الرّدُ علی مسائل مُوسی جار الله وَ رسالة فی اللّعن و فضل العَلَویّین
آیة الله العُظمی الشَّیخ هادي کَاشِف الغِطَاءِ
1290 - 1361ه-
تحقیق
مؤسّسة کاشِف الغِطَاءِ العامَّةُ
کریمُ الکمولي
العراق - النجف الأشرف
1435ه - 2014م
محرر الرقمي: محمد رضا پیش بین
ص: 1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ص: 2
الرّدُ علی مسائل مُوسی جار الله وَ رسالة فی اللّعن و فضل العَلَویّین
آیة الله العُظمی الشَّیخ هادي کَاشِف الغِطَاءِ
1290 - 1361ه-
تحقیق
مؤسّسة کاشِف الغِطَاءِ العامَّةُ
کریمُ الکمولي
العراق - النجف الأشرف
1435ه - 2014م
ص: 3
کاشف الغطاء
منشورات
مؤسّسة کاشِف الغِطَاءِ العامَّةُ
136
العراق - النجف الأشرف - محلة العمارة - مقابل العتبة العلویة المقدسة من جهة باب الشیخ الطوسي
الکتاب ... الرّدُ علی مسائل مُوسی جار الله وَ رسالة فی اللّعن و فضل العَلَویّین
تألیف ... آیة الله العُظمی الشَّیخ هادي کَاشِف الغِطَاءِ
تحقیق ... کریم الکمولي
إخراج و نشر ... مؤسسة کاشف الغطاء العامة
المطبعة ... شرکة صبح للطباعة و التجلید
الطبعة ... الأولی / 1435ه - 2014م
مکان الطبع ... لبنان / بیروت
الکمیة ... 1000 نسخة
www. kashifalgetaa.com / info@kashifalgetaa.com / 00964 - 7801006730
ص: 4
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله ربّ العالمين، و الصلاة و السلام على نبينا محمد أشرف الخلق أجمعين، و على آله الأطهار الميامين أئمة الهدى، و حماة الدين، و وسيلة المستضعفين، و غاية منتهى الراجين، و على صحبه المنتجبين.
أما بعد:
فقد كتب العلاّمة آية الله العظمى الشيخ هادي كاشف الغطاء قدّس سره رسالتين:
الرسالة الأولى: ردّ فيها على المسائل التي وجهها موسى جار الله إلى علماء النجف الأشرف.
الرسالة الثانية: في اللعن و فضل العلويين.
و هما في الحقيقة تعبران عن مسألة مهمة و قضية كبرى شغلت العالم الإسلامي منذ قرون طويلة, و ما زالت تَبِعاتُها إلى هذا اليوم تنخر في جسد الأمة الإسلامية، و تقوّض من دعائم المجتمع الإسلامي، و قد استفاد منها أعداؤنا كثيراً و اتخذوها سلاحاً فتّاكاً للتفرقة بين المسلمين، و كسر شوكتهم، و تشتيت
ص: 5
جمعهم؛ لصرف أنظارهم عن الأخطار الخارجية التي تهدد وجودهم و كيانهم و عن الأوضاع المأساوية التي يعيش في كنفها الإنسان العربي المسلم.
إن الخلاف بين السنة و الشيعة هي القضية الكبرى التي ألقت بظلالها على واقعنا القديم و المعاصر و ما تبعها من صراع مذهبي منذ عصر صدر الإسلام إلى هذا اليوم، و ما حَمَل في طيّاته من تبعاتٍ خطيرة، و ما تركه من إرث ثقيل بالمشاكل و الخصومات بين أبناء الأمة الإسلامية.
لقد تصدّى العلامة الشيخ هادي كاشف الغطاء قدّس سره لهذا الأمر بكل حزم و قوة، و بكل ما أوتي من أدب و بيان، و بما عرف عنه من قوة الاستدلال و سطوع البرهان، و مقارعة الخصوم في النقاش و الجدال بأسلوب علمي و منطقي يستند إلى الحقائق و الوقائع بعيداً عن الأهواء الشخصية و الآراء الذاتية.
و كان همّه الوحيد في ذلك كشف القناع عن الحقيقة، و إزاحة الستار عن الشبهات، كما أنّ الشيخ كان يسعى إلى توحيد صفوف المسلمين و يدعو إلى تناسي أحقادهم و نبذ خلافاتهم ورائهم ظهرياً، لأن هذه الأمور لم تعدْ على المسلمين بأيّ فائدة، و لا طائل من ورائها.
فيقول الشيخ قدّس سره : «فإنّ طرح مثل هذه الموضوعات في ميدان البحث و المناظرة و الرد و النقد مما لا فائدة فيه و لا عائدة و لا رقي و لا عرفان منفعة، كمسألة خلق القرآن - مسألة قدمه و حدوثه - ، و غيرها من المسائل البائدة التي لا وقع لبعثها، و لا نفع لنشرها، فليس فيها - فضلاً عن إضاعة الوقت، و إتلاف الحبر و الورق و الاشتغال بما لا يعني - غير مس العواطف و إثارة الإحن و التفرقة بين المسلمين، و مناوأة الحق، و التعصب للباطل، و قيل و قال، و مراء و جدال،
ص: 6
و تعصب و تحزب».
ثم يقول الشيخ هادي كاشف الغطاء قدس سره بكلّ أسف و مرارة: «إنّ الغربيين يناولون الشهرة و السمعة، و يكون لهم الصوت و الصيت بما يبتكرونه من الأعمال و ما يخترعونه من الصنائع التي تنفع عموم البشر، و إنّ بعض الجهلة من الشرقيين ممن صبغ نفسه بصبغة الإسلام يعٍمَدُ إلى أمور خرافية منسية بائدة كاسدة فيروّجُها، و يتعصب لها، و يجعلها أساطير تتلى و زبراً على منصة القدر تجلى؛ لينالَ بذلك شُهرة و سمعة بين أهل عصره ليقال من ذا قالها؟ و إنّا لنعجب ممن ينشر مثل هذه الأمور، و لمن يقرؤها و يضعها موضع النظر و النقد».
إنّ الرسالة الأولى جاءت رداً على المسائل التي وجهها موسى جار الله و التي طلب فيها جواباً من علماء الشيعة في النجف الأشرف و هي مسائل تضمّنت أموراً كثيرة منها: تكفيرُ الصَّحَابة و لعنهم، و القول بتحريف القرآن، و موقفُ الشيعة من حكوماتِ الدّول الإسلامية، و تكفير الفرق الإسلامية، و الجهاد و الشهادة، و إنكار كتب الشيعة لأحاديث أئمة العامة، و في تأويل الآيات و تنزيلها، و في التقية، و في الأخبار الواردة في كتب الشيعة، و في مسألة العول، و في المتعة، و في الخلاف بين علي عليه السلام و الصحابة، و في ولاية الإمام، و في النسيء، و في حج النبي صلى الله عليه و آله و سلم، و في حفظ الشيعة للقرآن الكريم و اختلافهم في المصاحف.
و في رَدِّهِ على تلكَ المسائل أوضحَ الشيخ قدس سره ما وَقَعَ فيه موسى جار الله من أغلاطٍ و أوهام و زلل لا يخفى على ذي عقل و بصيرة، و إنّ هذا الرَّجُل ما أراد إلّا الإساءَةَ إلى الشّيعةِ و عقائدهم مُنتحِلاً الكذب و الادّعاء على الشيعة بما لا تقول فيه و لا تؤمن به.
ص: 7
و قد انبرى الشيخ قدس سره مُنافحاً عن عقيدة أهل البيت و تراث آل محمد صلى الله عليه و آله و سلم مسقطاً الحجج الواهية و الأدلة الفانية التي جاء بها موسى جار الله.
أمّا الرسالة الثانية فقد جاءت جواباً عن سؤال مفاده: «ما هو الحكم الشرعي في لعن يزيد هل هو جائز مشروع أم لا»؟ و قد أجاب الشيخ قدس سره عن هذا السؤال في مقامين و خاتمة: أما المقام الأول فقد ذكر فيه حجج المانعين من لعنه، و في المقام الثاني تناول حُجَجَ المجوّزين في لعنه. أمّا الخاتمة فقد جعلها في فضل العلويين من بني هاشم.
و في ذكره لجميع الأدلة و البراهين اعتمد على مصادر السنة كي تكون الحجّة أبلغ و الدليل أوضح.
و قد مَنَّ اللهُ علينا بإظهار هاتين الرّسالتين و إخراجهما إلى الوجود لكي يطلع عليهما القراء و يفيدوا منها ما شاؤا.
و ما عملنا هذا إلّا في سبيل خدمة الإسلام و المسلمين جميعاً.
و من الله التوفيق إنه نعم المولى و نعم النصير.
الناشر
النجف الأشرف
1423ه- - 2002ه-
ص: 8
و صلّى الله على رسوله الامين و آله الطيبين الطاهرين و أصحابه المنتجبين.
ابتليت الامّة الاسلامية بالصراع في أدوارها الاولى، و هي أصعب مرحلة تمرَّ بها الاَمة أيّ أمّة يريد لها أبناؤها أنْ تستمر و تشيد صرح العمران و الحضارة؛ لتملأ الأرضَ بعبق عطرها.
فليس الصراع في الادوار الاولى جعل ابناء الامّة الى قسمين مع العترة و ضدّها فلي هناك وسط في هذه المسألة، التي بقيت الى يومنا هنا، فإمّا معهم و امّا عليهم، هذه معاناة أمتنا المستديمة منذ قرون فانتفاء الحدّ الاوسط جعل الامّة تدور في دوّامة محاولات الجمع و التقريب بين الفريقين، فمرّة يعلو صوتُ المصلحين، و مرَات عديدة تعلو أصوات و صياح المتصارعين فيغيب عن المشهد الحوار الهادئ في مواضيع مضت عليها قرون، لكنّها ماتزال حتى اليوم كالبراكين الخامدة نارها قريبٌ من السطح.
تنتشر في أيامنا في كل بلاد المسلمين تقريباً مشتقاتُ الفعل (ضَرَب)، و عندما تصل النّوبة الى صيغة المبالغة (ضرَّاب) يبدأ الحدّ الأدنى من مشتقات الفعل (قَتَلَ)، ثمّ يزداد وصولاً الى صيغة المبالغة (قتّال) التي نراها اليوم بأدقّ تفاصيلها عندنا في العراق، فلا بيتَ إلاّ و فيه من يإنُّ حسرة و لوعة و حزناً، بسبب تغييب الحدّ الأوسط، و هو جعل هذه المواضيع المذهبية التاريخية الفقهية العقدية
ص: 9
الدقيقة محصورة في أضيق نطاقٍ ممكن، و هو نطاق العلماء المتخصصين في مجالاتهم جّداً.. لكنّ فتح هذه المواضيع على الفضائيات و صفحات التواصل الاجتماعي و هي أكثر و أوسع انتشاراً من الكتب كان سبباً رئيساً في زيادة التشتت الطائفي بل الحرب الطائفية التي حطّت رحالها في بلدان المسلمين.
لا أدري هل تعلمون بأنّ موسى جار الله دَخَلَ النجف و بقي في كربلاء فترة و في الكاظمية، و علماؤها يعرفون الرجل جيّداً، و يعرفون آراءه فيهم، و لم يتعرّض لإهانته أحد أو التجاوز عليه بشق كلمة.
و كذلك الدكتور أحمد أمين الذي كتب ما كتب في مؤلفاته عن الشيعة زار النجف فانبهر بحسن الاستقبال و الضيافة و كأنه لم يكتب شيئاً عنهم، أو كأنهم لا يعرفون بكتابته عنهم.
فإنّ للبحث العلمي مكان و للضيافة و الاخوّة و المودّة أماكن، ولكن كيف يتم إيصال هذا المعنى للناس مع تسلّط الطائفيين على الإعلام المسموع و المرئي في ايّامنا.
هذه الاسئلة الشهيرة التي كتبها موسى جار الله الداعية الاسلامي الروسي التركماني حشاها ناراً، و سجّر عباراتها بمختلف موارد الإثارة، و كأنه كان يكتب اسئلة انفجارية الغرض منها اثارة زوبعة في المجتمع الاسلامي الذي لم يكن يخرج من تسلط الظَلَمَة المستبدين بعد.
فطارت الاسئلة في الأيدي في البلدان، و ترجمت الى الفارسية و التركية، فصار لزاماً على علماء الشيعة الردّ عليها.
و لأنّا في هذه الايّام نمرّ بظروف أكثر شدة و تطرّفاً مما كان يمرّ به أجدادنا في
ص: 10
العشرينات من غزوات فيصل الدويش و أمثاله من الإخوان الوهابيين النجديين، و إحياءً لذكرى علمائنا العظام الذين تصدّوا للردّ على السيف بالقلم قمنا بإعادة تحقيق هذه الاجوبة و طبعها.
كتبه الشيخ هادي قدس سره على عجالة على ما يبدو فلم يتسَنَ لأحَدٍ مراجعةَ بعض كتب الحديث الموجودة عنده في مكتبته، ذكر ذلك بنفسه في ردّه المسألة السابعة عشرة .
واضح من كلامه انه قدس سره كان متبرّماً من الخوض في هذه المواضيع؛ لعدم الفائدة، بل الضرر المترتب على الخوض فيها, لكن الاخر (موسى جار الله) سبّب إرباكاً في العالم الاسلامي برمّتِهِ بنشر هذه المسائل، فاقتضت المصلحة الردّ عليها، حذراً من تفسير السكوت عنها بالعجز أو بالاعتراف.
استعان الشيخ قدس سره في ردّه بالقرآن الكريمُ و بالحديث الشريف، و من امهات المصادر الإسلامية، و كذلك استعان بالردّ الجَدَلي في أحيان قليلة، و حاول توضيحَ الإيرادات و الشبهات بهدوء و بساطة، و بدون الخوض طويلاً في مسائل تزيد من حالة التفكّك التي تعيشها الأمة.
لكنّه قدس سره رغم كلّ هذه الصعوبات التي تحول دون بسط الكلام ظهر منافحاً بقلمه الشريف عن مذهب آل البيت ذابّاً عنهم أشدّ الذبِّ و مُدافعاً ممانعاً لهجوم جار الله على المذهب، و لو كان جارُ الله جاراً لله لما رَمَى بيوتَ أهل بيت رسول الله بالحجارة.
ص: 11
مجموعة مسائل هي عشرون مسألة معظمها في العقائد، و التأريخ، و الحديث و الفقه.
نَسَجَها السائلُ بطريقةٍ جُمَلٍ مقتضبة عن موضوع معيّن، استقى أفكارها في غالبها من آراء المتشددين من أهل السنة، كابن تيمية و تلاميذه ابن القيم و الذهبي و ابن كثير، فليست إلّا دعاوى لا تثبت أمام التحقيق، و أوهام، و أخطاء في فهمٍ، نقلها قدماء المؤرخين في الملل و النحل، و نقول بلا تمحيص، و تخرّصات و اكاذيب سببها الصراعات الصراعات المذهبية في تأريخ المسلمين المشحون بالخلافات.
و قد حاول جار الله ان يسند بعض آرائه و مدعياته بأحاديث ينقلها من كتب الامامية دون بل هي اسقاطات معتقداته في كتب السنة على كتب الشيعة فمثلاً هم يعتقدون أنْ البخاري و مسلم أصحّ الكتب بعد كتاب الله، فيظنون أنّ الشيعة تقول بنفس المقالة في كتبها، فأخذ ينقل الأحاديث من الكافي متبجحاً كأنه عثر على الدرّة وسط الفحم، فجلى عنها السواد و بان تلألؤها، و لم يلتفت الى ان الشيعة تعامل كل كتبها على مستوى واحد، من عرضها على كتاب الله و على مباحث الجرح و التعديل في علم الرجال، فبعد حجة السند ينظرون في الروايات، هل يمكن قبول متونها، و انها لا تخالف كتاب الله، و ليس لها معارض او مُخصِّصٌ أو مقيّد لسعة مداليلها.
و لهذه الأسباب تعرّض جمعٌ من العلماء لردّ هذه المسائل و نقضها، منهم: السّيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي، و السيد محسن الامين العاملي،
ص: 12
و الشيخ عبد الحسين الرشتي، و الشيخ مهدي الحجار، و الشيخ هادي كاشف الغطاء، و هذا كتابه في الردّ بين يديك. و كذلك عرّض بصاحب المسائل جماعة كبيرة من العلماء الشيعة لعلّ أهمّهم الشيخ عبد الحسين الأميني صاحب الغدير.
ص: 13
ص: 14
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
هو الشيخ هادي ابن الشيخ عباس ابن الشيخ علي ابن الشيخ جعفر الكبير كاشف الغطاء ابن الشيخ خضر بن يحيى الجناجي المالكي...
اختلف في سنة ولادته بين 1287ه- و 1289ه- و 1290ه- و الراجح الاخير لأنه ذكر في ترجمته التي دوّنها ولده الشيخ محمد رضا... أنه ولد يوم 17 ربيع الاول 1290ه-.
نشأ في ظلال أسرته الوارفه، و لا تحتاج أسرة كاشف الغطاء الى تعريف، بل بها يُعرَفُ طلبة العلم و الأدب، شبَّ قدس سره شاعراً مفلقاً أديباً، شارك في معارك النجف الأدبية الى جانب أقرانه الذين عرفوا بالنباهة و الذكاء و الفضيلة و العلم، أمثال السيد جعفر الحلي، و الشيخ جواد الشبيبي، و الشيخ عبد الحسين الجواهري.
قرأ مقدمات العلم الشيخ صادق آل حاج مسعود، و الشيخ عبد الهادي البغدادي، و السيد علي ابن السيد محمود الامين العاملي، قرأ رسائل الشيخ الأنصاري على شيخ الشريعة الأصفهاني، و حَضَرَ الفقه و الأصولَ عند والده
ص: 15
الشيخ عباس، و حضر درس الشيخ الاخوند محمد كاظم الخراساني أكثر من عشر سنين، و حضر درس السيد اليزدي صاحب العروة، و حَضَرَ درس الشيخ اغا رضا الهمداني صاحب (مصباح الفقيه).
ترك قدس سره آثاراً عديدة بعضها مطبوع. منها: الاجوبة النجفية عن الفتاوى الوهابية، البرهان المبين في من يجب أتباعه من المرسلين، بلغة النحاة في شرح الفائقة، الرد على مسائل موسى جار الله، رسالة في اللعن و فضل العلويين، رسالة في فن التجويد، مدارك نهج البلاغة، مستدرك نهج البلاغة، هدى المتقين، و هذه كلها مطبوعة.
أمّا المخطوطة: منظومة في النحو سماها نظم الزهر من نثر القطر، منظومة في أحوال السيدة الزهراء عليها السلام، منظومة في أحوال الامام الحسن عليه السلام، شرح على كتاب الشرائع، شرح على تبصرة المتعلمين، قاموس المحرمات، شرح على منظومة السيد بحر العلوم.
توفي الشيخ قدس سره في النجف ليلة الأربعاء التاسع من محرم سنة 1361ه-، و شيّع تشيعاً مهيباً شارك فيه كبار العلماء و الوجوه و الاعيان و جماهير الناس و شيوخ القبائل، دفن في مقبرتهم الشهيرة الى جانب ابيه و أجداده.
موسى جار الله الشهير بابن فاطمة، التركستاني القازاني التاتاري، ولد في (رستوف دون) في روسيا 1295ه-، 1878م، درس في بلاده مبادئ العربية
ص: 16
و الفقه و تبحر فيه، صار إماماً للجامع الكبير في «بتروغراد» التي سميت «لينينغراد»، كان كثير السفر، فإنّه أثناء حجّهِ أقامٍ بمكّة ثلاث سنين، صار شيخاً للإسلام في روسيا قبيل الثورة البلشفية 1917، أصدر كتباً عن علاقة المسلمين بالثورة، فصودرت مطبعته، فرحل 1930م، و وصف رحلته في صدر كتابه (الوشيعة)، و إنّه قد ساح في البلاد الإسلامية عندما كان طالباً، و استمرّت سياحته ستة سنوات، زار العراق و مدنه المهمة بغداد و البصرة و النجف و كربلاء.
و قد نشر مسائله هذه التي هي ملخّصٌ لكتاب الوشيعة، و أرسلها الى علماء الإمامية في إيران و العراق و طَرَقَ كلَّ الأبواب من أجل الردّ عليها.
قال الزركلي في الأعلام ج7، ص321 في ضمن ترجمته: "و اضطربت عقيدته في أعوامه الاخيرة، و مرض في مصر فدخل ملجأ العجزة بالقاهرة و توفي به عام 1949م".
هذه العبارة لم افهم معهناها! كيف لرجل يكونُ بهذه الأهمية عندهم و يهتفون باسمه حتى اليوم يموتُ في «ملجأ العجزة»، و لم يمنح داراً ليسكنها في غربته، و هو يعيشُ في مصر ردحاً طويلاً قارب 15 عاماً ثم إنّ الدعاة السلفيين في مصر امتدحوه مثل محبّ الدين الخطيب مع كون هؤلاء متنفذين جداً في مصر إبّانَ الحكم الملكي المصري.
ثمّة جملة نقلها الزركلي لم أجدها عند غيره «و اضطربت عقيدته في أعوامه الأخيرة» ما معنى ذلك هل تعني إنه بدّل عقيدته من الأشعرية الى السلفيّة الوهابية المتشددة، فلماذا تركه السلفيون المتنفذون بهذا الحال الذي يُرثى
ص: 17
له بحيث يلقي في ملجأ العجزة ليموت فيه؟
أو ربما يكون الرجل قد تشيّع أوْ كاد! فلذلك تُرك وحيداً يعاني آلامه و أيّامه الاخيرة؟! و على اقلّ التقارير أعرض عن آرائه في ذمّ السقيفة فأعرض عند من امتدحوه طويلاً.
عثرنا في خزانة كتب الشيخ قدس سره على:
1- مخطوط الردّ علی مسائل موسی جار الله بخطّ الشیخ هادي شخصیاً. و هي 35 صفحة فیها سطراً قیاساتها (21× 16) سم، في کل سطر ما بین (9- 13) کلمة.
2- مخطوطة السائل بخطٍّ غیر خط الشیخ لم أتبیّن ناسخها لکن في آخرها توقیع موسی جار الله، و أنّه کتبها في النجف. و هي 23 صفحة فیها ما بین (17- 19) سطراً کلُّ سطر فیه (6- 10) کلمات، قیاساتها (20×13) سم.
3- مخطوطة رسالة اللعن و فضل العلویین و هي 26 صفحة قیاساتها (21×16) سم، في کل صفحة (19-21) سطراً في کل سطر (9-12) کلمة، و هي بخط الشیخ هادي شخصیاً.
1- ابراز الآيات القرآنية الكريمة و وضعها بخط مميّز، مع استعمال الاقواس المزهرة ( ).
2- وضع الأحاديث النبوية الشريفة بين قوسين عاديين « ».
ص: 18
3- وضع نصوص كلام العلماء المنقول من كتبهم بين قوسين عاديين ( ).
4- تخرج الآیات، و ذکر سورها، و أرقاب الآیات.
5- تخریج الأحادیث النبویة، و ردّها الی مصادها التي نقل منها المؤلف.
6- تخریج أبیات الشعر الواردة في المتین.
7- کتابة النص بالأملاء الحدیث لأن الخطوطات مکتوبة بنظام الاملاء غیر المتعارف في أیامنا، و لا نذکر ذلك في الحواشي؛ لأنّا لا نرید إثقال النصّ بهواش لا داعي لها.
8- محاولة إثراء البحث بالتعلیق علی بعض نقاط الخلاف التي لم یعلق سماحة الشیخ قدس سره علیها.
و بعد فإنّ إتیان الکمال من ضروب المحال، فإذا أوُجِدَتْ في کلماتي بعض الخطأ فلقصر الباع و قلة البضاعة و نسأل الله المغفرة و التوفیق.
کریم الکمولی
النجف الاشرف
2/ جمادي الآخرة/ 1435ه-
2/ نیسان/ 2014م
ص: 19
ص: 20
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ للهِ و الصّلاةُ و السلام على محمد و آل محمد الطاهرين و بعد:
فقد وقفتُ على جُملةِ مَسَائل صَدَرَتْ مِنْ بَعْضِ أهل السُّنّةِ و الجماعَة، وجّهها إلى علماءِ الشيعة الإمامية، و هي في الحقيقة انتقادٌ لمذهب الإمامية، و طعنٌ في كتبهم و ديانتهم و عقائدهم، و قد طلب مني بعض طلبة العلم من أهل النجف الأشرف أنْ أكتُبَ ما يسنحُ لي من الجواب عنها على سبيل الإيجاز و الله الموفق.
قال السائل: أمّا الأمورُ التي أعدّها منكرةً لا تتحمّلُها الأمة و لن ترتضيها الأئمة و تنافي أهم مصالح الأمة فهي مسائل عديدة منها:
(تكفيرُ عامّةِ الصّحَابة كافّة، لم ينجُ منهم سوى قليل منهم لا تزيد عِدّتُهم على سبعة).
الجواب:
إنّ ما يوجد في بعض الأخبار المودعة المنسوبة إلى الشيعة لا يصحُّ جعلُه من عقائد الشيعة، فإنّه يوجد في الأخبار أمور كثيرة يُوردونها إيراداً لا تديناً و اعتقاداً، و إنّما التعويلُ في ذلك على كتبهم الاعتقادية التي صَنّفَها أئمةُ المذهب و علماء الدين، كالمفيد و الصدوق من المتقدمين، و الشيخ المجلسي صاحب البحار
ص: 21
من المتأخرين.
ثم إنّ في جوامع أهل السنة و الجماعة ما ينطقُ بكفر عامّةِ الصَّحَابَةِ بعد وفاة صاحب الرسالة صلى الله عليه و آله و سلم.
ففي صحيح البخاري في أول كتاب الفتن بإسناده عنه صلى الله عليه و آله و سلم قال: (أنا على حوضي انتظر مَنْ يَردُ عليَّ فيؤخذ بناسٍ من دوني فأقولُ أمّتي فيقول لا تدري مشوا على القهقرى) (1). و روي بعده: (فأقول أي ربي أصحابي يقول لا تدري ما أحدثوا بعدك) (2)، (فأقول سحقاً سحقاً لمن بدّل بعدي) (3) و لو فتشنا جوامعهم الأخر و كتب أحاديثهم لوجدنا فيها أمثال ذلك.
و مما هو من هذا القبيل ما روي في الصحيح المذكور في باب (إذا التقى المسلمان بسيفهما) قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم (إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فكلاهما من أهل النار) (4)، و هذا يوجب تكفير أو تفسيق عامة أهل الجمل و أهل صفين كما لا يخفى.
و على أيِّ حالٍ فنحن لا نمنع من تجويز كفر عامّةِ الصّحابة إلاّ القليل.
ولكنّ المراد من الكفر الكفر الإيماني لا الكفر الإسلامي، و يتحقق الكفر الإيماني بإنكار إمامة الامام من أهل البيت علیهم السلام قولاً أو فعلاً أو اعتقاداً.
ص: 22
وإنْ أبيت عن ذلك فلا مانع من حمل الكفر على معناه اللغوي و هو الستر، فإنّ عامّة الصحابة ستروا الحق و أخفوه، و بهذا المعنى سُمّي الليلُ كافراً و الزارع كافراً، و عامة الصحابة بايعوا أبا بكر و جعلوه خليفة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:
كأنْ لم يكُنْ بينَ الحجونِ إلى الصَّفَا *** أنيسٌ و لمْ يَسْمُرْ بمكَّةَ سَامِرُ (1)
و الحاصل إنّ في كتب الأخبار سواء كانت للشيعة أو لأهل السنة أخبارٌ تحتاج إلى النقد و التحليل، و لا يصح لمن اطّلَع عليها أنْ يَنْسِبَ إلى مذهب أهل التشيع أو إلى مذهب أهل السنة ما اشتمل عليه ذلك الحديث، فلا يصحُّ أنْ تقول: إنّ مذهب أهل التسنّن تكفيرَ أهل صِفّين و الجَمَلَ من الصَّحَابة و التّابعين لأجل الخبر الذي أورده البخاري في صحيحه الذي تقدَّمّت إليه الإشارة؛ لأنّ الصحيح المذكور مما يعتمد أهل السنة عليه و ترجع في مذاهبها إليه.
قال (و للشيعة في تكفير الأول و الثاني صراحة شديدة ثم استدل على ذلك بأنّ في كتب الشيعة عن الباقر و الصادق…) إلى آخر ما كتبه في هذه المسألة التي لا فائدة في نشرها - بعد أن انطوت عليها قرون عديدة حتى صارت نسياً منسيا - غير تفريق الكلمة و قدح زنا
الجواب:
إنّ فرق الشيعة كثيرة و لا أُبْعدُ عن بعضها القول بتكفير الشيخين الكفر الإيماني أو الإسلامي، فلا وجه لنسبة ذلك إلى جميع الشيعة، كما
ص: 23
أنَّ في فِرَقِ أهلِ السُّنّة مَن يَتديّنُ بعداوة أمير المؤمنين عليه السلام و هم النواصب، فلا وجه لنسبة النَّصْبِ إلى جميع أهل السنة.
و في المسلمين مَن يُكَفّر الصّهرين، و فيهم فرقٌ كثيرة من الخوارج و غيرهم لهم آراء فاسدة و اعتقادات باطلة.
و الذي عليه الشيعة الإمامية من العقائد التي يتدينون بها و يجعلونها أصلاً من أصول ديانتهم، هي ولاية علي أمير المؤمنين عليه السلام و أبنائه المعصومين، و عداوة أعدائهم، و البراءة ممن يعاديهم و يناوئهم، و يريد السوء بهم، و الخلاف عليهم، و يعبّرون عن ذلك بالتّوَلّي و التَبرّي، و يقول شاعرهم:
إذا لَمْ تَبْرَ مِنْ أعدا عَليٍّ *** فمَا لَكَ في مَحبَّتِهِ ثَوَابُ (1)
فمَنْ وافق على ذلك من فرق المسلمين فقد اهتدى، ومَن أبى فله عمله.
و الظاهر أنّ أهل السنة يظهرون حب أهل البيت و يبرؤن من أعدائهم، ولكنهم يرون أنّ فلاناً و فلاناً و غيرهما ليسوا من أعدائهم، و أنّهم من مُحبيهم، و إنّه لا خلاف بينهم و لا عداء، و إذا كان الأمر كذلك فلا نزاع بين الشيعة و السنة في هذا الشأن، فإنّ الشيعة مثلاً يُبغضون زَيداً المعادي لأهل البيت، و يبرؤن منه، و أهل السنة يوالون زيداً المحب لأهل البيت فقد اختلف الموضوع و ارتفع النزاع، فإنّ
ص: 24
الموضوعات تختلف باختلاف الحيثيات.
و على أيّ حالٍ فهذه كسابقتها مما ينبغي، أنْ لا يُعَرِّج عليها في مثل هذه الأعصر الحرجة التي يفتقر المسلمون فيها إلى التكاتف و الاتحاد. و قد نّبهناكَ على أنّ ما يوجد في كتب الأخبار لا يجعل عقيدة لمن تنسب إليه تلك الكتب فَتُذْكَر.
(في اللعن) و قد نسب فيها السائل إلى عموم الشيعة لعن جماعة من الصحابة الكرام و لعن الأمة من أهل العصر الأول، إلى آخر ما أطال فيه.
الجواب:
ينبغي التعرض في هذه المسألة لأمور:
الأول: لا ينبغي الإشكال في مشروعية اللعن و جوازه على مستحقه، و قد اشتمل الكتابَ الشَّريف، و السُّنّة المقدسة عليه، و قد استعمله الصحابة و المسلمون، فلا شبهة و لا إشكال في جواز لعن الظالمين و الكافرين و الفاسقين، بل لا يبعد استحبابه شرعاً.
و هل اللعن إلاّ دعاءٌ على مستحقه؟ فكما يجوز الدعاء على الظالم بالهلاك و البَوَار، يجوز الدُّعاء عليه بالإبعاد عن رحمة الله و الطرد عنها و هو معنى اللعن و مفهومه.
الثاني: إنّ ما يستعمله الشيعة من اللعن و الموجود في أدعيتهم و زياراتهم هو لعن الظالمين و الفاسقين، و لعن أعداء أهل البيت، و لعن مَنْ قَتَلَهُم و أراق دماءهم ظلماً و حرصاً على حطام الدنيا و زخرفها، و هؤلاء لا ينبغي لمسلم أنْ يتوقف في لعنهم.
ص: 25
ثم إنّ اللعن ليس من قوام التشيع و لا من أصوله.
و قد يوجد في بعض فرق الشيعة كما يوجد في بعض فرق أهل السُّنّة مَنْ يَتَعدّى الحدّ فيلعَنْ بعض الصحابة أو التابعين، كما أنّه قد يوجد في بعض كتب أهل المذهب غير كتب العقائد ما لا يكون عقيدة لجميع أهل المذهب و لا أصلاً من أصول تدينه.
و الحاصل إنّ الذي عليه الشيعة الإماميّة هو جواز، بل استحباب لعن الظّالمين و الفاسقين و الكافرين و أعداء أهل البيت كائناً من كان.
و ما نقلَهُ السَّائلُ عن أصول الكافي من أنّ اللعن حرام إلى آخره فإنما هو لعن غير المستحق من أهل الإيمان، و هذه المسألة مسألة طويلةُ الذَّيل ذات فروع و شُعَبِ و الوَقْتِ لا يَتَّسعُ لبسطِ الكلام عليها.
الثالث: قال السائل في آخر كلامه:
(و أيُّ فائدةٍ حَصَلَتْ من اللعن إلى اليوم؟ وأيُّ مَصْلَحَةٍ تحدث من اللعن بعد اليوم؟) و لا يَخفى أنّ اللَّعْنَ عند مُجوّزه و مستعمله كذكرٍ من الأذكار فلا يصحُّ أنْ يُقال له: أيّ فائدة مثلاً حصلت من التسبيح إلى اليوم؟ و أيُّ مصلحة تَحْدُثُ منه بعد اليوم؟ و قوله: «إنّ اللعنَ لا يزيدُ اللاعنَ إلاّ مرضاً» إلى آخره، فهو ممنوع، فإنّ لعن الفاسق مثلاً يَزيدُ اللاعنَ إيماناً كما لا يخفى.
الرابع: ذكر السائل (أنّ أمّي المؤمنين عائشة و حفصة و هما بنص القرآن أهل البيت) و لا شك في أنّ أزواج النبي صلى الله عليه و آله و سلم أمّهات المؤمنين و إنّ الاتصال به صلى الله عليه و آله و سلم بنسب أو سبب موجب للتشريف و مقتضٍ للاحترام و التبجيل ولكنّ ذلك
ص: 26
مع تقوى الله و إطاعة أوامره و اتّباع سننه، و أمّا مع ارتكاب المعاصي و إسخاط الله و رسوله فقد يكون ذلك موجباً لشدة العذاب و تغليظ العقاب، و هذا أمر واضح يحكم به العقل و ينطق به الكتاب و السنة.
و أما قوله: (و هُما بنصِّ القرآنِ أهل البيت). فهو كلامُ مَنْ لا يُفرِّقُ بين النَّصِّ و الظّاهر، فإنّ النَّصَّ ما لا يحتمل الخلاف، و الظهور في محل الشك و التوقف، و قد احتملوا في أن المراد من البيت أهل مكة أو أهل المسجد الحرام، ولكنّ المشهور أنّ المراد من أهل البيت هم أهل بيت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، و قد اتفقت الشِّيعَةُ على أنّ المرادَ بهم أهل آية المباهلة، و ذكر النيسابوري في تفسيره: (أنّ أهلَ البيت نَصْبٌ على النداء أو على المدح و قال: و قد مرّ في آية المباهلة أنهم أهل العباء، النبيُّ صلى الله عليه و آله و سلم لأنه أصلٌ و فاطمةُ لأنها فرعٌ و الحسن و الحسين بالاتفاق، و الصحيح أنّ عليا منهم) (1) إلى أنْ قال: (و ورود الآية في شأن أزواج النبي صلى الله عليه و آله و سلم يغلِبُ على الظَّنّ دخولهن فيهن) (2) انتهى.
و لا يخفى أنّ في آي القرآن ما يكون صدرها في شأن و آخرها في أمر آخر، و من عادة الفصحاء أنْ يذهبوا من خطابٍ إلى غيره، و في كلام العرب شيء من ذلك كثير، فلا يقينَ بدخول مطلق الأزواج، في ذلك لا سيما الأزواج اللاتي لم يعقبن منه، و ما الزَّوْجَة في البيت إلا كالجارية التي يفترشها، و الخادم و الخادمة. أتُرَى أنَّ مُجرَّدَ زَوّجْتُ و قَبِلْتُ تَجْعَلُ المرأة من أهل بيتِ الرَّجُل و من آله؟ و هي
ص: 27
تنفصل عنه تمام الانفصال بقوله: «الحقي بأهلك» أو «أنت طالق».
و قد ورد في أهل البيت أنّهم سفينة النجاة، و أنّه يجب التمسك بهم، و أنهم أحد الثقلين، و أنهم عترته، و لا يصلح أزواجه صلى الله عليه و آله و سلم بشيء من ذلك قطعاً، مضافاً إلى أنّ هذه الآية من أقوى الأدلّةِ على العِصْمَة، و ليس في الأزواج مَنْ ادُّعِيَ لها العصمة.
و أما الأدلّة من طُرق الشيعة على أنّ المراد خصوص الخمسة فهي كثيرة، و رَوَى الزَّمَخْشَري في كشّافه في تفسير آية المباهلة عن عائشة: (أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم خَرَجَ و عليه مرط مُرحَّل مِنْ شَعَرٍ أسود، فجاءَ الحَسَنُ فأدخله ثمَّ جاء الحسين فأدخله ثمّ فاطمة ثم علي ثم قال: إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيتِ) (1).
(القول بتحريف القرآن):
الجواب:
لا يخفى أنّ جَمَاعَةً من أكابر عُلماء الشيعة أنكروا وقوعَ التحريف في القرآن الشريف، و أوّلوا ما صَحَّ من الأخبار الواردة في ذلك و هي كثيرة، و أكثرها لم تَجْمَعْ شرائط الصحة و الاعتبار، و لسنا نَرَى صِحَّةَ جميع ما رواه أصحابُنا الإمامية في كتبهم و لا الاعتقاد بها إلا بعد نقدها، و فهم المراد منها و فتوى علمائنا بمضمونها و غير ذلك مما ذُكر في محله.
قال العلاّمة الطبرسي و هو من أكابر علمائنا المتقدمين في تفسيره (مجمع
ص: 28
البيان): (إنّ الزيادة في القرآن مُجْمَعٌ على بُطلانِها، و أمّا النُّقْصَانُ فَقْدَ رَوَى جَمَاعَةٌ من أصحابنا و قومٌ مِنْ حِشوَّيةِ العامّة إنّ في القرآن تغييراً أو نقصاناً، و الصَّحيحُ من مَذْهَبِ أصحابنا خِلافُه و هو الذي نَصَرَه المرتضى قُدّس سرّه) (1) إلى آخر ما كتبه و استدلّ به على حفظه و حمايته من التغيير و التبديل.
و قال من أكابر علمائنا المتأخرين كاشف الغطاء في كشفه: (إنّ القرآن لا زيادةَ فيه من سورة و لا آية من بسملة و غيرها، و لا كلمة و لا حرف، و جميع ما بين الدفتين مما يُتلى كلامُ الله بالضّرورة من المذهب بل الدين و إجماع المسلمين) (2).
و أما نقصه: (فلا ريب في أنّه محفوظ من النقصان بحفظ الملك الدّيّان كما دَلَّ عليه صريحُ القرآن و إجماع العلماء في جميع الأزمان و لا عبرة بالنادر، و ما ورد من أخبار النقيصة تمنع البديهة من العمل بظاهرها) (3)، إلى أن قال بعد أن شَدَّدَ النّكير على القول بالنُّقصانِ «فلابدّ من تأويلها بأحدِ وجوهٍ» ثم ذكر الوجوه هناك(4).
أقول أولاً و أقول ثانياً: إنّ التحريف في القرآن لا دليلَ على استحالته عقلاً و لا عادةً و لا يَستلزِمُ أمراً باطلاً.
أما إمكانُهُ عَقلاً فهو واضح، و أمّا عادةً فإنّ جَمْعَهُ من السُّطور
ص: 29
و الصُّدُورِ مع أنَّ القَتْلَ قد استحَرَّ بالقُرّاءِ يَومَ اليَمَامَةِ و الإنسانُ مُعرَّضٌ للسَّهو و النِّسيان لا يسلم عادةً من زيادة أو نقصان، و اختلاف المصاحِفِ التي جُمِعَتْ في صدر الإسلام يَقْضي بذلك، و مَنْ يقرأ من كتاب الإتقان للسيوطي النوع الثامن عشر في جمع القرآن و ترتيبه، و ما يليه مما كتبه في ذلك يتّضحُ له الأمر، و ينكشف له أنّ القولَ بتحريفِ القرآن معنىً ظاهر واضح مما ذكره و رواه عن العلماء و المحدِّثينَ منهم، و لولا التَّحريفُ في المصاحف لما أحرق عثمانُ بقيَّةَ المَصَاحِفْ(1)، فهذا منه فِعْلٌ يَدُلُّ على وقوعِ التَّحريفِ فيها.
و الحاصل أنّ العادة قاضية بأنَّ ما يُجمع من الألواح و الدّفاف و العُسُبِ و اللِّخاف و مِنْ صُدور الرّجال لا يَسْلَمُ غَالباً من التغيير و التبديل.
(في حكوماتِ الدّول الإسلامية و قضاتها و كل علمائها طواغيت) إلى آخره.
الجواب:
اعلم أنه لا حكومة و لا سلطنة و لا ولاية لأحد من المخلوقين على أمثاله في بدن أو مال، بل سلطنة له على نفسه أو ماله، و إنّما الولاية
ص: 30
و السلطنة لله تعالى أو لمن أعاره السلطنة و جعلها له بمقدار ما منحه منها و فوّضه إليه من أمرها؛ لأنه المالك الحقيقي، و الناس متساوون في العبودية، فلو تَغَلَّبَ على أمرِ الأًمَّةِ مُتَغلِّبٌ أو تَسلَّطَ عليها قاهِرٌ لم تجب طاعته، و لم تنفذ أحكامه، و حَرُمَتْ إعانته، و لم يَجُزْ التَّحَاكُمُ و التَّرَافُعُ إليه، و لا الأخذ بما يحكم به.
و مما اتفق عليه المسلمون أنّ الظالم و الفاسق و المتغلب لا ولاية له و لا حكومة، فراجع كلمات أئمة التفسير في تفسير قوله تعالى: «لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ» (1)، و إنّها الولاية لمن تضمّنَه نَصُّ «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» (2)، فقد (جعلت الولاية لله على طريق الأصالة و للرسول و المؤمنين على سبيل التبع) (3).
قال الزمخشري: (إنّها نزلت في عليًّ كرّم الله وجهه حين سأله سائل و هو راكع في صلاته فطرح له خاتمه كأنّه كانَ مَرِجاً في خنصره، فلم يتكلف لخلعه كثير عمل تفسد بمثله صلاته) (4).
و قال في تفسير قوله تعالى: «لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ»: (أي مَنْ كان ظالماً من
ص: 31
ذريتك لا يناله استخلافي و عهدي إليه بالإمامة، و إنما ينال من كان عادلاً بريئاً من الظلم، و قالوا في هذا دليل على أنّ الفاسق لا يصلح للإمامة، و كيف يَصْلُحُ لها من لا يجوز حكمه و شهادته، و لا تجب طاعته، و لا يقبل خبره، ولا يُقدَّمُ للصلاة؟
و كان أبو حنيفة يفتي سراً بوجوب نصرة زيد بن علي رضوان الله عليهما و حمل المال إليه و الخروج معه على اللصِّ المتغلّب المتسمي بالإمام و الخليفة كالدوانيقي و أشباهه، و قالت له امرأة: أشرتَ على ابني بالخروج مع إبراهيم و محمد ابني عبد الله بن الحسن حتى قتل، فقال: ليتني مكان ابنكِ.
و كان يقول في المنصور و أشياعه لو أرادوا بناء مسجد و أرادوني عدّ أجره لما فعلت.
و عن ابن عيينة: لا يكون الظالم إماماً قط، و كيف يجوز نصب الظالم للإمامة، و الإمام إنّما هو لكَفِّ الظَّلَمَة، فإذا نُصب مَنْ كان ظالماً في نفسه فقد جاز المثل السائر: من استرعى الذئب ظلم) (1).
و قال الرازي في تفسيره: (إنّه ثَبَتَ بدلالة الآيةِ بُطلانُ إمامة الفاسق، و إنّ الفاسق لا يكونُ حاكماً، و أنّ أحكامه لا تنفذ إذا ولي الحكم) (2) إلى أنْ قال: (و لم يُفرِّق أبو حنيفة بين الخليفة و الحاكم في أنّ شَرْطَ كُلَّ
ص: 32
واحِدٍ منهما العدالة) (1)، ثم قال: (و قد أكرهَهُ ابنُ هُبيرة في أيّامِ بَني أميَّةَ على القضاء و ضَرَبَهُ فامتَنَع عن ذلك فحُبسَ، فلَجَّ ابنُ هبيرة، و جعل يضربه كل يوم أسواطاً، فلمّا خيف عليه قال له الفقهاء: تولّ له شيئاً من عمله أيَّ شيء كان حتّى يزول عنك الضرب، فتولّى له عَدّ أحَمَالِ التبّن التي تدخل، فخَلاّه، ثم دعاه المنصورُ إلى مثل ذلك حتى عدّ له اللبن الذي كان يُضرب لسور مدينة المنصور، و قصّتُهُ في أمر زيدِ بن عليٍ مَشهورةٌ و في حَمْلِهِ المالَ إليه)(2) إلى آخر ما كتبه.
و من هذا يُعلم أنّ مُلوكيّة بني أمية و بني العباس و خلافتهم و خلافة غيرهم ممّنْ جَرَى على مِنوالِهِم باطِلَةٌ غيرُ مَشْرُوعَةٍ، و لا يجوزُ إطاعتُهُم إلاّ بمقدارِ الضَّرورةِ، و بمقدار ما يَنْتَظِمُ به أمرُ الأمن العام، و حفظ بيضة الإسلام.
يقول: (صرَّحَتْ كتُبُ الشِيعة إنّ الفرق الإسلامية كلها كافرة ملعونة خالدة في النار، و المخالف شِرُّ من الكفّار، و إنَّ دَمَ النَّاصِبِ و مالِهُ حَلالٌ، و النّاصِبٌ مَنْ يُقدِّمُ الأوَّلَ و الثّاني) إلى آخره.
الجواب:
لا يَخفى أنّ الشيعَة فِرَقٌ كثيرة مُشتَّتة كثيرة، و فيها الغَثُّ و السَّمينُ، و الحقُّ و الباطل، و أمّا الفرقة المحِقّة من فرقها فليس كُلّ ما يُورَدُ في كتب الأخبار و الجوامع المنسوبة إليها مما يُعوَّلُ عليهِ و تتدين به و تعتمد عليه و تفتي بمضمونه، و لا يقبل الحديث المروّي فيها و لا يعمل به إلاّ بعد استكماله شروطاً مُقدَّرَةً في
ص: 33
محلّها.
و هذه كتب الشيعة الإمامية كتب العقائد و كتب الفتوىَ ليس فيها لذلك عينٌ و لا أثر.
ثمّ إنّ الكُفْرَ له مَعَانٍ كثيرة وَرَدَ استعمالُها في الكتاب و السُّنّةِ، و ليس كل ما أطلق يُرادُ به ما قَابَلَ الإسلام و رَادَفَ الشّرك، و لو سَلَّمنَا تصريح كتب الشيعة بكفر الفرق الإسلامية ما عداها، فذلك مضمون الخبر الذي رواه الفريقان عنه صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال: (إنّ أمتي ستفترق على اثنتين و سبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة) (1)، فعلى هذا تكون كل الفرق الإسلامية ما عدا واحدة ضالة هالكة تستحق العذاب في النار، و لا فرق بين أنْ نقول ذلك أو نقول: إنها كافرة ملعونة كما لا يخفى على المنصف، فهذه المقالة التي نسبها إلى الشيعة كوصمة و انتقاد كُلُّ فرقَةٍ من فرق الإسلام تقولُ بها، و لا ترى النجاة إلا بها دون غيرها.
و أما الناصب فعلى ما يظهر من القاموس أنه: (المتدين ببغض عليّ أمير المؤمنين عليه السلام ) (2) و وجوبُ مودته من أحكام دين الإسلام الضرورية، فمَنْ أنكَرَ وجوبها أنكر ضرورياً دينياً، و هو مُوجِبٌ للخروج من الإسلام، و قد رَوَى الزمخشري في الكشَّاف فِي تفسير آية: «قُلْ لَا
ص: 34
أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» (1) حديثاً طويلاً عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم منه قوله: (ألا مَنْ مات على بُغضِ آل محمَّدٍ ماتَ كافراً) (2).
و لا شبهة في أنَّ دَمُ الكافر الذي من أفراده الناصب بالمعنى المذكور حلالٌ، و ماله حلال، و أمّا الناصب بغير هذا المعنى فلم يُفَسِّرْهُ أكابرُ فقهائنا.
نعم لا يبعد أنه يوجد في بعض الأخبار التي لا معوّل عليها عند علماء الإمامية تفسير الناصب بما ذكره السائل.
و قوله: (إنّ الله قد نَصَبَ علياً عَلَمَاً بينَهُ و بَيَنَ خلقِهِ) فهو ما تقوله الشيعة و لا تنكره؛ لأنَّها ترى الإمامة كالنبوة لا تكون إلا بالنص و لا تكون بغيره).
و قوله: (إنّ من أنكره كان كافراً، و إنّ المخالف في الإمامة لا إيمان له) فمرادهم بالكفر ما قابل الإيمان، و أصول الإيمان عندهم خمسة: العدل و الإمامة مع أصول الإسلام الثلاثة، فمن لم يعتقدها فلا إيمانَ له و إنْ كان مسلماً.
و أما قوله: (إن المخالِفَ في حُكْمِ المشرك و الكافر) فهو أمرٌ لا تقولُ بهِ الشّيعَةُ، بل ترى أنَّ المخالِفَ، و هو مَنْ لا يقول بإمامةِ أميرِ المؤمنين عليه السلام بعد النبي صلى الله عليه و آله و سلم بلا فصلٍ، لا تجري عليه أحكامِ الكُفَّار مِن حِلّيّةِ الدم و المال و نجاسة البدن.
ص: 35
ثم إنَّ هذا السائل يقول بملئ فمه: و يقول الإمام كذا و يقول الإمام من أئمة المذاهب كذا، كأنْ قد سَمِعَ ذلك من الإمام أو ثَبَتَ لديه بتواترٍ أو قَطْعٍ و مثلُ ذَلِكَ لا يُسْنَدُ إلى الإمام بمجرَّدِ وجودِ رِوايةٍ ضَعْيفَةٍ أو خبر شاذ لا مُعوّل عليه، فإسناد ذلك إلى الإمام و الحالة هذه من أكبر المحرّمات، و لا نعلم مَنْ أراد بهذا الإمام من الأئمة (1).
اشتملت على مسائل ثلاث ذكرها السائل و نسبها إلى الشيعة:
الأولى: (إنّ جهاد الملل الإسلامية اليوم غير مشروع حتّى لو أوصى أحد في سبيلِ اللهِ، و سَبيل الله في عقيدته هو الجهاد جاز العدول عنه إلى فقراء الشيعة).
الثانية: (الجهاد مع غير الإمام المفترضة طاعته حرام).
الثالثة: (الشيعيُّ شهيدٌ و لو ماتَ على فراشه حَتْفَ أنفِهْ).
ثم ذكر ما يترتب على هذه المسائل من المفاسد.
و الجواب:
عن المسألةِ الأولى إنّ الجهادَ قد يكونُ ببذلِ المال لإعلاء كلمة الإسلام، و قد يكونُ ببذل النَّفْسِ، و تعريضُها للعطب و الهلاك و القتل و القتال، و هو بهذا المعنى على أقسام خمسة ذكرها الشيخ الفقيه في كتابه المعروف بكشف الغطاء،
ص: 36
و ذكرها غيره من فقهاء الإمامية، نذكرها على سبيل الإجمال:
أحدها: الجهاد لحفظ بيضَةِ الإسلام، إذا أرادَ الكُفَّارُ الهجومَ على أراضي المسلمين إلى آخره.
ثانيها: الجهاد لدفع الكفار من التسلُّط على دماء المسلمين و أعراضهم.
ثالثها: الجهادُ لدفعهم عن طائفةٍ من المسلمين التقت مع طائفة من الكفار إلى آخره.
رابعها: الجهاد لدفعهم عن بلدان المسلمين و قُراهُم و أراضيهم و إخراجهم منها بعد التسلط عليها إلى آخره.
خامسها: جهاد الكفر و التوجه إلى محالّهم لجلبهم إلى الإسلام، و الإذعان بما أتى به النبي صلى الله عليه و آله و سلم (1).
و الجهاد بهذا المعنى و هو القسم الخامس يُشتَرَطُ فيه حضور الإمام أو نائبه الخاص دون العام، و لا يشترط في الأقسام الأربعة ذلك، فمع عدم حضور الإمام و نائبه الخاص و عجز النائب العام يَجبُ على كل من له قابلية السياسة و تدبير الحرب و جمع العساكر القيام به، و تجبُ على المسلمينَ إطاعته، و يجبُ في الأقسام الأربعة على كلِّ قادرٍ على النُّصرة مِنْ قَريبٍ و بعيدٍ الحُضورُ في عَسْكَرِ المسلمينَ وجوباً كفائياً إلى آخره (2).
و قد ذَكَرَ فَضْلَ الجهادِ و وجوبهِ و رَغَّبَ فيهَ، و حَثّ عليه و ذكر من الآيات
ص: 37
الشريفة و الأحاديث شيئاً كثيراً (1) ثم ذكر فضل المرابطة و الإقامة في الثغور (2). و لست ترى كتابا من كتب الشيعة إلاّ و يذكر فيه الجهاد و فضله و الحثّ عليه، و إنه سبيلُ اللهِ، و إنّه مِنْ مَصَارِف الزكاة.
قال العلامة في التبصرة و هي من كتب الفتوى التي عليها العمل: «سبيلُ اللهِ كُلّ مَصْلَحَةٍ و قُرْبةٍ كالجهادِ و الحجّ و بناء القناطر و المساجد» (3).
فقول السائل: «إنّ جهادَ الملل اليوم غيرُ مشروع» على إطلاقه خلافُ الحقيقة، و مسألةُ الوصيّة التي ذكرها لا صحّة لها. نعم مال الزكاة الذي يجوز صرفه في الجهاد يجوزُ العدول عن صرفه فيه إلى صرفه على الفقراء أو غيرهم من الأصناف الثمانية.
و أمّا المسألة الثانية، فالجهاد بمعنى التوجّه إلى بلاد الكفّار لجلبهم إلى الإسلام و التديّن بهِ فلا يجوز إلا مع الإمام أو مأذونه الخاص. و أما أقسام الجهاد الباقية فلا تتوقف على ذلك.
و أمّا المسألة الثالثة فلم نقف عليها في كتب الشيعة الفقهية. نعم رُبّما يوجد ذلك في بعض الأخبار، و على فرض وجودِهِ فلا ضير من القول به، ففي الكشاف في تفسير آيةِ المودّة قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : (مَنْ مات على حُبِّ آلِ محمَّدٍ ماتَ شهيداً) (4) و لا شكَّ في أنَّ الشيعي إذا ماتَ على فِراشِهِ حَتْفَ أنفِهِ يموت
ص: 38
على حُبِّ آلِ محمّدٍ، و المراد أنَّ لَهُ أجرُ الشَّهادة، و قد ورد إطلاق الشهيد على أفراد كثيرة من المسلمين.
(ادَّعَتْ كُتُبُ الشيعة أنّ الأئمة كانت تنكر كل حديث يرويه إمام من أئمة العامّة و الأخذ بنقيض ما أخذت به الأئمة أسهل طريق في الإصابة، فكلُّ خَبَرٍ وَافَقَ العامَّةَ باطِلٌ، و ما خالف العامة ففيه الرشاد) إلى آخر ما رسمه في هذا المقام.
و الجواب:
إنّ كثيراً من الأحاديث النبوية التي ترويها أئمة العامة و ثقاة رواتها تأخذ بها الشيعة و تحتجُّ بها في كتبها الفقهية، كما لا يخفى على من راجع كتبها الاستدلالية، و كثيراً من الأخبار التي ترويها الشيعة في جوامعها و تعمل بها موافقة لأخبار العامة و فتاواهم، و كثيرا ما تعتمد على الثقاة من رواتهم.
و أقرب الطرق عندهم إلى معرفة الأحكام الشرعية الكتاب العزيز، ثمَّ السُّنَّةُ النبوية من طريق أهل البيت، فإنّ أهل البيت أدرى بما فيه، ثم ما أجمعت عليه الأمة، و ما رواه الثقاة الأثبات.
و لم تجعل كتبُ الشيعة خلافَ العامة أصلاً من أصول الفقه على كل حال. نعم عند تعارض الأخبار كما يرجح الفريق الموافق لكتاب الله على غير الموافق له، كذلك يُرجَّحُ المخالف للعامّة على غيرهِ، و لا غرابة و لا بداعة في ذلك، فإنّ ذلك من الطرق التي يسلكها كافة ذوي العقول عند الحيرة و التردد، فإنّها تأخذ بما تراه موافقاً لمن يرونه من أهل
ص: 39
الحقّ و الصواب، و ترى الرُّشْدَ في خِلافِ الفريق الذي تَعْتَقِدُ فيه أنّهُ مِنْ أهل الغَيِّ و الضلال.
و قد ذكر مثله أهل الأصول من العامة، فقد ذَكَر ابنُ الحاجِب في مختصره و العَضُدي في شرح: «إنّ الترجيحَ بحَسَبِ الخارج»: «من وجوهٍ، منها: تقديم الموافق لأهل المدينة أو للخلفاء و الموافق لعمل الأئمة الأربعة على غيره» (1)، و لا معنى لهذا إلا أنّهم يرون الرُشْدَ في خلافِ غير أهل المدينة، و غير الموافق لعمل الأئمة الأربعة.
و على أيّ حالٍ فهذه المسائل و نحوها صحيحةً كانت أو باطلة لا دخل لها بحقيّة المذهب و عدم حقيته، فإنّ أهل المذهب قد تصدر منهم آراء و أقاويل في أصول الفقه و فروعه غير صحيحة.
و قد ظهر مما ذكر أنّ قوله: «و هي في بابها بديعة لم تكن لدينٍ من الأديان، و لم تكن مسلكاً لعلمٍ من العلوم، و لم يجعل مدركاً للحق و دليلاً للإصابة قبل وضع الشيعة» في غاية الوَهَن و السقوط، و إنّ قائله جاهل بأصولِ أهلِ مذهبه، فضلاً عن غيرهم.
و أما قوله: (إنّ أفضل قرون الإسلام قرن رسالته و قرن خلافته الراشدة) إلى آخر ما سَطّر فهذا الحديث - بعد غَضِّ النظر عن الطعن في صحته، و عمّا وقع في تلك القرون من المعاصي و الكبائر التي لم يتفق وقوع
ص: 40
نظيرها في القرون المتأخرة مما يوجب الريب في صحته - لا يُرادُ منه إلا أنّ في أهل ذلك القرن من هو أفضل ممن يكون في أهل القرن الذي يليه، و لا شبهة في ذلكَّ فإنّ في قرنِ رسالته أهلُ البيت و شيعتَهم، و هم خيرٌ ممن يكون في القرن الثاني، و في القرن الثاني أولادُهُم أئمّةُ المسلمين، و أبنائهم الأبرار، و ليس المراد إثباتُ الأفضلية لعامَّةِ أهلِ ذلك القرن، فإنّ فيهم الصالح و الطالح و المؤمن و المنافق و من يُبطِنُ الكفر و يظهر الإسلام.
(في كتب الشيعة أبوابٌ في آياتٍ نزلت في الأئمة و الشيعة، و آياتٌ نزلت في كفر أبي بكر و عمر و كفر من اتّبعهما و الآيات تزيد على مائة) إلى آخره.
الجواب:
إنّ الكتب المنسوبة إلى الشيعة كثيرة، و فيها ما لا يعول عليه و لا يعتمد على ما فيه، و المعتبر منها قد يوجد فيه ما لا تقول به الشيعة و لا تتدين به، و إنّما المدار على كتب العقائد و كتب التفسير المعتمدة، كمَجْمَع البيان، و التّبيان، و نحوهما، و على ما يذكر في الرسائل الدينية العملية، و لا شكَّ في أنَّ القرآنَ الشريف فيه آياتٌ كثيرة نزلت في الأئمة الطاهرين، و قد رواها الفريقان، و ليس في تأويل الآيات تعجيزٌ و لا تجهيل و لا طعن على الآداب، كما لا يخفى على ذوي الألباب.
قال (و لكتب الشيعة في حيلة التقية غرام قد شغفها حباً) إلى آخر ما كتبه.
الجواب:
ص: 41
و أقول: التقيّةُ مما دَلّ على مَشْروعيّتها العقلُ و النقل، كتاباً و سنةً، بل و الإجماع في الجملة من جميع المسلمين مُضافاً إلى أدلة نفي العسر و الحرج في الدين و النهي عن إلقاء النفس في التهلكة.
و الآيات الدالّة على شرعّيتها كثيرة كقولهٍ تعالى: «إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً» (1) و قوله تعالى: «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ» (2) فقد ورد عن أهل البيت أنّ التي هي أحسن التقية (3)، و إنّ الحسنة في قوله تعالى: «وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ» (4) هي التقية والسيئة الإذاعة (5). و قوله تعالى: «إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ» (6) و غير ذلك من الآيات (7).
و قد اعترف أكثرُ المفسرين من العامة بدلالة بعض الآيات على مشروعية التقية، و عرّفها الآلوسي في روح المعاني بأنها: (محافظة النفس أو العرض أو المال من شر الأعداء) (8) و ذكر جملة من الأخبار الواردة من الطرق المعتبرة عندهم الدالة على وجوب مدارة الناس، و أنه صلى الله عليه و آله و سلم قال: (إنّ الله تعالى أمرني بمداراة
ص: 42
الناس) (1)، (و إنَّ مَنْ عاشَ مُدارياً مات شهيداً) (2)، إلى آخر ما ذكره مما يطول المقام بذكره.
و أمّا الأخبار الواردة عن أهل البيت و الأئمة المعصومين في أنَّ التقية دينُهُم و دينُ آبائهم، و إنّ «من لا تقية له لا دين له» فلا تكاد تحصى، و الذي يظهر منها أنّ التقية عزيمة لا رخصة، و أنّها واجبة على كلّ مكلّف، إلا في موارد مخصوصة خرجت بالدليل، و ليس هذا مقام ذكرها، و لا مقام ذكر تفصيل أحكام التقية، و إنه هل يعتبر فيها عدم المندوحة أو لا؟ و إنّما الغرضُ إثبات شرعيتها و جوازها لكلّ مكلف في أمور الدين و أمور الدنيا، و في العبادات و المعاملات، و الأقوال و الأفعال، و أنّها من الدين و من الشريعة الحنيفة السّمحاء.
و قد اعترف بها هذا السائل في آخر كلامه كما اعترف بها غيره من أهل الخلاف فإنه قال: (نعم إنّ التقية في سبيل حفظ حياته و شرفه و في حفظ ماله و في حماية حقٍّ من حقوقه واجبةٌ على كلِّ أحدٍ إماماً كان أو غيره)، فهذا الكلام كما تراه اعتراف من قائله بما تذهب إليه الإمامية من وجوب التقية على كل أحد.
و أمّا قوله: (أمّا التقيّة بالعبادة بأنْ تعمَلَ عَمَلاً لم يُْقْصَدْ بهِ وَجْهُ اللهِ) إلى آخره فبطلانه ظاهر؛ لأنّ المكلّف إذا كان الواجب عليه مِن اللهِ تعالى أنْ يَتّقي في عبادةٍ أو معاملة أو غيرهما كان عمله مقصوداً به وجه الله و متقرباً به إليه.
ص: 43
و الحاصل: إنّ كلام هذا السائل في هذا المقام متناقض الجمل، ينقض بعضه بعضاً، و هو غير خفيٍّ على مَن لاحظه و تأمل فيه.
(في كُتُبِ الشيعة إنّ عليًّا، طَلَّقَ عائشة فخَرَجَتْ عن كونها أمّ المؤمنين) إلى آخر ما كتبه من أمور قد توجد في بعض الكتب المنسوبة إلى الشيعة.
الجواب:
قد تقدَّمَ مِنّا مِراراً أنَّ كثيراً مما يُوجد في بعض الكتب مما لا تُعوِّلُ عليه الشيعة و لا تعتقده و لا تتخذه ديناً، و لو فتشنا كتب كل فرقة من فرق الإسلام لوجدنا فيها أموراً مُنكَرَة لا يقولون بها و لا يعوِّلونَ عليها.
(أعجبني دينُ الشيعة في تحريم كل شراب) إلى آخره.
الجواب:
أقولُ: إنّ هذا السائل ذكر أموراً:
الأول: أنه نسب إلى دين الشيعة تحريم المسكر حتى على المضطر، و ليس الأمر كذلك، فإنّ المسكر مع الاضطرار إليه غيرُ محرّم عندهم، فمَن خاف على نفسه الهلاك من العطش و لم يك معه إلا مائع مسكر يجوز له أن يتناول منه أقل ما تندفع به الضرورة، و كذا لو توقف عليه علاجه و برؤه من مرضه.
الثاني: (استحسن كل الاستحسان مذهب الشيعة الإمامية في مسائل الطلاق) إلى آخره.
و لا يخفى أنّ الأحكام الشرعية إنْ قام عليها دليل من كتاب أو سنة وجب
ص: 44
قبولها و الالتزام بها و إلا فلا يُعبأ به استحسنها أم لم يستحسنها، أعجبته أو لم تعجبه و الاستحسان و الإعجاب لا أثر له في التدين.
الثالث: أنه (وجد كتب الشيعة مقصَّرة في بيان مسائل الربا) و لم يذكر الكتب التي رماها بالتقصير، كما أنّه لم يُبيّن أنّها قَصَّرَتْ في أيَّ شيء، و ما ذلك إلا من القصور، فإنّ للشيعة كتباَ كثيرة في الفروع تعرضت لهذا الموضوع و شرحتها بما لا مزيد عليه.
الرابع: تعرَّضَ هنا لمسألةِ (العول) الذي لا يكون إلا بدخول الزوج أو الزوجة، و هي من أهمّ مسائل المواريث التي وقع فيها الخلاف بين الشيعة الإمامية و بين أهل السنة من العامة من قديم الزمان، بل وقع فيها الخلاف في صدر الإسلام في زمن الخلفاء.
و الشيعة الإمامية ينكرون العَوْل أشدَّ الإنكار، لأنه يستلزم الجهل أو التكليف بما لا يطاق تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، و على إنكاره و نفي ثبوته إجماعُ أهل البيت و أخبارهم به متظافرة.
و هذا السائل لم يفهم مذهب الإمامية في هذه المسألة، و لم يُعْطِ حقَّه من النظرِ، فأخذ يخبط خبط عشواء، و ينسب إلى أئمة المذهب ما لا يليق، و أنا ألخّصه لك لتقف على حقيقته فيتضح لك ما في كلام هذا السائل من الوهن و الخطأ.
و حاصل ذلك: أنّهم يمنعون من اجتماع سهام لا يفي بها المال، و لو اجتمعت بحسب الذكر و الاسم فهي غيرُ مجتمعةٍ بحسب الغرض و الحكم، لأنّ لبعض أهل السهام في مثل تلك الصورة كالأختين فيما لو ماتت امرأة عن زوج
ص: 45
و أختين مثلاٍ مَا بقي من المال، و هو تخصيصٌ للدّليل الدالّ على أنّ للأختين الثلثين أو تقييد لإطلاقه بالسُّنّةِ المتواترةِ عن أهل البيت و أئمة الهدى، و لا ريب في تخصيص عمومات الكتاب و تقييد إطلاقاته بالسنة.
فلم تجتمع في المسألة سهامٌ لم يف بها المال؛ ليلزم النقص على الجميع، كما يذهب إليه أهلُ السنة، و لا على البعض كما يُعبِّر بذلك بعضُ فقهاءِ الإماميّة تسامحاً و مجاراةً لهم في الجملة؛ إذ لا عَوْلَ عندَ الإماميّة أصلاً لا على الكلّ و لا على البعض حتى يقال: إنّ عَوْلَ الأُمّةِ عولٌ عادل، و عَولَ الشيعة عَولٌ جائر، و مقادير السهام يتبع الدليل، و لا تصل العقول إلى الأسباب التي اقتضت أن يكون لهذا كذا و لذاك كذا، و إنّ للذكر و الأنثى من الأبوين مع الولد على السواء، و إنّ الذكر و الأنثى من الأولاد مختلفان.
و لا معنى لقول الخصم: «إنّ إدخال النقص على البعض دون البعض ترجيح بلا مرجح» بعد دلالة الدليل على ذلك، و إنّ الله تعالى لا يجور في الحكم، و لا ريب في أنّ التخصيص في البعض أولى من التخصيص في الجميع، و أقرب إلى العمل بكتاب الله، بل يلزم عليه عدم العمل بالكتاب أصلاً، مع أنّ إدخال النقص على الأختين مُجمَعٌ عليه دونَ إدخالِهِ على الجميع.
و لا غرابة في ما ذهبت إليه الإمامية فقد وقع في الشريعة نظيره، و ذلك فيما إذا تعلّقت حقوقٌ بمالٍ لا يفي بها، فقد ذكروا أنه يقدّمُ منها ما كان أقوى، كالتجهيز و الدَّين و الوصية و الميراث، و كذا لو اجتمعت وصايا متعددة لا يعلم فيها الترتيب و لا يسعها الثلث.
قال السيد الشريف الجرجاني في شرح الفرائض السراجية: (لا شك أنّ من
ص: 46
ينقل من فرض مقدر إلى فرض آخر مقدر يكون صاحب فرض من كل وجه، فيكون أقوى ممن ينقل من فرض مقدر إلى فرض آخر غير مقدر؛ لأنه صاحب فرض من وجه و عَصَبةٍ من وجه آخر، فإدخال النقص أو الحرمان عليه أولى؛ لأن ذوي الفروض مقدّمون على العصبات) (1) انتهى.
و هذا منه ظنٌّ و تخمين، فإنّه تعالى أعلم بالوجه و العلة في ذلك.
و قيل: إن من له الغنم فعليه الغرم، و قال زرارة: إنّ مَنْ له الزيادة يكون عليه النقصان (2).
فإنّه في الصورة المتقدمة لو مات زوج عن امرأة و أختين كان للمرأة الربع و الباقي لهما.
و جَعْلُ ذوي السِّهام التي يَضيقُ عنها المال كالغُرماء في التركة التي تَقْصُرُ عن الوفاء قياسٌ لا نقول به، و مع الفارق، فإنّ أصحابَ الدُّيونَ مستوون في استيفاء أموالهم من تركة الميت، و ليس لأحدهم على الآخر مزيّة، فإذا ضاق المال تساهموه، و ليس كذلك مسائل العول؛ لأنَّ بَعْضَ الوَرَثةِ أولى بالنّقص من بعض، و أيضاً السِّهامُ في العَوْلِ مُتعلّقةٌ بأجزاءٍ مُسمّاة لا يُمكنُ أنْ تُستَوْفى مِنْ مالٍ واحدٍ و إنْ كَثُر، و الدُّيونُ إذا كَثُرَ المالُ أمكن استيفاؤها منه، فافترق الأمران.
ص: 47
و الحاصلُ: إنّ الأختينِ و نحوهما عندنا في مثل هذه الصورة إنّما يرثان بالقرابة دون الفرض؛ لأنّ الدليل الذي دّلَّ على أنَّ فرضهما الثلثان قَيَّدَتْ إطلاقَهُ السنةُ المتواترة بما إذا لم يكن معهما زوج، بل يكون لهما الباقي و ذلك بالقرابة، و على هذا يَزولُ الإشكالُ من أصله، و تعلم أنَّ كلام السائل لا وقع له، و إنّه كلامُ مَنْ لم يقف على معنى العول عند الشيعة، و لم يتأمَّلْ فيهِ، و القائلون بالعَوْل اجتهدوا و عملوا بالقياس، و لم يصل إليهم المخصِّص أو المقيِّد، ولكنّ ابن عباس لم يحتجَّ عليهم بالمخصِّص النقلي الذي وَقَفَ عليهِ و أخذَهُ مِنْ أهل الذكر، و الحُجج على العباد، بعد أنْ حكموا بالعول، و أفتوا به لأمورٍ لا تخفى، ولكنّه احتجّ عليهم بالمخصِّص العقلي، فإنّ العموماتِ و المطلقات، كما يُخصّصّها النقل يُخصِّصها العقل، فإنّ الذي أحصى رمل عالج لا يُعقل أنْ يَجْعَلَ في مالٍ واحدٍ نصفاً و ثلثين، فلا يشمل إطلاق الدليل و عمومه هذا المورد قطعاً.
و العول فرعُ شمولِ العموم المستلزم لإلغاء المخصِّص العقليّ، بل للدليل نفسه، فإنّ كلَّ ذي فرضٍ على تقدير العول لم يأخذ فرضه، و لم يعمل بكتاب الله و لا في سهم واحد، و هذا هو الذي يُسمّيه السائل بالعول العادل، فإذا كان مثل هذا العدل الذي يتخيله الإنسان في بادئ النظر مُسوِّغاً لعدم العمل بكتاب الله، فليقسم المال بين الذكر و الأنثى من الأولاد على السَّواء قياساً على الذكر و الأنثى من الأبوين مع الولد، فإنّ لكلِّ واحدٍ منهما السُّدُس؛ لأنّه قسمةٌ عادلةٌ، و تلك قسمة جائرة.
إنّ دينَ اللهِ لا يُصابُ بالعُقول و لا ينبغي أن يُعرِّج على ما في كلام هذا السائل من الفضول.
ص: 48
يقول السائل: (كتب الشيعة إذا تعصَّبت على المسألة فهي تُجازف في الكلام) إلى أن يقول: (و أنا أرى أنّ المتعة كانت من بقايا الأنكحة الجاهلية)، ثم يقول: (و لا كلام لنا اليوم في رَدَّها و إنما كلامي الآن في أنَّ المتعة هل تثبت بالقرآن أو لا؟ كتب الشيعة تدّعي أنَّ المتعة نزل فيها قوله تعالى: «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً»(1) و أرى أنَّ أدب البيان يأبى، و عربيّة هذه الجملة المعجزة تأبى أنْ تكون هذه الجملة الكريمة قد نزلت فيها؛ لأنَّ تركيب هذه الجملة يفسد و نظم هذه الآية الكريمة تختلُّ لو قلنا: إنّها نزلت في متعة النكاح).
الجواب:
و أقول: إنّ هذا السائل يقول: أرى و أرى و للمُجيب أنْ يقول: و أنا أرى و أرى، و كان عليه أنْ يذكر المصدر الذي اعتمد عليه و أخَذَ منه ما رآه من أنَّ المتعة من بقايا الأنكحة الجاهلية، فإنّا لم نقف على كتابٍ يُذكر فيه ذلك، و الذي نعلمه أنها إحدى المتعتين اللتين كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و عهد خليفته الأول و شطر من أيام خليفته الثاني.
و على فرض كونها من بقايا أنكحة الجاهلية، و إنه كان لهم زوجان دائم و مؤقت فلا مانع من أن يُحلِّلها الإسلام و يجيزها، كما أمضى جملة من معاملات الجاهلية و أجازها، فإنّ الإسلام لم يُبطل كُلّ ما كان عند الجاهلية من العقود و المعاملات و الأحكام كما لا يخفى.
ص: 49
قال السويدي في سبائكه في الباب الذي ذكر فيه ديانات العرب قبل الإسلام ما لفظه: (و كان لهم أحكام يتديّنون بها جاءت الشريعة الإسلامية بإبقاء بعضها و إبطال بعض) (1)، ثُمّ ذَكَرَ أموراً أبقتها الشّريعة و أموراً أبطلتها، و لم يتعرّض لهذا النّكاح بنفيٍ و لا إثبات.
و كان على هذا السائل أيضاً أنْ يُبيّنَ لنا الوجه فيما رآه ثانياً، فإنّا لا نعلم أنه لماذا (يأبى أدب البيان و عربيّةُ هذه الجملة أن تكون قد نزلت فيها؟ و لماذا يفسد تركيب هذه الجملة و يختل النظم على هذا التقدير.
إنّ تركيبَ الجمل و نظمها إنما يختلُّ بالتصرف في موادّ ألفاظها أو هيئاتها أو بالزيادة فيها أو النقصان منها، و أمّا نفس المورد فلا تأثير له على النظم و التركيب بحالٍ من الأحوال، و لقد افترى على أدب البيان، و افترى على العربية، حيثُ نَسَبَ إليهما أمراً يبرآن منه براءةَ الذئب من دم يوسف، و لم يأت على ما افتراه عليهما حتّى و لا بدمٍ كذب، و كيف يختلُّ النظم و يفسُدُ التركيب و تمنع العربية و أدب البيان من كونها نزلت في المتعة؟
و نرى عدم ذلك كله مع التصريح بالمورد،(فقد كانَ أُبيّ بن كعب يقرأ: (فما استمتعتم بهِ منهنّ إلى أجلٍ مُسمَّىً فآتوهن أجورهن) و به قرأ
ص: 50
ابن عباس أيضاً، و الصَّحابة ما أنكروا هذه القراءة) (1) إلى آخره.
و عن تفسير الطبري: أن ابن عباس قرأ كما قرأ أبي بن كعب (2) فلو كان الأمر كما ذكره السائل لأنكر هذه القراءة من سمعها من أهل ذلك الذين هم أعرف العرب بفصاحة الكلام و بلاغته، و أعلمهم بآداب البيان و عربية الجمل و للزموها بالضعف و الشذوذ.
و لا حاجة إلى بسط الكلام في هذه المسألة فإنها مسألة قديمة العهد، و قد تكلّم فيها الفريقان، و تعرَّضَ لها الشيعةُ في تفاسيرهم و كتبهم الفقهية، و في رسائل مستقلة، بما فيه غنى و كفاية لمن طلب الحق، فليرجع إليها من شاء.
(ذَكَرَ السّائلُ حديثَ عَرْضِ النّبيِّ صلى الله عليه و آله و سلم إرثه لعِّمهِ العباس و ابن عمّهِ عليّ عليه السلام في الوافي عن الكافي)إلى آخره.
الجواب: و أقول: لا يتسع الوقت الآن لمراجعة الحديث الذي نقله
ص: 51
عن الوافي (1) ورملاحظة سنده، ورإنّه من أيّ أقسام الحديث؟ فإنّ فيه المقبول و المردود و الصحيح و غيره. و على أيّ حال فليس فيه ما ينافي الأصول الشرعية المقررة، و ليس فيه قلب لأصول الإرث.
فإن المراد منه على تقدير صحتّه و اعتباره أنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم أراد أن يملّك أحد الشخصين في حال حياته جميع ما يُخلِّفه بعد موته على شروط معينة معلومة بطريق الصلح الشرعي، و لا شكَّ أنّ لكلِّ أحدٍ أن يتصرَّفَ في أمواله على النحو المشروع، فإنّ الناس مسلطون على أموالهم بالطرق الشرعية، و عليه يتضح لك أنّ كلام هذا السائل لا واقع له، و إنه نشأ من قلة التدبر و عدم الروية، و ما تكلم به أخيراً أشبه شيء بالهذيان فلا ينبغي أن يعرج عليه.
و قوله: (و لا إرثً لعَصَبَةٍ عند الشيعة) إلى آخره، فإنَّ مسألة التعصيب من المسائل المهمة التي وقع الخلافُ فيها بينَ الإمامية، و بين أهل السنة، و ذلك فيما لو زاد المال على السهام، فإنّ الردَّ على ذوي الفُروض عند الإمامية، و العَصَبَةُ بفيها التراب، و عند أهل السنة أنَّ الرّدَّ على العَصَبة .
فلو اجتمع عَمٌّ و ابِنُ عَمٍّ و بنت، كان المال كلُّه للبنتِ بالفرض و الرّد، و ليس للعمّ و ابن العم شيءٌ، و لو اجتمع عمٌّ و ابنُ عمِّ فالإرث للأقرب إلاَّ أنْ يكون ابنُ عمٍّ لأبوين مع عمٍّ لأب فإنَّ الإرث لابنِ العَمّ. و هذه المسألة ذكرها الفريقان في زبرهم الفقهية فليرجع إليها من شاء و ذِكْرُ هذا السائل لها هنا في غير
ص: 52
محله.
و قوله: (و سيدنا العباس كان غنياً) إلى آخره.
غرضه من هذا الكلام توهين الحديث بذكر أمور اعتبارية تنافي صحته.
منها: أنّ العباس كان غنياً، و لا يخفى أنّ كونه غنياً مشغولاً بإصلاح أمواله يقضي بأنْ لا يقبل ما عرضه عليه صلى الله عليه و آله و سلم؛ لأنّ ذلك قد يفضيّ إلى التهاون بما يكلف به، فإنّ كثرة المال و كثرة العيال من أكبر الشواغل عن المبادرة إلى القيام بالتكاليف.
و منها: إنه كان أعقل وزأرفع من أنْ يَرُدَّ عرض النبي صلى الله عليه وزآله وزسلم بخلاً أو غفلة عن عظيم الشرف، و لا يخفى أنَّ رَدَّ العباس لم يكن بخلاً بنفسه و لا غفلة عن عظيم الشرف، و إنما رَدَّ ذلك بعد أنْ لم يكن بنحو الإلزام حُباً للنبي صلى الله عليه و آله و سلم و شفقةً عليه؛ لأنّ كبر سِنِّهِ و كثرة أمواله و عياله لا تدعه يقوم بما أريد منه كما يريد، و ابنُ أخيه أقوى منه بدناً وأقْدَرُ منه على السَّعي في إنجاز ما يريده صلى الله عليه وآله وسلم , والشَّرَفُ الذي يكون لابن أخيه لم يَفُتْ منه، و لعلّه كان يعلم بميل رسول لله صلى الله عليه و آله و سلم إلى قيام ابن أخيه بالأمر، و إنّما عَرَضَ ذلك عليه؛ لئلا يقال: إنه أعرض عنه و لم يعبأ به.
و منها: أنه كان أطوع أقربيه إليه، و لا يخفى أنّ عَدَمَ قبوله لما عرضه عليه لأعذار مقبولةٍ لا ينافي إطاعته له فيما يأمره به و يطلبه منه.
و قوله: (و كلام كتب الشيعة في أمِّ العَبّاسِ فيهِ شيء لا أرتضيه) إلى آخره.
و لا يخفى أنّ هذهِ مَسألة تاريخية تذكرُها كتبُ التّاريخ، و كتب التاريخ أكثرها لأهل السنة و لعل كتب الشيعة ترويها عن كتبهم، و لم نقف على الكلام
ص: 53
المشار إليه، و لا حاجة إلى تتبع مظانّه فإنّها مَسألةٌ لا أهمية لها.
هذه المسألة قد اشتملت على أقوالٍ وَ دَعاوى للسائل، قوله: (كلُّنا يَعْلَمُ أنَّ البيوت الأموية و الهاشمية و العباسية كان بينها تراتٍ و ثارات و عدوات قديمة و حديثة و لم تكن إلا خصائص بدوية عربية) إلى آخر كلامه.
الجواب:
كان قبل الإسلام بين البيت الهاشمي و البيت الأموي تباغض و مقابلات، و بعد الإسلام وقعت أولاً بين البيت الهاشمي و البيت الأموي محاربات و خصومات كانت للدين و في الدين حقيقةً من البيت الهاشمي، و صورةً و تمويهاً من البيت الأموي، ثمّ بعد ذلك وَقَعَتْ المحاربة و العداء بين البيت العباسي و البيت الأموي، و كانت سياسة ملكية، و إنْ كان عليها طِلاءٌ ديني إسلامي فلم تكن خصائص بدوية عربية.
قوله: (و ليس فيها إثم و لا أثر لأهل الإسلام و لا لأهل السنة، ليس الإثم إلّا لأهليها و هم البيتُ الأموي و البيتُ العَبَّاسي).
إنّ الحروبَ التي وقعت في الإسلام منها حرب الجمل و حرب صفين و حرب كربلاء و غيرها. أترى أنّ مسلماً يقول: إنه لا إثم فيها لأهل الإسلام و لا لأهل السنة؟ و من أهل السنة إلا الفريقان المتحاربان، و عامة المسلمين في ذلك العصر بين قسمين، قسمٌ مع البيت الأموي، و قسم البيت مع البيت العباسي، و ما يلحق المبتدع من الإثم يلحق التابع. نعم هناك أفراد قليلون اعتزلوا الفريقين و لم يتداخلوا معهما في خير و لا شر.
ص: 54
قوله: (و لم يقع بين الصَّدِّيق و الفاروق و بين عليٍّ عليه السلام خلافٌ في الخلافة، و لم يقع عِداء أبداً أصلاً).
هذا منه تجاهل؛ لأنَّ مَنْ له أدنى إلمام بالتاريخ و اطِّلاعٌ على مجريات الصَّدر الأول يعلم ما جرى من الخلاف في الخلافة بين المهاجرين و الأنصار أولاً، و بين المهاجرين ثانياً، و يعلم بتخلّف من تخلَّف عن بيعة أبي بكر من بني هاشم و أتباعهم، و إنَّ أمير المؤمنين عليه السلام ممن تخلَّف عن بيعَتهٍ مدّة من الزمان حتّى قهر و اضطر إلى بيعته بلا رضا منه و لا اختيار و لم يزل ساخطاً على مَنْ تقدم عليه ناقماً منه، و لا يرى أنَّ الحقَّ إلاَّ له، فإنّه الأولى بالخلافة، و خُطبَهُ تشهد بذلك، و أهل بيته و مواليه و أتباعه يعلمون بذلك.
و هو عليه السلام في مدة خلافة مَنْ تقدَّمَ عليه لم يُباشر عَمَلاً من أعمالهم، و لم يشهد حرباً من حروبهم، و لو كان يَرَى أنَّ من سبفه أحقّ بالخلافة لكان له كما كان لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم.
ثم لم يزل الخلاف في الخلافة مستمراً و لم ينلها مَنْ نالها إلاّ بالقهر و الغلبة و استعمال الوَسَائل غير المشروعة، و هذا أمرٌ لا غبار عليه و لا يخفى على أدنى مَنْ له خبرة و إحاطة.
قوله: (و كلّ آية نزلت في الثناء على الأمة فهم أوّلُ داخل فيها).
أقول: كلُّ مسلم أظهر الإسلام و لو بلسانه فهو داخل في الآية، و أفرادُ العام متساوية في الدخول تحت العام، و لا ترتيب في دخولها، ولكن خرج من تحت هذا العام أفراد كثيرة من المسلمين بما ارتكبوه من الأفعال و الأقوال.
قوله: (و كل ما في كتب الشيعة من أخبار العداء).
ص: 55
هذه دعوى منه بلا برهان، على أنّ كثيراً من أخبار العداء توجد في كتب أهل السنة و الجماعة أيضاً، و كثير ما تكون مصادر ما ترويه الشيعة من ذلك كما لا يخفى على من راجعها.
قوله: (إذ لا يوجد مؤمن يعادي أهل البيت). نعم لا يوجد مؤمن ظاهراً و باطناً، ولكن يوجد في هذا العصر و في الأعصر السابقة ممن يتصفون بالإيمان، و يتسمون بالإسلام من يعادي أهل البيت و ينصب لهم العداء، و يستبيح سفك دمائهم، و كثيراً من أهل السنة الذين يظهرون حُبّ أهل البيت يعادون محبي أهل البيت و عدوّ المحب عدو.
قوله: (و إنّما الشأنُ كل الشأن فيمن يحبهم أهل البيت) إلى آخره.
أهل البيت يحبّون من أطاع الله و رسوله و والى أولياء الله و عادى أعداءه و يبغضون من عصى الله و رسوله و عادى أولياءه و والى أعداءه، و الشيعة قاطبة يُحبِّونَ من أحبَّ أهل البيت و يبغضون مَنْ يبغض أهل البيت.
و قوله: (أنْ ليس اليوم من فائدة للشيعة) إلى آخره.
الشيعة لا يطعنون إلاّ بمن خالف أهل البيت و عاداهم، و لا يطعنون بالصحابة الموالين لأهل البيت، و الفائدة من الطعن بمن خالف أهل البيت الردع عن الاقتداء بهم، و الاتباع لهم في الأحكام الدينية ليهلك من هلك عن بينة ولتتم عليه الحجة، و أيّ فائدة أعظم من حفظ المؤمنين من الوقوع في المهالك و السقوط في المهاوي و المعاطب.
قوله: (و هما يَعني: عائشة و حفصه أهل البيت بنصّ الكتاب) إلى آخره.
ص: 56
أهل البيت في هذه الآية هم محمد صلى الله عليه و آله و سلم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين كما جاءت به الرواية من الفريقين، و هم الذي أدخلهم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم تحت الكساء و قال: «اللهم إنّ هؤلاء أهل بيتي» (1) و إيراد الأحاديث الدالة على التخصيص بمن ذكرناه يحتاج إلى بسط في المقام.
ثم إنّ الانتقال في آية التطهير إلى ضمير الخطاب المذكّر من المضمر المؤنث، ثمّ الانتقال منه إلى الضمير المؤنث صريحٌ في عدم دخول النساء في أهل البيت، كما لا يخفى.
قال: (يقول الباقر: إنّ الله قال: لأُعذِبَنَّ كُلَّ رَعِيَّةٍ في الإسلامِ دَانَتْ بَولايَةِ إمامٍ جائر) (2) إلى آخره.
الجواب:
إنّ هذا السائل أسند هذا القول إلى الباقر عليه السلام، و لا نعلم من أين نقله؟ و في أيّ كتابٍ وَجَدَه؟ لنعلم أنّ ذلك الكتاب من الكتب المعتبرة عند الشيعة أو
ص: 57
الكتب التي لا تعتمد عليها.
و ما اشتمل عليه هذا الحديث من أنَّ مَنْ دان بولاية الإمام الجائر فهو معذّب فمما لا شك فيه؛ لأنّه شريكُ الجائر في جوره و ظلمه؛ لأنه راضٍ بعمله فيكون مستحقّاً للعذاب، و كيف يكون بَرّاً تقياً حقيقة (1).!!!
و قوله في الحديث «و إنْ كانت برة تقية» بحسب الظاهر، و أمّا العفو عَمَّنْ دان بولاية الإمام العادل فهو غير بعيد؛ لأنّ رحمة الله وسعت كل شيء.
و أما قوله : (في أيِّ كتابٍ يقول الله)إلى آخره. إذا صحَّ النقلُ يكون ذلك من الأحاديث القدسية التي تروى عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم.
قال: (ما النّسيءُ الذي هو زيادة في الكفر) إلى آخره.
اشتَمَلَ هذا السؤالُ على مسائل منها ما هو معلوم ذكرهُ المفسرون و اللُّغويّونَ، و منها: ما لا يتعلَّقُ لنا غَرَضٌ في البحث عنه.
و أما
اعتراضه على الأئمة في اتخاذهم حساب الروم و شهورهم مع أنّ حساب
ص: 58
العرب كان عربياً فلم يتسع لنا الوقت لمراجعة الوافي (1)، و لعلّهم علیهم السلام كانوا يعتبرونها بحسب الفصول و لبعض الأمور، و إلا فجميع ما وَرَدَ عنهم من التوقيت فهو بحسب الشهور العربية، كما لا يخفى.
(لحج النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم و لحجّ أمير المؤمنين عليه السلام و حجّ أبي بكر و نقل عن الصادق عليه السلام أنّ النبي حَجَّ مع قومه).
الجواب:
و إذا صحّ النقلُ فلا مانعَ مِنْ أنّ حَجَّ النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم معهم ظاهراً ثمّ يؤدي فرض الحج في وقته مستتراً.
ص: 59
يقول السائل: (لم أرَ بينَ علماء الشيعة و لا بين أولاد الشيعة لا في العراق و لا في إيران من يحفظ القرآن و لا من يقيمه تمام الإقامة بلسانه) إلى آخره.
الجواب:
إنّ هذا السائل لا وقوفَ له على أحوالِ عُلماءِ الشيعة و عوامّهِمْ المتديّنين، و لا اطّلاع له على أوقات عباداتهم، و إنّما يرى و يعاشر أهلَ المقاهي و الهمج الرعاع، و الناشئة التي لا نصيب لها من الدين إلا الاسم، ولكنّهم على اختلاف طبقاتهم مجمعون على احترام القرآنِ الشَّريفِ و تقديسِهِ، وجُلُ خيارهم يتلونه حقَّ تلاوته آناء الليل و أطراف النهار، و يفضلون القراءة في نفس المصحف الشريف على القراءة على ظهر القلب؛ لروايةٍ يروونها عن أئمتهم أهل البيت (1)؛ و لأنّ النظر إليه عبادة ثانية، و لا يتجاهرون بالتلاوة في الشوارع و الطرقات
ص: 60
و المقاهي حذراً من الرياء، و يتلونه باللغة العربية، و يقيمونه بألسنتهم تمام الإقامة.
و أمّا الشيعي غير العربي الذي لا يستطيع أن ينطق ببعض الأحرف الهجائية فيقرأ منه ما تيسر، و «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا» على أنّ جملة من غير العرب اليوم يعدّون من أرقى المجودين. نعم يتجنبون قراءته بألحان الغناء و طرائقه و ألحان أهل الملاهي و الفجور لحرمة الغناء في مذهبهم.
قوله: (ما السَّبَبُ في ذلك؟ هل هذا أثر عقيدة الشيعة في القرآن) إلى آخره. لعله أشارَ بقوله (هل هذا) إلى عدم حفظهم القرآن على ظهر القلب، و ليس الأمر كذلك، و إنّما هو أثر عقيدةِ أنّ القراءة في نفس المصحف أفضل منها على ظهر القلب، و المقصد المهم من حفظهَ و الله العالمَ هو العمل به، و امتثال أوامره و نواهيه، و الشيعة الإمامية من أكثر المسلمين عَمَلاً بالقرآن و اتّباعاً له، حتّى جعل من شرائط الاجتهاد العلم بآيات الأحكام، فلا يكون الرجل فقيهاً ذا رأي متّبع حتّى يعرف الآيات التي تذكر فيها الأحكام الدينية كما لا يخفى.
قوله: (يقرأه الناس كما أنزله الله و كما جمعه أمير المؤمنين عليه السلام) إلى آخره.
لو فرضنا اعتقاد الشيعة لهذا الأمر، و إنَّ القائم لا الذي وقع الاتفاق عليه بين أهل البيت و الأديان، و إنّه يظهر مصلح في آخر الزمان يقرأه كما أنزله و كما جمعه أمير المؤمنين، و ذلك من حيثُ كيفية القراءة و تفسير ما وقع الخطأ فيه بين المفسرين، و بيانُ الصَّحيح مّما اختلفوا فيه،
ص: 61
و لا صَرَاحَةَ في ذلك على ثبوتِ النُّقصان في القرآن الذي بأيدي الناس، و لا تقصير من النبي صلى الله عليه و آله و سلم في التبليغ و لا ينافي ذلك نصّ: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ» (1) فإنّه محفوظ من التلف و من التغيير و التبديل و الزيادة و النقص.
هَذَا آخِرُ ما خَطَّهُ قَلَمُهُ الشَّريفُ و الحَمْدُ للهِ أوّلاً و آخِراً
ص: 62
أمّا بعد:
فإنّ الأمور التي أَعدُّها منكرة لا تتحملها الأمة، و لن يرتضيها الأئمة، و تنافي مصالح الأمة فهي مسائل عديدة منها:
تكفيرُ عامَّة الصحابة كافَّة، لم يَنجُ سِوى قليل منهم لا تزيد عدّتهم على سبعة.
و للشيعة في تكفير الأول و الثاني صراحة شديدة و مجازفة طاغية، و في كتب الشيعة عن الباقر و الصادق: ثلاثة لا يكلّمهم اللهُ يومُ القيامة و لا يزكيهم و لهم عذاب عظيم:
من ادّعى إمامةً ليست له، مَنْ جحد إماماً من عند الله، و مَنْ زعم أنَّ أبا بكر و عمر لهما نصيب في الإسلام (في المجلد الثاني من كتاب الوافي صفحة 44)، و بعدها كلماتٌ لا يقبلها الأدب و الدين.
و الأول و الثاني رجسان ملعونان و هما الجبت و الطاغوت، و هما فرعونُ هذه الأمة و هامانُها، و هما من أشدّ أهل النفاق نفاقاً و عداءً للنبي صلى الله عليه و آله و سلم و ضَرَراً
ص: 63
للإسلام، و إنّ أبا بكر أبا كُلِّ الشّرورِ، و لم يُسَمَّ صديقاً إلّا بعدَ أنْ رأى في الغار مُعجزاتٍ أدهشته، و حيّرته، فأضمَرَ في قلبه: الآن صَدَّقتُ إنّك ساحرٌ عظيم!
اللعنات على أبي بكر و عمر و عائشة و حفصة و على العامة بعبارات ثقيلة شنيعة، و للشيعة في اللعن على الصحابة و على الأمة أدعية مأثورة. و في الوافي في كتابه الثامن صفحة (246) كلام طويل ثقيل يدل على أنّ دأب الشيعة في الكلام و المجالس الانبساط في اللعنات، و لم يدع الصادق أحداً ممن يجب أن يُلعن إلا لعنه و سمّاه، فأوّل من بدأ بأبي بكر و عمر و عثمان، ثم مرّ على الجماعة و لعن الكل.
و للباقر و الصادق على حسب ما ترويه كتب الشيعة دبر كل صلاة مكتوبة لعنات على أربعة من الرجال، منهم الأول و الثاني، و على أربع من النساء منها عائشة و حفصة.
و في التهذيب و الكافي أدعية مأثورة عند زيارة قبر علي أمير المؤمنين و قبور الأئمة صلوات الله عليهم في اللعن على كل الأمة و على العصر الأول.
و لله وراء هذا العالم عوالم، سبعون ألف عالم، في كل عالم سبعون ألف أمة، أكثرها من الجن و الإنس، و لا هَمَّ لهم إلا اللعن على أبي بكر و عمر و عثمان، كل هذه في كتب الشيعة.
و أيّ فائدة حَصَلَتْ من اللعن إلى اليوم، و أيُّ مصلحة تحدث من اللعن بعد اليوم.
و في أصول الكافي أن اللعن و الطعن على أحد حرام يعود على صاحبه،
ص: 64
فكيف طعن الشيعة و لعن الشيعة على الأول و الثاني و الثالث و على أكثر الصحابة و أمَّي المؤمنين عائشة و حفصة، و هما بنص القرآن أهل البيت.
و لا شك أنّ اللعن على العصر الأول لا يزيد في قلب اللاعن إلّا مرضاً على مرض، و اللاعن في قلبه على المؤمنين مرض كلما لعن زاد اللعن مرضا على مرض لا دواءَ له و لا زوال.
بإسقاط كلمات وآيات وتغيير ترتيب الكلمات.
و أخبارُ التَّحريفِ مثل أخبار الإمامة متواترة(1)، و للأئمّة مثل الباقر و الصادق في كتب الشيعة في تحريف الكتاب أيمان مؤكدة بالغة، و لهم في تكذيب ما ثبت في القرآن و المصاحف على التواتر كلمات شديدة، و الأحرف السَّبعة و الوجوه العديدة قد أتت في القرآن متواترة، و قد قال فيها الصادق: (كذبوا على الله أعداء الله لكنَّ القرآن نزل على حرف واحد من عند الله الواحد) (2)، يروى الكافي عن الصادق عليه السلام أن القرآن
ص: 65
الذي نزل به جبرائيل على مُحمَّد سبعة آلاف آية، و التي بأيدينا من هذه (6263) (1) فقط، و البواقي مخزون عند أهل البيت فيما جمعه علي. و يروي الكافي: أنّ القائم يخرج المصحف الذي كتبه علي، و إنّ المصحف غاب بغيبة القائم.
هذه أمور أربعة لا تتحملها الأمة، و على عقيدتي لا يرتضيها و لن يرتضيها الأئمة (احدى الكُبر) لو ثبتت هذه الأمور الأربعة أو لو ثبتت إحداها لبطل القرآن و لبطل الدين من أصله، كما لو ثبت ما أسند إلى علي أمير المؤمنين في التيمي و العدوي لبطل القرآن و لبطل دين الإسلام
ص: 66
من أصله في المجلد الثاني من الوافي، ج2، ص13 (1).
ص: 67
و كل علمائها طواغيت، و مَنْ تحاكم إلى الطاغوت فحكم له الطاغوت، فإنْ أخذه فإنما أخَذَهُ سُحتاً، و إنْ كان حقه في الواقع ثابتاً له؛ لأنّه أخذه بحكم الطاغوت و قد أمروا أن يكفروا به. و يحرم على الشيعة أن تتحاكم إلى الطاغوت، و كل راية ترفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت يعبد من دون الله. هذه هي كتب الشيعة، فكيف يكون أساس الدول الإسلامية على وجه الأرض من أول الإسلام إلى يوم القيامة إنْ كانتْ عقيدة شعوبها و رعاياها هذه العقيدة.
صرحت كتب الشيعة إنّ كل الفرق الإسلامية كلها كافرة ملعونة خالدة في النار، و المخالف شرٌّ من الكفار، و إنَّ دَمَ الناصب و ماله حلال. و الناصب من يقدم الأول و الثاني على عليّ أمير المؤمنين و من يعتقد إمامتهما الأول و الثاني، و إن الله قد نَصَبَ علياً علماً بينه و بين خلقه من أنكره كان كافراً، و من أشرك معه آخر كان مشركاً، و إنّ المخالفَ في الإمامة لا إيمان له هو للنار و إلى النار.
المخالف في حكم المشرك و الكافر في جميع الأحكام، لكن أجرى الله زمن الهدنةِ حُكْمَ المسلمين عليهم رحمة للشيعة، و إذا ظهر قائم آل محمد أجرى على المخالف حكم المشرك و الكافر في جميع الأحكام، كل هذه في كتب الشيعة.
و يقول الإمام: لولا أنّا نخاف عليكم أنْ يُقتَلَ رجل منكم برجل منهم، و الرجل منكم خير من مائة ألف رجل منهم لأمرناكم بقتلهم كلهم.
ص: 68
و يقول الإمام في أئمة المذاهب الأربعة من هذه الأمة لا تأتهم و لا تسمع منهم لعنهم الله و لعن الله مللهم المشركة.
جهاد الملل الإسلامية اليوم غير مشروع حتّى لو أوصى أحد في سبيل الله، و سبيل الله في عقيدته هو الجهاد جاز العدول عنه إلى فقراء الشيعة، و الجهاد مع غير الإمام المفترض طاعته حرام، مثل حرمة الميتة و حرمة الخنزير، و لا شهيد إلا الشيعة، و الشيعي شهيد و لو مات على فراشِهِ حتف أنفه.
هذه مسائل ثلاث، عقيدة الشيعة منها يقين، فهل يبقى في توحيد الكلمة حكمة للمسلمين في عالم الإسلام من أمل؟ و هل يبقى بعد هذه المسائل لكلمة التوحيد في قلوب أهليها من أثر؟ و هل يمكن أنْ يكون للأمم الإسلامية في سبيل غلبة الإسلام في مستقبل الأيام من سعي؟
إدعتْ كتبُ الشيعة أنّ الأئمة كانَتْ تُنكِرُ كلَّ حديث يرويه إمام من أئمة العامة، و الأخذُ بنقيض ما أخذته الأمة أسهل طريق في الإصابة فكُلُّ خَبَرٍ وافق العامّة باطل، و ما خالف العامَّةَ ففيه الرَّشاد، و إنْ وافق الكل يجب الوقوف. و كان الصادق يأمر بما فيه خلاف أهل السنة و الجماعة، و يقول: إنَّ علياً لم يكن يدين بدين إلا خالفته الأمة إلى غيره إبطالاً لأمر علي.
هذه دعوى الشيعة، و هذا أصل عظيم سهل من أصول الفقه عند الشيعة، و هي في بابها بديعة لم تكن لدين من الأديان و لم تكن مسلكاً لعلم من العلوم، و لم تُجعل مدركاً للحق و دليلاً للإصابة قبل وضع الشيعة.
ص: 69
و العامة أو الأمة إنْ علمت علم اليقين إنَّ أفضل قرون الإسلام قرن رسالته و قرن خلافته الراشدة فلم تكن لتخطئ، فما روته أئمة الأمة عن سنن قرني الرسالة و الخلافة الراشدة كان أرشد و أهدى و أقرب من الحق في الدين رشداً، فكونُ الوفاقِ سمة البطلان و كونُ الخلافِ دليلُ الإصابة غريبٌ بديع (1).
في كتب الشيعة أبواب في آيات نزلت في الأئمة و الشيعة، و آيات نزلت في كفر أبي بكر و عمر و كفر من اتبعهما و الآيات تزيد على مائة.
ما رأيكم اليوم في تنزيل هذه الآيات و في تأويلاتها على حسب ما في كتب الشيعة، و في تنزيلاتها و تأويلاتها تعجيز لله، و تجهيل للنبي و آله و أعظم طعن على دين الأئمة و أدب آل محمد صلى الله عليه و آله و سلم و كيف تنجو هذه التأويلات من أن تكون ألعوبة يلعب بها من يستخف بالكتاب و الدين؟.
ص: 70
و لكتب الشيعة في حيلة التقية غرام قد شغفها حباً حلية التقية، فكلما روى إمام حديثاً يوافق ما عليه الأمة أو عمل إمام عملاً يشبه عمل الأمة، فإنّ الشيعة تردُّها على أنَّها حيلة و على أنَّها تقية.
نحن نجلّ الأئمة، و من عزة الإمام و أعظم شرفه أن يكون من الذين يُبلِّغونَ رسالات الله و يخشونه و لا يخشون أحداً إلا الله، و من الذين يجاهدون في سبيل الله و لا يخافون لومة لائم.
نعم التقية في سبيل حفظ حياته و شرفه و في حفظ ماله في حماية حقٍّ من حقوقه واجبة على كل أحد إماماً كان أو غيره. أمَّا التقية بالعبادة بأنْ يعمل الإمام عملا لم يقصد به وجه الله و إنّما أتاه خوفاً من سلطان جائر. و التقية بالتبليغ بأن يسند الإمام إلى الشارع حكماً لم يكن من الشارع، فإنَّ مثل هذه التقية لا تقع أبداً أصلاً من إمام له دين، و يمتنع صدورها من إمام معصوم، و حمل رواية الإمام و عبادة الإمام على التقية طعن على عصمته و طعنٌ على دينه، و كل رواية يرويها عَدْلٌ فهي أداء أمانة و هي تبليغ، و حملها على التقية قولٌ بأنَّ العَدْلَ قد افتراها على الله و على الشّارع، و كادَ بها الأمة و كل سامع.
و كلّ يعلم أنَّ خلاف الرواية السكوت، و الساكت آمن من كل شيء، و لم يقع قطُّ أنّ جائراً عاقَبَ السّاكِتَ، فحَمْلُ الرواية على التقية تسفيهٌ للراوي و تبليه.
و علي أمير المؤمنين عليه السلام كان يحافظ على الصلوات، و يراعي الأوقات، و يحضر الجماعات، و يصلّي المكتوبات، و يصلّي صلاَة الجمعة مقتدياً خلف الأول و الثاني و الثالث و خَلْفَ غيرهم. كان يقصد بها وجه الله فقط، و لم يَكُنْ
ص: 71
يُصلّي صلاةً إلّا تقرُّباً و تقوى و أداء، و لم يكن ينبغي لمثله أنْ يتَّقي بجميع عباداته أحداً غير الله، لم يكن يصلي صلاة إلاّ قربة و تقوى، و حَمْلُها على التقية طَعْنٌ في دينه و طَعْنٌ على عظيمِ فضلِهِ، و كلُّ إمامٍ بَعْدَهُ اقتدى بأبيهِ وَجَدِّهِ في الأمّة و الأئمة، و لم يقع من إمامٍ إلاّ تقوى و دين لم يقع حيلة و تقية.
في كتب الشيعة :
أن علياً أمير المؤمنين طَلَّقَ عائشة فخرجت من كونها أم المؤمنين.
و إنّ القائم إذا قام يُقيمُ الحَدَّ على عائشة انتقاماً لأمِّهِ ابنة النبيّ فاطمة الزهراء عليها و على ابنيها و أولادها الصلاة و السلام.
و إنّ القائم إذا ظهر يهدم مساجد الإسلام منها مسجد المدينة، و يهدِمُ حُجرة النبي، و ينبش قبر صاحبيه و يخرجهما حيّين، و هما طَريّان و يصلبهما على خشبة و يحرقهما؛ لأنَّ جميع ما ارتكبه البشر من المظالم و الجنايات و الآثام من آدم إلى القيامة منهما، فأوزارها عليهما.
كلٌ يعلم إنّ الدين و الأدب براءٌ من أمثال هذه الأوهام، و ليس من حاجة إلى رَدّها و إنما ينكر وجودها في صحائف كتب الشيعة. و أستبعدُ تمام الاستبعاد أنَّ عالماً كبيراً شيعياً يكتبها في كتابٍ، و لا يَجدُ من دينه و أدبه و عقله و إيمانه وازعاً يَزِعُهُ من أمثالِ هذه الأباطيل، و الكتب متداولة تتلوها الشيعة من غير إنكار، و يلقيها الخطيب في المحافل، و الجماعة تستمعها استماع الأذكار، فإنْ كان بين الشرور شرُّ يستعاذ بالله منه فأعظمُ شرِّ هو شَرُّ التَّعَصُبِ المذهبي، و شيطان التعصب المذهبي رأس الشياطين.
ص: 72
أعجبني دين الشيعة في تحريم كل شراب يسكر كثيره قليله حرام، حتى أنَّ المضطر لا يشرب الخمر ساعة إلا اضطراراً لأنها قاتلة، و استحسنت كل الاستحسان مذهب الشيعة الإمامية في مسائل الطلاق، و بعض ما تراه الشيعة في أصول المواريث، و لم يعجبني فتاواهم في جزئيات مسائل الربا، و وجدت في ما طالعته في كتب الشيعة مقصّرة في بيان مسائل الربا.
و كتب الشيعة و إنْ رَدَّتْ القول بالعول و أنكرت على الأمة إعالة الفرائض إلا أنها لم تنجُ من إشكال ابن عباس و الإمام الباقر.
إنّ الذي أحصى رمل عالج لم يجعل في مالٍ نصفاً و ثلثين و لا نصفاً و نصفاً و ثلثاً مثلاً، فإنَّ إدخال النقص في المؤخر أخذ بقسم كبير من العول و لا يدفع أصل الإشكال، فإنَّ التسمية في الكتاب باقية كما كانت في زوج و أم و أختين مثلاً، فالزوج فرضه بتسمية القرآن النصف، و الأختان لهما بتسمية القرآن الثلثان، و الأم لها في حكم القرآن الثلث أو السدس. و السهام في تسمية القرآن الكريم زائدة. و النقص في جميع السهام و هو العول العادل، أو في سهم المؤخر فقط، و هو العول الجائر ضروري اقتسمته الأمة و الشيعة. و الذي قسم المال و سمّى السهام هو الذي أحصى رمل عالج، بل جميع ذرات جميع الكائنات، و يغلب على ظني أنّ القول بأنْ لا عَوْلَ عند الشيعة قولٌ ظاهري، قيل ببادئ الرأي عند بيان الاختلاف ردّاً لمذهب الأمة، فإنَّ العول هو النقص، فإنْ كان النقص في جميع السهام بنسبةٍ متناسبة فهو العول العادل أخذت به الأمة، و قد حافظت على نصوص الكتاب. و إنْ كان النقص في أسهم المؤخر فقط فهو
ص: 73
العول الجائر أخذت به الشيعة، و خالفت به نصوص الكتاب، و الإشكال الذي تحيّر فيه ابن عباس و انتحله الإمام الباقر ثابت رأس.
و لا أريد اليوم كما أراد ابن عباس في يومه أن ابتهل أو أباهل في المسألة أحداً و إنّما أريد أنْ تعلّموني مما عُلِّمتم في إزالة الإشكال رُشداً. فما قول مجتهدي النجف الأشرف في أصل الإشكال و في دفعه؟
إنّ كتب الشيعة إذا تعصَّبَتْ على المسألة فهي تُجازف في الكلام و تتجاوز الحدود في التشدُّد مثل ما رُويت في البداء و المتعة و البراءة و تحريم المسح على الخفّين. و كان الباقر و الصادق يبالغان في المتعة و يقولان: مَن لم يستحلّ متعتنا و لمْ يقل برجعتنا فليس منّا. و يجعلها علماء الشيعة شارة أهل البيت و شعار الأئمة، و للأمة في المتعة كلام.
و أنا أرى أنّ المتعة كانت من بقايا الأنكحة الجاهلية، و يمكن أنها وقعت من بعض الناس في صدر الإسلام، و يمكن أنَّ الشارع قد أقرَّها في بعض الأحوال من باب ما نزل فيها «إلاّ ما قد سلف» كانت أمراً تاريخيا لا حكماً شرعياً بإذن من الشارع و إنْ ادّعى مُدَّعٍ أنَّ المتعة كانت حلالاً بإذن الشارع فلتكن.
نقول لا بأس فيها و لا كلام لنا اليوم في ردّها، و إنّما كلامي الآن في أنّ المتعة هل تثبت بالقرآن أوْلا؟ كتب الشيعة تَدَّعي أنّ المتعة نزل فيها قول الله جَلَّ جلاله: «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً» (1).
ص: 74
و أرى أنّ أدبَ البيان يأبى، و عربيةُ هذه الجملة المعجزة تأبى أنْ تكون هذه الجملة الكريمة قد نزلت فيها؛ لأنَّ تركيب هذه الجملة يفسد، و نظم هذه الآية الكريمة يختل لو قلنا إنّها نزلت في متعة النكاح.
أريد أنْ أستمع و أنْ أقرأ إفادات مجتهدي النجف الأشرف فما قولكم أيها السادة في تنزيل هذه الجملة الكريمة المعجزة المباركة؟.
في حديثٍ: عرض النبيُّ صلى الله على محمد و آل محمد و على صحب محمد و سلم إرثه لعمِّهِ سيدنا العباس و ابن عمه علي أمير المؤمنين في الوافي عن الكافي، ج2، ص133 دعا النّبي صلى الله عليه و آله و سلم عمَّهُ العبَّاسُ و علياً قبيل وفاته، فقال لعمه العباس: أ تأخذ تراث محمد و تقضي دينه و تنجز عداته؟ فردَّ العباس عليه و قال: شيخ كثير العيال قليل المال، ثم قال النبي عليه الصلاة و السلام سأعطيها من يأخذها بحقها، و قال: يا علي أتنجز عداة محمد و تقضي دينه و تقبض تراثه؟ حديث مهم جليل لم أره في غير كتب الشيعة، عددته إذ رأيته كنزاً غنياً يستخرج منه أصول في أبواب الفقه.
حديث عرض الإرث إن صحَّ لكان له شأن جليل، فإنَّ ذلك يقلب أصول الإرث في الإسلام قلباً يمكن أنْ يكون فيه صلاح و حكمة اجتماعية، فإنَّ الإرث عند الفقهاء خلافه في الملك، فالحقوق ليس فيها لا للمورث و لا للوارث اختيار الوارث يكون خليفة في ملك الميت و حقوقه، عَرَضَ المورث أوْلا شاء الوارث أو أبى.
ص: 75
و الإرثُ نقلٌ يتوقف على إرادة المورّث انتقالاً لا يكون إلا بقبول الوارث، فيه لأهل العلم و علماء الحقوق أقوال و أنظار، و لأجل ذلك أعدَّ حديث عرض الإرث كنزاً فيه علوم و أصول لو صحَّ لكان له شأنُ جليل، إلا أنّ راويه قد فسده إفساداً بحديث عفير (1) عن أبيه عن جده عن نوح صاحب السفينة التي استوت على الجودي.
و لا إرث للعصبة عند الشيعة، أمّا عند فقهاء الأمة، فإنّ ابن العم لا يرث عند وجود العم، و حَرْمُ الوارث ليس في اختيار المُورِّث.
ما قولكم أيُّها الأساتذة السادة في حديث العرض؟ و في أصل الإرث؟ و كيف يكون قول الشيعة في التعصْيب، و سيدنا العباس كان غنياً، و كان أعقل و أرفع من أنْ يَرُدَّ عَرْضَ النبي صلى الله عليه و آله و سلم بخلاً أو غفلة عن عظيم الشرف.
و سيّدُنا العّباسُ كانَ أشرف قريشٍ و أنفذَهم نظراً، و النبيّ كان يكرم العباس إكرام أبيه، و كان العباس للنبي أطوع أقربيه.
نعم كان العباس عمّه لأبيه، و كان سيدنا أبو طالب عمُّه لأبيه و أمه، و لنا أن نقدّم أولاد سيدنا أبي طالب على عمّ النبي لا بأس فيه، بل هو الغالب، لأنّ سيدنا أبا طالب قد قام مقام عبد الله بعد عبد المطلب، فأولاده أخوة للنبي. هذا صحيح و هذا كاف.
و كلام كتب الشيعة في أمِّ العَّباسِ فيه شيءٌ لا أرتضيه، و هذه قد عادَتْ لها
ص: 76
عادَةٌ (1).
كل يعلم و كلنا يعلم أنّ البيوتَ الأموية و الهاشمية و العباسية كانَ بينها ترات و ثارات و عداوات قديمة و حديثة، و لم تكن إلاّ خصائص بدوية عربية، قد كانت، و ضرّت الإسلام، ثم زالت بزوال أهليها، و وقعت بها فقط في تاريخ الإسلام أمور منكرة لم تقع في غيره، و ليس فيها إثم و لا أثر لأهل الإسلام و لا لأهل السنة.
ليس الإثم إلا لأهليها، و هم البيتُ الأمويُّ و البيتُ العبّاسي، و الله يفصل بينهم يوم القيامة، و لم يقع بين الصدّيق و الفاروق و بين عليّ خلافٌ في الخلافة، و لم يقع بين هؤلاء الصحابة الكرام الأئمة الأجلة عداء أبداً أصلاً.
نَزَعَ اللهُ من صدورهم غلاً كان فيها، و كلّ آية نزلت في الثناء على الأمة فهم أول داخل فيها، و كل في ما كتب الشيعة من أخبار العداء بين هؤلاء الأئمة فكلها موضوع بلسان الدعاة، لو ثبت لكان فيها نقص كبير للإمام أمير المؤمنين علي و لأهل البيت كافة. و عامة الأمة هم أولى الناس بأهل البيت و الأئمة.
و الولاية الصادقة بالمعنى الصحيح الذي يرتضيه أهل البيت لا توجد اليوم إلا عند أهل السنة و الجماعة، و هم عامة الأمة.
ص: 77
و ليس الشأن كل الشأن في ولايتنا و حبنا لأهل البيت، إذ لا يوجد مؤمن يعادي أهل البيت، و إنما الشأن كل الشأن فيمن يحبهم أهل البيت.
و لا أرى أنّ علياً و أولاده الأئمة و أهل البيت يحبون من يعادي الصديق و الفاروق، أو يحبون من يعادي العصر الأول و يلعن العصر الأول.
و أرى أنْ ليس اليوم من فائدةٍ للشيعة و لا لأهل الإسلام في تكفير عامة الصحابة، و في الطعن على الصّدّيق و الفاروق، و اللعن و الطعن على عائشة و حفصة، و هما أهل البيت بنصّ الكتاب، و هذا هو الطريق الوحيد لتوحيد كلمة الإسلام اليوم، فما قولكم أيها الأساتذة السادة؟.
يقول الباقر: «إن الله قال: لأعذبَنَّ كُلَّ رَعيّةٍ في الإسلام دانت بولايةِ إمامٍ جائر و لا أستحي و إن كانت الرَّعيَّةُ في كلِّ أعمالها برَّة تقية، و لأعفوَنَّ عن كلّ رَعيّةٍ في الإسلام دانت بولاية إمام عادل من الله و لا أستحي و إن كانت الرعية ظالمة مسيئة».
يقول الباقر: إنّ الأمَّةَ و إنْ كانت لها أمانة و صدق و وفاء لا تكون مؤمنة لإنكارها الولاية، و إنَّ الشيعة و إنْ لم يكن عندها شيءٌ من الدين لا عتب عليها لأنّها تدين بولاية إمام عادل.
ما الفائدة من أمثال هذه الكلمات؟ و في أيِّ كتابٍ يقولُ الله هذه الكلمات؟.
ص: 78
ما النسيء الذي هو زيادة في الكفر؟ و هل كان له عند العرب قبل الإسلام نظامٌ يدورُ عليه حساب السنين؟ و سنوّ عمر النبي صلى الله عليه و آله و سلم عُدّت على وفق نظام النسيء. أو كان للعرب تقويمٌ خالٍ عن النسيء به كان يُعَدُّ عمر الإنسان؟
قد ذكر الوافي في الكتاب الخامس في صفحة (45) إنَّ حساب الشهور عند الأئمة كان رومياً. ما وجه اتّخاذِ الأئمة حِسَابَ الرُّومِ و شهورِهِم و سنيَّهم و حساب العرب و تاريخ الهجرة كانَ عَربياً؟.
حَجَّ النبيُّ صلى الله عليه و آله و سلم بعد الهجرة حَجَّةً واحدة؛ و يقول الإمام الباقر و الإمام الصادق: قد حجَّ النبيُّ بمكَّةَ مع قومه حجّات عشرين حجة كلها مستترة لأجل النسيء. و هل كان يحضر في مواسم الحج مع الناس؟.
حَجَّ أبو بكر و عليّ أمير المؤمنين مع الناس في السنة التاسعة، و تقول كتب الشيعة: إنّ حج التاسعة كان في ذي القعدة في دور النسيء، و كيف يصحُّ ذلك و الكتابُ سمَّاهُ بيومِ الحَجِّ الأكبر (1).
ص: 79
لم أر بين علماء الشيعة و لا بين أولاد الشيعة لا في العراق و لا في إيران من يحفظ القرآن و لا من يقيمه تمام الإقامة بلسانه، و لا من يعرف وجوه القرآن اللغوية و الأدائية.
ما السَّبَبُ في ذلك؟ هل هذا أثر عقيدة الشيعة في القرآن أو أثر انتظار الشيعة مصحف علي الذي غاب بيد قائم آل محمد بغيبته؟
و أخفّ ما رأيته للشيعة في القرآن الكريم إنّ جميع ما بين الدفتين كلام الله إلا بعض ما نزل، و إذا قام القائم يقرأه الناس كما أنزله الله، و كما جمعه علي أمير المؤمنين.
و أخفّ ما في هذا الكلام من المفاسد:
أولاً: نسبة التقصير إلى النبي في التبليغ، فقد بلغه إلى علي فقط، فغاب، و لو بلّغه إلى الأمة لما غاب.
ص: 80
ثانياً: إتهام الله بخلاف وعده: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ» (1)، فإنَّ الله ما استحفظ أحداً ولكنه بوعده هو يحفظ.
ثالثاً: الطعن على العصر الأول بأنّه ردَّ بعض ما نزل و هو كثير، و رَدُّ البعض و لو كان حرفاً كفرٌ في عقيدة الأمة.
و التاريخ يعلم أنَّ الصَّحَابة نسخت المصاحف مرّتين: مرّةً زمن الصدّيق، و مرّة زمن عثمان، و علي أمير المؤمنين رأسُ الكَتَبَةِ زَمَنَ النُّسْخَتين.
و لم يقع لا بين كبار الصّحابة و لا بين صحابي و صحابي اختلاف و خلاف في أمر المصاحف أصلاً.
لم يكن إلا اختلاف في وجوه الأداء و في الوجوه اللغوية و النحوية (2).
و من كمال اهتمامهم في الحفظ كان قد يقع بينهم الكلام إذا رأوا الاختلاف في الوجوه الأدائية و اللغوية.
و الإمام أمير المؤمنين علي مثل كثير من سائر الصحابة كان يكتب لنفسه كل آية ساعة نزولها.
و بهذا و من هذا اجتمعت عند ستة أو سبعة من الصحابة سور و آيات على ترتيب نزولها، و كان هذا من الاهتمام لا من الاختلاف.
و ما الذي كان يكتبه كَتَبَةُ الوحي للنبي صلى الله عليه و آله و سلم بأمر النبي و تعليم النبي كان
ص: 81
سوره و كلُّ آياته مترتبة على هذا الترتيب الذي نراه اليوم في المصاحف بأيدينا، و على هذا المصحف بهذا الترتيب نزل أعظم قسم في القرآن الكريم: «فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ» (1).
فتفضّلوا أيُّها الأساتذة السادة بالإفادة حتى يتّحِدَ الإسلامُ و تجتمع كلمة المسلمين حول كتاب الله المبين.
أقدِّمُ هذه المسائل لأساتذة النجف الأشرف بيد الاحترام، بأمل الاستفادة بقلب سليم رغبةً في تأليف عالمي الإسلام: عالم أهل السنة و الجماعة، و عالم الشيعة الطائفة المحقة الشيعة الإمامية.
كتبها بالنجف الأشرف في 23 من ذي القعدة سنة 1353ه-، يوم الاربعاء 27 فبراير سنة 1935م موسى جار الله.
ص: 82
رسالة فی اللّعن و فضل العَلَویّین
آیة الله العُظمی
الشَّیخ هادي کَاشِف الغِطَاءِ
1290 - 1361ه-
تحقیق
مؤسّسة کاشِف الغِطَاءِ العامَّةُ
کریمُ الکمولي
العراق - النجف الأشرف
1435ه - 2014م
ص: 83
ص: 84
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمْدُ للهِ الذي مَنّ علينا بموالاة أوليائه، و معاداة أعدائه، و الصلاة و السلام على أشرف أنبيائه و آله حفظة الشرع و أمنائه، و لعنة الله على أعداء الله و أعداء أصفيائه، اللهم العن الظالمين و الفاسقين في مستتر السر و ظاهر العلانية أما بعد:–
فقد ورد علينا سؤال حاصله و مآله: (ما قولكم أيُّها العلماءُ الرّبّانيون في لعن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية هل هو جائز مشروع أم لا؟ و ما الدليل على جوازه؟ و ما الذي يحتج به المانع منه؟ أفتونا بجميع ذلك مفصلاً؟ و نأمل أن تكون أدلة الجواز جارية على أصول أهل السنة و الجماعة و قواعدهم لا على أصول الإمامية، و لكم الأجر و الثواب إن شاء الله تعالى).
الجواب: اعلم أولاً - أرشد اللهُ أمرك، و أصلح سرَّك و جهرك، و وفقك و جميع المسلمين للرقي و للسداد و الفوز و النجاح ، إنّه بالعزيز علينا، و على الرُّغم منا أنْ تشتغلَ ناشئةُ العصر، و شبّانُ العلم و كهولُ المعارف بمثل هذه الأباطيل و السفاسف.
ص: 85
فإنّ طرح مثل هذه الموضوعات في ميدان البحث و المناظرة و الردّ و النقد مما لا فائدة فيه، و لا عائدة، و لا رُقيّ، و لا عرفان منفعة، كمسألةِ خلق القرآن - مسألة قدمه و حدوثه - ، و غيرها من المسائل البائدة، و التي لا وقع لبعثها، و لا نفع لنشرها، فليس فيها - فضلاً عن إضاعة الوقت، و إتلاف الحبر و الورق، و الاشتغال بما لا يعني - غير مسّ العواطف، و إثارة الإحن و التفرقة بين المسلمين، و مناوأة الحق و التعصب للباطل، و قيل و قال و مراء و جدال و تعصب و تحزب.
ولو وصَمْتُ مَنْ نشر أمثال هذه الخرافات - للناشئة العزيزة، و النجم الغض، و الزهر المكمّم - بالجهل و السَّفَهِ، بل الجنون و الماليخوليا لما كنت ملوماً، ولكان ذاك بذلك جديراً حقيقياً، ولكنّي أقول مع الأسف:
إنّ الغربيين ينالون الشهرة و السمعة، و يكون لهم الصوت و الصيت بما يبتكرونه من الأعمال، و ما يخترعونه من الصنائع التي تنفع عموم البشر، و إنّ بعض الجهلة من الشرقيين ممن صبغ نفسه بصبغة الإسلام يعمد إلى أمور خرافية منسية بائدة كاسدة فيروِّجها و يتعصَّبُ لها، و يجعلُها أساطير تتلى، و زبراً على منصّة التدريس تجلى، لينال بذلك شهرة و سمعة بين أهل عصره؛ ليقال من ذا قالها؟
و إنا لنعجب ممن ينشر مثل هذه الأمور، و لمن يقرؤها و يضعها في موضع النظر و النقد.
و لولا سؤالك أيها العزيز عن هذا الموضوع بعنوان الاستفتاء و طلب معرفة الحكم الشرعي لا من حيث الوجهة التاريخية و معرفة نسب ذلك الفاسق الملحد
ص: 86
و حسبه لَما أجبناك عن ذلك، فلذا نعلمك على سبيل الإيجاز حجج المانعين و أدلة المجوزين و بعد الإحاطة بذلك يتضح لك كمال الاتضاح مشروعية لعنه و استحبابه فضلاً عن جوازه و إباحته.
و قد التزمنا بإيراد ما نورده على أصول أهل السنة و الجماعة، و لا نورد على ذلك دليلاً من الأدلة التي انفردتْ بها الشيعة الإمامية، و أجمعت على صحتها و ثبوتها.
كما لا حاجة إلى أن نعلمك بما يذهبون إليه و يعتقدونه فيه من أنّه كافر مرتّد، و فاسق زنديق، و إنّ لعنَهُ و سَبهُ و شتمهُ و البراءة منه و ممن نصره و وازره و دافع عنه و رضي بفعله عادة يتقربون بها إلى الله، و إنه من المخلدين في النار لا تناله شفاعة و لا عفو و لا رحمة و لا مغفرة لا لقصورٍ في سَعَة الرَّحْمَة، بل لعدم قابلية المحل لها.
و حينئذٍ نقول:
إنّ الكلام على هذه المسألة يقعُ في مقامين و خاتمة.
المقام الأول: في حجج المانعين.
و المقام الثاني: في حجج المجوزين.
و الخاتمة في فضل العلويين من بني هاشم.
أما المقام الأول فيقع الكلام فيه في فصلين:
ص: 87
ص: 88
و حاصلُ حُجَّتِهِ على ذلك أنّه لم يثبت أنَّهُ قاتلُ الحسين، أو أنَّه آمر بقتله، فلا تجوزُ نسبةُ ذلك إليه فضلاً عن لعنه؛ لأنّه لا تجوز نسبة مسلم إلى كبيرة من غير تحقيق (1)؛ و لأنّ النَّبيَّ صلى الله عليه و آله و سلم نَهَى عن سبِّ الأموات، قال و قال عليه السلام: (أيُّها الناس احفظوني في أصحابي و إخواني و أصهاري و لا تسبّوهم أيها الناس، إذا مات الميت فاذكروا منه خيرا) (2).
ثم إنه مَنَع من أنْ يقال: قاتل الحسين لعنه الله على الإطلاق، و إنما الجائز أنْ يقال: قاتلُ الحُسين إنْ ماتَ قبل التوبَةِ لَعَنَهُ الله (3)، ثم ذكر وحشياً قاتل حمزة، و إنه لتوبته لا يجوز لعنه، ثُمَّ قال: فإذا لم يُقيَّد بالتوبة كان فيه خطر و ليس في السّكوتِ خَطَر فهو أولى (4).
قالَ: (و لا ينبغي أنْ يُطلِقَ اللسان باللعنة إلاّ على مَنْ ماتَ على الكفر أو على الأجناسِ المعروفينَ بأوصافهم دونَ الأشخاص المعينين، فالاشتغال بذكر الله أولى، فإن لم يكن ففي السكوت سلامة) (5) إلى آخره.
ص: 89
هذا جميع ما ذكره مما يمكن أنْ يُحتَجَّ به للمنع من لعن يزيد و هو كما ترى، تارة ينكر الضروريات و المتواترات، فإنَّ كتب السِّيَر و التواريخ قد اتفقت على أنَّ قتل الحسين إنّما هو بأمره و بسلطانه و سيفه، و لم نرَ و لم نسمع بمن نسب قتل الحسين إلى غيره.
و قد خرج من المدينة خائفاً من عامله على نفسه، مستجيراً بحرم الله تعالى ملتجئاً إليه، و لّما لم يأمن على نفسِهِ و هو في مكة خرج منها متوجّهاً إلى العراق.
و لا مجال لأنْ يُقال: إنّ يزيد لم يقتل الحسين و لم يأمر بقتله، و الحال أنّ قتله كان في أيّام دولته و سلطانه، و المباشرون لقتله عساكره و جنوده و أمراؤه، و كانت الكتب و الرسل بينه و بين آمره على الكوفة عبيد الله متواصلة متواترة متصلة، و كان يكتب له بالأخبار اليومية مع بريده، و كيف يُقْدم عبيد الله على هذا الأمر العظيم بدون أمرٍ و رضاً من ولي نعمته و حكم من سلطانه.
و ليسَ يَصِحُّ في الأفهامِ شَيءٌ *** إذا احتاجَ النَّهارُ إلى دليلِ
و أمّا النّهي عن السَّبِّ و اللعن للأحياء و الأموات فذلك فيمن لم يُعْلَمْ فسقه، و لم يُعْلم ظلمه فضلاً عن كفرِهِ و ارتداده.
و أما وحشي قاتل حمزة فقد أسلم و الإسلام يَجبّ ما قبله، و لم يُعلَم أنْ يزيد تاب، فيُستصحبُ ما ثَبَتَ و تَحقَّقَ من ظلمه و فسقه و فجوره إلى حين موته، فهو ممَنْ ماتَ على الظلم و الفسق، و لا شبهة في جواز لعن مَنْ ماتَ عليهما، أو مات على الكفر، مع أنَّ قبول توبته غير معلوم؛ لِما سيأتي من ثبوتِ كفره و ارتداده.
و ليس في السكوت عن لعن الفسقة و الظلمة و أعداء الله تعالى سلامة، بل
ص: 90
فيه خُسر و ندامة، بل لا يبعد أنّ في ذلك نوع من الموالاة لأعداء الله و احترام لنا على المعاصي و المنكرات، فإنّ لعن مثل هؤلاء من أنحاء الأمرِ بالمعروفِ و النَّهي عن المنكر، كما لا يخفى عن مّنْ أبْصَرَ و تدبر.
ص: 91
ص: 92
قال ابنُ تيمية في كتابه الذي سمّاه منهاج السنة: (فيقال غاية يزيد وأمثاله من الملوك أن يكونوا فسّاقاً، فلعنة الفاسق المعيّن ليست مأموراً بها إنما جاءت السنة بلعن الأنواع) (1).
ثم ذكر نزاع الناس في لعن الفاسق المعيَّن فقيل: (إنه جائز كما قال ذلك طائفة من أصحاب أحمد و غيره، و قيل: إنه لا يجوز كما قال ذلك طائفة أخرى من أصحاب أحمد و غيرهم، و المعروف عن أحمد كراهة لعن المعيّن كالحَجَّاجِ و أمثاله) (2).
ثم استدل على عدم جواز لعن المعيّن بما في صحيح البخاري: (أنّ رجلاً كان يدعى حماراً و كان يَشْرب الخمر، و كان يؤتى به إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم فيضربه فأُتي به إليه مرّة فقال رجل: لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم فقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: لا تلعنه فإنه يحب الله و رسوله) (3).
ص: 93
قال فقد نهى صلى الله عليه و آله و سلم عن لعنة هذا المعيّن مع أنه صلى الله عليه و آله و سلم لعن شارب الخمر مطلقاً، (فدلّ ذلك على أنّهُ يجوز أنْ يلعن المطلق و لا يجوز لعنةُ المعيّن) (1). انتهى ملخصاً.
و لا يخفى أنَّ الحديث صريحٌ في أنَّ النهي عن لعنه لا لأنه مُعيّن بل لأنه يحب الله و رسوله كما هو قضية فاء التعليل (فإنه)، و لو كان النهي كما ذكر لقال صلى الله عليه و آله و سلم: لا تلعن شخصاً بعينه أو ما أدى هذا المنعى.
و الحاصل لا ينبغي التشكيكُ في أنّ الحكمَ على الجميع حُكْمٌ على كُلَّ فردٍ فرد، فإذا قيل: أهِنْ الفُسّاقَ و العنهم فلا معنى له إلاّ إهانة كل فرد، كما لو قال «استغفر للمؤمنين»، فإنّه دالٌ على جواز الاستغفار للجميع و الأفراد، كما لا يخفى على كلَّ ذي خبرة باللسان و لا يقتصر على الجميع مع الدليل، و ما ذكره من الحديث غير صريحٍ في مُدَّعَاهُ و إلى ما ذكرنا ذهب جماعة من محقّقي أهل السنة و الجماعة، فإنّهم قالوا بجواز لعن المعيَّن و جواز الصلاة عليه.
قال في تفسير روح المعاني: (و الخلافُ في لعن أقوامٍ بأعيانهم ممّن وَرَدَ لعن أنواعهمَ كشارب خمر مُعَيَّن مثلاً مشهورٌ، و النّووَي على جوازه استدلالاً بما ورد أنه صلى الله عليه و آله و سلم مَرّ بحمارٍ وُسِمَ في وَجْهِهِ فقال: لَعَنَ اللهُ مَنْ فَعَلَ هذا، أو بما صَحَّ أنّ الملائكة تلعنُ مَنْ خَرَجَتْ من بيتها بغير إذن زوجها، و أجيبَ: بأنَّ اللعن هناك للجنس الداخل فيه الشخص أيضاً، و اعتُرض بأنَّه خلافُ الظاهر، كتأويل «إنَّ و راكبها» بذلك، و الاحتياط لا يخفى) (2) انتهى.
ص: 94
ثم قال: «و من المعلوم أنّ كلَّ مؤمنٍ لاُبدَّ أن يُحبَّ اللهَ و رسوله، ولكن في المظهرين للإسلام مَنْ هم منافقون، فأولئك ملعونون لا يحبون الله و رسوله» (1) انتهى.
و لا يخفى أنَّ الفاسق و الظالم و مرتكب الكبائر المصرّ على ذلك و إنْ أظهر الإسلام و التدين به لساناً فهو لا يحبُّ اللهَ و لا رسوله قطعاً.
تعصي الإلهَ وأنتَ تُظهِرُ حُبَّهُ *** هذا قياسٌ في الزَّمَانِ بَديعُ
لو كانَ حُبُّكَ صَادقاً لأَطَعْتَهُ *** إنَّ المُحِبَّ لمِنَ يحُبُّ مُطيعُ (2)
و لا شُبهةَ في أنَّ يزيد ممن لا يحُبُ اللهَ و لا يحُبُّ رَسوله، لإصراره على الظُّلْمِ و الفِسْق و الفجور و قتله ريحانة رسول الله، و هتكه حرم الله و حرم رسوله، و هل يبلغ أعدى أعداء الله و أعدى أعداء رسوله في قبح الصنيع و البغي و الفساد ما بلغه هذا الفاجر الأثيم؟ و هذا مقام يطول شرحه و بيانه. ثم قال: (و على الأصل) و هو ما ذكره من أنه قد استفاضت السنن النبوية: (أنه يخرج من النار قوم بالشفاعة و يخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، فالذي يجوز لعنةِ يزيد و أمثاله يحتاج إلى شيئين) (3) إلى آخره.
و لا يخفى أنّ هذا الأصلٍ لا دخل له بمسألة مَنْ يجوز لعنه و لا ربط أصلاً، فإنّ الفاسقين يجوزُ لعنهم قطعاً سواء أُخرجوا من النار بالشفاعة أو لأن في
ص: 95
قلوبهم ذّرة من إيمان أو لا، كما هو ظاهر.
و أما الشيئان اللذان يحتاج إليهما المجوّز فقد أشار إلى الأول منهما في قوله: (إلى ثبوت أنه كان من الفسّاق الظالمين الذين تُباحُ لعنتهم، و أنّه ماتَ مُصِّراً على ذلك) (1).
يا سبحان الله ما كنت أعلم أنَ يزيدياً يبلغ في اليزيدية ما بلغه هذا الشيخ الضَّالُّ المضِلُّ، فإنّا لم نجَد في أولياء يزيد مَنْ شَكَّ في فسقِهِ أو في ظُلْمِهِ و فُجُورِهِ كهذا الناصبي.
و أماّ ثبوتُ أنّه مات مَصِّراً على ذلك فهو ثابت بالاستصحاب، و لو كان ممن تاب عن الفسق و الظلم لَظَهَرَ منهُ ذلك قبل موته، و لَنُقِلَ ذلك عنه، و مِن مُحَّققات التوبة إظهارُ الندم و رَدُّ المظالم إلى أهلها حَسْب المستطاع.
و الحاصل أنّ كونه من الفساق، و أنّ ما فعله من أكبر المعاصي و أعظم الكبائر، و إنه مات على ذلك من أوضح الواضحات، و لا مجال للمنازع أن ينازع في هذه المقدمة، إلا إذا جَوَّزنا النزاع في وجود الشمس في رابعة النهار.
ثم قال الثاني: (إنّ لعنة المعيّن مِن هؤلاء جائزة و المنازع يطعن في المقدمتين لا سيما الأولى) (2).
و أقول: إنّ لعنة المعيّن مما لا إشكال في جوازه بعد وضوح اندراجه في النوع الملعون، على أنّه سيأتي ما يدلُّ على جواز لعن يزيد بخصوصه.
ص: 96
ثم قال: فأمّا قوله تعالى: «أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ» (1) فهي (آية عامة كآيات الوعيد بمنزلة قوله: «إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا» (2) و هذا يقتضي أنّ هذا الذنب سببُ اللعن و العذاب، لكن قد يرتفع موجبه لعارض راجح، إمّا توبة، و إمّا حسنات ماحية، و إمّا مصائب مكفّرة، فمن أين يعلم الإنسان أنّ يزيد أو غيره من الظَلَمَة لم يَتُبْ من هذه، أو لم تكن له حسناتَ ماحية تمحو ظلمه، و لم يُبْتَلَ بمصائب تكفّر عنه) (3).
و أقول: إنه قد سَلَّ-مَ في هذا الكلام إنَّ الظُلْمَ سَبَبُ اللعن و موجب له، و لا نزاع في أنّ هذا قد يرتفع بمزيلٍ و رافع أقوى منه، ولكنَّ الكلاَم في ثبوتِ المعارض و تحقّقه، فإنّ مجرد احتمال وقوعه غير كاف في الحكم بزواله، بل اللازم ترتيب آثار وجوده حتى يحصل اليقين بارتفاعه، فإنّ مَنْ ثَبَتَ فسقُه لا تُقبل شهادتُه و إنْ جَوَّزنا زواله حتى يحصل القطع بزواله، و هذا أمر غير قابلٍ للتشكيك و عليه تجري أحكاُم الشّرعِ، و أحكام العقلاء، بل هُو أمرٌ ضَروريّ مرتكِزٌ حتَّى في طباع الحيوانات و البهائم، و المشكَّكُ في ذلك يُوشكُ أنْ يكون من الجمادات.
قال: (و قد ثبت في صحيح البخاري عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: أول
ص: 97
جيش يغزو القسطنطينية مغفور لهم، و أول جيشٍ غزاها كان أميرُهُم يزيد) (1) إلى آخر ما سطره.
و أقول: أمّا الحديثُ المذكور فالذي وجدناه في الصحيح المذكور أنّه مروي بإسناده إلى عُمير ابن الأسود العنسي عن أُمّ حرام أنَّها قالت: قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: (أول جيش من أمتي يغزونَ مدينة قيصر مغفور لهم) (2) إلى آخر الحديث الذي لا يتعلق الغرض فيه بنقل ما قبل هذه الفقرة و ما بعدها.
نعم في إرشاد الساري للقسطلاني في أنّها هي القسطنطينية، و ليس في سند الحديث المذكور ابن عمر، و الحديث المذكور مروي في باب ما قيل في قتال الروم (3)، و لعلّه مروي في موضع آخر بسندٍ فيه ابن عمر (4)، و على أيَّ حالٍ، فالجواب عن الحديث المذكور من وجوه لا يخفى بعضها على أقلّ أهل العلم و المعرفة:
الوجه الأول: إنّ في مجمع بحار الأنوار: (قال القرطبي: قد فُتِحَتْ (يعني: القسطنطينية) في زمن عُثمان، و تفتح عند خروج الدجال (ط) إشارة إلى ما ينقله عن الطيبي – هي مدينة مشهورة من أعظم مدائن الروم فتحت زمن الصحابة و تفتح عند خروج الدجال قاله
ص: 98
الترمذي) (1) انتهى.
و لا يخفى أنّ يزيد ولد في أيّام عُثمان، و كان عند قتل عثمان ابن ست أو سبعُ فلا يكون في ذلك الجيش الذي هو أوّل جيش غزاها.
نعم ذكر المؤرخون أنه كان في جيشٍ غزا القسطنطينية كما سيأتي نقل ذلك و لعلّ تلك غزوة أخرى في جيشٍ ليس أوّل جيش.
الوجُه الثاني: ذكر ابن الأثير في الكامل: (أنّه في هذه السنة سنة 49 ه- و قيل سنة 50 ه- سيَّرَ معاويةُ جيشاً كثيفاً إلى بلاد الروم للغزاة، و جعل عليهم سفيان بن عوف، و أمر ابنه يزيد بالغزاة معهم، فتثاقل و اعتلّ، فأمسك عنه أبوه، فأصاب الناس في غزاتهم جوع و مرض شديد، فأنشأ يقول:
ما إنْ أُبالي بما لاقتْ جُمُوعُهُمُ *** بالفَرْقَدَوْنَةِ من حُمَّىً ومِنْ مُومِ
إذا اَّتكَأتُ على الأنماطِ مُرتفعاً *** بدَيرِ مَرَّانِ عنِدي أمَّ كُلثومِ
و أم كلثوم امرأته، فبلغ معاوية شعره، فأقسم عليه ليلحقَنَّ بسفيان في أرض الروم، ليصيبه ما أصاب الناس، فسار و معه جَمْعٌ كثير أضافَهُم إليه أبوه) (2) إلى آخره.
ص: 99
و بمقتضى هذا النقل أنّ يزيداً قد امتنع عن الغزو و الجهاد في سبيل الله، و إنّ أباه قد قَهَرَهُ على ذلك، فقد أَثِمَ و عصى في الامتناع عن القيام بهذه الفريضة العظيمة، و إنّه لا أجْرَ له و لا ثوابَ في مسيره أخيراً؛ لأنّه مُكْرَهٌ و مقهور عليه، لم يأتي بداعي أمر الله، فلا قربة و لا إخلاص على أن مسيره كان في الجيش الثاني، فالجيش الذي سار فيه ليس أوّل جيش، مضافاً أن شِعْرَهُ مما يظهر منه الشَّماتة بالمسلمين، و عدم المبالاة مما يصيب المؤمنين، و لو كانت في قلبه ذرة من الإيمان لما صدر منه هذان البيتان، و إن جميع ما يصيب المسلمين لا يقابل عنده هذه الشهوة الحيوانية و اللذة الفانية الجسمانية.
و هذا الذي ذكرناه عن الكامل ينافي ما ذكره بقوله: «و يقال إنّ يزيداً إنّما غزا القسطنطينية لأجل هذا الحديث» (1).
و لا أدري إنّ هذا القول في أيَّ كتابٍ قيل؟ و أيّ شخصٍ كان ذلك القائل؟ و متى كان يزيد ذلك الشّابُّ المغرور المنهمك بالمعاصي و الفجور و الشهوات و الغفلات المغمور بالنعم و الملاهي يتتبع الأحاديث النبوية و السنن المأثورة فيعمل بها؟
و هلا اتبع الأحاديث المشهورة، و الآيات المسطورة الواردة في حرمة شرب الخمر، و حرمة الزنا و الفجور و المعاصي و الملاهي..
و ما كنت أعلم أنَّ حُبَّكَ الشيءَ يُعمي و يَصُمّ إلى مثل هذه الدرجة، و إلى مثل هذه المرتبة بلغها الشيخ بحبه ليزيد، أو بغضه لأهل البيت أعداء يزيد
ص: 100
و محاربيه، و لا أظنُ أنَّ عبيد الله بن زياد بلغت محبّته ليزيد هذا الحد.
فإن يزيداً لمّا بَعَثَ إلى عُبيد الله يأمُرُه بالمسير إلى المدينة المنوَّرة و محاصرة ابن الزبير قال: «و الله لا جمعتهما للفَاسق، قتلُ ابن رسول الله و غزو الكعبة، ثم أرسل إليه يعتذر» (1)، فهذا عبيد الله سمّاه الفاسق، و هذا الشيخ الضَّال ادّعى أنّه من الأبرار الذين قاموا بالفرائض، ثمّ صار يتتبعون ما ورد عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم في أهل الإطاعات و القربات؛ ليكونوا منهم، فما أكذب هذا القول لو كان له قائل، و تصديقُ الشيّخ به دليلٌ على شِدَّةِ جهله و عدم عقله.
الوجه الثالث: إنّ هذا الخبر نظير ما ورد في أهل بدر، فإنَّ قوله صلى الله عليه و آله و سلم فيهم على فرض صحته مشروطٌ بسلامة العاقبة و عدم ارتكاب المعاصي، فإنه لا يجوز عقلاً على الحكيم أنْ يخُبر عن غيرِ المعصوم بأنّه لا عقاب عليه، فليفعل ما يشاء.
و لا شبهة في أنَّ البَدْرِيَّ إذا سَرَق تُقْطَعُ يدُه، و إذا زنى يُجلد، سواء كان من المهاجرين أو الأنصار.
الوجه الرابع: إنّ الذنوب المغفورة هي الذنوب السابقة، فالجيش مغفور له ما تقّدم من ذنوبه بسبب هذه الغزوة، فهي لهم كالإسلام الذي يَجُبُّ ما قبله، و لا دخل لها بغفران مِا يَتَجَدَّدُ من الذنوب و المعاصي، كما لا يخفى.
و لنختم هذه الوجوه بما ذكره أبو الثناء الآلوسي مفتي الحنفية في عصره و صاحب روح المعاني و غيره من المصنفات الباهرة، قال في غرائب الاغتراب:
ص: 101
قال: (ثُمَّ الكلام في لعنة الأموات أعظم من لعنة الحي فإنه قد ثبت في الصحيح أنه قال: «لا تسبّوا الأمواتَ فإنّهم قد أفضوا إلى ما قدموا» (1) حتى أنه قال: «لا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا» (2) لما كان قوم يسبون أبا جهل و نحوه من الكفار الذين أسلم أقاربهم، فإذا سبوا ذلك آذوا قرابته) (3).
أقول:
اعلم أولاً أنه لا شبهة في أنّ لعن الميّت الذي لا يستحق اللعن أعظم إثماً من لعن الحي الذي لا يستحق اللعن، و كذلك السب.
و أما من استحق اللعن حياً فإنّه يُلَعُن مَيتاً؛ لأنه إذا سقط احترامه حيّاً سَقَطَ ميتاً، اللهم إلاّ أنْ يلزم من ذلك إيذاء الأحياء من المسلمين، و حينئذٍ فيجوز سبُّه سراً بحيث لا يبلغ الأحياء فيؤذيهم.
و في هذا الحديث دلالةٌ على أنّ الطاعة إذا أدَّتْ إلى معصيةٍ راجحةٍ عليها
ص: 102
وَجَبَ تركُها كما في قوله تعالى: «وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ» (1)، فقد قيل: إنّ المسلمين كانوا يسبّون آلهةَ الكّفار، فنُهُوا؛ لئّلا يكون سبّهم سبباً لسبّ الله تعالى، فإنّ ما يؤدي إلى الشرِّ شرٌ.
و كذلك نقولُ في لَعْنِ الميّت: فإنه لا يجوز إذا استلزم معصيةً راجحة.
و ثانياً: إنّ السَّبَّ هو الشَّتْمَ لا دخل له باللعن، فإنّ سَبَّ الشّخص، هُو ذكرُهُ بما فيه من القبائح و النقائص و العيوب، و أينَ هذا من اللعن، الذي هو دعاء على الشخص بالإبعاد عن الرحمة؟
نعم قد يقال: إنّ اللعن قد يستلزم إثبات القبائح للملعون فيكون سبّاً في المعنى و لا يكون عداوةً فتأمل.
فصار الحاصل: أناّ أولاً: لا نُسلَّم أنَّ السَّبَّ بمعنى اللعن، و ثانياً: لو سلَّمنا ذلك فنقول: إنّ النَّهَي ليسَ عن سبَّ الأمواتِ مُطلقاً؛ بل إذا استلزم معصيةً، كإيذاء المسلمين.
ص: 103
ص: 104
و قد ذهب جماعةٌ كالغّزالي و أبي المعالي الجويني و من تبعهما إلى مرجوحيته و كراهته، بل المنع منه قائلين: بأنّه ما الذي أوَجَبَ علينا أنْ نَلْعَنَ أحداً من المسلمين؟ و أيُّ ثوابٍ في اللّعنة؟ و اللهُ تعالى لا يقول يوم القيامة للمكلف: لِمَ تلعن! بل قد يقول له: لِمَ لعنتَ، و لو جَعَلَ عِوَض اللعنةِ استغفاراً لكان خيراً له، و قد نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله و سلم عَمَّا شَجَرَ بين صحابته فقال «دعوا لي أصحابي» (1)، و قال: «أصحابي كالنجوم»، و كيفَ يجوز للعامة أنْ تُدْخِلَ أنفسها في أمور الخاصة.
و عن الحسن البصري أنّه ذُكِرَ عندَهْ واقعةُ الجمل و صفّين فقال: «تلك دماء طهّر اللهُ منها أسيافنا، فلا نُلطّخ بها ألسنتنا، و قد كان معاوية صِهْراً لرسول اللهُ فمِنَ الأدب أنْ تحُفَظَ أمُّ حَبيب أمُّ المؤمنين في أخيها، و أنْ يحُفَظَ رسول الله في صِهرِه» (2).
ص: 105
إلى أمثال هذه الكلمات و التلفيقات و الخرافات التي تُروَّجُ عند الطغام و تُقبل عند الغوغاء و العوام، الذين هم كالأنعام.
ولكنا نقول:
أولاً: إنّ معاداة أعداء الله و البراءة منهم كموالاة أوليائه واجبةٌ عقلاً و نقلاً كتاباً و سنة، و أمّا اللعنُ لمن يستحق فقد أمَرَ اللهُ بهِ و أوجبه، قال تعالى «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا» (1)، و قال تعالى «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ» (2). إلى غير ذلك من الآيات القرآنية.
فأيُّ مُسلمٍ لا يوالي مَن والى الله، و لا يعادي مَن عادى الله، و لا يلعن من لعنه الله، و لا يتبرأ ممن تبرأ منه الله؟ أفيلعن اللهُ إنساناً و لا يكون لنا أن نلعنه، و يَسُبُّ شخصاً و ليس لنا أنْ نَسُبَّه؟ و يُهينُه و ليس لنا أنْ نُهينَهُ؟ إنّ هذا ما لا يجوز في العقل، كما أنه إذا أحبَّ إنساناً كانَ علينا أنْ نُحبّه، و إذا أكرمه كان علينا أنْ نكرمه.
و قولهم: «أيُّ ثوابٍ في اللعًنِ»؟ قولُ جاهلٍ لا يدري ما يقول، فإنَّ اللعن طاعة و عبادة، و ربّما دخل في الدّعاء إذا فُعِلَ على وجهه، و هو لعن مستحقّهِ للهِ و في الله، لا في العصبية و الهوى، و قد نطق به القرآن في موارد كثيرة، و جاء به
ص: 106
الشرع في اللَّعانِ و غيره.
و قولُهم: (إنّ الله لا يقول للمكلّف لِمَ تلعن) قولٌ خالٍ من التحصيل، فإنّ الله تعالى. كما يسألُ عن التّولي كذلك يسأل عن التبّري من أعدائه:
تَوَدُّ عَدّوي ثُمَّ تَزْعَمُ أنَّنَي *** صديقُكَ إنَّ الرأيَ عَنْكَ لعَازِبُ (1)
و قال آخر:
إذا لَمْ تَبْرَ مِنْ أعْدا عليًّ *** فما لَكَ في محَّبتِهِ ثَوابُ (2)
و الحاصل: إنَّ مَوَدَّةَ عدوَّ اللهِ خُروجٌ عن ولاية ولّيه، فلا يجتمعان، و إذا بطلت مودة العدو لم تبق إلاّ البراءة منه؛ إذ لا يجوز أنْ يبقى الإنسان في حالة متوسطة مع أعداء الله، لا ولاية و لا براءة، تنتفي هذه الواسطة بإجماع من المسلمين، بل الأخبار الواردة في جوامع الشيعة عن أهل البيت أنّ جميع الأعمال و العبادات إذا كانت بدون ولاية وليّ الله فهي باطلة لا تُقبل، و قد نطق الكتاب المجيد ببراءة الله و رسوله من المشركين.
و أمّا قولهم: (لو جَعَلَ المكلَّفُ عِوَضَ لَعنِهِ استغفاراً لكانَ خيراً له) فهو خطأ على إطلاقه؛ لأنّ الاستغفار بدون لعن أعداء الله و البراءة منهم أو اعتقاد وجوب ذلك لا ينفع و لا يقبل؛ لأنّ الإمساك عَمَّنْ أوَجَبَ اللهُ لعنَهُ و البراءة منه معصية، و المصِرُّ على المعصية لا ينفعه الاستغفار بل لا معنى له مع الإصرار.
و أمّا من يعيش عمره و لا يلعن إبليس فإن، كان لا يعتقد وجوبَ لعنه فهو
ص: 107
كافر، و إن كان يعتقده و لا يفعله فهو مخطئ آثم.
على أنّ الفرق بين إبليس و بين «يزيد» و أمثاله من رؤوس الضَّلال في هذه الأمة واضح، فإنَّ تَرْكَ لعنهم و الأمرَ بالإمساك عنه يُورِثُ الشُّبْهَةَ في الدَّين بخلافِ الإمساك عن لعن إبليس، و يَجِبُ تجنُّبُ ما يورث الشبهة في الدين.
ثمّ إنّه يقال: إنه لو كان حفظ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم واجباً فيمن يَمَتُّ إليه بسَبَبٍ أو نسب و لو كان عاصياً للهِ مُخالِفاً لرسول الله لمَاَ لَعَنَتْ الصَّحابة بعضها بعضاً حَسُبَما أدَّى إليه اجتهادُهم في ذلك، فقد كان كثيرٌ من الصَّحابة يَلْعَنُ عثُمَانَ و هو من الخلفاء الراشدين، و مِنْ أولئكَ عائشة، فإنّها كانَتْ تقول: «اقتلوا نَعْثَلاً لَعَنَ اللهُ نعثلاً» (1) و منهم عبد الله بن مسعود (2)، و قد لَعًن معاويةُ علياً و حسناً و حسيناً و هم أحياء على منابره في الشَّام (3)، و يَقْنُتْ عليهم في الصّلوات، و قد
ص: 108
لَعَنَ أبو بكر و عمر سعد بن عبادة (1)، و لعن عمر خالد بن الوليد لما قتل مالك بن نويرة (2).
و ما زال اللعن فاشياً بين المسلمين إذا علموا من الإنسان معصيةً توجب اللعن و البراءة، و فعْلُ المسلمين حجة على جواز لعن المعّين، إذا كان من نوع يستحق اللعن.
و لو كان يجب أنْ يحفظ شخص لأجل شخص، كأنْ يحُفَظُ معاويةُ في يزيد، و أمُّ حبيب في معاوية، فلا يلعن لَوَجَب أنْ تُحْفَظَ الصَّحَاَبَةُ في أولادهم فلا يُلْعَنوا لأجل آبائهم، و أنْ لا يَلْعَنَ الصَّحابةُ بعَضَهُم بعضاً، و ليس الأمر كذلك، فإنّ رسولَ الله صلى الله عليه و آله و سلم إنمّا أوجب محبَّةَ صحابته و موالاتهم ما داموا مُطيعين لله، فإذا عَصَوا الله فليس لهم عند رسولالله صلى الله عليه و آله و سلم منزلة و لو كانوا من عترته.
و الحاصل أن الخطأ و ارتكاب المحرمات جائز على الصحابة كما يجوز على غيرهم من الناس، و قد كانت تَصْدُرُ منهم المعاصي، و تُقام عليهم الحدود، كما تقام على غيرهم، و كان بعضُهم يطعنُ في بعض، و يَرُدُّ روايَتَهَ و شهادته، و يُنكِرُ
ص: 109
رأيَهُ و يخَّطئه في اجتهاده.
و كان من جملة الصحابة الحكم بن العاص عَدُّو رسول الله (1)، و الوليد بن عقبة الفاسق بنصّ الكتاب (2)، و حبيب بن مسلم (3)، و بُسْر بن أرطأة (4)، و غيرهم، فهؤلاء ليسوا من أصحابه الذين هم كالنجوم؛ لأنَّ مَنْ عَصَى الله فهو ليس من أصحابه صلى الله عليه و آله و سلم لأنَّ صاحبه مَنْ أطاع الله و سلمت عاقبته.
و هذا الذي ذكرناه ملخص مما ذكره أبي الحديد في شرح النهج ص454 من المجلد الرابع (5)، فإذا أردتَ التفصيل فراجعه، تجد فيه ما يشفي الغليل، و يغني عن تكلف الدليل.
ص: 110
و أمّا لعنه في الأنواع فلا شُبْهَةَ في جوازه و لا خلاف، بَعْدَ فَرْضِ اندراجه في كلَّ نوعِ منها؛ إذ قَلّ ما تجد نوعاً من الأنواع المستحقة للّعن حتى المشركين إلاّ و هو إنْ لَمْ يَكُنْ مِن أظهر تلك الأفراد فهو منها.
و قد عرفت فيما تقدم جواز لعن المعيَّن بخصوصه، و إنَّ عَمَلَ المسلمينَ في زمن الصَّحَابَةِ إلى يومِكَ هذا، كما قد عرفت جَوازَ لعْنِ الميّت إذا كان فَرداً لأحدِ الأنواع المستحقّة لذلك؛ لتناول العام لجميع أفراده من الأحياء و الأموات، و إنّه إذا جازَ لعنُهُ حياً جازَ لعنه ميتاً، كما مرّ بيان ذلك، و بيانُ أنّ لعن المستحق و البراءة منه واجب نطقاً و اعتقاداً، و هذا المقام معقود لبيان ما يدلُّ على مشروعّيةِ لَعْنِ يزيد بذاته تصريحاً لا ضمناً و لا تلويحاً و الدليل على ذلك أمور:
الأول: قوله تعالى: «وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا» (1).
و عن ابن عباس: لا تُقْبَلْ توبةُ قاتِلِ المؤمن عَمْداً، و خَصَّصَ ذلك عكرمة
ص: 111
و جماعَةٌ بالمستحِلّ لذلك (1)، و خصَّصَهُ الجمهور بمن لم يتب.
و على أيّ حالٍ فقد ثَبَتَ و تَجَلَّى كالشَّمْسِ في رابعة النهار أنّ يزيداً قد قتل من المؤمنين و الصحابة و التابعين الأبرار الأخيار خلقاً كثيراً، فيهم سادات المؤمنين و علمائهم و أشرافهم، و ذلك في واقعَةِ كربلاء و واقعةِ الحُرَّة و واقعة مكة،
أمّا واقعة كربلاء فناهيك بمن قتله فيها إيماناً و إسلاماً و تقوى و شرفاً و فضيلة و قداسة و عبادة و زهادة، و لو لم يكن صدر منه إلاّ قتلُ سيّد الشهداء، و سيّد شَبَابِ أهل الجنة، و ريحانة رسول الله، و سبطُهُ لَكَفَاهُ ذلك مُوجباً للعن و العذاب و الخلود في النار و غضب المليك الجبار.
فقد قتله مُستَحِّلاً لقتله غيرُ نادمٍ على فعله، و لَمْ تَظْهر عليه إلى أنْ هلك إمارة إقلاع و لا ندم و لا رهبة و لا توبة و لا خوف من الله و لا خشية، و لو كان لذلك رسم أو أثر لتمَسَّكَ به اليزيديون لتَشَبَّثَ به المانعون، و ما احتاجوا إلى ارتكاب إنكارِ ما تواتر به خبر و روته أهل التواريخ و السير من قتله سيد الشهداء، و إمام أهلِ النَّجدة و الإباء، و خامس أصحاب الكساء الذين أذهب الله عنهم الأرجاس و طهرهم من الأدناس.
فإن إنكارَ ذلك و دعوى وقوعه بدون أمرِهِ و رضاه بدَيهيُّ البُطلان، و لا يخفى على ذي وجدان، فراجع كتب الأخبار و التواريخ، و اقرأ ما كتبه ابن عباس إلى يزيد جواباً عن كتابه إليه على ما رواى ذلك صاحب الكامل و غيره.
ص: 112
ففي كتابِ ابن عبَّاس يقول: (و سألتَ أن أُحَبَّبَ الناسَ إليكَ، و أُبغِضَهُم لابن الزبير فلا و لا سروَر و لا كرامة، كيف؟! و قد قتلتَ حُسيناً و فتيانَ عبد المطلب، مصابيح الهدى، و نجوم الأعلام، غادَرَتُهُمْ خُيولُكَ بأمرك في صعيدٍ واحد، مُرَمَّلينَ بالدَّماء، مَسلوبين بالعراء مقتولين بالظماء) (1).
إلى أن يقول: (فما أنس من الأشياء فلستُ بناسٍ إطرادَكَ حُسيناً من حَرَمِ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إلى حَرَمِ الله، و تسييرَكَ الخُيولَ إليه، فما زِلْتَ بذلكَ حتَّى أشخَصْتَهُ إلى العراقِ، فخرج خائفاً يترقب، فنزلت بهِ خيلُك عداوةً منك لله و لرسوله، و لأهل بيته، الذين أذهبَ الله عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا فطَلَبَ إليكم الموادعة و سألكم الرجعة فاغتنمتم قلة أنصاره و استئصال أهل بيته و تعاونتم عليه كأنكم قتلتم أهل بيت من الترك و الكفر فلا شيء أعجب عندي من طلبتك ودي و قد قتلت ولد أبي و سيفك يقطر من دمي) (2) إلى آخر الكتاب.
فعليك بتأمل فقراته و كلماته و تعرف منه ما صدر من يزيد و أن الحسين عليه السلام لم يخرج عليه طلبا للإمارة و إنما توجه من مكة إلى العراق خوفا على نفسه النفيسة، و حفظاً لها من الهلكة، و تحرزا من انتهاك حرمة الحرم الإلهي.
و أما وقعتُ الحَّرة فهي من الوقائع المشهورة التي هتك فيها حرم رسول الله و حرمته، و سفكت فيها دماء خيار المؤمنين، و هتكت أعراضهم و انتهبت أموالهم.
ص: 113
نعم اعتذر عن ذلك ابن تيمية في كتابه منهاج السنة: «بأنّ عامله مسرف بن عقبة لعنة الله عليه لم يقتل جميع الأشراف، و لا بلغ عدد القتلى عشرة آلاف، و لا وصلت الدماء إلى قبر النبي صلى الله عليه و آله و سلم، و لا إلى الروضة، و لا كان القتل في المسجد و إنه إنما أرسل إليهم مسلم بن عقبة لعنه الله و أمره إذا ظهر عليهم أن يبيح المدينة ثلاثة أيام لأنهم امتنعوا عن إطاعته و خلعوه إلى آخره (1). و أما واقعة حرق الكعبة و حصار مكة و ضرب الكعبة الشريفة بالمنجنيق و رميها بالنار و الحجارة فهو أيضا مشهور لا يمكن إنكاره، و قد اعتذر عن ذلك أيضا ابن تيمية (بأن نائب يزيد إنما قصد حصار ابن الزبير، و الضرب بالمنجنيق كان له لا للكعبة، و يزيد لم يهدم الكعبة، و لم يقصد إحراقها لا هو و لا نوابه باتفاق المسلمين) (2) انتهى.
فتأمل هذا العذر البارد السخيف، فإنَّ رمي ابن الزبير و إحراقه إذا كان يستلزم رمي الكعبة و إحراقها كان من الواجب تركُهُ و الإعراض عنه، فإنّ إهانة الكعبة الشريفة محُرَّمَةٌ بالإجماع سواء قُصِدَتْ أولاً و بالذّات أو ثانياً و بالعرض،
ص: 114
بل لَعَلَّ ذلكَ من موجباتِ الكُفر و الارتداد، كإهانة المصحف الشريف و إحراقه، و لا فرق في ذلك بين الفاعل و الآمر بل السَّبَبُ هنا أقوى من المباشر؛ لأنه الفاعل حقيقةً، و المباشرون بمنزلة الآلات.
و قد أصَرَّ ابنُ تيميّة على (أنّ الكعبة لم يتمكن أحدٌ من إهانتها لا قبل الإسلام و لا بعده) (1) و غَرَضُهُ من هذه الدعوى هو الذَّبُّ عَمَّا يُنسَبُ إلى يزيد من هدمها و إحراقها بقصد إهانتها، ثم ذكر أنّ النار كانت قد أصابت بعض ستائرها، و أورد ما في صحيح مسلم عن عطاء بن أبي رباح قال: (لما أُحترق البيتُ زَمَنَ يزيد بن معاوية حين غزاُه أهلُ الشام فكان من أمره ما كان تركه ابن الزبير حتَّى قدمَ النَّاسُ الموسمَ يُريدُ أنْ يُجَرّئهَم على أهل الشام) (2) إلى آخر الحديث.
و قد أطال في المقام بما هو خارج عن المرام و الحديث، و كتب السير و التواريخ حُجّةٌ عليه، فإنّها صَرَّحَتْ بأنَّ جُندَ يزيد و جيوشه قد أحرقت الكعبة و هدمتها، و لم تكتَفِ بغيرِ هذه الوسيلةِ من وسائل الفتح و التغلّب، مع عدم انحصار فتح البلد برمي المنجنيق خصوصاً الكعبة، و بهدمها و إحراقها، فإنَّ هناك للفتح و سائل أُخر يمكن التوصل بها إليه، مع المحافظة على حرمة البيت و إحرامه.
ص: 115
و قد روى البخاري في صحيحه بحذف الإسناد أنه صلى الله عليه و آله و سلم قال: (إن مكة حَرَّمَها اللهُ و لم يُحِّرمها الناس فلا يحلُّ لامرئ يؤمنُ بالله و اليوم الآخر أنْ يسفك بها دماً و لا يَعْضُدَ بها شجراً) (1) إلى آخرِ الحديث.
و روي عنه صلى الله عليه و آله و سلم أيضا: (إن الله حَرَّمَ مكَّةَ فلم تَحِلَّ لأحدٍ قبلي و لا تحلّ لأحدٍ بعدي و إنمّا أحلت لي ساعةً من نهار لا يختلى خلاها و لا يعضد شجرها و لا ينفّرُ صيدها) (2) إلى آخر الحديث.
و روى البخاريُّ عنه أيضاً صلى الله عليه و آله و سلم: (إنَّ هذا بلدُ حَرَّمَهُ اللهُ يوم خلق السموات و الأرض و هو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، و إنّه لم يحلّ القتالُ فيه لأحدٍ قبلي و لم يحلّ لي إلاّ ساعةً من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة) (3) إلى آخر الحديث.
الثَّاني: قولُهُ تعالى: «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ» (4) و لا شَكَّ في أنّ يزيد من المفسدين في الأرض، و ممّن قطّعوا أرحامهم، فإنَّ بني هاشمٍ و بني أمية يَجْمَعُهما جدٌّ واحد و هو عبد مناف و ولداه هاشم و عبد شمس.
ص: 116
رُوي عن أحمد بن حنبل أنّه لعن يزيد و قال: «ألا ألْعَنُ مَنْ لَعَنَهُ الله» و استدل بالآية المذكورة (1)، قال ابن تيمية: «ولكنها رواية منقطعة ليست ثابتة عنه انتهى.
و هذه الرواية رواها عنه جماعة عن ولده صالح عن أبيه أحمد، و إنكارُ ابن تيمية لها غيرُ مُجدٍ له؛ لأنَّ يزيد من المفسدين القاطعين للرحم، فهو من أظهر مصاديق الآية الشريفة، سواء ثبت استدلالُ ابن حنبل بها أولا.
و أي قطيعة رحم كقطيعته؟ إن هل فُعِلَ بأمرِهِ و ما بلغه من الفعل و لم يُنكره و لم يعاقب عليه أمرٌ عظيم مخالف للإنسانية و الغيرة و الحمية العربية.
و كيف يرضى إنسان ذو شعور و إدراك فضلاً عن أن يكون مَلكاً عربياً ذا فُتوَّةٍ و شهامة و إباء و زعامة أنْ يُفعل بنساءٍ مُخَدَّراتِ مَصوناتٍ تَنتسِبُ إليه و تُعَدَّ من قبيلته و من بني عمومته، و بأطفال لم تبلغ الحلم؟ كما رَضي بذلك يزيد، و لم يغضب لما فعله الأوباش و السفلة بتلك الحرائر، من الهتك و الضرب و الترويع.
بل لو كان له أدنى شرف أو أدنى مروءة فضلاً عن أنْ يكون له ذرّة من الإيمان أو الإسلام، و كانت تلك النساء الشريفات و البيوتات الرفيعات لم تجتمع
ص: 117
معه بنسب، و كانت من الروم أو الترك لمَا جاز في شرع المعروف و الإنسانية أنْ يرضى بما فعله معهم مَن هو أقلّ و أحقرُ من أن يكون من خُدّامهم أو مِن عبيدهم، فإنّا لله و إنا إليه راجعون.
الثالث: ما رَوَاهُ في صحيح البُخاري قال: حَدَّثنا أبو النُّعمْانِ حدثنا ثابت بن زيد حدثنا عاصم أبو عبد الرحمن الأحول عن أنس عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: (المدينة حَرَمٌ من كذا إلى كذا لا يقطع شجرها و لا يحدث فيها حدث، مَن أحدث فيها حدثاً أو آوى مُحدِثاً فعليه لَعْنَةُ اللهِ و الملائكةِ و النّاسِ أجمعين) (1) إلى آخر الحديث.
و من المعلوم مِا أحْدَثَه يزيدُ فيها، و أيُّ حَدَثِ أعظَمُ من سفك دماء الأبرياء، و هتك أعراض الأولياء، و سلب أموالهم، و إخافة أهل الإيمان و إزعاجهم و إيذائهم، فقد وقع كل ذلك في وقعة الحرة، بأشدّ ما يكون و أعظم ما يتصور.
و قد روى البخاري أنّ أبا هريرة كانَ يقول: (لو رأيت الظباء بالمدينة ترتع ما ذعرتها قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:ما بين لا بتيها حرام) (2)، فكيف بمن ذَعَرَ الأولياء و الأبرياء و المعصومين أشدَّ الذُّعْرَ و سَفَكَ دمائَهمُ، و فَعَل بهم ما فعل؟ اللهم العنه لعناً وبيلا، و عَذّبهُ عذاباً أليماً، و يَرحم اللهُ عبداً قال: آمينا.
الرابع: إنّه كافرٌ مُرتَدُّ و لا شبهة في جواز لعن الكافر بخصوصه بعد تحقق كفره.
ص: 118
و أما كفره فهو و إنْ شكَّ فيه جماعة و نَفَاهُ آخرون، إلا أنَّ الأدلة الدالة عليه كثيرة، و المُتَبَع هو الدليل لا ما يقال أو قيل، و سنورد منها ما فيه إقناع للمنصف و إذعان لغير المقتصد، و من الشَّاكّينَ في كُفرِهِ و إنْ لم يُشكّك في لعنه شاعرُ عصره الفاروقي حيث قال من قصيدة غراء:
إلى يَزيد دُونَ إبليس إذا *** ما سُئلَ اللَّعْنُ انتمى و انتسبا (1)
نَقْطَعُ في تكفِيره إِنْ صَحَّ مَا *** قَدْ قَالَ للغُرابِ لمَاَّ نَعَبَا
و مراده ما نسب إليه و هو قوله:
لمَاَّ بَدَتْ تلكَ الظُّعونُ و أشْرَفَتْ *** تلكَ الرُّؤوسُ على رُبى جَيْرونِ
نَعَقَ الغُرابُ فَقُلْتُ نُحْ أو لا تَنُحْ *** فلَقَدْ قَضَيتُ من النَّبيّ دُيوني
و مثل هذا القول لا يصدر ممّن يؤمنُ بالله و رسوله و إنمّا يَصْدُرُ منِ جاهليًّ مُعادٍ لرسولِ الله يَطْلُبُ بثارات مَنْ قتله من مشايخِهِ الكَفَرة مِنْ بنَي أميَّة في بدرٍ و غيرها، و لعلّه أراد ما ينسب إليه أيضاً من قال:
يا غُرابَ البَينِ أسْمَعْتَ فَقُلْ *** إنمَّا تَنْدُبُ أمْراً قَدْ فُعِلْ
إلى آخر الأبيات اللاتي نقلهاف، ولكن الأظهر أنْ يكون مراده بذلك هو البيتان هذا.
و من العجب من عدم قطع الفاروقي في تكفير يزيد و إنْ لم يثبت كفرُ ما
ص: 119
قالَهُ للغُراب مع أنّه يقول في القصيدة المذكورة:
لا بَكَتْ السَّماُء أجْدَاث الأُلى *** أبْكَوا على فَقْدِ الحُسَينِ زَينبا
ماذا يقولُنَّ غَدَاً لجَدَّهِ *** غَدَاً إذا عَاتَبَهُم وأنَّبَا
تاللهِ ما يَفْعَلُ هذا غَيْر مَنْ *** أنْكَرَ حَشْرَهُ غَدَاً و كَذّبَا
لأنّ الكفر كما يثبتُ بإنكار النبوة يثبتُ بإنكار المعاد و إنكار الحشر و النشر، و لا فرق في إنكار ذلك بالقول و اللسان، و بين إنكارِهِ بالأفعال و الأعمال، بل لَعَلَّهُ في الثاني أظهر و أقوى.
و مما يدل على كفره أنّه كان يفعل ما يفعل من الكبائر الفظيعة مستحلاً لذلك غيرُ مكترثٍ بحرمةٍ و لاُ متحرَّج من إثم.
يا سبحان الله يحكمون بكفر مانع الزكاة و رِدَّتِهِ و يحللّونَ قتاله و استباحة عرضه و ماله و لا يحكمونَ بكُفر قاتل سبط رسول الله و ريحانته، و سيد شباب أهل الجنة، و غازي الحرمين الشريفين، و مُستحلّ حُرمَتهما و إراقة دماء المسلمين و الأبرياء فيهما، و لا يجُيزون لعنه، و لازم ذلك أنَّهم يتولَّونَهُ و لا يتبرَّونَ منه، و مما يَدُلُّ على كُفْرِهِ تمثُّله بشعر ابن الزَّبَعْرَى:
ليتَ أشْياخي ببدرٍ شَهِدوا *** جَزَعَ الخَزْرَج مِنْ وَقْعِ الأسَلْ
قدْ قَتَلْنَا القرمَ مِنْ ساداتِهِم *** و عَدَلْنَا مَيْلَ بَدْر فاعتَدَلْ
و المناسب أنْ يكون تمثّله بذلك في واقعة الحرّة، إلاّ أنّه رُويَ بطريقٍ آخر أنّه لما أُدخل ثقل الحسين و نساؤه و مَنْ تخلَّفَ من أهل بيته على يزيد و هم مقرّنون بالحبال إلى أن قال: ثمْ دعا يزيد بقضيبِ خَيزُران فجعل ينكت به ثنايا الحسين،
ص: 120
فأقَبلَ عليه أبو بَرزة الأسلمي، و قال: ويحك يا يزيد أتنكت ثغرَ الحسين، أشهدُ لقد رأيتُ النَّبيَّ يرشُفُ ثناياه و ثنايا أخيه الحسن، و يقول: أنتما سيّدا شباب أهل الجنة، فقَتَلَ اللهُ قاتلكُما و لعَنَهُ و أعَدَّ له جَهَنَّمَ و ساءَتْ مصيرا.
قال الراوي: فغضب يزيد و أمَرَ بإخراجه، فأُخرج سَحْباً قال: و جَعَلَ يزيدُ يتمثَّل بأبيات ابن الزبعرى:
ليتَ أشياخي ببدر شَهدوا *** جَزَعَ الخزرجِ من وقع الأسَلْ (1)
لو رَأوهُ لاستهلّوا فَرحَاً *** ثمّ قالوا يا يزيد لا تُشَلْ
قد قَتَلْنَا القَرْمَ من سَاَداتِهِمْ *** وعَدَلناُه ببدرٍ فاعتَدَلْ
لَعبتْ هاشِمُ بالمُلكِ فلا *** خَبَرٌ جَاء و لا وَحيٌ نَزَلْ
لَسْتُ مِن خِنْدِفَ إنْ لم أنْتَقمِ *** مِن بَني أحْمَدَ ما كانَ فَعَلْ
و يؤيد هذا ما روي من فقراتٍ تَضَمّنتها خُطبة السّيدةِ العقيلة زينب و هي قولها خطاباً ليزيد: (ثم تقولُ غير متأثّم و لا مستعظم:
لأ هلّوا واستهلوا فرَحَاً *** ثم قالوا يا يزيدُ لا تُشَلْ (2)
إلى آخره، و قولها: «و تهتفُ بأشياخِكَ زَعَمْتَ أنَّك تنُاديهم فَلَتَردَنَّ وَشيكاً مَوْردَهُم و لَتَودَّنّ أنَّكَ شُلِلْتَ و بَكُمْتَ و لم تكن فَعَلْتَ ما فَعَلْتَ و قُلْتَ ما قُلتَ) (3) إلى آخره. فقال يزيد:
ص: 121
يا صَيْحَةً تُحْمَدُ مِنْ صَوَائحْ *** ما أهْوَنَ النَّوْحَ على النَّوائحْ (1)
و فيما سطرنا أدلة ظاهرة على كفره و ارتداده و عناده و قساوة قلبه و عدم حيائه و عدم غيرته و تدينه كما لا يخفى.
الخامس: إنّه عدوٌّ للهِ و رسوله، و لا ريب أنَّ مَنْ كان عدواً لله و رسوله تجب عداوته و البراءة منه و يجب لعنه.
أما عدواته لله تعالى فقد أعلن بها و أظهرها، بما فعَلَهُ من غزو الكعبة و هدمها و إحراقها، و عدم احترام البيت الحرام و الحرم، و قتل أولياءِ الله و عباده الصالحين، و ارتكابه المعاصي و الكبائر و المحّرمات بلا مبالاة و لا خشية،
ص: 122
و استحلاله المحرمات المحرمة بالضرورة من الدين، و غير ذلك من الأفعال التي لا يقدم عليها إلا من حارب الله و عاداه.
و أما عداوته لرسوله فقد ظهرت بسفكه دماء ذريته، و قتل ريحانته و سبطه و حبيبه و فرخه، و غزوه مدينته المشَّرفة، و هتكه حرمتها و حريمها، و استباحته قتل الأولياء و المؤمنين المجاورين لمرقده الشريف اللائذين به.
و كونُ ذلك طَلباً للملك و الرئاسة لا لعداوة النبي صلى الله عليه و آله و سلم لو سلمناه معصيةٌ أيضاً و كبيرةٌ لا تُوجِبُ رضا النبيّ، بل توجب سخطه و غضبه لذلك (1)، و من أغضبه فقد أغضب الله.
ص: 123
قد كنّا عازمين على أنْ نذكر فضل العلويين من بني هاشم و مناقبهم و ما منحهم الله تعالى من الشرف و الفضائل، و الكرم و العلم و الشجاعة و الإباء و الوفاء و التقوى و الزهد و مكارم الأخلاق، و ما خصَّهُمُ اللهُ من النبوَّة و الإمامة، و غير ذلك من المناقب، ولكّنا عدلنا عن ذلك لأمرين:
الأول: وضوحُ ذلك، و تجلّيه لمَن راجع كتبَ التّواريخ و السَّيَر و التراجم و كتب الأخلاق و الأخبار، فهو غني عن البيان لا يحتاج إلى دليل و برهان.
و الثاني: إنّ من يذكره فإنمّا يذكره بقصد المفاخرة و المناظرة، و نحنُ نرى أنّا لو قلنا: إنّ هذه القبيلة أشرف من غيرها كنّا كَمَن قال: إنّ السيف خير من العصا، و اللؤلؤ أبهى من الحصى، و البَحْرُ أكثُر من القطرة، و الدّرَّةُ خير من الآجرّة، بل نقول كما قال الشاعر العربي:
مَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَويّاً حِيَن تَنْسِبُهُ *** فمَا لَهُ مِنْ قَديمِ الفَخْرِ مُفْتَخَرُ
و قد قلنا:
ما وَطَأتْ نعِالُهُمْ مِنْ عَفَرٍ *** أشْرَفُ مِنْ صَخْر و آلِ صَخْرِ
مع أنّ هذه الرسالة لم تؤلّف لما يدخل في فن التاريخ و السير، و إنمّا ألّفت لبيان الحكم الشرعي الذي خاطب به عامَّة المكلّفين، فلذا كان الأجْدَرُ أنْ تُجْعَلَ
ص: 124
هذهِ في بيانِ وُجوبُ موالاةِ أهْلِ البَيتِ و ذُرّيَتَهُم الطاهرين، و وجوب مودتهم و حبّهم و البَرَاءة من أعدائهم و جاحديهم و غاصبي حقوقهم، و هذا أيضاً حكمٌ واضحَ من أحكام شريعة الإسلام غيُر خفيٍ على العلماء بالكِتاب و السُنَّة النبوية، اللهم إلاّ مَنْ على قلوبهم أكَّنةً و على أبصارهم غشاوة، قال الإمام الشافعي:
يا آلَ بيَت رَسولِ اللهِ حُبّكُمُ *** فَرْضٌ مِنِ اللهِ في القُرآنِ أنْزَلَهُ (1)
يكْفِيكُمُ مِنْ عَظيمِ الفَخْرِ أنَّكُمُ *** مَنْ لَمْ يُصَلِّ عليكُمْ لا صَلاَة لَهُ
و قال الفرزدق من قصيدته المشهورة في مدح الإمام زين العابدين:
مِنْ مَعشَرٍ حُبُّهُم دينٌ و بْغضُهُمُ *** كُفرٌ و قُرْبُهُم مَنْجَىً و مُعْتَصَمُ (2)
و قال الشّيخ شمس الدين ابن العربي:
رأيتُ وَلائي آلَ طَه فريضةً *** على رُغْمِ أهْلِ البُعْدِ يُورثُني القُرْبَى (3)
فما طَلَبَ المَبْعُوثُ أجْراً على الهدى *** بتبليغِهِ إلاّ الموَدَّةَ في القُرْبَى
و قد أشار في هذين البيتين و في أول البيتين المنسوبين في الصواعق و غيرها إلى الشافعي إلى قوله تعالى في سورة الشورى: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا
ص: 125
الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» (1).
و قد بسط الكلام في هذه الآية الشريفة ابن حجر في صواعقه، و نكتفي بإيراد بعض ما أورده فيها قال: (أخرج البزار و الطبراني عن الحسن من طرق بعضها حسان: أنّه خطب خطبة من جملتها: «من عرفني فقد عرفني، و من لم يعرفني فأنا الحسن بن محمد ثم تلا و «وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ» (2) الآية، ثم قال: أنا ابن البشير أنا ابن النذير، ثم قال: و أنا من أهل البيت الذين افترض الله عز و جل مودتهم و موالاتهم فقال فيما أنزل على محمد صلى الله عليه و آله و سلم: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» (3)، و في رواية: الذين افترض اللهُ مودتهم على كل مسلم و أنزل فيهم (قل لا أسألكم) الآية، «وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا»، و اقتراف الحسنات مودتنا أهل البيت) (4).
(و في رواية صحيحة ما بَالُ أقوامٍ يَتَحدَّثون فإذا رأوا الرجل من أهل بيتي قطعوا حديثهم و الله لا يدخل قلبَ رَجُلٍ الإيمانُ حتّى يحُبَّهم الله و لقرابتهم
ص: 126
مني) (1).
و روي عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال: (من آذى علياً فقد آذاني أخرجه أحمد (2)، زاد ابن عبد البر «من أحَبَّ علياً فقد أحبَّني و مَنْ أبغَضَ علياً فقد أبغضني و مَنْ آذى علياً فقد آذاني و من آذاني فقد آذى الله» (3).
إلى أن قال في المقصد الثالث (4): (و أخرج أحمد مرفوعاً: «من أبغض أهل البيت فهو منافق» (5)، و أخرج هو و الترمذي عن جابر: «ما كُنّا نعرف المنافقين إلا ببغضهم علياً) (6).
ثم إنه قال: (و علم من الأحاديث السابقة وجوب محبة أهل البيت، و تحريمُ بغضهم التحريمَ الغليظ، و بلزوم محّبتهم، صَّرحَ البيهقي و البغوي و غيره أنها من
ص: 127
فرائض الدين (1)، بل نصّ عليه الشافعي فيما حكي عنه من قوله) (2):
يا آلَ بيتِ رَسولِ اللهِ حُبُّكُمُ *** فَرْضً من اللهِ في القُرآن أنزله (3)
و مما ينسب للشافعي أيضا:
إنْ كانَ رَفْضَاً حُبُّ آلِ محُمَّدِ *** فلَيشْهَدِ الثَّقَلانِ إنّي رافضي (4)
و قوله:
آلُ النَّبيَّ ذَريِعَتي *** و هُمَ إليهِ وَسيلَتي (5)
أرْجُو بهِمْ أُعْطَى غَدَاً *** بيَدِي اليَمينِ صَحِيفَتي
و أمّا قوله:
كفاكُمُ مِنْ عظَيمِ الفَخْر أنَّكُمُ *** مَنْ لَمْ يُصلِّ عَلَيكْمُ لا صَلاَةَ لَهُ (6)
فقد أشار به إلى ما صَحّ عنه صلى الله عليه و آله و سلم في أحاديث متعددة.
منها: أنه لمّا نزلت آية «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ
ص: 128
وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا» (1)، قالوا: «يا رسول الله قد علمنا كيف نسلَّمُ عليكَ فكيف نصلي عليك؟ فقال: قولوا: اللهم صلَّ على محمد و آل محمد» (2)، فدلّ على أنَّ الصلاة عليهم من جملة المأمور به، و إنه أقامهم في ذلك نفسه) (3). و روى عنه أنَّه قال: (لا تصلّوا عليَّ الصَّلاةَ البتراء فقالوا: و ما الصلاة البتراء؟ قال: تقولون اللهم صلِّ على محمد و تمسكون بل قولوا اللهم صل على محمد و آل محمد) (4).
و سئل صلى الله عليه و آله و سلم (كيف نُصَلّي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟ فقال: إذا أنتم صليتم علي فقولوا: اللهم صل على محمد و آل محمد) (5).
و عن النَّوَوَي نقل كراهية إفراد الصلاة و السلام عليه عن العلماء (6).
و الحاصل أنّه يظهر من جملة الأحاديث وجوب الصلاة على الآل كما هو قول الإمام الشافعي:
كفاكُمُ مِنْ عظَيم الفَخْر أنَّكُمُ *** مَنْ لَمْ يصُلِّ عليكُم لا صَلاةَ لَهْ
نفيٌ لصحَّةِ الصَّلاةِ لا لكمالها؛ لأنَّ ذلك مُقتضى قوله.
و قد ظهر أنَّ هذه الآية و هي آية المودة صريحةُ الدّلالة على وجوب حبَّهم
ص: 129
و موالاتهم.
و الآية الثانية قوله تعالى: «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ» (1).
أخرج الدليمي عن أبي سعيد الخدري: (أنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: وقفوهم إنهم مسؤلون عن ولاية علي عليه السلام)، و كان هذا هو مراد الواحدي بقوله: «روي في قوله تعالى: «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ» أي: عن ولاية علي و أهل البيت؛ لأنَّ اللهَ أمرَ نبيَّهُ صلى الله عليه و آله و سلم أنْ يُعَّرف الخلق أنّه لا يسألهَم على تبليغ الرسالة أجراً إلاّ المودة في القربى، و المعنى أنَّهم يسألون هل وَ الَوْهُم حَقَّ المولاة كما أوصاهم النبي صلى الله عليه و آله و سلم، أو أضاعوها و أهملوها، فتكون عليهم المطالبة و التبعة) (2).انتهى.
الآية الثالثة: قوله تعالى «وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى» (3)، قال ثابت البناني: (اهتدى إلى ولاية أهل بيته صلى الله عليه و آله و سلم، و جاء ذلك عن أبي جعفر الباقر أيضاً) (4).
الآيةُ الرّابعةُ قوله تعالى: «وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ» (5).
أخرج الثعلبي في تفسير هذه الآية عن ابن عباس أنّه قال: (الأعراف موضعٌ عالٍ من الصراط عليه العّباس و حمزة و علي بن أبي طالب و جعفر ذو
ص: 130
الجناحين، يعرفون محبّيهم ببياضِ الوجوهِ، و مبغضيهم بسواد الوجوه) (1) انتهى.
و نكتفي من الكتاب الشريف بهذه الآيات، فإنّا لو أردنا استقصاء ما نزل في حق أهل البيت من آية المباهلة و آية التطهير و غيرهما لاحتجنا إلى كتاب ضخم لا يتسع الوقت لمثله.
و أما السنة الدالة على وجوب موالاتهم و حبهم فهي كثيرة منها ما رواه الترمذي و الحاكم عن ابن عباس: (أنَّ النبيَّ صلى الله عليه و آله و سلم قال: أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمة و أحبوني لحب اللهِ و أحبّوا أهل بيتي لحبي) (2).
و منها: أخرجه الترمذيُّ أيضاً، و ابن ماجة و ابن حبان و الحاكم: (أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: أنا حَرْبٌ لمن حارَبَهم و سلم لمن سالمهم) (3).
و منها ما أخرجه الترمذي و أحمد عن علي عليه السلام :(أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: من أحبنّي و أحبّ هذين و أباهما و أمَّهُما كان معي في درجتي يوم القيامة) (4).
إلى غير ذلك من الأحاديث التي ذكر منها في الصواعق أربعاً و أربعين
ص: 131
حديثاً في فضل أهل البيت.
ثم ذكر بعد ذلك أحاديث وردت في بُغض أهل البيت كقوله صلى الله عليه و آله و سلم فيما أخرجه الترمذي و غيره: (أنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: هذان - يعني الحسن و الحسين - ابناي وابنا ابنتي اللهم إنّي أُحُبُّهما فأحبَّهما و أحبَّ مَنْ يحُبُهُما) (1).
و قوله صلى الله عليه و آله و سلم:(مَنْ أحَبَّ الحَسَنَ و الحسين فَقَدْ أحبَّني و مَنْ أبْغَضَهُما فقد أبغضني) (2).
هذا آخر ما خطّه قلمُه الشريف و الحمد لله أولاً و آخراً.
ص: 132
ص: 133
1. القرآن الکریم
2. إحیاء علوم الدین / أبي حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي / المطبعة الوهبیة / مصر / 1282ه-.
3. إرشاد الساري لشرح صحیح البخاري / القسطلاني / المطبعة المیریة / ببولاق / مصر / ط7 / 1323ه-.
4. بحار الأنوار / العلامة المجلسي / مؤسسة الوفاء / بیروت / لبنان / 1404ه-.
5. التریاق الفاروقي (دیوان عبد الباقي العمري) / دار النعمان للطباعة و النشر / النجف الأشرف / ط2 / 1384ه- - 1964م.
6. التفسیر الکبیر (مفاتیح الغیب) / للإمام الرازي فخر الدین ابن العلامة ضیاء الدین عمر المشتهر بخطیب الري / المطبعة العامرة الشریفة / مصر / ط1 / 1308ه-.
7. تفسیر النیسابوري ( غرائب القرآن و رغائب الفرقان) / الحسن بن محمد القمي النیسابوري / طبعة حجریة.
8. جامع البیان في تأویل آي القرآن / أبو جعفر محمد بن جریر الطبري / مطبعة مصطفی البابي الحلبي و أولاده / مصر / ط2 / 1373ه- - 1954م.
ص: 134
طبعه دار الفکر للطباعة لتحقیق صدر في جمیل العطار 1995.
9. دیوان الشافعي/ شرحه و حققه و علق علیه زهدي یکن / مطابع دار الریحاني للطباعة و النشر / بیروت / الناشر: دار الثقافة / بیروت / لبنان / 1962م.
10. روح المعاني في تفسیر القرآن العظیم و السبع المثاني / أبو الفضل شهاب الدین السید محمود الآسي البغدادي / إدارة الطباعة المنیریة / دار إحیاء الکتب العربیة / بیروت / لبنان.
11. سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب / محمد أمین البغدادي الشهیر بالسویدي / المطبة التجاریة الکبری / مصر.
12. شرح دیوان الفرزدق / إیلیا الحاوي / مؤسسة خایفة للطباعة / منشورات دار الکتاب البناني / مکتبة المدرسة / بیروت/ لبنان / ط1 / 1983م.
13. شرح السید الشریف الجرجاني في علم الفرائض / مطبعة عطایا / مصر.
14. صحیح البخاري / أبو عبد الله محمد بن إسماعیل البخاري / الناشر: دار الفکر / بیروت / بغداد / 1986م.
15. الصواعق المحرقة في الرد علی أهل البدع و الندقة / شهاب الدین أ حمد بن حجر الهیتي / المطبعة المیمنیة / مصر / 1312ه-.
16. القاموس المحیط / مجد الدین محمد بن یعقوب الفیروز آبادي / دار الجیل.
ص: 135
17. کشف الغطاء عن مبهمات الشریعة الغراء / الشیخ الأکبر الشیخ جعفر کاشف الغطاء / الناشر: مکتبة کاشف الغطاء / النجف الأشرف / 1416ه- - 1996م.
18. الکاشف عن حقائق التنزیل و عیون الأقاویل في وجوه التأویل / أبو القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي / مطبعة مصطفی البابي الحلبي و أولاده بمصر / القاهرة / 1387ه- - 1968م.
19. الکامل في التاریخ / العلامة أبي الحسن علي بن أبي الکرم محمد بن محمد بن عبد الکریم بن عبد الواحد الشیباني المعروف بابن الأثیر الجزري الملقب بعز الدین / المطبعة المنیریة / مصر /ط1 / 1356ه-. و طبقة دار صادر - بیروت - 1966م.
20. مجمع بحار الأنوار في غرائب التنزیل و لطائف الأخبار / الشیخ محمد طاهر / طبع في المطبع العالي المنشي نول کشور ذي العالي / 1283ه-.
21. مجمع البیان في تفسیر القرآن / الشیخ أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي / مطبعة العرفان / صیدا / لبنان / 1333ه-.
22. مفاتیح الجنان / الشیخ عباس القمي.
23. مقتل الحسین علیه السلام / عبد الرزاق الموسوي المقرم / مطبعة النجف / منشورات دار الکتب الإسلامیة و مخزن الأمیني / النجف / ط2 / 1376ه- - 1956م.
24. منهاج السنة النبویة في نقض کلام الشیعة و القدریة / أبو العباس
ص: 136
أحمد ابن تیمیة الحراني الدمشقي الحنبلي / المطبعة الکبری الأمیریة ببولاق / مصر / ط1 / 1322ه-.
* المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز – ابن عطية الاندلسي – تحقيق عبد السلام عبد الشافي محمد – دار الكتب العلمية – بيروت ط الاولى – 1413ه- - 1993م.
* مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول – محمد باقر المجلسي – تحقيق هاشم الرسولي – دار الكتب الاسلامية طهران – 1404ه-.
* الغيبة: أبي عبد الله محمد بن ابراهيم بن جعفر الكاتب المعروف بابن أبي زينب – منشورات أنوار الهدى – قم – تحقيق فارس حسون - الطبعة الاولى - 1422ه-.
* مسند الامام أحمد و بهامشه منتخب كنز العمال - دار صادر - بيروت.
* سنن ابن ماجة - محمد بن يزيد القزويني - تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي - أوفسيت دار الفكر للطباعة.
* مجمع الزوائد - الهيثمي - دار الكتب العلمية بيروت - 1408ه- - 1988م.
* صحيح ابن حبّان بترتيب ابن بلبان - علاء الدين ابن بلبان الفارسي تحقيق شعيب الارنؤوط - مؤسسة الرسالة – ط الثانية – 1414ه- - 1993م.
ص: 137
* مسند أبي يعلى الموصلي – تحقيق حسين سليم أسد – دار المأمون للتراث – ط الثانية.
* شرح نهج البلاغة – ابن أبي الحديد – تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم – دار إحياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي – ط الاولى – 1378ه- - 1959م.
* صحيح مسلم – الجامع الصحيح – للإمام أبي الحسن مسلم بن الحجاح – اوفسين دار الفكر – بيروت.
* سنن الترمذي – الجامع الصحيح – تحقيق – عبد الوهاب عبد اللطيف – دار الفكر بيروت – ط الثانية – 1403ه- - 1983م.
* المستدرك على الصحيحين – أبي عبد الله الحاكم النيسابوري و بذيله تلخيص الذهبي – طبع باشراف الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي – دار المعرفة بيروت.
* فتح الباري شرحُ صحيح البخاري – شهابُ الدّين ابنُ حجر العسقلاني – دار المعرفة بيروت.
* الاقناع في حَلّ ألفاظ أبِي شجاع – شمس الدين محمد بن احمد الشربيني – دار المعرفة للطباعة بيروت.
* مغني المحتاج الى معرفة معاني ألفاظ المنهاج – شرح الشيخ محمد الشربيني – دار احياء التراث العربي – أوفسيت – طبعة مصطفى البابي الحلبي.
ص: 138
* البرهان في علوم القرآن – بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي – تحقيق أبو الفضل ابراهيم – دار إحياء الكتب العربية – عيسى البابي الحلبي – ط الاولى – 1957م.
* عدة الداعي و نجاح الساعي – أحمد بن فهد الحلي – تصحيح أحمد الموحّدي القمي – مكتبة وجداني – قم.
* الاتقان فيُ علوم القرآن – جلالُ الدّين السيوطي – تحقيق سعيد المندوب دار الفكر بيروت – ط الاولى – 1996م.
* عُمْدَةُ القاري شرح صحيح البخاري – العيني – دار احياء التراث العربي – بيروت.
* تاج العروس من جواهر القاموس – محب الدين أبي فيض السيد محمد مرتضى الزبيدي الحسيني دراسة و تحقيق – علي شيري – دار الفكر للطباعة بيروت – 1414ه- - 1994م .
* لسان العرب – لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور الافريقي المصري – نشر أدب الحوزة – قم ايران – 1405ه-.
* شرح شافية ابن الحاجب – للشيخ رضي الدين محمد بن الحسن الاسترابادي – و شرح شواهده لعبد القادر البغدادي تحقيق – محمد محي الدين عبد الحميد و رفاقه – دار الكتب العلمية بيروت – 1395ه- - 1975م.
* الغدير في الكتاب و السنة و الأدب – للشيخ عبد الحسين أحمد
ص: 139
الأمين النجفي – دار الكتاب العربي بيروت الطبعة الرابعة 1397ه- - 1977م.
* الردّ على مسائل موسى جار الله – موسوعة السيد عبد الحسين شرف الدين – إعداد و تحقيق مركز العلوم و الثقافة الاسلامية قسم إحياء التراث الإسلامي الجزءُ الرابع دار المؤرخ بيروت – ط الاولى – 2006م.
* تبصرة المتعلمين في أحكام الدين – الإمام جمال الدين حسن يوسف بن المطهر المعروف بالعلامة الحلي – تحقيق الشيخ هادي اليوسفي و السيد أحمد الحسيني – انتشارات فقيه – طهران – ط الاولى – 1368ه- ش.
* شرح القاضي العضد على مختصر ابن الحاجب – عضد الدين الايجي - بولاق - مصر - ط الاولى - 1316 ه-.
* ارشاد الفحول الى تحقيق الحق من علم الاصول - محمد بن علي الشوكاني - تحقيق أحمد عزوّ عناية - دار الكتاب العربي - ط الاولى 1419ه- - 1999م – دمشق.
* الكافي – ثقةُ الاسلام محمّد بن يعقوب الكليني - تصحيح علي أكبر الغّفاري - دارُ الكتب الاسلامية طهران - ط الخامسة - 1363ه-
* الوافي - محمد محسن الفيض الكاشاني - منشورات مكتبة الامام امير المؤمنين العامة اصفهان - تحقيق ضياء الدين الحسيني - ط الاولى - 1406ه-.
* السنن الكبرى - احمد بن الحسين البيهقي - دار الفكر بيروت.
ص: 140
* كنز العمال في سنن الأقوال و الأفعال - علاء الدين المتقي الهندي - ضبطه و صححه - بكري حيّاني - صفوة السقّا - مؤسسة الرسالة بيروت - 1309ه- - 1989م.
* الجامع الصغير في أحاديث البشر النذير – جلال الدين السيوطي - دار الفكر للطباعة - بيروت - ط الاولى - 1401ه- - 1981م.
* تفصيل وسائل الشيعة الى تحصيل مسائل الشريعة – محمد بن الحسن الحر العاملي - تحقيق مؤسسة آل البيت لأحياء التراث – قم المقدسة - ط الثانية 1414ه-.
* أحكام القرآن - أبي بكر أحمد بن عليّ الرازي الجصاص - ضبط نصّه - عبد السلام محمد علي شاهين - دارُ الكتب العلمّية - بيروت - ط الاولى - 1414ه-.
* الجامع لأحكام القرآن - محمد بن أحمد الانصاري القرطبي - تحقيق أحمد عبد العليم البردوني - دار احياء التراث العربي - بيروت - لبنان.
* حواشي الشيرواني و العبّادي - أوفسيت دار احياء التراث العربي - بيروت - لبنان.
* سنن النسائي بشرح السيوطي - دار الفكر بيروت - ط الاولى - 1348ه- - 1930.
* غرائب الاغتراب - الآلوسي - مطبعة الشابندر بغداد - 1317ه-.
* العقد الفريد - لابن عبد ربه - تحقيق أحمد أمين و رفاقه- دار
ص: 141
المعارف - 1948م.
* ربيع الأبرار و نصوص الاخيار - الزمخشري - تحقيق عبد الامير مهنا - الأعلمي للمطبوعات - بيروت - ط الاولى - 1992م.
* الطبقات الكبرى - محمد ابن سعد - دار صادر - بيروت.
* تاريخ الطبري - محمد بن جرير الطبري - مراجعة نخبة من العلماء - مؤسسة الأعلمي - بيروت.
* تجارب الأمم - أبو علي أحمد بن محمد مسكويه - تحقيق الدكتور أبو القاسم إمامي - دار سروش - طهران - 1379ه-.
* تاريخ مختصر الدول - غريغوريوس الملطي (ابن العبري) - دار الميسرة بيروت.
* تاريخ الاسلام و وفيات المشاهير و الأعلام – شمس الدين الذهبي - تحقيق عمر عبد السلام تدمري - الناشر دار الكتاب العربي بيروت - ط الثانية - 1409ه- - 1998م.
* الإمامة و السياسة - لابن قتيبة الدينوري - تحقيق طه محمد الزيني - مؤسسة الحلبي و شركائه - مصر.
* المعارف - لأبن قتيبه الدينوري - تحقيق ثروت عكاشة - دار المعارف - مصر - ط الثانية.
* كتاب الفتوح - أحمد بن أعثم الكوفي - تحقيق علي شيري - دار الانوار للطباعة - بيروت - ط الاولى - 1991م.
ص: 142
* البداية و النهاية - ابن كثير الدمشقي - تحقيق علي شيري - دار إحياء التراث العربي - بيروت - ط الاولى - 1988م.
* السيرة الحلبية - الحلبي - دار المعرفة - بيروت - 1400ه-.
* النهاية في غريب الحديث و الأثر - مجد الدّين ابن الأثير - تحقيق طاهر أحمد الزّاوي و محمود محمّد الطّناحي - أوفسيت اسماعيليان للطباعة - قم - ط الرابعة - 1364ه- ش.
* الأغاني - أبو الفرج الأصفهاني - دار احياء التراث العربي.
* الكشف و البيان عن تفسير القرآن - الثعلبي - تحقيق محمد بن عاشور تدقيق نظير الساعدي - دار إحياء التراث العربي بيروت - ط1 - 2002م .
* أنساب الاشراف - أحمد بن يحيى البلاذري - تحقيق الدكتور محمد حميد الله - معهد المخطوطات لجامعة الدول العربية - دار المعارف بمصر - 1959م.
* الاستيعاب في معرفة الاصحاب - لأبي عمر يوسف بن البّر - تحقيق - علي محمد البجاوي - دار الجيل بيروت ط الاولى 1412ه- - 1992م.
* أسد الغابة في معرفة الصحابة - عزّ الدين ابن الأثير - أوفسيت اسماعيليان - طهران.
* أنوار التنزيل و اسرار التأويل المعروف بتفسير البيضاوي - ناصر الدين عبد الله بن عمر الشيرازي - اعداد و تقديم محمد عبد الرحمن
ص: 143
المرعشلي- دار احياء التراث العربي بيروت - ط الاولى - 1418ه- - 1998م.
* تذكرة الخواص - لسبط ابن الجوزي - ط المكتبة الحيدرية - النجف - 1383ه-.
* البحر المحيط - أبو حيان الاندلسي النحوي - تحقيق الشيخ عادل أحمد عبد الموجود و رفاقه - دار الكتب العلمية بيروت - ط الاولى - 1422ه- - 2001م.
* مقاتل الطالبيين - لابي الفرج الاصفهاني - أشرف على طبعه كاظم المظفر - دار الكتاب - قم ايران - أوفسيت - المطبعة الحيدرية بالنجف - ط الثانية - 1965م.
* بلاغات النساء - أبي الفضل ابن أبي طاهر الشهير بابن طيفور - مكتبة بصيرتي - قم المقدسة - أوفسيت على ط مصر - تحقيق أحمد الألفي - 1908م.
* اللهوف في قتلى الطفوف - السيد ابن طاووس الحسيني - ط المكتبة الحيدرية في النجف.
* فوات الوفيات - ابن شاكر الكتبي - تحقيق علي محمد بن يعوّض الله و عادل احمد عبد الموجود - دار الكتب العلمية - بيروت - ط الاولى - 2000م.
* نظم درر السمطين في فضائل المصطفى و المرتضى و البتول و السبطين - محمد بن يوسف الزرندي الحنفي - الناشر مكتبة الامام امير
ص: 144
المؤمنين العامة - ط الاولى - 1377ه- - 1958م.
* فضائل الصحابة - الامام أحمد بن حنبل - تحقيق د. وصي الله محمد عباس - ط مؤسسة الرسالة بيروت.
* المعجم الاوسط - للطبراني - قسم التحقيق بدار الحرمين طارق بن عوض الله و عبد الحسن ابراهيم الحسيني - دار الحرمين - 1415ه- - 1995م.
* ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربى - محب الدين احمد بن عبد الله الطبري - الناشر - مكتبة القدسي بالقاهرة - 1356ه-.
* معالم التنزيل في تفسير القرآن (تفسير البغوي) - تحقيق خالد عبد الرحمن العك - دار المعرفة - بيروت.
* تأريخ دمشق - علي بن الحسن المعروف بابن عساكر - تحقيق علي شيري - دار الفكر للطباعة - بيروت - 1415ه- - 1990م.
* المصنف - أبن ابي شيبة الكوفي - تحقيق سعيد اللحام - دار الفكر بيروت - ط الاولى - 1409ه- - 1989م.
ص: 145
ص: 146
مقدمة ناشر الطبعة الأولى ... 5
مقدمة التحقيق ... 9
الردّ على مسائل موسى جار الله: ... 11
كتاب مسائل موسى جار الله: ... 12
ترجمة المؤلف ... 15
نشأته: ... 15
دروسه: ... 15
مؤلفاته: ... 16
وفاته: ... 16
ترجمة السائل: ... 16
نسخ المخطوطات: ... 18
عملنا في التحقيق: .... 18
أجوبة سماحة الشيخ هادي كاشف الغطاء قُدَّسَ سرّه ... 21
المسألة الأولى: ... 21
المسألة الثانية: ... 23
ص: 147
المسألة الثالثة: ... 25
المسألة الرابعة: ... 28
المسألة الخامسة: ... 30
المسألة السادسة: ... 33
المسألة السابعة: ... 36
المسألة الثامنة: ... 39
المسألة التاسعة: ... 41
المسألة العاشرة: ... 41
المسألة الحادية عشرة: ... 44
المسألة الثانية عشرة: ... 44
المسألة الثالثة عشرة: ... 49
المسألة الرابعة عشرة: ... 51
المسألة الخامسة عشرة: ... 54
المسألة السادسة عشرة: ... 57
المسألةُ السّابعةُ عشرة: ... 58
المسألة الثامنة عشرة و المسألة التاسعة عشرة تعرض فيها السائل: ... 59
المسألة العشرون: ... 60
مسائل موسى جار الله ... 63
المسألة الأولى: ... 63
المسألة الثانية: ... 63
المسألة الثالثة: ... 64
المسألة الرابعة: ... 65
ص: 148
المسألة الخامسة: ... 68
المسألة السادسة: ... 68
المسألة السابعة: ... 69
المسألة الثامنة: ... 69
المسألة التاسعة: ... 70
المسألة العاشرة: ... 70
المسألة الحادية عشرة: ... 72
المسألة الثانية عشرة: ... 73
المسألة الثالثة عشرة: ... 74
المسألة الرابعة عشرة: ... 75
المسألة الخامسة عشرة: ... 77
المسألة السادسة عشرة: ... 78
المسألة السابعة عشرة: ... 78
المسألة الثامنة عشرة: ... 79
المسألة التاسعة: ... 79
المسألة العشرون: ... 80
رسالة في لعن يزيد بن معاوية ... 85
الفصل الأول: رأي الغزالي في منع لعن يزيد ... 89
الفصل الثاني: رأيُ ابن تيمية في منع لعن يزيد ... 93
أدلة جواز اللعن ... 105
و أما أدلة الجواز ففيها مقامان: ... 105
ص: 149
المقام الأول: في جواز لعن المستحق و مشروعيته و استحبابه و مندوبيته ... 105
المقام الثاني: في أدَّلة جواز لعن يزيد بخصوصه ... 111
خاتمة في فضل العلويين من بني هاشم ... 124
المصادر ... 134
محتویات الکتاب ... 147
ص: 150