لأجل تحصيل التميز للمخاطب من غير تصديق بمضمونه أو للاستهزاء كما في قوله تعالى «ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ» (1)

أو للتقية عن السائل.

وأمّا قوله عليه السلام «قد حلى أبوبكر سيفه» فليس المقصود من الاستدلال عدم البأس بفعل أبي بكر من حيث أنه فعله بل بعمله ذلك زمن النّبي صلى الله عليه و آله وبمحضر فيه وتقرير النّبي صلى الله عليه و آله إيّاه فالحجة في تقرير النّبي صلى الله عليه و آله لا في مجرّد فعل أبي بكر وهو ظاهر.

قال:

واخرج أيضاً عن جعفر الصادق رضى الله عنه إنّه قال: ما أرجو من شفاعة علي شيئاً إلّاوأنا أرجو من شفاعة أبي بكر مثله ولقد ولدني مرّتين انتهى.

أقول:

يدل على كذب هذا الخبر إنّ صاحب الشفاعة العظمى هو جده صلى الله عليه و آله


1- دخان: 49.

ص: 423

فلا يليق به عليه السلام نسيان شفاعة جده صلى الله عليه و آله وإظهار رجاء شفاعة غيره سيّما أبوبكر الّذي لا شافع له ولا حميم «يَوْمَ لَايَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ» (1)

اللهم إلّاأن قصد به مجرد التقية فافهم.

وأمّا قوله عليه السلام «ولقد ولدنى مرّتين» فبيان للواقع لا للافتخار به كيف وقد مرّ الاتفاق على أنّ قوم أبي بكر أرذل طوائف قريش وقد وقع التصريح به من أبي سفيان كما مرّ.

وقال علي عليه السلام في شأن محمّد بن أبي بكر «إنه ولد نجيب من أهل بيت سوء» فتدبر.

ذكر ابن حجر بعض مناقب زيد الشهيد واستدلاله بكلامه على مدّعاه

قال:

وأخرج أيضاً عن زيد بن علي أنه قال لمن يتبرّأ منهما: إعلم واللَّه إنّ البراءة من الشسيخين البراءة من علي فتقدم أو تأخر وزيد هذا كان إماماً جليلًا استشهد في صفر سنة إحدى وعشرين ومائة ولما صلب عرياناً جاءت العنكبوت ونسجت على عورته حتى حفظت عن رؤية الناس فانه استمر مصلوباً مدة طويلة وكان قد خرج وتابعه خلق من الكوفة وحضر إليه كثير من الشيعة فقالوا له أبرأ عن الشيخين ونحن نبايعك فأبى، فقالوا إنّا نرفضك فقال اذهبوا فأنتم الرافضة فمن حينئذ سمّوا الرافضة وسميّت شيعته بالزيدية انتهى.

في الجواب عمّا استدلّ به ابن حجر على مدّعاه من كلام زيد

أقول:

بعد تسليم صحة السند أراد رضى الله عنه البراءة من علي إن علياً عليه السلام أمر شيعته بالتقية والاحتراز عن الطعن في أبي بكر وعمر فمن تبرأ عنهما تبرأ عن علي عليه السلام


1- شعراء: 88، 89.

ص: 424

لمخالفة أمره وأمّا ما ذكره من «أنّ الشيعة الّتى حضروا إليه قالوا له أبرأ عن الشيخين؛ إلى آخره» فكذب محض لانّ الشيعة لو لم يعلموا علماً قطعياً بأنّ زيداً رضى الله عنه على ما عليه آبائه عليهم السلام من فساد حال الشيخين لما حضروا إليه من أول الأمر ولما اغتروا بإظهار تبريه لهما أيضاً لتجويزهم أعماله للتورية حينئذ وانّما توهم المخالف ذلك من حال زيد رضى الله عنه ومقاله من قول بعضهم لزيد عند اضطراره إلى الحرب مع قلة الأنصار «أين أبوبكر وعمر؟» يعنى لو كانا خليفة في هذا الزمان لما اضطر زيد إلى ذلك فقال رضى الله عنه هما أقامانى هذا المقام فتوهم بعض من سمع ذلك أنّ مراده رضى الله عنه إنّ عدم التبرّي عنهما صار سبب فقد انصاره من الشيعة وليس كذلك بل كان مراده إنّ غصبهما الخلافة عن آبائه عليهم السلام وحملهما الناس على رقاب آل محمد صلى الله عليه و آله أوجب إذلال زيد وسائر أولادهم رضي اللَّه عنهم وجرأة من غصب الخلافة بعدهما من بني أمية على سفك دمائهم وإقامتهم مقام فنائهم وإلّا فإنّما تركه الشيعة بعد اطلاعهم على عدم رضى إمام زمانهم مولانا الصادق عليه السلام بخروج زيد وإنّه منعه عن ذلك وأخبره بأنّه لو خرج قتل فكان خروجهم معه معصية، وغاية ما يلزم من تسمية هؤلاء الطائفة بالرافضة رفضهم لنصرة زيد لا لنصرة الحق كما زعمه أهل الباطل.

قال:

وأخرج الحافظ عمر ابن شبة إنّ زيداً هذا الإمام الجليل قيل له: إنّ أبابكر انتزع من فاطمة فدك فقال إنّه كان رحيماً فكان يكره أن يغيّر شيئاً ترك رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فأتته فاطمة رضي اللَّه عنها فقالت له إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أعطانى فدك فقال هل لك بيّنة فشهد لها علي وأمّ أيمن فقال لها فبرجل وامرأة تستحقيها؟ ثم قال زيد: «واللَّه لو رجع الأمر فيها إليّ، لقضيت بقضاء أبي بكر رضى الله عنه» انتهى.

أقول:

لا يخفى ما في هذا الخبر من التناقض الدال على تلاعب زيد رضى الله عنه مع السائل تقية لأنّه إذا كان أبوبكر لم يغيّر شيئاً تركه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فقد كان فدك شيئاً تركه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لفاطمة عليها السلام كما مر ويدل عليه قولها ههنا «أعطاني رسول اللَّه صلى الله عليه و آله

ص: 425

فدك» فكان يجب عليه أن لا يغيره ولا يخرجه عن يدها عليها السلام وقوله قال لها «هل لك بيّنة» تذكر لجوره في الحكم بطلب البينة عنها عليها السلام لما مر من أنّ فدك كان مالًا في يد فاطمة عليها السلام «والبينة على المدّعي واليمين على من أنكر» وكذا في قوله «فبرجل وامرءة تستحقيها؟» تذكر لظلمه عليها في عدم اكتفاءه في الشهادة على ذلك كما سبق بيانه فدلالة كلامه على الذم هو الظاهر كما لا يخفى.

وأمّا قوله رضى الله عنه «لو رجع الأمر فيها إليّ، لقضيت بقضاء أبي بكر» فليس أول قارورة كسرت في الإسلام لأنّ علياً عليه السلام قضى في ذلك عند رجوع الأمر إليه بما قضى أبوبكر لما مر من أنّ تصرّفه في فدك كان يستلزم الطعن في عمل الشيخين وإنّه عليه السلام لم يكن قادراً على تغيّر بدعهم والطعن على أحكامهم فكلامه رضى الله عنه دليل على وجوب إعمال التقية عليه بموافقة أبي بكر في القضاء عند رجوع الأمر إليه كما فعله آباءه عليهم السلام فتدبر.

قال:

وأخرج أيضاً ابن عساكر عن سالم بن أبي الجعد قلت لمحمد بن الحنفية رضى الله عنه: «هل كان أبوبكر أول القوم إسلاماً، قال لا؟ قلت: فبمن علا أبوبكر؟

قال لأنّه كان أفضل إسلاماً حين أسلم حتى لحق بربّه» انتهى.

أقول:

لا ذكر في كتب رجال الإمامية لسالم المذكور أصلًا لا في المقبولين ولا في المردودين فهو من المجهولين عندهم نعم هو مذكور في التقريب لابن حجر العسقلاني الشافعي حيث قال: «سالم بن أبى الجعد رافع الغطفاني الأشجعي مولاهم الكوفي ثقة كان يرسل كثيراً» وقال عند ذكر الكنى: «إنه صدوق تكلم فيه الأزدي بغير حجة» انتهى والظاهر إنّه إنّما حكم بصدقه لأجل اختراعه مثل هذه الروايات والأزدى المسكين غفل عن هذه الدقيقة وإلّا لما تكلم فيه ولو بحجة فافهم.

ثم الظاهر إنّ مراد السائل سؤآله عن وجه علوّ أبي بكر في أرض الخلافة،

ص: 426

واستعلائه على عرش الإمامة، وقوله رضى الله عنه «لأنّه كان أفضل إسلاماً حين أسلم» لا يصلح وجهاً له إلّاتهكّماً واستهزاء لأنّ غاية ما يدل عليه أفضلية إسلام أبي بكر حين إسلامه على ما بعده من الأحيان وليس في ذلك دلالة على فضيلة يستحق بها الخلافة بل يدل على سوء عاقبته بمخالفته رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في ذلك ونحوه بعد حين فتأمل.

استدلال ابن حجر على زعمه بقول الباقر والصادق عليهما السلام والجواب عنه

قال:

وأخرج الدار قطني عن سالم بن أبي حفصة وهو شيعى لكنه ثقة قال: سألت أباجعفر محمد بن علي وجعفر بن محمد عن الشيخين فقالا: يا سالم تولّهما وابرأ من عدوهما فانهما كانا إمامي هدى انتهى.

أقول:

وثاقة سالم هذا غير مسلّمة بل هو معتل أجوف غير سالم عن القدح، لأنّه كان زيدياً بترياً سمّى هو وأصحابه بذلك من قول زيد رضى الله عنه لهم «بتركم اللَّه» على ما فصّل في كتب رجال أصحابنا الإمامية أيّدهم اللَّه تعالى وقد لعنه مولانا الصادق عليه السلام وكذّبه وكفّره وقس على هذا سائر الأخبار المنقولة عنه لعنه اللَّه.

78 قال:

وأخرج عنه أيضاً قال دخلت علي ابن جعفر وفي رواية على جعفر ابن محمد فقال وأراه قال ذلك من أجلى: اللهم إنّى أتولىّ أبابكر وعمر وأجهما، اللهم إن كان في نفسي غير هذا فلا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه و آله يوم القيامة انتهى.

أقول:

الظاهر إنّ ضمير ذلك في قول سالم الراوي «وأراه قال ذلك لأجلي» إشارة إلى ما ذكره بعد ذلك من قول الإمام عليه السلام «اللهم إنّى أتولّى أبابكر؛ إلى آخره» فقوله «قال ذلك من أجلى» أى لأجل خاطري صريح في أنّه فهم منه عليه السلام إعمال التقية معه في ذلك فكيف يستدل به الشيخ الجاهل الذاهل على مطلوبه ثم الأولى

ص: 427

بهم نسبة هذا الخبر الموضوع لهم إلى أبي جعفر عليه السلام دون جعفر عليه السلام لأنّه لا يوافق الحديث المنقول عنه سابقاً الّذي ترك فيه رجاء شفاعة النبي صلى الله عليه و آله إلى رجاء شفاعة أبي بكر بل الموافق له ان يقول «اللهم أن كان في نفسي غير هذا فلا نالتني شفاعة أبي بكر» فافهم.

قال:

وأخرج عن جعفر أيضاً إنّه قيل له: إنّ فلاناً يزعم إنّك تتبرأ من أبي بكر وعمر فقال برء اللَّه من فلان إنى لأرجو أن ينفعني اللَّه بقرابتي من أبي بكر «ولقد مرضت فأوصيت إلى خالي عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر رضي اللَّه عنهم» انتهى.

أقول:

هذا أيضاً كسابقه مما ذكره عليه السلام لأجل خاطر سالم لعنه اللَّه تقية منه وضحك به على لحيته ولا دلالة في قوله عليه السلام «نفعني اللَّه بقرابتي من أبي بكر» على النفع الديني ولا حصوله وحصول النفع الدنيوي منه نفسه إذ يكفي في صدق ذلك صدور هذا النفع من أولاده الصالحين كما يرشد إليه قوله عليه السلام «ولقد مرضت فأوصيت؛ إلى آخره» تدبر.

قال:

وأخرج هو أيضاً والحافظ عمر بن شبة عن كثير قلت لأبي جعفر محمد بن علي: أخبرنى أظلمكم أبوبكر وعمر من حقكم شيئاً؟ فقال ومنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً ما ظلمنا من حقنا ما يزن حبة خردلة. قال قلت أفأتولّاهما جعلني اللَّه فداك؟ قال نعم يا كثير تولّهما في الدنيا والآخرة انتهى.

اقول:

إن أراد بكثير ما هو بالتصغير وهو الشاعر المشهور من مادحي أهل البيت فقد وصفه اليافعي بأنه كان شيعياً غالياً قائلًا بالرجعة فكيف يجري بينه وبين مولاه ما ذكره من الكلمات وهو يبقى على خلاف ما أمره مولاه وهل الغلوّ في التشيع إلّاتناول الشيخين بالوقيعة والتبري عنهما؟ أو أراد الكثير بصيغه التكبير فلا اعتناء بالغير، ولا خير في كثير.

ص: 428

نقل ابن حجر عن الشافعي كذباً عجيباً تضحك منه الثكلى

قال:

وأخرج أيضاً عن الشافعي رضى الله عنه عن جعفر بن أبي طالب قال: وليّنا أبوبكر خير خليفة وأرحمه لنا وأحناه علينا. وفي رواية، فما ولّينا أحد من الناس مثله. وفى رواية، فما رأينا قط خيراً منه. انتهى.

اقول:

قد اتفق الجمهور من أرباب السير والتواريخ على أنّ جعفر بن أبي طالب رضي اللَّه عنهما استشهد في غزوة موتة في سنة ثمان من الهجرة في زمان النّبي صلى الله عليه و آله فكيف أخبر لغيره عن حسن ولاية أبي بكر وخلافته ومتى رأى ذلك؟

اللهم إلّاأن يقال إنّه لمّا روي أنّه رضى الله عنه طار عند الشهادة إلى الجنة فربما نزل بعده إلى أسلاف الشافعي في بعد الأحيان وأخبره بذلك هذا وإذا كان هذا حال الشافعي إمامهم في الوضع والجهل المذموم، فكيف يكون حال المأموم.

في ادّعاء ابن حجر أنّ نزول آية (ونزعنا...) في الشيخين وعلي عليه السلام

قال:

وأخرج أيضاً عن أبي جعفر الباقر إنّه قيل له إنّ فلاناً حدثني أنّ علي ابن الحسين قال هذه الآية «وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ» (1)

نزلت في أبي بكر وعمر وعلي قال واللَّه انها لفيهم أنزلت، ففي من أنزلت إلّافيهم؟ قيل فأيّ غل هو؟

قال غل الجاهلية إنّ بني تيم وبني عدي وبني هاشم كان بينهم شي ء في الجاهلية فلمّا أسلم هؤلاء القوم تحابوا فأخذ أبوبكر الخاصرة فجعل على يسخن يده ويكمد بها خاصرة أبي بكر فنزلت هذه الاية فيهم وفي رواية له عنه أيضاً قلت لأبي جعفر وسألته عن أبي بكر وعمر فقال ومن شك فيهما فقد شك في السنة انتهى.


1- اعراف: 43.

ص: 429

في الجواب عن ادّعاء ابن حجر أنّ نزول آية (ونزعنا...) في الشيخين وعلي عليه السلام

أقول:

لا يخفى إنّ سوق الآية يدل على أنّ الضمير في صدورهم راجع إلى الجمع المدلول عليه قبل ذلك بقوله «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» (1)

وأمّا كون المنزول فيهم مجموع أبي بكر وعمر وعلى فغير مسلّم عندنا وكون ذلك مروياً عن الباقر عليه السلام ممنوع موضوع عليه وإنّما الرواية الصحيحة ما في مسند أحمد بن حنبل من أنّها نزلت في علي عليه السلام وأيضاً إن أريد أنّ مفاد الآية نزع بعض أقسام الغل عن صدورهم فلا يفيدكم وان أريد نزع مطلق الغل فغير مسلّم كيف والمذكور في ضمن هذاالخبرأنّ المراد نزع الغل والعداوة الّتي كانت بينهم في الجاهلية فيجوز أن يكون في صدور الشيخين غل الحسد مع علي عليه السلام على ما آتاه اللَّه من فضله كما ذكره هذا الشيخ الناسي عند ذكر الآية في فضائل أهل البيت عليهم السلام وصرّح بمثله في مواضع أخرى قد أشرنا إليها آنفاً فتذكر.

وأيضاً ينافي كون المنزول فيهم من ذكر ظاهر ما سيذكر بعد ذلك رواية عن محمد بن حاطب من أنّه سأل علياً عليه السلام في من قتل عثمان وكان متكئاً فقال يا ابن حاطب واللَّه إني لأرجو أن أكون أنا وهو كما قال اللَّه تعالى «وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ» (2)

فانه لو كان علي عليه السلام من جملة المنزول فيهم لكان دخوله في الآية محققاً عنده لامرجواً له، اللهم إلّاأن يقال إنّ رجاءه لذلك إنّما كان باعتبار ضمّه لعثمان معه أو يقال إنّ الضمير الغائب أعني هو في قوله «أنا وهو» ليس راجعاً إلى عثمان بل هو راجع إلى من قتل عثمان وهو محمد بن أبي بكر مع بعض أصحابه وحينئذ يكون المراد بالغل المنزوع عداوة الإسلام لا عداوة عثمان ضرورة إنّ


1- اعراف: 42.
2- اعراف: 43.

ص: 430

عداوة عثمان عند أهل البيت عليهم السلام من كمال الإسلام وشرائط الإيمان كما روي انه قال رجل لعلي عليه السلام: «أحبّك وأتولى عثمان فقال له ألان أنت أعور، فإما أن تعمى وإما ان تبصر» على أنّ الظاهر من توسيط قوله تعالى «وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ» بين قوله «أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» (1)

وبين قوله «تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ» (2)

إنّ كلًا من نزع الغل من صدورهم وجريان الأنهار من تحتهم مما يتصفون به في الجنة لا في أرض الحجاز وقد صرح بذلك أيضاً صاحب الكشاف حيث قال «أي من كان في قلبه غل من أخيه في الدنيا نزع منه فسلمت قلوبهم فطهرت ولم يكن إلّاالتواد والتعاطف وعن علي كرّم اللَّه وجهه لأرجو أن أكون وعثمان وطلحة والزبير منهم» انتهى، فمع توجه ما أريناكه من أقسام الاختلال على ذلك الإستدلال كيف يعقل إسناده إلى الإمام المؤيد المعصوم عليه السلام بل يمنع عن إسناده إليه عليه السلام أيضاً قوله «ففيمن نزلت إلّافيهم؟» فانه يدل على أنّه لم يكن في طوائف الأصحاب وآحادهم من يصلح نزول الآية المذكورة فيهم مع أنّ نظير هذه الآية قد ورد في شأن الأوس والخزرج من الأنصار الّذين كان بينهم في الجاهلية من الغل والاغتيال، ما لا يخفى على متتبع الأحوال، فهذه العبارة الّتي لا يرضى بها الفصيح تدل أيضاً على أنّه موضوع عليه عليه السلام.

وأمّا ما نسبه في الرواية الأخرى إليه عليه السلام من أنّه قال «من شك في أبي بكر وعمر فقد شك في السنّة» فلا نشك في صدقه لأنّ السنة الّتي نسب أهل السنة أنفسهم إليها إنّما هي سنة أبي بكر وعمر بل سنة معاوية في سبّه علياً عليه السلام لا سنة النّبي صلى الله عليه و آله كما أوضحناه في موضعه فيكون متفرعاً على يقين صحّة خلافتهما ولا ريب


1- اعراف: 42.
2- اعراف: 43.

ص: 431

إنّ الشك في الأصل موجب للشك في الفرع، فتدبر.

قال:

وأخرج عن أبي جعفر أيضاً عن أبيه علي بن الحسين رضي اللَّه عنهم إنّه قال لجماعة خاضوا في أبي بكر وعمر ثم في عثمان؛ ألا تخبروني أنتم المهاجرون الأوّلون «الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ» (1)

؟ قالوا لا، قال فأنتم «الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ» (2)

؟ قالوا لا، قال أما أنتم فقد برئتم أن تكونوا في أحد هذين الفريقين وأنا أشهد أنكم لستم من الّذين قال اللَّه عز وجل فيهم: «وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ» (3)

انتهى.

أقول:

إنّ ما نقله عنه عليه السلام إنّما يدل على أنّ المخاطبين لم يكونوا من الفريقين المذكورين في الآيتين ولا دلالة له على أنّ الثلاثة كانوا داخلين فيهما وبالجملة هذا كلام مجمل مبهم مستعمل في مقام التقية وإجماله أقوى قرينة على ذلك فلا ينتهض حجة علينا أصلا ودعوى أنّ دخولهم في الآيتين قد علم من خارج غير مسموعة، يرشد إليه وجوب خروج أبي بكر عن عموم الفقراء في الآية الأولى لأنّه كان عند أوليائه غنياً ذا يسار، كثير المال، واسع الحال، كما صرحوا به وليس لهم أن يتأولوا الفقر في الآية بالفقر عند الهجرة مدعياً إنه تصدق قبل ذلك بجميع ماله كما تكلفه بعضهم لأنّهم مطالبون بإثبات ذلك وقد نفيناه عن أصله في كتابنا الموسوم بمصائب


1- حشر: 8.
2- حشر: 9.
3- حشر: 10.

ص: 432

النواصب، بوجوه لا يخفى وقعها على المتأمل الراسب، وأمّا الآية الثانية فقد نزلت في شأن الأنصار وهو الظاهر من قوله تعالى «يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ» (1)

فتدبر.

استدلال ابن حجر على فضائل الشيخين

قال:

وأخرج أيضاً عن الحسين بن محمد بن الحنفية إنه قال يا أهل الكوفة اتقوا اللَّه عز وجل ولا تقولوا لأبي بكر وعمر ما ليسا بأهل له إنّ أبابكر الصديق رضى الله عنه كان مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في الغار ثاني اثنين وإنّ عمر أعزّ اللَّه به الدين انتهى.

ردّ استدلال ابن حجر على فضائل الشيخين بأنّه لا دلالة لدليله عليها

أقول:

الحسين هذا ليس عنه ذكر في كتب الرجال منا ولا في كتاب التقريب الّذى هو أشمل كتب أهل السنة للرجال على أنّه يمكن أن يكون مراده بقوله «اتقوا اللَّه» الأمر بالتقية كما فسر قوله تعالى «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ» (2)

بأنّ المراد أعملكم بالتقية فسقط الاستدلال وبالجملة ما روي عنه كلام مجمل مبهم لا يصدر مثله إلّافي مقام التقية، أمّا لفظ «اتقوا» فلما عرفت. وأما قوله «ولا تقولوا لأبي بكر وعمر ما ليسا بأهل له» فلما مر من أنّ ما يستأهله الشيخان عند أهل البيت وشيعتهم هو الذم دون المدح، فهذا الخبر لنا لا علينا. ولا ينافي هذا الحمل ما استدل به رضى الله عنه بعد ذلك مما يوهم اعتقاده فيهما اتصافهما بالفضل والكمال لأنّ هذا مجرد وهم، لا يذهب إليه من له أدنى فهم.


1- حشر: 9.
2- حجرات: 13.

ص: 433

وأمّا ما ذكره رضى الله عنه من صحبة الغار، فلمّا سنبينه في موضعه اللائق به من أنّه لا يوجب لأبي بكر إلّاالعار والشنار.

وأمّا قوله «إنّ عمر أعزّ اللَّه به الدين» فلأنّه في الحقيقة إشارة إلى فجوره وتذكر لقوله صلى اللَّه عليه وآله «إن اللَّه ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر» (1)

والملّخص إنّه قد جرت عادة الأئمة عليهم السلام وأكابر شيعتهم فى مقام عروض الخوف والتقية أن يضحكوا على لحية الخصام، بإلقاء مثل هذه الكلمات الجامعة البالغة في درجات الإيهام والإبهام الّذي لا يطلع على حقائقها إلّاذوو الأفهام.

قال:

وأخرج أيضاً عن جندب الأسدي إنّ محمد بن عبد اللَّه بن الحسن رضي اللَّه عنه أتاه قوم من أهل الكوفة والجزيرة فسألوه عن أبي بكر وعمر فالتفت إلىّ فقال أنظر إلى أهل بلادك يسألوني عن أبي بكر وعمر؟ لهما عندي أفضل من علي انتهى.

اقول:

يتوجه عليه بعد تسليم صحة سنده والإغماض عن جهالة جندب هذا الّذي لم يذكر في كتب رجال الإمامية ولا في كتاب التقريب الّذى هو أجمع للرجال من كتب أهل السنة إنّ حضور المخالفين أعني أهل الكوفة من الشيعة الخالصة وأهل الجزيرة الظاهر منها جزيرة الموصل المشهور أهلها سيما الأكراد منهم بالنصب والغلو في موالاة يزيد بن معاوية دليل على إعماله رضى الله عنه للتقية في محاورتهم وأيضاً في أسلوب كلامه ركاكة تبعد صدوره عن البليغ بلا ضرورة فإنّ السؤال عن أبي بكر وعمر لا يوجب التعجب والاضطراب الّذى يشعر به قوله «أنظر إلى أهل بلادك؛ إلى آخره» وأيضاً مطلق السؤال عنهما لا يوجب إظهار تفضيلهما على علي عليه السلام على أنّه قد مرّ إنّ اللام قد تكون للجرّ وقد تكون لمجرد التأكيد وقوله «لهما» متحمل لهما


1- العقود المحمّدية، للشعراني، ص 23.

ص: 434

وإذا قام الاحتمال بطل الاستدلال.

قال:

وأخرج أيضاً عن فضيل بن مرزوق إنه قال قلت لعمر بن علي بن الحسين بن علي رضي اللَّه عنهم أفيكم إمام تفترض طاعته تعرفون ذلك له، من لم يعرف ذلك له فمات ميتة جاهلية؟ فقال لا واللَّه ماذاك فينا، من قال هذا فهو كاذب.

فقلت إنّهم يقولون إنّ هذه المنزلة كانت لعلي، أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أوصى إليه ثم كانت للحسن، إنّ علياً أوصى إليه ثم كانت للحسين بن علي، أنّ الحسن أوصى إليه ثم كانت لعلي بن الحسين، ان الحسين أوصى إليه ثم كانت لمحمد بن علي أي الباقر أخي عمر المذكور، إنّ علي بن الحسين أوصى إليه فقال عمر بن علي بن الحسين فو اللَّه ما أوصى أبي بحرفين اثنين فقاتلهم اللَّه لو أنّ رجلًا أوصى في ماله وولده وما يترك بعده ويلهم ما هذا من الدين واللَّه ما هؤلاء إلّامتآكلين بنا انتهى.

أقول:

لقائل أن يقول إنّ تسمية هذا السيد بعمر إنّما وقعت تقية فكيف يتوقع منه خلاف إعمال التقية مع من خالفه في الاعتقاد وأيضاً يجوز أن يكون ذلك الإنكار منه حسداً على أخيه الباقر وإخفاء لإمامته وافتراض طاعته كما وقع مثل ذلك لمحمد بن الحنفية رضى الله عنه مع مولانا زين العابدين عليه السلام فإنه لمّا طال نزاع محمد رضى الله عنه في الإمامة دعاه علي عليه السلام إلى حكومة الحجر الأسود بينهما ولمّا حضرا عنده حكم بإمامة على عليه السلام وتفصيل هذه القصة مذكورة في كتاب شواهد النبوة لعبد الرحمن الجامي النقشبندي فليطالع ثمة.

وأيضاً القسم المذكور بقوله «فو اللَّه ما أوصى أبي بحرفين اثنين» يدل على كذب عمر او كذب الخبر عنه وكونه عن فضلات أخبار فضيل الّذي ليس له ذكر في كتب الرجال للإمامية وإن نسبه صاحب التقريب من أهل السنة إلى التشيع كيف والوصية سنة مؤكدة عند الموت وطريقة مسلوكة للنبي وآله العظام، وأصحابه الكرام، فكيف أهمل ذلك زين العابدين عليه السلام.

ص: 435

قال:

وأخرج أيضاً عنه إنّه (1) سئل عنهما فقال أبرأ ممن ذكرهما إلّابخير فقيل له لعلك تقول ذلك تقية فقال أنا إذاً من المشركين ولانالتني شفاعة محمد صلى الله عليه و آله انتهى.

أقول:

يدل على كذب هذا الخبر ما نسب إليه عليه السلام من قوله «أنا إذاً من المشركين» «لان التقية إخفاء الحق وإظهار غيره خوفاً عن المخالفين والمؤدى إلى الشرك هو النفاق الداعي إلى أبطان الباطل وإظهار الحق خوفاً فكيف يصح منه عليه السلام أن يستدل على نفى اعماله للتقية بأنه مستلزم للشرك. اللهم إلّاأن يحمل على أن مراده عليه السلام هو «إنّي لو لم أعمل بالتقية الّتي هو دينى ودين آبائى لكنت من المشركين؛ إلى آخره» كما يدل عليه إشعار العبارة بكونه عليه السلام متهماً عند السائل فافهم.

قال:

وأخرج عنه أيضاً إنّه قال إنّ الخبثاء من أهل العراق يزعمون أنّا نقع في أبي بكر وعمر وهما والداي أي لأنّ أمّه أمّ فروة بنت القاسم الفقيه بن محمد بن أبي بكر وأمّها أسماء بنت عبدالرحمن بن أبي بكر ومن ثم سبق قوله «ولدني أبوبكر مرّتين» انتهى.

أقول:

حاشا عن الإمام الصادق عليه السلام أن يستدل من غير ضرورة تقية على عدم وقوعه في أبي بكر وعمر بأنهما والداي لظهور أنّ عبداللَّه بن عبد المطلب وآمنة بنت وهب كانا والدي نبيّنا صلى الله عليه و آله مع أنّه صلى الله عليه و آله كان عند أهل السنة بريئاً عنهما ممنوعاً من الإستغفار لهما فلا وجه لذلك إلّامجاراة السائل الزائغ الضليل، ودفع غائلة شره


1- الضمير يرجع إلى أبي عبداللَّه جعفر بن محمد الصادق عليه السلام لتقدم ذكره في خبر نقله صاحب الصواعق(ص 33 من النسخة المطبوعة) وتركه المؤلف رحمه الله وهو قوله «وأخرج أيضاً عن عبد الجبار الهمداني إنّ جعفر الصادق أتاهم وهم يريدون أن يرتحلوا من المدينة فقال إنكم إن شاء اللَّه من صالحي أهل مصركم فأبلغوهم عنّي من زعم إنّي إمام مفترض الطاعة فأنا منه بري ء ومن زعم إنّى أبرأ من أبي بكر وعمر فأنا منه بري ء».

ص: 436

بالمموّه من الدليل، على أنّه لم يظهر من تقريره كيفية كون عمر أحد والديه فيكون ذلك كلاماً مختلًا لا يليق بجناب الإمام عليه السلام، كما لا يخفى على أولى الأفهام.

قال:

وأخرج أيضاً عن أبي جعفر الباقر قال: من لم يعرف فضل أبي بكر وعمر فقد جهل السنة انتهى.

أقول:

قد ذكر سابقاً نظير هذا الحديث عن أبي جعفر الباقر عليه السلام وهو قوله «من شك في أبي بكر وعمر فقد شك في السنة» وقد ذكرنا عدم دلالته على مقصود القوم فتذكر (1).

قال:

فهذه أقاويل المعتبرين من أهل البيت رواها عنهم الأئمة الحفاظ، الّذين عليهم المعوّل في معرفة الأحاديث والآثار، وتمييز صحيحها من سقيمها بأسانيدهم المتصلة، فكيف يسع المتمسك بحبل أهل البيت ويزعم حبّهم أن يعدل عما قالوه من تعظيم أبي بكر وعمر واعتقاد حقية خلافتهما وما كانا عليه وصرّحوا بتكذيب من نقل عنهم خلافه ومع ذلك يرى أن ينسب إليهم ما تبرءوا منه ورأوه ذماً في حقهم حتّى قال زين العابدين علي بن الحسين رضي اللَّه عنهما: «أيّها الناس احبونا حبّ الإسلام فو اللَّه ما برح بنا حبكم حتى صار علينا عاراً» وفي رواية حتّى نقصتمونا إلى الناس أي بسبب ما نسبوه إليهم مماهم برئا منه فلعن اللَّه من كذب على هؤلاء الأئمة ورماهم بالزور والبهتان انتهى.

اقول: قد أوضحنا بعون هادي السبيل، أنّ بعض ما نقله من الأقاويل، عن سادات أهل البيت الجليل، قد تقولوها عليهم وكذّبوا في نسبتها إليهم لنصرة المذهب الذليل، وإن البقية صريحة في أعمال التقية ودفع شرأهل الإضلال والتضليل.


1- راجع إلى رقم 82 والجواب عنه.

ص: 437

وأمّا مدحه لحفاظ قومه بما مدحهم به فهو مصادرة على المطلوب، ومجاهرة بتصديق الكذوب، وكيف يصير تعويلهم على هؤلاء المتهمين بالوضع عند الخصم كما مر حجة عليه أو يوجب إقباله على خبرهم والركون إليه وحاشا أن يعدل المتمسك بحبل أهل البيت عليهم السلام عما يظن أنّه مما قالوه وأن ينسب إليهم ما تبرّؤا عنه واستقالوه بل القضية منعكسة لذي الألباب كما أوضحناه في كل ما نسب في هذا الباب.

وأمّا ما نقله عن مولانا زين العابدين عليه السلام فلا دلالة له على مقصوده فإنّ أئمتنا عليهم السلام لم يزل كانوا يوصون شيعتهم بالتقية والتحرز عن الوقوع في تهلكة المخالفين من اللأموية وغيرهم من أولى العصبية الجاهلية لكن ربما ضاق صدر بعض الشيعة سيما عوامهم عن كتمان ولاءهم وغلا قدره بالتبري عن أعدائهم فأورث ذلك لهم في نظر الجمهور عاراً وأدى إلى بعض الناصبة لهم سراً وجهاراً حتّى لعنوهم على منابر بني أمية أعواماً وأعصاراً فلنعم ما قال الكاذب الملعون «لعن اللَّه من كذب على هؤلاء الأئمة ورماهم بالزور والبهتان».

نقل ابن حجر تفضيل أبي بكر على سائر هذه الأمّة ثمّ عمر ثمّ عثمان ثمّ علي

قال:

الباب الثالث في بيان أفضلية أبي بكر على سائر هذه الأمة، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، وفي ذكر فضائل أبي بكر الواردة فيه وحده أو مع عمر أو مع الثلاثة أو مع غيرهم وفيه فصول.

الفصل الأول: في أفضليتهم على هذا الترتيب وفي تصريح علي رضى الله عنه بأفضلية الشيخين على سائر الأمة وفي بطلان ما زعمه الرافضة والشيعة من أنّ ذلك قهر وتقية.

ص: 438

ادّعا ابن حجر أنّ أبابكر وعمر أفضل من سائر هذه الأمّة

إعلم أنّ الّذي أطبق عليه عظماء الملة وعلماء الأمة أن أفضل هذه الأمة أبوبكر الصديق ثم عمر ثم اختلفوا فالأكثرون ومنهم الشافعي وأحمد وهو المشهور عن مالك إنّ الأفضل بعدهما عثمان ثم علي وجزم الكوفيون ومنهم سفيان الثوري بتفضيل علي على عثمان وقيل بالوقف عن التفاضل بينهما وهو رواية عن مالك فقد حكى أبو عبداللَّه المأرزي عن المدونة أنّ مالكاً سئل أيّ الناس أفضل بعد نبيهم؟

فقال أبوبكر ثم عمر ثم قال أو في ذلك شك؟ فقيل له و علي وعثمان فقال ما أدركت أحداً أم من اقتدى به يفضل أحدهما على الآخر إنتهى.

وقوله رضى الله عنه «أو في ذلك شك؟» يؤيد ما يأتي عن الأشعري إنّ تفضيل أبي بكر ثم عمر على بقية الأمة قطعي وتوقفه هذا رجع عنه وقد حكى القاضي عياض عنه إنّه رجع عن التوقف إلى تفضيل عثمان قال القرطبي «وهو الأصح إن شاء اللَّه تعالى» ومال إلى التوقف إمام الحرمين فقال «وتعارض الظنون في عثمان وعلي» ونقله ابن عبداللَّه عن جماعة من السلف من أهل السنة منهم مالك ويحيى القطان ويحيى بن معين قال ابن معين ومن قال أبوبكر وعمر وعثمان وعلي وعرف لعلي سابقته وفضله فهو صاحب سنة ولا شك إنّ من اقتصر على عثمان ولم يعرف لعلي فضله فهو مذموم وزعم ابن عبدالبر إنّ حديث الاقتصار على الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان مخالف لقول أهل السنة إنّ علياً أفضل الناس بعد الثلاثة مردود بأنّه ما يلزم من سكوتهم إذ ذاك عن فضله عدم تفضيله وأمّا حكاية أبي منصور البغدادي الإجماع على أفضلية عثمان على علي فمدخولة وإن نقل ذلك عنه بعض الحفاظ وسكت عليه لما بيّناه من الخلاف ثم الّذي مال إليه أبو الحسن الأشعري إمام اهل السنة إنّ تفضيل أبي بكر على من بعده قطعي وخالفه القاضي أبوبكر الباقلاني فقال إنّه ظنّي واختاره إمام الحرمين في الإرشاد وبه جزم صاحب المفهم في شرح مسلم ويؤيده قول ابن

ص: 439

عبدالبرّ في الاستيعاب.

ذكر عبدالرزاق عن معمر قال: لو أنّ رجلًا قال عمر أفضل من أبي بكر ما عنفته وكذلك لو قال: علي عندي أفضل من أبي بكر وعمر لم أعنفه إذا ذكر فضل الشيخين وأحبّهما وأثنى عليهما بما هما أهله فذكرت ذلك لوكيع فأعجبه واشتهاء انتهى.

وليس ملحظ عدم تعنيف قائل ذلك إلّاأنّ التفضيل المذكور ظنّي لا قطعي ويؤيّده أيضاً ما حكاه الخطابي عن بعض مشايخه إنّه كان يقول أبوبكر خير وعلي أفضل لكن قال بعضهم هذا تهافت من القول لأنّه لا معنى للخيريّة إلّاالأفضلية فإن أريد خيرية أبي بكر من بعض الوجوه وأفضلية علي من وجه آخر لم يكن ذلك من محل الخلاف ولم يكن الأمر في ذلك خاصاً بأبي بكر وعلي بل أبوبكر وأبوعبيدة مثلًا يقال فيهما ذلك لأنّ الأمانة الّتي في أبي عبيدة وخصّه بها صلى الله عليه و آله لم يخص أبابكر بمثلها فكان خيراً من أبي بكر من هذا الوجه والحاصل إنّ المفضول قد توجد فيه مزّية بل مزايا لا توجد في الفاضل فإن أراد شيخ الخطابي ذلك وإنّ أبابكر أفضل مطلقاً إلّاأنّ علياً وجدت فيه مزايا لم توجد في أبي بكر فكلامه صحيح وإلّا فكلامه في غاية التهافت خلافاً لمن انتصر له ووجهه بما لا يجدى بل لا يفهم.

فإن قلت: ينافي ما قدّمته من الإجماع على أفضلية أبي بكر قول ابن عبدالبرّ إنّ السلف اختلفوا في تفضيل أبي بكر وعلي وقوله أيضاً قبل ذلك روى عن سلمان وأبي ذر والمقداد وخباب وجابر وأبي سعيد الخدري وزيد بن أرقم إنّ علياً أول من أسلم وفضله هؤلاء على غيره.

قلت: أمّا ما حكاه أوّلًا من أنّ السلف اختلفوا في تفضيلهما فهو شي ء غريب انفرد به عن غيره ممن هو أجلّ منه حفظاً واطلاعاً فلا يعول عليه فكيف والحاكي لإجماع الصحابة والتابعين على تفضيل أبي بكر وعمر وتقديمهما على سائر الصحابة

ص: 440

جماعة من أكابر الأئمة منهم الشافعي رضى الله عنه كما حكاه عنه البيهقي وغيره وإنّ من اختلف منهم إنّما اختلف في علي وعثمان وعلى التنزل في أنّه حفظ ما لم يحفظ غيره فيجاب عنه بأنّ الأئمة إنّما أعرضوا عن هذه المقالة لشذوذها ذهاباً إلى أنّ شذوذ المخالف لا يقدح فيه أو رأوا أنّها حادثة بعد انعقاد الإجماع فكانت في حيّز الطرح والردّ، على أنّ المفهوم من كلام ابن عبد البرّ أنّ الإجماع استقر على تفضيل الشيخين على الحسنين.

وأمّا ما وقع في طبقات ابن السبكي الكبرى عن بعض المتأخّرين تفضيل الحسنين من أنّهما بضعة فلا ينافي ذلك لما قدّمناه أنّ المفضول قد توجد فيه مزيّة لا توجد في الفاضل على أنّ هذا تفضيل لا يرجع إلى كثرة الثواب بل لمزيد شرف ففي ذات أولاده صلى الله عليه و آله من الشرف ما ليس في ذات الشيخين ولكنّهما أكثر ثواباً وأعظم نفعاً للإسلام والمسلمين وأخشى للَّه تعالى واتقى ممن عداهما من أولاده صلى الله عليه و آله فضلًا عن غيرهم.

وأمّا ما حكاه أعني عبد البرّ ثانياً عن أولئك الجماعة فلا يقتضى إنّهم قائلون بأفضلية علي على أبي بكر مطلقاً بل إمّا من حيث تقدّمه عليه إسلاماً بناء على القول بذلك أو مرادهم بتفضيل علي على غيره ما عد الشيخين وعثمان لقيام الأدلة الصريحة على أفضلية هؤلاء عليه.

فإن قلت: ما مستند إجماعهم على ذلك؟

قلت: الإجماع حجة على كل أحد وإن لم يعرف مستنده لأنّ اللَّه عصم هذه الأمة من أن تجتمع على ضلالة ويدلّ لذلك بل يصرّح به قوله تعالى «وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً» (1)

وقد أجمعوا أيضاً


1- نساء: 115.

ص: 441

على استحقاقهم الخلافة على هذا الترتيب لكن هذا قطعي كما مرّ بأدلته مبسوطاً.

فإن قلت: أمّا بين عثمان وعلي فواضح للخلاف فيه كما تقدم وأمّا بين أبي بكر ثم عمر ثم غيرهما فهو وإن أجمعوا عليه إلّاأنّ في كون الإجماع حجة قطعية خلافاً فالّذي عليه الأكثرون إنّه حجة قطعية مطلقاً فيقدّم على الأدلة كلها ولا يعارضه دليل أصلًا ويكفر أو يبدع ويضلل مخالفه وقال الإمام الرازي والآمدي أنّه ظني مطلقاً والحق في ذلك التفصيل فما اتفق عليه المعتبرون حجة قطعية وما اختلفوا فيه كالإجماع السكوتي والإجماع الّذي يرد مخالفه فهو ظنّي وقد علمت مما قررته لك أنّ هذا الإجماع له مخالف نادر فهو وإن لم يعتدّ به في الإجماع على ما فيه من الخلاف في محلّه لكنه يورث انحطاطه عن الإجماع الّذي لا مخالف له فالأول ظني وهذا قطعي وبهذا يترجّح ما قاله الأشعري من أنّ الإجماع هنا ظني لأنّه اللائق بما قرّرناه من أنّ الحق عند الأصوليين التفصيل المذكور وكان الأشعري من الأكثرين القائلين بأنه قطعي مطلقاً ومما يؤكد أنّه ظني أنّ المجمعين أنفسهم لم يقطعوا بالأفضلية المذكورة وإنّما ظنّوها فقط كما هو المفهوم من عبارات الأئمة وإشاراتهم وسبب ذلك أنّ المسئلة اجتهادية ومن مستندها إنّ هؤلاء الأربعة أختارهم اللَّه بخلافة نبيّه صلى الله عليه و آله وإقامة دينه فكان الظاهر إنّ منزلتهم عنده بحسب ترتيبهم في الخلافة وأيضاً ورد في أبي بكر وغيره كعلي نصوص متعارضة يأتي بسطها في الفضائل وهي لا تفيد القطع لأنّها بأسرّها آحاد وظنّية الدلالة مع كونها متعارضة أيضاً وليس الاختصاص بكثرة أسباب الثواب موجباً للزيادة المستلزمة للأفضلية قطعاً بل ظناً لأنه تفضّل من اللَّه تعالى فله أن لا يثيب المطيع ويثيب غيره وثبوت الإمامة وان كان قطعياً لا يفيد القطع بالأفضلية بل غايته الظن كيف ولا قاطع على بطلان إمامة المفضول مع وجود الفاضل لكننا وجدنا السلف فضولهم وحسن ظنّنا بهم قاض بأنهم لو لم يطّلعوا على دليل في ذلك لا اطبقوا عليه فلزمنا اتباعهم فيه

ص: 442

وتفويض ما هو الحق فيه إلى اللَّه تعالى قال الآمدي وقد يراد بالتفضيل إختصاص أحد الشخصين عن الآخر إمّا بأصل فضيلة لا وجود لها في الآخر كالعالم والجاهل وإمّا بزيادة فيها ككونه أعلم مثلًا وذلك أيضاً غير مقطوع به فيما بين الصحابة اذ ما من فضيلة تبين اختصاصها بواحد منهم الا ويمكن بيان مشاركة غيره له فيها و بتقدير عدم المشاركة فقد يمكن اختصاص الآخر بفضيلة أخرى ولا سبيل إلى الترجيح بكثرة الفضائل لاحتمال أن يكون الفضيلة الواحدة أرجح من فضائل كثيرة إمّا لزيادة شرفها في نفسها أو لزيادة كميّتها فلا جزم بالأفضليّة لهذا المعنى أيضاً وأيضاً فحقيقة الفضل ما هو فضل عند اللَّه وذلك لا يطلع عليه إلّابالوحي وقد ورد الثناء عليهم ولا يتحقق إدراك حقيقة ذلك الفضل عند عدم دليل قطعي متناً وسنداً إلّا للمشاهدين لزمن الوحي وأحواله صلى الله عليه و آله معهم لظهور القرائن الدالة على التفضيل حينئذ بخلاف من لم يشهد ذلك نعم وصل إلينا سمعيات أكدت عندنا الظن بذلك التفضيل على ذلك الترتيب لإفادتها له صريحاً أو استنباطاً وسيأتي مبسوطاً في الفضائل ويؤيّد ما مرّ أنّه لا يلزم من الإجماع على الأحقية بالخلافة الإجماع على الأفضلية إنّ أهل السنّة أجمعوا على أنّ عثمان أحق بالخلافة من علي مع إختلافهم في أنّ أيّهما أفضل وقد التبس هذا المقام على بعض من لا فطنة عنده فظنّ أنّ من قال من الأصوليين إنّ أفضلية أبي بكر إنّما ثبتت بالظن لا بالقطع يدل على أنّ خلافته كذلك وليس كما زعم على أنّهم كما صرّحوا بذلك صرّحوا معه بأنّ خلافته قطعية فكيف حينئذ يتأتى ما ظنه ذلك البعض هذا ولك أن تقول إنّ أفضلية أبي بكر ثبتت بالقطع حتى عند غير الأشعري أيضاً على معتقد الشيعة والرافضة وذلك لأنّه ورد عن علي وهو معصوم عندهم والمعصوم لا يجوز عليه الكذب؛ انّ أبابكر وعمر أفضلا الأمة.

قال الذهبي وقد تواتر ذلك عنه في خلافته وكرسي مملكته وبين الجم الغفير من شيعته ثم بسط الأسانيد الصحيحة في ذلك قال: ويقال «رواه عن علي نيف

ص: 443

وثمانون نفساً وعدّ منهم جماعة ثم قال فقبح اللَّه الرافضة ما أجهلهم» انتهى، وممّا يعضد ذلك ما في البخاري عنه إنّه قال «خير الناس بعد النبي صلى الله عليه و آله أبوبكر ثم عمر ثم رجل آخر فقال ابنه محمد بن الحنفية ثم أنت؟ فقال إنّما أنا رجل من المسلمين» وصحح الذهبي وغيره طرقاً أخرى عن علي بذلك وفي بعضها إلّاوإنّه بلغني أنّ رجالًا يفضلوني عليهما فمن وجدته فضلني عليهما فهو مفتر، عليه ما على المفتري. انتهى.

نقل اختلاف علماء أهل السنّة في خصوص الإجماع

أقول:

سنبيّن بعون الملك الوهاب لأولى الألباب، أنّ ما ذكره هذا الشيخ الجامد الممرور المرتاب في هذا الباب، من تفضيل أبي بكر والإجماع عليه من بقية الأحزاب، وعبدة الأزلام والأنصاب، وبطلان ما زعمه الشيعة ومالوا إليه وتصريح علي بأفضلية الشيخين عليه أماني كاذبة وخيالات غير صائبة بل هي من أضغاث الأحلام أو مما زيّنه لهم الشيطان من الوساوس والأوهام فمن اغترّ بها من الطلبة الممرورين كان حقّه معاناة دماغه بما يعاني به سكان المارستان ونحن لم نشتغل بإيضاح فسادها والإفصاح عن فضيحة مفادها إلّالتحذير القاصرين من الناظرين وصونهم عن الوقوع في ورطات الخاسرين.

فنقول: يتوجه على ما أطال فيه الكلام، بما يدل على انسلاخه عن فطرة أولي الأحلام، وجوه من الكلام، وضروب من الطعن والملام.

أمّا أوّلًا

فلما مرّ من أنّ الكلام في مطلق الإجماع خصوصاً في دعوى انعقاده على خلافة أبي بكر وأفضليته طويل، وإنّه لأهل السنة في تحقيقة فزع وعويل، ولنقرّر حاصله هاهنا بعبارة أخرى، هى أضبط وأحرى، وهو أنّهم أجمعوا على أن لا دليل لهم في المقامين سوى الإجماع وقد عرّفوا الإجماع في كتبهم كالمحصول

ص: 444

للرازي والمنهاج للبيضاوي والمختصر لابن الحاجب وغيرها بأنّه اتفاق جميع أهل الحلّ والعقد يعني المجتهدين على أمر من الأمور في وقت واحد وقد بحّثوا فيه من وجوه أكثرها مذكور في شرح المختصر للقاضي عضد الإيجي فقالوا:

هل الإجماع أمر ممكن أو محال؟ وعلى تقدير الإمكان هل هو متحقق أولا؟

وعلى تقدير التحقّق هل يمكن العلم به أم لا؟ وعلى تقدير العلم هل يمكن إثباته بالنقل أم لا؟ وعلى تقدير الإثبات هل يصير حجة ودليلًا أم لا؟ (1) على تقدير صيرورته حجة إذا لم ينته ثبوته إلى حد التواتر هل يصير حجة أم لا؟

وقد وقع الخلاف من علماء أهل السنة في كل من هذه المراتب فيجب إثبات كل مما وقع أحد طرفي الترديد في هذه المراتب حتى يثبت حقيقة خلافة أبي بكر وأفضليته وليت شعري إنّ من لم يكن قائلًا بشي ء من ذلك كيف يدّعي حقية إمامة أبي بكر وأفضليته قطعاً أو ظناً ثم بعد ذلك يوجد خلاف آخر وهو أنّه هل يشترط في حجية الإجماع أن لا يبقى من الجماعة الّتي أجمعوا إلى ظهور المخالف وأن لا يخالفهم أحد إلى موت الجميع ام لا؟ وأيضاً قد اختلفوا في أنّ الإجماع بمجرده حجة أو يحتاج إلى سند هو الدليل والحجة حقيقة؟

في عدم جواز القياس في الدين وفي تعريف معنى الإمامة

ومن البيّن انّه لا سند لأهل السنة في ذلك سوى ما نسجوه من القياس الفاسد وهو ما مرّ سابقاً من أنّ النبي صلى الله عليه و آله قد أذن في مرض موته لأبي بكر أن يكون إمام الناس في صلاتهم وإذا جعله النّبي صلى الله عليه و آله إماماً في أمر الدين ورضي به فتقديمه لأمر


1- وقال النووي في باب نكاح المتعة من شرحه لصحيح مسلم «اختلف الأصوليون في أنّ الإجماع بعد الخلاف هل يرفع الخلاف ويصير المسألة مجمعاً عليها أولا والأصح عند أصحابنا أن لا يرفعه بل يدوم الخلاف ولا يصير المسألة بعد ذلك مجمعاً عليها أبداً وبه قال القاضي أبوبكر الباقلاني»، كذا منه رحمه الله في الحاشية.

ص: 445

الدنيا وهو أمر الخلافة يكون أرضى له بطريق أولى فقد قاسوا أمر الخلافة بالإمامة في الصلاة وحسبوه سنداً للإجماع ولا يخفى فساد ذلك عند من له أدنى معرفة بالأصول لأنّ إثبات حجية القياس أيضاً مما استشكله الناس، واختلفوا في شروطه وأقسامه اختلافاً يهدمه من الأساس، وعلماء أهل البيت عليهم السلام ينكرون حجيته ولهم أدلة عقلية ونقلية على ذلك مذكورة في محلها وعلى تقدير ثبوته الّذي دونه خرط القتاد إنّما يعتبر فيما إذا كان في الأصل علّة يساوي الفرع فيها الأصل وفيما نحن فيه من أمر الخلافة وإمامة الصلاة العلة ليست بظاهرة بل الفرق ظاهر لأنّ إمامة الصلاة أمر واحد جزئي لا يعتبر فيها العلم الكثير، ولا الشجاعة والتدبير ونحوها اتفاقاً ولا العدالة عند أهل السنة لجواز الصلاة خلف كل برّ وفاجر عندهم وأمّا أمر الخلافة فهو سلطنة وحكومة في جميع أمور الدين والدنيا وتحتاج إلى علوم وشرائط كثيرة لم يوجد واحد منها في أبي بكر فكيف يقاس هذا بذلك وقول جمهورهم أنّ إمامة الصلاة من أمور الدين والخلافة من أمور الدنيا كما مرّ مردود بأنّ الفاضل القوشجي في شرحه للتجريد وغيره من محقّقي أهل السنة في غيره قد عرّفوا الإمامة بأنّها رياسة عامة في أمر الدين والدنيا نيابة عن النّبي صلى الله عليه و آله وذلك كذلك على أنّ الأصل ههنا ليس بثابت لأنّ الشيعة ينكرون إذن النبي صلى الله عليه و آله لأبي بكر في إمامة الصلاة ويقولون إنّ النّبي صلى الله عليه و آله قال قولوا للناس صلّوا وقالت عائشة بنت أبي بكر لبلال قل لهم إنّ النّبي صلى الله عليه و آله أمر أن يكون أبوبكر إماماً في الصلاة فشرعوا في الصلاة خلفه ولمّا اطلع النبي صلى الله عليه و آله على ذلك بادر إلى القيام فوضع إحدى يديه على منكب العباس وأخرى على منكب علي عليه السلام أو فضل وخرج إلى الجماعة ونحى أبابكر عن المحراب وصلّى بنفسه المقدسة مع الناس حتى لا يصير ذلك مؤدّياً إلى الفتنة الّتي وقعت آخراً بدونه أيضاً وقد مرّ بعض الأحاديث الصحيحة عند أهل السنة الدالة على تولّى النبي صلى الله عليه و آله لإمامة الصلاة حينئذ بنفسه فتذكر، وأيضاً لو

ص: 446

سلّمنا وجود القياس الصحيح فلا ريب في أنّ الإمامة إنّما هي من الأصول ولهذا يذكر في الكتب المصنّفة فيه فكيف يمكن إثباتها بالقياس الفقهي الذي لا يكون إلّا في الفروع؟

بيان أنَّ مسئلة الإمامة من مسائل أصول الدين

وأمّا ما ذكره صاحب المواقف من أنّ مسئلة الإمامة ليست من الأصول ومجمع فيه العلامة الدواني بأنّه بالفروع أشبه فمعارض بما ذكره القاضي البيضاوي في مبحث الأخبار من كتاب المنهاج وجمع من شارحي كلامه إنّ الإمامة من أعظم مسائل أصول الدين الّتي مخالفتها توجب الكفر والبدعة وبما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين وغيره في غيره من أنّ النّبي صلى الله عليه و آله قال «من مات ولم يعرف إمام زمانه فقد مات ميتة جاهلية» فإنّه صريح في أنّ الإمامة من الأصول ضرورة أنّ الجاهل بشي ء من الفروع وإن كان واجباً لا يكون ميتته ميتة جاهلية ولا يقدح ذلك في إسلامه.

وأيضاً قد صرّحوا بأنّ الإمامة صنو مرتبة النبوة وإنّ حقوق النبوة من حماية بيضة الإسلام وحفظ الشرع ونصب الالوية والإعلام في جهاد الكفار والبغاة والانتصاف للمظلوم وإنفاذ المعروف وإزالة المنكر إلى غير ذلك من توابع منصب النبوة ثابتة للإمامة لأنّها خلافة ونيابة عنها وبالجملة لو لم تكن مسئلة الإمامة مثل مسئلة النبوة في كونها من أصول الدين، وكان يكفي فيها كما في سائر الفروع ظنّ المجتهدين أو تقليدهم للزم أن لا يجوز تخطئة المجتهد الّذي ظنّ أنّ أبابكر ليس بإمام وكذا تخطئة المقلد والحال إنّهم إذا سمعوا من يقول:

إني أعتقد أنّ أميرالمؤمنين عليه السلام خليفة للنبي صلى الله عليه و آله بغير فصل بسبب الظن الّذي قادني إليه أو بواسطة تقليد المجتهد الفلاني يخطئونه بل يكفرونه ويقتلونه وأيضاً لو

ص: 447

لم تكن من المسائل الأصلية بل كانت من المقدّمات الفرعية فلا ينبغي النزاع فيها مع أحد كسائر الأحكام الفرعية الّتي يجوز الخلاف فيها من غير توجه قدح وإنكار فقد علم ممّا فصّلناه أن لا دليل لهم إلى إمامة أبي بكر سوى الإجماع وقد عرفت حاله وكيفية استدلالهم به في هذا المقام مع ما توجّه إليه من النقض والإبرام وبعد تسليم الكل نقول:

من البيّن أنّه لم يقع إجماع جميع مجتهدي الأمة في وقت واحد في المدينة الطيبة على إمامة أبي بكر كما اعترف به صاحب المواقف وغيره من الجمهور كيف وقد تخلّف سعد بن عبادة وأولاده عن بيعة أبي بكر ولم يكن لأحد من أهل البيت عليهم السلام وسائر بني هاشم وموافقيهم في تجهيز النّبي صلى الله عليه و آله خبر عن اجتماعهم لذلك يوم السقيفة فضلًا عن دخولهم فيه ولهذاترى صاحب المواقف إنّه بعد ارتكاب شطر من التعسّفات والتمحّلات التزم خرق إجماع القوم والتجأ إلى القول بأنّ الواحد والاثنين من أهل الحلّ والعقد كاف في ثبوت الإمامة ووجوب اتّباع الإمام على أهل الإسلام متشبثاً بعلمه بأنّ الصحابة مع صلابتهم في الدين اكتفوا في عقد الإمامة بذلك كعقد عمر لأبي بكر وعقد عبدالرحمن بن عوف لعثمان ولم يشترطوا في عقدها اجتماع من في المدينة من أهل الحلّ والعقد فضلًا عن اجتماع الأمّة من علماء أمصار الإسلام ومجتهدي أقطارها انتهى ولا يخفى ما فيه من الخبط الخارج عن الضبط.

بيان أنّه لم ينعقد إجماع الكلّ على خلافة أبي بكر

أمّا أولًا: فلأنّه قد ذكر سابقاً أنّ الدليل على الإمامة إمّا النص أو الإجماع، والنص لم يوجد في حق أحد والإجماع لم ينعقد إلّاعلى إمامة أبي بكر فيكون هو الإمام بالإجماع ويظهر من كلامه هذا إنّ الإمامة تثبت بالبيعة، وإنّ إمامة أبي بكر

ص: 448

قد تثبت ببيعة عمر فقط لا بالإجماع، وأنّه لا دليل على وجوب الإجماع في ثبوت الإمامة، وهذا كلّه خبط وتناقض واضطراب.

وأمّا ثانياً: فلأنّه لا دليل من العقل والنقل على كفاية بيعة واحد واثينن في ثبوت الإمامة وكيف يكون كذلك وقد تقرّر في كتب الأصول أنّ قول المجتهد العادل وكذا فعله ليس بحجة بل صرّحوا بأنّ قول الخلفاء الأربعة بل قول أهل المدينة بأسرهم ليس بحجة في المسائل الفرعية الّتي يكفي فيها الظن فكيف يكون فعل مثل عمر وحده أو مع اثنين غيره حجّة فيما هو محل النزاع العظيم، وبمرتبة نبوة النبي الكريم.

وأمّا ثالثاً: فلأنّه من أين ثبت إمامة أبي بكر لعمر؟ حتّى بايعه ومن أين علم أبوبكر أنّه إمام؟ حتى ادعى الإمامة لنفسه.

وأمّا رابعاً: فلأنّه بعد ما عرفت أنّ الإمامة لا تثبت بالبيعة كيف يمكن أن يقال إنّها قد ثبتت عند الصحابة بالبيعة، وعندنا بإجماعهم، ومع الإغماض عن هذا كيف يمكن إثبات انعقاد الإجماع عليه بعد ما سمعت من الاختلافات الواقعة في الإجماع والإيرادات الواردة عليه مع إنّ النزاع الكلي ليس إلّافي ذلك لما مرّ من أنّ الشيعة ينكرونه مطلقاً ويقولون إنّ أهل البيت عليهم السلام وسائر الهاشميين لم يرضوا بذلك، وجماعة من أكابر الصحابة كانوا متفقين معهم كسلمان وأبي ذر ومقداد وعمار رضي اللَّه عنهم فيجب على العاقل الّذي يتقّي من اللَّه أن يتأمّل كلام الطرفين في هذه المسألة الضرورية، ويطرح قلادة التقليد عن رقبة العصبية الجاهلية، ويجتهد في طلب الحق بمزيد الجدّ والإخلاص والارتياض، حتى يفيض العلم به عليه من جناب الوهّاب الفيّاض.

وأمّا ثانياً

فلأنّا نسلم أن يكون من عظماء الملة وعلماء الأمة من خرج عن إجماعهم عظماء أهل البيت عليهم السلام وعلماء الأصحاب رضي اللَّه عنهم كسلمان ومقداد

ص: 449

وأبي ذر وغيرهم كما سيرويه هذا الشيخ المبهوت عن ابن عبدالبرّ، واف لإجماع خرج عنه أهل البيت، ومن اشتعل سراج تحقيقهم من ذلك الزيت.

في جواب المصنّف رحمه الله عن استدلال ابن حجر على أفضليّة الشيخين

وأمّا ثالثاً

فلأنّ ما ذكره من الاختلافات الكثيرة الواقعة بين أهل السنة في تفضيل بعض الخلفاء على بعض وترجيح بعضهم على بعض فلا يؤدى إلى طائل ولا يرجع إلى حاصل، وهم يضحكون على هذه الترجيحات المستندة إلى الروايات والأقوال المذكوره فيما بين أهل السنة بل هم ربما يرتفعون عن التلفظ بتفضيل علي على أبي بكر ويرون ذلك إزراء لجلالة قدر علي عليه السلام وغزارة فضله إذ لا نسبة لأبي بكر إليه في الفضل أصلًا فتفضيله عليه السلام عليه يكون كقولنا «السيف أمضى من العصا، والتبر أعلى من الحصا» كما قال الفاضل الشاعر.

شعر

يقولون لي فضل علياً عليهم ولست أقول التبر أعلى من الحصا

إذا أنا فضلت الإمام عليهم أكن بالذي فضلته متنقصاً

ألم تر أنّ السيف تزرى بحده مقالة هذا السيف أمضى من العصا

وعلى هذا يحمل لوصحّ ما سيجي ء روايتهم عنه عليهم السلام من أنّه قال «من فضّلني على أبي بكر جلّدته جلد المفتري» كما سنوضحه عن قريب إن شاء اللَّه تعالى فعلى ما ذكرناه يكون زيادتهم تعمد تفضيل عثمان المهان المرتاب، في أسماع شيعة مولانا أبي تراب، كصرير الباب، وطنين الذباب.

وأمّا رابعاً:

فلأنّ ما حكاه القاضي عياض عن الأشعري من «أنّه رجع عن التوقف إلى تفضيل عثمان» فهو من الإلزاميات الّتى لا خلاص للشيعة عنها لكن

ص: 450

يخدشه أنّه لم ينقل عن الأشعري ذلك غيره ولعله أظهر التوقف في مرض موته ولم يحضره سوى القاضى أو بعض مشايخه فلهذا لم يشتهر ولا بعد في هذا الاحتمال لأنّهم كثيراً ما ينقضون بمثله إذا احتج عليهم الشيعة ببعض أقوال الصحابة أو علماء أهل السنة فليضحكوا قليلًا وليبكوا كثيراً.

وأمّا خامساً:

فلأنّ ما نقله عن ابن معين من «أنّ من قال أبوبكر وعمر وعثمان وعلي وعرّف لعلي سابقته وفضله فهو صاحب سنّة» مخالف لما ذكره شيخ أهل السنة القاضي ابن خلكان في تاريخه من قوله: «والحق انّ محبة علي بن أبي طالب لا تجتمع مع التسنن» انتهى.

ويؤيد هذا إنّ الجاهل نفسه نسب ما سيذكره من قول ابن عبدالبرّ إنّ حديث الاقتصار على الثلاثة مخالف لقول أهل السنّة إنّ علياً أفضل الناس بعد الثلاثة إلى الزعم فقال «زعم ابن عبدالبرّ؛ إلى آخره» فافهم.

وأمّا سادساً:

فلأنّه لا طائل فيما ذكره من الاختلاف في قطعية هذا الإجماع لما عرف أنّ أصله غير ثابت قطعاً فكيف يثبت وصفه بالقطع، اللهم إلّاعلى مشاكلة بعض المثبتين للمحال الجوّزين لركوب زيد المعدوم، على الفرس المعدوم، وعلى رأسه قلنسوة معدومة، إلى غير ذلك من الخرافات.

وأمّا سابعاً:

فلأنّ ما ذكره «من أنّه ليس ملحظ عدم تعنيف عبدالرزاق بما ذكره إلّاأنّ التفضيل المذكور ظنّي» فيه تحكّم وتعنيف ظاهر إذالظاهر من عبارته إنّه اعتقد فضل علي عليه السلام عليهم ويدل عليه ما روى ياقوت الحموي الشافعي عند ذكر بدلة صنعاء من كتابه الموسوم بمعجم البلدان وغيره من المحدّثين في غيره من نسبة عبدالرزاق لعمر في بعض أحاديثه إلى الحماقة وإساءة الأدب بالنسبة إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فافهم.

وأمّا ثامناً:

فلأنّ نسبة ما ذكره شيخ الخطابي من قوله «أبوبكر خير وعلي

ص: 451

أفضل» إلى التهافت إنّما نشأت من الخرافة والتباهت لظهور أنّ التهافت إنّما يلزم لو أريد بلفظ خير صيغة التفضيل بمعنى الزائد في الخيرية وأمّا إذا حمل على ظاهره من كونه مخفّف خيّر بالتشديد صيغة مبالغة أي كثير النفع والفائدة كما يقال «الوجود خير محض، وإنّ الخير من اللَّه والشر من العبد» فلا يلزم التهافت أصلًا وغاية ما يلزم من ذلك أن لا يكون ذلك الشيخ سنياً ولا شيعياً أو كان شيعياً وارتكب إعمال التقية بإيراد اللفظ المحتمل، فتأمل.

وامّا تاسعاً:

فلأنّ ما ذكره من أنّ ما حكاه ابن عبدالبرّ من اختلاف السلف في تفضيله شي ء غريب مردود بأنه لا غرابة فيه عند من سلم طبعه عن مرارة العصبية لكن هذا الشيخ المتعصب الجامد الناصبي لا يطيق سماع فضيلة علي عليه السلام فضلًا عن أفضليته لما جبل عليه من العصبية الجاهلية أو لسبق عروض الشبهة التي ألقت في نفسه الغبية كما سبق له ولأصحابه الشبهة المانعة لهم عن قبول النصوص الجليّة المتواترة في شأن الحضرة العليّة المرتضويّة وإلّا فعبد البرّ أبرّ وأعظم عندهم من أن لا يعولوا على نقله لو لا إن صدر منه ذنب نقل الحكاية المذكورة وبهذا تنزّل عن نفي التعويل عليه آخراً، فافهم.

وأمّا عاشراً:

فلأنّ ما أجاب به ثانياً عن ذلك بأن «الأئمة إنّما أعرضوا عن هذه المقالة لشذوذها» فمردود بأنّ الحكم بشذوذ هؤلاء المذكورين في حكاية ابن عبدالبرّ من أكابر الصحابة شاذ لم يجترء عليه أحد غيره من أهل العصبية نعم هؤلاء قليلون بالنسبة إلى سائر المتّفقين من قريش وغيره على غصب الخلافة من علي عليه السلام والقلّة محمودة لا مذمومة كما زعمه الجمهور الشاكرون لكثرتهم، المفتخرون بوفرتهم فإن زعمهم هذا مخالف لصريح القرآن كقوله تعالى «وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ» (1)

وقليل ماهم، وما آمن معه إلّاقليل، وكم من فئة قليلة، وما أكثر


1- سبأ: 13.

ص: 452

الناس ولو حرصت بمؤمنين، وإنّ كثيراً من الناس لفاسقون ولا خير في كثير» وأمثال ذلك كثير.

وقال بعض الحكماء «جلّ جناب الحق أن يكون شريعة لكل وارد، وأن يطّلع عليه إلا واحد بعد واحد».

وقال العارف الشاعر:

شعر

خليلى خطار الفيا في إلى الحمى كثير وأمّا الواصلون قليل

فقول الشيخ الجامد الناصبي إنّ هولاء من أكابر الصحابة شاذ قليلون كقول فرعون اللعين «إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ» (1)

وكذلك أتباع أكثر الأنبياء والمحققين من أمتهم كانوا قليلين كما لا يخفى على من نظر في قصص الأنبياء وكتب التواريخ والانباء.

وأمّا الحادي عشر:

فلأنّ ما ذكره في العلاوة من «أنّ المفهوم من كلام ابن عبدالبرّ أنّ الإجماع استقر على تفضيل الشيخين إن أراد به انفهامه من كلامه المنقول ههنا فهو وهم لافهم كما لا يخفى، وإن أراد به غيره فهو حوالة على المحال وإعمال للاحتيال.

وأمّا الثّاني عشر:

فلأنّ ما ذكره من «أنّ المراد مما وقع في الطبقات من تفضيل الحسنين ينافي بظاهره لتفضيل الشسيخين لأنّ التفضيل حقيقة في طبيعة الفضل لا في بعض وجوهه كما حقق في موضعه فالعدول عنه مجاز لا يصار إليه من غير


1- شعراء: 54.

ص: 453

ضرورة ولا ضرورة داعية إليه سوى ما وقع لهذا الشيخ المبهوت، الّذى تكلّف إثبات تفضيل الشيخين بنسج العنكبوت.

وأمّا الثالث عشر:

فلأنّ ما ذكره في العلاوة من «أنّ هذا التفضيل لا يرجع إلى كثرة الثواب بل لمزيد الشرف «غير مسلم كيف وإذا كان مجرّد التزويج مورثاً لا كتساب الثواب، كما جاء به الشرع المستطاب، فكيف لا يكون التزويج ببضعة الرسول صلى الله عليه و آله موجباً له وأيّ ثواب قد حصل لأبي بكر يفوق ثواب عوام المسلمين حتى يلزمنا اعتباره وموازنته في هذا الباب؟ لولا الدعوى المستندة إلى مجرد حسن الظن والمجازفة البالغة حد النصاب.

وأمّا الرابع عشر:

فلأن قوله «الإجماع حجة على كل أحد وإن لم نعرف مستنده» غير مسلّم عند من اشترط العلم بالمستند كما مر.

وأمّا الخامس عشر:

فلأنّ استدلاله على ذلك بقوله «إن اللَّه عصم هذه الأمة من أن تجتمع على ضلالة» استدلال في الحقيقة على ما روى عنه صلى الله عليه و آله من قوله «لا تجتمع أمتي على الضلالة» (1)

وهو لو صحّ إنّما يدل على حجّية الإجماع بعد تحققه لا على عدم اشتراط العلم بمستنده كما قصده على أنّ النظام ردّ عليه بأنّه خبر واحد والمسألة علمية ولم يجب الرازي عنه عند ذكره إيّاه في المعالم وقال بعض الفضلاء إنّ صدر الخبر مجزوم بالنهي بمعنى لا تجتمعوا أمتى على حذف حرف النداء هذا أولى وإلّالزم كذب الخبر عند أهل السنة، فإنّ نصب الإمام واجب شرعاً عندهم على الناس واجتمعوا على تركه الآن.

فإن قلت: قوله صلى الله عليه و آله «لا تجتمع أمتي على ضلالة» معناه اختياراً لا قهراً.

قلت: يحتمل أن يكون اجتماعهم على إمامة أبي بكر كذلك على تقديره فلا فرج للجامد الناصب في ذلك.


1- عمدة الباري، ج 2، ص 52

ص: 454

وأمّا السادس عشر:

فلأنّه يرد على استدلاله بالآية أيضاً إنّه لا ينفى الاشتراط مع أنّ النظام أورد على أصل دلالته على حجية الإجماع.

أولًا:

بأنّ هذاالدليل إنّما يتمّ لو ثبت أنّ متابعة الغير عبارة عن الإتيان بمثل فعل الغير وذلك باطل وإلّالزم أن يقال إنّ المسلمين أتباع اليهود في قولهم «لا اله إلا اللَّه» بل المتابعة عبارة عن الإتيان بمثل فعل الغير لأجل أنّه فعل ذلك الغير فأمّا لو أتى بمثل فعل الغير لا لأجل أنّه فعل ذلك الغير بل لأنّ الدليل ساقه إليه فلم يكن متّبعاً للغير إذا ثبت هذا القول حصل بين متابعة سبيل المؤمنين وبين متابعة غير سبيل المؤمنين واسطة وهى أن لا يتّبع أحداً بل يتوقف إلى وقت ظهور دليل وإذا حصلت هذا الواسطة لم يلزم من تحريم إتّباع غير سبيل المؤمنين وجوب إتّباع سبيل المؤمنين فسقط الاستدلال.

وثانياً:

بأنّ لفظ السبيل لفظ مفرد غير محلّى بالألف واللام فلا يفيد العموم بل يكفى في العمل به تنزيله على صورة واحدة فنحن نحمله على السبيل الّذى به صاروا مؤمنين وهو الإيمان فلم قلتم إنّ متابعتهم في سائر الأمور واجبة انتهى.

وقد نقله الرازي في المعالم ولم يتحصل الجواب فان كان عند الشيخ ابن حجر شي ء فليأت وإلّا فليعض على حجر هذا وفي الثاني من إيرادي النظام تأمل لأنّ السبيل وإن كان مفرداً إلّاأنّه مضاف إلى الجمع المحلّى باللام فالأولى في الرد على الاستدلال أن يقال إنّ النبي يحتمل أن يكون عن المجموع المركب من مشاققة الرسول واتّباع غير السبيل المؤمنين فتأمل.

وأمّا السابع عشر:

فلأنّ ما ذكره من تقديم الحجة القطعية على الأدلة كلها حتى على النص القرآنى محل تأمل.

وأمّا الثامن عشر:

فلأنّ ما ذكره من «أنّ الحق التفصيل» باطل وقوله «فما اتفق عليه المعتبرون حجة قطعية» إن أراد به المعتبرين من أهل السنة عند طائفة

ص: 455

أخرى منهم فهو مصادرة لا اعتباربها وإن أراد المعتبرين من الأمة عند من عداهم من جميع معتبري الأمة فمسلم ولكن إجماع الناصب خال عن هذا الاعتبار، فاعتبروا يا أولي الأبصار.

وأمّا التاسع عشر:

فلأنّ قوله «ومن مستندها أنّ هؤلاء الأربعة أختارهم اللَّه تعالى لخلافة نبيه وإقامة دينه؛ إلى آخره» استناد على ما ينقض من الجدار ووقوف على شفاجرف هار، لأنّ اختيار اللَّه تعالى لخلافه الثلاثة منهم إنّما يسلّم على سبيل الحكم الكوني دون التكليفي الشرعي والاختيار بهذا المعنى مشترك بين خلافتهم وسلطنة فرعون ونمرود وشداد، واستيلائهم على العباد فلا يفيد فيما هو بصدده من كون منزلتهم عند اللَّه بحسب ترتيبهم في الخلافة ولو صحّ ذلك لزم أن يكون منزلة يزيد، الخمير الفاسق العنيد، وعمر بن عبدالعزيز الممدوح الرشيد، مثلًا بحسب ترتيبهم أيضاً في إمارة المؤمنين وأن يكون كل منهما ممن أختاره اللَّه تعالى لتولية أمور المؤمنين وإقامة الدين واللازمان باطلان ضرورة واتفاقاً.

وأمّا العشرون:

فلأنّ قوله «وليس الاختصاص بكثرة أسباب الثواب موجباً للزيادة المستلزمة للأفضلية قطعاً بل ظناً؛ إلى آخره» جواب سؤال مقدر ذكر الفاضل القوشجي في شرحه للتجريد فإنّه بعد ذكر ما قرّره المصنف طيّب اللَّه مشهده من فضائل أميرالمؤمنين عليه السلام قال «لا كلام في عموم مناقبه ووفور فضائله واتصافه بالكمالات، واختصاصه بالكرامات، إلّاأنّه لا يدل على الأفضلية بمعنى زيادة الثواب والكرامة عند اللَّه» انتهى.

ولا يخفى على من له أدنى عقل وتمييز إنّ الكرامة والثواب الّذي هو عوض عن العبادة على وجه التعظيم ليس غير الفضائل والكمالات الّتي اعترف بأنّها أكثر تحققاً في علي عليه السلام وبعضها كان مخصوصاً به فلا معنى لأن يكون لغيره عزّة وكرامة وثواب أكثر وعلى تقدير التسليم نقول كيف يتصور من العاقل أن يذهب إلى عدم

ص: 456

أولوية من يكون متصفاً بهذه الصفات الكاملة بمجرد احتمال أن يكون غيره أفضل في الواقع إذ من الظاهر إنّ العاقل يقول إنّ الآن في نظرنا هذا الشخص أفضل وأحق وأليق بالإمامة إلى أن يثبت في غيره ضرورة أنّه لا معنى لأن يقال إن أخذ العلم مثلًا ممن لا يكون علمه معلوماً أولى وأحسن ممن يكون ذلك معلوماً منه ولهذا لا يتفوّهون في اختيار أبي بكر بأنّه جاز أن يكون أكثر ثواباً من علي عليه السلام بل يقولون جزافاً إنّه كان أعرف بحفظ الحوزة وقانون الرياسة من علي عليه السلام وهذا ظاهر جداً عند العقل وقد ورد في النقل من القرآن والحديث أيضاً كقوله تعالى.

«أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَايَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ» (1)

يعني هل الّذي يكون صاحب هداية وعلم بالحق أحقّ وأولى بأن يهتدي به الخلق ويقتبس الحق من أنوار هدايته وعلمه أو الّذي لا هداية له ولا علم له إلّاأن يتعلم العلم والهداية عن غيره فكيف تحكمون أنتم في هذا أيّها العقلاء؟

يعني من المعلوم أنّ العقل يحكم بأنّ الأول أحق وأولى بمتابعة الخلق له واهتدائهم واقتدائهم به وخلافه مكابرة وعناد لا يخفى على أولى النهى والعاقل من يزكي نفسه عن شوائب التقليد ولا يقول إنّ العلماء والمشايخ السلف وآباءنا ذهبوا إلى كذا وظنّنا بهم إنّهم لم يخطئوا لأنّ الخطاء والغلط جائز على من عدا الأنبياء المرسلين والأئمة الطاهرين مع قيام أحتمال إعمال التقية، والافتتان بالشيطان والدنيا الدنية، ألاترى إنّ سلاطين زماننا متصفون بكمال الظلم والجور والناس بل العلماء منهم يترددون إليهم ويختارون ملازمتهم وإطاعتهم ولو منعهم رجل صالح عن متابعة ذلك الظالم وتعظيمه ودعاءه يعرضون عنه ويذمّونه ولو أنّ ذلك الظالم أمرهم بإهانة ذلك الصالح أو قتله لأهانوه أو قتلوه بلا توقف وهذا واضح جداً وله قرائن


1- يونس: 35.

ص: 457

كثيرة لا يسعها المقاوم بالجملة يجب على من حاول معرفة العقائد اليقينية، والعلم بالمقاصد الدينية، أن يكون حين يقصد الاستدلال على العقائد الّتي إنّما خلق لاكتسابها باليقين، وبدون ذلك يستحيل ان ينخرط في سلك أصحاب اليقين، وأخبار المؤمنين، كالعقل الهيولانى لا يركن أصلًا إلى ذهاب أبيه وأمه أو معلمه أو سلطانه أو معشوقه مذهباً ويجعل كل مداره على مقتضى الدليل الّذي يصححه العقل السليم، والطبع المستقيم، ولا يجعل لغيره مدخلًا فيه ولا يحسبنّ ذلك هيّناً فإنّ النفس الأمّارة غاوية، تريد أن تلقيه في الهاوية فتدلس عليه أنّ الاعتقاد الحاصل معظمه من الأمور المذكورة إنّما هو في الدليل المحض والبرهان البحت وقل من سلم من ذلك التدليس، السانح من النفس الخسيس، فاجعل أيّها السامع سريرتك مثل ميزان عدل أي صيّر نسبتها إلى الاعتقاد الّذى تدعوك نفسك إليه تدليساً وإلى نقيضه واحدة، لتسلم من مكائدها الّتي من جملتها إنّه يخوّفك مما لا أصل له كخوفك من الميت، اللهم اكفنا شرور أنفسنا وسيّآت أعمالنا، ووفّقنا للعلم والعمل بما تحبّه وترضاه إنّك قريب مجيب.

وأمّا الحادي والعشرون:

فلأنّ قوله «وثبوت الإمامة وإن كان قطعياً لا يفيد القطع بالأفضلية» مردود بأنّ وجوب أفضلية الإمام عن رعيته في العلم والشجاعة والعدل ونحوها قد سبق منا إثباته سابقاً بما يفيد القطع فنفيه بمجّرد قوله «لا يفيد» لا يفيد.

وأمّا قوله «كيف ولا قاطع على بطلان إمامة المفضول مع وجود الفاضل» فمدخول بأنّ القاطع الأدلّة العقلية المفيدة للقطع بثبوت الحسن والقبح العقليين كما سبق الإشارة إليه إجمالًا وفصّلنا الكلام فيه في شرحنا على كتاب كشف الحق وبعض رسائلنا المعمولة في خصوص هذه المسئلة.

وأمّا الثاني والعشرون:

فلأنّ السلف الّذى وجد منهم التفضيل على الترتيب

ص: 458

الوجودي الصوري نقطع بانسلاخهم عن الفطرة الإنسانية وإنّهم ممن لا يرحمهم اللَّه ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم بالتزام التقليد الذميم، الّذي ردّ اللَّه عليه في كتابه الكريم، معاتباً للكفار في قولهم «إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ» (1)

ولنعم ما قال الشاعر الفاضل المولى فضولي البغدادي رحمه اللَّه.

شعر

از رتبه صورى خلافت مقصود جز عرض كمال اسداللَّه نبود

گر گشت رقم سه صفر پيش از الفى پيداست كه رتبه كدامين افزود

وأمّا ما ذكره من «أنّ حسن ظنّنا بهم قاض بأنّهم لو لم يطّلعوا على دليل في ذلك لما اطبقوا عليه «مدفوع بما قدّمناه من أنّ هذا من قبيل «إنّ بعض الظن، وإنّه لم ينشا إلّامن ضيق العطن، فتفطّن.

وأمّا الثالث والعشرون:

فلأنّ ما نقله عن الآمدي مستدلًا على أنّ أعلمية بعض الصحابة عن بعض غير مقطوع به بقوله «إذما من فضلية بين اختصاصها بواحد منهم إلّاويمكن بيان مشاركة غيره له فيها» فيه نظر ظاهر إذ بعد ما فرض اختصاص فضيلة بواحد منهم كيف يمكن مشاركة غيره فيها ولو سلّم فنقول ادعاء هذا الاختصاص مع كونه ظاهر الفساد وناشئاً عن العناد مردود بما سبق منه قبيل ذلك في ضمن جواب سؤال مقدّر حيث قال «وليس الاختصاص بكثرة أسباب الثواب موجباً للزيادة المستلزمة للأفضلية قطعاً بل ظناً؛ إلى آخره» اللهم إلّاأن يراد الاشتراك في أصل أنواع تلك الفضائل لكن على نحو أن يدعى اشتراك الصبي القاري لصرف الزنجاني ونحوه مع معلّمه المتبحر في العلوم العقلية والنقلية أو من


1- زخرف: 23.

ص: 459

علم الأبيض من القار، وقتل نحو الهرّة والفار، وقلع باب قفص الأطيار، مع من علم ما دون العرش المجيد، وقتل ابن عبدود البطل المريد وقلع باب خيبر بيد التأييد، وفي هذا من الشناعة ما ليس عليها مزيد.

وأمّا قوله «ولا سبيل إلى الترجيح بكثرة الفضائل» فغير مسلّم وإنّما يكون كذلك لو لم يكن ذلك الكثير من أمّهات الفضائل والقليل من فروعها المنحطة بأن يكون المتصف بالكثرة مثلًا عالماً بما دون العرش من البرية، وهاباً بالألوف من الدراهم الكسروية، وقاتل صنوف من أبطال الجاهلية، وصاحب تقوى محفوف بالعصمة الأزلية، والموصوف بالقله عالماً بخياطة ركيكة، معطياً بفلس من الصفر، قاتلًا لطير غير ذى ظفر، حاملًا لتقوى مسبوق بالفسق أو الكفر، وما نحن فيه من فضائل علي عليه السلام وأبي بكر الخياط المعلم للصبيان كذلك كما لا يخفى.

وأيضاً قد روى أخطب خوارزم «من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى يحيى بن زكريا في زهده، وإلى موسى بن عمران في بطشه، فلينظر إلى علي بن أبي طالب» (1)

.

وفي رواية البيهقي

«من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في حلمه، وإلى إبراهيم في خلّته، وإلى موسى في هيبته، وإلى عيسى في عبادته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب

». «والجامع لمثل هذه الصفات الفاضلة المتفرقة في جماعة من الأنبياء لا يمكن أن يكون في غيره صفة فاضلة راجحة على تلك الفضائل بل مساواته عليه السلام لكل واحد من هؤلاء الأنبياء عليهم السلام في صفة هى أخص صفات كماله يوجب أن يكون بمجموع تلك الصفات أفضل من كل واحد منهم فضلًا عن أبي بكر...،... العبارى عن


1- تاريخ مدينة دمشق ابن عساكر، ج 42، ص 313

ص: 460

الملكات الفاضلة مطلقاً.

وأمّا الرابع والعشرون:

فلأنّ ما ذكره «من أنّه التبس هذا المقام على بعض من لا فطنة له فظنّ؛ إلى آخره» القضية فيه منعكسة إذلا يلتبس على من له أدنى مسكة أن من لا يجوز إمامة المفضول مع وجود الفاضل ويبنى صحة الخلافة على ظهور مزيد الفضل لا محيص له عن القول باستلزام الظن في الأفضلية الظن في الخلافة ومجرّد تصريح بعضهم بأنّ خلافة أبي بكر قطعية لا يقدح في الاستلزام كما لا يخفى على من له شائبة من الشعور فقد ظهر إنّ الالتباس إنّما وقع لابن حجر وإن رميه لغيره بعدم الفطنة إنّما نشأ من سهم فطانته الأبتر، وقوس طبيعته الفاقد للوتر.

وأمّا الخامس والعشرون:

فلأنّ قوله «ولك أن تقول إنّ أفضلية أبي بكر ثبتت بالقطع حتى عند الأشعري أيضاً بناء على معتقد الشيعة والرافضة وذلك لأنّه ورد من علي عليه السلام؛ إلى آخره» مردود بأنّ ما زعم وروده عن علي عليه السلام إنّما نقله رواة أهل السنة فلا يعتقد الشيعة شيئاً من ذلك وحينئذ لو بني الأشعري على ذلك لكان بناء على الهواء، ورقماً على الماء، وأيضاً الخبر الواحد سواء اعتقده الشيعة أم لا إنّما يفيد الظن ومن أين علم أنّ دعوى تواتر ذلك عن علي عليه السلام كما ادعاه الذهبي ذهب اللَّه بنوره مما يصير حجة على الأشعري؟ مع تصريح الجمهور في كتب أصول الحديث بأنّ الخبر المتواتر قليل جدّاً.

وأمّا السادس والعشرون:

فلأنّ ما رواه عن البخاري من حديث الخير فلا خير فيه إذ مع ما سمعت من اعتقاد الشيعة في روايات أهل السنة سيما البخاري يجوز أن يكون لفظ الخير فيها محمولًا على مخفف خيّر بالتشديد كما مرّ وغاية الأمر فيه إعمال اللفظ المشترك رعاية للتقية فتدبر.

وأمّا السابع والعشرون:

فلأنّ قوله «وفي بعضها ألا وإنّه بلغني إنّ رجالًا يفضّلوني عليهما فمن وجدته فضّلني عليهما فهو مفتر، عليه ما على المفتري»

ص: 461

قريب مما رواه متصلًا بهذا عن الدار قطني عن علي عليه السلام أيضاً من أنّه «لا أجد أحد أفضلني على أبي بكر وعمر إلّاجلّدته حدّ المفتري» وما رواه في الفصل الثاني الآتي عن علي عليه السلام أيضاً حيث قال «إنه لا يفضّلني أحد على أبي بكر إلّاجلّدته حدّ المفتري».

وقد أشرنا سابقاً إلى الجواب عنها والحاصل إنّا نقول بمضمونها وإنّها لنا لا علينا لأنّ تفضيل علي عليه السلام على أبي بكر وعمر متضمّن لثبوت أصل الفضل لهما وهو افتراء بلا امتراء بل القول بأن علياً عليه السلام أفضل من أبي بكر وعمر يجري مجرى أن يقال إنّ فلاناً أفقه من الحمار، وأعلم من الجدار، وقد نسب إلى المأمون العباسي إنّه أجاب عن ذلك أيضاً بأنّكم رويتم عن إمامكم أبي بكر إنّه قال «ولّيتكم ولست بخيركم» (1)

فأيّ الرجلين أصدق؟ أبوبكر على نفسه، أو علي على أبي بكر...

أيضاً لا بّد وأن يكون في قوله هذا صادقاً أو كاذباً فإن كان صادقاً كان الواجب عليه خلع نفسه عن الإمامة لأنّ كلامه سيما مع تتمته المروية متفقاً بقوله «وعلي فيكم» يدل دلالة ظاهرة على عدم تفضيل المفضول كما أشرنا إليه آنفاً وإن كان غير صادق فلا يليق أن يلى أمور المسلمين ويقوم بأحكامهم ويقيم حدودهم كذاب كما لا يخفى.

قال:

وفي رواية صحيحة إنّه قال علي لعمر وهو مسجّى «صلى اللَّه عليك ودعاله» انتهى.

أقول:

بعد منع صحة الرواية لعل تلك الصلاة وقعت عنه عليه السلام عند ما سجّى عمر بثوب الكفن ووضع في بيت النّبي صلى الله عليه و آله مترصّدين لدفنه في جواره صلى الله عليه و آله وعلي عليه السلام


1- كنز العمال، ج 5، ص 636؛ احتجاج طبرسي، ج 2، ص 152

ص: 462

إنّما صلى على النبي صلى الله عليه و آله لمشاهدته لمرقده حينئذ فاشتبه الأمر على الناس، وعلى تقدير تسليم وقوع تلك الصلاة قبل كفن عمر وإخراجه إلى بيت النبي صلى الله عليه و آله فيجوز أن يكون عليه السلام قد استحضر النّبي صلى الله عليه و آله في ذهنه ذلك الوقت فصلّى عليه بصيغة الخطاب كما في قوله تعالى «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» (1)

فوقع الإشتباه.

وأمّا الدعاء فلعلّه كان عليه سراً لا جهراً أو كان جهراً ولكن باعماله عليه السلام الألفاظ الإيهاميه كما سبق من قول الصادق عند ذكر أبي بكر وعمر «إنّهما كانا إمامين عادلين قاسطين كانا على الحق وماتا على الحق فرحمة اللَّه عليهما يوم القيامة» فتذكر.

نقل ابن حجر أنّ علياً عليه السلام «قال خير الناس بعد الرسول صلى الله عليه و آله ابوبكر وعمر».

93- قال:

وأخرج الحافظ أبوذر الهروي من طرق متنوعة والدار قطني وغيرهما عن أبي جحيفة أيضاً «دخلت على علي في بيته فقلت: يا خير الناس بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فقال مهلًا يا أبا جحيفة ألا أخبرك بخير الناس بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أبوبكر وعمر ويحك يا أباجحيفة لا يجتمع حبّي وبغض أبي بكر وعمر في قلب مؤمن».

وأخباره بكونهما خير الأمة ثبتت عنه من رواية ابنه محمد بن الحنفية وجاء عنه من طرق كثيرة بحيث يجزم من تتبعها بصدور هذا القول من علي والرافضة ونحوهم لما لم يمكنهم إنكار صدور هذا القول منه لظهوره عنه بحيث لا ينكره إلّاجاهل بالآثار أو مباهت قالوا إنّما قال على ذلك تقية ومرّ إنّ ذلك كذب وافتراء وسيأتي أيضاً وأحسن ما يقال في هذا المحل «ألا لعنة اللَّه على الكاذبين».


1- حمد: 4.

ص: 463

أقول:

لا يلزم من كون أبي جحيفة صحابياً صاحباً لعلي عليه السلام كما ذكره علماء الرجال من الطرفين أن يكون كل ما نقل عنه صحيحاً لجواز أن يكون الخلل فيمن نقل عنه من أهل السنة الّذين جرت عادتهم على وضع الخبر على سادات أهل البيت عليهم السلام وعلماء شيعتهم نصرة لضعف مذاهبهم وآراءهم الجاهلية ولو سلّم يجوز أن يكون المراد من لفظ الخير في الخبر الخير المخفف من المشدد ومع ذلك يكون واقعاً تقية.

وأمّا ما نسب إليه عليه السلام من قوله «لا يجتمع بغضي وحب أبي بكر وعمر في قلب مؤمن» فصريح في إعمال التقية لأنّ نفي هذا الاجتماع يمكن أن يكون بحب المجموع وببغض المجموع وبعدم شي ء من بغض علي وحبّ أبي بكر وعمر ويتحقّق هذا بحب علي عليه السلام وبغضهما كما هو وظيفة المؤمن.

وأمّا ما ذكره «من أنّه لم يمكن للشيعة إنكار صدور هذا القول عن علي عليه السلام» فمكابرة على الواقع لأنّهم كما أشرنا إليه منعوا أولًا صحة الخبر ثم تنزّلوا إلى احتمال صدوره على وجه ولقد تكلّمنا فيما مرّ على ما مرّ وسيأتي إن شاء اللَّه على ما سيأتي فتذكر وانتظر ولقد صدّق في أحسنية أن يقال في هذا المحل «ألا لعنة اللَّه على الكاذبين» بل هو أحسن ما يقال في عقيب كل حديث ذكره في هذا الباب، بل هو أحسن ما ذكره في هذا الكتاب، كما لا يخفى على أولى الألباب.

نقل ابن حجر أنّ علياً والباقر عليهما السلام كانا يحبّان الشيخين واستدلاله على صحة خلافتهما

قال:

وأخرج الدار قطني «إنّ أبا جحيفة كان يرى أنّ علياً أفضل الأمّة فسمع أقواماً يخالفونه فحزن حزناً شديداً فقال له علي بعد أن أخذ بيده وأدخله بيته ما أحزنك يا أباجحيفة؟ فذكر له الخبر فقال ألا أخبرك بخير الأمة خيرها

ص: 464

أبوبكر ثم عمر قال أبو جحيفة فاعطيت اللَّه عهداً أن لا أكتم هذا الحديث بعد أن شافهني به على ما بقيت».

وقول الشيعة والرافضة ونحوهما إنّما ذكر على ذلك تقية كذب وافتراء على اللَّه إذ كيف يتوهّم ذلك من له أدنى عقل أو فهم مع ذكره له في الخلاء في مدة خلافته لأنّه قال على منبر الكوفة وهو لم يدخلها إلّابعد فراغه من حرب أهل البصرة وذلك أقوى ما كان أمراً وأنفذ حكماً وذلك بعد مدة مديدة من موت أبي بكر وعمر قال بعض أئمة أهل البيت النبوي بعد أن ذكر ذلك فكيف يتعقل وقوع مثل هذه التقية المشومة الّتى أفسدوا بها عقائد أكثر أهل البيت النبوي لإظهار هم كمال المحبة والتعظيم فمالوا إلى تقليدهم حتّى قال بعضهم أغرّ الأشياء في الدنيا شريف سني فلقد عظمت مصيبة أهل البيت بهؤلاء وعظم عليهم أولًا وآخراً انتهى وما أحسن ما أبطل به الباقر هذه التقية المشومة لما سئل عن الشيخين فقال إنّى أتولّاهما فقيل له إنّهم يزعمون إنّ ذلك تقية فقال إنّما يخاف الأحياء ولا يخاف الأموات فعل اللَّه بهشام بن عبدالملك كذا وكذا أخرجه الدار قطني وغيره فانظر ما أبين هذا الاحتجاج وأوضحه من مثل هذا الإمام العظيم المجمع على جلالته وفضله بل أولئك الأشقياء يدعون فيه العصمة فيكون ما قاله واجب الصدق ومع ذلك فقد صرّح لهم ببطلان تلك التقية المشومة عليهم واستدل لهم على ذلك بأنّ اتقاء الشيخين بعد موتهما لا وجه له إذلاسطوة لهما حينئذ ثم بيّن لهم بدعائه على هشام الّذي هو والي زمنه وشوكته قائمة إنّه إذا لم يتقه مع أنّه يخاف ويخشى لسطوته وملكه وقوته وقهره فكيف مع ذلك يتقى الأموات الّذين لا شوكة لهم ولا سطوة وأمّا إذا كان هذا حال الباقر فما ظنك بعلي الّذي لا نسبة بينه وبين الباقر في إقدامه وقوته وشجاعته وشدة بأسه وكثرة عدّته وعدده وإنّه لا يخاف في اللَّه لومة لائم ومع ذلك فقد صح عنه بل تواتر مدح الشيخين والثناء عليهما وإنّهما خير الأمة ومرّ أيضاً

ص: 465

الأثر الصحيح عن مالك عن جعفر الصادق عن أبيه الباقر إنّ علياً وقف على عمر وهو مسجّى بثوبه وقال ما سبق فما أحوج علياً إن يقول ذلك تقية وما أحوج الباقر إن يرويه لابنه الصادق تقية وما أحوج الصادق إن يرويه لمالك تقية فتأمل كيف يسع العاقل أن يترك مثل هذا الإسناد الصحيح ويحمله على التقية لشي ء لم يصح وهو من جهالاتهم وغباواتهم وكذبهم وحمقهم وما أحسن ما سلكه بعض الشيعة المنصفين كعبد الرزاق فإنّه قال:

«أفضل الشيخين بتفضيل علي إياهما على نفسه وإلّا لما فضّلتهما كفى بي وزراً أن أحبه ثم أخالفه» ومما يكذبهم في دعوى تلك التقية المشومة عليهم ما أخرجه الدار قطني «إنّ أباسفيان بن حرب رضى الله عنه قال لعلي بأعلى صوته لمّا بايع الناس أبابكر يا علي غلبكم على هذا الأمر أذلّ بيت في قريش أما واللَّه لأملأنّها عليه خيلًا ورجلًا إن شئت فقال علي رضى الله عنه يا عدو الإسلام وأهله فما أضرّ ذلك للإسلام وأهله».

فعلم بطلان ما زعموه وافتروه من أنّ علياً إنّما بايع تقية وقهراً ولو كان لما زعموه أدنى صحة لنقل واشتهر عن علي إذ لا داعي لكتمه بل أخرج الدار قطني وروى معناه من طرق كثيرة عن علي إنّه قال «والّذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو عهد إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عهداً لجاهدت عليه ولو لم أجد إلّاردائي ولم أترك ابن أبي قحافة يصعد درجة واحدة من منبر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ولكنّه صلى الله عليه و آله رأى موضعي وموضعه فقال له قم وصلّ بالناس وتركني فرضينا به لدنيانا كما رضي به رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لديننا».

ومرّ لذلك مزيد بيان في خامس الأجوبة عن خبر «من كنت مولاه فعلي مولاه» وفي الباب الثاني وفي غيرهما فراجع ذلك كله فإنّه مهم.

وممّا يلزم من المفاسد والمساوي والقبائح العظيمة على ما زعموه من نسبة

ص: 466

علي إلى التقية إنّه كان جباناً ذليلًا مقهوراً أعاذه اللَّه من ذلك وحروبه للبغاة لما صارت الخلافة له ومباشرته ذلك بنفسه ومبارزته للألوف من الأمور المستفيضة الّتي تقطع بكذب ما نسبه إليه أولئك الحمقى والغلاة إذ كانت الشوكة من البغاة قويّة جدّاً ولا شك إنّ بني أمية كانوا أعظم قبائل قريش شوكة وكثرة جاهلية وإسلاماً وقد كان أبوسفيان بن حرب هو قائد المشركين يوم أحد ويوم الأحزاب وغيرهما وقد قال لعلي لمّا بويع أبوبكر ما مرّ آنفاً فردّ عليه ذلك الردّ الفاحش وأيضاً فبنو تيم ثم بنوعدى قوّما الشيخين من أضعف قبائل قريش فكسوت علي لهما مع أنّه كما ذكر وقيامه بالسيف على المخالفين لما انعقدت البيعة له مع قوة شكيمتهم أوضح دليل على أنّه كان دائراً مع الحق حيث دار وإنّه من الشجاعة بالمحل الأسنى وأنّه لو كان معه وصية من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في أمر القيام على الناس لأنفذ وصية رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ولو كان السيف على رأسه مصلتاً، لا يرتاب في ذلك إلّامن اعتقد فيه رضى الله عنه ما هو منه برى ء.

ومما يلزمهم أيضاً على التقية المشومة عليهم إنّه رضى الله عنه لا يعتمد على قوله قط لأنّه حيث لم يزل في اضطراب من أمره فكل ما قاله يحتمل أنّه خالف فيه الحق خوفاً وتقية ذكره حجة الإسلام أبوحامد الغزالي وقال غيره بل يلزمهم ما هو أشنع من ذلك وأقبح كقولهم إنّ النبي صلى الله عليه و آله لم يعيّن الإمامة إلا لعلي فمنع من ذلك فقال مرّوا أبابكر تقية فيتطرق احتمال ذلك إلى كل ما جاء عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ولا يفيد حينئذ إثبات العصمة شيئاً.

وأيضاً فقد استفاض عن علي رضى الله عنه إنّه كان لا يبالى بأحد حتى إنّه قيل للشافعي رضى الله عنه ما نفر الناس عن علي إلّاأنّه كان لا يبالي بأحد فقال الشافعي إنّه كان زاهداً والزاهد لا يبالي بالدنيا وأهلها، وكان عالماً والعالم لا يبالي بأحد، وكان شجاعاً والشجاع لا يبالي بأحد، وكان شريفاً والشريف لا يبالي بأحد.

ص: 467

أخرجه البيهقي وعلى تقدير إنّه قال ذلك تقية فقد انتفى مقتضيها بولايته وقد مرّ عنه من مدح الشيخين فيها وفى الخلوة وعلى منبر الخلافة مع غاية القوة والمنعة مما تلي عليك قريباً فلا تغفل عنه انتهى.

جواب عمّا ذكر من استدلال ابن حجر

أقول:

يتوجه على ما رتّبه تجحيراً على مذهبه من سقاطات المدر والحصا مدافع لا يحصى منها أنّ أبا جحيفة الّذي اعتمد على روايته لم يكن من رجال الشيعة قطعاً كما مرّت الإشارة إليه سابقاً وتوهم تشيعه من قوله «كان يرى أنّ علياً أفضل الأمة وإنّه حزن من استماع خلافه حزناً شديداً» لا يجدى نفعاً لأنّ إظهار ذلك أوّلًا يجوز أن يكون احتيالا منه تحصيلًا لالتفات بعض عوام الشيعة إلى تصدق ما يذكره بعد ذلك من أفضلية أبي بكر رواية عن علي عليه السلام وحيث لم يكن أبو جحيفة من زمرة شيعة علي عليه السلام فالتقية منه متجه سواء كان في الخلاء أو في الملاء وحينئذ كيف يستبعد من له أدنى عقل وفهم إنّه لا مجال لتوهم التقية في هذا المقام، لولا عروض الخرافة والجمود التام، ثم الظاهر إنّ قوله «وفي خلافته» عطف على قوله «في الخلاء» وحينئذ لا يرتبط به قوله لأنّه «قال في منبر الكوفة إلى آخره» لركاكة الاستدلال به على ما ذكر ولمنا فاته ما ذكره أولًا من أنّه عليه السلام أدخله بيته وقال له ذلك الخبر إلّاأن يكون قبل قوله «لأنه» واو عطف قد سقط من قلم الناسخ وحينئذ لا يوجد في الكلام ما يصلح لعطفه عليه إلّاعلى تأويل بعيد ومع ذلك يصير حينئذ مأل هذا الدليل العليل متحداً مع ما ذكره قبله من أنّ علياً عليه السلام قال ذلك لأبى جحيفة في خلافته وعلى أي تقدير فإظهار علي عليه السلام ذلك في أيام خلافته على منبر الكوفة لوصح لا ينافي التقية لما مرّ من أنّ أكثر العساكر الّذي كانوا معه عليه السلام كانوا معتقدين لحسن سيرة الشيخين وحقّية خلافتهم، محافظين على شأنهما، ذابين

ص: 468

عن حريم.... كما يدل عليه ما سيذكره هذا الجامد المعاند من رواية أبي ذر الهروي والدار قطني المشتملة على اعتراض بعض من سمع سبّ الشيخين عن جماعة على علي عليه السلام بأنّهم لولا يرون أنّك تضمر ما اعلنوه ما اجترأوا على ذلك؛ إلى آخره.

ولئن كان عليه السلام في أيام إظهاره لذلك فارغاً من حرب أهل البصرة فقد كان من وراءه كيد عائشة الغازية المجاهدة في سبيل اللَّه وغيرها من بقية السيف كعبد اللَّه بن الزبير ومروان وغيرهم من القاصدين لثوران الفتنة وتحريض معاوية على الخروج عليه عليه السلام حتى خرج في قريب من تلك الأيّام ومنها أنّ ما نقله من بعض أئمة أهل البيت من إنكار أعمالهم للتقية يتوجه عليه أنّه على تقدير وجود ذلك البعض الّذي لم يسمّه وتسليم صحة النقل عنه يمكن أن يكون ذلك منه تقية في تقية ووصفه للتقية بالمشومة لو صحّ أيضاً فلعلّه أراد به كونه شوماً على الأعداء كما قيل في الفارسية.

مصرع شعر

بر دوست مبارك است و بر دشمن شوم

وكيف لا يكون كذلك مع أنّه وسيلة لخلاص الأحباء عن تهلكة الأعداء وضحكهم على لحية هؤلاء. وأمّا ما نقله عنه ثانياً من قوله «حتى قال بعضهم أغرّ الأشياء في الدنيا شريف سنى» فوهنه ظاهر لظهور أنّ الشيعة كما يشعر به لقبهم هذا تابعون لأهل البيت عليهم السلام مقتبسون من مشكاة ولايتهم لا صنع لهم في تقرير عقائد ساداتهم كما يرشد إليه حال سادات المدينة المشرفة وشرفاء مكة المعظمة وأخذ العقائد عن أب عن جد إلى الأئمة المعصومين عليهم السلام من غير التفات إلى غيرهم كما علم بتتبع أحوالهم فما نقله عن لسان بعض الأئمة موضوع عليه قطعاً.

ومنها أنّ قوله «وما أحسن ما أبطل به الباقر هذه التقية المشومة؛ إلى آخره»

ص: 469

يتوجه عليه بعد تسليم صحة النقل إنه لا حسن فيه للناقل لظهور أنّه كلام مجمل مبهم يليق صدوره بشأن الواقع في مقام التقية وقد أشرنا أيضاً إلى أنّ سطوة أولياء الشيخين، والمعتقدين لبراءة سيرتهم عن الشين، كانت تقوم مقام سطوتهما وأكثر.

وأمّا ما نقل عن دعادءه عليه السلام على هشام، فلا يجدي فيما له من المرام، لأنّ كثيراً من ملوك بني أمية لم يكونوا قادرين على مؤاخذة الأشراف بمجرد صدور إنكار منهم بالنسبة إليهم وإنّما كانوا يجعلون القدح في الشيخين أو تهمة القدح فيهما وسيلة إلى المؤاخذة بالقتل والحبس ونحوهما ويؤيد هذا ما جرى في بعض أيام الحج من تنحى المسلمين عن طريق مولانا زين العابدين عليه السلام هيبته منه ليسهل له استلام الحجر مع عدم تيسر ذلك لهشام، وانتظاره التام لدفع الازدحام وجرأة فرزدق الشاعر في إنشاده حينئذ على هشام ما تضمّن مدح زين العابدين عليه السلام وذم هشام وهذه القصة مع القصيدة مشهورة مذكورة على السنة الأنام على وجه سيذكرها هذا الشيخ في فضائل أهل البيت عليهم السلام.

ومنها أنّ ما ذكره بقوله «فما أحوج علياً ان يقول ذلك تقية؛ إلى آخره» مردود بما سبق مراراً من وجوه متعددة ذكرنا فيها ما أحوجه عليه السلام إلى ذلك وحاصله ما روى أصحابنا إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لمّا أوصى علياً عليه السلام لما احتاج إليه في وقت وفاته عرفه جميع ما يجرى عليه من بعد من أمر واحد بعد واحد من المستولين فقال له علي عليه السلام على ما تأمروني أن أصنع فقال تصبر وتحتسب إلى أن يعود الناس إليك طوعاً فحينئذ تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، ولا تنابذن أحداً من الثلاثة فتلقى بيدك إلى التهلكة ويرتد الناس من النفاق إلى الشقاق فكان علي عليه السلام حافظاً لوصية رسول اللَّه صلى الله عليه و آله اتقاء في ذلك على المسلمين المستضعفين لئلّا يرجع الناس إلى الجاهلية الأولى وتثور القبائل مرتدين بالفتنه في طلب ثارات الجاهلية إلى غير ذلك من المصالح الخفية والجلية.

ص: 470

ومنها أنّ قوله «وما أحسن ما سلكه بعض الشيعة المنصفين كعبدالرزاق فإنّه قال أفضل الشيخين؛ إلى آخره» مدخول بمنع كون عبدالرزاق من علماء الشيعة بل يظهر من كلام ياقوت الحموي في معجمه إنّه من محدّثي أهل السنة والجماعة وشيخ مشايخ حديثهم وغاية الأمر إنّه كان يقدح في عثمان لكن كان يعتقد صحة خلافة الشيخين ويفضلهما لزعمه الباطل أنّ علياً عليه السلام فضّلهما على نفسه وإنه في ذلك قد أطاع علياً عليه السلام وحينئذ فقوله وبوله سواء.

ومنها قوله «ومما يكذبهم في دعوى تلك التقية المشومة ما أخرجه الدارقطني من أنّ أباسفيان؛ إلى آخره» مدفوع بأنّ ما أخرجه الدارقطني مما يصدق دعوانا، كيف وهو متضمّن لما ذكرناه سابقاً من أنّ علياً عليه السلام إنّما كان يحترز في عدم النزاع مع الثلاثة عن مخالفة وصية سيد الأنام صلوات اللَّه عليه وآله وأثارة فتنة تؤدى إلى إفناء دين الإسلام ولهذا أغلظ على أبي سفيان في الكلام ونسبه إلى العداوة مع الإشارة إلى أنّ خلافة أبي بكر لا تضرّ بالإسلام وأنّ أثارة ما قصده من الفتنة تضرّ فيه وتؤدي إلى إفناء الإسلام وأهله بالتمام (1) فظهر حقية ما قاله من أنّ علياً عليه السلام إنّما بايع أبابكر قهراً وتقية واللَّه يحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المنافقون.


1- والمروي من طريق الشيعة وبعض طرق أهل السنة أن أباسفيان جاء إلى باب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فقال:

ص: 471

ومنهما أنّ قوله «بل أخرج الدارقطني وروى معناه عن طرق كثيرة عن علي أنّه قال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عهداً لجاهدت عليه؛ إلى آخره» مقدوح بعدم تسليم صحته مع أنّ أكثر ما ذكر فيه موافق لما اسبقناه من أنّ النبي صلى الله عليه و آله عهد إلى أميرالمؤمنين عليه السلام أن لا ينازع مع أحد من الثلاثة ولا يسلّ السيف عند غصبهم الخلافة وحاصل الكلام المذكور إنّه لو عهد النّبي صلى الله عليه و آله إلى عهداً بأن أجاهدهم لأجل الخلافة لجاهدتهم ولكنّه عهد إليّ بالصبر والسكوت فامتثلت وصيته وحفظت عهده إلى أن مضوا لسبيلهم كما صرّح به عليه السلام في الخطبة المشهورة الموسومة بالشقشقية أيضاً.

وأمّا قوله عليه السلام «لكنّه صلى الله عليه و آله رأى موضعي وموضعه» فيحتمل أن يكون من قبيل رؤية علي عليه السلام موضع أراقة دم الحسين في أرض كربلاء قبل وقوع الواقعة وبالجملة يمكن أن يكون أخباراً عن رؤية ما جرى به حكم المشية التكليفية التابعة في الكون لاختيار المكلّفين ولو بالاختيار السوء لا بحكم المشية الإرادية المساوقة للحكم الشرعي كما صرّح به صاحب الأحباب من الصوفية الشافعية التفضيلية حيث قال: فإن قلت فعلى هذا قد بيّن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله للخلافة ترتيباً فكيف خصّصتها بعلي عليه السلام.

قلت: إنّما جاء الترتيب في أخباره عما يقع من حكم إلهى لا في إثباته صلى الله عليه و آله إيّاها حكماً شرعياً فربّما كان الحكم ثابتاً لكن يتأخر وقوعه إلى أجل أو لا يقع البتة فأخبر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عن ترتيب وقوعها حكماً إلهياً لا عن ثبوت ترتيبها حكماً شرعياً إنتهى وأمّا تتمة الخبر من قصة أبي بكر بالصلاة مع الناس من أنكر الموضوعات عند الشيعة كما مرّ بيانه وتأييده بإحدى الروايتين في ذلك للبخاري ويدل على كونه كذباً موضوعاً اشتماله على ما يتكلّم به عاقل فضلًا عن إمام معصوم مؤيد مطالع للوح المحفوظ كعلي عليه السلام وهو القياس الفاسد الّذي نبّهنا على

ص: 472

فساده فيما مرّ وقد تقدم لذلك في ردّ خامس أجوبة هذا الجامد عن خبر «من كنت مولاه فعلي مولاه» ما لا مزيد عليه فتبنّه وتذكّر.

ومنها أنّ ما ذكره من نسبه استلزام نسبة علي عليه السلام إلى التقية دليلًا على الجبن يستلزم أن يكون سيد الأنبياء جباناً ذليلًا مقهوراً أيضاً بل يستلزم أن يكون أجبن وأذلّ وأشدّ مقهورية أعاذه اللَّه من ذلك وذلك للإجماع على أنّ النّبي صلى الله عليه و آله لم يكن أقلّ شجاعة وقوة من علي عليه السلام (1) وهو مع كون أمير المؤمنين عليه السلام وأبي بكر الأشجع منه، وعمر المقدام، بزعم هذا الجامد وغيرهم من بني هاشم في ملازمته لم يقاتل مع كفار قريش واختار المهاجرة من مكة إلى المدينة الطيبة وبعد امتداد المدة وتهيّأ القوة والشوكة لما توجّه إلى مكة للجّ وصدّ عليه كفار قريش في الحديبية صالح معهم صلحاً سمّاه عمر إعطاء الدنية ورجع من الحديبية إلى المدينة كما مر ولا ريب أنّ كلّ ما يوجّه به كفّ النبي صلى الله عليه و آله وأمير المؤمنين عليه السلام وسائر الصحابة والمهاجرين والأنصار عن قتال هؤلاء الكفار فهو يصلح وجهاً لكفّ أميرالمؤمنين عليه السلام عن منازعة الغاصبين المتظاهرين بالإسلام فتدبر.

وأمّا حربه عليه السلام للبغاة فقد بيّنا الفرق الظاهر بينهم وبين الثلاثة الغاصبين للخلافة مراراً فتذكر.


1- بل هو صلى الله عليه و آله كان أشجع وأقوى منه عليه السلام فإنّه صلى الله عليه و آله صالح معهم في ردّ من جاء منهم إلينا دون من ذهب منا إليهم ولمّاكتب علي عليه السلام كتاب العهد وصدره بقوله بسم اللَّه الرحمن الرحيم قال سهل بن عمرو عليه ما عليه أمّا باسم اللَّه فما ندري ما بسم اللَّه الرحمن الرحيم ولكن أكتب ما نعرف باسمك اللهم فوافقهم النّبي صلى الله عليه و آله في ترك كتابة البسملة وكتب باسمك اللهم ولمّا كتب قوله «هذا ما كاتب محمد رسول اللَّه» قالوا نحن لا نعتقد رسالتك فاكتب محمد بن عبداللَّه فوافقهم فيه وترك كتابة رسول اللَّه قال النّووي في شرح صحيح مسلم «وإنّما وافقهم في هذه الأمور للمصلحة المهمة الحاصلة بالصلح» وقال قبل ذلك بورقات، عند أوائل باب صلح الحديبية: للإمام أن يعقد الصلح على ما رآه مصلحة للمسلمين وإن كان ذلك لا يظهر لبعض الناس في بادي الرأي إلى آخر ما قال منه رحمه اللَّه(كذا في حاشية هذا الموضوع من إحدى النسختين اللتين عندي).

ص: 473

ومنها أنّ قوله «وأيضاً فبنو تيم ثم بنو عدي قوّما الشيخين من أضعف قبائل قريش فسكوت علي لهما؛ إلى آخره» مدفوع بأنّا لو سلّمنا إنّ قومهما كان أضعف قبائل قريش فكفى في تقويتهم وجود مثل عمر الّذي روى الجمهور أنّ النّبي صلى الله عليه و آله كان يدعو في بدء الإسلام ويقول اللهم قوّنى بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب ولو سلّم ضعفهما في نفسهما أيضاً لكن أكثر ما عداهما من قبائل قريش كبني أمية وبني مخزوم وبني المغيرة كانوا يبغضون علياً عليه السلام لأجل هلاك آباءهم، وإخوانهم، وأولادهم، بيده عليه السلام في غزوات النّبي صلى الله عليه و آله حتّى روى أنّه لم يكن بيت من قريش إلّاولهم عليه دعوى دم إراقة في سبيل اللَّه كما ذكره الإصفهاني الشافعي في جرحه على كتاب كشف الحق وقد ذكر الشيخ الجامد في مواضع من كتابه هذا ما يدل على بغض القوم وحسدهم له فيما آتاه اللَّه من فضله خصوصاً بنو أمية وبنو المغيرة وبنو مخزوم الّذين كانوا من أعاظم طوائف قريش فقد روى هذا الشيخ الجامد فيما ذكره في أول الخاتمة الّتي عقدها لبيان ما أخبر به النّبي صلى الله عليه و آله ممّا حصل على آله من البلاء والقتل من قوله:

«إنّ أهل بيتي سيلقون بعدي من أمّتي قتلًا وتشريداً وإنّ أشدّ أقوام لنا بعضاً بنوأمية وبنو المغيرة وبنو مخزوم»

إنتهى.

ولهذا ابتدأوا بعقد الرايات لعكرمة بن أبي جهل وعمومته الحارث بن هشام وغيرهم من بني مخزوم على بلاد اليمن وسمّوا خالد بن الوليد المخزومي الفاسق الّذى قال فيه النّبي صلى الله عليه و آله «اللهم إنّي أبرأ إليك مما فعل خالد» سيف اللَّه وسلّطوه على مشتهياته من فروج المسلمين ودمائهم وأموالهم وسموا عبيدة بن الجراح المجروح أمين الأمةوجعلوه مشيراً لهم وأرضوا أباسفيان بتفويض إمارة الشام ولده يزيد ووجّهوا أسامة مع من كان في جيشه من الّذين خافوا فتنتهم مظهرين له إبقاءه على إمارته ليسكت عن مخالفتهم حتّى إذا انتهى إلى نواحي الشام عزلوه واستعملوا مكانه يزيد بن أبي سفيان فما كان بين خروج أسامة ورجوعه إلى المدينة إلّانحو من

ص: 474

أربعين يوماً فلمّا قدم المدينة قام على باب المسجد ثم صاح يا معشر المسلمين عجباً لرجل استعملني عليه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فتأمر علي وعزلني هذا والسرّ في أنّ بني مخزوم وبنو أمية وغيرهم من صناديد قريش لم يتصدّوا لغصب الخلافة بأنفسهم وإنّما حملوا أبابكر على ذلك لعدم سابقتهم في الإسلام وسرعة توجّه التهمة إليهم بمعاداة علي عليه السلام وأهل بيته بل بمعاداة الأنصار أيضاً فحملوا أبابكر على أكتاف الناس رغماً لعلي عليه السلام ولهم فافهم.

وبالجملة إنّ غصب الخلافة لم يكن بمجرد اتفاق بني تيم وبني عدي كما زعمه بل باتفاق جميع طوائف قريش على ذلك كما مرّ مراراً وبه تحقق الفرق بين خلافة الثلاثة وزمان الناكثين والقاسطين والمارقين كما أوضحنا تارة بعد أخرى.

وأمّا ما ذكره من «أنّ سكوت علي لتيم وعدي أولًا وقيامه بالسيف على آخرين آخراً دليل على أنّه كان مع الحق حيث دار».

فالجواب عنه أنّ ذاك كذلك لكن لا لأجل ما توهمه من اعتقاد علي عليه السلام على حقّية خلافة الأولين بل لأجل ما مرّ من أنّ السكوت في الأول لم يكن اختيارياً له والقيام بالسيف ثانياً كان باختيار منه.

وأمّا قوله «وإنّه لو كان معه وصية من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في أمر القيام على الناس لأنفذ؛ إلى آخره» فمدخول بما قد مرّ أيضاً من أنّه كان عنده عليه السلام عهدان من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أحدهما أنّ ولاية عهد الخلافة حق له بعده والثاني أن لا ينازع فيها أحداً من الثلاثة المستولين بعده صلى الله عليه و آله للمصالح الّتي فصّلنا فيها الكلام آنفاً فتأمل.

ومنها أنّ قوله «ومما يلزمهم أيضاً على هذه التقية المشومة إنّه رضى الله عنه لا يعتمد على قوله قط؛ إلى آخره» إن أراد به لزوم عدم اعتماد المخالفين الّذين كان يتقى هو عليه السلام منهم فهو غير مجد له وغير مضر لنا وإن أراد عدم اعتماد أولاده الطاهرين

ص: 475

وشيعته وأصحابه المخلصين الّذين عرفوا أصوله المرضية وضبطوا القرائن القائمة في مواضع أعماله للتقية فهو ممنوع إذ عندهم قواعد وعلامات وقرائن وأمارات قد أشرنا إلى بعضها سابقاً بها يميّزون بين مواضع أعماله عليه السلام للتقية وبين غيرها على وجه لا يبقى شائبة الريب لهم وبهذا التقرير أيضاً يندفع ما ادعى لزومه بعيد ذلك كما لا يخفى.

ومنها أنّ قوله «وعلى تقدير إنّه قال ذلك تقية فقد انتفى مقتضيها بولايته؛ إلى آخره» ممنوع بما مرّ مراراً من أنّه لما كان اعتقاد جمهور من في زمان ولايته حسن سيرة الشيخين وإنّهما كانا على الحق فلم يتمكن عليه السلام من الإقدام على ما يدل على فساد إمامتهما وإنّهما كانا غير مستحقّين لمقامها وكيف يتمكّن من ذلك وإظهار خلافهم على الجماعة الّتى يظنون إنّهم كانوا خلفاء رسول اللَّه حقاً وإنّ خلافته عليه السلام مبنية على خلافتهم فإن فسدت فسدت خلافته وكيف يأمن في خلافته الخلاف عليهم وكلّ من بايعه وجمهورهم عبدة هؤلاء وكانوا يرون أنّهم مضوا على أعدل الأمور وأفضلها وإنّ غاية أمر من بعدهم كعلي عليه السلام أن يتّبع آثارهم ويقتفي طرائقهم فتأمل وانصف.

استدلال ابن حجر بزعمه على صحة خلافة الشيخين

قال:

وأخرج أبوذر الهروي والدار قطني من طرق أنّ بعضهم مرّ بنفر يسبّون الشيخين فأخبر علياً وقال لولا أنّهم يرون إنّك تضمر ما أعلنوا ما اجترؤا على ذلك فقال علي أعوذ باللَّه رحمهم (1) اللَّه ثم نهض وأخذ بيد ذلك المخبر وأدخله المسجد فصعد المنبر ثم قبض على لحيته وهي بيضاء فجعلت دموعه تتحادر على


1- هذه الكلمة في النسخة المطبوعة من الصواعق بصيغة التثنية بخلاف نسخة المصنف كما يعلم من هنا ومن الجواب أيضاً كما سيجي ء.

ص: 476

لحيته وجعل ينظر البقاع حتّى اجتمع الناس ثم خطب خطبة بليغة من جملتها «ما بال أقوام يذكرون أخوي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ووزيريه وصاحبيه وسيدي قريش وأبوي المسلمين وأنا بري ء مما يذكرون، وعليه معاقب، صحبا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بالجد والوفاء والجد في أمر اللَّه تعالى يأمران وينهيان ويقضيان ويعاقبان لا يرى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله كرأيهما رأياً ولا يحبّ كحبّهما حباً لما يرى من عزمهما في أمر اللَّه فقبض وهو عنهما راض والمسلمون راضون فما تجاوزا في أمرهما وسيرتهما رأى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وأمره في حياته وبعد موته فقبضا على ذلك رحمهم اللَّه تعالى فو الّذي فلق الحبة وبرأ النسمة لا يحبهما إلّامؤمن فاضل، ولا يبغضهما ويخالفهما إلّاشقيّ مارق، وحبّهما قربة وبغضهما مروق ثم ذكر أمر النّبي صلى الله عليه و آله لأبي بكر بالصلاة وهو يرى مكان علي ثم ذكر أيضاً إنّه بايع أبابكر ثم ذكر استخلاف أبي بكر لعمر ثم قال ألا ولا يبلغني عن أحد أنّه يبغضهما إلّاجلّدته حدّ المفتري، وفي رواية ما اجترؤا على ذلك أي سبّ الشيخين إلّاوهم يرون إنّك موافق لهم، منهم عبد اللَّه بن سبا وكان أول من أظهر ذلك لهما فقال علي معاذ اللَّه إن أضمر لهما ذلك، لعن اللَّه من أضمر لهما إلّا الحسن الجميل وسترى ذلك إن شاء اللَّه ثم أرسل إلى ابن سبا فسيره إلى المدائن وقال لا تساكنى في بلدة أبداً قال الأئمة وكان ابن سبا هذا يهودياً فأظهر الإسلام وكان كبير طائفة من الروافض وهم الّذين أخرجهم علي رضى الله عنه لما ادعوا فيه الإلهية.

جواب عمّا ذكر من استدلال ابن حجر

أقول:

يعلم من هذا الخبر وكثير من أمثاله المذكورة في هذا الكتاب بعد تسليم صحتها أنّه عليه السلام كان في زمانه متهماً بإعمال التقية في شأن الشيخين ويظهر منه أنّ تجويز التقية والحكم بشرعيتها ليس من مخترعات الشيعة كما قد يتوهّم وأيّ تقية أظهر من أنّه عليه السلام قال في ضمن جوابه لسؤال ذلك البعض قوله «رحمهم اللَّه» بضمير

ص: 477

الجمع الظاهر في كونه راجعاً إلى تلك النفر السابّين المذكورين في الخبر غاية الأمر إنّه عليه السلام ذكر أولًا قوله «أعوذ باللَّه» ليوقع في وهم ذلك البعض إنّه عليه السلام يستعيذ من سبّ الشيخين فيذهل بعد ذلك عن ظهور إرجاع الضمير الآتي في قوله «رحمهم اللَّه» إلى تلك النفر السابّين ويزعم بقرينة الاستعاذة المطلقة المبهة أنّ ضمير الجمع راجع إلى الشيخين من أجل توهمه إنّ تلك الاستعاذة المطلقه منصرفة إلى الاستعاذة من سبّهما وإنّ الإتيان بضمير الجمع دون التثنية للتعظيم.

وأمّا باقي الأوصاف المذكور لهما من الوزارة والسيادة وأبوة المسلمين مع أنّ الأخير منها غصب لما خصّ به رسول اللَّه صلى الله عليه و آله من كونه أباً للمسلمين كأزواجه بكونهن أمهاتهم مسوّقة تهكّماً على طبق ما يصفهما به أوليائهما كقوله تعالى ذق إنّك أنت العزيز الكريم وقول ابن منير الطرابلسي الشيعي الإمامي رحمه اللَّه مهدّداً لشريف زمانه الّذي أوقف مملوكه المسمّى بتتر عنده في جملة أبيات مضحكة منها قوله:

ليس الشريف الموسوى أبوالرضا ابن أبي مضر

أبدى الجحود ولم يرد على مملوكي تتر

واليت آل أمية الطهر الميامين الغرر

وأقول ام المؤمنين عقوقها إحدى الكبر

إلى آخره، فليضحك قليلًا وليبك كثيراً.

وأمّا الرواية الأخرى الّتى ذكرها آخراً فبعد تسليم صحتها يتوجّه عليه إنّ غاية ما يدل عليه هو استعاذة علي عليه السلام عن سبّ الشيخين والسب ممّا يستعيذ منه الشيعة أيضاً ولا يجوّزونه بالنسبة إلى الكافر فضلًا عن المسلم والمنافق وإنّما الّذي جوّزوه هو اللعن على من يستحقّه كما مرّ وفرق ما بينهما بيّن.

ص: 478

وأمّا قوله عليه السلام «لعن اللَّه من أظهر لهما إلّاالحسن الجميل» فلا دليل فيه على عدم استحقاق الشيخين عنده للعن المتنازع فيه لأنّ مراده بالحسن الجميل ما هو اللائق بهما عند اللَّه وإن كان طعناً أو لعناً ضرورة إنّ الحسن الجميل بحال الجبت والطاغوت وفرعون ونمرود ليس إلّامثل ذلك؛ ثم لا يخفى إنّ قوله «ثم أرسل إلى ابن سبافسيّره إلى المدائن؛ إلى آخره» يدل على أنّه إنّما سيّره لأجل سبّه أبابكر وعمر وقوله بعيد ذلك «إنّه أخرجه مع طائفة لما ادعوا فيه الإلهية» يدل على أنّ التسيير والإخراج لأجل ادعائهم الألوهية فيه عليه السلام فهما متناقضان وهذا من أجل آيات الوضع في الخبر فتدبر.

في ادّعاء ابن حجر ان ليس للشيعة رواية ولادراية

قال:

وأخرج الدار قطني من طرق إنّ علياً بلغه أنّ رجلًا يعيب أبابكر وعمر فاحضره وعرض له بعيبهما لعلّه يعترف ففطن فقال له أما والّذي بعث محمداً صلى الله عليه و آله بالحق أن لو سمعت منك الّذي بلغني أو الّذي نبّئت عنك أو الّذي ثبت عليك ببيّنة لأفعلنّ بك كذا وكذا إذا تقرّر ذلك، فاللائق بأهل البيت النبوي اتّباع سلفهم في ذلك والإعراض عما يوشيه إليه الرافضة وغلاة الشيعة من قبيح الجهل والغباوة والعناد فالحذر الحذر عما يلقونه إليهم من أنّ كل من اعتقد تفضيل أبي بكر على علي كان كافراً لانّ مرادهم بذلك أن يقرّروا عندهم تكفير الأمة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة الدّين وعلماء الشريعة وعوامهم وإنّه لا مؤمن غيرهم وهذا مؤدّ إلى هدم قواعد الشريعة من أصلها وإلغاء العمل بكتب السنة وما جاء عن النّبي صلى الله عليه و آله وعن صحابته وأهل بيته إذ الراوي لجميع آثارهم وأخبارهم وللأحاديث بأسرّها بل والناقل للقرآن في كل عصر من عصر النّبي صلى الله عليه و آله وإلى هلمّ هم الصحابة والتابعون وعلماء الدين إذ ليس لنحو الرافضة رواية ولا دراية يدرّون

ص: 479

بها فروع الشريعة وإنّما غاية أمرهم أن يقع في خلال بعض الأسانيد من هو رافضي أو نحوه والكلام في قبوله معروف عند أئمة الأثر ونقّاد السنة فإذا قدحوا فيهم قدحوا في القرآن والسنة وأبطلوا الشريعة رأساً وصار الأمر كما في زمن الجاهلية الجهلاء وكيف يسع العاقل أن يعتقد كفر السواد الأعظم من أمة محمد صلى الله عليه و آله مع إقرارهم بالشهادتين وقبولهم لشريعة نبيّهم صلى الله عليه و آله من غير موجب للتكفير وهب أنّ علياً أفضل من أبي بكر في نفس الأمر أليس القائلون بأفضلية أبي بكر معذورين لأنّهم إنّما قالوا ذلك لأدلة صرّحت به لهم وهم مجتهدون والمجتهد إذا أخطاء له أجر فكيف يقال حينئذ بالتكفير وهو لا يكون إلّابإنكار مجمع عليه معلوم من الدين بالضرورة عناداً كالصلاة والصوم.

نصيحة ابن حجر لمعشر الشيعة

وأمّا ما يفتقر إلى نظر واستدلال فلا كفر بإنكاره وإن أجمع عليه على ما فيه من الخلاف وأنظر إلى إنصافنا معشر أهل السنة والجماعة الّذين طهّرهم اللَّه من الرذائل والجهالات والعناد والعصب والحمق والغباوة فإنّنا لم نكفر القائلين بأفضلية علي على أبي بكر وإن كان ذلك عندنا خلاف ما أجمعنا عليه في كل عصر منّا إلى النّبي صلى الله عليه و آله على ما مرّ في أول هذا الباب بل أقمنالهم العذر المانع من التكفير ومن كفر الرافضة من الأئمة فلأمور أخرى من قبائحهم انضمّت إلى ذلك فالحذر الحذر من اعتقاد كفر من قلبه مملوّ بالإيمان بغير مقتض تقليداً للجّهال الضلال الغلاة وتأمل ما صحّ وثبت عن علي وأهل بيته من تصريحهم بتفضيل الشيخين على علي فإنّ هؤلاء الحمقى وإن حملوه على التقية المشومة عليهم فلا أقل من أن لا يكون عذراً لأهل السنة في اتباعهم لعلي وأهل بيته فيجتنب اعتقاد الكفر فيهم فإنّهم لم يشقّوا عن قلب علي حتى يعلموا أنّ ذلك تقية بل قرائن أحواله وما كان عليه من عظم

ص: 480

الشجاعة والإقدام وإنّه لا يهاب أحداً ولا يخشى في اللَّه لومة لائم قاطعة بعدم التقية فلا أقل أن يجعلوا ذلك منهم شبهة لأهل السنة مانعة عن إعتقادهم كفرهم «سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ» (1)

إنتهى.

في الجواب عمّا ذكر من كلام ابن حجر

أقول فيه نظر من وجوه

أمّا أولًا: فلأنّه على تقدير تسليم صحة الخبر إنّما عرض علي عليه السلام عيب الشيخين على ذلك الرجل لاستحبابه تكراره وليتنبه ذلك الرجل من عرض ذلك عليه على وجه غير معتاد وفي مقام محفوف بالمخالفين بأنّ المقام مقام التقية والتوقّف عن الاعتراف بما يورث توجه البلية فقد اتقى على نفسه وعلى مولاه في ذلك وأمّا قوله «اذ تقرّر ذلك؛ إلى آخره» ففيه أنّه لم يتقرّر له شي ء ههنا إلّاالرواية ولا دلالة لها على ما فهمه منها من كفّ سلف أهل البيت عليهم السلام عن الطعن في الشيخين كما عرفت فحق أن يقال له «ثبّت العرش ثم انقش».

وأمّا ثانياً: فلأنّ تكفير من اعتقد تفضيل أبي بكر على علي عليه السلام مما لم يذهب إليه جمهور الشيعة وإنّما الّذي ذهبوا إليه الحكم بفسقهم بل لم يذهبوا إلى تكفير الخلفاء الثلاثة وغيرهم من الأصحاب الّذين خالفوا علياً ولم يحاربوا وإنّما كفروا منهم من حاربه كالناكثين والقاسطين.

وأمّا ما ذكره من تقرير الشيعة إنّه لا مؤمن غيرهم فلا يقتضى تكفير غيرهم من المسلمين لأنّ ذلك مبني على ما حقّقوه من الفرق بين المؤمن والمسلم وإن غيرهم كأهل السنة مسلمون وإنّما المؤمنون من اعتقد خلافة علي عليه السلام عن النّبي صلى الله عليه و آله


1- نور: 16.

ص: 481

بلا فصل وهذا الشيخ الجامد الجاهل لما جهل ما حققه الشيعة الإمامية ونظر إلى ما قرّره أهل السنة من اتحاد المؤمن والمسلم توهّم إن حصر الشيعة الإيمان في أنفسهم يستلزم نفي الإسلام عن غيرهم وليس فليس.

وأمّا ثالثاً: فلأنّ ما ذكره من تأدية تكفير أهل السنة إلى هدم قواعد الشريعة من أهلها غير لازم أصلًا وانّما يلزم ذلك أن لو لم يوجد في الأمة من قام مقامهم وإذ قد ذكر إنّ الشيعة قد حصروا المؤمنين من الأمة المحمدية في أنفسهم فقد ظهر إنّهم اعتقدوا كونهم هم الحافظين لأصول الإيمان وقواعد الشريعة وإنّه لا يضرّ إلحاق أهل السنّة بمن عداهم من الكفار وأيضاً قد اتفق المحققون من الإمامية على أنّ الخبر الّذي يرويه السنّي الّذي تحقق عدالته، وإنه لا يبيح وضع الحديث لنصرة المذهب وغيرها من المصالح الفاسدة يعتبر روايته فلا يلزم إلغاء العمل بجميع الأحاديث الموجودة في أهل السنة».

وأمّا رابعاً: فلأنّ الصحابة كما صرّحوا به كانوا متجاوزين عن مائة ألف وكان أكثرهم ممن لم يرو حديثاً عن النّبي صلى الله عليه و آله وأمّا الأقلّون فمنهم من روى حديثاً كثيراً كعلي عليه السلام من الصادقين وأبي هريرة من الكاذبين ومنهم من توسط في كثرة الرواية وقلّتها ومنهم من قلّ روايته كأبي بكر وعمر على ما ذكره أهل السنة أيضاً والشيعة الإمامية إنّما يقدحون في بعض رواة الصحابة لا في الجميع ولا في الأكثر كيف وهم قد ذكروا في كتب الرجال من الصحابة الموثقين الّذين ثبتوا على ولاية علي عليه السلام أولًا وآخراً والّذين رجعوا إليه آخراً ما يزيد على ثلثمائة صحابي معروف وعلى هذا فاللازم طرح رواية قليل من الصحابة ولا يلزم من طرح رواية أقل قليل خصوصاً قليلي الرواية هدم الشريعة وإلغاء السنة نعم يطرحون روايتهم إذا كان في سلسلة الرواية عنهم من لا يوثق به من أهل السنة كما أشرنا إليه سابقاً وليس هذا طرحاً لرواية الصحابي من حيث إنّه صحابي بل من حيث إنّه وضع

ص: 482

عليه تلك الرواية.

وأمّا خامساً: فلأنّه إن أراد بلزوم إلغاء كتب أهل السنة لزوم إلغاء الكتب الّتى ألّفها أهل السنة في الحديث فبطلان اللازم غير مسلّم لقيام ما هو إضعافه من كتب الشيعة الإمامية مقامه وإن أراد إلغاء جميع الكتب المؤلفة في ذلك الباب لزعمه إنحصار الكتب المؤلّفة في مؤلّفاتهم فبطلانه ظاهر جداً ومثله في هذا الزعم الباطل مِثل ما وقع في عصرنا من أنّ بعض المبتدئين من فقراء الطلبة وأعيانهم كان يقرأ رسالة مؤلفة في واجبات الطهارة والصلاة ولم يكن يرى كتاباً آخر في الدنيا ولا سمع به فاتفق له في بعض الأيام بعد فراغه عن درسه في خدمه شيخه المرور على حلقة درس شيخ آخر يباحث كتاب المطول في المعاني والبيان ولما زعم أنّ الكتاب منحصر في أفراد نسخ تلك الرسالة وأن كل أحد في كل حلقة درس كل يوم يقرأ ما قرأ هو في ذلك اليوم عند شيخه فجلس في تلك الحلقة وفتح كتابه قصداً لتكرار سماع درسه من تلك الرسالة وإذا سمع مراراً ما قرأه قاري المطوّل وما أفاده المدرّس من المعاني ولم يجد ذلك مطابقاً لما في درسه من تلك الرسالة ذلك اليوم قام عن المجلس مغتاظاً معترضاً على اولئك الجماعة بأن كل كتبكم غلط فليضحك قليلًا وليبك كثيراً على أنّ أصح ما اعتمدوا عليه في الرواية كتاب البخاري ثم كتاب مسلم وقد بيّنا فيما يتعلق بالباب الأوّل الّذى عقده لبيان كيفية خلافة أبي بكر القدح في البخاري ومسلم وكتابيهما وأوضحنا أنّ روايتهما فيهما عن الوضاعين المعتدين، واحتجاجهما بحديث الناصبي والغالي والمتهم في الدين، فمن كان اعتماده في الرواية والاحتجاج على مثل هذين الأصلين الضعيفين في المزاج، المتكسرين بإشارة كالزجاج، كيف يرجوا الرواج لقدحه على أصل عترة هم السالمون عن الإعوجاج، وهو الواضح غرّة صحته كبياض الصبح وضوء السراج.

وأمّا سادساً: فلأنّ قوله «إذ ليس لنحو الرافضة رواية؛ إلى آخره» مردود

ص: 483

بأنّه إن أراد بنحو الرافضة ما يشمل الإمامية فهو مكابرة على المتواترات المشتهرة لأنّ نقل أحاديث النّبي صلى الله عليه و آله وأخبار أهل البيت عليهم السلام وآدابهم وعباداتهم وسننهم وعاداتهم ومذهبهم في أصول الفقه وفروعه ومعتقداتهم بين الشيعة الإمامية أظهر من أن يخفى وقد نقلوا من ذلك ما يزيد على ما في الصحاح ألست بأسانيد معتبرة ونقحوا رجال الأسانيد بالجرح والتعديل غاية التنقيح ولم يقبلوا إلّارواية من ثبت ثقته أو اتفق عليه الفريقان كأكثر الأحاديث الواردة في طعن الثلاثة وائمتهم، ومجتهدوهم من لدن علي بن أبي طالب عليه السلام لا يقصرون عن علماء فرقة من الفرق بل هم في كل زمان أعلم وأتقى والّذى يشهد عليه بعناده في نفي الرواية والدراية عن الشيعة خصوصاً الإمامية ما قاله ابن الأثير الجزري في جامع الأصول من أنّ مجدد مذهب الإمامية في المائة الثانية علي بن موسى الرضا عليهما السلام وما قاله محمد الشهرستاني في كتاب الملل والنحل عند ذكر الباقرية والجعفرية من الشيعة أنّ أباعبد اللَّه جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام وهو ذو علم غزير في الدين، وأدب كامل في الحكمة، وزهد بالغ في الدنيا، وورع تام عن الشهوات، وقد أقام بالمدينة مدّة يفيد الشيعة المنتمين إليه، ويفيض الموالين، له أسرار العلوم، انتهى.

وأمّا ما زعمه من قلة عدد الشيعة فلا يوجب نقصاً في شأنهم كما مرّ مراراً بل هي دليل حقّيتهم إذ كلّما كان في الدنيا أقل فهو أعز كالأنبياء في نوع الإنسان والعلماء والأتقياء ونحو ذلك كالجواهر والمسك والمعادن.

وأمّا سابعاً: فلأنّ قوله «وإنّما غاية أمرهم أن يقع في خلال بعض الأسانيد من هو رافضي؛ إلى آخره» مدفوع بأنّ عدم ذكر أهل السنة لرجال الشيعة لا يدل على قلّة روايتهم فضلًا عن قلّة ذكرهم إيّاهم ضرورة أنّ إقبال الخصم سيّما إذا كان معانداً إلى اعتبار قول الخصم وروايته وإن كان حقاً صدقاً نادر قليل جداً مع أنّ ما يشعر به كلامه من غاية قلّة المذكورين من الشيعة في خلال أحاديث أهل السنة

ص: 484

مكابرة لا يخفى على من تتبع كتب أهل السنة سيما كتاب الميزان للذهبي وتاريخ ابن عساكر وتاريخ الكامل لابن الأثير وتاريخ المنتظم لابن الجوزي وتاريخ القاضي ابن خلكان وتاريخ الشيخ عماد الدين ابن كثير الشامي وتاريخ اليافعي وأنساب السمعاني ونظائرها فإنّ أحوال المذكورين في هذه الكتب من علماء الشيعة يبلغ مجلداً ضخيماً.

وأمّا ثامناً: فلأنّ جمهور الشيعة لا يكفر أهل السنة في تفضيلهم لأبي بكر وإنّما حكم بذلك شذوذ منهم ذهاباً منه إلى أنّ المطلب ضروري ودعوى الشبهة والاشتباه تعنت وعناد أو لأمور آخر انضمت إلى ذلك كاعتقادهم بغض أهل السنة لعلي عليه السلام ولهذا يعبرّون عن جمهور أهل السنة بالناصبة وقد أرشدهم إلى ذلك كلام القاضي ابن خلكان من علماء أهل السنة في تاريخه المشهور عند بيان أحوال علي بن جهم القرشي حيث قال ما حاصله «إنّ التسنن لا يجتمع مع حب علي ابن أبي طالب» وما كتبه أهل ماوراء النهر في زمان السلطان الأعظم الأمير تيمور وغيره من فتوى اشتراط بغض علي عليه السلام بقدر شعيرة أو حبّة رمّانة في صحة الإسلام مشهور، وفي السنة الجمهور مذكور.

وأمّا ما يشعر به كلامه سوّد اللَّه وجهه من زعمه لكون أهل السنة هم السواد الأعظم المراد من قوله صلى الله عليه و آله «عليكم بالسواد الأعظم» (1)

لا يبيض وجه دعواه أصلا فإنّ السواد الأعظم بمعنى أكثر الناس على ما فهمه أهل السنة لا يركن إلى اعتباره إلّا القلوب الساذجة والأنفس الخالية عن معرفة الحق واليقين الغافلة عن قوله صلى الله عليه و آله «كلّهم في النار إلّاواحدة» (2)

فإنّه دلّ على أنّ الناجي قليل بل نادر بالنسبة إلى كثير من السالكين كما مرّ مراراً و يؤيّد ما ذكرنا ما رواه الطيبي في شرح المشكوة


1- مسند أحمد، ج 4، ص 375
2- معجم الأوسط طبراني، ج 5، ص 137

ص: 485

عن سفيان الثوري في تفسير الجماعة حيث قال لو أنّ فقيهاً على رأس جبل لكان هو الجماعة والحق إنّ مراده صلى الله عليه و آله بالسواد الأعظم مولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام كما يشعر به كلام الزمخشري وفخر الدين الرازي في تفسيريهما لما نزل في شأن علي عليه السلام من قوله تعالى «وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ» (1)

فإنهما قالا:

«فإن قيل لِمَ قال أذن واعية على التوحيد والتنكير، قلنا للإيذان بأنّ الوعاة فيهم قلة ولتوبيخ الناس بقلة من يعي فيهم وللدلالة على أن الاذن الواحدة إذا وعت فهو السواد الأعظم وإن ما سواها لا يلتفت إليهم وإن امتلأ العالم منهم» انتهى فظهر أنّ الحديث النبوي صلى الله عليه و آله لنا لا علينا.

وأمّا تاسعاً: فلأنّ قوله «وهب إنّ علياً أفضل من أبي بكر في نفس الأمر؛ إلى آخره» مدخول بأنّ هذا الكلام لو تمّ لدلّ على كون الشيعة معذورين في حكمهم ببطلان خلافة الثلاثة واستحقاقهم اللعن لأنّهم أيضاً إنّما حكموا بذلك لأدلّة صرّحت لهم وهم مجتهدون؛ إلى آخر ما ذكره على أنّاقد بيّنا عدم صراحة تلك الأدلة بل عدم دلالتها على ما قصدوه أصلًا وإنّهم إنّما تشبثّوا بذلك عناداً وإفساداً على العوام كدعوى معاوية وغيره من البغاة الغاوية اجتهادهم في الخروج على الإمام الحق علي عليه السلام من غير جهد أو اجتهاد في تحقق ذلك المرام مع ظهور الأمر على سائر الصحابة الكرام وعلماء تلك الأيام.

وأمّا عاشراً: فلأنّ ما ذكره من «أنّ الشيعة لم يشقّوا عن قلب علي حتى يعلموا أنّ ذلك تقية بل قرائن أحواله وما كان عليه من عظم الشجاعة والإقدام؛ إلى آخره» مدفوع بأن استعلام الأمور لا يحتاج إلى شق القلوب وصدع الصدور فإنّه عليه السلام كان يعلن لشيعته المخلصين المخصوصين به ما كان يضمره عن غيره من


1- الحاقة: 12.

ص: 486

المخالفين وقد نصب لشيعته في مواضع إعماله للتقية، القرائن والأمارات الجلية كما مرّ سابقاً بما لا مزيد عليه فتذكر.

ادّعاء ابن حجر نزول آيات في أبوبكر

قال:

الفصل الثاني في ذكر فضائل أبي بكر الواردة فيه وحده وفيها آيات وأحاديث

أمّا الآيات فالأولى قوله تعالى: «سَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لِاحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى» (1)

قال ابن الجوزي أجمعوا على أنّها نزلت في أبي بكر ففيها التصريح بأنّه أتقى من سائر الأمة والأتقى هو الأكرم عند اللَّه لقوله تعالى «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ» (2)

والأكرم عند اللَّه هو الأفضل فنتج إنّه أفضل من بقية الأمة ولا يمكن حملها على علي خلافاً لما افتراه بعض الجهلة لأنّ قوله تعالى وما لأحد عنده من نعمة تجزى يصرفه عن حمله على علي لأنّ النّبي ربّاه فله عليه نعمة أي نعمة تجزى فإذا خرج على تعيين أبي بكر للإجماع على أنّ ذلك الأتقى هو أحدهما وأخرج ابن حاتم والطبراني أن أبابكر أعتق سبعة كلّهم يعذّب في اللَّه فأنزل اللَّه قوله «وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي» إلى آخر السورة انتهى.

في الجواب عمّا ذكر من ادّعاء ابن حجر

أقول: فيه نظر من وجوه

أمّا أولًا: فلأنّا لا نسلّم صحة الرواية في شأن أبي بكر فضلًا عن الإجماع عليه


1- الليل: 17- 21.
2- حجرات: 13.

ص: 487

والسند ما ذكره بعضهم إنّها نزلت في حق أبي الدحداح وقد روى هذا أبوالحسن علي بن أحمد الواحدي في تفسيره الموسوم بأسباب النزول بإسناده المرفوع إلى عكرمة وابن عباس إنّ رجلًا في عهد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله كانت له نخلة فرعها في دار رجل فقير وصاحب النخلة يصعد ليأخذ منها التمر فربما سقطت تمرة فيأخذها صبيان الفقير فينزل الرجل من نخلته حتى يأخذ التمر من أيديهم فإن وجدها في في أحدهم أدخل إصبعه في فيه فشكا الفقير إلى النّبي صلى الله عليه و آله مما يلقى من صاحب النخلة فقال النّبي صلى الله عليه و آله إذهب ولقى النّبي صلى الله عليه و آله صاحب النخلة وقال له أعطني نخلتك المائلة الّتي فرعها في دار فلان ولك بها نخلة في الجنة. فقال الرجل للنبي صلى الله عليه و آله إنّ لي نخلًا كثيراً وما فيها نخلة أعجب إلى تمرة منها فكيف أعطيك ثم ذهب الرجل في شغله فقال رجل كان يسمع كلام النّبي صلى الله عليه و آله أتعطيني ما أعطيت الرجل أعني النخلة الّتى في الجنة إن أنا أخذتها فقال النّبي صلى الله عليه و آله نعم، فذهب الرجل ولقى صاحب النخلة فساومها منه فقال تعرف أنّ محمداً أعطاني نخلة في الجنة فقلت له يعجبني تمرها وإنّ لي نخلًا كثيراً وما فيه كله نخلة أعجب إلى تمراً منها؟

فقال الرجل لصاحب النخلة أتريد بيعها؟ قال لا إلّاأن أعطى ما لا أظنّه أعطى قال فما مناك؟ قال أربعون نخلة؟ فقال الرجل لصاحب النخلة لقد جئت بعظيم، تطلب بنخلتك المائلة أربعين نخلة؟ ثم قال الرجل أنا أعطيك أربعين نخلة فقال صاحب النخلة أشهد لي إن كنت صادقاً فمرّ الرجل على أناس ودعاهم وأشهد لصاحب النخلة ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه و آله وقال:

يا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إنّ النخلة صارت في ملكي فهي لك فذهب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إلى الفقير وقال له: النخلة لك ولعيا لك فأنزل اللَّه تعالى «وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى» (1)

السورة.


1- الليل: 1.

ص: 488

وعن عطاء إنّه قال اسم الرجل أبو الدحداح فأمّا من أعطى واتقى هو أبو الدحداح وأمّا من بخل واستغنى صاحب النخلة وهو سمرة حبيب.

وقوله «لَايَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى، الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى» (1)

المراد به صاحب النخلة.

وقوله «سَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى» (2)

هو أبوالدحداح ولا يخفى أنّ مع وجود هذه الرواية ادعاء نزوله في أبي بكر ثم حصر نزوله فيه يكون باطلًا مع ما لا يخفى من شدة ارتباط هذه الرواية لمتن الآية بخلاف ما روي أنّه نزل في شأن أبي بكر حين اشترى جماعة يؤذيهم المشركون فاعتقهم في اللَّه تعالى إذ لا يقال لمن يؤذى عبده إنّه بخيل ولا إنّه كذب وتولى فتدبر.

وأمّا ثانياً: فلأنّه يرد على استدلالهم بهذه الآية ما أورده كثير منهم كصاحب المواقف وغيره على استدلالنا بحديث الطير حيث قالوا إنّه لا يدل على أنّ علياً عليه السلام أحبّ الخلق مطلقاً بل يمكن أن يكون أحبّ الخلق بالنظر إلى شي ء إذ يصح الاستفسار بأن يقال أحب خلقك في كل شي ء أو في بعض الأشياء على غيره الزيادة لا في كل شي ء بل جاز أن يكون غيره ازيد ثواباً منه في شي ء آخر وذلك إنّ للمعارض أن يقول إنّ هذه الآية لا تدل على أنّ أبابكر أتقى الخلق مطلقاً لجواز الترديد والاستفسار بأنّه أتقى الكل أو البعض ومن كل وجه أو من بعض الوجوه كما ذكرتم في حديث الطير حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة.

وأمّا ثالثاً فلأنّا لا نسلّم أنّ معنى قوله تعالى «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ» (3)


1- الليل: 15، 16.
2- الليل: 17.
3- حجرات: 13.

ص: 489

ما فهمه بل المراد به كما صرّحه به بعض المفسرين «إنّ أكرمكم عند اللَّه أعملكم بالتقية».

وأمّا رابعاً: فلأنّه إن أريد بالأتقى من كان أتقى من جميع المؤمنين عند نزول الآية فينحصر في النّبي صلى الله عليه و آله وإن ارتكب التخصيص.

وإن أريد به كان أتقى من بعض المؤمنين فلا يلزم منه أفضلية أبي بكر وأكرميّته مطلقاً فضلًا عن علي عليه السلام لوجهين:

الأول: إنّا لا نسلّم حينئذ أنّ علياً عليه السلام داخل في ذلك البعض حتى يكون أبوبكر أفضل منه.

الثاني: إنّ الأكرم عند اللَّه هو الّذي يكون أتقى من جميع المؤمنين كما قال اللَّه تعالى إنّ أكرمكم عند اللَّه أتقيكم لا الأتقى من بعض المؤمنين وبالجملة إذا تطرّق التخصيص في الأتقى سقط الاستدلال بظاهر المقال.

وأمّا خامساً: فلأنّا لا نسلّم رواية الشيعة ذلك في شأن علي عليه السلام بل إنمّا ذكروا ذلك على سبيل الاحتمال في مقام البحث والجدال ولهذا لا يوجد في تفاسيرهم المتداولة عن هذه الرواية عين ولا أثر وإنما احتملوا ذلك لمناسبة قوله تعالى «يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» (1)

في حق علي عليه السلام اتفاقاً لقوله تعالى ههنا «الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى» (2)

ومناسبة ما ورد في حقه عليه السلام أيضاً من قوله «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً» (3)

لقوله «وَمَا لِاحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى* إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى» (4)

.


1- مائده: 55.
2- الليل: 18.
3- انسان: 9.
4- الليل: 19، 20.

ص: 490

وأمّا سادساً: فلأنّه إن كان المراد بقوله تعالى «وَ ما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى» أن لا يكون عنده نعمة يكافي عليها أعم من أن يكون ذلك الأحد من الّذين آتاهم شيئاً أم لا فلا نسلّم أنّ أبابكر كان بهذه المثابة إذ الظاهر إنّه لا يوجد شخص لا يكون لأحد في حقه حق نعمة من طعام أو شراب ونحوهما مع أنّ النّبي صلى الله عليه و آله لم يسلّم من ذلك لكونه في حجر تربية عمّه أبي طالب رضي اللَّه عنه ومع أنّ النّبي صلى الله عليه و آله كان يحرض أصحابه على التحبب والاتحاد وأكل بعضهم من بيوت بعض والقول بأنّ مثل ذلك ليس نعمة تجزى مكابرة ظاهرة وغاية الأمر أن يكون جزاءه أقلّ ويرشد إلى ما ذكرنا قول الشاعر على طبق كلام أهل العرف في محاوراتهم.

شعر

حق نان و نمك تبه كردن بشكند مرد را سر و گردن

هر آنكس با تو دارد حق آبى فراموشش مكن در هيچ بابى

وإن كان المراد به أن لا يكون عنده لأحد من الّذين آتاهم النعمة نعمة تجزى كما هو الظاهر ويدل عليه سياق الآية أي لم يفعل الأتقى ما يفعل من إيتاء المال وإنفاقه في سبيل اللَّه إلّاابتغاء وجه ربّه الأعلى فلا نسلّم إنّه لا يجوز أن يكون المراد به علياً عليه السلام خصوصاً مع قيام القرائن والمناسبات الّتي مرّ ذكرها.

وأمّا سابعاً: فلأن استدلاله على صرف حمله عن علي عليه السلام بقوله «إنّ النّبي صلى الله عليه و آله ربّاه؛ إلى آخره» مدخول بأنّه مرّ منّا إنّه ليس المقصود في الآية نفي مجرد نعمة النّبي صلى الله عليه و آله عن ذلك الأتقى بل نفي نعمة كل واحد من آحاد الناس وكما أنّ علياً عليه السلام كان في حجر تربية النّبي صلى الله عليه و آله كان أبوبكر في حجر تربية أبيه وأمه والفرق بين التربيتين تحكم صرف لا يقول به إلّابليد، أو مكابر عنيد.

وأمّا ثامناً: فلأنّ أقلّ الأمران عند أبي بكر نعمة هداية النّبي صلى الله عليه و آله فكيف ينفى

ص: 491

عنه نعمة الكل حتى النبي صلى الله عليه و آله وما توهّمه رئيس المشككين فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير من أنّ نعمة الهداية لا تجزي مستدلًا عليه بقوله تعالى «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً» (1)

معارض بل مخصص بقوله تعالى أيضاً «عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» (2)

ويدل على أنّ المراد من الأجر المنفي في مثل هذه الآية هو المال لا مطلق الأجر قوله تعالى في سورة هود حكاية عن نوح عليه السلام «وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِي إِلَّا عَلَى اللَّهِ»؛ الآية (3) والضمير في عليه راجع إلى ما سبق من قوله «إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ» (4)

.

وامّا تاسعاً: فلأنّ قوله آخراً «للإجماع على أنّ ذلك الأتقى هو أحدهما لا غير» يناقض ظاهر قوله أولا «أجمعوا على أنّها نزلت في أبي بكر» لأنّ الإجماع على الواحد المعين غير الإجماع على المردد بين الاثنين كما لا يخفى ولنعم ما قيل «الكذوب لا حافظة له» فاحفظ هذا.

ادّعاء ابن حجر نزول (والليل إذا يغشي...) في أبوبكر

قال:

الآية الثانية قوله تعالى «وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى» (5)

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود إنّ أبابكر اشترى بلالًا من أمية بن خلف وأبى بن خلف ببردة وعشرة آواق فأعتقه للَّه فأنزل اللَّه هذه الآية أي أنّ سعي أبي بكر وأمية وأبي لمفترق فرقاً عظيماً فشتان ما بينهما انتهى.


1- انعام: 90. شورى: 23.
2- شورى: 23.
3- هود: 29.
4- هود: 25. نوح: 2.
5- الليل: 1- 4.

ص: 492

في الجواب عمّا ذكر من ادّعاء ابن حجر و عن ادّعاء آخر له ايضاً

أقول:

بعد تسليم صحّة رواية النزول في كون معنى الآية ما ذكره هذا الشيخ النازل لا دلالة فيها إلّاعلى الفرق بين سعي أبي بكر وسعى كافرين وليس في هذا فضيلة كما لا فضيلة بين فرعون ونحوه من كل جبار عنيد في أن يقال: إنّه أصلح من الشيطان المريد.

قال:

الآية الثالثة قوله تعالى «ثَانِىَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَاتَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا» (1)

أجمع المسلمون على أنّ المراد بالصاحب ههنا أبوبكر ومن ثم من أنكر صحبته كفر إجماعاً. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس إنّ الضمير في «فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ» لأبي بكر ولا ينافيه «وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ» إرجاعاً للضمير في كل إلى ما يليق به وجلالة ابن عباس قاضية بأنّه لو لا علم في ذلك نصاً لما حمل الآية عليه مع مخالفة ظاهرها له انتهى.

قوله تعالى (ثاني اثنين...)، لا يدلّ على فضيلة أبي بكر

أقول:

الاستدلال بهذه الآية على فضيلة أبي بكر إمّا من حيث مجرد كونه مع النّبي صلى الله عليه و آله في الغار، وإمّا من حيث وصفه بكونه ثاني اثنين للنبي صلى الله عليه و آله فيه كما ذكر فخر الدين الرازي في تفسيره، أو من حيث تسميته صاحباً للنّبي صلى الله عليه و آله ولا دلالة لشي ء منها على ذلك.

أمّا الأول: فلأنّه شاهد عليه بالنقص والعار، واستحقاقه لسخط الملك الجبار، لا الفضيلة والاعتبار لأنّ النبي صلى الله عليه و آله لم يأخذه معه للأنس به كما توهّموه


1- توبه: 40.

ص: 493

لأنّ اللَّه تعالى قد آنسه بالملائكة ووحيه وتصحيح اعتقاده إنّه تعالى ينّجز له جميع ما وعده وإنّما أخذه لأنّه لقيه في طريقه فخاف أن يظهر أمره من جهته فأخذه معه احتياطاً في تمام سرّه ولمّا دخل معه صلى الله عليه و آله في الغار في حرز حريز ومكان مصون بحيث يأمن اللَّه تعالى على نبيه صلى الله عليه و آله مع ما ظهر له من تعشيش الطائر ونسج العنكبوت على بابه لم يثق مع هذه الأمور بالسلامة ولا صدق بالآية وأظهر الحزن والمخافة حتى غلبه بكاءه وتزايد قلقه واضطرابه وابتلى النّبي صلى الله عليه و آله في تلك الحال بمماشاته واضطرّ إلى مداراته ونهاه عن الحزن وزجره ونهي النّبي صلى الله عليه و آله وزجره لا يتوجه في الحقيقة إلّا إلى القبيح ولا سبيل إلى صرفه إلى المجاز بغير دليل وقد ظهر من جزعه وبكاءه ما يكون في مثله فساد الحال في الاختفاء فهو إنّما نهى عن استلزامه ما وقع منه ولو سكن نفسه إلى ما وعد اللَّه تعالى ونبيه صلى الله عليه و آله وصدقه فيما أخبره به من نجاته لم يحزن حيث يجب أن يكون آمنه ولا انزعج قلبه في الموضع الّذي يقتضي سكوته فتدبر.

وأمّا الثاني: فلأنّ قوله تعالى «ثَانِىَ اثْنَيْنِ» (1)

بيان حال للرسول صلى الله عليه و آله باعتبار دخوله الغار ثانياً ودخول أبي بكر أوّلًا كما نقل في السير لا عكس ذلك كما توهّموه وعلى التقديرين لافضيلة فيه لأبي بكر لأنه إخبار عن عدد ونحن نعلم ضرورة إنّ مؤمناً وكافراً إثنان كما نعلم إنّ مؤمناً ومؤمناً إثنان فليس في الاستدلال بذكر هذا العدد طائل يعتمد عليه وكذا الاستدلال بما يلزمه من اجتماع أبي بكر مع النّبي صلى الله عليه و آله في ذلك المكان لأنّ المكان يجتمع فيه المؤمنون والكفار وأيضاً فإنّ مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أشرف من الغار وقد جمع المؤمنين والمنافقين والكفار وفي ذلك قوله تعالى:

«فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ عِزِينَ» (2)

.

وأيضاً فإنّ سفينة نوح قد جمعت النّبي والشيطان والبهيمة فاستدلالهم بالآية


1- توبه: 40.
2- معارج: 36، 37.

ص: 494

على أنّ أبابكر كان ثاني رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في الغار ثم التخطى عنه إلى كونه ثانياً له في الشرف والفضل كما فعله فخر الدين الرازى في تفسيره الكبير كماترى، وبالجملة لفظ «ثَانِىَ اثْنَيْنِ» في الآية لا يستلزم كون أبي بكر ثانى اثنين للنبي في الشرف لما عرفت من أنّه كان متقدماً في دخول الغار والحصول فيه والنبي صلى الله عليه و آله تأخر عنه في الدخول وأمّا التفاوت بحسب الشرف والرتبة فلم يستعمل الآية فيها ولا هو لازم منها وإلّالزم أن يكون المعنى على ما أوضحناه أنّ النبي صلى الله عليه و آله مؤخر عن أبي بكر في الشرف والفضل وهذا كفر صريح كما لا يخفى فاتضح أنّ استعمالهم لتلك العبارة في شأن أبي بكر وتداولها في مدحه على رؤس منابرهم إنّما هو حيلة منهم في إيهامهم للعوام أنّ صريح عبارة الآية نازلة في شأن أبي بكر وإنّه ثاني اثنين النّبي صلى الله عليه و آله في جميع الأمور وقد بيّنا بحمد اللَّه تعالى ضعف حيلتهم ووهن وسيلتهم.

وأمّا الثالث: فلأنّ الصاحب المذكور في متن ما نقله من الإجماع على تقدير صحة النقل أعم من الصاحب اللغوي والاصطلاحي كالمذكور في أصل الآية وحينئذ لا فضيلة فيه لأبي بكر إذ لا مانع من أن يكون صاحب النبي صلى الله عليه و آله بالمعنى كافراً أو فاسقاً كيف وقد سمّى اللَّه تعالى في محكم كتابه أيضاً الكافر صاحباً لهم كما في قوله تعالى عن لسان يوسف عليه السلام:

«يَا صَاحِبَىِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمْ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ» (1)؟

وقد صرّح القاضي البيضاوي في تفسيره وغيره بأنّ المراد يا صاحبي في السجن وحينئذ تسمية أبي بكر بالصاحب لا تدل على إسلامه وسلامته فضلًا عن أن تدل على فضله وكرامته فأيّ فضيلة في آية الغار يفتخر فيها لأبي بكر؟ لولا المكابرة والعناد أو البعد عن فهم المراد ولقد ظهر بما قرّرناه أنّه إنّما يلزم من الإجماع


1- يوسف: 39.

ص: 495

المذكور بعد صحته تكفير من أنكر صحبة أبي بكر مطلقاً لا صحبته بالمعنى الاصطلاحي المتنازع فيه.

وأمّا ما أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس فالمنافاة فيه ظاهرة ولو وافق فيه لابن عباس جميع من في الدنيا وإنّما يندفع لو لم يكن نزول السكينة على النّبي صلى الله عليه و آله لا يعاقبه مع أنّه قد وقع حكاية نزولها عليه في مواضع من القرآن كما سيأتي ولا ريب في أنّ ارتكاب انفكاك الضمير بلا قرنية ظاهرة لا يليق بفصيح الكلام فضلًا عن أفصح الكلام.

وأمّا ما ذكره من «أنّ جلالة ابن عباس قاضية بأنّه لو لا علم؛ إلى آخره» فمدفوع بأنّه لا كلام في جلالة ابن عباس رضى الله عنه لكن الكلام في رداءة الراوي عنه المتهم بإباحته للوضع على أفضل من ابن عباس لنصرة مذهبه كابن أبي حاتم أو غيره من الوسائط المذكورة في الاسناد هذا وقد أفاد بعض أجلة مشايخنا قدس سره إنّ اللَّه سبحانه لم ينزّل السكينة على نبيه صلى الله عليه و آله في موطن كان معه فيه أحد من أهل الإيمان إلّاعمّهم بنزول السكينة وشملهم بذلك كما في قوله تعالى.

«وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ» (1)

.

ولمّا لم يكن مع النّبى صلى الله عليه و آله في الغار إلّاأبوبكر أفرد اللَّه سبحانه نبيه صلى الله عليه و آله بالسكينة وأيّده بجنود لم تروها فلو كان الرجل مؤمناً يجري مجرى المؤمنين في عموم السكينة لهم ولولا أنّه أحدث بحزنه في الغار منكراً لأجله توجّه النهي إليه عن استدامته لما حرّمه اللَّه تعالى من السكينة ما تفضل به على غيره من المؤمنين الّذين كانوا مع


1- توبه: 25، 26.

ص: 496

رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في المواطن على ما جاء في القرآن، ونطق به محكم الذكر بالبيان وهذا ما أبيّن لمن تأمله إن شاء اللَّه وقد ألّفنا قبل ذلك في تحقيق هذه الآية الكريمة رسالة شريفة قد تعرّضنا فيها لتشكيكات فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير لم نغادر فيها صغيراً ولا كبيراً ينفعك إليها المصير واللَّه سبحانه نعم المولى ونعم النصير.

ادّعاء ابن حجر أنّ المراد من (صدق به) في الآية أبوبكر

قال:

الآية الرابعة قوله تعالى «وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ» (1)

أخرج البنزار وابن عساكر أن علياً قال في تفسيرها: الّذي جاء بالحق هو محمد صلى الله عليه و آله، والّذي صدق به أبوبكر. قال ابن عساكر: هكذا الرواية بالحق ولعلّها قراءة لعلي انتهى.

أقول:

قد نقل صاحب كشف الغمة عن الحافظ أبي بكر موسى بن مردويه بإسناده إنّ الّذي جاء بالصدق محمد صلى الله عليه و آله والّذى صدّق به علي بن أبي طالب عليه السلام وأمّا نزول ذلك في شأن أبي بكر فهو شي ء قد تفرّد به فخر الدين الرازي الصديقي بمجرد ملاحظة مناسبة التصديق المذكور في الآية لما وضع أولياء أبي بكر من لقب الصديق عليه وهذا دأب الرجل في تفسير كثير من الآيات كما لا يخفى على المتتبع البصير ولا ينبّئك مثل خبير؛ ولو حاولوا إثبات وجود رواية نزول الآية في شأن أبي بكر في شي ء من كتب المتقدمين على الرازي ومن تبعه كابن عساكر بلا استعمال كذب ومين، لرجعوا بخفى حنين.

ومن وقاحات الرازي أنّه لم يكتف في ذلك بالكذب على اللَّه تعالى حتى وضع ذلك على لسان علي عليه السلام قاصداً به سد باب تجويز القاصرين من الناظرين كون


1- زمر: 33.

ص: 497

ذلك وارداً في علي عليه السلام ثم لدفع التهمة الّتي غلبت على الكاذب الخائن الخائف نسب ذلك إلى المفسرين على الإجمال، ولكن الذكى الفطن لا يخفى عليه حقيقة الحال، ويدل على عدم ورود الرواية في شأن أبي بكر وعلى وصول الرواية الدالة على أنّ المراد بالاية هو علي إلى الرازي ما ذكره بعد ذلك حيث قال:

إنّ هذا يتناول أسبق الناس إلى التصديق وأجمعوا على أنّ الأسبق الأفضل إما أبوبكر وإمّا علي لكن هذا اللفظ على أبي بكر أولى لأنّ علياً رضى الله عنه كان في وقت البعث صغيراً فكان كالولد الصغير الّذى يكون في البيت ومعلوم أنّ إقدامه على التصديق لا يفيد لمزيد قوة وشوكة في الإسلام فكان حمل هذا اللفظ على أبي بكر أولى انتهى.

ووجه دلالته على الأمرين بل على ما ذكرنا من انه بنى على مجرد المناسبة إنّه لو كان هناك رواية في شأن أبي بكر لذكرها ولمّا أحتاج إلى تكلّف الاستدلال المذكور ولا إلى ذكر علي عليه السلام فيه ولو على سبيل الاحتمال؛ على أنّ الاستدلال المذكور كسائر تشكيكاته ظاهر البطلان لأنّ درجة النبوة أعلى مرتبة الإسلام (1) وإذا جاز نبوة الصبي كان صحة إيمانه أجوز.

وقد قال تعالى في شأن يحيى عليه السلام «وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً» (2)

وقال حكاية عن عيسى عليه السلام في صباه «إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً» (3)

، وقال في شأن يوسف عليه السلام في حال صباه وعند إلقاءه في غيابت الجبّ «وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَايَشْعُرُونَ» (4)

وقال سبحانه تعالى «فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً» (5)

وكان عمره عند ما جعل نبياً إحدى عشر سنة وإذا جاز أن


1- خ ل: الايمان.
2- مريم: 12.
3- مريم: 30.
4- يوسف: 15.
5- انبياء: 79.

ص: 498

يكون الصبي صاحب النبوة والوحي جاز أن يكون صاحب الإيمان بطريق أولى.

وأيضاً كما لا يقال لمن تولد مؤمناً في فطرة الإسلام إنّه آمن لأنّه تولد عليه فكذا في علي لأنّه تولد في حضرة الرسول صلى الله عليه و آله ولم يعبد صنماً قط لكن أبوبكر قد عهد الأصنام أزيد من أربعين سنة فكان عليه الإتيان بالإيمان بعد ما لم يكن مؤمناً.

وأيضاً فعند أصحابنا أنّ علياً عليه السلام حين آمن بالنّبي صلى الله عليه و آله كان عمره خمسة عشر سنة وقيل أربعة عشر والروايتان جائتا أيضاً من طريق الخصم ذكر ذلك شارح الطوالع عن أصحابه في شرحه والعاقولي في شرحه للمصابيح قال «روى الحسن البصري إنّ عمره كان خمسة عشر سنة عند إسلامه» وأمّا شارح الطوالع فروى أربع عشرة سنة وهذا ما جاء في صحيح البخاري قد تجاوز البلوغ لأنّه أول نقل عن المغيرة أنّه قال: احتملت وأنا ابن إثنى عشرة سنة وأيضاً فقد روى إنّ النّبي صلى الله عليه و آله دعاه إلى الإسلام وهو صلى الله عليه و آله لا يدعو إلى الإسلام إلّامن يصح منه ذلك كما قاله المأمون حين ناظر أباالعتاهية وأيضاً قد صح واشتهر أنّه عليه السلام كتب إلى معاوية أبياتاً من جملتها قوله عليه السلام:

شعر

سبقتكم إلى الإسلام طراً غلاماً ما بلغت أوان حلمى

ولم ينكر عليه معاوية مع عداوته وتعنته فكيف يزيد عليه الرازي وهو من جماعته في ذلك وأيضاً مرجع الإسلام إلى التصديق بما جاء به النبي صلى الله عليه و آله وإنّه رسول اللَّه وذلك من التكاليف العقلية ومعلوم أنّ التكليف بالعقليات إنّما يتوقف على كمال العقل وإن كان الرجل ابن خمس سنين أو خمسين سنة وعلي عليه السلام قد كان كاملًا عقله حين أسلم والبلوغ إنما هو شرط في التكاليف الشرعية الفرعية على أنّه لا يمتنع أن يكون من خصائصه صحة إسلامه حال الصّبي والصغر كما كان

ص: 499

ابنه الحسن عليه السلام يطالع اللوح المحفوظ في حال رضاعه كما شهد به الشيخ ابن حجر العسقلاني شارح البخاري في شرح حديث وضع الحسن في رضاعه تمرة من تمرات الصدقة في فيه سهواً وإشارة النّبي صلى الله عليه و آله إليه برميها عن فيه قائلًا «كخ كخ» واعتراضه عليه بقوله «أما علمت ان الصدقة حرام علينا؟ وبالجملة يجوز اختصاصه عليه السلام بمزيد فضيلة في الخلقة أوجبت حصول البلوغ الشرعي قبل العدد وماذاك بعجب منه فإنّه مظهر العجائب ومنبع الغرائب.

وأمّا ما ذكره الرازي «من أنّه لمّا كان لتصديق أبي بكر مزيد قوة للإسلام كان حمل هذا اللفظ عليه أولى» فمع قطع النظر عما ذكرناه وعن أنّ مثل هذا المزيد والزيادة قد حصل أيضاً بتصديق غير أبي بكر كحمزة رضى الله عنه ورؤساء الأنصار ومن شاكلهم معارض بما روى جلال الدين السيوطي الشافعي في كتاب الوجيز عن عباد بن عبد اللَّه قال سمعت علياً يقول:

«أنا عبد اللَّه وأخو رسوله، وأنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلّاكاذب».

وهذا الحديث مما أخرجه النسائي وصحّحه الحاكم على شرط البخاري ومسلم كذا في تذكرة الموضوعات وبما قاله الرازي المذكور نفسه في تفسير قوله تعالى «وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ» (1)

؛ الآية.

إنّه روى عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إنّه قال: الصديقون ثلاثة؛ حبيب النجار مؤمن آل يس، ومؤمن آل فرعون الّذي قال أتقتلون رجلًا أن يقول ربى اللَّه، والثالث علي بن أبي طالب وهو أفضلهم (2). انتهى.

ووجه المعارضة ظاهر إذ في كل الحديثين وقع التعبير عنه عليه السلام بالصديق الأكبر


1- غافر: 28.
2- كشف الغمّة، ج 1، ص 88؛ تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، ج 42، ص 43

ص: 500

أمّا الحديث الأول فظاهر جداً وأمّا الثاني فللتصريح فيه بأنّه أفضل الصديقين الثلاثة فيكون أكبر وأكمل وحمل اللفظ على الفرد الأكمل المتبادر إلى الفهم عرفاً أولى وأجدر، على أن ما وقع في الحديث الثاني من حصر الصديقين في الثلاثة بنفي كون أبي بكر من الصديقين أصلًا ورأساً فضلًا عن أن يكون مراداً من لفظ الآية واللَّه ولي الصدق والتصديق، وبيده اعنّة التحقيق وأزمّة التوفيق.

في الجواب عن ادّعاء ابن حجر، نزول آيات في ابي بكر

قال:

الآية الخامسة قوله تعالى «وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ» (1)

أخرج إبن أبي حاتم عن ابن شوذب إنّها نزلت في أبي بكر انتهى.

أقول:

لا نسلّم صحة ما ذكره في شأن النزول لأنّه خبر واحد مجهول عند الخصم واقلّ خبر واحد يليق تلقيه بالقبول كونه مروياً عن اثنين من الفريقين كما أشرنا إليه سابقاً هذا مع اقتضاء لفظ من الموصولة العموم والشمول.

قال:

الآية السادسة قوله تعالى «وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ» (2)

أخرج الحاكم عن ابن عباس أنّها نزلت في أبي بكر وعمر. ويؤيده الخبر الآتي: «إنّ اللَّه أمرني أن استشير أبابكر وعمر» انتهى.

أقول:

بعد تسليم صحة الخبر لا دلالة في الآية على فضل أبي بكر وصاحبه عمر لجواز أن يكون ذلك الأمر لتأليف قلوبهم وتطييب خواطرهم لا للحاجة إلى رأيهم فغاية ما يلزم منها أن يكونا من مؤلفة القلوب وقال بعض مشايخنا قدس سره إنّ اللَّه تعالى أعلم النبي صلى الله عليه و آله إنّ في أمته بل في صحابته الملازمين له كما مر من رواية البيهقي في دلائل النبوة وغيره من يبتغي له الغوائل، ويتربص به الدوائر، ويسر خلافه،


1- الرحمن: 46.
2- آل عمران: 159.

ص: 501

ويبطن مقته، ويسعى في هدم أمره، وينافقه في دينه، ولم يعرفه أعيانهم، ولادلّه عليهم بأسمائهم، فقال تعالى: «وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَاتَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ» (1)

.

وقال جل اسمه «وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَايَفْقَهُونَ» (2)

.

وقال تعالى «يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنْ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ» (3)

، «وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ» (4)

.

وقال جلت عظمته «وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمْ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ» (5)

.

وقال عزّ قائلًا «وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ» (6)

.

وقال جلّ ذكره «وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا» (7)

.

ثم قال تبارك وتعالى بعد أن نبأ عنهم في الجملة «وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ


1- توبه: 101.
2- توبه: 127.
3- توبه: 96.
4- توبه: 56.
5- منافقون: 4.
6- توبه: 56.
7- نساء: 142.

ص: 502

فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ» (1)

ثم أمره بمشورتهم ليصل بما يظهر منهم إلى باطنهم فإنّ الناصح يبدو نصيحته في مشورته والغاش المنافق يظهر ذلك في مقالته فاستشارهم صلى الله عليه و آله لذلك ولأنّ اللَّه تعالى جعل مشورتهم الطريق له إلى معرفتهم، ألاترى إنّهم لمّا أشاروا ببدر عليه في الأسرى فصدرت مشورتهم عن نيات مشوبة في نصيحتهم كشف اللَّه تعالى ذلك وذمّهم عليه وأبان عن إدغالهم فيه فقال جل قائلًا «مَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَوْلَا كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ» (2)

فوجّه التوبيخ إليهم والتعنيف على رأيهم وأبان لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله عن حالهم فعلم أنّ المشورة بهم لم تكن للفقر إلى آرائهم وإنّما كانت لما ذكرناه.

قال:

الآية السابعة قوله تعالى «فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ» (3)

، أخرج الطبراني عن عمر، وابن عباس إنّها نزلت فيهما انتهى.

أقول:

إخراج الطبراني الخارجي وحده من دون مشاركة واحد من فريق الخصم معه خارج عن الاعتبار، كما سبق التصريح به والإشعار، مع أنّه نقل صاحب كشف الغمة رواية نزولها في شأن علي عليه السلام عن عزّ الدين عبد الرزاق المحدّث الحنبلي وعن الحافظ أبي بكر بن مردويه بإسناده إلى أسماء بنت عميس وهي مذكورة في تفسير أبي يوسف يعقوب بن سفيان النسوي بإسناده إلى ابن عباس ورواها السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن ابن عباس ورواها الثعلبي في تفسيره بإسنادين إلى غير ذلك وأيضاً حمل لفظ صالح مفرداً على رجلين اثنين


1- محمد: 30.
2- انفال: 67، 68.
3- تحريم: 4.

ص: 503

مخالف للوضع والاستعمال لأنّه موضوع للمفرد وقد استعمل في الجمع للتعظيم وأمّا استعماله في اثنين فقط فلم نجده في كلام الفصحاء.

وأمّا ما ذكره الرازى ههنا «من أنّه يجوز أن يراد بلفظ صالح مفرداً الواحد والاثنان والجمع مستنداً إلى، ما قاله أبوعلي الفارسي من أنّه قد جاء فعيل مفرداً يراد به الكثرة كقوله تعالى «وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً» (1)

فضعفه ظاهر لأنّ قياس فاعل على فعيل بلا سند يقيّد به غير مسموع ولو سلّم فحميم إنّما أريد به الكثرة الشاملة للاثنين فما فوقهما بقرينة تنكيره الّذى قد يكون للتكثير وربما يتعين فيه بمعاونة الحال والمقام ولا تنكير فيما نحن فيه فيكون قياس صالح في ذلك على حميم قياساً مع الفارق كما لا يخفى.

هذا والّذى شجع الطبراني على وضع هذا الخبر مناسبة نزول ما في الآية من العتاب في شأن عائشة وحفصة وإنّ أبابكر وعمر أبواهما فحمل صالح المؤمنين كحمل الجاهلين على أبي بكر وعمر، وذهب كما قال غيره من أتباعه إلى أنّ مراد الآية إنّهما كانا ينصحان بتقيّتهما بترك الأفعال الّتى تكون للضرّات وليس الأمر كما زعموه بل الوجه في التعبير ههنا بصالح المؤمنين عن علي عليه السلام ما روي أنّ النبي صلى الله عليه و آله فوّض ولاية طلاق نسائه إلى علي عليه السلام ولهذا روي أنّه لما بقيت عائشة على عنادها بعد انقضاء حرب الجمل أيضاً وامتنعت عن أمر علي عليه السلام في مضيها إلى المدينة المشرفة وكونها في بيتها الّذي أسكنها اللَّه تعالى ورسوله صلى الله عليه و آله فيه أرسل عليه السلام ابن عباس رضى الله عنه إليها مهدّداً لها بأنّك لو لم تنتهي عن العناد والخلاف لطلّقتك بما أنت تفرق من ولايتي عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بذلك فلا يبقى لك رجاء شفاعة أصلًا فسكتت وارتحلت في الحال.


1- معارج: 10.

ص: 504

قال:

الآية الثامنة قوله تعالى «هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ» (1)

أخرج عبد بن حميد عن مجاهد لما نزل: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً» (2)

قال أبوبكر: يا رسول اللَّه ما أنزل اللَّه عليك خيراً إلّاأشركنا فيه فنزل:

«هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ» انتهى.

أقول:

ظاهر الآية عموم صلوته تعالى ورحمته لسائر عباده وأنّ غاية ذلك في الكل إخراجهم من الظلمة إلى النور لكن الكلام في أنّ هذه الغاية والمصلحة والغرض هل حصلت في شأن أبي بكر من الفاتحة إلى الخاتمة أولا؟ مع أنّ الخصم من وراء المنع على أصل الإخراج تدبر.

قال:

الآية التاسعة قوله تعالى «وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلَى وَالِدَىَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنْ الْمُسْلِمِينَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ» (3)

أخرج ابن عساكر عن ابن عباس إنّ ذلك جميعه نزل في أبي بكر ومن تأمل ذلك وجد فيه من عظيم المنقبة له والمنة عليه ما لم يوجد نظيره لأحد من الصحابة انتهى.

أقول:

الكلام في صحة رواية هذا الخبر أيضاً كسوابقه ولا دلالة لشي ء من عبارات الآية على شي ء من الأوصاف والألقاب الّتي انبتها أولياء أبي بكر له ولعلّهم


1- احزاب: 43.
2- احزاب: 56.
3- احقاف: 15، 16.

ص: 505

زعموا مناسبة قوله تعالى وبلغ أربعين سنة لما صححه جماعة منهم لبعض المصالح من أنّ عمر أبي بكر كان عند إسلامه أربعين سنة مع أنّ الخلاف في ذلك بالزيادة عليه مشهور بينهم أيضاً.

وأيضاً لم يكن ما تضمنه الآية من قوله تعالى «رَبِّ أَوْزِعْنِي» (1)

؛ الآية نازلة عند إسلام أبي بكر فكيف تلاها أبوبكر وقال عند بلوغه أربعين سنة؛ «رَبِّ أَوْزِعْنِي» الآية وهذا أوضع آية من آيات وضع الخبر كما لا يخفى.

قال:

الآية العاشرة قوله تعالى «وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ» (2)

نزلت في أبي بكر وعمر كما مر ذلك عن علي بن الحسين رضي اللَّه عنهما انتهى.

أقول:

قد مرّ منا أيضاً منع صحة الرواية عن علي بن الحسين عليهما السلام في ذلك وعارضناه بما في مسند أحمد بن حنبل من أنّها نزلت في علي عليه السلام وقد تكلّمنا على دلالة متن الآية على ما قصدوه بوجه ينزع غل الملال ويزيل صدأ ذهن الناظر في المقال.

قال:

الآية الحادية عشر قوله تعالى «وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» (3)

نزلت كما في البخاري وغيره عن عائشة في أبي بكر لما حلف أن لا ينفق على مسطح لكونه كان من جملة من رمى عائشة بالإفك الّذى تولّى اللَّه سبحانه براءتها منه بالآيات الّتي أنزلها في شأنها ولما نزلت قال أبوبكر بلى واللَّه يا ربنا إنّا لنحب أن تغفر لنا وعادله بما كان


1- حجر: 47.
2- نور: 22.
3- نور: 22.

ص: 506

يصنع أي يصنع أي ينفق عليه وفي رواية البخاري عنها أيضاً في حديث الإفك الطويل وأنزل اللَّه تعالى «إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ» (1)

؛ العشر الآيات كلها فلمّا أنزل اللَّه هذا في براءتي قال أبوبكر الصديق وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره واللَّه لا أنفق على مسطح شيئاً أبداً بعد الّذى قال في عائشة ما قال فأنزل اللَّه: ولا يأتلّ أولوا الفضل منكم والسعة وذكرت الآية السابقة ثم قالت: قال أبوبكر: بلى واللَّه إني لأحبّ أن يغفر اللَّه لي فرجع إلى مسطح النفقة الّتي كان ينفق عليه وقال: واللَّه لا أنزعها منه أبداً.

قال: تنبيه:

علم من حديث الإفك المشار إليه إنّ من نسب عائشة إلى الزنا كان كافراً وقد صرّح بذلك أئمتنا وغير هم لأنّ في ذلك تكذيب النصوص القرآنية ومكذبها كافر بإجماع المسلمين وبه يعلم القطع بكفر كثيرين من غلاة الرافضة لأنّهم ينسبونها إلى ذلك «قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ» (2)

انتهى.

أقول:

فيه نظر من وجوه:

أما أولًا: فلأنّ ما رواه عن البخاري في شأن النزول معارض بما قال غيره من أهل السنة من أنّها نزلت في جمع من الصحابة حلفوا أن لا يصدقوا على من تكلم لشي ء من الإفك ولا يواسوهم ويؤيدهم لفظ أولوا بصيغة الجمع وعلى تقدير أنه ورد في قصة مسطح ومنع أبي بكر الصدقة عنه لِمَ لا يجوز أن يكون نزولها في شأن مسطح إصالة وفي أبي بكر بالعرض وما الّذي جعل القضية منعكسة؟ مع ظهور أنّ المقصود الأصلي من الآية المواساة مع مسطح وسدخلته والرد على من خالف ذلك كما لا يخفى.

وأمّا ثانياً: فلأنّه على التقادير لا دلالة للآية على مدح أبي بكر ولعلّهم توهّموا


1- نور: 11.
2- توبه: 30.

ص: 507

هذا من الوصف العنواني في لفظي الفضل والسعة وجهلوا أنّ مثل هذا الوصف قد يعرض للكافر السخي الّذي له فضل حاجة وغنى وسعة بل قد يجتمع مع الذم فيقال أنّ القوم الفلاني مع كونهم من أولى الفضل والسعة يبخلون بما آتيهم اللَّه تعالى ويقال إنّ أبابكر المتموّل عند أهل السنة وأضرابه من أصحاب النبي صلى الله عليه و آله قد بخلوا عند نزول آية النجوى عن تقديم صدقة بين يدي النّبي صلى الله عليه و آله حتّى نسخت الآية فافهم.

ومن العجب أنّ فخر الدين الرازي قال في تفسيره لهذه الآية أولًا إنّ المراد من قوله تعالى «وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ» (1)

لا يقصروا في أن يحسنوا فحمل الفضل على الإحسان والإعطاء ثم نسي ذلك بعد سطور واصرّ في أنّ المراد بالفضل زيادة الثواب أو العلم مع أنّ الفضل بهذين المعنيين لا يظهر لهما وجه ههنا إذ كثير من أهل الفضل بمعنى زيادة الثواب أو العلم لا يقدرون على إنفاق الرحم وصلتهم بل على أقل من ذلك وهو ظاهر.

وأمّا ثالثاً: فلأنّا نترقي عن ذلك ونقول بل الآية قادحة في أبي بكر لاشتمالها على نهيه تعالى عما أتى به أبوبكر من الحلف على أن لا ينفق مسطحاً ومن معه كما روى في شأن النزول فدلت الآية على معصية أبي بكر وما أجاب به الرازي المتسمّى بالإمام في هذا المقام «من أنّ النهي لا يدل على وقوعه إذ قال اللَّه تعالى لمحمد صلى الله عليه و آله «وَلَا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ» (2)

ولا يدل ذلك على أنه صلى الله عليه و آله أطاعهم؛ إلى آخره» مدخول بأنّ مجرد النهي وإن لم يدل على ذلك إلّاأنّ ما رواه هذا المجيب ههنا من شأن النزول صريح في الوقوع حيث قال: «لمّا نزلت آية الإفك قال أبوبكر لمسطح وقرابته قوموا فلستم مني، ولست منكم، ولا يدخلن على أحد منكم فقال أنشدكم


1- نور: 22.
2- احزاب: 48.

ص: 508

مسطح اللَّه والإسلام وانشدكم القرابة والرحم أن لا يخرجنا إلى أحد فما كان لنافى أول الأمر من ذنب فلم يقبل عذره، وقال انطلقوا ايها القوم فخرجوا لا يدرون أين يتوجهون من الأرض؛ إلى آخره» فإنّه صريح في ترك النفقة بل مطلق المواساة معهم ولو في يوم والإنكار مكابرة؛ على أنّ المنع عن الحلف الواقع قطعاً كاف في ثبوت المعصية كما لا يخفى وحمل النهي على التنزة عن ترك الأولى كما ارتكبه من ضيق الخناق مردود بأنّ الأصل في النهي التحريم وحمله على التنزيه من ترك الأولى في شأن الأنبياء عليهم السلام إنّما ارتكبه العلماء بمعاونة قيام دليل عصمتهم وإذ لا عصمة لأبي بكر اتفاقاً يكون الحمل فيه محالا تأمل.

وأمّا رابعاً: فلأنّ ما ذكره هذا الشيخ الجامد الغافل في التنبيه إفك محض على غلاة الشيعة الذين يحكم الإمامية الإثنى عشرية من الشيعة بكفرهم وكونهم نجس العين كسائر الكفار عندهم فكيف على الإمامية كما يشعر به إطلاق كلامه وإن وقع منه التصريح سابقاً بالفرق بين الغلاة من الشيعة والشيعة الإمامية وإنّ الرافضة هم الغلاة دون الإمامية ولعلّه أطلق في العبارة تنفيراً للعوام عن مذهب الشيعة الإمامية الأعلام وترويجاً لمذهبه الزيف المموّه بزخارف الأوهام.

قال:

الآية الثانية عشرة قوله تعالى «إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِىَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ» (1)

؛ الآية» أخرج ابن عساكر، عن ابن عيينة قال: عاتب اللَّه المسلمين كلّهم في رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إلّاأبابكر وحده فإنّه خرج من المعاتبة ثم قرأ «إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ»؛ الآية».

أقول:

قد مرّ الكلام عند ذكر استدلاله بتمام هذه الآية على فضيلة أبي بكر وأمّا ما ذكره ههنا «من إخراج ابن عساكر أنّه تعالى عاتب المسلمين كلّهم في رسول اللَّه


1- توبه: 40.

ص: 509

إلّا أبابكر وحده» فمدخول بأنّ هذا لم يعلم من الآية أصلًا فإنّ مرافقة النّبي صلى الله عليه و آله في الفرار عمّا لا يطاق إلى الغار لا يسمى نصرة له لغة ولا عرفاً وإنّما كان يتحقق نصرة أبي بكر له لو حصل منه نصرته في مكة بالغلبة على الكفار وليس فليس، ومن تصدّى لإثبات دلالة الآية على النصرة فنحن في صدد الاستفادة؛ على أنّ الحصر المستفاد من قوله «إلّا أبابكر وحده» ممنوع كيف وقد روى أنّه صلى الله عليه و آله قد اتخذ عند الفرار إلى الغار ثم منه إلى المدينة عبد اللَّه بن أرقط خادماً وعامر بن فهيرة مع شركه دليلًا فقد نصره مشرك ومسلم آخر غير أبي بكر كيف يستقيم الحصر.

في الجواب عن ادّعاء ابن حجر ورود أحاديث في مدح أبي بكر

قال:

وأما الأحاديث فهي كثيرة مشهورة وقد مرّ في الفصل الثالث من الباب الأول منها جملة إذ الأربعة عشر السابقة ثم، الدالة على خلافته وغيرها من رفيع شأنه وقدره غاية في كماله وغرّة في فضائله وإفضاله فلذلك بنيت عليها في العدّ ههنا فقلت: الحديث الخامس عشر: أخرج الشيخان عن عمرو بن العاص إنّه سئل النّبي صلى الله عليه و آله فقال أيّ الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، فقلت من الرجال؟ فقال أبوها، فقلت: ثم من؟ فقال عمر بن الخطاب فعدّ رجالًا. وفي رواية «لست أسألك عن أهلك إنّما أسألك عن أصحابك» انتهى.

أقول:

قد اقتصرت احترازاً عن زيادة تضييع الوقت على التعرض للمشهور والمعتمد من هذه الأحاديث عندهم وتركت غيره الّذي صرّح هو بضعفه، أو ما وقع به التكرار لسابقه في المعنى، أولم يكن له دلالة على فضيلة يعتدّ بها مع تساوي جميعها في الوضع عندنا؛ ثم أقول:

احتجاج هذا الشيخ الخارجي على الشيعة بما أخرجه الناكث لعهد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وابنته الغازية المجاهدة في سبيل الجبت والطاغوت حقيق بأن

ص: 510

تضحك منه الثكلى بواحدها، اليائسة عن بعلها ومعاهدها؛ ومما ينادي على وضع الخبر بأعلى صوت إنّه لا يعقل أن يسأل أحد عن النّبي صلى الله عليه و آله أيّ الناس أحب إليك فيتبادر ذهنه صلى الله عليه و آله من الناس إلى النساء منهم دون الرجال فيجيب بما نسب إليه من الجواب؛ على أنّه يحتمل أن يكون مراد السائل بالناس من عدا أهل بيته صلى الله عليه و آله كما يرشد إليه الرواية الأخرى وحينئذ لا يلزم من ذلك إثبات فضيلة يعتدّ بها لأبي بكر ولا نزاع للشيعة في أن يكون أبوبكر أحبّ إلى النّبي صلى الله عليه و آله من عمر لأنّه ينزل منزلة أن يقال: يزيد أحبّ إليّ من فرعون، أو بالعكس، تأمل.

قال:

وأخرج (1) أيضاً عن أبي هريرة كنا معشر أصحاب رسول اللَّه ونحن متوافرون نقول: أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبوبكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم نسكت والترمذي عن جابر أنّ عمر قال لأبي بكر: يا خير الناس بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فقال أبوبكر. أما إنك إن قلت ذلك فلقد سمعته يقول: ما طلعت الشمس على خير من عمر ومرّ أنّه تواتر عن على: خير هذه الأمة بعد نبيها أبوبكر وعمر. وإنّه قال: لا يفضلني أحد على أبي بكر وعمر إلّاجلدته حد المفتري.

أخرجه ابن عساكر انتهى.

أقول:

قد مر الكلام مستوفى في بيان كذب أبي هريرة واتهامه بذلك رواية عن الحميدي وغيره فرواية البخاري عنه كرواية الجبت والطاغوت، أو بعض القرامطة عن ملاحدة ألموت، وأمّا ما في رواية الترمذي «من قول عمر لأبي بكر:

يا خير الناس، وشهادة أبي بكر لعمر بأنّ النّبي صلى الله عليه و آله قال له مثل ذلك» فهو من قبيل استشهاد ابن آوى بذنبه وبالعكس فإنّ كلا منهما من ذوي الأذناب المعدودين في


1- يعنى به ابن عساكر لتقدم ذكره عند نقل الحديث الّذي سبق ذكره في الصواعق وتركه المصنف رحمه الله فمن أراده فليراجع ص 40 من نسخة الصواعق المطبوعة سنة 1312 بمصر في مطبعة أحمد البابي.

ص: 511

«إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ» (1)

وأما الحديث المفتري على علي عليه السلام «من انه قال لا يفضلنى أحد على أبي بكر وعمر إلّاجلّدته حدّ المفترى» فقد مرّ إنّه بعد تسليم عدم كونه مفتري، لنا لا علينا فتذكر.

قال:

أخرج الترمذي عن أبي هريرة أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال: ما لأحد عندنا يد إلّاوقد كافيناه بها ما خلا أبابكر فإنّ له عندنا يداً يكافيه اللَّه بها يوم القيامة، وما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر انتهى.

أقول:

نظير هذه الرواية ما سيرويه بعد ذلك عن ابن عساكر عن عائشة وعروة أنّ أبابكر أسلم يوم أسلم وله أربعون الف دينار(وفي لفظ) أربعون ألف درهم أنفقها على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ويتوجه عليه العجب في روايتهم الإنفاق لرجل قد عرف مذ كان بالفقر وسوء الحال ومن اطلع على النقل والآثار وأشرف على السير والأخبار لم يخف عليه فقر أبي بكر وصعلكته وحاجته ومسكنته وضيق معيشته وضعف حيلته وإنّه كان في الجاهلية معلماً وفي الإسلام خياطاً كما ذكره البخاري في صحيحه وكان أبوه سيى ء الحال يكابد فقراً مهلكاً ومعيشة ضنكاً لكسبه أكثر عمره من صيد القمارى والدباسى لا يقدر على غيره فلمّا عمى وعجز ابنه عن القيام به التجأ إلى عبد اللَّه بن جذعان أحد رؤساء مكة فنصبه ينادي على مائدته كل يوم لإحضار الأضياف وجعل له على ذلك ما يقوته من الطعام فمن أين كان لأبي بكر هذا المال، وهذه حاله وحال أبيه في الفقر والاختلال قال البكري المصري في سيره قيل: إنّه لمّا بلغ النّبي صلى الله عليه و آله سنة ثلاث عشرة من عام الفيل خرج مع أبي طالب إلى الشام فأقبل سبعة من الروم يقصدون قتله صلى الله عليه و آله فاستقبلهم بحيراء ونبّههم على أنّه رسول من اللَّه تعالى فبايعوه وأقاموا معه وردّه أبوطالب وبعث معه أبوبكر بلالًا


1- انفال: 22، 55.

ص: 512

وفيه وهم أنّ الأول بايعوه على أيّ شي ء؟ الثاني أبوبكر لم يكن حاضراً ولا كان في حال من يملك ولا ملك بلالًا إلا بعد ذلك بنحو ثلاثين عاماً انتهى كلامه.

وأيضاً قد صح عندهم إنّه لمّا نزل آية النجوى لم يعمل بها من الصحابة سوى علي عليه السلام فإذا بخل أبوبكر بدرهم أو درهمين يقدم بين يدى نجوى النبي صلى الله عليه و آله والنظر إلى وجهه الكريم وما يفيده خطابه القويم مقدار عشرة ليال كما نقله ابن المرتضى من أهل السنة في تفسيره والزمخشري الحنفي في الكشاف حتّى ينزل آية أخرى ما نفيب (1) على ذلك محال أن ينفق مثلًا ذلك المال الّذي رووه لأحد ومن عجيب مناقضتهم ما رووه بقولهم عن عبد اللَّه بن عباس رضى الله عنه في تفسير قوله تعالى «وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى» (2)

قال ابن عباس أغناه بأن جعل دعوته مستجابة فلو شاء أن يصير الجبار ذهباً لصارت بإذن اللَّه تعالى فمن يكون ذلك كيف يحتاج إلى مال أبي بكر وكيف يقال نقض تفسيراتهم لهذه الآية أنّ أبابكر أغناه، وأيضاً يتوجه إنّ من أنفق المال العظيم على رجل محال أن لا يعرف موطنه وحيث أنفقه ولسنا نعرف أنّ لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله موطناً غير مكة والمدينة فإن زعموا أنّ أبابكر أنفق هذا المال بمكة قبل الهجرة قيل لهم على ما أنفق هذا المال؟ وفيم صرفه؟ هل كان لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله بمكة من الحشم والعيال ما أنفق عليهم هذا المال كله من زمان إسلام أبي بكر إلى وقت الهجرة؟ فهذا من أبين المحال وإن قالوا:

إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله جهّز الجيوش في مكة بذلك المال ظهر فضائحهم لأنّه بإجماع الأمة لم يشهر سيفاً بمكة ولم يأمر به ولا أطلق لأصحابه محاربة أحد من المشركين بها وإنّما كان أسلم معه إذ ذاك أربعون رجلًا فلما اشتدّ عليهم الأذى من قريش


1- كذا في النسختين اللتين عندي.
2- الضحى: 8.

ص: 513

وشكوا ذلك إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ولّى عليهم جعفر بن أبي طالب رضى الله عنه وأخرجهم معه إلى أرض النجاشي ملك الحبشة فكانوا هناك إلى أن هاجر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وفتح كثيراً من فتوحه فقدّموا عليه بعد سنين من الهجرة ولقد كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بشهادة الخاص والعام أغنى قريش بعد تزويجه بخديجة وكانت خديجة باقية إلى سنة الهجرة لا يحتاج مع مالها إلى مال غيرها حتى لقد كان من استظهاره بذلك عن أبي طالب عليه السلام إن ضمّ علي بن أبي طالب عليه السلام إلى نفسه تخفيفاً بذلك عن أبي طالب في المؤنة وما وجدنا في شي ء من الأخبار أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بعد تزويجه بخديجة رضي اللَّه عنها أحتاج إلى أحد من الناس فإنّ أهل الأثر مجمعون على أنّ خديجة كانت أيسر قريش وأكثرهم مالًا وتجارة وأما بعد الهجرة إلى المدينة فقد علم أهل الأثر أنّ أبابكر ورد المدينة وهو محتاج إلى مواساة الأنصار في المال والدار وفتح اللَّه تعالى على رسوله عن قريب من غنائم الكفار وبلدانهم ما كان بذلك أغنى العرب، على أنّ أبا إسحق من أكابر محدّثي أهل السنة قد روى ما يكذب ذلك حيث روى أنّ النّبي صلى الله عليه و آله لم يركب ناقة حتى قام بثمنها من ماله فمن لم يستحل ركوب ناقة غيره من غير إعطاء ثمنها فكيف يستحل غيرها ويؤيده ما سيرويه هذا الشيخ الجامد عن البخاري «من أنّه لم يأخذ الراحلة من أبي بكر إلّا بالثمن» فتفطن.

في الجواب عن ادّعاء الزمخشرى أنّ كون ابوبكر ثانى اثنين في الغار شرف له

قال:

أخرج الشيخان وأحمد والترمذي عن أبي بكر أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال له بالغار: يا أبابكر، ما ظنك بإثنين اللَّه ثالثهما انتهى.

أقول:

أولًا إنّ وجه التهمة فيه ظاهر لأنّ الراوي عن النّبي صلى الله عليه و آله هو أبوبكر فلعله أراد بوضع ذلك أن يخبر لنفسه نفعاً وشرفاً. وثانياً انه لو سلّم صحته فلا نفع

ص: 514

فيه ولا شرف يختص بأبي بكر لأنّ كونهما إثنين اللَّه ثالثهما ليس أعظم من كون اللَّه رابعاً لكل ثلاثة في قوله «مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ» (1)

وهذا عام في حق كل مؤمن وكافر وكون المصاحبة موجبة لتشريفه معارض بما مر من قوله تعالى للكافرين «قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ» (2)

.

وكما احتمل أن يقال إنّه استصحبه في هذا السفر لأجل الشفقة احتمل أن يكون ذلك لأجل أنّه خاف أن يدل الكفار عليه أو يوقفهم على أسراره لو تركه كما يقوله الشيعة وأجاب فخر الدين الرازي في تفسيره عن هذا بأنّ كون اللَّه رابعاً لكل ثلاثة مشترك وكونه ثاني اثنين اللَّه ثالثهما تشريف زائد اختص اللَّه أبابكر به؛ على أنّ المعية هنا لك بالعلم والتدبير وههنا بالصحبة والموافقة فأين إحديهما من الأخرى؟ والصحبة في قوله «له صاحبه» مقرونة بما يتقضى الإهانة والإذلال وهو قوله «أكفرت» وفى الآية مقرونة بما يوجب التعظيم والإجلال وهو قوله «لَاتَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا» (3)

والعجب أنّ الشيعة إذا حلفوا قالوا وحق خمسة سادسهم جبرئيل، واستنكروا أن يقال: وحق اثنين اللَّه ثالثهما. انتهى.

أقول: فيه نظر

أمّا أولًا: فلأنّ ما ذكره «من أن يكون اللَّه رابعاً لكل ثلاثة أمر مشترك، وكونه ثاني إثنين تشريف زائد اختص اللَّه تعالى أبابكر به» مردود بأنّ كونه ثاني اثنين إنّما يكون شرفاً وفضيلة له لو كان ثانياً مطلقاً لكنه قد قيد كونه ثانياً بكونه في الغار وهذا الشرف كان حاصلًا للحية الّتى لسعت أبابكر في الغار كما قال الشيخ العارف الموحد الأوحدي قدس سره:


1- مجادله: 7.
2- كهف: 37.
3- توبه: 40.

ص: 515

شعر

بشب هجرت و حمايت غار بدم عنكبوت و صحبت مار

وإن احتمل أن يكون مراده بصحبت مار صحبة أبي بكر فافهم.

وأمّا ثانياً: فلأن ما ذكره في العلاوة كاد أن يكون كفراً باللَّه ورسوله لدلالته على أنّ معية النّبي صلى الله عليه و آله بالصحبة والمرافقة أعظم وأشرف من معية اللَّه تعالى له بالعلم والتدبير؛ على أنّا لا نسلّم أنّ معية أبي بكر بالنسبة إلى النبي كان بالصحبة الاصطلاحية والمرافقة المعنوية.

وأما ثالثاً: فلانّ ما ذكره «من أنّ الصحبة في قوله «قال له صاحبه» مقرونة بما يقتضى الإهانة؛ إلى آخره» مدفوع بأن الكلام في دلالة لفظ الصحبة والقرينة على تقدير تسليم وجودها لا يجدى في ذلك بل اللازم من استعمال الصحبة في مقام الإهانة أن لا يكون للفظ الصحبة دلالة على التعظيم أصلًا ولو سلّم فنقول إنّ ما ذكره كلام على السند الأخص لأنّ ههنا آية أخرى تدل على أنّ يوسف عليه السلام قال لكافرين كانا معه في السجن صاحبى، من غير ان يكون مقروناً بإهانة وإذلال وهي قوله تعالى حكاية عنه على نبينا وآله وعليه السلام «يَا صَاحِبَىِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمْ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ» (1)

كما مر بيانه في ذكر آية الغار.

وأمّا رابعاً: فلأنّ تعجبه عن الشيعة في حلفهم بما ذكر من أعجب الأعجب لانّهم اعتقدوا أنّ الخمسة الّتي سادسهم جبرئيل يكون اللَّه تعالى ثاني كل منهم وثالث كل إثنين منهم وهكذا فلذلك استغنوا عن الحلف بذلك المركب الوضعي الوهمي الّذي لا نسبة لأحد جزئيه وهو أبوبكر إلى اللَّه تعالى بل وإلى رسوله أيضاً.

وأيضاً فلاحق لأبي بكر من نظر الشيعة حتّى يتجه لهم الحلف بحق إثنين


1- يوسف: 39.

ص: 516

أحدهما أبوبكر بل هو عندهم ممن أضاع حق اللَّه تعالى وحق نبيه وأهل بيته عليه وعليهم السلام كما سبق فيه الكلام وكأن من يتوقع صدور هذا القسم من القسم عن الشيعة لم يسمع القصة الّتي ذكرها غوث الحكماء الأمير غياث الدين منصور الشيرازي رحمه اللَّه في شرح الهياكل حيث قال:

إنّ رجلًا جباناً ضعيفاً يدعى بعثمان أخذ حيّة عظيمة أضعفها البرد فاسقطت قواها فكان يلعب بها حتى أشرق عليها الشمس فانتعشت واشتدت وعضت فهرب الصاحب منها فلمّا فارقها صادف شيعياً كان بينهما عداوة قديمة وأخبره عن حاله وقال له خذلي هذه الحية بحق عثمان، فقال الشيعي: انظروا أيّ رجل، يزاول أيّ صنعة، ثم يأمر أيّ شخص، إلى أيّ عمل، بأيّ قسم! فليضحك قليلًا وليبك كثيراً.

قال:

وأخرج الطبراني عن معاذ أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال: «رأيت إني وضعت في كفة وأمتي في كفة فعدلتها ثم وضع أبوبكر في كفة وأمتي في كفة فعدلها ثم وضع عمر في كفة وأمّتى في كفة فعدلها ثم وضع عثمان في كفة وأمّتي في كفة فعدلها ثم رفع الميزان» انتهى.

أقول:

من اللطائف المشهورة أنّ بعض أهل السنة ممن كان يعرف تشيع بهلول العاقل المشهور قصد ارغامه فذكر عنده هذا الحديث فقال بهلول لو صح ما في هذا الخبر من تعادل كل من أبي بكر وعمر وعثمان مع الأمة في الوزن فقد كان في ذلك الميزان عين أي قصور ولهذا رفع الميزان سريعاً.

في الجواب عن الأحاديث الّتى ادّعى ابن حجر ورودها في مدح أبي بكر

قال:

أخرج الترمذي عن علي رضى الله عنه أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال: «رحم اللَّه أبابكر زوّجني ابنته، وحملني إلى دار الهجرة، وأعتق بلالًا من ماله وما نفعني مال

ص: 517

في الإسلام ما نفعني مال أبابكر» وقوله «وحملني إلى دار الهجرة» قد ينافيه حديث البخاري: إنّه لم يأخذ الراحلة من أبي بكر إلّابالثمن إلّاأن يجمع بأن أخذها أولًا بالثمن ثم أبرأ أبوبكر ذمته» انتهى.

أقول:

يدل على وضعه أولًا: مع قطع النظر عن خصوصية الترمذي الراوي ومقررّه الغاوي ما ذكره من منافاته لحديث البخاري ويوم التأويل ليل الليل، وان كان طبع الناصب الغاوي إلى صحة الأول أميل.

وثانياً: قوله «زوّجني ابنته» فإنّه لا يظهر المنة في مثل هذا إلّاالرجل المهان والخسيس الّذي تكرم به الرجل المطاع الشريف بتزويج ابنته منه ومن البيّن انعكاس الأمر فيما نحن فيه فإنّ رذالة قوم أبي بكر ومهانة نفسه بشهادة أبي سفيان عليه بذلك كما مرّ، وكونه خياطاً في الإسلام ومعلماً للصبيان في الجاهلية مما لا يخفى ولنعم ما قيل:

شعر

كفى المرء نقصاً أن يقال بأنّه معلم صبيان وإن كان فاضلًا

وأمّا نبينا صلى الله عليه و آله فهو هو وهو الّذي خطب له أبوطالب رضى الله عنه عند نكاحه بخديجة رضي اللَّه عنها ومن شاهده من قريش حضور بقوله «الحمد للَّه الّذي جعلنا من زرع إبراهيم وذرية إسماعيل وجعل لنا بيتاً محجوجاً وحرماً آمناً يجبى إليه ثمرات كل شي ء وجعلنا الحكام على الناس في بلدنا الّذى نحن فيه ثم ابن أخي محمد بن عبد اللَّه بن عبد المطلب لا يوزن برجل من قريش إلارجّح، ولا يقاس بأحد منهم إلّاعظم عنه؛ إلى آخره» (1).


1- أعلام الورى، للطبرسي، ص 139

ص: 518

وثالثاً: إنّ إعتاق أبي بكر لبلال من ماله لا يصلح لأن يصير منّة على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وكم من عبد للَّه اعتقه غير أبي بكر من المهاجرين والأنصار في زمانه صلى الله عليه و آله مع احتمال أن يكون إعتاقه لبلال في كفارة قسم أو صوم أو ظهار ونحو ذلك فلا منّة له في ذلك على اللَّه تعالى ولا على رسوله صلى الله عليه و آله.

ورابعاً: إنّ نفعه بمال أبي بكر مما قد أبطلناه سابقاً وسيأتي عليه لاحقاً بما حاصله إنّه لم يكن ذا مال لا في الجاهلية ولا في الإسلام وكأن الترمذي الراوي، وهذا الشيخ الجامد الغاوي الّذين تفردا بوضع هذه الرواية وتقريرها قد أقرضا أبابكر قرضاً قدنما رباءه نمو تضعيف ببيوت الشطرنج ولم يتمكن أبوبكر من أداءه فأرادا إظهاره بتصرّف النّبي صلى الله عليه و آله في المال الّذى أقرضه أبوبكر منهما بوضع هذه الرواية ليطالبوا ورثته من بني فاطمة عليها السلام بل عصبته من سائر بني هاشم بذلك وغفلوا عما قال أبوبكر من «أنّ معاشر الأنبياء لا يورثون» وعن أنّ التعصيب عند أهل البيت عليهم السلام باطل فليضحك قليلًا وليبك كثيراً.

قال:

وأخرج أحمد بسند حسن عن ربيعة الأسلمي قال: جرى بيني وبين أبي بكر كلام فقال لي كلمة كرهتها وندم، فقال لي يا ربيعة ردّ عليّ مثلها حتى يكون قصاصاً فقلت لا أفعل فقال أبوبكر لتقولنّ أولأستعدينّ عليك رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فقلت ما أنا بفاعل فانطلق أبوبكر إلى النّبي صلى الله عليه و آله فانطلقت أتلوه وجاء أناس من أسلم فقالوا لي رحم اللَّه أبابكر في أيّ شي ء يستعدي عليك وهو الّذى قال لك ما قال؟

فقلت أتدرون من هذا؟ هذا أبوبكر ثاني اثنين، وهذا ذو شيبة المسلمين؛ إيّاكم لا يلتفت، فيراكم تنصروني عليه فيغضب فيأتي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فيغضب لغضبه فيغضب اللَّه تعالى لغضبهما فيهلك ربيعة قالوا فما تأمرنا؟- قلت إرجعوا وانطلق أبوبكر وتبعته وحدى حتى أتى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فحدّثه الحديث كما كان فرفع إلى رأسه فقال يا ربيعة مالك والصديق؟- فقلت يا رسول اللَّه كان كذا وكذا فقال لي

ص: 519

كلمة كرهتها فقال لي قل كما قلت حتى يكون قصاصاً فأبيت فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أجل لا تردّ عليه ولكن قل: غفر اللَّه لك يا أبابكر فقلت: غفر اللَّه لك يا أبابكر.

أقول:

هذا يدل على جهل أبي بكر بأحكام الشريعة وتناوله للربيعة لمكروه القبيح ثم تكليفه بذكر مثل ذلك القبيح قصاصاً فلا فضيلة فيه أصلًا بل هو نقيصة كاملة كما لا يخفى ونظير ذلك ما وقع عن بعضهم حيث سئل عن حكم من أدخل إصبعاً او خشباً في دبر إنسان فأجاب بأنّ جزاءه ان يفعل به مثل ذلك الفعل مستدلًا بقوله تعالى «وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا» (1)

والفقيه النبيه، خبير بما فيه، فتأمل.

قال:

وأخرج عن أبي هريرة قال قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: «عرج بي إلى السماء فما مررت بسماء إلّاوجدت فيها اسمي محمد رسول اللَّه وأبوبكر الصديق خلفي» وورد هذا الحديث أيضاً من رواية ابن عباس، وابن عمر، وأنس، وأبي سعيد، وأبي الدرداء وأسانيدها كلها ضعيفة لكنه ترتقى بمجموعها إلى درجة الحسن انتهى.

أقول:

هذا الحديث مع كونه أول رواية أبي هريرة عبارته ركيكة ومفهومه غير محصّل فلا يصدر عن الفصيح وكيف ينقش في السماوات الّتي هي الأجرام الشريفة إسم أبي بكر في أزل الآزال، مع سبق كفره على زمان الحال، ولقد أنطقه اللَّه بالحق حيث قال: إنّ أسانيدها كلها ضعيفة.

وأمّا ما ذكره بقوله «لكن ترتقى بمجموعها إلى درجة الحسن» فإنّما يسلم لو لم يكن الضعف بالغاً إلى درجة الوضع مع أنّ أمارات الوضع عليه ظاهرة لفظاً ومعنى وإسناداً كما عرفت. ثم الظاهر إنّهم وضعوا هذا في مقابلة الحديث المتفق عليه الّذي


1- شورى: 40.

ص: 520

ذكره القاضي عياض في كتاب الشفاء من قوله صلى الله عليه و آله: إنّه مكتوب على العرش

«محمد رسول اللَّه، أيّدته بعلي»

انتهى وأين هنا من ذاك! ونعم ما قال بعض أهل الإدراك:

اسم على العرش مكتوب كما نقلوا من يستطيع له محواً وترقينا (1)

قال:

وأخرج البغوي وابن عساكر عن ابن عمر قال كنت عند النّبي صلى الله عليه و آله وعنده أبوبكر الصديق وعليه عباءة قد خلّلها في صدره بخلال فنزل عليه جبرئيل فقال يا محمد مالي أرى أبابكر عليه عباءة قد خلّلها في صدوره بخلال؟- فقال يا جبرئيل أنفق ماله عليّ قبل الفتح قال فإنّ اللَّه يقرء عليه السلام ويقول قل له:

أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط؟ فقال: أبوبكر أسخط على ربي؟ أنا عن ربي راض، أنا عن ربي راض، أنا عن ربي راض. وسنده غريب ضعيف انتهى.

أقول: هذا من غرائب موضوعاتهم وذلك من وجوه:

أما أولًا: فلأنّه أول راويه ابن عمر الّذى سمعت منا القدح فيه سابقاً وإنّ أباحنيفة لم يعمل بحديثه ابداً.

وامّا ثانياً: فلأن بعد هجرة النّبي صلى الله عليه و آله إلى المدينة وقبل فتح مكة فقد فتح اللَّه تعالى عليه وعلى أصحابه من غنائم الكفار وبلدانهم ما أزال فقرهم فكان لبس أبي بكر للعباء المبتذل المذكور للزرق والتلبيس لا للفقر فلا وجه لسؤال الحكيم الخبير وجه فقره إلى لبس تلك العباءة عنه.

وأمّا ثالثاً: فلأنّ ما نسبه إلى النّبي صلى الله عليه و آله من قوله «انفق ماله عليّ قبل الفتح» مردود بما ذكرنا سابقاً من اتفاق أهل الأثر على أنّ أبابكر ورد المدينة وهو محتاج إلى مواساة الأنصار، في المال والدار، فمن أين حصل له المال الّذى أنفقه على سيد


1- هو من قصيدة للقاضي نظام الدين محمد بن قاضي القضاة الإصفهاني على ما ذكره في مجالس المؤمنين.

ص: 521

الأبرار؟ ومما نقلناه عن البكحري المصري من أنّ أبابكر لم يكن في زمان سافر النبي صلى الله عليه و آله مع أبي طالب رضى الله عنه إلى الشام بحال من يملك، ولا ملّك بلالًا إلّابعد ثلاثين سنة فافهم.

وأمّا رابعاً: فلأنّه لا يعقل ما تضمّنه الحديث من سؤال اللَّه تعالى عن رضى عبده عنه ولو فرضنا أنّ العبد قال لربه: إني لست براض عنك هل كان جوابه غير أن يقول له: فأخرج عن أرضي وسمائي بالسرعة والبدار؟ وهل كان علاجه غير أن يدقّ رأسه على الجدار؟ أو يعضّ كابن حجر بالأحجار.

قال:

وأخرج ابن عساكر إنّه قيل لأبي بكر في مجمع من الصحابة: هل شربت الخمر في الجاهلية؟- فقال أعوذ باللَّه فقيل له لِمَ؟ قال وكنت أصون عرضي، وأحفظ مروءتي فبلغ ذلك رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فقال صدق أبوبكر، صدق أبوبكر، وهو مرسل غريب سنداً ومتناً انتهى.

أقول:

ومع قطع النظر عن الغرابة والإرسال يكذبه ما رواه هذا الشيخ الكذوب الّذى لا حافظة له عن ابن عساكر أيضاً متصلًا في الذكر لهذه الرواية من قول عائشة ولقد ترك أبوبكر وعثمان شرب الخمر في الجاهلية فظهر أنّ الحديث موضوع للعصبية الجاهلية.

قال:

وأخرج ابن عساكر بسند صحيح عن عائشة قالت واللَّه ما قال أبوبكر شعراً قط في الجاهلية والإسلام ولقد ترك هو وعثمان شرب الخمر في الجاهلية انتهى.

أقول:

إنّ عدم قوله للشعر إنّما كان لعدم شعوره وفقد موزونيته وجمود طبعه وخمود سليقته لا لترفّعه عن النسبة إلى الشعر كما هو شأن النّبي صلى الله عليه و آله وإلّا فليس مطلق الشعر مما يستحب لغير النّبي صلى الله عليه و آله الترفّع عنه ولو كان كذلك لما اجتمع لأمير المؤمنين عليه السلام ديوان من الشعر وكيف يتأتى أن يقال مطلق الشعر قبيح؟ مع ما ورد

ص: 522

من كلمة صلى الله عليه و آله «إنّ من الشعر لحكمة».

قال:

أخرج أبونعيم وإبن عساكر عن ابن عباس إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال ما كلّمت أحداً في الإسلام إلّاأبى على وراجعني الكلام إلّاابن أبى قحافة فإني لم أكلّمه في شي ء إلّاقبله واستقام عليه وفي رواية لابن إسحاق «ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلّاكانت له عنه كبوة وتردد ونظر إلّاأبابكر ما عتم أي تلبّث عنه حين ذكرته وما تردد فيه» قال البيهقي وهذالأنّه كان يرى دلائل نبوة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ويسمع آثاره قبل دعوته فحين دعاه كان سبق له فيه تفكر ونظر فأسلم في الحال انتهى.

أقول:

إنّما أسلم أو استسلم أبوبكر طمعاً في جاه النّبي صلى الله عليه و آله ودولته الّذي وجد الأخبار عنه عن بعض الرهابين وأحبار أهل الكتاب فلسبق هذا الوجدان والطمع استسلم ولم يتردد بين يدي النبي صلى الله عليه و آله ويؤيد ماذكرناه ما نقله آخراً عن البيهقي فافهم.

قال:

وأخرج الترمذي وابن حبان في صحيحه عن أبي بكر إنّه قال:

ألست أحق الناس بها أي بالخلافة؟ ألست أول من أسلم؟ الحديث والطبراني في الكبير وعبداللَّه بن أحمد في زوائد الزهد عن الشعبي قال سألت ابن عباس أيّ الناس كان أول إسلاماً؟- قال أبوبكر ألم تسمع قول حسان.

شعر

إذا تذكرت شجواً من أخي ثقة فاذكر أخاك أبابكر بما فعلا

خير البرية أتقاها وأعدلها إلّا النبي وأوفاها بما حملا

والثاني التالي المحمود مشهده وأول الناس منهم صدق الرسلا

ومن ثم ذهب خلائق من الصحابة والتابعين وغيرهم إلى أنّه أول الناس إسلاماً بل ادعى بعضهم عليه الإجماع وجمع بين هذا وغيره من الأحاديث المنافية له بأنه أول الرجال إسلاماً وخديجة أول في النساء وعلي أول الصبيان وزيد أوّل

ص: 523

الموالي وبلال أول الأرقاء وخالف في ذلك ابن كثير فقال: إنّ الظاهر أنّ أهل بيته آمنوا قبل كل أحد، زوجته خديجة ومولاه زيد وزوجته أم أيمن وعلي وورقة ويؤيّده ما صح عن سعد بن أبي وقاص إنّه أسلم قبله أكثر من خمسة قال: ولكن كان خيرنا إسلاماً. انتهى.

أقول:

إنّ قول أبي بكر «الست أحق الناس بها؟ أي بالخلافة» مجرد دعوى ولهذا لم يجب عنه أحد من السامعين لها هناك بالنفي ولا الإثبات.

وأمّا ما نقله عن الطبراني فجميع رجال أسناده عندنا مطعون سيما عامر الشعبي الّذى تخلف عن الحسين عليه السلام وخرج مع عبد الرحمن بن محمد الأشعث وقال له الحجاج: أنت المعين علينا؟- فقال نعم، ما كنا ببررة أتقياء ولا فجرة أقوياء وهو الّذي دخل بيت المال فسرق في خفّه مائة درهم.

وأمّا ما ذكره من قول حسان ففيه أنّ قوله وبوله عندنا سواء لانّه قد انحرف كغيره بعد وفات النّبي صلى الله عليه و آله عن أهل البيت عليهم السلام وظهر عداوته لعلي عليه السلام في مواضع شتى، منها:

أنّه لمّا عزل علي عليه السلام قيساً عن حكومة مصر وخرج قيس من مصر ووصل إلى المدينة متوجهاً إلى خدمة علي عليه السلام واللحوق به في حرب صفين دخل عليه حسان وبالغ في دلالته إلى الانحراف عن علي عليه السلام واللحوق مع معاوية حتّى أنكر عليه قيس رضى الله عنه ذلك فشتمه وأخرجه من مجلسه وقد روى شيخنا المفيد قدس سره في كتاب الإرشاد إنّه لمّا انشدّ حسان في غدير خم قصيدته المشهورة المتضمنة لما وقع في ذلك اليوم من نصب علي عليه السلام بالخلافة والولاية بعد النبي صلى الله عليه و آله قال له الرسول صلى الله عليه و آله:

«لا تزال يا حسان مؤيداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك» (1)

.


1- الغدير، ج 2، ص 34

ص: 524

وإنّما اشترط رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في الدعاء له لعلمه بعاقبة أمر حسان في الخلاف ولو علم سلامته في المستقبل من الأحوال لدعا له على الإطلاق ومثل ذلك ما اشترط اللَّه في مدح أزواج النبي صلى الله عليه و آله ولم يمدحهنّ من غير اشتراط لعلمه تعالى بأن منهنّ من تتغيّر بعد الحال عن الصلاح الّذي تستحق عليه المدح والإكرام فقال «يَا نِسَاءَ النَّبِىِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إِنْ اتَّقَيْتُنَّ» (1)

؛ الآية» ولم يجعلهنّ في ذلك حسب ما جعل أهل بيت النّبي صلى الله عليه و آله في محل الإكرام والمدحة حيث يقول في إيثارهم المسكين واليتيم والأسير على أنفسهم مع الخصاصة الّتي كانت بهم «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَانُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً فَوَقَاهُمْ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً» (2)

فقطع لهم بالجزاء ولم يشترط لهم كما اشترط لغيرهم باختلاف الأحوال على ما بيناه.

وأمّا ما ادعاه من تقدم إسلام أبي بكر مستنداً إلى الأخبار الموضوعة تارة، وإلى نقل بعضهم للإجماع في ذلك أخرى، ثم تكلف الجمع بما لا يمكن جمعهما بقنطار من الغرا، فأعماله الحيلة واختراع الوسيلة ووضع الكذب لنصرة مذهب القبيلة عليها ظاهر والحق تأخر إسلامه كما نقله عن ابن كثير وصححه عن سعد بن أبي وقاص ويؤيده ما ذكره ابن الأثير في كتاب أسد الغابة في معرفة الصحابة عن ضمرة بن ربيعة إنّه قال: كان إسلام أبي بكر مسبباً عن إسلام خالد بن سعيد الأموي وذكر في هذا قصة طويلة. وأمّا غيرهم فقد قالوا إنّه كان ثامن الأصحاب


1- احزاب: 32.
2- انسان: 8- 12.

ص: 525

في الإيمان.

بيان موضوعية ما نقله ابن حجر ممّا يدلّ على فضيلة أبي بكر وعمر

قال:

الفصل الثالث في ذكر فضائل أبي بكر الواردة فيه مع ضميمة غيره كعمر وعثمان وعلي وغيرهم إليه

أخرج الحاكم في الكني، وابن عدي في الكامل، والخطيب في تاريخه، عن أبي هريرة أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال: أبوبكر وعمر خير الأولين والآخرين، وخير أهل السموات وخير أهل الأرض إلّاالنبيين والمرسلين(انتهى).

أقول:

هذا الحديث موضوع في مقابلة ما روى من قوله صلى الله عليه و آله «محمد وعلي خير البشر، من أبى فقد كفر، وقد كفى مؤنة القدح فيه ودفع ما يعرض فيه العامى من الحيرة، كون اول راويه أبا هريرة.

قال:

أخرج الطبراني، عن أبي الدرداء «اقتدوا بالّذين من بعدى، أبي بكر وعمر فإنّهما حبل اللَّه الممدود، من تمسّك بهما فقد تمسّك بالعروة الوثقى لا انفصام لها» وله طرق مرت في أحاديث الخلافة انتهى.

أقول:

قد سبق منا الكلام على مقدمة هذا الحديث فيما ذكره هذا الشيخ الجامد من أحاديث الخلافة وأمّا الزيادة المذكورة ههنا فقد وضعوها في مقابلة ما روى أحمد بن حنبل في مسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: «إني قد تركت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلوا بعدي؛ الثقلين، واحدهما أكبر من الآخر، كتاب اللَّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ألا وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض».

وما رواه الزمخشري بإسناده قال قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: «فاطمة مهجة قلبي، وأبناه ثمرة فؤادي، وبعلها نور بصري، والأئمة من ولدها أمناء ربي، وحبل ممدود بينه وبين خلقه من اعتصم بهم نجا ومن تخلف عنهم هوى».

ص: 526

في أنّ أبابكر وعمر لم يكونا وزيرين للنبي صلى الله عليه و آله

قال:

وأخرج الترمذي عن أبي سعيد أنّ النبي صلى الله عليه و آله قال: ما من نبيّ إلّاوله وزيران من أهل السماء ووزيران من أهل الأرض، فأمّا وزيراي من أهل السماء فجبرئيل وميكائيل، وأما وزيراي من أهل الأرض فأبوبكر وعمر(انتهى).

أقول:

سنذكربعد ذلك أخباراً أخر في هذا المعنى أيضاً ويتوجه على الكل أنّ الوزارة في اللغة تستعمل بمعنى المعونة، ومعونة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لا تكون إلّامن جهتين لا ثالث لهما.

منهما المعونة في التأدية والإبلاغ إلى الناس من دين اللَّه عز وجلّ الّذي جاء به من عنده كما قال تعالى «وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً» (1)

فكان هارون مبلغاً مع موسى مؤدياً معه رسالات اللَّه تعالى معيناً له على دين اللَّه تعالى.

والوجه الثاني، هو ا لمعونة بمجاهدة الكفار ومحاربتهم ولم يكن أبوبكر معيناً للنبي صلى الله عليه و آله بشي ء من هذين الوجهين وهو ظاهر ولا نعرف في معونة الرسول وجهاً ثالثاً وذلك إنّ في الوزارة لسائر الناس ما يكون معه الرأي والمشاورة والتدبير وقد قدّمنا الإشارة إلى أنّ هذا مما لا يجوز أن يظن لأحد مع رسول اللَّه(صلى الله عليه و آله) لأنّ الرسل لا يستعملون آراءهم وتدبيرهم دون تدبير اللَّه وأمره وإنّما هم يصيرونه عن أمر اللَّه ونهيه وتدبيره في وجوه متصرفاتهم من حرب إلى سلم، إلى تقديم، إلى تأخير، إلى غير ذلك، ومن كان اللَّه مدبّره ومختاراً له في متصرفاته كان مستغنياً عن مشاورة رعيّته وتدبيرهم معه وهذا ما لا يجوز أن نظنه دونهم في نبي ولا رسول ولا حجة للَّه يحتجّ بها على عباده.


1- فرقان: 35.

ص: 527

وأيضاً يكذب ما ذكره من أنّ لكل نبي وزيرين من أهل الأرض أنّ موسى عليه السلام مع كونه نبياً من أولى العزم لم يسمع أحد له غير هارون عليه السلام وزيراً، فظهر أنّ في الخبر وضعاً وتزويراً.

ذكر القرائن على موضوعية حديث «هذان سيّدا كهول أهل الجنّة»

قال:

وأخرج أحمد والترمذي عن علي وابن ماجه عنه أيضاً وعن أبي جحيفة وأبو يعلى في مسنده وأيضاً في المختار عن أنس، والطبراني في الأوسط عن جابر، وعن أبي سعيد أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال: هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلّاالنّبيين والمرسلين يعني أبابكر وعمر(انتهى).

أقول:

لعل هذا الشيخ الجاهل إنّما يبالغ في ذكر الكثرة من رجال هذا الحديث وتعدد طرقهم فيه إظهاراً لفضله وكثرة تتبعه على المحدّثين من أصحابه وإلّا فلا يخفى على أحد إنّ ذلك لا ينجع في الاحتجاج على الشيعة فإنّ ذلك عندهم يوجب زيادة التهمة لا الظن بالصحة وهو ظاهر، على أنّهم كما قال صاحب كتاب الاستغاثة في بدع الثلاثة رووا حديثاً آخر أبطلوابه هذا الحديث، وذلك أنهم رووا بإجماع منهم ومن غيرهم أنّ الرسول صلى الله عليه و آله قال: «أهل الجنة يدخلون الجنة جرداً مرداً مكحلين» (1) فإذا كانوا كذلك فلا كهول هناك ليكونا سيديهم ولو كان هناك أيضاً كهول كما زعموا هل كانت إمامة أبي بكر وعمر ورياستهما على الكهول دون الشباب والمشايخ أم كانت على الجميع؟

فإن قالوا: إنّها كانت على الكهول دون غيرهم بانت فضيحتهم، وإن قالوا:

بل كانت على جميعهم.


1- الاستغاثة، أبوالقاسم كوفي، ج 2، ص 38

ص: 528

قيل لهم: فالسيد في كلام العرب هو الرئيس وليس في الرياسة أجل من الإمامة فإذا كانا إمامين على الكهول وغيرهم فهما رئيسان على جميعهم وإذا كانا رئيسين على الجميع فهما سيدا الجميع وإذا كان الأمر كذلك فلا فائدة في قول الرسول صلى الله عليه و آله «هما سيّدا كهول أهل الجنة» ولعمري لو كان ذلك منه صحيحاً لبخسهما حقهما إذ قال: هما سيدا كهول أهل الجنة. وهما سيدا الكهول والمشايخ والشباب بزعمكم فهذا ما يشتغل به ذوقهم(انتهى).

وقد يقال: معنى قوله(هما سيدا كهول أهل الجنة» إنّهما سيدا الكهول الّذين يدخلون الجنة، ولا يلزم منه كون بعض أهل الجنة كهولًا حين كونه في الجنة.

وأقول يتوجه عليه مع ما مر في كلام صاحب الاستغاثة من لزوم نقص إمامتهم وقصرها على الكهول وقوع التعارض بينه وبين ما روى الجمهور في صحاح أحاديثهم أيضاً أنّ النبي صلى الله عليه و آله قال: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة» (1)

وذلك لأنّ أسلوب الحديثين وسوقهما بعد تكلّف التقدير المذكور يقتضي وجوه مناسبة في الموضعين أعني لسيد الكهول مع الكهول في الكهول، ولسيد الشباب مع الشباب في الشباب، ولم يكن الحسن والحسين عليهما السلام شابين عند الوفاة حتى يقال: هما سيدا الشباب الّذين يدخلون الجنة وأبوبكر وعمر سيدا الكهول الّذين يدخلون الجنة فيلزم التعارض قطعاً.

وقال العاقولي في شرحه للمصابيح في تفسير حديث السبطين عليهما السلام إنّه لم يرد به سن الشباب لأنّهما عليهما السلام ماتا وقد كهلا بل ما يفعله الشباب من المروءة كما يقال:

فلان فتى وإن كان شيخاً إذا كان ذا مروءة وفتوّة انتهى.

فعلى هذا التفسير المجمع عليه يكونان هما سيدي الشباب والكهول وسيدي


1- صحيح ابن حبّان، ج 15، ص 412؛ المعجم الكبير للطبراني، ج 3، ص 35؛ مسند أحمد، ج 3، ص 3

ص: 529

أبي بكر وعمر، ان كان لهما فتوة ومروءة وفيه تكذيب صريح لحديث «سيدا كهول أهل الجنة» فتدبر.

ختم الكتاب

ختم الكتاب وذكر سبب الإعراض عن التعرّض لباقي ما في الصواعق من الأبواب

قال: الباب الرابع في خلافة عمر:

إنّا لا نحتاج في هذا إلى قيام البرهان على حقّيّة خلافة عمر لما هو معلوم عند كل ذي عقل وفهم إنّه يلزم من حقية خلافة أبي بكر حقّيّة خلافة عمر فكيف وقد قام الإجماع ونصوص الكتاب والسنة على حقّيّة خلافة أبي بكر.

أقول:

لقد أبطلنا بتوفيق اللَّه تعالى ومنه جميع ما ذكره في حقّيّة خلافة أبي بكر من الأدلة القاصرة، والتحكّمات الفاجرة، الناشئة عن سوء المصادرة، وأثبتنا بطلان خلافته بتشييد أركان دلائل الشيعة على غصبه لها بخلافته فقد كفانا ذلك مؤنة الكلام في إبطال خلافة عمر وتضييع الوقت فيه، لأنّ بطلان الأوّل يستلزم بطلان الثاني، وكذا الكلام في خلافة عثمان، واللَّه المستعان في كل الأمور.

ختم الكتاب

تم طبع الكتاب بعون اللَّه الملك الوهاب في عاشر ربيع الأول من هذه السنة 1367 الهجرية القمرية مطابقاً لهذا التاريخ «1/ 11/ 1326» من السنة الهجرية الشمسية.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.