الإخلاص سر التقدم

هوية الکتاب

تأليف اية الله السيد محمد الحسيني الشيرازي

الطبعة الأولى/ 1424ه_ / 2003م

مركز الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله للتحقيق والنشر

بيروت لبنان ص ب 5955 / 13 شوران

الطلیعة

بسم الله الرحمن الرحيم

وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء

سورة البينة: الآية: 5

كلمة المركز

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة على سيد الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله وآله الطيبين الطاهرين وسلَّم تسليماً كثيراً.

أما بعد..

فالإخلاص سر من أسرار الله تعالى، يودعه في قلب من يشاء من عباده، ليسيروا بهداه، لا توقفهم عقبة، ولا تلهيهم مغريات الدنيا الفانية، حتى يصلوا إلى الغاية التي ما بعدها غاية، والفوز الذي ليس فوقه فوز، كما يقول الإمام علي عليه السلام: «الإخلاص غاية»(1).

ويقول عليه السلام في مقام آخر: «الإخلاص أعلى فوز»(2).

والإخلاص ليس طريقاً إلى ثواب الآخرة فحسب، بل هو طريق إلى تقدم الإنسانية، وهو سرُّ كل تطور يشهده البشر.

فالإخلاص في تربية الأبناء يبني مجتمعاً متماسكاً وقادراً على البقاء والتقدم والرقي.

والإخلاص في التعليم والتعلُّم يسمو بالمجتمعات إلى مراتب عالية في الحضارة والعلم.

والإخلاص في النصيحة والمشورة يؤسس أرضاً خصبة لنمو شجرة الأخوة الإنسانية بين أفراد المجتمع.

والإخلاص في الدفاع عن الوطن يبعد أيدي الأعداء الذين يحاولون المساس بالوطن وأرضه وشعبه وخيراته.

وبعبارة موجزة يمكن القول: إن الإخلاص في العمل _ أيّ عمل كان __ سيؤدي إلى الوصول إلى الأهداف المرجوة من ذلك العمل، بل هو أقرب الطرق وأكثرها استقامة إلى تلك الأهداف، لأنه طريق لا تعتريه عثرات الجهل، ولا يخيم عليه ظلام الشر، ولا يقود مرتاديه إلى مهاوي الردى والضلال.

فما قولك إذا كان الإخلاص متوجهاً من العبد إلى المعبود عزوجل وإلى أوليائه عليهم السلام؟.

وما قولك حين ترى كيف يتفانى العبد في ذات ربه المقدسة، ويخلص له في كل حركة أو قول أو فعل أو سكون؟

إنه بلا ريب نِعم الإخلاص، فإنه مما يضمن لصاحبه أجر الدارين:

الدنيا والآخرة، فإن «الإخلاص عبادة المقربين»(3) كما يقول سيدنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

وفي هذا الكتاب ينقل لنا سماحة الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (أعلى الله درجاته) جملة من الكرامات التي نالها المخلصون، ومنهم الشعراء والأدباء والعلماء وطلبة العلم وغيرهم من المؤمنين، من الذين عاشوا في مختلف الأزمنة والأمكنة، فمنهم المخضرمين ممن عاشوا في الجاهلية والإسلام، ومنهم من ولد في الصدر الأول للإسلام، أو في الفترات التالية، وحتى عصرنا هذا، ولم يجمعهم إلا شيء واحد، ألا وهو إخلاصهم لذات الله عزوجل ولأوليائه المقربين عليهم السلام، مما جعلهم يستحقون أن يخلدهم التاريخ، وأن يكونوا وتكون قصصهم مناراً تهتدي به الأجيال من بعدهم، وأن تفتخر بهم هذه الأجيال، وتذكرهم بأجل كلمات التبجيل والاحترام، وكيف لا وقد أخلصوا في أعمالهم، وأخلصوا في أهدافهم، وأخلصوا في علاقاتهم فيما بينهم، وأخلصوا _ قبل هذا وذاك _ في علاقتهم مع الله عزوجل وأوليائه الصالحين عليهم السلام.

هذا، وإن هدف سماحة الإمام الشيرازي(أعلى الله درجاته) من جمع هذه القصص هو أن يؤكد على حقيقة الإخلاص، وأن يرسم للأجيال طريقاً واضحاً، *لا تَرى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاَ*(4)، يوصل إلى مستقبل زاهر لهذه الأمة الإسلامية، ويخرج بها من عهود الانحطاط والتبعية الفكرية والثقافية والمادية كغيرها من الأمم، وليصل بها أخيراً إلى الحياة التي ينظر إليها الله جل وعلا بعين الرضا والقبول إن شاء الله تعالى.

وهذا العمل إن دلَّ على شيء فإنما يدلُّ على إخلاص هذا الرجل المتفاني في ذات الله تعالى، وإن جمعه (أعلى الله درجاته) لهذه القصص والعِبَر ووضعه إياها بين أيدي الناس سهلةً يسيرة إنما يدلُّ على ما يكنه سماحته لأبنائه المؤمنين من محبة مخلصة، وما يتمناه لهم في حياتهم

الدنيا وفي حياتهم الأخرى.

سائلين المولى أن يجزي الإمام الراحل خير جزاء المحسنين، وأن يوفقنا وجميع المؤمنين للإخلاص في العمل إنه سميع مجيب.

مركز الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله للتحقيق والنشر

بيروت – لبنان

1424ه_ = 2003م

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

قال تعالى: *وَمَا أمِرُوا إلاَّ لِيَعبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ*(5).

الإخلاص معناه تصفية السر عن ملاحظة ما سوى الخالق(6) وهو واقع لنتائج، عرفها الإنسان أو لم يعرفها، والغالب عدم المعرفة بها، مثل عدم معرفة الإنسان للأدوية والعقاقير الطبية، والتي تم التوصل إلى تركيب أغلبها باستغراق الكثير من الجهد والوقت، ولا يكون ذلك فقط لأجل الحذر من العذاب الأخروي وكسب الرضوان الأكبر المتمثل بالجنان فحسب، بل للدنيا أيضاً كالكاسب والشاعر والمتفقه والفلكي والمحاسب وغيرهم ممن استوعبهم المجتمع البشري، فإذا شرع الإنسان في عمله وعلمه بإخلاص وإيمان نجح نجاحاً منقطع النظير، ذلك من غير فرق بين الإخلاص للعمل __ إن لم يكن مؤمناً __ أو لله إذا كان مؤمناً موقناً.

وفي هذا الكتاب: (الإخلاص سر التقدم) ذكرنا جملة من الشعراء والأدباء الذين تميزوا بالإخلاص فتقدموا وبقوا وتركوا بصماتهم في وجه التاريخ.

*وَلأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ*(7) مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر(8).

نسأل الله أن يوفقنا للإخلاص ودرجاته العالية وأن يقرن أعمالنا برضاه وهو الموفق المستعان.

قم المقدسة

محمد الشيرازي

شوال / 1419ه_

لا زلت مؤيداً بروح القدس

روي في الحديث: إن رجالاً من قبيلة قريش كانوا يهجون

النبي صلي الله عليه و اله: كابن الزبعري، وأبي سفيان، وعمرو بن العاص، وضرار بن الخطاب، وكان حسان بن ثابت(9) يدافع عن رسول الله صلي الله عليه و اله ويرد عليهم، فتركوا هجاء الرسول صلي الله عليه و اله خوفاً من لسان حسان بن ثابت، وكان هو ناصر النبي صلي الله عليه و اله بالسنان واللسان، ومخصوصاً هو وعبد الله بن رواحة فقال لهما رسول الله صلي الله عليه و اله: «لن

تزالا تؤيدان بروح القدس ما ذببتما عنا بألسنتكما»(10).

والمراد بروح القدس: هو جبرئيل الأمين عليه السلام كما قالوه في تفسير الآية: *وَأيَّدْناهُ بِرُوحِ القُدُسِ*(11).

عن ابن الكلبي أنه قال: كان حسان لسناً شجاعاً أصابته علّة فجبن وفر، وقيل: إنه لم يشهد قط مشهد قتال أو حرب وذلك لجبنه وقلة شجاعته.

وفي بعض التواريخ: عن صفيَّة بنت عبد المطلب عمَّة الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله أنها قالت: صعدنا يوم أحد على الآطام _ وهي رؤوس التلال _ وكان معنا حسان بن ثابت، ونحن في محل مرتفع فجاء نفر من اليهود يرومون التلال التي كانت عليها بعض النسوة فقالت صفية له: (دونك يا حسان) فقال: (والله لا أستطيع القتال)، ثم صعد يهودي إلى محل النسوة فقالت صفية: فناولني حسان السيف فضربت عنق اليهودي ورميت برأس_ه إلى رفاقه فانكشفوا من حولنا (12).

هذا، ولطائف أشعاره كثيرة لا يسع المقام تفصيلها، وخير ذلك كله بإجماع المتدبرين، ما كان قد أنشده في رسول الله صلي الله عليه و اله، ويقال: إنه قيل له: لان شعرك في الإسلام يا أبا الحسام؟ قال: إن الإسلام يحجز عن الكذب، يعني: أن الشعر لا يحسنه إلا الإفراط في الكذِب والتزيين به، والإسلام يمنع من ذلك، وقال أيضاً:

لا يجيد شعراً من يتقي الكذب.

وقيل: أصدق بيت قالته العرب قول أسيد بن أبي إياس في سيدنا رسول الله صلي الله عليه و اله:

وَمَا حمَلَتْ مِن نَاقَةٍ فَوقَ كُورِها

أبرَّ وَأوفى ذِمَّةً مِن مُحَمَّدِ

ونظيره في الصدق قول حسان بن ثابت في رسول الله صلي الله عليه و اله:

وَمَا فَقَدَ الماضُونَ مِثْلَ مُحمَّدٍ

وَما مِثلهُ حَتى القِيَامَةِ يُفقَدُ(13)

وأما قول النبي صلي الله عليه و اله: «أصدق كلمة قالها لبيد»:

ألا كُلُّ شَيءٍ

مَا خَلا الله بَاطِلُ

وَكُلُّ نَعيمٍ لا مَحَالَةَ زَائِلُ(14)

فتلك أصدق كلمات لبيد ضمن شعره وأدبه، لا أصدق من تلك الكلمات مطلقاً.

ولما تصدق أمير المؤمنين علي عليه السلام بخاتمه في حال الركوع، وتشرف بنزول الآية المباركة فيه: *إنَّما وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيْمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ*(15)، كبّر النبي صلي الله عليه و اله، فأنشأ حسان يقول:

أبا حَسَنٍ تَفْدِيكَ نَفْسي وَمُهجَتي

وَكُلُّ بَطيءٍ في الهوَى وَمُسَارِعِ

أ يَذْهَبُ مَدحِي والمحبّر ضَائِعَاً

وَما المدحُ في جَنبِ الإلهِ بِضَائِعِ

فَأنتَ الذي أعطَيتَ إذْ كُنتَ رَاكِعَاً

زَكَاةً فَدَتْكَ النَّفسُ يَا خَيرَ رَاكِعِ

فَأنزَلَ فيكَ الله خَيرَ ولايَةٍ

وَثبَّتَهَا في مُحكَمَاتِ الشَّرائِعِ(16)

وقد ذكر سبط ابن الجوزي شعراً لحسان بن ثابت في نزول الآية الكريمة في شأن علي عليه السلام وهو هذا:

مَن ذا بخاتمهِ تَصدَّقَ رَاكِعَاً

وَأسرَّها في نَفْسِهِ إسرَارا؟

مَن كَانَ بَاتَ على فِرَاشِ محمَّدٍ

وَمُحمَّدٌ أسرى يَؤمُّ الغَارَا؟

مَن كَانَ في القُرآنِ سُمِّيَ مُؤمِناً

في تِسعِ آياتٍ تُلينَ غِزارا؟(17)

ومن ذلك أيضاً شعر حسان __ يوم الغدير __، وقد استأذن رسول الله صلي الله عليه و اله قائلاً: ائذن لي يا رسول الله! أن أقول في علي عليه السلام أبياتاً تسمعهن؟ فقال صلي الله عليه و اله: «قل على بركة الله».

فقام حسان فقال:

يُنادِيهِمُ يَومَ الغَدِيرِ نَبِيُّهُمْ

بِخُمٍّ فَأسمِعْ بِالرُّسُولِ مُنادِيَا

وَقَد جَاءهُ جِبريلُ عَن أمرِ رَبِّهِ

بِأنَّكَ مَعصُومٌ فَلا تَكُ وَانِيَا

وَبَلِّغْهُمُ ما أنزَلَ الله رَبُّهُمْ

وَإنْ أنتَ لم تَفْعَلْ وَحَاذَرتَ بَاغِيَا

عَلَيكَ فَما بلَّغْتَهُم عَن إلههِم

رِسَالتَهُ إنْ كُنتَ تخشَى الأعادِيَا

فَقَامَ بِهِ إذْ ذَاكَ رَافِعَ كَفِّهِ

بِكَفِّ عَليٍّ مُعلِنَ الصَّوتِ عَالِيَا

فَقَالَ: فَمَنْ مَولاكُمُ وَوَلِيُّكُمْ

فَقَالُوا: وَلم يُبدوا هُنَاكَ تَعامِيَا

إلهكَ مَولانَا وَأنْتَ وَلِيًّنَا

وَلَن تجِدَنْ فينَا لَكَ اليَومَ عَاصِيا

فقَال لَهُ: قَمْ يَا عَلِيُّ! فَإنني

رَضِيتُكَ من بَعدِي إماماً وَهَادِيا

فَمَن كُنتُ مَولاهُ فَهذا وَلِيُّهُ

فَكُونُوا لهُ أنصَارَ صِدقٍ مَوالِيا

هُناكَ دَعا اللهمَّ وَالِ

وَلِيَّهُ

وَكُنْ لِلذِي عَاَدى عَلِيَّاً مُعادِيَا

فَيَا رَبِّ أنصُرْ نَاصرِيهِ لِنَصرِهِمْ

إمامَ هُدىً كَالبَدرِ يَجلُو الدَّياجِيَا

ج

فأقرّه النبي صلي الله عليه و اله واستحسن شعره(18). لكن بعض أصحاب كتب الرجال يسقطون أمثال هذا الرجل من أقلامهم، ومن حسابهم لأسباب غير خفية، مع أنهم يذكرون كثيراً من المغمورين المجاهيل الذين هم بحسب الظاهر أقل شأناً منه بكثير. هذا، وإن حسان بن ثابت لم يمدح رسول الله صلي الله عليه و اله ولا أمير المؤمنين عليه السلام رغبة أو رهبة، أو خوفاً من سيف مسلط على رقبته إن لم يمدحهما، كما لم يكن يأمل جائزة سنية تقتضي الملق والتودد الزائف، بل مدحهما لأنهما (صلوات الله وسلامه عليهما) يستحقان ذلك وأكثر. وحيث إنه لاتوجد رهبة ولا رغبة في مدحهما، فإن عمل حسان هذا ما هو إلا الإخلاص المحض، والعمل الذي لا تشوبه شائبة من شوائب الدنيا وسفاسفها، والذي لا يقدم عليه إلا الأخيار الأطهار الذين كان أمير المؤمنين عليه السلام يبحث عنهم حين قال: «أين الذين أخلصوا أعمالهم لله وطهَّروا قلوبهم بمواضع ذكر الله»؟(19).

جزاك الله خيراً يا ابن رواحة

روى الصحابي البراء بن عازب الأنصاري، قال: أُخبِرَ رسول الله صلي الله عليه و اله بأن أبا سفيان ينال منه ويهجوه، وكان عبد الله بن رواحة(20) حاضراً في المجلس، فطلب من النبي صلي الله عليه و اله أن يأذن له بالرد عليه شعراً.

فسأله النبي صلي الله عليه و اله: «هل تقدر على أن يكون مطلع الرد بعبارة: ثبت الله»؟ قال عبد الله بن رواحة: نعم، أنا أنشأت:

فَثَبَّتَ الله مَا أعطَاكَ مِنْ حَسَنٍ

تَثْبِيتَ مُوسى وَنَصراً مثلَ مَا نُصِرُوا

فدعا له النبي صلي الله عليه و اله وقال: «جزاك الله خيراً».

وله في مدح الإمام علي عليه السلام:

لِيَهنِ عَليَّاً يَومَ بَدرٍ

حُضُورُهُ

وَمَشهَدُهُ بِالخَيرِ ضَرباً مُرعبَلا

وَكَائِنْ لَهُ من مَشهَدٍ غَيرِ خَامِلٍ

يَظَلُّ لَهُ رَأسُ الكَمِيِّ مُجدَّلا

وَغَادَرَ كبشَ القَومِ في القَاعِ ثَاوِياً

تَخَالُ عَلَيهِ الزَّعفرانَ الْمُعَلَّلا

صَريعاً يَنُوءُ القَشعمان بِرأسِهِ

وَتَدنُو إلَيهِ الضَّبعُ طولاً لِتَأكُلا(21)

إن عبد الله بن رواحة تطوع بوازع داخلي صميمي ليردَّ على الشاعر الهاجي المناوئ بما يقل غربه ويثلم شراسته، ولم يكن هناك أي إلزام له من قبل رسول الله صلي الله عليه و اله، وإنما هو الالتزام النابع من الوجدان المسلم الرفيع، الذي يرى لزاماً عليه أن يؤكد انتماءه ويخلص لدينه، والإخلاص أكثر ما يتجلى في الذود عن العقيدة بالنفس والمال واللسان، لذا انبرى شاعر أهل البيت عليهم السلام عبد الله بن رواحة ليذود عن رسول الله صلي الله عليه و اله وأمير المؤمنين عليه السلام متوخياً الطاعة، ولا شيء غير الطاعة، واضعاً نفسه في مملكة السعداء الذين وصفهم يعسوب الدين أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: «السعيد من أخلص الطاعة»(22).

بردة الرسول صلي الله عليه و اله

روي أنه كان لكعب بن زهير(23) أخ شقيق اسمه بُجير، شاعر مثله، لما ظهر الإسلام تأخر بجير وكعب عن الدخول فيه، ولكن لما زاد انتشاره أسلم بجير سنة (7ه_)، ثم شهد فتح مكة، أما كعب فإنه بقي على الشرك وأخذ بهجاء أخيه بجير وهجاء رسول الله صلي الله عليه و اله فأهدر النبي صلي الله عليه و اله دمه، فأرجف الناس بقتله فضاقت عليه الأرض بما رحبت، فعزم في سنة (9ه_) على أن يستأمن إلى الرسول صلي الله عليه و اله فجاء سراً إلى المدينة واستشفع بأبي بكر ثم سار على إثره حتى دخل المسجد فقال كعب للرسول صلي الله عليه و اله: يا رسول الله رجل يبايعك على الإسلام وبسط يده وحسَر عن وجهه وقال: بأبي أنت

وأمي يا رسول الله أنا كعب بن زهير، فأمنه رسول الله صلي الله عليه و اله.

فقد روى أصحاب السير: أن كعباً وبجيراً ابني زهير خرجا إلى أبرق العراق، فقال بجير لكعب: أثبت في غنمِنا هنا حتى آتي هذا الرجل _ يعني النبي صلي الله عليه و اله _ فأسمع كلامه، وأعلم ما عنده، فأقام كعب، ومضى بجير إلى النبي صلي الله عليه و اله فسمع منه وآمن به، فبلغ ذلك كعباً، فغضب وقال:

ألا بَلِّغا عَني بُجَيراً رِسَالَةً

فَهَلْ لَكَ فيمَا قُلْتَ وَيحَكَ هَلْ لَكَا

سَقَاكَ بِها المأمُونُ كَأساً رَوِيَّةً

وَأنهلَكَ المأمُونُ مِنْها وَعَلَّكَا

فَفَارقْتَ أسبَابَ الهدى وَتَبعتَهُ

علَى أيِّ شَيءٍ وَيكَ غَيرُكَ دَلَّكَا

عَلَى مَذْهبٍ لم تُلفِ أمَّاً وَلا أبَاً

عَلَيهِ وَلم تُعرِقْ عَلَيهِ أخاً لَكَا

فَإنْ أنتَ لم تَفعَلْ فَلَستُ بِآسِفٍ

وَلا قَائِلٍ إمَّا عَثَرتَ لَعاً لَكَا

وأرسل تلك الأبيات إلى أخيه بجير، فلما بلغته أخبر بها رسول الله صلي الله عليه و اله فلما سمع قوله: سقاك المأمون، قال صلي الله عليه و اله : «مأمون والله»، وذلك أنهم كانوا يسمون رسول الله صلي الله عليه و اله (المأمون)، ولما سمع أيضاً صلي الله عليه و اله قوله: (على مذهب)، ويروى: (على خلق لم تلف أماً) البيت، قال صلي الله عليه و اله : «أجل، لم يُلفِ عَليه أباه ولا أمه»، ثم إن رسول الله صلي الله عليه و اله قال: «من لقي منكم كعب بن زهير فليقتله»، وذلك عند انصرافه صلي الله عليه و اله من الطائف، فكتب إليه أخوه بجير بهذه الأبيات:

أمن مُبلِغٌ كَعباً فَهَلْ لَكَ في التي

نَلُومُ علَيها بِاطلاً وَهْيَ أحرَمُ

إلى اللهِ لا العُزَّى وَلا اللاتُ وَحدَهُ

فَتَنجُو إذا كَانَ النّجَاءُ وَتسلَمُ

لَدى يَومَ لا تَنجُو وَلَيسَ بمفلِتٍ

مِنَ النَّاسِ إلاَّ طَاهِرُ

القَلبِ مُسلِمُ

فَدِينُ زُهيرٍ وَهْوَ لا شَيءَ دِينُهُ

وَدِينُ أبِي سُلمَى عَليَّ مُحَرَّمُ

وكتب بعد هذه الأبيات: ما أحسبك ناجياً، فإن كان لك في نفسك حاجة فصر إليه، فإنه يقبل من أتاه تائباً، ولا يطالبه بما تقدم قبل الإسلام.

فلما بلغ كعباً الكتاب أتى إلى قبيلة مزينة لتجيره من رسول الله صلي الله عليه و اله، فأبت ذلك عليه، فحينئذٍ ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وأشفق على نفسه، وأرجف به من كان عدوه، فقالوا: هو مقتول، فقال قصيدته المشهورة يمتدح فيها النبي صلي الله عليه و اله ويذكر خوفه وإرجاف الوشاة، ومطلعها:

بَانَتْ سُعادُ فَقَلبِي اليَومَ مَتبُولُ

مُتيَّمٌ إثرَهَا لم يُفْدَ مَكبُولُ

وَمَا سُعادُ غَداةَ البَينِ إذْ رَحَلُوا

إلاَّ أغَنُّ غَضيضُ الطَّرفِ مَكحُولُ

يجلو عَوارِضَ ذِي ظَلْمٍ إذا ابْتَسَمَتْ

كَأنَّها مَنهَلٌ بِالرَّاحِ مَعلُولُ

ومنها:

تَسعَى الوشَاةُ بِجَنبَيها وَقولُهُمُ

نَرَاكَ يَا بْنَ أبي سُلمَى لَمَقتُولُ

وَقَالَ كُلُّ خَليلٍ كُنتُ آملُهُ:

لا أُلهِينَّكَ إنِّي عَنكَ مَشغُولُ

فَقُلتُ: خَلُّوا سَبِيلي لا أبا لَكُمُ

فَكُلُّ مَا قَدَّرَ الرَّحمنُ مُفعُولُ

كُلُّ ابنِ أنثى وَإنْ طَالَتْ سَلامتُهُ

يَوماً علَى آلةٍ حَدباءَ مَحمُولُ

أنبِئْتُ أنَّ رَسُولَ الله أوعَدَنِي

وَالعَفوُ عِندَ رَسُولِ الله مَأمُولُ

مَهلاً هَدَاكَ الذي أعطَاكَ نَافِلَةَ ال_

_قُرآنِ فِيهَا مَواعيظٌ وَتَفصيلُ

لا تَأخُذَنِّي بِأقوَالِ الوشَاةِ وَلم

أذْنبْ وَإنْ كَثُرَتْ فيَّ الأقَاوِيلُ

ومنها:

إنَّ الرَّسُولَ لَنُورٌ يُستَضَاءُ بِهِ

مُهنَّدٌ مِن سُيُوفِ الله مَسلُولُ

في عُصبَةٍ مِن قُرَيشٍ قَالَ قَائِلُهُمْ

بِبَطنِ مَكَّةَ ل_مَّا أسلَمُوا زُولُوا

زَالوا فَمَا زَالَ أنكَاسٌ وَلا كُشُفٌ

عِندَ اللقَاءِ وَلا مِيلٌ مَعَاذِيلُ

شُمُّ العَرَانِينِ أبطَالٌ لَبُوسُهُمُ

مِنْ نَسجِ داوُدَ في الهيجَا سَرَابِيلُ

ثم خرج حتى وصل المدينة فن_زل على رجل من قبيلة جهينة كانت بينهما معرفة، فأتى به إلى المسجد، ثم أشار إلى مكان رسول الله صلي الله عليه و اله فقال: هذا رسول الله صلي الله عليه و اله فقم إليه واستأمنه على نفسك، وعرف كعب رسول الله صلي الله عليه

و اله بالصفة التي وصفها له الناس، وكان مجلس رسول الله صلي الله عليه و اله بين أصحابه مثل موضع المائدة يلتفون حوله حلقة حلقة، فيقبل على هؤلاء فيحدثهم، ثم يقبل على المجموعة الأخرى فيحدثهم، فقام إليه حتى جلس بين يديه فوضع يده في يده، ثم قال: يا رسول الله! إن كعب بن زهير جاء ليستأمن منك تائباً مسلماً، فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به، قال صلي الله عليه و اله: «نعم». ولم يكن رسول الله صلي الله عليه و اله يعرف كعباً، ولا رآه قبل ذلك، قال: يا رسول الله! أنا كعب بن زهير.

فقال صلي الله عليه و اله: «الذي يقول ما يقول»، ووثب رجل من الأنصار، فقال: يا رسول الله! دعني وعدو الله أضرب عنقه، فقال صلي الله عليه و اله: «دعه عنك فإنه قد جاءنا تائباً نازعاً».

ثم أنشد للنبي صلي الله عليه و اله قصيدته المذكورة، فلما بلغ إلى قوله:

إنَّ الرَّسُولَ لَنُورٌ يُستَضَاءُ بِهِ

مُهنَّدٌ مِن سُيُوفِ الله مَسلُولُ

أشار رسول الله صلي الله عليه و اله إلى من حوله أن اسمعوا.

ويروى: أن كعباً أنشد في قصيدته: من سيوف الهند، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «قل: من سيوف الله».

فلما أتى على آخرها رمى الرسول الكريم صلي الله عليه و اله عليه بردة كانت عليه، ولذلك سميت هذه القصيدة ب_ (البردة).

وقال أبو بكر ابن الأنباري: إن معاوية بذل لكعب في البردة عشرة آلاف، فقال: ما كنت لأوثر بثوب رسول الله صلي الله عليه و اله أحداً، فلما مات كعب بعث معاوية إلى ورثته بعشرين ألفاً، فأخذها منهم وهي التي كانت تلبسها الحكام في الأعياد(24).

وكان إسلام كعب بعد رجوع النبي

صلي الله عليه و اله من الطائف وغزوة تبوك، وذلك في السنة التاسعة من الهجرة.

ومن شعره الذي يشهد بحسن عقيدته، ويدل على إخلاص سريرته، قوله في مدح أمير المؤمنين عليه السلام:

صِهرُ النَّبِي وَخَيرُ النَّاسِ كُلِّهُمُ

فَكُلُّ مَن رَامَهُ بِالفَخرِ مَفْخُورُ

صَلَّى الصَّلاةَ مَعَ الأمِيِّ أوَّلَهُمْ

قَبلَ العِبَادِ وَرَبُّ النَّاسِ مَكْفُورُ(25)

إن من يقرأ البردة (قصيدة كعب) قراءة متأنية، ويتعمق فيها بتريّث، يتلمس فيها السبك الجيد والجزالة المشتهاة، ويتذوق النواحي الجمالية فيها، حيث لا ضعف ولا ارتباك ولا خلل، وكل بيت يمهد لتاليه، والأجزاء مرتبطة بعرىً لا انفصام لها، فلا نفرة في النسيج الكلي للقصيدة، ولا فجوة بين بيت وآخر، والبعض __ كما يقال __ يأخذ برقاب البعض. وهذه الوحدة العضوية إن دلت على شيء فإنها تدل على صدق الشاعر وإيمانه بما يقول، وإخلاصه للدين وللرسول صلي الله عليه و اله، ولا بدع أن يكون كعب بهذه القصيدة مصداقاً لقول إمام المتقين أمير المؤمنين عليه السلام: «إذا استخلص الله عبداً ألهمه الديانة»(26)، إذ لا يوجد شعر صادق رفيع المستوى يثير انتباه السامعين دون أن يكون هناك إلهام يوقد شعرية الشاعر ويخصب قريحته. توفي كعب بن زهير سنة (26ه_/645م).

أين يا أبا ليلى؟

روي أن النابغة الجعدي(27) كان ممن فكر في الخلق أيام الجاهلية وأنكر الخمر والسكر، وهجر الأزلام، واجتنب الأوثان، وقال في الجاهلية كلمته التي أولها:

الحمْدُ للهِ لا شَرِيكَ لَهُ

مَنْ لَم يَقُلْها لِنَفسِهِ ظَلَمَا

وكان يقفو أثر دين إبراهيم الخليل عليه السلام والحنيفية، ويصوم ويستغفر، ولما بُعِث النبي صلي الله عليه و اله وفد عليه، وأنشده قصيدته التي كان مطلعها:

خَلِيليَّ غُضَّا سَاعَةً وَتَهَجَّرَا

وَلومَا عَلى مَا أحدَثَ الدَّهرُ أو ذَرَا

فلما وصل إلى قوله:

بَلَغْنَا السَّما في مَجدِنَا وَسَنَائِنَا

وَإنَّا لَنَرجُو فَوقَ ذَلِكَ مَظهَرا

أتَيتُ رَسُولَ اللهِ إذْ

جَاءَ بِالهُدَى

وَيَتلُو كِتاباً كَالمجرَّةِ نَيِّرَا

فقال له رسول الله صلي الله عليه و اله: «أين يا أبا ليلى»؟ قال: إلى الجنة، قال صلي الله عليه و اله: «أجل، إن شاء الله تعالى»، فلما فرغ من إنشادها، قال له النبي صلي الله عليه و اله: «أجدت لا يفض الله فاك» مرتين(28).

قيل: فلقد رئي وقد أتت عليه مائة سنة أو نحوها، وما انفض من فمه سن ولا انفلت، وأن أسنانه لكالبرد المنهل.

وفي رواية نصر بن عاصم الليثي: أنه أنشد النبي صلي الله عليه و اله من القصيدة قوله:

وَلا خَيرَ في حِلْمٍ إذا لم تَكُنْ لَهُ

بَوادِرُ تَحمِي صَفْوَهُ أنْ يُكدَّرَا

وَلا خَيرَ في جَهلٍ إذا لم يَكُنْ لَهُ

حَليمٌ إذا مَا أورَدَ الأمرَ أصدَرَا

فقال له النبي صلي الله عليه و اله: «صدقت، لا يفض الله فاك»، فمكث بعد ذلك، كلما سقط له سن عادت أخرى بدلاً عنها(29).

وروي: أن النابغة دخل على الإمامين الحسن والحسين ابني الإمام علي عليهم السلام فقالا له: «أنشدنا من شعرك يا أبا ليلى» فأنشدهما:

الحمْدُ للهِ لا شَريكَ لَهُ

مَنْ لم يَقُلْها لِنَفسِهِ ظَلَمَا

المولِجُ الليلَ في النَّهَارِ، وَفي

النَّهارِ لَيلاً يُفَرِّجُ الظُّلَمَا

الخَافِضُ الرَّافِعُ السَّماءَ عَلَى ال_

أرضِ وَلم يَبْنِ تَحتَها دعمَا

ثُمَّ عِظامَاً أقامَهَا عَصَبٌ

ثَمَّةَ لَحمَاً كَسَاهُ فَالتَحَمَا

مِنْ نُطفَةٍ قَدَّرَهَا مُقَدِّرُهَا

يَخلُقُ منها الإنسَانَ وَالنَّسَمَا

وَاللونَ وَالصَّوتَ وَالمعَايِشَ وَال_

أرزاقَ شَتَّى وَفَرَّقَ الكَلِمَا

ث_مَّةَ لا بُدَّ أنْ سَيَجمَعُكُمْ

وَالله جهداً شَهادَة قَسمَا

فَائْتَمِرُوا الآنَ ما بَدا لَكُمُ

وَاعتَصِموا ما وَجَدتُمُ عصَمَا

في هذِهِ الأرضِ وَالسَّماءِ وَلا

عِصمَةَ منهُ إلاَّ لِمَنْ عَصَمَا

وهي قصيدة طويلة اقتطفنا منها ما يصف فيه التوحيد والإقرار بالبعث والجزاء والجنة والنار.

فقال الحسنان عليهما السلام: «يا أبا ليلى! كنا نروي هذا الشعر لأمية بن أبي الصلت».

فقال: يا ابني رسول الله! إني لصاحب هذا الشعر، وأول من قاله،

وإن السروق من سرق شعر أمية(30).

وهو القائل:

قَد عَلِمَ المصرَانِ وَالعِرَاقُ

أنَّ عَلِيَّاً فَحلُها العتَاقُ

أبيَضُ جَحجَاحٌ لَهُ روَاقُ

وَأمُّهُ غالى بِهَا الصّدَاقُ

أكرَمُ مَن شُدَّ بِهِ نِطَاقُ

إنَّ الأُلى جَارَوكَ لا أفَاقُوا

لَهُم سِبَاقٌ وَلَكُم سِبَاقُ

قَد عَلِمَتْ ذَلِكُمُ الرِّفَاقُ

سُقتُمْ إلى نَهجِ الهدَى وَسَاقُوا

إلى التي لَيسَ لها عرَاقُ

في مِلَّةٍ عَادَتُها النِّفَاقُ(31)

وذكر أبو نعيم في (تاريخ أصفهان) وابن قتيبة: أن معاوية كان أخرج النابغة إلى أصفهان، وكانت وفاته فيها سنة (65 ه_) بعد أن كُفَّ بصره.

ومن خلال القراءة المتمعنة لكثير من الشعر الجاهلي يعرف الإنسان أن الشاعر الجاهلي كان يتوخى في شعره الفخر بأمجاده وأمجاد آبائه وببُعد الصيت ونباهة الذكر واجتراح المآثر، وكان يرى خلوده الشخصي في الذكر فقط، ولكن هذا كله تغير بمجيء نور الإسلام، فأصبح الشاعر الملتزم بالصدق يتوخى الخلود الأخروي، نابذا وراء ظهره كل مفاخر الدنيا ومظاهرها، ومبتعداً عن الملق والنفاق، ولذلك نرى موهبته تتفتق بالصدق والإخلاص. وتاريخ هذا النابغة مصداق واضح جلي لما أصبح عليه الشعراء بعد أن تنوروا بنور الإسلام، فهو يروي لنا مدى إخلاص سريرته حتى انعكس ذلك شعراً صادقاً فياضاً قاده إلى الخلود والتوفيق، فكان مصداقاً لقول أمير المؤمنين عليه السلام: «أخلص لله عملك، وعلمك، وحبك، وبغضك، وأخذك، وتركك، وكلامك،

وصمتك»(32).

شغله القرآن الكريم عن الشعر

كان لبيد العامري(33) من شعراء العرب المخضرمين الذين قضوا شطراً من حياتهم في الجاهلية وأدركوا الإسلام، وعاش عزيزاً مكرماً في العهدين.

ففي السنة الرابعة للهجرة النبوية الشريفة، كان قد جاء مع قومه إلى رسول الله صلي الله عليه و اله وتشرف باعتناق الإسلام.

إن الجانب المهم من حياة لبيد كان في الإسلام، وفي جمادى الآخرة سنة (8ه_) وفد على الرسول صلي الله عليه و اله جماعة من بني عامر فيهم عامر بن الطفيل وأربد أخو لبيد،

ولكن الله لم يشرح صدور هؤلاء للإسلام، أما لبيد فأسلم وهاجر وسكن في المدينة، ولكن إسلام لبيد لم يحسن أول الأمر، فقد عدّه مؤرخو الإسلام من المؤلفة قلوبهم.

وكان لبيد يتلو آيات من القرآن الكريم، فأشغلته الحكم والمواعظ والبلاغة في ذلك الكتاب السماوي عن إنشاد الشعر، وصرفته عنه.

وكان للبيد من الأشعار الحكيمة الشيء الكثير، حتى عدّ من أشعر شعراء العرب، وبعض أشعاره كانت معلقة على جدران الكعبة.

وروي عن رسول الله صلي الله عليه و اله أنه قال: «أصدق كلمة قالتها العرب كلمة لبيد»:

ألا كُلُّ شَيءٍ مَا سِوَى اللهِ بَاطِلُ

وَكُلُّ نَعيمٍ لا مَحَالَةَ زَائِلُ(34)

وله يعد سنين عمره:

قَامَتْ تَشكَّى إليَّ النَّفس مجهِشَةً

وَقَد حملتك سَبعاً بَعدَ سَبعينَا

فَإنْ تُزَادِي ثَلاثاً تَبلُغي أمَلاً

وَفي الثَّلاثِ وَفَاءٌ لِلثَّمانِينَا

هذا وقد توفي لبيد في فترة إمارة معاوية على الشام في زمن عثمان عن عمر ناهز (150) سنة.

أوتي من الأجر مرتين

يروى عن سلمة بن الأكوع قال: خرجنا مع رسول الله صلي الله عليه و اله إلى خيبر فسرنا ليلاً فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع(35): ألا تسمعنا من هنيهاتك، وكان عامر رجلاً شاعراً فجعل يقول:

لاهُمَّ لَولا أنْتَ مَا اهْتَدَينَا

وَلا تَصَدَّقْنَا وَلا صَلَّينَا

فَاغْفِرْ فَداءً لَكَ مَا اقْتَنَينَا

وَثَبِّتِ الأقْدَامَ إنْ لاقَينَا

وَأنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَينَا

إنَّا إذا صِيحَ بِنَا أتَينَا

وَبِالصِّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَينَا

فقال له رسول الله صلي الله عليه و اله: «من هذا السائق؟»، قالوا: عامر، قال صلي الله عليه و اله: «يرحمه الله»، قال رجل وهو على جمل: وجبت يا رسول الله لولا أمتعتنا به، وذلك أن رسول الله صلي الله عليه و اله ما استغفر لرجل قط يخصه إلا استشهد، قالوا فلما جد الحرب وتصافّ القوم خرج يهودي وهو يقول:

قَد عَلِمَتْ خَيبَرُ أنِّي مرحبُ

شَاكِي السِّلاحِ بَطَلٌ مجرب

إذا الحروب

أقبلت تلهبُ

فبرز إليه عامر وهو يقول:

قَد عَلِمَتْ خَيبَرُ أنِّي عَامِرُ

شَاكِي السِّلاحِ بَطَلٌ مُغَامِرُ

فاختلفا ضربتين فوقع سيف اليهودي في ترس عامر وكان سيف عامر فيه قصر فتناول به ساق اليهودي ليضربه فرجع ذباب سيفه فأصاب عين ركبة عامر فمات منه، قال سلمة: فإذا نفر من أصحاب رسول الله صلي الله عليه و اله يقولون: بطل عمل عامر قتل نفسه، قال: فأتيت النبي صلي الله عليه و اله وأنا أبكي فقلت: قالوا إن عامراً بَطُلَ عملُهُ، فقال صلي الله عليه و اله: «من قال ذلك؟» فقلت: نفر من أصحابك، فقال صلي الله عليه و اله: «كذب أولئك بل أوتي من الأجر مرتين»(36).

هذه قصة شاعر دخل الإيمان قلبه، فلم يعد يرى أن الشعر وحده حياته كلها، بل أراد بعد الانطواء تحت جناح الإسلام أن يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، فكرَّس حياته الثمينة الغامرة لما هو أثمن وأعلى شأنا من الشعر، فالشعر _ بأي حال من الأحوال _ يضمن له فخراً مؤقتاً وسعادة زائلة بزوال الأيام، بينما يضمن له الإيمان خلوداً وسعادة أبدية لا تفنى ولا تنقضي أيامها، حمل الرمح والسيف ليجاهد بين يدي رسول الله صلي الله عليه و اله وليستشهد ضامناً لنفسه أن يكون من السعداء.

يقول أمير المؤمنين عليه السلام: «فاز بالسعادة من أخلص العبادة»(37).

اللهم حوالينا لا علينا

روي: أن أعرابياً أقبل إلى رسول الله صلي الله عليه و اله في عام جدب وقحط، فقال: أتيناك يا رسول الله! ولم يبق لنا صبي يرتضع، ولا شارف يجتر، ثم أنشد يقول:

أتَينَاكَ يَا خَيرَ البَرِيَّةِ كُلِّها

لِتَرحَمَنَا مِمَّا لَقِينَا مِنَ الأزْلِ

أتَينَاكَ وَالعَذراءُ تَدمى لبانها

وَقَد شُغِلَتْ أمُّ الرَّضيعِ عَنِ الطِّفْلِ

وَألقَى بِكَفَّيهِ الفَتيُّ اسْتِكَانَةً

مِنَ الجوعِ حَتَّى مَا يُمِرُّ وَلا يُحلِي

وَلا شَيءَ ممَّا

يأكُلُ النَّاسُ عِندَنا

سِوَى الحنظَلِ العَامي وَالعلْهزِ الفَسْلِ

وَلَيسَ لَنَا إلاَّ إلَيكَ فِرارُنَا

وَأينَ فِرَارُ النَّاسِ إلاَّ إلى الرُّسْلِ

فقام النبي صلي الله عليه و اله يجرُّ رداءه حتى صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: «اللهم! اسقنا غيثاً مغنياً مريئاً هنيئاً مريعاً سجالاً غدقاً طبقاً دائماً درراً، تحيى به الأرض، وتنبت به الزرع، وتدر به الضرع، واجعله سقياً نافعاً عاجلاً غير رايث».

قال الراوي: فو الله، ما رد رسول الله صلي الله عليه و اله يده إلى نحره حتى ألقت السماء أرواقها (أي أمطارها)، وجاء الناس يضجون، الغرق الغرق يا رسول الله!.

فقال صلي الله عليه و اله: «اللهم! حوالينا لا علينا».

فتنحى المطر عن المدينة حتى استدار حولها كالإكليل، فضحك رسول الله صلي الله عليه و اله حتى بدت نواجذه، ثم قال: «لله درّ أبي طالب لو كان حياً لقرّت عينه، من ينشدنا قوله»؟

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: «يا رسول الله! لعلك أردت وأبيض يستسقي الغمام بوجهه»، فقال صلي الله عليه و اله: «أجل».

فأنشده أبياتاً من هذه القصيدة، ورسول الله صلي الله عليه و اله يستغفر لأبي طالب عليه السلام على المنبر.

ثم قام رجل من قبيلة كنانة فأنشده أبياتاً:

لَكَ الحمدُ وَالحمدُ مِمَّنْ شَكَرْ

سُقِينَا بِوَجهِ النَّبِيِّ المَطَرْ

دَعَا الله خَالقَهُ دَعوَةً

إلَيهِ وَأشخَصَ منهُ البَصَرْ

فَإنْ كَانَ إلاَّ كَمَا سَاعَةٍ

أوَ اقصَرَ حَتَّى رَأينَا الدّرَرْ

دِفاقُ العَزالي وَجَمُّ البعَاقِ

أغاثَ بِهِ الله عَلْيَا مُضَرْ

فَكَانَ كَمَا قَالَهُ عَمُّهُ

أبُو طَالِبٍ ذَا رُواءٍ غَزِرْ

لَهُ يَسَّرَ الله صَوبَ الغَمَامِ

فَهذا العِيَانُ كَذَاكَ الخبَرْ

فَمَن يَشكُرِ الله يَلْقَ المزيدَ

وَمَن يَكفُرِ الله يَلْقَ الغِيَرْ

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله رداً عليه: «إن يكن شاعر يحسن فقد أحسنت، بوأك الله يا كناني بكل بيت قلته بيتاً في الجنة»(38).

اعذرنا يا أبا فراس؟

روي عن معاوية عبد الكريم

عن أبيه قال: دخلت على الفرزدق(39) فتحرك فإذا في رجليه قيد، قلت: ما هذا يا أبا فراس؟ قال: حلفت أن لا أخرجه من رجلي حتى أحفظ القرآن(40).

وقال الفرزدق: لقيني الإمام الحسين عليه السلام في منصرفي من الكوفة.

فقال: «ما وراءك يا أبا فراس»؟

قلت: أصدقك؟

قال عليه السلام: «الصدق أريد».

قلت: أما القلوب فمعك، وأما السيوف فمع بني أمية، والنصر من عند الله.

قال عليه السلام: «ما أراك إلا صدقت، الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم، يحوطونه ما درّت به معايشهم، فإذا محّصوا بالبلاء قلّ الديانون»(41).

أما قصة إنشاده القصيدة الغراء المعروفة بين الفريقين في مدح الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام فهي:

إن هشام بن عبد الملك حجّ، وطاف بالبيت، فأراد أن يستلم الحجر، فلم يقدر عليه من الزحام، فنصب له منبر، فجلس عليه ينظر إلى الناس، وأطاف به أهل الشام، فبينما هو كذلك، إذ أقبل علي بن الحسين عليه السلام وعليه إزار ورداء، وهو من أحسن الناس وجهاً، وأطيبهم رائحة، وبين عينيه سيماء الصالحين من أثر السجود كأنه ركبة البعير، فجعل يطوف بالبيت، فإذا بلغ إلى موضع الحجر، تنحى الناس عنه حتى يستلمه، هيبةً له وإجلالاً، فأغاظ ذلك هشاماً وأوغر الموقف صدره.

فقال رجل من أهل الشام لهشام: من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة، وأفرجوا له الطريق عند الحجر؟

فقال هشام: لا أعرفه! لئلا يرغب فيه أهل الشام، فقال الفرزدق _ وكان حاضراً _: لكني أعرفه.

فقال الشامي: من هذا يا أبا فراس؟

فقال الفرزدق:

هَذا الذِي تَعرِفُ البَطحَاءُ وَطأتَهُ

وَالبَيتُ يَعرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحرَمُ

هَذا ابنُ خَيرِ عِبادِ الله كُلِّهِمُ

هذا التَّقِيُّ النَّقِيُّ الطَّاهِرُ العَلَمُ

هذا عَليٌّ رَسُولُ الله وَالِدُهُ

أمسَتْ بِنُورِ هُداهُ تهتَدِي الأمَمُ

إذا رَأتْهُ قُرَيشٌ قَالَ قَائِلُها:

إلى مَكَارِمِ هذا

يَنْتَهِي الكَرَمُ

يَنمي إلى ذُروَةِ العِزِّ التي قَصُرَتْ

عَن نَيلِها عَرَبُ الإسلامِ وَالعَجَمُ

يَكَادُ يُمسِكُهُ عِرفَانُ رَاحَتِهِ

رُكنَ الحطيمِ إذا مَا جَاءَ يَستَلِمُ

يُغضِي حَياءً وَيُغضَى مِنْ مَهَابَتِهِ

فَمَا يُكلَّمُ إلاَّ حِينَ يَبتَسِمُ

يَنْشَقُّ نُورُ الهدَى عَنْ نُورِ غُرَّتِهِ

كَالشَّمسِ تَنْجابُ عَن إشرَاقِها الظُّلَمُ

بِكَفِّهِ خَيزرانٌ رِيحُهُ عَبقٌ

مِنْ كَفِّ أروَعَ في عِرنِينِهِ شَمَمُ

مُشتَقَّةٌ من رَسُولِ الله نَبعَتُهُ

طَابَتْ عَنَاصِرُهُ وَالخِيمُ وَالشِّيَمُ

ما قال لا قط إلا في تشهده

لولا التشهد كانت لاؤه نعم

هذا ابنُ فَاطِمَةٍ إنْ كُنتَ جَاهِلَهُ

بِجَدِّهِ أنبِيَاءُ الله قَد خُتِمُوا

الله فَضَّلَهُ قِدمَاً وَشَرَّفَهُ

جَرَى بِذَاكَ لَهُ في لَوحِهِ القَلَمُ

مَنْ جَدُّه دَانَ فَضلُ الأنبِيَاءِ لَهُ

وَفَضلُ أمَّتِهِ دَانَتْ لَها الأمَمُ

عَمَّ البَرِيَّةَ بِالإحسَانِ فَانْقَشَعَتْ

عَنْها العمَايَةُ وَالإملاقُ وَالظلمُ

كِلتَا يَدَيهِ غِيَاثٌ عَمَّ نَفعُهُما

تَستَوكِفَانِ وَلا يَعرُوهُما عَدَمُ

سَهلُ الخَليقَةِ لا تُخشَى بَوادِرُهُ

تُزينُهُ خُصلَتَانِ: الخلقُ وَالكَرَمُ

لا يُخلِفُ الوَعدَ مَيمونٌ نَقِيبَتُهُ

رَحبُ الفنَاءِ أريبٌ حِينَ يَعتَزِمُ

مِن مَعشَرٍ حُبُّهُمْ دِينٌ وَبُغضُهُمُ

كُفرٌ وَقُربُهُمُ مَنْجَىً وَمُعتَصَمُ

يُستَدفَعُ السُّوءُ وَالبَلوَى بِحُبِّهِمُ

وَيُستَزَادُ بِهِ الإحسَانُ وَالنِّعَمُ

مُقدَّمٌ بَعدَ ذِكرِ الله ذِكرُهُمُ

في كُلِّ بَدءٍ وَمَختُومٌ بِهِ الكَلِمُ

إنْ عُدَّ أهلُ التُّقَى كَانَوا أئمَّتَهُمْ

أو قِيلَ: مَن خَيرُ أهل الأرض؟ قِيلَ: هُمُ

لا يَستَطيعُ جَوادٌ بعد غَايتِهِمْ

وَلا يُدانِيهِمُ قَومٌ وَإنْ كَرُمُوا

والقصيدة طويلة وما ذكرنا إلا مقتطفات منها، قال الراوي: فغضب هشام وأمر بحبس الفرزدق، فسجن بعسفان بين مكة والمدينة، فبلغ ذلك علي بن الحسين عليه السلام فبعث إليه باثني عشر ألف درهم، وقال عليه السلام: «أعذرنا يا أبا فراس! فلو كان عندنا أكثر من هذا لوصلناك به».

فردها وقال: يا بن رسول الله! ما قلت الذي قلت إلا غضباً لله ولرسوله، وما كنت لأطمع عليه شيئاً، فردها وقال عليه السلام: «بحقي عليك لما قبلتها، فلقد رأى الله مكانك وعلم نيتك».

وفي رواية، قال عليه السلام: «شكر الله لك، غير أنّا أهل بيت إذا أنفدنا أمراً لم نعد فيه»، فقبلها،

فجعل الفرزدق يهجو هشاماً وهو في سجنه، وكان فيما هجاه به قوله:

أ تَحبِسُني بَينَ المدِينَةِ وَالتي

إلَيها قُلُوبُ النَّاسِ تَهوي مُنيبُها

يُقلّبُ رَأساً لم يَكُنْ رَأسَ سَيِّدٍ

وَعيناً لهُ حَولاءَ بَانَ عُيوبُها

ولما حبس هشام بن عبد الملك الفرزدق أمر بمحو اسمه من الديوان وحبس عنه العطاء، وتوعّده بالقتل، شكا ذلك إلى علي بن الحسين عليه السلام فدعا له، فخلّصه الله ثم جاء إليه، وقال: يا بن رسول الله! إن هشام بن عبد الملك حذف اسمي من الديوان، فقال عليه السلام: «كم كان عطاؤك»؟ قال: كذا، فقدم له عطاءً لأربعين سنة، وقال له عليه السلام: «لو علمت أنك تحتاج إلى أكثر من هذا أعطيناك».

فمات الفرزدق بعد أن مضت أربعون سنة، وهذا من جملة كرامات الإمام زين العابدين عليه السلام، كما أن من جملة كراماته إنقاذ الفرزدق من كيد هشام مع كل ما بدر منه إليه من سوء الكلام(42).

وخلاصة القول وصفوة الكلام أن هذه قصة شاعر مع طاغية من طواغيت بني أمية، وجبار من جبابرتها، لا تواجهه الكثرة الكاثرة باعتراض أو تنديد، لأن الاعتراض عليه يكلفها ثمناً فادحاً عصيَّ الدفع، لكن لا بد من قلة طاهرة أبية وسط تلك الكثرة الضالة المغرر بها، وهذه القلة هي التي تمتلك قوة الدحض لحكم الجبابرة على صعيد القول والسلوك والثورة، لأن هذه القلة تحصنت بمبادئ الإسلام وقيمه النبيلة الرفيعة، بحيث لم تعد تبالي بسياط الطاغية وسيفه وسجنه.

إن إيمان الفرزدق الصلب جعله يكون واحداً من هذه القلة، فطرح الرعب خلف ظهره، ولم يخف إلا من الرب جل وعلا، فكان مصداقاً لقول أمير المؤمنين عليه السلام: «العبادة الخالصة أن لايرجو الرجل إلا ربه ولا يخاف إلا ذنبه»(43).

والفرزدق بما أقدم عليه

توخى الرفعة في السلوك، والإخلاص بالعمل، والصدق بالقول، بغض النظر عن ما قد يؤدي هذا الإقدام إليه من سجن وقطع رزق أو حتى قطع عنق.

الشهادة ببركة دعاء الإمام عليه السلام

قيل: إن الكميت(44) دخل يوماً على أبي جعفر الباقر عليه السلام، وهو يقول:

ذَهَبَ الذِينَ يُعاشُ في أكنَافِهِمْ

لم يَبقَ إلاَّ شَامِتٌ أو حَاسِدُ

فأنشده الكميت بداهة فقال:

وَبَقى علَى ظَهْرِ البَسيطَةِ وَاحِدٌ

فَهُوَ المرادُ وَأنتَ ذَاكَ الوَاحِدُ

وروي عنه أنه قال: رأيت أمير المؤمنين عليه السلام في المنام فقال: «أنشدني قصيدتك العينية»، فأنشدته حتى انتهيت إلى قولي:

وَيَومَ الدَّوحِ دَوحِ غَديرِ خُمٍّ

أبانَ لَهُ الوَصِيَّةَ لَو أُطِيعَا

وَلكِنَّ الرِّجَالَ تَبَايَعُوهَا

فَلَم أرَ مِثْلَها أمْراً شَنِيعَا

فقال له أمير المؤمنين عليه السلام في طيفه:

وَلم أرَ مِثلَ ذَاكَ اليَومِ يَومَاً

وَلم أرَ مِثْلَهُ حَقَّاً أُضِيعَا(45)

وذكر عن عقبة بن بشير الأسدي: أن كميتاً قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام فقال: «والله، يا كميت! لو كان عندنا مال لأعطيناك منه، ولكن لك ما قال رسول الله صلي الله عليه و اله لحسان: لن يزال معك روح القدس ما ذببت عنا»(46).

وعن يونس بن يعقوب قال: أنشد الكميت أبا عبد الله الصادق عليه السلام شعراً فقال:

أخلَصَ الله لي هَوَايَ فَما أُغرِ

قُ نَزعاً وَلا تَطِيشُ سِهَامِي

فردّ عليه الإمام الصادق عليه السلام: «لا تقل هكذا (فما أغرق نزعا)، ولكن قل: فقد أُغرق نزعاً ولا تطيش سهامي»، فقال الكميت: يا مولاي! أنت أشعر مني.

والمعنى: أخلص الله لي هواي أي جعل الله محبتي خالصة لكم فصار تأييده تعالى سبباً لأن لا أخطئ الهدف وأصيب كل ما أريده من مدحكم وإن لم أبالغ فيه، يقال: أغرق النازع في القوس إذا استوفى مدها، ثم استعير لكل من بالغ في شي ء، ويقال: طاش السهم عن الهدف أي عدل، وإنما

غير عليه السلام شعره لإيهامه بتقصير وعدم اعتناء في مدحهم أو لأن الإغراق في النزع لا دخل له في إصابة الهدف بل الأمر بالعكس مع أن فيما ذكره معنى لطيفاً كاملاً، وهو أن المداحين إذا بالغوا في مدح ممدوحيهم خرجوا عن الحق وكذبوا فيما يثبتون له، كما أن الرامي إذا أغرق نزعاً أخطأ الهدف، وإني كلما بالغت في مدحكم لا يعدل سهمي عن هدف الحق والصدق(47).

وعن عبد الله بن مروان الحراني قال: كان معنا رجل من عباد الله الصالحين، وكان راوية لشعر الكميت _ يعني الهاشميات _ بعد سماعها منه، وكان عالماً فتركه خمساً وعشرين سنة لا يستحل روايته وإنشاده، ثم عاد فيه، فقيل له: ألم تكن زهدت في شعره

وبادرت إلى تركه؟

فقال: نعم، ولكني رأيت رؤيا دعتني إلى العود فيه.

فقيل له: وما رأيت؟

قال: رأيت كأن القيامة قد قامت، وكأنما أنا في المحشر، فدفعت إليّ مجلة.

قلت للشيخ: وما المجلة؟

قال: الصحيفة.

قال: فنشرتها، فإذا فيها: (بسم الله الرحمن الرحيم، أسماء من يدخل الجنة من محبي علي بن أبي طالب عليه السلام).

قال: فنظرت في السطر الأول، فإذا أسماء قوم لم أعرفهم، ونظرت في السطر الثاني، فإذا هو كذلك، ونظرت في السطر الثالث والرابع، فإذا فيه: الكميت بن زيد الأسدي، قال: فذلك الذي دعاني إلى العود لرواية أشعاره(48).

وقال السيوطي في (شرح الشواهد) عند مروره إلى قوله:

طَرِبتُ وَما شَوقاً إلى البِيضِ أطرَبُ

وَلا لَعِباً مِني وَذُو الشَّيبِ يَلعَبُ

هذا مطلع قصيدة للكميت يمدح بها أهل البيت عليهم السلام ويليه:

وَلم تُلهِني دَارٌ وَلا رَسْمُ مَنْزِلٍ

وَلم يَتَطَرَّبْني بَنَانٌ مُخضَّبُ

وَلا أنا مِمَّنْ يَزجُرُ الطَّيرَ هَمُّهُ

أ صَاحَ غُرَابٌ أمْ تَعرَّضَ ثَعلَبُ

وَلا السَّانحاتُ البَارِحَاتُ عَشِيَّةً

أ مَرَّ سَليمُ القَرنِ أمْ مَرَّ أغضَبُ

وَلكِنْ إلى أهلِ الفَضَائِلِ

وَالنُّهى

وَخَيرِ بَني حَوَّاءَ وَالخَيرُ يُطلَبُ

إلى النَّفَرِ البِيضِ الذين بِحُبِّهِمْ

إلى الله فيمَا نَابَني أتَقَرَّبُ

بَني هَاشِمٍ رَهطِ النَّبِيِّ وَأهلِهِ

بهِم وَلهم أرضى مِراراً وَأغَضَبُ

ومنها:

فَمَا لِيَ إلاّ آلُ أحمَدَ شِيعَةٌ

وَمَا لي إلاّ مَذْهَبُ الحقِّ مَذْهَبُ

بِأيِّ كِتَابٍ أمْ بِأيَّةِ سُنَّةٍ

تَرَى حُبَّهُم عَاراًً عليَّ وَتَحسَبُ

وَجَدنَا لَكُم في آلِ حَامِيمَ آيَةً

تَأوَّلها مِنَّا نَقِيٌّ وَمُعرِبُ

عَلى أيِّ جُرمٍ أمْ بِأيَّةِ سِيرَةٍ

أُعنَّفُ في تَقرِيظِهِمْ وَأُكذَّبُ

ومنها:

أ لَمْ تَرَنِي مِن حُبِّ آلِ محمَّدٍ

أروحُ وَأغدُو خَائِفاً أتَرقَّبُ

فَطَائِفَةٌ قَد كَفَّرَتْني بِحُبِّهِمْ

وَطَائِفَةٌ قَالَتْ: مُسيءٌ وَمُذنِبُ(49)

وللكميت قصائد عديدة في مدح أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة، والدفاع عن عقيدة التشيع، ومنها قصيدته الميميّة، التي مطلعها:

مَنْ لِقَلبٍ مُتَيَّمٍ مُستَهَامِ

غَير مَا صَبوَةٍ وَلا أحلامِ

يقول صاعد _ غلام الكميت _: تشرفنا أنا والكميت بالوصول إلى خدمة أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام، فأنشد الكميت هذه القصيدة بحضرة الإمام الباقر عليه السلام، فقال الإمام عليه السلام: «اللهم! اغفر للكميت ثلاث مرات»، ثم قال عليه السلام: «يا كميت! هذه مائة ألف درهم من أهل بيتي جئت بها إليك صلةً»، فلم يقبلها الكميت، وقال: والله، ما أردت بها إلا التقرب إلى الله بحبكم، وإن كان كذلك فأنا أطلب قطعة من ثيابكم أتبرك بها، فناوله الإمام عليه السلام طلبه(50).

روى أبو الفرج الأصبهاني في كتابه (الأغاني) بإسناده إلى إبراهيم بن سعد السعدي، قال: سمعت أبي يقول: رأيت في منامي النبي صلي الله عليه و اله.

فقال صلي الله عليه و اله لي: «من أي الناس أنت»؟

قلت: يا رسول الله! من العرب.

قال صلي الله عليه و اله: «أعلم أنك من العرب، ولكن من أي العرب»؟

قلت: من بني أسد.

قال صلي الله عليه و اله: «من قبيلة بني خزيمة»؟

قلت: نعم.

قال صلي الله عليه و اله: «أ

هلالي أنت»؟

قلت: نعم.

قال صلي الله عليه و اله: «أتعرف كميتاً»؟

قلت: بلى يا رسول الله! إنه عمي ومن قبيلتي.

فقال صلي الله عليه و اله: «هل تذكر له شعراً»؟

قلت: نعم.

فقال صلي الله عليه و اله: «أنشدني».

فأنشدته: (طربت وما شوقاً) فما بلغت إلى قوله: فما لي إلا آل أحمد شيعة.

قال النبي صلي الله عليه و اله: «إذا أصبحت فأبلغ سلامي للكميت، وقل له: قد غفر الله لك بهذه القصيدة»(51).

عاش الكميت عيشة مرضية سعيدة في دنياه حتى أتيحت له الشهادة ببركة دعاء الإمام زين العابدين عليه السلام له، بها وبعين الله ما أريق من دمه بالكوفة في عهد مروان الأموي سنة (126ه_)(52).

والشيء الملفت للنظر أن رسول الله صلي الله عليه و اله والإمام السجاد، والإمام الباقر، والإمام الصادق عليهم السلام كانوا يدعون للكميت، لأن شعره لم يكن لنوال الدنيا وزخرفها، فكثيراً ما كان يرفض الصلات وهدايا الأئمة عليهم السلام، ويكتفي منهم بأشياء بسيطة أو قطع من ثيابهم للتبرك. وهذا دليل عظيم على صدق إخلاص الكميت وولائه المطلق لأهل البيت عليهم السلام دون أي رغبة في متاع الدنيا، عملاً منه بقول أمير المؤمنين عليه السلام: «من أخلص النية تن_زه عن الدنية»(53).

والله لقد شهدك الملائكة المقربون

كان جعفر بن عثمان الطائي، المكنى بأبي عبد الله من شعراء أهل البيت عليهم السلام من الطراز الأول.

عن زيد الشّحّام في حديث أنّ أبا عبد اللّه عليه السلام قال للطّائي: «بلغني أنّك تقول الشّعر في الحسين وتجيد».

قال: نعم، فأنشده فبكى ومن حوله حتّى سالت الدّموع على وجهه ولحيته.

ثمّ قال عليه السلام: «يا جعفر والله لقد شهدك ملائكة اللّه المقرّبون هاهنا يسمعون قولك في الحسين عليه السلام ولقد بكوا كما بكينا وأكثر ولقد أوجب اللّه لك

يا جعفر في ساعتك الجنّة بأسرها وغفر لك».

ثم قال عليه السلام: «أ لا أزيدك»؟

قال: نعم يا سيّدي.

فقال عليه السلام: «ما من أحد قال في الحسين عليه السلام شعراً، فبكى وأبكى به، إلا أوجب الله له الجنّة وغفر له»(54).

ومن أشعاره:

ألا يَا عَينُ فَابكِي ألفَ عَامٍ

وَزِيدِي إنْ قَدرتِ على المزِيدِ

إذا ذُكِرَ الحسَينُ فَلا تَمَلِّي

وَجُودِي الدَّهرَ بِالعَبَرَاتِ جُودِي

فقد بكت الحمائم من شجاها

بكت لأليفها الفرد الوحيد

بكين وما درين وأنت تدري

فكيف تهم عينك بالجمود

أ تنسى سبط أحمد حين يمسي

ويصبح بين أطباق الصعيد؟

إنه على دين الله

روي أن الإمام الصادق عليه السلام أوصى شيعته مرة فقال: «علّموا أولادكم شعر العبدي(55)، فإنه على دين الله»(56).

ومن شعره:

آلُ النَّبِيِّ مُحمَّدٍ

أهلُ الفَضَائِلِ وَالمنَاقِبْ

المرشِدُونَ مِنَ العَمَى

المنقِذُونَ مِنَ اللوازِبْ

الصَّادِقُونَ النَّاطِقُو

نَ السَّابِقُونَ إلى الرَّغَائِبْ

فَولاهُمُ فَرضٌ مِنَ الرَّ

حمنِ في القُرآنِ وَاجِبْ

وهم الصراط فمستقيم

فوقه ناج وناكب(57)

وله أيضاً:

وَقَالُوا: رَسُولُ الله ما اخْتَارَ بَعدَهُ

إماماً وَلكنَّا لأنفُسِنَا اخْتَرنا

أقَمْنَا إماماً إنْ أقَامَ علَى الهدَى

أطَعْنَا وَإنْ ضَلَّ الهِدَايَةَ قَوَّمْنَا

فَقُلْنا: إذنْ أنتُمْ إمَامُ إمَامِكُمْ

بِحَمدٍ مِنَ الرَّحمنِ تهتُمْ وَلا تهنَا

وَلكنَّنا اخْتَرنَا الذي اخْتَارَ رَبُّنَا

لَنَا يَومَ خُمٍّ مَا اعتَدَينَا ولا حُلْنَا

سَيَجمَعُنا يَومَ القِيَامَةِ رَبُّنَا

فَتُجزَونَ مَا قُلْتُمْ وَنُجزَى الذي قُلنَا

هَدَمتُمْ بِأيدِيكُم قَواعِدَ دِينِكُمْ

وَدِينٌ على غَيرِ القَوَاعدِ لا يُبنَى

وَ نحنُ عَلى نُورٍ مِنَ الله وَاضِحٍ

فَيا رَبّ زِدْنَا مِنكَ نُوراً وَثَبِّتْنَا(58)

ولو لم يكن (العبدي) مخلصاً في كل أقواله وأفعاله لما أوصى الإمام الصادق عليه السلام شيعته بتعلم شعره.

فإن أمير المؤمنين عليه السلام يقول: «من لم يصحب الإخلاص عمله لم يقبل»(59).

وإذا اطلعنا على شعر هذا الرجل المخلص، أدركنا سرّ وصية الإمام الصادق عليه السلام به، فإن شعره محبة خالصة وانتماء صادق لأهل البيت عليهم السلام، حتى كأن قضية أهل البيت عليهم السلام هي قضيته الأولى والأخيرة، فهو ينبري بوازع ذاتي وقناعة شخصية للذود

عنهم، في سلوكه، وفي لسانه، مثبتاً حقهم المضيَّع، آتياً بالحجج البينة والأدلة الساطعة على إمامة أهل البيت عليهم السلام، لا لأنه يطمح إلى نيل جائزة منهم، وإنما لأنه يرى فيهم أئمة هداة، من تمسك بحبلهم نجا ومن أفلته هلك.

أحفظنيها جدي رسول الله صلي الله عليه و اله

قيل: إن والدَي السيد الحميري(60) كانا إباضيين(61) من النواصب المعاندين، لذا أنكر عليهما السيد في بعض أشعاره، بل يستفاد من الأخبار أنهما سعيا به إلى سلطان وقته أيضاً، فنُجِّيَ من كيدهما بفضل دعوة مولانا الصادق عليه السلام.

وكان يسأل منه: إنك مع انتسابك إلى حمير، الذين هم من أنصار معاوية، وكونك من أهل الشام، كيف اعتنقت مذهب التشيع؟! فيخبرهم بقوله: صبت علي الرحمة صباً، كما صبت على مؤمن آل فرعون، وفي هذا يقول:

إني امرؤٌ حِمْيَرِيٌّ حِينَ تَنسبُنِي

جَدّي رعينٌ وأخْوالي ذَوُو يَزَنِ

ثُمَّ الوَلاءُ الذي أرجُو النَّجَاةَ بِهِ

يَومَ القِيَامَةِ لِلهَادِي أبِي الحَسَنِ

وقيل: بل هذا اللقب من أعلامه الابتدائية، لما نقل عن

الصادق عليه السلام أنه لما التقى به أكرمه، وقال: «سمتك أمك سيداً، ووفقت في ذلك، فأنت سيد الشعراء»!.

فقال السيد افتخاراً بهذا الكلام منه عليه السلام:

وَلَقَدْ عَجِبتُ لِقَائِلٍ لي مَرَّةً

عَلاَّمَةٍ فَهِمٍ مِنَ الفُهَمَاءِ

سَمَّاكَ قَومُك سَيِّداً صَدَقُوا بِهِ

أنتَ الموفَّقُ سَيِّدُ الشُّعَراءِ

ج

مَا أنتَ حِينَ تَخصُّ آلَ مُحمَّدٍ

بِالمدحِ مِنكَ وَشَاعرٌ بِسَواءِ

مُدِحَ الملوكُ ذوو الغِنى لِعَطَائِهِمْ

وَالمدحُ مِنكَ لهم لِغَيرِ عَطَاءِ

فَابشِرْ! فَإنكَ فَائِزٌ من حُبِّهِمْ

لَو قَد وَرَدتَ عَلَيهُمُ بِجَزاءِ

مَا يَعدِلُ الدُّنيا جَميعاً كُلّها

مِن حَوضِ أحمدَ شَربةٌ مِن مَاءِ(62)

ثم إنه صار إلى مذهب الكيسانية، القائل بإمامة محمد بن الحنفية، إلى أن شاء الرحمن هدايته للإيمان، وفي الحديث عن محمد بن النعمان أنه قال: دخلت عليه في مرضه بالكوفة، فرأيته وقد اسودّ وجهه وازرورقت عيناه وعطش كبده، فتوجهت إلى الإمام الصادق عليه السلام وهو يومئذ بالكوفة

راجعاً من عند الخليفة، فقلت له: جعلت فداك إني فارقت السيد إسماعيل بن محمد الحميري وهو على أسوأ حال.

فأمر بجواده وركب ومضينا معه حتى دخلنا عليه، وكان عنده جماعة من الناس ملتفون حوله ومحدقون به، فجلس الإمام الصادق عليه السلام عند رأسه، فقال: «يا سيد»! ففتح عينيه ينظر إليه وهو لا يطيق الكلام، فحرك الصادق عليه السلام شفتيه، ثم قال له: «يا سيد! قل بالحق، يكشف الله ما بك ويرحمك ويدخلك جنته التي وعد أوليائه»، فقال في ذلك:

تَجَعفَرْتُ بِاسمِ الله، وَالله أكبَرُ

وَأيقَنْتَ أنَّ الله يَعفُو وَيَغفِرُ

وَدِنتُ بِدينٍ غَيرِ مَا كُنتُ دَايناً

بِهِ، وَنهانِي سَيِّدُ النَّاسِ جَعفَرُ

فَقُلتُ: فَهَبني! قَد تهوَّدتُ بُرهَةً

وَإلاَّ فَدِيني دِينُ مَن يَتَنَصَّرُ

فَلستُ بِعادٍ مَا حَييتُ وَراجعٍ

إلى مَا علَيهِ كُنتُ أخفي وَأضمِرُ

وَلا قَائِلاً قَولاً لِكيسَانَ بَعدَهَا

وَإنْ عَابَ جُهَّالٌ مَعاباً وَأكثَرُوا

وَلكنَّهُ مِمَّا مَضَى لِسَبِيلِهِ

عَلى أحسَنِ الحالاتِ يَقضِي وَيُؤثِرِ(63)

وروى صاحب كتاب (بشارة المصطفى لشيعة المرتضى)(64) عن محمد بن جبلة، قال: اجتمع عندنا السيد إسماعيل بن محمد الحميري وجعفر بن عفان الطائي، فقال له السيد: ويحك! كيف تقول في آل محمد عليهم السلام:

مَا بَالُ بَيتِكُمُ يُخرَّبُ سَقفُهُ

وَثِيَابُكُمْ مِن أرذَلِ الأثوَابِ؟!

فقال جعفر بن عفان: لا أنكر ذلك، فقال له السيد: إذا لم تحسن المدح فاسكت! أيوصف آل محمد عليهم السلام بمثل هذا؟! ولكني أعذرك، هذا طبعك وعلمك وغاية معرفتك! وقد قلت ما أمحق عنهم عار مدحك:

أقسِمُ بِالله وَآلائِهِ

وَالمرءُ عَمَّا قَالَ مَسؤولُ

إنَّ عليَّ بْنَ أبِي طَالبٍ

علَى التُّقَى وَالبِرِّ مَجبُولُ

وَإنَّهُ ذَاكَ الإمَامُ الذي

لَهُ على الأمَّةِ تَفضيلُ

يَقُولُ بِالحقِّ وَيُفتي بهِ

وَليس تُلهِيهِ الأبَاطِيلُ

كَانَ إذا الحربُ مَرتْهَا القَنَا

وَأحجَمَتْ عَنْها البَهالِيلُ

يَمشي إلى القِرنِ وَفي كَفِّهِ

أبيَضُ مَاضي الحدِّ مَصقُولُ

مَشيَ العَفرن_ى بَينَ أشبالِهِ

أبرَزَهُ لِلقَنَصِ الغِيلُ

ذَاكَ الذي سَلَّمَ في لَيلَةٍ

عَلَيهِ مِيكَالٌ وَجِبريلُ

مِيكالُ في ألفٍ وَجِبريلُ في

ألفٍ وَيتلُوهُم سَرَافِيلُ

لَيلَةَ

بَدرٍ مَدَداً أنْزِلُوا

كَأنَّهُمْ طَيرٌ أبَابِيلُ

فَسلَّمُوا لما أتَوا حِذوَهُ

وَذَاكَ إعظَامٌ وَتَبجِيلُ

هكذا يقال فيهم يا جعفر! ومثل شعرك يقال لأهل الوهن والضعف، فقبل جعفر رأسه وقال: أنت والله الرأس يا أبا هاشم! ونحن الأذناب(65).

أقول: وجعفر المذكور من أكابر شعراء أهل البيت عليهم السلام، وقد نقلت عنه مراث فاخرة فيهم، وطلب الصادق عليه السلام منه إنشادها، ومع هذا كله فانظر ما يقول هو في حق هذا الرجل الجليل.

وفي (محاضرات) الراغب الأصفهاني، قال: قال السيد الحميري: رأيت رسول الله صلي الله عليه و اله في المنام كأنه في حديقة سبخة، فيها نخل طوال وبجنبها أرض كأنها كافورة ليس فيها أشجار، فقال صلي الله عليه و اله: «أتدري لمن هذه النخيل»؟! فقلت: لا! فقال: «لامرئ القيس، فاقلعها واغرسها في هذه»، ففعلت.

فلما أصبحت أتيت ابن سيرين، فقصصت رؤياي عليه، فقال: أتقول الشعر، قلت: لا!

فقال: أما إنك ستقول مثل شعر امرئ القيس، إلا أنك تقول في قوم أطهار، فما انصرفت إلا وأنا أقول الشعر. وأفضل أشعاره قصيدته المشهورة في التولي والتبري، ومديح أهل البيت عليهم السلام التي أولها قوله:

لأمِّ عَمروٍ بِاللوَى مَربَعٌ

طَامِسَةٌ أعلامُهُ بِلقَعُ

قَائِدُها العِجلُ وَفِرعَونُها

وَسَامريُّ الأمَّةِ المفظعُ

وَمخدع من دِينِهِ مَارِقٌ

أجدَعُ عَبدٌ لُكَعٌ أوكَعُ

وَرَايَةٌ قَائِدُها وَجهُهُ

كَأنَّهُ الشَّمسُ إذا تطلُعُ

وَالنَّاسُ يَومَ البعثِ رَايَاتُهُم

خَمسٌ فَمِنهُمْ هَالِكٌ أربَعُ(66)

أشار بذلك الشعر إلى الحديث النبوي الشريف، كما ورد في(أخبار الطالبيين): لما نزلت: *يومَ تَبْيضُّ وُجُوهٌ وَتَسوَدُّ وُجُوهٌ*(67).

قال النبي صلي الله عليه و اله: «تحشر أمتي على خمس رايات: راية مع عجل هذه الأمة، وراية مع فرعونها، وراية مع سامريها، وراية ذي الثدية، فأسألهم: ما فعلتم بالثقلين؟

فيقولون: الأكبر مزقنا، والأصغر عادينا.

فأقول: ردوا ظامئين مسودة وجوهكم، ثم ترد راية علي إمام المتقين عليه السلام، فأسألهم؟

فيقولون: الأكبر

اتبعنا، والأصغر وازرنا، حتى أهريقت دماؤنا.

فأقول: ردوا رواءً مبيضة وجوهكم»(68).

وهذه القصيدة إلى تمام نيف وخمسين بيتاً، وحسبها منقبةً، وكفاها مدحاً أنه لم يعهد لشعر من الشعراء المجيدين أو المخلصين نظم شعر يحمل حديثاً شريفاً في ثواب حفظه، والأمر بحفظه، كما عهد السيد الحميري حيث روي عن الرضا عليه السلام في حديث طويل أنه قال: «قد أحفظنيها جدي رسول الله صلي الله عليه و اله في المنام من كثرة ما كررها ورددها علي، بعدما قال لي: يا علي! احفظ هذه القصيدة ومر شيعتك بحفظها، فمن حفظها ضمنت له على الله الجنة»(69).

وقيل: إن السيد الحميري تعرض لحالة الإغماء عند احتضاره، فاسود وجهه في ذلك الإغماء، ثم أفاق وابيض وجهه بأحسن ما يكون. وقيل: إنهم ذكروا لما اسودَّ وجهه اغتمَّ المؤمنون الحاضرون عنده واشتد حزنهم، وفرح به الشامتون والأعداء، فتراءى له _ وهو في حالة الاحتضار_ أمير المؤمنين عليه السلام لأنه يحضر المؤمن والمنافق حين الاحتضار(70)، فلما نظر إلى وجه مولاه تضرع إليه، وقال: أ هكذا يفعل بأوليائكم يا أمير المؤمنين؟! كما سمعه الحاضرون، فتنوّر وجهه بذلك، وفتح عينيه، وأجرى هذه الأبيات على لسانه:

أحِبُّ الذي مَن مَاتَ مِنْ أهلِ ودِّهِ

تَلقّاهُ بِالبُشرَى لَدَى الموتِ يَضحَكُ

وَمَن مَاتَ يَهْوى غَيرَهُ مِن عَدُوِّهِ

فَلَيسَ لَهُ إلاَّ إلى النَّارِ مَسلَكُ

أبا حَسَنٍ! تَفدِيكَ نَفْسِي وَأسرَتي

وَمَالي وَمَا أصبَحتُ في الأرضِ أملِكُ

أبا حَسَنٍ! إنِّي بِفَضلِكَ عَارِفٌ

وَإنِّي بِحبلٍ مِن هَواكَ لَمُمْسِكُ

وَأنتَ وَصيُّ المصطفَى وَابنُ عَمِّهِ

وَإنَّا نُعادِي مُبغِضِيكَ وَنَترُكُ

مُوالِيكَ نَاجٍ مُؤمِنٌ بَيِّنُ الهدى

وَقَالِيكَ مَعرُوفُ الضَّلالَةِ مُشرِكُ

وَلاحٍ لَحانِي في عَليٍّ وَحِزبِهِ

فَقَلتُ: لحاكَ الله! إنَّكَ أعفَكُ!(71)

وروي: أنه لما بدت في وجهه نكتة سوداء وزادت حتى أطبقت وجهه، فلم يلبث إلا قليلاً حتى بدت من ذلك المكان لمعة بيضاء فأشرق وجهه

نوراً، فضحك السيد وقال:

كَذِبَ الزَّاعِمُونَ أنَّ عَلِيَّاً

لا يُنَجِّي مُحِبَّهُ مِن هِنَاتِ

قَد وَربِّي دَخلتُ جَنَّةَ عَدنٍ

وَعفَا لي الإلهُ عَن سَيِّئاتِي

فَابْشرُوا اليَومَ أولِيَاءَ عَلِيٍّ

وَتَوَّلَوا عَلِياً حَتى الممَاتِ

ثُمَّ مِن بَعدِهِ تَوَلَّوا بَنِيهِ

وَاحداً بَعدَ وَاحدٍ بِالصِّفَاتِ(72)

وفي الأخبار عن الإمام الصادق عليه السلام أنه ذكر عنده السيد الحميري بعد وفاته، فترحم عليه.

فقيل له: أنه كان يشرب النبيذ!

فقال عليه السلام ثانياً: «رحمه الله»!

ثم قال له رجل: إني رأيته يشرب النبيذ الرستاق!

قال عليه السلام: «تعني الخمر»؟ قلت: نعم،

قال عليه السلام: «رحمه الله، وما ذلك على الله أن يغفر لمحب علي عليه السلام شرب النبيذ»(73).

نقول لأنه تاب من ذلك قبل موته.

ويؤيد هذا المقال ما رواه الشيخ في (الأمالي) عن الباقر عليه السلام أنه قال: «ما ثبت الله حب علي بن أبي طالب في قلب أحد، فزلت له قدم إلا ثبتت له قدم أخرى»(74)،

وقولهم: «حب علي حسنة لا تضر معها سيئة، وبغض علي سيئة لا تنفع معها حسنة»(75).

والمراد أنه كالبحر فكما لا يتسخ ببعض النفايات كذلك لاتتسخ تلك الحسنة ببعض السيئات.

إن قصة السيد الحميري تُظهر لنا بشكل جلي مرونة الشاعر لا تعنته، وقناعته لا تزمته، وتظهر أيضا تساؤله وبحثه المستمر عن عقيدة يرضاها لنفسه، ولا يلقنها له أبواه تلقينا، فهو لم يقتنع بالمذهب الإباضي الذي كان والداه قد اعتنقاه، ولو كان شخصاً عادياً لتلقف برضا تام مذهب أبويه، لكنه أبى ذلك وواجههما حد القطيعة والعداء، ثم جرب الكيسانية، وهي الأخرى لم يكن فيها ما يسد به فراغ روحه، لذا نبذها سريعاً وبدأ يجرب المزيد والمزيد من القناعات، حتى ألقت سفينته الدائبة مرساتها عند شاطئ أهل البيت عليهم السلام، الذين هم الملاذ الأمثل والموئل الطيب والسد المنيع أمام

مخاطر التيارات العمياء، فأخلص لهم ونال بذلك سعادة الدنيا والآخرة، بعد أن امتلأت روحه الدؤوب بأنوار وجوههم النبوية.

أحمل خشبتي على كتفي

كانت لدعبل الخزاعي(76) مواقف بطولية في مدح ورثاء أهل البيت عليهم السلام وتحديه للسلطة العباسية آنذاك وهو القائل: (لي خمسون سنة أحمل خشبتي على كتفي أدور على من يصلبني عليها فما أجد من يفعل ذلك)(77)، عاش دعبل في غليان من الخوف والقلق حتى وافاه الأجل قتيلاً.

وهو شاعر ماهر ومادح لأهل البيت عليهم السلام، صاحب الأشعار الفاخرة الكثيرة، والآثار الباهرة المستنيرة، كان معروفاً بجودة الكلام، مع لطافة الطبع، وظرافة الصنع، وكثرة الملاطفة في أسلوب الفصاحة، والالتفات إلى دقائق أسرار المعاني والبيان.

وفي إحدى السنين وفد دعبل على أبي الحسن الرضا عليه السلام بخراسان، فلما دخل عليه قال: إني قلت قصيدة، وجعلت في نفسي أن لا أنشدها أحداً غيرك، فقال عليه السلام: (هاتها)، فأنشد قصيدته التي يقول فيها:

أ لَمْ تَر أنِّي مُذْ ثَلاثينَ حجَّةً

أرُوحُ وَأغْدو دَائِمَ الحسَرَاتِ

أرَى فَيْئَهُمْ في غَيرِهِمْ مُتَقَسِّماً

وَأيدِيهُمُ مِن فَيئِهِمْ صَفِرَاتِ

فلما فرغ من إنشاده قام أبو الحسن عليه السلام، ودخل منزله وبعث إليه بخرقة خز فيها ستمائة دينار، وقال للجارية: «قولي له: يقول لك مولاي: استعن بهذه على سفرك واعذرنا».

فقال لها دعبل: لا والله، ما هذا أردت، ولا له خرجت، ولكن قولي له: هب لي ثوباً من ثيابك، فردها عليه أبو الحسن عليه السلام وقال له: «خذها»، وبعث بجلباب من ثيابه، فخرج دعبل حتى ورد قم المقدسة، فنظروا إلى الجلباب فأعطوه فيها ألف دينار فأبى البيع، وقال: لا والله، ولا خرقة منها بألف دينار.

ثم خرج من قم المقدسة فاتبعته جماعة من الرجال وتألبوا عليه وأخذوا الجلباب، فرجع إلى قم وكلمهم فيما سرقوه منه، فقالوا:

ليس إليها سبيل، ولكن إن شئت فخذ ألف دينار.

فقال: نعم، وخرقة منها، فأعطوه ألف دينار وخرقة منها، وقيل: أنه دُفع إليه في ذلك الجلباب ثلاثون ألف درهم فلم يبعه، فقطعوا عليه الطريق فأخذوه منه، وقال لهم: إنه يراد لله عزوجل وهو محرم عليكم، فحلف أن لا يبيعه إلا أن يعطوه بعضه، فيكون في كفنه، فأعطوه كُمَّاً واحداً فكان في أكفانه، وكتب أيضاً قصيدته: مدارس آيات، على ثوب وأحرم فيه، وأمر بأن يكون في كفنه أيضاً(78).

وقال دعبل الخزاعي: دخلت على سيدي ومولاي علي بن موسى الرضا عليه السلام في مثل هذه الأيام _ يعني بذلك أيام المحرم _ فرأيته جالساً جلسة الحزين الكئيب، وأصحابه من حوله كذلك، فلما رآني مقبلاً، قال لي: «مرحباً بك يا دعبل! مرحباً بمادحنا ومحبنا، ومرحباً بناصرنا بيده ولسانه»، ثم إنه وسع لي في مجلسه، وأجلسني إلى جانبه.

ثم قال عليه السلام لي: «يا دعبل! أحب أن تنشدني شعراً، فإن هذه الأيام أيام حزن كانت على أهل البيت، وأيام سرور كانت على أعدائنا خصوصاً بني أمية، يا دعبل! من بكى وأبكى على مصابنا ولو واحداً كان أجره على الله تعالى، يا دعبل! من ذرفت عيناه على مصابنا، وبكى لما أصابنا من أعدائنا، حشره الله معنا في زمرتنا، يا دعبل! من بكى على مصاب جدي الحسين عليه السلام غفر الله له ذنوبه البتة». ثم إنه عليه السلام نهض وضرب ستراً بيننا وبين حرمه، وأجلس أهل بيته من وراء الستر، ليبكوا على مصاب جدهم الحسين عليه السلام، ثم التفت إلي وقال: «يا دعبل! ارثِ الحسين عليه السلام فأنت ناصرنا ومادحنا، ما دمت حياً فلا تقصر عن نصرنا ما استطعت»(79). قال دعبل: فاستعبرت وسالت عبرتي وأنشدت:

سَأبْكِيهِمُ مَا ذَرَّ في الأفقِ شَارِقٌ

وَنَادَى مُنادِي الخيرِ لِلصَّلَوَاتِ

وَمَا طَلَعَتْ شمسٌ وَحَانَ غُروبها

وَبِالليلِ أبكِيهِمْ وَبِالغَدَوَاتِ

دِيارُ رَسُولِ الله أصبَحْنَ بَلقَعَاً

وَآلُ زِيادٍ تَسكُنُ الحجُرَاتِ

وَآلُ زِيَادٍ في القُصُورِ مَصُونَةً

وَآلُ رَسُولِ الله في الفَلَوَاتِ

فَلَولا الذي أرجُوهُ في اليَومِ أو غَدٍ

تَقَطَّعُ نَفسي إثرَهُمْ حَسَرَاتِ

خُرُوجُ إمامٍ لا مَحَالَةَ خَارِجٌ

يَقُومُ علَى اسْمِ الله وَالبَرَكَاتِ

يُميِّزُ فينا كُلَّ حَقٍّ وَبَاطِلٍ

وَيجزِي على النَّعمَاءِ وَالنَّقَمَاتِ

فَيا نَفسُ! طِيبِي، ثم يَا نَفسُ فابشِرِي

فَغَيرُ بَعيدٍ كُلُّ مَا هُوَ آتِ

وَلا تجزَعِي منْ مُدَّةِ الجورِ إنَّني

أرَى قُوَّتِي قَد آذَنَتْ بِثَبَاتِ

فَيَا رَبّ عَجِّلْ ما أؤمِّلُ فِيهِمُ

لأشفِيَ نَفسِي من أسَىَ المحنَاتِ

فَإنْ قَرَّبَ الرَّحمنُ منْ تِلكَ مُدَّتِي

وَأخَّر من عُمرِي وَوَقْتِ وَفَاتِي

شُفيتُ وَلم أترُكْ لِنَفسِيَ غُصَّةً

وَرَوَّيتُ مِنْهُمْ منْصلِي وَقَنَاتِي(80)

أقول: إن هذه القصيدة هي التائية المشهورة التي تبلغ مائة وعشرين بيتاً رائقاً، وفيها من مناقب أهل بيت العصمة ومن مصائبهم عليهم السلام الجم الغفير، ومطلعها الذي بدأ بإنشاده للحضرة المقدسة الرضوية، قوله:

تَجَاوَبْنَ بِالإرنانِ وَالزَّفَرَاتِ

نَوائِحُ عُجمُ اللفْظِ وَالنَّطقَاتِ

يُخبِّرْنَ بِالأنْفَاسِ عَن سِرِّ أنفُسٍ

أسَارَى هَوىً مَاضٍ وَآخَرَ آتِ

وعن دعبل قال: جاءني خبر موت الرضا عليه السلام وأنا بقم، فقلت قصيدتي الرائية في مرثيته عليه السلام:

أرَى أميَّةَ مَعذُورِينَ إنْ قَتَلُوا

وَلا أرَى لِبَني العَبَّاسِ من عُذُرِ

أولادُ حَربٍ وَمَروَانٍ وَأسرَتُهُمْ

بَنُو مُعَيطٍ وُلاةُ الحِقْدِ وَالوَغَرِ

قَومٌ قَتَلْتُمْ على الإسلامِ أوَّلَهُمْ

حتى إذا اسْتَمكَنُوا جَازوا على الكفرِ

أربِعْ بِطُوسٍ عَلى قَبرِ الزَّكيِّ بِهِ

إنْ كُنتَ تَربَعُ من دِينٍ عَلى وَطَرِ

قَبرَانِ في طُوسَ خَيرُ النَّاسِ كُلِّهِمُ

وَقَبرُ شَرِّهِمُ، هذا مِنَ العِبَرِ

مَا يَنفَعُ الرِّجس من قُربِ الزَّكيِّ وما

عَلى الزَّكيِّ بِقُربِ الرِّجسِ من ضَرَرِ

هَيهَاتَ كُلُّ امرِئ رهنٌ بما كَسَبَتْ

لَهُ يَدَاهُ فَخُذْ ما شِئْتَ أو فَذَرِ(81)

وروى عن علي بن دعبل بن علي الخزاعي، قال: لما أن حضرت أبي الوفاة تغير لونه، وانعقد لسانه، واسود وجهه، فرأيته بعد ثلاث أيام فيما

يرى النائم وعليه ثياب بيض وقلنسوة بيضاء، فقلت له: يا أبة! ما فعل الله بك؟ فقال: يا بني! إن الذي رأيته من اسوداد وجهي، وانعقاد لساني، كان بسبب شربي الخمر في دار الدنيا، ولم أزل كذلك حتى لقيت رسول الله صلي الله عليه و اله وعليه ثياب بيض فقال صلي الله عليه و اله لي: «أنت دعبل»؟ قلت: نعم، يا رسول الله! قال صلي الله عليه و اله: «فأنشدني قولك في أولادي»، فأنشدته قولي:

لا أضْحَكَ الله سِنَّ الدَّهرِ إنْ ضَحِكَتْ

وَآلُ أحمدَ مَظلومُونَ قَد قُهِرُوا

مُشرَّدُونَ نُفُوا عَن عقْرِ دَارِهُمُ

كَأنَّهُمْ قَد جَنَوا مَا لَيسَ يُغتَفَرُ

فقال لي رسول الله صلي الله عليه و اله: «أحسنت»، وشفع لي، وألبسني ثيابه وهاهي، وأشار إلى ما كان يرتدي(82).

فهنيئاً له حسن عاقبت__ه، فإنه كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: «الإخلاص أشرف نهاية»(83).

قبلتُ هديتك

حكي أنّ المنصور الدوانيقي(84) تقدّم إلى الإمام موسى بن جعفر عليه السلام بالجلوس للتّهنئة في يوم النّيروز وقبض ما يحمل إليه، فقال عليه السلام: إنّي قد فتّشت الأخبار عن جدّي رسول اللّه صلي الله عليه و اله فلم أجد لهذا العيد خبراً وإنّه سنّة للفرس محاها الإسلام ومعاذ اللّه أن نحيي ما محاه الإسلام، فقال المنصور: إنّما نفعل هذا سياسة للجند فسألتك باللّه العظيم إلاّ جلست، فجلس ودخلت عليه الملوك والأمراء والأجناد يهنّئونه ويحملون إليه الهدايا والتّحف، وعلى رأسه خادم المنصور يحصي ما يحمل، فدخل في آخر النّاس رجل شيخ كبير السّنّ فقال: له يا ابن بنت رسول اللّه إنّني رجل صعلوك لا مال لي أتحفك ولكن أتحفك بثلاث أبيات قالها جدّي في جدّك الحسين بن عليّ عليه السلام:

عَجباً لِمَصقُولٍ عَلاكَ فِرِنْدُهُ

يَومَ الهِيَاجِ وَقد عَلاكَ غُبَارُ

وَلأسْهُمٍ نَفَذَتْكَ دُونَ حَرائِرٍ

يَدعُونَ جَدَّكَ

وَالدُّمُوعُ غِزَارُ

إلاَّ تَقَضْقَضَتِ السِّهَامُ وَعَاقَها

عَن جِسمِكَ الإجلالُ وَالإكبَارُ

قال عليه السلام: «قبلت هديّتك اجلس بارك اللّه فيك»، ورفع عليه السلام رأسه إلى الخادم وقال: «امض إلى الأمير وعرّفه بهذا المال وما يصنع به»، فمضى الخادم وعاد وهو يقول: يقول الأمير: كلّها هبة منّي له يفعل به ما أراد، فقال الإمام عليه السلام للشّيخ: «اقبض جميع هذا المال فهو هبة منّي لك»(85).

قال أمير المؤمنين عليه السلام: «من أخلص العمل لم يعدم الأموال»(86)، وإن حكاية هذا الرجل المسن تعكس بحق هذه المقولة. فإن هذا الرجل اعترف دون حرج أو تلعثم أنه لا يملك مالاً، ولكنه يمتلك ثلاثة أبيات قالها أبوه في السبط الشهيد عليه السلام، فأهداها إلى الإمام ولم يفكر بهبة أو صلة أو مال سيعطيه إياه الإمام، وإنما دفعه الوفاء والإخلاص المحض، واستحق بذلك رضا الله تعالى أولا، ورضا الإمام، وهكذا فإن كل من أخلص فإنه لايعدم المكافأة الجزيلة.

يا غلام سق إليه البغلة

عن أبي عثمان الجاحظ أنه قال: ما رأيت قط أوسع علماً من أبي نواس(87) ولا أحفظ منه مع قلة كتبه، ولقد فتشنا منزله بعد موته، فما وجدنا فيه إلا جزءاً مشتملاً على الغرائب ونحو ذلك ليس إلا(88).

ويروى أن الخصيب صاحب ديوان الخراج بمصر سأله عن نسبه؟، فقال له: أغناني أدبي عن نسبي.

روى صاحب كتاب (بشارة المصطفى لشيعة المرتضى)، عن ياسر الخادم، قال: لما جعل المأمون علي بن موسى الرضا عليه السلام ولي عهده، وسُكّتِ الدنانير والدراهم باسمه، وخطب على المنابر، قصده الشعراء من جميع الآفاق، فكان أبو نواس الحسن بن هاني من جملتهم، فمدحه كل شاعر بما عنده إلا أبو نواس، فإنه لم يقل فيه شيئاً ولم يقدم أشعاره، فعاتبه المأمون وقال له: يا أبا نواس! أنت

مع تشيعك وميلك إلى أهل هذا البيت، تركت مدح علي بن موسى الرضا عليه السلام، مع اجتماع خصال الخير فيه، فأنشأ يقول:

قِيلَ لي: أنْتَ أشعَرُ النَّاسِ طُرَّاً

إذْ تَفَوَّهْتَ بِالكَلامِ البَدِيهِ

لَكَ مِن جَيِّدِ القَرِيضِ مَديحٌ

يُثمِرُ الدُّرَّ في يَدَي مُجتَنِيهِ

فَعلى ما تَرَكتَ مَدحَ ابنِ مُوسَى

وَالخِصَالَ التي تَجمَّعْنَ فيهِ

قُلتُ: لا أستَطيعُ مَدحَ إمَامٍ

كَانَ جِبريلُ خَادِمَاً لأبِيهِ

قَصُرَتْ ألسُنُ الفَصَاحَةِ عَنهُ

وَلهذا القَرِيضُ لا يَحتَويهِ

قال: فدعا بحقة لؤلؤ فملأ فاه لؤلؤاً(89).

ونقل الشيخ الصدوق رحمة الله عليه بإسناده المعتبر عن محمد بن يحيى الفارسي أنه قال: نظر أبو نواس إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام ذات يوم، وقد خرج من عند المأمون على بغلة له، فدنا منه أبو نواس في الدهليز، فسلم عليه، وقال: يابن رسول الله ! قد قلت فيكم أبياتاً وأود أن تسمعها، قال عليه السلام: هات، فأنشأ يقول:

مُطهَّرُونَ نَقِيَّاتٌ ثِيَابُهُمُ

تَجرِي الصَّلاةُ عَلَيهِمْ أينَما ذُكِرُوا

مَن لم يَكُنْ عَلَويَّاً حينَ تَنسبُهُ

فَمَا لَهُ من قَديمِ الدَّهرِ مُفتَخَرُ

وَالله لما بَرَا خَلقَاً فَأتْقَنَهُ

صَفَّاكُمُ وَاصطَفَاكُم أيُّها البَشَرُ

فَأنتُمُ الملأ الأعلَى وَعِندَكُمُ

عِلمُ الكِتَابِ وَما جَاءتْ بِهِ السُّوَرُ

فقال الرضا عليه السلام: «يا حسن بن هاني! قد جئتنا بأبيات ما سبقك أحد إليها، فأحسن الله جزاك»، ثم قال عليه السلام: «يا غلام! هل معك من نفقتنا شيء؟» فقال: ثلاثمائة دينار، فقال عليه السلام: «أعطها إياه»، ثم قال: «لعله استقلها يا غلام! سق إليه البغلة»(90).

ونقل المجلسي رحمة الله عليه في البحار أيضاً بالإسناد المتصل عن أبي العباس المبرد، قال: خرج أبو نواس ذات يوم من داره، فبصر براكب قد حاذاه فسأل عنه ولم ير وجهه، فقيل: إنه علي بن موسى الرضا عليه السلام، فأنشأ يقول:

إذا أبصَرَتْكَ العَينُ مِن بَعدِ غَايَةٍ

وَعارَضَ فيكَ الشَّكُّ أثْبَتَكَ القَلبُ

وَلَو أنَّ قَوماً أمَّمُوكَ لَقَادَهُم

نَسيمُكَ حتى يَستَدِلَّ

بِكَ الرَّكْبُ(91)

وفي كل ما ذكر من الروايات أيضاً من الدلالة على حسن حال الرجل، وخيرية مآله، وإمامية مذهبه، ما لا يمكن إخفاؤه.

وظاهراً أن أصحاب المعرفة والعقل والعلم لا يموتون إلا وهم راجعون إلى هذا الأمر.

دراهم الإمام الرضا عليه السلام

روي أن هارون المهلبي قال: لما بايع الناس الإمام الرضا عليه السلام بولاية العهد في دولة المأمون العباسي، جاء إبراهيم الصولي(92) ودعبل بن علي الخزاعي، فأنشدا أشعارهما بحضرة الإمام الرضا عليه السلام، فأنشد دعبل ضمن قصيدة طويلة:

مَدارِسُ آياتٍ خَلَتْ مِن تِلاوَةٍ

وَمَنزِلُ وَحيٍ مُقفِرِ العَرَصَاتِ

فيما أنشد إبراهيم بن عباس الصولي:

أزالَ عَنَاءَ القَلبِ بَعدَ التَّجَلُّدِ

مَصَارِعُ أولادِ النَّبِيِّ مُحمَّدِ

فأعطاهما الإمام الرضا عليه السلام عشرين ألف درهم من الدراهم التي أمر المأمون أن يضرب اسم الإمام الرضا عليه السلام عليها.

قال الراوي: أما دعبل الخزاعي فقد أخذ سهمه من الدراهم وهو عشرة آلاف وقرر السفر إلى قم المقدسة، وفي قم بادل كل درهم بعشرة دراهم، فأصبح مجموع ما عنده مائة ألف درهم.

وأما إبراهيم بن عباس فقد احتفظ بالمبلغ إلا بعضاً منه أهداه لبعض معارفه، أو أعطاه لبعض أفراد عائلته، إلى أن حانت وفاته فكانت مصارف كفنه ودفنه من تلك الدراهم(93).

عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: «إن أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول: طوبى لمن أخلص لله العبادة والدعاء، ولم يشغل قلبه بما ترى عيناه، ولم ينس ذكر الله بما تسمع أذناه، ولم يحزن صدره بما أعطي غيره»(94).

أما سمعت أبيات ابن صيفي

حكي عن الشيخ نصر الله بن مجلي وكان من ثقات أبناء العامة كما قالوا عنه، أنه قال: رأيت في المنام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فقلت له: يا أمير المؤمنين! تفتحون مكة، فتقولون: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن»، ثم يجري على ولدك الحسين عليه السلام يوم الطف ما جرى؟.

فقال عليه السلام لي: «أما سمعت أبيات ابن صيفي(95) في هذا»؟ فقلت: لا، فقال عليه السلام: «اسمعها منه».

ثم استيقظت فبادرت إلى دار حيص بيص، فخرج إليّ، فذكرت له الرؤيا،

فاختنق بعبرته وأجهش بالبكاء، وحلف بالله إن كانت قد خرجت من فمي أو خطي إلى أحد، ولم أنظمها إلا في هذه الليلة، ثم أنشدني:

مَلَكْنَا فَكَانَ العَفْوُ مِنَّا سَجِيَّةً

فَلمَّا مَلَكْتُمْ سَالَ بِالدَّمِ أبطُحُ

وَحَلَّلْتُمُ قَتْلَ الأسَارَى وَطَالَمَا

غَدَونا على الأسرَى نَعِفُّ وَنَصفَحُ

فَحسبُكُمُ هذا التَّفَاوُتُ بَينَنَا

وَكُلُّ إناءٍ بِالَّذِي فيهِ يَنضَحُ(96)

وفي هذا نرى كيف استنار قلب حيص بيص فنظم هذه الأبيات التي تزيل شبهة مهمة، لأنه كان مخلصاً في دينه وفي محبته للرسول الكريم صلي الله عليه و اله وآل بيته الأطهار عليهم السلام، يقول أمير المؤمنين عليه السلام: «عند تحقق الإخلاص تستنير القلوب»(97).

ولحيص بيص في مدح الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:

قَومٌ إذا أخَذَ المدِيحُ قَصَائِدَاً

أخَذُوهُ عَنْ طَهَ وَعَنْ يَاسِينِ

َإذا انْطَوَى أرَقُ الأضَالِعِ وَفَّرُوا

مَيسُورَ زَادِهُمُ علَى المسكِينِ

َإذا عصَى أمْرَ الموَالي خَادِمٌ

نَفَذَتْ أوَامِرُهُمْ عَلَى جِبرِينِ

وَ إذا تَفَاخَرَتِ الرِّجَالُ بِسيِّدٍ

فَخَرُوا بِأنزَعَ في العُلُومِ بَطينِ

مُلقَىً عَمُودُ الشِّركِ بَعدَ قِيَامِهِ

وَمُبِينُ دِينِ الله بَعدَ كُمُونِ

وَالمستَغَاثُ إذا تَصَافَحَتِ القنَا

وَغَدَتْ صُفونُ الخَيلِ غَيرَ صُفونِ

مَا أشكَلَتْ يَومَ الجِدَالِ قَضيَّةٌ

إلاَّ وَبَدَّلَ شَكَّهَا بِيَقِينِ

مُستَودَعُ السِّرِّ الخفِيِّ وَمَوضِعُ ال_

_خلُقِ الجلِيِّ وَفِتنَةُ المفتُونِ(98)

ومن قصة حيص بيص نتلمس الفرق بين عقيدتين وسلوكين، سلوك القائد الذي يحمل المثل الإلهية العليا بين جنبيه، وسلوك السلطان الجائر الذي أعمته أبهة السلطان فلم ينظر إلى أبعد من أنفه، فالمؤمن الأخروي يصفح عن ألد أعدائه وهو متمكن منهم، ويحقن دماءهم، بل ولا يخوفهم ولا يرعبهم، بينما الأعداء إذا تمكنوا لم يرحموا شيخا ولا امرأة ولا طفلاً، فنراهم يستبيحون الحرمات ويسفكون الدماء.

وليس غريباً أو عجيباً بعد هذا أن يقابل الأمويون عفو رسول الله صلي الله عليه و اله وصفحه عنهم يوم فتح مكة، بقتل أبنائه وسبي نسائه يوم الطف.

من لا يحبه فليس بمؤمن

ينقل صاحب كتاب (الأنوار المضيئة)(99) وغيره: أنه كان

في زمان الشاعر الموالي (ابن الحجاج أبي عبد الله البغدادي)(100) رجلان صالحان لكنهما يزدريان بشعره ويهجوانه كثيراً، وهما: محمد بن قارون السيبي، وعلي بن الزرزور السورائي، فرأى الأخير منهما رؤية في المنام، كأنه أتى إلى روضة الإمام الحسين عليه السلام وكانت فاطمة الزهراء عليها السلام حاضرة هناك، مسندة ظهرها على ركن الباب الكائن على جهة اليسار بالنسبة للداخلين، وباقي الأئمة حتى مولانا الصادق عليهم السلام جلوس أيضاً في مقابلها في الزاوية التي بني فيها ضريحا الحسين وولده علي الأكبر الشهيد عليهما السلام متحدثين بما لا يفهم.

ومحمد بن قارون المقدم قائم بين أيديهم، قال السورائي: وكنت أنا أيضاً غير بعيد عنهم، فرأيت ابن الحجاج ماراً في الحضرة المقدسة، فقلت لمحمد بن قارون: ألا تنظر إلى الرجل كيف يمر في الحضرة؟

فقال: وأنا لا أحبه حتى أنظر إليه.

قال: سمعت الزهراء عليها السلام بذلك، فقالت له مثل المغضبة: «أما تحب أبا عبد الله؟ أحبوه فإنه من لا يحبه ليس من شيعتنا»، ثم ارتفع الحديث من بين الأئمة عليهم السلام: «بأن من لا يحب أبا عبد الله فليس بمؤمن»(101). وكان ذلك لإخلاصه لأهل البيت عليهم السلام.

وهذا مصداق لقول أمير المؤمنين عليه السلام: «بالإخلاص يتفاضل العمال»(102).

وقد روي: أن السلطان مسعود بن بويه الديلمي(103) لما بنى سور مشهد النجف الأشرف، وفرغ من تعمير القبة الزاكية وتم الطلاء بالإسمنت خارجها وداخلها، دخل الحضرة الشريفة وقبّل القبة المباركة، وجلس على أحسن الأدب، فوقف أبو عبد الله المذكور بين يديه، وأنشد قصيدته التي كان مطلعها:

يا صاحب القبة البيضاء في النجف

على باب الحضرة.

فلما وصل إلى بعض المقاطع أغلظ له السيد المرتضى علم الهدى، ونهاه من إنشاد ذلك في حضرة الإمام عليه السلام، فانقطع عن الإيراد،

فلما جن عليه الليل رأى الإمام عليه السلام في المنام، وهو يقول: «لا ينكسر خاطرك، فقد بعثنا المرتضى علم الهدى، يعتذر إليك ولا تخرج إليه، فقد أمرناه أن يأتي دارك فيدخل عليك».

ثم رأى السيد المرتضى في تلك الليلة أن النبي صلي الله عليه و اله والأئمة الكرام عليهم السلام جالسين حوله، فوقف بين أيديهم فسلم عليهم فلم يقبلوا عليه، فعظم ذلك عنده، فقال: يا موالي! أنا عبدكم وولدكم ومولاكم، فبما استحققت هذا منكم؟ فقالوا عليهم السلام: «بما كسرت خاطر شاعرنا أبي عبد الله بن الحجاج! فتمضي إلى من_زله وتعتذر إليه، وتمضي به إلى ابن بويه وتعرفه عنايتنا به».

فنهض السيد المرتضى رحمة الله عليه من ساعته ومضى إليه، فقرع عليه باب حجرته، فقال أبو عبد الله: يا سيدي! الذي بعثك إليّ أمرني أن لا أخرج إليك، وقال: كذا، فقال: نعم، سمعاً وطاعةً لهم، ودخل عليه معتذراً، ومضى به إلى السلطان وقص القصة عليه كما رأياه، فأكرمه وأنعم عليه، وأمره بإنشاد القصيدة في تلك الحال، فقال:

يا صَاحِبَ القُبَّةِ البَيضَاءِ في النَّجَفِ

مَنْ زَارَ قَبركَ وَاستَشفَى لَدَيكَ شُفي

زُورُوا أبا الحسَنِ الهادِي لَعلَّكُمُ

تَحظَونَ بِالأجرِ وَالإقبَالِ وَالزُّلَفِ

زُورُوا لمنْ تُسمَعُ النَّجوى لَدَيهِ فَمَن

يَزُرهُ بِالقَبرِ مَلهوفاً لَدَيهِ كُفِي

إذَا وَصَلتَ فَأحرِمْ قَبلَ تَدخُلَهُ

مُلبِيَّاً وَاسْعَ سَعياً حَولَهُ وَطُفِ

حَتى إذا طُفْتَ سَبعاً حَولَ قُبَّتِهِ

تَأمَّلِ البَابَ تَلقَى وَجهَهُ فَقِفِ

وَقُلْ: سَلامٌ مِنَ الله السَّلامِ علَى

أهلِ السَّلامِ وَأهلِ العلمِ وَالشَّرَفِ

إنِّي أتَيتُكَ يَا مولاي! مِن بَلَدِي

مُستَمسِكاً من حِبالِ الحقِّ بِالطَّرَفِ

لأنكَ العُروَةُ الوُثقَى فَمَنْ عَلقَتْ

بِها يَدَاهُ فَلَن يَشقَى وَلم يَخَفِ

وَإنَّ أسماءكَ الحسنى إذا تُلِيَتْ

على مَرِيضٍ شُفي من سُقمِهِ الدَّنِفِ

لأنَّ شَأنكَ شَأنٌ غَيرُ مُنتَقَصٍ

وَأنَّ نُورَكَ نُورٌ غَيرُ مُنكَسِفِ

وَأنَّكَ الآيةُ الكُبرَى التي ظَهَرَتْ

لِلعارِفينَ بِأنواعٍ مِنَ الطُّرَفِ

هذِي مَلائِكَةُ الرَّحمنِ دَائِمَةً

يَهبِطْنَ نحوَكَ بِالألطَافِ وَالتُّحَفِ

كَالسَّطلِ وَالجامِ وَالمندِيلِ جَاءَ بِهِ

جِبريلُ لا أحَدٌ فيهِ بِمُختَلِفِ

كَانَ النَّبِيُّ إذا اسْتَكفَاكَ مُعضِلَةً

مِنَ الأمورِ وَقَد أعيَتْ لَدَيهِ كُفِي

وَقِصَّةُ الطَّائِرِ المشوِيِّ عَنْ أنَسٍ

تُنبي بِمَا نَصَّهُ المختَارُ مِن شَرَفِ

وَالحبُّ وَالقَضبُ وَالزَّيتُونُ حين أتَوا

تَكرُّماً من إلهِ العَرشِ ذِي اللطَفِ

وَالخيلُ رَاكعةٌ في النقْعِ سَاجِدَةٌ

وَالمشرِفياتُ قَد ضَجَّتْ على الجحفِ

بَعثْتَ أغصَانَ بَانٍ في جُمُوعِهِمُ

فَأصبَحوا كَرَمادٍ غَيرِ مُنتسفِ

لَو شِئتَ مَسخَهُمُ في دُورِهِم مُسِخُوا

أو شِئتَ قُلتَ لهم: يا أرضُ انخسِفي

وَالموتُ طَوعُكَ وَالأرواحُ تَملِكُها

وَقد حَكَمْتَ فَلم تَظلِمْ وَلم تجفِ(104)

وافاه الأجل في يوم الثلاثاء السابع والعشرين من جمادي الآخرة، سنة (391ه_) في مصر، وحمل إلى بغداد، ودفن عند مرقد الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام. وأوصى بأن يكتب على لوح قبره *وَكَلبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيهِ بِالوَصِيْدِ*(105).

وهذا كله يدل على شدة إخلاصه.

مبعوث فاطمة الزهراء عليها السلام

ناظر الشاعر الناشئ الصغير(106) يوماً علي بن عيسى الرماني(107) في مسألة، فانقطع الرماني، فقال: أعاود النظر، وربما كان في أصحابي من هو أعلم مني بهذه المسألة، فإن ثبت الحق معك وافقتك عليه.

وناظر أيضاً رجلاً أشعرياً فصفعه، فقال: ما هذا يا أبا الحسين؟ فقال: هذا ما فعله الله بك فلم تغضب مني؟، فقال: ما فعله غيرك وهذا دليل سوء الأدب وخارج عن المناظرة، فقال: ناقضتني ونفرت مني إذ أقمت على مذهبك فهو من فعل الله، وإن انتقلت عن مذهبك فخذ مني الاعتذار والعوض، فانقطع المجلس بالضحك وصارت نادرة.

وقال الناشئ: كنت بالكوفة سنة (325ه_) وأنا أقرأ شعري في المسجد الجامع، والناس يكتبونه عني، وكان المتنبي(108) إذ ذاك يحضر معهم، وهو بعدُ لم يعرف ولم يلقب بالمتنبي، فأمليت القصيدة التي أولها:

بِآلِ مُحمَّدٍ عُرِفَ الصَّوابُ

وَفي أبيَاتِهِمْ نَزَلَ الكِتَابُ

وقلت منها:

كَأنَّ سِنَانَ ذَابِلِهِ ضَميرٌ

فَلَيسَ عَنِ القُلُوبِ لَهُ ذَهَابُ

وَصَارِمُهُ كَبَيعَتِهِ بِخُمٍّ

مَقاصِدُها مِنَ الخَلْقِ الرِّقَابُ(109)

فلمحته يكتب هذين البيتين

مني، ومنهما اقتبس ما أنشدتموني الآن له من قوله:

كَأنَّ الهامَ في الهيجَا عُيُونٌ

وَقَد طُبِعَتْ سُيُوفُكَ مِن رُقَادِ

وَقَد صُغتَ الأسِنَّةَ مِن هُمُومٍ

فَما يَخْطُرنَ إلاَّ في الفُؤادِ

وفي مبيت علي عليه السلام على فراش النبي صلي الله عليه و اله حين خرج إلى الغار طلباً للهجرة إلى المدينة، يقول الناشئ:

وَقَى النَّبِيَّ بِنَفسٍ كَانَ يَبذلُها

دُونَ النَّبِيِّ قَريرَ العَينِ مُحتَسِبَا

حَتَّى إذا مَا أتاهُ القَومُ عَاجَلَهُمْ

بِقَلبِ لَيثٍ يَعافُ الرُّعبَ مَاوَجَبا

فَسَاءلُوهُ عَنِ الهادِي فَشَاجَرَهُمْ

فَخَوَّفُوهُ فَلمَّا خَافَهُمْ وَثَبَا(110)

وأنشد الناشئ في حمل النبي صلي الله عليه و اله علياً عليه السلام على كتفيه لتكسير الأصنام عن البيت الحرام، قال:

وَكَسَّرَ أصنَاماً لَدَى فَتحِ مَكَّةٍ

فَأورَثَ حِقْداً كُلَّ مَن عَبَدَ الوَثَنْ

فَأبدَتْ لَهُ عَلْيَا قُرَيشٍ عَدَاوَةً

فَأصبَحَ بعدَ المصطَفَى الطُّهرِ في محَنْ

يُعادُونَهُ أنْ أخفَتَ الكُفْرَ سَيفُهُ

وَأضحَى بِهِ الدِّينُ الحنِيفِيُّ قَد علنْ(111)

كتب ياقوت الحموي(112) في (معجم الأدباء) أنه روى الخالع قال: كنت أنا وأبي في سنة (346ه_) في مجلس المحدث الكبوذي المنعقد في المسجد الواقع بين سوق بيع الكتب والصاغة، وكان المجلس مزدحماً بالناس، فوقع بصري على رجل وصل تواً وهو يرتدي قباءً، وفي إحدى يديه قربة ماء وشيء من الطعام، وفي اليد الأخرى يمسك بعصا، وهذا الرجل لم ينفض بعد تراب الطريق عن قبائه، فرأيته سلم على الحاضرين بصوت عال، وقال: أنا مبعوث فاطمة الزهراء عليها السلام إليكم، فرحبوا به واستقبلوه، وتقدموا به ورفعوه بيده إلى صدر المجلس، فلما استقر به الجلوس، قال: هل لكم أن تدلوني على أحمد المزوّق الخطيب الواعظ؟ قالوا: نعم، ها هو الجالس هنا. فقال الرجل:رأيت في منامي السيدة الزهراء عليها السلام وهي تقول لي: عرج إلى بغداد، واسأل عن أحمد المزوّق وقل له: انشد أشعار الناشئ في تعزية ولدي، التي يقول فيها:

بَني

أحمَدٍ قَلبِي بِكُمْ يَتَقَطَّعُ

بِمثلِ مُصابِي فِيكُمُ لَيسَ يُسمَعُ

وما أن سمع الناشئ _ الذي كان حاضراً في ذلك المجلس _ هذا الكلام، حتى أخذ يلطم وجهه، وتوجه إلى أحمد المزوّق وضج المجلس، وأخذ الناس يرددونها إلى الظهر، وهذه القصيدة أكثر من عشرة أبيات، وبعد انتهاء المجلس، أصر الحاضرون على قبول ذلك المسافر هديتهم فلم يقبل(113). ومن الأبيات:

فما بقعة في الأرض شرقاً ومغربا

وليس لكم فيها قتيل ومصرع

ظلمتم وقتلتم وقسم فيئكم

وضاقت بكم أرض فلم يحم موضع

جسوم على البوغاء ترمي وأرؤس

على أرؤس اللدن الذوابل ترفع

توارون لم تأو فراشاً جنوبكم

ويسلمني طيب الهجوع فأهجع

عجب لكم تفنون قتلا بسيفكم

ويسطو عليكم من لكم كان يخضع

كأن رسول الله أوصى بقتلكم

وأجسامكم في كل أرض توزع

قال أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام: «العمل كله هباء إلا ما أخلص فيه»(114).

مطلعها يناسب سجع الختم

كان بابا فغاني الشيرازي من مشاهير الشعراء المعروفين في القرنين التاسع والعاشر الهجريين، وكان في بادئ أمره رجلاً يلهو بالخمور والفجور، منغمساً في الملذات إلى أن شملته العناية الإلهية، فأخذ يجالس الأخيار والصالحين، واختار مجاورة شمس الشموس إمام طوس السلطان علي بن موسى الرضا عليه السلام.

وفي أحد الأيام كان سدنة الروضة الرضوية المطهرة يفكرون في صنع ختم يحمل سجعاً، لاستعماله في الشؤون الضرورية، إلى أن رأى أحد المتدينين المتولين لخدمة الروضة المطهرة للإمام الرضا عليه السلام في المنام أنه تشرف بخدمة الإمام عليه السلام، وهو يقول له: «إذا أصبح الصبح إذهب إلى خارج المدينة فترى رجلاً حافي الرأس والقدمين يأتي راجلاً، وكان قد قال قصيدة في مدحنا، ومطلعها يناسب سجع الختم».

وامتثالاً لأمر الإمام عليه السلام فقد خرج سدنة الحضرة المطهرة صباحاً إلى خارج المدينة لاستقبال الرجل الذي أشار له الإمام عليه السلام، فرأوا بابا فغاني وعرفوه، وجيء

به إلى المدينة باستقبال حار منقطع النظير، وأخذوا مطلع قصيدته سجعاً للختم المبارك وهو قوله: (ما ترجمته)

الخط الذي جزء منه كرامة للأفلاك التسعة

هو علامة خاتم سلطان الدين أبي الحسن(115)

ليس هناك ما يثير الدهشة والاستغراب في هذه الحكاية، فليس من الضرورة أن يظل متعاطي الفجور فاجراً طوال حياته، ولا من يدعي الطهر طاهراً طوال حياته، فالكثير ممن كانوا منغمسين في مستنقع الفجور والرذيلة أدركتهم رحمة الله وصفحه فتبرؤوا من ماضيهم الموبوء ونالوا درجة الاستقامة والإخلاص والتوبة النصوح، وهناك من كان طاهر الثوب عفيف الذيل فانقلب على عقبيه ليصبح فاسدا مفسداً لا تناله رحمة الله، وكما أن التطور نحو الأفضل ممكن فإن الانحدار نحو الأسوأ ممكن أيضاً، وكما أن التحول من مباءة الشر إلى مملكة الخير محتمل فإن التحول من مملكة الخير إلى مباءة الشر محتمل أيضاً. ويبقى المحك في التوبة النصوح وفي الإخلاص، فمن نالها فقد فاز، ومن تجاهلها وابتعد عنها فقد خسر، وقد لخَّص كل ما تقدم مولانا أبو الحسن علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: «إن تخلص تفز»(116).

خلعة على قبر الرسول صلي الله عليه و اله

كان السيد حسن الغزنوي من مشاهير الشعراء، وقد سافر في وقت من الأوقات إلى الحجاز، وتشرف بزيارة مرقد صاحب الرسالة النبي الأكرم صلي الله عليه و اله، فأنشد قصيدة غراء، وصاح بصوت عال قريباً من القبر المطهر لصاحب الرسالة صلي الله عليه و اله، يطلب الصلة والخلعة.

فقد ذكر صاحب (رياض العارفين)(117): أنه وجد خلعة قد وضعت أمامه، فأخذها ووضعها على رأسه، وخرج، فكانت هذه من كرامات الرسول صلي الله عليه و اله. إذ إن إخلاص هذا السيد وثقته في تلبية الرسول المصطفى صلي الله عليه و اله لطلبه رفعه إلى هذه المنزلة الجليلة.

يقول أمير المؤمنين

عليه السلام: «عليك بإخلاص الدعاء فإنه أخلق بالإجابة»(118).

كيف بشر؟ كيف بشر؟

كان الملا مهر علي الفدوي الخوئي المتوفى سنة (1350ه_) من الشعراء الذين تمتاز قريحتهم الفياضة بذوق وطبع شعري رفيع إضافة إلى تبحره في العلوم، وكان ينظم الأشعار باللغات الثلاث العربية والفارسية والتركية، ومن أشهر قصائده: (القصيدة الغديرية) التي أثبت فيها مدى عشقه وعلاقته وإيمانه بمولى المتقين الإمام علي عليه السلام.

وقد حكى المرحوم الملا علي الخياباني الكراميتي(119) بصدد هذه القصيدة، قال: ذكر المرحوم فيلسوف الدولة الميرزا عبد الحسين خان(120) الزنوزي، تبريزي الأصل، مشهدي المسكن، الملا مهر علي التبريزي الخوئي المعروف بالفدوي، قال: من قصائده العربية المشهورة القصيدة التي قالها في مدح أمير المؤمنين عليه السلام وهي:

ها علي بشر كيف بشر

ربُّهُ فيه تجلَّى وظهَرْ

هو والمبدأ شمس وضياء

هو والواجب شمس وقمرْ

أذُن الله وعين الباري

يا له صاحب سمع وبصر

علة الكون ولولاها لما

كان للعالم عين وأثر

فلك في فلك فيه نجوم

صدف في صدف فيه درر

جنس الأجناس علي وبنوه نوع الأنواع إلى حادي عشر

كل من مات ولم يعرفهم

موته موت حمار وبقر

قوسه قوس صعود ونزول

سهمه سهم قضاء وقدر

ما رمى الرمية إلا وكفى

ما غزا الغزوة إلا وظفر

أسد الله إذا صال وصاح

وأبو الأيتام إذا جاد وبر

بو تراب وكنوز العالم

عنده نحو تراب ومدر

من له صاحبة كالزهراء

أو سليل كشبير أو شبر

أيها الخصم تذكر سندا

متنه صح بنص وخبر

إذ أتى أحمد في خم غدير

بعليٍّ وعلى الرحل نبر

قال: من كنت أنا مولى له

فعليٌّ له مولى ومفر(121)

والمعروف أنه بعد نظمه هذه القصيدة رأى في عالم الرؤيا الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله، وكان أمير المؤمنين عليه السلام معه جالساً، فقال النبي صلي الله عليه و اله للملا مهر علي: «القصيدة التي قلتها في مدح ابن عمي أنشدنيها».

فأخذ الملا مهر علي يقرأ، فلما أنشد

المقطع الأول، قال النبي صلي الله عليه و اله: ثلاث مرات: «كيف بشر؟ كيف بشر؟ كيف بشر؟».

وكانت هذه القصة مصداقاً لقول أمير المؤمنين عليه السلام: «بالإخلاص ترفع الأعمال»(122).

سأكتب لك حوالة

كان أحد الشعراء قد نظم قصيدة شعرية في مدح أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام، وقصد السلطان شاه عباس الصفوي(123) وقرأها بحضوره، ولما كان الشاه عباس قد استولى عليه الغضب نتيجة أمر من أمور الدولة ومشاكلها، لم يعط للشاعر صلة، وقال له: خذ صلتك من علي عليه السلام.

فقال الشاعر: لا بأس، إني أخطأت عندما قرأت لك أشعاري.

وكلَّما ألحَّ الشاه عباس بعد ذلك وأصرَّ على الشاعر أن يقبل صلته، رفضها وامتنع عن قبولها.

ثم إن الشاعر عزم على السفر إلى النجف الأشرف حافياً، ومع كل الصعوبات التي لقيها في أثناء الطريق، تشرف بزيارة حرم أمير المؤمنين عليه السلام، وقال: يا أمير المؤمنين! لا أريد أن أنشد أشعاري بحضرتك، لأنك أعلم بها، وكن على يقين أني لن أبرح من مكاني هذا ما لم أنل الصلة منك، ولو طال بي المقام في حرمك حتى الموت، واستمرَّ به هذا الحال إلى منتصف الليل وهو يبكي ويخاطب الإمام عليه السلام حتى أخذه النوم، فرأى في عالم الرؤيا أن أمير المؤمنين عليه السلام قد أعطاه ورقة مكتوب عليها بخطه الشريف المبارك: «هذه حوالة إلى سفير سلطان الفرنج في بغداد، تسلمها له، وتأخذ صلتك».

فلما انتبه من نومه، رأى الحوالة في يده، ففرح بها، وجاء إلى بغداد ليسأل عن السفير، فأعلموه بمكانه، فجاء ودخل دار السفير، فرأى السفير ينتظره، فسلمه الحوالة فسُرَّ السفير بها وقبَّلَها ووضعها على عينه، وقال: على عيني، إن للحضرة المباركة أمانة عندي، فأتى بإناء مملوء بالمجوهرات وقدَّمه للشاعر، وقال: هذه قصتي: كنت

في أحد الأيام ذاهباً للتجارة، فلما ركبنا الباخرة، أخذ الموج يتلاطم في وسط البحر، فبقينا على قيد الحياة بعد أن أوشكنا على الموت غرقاً، ومضت مدة حتى تلفت أرواح من بقي في السفينة نتيجة الجوع، فرأيت نفسي مشرفاً على الهلاك، فناديت يا علي! وإذا أنا براكب على سطح الماء وقد جاء بي وبالباخرة على ساحل البحر، وهو يقول: «كل هذه الأموال في الباخرة هي لك»، فأخذت الإناء المملوء بالمجوهرات، لأعطيه إلى الحضرة المباركة، فقال عليه السلام: «احتفظ بها سأكتب لك حوالة».

قال أمير المؤمنين عليه السلام: «قدِّموا خيراً تغنموا، وأخلصوا أعمالكم تسعدوا»(124).

أي أن هناك علاقة حميمة بين العمل والسلوك من جهة، والجزاء من جهة أخرى، ومن يتوخى الخير لا يمكن أن ينال الشر، وإن من يزرع عنباً لا يمكن أن يحصد شوكاً، وكذلك من يحسن فلن ينال إلا الإحسان، ومن يعط فلن يجازى بالجحود، ومن يخلص فلن يجازى بالخيانة، إنما يكافأ الإحسان بالإحسان ويجازى المعطي بالشكر، والمخلص بالمكافأة الجزيلة، قال الله تعالى: *هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إلاَّ الإحْسَان*(125).

استح من وجه علي عليه السلام

أنشد الناجي قصيدة في مدح أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام، وفي إحدى الليالي رأى في عالم الرؤيا أنه تشرف بلقاء الحضرة المقدسة، والإمام عليه السلام يقول له: «القصيدة التي أنشدتها فيّ اقرأها عليّ».

فأخذ الناجي يقرأ أشعاره وكله شوق ولهفة، وفي الختام أضاف اسمه إلى تلك الأشعار، قائلاً: (ما مضمونه)

يا ناجي! إذا كان حساب الحشر بيد علي عليه السلام

*

فاسمع مني وأكثر من ذنوبك مهما استطعت(126)

فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: كل ما قلته جيِّد، ولكن عليك بإصلاح آخره وليكن هكذا: (ما مضمونه)

يا ناجي! إذا كان حساب الحشر بيد علي عليه السلام

فاستح من وجه علي عليه السلام وقلل من

ذنوبك(127)

لك علينا حقان ...

كان المولى حسن الكاشي(128) من المعاصرين للعلامة الحلي(129) صاحب (العقود السبعة) في مدائح أمير المؤمنين عليه السلام باللغة الفارسية، عاش في عهد دولة السلطان محمد خداي بنده(130).

وكان هذا المولى الجليل من شعراء مجلس السلطان محمد المعروف ب_(شاه خداي بنده)، وله حكايات ومواقف لطيفة ومباحثات طريفة مع المخالفين تشهد بعلو منزلته وارتفاع درجته وعمق فلسفته.

ذكره السمر قندي في كتابه الموسوم ب_(التذكرة الدولتشاهية) فقال بعد وصفه البالغ بالفضل والتقوى والورع والولاية الثابتة: إن المولى حسن المذكور لم ينشد أبداً في غير مدائح أهل البيت المعصومين عليهم السلام، وأنه لما رجع من زيارة الحرمين الشريفين قصد طريق العراق، وتوجه إلى زيارة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، فوقف أمام باب الحضرة، وأنشد إحدى قصائده.

فلما أقبل الليل رأى أمير المؤمنين عليه السلام في النوم يقول له: «يا كاشي! قدمت إلينا من بعيد، ولك علينا حقان: حق الضيافة، وحق صلة أشعارك، فاخرج أنت في هذه الساعة إلى مدينة البصرة، واطلب هناك رجلاً تاجراً، يدعى مسعود بن أفلح، ثم بلغ إليه سلامنا، وقل له: إن أمير المؤمنين عليه السلام يقول لك: إنك قد نذرت لنا في هذه السنة عند خروجك إلى عمان أن تصرف إلينا ألف دينار، لو خرجت سفينة متاعك إلى ساحل البحر بالسلامة، فأوف لنا بعهدك، وخذ عنا تلك الدنانير من ذلك الرجل، واصرفها في محاويجك».

فلما ورد المولى حسن إلى البصرة وقابل الرجل المذكور، وقص له الحكاية، كاد أن يغشى عليه فرحاً، وقال: بعزة الله لم أخبر أحداً إلى الآن من حقيقة عهدي المذكور، ثم سلمه الألف دينار، وزاد عليها شكراً على هذه النعمة العظيمة خلعة فاخرة للمولى حسن الكاشي، ووليمة لسائر فقراء البلاد.

وهذا الأمر ليس غريباً

ولا عجيباً، فإن أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام يقول: «أخلص تنل»(131).

ونستخلص من هذا أن المخلص حتى وإن لم يكن يضع نصب عينيه نيل الجائزة، وحتى لو كان لا يهمه سوى إنجاز العمل وإتقانه، لكان الأمر يقتضي مكافأته على إخلاصه لكي يتلمس صواب سلوكه، ثم إن المكافأة _ معنوية كانت أم مادية _ ستحفز المخلص على تكرار سلوكه والمثابرة عليه، كما أنها تظهر البون الشاسع والهوة الكبيرة بين من أخلص في سلوكه إلى الله تعالى وإلى أوليائه، وبين من خان وأساء، ولو حدثت المساواة بين المخلص والخؤون لثبطت عزيمة المخلص ولتشجع الخؤون على الخيانة، فيشيع المرض في المجتمع على العافية.

استعذ واقرأ

نقل أحد العلماء كرامة للمولوي الشيخ محمد حسن القندهاري(132) بسبب تضمين القصيدة الغديرية للملا مهر علي الخوئي.

قال: كنت أسكن مشهد الإمام الرضا عليه السلام المقدس، ومن الملازمين للمرحوم الشيخ علي أكبر النهاوندي(133)،وغيره من الشيوخ، فأرسلوني إلى باكستان وقندهار.

وفي إحدى الليالي وأثناء رجوعي إلى المشهد المقدس، دخلت مسجد كوهر شاد، وقد حان وقت أذان المغرب، وكان الشيخ علي أكبر النهاوندي مشغولاً بالصلاة، وعند فراغه من الصلاة تقدمت إليه وسلمت فأخذ يسأل عن أحوالي، وفي هذه الأثناء وقف المرحوم الحاج قوام اللاري لقراءة عزاء الإمام الحسين عليه السلام، وفي المقدمة أنشد هذا البيت الذي لم يطرق مسامعي من قبل:

ها علي بشر كيف بشر

ربه فيه تجلى وظهر

فتغير حالي، وكنت أستمع لكلام الحاج الشيخ علي أكبر النهاوندي بأذن، والأذن الأخرى أستمع بها لكلام الحاج قوّام، فرجعت إلى البيت بعد أن اهتزَّ كياني وانقلب وضعي، وكنت لوحدي، فتناولت قلمي واستجمعت أفكاري ثم دونت تلك الأشعار.

ومرَّت أربع سنوات، ولم أعرف هل هذا المدح مقبول أم لا؟، وكنت في أحد الأيام نائماً

بعد الصلاة، فرأيت في عالم الرؤيا كأني تشرَّفت بزيارة كربلاء المقدسة، فدخلت الرواق المبارك، وكانت أبواب الحرم المطهرة مغلقة، وكان الزوار بين الرواق مشغولين بقراءة زيارة وارث.

فامتلأت غماً بسبب غلق الأبواب، فسألت: هل تفتح الأبواب؟ قيل لي: نعم، بعد ساعة واحدة، لأن العلماء والمجتهدين الأولين منهم والآخرين الآن في حرم حضرة سيد الشهداء عليه السلام وهم مشغولون بإنشاد المدائح.

وفي عالم الرؤيا ذهبت إلى جهة المقتل، فلم يهدأ قلبي، فقصدت جهة الشباك الذي يعلو الرأس المبارك، ونظرت من خلاله، فرأيت العلماء، وقد تعرفت على عدد منهم، ومن جملتهم:

المرحوم العلامة المجلسي(134)، والملا محسن الفيض الكاشاني(135)، والسيد إسماعيل الصدر(136)، والميرزا محمد حسن الشيرازي(137)، والشيخ جعفر الشوشتري(138) (رضوان الله تعالى عليهم أجمعين).

كان الحرم المطهر مملوءً بالزائرين، وكلهم مجتمعون حول الضريح المقدَّس وخلف الشباك، وكان هؤلاء يرأسهم المرحوم السيد حسين القمي رحمة الله عليه(139)، فيأمر أن يتقدم شخص ما ويقرأ، وبعد انتهاء القراءة يقول له الآخرون: أحسنت ويبكون.

فرأيت عدداً منهم قد صعدوا عالياً وقرأوا ثم نزلوا.

وفي نفس عالم الرؤيا تصرفت كالصبيان وأدخلت نفسي في الشباك حتى تسللت إلى داخل الحرم المطهر، ولم يكن هناك من مكان إلا بجانب السيد القمي رحمة الله عليه، فاضطررت أن أجلس هناك، وكنت وكيلاً للسيد القمي عندما كان في المشهد المقدس.

فلما رآني، قال لي: مولوي حسن!

قلت: نعم سيدي! فقال: استعد واقرأ.

فكأنني وقعت من مكان عالٍ، فإن هذا أمر الإمام وليس لي حيلة؟! وأنا بحضور كلِّ هؤلاء العلماء الأعلام، أيَّ آية أعنون؟ وأيَّ حديث أطبق؟ كيف أستطيع الكلام؟ وبماذا يلهج لساني؟ فوقع في قلبي إلهام غيبي، فقرأت:

ها علي بشر كيف بشر

ربه فيه تجلى وظهر

عقل كليه به ما داد خبر(140)

أنا كالشمس علي كالقمر

فقرأت الأشعار

حتى أتيت على آخرها، فلما انتبهت من نومي، حُمّ قلبي وأخذ العرق يتفصَّد مني، وكأني كنت فارقت الحياة، فشكرت الله وحمدته على العناية الربانية التي حصلت لي بقبول مديحي.

كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: «من أخلص بلغ الآمال»(141).

الزهراء عليها السلام تنظم مطلع القصيدة

يروى عن السيد حيدر الحلي رحمة الله عليه(142) أنه قال: تشرفت في عالم الرؤيا بلقاء الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام فسلمت عليها، وردت عليَّ السلام، ثم رفعت عليها السلام رأسها الطاهر، وأنشدت هذا البيت من الشعر:

أ نَاعِيَ قَتلَى الطَّفِّ لا زِلتَ نَاعِيَا

تهيجُ على طُولِ الليَالي البَوَاكِيَا

فشرعت في البكاء، واستيقظت من نومي وأنا أكرر هذا البيت، حتى ألهمني الله تعالى لأكمله، وشرعت أقول:

أعِدْ ذِكرَهُمْ في كَربلا إنَّ ذِكرَهُمْ

طَوى جَزَعاً طَيَّ السِّجِلِّ فُؤادِيَا

إلى آخر الأبيات التي نظمتها، وهي من القصائد التي أوصيت أن توضع في كفني.

كما أنه يروى عنه أنه كان ينظم في كل عام قصيدة واحدة فقط، وحين ينتهي من نظمها يتوجه بها من مدينته الحلة إلى كربلاء ماشيا على قدمه ليقرأها عند ضريح سيد شباب أهل الجنة. وفي إحدى السنين وبينما هو سائر في طريقه إلى كربلاء المقدسة صادفه رجل قائلا له: أريد منك أن تقرأ لي قصيدتك العينية، فقرأ له السيد الحلي إحدى قصائده، لكن الرجل طلب قصيدة عينية غيرها، فقرأ السيد غيرها، وغيرها، وغيرها حتى أتى على كل قصائده المنتهية بحرف العين، والرجل يطلب منه المزيد، ولم تبق لدى السيد إلا القصيدة التي كتبها هذا العام والتي كان يحملها معه ليقرأها عند ضريح الحسين عليه السلام، فقرأها وقد نسي في تلك اللحظة أن هذه القصيدة جديدة ولم يسمعها أحد من قبل، وقد كان الرجل يستمع إلى القصيدة بتلهف شديد وكانت دموعه تسيل على

لحيته أثناء إنشاد السيد لها. وحين انتهى السيد من القراءة شكره ذلك الرجل وانصرف عنه، وبعد فترة قصيرة تذكر السيد أن هذه القصيدة لم يسمعها أحد من قبل فكيف طلب هذا الرجل سماعها، فطلبه فلم يجده، فعرف أنه الإمام المهدي عليه السلام، جاء ليسمع هذه القصيدة.

والقصيدة في غالب أبياتها تتوجه إلى الإمام صاحب الزمان عليه السلام مطالبة إياه بالقيام والنهوض بأمر الإسلام والمسلمين وتحقيق الوعد بإقامة دولة تعز الإسلام وأهله، ومما جاء في هذه القصيدة قوله:

الله يَا حَامِي الشَّريعَةْ

أ تقرُّ وَهْيَ كَذا مَرُوعَةْ

بِكَ تَستَغيثُ وَقلبُها

لَكَ عَن جَوىً يَشكو ضُلوعَهْ

تَدعو وَجُردُ الخيلِ مُص_

_غِيَةٌ لِدَعوتِها سميعَةْ

وَتَكادُ ألسِنَةُ السُّيُو

فِ تُجيبُ دَعوتها سَريعَةْ

فَصُدُورُها ضَاقَتْ بِسرِّ

الموتِ فَأْذَنْ أنْ تُذِيعَهْ

ويستمر السيد في استنهاض الإمام عليه السلام فيقول:

مَاتَ التَّصَبُّرُ في انتِظَا

رِكَ أيُّها المحي_ي الشَّرِيعَةْ

فَانْهَضْ فَما أبقَى التَّحمُّ_

_ل غَيرَ أحشَاءٍ جَزُوعَةْ

قَد مَزَّقَتْ ثَوبَ الأسى

وَشَكَتْ لِواصلِها القَطيعَةْ

كَم ذا القُعُودُ وَدِينُكُمْ

هُدِمَتْ قَواعِدُهُ الرَّفيعَةْ

ويعرض السيد الحلي المآسي والنكبات التي مُني بها الإسلام وابتلي بها المسلمون، حتى يُعرِّج إلى مصيبة سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام الخالدة في دنيا الأحزان، فيقول:

أ تُرى تَجِيءُ فَجِيعَةٌ

بِأمَضَّ من تِلكَ الفَجِيعَةْ

حَيثُ الحسَينُ على الثَّرى

خَيلُ العِدَى طَحَنَتْ ضُلُوعَهْ

وَرَضيعُهُ بِدَمِ الوَري_

_دِ مخضَّبٌ، فَاطلُبْ رَضيعَهْ

قصره مقابل قصورنا

حكى شخص من أهل البحرين قال: كنت جالساً في ليلة التاسع من محرم الحرام في أحد مجالس العزاء، وكنت أبكي لمصائب حضرة سيد الشهداء عليه السلام، حتى ضعفت قوتي، فجلست في زاوية من زوايا المجلس حتى غلبني النوم.

وفي عالم الرؤيا رأيت نفسي وكأني في بستان كبير فيه أنواع الأشجار والزهور والفواكه، فوقع نظري علي طير فوق غصن الشجرة، وهو يصرخ ويضج بصوته كأنه امرأة مكلومة، فقلت: سبحان الله! كيف يصرخ هذا الطير؟ ثم ابتعدت عن الطير لأن صوت صراخه

قد قطع نياط قلبي، فرأيت امرأة مجللة جالسة بجنب حوض، وبيدها ثوب أبيض ممزق قطعة قطعة، وهي تغسل الدم في ذلك الثوب، وتنظر إلى آثار السهام والسيوف فيه، وعيناها تذرفان الدموع، وتقول: «أبه! ألم تر كيف فعلت أمتك بنا؟ ضيعوا حقنا، كسروا ضلعي، ألم يكونوا قد دعوا ولدي إلى الكوفة، وذبحوه عطشاناً»، ثم قالت: «أي بني! لِمَ لم تعرفهم نفسك؟ لعلهم لم يعرفوا جدك وأباك».

فالتفت فإذا أنا بجسد مقطوع الرأس، عليه جبة من الخز، والدم يسيل منه، وهو يقول: «أماه! وحقك أقسمت عليهم، ولكن لم يراعوا لنا حرمة! منعوا عنا ماء الفرات الذي ترد منه الكلاب والخنازير».

فتقدمت إليها، وقلت لها: من أنت؟ وما هذا البدن بدون رأس؟ قالت: «أنا فاطمة أم الحسين بنت رسول الله وهذا البدن لولدي الحسين».

ثم رأيت نساءً قد جئن وجلسن حول البدن، فقلت: ما هذا القميص الممزق ولمن؟ فقالت عليها السلام: «كلما أردت أن أبكي ولدي الحسين أخرج هذا القميص، وحالي هذا إلى يوم القيامة».

فقلت لها: يا سيدتي ومولاتي! إن والدي كان يقول الشعر فيك وفي ولدك الحسين عليه السلام، وكان ينشد المراثي ويقيم العزاء، فكيف جازاه الله؟

قالت عليها السلام: قصره مقابل قصورنا، وأبوك قائل هذا الشعر:

أيُّها الشيعي إبكِ للشَّهيدِ المستَضَام

لا تملّ النُّوحَ فيمَنْ جَدُّهُ خَيرُ الأنام

وقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله: «ملوك الجنة الأتقياء والمخلصون»(143).

عليك أن تبدأ بالحسن عليه السلام

حكي عن وصال الشيرازي(144): أنه راجع طبيب العيون لمرض أصاب عينه، فأوضح له الطبيب إمكانية العلاج شريطة أن يعزف تماماً عن القراءة ومزاولة أعمال الكتابة والنظم والخط حمايةً واهتماماً بعينه، فعالجها الطبيب، إلا أن وصال أخذ يقرأ ويضاعف مهاراته الأدبية حتى عميت عينه تماماً، مما اضطره أن يتوسل بمحمد وآل محمد صلي

الله عليه و اله.

وفي إحدى الليالي تشرف في عالم الرؤيا بلقاء النبي صلي الله عليه و اله وهو يقول له: «لماذا لم تنشد مرثيَّة في مصائب الحسين عليه السلام؟ قل، حتى يشفي الله تعالى عينك»، وفي نفس الوقت حضرت فاطمة الزهراء عليها السلام وقالت: «يا وصال! لو قلت شعراً في ولدي

الحسين عليه السلام، فعليك أن تبدأ بولدي الحسن عليه السلام، لأن الحسن مظلوم أيضاً».

فلما أصبح وصال أخذ يطوف حول البيت واضعاً يده على الجدار، وهو ينشد شعراً هذا مضمونه:

خارت قواه وارتفع أنينه ودعا بطست

جعل ذلك الطست من كبده بستانا(145)

فلما أنشد عجز هذا البيت رد إليه بصره، ثم قال ما ترجمته:

الدم الذي ملأ أحشاءه نتيجة المصائب سال من عنقه

فأصبحت خالية بعد امتلائها خلال حياته

ألقت زينب بخمارها وتأوهت من كبدها لشدة المصاب

ولطمت كلثوم صدرها وتأوهت من الألم(146)

(أحسنت) .. بماء الذهب

ذكر الشيخ الأميني رحمة الله عليه(148) للخليعي رحمة الله عليه(149) شعراً كثيراً وقال في كتابه (الغدير): له (39) قصيدة في أهل البيت عليهم السلام.

كان أبو الحسن جمال الدين من شعراء أهل بيت الرسالة عليهم السلام ومادحيهم، وقد ولد لأبوين نصبا العداء لأهل بيت النبوة ومعدن الرسالة عليهم السلام، وكانت أمه قد نذرت أنه إذا منّ الله عليها بولد، أن ترسله لقطع طريق زوَّار الإمام الحسين عليه السلام وقتلهم، فلما أتت بالولد وبلغ سن الرشد، أرسلته لتفي بنذرها.

وبينما هو في نواحي مدينة المسيب القريبة من كربلاء المقدسة، وقد نصب كميناً للزوار، غلبه النعاس فأخذته سنة من النوم، ومرت القوافل بسلام وأمان من كمينه الذي نصبه، وتركوا على بدنه وثيابه بقايا تراب وغبار القوافل، فرأى في المنام أن القيامة قد قامت، وصدر الأمر بإلقائه في النار، ولكن النار لم تمس

ذلك الغبار ولم تحرقه.

فلما انتبه الخليعي من نومه، رجع عما كان عليه وتاب توبةً نصوحاً، واستقرت مودة وولاية أهل البيت عليهم السلام في قلبه، وقصد حرم الإمام الحسين عليه السلام خائفاً، وهو ينشد هذين البيتين:

إذا شِئْتَ النَّجَاةَ فَزُرْ حُسَيناً

لِكَي تَلقَى الإلهَ قَرِيرَ عَينِ

فَإنَّ النَّارَ لَيسَ تَمَسُّ جِسْماً

علَيهِ غُبَارُ زُوَّارِ الحُسَينِ(150)

قال العلامة النوري(151) في كتاب (دار السلام): لما دخل الخليعي حرم الإمام الحسين عليه السلام وأنشد قصيدته، سقطت الستارة في أثناء الإنشاد من درب الحرم من جهة الروضة الحسينية على كتفه، ومنذ ذلك اليوم لقب الشاعر بالخليعي وهذا اللقب قد اختص به في أشعاره.

وروي: أنه كان بين الخليعي والشاعر ابن حماد(152) مفاخرة، وكان كلٌّ منهما يظنُّ أن مدحه لأمير المؤمنين عليه السلام أكمل وأفضل من صاحبه، فكتب كل منهما قصيدته ووضعا القصيدتين في الضريح العلوي المقدس، حتى يقضي بينهما الإمام عليه السلام، فخرجت قصيدة الشاعر الخليعي، وقد كتب عليها بماء الذهب: (أحسنت)، كما كتب على قصيدة ابن حماد: (أحسنت) بماء الفضة. فتأثر ابن حماد من هذا الموقف، ووجه خطابه للإمام

أمير المؤمنين عليه السلام قائلاً: أنا قديم المحبَّة إليكم، وهذا الشخص دخل لتوِّه في زمرة المحبين، فرأى أمير المؤمنين عليه السلام في منامه، وهو يقول له: «أنت منا كما ذكرت، في حين أنه ارتبط بنا، ودخل في ولايتنا جديداً، فاللازم مراعاة حاله».

وللخليعي في رثاء سيدة نساء العالمين عليها السلام:

لم أبكِ رَبعاً لِلأحبَّةِ قَد خَلا

وَعَفَا وَغَيَّرَهُ الجدِيدُ وَأمحلا

كَلاَّ وَلا كَلَّفْتُ صَحبي وَقفَةً

في الدَّارِ إنْ لم أشفِ صبّاً عَلَّلا

لَكنْ بَكيتُ لِفَاطِمٍ وَلِمَنعِها

فَدَكاً وَقد أتَتِ الخؤونَ الأوَّلا

إذ طَالَبتهُ بِإرثِها فَروَى لها

خَبَراً يُنَافي المحكَمَ المتَنَزّلا

ومنها:

وَمُضَلَّلٍ أضحَى يُوطِّئ عُذرَهُ

وَيقولُ وَهْوَ منَ البَصيرةِ قَد خَلا

لَو لم يُحرِّمْ أحمدٌ ميراثَهُ

لم يمنَعُوهُ أهلَهُ

وَتَأوَّلا

فَأجَبتُهُ: إصرٌ بِقَلبِكَ أم قَذىً

في العَين منكَ عدتك تَبصرَةَ الجَلا؟

أوَ َلَيسَ أعطاها ابنُ خَطَّابٍ لِحَي_

_درَة الرِّضا مُستَعتباً مُتنصِّلا؟

أ تُراهُ حَلَّلَ مَا رَآهُ مُحرَّماً

أم ذَاكَ حَرَّمَ مَا رآهُ مُحلَّلا؟!(153)

وله في رثاء سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام:

أيّ عُذرٍ لمهجَةٍ لا تَذوبُ

وَحَشاً لا يشبُّ فيهِ لهيبُ؟

وَابنُ بنتِ النَّبيِّ بِالطَّفِّ مَطرو

حُ لَقَىً وَالجبِينُ منهُ تَريبُ

حَولَهُ من بَني أبيهِ شَبابٌ

صَرَعتْهُم أيدِي المنايا وَشيبُ

وَحَريمُ النَّبيِّ عَبرى مِنَ الثُّك_

_لِ وَحسرَى خِمارُها مَنهُوبُ

تِلكَ تَدعو: أخي، وَتِلكَ تُنادِي:

يَا أبي، وَهْوَ شَاخِصٌ لا يُجيبُ(154)

فيا سبحان مقلب القلوب، ومحول الأحوال.. من ناصبي مبغض ذميم إلى موال محب حميم.. من كائن مفرط بالتزمت والضغينة إلى كائن مولع بالمودة والانتماء.

والعجب العجاب أن هذا التحول لم يكن نتيجة حوار فكري وجدل مذهبي، إنما حدث بوسيلة أيسر من ذلك بكثير، كل ما هنالك أن هذا الناصبي القاطع للطريق راوده حلم يتعلق بيوم الحساب، وحين استيقظ انقلب عنده كل شيء، فلم يعد هناك نصب وسطو على زوار الحسين عليه السلام، بل أصبح هو بالذات من زوار الحسين عليه السلام ومادحيه ومحبيه.

سقط العرش على الأرض

كان أحد الشعراء في أيام شبابه رجلاً مزّاحاً وظريفاً، وفي أحد أيام شهر محرم الحرام وبدلاً من مشاركة حاضري المأتم الحسيني في البكاء، والضرب على الصدور، والانشغال في العزاء، قرأ شيئاً طريفاً عن طريق الاستهزاء، فتأثر منه المشاركون في العزاء تأثراً بالغاً وأخذوا ينتحبون بالصراخ.

ولم تمض أيام قلائل حتى ابتلي (مقبل) بمرض الجذام، لدرجة أن الناس أخذوا ينفرون منه ويبتعدون عنه، ومضى على هذه الحال حتى أقبلت السنة التالية.

وشوهد (مقبل) في أحد الأيام جالساً في زاوية خربة، وقلبه مكسور يفيض ألماً، وهو يرى جمعاً من الشيعة مشغولين بالعزاء الحسيني وهم يرددون (ما ترجمته):

كيف هي كربلاء اليوم

كيف هذا البلاء اليوم

رأس

الحسين المظلوم

قُطِعَ من بدنه اليوم(155)

فجاشت مشاعره وتألم في أعماقه وأخذ ينظر بحسرة إليهم، لأنه لم يشاركهم العزاء والبكاء، وبدون إرادة أخذ يبكي، وقال على البداهة ما ترجمته:

اليوم يوم المصيب__ة

والنفس في بلي__ة

صراخ وبلبلة القيام_ة

في كرب__لاء اليوم(156)

فرأى في تلك الليلة في منامه رسول الله صلي الله عليه و اله، وقد شمله بلطفه وعنايته، وعفا عن تقصيره، مما دفعه لينشد الأشعار في مصيبة سيد الشهداء عليه السلام وأهل بيته عليهم السلام.

قال مقبل: لما انتهيت من قراءة واقعة الشهادة، التي صادفت ليلة الجمعة، ولكثرة ما قرأت وبكيت حتى غلبني النوم، رأيت في عالم الرؤيا حرم سيد الشهداء عليه السلام، وقد نصب فيه منبر، وكان رسول الله صلي الله عليه و اله حاضراً، وفي تلك الأثناء أمر رسول الله صلي الله عليه و اله بإحضار محتشم الكاشاني(157) فجيء به إليه، فقال له صلي الله عليه و اله: «الليلة ليلة الجمعة، اصعد المنبر وقل شيئاً في مصيبة ولدي».

فامتثل محتشم أمره صلي الله عليه و اله وتوجه ليصعد المنبر، وأراد أن يجلس في الدرجة الأدنى من المنبر، فأمره صلي الله عليه و اله أن يعلو، ولما وصل إلى الدرجة الأخرى أمره صلي الله عليه و اله أن يعلو، وهكذا كان يأمره رسول الله صلي الله عليه و اله حتى ارتقى أعلى المنبر، ثم شرع بقراءة أبيات هذه ترجمتها:

لما سلكت القافلة طريقها إلى ساحة الحرب

توهمت الخيال وقوع النش___ور

الغزلان لا تقت_رب من الصح___ارى

غادرت الطي___ور أوك_ارها(158)

قال مقبل: فلما فرغ محتشم من ذكر المصيبة أهداه نبي الإسلام صلي الله عليه و اله خلعة، فظننت أنّ أشعاري لم تلق استحسانه صلي الله عليه و اله، لأنه لم يلتفت إلي، ولم يأمرني صلي الله عليه و اله

بالقراءة.

وفي هذا الأثناء وصلت حورية لخدمة النبي الأكرم صلي الله عليه و اله وقالت: الإنسية الحوراء فاطمة الزهراء عليها السلام تقول: «أمركم المقرر بأن يرثي مقبل سيد الشهداء في تلك الواقعة». ثم أمرني رسول الله صلي الله عليه و اله، فارتقيت المنبر، ووقفت على الدرجة الأولى، وأخذت أنشد ما ترجمته للعربية:

في الرواية: أنه لما ضاق عليه الأمر

توقف ذو الجناح عن الحرك__ة

ما بقي لسيد الشهداء قدرة على الجهاد

ولا ذو الجناح تمكن من الاستقامة

خلاصة الإيجاد: أخرج قدمه من الركاب

وكما أشعة الشمس سقط على الأرض

ملك عظيم الشأن هوى من على السرج

ليس خطأ إن قلت: سقط العرش على الأرض(159)

وفي ذلك الوقت أشار إليّ أحد الأشخاص: أن أتوقف عن إنشاد الأشعار، وأنزل من المنبر، لأن بنت النبي صلي الله عليه و اله قد أغمي عليها، فقطعت إنشاد شعري ونزلت، وجئت فرأيت الضريح المنور لسيد الشهداء عليه السلام قد انفتح، وخرج شخص جليل القدر، وبدنه مليء بجروح لا تحصى، فأعطاني خلعة فاخرة، فقلت: جعلت فداك، من أنت؟ قال: «أنا الحسين». فكان إخلاص هذا الرجل في التوبة ومودة أهل البيت عليهم السلام سبباً رئيسياً في علو مكانته وجودة شعره، يقول أمير المؤمنين عليه السلام: «الإخلاص أعلى فوز»(160). إن هذا الرجل الظريف والشاعر المزاح اعتاد الفكاهة في إلقاء طرفه هنا وهناك وإتحاف مجالسيه بهذه الفرصة أو تلك، دون أن يتوخى التجريح والوخز في الفكاهة، إنما يتوخى الإضحاك والإمتاع، غير أن ظرفه ساقه يوما من الأيام إلى السماجة والغلظة بلا تعمد منه لذلك، وحين أدرك خطأه ندم على ما بدر منه، ولم يكتف بالندم بل ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، فأعلن توبته النصوح وشرع في البكاء والرثاء.. أ ليس الإخلاص هو الدافع

الحقيقي لهذا التحول؟ أ لم ينل هذا الرجل أعلى فوز بإخلاصه في توبته؟..

الحسين عليه السلام أتمَّ له البيت

أطلق الشيخ محمد رضا الأزري(161) على أبي الفضل العباس عليه السلام عدة ألقاب رفيعة تنم عن صفاته النفسية الطيبة وعراقة محتدهِ، وما اتصف به من مكارم الأخلاق، ومنها:

1_ قمر بني هاشم 2_ السقّاء 3_ بطل العلقمي

4_ حامل اللواء 5_ كبش الكتيبة 6_ العميد

7_ حامي الظعينة 8_ باب الحوائج 9_ المستجار

ولما أورد شاعر أهل البيت عليهم السلام الشيخ محمد رضا في قصيدته هذا المقطع: يوم أبو الفضل استج_ار به الهدى

أخذ يتأمل، ويقول في نفسه: لعل ذلك لا يرتضيه الإمام الحسين عليه السلام، فلم يكمل البيت، فتشرف في عالم الرؤيا بالإمام الحسين عليه السلام وهو يقول له: «صحيح ما قلته، إني التجأت إلى أخي أبي الفضل العباس»، ثم إن الحسين عليه السلام أكمل المصرع الثاني بقوله:

والشمس من كدر العجاج لثامها

وفي مثل هذا الإخلاص يقول أمير المؤمنين عليه السلام: «إذا استخلص الله عبداً ألهمه الديانة»(162).

والقصيدة التي أنشأها الشيخ محمد رضا الأزري، منها:

وَهَوَى عَلَيهِ مَا هُنَالِكَ قَائِلاً

اليَومَ بَانَ عَنِ اليَمينِ حُسَامُها

اليَومَ سَارَ عَنِ الكَتائِبِ كَبشُها

اليَومَ بَانَ عَنِ الهداةِ إمامُها

اليَومَ آلَ إلى التَّفَرُّقِ جَمعُنَا

اليَومَ حُلَّ عَنِ البُنُودِ نِظَامُها

اليَومَ خَرَّ مِنَ الهِدَايَةِ بَدرُهَا

اليَومَ غَبَّ عَنِ البِلادِ غَمَامُها

اليَومَ نَامَتْ أعيُنٌ بِكَ لم تَنَمْ

وَتَسهَّدَتْ أخرى فَعَزَّ مَنَامُها

أشَقيقَ رُوحِي هَلْ تُراكَ عَلِمْتَ إذ

غُودِرْتَ وَانْثالَتْ عَلَيكَ لِئامُها

إنْ خلت أطبَقَتِ السَّماءُ على الثَّرَى

أو دُكدِكَتْ فَوقَ الرُّبَى أعلامُها

لَكنْ أهانَ الخَطبَ عِنْدي أنني

بِكَ لاحِقٌ أمراً قَضَى عَلاَّمُها

ومهما قال الشعراء والكتّاب فإنهم لا يستطيعون أن يصفوا ما ألمّ بالإمام الحسين عليه السلام من فادح الحزن، وعظيم المصاب ولا يمكنهم أن يبينوا من كل ألف جزء ولو جزءً واحداً بعد أن وصفه أرباب (المقاتل): بأنه عندما نهض من أخيه

عليهما السلام، لم يتمكن أن يرفع قدميه، وقد بان عليه الانكسار، وهو الصبور الذي لا مثيل له.

يد الإمام الرضا عليه السلام تصافحني

حكي عن الشيخ إبراهيم صاحب الزماني، وكان من مادحي أهل البيت عليهم السلام، ومنشدي المراثي في مصائبهم، قال: تشرفت بزيارة المشهد المقدس، وأقمت فيه مدَّة، حتى نفذ كل ما أملك من المال، ولا أعرف أحداً أستعين به في حلِّ مشكلتي، فكتبت قصيدة في مدح الإمام الرضا عليه السلام، وفكرت في نفسي أن أذهب إلى سادن الروضة المقدسة وأقرأها عليه لأنال الصلة والهدية لأستعين بها في أمور معيشتي.

فتوجهت إلى الروضة المقدسة بتلك النية، وفي الطريق حدثت نفسي: لماذا لا أذهب إلى حضرة الإمام الرضا عليه السلام؟ ولماذا أقرأها على غيره؟ فذهبت إلى جنب الضريح، وبعد الاستغفار والدعاء وطلب الحاجة من الله تعالى، خاطبت بقصيدتي الإمام الرضا عليه السلام، وطلبت منه الصلة ونيل الهدية.

فلم أرَ إلا ويد تصافحني وتضع في يدي عملة نقدية من فئة مائة ريال، وبدون إدراك للموقف، قلت: سيدي! إنها قليلة، فأعطاني مائة أخرى، ثم قلت: سيدي! إنها قليلة، فأعطاني مائة أخرى، وهكذا بقيت أكرر طلبي وهو يعطيني، حتى بلغت الصلة سبعمائة ريال، فخجلت من نفسي، فشكرته وخرجت من الحرم المطهر.

هذه الكرامة لا يحظى بها إلا المخلصون الحقيقيون الذين لايتوجهون بحاجاتهم إلا إلى الله عزوجل ويتوسلون بأوليائه المقربين، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: «أول الإخلاص اليأس مما في أيدي الناس»(163).

ومن هذا الحديث الشريف وهذه القضية ندرك أن على المؤمن في الصغيرة والكبيرة أن يضع أول توكله وأول أمله في الله عزوجل، وثاني توكله وأمله في أوليائه المقربين، الشفعاء المشفعين، الذين دلَّ الله سبحانه إليهم وجعلهم حججه على عباده.

فالله جل وعلا أقرب إلى عبده من حبل الوريد،

وهو يحيط به من كل ركن وصوب، وبيده كل ما يرغب العبد ويريد، فإذا كان دعاء المؤمن خالصاً من كل كدر ومن كل شائبة، وكان المؤمن يائساً مما في أيدي الناس ومن الاعتماد عليهم، كان مؤمنا حقاً، فإن الإيمان كله والإخلاص كله أن يرى المؤمن عماده وسنده وموئله في الله تعالى وفي أوليائه المقربين.

كيف ترجمت أشعاري؟

قيل: كان العلامة الأميني رحمة الله عليه (صاحب كتاب الغدير) يتحدَّث على المنبر، وسط هيجان الناس وضجيجهم، بحيث أصبح عدد المستمعين الذين تجمعوا لسماع كلمته لا يحصى، لدرجة أن وسائط النقل قد توقفت عن الحركة _ ذهابا وإياباً _، وكانت الأفكار منجذبة للعلامة الأميني رحمة الله عليه، فقام أحد المستمعين يخترق الزحام حتى أوصل نفسه إلى العلامة الأميني ليخبره: بأن أستاذاً كبيراً في جامعة الأزهر بمصر قد أعلن تشيعه نتيجة مطالعته لكتاب (الغدير)، ثم تشرف بزيارة ثامن الحجج عليه السلام، وأنشد أشعاراً عربية جميلة.

فقطع العلامة الأميني كلامه، فشكره وقال لي: قل له: أن يأتي ليقرأ أشعاره من خلف المايكرفون، وكان العلامة الأميني في أعلى المنبر، والأستاذ المصري واقف على درجتين تحت المنبر، وهو يقرأ أشعاره العربية اللطيفة الرائعة في مدح الإمام الرضا عليه السلام.

فالتفت إلي العلامة الأميني وقال لي: اقرأ يا حسان أشعارك في مدح الإمام الرضا عليه السلام، وحيث لم يسبق لي أن أقرأ شعراً في مثل هذه الجموع الغفيرة، فقلت له: جعلت فداك، أنت تعرف أني أقرأ أشعاري من خلال استعانتي بالكتاب أو الدفتر، والآن ليس لي من الأشعار ما أقرأها، إلا أن العلامة الأميني لم يقتنع بما أوردته في كلامي، وكرر علي، وقال: يا حسان! أنت ضيف عزيز، فقل شعرك في مدح حضرة الرضا عليه السلام.

وفي هذا الموقف

المحرج تذكرت أني كتبت أشعاراً الليلة الماضية في مدح الإمام الرضا عليه السلام إلا أنها ناقصة لم تكتمل، وكنت قد وضعتها في جيبي، فقلت: حضرة الشيخ الأميني، أما تسمح لي بقراءة الأبيات الناقصة والتي ترجمتها إلى العربية هي:

أن حاجتي كانت أن أزور بيت الله الحرام في مكة

فصارت القسمة أن أزور قبر الإمام الرضا في طوس(164)

فلما انتهيت من قراءة أشعاري، احتضنني الأستاذ المصري وقبلني، وقال: كيف يمكنك بلحظات قليلة أن تترجم أشعاري العربية المقفاة بحرف السين إلى اللغة الفارسية!؟.

فعلمت أن هذه معجزة من معاجز حضرة الإمام الرضا عليه السلام، لأني أنشأت أشعاري في مدح الحضرة المطهرة قبل ليلة، في نفس الليلة التي كان بها الأستاذ المصري في المشهد المقدس، وكان القافية والمعنى للقصيدتين واحد، فظن الأستاذ المصري أن أشعاره العربية ترجمتها إلى الفارسية في نفس ذلك المجلس، وهذه أيضاً كرامة للعلامة الأميني الذي أصر علي بأن أقرأ أشعاري.

الرسول صلي الله عليه و اله والحجة عليه السلام

يشاركانه في القصيدة

توفي أحد أولاد الشاعر محتشم الكاشاني، فتأثر بذلك أشد التأثر وأنشد بعض الأبيات الشعرية في رثائه، وفي إحدى الليالي تشرف في منامه برؤية الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله وهو يقول له: «أنشدت مرثية في ولدك ولم تنشد مرثية في ولدي»؟!.

قال محتشم: فانتبهت من نومي، وبما أني لم أتخصص بهذا الفن _ فن الشعر _، بقيت حائراً، وأقول: أنى لي بمرثية ابن النبي الأكرم صلي الله عليه و اله، وفي الليلة الثانية عاتبني حضرة النبي صلي الله عليه و اله وهو يقول لي:«لِمَ لَمْ تقل مرثية في مصبية ولدي»؟!.

قلت: يا رسول الله! بما أني لم أسلك هذا الوادي _ وادي الشعر_ لم أجد سبيلاً لذلك. فقال صلي الله عليه و اله: قل: (ما ترجمته)

ما

هذا الهيجان مرة أخرى قد أصاب العالم(165)

فانتبهت من نومي، وأخذت أنظم الشعر وجعلت هذا المصرع مطلعاً للقصيدة، فلما وصلت إلى هذا المصرع:

قلوبنا مليئة بالآلام وإن كان ذو الجلال بريئاً منها(166)

توقفت عنده وقلت: كيف لي أن أكمل هذه الأبيات؟

وفي الليل تشرفت بلقاء ولي العصر عليه السلام في المنام، وهو يقول لي: «لماذا لم تكمل مرثيتك؟»، قلت: في هذا المقطع وصلت إلى طريق مسدود، فقال عليه السلام لي:

إن الله في قلوبنا ولكن القلوب لم تخل من الآلام(167)

فاستيقظت من نومي، ودمجت المقطعين حتى أكملت القصيدة.

كتب العلامة المدرس التبريزي في (ريحانة الأدب) قال: هذه الأبيات الإثنا عشر لمحتشم الكاشاني من زمانه وإلى عصرنا هذا لم يطوها الزمن ولم تنس، بل تتجدد كلما تجدد الزمان، مثل أصل مصيبة الإمام الحسين عليه السلام لم تنس، بل تتجدد كل عام وكل يوم، ولكثرة تأثير هذه الأبيات في قلوب محبي أهل بيت العصمة عليهم السلام كأنما كتبت على قلوبهم بقلم حزين.

ولا يستبعد أن يكون امتياز هذه الأبيات ورواجها، بسبب المقطعين اللذين أنشأهما الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله وحفيده ولي العصر عليه السلام للشاعر محتشم الكاشاني، فأصبح شعره قبساً لاتخمده السنين.

حزين في يوم عيد الغدير

نقل الفاضل الأديب السيد باقر الهندي(168)، قال: رأيت في نامي الإمام الحجة بن الحسن المهدي عليه السلام ليلة الغدير حزيناً باكياً، فأقبلت إليه وسلَّمت عليه وقبَّلت يديه، وكأنَّه يفكر، فقلت: يا سيدي! إن هذه أيام فرح وسرور بعيد الغدير، وأراك حزيناً تبكي؟!

فقال عليه السلام: «ذكرت أمي الزهراء وحزنها»، ثم أنشد يقول:

لا تَرانِي اتَّخَذْتُ لا وَعُلاهَا

بَعدَ بَيتِ الأحزَانِ بَيتَ سُرُورِ

قال: فانتبهت من نومي ونظمت قصيدة في أحوال الغدير، وذكرت الزهراء عليها السلام، وذكرت بيت النبوة عليهم السلام والقصيدة هي:

كُلُّ غَدرٍ

وَقَولِ إفْكٍ وَزُورِ

هُوَ فَرعٌ عَن جَحدِ نَصِّ الغَدِيرِ

فَتَبصَّرْ تُبصِرْ هُدَاكَ إلى الح_

_قِّ فَلَيسَ الأعمَى بِهِ كَالبَصِيرِ

لَيسَ تَعمَى العُيونُ لَكنَّما تَع_

_مَى القُلُوبُ التي انْطَوَتْ في الصُّدُورِ

يَومَ أوحَى الجلِيلُ يَأمُرُ طَه

وَهْوَ سَارٍ: أنْ مُرْ بِتَركِ المسِيرِ

حُطَّ رَحلَ السُّرَى على غَيرِ مَاءٍ

وَكلاً في الفَلا وَحَرِّ الهجِيرِ

ثُمَّ بَلِّغْهُمُ وَإلاَّ فَمَا بَلَّ_

_غْتَ وَحياً عَنِ اللطِيفِ الخَبِيرِ

أقِمِ المرتَضَى إماماً على الخلْ_

_قِ وَنُوراً يَجلُو دُجَى الدَّيجُورِ

فَرقَى آخِذاً بِكَفِّ عَلِيٍّ

مِنْبَراً كَانَ من حُدُوجٍ وَكُورِ(169)

وَدَعا وَالملا حَضُورٌ جَمِيعَاً

غَيَّبَ الله رُشدَهُمْ من حُضُورِ

إنَّ هذا أمِيرُكُمْ وَوَلِيُ ال_

أمْرِ بَعدِي وَوَارِثِي وَوَزِيرِي

هُوَ مَولىً لِكُلِّ مَن كُنتُ مَولا

هُ مِنَ الله في جَمِيعِ الأمُورِ

لقد نقل السيد باقر الهندي واقعة الغدير بأسلوب أخاذ ناصع، ناقلا إياها من النثر إلى الشعر، مؤكداً ولاية أمير المؤمنين عليه السلام التي لا فرية فيها ولا مرية، مبيَّناً أن أي جحد لنص الغدير هو غدر وقول إفك وزور، ثم يرسم لنا بريشة الكلمات الشعرية صورة اعتلاء رسول الله صلي الله عليه و اله منبراً نُصب له من حدوج وكور، يوم غدير خم، وكيف أخذ صلي الله عليه و اله بكف أمير المؤمنين عليه السلام وأسمع كل من كان حاضراً: »من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه.. اللهم وال من والاه.. وعاد من عاداه..« الحديث(170).

أقسم عليك بحق علي عليه السلام

نقل الوالد رحمة الله عليه(171) أنه قبل قرابة ثمانين سنة حيث كانت البنادق غير متعارفة وإنما كانت الأسلحة المستخدمة هي السيف والرمح وما أشبه ذلك، كان في أطراف النجف الأشرف بعض الحيوانات الضارية كالأسد والضبع والذئب ونحوها كانت تفترس بعض الأفراد بين الحين والآخر، ولذا كان الطريق إلى الكوفة مشياً أمراً خطراً جداً، فنقل عن أحد الروحانيين قوله: ذهبت إلى مسجد السهلة ليلاً، وبتّ في سطحه، والليل كان مقمراً، فسمعت صوت

أسد في الصحراء فتوجهت من سطح المسجد إلى ذلك الجانب، وإذا بأسد يقبل نحو المسجد رآني ورأيته وصرت أنظر إليه حتى صعد الدرج وعندما وصل الأمر إلى تحفزه على مهاجمتي قلت له: أقسم عليك بحق علي أمير المؤمنين عليه السلام إلا ما رجعت قال: فهمهم الأسد وتوقف لفترة قصيرة ثم أخذ في الرجوع وكنت أنظر إليه حتى غاب عن عيني، فسقطت من شدة الذهول ولم أشعر إلا والشمس طالعة عليّ بعد انتصاف النهار، وبقيت بعد ذلك لعدة أشهر مريضاً من تلك الصدمة. فلولا الإخلاص في النية والدعاء لاستحالت نجاة هذا الرجل من قدره المحتوم، قال أمير المؤمنين عليه السلام: «بالإخلاص يكون الخلاص»(172). وهكذا فإن الكل يطلب الخلاص عندما تعترض سيرته العقبات والمشاكل، وتصيبه الهموم والمنغصات، وتختلف وسائل الخلاص وفقاً لاختلاف الفكر والقدرة والعقيدة، والمؤمن لا يجد وسيلة أنجع في درء المعضلات والتخلص من مهاوي الخطأ والخطيئة، من اللوذ بملاذ الله جل وعلا، وملاذ أوليائه المطهرين عليهم السلام، ففي الاستجارة بالله وبهم ملاذ حصين من كل شدة ومكروه، ومتى أخلص المؤمن بالاستجارة والاستغاثة وجد في الله تعالى وفي أوليائه خير مجير ومغيث.

اذهب إلى الهند

كان أحد طلاب العلوم الدينية في النجف الأشرف قد ابتلي بقروض كثيرة ولم يكن له سبيل لأدائها إلا بالتوسل إلى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بإلحاح، فرأى ليلاً الإمام عليه السلام وقال له: «اذهب إلى الهند قاصداً الرجل الفلاني وقل له هذا الشطر، والذي مضمونه:

لارتفعت هذه الذرة وصارت تشع كالشمس(173)

وقصد الهند مع مشقة السفر الطويلة حتى وصل إلى ذلك الرجل، فأنشد له هذا الشطر، ونقل له قصة قرضه ورؤياه الإمام عليه السلام في النجف الأشرف في المنام، فاستحسن الرجل شطره استحساناً كبيراً وأعطاه مالاً

كثيراً وقال: إني قلت شطراً وتحيرت في الشطر الثاني وقد مرّت عليّ مدّة طويلة وأنا متحير في هذا الشطر، أما الشطر الذي قلته _ مضمونه _:

لو أن أبا تراب عليه السلام نظر إلى ذرة بلطف(174)

فتبين أن الإمام عليه السلام أكمله بشطر من عنده عليه السلام.

مسَّه الإمام عليه السلام فلم يحترق!!

نقل السيد بهاء الدين علي بن السيد عبد الكريم النيلي النجفي في كتابه (الأنوار المضيئة) عن والده حكاية عجيبة، قال: إن رجلاً يقال له: محمد بن أبي أذينة كان يتولى مسجد قرية لنا تسمى (قرية نيلة) انقطع يوماً في بيته، فاستحضروه فلم يتمكن من الحضور، فسألوه عن السبب، فكشف لهم عن بدنه فإذا هو إلى وسطه ما عدا جانبي وركيه إلى طرفي ركبيته محترق بالنار، وقد أصابه من ذلك ألم شديد فلا يمكنه القرار، فقالوا: متى حصل ذلك لك؟ قال: اعلموا أنني رأيت في نومي كأن الساعة قد قامت والناس في هرج عظيم، وأكثرهم يساق إلى النار وأقلهم إلى الجنة، فكنت مع من سيق إلى الجنة، فانتهى بنا المسير إلى قنطرة عظيمة في العرض والطول، فقيل: هذا الصراط، فسرنا عليها فإذا هي كلَّما سلكنا فيها قلَّ عرضها وزاد طولها، فلم نبرح كذلك ونحن نسير حتى صارت كحد السيف، وإذا تحتها واد عظيم أوسع ما يكون من الأودية، تجري فيه نار سوداء يتقلقل فيها جمر كرؤوس الجبال، والناس ما بين ناج وساقط، فلم أزل أميل من جهة إلى جهة، حتى انتهيت إلى قريب من آخر القنظرة، فلم أتمالك حتى سقطت من عليها، فخضت في تلك النار حتى انتهيت إلى الجرف، فكنت كلما أتشبَّث بشيء لم يتماسك في يدي، والنار تحدرني بقوة جريانها، وأنا أستغيث وقد انذهلت وطار عقلي وذهب

لبي، فألهمت فقلت: يا علي بن أبي طالب، فنظرت فإذا رجل واقف على شفير الوادي، فوقع في روعي أنه الإمام علي عليه السلام، فقلت: يا سيدي يا أمير المؤمنين، فقال: «هات يدك»، فمددت يدي، فقبض عليها وجذبني، وألقاني على الجرف، ثم أماط النار عن وركي بيده الشريفة، فانتبهت مرعوباً وأنا كما ترون، لم يسلم من النار إلا ما مسه الإمام عليه السلام.

نعم إن الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام يوصي المؤمنين قائلاً: «عليكم بإخلاص الإيمان فإنه السبيل إلى الجنة والنجاة من النار»(175).

الرؤيا الصادقة

نقل لي شخص سعودي عندما اندلعت الاضطرابات والمظاهرات في السعودية سنة (1400ه_) قائلا: ذهبت إلى مدينة كربلاء المقدسة للزيارة وكان ولدي الكبير باقياً في السعودية، فاتخذت مكاناً في أحد الفنادق حتى إذا انتصف الليل قامت زوجتي وأخذت تهلهل بصوت عالٍ، وكلما حاولت إسكاتها لم أنجح، مما دفعني أن أعتقد بإصابتها بالجنون، وبعد أن هدأت واستقرت قالت: إن ولدي قد قتل في السعودية ثم أخذت في بكاء شديد ولما سألتها عن دليل قولها، قالت: رأيت ولدي قد دخل حرم الإمام الحسين عليه السلام، واستقبله الإمام بكل حفاوة وهذا لايكون إلا لأنه مقتول، وفي اليوم التالي تلقيت مكالمة هاتفية من القطيف وتم إخباري أن ولدي قتل في المظاهرات، حيث أطلقت الحكومة أسلحتها فسقط جماعة ومنهم ولدي. يقول أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام: «ما ارتاب مخلص ولا شك موقن»(176)، فإن إخلاص زوجة هذا الرجل جعلها لا تشك ولا ترتاب في حقيقة رؤياها.

الطفل الأعمى وبركات زينب عليها السلام

كان أحد الأطفال أعمى وهو في سن السادسة من العمر يرتاد المجالس الحسينية بصحبة خاله، وفي أحد أيام محرم الحرام كان المجلس الحسيني منعقداً في دار خاله، وكان الجو حاراً فأرادوا أن يوزعوا بعض المرطبات، فأصر الطفل الأعمى أن يقوم هو بتوزيعها بمساعدة شخص آخر، وبينما كانا يوزعان تلك المرطبات وصل الخطيب إلى ذكر مصيبة أم المصائب الحوراء زينب عليها السلام، فتأثر هذا الطفل كثيراً وبكى بحرقة شديدة حتى أغمي عليه، فرأى وهو في تلك الحال أن السيدة زينب عليها السلام رفعت يدها المباركة ومست عينيه الاثنتين وقالت: «شفيت تماماً ولن تمرض عيناك بعد اليوم»، وحين صحا من الغيبوبة وجد أن بصره قد رد إليه ببركة هذه السيدة العظيمة عليها السلام.

وحين كبر هذا الطفل اشتغل

في أحد المختبرات الطبية، وفي أحد الأيام كان يقوم بعمله المختبري وإلى جانبه إناء مملوء بمادة الكحول وهو لا يدري به، فأشعل عود كبريت فانفجر الإناء وانهمر عليه الكحول المحترق فأحرق جسمه كله إلا عينيه اللتين لامستهما يد الحوراء زينب عليها السلام.

أصعده جبرائيل وأنزلناه نحن

كان الوالد رحمة الله عليه في أيام شبابه في سامراء مع الذين يعملون في خدمة مآتم الإمام الحسين عليه السلام فيغلّفون جدران الحسينية بأقمشة سوداء وغير ذلك، قال رحمة الله عليه: ذات يوم ارتقيت السلم لأغلف الحسينية فسقطت أرضاً لكن لم يصبني شيء وفي الوقت نفسه الذي سقطت فيه رأت والدتي في المنام كما حدثتنا بعد ذلك أن الخمسة الطيبة أصحاب الكساء عليهم السلام قالوا لها: إن ولدك لا بأس عليه فقد أصعده جبرائيل عليه السلام وأنزلناه نحن إلى الأرض، ونقل لي الوالد رحمة الله عليه أنه لم يصبه أذى مما سبّب الاستغراب.

ولمثل هذه الكرامات الفريدة يقود الإخلاص النابض من الأعماق، يقول أمير المؤمنين عليه السلام: «آفة العمل ترك الإخلاص»(177). وكان أمير المؤمنين عليه السلام صادقاً في هذا القول وفي كل ما قاله، فإن لكل شيء في هذه الحياة آفة تكدر صفاءه وتنقص كماله، فآفة الغنى البطر، وآفة الحلم الجزع، وآفة الصبر الاستسلام، وكذلك العمل تعتريه آفة عدم الإخلاص.

كنا حاضرين عند منبر النبي صلي الله عليه و اله

نقل السيد الوالد رحمة الله عليه عن الحاج ميرزا حسين النوري رحمة الله عليه(178).

قال: كنت أنا في بلدة (نور) في إيران أكتب الأحاديث، وكنت خرج كل ليلة إلى منطقة مزروعة هناك، وأكتب في غرفة مهيأة للزرّاع وكنت أُغلِقَ الباب على نفسي وأجلس للكتابة، وفي ذات ليلة وأنا أكتب رأيت أن الباب انفتح تلقائياً، ودخل نفران يرتديان البياض لا يشبهان الإنسان فسلما وقالا لي: ماذا تكتب؟

قلت: أكتب الأحاديث.

قالا: وما هو الحديث الذي تكتبه الآن؟

قلت: قصة الغدير وخطبة رسول الله صلي الله عليه و اله في حجة الوداع.

قالا: اقرأ.

فأخذت أقرأ حديث الغدير فصححا بعض الكلمات فيها قائلين: نحن كنا حاضرَينِ زمن حدوث القصة عند منبر

النبي الأعظم صلي الله عليه و اله وسمعناه هكذا يقول.

قال الوالد رحمة الله عليه: وذكر الحاج النوري النسخة التي ذكراها في حاشية الكتاب، وأقسم أنه سمع الخطبة ممن سمعها عن رسول الله صلي الله عليه و اله مباشرةً.

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «ما أخلص عبد لله عزوجل أربعين صباحاً إلا جرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه»(179).

أجل، ليس هناك مسافة وفرق بين الحكمة والإخلاص، فالحكيم مخلص ولكن ليس كل مخلص حكيماً، لأن الحكمة شرطها الإخلاص، ولأن العلاقة بين القلب واللسان، واليد والسلوك، والفكر والعمل، علاقة حميمية لا تنفصل، وبغير وجود هذه العلاقة يظهر الرياء والانفصام، وتصبح الحكمة فذلكة فارغة.

وبعبارة أخرى أن الحكمة حين تفقد الإخلاص فإنها تفقد جانبها العملي، وتصبح مجرد أقاويل، ومهما كان طلاؤها مزخرفاً وجميلا فلن يجعل منها حقيقة أبداً.

رؤية الجن

نقل عن المرحوم السيد محمد الصدر رحمة الله عليه الذي كان يسكن كربلاء المقدسة، وهو من رجال الدين الأخيار، قال: كنت أحضر دروس الحاج ميرزا حسين الحاج ميرزا خليل(180) وفي يوم من الأيام جاء رجل وقال: إن بيت_ي تسكنه الجن، وجئت إليكم لأطلب منكم دعاء حتى أكفى هذه المؤونة، فقال له الحاج ميرزا حسين: اذهب إلى سطح دارك أول الصباح، وتوجّه إلى القبلة وقل: يا أيها الجن، الحاج ميرزا حسين يأمركم أن تكفوا عني، فذهب الرجل وفعل ما أمره.

قال السيد الصدر: وكنت قد سمعت أن الحاج له تسخير الجن فسألته: كيف قلت هذا، هل لك تسخير الجن؟

قال: لا ليس لي تسخير الجن وإنما حدثت لي قصة وهي أني كنت أذهب إلى مسجد السهلة(181) في الليالي السالفة وفي سرداب هناك كنت أصلي وأقرأ الدعاء وذات ليلة جاءني شخص في الظلام

وجلس على سجادتي، ولما أتممت الصلاة قلت له من أنت؟

قال: أنا جني من مقلديك جئت إليك لأنظر هل عندك أمر فأتبعه. فقلت له: هل في الجن مقلدون؟

قال: نعم، الجن كالإنس فيهم كفار وفيهم مسلمون(182)، ومن المسلمين أتباع العامة وفيهم شيعة، والشيعة فيهم مقلدون وفيهم غير ذلك ممن لا تقليد لهم كفسقة الإنس وأنا من المقلدين لك المتدينين. فقلت: لا.. لا حاجة لي.

قال الجني: نعم بعض الجن المعادون للإنسان يرمون دورهم بالحصى وإذا حدث هذا الشيء لإنسان فقل له: اذهب إلى سطح الدار في وقت الصباح وقل: أيها الجن كفوا عن هذا البيت، فإن لم يكفوا فنحن لهم بالمرصاد.

قال الشيخ: وقد جربت هذا الشيء مراراً فظهرت صحة ما قاله ذلك الجني.

رأيتك وسمعتك تنشد القصيدة

نُقل عن المرحوم آية الله المرعشي النجفي رحمة الله عليه(183)، إنه قال: توسلت في إحدى الليالي أن أرى في منامي أحد أولياء الله، فرأيت في تلك الليلة في عالم الرؤيا كأني جالس في مسجد الكوفة، بحضور أمير المؤمنين عليه السلام وجمع من الناس كانوا حاضرين، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: «ائتوني بشعراء أهل بيتنا».

فرأيت قد جيء إليه ببعض شعراء العرب، ثم قال عليه السلام: «ائتوني بشعراء الفرس»، فرأيت قد جيء إليه بمحتشم الكاشان_ي وعدد من شعراء الفرس. فقال عليه السلام: «جيئوني بشهريار»، فجاء شهريار(184)، فوجه عليه السلام خطابه إليه، قائلا: «اقرأ أشعارك»، فقرأ شهريار أبياتاً هذه ترجمتها:

يا علي يا ملك الرحمة، أيّ آية من آيات الله أنت؟

وقد ألقيتَ على الكل أجنحة الرحمة، فالكل استظل بظلك

أيها القلب إذ هُديتَ لمعرفة الله، فتراها في وجه علي

فو الله إنني عرفت الله بعليٍّ وهو سبب هدايتي إلى الله(185)

قال السيد المرعشي رحمة الله عليه: فلما انتهى شهريار

من إلقاء شعره، استيقظت من نومي، وبما أني لم أر شهريار، سألت صباح ذلك اليوم عنه، وقلت من هو شهريار؟.

قالوا: شاعر يسكن تبريز، قلت: وجهوا له الدعوة من قبلي أن يأتينا إلى قم المقدسة.

ولم تمض أيام إلا وشهريار قد قدم إلينا، فرأيته نفس الشخص الذي أبصرته في منامي وهو يلقي أشعاره بحضرة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، فسألت منه: متى نظمت هذا الشعر:

يا علي يا ملك الرحمة، أيّ آية من آيات الله أنت؟

فتعجب شهريار من سؤالي هذا، وقال: من أين عرفت أني نظمت هذا الشعر؟! فإني لم أعط هذا الشعر لأحد، ولم يسبق لي أن تحدثت مع أحد بشأنه، ولم يعلم به أحد قط.

فقال له السيد المرعشي رحمة الله عليه: رأيتك وسمعت هذا الشعر منك في المنام، وقد أنشدته بحضرة أمير المؤمنين عليه السلام، فتغير وجه شهريار وأخذته الدهشة والاستغراب وقال: أنا نظمت هذه الأشعار في الليلة الفلانية، فلما عين السيد المرعشي رحمة الله عليه تاريخ وساعة إنشاد الشعر في المنام، ظهر أن ذلك كان مطابقاً للتاريخ الذي انتهى فيه نظم آخر بيت شعري من تلك القصيدة من قبل شهريار.. انتهى كلام السيد المرعشي رحمة الله عليه.

وعرف فيما بعد هذا اللقاء أن شهريار أخذ ينشر شعره، فتشرف بزيارة مدينة النجف الأشرف سن_ة (1357ه_)، وقد شوهدت هذه الأشعار قد كتبت بخط جميل ووضعت في إطار، وعلقت على الضريح المطهر لأمير المؤمنين عليه السلام.

يقول أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام: «على التواخي في الله تخلص المحبة»(186).

آيات قرآنية في الإخلاص

* *قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآْخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ * قُلْ أَ تُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ

أَعْمالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ*(186).

* *إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً*(187).

* *وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ*(188).

* *إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ*(189).

* *وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا*(190).

* *إِلاَّ عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ*(191).

* *إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ*(192).

* *قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ*(193).

* *قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي*(194).

* *فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ*(195).

* *هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ*(196).

* *وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ*(197).

* *قُلْ أَ تُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ*(198).

* *قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ*(199).

* *إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ*(200).

* *أَلا لله الدِّينُ الْخالِصُ*(201).

وفي هذه الآيات البينات وغيرها تأكيد على الإخلاص، وأمر من أوامر الله التي يجب اتباعها.

ولو لم يكن الإخلاص من الضرورات في حياة الإنسان لما أمر الله تعالى به، إن هذا التأكيد على الإخلاص في آيات كثيرة يدل دلالة قاطعة أن الله سبحانه وتعالى لا يقبل عمل المؤمن من صلاة أو صيام أو زكاة أو حج أو جهاد وغيرها من الأعمال إن لم يكن المؤمن يؤديه لله وحده، مخلصاً له فيه كل الإخلاص، في السر والعلانية، ودون أن تشوب إخلاصه أي شائبة من شوائب الدنيا.

روايات في الإخلاص

* عن النبي المصطفى صلي الله عليه و

اله قال: «قال عزوجل: لا إله إلا الله اسمي، من قاله مخلصاً من قلبه دخل حصني، ومن دخل حصني أمن عذابي»(202).

* وعن أبي ذر الغفاري قال: كنت جالساً عند النبي صلي الله عليه و اله في المسجد إذ أقبل علي عليه السلام فلما رآه مقبلا قال صلي الله عليه و اله: «يا أبا ذر من هذا المقبل؟» فقلت: علي يا رسول الله، فقال: «يا أبا ذر أ تحبه؟» فقلت: إي والله يا رسول الله إني لأحبه وأحب من يحبه، فقال صلي الله عليه و اله: «يا أبا ذر أحب علياً وأحب من أحبه فإن الحجاب الذي بين العبد وبين الله تعالى حبُّ علي بن أبي طالب، يا أبا ذر أحبَّ علياً مخلصاً فما من امرئ أحب علياً مخلصاً وسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه ولا دعا الله إلا لبَّاه»، فقلت: يا رسول الله إني لأجد حب علي بن أبي طالب على كبدي كبارد الماء أو كعسل النحل أو كآية من كتاب الله أتلوها وهو عندي أحلى من العسل، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «نحن الشجرة الطيبة والعروة الوثقى ومحبونا ورقها فمن أراد الدخول إلى الجنة فليستمسك بغصن من أغصانها»(203).

* وعن أبي ذر الغفاري قال: رأيت رسول الله صلي الله عليه و اله يُقبّل الحسن والحسين عليهما السلام وهو يقول: «من أحبَّ الحسن والحسين عليهما السلام وذريتهما مخلصاً لم تلفح النار وجهه ولو كانت ذنوبه بعدد رمل عالج، إلا يكون ذنبه ذنباً يخرجه من الإيمان»(204).

* وعنه صلي الله عليه و اله قال: «إن لكلِّ حقٍّ حقيقة، وما بلغ عبد حقيقة الإخلاص حتى لا يحبّ أن يحمدَ على شيء من عمل لله»(205).

* وعنه صلي

الله عليه و اله قال: «مَن ذكرَ الله في السوق مخلصاً عند غفلة الناس وشُغلهم بما هم فيه كتب الله له ألف حسنة، ويغفر الله له يوم القيامة مغفرة لم تخطر على قلب بشر»(206).

* وعنه صلي الله عليه و اله: «العلماء كلهم هلكى إلا العاملون، والعاملون كلهم هلكى إلا المخلصون، والمخلصون على خطر»(207).

* عن حذيفة بن اليمان قال سألت رسول الله صلي الله عليه و اله عن الإخلاص، فقال: «سألته عن جبرئيل فقال: سألته عن الله تعالى فقال: الإخلاص سر من أسراري استودعته قلب من أحببت من عبادي»(208).

* عن سيدة النساء عليها السلام قالت: «من أصعد إلى الله خالص عبادته أهبط الله عزوجل إليه أفضل مصلحته»(209).

* عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: «المؤمن قريب أمره، بعيد همه، كثير صمته، خالص عمله»(210).

* قال عليه السلام: «إن أفضل ما توسَّل به المتوسِّلون إلى الله سبحانه وتعالى الإيمان به وبرسوله، والجهاد في سبيله، فإنه ذروة الإسلام، وكلمة الإخلاص فإنها الفطرة»(211).

* قال عليه السلام: «هدي من أخلص إيمانه»(212).

* قال عليه السلام: «العمل كله هباء إلا ما أخلص فيه»(213).

* قال عليه السلام: «من رغب فيما عند الله أخلص عمله»(214).

*قال عليه السلام: «العاقل إذا علم عمل، وإذا عمل أخلص، وإذا أخلص اعتزل»(215).

* قال عليه السلام: «من أخلص العمل لم يعدم الأمل»(216).

* قال عليه السلام: «طوبى لمن بادر أجله، وأخلص عمله»(217).

* قال عليه السلام: «السعيد من أخلص الطاعة»(218).

* قال عليه السلام: «فاز بالسعادة من أخلص العبادة»(219).

* قال عليه السلام: «أخلص تنل»(220).

* قال عليه السلام: «من أخلص النية تنزه عن الدنية»(221).

* قال عليه السلام: «من أخلص بلغ الآمال»(222).

* قال عليه السلام: «من أخلص

لله استظهر لمعاشه ومعاده»(223).

* قال عليه السلام: «أخلص لله عملك وعلمك، وحبك وبغضك، وأخذك وتركك، وكلامك وصمتك»(224).

* قال عليه السلام: «من كمال العمل الإخلاص فيه»(225).

* قال عليه السلام: «بالإخلاص ترفع الأعمال»(226).

* قال عليه السلام: «قدموا خيرا تغنموا وأخلصوا أعمالكم تسعدوا»(227).

* قال عليه السلام: «أين الذين أخلصوا أعمالهم لله وطهروا قلوبهم بمواضع ذكر الله»(228).

* قال عليه السلام: «اصدقوا في أقوالكم وأخلصوا في أعمالكم وتزكوا بالورع»(229).

* قال عليه السلام: «إذا استخلص الله عبداً ألهمه الديانة»(230).

* قال عليه السلام: «الإخلاص أعلى الإيمان»(231).

* قال عليه السلام: «جماع الدين في إخلاص العمل، وتقصير الأمل، وبذل الإحسان، والكف عن القبيح»(232).

* قال عليه السلام: «ثلاث هن كمال الدين: الإخلاص، واليقين، والتقنع»(233).

* قال عليه السلام: «الإخلاص غاية الدين»(234).

* قال عليه السلام: «اعلم أن أول الدين التسليم، وآخره الإخلاص»(235).

* قال عليه السلام: «آفة العمل ترك الإخلاص»(236).

* قال عليه السلام: «خير العمل ما صحبه الإخلاص»(237).

* قال عليه السلام: «من كمال العمل الإخلاص فيه»(238).

* قال عليه السلام: «ملاك العمل الإخلاص فيه»(239).

* قال عليه السلام: «صفتان لا يقبل الله سبحانه الأعمال إلا بهما: التقى، والإخلاص»(240).

* قال عليه السلام: «الإخلاص أعلى فوز»(241).

* قال عليه السلام: «من لم يصحب الإخلاص عمله لم يقبل»(242).

* قال عليه السلام: «الإخلاص شيمة أفاضل الناس»(243).

* قال عليه السلام: «الإخلاص عبادة المقربين (المتقين)»(244).

* قال عليه السلام: «الإخلاص أشرف نهاية»(245).

* قال عليه السلام: «الإخلاص ثمرة العبادة»(246).

* قال عليه السلام: «الإخلاص ملاك العبادة»(247).

* قال عليه السلام: «مع الإخلاص ترفع الأعمال»(248).

* قال عليه السلام: «الإخلاص ثمرة اليقين»(249).

* قال عليه السلام: «الإخلاص

غاية»(250).

* قال عليه السلام: «الإخلاص خطر عظيم حتى ينظر بماذا يختم له»(251).

* قال عليه السلام: «الزم الإخلاصَ في السر والعلانية، والخشيةَ في الغيب والشهادة، والقصدَ في الفقر و الغنى، والعدلَ في الرضا والسخط»(252).

* قال عليه السلام: «عليكم بصدق الإخلاص، وحسن اليقين، فإنهما أفضل عبادة المقربين»(253).

* قال عليه السلام: «غاية اليقين الإخلاص»(254).

* قال عليه السلام: «فضيلة العمل الإخلاص فيه»(255).

* قال عليه السلام: «عند تحقق الإخلاص تستنير البصائر»(256).

* قال عليه السلام: «أول الإخلاص اليأس مما في أيدي الناس»(257).

* قال عليه السلام: «كيف يستطيع الإخلاص من يغلبه الهوى»(258).

* قال عليه السلام: «العبادة الخالصة أن لا يرجو الرجل إلا ربه، ولا يخاف إلا ذنبه»(259).

* قال عليه السلام: «سادة أهل الجنة المخلصون»(260).

* قال عليه السلام: «ملوك الجنة الأتقياء والمخلصون»(261).

* قال عليه السلام: «التفكر في ملكوت السماوات والأرض عبادة المخلصين»(262).

* قال عليه السلام: «عليك بالورع فإنه عون الدين، وشيمة المخلصين»(263).

* قال عليه السلام: «عليكم بإخلاص الإيمان فإنه السبيل إلى الجنة، والنجاة من النار»(264).

* قال عليه السلام: «تقرب العبد إلى الله سبحانه بإخلاص نيته»(265).

* قال عليه السلام: «لا يدرك أحد رفعة الآخرة إلا بإخلاص العمل، وتقصير الأمل، ولزوم التقوى»(266).

* قال عليه السلام: «الزهد سجية المخلصين»(267).

* قال عليه السلام: «عليك بإخلاص الدعاء فإنه أخلق بالإجابة»(268).

* قال عليه السلام: «بالإخلاص يكون الخلاص»(269).

* قال عليه السلام: «بالإخلاص يتفاضل العمال»(270).

* قال عليه السلام: «قلل الآمال تخلص لك الأعمال»(271).

* قال عليه السلام: «إن تخلص تفز»(272).

* قال عليه السلام: «على التواخي في الله تخلص المحبة»(273).

* قال عليه السلام: «على قدر قوة الدين يكون خلوص النية»(274).

* قال

عليه السلام: «ما ارتاب مخلص، ولا شك موقن»(275).

* قال عليه السلام: «طوبى لمن أخلص لله العبادة والدعاء، ولم يشغل قلبه بما ترى عيناه، ولم ينس ذكر الله بما تسمع أذناه، ولم يحزن صدره بما أعطي غيره»(276).

* كان من دعائه عليه السلام: «اللهم إني أخلصت بانقطاعي إليك، وأقبلت بكلي عليك، وصرفت وجهي عمن يحتاج إلى رفدك، وقلبت مسألتي عمن لم يستغن عن فضلك، ورأيت أن طلب المحتاج إلى المحتاج سفه من رأيه وضلة من عقله، فكم قد رأيت يا إلهي من أناس طلبوا العز بغيرك فذلوا، وراموا الثروة من سواك فافتقروا، وحاولوا الارتفاع فاتضعوا»(277).

* عن الرضا عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: «قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ما أخلص عبد لله عزوجل أربعين صباحا إلا جرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه»(278).

* عنه عليه السلام قال: «لا صلاة إلا بإسباغ الوضوء، وإحضار النية، وخلوص اليقين، وإفراغ القلب، وترك الأشغال، وهو قوله تعالى: *فَإذَا فرَغْتَ فَانْصَبْ وَإلى رَبِّكَ فَارغَبْ*(279)»(280).

* قال الصادق عليه السلام: «يا إسحاق صانع المنافق بلسانك، وأخلص ودك للمؤمن، وإن جالسك يهودي فأحسن مجالسته»(281).

* عنه عليه السلام قال: «قال لقمان: يا بني أخلص طاعة الله حتى لا تخالطها بشي ء من المعاصي ثم زين الطاعة باتباع أهل الحق فإن طاعتهم متصلة بطاعة الله تعالى»(282).

* عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: «إن لله عزوجل عباداً في الأرض من خالص عباده، ما ين_زل من السماء تحفة إلى الأرض إلا صرفها عنهم إلى غيرهم، ولا بلية إلا صرفها إليهم»(283).

* عنه عليه السلام قال: «من قال لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنة، وإخلاصه أن يحجزه لا إله إلا الله عما حرم الله»(284).

*

عنه عليه السلام في قول الله عزوجل: *حَنِيْفَاً مُسلماً*(285)، قال عليه السلام: «خالصاً مخلصاً لا يشوبه شيء»(286).

* عن جميل بن دراج قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام قال: «خياركم سمحاؤكم، وشراركم بخلاؤكم، ومن خالص الإيمان البر بالإخوان، والسعي في حوائجهم، وإن البار بالإخوان ليحبه الرحمن، وفي ذلك مرغمة للشيطان، وتزحزح عن النيران، ودخول الجنان، يا جميل أخبر بهذا غرر أصحابك»، قلت: جعلت فداك من غرر أصحابي؟ قال عليه السلام: «هم البارون بالإخوان في العسر واليسر»، ثم قال: «يا جميل أما إن صاحب الكثير يهون عليه ذلك، وقد مدح الله عزوجل في ذلك صاحب القليل فقال في كتابه: *يُؤثِرونَ عَلَى أنفُسُهِمْ وَلَو كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأولئِكَ هُمُ المفلِحُونَ*(287)»(288).

* قال الصادق عليه السلام: «لا بد للعبد من خالص النية في كل حركة وسكون، لأنه إذا لم يكن هذا المعنى يكون غافلاً، والغافلون قد وصفهم الله تعالى فقال: *إنْ هُمْ إلاَّ كَالأنعَامِ بَلْ هُمْ أضَلُّ سَبِيْلا*(289) وقال: *وأولئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ*(290)»(291).

* قال عليه السلام: «الإخلاص يجمع فواضل الأعمال، وهو معنى مفتاحه القبول، وتوقيعه الرضا، فمن تقبل الله منه ورضى عنه فهو المخلص وإن قل عمله، ومن لا يتقبل الله منه فليس بمخلص وإن كثر عمله، اعتباراً بآدم عليه السلام وإبليس عليه اللعنة، وعلامة القبول وجود الاستقامة ببذل كل محاب، مع إصابة كل حركة وسكون، والمخلص ذائب روحه، باذل مهجته، في تقويم ما به العلم والأعمال والعامل والمعمول بالعمل، لأنه إذا أدرك ذلك فقد أدرك الكل، وإذا فاته ذلك فاته الكل، وهو تصفية معاني التنزيه في التوحيد، كما قال الأول: هلك العاملون إلا العابدون، وهلك العابدون إلا العالمون، وهلك العالمون إلا الصادقون، وهلك

الصادقون إلا المخلصون، وهلك المخلصون إلا المتقون، وهلك المتقون إلا الموقنون، وإن الموقنين لعلى خطر عظيم، قال الله تعالى: *واعبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأتِيَكَ اليَقِيْنُ*(292)، وأدنى حد الإخلاص بذل العبد طاقته، ثم لا يجعل لعمله عند الله قدراً، فيوجب به على ربه مكافاة لعلمه بعمله أنه لو طالبه بوفاء حق العبودية لعجز، وأدنى مقام المخلص في الدنيا السلامة من جميع الآثام، وفي الآخرة النجاة من النار والفوز بالجنة»(293).

* عنه عليه السلام قال: «قال الله تعالى: أنا خير شريك، من أشرك معي غيري في عمل عمله لم أقبله إلا ما كان لي خالصاً»(294).

* عن أبي جعفر عليه السلام قال: «ما بين الحق والباطل إلا قلة عقل»، قيل: وكيف ذاك يا ابن رسول الله؟ قال عليه السلام: «إن العبد ليعمل العمل الذي هو لله رضا فيريد به غير الله، فلو أنه أخلص لله لجاءه الذي يريد في أسرع من ذلك»(295).

* كان من دعائه عليه السلام: «واجعلني ممن يدعوك مخلصاً في الرخاء دعاء المخلصين المضطرين لك في الدعاء، إنك حميد مجيد»(296).

* عن الرضا عن أبيه عن آبائه عليهم السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: «الدنيا كلها جهل إلا مواضع العلم، والعلم كله حجة إلا ما عمل به، والعمل كله رياء إلا ما كان مخلصاً، والإخلاص على خطر حتى ينظر العبد بما يختم له»(297).

* عن الإمام العسكري عليه السلام قال: «لو جعلت الدنيا كلها لقمة واحدة لقمتها من يعبد الله مخلصاً (خالصاً) لرأيت أني مقصر في حقه، ولو منعت الكافر منها حتى يموت جوعاً وعطشاً ثم أذقته شربة من الماء لرأيت أني قد أسرفت»(298).

الهوامش

(1) غرر الحكم ودرر الكلم: ص197 ح3898.

(2) غرر الحكم ودرر الكلم: ص197 ح3891.

(3)

غرر الحكم ودرر الكلم: ص197 ح3893.

(4) سورة طه: 107.

(5) سورة البينة: 5.

(6) يقول صاحب (منية المريد) ص132: والأمر الجامع للإخلاص تصفية السر عن ملاحظة ما سوى الله تعالى بالعبادة، قال تعالى: *فاعبد الله مخلصا له الدين ألا لله الدين الخالص* سورة الزمر: 1-2، وقال تعالى: *وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة* سورة القيامة: 5.

(7) سورة يوسف: 57.

(8) راجع غوالي اللآلي: ج4 ص101 ح148، وفيه: في الحديث القدسي: »أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر«.

(9) حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمر بن زياد الأنصاري المدني الخزرجي، من الشعراء المشاهير في زمن الجاهلية والإسلام. ويكنى أبا الوليد وأبا عبد الرحمن وأبا الحسام، عاش حسان مائة وعشرين عاماً، ستون منها في الجاهلية وستون

في الإسلام، ولد عام (60) قبل الهجرة (563م) أي قبل عشرين عاماً من عام الفيل، كان يكتسب بشعره في الجاهلية، أما في الإسلام فقد كان شاعر الرسول الأعظم * فكان النبي * يعطيه ويحنو عليه، وما زال يعيش من ذلك حتى ذهب إلى الرفيق الأعلى.

(10) مستدرك الوسائل: ج10 ص396 ح12249.

(11) سورة البقرة: 87، و253.

(12) راجع بحار الأنوار: ج20 ص244 ح9.

(13) مناقب آل أبي طالب: ج1 ص210.

(14) راجع بحار الأنوار: ج67 ص295.

(15) سورة المائدة: 55.

(16) راجع الصراط المستقيم: ج1 ص265.

(17) راجع شواهد التن_زيل: ج1 ص237.

(18) راجع بحار الأنوار: ج21 ص388.

(19) غرر الحكم ودرر الكلم: ص155 ح2898.

(20) هو عبد الله بن رواحة بن امرئ القيس من بني مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج، أسلم عبد الله بن رواحة وشهد بيعة العقبة الثانية سنة (622م) وكان

أحد النقباء الاثني عشر، ثم عمل على نشر الإسلام في المدينة فأصبح عظيم القدر أثيراً عند الرسول *، ولقد زاد في مكانته أنه كان يعرف الكتابة فاتخذه الرسول * كاتباً وكذلك كان شاعراً يرد على المشركين، وكان لعبد الله بن رواحة مقدرة عسكرية ظاهرة، شهد مع الرسول * معركة بدر الكبرى واستشهد في مؤتة في جمادي الأول سنة (8ه_/629م) وهو من الشعراء والرجّاز المحسنين المجيدين.

(21) راجع بحار الأنوار: ج19 ص292.

(22) غرر الحكم ودرر الكلم: ص167 ح3270.

(23) كعب بن زهير بن أبي سلمى، الشاعر الجاهلي المشهور، كان من فحول الشعراء المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، وكان يقال: أشعر الشعراء في الجاهلية زهير، وأشعرهم في الإسلام ابنه كعب.

(24) راجع الدرجات الرفيعة: ص540.

(25) راجع بحار الأنوار: ج38 ص274.

(26) غرر الحكم ودرر الكلم: ص85 ح1380.

(27) النابغة الجعدي هو أبو ليلى حسان بن قيس بن عبد الله بن عمرو بن عدس بن ربيعة بن جعدة بن كعب بن ربيعة، كان سيداً في قومه، قدم على الرسول * سنة (9ه_) وأنشده شعراً فأعجب به الرسول *، ثم شهد معركة صفين مع علي بن أبي طالب عليه السلام وكان في ذلك الحين يسكن الكوفة، وهو شاعر مخضرم مطبوع فصيح يجري في شعره على السليقة، وإنما سمي (النابغة) لأنه أقام مدة لا يقول الشعر، ثم نبغ، فقيل له: (النابغة)، وهو من الشعراء المخضرمين الذين عاشوا في الجاهلية والإسلام، وهو أسنُّ من النابغة الذبياني، وقارب عمره مائة وثمانين سنة.

(28) راجع بحار الأنوار: ج22 ص147 ح140.

(29) راجع كتاب الغيبة للطوسي: ص119.

(30) راجع الدرجات الرفيعة: ص533.

(31) راجع بحار الأنوار: ج22 ص115 ح87.

(32) غرر الحكم ودرر الكلم: ص197 ح3900.

(33) هو أبو عقيل لبيد بن ربيعة بن

مالك بن جعفر بن كلاب العامري، ولد بين عام (540 و545 م)، انتقل إلى الكوفة سنة (14ه_/635م) وفيها توفي سنة (35-38ه_/665-669 م) في أواخر حكومة عثمان بن عفان، وكان من شعراء الجاهلية الأشراف المجيدين ومن أصحاب المعلقات بإجماع الرواة فقد عدّ في أصحاب المعلقات السبع، وكان لبيد في الجاهلية خير شاعر لقومه، وشعره فخم شريف المعاني يدور أكثره على الحماسة والفخر والمديح والرثاء والوصف، وله معلقة بدوية الخصائص.

(34) راجع بحار الأنوار: ج67 ص295.

(35) وهو من الشعراء العرب المسلمين، عاصر الرسول * وعرف بإخلاصه وقوة إيمانه.

(36) راجع بحار الأنوار: ج21 ص2.

(37) غرر الحكم ودرر الكلم: ص198 ح3909.

(38) راجع مستدرك الوسائل: ج6 ص193 ح6744.

(39) هو غالب بن همام، كان أبوه من سراة قومه ومن أجلتهم وسيد بادية تميم وله مناقب مشهورة ومحامد مأثورة، أما جده صعصعة بن ناجية فقد عدّه علماء رجال العامة من الصحابة، وقالوا: كان من أشراف بني تميم ووجوه بني مجاشع، توفي الفرزدق سنة (110ه_).

(40) راجع مستدرك الوسائل: ج16 ص159 ح19465.

(41) راجع بحار الأنوار: ج44 ص383.

(42) راجع وسائل الشيعة: ج20 ص292 ح902.

(43) غرر الحكم ودرر الكلم: ص199 ح3945.

(44) أبو المستهل الكميت بن زيد بن خنيس بن مجالد الأسدي الكوفي، كان من أكابر الشعراء، وأماجد البلغاء، معدوداً من سفراء مولانا الباقر عليه السلام وخاصته، مذكوراً بكل خير عند الطائفة، كان ذا ولاء كبير لأهل البيت *، ولد في سنة (60) وهي سنة شهادة الإمام السبط الشهيد عليه السلام، وما جمع أحد من العرب من مناقبها ومعرفة أنسابها ما جمع الكميت، فمن صحح الكميت نسبه صح، ومن طعن فيه وهن، وكانت في الكميت عشر خصال لم تكن في شاعر قبله: كان خطيب أسد، وفقيه الشيعة،

وحافظ القرآن، وثابت الجنان، وكان كاتباً حسن الخط، وكان نسابةً وكان جدلاً، وهو أول من ناظر في التشيع، وكان رامياً ماهراً، لم يكن في أسد أرمى منه، وكان فارساً وشجاعاً، وكان سخياً ديّناً، استشهد في الكوفة في عهد مروان سنة (126ه_).

(45) راجع الدرجات الرفيعة: ص579.

(46) الكافي: ج8 ص102 ح75.

(47) راجع الكافي: ج8 ص215 ح262.

(48) راجع بحار الأنوار: ج47 ص325 ح21.

(49) راجع القصيدة كاملة في الدرجات الرفيعة: ص564 وما بعدها.

(50) راجع مناقب آل أبي طالب: ج3 ص329.

(51) راجع خلاصة عبقات الأنوار: ج9 ص201.

(52) راجع أصحاب الإمام الصادق عليه السلام لعبد الحسين الشبستري: ج2 ص619.

(53) غرر الحكم ودرر الكلم: ص198 ح3916.

(54) راجع بحار الأنوار: ج47 ص314 ح6.

(55) هو أبو محمّد سفيان بن مصعب العبدي الكوفي، من أصحاب الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام، ومن شعراء أهل البيت * الطاهر، المتزلّفين إليهم بالولاء، وقد ضمَّن شعره غير يسير من مناقب مولانا أمير المؤمنين عليه السلام الشهيرة، ولد سنة (105ه_) وتوفي سنة (178ه_).

(56) بحار الأنوار: ج76 ص293 ح16.

(57) مناقب آل أبي طالب: ج3 ص225.

(58) المناظرات في الإمامة للشيخ عبد الله الحسن: ص275.

(59) غرر الحكم ودرر الكلم: ص155 ح2916.

(60) أبو هاشم إسماعيل بن محمد بن يزيد بن ربيعة، الملقب بالسيد الحميري، هو من كبار شعراء العرب، وكان متميزاً في نظم الشعر وكتابة الأدب، فلم يعرف غيره في الإحاطة بفنون الأشعار، والمهارة في رواية القصص والأخبار، بحيث نقل أن نصوص شعره المقفى بحرف الميم كانت حمل بعير، وكان إذا سئل عنها المكاري وهو أحد الشعراء المشهورين، يقول: هي (ميميات السيد) على سبيل التعظيم لشأنه، إلى أن جعلت هذه اللفظة علماً له، فلا يشتبه به أنه من قريش أو بني هاشم،

فضلاً عن أن الأخص منهما موصوف بالشرف أو السيادة في عرف المتأخرين.

(61) الإباضية: بكسر الهمزة هم أصحاب عبد الله بن إباض الذي خرج في أيام مروان بن محمّد، وكفّروا علياً أمير المؤمنين عليه السلام وأكثر الصحابة، وزعموا أن مخالفيهم في زعمهم هذا كافر.

(62) راجع الغدير: ج2 ص231.

(63) راجع الفصول المختارة للشيخ المفيد: ص299.

(64) هو عماد الدين أبو جعفر محمّد بن أبي القاسم علي الطبري، من علماء الإمامية في القرن السادس، وكتابه (بشارة المصطفى لشيعة المرتضى) في فضائل أهل البيت * يقع في (468) صفحة.

(65) راجع الغدير: ج2 ص269.

(66) راجع الغدير: ج2 ص221.

(67) سورة آل عمران: 106.

(68) راجع الصراط المستقيم: ج3 ص39.

(69) بحار الأنوار: ج47 ص329.

(70) راجع بحار الأنوار: ج6 ص192ح42 وفيه: عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر وعن جعفر * أنهما قالا: »حرام على روح أن تفارق جسدها حتى ترى الخمسة، محمداً وعلياً وفاطمة وحسناً وحسيناً بحيث تقر عينها أو تسخن عينها«.

(71) بحار الأنوار: ج6 ص181.

(72) راجع الأمالي للطوسي: ص628.

(73) راجع الغدير: ج2 ص220.

(74) راجع الأمالي للطوسي: ص133.

(75) غوالي اللآلي: ج4 ص86 ح103.

(76) هو دعبل بن علي بن رزين بن عثمان بن عبد الرحمن بن عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي، عربي قحطاني ويكنى (أبا علي)، ولد سنة (148ه_) ولم يعرف مكان ولادته بالضبط، وكانت أسرته في الأصل من الكوفة أو من قرقيسيا (بلدة على نهر الخابور في الفرات) والمعروف أنه كوفي وقد قضى سني حداثته في الكوفة، تتلمذ وتخرج في الشعر على مسلم بن الوليد الشاعر، وهو الذي شجعه على قول الشعر، غادر الكوفة واستوطن بغداد أيام هارون فكانت دار إقامته وعاصر خمسة حكام عباسيين هم: هارون والمأمون والمعتصم والواثق والمتوكل، وتوفي

سنة (246ه_) وله قبر يزار في مدينة (شوش) بالقرب من قبر نبي الله دانيال عليه السلام، عاش (97) سنة.

(77) راجع الأعلام للزركلي: ص339.

(78) راجع بحار الأنوار: ج49 ص260 ح15.

(79) مستدرك الوسائل: ج10 ص386 ح12236.

(80) راجع القصيدة كاملة في بحار الأنوار: ج49 ص245 ح13.

(81) عيون أخبار الرضا: ج1 ص281.

(82) عيون أخبار الرضا: ج1 ص298.

(83) غرر الحكم ودرر الكلم: ص197 ح3894.

(84) هو أبو جعفر عبد الله بن محمّد بن علي بن عبد الله بن العبّاس بن عبد المطلب بن هاشم، ثاني حكام بني العبّاس بعد أخيه أبي العبّاس السفاح، وقد مكث في الحكم اثنين وعشرين سنة (من سنة 136ه_ وحتى سنة 158ه_)، معاصراً في هذه المدة للإمام جعفر الصادق عليه السلام الذي قتل مسموماً في المدينة المنورة سنة (148ه_)، ثم للإمام موسى الكاظم عليه السلام، وفي عهده تم إنشاء مدينة بغداد، أما لقبه (الدوانيقي) فقد جاءه من شدة بخله، حيث قيل إنه كان يحاسب العمال والصناع على الحبات والدوانيق، والدانق عملة نقدية صغيرة كانت رائجة في ذلك الزمان.

(85) راجع بحار الأنوار: ج48 ص108.

(86) غرر الحكم ودرر الكلم: ص155 ح2920.

(87) أبو نواس الحسن بن هاني بن عبد الأول، ولد في الأهواز في الجنوب الغربي من بلاد فارس سنة (145ه_ = 757م)، كان قليل الاهتمام بالشعوبية التي كانت ثائرة في أيامه، ولم يكن متعصباً للعرب على الفرس ولا لغير العرب على العرب،

وهو شاعر الخمر، كان نديماً لمحمد الأمين بن هارون العبّاسي من زوجته زبيدة، قيل: هو في الطبقة الأولى من المولدين، وكان للمحدثين مثل امرئ القيس للشعراء السابقين، توفي سنة (199ه_ / 813م)، ودفن في مقابر الشونيزي، راجع الذريعة: ج9 ص51.

(88) راجع الأعلام للزركلي: ج2 ص225.

(89) راجع بشارة

المصطفى: ص133.

(90) راجع بحار الأنوار: ج49 ص236 ح5.

(91) راجع بحار الأنوار: ج49 ص236 ح4.

(92) إبراهيم بن العباس الصولي بن محمد بن صول الكاتب مولى يزيد بن المهلب، ولد سنة (176 أو 167ه_) ومات للنصف من شعبان سنة (243ه_) بسامراء، وأصله من خراسان وهو رجل تركي، وقيل إنه منسوب إلى (صول) بعض ضياع جرجان.

وفي أنساب السمعاني: ج3 ص567 هذه النسبة إلى (صول) وهو اسم لبعض أجداد المنتسب إليه، و(صول) مدينة بباب الأبواب، قال بعض القدماء:

في لَيلِ صُولٍ تَنَاهَى العَرضُ وَالطُّولُ

كَأنَّما صُبحُهُ بِالحشْرِ مَوصُولُ

كان كاتباً حاذقاً، بليغاً، فصيحاً، منشئاً، نقل عنه أنه كان من أبلغ الناس في الكتابة ثم صار كلامه مثلاً، ونقل أنه أحد البلغاء والشعراء الفصحاء وعدّوه من شعراء الشيعة ومادحي أهل البيت *.

(93) راجع عيون أخبار الرضا: ج1 ص154.

(94) الكافي: ج2 ص16 ح3.

(95) أبو الفوارس سعد بن محمد بن سعد بن صيفي التميمي، المعروف ب_(حيص بيص)، شاعر متفرد مشهور، أبدع في نظم الشعر مع جزالة لفظه، وله رسائل فصيحة بليغة، وأخذ الناس عنه أدباً وفضلاً كثيراً، وكان من أخبر الناس بأشعار العرب، واختلاف لهجاتهم، وكان لا يخاطب أحداً إلا بالكلام العربي، وكان يلبس زي العرب، ويتقلد سيفاً، وإنما قيل له: (حيص بيص)، لأنه رأى الناس يوماً في حركة مزعجة وأمر شديد، فقال: ما للناس في حيص بيص، فبقي عليه هذا اللقب ملازماً، ومعنى هاتين الكلمتين: الشدة والاختلاط، تقول العرب: وقع الناس في حيص بيص أي في شدة واختلاط، وكانت وفاته ليلة الأربعاء الموافق للسادس من شعبان سنة (574 ه_) ببغداد، ودفن في اليوم التالي بالجانب الغربي في مقابر قريش، وكان إذا سُئل عن عمره؟ يقول: أنا أعيش في الدنيا مجازفة، لأنه كان لا

يحفظ تاريخ مولده، وكان يزعم أنه من ولد أكثم بن صيفي التميمي حكيم العرب.

(96) راجع الذريعة: ج24 ص119.

(97) غرر الحكم ودرر الكلم: ص198 ح3914.

(98) راجع مناقب آل أبي طالب: ج2 ص62.

(99) هو السيد الجليل زين الدين علي بن عبد الحميد النيلي النجفي الحسيني، أستاذ العلامة ابن فهد الحلي المتوفى سنة (844ه_).

(100) هو أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن الحجاج النيلي البغدادي، الكاتب الفاضل الأديب الشاعر، من شعراء أهل البيت *، كان معاصراً للسيدين المرتضى والرضى(رحمهما الله تعالى)، وقد توفي سنة (391ه_)، وله ديوان شعر كبير وجمع الشريف الرضي المختار من شعره سماه (الحسن من شعر الحسين) ومن شعره القصيدة الفائية المعروفة:

يَا صَاحِبَ القُبَّةِ البَيضَاءِ في النَّجَفِ

مَنْ زَارَ قبركَ وَاسْتَشفَى لَدَيكَ شُفِي

كان من شعراء أهل البيت المتجاهرين بحبهم وبغض أعدائهم، وله ديوان كبير جداً في عدة مجلدات، ومن جملة حكاياته الغريبة الدالة على جلالة قدره، وعظم من_زلته عند أهل بيت العصمة *.

(101) الأنوار المضيئة: ج3 ص160.

(102) غرر الحكم ودرر الكلم: ص198 ح3912.

(103) هو السلطان مسعود بن بويه الديلمي الذي بنى سور مشهد النجف الأشرف، وفرغ من تعمير القبة الزاكية وجصص خارجها وداخلها.

(104) راجع الغدير: ج4 ص88 وما بعدها.

(105) سورة الكهف: 18.

(106) علي بن عبد الله بن وصيف أبو الحسين الحلاء، المعروف بالناشيء الصغير، ولد سنة (271ه_)، وكان من متكلمي الشيعة الإمامية الفضلاء، وله شعر مدون، توفي سنة (366ه_).

(107) ولد سنة (296ه_) وتوفي سنة (384ه_).

(108) هو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكندي الكوفي المعروف بأبي الطيب المتنبي، ولد بالكوفة سنة (303ه_)، لازم فترة طويلة الأمير سيف الدولة الحمداني، ثم انتقل إلى مصر ومدح فيها كافور الإخشيدي، ثم خرج إلى العراق والري

وخراسان، مادحاً الأمراء والملوك بشعر قلَّ نظيره، قتل سنة (354ه_) بضيعة قرب النعمانية في واسط ودفن هناك، قال وقد عيب على ترك مدح أمير المؤمنين عليه السلام لفترة طويلة:

وتركت مدحي للوصي تعمداً

إذ كان نوراً مستطيلاً شاملا

وإذا استطال الشيء قام بنفسه

وصفات ضوء الشمس تذهب باطلا

(109) راجع الغدير: ج4 ص25.

(110) راجع مناقب آل أبي طالب: ج1 ص337.

(111) راجع مناقب آل أبي طالب: ج1 ص402.

(112) ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي، (574-626ه_/1178-1229م)، مؤرخ، من أئمة الجغرافيين، له العديد من الكتب، أهمها: (معجم البلدان) الذي يعرف ب_ (معجم الأدباء).

(113) راجع الغدير: ج4 ص30.

(114) غرر الحكم ودرر الكلم: ص155 ح2896.

(115) أصل البيت باللغة الفارسية هو:

خطى كه يك رقمش آبروى نه چمن است

نشان خاتم سلطان دين أبو الحسن است

(116) غرر الحكم ودرر الكلم: ص197 ح3902.

(117) هو الميرزا رضا قلي خان بن محمّد هادي النوري رحمة الله عليه، نزيل طهران، الملقب في شعره ب_(هدايت)، المولود سنة (1215ه_)، والمتوفى سنة (1288ه_).

(118) غرر الحكم ودرر الكلم: ص193ح3755.

(119) هو الحاج المولى علي بن عبد العظيم الواعظ الخياباني التبريزي رحمة الله عليه، المولود سنة (1296ه_)، والمتوفى سنة (1373ه_)، مؤرخ وأديب، من آثاره: (وقائع الأيام) في عدة مجلدات، و(منتخب المقاصد ومنتجب الفوائد) في ستة مجلدات، و(ريحانة الأدب)، وغيرها من الكتب.

(120) هو الميرزا عبد الحسين خان بن الميرزا محمّد حسين بن عبد الكريم الزنوزي

التبريزي رحمة الله عليه مؤلف كتاب (مطارح الأنظار في طبقات أطباء الأعصار)، وكتاب (تاريخ تبريز).

(121) راجع اللمعة البيضاء: ص517.

(122) غرر الحكم ودرر الكلم: ص155 ح2911.

(123) هو الشاه عباس الصفوي المولود سنة (1571ه_) وهو من أولاد السلطان محمد المكفوف المعروف ب_(خداي بندة)، وهو الذي ضم ولاية بغداد وكربلاء والنجف والموصل وديار بكر، وعقد

صلحاً مع العثمانيين، وانصرف إلى تنظيم الدولة وإنشاء الجسور والمساجد، وأكرم العلماء وأحسن السياسة، ونقل العاصمة من قزوين إلى أصفهان، وكان من محبي آل البيت ويعظم الشعائر، وهو الذي بنى ورمم صحن الإمام علي عليه السلام وهو الذي أمر الكافي بشرح كتاب (الصافي) فشرح فيه جميع أبواب الأصول والفروع في مدة عشرين سنة، توفي الشاه عباس سنة (1629ه_).

(124) غرر الحكم ودرر الكلم: ص155 ح2895.

(125) سورة الرحمن: 60.

(126) أصل البيت باللغة الفارسية هو:

ناجي أگر معامله حشر با علي است

از من شنو هر آنجه تواني گناه كن

(127) أصل البيت باللغة الفارسية هو:

ناجي أگر معامله حشر با علي است

شرم از رخ علي كن وكمتر گناه كن

(128) المولى حسن الكاشي الأصل الآملي مادح أهل البيت * أصله من كاشان ومولده ومسكنه في (آمل)، من أهل أواخر المائة السابعة أو أوائل الثامنة، ولم يعلم تاريخ وفاته، قبره على المشهور في حجرة وراء الشباك المشرف على السوق العتيق بالكاظمية قريباً من المقبرة المشهورة للسيد المرتضى، وهو من مشاهير شعراء الفرس، فاضل محقق مدقق شاعر منشئ ماهر جليل القدر نشر مذهب الشيعة، وهو من معاصري العلامة الكاظمي، راجع الذريعة: ج2 ص391.

(129) هو العلامة الحسين بن يوسف بن المطهر الحلي الأسدي عالم الشيعة وإمامهم ومصنفهم، كان آية في الذكاء، شرح مختصر ابن الحاجب شرحاً جيداً سهل المأخذ غاية في الإيضاح، واشتهرت تصانيفه في حياته، رافق السلطان محمّد خدابنده مدة من حياته، وعلى يديه انتشر مذهب الإمامية انتشاراً واسعاً في بلاد فارس، انقطع رحمة الله عليه آخر عمره إلى الحلة موطنه الأصلي وتوفي فيها عن ثمانين سنة في محرم عام (726ه_).

(130) هو السلطان محمّد خدابنده أولجاتيو، المتوفى سنة (717 أو 719ه_)، كان

ذا صفات جليلة وخصال حميدة، وفَّقه الله لاعتناق مذهب الإمامية بعد مناظرة جرت في حضرته بين علماء العامة والعلامة الحلي، وبذلك انتشر مذهب التشيع في بلاد فارس، وللمزيد راجع إيضاح الاشتباه للعلامة الحلي: ص42.

(131) غرر الحكم ودرر الكلم: ص198 ح3911.

(132) هو الشيخ محمد حسين بن المرحوم الحاج محمد معصوم القندهاري رحمة الله عليه القزويني الأصل الحائري المنشأ والتحصيل، والشيرازي الموطن والخاتمة، كان فاضلاً نبيلاً ومجتهداً جليلاً، له مؤلفات عديدة منها: (مصابيح الهداية في شرح البداية)، و(رياض الشهادة في ذكر مصائب السادة) و(نور العين) ويشتمل على 40 مجلساً في ذكر آل البيت *.

(133) هو الشيخ المولى علي بن فتح الله النهاوندي النجفي رحمة الله عليه، علامة كبير ومحقق جليل، لازم في النجف الأشرف العلامة الشيخ مرتضى الأنصاري رحمة الله عليه، ثم سافر إلى زيارة الإمام الرضا عليه السلام فبقي هناك ملازماً درس الشيخ نصر الله الشيرازي ، وبعد فترة عاد إلى النجف الأشرف وعقد حلقة درس خاصة به، وكان من أجل تلامذته الميرزا حبيب الله الرشتي رحمة الله عليه. هذا وقد ابتلي أواخر عمره بمرض البواسير والرعشة وكان مع تلك الحالة في غاية الاحتياط، واشتد به المرض فترك الدرس ولازم بيته إلى أن توفي سنة (1308ه_)، له كتاب (تشريع الأصول الصغير) وكتاب (تشريع الأصول الكبيير) وكتاب (رواشح الأصول).

(134) هو العلامة محمّد باقر بن مقصود علي الأصفهاني الملقب بالمجلسي رحمة الله عليه، من مشاهير العلماء والمحدثين ومن كبار فقهاء الشيعة، كانت إليه زعامة الحوزات العلمية على عهد الصفوية، عمدة كتبه كتاب (بحار الأنوار)، ولد سنة (1037ه_=1627م)، وتوفي سنة (1111ه_=1700م)، ودفن في الجامع العتيق في مدينة أصفهان.

(135) هو العالم الفاضل المولى محمد المحسن بن المرتضى الفيض الكاشاني

رحمة الله عليه مؤلف كتاب (الوافي) و(مفاتيح الشرائع) و(المحجة البيضاء) وغيرها، ومن تلاميذ السيد ماجد البحراني في الفقه والحديث، ولد سنة (1007ه_)، وتوفي سنة (1091ه_).

(136) هو السيد إسماعيل بن السيد صدر الدين العاملي رحمة الله عليه، من أعاظم العلماء وأكبر المراجع، ولد في أصفهان سنة (1258ه_)، ونشأ فيها، وتعلم على يد العلامة الشيخ محمد باقر الأصفهاني، وسافر إلى النجف عام (1271ه_)، ثم هاجر إلى سامراء عام (1314ه_)، توفي عام (1338ه_) ودفن في الكاظمية.

(137) آية الله العظمى السيد محمد حسن الشيرازي رحمة الله عليه، المشهور بالمجدد، عميد أُسرة الشيرازي، ولد في 15 جمادى الأولى (1230ه_)، هاج_ر إل_ى النجف الأشرف سنة (1259ه_) ثم إلى سامراء (1291ه_) . تتلمذ عند العلماء الأعلام أمثال السيد حسن المدرس والمحقّق الكلباسي وصاحب الجواهر والشيخ الأنصاري. آلت إليه المرجعية سنة (1281ه_) بعد وفاة أستاذه الشيخ الأنصاري. قارع الاستعمار البريطاني في ثورته المعروفة (التنباك) والتي أيقظت العالم الإسلامي وأعطته الوعي السياسي في تاريخه الحديث، فقد تنبه المسلمون بفضلها إلى الأخطار التي يسببها النفوذ الأجنبي في بلادهم. ووقف كذلك بوجه الفتنة الطائفية التي أحدثها ملك أفغانستان عبد الرحمن خان حيث أخذ يقتل الشيعة ويجعل من رؤوسهم منائر في كل مكان. وقد تسالم المؤرخون على وصفه: إماماً عالماً فقيها ماهراً محقّقا رئيساً دينياً عاماً وورعاً نقياً، ثاقب الفكر، بعيد النظر، مصيب الرأي، صائب الفراسة، يوقِّر الكبير ويحنو على الصغير، ويرفق بالضعيف، أعجوبة في أحاديثه وسعة مادته وجودة قريحته.

(138) هو الشيخ جعفر بن المولى حسين بن الحسن بن علي بن علي بن الحسين رحمة الله عليه الشهير بالنجار، وسمي بالشوشتري نسبة إلى مدينة (شوشتر) الإيرانية والتي يسمِّيها العرب (تُستَر)، من أعاظم علماء عصره وأجلهم فقهاً

وديناً، من كتبه: (منهج الرشاد)، و(الخصائص الحسينية)، و(فوائد المشاهد)، توفي عام (1303ه_) في كرند، ونقل إلى النجف الأشرف.

(139) هو آية الله العظمى المرحوم السيد آغا حسين القمي رحمة الله عليه، المولود سنة (1282ه_)، فقيه متضلع وأصولي بارع وزعيم روحي، ومن مراجع التقليد الأفذاذ، توفي يوم 14/ربيع الأول (1366ه_).

(140) مضمون هذا البيت:

أن عقل الكل (يقصد الرسول الكريم *) أعطانا الخبر

بأنه الشمس وأن أمير المؤمنين عليه السلام هو القمر

(141) غرر الحكم ودرر الكلم: ص198 ح3917.

(142) هو العلامة السيد حيدر بن سليمان بن داود بن سليمان بن داود رحمة الله عليه المنتهي نسبه إلى زيد الشهيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب *، المعروف ب_(حيدر الحلي)، كان فاضلاً أديباً شاعراً متميزاً في نظمه، موصوفاً بالديانة والعفة، متوقد الذهن ذكي الفطنة. كان عالماً جليلاً وشاعراً مجيداً وكان سيد الأدباء في عصره ولا تخلو قصائده من توسل بالإمام المهدي المنتظر * منها:

مَاتَ التَّصَبُّرُ في انتِظَا

رِكَ أيُّها المحي_ي الشَّرِيعَةْ

فَانْهَضْ فَما أبقَى التَّحمُّلُ

غَيرَ أحشَاءٍ جَزُوعَةْ

ولد بالحلة سنة (1240ه_) تقريباً، وتوفي فيها سنة (1304ه_) وحمل إلى النجف الأشرف فدفن في الصحن الشريف أمام الرأس الشريف.

(143) غرر الحكم ودرر الكلم: ص198 ح3920.

(144) وهو الميرزا محمد شفيع بن محمّد مقيم الشيرازي رحمة الله عليه المعروف ب_(وصال) المولود سنة (1197ه_) والمتوفى سنة (1262ه_) في شيراز، كان من أعاظم الشعراء ومشاهير الأدباء في عصر السلطان فتح علي شاه القاجاري الذي تولى الحكم من عام (1211ه_) وحتى وفاته عام (1250ه_)، وكان وصال فضلاً عن مراتبه العلمية الظاهرية والباطنية، ذا مهارة وإتقان بالخطوط السبعة: النسخ، والنستعليق، والثلث، والرقعة، والريحان، والتعليق، والكوفي، وكان قد كتب كتباً كثيرة بخطوط مختلفة، روي: أنه كتب (67) مصحفاً بخطه

الجميل.

(145) أصل البيت باللغة الفارسية هو:

در تاب رفت وطشت به بر خواند وناله كرد

آن طشت را زخون جگر باغ لاله كرد

(146) أصل البيتين باللغة الفارسية هو:

خوني كه خورد در همسه عمر از گلو بريخت

دل را تهي زخون دل چند ساله كرد

زينب كشيد معجر وآه از جگر كشي__د

كلثوم زد به سينه واز درد ناله كرد

(147) العلامة الشيخ عبد الحسين بن أحمد الأميني (1320-1390ه_)؛ مؤرخ أديب من فقهاء الإمامية، مولده ووفاته بإيران، نشأ وأقام بالنجف الأشرف وأسس فيها مكتبة عامة كبرى وسماها ب_ (مكتبة أمير المؤمنين عليه السلام)، وصنف كتباً مطبوعة، منها: (شهداء الفضيلة) و(الغدير) و(أدب الزائر) و(رياض الأنس) في التفسير و(سيرتنا وسنتنا).

(148) هو أبو الحسن علي بن عبد العزيز بن أبي محمد الخليعي الموصلي الحلي، توفي في حدود سنة (850ه_) بالحلة وله قبر يزار، كان فاضلاً مشاركاً في الفنون، أديباً شاعراً. له ديوان ليس فيه إلا مدح الأئمة *، أصęǠمن الموصل وسكن الحلة ومات بها ودفن في إحدى بساتين (الجامعين) بين مقام الإمام الصادق عليه السلام وقبر رضي الدين بن طاووس على مقربة من باب النجف الذي يسميه الحليون (باب المشهد) وعلى قبره قبة بيضاء. راجع كتاب الغدير: ج6 ص12.

(149) راجع كتاب الغدير: ج6 ص12.

(150) راجع كتاب دار السلام: ص187، والغدير: ج6 ص13.

(151) هو الشيخ الجليل الأديب أبو الحسن محمد المعروف ب_(ابن حماد) من أفاضل الفيحاء ومشاهير شعرائها، وكان معاصراً للخليعي الشاعر، نظم أغلب شعره في آل بيت رسول الله*، وله أكثر من مائتي قصيدة في حبهم، توفي بحدود سنة (900ه_) ودفن في الحلة وقبره يزار وهو مجاور لقبر الخليعي.

(152) راجع بحار الأنوار: ج45 ص258 وما بعدها.

(153) راجع كتاب الغدير: ج6 ص13.

(154) أصل البيتين

باللغة الفارسية هو:

چه كربلاست امروز

چه بر بلاست امروز

سر حسين مظلوم

أز تن جداست امروز

(155) أصل البيتين باللغة الفارسية هو:

روز عزاست امروز

جان در بلاست امروز

فغان وشور محشر

در كربلاست امروز

(156) هو الشاعر الفارسي المشهور محتشم الكاشاني رحمة الله عليه (913 - 996ه_) من أشهر شعراء الفرس في القرن العاشر، له ديوان يسمى (جامع اللطائف) مطبوع بالهند وإيران، وقصة هذا الديوان: أن محتشم نظم قصيدة في مدح الشاه طهماسب الصفوي وأرسلها إليه، فأرسل إليه الشاه: إني لا يعجبني إلا ما كان في أهل البيت *، فنظم محتشم هذه المراثي وأرسلها إليه، فأمر له بهدية سنية وأجزل صلته. وقد لاقت هذه القصائد قبولا وإقبالا منقطع النظير منذ يومه وحتى اليوم، فهي في مقدمة ما يحفظه الخطباء وفي الطليعة مما ينشده الوعاظ في مآتم الحسين عليه السلام نظما، وهي اثنتا عشرة قصيدة فارسية كلٌّ منها في اثني عشر بيتا، اشتهرت عبر هذه القرون ب_(البنود الاثني عشر).

(157) أصل البيتين باللغة الفارسية هو:

بر حر بكاه چون ره آن كاروان فتاد

شور نشور واهمه را در كمان فتاد

هر جا كه بود آهويي از دشت با كشيد

هر جا كه بود طايري از آشيان فتاد

(158) أصل الأبيات باللغة الفارسية هو:

روايت است كه چون تنگ شد بر أو ميدان

فتاد از حركت ذو الجناح واز جولان

نه سيد الشهداء بر جدال طاقت داشت

نه ذو الجناح دگر تاب استقامت داشت

كشيد با زركاب آن خلاصه ايجاد

به رنگ برتو خورشيد بر زمين افتاد

بلند مرتبه شاهى زصدر زين افتاد

اگر غلط نكنم عرش بر زمين افتاد

(159) غرر الحكم ودرر الكلم: ص197 ح3891.

(160) هو الشيخ محمد رضا الأزري؛ ولد في بغداد سنة (1162ه_) وتوفي فيها سنة (1240ه_) ولم يعقب، درس العلوم العربية على أخيه الكبير

الشيخ يوسف الأزري وعلى غيره من فضلاء عصره، أهم شعره في رثاء أهل البيت * وهو المعول عليه وبه امتاز واشتهر، وأما الباقي من شعره ففي أغراض شتى، نهج في شعره منهج المخضرمين له ديوان يشتمل على أكثر من ألف وخمسمائة بيت.

(161) غرر الحكم ودرر الكلم: ص85 ح1380.

(162) غرر الحكم ودرر الكلم: ص198 ح3918.

(163) أصل البيت هو:

حاجتم بود حج بيت الله

قسمتم شد حريم قبله طوس

(164) أصل البيت باللغة الفارسية هو: باز اين چه شورش است كه درخلق عالم است

(165) أصل البيت باللغة الفارسية هو: هست از ملال گر چه برى ذات ذو الجلال.

(166) أصل البيت باللغة الفارسية هو: أو در دل أست وهيچ دلي نيست بى ملال.

(167) هو السيد باقر بن محمد بن هاشم بن مير شجاعت علي الرضوي الهندي

النجفي رحمة الله عليه، ولد في النجف الأشرف سنة (1284ه_) ونشأ بها على أبيه، وسافر معه في العام (1298ه_) إلى سامراء، وكان والده يحضر هناك بحث المجدد الشيرازي رحمة الله عليه، فبقي معه إلى أن عاد في سنة (1311ه_)، وقد أخذ مقدمات العلوم وشيئاً من الفقه والأصول على الأساتذة المشاهير، وحضر في النجف على الشيخ محمد طه نجف والميرزا إبراهيم الشيرازي المحلاتي، توفي غرة محرم (1329ه_)، له شعر كثير باللغتين الفصحى والعامية وهو والد العالمين الأديبين السيد محمد صادق والسيد حسين.

(168) الحدوج: مراكب النساء التي توضع على ظهور الإبل في القوافل، والكُوْرُ: الرحل أو هو الرحل بأداته.

(169) بحار الأنوار: ج21 ص387.

(170) هو آية الله العظمى الميرزا مهدي بن حبيب الله الشيرازي رحمة الله عليه، ولد في كربلاء المقدسة عام (1304ه_)، واشتغل في التحصيل وطلب العلوم منذ نعومة أظفاره فتتلمذ في المراحل العليا على

يد نخبة من أساطين الفقه والأصول أمثال: الآخوند الخراساني والسيد اليزدي والشيخ محمد رضا الهمداني والشيخ محمد تقي الشيرازي (قائد ثورة العشرين في العراق) والميرزا النائيني (رحمهم الله جميعاً)، أصبح من مشاهير الفقهاء الذين يُشار إليهم بالبنان، اشترك في ثورة العشرين وأفتى مع مجموعة من الفقهاء إبَّان حركة الجيش عام (1360ه_ = 1941م) بضرورة طرد الإنجليز من العراق، وتصدى كذلك للموجة الشيوعية في الخمسينات، وتصدى للمدّ القومي في عهد عبد السلام عارف، واشترك مع آية الله العظمى السيد حسين القمي رحمة الله عليه عام (1360ه_) ضدّ الحكومة الإيرانية، وأصدر فتوى في ذلك الوقت أجبرت الحكومة على الرضوخ لمطالبه والسماح في ارتداء الحجاب، والمنع من الاختلاط في المدارس، ووجوب تدريس الأحكام الشرعية في المدارس، ومراعاة الموقوفات، وتحسين الوضع الاقتصادي العام.

(171) وسائل الشيعة: ج1 ص59 ح124.

(172) أصل الشطر باللغة الفارسية: بآسمان رود وكار آفتاب كند.

(173) أصل الشطر باللغة الفارسية: به ذره گ_ر نظر لطف بو تراب كند.

(174) غرر الحكم ودرر الكلم: ص83 ح1343.

(175) غرر الحكم ودرر الكلم: ص84 ح1345.

(176) غرر الحكم ودرر الكلم: ص155 ح2902.

(177) الميرزا حسين ابن الشيخ محمّد تقي بن محمّد ملي أو علي النوري الطبرسي رحمة الله عليه، ولد في 18 شوال سنة (1254ه_) في قرية (يالو) من قرى نور إحدى كور طبرستان، توفي في النجف ليلة الأربعاء 27 جمادى الآخرة في سنة (1320ه_) ودفن في الصحن الشريف؛ وهو صاحب كتاب المستدرك، كان عالماً محدثاً، متبحراً في علمي الحديث والرجال عارفاً بالسير والتاريخ، وكان زاهداً عابداً لم تفته صلاة الليل وكان وحيد عصره، أنعم الله عليه بملازمة العالم الجليل الفقيه الزاهد الورع المولى محمد علي ابن آغا زين العابدين رضا المحلاتي.

(178) بحار

الأنوار: ج67 ص242 ح10.

(179) من أساتذة الشيخ محمّد حسن المعروف ب_ (الشيخ أغا بزرك الطهراني رحمة الله عليه).

(180) راجع من لا يحضره الفقيه: ج1 ص232 ح697، وفيه: أما مسجد السهلة فقد قال فيه الصادق عليه السلام: »لو استجار عمي زيد به لأجاره الله سنة، ذلك موضع بيت إدريس عليه السلام الذي كان يخيط فيه، وهو الموضع الذي خرج منه إبراهيم عليه السلام إلى العمالقة، وهو الموضع الذي خرج منه داود عليه السلام إلى جالوت، وتحته صخرة خضراء فيها صورة وجه كل نبي خلقه الله عز وجل، ومن تحته أخذت طينة كل نبي، وهو موضع الراكب«، فقيل له: وما الراكب؟ فقال: »الخضر عليه السلام «.

(181) قال سبحانه وتعالى على لسان الجن: *وَإنَّا مِنَّا المسْلِمُونَ وَمِنَّا القَاسِطُونَ فَمَنْ أسلَمَ فَأولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدَاً* سورة الجن: 14.

(182) السيد شهاب الدين المرعشي النجفي، ولد في النجف الأشرف عام (1315ه_)، والده العلامة السيد محمود شمس الدين المرعشي من علماء النجف، وجده سيد الحكماء، درس في النجف الأشرف ونال درجة الاجتهاد مبكراً، انتقل إلى قم المقدسة ليكون واحداً من أعظم مدرسي حوزة قم الكبرى، له رسالة عملية مطبوعة سنة (1370ه_) عنوانها (ذخيرة المعاد)، له مشاريع إسلامية اجتماعية وثقافية كبرى، أهمها مكتبته العامة في قم المشرفة والتي تعد من المكتبات العالمية الكبرى لما تحويه من نفائس المخطوطات والكتب، توفي رحمة الله عليه سنة (1411ه_)، ودفن بجوار مكتبته العامة بمدينة قم المقدسة.

(183) أحد شعراء الأتراك في إيران، وقد نظم أشعار عديدة بالفارسية والتركية.

(184) أصل البيتين باللغة الفارسية هو:

علي إي هماي رحمت ..... تو چه آيتي خدا را

كه به ما سوا فكندي ..... همه سايه هما را

دل اكر خدا شناسي ..... همه در رخ

علي بين

به علي شناختم من ..... به خدا قسم خدا را

(185) غرر الحكم ودرر الكلم: ص423 ح9700.

(186) سورة البقرة: 94 و95.

(187) سورة النساء: 146.

(188) سورة يوسف: 24.

(189) سورة الحجر: 40، وسورة ص: 83.

(190) سورة مريم: 51.

(191) سورة الصافات: 40 و74 و128 و160.

(192) سورة الزمر: 2.

(193) سورة الزمر: 11.

(194) سورة الزمر: 14.

(195) سورة غافر: 14.

(196) سورة غافر: 65.

(197) سورة البينة: 5.

(198) سورة البقرة: 139.

(199) سورة الأعراف: 29.

(200) سورة ص: 46.

(201) سورة الزمر: 3.

(202) مستدرك الوسائل: ج5 ص361 ح6087.

(203) أعلام الدين: ص136.

(204) كامل الزيارات: ص51 ح4.

(205) مستدرك الوسائل: ج1 ص100 ح89.

(206) عدة الداعي: ص257.

(207) مجموعة ورام: ج2 ص118.

(208) بحار الأنوار: ج67 ص249 ح24.

(209) بحار الأنوار: ج67 ص249.

(210) غرر الحكم: ص90 ح1536.

(211) نهج البلاغة: ص163 من خطبة له عليه السلام برقم: 110.

(212) غرر الحكم ودرر الكلم: ص89 ح1506.

(213) غرر الحكم ودرر الكلم: ص155 ح2896.

(214) غرر الحكم ودرر الكلم: ص155 ح2907.

(215) غرر الحكم ودرر الكلم: ص54 ح465.

(216) غرر الحكم ودرر الكلم: ص155 ح2920.

(217) غرر الحكم ودرر الكلم: ص162 ح3134.

(218) غرر الحكم ودرر الكلم: ص167 ح3270.

(219) غرر الحكم ودرر الكلم: ص198 ح3909.

(220) غرر الحكم ودرر الكلم: ص198 ح3911.

(221) غرر الحكم ودرر الكلم: ص198 ح3916

(222) غرر الحكم ودرر الكلم: ص198 ح3917.

(223) غرر الحكم ودرر الكلم: ص198 ح3919.

(224) غرر الحكم ودرر الكلم: ص197 ح3900.

(225) غرر الحكم ودرر الكلم: ص155 ح2909.

(226) غرر الحكم ودرر الكلم: ص155 ح2911.

(227) غرر الحكم ودرر الكلم: ص155 ح2895.

(228) غرر الحكم ودرر الكلم: ص155 ح2898.

(229) غرر الحكم ودرر الكلم: ص217 ح4285.

(230) غرر الحكم ودرر الكلم: ص85 ح1380.

(231) غرر الحكم ودرر الكلم: ص83 ح1341.

(232) غرر الحكم ودرر الكلم: ص85 ح1396.

(233) غرر الحكم ودرر الكلم: ص85 ح1398.

(234) غرر

الحكم ودرر الكلم: ص83 ح1341.

(235) غرر الحكم ودرر الكلم: ص85 ح1403.

(236) غرر الحكم ودرر الكلم: ص155 ح2902.

(237) غرر الحكم ودرر الكلم: ص155 ح2904.

(238) غرر الحكم ودرر الكلم: ص155 ح2909.

(239) غرر الحكم ودرر الكلم: ص155 ح2910.

(240) غرر الحكم ودرر الكلم: ص155 ح2914.

(241) غرر الحكم ودرر الكلم: ص197 ح3891.

(242) غرر الحكم ودرر الكلم: ص155 ح2916.

(243) غرر الحكم ودرر الكلم: ص197 ح3892.

(244) غرر الحكم ودرر الكلم: ص197 ح3893.

(245) غرر الحكم ودرر الكلم: ص197 ح3894.

(246) غرر الحكم ودرر الكلم: ص197 ح3895.

(247) غرر الحكم ودرر الكلم: ص197 ح3896.

(248) غرر الحكم ودرر الكلم: ص155 ح2912.

(249) غرر الحكم ودرر الكلم: ص197 ح3897.

(250) غرر الحكم ودرر الكلم: ص197 ح3898.

(251) غرر الحكم ودرر الكلم: ص197 ح3899.

(252) غرر الحكم ودرر الكلم: ص197 ح3901.

(253) غرر الحكم ودرر الكلم: ص198 ح3906.

(254) غرر الحكم ودرر الكلم: ص198 ح3907.

(255) غرر الحكم ودرر الكلم: ص198 ح3908.

(256) غرر الحكم ودرر الكلم: ص198 ح3914.

(257) غرر الحكم ودرر الكلم: ص198 ح3918.

(258) غرر الحكم ودرر الكلم: ص306 ح7005.

(259) غرر الحكم ودرر الكلم: ص199 ح3945.

(260) غرر الحكم ودرر الكلم: ص197 ح3904.

(261) غرر الحكم ودرر الكلم: ص198 ح3910.

(262) غرر الحكم ودرر الكلم: ص56 ح545.

(263) غرر الحكم ودرر الكلم: ص271 ح5915.

(264) غرر الحكم ودرر الكلم: ص83 ح1343.

(265) غرر الحكم ودرر الكلم: ص93 ح1617.

(266) غرر الحكم ودرر الكلم: ص155 ح2921.

(267) غرر الحكم ودرر الكلم: ص275 ح6032.

(268) غرر الحكم ودرر الكلم: ص193 ح3755.

(269) وسائل الشيعة: ج1 ص59 ح124.

(270) غرر الحكم ودرر الكلم: ص198 ح3912.

(271) غرر الحكم ودرر الكلم: ص155 ح2906.

(272) غرر الحكم ودرر الكلم: ص197 ح3902.

(273) غرر الحكم ودرر الكلم: ص423 ح9700.

(274) غرر الحكم ودرر الكلم: ص93 ح1619.

(275) غرر الحكم ودرر الكلم: ص84 ح1345.

(276) الكافي: ج2 ص16

ح3.

(277) الصحيفة السجادية: ص134، الدعاء: 28.

(278) بحار الأنوار: ج67 ص242 ح10.

(279) سورة الشرح: 7 و 8.

(280) مستدرك الوسائل: ج4 ص106 ح4250.

(281) من لا يحضره الفقيه: ج4 ص404 ح5872.

(282) القصص للراوندي: ص196 ح246.

(283) الكافي: ج2 ص253 ح5.

(284) وسائل الشيعة: ج11 ص203 ح12.

(285) سورة آل عمران: 67.

(286) وسائل الشيعة: ج1 ص44 ح7.

(287) سورة الحشر: 9.

(288) الكافي: ج4 ص41 ح15.

(289) سورة الفرقان: 44.

(290) سورة النحل: 108.

(291) مستدرك الوسائل: ج1 ص99 ح86.

(292) سورة الحجر: 99.

(293) مستدرك الوسائل: ج1 ص99 ح86.

(294) الكافي: ج2 ص295 ح9.

(295) وسائل الشيعة: ج1 ص45 ح11.

(296) الصحيفة السجادية للإمام زين العابدين عليه السلام: ص106، الدعاء: 22.

(297) مشكاة الأنوار: ص312.

(298) عدة الداعي: ص234.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.