تحف العقول عن آل الرَّسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِم)
ألفّه
الشّيخ الثّقة الجليل الأقدم
أبو محمَّد الحسن بن على الحسين بن شعبة الحرّاني (رَحمهُ اللّه)
من أعلام القرن الرَّابع
تصحيحه و التّعليق عليه: علی اکبر الغفاری
الطبعة الثَّانية
موسسة النير الإسلامي (التاسعة)
لِجمَاعَةِ المدرسين بقم المشرّفة (ايران)
حقوق الطّبع والتقليد بهذه الصورة المزد انة بالتعاليق و الحواشي محفوظة الناشر
1363- ش 1404 - ق
محرر الرقمي: مرتضی حاتمي فرد
ص: 1
حمداً خالداً لولى النَّعم الّذي مَنْ عَلَى فَضَلاً مِنْه بتحقيق هذا التُّراث العلمي النفيس الّذي لا مندوحة عنه لأيّ محدث عليم، أو باحث فهيم، أو واعظ ناطق، أو معلم ناصح، أو عالم عامل، أو أديب أريب، أو عابد ناسك، أوذي قلب سليم ارتاد مهيعَ الحَقِّ، أو مُتَقَّفِ ديني ابتغى سَبيل الرشاد. و ذلك فَضْلُ اللّه يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ واللّه ذو الفَضْلِ العظيم.
:
وشكر أمتواصلاً لحضرة الأستاذ الأجل، المهذب، فرعِ الشَّجَرَةِ النبوية، صاحب الفضيلة «السيد علاء الدِّين العلوي الطالقاني»، أطال اللّه سبحانه بقاه و بلغه غاية مناه حيث تفضل وأعانني في كثير من الموارد الّتي تحتاج إلى مزيد الإطلاع، فشكراً له ثمَّ شكراً.
وثناء جميلاً على الصديق الأعز الأديب الأحوذي الميرزاء «محسن الأحمدي»، بما أخلص و عاضدني في مُهمة تصحيح الكتاب وصرف الهمّة ولم يألُ جهداً في مراعاة - صحّة الإعراب. جعله اللّه من العلماء العاملين و زمرة أصحاب اليمين بمنّه وكرمه. و كان ذلك منه في الطبعة الثَّانية.
علی اکبر الغفّاری
ص: 2
إلى مكتبة الجامِعَةِ العلميَّة الكبرى.
إلى مكتبة كلية الفقه والعلم والدين.
إلى مكتبة مَعْقِدِ العِزِّ و الفَخْرِ والعَظَمة (النجف الأشرف).
إلى أم المكتبات الّتي تنتهي إليها حلقات المجد المؤثّل.
إلى مكتبة الإمام أمير المؤمنين ((عَلَيهِ السَّلَامُ)) العامّة.
نهدي هذا السَّفر الكريم بيد الولاء الخالص، تقديراً لها، وإكباراً لمقامها، وإعجاباً بها، راجيا من المولى سبحانَهُ القبول ولَهُ الحَمْدُ.
ص: 3
من مديرية المكتبة العامرة [ مكتبة الامام أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) العامّة ] في النجف الاشرف، نعتز بها، ونجل محلها، ونعظم ساحة صدورها، ننشرها بنصها و فصها، ردفها الشكر المتواصل منتاغير مجذوذ. ألاوهى :
بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
حمداً لَكَ يا مَنْ خَلَقَ فَرَزَقَ، وألهُم فَأَنطَقَ، وَ ابْتَدَعَ فَشَرَعَ، وَعَلَا فَارْتَفَعَ، وَقَدرَ فَأَحْسَنَ، وَصَوَّرَ فَأَتْقَنَ، وَاحْتَجَّ فَأَبلغ، وأنعم فَأَسْبعَ، وَأعْطَى فَأَجْزَلَ، وَ مَنَحَ فَأَفَضَلَ، حَمْداً لَكَ وَ أَلْفَ حَمدٍ.
وصلاة عليك يا أبا القاسم، نبيّ الرحمة، و منقذ الأُمَّة، وسيّد ولد آدم، وعلّة وَسَيَدَ الكون، وسر الوجودِ، ونُورَ الأَرْض والسَّماواتِ العُلى، وقُطَّبَ مَدارِ الفَلَكِ، ومهبط الوحي والملك : و عَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ الّذين أَذهَبَ اللّه عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَ طَهَرَهُم تطهيراً.
ماهى تحف العقول ؟
لم يحظ الإنسان بنفيس أثمن وأغلى من العقل، وهو دعامته، ولامال أعود منه، أتحفه إيّاه ربّه وحباه، وشرَّفه وفوَّقه بذلك على ما سواه، هي غريزة تأبى ذميم الفعل ؛ و فضيلة تدرك بها سعادة الأبد، وينال بها الفوز والفلاح في الحياة الدُّنيا، هي طرة صحائف الفضائل الانسانية، وغرَّة طرَّة الإنسان الكامل، وبلج جبهته، وعنوان بشائر فضائله و فواضله، هي بضاعة حياة البشر السعيد في نشأتيه، وبذرة كلّ خير كسبت يداه، وجمال كلّ محمَّدة و مكرمة يتحلّى بها.
وإنّما قيمة المرء عقله، وهو نظامه، وعلى قدره يكون الدِّين والطاعة، وهو أفضل رائد، وجمال السرائر و الظواهر، و به توزن الأعمال، و يجازى به الإنسان و به تتأتى سعادته، وينجو عن البوار والبوائق ؛ وهو دليل شرفه، و مقياس ما اكتسبه
ص: 4
أو اقترفه في ورده وصدره، من خير أو شرّ، من حسنة أو سيّئة، و إنما يناقش اللّه العباد في الحساب يوم القيامة على قدر ما آتاهم من العقول في الدُّنيا.
وللعقل سمات وعلامات، و به تحدّ الصفات، وتقيّد الفعال و الخصال، يوقف صاحبها على حدّ، ويعرّفه الملأ بمعروفه و منكره، ويُعرب عن مدى حياته، و مبلغ ر شده، و غاية سيره وسلوكه.
وهو كما قال مولانا أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ): عقلان : مطبوع ومكتسب. يدوران في قوسي الصعود والنزول، ويقبلان التعالي والانحطاط، فصاحبهما بين سعادة وشقاء، سعيد أسعد اللّه حظه، وأصلح باله، ورافقه توفيقه، يعبد الرحمن، ويكتسب الجنان، فبالعقل طاب کسبه، و كثر خیره، و صلحت سريرته، و حسنت سيرته، و استقامت خليقته.
و آخر : ذو نكراء منكر، فطنته الدهاء، وفكرته المكر والخديعة، يتواني عن البرّ و يبطىء عنه، وإن تكلم أنم، وإن قال مال، وإن عرضت له فتنه سارع إليها، وإن رأى سوءة قحم فيها.
و إنما العلم نور العقل و دليله، يقيم أوده، و يبر، أمته، يقوده إلى الخير، ويدلّه على سبل السّلام، و مناهج السعادة، وجدد الصلاح، و مهيع العمل الناجع، و به يتأتى كماله، ويتمُّ نضجه، ويبدو صلاحه، وقدجاء في حكم الإمام أبي عبد اللّه الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) قوله : لا يصلح من لا يعقل ولا يعقل من لا يعلم.
والكلم الطيِّب في العلم والدِّين والحكم والآداب و الأخلاق والمعارف هي : تحف العقول. يتفكه بها النّهى، ويتمتع بها الحجي، ويأنس بها اللّبيب. ولغرر الكلم ودرر الحكم ينابيع جارية فجرها اللّه على ألسنة ناطقة من الصلحاء والصادقين، ولتلكم الدّروس العالية من العلوم الراقية حملة من أهل بيت الوحي و لتربية العقول السليمة أئمّة معصومون لم يدنسهم لوث الجاهليّة، و لم تلبسهم مدلهمّات ثيابها، فإن عطفت النظرة إلى كلم الأنبياء والأوصياء الماضين والتابعين لهم باحسان من وليّ صالح، وحكيم إلهيّ، ومتكلم مُفوَّه، وخطيب مصقع، وعارف نايه، و إمام مقتدى من لدن آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) و هلمَّ جرّا تجدها دون ما نطق به سید من نطق بالضاد، نبيّ العظمة
ص: 5
رسول الكتاب والحكمة، و أوصياؤه المصطفون، تقصر لدى كلمهم الكلم،وعند حكمهم الحكم، و يعجز عن أن يأتي بمثلها الحكماء البلغاء من السلف و الخلف، ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً، ويكل عن ندها لسان كلّ طلق ذلق، ويحسر عن وصفها بيان كلّ ذرب اللسان منطيق، ولا يبلغ مداه، ولا يسعه الاستكناه.
نعم تلكم الكلم الصادرة عن ينابيع الوحي الفياضة من أهل بيت العصمة : تحف العقول. وهي آية في البلاغة والفصاحة والمتانة في اللفظ والمعنى، دون كلام الخالق و فوق مقال البشر، و من أمعَنَ فيها يجدها أقوى برهنة وأدل دليل على إمامة أولئك السادة القادة أئمّة الكلام، ومداره الحكمة، ويراها أكبر معجز و أعظم كرامة لأولئك النفوس القدسية الطاهرة، تبقى مدى الأبد تذكر و تشكر.
وحسب أولئك الذُّرِّيَّة الطيّبة عظمة وفخراً ما خلّده صدق منطقهم في الدّهر من غرر الآثار، أو مآثر بنتها ألسنتهم ممَّا نفث اللّه من الحكمة في روعهم، يفتقر إليها المجتمع البشري، وتصلح بها الأمَّة المسلمة، ويحتاج إليها كلّ حكيم بارع، و عاقل محنك، وخلفي كريم، وفيلسوف نابه، وعارف ناصح، وإمام مصلح. ولا مندح عنها لأي إبن أنثى إن عقل صالحه.
جير : متى ما سمعت كلمة قيمة تعزى إلى أحد من عظماء الدُّنيا تقرطت الآذان فثق بأنها من مستقى ذلك العذب النمير، ومهما قرعت سمعك حكمة بالغة أو موعظة حسنة تلوكها الأشداق فأيقن بأنها قطرة من ذلك البحر الظامي، وإن أعجبك صلاح أو صالح أخذ الأمر بالأوثق فلتعلم أنهما ينتهيان إلى أولئك العترة الهادية عليهم صلوات من ربّهم ورحمة.
إي ولعمر اللّه هم عيش العلم وموت الجهل، يخبر حلمهم عن علمهم، وظاهرهم عن باطنهم، وصمتهم عن حكم منطقهم، لا يخالفون الحقّ ولا يختلفون فيه، هم دعائم الإسلام، وولائج الاعتصام، بهم عاد الحقّ في نصابه، وانزاح الباطل عن مقامه، وانقطع لسانه عن منبته، عقلوا الدِّين عقل وعاية ورعاية، لاعقل سماع ورواية، فإن رواة العلم كثير ورعاته قليل (1).
ص: 6
كلمة طيبة
فإن قرن اللّه ولايتهم بولايته فلا يدع، وإن قارنهم نبيّ العظمة بالكتاب الكريم في التمسك بهما، والأخذ بحجزتهما، وعدهما عكمى بعير في الثقل لن يفترقا حتّى يردا عليه الحوض، فبالحقّ نطق وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى.
وإن عرَّفهم أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بقوله : نحن معدن العلم والحكمة، أمان لأهل الأرض، ونجاة لمن طلب، فإنا صنايع ربَّنا، والنّاس بعد صنايع لنا، إنا لأمراء الكلام و فينا تنشبت عروقه، و علينا تهدلت غُصونه، نحن شجرة النبوة، و محطّ الرّسالة، ومختلف الملائكة، ومعدن العلم، و ينابيع الحكم (1) إلى أمثال هذه الكلم من الكثير الطيب، فقد أعرب عن حقيقة ناصعة يخبت إليها الموالي، ولا تعزب عن المناوى، إن شاء وإن أبى.
ولقد قيّض اللّه سبحانه في القرون الخالية أمة من أعلام الدين، وأساتذة العلم و أئمّة الحديث، لجمع شتات تلكم الآثار والمآثر، وأَم شَعَيْها لبغاة العلم، وروَّاد الفضيلة، وحملة العقل والنّهى، فدوّنوا من كلم أولئك السادة أئمّة أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) مجاميع ومسانيد وألفوا كتباً قيمة تحوى درراً وغُرَراً، وتتضمن بين دفّتيها ينابيع الحكم وجوامع الكليم وعقود العظات البالغة ومعاقد المنجيات والمهلكات.
وفي طليعة أولئك الأفذاذ وتآليفهم هذا الكتاب القيم الّذي لاريب فيه هدى للمتقين [تحف العقول] ومؤلّفه الحبر الفقيه النّيقد الأعظم، حسنة الدهر، و مَفْخَرة العلم والفضيلة في القرن الرَّابع شيخنا أبو محمَّد الحسن بن عليّ بن حسين بن شعبة الحراني ولقد جمع فأوعى، وأفاد باثارة عليه فأجاد، وأتحف العقول بفضله الجمّ، وأدبه الكثار، فجاء كتابه منية المريد، وبقية المحدّث، وطلبة الباحث، و مأرب الواعظ الناصح، ونجعة المتكلّم المصلح، فليس من البدع أن يكون كتابه في الطبقة العليا من موسوعات العلم والعمل، وقد عكفت عليه العلماء الأعلام منذيوم تأليفه حتّى شارف عصرنا الحاضر، ووصفوه في المعاجم والتراجم (2) بكلّ جميل ونصّوا على اعتبار الكتاب واعتماد الأصحاب
ص: 7
عليه وشهرته وكثرة فوائده، وأتنوا على مؤلّفه بالفقه والعلم والفضل والتبحّر والنباهة و الوجاهة و الجلالة والثّقة به، أضف إليها حسن اختياره وانتخابه، وهو دليل عقله و برهان قدسه، وتضلّعه من الحديث.
أتانا البريد بهذا السّفر الكريم هدية إلى [ مكتبة الإمام أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) العامّة ] وهي أثمن هديّة وأغلى تحفة، عُني بنشره الألمعيّ البارع حلف الصلاح «ميرزا علي الأكبر الغفّاريّ الرّازيّ» - وفّقه اللّه لمرضاته - في عاصمة ايران [طهران] أسدى
إلى الملأ العلميّ خيراً عمَّ نفعه، وأتحف المكتبات معروفاً تزدان به و تشکر يده.
وهذه الطبعة انمازت عن سابقتها بتعاليق قيمة فيها فوائد جمّة وتخريج الأحاديث من ينابيع قويمة، وتوضيح مافيه من مشكل اللّغة، وبيان ما يحتاج إليه الباحث في درك المغزى من دقائق ورقائق، وتراجم أناس ينبغي أن يقف القاري، عليها، فنحن نشكر المهدي الصالح على هديته الغالية وإخراجه الكتاب القيم بهذه الصورة البهية، والجمال الرَّابع وعنايته البالغة في تصحیحه و تنميقه و تهذیبه جزاه اللّه عنَّا وعن الأمَّة المسلمة خير جزاء المحسنين، والسلام عليه وعلى الجمعيّة الكريمة ورحمة اللّه وبركاته.
مديريّة المكتبة
عبدالحسین احمد الامینی
1376
ص: 8
المؤلف والثناء عليه
بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أبو محمَّد الحسن بن عليّ بن الحسين بن شعبة الحراني الحلبيّ المعاصر للشيخ الصدوق الّذي توفّي سنة 381 والراوي عن أبي على (1) محمّد بن همّام المتوفّى سنة 336.
كان - رحمه اللّه - من أعاظم علماء الإماميّة في القرن الرَّابع، وأوح-دي-ّاً من نياقدها، وفذاً من أفذاذ الشيعة ومفخر أمن مفاخرها بل هو عبقري مِنْ عَباقِرَةِ الأمَّة وعَلَم من أعلامها فقيه من فقهاء الطّائفة وإمام من أئمّتها، محدّث جليل القدر، عظيم الشأن، رفيع المنزلة كثير العلم ؛ له نفسياته الزّاكية وفضله الواسع و أدبه الناصع وعلمه الناجع ؛ ينمّ عن كلّ ذلك تأليفه القيّم الّذي هو عنوان عقله وعيار قدره بل لسان فضله و میزان علمه كتاب تحف العقول في ما جاء من الحكم والمواعظ عن آل الرّسول، كتاب كريم لم يصنّف مثله وهو يحوي من نظام عقود الغرر و الدُّرر، و محاسن الكتب والمواعظ و الزواجر والعبر وكرائم الحكم والخطب وعقائل الكلم والأدب ما يروق اللَّبيب رواؤها ويروي الغليل رواؤها، تزجر النفوس عن رداها و تُرشد القلوب إلى مستواها و توحي إليها رشدها وكمالها وتبصّرها عيوبها وعماها وتخلبها عن غاشيات هواها و يلهمها فجورها و تقواها، و تقودها إلى الملكوت الأعلى و سنامها الأسنى و تسوقها إلى مَشْهَدِ النُّور الأجلى ؛ وهي الغاية المتحركة للعقل الرشيد و ذلك لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
أقوال العلماء حول المؤلّف وتأليفه
قد أثنى عليه كلّ من تعرَّض له وأطراه بالعظمة و النبالة و التبجيل و أطبقت كافّتهم على فضله وفقهه وتبحّره وجلالة قدره ورفعة شأنه ووثاقته والاعتماد على كتابه. قال الشّيخ إبراهيم بن سليمان القطيفيّ المعاصر للمحقّق الكركيّ - رحمهما اللّه في كتابه
ص: 9
الوافية في تعيين الفرقة الناجية على ما حكاه القاضي التستريّ - قدّس سرّه - في المجالس في ترجمة أبي بكر الحضرميّ : الحديث الأول مارواه الشّيخ العالم الفاضل العامل الفقيه الذبيه أبو محمَّد الحسن بن عليّ بن شعبة الحراني في الكتاب المسمى بالتمحيص عن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)... الحديث.
وقال الشّيخ الحرّ العامليّ - رحمه اللّه - في أمل الآمل : أبو عبد الحسن بن عليّ بن شعبة فاضل محدّث، جليل، له كتاب تحف العقول عن آل الرَّسول حسن كثير الفوائد، مشهور : وكتاب التمحيص ذكره صاحب مجالس المؤمنين. إه.
وقال العلَّامة المجلسي - رضوان اللّه عليه - في الفصل الثاني من مقدمة البحار : كتاب تحف العقول عثرنا على كتاب عتيق ونظمه دل على رفعة شأن مؤلّفه وأكثره في المواعظ والأصول المعلومة الّتي لاتحتاج فيها إلى سند. إه.
و قال المولى عبداللّه الأفندي صاحب الرّياض - قدّس سرّه - : الفاضل العالم الفقيه المحدث المعروف صاحب كتاب تحف العقول وقد اعتمد على كتابه التمحيص الأستاد - أيده اللّه - في البحار والمولى الفاضل القاساني في الوافي. إلخ.
وقال صاحب الرُّوضات - رحمه اللّه - : الحسن بن عليّ بن الحسين بن شعبة الحرانيّ أو الحلبي - كما في بعض النسخ - : فاضلٌ فقيهٌ، ومتبحّرٌ نبيه، ومترفع وجيه له كتاب تحف العقول عن آل الرسول، مبسوط كثير الفوائد، معتمد عليه عند الأصحاب، أورد فيه جملة وافية من النبويات و أخبار الأئمَّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) و مواعظهم الشافية على الترتيب وفي آخره القدسيان المعروفان الموحى بهما إلى موسى وعيسى ابن مريم في الحكم والنصائح البالغة الإلهيّة وباب في مواعظ المسيح الواقعة في الإنجيل، وفي آخره وصيّة المفضل بن عمر للشيعة. اه-.
وقال الشّيخ الجليل العارف الرَّباني الشّيخ حسين بن عليّ بن صادق البحرانيّ - طيب اللّه رمسه - في رسالته في الأخلاق والسلوك إلى اللّه على طريقة أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) ما لفظه : ويعجبني أن أنقل في هذا الباب حديثاً عجيباً وافياً شافياً عثرت عليه في كتاب
ص: 10
تحف العقول للفاضل النَّبيل الحسن بن عليّ بن شعبة من قدماء أصحابنا حتّى أنّ شيخنا المفيد ينقل عن هذا الكتاب وهو كتابٌ لم يسمح الدّهر بمثله. الكنى ج 1ص 318.
يوجد ذكره الجميل في أعيان الشيعة لسيدنا العلم الحجّة - رحمة اللّه عليه - ج 22 ص 318 وتأسيس الشيعة ص 413 والذريعة للعلّامة الرازي ج 3 ص 40 والكني والألقاب للمحدث القمّى ص 318 وفي مقدمة بحار الأنوار المطبوع حديثاً وغير ذلك من معاجم التراجم.
(مصادر التصحيح والتعليق)
1- نسخة نفيسة ثمينة مخطوطة لخزانة كتب العالم النحرير، الفهّامة الجليل الشريف السيد جلال الدِّين الأرموي المعروف بالمحدث (دام مجده).
2- نسخة مخطوطة لمكتبة العامّة [كتابخانه ملی] في عاصمة ايران (تهران).
3- الكتب المتأخرة الناقلة عن الكتاب كالوافي والوسائل والبحار ومستدرك الوسائل وغير ذلك.
وأريد من البحار طبع الكمياني. ومن أمالي الصدوق الطبعة الحروفيّة الحديثة. ومن أصول الكافي طبعته الحديثة الّتي عليها تعاليقنا. ومن فروعه و روضته الطبعة الأولى وهكذا بقية الكتب الّتي نقلنا عنها في الهامش نريد منها طبعتها الأولى.
على اكبر الغفّاريّ
1335- ش = 1376-ق
ص: 11
الموضوع / الصفحة
مقدّمة المؤلّف...1 إلی 3
ما روى عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)
وصيّته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لامير (عَلَيهِ السَّلَامُ) ...6
وصيّته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أخرى له (عَلَيهِ السَّلَامُ) مختصرة... 10
وصيّته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)أخرى له (عَلَيهِ السَّلَامُ) ...13
حكمه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و كلامه وموعظته... 15
وصيّته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لمعاذ بن جبل ...25
کلامه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)في أمور شتى... 27
ذكره (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) العلم والعقل والجهل... 28
موعظته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أصحابه و أمّته ...29
خطبته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) في حجّة الوداع... 30
في قصارى كلماته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)... 35
ماروى عن أمير المومنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)
خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) في إخلاص التوحيد... 61
كتابه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى ابنه الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ...68
وصيّته (عَلَيهِ السَّلَامُ) لابنه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ...88
خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) المعروفة بالوسيلة... 92
آدابه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأصحابه وهي أربعمائة باب للدين والدُّنيا... 100
عهده (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى الاشترحين ولّاه مصر... 126
خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) المعروفة بالديباج... 149
كلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الترغيب والترهيب ...154
موعظته (عَلَيهِ السَّلَامُ) ووصفه المقصرين ...157
كلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في وصف المتقين... 159
خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) الّتي يذكر فيها الايمان والكفر ودعائمهما وشعبها ...162
ص: 12
كلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لكميل بن زياد... 169
وصيّته (عَلَيهِ السَّلَامُ) لكميل بن زياد مختصرة ...171
وصيّته (عَلَيهِ السَّلَامُ) لمحمَّد بن أبي بكر حين ولّاه مصر ...176
كلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الزُّهد وذم الدُّنيا وعاجلها... 180
كلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لّما عوتب على التسوية في العطاء... 183
کلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في وضع المال مواضعه ...185
وصفه (عَلَيهِ السَّلَامُ) الدُّنيا للمتقين... 186
ذكره (عَلَيهِ السَّلَامُ) الإيمان والأرواح واختلافها... 188
وصيّته (عَلَيهِ السَّلَامُ) لزياد بن النضر حين أنفذه إلى صفّين... 191
وصفه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لنقلة الحديث ...193
كلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قواعد الدِّين ومعنى الاستغفار... 196
وصيّتها (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى ابنه الحسن لمّا حضره الوفاة... 197
تفضيله (عَلَيهِ السَّلَامُ) العلم... 199
في قصارى كلماته (عَلَيهِ السَّلَامُ)... 200
ماروى عن الامام السّبط الزّكى الحسن بن على (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)
أجوبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن مسائل سئل عنها... 225
حكمه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ومواعظه ...227
جوابه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن مسائل سأل عنها ملك الرُّوم... 228
جوابه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن كتاب الحسن البصري في الاستطاعة... 231
موعظته (عَلَيهِ السَّلَامُ) شيعته ...232
خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) حين قال له معاوية بعد الصلح : اذكر فضلنا... 232
في قصارى كلماته (عَلَيهِ السَّلَامُ)... 233
ص: 13
ماروى عن الامام السبط الشَّهيد المفدى (عَلَيهِ السَّلَامُ)
كلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ...237
موعظته (عَلَيهِ السَّلَامُ) شيعته ومواليه... 239
كتابه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى أهل الكوفة... 240
جوابه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن مسائل سال عنها ملك الروم... 242
كلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في وجوه الجهاد ...243
كلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في توحيد اللّه تعالى... 244
في قصاري كلماته (عَلَيهِ السَّلَامُ)... 254
ماروی عن الامام على بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)
موعظته (عَلَيهِ السَّلَامُ) أصحابه وشيعته في كلّ يوم جمعة ...249
كلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الزُّهد والحكمة ...252
رسالته (عَلَيهِ السَّلَامُ) في جوامع الحقوق... 255
كلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الزُّهد ...272
كتابه إلى محمَّد بن مسلم الزهري يعظه ...274
في قصارى كلماته (عَلَيهِ السَّلَامُ) ...278
ماروی عن الامام ابی جعفر الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ)
وصيّته (عَلَيهِ السَّلَامُ) لجابر بن يزيد الجعفي...284
كلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لجابر أيضاً... 286
کلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في أحكام السيوف ...288
موعظته (عَلَيهِ السَّلَامُ) شيعته ومواليه... 291
في قصارى كلماته (عَلَيهِ السَّلَامُ) ...292
ماروى عن الامام أبي عبد اللّه الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ)
وصيّته (عَلَيهِ السَّلَامُ) لعبد اللّه بن جندب... 301
وصيّته (عَلَيهِ السَّلَامُ) لابي جعفر محمَّد بن النعمان الأحول... 307
ص: 14
رسالته (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى جماعة شيعته وأصحابه... 313
كلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) سماه بعض الشيعة نثر الدرر... 315
کلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في وصف المحبة... 325
کلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في صفة الايمان... 329
كلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في صفة الاسلام... 329
كلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) صفة الخروج من الايمان... 330
جوابها في وجوه معاش العباد ...331
كلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في وجوه إخراج الأموال وإنفاقها... 336
رسالته (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الغنائم ووجوه الخمس... 339
احتجاجه (عَلَيهِ السَّلَامُ) على الصوفية لما دخلوا عليه... 348
كلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في خلق الانسان وتركيبه ...354
حكمه (عَلَيهِ السَّلَامُ) و درر كلامه... 356
في قصارى كلماته (عَلَيهِ السَّلَامُ) ...357
ماروی عن أبى ابراهيم الامام الكاظم (عَلَيهِ السَّلَامُ)
وصيّته (عَلَيهِ السَّلَامُ) لهشام وصفته للعقل ...383
حكمه (عَلَيهِ السَّلَامُ) درر كلامه ...403
كلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) مع الرَّشيد... 404
في قصارى كلماته (عَلَيهِ السَّلَامُ) ...408
ماروی عن الامام علی بن موسى الرضا (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)
جوابه (عَلَيهِ السَّلَامُ) للمأمون في جوامع الشريعة... 415
كلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في التوحيد... 423
کلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الاصطفاء ...425
وصفه (عَلَيهِ السَّلَامُ) الامامة والامام ومنزلته... 436
ص: 15
في قصارى كلماته (عَلَيهِ السَّلَامُ)... 442
ماروى عن الامام الناصح الهادي محمَّد بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)
جوابه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في محرم قتل صيداً... 4451
جوابه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن مسألة ليحيى بن أكثم ...454
في قصارى كلماته (عَلَيهِ السَّلَامُ) ...455
ما روى عن الامام أبي الحسن علی بن محمَّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)
رسالته (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الرد على أهل الجبر والتفويض... 458
أجوبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) ليحيى بن أكثم عن مسائله... 476
في قصارى كلماته (عَلَيهِ السَّلَامُ)... 481
ماروی عن الامام أبي محمَّد الحسن بن علىّ العسكريّ
كتابه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى إسحاق بن إسماعيل النيسابوريّ... 484
في قصاري كلماته (عَلَيهِ السَّلَامُ)... 486
مناجاة اللّه عز وجل موسى بن عمران (عَلَيهِ السَّلَامُ) ...490
مناجاة اللّه عز وجل لعيسى ابن مريم (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)... 496
مواعظ المسيح (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الانجيل وغيره... 501
وصيّة المفضّل بن عمر لجماعة الشيعة... 513
توضيح احتجاج الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) مع عمران الصابي...516
ص: 16
بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحَمْدُ للّه الّذي جَعَلَ الحَمْدَ لَهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ مِنْهُ إِلَى حَمدِ حَامِدِيهِ طَرِيقاً مِنْ طُرُقِ الإعتراف بلا هُو تيّته و صمدانیّته و ربانِيَّتِهِ و سَبَباً إلى المَزِيدِ مِنْ رَحْمَتِهِ و مَحَجَةً لِلطَّالِبِ مِنْ فَضْلِهِ (1) وَ مَكْنَ فِي إِبْطَانِ اللّفظِ حَقيقةَ الاعترافِ لِبِرّ إنْعامِه (2) فكانَ مِن إِنْعامِهِ الحَمْدُ له عَلى إنْعامِهِ، فَناتِ الاعْتِرَافُ لَهُ بِأَنَّهُ الْمُنْعِمُ عَنْ كلّ حد باللفظ وإن عظم.
و أشهد أن لا إلَهَ إِلَّا اللّه وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةً بَزَغَتْ عَن إِخْلَاسِ الطَّوِي (3) و نُطْقُ اللَّسانِ بها عبارةٌ عن صدقٍ خَفِي، إنه الخالق الباري المصور له الأسماء الحسنى، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٍ، إذ كانَ الشَّيْء مِنْ مَشِيئَتِه وكَانَ لا يُشْبِهُهُ مكونه.
وَ أشْهَدُ أنَّ غداً عَبْدُهُ وَرَسُولُه، اسْتَخلَصَهُ في القدم على سائر الأمم، على علم منه بانفرادِه عَنِ التَّشاكُلِ والسَّماتُلِ مِنْ أَبْنَاءِ الجِنسِ، وَ انْتَجَبَهُ آمِراً وناهياً عَنْهُ (4)، أقامه في سائر عَالِمه في الأداء مقامه، إذ لا تُدرِكَهُ الأَبْصَارُ وَلَا تَحويهِ خَواطِرُ الأفكار ؛ ولا تُمَثْلُهُ غَوامِضُ الظنَنِ (5) في الأسرار، لا إلهَ إِلَّا هُوَ المَلِكُ الجَبَّارُ،
ص: 1
وَقَرَنَ الإعتراف بِنُبُوَّتِهِ بِالاِعْتِرافِ بلاهُوتِيتِهِ وَ اخْتَصَّهُ مِنْ تَكْرِمَتِهِ (1) بِمَا لَمْ يَلْحَقَهُ فيه أَحَدٌ مِنْ بَريَّتِه و هو أهْلُ ذلِكَ يخاصتِهِ وَ خَلَّتِه (2) إِذلا يَخْتَصُّ مَنْ يَشُوبُهُ التغييرُ وَلا مَنْ يَلْحَقُهُ التنظيرُ ؛ وأمر بالصَّلاةِ عَلَيْهِ مَزِيداً في تَكْرِمَتِهِ وَ تَطْرِيقاً لعترته (3)، فَصَلَّى اللّه عليهِ وَعَلَى آلِهِ وَ كَرَّمَ وَ شَرَفَ وَ عَظُمَ مَزِيداً لا يَلْحَقُهُ التَّنْفِيدُ وَلَا يَنقَطِعُ عَلَى التأبيدِ، وَإِنَّ اللّه تباركَ وَتَعَالَى اخْتَصَّ لِنَفْسِهِ بَعْدَ نَبِيِّهِ خَاصَّةٌ عَلاهُم بتعليتِهِ وَ سَمَابِهم إلى رتبتِهِ وَجَعَلَهُمْ (4) إِلَيْهِ وَالأَدِلّاءَ بِالارْشَادِ عَلَيْهِ، أئمّة مَعْصُومِينَ فاضلين كاملينَ وَجَعَلَهُم الحجج على الورى ودعاة إِلَيْهِ، شُفعاء بِإِذْنِهِ، لَا يَسْبِقُونَهُ بِالقَوْلِ وَهُم بأمرِه يَعْمَلُونَ، يَحْكُمُونَ بأحكامه ويستنونَ بِسنَتِهِ وَيُقِيمُونَ حُدودَهُ وَ يُؤَدُّونَ فُروضَهُ، لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيْنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ، صَلَواتُ اللّه وَالمَلائِكَةِ الأبْرَارِ عَلَى محمّد وَ آلِهِ الأخيارِ.
و بعد فإني لما تأمّلتُ ماوصل إلى من علوم نبيّنا وَوَصيّه و الأئمَّة مِنْ وَلَدِهِما صَلَواتُ اللّه عَلَيْهِم و رَحْمَتُهُ وبَرَكاتُهُ، وَ أَدَمِّتُ النَّظَرَ فِيهِ وَ الصَّدَبَرَ لَهُ عَلِمْتُ أَنَّهُ قَلِيلٌ ممَّا خَرَجَ عَنْهُم، يَسِيرُ في جَنْبِ مَالَمْ يَخْرُجُ، فَوَجَدتُهُ مُشْتَمِلا عَلَى أَمْرِ الدِّين والدنيا وجامِعاً لِصَلاحِ العَاجِلِ والآجل، لا يُوجَدُ الحقّ إِلَّا مَعَهُمْ وَلا يُؤْخَذَ الصواب إلا عنهم ولا يُلْتَمَسُ الصِّدْقُ إِلَّا مِنْهُم. وَرَأَيْتُ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ عُلَمَاءِ الشَّيعَةِ قد ألَّفوا عنهم في الحَلالِ والحَرامِ وَالفَرائِضِ وَالسُّنَنِ مَا قَدْ كَتَبَ اللّه لَهُمْ نَوابَهُ وَ أَعْنُوا مَنْ بَعْدَهُمْ عَنْ مَؤُونَةِ التأليف وَحَمَلُوا عَنْهُم نقل التَّصْنِيفِ وَوَقَفَتْ ممَّا انتهى إِلَى
ص: 2
مِنْ عُلُومِ السَّادَةِ (عَلَيهِم السَّلَامُ) عَلى حِكَم بالغَة و مَواعِظَ شافية وترغيب فيما يبقى، وتزهيد فيما يَفْنى وَ وَعْدٍ وَ وَعِيدٍ وَ حَضَ عَلَى مَكارِمِ الأخْلاقِ وَالأفْعَالِ وَ نَهْي عَنْ مَساوِيهِمَا، وَ نَدْب إلى الوَرَعِ وَحَثَّ عَلَى الزَّهْدِ. وَ وَجَدتُ بَعضهم (عَلَيهِم السَّلَامُ) قد ذكروا جُمَلاً مِنْ ذلِكَ فِيمَا طَالَ مِنْ وَصَايَاهُم وَخُطَبِهِمْ وَرَسَائِلِيهِم و عُهُودِهِمْ ؛ وَرُوِيَ عَنْهُمْ فِي مِثلِ هَذِهِ المعاني ألفاظ قَصُرَتْ وَانْفَرَدَتْ مَعَانِيهَا وَ كَثُرَتْ فائِدَتُها وَلَمْ يَنْتِهِ إِلَيَّ لِبَعْضٍ عَلَمَاءِ الشَّيعَةِ في هذِهِ المَعَانِي تَألِيفٌ أَقِفُ عِنْدَهُ وَلَا كِتَابٌ أَعْتَمِدُ عَلَيْهِ وَ أَستغني بِهِ يَأْتِي عَلى ما في نَفْسِي مِنْهُ فَجَمَعْتُ مَا كَانَتْ هَذِهِ سَبِيلَهُ وَ أَضَفْتُ إِلَيْهِ ما جَانَسَهُ وَضاهَاهُ وَ شَاكَلَهُ وَ سَاواهُ مِنْ خَبَرٍ غَرِيبٍ أَوْ مَعْنَى حَسَنٍ مُتَوَخياً (1) بِذلِكَ وَجَدَ اللّه - جَلَّ تَناؤُهُ - وَطالباً قوابَهُ وَ حَامِلا لِنَفْسِي عَلَيْهِ وَمُؤَدِّباً لَها يه (2) وَ حَمْلها مِنْهُ عَلَى مَا فِيهِ نَجَاتُها شَوْقَ النّوابِ وَ خَوْفَ العِقابِ، وَ مُنَبِّهاً لي وَقتَ الغَفْلَةِ وَ مُذَكِراً حينَ النِّسيَانِ وَ لَعَلَّهُ أنْ يَنْظُرَ فِيهِ مُؤْمِنٌ مُخلِص فَما عَلَمَهُ مِنْهُ كَانَ لَهُ دَرْساً وَما لَمْ يَعْلَمُهُ استفاده فَيُشرِ كُني فِي نَوابِ مَنْ عَلِمَهُ وَ عَمِلَ به، لما فيه من أصولِ الدِّين وَ فُرُوعِهِ وَ جَوامِعِ الحقّ وَ فَصُولِهِ وَجمَلَةِ السُّنَّةِ و آدابها وتوقيف الأئمَّة وحكمها والقواعد البارعة والأخبارِ الرَّافِقَةِ (3) وَ أَتَيْتُ عَلَى تَرْتِيبِ مَقامَاتِ الحَجَجِ (عَلَيهِم السَّلَامُ) وَ أَتبعتها بِأَرْبَعِ وَصايا شاكَلَتِ الكتابَ وَ َوافَقَتْ مَعْناهُ وَ أَسقطتْ الأسانيد تخفيفاً وإيجازاً وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهُ لي سماعاً وَ لأَنَّ أَكْثَرَهُ آداب وحِكَمْ تَشْهَدُ لا نفْسِهَا وَ لَمْ أَجْمَعَ ذَلِكَ لِلْمُنكَرِ المُخالِفِ بَلْ أَلَّفْتُهُ لِلْمُسلِم لِلأئِمَّةِ، العارفِ بِحَقِّهِمْ، الرَّاضِي بِقَولِهِم، الرَّادَّ إِلَيهِم. و هذِهِ المعاني أكثرُ مِنْ أنْ يُحِيطَ بِها حَصْرٌ وَ أوْسَعُ مِنْ أَنْ يَقَعَ عَلَيْها حَظِّرُ وَ فِيما ذَكَرْنَاهُ مُقْنِعَ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبُ، وَكَافٍ لِمَنْ كَانَ لَهُ لُبِّ.
ص: 3
فَتَأَمَّلُوا مَعَاشِرَ شِيعَةِ الْمُؤْمِنِينَ ما قَالَتْهُ أَئمَّتُكُمْ (عَلَيهِم السَّلَامُ) وَنَدَبُوا إِلَيْهِ وَحَضُّوا عَلَيْهِ. وَ انظُرُوا إِلَيْهِ بِعُيونِ قُلُوبِكُمْ، وَاسْمَعُوهُ بِآدَانِها، وَ عُوهُ بِما وَهَبَهُ اللّه لكم واحتج به عَلَيْكُمْ مِنَ العقولِ السَّلِيمَةِ وَالأفهام الصحيحة ولا تكونوا كانداكُمْ (1) الّذين يَسْمَعُون الحجج اللّازمة والحكم البالغة صَفْحاً وَيَنظُرُونَ فيها تَصَفُّحاً (2) وَيَسْتَجِيدُونَها قَولاً وَيُعْجِبُونَ بِها لَفْظاً، فَهُمْ بِالْمَوْعِظَةِ لَا يَنتَفِعُونَ وَلا فيمار غبوا يَرْغَبُونَ وَلَا عَمَّا حَذَرُوا يَنزَجِرُونَ، فَالحجّة لَهُمْ لازِمَةُ وَالحَسَرَةُ عَلَيْهِمْ دائمة. بَل خَذُوا مَا وَرَدَ إِلَيْكُمْ عَمَّنْ فَرَضَ اللّه طَاعَتَهُ عَلَيْكُمْ وَتَلَقُوا مَا نَقَلَهُ النِّقاتُ عَنِ الساداتِ بِالسَّمْعِ والطَّاعَةِ وَ الاِنْتِهاءِ إِلَيْهِ وَ العَمَلِ بِهِ ؛ وَ كُونُوا مِنَ التَّقْصِيرِ مُشْفِقِينَ وبالعجز مقرِّين.
و اجتهدوا في طلب ما لَمْ تَعلَمُوا، وَاعْمَلُوا بِمَا تَعْلَمُونَ لِيُوافِقَ قَولُكُمْ فِعَلَكُمْ، فَعلُومِهِمُ النَّجَاةَ وَبِهَا الحَياةُ، فَقَد أقام اللّه بِهِمُ الحجّة وَأَقامَ (3) بِمَكانِهِمُ المَحَجَّةَ وَ قَطَعَ بِمَوْضِعِهِيمُ العُذرَ، فَلَمْ يَدَعُوا للّه طَرِيقاً إلى طَاعَتِهِ وَلَا سَبَباً إلى مَرْضَاتِهِ ولا سَبِيلاً إلى جَنَّتِهِ إِلَّا وَقَدْ أَمَرُوا بِهِ وَ نَدَبُوا إِلَيْهِ وَدَلُّوا عَلَيْهِ وَذَكَرُوهُ وَعَرَّفُوهُ ظاهِراً وَ باطِناً وَتَعْرِيضاً وَتَصْرِيحاً، وَلا تَرَكوا ما يَقودُ إِلى مَعْصِيَةِ اللّه وَ يُدْنِي مِنْ سَخَطِهِ وَ يُقَرِّبُ مِنْ عَذابِهِ إِلا وَقَدْ حَذَرُوا مِنْهُ وَ نَهَوا عَنْهُ وَأَشاروا إِلَيْهِ وَ خَوَّفُوا مِنْهُ لِئَلَّا يَكونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّه حُجَّةٌ، فَالسَّعِيدُ مَنْ وَفَقَهُ اللّه لِاِتِّبَاعِهِمْ والأخذِ عَنْهُم وَ القَبُولِ مِنْهُمْ وَ السَّقِي مَنْ خَالَفَهُمْ وَ اتَّخَذَ مِنْ دُونِهِمْ وَلِيجَة (4) وَتَرَكَ أمرهم رغبة عنه إذ كانوا العُرْوَةَ الوُثقى وَحَبْلَ اللّه الّذي أَمَرَنَا رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بِالاعْتِصامِ وَ التَّمَسُّكِ بِهِ وَ سَفِينَةَ النّجاة و ولاة الأمر، الّذين فَرَضَ اللّه طَاعَتَهُم فقال : (أَطِيعُوا اللّه وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (5)، وَالصَّادِقِينَ الّذين
ص: 4
أَمَرَنَا بِالكَونِ مَعَهُم، فقال : (اتَّقُوا اللّه وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (1).
وَ اجْتَهِدُوا في العَمَلِ بِما أَمَرُوا بِهِ صَغِيراً كانَ أوْ كَبِيراً وَاحْذَرُوا مَا حَدَّروا قليلاً كانَ أوْ كَثِيراً، فَإِنَّهُ مَنْ عَمِلَ بِصِغارِ الطَّاعَاتِ ارتقى إلى كِبَارِهَا، وَمَنْ لَمْ يَجْتَنِبْ قليلَ الذُّنوبِ ارْتَكَب كثيرها.
وَقَدْ رُوِي : «اتَّقُوا المُحَقِّرَاتِ مِنَ الذُّنوبِ وَهِي قَولُ العَبدِ : لَيْتَ لا يَكُونُ لي غَيْرُ هذا الذنب (2)». وَرُوِيَ : لا تنظر إلى الذَّنبِ وَصِغَرِهِ وَلَكِنِ انْظُرْ مَنْ تَعَصي بِهِ، فَإِنَّهُ اللّه العليُّ العَظِيمُ.. فَإِنَّ اللّه إِذا عَلِمَ مِنْ عَبْدِهِ صِحَةَ نِيَّتِهِ وَ خُلُوصَ طَوِيَّتِهِ فِي طَاعَتِهِ وَعَبتَهُ لِمَرْضاتِهِ وَكَرَاهَتَهُ لِسَخَطِهِ وَفَقَهُ وَأعانَهُ وَفَتَحَ لَهُ مَسَامِعَ قَلْبِهِ وَكَانَ كلّ يَوْمٍ فِي مَزِيدٍ فَإِنَّ الأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ.
وَفَّقَنَا اللّه وَإِيَّاكُمْ لِصَالِحِ الأَعْمَالِ وَ سَدَّدَنَا فِي المَقَالِ، وَأَعَانَنَا عَلَى أَمْرِ الدُّنيا والدِّين وَ جَعَلَنَا اللّه وَإِيَّاكُمْ مِنَ الّذين إذا أعْطُوا شَكَرُوا وَ إِذَا ابْتَلُوا صَبَرُوا وَإِذا أساؤوا اسْتَغْفَرُوا ؛ وَجَعَلَ مَا وَهَبَهُ لَنَا مِنَ الإِيمَانِ وَ التَّوْحِيدِ لَهُ وَالائْتِمامِ بِالأئمَّة مُسْتَقرأ غَيْرَ مُسْتَودَعٍ (3) إِنَّهُ جَوادٌ كَرِيمٌ.
ص: 5
ماروى عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) في طوال هذه المعاني (1)
بسم اللّه الرحمن الرحيم
يا عليُّ إِنَّ مِنَ اليَقِينِ أنْ لا تُرضى أحَداً بِسَخَطِ اللّه وَلا تَحْمَدَ أَحَداً بما آتاك اللّه وَلا تَذمَّ أَحَداً عَلَى مَالَمْ يُؤْتِكَ اللّه، فَإِنَّ الرِّزْقَ لا يَجُرُّهُ حِرْضِ حَرِيصٌ وَلا تَصْرِفُهُ كَرَاهَةً كارِه، إنَّ اللّه بِحُكْمِهِ وَفَضْلِهِ جَعَلَ الرَّوْحَ وَالفَرَحَ في اليقينِ وَالرِّضا، وَجَعَلَ الهم والحزن في الشّك والسّخط.
يا عليُّ إنه لا فقر أَشَدَّ مِنَ الجَهْلِ ولامالَ أَعُودُ مِنَ العَقْلِ (2) ولا وَحْدَةً أَوْحَش مِنَ العُجب ولا مظاهَرَة أَحْسَنُ مِن المُشاوَرَةِ (3) وَلا عَقْلَ كَالتَّدْبِيرِ وَلَا حَسَبَ كَحُسْنِ الخُلْقِ (4) ولا عِبادَةَ كَالتَّفَكُّرِ.
يا عليُّ آفة الحَدِيثِ الكتب وآفة العلم النسيانُ وَآفَةُ العِبادَةِ الفترة (5) وَآفَةٌ السَّمَاحَةِ المَنّ (6) و آفَةُ الشَّجَاعَةِ البَغْيِ وَآفَةُ الجَمالِ الخَيَلاءُ وآفَةُ الحَسَبِ الفَخْرُ (7).
يا عليُّ عليكَ بِالصَّدِقِ وَلا تَخْرُجُ مِنْ فِيكَ كَذِبَةٌ أَبَداً وَلَا تَجْتَرِ مَنَّ عَلَى خِيانَةٍ أبَداً ؛ والخوف من اللّه كَأَنَّكَ تَراهُ. وَابْذل مالَكَ وَنَفْسَكَ دُونَ دِينِكَ وَعَلَيْكَ بِمَحَاسِنِ الأخلاقِ فَارْكَبُها وَعَلَيْكَ بِمَساوِي الأخلاقِ فَاجتنبها
ص: 6
يا عليُّ أحبُّ العَمَلِ إِلَى اللّه ثَلَاثُ خِصَالٍ : مَنْ أتِي اللّه بِمَا افْتَرَضَ عَلَيْهِ فَهُوَ من أعبدِ النَّاس وَمَنْ وَرِعَ عَن مَحارِمِ اللّه فَهُوَ مِنْ أَوْرَعَ النَّاسِ، وَمَنْ قَنِعَ بِما رَزَقَهُ اللّه فَهُوَ مِنْ أَغْنَى النَّاسِ.
يا عليُّ ثلاث مِنْ مَكَارِمِ الأخْلاقِ : تَصِلُ مَنْ قَطَعَكَ. وَ تُعْطِي مَنْ حَرَمَكَ و تعفو عمن ظلمك.
يا عليُّ ثلاث منجيات : تكف لِسانَكَ، وتبكي على خَطيقتك. ويسعك بيتك (1)
يا عليُّ سيدُ الأعْمالِ ثَلاثُ خِصَالٍ : إنصافكَ النَّاس مِنْ نَفْسِكَ. ومُساواة الأ. الأخ في اللّه. وَذِكْرُ اللّه عَلَى كلّ حالٍ.
يا عليُّ ثلاثة مِنْ حَلَلِ اللّه (2) : رَجُلٌ دَارَ أخاهُ المُؤْمِنَ فِي اللّه فَهُوَ زَوْرُ اللّه وَحَقٌّ عَلَى اللّه أنْ يُكرم زَوْرَهُ (3) وَ يَعْطِيَهُ مَا سَأَلَ، وَرَجُلٌ صَلَى ثمَّ عَقَبَ إِلَى الصَّلَاةِ الأخرى، فَهُوَ ضَيْفُ اللّه وَحَق عَلَى اللّه أنْ يُكْرِم ضَيْفَهُ. والحَاجَّ وَالْمُعْتَمِرُ فَهُمَا وَقُدُ اللّه وَحَقَّ عَلَى اللّه أن يُكرم وفده..
يا عليُّ ثلاث ثوابُهُنَّ فِي الدُّنيا والآخِرَةِ : الحَجِّ يَنْفِي الفَقْرَ وَالصَّدَقَةُ تَدْفَعُ البَلِيَّةَ وَصِلَةُ الرَّحِمَ تَزِيدُ في العُمْرِ.
يا عليُّ ثلاث مَنْ لَمْ يَكُنَّ فِيهِ لَمْ يَقمَ لَهُ عَمَلٌ : وَرَعَ يَحْجُرُهُ عَنْ مَعَاصِي اللّه عَزَّ وَجَلَّ.
وَعِلْم يَرُدُّ بِهِ جَهْلَ السَّفِيهِ. وَعَقَلُ يَدَارِي بِهِ النَّاسَ.
يا عليُّ ثلاثة تحتَ ظِلَّ العَرْشِ يَوْمَ القِيامَةِ : رَجُلٌ أَحَبٌ لأَخِيهِ مَا أَحَبُّ لِنَفْسِهِ. وَرَجُلٌ بَلَغَهُ أَمر فَلَمْ يَتَقَدَّمُ فِيهِ وَلَمْ يَتَأَخَرُ حتّى يَعْلَمَ أَنَّ ذلِكَ الأَمْرَ للّه رِضَى
ص: 7
أَوْسَخَطُ، وَرَجُلٌ لَمْ يَعِبُ أَخَاهُ بِعَيْبٍ حتّى يُصْلِحَ ذلِكَ العَيْبَ مِنْ نَفْسِهِ، فَإِنَّه كُلَّما أَصْلَحَ مِنْ نَفْسِهِ عَيْباً بَدَالَهُ مِنْهَا آخَرُ، وَكَفَى بِالمَرْءِ فِي نَفْسِهِ شُغْلاً.
يا عليُّ ثلاث مِنْ أبواب البرّ : سَخاءُ النَّفْسِ، وَطِيبُ الكَلامِ، وَالصَّبْرُ عَلَى الأذى.
يا عليُّ في السَّوَراةِ أرْبَعَ إِلى جَنْبِهِنَّ أَرْبَعَ : مَنْ أَصْبَحَ عَلَى الدُّنيا حَرِيصاً أَصْبَحَ وَهُوَ عَلَى اللّه سَاخِدٌ. وَمَنْ أَصْبَحَ يَشكو مُصِيبَةٌ نَزَلَتْ بِهِ فَإِنَّمَا يَشْكُورَبَّهُ. وَمَنْ أَتَى غنياً فَتَضَعْضَعَ لَهُ (1) ذَهَبَ ثُلُنَا دِينِهِ. وَمَنْ دَخَلَ النَّارَ مِنْ هَذِهِ الأمَّة فَهُوَ ممَّن اتَّخَذَ آياتِ اللّه هُزُواً ولعباً.
أَربع إلى جَنْبِهِنَّ أَرْبَعُ: مَنْ مَلَكَ اسْتَأثر (2) وَمَنْ لَمْ يَسْتَشِرُ يَنْدَمْ. كما تَدِينُ تدانُ. وَ الفَقْرُ المَوْتُ الأَكْبَر، فَقِيلَ لَهُ : الفَقْرُ مِنَ الدِّينَارِ وَالدَّرْهُم، فَقَالَ : الفَقْرُ مِنَ الدِّينِ.
يا عليُّ كلّ عَين باكِيَةٌ يَوْمَ القِيامَةِ إلَّا ثَلاثَ أَعْيُنٍ : عَيْن سَهَرَتْ في سَبِيلِ اللّه (3) و وعين غضَتْ عَن مَحارِمِ اللّه. وَعَيْنٌ فاضَتْ مِن خَشَيَةِ اللّه (4).
يا عليُّ طُوبَى لِصُورَةٍ نَظَرَ اللّه إِلَيْهَا تَبْكِي عَلَى ذَنْب لَمْ يَطَلِعَ عَلَى ذلِكَ الذَّنْبِ أحَدٌ غَيْرُ اللّه.
يا عليُّ ثلاث موبقات وثلاث مُنْجِياتٌ فَأمَّا الموبقاتُ : فَهَوَى مُتبَعَ وَشُحّ مطاع (5) و إعجاب المره بنفسِهِ. وَأَمَّا المنجيات فالعدل في الرَّضَا وَ الغَضَبِ. وَالقَصْدُ
ص: 8
في الغنى و الفقرِ، وَ خَوْفُ اللّه في السِّرِّ وَ العَلانية كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُن تَراهُ فإنه يراك.
يا عليُّ ثلاث يَحْسُنُ فِيهِنَّ الكِذَّبُ (1) : المكيدَةُ في الحَرْبِ، وَ عِدَتُكَ زَوْجَتِكَ، والإصلاح بينَ النَّاسِ.
يا عليُّ ثلاث يقبحُ فِيهِنَّ الصَّدْقُ : النَّمِيمَةُ، وَإِخْبارُكَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِهِ بِمَايَكْرَهُ. وتَكْذِيبُكَ الرَّجلَ عَنِ الخَيْرِ.
يا عليُّ أربع يَذْهَبْنَ ضَلالاً (2) : الأكل بعد الشبع. وَالسِّراجُ في القَمَرِ وَالزَّرْعُ : في الأرْضِ السَّبْحَةِ (3) وَالصَّبَيعَةُ عِندَ غَيْرِ أَهْلِها (4).
يا عليُّ أَرْبَعُ أَسْرَعُ شَيْءٍ عُقُوبَةٌ : رَجُلٌ أَحْسَنْتَ إِلَيْهِ فَكَافَاكَ بِالإِحْسَانِ إساءَة. وَرَجُلٌ لا تبغي عَلَيْهِ وَهُوَ يبغي عَلَيْكَ ورَجُلٌ عاقَدَتَهُ عَلَى أَمْرِ فَمِنْ أَمْرِكَ الوَفَاهُ لَهُ وَ مِنْ أمره العدرُبكَ، ورَجُلٌ تَصِلُهُ رَحِمُهُ ويَقْطَعُها.
يا عليُّ أربع مَنْ يَكُن فِيهِ كَمَلَ إِسْلَامُهُ : الصدْقُ وَالشكر. وَالحَياهُ وَحُسْنُ الخلق.
يا عليُّ قلةُ طَلَبِ الحَوائِجِ مِنَ النَّاس هُوَ الغِنَى الحَاضِرُ وَ كَيْرَةُ الحَوَائِجِ إِلَى النَّاس مَذَلَّةٌ وَهُوَ الفَقْرُ الحَاضِرُ.
ص: 9
يا عليُّ إنَّ لِلْمُؤْمِنِ ثَلاثَ عَلامات : الصيامُ. وَالصَّلاةُ. والزَّكاةُ، وَإِنَّ لِلْمُتَكَلِّفِ مِنَ الرجال (1) فَلانَ عَلامات : يَتَعَلَّقُ إِذا شَهِدَ. وَبَعْتابُ إذا غاب. ويَسْمَتُ بالمصيبة والظالم ثلات علامات : يَظْهَرُ مَنْ دُونَه بالغلبة، ومَنْ فَوقَهُ بالمعصية، ويُظَاهِرُ الظُّلمة (2). للمرائي ثلاث علامات : يَنشَط إذا كانَ عِندَ النَّاس (3)، ويكسل إذا كانَ وَحْدَهُ، وَيُحِبُّ أنْ يُحْمَدَ في جَميعِ الأُمُورِ. ولِلْمُنافِقِ ثَلاتُ عَلامات : إِنْ حَدَّتَ كَذَبَ. وَإِنِ انتُمِنَ حَانَ وإن وَعَدَ أخْلَفَ. وللكسلان ثلاث علامات : يتوانى حتّى يُفَرِّط. (4) وَ يُفَرِّطُ حتّى يُضيع. ويُضيعُ حتّى يأتم. ولَيْسَ يَنْبَغِي لِلعاقِلِ أن يكون شاخصاً إلا في ثَلَاثٍ : مَرَمَةٍ معاش (5). أوخُطوةٍ لمعادٍ. أولذة في غير محرم.
يا عليُّ إنَّهُ لافَقَرَ أَشَدَّ مِنَ الجَهْلِ. وَلامالَ أعْوَدُ مِنَ الْعَقْلِ. وَلَا وَحْدَةَ أَوْحَشُ مِنَ العُجب. وَلا عمل كالتدْبِيرِ، وَلاوَرَعَ كَالكَف. وَلا حَسَبَ كَحْسن الخلق ؛ إِنَّ الكِذَّبَ آفَة الحَدِيثِ، وَ آفَةُ العلم النسيان. وَآفَةُ السَّماحَةِ المَنَّ (6).
يا عليُّ إذا رأيت الهلال فكبر ثلاثاً وقُلْ : الحَمْدُ للّه الّذي خَلَقَنى وَ خَلَقَكَ
ص: 10
وَقَدْرَكَ مَنازِلَ وَجَعَلَكَ آية للعالمين (1).
يا عليُّ إذا نَظَرت في مِرْآةٍ فَكَبْرُ ثَلاثاً وَقُلْ : اللّهمّ كَمَا حَسنَتَ خَلْقَى فَحَسِّن خلقي.
يا عليُّ إذا هالَكَ أَمر فقل : اللّهمّ بحقِّ محمَّد و آل محمَّد إلا فرّجت عنّي.
قال على (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللّه فَتَلَقَّى آدَمُ مِن ربّه كَلِماتٍ، مَا هَذِهِ الكَلِمَاتُ ؟ قالَ : يا عليُّ إِنَّ اللّه أَهْبَطَ آدَمَ بالهندِ وَ أَهْبَطَ حَواءَ بِجُدة وَالحَيَّةَ بِإِصْبَهانَ و إبليسَ بِمَيْسَانَ (2) وَلَمْ يَكُنْ فِي الجنّة شَيْءٌ أَحْسَنُ مِنَ الحَيَّةِ وَ الطَّامُوسِ وَكَانَ لِلْحَيَّة قَوائِمُ كَقَوائِمِ البَعِيرِ، فَدَخَلَ إِبْلِيسُ جَوْفَها فَغَرَّ آدَمَ و خَدَعَهُ فَغَضِبَ اللّه عَلَى الحَيَّةِ وَ أَلقى عنها قوائمها وقالَ : جَعَلْتُ رِزْقَكِ التّرابَ، وَجَعَلْتُكِ تَمْشِينَ عَلى بَطْنِكِ لأرحِمَ اللّه مَنْ رِجَكِ، وَغَضِبَ عَلَى الطَّارُوسِ، لأنَّهُ كَانَ دَلَّ إِبْلِيسَ عَلَى الشَّجَرَةِ، فَمَسَحَ مِنْهُ صَوْتَهُ وَرِجْلَيْهِ، فَمَكَثَ آدَمُ بِالهِنْدِ مِائَةَ سَنَةٍ، لا يَرْفَعَ رَأْسَهُ إلى السماءِ واضعاً يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ يَبْكِي عَلَى خَطِيئَتِهِ، فَبَعَتَ اللّه إِلَيْهِ جَبْرَئِيلَ فَقَالَ : يَا آدَمُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ يُقرئُكَ السَّلامَ ويَقُولُ : يا آدَمُ ألم أخلقَكَ بِيَدِي ؟ أَلَمْ أَنفُخُ فِيكَ مِنْ رُوحِي ؟ أَلَمْ أَسْجُدْ لَكَ مَلائِكَتِي : أَلَمْ أَزَوْجُكَ حَوَّاءَ أَمَتَي : أَلَمْ أُسْكِنَكَ جَنَّتي ؟ فَمَا هَذِهِ البكاه يا آدَمُ : تَتَكَلَّمُ بِهِذِهِ الكَلِماتِ، فَإِنَّ اللّه قابِل تَوَبَتَكَ قُلْ : سُبْحَانَكَ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ عَمِلْتَ سُوءاً وَظَلَمْتُ نَفْسِي، فَتُبْ عَلَى إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.
ص: 11
يا عليُّ إذا رَأَيْتَ حَيَّةٌ في رَحْلِكَ فَلا تَقْتُلُها حتّى تَخْرُجَ عَلَيْهَا ثَلاثاً، فَإِنْ رَأَيْتَهَا الرَّابعةَ فَاقْتُلُها فَإِنَّهَا كَافِرَةٌ.
يا عليُّ إذا رَأَيْتَ حَيَّةٌ في طَرِيقٍ فَاقْتُلَها، فَإِنِّي قَدِ اشْتَرَطْتُ عَلَى الجِنِّ الأيظهروا في صورة الحيّات (1).
يا عليُّ أربع خِصَالٍ مِنَ السَّمَاءِ : جُمود العين. وَقَسَاوَةُ القَلْبِ. وَبُعْدُ الأمَلِ، وَحُبُّ الدُّنيا من الشقاء.
يا عليُّ إذا أثني عَلَيْكَ في وَجْهِكَ فَقُل : اللّهمّ اجْعَلْنِي خَيْراً بِمَا يَظُنُّونَ وَ اغْفِرْ لي ما لا يَعْلَمُونَ وَلَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ.
يا عليُّ إذا جامَعَتَ فَقُلْ : بِسمِ اللّه اللّهمّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنْبِ الشَّيْطَانَ مَارَزَقتني فإن قضى أن يكون بينكما ولد لم يَضُر، القيطان أبداً.
يا عليُّ إبْداً بالملح و اختم به فَإنَّ الملح شفاء مِنْ سَبْعِينَ داءٌ، أَذَلُّهَا الجُنون والجذام والبرص (2).
يا عليُّ ادَّهِنَ بِالزَّيْتِ، فَإِنَّ مَنْ ادَّهَنَ بِالزَّيْتِ لَمْ يَقَرُبُهُ الشَّيْطَانُ أَرْبَعِينَ ليلة (3).
يا عليُّ لا تجامع أَهْلَكَ لَيْلَةَ النَّصْفِ وَلا لَيْلَةَ البِلالِ، أَمَا رَأيتَ المَجْنُونَ يَصْرَعُ في لَيْلَةِ الهلالِ وَلَيْلةِ النِّصْفِ كَثِيراً (4).
ص: 12
يا عليُّ إذا وُلِدَ لك غلام أو جارية فأذِّن في أذنه اليمنى وأقم في اليسرى فإنه لا يضره الشَّيْطَانُ أَبَداً (1).
يا عليُّ ألا أنبِّئكَ بِشَرِّ النّاس، قُلْتُ : بَلَى يَا رَسُولَ اللّه، قَالَ : مَنْ لا يَغْفِرُ الدَّنبَ وَلا يُقِيلُ العَشْرَةَ. ألا أنَبِّئُكَ بِسْرِّ مِنْ ذلِكَ ؟ قُلْتُ : بَلَى يَا رَسُولَ اللّه، قَالَ : مَنْ لا يُؤْمَنُ شَرَّهُ، وَلا يُرجى خَيْرُهُ.
يا عليُّ إيّاك وَ دُخُولَ الحَمامِ بِغَيرِ مئزرِ (2) فَإِنَّ مَن دَخَلَ الحَمامَ بِغَيرِ مِئزَرٍ مَلْعُونَ النَّاظِرُ وَالمَنْظُورُ إِلَيْهِ.
يا عليُّ لا تَتَخَيَّمْ فِي السَّبَابَةِ وَالوُسْطَى، فَإِنَّهُ كَانَ يَتَخَتَمَ قَوْمُ لُوطٍ فِيهِمَا وَلَا تُعْرِ الخنصر (3).
يا عليُّ إِنَّ اللّه يَعْجَبُ مِنْ عَبْدِهِ إِذا قَالَ : رَبِّ اغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنوبَ إِلَّا أنتَ. يَقُولُ : يا ملا يكتي عبدي هذا قَدَعَلمَ أنهُ لا يَغْفِرُ الذُّنوبَ غَيْرِي : اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُ.
ص: 13
يا عليُّ إيّاك والكذب فإنَّ الكذب يُسَوِّدُ الوَجْهَ، ثمَّ يُكتبُ عِنْدَ اللّه كَذَاباً وَإِنَّ الصَّدْقَ يُبَيِّضُ الوَجْهَ وَيُكتَبُ عِنْدَ اللّه صَادِقاً، وَاعْلَمْ أَنَّ الصِّدْقَ مُبَارَكٌ وَالكِذَبَ مشؤوم.
يا عليُّ احْذَرِ الغيبة والنميمة، فَإِنَّ الغيبة تُفْطِرُ وَالنَّمِيمَةَ تُوُجِبُ عَذَابَ القَبْرِ.
يا عليُّ لا تخلف باللّه كاذباً ولا صادقاً من غير ضرورة ولا تَجْعَلِ اللّه عُرْضَةٌ ليمينك (1)، فَإِنَّ اللّه لا يرحم ولا يرعى مَنْ حَلَفَ بِاسْمِهِ كَاذِبَاً.
يا عليُّ لا تهتم لِرِزْقِ غَدٍ، فَإِنَّ كلّ غَدٍ يأتِي رِزْقُهُ.
يا عليُّ إيّاك واللَّجاجَةَ، فَإِنَّ أو لَها جَهْل وآخِرَها نَدامَة.
يا عليُّ عليك بالسِّواك، فإنَّ السّواك مطهرة للقم وَ مَرْساةٌ لِلرَّبِّ ومَجْلاة للعين ؛ وَ الخلالُ يُحببات إلى الملائكة، فَإنَّ الملائكة تتأذى بريحٍ فَمٍ مَنْ لا يَتخلل بعد الطعام.
يا عليُّ لا تغضب، وَإِذا غَضِبَتَ فَاقْعُدْ وَ تَفَكَّر في قُدرَةِ الرَّبِّ عَلَى العِبادِ وَ حِلْمِهِ عَنْهُمْ، وَإذا قيلَ لَكَ : اتَّقِ اللّه فَالْبِدْ غَضَبَكَ وَراجِعْ حِلْمَكَ.
يا عليُّ احتسب بما تنفق على نَفْسِكَ تَجِدهُ عِند اللّه مذخوراً.
يا عليُّ أحْسِنْ خُلْقَكَ مَعَ أَهْلِكَ وَجِيرانكَ وَمَنْ تُعَاشِرُ وَ تَصَاحِبُ مِنَ النَّاس تكتب عِنْدَ اللّه في الدَّرَجَاتِ العُلى.
يا عليُّ ما كَرِهْتُهُ لِنَفْسِكَ فَاكْرَهُ لِغَيْرِكَ وَمَا أَحْبَيتَهُ لِنَفْسِكَ فَأَحْبِبْهُ لِأَخِيكَ، تَكُنْ عادِلاً في حُكْمِكَ، مُقسطاً في عَدلِكَ، مُحَبّاً (2) في أهْلِ السَّماءِ، مَوْدُوداً في صُدُورِ أَهْلِ الأرض (3)، احْفَظْ وَصِيَّتي إن شاء اللّه تعالى.
ص: 14
في جملة خبر طويل و مَسائِلَ كثيرةٍ سَأَله عَنها رَاهِبُ يُعْرَفُ بِشَمْعُونَ بن لاوي ابن يهودا من حواري عيسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأجابه عن جميع ما سَأَلَ عَنْهُ عَلَى كَثرَتِهِ فَآمَنَ بِهِ وَصَدقه ؛ ووَكَتَبْنَا مِنْهُ مَوْضِعَ الحاجة إليه.
وَمِنْهُ قال : أخبرني عَنِ العَقْلِ ماهو وكيفَ هُو وما يَتَشَعَبُ مِنهُ و مَا لا يتشعب يَتَشَعْبُ وصف لي طَوائِفَهُ كلَّها ؟ فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): إن العقل عِقالُ مِن الجَهْلِ وَ النَّفْسُ مِثْلُ أَخْبَثِ الدواب فَإِنْ لَمْ تُعْقَل حارَتْ، فَالعَقْلُ عِقالُ مِنَ الجَهْلِ، وَإِنَّ اللّه خَلَقَ العَقْلَ فَقَالَ لَهُ : أَقبل، فأقبلَ وقالَ لَهُ : أَدْبِر فَأدْبَرَ، فقالَ اللّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَعِزَّتِي وَ جَلالي ما خَلَقْتُ خَلْقاً أعظم مِنكَ ولا أطوعَ مِنْكَ، بِكَ أَبْدِه وَ بِكَ أَعِيدُ، لَكَ النّوابُ وَ عَلَيْكَ العِقابُ (1)، فَتَشَعَبَ مِنَ العَقلِ الحِلْمُ و مِنَ العِلْمِ العِلْمُ و مِنَ العِلْمِ الرَّشْدُ و من الراشد العفاف ومن العفاف الصيانة ومن الصيانة الحَيَاهُ وَمِنَ الحَياءِ الرَّزَانَةُ وَ مِنَ الرزانَةِ المداومة على الخير ومن المداومة على الخير كراهية الشر و مِنْ كَرَاهِيَةِ الشر الشَّرِّومِنْ الشَّرْ
ص: 15
طاعَةُ النَّاصِحِ (1) ؛ فَهَذِهِ عَشَرَةُ أَصَافٍ مِنْ أنواعِ الخَيْرِ وَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ العَشَرَةِ الأصْنافِ عَشَرَةُ أنواع.
فأما العِلْمُ : فَمِنْهُ رُكُوبُ الجَمِيلِ وَصُحْبَةُ الأبْرَارِ وَرَفَعُ مِنَ الضَّعَةِ وَرَفَعُ مِنَ الخَساسَةِ وَتَشَهّي الخَيْرِ وَ تَقَرُّب صاحِبِهِ مِنْ مَعالي الدرجاتِ وَالعَفْوُ والمَهَلُ وَالمَعْرُوفُ والصَّمْتُ، فَهذا ما يتشعبُ لِلعاقل بحليه (2).
و أما العلم، فَيَتَشَعَبُ مِنه الغنى وإن كان فقيراً وَالجُودُ وإِن كَانَ بَخِيلا والمَهَابَةُ وَإِن كَانَ هَمّناً والسَّلامَةُ وإن كانَ سَقِيماً وَ القَرْبُ وإن كانَ قَصِياً و الحَياهُ وَإِنْ كَانَ صَلِفاً والرَّفعة وإن كان وضيعاً والشرف وإنْ كانَ رَدِلاً والحكمة والحظوة، فهذا ما يتشعّب للمعاقل بِعِلْمِهِ، فَطُوبَى لِمَنْ عَقَلَ وَعَلَم (3).
وأما الرَّشْدُ فَيَتَشَعَبُ مِنْهُ السَّدادُ وَالهُدى(4) والبرّ والتَّقوى والمنالَةُ وَ
ص: 16
القصدُ والاقتصاد والصّوابُ وَالكَرَمُ والمَعرِفَةُ بِدينِ اللّه، فَهذا ما أصابَ العاقل بِالرَّشْدِ فَطُوبَى لِمَنْ أقام به عَلَى مِنْهاجِ الطَّريقِ.
و أما العفافُ، فَيَتَشَعَب مِنْهُ الرَّضا و الاستكانَةُ وَالحَظَ والرَّاحَةُ والتَّفَقدُ وَ الخُشُوعُ وَ التَّذَكَّرُ والتَّفَكُرُ والجُودُ وَ السَّخاءُ؛ فَهَذَا مَا يَتَشَعَبُ لِلعاقِلِ بَعَفَافِه رضى باللّه و يقسمه (1).
و أما الصَّيانَةُ، فَيَتَعَبُ مِنها الصَّلاحُ والتَّواضع والورع والإنابة و الفهم والأدب و الإحْسانُ وَ التَّحبُّبُ والخير و اجتناهُ البشر، فهذا ما أصاب العاقل بالصيانة، فطوبى لمن أكرمه مَوْلاهُ بالصيانة. (2)
و أما الحياه : فَيَتَشَعَبُ مِنْهُ الدِّين وَ الرَّافة و المراقبة للّه في السر والعلانية و السلامة و اجتنابُ الشَّرِّ والبَشاشَةُ والسَّماحَةُ والظفر وحُسَنُ الثناء على المرء في النَّاسِ، فَهذا ما أصابَ العاقل بالحياء، فطوبى لمن قَبلَ نصيحةَ اللّه وَخافَ فَضِيحَتَهُ (3).
و أمّا الرَّزَّانَةُ، فَيَتَشَعَبُ منها اللطف والحَزْمُ و أداءُ الأَمَانَةِ وتَرْكُ الخِيانَةِ وَصِدقُ اللّسانِ وتَحْصِينُ الفَرْج واستصلاح المال والاستعدادُ لِلْعَدو والنهي عَنِ المُنكَرِ وتَرْكُ السَّفَه، فهذا ما أصابَ العاقل بالرزانة، فطوبى لِمَنْ تَوَفَّرَ وَمَنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ خِفّةٌ ولا جاهلية وعفا وصفح (4)
وأما المداومة على الخير ؛ فَيَتَشعَبُ منه ترك الفواحش والبعد من الطيش و التخرج واليَقِينُ وَحُبُّ النَّجاةِ وطاعة الرحمن وتعظيم البرهان وَاجْتِنابُ الشيطان
ص: 17
والإجابةُ لِلْعَدلِ وَقَولُ الحَقِّ، فَهذا ما أصابَ العاقِلَ بِمُداوَمَة الخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ ذَكَرَ أمامه وذكر قيامَهُ وَاعْتَبَرَ بِالقَناءِ (1).
و أما كَرَاهِيةُ الشِّرِّ، فَيَتَشَعَبُ مِنْهُ الوَقارُ وَالصَّبرُ وَالنَّصْرُ وَالاسْتِقَامَةُ عَلَى المنهاج وَالْمَدَاوَمَةُ عَلَى الرَّشَادِ وَ الإِيمَانُ باللّه وَالتَّوفُرُ والإخلاص وَتَرَكُ مَا لَا يَعْنيه والمحافظة على ما ينفعه، فهذا ما أصابَ العاقل بالكراهية للشر، فطوبى لمن أقام بحقِّ اللّه وَتَمَسَّكَ بعرَى سَبيل اللّه (2).
وأما طاعَةُ النَّاصِحِ، فَيَتَشَعَبُ مِنْهَا الزَّيادةُ في العَقْلِ وَكَمالُ اللّه وَمحمَدة العواقب وَالنَّجاةُ مِنَ اللومِ وَالقَبُولُ وَالمودة والانشراح (3) وَالاِنْصَافُ وَالتَّقدم في الأمُورِ وَالقُوَّةَ عَلَى طَاعَةِ اللّه ؛ فَطُوبَى لِمَنْ سَلِمَ مِنْ مَصارع الهَوى (4)، فَهَذِهِ الخِصال كلما تتعب من العقل.
قال شمعون : فَأَخبرني عَنْ أَعْلامِ الجَاهِلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) : إن صَحِبْتَهُ عَنّاكَ (5) وَ إِنِ اعْتَزَلْتَهُ شَتَمَكَ وَ إِنْ أعْطَاكَ مَنْ عَلَيْكَ وَإِنْ أَعْطَيْتَهُ كَفَرَكَ وَ إِنْ أسْرَرْتَ إِلَيْهِ حَانَكَ وَ إِنْ أَسَرَّ إِلَيْكَ الهَمَكَ وَ إِنِ اسْتَغْنى بَطِرَ و كَانَ فَظًّا غَلِيظًا وَ إِنِ افْتَقَرَ جَحَدَ نِعْمَةَ اللّه وَلَمْ يَتَحَرِّجُ (6) وَ إِنْ فَرِحَ أَسْرَفَ وَ طَغَى و إِن حَزِنَ أَيسَ
ص: 18
و إن ضَحِكَ فَهَقَ، وَإِنْ بَكَى خارَ (1)، يَقَعُ في الأبْرَارِ (2) وَلَا يُحِبُّ اللّه وَلا يُراقِبُهُ وَلا يَسْتَحْيِي مِنَ اللّه وَلا يَذْكُرُهُ، إِنْ أَرْضَيَتَهُ مَدَحَكَ وقَالَ فِيكَ مِن الحَسَنَةِ مَا لَيْسَ فِيكَ وَ إِنْ سَخِطَ عَلَيْكَ ذَهَبَتْ مِدْحَتُهُ وَوَقَعَ فِيكَ مِنَ السُّوءِ مَا لَيْسَ فِيكَ، فَهَذَا مَجْرَى الجاهل (3).
قالَ : فَأخبرني عَن عَلامَة الإسلام ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : الإيمان والعلم وَالعَمَلُ : قالَ : فَما عَلامَةُ الإيمان وما علامة العلم وما علامة العمل ؟
فقالَ رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : أما عَلامَةُ الإيمانِ فأرْبَعَةٌ : الاقرار بتوجيدِ اللّه وَالإيمان به والإيمان بكتبه والإيمانُ برُسُلِهِ.
وأما عَلامَةُ العِلْمِ فَأَرْبَعَةُ : العِلْمُ باللّه، وَالعِلْمُ بِمُحِبيهِ، وَالعِلْمُ بِفَرائضه وَالحِفْظُ لَها حتّى تُؤدَّى.
وَأَمَّا العَمَلُ : فَالصَّلاةُ وَالصوم والزكاة والإخلاص. قالَ : فَأخبرني عَنْ عَلامَةِ الصَّادِقِ، وَعَلامَةِ الْمُؤْمِنِ، وَ عَلَامَةِ الصَّابِرِ، وَ عَلَامَةِ التائب وَعَلَامَةِ الشَّاكِرِ، وَعَلَامَةِ الخَاشِعِ، وَ عَلَامَةِ الصَّالِحِ وَعَلَامَةِ النَّاصِحِ(4) وَعَلَامَةِ الموقِنِ وَعلامة المُخْلِصِ، وَعَلَامَةِ الزَّاهِدِ وَعَلامَةِ البار و عَلَامَةِ التَّقِيِّ وَعَلَامَةِ الْمُتَكَلِّفِ وَعَلامَةِ الظَّالِمِ وَعَلامَةِ المرائي وَعَلامَةِ المُنافِقِ، وَعَلامَةِ الحَاسِدٍ، وَعَلَامَةِ المُسْرِف وَعَلَامَةِ الغافِلِ وَ عَلامَة الخَائِنِ (5) وَ عَلامَةِ الكَسْلانِ وَ عَلامَةِ الكَذَابِ وَ عَلَامَةِ الفَاسِقِ ؟.
ص: 19
فَقَالَ رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): أمَا عَلامَةُ الصَّادِقِ فَأَربعة : يصدق في قوله ويُصدق وعد اللّه ووعيده ويوفي بالعهد ويجتنب الغدر.
وأما علامة المؤمِنِ : فَإِنَّهُ يَرْؤُفُ وَيَنْهُمْ وَيَسْتَحيي (1).
وأما علامة الصابر فَارْبَعَةُ : الصَّبرُ عَلى المَكارِهِ، وَ العَزْمُ في أَعْمالِ البرء والتواضع، والحلم.
وَأَمَّا عَلامَةُ التائب فَأَربَعَةُ : النَّصِيحَةُ للّه في عَمَلِهِ (2) وَتَرْكُ البَاطِلِ. وَلُزُومُ الحقّ والحِرْصَ عَلَى الخير.
و أما علامة الشاكر فأربعة : الشكر في النَّعْمَاءِ، وَالصَّبْرُ في البَلاءِ، وَالقَنوع يقسم اللّه. وَلَا يَحْمَدُ وَلا يُعظِيم إلا اللّه.
وأمّا عَلامَةُ الخاشع فَأَربَعَةٌ : مُراقَبَةُ اللّه في السِّرِّ والعَلانِيَةِ. ورُكوبُ الجَميل والتفكر ليوم القيامة، والمناجاة اللّه
و أما عَلامَةُ الصّالح فأربَعَةٌ : يُصفي قَلْبَهُ ويُصلِحُ عَمَلَهُ. وَيُصْلِحُ كَسَبَهُ وَيُصْلِحُ أمُورَهُ كُلَّها.
وَ أَمَا عَلَامَةُ النَّاصِحِ فَارْبَعَةٌ : يَقْضِي بِالحَقِّ وَيُعْطِي الحقّ مِنْ نَفْسِهِ وَيَرْضَى لِلنَّاسِ مَا يَرْضاهُ لِنَفْسِهِ. ولا يَعْتَدِي عَلَى أَحَدٍ.
وَأَما عَلَامَهُ المُوقِنِ فَسِتَةٌ : أَيْقَنَ باللّه حَقًّا فَآمَنَ بِهِ (3) وَأَيْقَنَ بِأَنَّ المَوْتَ حَقٌّ فَحَذِرَهُ وَأَيْقَنَ بِأَنَّ البَعَثَ حَقٌّ فَخَافَ الفَضِيحَةَ، وَأَيْقَنَ بِأَنَّ الجنّة حَقٌّ فَاسْتَاقَ إِلَيْهَا. وَأَيْقَنَ بِأَنَّ النَّارَ حَقٌّ فَظَهَرَ سَعِيه (4) لِلنَّجاةِ مِنْهَا، وَأَيْقَنَ بِأَنَّ الحِسَابَ حَقٌّ فَحَاسَب نَفْسَهُ.
ص: 20
وأما عَلامَةُ المُخلِص فَارْبَعَةٌ : يَسْلَمُ قَلْبُهُ وتَسلَمُ جَوَارِحُهُ. وَبَذَلَ خَيْرَهُ. وَ كَفَّ شَرَّهُ.
وَأَمَّا عَلَامَةُ الزَّاهِدِ فَعَشَرَةُ ؛ يَزْهَدُ في المَحارِمِ، وَيَكُف نَفْسَهُ. وَيُقِيمُ فَرائضَ ربّه فإن كان مملوكاً أحْسَن الطَّاعَةَ وَإنْ كانَ مالكاً أحْسَنَ المَمْلَكَةِ وَلَيسَ لَهُ حَمِية و لا حقد (1)، يُحْسِنُ إِلَى مَنْ أَساءَ إِلَيْهِ وَيَنْفَعُ مَنْ ضَرَّهُ وَيَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَهُ. ويَتَوَاضَعُ لحقّ اللّه.
و أمّا علامة البار فَعَشَرَةٌ ؛ يُحِبُّ في اللّه. وَيُبغض في اللّه. وَيُصَاحِبُ في اللّه. وَ يُفارِق في اللّه. و يَعْضِبُ في اللّه. وَ يَرضى في اللّه. وَ يَعْمَلُ اللّه. وَيَطْلُبُ إِلَيْهِ. وَيَخْشَعُ للّهِ، خائِفاً، مَخُوفاً، طَاهِراً، مُخلِصاً، مُسْتَحْيِياً، مُراقباً، وَيُحْسِنُ في اللّه.
و أما عَلامَةُ التَّقِيِّ فَستَّةٌ : يَخَافُ اللّه وَيَحْذَرُ بَطْشَهُ (2) وَيُمْسِي وَ يُصْبِحُ كَأَنَّهُ يَرَاهُ، لا تُهمُّهُ الدُّنيا وَ لا يَعْظُمُ عَلَيْهِ مِنْها شَيْءٌ لِحُسْنِ خَلْقِه (3).
و أما علامة المتكلِفِ فَأَربعةُ : الجدال فيما لا يعنيهِ، و يُنازِعُ مَنْ فَوقَه ويَتَعاطى مالا ينال (4) و يجعلُ هَمَّه بما لا ينجيه.
و أما عَلَامَةُ الظَّالِمِ فَأَرْبَعَةٌ : يَظْلِمُ مَنْ فَوقَهُ بِالْمَعْصِيَةِ، وَ يَمْلِكُ (5) مِنْ دُونَهُ بِالغَلَبَةِ وَيُبْغِضُ الحَقَّ، وَ يُظهر (6).
ص: 21
و أما علامة المرابي فَأَربعةُ : يَحْرِضُ في العَمَلِ للّه إِذَا كَانَ عِنْدَهُ أَحَدُوَيَكُسل إذا كانَ وَحْدَهُ وَ يَحْرِضُ في كلّ أَمْرِهِ عَلَى المحمَّدةِ وَيُحْسِنُ سَمْتَهُ بِجَهْدِه (1).
و أمَّا عَلامَةُ المُنافِقِ فَأَرْبَعَةٌ : فَاجِرٌ دَخَلُهُ (2) يُخَالِفُ لِسَانَهُ قَلْبُهُ و قَوْلَهُ فِعْلُهُ وَ سريرته علانيتهُ، فَوَيْلٌ لِلْمُنافق مِنَ النَّارِ.
و أما علامَةُ الحَاسِدِ فَأَربعةُ : الغيبة والتعلق والشماتة بالمصيبة (3).
و أمَّا عَلامَةُ المُسْرِفِ فَأَرْبَعَةُ: الفَحْرُ بِالبَاطِلِ وَ يَأْكُلُ مَا لَيْسَ عِندَهُ و يَرْهَدُ في اصطناع المعروف (4) وَ يُنكر من لا يَنتَفِعُ بِشَيْءٍ مِنْهُ.
و أما علامة الغافِلِ فَأربعة : العمى والسهو، واللّهو والنّسيان.
و أمَّا عَلامَة الكَسْلَانِ فَأَرْبَعَةٌ : يتوانى حتّى يُفَرِّطُ وَ يُفَرِّطُ حتّى يُضيع و يُضيعُ حتّى يَضْجَرَ و يَضْجَرُ حتّى يَأْتم.
و أما عَلامَةُ الكَذَابِ فَأَرْبَعَةٌ : إِنْ قالَ لَمْ يَصْدُق. وإنْ قِيلَ لَهُ لَمْ يُصَدِّقُ و النَّمِيمَةُ وَالبَهْتُ.
و أما عَلامَةُ الفَاسِقِ فَأَرْبَعَةُ : اللَّهوُ وَاللَّغْوُ وَالعُدوانُ والبهتانُ.
و أما علامة الخائِنِ (5) فَأَربعةُ : عِصْيانُ الرَّحْمَنِ وَأَدَى الجِيرَانِ وَ بَعْضُ الأَقْرَانِ والقرب إلى الظغيان.
فقال شَمْعُونُ : لَقَدْ شَفَيْتَنِي وَ بَصَرْتَنِي مِنْ عَمَايَ، فَعَلِمْنِي طَرَائِقَ أَهْتَدِي بِهاء
ص: 22
فَقالَ رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): ياشمعونُ إِنَّ لَكَ أعداء يطلُبُونَكَ وَيُقَاتِلُونَكَ لِيَسْلُبُوا دِينَكَ مِنَ الجن والإني، فَأَمَّا الّذين مِنَ الإنْسِ فَقَوْمُ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ (1) ولا رَغْبَةً لَهُم فيما عِندَ اللّه، إِنَّما هَمهُم تَعبِيرُ النَّاس بِأَعْمَالِهِمْ، لا يُعَيِّرُونَ أَنْفُسَهُمْ وَلَا يُحاذِرُونَ أعمالهم، إِذْ رَأَوكَ صَالِحاً حَسَدُوكَ وَ قالُوا : مراء، وإِنْ رَأَوكَ فاسداً قالوا : لا خير فيه (2).
و أما أعداؤك مِنَ الجِنِّ فَإِبليسُ وَ جُنودُه، فإذا أتاكَ فَقَالَ : مَاتَ إبنكَ، فَقُلْ إنما خلق الأخياءُ لِيَمُوتُوا وَتَدْخُلُ بَضْعَةٌ مني الجنّة، إنه ليسرني فإذا أتاك وقال: قد ذهب مَالُكَ ؛ فقل : الحَمْدُلِلَّهِ الّذي أعطى وأخَذَ وأذْهَبَ عَنِّي الزَّكَاةِ، فَلا زكاة عَلَى (3)، و إذا أتاكَ وَقالَ لَكَ : النَّاس يَظْلَمونَكَ وأنتَ لا تَظْلِم ؛ فَقُل : إِنَّمَا السَّبِيل - يَوْمَ القِيامَة عَلَى الّذين يَظْلِمُونَ النَّاسَ، وَمَا عَلَى المُحسِنِينَ مِنْ سَبيل (4) ؛ وَ إِذا أَتَاكَ و قالَ لَكَ : ما أَكْثَرَ إحْسانَكَ، يُريدُ أنْ يَدْخُلَكَ العُجْبُ(5)، فَقُلْ : إِساءَتَي أكثرُ مِنْ إحساني. و إذا أتاكَ وَقالَ لَكَ : ما أكثرَ صَلاتَكَ، فَقُلْ : غَفْلَتي أَكْثَرُ مِنْ صَلاتِي، و إذا قالَ لَكَ : كَمْ تُعطى النَّاسَ، فَقَل : ما أخذ أكثر ممَّا أعطِي. و إذا قالَ لَكَ : مَا أَكثَرَ مَنْ يَظْلِمُكَ ؛ فَقُلْ : مَنْ ظَلَمْتُه أكثرُ ؛ وإذا أتاك وقَالَ لَكَ : كَمْ تَعْمَلُ ؛ فَقُلْ : طالَ ما عَصَيْتُ ؛ و إذا أتاك وقالَ لَكَ : اشرب الشرابَ، فَقُلْ لا أَرْتَكِبُ المعصية ؛ وإذا أتاكَ وَقالَ لَكَ :
ص: 23
أَلا تُحِبُّ الدُّنياء، فَقُلَ : مَا أُحِبُّها (1) وَقَدِ اغْتَرَّ بِهَا غَيْرِي.
يا شمعون خَالِطِ الأبرارَ وَاتَّبِعِ النَّبِيِّينَ : يَعْقُوبَ ويُوسفَ وداود، إِنَّ اللّه تَبَارَكَ وتعالى لما خَلَقَ السفلى فَخَرَتْ وزَخَرَتْ (2) وقالت : أي شَيْءٍ يَعْلِنُي ؟ فَخَلَقَ الأَرض فَسَطَحَها عَلى ظَهْرِها، فَذَلَتْ، ثمَّ إِنَّ الأَرْضَ فَخَرَتْ وَقَالَتْ : أَيُّ شَيْءٍ يَعْلَبُني ؟ فَخَلَقَ اللّه الجبالَ، فَأَثْبَتَها عَلَى ظَهْرِها أوتاداً مِنْ أنْ تَمِيدَ بمَا عَلَيْهَا، فَذَلَّتِ الأَرْضُ وَ اسْتَقَرَّتْ ثمَّ إن الجبال فَخَرَتْ عَلَى الأَرْضِ، فَشَمَخَتْ (3) وَاسْتَطَالَتْ وَقَالَتْ : أَيُّ شَيْءٍ يَغْلِبُني؟ فَخَلَقَ الحَدِيدَ، فَقَطَعَها، فَذَلَّتُ، ثمَّ إِنَّ الحَدِيدَ فَخَر عَلَى الجِبالِ وقالَ : أَيُّ شَيْءٍ يغلبني : فَخَلَقَ الشَّارَ، فَأَذابَتِ الحَدِيدَ، فَذَلَّ الحَدِيدُ ؛ ثمَّ إِنَّ النَّارَ زَفَرَتْ وَشَهَقَتْ وَ فَخَرَتْ وَ قالَتْ : أَيُّ شَيْءٍ يغلبني، فَخَلَقَ المَة، فَأَطْفَأَها فَذَلَّتْ ؛ ثمَّ إِنَّ المَاءَ فَخَرَوَ زَخَرَ وَقَالَ : أَيُّ شَيْءٍ يَغْلِينِي، فَخَلَقَ الرِّيحَ، فَحَرَّكَتْ أَمْواجَهُ وَ أَنارَتْ مَا فِي قَعْرِه (4) حَبَسَتْهُ عَنْ مَجارِيهِ، فَذَكَ الماءُ، ثمَّ إِن الريح، فَخَرَتْ وعَصَفَتْ وقَالَتْ : أَيُّ شَيْءٍ يغلبني ؟ فَخَلَقَ الإنسانَ، فَبَنى و اختالَ ما يُسْتَتَرُبِهِ مِنَ الرِّيحِ وَغَيْرِها فَذَلَّتِ الرِّيحُ ؛ ثمَّ إِنَّ الإنسانَ طَغَى وَ قالَ : مَنْ أَشَدُّ مِنِّي قُوَّةً، فَخَلَقَ المَوْتَ فَقَهَرَهُ، فَذَلَّ الإِنْسانُ ؛ ثمَّ إِنَّ المَوْتَ فَخَرَ فِي نَفْسِهِ، فَقَالَ اللّه عَزَّ وَجَلَّ : لا تَفخَرُ فَإِنِّي ذَابِحُكَ بَيْنَ الفَرِيقَيْنِ : أهْلِ الجنّة وَأَهل النَّارِ ؛ ثمَّ لا أحييك أبَداً فَخافَ (5) ثمَّ قَالَ : وَ الحِلْمُ يَغْلِبُ الغَضَبَ : و الرحمةُ تَغلِبُ السَّخَطَ وَ الصَّدَقَةُ تَغْلِبُ الخَطِيئَةَ (6).
ص: 24
وصيّته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لِمُعاذ بن جبل (1) لَمَّا بَعَثَهُ إِلَى اليَمَنِ
يا معاذ علِّمهُمْ كِتابَ اللّه وَأحْسِنُ أدبهم على الأخلاقِ الصَّالِحَةِ، وَ أنزل النَّاس منازلهم (2) - خيرَ هُمْ وَ شَرَّهُمْ - وَأَنْفِذ فيهم أَمْرَ اللّه، وَلا تحاش فِي أَمْرِه، و لا ماله أحداً (3) فَإِنَّها لَيْسَتْ بِوِلايَتِكَ وَ لامالكَ، وَ أدُّ إليهم الأمانَةَ فِي كلّ قليل وكثير ؛ وعليك بالرفق و العفو في غير ترك لِلْحَقِّ (4)، يَقُولُ الجَاهِلُ قَد تركت وَ مِنْ حَقِّ اللّه ؛ وَاعْتَذِرُ إِلى أَهْلِ عَمَلِكَ (5) مِنْ كلّ أَمْرٍ خَشِيتَ أن يَقَعَ إِلَيْكَ مِنْه عَيْبٍ حتى يَعْذِرُوكَ وَ أَمِتْ أمْرَ الجَاهِلِيَّةِ إِلَّا ما سَنَهُ الإسلام.
ص: 25
وأظهر أمر الإسلام كلهُ، صَغِيرَهُ وَ كَبيره، و ليكن أكثر همّكَ الصَّلاةَ ؛ فإنها رأسُ الإسلام بعد الإقرار بالدين و ذكرِ النَّاس باللّه وَ اليَوْمِ الآخِرِ، وَاتَّبع الموعِظَةً، فَإنَّه أقوى لَهُمْ عَلى العَمَلِ بِمَا يُحِبُّ اللّه (1)، ثمَّ بُتْ فِيهِمُ المعلمينَ، وَاعْبُدِ اللّه الّذي إِلَيْهِ تُرْجَعُ، وَ لَا تَخَفْ فِي اللّه لَوْمَةَ لائِمٍ.
و أوصيك بتقوى اللّه وَ صِدْقِ الحَدِيثِ وَ الوَفاءِ بِالعَهْدِ وَ أَداءِ الأمانَةِ وَ تَرْكِ الخيانَةِ، وَ لِينِ الكَلامِ وبَذَلِ السَّلامِ، وَ حِفْظِ الجَارِ ورَحْمَةِ اليَتِيمِ وَحُسْنِ العَمَلِ و قَصْرِ الأَمَلِ وَحُبِّ الآخِرَة والجَزَعِ مِنَ الحِسَابِ ولزومِ الإيمانِ وَالفِقْهِ في القرآنِ، وَ كَلِّمِ الْغَيْظِ و خَفْضِ الجَناحِ (2).
و إيّاك أن تشتم مُسلِماً، أو تُطِيعَ آيماً، أو تعمي إماماً عادلاً، أو تكذب صادقاً، أو تُصدق كاذباً، وَ اذْكُرْ رَبَّكَ عِنْدَ كلّ شَجْرٍ وَ حَجَرٍ (3)، وَأَحْيِتْ لِكُلِّ ذَنْب تَوْبَةَ، السِّرُّ بالسِّرِّ وَ العَلانِيَةُ بِالعَلانِيَةِ.
يا معاذ لولا أنّني أرى الأ نلتقي إلى يَوْمِ القِيامَةِ، لَقَصَّرْتُ في الوَصِيَّةِ ولكنّني أرى أن لا نلتقي أبَداً (4)، ثمَّ اعلم يا مُعاذ أنَّ أحبكم إلى من يلقاني على مثل الحال الّتي فارقني عَلَيْها (5).
ص: 26
إنَّ لِكُلِّ شَيءٍ شَرَفاً ؛ وإِنَّ شَرَفَ المَجالِسِ مَا اسْتَقبِلَ بِهِ القَبْلَةُ، مَنْ أَحَبُّ أن يكونَ أَعَزَّ النَّاس فَلَيَتَّقِ اللّه وَ مَنْ أَحَبُّ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى النَّاس فَلْيَتَوَكَّلْ عَلَى اللّه و مَنْ أَحَبَّ أنْ يَكُونَ أغنى النَّاس فليكن بما في يد اللّه أولَقَ مِنْهُ بِما في يده (1).
ثمَّ قال : ألا أنبِّئُكُمْ بِشِرارِ النَّاس ؟ قالوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللّه، قَالَ : مَنْ نَزَلَ وَحْدَه ومَنَعَ رِفدَه، وجَلَدَ عَبْدَهُ (2)، ألا أنبئكم بشَرِّ مِنْ ذلِكَ ؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه قال : مَنْ لا يُقيلُ عَثْرَةً (3) ولا يَقْبَلُ مَعْذِرَةً، ثمَّ قال : ألا أنبئكم بشر من ذلك ؟ قالوا : بلى يا رَسُولَ اللّه، قال : مَنْ لا يُرْجِي خَيْرُه، ولا يُؤْمَنُ شَرُّهُ، ثمَّ قَالَ : أَلَا أُنبِّئُكُمْ بِشَرَ من ذلك ؟ قالوا : بلى يا رَسُولَ اللّه، قَالَ : مَنْ يُبْغِضُ النَّاس ويبغضونه.
إنّ عيسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) قام خطيباً في بني إسرائيل، فقال : يا بني إسرائيل لا تكلّموا بالحِكْمَةِ عِنْدَ الجُمَالِ فَتَظْلِمُوهَا وَلَا تَمْنَعُوها أهلَهَا فَتَظْلِمُوهُمْ وَلَا تُكَافِرُوا ظَالِماً (4) فَيُبطل فَضْلُكُمْ ؛ يا بَنِي إِسْرَائِيلَ الأُمُورُ ثَلاثَةٌ: أمر بيِّن رُشْدُهُ، فَاتَّبِعُوهُ وأَمْر بَين غَيهُ، فَاجْتَنِبُوهُ وَ أمْرُ اخْتُلِفَ فيه، فَرُدُّوهُ إلى اللّه (5).
أيُّهَا النَّاس إِنَّ لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم (6) وإنَّ لَكُمْ نِهاية، فانتهوا إلى نهايتكم ؛ إنَّ المؤمنَ بينَ مَخافَتَيْنِ : أَجَلٍ قَدْ مَضى لا يَدْرِي مَا اللّه صانع فيه وبَينَ أَجَلٍ قد بقي لا يدري ما اللّه قاض فيه، فَلْيَأْخُذِ العَبْدُ لِنَفْسِهِ مِنْ نَفْسِهِ وَ مِنْ دُنْيَاهُ لآخرته و
ص: 27
منَ الشَّيْبَةِ قَبْلَ الكَبَرِ وَ مِنَ الحَياةِ قَبْلَ المَوتِ ؛ والّذي نَفْسِي بِيَدِهِ ما بَعْدَ المَوتِ مِنْ مُسْتَعتب (1) وَمَا بَعْدَ الدُّنيا دَارُ إِلَّا الجنّة وَالنَّارُ.
قالَ : تَعَلَّمُوا العِلْمَ، فَإِنَّ تَعَلَّمَهُ حَسَنَةٌ وَ مُدَارَسَتَهُ تَسْبِيحَ وَ البَحْتَ عَنْهُ جِهادُ و تعليمهُ مَنْ لا يَعْلَمُهُ صَدَقَةٌ، وَبَذَلَهُ لِأَهْلِهِ قُربةٌ، لأنَّهُ مَعَالِمُ الحَلَالِ والحَرَامِ وَسَالِك بِطالِبِهِ سُبُلَ الجنّة، وَ مُونِسُ في الوَحْدَةِ، وَ صاحِب فِي الغُرَبَةِ، وَدَلِيلٌ عَلَى السَّرَّاءِ وَ سلاح على الأعْداءِ وَ زَيْنُ الأَخِلاءِ (2)، يَرْفَعُ اللّه بِهِ أقواماً يَجْعَلَهُم فِي الخَيْرِ أئمّة يَفْتَدى بِهِم، تَرْمَقُ أَعْمَالُهم (3) وَ تُقتبس آثارُهُم وترغب الملائكة في خُلَّتهم (4)، لأَنَّ العلمَ حَيَاةُ القُلوبِ وَ نُورُ الأَبْصارِ مِنَ العَمَى وَقُوَّةَ الأبْدانِ مِنَ الضَّعْفِ وَ يُنْزِلُ اللّه حَامِلَهُ مَنَازِلَ الأحباء وَيَمْنَحُهُ مُجالَسَةَ الأَبْرَارِ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ.
بالعلمِ يُطَاعُ اللّه وَ يُعْبَدُ وبِالعِلمِ يُعْرَفُ اللّه وَيُوَحَّدُ وَبِهِ تُوصَلُ الأرْحَامُ وَ يُعْرَفُ الحَلالُ والحَرام، والعِلْمُ أَمامَ العَقْلِ (5).
والعقل يُلهِمُهُ اللّه السَّعَداءَ ويَحْرِمُهُ الأسْقِياءَ ؛ وَصِفَةُ العَاقِلِ أَن يَحْلُمَ عَمَنْ جَهِلَ عَلَيْهِ وَ يَتَجاوَزَ عَمَن ظَلَمَهُ وَيَتَوَاضَعَ لِمَنْ هُوَ دُونَهُ وَ يُسَابَقَ مَن فَوقَهُ فِي طَلَبِ البِرِّ ؛ وَ إذا أرادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ تَدَبَّرَ، فَإن كان خَيْراً تَكَلَّمَ فَغَنمَ وَإِنْ كَانَ شَرًّا سَكَتَ فَسَلِمَ وَ إِذا
ص: 28
عرَضَتْ لَهُ فِتْنَةٌ استعصم باللّه، وَ أَمْسَكَ يَدَهُ وَ لِسَانَهُ، وَ إِذا رَأى فَضِيلَةً انتهز بها (1). لا يفارقه الحياهُ وَلا يبدو مِنْهُ الحَرصَ، فَتِلَكَ عَشر خصال يعرفُ بها العاقِلُ.
وَ صِفَةُ الجَاهِلِ : أَنْ يَظْلِمَ مَنْ خَالَطَه وَ يَتَعَدَّى عَلَى مَنْ هُوَدُونَهُ، وَ يَتَطَاوَلَ عَلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ، كَلامُهُ بِغَيْرِ تَدَبَّرٍ، إن تَكَلَّمَ أَتَم وَ إِنْ سَكَتَ سَهَا وَإِنْ عَرَضَتْ لَهُ فِتْنَةٌ سارعَ إِلَيْها فَأَرْدَتْهُ (2) وَ إِنْ رَأى فَضِيلَةً أَعْرَضَ وَأَبْطَأَ عَنَها، لا يَخَافُ ذنوبَهُ القَدِيمَةَ ولا يرتدع فيما بَقِيَ مِنْ عُمَرِهِ مِنَ الذُّنوبِ، يَتَوانى عَنِ البر و يُبْطِى عَنْهُ، غَيْرُ مُكْتَرث (3) لما فاتهُ مِنْ ذلِكَ أوْ ضَيّعَهُ، فَتِلْكَ عَشْرُ خِصَالٍ مِنْ صِفَةِ الجَاهِلِ الّذي حُرِمَ العَقْلَ
موعظة (4)
مالي أرى حُبَّ الدُّنيا قَدْ غَلَبَ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، حتّى كَأَنَّ المَوْتَ فِي هَذِهِ الدُّنيا عليُّ غَيْرِهِم كتب. وَكَأَنَّ الحقّ في هذهِ الدُّنيا عليُّ غَيْرِهِمْ وَ جَبَ، وَحتَّى كَان ما يَسْمَعُونَ مِنْ خَبَرِ الأمْواتِ قَبْلَهُم عِندَهُم كَسَبِيلِ قَوْمٍ سَفَرٍ عَمَّا قَليلٍ إِلَيْهِمْ رَاجِعُونَ (5) تبوؤونَهُمْ أَجداثَهُمْ (6)وَتَأكُلُونَ تُراثَهُمْ وأنتم مُخَلَّدُونَ بَعْدَهُمْ هَيْهاتَ هَيْهاتَ أما يَتَعِظُ آخِرُهُمْ بِأوَّلِهِمْ، لَقَدْ جَهلوا وَ نَسَوُا كلّ مَوْعِظَةٍ في كِتابِ اللّه وَ أَمِنُوا شَرَّ كلّ عَاقِبَةِ سَوْءٍ وَلَمْ يَخافوا نُزُولَ فادِحَةٍ (7)ولا بوائقَ كلّ حادثة (8)
ص: 29
طوبى لمِن شَغَلَهُ خَوْفُ اللّه عَنْ خَوْفِ النَّاسِ.
طوبى لمن طابَ كسبه و صَلَحَتْ سَرِيرَتُه وحَسُنَتْ عَلانِيَتُه و استقامت خَليفَتُه.
طوبى لِمَنْ أنْفَقَ الفَضْلَ مِنْ مَالِهِ وَ أَمْسَكَ الفَضْلَ مِن قَولِه.
طوبى لمن تواضع للّه عَزَّ ذكرُه وَ زَهَدَ فيما أَحَلَّ لَهُ مِنْ غَيْرِ رَغْبَةٍ عَن سُنتى ورَفَضَ زَهْرَةَ الدُّنيا (1) مِنْ غَيْرِ تَحَوَّل عَنْ سُنَّتي وَاتَّبَعَ الأخبار مِنْ عِشْرَتي مِنْ بَعدي و خالَطَ أَهْلَ الفِقْهِ وَ الحِكْمَةِ وَرَحِمَ أَهْلَ المَسْكَنَةِ.
طوبي من اكتَسَبَ مِن المؤمنين مالاً مِن غَير معصية و أنفقه في غير معصية و عادَ بِهِ عَلى أهْلِ المَسْكَنَةِ (2) وَجانَبَ أَهْلَ الخيلاء وَالتَّفَاخُرِ وَالرَّغبة في الدُّنيا المبتدعين خلاف سُنَّتي (3) العَامِلِينَ بِغَيْرِ سِيرتي.
طُوبى مِنَ حَسَّنَ مَعَ النَّاس خَلْقَهُ وَ بَدَلَ لَهُم مَعُونَتَهُ وَ عَدَلَ عَنْهُمْ شَرَّهُ.
خُطْبَتُهُ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي حَجَّةِ الوداع (4)
الحمدُ للّهِ، تَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَتَسْتَغْفِرُهُ وَ تَتَوبُ إِلَيْهِ وَ تَعُوذُ باللّه مِنْ شُرُورِ أنفسينا وَ مِنْ سيِّئاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللّه فَلا مُضِلَّ لَهُ وَ مَنْ يُضْلِل (5)، فَلاهادِيَ لَهُ، و أشهد أن لا إلهَ إِلَّا اللّه وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ وَأَشهدُ أنَّ عُمَداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ.
أوصِيكُمْ عِبادَ اللّه تَقَوَى اللّه وَ أَحَتُكُم عَلَى العَمَلِ بِطَاعَتِهِ، وَأَسْتَفْتِحُ اللّه بِالّذي هُوَ خَير أما بعد : أيُّها النَّاس : إِسْمَعُوا مِنِّي [ما] أبينُ لَكُمْ، فَإِنِّي لا أَدْرِي لَعَلى لا ألقاكم بعد عامي هذا، في موقفي هذا.
ص: 30
أيُّهَا النَّاس إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَعْراضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرام إلى أنْ تَلْقَوْا رَبَّكُمْ، كَحَرْمَةِ يَوْمِكُمْ هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت اللّهمّ اشهد.
فَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ فَلْيَؤُدُّها إِلَى مَنِ ائتَمَنَهُ عَلَيْها (1) ؛ وَ إِنَّ رِبَا الجَاهِلِيَّةِ موضُوعُ وَ إِنَّ أَوَّلَ رِبَا أَبْدَأَ بِهِ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المَطلب ؛ وَ إِنَّ دِمَاءَ الجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ وَ إِنَّ أَوَّلَ دمٍ أَبْدأُ بِهِ دَمُ عَامِرِ بنِ رَبِيعَةَ (2) بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِب (3) وَ إنَّ مآثر الجاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَة غَيْرَ السَّدانةِ وَ السَّقايَةِ وَالعَمَدُ قَوَد وَشِبَهُ العَمْدِ ما قُتِلَ بِالعَصا َو الحَجَرِ وَ فِيهِ مِائَةُ بَعِيرٍ، فَمَنِ ازْدَادَ فَهُوَ مِنَ الجَاهِلِيَّةِ. (4)
ص: 31
أيُّهَا النَّاس : إِنَّ الشَّيْطَانَ قَد بَيْسَ أن يُعبد بِأَرْضِكُمْ هَذِهِ وَ لَكِنَّهُ قَدرَضِيَ بِأَنْ يُطاعَ فيما سوى ذلِكَ فِيمَا تَحْتَقِرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ. (1)
أيُّهَا النَّاس : «إِنَّمَا النَسِنِي، زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ يضَلُّ بِهِ الّذين كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً و يُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُوا عِدَّةَ مَا حَرَّم اللّه» (2)، وَ إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئته يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَ «إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللّه اتَنَا عَشَرَ شَهْراً في كتابِ اللّه يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاواتِ وَالأَرض منها أربعة حرم (3)، ثلاثة متواليةٌ، وَوَاحِدٌ فَرْد. ذو القِعْدَةِ، و ذُو الحجّة، وَالمُحَرَّمُ وَرَجَب بَينَ جُمادى و شعبان (4) الأهل بلغت اللّهمّ اشهد. و
ص: 32
أَيُّهَا النَّاس ؛ إِنَّ لِنِسامِكُمْ عَلَيْكُم حَقاً، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ حَفْاً، حَقَكُم عَلَيْهِنَّ أَن لا يُوطِنْ أَحَداً فُرُشكُمْ، وَ لايدخِلَنَّ أَحَداً تكرهونَهُ بُيُوتِكُمْ إِلَّا بِإِذِيكُم وَ أَلا يَأْتِينَ بفاحِشَةٍ، فَإِنْ فَعَلَنَ فَإِنَّ اللّه قد أذِنَ لَكُم أَن تَعْضُلُوهُنَّ وَتَهْجُرُوهُنَّ في المضاجع وَ تَصْرِبُوهُن ضَرْباً غَيْرَ مُبرِّح (1)، فَإذا انتهين وَ أَطَعْنَكُمْ فَعَليكُمْ رِزْقَهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ
ص: 33
بالمعروفِ، أَخَذتُمُوهُنَّ بِأمَانَةِ اللّه، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكِتَابِ اللّه، وَاتَّقُوا اللّه فِي النِّسَاءِ وَاسْتَوْصوا بِهِنَّ خَيْراً.
أيُّهَا النَّاس ؛ «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ، وَلا يَحِلُّ لِمُؤمِن مال أخِيهِ إِلَّا عَنْ طِيب نَفْسٍ مِنْهُ. الأهل بلغتُ : اللّهمّ اشْهَد فَلا تَرْجِعُنَّ كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُم رقاب بعض فَإِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا : كِتَابَ اللّه وَعِتْرَنِي أَهْلَ بَيْتِي. الأهل بلغت اللّهمّ اشهد.
أيها النَّاسُ، إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَ إِن أباكُمْ وَاحِدٌ كُلُّكُمْ لِآدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُراب «إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللّه أَتْقَاكُمْ»، وَلَيْسَ لِعَرَبيَّ عَلَى عَجَمِيٌّ فَضْل إِلَّا بِالتَّقْوى الاهل بلغت ؟ قالوا : نعم، قال : فليبلغ الشاهِدُ الغايب (1).
أيُّهَا النَّاس ؛ إِنَّ اللّه قَسَمَ لِكُلٍّ وارِثٍ نَصِيبَهُ مِنَ المِيرَاتِ وَلَا تَجُوزُ لِوارِث وصيّة في أكثرَ مِنَ التثّلْثِ. وَالوَلدُ للفِراشِ و لِلْعَاهِرِ الحَجَرُ (2)، مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، وَمَنْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعَنَةُ اللّه وَالمَلائِكَةِ وَ النَّاس أَجْمَعِينَ وَلَا يَقْبَلُ اللّه مِنْهُ صرفاً ولا عدلاً (3) وَالسّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللّه.
ص: 34
قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): كَفى بالموت واعظاً، وكَفى بالتَّقى غنى. وَكَفَى بِالعِبادَةِ شُعَلاً وكفى بالقيامة مَوْثِلاً و باللّه مجازياً (1).
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): خَصْلَتَانِ لَيْسَ فَوقَهُما مِنَ البرشَيء : الإيمانُ باللّه وَالنَّفْعُ لِعِبَادِ اللّه ؛ وَخَصْلَتَانِ لَيْسَ فَوْقَهُما مِنَ الشَّرِّ شَيْ : الشِّرْكُ باللّه وَ الضَّرُّ لِعِباد اللّه.
وَقالَ لَهُ رَجُلٌ : أَوْمِي بِشَيْءٍ يَنْفَعُنِي اللّه بِهِ، فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): أكثر ذكرَ المَوْتِ يَسْلُكَ عَنِ الدُّنيا وَعَلَيْكَ بِالشَّكْرِ فَإِنَّهُ يَزِيدُ فِي النِّعْمَةِ ؛ وَأَكْثِرُ مِنَ الدُّعَاءِ فَإِنَّكَ لا تَدْرِي مَتَى يُسْتَجابُ لَكَ، وَإِيَّاكَ وَالبَغَى فَإنَّ اللّه قَضى أَنَّهُ مَنْ«بَغَى عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللّه» (2)، وَقالَ : «أيُّها النَّاس إِنَّما بَعْيُكُمْ أَنفُسِكُمْ (3)، وَ إيّاك وَ و المكر، (4)، فَإِنَّ اللّه قضى أن «لا يحيق المَكْرُ السَّيِّي إِلَّا بِأهْلِهِ (5)».
وَ قَالَ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): سَتَحْرِضُونَ عَلَى الإِمَارَةِ، ثمَّ تَكُونُ عَلَيْكُم حَسْرَةً وَنَدَامَةً، فَنِعْمَتِ المُرْضِعَةُ وَبِنسَتِ الفَاطِمَةُ (6).
و قال : لَنْ يُفْلِحَ قَوْمَ أَسْنَدُوا أَمْرَهُمْ إِلَى امْرَأَةٍ (7)
و قيل له (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) : أَيُّ الأَصْحَاب افْضَلُ : قَالَ : مَنْ إذا ذكرت أعانك و إذا نَسِيتَ ذَكركَ، وَقِيلَ : أَيُّ النَّاس شَرِّ ؛ قَالَ : العُلَمَاء إِذا فَسَدُوا.
ص: 35
و قالَ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): أَوْصَانِي رَبِّي بِتِسْعِ، أَوْصابي بالإخلاص في السِّرِّ وَ العَلانِيةِ وَالعَدْلِ في الرضا والغضب، وَ القَصْدِ في الفقر والغنى و أَنْ أَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَني وَ أَعْطِيَ مَن حَرَمني وأصل من قطعني وَأَنْ يَكُونَ صَمتي فكر أو مَنْطِقي ذكراً ونَظَرِي عِبَراً (1).
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): قيدوا العلم بالكتاب.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): إذا سادَ القَوْمَ فَاسِقُهُمْ وَ كانَ زَعِيمُ القَوْمِ أَذَلَّهُمْ وَأكرِمَ الرَّجلُ الفاسق فلينتظر البلاء.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : سرعة المشي يَذْهَبُ بِبَهَاءِ المَوْمِنِ.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): لا يزالُ المَسْرُوقُ مِنْهُ فِي تُهْمَةٍ مَنْ هُوَ بَرِيء ؛ حتّى يَكُونَ أَعْظَمَ جُرماً مِنَ السَّارِقِ (2).
وقال : إِنَّ اللّه يُحِبُّ الجواد في حقه.
وقال : إذا كانَ أمَرَاؤُكُمْ خِيارَكُمْ وَ أغنياؤُكُمْ سُمَحاءَكُمْ (3) وَ أَمْرُكُمْ شُورى بَيْنَكُمْ، فَظَهْرُ الأرضِ خَيْرٌ لَكُم مِنْ بَطْنِها. و إذا كان أمراؤكم شراركُم و أغنياؤكُمْ بخَلاءكُم وأمورُكُم إلى نسائكم، فَبَطنُ الأرضِ خَيرٌ لكُم مِن ظَهْرِها.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): من أنسى وأصبح و عِندَهُ ثلاث فقد تمَّتْ عليه النعمة في الدُّنيا مَنْ أصْبَحَ وأمسى مُعافى في بدنه، آمناً في سربه (4)، عِندَه قُوتُ يَوْمِهِ، فَإِنْ كَانَتْ عِندَهُ الرَّابعةُ، فَقَدْ تَمَّتْ عَلَيْهِ النِّعْمَةُ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ وَهُوَ الإيمانُ.
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): ا حموا عزيزاً دل و غنياً افْتَقَرَ وَ عالِماً ضاعَ في زمانِ جهّال.
وَ قالَ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): خَلَتَانِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاس فيهما مفتون : الصّحّة والفراغ.
ص: 36
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): جبلت القلوب على حب من أحْسَنَ إليها وبغض مَنْ أساء إليها.
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): إنَّا مَعاشِرَ الأنبياء أمرنا أنْ نُكَلِمَ النَّاس عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِم.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): مَلْعُونَ مَنْ أَلْقَى كَلَّه عَلَى النَّاس (1).
وَقالَ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : العبادة سبعة أجزاء ؛ أفضلها طَلَبُ الحَلال.
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): إِنَّ اللّه لا يُطاعُ [جبراً] ولا يُعضى مغلوباً ولم يُهْمِلِ العِبادَ مِنَ المملكة ولكِنَّهُ القَادِرُ عَلى ما أَقْدَرَهُمْ عَليه و المالِكُ لِما مَلَكَهُم إِيَّاهُ، فَإِنَّ العِباد المَمْلَكَةِ إن اشْتَمَرُوا (2) بِطَاعَةِ اللّه لَمْ يَكُنْ مِنْها مانع ولاعنها صاد وإِنْ عَمِلُوا بِمَعْصِيَتِهِ فَشَاءَ أَنْ يحول بينهم وَبَيْنَها فَعَلَ وَلَيْسَ مَنْ [ إن ] شاء أن يحول بينَهُ وَبَيْنَ شَيءٍ [فَعَلَ] ولم يفعله فأتاه الّذي فَعَلَهُ كانَ هُوَ الّذي أَدْخَلَهُ فيه (3).
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لابنه إبراهيمَ وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ : لَولا أنَّ الماضي فَرَطُ الباقي (4) وَ أَنَّ الآخر لاحق بالأول لَحَزَنا عليك يا إبراهيم، ثمَّ دَمَعَتْ عَيْنُهُ و قَالَ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): تَدمَعُ العَيْن ويَحْزَنُ القَلْبُ وَلا تَقُولُ إِلَّا ما يرضى الرب، و إنابك يا إبراهيم لمحزونون.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : الجمال في اللّسان.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): لا يقبض العلم انتزاعاً من النَّاس ولكنهُ يُقبض العلماء، حتّى إذا لم يبق عالِمُ اتَّخَذَ النَّاس رُؤَسَاءَ جُهالاً، اسْتَفْتَوا فَأَفَتُوا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): أَفْضَلُ جِهادِ أُمَّتِي انتِظارُ الفَرَج (5).
ص: 37
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): مروة تنا أهْلَ البَيْتِ العفو عَنْ ظَلَمَنا و إعطاهُ مَنْ حَرَمنا.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): أغبط أوليائي عِنْدِي مِنْ أمتي ؛ رَجُلٌ خَفيفُ الحاذِ دَوحَظٍّ مِنْ صَلاةٍ، أَحْسَنَ عِبادَةَ ربّه في الغيب وكان غامضاً في النَّاس وَكانَ رِزْقُه كَفافاً فَصَبر عليه و مات، قَل تُراثُهُ وَقَلٌ بَواكِيهِ (1).
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): ما أصابَ الْمُؤْمِنَ مِنْ نَصبِ وَلَا وَصَبٍ (2) وَلَا حُزْنٍ حتّى الهمّ يهمُّه إلا كَفَرَ اللّه به عَنْهُ مِنْ سَيِّئَاتِه.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): مَنْ أكل ما يَشْتَهِي وَلَبِسَ ما يَشتَنِي وَرَكِبَ مَا يَشْتَهِي، لَمْ يَنْظُرِ اللّه إلَيهِ حتّى يَنزَعَ أَوْ يَشْرَكَ.
و قالَ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): مَثَلُ المؤمِن كَمَثَلِ السُّنْبلَةِ، تَخِرُّ مرَّةٌ، وَتَسْتَقِيمُ مرَّةٌ و مَثَلُ الكافِرِ مَثَلُ الأَرزَةِ، لايزال مستقيماً لا يَشْعُو (3).
ص: 38
وسئل : مَنْ أَشَدُّ النَّاس بَلاء في الدُّنيا، فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): النَّبيُّونَ ثمَّ الأماثِلُ فَالأماثِلُ، و يُبتلى المؤمِنُ عَلى قَدْرِ إيمانِهِ وَ حُسنِ عَمَلِهِ، فَمَنْ صَحَّ إيمانه و حسن عملهُ اشْتَدَّ بَلاؤُهُ وَمَنْ سَخْفَ إيمانُه وضَعُفَ عمله قلّ بلاؤهُ (1)
ص: 39
وقالَ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): لَوْ كَانَتِ الدُّنيا تَعدِلُ عند اللّه مِثْلَ (1) جَنَاحَ بَعُوضَةٍ ما أعطى كافراً ولا منافقاً مِنْها شَيئاً.
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): الدُّنيا دول (2) فما كان لك ؛ أتاك على ضعفك وما كان منها عليك لم تدفعه بقوتك ؛ ومَن انقطع رجاؤه مسافات استراحَ بَدَنُه ومَنْ رَضِي بما قَسَمَهُ اللّه قَرَّتْ عَيْنُهُ.
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): إنه واللّه ما من عمل يقر بكم من النار إلا وقد نبأ تكم به و نهيتكم عَنْهُ وَمَا مِنْ عَمَلٍ يُقَرِّبُكُم مِنَ الجنّة إِلَّا وَقَد نَبَّأتكُم بِه وأَمَرْتُكُم بِهِ (3)، فَإِنَّ الرُّوح الأمينَ نَفَتَ في رُوعِي : أَنَّهُ لَنْ تَمَوتَ نَفْسٌ حتّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا (4) فَاجْمِلُوا في الطلب، ولا يَحْمِلَكُمُ اسْتَطاهُ شَيْءٍ مِنَ الرِّزْقِ أن تطلبوا ما عِندَ اللّه بمعاصيه، فَإِنَّهُ لَا يُنَالُ مَا عِنْدَ اللّه إِلَّا بِطَاعَتِه.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): صَوتانِ يُبْغِضُهما اللّه : إعوال عند مصيبة، و مِزْمارُ عِندَ نِعمة (5).
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): علامة رضى اللّه عن خَلْقِهِ رَخْصُ أَسْعَادِهِم وَ عَدلُ سلطانهم وعلامة غَضَبِ اللّه على خَلْقِهِ جَورُ سُلطانهم وغلاء أسعارهم (6).
و قالَ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): أربع مَن كُنَّ فيه كانَ في نُورِ اللّه الأَعْظَمِ، مَن كَانَ عِصْمَةً أَمْرِه
ص: 40
شَهادَةَ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللّه وَ أَنِّي رَسُولُ اللّه. وَمَنْ إذَا أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ قَالَ : إِنَّا للّه وَإِنَّا إلَيْهِ راجِعونَ و مَنْ إذا أصاب خيراً قال : الحَمدُ لله، ومن إذا أصابَ خَطِيئَةٌ قال : اسْتَغْفِرُ اللّه وأتوب إليه.
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): من أعطي أربعاً لم يُحرم أربعاً : من أعطي الاستغفار لم يُحرم المغفرة من أعطي الشكر لم يُحْرَمِ الزيادة. ومن أعطي التوبة لم يُحْرَمِ القَبول. ومَن أعطي الدعاء لم يحرم الإجابة.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): العِلمُ خَزائِنُ وَمَفَاتِيحُهُ السُّؤالُ، فَاسْأَلُوارَ حَكُمُ اللّه، فَإِنه تُوْجَرُ أربعة : السّائِلُ والمتكلم والمستمع والمحب لهم.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): سائِلوا العُلَماء، وخاطبوا الحكماء، وجالِسُوا الفُقَراء.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): فَضْلُ العِلم أحَبُّ إليَّ مِنْ فَضْلِ العِبَادَةِ، وأَفْضَلُ دِينَكُمْ الوَرَع.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): مَنْ أفتى النَّاس بِغَيْرِ عِلْمٍ لَعَنَتَهُ مَلائِكَةُ السَّماء والأرْضِ.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : إنَّ عظيمَ البَلاءِ يُكافى، به عظيم الجزاء، فإذا أَحَبَّ اللّه عبداً ابتلاه، فَمَن رَضِي قَلْبُهُ فَلَهُ عِندَ اللّه الرضى ومَنْ سَخِطَ قَله السَّخط (1).
و أتاه رجل فقال يا رسولَ اللّه : أَوْسِني، فقال : لا تشرك باللّه شيئاً وإن حرقت بالنار وإن عذبت إلا وقلبك مُطْمَيِّن بالإيمان. و والدِّيكَ فَأَطِعْهُما و بَرهما حَيين ميتين، فَإِنْ أَمَراكَ أن تَخْرُجَ مِنْ أَهْلِكَ و مالِكَ فَافْعَلَ، فَإِنَّ ذلكَ مِنَ الإيمان و الصلاة المفروضَةَ فَلا تدعها مُتَعَمِّداً، فَإنّه مَن تَرَكَ صَلاةَ فَرِيضَةٍ مُتَعَمِّداً فَإِنَّ دَمَةَ اللّه منه بريئة. و إيّاك وشُرْبَ الخَمرِ وَكُلَّ مُسْكِرٍ فَإنّهما مفتاحا كلّ شَر.
و أتاهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ يُقَالُ لَهُ : أبو أُمَيَّة، فقالَ: إلَى مَ تَدْعُو النَّاس
ص: 41
يا محمّد: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «أدعو إلى اللّه عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِّي، وَأَدْعُو إلى مَنْ إذا أصابَكَ ضُرَّ فَدَعَوْتَهُ كَشَفَهُ عَنْكَ. وَ إِنِ اسْتَعَنْتَ بِهِ وَ أَنْتَ مَكْرُوبُ أعانك وَ إِنْ سَأَلْتَهُ وَ أَنْتَ مُقِلُّ أغناك. فَقَالَ : أَوصني يا عملُ، فَقَالَ : لا تَغْضَبْ ؛ قالَ : زِدْنِي، قالَ : إرض مِنَ النَّاس بِمَا تَرضَى لَهُم بِهِ مِنْ نَفْسِكَ ؛ فَقَالَ : زِدني، فقال : لا تَسُبُّ النَّاس فَتَكَتَبَ العَداوَةَ مِنْهُم ؛ قال : زدني، قال : لا تزهد في المَعروفِ عِنْدَ أهْلِهِ ؛ قال : زدني، قال : تُحِبُّ النَّاس يُحِبُّوكَ وَ الْقَ أخاكَ بوجه منبسط، وَ لا تَنْجَرْ فَيَمَنَعَكَ الشَّجَرُ مِنَ الآخِرَةِ وَالدُّنْيَا وَاتَّزِرْ إِلى نِصْفِ السَّاقِ وَإِيَّاكَ وَ إِسْبَالَ الإِزارِ وَ القَمِيصِ، فَإِنَّ ذلِكَ مِنَ المَخِيلَةِ واللّه لا يُحِبُّ المَخِيلَةَ» (1).
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): إِنَّ اللّه يُبْغِضُ الشَّيْحَ الزَّانِي، وَالغَنِي الظُّلُومَ، وَ الفَقِيرَ المُخْتالَ، و السائل المُلْحِفَ، وَ يُحبط أخر المعطى المَنّانِ وَيَمقُتُ البَذِيحَ الجري الكذَّاب (2).
و قالَ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): مَنْ تَفَاقَرَ افْتَقَر.َ
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): مداراة النَّاس نِصْفُ الايمان والرفق بهم نِصْفُ العَيْش.
و قالَ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): رَأَسُ العَقلِ بَعْدَ الإيمان باللّه مُدارَاةُ النَّاس فِي غَيْرِ تَرْكِ حَقٌّ وَمِنْ سَعادَةِ المَرْءِ خِفَّةُ لِحْيَتِه.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): ما نهيتُ عَن شَيْءٍ بَعْدَ عِبادَةِ الأَوْثَانِ مَا نُهِيتُ عَنْ مُلاحَاةِ الرَّجالِ (3).
وَ قالَ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): لَيْسَ مِنا مَنْ غَشَّ مُسْلِماً أَوضَرَّهُ أَوْ مَا كَرَهُ.
وقام (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في مَسْجِدِ الخَيْفِ فَقَالَ : نَضَرَ اللّه عَبداً سَمعَ مَقَالَتِي فَوَعاهَا وَبَلَّغَها لَمْ يَسمعها، فَرُبَّ حَامِلِ فِقه إلى مَنْ هُوَ أفْقَهُ مِنْهُ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهِ غَيْرِ فَقِيه.
ص: 42
ثلاث لا يغل عَلَيْهِنَّ قَلْبُ امْرِ: مُسلِم (1) إِخْلاصُ العَمَلِ للّه وَالنَّصِيحَةُ لِأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَ اللُّزُومُ لِجَمَاعَتِهِمْ. المُؤمِنُونَ إِخْوَةٌ تَتَكَافَا دِماؤُهُمْ وَ هُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِواهُم، يَسْعَى يدعتهم أدناهم (2)
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): إذا بايع المسلم الذمي فليقل : اللّهمّ خِر لي عَلَيْهِ. وَإِذا بايع المسلم فَلْيَقُلْ : اللّهمّ خِر لي وله (3).
وَ قالَ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): رَحِمَ اللّه عَبْد أَقالَ خَيْراً فَغَنِمَ، أَوْسَكَتَ عَنْ سُوءٍ فَسَلِمَ.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): ثلاث مَنْ كُنَّ فِيهِ اسْتَكْمَلَ خِصَالَ الإِيمَانِ : الّذي إِذَا رَضِيَ لَمْ يُدْخِلْهُ رِضاه في باطِلٍ وَ إِذا غَضِبَ لَمْ يُخْرِجُهُ الغَضَبُ مِنَ الحقّ وَ إِذا قَدَرَ لَمْ يَتَعَاطَ مَا لَيْسَ لَهُ (4).
و قالَ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): مَنْ بَلَغَ حَداً فِي غَيْرِ حَقٍّ (5) فَهُوَ مِنَ المُعْتَدِينَ.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): قراءَةُ القُرآن في الصَّلاةِ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ القُرآنِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَ ذكرُ اللّه أفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالصَّدَقَةُ أفْضَلُ مِنَ الصَّوْمِ وَالصَّوْمُ حَسَنَةٌ، ثمَّ قَالَ : لا قَوْلَ إلَّا بِعَمَلِ وَ لا قَوْلَ وَلَا عَمَلَ إلَّا بنية، وَلا قَوْلَ وَلا عمل ولا بيَّة إِلَّا بِاصَابَةِ السُّنَّةِ.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): الأناةُ مِنَ اللّه وَالعَجَلة مِنَ الشَّيْطَانِ (6).
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): إِنَّ مَنْ تَعَلَّمَ العِلْمَ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاء أَوْ يُباهِيَ بِهِ العُلَمَاءَ أَوْ
ص: 43
يصرف وجوه النَّاس إِلَيْهِ لِيُعَظمُوهُ فَلْيَتَبوَّء مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، فَإِنَّ الرئاسة لا تصلح إلَّا للّه وَلِأَهْلِها وَ مَنْ وَضَعَ نَفْسَهُ في غَيْرِ المَوضِعِ الّذي وَضَعَهُ اللّه فِيهِ مَقتَهُ اللّه وَ مَنْ دَعا إلى نَفْسِهِ، فَقَالَ : أنَا رَئيسُكُمْ (1) وَلَيْسَ هُوَ كَذلِكَ لَمْ يَنْظُرِ اللّه إِلَيْهِ حتّى يَرْجِعَ عَمَّا قالَ وَيَتُوبَ إِلَى اللّه ممَّا ادَّعى.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): قالَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ : تَحَبَّبُوا إِلَى اللّه وَتَقَرَّبُوا إِلَيْهِ، قالوا : يا روح اللّه بماذا نَتَحَبَّبُ إِلى اللّه وَ تَتَقَرَّبُ ؟ قَالَ : بِبَغْضِ أَهْلِ الْمَعَاصِي وَالْتَمِسُوا رضى اللّه بِسَخَطِهِمْ. قالوا : يا رُوح اللّه فَمَنْ نُجَالِسُ إذاً ؟ قَالَ : مَنْ يُذكَرُكُمُ اللّه رُؤْيَتُهُ و يَزِيدُ في علمكم منطِقَهُ، وَيُرعبكُمْ فِي الآخِرَةِ عمله.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): أبعد كم بي شَيبا البخيلُ البَذِي الفاحش (2).
و قالَ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): سُوءُ الخَلْقِ شُوْمٌ.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): إذا رأيتُمُ الرَّجُلَ لا يُبالي ما قالَ أوْمَا قِيلَ فِيهِ فَإِنَّهُ لَبَغِيٌّ أو شيطان. (3)
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): إن اللّه حَرَّم الجنّة عَلَى كلّ فَاحِشَ بَذِي قَلِيلِ الحَياءِ لَا يُبالي ما قالَ وَ ما قيلَ فِيهِ، أَمَا إِنَّهُ إِنْ تَنْسِبُهُ (4) لَمْ تَجِدُهُ إِلَّا لِبَغِيةٌ أَوْ شِرْك شَيْطَانٍ.
قيل : يا رَسُولَ اللّه وَفي النَّاس شَيَاطِينُ ؟ قال : نعم أَوْمًا تَقَرَأ قولَ اللّه، وَشَارِكَهُمْ في الأموال والأولاد، (5).
و قال : مَنْ تَنْفَعُهُ يَنْفَعُكَ. وَ مَنْ لا يُعِدَّ الصَّبْرَ لِنَوائِبِ الدَّهْرِ يَعْجِز. وَ مَن قَرّضَ النَّاس قَرّضُوهُ وَ مَنْ تَرَكَهُمْ لَمْ يَتَرُكُوهُ (6) قيلَ : فَأَصْنَعُ ماذا يا رَسُولَ اللّه :
ص: 44
قالَ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): أَقْرِضُهُمْ مِنْ عَرْضِكَ لِيَوْمٍ فَفْرِكَ (1).
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): ألا أدلكم عَلى خَيْرِ أخْلاقِ الدُّنيا وَالآخِرَةِ : تَصِلُ مَنْ قَطَعَكَ وَ تعطي مَنْ حَرَمَكَ وَتَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَكَ.
و خرج (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يوماً وقَوْمُ يَدْحُونَ حَجَراً، فقالَ : أَشَدَّكُمْ مَنْ مَلَكَ نَفْسَهُ عِندَ العَضَبِ وَ أَحْمَلَكُمْ مَنْ عَفَا بَعْدَ المَقْدُرَةِ (2).
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): قال اللّه : هذا دين ارتضيهِ لِنَفْسِي وَلَنْ يُصْلِحَهُ إِلَّا السَّحَاءِ وَ حُسْنُ الخُلْقِ، فَأَكْرِمُوهُ بِهِمَا مَا صَحِبْتُمُوهُ.
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): أفضلَكُم إيماناً أحْسَنُكُم أخلاقاً.
و قالَ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): حُسَنُ الخُلْقِ يَبْلُغُ بِصاحِبِهِ دَرَجَةَ الصائمِ القَائِمِ، فَقِيلَ لَهُ : مَا أَفضَلُ ما أعْطِيَ العَبْدُ. قَالَ : حُسْنُ الخُلْقِ.
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): حَسَنُ الخُلْقِ يُثْبِتُ المودة.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): حُسَنُ البشر يَذْهَبُ بالسخيمة (3).
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): خياركم أحاسِنُكُم أَخْلَاقا الّذين يَأْلِفُونَ وَ يُؤْلَفُونَ.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): الأيدي ثلاثة : سائِلَةٌ وَمُنْفِقَةٌ وَمُمسِكَةٌ وَخَيْرُ الأَيْدِي المَنْفِقَةُ.
و قالَ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): الحَياءُ حَياءانِ : حَياهُ عَقلِ وَحَياهُ حُمْقٍ، فَحَياءُ العَقْلِ العِلْمُ، وَحَياء الحُمْقِ الجَهْلُ.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): مَنْ أَلْقَى جِلْبَابَ الحَياءِ لأغيبَةً لَهُ.
وَ قالَ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللّه وَ اليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَفِ إِذا وَعَدَ.
و قالَ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): الأمانَةُ تَجْلِبُ الرِّزْقَ وَالخِيانَةُ تَجْلِبُ الفقر.
ص: 45
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): نَظَرُ الوَلَدِ إِلَى وَالِدَيْهِ حُبّاً لَهُما عِبادَةٌ.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): جَهْدُ البَلاءِ أن يُقدَمَ الرَّجُلُ فَتُضْرَبَ رَقَبَتْهُ صَبراً (1) وَالأَسِيرُ مادامَ في وَثاقِ العَدُوء والرَّجُلُ يَجِدُ عَلَى بَطْنِ امْرَأَتِهِ رَجُلاً.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): العِلْمُ خَدِينُ المؤمن (2) وَالعِلْمُ وَزِيرُهُ. وَالعَقْلُ دَلِيلُهُ، وَالصَّبْرُ أَمِيرُ جُنُودِهِ وَالرَّفْقُ وَالِدُهُ وَالبرّ أخُوهُ ؛ وَ النَّسَبُ آدَمُ(3) . وَالحَسَبُ التَّقوى. وَالمُرُوءَةُ اصلاح المال (4).
وَ جَاءَهُ رَجُلٌ بِلَبَن وَ عَسَلٍ لِيَشْرَبَهُ، فَقَالَ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): شَرابانِ يُكتفى بِأَحَدِهِمَا عَنْ صاحِبِهِ لا أَشْرَبُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ وَلكِنِّي أَتَوَاضَعُ للّهِ، فَإِنَّهُ مَنْ تَوَاضَعَ للّه رَفَعَهُ اللّه ۖ وَمَنْ تكبر وَضَعَهُ اللّه وَ مَنِ اقتصد في مَعِيشَنِهِ رَزَقَهُ اللّه وَ مَن بَدْرَ حَرَمَهُ اللّه (5) وَمَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ اللّه آجَرَهُ اللّه.
و قالَ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): أَقْرَبُكُمْ مِنِّي غَداً في المَوقِفِ أَصْدَقُكُمْ لِلْحَدِيثِ وَ آدَاكُمْ لِلأَمَانَةِ و أوفاكم بالعهد و أحسكُم خُلقاً و أقربكُم مِنَ النَّاسِ.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): إذا مدح الفاجِرُ اهْتَرَ العَرْسُ وَغَضِبَ الرَّبُّ.
و قالَ لَهُ رَجُلٌ مَا الحَزْمُ، قَالَ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): تُشَاوِرُ امْرَها دَارَ أَي ثمَّ تُطيعه (6).
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يوماً : أيُّها النَّاس مَا الرَّقوب فيكم ؟ قالوا : الرَّجُلُ يَمُوتُ وَلَمْ يترك ولداً، فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): بل الرقوب حق الرَّقوب رَجُلٌ مَاتَ وَ لَمْ يُقَدَّمَ مِنْ وَلَدِهِ أحَداً يَحْتَسِبُهُ عِنْدَ اللّه وإن كانوا كثيراً بعده، ثمَّ قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): ما الصَّعلوك فيكم : قالوا : الرَّجُلُ الّذي لا مالَ لَهُ، فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): بل الصعلوك حَقٌّ الصَّعْلُوكِ مَنْ لَمْ يُقَدِّمَ مِنْ
ص: 46
مالِهِ شَيْئاً يَحْتَسِبُهُ عِندَ اللّه وَإِنْ كَانَ كَثِيراً مِن بَعدِم. ثمَّ قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): ما الصُّرعة فيكم؟ قالوا : الشَّدِيدُ القَوِي الّذي لا يُوضَعُ جَنْبُهُ. فَقَالَ : بَلِ الصَّرَعَةُ حَقَّ الصُّرَعَةِ رَجُلٌ وَكَزَ الشَّيْطَانُ في قَلْبِهِ فَاسْتَدْ غَضَبُهُ وَ ظَهَرَ دَمُهُ ثمَّ ذَكَرَ اللّه فَصَرَعَ بِحِلْمِهِ غَضَبَهُ(1).
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): مَنْ عَمِلَ عَلَى غَيْرِ عِلْمٍ كَانَ مَا يُفْسِدُ أكثر ممَّا يُصْلِحُ.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): الجُلُوسُ في المَسْجِدِ انْتِظارَ الصَّلاةِ عِبادَةٌ مَالَمْ يُحْدِثُ. قِيلَ : يَا رَسُولَ اللّه : وَ مَا الحَدَثُ، قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): الاغتيابُ.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): الصائم في عِبادَةٍ وَ إنْ كانَ نَائِماً عَلَى فِرَاشِهِ مَالَمْ يَعْتَب مُسلِماً.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): مَنْ أَذاعَ فَاحِشَةً كَانَ كَمُبْدِيها (2) وَ مَنْ عَيَّرَ مُؤْمِناً بِشَيْءٍ لَمْ يمُتْ حتّى يَرْكَبَهُ.
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): ثلاثة و إن لَم تَظْلِمُهُم ظَلَمُوك : السَّفَلَةُ وَزَوْجَتُكَ وَخادِمُكَ (3).
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): أربع مِنْ عَلامات الشفاء : حُمُودُ العَيْنِ وَقَسْوَةُ القَلْبِ وَشِدَّةُ الحِرْصِ في طلب الدُّنيا والإضرار عَلَى الذَّنب.
وَ قالَ رَجُلٌ : أوصني، فَقَالَ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): لا تغضب، ثمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ، فَقَالَ : لَا تَغْضَبْ ثُمَّ قَالَ : لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصَّرَعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الّذي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ.
وَ قالَ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): إِنَّ أكَمَلَ المُؤْمِنِينَ إيماناً أَحْسَنُهُمْ أخلاقاً.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): ما كان الرفق في شَيْءٍ إلا زانَهُ، وَ لَا كَانَ الخَرْقُ فِي شَيْءٍ إِلَّا شأنه (4).
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): الكسوة تظهرُ الغنى و الإحسان إلى الخادم يكبت العدوّ.
ص: 47
وَقالَ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): أُمِرْتُ بِمُدارَاةِ النَّاس كَما أُمِرْتُ بتبليغ الرسالة.
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): اسْتَعينُوا عَلَى أُمُورِكُمْ بِالكِتْمَانِ فَإِنَّ كلّ ذِي نِعْمَةٍ مَحْسُودٌ.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): الإيمانُ نِصْفَانِ : نِصْفُ فِي الصَّبْرِ وَ نِصْفٌ فِي الشَّكْرِ.
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : حُسْنُ العَهْدِ مِن الإِيمَانِ.
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): الأكل في السوق دناءة.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): الحوائج إلى اللّه [و] أسبابها فاطلُبُوهَا إِلَى اللّه بِهِمَ فَمَنْ أَعْطَاكُمُوها فَعُدوها عن اللّه يصبر.
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): عَجَباً لِلْمُؤمِن لا يقضى اللّه عليه قضاء إِلَّا كَانَ خَيْراً لَهُ، سَرَّهُ أَوْ سَاءَهُ إن ابتلاهُ كانَ كَفَّارَةٌ لِذَنْبِهِ وَ إِنْ أَعْطاهُ وَ أَكْرَمَهُ كان قد حباه (1).
و قالَ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): مَنْ أَصْبَحَ وَ أَمْسَى وَالآخِرَةُ أَكْبَرُ هَمهِ جَعَلَ اللّه العَنى فِي قَلْبِهِ وَجَمع لَهُ أَمْرَهُ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنَ الدُّنيا حتّى يَسْتَكْمِلُ رِزْقَهُ وَمَنْ أَصْبَحَ وَ أَمْسَى وَالدُّنْيَا أكْبَرُ هَمه جَعَلَ اللّه الفَقْرَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَشَتَّتَ عَلَيْهِ أَمْرَهُ وَلَمْ يَنَلْ مِنَ الدُّنيا إِلَّا مَا قَسَمَ لَهُ.
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) الرَجُلٍ سَأَلَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ أُمَّتِهِ، فَقَالَ : جَمَاعَةُ أُمَّتِي أَهْلُ الحقّ وإن قلّوا (2).
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): مَنْ وَعَدَه اللّه على عمل ثواباً فَهُوَ مُنْجِزُلَهُ، وَ مَنْ أَوْعَدَهُ عَلَى عَمَلٍ عِقاباً فهو بالخيار.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): ألا أخبركم بِأشبهكم بي أخلاقاً، قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللّه، فَقَالَ: أحسنكم أخلاقاً وأعظمُكُمْ عِلماً و أبرَّكم بقرابيه وَ أَشَدَّكُمْ إِنصافاً مِنْ نَفْسِيهِ فِي الغضب والرّضا.
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) الطَّاعمُ الشَّاكِرُ أَفْضَلُ مِنَ الصَّالِمِ الصَّامِتِ (3).
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): وُدَّ المؤْمِنِ الْمُؤْمِنَ فِي اللّه مِنْ أَعْظَمَ شُعَبِ الإِيمَانِ وَ مَنْ أَحَبَّ فِي اللّه وَ أَبْغَضَ فِي اللّه وَ أَعْطَى فِي اللّه وَ مَنَعَ فِي اللّه فَهُوَ مِنَ الأصفياء.
ص: 48
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): أحَبُّ عِباد اللّه إلى اللّه أنفعهم لِعِبادِهِ وَ أَقوَمُهم بِحَقِّهِ الّذين يُحبِّبُ إليهِمُ المَعْرُوفَ وفعاله.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): مَن أتى إليكم معروفاً فَكافُوه (1)، فَإِنْ لَمَ تَجِدُوا فَأَثْنَوهُ فَإِنَّ الثّناء جزاء.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): مَنْ حُرِمَ الرَّفَقَ فَقَدْ حُرِمَ الخَيْرَ كُلَهُ.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): لا تُمارِ أخاك و تُمازِحْهُ وَلَا تَعِدهُ فَتُخْلِفَهُ (2).
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): الحُرمات الّتي تلزم كلّ مُؤْمِن رِعايتها و الوفاء بها : حُرمَةُ الدِّين و حرمة الأدب و حُرْمَةُ الطَّعَامِ.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): المؤمن دعب لعب. والمنافق قطب غضب (3).
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): نِعمَ العَوْنُ عَلَى تَقوى اللّه الغنى.
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): أَعْجَلُ الشَّرِّ عُقُوبَةَ البَغْيُ.
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): الهَدِيَّةُ عَلَى ثلاثة وُجُوهِ : هَدِيَّةُ مكافأة. وَهَدِيَّةٌ مُصانَعَةٍ وَ هَديَّةٌ للّه.
وَقَالَ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): طوبي مِنْ تَرَكَ شَهْوَةٌ حاضِرَةٌ لِمَوعُودٍ لَمْ يَرَه.
وَ قالَ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): مَنْ عَدَّ غَداً مِنْ أجَلِهِ فَقَدْ أَساءَ صُحْبَةَ المَوْتِ (4).
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): كَيْفَ بِكُم إِذا فَسَدَ نِسَاؤُكُمْ وَ فَسَقَ شُبّائكم (5) وَ لَمْ تَأْمُرُو بِالمَعْرُوفِ وَلَمْ تَنْهَوا عَنِ الْمُنْكَرِ ؟! قيلَ لَهُ : وَ يَكونُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللّه ؟ قَالَ : نَعَمْ وَشَرّ مِنْ ذلِكَ، وَ كَيْفَ بِكُم إِذا أَمَرْتُم بِالمُنكَرِ وَ نَهيتُمْ عَنِ الْمَعْرُوفِ قِيلَ : يَا رَسُولَ اللّه ويكون ذلِكَ ؟ قَالَ : نَعَمْ وَ شَرٌّ مِنْ ذلِكَ، وَ كَيفَ بِكُمْ إِذَا رَأَيْتُمُ المَعْرُوفَ مُنكَراً و المنكر معروفاً.
ص: 49
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): إذا تَطَيَّرْتَ فَامْضِ. و إذا ظَنَنْتَ فَلَا تَقْضِ وَ إِذا حَسَدَتَ فلا تبغ (1).
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): رفع عَنْ أُمَّتِي [ تِسْع ] : الخَطَأُ وَالنِّسْيانُ. وَ مَا أكْرِ هوا عَلَيْهِ و مالا يَعْلَمُونَ وَ مالا يُطِيعُونَ وَ مَا اضْطُرُّوا إِلَيْهِ. وَ الحَسَدُ. وَ الطيرة و التفكر في الوسوسة في الخَلْقِ مَالَمْ يَنْطِقُ بَشَفَة وَ لا لِسَانِ (2).
و قالَ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): لَا يَحْزَنْ أَحَدُكُمْ أَن تُرْفَعَ عَنْهُ الرُّؤْيَا فَإِنَّهُ إِذا رَسَمَحَ فِي العِلْمِ رُفِعَتْ عَنْهُ الرُّؤيا.
و قالَ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي إِذا صَلُحَا صَلَحَتْ أُمَّتِي وَإِذا فَسَدًا فَسَدَتْ أمتي، قيل : يَا رَسُولَ اللّه وَ مَنْ هُمْ ؟ قال : الفُقَهَاءُ وَالأمَرَاءُ.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): أَكْمَلُ النَّاس عقلاً أخوفهُم للّه وَ أَطْوَعُهُمْ لَهُ، وَ أَنْقَصُ النَّاس عَقلاً أَخْوَفَهُمْ أخوفهم للسلطانِ وَ أَطْوَعُهُمْ لَهُ.
ص: 50
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): ثلاثة مجالستهم تميتُ القَلبَ : الجلوسُ مَعَ الأَنْذَالِ وَ الحَدِيثُ مع النساءِ وَ الجُلُوسُ مَعَ الأغنياء (1).
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): إذا غَضِبَ اللّه عَلى أمة ولم ينزلِ العَذابَ عَلَيْهِم، غَلَتْ أَسْعارها وَ قَصُرَتْ أعمارها، و لم تَرْبَحَ تُجّارُها (2)، وَلَم تَزكُ ثِمارُها، ولَم تَغْزُرْ أَنهارُها (3) وحُبِسَ عنها أمطارها، وسُلْطَ عَلَيْها [أ] شرارها.
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): إذا كَثُرَ الزَّنَا بَعْدِي كَثُرَمَوْتُ الفُجأة. وإذا طُفِّف المكيالُ أَخَذَهُم اللّه بِالسِّنينَ وَالنَّقْصِ (4). و إذا منعوُا الزَّكَاةَ مَنَعَتِ الأَرْضُ بَرَكَاتِهَا مِنَ الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ و المعادن و إذا جاروا في الحُكْم تعاونوا على الظلم والعدوان، وإذا نقضوا العهود سَلَّطَ اللّه عَلَيهم عدوَّهم. و إذا قَطَعَوا الأرْحَامَ جُعِلَت الأمْوالُ فِي أَيْدِي الأَشْرارِ. وإذا لَم يَأْمُرُوا بِالمعروفِ وَ لَمْ يَنْهُوا عَنِ المُنكَرِ ولَمْ يَتَّبِعُوا الأخيارَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي سَلَّطَ اللّه عليهم أشرارَهُمْ فَيَدْعُو عِنْدَ ذلِكَ خِيارُهم فَلَا يُسْتَجَابُ لَهُم.
و لما تتَزَلَتْ عَلَيْهِ (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ) (5) - إلى آخر الآية - قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): مَن لَم يتعزّ بعزاء اللّه انقَطَعَتْ نَفْسُه حَسَرَاتٍ عَلَى الدُّنيا (6) وَ مَنْ مَدَّ عَينيه إلى ما في أيدِي النَّاس من دنياهم طالَ حُزْنُه وَسَخِطَ مَا قَسَّمُ اللّه لَهُ مِنْ
ص: 51
رزقه و تنقص عَليه عَيْشُه (1) وَمَنْ لَمْ يَرَ أَنَّ للّه عَلَيْهِ نِعْمَةً إِلَّا فِي مَطْعَمٍ أو مَشْرب فقد جَهِلَ و كَفَرَ نِعَمَ اللّه وَصَل سَعَيْهُ وَدَنَا مِنْهُ عَذَابُه.
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): لا يَدْخُلُ الجنّة إِلَّا مَنْ كانَ مُسْلِماً، فقال أبوذر : يا رَسُولَ اللّه وما الإسلام : فَقالَ : الإِسْلامُ عُرْيانُ وَلِبَاسُهُ التَّقوى، وَشِعارُهُ الهدى ودِثَارُهُ الحَياة (2) وَ مِلاكهُ الوَرَعُ. و كمالهُ الدِّين وتَمَرَتُهُ العَمَلُ الصّالِحُ ولكلَّ شَيْءٍ أَساسُ وَ أساس الإسلامِ حُبُّنا أَهْلَ البَيْتِ (3)
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): مَنْ طَلَبَ رِضى مَخلُوقٍ بِسَخَطِ الخَالِقِ سَلَّطَ اللّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ ذلك المخلوق.
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): إنَّ اللّه خَلَقَ عبيداً من خلقه لحوائج النَّاس يَرْغَبُونَ في المعروف ويعدُّون الجُودَ مَجْداً، و اللّه يُحِبُّ مكارم الأخلاق.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): إِنَّ للّه عِباداً يَفزَعُ إليهم النَّاس في حَوائِجِهِمْ أُولَئِكَ هُمُ الآمِنونَ مِنْ عَذاب اللّه يَوْمَ القِيامَةِ.
و قال : إنّ المؤمِنَ يَأخُذُ بِأَدَبِ اللّه، إِذا أَوْسَعَ اللّه عليهِ اتَّسَعَ، وَ إِذا أمْسَكَ عَنْهُ أَمْسَكَ.
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): يأتي على النَّاس زمان لا يبالي الرَّجُلُ ما تَلِفَ مِنْ دِينِهِ إِذا سَلِمَتْ له دنياه.
ص: 52
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): إِنَّ اللّه جَبَل قلوب عباده على حُبِّ مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهَا وَ بَعْضِ مَنْ أساءَ إِلَيْها.
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): إذا فَعَلَتْ اُمَّتى خَمْسَ عَشرة خَصَلَةٌ حَلَّ بها البلاء، قيل : يَا رَسُولَ اللّه ما هُنَّ؟ قال : إذا أخذوا المَعْتَمَ دُولاً (1) وَالأمَانَةَ مَعْنَمَا وَالزَّكَاةَ مَغْرِماً، وَ أَطَاعَ الرَّجُلُ زَوجتَهُ وَعَن أُمَّهُ وَبَرَّ صَدِيقَهُ وَجَهَا أَبَاهُ وَارْتَفَعَتِ الأصْواتُ في المساجد. وأكْرَمَ الرَّجُلُ مَخافَةَ شَره. وَكَانَ ذَعِيمُ القَوْمِ أَرْذَلَهُمْ. و إذا لبِسَ الحَرير. و شُربَتِ الخَمْرُ وَاتَّخِذَ القِيانُ و المعازِفُ (2) وَ لَعَنَ آخِرُ هَذِهِ الأمَّة أو لها، فَلْيَتَرقَّبوا بعد ذلك ثلاث خصال : ريحاً حَمْراء و مَسْخاً و فَسْخاً.
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): الدُّنيا سِجْنُ المُؤمِنِ وَ جَنَّةُ الكَافِرِ (3).
ص: 53
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): يأتي على النَّاس زَمانَ يَكونُ النَّاس فِيهِ ذئاباً، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ ذئباً أكلته الذئاب.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): أقل ما يكون في آخِرِ الزَّمانِ أخٌ يُونَقُ بِهِ أُودِرهَم مِنْ حَلالٍ (1).
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): احْتَرِسُوا مِنَ النَّاس بِسُوءِ الظَّنَّ (2).
قالَ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): إِنما يُدْرَكُ الخَيْرُ كُله بالعقل. ولادِينَ لمَن لا عقل له.
و أثنى قوم بِحضرته على رجلٍ حتّى ذكروا جميع خصالِ الخَيْرِ، فقال رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): كيف عقل الرجلِ؟ فقالوا : يا رسول اللّه نُخبرك عنه باجتهاده في العبادة و أصناف الخَيْرِ تَسْألنا (3) عَنْ عَقلِه ؟ فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): إِن الأَحْمَقَ يُصِيبُ بِحَمْقِهِ أَعْظَمَ مِنْ فُجُورِ الفَاجِرِ و إنَّما يرتفعُ العِبادُ غَداً في الدَّرَجاتِ و يَنالُونَ الزَّلْفَىٰ مِنْ ربّهم عَلَى قَدْرِ عُقولهم.
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): قسّم اللّه العقل ثلاثة أجزاءٍ فَمَنْ كُنَّ فِيهِ كَمَلَ عَقْلُهُ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ فَلا عَقْلَ لَهُ : حُسْنُ المَعْرِفَةِ باللّه و حُسْنُ الطَّاعَةِ للّه وَحُسْنُ الصَّبْرِ عَلَى أَمْرِ اللّه.
وَقَدِمَ المدينة رَجُلٌ نَصْرَانِي مِنْ أَهْلِ نَجْرانَ و كَانَ فِيهِ بَيَانُ وَلَهُ وَقَارُ و هَيْبَةٌ، فقيل : يا رسول اللّه ما أعقل هذا النصرانى فَزَجَرَ القامِل وَ قَالَ : مَه (4) إِنَّ العَاقِلَ مَنْ وَحَدَ اللّه وَ عَمِلَ بِطَاعَتِه.
ص: 54
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): العلم خليل المؤمِنِ وَ الحِلْم وزيره و العَقْلُ دَليلُه و العَمَلُ قَيِّمُهُ. والصبر أميرُ جُنودِه. والرّفق والده. والبر أخوهُ وَالنَّسَبُ آدَمُ والحَسَبُ التَّقوى والمروَّة إصلاح المال (1).
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): مَنْ تَقَدَّمَتَ إِلَيْهِ يَد، كانَ عَليهِ مِنَ الحقّ أَنْ يُكَافِيةَ، فَإِنْ لَم يَفْعَلَ فَالثّناءُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ كَفَرَ النعمة.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): تَصافَحُوا فَإِنَّ التَّصَافُحَ يُذْهِبُ السَّخِيمَةَ (2).
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): يُطْبَعُ المؤمنُ عَلَى كلّ خَصْلَةٍ وَلا يُطْبَعُ عَلَى الكِذَّبِ، وَلا عَلَى الخيانة.
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): إِنَّ مِنَ الشّعر حُكماً. و روي حِكْمَةً (3) وَ إِنَّ مِنَ البَيانِ سِحْراً.
وقال لأبي ذر : أي عرى الإيمانِ أوْثَقُ ؟ قَالَ : اللّه وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فقال: الموالاة في اللّه والمعاداة في اللّه والبغض في اللّه (4).
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): مِنْ سَعادَةِ ابن آدم استخارة (5) اللّه ورِضَاهُ بِما قَضَى اللّه و مِنْ شَقْوَةِ ابنِ آدَمَ تَرَكُهُ اسْتِحَارَةَ اللّه وَسَخَطه بما قَضَى اللّه (6).
و قالَ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): النَّدم توبة.
ص: 55
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): ما آمَنَ بِالقرآنِ مَنِ اسْتَحَلَّ حَرامَه.
و قالَ لَهُ رَجُلٌ : أوصني، فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): إحفظ لِسَانَكَ، ثمَّ قَالَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللّه أوصني ؟ قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): احفظ لسانك، ثمَّ قال : يا رَسُولَ اللّه أَوصني ؟ فقال : وَيْحَكَ وَ هَلْ يَكُبُّ النَّاس عَلَى مَناخِرِهم في النّارِ إِلَّا حَصَائِدُ الْسِنَتِهم (1) ؟.
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): صنائع المعروف تقي مصارع السُّوءِ وَالصَّدَقةُ الخَفِية تُطفِيء غَضَبَ اللّه وصِلَةُ الرَّحِم زيادة في العُمر. وكُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقة. وأهل المعروف في الدُّنياهم أهل المعروفِ في الآخِرَةِ. وَأَهْلُ المُنكَرِ في الدُّنياهُم أهْلُ الْمُنكَرِ فِي الآخِرَةِ وَأُولُ مَنْ يَدْخُلُ الجنّة أهْلُ المَعروفِ (2).
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): إِنَّ اللّه يُحِبُّ إذا أنعم على عَبْدِ أنْ يَرَى أَمْرَ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ، وَيُبْغِضُ البُوْسَ وَالتَّبَؤُسَ.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): حُسْنُ المسألَةِ نَصِفُ العِلْمِ وَالرُّفْقُ نَصِفُ العَيْشِ.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): ويَهْرَمُ ابنُ آدَمَ وَ تَشُب مِنْهُ انْتَتَانِ : العِرْضُ وَالأمَلُ (3).
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): الحياء من الإيمان.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): إذا كان يَوْمَ القِيامَةِ لَمَ تَزِلُّ قَدَ مَا عَبْدٍ حتّى يُسَأَلَ عَنْ أَرْبَعِ : عَنْ عُمْرِم فِيمَ أَفْنَاهُ، وَ عَنْ شَبابِهِ فِيمَ أبلاه وَعمَّا اكْتَسَبَهُ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَ فِيمَ أَنفَقَهُ، وَعَنْ حبنا أهْلَ البَيْتِ (4).
ص: 56
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): مَنْ عَامَلَ النَّاس فَلَمْ يَظْلِمُهم وحدَّثَهم فلم يكذبهم و وعدهم فلم يخلِفهُم فَهُوَ مِنْ كَمُلَتْ مُرُوَّتُهُ (1) وَ ظَهَرَ عَدالَتَهُ وَ وَجَبَ أَجْرُهُ وَ حَرَّمَتْ غَيبَتُهُ.
وقالَ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): الْمُؤْمِنُ حَرَامٌ كُلَّهُ : عِرْضُهُ وَ مَالُهُ وَ دَمُهُ.
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): صلوا أَرْحَامَكُمْ وَ لَوْ بِالسَّلامِ
قالَ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): الإيمانُ عقد بِالقَلْبِ وقَولُ بِالنِّسَانِ وَ عَمَل بِالأرْكَانِ.
قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): لَيْسَ الغِنى عَنْ كَثَرَةِ العَرَض (2) وَلَكِنَّ الغِنى غِنَى النَّفْسِ.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): ترك الشر صدقة.
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): أربعة تلزم كلّ ذِي حِجى وعقل مِنْ أُمتي (3)، قيل : يَارَسُولَ اللّه ماهن : قالَ: اسْتِماعُ العِلم وَحِفْظُهُ وَ نَشْرُهُ وَالعَمَلُ به.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): إِنَّ مِنَ البَيانِ سِحْراً وَ مِنَ العِلْمِ جَهلاً و مِنَ القَول عَيّاً (4).
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): السُّنةُ سُنتان، سُنة في فريضة الأخذ بعدي بها هدى وَتَرْكها ضلالَةَ وَ سُنَةٌ في غَيْرِ فَرِيضَةِ الأخُذُ بِها فَضِيلَةٌ وَتَرْكُها غَيْرُ خَطِيئَةٍ.
و قالَ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): مَنْ أرضى سُلْطاناً بِما يُسْخِطُ اللّه خَرَجَ مِن دِينِ اللّه.
و قالَ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): خيرٌ مِنَ الخَيْرِ مُعْطِيهِ و شر من الشَّرَّ فاعِلُه (5).
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): مَنْ تَقَلَهُ اللّه مِنْ ذُلّ المعاصي إلى عِزَّ الطَّاعَةِ أَغْنَاهُ بِلا مَالٍ وَأَعَزَّه بلا عَشِيرَةٍ وَ آنَسَهُ بِلا أنيس. وَ مَنْ خَافَ اللّه أخافَ مِنهُ كلّ شَيْءٍ وَ مَن لَمْ يَخَفِ اللّه أخافَهُ اللّه مِنْ كلّ شَيْءٍ وَ مَنْ رَضِيَ مِنَ اللّه بِاليَسِيرِ مِنَ الرِّزْقِ رَضِي اللّه مِنْهُ بِاليَسِيرِ مِنَ العَمَلِ. و مَنْ لَمْ يَستَحْيِ مِنْ طَلَبِ الحَلالِ مِنَ المَعِيشَةِ خَفَّتْ مَوْنَتُهُ وَ رَحْى بالهُ
ص: 57
وَ نَعِمَ عِيالُهُ وَ مَنْ زَهَدَ فِي الدُّنيا أَثْبَتَ اللّه الحِكْمَةَ في قَلْبِهِ وَأَنْطَقَ بها لِسَانَهُ وَبَ- عُيُوبَ الدُّنيا داءَهَا وَدَوَامَها وَأَخْرَجَهُ مِنَ الدُّنيا سالماً إلى دارِ القَرارِ.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): أقبلوا ذوي المَناةِ عثراتهم (1)
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): الزُّهد في الدُّنيا قَصْرُ الأملِ وشُكْرُ كلّ نِعْمَةٍ وَالوَرَعُ عَنْ كلّ ما حَرَّم اللّه.
و قالَ : لا تَعْمَلْ شَيْئًا مِنَ الخَيْرِ رِئَاءَ وَ لا تَدَعْهُ حَيَاءٌ.
وقال : إنما أخافُ عَلى أمتي ثلاثاً : شُحاً مُطاعاً وَ هَوى مُتَّبعاً و إماماً ضلالاً (2).
و قال : مَنْ كَثرَ هَمُّه سَهُم بَدَنُهُ وَمَنْ سَاءَ خَلْقَهُ عُذْبَ نَفْسُهُ وَمَنْ لَاحَى الرجال ذَهَبَتْ مُروَّتَهُ وَ كَرامَتُه.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): أَلا إِنَّ شَرَّ أَمَّتِي الّذين يُكْرَمُونَ مَخَافَةَ شَرِّهِمْ، أَلا وَمَنْ أَكْرَمَهُ النَّاس التّقَاءَ شَرْءٍ فَلَيْسَ مِنِّي.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): مَنْ أَصْبَحَ مِنْ أمتي وهمتهُ غَيْرَ اللّه فَلَيْسَ مِنَ اللّه وَ مَنْ لَمْ يَهْتَمَّ بأمُورِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ وَمَنْ أَقرَّ بِالذُّلِّ طائعاً فَلَيسَ مِنّا أَهْلَ البَيْتِ (3).
ص: 58
وكتب (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) إلى مُعَادٍ يُعَزيهِ بابنه (1) : «مِنْ محمّدِ رَسُولِ اللّه إِلَى مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ : سلامٌ عَلَيْكَ فَإِنِّي أَحْمَدُ اللّه الّذي لا إلَهَ إِلا هُوَ - أما بَعَدْ - فَقَدْ بَلَغَنِي جَزَعُكَ عَلَى وَلَدِكَ الّذي قَضَى اللّه عَلَيْهِ وَ إِنما كَانَ ابْنُكَ مِن مَواهب اللّه الهَنيئَةِ (2) وَعَوارِيهِ الْمُسْتَوْدَعَةِ عِنْدَكَ فَمَتَّعَكَ اللّه بِهِ إِلَى أَجَلٍ وَقَبَضَهُ لِوَقْتِ مَعْلُومٍ فَإِنَّا للّه وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ لَا يُحْبِطَنَّ جَزَعُكَ أَجْرَكَ وَلَوْ قَدِمَتْ عَلَى ثَوابِ مُصِيبَتِكَ لَعَلِمْتَ أن المصيبةَ قدقَصُرَتْ لِعَظيم ما أعَدَّ اللّه عَلَيْهَا مِنَ الثّوابِ لِأَهْلِ التَّسْلِيمَ وَالصَّبْرِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الجَزَعَ لَا يَرُدُّ ميتاً ولا يَدْفَعُ قَدَداً فأحْسِنِ العزاء وتَنَجَّزِ المَوْعُودَ فَلا يَذْهَبَنَّ أسَفُكَ عَلَى مَالَازِمَ لَكَ وَلِجَمِيعِ الخَلْقِ نَازِل بقدره والسلام عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللّه و بركاته».
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ كَثْرَةُ القُرَّاءِ وَ قِلَّةُ الفُقَهَاءِ وَكَثَرَةُ الأمْراءِ وقلّة الأمناء وَكَثرَةُ المطر و قلة النبات.
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): أبلغونى حاجَةَ مَنْ لا يَسْتَطِيعُ إبلاغي حَاجَتَهُ، فَإِنَّهُ مَنْ أبْلَغَ سلطاناً حاجة من لا يستطيعُ إبلاغها قَبتَ اللّه قَدَمَيْهِ عَلَى الصّراطِ يَوْمَ القِيامَةِ (3).
وَ قالَ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): غَرِيبَتَانِ : كَلِمَةً حُكْم مِنْ سَفِيهِ فَاقْبَلُوهَا، وَكَلِمَةُ سَفَهٍ مِنْ حَكِيمٍ فَاغْفِرُوها.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): للكسلان ثلاث علامات : يَتَوانِى حتّى يُفَرِّطَ وَيُفَرط حتّى يُضيِّع و يُضيعُ حتّى يَأْثم.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): مَنْ لا يَسْتَحْيِ مِنَ الحَلالِ نَفَعَ نَفْسَهُ وَ خَفَّتَ مَوْنَتُهُ وَ نَفَى عَنْهُ
ص: 59
الكبر و مَنْ رَضِيَ مِنَ اللّه بِاليَسِيرِ مِنَ الرِّزْقِ رَضِيَ اللّه مِنْهُ (1) بِالقَلِيلِ مِنَ العَمَلِ ومَنْ [يَ]رْغَبُ في الدُّنيا فَطَالَ فيها أملُهُ أعْمَى اللّه قلبه على قَدْرِ رَعْبَتِهِ فِيهَا. وَمَن زَهَدَفِيها فَقَصَّرَ فيها أمَلَهُ أعْطَاهُ اللّه عِلْماً بِغَيْرِ تَعلَّم وَ هُدىً بِغَيرِ هِدايَةٍ فأذهَبَ (2) عَنْهُ العَمى وَجَعَلَهُ بَصيراً، ألا إِنَّهُ سَيَكونُ بَعدِي أقوامُ لا يَسْتَقِيمُ لَهُمُ المُلكُ إِلَّا بِالقَتْلِ والتَّجَبْرِ، وَ لا يَسْتَقِيمُ لَهُمُ الغنى إلَّا بِالبُخْلِ، وَ لا تَستَقِيمُ لَهُمُ المحبة في النَّاس إِلَّا بِاتِّباع الهوى و التيسير في الدِّين (3) ألا فَمَن أدرك ذلك فصَبَرَ عَلَى الفَقْرِ و هو يَقْدِرُ على الغنى و صَبَرَ عَلَى الذُّلّ و هو يقدِرُ عَلَى العِرَ وصَبَرَ عَلَى البَعْضاء في النَّاس وَ هُوَ يقدِرُ عَلَى المَحَبة لا يريدُ بذلكَ إلا وجه اللّه والدار الآخرة أعطاه اللّه نواب خمسين صديقاً.
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): إيّاكم وتخشع النّفاقِ وَهُوَ أنْ يُرَى الجَسَدُ خَاشِعاً وَ القَلْبُ لَيْسَ بِخاشع.
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): المُحْسِنُ المَدْمُومُ مرحوم.
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): إقبلوا الكَرامَةَ وَأفْضَلُ الكَرَامَةِ الطيِّب، أخفه حملاً وأطيبه ريحاً.
و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): إنما تكون الصَّنيعة إلى ذي دين أو ذِي حَسَبٍ (4) وَجِهادُ الضُّعَفَاءِ تَكُونُ أُوذِي. الحج و جهادُ المَرْأَةِ حُسْنُ التَّبِعُّلِ لِزَوجِها. وَالتَّوَدُّدُ نِصف الدين. [و] ماعالَ امْرُهُ قَط ُّعلى اقتصادٍ. وَاسْتَنزِلُوا الرِّزْقَ (5) بالصَّدَقة. أبى اللّه أَن يَجْعَلَ رِزْقَ عِبادِهِ المُؤْمِنِينَ مِنْ حيث يحتسبون (6).
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): لا يبلغ عَبْدُ أنْ يَكُونَ مِنَ المُتَّقِينَ حتّى يَدَعَ مَالَا بَأْسَ بِهِ حَذَراً لمايه البأس.
ص: 60
باب ما رُوي عن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) (1)
ورُوِي عَنْ أمِيرِ المُؤمِنِينَ الوَصيَّ المُرتضى، عَلِيَّ بن أبي طالِب صَلَواتُ اللّه عَلَيْهِ و آله في طوال هذه المعاني، على أنّنا لو استغرقنا جَمِيعَ مَا وَصَلَ إِلَيْنَا مِنْ خُطَبِهِ وَ كَلامِه فِي التَّوْحِيدِ خَاصَّةً دُونَ ماسواهُ مِنَ المعاني لَكَانَ مِثلَ جَميع هذا الكِتابِ وَ لكننَا ابْتَدَأنا الروايةَ عَنْهُ بِخُطْبَةٍ وَاحِدَةٍ في التَّوْحِيدِ وَقَعَ الاقتصار عليها، ثمَّ ذكرنا بعدها ما اقتضاء الكِتابُ مُقْتَصِرِينَ لِما وَرَدَعَنهُ في هَذِهِ المَعَانِي عَلَى مَاغرب مِنْهَا وَأَجْمَعَ على تفضيله الخاص والعام وَفِيهِ مُقْنِعُ إن شاء اللّه تعالى.
إنَّ أَوَّلَ عِبَادَةِ اللّه مَعْرِفَتُهُ وَ أَصْلَ مَعْرِفَتِهِ تَوجِيدُهُ وَ نِظَامَ تَوْجِيدِهِ نَفْي الصفاتِ عَنْهُ (2)، لِشَهَادَةِ العُقولِ أَنَّ كلّ صِفَةٍ و موصوف مَخْلُوقٌ، وَ شَهَادَةِ كلّ مَخلوقٍ أَنَّ له خالِقاً لَيْسَ بصفةٍ ولا مَوْضُوفٍ، وَ شَهادَةِ كلّ صفة وموصوف بالاقترانِ وَشَهادَةِ الاقتران بالحدث و شهادةِ الحَدَثِ بِالامتناع مِنَ الأزْلِ الممتنع مِنْ حَدَثهِ (3) فَلَيْسَ اللّه عَرَفَ مَنْ عَرَفَ ذاتَهُ (4) وَلالَهُ وَحَدَ مَنْ نَهاهُ (5) ولا يه صَدَّقَ مَنْ مَثْلَهُ وَلَا حَقِيقَتَهُ أَصَابَ مَنْ شَبهُهُ
ص: 61
وَلَا إيّاه أرادَ مَنْ تَوَهُمَهُ وَلَالَهُ وَحْدَ مَنِ اكْتَنَهَهُ (1) وَلَا بِهِ آمَنَ مَنْ جَعَلَ لَهُ نِهَايَةً وَلَا صَمَدَهُ مَنْ أشار إليه (2) وَلَا إيّاه عَنى مَنْ حَدَّه، وَلالَهُ تَذَأسّلَ من بَعَّضَه، (3) كلّ قائم بِنَفْسِهِ مَصْنُوع (4) وَكُلُّ مَوْجُودٍ في سواه معلول.
بصنع اللّه يُستدل عليه وَبِالْعُقُولِ تُعتَقَدَمَعرِفتُه وَبِالْفِكْرَةِ تَنبُتُ حُجَّتُه وَبِآيَاتِهِ احْتَجَ عَلى خَلْقِهِ (5) خَلَقَ اللّه الخَلْقَ فَعَلقَ حِجاباً بينه وبينهم فبماينَتِهِ إِيَّاهُمْ مُفارقته إنِّيتهم (6).
ص: 62
و إيداؤُهُ إيَّاهُمْ شَاهِدُ عَلَى أَلَّا أَداةَ فِيهِ الشَهَادَةِ الأَدَواتِ بِفَاقَةِ الْمُؤدَينَ وَابْتِدَاؤُهُ إِيَّاهم دليل على أَلَّا ابْتِداءَ لَهُ لِعَجْزِ كلّ مُبْتَدَء، عَنْ إِبْداءِ غَيرِه.
أسماؤه تعبير و أفعاله تفهيم. و ذاتُهُ حَقيقَةٌ و كُنْهُهُ تَفْرِقَةً بَيْنَهُ وَ بَينَ خَلْقِهِ، قَدْ جَهِلَ اللّه مَنِ اسْتَوصَفَه وتَعدَّاه مَن مَثَلَه وَ أَخْطَأَهُ من اكتنههُ (1)، فَمَنْ قال : أيْنَ فَقَدْ بَوَّأَه. وَمَنْ قالَ : فِيمَ فَقَدْ ضَمَّنَهُ ومَنْ قالَ إلى مَ فَقَد نَهاهُ و مَنْ قال : لِمَ فَقَدْ علَّله (2) و من قالَ : كَيْفَ، فَقَدْ شَببَهَهُ وَ مَن قال : إذ، فَقَدْ وَقَتَهُ وَ مَنْ قَالَ : حتّى فَقَدْ غَيّاهُ (3) وَمَن غَيّاهُ فَقَدْ جَزَّاه. ومَنْ جَزأه فقد وَصَفَهُ، وَمَنْ وَصَفَهُ فَقَدْ الْحَدَ فيه ومن بعَّضه فقد عدل عَنْهُ.
لا يتغيَّر اللّه بتغيير المخلوقِ كَما لا يَتَحدَّدُ بِتَحْدِيدِ المَحدُودِ، أَحَدٌ لا بتأويل عَدَدٍ، صَمَدٌ لا يتبعيض بَدَدٍ، (4) لا بِاشْتِمالِ رُؤْيةٍ، لطيف لا بتجسّم، فاعِل لا بِاضْطِرابِ حَرَكَةٍ، مُقَدَّر لا بِجُولِ فكر[ة]، مدبِّر لا بحركة، سميع لا بآلة، بصير لا بأداةٍ، قَريبُ لا بمداناةٍ، بَعِيد لا بمسافةٍ، مَوْجُودٌ لا بَعْدَ عَدَمٍ، لا تصحبه الأوقات وَلا تَتَضَمَّنَهُ الأماكن، ولا تَأْخُذُهُ باطِن لا بمُداخَلَةٍ، ظَاهِرُ لا بِمَزايَلَةٍ، مُتَجَل
ص: 63
السَّناةُ (1) وَلا تَحدُّهُ الصَّفاتُ وَلا تُقيِّدُهُ الأَدواتُ، سَبَقَ الأوقات كَوْنُهُ وَالعَدَمَ وجُودُهُ وَالإبتداء أزله (2).
بتشعيره المشاعِرَ عَلِمَ أنْ لا مَشْعَرَ لَه. وبتجهيرِهِ الجَواهِرَ علم أن لا جوهرلَهُ. و بإنشائه البرايا عَلِمَ أنْ لا مُنْشِي، لَهُ وَبِمُضادَّتِهِ بَيْنَ الأُمورِ عُرِفَ أَنْ لا ضِدَّ لَهُ وَبِمُقارَنَتِهِ بَيْنَ الأَشياء علم أن لاقرِينَ لَهُ (3)، ضاد النُّورَ بِالظُّلَمَةِ وَالصَرْدَ بِالحَرُورِ (4)، مُؤَلَّفاً
ص: 64
بين مُتَعَادِياتها (1) مُتَقَارِباً بَيْنَ مُتَبَايِنَاتِها، دالةً بِتَفْرِيقِهَا عَلَى مُفَرِّقها وَبِتَأْلِيفِها عَلَى مؤلفها، جَعَلَهَا سُبْحانَهُ دلائِلَ عَلَى رُبُبيوتِهِ وَ شَواهِدَ عَلَى غَيْبَتِهِ وَ نَواطِقَ عَنْ حِكْمَتِهِ إذْ يَنْطِقُ تَكُونَهُن عَنْ حَدَنِهِنَّ وَ يُخْبِرْنَ بِوُجُودِهِنَّ عَنْ عَدَمِهِنَّ، وَ يُنْبِئنَ بِتَنقِيلِهِنَّ عَنْ زَوالِهِنَّ وَ يُعْلِنَّ بِأقُولِهِنَّ أَنْ لَا أَقُولَ لِخَالِقِهِنَّ، و ذلِكَ قَولُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : «وَ مِنْ كُلِّ شَيءٍ خَلَقنَا زَوجَينِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَرُونَ» (2)، ففرق بين هاتين قبل وبعد ليعلم أن لا قبل له ولا وَبَعدِ لَهُ بعد، شاهدةً بغرائزها أنْ لا غَرِيزة لِمغرَزِّها (3) دالّة بِتَفاوُتِها أَنْ لَا تَفَاوُتَ فِي مُفاوِتِها، مُخْبِرةً بتوقيتها أن لا وقت لموقيتها، حَجَبَ بَعْضَها عَنْ بَعْضِ لِيُعْلَمَ أَنْ لَاحِجَابَ بَينَهُ وَبَيْنَهَا، ثَبَتَ له معنى الربوبية إذ لا مَرْبُوبَ وَحَقِيقَةُ الإِلَهِيَّةِ وَلا مألوة (4) وتأويلُ السَّمْعِ وَلَا مَسَمُوعَ وَمَعْنَى العِلمِ وَلا مَعْلُومَ وَ وُجُوبُ القَدْرَةِ وَلَا مَقدُورَ عَلَيْهِ، لَيْسَ مَنْ خَلَقَ الخَلَقَ اسْتَحَقَّ اسم الخالقِ ولا بإحدانِهِ البَرايَا اسْتَحقَّ اسْمَ البارى، (5) فَرَّقَهَا لا مِنْ شَيءٍ وَأَلْقَها لا بِشَيْءٍ وقدَّرها لا باهتمام، لا تقع الأوهام على كنيه ولا تُحيط الأفهام بذاتِهِ لا تَفُوتُهُ مَتى (6)
ص: 65
ولا تدنيه قد ولا تحجبه لَعَلَّ ولا تُقارِنُه مَعَ وَلا تَشْتَمِلُهُ هُوَ، إنما تَحُدُّ الأدوات أنفسها و تشير الآلة إلى نظائِرِها و في الأشياء توجد أفعالها وعَن الفاقَةِ تُخبر الأداء وعن الضد يخبرُ التّضاد وإلى شبهه يَؤُولُ الشَّبِيه وَمَعَ الأحداث أوقاتها وبالأَسماءِ تَفْتَرِقُ صفاتها وَ مِنْها فَصَلَتْ قَرَابْنُها وَإِلَيْهَا آلَتْ أحداثها (1)، منعتها من القِدْمَةَ وَحَمَتْها قدِ الأَزَليَّة ونفت عنها أولا الجبرية، افْتَرَقَتْ فَدَلَّتْ عَلَى مُفَرِّقها وَتَبَايَنَتْ فَأعْرَبَتْ عَنْ مُباينها، بها تَجَلَّى صَانِعُها لِلْعُقُولِ وَ بهَا احْتَجَبَ عَن الرُّؤيَةِ وَ إِليها تحاكم الأوهام وفيها أَثبِتَتِ العِبْرَةُ وَ مِنْها أبسط الدليل، بالعُقُولِ يُعْتَقَدُ التَّصْدِيقُ باللّه و بالاقرارِ يكمل الإيمان (2)
ص: 66
لا دِينَ إِلَّا بِمَعرفَةٍ وَلا مَعْرِفةَ إِلَّا بِتَصْدِيقِ وَلَا تَصْدِيقَ إِلَّا بِتَجْرِيدِ التَّوْحِيدِ ولا توحيد إلَّا بالإخلاص وَلا إِخْلَاصَ مَعَ التَشسْبِيهِ وَلَا نَفَى مَعَ إِنْبَاتِ الصَّفَاتِ وَ لَا تَجْرِيدَ إلا باستقصاء النفي كُلِه، إثباتُ بعض التشبيه يُوجِبُ الكُل وَلَا يَسْتَوْجِبُ كلّ التَّوْحِيدِ بِبَعْضِ النَّفي دُونَ الكُلِّ وَالإقرار نفي الإنكارِ وَلَايَنَالُ الإِخْلَاصُ بِشَيْءٍ مِنَ الإِنكَارِ، كلّ مَوْجُودٍ فِي الخَلْقِ لا يُوجَدُ في خَالِقِهِ وَكُلُّ ما يُمكنُ فِيهِ يَمْتَنِعُ في صانِعِه، لا تَجْرِي عَلَيْهِ الحَرَكَةُ وَلا يُمْكِنُ فِيهِ التَّجْزِيَةُ وَلَا الاتصال، وَ كَيْفَ يَجْرِي عَلَيْهِ مَا هُوَ أَجْراهُ أو يَعُودُ إِلَيْهِ مَا هُوَ ابْتِدَاهُ أو يحدث فيهِ ما هُوَ أَحْدَتَهُ إِذا لَتَفاوَتَتْ ذاتُهُ وَ لَتَجزأ كنهه وَلَأمتَنَعَ مِنَ الأَزْلِ مَعْناهُ وَ لَما كانَ لِلأَزْلِ مَعْنى إِلَّا مَعْنَى الحَدَثِ وَلَا لِلْبَارِيهِ إِلَّا معنى المبروء (1) لَو كَانَ لَهُ وَرَاءٌ لَكَانَ لَهُ أمامَ وَلَوِ التَمَسَ التِّمَامَ إِذا لَزِمَهُ النَّقْصانُ وكَيْفَ يَسْتَحِقُّ اسْمَ الأَزَلِ مَنْ لَا يَمْنَعُ مِنَ الحَدَثِ وَكَيْفَ يَسْتَأْهِلُ الدَّوامَ مَنْ تَنَقَّلُهُ الأحوال و الأعوامُ وَكَيْفَ يُنْشِيءُ الأشياءَ مَنْ لا يَمْتَنعُ مِنَ الأشْيَاء (2) إِذا لَقَامَتْ فِيهِ آلَةُ المَصنُوعِ وَلَتَحول دليلاً بَعْدَ أَنْ كَانَ مَدْ لُولاً عَليه وَلَاقَتَرَنَتْ صِفاتُهُ بِسِفاتِ مادونه، لَيْسَ فِي مُحالِ القَوْلِ حُجَّةٌ ولا في المَسْأَلَةِ عَنْها جواب (3). - هذا مختصر منها -(4).
ص: 67
مِنَ الوالد الفانِ المقر لِلزَّمانِ (1)، المدبر العُمُرِ، المُسْتَسْلِمِ لِلدَّهْرِ، الدَّامِ لِلدُّنيا، الساكِنِ مَساكِنَ المَوْتَى الظَّاعِنِ عنها إلَيْهِم غَداً إلى المولود المُؤَمَلِ ما لا يُدْرَك (2) السّالِكِ سَبِيلَ مَنْ قَدْ هَلَكَ، غَرَضِ الأَسْقَامِ وَرَهِينِةِ الأيامِ وَ رَمِيَّةِ المَصائب (3) وَعَبْدِ الدُّنيا و تاجِرِ الغُرُورِ وَغَرِيمِ المَنايا و أسير الموتِ و حَلِيفِ الهُمُومِ وَ قَرِينِ الْأَحْرَانِ وَ نُصُب الآفاتِ وَ صَرِيعِ الشَّهَوَاتِ وَ خَليفة الأمواتِ (4) - أما بَعدَ - فَإِنَّ فِيمَا تَبَيِّنتُ مِنْ إدْبارِ الدُّنيا عَنِّي و جُمُوحِ الدَّهْرِ عَلَيَّ وَ إقبال الآخرِةِ إِلَيَّ مَا يَزَعْنِي عَنْ ذَكْرِ مَنْ سواي (5) و الاهْتِمَامِ بِما و رائي غَيْرَ أَنَّهُ حَيْثُ تَفَرَّدَ بِي دُونَ هُمُومِ النَّاس هَمَّ نَفْسِي فَصَدَفَني رأيي و صرَفني هَوايَ وصَرَّحَ لي مَحْضُ أمري فأفضى بي إلى جد لا يكونُ فيه لعب وصدق لا يَسُوبُه كَذِب (6) [وَ] وَجَدْتُكَ بَعضي بل وَجَدتُك كُلّي حتّى كأنَّ شيئاً [ لو] أصابك أصابني وكَأَنَّ المَوْتَ لَوْ أتاك أتاني، فَعَنَانِي مِنْ أَمْرِكَ ما يعنيني مِنْ أمر نفسي مكتبتُ إِلَيْكَ كِتابي هذا مُسْتَظهراً به إن أنا بَقيتُ لَكَ أوفَنيتُ (7).
فإِنِّي أوصيك بتقوى اللّه أيّ بَنَىّ وَ لزوم أمرِه و عِمارَةِ قَلْبِكَ بِذِكرِه والاعتصام
ص: 68
بحبله وأي سبب أوثق من سَبَب بينك وبين اللّه إن [أنت] أخذت به.
أخي قَلْبَكَ بالموعظة و مَوِّتهُ بالزهد و قوِّه باليقينِ وَذَلِّلهُ بالمَوتِ (1) و قرِّرهُ بالفناء وبصِّرة فجائع الدُّنيا (2) وحَذَرَهُ صولة الدهر و فحش تقلِّب الليالي والأيّام (3) و أعرض عليه أخبار الماضين وذكره بما أصاب من كان قبله و سرفي بلادهم و آثارهم و انظر ما فعلوا و أينَ حَلُوا وَ عَمَّا انتقلوا فإنَّكَ تَجدهم انْتَقَلُوا عَنِ الأحبَّةِ وحَلّوا دارَ الغُربة و نادِ في ديارهم : أيتها الديار الخالية أيْنَ أَهْلَكَ ثمَّ قِف على قبورهم فَقُلْ: أيتها الأجساد البالية و الأعضاء المتفرقة كيفَ وَجَدتُم الدار الّتي أنتم بها، أي بني وَ كَأَنكَ عَنْ قَلِيلِ قَدْ صِرْت كأحَدِهِمْ فَأَصْلِحْ مَثواك و لا تَبِعْ آخرتكَ بِدُنياكَ ودَعْ القولَ فِيمَا لا تَعْرِفُ وَالخِطَابَ فيما لا تكلف وأمسِكَ عَنْ طَريقٍ إِذا خِفْتَ ضَلالَه فَإِنَّ الكَفَّ عن حَيْرَةِ الضَّلالَةِ خَيْرٌ مِن رُكوب الأهوالِ، وَ أَمُرُ بِالمَعْرُوفِ تَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ وَأنْكِرِ المُنكَرَ بِلِسَانِكَ ويَدِكَ وَ باينْ مَنْ فَعَلَهُ بِجَهدِكَ وَ جَاهِدِ في اللّه حق جهاده ولا تأخُذْكَ في اللّه لَوْمَةُ لائم و خُضِ الغَمَراتِ إلى الحقّ حيث كان(4) و تفقَّه في الدِّين و عَوّد نَفْسَكَ التَّصَبُّرَ (5) والجى نَفَسَكَ في الأمورِ كُلها إلى إليكَ فإنَّكَ تُلْجِئُها إلى كهف حريز(6) ومانع عَزِيز وأخلص في المسألةِ لِرَبِّكَ فَإِنَّ بَيَدِهِ العَطاء وَالحِرمان وأكثر الاستخارة (7) و تفهّم وصيّتي ولا تذهبنّ [عنها ] صَفْحاً (8)، فإنَّ خير القول مانفع
ص: 69
وَ اعلَم أنه لا خير في عِلمٍ لا ينفع ولا يُنتفع يعلم حِينَ لا يقال به. (1)
أي بني إني لما رأيتُكَ قَد بَلَغَتَ سِنّاً (2) ورأيتني أزداد وهنا بادرت بوصيَّتي إيّاك خصالاً مِنْهُنَّ أَنْ يَعْجَلَ بي أجلى (3) دونَ أن أفضيَ إِلَيْكَ بِمَا فِي نَفْسي أو أُنقَصَ فِي رَأيي كَمَا نُقِصَتُ في جسمي، أو يسبقني إليكَ بَعْضُ غَلَبَاتِ الهَوى و فِتَنِ الدُّنيا فَتَكُونَ كالصَّعْبِ النَّفُورِ (4) وَ إِنَّمَا قَلَبُ الحَدَثِ كالأرْضِ الخالية ما أُلقي فيها مِنْ شَيْءٍ قَبِلَتْهُ فبادرتك بالأدبِ قَبلَ أَنْ يَقْسُوَ قَلْبُكَ ويَشْتَغِلَ لُبَكَ لِتَسْتَقبِلَ بِجِد رَأيكَ مِنَ الأمر ما قَد كَفاكَ أهْلُ التَّجارب بغيته وتجربته (5) فتكون قد كفيت مؤونة الطلب وعُوفيت مِن عِلاج التَّجْرِبَةِ فأتاكَ مِنْ ذلِكَ ما قَدْ كُنا نأتِيهِ وَاسْتَبانَ لَكَ مِنْهُ مَا رُبِّمَا أَظْلَمَ عَلَيْنَا فِيهِ (6).
أي بُنَيَّ إِنِّي وإنْ لم أكن عُمرتُ عُمرَ مَن كانَ قَبلَى فَقَدْ نَظَرْتُ في أَعْمَالِهِمْ و فكّرتُ في أخبارِهِمْ وَسِرْتُ في آثارِهِمْ حتّى عُدتُ كَأَحَدِهِمْ بَلْ كَأَنِّي بِمَا انتهى إلي مِنْ أُمُورِهِمْ قَدْ عُمِّرْتُ معَ أَوَّلِهِمْ إلى آخِرِهِمْ فَعَرفتُ صَفْو ذلك من كَدَدِه و نَفْعَه من ضَرَّهُ، فَاسْتَخلَصتُ لَكَ مِن كلّ أمر تخيله و تَوخّيتُ لك جميله (7) و صرفتُ عنك
ص: 70
مَجْهُولَهُ ورَأيتُ حَيْثُ عَنانِي مِنْ أَمْرِكَ ما يعني الوالِدَ الشَّفيقَ وأَجْمَعتُ عَلَيهِ من (1) أدبِكَ أنْ يَكُونَ ذلِكَ وأنتَ مُقبل بينَ ذِي النيَّة وَالنِّيَّةِ وأَنْ أَبْدَاكَ بِتَعْلِيمِ كِتابِ اللّه (2) و تأويله وشرائع الإسلام وأحكامه وحَلالِهِ وحَرامِه، لا أجاوِزُ ذلِكَ بِكَ إلى غَيْرِهِ ثمَّ أشْفَقتُ أن بلبْسَكَ مَا اختَلَفَ النَّاس فِيهِ مِنْ أهوائهم مِثْلَ الّذي لَبَّسهُمْ (3) لو كان إحكام ذلِكَ لَكَ عَلى ما كَرِهْتُ مِنْ تَنْبِيكَ لَهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِسْلَامِكَ إلى أمرٍ لا آمَنُ عَلَيكَ فِيهِ الهَلكَة (4) وَرَجَوْتُ أنْ يُوَفِّقَكَ اللّه فِيهِ لِرُشدِكَ وأن يَهْدِيَكَ لِقَصْدِكَ فَعَهِدْتُ إِلَيْكَ وَصِيَّتي هذه وأحكمُ مَعَ ذلِكَ.
أيْ بُنَيَّ إِنَّ أَحَبَّ مَا أَنْتَ آخِذُ بِهِ إِلَيَّ مِن وَصيتي تَقَوَى اللّه وَالاقْتِصَارُ عَلى ما افْتَرَضَ عَلَيْكَ والأخذُ بِما مَضَى عَلَيْهِ الأولونَ مِنْ آبائِكَ والصَّالِحُونَ مِنْ أَهْلِ مِلْتِكَ فإنهم لم يَدَعُوا أَنْ [يَ-]نظُرُوا لأنفُسِهِم كما أنتَ ناظر وفكروا كما أنتَ مُفَكِرٌ، ثمَّ ردَّهم آخر ذلك إلى الأخذ بما عَرَفوا و الإنساكِ عَمَالَمْ يُكلفوا، فإن أبَتْ نَفْسُكَ أن تقبلَ ذلِكَ دون أن تَعْلَمَ كما كانوا عَلِمُوا فَلْيَكُنْ طَلَبُكَ ذلِكَ بتفهم وتعلم لا بِتَوَرطِ الشبَّهات و عُلَقِ الخُصوماتِ، وابدأ قَبْلَ نَظَرِكَ في ذلِكَ بِالاستعانة باليك عليه والرغبة إليه في توفيقك وترك كلّ شائبة أدْخَلَتْ عليك شبهة (5) وأَسْلَمَتكَ إلَى ضَلالَةٍ وإذا أنتَ أيقنت أن قَدْ صَفا [لَكَ] قلبكَ فَخَشَعَ وتمَّ رأيكَ فَاجْتَمَعَ وكانَ هَمُّكَ في ذلك هَماً واحداً فانظر فيما فَسَرْتُ لَكَ وإنْ أنْتَ لَمْ يَجْتَمِعْ لَكَ ما تُحِبُّ مِنْ نَفْسِكَ مِنْ فَراغ (6) فِكْرِكَ
ص: 71
و نظرك فاعلم أنك إنَّما تَخبط خبط العشواء (1) وليس طالبُ الدِّين مَنْ خَبَطَ ولا خَلَطَ والإمساك عِندَ ذلِكَ أَمْثَلُ (2).
و إن أول ما أبدأ بِهِ مِنْ ذلِكَ وَ آخِرَهُ أَنِّي أَحْمَدُ إلَيْكَ إلهي وإنهاك و إله آبائك الأولين والآخرين وَرَبِّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأَرَضِينَ بِما هُوَ أهْلُهُ [و] كَما هُوَ أهله وكَمَا يُحِبُّ وينبغي وَنَسَأَله أَنْ يُصَلِّي عنَّا عَلى نَبينا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وعلى أَهْلِ بَيْتِهِ وَعَلَى أنبياء اللّه ورُسُلِهِ بِصَلَاةِ جَميعِ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ مِنْ خَلقِهِ وَ أَنْ يُتمَّ نِعَمَهُ عَلَيْنَا فِيمَا وَفَّقنا له مِنْ مسألته بالاجابة لنا فإِنَّ بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ.
فتفهَّم أي بني وَصِيتِي وَاعْلَمْ أنَّ مالك الموت هو مالِكُ الحَياةِ وَأنَّ الخالق هو المميتُ وأن المفني هو المعيد وأن المبتلى هُوَ المعافي وَأنَّ الدُّنيا لم تكن لتستقيم إلا على ما خلقها اللّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْهِ مِنَ النِّعْماءِ وَ الإِبتلاء والجزاء في المعاد أو ما شاءَ ممَّا لا نعلم، فإن أشكل عَلَيْكَ شَيْءٌ مِنْ ذلِكَ فَاحْمِلَهُ عَلى جَهالَتِك به فَانكَ أَوَّلَ مَا خَلِقْتَ [ خَلِقْتَ ] جَاهِلا ثمَّ علمت وما أكثرَ ما تَجْهَلُ مِنَ الآمر ويَتَخَيَّرُ فِيهِ رَأيَكَ وَ يَضِلُّ فِيهِ بَصَرُك ثمَّ تُبصِرُهُ بعد ذلك، فَاعْتَصِم بالّذي خَلَقَكَ وَ رَزْقَك وسَواك وليكن له تعمدك (3) وَإِلَيْهِ رغبتك وَ مِنْهُ شَفْقَتُكَ وَ اعْلَم [ يا بني ] أنَّ أحَداً لَم يُنبِيء، عَنِ اللّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَمَا أَنْبَأَ عَنْهُ نَبِيّنا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فَارْضَ بِهِ رَائِداً (4) [وَإِلى النَّجاةِ قائِداً ] فَإِنِّي لم آلُكَ نَصِيحَة (5) وإِنَّكَ لم تبلغ في النَّظَرِ لِنَفْسِكَ [ وَإِنِ اجْتَهَدَتَ مَبْلَغَ ] نَظرِي لَكَ. وَاعْلَمْ [ يا بُنَيَّ ] أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِرَبِّكَ شَريك لأتتكَ رُسُلُهُ وَ لَرَأَيْتَ آنارَ مُلْكِهِ وَ سُلْطانِهِ وَ لَعَرَفتَ صِفَتَهُ
ص: 72
وَفِعالَهُ وَلكِنَّهُ إِلهُ واحِدٌ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ، لايُضادُّهُ فِي ذلِكَ أَحَدٌ وَلا يُحاجِه وَ أَنَّهُ خالِقُ كلّ شَيْءٍ وَأَنَّهُ أَجَلَّ مِنْ أَنْ يُثْبِتَ لِرَبُوبيتِهِ بِالإِحَاطَة قَلْبُ أَوْ بَصَرُ (1) وَإِذا أَنْتَ عَرَفْتَ ذلِكَ فَافْعَلْ كَما ينبغي لِمثْلِكَ فِي صِغَرِ خَطَرِكَ وقلة مَقدِرَتِكَ وَعِظَمِ حَاجَتِكَ إِلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ مِثْلَهُ في طَلَب طَاعَتِهِ وَالرَّهْبَةِ لَهُ وَالشَّفَقَةِ مِنْ سُخَطِهِ، فإنه لَمْ يَأْمُرُكَ إِلَّا بِحَسَنِ وَ لَمْ ينهَكَ إِلَّا عَنْ قَبيح.
أي بُنَيَّ إِنِّي قَدْ أَنْباتُكَ عَن الدُّنيا وحالها وزوالها و انتقالها بأهلها وَ أنْبأتُكَ عَن الآخِرَةِ وَمَا أُعِدَّ لأهْلِها فيها. وضَرَبْتُ لك فيهما الأمثال، إنما مَثَلُ مَن أبصَرَ الدُّنيا كَمَثَلِ قَوْمٍ سَفَرٍ نَبابِهِم مَنزِلُ جدبُ فأمّوا منزلاً خَصيباً [ وجناباً مربعاً ] فَاحْتمَلوا وعثاء الطَّريقِ (2) وَفِراقَ الصَّدِيق وخُشُونَةَ السفر في الطعام وَعَناءَ وَ المَنامِ (3) لِيَأْتُوا سَعَةَ دارِهِمْ وَ مَنْزلَ قَرارِهِمْ، فَليْسَ يَجِدُونَ لِشَيءٍ مِنْ ذلِكَ المَأوَلا يرونَ نَفَقَةً مغرماً وَلا شَيئاً أحَبَّ إليهم يما قَرَّ بهم مِنْ مَنْزِلِهِمْ، وَمَثَلُ مَنِ اغْتَرَ بِهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ كَانُوا بِمَنزلٍ خَصْبِ فَنَبابِهِم إِلى مَنزلٍ جَدب فليسَ شَيْءٌ أكرةَ إِلَيْهِمْ وَلَا أَهْوَل لَدَيْهِمْ مِنْ مُفارَقَةِ ما هم فيه إلى ما يَهْجُمُونَ عَلَيهِ (4) و يصيرونَ إِلَيْهِ. و قَرَعْتُكَ بأنواعِ الجَهالَاتِ ليلا تعدّ نفسك عالما، فإن وَرَدَ عَلَيْكَ شَيْءٍ تَعرِفُهُ أكْبَرَتَ ذلك فإنَّ العَالِمَ من عَرَفَ أنَّ ما يَعْلَمُ فيما لا يعلمُ قَلِيلٌ، فَعَدّ نَفْسَهُ بذلك جاهلاً فازداد بما عَرَفَ مِن ذلِكَ في طلب العلم اجتهاداً، فَما يَزالُ لِلْعِلم طالباً وَفِيهِ رَاغِباً وَلَهُ مُستفيداً ولأهله خاشعاً مهتمّاً و للصمّت لازماً وللخطأ خاذِراً وَمِنْهُ مُسْتَحْيِباً، وإنْ وَرَدَ عليه مالا يعرف لم ينكر ذلك لما قرَّرَ بِهِ نَفْسَهُ مِنَ الجهالَةِ، وَإِن الجَاهِلَ مَنْ عَدَّ نَفْسِهِ بِمَا جَهل مِنْ مَعْرِفَةِ العِلم عالِماً وبِرَأي مكتفياً فما يزال العلماء مُبَاعِداً وعَلَيْهِمْ زادِياً وَ لِمَنْ خَالَفَهُ مُخَطِئاً ولما لم يعرف مِنَ الأمورة مورِ مُضَلَّلاً، فَإذا وَرَدَ عَلَيْهِ مِنَ الأُمُورِ مَالَمْ يَعْرِفَهُ أَنْكَرَهُ وَ كَذَّبَ بِهِ وَقَالَ بِجَهَالَتِهِ:
ص: 73
ما أعرِفُ هَذَا وَمَا أَرَاهُ كانَ وَ ما أَظُنُّ أَنْ يَكُونَ وَأَنَّى كَانَ وذلِكَ لِتَقَته يرَأيِه وقلّة مَعرِفَتِهِ بجَهالَتِه، فَماينفك بِما يرى ممّا يَلْتَبِسُ عَلَيْهِ رَأيَهُ ممَّا لا يَعْرِفُ لِلجَهْلِ مُسْتَفِيداً وَلِلْحَقِّ منكراً و في الجهالة متحيراً وَعَنْ طَلَبِ العِلْمِ مُسْتَكبراً.
أي بني تفهّم وصيّتي وَ اجْعَلْ نفسك ميزاناً فيما بينك و بين غيرك، فأحبب لغيرك ما تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَاكْرَة لَهُ ما تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ، ولا تظلم كما لا تحب أن تُظْلَم وأحْسِن كَما تُحِبُّ أنْ يُحْسَنَ إِلَيْكَ. واستقبح من نفسيك ما تَسْتَقْبِحُ مِنْ غيرِكَ، وَارْضَ مِنَ النَّاس لَك ما ترضى به لَهُم مِنكَ (1) وَلا تَقُل بِمالا تعلم بل لا تَقُل كُلَّمَا تَعْلَمُ وَلَا تَقُل مالا تُحِبُّ أن يُقال لك.
وَ اعْلَمْ أَنَّ الإعجاب ضِدُّ الصّوابِ وَ آفَةُ الأَلْبَابِ (2) فَإِذا أَنْتَ هُدِيتَ لِقَصْدِكَ فَكُنْ أخْشعَ ما تَكُونُ لِرَبِّكَ.
وَ اعْلَم أنَّ أمامَكَ طَرِيقاً ذَامَشَقَّةٍ بَعِيدَةٍ وَ أهْوَالٍ شَدِيدَةٍ وَ أَنَّهُ لَا غِنى بِكَ فِيهِ حسن الارتياد (3) وَقَدْرِ بَلاغِكَ مِنَ الزَّادِ (4) مَعَ خِفَّةِ الظَّهْرِ، فَلَا تَحْمِلَنَّ عَلَى ظَهْرِكَ فَوْقَ بَلاغِكَ، فَيَكُونَ ثِقلاً وَ وَبالاً عَلَيْكَ وَ إِذا وَجَدْتَ مِنْ أَهْلِ الحَاجَةِ مَنْ يَحْمِلُ لَكَ زادك فيوافيك به حَيْثُ تَحْتاجُ إِلَيْهِ فَاغْتَنِمهُ، وَاغْتَنِمْ مَنِ اسْتَقْرَضَكَ (5) في حال غِناكَ وَ اجْعَلْ وَقت قَضامِكَ في يَوْم عُسْرَتِكَ (6).
وَاعْلَمْ أنَّ أمامَكَ عَقَبَةٌ كَوْوُداً لا مَحالَةَ مُهْبِطَاً بِكَ على جَنَّةٍ أَوْ عَلَى نَارٍ، المخفُّ
ص: 74
فيها أحسن حالاً من المثقل (1) فارتد لِنَفْسِكَ قَبْلَ نَزولِكَ (2) وَ اعْلَمْ أَنَّ الّذي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ خَزائن الدُّنيا وَالآخِرَةِ قَدْ أذِنَ بِدُعَائِكَ وتَكَفَّل بإجابَتِكَ وأمَرَكَ أنْ تَسْأَلَهُ ليعطِيكَ وَهُوَ رَحيمٌ، لَمْ يَجْعَلْ بينك وبَيْنَه تَرجُماناً، ولَمْ يَحْجُبكَ عنه. و لَمْ يُلْئنكَ إلى مَن يَشْفَعُ إِلَيه لَكَ. وَلَمْ يَمْنَعُكَ إِنْ أَسَأْتَ التَّوبة (3) وَلَمْ يُعيِّرك بالإنابة. و لَمْ يُعاجِلكَ بالنِّقمة. ولم يفضحك حيث تعرّضت للفضيحة. ولَمْ يُناقشك بالجريمة. ولَمْ يُؤيسكَ مِنَ الرّحمةِ، ولَمْ يُشَدِّدَ عَلَيكَ في التوبةِ فَجَعَلَ النُّزوعَ عَنِ الذَّنْبِ حَسَنةٌ (4) وَحَسَبَ سيّئتك واحِدةً وحَسَب حَسَنَتَكَ عَشْراً، وفتح لك باب الكتاب والاستيناف (5)، فَمَتَى شِئتَ سَمعَ نداءك و نجوا فأفضَيتَ إِلَيْهِ بِحاجَتِكَ (6) و أنبأته عَنْ ذَاتِ نَفْسِكَ وشَكوتَ إِلَيْهِ هُمُومَكَ وَ اسْتَعَنْتَهُ عَلى أمورك و ناجَيْتَهُ بِما تَسْتَخفي به مِنَ الخَلْقِ مِنْ سِرِّك (7) ثمَّ جَعَلَ بِيَدِكَ مفاتيح خزائيه فألحح (8) في المسألة يفتح لك باب الرحمة بما أذِنَ لَكَ فِيه مِنْ مَسْأَلَتِه، فَمَتَى شِئتَ اسْتَفْتَحْتَ بالدعاء أبوابَ خَزائِنه، فالحح ولا يُقَنِّطَكَ إِنْ أَبْطَأَتْ عَنْكَ الإِجَابَةُ فَإِنَّ العَطية على قدر المسألة وربما أخَرَتْ عَنكَ الإجابةُ لِيَكُونَ أطْوَلَ لِلْمَسْأَلَة وأجزل لِلعَطيئَةِ ورُبَّما سألتَ الشَّيْءَ فَلَمْ تُؤْتَاهُ وَأوتيتَ خَيراً مِنْهُ عاجلاً و آجلاً، أو صرفَ عَنْكَ لما هو خَيْرٌ لَكَ فَلَرَبِّ أمي قد طَلَبتَهُ فيه هلاك دِينِكَ لو أوتيته ولتكن مسألتُكَ فيما يعنيك ممَّا يَبقى لَكَ جَمَالُه [ أ ] ويُنفى عَنكَ وباله والمال لا يبقى لَكَ وَلا تَبْقَى لَهُ، فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ ترى عاقبة أمرك حَسَناً أو سَيِّئاً أو يعفو العفوُّ الكريم.
ص: 75
و اعلم أنك خُلقت الآخرة لا لِلدُّنيا و للفناء لا البقاء والموت لا للحياة وَأَنَّكَ في منزل قلمةٍ ودار بلغة (1) وطريق إلى الآخِرَةِ، إِنَّكَ طَرِيدُ المَوْتِ الّذي لا ينجو [منه] هاربه ولا بدَّ أنَّه يُدْرِكُكَ يَوْمَا، فَكُنْ مِنْهُ عَلَى حَذَرٍ أَن يُدْرِكَكَ عَلَى حَالِ سيّئة قَدْ كُنتَ تحدث نفسك فيها بالتوبة فيحول بينك وبين ذلك فاذا أنت قد أهْلَكتَ نَفْسَكَ.
أَيْ بُنَيَّ أَكْثِرُ ذِكَرَ المَوْتِ وَ ذِكَرَ مَاتَهْجُم عَلَيْهِ وَ تُفْضَى بَعْدَ المَوْتِ إِلَيْهِ وَ اجْعَلْهُ أمامَكَ حتّى يَأْتِيَكَ وَ قَدْ أَخَذْتَ مِنْهُ حذرك (2) ولا يَأخُذْكَ عَلَى غِرَّتِكَ. و أكثر ذكر الآخرة وما فيها مِنَ النَّعِيمِ وَالعَذاب الأليم، فَإِنَّ ذلك يُزهِّدُكَ فِي الدُّنيا ويُصَغِّرُها عِندَكَ وَقَدْ نَبَّأَكَ اللّه عَنْها وَنَعَتْ لَكَ نَفْسُها (3) و كَشَفَتْ عَنْ مَساوِيهَا، فَإِيَّاكَ أَنْ تَعْتَرَّ بِما تَرى مِنْ إخْلادِ أهْلِها إِلَيْها و تكالبهم عليها (4) وَ إِنَّما أَهْلَها كِلابٌ عاوِيَةٌ وَسِباعٌ ضارِيَّةٌ، يهر بعضُها على بَعْضٍ (5)، يأكُلُ عَزِيزُها ذليلَها وَ كَبِيرُها صَغيرها، قد أضلَّتْ أهلها عن قصد السبيل وسَلَكَتْ بهِمْ طَرِيقَ العمى (6) وأَخَذَتْ بأَبْصَارِهِمْ عَنْ مَنْهَج الصواب فتاهوا في حَيْرَتِها (7) وغَرِقوا في فِتْنَتِها. وَ اتَّخَذُوهَا رَبَّا فَلَعِبَتْ بِهِمْ وَلَعبوابِها و نَسُواما وراءَها.
فإياكَ يا بُنَيَّ أَن تَكون قَدْ شَانَتْهُ كَثرَةُ عُيوبها (8) نَعَمْ مُعَقَلَةٌ وأخرى مُهْمَلَةٌ
ص: 76
قَدْ أَضَلَّتْ عُقُولَها (1) ورَكِبَتْ مَجْهُولها، سُروحُ عَاهَةٍ بِوادٍ وَعَثٍ (2) لَيْسَ لَها راعٍ يقيمها (3). رويداً حتّى يُسْفَرَ الظَّلامُ (4) كَأَنْ قَدْ وَرَدَتِ الظَّعِينَةُ (5) يُوشِكُ مَنْ أَسْرَعَ أَنْ يَؤُوبَ.
و أعلَمُ أَنَّ مَنْ كانَتْ مَطِيَّتُهُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ (6) فَإِنَّهُ يُساريه و إن كان لا يسير، أبى اللّه الاخرابَ الدُّنيا (7) وَعِمارَةَ الآخِرَةِ.
أي بُنَيَّ فَإِنْ تَزْهَدَ فِيمَا زَهَدَكَ اللّه فِيهِ مِنَ الدُّنيا وَ تَعْزُفُ نَفْسَكَ عَنْهَا فَرِيَ أَهْلُ ذلِكَ وَ إِنْ كُنتَ غَيْرَ قابل نصيحتي إيّاك فيها فاعلم يقيناً أنَّكَ لَنْ تَبْلُغَ أَمَلَكَ وَلَنْ تَعْدُوَ أَجَلَكَ وَ أَنَّكَ في سَبِيلِ مَنْ كانَ قَبْلَكَ، فَاخْفِضْ في الطلب (8) و أجمل في المكتسب فَإِنَّهُ رُبَّ طَلَبِ قَدْ جُرَّ إِلى حَرَب (9) وَلَيْسَ كلّ طَالِبِ بِناجِ وَكُلٌّ مُجْمِلٍ بِمُحْتاج. و أكْرِم نَفْسَكَ عَنْ كلّ دَنِيَّةٍ وَ إِنْ سَاقَتُكَ إِلى رَغْبَةٍ، فَإِنَّكَ لَنْ تَعْتَاضَ بِمَا تَبْذُلُ مِنْ نَفْسِكَ عِوَضاً (10) وَلا تَكُن عَبدَغَيرك وقد جَعَلَكَ اللّه حُرَّا وَمَا خَيرُ خَيْرِ لا يُنَالُ إِلَّا بِشَرٍّ
ص: 77
وَ يُسْرِ لا يُنَالُ إِلَّا بِعُسْرٍ (1).
و إيّاك أن تُوجِفَ بِكَ مَطايا الطَّمَع (2) فَتُورِدَّكَ مَناهِلَ الهَلَكَةِ، وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أنْ لا يَكُونَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللّه دَونِعْمَةٍ فَافْعَلْ، فَإِنَّكَ مُدْرِكَ قَسَمَكَ وَ آخِذُ سَهْمَكَ. وَإِنَّ اليسير مِنَ اللّه تَبَارَكَ وتَعَالَى أَكْثَرُ وَ أَعْظَمُ مِنَ الكَثِيرِ مِنْ خَلْقِهِ وإِنْ كانَ كلّ مِنْهُ وَلَوْ نَظَرت - واللّه المَثَلُ الأعلى - فيما تَطْلُبُ مِنَ المُلوكِ ومَنْ دُونَهُمْ مِنَ السَّفَلَةِ لَعَرَفْتَ أَنْ لَكَ في يَسير ما تُصيبُ مِنَ المُلوكِ افتخاراً، و أنَّ عَلَيْكَ فِي كَثِيرٍ ما تصيبُ مِنَ الدُّناةِ عاداً. (3) فاقتصد في أمرك تحمد مقبة عملك (4). إنك لست بائعا شَيْئاً مِنْ دِينِكَ وعِرْضِكَ بِثَمَنِ. و المَعْبُونُ مَنْ غَبَنَ نَصِيبَهُ مِنَ اللّه، فَخُذْ مِنَ الدُّنيا مَا أَتَاكَ وَاتْرُكَ مَا تَولّى، فَإِنْ أنْتَ لَمْ تَفْعَلْ فَأَجَمِلْ فِي الطَّلَبِ.
وإياك ومقاربةَ مَنْ رَهِبتَهُ عَلَى دِينِكَ وباعِدِ السلطان ولا تَأْمَنْ خُدَعَ الشيطان (5) وتقولُ : مَتى أرى ما أنكِرُ تَزَعْتُ، فَإِنَّهُ كَذَا هَلَكَ مَن كانَ قَبلَكَ مِنْ أَهْلِ القِبلَةِ وقد أيقنوا بالمعادِ، فَلَوْ سُمْتَ بَعَضَهُمْ بَيْعَ آخِرَتِهِ بِالدُّنيا لَمْ يَطِبْ بِذلِكَ نَفْساً (6)، ثمَّ قد يَتَخَبَّلُهُ الشَّيْطانُ بِخُدَعِهِ وَ مَكْرِهِ حتّى يُوَرِّطَهُ في هَلَكَتِهِ بِعَرَضِ مِنَ الدُّنيا حَقِيرٍ (7)
ص: 78
وَ يَنقَلَهُ مِنْ شَرِّ إِلى شَر حتّى يُؤْيِسَهُ مِنْ رَحْمَةِ اللّه ويُدْخِلَهُ في القُنُوطِ فَيَجِدُ الوَجة إلى ما خالف الإسلام وأحكامهُ، فَإِنْ أبَتْ نَفْسُكَ الأحَبَّ الدُّنيا و قُرْبَ السلطانِ فَخَالَفتَ ما نهيتُكَ عَنْهُ بما فيه رُشدُكَ، فاملك عَلَيْكَ لسانك فانه لا ثقةَ لِلْمُلوكِ عِنْدَ الغَضَب (1) ولا تسأل عن أخبارهم ولا تنطق عِنْدَ إِسْرَارِهِم ولا تَدْخُلُ فيما بَيْنَكَ وبينهم.
و في الصَّمْتِ السّلامَة مِنَ النَّدامَةِ. وتلافيكَ ما فَرَطَ مِنْ صَمْتِكَ أَيْسَرُ من إدراكك مافات من منطقك (2) و حفظ ما في الوعاء بشدِّ الوكاء. و حِفْظُ ما في يَدَيْكَ أحبُّ إليَّ مِنْ طَلَب ما في يَدِ غَيْرَكَ. ولا تُحَدَّثْ إِلَّا عَنْ ثقةٍ (3) فَتَكُونَ كاذباً والكذب ذُلّ. و حُسْنُ التدبير مَعَ الكفافِ أَكْفى لَكَ مِنَ الكَثِيرِ مَعَ الإِسْرافِ (4) و حُزْنُ اليَأْسِ (5) خَيْرٌ مِنَ الطلب إلى النَّاسِ. وَالعِفَّةُ مَعَ الحِرْفَةِ خَيْرٌ مِنْ سُرُورٍ مَعَ فُجُورٍ (6) وَ المَرَءُ أَحْفَظُ لسرِّة (7). ورُبَّ ساع فيما يَضُرُّهُ (8) مَنْ أَكْثَرَ [أ] هْجَرَ (9) وَ مَنْ تَفَكَّرَ أَبْصَرَ. وَ مِنْ خَيْرِ حَظِّ امْرِئ، قَرِين صالح، فَقارِنُ أَهْلَ الخَيْرِ تَكُن مِنْهُمْ وباين أهْلَ الشَّرَ تَبِنْ عَنْهُمْ (10) ولا يغلبنّ عليكَ سُوء الظن، فإنه لا يَدَعُ بَيْنَكَ وبَينَ خَلِيلٍ صلحا، وقد يقال: مِنَ الحَزْمِ سوء الظن بسَ الطَّعامُ الحَرامُ، وَظُلْمُ الضعيف أفحش الظُّلْمِ وَالفَاحِشَةُ كَاسمها التصبُّرُ عَلَى
ص: 79
المَكْرُوهِ نَقصُ لِلْقَلْبِ [يَعْصِمُ القَلب ]، وَإِنْ كَانَ الرَّفْقُ خُرْقاً كانَ الخُرْقُ رِفْقاً (1) وَ رُبَّما كان الدواء داء والدَّاء دَواءٌ، وَرُبما نَصَحَ غَيْرُ النَّاصِح وَغَشَّ المستنصح (2). وإِيَّاكَ وَ الاتّكال على المنى فَإِنَّها بضائع النَّوكى (3) وَتَتبَّطُ عَنْ خَيْرِ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا، دَكَ قَلْبَكَ بالأدب كما تُذكَّى النَّارُ بِالحَطَبِ. وَلَا تَكُن كَخَاطِبِ اللَّيلِ وَغَنَاءِ السَّيْلِ (4) وَكَفَرُ النِّعْمَةِ لُؤْم وَ صُحْبَةُ الجاهِل شُومٌ. وَالعَقْلُ حِفْظُ التجارب. وَخَيْرُ مَا جَرَّبْتَ مَا وَعَظَكَ وَمِنَ الكَرَمِ لين الشّيم (5) بادر الفُرْصَةَ قبل أن تَكونَ غصّة، مِنَ الحَزْمِ العَزْمُ. مِنْ سَبَبِ لِينُ الحِرْمَانِ التَّوانِي. لَيْسَ كلّ طَالِبٍ يُصِيبُ، وَلا كلّ رَاكِب يؤوبُ. وَمِنَ الفَسَادِ إضَاعَةُ الزَّادِ وَلِكُلِّ أَمْرٍ عَاقِبَةٌ، رَبَّ يَسِيرٍ أنمى مِنْ كَثِيرٍ. سَوفَ يَأْتِيكَ مَا قَد رَلَكَ. التَّاجِرُ مُخاطِرٌ (6) وَلا خَيْرَ فِي مُعِينٍ مُّهِينٍ. لا تَبِيتَنَّ مِنْ أَمْرِ عَلَى غَرَرٍ (7) مَنْ حَلْمَ سَادَ. وَمَنْ تَفَهَّمَ ازْدَادَ. ولقاء أهل الخير عِمارَةُ القُلوب. سَاهِل الدَّهر ماذلَّ لكَ قَعُودُهُ (8)وإِيَّاكَ أن تجمع (9) بِكَ
ص: 80
مطيَّة اللَّجاج و إن قارَفتَ سيّئة فَعَجَل محوها بِالتَّوْبَةِ. وَلَا تَخُن مَنِ ائْتَمَنَكَ وَإِنْ حَانَكَ ولا تذع سرَّه وإِنْ أَذاعَهُ. وَلا تُخاطِر بِشَيْءٍ رَجَاءَ أكثر منه، واطلب فَإِنَّهُ يَأْتيك ما قسِّم لكَ، خُذ بِالفَضْلِ وَأحْسِنِ البَذْلَ. وقُلْ لِلنَّاسِ حُسْناً.
و أي كَلِمَةِ حُكم جامِعَةٍ أَنْ تُحِبُّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ وَتَكْرَة لَهُم ما تكره لَها. إِنَّكَ قَلَّ مَاتَسْلَمُ ممَّن تَسَرّعْتَ إِلَيْهِ أَن تندم أو تَتَفَضَّلَ عَلَيْهِ.
وَ اعْلَمْ أَنَّ مِنَ الكَرَمِ الوَفَاءَ بِالدَّمَمِ وَالدَّفَعَ عَنِ الحُرُمِ (1) وَالصُّدُودُ آيَةُ المَقَتِ وَ كَثرَةُ العِللِ آيَةُ البُخْلِ. وَلَبَعضُ إِمْسَاكِكَ عَنْ أَخِيكَ مَعَ لُطْفِ خَيْرٌ مِنْ بَذَلٍ مَعَ جَنَفٍ(2) وَمِنَ التَكَرُمِ صِلَةُ الرَّحِمِ (3) وَمَنْ يَرْجُوكَ أَوْ يَثقُ بِصِلَتِكَ إِذا قَطَعْتَ قَرابَتكَ، و التَّحْرِيمُ وَجْهُ القطيعة. احْمِلْ نَفْسَكَ مَعَ أَخِيكَ عِنْدَ صَرْمِهِ عَلَى الصَّلَةِ (4) وَعِنْدَ صُدُودِهِ عَلَى اللَّطْفِ وَالمَسأَلَةِ وَعِنْدَ جُمُودِهِ عَلَى البَذْلِ وَ عِنْدَ تَبَاعِدِهِ عَلَى الدُّنُو وَ عِنْدَ شِدَّتِهِ عَلَى الدِّين وَعِندَ جُرمِهِ عَلَى الاعْتِذَارِ حتّى كَأَنَّكَ لَهُ عَبْدٌ وَكَأَنَّهُ ذُو نِعْمَةٍ عَلَيْكَ. وَإِيَّاكَ أَنْ تَضَعَ ذَلِكَ في غَيرِ مَوْضِعِهِ وأنْ تَفْعَلَهُ بِغَيْرِ أهْلِهِ لا تَتَّخِذَنَّ عَدُوٌّ صَدِيقِكَ صَدِيقاً فَتُعَادِيَ صَدِيقَكَ ولا تعمل بالخديعة فإنها خلق اللنامِ. وَامْحض أخاك النَّصِيحَةَ حَسَنَة كانت أو قبيحةً. وَساعِدَهُ عَلَى كلّ حالٍ وَ زُل مَعَهُ حَيْثُ زَال وَلَا تَطْلُبَنَّ مُجازاة أخِيكَ وَلَوْحَثا
ص: 81
التُّراب بفيك (1) وَخُذْ عَلَى عَدُوِّكَ بِالفَضْلِ فَإِنَّهُ أَحْرَى لِلظُّفَرِ (2) وَ تَسْلَمُ مِنَ النَّاس بِحُسْنِ الخُلقِ وَتَجَرَّعِ الغيظ، فإنِّي لَمْ أرجرعة أحلى منها عاقِبَةً وَلَا الذّ مَغبَّة (3) ولا تَصْرِمْ أَخَاكَ عَلَى ارْتِيابِ وَلَا تَقْطَعُهُ دُونَ اسْتِعْتاب (4) وَلِنْ لِمَنْ غَالَظَكَ فَإِنَّهُ يُوشِكُ أن يلين لَكَ. ما أقبح القطيعة بعد الصلة والجفاء بعد الإخاءِ وَالعَدَاوَةَ بعد المودَّة والخيانة لمن ائتمنك وخُلْفَ الظَّنَّ مِن ارْتَجاكَ وَالغدر بِمَن اسْتَأْمَنَ إِلَيْكَ، فَإِنْ أَنتَ غَلَبَتكَ قطيعةُ أَخِيكَ فَاسْتَبْقِ لَهَا مِنْ نَفْسِكَ بَقِيَّةٌ يَرْجِعُ إِلَيْهَا إِنْ بَدا ذَلِكَ لَهُ يَوْمَا [مَّا] (5) وَمَنْ ظَنَّ بِكَ خَيْراً فَصَدَّقَ ظَنْهُ (6). وَلَا تُضِيعَنَّ حَقَّ أَخِيكَ اتَّكَالَا عَلَى مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكَ بِأَخٍ مَنْ أَضَعْتَ حَقَّهُ، وَلَا يَكُنْ أَهْلُكَ أَشْقَى الخَلْقِ بِكَ. وَلَا تَرْغَبَنَّ فِيمَنْ زَهَدَ فِيكَ. وَلَا تَزهَدَنَّ فِيمَنْ رَغِبَ إِلَيْكَ إِذا كَانَ لِلْخُلْطَةِ مَوْضِعاً. وَلَا يَكُونَنَّ أخوك أقوى عَلَى قَطِيعَتِكَ مِنْكَ عَلى صَلَتِهِ (7) وَلَا تَكُونَنَّ على الإساءة أَقوَىٰ مِنْكَ عَلَى الإحْسانِ، وَلا عَلَى البَحْلِ أقوى مِنْكَ عَلَى البَذَلِ. وَلَا عَلَى التَّقْصِيرِ أَقوى مِنْكَ عَلَى الفَضْلِ، وَلَا يَكْبُرَنَّ عَلَيْكَ ظَلْمُ مَنْ ظَلَمَكَ فَإنَّهُ إنَّمَا يَسْعَى فِي مَضَرَتِهِ و نَفْعِكَ وَلَيْسَ جَزاءُ مَنْ سَرَّكَ أَنْ تَسُومَهُ وَالرِّزْقُ رِزْقانِ : رِزْقٌ تَطْلبُهُ وَرِزْقٌ يَطْلُبُكَ فَإِنْ لَمْ فإن لم تأتِه أَتاك (8).
ص: 82
وَاعْلَمْ أَيْ بُنَيَّ أَنَّ الدِّ هَرَ ذو صُروفٍ (1) فَلَا تَكُونَنَّ ممَّن تَشْتَدَّ لَأئِمَّتُهُ وَيَقِلُّ عِندَ النَّاس عُذْرُهُ. ما أقبحَ الخُضُوعَ عِنْدَ الحاجَةِ وَالجَفَاءَ عِنْدَ الغنى إنَّما لَكَ مِنْ دنياك ما أَصْلَحْت به مثواك (2)، فَانْفِق في حَقٌّ وَلا تَكُن خَازِنَاً لغيرك. وإن كنت جازعاً عَلى ما تَنفَلت مِنْ يَدَيْكَ فَاجْزَعَ عَلَى كلّ مَا لَمْ يَصِلُ إِلَيْكَ (3). واستدلل عَلى مَالَمْ يَكُن بما كانَ، فَإنَّما الأمورُ أَشباه وَلا تَكْفُرَنَّ دَانِعْمَةٍ (4)، فَإِنَّ كَفَرَ النِّعْمَةِ مِنَ الأمِ الكُفْرِ وَاقْبَلِ الْعَذَرَ وَلَا تَكُونَنَّ ممَّن لا يَنتَفِعُ مِنَ العِظَةِ إِلَّا بِمَا لَزِمَهُ (5) فَإنَّ العاقل ينتفع بالأدب و البهايم لا تَتَّعِظُ إِلَّا بِالضَّرْب. اِعْرِفِ الحقّ لمِنْ عَرَفَهُ لَكَ رفيعاً كان أوْ وَضِيعاً. وَاطْرَح عَنْكَ وارِداتِ الهُمُومِ بِعَزائِمٍ الصَّبْرِ وَ حُسْنِ اليَقِينِ (6) مَنْ تَرَكَ القصد جارَ (7) وَنِعْمَ حَظٌّ المَرْءِ القَناعَةُ. وَ مِنْ شَرَّ ما صَحِبَ المَرَءُ الحَسَدُ و في القُنُوطِ التَّقْرِيطُ. وَالشُّحَّ يَجْلِبُ المَلامَةَ. وَ الصَّاحِبُ مُنَاسِبُ (8). وَالصَّديقُ مَنْ صَدَقَ غَيْبُهُ (9) وَ الهَوى شَرِيك العمى (10). وَمِنَ التَّوْفِيقِ الوُقُوفُ عِندَ الحَيْرَةِ. وَنِعْمَ
ص: 83
طارِدُ الهمِّ اليقين. وعاقِبَةُ الكذب الذمّ. وفي الصِّدق السَّلامَةُ وَعَاقِبَةُ الكِذبِ شَرٌّ عاقبة. رُبِّ بَعِيدٍ أَقْرَبُ مِنْ قَرِيبٍ وَقَرِيبٍ أَبْعَدُ مِنْ بَعِيدٍ وَالغَرِيبُ مَنْ لَمْ يَكُن لَهُ حَبيبُ لَا يَعْدِمُكَ مِنْ حَبِيبٍ سُوء ظن. وَ مَنْ حَمَى طَنى (1). وَمَنْ تَعَدَّى الحقّ ضَاقَ مَذْهَبُهُ. وَ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى قَدْرِهِ كَانَ أَبْقَى لَهُ. نِعمَ الخَلْقُ النتّكَرُّمُ (2) وَ أَلأَمُ الَّومِ البَغْى عِندَ القُدْرَةِ. وَالحَياءُ سَبَبُ إِلى كلّ جَمِيلٍ، وَ أَوثَقُ العُرَى التَّقوى. وَ أَوْثَقُ سَبَبٍ أخذت به سبب بينك وبين اللّه. وَمَنْكَ مَنْ أعتبك (3) وَالإفراط في المَلَامَةِ يَشُبُّ نيران اللَّجاج. وَكَمْ مِنْ دَيْفٍ قَدْ نَجى (4) وصحيح قدْ هَوى وَقَدْيَكُونُ اليَأْسُ إدْراكَاً إذا كانَ و الطَّمَع هلاكاً (5). وَ لَيْسَ كلّ عَورَةٍ [تُظهرُ، وَلا كلّ فَرِيضَةٍ ] تُصاب. وَرَبُّما أَخْطَأ البصير قصْدَهُ وأَصابَ الأعْمَى رُشْدَهُ لَيْسَ كلّ مَنْ طَلَبَ وَجَدَ، وَلَا كلّ مَنْ تَوَفَّى نَجي (6) أَخِّرِ الشِّرَّ فَإِنَّكَ إِذا شِئْتَ تَعَجَّلْتَهُ (7). وَأَحْسِنُ إِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيكَ. وَاحْتَمِلُ أَخَاكَ عَلى ما فيه. ولاتكثر العتاب فإنَّهُ يُورِثُ الضَّغِينَةَ، وَيُجَرُّ إِلى البِغْضَةِ (8).
ص: 84
وَاسْتَعْتِبْ مَن رجوت إعتابَهُ (1). وقطيعةُ الجَاهِلِ تَعْدِلُ صِلَةَ العاقِلِ، وَ مِنَ الكَرَمِ مَنْعُ الحَزْمِ (2) مَنْ كَابَرَ الزَّمانَ عَطِبَ. وَمَنْ يُنقم عَلَيْهِ غَضِبَ (3). ما أقرب النَّقِمَةَ مِنْ أَهْلِ البَغي. وَأَخْلَقَ بِمَنْ غَدَرَ أَلَّا يُوفى لَهُ (4).
زلَّة المتوقِي أَشَدَّ زَلَّةٍ، وَعِلَةُ الكِذب أَقْبَح عِلَّةٍ، وَالفَسادُ يبير الكثير (5) والاقتصاد يثمر اليسير. والقلَّةُ ذِلَّةٌ وَبرُّ الوالِدَيْنِ مِنْ كَرَمِ الطَّبِيعَةِ (6). وَالزَّلَلُ مَعَ العَجلِ. وَلا خَيْرَ في لذةٍ تَعْقِبُ نَدَماً. وَالعَاقِلُ مَنْ وَعَظَتْهُ التَّجارِبُ. وَ الهُدى يَجْلُو العَمَى وَلِسانُكَ ترجمان عقلك (7) لَيْسَ مَعَ الاختلافِ ائتلافُ مِنْ حُسن الجوار تفقُّد الجارِ. لَن يَهْلِكَ من اقتصد. وَ لَنْ يَفْتَقِرَ مَنْ زَهَدَ. بَيْنَ عَنِ امْرِيءٍ دَخِيلُهُ (8) ربِّ باحِثٍ عَنْ حَتْفِه. لا تشترين بثقة رجاه (9). ماكُلُّ مَا يُخْشَى يَضُرُّ رَبُّ هَزْلِ عادَ جِدّاً (10) مَنْ أَمِنَ الزَّمَانَ. خانَهُ وَ مَنْ تَعَظُمَ عَلَيْهِ أهانَهُ (11) وَمَنْ تَرَغَّم عَلَيْهِ أَرْغَمَهُ وَ مَنْ لَجَأَ إِلَيْهِ أَسْلَمَهُ. وليس
ص: 85
كُلَّ مَنْ رَمَى أَصابَ (1). إذا تَغَيَّرَ السُّلْطَانُ تَغَيَّرَ الزَّمانُ (2) وَخَيْرُ أَهْلِكَ مَنْ كَفَاكَ. و المزاح يورِثُ الصَّغَائِنَ. وَرُبَّمَا أَكْدَى الحَرِيضُ (3) رَأْسُ الدِّين صِحَةُ اليَقِينِ. وَتَمَامُ الإخلاص تجنُّبُكَ المعاصي. وَ خَيْرُ المَقَالِ مَا صَدَّقَهُ الفِعالُ. وَ السَّلامَةُ مَعَ الاستقامة. وَ الدعاء مفتاح الرَّحْمَةِ. سَلَ عَنِ الرَّفِيقِ قَبْلَ الطَّرِيقِ وَ عَنِ الجَارِ قَبْلَ الدَّارِ. وَكُنْ مِنَ الدُّنيا عليُّ قُلْعَةٍ (4) احمِلْ لِمَنْ أَدَلَّ عَلَيْكَ، وَ اقْبَلْ عُنْدَ مَنِ اعْتَذَرَ إِلَيْكَ. وَخُذِ الْعَفْوَ مِنَ الناس، ولا تبلغ إلى أحَدٍ مَكْرُوهَهُ (5) أَطِعْ أَخَاكَ وَإِنْ عَصَاكَ، وَصِلهُ وَإِنْ جَفَاكَ. وَعَوِّد نفْسَكَ السَّماحَ (6) وَتَخَير لَها مِنْ كلّ خَلْقٍ أَحْسَنَهُ، فَإِنَّ الخَيرَ عَادَةُ وَإِيَّاكَ أَن تَذكر منَ الكَلامِ قَذِراً (7) أَوْ تَكُونَ مُضْحِكاً وَإِنْ حَكَيْتَ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِكَ (8) وَأَنْصِفُ مِنْ نَفْسِكَ قَبْلَ أَن يُنتصَفَ مِنْكَ (9) وَإِيَّاكَ وَ مُشَاوَرَة النِّساءِ فَإِنَّ رَأْيَهُنَّ إِلَى أَفَنِ وَ عَزْمَهُنَّ إِلَى وَهَن (10) واكفف عليهنَّ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ بِحَجْبِكَ إيَّاهُنَّ فَإِنَّ شِدَّةَ الحِجابِ خَيْرٌ لَكَ وَلَهُنَّ (11)
ص: 86
و لَيْسَ خُرُوجَهُنَّ بِأشد مِنْ إِدْخَالِكَ مَنْ لا يُوثَقُ بِهِ عَلَيْهِنَّ (1) وَ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَعرفنَ غيرك فافعل وَلَا تُمَلِكِ المَرْأَةَ مِنْ أَمْرِها ما جاوَزَ نَفْسَهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ أَنْعَمْ لِحالِها وَ أرخى لبالها و أدومُ لِجَمالها، فَإِنَّ المَرْأَةَ رَيْحَانَةٌ وَلَيْسَتْ بِقَهْرَمَانَةٍ وَلَا تَعْدُ بكَرامَتِها نَفْسَها (2)ولا تُطْمِعُها أَنْ تَشفَعَ لِغَيْرِها فَتَميلَ مُغْضِبَةً عَلَيْكَ مَعَهَا، وَلَا تُطِلِ الخَلَوَةَ مَعَ النِّسَاءِ فَيُمِلَنَّكَ أَوْ تُمِلَّهُنَّ وَاسْتَبْقِ مِنْ نَفْسِكَ بَقِيَّةٌ مِنْ إِمْسَاكِك(3) في بعض نسخ الحديث [واستبق من نفسك بقية فان إمساكك عنهن و من يرين أنك ذو اقتدار خير من أن يعرن عليك على انكسار ]. والتغاير : إظهار الغيرة على المرأة بسوه الظن في حالها من غير موجب. (4) في بعض نسخ الحديث [إياك أن تعاتب فيعظم الذنب ويهون العتب]. (5) في بعض النسخ [و التمسك بمن لا عقل له أوجب القصاص ]. والظاهر ولا تنكل من الخ. (6) أى يتكل بعضهم على بعض وفي النهج [و اجعل لكل إنسان من خدمك عملا تأخذه به، فانه أحرى أن لا يتواكلوا في خدمتك].
تصيرُ وَ بِهِمْ تَصُولُ (1) وَهم العُدَّةَ عِنْدَ الشَّدَةِ فَأَكْرِمْ كَرِيمَهُمْ وَعُدْ سَقِيمَهُمْ (2) وَأَشْرِكْهُمْ في أمورِهِمْ وَ تَيَسَّرْ عِنْدَ مَعْسُورٍ [لَ-]-هُمْ. وَاسْتَعِنَ باللّه عَلَى أمورِكَ، فَاِنَّهُ أَكْفى مُعينٍ.
أستَودِعُ اللّه دِينَكَ وَ دُنْياكَ وَأَسْأَلُهُ خَيْرَ القَضاءِ لَكَ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ وَالسَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللّه.
يابني أوصيك بتقوى اللّه في الغنى والفقر وَ كَلِمَةِ الحقّ فِي الرَّضَى وَالغَضَبِ و القَصْدِ في الغنى وَالفَقْرِ. وَ بِالعَدْلِ عَلَى الصَّدِيقِ وَالعَدُوّ. وَ بِالعَمَلِ في النَّشَاطِ وَالكَسَلِ وَالرضى عن اللّه في الشدة والرخاء.
أي بُنَيَّ مَا شَرُّ بَعْدَه الجنّة بِشَر وَلَا خَيْرٌ بَعدَهُ النَّارُ بِخَيْرٍ وَكُلٌّ نَعِيمٍ دُونَ الجنّة محقورٌ، وَكُلُّ بَلاءِ دُونَ النَّارِ عَافِية.
واعلم أي بُني أَنَّهُ مَنْ أَبْصَرَ عَيْبَ نَفْسِهِ شَغَلَ عَنْ عَيْبٍ غَيْرِهِ، وَ مَنْ تَعَرَّى مِنْ لباس التقوى لم يستتر بشيءٍ مِنَ اللّباس. وَمَنْ رَضِيَ بِقَسْمِ اللّه لَمْ يَحْزَنْ عَلَى مَا فَاتَهُ. وَ مَنْ سَلَّ سَيْفَ البَقى قُتِلَ به. وَمَنْ حَفَر بئراً لأخيه وقع فيها. وَ مَنْ هَتَكَ حِجاب غيره انكشفت عورات بيته (3) ومن نَسي خَطيئَتَهُ اسْتَعْظَمَ خَطِيئَةَ غَيْرِهِ، وَمَنْ كَابَدَ الأُمُورَ عطب (4). و مَنِ اقْتَحَمَ الغَمَرَاتِ غَرِق. وَ مَنْ أَعْجِبَ بِرَأيهِ ضَلَّ، وَ مَنِ اسْتَغْنى بعقلِهِ زَلّ. وَ مَنْ تَكَبَّرَ عَلَى النَّاس ذَلَّ. وَمَنْ خَالَطَ العُلَمَاءَ وَقِّرَ. وَمَنْ خَالَطَ الأَنْذَالَ
ص: 88
حُقِّرَ (1). وَمَنْ سَفَة عَلَى النَّاس شَتِم (2) وَمَنْ دَخَلَ مَداخِلَ السَّوْءِاتُّهم. وَ مَنْ مَزحَ اسْتَخِفْ بِهِ، وَمَنْ أكثرَ مِنْ شَيْءٍ عُرِفَ بِهِ. وَ مَنْ كَثرَ كَلامُهُ كَثرَ خَطَاؤُهُ؛ وَمَنْ كَثرَ خَطَاؤُهُ (3) قَلَّ حَياؤُهُ ؛ وَمَنْ قَلَّ حَيَاؤُهُ قَنلّ وَرَعُهُ، وَمَنْ قَلَّ وَرَعُهُ ماتَ قَلْبُهُ ؛ وَمَنْ ماتَ قَلْبُهُ دَخَلَ النّارَ.
أي بُنَيَّ مَن نَظَرَ فِي عُيُوبِ النَّاس وَرَضِيَ لِنَفْسِهِ بِها فَذاكَ الأحْمَقُ بِعَيْنِهِ. وَمَنْ تفكر اعتبر ؛ وَ مَنِ اعْتَبَرَ اعْتَزلَ ؛ وَ مَنِ اعْتَزلَ سَلِمَ، وَمَنْ تَرَكَ الشَّهَوَاتِ كَانَ حُراً. وَ مَنْ تَرَكَ الحَسَدَ كَانَتْ لَهُ المَحَبَّةُ عِندَ النَّاسِ.
أي بني عِزَّ الْمُؤْمِنِ غِناهُ عَن النّاسِ، وَالقَناعَةُ مال لا يَنْفَدُ. وَ مَنْ أَكثَرَ ذِكرَ الموتِ رَضي مِنَ الدُّنيا بِاليَسِيرِ وَمَنْ عَلِمَ أَنَّ كَلامَهُ مِنْ عَمَلِهِ قَلَّ كَلامُه إِلَّا فيما ينفعه.
أي بني العَجَبُ ممَّنْ يَخافُ العِقابَ فَلَمْ يَكُف؛ وَرَجَا الثُّوابَ فَلَمْ يَتُبْ وَيَعمَل.
أي بني الفكرة تورث نُوراً و العفلَةُ ظُلَمَةُ وَ الجَهالَ-[-ةُ] ضَلالَةٌ، وَالسَّعِيدُ مَنْ وعظ بِغَيْرِهِ. وَالأدَبُ خَيْر ميراث. وَحُسَنُ الخَلْقِ خَيْرٌ قَرِينِ. لَيْسَ مَعَ قَطيعَةِ الرَّحِيمِ نَماء، ولا مَعَ الفُجُورِ غِنى.
أي بني العافية عَشَرَةُ أجزاء تِسْعَةٌ مِنها فِي الصَّمْتِ إِلَّا بِذِكْرِ اللّه وَ وَاحِدٌ فِي تَرْكِ مُجالَسَةِ السُّفَهَاء.
أى بُنَيَّ مَنْ تَزَيَّا (4) بمعاصي اللّه في المَجَالِسِ أَوْرَتَهُ اللّه وَلَا وَ مَنْ طَلَبَ العلم عليم.
يا بني رأسُ العِلْمِ الرِّفْقُ، و آفتَهُ الخُرْقُ (5). وَمِنْ كُنُوزِ الإِيمَانِ الصِّبْرُ عَلَى
ص: 89
المصائب. وَ العَفافُ زِينَةُ الفَقْرِ. وَ الشَّكْرُ زِينَةُ الغِنى. كَثْرَةُ الزَّيارَةِ تُورِثُ المَلالَةَ وَالطَّمَانِينَةُ قَبْلَ الخبرة ضِدُّ الحَزْمِ (1). وإعجاب المَرْءِ بِنَفْسِهِ يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ عَقْلِهِ.
أيْ بُنَيَّ كُمْ نَظرَةٍ جَلَبَت حَسْرَة. وكُمْ مِن كَلِمَةٍ سَلَبَتْ نِعْمَةٌ.
أيْ بُنَيَّ لا شَرَفَ أعْلَى مِنَ الإِسْلامِ. وَلا كَرَمَ أَعَزُّ مِنَ التَّقوى. وَلَا مَعْقِلَ أحرز مِنَ الوَرَعِ (2). وَلَا شَفِيعَ أَنْجَحُ مِنَ التَّوْبَةِ. وَلَا لِباسَ أَجْمَلُ مِنَ العافية. ولامال أذهَبُ بالعاقةِ مِنَ الرضى بالقوتِ. وَمَنِ اقْتَصَرَ على بُلْغَةِ الكَفَافِ تَعَجَلَ الرَّاحَةَ وَتَبَوَّة خَفْضَ الدُّعَة (3).
أي بني الحِرْصُ مِفتاحُ الشَّعَب وَمَطِبيَّةُ النَّصْبِ (4) وَدَاعِ إِلَى التَّقَكُم فِي الذُّنوبِ وَالسَّرَهُ جامع لِمساوِي العُيوبِ (5) وَكَفاكَ تأديباً لِنَفْسِكَ مَا كَرِهتَهُ مِنْ غَيْرِكَ(6) لِأَخِيكَ عليكَ مِثلُ الّذي لَكَ عَليهِ. وَمَنْ تَوَرُّط في الأمورِ بِغَيْرِ نَظَرِ في العَواقِبِ فَقَدْ تَعَرَّضَ للنَّوائب. التَّدْبِرُ قَبْلَ العَمَلِ يُؤمِنُكَ النَّدَمَ. مَن استقبل وُجُوهُ الآراء عَرَفَ مواقع الخطاء. الصَّبْرُ جُنْةٌ مِنَ الفاقة. البُخْلُ جِلْبَابُ المَسْكَنَةِ الحِرْسُ عَلامَةُ الفَقرِ. وصول مُعدِمٌ خَيْرٌ مِنْ جافٍ مُكثرٍ (7) لِكُلِّ شَيءٍ قوت، و ابن آدم قوتُ الموت.
ص: 90
أي بُنَيَّ بني لا تُؤيِسَ مُذنباً، فَكَمْ مِنْ عَاكِفٍ عَلَى ذَنْبِهِ خَتِمَ لَه بخير، و كُم مِن مُقْبِل عَلَى عَمَلِهِ مُفْسِدٍ فِي آخِرِ عُمْرِه، صائرٍ إِلَى النَّارِ، نَعُوذُ باللّه مِنْها.
أي بُنَيَّ كَمْ مِن عَامِ نَجا. وَكَمْ مِنْ عَامِلٍ هَوَى. مَنْ تَحَرَّى الصدق خَفْت عليه المونِ (1). في خلافِ النَّفْسِ رُشْدُها. السَّاعَاتُ تَنتقص الأعمار. ويل للباعينَ مِنْ أحكم الحاكمين و عالمِ ضَمِيرِ المُضمرين.
يا بني بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد. في كلّ جرعَةٍ شَرَق، وفي كلّ أكْلَةِ غَصَصُ (2) لَنْ تُنالَ نِعْمَةُ إِلَّا بِفِراقِ أخرى. مَا أَقرَبَ الرَّاحَةَ مِنَ النَّصَبِ وَالبُوسَ مِنَ النَّعِيمِ وَالمَوتَ مِنَ الحَياةِ وَالسَّقَمَ مِنَ الصَّحَّةِ. فَطُوبَى لِمَنْ أَخْلَصَ للّه عَمَلَهُ و عِلْمَهُ وَ حُبَّهُ و بَعْضَهُ وَأَخْذَهُ وَ تَرْكَهُ وَكَلامَهُ وَصَمْتَهُ وَ فَعَلَهُ وَ قَولَه. وَ بَخٍ بِخٍ (3) لعالم قبل فَجَدَّ وَخافَ البيات فَأَعَدَّ وَاسْتَعَد، إِن سُئل نَصَحَ وَإِنْ تُرِكَ سَمَتْ، كَلامُهُ صوابٌ وَ سُكوتُهُ مِنْ غَيرِعِيّ جَوابٌ (4). وَالوَيْلُ لمِن بِلِيَ بِحِرْمَانٍ وَ خِذَلَانٍ وَعِصْيانِ فَاسْتَحْسَنَ لنفسه ما يكرَهُهُ مِن غَيرِه وَ أَزْرى على النَّاس بِمِثْلِ ما يَأْتِي (5).
و اعلم أي بني أنه من لانت كلمتُه وجَبَت مَحَبتُهُ، وَفَقَكَ اللّه لِرُشْدِكَ وَجَعَلَكَ من أهل طاعتِه بقدرَتِهِ إِنه جَوادٌ كَريمٌ.
ص: 91
خطبته المعروفة بالوسيلة (1)
كتبنا منه ما اقتضاه الكتاب دون غيره
الحَمْدُ للّه الّذي أَعدَمَ الأوهام (2) أَنْ تَنالَ إِلَّا وُجُودَهُ وَحَجَبَ العُقُولَ أَنْ تَخْ-َالَ (3) ذاته لامتناعها من الشبه وَالتَشاكُل بَلْ هُوَ الّذي لا يتفاوت ذاتُهُ وَلَا يَتَبَعَّضُ بِتَجْزَئَّةِ العَدَدِ في كماله. فارق الأشياء لا باخْتِلافِ الأماكن. ويكون فيها لأعلى المُمازَجة. وَعَلِمَها لا بأداة ؛ لا يكون العلم إلا بها. وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَ بَينَ مَعلُومِه عِلْمُ غَيْرِه (4) كانَ عالِماً لِمعلومه. إن قيل: كان فعلى تَأْوِيلِ أَزَلِيَّةِ الوُجودِ وَ إِنْ قِيلَ : لَمْ يَزَلْ فَعَلَى تَأْوِيلِ نَفْيِ العَدَمِ (5). فَسُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى عَنْ قَولِ مَنْ عَبَدَ سواهُ فَاتَّخَذَ إِلَهَا غَيْرَهُ عُلُوا كَبِيراً ؛ نَحْمَدُهُ بِالحَمدِ الّذي ارْتَضَاهُ مِنْ خَلْقِهِ، وَ أَوجَبَ قَبُولَه عَلى نَفْسِهِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللّه وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ. وَ أشهَدُ أنَّ غداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ. شَهادَتَانِ تَرْفَعَانِ القَوْلَ وَ تَضَعَانِ العَمَل(6) خَفّ میزان تُرفَعانِ مِنه وَ تَقُلَ مِيزانٌ تُوضَعانِ فيهِ وَ بِهِمَا الفَوْرُ بِالجنّة وَ النَّجَاةُ مِنَ النَّارِ و الجواز على الصراطِ. وَبِالشَّهادة تَدْخُلُونَ الجنّة. وَ بِالصَّلاةِ تَنالُونَ الرَّحْمَةَ. فَأَكْثِرُ وا مِنَ الصَّلاةِ عَلَى نَبيّكُمْ «إِنَّ اللّه وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أيُّها الّذين آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً».
ص: 92
أيها النَّاس إِنَّهُ لاشَرَفَ أعلى من الإسلام. وَلَا كَرَمَ أَعَزُّ مِنَ التَّقوى. ولا معقل أحْرَزُ مِنَ الوَدَع وَلا شَفِيعَ أَنْجَحُ مِنَ التَّوْبَةِ وَلا لِباسَ أَجَلَّ مِنَ العَافِيَةِ. وَلَا وَقايَةَ أَمْنَعُ مِنَ السلامة ولا مالَ أذْهَب بالفاقة مِنَ الرَّضى والقنوعِ، وَ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى بُلْغَةِ الكَفَافِ فقد انتظم الرَّاحَةَ. وَالرَّغْبَةُ مِفتاح التَّعب والاحْتِكارُ مَطِيَّةُ النَّصَب. وَالحَسَدُ آفَةُ الدين. والحِرْصُ داعٍ إلى التَّقحم في الذُّنوبِ وَهُوَداعِ إِلَى الحِرْمَانِ (1) وَالبَغْيُ سَائِقُ إلى الحين. والشَّرَهُ جامع لمساوي العيوب (2). رُب طَمَع حَائِب. وَ أَهْلِ كَاذِب. وَ رَجَاءٍ يؤدي إلى الحرمانِ. وَ تِجارَةٍ تَوُوُلُ إِلَى الخُسْرانِ ؛ الأومَنْ تَوَرُّط في الأمور غير ناظر في العواقب فَقَدْ تَعرَّضَ لِلْفَضِحاتِ النَّوائِبِ وَ بِئسَتِ القِلادَةُ الدِّين لِلْمُؤْمِن(3).
أيُّها النَّاس إِنَّهُ لَا كَثرَ أَنْفَعُ مِنَ العِلم. وَلَا عِزَّ أَنْفَعُ مِنَ الحِلْمِ وَلَا حَسَبَ أبْلَغَ مِنَ الأدب. وَلَا نَصَبَ أوجَعُ مِنَ الغَضَبِ(4)، وَلا جَمالَ أَحْسَنُ مِنَ العَقْلِ. ولا قَرِينَ شَرٌّ مِنَ الجَهْلِ. ولا سواة أسوء مِنَ الكذب (5) وَلا حَافِظ أحفظاً مِنَ الصَّمْتِ. وَلَا غائب أقرَبُ مِنَ المَوْتِ.
أيُّها النَّاس إِنَّهُ مَن نَظَرَ فِي عَيْبِ نَفْسِهِ شُغِلَ عَنْ عَيْبِ غَيْرِهِ وَمَنْ رَضِيَ بِرِزْقِ اللّه لَمْ يأسف على ما في يَدِ غَيْرِهِ. وَمَنْ سَلَّ سَيْفَ البَغْيِ قُتِلَ بِهِ. وَمَنْ حَفَرَ لأَخِيهِ بِئراً وَقَعَ فيها. وَ مَنْ هَتَكَ حِجاب غيرِهِ انكشفت عوراتُ بَيْتِهِ وَمَنْ نسي زَلَتَهُ (6) اسْتَعْظَمَ زَلَكَ غَيْرِهِ. وَمَنْ أَعْجِبَ بِرَأْيِهِ ضَلَّ وَمَنِ اسْتَعْنى بِعَقلِه زَكَ، وَمَنْ تَكبر عَلَى النَّاس ذَلَّ وَمَنْ سَفِهَ
ص: 93
عَلَى النَّاس شُتِمَ. وَمَنْ خَالَطَ العُلَماءَ وُكِّرَ وَمَنْ خالَطَ الأَنْذَالَ حُقِرَ وَمَنْ حَمَلَ ما لا يُطِيقُ عجز (1).
أيُّهَا النَّاس إنّهُ لا مالَ [ هو ] أعُودُ مِنَ العَقْلِ (2). وَلا فَقَرَ هُوَ أَشَدُّ مِنَ الجَهْلِ وَلا واعظ هو أبلغ مِنَ النَّصْح (3) وَلا عَقْلَ كَالتَّدْبِيرِ، وَلا عِبَادَةَ كَالتَّفكرٍ، وَلَا مُظَاهَرَةً أَوْثَقُ مِنَ المُشاوَرَةِ (4). وَلا وَحدَة أَوْحَشُ مِنَ العُجب. وَلاوَرَعَ كالكفَّ (5). وَلا حِلم كالصّبر والصّمت.
أيُّها النَّاس إِنَّ فِي الإِنْسَانِ عَشْرَ خِصَالٍ يُظهِرُه لِسانُهُ، شاهِدٌ يُخبرُ عَنِ الضَّمير و حاكم يفصل بين الخطابِ وَ ناطِقُ يُرَدُّ بِهِ الجَوابُ. وَشَافِعُ تُدرَكَ بِهِ الحَاجَةُ و واصف تعرفُ بِهِ الأشْيَاء وَأَمِيرٌ يَأْمُرُ بِالحَسَنِ وَواعِظُ يَنَهَى عَنِ القَبيحِ وَ مُعَزّ تَسْكُنُ بِهِ الأَحْزَانُ، وَحَامِدٌ تُجلَى بِهِ الضَّغَائِنُ وَ مُونِقٌ يُلهي الأَسْمَاعَ (6).
أيُّها النَّاس [ إِنَّهُ ] لا خير في الصَّمْتِ عَنِ الحُكْمِ كَمَا أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِي القَولِ بِالجَهْلِ (7).
اعْلَمُوا أيُّها النَّاس أَنَّهُ مَنْ لَمْ يَمْلِكُ لِسَانَهُ يَنْدَمْ. وَ مَنْ لا يَتَعَلَّم يَجْهَلْ. وَ مَنْ لا يتحلَّم لا يحلم (8). وَ مَنْ لا يَرْتَدِعْ لا يَعْقِلُ. وَ مَنْ لَا يَعْقِل يَهِنَّ وَمَن يَهِنْ يُوقرُ وَمَن يَتَّقِ يَنْجُ (9). وَ مَنْ يَكْسب مالاً مِنْ غَيْرِ حَقَهُ يَصْرِفَهُ في غَيْرِ أَجْرِه (10).
ص: 94
وَمَنْ لا يَدَعْ وَ هُوَ مَحْمُود يَدَعْ وَهُوَ مَذْمُومُ (1). ومَنْ لَمْ يُعْطِ قاعِداً منع قائماً (2). و مَن يَطلُبُ العَرْ بغَيرِ حَقٌّ يَذِلُّ، وَ مَنْ عَانَدَ الحقّ لَزِمَهُ الوَهْنُ، وَمَنْ تَفَقَّه وقِرَ، وَ من تكبر حقرَ وَمَنْ لا يُحْسِنُ لا يُحْمَدُ.
أيُّهَا النَّاس إن المنيّة قبل الدنيةِ. وَالتَّجَلد قبل التبلُّد (3) وَ الحِسَابُ قبل العقاب. وَ القَبرُ خَيْرٌ مِنَ الفَقْرِ. وَ عَمَى البَصَرِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرِ مِنَ النَّظَرِ. وَ الدَّهْرُ [ يَومَانِ : ] يَوْمُ لَكَ وَ يَومَ عَلَيْكَ (4) فَاصْبِرْ فَبِكليهما تُمتَحَن.
أيُّهَا النَّاس أعْجَبُ ما في الإنسانِ قلبه (5). وَ لَهُ مَواد مِنَ الحِكْمَةِ وَ أَضداد من خلافها ؛ فَإِنْ سَنَحَ لَهُ الرَّجاهُ أَذلَّهُ الطَّمَع (6) وَإِنْ هَاجَ بِهِ الطَّمَعُ أَهْلَكَهُ الحِرْصُ. وَ إِنْ مَلَكَهُ اليَأْسُ قَتَلَهُ الأَسَفُ. وَإِنْ عَرَضَ لَهُ الغَضَبُ اشْتَدَّ بِهِ الغَيْظُ. وَإِن أَسْعَدَ بالرضى نَسيَ التَّحَفَظَ (7) وَ إِنْ نالَهُ الخَوْفُ شَغَلَهُ الْحُزْنُ (8). وَ إِنِ اتَّسَعَ بِالأَ مَنِ استلبَتْهُ الغرَّة. وإنْ جُدَّدَتْ لَهُ نِعَمَةٌ أَخَذَتْهُ العِزَّة (9). وَ إِنْ أَفَادَ مَالاً أَطْفَاهُ الغِنى وَإِنْ عضَّته فاقة (10) شَعَلَهُ البَلاهُ. وَإِنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ فَضَحَهُ الجَزَعَ، وَ إِنْ أَجْهَدَهُ الجَزَعُ
ص: 95
قعد بِهِ الضَّعَفُ. وَ إِنْ أَفَرَطَ في الشبع كَظَّتَهُ بِطْنَةٌ (1)، فَكُلُّ تَقْصِيرٍ بِهِ مُضِرُّ وَكُلٌّ إفْرَاطٍ لَهُ مُفْسِد.
أيُّها النَّاس مَنْ قَلَّ دَلَّ. وَمَنْ جَادَ سَادَ. وَ مَنْ كَثرَ مَالُهُ رَأَسَ (2). وَ مَنْ كثر حِلْمُهُ نَبل (3). وَ مَنْ فَكَر في ذاتِ اللّه تَزَندَقَ (4) وَمَنْ أكثَرَ مِنْ شَيْءٍ عُرِفَ به. وَ مَنْ كَثرَ مزاحهُ اسْتَخِفٌ بِهِ. وَمَنْ كَثرَ ضِحَكَهُ ذَهَبَتْ هيبته. فَسَد حَسَبُ [من] ليس لَهُ أدب، إِنَّ أَفْضَلَ الفعالِ صِيانَةُ العِرْضِ بالمالِ، لَيْسَ مَنْ جالَسَ الجاهِل بذي مَعْقُول. من جالس الجاهل فليستعد لقيل و قال (5). لَنْ يَنْجُو مِنَ المَوْتِ غَنِي بِمَالِهِ، وَلا فقير لا قلاله.
أيُّها النَّاس إِنَّ لِلْقَلُوبِ شَواهِدَ تُجْرِي الأَنْفُسَ عَنْ مَدْرَجَة أَهْلِ التَّفْريطِ (6). فِطْنَةُ الفهم لِلمَواعِظ ممَّا يَدْعُو النَّفْسَ إلَى الحَذَرِ مِنَ الخَطَا (7). وَلِلنِّفُوسِ خَواطِرُ للهوى. وَ العُقُولُ تَزْجُرُ وَتَنهى (8). و في التجارِبِ عِلْمُ مُسْتَأنف. وَالاعْتِبارُ يَقودُ إِلَى
ص: 96
الرَّشادِ. وَكَفاكَ أدباً لِنَفْسِكَ ما تكرهُهُ مِنْ غَيركَ، عليك (1) لأخِيكَ المُؤْمِن مِثلُ الّذي لك عليه. لَقَدْ خَاطَرَ مَنِ اسْتَغْنى برأيه (2).
[و] التَّدبير قبل العَمَلِ يُؤْمِنُكَ مِنَ النَّدَمِ. وَمَنِ اسْتَقْبَلَ وجُوهَ الآراء عَرَفَ مَواقِفَ. الخطاء (3). وَمَنْ أَمْسَكَ عَن الفضولِ عَدَّلَتْ رَأيَهُ العُقُولُ (4). ومَنْ حَصَرَ شَهْوَتَهُ فَقَدْ صَانَ قدْرَهُ. وَمَنْ أَمْسَكَ لِسانَهُ أَمِنْهُ قَوْمُه ونالَ حَاجَتَهُ (5). وفي تقلب الأحوالِ عَلِمَ جَوَاهِرُ الرجال و الأيام توضح لك السرائر الكامنة، وَلَيْسَ في البَرْقِ الخَاطِفِ مُستمتع لمَنْ يَخُوضُ في الظلمة (6). و مَنْ عُرِفَ بِالحِكْمَةِ لَحظَتْهُ العُيونُ بِالوَقارِ وَالهَيْبَةِ. وَ أشرف الغنى ترك المنى. والصَّبْرُ جُنَّةٌ مِنَ الفاقةِ، وَالحِرْصُ عَلامَةُ الفقر. والبخل جلباب المسكَنَةِ. وَالمودة قرابة مُستفادة. ووصولٌ مُعْدِمٌ خَيْرٌ مِنْ جَافٍ مُكْثِرِ (7)والموعِظَةُ كَهْف لِمَنْ وَعاها. ومَن أَطلَقَ طَرْفَهُ كَثرَ أسَفه (8) وَمَنْ ضَاقَ خَلْقَهُ مَله أهله.
ص: 97
و من نال استطال (1) قُلْ ما تَصَدَّقَكَ الأمْنِيَّةُ التَّواضُعُ يَكْسُوكَ المهابة وفي. سَعَةِ الأخْلاقِ كُنُوزُ الأرزاق (2) مَنْ كَاءُ الحَياهُ تَوْبَهُ خَفِي عَلَى النَّاس عَيْبُهُ. تَحَرَّ القَصْدَمِنَ القَولِ فَإِنَّهُ مَنْ تَحَرَّى القَصْدَ خَفَّتْ عَلَيهِ المونُ (3). في خلافِ النَّفْسِ رُشْدُها مَنْ عَرَفَ الأيام لم يغفل عن الاستعداد. ألا وَ إِنْ مَعَ كلّ جُرْعَةٍ شَرَقاً وَ في كلّ أكْلَةٍ غَصَصاً. لا تُنالُ نِعَمَةٌ إِلَّا بِزوالِ أخْرى. لِكُلِّ ذِي رَمقةٍ قُوتُ. وَلِكُلِّ حبة آكل. و أنتَ قُوتُ المَوتِ (4).
اعْلَمُوا أيُّها النَّاس أَنَّهُ مَنْ مَشَى عَلَى وَجْهِ الأرْضِ فَإِنَّه يَصِيرُ إِلى بَطْنِها. وَاللَّيْلُ والنَّهارُ يَتَسَارَعَانِ في هَدَمِ الأَعْمَارِ.
أيُّهَا النَّاس كُفَرُ النَّعْمَةِ لُوْمُ (5). وَسُحْبَةُ الجَاهِلِ شُوم. مِنَ الكَرَمِ لِينُ الكَلامِ. إيّاك وَالخَدِيعَةَ فَإنَّها مِنْ خَلْقِ اللِّئامِ. ليس كلّ طالب يصيبُ، وَلا كلّ غائب يَؤُوبُ. لا ترغب فيمَنْ زَهَدَ فِيكَ. رُب بعيد هُوَ أَقْرَبُ مِنْ قَرِيبٍ، سَلْ عَنِ الرفيق قَبْلَ الطَّرِيقِ و عن الجارِ قَبْلَ الدَّارِ. أُسْتُرْ عَوْرَة أَخِيكَ لما تعلَمُهُ فِيكَ (6). اغْتَفِرْ زَلَّةَ صَدِيقِكَ لِيَوْمٍ
ص: 98
يَرْكَبُكَ عَدُوّكَ. مَنْ غَضِبَ عَلَى مَنْ لا يَقْدِرُ أنْ يَضُرَّهُ طَالَ حُزْنُه وعَذَبَ نَفْسَه. مَنْ خافَ ربّه كَفَ ظُلمَهُ. وَ مَنْ لَمْ يَعْرِفِ الخَيْرَ مِنَ الشَّرِّ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ البَهِيمَةِ إِنَّ مِنَ الفساد إضاعَةَ الزَّادِ. ما أصْغَرَ المُصِيبَةٌ مَعَ عِظَمِ الفاقة غداً. و ما تَناكَرْتُمْ إِلَّا لِمَا فِيكُمْ مِنَ المعاصي و الذُّنوب (1). ما أقرَبَ الرَّاحَةَ مِنَ الشَّعَب. وَالبُوْسَ مِنَ الصَّغير (2) ما شر بِشَر بَعْدَهُ الجنّة. و ما خَيْرٌ بِخَير بَعْدَهُ النَّارُ، وَ كلّ نَعِيمٍ دونَ الجنّة مَحْقُورٌ. و كلّ بلاء دونَ النَّارِ عافية. عِنْدَ تصحيح الضمائر تبدو الكبائر (3). تصفية العمل أشَدُّ مِنَ العَمَلِ. تخليص النيَّة عَن الفَسادِ أَشَدَّ عَلَى العَامِلِينَ مِنْ طولِ الجِهادِ. هيهات لولا الشقى كُنتُ أذهَى العرب (4). عليكم بتقوى اللّه في الغيب والشهادة (5)، وَكَلِمَةِ الحقّ في الرضى والغَضَبِ؛ وَ القَصْدِ فِي الغِنى وَ الفَقْرِ ؛ وَ بِالعَدْلِ عَلَى العَدُو وَالصَّدِيقِ ؛ وَ بِالعَمَلِ في النشاطِ وَالكَسَلِ ؛ والرضى عَنِ اللّه فِي الشِّدَّةِ وَالرَّحَاءِ، وَ مَنْ كَثُرَ كَلامُهُ كَثُرَ خَطاؤه ؛ وَ مَنْ كَثرَ خَطاؤهُ قَلَّ حَياؤُهُ، وَمَنْ قَلَّ حَيَاؤُهُ قَلَّ وَرَعُهُ ؛ وَمَنْ قل وَرَعُهُ ماتَ قَلْبُهُ، وَمَنْ مَاتَ قَلْبُهُ دَخَلَ النَّارَ وَمَنْ تَفَكَّرَ اعْتبر وَمَنِ اعْتبر اعْتَزَلَ. وَ مَنِ اعْتَزلَ سَلِمَ، وَمَنْ تَرَكَ الشهواتِ كَانَ حُرَّاً. ومَن تَرَكَ الحَسَد كَانَتْ لَه المَحَبَّةُ عِندَ
ص: 99
النّاسِ. عزّ المؤمِن غِناهُ عَنِ النَّاسِ. القناعَةُ مال لا يَنفَدُ. و مَنْ أَكْثَرَ ذِكرَ المَوتِ رَضي مِنَ الدُّنيا باليسير. وَمَنْ عَلمَ أَنَّ كلامَهُ مِنْ عَمَلِهِ قَلَّ كَلامُهُ إِلَّا فيما يَنْفَعُهُ. العَجَبُ يَمنَ يخاف العِقاب فلا يكف، ويَرْجُو الثواب ولا يَتُوبُ وَيَعْمَلُ الفِكْرَةُ تُورِثُ نوراً. وَ الغَفْلَةُ ظلمة. والجهالة ضَلالَة. [و] السعيد من وعِظَ بِغَيْره. والأدبُ خَيْرُ مِيرات، حُسْنُ الخلقِ خير قرين لَيْسَ مَعَ قَطِيعة الرحم نماه. ولامع النُّجُورِ غنى. العافية عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت إلا بذكر اللّه واحِدٌ في تَركِ مُجالسة السفهاء. رَأْسُ العِلْمِ الرفق، و آفتُهُ الخُرْق. و مِنْ كنوز الإيمانِ الصَّبْرُ على المصائب. والعفافُ زِينَةُ الفَقْر. والشكر زينة الغني. كثرة الزيارَةِ نُورِثُ المَلالَةَ. وَالطَّمَانِينَةُ قَبْلَ الخُبْرَةِ ضِدُّ الحَزَمِ. إِعْجَابُ المَرْءِ بِنَفْسِه يَدلُ عَلَى ضَعَفِ عَقْلِهِ لا تُؤيِسَ مُذيباً، فَكَمْ مِنْ عَاكِفٍ عَلَى ذَنْبِهِ خُتِمَ لَهُ بِخَيْرٍ. وكم من مُقبل على عمله مفيد في آخر عمره، ساير إلى النَّارِ بِئْسَ الزَّادُ إِلَى المَعادِ العدوان عَلَى العِبادِ. طوبى لمَنْ أخلص اللّه عَمَلَهُ وَعِلَمَهُ وَحَبَّهُ وَ بَعْضَهُ وَأَخَذَهُ وَتَرَكَهُ وَكَلامَهُ وصَمْتَهُ وفِعِلَهُ وَقَوْلَهُ لا يَكُونُ المُسلِمُ مُسلِماً حتّى يَكُونَ وَرِعاً ؛ وَ لَنْ يَكُونَ وَرِعاً حتّى يَكونَ زاهداً ؛ وَ لَنْ يكونَ زاهِداً حتّى يَكونَ حازماً ؛ ولَنْ يكون حازماً حتّى يكون عاقلاً ؛ وما العاقِلُ إِلَّا مَن عَقَلَ عَن اللّه وعمل الدار الآخرة. وصلى اللّه على محمَّد النبي وَ عَلى أَهْلِ بَيْتِهِ الطَّاهِرِين.
(وهي أربعمائة باب الدِّين والدنيا)
الحجامة تُصِيحُ البَدَنَ وتَشُدُّ العقل. أخذ الشارب من النظافة وَهُوَ مِنَ السُّنَّةِ. الطيب في الشارب كَرامَةٌ لِلْكاتِبَينِ وَهُوَ مِنَ السُّنَّةِ الدُّهْنُ يُلين البشرة (1) وَيَزِيدُ في الدماغ وَالعَقلِ، ويُسْهِلْ مَوضِعَ الظَّهورِ، وَيَذْهَبُ بِالشَّعَثِ ويُصَفِّي اللون.
ص: 100
السواك مَرْضاةُ لِلرَّبِّ ومَطْيَبَةُ لِلْفَم، وهُوَ مِنَ السُّنَّةِ. غَسْلُ الرَّأْسِ بِالخِطْمِي يَذْهَبُ بالدرنِ وَ يُنقّى الأقذار (1) المضمضة والاستنشاق بالماءِ عِنْدَ الطهورِ طَهُور للفم والأنف. السَّعُوطُ مَصَحْةُ لِلرَّأْسِ (2) وَ شِفاء الْبَدَنِ وَ سَائِرِ أَوْجَاعِ الرَّأْسِ. النُّورَةُ مشدَّة لِلبَدَنِ وَ طَهُورٌ لِلْجَسَدِ، وتقليم الأظفارِ يَمْنَعُ الدَّاءَ الأَعْظَمَ ويَجْلِبُ الرِّزْقَ وَيُدِره (3). تتف الابْطِ يَنْفِي الرَّائِحَةَ المُنكَرَة وهُوَطَهُورٌ وَسُنَّةٌ. غَسْلُ اليَدَيْنِ قَبْلَ الطعام و بعده زيادة في الرِّزْقِ. غسل الأعيادِ طَهور لمن أراد طلب الحوائج بينَ يدي اللّه عزَّ وجَلَّ وَاتِّباعَ السُّنة. قيام الليلِ مَصَحَةٌ لِلبَدَنِ(4) ورِضَى لِلرَّبِّ وَتَعَرَّضُ لِلرَّحْمَةِ وتَمَسُّك بأخلاق النبيين. أكل التفاح نضوح المعدة (5). مَضَعُ اللّبان. يشدّ الأضراسَ ويَنْفِي البَلغَمَ ويَقطَعُ ريحَ الفم. الجُلوس في المسجد بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس أسرع في طلب الرزق من الضرب في الأرضِ. أكُلُ السَّفَرْجَلِ قوَّة للقلب الضعيف وهو يُطيِّبُ المِعْدَةَ، ويُذكّي الفُؤادَ. و يُشَجِّعُ الجَبَانَ وَيُحْسِنُ الولد. أكل إحدى و عِشْرِينَ زَبيبةً حمراء على الريق (6) فِي كلّ يَوْمٍ تَدْفَعُ الأمراض إِلَّا مَرَضَ المَوْتِ. يُسْتَحَبُّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَأْتِيَ أهلَه في أوَّل لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرٍ رَمَضَانَ لِقَولِ اللّه: أحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصَّيامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ (7)، لا تَخَدَّمُوا بِغَيرِ الفِضَّةِ فَإِن رَسُولَ
ص: 101
اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال : ما طَهِّرَ اللّه يَداً فيها خاتَمُ حَديد (1) مَنْ نَقَشَ عَلَى خَاتِمِهِ اسْمَا مِنْ أسماء اللّه فَلْيَحَولَهُ عَن البَدِ الّتي يستنجي بها (2) إذا نظر أحدكم إلى المرآة فليقل : الحَمدُ للّه الّذي خَلَقَنى فَأَحْسَنَ خلقي وصَوَّرَني فأحْسَنَ صورتي و زانَ مِني ما شانَ مِنْ غَيري و أكْرَمَني بالإِسْلامِ (3)، لِيَتَزَيَّنَ أَحَدُكُمْ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ إِذا أَتَاهُ كَمَا تَزَيَّنَ لِلغريب الّذي يُحِبُّ أَنْ يَراهُ فِي أَحْسَنِ هَيْئَةٍ. صَوْمُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي كلّ شَهْرٍ وَ صَوْمُ شَعْبَانَ يَذْهَبُ بِوَسواس الصدرِ وَ بَلابلِ القلب (4) الاستنجاء بالماء البارد يقطع البواسير. غسل السياب يَذْهَبُ بِالهَمّ وَ طَهُورُ لِلصَّلاةِ. لا تنتفوا الشَّيْبَ فَإِنَّهُ نُورٌ وَ مَنْ شَابٌ شيبة في الإسلام كانَتْ لَهُ نُوراً يَوْمَ القِيامَةِ. لا ينام المسلمُ وَ هُوَ جُنُب. ولا ينام الاعلى طَهُورٍ، فَإِن لَم يجد الماء فَلْيَتيمم بِالصَّعِيدِ (5)، فإن روح المؤْمِنِ تَرْتَفِعُ إِلَى اللّه عز وجل فيقبلها وَيُبارِك عَلَيها، فَإن كانَ أجلها قَدْ حَضَرَ جَعَلَها في صُورَةٍ حَسَنَةٍ وَ إِنْ لَمْ يَحضُر أجلها بَعَثَ بِها مَعَ أُمَنَائِهِ مِنَ المَلائِكَةِ فَردها في جَسَدِه. لا ينقل المسلم في القِبْلَةِ (6)، فَإِنْ فَعَلَ ناسياً فليستغفر اللّه لا ينفخ المرءُ مَوضِعَ سُجُودِهِ وَلا فِي طَعَامِهِ وَ لا فِي شَرابِهِ وَلَا في تعويذه. لا يَتَفَوطَنَّ أحَدُكم عَلَى المَحَجَّة (7) وَلا يبل عَلَى سَطْح في الهواء ولا في ماء جارٍ، فَمَنْ فَعَلَ ذلِكَ فَأصَابَهُ شَيْءٌ فَلا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ، فَإِنَّ لِلْمَاء أَهْلاً وَ لِلهَواءِ
ص: 102
أهلاً. و إذا بالَ أَحَدُكم فَلا يَطْمَحَنَّ بِبوله (1) وَلَا يَسْتَقبَلْ بِهِ الرِّيح، لا يَنَامَنّ مُستلقيا عليُّ ظَهْرِه. لا يقومَنَّ الرَّجلُ في الصَّلاةِ مُتَكاسلاً وَلا مُتَفاعِساً (2). لَيَقِل العبد الفكر إذا قامَ بَيْنَ يَدَيِ اللّه، فَإنَّما لَهُ مِنْ صَلاتِهِ ما أَقبَلَ عَلَيْهِ. لا تدعوا ذكر اللّه في كلّ مَكانٍ وَلا عَلى كلّ حالٍ. لا يلتفتن أحدُكُمْ في صَلاتِهِ، فَإِنَّ العَبْدَ إِذا التَفَتَ فيها قالَ اللّه لَهُ : إِلىَّ عَبْدِي خَيْرٌ لَكَ ممَّن تَلْتَفِتُ إِلَيْهِ كُلُوا مَا يَسْقُطُ مِنَ الحَوانِ (3) فَإِنَّهُ شِفاءٌ مِنْ كلّ داءٍ بِإِذْنِ اللّه مَنْ أرادَ أَنْ يَسْتَشْفِيَ بِهِ. الْبَسَوُا ثِيَابَ الْقُطْنِ فَإِنَّهُ لباسُ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وَ لَمْ يَكُنْ يَلْبَسُ الصُّوفَ وَ لَا الشَّعْرَ إِلَّا مِنْ عِلَّةٍ (4) إِذا أَكَلَ أحَدُكُمُ الطَّعَامَ فَمَصَّ أصابعَهُ الّتي أَكَلَ بِها قَالَ اللّه عَزَّ وَجَلَّ ذِكْرُهُ : بارَكَ اللّه فِيكَ. إنَّ اللّه لَيُحِبُّ الجَمالَ وَ أنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ. صِلُوا أَرْحَامَكُمْ وَ لَوْ بِالسَّلامِ لِقَوْلِ اللّه : «واتقوا اللّه الّذي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرحام» (5). ولا تَقْطَعُوا نَهارَكُمْ بِكَيْتَ وكَيْتَ وفَعَلْنا كذا وكذا (6)، فَإِنَّ مَعَكُم حفظة يحفظون عليكم. واذكروا اللّه عز وجل بكلّ مَكَانٍ. صلوا على النبي وآله صلى اللّه عَلَيْهِ وَ عَلَيْهِم، فَإِنَّ اللّه يَتَقَبَّلُ دُعاءَكُمْ عِنْدَ ذِكرِه و رعايتكمْ لَهُ. أقرُّوا الحار حتّى يَبْرُدَ ويُمكِّنَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قَالَ - وَقَدْ
ص: 103
قرْبَ إِلَيْهِ طَعامٌ حارٌ - : أقرُّوهُ حتّى يَبْرُدَ ويُمَكنَ وَ ما كانَ اللّه لِيُطعمنا الحارّ وَالبَرَكة في البارد، والحارُّ غَيْرُدَي بَرَكَةٍ. عَلَمُوا صبيانكُمْ ما يَنْفَعُهُمُ اللّه به، لا تغلِب عليهم المُرجئة (1).
أيُّها النَّاس كُفوا اليكم وسلّموا تسليماً، أدُّوا الأماناتِ وَلَوْ إلى قتلة الأنبياء. أكثروا ذكر اللّه إذا دَخَلْتُمُ الأسواق و عِندَ اشتغال النَّاس بالتجاراتِ، فَإِنَّهُ كَفَّارَة للذنوب و زيادة في الحَسَناتِ وَلا تَكُونُوا مِنَ الغافِلِينَ. لَيْسَ لِلْعَبدِ أَنْ يُسَافَرَ إِذا حَضَرَ شَهرُ رَمَضَانَ لِقَوْلِ اللّه : فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ (2)،. لَيْسَ فِي شُرب المسكر و المسح على الخُفَّين تقية (3) إيّاكم والغلو فينا، قولوا : إِنَّا عِبَادُ مَرْبُوبُونَ وَقُولُوا إيّاكم في فضلنا ما شئتم. مَنْ أَحَبَّنا فَلْيَعْمَلْ بِعَمَلِنا ويَسْتَعِنْ بِالوَرَعِ، فَإِنَّهُ أَفضَلُ مَا يُسْتَعانُ به في الدُّنيا و الآخِرَةِ. لا تجالسوا لنا عائباً وَلا تَمْدَحُونَا مُعْلِنينَ عِنْدَ عَدُوّنا فَتُظهِرُوا حُبْنا وَ تُذِلُّوا أَنفُسَكُمْ عِنْدَ سُلطائِكُمْ. الزموا الصَّدَقَ فَإنَّه مَنْجاةٌ. إرْغَبوا فيما عند اللّه واطلبوا مَرْضَاتهُ وَطاعَتَهُ وَاصْبِرُوا عَلَيْهما. فما أقبحَ بِالمؤمِن أنْ يَدْخُلَ الجنّة وهو مهتوك السَّترِ لا تُعيونا (4) في طَلَبِ الشَّفاعَةِ لَكُم يومَ القِيامَةِ بِسَبَبِ ما قَدَّمَتُم (5).
ص: 104
ولا تفضحوا أنفسكم عند عدوّكم يوم القيامة ولا تكذبوا أنفسكم في منزلتكم عِندَ اللّه بالحقيرِ مِنَ الدُّنيا. تمسّكوا بما أَمَرَكُمُ اللّه بِه فَما بينَ أَحَدِكُمْ وَبَينَ أَنْ يَغتَبِطَ وَ يَرَى ما يُحِبُّ إلا أن يَحْضُرَه رسولُ اللّه (1) وما عِندَ اللّه خَير وأبقى وتأتيه البشارة واللّه فتقر عينه ويجب لِقاءَ اللّه. لا تحقِّر واضُعَفَاء إخوانكم، فَإِنَّه مَنِ احْتَقَرٍ مُؤْمِناً حَقَرَهُ اللّه و لم يجمع بينهما يوم القيامة إلا أن يتوب. ولا يكلف المرء أخاه الطلب إليه إذا عرف حاجَتَهُ. تَزاوَرُوا و تعاطفوا وتَبادَلوا ولا تكونوا بمنزلة المنافِقِ الّذي يَصِفُ مالا يفعل. تزوجوا فإنَّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال : مَن كان يُحِبُّ أَنْ يَسْتَنَّ بِسُنَّتِي فَلْيَتَزَوجِ، فَإِنَّ من سنتي التزويج. اطلبوا الوَلَد فإنِّي مُكَاثِرُ بكُمُ الأُمَمَ، تَوقّوا على أولادِكُم مِنْ لَبَنِ البَغِيِّ مِنَ النِّساءِ والمجنونة (2)، فَإِنَّ اللَّبَنَ يُعَدّى. تَنَزَّهُوا عَنْ أَكْلِ الطَّيرِ الّذي لَيْسَ لَهُ قانِصَةٌ وَلا صيصية وَلا حَوْصَلَةٌ ولا كابرَة (3). اتَّقوا أكُلَ كلّ ذِي نَابِ مِنَ السّباع و كلّ ذي مخلب مِنَ الطَّير، ولا تأكلوا الطحال، فإنه يَنْبُتُ مِنَ الدَّم الفاسد. ولا تلبسوا السَّواد فإنَّه لباس فرعَونَ. اتَّقوا الغدد من اللَّحم، فإِنَّها تُحَرَكَ عِرْقَ الجُذَامِ. لا تقيسوا الدِّين فإنّه لا يُقاسُ وَ سَيأتي قَومُ يَقيسُونَ الدِّين هُمْ أعداؤهُ، وَ أَوَّلُ مَنْ قاسَ إبليس، لا تتخذوا المُلَسَّنَ فَانهُ حَدَاهُ فِرْعَونَ وَهُوَأولُ مَن حَذَا المُلَسَّنَ (4). خالِفُوا
ص: 105
أَصْحابَ المُسْكِرِ. وَكُلُوا التَّمَرَ فَإِنَّ فِيهِ شِفاءٌ مِنَ الأدواء. اتَّبِعُوا قَوْلَ رَسُولِ اللّه فإنه قالَ : مَن فَتَحَ عَلَى نَفْسِه بابَ مَسْأَلَةٍ فَتَحَ اللّه عَلَيْهِ بِابَ فَقَرٍ أَكْثِرُوا الاسْتِغْفَارَ فإنه يَجْلِبُ الرِّزْقَ. قد موامَا اسْتَطَعْتُمُ مِنْ عَمَلِ الخَيْرِ تَجِدُوهُ غَداً. إيّاكم وَالجِدَالَ فَإِنَّهُ يُورثتُ الشَّكَ مَنْ كَانَتْ لَهُ إِلَى اللّه حَاجَةٌ فَلْيَطْلُبُها في ثَلَاتِ سَاعَاتٍ : ساعَةٍ مِنْ يَوْمَ الجُمُعَةِ - ساعة الزوالِ حِينَ تهب الريح وتُفتح أبواب السَّماءِ وَ تَنْزِلُ الرَّحْمَةُ وتُصَوَّت الطير، و ساعة في آخِرِ اللَّيلِ عِندَ طُلُوعِ الفَجْرِ، فَإِنْ مَلَكَيْنِ يُنَادِيان : هَل مِنْ تَالِب فَأْتُوبَ عَلَيهِ ؟ هَلْ مِنْ سائل فيُعطى ؟ هَلْ مِن مُسْتَغْفِرٍ فَيُغْفَرَ لَهُ ؟ هَلْ مِنْ طَالِبِ حَاجَةٍ ؟ ؛ فَأجِيبُوا داعي اللّه. واطلبو الرزق فيما بَيْنَ طُلوعِ الفَجْرِ إِلى طُلُوعِ الشَّمْسِ فَإِنَّهُ أَسْرَعُ لِطَلَبِ الرِّزْقِ مِنَ الضَّرب في الأرضِ، وَهيَ السَّاعَةُ الّتي يُقَسمَ اللّه جَلَّ وَعَزَّ فِيهَا الأرْزاقَ بين عباده. انتظروا الفرج ولا تَيَأسُوا مِنْ رَوْح اللّه فإنَّ أَحَبُّ الأُمُورِ إِلَى اللّه انتِظارُ الفرج وَمادَاوَمَ عَلَيْهِ الْمُؤْمِنُ (1). تَوَكَّلُوا عَلَى اللّه عِندَ رَكَعَتَي الفَجْرِ بَعْدَ فَرَاغِكُمْ مِنْهَا ففيها تعطى الرّغائب. لا تخرجوا بالسيوف إلى الحرم، وَلا يُصَلِّ أَحَدُكُمْ وَبَيْنَ يَدَيهِ سَيْفٌ، فَإِنَّ القِبْلَةَ أَمَن ألموا (2) برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) إذا حَجَجْتُم، فَإِنَّ تَرْكَهُ جَفاء وَ بِذلِكَ أُمِرْتُم. ألمّوا بِالقبور الّتي يَلْزَمُكُم حَقٌّ سُكانها و زُوروها و اطلبوا الرزق عِندها، فإنهم يفرحونَ بِزِيارَتِكُم، لِيَطْلب الرَّجُلُ الحاجةَ عِنْدَ قبر أبيهِ وَ أُمِّهِ بَعْدَ ما يَدْعُو لَهُما. لا تستصغروا قليل الإثْمِ لَما لم تقدروا على الكبير، فَإِنَّ الصغير يحصى وَ يُرْجَعُ إِلى الكَبيرِ. أطِيلُوا السجود فَمَن أطالَهُ أَطَاعَ وَ نَجا. أَكْثِرُوا ذِكرَالموت و يوم خروجكم من القبورِ ويَومَ قِيامكم بينَ يَدَيِ اللّه تَهُنْ عليكم المصائب. إذا اشتكى أحَدُكُمْ عَيْنَهُ فليقرأ آيَةَ الكُرْسِي وَلْيُضْمِرُ فِي نَفْسِهِ أَنَّهَا تَبْرَ، فَإِنَّهُ يُعافى إن شاء اللّه. توقّوا الذُّنوب فما من بليّة ولا نقص رِزْقٍ إِلَّا بِذَنْب حتّى الخَدْشِ وَالنَّكَبَةِ
ص: 106
والمصيبة (1)، فَإِنَّ اللّه جَلَّ ذِكرُهُ يَقُولُ: «ما أصابَكُمْ مِنْ مُصيبَةٍ فَبما كَسَبَتْ أَيْدِيكُم وَ يَعفُوا عَنْ كَثِيرٍ» (2). أكثرُوا ذِكرَ اللّه جَلَّ وَعَزَّ عَلَى الطَّعَامِ وَلا تَلْفَظُوا فِيهِ فَإِنَّه نعمةٌ مِنْ نِعَمِ اللّه وَرِزْقٌ مِنْ رِزْقِهِ يجب عَلَيْكُمْ شُكرُه وَحَمْدُه. أحْسِنُوا صُحْبَةَ النِّعَمِ قبل فواتها فإنها تَزُولُ وَ تَشْهَد عَلى صاحبها بما عَمِلَ فيها. من رَضِيَ مِنَ اللّه بِاليَسير مِنَ الرِّزْقِ رَضِيَ اللّه مِنهُ باليَسيرِ مِنَ العَمَلِ. إيّاكم وَالتَّفْرِيطَ، فَإِنَّهُ يُورِثُ الحَسْرَةَ جين لا تنفَعُ الحَشَرَةُ. إذا لقيتُم عَدُوكُمْ في الحَرْبِ فَأَقلُوا الكَلامَ وَأَكْثِرُوا ذِكْرَ اللّه جل و عزَّ و لا تُوَلُّوا الأدْبَارَ فَتُسْخِطُوا اللّه وَتَسْتَوْجِبوا غَضَبَهُ إِدَارَ أَيتُم مِنْ إِخْوانِكُمْ المجروح في الحَرْبِ أَوْمَنْ قَد نكِل (3) أو طَمِعَ عَدُوكُمْ فِيهِ فَقَدُّوهُ بِأَنفُسِكُم. اصْطَنعوا المعروف (4) بِما قدَرْتُم عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ تَقي مصارع السوء. مَنْ أرادَ مِنْكُمْ أنْ يَعْلَمَ كَيْفَ مَنزَلَتْهُ عِنْدَ اللّه فَليَنظُر كَيْفَ مَنزِلَةُ اللّه مِنْهُ عِندَ الذُّنُوبِ. أَفضلُ ما يَتَّخِذُ الرَّجُلُ في مَنْزِلِهِ الشاةَ، فَمَن كانَتْ في مَنزِله شاة قَدَّسَت عَليهِ الْمَلَائِكَةُ كلّ يَوْمٍ مَرَّةَ و من كان عندَهُ شاتانِ قَدَّسَتْ عَلَيْهِ المَلائِكَةُ كلّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ و كَذلِكَ في الثَّلَاتِ ويقول اللّه : بورك فيكم. إذا ضَعُفَ المُسلِمُ فَلَيَأْكُلِ اللَّحْمَ بِاللبن، فَإِنَّ اللّه جَعَلَ القُوَّةَ فيهما. إذا أردتُمُ الحَجَّ فَتَقَدَّمُوا في شراء بعض حَوائِكُمْ بِأَنفُسِكُمْ فَإِنَّ اللّه تَبَارَكَ وتعالى قال : وَلَوْ أرادوا الخروج لأعَدُّوا لَهُ عُدَّة (5).. إذا جَلَسَ أَحَدُكم في الشَّمْسِ فليستديرها لِظَهْرِهِ فإنها تُظهِرُ الداء الدفين. إذا حَجَجْتُم فأكثروا النَّظَرَ إِلى بَيْتِ اللّه، فإنَّ للّه مِائَةٌ وعِشْرِينَ رَحْمَةٌ عِنْدَ بَيْتِهِ الحَرامِ، مِنها ستون للطَّائِفِينَ وأربعونَ للمصلين وعشرون للناظرين أقروا عندَ بَيْتِ اللّه الحَرامِ بِمَا حَفِظْتُمُوهُ مِنْ ذُنُوبِكُم ومالم تَحْفَظُوهُ فَقُولُوا : ما حَفِظَتَهُ يا رَبِّ عَلَينا وَنَسِينَاهُ فَاغْفِرْهُ لَنَا. فَإِنَّهُ مَنْ أَقَرَ بِذُنُوبِهِ
ص: 107
في ذلك الموضع و عددها وذكرها وَاسْتَغْفَرَ اللّه جَلَّ وَعَرَّ مِنْهَا كَانَ حَقًّا عَلَى اللّه أَنْ يَغْفِرَها لَهُ. تَقَدَّمُوا في الدُّعاءِ قَبْلَ نُزُولِ البَلاءِ فَإِنَّهُ تَفْتَحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ فِي سِتَّةِ مَواقِفَ : عِنْدَ نُزُولِ الغَيْثِ وَعِندَ الزَّحْفِ (1) وَعِندَ الأَذَانِ وَ عِنْدَ قراءَةِ القُرْآنِ وَمَعَ زَوالِ الشمس مُؤمِناً فليغتسل بعد ما يليسُهُ أكفانه ولا يَمَسَّهُ بعد ذلك(2) فيجب عليه الغُسْلُ. ولا تجمروا الأكفان (3) ولا تَمَدُّوا مَوْتاكمُ الطّيب إلا الكافور، فَإنَّ الميت بمنزلة المحرم مروا أهاليكم (4) بِالقَولِ الحَسَنِ عِنْدَ المِيتِ، فَإِنَّ فاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللّه لما قبِضَ أبوها (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) أَشْعَرَها بَناتُ هاشم فَقالَتْ : اتركوا الحداد (5). وَعَلَيْكُم بالدعاء المسلم مرآة أخِيهِ فَإِذا رَأَيْتُمْ مِنْ أخيكم هفوة فلا تكونوا عليه إلباً (6). وَأَرْشِدُوهُ وَ انْصَحُوا لَهُ وَ تَرَفَقُوابِهِ، وَ إيّاكم وَ الخِلافَ فَإِنَّهُ مُرُوق وَ عَلَيْكُمْ بالقصدِ (7) تراءفوا وتراحموا. مَنْ سافَرَ بِدابَتِهِ بدأ بعلفها وسقيها. لا تضربوا الدواب عَلى حُرَّ وَجُوهِها (8) فَإِنَّها تُسَبِّحُ رَبَّها. مَنْ ضَلَّ مِنْكُمْ فِي سَفَرٍ أو خاف على نفسه فلينادِ : يا صَالِحُ أغنني، فَإنَّ في إخوانكم الجن من إذا سمع الصَّوْت أجابَ وارْشَدَ الضّال مِنكُم وَحَبَسَ عَلَيْهِ دَابَّتَهُ. وَمَنْ خَافَ مِنْكُمُ الأَسَد على نفسه و دابته وغنمه فليخط عليها خطة وليقل: «اللّهمّ رَبِّ دانيال و الجب
ص: 108
وَ كلّ أَسَدٍ مُسْتَأْسَدٍ، اِحْفَظني وغَنَمي (1)، وَمَنْ خَافَ مِنْكُمُ الفَرْقَ فَلْيَقَل : «بِسْمِ اللّه مَجرِيهَا و مُرسَيها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ، و ما قَدَرُوا اللّه حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبضَتُهُ يَومَ القِيامَةِ والسَّماواتُ مَطوياتٌ بِيَمِينِهِ سُبحانَهُ وَتَعَالَى عَمّا يُشْرِكُونَ». ومَن خاف العقرَبَ فَلْيَقَرَاْ سَلَام على نوح في العالَمينَ إنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُؤْمِنِينَ عُقُوا عَنْ أولادكم في اليَوْمِ السَّابع وتصدقوا إِذا حَلَقَتُم رُؤوسَهُم بِوَزْنِ شُعُورِهِمْ فضةً، فَإِنَّهُ واجِب عَلَى كلّ مُسْلِمٍ (2) وَ كَذلِكَ فَعَلَ رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بِالحَسَنِ و الحسين. إذانا وَلَتُم سائِلاً شَيْئاً فَاسْأَلُوهُ أَنْ يَدْعُوَلَكُمْ فَإِنَّهُ يُسْتَجَابُ فِيكُمْ وَلا يُجَابُ في نفسه لأنهم يكذِبُونَ ؛ وَ يَرُدُّ الّذي يُناوِلُهُ يَدَهُ إِلَى فِيهِ فَلْيَقَبلُها فَإِنَّ اللّه يَأخُذها قبل أن تقع في يد السائل : قال اللّه تبارك وتعالى: «وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ» (3).. تصدقوا بالليلِ فَإِنَّ صَدَقَةَ الليلِ تُطْفِيء غَضَبَ الرَّبِّ. أحسبُوا كَلامَكُم مِنْ أَعْمَالِكُم يَقِل كَلَامُكُم إلا في الخير. أَنفِقُوا ممَّا رَزَقَكُمُ اللّه، فَإنَّ المتّفق فيَّ (4) بمنزلَةِ المُجَاهِدِ في سَبِيلِ اللّه. فَمَنْ أَيْقَنَ بِالخَلَفِ أَنفَقَ وَ سَخَتْ نَفْسُهُ بِذلِكَ (5). مَنْ كَانَ على يَقِينِ فَأَصابَهُ ما يَشُك فَلْيَمَضِ عَلَى يَقِينِهِ، فَإِنَّ الشَّكَ لا يَدْفَعُ اليَقِينَ وَلَا يَنقُضُه. ولا تَشْهَدُوا قَولَ الزَّور.
ص: 109
ولا تجلسُوا عَلى ما يدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا الخَمْرُ، فَإِنَّ العَبدَا يَدْرِي مَتَى يُؤْخَذُ وَإِذا جَلَسَ أحَدُكُمْ عَلَى الطَّعامِ فَلْيَجْلِسَ جِلْسَةَ العَبْدِ وَيَأْكُلْ عَلَى الْأَرْضِ وَلَا يَضَعْ إِحْدَى رِجْلَيْهِ على الأخرى ولا يتربّع، فَإِنَّها حِلْسَةٌ يُبْغِضُهَا اللّه و يَمْقُتُ صاحبها. عشاء الأنبياءِ بَعْدَ العتمة (1) فَلا تَدَعُوا العشاء، فَإِنَّ تَرَكَه يُخَرِّبُ البَدَنَ. الحُمَّى رَائِدُ المَوتِ (2) وَسِجْنُ اللّه في الأرْضِ، يَحْبِسُ بِها مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهِيَ تَحُتُ الذُّنُوبَ كما تَحاتُ الوَبَرَ عَنْ سَنامِ البَعِيرِ، لَيْسَ مِنْ داء إلا وهُوَ داخِلُ الجَوْفِ إِلَّا الجَراحَةَ وَالحُمّى، فَإِنَّهُما يرِدانِ عَلَى الجَسَدِ وُرُوداً (3) اكسر واخر الحمى بالبنفسج وَالمَاءِ البَارِدِ، فَإِنَّ حَرَّهَامِنْ فيح جهنم (4) لا يَتَداوَى المُسْلِمُ حتّى يَغْلِبَ مَرَضُهُ صِحتَهُ (5) الدُّعاءُ يَرُدُّ القضاة المبرم فَاعِدوه وَاسْتَعْمِلُوهُ لِلوضوء بعد الطهر عشر حَسَنَاتٍ فَتَطَهَرُوا إيّاكم وَالكَسَلَ فَإِنَّه مَنْ كَسِلَ لَمْ بُوَد حَقَّ اللّه تَتَنظّفُوا بِالماء مِنَ الرِّيحِ المُنتنَةِ وَتَعَهَدُوا أَنفُسَكُم فَإِنَّ اللّه يُبْغِضُ مِنْ عِبادِهِ القَاذُورَةَ الّذي يتأفف بِه مَنْ جَلَسَ إِلَيْهِ (6). لَا يَعْبَتْ أَحَدُكُم بِلحْيَتِهِ في الصَّلاةِ ولا بما يَشْفَلُهُ عَنْها. بادِرُوا بِعَمَلِ الخَيْرِ قَبل أن تشغلوا عَنهُ بِغَيرِه.
المؤمِنُ نَفْسُهُ مِنْهُ فِي تَعَب و النَّاس مِنْهُ في راحَةٍ لِيَكُنْ جُلُّ كَلامكم ذكر اللّه. اِحْذَرُوا الذُّنُوبَ، فَإِنَّ العَبدَ يُذْنِبُ الذَّنْبَ فَيُحْبَس عَنهُ الرِّزْقُ. داوُوا مرضاكم بالصدقة. وَحَصَّنوا أموالكم بالزَّكَاةِ. الصَّلاةُ قُرْبانُ كلّ تَقِي. وَ الحَيُّ جِهادُ كلّ
ص: 110
ضعيف، حُسن التّبعُّل جهادُ المَرأةِ الفَقْرُ المَوتُ الأكْبَرُ قِلةُ العِبالِ أَحَدُ اليَسارين (1). التَّقْدِيرُ نِصْفُ المَعِيشَة. الهمَّ نِصْفُ الهَرَم. ما عالَ امْرُو اقْتَصَدَ (2) مَا عَطِبَ امْرُو اسْتَشَارَ. لا تُصْلَحُ الصَّنِيعَةُ إِلا عِندَذِي حَسَب وَ دِينِ لِكُلِّ شَيْءٍ ثَمَرَةً و ثَمَرَةُ المَعْرُوفِ تَعْجِيلُ السراح. مَنْ أيقن بالخَلَفِ جادَ بِالعَطِيةِ. مَنْ ضَرَبَ عَلَى فَحْذَيْهِ عِنْدَ المصيبة فقد حبط أجره(3). أفْضَلُ عَمَلِ المُؤمِنِ انْتِظارُ الفَرَج. مَنْ أَحْزَنَ والِدَيْهِ فَقَدْ عَقَّهُما. اِسْتَنْزِلوا الرِّزْقَ بِالصَّدَقَة. إدفعوا أنواع البلاء بالدُّعاءِ، عَليكُمْ بِهِ قَبْلَ نُزُولِ البَلاءِ، فَوَالّذي فَلَقَ الحَبةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ (4) لَلْبَلاءُ أَسْرَعُ إِلَى المُؤْمِنِ مِنَ السَّيْلِ مِنْ أَعْلَى التَّلْعَةِ إِلَى أَسْفَلِها أو مِنْ رَكْضَ البَراذِينِ. سَلُوا العَافِيةَ مِنْ جُهْدِ البَلاءِ، فَإِنَّ جَهْدُ البَلاءِ ذَهابُ الدِّين (5). السَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ وَ اتَّعَظَ. رَوِّضوا أَنفُسَكُمْ عَلَى الأَخْلَاقِ الحَسَنَةِ فإن العبد المؤمِنَ يَبْلُغُ بِحُسنِ خَلْقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ القائم. مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّها خَمْرُ سَقَاهُ اللّه مِنْ طِينَةِ الخَبَالِ (6) وَ إِنْ كانَ مَغْفُوراً لَهُ. لَا نَذَرَ فِي مَعْصِيَةٍ وَلَا يَمِينَ في قطيعة. الدَّاعِي بِلا عَمَلٍ كَالرَّامِي بِلا وَتَرَ لِتُطَيِّبِ المَرْأَةُ لِزَوْجِهَا. المقتول دونَ مَالِهِ شَهيد المغبون لا محمود ولا محاور (7) لا يمينَ لِلْوَلَدِ مَعَ وَالِدِهِ وَلَا لِلْمَرْأَةِ مَعَ زَوجها لا صَمْتَ إِلى اللَّيْلِ إِلَّا في ذكر اللّه. لا تَعَرَّبَ بَعْدَ الهَجْرَةِ (8) وَلا. هجرة بعد الفتح. تَعَرَّضُوا لِمَا عِندَ اللّه عَزَّ وجلَّ فَإِنَّ فِيه غِنى عما في أيْدِي النَّاسِ. اللّه يُحِبُّ المحترف
ص: 111
الأمين (1). لَيْسَ مِنْ عَمَلٍ أَحَبَّ إِلَى اللّه مِنَ الصَّلاةِ، لَا تَشْغَلَنَّكُمْ عَنْ أَوْقَاتِها أمورُ الدُّنيا، فَإِنَّ اللّه ذَمَّ أقواما اسْتَهَانُوا بِأَوقاتِها فقال : «الّذين هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ (2)» يعني غافلين. اِعْلَمُوا أَنَّ صَالِحِي عَدُوكُم يُرائِي بَعضُهُمْ مِنْ بَعض وَذَلِكَ أَنَّ اللّه عَزَّوَجَلَّ لا يوفقهم ولا يقبل إلا ما كانَ لَهُ. البر لا يبلى والذَّنْبُ لا يُنسى. «إِنَّ اللّه مَعَ الّذين اتقوا وَ الّذين هُم مُحْسِنُونَ (3)». المؤمن لا يُعيرُ أَخَاهُ وَلَا يَخُونُه ولا يَتّهمُهُ وَلا يَخْذُلُهُ ولا يتبَرءُ مِنْهُ إِقْبَلَ عُذْرَ أَخِيكَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ فَالْتَمِسُ لَهُ عُذراً. مُزَاوَلَهُ قلع الجِبَالِ أَيْسَرُ مِنْ مَزاوَلَةِ مُلْكِ مُؤَجَلٍ «اسْتَعِينُوا باللّه وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ للّه يُورِنِها مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبادِه وَ العَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (4)» لا تُعجلوا الأمر قَبْلَ بُلوغِهِ فَتَنْدَمُوا وَلا يطولنَّ عَلَيْكُمُ الأمَدُ (5) فَتَقَسُو قُلوبكم. ارْحَمُوا ضُعَفَاءَ كُم وَاطْلُبُوا الرَّحْمَةَ مِنَ اللّه عَزَّ وَجَلَّ إيّاكم وَالغِيبَةَ فَإِنَّ المُسْلِمَ لا يغتاب أخاهُ وَقَدْ نَهَى اللّه عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ (6)، لا يَجْمَعُ المُؤْمِنُ يَدَيْهِ فِي الصَّلاةِ هُوَ قائِم يَتَشَبَّهُ بِأهْلِ الكُفْرِ (7) لا يَشْرَبُ أَحَدُكُمْ الماء قائِماً، فَإِنَّهُ يُورِتُ الدَّاءَ الّذي لادواءَ لَهُ إِلَّا أَنْ يُعافي اللّه. إذا أَصابَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ الدَّابَّةَ فَلْيَدفنها [أ] وَيَتفُلْ عَلَيْها أَوْ يَضُمَّها في توبه حتّى ينصرف. و الالتفات الفاحشسُ يَقْطَعُ الصَّلاةَ وَمَنْ فَعَلَ
ص: 112
فَعَلَيْهِ الابتداء بالأذان والإقامة والتَّكْبِيرِ مَنْ قَرَأْ قُلْ هُوَ اللّه أَحَدٌ إِلَى أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ عَشْرَ مَرَّاتٍ وَ مِثْلَهَا إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ ومِثلَها آيَةَ الكُرْسِي مَنَعَ مَالَهُ ممَّا يُخَافُ عَلَيْهِ. و مَنْ قَرَأَ قُلْ هُوَ اللّه أَحَدٌ وَ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ في لَيْلَةِ القَدْرِ قَبْلَ طُلوعِ الشَّمْسِ لَمْ يُصِبْ ذنباً و إن اجتهد فيهِ إِبليس. اسْتَعِيدُوا باللّه عَزَّ وَجَلَّ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ. مَثَلُ أَهْلِ البَيتِ سفينة (1) نُوحٍ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا هَلَكَ. تَشْمِيرُ الثِّيابِ طَهُورٌ لِلصَّلاةِ، قَالَ اللّه تعالى وَ ثِيابَكَ فَطَّهر (2)، أي فَشَمِّر. لَعَقُ العَسَلِ شِفاء قالَ اللّه: «يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مختلف ألوانه فيه شفاء للناس (3)». ابْدَؤُوا بالملح في أوَّلِ طَعَامِكُمْ وَاخْتِمُوا بِهِ فَلَوْ يَعْلَمُ النَّاس ما في الملح لاختارُوهُ عَلَى الدَّرْياقِ (4)، من ابتدأ طَعَامَهُ بِهِ أَذهَبَ، مَنِ ابْتَدَأَ طَعَامَهُ بِهِ أَذْهَبَ اللّه عَنْهُ سَبْعِينَ داءً لا يَعْلَمُهُ إلا اللّه. صُومُوا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كلّ شَهْرٍ فَهِي تَعْدِلُ صَوْمَ الدَّهْرِ وَ نَحْنُ نَصُومُ خَمِيسَيْنِ وَأَرْبَعَاءَ بَيْنَهُما لأنَّ اللّه خَلَقَ جَهَنَّمَ يَوْمَ الأرْبَعَاءِ فَتَعَوَّ دُوا اللّه جَلَّ وَعَزَّ مِنْها. إذا أَرادَ أَحَدُكُمُ الحاجَةَ فليبكّر فيها يوم الخميس، فَإِنَّ رَسُولَ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال : اللّهمّ بارك لأمتي في بكرتها يوم الخميس. وَ لْيَقْرَأْ إِذا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ - إلى قوله - : إِنَّكَ لا تُخلِفُ المِيعَاد) (5)و آية الكرسي وَإِنَّا أَنزَلْنَاهُ في ليلة القدر وأم الكتابِ فَإِنَّ فيها قضاءَ حَوَائِجِ الدُّنيا و الآخرةِ. علَيْكُم بِالصَّفِيقِ مِنَ الثّياب (6)، فَإِنَّهُ مِنْ رَقَّ تُوبُهُ رَقَ دِينَهُ. لَا يَقُومَنْ أحَدُكُمْ بَينَ يَدَي ربّه جَلَّ وَعَزَّ وَعَلَيْهِ تَوبُ يَصِفُه (7). تُوبُوا إِلَى اللّه وَادْخُلُوا فِي مَحَبَّتِهِ
ص: 113
فَإِنَّ اللّه يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ، وَ المُؤْمِنُ مُنِيبٌ وتَوَّابٌ إِذا قَالَ الْمُؤْمِنُ لأخيهِ : أَنَّ انْقَطَعَ ما بينهما، وإذا قالَ لَهُ : أَنْتَ كَافِرُ كَفَرَ أَحدُهما، ولا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَّهِمَهُ فَإِنِ اتَّهَمَهُ انْمَاثَ الإيمانُ بَينَهُما كَما يَنْمَاثُ الملح في الماء. بابُ التَّوْبَةِ مفتوح لمن أرادها فتَوبُوا إلى اللّه تَوْبةً نصوحاً على ربكم أن يُكفِّرَ عَنكُم سَيِّئاتِكُم. أوفُوا بِالعُهُودِ إِذا عَاهَدتُّمْ فَما زالَتْ نِعَمَةٌ عَنْ قَوْمٍ وَلَا عَيْشَ إِلَّا بِذُنُوبِ اجْتَرَحُوهَا، إِنَّ للّه لَيْسَ بِظَلام للعبيد و لواستقبلوا ذلك بالدعاء لَمْ تَزُلْ وَلَو أَنَّهُم إِذا نَزَلَتْ بِهِمُ النَّقَمُ أوزالَتْ عَنهُمُ النِّعَمُ فَزِعُوا إِلَى اللّه عَزَّ وَ جَلَّ بِصِدْقٍ مِنْ نِيَّاتِهِمْ وَلَمْ يَهِنُوا وَلَمْ يُسْرِفُوا صلَحَ لَهُمْ كلّ فاسِدٍ وَرَدَّ عَلَيْهِمْ كلّ ضائع، إذا ضَاقَ المُسْلِمُ فَلَا يَشْكُونَ ربّه وَلَكِنْ يَشْكُو إِلَيْهِ، فَإِنَّ بِيَدِهِ مَقاليد الأمورِ وتَدْبِيرها في السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ وَ مَا فِيهِنَّ رَبَّ العَرْشِ العَظيمِ وَ الحَمْدُ للّه رَبِّ العالَمينَ. وَإِذَا جَلَسَ العَبْدُ مِن نَوْمِهِ فَلْيَقُلْ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ : (حَسْبِيَ الرَّبُّ مِنَ العِبادِ، حَسْبِى هُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الوَكيلُ) (1)، وَإِذا قام أحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَلْيَنظُر إلى أكتافِ السَّماءِ وَ لْيَقْراً : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالأَرْضَ وَ اخْتِلافِ اللَّيلِ والنَّهارِ - إلى قوله - : لا تُخلِفُ المِيعَاد). الإطلاع في بِئرِ زَمْزَمَ يَذْهَبُ بِالدَّاءِ فَاشْرَبُوا مِنْ مَاءٍها يما يلى الركن الّذي فِيهِ الحَجَرُ الأَسْوَدُ (2). أربعة أنهارٍ من الجنّة : القُراتُ ؛ والفيل ؛ وسَيان ؛ وجيحان وهُما نَهْران (3). لا يَخْرُجُ المُسلِمُ في الجهاد مع مَنْ لا يُؤْمَنُ عَلَى الحُكْم وَلا يُنفِذ في الفَنِى أَمْرَ اللّه جَلَّ وعَزَّ وَإِنْ مات في ذلك كانَ مُعيناً يعدونا في حَبْس حضنا والإشاطة (4) بدمائنا و مِيتَتُهُ مِيتَةً جاهلية. ذِكْرُنا - أَهْلَ البَيتِ - شِفاءٌ مِنَ الوَغْلِ والأَسْقَامِ (5) و وسواس
ص: 114
الرَّيبِ وَ حُبنا رِضَى الرَّبِّ. وَالآخِذُ بأمرنا وطَرِيقَتِنَا وَمَذْهَبِنا مَعَنا غَداً فِي حَظِيرَةِ الفِرْدَوْسِ، وَ المُنتظِرُ لأمرنا كالمتشحِّط بِدَمِهِ في سَبِيلِ اللّه. مَنْ شَهِدَنا فِي حَرْبِنا وَسَمِعَ واعيتنا فَلَمْ يَنصُرْنَا أَكَبَهُ اللّه عَلى مِنْخَرَيْهِ فِي النَّارِ. نَحْنُ بابُ الجنّة إِذا بعنوا وضَاقَتِ المذاهب. و نَحْنُ باب حطة (1) وَهُوَ السّلْمُ، مَنْ دَخَلَه نَجا وَ مَنْ تَخلَفَ عَنْهُ هَوَى بنا فتح اللّه جَلَّ وَعَزَّ وَ بِنا يَخْتِمُ اللّه وَ بِنا يَمْحُو اللّه مَا يَشَاءُ وَ بِنَا يَدَفَعُ اللّه الزَّمَانَ الكلب وبنا يَنزِلُ الغَيْثُ (2) وَلا يَضُرُّ نكم باللّه العرورُ. لَوْ قَدْ قَامَ قَائِمُنَا لا نزلَتِ السَّمَاءُ قَطْرَها وَلأَخْرَجَتِ الأَرْضُ نَباتها وَذَهَبَتِ الشحناء مِن قُلُوبِ العِبادِ وَ اصْطَلَحَتِ السَّباعُ (3) وَ البَهَائِمُ حتّى تَمْشِي المَرْأَةُ بَيْنَ العِرَاقِ وَ السَّامِ لَا تَضَعُ قدميها إلا عَلَى نَبَاتِ وَعَلَى رَأْسِهَا زَنبيلها، لا يهيجها سَبْعُ وَلا تَخافُهُ. لَوْ تَعْلَمُونَ مَا فِي مَقَامِكُمْ بين عدو وَ صَبْرِكُمْ عَلَى مَا تَسْمَعُونَ مِنَ الأذى لَقَرَّتْ أعْيُنُكُمْ. لوقد فقدتموني لَرَأَيْتُم بَعْدِي أَشْيَاءَ يَتَمَنّى أحَدُكُمُ المَوْتَ يَمَا يَرَى مِنَ الجَوْرِ والعُدْوَانِ والأَثَرَةِ (4) والاستخفافِ بحقِّ اللّه وَالخَوْفِ عَلَى نَفْسِهِ، فَإذا كانَ ذلِكَ فَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّه جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَعَليكم بالصبر وَالصَّلاةِ والتقية واعلموا أنَّ اللّه عَزَّ وَ جَلَّ يُبَعْضِ مِنْ عِبَادِهِ التَّلَونَ. لا تَزُولُوا عَنِ الحقّ وأهلِهِ فَإِنَّ مَنِ اسْتَبْدَلَ بِنا هَلَكَ وَفاتَتْهُ الدُّنيا وَ خَرَجَ مِنْهَا أَيْماً. إذا دخل أحدُكُمْ مَنْزِلَهُ فَلَيْسَلِمْ عَلَى أَهْلِهِ(5)، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَهْل فَلْيَقَل : «السّلامُ عَلَيْنَا مِن ربَّنا، ويَقْرَأْ قُلْ هُوَ اللّه أَحَدٌ حِينَ يَدخُلُ مَنْزِلَهُ، فَإِنَّه ينفي الفَقْرَ. عَلِمُوا صبيانَكُمُ الصَّلاةَ وَخُذُوهُم بِها إِذا بَلَغَوا ثَمَانِي سِنِينَ. تَنَزَّهُوا عَنْ قُرْبِ الكِلابِ،
ص: 115
فَمَنْ أَصابَهُ كَلْبٌ جافٌ فَلْيَنضَحَ تَوْبَهُ بالماءِ (1) و إنْ كَانَ الكَلْبُ رَطْبَاً فَلْيَغْسِلْهُ. إذا سَمِعْتُمْ مِنْ حَدِيثِنَا مَا لا تَعرِفُونَهُ فَرُدُّوهُ إِلَيْنَا وَقِفُوا عِندَهُ وَ سَلِّمُوا إِذا تَبَيَّنَ لَكُم الحقّ وَلَا تَكُونُوا مَذائِيعَ عَجْلى (2). فَإِلَيْنا يَرْجِعُ الغَالِي وَبِنَا يَلْحَقُ المُقَصِّرُ. مَنْ تَمَسَّكَ بِنَا لَحِقَ وَ مَنْ تَخَلَّفَ عنَّا مُحقَ، مَنِ اتَّبَعَ أَمْرَنَا لَحِقِّ مَنْ سَلَكَ غَيْرَ طَرِيقَتِنا سُحِقَ (3). لمحبِّينا أفواج مِنْ رَحْمَةِ اللّه وَلِبَعْضِينَا أَفْوَاجُ مِنْ سَخَطِ اللّه. طَرِيقُنَا القَصْدُ وَ أَمْرُنَا الرَّشْدُ لا يَجُوزُ (4) السَّهْوَ فِي خَمْسِ : الوَتْرِ والرَّكْعَتَيْنِ الأوليين مِنْ كلّ صَلَاةٍ مَفْرُوضَة الّتي تَكُونُ فِيهِمَا القراءة، والصبح وَالمَغرِب وَكُلَّ تُنَافِيَّةٍ مَفْرُوضَةٍ وَ إِنْ كَانَتْ سَفَراً وَ لا يَقْرَءُ العَاقِلُ القُرْآنَ إِذا كَانَ عَلَى غَيْرِ طُهْرٍ حتّى يَتَطَهِّرَ لَهُ. أَعْطُوا كلّ سُورَةٍ حَفَهَا مِنَ الرَّكُوعِ وَ السُّجُودِ إِذا كُنتُم فِي الصَّلاةِ. لا يُصَلِّي الرَّجُلُ في قميص مُتَوَشّحاً بِهِ (5)، فَإِنَّهُ مِنْ فِعَالِ أَهْلِ لُوطٍ. تُجْزِي لِلرَّجُلِ الصَّلاةُ فِي تَوْبِ وَاحِدٍ، يَعْقِدُ طَرَفَيْهِ عَلَى عُنُقِهِ وَ فِي القَمِيصِ الصَّفِيقِ يَزُرُّهُ عَلَيْهِ (6)، لا يَسْجُدِ الرَّجِلْ عَلَى صُورَةٍ وَلا عَلى بِساط هي فيه. و يَجُوزُ أن يكونَ الصَّورَةُ تَحْتَ قَدَمَيْهِ أو يَطرَح عليها ما يواريها. ولا يَعْقِدِ الرَّجلُ الدَّرْهَمَ الّذي فِيهِ الصَّورَةُ فِي تَوْبِهِ وَ هُوَ يُصَلِّي
ص: 116
وَ يَجُورُ أنْ يَكُونَ الدَّرْهَمُ في عَمْيَانٍ أو فِي نَوبِ إِنْ كَانَ ظَاهِراً لَا يَسْجُدِ الرَّجُلُ عَلى كَدْس حِنْطَةٍ (1) وَلَا عَلَى شَعِيرَ وَلا عَلَى شَيْءٍ ممَّا يُؤكَلُ وَلا عَلَى الخُبز. إذا أَرَادَ أَحَدُكُمُ الصَّلاة فليقل : «بِسْمِ اللّه اللّهمّ أَمِط عَلى الأذنى وَ أَعِذْنِي مِنَ الشَّيْطَانِ الرجيم (2)»، وَ لَيَقُلْ إِذا جَلَسَ : «اللّهمّ كَمَا أَطْعَمَتَنِيهِ طَيِّبَا وَسَوَّغَتَبِيهِ فَاكْفِنيهِ» (3). فإذا نظر إلى حَدَيْهِ بَعْدَ فَراغِهِ فَليَقُلْ : «اللّهمّ ارزقني الحَلالَ وَجَنِّبْنِي الحَرَامَ»، فَإِن رَسُولَ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)قال : ما مِنْ عَبْدٍ إِلَّا وَقَدْ وَكَلَ اللّه بِهِ مَلَكَا يَلْوِي عُنْقَهُ إِذَا أَحْدَثَ حتّى يَنظُرَ إِلَيْهِ فَعِنْدَ ذلِكَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْأَلُ اللّه الحَلالَ، فَإِنَّ المَلَكَ يَقُولُ : يَا ابْنَ آدَمَ هَذَا ما حَرَصْتَ عَلَيْهِ، أَنْظُرْ مِنْ أَيْنَ أَخَذْتَهُ وَ إِلى مَاذَا صَارَ. لَا يَتَوَضَّأُ الرَّجُلُ حتّى يُسَمِّي قبل أن يمس المةَ، يَقُولُ : «بِسم اللّه، اللّهمّ اجْعَلَنِي مِنَ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْني مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ». فَإذا فَرَغَ مِن طَهُورِهِ قالَ : «أَشْهدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللّه وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَ أَنَّ محمّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)». فَعِندَها يَسْتَحِق المغفرة. من أتى الصَّلاةَ غارِفاً بحقِّها غَفَر اللّه لَهُ. وَلا يُصَلَّ الرَّجُلُ نَافِلَةٌ في وَقْتِ فَرِيضَةٍ وَلَا يَتْرُكْهَا إِلَّا مِنْ عُذرٍ وَ لَيَقْضِ بعد ذلك إذا أمْكَنَهُ القَضَاءُ (4)، فَإِنَّ اللّه عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ : «اللَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِم دائِمُونَ (5)»، هُمُ الّذين يَقَضُونَ مَا فَاتَهُمْ مِنَ اللَّيْلِ بِالنَّهارِ وَ مِنَ النَّهَارِ بِالليل. لا تَقْضُوا النّافِلَةَ في وَقْتِ الفَرِيضَةِ وَ لكِن ابْدؤُوا بِالفَرِيضَةِ ثمَّ صَلُوا مَا بَدَا لَكُم. الصَّلاةُ في الحَرَمَيْنِ تَعْدِلُ أَلْفَ صَلاةٍ. دِرْهَم يُنفِقُهُ الرَّجُلُ فِي الحَجِّ يَعْدِلُ أَلْفَ دِرْهَمٍ لِيَخْشَع الرَّجُلُ في صَلاتِهِ فَإِنَّهُ مَنْ خَشَعَ للّه فِي الرَّكْعَةِ فَلا يَعْبَتَ بِشَيْءٍ فِي صَلَاةٍ (6). القُنُوتَ في كلّ صَلَاةٍ تُنَائِيَّةٍ قَبْلَ الرَّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانية إِلَّا الجُمَعَةِ فَإِنَّ فِيهَا قُنُوتَينِ
ص: 117
أحدهما قبلَ الرَّكُوعِ في الرَّكْعَةِ الأولى و الآخَرُ بَعْدَهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانية. وَالقِراءَةُ في الجمعة في الركعة الأولى بِسُورَةِ الجُمعَةِ بَعدَ فَاتِحَةِ الكِتابِ وَإِذَا جَاءَكَ المُنافِقُونَ (1). اجْلِسُوا بَعْدَ السِّجْدَتَيْنِ حتّى تَسْكُنَ جَوَارِحُكُمْ، ثمَّ قوموا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ فعلنا. إِذَا افْتَحَ أَحَدُكُمُ الصَّلاةَ فَلْيُرْفَعْ يَدَيْهِ بِحَذَاءِ صَدْرِهِ. إذا قام أحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيِ اللّه فَلْيَتَجَوَّزْ ليقم صُلْبَهُ وَلا يَنْحَنِي (2). إذا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنَ الصَّلَاةِ فَلْيَرْفَعَ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ فِي الدُّعَاءِ وَ لَيَنتَصِب، فَقالَ ابْنُ سَبأ (3) : يا أمير المُؤْمِنِينَ أَلَيْسَ اللّه بكلّ مَكَانٍ ؟ قال : بلى، قالَ : فَلمَ نَرْفَعُ أَيدِينَا إِلَى السَّماءِ، فَقَالَ : وَيْحَكَ أَمَا تَقْرَأَ : وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَ مَا تُوعَدُونَ (4)، فَمِنْ أَيْنَ نَطْلُبُ الرِّزْقَ إِلَّا مِنْ مَوْضِعِهِ وَهُوَما وَعَدَ اللّه فِي السَّمَاءِ. لا تُقبَلُ مِنْ عَبْدِ صَلاةٌ حتّى يَسْأل اللّه الجنّة وَيَسْتَجِيرَ بِهِ مِنَ النَّارِ وَيَسأَلَهُ أَنْ يُزَوجَهُ مِنَ الحور العين. إذ قامَ أَحَدُكُم إلى الصَّلاةِ فَلْيُصَلُّ صَلَاةَ مُوَدَّع. لا يَقْطَعُ الصَّلاةَ التبسّم و تقطعها القهقهة. إذا خَالَطَ النَّوْمُ القَلبَ فَقَد وَجَبَ الوُضُوءُ إِذا غَلَبَتُكَ عَيْنكَ وَأنتَ في الصَّلاةِ فَاقْطَعَها وَلَمْ، فَإنَّكَ لا تَدْرِي لَعَلَّكَ أَنْ تَدْعُو عَلَى نَفْسِكَ. مَنْ أَحَبَّنَا
ص: 118
بقلبه و أعاننا بِلِسَانِهِ وَقَاتَلَ مَعَنا بِيَدِهِ فَهُوَ مَعَنَا فِي الجنّة فِي دَرَجَتِنَا. وَمَنْ أَحَبَّنَا بِقَلْبِهِ لَمْ يُعَنّا بلیسانِهِ وَ لَمْ يُقَاتِلُ مَعَنا فَهُوَ أَسْفَلُ مِنْ ذلِكَ بِدَرَجَةٍ. وَ مَنْ أَحَبَّنا بِقَلْبِهِ وَ لَمْ بعضا بِلِسَانِهِ وَلا بَيدِهِ فَهُوَ مَعَنَا فِي الجنّة. وَ مَنْ أَبْغَضَنَا بِقَلْبِهِ وَ أَعَانَ عَلَيْنَا بِلِسَانِهِ وَيَدِهِ و في أَسْفَلِ دَرَكَ مِنَ النَّارِ. وَ مَنْ أَبْغَضَنَا بِقَلْبِهِ وَ أَعَانَ عَلَيْنَا بِلِسَانِهِ وَ لَمْ يُمِنْ عَلَيْنَا يَدِهِ فَهُوَ فَوْقَ ذلك بدرجةٍ، وَ مَنْ أبْغَضَنَا بِقَلْبِهِ وَلَمْ يُعنْ عَلَيْنَا بِلِسَانِهِ وَلَا يَدِهِ فَهُوَ فِي النَّارِ. إِنَّ أَهْلَ الجنّة لَيَنْظُرُونَ إِلَى مَنَازِلِ شِيعَتِنا كَمَا يَنظُرُ الإِنْسَانُ إِلَى الكَواكِبِ الَّتي في السَّمَاءِ إِذَا قَرَأْتُهُ مِنَ المُسَبِّحَاتِ شَيْئًا فَقُولُوا : سُبْحَانَ رَبِّي الأَعْلَى [وَ إِذا قَرَأْتُمْ ] (إِنَّ اللّه وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ)، فَصَلُّوا عَلَيْهِ فِي الصَّلاةِ كبيراً وَ في غَيْرِها. لَيْسَ في البَدَنِ أَقَلَ شُكراً مِنَ العَيْنِ فَلَا تُعطوها سُؤلَها فَتَشْغُلَكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللّه جَلَّ وَ عَزَّ إِذَا قَرَأَتم وَ التِّينَ فَقُولُوا [ فِي آخِرِها ] : «وَنَحْنُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ. [ إِذا قَرَأْتُمْ (قولوا آمنا باللّه) ] فَقُولُوا : «آمَنَّا باللّه - حتّى تَبْلُغُوا إلى قوله - : وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ». (1). إذا قال العَبْدُ فِي التَّشَهْدِ الأَخِيرِ مِنَ الصلاةِ المَكْتُوبَةِ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللّه وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَ أَنَّ عَدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَ أنَّ السَّاعَةَ آتية لا ريب فيها وَ أَنَّ اللّه يَبْعَثُ مَنْ في القبورِ ثمَّ أَحْدَثَ حَدَثَا (2) فقد تمَّتْ صَلَاتُهُ مَا عُبِدَ اللّه جَلَّ وَ عَزَّ بِشَيْءٍ هُوَ أَشدُّ مِنَ المَشي إلى الصَّلاةِ. أطلبو الخير في أعناق الإبِلِ وَ أخْفافِها صَادِرَةً وَوَارِدَة (3). إِنَّمَا سُمِّيَ نَبيذُ السَّقَايَةَ لأن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أتي بزبيبٍ مِنَ الطَّائِفِ فأمَرَ أَن يُنْبَذَ وَيُطْرَحَ فِي مَاءِ زَمْزَمَ لأَنَّهُ مُرّ فَأَرادَ أَنْ تَسْكُنَ مَرَارَتُهُ، فَلا تَشْرَبُوا إِذا اعْتِقَ (4). إِذَا تَعَرَّى الرَّجُلُ نَظَر إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ فَطَمِعَ فِيهِ، فَاسْتَتِرُوا لَيْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَكْشِفَ ثِيَابَهُ عَنْ فَخِذِهِ وَ جلس يَجْلِسَ بَيْنَ يَدَي قَوْمٍ. مَنْ أكُلِّ شَيْئاً مِنَ الْمُؤذِياتِ (5) فَلَا يَقرَبَنَّ المَسْجِدَ
ص: 119
ليرفع الساجِدُ مُؤَخَّرَهُ في الصَّلاةِ. إذا أراد أحَدُكُمُ المُسْل فَلْيَبدأ بذراعيه فَلْيَغْسِلَهُما. إذا صَلَّيْتَ وَحْدَكَ فَأَسْمِعْ نَفْسَكَ القراءة والتَّكْبِيرَ وَالتَّسْبِيحَ إِذَا انْفَتَلْتَ مِنْ صَلاتِكَ (1) فَعَنْ يَمِينِكَ. تَزَوَّدُوا مِنَ الدُّنيا التَّقوى فإنها خَيْرُ ما تَزَوَّدتُمُوهُ مِنْهَا. مَنْ كَتَمَ وَجعاً أصابَهُ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ مِنَ النَّاس وَشَكا إلَى اللّه كَانَ حَقًّا عَلَى اللّه أَنْ يُعَافِيَهُ مِنْهُ. أَبَعدُ ما يَكُونُ العَبدُ مِنَ اللّه إذا كانَتْ هِمَتُهُ بَطْنَهُ وَ فَرْجَهُ. لَا يَخْرُجُ الرَّجُلُ فِي سَفَرٍ يَخافُ على دِينِهِ مِنْهُ. أَعْطِ السَّمْعَ أَرْبَعَةٌ في الدُّعاء : الصَّلاةِ عَلَى النَّبِيَّ وَآلِهِ، وَالطَّلَبِ مِنْ رَبِّكَ الجنّة وَالتَّعَودِ مِنَ النارِ، وَسُؤالِكَ إيّاه الحُورَ العِينَ إِذَا فَرَغَ الرَّجُلِ مِنْ صَلاتِهِ فَلْيُصَلِّ عَلَى النَّبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وليسأل اللّه الجنّة وَيَسْتَجِيرُ بِهِ مِنَ النَّارِ وَيَسْأَلُهُ أَنْ يُزَوجَهُ الحُورَ العِينَ، فَإِنَّهُ مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ رَجَعَتْ دَعْوَتُهُ وَ مَنْ سَأَلَ اللّه الجنّة سَمِعَتِ الجنّة فَقَالَتْ : يا رَبِّ أَعْطِ عَبْدَكَ ما سَأَلَ وَمَنِ اسْتَجَارَبِهِ مِنَ النَّارِ قَالَتِ النَّارُ : يَارَبِّ أَجِرْ عَبْدَكَ ممَّا اسْتَجارَ مِنْهُ وَ مَنْ سَأَلَ الحُورَ العِينَ سَمِعَتِ الحُورُ العين فَقَالَتْ : أَعْطِ عَبْدَكَ مَا سَأَلَ الغِناءُ نوح إبْلِيسَ عَلَى الجنّة (2) إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمُ النوم فَلْيَضَع يَدَهُ اليمنى تَحْتَ حَدِهِ الأيْمَنِ وليقل : «بِسْمِ اللّه وَضَعَتْ جَنبِي للّه عَلَى مِلة إبراهيم و دين عمل وولاية مَنِ افْتَرَضَ اللّه طاعته، ماشاء اللّه كَانَ وَمَالَمْ يَسْأَلَمْ يَكنُ، مَنْ قالَ ذلِكَ عِنْدَ مَنَامِهِ حُفِظَ مِنَ اللّص المغيرِ وَالهَدْمِ وَاسْتَغْفَرَتْ لَهُ المَلائِكَةُ حتّى ينتبه. وَ مَنْ قَرَأَ قُلْ هُوَ اللّه أَحَدٌ حِينَ يَأخُذُ مَضْجَعَهُ وَ كلّ اللّه بِهِ خَمْسِينَ أَلفَ مَلَكٍ يَحْرُسُونَهُ ليلته. إذا نامَ أَحَدُكُمْ فَلا يَضَعَن جَنْبَهُ حتّى يَقُول : «أَعِيذُ نَفْسِي وَأَهْلِي وَدِينِي ومالي وولدي وخواتيمَ عَمَلِي وَ [ ما ] خَوّلَنِي رَبِّي (3) و ارزقني بِعِزَّةِ اللّه وَعَظَمَةِ اللّه وَجَبَرُوتِ اللّه وَ سُلْطَانِ اللّه وَرَحْمَةِ اللّه وَرَأفَةِ اللّه وَغَفْرانِ اللّه وَقُوة اللّه وَقُدْرَةِ اللّه وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللّه وَ و أَرْكَانِ اللّه وَصُنع اللّه وَ جَمْعَ اللّه وَ ِبرَسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وَ بِقُدْرَتِهِ عَلَى مَا يَشَاءُ مِنْ شَرّ السَّامَّةِ والهامَّة (4) وَ مِنْ شَرِّ الجِنِّ وَالإِنْسِ وَمِنْ شَرِّ مَاذَرَأَ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ
ص: 120
مِنْهَا وَ مِنْ شَرِّ ما يَنزِلُ مِنَ السَّماءِ وَمَا يَعرُجُ فِيهَا وَ مِنْ شَرِّ كلّ دَابَّةٍ أَنْتَ آخِذُ بناصيتها إنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مستقيم وَ هُوَ عَلى كلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَلَا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا باللّه، فَإِنَّ رَسُولَ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كَانَ يُعَوَّذَ الحَسَنَ والحُسَينَ كَانَ يُعَوَّذَ الحَسَنَ والحُسَيْنَ بِهَا وَ بِذَلِكَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللّه صَلَّى اللّه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ. نَحْنُ الخُزَّانُ لِدِينِ اللّه وَ نَحْنُ مَصَابِيحُ العِلْمِ. إذا مَضَى مِنّا عَلَم بَدَا عَلَم، لا يَضِلُّ مَنِ اتَّبَعَنَا وَ لَا يَهْتَدِي مَنْ أَنكَرنَا وَ لَا يَنْجُو مَنْ أَعانَ عَلَيْنا عَدُوّنَا، وَلا يُعانُ مَنْ أَسْلَمْنَا، وَلا يَخْلُو عَنَّا بِطَمع في حطَامِ الدُّنيا الزَّائِلَةِ عَنْهُ، فَإِنَّهُ مَنْ آثَرَ الدُّنيا عَلَينا (1) عَظُمَتْ حَسْرَتُهُ غَداً وَذلِكَ قَوْلُ اللّه: (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتى على ما فرطت في جنب اللّه وَ إِنْ كُنْتُ مِنَ السّاخِرينَ (2)). إغْسِلُوا صِيانَكُمْ مِنَ الغَمَرِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَشُمُّ الغَمَرَ (3) فَيَفَزِعَ الصَّبِيُّ فِي رُقادِهِ وَ يَتَأَذَى بِهِ الكَاتِبانِ (4) لكم مِنَ النِّساءِ أَوَّلُ نَظرَةٍ فَلَا تُتبِعوها واحْذَرُوا الفِتْنَةَ. مُدْمِنَ الحَمرِ يَلْقَى اللّه عَزَّ وَجَلْ حينَ يَلْقَاهُ كَعَابِدِ وَنَنِ فَقَالَ لَهُ حجر بن عَدِي (5) : يا أمير المؤمِنِينَ مَنِ المُدْمِنُ لِلخَمرِ ؟
ص: 121
قال : الّذي إِذا وَجَدَها شَرِيهَا. مَنْ شَرِبَ مُسْكِراً لَمْ تُقْبَلُ صَلَاتُهُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً. مَنْ قَالَ سلم قَوْلاً يُرِيدُ بِهِ انْتِقَاصَ مُرُوَّتِهِ حَبَسَهُ اللّه في طِينَةِ خَبَالٍ (1) حتّى يَأْتِي ممَّا قَالَ بمخرج لا يَنمِ الرَّجُلُ مَعَ الرَّجُلِ فِي ثَوْبِ وَاحِدٍ وَلَا المَرْأَةُ مَعَ المَرْأَةِ فِي تَوْبِ وَاحِدٍ مَنْ فَعَلَ ذلِكَ وَجَبَ عَليهِ الأَدَبُ وَ هُوَ التَّعْزِيرُ. كُلُوا الدَّبَّاءَ (2) فَإِنَّهُ يَزِيدُ فِي الدماغ و كانَ يُعْجِبُ النَّبِي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ). كُلوا الأترج قَبْلَ الطَّعَامِ وَ بَعْدَهُ فَإِنَّ آلَ مُحَمّدِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يأكُلُونَهُ. الكمَّثرى يَجْلُو القَلْبَ وَيُسَكَنُ أوْجَاعَهُ بِإِذْنِ اللّه إِذَا قَامَ الرَّجُلُ فِي الصَّلاةِ أَقْبَلَ إِبْلِيسُ يَنظُرُ إِلَيْهِ حَسَداً لِما يَرَى مِنْ رَحْمَةِ اللّه الّتي تَغَشّاهُ. شَرَّ الأُمُورِ محدَّثاتها (3). خَيْرُ الأمورِ مَا كَانَ للّه جَلَّ وَعَرَ رِضَى مَنْ عَبَدَ الدُّنيا وَ آثَرَها عَلَى الآخِرَةِ اسْتَوحَمَ العَاقِبَةَ (4) لَوْ يَعْلَمُ المُصَلِّي مَا يَغْشَاهُ مِنْ رَحْمَةِ اللّه مَا انْفَتَلَ وَلا سرَّه أن يرفع رأسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ. إيّاكم والتَّسْوِيفَ فِي العَمَلِ، بادِرُوا بِهِ إِذا أَمْكَنَكُمْ. ما كانَ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَسَيَأْتِيكُم عَلَى ضَعَفِكُمْ وَمَا كَانَ عَليكم فَلَنْ تَقْدِرُوا عَلَى دَفْعِهِ يجيلةٍ مُرُوا بِالمعروفِ وَ انْهَوا عَنِ الْمُنكَرِ إِذا وُضِعَ الرَّجُلُ في الركاب يُقَالُ : (سُبْحانَ الّذي سخر لنا هذا وما كنالَهُ مُقْرِنِينَ وإنا إلى ربَّنا لَمُنْقَلِبُونَ)(5). وإِذا خَرَجَ أَحَدُكُمْ في سَفَرٍ فَلْيَقَل : (اللّهمّ أنتَ الصَّاحِبُ في السَّفَرِوَ الحَامِلُ عَلَى الظَّهْرِ وَ الخَلِيفَةُ في الأَهْلِ وَ المَالِ وَالوَلَدِ). وَ إِذَا نَزَلْتُمْ فَقُولُوا : «اللّهمّ أَنْزِلْنا مُنزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ المنزلينَ». إذا دَخَلْتُمُ الأسواق لِحَاجَةٍ فَقُولُوا: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللّه وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له و أن عمداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) اللّهمّ إني أعوذُ بِكَ مِنْ صَفْقَةٍ حَاسِرَةٍ وَيَمِينِ فَاجِرَةٍ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ بَوارِ الأيِّم (6). المنتظر وقت الصلاة بعد العصر زائر للّه وَ حَقٌّ عَلَى اللّه جَلَّ وَ عَرَ
ص: 122
أن يُكرم ذاكِرَهُ وَيُعْطِيَهُ ما سَأَلَ. الحاج والمُعْتَمِرُ وَفدُاللّه وَحَقٌّ عَلَى اللّه أَن يُكْرِمَ وَفدَه (1)و يحبوه بالمغفرة. مَنْ سَقَى صَبياً مُسكِراً وَهُوَ لا يَعْقِلُ حَبَسَهُ اللّه في طمينة خبالٍ حتّى يَأْتِي ممَّا فَعَلَ بِمَخرج. الصَّدَقَةُ جُنَّة عَظِيمَةٌ وحِجَابٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنَ النَّارِ وَ وِقايَةٌ لِلكافِرِ مِنْ تَلَفِ المَالِ وَيُعَجِّلُ لَهُ الخَلَّفَ وَيَدْفَعُ السّقمَ عَنْ بَدَنِهِ، وَ مَالَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصيب. بِاللّسانِ يُكَب أهلُ النَّارِ في النَّارِ، وَبِاللَّسَانِ يَسْتَوْجَبُ أهل القُبُورِ النور، فَاحْفَظُوا أَلْسِنَتَكُم وَاشْغَلُوها بِذِكْرِ اللّه مَنْ عَمِلَ الصَّوَرَ سُئِلَ عَنْهَا يَوْمَ القِيامَةِ. إذا أخِذَتْ مِنْ أَحَدِكُمْ قَذَاةٌ (2) فليقل : أمَاطَ اللّه عنك ماتكْرَهُ. إذا خَرَجَ أَحَدُكُم مِنَ الحَمامِ فَلْيَقُلْ فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ : طَابَ حَمِيمُكَ، فَلْيَقُلْ : أنعم اللّه بالك. وَ إِذَا قَالَ لَهُ : حيّاك اللّه بالسلام فليقل : وأنتَ فَحَياكَ اللّه بِالسَّلامِ وَ أَحَلَّكَ دَارَ المَقامِ. السؤال بعد المدح فَامْدَحُوا اللّه ثمَّ سَلُوهُ الحَوائِجَ وَ أثنوا عَلَيْهِ قَبلَ طَلَبِها. يا صَاحِبَ الدُّعَاءِ لَا تَسأَل مالا يَكُونُ وَلا يَحِلَّ. إذا هَنَّأتُمُ الرَّجُلَ مِنْ مَوْلودٍ ذَكَرٍ فَقُولُوا : بارَكَ اللّه لَكَ فِي هِبَتِهِ بلَغَ أَشُدَّهُ وَ رُزِقْتَ بِرَّهُ. إِذَا قَدِمَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَكَّةَ فَقَبلَ عَيْنَيْهِ وَ فَمَهُ الّذي قَبَّلَ الحَجَرَ الأَسْوَدَ الّذي قَبْلَهُ رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وَقَبل مَوضِعَ سُجُودِهِ وَ جَبْهَتِهِ، وَإِذا هنَّاتُمُوهُ فَقُولُوا : قَبْلَ اللّه نُسُكَكَ وَشَكَرَ سَعيكَ وَ أَخْلَفَ عَلَيْكَ نَفَقَتكَ وَلَا جَعَلَهُ آخِرَ عَهْدِكَ بِبَيتِهِ الحَرامِ احْذَرُوا السَّفَلَةَ فَإِنَّ السَّفَلَةَ لَا يَخَافُ اللّه جَلَّ وَعَزَّ إِن اللّه اطَّلَعَ فَاخْتارَنَا وَاخْتَارَ لَنَا شِيعَتَنَا، يَنصُرُونَنَا وَيَفْرَحُونَ بِفَرَحِنَا وَ يَحْزَنُونَ بِحْزَنِنَا وَ يَبْدُلُونَ أمْوالَهُمْ وَأَنفُسَهُمْ فينا، أولَئِكَ مِنَّا وَإِلَينا. ما مِنْ شِيعَتِنا أحدٌ يُقارِف أَمْراً (3) نَهَيْناهُ عنْهُ فَيَموتُ حتّى يُبْتَلَى بِبَلِيَّةٍ تُمَحْصُ بها ذنوبه (4) إِمَّا في مال أووَلَدٍ وَ إِمَّا فِي نَفْسِهِ
ص: 123
حَتى يَلْقَى اللّه مُحبّنا وَمَا لَهُ ذَنْبُ وَ إِنه لَيَبْقَى عَلَيْهِ شَيْءٍ مِنْ ذُنُوبِهِ فَيُشَدِّدُ عَلَيْهِ عِندَ المَوْتِ فَيُمَحَصُ ذُنُوبَهُ. الميِّتُ مِنْ شِيعَتِنا صِدِّيقُ شَهِيدٌ، صَدَّق بِأمرنا وَ أَحَبُّ فينا و أبْغَضَ فينا، يُريدُ بِذلِكَ وَجْهَ اللّه، مُؤْمِناً باللّه وَ رَسُولِهِ. مَنْ أَذاعَ سِرَّنَا أَذاقَهُ اللّه بَأْسَ الحَدِيدِ (1). إِخْتِنُوا أولادَكُمْ يومَ السّابع ولا يمنعكم حرُّ ولابردٌ ؛ فَإِنَّه طَهْرُ لِلْجَسَدِ وَإِنَّ الأَرْضَ لَتَضِحُ إِلَى اللّه مِنْ بَوَلِ الأَقْلَفِ (2) أَصْنافُ السّكْرِ أَربَعَةٌ : سُكْرُ الشّباب (3) وَسُكْرُ المالِ وَسُكْرُ النَّوْمِ وَسُكْرُ المُلْكِ. أحِبُّ لِلْمُؤْمِنِ أنْ يَطْلِي فِي كلّ خَمْسَة عَشَرَ يَوْمَا مَرَّةَ بِالنُّورَةِ. أقلُّوا أَكَلَ الحِيتَانِ فَإِنَّها تُذِيبُ البَدَنَ وَتُكْثِرُ البلغم وتغلظ النفس. الحَسوُ بِاللَّبَنِ (4) شِفاءُ مِنْ كلّ داءٍ إلا المَوْتَ. كُلُوُا الزَّمَانَ بِشَحْمِهِ. فَإِنَّهُ دِباغ لِلْمِعْدَةِ (5) وَحَياةُ لِلْقَلْبِ وَيَذْهَبُ بِوَسْواسِ الشَّيْطَانِ. كُلوا الهِنْدِباء (6) فَإِنَّهُ ما مِنْ صَبَاحٍ إِلَّا وَ عَلَيْهِ قَطْرَةً مِنْ قَطْرِ الجنّة. اِشْرَبُوا مَاءَ السَّماءِ. فَإِنَّهُ طَهُورٌ لِلْبَدَنِ وَيَدْفَعُ الأَسْقَامَ قَالَ اللّه جَلَّ وعز : «وينزل عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاء مَاء لِيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ (7)». الحبَّةُ السَّوداء ما من داء إلا وفيها مِنْهُ شِفَاء إِلَّا السَّامَ. لُحُومُ البَقَرِ داءُ وَأَلْبَانُها شِفاء وكَذَلِكَ أَسْمَانُها. ما تأكل الحامِل شَيئاً ولا تبدأ به أفضل من الرطب قال اللّه : «وَ هُزَّى إليكِ بجذع النخلة تساقط عَلَيْكِ رَطَبَاً جَنيا (8)»، حَنَّكوا أولادكم بالتَّمْرِ (9) فَهَكَذَا فَعَلَ
ص: 124
رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بِالحَسَنِ وَالحُسَيْنِ إِذا أَرادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ فَلَا يعاجلنَّها و ليمكث يَكُنْ مِنْها مِثْلُ الّذي يَكون مِنه. إذا رأى أحدكم امرأة تعجبه فليلْقَ أَهْلَهُ فَإِنَّ عِنْدَها مِثْلَ الّذي رَأى ولا يجعل لِلشَّيْطَانِ عَلَى قَلْبِهِ سَبِيلاً وَلْيَصْرِف بَصَرَهُ عَنْهَا، فَإِنْ لَمْ تَكُن لَه زَوجة فليصل ركعتين ويَحْمَدِ اللّه كَثِيراً. إذا أرادَ أَحَدُكُمْ غِشْيَانَ زَوجتِهِ فَلْيُقِل الكلامَ فَإِنَّ الكَلامَ عِنْدَ ذلِكَ يُورِثُ الخَرَسَ (1) لا يَنظُرَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَى باطِنِ فَرْجِ المَرْأَةِ، فَإِنَّهُ يُورث البَرَصَ وَإذا أتى أحدكم زَوْجَتَهُ فَلْيَقُلْ : «اللّهمّ إِنِّي اسْتَحْلَلْتُ فَرْجَهَا بِأَمْرِكَ وَقَبِلْتُها بِأَمَانِكَ فَإِنْ قَضَيْتَ مِنها وَلَدًا فَاجْعَلَهُ ذَكَر أَسَوِياً وَلَا تَجْعَلْ لِلشَّيْطَانِ فيه شركاً وَنَصِيباً». الحُقْنَةُ مِنَ الأربعةِ الّتي قَالَ رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فيها ما قال، وَ أَفْضَلُ ما تداويتم به الحقنة وهي تعظمُ البَطْن وتنفي داء الجَوْفِ وتقوي الجَسَدَ. اسْتَعْطوا بالبنفسج، فَإِنَّ رَسُولَ اللّه قالَ : لَوْ يَعْلَمُ النَّاس مافي البنفسج لَحَسَوْمُ حَسْواً (2). إذا أرادَ أَحَدُكُمْ إِنْيانَ أهْلِهِ فَلْيَتَوَقَّ الأَهلَةَ وَأنصاف الشهور فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَطلب الولد في هذين الوقتين توقَّوا الحجامة يوم الأربعاء ويوم الجمعةِ، فَإِنَّ الأربعاء نَحْسُ مُسْتَمِر وَ فِيهِ خُلِقَتْ جَهَنَّمُ. وفي يوم الجُمُعَةِ سَاعَةً لا يحتجمُ فِيهِ أَحَدٌ إِلَّا مَاتَ.
ص: 125
[ بسم اللّه الرحمن الرحيم ](1)
هذا ما أمَرَ بِهِ عَبْدُ اللّه عَلَى أمير المؤمِنِينَ مالك بن الحَارِثِ الأَشْتَرِ فِي عَهْدِهِ إِلَيْهِ حِينَ وَلاهُ مصر : عِبايَةَ خَراجِها و مُجَاهَدَةَ عَدُوِّها وَ اسْتَصْلاحَ أَهْلِهَا وعِمارَةَ بلادها.
أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللّه وَإِيثارِ طَاعَتِهِ وَ اتَّبَاعِ مَا أَمَرَ اللّه بِهِ فِي كِتَابِهِ : مِنْ فَرَائِضِهِ وَ سُنَنِهِ الّتي لا يَسْعَدُ أَحَدٌ إِلَّا بِاتِّبَاعِها وَلا يَشْقَى إِلا مَعَ جُحُودِها وإضاعَتِها وَأَن يَنصُرَ اللّه بِيَدِه وَقَلبِه وَ لِسانِه، فَإِنَّهُ قَد تَكَفَّلَ بِنَصْرِ مَنْ نَصَرَه إِنَّهُ قَوِيٌّ عَزِيزٌ وَأَمَرَهُ أَنْ يَكْسِرَ مِنْ نَفْسِهِ عِندَ الشَّهَوَاتِ فَإِنَّ النَّفْسَ أَمَارَةَ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ. وَ أَنْ يَعْتَمِد كِتابَ اللّه عِندَ الشَّبُهَاتِ، فَإِنَّ فِيهِ تِبَيانَ كلّ شَيْءٍ وَ هُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ مِنُونَ. وَ أَنْ يَتَحَرَّى رِضًا اللّه، وَلَا يَتَعَرضَ لِسَخَطِهِ وَلَا يُصِرٌ عَلَى مَعْصِيَتِهِ، فَإِنَّهُ لا مَلْجَأَ مِنَ اللّه إِلَّا إِلَيْهِ.
ثمَّ اعْلَمُ يا مالِكُ أني وَ جَهْتُكَ إِلى بِلادٍ قَدْ جَرَتْ عَلَيْهَا دُولٌ قَبْلَكَ مِنْ عَدْلٍ وَ جَوْرٍ وَ أَنَّ النَّاس يَنظُرُونَ مِنْ أُمُورِكَ فِي مِثْلِ ما كُنتَ تَنظُرُ فِيهِ مِنْ أُمُورِ الولاةِ قَبْلَكَ. و يقولونَ فِيكَ مَا كُنتَ تَقولُ فيهِمْ. وَ إِنَّمَا يُسْتَدلُّ عَلَى الصَّالِحِينَ بِما يَجْرِي اللّه لَهُم عَلَى أَنسُنِ عِبادِهِ فَلَيكُنْ أَحَبُّ الذخائر إليكَ ذخِيرَةُ العَمَلِ الصَّالِحِ بِالقَصدِ فيما تجمعُ و ما ترعى بِهِ رَعِيتكَ. فَامُلِكَ هَواكَ وَشُحٌ بِنَفْسِكَ عَمَّا لَا يَحِلُّ لَكَ (2)، فَإِنَّ الشُّح بالنفي الإنصافُ مِنْها فيما أحببت وَكَرِهْتَ. وَأَشْعِر قلبكَ الرَّحْمَة لِلرَّعِيَّة والمحبة
ص: 126
لهم واللطفَ بِالإحْسَانَ إليهم. وَلَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِم سَبْعاً ضَارِيًا تغتنم أكلهم (1) فإنَّهم صنفان إمَّا أخ لَكَ فِي الدِّين وَ إِمَا نَظِيرُ لَكَ في الخَلْقِ، تَفْرَطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ (2) وَ تَعْرِضُ لَهُمُ العِلَلُ وَ يُؤتى عَلَى أَيْدِيهِمْ في العَمْدِ وَالخَطَأ، فَاعْطِيهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلَ الّذي تُحِبُّ أَنْ يُعْطِيكَ اللّه مِنْ عَفْو[ه] فَإِنَّكَ فوقهم ووالي الأَمْرِ عَلَيْكَ فَوْقَكَ واللّه فَوقَ مَنْ وَلَاكَ بما عرفكَ مِنْ كِتابِه وبَصَرَكَ مِنْ سُنَن ؟ نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ). عَلَيْكَ بِمَا كَتَبْنَا لَكَ في عَهْدِنا هذا لا تَنصِبَنَّ نَفْسَكَ لِحَرْبِ اللّه، فَإِنَّهُ لا يَدَ لَكَ بِنِقْمَتِهِ (3) وَلَاغِنى بِكَ عَنْ عَفُوه وَرَحْمَتِهِ. فَلا تَنْدَ مَنَّ عَلى عفو ولا تبجحنَّ يعقوب : بِعُقُوبَة (4) وَلا تَسْرَ عَنَّ إِلَى بَادِرَةِ وَجَدَتَ عَنْهَا مَنْدُوحَة ولا تَقُولَنَّ إِنِّي مُؤَمَّهُ آمُرُ فَأطَاعُ (5) فَإِنَّ ذلِكَ إِدْغَالٌ في القَلْبِ وَ مَنْهَكَةُ لِلدِّينِ وَ الفتنِ، فَتَعَوَّذُ باللّه مِنْ دَركِ السّقاءِ. وإذا أعجبَكَ مَا أَنْتَ فِيهِ مِنْ سُلْطانِكَ فحدَثَتْ لَكَ بِهِ أَبُّهَةٌ أَوْ مَخِيلَةٌ (6) فَانْظُرُ إِلى عِظَمِ مُلْكِ اللّه فَوْقَكَ وَقَدرَتِهِ مِنْكَ عَلَى مالا تَقدِرُ عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ يُطَامِنُ إِلَيْكَ مِنْ طَمَاحِكَ (7) وَ يَكْفُ عَنْكَ مِنْ غَرْبِكَ وَ يفيء إِلَيْكَ ما عَرَبَ مِنْ عَقلِكَ. وَ إيّاك وَ مُساماتهُ في عَظَمَتِهِ (8) أو التَّشَبَّهَ بِهِ في جَبَرُوتِهِ، فَإِنَّ اللّه يُذِلُّ كلّ جَبّارٍ و يُهِينُ كلّ مختالٍ فَخُورٍ.
أنصف اللّه وَأَنْصِفِ النَّاس مِنْ نَفْسِكَ وَمِنْ خَاصَّتِكَ وَمِنْ أَهْلِكَ وَمَنْ لَكَ فِيهِ هَوَى
ص: 127
مِنْ رَعِيَّتِكَ، فَإِنَّكَ إِنْ لا تَفْعَل تَظْلِمُ وَمَنْ ظَلَمَ عِبادَ اللّه كَانَ اللّه خَصَمَهُ دُونَ عِبَادِهِ وَ مَنْ خاصمه اللّه أرحم حُجتَهُ (1) وَكانَ للّه حَرْباً حتّى ينزع وَيَتُوبَ، وَلَيْسَ شَيْءٍ أدعى إلى تغيير نِعْمَةٍ مِنْ إقامة على ظلم، فَإِنَّ اللّه يَسْمَعُ دَعْوَةَ المَظْلُومِينَ وَ هُوَ لِلظَّالِمِينَ بِمِرْصَادِ وَ مَنْ يَكُن كَذلِكَ فَهُوَ رَهِينُ هَلاك في الدُّنيا و الآخِرَةِ.
وليكن أَحَبَّ الأمور إلَيْكَ أوْسَطُها في الحقّ و أعمها في العَدْلِ وَأَجْمَعُها (2) لِلرَّعيَّةِ فَإِنَّ سَخَطَ العامّة يُجيفُ برضى الخاصَّة (3) وإِن سَخَطَ الخاصَّة يُغتفَر مَعَ رِضَى العامّة. وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الرَّعِيَّةِ أَنْقَلَ عَلَى الوَالِي مَؤُونَةٌ فِي الرَّخَاءِ وَأَقَلَّ لَهُ مَعُونَةٌ في البلاءِ وأكرَه لِلإنصاف وأسْأَل بالإلحاف (4) وأقلّ شُكراً عِنْدَ الإِعْطَاءِ وأَبْطَأَ عُذْراً عِنْدَ المنع وَ أَضْعَفَ صَبَر أَعِندَ مُلِمّاتِ الأمورِ مِنَ الخاصَّة، وَ إِنَّمَا عَمُودُ الدِّين وجِماعُ المُسْلِمِينَ والعدةَ لِلأَعْدَاء أَهْلُ العامّة مِنَ الأمَّة فَلْيَكُن لَهُمْ صِفُوكَ (5) وَاعْمِدُ لِأَعَمَّ الأمورِ مَنْفَعَة و خَيْرِها عَاقِبَةٌ ولا قوة إِلَّا باللّه.
ولَيكُن أَبْعَدَ رَعِيَّتِكَ مِنْكَ وَأَشْنَأهُمْ عِنْدَكَ أَطْلَبُهُمْ لِعِيُوبِ النَّاسِ، فَإِنَّ فِي النَّاس عيوباً الوالي أحَقُّ مَن سَتَرَهَا فَلا تَكشِفَنَّ مَاعَابَ عَنْكَ وَاسْتُرِ العَوْرَةَ مَا اسْتَطَعْتَ يَسْتَرِ اللّه مِنْكَ مَا تُحِبُّ سَتَرَهُ مِن رَعِيَّتِكَ وَأَطْلِقُ عَنِ النَّاس عُقَدَ كلّ حِقْدٍ (6) وَاقْطَعْ عَنْكَ سَبَبَ كُل وِتْرِ وَاقْبَلِ العُذْرَ وَادْرَءِ الحدود بالشبهات. وتَغابَ عَنْ كلّ مَا لا يَضِحُ لَكَ وَلَا تَعْجَلَنَّ إِلَى تصديق ساع فَإِنَّ الساعي غاش وَ إِنْ تَشَبَّةَ بِالنَّاصِحِينَ (7).
ص: 128
لا تُدْخِلَنَّ فِي مَشُورَتِكَ بَخيلاً يَخْذُلُكَ عَن الفَضْلِ وَ يَعِدُكَ الفَقْرَ (1) وَلا جَباناً يُضعِفُ عَلَيْكَ الأمُورَوَلا حَرِيصاً يُزَيِّنُ لَكَ الشَّرَة بِالجَوْرِ، فَإِنَّ البَحْلَ وَالجَوْرَ وَالحِرصَ غرائز شَتَّى يَجْمَعُها سُوءُ الظَّنِّ باللّه كَمُونُها في الأَشْرارِ (2) أَيْقَنْ أَنَّ شَرَّ وَزَرَائِكَ مَنْ كانَ لِلأَشْرارِ وَزِيراً وَمَنْ شَرَكَهُمْ فِي الأَنامِ وَقامَ بِأُمُورِهِمْ فِي عِبادِ اللّه. فَلا يَكُونَنَّ لَكَ بطانة تشركُهُم في أمانَتِكَ (3) كَمَا شَرَكُوا في سُلْطانِ غَيْرِكَ فَاردَوهُمْ وَأَوْرَدُوهُم مصارع السوء ولا يُعجِبَنَكَ شاهِدُ ما يُحضِرُونَكَ بِهِ، فَإِنَّهُمْ أعوان الأئمَّة (4) وإخوان السَّوْءِ الظُّلَمَةِ وَ عُبَابُ كلّ طَمَع وَ دَغْلٍ وَ أَنتَ وَاجِدٌ مِنْهُمْ خَيْرَ الخَلَفِ ممَّن لَهُ مِثْلُ أَدَبِهِم نَفَادِهِمْ ممَّن قد تصفَّح الأمورَ فَعَرَفَ مَساوِيَها بما جرى عَلَيْهِ مِنْها (5) فَأولئكَ أَخَفَ عَلَيْكَ مَؤُونَةٌ وَأَحْسَنُ لَكَ مَعَونَةً وَأَحْنَى عَلَيْكَ عَطْفًا (6) وَأَقَلُّ لِغَيْرِكَ إِلغا، لَمْ يُعاوِنَ ظالِماً عَلَى ظُلْمِهِ وَ لا آئِماً عَلى إِثْمِهِ. وَلَمْ يَكُنْ مَعَ غَيْرِكَ لَهُ سِيَرَةٌ أجْحَفَتْ بِالمُسلِمينَ وَالمُعَاهِدِينَ (7) فَاتَّخِذَ أولئِكَ خاصةً لِخَلْوَتِكَ وَمَلَائِكَ ثمَّ ليَكن آثرُهُمْ عِندَكَ أَقولَهُمْ بِمُرِّ الحقّ (8) وَ أَحْوَطَهُمْ عَلَى الضُّعَفَاءِ بِالا نصافِ وَ أَقَلَهُمْ لَكَ
ص: 129
مُناظَرَةً (1) فيما يَكُونُ مِنْكَ ممَّا كَرِهَ اللّه لِأَوْلِيَاتِهِ وَاقِعاً ذلِكَ مِنْ هَواكَ حَيْثُ وَقَعَ (2) فَإِنَّهُمْ يَقِفُونَكَ عَلَى الحقّ وَ يُبَصِّرُونَكَ مَا يَعُودُ عَلَيْكَ نَفْعُهُ وَالصَقَ بِأَهْل الوَرَعِ وَ الصِّدْقِ وَذَوي العُقُولِ وَالأَحْسَابِ، ثمَّ رَضُهُمْ عَلَى أَنْ لا يُطْرُوكَ (3) وَلَا يُبجّحُوكَ بِبَاطِل لَم تَفْعَلُهُ فَإِنَّ كَثرة الإطراء تحدثُ الزَّهوَ وَتُدْنِي مِنَ الغيرةِ وَالإقْرَارُ بِذلِكَ يُوجِبُ المَقْتَ من اللّه.
لا يكونَنَّ المحسِنُ وَ المُسيئ عِنْدَكَ بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ، فَإِنَّ ذلِكَ تَزْهِيدُ لِأَهْلِ الإحسان في الإحْسانِ وتدريب لأهل الإساءة على الإسامَةِ فَأَلْزِمْ كُلا منهم ما ألزم مِنْهُم أَلْزَمَ نَفْسَهُ (4) أدباً مِنْكَ يَنْفَعَكَ اللّه بِهِ وَتَنْفَعْ بِهِ أَعْوَانَكَ.
ثُمَّ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٍ بِأَدْعَى لِحُسْنِ ظَنْ وَال بَرَعِيَّتِهِ مِنْ إِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ وَ تخفيفه المؤونَاتِ عَلَيْهِمْ وَقِلَّةِ اسْتِكْرَامِهِ إِيَّاهُمْ عَلَى مَا لَيْسَ لَهُ قِبَلَهُمْ فَلْيَكُنْ فِي ذَلِكَ أمر يجتمع لَكَ بِهِ حُسْنُ ضَنّكَ بَرعِيَّتِكَ، فَإِنَّ حُسْنَ الظَّنِّ يَقْطَعُ عَنْكَ نَصَبَاً طَويلاً وَ إِنَّ أحقّ مَنْ حَسُنَ ظَنُّكَ بِه لَمَنْ حَسُنَ بَلَاؤُكَ عِنْدَهُ (5) وَ أَحَقُّ مَنْ سَاءَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَنْ سَاءَ بَلاؤُكَ عِنْدَهُ. فَاعْرِف هَذِهِ المَنْزِلَةَ لَكَ وَعَلَيْكَ لِتَزِدْكَ بَصيرة في حُسْنِ الصُّنْعِ وَاسْتِكْثارِ حُسنِ البَلاءِ عِندَ العامّة مَعَ ما يوجب اللّه بها لَكَ في المَعادِ.
وَلا تَنقُصُ سُنَّةَ صَالِحَةٌ عَمِلَ بِمَا صُدُورُ هَذِهِ الأمَّة وَاجْتَمَعَتْ بِهَا الألْفَةُ وَصَلَحَتْ
ص: 130
عليها الرعِيَّةُ، وَلَا تُحْدِثَنَّ سُنَةٌ تَضُرُّ بِشَيْءٍ ممَّا مَضَى مِن تِلْكَ السُّنَنِ، فَيَكُونَ الأَجْرُ لمَنْ سَنَّهَا وَالوِزْرُ عَلَيْكَ بِمَا نَقَضَتَ مِنْهَا.
وَأَكْثِرُ مُدَارَسَةَ العُلَمَاءِ وَمُنافَنَةَ الحَكَماءِ (1) فِي تَثْبِيتِ مَا صَلَحَ عَلَيْهِ أَهْلُ بِلادِكَ وَإِقَامَةِ مَا اسْتَقَامَ بِهِ النَّاس مِنْ قِبَلِكَ، فَإِنَّ ذلِكَ يُحِقُّ الحقّ وَيَدْفَعُ البَاطِلَ وَ يُكتفى به دليلاً وَ مِثالاً لأنَّ السَّنَنَ الصَّالِحَةَ هِيَ السَّبِيلُ إلى طاعَةِ اللّه.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الرَّعِيَّةَ طَبَقَاتُ لا يَصْلُحُ بَعضُها إِلَّا بِبَعْضٍ وَلَا غِنَى بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ فَمِنْها جُنُودُ اللّه. وَمِنْهَا كتاب العامّة والخاصَّة. وَمِنْهَا قُضَاةُ العَدْلِ، وَمِنْهَا عُمَالُ الإِنْصَافِ والرفْقِ، وَمِنْهَا أَهْلُ الجِزْيَةِ وَالخَراجِ مِنْ أَهْلِ الدَّمَّةِ وَمُسْلِمَةِ النَّاس (2) وَمِنْهَا التَّجارُ وَأهْلُ الصَّناعاتِ. وَ مِنْها طَبَقَةُ السُّفَلَى مِنْ ذَوِي الحَاجَةِ وَالْمَسْكَنَةِ وَكُلا قَدْ سَمَّى اللّه سهمهُ وَ وَضَعَ عَلَى حَدَّ فَرِيضَتِهِ في كتابه أوْسُنَةِ نَبِيّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ). وَعَهْدًا عِنْدَنا مَحفُوظاً (3).
فالجُنُودُ بِإِذْنِ اللّه حُصُونُ الرَّعِيَّةِ وَزَيَّنُ الوُلاةِ وَ عِزَّ الدِّين وَ سَبِيلُ الأمْنِ والخَفضِ (4) وَلَيْسَ تَقومُ الرَّعِيَّةُ إِلَّا بِهِمْ، ثمَّ لاقوامَ لِلْجُنُودِ إِلَّا بِمَا يُخْرِجُ اللّه لَهُم مِنَ الخراج الّذي يَصِلُونَ بِهِ إِلَى جِهاد عَدُوِّهِمْ وَيَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ وَيَكُونُ مِنْ وَرَاءِ حَاجَاتِهِمْ لا بَقَاءَ لهذين الصَّنْفَيْنِ إِلا بالصنفِ الثَّالِثِ من القضاة و العمال و الكتاب لما يُحْكِمُونَ مِنَ الأمورِ وَيُظْهِرُونَ مِنَ الإنصافِ وَيَجْمَعَونَ مِنَ المَنافِعِ وَيُؤْ مَنَونَ عَلَيْهِ مِنْ خواص الأمور وعوامها. وَلاقِوام لَهُم جميعاً إلا بالتجارِ وَذَوِي الصَّنَاعَاتِ فيما جمَعُونَ
ص: 131
مِنْ مَرافِقِيهم (1) وَيُقِيمُونَ مِنْ أَسْواقِهِمْ وَيَكْفُونَهُم مِنَ التَّرَفْقِ بِأَيْدِيهِمْ ممَّا لا يَبْلُغُهُ رفق غيرهم. ثمَّ الطَّبَقَةُ السُّفْلَى مِنْ أَهلِ الحَاجَةِ وَالْمَسْكَنَةِ الّذين يَحِقُّ رِفْدُهُمْ (2) وَفِي فَيْءِ اللّه لِكُلِّ سَعَةٌ وَلِكُلِّ عَلَى الوَالِي حَقٌّ بِقَدْرٍ يُصْلِحُهُ وَلَيْسَ يَخْرُجُ الوَالِي مِنْ حَقيقَةِ مَا أَلْزَمَهُ اللّه مِنْ ذلِكَ إِلا بالا هتِمَامِ وَالاسْتِعَانَةِ باللّه وَ تَوْطِينِ نَفْسِهِ عَلَى لُزُومِ الحقّ والصبر فيما خَفَ عَلَيْهِ وَ نَقُلَ، فَوَل مِنْ جُنُودِكَ أَنصَحَهُمْ فِي نَفْسِكَ للّه وَلِرَسُولِهِ وَلإمَامِكَ واتقاهم جيبا (3) وَ أَفَضَلَهُم حِلْماً وَ أَجْمَعَهُمْ عِلْماً وَسِياسَةَ ممَّن يُبْطِى، عَنِ الْغَضَبِ وَيَسْرَعُ إِلَى العُذر، وَيَرْأَفُ بِالضُّعَفَاءِ وَيَنْبُو عَلَى الأقوياء (4) مَنْ لا يُثيرُهُ العُنْفُ وَلَا يَقْعُدُ بِهِ الضَّعْفُ ثمَّ الصَقَ بِذَوِي الأَحْسَابِ وَأَهْلِ البُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ وَالسَّوَابِقِ الحَسَنَةِ. ثمَّ أَهْلِ النَّجْدَةِ وَالشَّجَاعَةِ وَالسَّخاءِ وَالسَّمَاحَةِ، فَإِنَّهُمْ جِماعُ مِنَ الكَرَمِ (5) وَشَعَب مِنَ العُرْفِ يَهْدُونَ إلى حُسنِ الظَّنِّ باللّه وَالإِيمَانِ بقدَرِهِ. ثمَّ تَفَقَدْ أَمُورَهُم بِمَا يَتَفَقَدُ الوالِدُ مِنْ وَلَدِهِ ولا يتفاقَمَنَّ في نَفْسِكَ شَيْءٍ قَويْتهم به (6). ولا تحقِّرنَّ لُطْفاً تَعَاهَدْتَهُمْ بِهِ وَ إِنْ قَلّ، فَإِنَّهُ دَاعِيَةٌ لَهُم إلى بَلِ النَّصِيحَةِ وَ حُسنِ الظَّنِّ بِكَ. فَلَا تَدَعْ تَفَقَدَ لَطِيفِ أُمُورِهِمْ اتّكالاً عَلى جَسيمها، فَإِنَّ لِلْبَسِيرِ مِنْ لُطْفِكَ مَوضِعاً يَنْتَفَعُونَ بِهِ وَلِلْجَسِيمِ مَوقِعاً لا يَسْتَغْنُونَ عَنْهُ.
ص: 132
وليَكُنْ آثَرُ رُؤُوسِ جُنُودِكَ مَنْ وَاسَاهُمْ فِي مَعُونَتِهِ (1) وَأَفْضَلَ عَلَيْهِمْ فِي بَذَلِهِ ممَّن يسعهم ويَسَعُ مَنْ وَرَاقَهُمْ مِنَ الخُلُوفِ مِنْ أَهْلِهِمْ حتّى يَكُونَ هَمَّهُمْ هَمَا وَاحِداً فِي جِهادِ العدّو. ثمَّ وَاتِرَ إِعْلامَهُمْ (2) ذاتَ نَفْسِكَ في إيثارِهِمْ وَالتَّكْرِمَةِ لَهُمْ وَالإِرْصَادِ بِالتَّوْسِعَةِ. وحقِّق ذلِكَ بِحُسن الفعالِ وَالأثر وَالعَطْفِ، فَإِنَّ عَطَفَكَ عَلَيْهِمْ يَعْطِفُ قُلُوبَهُمْ عَلَيْكَ. وَإِنَّ أَفْضَلَ قُرَّةِ العُيُونِ لِلْوُلاةِ اسْتِفَاضَةُ العَدْلِ في البلاد (3) وَ ظُهُورُ مَوَدَّةِ الرَّعِيَّة لأَنَّهُ لا تَظْهَرُ مَوَدَّتَهُم الإسلامَةِ صُدُورِهِمْ وَلا تَصِحُ نَصِيحَتُهُمْ إِلَّا بِحُوطَتِهِمْ عَلَى وَلَاةِ أمورهم (4) وَ قِلَةِ اسْتِثْقَالِ دَولَتِهِمْ وَ تَرْكِ اسْتِبْطَاءِ انْقِطَاعِ مُدَّتِهِمْ (5). ثمَّ لَا تَكِلَنَّ جُنُودَكَ إِلى مَغْنَم وَزَّعْتَهُ بَيْنَهُمْ بَلْ أَحْدِثُ لَهُم مَعَ كلّ مَغْتَم بَدَلاً ممَّا سِوَاهُ ممَّا أفاء اللّه عليهم تستنصر بهم بِهِ وَيَكُونُ دَاعِيَةٌ لَهُمْ إِلَى العَوْدَةِ لِنَصْرِ اللّه وَلِدِينِهِ. وَاخْصُصُ أَهْلَ النجدة (6) في أمَلِهِمْ إِلى مُنتَهى غَايَةِ آمَالِكَ مِنَ النَّصِيحَةِ بِالبَدْلِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ وَلَطِيفِ التَّعَهْدِ لَهُمْ رَجُلاً رَجُلاً وَمَا أبلى في كلّ مَشْهَدٍ، فَإِنَّ كَثرَة الذِّكْرِ مِنكَ يحسن فِعَالِهِمْ تَهُزّ الشَّجَاعَ وَ تُحَرِّضُ الشَّاكِلَ إِنْ شَاءَ اللّه. ثمَّ لَاتَدَعْ أَنْ يَكُونَ لَكَ
ص: 133
عَلَيْهِمْ عُيُونُ (1) مِنْ أَهْلِ الأَمَانَةِ وَالقَوْلِ بِالحَقِّ عِنْدَ النَّاس فَيَثْبِتُونَ بَلاءَ كلّ ذِي بَلَاءٍ مِنْهُمْ لِيَثقَ أُولَئِكَ بِعِلْمِكَ بِبَلائِهِمْ، ثمَّ اعْرِف لِكُلِّ امْرِى مِنْهُمْ مَا أَبْلَى وَلَا تَضُمَّنْ بَلاءَ امْرِي إِلى غَيْرِهِ وَلَا تُقَصِّرَنَّ بِهِ دُونَ غَايَةِ بَلَائِهِ (2) وَكَافِ كَلَّا مِنْهُمْ بِمَا كَانَ مِنْهُ وَاخْصُصْهُ مِنْكَ بِهَزه. وَلا يَدْعُونَّكَ شَرَفُ امْرِي إِلى أَنْ تُعْظِم مِنْ بَلائِهِ مَا كانَ صَغِيراً وَ لا ضَعَةُ امرى: (3) عَلَى أَنْ تُصَغّرَ مِن بَلائه ما كانَ عَظِيماً، وَلا يُفْسِدَنَّ امْرَهَا عِنْدَكَ عِلَةٌ إِن عُرِضَتْ لَهُ (4) وَلَا نَبْوَةُ حَدِيثٍ لَهُ، قَدْ كَانَ لَهُ فِيهَا حُسَنُ بَلاء، فَإِنَّ العِزَّ وَلِلَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ.
وَ إِنِ اسْتُشْهِدَ أَحَدٌ مِنْ جُنودِكَ وَأَهْلُ النِكَايَةِ فِي عَدُوّكَ فَاخْلَفَهُ في عِيالِهِ بِمَا يَخْلُفُ به الوَصِيّ الشّفِيقَ المَوثَّقُ بهِ حتّى لا يرى عَلَيْهِمْ أَثَر فَقَدِه، فَإِنَّ ذلِكَ يَعْطِفُ عَلَيْكَ قُلوبُ شِيعَتِكَ وَيَسْتَشعرُونَ بِهِ طاعَتَكَ وَيَسْلَمُونَ لِركوب معاريض التَّلف الشَّدِيدِ في ولايتك (5).
وَقَدْ كَانَتْ مِنْ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) سُنَنٌ في المُشْرِكِينَ وَمِنَا بَعْدَهُ سُنَنٌ، قَدْ جَرَتْ بِها سُنَنٌ وَ أَمثالُ في الظَّالِمِينَ وَمَنْ تَوَجَّهَ قِبْلَتَنَا وَتُسَمَّى بِدِينِنَا. وَقَدْ قَالَ اللّه لِقَوْمٍ أَحَبُّ إرشادهم : «يَا أيُّها الّذين آمَنُوا أَطِيعُوا اللّه وَأَطِيعُوا الرَّسول وَأُولِي الأمْرِ مِنكُمْ فَإِنْ تنازعتم في شَيءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّه وَ الرَّسول إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ باللّه وَاليَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (6)»، وقالَ : «وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسول وَإِلَى أُولِي الأمْرِ مِنْهُم لَعَلِمَهُ الّذين يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمتَهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً (7)»
ص: 134
فَالرَّد إلى اللّه الأَخْذِ بِمُحَكَم كِتَابِهِ (1) وَالرَّدُّ إِلَى الرَّسول الأَخْذُ بِسُنَّتِهِ الجَامِعَةِ غَيْرِ المُتَفَرَّقَةِ (2) وَ نَحْنُ أَهْلُ رَسُولِ اللّه الّذين نَسْتَنْبِطُ المُحْكَمَ مِنْ كِتَابِهِ وَ نُمَيِّزُ الْمُتَشَابِهَ مِنْهُ وَنَعْرِفُ النَّاسِحَ ممَّا نَسَخَ اللّه وَوَضَعَ إِصْرَهُ (3).
فَسِرْ فِي عَدُوكَ بِمِثْلِ مَا شَاهَدتَ مِشافي مِثْلِهِمْ مِنَ الأَعْداءِ وَوَاتِرَ إِلَيْنَا الكُتُب(4)بالإخبارِ بكلّ حَدَثٍ يَأْتِكَ مِنَا أَمر عام واللّه المُسْتَعَانُ.
ثُمَّ انْظُرْ فِي أَمْرِ الأَحْكامِ بَيْنَ النَّاس بِنِيَّةٍ صَالِحَةٍ فَإِنَّ الحُكْمَ فِي إِنْصافِ المَظْلُومِ مِنَ الظَّالِم و الأخذ للضعيف مِنَ القَوِي وَإِقَامَةِ حُدودِ اللّه عَلَى سُنتِها وَ منهاجها يما يُصْلِحُ عِباد اللّه وَ بِلادَهُ. فَاخْتَر لِلْحُكُم بَيْنَ النَّاس أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ فِي نَفْسِكَ أنفسهم لِلْعِلْمِ وَالعِلْمِ وَالوَرَعِ وَ السَّخاءِ ممَّن لا تَضِيقُ بِهِ الأمُورُ وَلا تَمْحَكَهُ الخُصُومُ (5)ولا يتمادى في إثباتِ الزَّلَةِ وَلَا يَحْصَرُ مِنَ الفَيء(6) إِلَى الحقّ إِذَا عَرَفَهُ وَلَا تُشْرِفُ نَفْسُهُ على طَمع (7) وَلَا يَكتفي بِأَدْنَى فَهم دُونَ أَقْصاءُ (8) وَأَوقفهم في الشبهاتِ وَآخَذَهُم بِالحُججِ وَأَقَلَهُمْ تَبَرُّماً بِمُراجَعَةِ الخُصُومِ (9) وَأَصْبَرَهُمْ عَلَى تَكَشفِ الأمُورِ وَأَصَرَمهم (10) عند ايضاح الحكم، ممنْ لا يَزْدَهِيهِ. إِطْرَاء (11) وَلَا يَسْتَمِيلُهُ إِغراق وَلَا يَصْعَى لِلتَّبليغ. فَوَل
ص: 135
قَضَاءَكَ مَنْ كَانَ كَذلِكَ وَهُمْ قَلِيلٌ. ثمَّ أَكثر تعهّد قضائه (1) وَافْتَحْ لَهُ فِي البَذْلِ مَا يُزِيحُ علّتَهُ (2) وَ يَسْتَعِينُ بِهِ وَ تَقِلّ مَعَهُ حَاجَتُهُ إِلَى النَّاس وَأعْطِيهِ مِنَ المَنْزِلَةِ لَدَيْكَ مَا لا يَطْمَعُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ خَاصَّتِكَ، لِيَأْمَنَ بِذلِكَ اغتيال الرَّجالِ إيّاه عِنْدَكَ. وَأَحْسِنُ تَوْقِيرَهُ في صحبتِكَ وَقَرّبهُ في مَجْلِسِكَ وَأَمْضِ قَضَاهُ وَأَنفِذ حُكْمَهُ وَاشْدُدْ عَضُدَهُ وَ اجْعَلْ أَعْوَانَهُ خِيارَ مَنْ تَرَضَى مِنْ نَظَرَائِهِ مِنَ الفُقَهَاءِ وَأَهْلِ الوَرَعِ وَالنَّصِيحَةِ للّه وَلِعِبَادِ اللّه، لِيُناظِرَهُمْ فِيمَا شبه عَلَيهِ وَيَلْطِفَ عَلَيْهِمْ لِعِلْم مَاغَابَ عَنْهُ وَيَكُونُونَ شُهَداءَ عَلَى قَضَائِهِ بَيْنَ النَّاس إِنْ شَاءَ اللّه.
ثمَّ حَملَةُ الأخبار لأطرافك قضاة تجتهد فيهم نَفْسه (3) لا يَخْتَلِفُونَ وَلَا يَتَدابَرُونَ في حُكْمِ اللّه وَسُنَّةِ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فَإِنَّ الاختلاف في الحُكْمِ إِضَاعَةٌ لِلْعَدْلِ وَغِرَّةٌ فِي الدِّين (4) وَسَبَبٍ مِنَ الفَرقَةِ. وَقَدْ بَيّنَ اللّه مايَأْتُونَ وَمَا يُنْفِقُونَ وَأَمَرَ بِرَدْ مَالَا يَعْلَمُونَ إِلَى مَنِ اسْتَوْدَعَهُ اللّه عِلْمَ كتابه وَ اسْتَحْفَظَهُ الحُكْمَ فِيهِ، فَإِنَّمَا اخْتِلَافُ القُضَاةِ فِي دُخُولِ البغي بَيْنَهُمْ وَاكْتِفَاهُ كلّ أَمْرِيءٍ مِنْهُمْ بِرَأْيِهِ دُونَ مَنْ فَرَضَ اللّه وِلايَتَهُ، لَيْسَ يَصْلُحُ الدِّين وَلا أَهلُ الدِّين عَلى ذلِكَ. وَلكِن عَلَى الحَاكِمِ أَنْ يَحْكُم بِمَا عِنْدَهُ مِنَ الأثَرِ وَ السُّنَّةِ، فَإِذا أَعْياهُ ذَلِكَ (5) رَدَّ الحُكْمَ إِلى أَهْلِهِ، فَإِنْ غَابَ أَهْلَهُ عَنْهُ نَاظَرَ غَيْرَهُ مِن فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ لَيْسَ لَهُ تَرك ذلك إلى غَيْرِهِ وَلَيْسَ لِقَاضِينِ مِنْ أَهْلِ اللَّةِ أَنْ يُقِي مَا عَلَى اخْتِلَافِ فِي [ال-]-حُكْمِ دُونَ مَا رُفِعَ ذلِكَ إِلى وَلِي الأَمْرِ فِيكُمْ فَيَكُونُ هُوَ الحَاكِم بِمَا عَلَمَهُ اللّه، ثمَّ يَجْتَمِعانِ عَلَى حُكْمِهِ فيما وافقهما أو خالَفَهُمَا فَانظُر فى ذلِكَ نَظَراً بليغاً فإن هذا الدِّين قَدْ كَانَ أَسِيراً بِأَيْدِي الأَشرَارِ يُعْمَلُ فِيهِ بِالهَوى وتُطْلَبُ بِهِ الدُّنيا. واكتب إلى قُضَاةِ بُلْدَانِكَ فَلْيَرَفَعُوا إِلَيْكَ كلّ حُكْمِ اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى حُقُوقِهِ. ثمَّ تَصَفَحُ تِلْكَ الأَحْكامَ فَمَا وَافَقَ كِتَابَ اللّه وَسُنَّةَ نبيه والأثر مِنْ إمَامِكَ فأمضه واحْمِلَهُمْ عَلَيْهِ. وَ مَا اسْتَبَهُ عَلَيْكَ فَاجْمَعَ لَهُ الفقهاء
ص: 136
بحَضْرَتِكَ فَناظِرَهُمْ فِيهِ ثمَّ أَمْضِ مَا يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ أَقَاوِيلُ الْفُقَهَاءِ بَحَضْرَتِكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ كلّ أَمْرٍ اخْتَلَفَ فِيهِ الرَّعِيَّهُ مَردود إلى حكم الإِمَامِ وَعَلَى الإِمَامِ الاِسْتِعَانَةُ باللّه والاجتهاد في إِقَامَةِ الحُدُودِ وَجَبَرُ الرَّعِيةِ عَلَى أَمْرِهِ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا باللّه.
ثمَّ انظُرْ إِلَى أُمُورِ عَمّالِكَ وَاسْتَعْمِلَهُمُ اخْتِباراً وَلَا تُوَتِهِمْ أَمْوَرَكَ مُحاباة (1) وَ أثرةً، فَإِنَّ المُحاباة والأثرة جماعُ الجَوْرِ وَ الخِيانَةِ وَإِدْخالُ الضَّرُورَةِ عَلَى النَّاس وَلَيْسَتْ تصلحُ الأُمُورُ بِالاِدْغَالِ (2) فَاصْطَفِ لِوِلايَةِ أَعْمَالِكَ أَهْلَ الوَرَعِ وَالعِلْمِ وَالسَّيَاسَةِ، وَتَوَخّ منهم أهل التجربَةِ وَ الحَياءِ مِنْ أَهْلِ البُيوناتِ الصَّالِحَةِ وَالقَدَمِ في الإسلام. فَإِنَّهُمْ أَكْرَمُ أَخْلاقاً وَأَصَحَ أَعْرَاضاً وَ أَقَلُّ فِي المَطامِع إِشْرَافاً وَ أَبْلَعَ فِي عَواقِب الأ نَظَراً مِنْ غيرِهِمْ فَلْيَكُونُوا أَمْوانَكَ عَلَى مَا تَقَلَدّتَ. ثمَّ أَسْبِعْ عَلَيْهِمْ فِي العَمَالَاتِ وَ وَسَعْ عَلَيْهِمْ فِي الأرزاق فإن في ذلِكَ قُوَّةً لَهُمْ عَلَى استصلاح أنفُسِهِمْ وَغِنَى عَنْ تَنَاوُلِ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ وَحُجَّةٌ عَلَيْهِمْ إِنْ خَالَفُوا أَمْرَكَ أَوْثَلَمُوا أَمَانَتَكَ (3) ثمَّ تفقد أعْمَالَهُمْ وَابْعَثُ العُيُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ أهْلِ الصِّدْقِ وَالوَفَاءِ، فَإِن تَعَدَكَ في السَّرَ أَمُورَهُمْ حَدْوَةٌ لَهُمْ (4) عَلَى اسْتِعْمَالِ الأَمَانَةِ والرفق بالرعيةِ. وَتَحَفَّظَ مِنَ الأَعْوانِ، فَإِنْ أَحَدُ مِنْهُم بَسَطَ يَدَهُ إِلَى خِيانَةِ اجْتَمَعَتْ بها أخبار عيونك اكتفيت بِذلِكَ شَاهِداً، فَبَسَطتَ عَلَيْهِ العُقُوبَةَ فِي بَدَنِهِ وَ أَخَذْتَهُ بِمَا أصابَ مِنْ عَمَلِهِ، ثمَّ نَصَبْتَهُ بِمَقَامِ المَدَاةِ فَوَسَمْتَهُ بِالخِيانَةِ وَ قَلَّدَتَهُ غَارَ التُهمَةِ.
وَتَفَقَدْ مَا يُصْلِحُ أَهْلَ الخَراج (5) فَإِنَّ فِي صَلاحِهِ وَصَلاحِهِمَ صَلاحاً لِمَنْ سِواهُمْ وَلَا صَلاحَ لِمَنْ سِواهُمْ إِلَّا بِهم لأنَّ النَّاس كُلهُمْ عِيالَ عَلَى الخَراجِ وَ أَهْلِهِ، فَلْيَكُنْ نَظَرُكَ في عِمارَةِ الأَرْضِ أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ في استجلاب الخَراجِ فَإِنَّ الجَلبَ لَا يُدْرَكُ إِلَّا بالعمارة. وَمَنْ طَلَبَ الخَراجِ بِغَيْرِ عِمَارَةٍ أَخْرَبَ البَلادَ وَأَهْلَكَ العِبادَ وَلَمْ يَستَقَمْ لَهُ أَمْرُهُ إِلَّا قليلاً، فَاجْمَعَ إِلَيْكَ أهْلَ الخَراجِ مِنْ كلّ بُلْدَانِكَ وَمُرْهُمْ فَلْيُعْلِمُوكَ حَالَ بِلادِهِمْ وَمَا
ص: 137
فِيهِ صَلاحُهُمْ وَ رَحَاءُ حِبَايَتِهِمْ (1) ثمَّ سَلَ عَمَّا يَرْفَعُ إِلَيْكَ أَهْلُ العِلْمِ بِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ، فَإِنْ كانُوا شَكَوَا ثقفَلا (2) أَوْعِلَةٌ مِنَ انْقِطَاعِ شِرْبِ أَوْ إِحَالَةَ أَرْضِ اغْتَتَرَهَا غَرَقُ أَوْ أَجْحَفَ بهم العطش أو آفَةً خَفَّفَتَ عَنْهُمُ ما ترجو أن يصلح اللّه بِهِ أَمْرَهُمْ. وَإِنْ سَأَلُوا مَعُونَةٌ عَلَى إصلاح ما يقدِرُونَ عَلَيْهِ بِأَمْوَالِهِمْ فَاكْفِهِمْ مَؤُونَتَهُ، فَإِنَّ فِي عَاقِبَةِ كِفَايَتِكَ إِيَّاهُمْ صَلَاحًا فَلا يَثقُلُنَّ عَلَيْكَ شَيْءٍ خَفَّفَتَ به عنهم المؤوناتِ، فَإِنَّهُ ذخر يعودُونَ بِهِ عَلَيْكَ لِعِمَارَةِ بلادك و تزيين وِلايَتِكَ مَعَ اقْتِناتِكَ مَوَدَّتَهُمْ وَحُسْنَ نِيَّاتِهِمْ (3) وَاسْتِفَاضَةِ الخَيْرِ وَمَا يُسَهّلُ اللّه بِهِ مِنْ جَلِبهِمْ (4)، فَإِنَّ الخَراج لا يستخرجُ بِالكَدَّ وَالاتُعابِ مَعَ أَنَّها. عَقْدُ تَعْتَمَدُ إِنْ حَدَثَ حَدَثْ كُنتَ عَلَيْهِمْ مُعْتَمِداً لِفَضْلِ قُوتِهِمْ بِمَا ذَخَرْتَ عَنْهُمْ مِنَ الجَمَامِ (5) وَ الثّقة مِنْهُمْ بِمَاعَوَّدتَهُم مِنْ عَذَلِكَ وَ رِزْقِكَ وَ مَعْرِفَتِهِمْ بِعُدْرِكَ فِيمَا حَدَثَ مِنَ الأَمْرِ الّذي اتّكَلْتَ بِهِ عَلَيْهِمْ فَاحْتَمَلُوهُ بِطيب أَنْفُسِهِمْ، فَإِنَّ العِمرَانَ (6) مُحْتَمِلُ مَا حَمَلْتَهُ وَ إِنَّمَا يُؤْتَى خَرَابُ الأَرْضِ لِاعْوانِ أهْلِها وَ إِنَّمَا يَعُوزُ أهْلُها لإشراف الولاة (7) وَسُوءِ ظَنُّهم بِالبَقَاءِ وَ قِلَّةِ انْتِفَاعِهِمْ بِالعِبر. فَاعْمَلْ فِيمَا وُلبيتَ عَمَلَ أن يَدَّخِرَ حُسْنَ الثَّنَاءِ مِنَ الرَّعِيَّةِ وَالمَثُوبَةَ مِنَ اللّه وَالرّضا مِنَ الإمام. وَلاقوة إلا باللّه.
ثُمَّ انْظُرْ فِي حَالِ كُتابِكَ فَاعْرِفْ حالَ كلّ امْرِيءٍ مِنْهُمْ فِيمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْهُمْ، فَاجْعَلْ لَهُمْ مَنَازِلَ وَرُتَباً، فَوَلّ عَلَى أُمُورِكَ خَيْرَهُمْ وَاخْصُصْ رَسَائِلَكَ الّتي تُدخِلُ فيها
ص: 138
مكيدتكَ وَأَسْرَارَكَ بِأجمعهم (1) لِوُجُوهِ صَالح الأدبِ ممَّن يَصْلَحُ لِلْمُناظِرَةِ فِي جَلَائِلِ الأمور من ذوي الرَّأْيِ وَ النَّصِيحَةِ وَ الذَّهْنِ، أطواهُمْ عَنْكَ لَمَكْنُونِ الأَسْرَارِ كَشْحاً ممن لا تبطرُهُ الكَرامَة وَلا تَمَحَقُ بِهِ الدَّالَّة فيجترِىء بِها عَلَيْكَ فِي خَلَاءِ أَوْ يُلْتَمَسُ إِظهارها في ملاء، ولا تقصِّرُ بِهِ الغَفْلَة (2) عَنْ إبرادِ كتب الأطراف عَلَيْكَ وإصْدَارٍ جَوابَاتِكَ عَلَى الصَّوابِ عَنْكَ وَفِيمَا يَأْخُذُ وَيَعْطِي مِنْكَ وَلا يُضْعِفُ عَقْداً اعْتَقَدَهُ لَكَ وَلَا يَعْجِزُ عَنْ إِطلاقِ ما عُقِدَ عَلَيْكَ وَلا يَجهَلُ مَبْلَغَ قَدرِ نَفْسِهِ في الأمُورِ، فَإِنَّ الجَاهِلَ بِقَدْرِ نَفْسِهِ يَكُونُ بِقَدَرٍ غَيْرِهِ أَجْهَل. وَوَلَّ مَا دُونَ ذَلِكَ مِنْ رَسَائِلِكَ وَجَمَاعَاتِ كَتُبِ خَرْجِكَ وَدَواوِينِ جُنُودِكَ قَوْماً تَجْتَهِدُ نَفْسَكَ في إختيارِهِمْ، فَإِنَّها رُؤوسُ أَمْرِكَ أَجْمَعِهَا لِنَفْعِكَ وَأَعَمِّهَا لِنَفْعِ رَعِيَّتِكَ. ثمَّ لَا يَكُنِ اخْتِبارُكَ إِيَّاهُمْ عَلَى فِرَاسَتِكَ وَ اسْتِنَامَتِكَ (3) وَحُسْنِ الظَّنِّ بِهِمْ، فَإِن الرِّجَالَ يَعْرِفُونَ فِراسَاتِ الوَلَاةِ بِتَصَنْعِهِمْ وَخِدْمَتِهِمْ (4) وَلَيْسَ وَراءَ ذلِكَ مِنَ النَّصِيحَةِ وَالأَمَانَةِ. وَلَكِنِ اخْتَبَرْهُمْ بِمَا وُلُوا لِلصَّالِحِينَ قَبْلَكَ فَاعْمِدُ لِأَحْسَنِهِمْ كَانَ فِي العامّة أَمْراً وَأَعْرِفِهِمْ فِيهَا بِالقَبْلِ وَالأَمَانَةِ (5)، فَإِنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى نَصِيحَتِكَ للّه وَ لِمَنْ وَلَّيتَ أَمْرَهُ ثمَّ مُرهُم بِحُسنِ الوِلايَةِ وَلِينِ الكَلِمَةِ وَاجْعَلْ لِرَأسِ كلّ أَمْرٍ مِنْ أمُورِكَ رَأْساً مِنْهُمْ، لا يقهرُهُ كبيرها (6) وَلا يَتَشَتّتُ عَلَيْهِ كَثِيرُها، ثمَّ تفقّد ماغاب عَنْكَ مِنْ حالاتهم وأمورٍ
ص: 139
مَنْ يَرِدُ عَلَيْكَ رُسُلُهُ وَ ذَوِي الحَاجَةِ وَكَيْفَ ولايتهُمْ وَقَبولهُمْ وَلِيهُمْ وَحجتهم (1) فَإِنَّ التَّبَرمَ وَ العِزَّ وَ النَّحْوَة مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الكتابِ إِلَّا مَنْ عَصَمَ اللّه وَلَيْسَ لِلنَّاسِ بُدّ مِنْ طَلب حاجاتِهِمْ وَمهما كانَ في كتابِكَ مِنْ عَيْبٍ فَتَغَابَيْتَ عَنْهُ الْزِمَتَهُ (2) أَوْفَضْلٍ نَسِبَ إِلَيْكَ مَعَ مَالَكَ عِنْدَ اللّه فِي ذَلِكَ مِنْ حُسْنِ الثَّوابِ.
ثم التجار وذوي الصناعَاتِ فَاسْتَوصِ وأَوْص بهمْ خَيْراً : المقيم مِنْهُمْ وَالمُضْطَرِب بماله (3) والمترفق بِيَدِهِ فَإِنَّهُمْ مَواد لِلْمَنافِعِ وَجُلابها في البِلادِ فِي بَرَكَ وَ بَحْرِكَ وَسَهْلِكَ وَجَبَلِكَ وَ حَيْثُ لا يَلْتَتِمُ النَّاس لِمَوَاضِعِها (4) وَلَا يَجْتَرمُونَ عَلَيْهَا مِنْ بِلادِ أَعْدَائِكَ مِنْ أَهْلِ الصَّنَاعَاتِ الّتي أَجْرَى اللّه الرَّفْقَ مِنْهَا عَلَى أَيْدِيهِمْ فَاحْفَظَ حُرمتهم وَ آمِنْ سُبُلَهُم وَخُذَلَهُم بِحُقوقِهِم فإنهم يسلم لا تخافُ بائِقَتُهُ (5) وَصَلَحَ لَا تُحْذَرُ غَائِلَتْهُ، أَحَبُّ الأمورِ إلَيْهِمْ أَجْمَعُها لِلاً من وَأَجْمَعُها لِلسَّلْطَانِ، فَتَفَقَدً أمُوَرَهُمْ بِحَضْرَتِكَ وَفِي حَواشِي بِلادِكَ. وَاعْلَم مَعَ ذلك أن في كثير مِنْهُمْ ضَيّقاً فاحشاً (6) وَشُحاً قبيحاً وَاحْتِكاراً لِلْمَنَافِعِ وَتَحَكماً ذَلِكَ في البياعاتِ وَذَلِكَ بابُ مَضَرَّةٍ لِلْعَامَّةِ وَعَيْبٌ عَلَى الولاء، فَامْنَع الاحْتِكارَ فَإِنَّ رَسُولَ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) نَهَى عَنْهُ، وَ ليَكن البيع والشراء بيعاً سَمْحاً (7) بِمَوَازِينِ عَدْلٍ وَ أَسْعَارٍ لا
ص: 140
تجْحِفُ بِالفَرِيقَيْنِ مِنَ البائع والمبتاع (1)، فَمَنْ قارَفَ حَكَرَةً بِعَدَ نَهَيكَ فَنَكّل وَعَاقِبْ في غَيْرِ إِسْرَافٍ. فَإِنَّ رَسُولَ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فَعَلَ ذلِكَ.
ثُمَّ اللّه اللّه في الطَّبَقَةِ السُّفْلَى مِنَ الّذين لأحِيلَةَ لَهُمْ وَالْمَسَاكِينِ وَالمُحتاجِينَ وَذَوي البُوْسِ، وَ الزَّمْنى (2)، فَإِنَّ فِي هَذِهِ الطَّبَقَةِ قَانِعاً وَمُعْتَرا (3) فَاحْفَظ اللّه مَا اسْتَحْفَظَكَ مِنْ حَقِّهِ فِيها وَاجْعَلْ لَهُمْ قِسْماً مِنْ غَلَاتِ صَوَافِي الإسلام (4) في كلّ بَلَدٍ، فَإِنَّ لِلأقصى مِنْهُم مِثْلَ الّذي للأدنى. وَكُلاً قَدِ اسْتَرْعَيْتَ حَقَّهُ فَلا يَشْعُلَنَّكَ عَنْهُمْ نَظَرُ (5)، فَإِنَّكَ لَا تعذر بتضييع الصغير لإحكامِكَ الكَثِيرَ المهم (6)، فَلَا تُشْخِصٌ هَمَّكَ عَنْهُمْ وَلَا تُصَعرَ بِتَضْيِيعِ خَدَّكَ لَهُم وَتَوَاضَعَ للّه يَرْفَعَكَ اللّه وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلضَّعَفَاءِ وَآربهِمْ (7) إِلَى ذلِكَ مِنْكَ حَاجَةٌ تَفَقَدْ مِنْ أُمُورِهِمْ مَا لا يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْهُمْ ممَّن تَقتَحِمُهُ العُيُونُ (8) وَتَحَقِّرُهُ الرَّجَالُ، فَفَرّغ لأولئِكَ ثِقَتَكَ (9) مِنْ أَهْلِ الخَشْيَةِ وَالتَّواضُع فَلْيَرفَع إِلَيْكَ أُمُورَهُم، ثمَّ أَعْمَلْ فِيهِمْ بالإِعْذَارِ إِلَى اللّه يَوْمَ تَلْقَاهُ، فَإِنَّ هُوَلَا أَحْوَجُ إِلَى الإِنْصَافِ مِنْ غَيْرِهِمْ وَكُلٌّ فَأَعْذِرَ إلى اللّه في تَأْدِيَةِ حَقَّهِ إِلَيْهِ. وَتَعَهَدُ أَهْلَ اليتم وَالزَّمَانَةِ وَ الرَّقَةِ فِي السِّنَّ ممَّن لَا
ص: 141
حِيلَةَ لَهُ. وَلَا يَنْصِبُ لِلْمَسْأَلَةِ نَفْسَهُ فَأَجْرِلَهُمْ أَزْرَاقاً فَإِنَّهُمْ عِبَادُ اللّه فَتَقَرَبْ إِلَى اللّه بِتَخَلُصِهِمْ و وضعهمْ مَواضِعَهُمْ في أقوانِهِمْ وَ حُقوقِهِمْ، فَإِنَّ الأَعْمَالَ تُخلَص بِصِدْقٍ النِّيَّاتِ. ثمَّ إِنَّهُ لا تَسْكُنُ نُفُوسُ النَّاس أَوْ بَعْضِهِمْ إِلَى أَنَّكَ قَدْ قَضَيْتَ حُقُوقَهُم بِظَهْرِ الغَيْبِ دونَ مُشافَهَتِكَ بالحاجاتِ (1) وَذَلِكَ عَلَى الوَلَاةِ ثَقِيلُ. والحَقِّ كُلُّهُ ثَقِيلُ. يُخَفِّفُهُ اللّه عَلى أقوامٍ طَلَبُوا العَاقِبَةَ (2) فَصَبَّرُوا نُفُوسَهُمْ وَ وَيَقُوا بِصِدْقٍ مَوْعُودِ اللّه وَاحْتَسَبَ فَكُن مِنْهُمْ وَاسْتَعِنْ باللّه. وَاجْعَلْ لِذَوِي الحَاجَاتِ مِنْكَ قِسْماً تُفَرّغ لَهُمْ فِيهِ شَخْصَكَ وَ ذِهْنَكَ مِنْ كلّ شَغْلٍ، ثمَّ تَأْذَنُ لَهُمْ عَلَيْكَ وَ تَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً تَتَوَاضَعُ فِيهِ للّه الّذي رَفَعَكَ وَتُقْعِدُ عَنْهُمْ جُنْدَكَ وَ أَعْوَانَكَ (3) مِنْ أَحْرَاسِكَ وَ شَرطِكَ تَخْفَضُ لَهُمْ في مَجْلِسِكَ ذلِكَ جَناحَكَ وَتَلينُ لَهُمْ كَنَفَكَ (4) فِي مُراجَعَتِكَ وَوَجْهِكَ حتّى بكَلِمَكَ مُتَكَلِّمُهُمْ غَيْرَ مُتمتع (5)، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ فِي غَيْرِ مَوْطِنٍ : «لَنْ تُقَدَّسَ اُمَّةٌ لا يُؤْخَذُ لِلصَّعِيفِ فِيها حَقَهُ مِنَ الْقَوِي غَيْرَ مُتَمتيع». ثمَّ احْتَمِلِ الخُرْقَ مِنْهُمْ وَ العِيَّ (6) وَنَحْ عَنكَ الضَّيْق و الأنف (7) يَبْسُطُ اللّه عَلَيْكَ أَكْنَافَ رَحْمَتِهِ (8) وَ
ص: 142
يُوجِبُ لَكَ ثَوابَ أَهْلِ طَاعَتِهِ، فَأَعْطِ ما أَعْطَيْتَ هَنيئاً (1) وَامْنَع في إجمالٍ وَ إِعْذَارٍ وَ تواضع هُناكَ فَإِنَّ اللّه يُحِبُّ الْمُتَوَاضِعِينَ. وَليَكُن أَكْرَمُ أَعْوانِكَ عَلَيْكَ أَلينهم جانباً وَ أحسَنَهُمْ مُراجَعَةً وَالطَفَهُم بِالضعفاء، إن شاء اللّه.
ثمَّ إنَّ اُمُوراً مِنْ أُمُورِكَ لا بُدَّ لَكَ مِنْ مُباشَرَتها، مِنْهَا إجَابَةُ عُمّالِكَ ما یعیی عَنْهُ (2) كتابكَ. وَمِنها إِصْدَارُ حَاجَاتِ النَّاس في قَصَصِهِمْ وَمِنْهَا مَعْرِفَةُ مَا يَصِلُ إِلَى الكُتابِ وَالخُرَانِ بِمَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ، فَلَا تَتَوانَ فِيمَا هُنَالِكَ وَلَا تَغْتَنِمْ تَأْخِيَرَهُ وَاجْعَلْ لِكُلِّ أَمْرٍ منها من يُنَاظِرُ فِيهِ وُلَاتَهُ بِتَفْرِيعْ لِقَلْبِكَ وَهَمّكَ، فَكَلَّما أَمْضَيْتَ أَمْراً فَأَمْضِهُ بَعْدَ التَرْوِيَةِ (3) وَ مُراجَعَةٍ نَفْسِكَ وَمُشَاوَرَةِ وَلِيّ ذَلِكَ، بِغَيْرِ احْتِشَامٍ وَلَا رَأي (4) يَكْسِبُ بِهِ عَلَيْكَ نَقِيضَهُ. ثمَّ أَمْضِ لِكُلِّ يَوْمٍ عَمَلَهُ فَإِنَّ لِكُلِّ يَوْمٍ مَا فِيهِ وَاجْعَلْ لِنَفْسِكَ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللّه أَفْضَلَ تلك المواقيتِ وَأَجْزَلَ تِلْكَ الأَقسامِ (5) وَ إِنْ كَانَتْ كُلُّها للّه إِذا صَحَّتْ فِيهَا النِّيَّة (6) و سَلِمَتْ مِنْهَا الرَّعِيَّةُ. وَلَيَكُنْ في خاص مَا تُخْلِصُ للّه بِهِ دِينَكَ إِقَامَةُ فَرَائِضِهِ الّتي هِيَ لَهُ خاصةً، فَأَعْطِ اللّه مِنْ بَدَنِكَ في لَيْلِكَ وَ نَهَارِكَ ما يَجِبُ، فَإِنَّ اللّه جَعَلَ النَّافِلَةَ لِنَبِّيه خاصةً دونَ خَلْقِهِ فَقَالَ : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَنَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحمُوداً (7))، فَذَلِكَ أَمْرُ اخْتَصَّ اللّه بِهِ نَبِسَهُ وَأَكْرَمَهُ بِهِ لَيْسَ لِأَحَدٍ سِوَاهُ وَهُوَ لمِنْ سِواهُ تَطَوَّعَ فَإِنَّهُ يَقُولُ : وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْر أَفَاإِنَّ اللّه شَاكِرٌ عَلِيمٌ (8)، فَوَفِر مَا تَقَرَّبَتَ بِه إِلى اللّه وَكَرَمِهِ وَ أَدِّ فَرائِضَهُ إِلَى اللّه كَامِلا غَيْرَ مَثْلُوبِ وَلَا مَنْقُوصٍ (9) بالِغاً ذَلِكَ مِنْ
ص: 143
بَدَنِكَ ما بَلَغَ. فَإِذَا قُمْتَ في صَلَاتِكَ بِالنَّاسِ فَلا نطو لَن وَلَا تَكُونَنَّ مُنفراً ولا مُضَيِّعاً (1) فَإِنَّ فِي النَّاس مَنْ بِهِ العِلَةُ وَ لَهُ الحَاجَةُ. وَقَدْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) حِينَ وَجَّهَني إلَى اليَمَنِ : كَيْفَ نُصَلِّي بِهِمْ ؟ فَقَالَ : (صَلَ بِهِمَ كَصَلَاةِ أَضْعَفِهِمْ وَكُنْ بِالمُؤْمِنِينَ رَحِيماً).
وبعد هذا (2) فَلا تُطولُنَّ احتجابَكَ عَنْ رَعِيتِكَ، فَإِنَّ احْتِجَاب الولاة عَن الرَّعيَّةِ شُعْبَةٌ مِنَ الضِيقِ وَ قِلَهُ عِلم بِالأُمُورِ. وَالاحْتِجَابُ يَقْطَعُ عَنْهُم عِلمَ مَا احْتَجَبُوا دُونَهُ فيصغر عِندَهُمُ الكبير و يعظم الصغير، ويقبحُ الحَسَنُ وَيَحْسُنُ القَبيحُ وَيَشابُ الحقّ بِالبَاطِلِ (3) وَ إِنَّمَا الوَالِي بَشَرٌ لا يَعْرِفُ مَا تَوارى عَنْهُ النَّاس بِهِ مِنَ الأُمُورِ وَ لَيْسَتْ عَلَى القَوْلِ سِمَاتٌ (4) يُعْرَفُ بِهَا الصَّدَقُ مِنَ الكِنب، فَتَحَصَنُ مِنَ الإِدْخالِ فِي الحُقُوقِ بلين الحجاب (5) فَإِنَّمَا أَنْتَ أَحَدُ رَجُلَيْنِ : إِمَّا امْرُهُ سَخَتْ نَفْسُكَ بِالبَذَلِ فِي الحقّ قيم احتجابَكَ، مِنْ وَاجِبِ حَقٌّ تَعْطِيهِ ؟ أو خُلْقٍ كَرِيمٍ تُسْدِيهِ؟، وإِمّا مُبْتَلَى بِالمَنعِ فَمَا أَسْرَعَ كَفَّ النَّاس عَنْ مَسْأَلَتِكَ إِذَا أَيسُوا مِنْ بَذَلِكَ مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ حَاجَاتِ النَّاس إِلَيْكَ ما لا مَؤُونَةً عَلَيْكَ فِيهِ مِنْ شِكَايَةِ مَظْلِمَةٍ أَوْ طَلَبِ إِنْصَافٍ. فَانْتَفَعُ بِمَا وَصَفْتُ لَكَ وَاقْتَصِرْ فِيهِ عَلَى حَظِكَ وَ رُشْدِكَ إِنْ شَاءَ اللّه.
ثمَّ إِنَّ لِلْمُلُوكِ خَاصَّةٌ وَ بِطانَةٌ فيهم استئثارٌ وَ تَطاوُلٌ وَقِلَّةُ إِنصاف (6) فَاحْسِمُ مادةَ أُولَئِكَ بِقَطَعِ أَسْبَابِ تِلْكَ الأَشْيَاءِ ؛ وَ لَا تَقْطَعَنَّ لِأَحَدٍ مِنْ حَيْمِكَ وَ لَا حَامَّتِكَ قطيعة (7) وَلا تعتمدن في اعتقادِ عُقدَةٍ تَضُرُّ بِمَنْ يليها مِنَ النَّاس فِي شَرْب أَوْ عَمَلٍ مُشْتَرَك
ص: 144
يَحْمِلُونَ مؤونَتَهُمْ عَلى غَيْرِهِمْ فَيَكُونَ مهنأ ذلِكَ لَهُم دُونَكَ وَعَيْبُهُ عَلَيْكَ في الدُّنيا وَالآخِرَةِ (1). عَلَيْكَ بِالعَدْلِ في حُكْمِكَ إِذا انتهت الأمورُ إِلَيْكَ وَ أَلْزِمِ الحقّ مَنْ لَزِمَهُ مِنَ القريب والبعيدِ وَكُن في ذلِكَ صَابِراً مُحْتَسِباً ؛ وَافْعَلْ ذَلِكَ بِقَرَابَتِكَ حَيْثُ وَقَعَ وَابْتَغِ عَاقِبَتَهُ بِمَا يَنقُلُ عَلَيْهِ مِنْهُ (2) فَإِنَّ مَقَبَّةٌ ذَلِكَ مَحْمُودَةٌ.
وَإِنْ ظَنَّتِ الرَّعِيَّةُ بِكَ حَيْفاً فَأَصْحِرَ لَهُم بِعُذْرِكَ (3) وَاعْدِلَ عَنْكَ ظُنُّونَهُم بِاصْحَارِكَ فَإِنَّ فِي تِلْكَ رِيَاضَةٌ مِنْكَ لِنَفْسِكَ وَ رِفقًا مِنْكَ بِرَعِيَّتِكَ وَ إِعْدَاراً تَبْلُغُ فِيهِ حَاجَتَكَ مِنْ تقويممِهِمْ عَلَى الحقّ فِي خَفْضِ وَ إِجْمَالٍ (4).
لا تَدْفَعَنَّ صُلْحاً دَعَاكَ إِلَيْهِ عَدُوكَ فِيه رِضى (5) فَإِنَّ فِي الصَّلَحَ دَعَةٌ لِجُنُودِكَ وَراحَةً مِنْ هُمُومِكَ وَ أمْناً لبلادِكَ. وَلَكِنِ الحَذَرَ كلّ الحَنَدِ مِنْ مُقَارَبَةِ عَدُوكَ فِي طَلَبِ الصَّلح (6) فَإِنَّ العَدُو رُبمَا قَارَبَ لِيَتَغَفَلَ فَخُذْ بِالحَزْمِ وَتَحَصَّنْ كلّ مَخُوفٍ تُؤْتَى مِنْهُ. وَ باللّه الثَّقَةُ فِي جَمِيعِ الأُمُورِ. وَإِن لَجِّتْ بَيْنَكَ (7) و بين عدو ك قضية عقدت لَهُ بِها صَلَحاً أَوْ الْبَسْتَهُ مِنْكَ ذِمَّة فَحُطْ عَهْدَكَ بِالوَفَاءِ وَارْعَ ذِمَتَكَ بِالأَمَانَةِ وَ اجْعَلْ نَفْسَكَ جُنَّةً دونَهُ (8). فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ فَرَائِضِ اللّه جَلَّ وَ عَزَّ النَّاس أَشَدُّ عَلَيْهِ
ص: 145
اجْتِمَاعاً في تَفْرِيقِ أَهْوَائِهِمْ و تَشْتِيتِ أَدْيَانِهِمْ مِنْ تَعْظِيمِ الوَفَاءِ بِالعُهُودِ (1). وَقَدْ لَزِمَ ذلِكَ المُشْرِكُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ دُونَ المُسْلِمِينَ لِمَا اسْتَوبَلُوا (2) مِنَ الغَدْرِ وَالخَتْرِ فَلَا تَغْدِرَنَّ بذمّتِكَ وَلَا تَخْفِرُ بِعَهْدِكَ (3) وَلَا تَخْتِلَنَّ عَدُوكَ، فَإِنَّهُ لَا يَجْتَرِى عَلَى اللّه إِلَّا جَاهِلُ. وَ قَدْ جَعَلَ اللّه عَهْدَهُ وَذِمَتَهُ أَمْناً أَفضَاهُ بَيْنَ العِبادِ بِرَحمتِهِ (4) وَحَرِيماً يَسْكُنُون إلى مَنَعَتِهِ وَيَسْتَفِيضُونَ بِه إِلى جوارِهِ، فَلا خِداعَ وَ لا مُدالَسَةَ وَلا إِدْغَالَ فِيهِ (5).
فَلا يَدْعُونَكَ ضَيْقُ أَمْرٍ لَزِمَكَ فِيهِ عَبْدُ اللّه عَلَى طَلَبِ انْفِسَاخِهِ فَإِنَّ صَبَرَكَ عَلَى ضَيْقٍ ترجو انفِراجَهُ وَفَضْلَ عَاقِبَتِهِ خَيْرٌ مِنْ غَدْرٍ تَخَافُ تَبِعَتَهُ (6) وَ أَنْ تُحِيطَ بِكَ مِنَ اللّه طلبة وَلا تَسْتَقِيلَ فِيهَا دُنياكَ وَلا آخِرَتَكَ.
وَإِيَّاكَ وَالدَّمَاءَ وَسَفَكَهَا بِغَيْرِ حِلَّها فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٍ أَدْعَى لِنَقْمَةٍ وَلَا أَعْظَمَ لِتَّبَعَةٍ وَلَا أَحْرَى لزوالِ نِعْمَةٍ وَانْقِطَاعِ مُدَّةٍ مِنْ سَفك الدماء بِغَيْرِ الحَقِّ، واللّه مُبْتَدِي بِالحُكُم بَيْنَ العِبَادِ فيما يتسافكونَ مِنَ الدَّمَاءِ. فَلَا تَصُونَنَّ سُلْطَانَكَ (7) بِسَفْكِ دَمٍ حَرَامٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُخْلِقَة وَيُزِيلُهُ، فَإِيَّاكَ وَالتَّعَرُّضَ لِسَخَطِ اللّه فَإِنَّ اللّه قَدْ جَعَلَ لَولِي مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً سُلْطَاناً قال اللّه: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلنا لوليهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي القَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً) (8).
ص: 146
وَلا عُذْر لَكَ عِنْدَ اللّه وَلا عِندِي في قتل العمد لأنَّ فيه قودَ البَدَنِ (1). فَإِنِ ابْتُلِيتَ بِخَطَاً وَأَفَرَطَ عَلَيْهِ سَوْطَكَ أَوَيَدَكَ لِعُقُوبَةٍ فَإِنَّ فِي الوَكْزَةِ فَمَا فَوْقَهَا مَقْتَلَةً فَلَا تَطْمَحَنَّ بِكَ نَخْوَهُ سُلْطَائِكَ عَنْ أنْ تُؤَدُّي إلى أهل المقتولِ حَقَهُم دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ يتَقَرَّبُ بها إلَى اللّه زُلفى (2).
إياك والإعجاب بنَفْسِكَ وَالثّقة بما يُعْجِبُكَ مِنْها وَحُب الإطراء (3)، فإن ذلك مِنْ أَوْثَقِ فُرَص الشيطانِ في نَفْسِهِ لِيَمْحَقَ ما يكونُ مِنْ إِحْسَانِ المُحْسِنِ.
إيّاك والمنَّ على رَعِيَّتِكَ بإحسان أو التزيُّد فيما كانَ مِنْ فِعَلِكَ (4) أو تَعِدَهُمْ فَتُتبع مَوْعِدَكَ بِخُلْفِكَ أو التسَرُّعَ إلَى الرَّعِيَّةِ بِلِسَانِكَ (5)، فَإِنَّ المَنَّ يُبْطِلُ الإِحْسَانَ (6). وَ الخُلْفَ يُوجِبُ المَقَتَ. و قَدْ قالَ اللّه جَلَّ ثَناؤُه : «كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللّه أَنْ تَقُولُوا مالا تَفْعَلُونَ» (7).
إيّاك وَ العَجَلَةَ بِالأُمُورِ قَبْلَ أوانها والتّساقط فيها (8) عِنْدَ زَمانِها وَاللّجَاجَةً فِيها إذا تنكَّرت (9) وَالوَهْنَ فيها إذا أوضَحَتْ، فَضَع كلّ أَمْرٍ مَوْضِعَهُ وَأوقع كلّ عَمَلٍ مَوْقِعَهُ. وإياك والاستئثارَ بِما لِلنَّاسِ فِيهِ الأسْوَة وَالاِعْتَرَاضَ فِيمَا يَعْنِيكَ وَ التَّغَابِيَ
ص: 147
عَمَّا يُعنى به (1) ممَّا قَدْ وَضَحَ لِعُيونِ النَّاظِرِينَ، فَإِنَّهُ مَأْخُوذُ مِنْكَ لِغَيْرِكَ. وَعَمَّا قَليلٍ تكشف عنكَ أَغْطِيَةُ الأمُورِ وَيَبْرزُ الجَبَّارُ بِعَظَمَتِهِ فَيُنْتَصَفُ المَظْلُومُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ، ثمَّ اهْلِك حَيَّةَ أنفك (2) وَسَورَة جدَّتِكَ وَسَطوَة بَدِكَ وَغَرَبَ لِسَانِكَ، وَاحْتَرسُ كلّ ذلك يكف البادِرَةِ (3) وَ تَأخِيرِ السَّطْوَةِ وَ ارْفَعَ بَصَرَكَ إلَى السَّمَاءِ عِندَ مَا يَحْضُرُكَ مِنْهُ حتّى يَسْكُنَ غَضَبُكَ فَتَمَلِكَ الاخْتِيارَ وَلَنْ تُحْكِمَ ذلِكَ مِنْ نَفْسِكَ حتّى تُكْثَرَهُمُومَكَ بِذِكْرِ المعاد (4).
ثُمَّ أَعْلَمُ أَنَّه قَدْ جُمِعَ مَا فِي هَذَا العَهْدِ مِنْ صُنُوفِ مَالَمْ آلُكَ فِيهِ رُشْداً إِنْ أَحَبَّ اللّه إرشادكَ وَتَوْفِيقَكَ أَنْ تَتَذَكَّرَ مَا كانَ مِنْ كلّ مَا شَاهَدتَ مِنا فَتَكُونَ وِلايَتَكَ هَذِهِ مِنْ حكومة عادِلَةٍ أَوْسُنَةٍ فَاضِلَةٍ أَوْ أَتَر عَنْ نَبِيكَ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أو فَرِيضَةٍ فِي كِتابِ اللّه فَتَقتَدِيَ شاهَدتَ ممَّا عَمِلْنَا بِهِ مِنْهَا. وَتَجْتَهِدَ نَفْسَكَ في اتباعِ مَاعَهِدْتُ إِلَيْكَ فِي عَهْدِي وَاسْتَوْثَقْتُ مِنَ الحجّة لِنَفْسِي لِكَيْلا تَكُونَ لَكَ عِلَةٌ عِنْدَ تَسَرُّعَ نَفْسِكَ إِلَى هَواها. فَلَيْسَ يَعْصِمُ مِنَ السُّوءِ وَلا يُوَفِّقُ لِلْخَيْرِ إِلَّا اللّه جَلَّ تَنَاؤُهُ. وَ قَدْ كَانَ لِمَا عَهِدَ إِلَيَّ رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فِي وصايته تَحْضِيضاً عَلَى الصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ. فَبِذَلِكَ أُخْتِمُ لَكَ مَا عَهِدْتُ ولا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا باللّه العَلِيِّ العَظِيمِ.
وَأَنَا أَسْأَلُ اللّه سَعَةَ رَحْمَتِهِ وَعَظِيمَ مَوَاهِبِهِ وَقَدْرَتَهُ عَلَى إِعْطَاءِ كلّ رَغْبَةٍ (5) أَنْ يُوَفِّقْنِي و إيّاك لما فيهِ رِضَاهُ مِنَ الاِقامَةِ عَلَى الْعَدْدِ الوَاضِحِ إِلَيْهِ وَ إِلَى خَلْقِهِ (6)، مَعَ حُسنِ الثّنَاءِ
ص: 148
في العِبادِ وَ حُسنِ الأثر في البِلادِ وَ تَمَامِ النِّعْمَةِ وَ تَصْعِيفِ الكَرامَةِ (1) وَ أَنْ يَخْتم لي وَلَكَ بِالسَّعادَةِ وَالشَّهَادَةِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاغِبُونَ وَالسَّلام عَلَى رَسُولِ اللّه وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَ سَلَّم كَثِيراً.
الحمد اللّه فاطر الخَلق و خالِقِ الإصباح وَ مُنْشِرِ المَوْتَى وَ باعثِ مَنْ في القبورِ وَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللّه وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَ أَنَّ عَدا عبدُهُ وَ رَسُولُه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).
عِباد اللّه : إنَّ أفضل ما تَوَسَلَ بِهِ الْمُتَوَسَلُونَ إِلَى اللّه جَلَّ ذِكره الإيمانُ باللّه وَ يرُسُلِه وَمَا جَاءَتْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللّه والجهاد في سبيله، فإنَّهُ ذِرْوَةُ الإسلام (2) وَكَلِمَةُ الإخلاص، فَإِنَّهَا الفِطْرَةُ. وإقامة الصَّلاةِ. فَإِنَّهَا اللّه. وَ إِيتَاءُ الزَّكَاةِ، فَإِنَّهَا فَرِيضَةٌ، وَصَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ جُنَّةٌ حَصِينَةٌ، وَحَجِ الْبَيْتِ وَالعُمْرَةِ، فَإِنَّهُما يَنْفِيانِ الفَقْرَ وَ يُكَفِّرانِ الذَّنْبَ وَ يُوجِبانِ الجنّة، وَمِلَةُ الرَّحِمِ، فَإِنَّها ثَرْوَةُ في المال (3) و منسأة في الأجَلِ وَتَكْثِيرُ لِلْعَدَدِ. وَالصَّدقَة في السِّر فإنها تُكَفِّرُ الخَطَأَ وَتُطْفِىء، غَضَبَ الرَّبِّ تَبارَكَ وَتَعَالَى. وَالصَّدَقَةُ في العَلانِيَةِ، فَإِنَّها تَدْفَعُ مِينَةَ السُّوءِ. وصَنائع المَعْرُوفِ فَإِنَّهَا تَقِي مَصَارِعَ السَّوءِ.
وَ أَفيضوا فِي ذِكْرِ اللّه جَلَّ ذِكْرُهُ (4) فَإِنَّهُ أَحْسَنُ الذِّكْرِ وَهُوَ أَمَانُ مِنَ النِّفَاقِ وَ بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ وَ تَذْكِيرُ لِصاحِبِهِ عِنْدَ كلّ خَيْرٍ يَقْسِمُهُ اللّه جَلَّ وَعَزَّ وَلَهُ دَوِي تَحْتَ العَرْشِ (5). وَارْغَبُوا فِيمَا وَ عِدَ المُتَقَونَ، فَإِنَّ وَعْدَ اللّه أَصْدَقُ الوَعْدِ وَكُلُّ مَا وَعَدَ فَهُوَ
ص: 149
آتٍ كَما وَعَدَ، فَاقْتَدُوا بِهَذِي رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) (1) فَإِنَّهُ أَفْضَلُ الهَدْيِ وَاسْتَسّوا بِسُنَّتِهِ. فَإنَّها أَشْرَفُ السُّنَنِ، وَتَعَلَّمُوا كِتَابَ اللّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَإِنَّهُ أَحْسَنُ الحَدِيثِ وَأَبْلَعُ المَوْعِظَةِ، وَتَفَقَّهُوا فِيهِ، فَإِنَّهُ رَبِيعُ القُلُوبِ وَاسْتَشفعُوا بِنُورِهِ فَإِنَّهُ شِفاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَأَحْسِنُوا تِلاوَتَهُ، فَإِنَّهُ أَحْسَنُ القَصَصِ ؛ «وَ إِذَا قُرِئَ عَلَيْكُمُ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا لَعَلَكُمْ تُرْحَمُونَ (2)»، وَإِذَا هُدِيتُمْ لِعِلْمِهِ فَاعْمَلُوا بِمَا عَلِمْتُمْ مِنْهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. فَاعْلَمُوا عِباد اللّه : أن العالم العامِلَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ كَالجَاهِلِ الحَائِرِ الّذي لا يَسْتَفِيقُ مِنْ جَهْلِهِ (3) بَلِ الحجّة عَلَيْهِ أَعْظَمُ وَهُوَ عِندَ اللّه ألْوَم ؛ وَالحَسْرَةُ أَدومَ عَلَى هَذَا العَالِمِ المُنْسَلِحْ مِنْ عِلْمِهِ مِثلُ ما عَلى هَذَا الجَاهِلِ المُتحيِّرِ فِي جَهْلِهِ وَكِلاهُما حَائِرٌ بائِرٌ مُضِلّ مَفْتُون مَتبُور ماهم فيه (4) و باطل ما كانوا يَعْمَلُونَ.
عِباد اللّه : لا تَرْتَابُوا فَتَشُكُوا. وَلاَ تَشُكُّوا فَتَكْفُرُوا. وَلا تَكْفُرُوا فَتَندمُوا ولا ترخصوا لأَنفُسِكُمْ فَتَدهَنُوا، وَتَذْهَبَ بِكُمُ الرُّخَصُ مَذاهِبَ الظَّلَمَةِ فَتَهْلِكُوا. وَلا تُداهِنُوا(5) فِي الحقّ إِذَا وَرَدَ عَلَيْكُمْ وَعَرَفْتُمُوهُ فَتَخْسَرُوا خُسْراناً مُبِيناً.
عِبادَ اللّه : إِنَّ مِنَ الحَزْمِ أَنْ تَتَّقُوا اللّه وَ إِنَّ مِنَ العِصْمَةِ أَلَّا تَغْتَرُّوا باللّه.
عِبادَ اللّه : إِنَّ أَنْصَحَ النَّاس لِنَفْسِهِ أَطْوَعُهُمْ لِرَبِّهِ وَأَغَشهم لِنَفْسِهِ أَعْصَاهُمْ لَهُ.
عِبادَ اللّه : إِنَّه مَنْ يُطِعِ اللّه يَأْمَنْ وَيَسْتَبْشِرُ وَمَنْ يَعْصِهِ يَجِبُ وَيَنْدَمْ وَلَا يَسْلَمْ.
عباد اللّه : سَلُوا اللّه اليقينَ، فَإِنَّ اليَقِينَ رَأْسُ الدِّين وَارْغَبُوا إِلَيْهِ فِي العَافِيَةِ، فَإِنَّ أَعْظَمَ النِّعْمَةِ العَافِيَةُ، فَاغْتَنِمُوهَا لِلدُّنيا وَالآخِرَةِ وَارْغَبُوا إِلَيْهِ فِي التَّوْفِيقِ، فَإِنَّهُ اُسٌّ
ص: 150
وثيق (1) وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ مَالَزِمَ القَلْبَ اليَقِينُ وَأَحْسَنَ اليَقِينِ التُّقَى وَ أَفْضَلَ أُمورِ الحقّ عَزائِمُها وَ شَرَّهَا مُحْدَثَاتُها. وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وكلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ، وَ بِالبدع هَدَمُ السُّنَن. المَغَبُونُ مَنْ غَبَنَ دِينَهُ وَالمَغبُوطُ مَنْ سَلَمَ لَهُ دِينَهُ وَ حَسُنَ يَقينُهُ. وَ السَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ وَالشَّقِيُّ مَنِ انْخَدَعَ لِهَوَاهُ.
عباد اللّه : اعْلَمُوا أَنَّ يَسِيرَ الرَّيَاءِ شِرَكُ. وَ أَنَّ إِخْلاصَ العَمَلِ الْيَقِينُ. وَ الهَوى يَقودُ إلَى النَّارِ وَ مُجالَسَةَ أَهْلِ اللَّهْوِ ينَسِي الْقُرْآنَ وَيُحْضِرُ الشَّيْطَانَ. وَالنَّسِيي، زِيادَة في الكُفْرِ (2) وَأَعْمالَ العُصاةِ تَدْعُو إِلَى سَخَطِ الرَّحْمَنِ. وَسَخَطَ الرَّحْمَنِ يَدْعُو إِلَى ا النَّارِ. وَ مُحادَنَةَ النِّساءِ تَدْعُو إِلَى البَلَاءِ وَتُزِيعُ القُلُوبَ. والرَّمْقَ لَهُنَّ يَخْطَفُ نُورَ أَبْصَارِ القُلوبِ (3) وَلمحَ العُيونِ مَصَائِدُ الشَّيْطَانِ وَمُجَالَسَة السلطانِ يُهيِّج النيران.
عِباد اللّه : اصْدُقُوا فَإِنَّ اللّه مَعَ الصَّادِقِينَ، وَجَانِبُوا الكِذَّبَ، فَإِنَّهُ مُجانِبٌ للإيمَانِ وَإِنَّ الصَّادِقَ عَلَى شَرَفِ مَنْجَاةٍ وَكَرَامَةٍ (4) وَالكَاذِبُ عَلَى شَفَا مَهوَاةٍ وَهَلَكَةٍ. وَقُولُوا الحقّ تعرفُوا به. وَاعْمَلُوا بِهِ تَكُونُوا مِنْ أَهْلِهِ. وَأدُّوا الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكُمْ عَلَيْها. وَصِلُوا أَرْحَامَ مَنْ قَطَعَكُمْ. وَعُودُوا بِالفَضْلِ عَلَى مَنْ حَرَمَكُمْ. وَإِذَا عَاقَدتُم فَأوفُوا. وَإِذَا حَكَمْتُمْ فَاعْدِلُوا. وَإِذا ظلِمُتُمْ فَاصْبِرُوا. وَإِذا أَسِيى إِلَيْكُمْ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا كَمَا تُحبُّون أن يعفى عنكُمْ. وَلَا تَفاخَرُوا بِالآباء (وَلَا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الفُسُوقُ بعد الإيمانِ)، وَ لا تَمازَحُوا وَلا تَعَاضَبُوا وَ لا تَباذَحُوا (5) وَلا يَغْتَب بَعْضُكُمْ بَعضاً (أيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَا كلّ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتَاً)(6)، وَلا تَحَاسَدُوا فَإِنَّ الحَسَدَ يَأْكُلُ الإيمان
ص: 151
كما تأكل النار الحطب ولا تَبَاغَضُوا فَإنَّها الخَالِقَةُ (1) وَأَفْشُوا السَّلَامَ في العَالَمِ وَرُدُّوا التَّحِيَّةَ عَلَى أَهْلِها بِأَحْسَنَ مِنْهَا. وَارْحَوُا الأَرْمِلَةَ (2) وَاليَتِيمَ وَأَعِينُوا الضَّعِيفَ وَالمَظْلُومَ وَ الغَارِمِينَ وَفي سَبِيلِ اللّه وَابْنَ السَّبِيلِ والسَّائِلِينَ وَفِي الرَّقَابِ وَالمُكانَبِ وَالمَسَاكِينَ وَانْصُرُوا المظلُومَ وَأعْطُوا الفُروضَ وَجَاهِدُوا أنفسكم في اللّه حَقَّ جِهَادِهِ. فَإِنَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ وجاهدوا في سَبِيلِ اللّه : وَاقْ وا الضَّيْفَ (3) وَأَحْسِنُوا الْوُضُوءَ وَحافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ الخَمْسِ في أَوقَاتِها فَإنَّها مِنَ اللّه جَلَّ وَعَزَّ بِمَكانٍ، «وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا [ فَهُوَ خَيْرُ لَهُ ] فَإِنَّ اللّه شاكر عَلِيمُ (4)». «تَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ والتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ (5)». و«اتَّقُوا اللّه حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُمْ مُسْلِمُونَ» (6).
وَاعْلَمُوا عِبادَ اللّه : أَنَّ الأَمَلَ يُذْهِبُ العَقَلَ وَيُكْذِبُ الوَعْدَ وَ يَحُثُّ عَلَى الغَفْلَةِ وَيُورِثُ الحَسْرَةَ فَاكذبوا الأمل فَإِنَّهُ غُرُورٌ وَإِنَّ صَاحِبَهُ مَأزُور (7). فَاعْمَلُوا في الرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ فَإِنْ نَزَلَتْ بِكُمْ رَغْبَةٌ فَاشْكُرُوا وَ اجْمَعُوا مَعَهَا رَغْبَةً فَإِنَّ اللّه قَدْ تَأَذَّنَ لِلْمُسْلِمِينَ بِالْحُسْنى (8) وَلِمَنْ شَكَرَ بِالزَّيَادَةِ فَإِنِّي لَمْ أَرَ مِثْلَ الجنّة نَامَ طَالِبُها وَلَا كَالنَّارِ نامَ هَارِبُها وَلا أَكْثَرَ مُكْتَسِباً ممَّن كَسَبَهُ اليَوْمَ تُذْخَر ُفِيهِ الدَّخَائِرِ وَ تُبْلَى فِيهِ السَّرَائِرُ. وَ إِنَّ مَنْ لا يَنفَعُهُ الحقّ يَضُرَّهُ البَاطِلُ. وَمَنْ لا يستقيمُ بِهِ الهُدى تَضُرُّهُ الضَّلالَةُ (9) وَ مَنْ لا ينفعه اليقين يَضُرُّهُ الشَّكُ وَ إِنَّكُمْ قَد أُمِرْتُمْ بِالظَّعْنِ (10) وَدُلِلْتُمْ عَلَى الزَّادِ
ص: 152
ألا إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَيْكُمْ إِثْنَانِ طُولُ الأَمَلِ وَ اتِّباعُ الهَوى. أَلَا وَإِنَّ الدُّنيا قَدْ أَدْبَرَتْ وَآذَنَتْ بِانْقِلاع أَلَا وَإِنَّ الآخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ وَ آذَنَتْ بِاطِّلاع. أَلَا وَإِنَّ المضمار اليَوْمَ (1) وَ السَّبَاقَ غَداً. ألا وَ إِنَّ السَّبَقَةَ الجنّة وَالغَايَةَ النَّارُ. اَلا وَ إِنَّكُم فِي أَيَّامٍ مَهْلٍ مِنْ وَرَائِهِ أَجَلٌ (2) يَحُثُّهُ [ال-]-عجلُ. فَمَنْ أَخَلَصَ للّه عَمَلَهُ فِي أَيَّامِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ نَفَعَهُ عَمَلُهُ وَلَمْ يَضُرَّهُ أَجَلُهُ وَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ فِي أَيَّامٍ مَهْلِهِ ضَرَّهُ أَجَلُهُ وَلَمْ ينفعه عمله.
عِباد اللّه : افْزَعُوا إلى قوامِ دِينِكُمْ (3) بإقامِ الصَّلاةِ لِوَقْتِهَا. وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ في حينها وَالتَّضَرْعِ وَالخُشوع. وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَخَوفِ المَعادِ. وَإِعْطَاءِ السّائِلِ، وَ إِكْرَامِ الضَّعَفَةِ [ والضعيف ] (4) وتعلَّم القُرْآنِ وَالعَمَلِ بِهِ. وَصِدْقِ الحَدِيثِ، وَالوَفَاءِ بِالعَهْدِ، وَأَداءِ الأَمَانَةِ إِذَا ائْتُمِنتُمْ. وَارْغَبُوا فِي نَوابِ اللّه وَ ارْهَبُوا عَذَابَهُ. وَ جَاهِدُوا فِي سَبِيلِ اللّه بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَتَزَودُوا مِنَ الدُّنيا مَا تَحْرُزُونَ بِهِ أَنْفُسَكُمْ. وَ اعْمَلُوا بِالخَيْرِ تُجزَوا بالخير يَوْمَ يَفُوزُ بالخَيْرِ مَنْ قَدَّمَ الخَيْرَ. أَقُولُ قَوْلِي وَاسْتَغْفِرُ اللّه لِي وَلَكُمْ.
ص: 153
أما بعد فإن المكر والخديعة في النّارِ فَكُونُوا مِنَ اللّه عَلَى وَجَلٍ وَ مِنْ صَوَلَتِهِ عَلَى حَذَرٍ (1). إِنَّ اللّه لا يَرْضَى لِعِبادِهِ بَعْدَ إِعذارِهِ وَ إِنْذَارِهِ اسْتطراداً واستدراجا مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (2) وَلِهذا يَضِلُّ سَعَى العَبْدِ حتّى يَنْسَى الوَفاءَ بِالْعَهْدِ وَيَظُنَّ أَنه قد أحْسَنَ صُنعاً ولا يزال كذلِكَ في ظَنُّ ورَجاءِ وغفلةٍ عمّا جَاءَهُ مِنَ النَّبَأ يَعْقِدُ عَلَى نَفْسِهِ العُقَدَ وَيُهْلِكُها بكلّ جَهْدٍ وَهُوَ فِي مُهْلَةٍ مِنَ اللّه عَلى عَهْدٍ، يَهْوِي مَعَ الغَافِلِينَ وَ يَغْدُو مَعَ المذنبينَ وَيُجَادِلُ في طَاعَةِ اللّه المؤمنينَ وَيَسْتَحْسِنُ تَمويهَ الْمُتْرَفِينَ (3) فَهَوْلَاءِ قَوْمَ شَرَحَتْ قُلُوبُهُمْ بِالشَّبْهَةِ وَ تَطَاوَلُوا عَلَى غَيْرِهِمْ بِالفِرْيَةِ (4) وَحَسِبُوا أَنَّهَا للّه قُرْبَةٌ وَذَلِكَ لِأَنَّهُم عَمِلُوا بِالهَوى وَغَيَّرُوا كلامَ الحُكماءِ وَحَرَّفُوهُ بِجَهْلٍ وَ عَمَى وَ طَلَبُوا بِهِ السَّمعَةَ وَ الرَّياء (5)، بلاسُبُل قاصِدَة وَلا أَعْلامِ جَارِيَة ولا مَنَارٍ مَعلوم إلى أمَدِهِم وَإِلَى مَنْهَلٍ هُم وارِدُوهُ (6) حتّى إذا كَشَفَ اللّه لَهُمْ عَنْ ثَوابِ سِياسَتِهم (7) وَاسْتَخْرَجَهُم مِنْ جَلَابِيبِ
ص: 154
غفلتِهِمْ، إِسْتَقْبلُوا مديراً وَ اسْتَدْبَر وامقيلاً، فَلَم يَنْتَفَعُوا بِمَا أَدْرَكُوا مِنْ أُمْنِيَّتِهِم وَلَا بِمَا نالوا من طلبتهم وَلا مَاقَضَوا مِن وَطَرِهم وصارَ ذلِكَ عَلَيْهِمْ وَ بَالاً فَصاروا يَهْرَبُونَ ممَّا كانوا يطلبونَ (1).
وَإِنِّي أَحَذّرُكُمْ هَذِهِ المَزَلَّةَ وَآمُرُكُم بِتَقْوَى اللّه الّذي لا يَنفَعُ غَيْرُهُ فَلْيَنْتَفِعْ بنفسه إنْ كانَ صادِقاً عَلى ما يَجِنُّ ضَمِيرُه (2) فَإنَّما البَصِيرُ مَن سَمِعَ وَتَفَكْر وَ نَظَرَ وأَبْصَرَ وَانْتَفَعَ بِالعِبَرِ وَسَلَكَ جَدَداً واضحاً (3) يَتَجَنَّبُ فِيهِ الصَّرْعَةَ فِي المَهْوَىٰ وَ يَتَنَكَّبُ طَريقَ العمى ولا يعينُ عَلَى فَسَادِ نَفْسِهِ الغُواةَ بِتَعَسُّفٍ في حَقِّ أَوْ تَحْرِيفِ فِي نُطق أو تغيير في صِدْقٍ وَلا قوة إلا باللّه.
قولوا ما قِيلَ لَكُمْ وسَلّموا لِمَارُويَ لَكُمْ ولا تَكَلَّفُوا ما لم تُكلَّفوا فَإِنَّمَا تَبِعَتُهُ عَليكُمْ فيما كَسَبَتْ أيدِيكُم ولَفَظَتْ الْسِنَتُكُمْ أوْ سَبَقَتْ إِلَيْهِ غَايَتُكُمْ وَاحْذَرُوا الشَّبْهَةَ فَإِنَّهَا وُضِعَتْ للفِتْنَةِ وَ اقصدوا الشهولَة وَ اعْمَلُوا فيما بَيْنَكُمْ بِالمَعْرُوفِ مِنَ القَوْلِ وَالفِعْلِ وَاسْتَعْمِلُوا الخُضُوع وَاسْتَشْعرُوا الخوف والاستكانة اللّه. واعملوا فيما بينَكُم بِالتَّواضع والتناصف وَالتَّباذَلِ (4) وَكَظم الغَيْظِ، فَإِنَّها وصيّة اللّه. وَإِيَّاكُمْ وَالتَّحَاسُدَ وَالأَحْفَادَ، فَإِنَّهما من فعل الجاهِلِيَّةِ «وَلَتَنظُرْ نَفَسُ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللّه إِنَّ اللّه خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (5)».
أيُّها النَّاس اعْلَمُوا عِلْماً يَقيناً أنَّ اللّه لَمْ يَجْعَلْ لِلعَبْدِ وَ إِنِ اسْتَدَّ جُهْدُهُ وَعَظُمَتْ حيلَتُهُ وَكَثُرَتْ نِكَايَتْهُ أَكْثَرَ مَا قَدَّرَلَهُ في الذكر الحكيمِ وَلَمْ يَحْلُ بَيْنَ المَرْءِ عَلَى ضَعِفِهِ و قِلَةٍ حِيلَتِهِ وَبَينَ مَا كُتِبَ لَهُ في الذكر الحكيم. أيُّها النَّاس إِنَّهُ لَنْ يَزْدَادَ امْرُو نقيراً بحذقه (6) وَلَن ينتقص نقيراً بِحُمْقِهِ، فَالعالم بهذا العاملُ بِهِ أَعْظَمُ النَّاس راحةً في منفعة.
ص: 155
وَ التّارِكُ لَهُ أَكثرُ النَّاس شُغلا في مَضَرَةٍ. رُبِّ مُنْعَمْ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ مُسْتَدْرَجِ بِالإِحْسَانِ إِلَيْهِ. وَرُبَّ مُبْتَلَى عِنْدَ النَّاس مَصْنَوعِ لَهُ(1). فَأَفِقَ أيُّها المُسْتَمِعُ مِنَ سُكْرِكَ وَ انْتَبِه مِنْ غَفَلَتِكَ وَقَصر من عَجَلَتِكَ (2) وَ تَفَكَّر فيما جاءَ عَنِ اللّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى فيما لا خُلْفَ فيه ولا محيصَ عَنْهُ وَلا بُدَّ مِنه، ثمَّ ضَعْ فَخَرَكَ وَدَعَ كَبُرَكَ وَاحْضَرْ ذِهْنَكَ وَ اذْكُرْ قَبْرَكَ وَمَنْزلَكَ، فَإِنَّ عَلَيْهِ مَرَّكَ وَ إِلَيْهِ مَصِيرَكَ. وَ كَمَا تَدِينُ تُدَانُ (3). وَ كَمَا تَزْرَعُ تَحْصُدُ. وَكَمَا تَصْنَعُ يُصْنَعُ بِكَ. وَمَا قَدَّمْتَ إِلَيْهِ تَقْدَمُ عَلَيْهِ غَداً لأمُحالَةَ. فَلْيَنْفَعَكَ النَّظَرُ فيما وعِظَت به. وع (4) مَا سَمِعْتَ وَوَ عِدْتَ، فَقَدِ اكتنفكَ بِذلِكَ خَصْلَتَانِ ولا بد أن تقوم بِأَحَدِهِما : إما طاعَةِ اللّه تَقومُ لَها بِما سَمِعْتَ وَ إِمَا حُجَّةِ اللّه تَقَومُ لَها بِما عَلِمتَ.
(ه) فَالحَذَرَ الحَذَرَ وَ الجِدَّ الجدّ، فإنه «لا ينبِّئُكَ مِثْلُ خَبِير» (5) إِنَّ مِنْ عَزَامِمِ اللّه في الذكرِ الحَكِيمِ الّتي لَهَا يَرْضَى وَلَهَا يَسْخَطُ وَلَها يُنيبُ وَعَلَيْهَا يُعاقِبُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُؤْمِن وَ إِن حَسَنَ قَوْلُهُ وَزَيَّنَ وَصَفَهُ وَ فَضْلَهُ غَيْرُهُ إِذا خَرَجَ مِنَ الدُّنيا فَلَقَى اللّه بِخَصْلَةٍ مِنْ هَذِهِ الخصالِ لَمْ يَتُبْ مِنها : الشِّرْكِ باللّه فيما افْتَرَضَ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَتِهِ، أَوْشِفَاء غَيْطٍ بِهَلَاكِ نَفْسِهِ أوْ يُقر بِعَمَلِ فَعَمِلَ بِغَيْرِهِ، أَوْ يَسْتَنْجِحَ حَاجَةً إِلى النَّاس (6) بإظهارِ بِدْعَةٍ فِي دِينِهِ أَوْسَرَّهُ أنْ يَحْمَدَهُ النَّاس بِمَالَمْ يَفْعَلْ مِنْ خَيْرٍ، أَوْ مَشَى فِي النَّاس بِوَجْهِينِ وَلِسَانَيْنِ وَالتَّجبُّرِوَ الأبْهَةِ. وَاعْلَم [ وَاعْقِلُ ذلِكَ [فَ-]إِن المَثَلَ دَلِيلٌ عَلى شبيه إِنَّ البَهَائِم همها بُطُونُها وَإِنَّ السِّباعَ هَمَّسُّهَا التَعَدَي وَالظُّلْمُ وَإِنَّ النِّسَاءَ هَمُّهنَّ زِينَةُ الدُّنيا وَالفَسَادُ فِيهَا وَ إِنَّ المُؤمِنِينَ مُشْفِقُونَ مُسْتَكِينونَ خَائِفُونَ.
ص: 156
لا تكن ممّن يَرْجُو الآخِرَةَ بغير عَمَلٍ ويَرْجُو التّوبَةَ (1) بطول الأمل يَقُولُ في بِطُولِ الدُّنيا قولَ الزَّاهِدِينَ وَيَعْمَلُ فِيها عَمَلَ الرَّاغِبِينَ إِنْ أعْطِيَ مِنْهَا لَمْ يَشْبَعَ وَ إِن مِنْعَ لَم يَقْنَعُ يَعْجِزُ عَنْ شكر ما أوتي ويبتغي الزيادة فيما بقي ينهى النَّاس ولا ينتهي ويَأْمُرُ النَّاس مالا يأتي، يُحِبُ الصالحين ولا يَعْمَلُ بأعمالهم وَيُبْغِضُ المُسيئين وهُوَ مِنْهم. ويَكْرَهُ المَوْتَ لِكَثرَةِ سَيِّئَاتِهِ وَلا يَدَعُها في حَيَاتِهِ، يَقولُ: كَمْ أَعْمَلُ فَأَتَعَنِّى (2) أَلا أَجْلِسُ فَأَتَمَنِّى فَهُوَ يَتَمَنَّى المَغْفِرَةَ وَيَدَأْبُ في المعصية (3). وَقَدْ عُمّرَ ما يَتَذكَرُ فِيهِ مَنْ تَذكَرَ، يقولُ فيما ذَهَبَ : لَوْ كُنْتُ عملت و نَصَبْتُ (4) لَكَانَ خَيْراً لِي وَيُضِيعُهُ غَيْرَ مُكترث لا هِياً. إِنْ سَقمَ نَدِمَ عَلَى التَفْرِيطِ في العَمَلِ وَإِنْ صَحَ أَمِنَ مُعْتَرًا يُوَخِيرُ العَمَلَ، تَعْجِبَهُ نَفْسُهُ مَاعُو فِي (5) وَيَقْنَطُ إِذَا ابْتُلِيَ تَغْلِبُهُ نَفَسُهُ عَلَى مَا يَظُنُّ وَلا يَغْلِبُها عَلَى مَا يَسْتَيْقِنُ (6) لا يقنع مِنَ الرِّزْقِ بِما قَسَمَ لَهُ وَلَا يَثقُ مِنْهُ بِمَا قَدْ ضُمِنَ لَهُ وَلا يَعْمَلُ مِنَ العَمَلِ بِمَا فُرِضَ عَلَيْهِ، فَهُوَ مِنْ نَفْسِهِ فِي شَكٍّ، إِنِ اسْتَغْنى بَطِرَ وَففتِنَ (7) وَإِنِ افْتَقَر قَنطَ وَوَهَنَ، فَهُوَ مِنَ الذَّنْبِ وَالنِّعْمَةِ مُوَفَّر (8) و يبتغى الزيادة ولا يشكر وَيَتَكَلَّفُ مِنَ النَّاس مالا يعنيهِ وَيَصْنَعُ مِنْ نَفْسِه ما هُوَ أَكْثَرُ. إِنْ عَرَضَتْ لَهُ شَهْوَةٌ وَاقعها باتكال عَلَى التَّوْبَةِ وَهُوَ لا يَدْرِي كَيْفَ يَكون ذلِكَ. لَا تُغْنِيهِ رَغْبَتُهُ ولا تَمْنَعُهُ رهبته.
ص: 157
ثمَّ يُبالغ في المسألة حينَ يَسْألُ وَ يُقَصِّرُ في العَمَلِ، فَهُوَ بِالقَولِ مُدلّ (1) وَمِنَ العَمَلِ يَرْجُو نَفْعَ عَمَل ما لَمْ يَعْمَلُهُ. وَيَأْمَنُ عِقَابَ جُرمِ قَدْ عَمِلَهُ يُبَادِرُ مِنَ الدُّنيا إلى ما يفنى، وَ يَدَعُ جَاهِلا ما يَبْقَى (2) وَهُوَ يَخْشَى المَوْتَ وَلَا يَخَافُ الفَوْتَ. يَسْتَكْثِرُ مِنْ مَعْصِيَةِ غَيْره مَا يَسْتَقِل أَكْثَرَ مِنْهُ مِنْ نَفْسِهِ. وَيَسْتَكْثِرُ مِنْ طَاعَتِهِ مَا يَحتَقِرُ مِنْ غَيْرِهِ : يَخافُ عَلَى غَيْرِهِ بأدْنى مِنْ ذَنْبِهِ. وَيَرْجُولَنَفْسِهِ بِأدْنى مِنْ عَمَلِهِ، فَهُوَ عَلَى النَّاس طَاعِنُ ولِنَفْسِيه مُداهِنُ. يُؤَدِّي الأمانَةَ مَاعُوفي وأرْضِي والخِيانَةَ إِذا سَخِطَ وَابْتِلي. إذاعُوفي ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ تَابَ. وَ إِنِ ابْتُلِيَ ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ عُوقِبَ. يُؤَخِّرُ الصَّومَ وَيُعَجِّلُ النَّوْمَ، لا يبيت قائماً ولا يُصبح صائماً. يُصبحُ و همَّته الصُّبحُ وَلم يسهر (3) يمسي وهمَّته العشاء وَهُوَ مُفْطِرُ. يَتَعَوَّذُ باللّه ممَّن هُوَ دونه ولا يتعوذُ ممَّن هُوَ فَوْقَهُ. يَنْصَبُ النَّاس لنفسيه ولا يَنْصَبُ نَفْسَهُ لِرَبِّهِ، السَّوْمُ مَعَ الأغنياء أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الرَّكُوعِ مَعَ الضَّعَفَاءِ يغضب من اليسير ويعصي في الكَثِيرِ، يَعْزُفُ لِنَفْسِهِ عَلَى غَيْرِهِ (4) وَلَا يَعْزُفَ عَلَيْهَا لِغَيْرِه. فهو یُحبُّ أنْ يُطاعَ وَلا يُعصى ويَسْتَوْفِيَ وَلا يُوفي. يُرْشِدُ غَيْرَهُ وَيَغْوِي نَفْسَهُ. وَ يَخْشَی الخَلْقَ فِي غَيْرِ ربّه وَلا يَخْشَى ربّه في خَلْقِهِ. يَعْرِفُ مَا أَنكَرَ وَيُنْكِرُمَا عَرَفَ. وَلَا يَحْمَدُ ربّه عَلَى نِعَمِهِ. وَلَا يَشْكُرُهُ عَلَى مَزِيدٍ وَلَا يَأْمُرُ بِالمَعْرُوفِ وَلَا يَنْهَى عَنِ مُنْكَرٍ فَهُوَ دَهْرَهُ في لَبْس (5) إِنْ مَرِضَ أخْلَصَ وَ تَابَ وَإِنْ عُوفِي قَسَا وَ عَادَ (6)، فَهُوَ أَبَداً عَلَيْهِ وَلالَهُ، لا يدري عَمَلَهُ إِلَى مَا يُؤَدُّيهِ إِلَيْهِ، حتّى مَتى وإلى متى (7) اللّهمّ اجعلنا منكَ علی حذرٍ احفظ وَعِ، انْصَرِفْ إِذا شِئتَ.
ص: 158
قال - بعد حَمدِ اللّه وَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ (1) - : إنَّ المُتَّقِينَ فِي الدُّنيا هُمْ أَهْلُ الفَضَائِلِ، مَنْطِقُهُمُ الصَّوابُ وَمَلْبَسُهُمُ الإقتصاد و مَشْيهُمُ التَّواضُعُ، خَضَعُوا للّه بِالطَّاعَةِ، غَاضِّينَ أبْصَارَهُمْ عَمَّا حَرَّم اللّه جل وَعَزَّ، واقفين أسْمَاعَهُمْ عَلَى العِلم، نَزَلَتْ مِنْهُم أَنفُسُهُم في البلاء كَالّذي نَزَلَتْ فِي الرَّخاءِ رِضى بالقضاء، لولا الآجال الّتي كتَبَ اللّه لَهُمْ لَم تَسْتَقِر أرواحهم أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ شَوْقاً إِلَى الثَّوَابِ وَ خَوْفاً مِنَ العِقابِ. عَظُمَ الخَالِقُ فِي أَنْفُسِهِمْ فَصَغَرَ مَادُونَهُ في أَعْيُنِهِمْ، فَهُمْ وَالجنّة كَمَنْ قَدْ رَآها فَهُمْ فِيها مُنَعَمُونَ (2) وَهُمْ وَ النَّارُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا وَهُمْ فِيها مُعَذِّبُونَ قُلُوبُهُمْ مَحْزُونَةً وَشُرُورُهُمْ مَامُونَةٌ وَأَجْسادُهُم نَحِيفَةٌ و حاجاتهم خَفِيفَةٌ وَأنفُسُهُمْ عَفيفَةٌ و مَعُونَتُهُمْ لِلإِسلامٍ عَظِيمَةٌ. صَبَرُوا أياماً قِصارًا فأعقبتهم راحَة طَوِيلَةٍ مُربحة يسَّرها لَهُمْ رَبِّ كَرِيمٌ. أَرَادَتْهُمُ الدُّنيا وَلَمْ يُرِيدُوهَا. وَ طلبتهم فَأَعْجَرُوها أَما اللَّيْلَ فَصَافُونَ أقدامهم، تالُونَ لِأَجْزَاءِ القُرْآنَ يُرَتِّلُونَهُ ترتيلا (3) يُحْزَّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ وَ يَسْتَثِيرُونَ بِهِ دَواء دائِهِم (4). وَ تَهيجُ أَحْزَانُهُمْ بُكَاءَاً عَلَى ذُنُوبِهِمْ وَوَجَعِ كُلُومِهِمْ (5) و جراحِهِمْ. فَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَشْوِيقُ رَكَنُوا إِلَيْهَا طَمَعاً وَ تَطَلَعَتْ أَنْفُسُهُمْ إِلَيْهَا شَوْقاً وَظَنُّوا أَنَّهَا نُصبَ أَعْيُنِهِمْ. وَإِذا مَرُّوا بِآيَةٍ فيها تَخْوِيفٌ أَصْغَوا إِلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ وَظَنُّوا أَنَّ زَفِيرَ جَهَنَّمَ وَ شَهِيقَهَا فِي أُصُولِ آذَانِهِمْ فَهُمْ خانونَ عَلَى أَوَسَاطِهِمْ وَمُفْتَرِشُونَ جِبَاهَهُمْ وَأَكَفَّهُمْ وَأَطْرَافَ الأَقْدَامِ (6) يَطْلُبُونَ إِلَى اللّه العظيم في فكاك رقابهم.
ص: 159
أمَّا النَّهارَ فَحَكَمَهُ عُلَمَهُ، أَبْرَارٌ أَنْقِياهُ، قَدْ بَرَاهُمُ الخَوفُ أَمْبَالَ القِداح (1) يَنظُرُ إليهم الناظر فيحسبُهُم مَرْضى وَيَقُولُ : قَدْ خُولِطُوا (2) وَقَدْ خَالَطَ القَوْمَ أَمْرٌ عَظِيمٌ إِذَاهُم ذكروا عَظَمَة اللّه تَعَالَى وَ شِدَّة سُلْطَانِهِ، مَعَ مَايُخالِطُهُم مِن ذِكْرِ المَوتِ وَأَهْوالِ القِيامَةِ أفْزَعَ ذَلِكَ قُلوبَهُمْ وَطاشَتْ لَهُ أَحْلامُهُمْ (3) وَذَهَلَتْ لَهُ عُقُولَهُمْ فَإِذَا أَسْفَقُوا مِنْ ذلِكَ (4) بادَرُوا إلى اللّه بِالأعْمالِ الزَّاكِيةِ لا يَرْضَوْنَ بِاليَسِيرِ وَلا يَسْتَكْثِرُونَ لَهُ الكَثِيرَ. هُمْ لأَنفُسِهِم متَّهمون وَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ مُشْفِقُونَ إِذا زُكِيَ أَحَدُهُم خَافَب مِمَّا يَقُولُونَ، فَيَقُولُ : أَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِي مِنْ غَيْرِي وَرَبِّي أَعلم بي مِنِّي. اللّهمّ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ وَ اجْعَلْنِي خَيْرًا ممَّا يَظُنُّونَ وَ اغْفِرْ لِي مَا لا يَعْلَمُونَ إِنَّكَ عَلامُ الغُيُوبِ.
فَمِنْ عَلَامَةِ أَحَدِهِمْ أَنَّكَ تَرَى لَهُ قُوَّةً فِي دِينِ. وَخَوفاً في لين. و إيماناً في يقين (5). و حرصاً في علم، وَكَيْساً في رفق (6) وَشَفَقَةٌ في نَفَقَةٍ. وَقَهماً فِي فِقهِ. وَعِلْماً في حِلَم. وَقَصْداً في غنى (7) وَخُشُوعاً في عِبادَةٍ، وَتَجَملاً في فاقةٍ (8) وَصَبراً في شدة. وَرَحْمَةُ للْمَجْهُودِ و إعطاء في حَقٍّ، وَ رِفقاً في كسب. وَ طَلَبَاً في حَلالٍ. وَنَشَاطَاً فِي هُدى وَتَحَرَّجاً عَنْ طمع (9) وَبِرًّا فِي اسْتَقَامَةٍ وَ اعْتِمَاماً عِنْدَ شَهْوَةٍ. لَا يَغُرُّه ثَناءُ مَنْ جَهِلَهُ، وَلَا يَدَعْ إِحْصَاءَ
ص: 160
عَمَلِهِ مُسْتَبْطِئَاً لِنَفْسِهِ في العَمَلِ (1). يَعْمَلُ الأعْمَالَ الصَّالِحَةَ وَهُوَ عَلَى وَجَلٍ، يُمْسِي وَ هَمُّهُ الشَّكرُ يُصْبِحُ وَ هَمُّهُ الذَّكَرُ، يَبِيتُ حذراً وَ يُصْبِحُ فَرِحاً. حَذِراً لِمَا حُنذِّر مِنَ الغَفْلَةِ. فَرِحاً بِمَا أَصَابَ مِنَ الفَضْلِ وَالرَّحْمَةِ. إنِ اسْتَصْعَبَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِيمَا تَكْرَهُ لَم يُعْطِها سُؤلَها فِيمَا هَوِيَتْ (2) فَرَحْهُ فِيمَا يَحْذَرُ وَقُرَّةَ عَيْنِهِ فيما لا يزولُ (3) وَزَهَادَتُهُ فيما يفنى. يمزج العِلْمَ بِالْعِلْمِ وَيَمْرُجُ العِلْمَ بِالعَمَلِ. تَرَاهُ بَعِيداً كَسَلُهُ، دَائِماً نَشَاطُهُ، قَريباً أَمَلُهُ قَلِيلاً ذكلُهُ، خَاشِعاً قَلْبُهُ، قَانِعَة نَفْسُهُ، متغيِّباً جَهْلُهُ (4)، سَهْلاً أَمْرُهُ، حَريزاً دِينُه، هيِّتة شهوتهُ، مَكْظُوماً غيظه، صافياً خلقه، لا يحدِّث الأَصْدِقَاءَ بِالّذي يُؤْتَمَنْ عَلَيْهِ، وَلا يَكتُم شَهَادَةَ الأعداء، لا يَعْمَلُ شَيْئًا رِئاء، وَلَا يَتَرُكُهُ اسْتِحْياه. الخَيْرُ مُنْهُ مَأْمُولُ وَالشَّر مِنْهُ مَأْمُونٌ، إنْ كانَ في الغافِلِينَ كُتِبَ في الذَّاكِرِينَ (5) يَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَهُ وَيَعْطِي مَنْ حَرَمَهُ وَيَصلُ مَن قَطَعَهُ لا يَعْزُبُ حِلْمُهُ، وَلا يَعْجِزُ فِيمَا يَزِينُهُ (6)، بَعِيداً فَحْشُهُ، لَيِّناً قَوْلُهُ، غَائِباً مَكْرُهُ، كَثِيراً مَعْرُوفُهُ (7)، حَسَناً فَعَلَهُ، مُقبلاً خَيْرُهُ، مُدْبِراً شَرَّهُ فَهُوَ فِي الزَّلَازِلِ وقور (8)، وَفي المَكارِهِ صَبُورٌ، وَفي الرَّخاءِ شَكُورٌ لا يَجِيفُ عَلَى مَن يُبْغِضُ (9)، وَلا يأثم فيمَنْ يُحِبُّ، وَلا يَد عي مَا لَيْس لَهُ، وَلا يَجْحَدُ حَقاً هُوَ عَلَيْهِ، يَعْتَرِفُ بِالْحَقِّ قَبْلَ أَنْ يُشْهَدَ عَلَيْهِ، لا يضيعُ مَا اسْتَحْفِظَ (10)، ولا ينابز بالألقاب، لايبغي وَلَا يَهُمَّ بِهِ، وَلا يُضَادُّ بِالجَارِ، وَلَا
ص: 161
يَشْمَتُ بِالمصائب (1) سَرِيعُ إِلَى الصَّوابِ مُؤدَّ لِلأمَانَاتِ بَطِيء عَنِ الْمُنكَرَاتِ يَأْمُرُ بِالمَعروفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنكَرِ لا يَدْخُلُ في الدُّنيا بِجَهْلٍ (2) وَلَا يَخْرُجُ مِنَ الحقّ إِنْ صَمَتَ لَمْ يَغْمَّهُ الصَّمْتُ وَإِنْ ضَحِكَ لَمْ يَعَلُ بِهِ الصَّوْتُ. قانع بِالّذي لَهُ (3) لا يَجْمَعُ بِهِ الغَيظُ (4) وَلا يَغْلِبُهُ الهوى. وَلَا يَقهَرَهُ الشُّح. وَلَا يَطْمَعُ فِيمَا لَيْسَ لَهُ. يُخالِطُ النَّاس لَيَعْلَمَ، وَيَصْمُتُ لِيَسْلَم وَيَسْأَلُ لِيَفهم. لا يُنصِتُ لِلْخَيْرِ لِيُعْجِرَ بِهِ (5) وَلَا يَتَكَلَّمُ بِهِ لِيَتَجَبَّرَ عَلَى مَنْ سِوَاهُ، إِنْ يُعْيَ عَلَيْهِ صَبَرَ حتّى يَكُونَ اللّه جَلَّ ذِكْرُهُ يَنْتَقِمُ لَهُ نَفْسُهُ مِنْهُ فِي عَنَاءِ وَالنَّاسُ مِنْهُ فِي رَجَاءٍ. أتعب نَفْسَهُ لِآخَرَيْهِ وَأَراحَ النَّاس مِنْ نَفْسِهِ. بَعْدَهُ عَمَّنْ تَبَاعَدَ عَنْهُ بِغَضُ وَنَرَاهَةٌ (6). و دُنُو ممَن دَنَا مِنْهُ لين وَ رَحَةٌ، لَيْسَ تَبَاعُدُهُ تَكبراً وَلَا عَظَمَةٌ، وَلَا دُنُو خَدِيعَةٌ وَلَا خِلابَةٌ (7) بَلْ يَعْتَدِي بِمَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنْ أَهْلِ الخَيْرِ. وَهُوَ إِمَامُ لِمَنْ خَلْفَهُ مِنْ أَهْلِ البر.
إن اللّه ابتدأ الأمور فاصْطَفى لنفيه منها ما شاء (8) وَاسْتَخْلَصَ مِنْها ما أحَبُّ، فَكانَ
ص: 162
مما أحَبَّ أَنَّهُ ارْتَضَى الإيمانَ فَاشْتَقَّهُ مِن اسمه (1)، فَنَحَلَهُ مَنْ أَحَبَّ مِنْ خَلْقِه، ثمَّ بَيْنَهُ فَسَهَّل شَرائعه لِمَنْ وَرَدَهُ و أَعَزَّ أَوْ كانَه عَلى مَن جانبه (2) وَجَعَلَهُ عِزّاً لمن والأم جَانَبَهِ وَأَمْناً لمن دَخَلَهُ. وهُدى لمن ائتم به. وزينةً لِمَن تَحلى به. وَ دِيناً لمن انتحلَهُ، وَعِصْمَةً لِمَنِ اعْتَصَمَ بِه. وَحَبْلاً مِنَ اسْتَمْسَكَ به. وبُرهاناً لِمَنْ تَكَلَّم بِهِ. وَشَرَفَا لِمَنْ عَرَفَه، وحِكَمَةً لِمَنْ نَطَقَ به. و نُوراً لِمَنِ اسْتَضاءَ به. وحُجَّةً لِمَنْ خَاصَمَ بِهِ. وَفَلْجا لِمَنْ حاجَّ به (3) وعلماً لِمَنْ وَعَى. وحَدِيثاً لِمَن رَوى. وحُكماً لِمَن قضى. وحِلْمَا لِمَنْ حَدَّثُ(4) وَلُبّا لِمَنْ تَدَبَّرَ. وَ فَهُمَا مِن تَفَكَرَ. ويقيناً لِمَنْ عَقَلَ، وَبَصِيرَةً لِمَنْ عَزَمَ. وآيةً لِمَنْ تَوَسَّمَ، وَعِبْرَة لِمَنِ اتَّعَظَ و نجاةً لِمَنْ آمَنَ بِهِ. وَمَوَدَّةٌ مِنَ اللّه لِمَنْ صَلُحَ (5). وزُلفِي مَنِ ارْتَقَبَ. وَثقَةٌ لِمَنْ تَوَكَّلَ. وَراحَةً لِمَنْ فَوَّضَ، وَصِبعَة لِمَن أحسن. وَخَيراً لمن سارع. وَجنَّةٌ لِمَنْ صَبَرَ. وَلباساً لِمَنْ اتفى وتطهيراً لِمَنْ رَشَدَ وأَمَنَةً لِمَنْ أَسلم (6) وروحاً للصَّادِقِينَ. فالإيمانُ أَصْلُ الحَقِّ.
ص: 163
و أصلُ الحقّ سَبيلُهُ الهُدى وَصِفَتْهُ الحُسْنَى وَ مَأْثرَتْهُ المَجدُ (1). فَهُوَ أَبْلَجُ المِنْهَاجِ، مُشْرِقُ المَنارِ. مضيء المصابيح. رَفيعُ الغايةِ. يسيرُ المضمار (2). جامِعُ الحَلَبَةِ. مُتَنافَسُ السَّبَقَةِ. قديم العِدَّةِ. كَريم الفرسان. الصالحات منارُهُ وَالعِفْةُ مَصابيحهُ وَالمَوتُ غايته (3) و الدُّنيا مِضْمَارُهُ. وَ القِيامَةُ حَلَبَتْه. وَالجنّة سُبقَتُهُ، وَالنَّارُ نقمَتُهُ، وَالتَّقوى عُدَّته. والمحسنون فُرْسانُهُ. فَبالا يمان يُسْتَدَلُّ عَلَى الصَّالِحَاتِ. وبالصَّالِحَاتِ يُعمر الفقه و بالفقه يُرهب الموت (4) وَ بِالمَوتِ تُختمُ الدُّنيا. و بالدنيا تحذو الآخِرَةُ (5) وَ بِالقِيامَة تُزْلَفُ الجنّة وَالجنّة حَسْرَةُ أهْلِ النَّارِ. وَالنَّارُ مَوْعِظَةُ التَّقوى. وَالتَّقوى سِنْخُ الإِحْسَانِ (6). وَالتَّقوى غاية لا يَهْلِكُ مَنْ تَبِعَها وَلا يَنْدَمُ مَنْ يَعْمَلُ بها، لأنَّ بِالتَّقْوى فَازَ الفَائِزُونَ. وَ بِالمُعَصْيَةِ خَسَرَ الخَاسِرُونَ فَلْيَزدَجِر أولُوا النَّهى وَلْيَتَذَكَرْ أهلُ التَّقْوى.
فَالايمانُ عَلَى أَرْبَعِ دَعائِمَ : عَلَى الصَّبْرِ وَاليَقِينِ وَالعَدْلِ و الجِهَادِ :
ص: 164
فالصبرُ عَلَى أَرْبَعِ شُعَبِ : عَلَى الشَّوْقِ وَالشَّفَقِ (1) وَ الزُّهد وَالتَرَقْبِ. فَمَنِ اشْتَاقَ إِلَى الجنّة سَلاعَنِ الشَّهَوَاتِ (2). وَمَنْ أَشْفَقَ مِنَ النَّارِ رَجَعَ عَنِ الحُرُمَاتِ. وَ مَنْ زَهَدَ في الدُّنيا هَانَتْ عَلَيْهِ المُصيبات. وَمَنِ ارْتَقَبَ المَوتَ سارَعَ إلَى الخَيْرَاتِ.
و اليَقِينُ عَلَى أَرْبَعِ شُعَبِ : عَلَى تَبْصِرَةِ الفِطْنَةِ وتَأَوَّلِ الحِكْمَةِ (3) وَمَوْعِظَةِ العِبْرَةِ وسُنَّةِ الأَوَّلِينَ. فَمَن تَبَصَّر في الفِطْنَةِ تَأولُ الحِكمَةَ. وَمَنْ تَأوَّل الحكمةَ عَرَفَ العبرة وَمَنْ عَرَفَ العِبرَةَ عَرَفَ السُّنْةَ وَمَنْ عَرَفَ السُّنَّةِ فَكَأَنَّمَا عَاشَ في الأولِينَ.
والعَدْلُ عَلَى أَرْبَعِ شُعَبِ : عَلَى عَائِصِ الفَهْمِ وَغَمْرَةِ العِلْمِ (4) وَزَهْرَةِ الحُكْم وَرَوْضَةِ الحِلْمِ. فَمَنْ فَهِمَ فَسَرَّ جَمِيعَ العِلْمِ. وَمَنْ عَرَفَ الحُكْمَ لَمْ يَضِل (5) وَ مَنْ حَلَمَ لَمْ يُفَرِّط أَمْرَهُ وَعاشَ بِهِ فِي النَّاس حَميداً.
والِجِهادُ عَلَى أَرْبعِ شُعَبِ : عَلَى الأمرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنكَرِ وَالصِّدْقِ عِنْدَ المَوَاطِن (6) وَ شَنَآنِ الفاسقينَ فَمَنْ أَمَرَ بِالمَعْرُوفِ شَدَّ ظَهْرَ الْمُؤْمِنِ. وَ مَنْ نَهَى عَنِ الْمُنكَرِ أرغم أنف الكافِرِينَ (7) وَمَنْ صَدَقَ في المواطن قضى ما عَلَيْهِ وَمَنْ شَنأ الفاسِقِينَ غَضِبَ اللّه
ص: 165
وَمَنْ غَضِبَ اللّه غَضِبَ اللّه لَهُ فَذَلِكَ الإيمانُ وَدَعائِمُهُ وَشَعَبُه.
و الكُفْرُ عَلَى أَرْبَعَ دَعالِمَ : عَلَى الفسق و الغلو و الشك والشبهة (1).
فالفسق من ذلِكَ عَلَى أَرْبَعِ شُعَبِ : الجَفاءِ وَ العَمَى وَالعَفَلَةِ والعُتُو (2) فَمَنْ جَفا حَقَّرَ الْمُؤْمِنَ وَمَقَتَ الفُقَهَاءَ وَ أَصَرَّ عَلَى الحِنْثِ. وَمَنْ عَمَى نَسِيَ الذَّكَرَ، فَبَدَى خُلْقَهُ وَبارَزَ خالِقَه وأَلَحٌ عَلَيْهِ الشَّيطانُ. وَمَنْ غَفَل جَنى على نفسِهِ وَانْقَلَبَ عَلَى ظَهْرِهِ وَحَسِبَ غَيَّهُ رشداً وَغَرَّتْهُ الأماني وَأَخَذَتْهُ الحَسْرَةُ (3) إِذَا انْقَضَى الأَمْرُ وَ أَنكَشَفَ عَنْهُ الغِطَاءُ وَبَدَالَهُ مِنَ اللّه مالم يكن يَحْتَسِبُ وَمَنْ عنَّا عَن أمرِ اللّه شَكَ. وَمَنْ شَكٍّ تَعَالَى اللّه عَلَيْهِ ثمَّ أَذَلَّه بِسُلْطائِهِ وَصَفَرَهُ بِجَلالِهِ، كَمَا فَرَّطَ فِي حَيَاتِهِ وَاغْتَرَ بِرَبِّهِ الكَرِيمِ.
والغُلُو عَلَى أَرْبَعِ شُعَبِ : عَلَى التَّعْمقِ والتَّنازُعِ وَالزَّيْعِ وَالشَّقَاقِ (4). فَمَنْ تَعَمَّقَ لم ينته إلى الحقّ وَلَمْ يَزِدْهُ إِلَّا غرقا في الغَمَرَاتِ، لا تنحسر عنه فِتْنَةٌ إِلَّا غَشِيتْهُ أُخْرَى، فَهُوَ يهوي في أمْرٍ مَرِيجٍ (5). وَمَنْ نازَعَ وَخاصَمَ وَقَعَ بَيْنَهُمُ الفَشَلُ وَبَلِي أَمْرُهُمْ (6) مِنْ طُولِ
ص: 166
اللَّجاج. وَ مَنْ زاغَ سَاءَتْ عِنْدَهُ الحَسَنَةُ وَ حَسُنَتْ عِندَهُ السيّئة وَسَكِرَ سُكَرَ الضَّلال. وَمَنْ شَاقٌ اعْوَرَّتْ عَلَيْهِ طَرَقَهُ (1) وَ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ وَضَاقَ مَخْرَجُهُ، وَحَرِيُّ أَنْ يَنزَعَ مِنْ دِينِهِ من اتبع غير سبيل المؤمِنِينَ (2).
والشَّكُ عَلَى أربع شُعَب: على المريَةِ والهَوْلِ وَالتَّرَدُّدِو الاستسلام (3)، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ يَتَمَارَى المُمْتَرُونَ (4) وَمَنْ هالَهُ ما بَيْنَ يَدَيهِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ. و مَن تَرَدَّدَ. في دِينِهِ سَبَقَهُ الأَوَّلُونَ وَأدْرَكَهُ الآخِرُونَ وَوَطِئَتَهُ سَنَابِكُ الشَّيَاطِينِ (5) وَمَنِ اسْتَسْلَمَ لَهَلَكَةِ الدُّنيا وَالآخِرَةِ هَلَكَ فِيهِمَا، وَمَنْ نَجَا مِنْ ذلِكَ فَبِفَضْلِ الْيَقِينِ.
وَ الشبهةُ عَلَى أَرْبَعِ شُعَبِ : عَلَى الإعجاب بِالزِّينَةِ وَتَسْوِيلِ النَّفْسِ وَتَأَوَّلِ العوج وَلَبْسِ الحقّ بِالبَاطِلِ. وذلِكَ أَنَّ الزينَةَ تَصْدِفُ عَنِ البَيِّنَةِ. وَتَسْوِيلَ النَّفْسِ تَقَحَّمَ إِلَى الشهوة (6) وَالعِوَجَ يَميلُ بِصَاحِبِهِ مَيْلاً عَظِيمًا. وَاللَّبْسَ ظُلُماتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعض فَذَلِكَ الكفرُ وَدَعائِمُهُ وشعبه.
و النفاقُ عَلَى أربع دَعَائِمَ : عَلَى الهَوى وَالهُوينا والحفيظةِ وَالطَّمَع (7)
ص: 167
والهوى مِنْ ذلِكَ عَلَى أربع شُعَبِ : عَلَى البَغي وَالعُدْوَانِ وَالشُّهوة والعِصْيانِ (1) فَمَنْ بَغَى كَثَرَتْ غَوائِلُهُ (2) وَتَخَلَّى عَنه ونُصِرَ عَلَيْهِ وَمَنِ اعْتَدَى لم تُؤْمَنْ بَوَائِقُه وَلَمْ يَسْلَمْ قلبه. وَمَنْ لَمْ يَعْذل نفسه عَنِ الشَّهَوَاتِ خاص في الحَسَراتِ وَ سَبَحَ فيها (3). ومن عصى ضَلَّ عَمْداً بلاعُذْرِ ولا حجة.
وأما شُعَبُ الهُوَيْنا : فالهَيبَةُ وَالغِرَّةُ والمُماطَلَةُ وَالأمل (4) وَذلِكَ أَنَّ الهَيْبَةَ تَرُدُّ عَنِ الحقّ وَالإغترار بالعاجل تفريط الآجل، و المماطلة مُوَرّط في العمى. وَلَوْلا الأمل علم الإنسانُ حِساب ما هُوَفِيهِ. (5) وَلَوْعَلمَ حِساب ماهو فِيهِ ماتَ خُفاتاً مِنَ الهَولِ والوجل (6).
و أما شُعَبُ الحَفِيظَةِ (7): فَالكَبْرُ وَالفَخَرُ وَالحَمِيَّةُ وَالعَصَبِيَّةُ، فَمَنِ اسْتَكْبَرَ أدْبَرَ. وَمَنْ فَخَرَ فَجَرَوَمَنْ هِيَ أَصَرَ، وَمَنْ أَخَذَتْهُ العَصَبِيَّةُ جَارَ، فَبِئْسَ الأَمْرُ بَيْنَ إِدْبارٍ وفجور وإضرار.
و شعبُ الطَّمَعِ : الفَرَحُ والمَرَحُ وَالدَّجَاجَةُ والتَكَبرُ (8). فَالفَرَحُ مَكْرُوهُ عِنْدَ اللّه : والمرح خيلاء. واللجاجَةُ بَلاءَ مِنَ اضْطَرَّتْهُ إلى حَلِ الآنام. والتكبرُ لَهو و لعب و شغل واستبدال الّذي هُوَأدْنى بِالّذي هُوَ خَيْرٌ.
ص: 168
فذلك النفاق ودعائمه و شُعَبُه، واللّه قاهر فوق عِبادِهِ تعالى ذكره، وَ اسْتَوَتْ به مرّته (1)،وَاشْتَدَّتْ قُوتُه، وفاضَتْ بَرَكَتهُ، وَ اسْتَضاءَتْ حِكْمَتُهُ، وَفَلَجَتْ حُجَّتُهُ (2). وخَلَصَ دِينَهُ، وَحَقَّتْ كَلِمَتُهُ، وَسَبَقَتْ حَسَنَاتُهُ، وَصَفَتْ نِسْبَتُهُ، وَأَقْسَطَتْ مَوَازِينُهُ، وَ بلغت رسالاته، و حَضَرَتْ حَفَظَتُه. ثمَّ جَعَلَ السيّئة ذنباً وَالذَّنْبَ فِتْنَةً، والفتنة دَنَساً وجَعَلَ الحُسنى غُنْماً، وَالعتبى تَوْبَةً (3) والتّوبَةَ طَهُوراً، فَمَنْ تابَ اهْتَدَى، وَ مَنِ افْتمتنَ غوى ما لَمْ يَتُبْ إِلَى اللّه ويَعتَرِفْ بِذَنْبِهِ ويُصَدِّقَ بِالحُسْنَى وَلَا يَهْلِكُ عَلَى اللّه إِلَّاهَالِك.
فاللّه اللّه مَا أَوْسَعَ مَا لَدَيْهِ مِنَ التَّوْبَةِ وَالرَّحْمَةِ وَ البُشْرَى وَالحِلْمِ العَظِيمِ، وَ مَا أَنكَرَ مَالَدَيْهِ مِنَ الأنكال (4) وَ الجَجيم والعِزَّةِ والقُدْرَةِ وَالْبَطْشِ الشَّدِيدِ، فَمَن ظَفَرَ بِطَاعَةِ اللّه اخْتَارَ كَرامَتَهُ ومَنْ لَمْ يَزَلْ فِي مَعْصِيَةِ اللّه ذاقَ وَبِلَ نِقْمَتِهِ. هَنَالِكَ عُقْبَى الدَّارِ.
و من كلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لكميل بن زياد بعد اشياء ذكرها (5)
إنَّ هَذِهِ القُلُوبَ أوْعِيَةً فَخَيّرها أوعاها. احفَظَ عَنِّى ما أقول لك :
النَّاسُ ثَلَاثَةُ : عَالِمٌ رَبَّانِيُّ وَمُتَعَلِمُ عَلَى سَبِيلِ النَّجَاةِ وَهَمَجٌ رَعَاعُ (6) أَتْبَاعُ كلّ
ص: 169
ناعي يَمِيلُونَ مَعَ كلّ رِيحٍ، لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ العِلْمِ فَيَهْتَدُوا وَلَمْ يَلْجَأوُا إِلَى رُكْنٍ وَثِيق فينجوا.
يا كميلُ العِلْمُ خَيْرٌ مِنَ المالِ. العِلْمُ يَحْرُسُكَ وَ أَنتَ تَحْرُسُ المَالَ، وَالمَالُ تُفْنِيهِ التنّفَقَةُ (1) وَالعِلْمُ يَزْكُو عَلَى الإنفاق. العِلْمُ حَاكِمُ وَالمَالُ تَحْكُومٌ عَلَيْهِ.
يا كميل بن زيادٍ تَحَبَّةُ العالم دين يُدانُ به(2) بِهِ يَكْسِبُ الإنسان الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد وفاته. ومَنفَعَةُ المالِ تَزُولُ بِزَوالِهِ، مات لخزان الأموال وهُمْ أَحْيَاء والعلماء باقون ما بقي الدَّهْرُ. أعيانُهُمْ مَفْقُودَةٌ وأمثلَتُهُم في القُلوبِ مَوجودَةٌ. ها، إِنَّ هَهُنا لَعِلْماً بما - وأشار إلى صَدرِه - لَمْ أَحِبُ لَهُ خَزَنَةٌ (3). بَلَى أصِيبُ لَقِنا غَيْرَ مَأْمُونٍ، مُسْتَعْمِلاً آلَةَ الدِّين في طَلَبِ الدُّنيا، يَسْتَظِهِرُ بِحُجّج اللّه عَلى أوْلِيائِهِ وَبِنِعْمَةِ اللّه عَلَى مَعَاصِيهِ أو مُنْقاداً لِحَمَلَةِ الحقّ (4) لا بصَيرَةَ لَهُ فِي أَحْنَامِهِ، يَنْقَدِحُ الشَّكُ في قَلْبِهِ بِأَوَّلِ عَارِضِ مِنْ شُبهة، اللّهمّ لاذا ولا ذاكَ، أَوْ مَنْهُوماً (5)بِاللَّذَّةِ سَلِيسَ القِيادِ لِلشَّهْوَةِ، أو مُغرَماً بِالجَمْعِ وَالادخارِ لَيْسا مِنْ رُعاة الدِّين وَلَا مِنْ ذَوِي البَصَائِرِ وَاليَقِينِ. أَقْرَبُ شَبَهَا بِهِمَا الأنْعَامُ السَّائِمَةُ (6) كَذَلِكَ يَمُوتُ العِلْمُ بِمَوْتِ حَمَلَتِهِ اللّهمّ بَلَى، لا يخلو الأرْضُ مِنْ قائِمِ للّه بِحُجَّةٍ إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً أو خائفاً مَعْمُوراً (7)
ص: 170
لئلّا تبطل حجج اللّه وَبَيِّنَاتُهُ وَرُواة كتابه، وأين أولَئِكَ هُم الأَقْلُّونَ عَدَداً، الأَعْظَمُونَ قدراً بِهِمْ يَحْفَظُ اللّه حَجَجَه حتّى يُودِعَهُ نَظَرَاءَهُمْ وَيَزْرَعَها في قلوب أَسْبَاهِهِم، هَجَمَ بِهِمُ العلم على حقائق الإيمانِ، فَباشَرُوا رُوحَ اليقين وَاسْتَلانُوا مَا اسْتَوْعَرَ مِنْهُ المُتَرْفَونَ(1). وَاسْتَأْنَسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الجَاهِلُونَ. صَحِبُوا الدُّنيا بِأَبْدَانٍ أَزْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالمَحَلَّ الأعلى.
يا كميل أوليْكَ أمَنَاهُ اللّه فِي خَلْقِهِ وخُلَفَاؤُهُ في أَرْضِهِ وَسُرُجُهُ في بِلادِه (2) وَالدُّعاةُ إلى دِينِه. واشوقاهُ إِلَى رُؤْيَتِهِمْ أَسْتَغْفِرُ اللّه لِي وَلَكَ.
وصيّته (عَلَيهِ السَّلَامُ) لِكُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ مُخْتَصَرَة (3)
يا كميلُ سَمَّ كلّ يَوْمٍ بِاسْمِ اللّه وَقُلْ لا حَولَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا باللّه. وَ تَوَكَّلْ عَلَى اللّه وَ اذكَرْنا وَ سَمَّ بِأَسْمَائِنا وَصَلَّ عَلَيْنَا. وَآدِرْ بِذلِكَ عَلى نَفْسِكَ (4) وَ مَا تَحُوطُهُ عِنَايَتُكَ، تُكْفَ شَرِّ ذَلِكَ اليَوْمِ إِنْ شَاءَ اللّه.
يا كميل إن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أدّبه اللّه وهُوَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أَدَّ بَنِي وأَنَا أُؤَدِّبُ الْمُؤْمِنِينَ وَأَوَرّثُ الآداب المكرمين.
یا كَمَيْلُ ما مِن عِلْمٍ إلا وأنا أفْتَحُهُ وَمَا مِنْ سِر إِلَّا وَالقَائِمُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يَخْتِمُه.
يا كُمَيْلُ ذُريَّةٌ بَعضُها مِن بَعْضٍ واللّه سَميع عليم.
يا كميلُ لا تأخُذُ إِلا عنَّا تَكُن مِنا.
ياكُمَيْلُ ما مِن حَرَكَةٍ إِلَّا وأنتَ مُحتاج فيها إلى مَعْرِفَةٍ.
يا كَمَيْلُ إذا أكَلْتَ الطَّعَامَ فَسَمَّ بِاسْمِ الّذي لا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ دَاء و فيه شفاء مِن كُل الأسواء (5).
ص: 171
يا كميل وآكل الطَّعَامَ وَلا تَخَلْ عَلَيْهِ، فَإِنَّكَ لَنْ تَرْزُقَ النَّاس شَيْئًا واللّه يُجْزِلُ لَكَ الثَّوابَ بِذلِكَ. أَحْسِن عَلَيْهِ خَلَقَكَ، وَابْسُطُ جَلِيسَكَ (1) وَلَا تَتَّهُمْ خَادِمَكَ.
يا كميلُ إِذا أَكَلْتَ فَطَوَّلُ أكَلَكَ لَيَستوفي مَنْ مَعَكَ ويرزق منه غَيْرُكَ.
يا كميل إذا استوفيت طَعَامَكَ فَاحْدِ اللّه على ما رَزَقَكَ وَارْفَعْ بِذلِكَ صَونَكَ يَحْمَدُهُ سواكَ فَيَعْظُمُ بِذلِكَ أَجْرُكَ.
يا كميلُ لا تُوقِرَن مِعْدَتكَ طَعاماً (2) ودع فيها لِلْماءِ مَوضِعاً وللريح مجالاً، وَلا. تَرفَع يَدَكَ مِنَ الطَّعَامِ إلا و أنتَ تَشْتَهِيهِ، فَإِن فَعَلْتَ ذَلِكَ فَأَنتَ تَسْتَمْرِئُه (3)، فَإِنَّ صِحْةَ الجسم مِن قِلَّةِ الطَّعَامِ وَقَلَةِ الماء.
ياكُمَيْلُ البَرَكَةُ فِي مَالِ مَنْ آتَى الزَّكَاةَ وَوَاسَى المَوْمِنِينَ وَوَصَلَ الأَقْرَبِينَ (4).
يا كميلُ زِدْ قَرَ ابْتَكَ الْمُؤْمِنَ عَلَى مَا تُعْطِي سِواهُ مِنَ المؤمنين وكُنْ بِهِمْ أَرْأَفَ وَعَلَيْهِم أعْطَفَ. وَتَصَدَّقَ عَلَى الْمَسَاكِينِ.
يا كميل لا تَرُدُّ سَائِلاً وَلَوْ مِن شَطْرِ حَبَّةٍ عَني أو شق تمرة، فَإِنَّ الصَّدَقَةَ تنمو عند اللّه.
يا كُمَيْلُ أَحْسَنُ حِلْيَةِ الْمُؤْمِنِ التَّواضُعُ وجَمَالُهُ التَّعَفُّفُ وَشَرَفَهُ التَّفَقَهُ وَ عِزَّه تَركُ القَالِ والقيل (5).
ياكُمَيْلُ في كلّ صِنْفِ قَوْمُ أَرْفَعُ مِن قَوْمٍ، فَإِيَّاكَ ومُناظَرَةَ الخَسِيسِ مِنْهُم وَإِنْ أَسْمَعُوكَ وَاحْتَمِل وكنْ مِنَ الّذين وَصَفَهُمُ اللّه (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سلاما) (6).
ص: 172
يا كميلُ قُلِ الحقّ عَلى كلّ حالٍ وواد المتقين وَاهْجُرِ الفَاسِقِينَ وجَانِبِ المُنافِقِينَ ولا تصاحب الخائنين.
يا كميل لا تطرق أبوابَ الظَّالِمِينَ (1) لِلاخْتِلاطِ بهم و الاكتساب معهم وإياك أَنْ تُعَظِمَهُمْ وأَنْ تَشْهَدَ في مَجالِسِهِمْ بِما يُسخط اللّه عَلَيْكَ وَإِنِ اضْطَرَرْتَ إِلَى حُضُورِ هم قداوِمٌ ذِكرَ اللّه والتَّوَكُلَ عليهِ وَ اسْتَعِذ باللّه مِن شُرُورِهم و أطْرِقُ عَنْهم و أنكِر بقلبك فِعْلَهم وَاجْهَرْ بتعظيم اللّه تسمعهم، فَإِنَّكَ بِها تُؤيْدُ وتُكفى شَرَّهم.
يا كميلُ إِنَّ أَحَبَّ مَا تَمْتَثلُه العِبادُ إلَى اللّه بعد الإقرارِ بِهِ وَبِأَوْلِيَائِهِ التَّعَففُ وَالتَّحَمُّلُ والاصطبار.
يا كميل لا تر النَّاس إِقْتارَكَ وَاصْبِر عَليهِ احْتِسَاباً بِعِز وَتَسَتَّرٍ.
يا كميل لا بأس أن تعلم أخاكَ سِركَ ومَن أخُوكَ ؟ أخوكَ، الّذي لا يَخْذُلُكَ عِنْدَ الشَّدِيدَةِ ولا يَقْعُدُ عَنْكَ عِندَ الجَريرَةِ (2) ولا يَدَعُكَ حتّى تَسْأَلَهُ وَلا يَذَرُكَ وَأَمْرَكَ حتّى تعلِمَهُ، فَإِنْ كانَ مُميلا فَأَصْلِحْهُ (3).
يا كَمَيلُ المؤمِنُ مِرْآةُ المُؤْمِنِ، لأنَّهُ يَتَأمَلُهُ فَيَسُدُّ فَاقَتَهُ ويُجْمِلُ حَالَتَهُ
يا كَمَيلُ المؤمِنونَ إِخْوَةٌ ولا شَيْءَ أَثَرُ عند كلّ أَحْ مِنْ أخِيهِ (4).
يا كميلُ إِنْ لَمْ تُحِب أخاكَ فَلَسْتَ أخَاهُ، إِنَّ المؤْمِنَ مَنْ قَالَ بِقَولِنَا، فَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ قَصَر عنَّا وَمَنْ قَصَر عنَّا لَم يلحق بنا ومن لم يكن مَعَنا فَفِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ.
يا كميل كلّ مَصْدُورٍ يَنفِثُ (5) فَمَنْ نَفَثَ إِلَيْكَ مِنا بأمر أمر بستره، فإياك
ص: 173
أن تُبْدِيَهُ وَلَيْسَ لَكَ مِنْ إبْدائِه توبةً و إذا لم يكن توبة فالمصير إلى لظى (1).
يا كميل إذاعة سر آن عدم [ صلوات اللّه عليهم] لا يقبل منها ولا يحتمل أحد عليها وما قالوه فلا تعلم الأمومِناً مُوقِناً (2).
ياكُمَيْلُ قلْ عِنْدَ كلّ شِدَّةِ : «لاحَولَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا باللّه»، تُكفَها وَقَلْ عِندَ كلّ نِعْمَةٍ : «الحَمْدُ للّهِ»، تَزْدَدَ مِنها. وإذا أبْطَاتِ الأرْزاقُ عَلَيْكَ فَاسْتَغْفِرِ اللّه يُوَسَّعَ عَلَيْكَ فِيها.
ياكُمَيْلُ انْجُ بِوِلايَتِنا مِنْ أَنْ يَشْرَكَكَ الشَّيْطَانُ في مالِكَ وَوُلْدِكَ.
يا كميلُ إِنَّهُ مُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَع (3) فَاحْذَر أَن تَكُونَ مِنَ الْمُستودعينَ وإِنَّما يَسْتَحِقُ أنْ يَكُونَ مُسْتَقَرَّاً إِذا لَزِمت الجادةَ الوَاضِحَةَ الّتي لا تُخْرِجُكَ إِلَى عِوَج (4) وَلا تُزيلكَ عَنْ منهج.
يا كميل لارُحْصَةَ في فَرْضِ وَلا شدة في ناقِلَةٍ.
يا كميل إِنَّ ذُنُوبَكَ أَكْثَرُ مِن حَسَنَاتِكَ وَغَفَلَتَكَ أكثر مِن ذِكرِكَ وَ نِعَمَ اللّه عَليك أكثرُ من عملك.
يا كُمَيْلُ إِنَّكَ لَا تَخُلُو مِنْ نَعَمِ اللّه عندَكَ وعَافِيَتِهِ إِيَّاكَ، فَلا تَخْلُ مِن تَحمِيدِهِ وَتَمْجِيدِه وتسبيحه وتقدييه [ وشكره ] وذكره عَلى كلّ حالٍ.
يا كميل لا تَكُونَنَّ مِنَ الّذين قَالَ اللّه (نَسُوا اللّه فَأَنسَيهُمْ أَنفُسَهُمْ)(5)، و نَسبهم إلى الفِسْقِ فَهُمْ فَاسِقُونَ.
يا كميلُ لَيْسَ الشَّأْنُ أنْ تُصَلِيَ وَ تَصُومَ وَ تَتَصَدَّقَ الشَّأْنُ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ بِقَلْبٍ نَقِي وَ عَمَلَ عِنْدَ اللّه مَرْضِيَّ وَخُشُوعٍ سَوِيّ وَ انْظُرْ فِيمَا تُصَلِّي وَعَلَى مَا تُصَلِّي إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ وَجْهِهِ وَحِلهِ فَلا قَبول.
ص: 174
يا كميل اللسانُ يَنزَحُ مِنَ القَلْبِ (1) والقلبُ يَقومُ بِالغِذَاءِ، فَانظُرْ فِيمَا تُخَذِي قَلْبَكَ و جسْمَكَ فَإِن لَم يكن ذلك حَلالاً لم يقبل اللّه تسبيحكَ وَلا شكرك.
يا كميل إفهُمْ وَاعْلَمْ أَنا لا نُرخصُ في تَرْكِ أَداءِ الأَمَانَةِ لِأَحَدٍ مِنَ الخَلْقِ، فَمَنْ روى عَنِّي في ذلِكَ رَحْصَةً فَقَد أَبطَلَ وَأيْمَ وَجَزَاؤُهُ النَّارُ بِمَا كَذَبَ، أَقْسِمُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يقول لي قبل وفاته بساعة مراراً ثلاثاً : يَا أَبَا الْحَسَنِ أد[اء] الأمَانَة إِلَى البَر والفاجر فيما جَلَّ وَقَلَّ حتّى الخَيْطِ وَ المَخيط.
يا كميل لاغَزّ وَإِلَّا مَعَ إمام عادل ولا تَفَلَ إِلَّا مِنْ إِمَامٍ فاضل (2).
يا كميلُ لَولَم يظهر نَبي وكانَ في الأَرْضِ مُؤمِن تَقِيُّ لَكَانَ في دعائه إلَى اللّه مُخْطِئاً أو مُصِيباً، بَلْ واللّه مُخْطِئاً حتّى يَنْصِبَهُ اللّه لِذلِكَ وَيُوَهَلَهُ لَهُ.
ياكميلُ الدِّين للّه فَلا يَقْبَلُ اللّه مِنْ أَحَدٍ القِيامَ بِهِ إِلَّا رَسُولاً أَو نَبياً أووَصِياً. يا كميلُ هِيَ نُبُوَّة و رِسالَة و إمامَةً و لَيْسَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا مُوالِينَ مُتَّبِعِينَ أَوْعَامِهِينَ مبتدعينَ، إنما يَتَقَبَّلُ اللّه مِنَ المُتَّقِينَ (3).
يا كميلُ إِنَّ اللّه كَرِيمٌ حَلِيمٌ عَظِيمٌ رَحِيمٌ دَلَّنا عَلَى أَخْلَاقِهِ و أَمَرَنَا بِالْأَخْذِ بِها و عَلَ النَّاس عَلَيْها، فَقَد أديناها غَيْرَ مُتَخَلَّفِينَ وَأرْسَلْنَاهَا غَيْرَ مُنَافِقِينَ وَصَدَّقْنَا هَا غَيْرَ مُكَذِّبينَ وقَبلْناها غَيْرَ مُرْتَابِينَ.
يا كميلُ لَسْتُ واللّه مُتَمَلَقاً حتّى أَطَاعَ وَلَا ممَنسيا (4) حتّى لَا أَعْصَى وَلَا مَائِلاً لِطَعَامِ الأَعْرابِ حتّى انْحَلَ (5) إِمْرَةَ المُؤْمِنِينَ وأدعى بها.
يا كميلُ إنَّمَا حَفِيَ مَنْ حَظِيَ بِدُنْيا رَائِلَةٍ مُدْبِرَةٍ وَنَحظى بِآخِرَةٍ باقية ثابتة.
يا كميلُ إِنَّ كُلا يصير إلى الآخِرَةِ وَالّذي تَرْغَبُ فِيهِ مِنْهَا رِضَى اللّه وَ الدَّرَجَاتِ العُلى مِنَ الجنّة الّتي يُورثها مَنْ كانَ تَقياً.
ص: 175
يا كميلُ مَنْ لا يَسكُنُ الجنّة فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ وَخِزي مُقِيمٍ.
يا كميل أنا أحد اللّه على توفيقه وعلى كلّ حالٍ ؛ إذا شِئتَ فَقَم.
هذا ما محمّد عَبْدُ اللّه عَلَيَّ أمير المؤمِنِينَ إِلى محمّد بنِ أَبِي بَكرٍ (1) حِينَ وَلَاهُ مِصْرَ أَمَرَهُ بتَقْوَى اللّه وَالطَّاعَةِ لَهُ فِي السِّرِّ وَالعَلانِيَةِ وَخَوْفِ اللّه فِي الغَيْبِ وَالمَشْهَدِ وَ بِالدِّينِ لِلْمُسْلِم وَبِالغِلْظَةِ عَلَى الفاجرِ وَبِالعَدْلِ عَلَى أَهْلِ الدَّمَّةِ وبإنصافِ المَظْلُومِ وَبِالشِّدَّةِ عَلَى الظَّالِم وبالعفو عَنِ النَّاس وَبِالإحْسَانِ مَا اسْتَطَاعَ واللّه يَجْزِي المحيسنينَ وَيُعَذابُ المُجْرِمِينَ.
و أَمَرَهُ أَنْ يَدْعُو مَنْ قِبَلَهُ إِلَى الطَّاعَةِ وَالجَمَاعَةِ، فَإِنَّ لَهُمْ فِي ذلِكَ مِنَ العَافِيَةِ و عظيم المثوبة مالا يقدِرُونَ قَدْرَهُ ولا يعرفونَ كُنهَهُ. وَ أَمَرَهُ أَن يُلَيِّنَ لَهُمْ جَنَاحَهُ وَ أَنْ يُساوي بينهم في مجلسِه وَوَجهِه ويكونَ القَرِيبُ وَالبَعِيدُ عِندَهُ فِي الحقّ سَواءِ. وَأَمَرَهُ أَنْ يحكم بينَ النَّاس بالعَدْلِ وَأَنْ يُقيمَ بِالقِسْطِ وَلايَتَّبِعَ الهَوى وَلَا يَخَافَ فِي اللّه لَوْمَةَ لايم فَإِنَّ اللّه مَعَ مَنِ اتَّقاهُ و أَتَرَ طَاعَتَهُ وأَمْرَهُ عَلَى مَنْ سِواهُ. وَكَتَبَ عُبَيد اللّه بن أبي رافع. (2)
ثمَّ كَتَبَ إِلَى أَهْلِ مِصْرَ بعدَ مَسِيرِهِ مَا اختَصَر نَاه
مِنْ عَبدِ اللّه عَلَي أمير المؤمِنِينَ إِلى عُمدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ وأَهْلِ مِصْرَ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ.
أما بَعْدُ فَقَدْ وَصَلَ إِليَّ كِتابُكَ وَ فَهِمْتُ مَا سَألْتَ عَنْهُ وَ أَعْجَبَنِي اهْتِمَامُكَ بِما
ص: 176
لا بد لك منه ومالا يُصْلِحُ المُسلِمِينَ غَيْرَهُ وظَنَنتُ أنَّ الّذي أَخْرَجَ ذَلِكَ مِنَاكَ نِيَّةٌ صَالِحَةٌ وَ رأى غَيْرُ مَدْخُول (1).
أما بَعْدُ فَعَلَيْكَ بِتَقْوَى اللّه فِي مَقامِكَ ومَقْعَدِكَ وَسِركَ وَعَلَانِيَتِكَ وَإِذَا أَنْتَ قَضَيْتَ بين النَّاس فَاخْفِضْ لَهُمْ جَنَاحَكَ وَلَمِّن لَهُمْ جانِبَكَ وَابْسُطُ لَهُمْ وَجْهَكَ وَ آسِ بَينَهُم فِي اللَّحْظِ (2) وَالنَّظَرِ حتّى لا يطمع العُظَماء في حيفك لَهُم ولا يأيس (3) الضُّعَفَاءُ مِنْ عَذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَأَنْ تَسَأَلَ المُدَّعِيَ البَيِّنَةَ وَعَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اليَمِينُ. وَمَنْ صَالَحَ أَحَاهُ عَلَى صُلْحِ فَأَجِزْ صَلَحَهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ صُلحاً يُحَرِّمُ حَلالاً أو يُحَلِلُ حَراماً. وآئِرِ الفُقَهَاءَ وأَهْلَ الصَّدْقِ وَالوَفَاءِ والحَياءِ وَالوَدَع عَلَى أَهْلِ الفُجُورِ وَ الكِذَّبِ وَ الغَدْرِ. وَلَيَكُنِ الصَّالِحونَ الأبرارُ إِخْوَانَكَ وَ الفاجرونَ الغادِرُونَ أَعْداءَكَ، فَإِنَّ أَحَبُّ إِخْوانِي إِلَيَّ أَكْثَرُهُمْ للّه ذِكْرًا وَ أَشَدُّهُمْ مِنْهُ خوفاً. و أنا أرجو أن تَكون مِنْهم إن شاء اللّه. (4)
وَإني أوصِيكُم بِتَقْوَى اللّه فيما أنتم عَنْهُ مَسْؤُولُونَ وَ عَمَّا أَنتُم إِلَيْهِ صَائِرُونَ، فَإِنَّ اللّه قال في كتابه : (كلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) (5)، وقالَ : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللّه نَفْسَهُ وَإِلَى اللّه المصيرُ)(6)، وقال : (فَوَرَبِّكَ لَنَسَأَلَنَّهُم أجمعين عما كانُوا يَعْمَلُونَ) (7)، فَعَلَيكُم بِتَقْوَى اللّه
ص: 177
فإنَّها تَجْمَعُ مِنَ الخَيْرِ مَالَا يَجْمَعُ غَيْرُها ويُدْرَكُ بِها مِنَ الخَيْرِ مَالَا يُدْرَكُ بِغَيْرِهَا مِنْ خَيْرِ الدُّنيا وَخَيْرِ الآخِرَةِ، قال اللّه : «وقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوا : مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ ؟ قَالُوا : خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنيا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ» (1).
اعْلَمُوا عِباد اللّه أنَّ الْمُتَّقِينَ ذَهَبُوا بِعَاجِلِ الخَيْرِ وَ آجِلِهِ، شارَكُوا أَهْلَ الدُّنيا في دُنْيَاهُمْ ولَمْ يُشارِكَهُمْ أَهْلُ الدُّنيا في آخرتهم، قالَ اللّه عَزَّ وَجَلَّ: «قُلْ : مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّه الّتي أخرج العبادة والطيبات من الرزْقِ.. الآية (2)»، سكنوا الدُّنيا بِأَحْسَنِ ماسكنتْ وَأَكَلُوهَا بِأَحْسَنِ مَا أُكِلَتْ.
وَاعْلَمُوا عِبادَ اللّه أَنَّكُمْ إِذا اتقيتُمُ اللّه (3) وَحَفِظْتُمْ نَبيَّكُمْ فِي أَهْلِهِ فَقَدْ عَبْدَتُمُوهُ بِأَفَضَلِ عِبادَتِهِ و ذَكَرْتُمُوهُ بِأَفضَلِ ماذكرَ وَشَكَرْتُمُوهُ بِأَفضَلِ مَاشُكر وقَدْ أَخَذْتُمْ بِأَفْضَلِ الصَّبْرِ والشكرِ وَاجْتَهَدَتُم بِأَفضَلِ الاجْتِهادِ وَ إِنْ كَانَ غَيْرُكُمْ أطْوَلَ مِنْكُمْ صَلَاةً وَأَكْثَر مِنكُمْ صياماً وصَدَقَةً، إذ كنتُم أنتم أوفى للّه وَ أَنصَحَ لِأَولِياءِ اللّه و مَنْ هُوَ وَلِيُّ الأَمْرِ مِنْ آلِ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).
وَاحْذَرُوا عِباد اللّه الموتَ وَقُرْبَهُ وَ كَرْبَهُ (4) وَ سَكَرَاتِهِ وَأَعِدُّوا لَهُ عُدتَهُ فَإِنَّهُ يأتي بأمر عظيم (5) بِخَيْرٍ لا يَكونُ مَعَهُ شَر وَ بِشَرِّ لَا يَكُونُ مَعَهُ خَيْرٌ أَبَداً. فَمَنْ أقْرَبُ إِلَى الجنّة مِنْ عَامِلَها وَ (6) أَقْرَبُ إِلَى النَّارِ مِنْ أَهْلِهَا، فَأَكْثِرُوا ذِكْرَ المَوتِ عِنْدَ مَا تنازِعُكُمْ إِلَيْهِ أَنفُسُكُمْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ : أَكْثِرُوا ذِكر هاذم اللذَّاتِ (7)». وَاعْلَمُوا أَنَّ مَا بَعْدَ المَوتِ لِمَنْ لَمْ يَغْفِر اللّه لَهُ وَيَرْحَمْهُ أَشَدَّ مِنَ المَوْتِ.
واعلَم يَا محمّدُ أنَّني وَلَّيْتُكَ أعْظَمَ أَجْنَادِي في نَفْسي أهل مصر وأنتَ محقوق (8)
ص: 178
أن تخافَ عَلَى نَفْسِكَ وَ أنْ تَحْذَرَ فِيهِ عَلَى دِينِكَ وَ إِنْ لَمْ تَكُنْ إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ. فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أنْ لا تُسْخِطَ رَبَّكَ بِرِضَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ فَافْعَلْ، فَإِنَّ فِي اللّه خَلَفَاً مِنْ غَيْره وَلا في شَيْءٍ خَلَفٌ مِنَ اللّه. أَشْدَدْ عَلَى الظَّالِم وَخُذْ عَلَى يَدَيْهِ (1). وَلِن لِأَهْلِ الخير وقربهم مِنْكَ وَاجْعَلَهُمْ بِطَانَتَكَ وَإِخْوانَكَ.
ثُمَّ انظُرْ صَلَاتَكَ كَيْفَ هِيَ، فَإِنَّكَ إمام. وَ لَيْسَ مِنْ إِمَامٍ يُصَلِّي بِقَوْمٍ فَيَكُونَ في صَلاتِهِمْ تقصير إلا كانَ عَلَيْهِ أَوْزَارَهُمْ وَلا يُنتَقَصَ مِنْ صَلاتِهِمْ شَيْءٌ وَ لا يُتَمِّمُها إِلَّا كانَ لَهُ مِثْلُ أُجُورِهِمْ وَلَا يُنتَقصُ مِنْ أجُورِهِمْ شَيْءٍ وانْظُرِ الوُضُوءَ، فَإِنَّهُ تَمَامُ الصَّلَاةِ ولا صلاة لمن لا وضُوءَ لَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ كلّ شَيْءٍ مِنْ عَمَلِكَ تَابِعُ لِصَلَاتِكَ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ مَنْ ضَيْعَ الصَّلاةَ، فَإِنَّهُ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ مِنْ شَرايعِ الإِسْلَامِ أَضَيعُ.
و إنِ اسْتَطَعْتُمْ يا أَهْلَ مِصْرَ أَنْ يُصَدِّقَ قَوْلَكُمْ فِعْلُكُمْ وَسِرُّ كُمْ عَلَانِيَتَكُمْ وَلَا تُخَالِفَ أَلْسِنَتَكُمْ أفْعَالُكُمْ فَافْعَلُوا. وَ قالَ رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «إِنِّي لا أخافُ عَلَى أُمَّتِي مُؤْمِناً ولا مشركاً أَما المُؤْمِنُ فَيَمنعهُ اللّه بايمانِه وَأَمَّا المُشْرِكُ فَيَخْزِيهِ اللّه وَيَقمَعَهُ بِشِرْكِهِ وَلكِنِّي أخافُ عَلَيْكُمْ كلّ مُنَافِقٍ حُلُو اللَّسَانِ يَقُولُ مَا تَعرِفُونَ وَ يَفْعَلُ مَا تُنْكِرُونَ»، لَيْسَ بِهِ خَفَاهُ وَ قَدْ قَالَ النَّبِي : «مَنْ سَرتهُ حَسَنَاتُهُ وَ سَاءَتْهُ سَيِّئاتُهُ فَذَلِكَ المُؤْمِنُ حَقاً»، وكان يقول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «خَصْلَتَانِ لا يجتمعان في مُنافِق : حُسْنُ سَمْتِ (2) وَفِقَهُ فِي سُنَةٍ».
وَاعْلَمْ يا محمَّد بن أبي بَكْرٍ أَنَّ أَفَضَلَ الفِقْهِ الوَرَعُ فِي دِينِ اللّه وَ العَمَلُ بِطَاعَةِ اللّه أَعاننَا اللّه وَ إيّاك عَلَى شُكْرِهِ وَذِكْرِهِ وأداءِ حَقَّهِ وَ العَمَلِ بِطَاعَتِهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ. واعلم أنَّ الدُّنيا دارُ بَلاء وَفَناءِ وَالآخِرَةَ دارُ بَقَاءِ وَجَزاءٍ. فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أن تزيَّنَ ما يبقى على ما يفنى فَافْعَلْ رَزَقْنَا اللّه بَصَرَ ما بَصَرنا وَفَهمَ ما فَهَّمَنَا حتّى لا نقصر عما أمرنا وَلا نَتَعَدَّى إلى مانَهانَا عَنْهُ، فإنّه لا بدَّلك مِنْ نَصيبكَ مِنَ الدُّنيا و أنت إلى نَصيبك
ص: 179
مِنَ الآخِرَةِ أَخْوَجُ. فَإِنْ عَرَضَ لَكَ أَمْرَانِ أَحَدُهُما لِلآخِرَةِ وَالآخَرُ لِلدُّنيا فَابْدَأ بأمر الآخِرَةِ. وإنِ اسْتَطَعْتَ أن تعظم رَغْبَتُكَ في الخَيرِ وتَحْسُنَ فِيهِ نِيَّتُكَ فَافْعَلْ، فَإِنَّ اللّه يعطي العبد عَلى قَدرِ نِيَّتِهِ إِذا أَحَبُّ الخَيرَ وَ أهْلَهُ وَ إِنْ لَمْ يَفْعَلَهُ كَانَ إِنْ شَاءَ اللّه كَمَنْ فَعَلَهُ. (1)
ثم إنِّي أُوصِيكَ بِتَقَوَى اللّه، ثمَّ بِسَبْعِ خِصَالٍ مِّنْ جَوامِعُ الإِسْلَامِ : تَخْشَى اللّه وَلَا تَخشَى النَّاس في اللّه فَإِنَّ خَيْرَ القَوْلِ ما صَدَّقَهُ الفَعلُ. ولا تَقْضِ في أمرٍ واحدٍ بقضائَيْنِ فَيَخْتَلِفَ عَليكَ أمْرُكَ وَ تَزِلُّ عن الحَقِّ. وأحْبِبْ لِعَامَّةِ رَعِيَّتِكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ وَ أَهْلِ بَيْتِكَ وَاكْرَهُ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ وَأَهْلِ بَيْتِكَ وَالْزِمِ الحجّة عِندَ اللّه وَأَصْلِحُ رَعِيَّتك (2) وَخُضِ الغَمَراتِ إِلَى الحقّ ولا تَخَفْ في اللّه لَوْمَةَ لائِم وَ أقِمْ وَجْهَكَ، وَ انْصَحْ لِلْمَرْء المسلم إذَا اسْتَشارَكَ وَاجْعَلْ نَفْسَكَ أسْوَةً لِقَرِيب المُسْلِمِينَ وَبَعِيدِهِمْ. «وَأَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ المُنكَرِ. واصْبَرَ عَلى ما أَصَابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ». والسَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللّه وبركاته.
إنِّي أحذِّرُكُمُ الدُّنيا فَإنَّها حَلَوَة خَضِرَة حُفَّتْ بالشَّهَوَاتِ وَتَحَبَّبَتْ بالعَاجِلَةِ وعُمِرَتْ بالآمال (3) وتَزَيَّنَتْ بِالغُرورِ، لا تَدَوُمُ حَبْرَتُها (4) ولا تُؤْمَنْ فَجَعَتُها غَرَّارَةٌ، ضَرَّارَةً، زائلةٌ، نافدة أكَالَةُ، غَوالَةُ نافدة : فانية. أكالة : كثير الاكل. وفي النهج [ حائلة زائلة، نافدة، بائدة ] وغوالة أي مهلكة ، لا تعدو - إذا هي شاهت إلى أمَنيَّةِ أهْلِ الرغبة فيها و الرضابها - أن تكونَ كَما قالَ اللّه سُبْحَانَهُ : «كَماءِ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تذَرُوهُ الرّياحُ وكانَ اللّه عَلَى كلّ شَيء مُقْتَدِراً» (5). مَعَ أَنَّ امْرَءا لَمْ يَكُنْ مِنْها
ص: 180
في حَبْرَةٍ إِلَّا أَعْقَبَتْهُ عَبْرَةً (1) وَلَمْ يَلْقَ مِنْ سَرَّامِها بَطَنَا إِلَّا مَنَحَتْهُ مِنْ ضَرَّائِهَا ظَهْراً (2) وَلَمْ تَطُلَهُ فِيهَا دِيمَةُ رَخاءٍ (3) إلا هَتَفَتْ عَلَيْهِ مُزْنَةٌ بَلاءِ. إذا هي أصْبَحَتْ مُنْتَصِرَةً أَنْ تُمْسِيَ لَهُ منكِرَةً (4). و إنْ جَانِبُ مِنْهَا اعْدُودَبَ لِامْرِ، وَ احْلَولَى، أَمَرَّ عَلَيْهِ جانِبٌ مِنْهَا فَأَوبى (5) و إِنْ لَبِسَ امْرُؤ مِنْهَا فِي جَنَاحَ أَمْنِ إِلَّا أَصْبَحَ فِي أَخْوَفِ خَوْفٍ غَرَّارَةً، غُرُورٌ مَا فِيهَا، فَانِيَةٌ فانٍ مَنْ عَلَيها. لاخير في شَيْءٍ مِن زادِها إلَّا التَّقْوى مَنْ أَقَلَّ مِنْهَا اسْتَكْثَرَ بِمَا يُؤْمِنُهُ وَ مَنِ اسْتَكْثَرَ مِنْها لَمْ يَدَمَ لَهُ و زالَ عما قليلٍ عَنه. كُمْ مِنْ وَائِقِ بِها قد فَجَعَتَهُ وذِي طمأنينة. إليها قَدْصَرَعَتهُ. وَذِي حَذَرٍ قَد خَدَعَتْهُ. وكُم ذِي أَبْهَةٍ فِيها قَدَصَيَّرَتَهُ حَقيراً. وَذِي نَحْوَةٍ قَدَرَدتَهُ جَائِعاً فقيراً. وَكَمْ ذي تاجِ قَدْ أكَبَتْهُ لِليَدَينِ وَالفَمِ. سُلْطَانُها ذلّ (6) وَعَيْشُها رَنِقٌ، وَ عَذبُها أجاجُ. وَحُلُوهَا صَيرُ (7). حَيُّها بِعَرْض مَوْتِ. وصَحِيحها بِعَرضِ سُقم. ومَنيعُها بِعَرْضِ اهتضامِ (8). ومُلكها مَسْلُوبٌ وعَزِيرُها مَغْلُوبٌ وَأَمْنُها (9). منكون (10) وجارُها مَحْرُوب وَمِنْ وَرَاءِ ذلِكَ سَكَراتُ المَوْتِ و زَفَرَاتُهُ وَ هَوْلُ وَلُ الْمُطَّلَعِ
ص: 181
والوقوف بَيْنَ يَدَيِ الحَاكِمِ العَدْلِ «لِيَجْزِيَ الّذين أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَ يَجْزِي الّذين أَحْسَنُوا بالحسنى»، ألستم في مَسَاكِن مَنْ كان أطول منكم أعماراً وَ أبين آثاراً وَأَعَدَّ مِنكُمْ عديداً وأكثف منكم جنوداً وأَشَدَّ مِنْكُمْ عنوداً (1) تعبدوا للدنيا أي تعبد و آثروها أي إيثار. ثمَّ ظَعَنُوا عَنها بالصَّغَارِ (2) أَفَهَذِهِ تُؤْثِرُونَ ؟ أم على هذه تَحْرِصُونَ ؟ أم إليها تَطْمِنونَ ؟ يقول اللّه: «مَنْ كَانَ يُرِيدُ الحَيوةَ الدُّنيا وَزِينَتَهَا نُوفَ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيها وَهُمْ فيها لا يبخسونَ * أُولئِكَ الّذين لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وحَبِطَ مَا صَنَعُوا فيها وباطِل ما كانوا يَعْمَلُونَ (3)» فَبِئْسَتِ الدَّارُ لِمَنْ لَمْ يَتَهَيّبها (4) ولم يَكُنْ فِيها عَلَى وَجَلٍ وَاعْلَمُوا - وأنتم تعلمون - أنكم تاركوها لابد و إنما هِيَ كَما نَعَتَ اللّه : «لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وزِينَةٌ وَ تَفاخُر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد» (5) فَاتَّعِظُوا فِيهَا بِالّذين كَانُوا يَبْنُونَ بكلّ ريع آيةً يَعْبَثُونَ ويَتَّخِذونَ مَصَانِعَ لَعَلَّهُمْ يَخْلُدُونَ (6) و بِالّذين قَالُوا: «مَنْ أَشَدُّ مِنّا قُوَّة» (7) وَاتَّعِظُوُا بِمَنْ رَأَيْتُمُ مِنْ إِخْوانِكُمْ كَيْفَ حُمِلُوا إلى قُبُورِهم ولا يُدْعَونَ رُكباناً وانزلو او لا يدعونَ ضِيفانا (8). وجُعِلَ لَهُمْ مِنَ الضَّريح أكنان (9) وَمِنَ التراب أكفان و من الرفاتِ حيران (10). فَهُمْ جِيرَة (11) لا يجيبون داعِياً ولا يَمْنَعُونَ ضَيْماً. لا يزورون مِنَ
ص: 182
ولا يزارُونَ. حُلَماهُ قَدْبارَتْ أضْغَانُهُمْ (1) جهَلاَهُ قَد ذَهَبَتْ أَحْقَادُهُم. لا تُخْشَى فَجَعَتُهُم ولا يرجى دفعهم. وهُم كَمَنْ لم يكن و كما قال اللّه سُبْحَانَهُ : (فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُم لَم تَسكَنَ مِنْ بعدهم إلا قليلاً وكنا نَحْنُ الوَارِثِينَ)، (2). اسْتَبْدَلُوا بِظَهْرِ الْأَرْضِ بَطَنَا وَ بِالسَّعَةِ ضِيقاً بالأهلِ غُرْبَةً وَ بِالنُّورِ ظُلْمَةٌ، جاؤوها كَما فَارَقُوها، حُفاةً عُراة. قَدْ طَعَنُوا مِنها بأعمالهم إلى الحَياةِ الدَّائِمَةِ وَ إِلى خُلُودِ أبدٍ يَقُولُ اللّه تَبَارَكَ وتَعَالَى: «كما بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلق نُعِيدُه، وَعْداً عَلَيْنَا إنّا كُنّا فَاعِلِينَ» (3).
خُطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) عند ما أَنكَرَ عليه قوم تَسويتَه بَيْنَ النَّاس في الفَيء (4)
أمَّا بَعْدُ أيُّها النَّاس فَإِنا نَحْمَدُ رَبنا وإلاهنا ووَليَّ النِّعْمَةِ عَلَيْنَا، ظَاهِرَةٌ وباطِنَةً بغيرِ حَوْلٍ مِنَا وَلَا قُوَّةٍ إِلَّا امْتِناناً عَلَينا وفَضْلاً لِيَبْلُونَا أَنَشْكُرُ أَمْ نَكْفُرُ فَمَنْ شَكَرْزادَه ومَن كَفَرَ عَذَّبه. وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللّه وَحْدَهُ لا شَريكَ لَه أَحَداً صَمَداً. وأَشْهَدُ أَنَّ عمداً عبدهُ وَرَسُولُهُ بَعَثَهُ رَحمَةٌ لِلعِباد والبلاد والبهائم والأنْعامِ، نِعْمَةً أَنْعَمَ بِها ومَنْاً وفضلاً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).
فأفضَلُ النَّاس - أيُّها النَّاس - عِندَ اللّه مَنْزِلَةً وأَعْظَمُهُمْ عِندَ اللّه خَطَراً أَطْوَعُهُمْ لِأمْرِ اللّه وأَعْمَلُهُمْ بِطَاعَةِ اللّه وَأَتْبَعُهُمْ لِسُنَّةِ رَسولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وأَحْيَاهُمْ لِكِتابِ اللّه فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللّه عِنْدَنَا فَضْلُ إِلَّا بِطَاعَةِ اللّه وطاعَةِ رَسُولِهِ وَ اتِّباع كتابه وَ سُنَّة نبيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) هذا كتاب اللّه بين أظهرنا وعَهْدُ نبي اللّه وسيرته فينا، لا يجهلها إلا جاهل مُخالِفٌ مُعانِدٌ عَن اللّه عَزَّوَجَلَّ يَقولُ اللّه : «يا أيُّها النَّاس إِنا خَلَقْنَاكُم مِن ذَكَرٍ وَأُنثى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَ قبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللّه أتقيكُمْ (5)» فَمَنِ اتَّقَى اللّه فَهُوَ الشَّريف المكرم
ص: 183
المحبُّ وَ كَذلِكَ أهلُ طَاعَتِه وطاعَةِ رَسُولِ اللّه يقولُ اللّه في كتابه : (إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّه فَاتَّبعوني يحببكم اللّه ويغفر لكم ذُنُوبَكُمْ واللّه غَفُورٌ رَحِيمُ)(1). وقال : «وَأَطِيعُوا اللّه وَأَطِيعُوا الرَّسول فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّ اللّه لا يُحِبُّ الكَافِرِينَ (2)).
ثمَّ صَاحَ بِأعْلَى صَوْتِهِ يا مَعاشِرَ المهاجرين والأنصار ويا مَعاشِرَ المسلمينَ أَتَمنُّونَ عَلَى اللّه وَعَلَى رَسُولِهِ بِإِسْلامِكم ولِلهِ و ِلرَسُولِهِ المَنَّ عَليكم إن كنتم صادقينَ.
ثمَّ قال ألا إنَّه مَنِ اسْتَقْبَلَ قِبلتنا وأكل ذبيحتنا وشَهِدَ أن لا إله إلا اللّه و أنَّ عمداً عبده ورسوله أجرينا عَلَيْهِ أحكام القُرْآنِ وَ أقسام الإسلامِ، لَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ فَضْلُ إِلَّا بتقوى اللّه وَطاعَتِهِ، جَعَلَنَا اللّه وَ إيّاكم مِنَ المتقين وأَوْلِياتِهِ وَ أَحِبَائِهِ الّذين لَا خَوْفٌ عَلَيْهِم وَلاهُمْ يَحْزَنُونَ.
ثمَّ قَالَ : أَلَا إِنَّ هَذِهِ الدُّنيا الّتي أصبحتم تَتَمَنُّونَها وَتَرَغَبُونَ فِيهَا وَأَصْبَحَت تَعِظُكُم و ترميكم ليست بِدَارِكُمْ وَلا مَنْزِلِكم الّذي خُلِقْتُم لَه ولا الّذي دُعِيتُمْ إِلَيْه. ألا إنها ليست بباقية لكم ولا تبقونَ عَلَيْهَا، فَلا يَغُرّنَّكُمْ عاجلها فَقَد حذُّرتمُوهَا وَوُصِفَتْ لَكُمْ وَجَرَّبتموها، فَأصبحتُم لا تحمدون عاقبتها. فَسا بقوارَ حِمكُمُ اللّه إلى مَنازِلِكُمُ الّتي أُمِرْتُم أن تَعْمُرُوها فهي العَامِرَةُ الّتي لا تَخْرَبُ أبَداً والباقيةُ الّتي لا تَنْفَدُ. رَغَبَكُمُ اللّه فيها وَ دعاكم إليها وَجَعَلَ لَكُمُ الثَّوابَ فيها.
فانظُرُوا يَا مَعَاشِرَ المهاجرين والأنصارِ وَ أهْلِ دِين اللّه ما وُصفتم به في كتاب اللّه و نزلتُم بِهِ عِندَ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وَجَاهَدَتُم عَلَيْهِ فيما فُضِّلْتُمُ بِهِ بِالحَسَبِ وَ النَّسَبِ ؟ أَمْ بِعَمَلٍ وَطاعَةِ، فَاسْتَتِمُّوا نِعَمَهُ عليكم - رَحِمَكُمُ اللّه - بِالصَّبْرِ لا نَفْسِكُمْ وَالمُحافَظَةِ عَلَى مَنِ اسْتَحْفَظَكُمُ اللّه مِنْ كِتابه. ألا وإنه لا يضركمْ تَواضُعُ شَيْءٍ مِنْ دُنْيَاكُمْ بَعْدَ حِفْظِكُمْ وصيّة اللّه وَالتقوى. وَلَا يَنْفَعُكُمْ شَيْءٍ حافظتُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِدُنْيا كُم بَعْدَ تَضييع ما اُمِرْتُم به من التقوى، فعليكم عِباد اللّه بالتسليم لأمره والرضا بقضائِهِ وَالصّبرِ عَلَى بَلائِه.
فأما هذا الفي، فَلَيْسَ لِأحَدٍ فيه عَلَى أَحَدٍ أَثَرَة (3) قَدْ فَرَغَ اللّه عَزَّ وَجَلَّ مِنْ قَسْمِ
ص: 184
فَهُوَ مَالُ اللّه وَأنتُم عِباد اللّه المُسلِمُونَ وَ هَذا كِتَابُ اللّه بِهِ أَقْرَرْنَا وَ عَلَيْهِ شَهِدْنَا وَلَهُ أَسْلَمْنَا وَعَهْدُ نَبِيِّنا بين أظهرنا فَسَلِموا - رَحَكُمُ اللّه - فَمَنْ لَمْ يَرْضَ بِهذا فَلْيَتَوَلَّ كَيْفَ شَاءَ فَإِنَّ العامِلَ بِطَاعَةِ اللّه والحاكم بحُكْمِ اللّه لا وَحْشَةَ عَلَيْهِ «أُولئِكَ الّذين لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُم يَحْزَنُونَ» «أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»، وَنَسْأَلُ اللّه ربَّنا وَ إِلَهَنا أنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنْ أَهْلِ طَاعَتِهِ وَأَنْ يَجْعَلَ رَغْبَتَنَا وَرغَبَتَكُمْ فيما عِنْدَهُ. أقولُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللّه ليَ وَلَكُم.
لما رأت طائِفَةٌ مِنْ أصحابه بصفين ما يفعله معاوية بِمَنِ انقَطَعَ إِلَيْهِ و بَذَلَهُ لَهُمُ الأموال - وَالنَّاسُ أَصْحَابُ دُنيا- قالوا لأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ): أَعْطِ هَذَا المَالَ وَفَضْلِ الأَشْرَافَ ومَنْ تَخَوَّفُ خِلافَهُ وفِراقَهُ حتّى إِذَا اسْتَتَبّ (1) لَكَ مَا تُرِيدُ عُدْتَ إِلَى أَحْسَنِ ما كنتَ عَلَيْهِ مِنَ العَدْلِ فِي الرَّعِيَّةِ وَالقَسم بِالسَّوِيَّةِ (2).
فَقَالَ : أَتَأْمرُوني أن أطلبَ النَّصْرَ بِالجَورِ فِيمَنْ وَلّيتُ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الإِسْلامِ واللّه لا أَطُور به ماسَمَرَ بِهِ سَمِيرٌ (3) وَما أَمَّ نَجم في السَّمَاءِ نَجْماً (4) وَلَوْ كانَ مَالُهُم مَالِي لَسَويْتُ بَيْنَهُمْ فَكَيْفَ وَإِنَّمَا هِيَ أموالهم. ثمَّ أَزَمَ طَوِيلاً سَاكِتا (5)، ثمَّ قَالَ : مَنْ كَانَ لَهُ مال فإياه والفَسَادَ، فَإِنَّ إعْطَاءَكَ المال في غَيْرِ وَجْهِهِ تَبْذِير (6) وَ إِسْراف وهُوَ يَرْفَعُ ذكر صاحبه في النَّاس وَيَضَعُهُ عِنْدَ اللّه (7). وَلَمْ يَضَعِ امْرُوْ مَالَهُ فِي غَيْرِ حَقَّهُ وَعِندَ غَيْرِ أهله
ص: 185
إلا حَرَمَهُ شكر هم و كانَ خَيْرُهُ لِغَيْرِهِ. فَإِنْ بَقِيَ مَعَهُ مِنْهُمْ مَنْ يُرِيهِ الوُدُ وَيُظْهِرُ لَهُ الشكر فإنما هُوَ مَلِقٌ وكِذَبُ (1) وَ إِنَّما يَقَرُبُ لِيَنَالَ مِنْ صَاحِبِهِ مِثْلَ الّذي كَانَ يَأْتِي إِلَيْهِ قَبْلُ. فَإِنْ زَلَّتْ بِصَاحِبِهِ النَّعْلُ وَاحْتاج إلى مَعُونَتِهِ وَ مُكافَاتِهِ فَأَشَرُّ خَلِيلٍ وَالأَمْ خَدِينٍ (2) مقالة جهالٍ مَادامَ عَلَيْهِمْ مُنْعِماً وهُوَ عَنْ ذاتِ اللّه بَخِيلُ فَأَيُّ حَظٍّ أَبْوَرُ وَأَخَس مِنْ هَذَا الحَظَّ ؟!. وَ أَيُّ مَعْرُوفٍ أَضْبَعُ وَأَقَلُّ عَائِدَةً مِنْ هَذَا المَعروفِ ؟!. فَمَنْ أَتَاهُ مال فَلْيَصل بِهِ القَرابَةَ وَلْيُحْسِنُ بِهِ الضيافة وَلْيَفُكَّ بِهِ العَانِي (3) وَالأَسِيرَ وَلْيُعِن بِهِ اغفَارِمِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ وَالفُقَراءَ وَالمُهَاجِرِينَ وَ ليُصبر نَفْسَهُ عَلَى الثَّوابِ والحُقُوقِ فَإِنَّهُ يَحُوزُ بهذه الخصال شرفاً في الدُّنيا وَ دَرَكَ فَضائلِ الآخِرَةِ (4).
قال جابر بن عبد اللّه الأنصارِيُّ : كُنَّا مَعَ أمير المُؤْمِنِينَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بِالبَصَرَةِ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِتالِ مَنْ قاتَلَهُ أشْرَفَ عَلَيْنَا مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ (5) فقالَ : مَا أَنتُمْ فِيهِ ؟ فَقُلْنَا : في دَمَ الدُّنيا.
فقال : عَلى مَ تَدُمُّ الدُّنيا - ياجابر - ؟! (6)
ص: 186
ثُمَّ حَمِدَ اللّه وَ أَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ : أَمَا بَعْدُ فَما بال أقوامٍ يَذُمُّونَ الدُّنيا ؟ اِنْتَحَلُوا الزُّهد فيها. الدُّنيا مَنْزِلُ صِدْقٍ لِمَنْ صَدَقَهَا و مَسْكُنُ عَافِيَةٍ لَمَن فَهِمَ عَنْها و دار غنى لَمِنَ تَزَوَّدَ مِنها مَسْجِدُ أنبياء اللّه و مهبط وحيه و مُصلى ملايكتِه ومَسْكَنُ أَحبَائِه ومَتجَرُ أوليائه، اكْتَسَبَبُوا فِيهَا الرَّحْمَةَ وَرَبِحُوا مِنْهَا الجنّة، فَمَنْ دَايَدُمُ الدُّنيا يا جابِرُ، وَ قد آذنت ببينها (1) و نادَتْ بِانْقِطَاعِها ونَعَتْ نفسها بالزوالِ وَ مَثْلَتْ بِبَلائِها البَلاءَ وَشَوَّقَتْ بِسُرُورِها إلى السُّرُورِ وَراحَتْ بِفَجِيعَةٍ وَ ابْتَكَرَتْ بِنِعْمَةٍ وَعافِيَةٍ ترهيباً وَتَرغِيباً، يَذْمُّها قَوْمُ عِندَ النَّدَامَةِ. خَدَمَتَهُم جَمِيعاً فَصَدّقتهم (2) وَذَكَرَتْهُم فَذَكَرُوا وَ وَعَظَتهُم فَاتَّعَظَوا وَخَوَّفَتهُمْ فَخَافُوا وَشوقتهم فاشتاقُوا فَأَيُّهَا الذام لِلدُّنيا المغترُّ بِغُرُورِها مَتَى اسْتَدَمَتْ إلَيْكَ بَل مَتى غَرَتكَ بنفسها، بمضارع آبائِكَ مِنَ البلى : (3) أمْ بِمَضاجِعِ أُمَّهَاتِكَ مِنَ الشَّرى ؟. كَمْ مَرَّضَتَ بِيَدَيْكَ وَ عَلَلْتَ بِكَفِّيكَ (4)، تَسْتَوْصِفُ لَهُمُ الدَّواءَ. وَتَطْلُبُ لَهُمُ الأطباء، لَمْ تُدْرِكُ فِيهِ طِلْبَتكَ وَلَمْ تُسْعَفْ فِيهِ بِحاجَتِكَ (5)، بَلْ مَثَلَتِ الدُّنيا بِهِ نَفْسَكَ وبحاله حالك غداة لا ينفعك أحِباؤُكَ وَلا يعني عَنْكَ نِدَاؤُكَ، حِينَ يَشْتَدَّ مِنَ الموت أعالِينُ المَرَضِ وَ أَلِيمُ لَوْعَاتِ المَضَضِ، حينَ لا يَنفَعُ الأَليل (6) وَلَا يَدْفَعُ العَوِيلُ،
ص: 187
يحفَزُ بِهَا الحَيزوم (1) وَ يَغْصُّ بِهَا الحُلْقُومُ، لا يُسْمِعُهُ النداء وَلَا يَرُوعُهُ الدُّعَاء فَيا طُولَ الحُزْنِ عِنْدَ انْقِطَاعِ الأَجَلِ. ثمَّ يَرَاحُ بِهِ عَلَى شَرْجَعَ ثمَّ يراحُ بِهِ عَلَى شَرْجَع (2) نَقَلَه أكفّ أربع، فَيَضْجَعُ في قبره في لَبَثٍ وضِيقِ جَدَثٍ فَذَهَبَتِ الجِدَةُ (3) وَ انْقَطَعَتِ الْمُدَّةً وَرَفَضَتْهُ العُطَفَة وَقَطَعَتْهُ اللّطَفَة لا تُقارِبُهُ الأَخِلَاء، وَلَا يَلِمَ بِهِ الزَّوار (4) وَلَا اتَّسَقَتْ بِهِ الدَّارُ انْقَطَعَ دُونَهُ الأَثَرُ وَاسْتَعْجِمَ دُونَهُ الخَبَرُ (5). وَبَكَرَتْ وَرَثَتُهُ، فَاقْسمت تركته و لحقه الحُوبُ وَأحاطت به الذُّنوبُ فَإِنْ يَكُنْ قَدَّمَ خَيْراً طابَ مَكْسَبُهُ. وَإِنْ يَكُن قَدَّمَ شَراً تَبَّ مُنْقَلَبُهُ وَكَيْفَ يَنفَعُ نَفْساً قَرارُها وَالمَوْتُ قَصَارُها (6) وَالقَبْرُ مَزَارُها، فَكَفَى بِهذا واعِظاً.
كفى يا جابر اعض مَعِي فَمَضَيتُ مَعَهُ حتّى أتينا القبور، فقال : يا أهل التُّربة و يا أَهْلَ الغُرْبَةِ أمَّا المَنازِلُ فَقَدْ سُكِنَتْ. وأما المواريث فَقَدْ قسمت وَ أمَّا الأَزْواجُ فَقَدْ نَكِحَتْ. هذا خَبَرُ مَا عِندَنَا، فَمَا خَبَرُ مَا عِنْدَ كم، ثمَّ أَمْسَكَ عَنِّي مَلِيا. ثمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ : وَ الّذي أقل السَّماءَ فَعَلَتْ (7) وَسَطحَ الأَرْضَ فَدَ حَت لَو أَذِنَ لِلْقَومِ في الكَلامِ، لَقَالُوا : إنا وَجَدْنَا خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى. ثمَّ قَالَ : يا جابر إذاشِتَ فَارْجِعْ.
أتاهُ رَجُل فَقالَ لَهُ : إِنَّ أناساً يَزْعُمُونَ أَنَّ العَبْدَ لَا يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ. وَلَا يَشْرَبُ الخَمْرَ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَأْكُلُ الرِّبَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ. وَلا يَسْفِكُ دَما حَرَامًا وَهُوَ مُؤْمِنٌ.
ص: 188
فَقَد كَبُرَ هذا عَلَيَّ وَ حَرِجَ مِنْهُ صَدْرِي حتّى أَزْعَمُ أَنَّ هَذَا العَبْدَ الّذي يُصَلِّي وَيُوَارِينِي وَ أُوارِيهِ (1) اُخْرِجُهُ مِنَ الإِيمَانِ مِنْ أَجْلِ ذَنْبٍ يَسِيرٍ أَصَابَهُ، فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): صَدَ قَكَ أَخُوكَ إنِّي سَمِعْتُ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يقولُ : خَلَقَ اللّه الخلق عَلَى ثَلَاثِ طَبَقَاتٍ فَأَنْزَلَهُمْ ثَلَاثَ مَنَازِلَ، فَذلِكَ قَولُه : «فَأَصْحَابُ المَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الميمنة وأصْحابُ المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون السابقون أولئك المقربون». (2)
فَأَما ما ذَكَرَهُ اللّه جَلَّ وَعَزَّ مِنَ السَّابِقِينَ السَّابِقِينَ، فَإِنَّهُمْ أنْبِياءُ مُرْسَلُونَ وَغَيْرُ مُرسَلينَ جَعَلَ اللّه فِيهِمْ خَمْسَةَ أَزْواح : رُوحَ القُدُسِ ورُوحَ الإِيمَانِ وَرُوحَ القُوَّةَ وَرُوحَ الشهوةِ وَرُوحَ البَدَنِ، فَبِرُوحِ القُدُسِ بُعِثوا أنبياءَ مُرْسَلِينَ وَ بِرُوحِ الإِيمَانِ عَبَدَوا اللّه وَلَمْ يُشْرِكوا بِهِ شَيْئاً وَ بِرُوحِ القُوَّةِ جَاهَدُوا عَدُوهُم وعالجوا مَعَائِشَهِم وَبِرُوح الشهوة أصابوا لَذِيدَ المَطْعَمِ والمَشْرَبِ ونَكَحُوا الحَلالَ مِنَ النِّسَاءِ (3) وَبِرُوحِ البَدَنِ دَبَّوا وَ درجوا، فَهَؤُلاءِ مَغْفُورٌ لَهُمْ مَصْفُوحٍ عَنْ ذَنْبِهِمْ (4). ثمَّ قال: «تِلكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعَضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُم مَن كَلَّمَ اللّه وَ رَفَعَ بَعْضَهُم دَرَجاتٍ وَ آتِينَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَ أَيَّدْنَاهُ بروح القدس (5)». ثمَّ قَالَ فِي جَماعتِهم : وَأَيَّدَهُم بِرُوحِ مِنْهُ (6)»، يَقُولُ : أكرمَهُم بِها و فضلَهُمْ عَلَى سِواهم (7) فَهَوْلاً، مَغْفُور لَهُم.
ص: 189
ثُمَّ ذَكَرَ أَصْحَابَ الْمَيْمَنَةِ وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً بِأَعْيانِهِمْ فَجَعَلَ فِيهِمْ أَرْبَعَةَ أَزْواجِ : رُوحَ الإيمانِ وَرُوحَ القُوَّةِ وَ رُوحَ الشَّهْوَةِ وَ رُوحَ البَدَنِ، فَلا يَزالُ العَبْدُ مُسْتَكْمِلا هذِهِ الأرْواحَ الأربعة حتّى تأتي عَلَيْهِ حالات، فَقَالَ : وَما هذه الحالات، فَقَالَ عَلَى (عَلَيهِ السَّلَامُ): أما أو لَهُنَّ فما قالَ اللّه: «وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعدِ عِلْمٍ شَيْئًا (1)» فَهذا تَنقُصُ مِنْهُ جَميعُ الأرواح وَلَيْسَ بِالّذي يُخْرِجُ مِنَ الإيمان (2)، لأنَّ اللّه الفاعِلُ بِه ذلِكَ وَراده إلى أَرْذَلِ العُمُرِ (3)، فَهُوَ لا يَعْرِفُ لِلصَّلاةِ وَقتاً ولا يَسْتَطِيعُ التَّهَجدَ بِاللَّيلِ ولا الصيام بالنهارِ، فَهذا نقصانُ مِنْ رُوحِ الإِيمَانِ وَلَيْسَ بِضَارٌ، شَيْئاً إِن شاءَ اللّه (4). وتنقصُ مِنهُ روحُ الشَّهوةِ فَلَوْمَرَتْ بِهِ أَصْبَحَ بَنَاتِ آدَمَ ما حَنَّ إِليها (5) وتبقى فيه روح البَدَنِ فَهُوَ يَدُبُّ بها وَيَدْرُجُ حتّى يَأْتِيهِ المَوتُ فَهذا بحالِ خَيْرٍ، اللّه الفَاعِلُ بِهِ ذَلِكَ وَقَدْ تأتي عليه حالات في قُوَّته وشَبابِه يَهُم بِالخطيئَةِ فَتُشَجَعُهُ رُوحُ القُوَّةِ وَتُزَيِّنُ لَهُ رُوحُ الشهوه وَتَقودُهُ رُوحُ البَدَنِ حتّى تُوقِعَهُ في الخَطِيئَةِ، فَإذا لامَسَها تَفَصَى مِنَ الإيمانِ (6) و تفصى الإيمانُ مِنه، فليس بعائد أبداً أو يتوب (7)، فَإِنْ تابَ وعَرَفَ الوِلاية تاب اللّه عَلَيْهِ وَإِن عادَ فَهُوَ تَارِكٌ لِلْوِلايَةِ أدْخَلَهُ اللّه نارَجَهنم.
وأما أصحاب المشأمَةِ فَهُمُ اليَهُودُ وَالنَّصارى يَقُولُ اللّه سُبْحانَه : «الّذين آتَيْنَاهُمُ الكِتابَ يَعْرِفُونَهُ (يعني محمداً وَ الوِلاية في التّورية و الانجيل (كَما يَعْرِفُونَ أَبْنَائَهُمْ في مَنازِلِهِمْ) وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الحقّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ الحقّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ» (8)، فَلَمَّا جَحَدُوا مَا عَرَفُوا ابْتَلاهُمُ اللّه بِذلِكَ فَسَلَبَهُم روح الإيمانِ وَأَسْكَنَ أَبْدَانَهُمْ
ص: 190
ثلاثة أرواح : رُوحَ القُوَّةِ وَرُوحَ الشَّهْوَةِ وَرُوحَ البَدَنِ. ثمَّ أَضَافَهُمْ إِلَى الأَنْعَامِ فَقَالَ : إِنْ هُمْ إلا كالأنعام، (1) لأنَّ الدَّابَّةَ تَحْمِلُ بِرُوحِ القُوَّةِ وَتَعْتَلِفُ بِرُوحِ الشَّهْوَةِ وَتَسِيرُ بِرُوحِ البَدَنِ. قَالَ لَهُ السَّائِلُ : أَحْيَيْتَ قَلْبي (2).
وصيّته (عَلَيهِ السَّلَامُ) لِزِيادِ بنِ النَّضْرِ (3) حين أنْفَذَهُ على مقدّمته الى صفين
اتَّقِ اللّه فِي كلّ مُمْسَى وَمُصْبَح (4) وَخَفْ عَلَى نَفْسِكَ الغُرور ولا تأمنها على حالٍ من البَلاء وَاعْلَمْ أَنَّكَ إِنْ لَمْ تَزَعَ نَفْسَكَ (5) عَنْ كَثِيرٍ ممَّا تُحِبُّ مَخافَةَ مَكْرُوهِهِ، سَمَتْ بك الأهواء(6) إلى كَثِير مِنَ الضُّرَّ حتّى تَظْعَنَ فَكُنْ لِنَفْسِكَ مَانِعاً وازعاً (7) عن الظلم والغَيِّ وَالبَغْيِ وَ العُدْوانِ. قَدْ وَلَّيْتُكَ هَذَا الجُندَ، فَلا تَسْتَذِلَنَّهُمْ وَلا تَسْتَطِلْ عَلَيْهِمْ (8)، فَإِنَّ خيركم أتقاكُمْ تَعلَّمْ مِنْ عَالِمِهِم وَعَلمَ جَاهِلَهِمَ وَاحْلُمَ عَنْ سَفِيهِمْ، فَإِنَّكَ إِنَّمَا تَدْرِكُ الخير بِالعِلْمِ وَكَف الأذى وَالجَهْلِ. - ثمَّ أَرْدَفَهُ بِكِتَابِ يُوصِيهِ فِيهِ وَ يُحْذَرُهُ - :
إعْلَمْ أَنَّ مُقَدِّمَةَ القَوْمِ عُيُونُهُمْ وَ عُيُونَ المقدَّمَةِ طَلَائِعُهُمْ. فَإِذَا أَنْتَ خَرَجْتَ مِنْ بلادِكَ وَدَنَوْتَ مِنْ عَدُوكَ فَلَا تَسْأَم مِنْ تَوْجِيهِ الطَّلائع في كلّ نَاحِيةٍ وَفِي بَعْضِ الشَّعَابِ
ص: 191
وَالشَّجَرِ والخَمرِ (1) وَ في كلّ جانبِ حتّى لا يغيِّركُم عَدُوُّكُم وَ يَكُونَ لَكُم كَمِينٌ. وَلَا تُسَيرِ الكتائِبَ وَ القَبائِلَ (2) مِنْ لَدُنِ الصَّباح إلى المَسَاءِ إِلَّا تَعَبيَة (3)، فَإِن دَهَمَكُم أمْرُ أو غَشِيَكُم مَكْرُوهُ كُنتُمْ قَد تَقَدَّمتم في التعبيةِ. وَإِذا نَزَلَتُم بِعَدُو أو نَزَلَ بِكُم فَلْيَكُن معسكركُمْ في أَقْبَالِ الأشراف (4) أو في سفاح الجبال أو أثناء الأنهار كَيْمَا يَكونَ لَكُمْ رِدَءا وَدُونَكُم مَرَدًا (5). ولتكن مقاتلتكم من وجه واحِدٍ وَاثْنَيْنِ. وَاجْعَلُوا رقباءَكُم في صياصِي الجبال (6) وَبِأَعْلَى الأشرافِ وَبِمَناكِب الأَنْهَارِ، يُرِيدُونَ لَكُمْ لِئَلَّا يَأْتِيكُم عَدُو مِن مكانِ مَخافَةٍ أَوْ أَمْنٍ. و إذا نَزَلْتُمْ فَانْزِلُوا جَمِيعاً. وَإِذا رَحَلْتُمْ فَارْحَلُوا جَميعاً. وإذا غَشِيَكم الليل فنزلتُم فَحفُّوا عَسكركم بالرماح و التَّرَسَةِ (7) وَ اجْعَلُوا رُماتكم يلوُونَ ترستكم كيلا تصاب لكم غرَّة (8) ولا تلقى لكم غَفَلَةً. وَاحْرُسٌ عَسْكَرَكَ بِنَفْسِكَ وإياك أن تَرْقَدَ أو تُصبحَ إِلَّا غِرَاراً أو مَضَمَضَةٌ (9). ثمَّ ليَكن ذلكَ شَأنَكَ ودَأ بك حتّى تنتهي إلى عَدُوِّكَ. وَعَلَيْكَ بِالّتأنّي في حَرْبِكَ وَإياك والعَجَلَةَ إِلَّا أَنْ تُمْكِنَكَ فُرْصَةُ (10) وإياكَ أنْ تُقَاتِلَ إِلَّا أَن يَبْدَأُوكَ أو يَأْتِيَكَ أَمْرِي والسّلامُ عَلَيْكَ وَرَحمة اللّه.
ص: 192
قال له سليم بن قيس (1) : إِنِّي سَمِعتُ سلمانَ وَأباذر والمقدادَ يَتَحَدَّثُونَ بِأَسْيَاءَ مِنْ القُرآنِ وَ الأحاديث والرواياتِ عَنْ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ثمَّ سَمِعْتُ مِنْكَ تصديق ذلك ورأيتُ في أيدِي النَّاس أشياء كثيرة من تفسير القرآن و الأحاديث والرواياتِ عَنْ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يُخالِفُونَها فَيَكذِبُ النَّاس مُتَعمَدينَ وَيُفَسِّرُونَ القُرآن بآرائهم ؟ فقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ): قد سألت فاقهم الجواب، إن في أيدي النَّاس حقاً و باطِلاً وَصِدقاً وَكَذِباً وناسِخاً ومَنْسُوخاً وعاماً وخاصاً ومُحْكماً ومُتَشَابِها و حِفْظاً و وَهما وَقَدْ كُذِبَ عَلَى رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): في حَياتِهِ كَذِباً كَثِيراً حتّى قَامَ خَطِيباً فَقَالَ : «أَيُّهَا النَّاس قَدْ كَثرَ عَلَى الكَذَابَهُ (2)، فَمَنْ كَذَبَ عَلَى مُتعمدا فليتبوء، مقعدهُ مِنَ النَّارِ»، وَكَذلِكَ كُذِبَ عَلَيْهِ بَعدَهُ.
إنما أتاك بِالحَدِيثِ أَرْبَعَةُ لَيْسَ لَهُمْ حَامِسٌ :
رجل منافق يُظهر الإيمان متصنع بالإسلام لا يتاثم ولا يتحرج (3) أَنْ يَكْذِب
ص: 193
على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) متعمداً و لَوْ عَلِمَ النَّاس أنَّه مُنَافِقٌ كَذَّابِ لَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ وَ لَمْ يصدقوه ولكنهم قالوا : قد صَحِبَ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) رَآهُ وَسَمِعَ مِنْهُ، فَأَخَذُوا مِنْهُ وَهُمْ لا يَعْرِفُونَ حاله. وقد أخبر اللّه جل وعَزَّ عَن المُنافِقِينَ بِمَا أخبر (1) ووصفهم بأحسن الهيئة فقال : «إذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ (2)، ثمَّ تَفَرَّقُوا مِنْ بَعْدِه وَبَقُوا وَاخْتَلَفُوا تَقَرَّبُوا إلى أئمّة الضَّلالَةِ وَالدُّعاة إلى النّارِ بِالزّورِ والكَذِبِ فَوَلُّوهُمُ الأعمال والأحكام والقضاء و حَمَلُوهُمْ عَلى رِقابِ النَّاس وأكلُوا بِهِمُ الدُّنيا (3).
ص: 194
وقد عَلِمْتَ أن النَّاس مَعَ الملوكِ أتباعُ الدُّنيا (1) وَهِيَ عَايَتُهُمْ الّتي يَطلُبُونَ إِلَّا مَنْ عَصَمَ اللّه فَهَذَا أَحَدُ الأربعة.
و الثاني : رَجُلٌ سَمِعَ [مِنْ] رَسُولِ اللّه شَيْئاً وَ وَهِم فِيهِ وَلَمْ يَحفَظَهُ عَلَى وَجْهِهِ وَلَم يتعمَّد كَذِباً، فَهُوَ فِي يَدِهِ يَعْمَلُ بِهِ وَيَقُولُ : أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وَلَوْ عَلِمَ النَّاس أَنَّهُ وَهُمْ لَمْ يَقْتَلُوهُ وَلَوْ عَلِمَ هُوَ أنه وَهَمْ لَرَفَضَهُ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ فَهَذَا الثاني.
وَالثَّالِثُ : رَجُلٌ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أَشْيَاءَ أمَرَهَا بِها ثمَّ نَهى عَنْها وَهُوَ لَمْ يعلم النهي، أو نَهى عَنْ شَيْءٍ ثمَّ أَمَرَ بِهِ وَلَمْ يَعْلَمِ الأمْرَ، حَفِظَ المَنْسُوحَ وَلَمْ يَحْفَظِ النَّاسِحَ، فَلَوْ عَلِمَ النَّاس أَنه مَنسُوخ لَرَفَضَهُ النَّاس وَرَفَضَهُ هُوَ (2) فَهَذا الرَّجُلُ الثَّالِثُ. فَلَوْعَلِمَ .
والرَّابع : رَجُلٌ لَمْ يَكْذِبَ عَلَى اللّه وَعَلَى رَسُولِهِ، يُبْغِضُ الكَذِبَ خَوْفاً مِنَ اللّه تعظيماً لرسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وَلَمْ يَتَوَهُمْ وَلَمْ يَنسَ، بَلْ حَفِظَ مَا سَمِعَ فَجَاءَ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ يزد فِيهِ وَلَمْ يَنقُصُ حَفِظَ النَّاسِحَ وعَمِلَ بِهِ وَ عَلِمَ المَنْسُوحَ وَ رَفَضَهُ. فَإِنَّ أَمْرَ الرَّسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) مثل القرآنِ ناسخ ومَنسُوخ وَمُحْكَمْ ومُتَشَابِه، يَكُونُ مِنْ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) الأمْرُ لَهُ وَجْهَانِ : كَلامٌ عامٌ وَ كَلامُ خاص مثل القُرآنِ وَقَدْ قَالَ اللّه جل و عزَّ :
ص: 195
«ما آتَاكُمُ الرَّسول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهَوا (1)»، فكانَ يَسْمَعُ قُولَهُ مَنْ لَمْ يَعْرِفَهُ وَمَنْ لَم يعلم ما عَنى اللّه بِهِ وَرَسُولُهُ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وَيَحفَظ وَلَم يفهم (2). وَلَيْسَ كلّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كانَ يَسْأَلُهُ عَنِ الشَّيْءِ وَ يَسْتَفهِمُهُ، كَانَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْأَلُ وَلَا يَسْتَفهِم حتّى لَقَدْ كَانُوا يُحِبُّونَ أَن يَجيِي الأَعْرابِيُّ أوِ الطَّارِي (3) أوِ الذَّمِّيَ فَيَسْأَلَ حتّى يَسْمَعُوا وَ يَفهموا.
ولَقَد كُنتُ أَنا أَدْخُلُ كلّ يَوْمٍ دَخَلَة فيخليني مَعَهُ أدورُ فِيها مَعَهُ حَيْثُمَا دَارَ، عَلِمَ ذلِكَ أصْحَابُهُ أَنَّه لَمْ يَصْنَعُ ذَلِكَ بِأحَدٍ غَيْرِي وَ لَرُبَّما أتاني في بَيْنِي وَ إِذا دَخَلْتُ عَلَيْهِ مَنازِلَهُ أَخْلانِي وَ أقامَ نِساءَهُ فَلا يَبْقَى أَحَدٌ عِنْدَهُ غَيْرِي، كُنْتُ إِذا سَأَلْتُ أَجَابَنِي وَ إِذا سكت وَفَنيَتْ مَسَائِلِي إِبْتَدَأَنِي ومَا نَزَلَتْ عَلَيْهِ آيَةٌ فِي لَيْلٍ وَلَا نَهَارٍ وَلَا سَمَاءِ ولا أَرْضِ وَلادُنيا وَآخِرَةٍ ولا جَنَّةِ وَلا نَارٍ وَلا سَهْلٍ وَلا جَبَلٍ وَلا ضِياءِ وَلَا ظُلَمَةٍ إِلَّا أَقْرَأنيها وَأَمْلا ها عَلَيَّ فكتبتها بِيَدِي وَعَلَّمَنِي تَأْوِيلَها وتفسيرها وناسِخها وَمَنْسُوخها وَمُحْكَمَها وَمُتَشَابِهَها وَخاصَها وَعامَّها وَأيْنَ نَزَلَتْ وَفِيمَ نَزَلَتْ إِلَى يَوْمِ القِيامَةِ
قالَ كُميل بن زيادٍ : سَألتُ أمير المؤمنينَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) عَن قَوَاعِدِ الإِسْلامِ مَا هِيَ ؟ فقال : قواعد الإسلام سبعة :
فأولها (4): العَقْلُ وَعَلَيْهِ بنِي الصبر.
والثاني (5): صَونُ العِرْضِ وَصِدْقُ اللَّهجَة (6).
والثالثة : تلاوةُ القُرْآنِ عَلَى جَهتِه.
وَالرَّابعةُ : الحب في اللّه وَالبَغْضُ في اللّه.
ص: 196
وَالخَامِسَةُ : حق آل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ومعرفة ولايتهم.
وَالسَّادِسَةُ : حَقَّ الإِخْوانِ والمحاماة عليهم (1).
والسابعةُ : مُجاوَرَةُ النَّاس بِالحُسنى.
قلت : يا أمير المؤمنين العبد يصيب الذنب فيستغفر اللّه مِنهُ، فَمَا حَدَّ الاستغفار ؟ قال : يَا ابْنَ زِيادِ التّوبَةُ. قُلْتُ : بَس؟ قال : لا. قُلتُ : فكيف ؟ قال : ان العبد إذا أصابَ ذَنْباً يَقُولُ : استَغفِرُ اللّه بِالتَّحْرِيكِ. قُلْتُ : وَمَا التَّحْرِيكَ ؟ قَالَ : الشَّفَتَانِ واللِّسَانُ، يُرِيدُ ان يتبع ذلك بالحقيقة، قُلْتُ : وَما الحقيقة قال : تصديق في القلب وإضمار أن لا يعود إلَى الذَّنبِ الّذي استغفر منه. قال كميل : فإذا فعلت ذلك فأنا من المستغفرين ؟ قال : لا. قال كميل : فكيف ذالك ؟ قال : لأنك لم تبلغ إلى الأصل بعد. قال كميل : فَأَصْلُ الاستغفار ماهُوَ ؟ قالَ : الرَّجُوعُ إلَى السَّوبَةِ مِنَ الذَّنْبِ الّذي استغفرْتَ مِنْهُ وهِيَ أَوَّلُ دَرَجَةِ الْعَابِدِينَ و ترك الذنب والاستغفار اسم واقع لمعان سيت : أولها : النَّدَم على ما مضى. والثاني : العَزْمُ عَلَى تَرْكِ العَوْدِ أَبَداً. وَالصَّالِتُ : أَنْ تُؤَدِّيَ حُقوق المخلوقِينَ الّتي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُم. والرَّابع : أنْ تُؤَدِّيَ حَقَّ اللّه فِي كلّ فَرْضِ. وَ الحَامِسُ : أَنْ تُذِيبَ اللَّحْمَ الّذي نَبَتَ عَلَى السُّحْتِ وَالحرامِ (2) حتّى يَرْجِعَ الجِلْدُ إلى عَظمِهِ ثمَّ تُنشىء فِيمَا بَيْنَهُما لَحْماً جَدِيداً. والسَّادِسُ : أَنْ تُذِيقَ البَدَنَ ألَمَ الطَّاعَاتِ كَمَا أَدَقْتَهُ لَذَاتِ المعاصي
كتبنا منها ما اقتضاء الكِتابُ (3)
هذا ما أوصى بِهِ عَلِيُّ بن أبي طالب. أوْصَى المؤمِنِينَ بِشَهَادَةِ أَنْ لا إله إِلَّا اللّه وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ و أَنَّ محمّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بِالهُدى وَدِينِ الحقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّين
ص: 197
كُلِهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ وَ صَلَّى اللّه عَلَى محمدٍ و سَلَّمَ. ثُمَّ، إِنَّ صَلاتِي و نُسُكِي و محياي ومماتي للّه رَبِّ العالمينَ لاشَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أُولُ المُسْلِمِينَ.
ثم إني أوصيك باحَسَنُ وجَميعَ ولدي وأهل بيتي ومَنْ بَلَغَهُ كِتابِي مِنَ المُؤْمِنِينَ بتقوى اللّه رَبِّكم ولا تَمُوتُنَّ إِلا وأنتم مسلمونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّه جميعاً ولا تفرقوا فَإنّي سَمِعتُ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): يقولُ : «صَلاحُ ذاتِ البَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ عَامَّةِ الصَّلَاةِ وَ الصومِ»، وإنَّ المُبِيرَةَ وهي الحالِقَةُ لِلدِّينِ (1) فَسادُ ذاتِ البَيْنِ ولاقوة إلا باللّه. أَنْظُرُوا ذَوِي أَرْحامِكُمْ فَصِلُوهُمْ يُهوَنِ اللّه عَلَيْكُمُ الحساب.
اللّه له في الأيتام (2) لا يُضَيِّعُوا بِحَضَرَتِكُمْ، فَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ : «مَنْ عَالَ يَتِيماً حتّى يَسْتَعْنِي أَوْجَبَ اللّه له بِذلِكَ الجنّة كَمَا أَوْجَبَ لا كلّ مَالِ اليَتِيمِ النَّارَ»
اللّه اللّه في القرآن فلا يسبقَتَكُم إِلَى العِلْم (3) بِهِ غَيْرُكُم.
اله اللّه في جيرانِكُمْ، فَإِنَّ رَسُولَ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أوصى بهم، ما زالَ يُوصي بهِم حتّى ظننّا أنه سيورِّثهم.
اللّه اللّه في بيتِ رَبِّكُم فَلا يَخْلُو مِنْكُمْ مَا بَقِيتُمْ، فَإِنَّه إِن تُرِكَ لَمْ تُناظَرُوا. وأدْنى ما يرجعُ بِهِ مَنْ أُمَّهُ أنْ يُغْفَرَ لَهُ مَا سَلَفَ (4).
اللّه اللّه في الصلاةِ فَإِنَّهَا خَيْرُ العَمَلِ، إِنَّهَا عِمَادُ دِينِكُمْ.
اللّه اللّه في الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا تُطْفِي غَضَبَ رَبِّكُمْ.
اللّه اللّه في صِيامِ شَهْرٍ رَمَضَانَ فَإِنَّ صِيامَهُ جَنَّةٌ مِنَ النَّارِ.
اللّه للّه في الفُقَراءِ والمساكينِ فَشارِكُوهُمْ في مَعائِشِكُم.
اللّه اللّه في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم، فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ رَجُلانِ إِمَامٌ هُدى أو مُطِيعٌ لَهُ مُقْتَدٍ بِهدَاهُ.
اله اللّه في ذُرِّيةِ نَبيكم لا تُظْلَمَنَّ بين أظهر كم وَأَنتُمْ تَقْدِرُونَ عَلَى المَنْعِ عَنْهُم.
ص: 198
اللّه اللّه في أصحاب نبيكم الّذين لم يُحدِثوا حَدَنَا وَلَمْ يُوْدُوا تُحَدِنَا، فَإِنَّ رسولَ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أوصى بهم وَلَعَنَ المحدثَ مِنْهُمْ وَمَنْ غَيْرِهِمْ وَالمُؤوي لِلْمُحدِثين.
اللّه اللّه في النساءِ وَمَا مَلَكَتْ أيمانُكُمْ، فَإِنَّ آخِرَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ نَبِيِّكُمْ أَنْ قَالَ : «أوصيكم بالضَّعِيفَينِ : النِّسَاءَ وَما مَلَكَتْ أَيْمَانَكُم».
الصَّلاةَ، الصَّلاةَ، الصَّلاةَ، لا تخافوا في اللّه لَوْمَةَ لاهِمٍ يَكْفِيكُمْ مَنْ أَرَادَكُمْ وَبَغَى عَلَيْكُمْ (1). قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً كَمَا أَمَرَكُمُ اللّه وَلَا تَتْرُكُوا الأمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْيَ عَنِ المُنكَرِ فَيُولّى اللّه أَمْرَكُمْ شِرارَكُمْ ثمَّ تَدعونَ فَلَا يُسْتَجابُ لَكُم عليهم.
علَيْكُمْ يَا بَنِي بِالتَّواصلِ وَالتَّبادُلِ وَالتَبَادْرِ وَإِيَّاكُم وَالتَّقَاطَعَ وَالتَّدابر وَالتَّفَرَّق وَتَعَاوَنُوا عَلَى البر والتقوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الإثم والعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللّه إِنَّ اللّه شَدِيدُ العقاب وحَفِظَكُمُ اللّه مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ وَحَفِظَ نَبيكُمْ فِيكُمْ (2) أَسْتَودِعُكُمُ اللّه وَ أَقْرَأْ عَلَيْكُمُ السّلام وَرَحْمَةُ اللّه وَبَرَكاتُهُ، ثمَّ لَمْ يَزَلْ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللّه حتّى مَضَى.
أيُّهَا النَّاس اعْلَمُوا أَنَّ كَمَالَ الدِّين طَلَبُ العِلْمِ وَ العَمَلُ بِهِ. وأنَّ طَلَبَ العِلْمِ أوْجَبْ عَلَيْكُمْ مِنْ طَلَبِ المالِ، إن المال مقسوم بَيْنَكُمْ، مَضْمُونَ لَكُمْ (3)، قَد قَسَمَهُ عَادِلٌ بَيْنَكُم وَضَمِنَهُ، سَيفي لكُم بِهِ، وَالعِلمُ مَخرُونَ عَلَيْكُمْ (4) عِنْدَ أَهْلِهِ قَدْ أُمِرْتُمْ بِطَلَبِهِ مِنْهُمْ، فَاطلبوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ كَثرَة المَالِ مَفْسَدَةٌ لِلدِّينِ مَقْساة لِلقلوب (5) وَأَنَّ كَثرَةَ العِلْمِ وَالعَمَلِ به مَصْلَحَةٌ للدين وسَبَب إلى الجنّة. وَالنَّفَقَاتِ تَنقُصُ المالَ وَالعِلْمَ يَزْكُو عَلى إنْفَاقِه (6)
ص: 199
فإنفاقهُ بَثّهُ إِلى حَفَظَتِه ورُواتِهِ. وَ اعْلَمُوا أَنَّ صَحْبَةِ العِلْمِ وَاتَّبَاعَهُ دِينَ يُدَانُ اللّه بِهِ. وَ طاعَتَهُ مَكْسَبَةٌ لِلحَسَنَاتِ مَمحاة لِلسَّيِّئاتِ وَذَخِيَرَةُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ رِفْعَةٌ فِي حَيَاتِهِمْ وَ جَمِيلُ الأحدوثة عنهم بعد موتهم (1). إِنَّ العِلْمَ ذو فضائل كَثِيرَةِ فَرَاسُهُ التَّواضُعُ وَعَينُهُ البَراءَة مِنَ الحَسَدِ. وَأذْنُهُ الفَهُمُ. وَلِسَانُهُ الصَّدَقُ. وَحِفْظُهُ الفَحْصُ. وقلبُهُ حُسْنُ النِّيَّةِ. وَعَقْلُهُ معرفة الأسباب بِالأمُورِ وَيَدَهُ الرَّحمةَ. وَهِمْتُهُ السَّلَامَةُ، وَرِجْلُهُ زِيارَةُ العُلَماءِ. و حِكْمَتْهُ الوَرَعُ. وَ مُسْتَقَرَّهُ النَّجاةُ. وقائِدُهُ العافية وَمَرْكَبُهُ الوَفَاهُ. وَسَلاحُهُ لِينُ الكَلامِ وَسَيْفَهُ الرضى. وَقَوْسُهُ المُدَارَأَةُ. وَجَيْشُهُ مُحَاوَرَةُ العُلَماءِ. وَمَالُهُ الأَدَبُ. وَذَخِيَرَتُهُ اجْتِنابُ الذنوب. وزاده المعروف وَمَأْوَاهُ الموادَعَةُ (2) وَدَليله الهدى. وَرَفِيقه صحبَةُ الأخبار (3).
وَرُوِيَ عَنْهُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قِصارِ هَذِهِ المَعانِي (4)
قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : مِنْ كُنُوزِ الجنّة البِر وإخفاء العَمَلِ وَالصَّبْرُ عَلَى الرَّزايا (5) وكتمان المصائب.
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): حُسن الخُلْقِ خَيْرُ قَرِينِ وعُنْوانُ صَحِيفَةِ الْمُؤْمِنِ حُسْنُ خُلْقِهِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الزَّاهِدُ في الدُّنيا مَن لم يغلب الحَرامُ صَبَرَه وَلم يَشْغَلِ الحلال شكره.
وكَتَبَ إلى عَبْدِ اللّه بنِ عباس (6). أما بعدُ فَإنَّ المرءَ يَسُره دَركُ مالم يَكن لِيَفُوتَهُ ويسوءهُ، فوت مالم يكن ليدْرِكَهُ فَلْيَكن سروركَ بِمانِلْتَهُ مِنْ آخِرَتِكَ وَ لَيَكُن أَسَفُكَ على ما فاتك منها. وما نِلتَهُ مِنَ الدُّنيا فلا تكثرَنَّ به فرحاً، ومافاتكَ مِنها فَلا تَأْسَفَنَّ عليه حُزناً. وَليَكُنْ هَمكَ فيما بعدَ المَوْتِ.
ص: 200
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) في دَمَ الدُّنيا : أولها عناهُ وَ آخِرُها فَناء (1)، في خلالها حِساب وفي حَرامِها عِقابٌ. مَنْ صَح فيها أمِنَ. و مَنْ مَرِضَ فيها نَدِمَ. من استغنى فيها فَتِنَ. وَ مَنِ افْتَقَرَ فيها حَزِنَ. مَنْ ساعَاهَا فَاتتَهُ (2) وَ مَنْ قَعد عنها أتتَهُ وَ مَنْ نَظَرَ إِلَيْهَا أَعمتَهُ. وَ مَنْ. نظربها بصَرَتْهُ (3).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): أحبب حَبيبَكَ هَوناً مّا عَسَى أَن يَعْصِبَكَ يَوْمَاً مّا (4). وَأَبْغِضُ بَعيضَكَ هَوْناً مّا عَسى أنْ يَكونَ حَبِيبَكَ يَوْماًما.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا غنى مِثْلُ العَقْلِ. وَلَا فَقَرَ أَشدُّ مِنَ الجَهْلِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): قِيمَةُ كلّ امْرِي مَا يُحْسِنُ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): قُرِنَتِ الهَيْبَةُ بِالخَيْبَةِ (5) وَالحَياءُ بِالحَرَمانِ. وَالحِكْمَةُ ضَالَّةُ المُؤْمِنِ فليطلبها ولو في أيدي أهل الشر.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لَوْ أَنَّ حَمَلَةَ العِلْمِ عَلَوهُ بِحَقِّهِ لَأَحَبَّهُمُ اللّه وَمَلائِكَتَهُ وأهل طاعَتِهِ مِنْ خَلْقِهِ. وَلَكِنَّهُم حَلُوهُ لِطَلَبِ الدُّنيا. فَمَقَتَهُمُ اللّه و هانوا عَلَى النَّاس
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): أفضَلُ العِبادَةِ الصَّبْرُ وَالصَّمْتُ وَانْتِظارُ الفَرْجِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إنَّ الشَّكَباتِ غاياتٍ لابد أن تنتهي إليها فإذا حَكِمَ عَلَى أَحَدِكم بِها فَلَيُطَأ طَالَها ويصبر حتّى تجوز (6) فَإِنَّ إعمال الحيلَةِ فيها عِندَ إقبالها زائد في مَكَرُوهِها.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) للأشتر : يامالك احفظ عَنّي هذا الكلامَ وَعِه. يا مالكُ بَخَسَ مُرُونَهُ مَنْ ضَعُفَ يَقِينُه. وأَزْرى بِنَفْسِه مَنِ اسْتَشْعَرَ الطَّمَعَ (7) وَرَضِي [بِ-]الذُّلِّ مَن كَشَفَ [عَنْ] ضُره.
ص: 201
وهانَتْ عَلَيهِ نَفْسُه مَنْ أَطلَعَ عَلَى سِرهِ. وَأَهْلَكَها مَنْ أَمْرَ عَليهِ لِسَانَهُ (1) الشَّرَهُ جَزَارُ الخَطَر (2) مَنْ أهوى إلى مُتَفَاوِتٍ خَذَلَتَهُ الرَّغْبَة. البُخْلُ عَارُ. وَ الجُبْنُ مَنْقَصَةٌ والورع جنّة والشكرُ ثَرْوَةٌ. والصبرُ شَجَاعَةٌ. والمقل غريب في بلده (3). و الفقر يُخْرِسُ القَطِنَ عَنْ حُجَّتِه (4)، ونِعْمَ القَرِينُ الرضى. الأدبُ حَلَلُ جُدُدُ (5) و مرتبة الرجل عقله و صدره خزانه سرِّه. وَ التثبتُ حَزم. وَالفِكْرُ مِرْآةُ صافية. وَ العِلْمُ سَجيَّةٌ فَاضِلَةٌ، وَالصَّدَقَةُ دَواءٌ مُنْجِحْ (6). وَ أعْمَالُ القَوْمِ في عَاجِلِهِمْ نَصْبَ أَعْيُنِهِم في آجِلِهِمْ. وَالاعْتِبارُ مُنْذِرُ صَالِحٌ. وَالبَشاشَةُ فَحَ المَوَدَّةِ (7).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): الصبرُ مِنَ الإيمانِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنَ الجَسَدِ، فَمَنْ لا صَبْرَ لَهُ لا إيمانَ لَهُ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): انتم في مَهَلٍ مِنْ وَرائِهِ أجَلَّ وَمَعَكُمْ أَمَل يَعْتَرِضُ دونَ العَمَلِ فَاغْتَنِموا المَهَل وَبادِرُوا الأجَلَ وكَذَّبُوا الأَمَلَ وَتَزَوَّدُوا مِنَ العَمَلِ، هَلْ مِنْ خَلاصِ أو مَناصٍ أوفرارٍ أو مجاز أو مَعَاذٍ أَو مَلاذ أولاً : فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) أوصيكم بتقوى اللّه فَإِنَّها غبطَة لِلطَّالِبِ الرَّاحِي وثِقَةٌ لِلهَارِب اللّاجي استشعروا التقوى شعاراً باطناً. واذكروا اللّه ذكراً خالصاً تحيوايه أفضل الحياة وتسلكوا به طرق النَّجاة، وانظروا إلى الدُّنيا نَظَرَ الزَّاهِدِ المفارق. فإنها تُزيلُ الثّاوِيَ السَّاكِنَ (8)
ص: 202
وتفجع المترف الآمن لا يرجى منها ما ولّى فَأدْبَرَ ولا يدرى ما هُوَ آتٍ مِنها فَيُسْتَنظر وَصَلَ الرَّخاه منها بالبَلاءِ. وَالبَقَاءُ مِنها إلى الفناء. سُرُورُها مَشوب بالحُزْنِ والبقاء منها إلى الضَّعْفِ والوَهْن.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إن الخيلاء مِنَ التجبُّر و التجبُّر مِن النّخوَةِ والنَّخْوَة مِنَ التَّكَبر وإنَّ الشَّيْطَانَ عَدُوٌّ حاضِر يعدكم الباطل. إن المسلم أخ المسلم فلا تخاذلوا ولا تَنَابَزُوا. فإنَّ شرايعَ الدِّين واحِدَةٌ وسُبُلَهُ قاصدةً، فَمَنْ أَخَذَ بِها لَحِقَ ومَنْ فارقها محِقَ ومَنْ تَرَكَها مرق (1) لَيْسَ المُسلمُ بالكذوب إذا نطق ولا بالمخلف إذا وعد، ولا بالخائن إذَا اؤْتُمِنَ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): العقل خليل المؤمن. والحِلمُ وزيره. والرفق والده. واللين أخوه. ولابد للعاقل من ثلاث : أن يَنظُر في شأنه ويَحْفَظَ لِسانَهُ و يَعْرِفَ زَمانَهُ. ألا وإن من البلاء الفاقَةَ وَ أشدَّ مِنَ الفاقَةِ مَرَضُ البَدَنِ وأَشَدَّ من مَرَضِ البَدَنِ مرض القلب، ألا وإِنَّ مِنَ النَّعَمِ سَعَةُ المالِ وأَفْضَلُ مِنْ سَعَةَ المالِ صِحَةُ البَدَنِ وأَفضلُ من صِحْةِ البَدَنِ تقوى القَلْبِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إن لِلْمُؤمِن ثَلاث ساعات : فساعَةٌ يُناجي فيها ربّه وساعة يحاسب فيها نفسه (2) وساعةً يُخلى بين نفسه وبين لذاتها فيما يحلُّ ويجملُ. و لَيْسَ لِلعاقل أن يكون شاخصاً إلا في ثلاث : مَرَمَةٍ لِلعاشه (3) وخُطُوةٍ لِلْعَادِم أولَذَّةٍ في غَيْرِ مُحرم.
وقالَ كَمْ مِنْ مُسْتَدْرَج بالإِحْسَانِ إِلَيْهِ (4) وكَمْ مِنْ مَغرُورِ بِالسَّتْرِ عَلَيْهِ وكَمْ مِن مَفْتُونٍ بِحُسْنِ القَولِ فيه، ومَا ابْتَلَى اللّه عَبْداً بِمِثْلِ الإملاء لَه (5) قَالَ اللّه عَزَّ وَجَلَّ: «إنما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إثما (6)».
ص: 203
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): ليجتمع في قَلْبِكَ الإفتقار إلى النَّاس وَالإِسْتِعْنَاءُ عَنْهُمْ، يكونُ افْتِقارُكَ إليهم في لين كَلامِكَ وحُسْنِ بِشْرِك (1) و يكونُ اسْتِغْناؤُكَ عَنْهُمْ فِي نَرَاهَةِ عِرْضِكَ وبقاء عزّك.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا تغضبوا. وَلَا تُغضبوا (2) أَفَشُوا السَّلام. وأطِيبُوا الكَلامَ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): الكريم يلين إذا استعطف والليم يقسوا إذا الطف.
وقال(عَلَيهِ السَّلَامُ): ألا أخبرُكُم بالفقيه حَقٌّ الفَقِيهِ : مَنْ لَمْ يُرخص النَّاس في معاصي اللّه و لم يُقنِّطَهُم مِنْ رَمَةِ اللّه وَلَمْ يُؤْمِنْهُمْ مِنْ مَكْر اللّه وَ لَمْ يَدَعِ القُرْآنَ رَغْبَةً عَنْهُ إِلَى ما سواه. وَلا خَيْرَ في عِبادَةٍ لَيْسَ فيها تَفَقَّهُ. وَلا خَيْرَ فِي عِلْمٍ لَيْسَ فِيهِ تَفَكَّرُ. و لا خير في قراءة ليس فيها تدبُّر.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إنَّ اللّه إذا جمع النَّاس نادى فيهم مُنادٍ أيُّها النَّاس إِنَّ أَقْرَبكم اليوم مِنَ اللّه أشدكم منه خَوْفاً وَإِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَى اللّه أحْسَنُكُمْ لَهُ عَمَلاً وَإِنَّ أفضلَكُمْ عِنْدَهُ مَنْصَباً أَعْمَلُكُمْ (3) فيها عِنْدَهُ رَغْبَةٌ وإِنَّ أكرمكم عليه أتقاكم.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): عَجِبتُ لأقوامٍ يَحتمونَ الطَّعامَ مَخافَةَ الأذى كيف لا يَحْتَمُونَ الذُّنوبَ مَخافَةَ النَّارِ (4). وعَجِبتُ ممَّن يشترى المماليك بماله كيف لا يشتري الأحرار بمعروفه فيملكهم. ثمَّ قَالَ : إِنَّ الخَير و الشر لا يعرفانِ إِلَّا بِالنَّاس، فإذا أردتَ أنْ تعرف الخير (5) فَاعْمَلِ الخَيْرَ تَعرِف أَهْلَهُ. وَإِذا أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ الشَّرِّ فَاعْمَلِ الشَّرَّ تَعرِفُ أَهْلَهُ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إنَّما أخشى عليكم اثنتين : طول الأمل واتباع الهوى، أما طول الأمل فيُنْسِي الآخِرَةَ وأمَّا اتِّباعُ الهَوى، فَإِنَّهُ يَصُدُّ عَنِ الحَقِّ. و سألَهُ رَجلٌ
ص: 204
بالبَصْرَةِ عَنِ الإخوانِ فَقالَ : الإِخْوانُ مِنْفانِ : إِخْوانُ الثَّقَةِ وَإخْوانُ المُكاشَرَةِ، فَأَما إخوان الثَّقَةِ فَهُمُ الكهف والجناح (1) والأهل والمال فإن كنتَ مِن أخيك على حد الثِّقَةِ فَابْذُل له مالك ويَدَاكَ وصافِ مَن صافاهُ (2) وعادِ مَن عاداهُ واكتُم سِرَّهُ وَعَيْبَهُ وأَظْهِرْ مِنْهُ الحَسَنَ. اعلم أيُّها السّائلُ أنّهم أقلُّ مِنَ الكبريت الأحمر، وأما إخوان المكاشَرَةِ فَإنّك تُصيب منهم لَذَّتَك، فلا تقطعنَّ منهم لذَّتك، ولا تطلبين ما وراء ذلك من ضميرهم و ابذللَهم ما بذلوا لَكَ مِن طَلَاقَةِ الوَجْهِ وحَلاوَةِ اللَّسانِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا تَتَّخِذَنَّ عَدُوَّ صَدِيقِكَ صَدِيقاً فَتَعَدي صَدِيقَكَ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا تَصْرِمَ أخاكَ عَلَى ارْتِيابِ وَلَا تَقْطَعَهُ دُونَ اسْتِعْتاب (3).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): ينبغي المسلم أن يجتنب مؤاخاة ثلاثة : الفاجر (4) والأحمق و الكذاب فأما الفاجِرُ فَيُزَيِّنُ لَكَ فِعَلَهُ وَيُحِبُّ أَنَّكَ مِثْلُهُ ولا يُعِينُكَ عَلَى أَمْرِ دِينِكَ ومَعَادِكَ، ومقارنته جفاء وقَسْوَةٌ و مَدْخَلَهُ عار عليك (5). وأما الأحمق فإنه لا يُشيرُ عليكَ بخَيرٍ ولا يُرجى لِصَرْفِ السُّوءِ عَنكَ وَلَوْجَهَدَ نَفْسَه (6) ورُبما أرادَ نَفعَكَ فَضَرَّك. فَمَوْتُه خَير مِنْ حَياتِهِ وَسُكوتُهُ خَيْرٌ مِنْ نُطْقِه وبُعْدُه خَيْرٌ مِنْ قُربِه. وأمَّا الكَذَّابُ فَإنّه لا يَهْنَنُكَ معه عيش، بنقل حديثك وينقل إليك الحديث كلما أفنى أحدُونَة مطاها بأخرى مثلها (7) حتّى أنه يحدث بالصدق فلا يُصدق، يُغري بينَ النَّاس بِالعَداوَة (8) فينبتُ الشحناء في الصدور. فَاتَّقُوا اللّه وانْظُرُ والانفسكمو
ص: 205
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا عَلَيْكَ (1) أَنْ تَصَحَبَ ذا العَقلِ وإِنْ لَمْ تُجْمَدَ كَرَمُهُ (2) ولكِنِ انتَفِعْ بعقله و احترِسَ مِنْ سَيِّيء أخلاقه ولا تَدَعَنَّ صُحْبَةَ الكريم وإِن لم تَنْتَفِعْ بِعَقلِه ولكِنِ انتفع بِكَرَمِهِ بِعَقلِكَ. وَافرِرِ الفِرار كلَّه مِنَ اللئيم الأحق.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): الصبر ثلاثة : الصبر على المصيبة والصبر على الطَّاعَةِ والصبرُ عَن المعصية.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَنِ اسْتَطَاعَ أن يمنع نَفْسَه مِنْ أرْبَعَةِ أَشياء فَهُوَ خَلِيقَ بأن لا ينزل به مَكْرُوهُ أبداً، قيل : وماهُنَّ ؟ قالَ : العجلة و اللجاجَة والعُجب والتواني.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): الاعمالُ ثَلاثَةٌ : فَرائض و فضائل و معاصي، فأما الفَرائضُ فَبِأَمْرِ اللّه ومَشِيئَتِه وبرضاه ويعلمه و قدرِه يَعْمَلُها العَبْدُ فَيَنجُومِنَ اللّه بها. وأمّا الفَضائِلُ فَلَيْسَ بأمر اللّه لكن بِمَشِيتِه وبرضاه ويعلمه وبقدره يَعْمَلُها العَبْدُ قَيْنابُ عَلَيْها. و أما المعاصي فَلَيْسَ بأَمْرِ اللّه ولا بِمَشِيئَتِه ولا برضاه لكن بِعِلْمِهِ وَ بِقَدَرِه يُقدرها لِوَقْتِها، فَيَفْعَلُها العَبدُ باختياره فيعاقبه اللّه عليها، لأنهُ قَدنَهاهُ عَنْها فلم يَنْتَهِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): يا أيُّها النَّاس إِن للّه في كلّ نِعْمَةٍ حقاً، فَمَنْ أَداه زاده و من قصر عنه خاطر بزوال النعمة و تَعَجُّلِ العُقوبَةِ، فَلْيَراكُمُ اللّه مِنَ النِّعْمَةِ وَجلينَ كما بَرَاكُمْ مِنَ الذُّنوبِ فَرِقِينَ (3).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَنْ ضَيِّقَ عَلَيْهِ فِي دَاتِ يَدِهِ فَلَمْ يَظُنَّ أَنَّ ذلِكَ حُسَنُ نَظَرٍ مِنَ اللّه [له] فقد ضيع مأمولاً، وَمَنْ وُسعَ عليه في ذات يده فلم يظن أن ذلك استدراج مِنَ اللّه فَقَدْ أَمِنَ مَخوفاً (4).
وقال :(عَلَيهِ السَّلَامُ) يا أيُّها النَّاس سَلُوا اللّه اليَقِينَ وَارْغَبُوا إِليهِ فِي العَافِيَةِ، فَإِنَّ أَجَلَّ
ص: 206
النعم العافية. و خير مادام في القلب اليقين والمغبونُ مَنْ عَبَنَ دِينَه. وَالمَغبوطُ مَن حَسُنَ يقينه.
و قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا يجد رجل طعم الإيمان حتّى يَعْلَمَ أَنَّ ما أصابَهُ لَمْ يَكُن لِيُخْطِه وما أخطاء لم يكن ليصيبه.
و قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَا ابْتُلِيَ المؤمِنُ بِشَيء هُوَ أَشَدَّ عليه مِن خِصَالٍ ثلاث يُخرَ مُها، قيل : وماهنَّ ؟ قال: المواساة في ذات يده والإنصاف من نفسه وذكر اللّه كثيراً، أما إنِّي لا أقولُ لكم: سُبحانَ اللّه والحَمدُ للّه ولكن ذكر اللّه عند ما أحَلَّ لَه وذَكَرُ اللّه عندَ مَا حَرَّم عليه.
و قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَنْ رَضِي مِنَ الدُّنيا بما يجزِيهِ كَانَ أَيسَرُ ما فِيهِ يَكفِيهِ وَمَنْ لَمْ يَرْضَ مِن الدنيا بما يجزيه لم يكن فيها شيء يكفيه.
و قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): المنيَّة لا الدنية والتّجلّد لا التَّبلّد (1) والدَّهْرُ يَومَانِ : فَيَومٌ لكَ و يوم عليك فإذا كانَ لَكَ فَلا تَبْطَرْ، وإذا كانَ عَليكَ فَلا تَحْزَنْ فَبكليْهِما سَتَخْتَبَرُ
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): أفضل عَلَى مَنْ شِيْتَ يَكُنْ أسِيَرَكَ.
و قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لَيْسَ مِنْ أخلاقِ المُؤْمِنِ المَلَقُ وَلَا الحَسَدُ إِلَّا فِي طَلَبِ العِلْم.
و قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): أركان الكفر أربعة: الرغبة والرهبة والسُّخط والغضب.
و قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): الصبر مفتاح الدَّرْكِ وَالنُّجحُ عُقبى مَنْ صَبَرَ (2) وَلِكُلِّ طالب حاجَةٍ وقت يُحرّكُهُ القَدَرُ.
و قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): اللسانُ معيار أطاشَهُ الجَهْلُ (3) وأَرْجَحَهُ العَقْلُ.
و قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَنْ طَلَبَ شَفَاعَيْظٌ بِغَيْرِ حَق أَذاقَهُ اللّه هَوَاناً بحقِّ إِنَّ اللّه عَدُو مَا كَرِهَ.
و قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): ماحارَ مَنِ اسْتَخارَ ولا نَدِمَ مَنِ اسْتَشَارَ (4).
و قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): عُمرَتِ البلدانُ بحُبّ الأوطان.
و قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): ثلاث مَنْ حافَظَ عليها سَعِدَ : إذا ظَهَرَتْ عليكَ نِعَمَةٌ فَاحْمدَ اللّه وَإِذا
ص: 207
أبْطَأ عَنكَ الرّزْقُ فَاسْتَغْفِرِ اللّه وإذا أصابَتكَ شِدَّة فأكثر مِنْ قَوْلِ : لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا باللّه.
و قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): العِلْمُ ثَلَاثَةُ : الفِقهُ لِلأديانِ وَالطَّبّ لِلأبدان. وَ النَّحْو لِلّسانِ.
و قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): حق اللّه في العُسْرِ الرضى وَالصَّبْرُ وَحقه في اليسر الحمد والشكر.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): تَرْكُ الخَطِيئَةِ أَيْسَرُ مِنْ طَلَبِ التَّوْبَةِ. وكَمْ مِنْ شَهْوَةِ سَاعَةٍ قَدْ أَوْرَثَتْ حزناً طويلاً. وَالمَوْتُ فَضَحُ الدُّنيا، فَلَمْ يَتْرُكُ لِذِي لُبِّ فِيها فَرَحاً ولا لِعَاقِلِ لَذَّةٌ.
و قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): العلم قائد والعَمَلُ سَائِقٌ وَالنَّفْسُ حَرُونَ (1).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): كُن لما لا ترجو أرْجى مِنكَ لما ترجو، فَإِنَّ مُوسَى (عَلَيهِ السَّلَامُ) خَرَجَ يَقْتَبِسُ لأهله ناراً فَكَلَمَهُ اللّه و رَجَعَ نَبِيّاً. و خَرَجَتْ مَلَكَةُ سَبَأَ فَأَسْلَمَتْ مَعَ سُليمان (عَلَيهِ السَّلَامُ) وخَرَجَتْ سَحَرَةُ فِرْعَوْنَ يَطلُبُونَ العِزَّ لِفِرِعونَ فَرَجَعُوا مُؤْمِنِينَ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): النَّاس بِأمْراتِهِمْ أَسْبُهُ مِنْهُمْ بِآبائهم.
وقال : أيُّها النَّاس اعْلَموا أَنَّهُ لَيْسَ بِعاقِلِ مَنِ انْزَعَجَ (2) مِنْ قَوْلِ الزَّورِفِيهِ ولا بحكيم مَنْ رَضِيَ بثناء الجاهِلِ عَلَيْهِ. النَّاس أبناء ما يحسنون وقَدْرُ كلّ امْرِ: ما يُحْسِنُ فَتَكَلَّمُوا فِي العِلمِ تَبَيَّنَ أَقدارُكم .
و قالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): رَحِمَ اللّه امْرَه أَراقَبَ ربّه (3) وَتَوَكَّفَ ذَنْبَهُ وَكَابَرَهَواهُ وَكَذَّب مُنَاهِ. زَم نَفْسَهُ مِنَ التَّقوى بزمام والجمها مِنْ خَشْيَةِ رَبِّها بلجامٍ، فَقادَها إلى الطَّاعَةِ بزمامها. وقدعها عن المعصية بلجامِها(4)، رافعاً إلى المعادِ طَرْفَه، مُتَوَقِعاً في كلّ أوانٍ حَتَفَهُ، دائم الفكرِ، طَوِيلَ السَّهَرِ، عَزُوفاً عَنِ الدُّنيا، كدوحاً لآخِرَتِهِ (5)، جَعَلَ الصَّبْرَ مَطِيَّةَ نَجَاتِهِ والتقوى عُدَّة وفاته ودواء [داء] جواه (6)، فَاعْتبَر وقاسَ فَوَتَرَ الدُّنيا و النَّاسَ، يتعلَمُ لِلتَّفَقُّهِ
ص: 208
وَالسَّدادِ، قَد وقَر قلبه ذكرُ المَعادِ، فَطَوى مهاده (1) وَهَجَرَ وَسَادَه، قَدْ عَظُمَتْ فيما عند اللّه رغبته واشْتَدَّتْ مِنْهُ رَهْبَتْه، يظهرُ دُونَ مَا كُتُم وَيَكْتَفِي بِأَقَلَ ممَّا يَعْلَمُ، أولئك ودائع اللّه في بلادِه، المدفوع بهم عن عباده، لوأقسم أحَدُهُمْ عَلَى اللّه لَا بَرَّه، آخر دعواهم أنِ الحَمْدُ للّه رَبِّ العَالَمِينَ.
و قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): وكل الرِّزْقُ بالحمق، ووكل الحرمانُ بِالعَقلِ. ووكل البلاء بالصبر.
و قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأَشْعَثِ (2) يُعَزّيهِ بأخِيهِ عَبدِ الرحمن : إِنْ جَزِعْتَ فَحَقَ عَبْدِ الرَّحمن وفيت وإن صَبَرْت فَحَقِّ اللّه أَدَّيْتَ، عَلَى أَنَّكَ إِنْ صَبَرْتَ جَرى عليكَ القَضاءُ وأَنْتَ مَحمود وإن جزعت جرى عليكَ القَضاءُ وأنتَ مَذْمُوم (3). فَقالَ الأَشْعَتُ: إِنَّا للّه وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ فقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ): أَتَدْرِي مَا تَأْوِيلُها؟ فقالَ الأَشْعَثُ : لَأَنْتَ عَايَةُ العِلْمِ وَ مُنتَهَاهُ فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): أما قولُكَ : «إِنَّا للّهِ»، فَإقرارُ مِنْكَ بِالمُلْكِ. و أما قولُكَ «وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ»، فَإقرارُ مِنْكَ بِالمُلْكِ (4).
ورَكِبَ يَوْماً فَمَشى مَعَهُ قَوْم فَقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لَهُمْ : أما عَلِمْتُم أَنَّ مَشَى الماشِي مَعَ الرَّاكِبِ مَفْسَدَة لِلرَّاكِبِ وَمَذَلَّةٌ لِلْمَاشِي، انْصَرِفُوا.
ص: 209
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): الأمور ثلاثةُ : أَمْرُبانَ لَكَ رُشدُهُ فَاتَّبعه (1) وأمر بان لك عيهُ فَاجْتَنبَهُ وأَمْرُ أشكلَ عَلَيْكَ فَرَدَدتَهُ إلى عالمه (2).
و قال له جابرٌ يَوْماً : كَيْفَ أَصْبَحْتَ يا أمير المؤمنين، فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) أصبحنا و بنامن نعم اللّه ربَّنا مالا نخصيه مَعَ كَثرَةِ ما نعصيه، فَلا تَدْرِي مَا تَشْكُرُ أَجَمِيلَ ما يَنْشُرُ أمْ قبيح ما يستُرُ.
و عَزَّى عبد اللّه بن عباس عَن مَوْلودٍ صَغير مات له فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لمصيبة في غيرك لَكَ أَجْرُها أَحَبُّ إِلى مِنْ مُصِيبَةٍ فِيكَ لِغَيْرِكَ تَوابُها فَكَانَ لَكَ الأجْرُ لايك و حَسُنَ لَكَ العَزاء لاعَنْكَ وَعَرَّضَكَ اللّه عَنهُ (3) مِثلَ الّذي عَرَّضَهُ منك.
وقيل له : مَا التَّوْبَةُ النَّصُوحُ ؟ فقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): نَدَم بِالقَلْبِ وَاسْتِغْفار باللّسانِ والقَصْدُ عَلَى أنْ لا يعود (4).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إنَّكم مخلوقون اقتداراً ومَربُوبُونَ اقْتِساراً (5) وَمُضَمِّنُونَ أجداناً و كائِنُونَ رُفاتاً وَمَبْعُوثُونَ أَفراداً وَمَدِينُونَ حِساباً، فَرَحِمَ اللّه عَبْداً اقْتَرَفَ فَاعْتَرَفَ. وَوَجِلَ فَعَمِلَ، وَحادَرَ فَبادَرَ، وعُبّر فاعتبر. وَحَذَرَ فَازْدَجَرَ. وَ أَجَابَ فَأَنَابَ وَرَاجَعَ فَتَابَ. وَ اقتدى فَاحْتَذى (6). فَبَاحَتْ طَلباً. ونجا هَرباً. وأفاد ذَخِيرَة، وأطابَ سَرِيرَة. وتأهَّب للمَعادِ. وَاسْتَظهر بالزادِ ليوم رجيله (7) ووَجهِ سَبيله وحال حاجَتِه و موطن فاقتِه، فَقَدَّم أمامَهُ لِدارِ مُقامِهِ. فَمَهدوا لأنفُسِكُمْ، فَهَلْ يَنتَظِرُ أهلُ غَضَارَةِ الشَّبَابِ إِلَّا حَوَانِي الهَرَمِ وأهل بَضَاضَةِ الصَّحَّةِ (8) إِلَّا نَوَازِلَ السَّقَمِ وأهل مُدَّةِ البَقَاءِ إِلَّامُفَاجَأَةَ الفَنَاءِ وَاقْتِرابَ القَوْتِ ودُنُوَّ الموت.
ص: 210
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اتقوا اللّه تقيةَ مَنْ شَمَّرَ تَجْرِيداً، وَجَدَّ تَسْمِيراً وانْكَمَشَ فِي مَهَلٍ وأَشْفَقَ في وَجَلٍ (1) وَ نَظَر في كرَّة الموئل وعاقِبَةِ المَصِيرِ و مَغَبَّةِ المَرْجِع (2) فَكَفى باللّه منتقماً و نَصِيراً وَكَفى بالجنّة ثواباً وتوالاً (3) وكَفَى بِالنَّارِ عقاباً ونكالا و كفى بكتاب اللّه حجيجاً وخصيماً (4).
وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَن السُّنَّةِ والبِدْعَةِ والفُرْقَةِ وَالجَمَاعَةِ، فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): أَمَّا السُّنَّةُ فَسُنَّة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ). وأما البدعة فما خالَفَها (5). وأما الفرقةُ فَأهْلُ البَاطِلِ وإِنْ كَثرُوا وأمّا الجَماعةُ فأهلُ الحقّ و إن قلّوا ؛ وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) (6): لا يرجو العبد إلا ربه ولا يخافُ إِلَّا ذَنْبه ولا يستحي العالم إذا سُئِلَ عما لا يَعْلَمُ أَنْ يَقُولَ : اللّه أَعْلَمُ (7) وَالصَّبْرُ مِنَ الإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنَ الجَسَدِ.
وقال له رَجُلٌ : أوصني. فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): أوصِيكَ أنْ لا يَكُونَنَّ لِعَمَلِ الخَيْرِ عِنْدَكَ غاية في الكثرَةِ وَلا لِعَمَل الإثم عِنْدَكَ غايةٌ في القِلَّةِ.
و قال لَهُ آخَرُ: أَوْصِنِي، فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا تُحَدِّتْ نَفْسَكَ بِفَقَرٍ وَلا طُولِ عُمر.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إِنَّ لِأهْلِ الدِّين علامات يُعرفونَ بِها : صِدْقُ الحَدِيث وأداء الأمانة ووفاء بالعهد وصلة للأرْحَامِ ورحمة للضعفاء وقلةُ مُواناةٍ للنِّساءِ (8) وبذل المعروف وحُسَنُ الخُلْقِ وسَعَةُ الحِلم و اتِّباعُ العلم وما يُقربُ مِنَ اللّه زُلفى، فَطُوبَى لَهُمْ وَحُسَنُ مَآبٍ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): ما أطال العبد الأمل إلا أننا العمل
ص: 211
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): ابنُ آدَمَ أَشبَهُ شَيْءٍ بالمعيار إما ناقص يجهل أوراجح بعلم.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): سباب المؤمن فسق وقتاله كفر وحرمة مالِهِ كَحَرْمَةِ دَمِه.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): أبذل لأخِيكَ دَمَكَ و مالَكَ وَلِعَدُوّكَ عَدْلَكَ وَإِنْصافَكَ وَ لِلْعَامَّةِ بشرك وإحسانك. سَلّمْ عَلَى النَّاس يُسلموا عَلَيْكَ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): سادَةُ النَّاس في الدُّنيا الأسخياء و في الآخرة الأتقياء.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): الّتي شَيْئَانِ فَشَيءٌ لِعَتِرِي لَمْ أَرْزَقَهُ فِيمَا مَضَى وَلَا آمَلُهُ فيما بقي وَ شَيْءٌ لا أناله دونَ وَقتِهِ، وَ توأجلَبْتُ عَليهِ بِقُوَّةِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، فَبِأَيِّ هَذَيْنِ أفنى عمري.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إنَّ المؤمِنَ إِذا نَظَرَ اعْتَبَر. وإذا سَكَتَ تَفَكَّرَ. وإذا تَكَلَّمَ ذَكَرَ. و إِذَا اسْتَغْنى شَكَرَ. وَ إذا أصابَتْهُ شِدَّةٌ صَبَرَ، فَهُوَ قَرِيبُ الرضى، بَعِيدُ السُّخْطِ، يُرْضِيهِ عَن اللّه اليسير ولا يُسْخِطه الكثير ولا يبلغ بنيته إرادته في الخير، ينوي كثيراً مِنَ الخَيرِ ويَعْمَلُ بِطائِفَةٍ مِنْهُ ويَتلَهفُ عَلى ما فاتَهُ مِنَ الخَيْرِ كَيْفَ لَمْ يَعْمَلَ بِهِ (1). والمنافِقُ إذا نَظَرَ لَها وإذا سَكَتَ سَها وَ إِذا تَكَلَّم لغا (2) وَإِذَا اسْتَغْنى طَعَا و إذا أصابَتْهُ شدة ضغا (3)، فهو قريب الشخطِ بعيد الرضى، يُسْخِطُهُ عَلَى اللّه اليَسِيرُ ولا يُرْضِيهِ الكَثِيرُ ينوِي كَثِيراً مِنَ الشَّرِّ وَيَعْمَلُ بِطائِفَةٍ مِنْهُ وَيَتَلَهَفُ عَلى ما فاتَهُ مِنَ الشَّرَ كَيْفَ لم يَعْمَلَ بِه.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): الدُّنيا والآخِرَةُ عَدُوَّانِ مُتَعادِيانِ وَ سَبِيلانِ مُخْتَلِفان، مَنْ أَحَبَّ الدُّنيا و والاها أبغض الآخِرَة وعاداها، مَثَلُهُما مَثَلُ المشرق و المغرب والماشي بَيْنَهُما لا يَزْدادُ مِنْ أحَدِهِما قُرْباً إِلَّا ازْدادَ مِنَ الآخَرِ بُعْداً.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَنْ خَافَ الوَعِيدَ قَرُبَ عليه البعيدُ (4). ومَنْ كانَ مِنْ قوتِ الدُّنيا له لا يشبع لم يكفه مِنها ما يَجْمَعُ. ومَنْ سَعَى لِلدُّنيا فاتته. ومَنْ قَعَدَ عَنْهَا أَنتَه. إنما الدُّنيا
ص: 212
ظِل ممدود إلى أجَلٍ مَعدُودٍ. رَحِمَ اللّه عَبداً سَمِعَ حُكماً فَوَعَى وَدْعِي إِلَى الرَّشادِ فَدَنَا وَأَخَذَ بِحُجزة ناج هادٍ فنجا (1)، قدم خالصاً وعَمِلَ صَالِحاً [قَدَّم] مَذْخُوراً و اجْتَنب محذوراً، رَمَى غُرَضاً (2) [ وأخْرَزَ عِوضاً]، كابرهواهُ وَ كَذَّب مُنَاهُ، جَعَلَ الصَّبْرَ مَطِيةَ نجاتِه و التقوى عُدُّةَ وَفاتِه (3)، لَزِمَ الطَّرِيقَةَ الغَرَّاءَ وَ المَحَجَّةَ البيضاء، واغتنم المهل وَاغْتَنَمَ وَبادَرَ الأَجَلَ وَ تَزَوَّدَ مِنَ العَمَلِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) لرَجُلٍ : كَيْفَ أنتم ؟ فقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): نَرْجُود نَخَافُ، فَقَالَ : مَنْ رَجا شَيئاً طَلَبَهُ و مَنْ خَافَ شيئاً هَرَبَ مِنْهُ، ما أَدْرِي ماخوفُ رَجُلٍ عَرَضَتْ لَهُ شَهْوَةٌ فَلَمْ يَدَعُها لما خافَ مِنْهُ و ما أدري ما رَجَهُ رَجُلٍ نَزَلَ بِه بَلاء فَلَمْ يَصْبِرْ عَلَيْهِ لِما يَرْجُو.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) لعبايَةَ بن ربعي (4) وَقَدْ سَأَلَهُ عَنِ الاسْتِطَاعَةِ الّتي تَقُومُ وَنَقْعُدُ وتَفْعَل : إنَّكَ سألْتَ عَن الاسْتِطَاعَةِ فَهَلْ تَمْلِكُها مِن دُونِ اللّه، أَو مَعَ اللّه، فَسَكَتَ عَبَايَةٌ، فَقَالَ لَهُ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ): إن قُلْتَ : تَمْلِكُها مَعَ اللّه قَتَلْتُكَ وَإِنْ قُلْتَ : تَمْلِكُها دُونَ اللّه قَتَلْتُكَ، [ف-] -قال عباية : فَما أقولُ ؟ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): تَقولُ : إِنَّكَ تَمْلِكُها باللّه الّذي يَمْلِكُها مِنْ دُونِكَ فإن مَلكَكَ إيَّاها كانَ ذلِكَ مِنْ عَطايه وإن سَلَبَكَها كان ذلك من بلايه، فهو المالك لما ملككَ وَالقَادِرُ عَلَى مَا عَلَيْهِ أَقْدَرَكَ (5).
قال الأصبغ بن نباتة (6) : سَمِعْتُ أمير المؤمنينَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقولُ : أَحَدٌثُكُمْ بِحَدِيثٍ
ص: 213
ينبغي لِكُلِّ مُسلِم أن يعيه، ثمَّ أقبل علينا، فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): ما عاقَبَ اللّه عَبْداً مُؤْمِناً فِي هَذِهِ الدُّنيا إلا كان أجودَ وَأَمْجَدَ مِنْ أنْ يَعُودَ فِي عِقابِهِ يَوْمَ القِيامَةِ. ولا سَتَرَ اللّه عَلى عَبدِ مؤمن في هذه الدُّنيا وعفا عَنه إلا كان أَمْجَدَ وأَجْوَدَ وأكرَمَ مِنْ أَنْ يَعُودَ فِي عَفْوِه يَوْمَ القِيامَةِ، ثمَّ قَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وقد يبتلي اللّه المؤمِنَ بِالبَلِيَّةِ في بَدَنِهِ أو ماله أو ولده أو أهله وتلا هذه الآية : «ما أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (1)، وَضَعَ يَدَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ و يقول : «وَيَعْفُو عَنْ كَبير».
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أول القطيعةِ السَّجا. وَلا تَأسَ أَحَداً إِذا كانَ مَلُولاً (2) أَقْبَحُ المكافاة المجازاة بالاساءة.
و قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): أول إعجاب المرء بنَفْسِهِ فَسادُ عَقْلِهِ، مَنْ غَلَبَ لِسَانَهُ أَمِنْهُ، مَنْ لَمْ يُصْلِحْ خَلائِقَهُ كَثُرَتْ بَوائِقَهُ (3). مَنْ سَاءَ خُلقه مَلَهُ أهلُهُ. رُبَّ كَلِمَةٍ سَلَبَتْ نِعْمَةُ. الشكر عِصْمَةٌ مِنَ الفِتْنَةِ. الصيانة رأسُ المروّة. شَفيع المذنب خُضُوعُه، أَصْلُ الحَزْمِ الوقوف عند الشبهة. في سَعَةِ الأخلاقِ كُنُوزُ الأَرْزاقِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): المصائب بالسَّوِيَّةِ مَقْسُومَة بَيْنَ البَرِيَّة. لاتَيْأَسُ لِذَنْبِكَ وباب التَّوْبَةِ مفتوح. الرشد في خلافِ الشَّهْوَةِ. تاريخ المنى الموتُ. النَّظَرُ إِلَى البَحْيل يُقْسِي القلب. النظر إلى الأحمق يُسْخِنُ العَيْنَ (4). السَّخَاءُ فِطْنَةٌ، وَاللُّوْمَ تَغَافُلُ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): الفَقْرُ المَوتُ الأَكْبَرُ. وقِلَّةُ العِيالِ أَحَدُ اليَسَارَيْنِ وهو نِصْفُ العَيْشِ والهمُّ نصفُ الهَرَمِ. وما عالَ امرؤ اقتصد (5). وما عَطَبِ امْرُو اسْتَشارَ. وَالصَنِيعَهُ لا تَصْلَحَ إلَّا عِنْدَذِي حَسَبٍ أودين. وَالسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ. وَالمَغْبُونَ لا تَحَمُودُ ولا مَأجُورٌ. البرُّ لا يبلى. وَالذَّنْبُ لا ينسى.
ص: 214
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إصْطَنعُوا المعروف (1) تكسبوا الحمد. واستشعروا الحمد يونس بكم [العقلاء]. وَدَعُوا الفُضُولَ يُجانِبكُمُ السُّفهاء. وأكرِمُوا الجَلِيسَ تَعْمُرُ نادِيكُم (2). وحاموا عَنِ الخليط يُرْغَبُ في جوَارِكُم. وأنصفُوا النَّاس مِنْ أَنفُسِكُم يُوثقٌ بِكُم. وعليكم بمكارم الأخلاقِ فَإنَّها رفعة. وإياكم والأخلاق الدَّنِيَّةَ فَإِنْها تَضَعُ الشَّرِيفَ وتَهْدِمُ المجد. وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): اقنع تعز.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): الصبر جُنَّةٌ مِنَ الفَاقَةِ. والحِرْضُ عَلامَةُ الفَقْر. والتجملُ اجتناب المَسْكَنَة. والمَوْعِظَةٌ كَيْفَ مَنْ لَجَأ إليها
و قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَن كَسَاهُ العِلْمُ ثَوْبَهُ اخْتَفى عَنِ النَّاس عَيْبُهُ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا عَيْشَ لِحَسُودٍ. ولا مَوَدَّةَ لِلملولٍ. وَلَا مُرُوةَ لِكَذوب.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): تروح إلى بقاء عِزَّك بالوحدة.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): كلّ عَزيزِ داخِلٍ تَحْتَ القُدْرَةِ فَدَليلٌ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): أهْلَكَ النَّاس اثْنَانِ : خَوْفُ الفَقْرِ وطَلَبُ الفَحْرِ.
و قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): أيُّها النَّاس إيّاكم وحُبَّ الدُّنيا فَإِنَّهَا رَأَسُ كلّ خَطِيئَةٍ وبَابُ كلّ بلية وقرانُ كلّ فِتْنَةٍ وَدَاعِي كلّ رَزِيَّةٍ (3).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): جُمِعَ الخَيْرُ كله في ثلاث خصال : النَّظَرُ والسُّكُوتُ والكَلامُ، فَكُلُ نظر ليس فيه اعتبار فهو سهو. وكُل سكوت ليس فيه فكرة فهو غَفَلَةٌ. وكُلُّ كلام ليس فيه ذكر فهو لغو، فطوبى لمن كان نَظَرُه عِبرة وسُكوتُه فكرة وكلامه ذكراً و بكى على خَطيئَتِه وأمِنَ النَّاس مِنْ شَرِّه (4).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): ما أعْجَبَ هذا الإنسانَ مَسْرُور بدرك مالم يكن لِيَفُوتَهُ، مَحْزُون على قوتِ مالم يكن لندرِكَهُ وَلَوْ أنه فكر لا بصَرُ وعَلِمَ أنهُ مُدَبَّرُ وَأنَّ الرِّزْقَ عَلَيْهِ مُقدر ولا قتصر على ما تيسر ولَمْ يَتَعَرضُ لِما تَعَسّر (5).
ص: 215
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذا طاف في الأسواق ووعظهم قال : يا معشر التَّجَارِ قَدَّمُوا الاستخارة و تَبَرَّكوا بالسُّهُولَةِ. وَ اقْتَرِبوا مِنَ المُبْتَاعِينَ (1) وَ تَزَيَّنُوا بِالحِلم و تَناهَوا عَن اليمين. وجانبوا الكذبَ وتَجافُوا عَنِ الظُّلم (2) وَأَنْصِفُوا المَظْلُومِينَ وَلا تَقَرَبَوُا الرَّبا. وأَوْفُوا الكَيْلَ والميزان ولا تَبْخَسُوا النَّاس أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْنُوا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ.
وَسُئِلَ أَيُّ شَيْءٍ لِمَا خَلَقَ اللّه أَحْسَنُ ؟ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): الكلام. فقيل : أَيُّ شَيْءٍ ما خَلَقَ اللّه أَقْبَحُ ؟ قال : الكلام، ثمَّ قَالَ : بِالكَلامِ ابْيَضَّتِ الوُجُوهُ وبالكلامِ اسْوَدَّتِ الوُجُوهُ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): قولوا الخير تعرفوا [به] واعملوا به تكونُوا مِنْ أَهْلِه.
و قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إذا حَضَرَتْ بَلِيَّةُ فَاجْعَلُوا أَمْوالَكُم دُونَ أنفسكم. وإذا نَزَلَتْ نازلةٌ فَاجْعَلُوا أنفسكم دُونَ دِينِكُمْ. واعْلَمُوا أَنَّ الهَالِكَ مَنْ هَلَكَ دِينَهُ. والحَرِيبُ مَن سُلِبَ دِينُهُ (3). ألا وإنه لا فَقَرَ بَعْدَ الجنّة ولا غنى بَعْدَ النَّارِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا يَجِدُ عَبد طعم الإيمانِ حتّى يَتْرُكَ الكِذَّبَ هَزَلَهُ وَجِده (4).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): ينبغي لِلرَّجُلِ المُسْلِمِ أَن يَجْتَنِبُ مُوْاحَاةَ الكَذَابَ، إِنَّهُ يَكْذِبُ حتى يجيء بالصِّدْقِ فَما يُصَدَّقُ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): أعظم الخَطَايَا اقْتِطَاعُ مَالِ امْرِيءٍ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حقَّ (5).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَنْ خَافَ القِصاصَ كَفَ عَنْ ظُلْم النَّاسِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): ما رأيت ظالماً أشبَهُ بِمَظْلُوم مِنَ الْحَاسِدِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): العامِلُ بالظلم و المعين عليهِ والرَّاضِي بِهِ شُرَكاءُ ثَلَاثَةٌ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): الصَّبْرُ صَبْرانِ : صَبْرُ عندَ المُصيبَة حَسَنٌ [ جَمِيلٌ وأَحْسَنُ مِنْ ذلِكَ الصَّبرُ عندَ ما حَرَّمَ اللّه عليك. والذكر ذكران : ذكر عندَ المَصِيبَةِ حَسَنٌ [جَميلٌ] وأَفْضَلُ من ذلك ذكرُ اللّه عندَما حَرَّمَ [ اللّه ] عليك فيكون ذلك حاجزاً.
ص: 216
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): اللّهمّ لا تجعل بي حاجَةً إلى أحَدٍ مِنْ شِرارِ خَلْقِكَ وما جَعَلْتَ بي مِن حَاجَةٍ فَاجْعَلْها إلى أحْسَنِهم وَجَها وأسخاهم بها نَفْساً وأَطْلَقِهم بِها لِساناً وأقلهم على بها مناً.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): طوبى لمن يَألفُ النَّاس ويألفونَهُ على طاعة اللّه.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إن من حقيقة الإيمان أن يُؤثر العبدُ الصَّدقَ حتّى نَفَرَعَنِ الكذب حيْثُ يَنفَعُ. ولا يعد المرء بِمَقَالَتِهِ عِلْمَهُ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): أدوا الأمانَةَ وَلَوْ إِلَى قَاتِلِ وَلَدِ الأنبياء (1).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): التَّقوى سنحُ الإيمان.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): ألا إِنَّ الذَّل في طاعَةِ اللّه أقْرَبُ إِلى العِزَّ مِنَ التَّعَاوُنِ بِمَعْصِيَةِ اللّه.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : المال والبنونَ حَرْثُ الدُّنيا و العمل الصالح حَرْتُ الآخِرَةِ وَقد جَمَعَهُمَا اللّه لأقوام.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَكتوب في التَّوراةِ في صَحِيفَتَيْنِ، إِحْدَيهما : مَنْ أَصْبَحَ عَلَى الدَّنیا حزيناً فقد أصْبَحَ لِقضاء اللّه ساخطاً. ومَن أَصْبَحَ مِنَ المُؤْمِنِينَ يَشكو مُصِيبَةٌ نَزَّلَتْ بِهِ إِلَى مَن يُخالِفهُ على دِينِهِ فَإِنَّمَا يَشْكُو رَبَّهُ إِلى عَدُوهُ. وَمَنْ تَوَاضَعَ لِعَنيّ طَلَبَا لِمَا عِنْدَه ذَهَبَ ثُلْثَا دِينِهِ (2). ومَنْ قَرَأ القُرآن فمات فَدَخَلَ الشَّارَ فهو ممَّنْ يَتَّخِذُ آياتِ اللّه هُزُواً. وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): في الصَّحِيفَةِ الأخرى : مَنْ لَمْ يَسْتَشِر يندم وَمَنْ يَسْتَأْثِرَ مِنَ الأمْوالِ يَهْلِكُ (3) و الفقر الموت الأكبر.
و قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): الإنسانُ لبُّهُ لِسانُهُ. وعقله دِينُهُ. و مُرُوّتُهُ حَيْثُ يَجْعَلُ نَفْسَهُ. وَ الرِّزْقُ مَقْسُومٌ والأَيام دول. والنَّاسُ إِلَى آدَمَ شِرْعُ سَواءٌ (4).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لِكَميل بن زياد : رُويدَكَ لا تَشْهَرُ (5) وَأَخْفِ شَخْصَكَ لا تُذكَر.
ص: 217
تعلم تعلَم. وَاصْمُتْ تَسْلَم. لَا عَلَيْكَ إِذا عَرَفَكَ دِينَهُ لا تَعرِفُ النَّاس وَلَا يَعْرِفُونَكَ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): ليس الحكيمُ مَنْ لَمْ يُدارٍ مَن لا يَجِدُبُداً مِن مُدارَأَتِه.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): أَرْبَعُ لَوْضَرَبْتُم فِيهِنَّ أكباد الابل (1) لكان ذلك يسيراً : لا يَرْجُونَ أَحَدٌ إِلَّا رَبَّهُ. ولا يخافن الاذنبة. ولا يستحينّ أنْ يَقُولَ : لا أَعْلَمُ إِذا هُوَلَمْ يَعْلَمْ. ولا بستكيرن أن يتعلم إذا لم يعلم.
وكتب إلى عَبْدِ اللّه بن العباس أما بعد فاطلب ما يعنيكَ وَاتْرُك ما لا يعنيكَ فَإِنَّ في ترك مالا يعنيك ذرك ما يعنيك وإنما تقدم على ما أسلفت لَا عَلَى مَا خَلَفْتَ. وَابْن مَا تَلْقَاهُ غداً على ما تلقاه والسلام.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) إن أحْسَنَ ما يَألفُ بِهِ النَّاس قلوب أودّائهم ونَفَوابِه الضَّعْنَ عَنْ قُلُوبِ أعدائهم حسن البشر عند لقائهم والتفقد في غيبتهم وَ البَشاشَةُ بِهم عند حضورهم.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا يَجِدُ عبد طعم الإيمان حتّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَه وَمَا أَعْطَاهُ لَمْ يَكن ليصيبه.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): يا رَبِّ ما أشقى جد مَنْ لَمْ يَعظُمْ فِي عَيْنِهِ وَقَلْبِهِ مَا رَأَى مِن مُلْكِكَ وَ سُلْطانِكَ في جنب ما لَمْ تَرَ عَيْنُهُ وَقَلْبُهُ مِنْ مُلكِكَ وسُلْطَانِكَ. وَأَشْقَى مِنْهُ مَنْ لَمْ يَصْغر في عَيْنِه وقلبه ما رأى ومالَمْ يَرَ مِنْ مُلْكِكَ وسُلْطانِكَ في جَنْبِ عَظَمَتِكَ وجَلالِكَ، لا إله إلَّا أنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إنما الدُّنيا فناء وعناء وغير وعِبَر فَمِنْ فَنائها أَنَّكَ تَرَى الدَّهْرَ مُوتِراً قَوْسَهُ مُفَوِّقاً نَبْلَه (2) لا تخطيء، سهامه ولا تُشفى جراحه، يَرْمى الصَّحِيحَ بِالسَّقْمِ والحَيَّ بالموتِ. ومِنْ عَنائِها أنَّ المَرَّء يَجْمَعُ مَالا يأكل ويبني ما لا يَسْكُنُ، ثمَّ يَخْرُجْ إِلَى اللّه مالاً حمل ولا بناء نَقَلَ. ومِنْ غيرِها (3) أنك ترى المغبوطَ مَرْحُو ما و المَرَحُومَ مَغبوطاً لَيْسَ بَيْنَهُمُ. (4)
ص: 218
إلا نَعِيم زال وبُؤْسٌ نَزَل (1) ومِنْ عِبَرِها أَنَّ المَرَء، يُشْرِفُ عَلَى أَمَلِهِ فَيَتَخَطَّفُه أَجَلُهُ (2) فَلا أمل مدروك ولا مؤمِّلُ مَتَرُوكَ فَسُبحانَ [الله] ما أَعَزَّ سُرورها وأظمأ ريَّها و أضحى فيشها فكَأَنَّ ما كان مِنَ الدُّنيا لم يكن، وكَأَنَّ ما هو كائِن قَدْ كانَ. [و] أنَّ الدار الآخِرَةَ هي دار المقام ودار القرار و جَنَّةٌ ونار. صارَ أولياء اللّه إِلَى الأَجْرِ بِالصَّبْرِ وَ إِلَى الأَمَلِ بالعمل.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): مِن أَحَبُّ السَّبُلِ إِلَى اللّه جُرعَتَانِ : جُرعَةً غَيْظِ تَرُدُّها بحِلْمٍ وجُرعَةً حُزْنٍ تَرُدُّها بِصَبرٍ. ومِن أَحَبُّ السَّبُلِ إِلَى اللّه قَطْرَتانِ : قَطَرَةً دُمُوعِ فِي جَوْفِ اللَّيلِ و قطرة دمٍ في سبيل اللّه وَ مِنْ أَحَبِّ السُّبُل إِلَى اللّه خَطْوَتَانِ : خُطْوَةً أَمْرِهِ مُسلِم يَشُدُّ بِها صفّا في سَبِيلِ اللّه و خُطْوَةٌ فِي صِلَةِ الرَّحِمِ [وهي] أفْضَلُ مِنْ خُطُوَةٍ يَشدّ (3) بها صَفَا فِي سبيل اللّه.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا يكونُ الصَّدِيقُ لِأَخِيهِ صَدِيقاً حتّى يَحْفَظَهُ في نَكْبَتِهِ وَ غَيْبَتِهِ وَ بعد وفاته.
و قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إنَّ قلوب الجمال تستفزُّها الأطماع و تَرْهَنُها المنى وتَسْتَعْلِقُها الخدائع (4).
و قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): من اسْتَحْكَمَتْ فيهِ خَصْلَةٌ مِن خصال الخيرِ اغْتَفَرتُ ما سواها و لا أَغْتَفِرُ فقد عقل ولا دين لأن مفارقة الدِّين مُفارَقَةُ الأمن ولاحياةَ مَعَ مَخافَةٍ. وَفَقَدَ العَقْلِ
ص: 219
فقد الحَياةِ ولا يُقاسُ [ إلا ] بالأموات (1).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَنْ عَرَّضَ نفْسَه لِلتَّهمة فلا يلومَنَّ مَن أَسَاءَ بِهِ الظَّنُّ و مَن كَتَمَ سِرَّه كانت الخيرة في يده (2).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إِنَّ اللّه عَذِّبُ سِةٌ بِسِتّة : العَرَبَ بِالعَصبية والدهاقين بالكبر والأمراء بالجور والفقهاء بالحَسَدِ والتَّجار بالخيانة وأهل الرستاق بالجَهْلِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): أيُّها النَّاس اتَّقُوا اللّه، فَإِنَّ الصَّبْرَ عَلَى التَّقوى أهْوَنُ مِنَ الصبر على عَذَابِ اللّه.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): الزُّهد في الدُّنيا قَصْرُ الأمل. و شكر كلّ نِعَمَةٍ، وَالوَرَعُ عَنِ كُلِّما حَرَّم اللّه.
قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إنَّ الأشياء لما ازْدَوَجَتْ ازْدَوَجَ الكَسَلُ وَالْعَجْرُ فَنَتَجَ مِنْهُمَا الفقر (3).
وقال(عَلَيهِ السَّلَامُ): ألا إن الأيام ثلاثَةٌ : يَوْمَ مَضى لا تَرْجُوهُ ويَوْمَ بَقِي لا بُدَّ مِنْهُ (4). ويَوْمُ يَأْتِي لا تأمَنَهُ فَالأَمْسُ مَوْعِظَةٌ وَاليَوْمُ غَنِيمَةٌ، وغَدٌ لا تَدْرِي مَنْ أَهْلُه ؛ أَمْسِ شاهِدٌ مَقْبُول و اليوم أمين مُوداً. وغَدٌ يَعْجَلُ بِنَفْسِكَ سَرِيعَ الظَّعَنِ (5) طويل الغيبة أتاك ولم تأتِه. أيُّها النَّاس إِنَّ البقاء بعد الفناء ولم تكن إلا وقد ورثنا مَنْ كَانَ قَبْلَنَا وَلَنَا وَارِثُونَ بَعْدَنا فَاسْتَصْلِحُوا ما تَقْدِمُونَ عَلَيْهِ بِما تظعَنُونَ عَنْهُ. وَ اسْلُكُوا سُبُلَ الخَيْرِ، وَلَا تَسْتَوْحِشُوا فيها لِقِلَّةِ أَهْلِها وَاذْكَرُوا حَسَنَ صُحْبَةِ اللّه لَكُمْ فِيها. ألا وَ إِنَّ العَوادِي اليَوْمَ والهبات
ص: 220
غداً. و إنما نَحْنُ فُرُوعٌ لأصولٍ قَدْ مَضَتْ، فَما بَقَاءُ الفروع بعد أصولها. أيُّها النَّاس إنَّكم إن آثرتمُ الدُّنيا عليُّ الآخِرَةِ أسرعتم إجابتها إلى العَرَضِ الأدْنى ورَحَلَتْ قطايا آمالكم إلى الغاية القصوى، تُورِدُ مَناهِلَ عاقِبَتُها النّدَمُ وَتُذِيقَكُمْ مَا فَعَلَتْ بِالأُمَمِ الخالِيَةِ والقُرونِ الماضِيَةِ مِنْ تَغَيَّر الحالاتِ وَتَكُونِ المَثَلاتِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): الصَّلاةَ قُرْبانَ كلّ تَقِي، والحَجَّ جِهادُ كلّ ضَعِيفٌ، و لِكُلِّ شَيْءٍ زكاةً وزكاة البدن الصيام، وأفضلُ عَمَلِ المَرْءِ انتِظارُه فَرَجَ اللّه والداعي بلا عمل كالرَّامي بلاوتر، ومَن أيَقَنَ بِالخَلْفِ جَادَ بِالعَطِيَّة ؛ إسْتَنزِلُوا الرِّزْقَ بِالصَّدَقَةِ، وَحَصَنُوا أموالكم بالزَّكاةِ، وما عالَ امرء اقتصد. وَالتَّقدير نصفُ العيش، والتَّوَدُّد نصفُ العَقلِ. والهم نصفُ الهَرَمِ، وقلّة العِيالِ أَحَدُ اليَسَارَينِ، ومَنْ أَحْزَنَ والديهِ عَقَهُما، وَمَنْ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى فَخِذِهِ عِندَ المُصِيبَةِ حَبِطَ أجره و الصَّنيعة لا تكونُ صَنيعة إلا عندَ ذِي حَسَبِ أَودِينِ، واللّه يُنْزِلُ الصَّبر على قَدْرِ المُصيبَةِ، فَمَنْ قَدَّرَ رَزَقَهُ اللّه وَ مَنْ بَدَّرَ حَرَمَهُ اللّه، والأمانَةُ تَجُرُّ الرِّزْقَ، والخِيانَةُ تَجُرُّ الفَقْرَ و لَوْ أَرادَ اللّه بِالنَّمْلَةِ صَلاحاً ما أنبَتَ [لها] جناحاً.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): متاع الدُّنيا حُطام وثراثها كباب، بلغتها أفضل من أثرتها، وقلعتها أرْكَنُ مِنْ طُمَأنِينَتِها (1)، حكم بالفاقة على مكثرها. وأعينَ بِالرَّاحَةِ مَن رَغِبَ عَنها، مَنْ راقَهُ رُواؤُها (2) أعقبَتْ ناظريْهِ كَمَها (3). ومَنِ اسْتَشْعَرَ شَغَفَهَا مَلَأَت قلبَهُ أَسْجانا، لَهُنَّ رَقص على سُوَيْداء قلبه كرقيص الزَّبْدَةِ على أغراض المِدْرَجَة (4) هَم يَحْزَنُه وهَمَّ
ص: 221
يشغله (1) كَذلِكَ حتّى يُؤخذ بكَظّمه ويُقطَعَ أبهراهُ ويَلْقى هاماً لِلْقَضاءِ، طَرِيحاً هيناً على اللّه مَدَاهُ (2) و عَلى الأبْرَارِ مَلْقاه (3) وَإنّما يَنظُرُ المؤمِنُ إِلَى الدُّنيا بِعَيْنِ الاِعْتِبَارِ و يقتاتُ مِنْها بِبَطنِ الإضطرارِ وَيَسْمَعُ فيها بأذُنِ النّفث (4).
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): تَعَلَّمُوا الحِلْمَ فَإِنَّ العِلْمَ خَلِيلُ المُؤْمِنَ وَوَزِيرُه والعلم دليله والرفق أخوه والعقل رفيقه والصبر أمِيرُ جُنُودِه.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) لِرَجُلٍ تَجاوَزَ الحَدَّ في التَّقَشُّفِ (5) : يا هذا أما سَمِعتَ قول اللّه : «وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدَّثْ (6)، فواللّه لا بتذالكَ نِعَمَ اللّه بِالفِعالِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِن ابتذالكَها بالمقال.
وقال لابنه الحَسَنِ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) : أوصيك بتقوى اللّه وإقام الصلاة لوقتها وإيتاء الزكاة عند محلها. وأوصيك بمغفرة الذنب وكظم الغيظ وصِلَةِ الرَّحِمِ وَالحِلْمِ عند الجاهل والتَّفقه في الدِّين والتثبت في الأخرِ والتَّعهد للقرآنِ وحُسْنِ الجِوارِ والأمر بالمعروف والنهي عَنِ المُنكَرِ وَاجْتِنَاب الفَوَاحِشِ كُلِّهَا فِي كلّ مَاعُصِيَ اللّه فِيه.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) قوام الدُّنيا بِأَرْبَعَةِ : بعالم مُسْتَعْمِل لِعِلْمِهِ. وبغني باذلٍ لِمَعْرُوفِه. و بجاهل لا يتكبر أن يتعلّم وبفقير لا يبيع آخرته بدنيا غيره. وإذا عَطَّلَ العالم علمه وأمسك الغنى معروفَهُ وتَكَبَّرَ الجاهِل أن يتعلم و باغ الفقير آخرته بدنيا غيره فَعَلَيْهِمُ الثَّبورُ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَنِ اسْتَطَاعَ أنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ مِنْ أربعة أشياء فهو خَلِيقُ بأن لا يَنْزِلَ
ص: 222
به مَكَرُوهُ أَبَداً، قيل : و ماهُنَّ يا أمير المؤمنينَ ؟ قال : العَجَلَةُ والأَجاجَةُ والعُجب و التّواني.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): اعْلَمُوا عباد اللّه أن التقوى حصن حَصِينُ والفُجُورُ حِصْنُ دَليلُ. لَا يَمْنَعُ أهْلَهُ ولا يَحْرُزُ مَنْ لَجَأَ إِليه، ألا و بالتقوى تُقْطَعُ حُمَة الخَطايا (1) وَبِالصَّبْرِ على طاعةِ اللّه يُنالُ تَوابُ اللّه. و باليقين تدرك الغاية القصوى. عِبادَ اللّه إِنَّ اللّه لَم يَحظَرْ عَلَى أوليائه ما فيه نجاتهم (2) إِذْ دَلَّهم عَلَيْهِ وَلَمْ يُقتطهُم مِن رَحْمَتِهِ لِعِصْيانِهِم إيّاه إِن تَابُوا إِلَيه.
وقال الصمت حكم، والشكوتُ سَلامَة، و الكتمَانُ طَرْفُ مِنَ السَّعادَة.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): تَذِلُّ الأمورُ لِلمَقْدُورِ حتّى نَصِيرَ الآفَةُ فِي التَّدْبِير (3).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا تتمّ مروة الرَّجُلِ حتّى يتفقة [ في دِينِهِ] و يَقْتَصِدَ في مَعِيشَتِه ويَصْبرَ عَلى النائبة إذا نَزَلَتْ بِهِ وَيَسْتَعْذِبَ مَرَارَةَ إِخْوائِهِ.
وسئل (عَلَيهِ السَّلَامُ): ما المُرُوةُ ؟ فَقَالَ : لا تفعل شيئاً في السِّرِّ تَستحيي مِنْهُ في العَلانِيَةِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): الاستغفارُ مَعَ الإضرارِ ذُنُوبٌ مُجددةً.
و قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): سَكنوا في أَنفُسِكُم مَعْرِفَة ما تَعْبُدُونَ حتّى يَنْفَعَكُمْ مَا تُحْرُّكُونَ من الجوارح بعبادة مَنْ تَعْرِفُونَ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): المستأكِلُ بِدِينِهِ حَظِّهُ مِنْ دِينِهِ مَا يَأْكُلُه.
و قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): الإيمانُ قَولُ مَقْبُول (4) وعمل معمول وعِرفان بال[م-]-عقول.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): الايمانُ عَلَى أربَعَةِ أرْكَانِ التَّوَكُلِ عَلَى اللّه وَ التَّفويض إلى اللّه والتسليم لأمْرِ اللّه وَالرضى بقضاء اللّه وَأرْكَانُ الكَفْرِ أَرْبَعَةُ : الرَّغْبَةُ والرَّهْبَةُ وَالغَضب والشهوة (5).
وقال : مَنْ زَهَدَ في الدُّنيا و لَم يَجْزَعَ مِنْ ذلِها وَلَمْ يُنافِسُ في عِزَّها (6)
ص: 223
هَداهُ اللّه بِغَيْرِ هدايَةٍ مِنْ مَخلوقٍ وعَلَّمَهُ بِغَيْرِ تعليم و أثبَتَ الحِكْمَةَ فِي صَدْرِه و أجراها على لسانه.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إن اللّه عباداً عاملوه بخالص مِنْ سِرِّه، فَشَكَرَ لَهُمْ بِخَالِص مِنْ شُكْرِه، فأولئِكَ تَمُرُّ صُحْفُهُمْ يَوْمَ القِيامَةِ فرّعاً (1)، فَإذا وقِفُوا بَيْنَ يَدَيْهِ مَلَأهَا لَهُمْ مِنْ سِرِّ ما أسَرُّوا إِلَيْهِ.
وقال : ذَلّلُوا أخلاقكم بالمحاسن وقودوها إلى المكارم، وعوِّدوا أنفسكم الحلم واصبر واعلى الايثار على أنفسكم فيما تجمدونَ عَنْهُ وَلاتُداقُّوا النَّاس وَزْنا بِوَزْن (2) و عَظِّموا أقدارَكُم بِالتَّغافِلِ عَنِ الدَّنِيِّ مِنَ الأمور. وَ أَمْسِكُوا رَمَقَ الضَّعِيف (3) بجاهكم وبالمعونة لَهُ إِنْ عَجَرْتُمْ عَمَّارَ جَاهُ عِنْدَكُمْ. ولا تكونوا بحّاثين عمَّا غاب عنكم (4) فيكثر غائبكم (5). وتحفَّظوا مِنَ الكَذِبِ، فَإِنَّهُ مِنْ أَدْنَى الأخلاقِ قَدْراً وَهُوَ نَوْعٌ عَنِ الفُحْشِ وَضَرْب مِنَ الدَّنَاءَةِ. وتَكَرَمُوا بِالتَّعَامِي عَنِ الاستقصاء - وروي بالتّعامُسِ من الاستقصاء - (6).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): كَفَى بِالأَجَلِ حرزاً. إِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاس إِلَّا وَمَعَهُ حَفَظَةٌ مِنَ اللّه يحفظونَهُ أنْ لا يَتَرَدَّى في شر ولا يَقعَ عَلَيْهِ حَافِط ولا يُصِيبَهُ سَبْعُ، فَإِذا جَاءَ أَجَلُهُ خلّوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَجَلِه.
ص: 224
[بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم]
وروى عن الامام السبط التقىّ أبي محمَّد الحسن بن عليّ صلوات اللّه عليهما ورحمته وبركاته في طوال هذه المعاني في أجوبته عن مسائل سأله عنها امير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أو غيره في معان مختلفة(1).
قيل له (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَا الزُّهد ؟ قال : الرَّغْبة في التَّقوى و الزَّهادة في الدُّنيا : قيل : فَمَا الحِلْمُ : قالَ : كَظم الغيظ ومَلكُ النَّفس، قيل : ما السَّداد ؛ قال : دفع المنكر بالمعروف قيل : فما الشرفُ : قالَ : اصْطِنَاعُ العَشِيرَةِ وحَمَل الجَرِيرَةِ، قيل : فَمَا النَّجْدَةُ؟ (2) قال : الذّب عن الجارِ وَالصَّبرُ في المواطن والإقدامُ عِندَ الكريهة. قيلَ : فَمَا المَجدُ ؟ قال : أن تعطي في الغرم (3) وأن تعفو عَنِ الجُزم. قيل : فَمَا المُروةَ ؟ قالَ : حِفظ الدِّين و إعزاز النَّفْسِ وَلِينُ الكَنفِ (4) و تعهّد الصنيعة و أداء الحُقوقِ وَ التَّحَبُّبُ إِلَى النَّاسِ. قيلَ : فَمَا الكَرَمُ : قال : الابتداء بالعطيَّة قبل المسألة و إطعام الطَّعام في المحل (5) قيل : إِطْعَامُ فَمَاالدَّنيئة ؛ قال : النظر في اليسير و مَنْعُ الحقير. قيل : فَمَا اللُّؤم، قَالَ : قِلَةُ النَّدَى وَأَنْ يُنطَقَ بالخنى (6). قيلَ : فَمَا السّماحُ ؟ قال : البذل في السرّاء والضرّاء. قيل : فما الشّحّ ؟ قال : أن ترى ما في يَدَيْك شَرَفاً وما أنفقته تَلَفاً. قيل : فما الإخاء ؟ قال : الإخاء في الشدّة والرّخاء. قيل : فما الجُبْنُ ؟ قال : الجرأة على الصديق والنّكولُ عَن العدوّ. قيل : فَمَا الغِنى ؟ قالَ : رِضَى النَّفْسِ بِما قَسِمَ لَها وَإِنْ قَلَ. قيلَ : فَمَا الفَقْرُ ؟ قَالَ : شَرَهُ النَّفْسِ
ص: 225
إلى كلّ شَيء. قيل : فما الجُودُ ؟ قالَ : بَذَلُ المَجهودِ. قيلَ : فَما الكَرَم ؟ قال : الحفاظ في الشِّدَّة والرَّخاء (1). قيل : فَمَا الجُرأة ؟ قالَ : مُواقفَةُ الأَقْرانِ (2). قيلَ : فَما المنعة ؟ قال : شِدَّة البأس ومُنازَعَةُ أعزَّاء النَّاس (3). قيلَ : فَما الذُّلُّ : قال : الفَرقُ عِنْدَ المصدوقة (4) قيل : فما الخُرْق : قال : مُناواتُكَ أميركَ ومَنْ يَقيرُ على ضُرّك (5). قبلَ : فَمَا السَّناء؟ قال : إتيانُ الجَميلِ وَ تَرْكُ القبيح (6). قيلَ : فمَا الحَزْمُ ؟ قال : طُولُ الأَناةِ والرِّفْقُ بالولاة والاختراسُ مِنَ جميعِ النَّاس (7). قيلَ : فَمَا الشَّرَفُ ؟ قال : مُوافَقَةُ الإخوانِ وحِفْظُ الجيران، قيل : فما الحرمان : قال : تَرَككَ حَظَّكَ وقد عُرِضَ عليك. قيل : فما السَّفه ؟ قال : اتِّباعُ الدُّناة و مُصاحَبَةُ الغُواةِ. قيلَ : فَمَا العَيّ (8) قال : العَبَثُ بِاللّحية وكثرة التَّنحنح عند المنطق. قيل : فما الشَّجاعة ؟ قال : موافقة الأقران والصبر عند الطَّعان. قبل فَما الكلْفَةَ ؟ قال : كَلامُكَ فيما لا يعنيك. قيل : وما السَّفاه (9) ؟ قال : الأحمق في ماله المتهاوِنُ بِعِرْضِه. قيل : فَما اللَّؤمُ ؟ قال : إِحْرَازُ المَرَةِ نَفْسَهُ وإِسْلَامُهُ عِرْسَه (10).
ص: 226
و من حكمه (عَلَيهِ السَّلَامُ) (1)
أيّها النَّاس إنه من نَصَحَ اللّه وأَخَذَ قوله دَليلاً هُدِي لِلَّتِي هي أقومُ ووفّقه اللّه لِلرّشاد وسَدَّدَه لِلحسنى فإنَّ جارَ اللّه آمِنْ محفوظ وعَدُوهُ خَائِف مخذول فاحترِسوا من اللّه بكثرة الذكر. وَاخْشُوا اللّه بالتقوى وتقرَّبوا إلى اللّه بالطّاعة فإنه قريب مجيب قال اللّه تبارك وتعالى : «وإذا سألك عبادي عني فإني قرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِدَادَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهم يَرْشُدُونَ» (2)، فَاسْتَجيبوا للّه و آمنوابه فإنه لا ينبغي لِمنْ عَرَفَ عظمة اللّه أن يَتَعاظَمَ، فَإِنَّ رِفعَةَ الّذين يَعْلَمُونَ عَظَمَةَ اللّه أَن يَتَوَاضَعُوا و [ عِزَّ] الّذين يَعْرِفُونَ ما جَلالُ اللّه أن يتذللّوا [له] و سَلامَةَ الّذين يعْلَمُونَ ما قَدَرَةُ اللّه أَنْ يَسْتَسْلِموا لَهُ وَلَا ينكِرُوا أَنفُسَهُم بعدَ المَعْرِفَةِ ولا يَضِلُّوا بعد الهدى (3) وَاعْلَمُوا عِلْماً يَقِينَا أَنَّكُم لَنْ تَعْرِفوا التَّقى حتّى تعرفوا صِفَةَ الهدى (4) ولَنْ تُمسكوا بمينات الكتاب حتّى تعرفوا الّذي نَبَذَه ولَنْ تَتْلُوا الكتابَ حَقٌّ تِلاوَتِه حتّى تعرفوا الّذي حَرَّفَه. فإذا عَرَفْتُمْ ذلك عَرَفْتُمُ البدع والتَّكلْفَ ورَأيْتُمُ الفِرْيَةَ عَلَى اللّه والتحريف ورَأَيْتُم كَيْفَ يَهوي من يهوي. ولا يَجْهَلنَّكم الّذين لا يَعْلَمُونَ. والتمسوا ذلك عِند أهلِهِ، فَإنهم خاصَّةً نوريسْتَضاءُ بِهِمْ و أئمّة يقتدى بهم، بهم عيش العِلْم و مَوتُ الجهل و هم الّذين أَخْبَرَكُمْ حِلمُهُمْ عَنْ جهلهم (5) و حُكْمُ مَنْطِقِهم عَن صَمْتهم، و ظاهِرُهم عن باطنهم، لا يخالفون الحقّ ولا
ص: 227
يختلفون فيه. وقد خَلَتْ لَهُمْ مِنَ اللّه سُنَّةٌ (1) و مَضى فيهم مِنَ اللّه حكم إِنَّ في ذلك لَذِكرَى لِلذاكِرِينَ. واعقِلوه (2) إذا سَمِعْتُمُوهُ عَقَلَ رِعايَةٍ ولا تَعْقِلُوهُ عَقْلَ رِوايَةٍ، فَإِنَّ رواة الكتاب كثير ورعاته قليل واللّه المستعان.
بعت معاوية رجلاً متنكّراً يسأل أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن مسائل سأله عنها ملك الروم فلما دخل الكوفة وخاطب أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنكره فَقَرَّرَهُ فَاعْتَرَفَ لَهُ بالحَالِ (3) فقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ): قاتل اللّه ابنَ آكِلَةِ الأكْبَادِمَا أضَله وأضَلَّ مَنْ مَعَهُ، قاتَلَهُ اللّه لَقَدْ أعتق جاريةً ما أحسن أن يتزوَّجها، حكم اللّه بيني و بين هَذِهِ الأمَّة قَطَعُوا رَحِي وَصَغَّرُوا عظيم منزِلَتي وأضاعوا أيّامي. عَلَيَّ بالحَسَنِ والحُسَينِ محمّدٍ، فَدَعوا، فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): يا أخا أهلِ الشّام هذان ابنا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وهذا إبني فَاسْأَلُ أَيَّهُمْ أَحْبَبْتَ، فقال الشاميُّ : أسأل هذا، يعني الحَسَنَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) (4) ثمَّ قال:
ص: 228
كم بين الحقّ والباطل ؟ وكم بين السَّماء والأرض ؛ وكم بين المشرق والمغرب ؟ و عن هذا المحو الّذي في القمر. وعن قوس قزح وعَنْ هَذِهِ الْمَجَرَّةَ وَعَنْ أَوَّلِ شَيْءٍ انْتَضَحَ على وجه الأرض وعَنْ أوَّلِ شَيْءٍ اهْتَزَّ عليها وعَنِ العَينِ الّتي تأوي إليها أرواح المؤمنين وَالْمُشْرِكِينَ (1). وعَنِ الْمُؤَنَّثِ. وعَنْ عَشَرَةِ أشياءَ بَعْضُهَا أَشدُّ مِنْ بَعْضٍ ؟.
فقال الحَسَنُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أخا أهل الشّام بين الحقّ وَالبَاطِلِ أَرْبَعُ أَصابع، ما رَأَيْتَ بعينيكَ فَهُوَ الحقّ وَقَد تسمع بأذنيك باطلاً كثيراً. وبَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ دَعْوَةُ المَظْلُومِ بَعَيْنَيْكَ ومدُّ البصر (2) فَمَنْ قالَ غير هذا فكذّبه. وبين المشرق والمغرب يوم مُطْرِدّ لِلشَّمس تنظر إلى الشمس حين تطلع وتنظر إليها حين تغرب من قال غير هذا فكذّبه. وأما هذه المجرة فهي أخراج السماء، مهبط الماء المتهمر على نوح (عَلَيهِ السَّلَامُ) (3) وأما قوس قزح : فلا تقل : قزح فَإِنَّ قَزَحَ شَيْطان ولكنها قَوْسُ اللّه وأمانٌ مِنَ الغَرْقِ (4). وأمّا لمَحْوُ الّذي فِي القَمَرِ فإنَّ ضَوءَ القَمَرِ كَانَ مِثْلَ ضَوءِ الشَّمْس فَمَحاه اللّه. وقال في كتابه : «فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَ جَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً (5)».
وأما أوَّلُ شَيْءٍ انْتَضَحَ على وجه الأرضِ فَهُوَ وَادِي دَلَسٍ (6). وَ أَمَا أَول شَيْءٍ اهتزَّ على وجه الأرْضِ فهي النَّخْلَةُ. وأما العين الّتي تأوي إليها أرواح المؤمنين فهي عين يقال:
ص: 229
لها سلمى (1). وأمّا العَيْنُ الّتي تأدي إليها أرواح الكافرين فهي عين يقالُ لَها : برهوت (2). وأما المؤنثُ فَإنسان لا يدرى امرأة هُوَ أو رَجُل فينتظر به العلم، فإن كانت امرأة بانت ثدياها وإنْ كانَ رَجُلاً خَرَجَتْ لِحَيتُه (3) وإلا قيل له يَبُولُ عَلَى الحَائِطِ فَإِنْ أَصَابَ الحائط بولهُ فَهُوَ رَجُلٌ وَ إِنْ نَكَصَ كما ينكصُ بَولُ البعير فهيَ امْرَأَة. وأمَّا عَشَرَةُ أشياءَ بَعضُها أَشَدُّ مِنْ بَعْضَ : فَأَشَدَّ شَيْءٍ خَلَقَ اللّه الحَجَرُ وأَشَدُّ مِنَ الحَجَر الحَدِيدُ وأَشَدَّ من الحَدِيدِ النّارُ وَأَشَدَّ مِنَ النّارِ الماء وأشدُّ مِنَ الماء السَّحاب وأشدُّ مِنَ السَّحَابِ الرِّيحُ وَأَشَدُّ مِنَ الريح الملك وأشدَّ مِنَ المَلَكِ مَلَكُ المَوتِ وَأَشَدَّ مِنْ مَلَكِ المَوْتِ المَوْتُ وأَشدَّ مِنَ المَوْتِ أمر اللّه (4).
قالَ الشَّامي : أشَهدُ أنَّكَ ابنُ رَسولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وأنّ عليا وَصِي محمّدٍ ثمَّ كَتَبَ هذا الجواب ومضى به إلى مُعادية وأنفذه معادية إلى ابن الأصفر (5) فلمّا أتاه قال : أَشْهَدُ أَنَّ هذا لَيْسَ مِنْ عِنْدِ مُعاوِيَةَ ولا هُوَ إِلَّا مِنْ مَعْدِن النُّبُوَّةَ (6).
ص: 230
كتب الحسن بن أبي الحسن البصري (1) إلى أبي عمد الحسن بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) أما بعد فإنَّكم مَعْشَرَ بني هاشم الفُلْكُ الجارية في اللّجَحِ العَامِرَةِ وَالأعلامُ النيرةُ الشَّاهِرَةُ أوْ كَسَفِينَةِ نُوحٍ (عَلَيهِ السَّلَامُ) الّتي نَزَلَها المؤمِنُونَ وَتَجافِيها المُسْلِمُونَ. كَتَبْتُ إِليكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللّه عِنْدَ اخْتِلافِنا في القَدَرِ وَحَيْرَتِنَا فِي الاسْتِطَاعَةِ، فَأخبرنا بِالّذي عَلَيْهِ رَأَيْكَ وَ رَأي آبائِكَ (عَلَيهِم السَّلَامُ) : فإِنَّ مِنْ عِلْمِ اللّه عِلَمَكُمْ وَأَنتُمْ شُهَدَاءُ عَلَى النَّاس واللّه الشَّاهِدُ عَلَيْكُمْ، ذُرِّيَّةٌ بَعضُها مِنْ بعض واللّه سميعٌ عَلِيمٌ. فَأَجَابَهُ الحَسَنُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : بسم اللّه الرحمن الرَّحِيمِ وَصَلَ إِلَيَّ كتابكَ وَلَوْلا ماذكَرْتَهُ مِنْ حَيْرَتِكَ وَحَيْرَة مَنْ مَضَى قَبْلَك إِذا ما أَخْبَرَتُك، أما بعد فَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَ شَرِّهِ أَنَّ اللّه يَعلَمُهُ فَقَد كَفَرَ وَمَنْ أَحالَ المَعَاصِيَ عَلَى اللّه فَقَدْ فَجَرَ إن اللّه لم يُطَعْ مُكْرَها وَلَمْ يُعضَ مَغلوباً ولَمْ يُهْمِلِ العِبادَ سُدى من المَمْلَكَةِ بَلْ هُوَ المالك لما ملّكهم والقادر على ما عليه أقدرهم، بَلْ أَمَرَهُمْ تَحْيِيراً وَنَهَاهُمْ تَحْذِيراً فَإِنِ ائتَمَرُوا بالطَّاعَةِ لَمْ يَجِدُوا عَنْها صاداً وَإِنِ انْتَهَوا إلى مَعْصِيَةِ فَشَاءَ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِمْ بِأَنْ يَحُولَ بَيْنَهُم وَبَيْنَها فَعَلَ وَإِنْ لَمْ يَفْعَل فَلَيْسَ هُوَ الّذي حَمَلَهُمْ عَلَيْها جَبراً ولا أُلْزِموها كَرْهاً بل مَنَّ عليهم بأن بَصَّرَهُمْ وَعَرَّفَهُمْ وَحَذَّرَهُمْ وأَمَرَهُمْ ونَهاهم لا جَبَلاً لَهُمْ عَلَى مَا أَمَرَهُمْ بِهِ فيكونوا كَالمَلائِكَةِ وَلا جَبْراً لَهُمْ عَلى ما نهاهم عنه وللّه الحجّة البَالِغَةُ فَلَوشَاءَ لَهَدِيكُمْ أَجْمَعِينَ و السّلام على من اتّبع الهدى (2).
ص: 231
إعْلَمُوا أَنَّ اللّه لَمْ يَخْلُقَكُم عَبَثاً ولَيْسَ بِتارِكِكُمْ سُدى، كتب آجالكم وقَسَمَ بينكم معائشكم ليعرف كلّ ذي لبٍّ منزِلَته وأنَّ ماقد رَ لَهُ أَصابَه و ما صُرِفَ عنه فَلَنْ يصيبه، قد كفاكم مؤونَةَ الدُّنيا وفرغكم لعبادته وحثَّكم على الشّكر وافترض عليكم الذِّكر و أوصاكم بالتّقوى وجعل التّقوى منتهى رضاه، والتّقوى بابُ كلّ تَوبة و رأسُ كلّ حِكْمَةٍ وَشَرَفُ كلّ عَمَلِ، بالتقوى فازَ مَن فازَ مِن المتّقين. قال اللّه تبارك و تعالى : «إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازا (1)». وقال : «وينجي اللّه الّذين اتَّقُوا بِمَفَازَتِهم، لا يَمَسُّهُمُ السُّوء ولاهم يحزنون (2)». فَاتَّقُوا اللّه عِبادَ اللّه وَاعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يَتَّقِ اللّه يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا مِنَ الفِتَنِ وَيُسَدِّدُهُ في أَمْرِهِ وَيُهَىِّء لَهُ رُشَدَهُ وَيُفْلِجهُ بِحُجَّتِهِ وَيُبَيضَ وَجَهَهُ ويُعطِهِ رَغْبَتَه، مَعَ الّذين أَنْعَمَ اللّه عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رفيقاً.
حمد اللّه وأثنى عليه وصلى على محمّد النبي وآله (3)، ثمَّ قال : مَنْ عَرَفَني فقد عرفني وَمَنْ لَمْ يُعرفني فأنا الحَسَنُ ابنُ رَسول اللّه، أنا ابنُ البشير النذير، أنا ابن المصطفى بالرسالة، أَنَا ابْنُ مَنْ صَلَّتْ عَلَيْهِ المَلائِكَةُ، أَنَا ابْنُ مَنْ شُرفَتْ بِهِ الأُمَّهُ، أَنَا ابْنُ مَنْ كان جبرئيل السَّفير مِنَ اللّه إليه، أنا ابنُ مَن بُعِثَ رحمة للعالمين [ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)] أجمعين. فَلَمْ يَقْدِرُ مُعاوِيَةُ أنْ يَكتُم عَداوَتَه وَحَسَدَه، فَقَالَ : يَا حَسَنُ عَلَيْكَ بِالرَّطَب فانعته لنا. قال : نعم يا مُعَاوِيَةَ الرِّيحُ تُلْقِحه و الشَّمْسُ تَنْفَخُهُ وَ القَمَرُ يُلَوِّنَهُ وَ الحَر
ص: 232
ينضجه والليل يبرده، ثمَّ أقبل على منطقه فقال : أنَا ابْنُ المُستجاب الدعوة، أنا ابنُ مَنْ كانَ مِنْ ربّه كَعَابٍ قَوْسَيْنِ أو أدنى، أنا ابْنُ الشفيع المطاع، أنا ابن مكة و منى، أنَا ابْنُ مَنْ خَضَعَتْ له قُرَيْسُ رَعْماً، أنا ابْنُ مَنْ سَعَدَ تَابِعُهُ وَشَقَيَ حَاذِلُهُ، أَنَا ابْنُ مَن جعلت الأَرْضُ لَهُ طَهُوراً ومَسْجِداً، أنا ابنُ مَن كانَتْ أخبار السماء إليه تترى (1)، أنا ابْنُ مَنْ أَذهَبَ اللّه عَنْهُمُ الرِّجْسَ وطَهَّرَهُم تطهيراً. فقالَ مُعاويةُ أَظُنُّ نَفْسَكَ يا حَسَن تُنازِعُكَ إلى الخلافة : فقالَ : وَيْلَكَ يا مُعاوِيَةُ إِنَّمَا الخليفة من سار بسيرة رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وعمل بطاعَةِ اللّه وَلَعَمْرِي إِنَّا لأعلامُ الهُدى وَمَنارُ التَّقَى وَلَكِنَّكَ يا معاويةُ ممَّن أَبَارَ السُّنَنَ وَ أَحيا البدع واتَّخَذَ عِبادَ اللّه خَوَلا (2) ودِينَ اللّه لَعِباً فَكَانَ قد أَخْمَلَ ما أنت فيه، فَعِشْتَ يسيراً وبقيت عليك تبعاتُه. يا معاوية واللّه لقد خلق اللّه مدينَتين إحديهما بالمشرق والأخرى بالمغرب أسماهما جابلقا وجابلسا، ما بعث اللّه إليهما أَحَداً غَيْرَ جَدي رسولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقال معاوية : يا أبا محمّد أخبرنا عن ليلة القدر. قال : نعم عَنْ مِثْلِ هذا فاسأل، إِنَّ اللّه خَلَقَ السَّماوات سبعاً و الأرضِينَ سَبْعاً و الجِنَّ مِنْ سَبْع والإِنسَ مِنْ سَبْعٍ لإنسَ مِنْ سَبْعٍ فَتَطْلُبُ مِنْ لَيْلَةِ ثَلَاثٍ وعشرينَ إِلَىٰ لَيْلَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ. ثمَّ نَهَضَ (عَلَيهِ السَّلَامُ).
قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): ما تَشاور قوم إلا هدوا إلى رشدهم
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): اللّؤم أن لا تشكر النعمة.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لبعض ولده : يابنيَّ لا تواخ أحداً حتّى تعرف موارده ومصادره فإذا استنبطت الخبرة (3) ورضيت العشرة فآخه على إقالة العشرة والمواساة في العُسْرَة.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لاتجاهد الطلب جهاد الغالب ولا تتكل على القدر اتّكال المستسلم
ص: 233
فَإِنَّ ابتغاء الفَضْلِ مِنَ السُّنة والإجمال في الطَّلَب مِنَ العفّة وليست العفّة بدافعة رزقاً ولا الحرص بجالب فَضْلاً، فَإِنَّ الرِّزْق مقسوم واستعمال الحِرْضِ اسْتِعْمَالُ المأثَم.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): القريبُ مَنْ قَرَّبَتْهُ المودة وإن بَعْدَ نَسَبه. و البعيد من باعدته المودة وإن قرب نَسَبهُ لاشيء أقرب من يد إلى جسَدو إن اليد تقل فَتَقْطَعُ وتحسم (1).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَنِ اتِّكل على حسن الاختيار مِنَ اللّه له لَمْ يَتَمَنَّ (2) أنه في غير الحال التي اختارها اللّه لَهُ وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): العار أَهَوْنُ مِنَ النار.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): الخير الّذي لا شرَّ فيه : الشكرُ مَعَ النِّعمة والصبر على النازلة.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) لرجل أبل مِنْ علّةٍ (3) : إنَّ اللّه قد ذَكَرَكَ فَاذْكُرْهُ وأَقالَكَ فَاشْكُرْه.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) عند صلحِهِ لِمِعاوِيةَ : إنا واللّه ما تنانَا عَنْ أهل الشام [شكّ ولاعدم، وإنما كُنا نقاتل أهل الشام ] بالسلامة والصبر، فلبَتِ السلامة بالعداوة و الصّبر بالجزع، وكنتم في مُنتَدَيكم إلى صفينَ وَدِينكم أَمامَ دُنياكم، وقَدْ أصْبَحْتُمُ اليَوْمَ و دنياكم أمام دينكم (4).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): ما أعرف أحداً إلا وهُوَ أَحْمَقُ فيما بينه وبين ربّه.
وقيل لَهُ: فِيكَ عَظَمَةٌ، فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): بل في عزة قال اللّه : «وللّه العِزَّة ولِرَسُولِهِ وللمؤمنين (5)».
(و قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) في وَصْفِ أخ كانَ لَهُ صالح (6)) :
كان مِنْ أَعْظَمِ النَّاس فِي عَيْني. و كانَ رَأْسُ مَاعَظُمَ بِهِ فِي عَيْنِي صِغَرَ الدُّنيا في
ص: 234
عَيْنِه (1) كان خارجاً مِنْ سُلْطانِ الجَهالَةِ، فَلا يَمديداً إلا على ثقة لمنفعة، كان لا يشتكي ولا يَتَسَخَطُ و لا يتبرَّم، كان أكثر ذهره صامتاً، فإذا قال بذا القائلين (2) كان ضعيفاً مستضعفاً، فإذا جاءَ الحِد فهو اللَّيثُ عادِياً (3)، كان إذا جامَعَ الْعُلَماء عَلَى أَنْ يَسْتَمَعَ أحْرَصَ مِنْهُ عَلى أن يقول، كان إذا غُلِبَ عَلَى الكَلامِ لَمْ يُغْلَبُ على السّكوتِ، كان لا يقول ما لا يفعل ويفعل ما لا يقول، كان إذا عُرِضَ له أمران لا يدري أيُّهما أقرَبُ إلى ربّه نَظَرَ أَقرَبَهُما مِنْ هَوَاهُ فَخالَفَه، كان لا يلومُ أحَداً على ماقد يقع العُذر في مثله.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) من أدام الاختلاف إلى المَسجِدِ أصابَ إحدى ثَمانِ : آيةٌ مُحْكَمَةً وأخاً مُستفاداً وعلماً مُسْتَطْرَفاً وَرَحْمَةٌ منتظرة وَكَلِمَة تَدُلَّهُ عَلَى الهُدَى أو تَرُدُّه عَنْ ردى وَتَرَكَ الذُّنُوبِ حَياء أو خشية.
ورزق غلاماً فأتته قريش تهنِّيه فقالوا : يُهنيك الفارس، فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) أي شيء هذا القول : ولعله يكون راجلاً، فقال له جابر : كيف نقول يا ابن رسول اللّه ؟ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إذا وُلِدَ لأحدكم غلام فأتَيْتُمُوهُ فقولوالَهُ : شَكَرْتَ الواهِبَ وبورك لك في الموهوب، بَلَغَ اللّه بِهِ أَشُدَّه (4) وَرَزَقَكَ برَّه.
وسُئِل عَنِ المُرُوةِ ؟ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): شُحُ الرَّجُلِ على دِينِهِ. وإصلاحه مالَهُ. وقِيامُهُ بالحقوقِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إِنَّ أَبْصَرَ الأَبْصارِ مانفذ في الخَيْرِ مَذْهَبُهُ، وَأَسْمَعَ الأَسْمَاعِ مَاوَعَى التذكير وانتَفَعَ بِه. أسْلَمُ القلوبِ ما طَهُرَ مِنَ الشَّبُهَاتِ.
ص: 235
وسأله رجل أن يُخيله (1) قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إيّاك أنْ تَمْتَحَنِي فأنا أعلَمُ بنفسي مِنكَ أو تُكذِبَنِي فَإنَّه لا رَأْيَ لمكذوب. أو تَعْتابَ عِنْدِي أحَداً، فقال له الرَّجُلُ : ائذَنْ لي في الانصراف، فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : نعم إذا شئتَ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إِنَّ مَنْ طَلَبَ العِبادَةَ تَزَكَى لَهَا. إِذا أَضَرَّتِ النَّوافِلُ بِالفَريضَةِ فَارْفَضُوها. اليقين معاذ للسلامة. مَنْ تذكر بعد السَّفَرِ اعْتَدَّ. ولا يَغْش العاقِلُ مَنِ استنصحه. بينكم وبين الموعظة حجابُ العزَّة. قطع العلمُ عُذر المتعلّمين (2)، كلّ معاجل يَسْأَلُ النَظْرَةَ (3). وكُل مُؤَجَلٍ يَتَعَلَّلُ بِالتَّسْوِيفِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اتقوا اللّه عِبادَ اللّه وَجِدوا في الطَّلَبِ وَتِجاة الهَرَب، و بادِرُوا العَمَلَ قبلَ مُقَطِعَاتِ النَّقَمَاتِ (4) وهادَمِ اللذَّاتِ فَإِنَّ الدُّنيا لا يدوم نعيمها ولا تُوْمَن فَجِيعُها ولا تتوفَّى مَساوِيها، غرور حائل، وسناد مائِل (5)، فَاتَّعِظوا عباد اللّه بالعِبَرِ، وَاعْتَبِرُوا بالأثر. و الزدجروا بالنعيم. وانتفعوا بالمواعظ، فكفى باللّه معتصماً و نَصيراً وكفى بالكتاب حجيجاً وخَصِيماً (6) وكفى بالجنية تواباً وكَفَى بِالنَّارِ عِقاباً ووبالاً.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إذا في أحدكم أخاه فليقبل مَوْضِعَ النور من جبهته.
ومَرَّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)في يوم فطر بقوم يلعبون ويضحكونَ فَوَقَفَ عَلَى رُؤوسِهِمْ فَقَالَ : إِنَّ اللّه جعل شهر رمضانَ مِضماراً لِخَلْقِه (7) فيستبقون فيه بطاعَتِه إِلى مَرْضاتِهِ فَسَبَقَ قَوْمَ فَفَارُوا و قَدَّرَ آخَرُونَ فَخابُوا فَالعَجَبَ كلّ العَجَب مِنْ ضَاحِك لاعب في اليَوْمِ الّذي يُثاب فيه المشينون ويخسر فيه المبطلون وايم اللّه لو كشف الغطاء لعلموا أنَّ المحيسن مشغول بإحسانه والمسييء، مشغول بإساءته، ثمَّ مضى.
ص: 236
[ بسم اللّه الرحمن الرحيم ]
و روى عن الامام التقى السبط الشهيد أبى عبد اللّه، الحسين بن على (عَلَيهَا السَّلَامُ) في طوال هذه المعاني
في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويروى عن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)
اعتبروا أيُّها النَّاس بما وَعَظَ اللّه به أولياءه من سوء ثنائه على الأخبار إذ يقول : «لَولا ينهيهُمُ الرَّبَّانِينَ وَالأخبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإثم (1)»، وقال : «لُعِنَ الّذين كَفَرُوا مِنْ بني إسرائيل - إلى قوله - لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (2)، وإِنما عَابَ اللّه ذلِكَ عليهم لأنَّهم كانوا يرون من الظُّلَمَةِ الّذين بينَ أظهرهم المنكر و الفَسَادَ فَلا يَنْهَونَهُم عن ذلِكَ رَغْبَةً فيما كانوا ينالون منهم ورهبة ممَّا يَحْذَرُونَ واللّه يقول : «فَلا تخشوا النَّاس وَاخْتَونِ (3)» وقال : «المؤمِنُونَ والمؤمِنَاتُ بَعْضُهُم أولياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمَعَرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ» (4)فَبدأ اللّه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضةٌ مِنْهُ، لِعِلْمِهِ بِأَنَّهَا إِذَا ادَّيَتْ وأَقِيمَتْ استقامَتِ الفَرائضُ كُلُّها هَيِّنُها وصَعَبها وذلك أنَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء إلى الإسلام مَعَ رَدِّ المظالم ومُخالفة الظّالم وقسمة الفيء، والغنائم وأخذِ الصَّدَقَاتِ مِنْ مواضعها ووضعها في حقِّها، ثمَّ أنتم أيَّتها العِصابَةُ عِصابة بالعِلْمِ مَشْهُورَةٌ وبالخَيْرِ مذكورة وبالنَّصيحة معروفة و باللّه في أنفسِ النَّاس مهابةُ، يَهابكم الشَّرِيف ويُكْرِمُكم الضعيف ويُؤْثِرُكم مَن لا فضل لكُم عَلَيْهِ ولا يَدٌلَكُم عِندَه، تَشفَعُونَ فِي الحَوائج إِذا امْتَنِعَتْ من طلّابها وتَمْشُونَ في الطريق بهيبة الملوك (5) وكَرَامَةِ الأكابر، أليس كلّ ذَلِكَ إِنَّمَا
ص: 237
نلتموه بما يرجى عندكم من القيام بحقِّ اللّه وإن كنتُمْ عَن أكثر حقه تقصِّرونَ فَاسْتَخفَقْتُمْ بحقِّ الأئمَّة، فأَما حَقِّ الضعفاءِ فَضَيَّعتُم و أما حَقَكُم بِزعمِكُمْ فَطَلَبْتُم. فلا مالا بَذَلْتُمُوهُ ولا نَفْساً خاطَرْتُم بِها لِلَّذِي خَلَقَها ولا عَشِيرَة عادَيْتُمُوها في ذاتِ اللّه انتم تَتَمَضَّونَ عَلَى اللّه جَنَّتَه و مُجاوَرَةً رُسُلِهِ وأماناً مِنْ عَذابه. لَقَد خَشِيتُ عليكم أيُّها المتمنُّونَ عَلَى اللّه أن تَحلَّ بكم نِقْمَةٌ مِنْ نَقَماتِه لأنكم بَلَغْتُم مِن كَرامَةِ اللّه مَنزِلَةٌ فَضَّلْتُمْ بِها مَن يُعْرَفُ باللّه لا تكرمُونَ وأنتم باللّه في عِباده تكرمون وقد تَرَونَ عُهُودَ اللّه مَنْقُوضَةٌ فَلا تَفَزَعُونَ وأنتم لبعض ذمم آبايكم تَفزَعُونَ وَذِمة رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) تحفورة (1) والعمى والبكم والزَّمنى في المدائن مُهْمَلَةٌ لا تُرْحَمُونَ ولا في مَنزِلَتِكُمْ تَعْمَلُونَ وَلا مَن عَمِلَ فيها تعينونَ (2) وبالادهانِ والمصانعةِ عِندَ الظُّلَمَةِ تَأْمَنُونَ، كلّ ذلِكَ ممَّا أمركم اللّه بِهِ مِنَ النَّهْي والتناهي و أنتم عنه غافِلُونَ. و أنتم أعظمُ النَّاس مُصِيبَةً لِما غُلَبْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ مَنازِلِ العلماء لو كنتم تشعرون(3). ذلك بأن مجاري الأمور و الأحكام على أَيْدِي العَلَماء باللّه (4) الأمناء على حَلالِهِ وحرامه فأنتم المسلوبون تِلْكَ المَنْزِلَةَ وما سلبتُم ذلكَ إِلَّا بِتَفَرُّ قِكم عن الحقّ و اختلافكم في السُّنَّةِ بَعْدَ البَيِّنَةِ الواضِحَة وَ لَوْ صَبَرْتم على الأذى و تَحَمَّلْتم المؤُونَةَ فِي دَاتِ اللّه كانت أمور اللّه عليكم ترد وعنكم تَصْدُرُ وإليكم تَرْجِعُ ولكنكُم مَكَّنتُمُ الظُّلَمَةَ مِنْ منزليكُمْ وَ اسْتَسْلَمْتُمْ أمور اللّه في أيديهم، يعملون بالشبهات و يسيرون في الشَّهَوَاتِ، سلطهم على ذلك فراركم من الموتِ وإعجابكم بالحياة الّتي هي مفارقتكم. فَأَسْلَمْتُم الضعفاء في أيديهم فَمِنْ بين مُسْتَعْبَدٍ مَقهور و بين مُسْتَضْعَفِ عَلَى مَعِيشَتِهِ مَعْلُوبٍ يَتَقَلَّبُونَ في الملكِ بآرائهم (5) ويستشعرون الخزي بأهوائهم إقتداء بالأشرارِ وجُرأة على الجبار، في كلّ بَلَد مِنْهُم على منبره خَطِيب يصقَعُ (6)، فالأرضُ لَهُم شَاعِرَةٌ وأَيْدِيهم فيها مَبْسُوطَةٌ
ص: 238
وَالنَّاسُ لَهُمْ خَوَل (1) لا يدفَعُونَ يَدَلامس، فَمِن بينِ جَبَّارٍ عَنِيد وذي سَطْوَةٍ عَلَى الضَّعَفَةِ شَدِيدٍ، مُطاع لا يعرف المبديء المعيد قيا عجبا و مالي [لا ] أَعْجَبُ وَالأَرْضُ مِنْ غَاسٌ غَشُومٍ (2) و مُتَصَدِّقِ ظَلُومٍ وعامل على المؤمنينَ بِهِم غَيرِ رَحِيمٍ، فَاللّه الحاكم فيمافيه تَنَازَعْنا والفاضي بحكمه فيما شَجَرَ بَيْنَنا.
اللّهمّ إنَّكَ تَعْلَمُ أنَّهُ لَمْ يَكُن ما كانَ مِنّا تَنافُساً في سُلْطَانٍ (3) وَلَا التماساً مِنْ فضول الحطام ولكن لنُرِيَ المعالم من دينك ونُظهر الإصلاح في بلادِكَ وَيَأْمَنَ المَظْلُومُونَ مِنْ عِبادِك ويُعمل بفرائضِكَ وسُنَنكَ وأحكامك، فَإِنْ لَمْ تَنْصُرُونَا وتَنْصِفُونا قوي الظُّلَمَةُ عليكم وعملوا في إطفاء نورنبيِّكم وحَسْبُنَا اللّه وَعَلَيْهِ تَوَكُلْنا وَإِلَيهِ أَنبنَا وَإِلَيْهِ المَصِيرُ.
اوصيكم بتقوى اللّه وَأَخَذْرُكم أيامه وأَرْفَعُ لكم أعلامه فَكَأَن المَخُوفَ قَدْ أفِدَ بمهول وروده و نكير حلوله وبَشِعِ مَذاقه فَاعْتلَقَ مُهْجَكم (4) وحالَ بينَ العَمَلِ وبَيْنَكُم، فبادروا بصحَّة الأجسام في مُدَّةِ الأعمارِ كَانَكُم بِبَغَتَاتِ طَوارِقِهِ (5) فَتَنْقُلُكُمْ مِنْ ظَهْرِ الأرضِ إِلَى بَطْنِها وَمِنْ عُلُوهَا إِلَى سُفْلِها وَمِنْ أُنْيها إلَى وَحْشَتِها وَمِنْ رَوْحِها وضَوْئِها إلى ظُلمتِها ومن سعيها إلى ضيقها. حيث لا يزال حميم ولا يعاد سقيم ولا يُجَابُ صَريخ. أعانَنَا اللّه وإياكم على أهوالِ ذلِكَ اليَوْمِ ونَجَّانا وإياكم مِنْ عقابِهِ وأوْجَبَ لَنَا وَلَكُمْ
ص: 239
الجزيل من ثوابه عباد اللّه فلو كانَ ذلِكَ قَصْرَ مَرْماكُمْ ومدى مَظْعَنِكُمْ (1) كانَ حَسْبُ العامِلِ شُغلاً يَسْتَفِرعُ عليه أخزانَه ويَذْهَلُهُ عَنْ دُنْيَاهُ وَيُكْثِرُ نَصَبَهُ لِطَلَبِ الخَلاصِ مِنْه، فكيف وَهُوَ بَعد ذلِكَ مُرتين باكتسابِهِ مُسْتَوقِف على حِسابِهِ لا وَزِيرَ لَهُ يَمْنَعُهُ ولا ظَهِيرَ عَنْهُ يَدْفَعُهُ، ويَوْمَئِذٍ لا يَنفَعُ نَفْساً إيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ في إيمانِها خَيْراً قُلِ انتظروا إِنَّا مُنتَظِرُونَ. أوصيكم بتقوى اللّه فَإِنَّ اللّه قَدْضَمِنَ لِمَنِ اتَّقَاهُ أَنْ يُحَوِّلَهُ عَمَّا يَكْرَهُ إلى ما يُحِبُّ وَيَرْزُقَهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ ممَّن يَخَافُ عَلَى العِبادِ مِنْ ذُنُوبِهِمْ وَ يَأْمَنُ العُقُوبَةَ مِنْ ذَنْبِهِ، فَإِنَّ اللّه تَبَارَكَ وتَعَالَى لَا يُخْدَعُ عَنْ جنَّته ولا يُنالُ مَا عِنْدَهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ إِنْ شَاءَ اللّه.
كتابه (عَلَيهِ السَّلَامُ) الى أهل الكوفة لما سارَورَ أَى خِذْلانَهُم إيّاه (2)
أما بعد فتبالكم أيتها الجماعةُ وتَرَحاً، حينَ اسْتَصْرَخْتُمُونا وَلِهِينَ فَأَصْرَخناكم موجفين (3) سَلَلْتُم عَلَيْنا سَيفاً كان في أيماننا وحششتم علينا ناراً اقتدحناها على عدوّنا وعَدُوّكم، فأصْبَحْتُم إِلبَا لَفاً على أوليائكم وَيَداً لأعدائِكُمْ بِغَيْرِ عَدْلٍ أَفَشَوْهُ فِيكُمْ
ص: 240
ولا لأمل أَصْبَحَ لَكُمْ فيهم وعَن غَيْرِ حَدَثٍ كَانَ مِنّا ولا رَأَي تَفَيِّلَ عنَّا (1) فَهَلّا - لَكُمُ الويلات - تَرَكْتُمونا والسَّيفُ مَشِيمُ والجَأشُ طَامِنُ والرَّأْيُ لَمْ يُسْتَحْصَف ولكن اسْتَسرَعْتُم إليها كتطائر الدَّبي وتداعيتُم عَنْهَا كَتَداعِي الفراش (2). فَسُحقاً وبُعداً لطواغيت الأمَّة وشَدَّاذِ الأحزاب ونَبَذَةِ الكِتابِ وَنَفَثّةِ الشَّيْطانِ وَمُحرِّ في الكلام و مطفي السَّنَنِ ومُلْحِقِي العَهْرَةِ بِالنَّسَب (3)، المُسْتَهْزِئِينَ الّذين جَعَلُوا القُرْآنَ عِضِينَ. واللّه إِنَّه لخذل فيكم معروف، قد وَشَجَتْ عَلَيْهِ عُروقكم وتَوَارَتْ عَلَيْهِ أُصولِكُمْ (4) فَكنتُم أخْبَثَ ثَمَرَةٍ شَجَا لِلنَّاطِرِ وَأَكَلَة لِلغَاصِب (5) ألا فَلَعَنَةُ اللّه عَلَى النَّاكِثِينَ الّذين يَنقُضُونَ الأيمان بعد توكيدها وقَدْ جَعَلُوا اللّه عَلَيْهِمْ كَفيلاً. أَلا إِنَّ الدَّعي ابنَ الدَّعِي قَد ْرَكَزَ مِن بَينَ اثنتين بَيْنَ المِلَّةِ وَالذَّلَّةِ وَهَيْهاتَ مِنا الدنيئة (6) يَأْبَى اللّه ذَلِكَ وَرَسُولُه والمؤمِنونَ وحجور طابَتْ وَانُوفٌ حميَّةٌ ونُفوس أبيَّة وأن (7) نُؤْثِرَ طَاعَةَ اللَّئَّامِ عَلَى مَصَارِعِ الكِرَامِ
ص: 241
وإني زاحف إليهم بهذِهِ الأسْرَةِ (1) عَلَى كَلْبِ العَدُوِّ وكَثْرَةِ العَدَدِ وخِذْلَةِ النَّاصِر ؟ الأوما يلبثون إلَّا كَرَيْمَا يُرْكَبُ الفَرْسُ حتّى تَدُورُرَهَا الحَرْبِ وتُعلَقُ النُّحورُ (2) عهد عَهِدَهُ إلى أبي فَاجْمِعوا أَمْرَكُمْ ثمَّ كيدُونِ فلا تُنْظِرُونَ، إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّه رَبِّي
رَبَّكُمْ مَا مِنْ دابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
حين وفداليه ويزيد بن معاوية في خبر طويل
(اختصرنا منه مَوْضِعَ الحاجة)
سأله عن المَجَرَّة وَعَنْ سَبْعَةِ أشياءَ خَلَقَهَا اللّه، لم تُخْلَق فِي رَحِمٍ ؟ فَضَحِكَ الحُسَينُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له : ما أَضْحَكَكَ، قال : لأنك سألتني عَنْ أشياء ما هِيَ مِنْ منتهى العلم إلا كالقذى في عرض البَحْرِ، أما المَجَرَّة فَهِيَ قَوْسُ اللّه. وسَبْعَةُ أشياء لم تخلق في رحم تُخَلَقَ فأولها آدم ثمَّ حَوَّا والغُرابُ وكَبْشُ إِبْرَاهِيمَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وناقة اللّه وعصا موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) والطَّير الّذي خَلَقَهُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ (عَلَيهِ السَّلَامُ).
ثم سأله عن أرزاق العباد، فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أرزاق العباد في السماء الرَّابعةِ يُنزلها اللّه بقدرٍ وَيَبْسُطُها بِقَدَرٍ.
ثم سأله عن أرواح المؤمنين أينَ تَجْتَمِعُ ؟ قال : تجتمعُ تَحْتَ صَخرة بيت المقدِس لَيْلَةَ الجُمُعَةِ وَهُوَ عَرْشُ اللّه الأذنى منها بسط الأرْضَ وإليها يطويها ومِنْهَا اسْتَوى إلَى السَّماءِ وَ أما أرواح الكفارِ فَتَجْتَمِعُ في دارِ الدُّنيا في حضرموتَ وَرَاء مَدِينَةِ اليَمَنِ (3)، ثمَّ يَبْعَثُ اللّه ناراً مِنَ المَشْرِقِ وناراً مِنَ المَغرِب بَيْنَهُما رِيحَانِ فَيَحْشُرانِ النَّاس إلى تلك الصخرة
ص: 242
في بيت المقدِس فَتَحبَسُ في يمين الصخرة وتُزلَفُ الجنّة لِلمُتَّقِينَ وجهنم في يسار الصخرة في تخوم الأرَضِينَ وفيها الفَلَقُ والسَّجِّينَ (1) فَتَفَرَّقَ الخَلائِقُ مِن عِندِ الصَّخْرَةِ، فَمَنْ وَجَبَتْ لَهُ الجنّة دَخَلَها مِن عِندِ الصَّخَرَةِ وَمَن وَجَبَتْ له النارُ دَخَلَها مِن عِندِ الصَّخْرَةِ (2).
سئل عن الجهادِ سُنَّةٌ أو فريضة : فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): الجهاد على أربعة أوجه : فجهادانِ فَرضَ وجِهادُ سُنَّةٍ لا يُقامُ إِلامَعَ فَرْضِ وجِهادُ سُنَّةٍ، فأما أحَدُ الفَرْضَيْنِ فَجِهادُ الرَّجُلِ نَفْسَهُ (3) عن مَعاصِي اللّه وهو مِنْ أَعْظَمِ الجِهادِ وَ مُجَاهَدَةُ الّذين يَلُونَكُمْ مِنَ الكُفَّارِ فَرْضُ. وأما الجهادُ الّذي هو سنة لا يُقامُ إِلَّا مَعَ فَرْض فَإِنَّ مَجاهَدَةَ العَدُو فرض على جميع الأمَّة له الأمَّة لوتركوا الجهاد لأتاهم العذاب وهذا هو مِنْ عَذَابِ الأمَّة وَهُوَ سُنَةٌ عَلَى الإمام. وحدهُ أنْ يَأْتِيَ العَدُو مَع الأمَّة فيجاهِدَهم. وأما الجهادُ الّذي هُوَ سُنَةٌ فَكُلُّ سُنّة أقامها الرَّجُلُ وجاهد في إقامتها وبلوغها وإحيائها فالعَمَلُ وَالسَّعي فيها مِنْ أفضل الأعمال لأنها إحياء سُنَّة وقد قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «مَنْ سَنّ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ فَلَهُ أَجْرُها وأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِها إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ مِنْ غَيْرِ أَن يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً (4).
ص: 243
أيها النَّاس اتَّقوا هؤلاء المارِقَةِ الّذين يُشَبِّهُونَ اللّه بِأَنفُسِهِمْ، يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الّذين كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتابِ بَلْ هُوَ اللّه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وهُوَ يُدْرِكُ الأبصار وهو اللَّطِيفُ الخَبِيرُ. استخلص الوَحْدانِيَّة والجَبَرُوتَ وَأَمْضَى المَشِيئَةَ والإرادة والقُدْرَةَ والعلم بما هُوَ كَائِنُ لا مُنازِعَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ وَلا كَفَوَ لَهُ يُعادِلُهُ وَلا ضِدَّ لَهُ يُنَازِعُهُ ولا سَميَّ لَهُ يُشَابُهُهُ ولا مِثْلَ لَهُ يُشاكِلُهُ. لا تَتَداوَلهُ الأمورُ ولا تَجْرِي عَلَيهِ الأحوال ولا تَنزِلُ عَلَيهِ الأحداث ولا يَقْدِرُ الواصِفُونَ كُنْه عَظَمَتِهِ ولا يخطر على القُلوبِ مَبْلَغَ جَبَرُوتِه، لأنَّه لَيْسَ لَهُ في الأشياء عَدِيلٌ ولا تُدْرِكُهُ العُلَماهُ بِالْبَابِها (1) ولا أهل التفكير بتفكيرهم إلا بالتحقيق (2) إيقانا بِالْغَيْبِ لأَنه لا يُوصَفُ بِشَيْءٍ مِنْ صفات المخلوقِينَ وَهُوَ الواحِدُ الصَّمَدُ، ما تصور في الأوْهَامِ فَهُوَ خِلافَهُ. لَيْسَ بِرَبِّ مَنْ طرح تحت البلاغ ومعبود من وجد في هواء أو غَير هَواء، هو في الأشياء كاين لا كينُونَةَ مَحْطُورٍ بِها عَلَيْهِ (3) وَمِنَ الأشياء باين لابينونة غالِبٍ عَنْهَا، لَيْسَ بِقَادِرٍ مَنْ قارَنَهُ ضِدُّ أَوْ
ص: 244
ساواه ندُّ. لَيْسَ عَن الدَّهْرِ قدمُهُ ولا بِالنَّاحِيَةِ أممه (1)، احْتَجِبَ عَنِ العُقُولِ كَمَا احْتَجَبَ عَنِ الأبصار. وعَمَّن في السَّماءِ احْتِجَابُهُ كَمَن في الأرضِ، قربه كَرامَتْهُ وبعده إهانته، لا تُحِلُهُ في وَلا تَوَقتَهُ إِذْ وَلَا تُوْامِرَهُ إِنْ عُلُوهُ مِن غَير تَوَقُل (2) وَمَجِيتُهُ مِنْ غَيْرِ تَنقُل، يُوجِدُ المفقود ويفْقِدُ الموجود ولا تَجْتَمِعُ لِغَيْرِهِ الصَّفَتانِ في وَقتٍ. يُصِيبُ الفِكْرُ مِنْهُ الإيمان به موجوداً وَوُجُودُ الإيمانِ لا وُجُودُ صفةٍ. بِهِ تُوْصَفُ الصَّفاتُ لا بها يُوصَفُ وبِه تُعْرَفُ المعارِفُ لا يها يعرفُ، فَذلِكَ اللّه لا سَمِي لَهُ، سُبْحانَهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) في مسيره إلى كَرْبَلاء (3) : إِنَّ هَذِهِ الدُّنيا قَدْ تَغَيَّرَتْ وتَنكَرَتْ وأَدْبَرَ مَعْرُوفُها، فَلَمْ يَبْقَ مِنها الاصبابَةٌ كَصَابَةِ الإناءِ وَخَسِيسُ عَيْشِ كَالمَرْعَى الوَبِيلِ، الْأَتَرَوْنَ أَنَّ الحقّ لَا يُعْمَلُ بِهِ وَ أَنَّ البَاطِلَ لا يُتناهى عَنْهُ، لِيَرْغَبَ الْمُؤْمِنُ فِي لِقَاءِ اللّه يُحقاً، فَإِنِّي لا أرى الموتَ إِلَّا سَعادَةً وَلَا الحَياةَ مَعَ الظَّالِمِينَ إِلَّا بَرَما. إِنَّ النَّاس عَبِيدُ الدُّنيا وَ الدِّين لَعَقَ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ (4) يَحُوطُونَهُ مَادَرَّتْ مَعَائِشَهُمْ فَإِذَا تُحْصُوا بِالبَلَاءِ (5) قَلَّ الديانونَ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) لرَجُلٍ اغْتَابَ عِنْدَهُ رَجُلاً : يا هذا كُفَّ عَنِ الغِيبَةِ فَإنها إدامُ كلاب النار.
و قال عنده رَجُلٌ: إِنَّ المعروف إذا أسْدِي إِلى غَيْرِ أهْلِهِ ضَاعَ (6) فقالَ الحُسَيْنُ (عَلَيهِ السَّلَامُ):
ص: 245
لَيْسَ كذلِكَ ولكن تَكُونُ الصَّنِيعَةُ مِثْلَ وابْلِ المَطَرِ تُصِيبُ البَرِّ وَالفَاجِرَ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): ما أخذ اللّه طاقة أحد إلا وضَعَ عَنْهُ طَاعَتَهُ. وَلَا أَخَذَ قَدَرَتَهُ إِلَّا وَضَعَ عنه كُلفته.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللّه رَغْبَةً فَتِلكَ عِبادَةُ التَّجَارِ و إِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللّه رَهْبَةً فتلك عبادة العبيد. وإن قوما عبدوا اللّه شكر أفَتِلكَ عِبادة الأحرار وهي أفضل العبادة.
وقال له رجل ابتداء : كَيْفَ أَنتَ عافاك اللّه ؟ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) له : السَّلامُ قَبلَ الكَلامِ عافاك اللّه ثمَّ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا تأذَنُو الأحَدٍ حتّى يُسلم.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): الاستدراج مِنَ اللّه سُبحانَهُ لِعَبْدِهِ أَنْ يُسْبَغَ عَلَيْهِ النِّعَمَ ويَسْلَبَهُ الشكر.
وكتب إلى عبد اللّه بن العباس حين سَيّر : (1) عبداللّه بن الزبير إلى اليمن : أما بعد بلغني أن ابن الزبيرسيرك إلى الطَّائِفِ فَرَفَعَ اللّه لكَ بِذلِكَ ذِكر أو حَطَّ بِهِ عَنكَ وِزر أو إنما يُبتلى الصَّالِحُونَ. وَلَوْلَمْ تُوجَر إلا فيما تُحِب لَقَل الأخرُ (2)، عزم اللّه لنا ولك بالصبر عِند البلوى والشكر عند النعمى (3) ولا أسْمَتَ بناو لايك عدوا حاسداً أبداً والسلام.
وأتاه رَجُلٌ فَسَأَلَهُ فَقَالَ : إِنَّ المَسألة لا تَصْلُحُ إِلَّا فِي غُرمٍ فَادِحٍ أَو فَقْرِ مُنقِعِ أو حمالةٍ مُفْظِعَةٍ (4)، فقال الرجل : ما جنت إلا في إحديهِنَّ، فَأَمَرَلَهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ.
وقال لابنه علي بنِ الحُسَيْنِ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) : أي بُنَيَّ إيّاك وظلم مَنْ لا يَجِدُ عَلَيْكَ ناصِراً إِلَّا اللّه جلَّ وعزَّ
وسأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ مَعْنَى قَوْلِ اللّه : «وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدَّثْ (5)»، قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): أَمَرَهُ
ص: 246
أن يُحدِّثَ بِمَا أَنْعَمَ اللّه بِهِ عَلَيْهِ فِي دِينِهِ.
وجاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الأنصارِيُرِيدُ أنْ يَسأَلَه حاجةً فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أخا الأنصار من وَجْهَكَ عَنْ بِدَلَةِ المسألة (1) وَارْفَعَ حاجَتَكَ فِي رُقْعَةٍ فَإِنِّي آتٍ فيها ماساركَ إِنْ شَاءَ اللّه، فكتب : يا أبا عبد اللّه إِنَّ لِفْلانِ عَلَى خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ وَقَدالَحَ بي فَكَلِّمْهُ يُنظرني إلى مَيْسَرَةٍ، فَلَمَّا قَرَأَ الحُسَيْنُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) الرَّقْعَةَ دَخَلَ إلى مَنْزِلِهِ فَأَخْرَجَ صُرَّة (2) فيها ألف دينار وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) له : أمَا خَمْسمِائَةٍ فَاقْضِ بها دَيْنَكَ وَ أَمَا خَمْسُمِائَةٍ فَاسْتَعِنْ بها عَلَى دَهْرِكَ ولا ترفع حاجتك إلا إلى أحَدٍ ثلاثة : إلى ذِي دِينِ، أَومُرُوةٍ، أَوْ حَسَبٍ، فَأَما ذو الدِّين فَيَصُونَ دِينَه. وأما ذو المُرُوةِ فَإِنَّهُ يَسْتَحْيِي لِمُرُويْهِ وَأَما ذو الحَسَبِ فَيَعْلَمُ أَنَّكَ لَمْ تُكرم وَجْهَكَ أنْ تَبذُلَهُ لَهُ في حَاجَتِكَ فَهُوَ يَصُونُ وَجْهَكَ أَنْ يَرُدَّكَ بِغَيْرِ قَضَاءِ حَاجَتِكَ.
و قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): الإِخْوانُ أربعة : فَأَخ لك و له و أخ لك و أخ عليك. و أخ لالك ولاله، فَسُئِلَ عَنْ مَعْنى ذلك : فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): الأخ الّذي هو لك وله فهو الأخ الّذي يَطْلُبُ بإخائه بقاء الإخاء، ولا يَطْلُبُ بإخائه موت الإخاءِ، فَهذا لَكَ وَ لَه لِأَنَّهُ إِذَا تَمَّ الإِخاءُ طابت حياتهما جَمِيعاً وإِذا دَخَلَ الإخاهُ في حالِ التَناقُضِ بَطَلَ جَمِيعاً. وَالأخُ الّذي هُوَلَكَ فهو الأخ الّذي قد خَرَجَ بِنَفْسِه عَن حالِ الطَّمَعِ إِلى حالِ الرَّغْبَةِ فلم يَطْمَعَ في الدُّنيا إِذا رَغِبَ في الإخاء فهذا موفر (3) عَلَيْكَ بكليته. والأخ الّذي هو عليك فهو د الأخ الّذي يَتَرَبَّص بكَ الدَّوائِرَ (4) ويُغْشِي السَّرائرَ ويَكْذِبُ عليكَ بَيْنَ العَشْائِرِ وَيَنْظُرُ في وجهكَ نَظَرَ الحَاسِدِ فَعَلَيْهِ لَعَنَةُ الوَاحِدِ. والأخ الّذي لالك و لاله فهو الّذي قد مَلَأهُ اللّه حمقاً فَأَبَعدَهُ سُحقاً (5) فَتَرَاهُ يؤثر نَفْسَه عَلَيْكَ وَيَطْلُبُ شُحاما لديك وقال : من دلائل علامات القبول : الجلوس إلى أهلِ العُقُول. ومِنْ عَلاماتِ
ص: 247
أسبابِ الجَهْلِ المُمَارَأَةُ لِغَيْرِ أَهْلِ الكُفْرِ (1). و مِنْ دَلَائِلِ العَالِمِ انْتِقادُهُ لِحَدِينِهِ وَ عِلْمُهُ بِحَقائقِ فُنُونِ النَّظَرِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إن المؤمِنَ اتَّخَذَ اللّه عِصْمتَه وقَوْلَهُ مِرْآتَهُ، فَمَرَّةً يَنْظُرُ فِي نَعْتِ المؤمنينَ وتارةً ينظرُ في وصف المتجبرين، فهو منه في لطائف. ومن نفسه في تَعارف ومِنْ فطنته في يَقِينِ. وَمِنْ قَدسِهِ عَلَى تَمْكِينِ (2).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إيّاك وما تعتَذِرُ مِنْهُ، فَإنَّ المؤمِنَ لا يُسيىء، ولا يَعْتَذِرُ. والمنافِقُ كلّ يومِ يَسِيى ويَعْتَذِرُ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): للسلام سَبْعُونَ حَسَنَةً تِسْع وَسِتُونَ لِلْمُبْتَدِيء، وواحِدَةٌ لِلرَّاد.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): البَحْيِلُ مَنْ بَخِلَ بالسلام.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَنْ حَاوَلَ أَمْر (3) بِمَعْصِيَةِ اللّه كَانَ أَفْوَتَ لِما يَرْجُو وَ أسرع لما يحذَرُ (4).
ص: 248
[ بسم اللّه الرحمن الرحيم ]
و روی عن الامام سيد العابدين على بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) في طوال هذه المعاني
لسائر اصحابه وشيعته وتذكيره اياهم كلّ يوم جمعة (1)
أيُّها النَّاس اتقوا اللّه واعلموا أنكم إليه راجعونَ، فَتَجِدُ كلّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ من خير مخضراً وما عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّه نَفْسَه (2) وَيْحَكَ يَا ابنَ آدَمَ الغَافِلَ وَلَيْسَ مَعْقُولاً عَنْهُ، إِنَّ أَجَلَكَ أَسْرَعُ شَيْءٍ إِلَيْكَ قَدْ أَقْبَلَ نحوك حنيثاً (3)، يطلبكَ ويُوشِكُ أنْ يُدْرِكَكَ فكان قد أوفيتَ أجْلَكَ وقد قَبَضَ الملك رُوحَكَ وصَيَّرْتَ إلى قبرك وحيداً، فَردَّ إليكَ رُوحَكَ واقتحم عليكَ مَلَكَاكَ مُنْكِرُ ونكير لمساءَلَتِكَ وَشَدِيدِ امْتِحَانِكَ. الأ و إنَّ أوّل ما يسألانك عَن رَبِّكَ الّذي كُنتَ تَعْبُدُهُ وعَنْ نَبيك الّذي أُرْسِلَ إِلَيْكَ و عن دِينِكَ الّذي كنتَ تَدِينُ بِهِ و عَن كتابك الّذي كنت تتلوه وعن إمامك الذى كنت تتولاه وعن عمرك فيما أفنيت وعن مالك من أين اكتسبته وفيما أنفقته (4)، فَخُذ حذرك وانظر لنَفْسِكَ وأعد الجواب قبل الامتحان والمساءلة والاختبار، فإنْ تَكُ مُؤمِناً عارِفاً (5) بدينك مُتَّبعاً لِلصَّادِقِينَ مُوالِياً لأولياء اللّه لَقْكَ اللّه حَجَتَكَ وأنطَقَ ليسانكَ بالصواب فأحْسَنَتَ الجَوابَ وبُشْرْتَ بالجنّة والرضوان من اللّه (6) و استقبلتك الملايكة بالروح والريحان و إِنْ لَمْ تَكُنْ كَذلِكَ تَلْجَلَجَ (7)
ص: 249
لسانك ودَحَضَتْ حُجَّتُكَ وَعَيِيتَ عن الجواب وبشِّرت بِالنَّارِ واستقبلتكَ مَلائِكَةُ العَذَابِ بنزلٍ مِنْ حَمِيمٍ وَ تَصَليَةِ جَحِيمٍ (1).
و اعلَم يَا ابن آدمَ أَنَّ ماوراء هذا أعْظَمُ وأقْطَعُ وأَوْجَعُ لِلْقلوب يومَ القِيامَةِ ذلكَ يَوْم مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاس وذلِكَ يَوْم مَشْهُودُ (2) يَجْمَعُ اللّه فِيهِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ يَوْمٌ ينفخ في الصورِ وَ يُبعثَر فيه القبور (3) ذلِكَ يَوْمُ الآزِفَةِ إِذِ القلوبُ لَدَى الحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ (4) ذلِكَ يَوْمَ لا تُقالُ فِيهِ عَثْرَةٌ (5) ولا تُؤْخَذُ مِنْ أَحَدٍ فِدْيَةٌ ولا تُقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ مَعْذِرَةٌ ولا لأحد فيه مستقبل توبةٍ، لَيْسَ إلَّا الجزاء بالحَسَناتِ والجزاء بالسيِّئاتِ، فَمَنْ كَانَ مِنَ المؤمنين عمل في هذه الدُّنيا مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِن خَيرٍ وَجَدهُ، وَمَنْ كَانَ مِنَ المؤمِنِينَ عَمِل في هذه الدُّنيا مِثقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ شَرٍّ وَجَدَهُ.
فَاحْذَرُوا أيُّها النَّاس مِنَ الذُّنوب والمعاصِي مَا قَدْ نَهاكُمُ اللّه عَنْها (6) وحَذَركُمُوها في الكتاب الصادِقِ والبيانِ النّاطق ولا تأمنوا مَكْر اللّه وتدميره (7) عند ما يدعوكم الشَّيطانُ اللَّعينُ إِليه مِنْ عَاجِلِ الشَّهَوَاتِ والذَّاتِ في هَذِهِ الدُّنيا، فَإِنَّ اللّه يَقُولُ : (إِنَّ الّذين اتَّقوا إذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإذاهُمْ مُبْصِرُونَ (8)» وأَشْعرُوا قلوبَكُمْ خَوفَ اللّه وتَذَكَرُوا ما [قَدْ] وَعَدَكُم فِي مَرْجِعِكُمْ إِلَيْهِ مِنْ حُسْنِ ثَوابِه كما قد خَوفكم من شَدِيدِ عِقابِهِ، فَإِنَّهُ مَنْ خَافَ شَيْئاً حَيْدَهُ وَمَنْ حَذرَ شَيْئًا تَرَكَه (9)
ص: 250
ولا تَكونُوا مِنَ الغافِلينَ المائِلِينَ إلى زَهْرَةِ الحَياةِ الدُّنيا (1) الّذين مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ وقد قال اللّه تعالى : «أَفَأَمِنَ الّذين مَكَرُوا السَّيِّئاتِ ] أنْ يَخْسِفَ اللّه بهِمُ الأَرْضَ أو يأتيتهمُ العَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبهِمْ فَما هُم بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُم عَلى تَخَوف (2)، فَاحْذَرُوا مَا حَذَرَكُمُ اللّه بِما فَعَلَ بالظلمة في كتابه ولا تأمنوا أنْ يُنَزِّلَ بكُمْ بَعْضَ ما تَوَعَّدَ بِهِ القَوْمِ الظَّالِمِينَ في كتابه لقد وَعَظَكُمُ اللّه بِغَيْرِ كم وإِنَّ السَّعِيدَ مَن وُعِظَ بِغَيْره. ولَقَدْ أسْمَعَكم اللّه في كتابه ما فَعَل بالقومِ الظَّالِمينَ مِن أهل القرى قبلكم حيث قال : (3). «وأَنشَأْنَا بَعْدَها قَوْماً آخَرِين»، وقال: «فَلَمّا أَحَسُوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ» يعني يهربون. قال : «لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إلى ما اترفتُم فِيهِ ومَساكِنَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ» فلما أتاهُمُ الْعَذَابُ «قالوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَّالِمِينَ» (4)، فَإِنْ قُلْتُمْ أيُّها النَّاس : إِنَّ اللّه إِنَّما عنى بهذا أهل الشّرك ؛ فكيف ذاكَ وهُوَ يقولُ : «وَنَضَعُ المَوازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيمة فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَابِها وَكَفَى بِنا حَاسِبِينَ (5)». اعْلَمُ و ا عِباد اللّه أنَّ أهل الشرك لا تُنصَبُ لَهُم الموازين ولا تُنْشَر لَهُم الدَّواوِينُ وَإِنَّمَا يُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً وإنما تنصبُ المَوَازِينُ و تُنشر الدَّواوِينُ لِاهْلِ الإِسْلامِ، فَاتَّقُوا اللّه عِبادَ اللّه وَاعْلَمُوا أن اللّه تعالى لم يُحبُّ زَهْرَةَ الدُّنيا لا حَدٍ مِن أوْلِيايه ولم يرغبهم فيها و في عاجلِ زَهْرَ تِها وظاهرٍ بهجتها فإنما خَلَقَ الدُّنيا وَخَلَقَ أَهْلَها لِيَبْلُوهُم فيها أيهم أَحْسَنُ عَمَلاً لا خِرَتِهِ وَأَيْمُ اللّه لَقَدْ ضُرِبَتْ لكم فيه الأمثالُ وصُرِفَتِ الآياتُ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ، فَكونوا أيُّها المُؤمِنونَ مِنَ
ص: 251
القَوْمِ الّذين يَعْقِلُونَ. ولا قوة إلا باللّه. وازْهَدُوا فيما زهدكم اللّه فيه مِن عاجلِ الحَياةِ الدُّنيا فإن اللّه يقول - وقوله الحقّ - : «إنما مثل الحيوةِ الدُّنيا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّماء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الأَرْضِ لِما يَأْكُلُ النَّاس وَالأنْعامُ حتّى إِذا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَها وازينت وظن أهلها أنهم قادِرُونَ عَلَيْها أَتيها أمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَانَ لَمْ تَغْنَ بِالأمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (1)»، ولا تَرْكَنُوا إِلَى الدُّنيا فإنَّ اللّه قال لمحمَّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)(2) «ولا تَرْكَنُوا إِلَى الّذين ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ (3)» ولا تَرْكنوا إلى هذِهِ الدُّنيا وما فيها رُكُونَ مَنِ اتَّخَذَها دار قرارٍ و مَنْزِلَ استيطان، فإنَّها دار قلعة ومَنزِلُ بُلْغَةٍ وَدار عمل، فَتَزَودوا الأعمالَ الصَّالِحَةَ قَبْلَ تَفَرَقِ أَيَّامِها وقَبْلَ الاذنِ مِنَ اللّه في خَرابها، فكانَ قَدْ أخربها الّذي عمرها أوَّل مَرَّةٍ وابتدأها وهو وَلِي ميراثها. وأسأل اللّه لنا ولكم العَوْنَ على تَزَودِ التّقوى والزهد في الدُّنيا جَعَلْنَا اللّه وإياكم مِنَ الزَّاهِدِينَ في عاجِلِ هذه الحَياةِ الدُّنيا، الرَّاغِبينَ فِي آجِلِ نَوابِ الْآخِرَةِ فَإِنَّمَا نَحْنُ لَهُ وبه والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته.
موعظه و زهد و حكمة (4)
فانا اللّه وإياكم كيد الظالمين وبقي الحاسدين وبطش الجبارين أيُّها المؤمنون لا يفتننَّكم الطواغيت وأتباعهم من أهلِ الرَّغبة في الدُّنيا المائلون إليها، المفتونون بها، المقبلون عليها وعلى حُطامها الهامِدِ وهَشيمها البائدِغَداً (5). وَاحْذَروا ماحَدٌ رَكم
ص: 252
اللّه مِنْها و ازْهَدوا فيما زَهَدَكُمُ اللّه فيه منها. ولا تَرْكنوا إلى ما في هذه الدُّنيا رُكونَ مَن أعَدَّها داراً وقراراً وباللّه إنَّ لكم مما فيها عليها دليلا (1) من زينتها وتصريف أيامها و تغيير انقلابها ومثلاتها وتلاعبها بأهلها، إنها لترفَعُ الخَمِيلَ (2) وتَضَعُ الشريف وتُورِدُ النار أقواماً غداً، ففي هذا معتبر ومختبر و زاجر لمنتَبِهِ (3). وإن الأمور الواردة عليكم في كلّ يومٍ وليلة من مُظْلِماتِ الفِتَنِ (4) وحَوادِثِ البِدَعِ وَسُنَنِ الجَوْرِ وبَوَائِقِ الزَّمانِ وهيبة السلطانِ ووَسْوَسَةِ الشَّيْطانِ لَتَثبَطُ القلوبَ عَنْ نِيتِها (5) وَتَذْهَلُها عَن مَوْجودِ الهُدى (6) ومَعْرِفَةِ أَهلِ الحقّ إِلَّا قليلا من عَصَمَ اللّه جَلَّ وَعَزَّ فليس يَعْرِفُ تَصَرُّفَ أَيامِهَا وتقلب حالاتها وعاقبة ضَرَرِ فِتْنَتِها إِلَّا مَنْ عَصَم اللّه و نهج سَبِيلَ الرَّشْدِهِ سَلَكَ طَرِيقَ القَصْدِ. ثمّ استعان على ذلك بالزهدِ، فَكَرَّرَ الفكرِ والعَظَ بِالعِبَرِ وَازْدَجَر، فَزَهَدَ في عَاجِلِ بهجةِ الدُّنيا وتَجافَى عَنْ لَذَّاتِها ورَغِبَ في دائم نعيمِ الآخِرَةِ وسَعَى لَهَا سَعيها وراقَبَ الموت وشنأ الحياة مع القوم الظَّالِمِينَ، فعند ذلك نظر إلى ما في الدُّنيا بِعَيْنِ نَيّرَة حَدِيدَةِ مَعَ النَظَرِ (7) وأبْصَرَ حَوادِتَ الفِتَنِ وضَلالَ البدع وجود الملوكِ الظَّلَمَةِ، فَقَد لَعَمْرِي اسْتَدبرتم مِنَ الأمورِ الماضِيَةِ في الأيّامِ الخَالِيَةِ مِنَ الفِتَنِ المتراكمة والانهماكِ فيها ما تَسْتَدِلُّونَ به على تجنب الغُواة وأهل البدع والبَغْيِ والفسادِ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الحقّ فَاسْتَعينوا باللّه وارجعوا إلى طاعته وطاعَةِ مَنْ هُوَ أولى بالطَّاعَةِ مِنْ طَاعَةِ مَنِ اتَّبع وأطيع.
فالحذر الحدد من قبل النَّدَامَةِ والحَسَرَةِ والقدوم على اللّه و الوقوفِ بين يَدَيهِ. وَتَاللّه ما صَدَرَ قوم قط عن مَعْصِيَة اللّه إِلَّا إِلى عَذابه وما آتَرَ قومَ قَط الدُّنيا عليُّ الْآخِرَةِ إِلَّا سَاءَ
ص: 253
منْقَلَبُهُمْ وساءَ مَصِيرُهم. ومَا العِلمُ باللّه والعمل بطاعَتِهِ (1) إِلَّا إِلْفَانِ مُؤْتَلِفانِ، فَمَنْ عَرَفَ اللّه خافَه فَحَثَّه الخَوفُ عَلَى العَمَلِ بِطَاعَةِ اللّه وإِنَّ أربابَ العِلْمِ وَأَتْبَاعَهُمُ الّذين عَرَفُوا اللّه فَعَمِلُوا لَه ورَغِبُوا إِلَيْهِ وقد قالَ اللّه «إنَّما يَخَشَى اللّه مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ، (2)» فَلا تَلْتَمِسُوا شَيئاً في هذِهِ الدُّنيا بِمَعصِيَةِ اللّه وَاسْتَغِلُوا فِي هَذِهِ الدُّنيا بطاعَةِ اللّه وَ اغْتَنِموا أَيامَها واسعوا لما فيه نجاتكم غداً من عذاب اللّه، فإن ذلك أقل لِلسَّبِعَةِ وَأدْنى مِنَ الْعَدْدِ وأَرْجا لِلنَّجاةِ. فَقَد مُوا أَمر اللّه وطاعَتَهُ وطَاعَةَ مَنْ أوْجَبَ اللّه طاعته بين يَدَيِ الأُمورِ كُلها ولا تقدموا الأمور الواردة عليكم من طاعَةِ الطَّواغيت وفَتَنَةِ زَهْرَةِ الدُّنيا بينَ يَدَيْ أَمْرِ اللّه وَطاعَتِهِ وطاعة أولي الأمر منكم وَاعْلَمُوا أَنَّكم عبيد اللّه ونحن مَعَكُمْ، يَحْكُم علينا وعليكم سَيِّد حاكم عداً وَهُوَ مُوقِفكُم ومَسائِلُكُمْ، فَأَعِدُّوا الجَوابَ قَبْلَ الوُقوفِ والمُسَاءَلَةِ والعَرْضِ عَلَى رب العالمينَ، يَوْمَئِذٍ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ. وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّه لَا يُصَدِّقُ كَذِباً. ولا يُكَذِّبُ صادقاً. ولا يَرُدُّ عَدَدَ مُسْتَحِق ولا يَعْذِرُ غَيرَ مَعَذُورٍ بَلْ للّه الحجّة عَلَى خَلْقِهِ بِالرُّسُلِ وَ الأوصياء بَعْدَ الرُّسُلِ. فَاتَّقُوا اللّه وَاسْتَقْبِلُوا مِن إِصْلَاحِ أَنْفُسِكُم (3) وطاعَةِ اللّه وطَاعَةِ مَنْ تَوَلُّونَهُ فيها، لَعَلَّ نادِماً قَدْ نَدِمَ على ما قدفَرَّطَ بِالأمْسِ فِي جَنبِ اللّه وَضَيَّعَ مِنْ حَق الله(4) وَاسْتَغفِروا اللّه وتوبوا إِلَيْهِ فَإِنَّهُ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ ويَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ وإياكم وصحبة العاصِينَ ومَعُونَةُ الظَّالِمِينَ ومُجاوَرَة الفاسقين. احذروا فتنتهم وتَباعَدُوا مِنْ سَاحَتِهم. وَاعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ خَالَفَ أولياء اللّه ودانَ بِغَيْرِ دِينِ اللّه وَ اسْتَبَدَّ بِأَمْرِه دونَ أمْرِ ولي اللّه في نادٍ تَلْتَهبُ تَأكُلُ أبْداناً [ قدغابَتْ عنها أرواحُها ] غَلَبَتْ عليها شِقَوتُها [ فَهُمْ موتى لا يجدونَ حَرَّ النَّارِ (5)] فَاعْتَبروا يا أولي الأبْصَارِ وَاحْدَوا اللّه عَلَى مَا هَنَاكُمْ.
ص: 254
وأعلموا أنكم لا تخرُجُونَ مِن قُدرَةِ اللّه إِلى غَيْرِ قَدَرَتِهِ وَسَيَرَى اللّه عَملَكُم ثمَّ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ فانتفعوا بالعِظة وتأدبوا بآداب الصالحين.
رسالته (عَلَيهِ السَّلَامُ) المعروفة برسالة الحقوق (1)
اعلم رحمك اللّه أنَّ اللّه عليك حقوقاً مُحيطة بك في كلّ حَرَكَةٍ تَحَرُكَتَها، أو سَكَنَةٍ سكنتها أو مَنْزِلَةٍ نَزَلْتها، أوجارِحَةٍ قَلَّبتها وآلةٍ تصرَّفتَ بها، بَعْضُها أكبَرُ مِنْ بَعْضٍ. وأَكْبَرُ حقوقِ اللّه عَلَيْكَ ما أَوْجَبَه لِنَفْسِه تَبارَكَ وتَعالى من حقيهِ الّذي هُوَ أَصْلُ الحُقوقِ ومنه تَفَرْعَ. ثمَّ أوْجَبَهُ عَلَيْكَ لِنَفْسِكَ مِنْ قَرْنِكَ إلى قدمِكَ عَلَى اختلاف جوارحك، فجعل لبصرك عليك حقاً ويسمعك عليك حقاً وللسانك عليك حقاً ولِيدِكَ عليك حقاً ولِرِجلك عليك حقاً ولبطنك عليك حقاً ولِفَرْجِكَ عليك حقاً، فهذه الجوارح السبع الّتي بها تكونُ الأفعالُ. ثمَّ جَعَلَ عَزَّ وَجَلَّ لأفعالِكَ عَلَيْكَ حقوقاً، فَجَعَلَ لِصَلاتِكَ عليك حقا ولِصَومِكَ عليك حقاً ويصدقتك عَلَيكَ حَقًّا وَلِهَدْيِكَ عَلَيكَ حَقاً ولا فَعالِكَ عَلَيكَ حَقًّا ثمَّ تَخْرُجُ الحقوق منكَ إلى غَيْرِكَ مِن ذوي الحقوقِ الواجبة عليك، وأوْجَبها عليك حقوقُ أَيمتِكَ ثمَّ حقوق رعيتك ثمَّ حقوق رَحِمكَ، فهذه حقوق بتشعب منها حقوق فحقوق ائمتكَ ثلاثة أوجبها عليك حق سائِيكَ بِالسَّلْطانِ ثمَّ سائِسِكَ بالعلم، ثمَّ حَق سَامِسِكَ بِالملكَ وكُلُّ سائِس
ص: 255
إمام (1) وحقوقُ رَعِيتِكَ ثَلاثَةٌ أَوْجَبُها عَلَيْكَ حَقٌّ رَعِيتِكَ بِالسّلطانِ، ثمَّ حَقٌّ رَعِيَّتِكَ بالعلم فإنَّ الجاهِلَ رَعيّة العالم و حق رعيتكَ بالملكِ مِنَ الأزواج و مَا مَلَكَتْ مِنَ الأيمان (2). وحقوقُ رَحِمكَ كثيرةُ مُتَّصِلة بقدر اتصال الرحم في القرابة. فأوجبها عليك حَق أُمِّكَ، ثمَّ حَق أبيك تم حَقٌّ وَلَدِك، ثمَّ حق أخِيكَ ثمَّ الأَقْرَبُ فَالأَقْرَبُ والأَوَّلُ فالأول، ثمَّ حق مَولاكَ المنْعِمُ عَلَيْكَ، ثمَّ حَق مولاكَ الجَارِيةِ نِعْمَتَكَ عَلَيْهِ، ثمَّ حَقٌّ ذِي المَعْرُوفِ لَدَيَاكَ، ثمَّ حَقَّ مُؤَذَنِكَ بِالصَّلاة، ثمَّ حَق إمامك في صلاتك، ثمَّ حَق جَليسِكَ ثمَّ حَق جارِكَ، ثمَّ حَق صاحِبك، ثمَّ حَق شَريكك، ثمَّ حَقٌّ مَالِكَ، ثمَّ حَقٌّ غَرِيمِكَ الّذي تُطالبه، ثمَّ حَقٌّ غَرِيمك الّذي يطالبك، ثمَّ حَق خَليطك، ثمَّ حق خَصْمِك المدعي عليك ثمَّ حَقٌّ خَصْمِكَ الّذي تَدَّعِي عَلَيْهِ، ثمَّ حَقٌّ مُسْتَشِيرِك، ثمَّ حق المشير عليكَ، ثمَّ حق مُسْتَنْصِحِكَ، ثمَّ حق الناصح لَكَ، ثمَّ حَق مَنْ هوَ أكبر منكَ، ثمَّ حقٌّ مَنْ هو أصغر منك، ثمَّ حق سائلك، ثمَّ حق مَن سَأَلْتَهُ، ثمَّ حَقٌّ مَنْ جَرى لَكَ عَلَى يَدَيْهِ مَساءَةُ بقول أو فعل أو مَسَرَةً بذلك بقول أو فعلٍ عَنْ تَعَمُّدٍ منه أوغَيْرِ تَعَمُّدٍ منه، ثمَّ حَقٌّ أَهْلِ مِلَّتِك عامة، ثمَّ حَقٌّ أهْلِ الذُّمَّةِ (3)، ثمَّ الحُقُوقُ الجارِيةُ بِقَدْرِ عِلَلِ الأحوالِ وتَصَرْفِ الأَسْبَابِ، فَطُوبَى لِمَنْ أعانَهُ اللّه عَلَى قضاء ما أَوْجَبَ عَلَيْهِ مِنْ حَقُوقِهِ وَوَفْقَهُ وَسَدَّدَهُ.
ا - فأما حق اللّه الأكبرُ فَإِنَّكَ تَعْبُدُهُ لا تشرك به شيئاً، فإذا فَعَلْتَ ذَلِكَ بإخلاص جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدُّنيا والآخِرَةِ ويحفظ لك ما تُحِبُّ منها (4).
2- وأما حق نفسِك عليك فَأَنْ تَسْتَوْفِيها في طاعَةِ اللّه، فَتُؤدّي إلى لِسَانِكَ حَقَّهُ وإلى سَمْعِكَ حقه وإلى بَصَرِكَ حقه وإلى يَدِكَ حقها وإلى رِجْلِكَ حقها و إِلى بَطْنِكَ حقه وإلى فرحِكَ حَقَّهُ وَتَسْتَعِينَ باللّه على ذلك.
وأما حق اللسانِ فإكرامه عَنِ الخَنى (5) وتَعوِيدُهُ عَلَى الخَيْرِ وَ حملُهُ عَلَى الأَدَبِ
ص: 256
وإجمامه (1) إِلَّا لِمَوْضِعِ الحَاجَةِ و المنفعة لِلدِّينِ والدُّنيا وإعْفَاؤُهُ عَنِ الفُضُولِ الشَّنعَةِ القَلِيلَةِ الفَائِدَةِ الّتي لا يُؤْمَنُ ضَرَرُها مَعَ قلة عائدَتِها. ويُعَدُّ شَاهِدَ العَقْلِ والدليلَ عَلَيْهِ وتَزَيَّنُ العَاقِلِ بِعَقلِهِ حُسْنُ سِيرَتِهِ في لِسانِهِ وَلا قُوَّةَ إلا باللّه العلي العظيم.
4 - وأما حق السمع فتنزيهه عن أن تجعله طريقاً إلى قلبك الالِفُومَةٍ كريمةٍ تُحْدِث في قلبك خيراً أو تَكْسِبُ خُلْقاً كريماً فإنه بابُ الكَلامِ إِلَى القَلْبِ يُؤدِّي إِلَيْهِ ضُرُوبُ المعاني على ما فيها مِنْ خَيرٍ أوشَرِّ ولاقوة إلا باللّه (2).
5 - و أما حَقُّ بَصَرِكَ فَقَضَهُ ممَّا لا يَحِلُّ لَكَ وتَرْكُ ابْتِدَالِهِ إِلَّا لِمَوْضِعِ عِبْرَةٍ تَسْتَقْبِلُ بِها بَصَراً أو تَسْتَفِيدُ بِها عِلْماً، فَإِنَّ البَصَرَبابُ الِاعْتِبَارِ (3).
6 - وأما حَقٌّ رِجْلَيْكَ فَأنْ لا تَمْشِي بهما إلى ما لا يَحِلُّ لَكَ وَلَا تَجْعَلَهُما مَطِيَّتَكَ في الطَّريقِ المستخفةِ بِأهْلِها فيها فإنها حامِلتك وسائِكَةٌ بِكَ مَسْلَكَ الدِّين وَالسَّبْقُ لَكَ وَلَا قوة إلا باللّه (4).
7 - وأما حَقُّ بِدِكَ فَأنْ لا تَبْسُطُها إلى مالا يحل لكَ فَتَنَالَ بِمَا تَبْسُطُها إليه مِنَ اللّه العقوبة في الآجِلِ، ومن النَّاس بلسان اللأئمة في العاجل (5) ولا تَقْبِضَها ممَّا افْتَرَضَ اللّه عَلَيْها، وَلكِن تُوقِرَها بِقَبْضِها عَنْ كَثير ممَّا يَحِلُّ لَها وَبَسَطها إِلى كَثِيرٍ مِمَّا لَيسَ عَلَيْهَا، فَإِذَا هِيَ قَدْ عُقلَتْ وَشُرفَتْ في العاجِلِ وَجَبَ لَها حُسْنُ النواب في الآجل (6).
ص: 257
8 - وأما حق بطنك فأن لا تجعله وعاء لِقَليلٍ مِنَ الحَرَامِ وَلا لِكَثِيرٍ وَأَنْ تَقْتَصِد له في الحلال ولا تخْرِجَهُ مِن حَدَّ التَّقْويةِ إلى حد التّهوين وَذَهَابِ المروة وضَبطهُ إِذا هُم بالجُوعِ وَالظمأ (1) فإن الشبع المنتهي بصاحبه إلى التَّخَمَ مَكْسلَةٌ ومُثْبَطَةٌ ومَقْطَعَةٌ عَن كلّ برّ وكرم. وإنَّ الرِّي المنتهي بصاحبه إلى الشكر مَسْخَفَةٌ ومَجَهلةً ومَذهبةٌ للمُروة (2).
9 - و أما حَقٌّ فَرْجَكَ فَحِفْظُهُ ممَّا لا يحل لك والاستعانة عليه بغض البصر، فإنه مِنْ أَعْوَنِ الأعْوانِ، وَكَثَرَةِ ذكر المَوْتِ وَالتّهَددِ لِنَفْسِكَ باللّه والتخويف لها بِه وباللّه العِصْمَةُ وَالتأييد ولا حول ولاقوة إلا به (3).
10 - فأما حَقَّ الصَّلاةِ فَأَن تعلم أنَّها وفادَةُ إلى اللّه وأنك قائم بها بين يدى اللّه فإذا علمت ذلِكَ كُنتَ خَليقاً أن تقوم فيها مقام الذليل الراغب الراهب الخائف، الراجي المسكين المُتَضَرْعِ المُعَظّمِ مَنْ قامَ بين يَدَيهِ بالسكون و الإطراقِ (4) وَ خُشوع الأطراف ولين الجناح وحُسن المناجاة له في نَفْسِهِ وَالطَّلَبِ إِلَيْهِ فِي فَكَاكِ رَقَبَتِكَ الّتي أحاطت به خطيئتك واستهلكتها ذنوبك ولا قوة إلا باللّه (5).
11 - وأما حق الصوم فأن تعلم أنَّه حِجابٌ ضَرَبَهُ اللّه على لسانِكَ وسَمْعِك و بصرك وفرجك وبَطْنِكَ لَيَسْترَكَ بِهِ مِنَ النَّارِ (6) وهكذا جَاءَ فِي الحَدِيثِ «الصَّومُ جُنَّة مِنَ النَّارِ»،
ص: 258
فَإِنْ سَكَنَتْ أطرافكَ في حَجَبَتها (1) رَجَوْتَ أن تَكونَ عَجُوباً وإن أنتَ تَرَكتها تضطرب في حجابها و ترفعُ جَنَباتِ الحِجاب فتطلع إلى ما لَيْسَ لَها بِالنَّظْرَةِ الدَّاعِيَةِ للشهوة والقوة الخارِجَة عَنْ حَد الشقية للّه لَمْ تَأْمَنْ أَنْ تَخْرِقَ الحِجَابَ وَتَخْرُجَ مِنْه ولا قوة إلا باللّه.
12 - وأماحَقُ الصَّدَقَةِ فَأنْ تَعلَم أَنها ذُخْرُكَ عِنْدَ رَبِّكَ وَوَدِيمَتكَ الّتي لا تحتاج إلى الإشهادِ (2) فَإِذا عَلِمْتَ ذلك كُنتَ بِمَا اسْتَوَدَعْتَهُ سِرًّا أَوْثَقَ بِمَا اسْتَودَعْتَهُ عَلانِيَةً وكُنتَ جَدِيراً أنْ تَكُونَ أسْرَرت إليه أمْراً أعلنته، وكان الأمر بينك وبينَهُ فيها سِر عَلى كلّ حال ولم تستظهر عليه فيما استودعته منها [ب] شهادِ الأسماع والأبصار عليه بها كأنها أوثَقُ في نفْسِكَ لا كَأَنكَ (3) لا تثقُ به في تَأْدِيَةِ وَدِيعَتِكَ إِلَيكَ. ثمَّ لَمْ تَمْتَنَّ بها عَلَى أَحَدٍ لأنها لَكَ فَإذَا امْتَنَنْتَ بِها لَمْ تَأمَنْ أن تَكُونَ بِها مِثْلَ تَهْجِينِ (4) حَالِكَ مِنْها إلى مَنْ مننت بها عليه لأن في ذلك دليلاً على أنك لم تُرِدْ نَفْسَكَ بِها ولو أردتَ نَفْسَك بها لم تَمتَن بها على أحد ولا قوة إلا باللّه (5).
13- وأما حَقُّ الهَدْي فأن تُخلص بها الإرادة إلى رَبِّكَ وَ التَّعَرُضَ لِرَحيهِ وقبوله ولا تريد عُيون الناظرين دونَهُ، فَإذا كنت كذلك لم تكن متكلفاً ولا مُتَصَنِّعاً وكنت إِنما تَقْصُدُ إلَى اللّه. وَاعْلَم أَنَّ اللّه يُرادُ باليسير ولا يُراد بالعيسير كما أراد بخَلقه التيسير ولم يُرِدْ بِهِمُ التَّعسير وكذلك التذلل أولى بِكَ مِنَ التّدَهقُنِ (6) لأنَّ الكلفة والمؤونة في المُتَدَهْقِنِينَ. فأمّا التَّذَلُّلُ والتَّمَسْكُنُ فَلا كُلفة فيهما ولا مؤونة عليهما
ص: 259
لأنهما الخِلْقَةُ وهُما مَوْجُودانِ في الطَّبِيعَةِ ولا قوة إلا باللّه (1).
14 - فأما حق سائسكَ بالسلطان فأن تعلم أنَّكَ جَعَلتَ لَه فِتْنَةٌ وأَنَّهُ مُبْتَلَى فيك بما جَعَلَهُ اللّه له عليكَ مِنَ السَّلْطانِ وأن تُخْلِصَ لَهُ في النَّصِيحَةِ وأن لا تُمَاحِكَهُ (2) وقَدْ بُسِطَتْ يَدُهُ عَلَيْكَ فَتَكُونَ سَبَبَ هَلاك نَفْسِكَ وهلاكه. وَتَذَلَّلَ وَتَلَطَّفَ لإعطائه مِنَ الرضى ما يكفه عَنكَ وَلَا يضر بدينِكَ وتستعين عليه في ذلك باللّه. ولا تعازه (3) ولا تُعائِدَهُ، فَإِنكَ إن فعلت ذلِكَ عَققته وعققتَ نَفْسَكَ (4) فَعَرَضْتَها لِمَكْرُوهِه وعرضته للملكة فيك و كنتَ خَلِيقاً أن تكون مُعيناً له عَلَى نَفْسِكَ وشَرِيكاً له فيما أتى إليك (5) ولا قوة إلا باللّه (6).
15 - وأما حق سائِسكَ بِالعِلْمِ فَالتَّعْظِيمُ لَهُ وَالتَّوْقِيرُ لِمَجْلِسِهِ وَحُسْنُ الاسْتِماعِ إلَيْهِ وَالإقْبالُ عَلَيْهِ وَالمَعُونة لَهُ عَلى نَفْسِكَ فيما لا غنى بكَ عَنْهُ مِنَ العِلْمِ بِأَنْ تُفَرْعَ لَهُ عَقَلَكَ وَتُحْضِرَه فَهُمَكَ وتُزَكَّي لَه [ قلبكَ ] وَتُجَلِّي لَهُ بَصَرَكَ بِتَرْكِ الكَذَّاتِ وَنَقْصٍ الشَّهَواتِ وأنْ تَعلَمَ أَنَّكَ فيما ألقى [إليكَ] رَسُولُهُ إلَى مَنْ لَقِيكَ مِنْ أَهْلِ الجَهْلِ فَلَزِمَكَ حُسْنُ التأدِيَةِ عَنْهُ إِليهم ولا تَخُنهُ في تَأْدِيَةِ رسالته والقيامِ بِهَا عَنْهُ إِذَا تَقَلَّدْتَها ولا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا باللّه (7).
ص: 260
16 - وأما حق سائسِكَ بالمُلْكِ فَنَحْو مِنْ سائِسِياكَ بالسُّلْطَانِ إِلَّا أَنَّ هَذا يَمْلِكُ ما لايملكه ذاكَ تَلْزِمُكَ طاعته فيمادَقَ وجَلَّ مِنكَ إلَّا أَنْ تُخْرِجَكَ مِنْ وَجُوبِ حق اللّه، وَيَحُولَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ حَق وَحُقوقِ الخَلْقِ، فَإِذَا قَضَيْتَه رجعت إلى حقه (1) فَتَشاغَلْتَ بِهِ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا باللّه (2).
17 - فأما حقوق رعيتك بالسلطان فأن تعلم أنكَ إِنَّمَا اسْتَرْعَيْتَهُمْ بِفَضْل قُوَّتِكَ عَلَيْهِمْ فَإنَّه إنَّما أَحَلَهُمْ عَلَّ الرَّعِيَّة لَكَ ضَعْفَهُمْ وَذُلُّهُم، فَمَا أَوْلى مَنْ كَفَاكَهُ ضَعْفَهُ وَذُلُهُ حتّى صَيَّرَهُ لَكَ رَعِيَّةٌ وَ صَيْر حُكْمَكَ عَليه نافذاً، لا يَمَتَنِعُ مِنكَ بِعِزَّةٍ ولا قُوَّةٍ ولا يَسْتَنصِرُ فيما تَعاظَمَهُ مِنْكَ إِلا [باللّه] بِالرَّحْمَةِ وَالحِياطَةِ والأناة (3) وَما أَوْلَاكَ إذا عرفت ما أَعطاك اللّه مِنْ فَضْلِ هَذِهِ العِزَّةِ وَالقُوَّةِ الّتي قَهَرْتَ بِهَا أَنْ تَكُونَ للّه شَاكِراً ومَن شَكَرَ اللّه أعطاه فيما أنْعَمَ عليه وَلَا قُوَّةَ إِلَّا باللّه (4).
1 - وأما حَقُّ رَعِيَّتِكَ بِالعِلمِ، فَأن تعلم أن اللّه قد جَعَلَكَ لَهُم (5) فيما آتَاكَ مِنَ العِلْمِ وَولاكَ مِنْ خِزَانَةِ الحِكْمَةِ، فإن أحْسَنَتَ فيما ولاكَ اللّه مِنْ ذلك وقمت به لَهُمْ مقام الخازِنِ الشَّفيق الناصح يأولاهُ في عَبِيدِه، الصابر المحتسب الّذي إذا رأى ذا حاجَةٍ أخْرَجَ لَهُ مِنَ الأمْوالِ الّتي فِي يَدَيْهِ كُنتَ راشداً وكنتَ لِذلكَ آمِلا مُعْتَقِداً (6) وإلا كُنتَ
ص: 261
له خائناً ولخلقه ظالماً ولسلبه وعزّه متعرّضاً (1).
19 - و أما حَقُّ رَعِيَّتِكَ بملك النكاح، فَأَنْ تَعْلَمَ أَنَّ اللّه جَعَلَهَا سَكَنَا ومستراحاً وَ أنساً وَواقِيَةً وكذلكَ كلّ واحِدٍ مِنكُما يَجِبُ أنْ يَحْمَدَ اللّه على صاحبه ويَعْلَمَ أنَّ ذلِكَ نِعْمَةٌ مِنه عَلَيهِ. وَوَجَبَ أن يُحْسِنَ صُحْبَةَ نِعْمَةِ اللّه ويُكْرِمَهَا وَيَرْفَقَ بها وإن كانَ حَقَّكَ عليها أغلظ وطاعتك بها الزَمَ فيما أحْبَبْتَ وكَرِهْتَ ما لم تكن مَعصِيةٌ، فَإِنَّ لَهَا حَقَّ الرَّحْمَةِ وَالمُؤانَسَةِ ومَوْضِعُ السكونِ إِلَيْهَا قَضاءُ اللَّذَّةِ الّتي لا بد من قضائها وذلِكَ عَظِيمٌ وَلا قُوَّةَ إِلَّا باللّه (2).
20 - وأما حَقُّ رَعِيَّتِكَ بِمِلكِ اليمين فأن تعلم أنَّهُ خَلْقُ رَبِّكَ، ولَحْمُكَ ودمك (3) وأنك تملكه لا أنت صنعته دون اللّه ولا خَلَقْتَ لَهُ سَمْعاً ولا بصراً ولا أجريت تَمْلِكُهُ صَنَعْتَهُ لَهُ رِزقاً ولَكِنَّ اللّه كَفاكَ ذلِكَ. ثمَّ سَخَّرَهُ لَكَ وَائْتَمَنَكَ عَلَيْهِ وَاسْتَودَعَكَ إيّاه لِتَحْفَظَهُ فيه وتسير فيه بسيرته فَتُطْعِمَهُ يما تأكُلُ وتُلْبِسَهُ بِمَا تَلْبَسُ ولا تُكَلِفَهُ ما لا يُطِيقُ، فَإِن [كرهت-[-ه] خَرَجْتَ إِلَى اللّه مِنْهُ وَاسْتَبدلت به ولَمْ تُعَذِّبْ خَلَقَ اللّه ولا قوة إلا باللّه (4).
ص: 262
و اما حق الرَّحِيمِ
21 - فحق أمك فأن تَعْلَمَ أنَّها حَمَلَتْكَ حَيْثُ لا يحمل أحَدٌ أَحَداً وأطعمتك مِنْ ثَمَرَةِ قَلبها ما لا يُطْعِمُ أَحَدٌ أَحَداً وَ أَنَّها وَقَتكَ بِسَمْعِها و بَصَرِها وَيَدِها و رِجْلِها و شعرها و بَشَرِها وجَميع جَوارِحِها مُسْتَبْشِرَةً بِذلِكَ، فَرِحَةٌ، مُوابِلَةٌ (1) مُحْتَمِلَةٌ لِمَا فِيهِ مكروهها وألمها وثقلها وغمّها حتّى دفعتها عنكَ يَد القدرة وأخرجتك إلى الأرض فَرَضِيَتْ أَنْ تَشْبَعَ وَتَجُوع هِيَ وَتَكْسُوكَ و تعرى و ترويكَ وتَطْمَاً وتُظِلَّكَ وَ تَضْحى و تنعمك ببؤسها وتُلَذَّ ذَكَ بِالنَّوْمِ بِأرقيها وكان بطنها لَكَ وِعاء، وحِجْرُها لَكَ حواء (2) وَثَدْيُهالك سقاء ونَفْسُهالك وقاء، تُباشِرُ حَرَّ الدُّنيا و بَردَها لَكَ و دُونَكَ، فَتَشكُرها على قدر ذلك ولا تقدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا بِعَونِ اللّه وتوفيقه (3).
22 - وأما حق أبيكَ فَتَعلم أنه أصلك وأنك فَرْعُهُ وأَنَّكَ لَوِلاهُ لَمْ تَكُنْ، فَمَهما رأيت في نفسيك ممَّا يعجبك (4) فَاعلَمُ أنَّ أباكَ أصْلُ النعمة عليك فيه واحمد اللّه واشكره على قدر ذلك [ولا قوة إلا باللّه ].
23 - وأما حقٌّ وَلَدِكَ فَتَعَلَّمَ أنهُ مِنْكَ ومُضاف إليكَ في عاجِلِ الدُّنيا بِخَيْرِه وشَرَّه وأَنَّكَ مَسؤول عما ولّيتَهُ مِنْ حُسن الأدبِ وَالدَّلالَةِ عَلَى ربّه والمَعُونَةِ لَهُ عَلَى طاعَتِه فيكَ (5) و في نفسه، فَمُثَابٌ على ذلِكَ وَمُعاقَبٌ، فَاعْمَلَ فِي أَمْرِهِ عَمَلَ الْمُتَزَينِ بِحُسْنِ أثره عليه في عاجل الدُّنيا، المعذر إلى ربّه فيما بينكَ وَبَيْنَهُ بِحُسنِ القِيامِ عَلَيْهِ وَالأَخْذِ لَهُ مِنْهُ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا باللّه.
24 - وأما حقٌّ أَخِيكَ فَتَعْلَمَ أَنَّه يدُكَ الّتي تَبْسُطُهَا وَظَهْرُكَ الّذي تَلْتَجِيء، إِلَيْهِ
ص: 263
وعِزك الّذي تعتمد عليه وقوتك الّتي تصولُ بها فلا تتخذه سلاحاً على معصية اللّه ولا عدة للظلم بحقِّ اللّه (1) ولا تدع نصرته على نفسه ومعونته على عَدُوه وَالحَوْلَ بَيْنَهُ وبينَ شياطينه وتأدِيَةَ النَّصِيحَة إليه والإقبال عليه في اللّه، فَإِنِ انْقَادَ لِرَبِّهِ وَأَحْسَنَ الإِجَابَةَ له وإلا فَلْيَكُنِ اللّه اتَرَ عِندَكَ وأكْرَمَ عَلَيْكَ منه (2).
25 - وأما حقُّ المُنْعِيمِ عَلَيْكَ بِالوَلاءِ (3) فأنْ تَعلَم أَنَّه أَنفَقَ فِيكَ مَالَه وأَخْرَجَكَ من ذلِّ الرقِّ وَوَحَشَتِه إِلى عِز الحرية وأنسها وأطلَقَكَ مِنْ أَسْرِ المَلَكَةِ وفَكَّ عَنْكَ حِلَقَ العُبُودِيَّةِ (4) وأوْجَدَك رايحة العزّ و أخرجَكَ مِن سِجْنِ القَهْرِ ودَفَعَ عَنْكَ العُسْرَو بَسَطَ لَكَ لِسان الإنصاف وأباحَكَ الدُّنيا كلها فَمَلَكَكَ نَفْسَكَ وَحَلَّ أَسْرَكَ وفَرَّعَكَ لِعِبادَةِ رَبِّكَ واحْتَمَلَ بذلك التقصير في ماله. فَتَعْلَمَ أنَّه أَولَى الخَلْقِ بِكَ بَعد أُولِي رَحِمِكَ في حياتك ومَوْتِكَ وَ أَحَقُّ الخَلْقِ بِنَصْرِكَ ومَعُونَتِكَ ومُكانَفَتِكَ فِي دَاتِ اللّه (5)، فلا تُوْثِرْ عَلَيه نَفْسَكَ مَا احْتَاجَ إِلَيْكَ (6).
26- وأما حقٌّ مَولاكَ الجاريةِ عَلَيْهِ نِعْمَتَكَ فَأَن تَعْلَمَ أنَّ اللّه جَعَلَكَ حاميةً عَلَيه و واقِيَةً و ناصِراً و مَعْقِلاً وجَعَلَهُ لَكَ وَسِيلَةً و سبباً بَيْنَكَ وَبَينَه فَبِالْحَرِي أَنْ يَحْجُبَكَ عَنِ النَّارِ فَيَكون في ذلِكَ نَواب مِنْهُ (7) في الآجِلِ وَيَحْكُمُ لَكَ بِميراثه في العاجِلِ إِذا لَمْ يَكن لَهُ رَحِم مكافأة لما أنفقته مِن مالِكَ عَلَيه وقمت به من حقه بعد إنفاق مالك، فإن لَم
ص: 264
تقم بِحَقِّهِ خِيفَ عليك أن لا يطيبَ لَكَ مِيرَاثُه (1) ولا قوة إلا باللّه.
27 - و أما حق دي المعروفِ عَلَيْكَ فَأن تشكرهُ وتَذكُر مَعْرُوفَهُ وتنشر لَهُ المَقَالَةَ الحَسَنَةَ (2) وتُخلص لَهُ الدُّعاء فيما بينك وبين اللّه سبحانه، فإنك إذا فعلت ذلك كنت قد شَكَرْتَه سِرا وعلانية. ثمَّ إِنْ أَمْكَنَ مُكافاتهُ بِالفِعْلِ كَافَاتَهُ وَإِلَّا كُنتَ مُرْصِداً لَهُ مُوطِناً نفسك عليها (3).
28- وأما حق المُؤَذْنِ فَأنْ تَعلَمَ أنَّه مُذَكَّرُكَ بِرَبِّكَ وداعِيكَ إِلى حَظِكَ وَأَفضَلُ أعوانِكَ عَلَى قَضاءِ الفَرِيضَةِ الّتي افْتَرَضَها اللّه عَلَيْكَ فَتَشَكْرَهُ عَلَى ذلِكَ شُكْرَكَ لِلْمُحْسِن إلَيْكَ. وإن كنتَ في بَيْتِك مهتماً لِذلِكَ لَمْ تَكُن للّه فِي أَمْرِه مُتهما وَعَلِمْتَ أَنَّه نعمة من اللّه عَلَيْكَ لَاشَكَ فِيها فَأَحْسِن صُحْبَةَ نِعَمَةِ اللّه بِحَمْدِ اللّه عَلَيْهَا عَلَى كلّ حالٍ ولا قوة إلا باللّه (4).
29 - وأَما حَقٌّ إمامِكَ في صَلاتِكَ فَأَنْ تَعْلَمَ أَنَّهُ قَد تَقَلَّدَ السِّفارَة فيما بَيْنَكَ وبين اللّه والوفادة إلى رَبِّكَ وتكلم عنك ولم تتكلم عنهُ وَدَعَالَكَ وَلَم تَدْعُ لَه (5) وَطَلَبَ فيك ولم تطلب فيهِ وَكَفاكَ هم المقام بين يدي اللّه و المساءلة له فيك. ولَمْ تَكْفه ذلك فإن كانَ في شَيءٍ من ذلك تقصير كان به دونَكَ وإِن كانَ آثِمَاً لَمْ تَكُنْ شَرِيكَهُ فِيهِ وَلَمْ
ص: 265
يَكُنْ لَهُ عليك فضل، فَوقى نَفْسَكَ بِنَفْسِه ووقى صَلاتَكَ بِصَلَاتِهِ، فَتَشكُرَ لَهُ عَلَى ذلِكَ وَلا حَوْلَ وَلا قوة إلا باللّه.
30 - وأما حى الجليس فَأَنْ تُلِينَ لَهُ كَنَفَكَ (1) وتطيبَ لَهُ جَانِبَكَ وتنصفه في مجاراة اللفظ (2) وَلَا تُفرق في نزع اللَّحْظِ إذا لَحَظَتَ وَتَقْصُدَ في اللَّفْظِ إلى إِفْهامِهِ إِذا لفظت وإن كنتَ الجَليسَ إليه كنتَ في القيامِ عَنْهُ بِالخِيارِ وإِنْ كَانَ الجَالِسَ إِلَيْكَ كان بالخيار. ولا تقوم إلا بإذنه ولا قوة إلا باللّه.
31- وأما حق الجار فحفظه غائباً وكَرامَتُه شاهِداً ونُصرَتُهُ وَمَعَونَتُهُ في الحالين جميعاً (3)، لا تتبع لَهُ عَورَة وَلا تَبْعَثُ لَهُ عَنْ سَوءَ [ة] لتعرفها، فإن عرفتها مِنْهُ عن غير إرادة منك ولا تكلف، كنتَ لِما عَلِمْتَ حِصْنَا حَمِيناً وَسِتْر استيراً، لوبَحَثَتِ الأَسِنَةَ عَنْهُ ضَمِيراً لَمْ تَتَصِلَ إِلَيْهِ لانطوائِهِ عَلَيْهِ. لا تَسْتَمِع (4) عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَم. لا تُسَلِّمْهُ عِنْدَ. شَدِيدَةٍ ولا تحسده عند نعمةٍ، تقيل عثرتهُ وتَغْفِرُ زَلَّتَهُ. وَلَا تَدَّخِر حِلْمَكَ عَنْهُ إِذا جَهِلَ عليك ولا تخرج أن تكون سِلْماً لَه. تَرُدُّ عَنْهُ لِسَانَ الشَّتيمةِ وتبطل فيه كيد حامل النَّصِيحَةِ وتُعاشِرُهُ مُعاشَرَة كَرِيمَة ولا حول ولا قوة إلا باللّه (5).
32- وأما حق الصاحِبِ فَأنْ تَصْحَبَهُ بِالفَضْلِ ما وَجَدْتَ إليه سبيلاً وإلا فلا أقل من الانصاف، وأن تكرمه كما يُكَرِمُكَ وتَحْفَظَهُ كما يحفظك ولا يسبقك فيما بينك وبينه إلى مكرمة، فإن سَبَقَكَ كافأته، ولا تقصِّر به عما يستحقُّ مِنَ المودَّة. تُلزم نَفْسَكَ
ص: 266
نصيحته وحياطَته ومُعاضَدَتَه عَلى طاعَة ربّه ومَعونته على نفسيه فيما لا يَهُم بِهِ مِنْ مَعْصِيَةِ ربه، ثمَّ تَكُونُ [عَلَيْهِ ] رَحْمَةً ولا تَكُونُ عَلَيْهِ عَذَاباً وَلَا قُوَّةَ إِلَّا باللّه (1).
33- وأما حق الشريك فإن غابَ كَفَيْتَهُ وإِنْ حَضَرَ سَاوَيْتَهُ (2) وَلا تَعْزِمَ عَلَى حكمك دون حكمه ولا تعمل برأيك دونَ مُناظَرَتِهِ وتَحْفَظُ عَلَيْهِ مَالَه وتَنْفِي عَنْهُ خِيانَتَهُ فيما عَزَّ أوهانَ (3) فَإِنَّه بَلَغَنَا أَنَّ يَدَ اللّه عَلَى الشَرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَتَحَاوَنَا، وَلَا قُوَّةَ إِلَّا باللّه.
34- وأما حق المالِ فأن لا تَأخُذَه إلّا مِنْ حِلَّه ولا تُنْفِقَه إِلَّا فِي حِله ولا تُحَرفَهُ عَنْ مَواضِعِهِ وَلا تَصْرِفَهُ عَنَ حَقَائِقِهِ وَلَا تَجْعَلَه إذا كانَ مِنَ اللّه إِلَّا إِلَيْهِ وَسَبَباً إلى اللّه. ولا تُؤْثِرَ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ مَن لَعَلَّهُ لا يَحْمَدُكَ وَبِالحَري أن لا يُحْسِنَ خِلافته في تركيكَ (4) ولا يَعْمَل فِيهِ بِطَاعَةِ رَبِّكَ فَتَكُونَ مُعِينَا لَهُ عَلى ذلِكَ أَوْ بِمَا أَحْدَثَ فِي مَالِكَ أَحْسَنَ نَظَراً لِنَفْسِهِ فيعمل بطاعة ربّه فيذهب بِالغَنِيمَةِ وتبوء بالإثم والحَسْرَةِ وَالنَّدَامَةِ مَعَ التَّبِعَةِ (5) ولا قوة إلا باللّه (6).
35 - وأَما حَقُّ الغَرِيمِ الطَّالِبِ لَكَ (7) فَإن كنت مُوسِراً أوفَيْتَه وَكَفَيتَهُ وأَغْنَيْتَهُ وَلَمْ تَرْدُدْهُ وتمطله (8) فَإنَّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال : «مَطَلُ العَنى ظلم»، وإن كُنتَ مُغيراً أرْضَيْتَهُ بِحُسْنِ القَولِ وطَلَبتَ إليه طَلَبَاً جَمِيلاً وَرَدَدْتَهُ عَن نَفْسِكَ ردًّا لَطِيفاً ولَمْ تَجْمَع عَلَيه
ص: 267
ذَهَابَ مالِهِ وَسُوَءَ مُعامَلَتِهِ، فَإِنَّ ذلك لوم ولاقوة إلا باللّه (1).
36 - وَأَمَاحَقِّ الخَلِيطِ (2) فَأَنْ لَا تَغُرَّهُ وَلَا تَغْشَهُ وَلَا تَكْذِبَهُ ولا تُغَفْلَهُ وَلا تَخْدَعَه ولا تعمل في انتقاضه عملَ العَدُو الّذي لا يبقى على صاحبه وإنِ اطْمَانَ إليكَ اسْتَقصيت له على نَفْسِكَ (3) وعَلِمتَ أنَّ غَبْنَ المُسْتَرْسِلِ رِباً (4) ولاقوة إلا باللّه (5).
37 - وَأَمَاحَقِّ الخَصْمِ المُدَّعِي عَليكَ فَإِنْ كَانَ مَا يَدَّعِي عَلَيْكَ حَق-الم تنفسخ في حُجَّتِه ولم تعمل في إبطالِ دَعْوَتِهِ وَكُنتَ خَصْمَ نَفْسِكَ لَهُ وَالحاكم عَلَيْهَا وَالشَّاهِدَ لَهُ بِحَقِّهِ دونَ شَهَادَةِ الشُّهُودِ، فَإِن ذلِكَ حَقَّ اللّه عَلَيْكَ وَإِنْ كَانَ مَا يَدَّعِيهِ بَاطِلا رَفِقْتَ بِهِ وَرَوْعَتَهُ وَ ناشدته بدينه (6) و كسرت حدته عنك بذكر اللّه والقيت حشو الكلامِ ولَعْطَهُ الّذي لا يرد عَنكَ عادِيَة عَدُوكَ (7) بَلْ تَبوه بإثْمِهِ وَ بِهِ يَشْحَذْ عَلَيْكَ سَيْفَ عَداوَتِهِ، لِأَنَّ لَفَظَةَ السَّوْءِ وَبِهِ تبْعَثُ الشَّرَّ، وَالخَيْرُ مَقمَعَةٌ لِلشَّروَلا قُوَّةَ إِلّا باللّه (8).
38 - وَأمَا حَقَّ الخَصمِ المُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ مَا تَدَّعِيهِ حَقًّا أَجْمَلْتَ فِي مُقاوَلَتِهِ بمخرج الدعوى (9)، فَإِنَّ لِلدعوى غلظة في سمع المدَّعى عليهِ وقَصَدَتَ قَصدَ حجتك بالرَّفق وأمهل المهلة وأبين البيان وألطف اللَّطف ولم تتشاغل عَنْ حُجَّيكَ بِمُنازَعَتِه بالقيل والقالِ فَتَذَهَبَ عَنكَ حُجْتُكَ ولا يكون لك في ذلك درك ولا قوة إلا باللّه (10)
ص: 268
39 - وأما حق المستشير فَإِنْ حَضَرَكَ له و جه رأي جَهَدَت له في النصيحة وأشرتَ عليه بما تعلم أنَّك لو كنتَ مَكانَهُ عَمِلْتَ به وذلِكَ لِيَكُنْ مِنْكَ فِي رَحمةٍ ولِينٍ، فَإِنَّ اللَّينَ يوْنِسُ الوَحْشَةَ وَإِنَّ الغلظ يُوحِشِ مَوْضِعَ الأُنْسِ وَ إِنْ لَمْ يَحْضُرُكَ لَهُ رَأَي وَعَرَفْتَ لَه مَنْ تيْقُ برأيه وترضى بهِ لِنَفْسِك دَلَلْتَهُ عَلَيه وأَرْشَدَتَه إِليه، فكنتَ لَمْ تَألُهُ خَيراً (1) ولَم تدَّخره نصحاً ولا حول ولاقوة إلا باللّه (2).
40 - وأما حق المشير عَلَيْكَ فَلا تتَّهمه فيما لا يُوافِقُكَ عَلَيْهِ مِنْ رَأَيِه (3) إِذا أَسْارَ عَلَيْكَ فإنَّما هي الآراء وَتَصَرُّفُ النَّاس فيها وَاخْتِلافُهُمْ. فَكُنْ عَلَيْهِ فِي رَأيهِ بِالخِيارِ إِذَا أَنَّهمتَ رأيه، فَأَمَّا تُهمَته فَلا تجوزلك إذا كان عندك ممن يَسْتَحِق المشاورة ولا تدع شُكره على ما بدا لَكَ مِنْ اشخاص رَأيهِ وحُسْنِ وَجْهِ مَسُّورَتِهِ، فَإِذا وافَقَكَ حَمدتَ اللّه وَقِبِلْتَ ذَلِكَ من أخيك بالشكرِ والإِرْصَادِ بالمكافاة في مثلها إِنْ فَزِعَ إِلَيْكَ (4) ولا قوة إلا باللّه.
41 - وأَمَا حَقٌّ المُسْتَنْصِحِ فَإِنَّ حَقَهُ أَنْ تُؤَدِّي إِلَيْهِ النَّصِيحَةَ عَلَى الحقّ الّذي تَرَى لَه أَنَّه يَحْمِلُ وَتَخْرُجَ المَخْرَجَ الّذي يلين على مَسامِعِه. وَتُكَلِمَهُ مِنَ الكَلامِ بِمَا يُطِيقُهُ عَقْلُهُ، فَإِنَّ لِكُلِّ عَقلِ طَبَقَة مِنَ الكَلامِ يَعرِفُهُ وَيَجْتَنِبُهُ وَلَيَكُنْ مَذْهَبُكَ الرَّحْمَة ولاقوة إلا باللّه (5).
42. وأما حَقُّ النّاسح فَأَنْ تُلِينَ لَهُ جَناحَكَ ثمَّ تَشْرِئبَ لَهُ قَلْبَكَ (6) وتفتح له سمعك حتّى تفهم عنه نصيحته، ثمَّ تنظر فيها، فإن كانَ وَفْقَ فيها لِلصَّوابِ حَمِدت اللّه على ذلك وقبلت منه وعرفت له نصيحته وإن لم يكن وفق لها فيها رَحِمْتَهُ ولم تَتَّهِمْهُ وعلمت أنه لم يألك نصحاً إلا أنه أخطأ. (7) إلا أن يكونَ عِندَكَ مُستحقاً للتهمة
ص: 269
فَلا تعبأ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِه (1) على كلّ حالٍ ولاقوة إلا باللّه.
43 - وأما حق الكبير فان حقّه توقير سنه وإجلال إسلامه إذا كانَ مِنْ أَهْلِ الفَضْلِ في الإسلام بتقديمه فيه وترك مقابلته عند الخصام ولا تسبقه إلى طَرِيقِ ولا تَؤُمَّه في طريقي (2) ولا تستجهلَهُ وإنْ جَهل عليك تحملتَ وَأَكْرَمْتَهُ بحقِّ إِسْلامِه مَعَ سَنّه فَإِنَّمَا حق السِّن بقدر الاسلام ولاقوة الا باللّه (3).
44 - وأما حق الصغيرِ فَرَحْمَتُهُ وتَنْقِيفهُ (4) وتعليمه والعفو عنه والستر عليه والرفق به والمعونة له والستر على جرائر حَدَائَتِهِ فَإِنَّه سَبَبْ لِلتَّوبة. والمداراة له. وترك مما حَكَتِهِ فَإِنَّ ذلِكَ أَدْنى لِرُشْدِه (5).
45 - وأما حق السائل فاعطاؤه إذا تيقّنتَ صِدْقَهُ وَ قَدَرْتَ عَلَى سَدَّ حَاجَتِهِ والدُّعاء له فيما نَزَلَ بِهِ وَالمَعَاوَنَةُ لَهُ عَلى طَلِبَتِهِ، وإِنْ شَكَكْتَ فِي صِدقِهِ وسَبَقَتْ إِلَيْهِ التَّهَمَةُ لَهُ وَلَمْ تَعزم على ذلكَ لَمْ تَأمَنْ أَنْ يكونَ مِنْ كَيْدِ الشَّيْطَانِ أَرادَ أَن يَصُدَّكَ عَن حَظِّك ويحول بينك وبينَ التَّقرب إلى ربِّكَ فتَرَكْتَه بِسَتْرِه و رَدَدْتَهُ رَدًّا جَمِيلاً. وإِنْ غَلَبَتَ نفسك في أمرِه وأعطَيْتَهُ على ما عَرَضَ في نفْسِكَ مِنْهُ. فَإِنَّ ذلكَ مِنْ عَزْمِ الأُمورِ (6).
46 - وأما حَقٌّ المسؤولِ فَحَقه إن أعطى قبيل منه ما أعطى بالشكر له والمعرفة لفضله وطلب وجهِ العُذرِ فِي مَنْعِه وأحْسِنَ بِهِ الظَّنَ.ّ وَأَعْلَم أَنه إِنْ مَنَعَ [ف-]-مالَه مَنَعَ وأَنْ ليس التقريب في مالِهِ (7) وَإنْ كانَ ظالِماً فَإِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّار (8).
ص: 270
47 - وأما حقٌّ مَنْ سَرَّكَ اللّه ب- بِهِ و عَلَى يَدَيْهِ، فَإِنْ كَانَ تَعَمَّدَها لَكَ حَمِدَتَ اللّه أولاً ثمَّ شَكَرْتَهُ عَلَى ذلك بِقَدْرِه في موضع الجزاء وكافأته عَلَى فَضْلِ الإِبْتِدَاءِ وأَرْصَدَتَ له المكافاة، وإن لم يكن تَعَمَّدَها حَمِدَت اللّه وشكرته وعَلِمْتُ أَنَّهُ منه، تَوَحدَكَ بِها وَ أحببت هذا إذ كان سبباً مِنْ أَسْبَابِ نِعَمَ اللّه عَلَيْكَ وَتَرْجُو لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ خَيْراً، فَإِنَّ أَسْبَابَ النِّعَمِ بَرَكَة حيث ما كانَتْ وإِنْ كانَ لَمْ يَتَعَمَّد ولا قوة إلا باللّه(1).
48 - وأما حق مَنْ ساءَكَ القَضَاهُ عَلَى يَدَيْهِ بِقَولٍ أَو فِعْلٍ فَإِنْ كَانَ تَعَمَدَهَا كَانَ العَفْو أولى بك لما فيه له مِنَ القَمع وحُسْنِ الأَدبِ مَعَ كَثِيرِ أمْثَالِهِ مِنَ الخَلْقِ. فَإِنَّ اللّه يَقُولُ : «وَلَمَنِ انتصر بعد ظلمه فأولئِكَ ما عَلَيهِم مِن سَبيل - إلى قوله : مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ» (2)، وقال عز وجل «وإن عَاقَبتُم فَعاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُو قِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ» (3)، هذا في العَمْدِ فإن لم يكن عَمْداً لَمْ تَظْلِمُهُ بِتَعَمَدِ الاِنتِصارِ مِنْه فَتَكُونَ قَدْ كَافَاتَهُ فِي تَعَمَّدٍ عَلَى خَطَأ وَرَفَقْتَ بِهِ وَرَدَدتَهُ بِالْطَفِ مَا تَقدِرُ عَلَيْهِ ولا قوَّةَ إِلَّا باللّه (4).
49 - وأما حَقُّ أَهْلِ مِلَتِكَ عَامَّةً فَإِصمارُ السَّلَامَةِ وَنَشْرُ جَنَاحَ الرَّحْمَةِ وَالرَّفْقُ بِمُسِيئهِمْ وَتَأَلفهم واستصلاحهم وشكرُ مُحْسِنِهم إلى نَفْسِهِ وَإِلَيْكَ فَإِنَّ إِحْسَانَه إِلى نَفْسِه إحْسَانُهُ إِليكَ إِذا كَفَ عَنْكَ أذاهُ وَكَفاكَ مؤونَتَهُ وحَبَسَ عنك نفسَه فَعَمِّهِمْ جَميعاً بِدَعْوَتِكَ وانصرهم جميعاً بنصرتِكَ وَأَنزَلَتَهُمْ جَمِيعاً مِنكَ مَنازِلَهُمْ، كَبيرهُمْ بِمَنْزِلَةِ الوالِدِ وصَغيرَهُم بمَنْزِلَةِ الوَلَد و أوسطهم بمَنْزِلَةِ الآخ. فَمَنْ أَتَاكَ تَعاهَدْتَهُ بِلُطْفٍ وَرَحْمَةٍ. وَصِلْ أخاكَ بِما يَجِبُ للأخ على أخيه (5).
50 - وأما حَقٌّ أَهْلِ الدَّمَّةِ فَالحُكْمُ فِيهِم أَنْ تَقْبَلَ مِنْهُمْ مَا قَبلَ اللّه وتَفِي (6) بما
ص: 271
جَعَلَ اللّه لَهُمْ مِنْ ذِمَّتِهِ وعَهْدِه وتَكِلَهُمْ إِلَيْهِ فِيمَا طَلِبوا مِنْ أَنفُسِهِم وَأَخْبِرُوا عَلَيْهِ وَتَحْكُم فيهم بما حكم اللّه به على نفسك فيما جرى بينك [وبينهم] من معاملة وليكن بينك وبَيْنَ ظلِمِهِمْ مِنْ رِعايَةِ ذِمَّة اللّه والوَفَاءِ بِعَهْدِهِ وعَهْدِ رَسولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حائِل فَانَّهُ بَلَغَنَا أنه قال : «مَنْ ظَلَمَ مُعاهِداً كنتُ خَصْمَهُ»، فَاتَّقِ اللّه وَلا حَوْلَ وقُوَّة إلا باللّه (1).
فَهْذِهِ خَمْسُونَ حَقاً مُحيطاً بِكَ لا تخرج مِنْها في حالٍ مِنَ الأحوالِ يَجِبُ عليكَ رعايتها والعمل في تأدِيَتِها وَالاسْتِعَانَةُ باللّه جَلَّ تَناؤُهُ عَلَى ذلِكَ وَلا حَولَ ولا قوة إِلَّا باللّه والحَمْدُلِلهِ رَبِّ العالَمينَ.
إنَّ علامةَ الزَّاهِدِينَ في الدُّنيا الراغبين في الآخِرَةِ تركهم كلّ خَلِيطٍ وخَلِيلٍ ورفضهم كلّ صاحب لا يريدُ ما يُريدُونَ. الأ و إنَّ العامِلَ لِثَوابَ الآخِرَةِ هو الزَّاهِدُ في عاجِلِ زهرة الدُّنيا، الآخذُ لِلمَوتِ أَهْبَتَه (2)، الحاث على العَمَلِ قَبْلَ فَنَاءِ الأَجَلِ و نُزُولِ ما لا بد من لقائه. وتَقدِيمِ الحَذَرِ قَبْلَ الحَيْنِ (3) فإنَّ اللّه عَزَّ و جل يقول : «حتّى إذا جاءَ أحدهم الموتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلي أعمل صالحاً فيما تَرَكْتُ (4)» فَلْيَنزِلَنْ أَحَدُكُمُ اليَوْمَ نَفْسَهُ في هذه الدُّنيا كَمَنزِلَةِ المَكْرُورِ إلى الدُّنيا، النَّادِمِ على ما فَرَّطَ فيها مِنَ العَمَلِ الصالح لِيَوْمِ فاقته.
وَاعْلَمُوا عِباد اللّه : أنَّه مَنْ خَافَ البياتَ تَجافَى عَن الوَسَادِ. وَ امْتَنَعَ مِنَ الرَّقادِ (5) و أمْسَكَ عَنْ بَعض الطعام والشراب مِنْ خَوْفِ سُلْطَانِ أَهْلِ الدُّنيا فكيفَ وَيْحَكَ يا ابنَ آدَمَ مِن خَوفِ بياتِ سُلطانِ رَبِّ العِزَّةِ وأَخْذِهِ الأَلِيمِ وبَياتِهِ لاهل المعاصي والذنوبِ مَعَ طوارِقِ المنايا (6) بالليل والنَّهارِ فَذلِكَ البَيَاتُ الّذي لَيْسَ
ص: 272
مِنْهُ مَنْجى ولا دُونَه مُلْتَجأ ولا مِنْهُ مَهْرَبٌ. فَخافوا اللّه أيُّها المؤمِنونَ مِنَ البَياتِ خَوفَ أهْلِ التَّقوى، فَإِنَّ اللّه يقولُ : «ذلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَ خَافَ وَعِيدِ (1)». فَاحْذَرُوا زهرة الحياة الدُّنيا وغرورها وشرورها و تذكروا ضَرَرَ عاقِبَةَ المَيْلِ إِلَيْهَا، فَإِنَّ زِينَتَها فِتْنَةٌ وحُبها خَطِيئَةٌ.
واعلم ويحك يا ابن آدمَ أَنَّ قَسْوَةَ البِطْنَةِ (2) وكفة الملأ وسُكْرَ الشَّبَعِ وغَرَّةَ المُلْكِ ممَّا يُقبطُ وَيُبْطِئُ عَن العَمَلِ وَيُنْسِي الذكر ويُلْهِي عَنِ اقْتِرَابِ الْأَجَلِ حتّى كَأَنَّ الْمُبْتَلَى بِحُبِّ الدُّنيا به خَبَلُ مِنْ سُكْرِ الشراب (3) وأن العاقل عَنِ اللّه، الخَافِفَ مِنْهُ، العامِلَ له لَيْمَرنَ نَفْسَه ويُعودُها الجُوعَ حتّى ما تشتاق إلى الشَّبَعِ وكَذلِكَ تَضَمَّرُ الخَيْلُ لِسَبْقِ الرَّهانِ (4)
فاتقوا اللّه عِبادَ اللّه تقوى مُؤَمِّل ثوابه وخايف عِقَابَهُ فَقَدْ للّه أَنتُمْ أَعْذَرَ وأَندَرَ وشَوَّقَ وخَوَّفَ فَلا أَنتُم إلى ما شَوَّقَكُمْ إِلَيْهِ مِنْ كَرِيمِ نَوابِهِ تَشْتَاقُونَ فَتَعْمَلُونَ ولا أنتم مما وفكمْ بِهِ مِنْ شَدِيدِ عقابه وأليمٍ عَذابِه تَرْهَبُونَ فَتَنْكُلُونَ (5) وقد نَبَّاكُمُ اللّه في كتابه أنه : «مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفَرانَ لِسَعيِهِ وَ إِنَّا لَه كَاتِبُونَ (6)». ثمَّ ضَرَبَ لكم الأمثال في كتابه وَصَرَّفَ الآياتِ لِتَحْذَرُوا عَاجِلَ زَهْرَةِ الْحَيَاةِ الدُّنيا فقال : «إنما أموالكم وَأوْلَادُكُمْ فِتْنَةِ واللّه عِدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (7)»، فاتقوا اللّه مَا اسْتَطَعْتُمْ وَ اسْمَعوا و أطيعوا، فاتقوا اللّه وَاتَّعِظوا بِمَواعِظِ اللّه. وما أعلَمُ إِلا كَثِيراً مِنكُمْ قَدْ نهكته (8) عواقب المعاصي فَما حَذَرَها و أضرَّت بدينِهِ فَما مقتها. أما تسمعون النداء
ص: 273
من اللّه بعيبها و تصغيرها حيث قال : «اعْلَمُوا أَنَّمَا الحَيوةُ الدُّنيا لَعِبٌ ولَهُرُ وزِينَةٌ تفاخر بَيْنَكُمْ وتكاثر في الأموال والأولادِ كَمَثَل غيث أعجب الكفار نباته ثمَّ يهيج فتراه مصفر اثمَّ يَكُونُ حُطاماً وفي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللّه ورِضوان وَمَا الحَيوةُ الدُّنيا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ * سَابِقُوا إلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا باللّه وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللّه يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ واللّه ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ (1)». وقالَ: «يَا أيُّها الّذين آمَنُوا اتَّقُوا اللّه وَلَتَنظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللّه إِنَّ اللّه خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالّذين نَسُوا اللّه فَأَنسيهم أنفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ (2)».
فَاتَّقُوا اللّه عِبادَ اللّه وَتَفَكَّرُوا وَاعْمَلُوا لِما خُلِقْتُم لَهُ فَإِنَّ اللّه لَمْ يَخْلَقَكُم عَبَثاً ولَم يترككُمْ سُدى، قَدْ عَرَّفكُمْ نَفْسَهُ و بَعَثَ إِلَيكُمْ رَسُولَهُ وأَنزَلَ عَليكم كتابه، فيه حَلاله وحرامه وحججه وأمثاله فاتَّقُوا اللّه فقد احتج عليكم ربكم فقال : «ألم نجعل لَهُ عينينِ * ولساناً وشفتينِ * وَهَديناه النجدينِ (3)»، فَهَذِهِ حُجَّةٌ عَلَيْكُم فَاتَّقُوا اللّه مَا اسْتَطَعْتُمْ فإنه لا قوة إلا باللّه ولا تكلانَ إلا عليه وصلى اللّه على محمّد [ نبيه ] و آله.
كتابه (عَلَيهِ السَّلَامُ) الى محمَّد بن مسلم الزُّهْرِيِّ يَعِظُه (4)
كفانا اللّه وإياكَ مِنَ الفِتَنِ وَرَحَمَكَ مِنَ النَّارِ، فقد أصبحتَ بِحالٍ يَنبَغِي لمِنْ عَرَفَكَ بِها
ص: 274
أن يرحمك فقد أثقلتكَ نِعَمُ اللّه بما أَصَحَّ مِن بَدَنِكَ وأطالَ مِن عُمرِكَ وَقامَتْ عَلَيْكَ حُجَجُ اللّه بما ملَكَ مِن كِتابِه وفَقَّهَكَ فِيه مِنْ دِينِهِ وعَرَّفَكَ مِنْ سُنَّةِ نَبِيهِ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، فَرَضِيَ لَكَ فِي كلّ نِعْمَةٍ أنعم بها عليك وفي كلّ حُجَةٍ احتجَّ بها عليك الفَرْضَ بِمَا قَضَى فَمَا قَضَى إِلَّا ابْتَلَى شكرك في ذلك وأبدى فيه فضلَهُ عليك (1) فقالَ : «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُم و لَئِن كَفَرْتُمْ إِن عَذَابِي لَشَدِيدٌ (2)».
فَانظُرُ أيَّ رَجُلٍ تَكونُ عَدَاً إذا وقفت بين يدي اللّه فسألكَ عَن نِعَمِهِ عليك كيف رعيتها وعن حججهِ عَليكَ كيف قضيتها ولا تَحْسَبَنَّ اللّه قابلاً منك بالتعذير ولا راضياً منك بالتقصير، هيهات هيهاتَ لَيْسَ كَذلكَ، أَخَذَ عَلَى العُلماء في كتابه إذ قالَ : «لَتُبَيِّنُنَّهُ للناس ولا تَكْتُمُونَه (3)»، وَاعْلَمْ أنَّ أدنى ما كتمت وأخَفٌ مَا احْتَمَلَتْ أَنْ آنَسْتَ، وَحْشَةَ الظَّالِمِ وسَهلْتَ له طَرِيقَ الغَيِّ بِدُنُوكَ مِنْهُ حِينَ دَنَوتَ وإِجابَتِكَ لَهُ حِينَ دعيتَ، فَما أَخَوَفَني أن تَكُونَ تَبُوءَ بِإثْمِكَ غَداً مَعَ الخَونَةِ، و أنْ تُسَأَلَ عَمَّا أَخَذَتَ بإعانتك على ظلم الظلمة، إنك أخَذْتَ ماليسَ لَكَ مَنْ أعطاك ودَنَوْتَ مَنْ لَمْ يَرد على أَحَدٍ حَقّاً ولم تَرَدَّ باطِلاً حِينَ أدْنَاكَ وأحْبَبْتَ مَنْ حَادٌ اللّه (4) أولَيْسَ بِدُعَائِهِ إيّاك حين دعاك جعلوك قطباً أداروا بِكَ رَحْى مَظَالِمِهِمْ وَجِسْراً يَعْبُرُونَ عَلَيْكَ إِلى بَلايَاهُم وسلماً إلى ضَلَالَتِهِمْ ، داعياً إلى غَيِّهِمْ، سالكاً سَبِيلَهُمْ، يُدْخِلُونَ بِكَ الشَّكَ على
ص: 275
العلماء ويقتادونَ بِكَ قلوبَ الجُهَّالِ إِلَيْهِمْ، فَلَمْ يَبْلُغَ أَخَصَّ وَزَرَائِهِمْ وَلَا أُقْوى أَعْوانِهِمْ الادون ما بلغت من إصلاح فسادِهِم واخْتِلافِ الخاصَّة والعامّة إِلَيْهِمْ. فما أقل ما أعْطَوْكَ في قَدْرِ ما أخَذُوا مِنْكَ. وما أَيْسَرَ ما عَمَرُ والكَ، فكيفَ مَاخَرَّبُوا عَلَيْكَ، فَانظُرْ لَنَفْسِكَ فإنه لا ينظر لها غَيْرُكَ وحاسبها حِسابَ رَجُلٍ مَسؤول.
وَانْظُرْ كيف شكرُكَ مِنَ عَذَاكَ بِنِعَمِهِ صَغيراً وكبيراً. فما أخوقني أن تكون كما قال اللّه في كتابه : «فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفَ وَرَبُوا الكِتابَ يَأْخُدُونَ عَرَضَ هَذَا الأدنى وَيَقُولُونَ سيغفر لنا (1)» إنك لَسْتَ في دار مقام. أنتَ في دارقد آذنت برحيل، فَما بقاء المرء بعد قرنائه. طُوبَى لِمَن كانَ في الدُّنيا عليُّ وَجَلٍ، يَابُوسَ مِنْ يَمُوتُ وَتَبقَى ذُنُوبُهُ من بعده.
احْذَر فَقَدْ نُبِّئْتَ. وَبادِر فَقَدْ أجِّلْتَ إِنَّكَ تُعامِلُ مَنْ لا يَجهَلُ. وَإِنَّ الّذي يَحْفَظُ عليكَ لا يَغْفَلُ.. تجهَّز فَقَددْنَا مِنْكَ سَفَر بَعيد و داو ذَنَبَكَ فَقَدْ دَخَلَهُ سُقم شَدِيدٌ.
وَلا تَحْسَبُ أني أردتُ تَوْبِيخَكَ وتَعنيفَكَ وتعبيرك (2)، لَكِنِّي أَرَدْتُ أَنْ يَنعَشَ اللّه ما [ قد] فات من رأيكَ وَيَرُدَّ إِليكَ ما عَرَبَ مِنْ دِينِكَ (3) وَذَكَرْتُ قَولَ اللّه تعالى في كتابه : «وَذَكَر فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ (4)».
أغفلَتَ ذِكرَ مَنْ مَضَى مِنْ أسْنانِكَ وأقرانكَ وَبَقِيتَ بَعَدَهُم كَقَرْنٍ أَعْضَب (5). أنظر هل ابتلوا بِمِثْلِ ما ابتليتَ، أَمْ هَلَ وَقَعُوا في مثلِ ما وَقَعَتَ فِيهِ، أَمْ هَلْ تَرَاهُمْ ذَكَرْتَ خَيْراً أَهْمَلُوْهُ (6) وعَلِمْتَ شَيْئاً جَهِلُوهُ، بَلْ حَظِيتَ (7) بِما حَلَّ مِنْ حَالِكَ فِي صُدُورِ العامّة وَكَلَّفَهُمْ بِكَ، إنصارُوا يقتدون برأيكَ وَيَعْمَلُونَ بِأَمْرِكَ. إِن أَحْلَلْتَ أَحَلُوا وَإِنْ حَرَّمْتَ
ص: 276
حَرَّموا ولَيْسَ ذلِكَ عِنْدَكَ ولكن أظْهَرَهُمْ عَليكَ رغبتهم فيما لَدَيْكَ، ذَهابُ علمائِهِم وغَلَبَةُ الجَهْلِ عليك وعَلَيْهِم وحبُّ الرئاسة وطَلَبُ الدُّنيا مِنكَ ومِنْهُم أما ترى ما أنتَ فيه من الجهل والغرَّةِ ومَا النَّاس فيهِ مِنَ البَلاءِ والفِتْنَةِ، قَدِ ابْتَلَيْتهم وفَتَنْتَهُم بِالشَّغْلِ عَنْ مكاسبهم ما رأوا، فَتاقَتْ نُفُوسُهُمْ (1) إلى أن يبلغُوا مِنَ العِلمِ ما بَلَغْتَ، أو يُدْرِكُوا بِهِ مِثْلَ الّذي أذرَكتَ، فَوقَعُوا مِنكَ في بحر لا يدرك عمقه وفي بلاء لا يقدَرُ قَدْرُهُ، فَاللّه لَنَا وَلَكَ وهو المستعان.
أما بَعْدُ فَأَعْرِضْ عَنْ كلّ ما أَنْتَ فِيهِ حتّى تَلْحَقِّ بِالصَّالِحينَ الّذين دُفنوا في أسمالهم (2)، لاصقة بطونهم بظهورهم، لَيْسَ بَينَهم وَبَينَ اللّه حِجَابٌ ولا تفتِنهم الدُّنيا ولا يُفتنَونَ بها، رَغِبُوا فَطلبُوا فَما لَبِثوا أنْ لَحِقُوا فَإذا كانَتِ الدُّنيا تَبْلُغُ مِنْ مِثْلِكَ هَذَا المَبْلَغَ مع كبر سنّك ورُسُوخ عِلْمِكَ وحُضُور أجَلِكَ، فكيف يسلمُ الحَدَثُ فِي سِنْهِ، الجَاهِلُ فِي عِلْمِهِ المأفون في رَأيِهِ (3)، المَدْخُولُ فِي عَقْلِهِ. إِنَّا للّه وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. عَلَى مَنِ الْمُعَوَّلُ (4) وعِندَ من المستعتب ؟ نَشكو إلى اللّه بشنا و ما نرى فيكَ ونَحْتَسِبُ عِندَ اللّه مُصِيبَتَنا بِكَ.
فانظر كيف شكرُكَ من غَدَّاكَ بِنعِيهِ صَغيراً وكَبِيراً، وكيف إعظامُكَ لمِنْ جَعَلَكَ بدينه في النَّاس جَميلاً، وكيف صيانتكَ لِكَسْوَةِ مَنْ جَعَلَكَ بكوته في النَّاس ستيراً، وكيف قُربك أو بعدُكَ يمن أمرك أنْ تَكُونَ مِنْهُ قَرِيباً دليلاً. مالك لا تنتبه مِنْ نَفْسَتِكَ وتَسْتَقِيلُ مِنْ عَثْرَتِكَ فتقول : واللّه ما قمت للّه مَقاماً واحداً أحْيَيْتُ بِهِ لَهُ دِيناً أو أمَتُ له فيه باطِلاً، فهذا شكرُكَ مَنِ اسْتَحْمَلَكَ (5) ما أخوقني أن تكونَ كمَن قال اللّه تعالى في كتابه : «أضاعوا الصَّلوةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّا (6)»، اسْتَعْمَلَكَ كِتابَهُ وَاسْتَودَعَكَ عِلْمَهُ فَأضعتها، فَتَحمد اللّه الّذي عافانا ممَّا ابتلاك بِهِ وَالسَّلامُ.
ص: 277
قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): الرضى بمَكْرُوهِ القَضاءِ أَرْفَعُ دَرَجَاتِ الْيَقِينِ.
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هانَتْ عَلَيْهِ الدُّنيا.
وقيل له مَنْ أَعْظَمُ النَّاس خَطَراً (1)، فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَنْ لَمْ يَرَ الدُّنيا عَطَراً لنفسه.
وقال بخضرَتِهِ رَجُلٌ : اللّهمّ أغنى عَنْ خَلْقِكَ (2). فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): لَيْس هكذا : إنما النّاسُ بِالنَّاسِ وَلكِنْ قُلْ : اللّهمّ اغنِنِي عَنْ شِرَارٍ خَلْقِكَ.
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَنْ قَنَعَ بِمَا قَسَمَ اللّه لَهُ فَهُوَ مِنْ أَغْنَى النَّاس (3).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا يقل عمل مع تقوى وَكَيْفَ يقل ما يتقبَّل.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): اتقوا الكذب الصغير منه والكبير في كلّ جِدّ وَهَزْلٍ، فَإِنَّ الرَّجل إذا كَذَبَ في الصغير اجْتَرَ أعلى الكبير (4).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): كَفى بنصر اللّه لَكَ أنْ تَرَى عَدُوكَ يَعْمَلُ بِمَعَاصِي اللّه فِيكَ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): الخَيْرُ كله صيانةُ الإِنْسَانِ نَفْسَهُ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) لبعض بَنِيهِ : يا بُنَيَّ إِنَّ اللّه رَضِيَني لكَ وَلَمْ يَرْضَكَ لِي، فَأَوْصَاكَ بي وَلَمْ يُوصني بِكَ، عَلَيْكَ بِالبرَّ تحفة يَسِيرَةً.
وقال لَهُ رَجُلٌ : ما الزُّهد : فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): الرَّحدَ عَشَرَةُ أجزاء (5) : فأعلى دَرَجَاتِ الزُّهد أَدْنَى دَرَجَاتِ الوَرَعِ وَأَعْلَى دَرَجَاتِ الوَرَعِ أَدْنَى دَرَجَاتِ اليَقِينِ وَأَعلَى دَرَجَاتِ اليقين أدنى درجات الرضى. وإنَّ الزُّهد في آية من كتابِ اللّه : «لِكَى لا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ
ص: 278
وَلا تَفَرَحُوا بِمَا آتيكم (1)».
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): طَلَبُ الحوائج إلى النَّاس مَذلَّةُ لِلحياةِ وَمَذَهَبَةٌ لِلحَياءِ واستخفاف بالوَقارِ وَهُوَ الفَقْرُ الحاضر. وقلة طلب الحوائج مِنَ النَّاس هُوَ الغنى الحاضِرُ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إِن أَحَبَّكُمْ إِلَى اللّه أَحْسَنَكُمْ عَمَلاً وَإِنَّ أَعْظَمَكُمْ عِنْدَ اللّه عَمَلاً أعظمكم فيما عند اللّه رَغبَةً وإِنَّ أنجاكُمْ مِنْ عَذَابِ اللّه أَشَدُّكُمْ خَشْيَةً لِلَّهِ. وَإِنَّ أَقربكم مِنَ اللّه أَوْسَعُكم خُلْقاً. وإن أرضاكم عِندَ اللّه أسبغكم على عياله (2). و إِنَّ أكرَمَكُمْ عَلَى اللّه أَتْقَاكُمْ لِلَّهِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) لبعض بَنِيهِ : يابني انظُر خَمْسَةٌ فلا تصاحبهم ولا تُحادِثهم ولا تُرافقهم في طريق، فقال : يا أبةَ مَنْ هُم (3)، قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إيّاك وَمُصَاحَبَةَ الكَذَّابِ، فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ السراب يُقَرِّبُ لَكَ البَعيدَ وَيُبعدُلَكَ القَرِيبَ. وإياكَ ومُصاحَبَةَ الفَاسِقِ فإنه بايَعَكَ بأكلةٍ (4) أو أقل مِنْ ذلِكَ وَإِيَّاكَ وَمُصَاحَبَةَ البَحْيِلِ فَإِنَّهُ يَخْذُلُكَ في مَالِهِ أَحْوَجَ ما تكونُ إِلَيْهِ. وَإِيَّاكَ وَمُصاحَبَةَ الأحمق، فَإِنَّهُ يُريدُ أنْ يَنْفَعَكَ فَيَضُرُّكَ وإياك ومُصاحَبَةَ القاطِع لِرَحِمِهِ. فَإِنِّي وَجَدَتَهُ مَلَعَونَا فِي كِتابِ اللّه (5).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إن المعرفة وكمال دين المسلم تركه الكلام فيما لايعنيهِ وَقِلَةٌ مِراتِهِ وَحِلْمُه وصَبْرُه وحُسْنُ خُلْقِهِ (6).
ص: 279
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): ابن آدم : إنك لاتزالُ بِخَيْرِ ما كانَ لَكَ وَاعِظُ مِنْ نَفْسِكَ، وَمَا كَانَتِ المُحاسَبَة مِنْ هَمكَ، وما كان الخَوْفُ لكَ شِعاراً، والحَذَرُ لكَ دِثار (1). ابْنَ آدَمَ : إنك ميِّت ومبعوث وموقوف بينَ يَدَيِ اللّه جَلَّ وَعَزَّ، فأعد له جواباً (2).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لاحَسَبَ لِقُرشي ولا لعربي إلَّا بِتَواضُع. ولا كرم إلا بتقوى. ولاعمل إلا بنية ولا عِبادَةَ إلا بالتَّفقه (3). ألا وإنَّ أبْغَضَ النَّاس إِلَى اللّه مَن يَعْتَدِي بِسُنْةِ إمام ولا يقتدي بأعماله.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): المؤمِنُ مِنْ دُعائه على ثلاث : إما أن يُدخَرَلَهُ وإِما أَن يُعَجَلَ لَهُ وَإِما أَنْ يُدْفَعَ عَنْهُ بَلاء يُرِيدُ أنْ يُصِيبَهُ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إنَّ المُنافِق ينهى ولا ينتهي ويأمرُ ولا يَأْتِي، إذا قامَ إِلَى الصَّلاةِ اعْتَرَضَ (4) وإذا رَكَعَ رَبَضَ وإذا سَجَدَ نَقَرَ، يُمسي وهمّه العَشاءُ وَلَمْ يَصُمْ (5) ويُصبحُ وهمُّه النوم وَلَمْ يَسهَر وَ المؤمِنُ خَلَطَ عَمَلَهِ بِحِلْمِهِ، يَجلِسُ لِيَعلَم (6) ويَنْصِتُ ليَسلَم لا يُحَدِّثُ بالأمانة الأصدقاء ولا يَكتُمُ الشهادة للبعداء ولا يعملُ شَيْئًا مِنَ الحقّ رَماء ولا يَتْرُكُهُ حَياء، إِنْ زُكِيَ خَافَ ممَّا يقولونَ ويَسْتَغْفِرُ اللّه لِما لا يعلَمونَ ولا يَضُرُّهُ جَهْلُ مَنْ جَهِلَه.
ورأى (عَلَيهِ السَّلَامُ) عليلاً قَدْ بَرِئَ فَقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لَهُ : يَهْنُوكَ الطَّهُورُ مِنَ الذُّنوبِ إِنَّ اللّه قد ذكَرَكَ فَاذكرْهُ وأقالَكَ فاشْكُرْهُ.
ص: 280
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): خَمْسٌ لَوْرَحَلْتُم فِيهِنَّ لأنضيتُمُوهُنَّ (1) وماقدرتم على مِثْلِهِنَّ : لا يَخافُ عَبْد الاذنبه. ولا يرجو إلا ربّه ولا يَسْتَحْيِي الجَاهِلُ إِذا سُئِلَ عَمّا لا يعلم أنْ يَتَعلَّم. والصبرُ مِنَ الإيمان بمنزِلَةِ الرَّأْسِ من الجَسَدِ. ولا إيمان لمن لا صبر له.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): يقول اللّه : يَا ابْنَ آدَمَ ارْضَ بِما آتيتُك تَكُنْ مِنْ أَزْهَدِ النَّاسِ. ابنَ آدم : إعمل بمَا افْتَرَضَتُ عَلَيْكَ تَكُن مِن أعبدِ النَّاسِ. ابن آدم ! اجْتَنِبُ [م-]-مَّا حَرَّمتْ عَلَيْكَ تكن مِنْ أَوْرَعِ النَّاسِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) كم من مفتون بحسن القول فيه. وكَم مِن مَغرورِ بِحُسْنِ السَّتْرِ عَلَيْهِ. وكُم مِن مُسْتَدرَج بالإحسان إليه.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): ياسوأتاهُ لِمَنْ غَلَبَتْ إحداتُهُ عَشَراتِهِ. - يُريدُ أَنَّ السيّئة بواحِدَة والحسنة بعشرة -.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إِنَّ الدُّنيا قَدِ ارْتَحَلَتْ مُذيرَة. و إن الآخرة قد ترحَّلت مُقبلة و لكلِّ واحِدٍ مِنْهُما بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أبناء الآخِرَةِ ولا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنيا، فَكُونُوا مِنَ الزَّاهِدِينَ في الدُّنيا الراغبين في الآخرة، لأنَّ الزَّاهِدِينَ اتَّخَذُوا أَرْضَ اللّه بِساطاً والتراب فراشاً والمدَرَ وِساداً والماءَ طيباً، وقَرْضُوا المعاش مِنَ الدُّنيا تقريضاً. اِعْلَمُوا أنَّه مَنِ اسْتاقَ إِلى الجنّة سَارَعَ إِلى الحَسَناتِ وَسَلَا عَنِ الشَّهوات (2). ومَن أَشْفَقَ مِنَ النار بادر بالتوبة إلى اللّه من ذنوبه و راجَعَ عَن المحارم. وَمَنْ زَهَدَ فِي الدُّنيا هانت عليه مصائبها وَلَمْ يَكرهها. وإِن للّه عز وَجَلَّ لَعِباداً قلوبهم مُعَلَّقَةٌ بِالآخِرَةِ ونَوا بِها وهُمْ كَمَنْ رأى أهل الجنّة في الجنّة مُخلدين منعّمين وكمن رأى أهل النار في النَّارِ مُعَذِّبِينَ فأولئك شُرورهم وبوائقهم عن النَّاس مأمونة وذلك أن قلوبهم عَنِ النَّاس مَشْغُولَةٌ بخوف اللّه، فَطَرْفَهُمْ عَنِ الحَرامِ مَغْضُوضٌ وحوائجهم إلى النَّاس خَفيفةٌ، قَبلوا اليسير مِنَ اللّه في
ص: 281
المعاشي و هو القوتُ، فَصَبَرُوا أياماً قصارًا لِطولِ الحَسْرَةِ يوم القيامةِ.
وقالَ لَهُ رَجلٌ : إِنِّي لَا حِبُّك في اللّه حُبّا شَدِيداً، فنكس (عَلَيهِ السَّلَامُ) رأسه(1) ثمَّ قال : اللّهمّ إني أعوذُ بِكَ أنْ أحَبَّ فِيكَ وَأنْتَ لي مُبْغِضِ. ثمَّ قال له : أحِبُّكَ لِلَّذِي تُحِبُّني فيه.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إنَّ اللّه ليبعْضُ البَغِيلَ السّائل المُلْحِفَ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): رُب مغرور مفتون يُصبح لاهياً ضاحكاً، يأكل وبقرب وهو لا يدري لَعَلّه قَدْ سَبَقَتْ لَه مِنَ اللّه سَخطة يصلى بها نار جهنم (2).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إن من أخلاق المؤمن الإنفاق على قدر الإقتار (3). والتوسع على قَدرِ التوسع. وإنصاف النَّاس مِنْ نَفْسِهِ وَ ابْتِداءَهُ إِيَّاهُم بِالسَّلامِ.
و قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): ثلاث مُنجيات لِلْمُؤْمِنِ : كَفَّ لِسانِهِ عَنِ النَّاس وَ اغْتِيابِهِم. وإشغالُهُ نَفْسَهُ بِما يَنْفَعُهُ لآخِرَته وَدُنْيا وَطُولُ البُكاءِ عَلَى خَطِيئَتِه.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): نَظَر المؤمن في وجه أخيه المؤمن للمودة والمحبة لَهُ عِبادة.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): ثلاث مَنْ كُنَّ فِيهِ مِنَ المُؤمِنِينَ كَانَ في كَنَفِ اللّه (4) وأظله اللّه يَوْمَ القيامَةِ في ظل عرشِهِ وَ آمَنَهُ مِنْ فَزَعِ اليَوْمِ الأكْبَرِ : مَن أَعْطَى النَّاس مِنْ نَفْسِه مَا هُوَ سَائِلُهُم لنفسيه. ورجل لم يُقدِّم يداً ولا رجلاً حتّى يعلم أنهُ في طَاعَةِ اللّه قَدَّمها أوفي مَعْصِيَتِه. و رَجُلٌ لَمْ يَعِبْ أخاه بعيب حتّى يترك ذلك العيب مِن نَفْسِهِ. وَكَفَى بِالمَرْءِ شُغْلاً بِعَيبه لنفسه عن عيوب النَّاسِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): ما مِنْ شَيْءٍ أَحَبَّ إِلَى اللّه بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ مِن عِفْةِ بَطْنٍ وَفَرْجِ. وَمَا [مِنْ] شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَى اللّه مِنْ أنْ يُسأل.
وقال لابنه عمل (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) : اِفْعَلِ الخَيْرَ إِلى كلّ مَنْ طَلَبَهُ مِنْكَ، فَإِنْ كَان أَهْلَهُ فقد أصَبْتَ مَوْضِعَهُ وَإن لم يكن يأهْلِ كُنتَ أنتَ أهْلَهُ. وَإِنْ شَتَمَك رَجُلٌ عَنْ يَمِينِكَ ثمَّ تحول إلى يَسَارِكَ وَاعْتَذَرَ إِلَيْكَ فَاقْبَلْ عُذْرَه (5).
ص: 282
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): مجالِسُ الصَّالِحينَ داعية إلى الصَّلاح (1). وآداب العلماء زيادة في العَقْلِ. وَطاعَة وَلَاةِ الأمْرِ تَمامُ العِزَّ واستنماء المالِ تمامُ المروَّة (2) وَإِرشادُ المُستشير قضاء. لِحَقِّ النُّعْمَةِ وَكَف الأذى مِنْ كَمَالِ العَقلِ وَفِيهِ رَاحَةُ لِلبَدَنِ عاجلاً وآجلا (3).
وكان علي بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) إذا قرأ هذِهِ الآيَةَ : «وَإِنْ تَعُدُّ وانِعْمَةَ اللّه لا تحصوها (4)، يقول (عَلَيهِ السَّلَامُ): سُبْحانَ مَنْ لَمْ يَجْعَلُ في أَحَدٍ مِنْ مَعْرِفَةِ نِعَمِهِ إِلَّا المَعْرِفَةَ بِالتَّقْصِيرِ عن معرفتها، كَمَا لَمْ يَجْعَلْ في أحَدٍ مِنْ مَعْرِفَةِ إِدْراكِهِ أَكْثَرَ مِنَ العِلْمِ بِأَنَّهُ لَا يُدْرِكْهُ، فَشَكَرَ عَزَّوَجَلَّ مَعْرِفَةَ العارِفينَ بِالتَّقْصير عَنْ مَعرفتِهِ وَجَعَلَ معرفتهم بالتقصير شكراً، كَمَا جَعَلَ عِلْمَ العالمين أنهم لا يدركونَهُ إيماناً، عِلْماً مِنْهُ أَنَّهُ قَدْ [رُ] وَسَعِ العِبَادِ فَلا يجاوزون ذلك.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): سُبْحانَ مَنْ جَعَلَ الاعتراف بالنِّعْمَةِ لَهُ حَداً سُبْحَانَ مَن جَعَلَ الاعتراف بالعَجْزِ عَنِ الشُّكرِ شُكراً.
ص: 283
[بسم اللّه الرحمن الرحيم ]
(و روی عن الامام)
الباقر عن علم اللّه وعلم رسوله أبي جعفر محمَّد بن على (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)
(في طوال هذه المعاني)
وصيّته (عَلَيهِ السَّلَامُ) لجابِرِ بنِ يزيد الجُعفى (1)
روي عنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنه قال لَهُ : يا جابرُ اغْتَنِم من أَهْلِ زَمَانِكَ خَمْساً : إِنْ حَضَرْتَ لَمْ تعرف. وإن غبتَ لَمْ تُفتقد. وإِن شَهِدَتَ لَمْ تُشاوَرٌ. وإِنْ قُلْتَ لَمْ يُقْبَلْ قَولُكَ. وإِنْ خَطَبتَ لم تُزوَّج. وأوصيك بخمس : إن ظلمت فلا تظلم، وإن خانوك فلا تَخُن. وإن كذبت فلا تغضب. وإن مدحت فلا تفرح. وإن ذممتَ فلا تَجْزَع. وفكّر فيما قيل فيك، فإن عرفت من نفسك ماقيل فيكَ فَسقوطك مِن عَيْنِ اللّه جَلَّ وَعَزَّ عَندِ غَضَبِكَ مِنَ الحقّ أعظمُ عليكَ مُصيبة ممَّا خِفْتَ مِن سُقوطِكَ مِنْ أعين الناس. وإن كُنتَ عَلَى خِلافِ ماقيل فيك، فَتَوابُ اكْتَسَبْتَهُ مِنْ غَيْرِ أنْ يَتَعَبَ بَدَنُكَ.
وَاعْلَمْ بِأَنَّكَ لا تَكُونُ لَنَا وَلِيّاً حتّى لو اجْتَمَعَ عَلَيْكَ أَهْلُ مِصرك وقالوا : إِنَّكَ رَجُل سَوْءٍ لم يحزنك ذلك، ولو قالوا : إنَّكَ رَجُلٌ صَالِحُ لَم يَسُرَّكَ ذلكَ وَلَكِنِ اعْرِضْ نَفْسَكَ عَلَى كِتابِ اللّه، فإن كنتَ سالكاً سبيله زاهِداً في تَزْهِيدِهِ راغِباً في ترغيبه خائفاً من تخويفِهِ فَاثْبُتْ وأبشر، فإنه لا يَضُرُّكَ ماقيل فيك. وإن كُنتَ مُبائِنَا لِلقُرْآنِ فَماذا الّذي يَغُرُّكَ مِنْ نَفْسِكَ. إنَّ المؤمنَ مَعنى بمجاهَدَةِ نَفْسِهِ لَيَغْلَبَها عَلَى هَواها فَمَرَّةً يَقيمُ أَوَدَها (2) وَيُخالِفُ هَواها في مَحَبّةِ اللّه وَمَرَّةً تَصْرَعُهُ نَفْسُهُ فَيَتَّبِعُ هَوَاهَا فَيَنْعَشَهُ اللّه (3)
ص: 284
فَيَنتَعِشُ وَيُقيلُ اللّه عَثْرَتَهُ فَيَتَدَكَّرُ و يَفْزَعُ إِلى التوبة والمخافة فيزداد بصيرة ومعرفة لما زيد فيه من الخوف وذلك بأن اللّه يقول : «إن الّذين اتقوا إذا مَسَّهُمْ طَائِفَ مِنَ الشَّيْطَانِ تذكروا فاذاهم مُبْصِرُونَ (1)».
یا جابر اسْتَكثِرُ لِنَفْسِكَ مِنَ اللّه قليلَ الرِّزْقِ تَخَلّصاً إلى الشكر، وَ اسْتَقلِلَ مِنْ نَفْسِكَ كَثِيرَ الطَّاعَةِ للّه إِزْراء عَلَى النَّفْسِ (2) وتَعَرُّضاً لِلعَفْو. وَادْفَع عَنْ نَفْسِكَ حَاضِرَ الشَّرَّ بحاضر العلم. وَاسْتَعْمِلَ حَاضِرَ العِلْمِ بِخالِص العمل. و تَحَرَّز في خالِص العملِ من الغفلة بشدة التيقُّظ. واستجلب شدة التيقّظ بِصِدْقِ الخَوْفِ. وَاحْذَرْ خَفِى التّزين بحاضِرِ الحَياةِ (3) وَتَوَقَّ مُجَازَفَة الهَوى بَدَلالَةِ العَقْلِ (4). وَقِفَ عِندَ غَلَبَةِ الهَوى باستر شادِ العِلْمِ وَ اسْتَبْقِ خالِصَ الأَعْمالِ لِيَوْمِ الجَزاءِ. وَ انْزِلْ سَاحَةَ القَناعَة بِاتِّقَاءِ الحرص (5). و ادْفَعْ عَظيمَ الحِرْصِ بإيثارِ القَناعَةِ. وَ اسْتَجْلِبْ حَلاوَةَ الزَّهَادَةِ بِقَصْرِ الأمل، وَاقْطَع أَسْبَابَ الطَّمَع بِبَرْدِ اليَأْسِ، وَسُدَّ سَبِيلَ العُجْبِ بِمَعْرِفَةِ النَّفْسِ، وَتَخَلَّص إلى راحَةِ النَّفْسِ بصِحَّةِ الشَّفَوِيضِ. واطلب راحَةَ البَدَنِ بِإِجْمَامِ القَلْبِ (6) وَ تَخَلَّص إلى إِجْمَامِ القَلْبِ بِقِلَّةِ الخَطَأَ. و تَعَرَّضُ لِرِقْةِ القَلْبِ بِكَثْرَةِ الذِّكْرِ فِي الخَلَواتِ وَ اسْتَجْلِبْ نُورَ القَلْبِ بِدَوامِ الحُزْنِ. وَتَحَرَّز مِن إبليسَ بِالخَوفِ الصَّادِقِ. و إيّاك و والرَّجة الكاذِبَ، فإنّه يُوقِعُكَ في الخوف الصادِقِ. وتزين للّه عَزَّ وَجَلَّ بِالصِّدْقِ في الأعمال. وتحبَّب إليه بتعجيل الانتقال. وإياك والتَّسويف فإنه حريفرق فيه الهَلكي وإياك والغفلة [ ف-] -فيها تَكُونُ قَسَاوَةُ القَلْبِ. وَإِيَّاكَ وَالتَّوانِيَ فِيمَا لا عَذَر لَكَ فِيهِ، فَإِليه يلجأ النَّادِمُونَ. وَاسْتَرْجِعْ سالِفَ الذُّنوبِ بِشِدَّةِ النَّدَمِ، وَكَثْرَةِ الاِسْتِغْفَارِ وَ تَعَرَّضُ
ص: 285
لِلرَّحمَةِ وَ عَفْوِ اللّه بِحُسْنِ المُراجَعَة وَاسْتَعِن على حُسنِ المُراجَعَةِ بخالص الدُّعاءِ وَ المناجاة في الظُّلَم. وَتَخَلَّص إلى عَظِيم الشكر باستكثار قليل الرِّزْقِ و استقلال كثير الطاعَةِ. واستجلب زيادَةَ النَّعَم بعظيم الشُّكر والتّوسُّل إلى عظيم الشُّكر بخوف زوالِ النعَمِ. واطلب بَقَاءَ العِزَّ با مانَةِ الطَّمَع، وَادْفَعَ كلّ الطَّمَع بِعِز البَاسِ وَاسْتَجَلَب عِزَ الْبَأْسِ ببعد الهمة. وتَزَوَّدَ مِنَ الدُّنيا بقصر الأمل. و بادِر بِإِنَتِهازِ الْبَغْيَةِ (1) عِنْدَ إِمْكَانِ الفرصة ولا إمكان كالأيّامِ الخَالِيَةِ مَعَ صِحْةِ الأبدان. وإِيَّاكَ وَالمُقَةَ بِغَيرِ المَأمُونِ فَإِنَّ لِلشَّرِّ ضَرَاوَةٌ كَضَرَ اوَةِ الغِذَاءِ. (2)
واعلم أنه لا علمَ كَطَلَبِ السَّلامَةِ. ولا سلامة كسَلامَةِ القَلْب. ولا عقل كمخالفة الهوى. ولاخوف كخوف حاجزٍ ولارجاء كرجاء معين ولا فقر كفقر القلب. ولا غنى کفنی النَّفْسِ. ولاقُوَّةَ كَغَلَبَةِ الهَوى. ولا نور كَنُور اليقين. ولا يقين كاستصغارِكَ الدُّنيا. ولا معرفة كمعرِفَتِكَ بنَفْسِكَ. ولا نعمة كالعافية. ولا عافية كَمُساعَدَةِ التَّوْفِيقِ. وَلَا شَرَفَ كَبُعدِ الهمّة. ولازُهَدَ كَقصر الأمل. ولأحرص كالمنافسة في الدرجاتِ (3). ولاعدل كالانصافِ ولا تعدَّي كالجورِ، ولا جَوْرَ كَمُوافقة الهوى. ولا طاعة كأداءِ الفَرائضِ. ولا خَوفَ كَالحُزْنِ ولا مُصِيبَةَ كَعَدَمِ العَقلِ. ولاعَدَمَ عَقْلٍ كَقِلَّةِ اليَقِينِ. ولا قلّة يقينِ كَفَقَدِ الخَوفِ. ولا فَقَدَ خوف كلةِ الحُزْنِ على فَقَدِ الخَوْفِ. ولا مصيبة كاستهانتك بِالذَّنَّبِ ورِضَاكَ بِالحَالَةِ الّتي أنت عليها. ولا فضيلة كالجهاد. ولا جَهادَ كَمُجاهَدَة الهوى. ولا قوة كَرَد الغَضَبِ، ولا معصية كحبِّ البقاء (4). ولا ذلَّ كَذَلَّ الطَّمع. وإِيَّاكَ وَالتَّفْرِيطَ عِنْدَ إِمَكانِ الفُرْصَةِ، فَإِنَّهُ ميدان يجري لأهْلِهِ بالخُسْرانِ.
خرجَ يَوْماً وَهُوَ يَقُولُ (5): أَصْبَحْتُ واللّه يا جابر مَحْزُو نَامَشْغُولَ القَلْبِ، فقلتُ :
ص: 286
جعلت فداك ما حُزنُكَ وشغل قلبك، كلّ هذا على الدُّنيا ؟ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا ياجابر ولكن حُزن هم الآخر ، ياجابر مَن دَخَلَ قلبه خالِصُ حقيقةِ الإيمانِ شَغَلَ عَمّا في الدُّنيا مِنْ زِينَتِها، إِنَّ زِينَةَ زَهَرَة الدُّنيا إنّما هُوَ لَعِب ولهو و إنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَبِي الحَيَوَانُ. يا جابر إن المؤمن لا ينبغي له أن يَرْكَنَ ويَطْمَئِنَّ إلى زهرة الحياة الدُّنيا. واعلم أن أبناء الدُّنياهُمْ أَهْلُ غَفْلَةٍ وغُرُورٍ وجَهالَةٍ وأن أبناء الآخِرَةِ هم المؤمنون العاملونَ الزَّاهِدونَ أهل العلم والفِقْهِ وأهل فكرَةِ واعتبارٍ وَاخْتِبَارٍ لا يَمَلُونَ مِن ذكر اللّه.
و اعلم ياجابر أنَّ أهلَ التَّقوى هُمُ الأغنياء، أَغْنَاهُمُ القَلِيلُ مِنَ الدُّنيا فَمَؤُونَتُهُم يسيرة، إن نسيت الخيرَ ذكَرُوكَ. وَإِنْ عَمِلت به أعانُوكَ. أخروا شَهَوَاتِهِمْ وَلَذَّاتِهِمْ خَلفَهُم وقدموا طاعَةَ ربّهم أمامهم. ونظروا إلى سبيل الخير و إلى ولاية أحباء اللّه فأحبّوهم، وتولوهم واتبعوهم.
فانزل نفسك من الدُّنيا كَمَثَلِ مَنْزِلِ نَزَلَتَه ساعةً ثمَّ ارْتَحَلْتَ عَنْهُ، أَو كَمَثَلِ مالِ اسْتَفَدتَهُ في مَنامِكَ فَفَرِحتَ بِهِ وَسَرَرْتَ ثمَّ انتبهت(1) مِنْ رَقْدَتِكَ وَلَيْسَ فِي يَدِكَ شَيْءٌ. و إنِّي إِنَّما ضَرَبْتُ لَكَ مَثَلاً (2) لِتَعْقَلَ وَتَعْمَلَ بِهِ إِنْ وَفَعَكَ اللّه لَهُ. فَاحْفَظْ يَا جَابِرُ مَا اسْتَودِعُكَ (3) مِن دين اللّه وحكمته. وَانْصَحْ لِنَفْسِكَ وَ انظُرْمَا اللّه عِندَكَ فِي حَيَاتِكَ، فَكَذلِكَ يكونُ لَكَ العَهْدُ عِنْدَه في مرجعك. وانظر فإن تكن الدُّنيا عِندَكَ عَلَى [غَيْر] ما وصفتُ لك فَتَحَول عنها إلى دارِ المُسْتَعتَبِ اليَوْمَ (4)، فَلَرُب حَرِيصٍ عَلَى أَمْرِ مِنْ أُمورِ الدُّنيا قد ناله، فلما ناله كان عليه و بالا وشقي به ولَرُبَّ كَارِهِ لِأمْرٍ مِن أُمورِ الآخرة قد ناله فَسَعِدَ بِه.
ص: 287
سَأَلَهُ رَجُلٌ مِنْ شِيعَتِهِ عَنْ حُرُوبِ أَمِيرِ المؤمِنِينَ صَلَواتُ اللّه عليهِ فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لَهُ : بعث اللّه غداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بخمسة أسياف (1):
ثلاثة منها شاهِرَةٌ لا تُغْمَدُ(2) حتّى تَضَعَ الحَرْبُ أَوْزَارَها وَلَنْ تَضَعَ الحَرْبُ أوزارها حتّى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طَلَعَت الشَّمْسُ مِنْ مَغرِبها أمِنَ النَّاس كلهم في ذلك اليوم «فَيَومَئِذٍ لا ينفع نفسا إيمَانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أو كَسَبَتْ في إيمانها خيرا» (3).
وَسَيْف مَكْفُوف (4).
وسَيفٌ مِنْها مَعْمُودُ سَلُهُ إِلى غَيْرِنا و حكمه الينا.
فأما السُّيوفُ الثَّلاثَةُ الشَّاهِرَةُ :
فَسَيْف عَلى مُشْرِكي العَرَبِ قَالَ اللّه جَلَّ وَعَرَ : «اقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُمُوهُم وخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُم وَاقْعُدُوا لَهُمْ كلّ مَرَصَدٍ (5)». فإن تابوا - أي آمنوا -. وأقاموا الصَّلوةَ وآتوا الزكوة فا إخوانكم في الدِّين (6)»، هؤلاء لا يُقبل منهم إلا القتل أو الدخول في الإسلام وأموالهم فيىء، ودَرَارِيهِم سَبي على ما سَن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فإِنه سَبَى وَعَفَا وَقَبِلَ الفِدَاءِ.
ص: 288
والسَّيف الثّاني على أهلِ الدَّمَةِ قَالَ اللّه سُبْحَانَهُ : «وقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً (1)» نَزَلَتْ هَذِهِ الآية في أهْلِ الذَّمَّةِ ونَسَخَها قوله : (قاتِلُوا الّذين لا يؤْمِنُونَ باللّه وَلَا بِاليَوْمِ الآخِر ولا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّه وَرَسُولُهُ ولا يدينونَ دِينَ الحقّ مِنَ الّذين أوتُوا الكِتابَ حتّى يُعطُوا الجِزيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ (2))، فَمَن كانَ مِنْهُم في دار الإسلام فلن يقبلَ مِنْهُم إلا الجزية أو القتل وما لهم فيىء، وذراريهم سبي، فَإِذا قَبِلُوا الجِزْيَةَ عَلَى أَنفُسِهِمْ حَرَّمَ علينا سبيهم وحرمت أموالهم وحَلَّتْ لَنَا مَنَاكِحُهُم (3) وَمَنْ كَانَ مِنْهم في دارِ الحَرْبِ حَدَّ سبيهم وأموالهم ولم تَحِلَّ لَنا مُناكَحَتُهُم وَلَمْ يُقْبَل مِنْهُمْ إِلَّادُخُولُ دَارِ الإسلام (4) وَالجِزْيَةَ أَوِ القُتْلُ.
والسَّيْفُ الثَّالِثُ عَلَى مُشْرِكِي العَجَمِ كَالتُركِ والدَّيْلَمِ والخَزَرِ (5) قال اللّه عَزَّ وَجَلَّ في أوَّلِ السُّورَةِ الّتي يَذْكُرُفِيهَا الّذين كَفَرُوا فَقَصَّ قِصَّتَهُمْ ثمَّ قَالَ : «فَضَرَبَ الرِّقَابِ إذا أثخنتُمُوهُمْ (6) فَشُدوا الوثاقَ فَإِما مَنَا بَعْدُ وإمّا فِداءً حتّى تَضَعَ الحَرْبُ أَوْزَارَها (7)»فأما قولُه : «فَإِما مَنَا بَعد»، يعني بعد السبي منهم، «وإما فِداءً»، يعني المفاداة بينهم وبَينَ أهْلِ الإسلام، فهؤلاء لن يُقْبَلَ مِنْهُم إِلا القتل أو الدخول في الإِسْلَامِ ولا يَحِلَّ لَنَا نِكَاحُهُمْ (8)ماداموا في دار الحرب.
وأما السيف المكفُوفُ فَسَيفٌ على أهل البغى والتَّأْوِيلِ قَالَ اللّه : «وَإِنْ طَائِفَتَانِ من المؤمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما - صلحا - فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُما على الأخرى فَقَاتِلُوا
ص: 289
التي تبغي حتّى تغيية إلى أمر اللّه (1)، فَلَمّا تَزَلَتْ هذه الآيةُ قَالَ رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ):إن منكم من يقاتِلُ بِعَدِي عَلَى التأويل كما قاتَلْتُ عَلَى التَّنْزِيلَ فَسُئِلَ النَّبِي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) مَن هو ؟ فقال : خاصِفُ النَّعَلِ - يعني أمير المؤمنينَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) - وقال عمار بن ياسر : قاتَلْتُ بِهَذِهِ الرَّايَةِ مَعَ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ثلاثاً (2) وهذه الرَّابعة واللّه لو ضَرَ بُو نا حتّى يَبْلُغُوا بِنَا السَّعَفَاتِ من هجر (3) لَعَلِمنا أنا عَلَى الحقّ وأنهم عَلَى البَاطِلِ وكانَتْ السِّيرَةُ فِيهِم مِنْ أمير المؤمِنِينَ مِثلَ ما كَانَ مِنْ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في أهْلِ مَكَةَ يوم فتحها فَإِنَّهُ لَمْ يَسب لَهُمْ ذُرِّيَّةٌ وقالَ : مَنْ أَعْلَقَ بابَهُ فَهُوَ آمِنْ وَمَنْ أَلْقَى سِلاحَهُ فَهُوَ آمِنْ. وكذلِكَ قال أمير المؤمِنِينَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يومَ البَصْرَةِ نادى فيهم لا تسبوا لَهُمْ ذُرِّيَّةٌ ولا تُدَفِّفُوا عَلَى جَرِيح (4) ولا تُتَّبِعُوا مديراً. وَمَنْ أَعْلَقَ بِابَهُ وأَلْقَى سِلاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ.
و السيف المغمودُ فَالسَّيْفُ الّذي يقام به القِصاصُ قَالَ اللّه عَزَّ وَجَلَّ : «النَّفْسِ بِالنَّفْسِ وَالعَيْنِ بِالعَيْنِ (5)»، فَسَلُّهُ إِلَى أَولِياءِ المَقْتُولِ وحُكْمُهُ إِلَيْنا.
فهذه السيوف الّتي بعث اللّه بها محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): فَمَن جَحَدَها أَو جَحَدَ واحِداً مِنها أَوشَيْئاً مِنْ سِيرِها و أحْكامِها فَقَدْ كَفر بما أنَزَلَ اللّه تبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى محمّدٍ نَبِيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).
ص: 290
و حضره ذات يومٍ جماعةٌ مِنَ الشيعَةِ فَوَعَظَهُمْ وحَذَّرَهُمْ وَهُمْ سَاهُونَ لَاهُونَ، فَأعَاظَهُ ذلِكَ، فَأطْرَقَ مَلِيّاً، ثمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيْهِم فقالَ : إِنَّ كلامي لَوْوَقَعَ طَرَفٌ مِنْهُ فِي قلب أحدكم أصارَ ميتاً. ألايا أشباحاً بلا أرواح وذبابا بلا مصباح كأنكم خَشَبُ مُسَنَّدَة (1) وأصنام مَرِيدَة. الا تأخذونَ الذَّهَبَ مِنَ الحَجَرِ، الاتَقْتَبَسُونَ الضّياءَ مِنَ النُّورِ الأَزْهَرِ، ألا تأخذون اللؤلؤ مِنَ البَحْرِ. خُذوا الكَلِمَةَ الطيبة يمن قالها وإنْ لَمْ يَعمَل بِها، فَإِنَّ اللّه يقول: «الّذين يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الّذين هَداهُمُ اللّه (2)»، وَيْحَكَ يا مغرور ألا تَحْمَدُ مَنْ تُعطيه فانياً ويُعطِيكَ باقياً، دِرْهُمْ يَغْنَى بِعَشَرَةِ تَبْقَى إِلى سَبْعِمِائَةٍ ضِعْفٍ مَضاعَفَةٍ مِنْ جَواد كريم، آتاكَ اللّه عِنْدَ مُكافاة (3) هُوَ مُطْعِمُكَ وسَاقِيكَ و كاسِيكَ ومعافيك وكافيك و ساتِرُكَ ممَّن بُراعِيكَ. مَن حَفِظَكَ في لَيلِكَ ونَهارِك وأجابكَ عِندَ اضْطِرارِكَ وَعَزَمَ لَكَ عَلَى الرَّشْدِ فِي اخْتِبارِكَ. كَأَنَّكَ قَدْنَسِيتَ لَيَالِيَ أَوْجَاعِكَ وَخَوفِكَ دَعوتَهُ فَاسْتَجَابَ لَكَ، فَاسْتَوجَبَ بِجَمِيلِ صَنيعه الشكرَ، فَنَسِيتَهُ فِيمَن ذَكَر. وخالفته فيما أمَرَ وَيْلَكَ إنَّما أَنْتَ لِصُّ مِنْ لُصوص الذنوب (4) كُلَّما عَرَضَتْ لَكَ شَهْوَةٌ أَوِ ارْتَكَابُ ذنب سارعت إليه وأقدمتَ بِجَهْلِكَ عَلَيْهِ، فارتكبته كأنك لست بعين اللّه. أوْكَأَنَّ اللّه لَيْسَ لَكَ بِالمِرْصَادِ. ياطالِبَ الجنّة ما أَطْوَلَ نَوْمَكَ وأكَلِّ مَطِيَّتَكَ وأوهى هِمَتَكَ (5) فلله أنتَ مِنْ طالب و مطلوب و يا هارباً مِنَ النَّارِ ما أَحَدٌ مَطِيَتَكَ إِلَيْها وما أكسَبَكَ
ص: 291
لما يُوقعك فيها. أنظروا إلى هذه القبورِ سُطوراً بأَفْنَاءِ الدُّورِ، تَدانَوا في خططهم (1) وقَرُبُوا فِي مَزارِهِم وبعدوا في لقائهم. عمروا فخرِ بوا. وَآنَسَوُا فَأَوْحَشُوا. و سَكَنُوا فَأَزعجوا. وَقَطَنُوا فَرَحَلُوا. فَمَنْ سَمِعَ بدان بعيد وشاحط قريب (2) وعامِرٍ مَخْرُوب. و آنِي مُوحِشِ وَساكِن مُزْعَجِ. وقاطِن مُرْحَلٍ (3) غَيْرِ أَهْلِ القُبُورِ ؟
يَا ابْنَ الأَيامِ الثَّلاثِ : يَوْمِكَ الّذي ولدت فيه ويَوْمِكَ الّذي تَنْزِلُ فِيهِ قَبْرَكَ ويومِكَ الّذي تَخْرُجُ فِيه إِلى رَبِّكَ، فَيَالَهُ مِنْ يَوْمٍ عَظِيمٍ يادَوِي الهَيْئَةِ المُعَجِبَةِ والهيمِ المُعطَنَة (4) مالي أرَى أجْسَامَكُمْ عَامِرَةً وقُلُوبَكُمْ دَامَرَة أما واللّه لو عاينتُم ما أنتم مُلاقوه وَ ما أَنتُم إِلَيْهِ صَافِرونَ لَقُلْتُم : «ياليتنا نَرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ ربَّنا ونَكُونَ مِنَ المؤمِنِينَ (5)»، قالَ جَلَّ مِنْ قائلٍ : «بل بدالَهُمْ ما كانوا يُخْفُونَ - وَلَوْرُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (6)».
قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): صانع المُنافِقَ بِلِسَانِكَ وَأخلص مَوَدَّتَكَ لِلْمُؤْمِنِ. وَإِنْ جَالَسَكَ يَهُودِيُّ فَأحْسِن مُجالسته.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): ما شيبَ شَيْءٌ بِشَيْءٍ أَحْسَنَ مِنْ حِلْمٍ بِعِلْمٍ (7).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): الكَمالُ كلّ الكَمالِ التَّفقه في الدِّين و الصبر على النائبَةِ وتقدير المعيشة.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): واللّه المُتَكَبِّرُ يُنازِعُ اللّه رِداءَهُ.
ص: 292
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) يوماً لِمَنْ حَضَرَهُ : ما المُرُوةَ، فَتَكَلَّمُوا، فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : المروَّة أن لا تَطْمَعَ فَتَذِلَّ وَتَسْأَل فتقلَّ (1). ولا تبخل فلفتم. ولا تجهل فتخصم فقيل : وَمَنْ يقدر على ذلك ؟ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَن أحَبَّ أن يكون كالنَّاظِرِ في الحدقة (2) والمسك في الطيب وكالخليفة في يَوْمِكُمْ هذا في القَدْرِ.
وقال يوماً رَجُلٌ عِندَه : اللّهمّ أغننا عَنْ جَميعِ خَلْقِكَ. فقال أبو جَعْفَرٍ (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا تقل هكذا. ولكن قل : اللّهمّ أغْنِنَا عَن شِرارِ خَلْقِكَ، فَإِنَّ المؤمنَ لا يَسْتَغْني عن أخيه.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): قم بالحق واعتزل ما لا يعنيك. وتَجنَّبْ عَدُوكَ واحْذَرَ صَدِيقَكَ مِنَ الأقوامِ إلا الأمينَ مَنْ خَشِيَ اللّه ولا تصحب الفاجر، ولا تطلعهُ عَلَى سِرك. وَاسْتَشِر في أمْرِكَ الّذين يَخْشَوْنَ اللّه.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): صُحبَةُ عِشْرِينَ سَنَةٌ قَرابَةٌ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إن استطعت أن لا تُعامِلَ أحَداً إِلَّا ولَكَ الفَضْلُ عَلَيهِ فَافْعَلْ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): ثَلاثَةٌ مِنْ مَكارِمِ الدُّنيا والآخرة : أنْ تَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَكَ. وَتَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ. وَتَحْلَمَ إِذا جَهِلَ عَلَيْكَ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): الظلم ثلاثة : ظلم لا يغفره اللّه. وظلم يَغْفِرُه اللّه. وظلم لا يَدَعُهُ اللّه، فأما الظلم الّذي لا يَغْفِرُهُ اللّه فالشرك باللّه. وأما الظلمُ الّذي يَغْفِرُهُ اللّه فَظْلَمُ الرَّجُلِ نفْسَهُ فيما بينه وبين اللّه. وأما الظلم الّذي لا يَدَعُهُ اللّه فَالمُدايَنَةُ بَينَ العِبادِ (3).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): ما مِن عَبْدِ يَمْتَنِعُ مِن مَعُونَةِ أخيهِ المُسلِمِ وَالسَّعِي لَهُ فِي حَاجَتِهِ قُضِيَتْ أولَمْ تُقضَ إِلا ابْتُلِيَ بِالسَّعي في حاجَة مَنْ يَأْثَمُ عَلَيْهِ وَلا يُوجَرُ وَ مَا مِنْ عَبْدٍ يَبْخَلُ بِنَفَقَةٍ يُنْفِقُها فيما يرضى اللّه إِلا ابْتُلي بأن يُنفِقَ أَضْعَافَها فيما أسْخَطَ اللّه.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): في كلّ قَضاءِ اللّه خَيْرٌ لِلْمُوْمِنِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إِنَّ اللّه كرة إلحاح النَّاس بَعضهم على بَعْضٍ في المسألَةِ وأَحَبَّ ذلكَ لِنَفْسِه. إِنَّ اللّه جَلَّ ذِكْرُهُ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ ويُطْلَبَ مَا عِنْدَهُ.
ص: 293
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللّه لَهُ مِن نفسيه واعظاً، فَإِنَّ مَوَاعِظَ النَّاس لَن تُغنى عنه شيئاً.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَن كانَ ظاهِرُهُ أَرْجَحَ مِن بَاطِنِهِ خَفَّ مِيزَانُهُ
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): كم مِنْ رَجُلٍ قد لَفَيَّ رَجلاً فقال له : كَبَّ اللّه عَدُوَّك (1) ومالَهُ مِن عَدُوٌّ إِلَّا اللّه.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ثلاثة لا يُسلَّمُونَ : الماشي إلى الجُمُعَةِ. والماشِي خَلْفَ جِنازَةٍ وفي بيت الحمام.
وقال : عالم ينتفع يعلمه أفضَلُ مِنْ سَبْعِينَ ألف عابدٍ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا يكون العبد عالماً حتّى لا يكون حاسداً لِمَن فَوْقَهُ ولا عُقر المِنْ دُونَه.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): ما عَرَفَ اللّه مَن عَصَاهُ وأَنْشَدَ :
تعصى الإله وأنت تظهرُ حُبَّه *** هذا لعمرُكَ في الفعال بديع
لَوْ كانَ حُبُّكَ صَادِقاً لأطَعْته ***إن المحب لمن أحب مطيع
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنَّما مَثَل الحاجة إلى مَنْ أَصَابَ مالَهُ حديثاً كَمَثَلِ الدَّرْهَمِ في فم الأفعى أنتَ إِلَيْهِ مُحوج (2) وأنتَ مِنها عَلَى خَطَرٍ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): ثلاث خصالٍ لا يموتُ صَاحِبُهُنَّ أبَداً حتّى يَرَى وَبالَهُنَّ : البَغْى. وقطيعة الرَّحم. واليَمينُ الكاذِبَة يُبارِزُ اللّه بها. وإنَّ أَعْجَلَ الطَّاعَةِ نَوَاباً لَصِلَةُ الرَّحِيمِ وإنَّ القَوْمَ ليكونون فجار أفيتواصلون فتنمى أموالهم ويثرونَ(3) وإنَّ اليَمينَ الكَاذِبَةَ وقَطِيعَة الرَّحِمِ لَيَدْرانِ الدِّيارَ بَلاقِعَ مِنْ أَهْلِها (4).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا يُقْبَلُ عَمَل إِلا بِمَعْرِفَةٍ. ولا مَعْرِفَةَ إِلَّا بِعَمَلٍ. وَمَنْ عَرَفَ دَلَّتْه معرفته على العَمَل. ومَنْ لَمْ يَعرِف فَلا عَمَلَ لَهُ.
ص: 294
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إِنَّ اللّه جَعَلَ لِلمَعروفِ أهلاً مِنْ خَلْقِه، حَبّب إِلَيْهِمُ المعروف وحَبَّب إليهم فعاله وَوَجهَ لِطُلّاب المَعْرُوفِ الطَّلَبَ إِلَيْهم ويسَّر لَهُم قَضاءَه كما يَسَّرَ الغَيْثَ لِلأرْضِ المُجدِبَةِ ليحييها و يحيي أهلها (1) وإن اللّه جَعَلَ لِلْمَعروفِ أعداء مِنْ خَلْقِهِ بَغَّضَ إِليهم المعروف وبَعضَ إِنَّ إليهم فعاله. وحَظَرَ عَلَى طُلّاب المعروفِ التَّوَجهِ إِلَيْهِم وَحَظَرَ عليهم قضاءَهُ كَمَا يَحْظَر الغَيْثَ عَنِ الْأَرْضِ المُجدِبَةِ لِيَهْلِكَها ويَهْلِكَ أهلها وما يَعْفُوا اللّه عَنْهُ أكثرُ.
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): اعْرِفِ المَوَدَّةَ في قلب أخيك بما له في قَلْبِكَ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): الإيمان حبٌّ و بغض (2).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): ما شِيعَتِنا إِلَّا مَنِ اتَّقى اللّه وأطاعَهُ ومَا كَانُوا يُعْرَفُونَ إِلَّا بِالتَّواضُعِ والتخشُّع وأداء الأمانة وكثرة ذكر اللّه و الصّومِ والصَّلاةِ والبرّ بالوالدين وتعهُّد الجيران من الفقراء وذوي المسكنة والغارمين والأيتام و صِدْقِ الحَدِيثِ وَتِلاوَةِ القُرآنِ وكَفَّ الأَلسُنِ عَنِ النَّاس إِلَّا مِنْ خَيْرِ وكَانُوا أَمَنَاءَ عَشَائِرِهِم في الأشياء.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): أربع مِنْ كنوز البرّ : كتمان الحاجة. وكتمانُ الصَّدَقَةِ. وكِثْمَانُ الوجع. وكتمان المصيبة.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : مَن صَدَقَ لِسَانُهُ زَكَا عَمله. ومَن حَسُنَتْ نِيَّتُهُ زِيدَ فِي رِزْقِهِ وَمَنْ حَسُنَ بِرَّه بِأَهْلِهِ زِيدَ فِي عُمرِه.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إيّاك والكسل والضّجرَ فَا نَّهُمَا مِفْتَاحُ كلّ شَر، مَنْ كَيلَ لَمْ يُؤَدِّ حقاً ومَنْ ضَجِرَكُمْ يَصْبر على حقٍّ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَن استفاد أخاً في اللّه على إيمان باللّه وَوَفاء بإخائِه طَلَبَا لِمَرْضاتِ اللّه فَقَدِ اسْتَفادَ شُعاعاً مِنْ نُودِ اللّه وأماناً مِنْ عَذَابِ اللّه وحُجَّةً يُفْلِجُ بها يَوْمَ القِيامَةِ (3) وعزًّا باقياً وذكراً نامياً، لأنَّ المُؤْمِنَ مِنَ اللّه عَزَّ وَجَلَّ لا موصول ولا مفصول. قيل له (عَلَيهِ السَّلَامُ): ما معنى لا مفصول ولا مَوْضُولٌ ؟ قال : لا مَوْصُول به أَنه هو ولا مفصول منه أَنه مِنْ غَيْرِه
ص: 295
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) :كفى بالمرء غشا لِنَفْسِيه أن يُبصِرَ منَ النَّاس مَا يَعْمَى عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ نَفْسِه أو يعيب غيره (1) بمالا يستطيعُ تَرْكَهُ أويُؤذِي جَلِيسَهُ بِمالا يَعْنِيهِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): التواضع الرضا بالمجلس دونَ شَرَفِهِ. وأن تُسَلَّمَ عَلَى مَنْ لَقِيتَ. وأن تترك المراء وإِن كُنت مُحقاً.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إن المؤمِن أخ المؤمن لا يَسْتِمُهُ ولا يَحْرِمُه ولا يُسِي بِهِ الظَّنَّ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) لابنه : اصْبِرْ نَفْسَكَ عَلَى الحَقِّ، فَإِنَّهُ مَنْ مَنَعَ شَيْئًا فِي حَقٌّ أَعْطَى في باطل مثليه.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَنْ قُسِمَ لَهُ الخرقُ حُجبَ عنهُ الإيمانُ (2).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إن اللّه يبغِضُ الفاحش المتفحش.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إن للّه عقوبات في القلوب والأبدَانِ : ضَنْك في المعيشَةِ وَوَهُنَّ في العِبادَةِ. وما ضُرِبَ عَبْدُ بعقُوبَةٍ أَعْظَمَ مِنْ قَسْوَةِ القَلْبِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إذا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ نادى مُنادٍ : أين الصابرون، فيقوم فئام من النَّاس (3). ثمَّ يُنَادِي منادٍ: أينَ المُتَصَبَرُونَ ؟ فيقومُ فِئامٌ مِنَ النَّاسِ. قلتُ : جُعِلْتُ فداك ما الصابرون والمتصبرون ؟ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) الصّابرون على أداءِ الفَرَائِضِ والمُتَصَبَرُونَ عَلى تَرْكِ المحارم.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يَقُولُ اللّه : ابْنَ آدَمَ : اجْتَنِبُ ما حرمت عليكَ تَكُنْ مِنْ أَوْرَعِ النَّاسِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): أفضلُ العِبادَةِ عِفة البَطْنِ والفَرْجِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): البشرُ الحَسَنُ (4) و طلاقةُ الوَجْهِ مَكْتَبَةُ لِلْمَحَبَّة وقربة مِنَ اللهِ. وَعُبُوسُ الوَجْهِ وسُوءُ البشر مَكْسَبَةٌ لِلْمَقَتِ وبُعد مِنَ اللّه.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): ما تذرع إِلَى (5) بذريعة ولا توسل بوَسِيلَةٍ هِيَ أَقْرَبُ له (6) إلى ما يُحِبُّ
ص: 296
مِنْ يَد سَالِفَةٍ مِنِّي إِلَيْهِ أتبعتها أُخْتُها لِتُحْسِنَ حِفَظَهَا وَرَيَّها، لِأَنَّ مَنْعَ الأَواخِرِ يَقْطَعُ لِسانَ شُكْرِ الأوائل (1). وما سَمِحَتْ لي نَفْسِي بِرَدْ بِكْرِ الحَوائج.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): الحَياءُ والإيمانُ مَقْرُونانِ في قَرْنٍ، فَإِذَا ذَهَبَ أَحَدُهُما تَبِعَهُ صَاحِبُه.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إن هذه الدُّنيا تَعاطاها البر والفاجر. وإن هذا الدِّين لا يُعطيه اللّه إِلَّا أَهْلَ خاصَّته (2).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): الإيمان إقرار و عمل والإسلام إقرار بلا عمل. وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الإيمان ما كان في القلب. والإسلامُ ما عَلَيْهِ التَّناكُحُ والتَّوارُتُ وحَقِنَتْ بِهِ الدَّماءُ. والإيمان يَشْرَك الإسلام والإسلام لا يَشْرَكُ الإيمان.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من عَلَمَ بابَ هُدى فَلَهُ مثلُ أَجْرٍ مَنْ عَمِلَ به ولا ينقص أولئكَ مِنْ أجُورِهِم شَيْئاً. ومَن عَلَّم بِابَ ضَلالٍ كان عَلَيْهِ مِثْلُ أَوْرَارٍ مَنْ عَمِلَ بِه ولا يُنْقَصُ أولئكَ مِنْ أَوْزارِهِمْ شَيْئاً.
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): لَيْسَ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُؤْمِنِ المَلَقُ والحَسَدُ إِلَّا فِي طَلَبِ العِلْمِ (3).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لِلْعالِم إِذا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ وَهُوَ لا يَعْلَمُهُ أَنْ يَقُولَ : اللّه أَعْلَمُ. وَلَيْسَ لغير العالم أنْ يَقُولَ ذلِكَ (4) - وفي خَبَرٍ آخر يقول : لا أَدْرِي - لِئلّاً يُوقع في قَلْبِ السائل شكاً.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): أوَّلُ مَنْ شُقٌ لِسانُهُ بالعَرَبِيّةِ إسماعيل بن إبراهيم (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) وَهُوَ ابْنُ ثلاث عَشَرَةَ سَنَةٌ وَكانَ لِسانُهُ عَلَى لِسَانِ أَبِيهِ وَ أَخِيهِ فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ نَطَقَ بِها وهو الذّبيح.
ص: 297
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): ألا أنبِّئُكُمْ بِشَيءٍ إذا فَعَلْتُمُوهُ يبعد السلطان والشيطانُ مِنكُم ؟ فقال أبو حمزة : بلى، أخبرنا به حتّى نَفْعَلَهُ، فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): عَلَيْكُم بِالصَّدَقَةِ فَبَكِروا بها،. فإنها تسوِّد وجه إبْلِيسَ وتُكَسِّرُ شِرَّة السُّلطانِ الظَّالِمِ عَنكُمْ في يَوْمِكُمْ ذلِكَ (1) و عَليكُمْ بِالحُبِّ فِي اللّه والتَّوَدُّدِ (2) والمُوازَرَةِ على العَمَلِ الصَّالِحِ، فَإنّه يقطعُ دابِرَهُما - يعنى السلطان والشيطان - وألحّوا في الاستغفار، فإنه ممحاة لِلذُّنوب.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إنَّ هذا اللسانَ مِفتاح كلّ خَيْرٍ وَ شَرٌّ فَيَنبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَختم على لسانه كما يَخْتِمُ عَلَى ذَهَبِهِ وفِضّتِه (3)، فإنَّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال : «رَحِمَ اللّه مُؤمِناً أمْسَكَ لِسانَهُ مِنْ كلّ شَرَّ فَإِنَّ ذلكَ صَدَقَةٌ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ (4)»، ثمَّ قَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا يَسْلَمُ أحَدٌ مِنَ الذُّنُوبِ حتّى يَحْزَنَ لِسَانَهُ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): مِنَ الغِيبَةِ أنْ تَقول في أخيك ما سَتَرَهُ اللّه عليهِ، فَأما الأمرُ الظَّاهِرُ منهُ مِثلُ الحِدَّةِ والعَجَلَةِ فَلا بَأسَ أنْ تَقُولَه. و إنَّ البهتان أن تقول في أخِيكَ مَالَيسَ فيه (5).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إِنَّ أَشَدَّ النَّاس حَسَرَة يَوْمَ القِيامَةِ عَبْدُ وَصَفَ عَدْلاً ثمَّ خالَفَهُ إِلَى غَيْرِهِ (6).
ص: 298
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): علَيكُمْ بِالورع والاجتهادِ وَصِدْقِ الحَدِيثِ وَ أَداءِ الأَمَانَةِ إِلَى مَنِ ائتمنكم عليها برا كان أو فاجِراً، فلو أنَّ قاتِلَ عَلي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) ائتَمَنَنِي على أمَانَةٍ لأدَّيتها إليه.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): صِلَةُ الأرْحَامِ تُزَكَّى الأعمال وتنمي الأموال وتَدْفَعُ البلوى وَتُيَسرُ الحِساب وتُنْسِيءُ في الأجَلِ (1).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): أيُّها النَّاس إنكم في هذهِ الدَّارِ أَغْرَاضَ تَنتَضِلُ فِيكُمُ المَنايا، لَنْ يَسْتَقبِلَ أحَدٌ مِنكم يَوْماً جَدِيداً مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا بِانقضاءِ آخَرَ مِنْ أَجَلِهِ، فَأَيَّةُ أكْلَةٍ لَيْسَ فيها غُصَصٌ : أمْ أيُّ شَربَةٍ لَيْسَ فِيها شَرَق؟ (2) إِسْتَصْلِحُوا ما تَقْدِمُونَ عليهِ بما تَظْعَنُونَ عنه (3)، فَإِنَّ اليومَ غَنِيمَةٌ وغَداً لاندرِي لِمَنْ هُوَ أهْلُ الدُّنيا سَفَر (4) يَحلُّونَ عَقَدَ رحالهم في غيرها. قَدْخَلَتْ مِنا أصول نَحْنُ فُرُوعُها، فَمَا بَقَاءُ الفَرْعِ بَعْدَ أَصْلِهِ. أَيْنَ الّذين كانوا أطول أعماراً مِنكُم وأبعد آمالاً. أتاك يا ابن آدَمَ مَا لا تَرُدُّهُ وَذَهَبَ عَنْكَ ما لا يعودُ فَلا تَعُدَّن عيشاً منصرفاً عيشاً، ما لَكَ مِنْهُ الالدة تزدلِف بِكَ إلَى حَمامِكَ (5) و تُقَرِّبُكَ مِنْ أجلِكَ؟ فَكَأَنَّكَ قدسِرت الحبيب المفقود والسواد المخترم. فَعَليك بذاتِ نَفْسِكَ وَدَعْ ما سواها وَاسْتَعِنْ باللّه يُعنك (6).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صُنِعَ إِلَيْهِ فَقَدْ كافَا. وَمَنْ أَضْعَفَ كَانَ شَكُوراً ومَنْ شكر كانَ كَريماً. ومَنْ عَلمَ أنه ما صَنَعَ كانَ إلى نَفْسِه لَم يَسْتَبْطِي النَّاس في شكرهم شُكْرِهِمْ وَلَم يستزدهُم في مودَّتهم، فلا تلتمس من غيرك شكر ما آتيته إلى نَفْسِكَ وَوَقَيْتَ بِهِ عِرْضَاكَ
ص: 299
واعلم أن طالب الحاجَةِ لَمْ يُكرم وجْهَهُ عَنْ مَسَألَتِكَ فَأكْرِمْ وَجْهَكَ عَنْ رَدِّه.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إن اللّه يتعهد عبده المؤمن بالبلام كما يتعهد الغائبُ أهْلَهُ بِالهَدِيَّة ويَحْمِيهِ عَنِ الدُّنيا كما يحمي الطبيب المريض.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إِنَّ اللّه يعطي الدُّنيا مَنْ يُحِبُّ ويُبغِضُ ولا يُعطي دِينَهُ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ (1).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إنما شيعة على (عَلَيهِ السَّلَامُ) المتباذلونَ فى ولايتنا، المتحابّون في مودَّتنا المتزاورون لإحياء أمرنا الّذين (2) إِذا غَضِبوا لم يَظْلِموا، وإِذا رَضُوا لم يُسْرِفوا، بَرَكَةٌ عَلى مَنْ جَاوَرَوا، سِلَّم لِمَنْ خَالَطَوا.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): الكَسَلُ يَضُر بالدين والدنيا.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لو يعلمُ السَّائِلُ ما في المَسْأَلَةِ مَا سَأَلَ أَحَدٌ أَحَداً. وَلَوْ يَعلَمُ المَسْؤُولُ ما في المَنْعِ ما مَنَعَ أَحَدٌ أَحَداً.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إِنَّ للّه عِباداً مَيامِينَ مَياسِيرَ يَعيشُونَ ويَعِيشُ النَّاس في أَكْنَافِهِم وهُم في عِبادِهِ مِثْلُ القَطْرِ. واللّه عِباد ملاعين مَناكِيدُ، لا يعيشون وَلا يَعِيشُ النَّاس في أكنافهم وهم في عِبادِهِ مثل الجرادِ لا يَتَعَونَ على شَيْءٍ إلا أتوا عَلَيْه (3).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): قولو اللنَّاسِ أحْسَنَ ما تُحِبّونَ أَن يُقَالَ لَكُمْ، فَإِنَّ اللّه يُبْغِضُ اللَّعَانَ السبابَ الطَّعّانَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، الفَاحِشَ المتفحِّش، السَّائِلَ المُلْحِفَ ويُحِبُّ الحَيِي الحَلِيَّ العفيف المتعفِّف (4).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إِنَّ اللّه يُحِبُّ إِفْشَاءَ السَّلامِ.
ص: 300
[ بسم اللّه الرحمن الرحيم ]
وروى عن الامام الصادق أبي عبداللّه جعفر بن محمَّد صلوات اللّه عليهما في طوال هذه المعاني
وصيّته (عَلَيهِ السَّلَامُ) لعبد اللّه بن جندب (1)
رُوِيَ أَنَّهُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) قالَ : يا عبد اللّه لقد نصب إبليس حَبائِلَه في دار الغرور فَما يَقصُدُ فيها إلا أولياءنا ولقد جَلَّتِ الآخِرَةُ في أعينهم حتّى ما يُرِيدُونَ بِها بَدَلاً. ثمَّ قال : آه آه عَلَى قُلُوبِ حَشِيَتْ نوراً و إنما كانت الدُّنيا عندهم بمنزلَةِ الشُّجَاعِ الأرقم (2) و العَدُوِّ الأعجم، أنَسُوا باللّه وَاسْتَوحَشُوا لِمَا بِهِ اسْتَأْنَسَ الْمُتَرَفونَ، أولئكَ أوليائي حقاً وبِهِمَ تُكشَفَ كلّ فِيْنَةٍ وَتُرْفَعُ كلّ بَلِيَّة.
يا ابن جُنْدَبِ حَق عَلَى كلّ مُسلِم يَعْرِفُنا أن يَعْرِضَ عمله في كلّ يومٍ وَلَيْلَةٍ على نَفْسِه فيكون محاسب نفسيه، فإنْ رَأى حَسَنَةٌ اسْتَزادَ مِنها. وإِن رَأَى سيّئة اسْتَغْفِرَ مِنْهَا لِئَلا يخزى يَوْمَ القِيامَةِ. طوبى لِعَبْدِلَم يغبط الخاطِئِينَ على ما أُوتُوا مِنْ نَعِيمِ الدُّنيا وَزَهْرَتِها. طوبي لعبد طلببَ الآخِرَةَ وسَعَى لَهَا، طوبى مِن لَمْ تُلْهِهِ الأماني الكاذِبَة. ثمَّ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): رحم اللّه قوماً كانوا سِراجاً ومناراً، كانوا دعاة إلينا بأعمالهم ومَجْهودِ طاقتِهم، ليسَ كَمَنْ يذيع أسرارنا.
يا ابن جندب إنما المؤمِنُونَ الّذين يَخافون اللّه و يُشْفِقُونَ أَن يُسْلُبُوا ما أعطوا من الهدى، فإذا ذكروا اللّه و نعماءه وَجِلوا و أشفقوا. وإذا تُلِيَتْ عَلَيْهِم آياته زادتهم إيماناً ما أظْهَرَهُ مِنْ نَفَادِ قُدْرَتِهِ. وَعَلَى ربّهم يَتَوَكَّلُونَ.
يا ابن جندب قديما عَمِرَ الجَهْلُ وقَوِيَ أَساسُهُ وذلِكَ لا تخاذهم دينَ اللّه لَعِباً حتّى
ص: 301
لقد كانَ المتقرب منهم إلى اللّه بعلمه يريدُ سِواهُ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ.
يا ابن جندب لو أن شيعتنا استقامو الصافحتهم الملائِكَةُ ولَأَظلَّهُم الغَمام ولأشرقُوا تهاراً ولأكلوا مِنْ فَوقِهم ومن تَحْتِ أرجلهم ولما سألوا اللّه شَيْئاً إِلَّا أَعْطَاهُم.
يا ابن جندب لا تقل في المذنبينَ مِنْ أَهْلِ دعوتِكُمْ إِلَّا خَيْراً. وَاسْتَكِينُوا إِلَى اللّه فِي توفيقهم وسَلُوا التّوبة لهم. فكل من قصدنا و والأنا ولم يُوالِ عَدُونا وقالَ مَا يَعْلَمُ وَسَكَتَ عما لا يعلم أو أشكل عَلَيْهِ فهو في الجنّة.
يا ابنَ جُندَبِ يَهْلِكُ المُتَّكِلُ على عمله. ولا ينجو المُجْتَرِىء عَلَى الذُّنوبِ الواثِقُ برحمة اللّه. قلت : فَمَنْ ينجو؟ قال : الّذين هُم بين الرَّجاء والخَوفِ، كأن قلوبهم في مخلب طائِرٍ شَوقاً إلى الثَّواب وخَوْفاً مِنَ العَذاب.
يا ابن جندب مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُزَوجَهُ اللّه الحُورَ العِينِ وَيَتَوَجَّهُ بِالنُّورِ فَلْيُدْخِلَ عَلَى أخيه المؤمن السُّرور.
يا ابن جندب أقل النوم بالليل و الكلام بالنَّهارِ. فَمَا فِي الجَسَدِ شيء أقل شكراً مِنَ العَيْنِ واللسانِ، فَإِنَّ أم سليمان قالت لسليمان (عَلَيهِ السَّلَامُ): يابني إيّاك والنوم، فإنه يفقرُكَ يَوْمَ يَحتاجُ النَّاس إلى أعمالهم.
يا ابن جندب إنَّ لِلشيطانِ مَصَائِدَ يَصْطادُ بها فَتَحاموا شباكه (1) ومَصَائِدَه. قلت : يا ابن رسول اللّه وماهي ؟ قال : أما مصائِدُه فَصَدَّ عَن برِّ الإخوان. وأما شباكه فنَوْم عن قضاء الصَّلَواتِ الّتي فَرَضَها اللّه. أما إنه ما يُعْبَدُ اللّه بِمِثْلِ نَقل الأقدامِ إلى برّ الإخوان و زيارتهم. ويل للسَّاهِينَ عَن الصلوات، النَّائِمِينَ في الخَلَواتِ، المستهزئين باللّه و آياته في الفترات (2). «أولئك - الّذين - لا خَلاقَ لَهم في الآخِرَةِ ولا يُكَلِّمُهُمُ اللّه... يَوْمَ القِيامَةِ ولا يزكيهم وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (3)».
یا ابنَ جُنْدَبٍ مَنْ أَصْبَحَ مَهْمُومَاً لِسِوى فَكَاكِ رَقَبَتِهِ فقد هَوْنَ عَليه (4) الجَلِيلَ وَرَغِبَ
ص: 302
مِنْ ربّه في الربح الحَقِيرِ (1). ومَنْ غَش أخاه وحَقَّره وناواه (2) جعلَ اللّه النَّار مأواهُ ومَن حَسَدَ مؤمناً انْمَاتَ الإيمانُ في قلبه كما يَنْمَاتُ الملح في الماء.
يا ابن جندب الماشي في حاجة أخيه كالساعي بين الصفا والمروة، وقاضي حاجَتِهِ كالمتشحط بديه في سبيل اللّه يوم بدر وأحدٍ. وما عَذَابَ اللّه أُمَّةٌ إِلَّا عِندَ اسْتِها تتهم بِحُقوقِ فُقَرَاءِ إِخْوانِهِمْ.
یا ابن جندب بلغ مَعَاشِرَ شيعتنا وقُلْ لَهُم : لا تَذهَبْنَ بِكُمُ المَذاهِبُ فَوَاللّه لا تُنالُ ولا يتنا إلا بالورع والاجتهاد في الدُّنيا ومواساة الإخوان في اللّه. ولَيْسَ مِنْ شِيعَتِنا من يظلمُ النَّاسَ.
یا ابنَ جُندَبِ إِنَّمَا شِيعَتُنَا يعرفون بخصالٍ شَتَّى : بِالسَّخاءِ والبَذَلِ لِلإخوانِ و بأن يصلوا الخمسين ليلاً ونهاراً. شيعتنا لا يهرون هَرير الكلب ولا يَطْمَعُونَ طَمع الغراب ولا يُجاوِرُونَ لَنَا عَدُوا ولا يَسْأَلُونَ لَنا مبغضاً ولوماتوا جوعاً. شيعتنا لا يأكلون الجري (3) ولا يمسحونَ عَلَى الخُفين ويحافظون على الزوالِ ولا يَشْرَبُونَ مُشكراً. قلتُ : جُعِلتُ فِداكَ فأين أطلبهم ؟ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): على رؤوس الجبال وأطراف المدن. وإذا دَخَلْتَ مَدِينَةٌ فَسَلْ (4) عمن لا يُجاوِرُهم ولا يجاورونه فَذلكَ مُؤْمِنُ كما قال اللّه: «وجاءَ من أقصى المدينةِ رَجُلٌ يَسْعَى (5)»، واللّه لَقَدْ كانَ حَبيبَ النَّجار وحده.
يا ابنَ جُنْدَبِ كلّ الذُّنُوبِ مَعْفُورَةٌ سِوى عُقوقِ أَهْلِ دَعْوَتِكَ. وَكُلُّ البر مقبول إلا ما كانَ رِئاء.
يا ابن جندب أحبب في اللّه واستمسك بالعروة الوثقى واعتصم بالهدي يقبل عملك فَإِنَّ اللّه يَقُولُ : «إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثمَّ اهْتَدى (6)»، فَلا يُقْبَلُ إلا الإيمان. ولا
ص: 303
إيمان إلا بعمل. ولا عمل إلا بيقين. ولا يقين إلا بالخُشُوعِ وَمِلاكُها كُلَّها الهدى، فَمَنِ اهتدى يُقْبَلُ عَمَلُهُ وَ صَعِدَ إِلى المَلكوتِ مُتَقبلاً «واللّه يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلى صِرَاطٍ مستقیم (1)».
يا ابن جندب إن أحْبَتَ أن تُجاوِرَ الجَليل في داره وتَسْكُنَ الفِردَوسَ في جواره فلتهن عليك الدُّنيا واجعل الموتَ نَصْبَ عينك. ولا تَدْخِرْ شَيْئًا لِغَد.. وَاعْلَمْ أَنَّ لَكَ ما قدمت وعليك ما أخَّرْتَ.
يا ابنَ جُنْدَبِ مَنْ حَرَمَ نَفْسَهُ كَسَبَهُ فَإِنَّمَا يَجْمَعُ لِغَيْرِهِ. وَمَنْ أطاعَ هَوَاهُ فَقَدْ أطاعَ عَدُوهُ مَنْ يَبْقَ باللّه يَكْفِيهِ مَا أَهَمَهُ مِنْ أَمْرِ دُنياهُ وَ آخِرَتِهِ وَيَحْفَظُ لَهُ مَاعَابَ عَنْهُ. وقد عَجَزَ مَنْ لَمْ يُعدَّ لِكُلِّ بَلاء صَبراً ولِكُلِّ نِعْمَةٍ شُكراً. ولكل عُسْرِ يُسْراً. صَبَّرْ نَفْسَكَ عندَ كلّ بَلِيَّةٍ في وَلَدٍ أو مال أورَزِيّة (2)، فإنما يقبضُ عارِيتَهُ وَيَأْخُذُ هَبَتَهُ لِيَبْلُوفيهما صَبَرَكَ وشكركَ. وَارْجُ اللّه رَجَاءَ لا يُجَرِّيكَ عَلى مَعْصِيَتِهِ وَخَفَهُ خَوْفاً لَا يُؤْيِسُكَ مِنْ رحمته. ولا تغتر بقولِ الجَاهِلِ ولا بِمَدْحِه فتكبر وتجبر وتُعْجَبَ بِعَمَلِكَ، فَإِنَّ أَفْضَلَ العَمَلِ العِبادَةُ والتَّواضُع. فلا تضيع مالك وتصلح مالَ غَيْرِكَ مَا خَلَفْتَهُ وَرَاءَ ظَهْرِكَ. وَاقْنَعْ بِما قَسَمَهُ اللّه لَكَ. ولا تنظر إلَّا إلى ما عِندَكَ وَلَا تَتَمَنَّ مَالَسْتَ تَنالُهُ. فَإِنَّ مَنْ قَنِعَ شبعَ وَمَن لم يقنع لم يشبع. وَخَذ حَظَكَ مِنْ آخِرَتِكَ. وَلَا تَكُنْ بَطِراً في الغنى، وَلَا جزعاً في الفقر. ولا تكن فظا غليظاً يَكرَهُ النَّاس قُرْبَكَ وَلا تَكُنْ واهِنَا يَحْضُرُكَ مَنْ عرفك. ولا تُشار (3) مَنْ فَوقَكَ. ولا تسخر بِمَنْ هُوَ دُونَكَ. ولا تُنازع الأمرَأهْلَهُ. ولا تُطِعِ السُّفَهَاءَ. ولا تَكُنْ مَهيناً تَحْتَ كلّ أَحَدٍ. وَلَا تَشْكِلَنَّ عَلَى كِفَايَةَ أَحَدٍ. وَقِفٌ عند كلّ أمْرِ حتّى تَعرِفَ مَدْخَلَهُ مِنْ مَخْرَجِه قَبلَ أَنْ تَقَعَ فِيهِ فَتَندم. وَاجْعَلْ قَلْبَكَ قَرِيباً تُشاركه (4) وَاجْعَل عملك والِداً تَتَّبِعُهُ. وَاجْعَلْ نَفْسَكَ عَدُوا تُجَاهِدُهُ وَعَارِيَّةً تَرُدُّهَا،
ص: 304
فانك قد جعلت طبيب نفسِكَ وعُرفت آيةَ الصحة ويُيّنَ لَكَ الدَّاء ودُلِلتَ عَلَى الدَّواء. فانظر قيامك على نَفْسِكَ. وإن كانَتْ لَكَ يَدَ عِندَ إنسانٍ فَلا تُفْسِدُها بكثرة المنّ والذكر لها ولكن اتَّبعها بأفضل منها، فإن ذلك أجمل بك في أخلاقك و أوجب للنواب في آخرتك. و عليكَ بالصَّمْتِ تُعد حَليماً - جاهلاً كنتَ أو عالِماً - فَإِنَّ الصَّمَتَ زَيْنَ لكَ عِندَ العُلَماءِ وسَتْر لَكَ عند الجمال.
يا ابْنَ جُندَب إن عيسى ابنَ مَرْيَمَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال لأصحابه : «أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ أَحَدَكم مَرَّ بِأَخِيهِ فَرَأَى تَوْبَهُ قَدِ انْكَشَفَ عَنْ بَعْضٍ عَوْرَتِهِ أكَانَ كَاشِفَا عَنْهَا كُلَّها أَمْ يَرُدُّ عليها ما أنكَشَفَ مِنها ؟ قالوا : بَلْ نَرُدُّ عليها. قال : كَلاً، بَلْ تَكْشِفُونَ عَنْهَا كُلَّها - فَعَرَفوا أنَّهُ مَثَلُ ضَرَبَهُ لَهُمْ - فَقِيلَ : يا روح اللّه وكيف ذلك ؟ قال : الرَّجلُ مِنكُم يَطَّلِعُ على العورَةِ مِنْ أخيه فلا يَسْتُرُها. يحق أقول لكم إنَّكُم لا تصيبونَ مَا تُرِيدُونَ إِلَّا بِتَرْكِ ما تشتهون. ولا تَنالُونَ ما تأمُلُونَ إلا بالصبر على ما تَكْرَهُونَ. إيّاكم والنظرة. فإنها تزرع في القَلْبِ الشهوة وكَفى بها لِصاحِبِها فِتْنَةٌ. طُوبَى لِمَنْ جُعِلَ بَصَرَهُ في قلبه ولم يجعل بصرُهُ في عينه. لا تنظرُوا في عيوب النَّاس كالأرباب وانظروا في عيوبكم كهيئة العبيد. إنما النَّاس رَجَلانِ : مُبتلى وَمُعافى فَارْحَوا المبتلى واحمدوا اللّه على العافية».
يا ابن جندب صِلٍّ مَنْ قَطَعَكَ. وأعْطِ مَن حَرَمَكَ. وأحْسِنُ إِلَى مَنْ أساءَ إِلَيْكَ. وَسَلَّم عَلَى مَنْ سَبَّكَ. وَأنْصِف مَنْ خَاصَمَكَ. وَاعْفُ عَمَّنْ ظَلَمَكَ، كَمَا أَنَّكَ تُحِبُّ أن يُعفى عنكَ، فاعتبر بعفو اللّه عنكَ، ألا ترى أن شَمْسَهُ أشْرَقَتْ عَلَى الأَبْرَارِ والفُجَارِ. وأنَّ مطرَهُ يَنزِلُ عَلَى الصَّالِحِينَ والخاطِئِينَ.
يا ابن جندب لا تَتَصَدَّقَ عَلَى أَعَيْنُ النَّاس لِيُرزكَوكَ، فَإِنَّكَ إِن فَعَلْتَ ذلكَ فَقَدِ استوفيتَ أجْرَكَ، ولكن إذا أعْطَيْتَ بِيَمِينِكَ فَلا تُطلِعَ عَلَيْهَا شِمَالَكَ، فَإِنَّ الّذي تتصدّقُ لَه سراً يُجزيك علانية على رؤوس الأشهادِ فِي اليَوْمِ الّذي لا يَضُرُّكَ أَنْ لا يطلع النَّاس على صَدَقَتِكَ، وَاخْفِضُ الصَّوْتَ، إِنَّ رَبِّكَ الّذي يَعلَمُ مَا تُسِرُّونَ وما تُعْلِمُونَ، قَدْ عَلِمَ ما تُرِيدُونَ قَبْلَ أَنْ تَسْألُوهُ. وَ إِذا صُمَّتَ فَلا تَغْتَبْ أَحَداً. ولا تلبسُوا صيامكم يظلمٍ. وَلَا تَكُنْ كَالّذي يَصُومُ رِئاءَ النَّاسِ، مُغبَّرة وُجُوهُم، شَعِثَةٌ رُؤُوسُهُم
ص: 305
يابسةً أفواهُهُمْ لِكَيْ يَعْلَمَ النَّاس أَنَّهُم صَيامى.
يا ابنَ جُندَب الخَيْرُ كُله أمامَكَ، و إِنَّ الشَّرَّ كُله أمامك. ولَنْ تَرَى الخير و الشر إلا بعد الآخرة، لأنَّ اللّه جَلَّ وعَن جَعَلَ الخَيْرَ كُلَّه في الجنّة والشَّرَّ كله في النار، لأنهما الباقيان. و الواجِبُ على مَن وَهَبَ اللّه لَهُ الهدى وأكْرَمَهُ بِالإيمان و ألهمَهُ رُشْدَهُ ورَكَبَ فيه عقلاً يَتَعَرَّفُ به نِعَمَهُ و آناهُ عِلْماً وحُكْماً يُدَبِّرُ بِهِ أَمْرَ دِينِهِ وَ دنياه (1) أن يوجب على نفسه أن يشكر اللّه ولا يكفره وأن يذكر اللّه ولا ينساه وأن يُطيع اللّه ولا يعصيه، لِلْقَدِيمِ الّذي تَفَرَّدَ لَهُ بِحُسْنِ النَّظَرِ، و لِلْحَدِيثِ الّذي أَنْعَمَ عَلَيْهِ بعد إذ أنشأه مَخْلُوقاً، وَلِلْجَزِيلِ الّذي وَعَدَهُ، والفَضْلِ الّذي لَمْ يُكَلِّفَهُ مِنْ طَاعَتِهِ فَوقَ طَاقَتِه و ما يعجزُ عَنِ القِيامِ بِه وضَمِنَ لَهُ العَوْنَ عَلَى تَيسِير مَا حَمَلَهُ مِنْ ذلِكَ ونَدَبَهُ إِلَى الاسْتِعَانَةِ عَلَى قَلِيلِ مَا كَلَّفَهُ وَهُوَ مُعْرِضِ (2) عما أمره و عاجز عنه قَدَلَبِسَ ثَوْبَ الاستهانة فيما بينَه وبَينَ رَبِّه، متقلد الهَواهُ، ماضياً في شَهَوَاتِه، مُؤثِراً لِدُنْيَاهُ عَلَى آخِرَتِه وهو في ذلك يَتَمَنّي جنان الفردوس و ما ينبغي لأحد أن يَطْمَع أن يَنْزِلَ بِعَمَلِ الفُجَارِ مَنازِلَ الأبْرارِ. أما إِنه لَووَقَعَتِ الواقعة وقامت القيامة وجاءَتِ الطامّةُ ونَصَبَ الجَبَّارُ الْمَوَازِينَ لِفَصْلِ القَضَاءِ و برز الخَلائِقُ لِيَوْمِ الحِساب أيقنَتَ عِندَ ذلِكَ لِمَن تَكونُ الرَّفْعَةُ والكَرَامَةً و بِمَنْ تَجُل الحسرة و النَّدامَةُ : فَاعْمَلِ اليَوْمَ في الدُّنيا بِما تَرْجُوبه الفوز في الآخِرَةِ.
يا ابنَ جُنْدَبِ قال اللّه جَلَّ وعَزَّ في بعض ما أوحى : «إِنَّمَا أَقْبَلُ الصَّلَاةَ ممَّنْ يَتَوَاضَعُ لِعَظَمَتِي وَيَكُفّ نَفْسَهُ عَنِ الشَّهَوَاتِ مِنْ أَجْلِي ويَقْطَعُ نَهَارَهُ بِذِكْرِي ولا يَتَعَظَمَ عَلَى خَلقي ويُطْعِمُ الجائع ويكسو العارِي ويَرْحَمُ المُصابَ ويُؤْدِي الغَرِيبَ (3) فذلِكَ يُشْرِقُ نوره مِثْلَ الشَّمْسِ، أَجْعَلُ لَهُ في الظُّلَمَةِ نُوراً وفي الجَهالَةِ حِلْماً أَكَلَأه بعزتي (4)أسْتَحْفِظُهُ مَلائِكَتى، يدعوني فالبيِّه ويسألني فأعطيهِ، فَمَثَلُ ذلِكَ العَبْدِ عِنْدِي كَمَثَلِ جَنَّاتِ الفردوس لا يُسْبَقُ أَثْمَارُها ولا تتغير عَنْ حالها».
ص: 306
يا ابن جندب الاسلام عريان فَلباسه الحَياهُ وزِينَتُهُ الوَقارُ ومُرُوءَهُ العَمَلُ الصَّالِحُ وعمادة الورع، ولِكُلِّ شَيء أساس وأساس الإسلام جُبُّناً أهل البيت.
يا ابن جندب إِنَّ للّه تَبَارَكَ وتعالى سُوراً مِنْ نُورٍ، عَفُوفاً بالزَّبَرْجَدِ والحَرِيرِ، منجَّداً بالسندس (1) والديباج، يُضْرَبُ هذا السورُ بَينَ أَوْلِيَائِنَا وَبَيْنَ أَعْدائِنَا فَإِذَا عَلَى الدماغ وبلَغَتِ القلوبُ الحَناجِرَ ونُضِجَتِ الأكباد مِنْ طُولِ المَوقِفِ أُدْخِلَ في هذا السُّورِ أولياء اللّه، فكانوا في أمَنِ اللّه وَحِرْزِهِ، لَهُم فيها ما تشتهي الأنفُسُ وتَلَذُّ الأعْيُنُ. وأعداء اللّه قد الجمهُمُ العَرَقُ وقَطَعَهُمُ الفَرَقُ وهم ينظرون إلى ما أعَدَّ اللّه لَهُم، فيقولون : «مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (2)»، فينظر إليهِم أَولِياءُ اللّه فَيضَحَكُونَ مِنْهُم، فَذَلكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : «اتَّخَذْنَاهُمْ سَخَرِياً أم زاغَتْ عَنْهُمُ الأبصارُ (3)»، وقوله : «فَاليَوْمَ الّذين آمَنُوا مِنَ الكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ (4)»، فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ ممّن أعانَ مُؤْمِناً مِنْ أوْلِيائِنَا بِكَلِمَةٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللّه الجنّة بِغَيْرِ حِسَابٍ.
وصيّته (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأبي جعفر محمَّد بنِ النِّعْمانِ الأَحْوَلِ (5)
قال أبو جَعْفَرٍ : قالَ لِي الصَّادِقُ (عَلَيهِ السَّلَامُ): إنَّ اللّه جَلَّ وَعَزَّ عَيَّرَ أَقواماً في القُرآنِ الملا بالإذاعة، فَقُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِداك أيْنَ قال : قالَ : قَوْلُهُ : «وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرُ مِنَ الأمْنِ أَوِ
ص: 307
الخَوْفِ أَذاعوا به(1)»، ثمَّ قال : المذيع علينا سرَّنا كالشَّاهر بسيفه علينا، رَحِمَ اللّه عَبْد أَسَمِعَ يمكنُونِ عِلمنا فَدَفَنَه تحت قدميه. واللّه إني لأعلَمُ بِشِرارِكُم مِنَ البَيْطَارِ بِالدَّوابُ شرارُكُمُ الّذين لا يقرؤون القرآن إِلَّا هُجراً ولا يأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا دُبْراً ولا يحْفَظُونَ ألسنتهم (2). إعْلَمْ أَنَّ الحَسَنَ بنَ عَلي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) لما طعن واخْتَلَفَ النَّاس عَلَيْهِ سَلَّمَ الأَمر مِعاوِيَةَ فَسَلَّمَتْ عَلَيْهِ الشَّيعَةُ عَلَيْكَ السَّلامُ يَا مُذِلَّ المُؤْمِنِينَ. فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): «ما أنَا بِمُذِلُّ المؤمنينَ ولكِنِّي مُعزَّ المؤمنين. إنّي لمّا رأيتكم لَيْسَ بِكُم عَلَيهِم قوة سَلَّمْتُ الأمر لأبقى أنَا وَأَنتُم بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، كَماعاتِ العَالِمُ السَّفِينَةَ لِتَبقى لأصحابها وكذلك نَفْسِي وَأنتُم لنبقى بينهم».
يا ابنَ النِّعْمَانِ إِنِّي لأحَدَّثُ الرَّجُلَ مِنكُم بِحَدِيثٍ فَيَتَحَدَّثُ بِهِ عَنِّي بِحَدِيثٍ فَيَتَحَدَّثُ بِهِ عَنِّي، فَاسْتَحِل بذلك لعنته والبَراءَةَ مِنْهُ. فَإِنَّ أبي كان يقولُ : «وأَيُّ شَيْءٍ أَقَرُّ لِلْعَينِ مِنَ التَّقِيَّةِ، إنَّ النقية جنة المؤمن (3) ولولا النقية ما عُبِدَ اللّه». وَقَالَ اللّه عَزَّ وجَلَّ : «لَا يَتَّخِذِ المؤمنون الكافرين أولياء مِن دونِ المؤمِنينَ، وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّه في شَيءٍ
ص: 308
إلا أن تشقوا مِنْهُم ثقاة (1)».
يا ابن النعمان إيّاك والمرأة، فإنه يُخيط مملك، وإياك والجدال، فإنه يُوبِقك. وإياك وكثرة الخصوماتِ، فَإنها تُبعِدُكَ مِنَ اللّه. ثمَّ قال : إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُم كانوا يتعلمونَ الصَّمَتَ وأنتم تتعَلَّمُونَ الكَلامَ كانَ أحَدُهُم إِذا أرادَ التَّعبد يتعلم الصَّمْتَ قَبْلَ ذلك بعشر سنين فإن كانَ يُحْسِنُهُ ويصبرُ عليه تعبد وإلا قال : ما أنا لما أروم بأهل (2)، إنما يَنجُومَنْ أطالَ الصَّمَتَ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَصَبَرَ في دولَةِ البَاطِلِ عَلَى الأذى، أولئك النجباء الأصفياء الأولياء حقاً وَهُمُ المُؤْمِنُونَ إِنَّ أَبْغَضَكُم إِلَيَّ المتراسّونَ (3). المشّاؤُونَ بِالنّمائِمِ، الحَسَدَةُ لِإِخْوانِهِمْ لَيَسُوا مِنِّي وَلا أَنَا مِنْهُمْ. إنما أوليائي الّذين سَلَّمُوا لِامْرِنَا وَاتَّبَعُوا آثارنا وَاقْتَدَوابِنا في كلّ أُمورِنا. ثمَّ قال : واللّه لَو قَدَّمَ أَحَدُكُمْ مِلءَ الأَرْضِ ذَهَبَاً عَلَى اللّه ثمَّ حَسَدَ مُؤْمِناً لَكَانَ ذلك الذهَبُ تِمَا يكوى به في النار.
يا ابنَ النِّعمانِ إِنَّ المُذِيعَ لَيْسَ كَقَاتِلِنا بِسَيفِهِ بَلْ هُوَ أَعْظَمُ وَزْراً، بَلْ هُوَ أَعْظَمُ وِزْراً، بَلْ هُوَ أعْظَمُ وِزْراً.
يا ابن النعمانِ إِنَّهُ مَنْ رَوى عَلَيْنَا حَدِيثا (4) فهو يمن قتلنا عمداً ولم يقتلنا خطاء.
يا ابنَ النِّعمانِ إذا كانت دَولَةُ الظُّلْمِ فَامْشِ وَاسْتَقْبِلْ مَنْ تَتَّقِيهِ بِالتَّحِيَّةِ، فَإِنَّ المتعرض لِلدَّوْلَةِ قَاتِلُ نَفْسيه (5) و موبقها، إِنَّ اللّه يَقولُ : «ولا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ (6)».
يا ابنَ النُّعْمَانِ إِنَّا أَهْلَ بَيْت لا يزالُ الشيطانُ يُدْخِلُ فِينَا مَنْ لَيْسَ مِنًا وَلَا مِنْ
ص: 309
أهْلِ ديننا، فَإذا رَفَعَهُ ونَظَرَ إِلَيهِ النَّاس أَمَرَهُ الشَّيْطَانُ فَيُكَذَّبَ عَلَيْنَا، وَكُلَّما ذَهَبَ واحد جاء آخر.
يا ابنَ النِّعْمَانِ مَنْ سَيْلَ عَنْ عِلْمٍ، فَقَالَ : لا أدري فقد ناصف العلم. والمُؤْمِنُ يحقِدُ مادامَ في مَجْلِسِهِ، فَإِذا قَامَ ذَهَبَ عَنْهُ الحِقْدُ.
يا ابن النعمان إنَّ العالم لا يَقْدِرُ أنْ يُخبرك بكلّ ما يعلم لأنه سيرى اللّه الّذي أسرة إلى جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأسره جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وأسرَّه محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) إلى على (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأسرَّه علىّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأسره الحَسَنُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلَى الحُسَينِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و أسرة الحُسَيْنُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأسرهُ عَلِي (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى محمّد وأَسَرَّهُ محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى مَنْ أَسَرَّهُ، فَلا تَعْجَلُوا فَوَاللّه لَقَدْ قَرَبَ هذا الأمْرُ (1) ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَأَذَعْتُمُوهُ، فَأَخَرَهُ اللّه. واللّه مالَكُمْ سِر إِلَّا وَعَدُوكُمْ أَعْلَمُ بِهِ مِنْكُمْ.
يا ابن النعمانِ ابق على نفسِك فقد عصيتني. لا تُذْعَ سِرِي، فَإِنَّ المغيرة بن سعید (2) كَذَبَ على أبي وأذاعَ سِرَّهُ فَأَذاقَهُ اللّه حَرَ الحَدِيدِ. وإن أبا الخَطَّابِ كَذَبَ.
ص: 310
عَلَيَّ وأذاع : يسري فَأَذاقَهُ اللّه حَرَّ الحَدِيدِ. وَمَنْ كَتَمَ أمْرَنا زيَّنَهُ اللّه بِهِ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ وأعطاه حظّه ووقاهُ حَرَّ الحَدِيدِ وضيق المحابس. إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَحَطُوا حتّى هَلَكَتِ المواشي والنَّسلُ فَدَعَا اللّه مُوسَى بْنُ عِمرانَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : يا موسى إنهم أظهروا الزنا والربا وعَمَرُوا الكنائس وأضاعوا الزَّكَاةَ. فقال : إلهي تَحْسَن بِرَحمَتِكَ (1) عَلَيهِم، فَإِنَّهم
ص: 311
لا يَعْقِلُونَ. فَأوحى اللّه إليه أني مُرسل قطر السماء ومختبرهم بعد أربعين يوماً. فَأذاعوا ذلك و أفشوه. فَحِيسَ عَنْهُمُ القَطْرُ أرْبَعِينَ سَنَةً وَأَنتُمْ قَدْ قَرَبَ أَمْرُكُم فَأَذَعْتُمُوهُ في مجالسكم.
يا أبا جَعْفَرٍ مالَكُم ولِلنَّاسِ كُفُّوا عَنِ النَّاس ولا تَدْعُوا أحَداً إِلَى هَذَا الأَمر (1)، فواللّه لَوْ أَنَّ أهلَ السَّماواتِ [ والأَرْضِ ] اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يُضِلُّوا عَبداً يُريدُ اللّه هَداهُ ما استطاعوا أنْ يُضِلُّوهُ كُفُوا عَنِ النَّاس وَلا يَقُل أَحَدُكُمْ : أَخي وعَمِّي وَجَارِي. فَإِنَّ اللّه جَلَّ وعَزَّ إِذا أَرادَ بِعَبْدِ خَيْراً طَيِّبَ رُوحَهُ فلا يَسْمَعُ مَعْرُوفاً إِلَّا عَرَفَهُ وَلَا مُنْكَراً إِلَّا أنكَرَهُ، ثمَّ قَذَفَ اللّه في قَلْبِهِ كَلِمَةً يَجْمَعُ بها أمْرَهُ.
يا ابنَ النُّعْمَانِ إِنْ أَرَدْتَ أنْ يَصْفُوَلَكَ وُدُّ أخِيكَ فَلَا تُمَازِحَنَّهُ ولا تُمَارِينَّهُ ولا تُباهِيَنَّهُ (2) ولا تُشارَنَّهُ ولا تَطَّلِعُ صَدِيقَكَ مِنْ سِركَ إِلَّا عَلَى مَا لَوِ اطَّلَعَ عَليهِ عَدُوكَ لم يَضُرِكَ. فَإِنَّ الصَّدِيقَ قَدْ يَكُونُ عَدُوكَ يَوْماً.
يا ابن النعمان لا يكونُ العَبْدُ مُؤْمِناً حتّى يَكونَ فِيهِ ثَلَاثُ سُنَن : سُنَّةٌ مِنَ اللّه وَسُنَّةٌ مِنْ رَسُولِهِ وَسُنَّةٌ مِنَ الإمامِ، فَأَما السَّنَّةُ مِنَ اللّه جَلٌّ وعَزَّ فَهُوَ أَن يَكُونَ كتوما لِلأَسْرَارِ يَقُولُ اللّه جَلَّ ذِكَرُه : «عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (3)»، وأما الّتي مِنْ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فَهُوَ أن يُدارِيَ النَّاس ويُعامِلَهُمْ بِالأخلاقِ الحَنِيفِيَّةِ، وأَما الّتي مِنَ الإمامِ فَالصَّبْرُ في البَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ حتّى يَأْتِيَهُ اللّه بِالفَرَجِ.
يَا ابْنَ النِّعْمَانِ لَيْسَتِ البَلاغَةُ بِعِدَّةِ اللسانِ ولا بِكَثرَةِ الهَدْيَانِ ولَكِنَّها إصابَةُ المعنى وقصدُ الحجّة (4).
ص: 312
يا ابنَ النُّعْمَانِ مَنْ قَعَدَ إلى سابّ (1) أولياء اللّه فَقَدْ عَصَى اللّه. وَمَنْ كَظَمَ غَيْظاً فينا لا يقدر على إمضائه كانَ مَعَنا في السَّنامِ الأعلى (2). ومَنِ اسْتَفْتَحَ نَهارَهُ بِإِدَاعَةِ سِرّنا سَلَّطَ اللّه عليهِ حَرَّ الحَدِيدِ وَضِيقَ المَحَابِسِ.
يا ابنَ النِّعمانِ لا تَطْلُبِ العِلْمَ لِثَلاث : لِتُرائي به. ولا لتباهي به. ولا لِتُمارِي ولا تدعهُ لِثَلاتٍ : رَغْبَةٍ فِي الجَهْلِ. وزَهَادَةٍ في العِلْمِ. وَاسْتِحْياءِ مِنَ النَّاسِ. والعِلمُ [ال]مصونُ كالسراج المطبقِ عَلَيْهِ.
يا ابن النعمانِ إِنَّ اللّه جَلَّ وعَزَّ إذا أرادَ بِعَبْد خَيْراً نكت في قلبه نكتة بيضاءَ فَجَال القلبُ يَطلُبُ الحَقِّ. ثمَّ هُو إلى أمْرِكُمْ أَسْرَعُ مِنَ الطَّيرِ إِلَى وَكَرِه (3).
يا ابن النعمانِ إِنَّ حُبَّنَا - أَهْلَ البَيْتِ - يُنَزَلَهُ اللّه مِنَ السَّمَاءِ مِنْ خَزائِنَ تَحْتَ العَرْشِ كَخَزائِنِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ ولا يُنَزِّلُهُ إِلا بقدر ولا يُعْطِيهِ إِلَّا خِيرَ الخَلْقِ وَإِنَّ لَهُ غَمَامَةٌ كَفَمَامَةِ القَطْرِ، فَإذا أرادَ اللّه أَنْ يَخْص به مَنْ أَحَبُّ مِنْ خَلْقِهِ أَذِنَ لِتِلْكَ الغَمَامَةِ فَتَهطَلَتْ كَما تَهَطَّلَتِ السَّحابُ (4) فَتُصِيبُ الجَنِينَ في بَطْنِ أُمِّه.
رسالته (عَلَيهِ السَّلَامُ) الى جماعة شيعَتِه وأصحابه (5)
أما بعد فَسَلُوا رَبَّكُمُ العافية. وَعَلَيْكُم بِالدَّعَةِ والوَقارِ (6) وَالسَّكِينَةِ وَالحَياء والتنزُّه عمّا تنزّه عنهُ الصَّالِحُونَ مِنكُم. وعَلَيْكُم بِمُجامَلَةِ أَهْلِ البَاطِلِ، تَحمّلوا الضَّيمَ مِنْهم. وإياكم ومماظَّتهم (7). دينوا فيما بينكم وبينهم - إذا أنتم جالستُمُوهُم
ص: 313
و خالطتُمُوهُم ونازَعْتُمُوهُمُ الكَلامَ، فَإِنَّهُ لا بُدَّ لَكُمْ مِنْ مجالستهم ومُخالَطَتهم مُنازَعَتِهم - بِالتَّقِيَّة (1) الّتي أمَرَكُمُ اللّه بها، فَإِذَا ابتليتُم بِذلِكَ مِنْهُم فَإِنَّهُم سَيُؤذُونَكُم ويَعْرِفُونَ في وُجُوهِكُمُ المُنكَرَ. وَلَوْ لا أَنَّ اللّه يدفعهم عَنكُمْ لَسطَوابِكُمْ (2). وما في صُدُورِهِمْ مِنَ العَداوَةِ والبَغْضاء أكثر ممَّا يُبْدُونَ لَكُمْ، مَجَالِسُكُمْ وَمَجالسهم واحِدَةٌ وإِنَّ العَبْدَ إِذا كَانَ اللّه خَلَقَهُ فِي الأصْلِ - أصْلِ الخَلْقِ - مُؤْمِناً لَم يَمُتْ حتّى يُكَرهُ إِلَيْهِ الشَّرَّ ويُباعِدَهُ مِنْهُ. وَمَنْ كَرَّةَ اللّه إِلَيْهِ الشَّرَّ و باعَدَهُ مِنْهُ عَافَاهُ اللّه مِنَ الكَبْرِ أَنْ يَدْخُلَهُ وَالجَبْرِيةِ، فَلانَتْ عَرِيكَتُهُ (3) وحَسُنَ خُلْقَهُ وطَلْقَ وَجْهُهُ و صَارَ عَلَيهِ وَقارُ الإِسْلامِ وسَكِينَتُه وتَخَشعَهُ وَوَرِعَ عَن مَحَارِمِ اللّه وَاجْتَنَبَ مَسَاخِطَهُ. وَرَزَقَهُ اللّه مَوَدَّةَ النَّاس ومجاملتهم وتركَ مُقاطَعَةِ النَّاس والخصومات ولم يَكُن مِنْها ولا مِنْ أهلها في شَيءٍ. وإنَّ العبد إذا كانَ اللّه خَلَقَهُ في الأَصْلِ - أَصْلِ الخَلْقِ - كافِراً لَم يَمُتْ حتّى يُحَبِّبَ إِلَيْهِ الشَّرِّ ويُقَرَّبَهُ مِنْهُ. فَإِذا حَبَّبَ إِلَيْهِ الشَّرَّ وقَرَّبَهُ مِنْهُ ابْتِلِي بالكبرِ والجَبْرِيَّةِ، فَقَا قَلبه وساءَ خَلَقَهُ وغَلُظَ وَجْهُهُ وظَهَرَ فَحْشُهُ وقَلَّ حَياؤُهُ وكَشَفَ اللّه سِتَرَهُ وَرَكِبَ المَحارِمَ فَلَمْ ينزع عنها ورَكِبَ مَعاصِي اللّه وأبْغَضَ طَاعَتَهُ وأَهْلَهَا. فَبَعْدَ مَا بَينَ حال المؤمِن والكافر فَسَلُوا اللّه العافِيَةَ وَاطْلُبُوها إِلَيهِ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا باللّه.
أكثرُوا مِنَ الدُّعَاءِ، فَإِنَّ اللّه يُحِبُّ مِنْ عِبادِهِ الّذين يَدْعُونَهُ. و قَدْ وَعَدَ عِبادَهُ المؤمِنينَ الاسْتِجَابَةَ واللّه مُصيرٌ دُعاءَ المؤمنينَ يَوْمَ القيامةِ لهم عَمَلاً يَزِيدُهُم بِه في الجنّة. و أكْثِرُوا ذِكَرَ اللّه مَا اسْتَطَعْتُمْ فِي كلّ ساعَةٍ من ساعات الليل و النَّهارِ، فَإِنَّ اللّه أَمَرَ بكثرَةِ الذَّكَرِلَهُ ؛ واللّه ذاكِر مَنْ ذَكَرَهُ مِنَ المؤمنينَ، إِنَّ اللّه لَمْ يَذكَرَهُ أَحَدٌ مِنْ عِبادِه المؤمنينَ إِلَّا ذكره بخير.
وعليكم بالمحافظةِ عَلَى الصَّلَواتِ والصَّلاة الوسطى وقوموا اللّه قانِتِينَ (4)، كما
ص: 314
أمر اللّه به المؤمِنينَ في كتابه مِن قَبْلِكُم. وعَلَيكُم بِحُبُّ المَسَاكِينِ المُسلمينَ، فَإِنَّ مَنْ حقّرهُم وَتَكَبَّرَ عَلَيْهِمْ فَقَد زَلَّ عَنْ دِينِ اللّه واللّه لَهُ حاقِرُ مَاقِتُ (1) وقد قال أبونا رَسُولُ اللّه رَبِّي بحب المَساكِينِ المُسْلِمِينَ مِنْهُمْ. وَاعْلَمُوا أَنَّ مَنْ حَقَرَ أحَداً مِنَ المُسْلِمِينَ الْقَى اللّه عَلَيْهِ المَقَتَ مِنْهُ وَالمَحْقَرَةَ حتّى يَمْقُتَهُ النَّاس (2) أَشَدَّ مَقتاً فَاتَّقُوا اللّه في إخوانِكُمْ المُسْلِمِينَ المَسَاكِينِ، فَإِن لَّهُمْ عَلَيكُم حَقا أن تُحِبُّوهم، فَإِنَّ اللّه أمر نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بحبهم، فَمَن لَم يُحِبُّ مَن أمَرَ اللّه بِحُبِّهِ فَقَدْ عَصَى اللّه وَرَسُوله و مَنْ عَصَى اللّه وَرَسُولَهُ وماتَ عَلى ذلِكَ ماتَ [وَ هُوَ ] مِنَ الغاوِينَ.
إيّاكم والعَظَمَة وَالكِبَر، فَإِنَّ الكِبَرَ رِداءُ اللّه، فَمَنْ نازَعَ اللّه رِداءَهُ قَصَمَهُ اللّه وَاللّه يَوْمَ القِيامَةِ.
إيَّاكُمْ أنْ يبْغِي بَعْضُكُم عَلى بَعْضٍ، فَإنَّها لَيْسَتْ مِنْ خِصَالِ الصَّالِحِينَ فَإِنَّه مَنْ بَغَى صَيَّرَ اللّه بغيه على نفسه وصارَت نَصْرَةُ اللّه مَن بَغَى عَلَيْهِ. وَمَنْ نَصَرَهُ اللّه غَلَبَ وَ أصابَ الظُّفَرَ مِنَ اللّه.
إيّاكم أن يحسد بعضكم بعضاً، فَإِنَّ الكَفَرَ أصْلُهُ الحَسَدُ (3).
إياكم أن تعينوا عَلَى مُسلِم مظلوم يدعو اللّه عَلَيْكُمْ وَ يُسْتَجَابُ لَهُ فِيكُمْ، فَإِنَّ أبانا رَسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يقولُ: «إِنَّ دَعوَةَ المُسْلِمِ المَظْلُومِ مُستَجابَةٌ».
إيَّاكُمْ أنْ تَشْرَهَ نُفُوسُكُمْ (4) إلى شَيْءٍ لِمَا اللّه عَلَيْكُمْ، فَإِنَّهُ مَنِ انتهك ما حَرَّم اللّه عَلَيْهِ هُنا في الدُّنيا حَالَ اللّه بينه وبين الجنّة وَنَعِيمِها وَلَذَّتِها و كَرامَتِها القَائِمَةِ الدَّائِمَةِ لِأَهْلِ الجنّة أَبَدَ الآبِدِينَ.
الاستقصاء فرقة الانتقاد عَداوَةٌ. قِلَةُ الصَّبْرِ فَضِيحَةٌ إِفْشَاءُ الرُّسُقُوط السَّخاءُ فِطْنَةٌ. اللومُ تَغافُل.
ص: 315
ثلاثَةٌ مَنْ تَمَسَّكَ بِهِنَّ نالَ مِنَ الدُّنيا وَالآخِرة بغيتهُ (1): مَن اعتصم باللّه. وَرَضِي بِقَضَاءِ اللّه. وَأَحْسَنَ الظَّنَّ باللّه.
ثلاثة من فَرْطُ فِيهِنَّ كَانَ عَرُوماً : اسْتِمَاحَةً جَوادٍ. ومُصَاحَبَةً عَالِمٍ، وَاسْتِمَالَةُ سلطان.
ثلاثة تورِثُ المحبة : الدِّينُ. والتواضع. والبَدْلُ.
مَنْ بَرِى مِنْ ثَلاثَةٍ نالَ ثَلاثَةٌ : مَنْ بَرِى مِنَ الشَّرِّ نالَ العِزَّ. و مَنْ بَرِى مِنَ الكبرِ نالَ الكَرامَةَ. وَمَنْ بَرِى مِنَ البَحْلِ نالَ الشَّرَفَ.
ثلاثة مَكْسَبَةٌ لِلْبَعْضاء : النفاق. والظلم. والعجب
و مَنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ ثَلَاثَةٍ لَم يعدَّ نَبِيلاً (2) : مَنْ لَمْ يَكُن لَهُ عَقل يَزِينُهُ أوجدة تغنيه (3) أو عشيرة تعضُدُهُ.
ثلاثَةٌ تُزْرِي بِالمَرْءِ (4) : الحَسَدُ وَالنَّمِيمَةُ. وَالطَّيْسُ.
ثلاثة لا تعرف إلا في ثلاثة مَواطِنَ : لا يعرف العليم إلا عند الغضب. ولا الشجاع الا عِندَ الحَرْبِ. ولا أخ إِلَّا عِنْدَ الحاجة.
ثلاث من كُنَّ فِيهِ فَهُوَ مُنافِق وإِن صَامَ وَصَلَّى : مَنْ إِذا حَدَّثَ كَذَبَ. وَإِذا وَعَدَ أخْلَفَ. وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ.
إحذر مِنَ النَّاس ثَلاثَةُ : الخَائِنُ والظَّلوم. والنَّمَامُ، لأَنَّ مَنْ خَانَ لَكَ خَانَكَ و مَن ظَلَمَ لَكَ سَيَظْلِمُكَ. وَمَن نَمَّ إِلَيْكَ سَيَنُمُّ عَلَيْكَ.
لا يكون الأمين أميناً حتّى يُؤْتَمَنَ عَلَى ثَلاثَةٍ فَيُؤَدِّيها : عَلَى الأَمْوالِ والأَسْرَارِ والفُرُوجِ. وإن حَفِظَ اثْنَيْنِ وَضَيعَ واحِدَةً فليس بأمين.
لا تُشاور أحقَ. ولا تَستَعِنْ بِكَذَّاب. ولا تيْق بِمَودَّةِ مَلُولٍ، فَإِنَّ الكَذَابَ يُقَرِّبُ
ص: 316
لك البعيد ويبعدلك القريب. والأحمق يجهدلكَ نَفْسَهُ وَلَا يَبْلُغُ مَا تُرِيدُ والمَلُولَ أَوثَقَ ما كُنتَ بِهِ خَذَلَكَ وأَوْصَلَ مَا كُنتَ لَه قَطَعَكَ.
أَربَعَةٌ لا تشبع من أربعةٍ : أَرْضُ مِنْ مَطَر. وعَيْنَ مِنْ نَظَرٍ و أُنثَى مِنْ ذَكَرٍ. وَ عالم من علم.
أربعة تهرِمُ قَبْلَ أوانِ الهَرَمِ : أكل القَدِيدِ. والقُعُودُ عَلَى النَّداوَةِ. وَالصُّعُودُ في الدرج. ومُجامعة العجوز (1).
النساء ثلاث : فَوَاحِدَة لَكَ. وَواحِدَةً لَكَ وَعَلَيْكَ. وواحِدَةٌ عَلَيْكَ لا لَكَ، فَأما الّتي هِيَ لَكَ فَالمَرْأةُ العَذْرَاءُ وَ أمَّا الّتي هِيَ لَكَ وَعَلَيْكَ فَالثَّيْبُ. و أما الّتي هِيَ عَلَيْكَ لا لك فهي المتبعُ الّتي لَها وَلَدٌ مِنْ غَيْرِ.
ثلاثَ مَنْ كُن فيه كانَ سَيداً : كَظم الغيظ، والعفو عَنِ المسيىء. والصَّلَةُ بِالنَّفْسِ والمال.
ثلاثة لا بد لهم من ثلاث : لابد لِلجَوادِ مِن كَبوة. ولِلسَّيْفِ مِنْ نَبوَةٍ، وَلِلْحَليمِ مِنْ هَفَوَةٍ (2).
ثلاثة فيهن البلاغةُ : التَّقَرُّبُ مِنْ مَعْنَى البغية. وَالتَّبَعْدُ مِنْ حَشْوِ الكَلامِ والدَّلالة بالقليل على الكثير.
النَّجاةُ فِي ثَلَاثٍ : تُمْسِكُ عَلَيْكَ لِسَانَكَ. ويسعك بيتك. وتندم عَلى خَطِيئَتِكَ.
الجهل في ثلاث : في تبدل الإخوانِ. والمنابذة بغير بيان (3). والتَّجسسعمالا يعني.
ثلاث مَنْ كُنَّ فِيهِ كُنَّ عَلَيْهِ : المكر والنكث. والبَغي. وَذَلِكَ قَولُ اللّه : «وَلا يَحِيقُ المكر السيئ إلا بأهلِهِ (4)».«فانظر كيف كانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنّادَمَّرْناهُم وقومهم
ص: 317
أجمعين (1)»، وقال جل وعَزَّ ومَن نَكَثَ فَإنَّما يَنكُثُ على نفسيه (2)». وقالَ: «يَا أيُّها النَّاس إنَّما بغيكم على أنفسكم متاع الحيوةِ الدُّنيا (3)».
ثلاتُ يَحْجُزْنَ المَرْةَ عَن طَلَبِ المَعَالِي قَصْرُ الهمّة. وقِلَةُ الحِيلَةِ. وَضَعَفُ الرَّأْي.
الحزم في ثلاثة (4) : الاستخدام للسلطان، والطَّاعَةُ لِلْوالِد. وَالخُضُوعُ لِلمَولى.
الأنسُ في ثَلَاثٍ : في الزَّوْجَةِ المُوافِقَةِ. والولد البار، وَالصَّدِيقِ المصافي (5).
من رزق ثلاثا نالَ ثَلاثاً وهُوَ الغنى الأكْبَرُ : القَناعَةُ بِمَا أُعْطِيَ. وَاليَأْسُ مَا فِي أَيْدِي الناس. وتركُ الفُضُولِ.
لا يكون الجوادُ جَواداً إِلَّا بِثَلاثَةٍ : يَكونُ سَخِياً بماله على حالِ اليُسْرِ وَ العُسْرِ. وأن يبذلهُ لِلْمُسْتَحِق. ويرى أنَّ الّذي أَخَذَهُ مِنْ شُكرِ الّذي أَسْدَى إِلَيْهِ (6) أَكْثَرُ مما أعطاه.
ثلاثةٌ لا يُعذَرُ المَرَهُ فيها : مُشَاوَرَةُ ناصح ومُدارَأَةٌ حاسِدٍ. وَ التَّحَبُّبُ إلى النَّاسِ.
لا يُعدُّ العاقل عاقلاً حتّى يستكمل ثلاثاً : إعطاء الحقّ مِنْ نَفْسِه على حال الرضا والغضب. وأن يرضى لِلنَّاسِ ما يرضى لنفسه. واستعمال الحِلْمِ عِندَ العَثْرَةِ.
لا تدومُ النِّعَمُ الا بعد ثلاث (7) : مَعرِفَةٍ بِما يلزم للّه سُبْحانَهُ فِيهَا. وأداءِ شُكْرِها. والتّعب فيها.
ثلاث مَنِ ابْتُلِيَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ تَمنى الموتَ : فَقَر متتابع. وحرمةٌ فَاضِحَةٌ. وعَدُو غالب.
ص: 318
مَنْ لَمْ يرغب في ثَلَاثَ ابْتِلِيَ بِثَلاثٍ : مَنْ لَمْ يَرْغَبُ في السَّلَامَةِ ابْتُلِيَ بِالخِدْلَانِ. وَمَنْ لَمْ يرغب في المعروفِ ابتلي بالنِّدَامَةِ وَمَن لَم يرغب في الإستكنارِ مِنَ الإخْوانِ ابتلي بالخُسْرانِ.
ثلاث يَجِبُ عَلَى كلّ إنسانٍ تَجنبها : مُقارنة الأشرارِ. ومُحادَتَةُ النِّساءِ، وَمُجالَسَةُ أهل البدع :
ثلاثة تَدلُّ عَلَى كَرَمِ المَرْءِ : حُسْنُ الخُلْقِ. وكَظم الغيظ. وغَضَ الطَّرْفِ.
مَنْ وَثقَ بِثَلَاثَةٍ كانَ مَغرُوراً : مَنْ صَدَّق بمالا يكون. ورَكَنَ إلى مَنْ لا يَثقُ بِه. وطمع في ما لا يملك.
ثلاثةٌ مَن استعملَها أَفْسَدَ دِينَهُ و دُنياهُ : مَنْ [أ] ساءَ ظَنَّهُ. وَأمْكَنَ مِنْ سَمْعِه وأعطى قِيادَهُ حَلِيلَته (1).
أفْضَلُ الملوكِ مَنْ أعْطِيَ ثَلاثَ خِصَالِ : الرأفة. والجود والعدل.
ولَيْسَ يُحبُّ لِلْمُلوكِ أن يُفرطوا في ثلاث (2) : في حِفْظِ الثَّعورِ، وتَفَقَدِ الظَّالِمِ وَاخْتِيارِ الصَّالِحِينَ لأعمالهم.
ثلاث خلالٍ(3) تَجِبُّ لِلْمُلُوكِ عَلَى أَصْحَابِهِم و رَعِيَّتِهِم : الطَّاعَةُ لَهُم. والنَّصِيحَةُ لهم في المغيب والمشهد والدعاهُ بِالنَّصْرِ والصلاح.
ثلاثَةٌ تَجِبُ عَلَى السُلطانِ لِلْخَاصَّة والعامّة : مُكَافَاةَ المُحْسِنِ بِالإِحْسَانِ لِيَزْدادُوا رغبة فيه. و تغمُّد ذُنُوبِ المسيبي لِيَتُوبَ ويَرْجِعَ عَنْ غَيِّهِ (4). وتألفهم جميعاً وَ تَعْمَدُ بالاحسان والإنصاف.
ثلاثة أشياء مَنِ احْتَقَرَهَا مِنَ الْمُلُوكِ وَأَهْمَلَها تَفاقَمَتْ عَلَيْهِ : حَامِل قَلِيلُ الفَضْلِ شَدَّ عَنِ الجَمَاعَةِ (5). وداعية إلى بِدْعَةٍ جَعَلَ جَنَّتَهُ الأمر بالمعروف والنهي عَنِ الْمُنكَرِ.
ص: 319
وأهل بلدٍ جَعَلُوا لانفسهم رئيس يمنعُ السّلْطَانَ مِنْ إقامة الحكم فيهم.
العاقل لا يستخف بأحَدٍ. وأحَقُّ مَنْ لا يُسْتَخَفْ به ثلاثة : العلماء. والسلطان والإخوان، لأنه من اسْتَخَفَّ بِالعلماء أفسد دينه، ومَن استخف بالسلطانِ أَفْسَدَ دُنْيَاهُ. وَمَنِ اسْتَخَفَّ بِالإخوانِ أَفْسَدَ مُرُوتَهُ.
وجَدْنَا بِطانَةَ السَّلْطَانِ ثَلَاثَ طَبَقَاتٍ (1) : طَبَقَةٌ مُوافِقَةٌ لِلْخَيْرِ وَهِيَ بَرَكَةً عليها وعَلى السلطانِ وعَلَى الرَّعية. وطَبَقَةُ غايتها المحاماة عَلى ما في أيْدِيها، فَتِلْكَ لا حمودة ولا مَذْمُومَةٌ بَلْ هِيَ إِلَى الدَّمَ أَقْرَبُ. وطَبَقَةٌ مُوافِقَةٌ لِلشَّرِّ وَهِيَ مَشْؤُومَةٌ، مَدْمُومَةٌ عليها وعلى السلطان.
ثلاثَةُ أَشْيَاءَ يَحْتاجُ النَّاس طُرًّا إِلَيْهَا : الأمن، والعدل والخصب (2).
ثلاثة تكدِّر العَيْشَ : السلطان الجائر. والجارُ السَّوء. والمرأة البَذِيَّةُ (3).
لا تطيبُ السكنى إلّا بِثَلاتٍ : الهَواهُ الطَّيِّبُ والمَاهُ العَزِيرُ العَذَبُ وَالأَرْضُ الخَوَّارَةُ (4).
ثلاثة تُعَقِّبُ النَّدامَةَ : المباهاة. والمفاخَرَةُ. والمعازَّة (5).
ثلاثَةٌ مُرَكَّبَةٌ في بَنِي آدَمَ : الحَسَدُ. والحِرْصُ والشهوة.
منْ كانَتْ فِيهِ خَلَةٌ مِنْ ثَلاثة انتظمَتْ فيه ثلاثتها في تفخيمه وَ هَيْبَتِهِ وَجَمَالِهِ : مَنْ كانَ لَهُ وَرَحٌ، أَوسَماحَةٌ، أو شَجَاعَةٌ.
ثلاث خِصَالٍ مَنْ رُزْقَها كان كاملاً : العقل. والجمال، والفَصاحَةُ.
ثلاثة تقضى لَهُمْ بِالسَّلامَةِ إلى بلوغ غايتهم : المرأة إلى انقِضَاءِ عَلِها. والمَلِكُ إلى أن ينقد نمره. والغائب إلى حين إيابه.
ص: 320
ثلاثة تودرثُ الحرمان : الإلحاح في المسألة. والغيبة، والهزء (1).
ثلاثة تعقب مَكْرُوها : عَلَةٌ البَطَلِ (2) في الحَرْبِ فِي غَيْرِ فَرَسَةٍ وإِنْ رِزْقَ الظُّفَرَ. وشُرْبُ الدَّواءِ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ وإِن سَلِمَ مِنْهُ. وَالتَّعَرَّضُ لِلسُّلْطَانِ وإِن ظَفَرَ الطالب بحاجته منه.
ثلاثُ خِلالٍ يَقُولُ كلّ إنسانٍ إِنَّه عَلَى صَوابِ مِنْها : دِينُهُ الّذي يَعْتَقِدُهُ. وَهَواهُ الّذي يَسْتعَلى عَلَيْهِ، وتَدِيرُهُ في أُمُورِه.
النَّاس كلهم ثلاث طبقات : سادَة مطاعُونَ وأكفاء متكافونَ (3) وأناسٌ مُتَعادُونَ. قوامُ الدُّنيا بِثَلاثَةِ أَشْيَاءَ : النَّارُ. والملح والماء.
من طلب ثلاثَةٌ بِغَيْرِ حَقٌّ حُرِمَ ثَلاثَةٌ بحقِّ : مَنْ طَلَبَ الدُّنيا بِغَيْرِ حَقٌّ حُرِمَ الآخِرَةَ بحق. طلَبَ الرَّئاسَةَ بِغَيْرِ حَقٌّ حُرِمَ الطَّاعَةَ لَهُ بحقِّ وَمَنْ طَلَبَ المالَ بِغَيْرِ حَقٍّ حُرِمَ بقاءة له بحق.
ثلاثة لا ينبغي لِلْمَرْءِ الحازِمِ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَيْها : شُرَبُ السَّمِ لِلتَّجْرِبَةِ وَإِنْ نَجَامِنْهُ وإفشاء السر إلى القرابة الحاسد وإن نجامنه وركوب البحر وإن كان الغنى فيه.
لا يستغني أهلُ كلّ بَلَدٍ عَنْ ثَلاثَةِ يَفزَعُ إِليهم في أَمْرِدُنياهُمْ وَآخِرَتِهِم فَإِنْ عدِمُوا ذلك كانُوا هَمَجاً (4) : فقيه عالم ورع. وأمير خَيْر مُطاع وطبيب بصير ثقة.
يمتحن الصَّدِيقُ بِثَلاثِ خِصالٍ، فإنْ كانَ مُؤاتياً فيها (5) فهو الصديق المصافي وإلا كانَ صَدِيقَ رَحَاءٍ لا صَدِيقَ شِدَّةٍ : تَبْتَغِي مِنْهُ مالاً، أو تَأْمَنُهُ على مالٍ، أو تُشارِكَهُ في مكروه.
إنْ يَسلَمِ النَّاس مِنْ ثَلاثَةِ أَشياء كَانَتْ سَلامَة شاملة : لِسانِ السَّوْءِ، وَيَدِالسَّوْءِ. وفعل السوء.
ص: 321
إذا لم تكن في المَمْلُوكِ خَصْلَةٌ مِنْ ثَلاتٍ فَلَيْسَ لِمَوْلَاهُ فِي إِمْسَاكِهِ رَاحَةٌ : دِينُ يرشده. أَو أَدَبُ يَسُوسُهُ (1). أَوْخَوْفٌ يردعه.
إن المرء يحتاج في مَنْزِلِهِ وَعِيالِه إِلى ثَلاثِ خِلالٍ يَتَكَلَّفَها وَإِنْ لَمْ يَكُن في طَبْعِهِ. ذلِكَ : مُعاشَرَةٌ جَمِيلَةٌ وَسَعَة بِتَقْدِير وغيرة بتحصن (2).
كلّ ذِي صِناعَةٍ مُضطَرَ إلى ثَلاثِ خِلالٍ يَجتِلبُ بهَا المَكْسَبَ وَهُوَ : أن يكون حادِقاً بِعَمَلِهِ. مؤدياً للأمانة فيه. مُسْتَمِيلاً لِمَنْ اسْتَعْمَلَهُ (3).
ثلاث من ابْتَلِي بواحِدَةٍ مِنْهُنَّ كَانَ طائِحَ العَقْلِ (4) : نِعمَةٌ مُوَلِيَةٌ. وزَوْجَةٌ فاسدة(5) وفجيعة بحبيبٍ.
جُبلَتِ الشَّجَاعَةُ عَلَى ثَلاثِ طبائعَ لِكُلٍّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَضِيلَةٌ لَيْسَتْ لِلْأَخْرى : السَّخاءُ بِالنَّفْسِ وَالأَنفَةُ مِنَ الذُّل (6) وَطَلَبُ الذِّكْرِ، فَإِنْ تَكامَلَتْ في الشَّجَاعِ كانَ البَطَلَ الّذي لا يُقامُ لِسَبِيلِهِ والمَوسُومَ بِالإقْدامِ في عَصْرِه. وإِنْ تَفَاضَلَتْ فيه بعضُها على بَعْضٍ كَانَتْ شَجَاعَتُهُ في ذلِكَ الّذي تَفَاضَلَتْ فِيهِ أَكْثَرَ وَ أَشَدَّ إقداماً.
وَيَجبُ لِلْوالِدَيْنِ عَلَى الوَلَدِ ثَلَاثَةُ أشياء : شُكْرُهُما عَلَى كلّ حالٍ. وطاعَتُهُما فيما يأمُرانِه وينهيانِهِ عَنْهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيبَةِ اللّه. ونَصِيحَتُهُما في السر والعلانية.
وتَجِبُ لِلولد على والِدِهِ ثَلاثُ خِصَالٍ : اختياره لوالديه وتحسين اسمه. والمبالغة في تأديبه (7).
تحتاج الإخوة فيما بينهم إلى ثَلاثَةِ أشياء، فإنِ اسْتَعْمَلُوها وال اتباينوا وتَباغَضُوا
ص: 322
وهي : التناصف. وَالشَّراحُمُ. ونفى الحَسَدِ (1).
إذا لم تجتمع القرابَةُ عَلى ثلاثة أشياء تَعَرَّضُوا لِدُخُولِ الوَهْنِ عَلَيْهِمْ وَشِمَاتَةِ الأَعْداءِ بِهِمْ وهي : تَرَكُ الحَسَدِ فيما بينهم، لئلا يتحربُوا فَيَتَشَمَّتَ أَمْرُهُم. وَالتَّواصل ليكونَ ذلِكَ حادِياً (2) لَهُم عَلى الألفة. والتعاوُنُ لِتَشْمِلَهُمُ العِزَّةُ.
لا غنى بالزوج عَنْ ثَلاثَةِ أَشياء فيما بَيْنَهُ وبينَ زَوْجَتِه وهِيَ المُوافَقَةُ لِيَجْتِلبَ بها موافقتها ومحبتها وهواها. وحسن خلقه معها. واستعماله استمالة قلبها بالهيئةِ الحَسَنَةِ في عينها. وتوسعتهُ عَلَيْها.
ولا غنى بِالزَّوْجَةِ فيما بينها وبين زَوجِهَا المُوَافِقِ لَهَا عَنْ ثَلاثِ خِصَالٍ وَهنَّ: صيانة نفسها عَنْ كلّ دَنَسٍ حتّى يَطْمَئِن قَلْبُهُ إِلَى النِّقَةِ بها في حالِ المَحبُوبِ والمكروه. وَحِياطَته (3) لِيَكُونَ ذلِكَ عاطفاً عليها عندزَلَةٍ تكونُ مِنْها. وإظهارُ العِشْقِ لَهُ بِالخِلابَةِ (4) والهَيْئَةِ الحَسَنَةِ لَهَا في عَيْنِه (5).
لا يتمُّ المَعْرُوفُ إِلَّا بِثَلَاثِ خِلَالٍ : تَعجِيلُهُ. و تَقْلِيلُ كَثِيرِه. وتَرْكُ الاِمْتِنَانِ بِهِ. والسرور في ثلاثِ خِلال : في الوفاءِ. وَرِعَايَةِ الحُقُوقِ. والنهوض في النوائب. ثلاثة يستدل بها على إصابةِ الرَّأي : حُسن اللقاء. وحُسْنُ الإِسْتماع. وحُسْنُ الجَوابِ.
الرجال ثلاثة : عاقل. وأحمق وفاجر، فالعاقِلُ إِنْ كَلَّم أَجَابَ وَإِنْ نَطَقَ أَصَابَ وإِنْ سَمِعَ وَعَلَى. والأحمقُ إِن تَكَلَّمَ عَجَلَ وإِنْ حَدَّتَ ذَهَلَ وَإِنْ حُمِلَ عَلَى القَبيحِ فَعَلَ والفاجر إن ائتمنتَهُ خَانَكَ وإِنْ حَدَّثتَهُ شَانَكَ.
الإخوانُ ثَلاثَةٌ : فَواحِدٌ كَالغِذاءِ الّذي يُحْتاجُ إِلَيْهِ كلّ وَقَةٍ فَهُوَ العَاقِلُ والثاني في معنى الدَّاءِ وَهُوَ الأحمق. والثَّالِثُ في مَعْنَى الدَّواء فَهُو اللبيب.
ثلاثة أشياء تَدُلُّ عَلَى عَقل فاعلها : الرَّسول عَلى قَدر مَنْ أَرْسَلَهُ والهَدِيَّةُ عَلَى قَدرِ مُهدِيها، والكِتابُ عَلى قدر كاتبه.
ص: 323
العِلْمُ ثلاثة : آيَةٌ تَحكَمَةٌ، وفَرِيضَةٌ عادِلَةٌ. وسُنَّةٌ قائِمَةٌ.
النَّاس ثَلاثَةٌ : جاهِل يأبى أن يتعلم. وعالم قد شَفَهُ عِلْمُهُ. وعاقل يَعْمَلُ لِدُنْيَاهُ و آخرته (1)
ثلاثة لَيْسَ مَعَهُنَّ غُرَبَةٌ : حُسْنُ الأدب. وَكَف الأذى. ومُجانَبَةُ الرَّيب.
الأيام ثلاثة : فيوم مضى لا يدرك. ويوم النَّاس فِيهِ، فَيَنبَغِي أَنْ يَعْتَنِمُوهُ. وغَداً إنما في أَيْدِيهِم أَمَلُهُ.
مَنْ لَمْ تَكُن فِيهِ ثَلاثُ خِصالٍ لَم ينفعه الإيمانُ : حِلمُ يَرُدُّ بِه جَهَلَ الجَاهِلِ. وورع يحجزه عن طلب المحارم. وخُلقُ يُدارِي بِهِ النَّاسَ.
ثلاث من كن فيه استكمل الإيمانَ، مَنْ إذا غَضِبَ لَمْ يُخْرِجُهُ غَضَبُهُ مِنَ الحَقِّ. وَإِذا رَضِيَ لَمْ يُخْرِجُهُ رِضاهُ إِلَى البَاطِل.
وَمَنْ إذا قَدَرَعَفا. ثلاث خصالٍ يَحْتاجُ إليها صاحِبُ الدُّنيا : الدَّعَةُ مِنْ غَيْرِ تَوَانٍ (2). وَالسَّعَةُ مَعَ قَناعَةٍ وَالشَّجَاعَةُ مِنْ غَيْرِ كَسَلٍ.
ثلاثة أشياء لا ينبغي للعاقِلِ أنْ يَنْسَاهُنَّ عَلى كلّ حالٍ : فَناء الدُّنيا. وَتَصَرْفُ الأحوال. والآفات الّتي لا أمانَ لَها.
ثلاثة أشياء لا ترى كامِلَةً في واحِدٍ قط : الإيمان. والعقل. والاجتهاد.
الإخوان ثَلاثَةٌ : مُواسٍ بنفسه. وآخَرُ مُواس بماله وهما الصادقان في الإخاء. وآخر يأخُذ منك البلغة (3) ويُريدُكَ لبعض اللذة، فَلا تَعدَّه مِنْ أَهْلِ الثَّقَةِ.
لا يَسْتَكْمِلُ عَبد حقيقة الإيمانِ حتّى تكون فيه خصال ثلاث : الفقه في الدِّينِ. وحُسْنُ التقدير في المعيشة. والصَّبْرُ عَلى الرزايا.
ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم
ص: 324
«لاهل البيت والتوحيد والايمان والاسلام والكفر والفسق»
دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لَهُ : ممَّن الرَّجُلُ ؟ فقالَ مِن مُحبيكم ومُواليكم فقال له جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا يُحِبُّ اللّه عَبْد حتّى يَتولاه. ولا يَتَوَلَّاهُ حتّى يُوجِبَ لَهُ الجنّة. ثمَّ قَالَ لَهُ : مِنْ أي حبينا أنتَ ؟ فَسَكَتَ الرَّجُلُ فَقَالَ لَهُ سَدِيرُ (1) : وَكَمْ يُحِبُوكُمْ يَا ابْنِ رسولِ اللّه ؟ فَقَالَ : عَلى ثَلاثِ طَبَقَاتٍ : طَبَقَةٍ أَحَبُّونَا فِي العَلَانِيَةِ وَلَمْ يُحِبُّونَا فِي السِّر وَطَبَقَةٍ يُحِبُّونا في السِّرِّوَلَمْ يُحِبُّونا في العلانية. وطَبَقَةٍ يُحِبُّونا في السر والعلانية، هُمُ النَّمَطُ الأعلى (2)، شَرِبُوا مِنَ العَذَبِ الفُراتِ وَعَلِمُوا تأويل الكتاب (3) وَفَصْلَ الخِطابِ سبب الأسباب، فَهُمُ النَّمَطُ الأعلى، الفقر والفاقة وأنواعُ البَلَاءِ أَسْرَعُ إِلَيْهِمْ مِنْ رَكْضِ الخَيْلِ (4)، مَسَتهُمُ البأساء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُوا و فتنوا، فَمِنْ بَيْنِ مَجْرُوحٍ ومَذْبُوحٍ مُتَفَرَّقِينَ في كلّ بلادٍ قاصِيَةٍ، بهم يشفي اللّه السَّقِيمَ وَ يُغْنِي العَدِيمَ(5) وَبِهِمْ تُنْصَرُونَ وَبِهِمْ تُمْطَرُونَ (6)وبهم ترزقونَ وَهُمُ الأقلُونَ عَدَداً، الأعْظَمُونَ عِندَ اللّه قَدْراً وَخَطَراً وَ الطَّبَقَةُ الثانية النَّمَطُ الأَسْفَلُ أَحَبُّونا في العَلَانِيَةِ وَسَارُوا بِسِيرة الملوكِ، فَأَلْسِنَتُهم مَعَنا وَسَيُوفُهُم عَلَينا. وَالطَّبَقَةُ الثَّالِثَةُ النَّمَطُ الأَوْسَطُ أَحَبُّونَا فِي السِّرِّ وَلَم يُحِبُّونَا فِي العَلَانِيَةِ وَلَعَمْرِي
ص: 325
لَئِنْ كانُوا أَحَبُّونَا فِي السِّرِّدُونَ العَلَانِيَةِ فَهُمُ الصَّوَّامُونَ بِالنَّهَارِ القَوامُونَ بِاللَّيْلِ تَرَى أَثَرَ (1) الرَّهْبانِيَّةِ فِي وُجُوهِهِمْ، أَهْلُ سِلْم وَانْقِيادٍ.
قالَ الرَّجلُ : فأنا مِنْ يُحِبيكم في السّرّ والعلانية. قَالَ جَعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إِنَّ لِمحبينا في السِّرِّ وَالعَلانِيَةِ عَلامات يُعرفونَ بها. قالَ الرَّجُلُ : وما تلك العلامات ؟ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): تِلْكَ خِلال أولها أَنَّهُم عَرَفُوا التُّوحِيدَ حَق مَعْرِفَتِهِ وَأَحْكَمُوا عِلْمَ تَوْحِيدِهِ. وَالإِيمَانُ بَعد ذلِكَ بِما هو وما صَفَتُهُ، ثمَّ عَلِمُوا حُدُودَ الإيمانِ وحَقائِقَهُ وشُرُوطَهُ وتَأْوِيلَهُ. قَالَ سَدِيرُ : يَا ابنَ رَسُولِ اللّه مَا سَمِعْتُكَ تَصِفُ الإيمانَ بِهذِهِ الصَّفَةِ ؟ قالَ : نَعَمْ يَا سَدِيرُ ليْسَ لِلسَّائِلِ أنْ يَسْأَلَ عَنِ الإِيمَانِ مَا هُوَ حتّى يعلم الإيمانَ بِمَنْ. قال سَدِيرٌ : يَا ابْنَ رَسُولِ اللّه إِنْ رَأَيْتَ أنْ تُفسر ما قلت : قالَ الصَّادِقُ (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَعْرِفُ اللّه بِتوَهُم القُلُوبِ فَهُوَ مُشْرِكَ. وَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَعرِفُ اللّه بالاسم دُونَ المَعْنى فَقَدْ أَقَرَّ بِالطِّعْنِ، لأنَّ الإسم م مُحْدَثٌ. و مَن زَعَمَ أَنَّهُ يَعْبُدُ الاسْمَ وَالمَعْنَى فَقَدْ جَعَلَ مَعَ اللّه شَرِيكَاً. وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يعبد [المعنى] بالصفة لا بالإدراك فقد أحال على غايب. وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَعبَدُ الصَّفَةَ والمَوْصُوفَ فَقَدأ بطَلَ التَّوْحِيد لأنَّ الصَّفَةَ غَيْرُ المَوْصُوفِ.
وَمَن زَعَمَ أَنَّهُ يُضِيفُ الموصوف إلى الصفة فقد صَغَرَ بِالكَبِيرِ وما قَدَرُوا اللّه حَقَّ قَدْرِهِ (2)
ص: 326
قيلَ لَهُ : فَكَيْفَ سَبِيلُ التَّوْحِيدِ ؟ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ). بابُ البَحْثِ مُمكن وطَلَبُ المَخرج مَوجُودٌ إِن مَعْرِفَةَ عَيْنِ الشاهِدِ قَبلَ صِفَتِهِ وَمَعْرِفَة صِفَةِ الغائب قَبْلَ عَيْنِهِ. قيلَ : وَ كَيْفَ نَعْرِفُ
ص: 327
عَيْنَ الشَّاهِدِ قَبْلَ صِفَتِهِ ؟ قَالَ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): تَعْرِفُهُ وَتَعلَمُ عِلْمَهُ وَتَعْرِفُ نَفْسَكَ بِهِ وَلَا تَعرِفُ نَفْسَكَ بِنَفْسِكَ مِنْ نَفْسِكَ. وَتَعْلَمُ أَنَّ مَا فِيهِ لَهُ وَبِهِ كَمَا قَالُوا لِيُوسُفَ : «إِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ و هذا أخي (1)»، فَعَرَفُوهُ بِهِ وَلَمْ يَعْرِفُوهُ بِغَيْرِهِ وَلَا أَكْبَتُوهُ مِنْ أَنفُسِهِمْ بَتَوَهُم القُلُوبِ أما ترى اللّه يَقُولُ : «ما كانَ لَكُمْ أنْ تُنبتوا شَجَرَها (2)»، يَقُولُ : لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَنْصِبُوا إماماً،
ص: 328
مِن قِبل أنفُسِكُمْ تُسَمُونَهُ عُمَّا بِهَوى أَنفُسِكُمْ وإرادتكم. ثمَّ قَالَ الصَّادِقُ (عَلَيهِ السَّلَامُ): ثَلَاثَةٌ «لا يُكَلِّمُهُمُ اللّه وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِم يَومَ القِيمَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، مَنْ أَنْبَتَ شَجَرَة لَم يُنبته اللّه يعني مَنْ نَصَبَ إمَاماً لَم يَنصِبَهُ اللّه، أَوْجَحَدَ مَنْ نَصَبَهُ اللّه. وَمَن زَعَمَ أنَّ لهذين سَهْماً في الاسلام. وقد قال اللّه : «وَرَبِّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتارُ مَا كانَ لَهم الخيرة (1)».
قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): معنى صفة الإيمان. الإقرارُ وَ الخُضُوعُ للّه بِذل الإقرارِ (2) وَالتَقَرَّبُ إلَيْهِ بِهِ وَالأداء لَهُ بِعِلْمٍ كلّ مَفْرُوضَ مِن صَغير أو كبير مِنْ حَدَ التَّوْحِيدِ فَمَا دُونَهُ إِلَى آخر باب مِنْ أبْوابِ الطَّاعَةِ أولاً فأولاً مَقْرُونَ ذلِكَ كُلُّهِ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ مَوْصُولٌ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، فَإذا أدى العَبْدُ ما فُرِضَ عَلَيْهِ ممَّا وَصَلَ إِلَيْهِ عَلَى صِفَةِ ما وَصَفَنَّاهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ مُسْتَحِقُّ لِصِفَةِ الإِيمَانِ، مُسْتَوْجِبْ لِلثَّوابِ وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى جُمْلَةِ الإِيمَانِ الإقرارُ، وَمَعنى الإقرارِ التَّصْدِيقُ بِالطَّاعَةِ، فَلِذلِكَ ثَبَتَ أنَّ الطَّاعَةَ كُلَّها صَغِيرَ هَا وَكَبِيرَها مقرونة بعضها إلى بَعْضٍ، فَلا يَخْرُجُ المُؤمِنُ مِنْ صِفَةِ الإِيمَانِ إِلَّا بِتَرْكِ مَا اسْتَحَقُّ أَنْ يَكُونَ بِهِ مُؤْمِناً وَ إِنَّمَا اسْتَوجَبَ وَ اسْتَحَق اسم الإِيمَانِ وَ مَعْنَاهُ بِأداءِ كِبارِ الفَرائِضِ مَوْصُولَةً وَتَرْكِ كِبَارِ المَعَاصِي وَاجْتِنَابها. وإِن تَرَكَ صِغار الطَّاعَةِ وَارتَكَبَ صِغار المعاصي فَلَيسَ بِخارج مِنَ الإيمان ولا تارِك لَهُ مَا لَمْ يَتْرُكُ شَيْئًا مِنْ كِبَارِ الطَّاعَةِ وَلَمْ يَرْتَكِبْ شَيْئًا مِنْ كبارِ المَعاصِي، فَعالَم يفعل ذلِكَ فَهُوَ مُؤْمِن لِقَوْلِ اللّه : «إِن تَجْتَنِبُوا كْبَائِرَ مَا تُنْهَونَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَ نَدْخِلَكُمْ مُدْخَلا كَرِيماً (3)، يَعْنِي المَغْفِرَةَ مادونَ الكَبَائِرِ. فَإِنْ هُوَ ارْتَكَبَ كَبِيرة مِنْ كَبَائِرِ المَعاصِي كَانَ مَأخُوذاً بِجَمِيعِ المَعَاصِي صِغارها وكبارِها معاقباً عَلَيْها مُعَذَّباً بِها فَهَذِهِ صِفَةُ الإيمانِ وَ صِفَةُ المؤمِنِ المُسْتَوْجِبِ لِلثّوابِ.
وَ أَمَّا مَعْنَى صِفَةِ الإسلامِ فَهُوَ الإقرار بجميع الطَّاعَةِ الظَّاهِرَ الحكم والأداولَهُ. فإذا أقر المقر بجميع الطاعَةِ في الظَّاهِرِ مِن غَيرِ العَقْدِ عَلَيْهِ بِالقُلوبِ فَقَدِ اسْتَحَقُّ اسْمَ
ص: 329
الإسلام و معناه و استوجب الولايةَ الظَّاهِرَة وإجازة شَهَادَتِهِ والمَوارِيثَ، وَصَارَ لَهُ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيهِ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَهَذِهِ صِفَةُ الإسلام. وَفَرْقُ مَا بَيْنَ المُسلِم وَالْمُؤْمِنِ أَنَّ المُسلِمَ إِنما يَكُونُ مُؤمِناً أَنْ يَكُونَ مُطِيعاً في البَاطِنِ مَعَ مَا هُوَ عَلَيْهِ فِي الظَّاهِرِ. فَإِذَا فَعَلَ ذلِكَ بالظَّاهِرِ كَانَ مُسْلِماً. وإذا فَعَلَ ذلِكَ بالظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ بِخَضُوعٍ وَتَقَرَّبَ بِعِلْمٍ كَانَ مُؤْمِناً. فَقَدْ يَكُونُ العَبْدُ مُسلِماً وَلا يَكُونُ مُؤْمِناً إِلَّا وَهُوَ مُسلِم.
وقد يخرج من الإيمانِ بِخَمس جهاتٍ مِنَ الفِعْلِ كُلُّها متشابهات معروفات : الكُفْرُ. والشرك. والصلالُ. وَالفِسْقُ ورُكوب الكبائر.
فمعنى الكُفْرِ كلّ مَعْصِيَةِ عُصِيَ اللّه بِها بِجَهَةِ الجَحْدِ والأَنْكَارِ وَالاِسْتِخْفافِ وَ النَّهَاوُنِ فِي كلّ ما دَقَ وَجَلَّ. وَفَاعِلُه كَافِر وَمَعْنَاهُ مَعْنَى كَفَرٍ، مِنْ أَيَّ مِلَّةٍ كَانَ وَمِنْ أَيِّ فرقة كان بعد أن تَكُونَ مِنْهُ مَعْصِية بهذِهِ الصَّفَاتِ، فَهُوَ كَافِر.
ومعنى الشرْكِ كلّ مَعْصِيَةٍ عُصِيَ اللّه بِها بِالتّدينِ، فَهُوَ مُشْرِكُ، صَغِيرَةً كَانَتِ المعصيةُ أوْ كَبِيرَة، فَفَاعِلُها مُشرك (1).
و معنى الضَّلَالِ الجَهْلُ بِالمَفْرُوضِ وَهُوَ أنْ يَتْرُكَ كَبِيرَةً مِنْ كَبَائِرِ الطَّاعَةِ الّتي لا يستحق العبدُ الإيمان إلا بها بَعْدَ ورُودِ البَيانِ فيها والاحتجاج بها، فَيَكُونَ التّارِكُ لَها تاركاً بِغَيْرِ جَهَةِ الإنكارِ وَالتَّديُّن بإنكارها وجُحُودِها وَلَكِنْ يَكُونُ تاركاً عَلَى جَهَةِ التّواني والإغفال والاشتغال بِغَيْرِها فَهُوَ ضَالّ مُتَنَكَّبُ عَنْ طَرِيقِ الإِيمَانِ، جَاهِلٌ بِهِ خارج مِنْهُ، مُسْتَوجِبُ لِاسْمِ الضَّلَالَةِ وَ مَعْناها مادام بالصِّفَةِ الّتي وَصَفْنَاهُ بِهَا. فَإِنْ كَانَ هو الّذي مالَ بِهَواهُ إِلى وَجْهِ مِنْ وَجُوهِ المَعْصِيَةِ بِجَهَةِ الجُحُودِ وَالِاسْتِخْفافِ وَالتَّهَاوُنِ كَفَرَ. وإنْ هُوَ مالَ بِهَواهُ إِلَى التَّدين بِجَهةِ التَّأْوِيلِ وَ التقليد والتسليم والرضا بقولِ الآباء و الأسلافِ فَقَدْ أشرك (2). وقَل ما يلبث الإنسانُ عَلَى ضَلالَةٍ حتّى يَمِيلَ بَهَواهُ إلَى بَعْضٍ مَا وَصَفْنَاهُ مِنْ صِفَتِهِ.
ص: 330
ومعنى الفِسْقِ فَكُلُّ مَعْصِيَةٍ مِن المَعَاصِي الكبارِ فَعَلَها فاعِلٌ، أو دَخَلَ فِيها داخِل بِجَهَةِ اللَّذَةِ وَالشَّهْوَةِ وَالشَّوقِ الغَالِب فَهُوَ فسق وَفاعِلُهُ فَاسِقٌ خَارِجَ مِنَ الإِيمَانِ بِجَهَةِ الفِسْقِ فَإن دام في ذلِكَ حتّى يَدْخُلَ فِي جَد التهاونِ وَالاِسْتِخْفافِ فَقَدْ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ بِتَهاوُنِهِ وَ اسْتِخْفافِه كافراً.
و معنى راكِب الكَبَائِرِ الّتي بها يَكونُ فَسادُ إِيمَانِهِ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُنْهَمِكَا عَلَى كبائر المعاصي بغيرِ جُحُودٍ وَلا تَديُّن وَلاَلذَّة ولا شهوة وَلَكِنْ مِنْ جَهَةِ الحَمِيَّةِ وَالغَضَبِ يُكْثِرُ القَذَفَ وَالسَّبَ وَالقَتْلَ وَأخذ الأموالِ وَحَبْسَ الحُقوقِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ المَعَاصِي الكَبائِرِ الّتي يَأْتيها صَاحِبُها بِغَيْرِ جَهَةِ اللَّذَّةِ. وَ مِنْ ذلِكَ الأيْمَانُ الكَاذِبَةُ وَأَخَذَ الربا وَ غَيرُ ذلِكَ الّتي يَأْتِيها من أناها بَغَيرِ اسْتلذاذ [و] الخَمْرُ وَ الزَّنا واللَّهوُ فَفَاعِلُ هَذِهِ الأفعالِ كُلها مُفْسِدُ لِلا يمَانِ خارج مِنْهُ مِنْ جَهَةِ رُكُوبِهِ الكَبِيرَةَ عَلَى هَذِهِ الجَهَةِ غَير مُشْرِك وَلا كَافِرٍ وَلاضَالٍ، جاهِدٌ عَلَى مَا وَصَفْنَاهُ مِنْ جَهةِ الجَهالَةِ. فَإِن هُوَ مَالَ يهواه إلى أنواع ما وَصَفْنَاهُ مِنْ حِدَّ الفَاعِلِينَ كَانَ مِنْ صِنفه.
سَأَلَهُ سَائِلٌ، فَقَالَ : كَم جَهَاتُ مَعَائِش العِبادِ الّتي فيها الاكتساب [أ] والتعامل بينهم ووجوه النفقات ؟ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): جَميعُ المعايش كُلْها مِن وُجُوهِ المُعاملاتِ فيما بينهم ممَّا يَكُونُ لَهُمْ فِيهِ المَكَاسِبُ أَرْبَعُ جَهَاتٍ مِنَ المُعَامَلاتِ. فقالَ لَهُ : أَكُلَّ هؤلاء الأرْبَعَةِ الأَجْنَاسِ حلال، أو كُلها حرام، أو بعضها حَلال وبعضها حرام ؟ فقالَ : قَدْ يَكُونُ فِي هُؤلاءِ الأَجْنَاسِ الأرْبَعَةِ حَلالٌ مِنْ جَهَةٍ، حَرامٌ مِنْ جَهَةٍ، وهذهِ الأجناسُ مُسَمَّيات معروفاتُ الجَهَاتِ فَأَولُ هذه الجهاتِ الأرْبَعَةِ الوِلايَةُ وتَوليةُ بعضِهِم عَلَى بَعْضٍ فَالأَوَّلُ وِلايَةُ الوُلاةِ وَوَلَاةِ الولاة إلى أدناهم بابا مِنْ أبواب الوِلايَةِ عَلَى مَنْ هُوَ وَال عَلَيْهِ. ثمَّ التِّجَارَةُ فِي جَميع البيع والشراء بعضهم من بعض. ثمَّ الصناعات في جميع صنوفها. ثمَّ الإجارات في كلّ ما يحتاجُ إِلَيْهِ مِنَ الإجاراتِ وَكُلٌّ هَذِهِ الصُّنُوفِ تَكونُ حَلَالاً مِنْ جَهَةٍ وَحَراماً مِنْ
ص: 331
جَهَة. وَالفَرْضُ مِنَ اللّه عَلَى العِبادِ في هذِهِ المُعَامَلاتِ الدُّخُولُ فِي جَهَاتِ الحَلالِ مِنْها وَالعَمَلُ بِذلِكَ الحلالِ وَاجْتِنَابُ جَهَاتِ الحرامِ مِنْهَا.
تفسير معنى الولايات
وهي جهتان، فإحْدَى الجَهَتَينِ مِنَ الوِلاية ولايَةٌ وَلَاةِ العَدْلِ الّذين أَمَرَ اللّه بِوِلايَتِهم وتوليتهم عَلَى النَّاس وَوِلايَةُ وَلَاتِهِ وَوَلَاةِ وَلاتِه إلى أدْنَاهُم بابا مِنْ أبواب الوِلَايَةِ عَلَى مَنْ هُوَ وال عَليهِ والجَهَةُ الأُخْرَى مِنَ الوِلايةِ وِلايَةٌ ولاةِ الجَوْرِ وَوُلاةِ وَلاتِه إِلى أَدْنَاهُم باباً مِنَ الأبْوَابِ الّتي هُوَ وَال عَلَيْهِ فَوَجْهُ الحَلالِ مِنَ الوِلايَةِ وِلايَةُ الوَالِي العَادِلِ الّذي أمَرَ اللّه بِمَعرِفَتِهِ وَوِلايَتِهِ وَالعَمَلُ لَهُ في وِلايَتِهِ وَوِلايَةِ وَلاتِهِ وَوُلاةِ وَلاتِه بِجَهةِ ما أَمَرَ اللّه الوالي العادِل بِلا زِيادَةٍ فيما أَنْزَلَ اللّه بِهِ وَلا نقصانٍ مِنْهُ ولا تخريف لِقَوْلِهِ وَلا تَعَدّ لأمرِه إِلى غَيْرِهِ فَإِذا صَارَ الوالي والي عَدْلٍ بهذِهِ الجَهةِ فَالوِلايَةٌ لَهُ وَالعَمَلُ مَعَهُ وَمَعُونَتُهُ في ولايته وتقويته حلال محلل، وحَلال الكتبُ مَعَهُمْ وَذَلِكَ أَنَّ فِي وِلايَةِ وَالِي العَدْلِ وولاته إحْياءَ كلّ حَقِّ وَكُلَّ عَدْلٍ وَإِمَانَةَ كلّ ظُلْمٍ وَجَوْرٍ وَفَسَادٍ فَلِذلِكَ كَانَ السَّاعِي في تَقْوِيَةِ سُلْطَانِهِ وَالمَعِينُ لَهُ عَلَى وِلايَتِهِ سَاعِياً إلى طاعَةِ اللّه مُقَوِّياً لِدِينِهِ.
وأما وَجْهُ الحَرامِ مِنَ الوِلايَةِ فَوِلايَةُ الوالي الجائر وَوِلايَةُ وَلاتِه، الرئيس مِنْهُم وأتباع الوالِي فَمَنْ دونَهُ مِنْ وُلاةِ الوُلاةِ إِلى أَدْنَاهُم باباً مِنْ أبواب الوِلايَةَ على هو وا ل عَليهِ. والعَمَلُ لَهُم وَالكَسَبُ مَعَهُم بِجَهَةِ الوِلايَةِ لَهُمْ حَرامٌ ومُحَرَّم مَنْ فَعَلَ ذلِكَ على قَليلٍ مِنْ فِعْلِهِ أَوْ كَثِير، لأنَّ كلّ شَيْءٍ مِنْ جَهَةِ المَعُونَةِ مَعْصِيَةٌ كَبِيرةٌ مِنَ الكَبَائِرِ وذلِكَ أنَّ في وِلايَةِ الوالي الجائِرِ دَوسَ الحقّ كُله (1) وإخياة الباطل كله. وإظهار الظلم والجَوْرِ والفَسادِ وإبطال الكُتُبِ وَقَتْلَ الأنبياء والمؤْمِنِينَ هَدَمَ المَساجد و تبديل سُنْةِ اللّه وشرائعه. فَلِذلِكَ حَرُمَ العَمَلُ مَعَهُمْ وَمَعونتهم والكسب معهم إلَّا بِجَهَةِ الضرورَةِ نَظرَ الضَّرُورَةِ إِلى الدَّمِ وَالمَيِّتَةِ.
و اما تفسير التجارات
في جميع البيوع وَوُجُوهِ الحَلالِ مِنْ وَجْهِ التجارات الّتي يجوز للبائع أن يبيعَ ممَّا لا يَجُوزُلَهُ. وَكَذَلِكَ المُشْتَرِي الّذي يَجوزُ لَهُ شِرَاوْ مِمِمَّا لَا يَجُوزُ لَهُ فَكَلَّ
ص: 332
مَأْمُورِ بهِ ممَّا هُوَغِذاهُ لِلْعِبادِ وَقِوامُهُمْ بِهِ في أمُورِهِمْ فِي وجُوهِ الصَّلاحِ الّذي لا يُقِيمُهُم غَيْرُهُ ممَّا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَلْبَسُونَ وَيَنكِحُونَ ويَمْلِكُونَ وَيَسْتَعْمِلُونَ مِنْ جَهَةٍ مِلْكِهِمْ وَيَجُوزُلَهُمُ الاسْتِعْمَالُ لَهُ مِنْ جَميع جَهَاتِ المَنافِعِ الّتي لا يُقِيمُهُم غَيْرُها مِنْ كلّ يَكونُ لَهُمْ فِيهِ الصَّلاحُ مِنْ جَهَةٍ مِنَ الجَهَاتِ فَهَذَا كُلَّهُ حَلَالُ بَيْعَهُ وَ شِراؤهُ وَ إمْسَاكُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ وَهِبَتْهُ وَعَارِيتُهُ.
مَا وُجُوهُ الحَرَامِ مِنَ البَيعِ وَالشّراءِ فَكُل أُمرِ يَكُونُ فِيهِ الفَسادُ ممَّا هُوَ مَنِيُّ عَنْهُ مِنْ جَهَة أكله وشربه أو كسبه أو نكاحه أو ملكه أَوْ إِمْسَاكِهِ أَوْ هَبَتِهِ أو عَارِيَتِهِ أو شَي: يَكون فيه وَجهُ مِنْ وُجُوهِ الفَسادِ نَظير البيع بالرّبا، لِمَا فِي ذلكَ مِنَ الفَسَادِ، أو البيع لميتة، أو الدم، أو لحم الخنزير، أو لُحُومِ السّباعِ مِنْ صُنُوفِ سِباعِ الوَحْشِ، أَوِ الطَّيْرِ، أو جلودها، أو الخَمْرِ، أَوشَيْءٍ مِنْ وُجُوهِ النَّجَسِ، فَهَذَا كُلَّهُ حَرَام وَ مُحَرَّم، لِأَنَّ ذلِكَ كُلَّه مَنْهيُّ عَنْ أكِلِهِ وَشَرْبِهِ وَلْبَسِه ومِلْكِهِ وَإِمْسَاكِه وَالتَّقَلْبِ فِيهِ بِوَجْهِ مِنَ الوُجوهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الفَسَادِ، فَجَمِيعُ تَقَلُّبه في ذلِكَ حَرامٌ وَكَذلِكَ كلّ وكُلٌّ مَنْهى عَنْهُ ممَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ لِغَيْرِ اللّه، أَويَقوى بهِ الكَفَرُو الشركُ مِنْ جَميعِ وُجُوهِ المعاصي، أو باب مِنَ الأبواب يَقُوى به باب مِنْ أَبْوَابِ الضَّلَالَةِ، أوبابٌ مِنْ أَبْوَابِ الباطل، أو باب يُوهِن بِهِ الحقّ فَهُوَ حَرامُ مُحَرَّم، حَرامَ بَيْعَهُ وَشِرَاؤُهُ وَ إِمْسَاكُه ومِلُكَهُ وَهَبَتْهُ وعادِيَتْهُ وجَميعُ التَّقَلبِ فِيهِ إِلّا في حالٍ تَدْعُو الضَّرُورَةُ فِيهِ إِلَى ذلِكَ.
وأما تفسير الاجارات
فإجارة الانسان نفسه أو ما يَمْلِكُ أو يكي أمْرَهُ مِنْ قَرابَتِهِ أَوْ دَابَتِهِ أو تَوبِهِ بِوَجْهِ الحَلالِ مِنْ جَهاتِ الإجارات أن يُوجِرَ نَفْسَهُ أودارَهُ أو أرْضَهُ أوْ شَيْئاً يَمْلِكُهُ فيما ينتَفَعُ به مِنْ وُجوه المنافع، أو العَمَلِ بَنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَمْلُوكِهِ، أَوْ أَجِيرِه مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ وكيلاً للوالي، أو والياً للوالي فَلا بَأسَ أن يكون أجيراً يؤجِرُ نَفْسَهُ أَووَلَدَهُ أوقَرابَتَه أو ملكه أو وكيله في إجارَتِه، لأنَّهُمْ وَكَلاهُ الأجير من عِنْدِه لَيْسَ هُم بِوُلاةِ الوالي (1)نظير الحمّالِ الّذي يَحْمِلُ شَيئاً بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ إِلى مَوْضِعِ مَعْلُومٍ، فَيَحْمِلُ ذلِكَ الشي.
ص: 333
الّذي يَجُوزُ لَهُ عَمَلَهُ بنَفْسِهِ أو بِمِلْكِهِ أودابته أو يؤاجِرُ (1) نفسه في عَمَلٍ يَعْمَلُ ذلِكَ العمل بنفسه أو بِمَملوكه أو قرابته أو بأجير من قبلِهِ، فَهَذِهِ وُجُوهُ مِنْ وُجُوهِ الإجاراتِ حَلالٌ لِمَنْ كانَ مِنَ النَّاس ملكاً أو سُوقَةٌ (2) أو كافراً أو مُؤْمِناً، فَحَلالَ إِجارَتُهُ وَحَلال كسبه من هذه الوُجُوهِ.
فاما وُجُوهُ الحَرامِ مِنْ وُجُوهِ الإِجارَةِ نَظيرُ أنْ يُوَاجِرَ نَفْسَهُ عَلَى حَمْلِ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ أكَلُهُ أو شربه أو لُبْسُه أَوْ يُوْاجَرَ نَفْسَهُ في صَنْعَةِ ذلك الشيء أوْحِفْظه أو لبسه أو يُواجِرَ نَفْسَهُ في هَدَمَ المَسَاجِدِ ضِراراً أوقَتْلِ النَّفْسِ بِغَيْرِ حِلَّ أَوْحَمْلِ التَّصَاوِيرِ وَالأصْنَامِ والمزامير و البرابطِ والخَمْرِ والخَنازِيرِ وَالمَيْتَةِ وَالدَّمِ أَو شَيْءٍ مِنْ وُجُوهِ الفَسَادِ الّذي كَانَ مُحَرِّماً عليهِ مِنْ غَيْرِجَهةِ الإجارَةِ فِيهِ وَكُلَّ أَمْرٍ مَنْهِيِّ عَنْهُ مِنْ جَهَةٍ مِنَ الجَهَاتِ فَمُحَرَّم على الإنسانِ إجَارَةً نَفْسِهِ فِيهِ أُولَهُ أَوْشَيْء مِنْهُ أوْلَهُ إِلَّا مَنْفَعَةِ مَنِ اسْتَأْجَرْتَهُ كَالّذي يستأجر الأجير يَحْمِلُ لَهُ الميتة ينجيها عَنْ أذاه أو أذى غَيْرِهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَالفَرْقُ بَيْنَ الوِلاية والإجارَةِ وَإِنْ كَانَ كِلاهُمَا يَعْمَلَانِ بِأَجْرٍ : أَنَّ مَعْنَى الوِلايَةِ أَنْ يَليَ الإِنسانُ لوالي الولاة أوْلِوَلَاةِ الوُلاةِ فَيَلِي أَمْرَ غَيْرِهِ في التُّولِيَةِ عَلَيْهِ وَتَسْلِيطِهِ وَ جَوازِ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وقِيامِهِ مَقامَ الوَلى إلى الرئيسِ، أَوْ مَقامَ وَ كَلائِهِ في أَمْرِهِ وَتَوَكِيدِهِ فِي مَعُونَتِهِ وَتَسْدِيدِ ولايَتِه وَإنْ كانَ أَدْنَاهُمْ وِلايَةٌ، فهو وا لى على مَنْ هُوَ وال عَليهِ يَجْرِي مَجْرَى الولاةِ الكِبَارِ الّذين يَلُونَ وِلايَةَ النَّاس فِي قَتِلِهِمْ مَنْ قَتَلُوا وَإِظْهَارِ الجَوْرِ والفَسَادِ.
وأما معنى الإجارَةِ فَعَلَى مَا فَسّرنا مِنْ إجارَةِ الإِنْسَانِ نَفْسَه أَوْ مَا يَمْلِكُهُ مِنْ قبل أن يُواجِرَ [أ] الشَّيْء مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ يَمْلِكُ يَمينُهُ لأَنَّهُ لا يَلِي أَمْرَ نَفْسِهِ وَأَمْرَ مَا يَمْلِكُ قَبْلَ أنْ يُواجِرَهُ ممَّن هوَ آجَرَهُ. وَالوَالِي لا يَمْلِكُ مِنْ أُمُورِ النَّاس شَيْئًا إِلَّا بَعَدَ ما يلي أمورَهُم وَيَمْلِكُ تَوليتهم (3). وَكُلُّ مَنْ آجَر نَفْسَهُ، أَوْ آجَرَ مَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ، أَو يَلِي أَمْرَهُ مِنْ كَافِرٍ
ص: 334
أو مؤمِنٍ أومَلِك أو سُوقَةٍ (1) عَلَى مَا فَسَرْنَا ممَّا تَجُوزُ الإِجَارَةُ فِيهِ فَحَلالُ خَلَلٌ فِعْلُهُ وَكَسْبُهُ.
و أما تفسير الصناعات
فكل ما يتعلمُ العِباد أو يُعلمونَ غَيْرَهُم مِنْ صُنُوفِ الصناعاتِ مِثلِ الكتابة والحِسَابِ وَالتِّجَارَةِ وَالصياغة (2) وَ السّراجَةِ والبناءِ وَالحِياكَةِ وَالْقِصَارَةِ وَالخِياطَةِ وَصَنْعَةِ صُنُوفِ التصاوِيرِ مَا لَمْ يَكُن مِثْلَ الرُّوحَانِي وَأَنواعٍ صُنُوفِ الآلاتِ الّتي يَحْتاجُ إِلَيْهَا العِباد الّتي منها منافعهم وبها قوامُهُمْ وَفِيها بُلْغَةُ جَميعِ حَوائِجِهم فَحَلالَ فِعْلُهُ وتَعلِيمُهُ وَالعَمَلُ بِهِ وَفِيهِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَتْ تِلكَ الصِّنَاعَةُ وَتِلكَ الآلَةُ قَدْ يُسْتَعَانُ بِها عَلَى وُجُوهِ الفَسَادِ وَ وُجُوهِ المَعاصِي ويَكونُ مَعُونَةً عَلَى الحقّ والباطِلِ، فَلا بَأسَ بِصِناعته وتعليمه نَظِيرُ الكتابة الّتي ى وَجْهِ مِن وُجُوهِ الفَسَادِ مِنْ تَقْوِيَةِ مَعُونَةِ وَلَاةِ وَلَاةِ الجَوْرِ (3). وكذلِكَ السكين والسَّيْف وَالرُّمحُ والقَوْسُ وغير ذلكَ مِنْ وجُوهِ الآلَةَ الّتي قَدْ تَصَرَفَ إِلى جَهَاتِ الصّلاحِ وَجَهَاتِ الفَسادِ وتكونُ آلَةً و مَعُونَةً عَلَيْهِما، فلا بأسَ بِتَعْلِيمِهِ وَتَعَلمِ، وَأَخْذِ الأَجْرِ عَلَيْهِ وفيه والعَمَلِ بِه وفيهِ لِمَنْ كَانَ لَهُ فِيهِ جَهاتُ الصَّلاحِ مِنْ جَمِيعِ الخَلَائِقِ وَحَرَم عَلَيهِم فِيهِ تَصْرِيفِه إلى جَهَاتِ الْفَسادِ وَالمَضَار : فَلَيْسَ عَلَى العَالِمِ وَالمُتَعِلْمِ إِثمٌ وَلَا وِزْرُ لِمافِيهِ مِنَ الرَّجْحَانِ في منافع جهاتِ صَلاحِهِمْ وَقِوامِهِم بِهِ وَبَقَائِهِمْ. وَإِنَّمَا الاثمَّ وَالوِزْرُ عَلَى المُتَصَرْفِ بِها في وُجُوهِ الفَسَادِ وَالحَرَامِ وَذَلِكَ إِنَّما حَرَّمَ اللّه الصناعَةَ الّتي حَرام هي كلها الّتي يَجيي مِنْهَا الفَسَادُ مَحْضاً نَظِير البرابط (4) والمزامير والشطرنج وكُلِّ مَلْهُو بِهِ والصَّلْبانِ (5) والأَصْنامِ، وَمَا أَشْبَهَ ذلِكَ مِنَ صَناعاتِ الأسْرِبَةِ الحَرَامِ وَمَا يَكونُ مِنْهُ وَ فِيهِ الفَسَادُ
ص: 335
عضاً. ولا يكون فيه ولا مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ وُجُوهِ الصَّلاحِ فَحَرَام تَعلِيمُهُ و تَعَلَّمُهُ وَالعَمَلُ به وأخذ الأجْرِ عَلَيْهِ و جَمِيعُ التَّقَلبِ فِيهِ مِنْ جَمِيعِ وَجُوهِ الحَرَكَاتِ كَلِهَا إِلَّا إِنْ تَكُونَ صناعَةَ قَدْ تَنصَرِفُ إِلى جَهَاتِ الصَّنائع (1)، وإن كان قد يتصرف بها وَيَتَناوَلُ بِهَا وَجْهُ مِنْ وُجُوهِ المَعَاصِي، فَلَعَلَّهُ لِمافيه مِنَ الصَّلاحِ حَل تَعلَمُهُ وَتَعلِيمُهُ وَالعَمَلُ بِهِ وَيَحْرُمُ عَلَى مَنْ صَرَفَهُ إلى غَيْرِ وَجْهِ الحقّ وَالصَّلاحِ. فَهذا تَفْسِيرُ بَيانِ وَجْهِ اكتساب مَعَاشِ العِبادِ وَتَعْلِيمِهِم في جَمِيعِ وُجُوهِ اكْتِسابِهِمْ.
أما الوُجُوهُ الّتي فيها إخراجُ الأموالِ فِي جَميع وُجُوهِ الحَلالِ المفترَضُ عَلَيْهِمْ وَجُوهُ النّوافِلِ كُلها، فَاربَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَجْهاً، مِنْهَا سَبعة وجُوهٍ عَلَى خاصّةِ نَفْسِهِ، وَخَمْسَةٌ وُجُوهٍ عَلى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفْسُهُ. وثلاثة وجوهٍ بِمَا تَلْزَمُهُ فِيهَا مِنْ وُجُوهِ الدِّينِ. وَخَمْسَةُ وجُوهِ ممَّا تَلْزَمُهُ فِيهَا مِنْ وُجُوهِ الصَّلاتِ. وأرْبَعَةُ أَوْجُهِ ممَّا تَلَزَمُهُ فِيهَا النَّفَفَةُ مِنْ وُجُوهِ اصطناع المعروف.
فأما الوُجُوهُ الّتي تلزمهُ فِيهَا : النَّفَقَةُ على خاصةِ نَفْسِه فَهيَ مَطْعَمُهُ و مَشْرَبَهُ وَ ملبسه ومنكمه و مخدمُهُ وعَطَاؤُهُ فيما يحتاج إليه مِنَ الأجَرَاءِ عَلَى مَرَمَّةِ مَتاعِهِ أو حَملِهِ أو حفظه، وَشَيْءٌ يَحْتاجُ إِلَيْهِ مِنْ نَحْوِ مَنْزِلِهِ أَوْ آلَةٍ مِنَ الآلاتِ يَسْتَعِينُ بِها على حوائجه.
وأما الوجوه الخمس الّتي تَجِبُ عليهِ النَّفَقَةِ لَنْ تَلْزَمُهُ نَفْسُه فَعَلَى وَلَدِهِ ووَالِدَيْهِ وَامْرَأتِهِ وَمَملُوكِه لازم لَهُ ذَلِكَ في حالِ العُسْرِ واليُسْرِ.
وأما الوجوه الثلاثَةُ المَفْرُوضَةٌ مِن وجوه الدِّين فَالزَّكاة المفروضَةُ الوَاحِبَةُ في كُلَّ عامٍ وَالحَج المفروضُ وَالجَهادُ فِي إِبانِهِ وَزَمَانِهِ (2).
وأما الوجوه الخَمْسُ مِنْ وُجُوهِ الصَّلاتِ النَّوافِلِ فَصِلَةَ مَنْ فَوْقَهُ وَصِلَةُ القَرابَةِ وَصلَةُ المُؤمِنينَ وَ التَّنَقْلِ فِي وجُوهِ الصَّدَقَةِ وَالبِرِّ وَالعِتْقِ.
ص: 336
وأما الوُجُوهُ الأرْبَعُ فَقَضاءُ الدِّين وَالعَارِيَةِ وَالقَرْضِ وَإِقْرَاءُ الضَّيْفِ (1) واجبات في السنّة.
ما يحل للانسان أكله
فأما ما يَحِلُّ وَيَجُوزُ لِلانسان أكله ما أخْرَجَتِ الأَرْضُ فَثَلَاثَةَ صُوفٍ مِنَ الْأَغْذِيَةِ صِنْفٌ مِنْهَا جَمِيعُ الحَبَّ كلِهِ مِنَ الحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالأَرز (2) وَالحِمْصِ وَغَيرِ ذَلِكَ مِنْ صُنوفِ الحب وصنوف السَّماسم (3) وغيرها. كلّ شَيْءٍ مِنَ الحَبِّ بِمَا يَكُونُ فِيهِ غِذاءُ الإِنْسانِ في بدنه وقوتُه فَحَلال أكله وكُلَّ شَيْءٍ تَكُونُ فِيهِ المَضَرَّةً عَلَى الإِنسَانِ فِي بَدَنِهِ فَحَرام أكله إلا في حالِ الضَّرُورَةِ.
والصّنف الثّاني لِمَا أَخْرَجَتِ الأَرْضُ مِنْ جَمِيع صُنُوفِ الثِّمَارِ كُلَّها مما يَكُونُ فيه غذاء الإنسان وَ مَنْفَعَةٌ لَهُ وَقُوتُهُ بِهِ فَحَلال أكلهُ، وَمَا كَانَ فِيهِ المَضَرَّةٌ عَلَى الانسان في أكله فَحَرام أكله.
و الصنف الثالث جَمِيعُ صُنُوفِ الْبَقُولِ وَالنَّبَاتِ وَكُلَّ شَيْءٍ تُنْبِتُ الأَرْضُ مِنَ الْبُقُولِ كُلّها تِما فيهِ مَنافِعُ الإنسانِ وَغِذاهُ لَهُ فحلال أكُلُهُ. وَمَا كَانَ مِنْ صُنُوفِ الْبُقُولِ مما فيهِ المَضَرَّةُ عَلَى الإِنْسانِ فِي أكْلِه نَظِير بقول السُّمُومِ القَاتِلَةِ وَنَظِيرَ الدّفلى (4) وَغَيْرِ ذلك من صنوف السم القاتل حرام أكله.
و أما ما يحل أكله من لحوم الحيوان
فَلحُومُ البَقَرِ وَالغنَم وَالإِبِلِ وَمَا يَحِلُّ مِنْ لُحُومِ الوَحْشِ وَكُلِّ مَالَيسَ فِيهِ نابُ وَ لا لَهُ مخلَبٌ، وَما يَحِلُّ مِنْ أكْلِ لُحُومِ الطَّيْرِ كُلها ما كانَتْ لَهُ قانِصَةٌ (5) فَحَلالٌ أَكلُهُ وَ ما لَمْ يَكُنْ لَهُ قَانِصَةٌ فَحَرام أكله. ولا بأسَ بِأكْلِ صُنُوفِ الجَرَادِ.
ص: 337
وأما ما يجوزاً كله مِنَ البيض
فكل ما اختلف طرفاهُ فَحلال أكلهُ وَمَا اسْتَوى طَرَفَاهُ فَحَرام أكله.
وما يجوزاً كله مِنْ صَيْدِ البَحر)
مِنْ صُوفِ السَّمَكِ ما كانَ لَهُ قُسُورٌ فَخلال أكله وما لم يكن لَهُ قُسُورٌ فَحَرام أكله.
وما يَجوزُ مِنَ الْأَشْرِية
مِنْ جَميع صُنُوفِها فَمَالَا يُغير العقل كَثِيرُهُ فَلَا بَأْسَ بِشَرِبِهِ وَكُلَّ شَيْءٍ مِنْهَا يُغَيِّرُ العَقْلَ كَثِيرُهُ فَالقَلَيلُ مِنْهُ حَرام.
وما يجوز مِنَ اللّباس
فَكُل ما أنبتَتِ الأَرْضُ فَلا بَأسَ بِلبسه والصَّلاةِ فِيهِ وكُلَّ شَيْءٍ يَحِلُّ لَحْمُهُ فَلا بَأسَ بِلبْسِ جِلْدِهِ الذَّكِي مِنْهُ وصُوفِهِ وشَعرِهِ وَوَبَرِهِ وَإِنْ كَانَ الصُّوف والشعرُ وَ الرِّيشُ وَالوَبَرُ مِنَ الميتة وغير الميتة ذكياً فلا بأس بلبس ذلِكَ وَالصَّلَاةِ فِيهِ وَكُلٌّ شَيْءٍ يَكُونُ غذاء الإنسان في مطعمه ومشربه أَوْ مَلْبَسهِ فَلا تجوزُ الصَّلاةُ عَلَيْهِ وَلَا السُّجُودُ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ نَباتِ الأَرْضِ مِنْ غَيْرِ ثَمَر قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ مَعْرُولا، فَإِذَا صَارَغَزَلاً فَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ إلا في حالِ ضَرُورَةِ.
أما ما يَجُوزُ مِنَ المَناكِح
فأربعة وجوه : نكاح بميراث. ونكاح بغير ميراثٍ وَنِكَاحَ اليَمِينِ وَنِكاح بتحليلٍ مِنَ المحلل لَهُ مِنْ مِلْكِ مَنْ يَمْلِكُ (1).
وأما ما يَجُوزُ مِنَ المَلكِ والخِدْمَةِ فَسِتَةٌ وجُوهٍ : مِلْكُ الغَنِيمَةِ. وَمِلْكُ الشّراءِ وَمِلْكُ الميراثِ وَمِلكُ الهَبَةِ وَمِلْكُ العَارِيَةِ. وَمِلْكُ الأَجْرِ.
فهذه وُجُوهُ مَا يَحِلُّ وَمَا يَجوز الإنسانِ إنْفَاقُ مَالِهِ وَإِخْرَاجُهِ بِجَهَةِ الحَلالِ فِي وُجُوهِهِ وما يَجُوزُ فِيهِ التَّصَرُّفُ وَالتَّقَلُّبُ مِن وُجُوه الفَريضَة والنافلة.
ص: 338
فهمت ما ذَكَرْتَ أَنَّكَ اهتممت بِهِ مِنَ العِلْمِ بِوُجُوهِ مَواضِعِ مَا للّه فِيهِ رِضَى وَكَيْفَ أمْسِكُ سَهُم ذِي القُرْبَى مِنْهُ. وَمَا سَأَلْتَني مِنْ إعْلَامِكَ ذلِكَ كُلَّهُ فَاسْمَعْ بِقَلْبِكَ وَانْظُرْ بِعَقلِكَ. ثمَّ أَعْطِ في جنبك النَّصْفَ مِن نَفْسِكَ (1)، فَإِنَّهُ أَسْلَمُ لَكَ غداً عِنْدَ رَبِّكَ المتقدم أمره ونهيهُ إِلَيْكَ. وَفَقْنَا اللّه وَإِيَّاكَ.
اعلم أنَّ اللّه رَبِّي وَرَبِّكَ ما عَابَ عَنْ شَيْءٍ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِياً، وَمَا فَرَّطَ في الكِتابِ مِنْ شَيْءٍ. وَكُلٌّ شَيْءٍ. فَصَّلَهُ تفصيلا. وَأَنه لَيْسَ مَا وَضَحَ اللّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ أَحْذِ مالِهِ بِأَوضَحَ ممَّا أَوضَحَ اللّه مِنْ قِسْمَتِهِ إيّاه في سُبُلِهِ، لأنه لَمْ يَفْتَرِضَ مِنْ ذلِكَ شَيْئاً في شَيْءٍ مِنَ القُرْآنِ إِلَّا وَقَدْ أَتْبَعَهُ بِسُبُلِهِ إيّاه غَيْرَ مُفَرْقٍ بَينَهُ وَبَيْنَهُ. يُوجِبُهُ لِمَنْ فَرَضَ لَهُ ما لا يَزُولُ عَنْهُ مِنَ القَسْم كَما يَزُولُ مَا بَقِيَ سِواهُ (2) عَمَّنْ سُمِّيَ لَهُ لِأنه يَزُولُ عَنِ الشّيخ بكبره والمسكين بغناهُ وَابْنِ السَّبِيلِ بِلْحُوقِهِ بِبَلَدِه. وَمَعَ تَوْكِيدِ الحَجِّ مَعَ ذلك بالأمر به تعليماً وبالنهي عمارَكِبَ مَنْ مَنَعَهُ تَحَرجا (3). فَقَالَ اللّه جَلَّ وَعَزَّ في الصَّدَقَاتِ - وَكَانَتْ أَوَّلَ مَا افْتَرَضَ اللّه سُبُلَهُ - : (إنَّما الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ والعاملينَ عَلَيْها و المؤلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرقاب وَالغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّه وَابْنِ السَّبِيلِ(4)» فاللّه أَعْلَمَ نَبيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) موضع الصدقات وأنها ليستْ لِغَيْرِ هؤلاء، يَضَعُها حَيْثُ يَشَاءُ مِنْهُم عَلَى مَا يَشَاءُ وَيَكُف اللّه جَلَّ جَلالُهُ نَبِيَّهُ وَأَقْرِ بَاءَهُ عَنْ صَدَقَاتِ النَّاس وَأَوَسَاخِهِمْ، فَهَذا سبيلُ الصَّدَقَاتِ.
وأما المَغائِمُ (5)، فَإِنَّهُ لَمَّا كانَ يَوْمُ بَند قَالَ رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً فَلَهُ كذا وكذا. وَمَنْ أَسَرَ أَسِيراً فَلَهُ مِنْ غَناهِمِ القَوْمِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّ اللّه قَدْ وَعَدَنِي أَنْ
ص: 339
يفتح عَلَيَّ وَأَنعمني عَسْكَرَهُمْ. فَلَمَّا هَزَمَ اللّه المُشْرِكِينَ وَجُمِعَتْ غَنَائِمُهُمْ قَامَ رَجُلٌ مِنَ الأنصار فقال : يَارَسُولَ اللّه إِنَّكَ أَمرتنا بقتالِ المُشْرِكِينَ وَحَيْتَنَا عَلَيْهِ وَقُلْت : مَنْ أَسَرَ أسيراً فَلَهُ كَذَا وَكَذَا مِنْ غَنَائِمِ الْقَوْمِ. وَمَنْ قَتَلَ قَتِيلاً فَلَهُ كَذا وكذا. إِنِّي قَتَلْتُ قَتِيلَيْن ِ - لي بذلك البَيِّنَةُ - وَأَسَرْتُ أسيراً فَأَعطناما أوجبتَ عَلَى نَفْسِكَ يَارَسُولَ اللّه، ثمَّ جَلَسَ. فقامَ سَعدُ بنُ عبادة (1) فقالَ : يَارَسُولَ اللّه مَا مَنَعَنا أن نُصِيبَ مِثْلَ مَا أَصَابُوا جُبْنُ عَنِ العدو ولازهادَةً في الآخِرَةِ والمغنم (2). ولكنا تَخَوفْنَا أَنْ بَعْدَ مَكَانُنَا مِنْكَ فَيَميلَ إِلَيْكَ مِنْ جُنْدِ المُشْرِكِينَ، أَوْ يُصِيبُوا مِنْكَ ضَيْعَةٌ (3) فَيَمِيلُوا إِلَيْكَ فَيُصِيبُوكَ بِمُصِيبَةٍ. وَإِنَّكَ إنْ تَعْطِ هؤلاءِ القَوْمَ ما طَلَبوا يَرْجِعُ سَائِرَ المُسْلِمِينَ لَيْسَ لَهُمْ مِنَ الغَنِيمَةِ ثمَّ جَلَسَ. فقام الأنصارِي فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ الأولى، ثمَّ جَلَسَ يَقُولُ ذلِكَ كلّ وَاحِدٍ. منهما ثلاثَ مَرَّاتٍ : فَصَدَّ النَّبِيُّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بِوَجْهِهِ فَانزَلَ اللّه عَزَّ وَجَلَّ «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال (4)». وَالأنفال اسم جامع لما أصابوا يَوْمَئِدَ مِثْلَ قَوْلِهِ : «مَا أَفَاءَ اللّه عَلَى
ص: 340
رَسُولِهِ (1)، وَمِثْلَ قَوْلِهِ : «وَمَا غَنِمْتُم مِن شَيْءٍ (2)»، ثمَّ قَالَ : «قُلِ الأَنْفَالُ للّه وَالرَّسُولِ» (3) فَاخْتَلَجِهَا اللّه (4) مِنْ أَيْدِيهِم فَجَعَلَهَا للّه وَلِرَسُولِهِ ثمَّ قَالَ : «فَاتَّقُوا اللّه وأَصْلِحُوا ذات بينكم وأطيعوا اللّه وَرَسولَه إِن كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (5)»، فَلَمَّا قَدِمَ رَسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) المدينة أنزَلَ اللّه عليه : «وَاعْلَمُوا أَنَّ مَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للّه خُمُسَه وَلِلرَّسولِ وَلِذِي الْقُربى واليتامى والمساكين وابن السبيلِ إِن كُنتُم آمَنتُم باللّه وما أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الفرقان يَوْمَ الْتَقَى الجَمْعَانِ (6)». فأما قوله : «للّه»، فَكَما يَقُولُ الإِنْسانُ: هَوَلِهِ وَلَكَ وَلا يَقسَمُ للّهِ، شَيْءٍ فَخَمْسَ رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) الغَنِيمَةَ الّتي قَبَضَ بِخَمْسَةِ أسهم. فَقَبَضَ سَهُم اللّه لنَفْسِهِ يُحْيِي بِهِ ذِكرَهُ وَيُورَثُ بَعْدَهُ. وَسَهُما لِقَرابَتِهِ مِنْ بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَأَنْفَذَ سَهْماً لأيتام المسلمين و سهماً لِمَسَاكِينِهِمْ. وَسَهماً لابنِ السَّبِيلِ مِنَ المُسلِمِينَ فِي غَيْرِ تِجَارَةٍ، فَهذا يَوْمَ بَدْرٍ، وَهَذا سَبيلُ الغَنَائِمِ الّتي أُخِذَتْ بالسيف.
وأما مالَمْ يُوجَفَ عَلَيْهِ بِخَيلٍ وَلا رِكاب (7). فَإِنْ كَانَ المُهَاجِرُونَ حِينَ قَدِمُوا المدينة أعطَتْهُمُ الأنصارُ نِصْفَ دُورِهِم وَنَصَفَ أَمْوَالِهِم. وَالمُهَاجِرُونَ يَوْمَئِذٍ نَحْوُمِائَةِ رَجُلٍ فَلَمَّا ظَهَرَ رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : على بني قريظة والنضير (8) وقبض أموالهم قال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)
ص: 341
للأنصارِ : إِن شئتُم أَخَرَجْتُمُ المهاجرينَ مِن دورِكُمْ وَأَمْوالِكُمْ وَقَسَمْتُ لَهُم هذه الأموال دونَكُمْ. وَإِنْ شئتُم تَرَكْتُم أموالكم ودورَكُمْ وَقَسَمْتُ لَكُم معهم. قالَتِ الأنصار : بَلْ اقْسِم لَهُم دُونَنا وَاتْرُكُهُم مَعَنا في دورِنا وَأَمْوالِنا فَأَنزَلَ اللّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : «ما أفاء اللّه عَلَى رَسُولِهِ مِنْهم - يعني يهود قريظة - فما أو جَفتم عليهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ (1)»، لأَنَّهُمْ كانُوا مَعَهُمْ بِالمَدِينَةِ أقْرَبَ مِنْ أنْ يُوجَفَ عَلَيْهِم بِخَيلٍ وَرِكاب. ثمَّ قَالَ : «لِلْفُقَرَاءِ المهاجرينَ الّذين أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ أَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللّه وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللّه وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (2)». فَجَعَلَهَا اللّه لِمَنْ هَاجَرَ مِنْ قُرَيْشٍ مَعَ النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وَصَدَقَ. وأخرج أيضاً عَنْهُمُ المهاجرين مَعَ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) مِنَ العَرَبِ
ص: 342
لقوله : «الّذين أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ»، لِأَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَأْخُذُ دِيَارَ مَنْ هَاجَرَ مِنْها وَأمْوالَهُمْ وَلَمْ تَكنِ العَرَبِ تَفْعَلُ ذلِكَ بِمَن هَاجَرَ مِنْهَا، ثمَّ أثنى عَلَى الْمُهَاجِرِينَ الّذين جَعَلَ لَهُمُ الخُمْسَ وَبَرَّاهُمْ مِنَ النِّفاقِ بِتَصْدِيقِهِم إِيسَاهُ حِينَ قَالَ : «فَاولئكَ هُمُ الصَّادِقُونَ»، لا الكاذِبُونَ، ثمَّ أَثْنى عَلَى الأنصارِ وَذَكَرَ مَا صَنَعُوا وَحُبَّهُمْ لِلمُهاجِرِينَ وإينارَهُمْ إيَّاهُمْ وَأَنهم لم يَجِدُوا في أنفسهم حاجة - يَقُولُ : حَزازةً (1) - ممَّا أُوتُوا. يَعْنِي المهاجرين دونهم فأحْسَنَ السَّناءَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ : (وَالّذين تَبوءَّوا الدَّارَ وَ الإيمانَ مِنْ قَبْلِهِم يُحِبّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ في صُدورِهِمْ حَاجَةً ممَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بهم خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ (2)» وَقَدْ كَانَ رِجال اتَّبَعُوا النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قدوَتَرَهُمُ المُسْلِمُونَ (3) فيما أخَذُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، فَكَانَتْ قُلُوبُهُمْ قَدِ امْتَلَاتْ عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا حَسُنَ إِسْلامُهُمْ اسْتَغْفَرُوا لِأَنْفُسِهِمْ ممَّا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ. وَسَألوا اللّه أنْ يَذْهِبَ بِما في قلوبِهِمْ مِنَ الغِلَّ لِمَنْ سَبَقَهم إلى الإيمانِ. واستغفروا لهم حتّى يحلّل ما في قلوبهم وصاروا إخواناً لَهُم. فأننى اللّه عَلَى الّذين قَالُوا ذلِكَ خَاصَّةً فَقَالَ : «وَالّذين جاؤا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ ربَّنا اغْفِرْ لَنَا وَلاخَوانِنَا الّذين سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبنا غِلا اللَّذينَ آمَنُوا ربَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (4)»، فَأَعْطَى رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) المُهَاجِرِينَ عامة مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِم فيما يرى ؛ لأنها لم تخمس فَتَقَسَمُ بِالسَّوِيَّةِ. وَلَمْ يُعْطِ أحداً منهم شيئا إلا المهاجرين من قريش غيرَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَنصَارٍ يُقَالُ لِأَحَدِهِما : سَهْلُ بنُ حُنَيْفٍ (5)
ص: 343
وللآخر سماكُ بْنُ خَرَشَةَ - أبودُجَانَةَ (1) - فَإِنَّهُ أَعَطَاهُمَا لِشِدَّةِ حَاجَةٍ كَانَتْ بِهِمَا مِنْ
ص: 344
حقّه. وأمسك النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) من أموال بني قريظة وَالنَّضِيرِ مَالَم يُوجِفٌ عَلَيْهِ خَيْلٌ وَلَا ركاب سَبْعَ حَوائِطَ لِنَفْسِهِ لأنه لم يُوجِفٌ عَلَى فَدَكَ(1) خَيْلٌ أَيضاً ولارِ كَابٌ.
وَأَما خَيْبَر (2) فإنها كانَتْ مَسِيرةَ ثلاثةِ أيامٍ مِنَ المَدِينَةِ وَهِيَ أَمْوالُ الْيَهُودِ
ص: 345
وَلكِنَّهُ أوْجَفَ عليها خيل وركاب وكانَتْ فيها حَرْبٌ. فقسمها على قسمة بدرٍ، فَقَالَ اللّه عَزَّ وَجَلَّ: «ما أفاء اللّه عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ لِذِي القُربى واليتامى والمساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيلا يكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغْنِياءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا (1)» فَهذا سَبِيلُ مَا أَفاءَ اللّه عَلَى رَسُولِهِ ممَّا أَوْجَفَ عَلَيْهِ خَيْلٌ وَرِكابٌ.
ص: 346
وَقَدْ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أبي طالِب صَلَواتُ اللّه عَلَيْهِ : مَازِلْنَا نَقْبِضُ سَهْمَنا بهذِهِ الآيَةِ الّتي أولها تعليم وَ آخِرُها تَحَرَّجُ (1) حتّى جَاءَ خَمْسُ السَّوسِ وجُنْدِي سابُورَ (2) إِلَى عُمَرَ وَأَنَا والمسلمون والعباس عِندَهُ، فَقالَ عُمر لَنَا : إِنَّهُ قَد تَنا بَعَتْ لَكُمْ مِنَ الخَمْسِ أمْوالُ فَقَبَضَتُموها حتّى لا حاجة بِكُمُ اليَوْمَ وَ بِالمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ وَخَلَلُ (3)، فَأَسْلِمُونَا حَقَكُمْ مِنْ هَذَا المَالِ حتّى يَأْتِيَ اللّه بِقَضائِهِ مِنْ أُولِ شَيءٍ يَأْتي المُسلِمِينَ. فَكَفَفَتُ عَنْهُ لِأَنِّي لَمْ آمَنْ حِينَ جَعَلَهُ سَلَفاً لو الْحَحْنا عَلَيْهِ فِيهِ أَنْ يَقُولَ فِي خُمْسِنَا مِثْلَ قَوْلِهِ فِي أَعْظَمَ مِنْهُ أعْنِي مِيرات نبينا حين الحَحْنا عَلَيْهِ فِيهِ. فَقَالَ لَهُ العباسُ : لا تَغْمَزُ (4) في الّذي لَنَا يا عُمَرَ، فَإِنَّ اللّه قد أَثبَتَهُ لَنا بأثبت ممَّا أثبت به المواريث بيننا. فقالَ عُمَرُ : وَأَنتُمْ أَحَقُّ مَنْ أَرفَقَ المسلمينَ، وَشَفَّعَنِي، فَقَبَضَهُ عُمَرُ ثمَّ قَالَ : لا واللّه ما آتِيهِمْ مَا يَقِبضُنَا (5) حتّى لَحِقَ باللّه، ثمَّ ما قدَدْنَا عَلَيْهِ بَعْدَهُ، ثمَّ قَالَ عَلِي (عَلَيهِ السَّلَامُ): إِنَّ اللّه حَرَّمَ عَلَى رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) الصَّدَقَةَ فَعَوَّضَهُ مِنْهَا سَهُمَا مِنَ الخُمْسِ. وَحَرَّمَهَا عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ خَاصَّة دونَ قَوْمِهِمْ.
ص: 347
وأَسهَمَ لصغيرهم وذَكَرِهِمْ وَأَتَاهُ وَأَنثَاهُم وفَقِيرهِم وَشَاهِدِهِمْ وَغائِبهِمْ وَلأنهم إنَّما أعطوا سهمهم وَلأنهم قرابة نبيهم وَالَّتي لا تزولُ عَنْهُم. الحَمْدُ للّه الّذي جَعَلَهُ مِنا وَجَعَلَنَا مِنْهُ، فَلَمْ يُعْطِ رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أَحَداً مِنَ الخُمْسِ غَيرنَا وَغَيْرَ خُلَفَاتِنَا وَمَوالينا، وَلأنّهم مِنا وأعطى مِنْ سَهمِهُ ناساً لِحُرُمٍ كانتْ بَينَهُ وَبَيْنَهُمْ مَعُونَةٌ فِي الّذي كَانَ بَيْنَهُم فَقَدْ أعْلَمْتُكَ ما أوضَحَ اللّه مِنْ سَبِيلِ هذه الأنفال الأربَعَةِ وَمَا وَعَدَ مِنْ أَمْرِه فِيهِمْ وَنُور بشفاء من البَيانِ وَضِياءٍ مِنَ البُرْهانِ، جاءَ بِهِ الوَحْيُ المنزلُ وعَمِلَ بِهِ النَّبِيُّ المُرس النبي المرسل (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ). فَمَنْ حَرَّفَ كَلامَ اللّه أَوْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ وَعَقَلَهُ فَانّما إثْمُهُ عَلَيْهِ واللّه حجيجه فيه. (1) وَالسَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللّه وَبَرَكاتُهُ.
(يَنْهَوْنَ عَنْهُ مِنْ طَلَبِ الرِّزْقِ)
دَخَلَ سُفيانُ النُّورِيُّ عَلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فَرَأَى عَلَيْهِ ثِياباً بِيضاً كَأَنَّهَا غِرْقِى البياض (2) فقالَ لَهُ: إِنَّ هذا ليس من لباسكَ، فَقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لَه : اسمع مني وع ما أقول لَكَ فَإِنَّهُ خَيْرٌ لَكَ عَاجِلا واجِلاً إِن كُنتَ أنتَ مِتَّ عَلَى السُّنَّةِ وَ الحقّ وَلَمْ تَمُتْ عَلَى بدعة. أخبرك أنَّ رَسُولَ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كان في زمانٍ مُقْفِرٍ جَشِب (3) فَإِذَا أَقْبَلَتِ الدُّنيا فَأَحَق أَهْلِها بِها أبرارها لأفجارها. وَ مُؤْمِنُوها لا مُنَافِقُوهَا وَمُسْلِمُوها لا كُفَّارها. فَما أنكرت يا ثورِيُّ، فَوَاللّه - إِنِّي لَمَعَ ما ترى - ما أَتَى عَلَيَّ مذْ عَقَلَتْ صَبَاحٌ وَلَا مَسَاءً وَلِلَّهِ في مالي حَقٌّ أَمَرَنِي أَنْ أَضَعَهُ مَوْضِعاً إِلَّا وَضَعْتُهُ.
فَقَالَ : ثمَّ أَتَاهُ قَوْمُ ممَّن يُظْهِرُ التَزَهُد (4) وَ يَدْعُونَ النَّاس أَنْ يَكُونُوا مَعَهُمْ عَلَى
ص: 348
مثل الّذي هُم عَلَيْهِ مِنَ التَّقَشُّفِ (1) فَقَالُوا : إِنَّ صَاحِبَنَا حَصَرَ عَن كَلامِكَ (2) وَلَم تَحْضَرَهُ حجة فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) لهم : ها تواحُجَجَكُمْ فَقَالُوا : إِنْ حُجَجَنَا مِنْ كِتَابِ اللّه. قَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لَهُم : فَأَدْلُوا بها (3) فَإِنَّهَا أَحَقُّ مَا اتَّبَعَ وَعُمِلَ بِهِ. فَقَالُوا : يَقُولُ اللّه تَبَارَكَ وَ تَعَالَى مُخبراً عَنْ قَوْمِ مِنْ أَصْحَاب النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): ويؤثرون على أنفسهم ولو كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُح نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ المفلِحُونَ (4)»، فَمَدَحَ فِعَلَهُمْ. وَقال في مَوضِع، فَمَدَحَ فِعلهم. وقال في موضع آخَرَ : «وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَ أَسِيراً» (5)، فَنَحْنُ نَكْتَفِي بِهَذا فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الجُلَسَاءِ: إِنَّا مَا رَأَيْنَاكُمْ تَرْهَدُونَ فِي الأَطْعِمَةِ الطَّيِّبَةِ وَمَعَ ذَلِكَ تَأْمُرُونَ النَّاس بِالخُرُوجِ مِنْ أموالهم حتّى تَتَمَتَّعُوا أنتم بها. فَقَالَ أَبُو عَبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): دعوا عَنكُمْ مَا لَا يُنتَفَعُ بِهِ، أخبروني أيُّها النَّفَرُ ألكُم عِلم بِناسِخ القُرْآنِ مِنْ مَنسُوخِه. ومُحْكَمِهِ مِنْ مُتَشَابِه الّذي فِي مِثْلِهِ ضَلَّ مَنْ ضَلَّ وَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَقَالُوا لَهُ : بَعْضَهُ، فَأَمَّا كله فَلَا فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لَهُمْ : مِنْ هَهُمَا أُوتِيتُمْ (6) وَكَذَلِكَ أَحَادِيثُ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وأما ما ذَكَرْتُمْ مِنْ إِخبارِ اللّه إِيَّانا في كِتَابِهِ عَنِ القَوْمِ الّذين أَخبر عَنهُم لِحُسْنِ فِعالِهِم فَقَدْ كانَ مباحاً جائزاً وَلَمْ يَكُونُوا نُهُوا عَنْهُ وَثَوابَهُمْ مِنْهُ عَلَى اللّه وَذَلِكَ أَنَّ اللّه جَلَّ وَ تَقَدَّسَ أَمَرَ بِخِلافِ مَا عَمِلُوا بِهِ فَصَارَ أَمْرُهُ نَاسِخاً لِفِعْلِهِمْ. وَكانَ نَهى تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَحْمَةً لِمَؤْمِنِينَ (7) وَنَظَراً لِكَيْلا يَضُرُّ وا بأنفسهم وَعِيالاتهم، مِنْهُمُ الضَّعَفَةُ الصَّغَارُ وَالوِلْدَانُ وَالشَّيْخ الفَانِ والعجوز الكَبِيرَةُ الّذين لا يصبرونَ عَلَى الجُوعِ، فَإِنْ تَصَدَّقَتُ بِرَعْينِي وَلَا رَغِيفَ لِي
ص: 349
غَيْرُهُ ضَاعُوا وَ هَلَكُوا جوعاً فَمِنْ ثمَّ قَالَ رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): خَمْسُ تَمرَاتٍ أَو خَمْسُ قَرَصٍ أوْدَنانِيرَ، أَوْ دَرَاهِمَ يَمْلِكُها الإنسانُ وَهُوَ يُرِيدُ أنْ يُمْضِيهَا فَا فَضَلُها مَا أَنْفَقَهُ الإِنسانُ عَلَى والِدَيْهِ ثمَّ الثَّانية عَلَى نَفْسِهِ وعِيالِهِ، ثمَّ الثَّالِثَةُ عَلَى القَرابَةِ وَإِخْوَانِهِ الْمُؤْمِنِينَ (1) الرَّابعة على جيرانِهِ الْفُقَرَاءِ، ثمَّ الخامِسَةُ فِي سَبِيلِ اللّه وَهُوَ أَخَسها أجراً. وقالَ النَّبِي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) للانَصَارِيِّ - حَيْثُ أَعْتَقَ عِندَ مَوْتِهِ خَمْسَةَ أُوسِتَةَ مِنَ الرَّقِيقِ (2) وَلَمْ يَكُن يَمْلِكُ غَيْرَهُمْ وَلَهُ أولاد صغار - : «لَو أَعْلَمْتُمُونِي أمْرَهُ ما تَرَكْتُكُمْ تَدْفَنُونَهُ مَعَ المُسْلِمِينَ. تَرَكَ صَبيَّةً صغاراً (3) يَتَكَفَّفُونَ النَّاس ثمَّ قَالَ : حَدّثَنَي أبي أَنَّ النَّبِي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قَالَ : إِبْدَأَ بِمَنْ تَقُولُ الأدنى فالأدنى.
ثمَّ هذا ما نطق بِهِ الكِتابُ رَداً لِقولِكُمْ وَنَهيَ عَنْهُ مَفْرُوضُ مِنَ اللّه العَزِيزِ الْحَكِيمِ قالَ : «الّذين إِذا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقترُوا وَكَانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً (4)»، أَفَلَا تَرَونَ أَنَّ اللّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَيَّرَ ما أَراكُمْ تَدْعُونَ إِلَيْهِ وَالمُسْرِفِينَ (5) وَفِي غَيْرِ آيَةٍ مِنْ كِتابِ اللّه يَقُولُ: «إنَّهُ لا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ (6) فَنَهَاهُمْ عَنِ الإِسْرَافِ وَنَهَاهُم عَنِ التَقْدِيرِ لَكِنْ أَمْرَ بَينَ أَمْرَيْنِ لا يَعْطِي جميع ما عِنْدَهُ ثمَّ يَدَعُو اللّه أن يَرْزَقَهُ فَلا يَسْتَجِيبَ لَهُ لِلْحَدِيثِ الّذي جَاءَ عَن النَّبى (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «أنَّ أصنافاً مِنْ أُمَّتِي لا يُسْتَجابُ لَهُمْ دُعاؤهم : رَجُلٌ يَدْعُو عَلَى وَالِدَيْهِ وَرَجُل يَدْعُو عَلَى غَرِيم (7) ذَهَبَ لَهُ بِمَالٍ وَلَمْ يَشْهِدْ عَلَيْهِ. وَ رَجُلٌ يَدْعُو عَلَى امْرَأَتِهِ وَ قَدْ جَعَلَ اللّه
ص: 350
تخلية سَبيلِها بِيَدِهِ. وَرَجُلٌ يَقْعُدُ في البَيتِ وَيَقُولُ : يَارَبِّ ارْزُقْنِي وَلَا يَخْرُجُ يَطْلُبُ الرِّزْقَ فيقول اللّه جَلَّ وَعَزَ : عَبْدِي : أولم أجعَلْ لَكَ السَّبِيلَ إِلَى الطَّلَبِ وَالضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ بجوارح صَحِيحَةٍ فَتَكُونَ قَدْ أَعْذَرْتَ فيما بيني وبينكَ فِي الطَّلَبِ لا تُبَاعِ أَمْرِى وَلِكَيْلا تَكُونَ كَلَّا عَلَى أَهْلِكَ فَإِنْ شِشْتُ رَزَقْتُكَ وَإِن سنت قَتَرْتُ عَلَيْكَ وَأَنْتَ مَعْدُورٌ عِندي (1) وَرَجُلٌ رَزَقَهُ اللّه مَالاً كَثِيراً فَأَنفَقَهُ ثمَّ أَقْبَلَ يَدْعُو يارب ارزقني، فَيَقُولُ اللّه : أَلَمْ ارْزُقَكَ رِزْق واسعاً، أفلا اقتصدت (2) فِيهِ كَمَا أَمَرْتُكَ وَلَمْ تُسْرِف وقد نهينكَ، وَرَجُلٌ يَدْعُو فِي قَطِيعَةِ رَحِم».
ثمَّ عَلَمَ اللّه نَبِيهُ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كَيْفَ يُنْفِقُ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَتْ عِندَهُ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أوقيّةٌ مِنْ ذَهَب (3) فَكَرِهَ أن تبيتَ عِنْدَهُ شَيْءٍ فَتَصَدَّقَ وَأَصْبَحَ لَيْسَ عِندَهُ شَيْءٌ. وَ جَاءَهُ مَنْ يَسْأَلُهُ فَلَمْ يَكُن عِنْدَهُ ما يُعْطِيهِ فَلامَهُ السَّائِلُ وَاغْتَمَّ هُوَ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) حَيْثُ لَمْ يَكُنْ عِندَهُ مَا يُعْطِيهِ وَكَانَ رَحِيماً رفيقاً فأدب اللّه نبيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بأمره إيّاه فَقالَ: «وَلا تَجْعَل يَدَكَ مَغلُولَةً إلى عنقك ولا تَبْسُطُها كلّ البَسْطِ فَتَقَعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (4)»، يَقُولُ : إِنَّ النَّاس قَدْ يَسْأَلُونَكَ يعذِرُونَكَ، فَإذا أَعْطَيْتَ جميعَ مَا عِندَكَ كُنتَ قَدْ خَسِرَت مِنَ المالِ. فَهَذِهِ أحاديث رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يصدقها الكتاب و الكِتابُ يُصَدِّقَهُ أهْلُهُ مِنَ المُؤْمِنِينَ.
وقال أبو بكر عِندَ مَوْتِهِ حَيْثُ قيلَ لَهُ : أوصفَقالَ : أُوصِي بِالخَمْسِ وَالخُمْسُ كَثِيرٌ فَإِنَّ اللّه قَدْ رَضِيَ بِالخُمْسِ فَأَوْصَى بِالخُمْسِ وَقَدْ جَعَلَ اللّه عَزَّ وَجَلَّ لَهُ الثلتَ عِندَ مَوْتِهِ ولَوْ عَلِمَ أَنَّ التَّلتَ خَيْرٌ لَهُ أوصى به.
ثمَّ من قَدْ عَلِمْتُم بَعدَهُ في فَضْلِهِ وزُهَدِهِ سَلْمَانَ وَأَبُوذَر رَضِيَ اللّه عَنْهُمَا فَأَمَّا سَلَمَانُ اللّه عَنْهُ فَكَانَ إِذا أَخَذَ عَطَاءَهُ رَفَعَ مِنْهُ قُوتَهُ لِسَنَتِهِ حتّى يَحْضُرَهُ عَطاؤهُ مِنْ قَابِلَ. فَقِيلَ لَهُ: يا أبا عبداللّه أنتَ في زُهْدِكَ تَصْنَعُ هذا وَإنَّكَ لا تَدْرِي لَعَلَّكَ تَمُوتُ اليومَ أو غداً. فَكَانَ جَوابُهُ أنْ قالَ : مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِيَ البَقَاءَ كَما خِفْتُم عَلَيَّ الغناء. أوَما عَلِمْتُم
ص: 351
يا جَهَلَهُ أنَّ النَّفْسَ تَلْتاتُ عَلى صاحبها (1) إذا لم يكن لها من العيش ما تعتمدُ عَلَيهِ، فَإذا هِيَ أَحْرَزَتْ مَعِيشَتَهَا اطْمَانَتْ فَأما أبودَر رَضِيَ اللّه عَنْهُ فَكَانَتْ لَهُ نُوَيقَاتُ وَشُوَيْهَاتٌ يَحْلِبُها (2) وَيَذبَحْ مِنْها إِذَا اشْتَهَى أَهْلُهُ اللَّحْمَ، أَوْ نَزَلَ بِهِ ضَيْفَ أَورَأَى بِأَهْلِ المَاءِ الّذين هُمْ مَعَهُ خَصَاصَةٌ نَحْرَ لَهُمُ الجَزورَ، أَوْ مِنَ الشَّيَاءِ عَلَى قَدْرِ ما يُذْهِبُ عَنْهُمْ قَرَمَ اللَّحم (3) فيقسمه بينهم وَيَأْخُذْ كَنَصِيبِ أَحَدِهِم لا يفضل عَلَيهِم. وَمَنْ أَزْهَدُ مِنْ هَوْلاءِ، وَقَدْ قَالَ فِيهِمْ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ما قال ولَم يبلغ مِن أمْرِهِما أن صارا لَا يَمْلِكانِ شَيْئًا البَيَّةَ كَمَا تَأْمُرُونَ النَّاس بإلقاء أمتعتهم وَشَيْئهِمْ وَيُؤْثِرُونَ بِهِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعِيَالَاتِهِمْ.
وَاعْلَمُوا أيُّها النَّفَرُ أَنِّي سَمِعْتُ أبي يروي عَنْ آبائِهِ (عَلَيهِم السَّلَامُ) أَنَّ رَسُولَ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال يوماً : «ما عَجِبْتُ مِنْ شَيْءٍ كَعَجَبِي مِنَ الْمُؤْمِنِ أَنَّهُ إِنْ قُرِضَ جَسَدُهُ فِي دَارِ الدُّنيا بِالمَقَارِيضِ كانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ مَلَكَ ما بَيْنَ مَشارِقِ الأَرْضِ وَمَغارِبِها كَانَ خَيْرًا لَهُ، فَكُلُّ ما يَصْنَعُ اللّه عَزَّ وَجَلَّ بِهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ»، فَلَيتَ شِعْرِي هَلْ يَحِيقُ فِيكُمُ اليوم (4) مَا قَدْ شَرَحْتُ لَكُمْ أَمْ أزِيدُكُمْ. أَوَمَا عَلِمْتُمْ أَنَّ اللّه جَلَّ اسْمُهُ قَدْ فَرَضَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي أَوَّلِ الأَمْرِ أَنْ يُقَاتِلَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ عَشَرَةً مِنَ المُشْرِكِينَ لَيْسَ لَهُ أن يُوَليَ وَجْهَهُ عَنْهُمْ وَمَن وَلاهُم يَومَئِذٍ دُبُرَهُ فقد تبوَّأ مقعدهُ مِنَ النَّارِ ثُمَّ حَوَّلَهُمْ مِنْ حَالِهِمْ رَحْمَةٌ مِنْهُ فَصَارَ الرَّجُلُ مِنْهُم عَلَيْهِ أَنْ يُقَاتِلَ رَجُلَيْنِ مِنَ المُشْرِكِينَ تَخْفِيفاً مِنَ اللّه عَزَّ وَجَلَّ عَنِ المُؤْمِنِينَ (5)، فَنَسَخَ الرَّجُلانِ العَشَرَةَ.
وَأَخبروني أيضاً عَنِ القُضاةِ أَجُورٌ مِنْهُمْ حَيْثُ يَفْرُضُونَ عَلَى الرَّجُلِ مِنكُم نَفَقَةَ امْرَأَتِه إِذا قالَ : أَنَا زَاهِدُ وَإِنَّهُ لا شَيْءٍ لِي فَإِنْ قُلْتُمْ : جَوْرٌ ظَلَمْتُمْ أَهْلَ الإِسْلامِ وَ إِنْ
ص: 352
قُلْتُمْ : بَلْ عَدْلٌ خَصَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ. وَحَيْثُ تُرِيدُونَ صَدَقَةٌ (1) مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى الْمَسَاكِينِ عِندَ المَوتِ بأكثرَ مِنَ المُلْكِ ؟ أخبِرُونِي لَوْ كَانَ النَّاس كُلُّهُمْ كَمَا تُرِيدُونَ زُهَاداً لا حَاجَةَ لَهُمْ فِي مَتاع غَيْرِهِمْ، فَعَلى مَنْ كَانَ يَتَصَدَّقَ بِكَفارَاتِ الأيْمَانِ وَالنُّذُورِ وَالصَّدَقَاتِ مِنْ فَرْضِ الزَّكَاةِ مِنَ الإِبِلِ وَالغَنَمِ وَالبَقَرِ وَغَيرِ ذلِكَ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالنَّخْلِ وَالرَّبِيبِ وَسائِرِ ما قَدْ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكاةُ ؟ إذا كانَ الأمْرُ عَلى ما تَقُولُونَ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَحْبِسَ شَيْئاً مِنْ عَرَضِ الدُّنيا إِلَّا قَدَّمَهُ وَإِنْ كَانَ بِهِ خَصَاصَةٌ فَبَشِّسَ مَا ذَهَبْتُمْ إِلَيْهِ فَيسَ ما ذَهَبْتُم إِلَيْهِ (2) وَحَمَلَتُم النَّاس عَلَيْهِ مِنَ الجَهْلِ بِكِتابِ اللّه عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةِ نَبيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وأحادِيثِهِ الّتي يُصَدَّ قُهَا الكتاب المنزل، أوردكم إياها بِجَهَالَتِكُم وَتَرِيكُمُ النَّظَرَ فِي غَرَائِبِ القُرْآنِ مِنَ النَّفْسِيرِ بالناسخ من المنسوخ وَالْمُحْكَمِ وَالمُتَشَابِهِ وَالأَمْرِ وَالنَّهَي.
وأخبروني أنتُمْ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ داودَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) حَيْثُ سَأَلَ اللّه مُلْكا لا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِه فَأَعْطَاهُ اللّه جَلَّ اسْمُهُ ذَلِكَ، وَكَانَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يَقُولُ الحقّ وَيَعْمَلُ بِهِ ثمَّ لَمْ نَجِدِ اللّه عَابَ ذلِكَ عَلَيْهِ وَلَا أَحَداً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. وَداودَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) قَبْلَهُ فِي مُلْكِهِ وَ شِدَّةٍ سُلْطَانِهِ ثمَّ يُوسُفَ النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) حَيثُ قَالَ مَلِكِ مِصْرَ : «اجْعَلْنِي عَلَى خَزائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٍ (3)» فكانَ أَمْرُهُ الّذي كان اختار مملكة المَلِكِ وَمَا حَولَها إِلَى اليَمَنِ فَكَانُوا يَمْتَارُونَ الطَّعَامَ (4) مِنْ عِنْدِهِ لِمَجَاعَةِ أصابتهم، و كان (عَلَيهِ السَّلَامُ) يَقُوزُ الحقّ وَيَعْمَلُ بِهِ فَلَمْ نَجِدْ أَحَداً عَابَ ذَلِكَ عَلَيْهِ. ثمَّ ذو القَرْنَيْنِ عَبْدُ أَحَبَّ اللّه فَأَحَبَّهُ، طَوى لَهُ الأَسْبَابَ وَمَلَكَهُ مَشارِقَ الأَرْضِ وَ مغاربها وكانَ يَقولُ بالحَقِّ وَيَعْمَلْ بِهِ ثمَّ لَمْ نَجِد أحداً عَابَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَتَأَدَّبُوا أيُّها النَّفَرُ بِآدابِ اللّه عَزَّ وَجَلَّ لِلْمُؤْمِنِينَ وَاقْتَصِرُوا عَلَى أَمْرِ اللّه وَنَهْيِهِ وَدَعُوا عَنْكُمْ مَا اسْتَبَهُ عَلَيْكُمْ يما لا عِلْمَ لَكُمْ بِهِ وَرُدُّوا العِلْمَ إلى أهْلِهِ تُوجَرُوا وَتُعذَرُوا عِنْدَ اللّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَ كُونُوا في طَلب عِلْمِ النّاسخ مِنَ الْقُرْآنِ مِنْ مَنْسُوخِهِ وَمُحْكَمِهِ مِنْ مُتَشَابِهِ وَمَا أَحَلَّ
ص: 353
اللّه فِيهِ ممَّا حَرَّمَ، فَإِنَّهُ أَقْرَبُ لَكُم مِنَ اللّه وَابْعَدُ لَكُمْ مِنَ الجَهْلِ. وَدَعُوا الجَهالَةِ لِأَهْلِهَا، فَإِنَّ أَهْلَ الجَهْلِ كَثِيرٌ وَأَهْلُ العِلْمِ قَلِيلٌ وَقَد قالَ اللّه: «وَفَوقَ كلّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ» (1).
قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): عرفان المَرْءِ نَفْسَهُ أن يعرفها بأربع طبايع و أربع دعائم وأربعة أركان فطبايعه : الدَّمُ وَالمِرّةُ وَالرِّيحُ وَالبَلْغَمُ (2) وَدَعائمة : العَقْلِ وَمِنَ العَقلِ القَهُم وَالحِفْظُ وَأَرْكَانُهُ النُّورُ والنَّارُ وَالرُّوحُ وَالمَاءُ. وَصُوَرَتُهُ طِينَتُهُ. فَأَبْصَرَ بِالنُّورِ وَأَكَلَ وَشَرِبَ بالشار وجامَعَ وَتَحَرَّكَ بِالرُّوحِ. وَوَجَدَ طَعم الذوقِ وَالطَّعَامِ بِالمَاءِ فَهَذَا تَأْسِيسُ صُوَرَتِهِ. فَإذا كان تأييدُ عَقلِهِ مِنَ النُّورِ كان عالماً حافظاً ذكياً فَطِناً فَهِما وَعَرَفَ فِيمَا هُوَ وَ مِنْ أيْنَ يَأْتِيهِ وَلِأَيِّ شَيْءٍ هُوَ هُهنا وإلى مَا هُوَ صَائِرٌ، باخلاصِ الوَحَدَانِيَّةِ وَالإِقْرَارِ بِالطَّاعَةِ وَقَد تَجْرِي فِيهِ النَّفْسُ وَهِيَ حارَةٌ وَتَجْرِي فِيهِ وَهِي بارِدَةُ، فَإِذَا حَلَّتْ بِهِ الحَرَارَةُ أَشرَ وَبَطِرَ وَارْتاحَ (3) وَقَتَلَ وَسَرَقَ و وسرق وبهج وَاسْتَبْشَرَ وَفَجر وزنا وَ بَذِحَ. وَإِذا كَانَتْ بَارِدَةً اهْتَمَّ وَحَزِنَ وَاسْتَكانَ وَذَبَلَ (4) وَنَسِي، فَهِيَ العَوارِضُ الّتي تكُونُ مِنْهَا الأَسْقَامُ وَلا يَكُونُ أَوَّلُ ذلِكَ إلَّا بِخَطِيئَةِ عَمِلها فَيُوافِقُ ذَلِكَ مِنْ مَأْكَلٍ أَوْ مَشْرَب في حَدِّ ساعاتٍ لا تَكُونُ تِلكَ السَّاعَةُ مُوافِقَةٌ لِذلِكَ المَأكُلِ وَالمَشْرِبِ بِحالِ الخَطِيئَةِ فَيَسْتَوْجِبُ الأَلَمَ مِنْ أَلْوَانِ الأَسْقَامِ.
ثمَّ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد ذلك بكلام آخر: إنَّما صار الإنسانُ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ ويَعْمَلُ بِالنّارِ وَيَسْمَعُ وَيَهُم بِالرّيحِ وَيَجِدُ لَذَّة الطَّعامِ وَالشَّرابِ بِالمَاءِ وَيَتَحَرَّكُ بِالرُّوحِ فَلَوْلَا أَنَّ النَّارَ في مِعْدَتِهِ لَمَا هَضَمَتِ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ فِي جَوْفِهِ. وَلَوْلَا الرّيحُ مَا التَهَبَتْ نار المعدة ولا
ص: 354
خَرَجَ الثّفْلُ مِنْ بَطْنِه (1) وَلَوْلا الرُّوحُ لا جَاءَ وَلا ذَهَبَ. وَلَوْلا بَرَدُ الماء لأحرقته نار المعدة وَلَوْلا النُّورُ مَا أبْصَرَ وَلا عقل. وَالطَّينُ صُورَتُه. وَالعَظمُ فِي جَسَدِهِ بِمَنْزِلَةِ الشَّجَرِ فِي الأَرْضِ. وَ الشعر في جَسَدِهِ بِمَنزِلَةِ الحَشِيش في الأرْضِ. وَالعَصَبُ فِي جَسَدِهِ بَمَنْزِلَةِ اللّحَاءِ عَلَى الشجر (2) وَالدَّمُ في جَسَدِهِ بِمَنْزِلَةِ الماء في الأَرْضِ وَلَاقِوامَ لِلأَرْضِ إِلَّا بِالماءِ وَلاقِوام لِجَسَدِ الإنْسانِ إلَّا بِالدَّمِ. وَالمخّ دَسَمُ الدَّمِ وزَبَدُهُ.
فهكذا الإنسانُ خُلِقَ مِنْ شَأن الدُّنيا وَشَأنِ الآخِرَةِ فَإِذَا جَمَعَ اللّه بَينَهُما صَارَتْ حَياتُهُ في الأَرْضِ، لأَنَّهُ نَزَلَ مِن شَأْنِ السَّماءِ إِلَى الدُّنيا، فَإِذَا فَرَّقَ اللّه بَيْنَهُما صَارَتْ تِلكَ الفُرْقَةُ المَوتَ يُرَدُّ شَأنَ الآخِرَةِ إِلَى السَّمَاء فَالحَياةُ في الأَرْضِ وَالمَوتُ في السَّمَاءِ وذلك أنه يفرق بينَ الرُّوحِ وَالجَسَدِ، فَرُدَّتِ الرُّوحُ وَالنُّورُ إِلَى القُدْرَةِ الأولى وَتُرِكَ الجَسَدُ لأَنَّهُ مِنْ شَأْنِ الدُّنيا. وَإِنَّما فَسَدَ الجَسَدُ في الدُّنيا لأَنَّ الرِّيحَ تَنَشَفُ الماء (3) فيبيسُ الطِينَ فَيصِيرُ رُفاتا ويبَلَى وَيُرَدُّ كلّ إِلى جَوْهَرِهِ الأَوَّلِ وَتَحَرَّكَتِ الرُّوحُ بِالنَّفْسِ وَالنَّفْسُ حَرَكَتُها مِنَ الريح، فَما كانَ مِنْ نَفْسِ المؤمِنِ فَهُوَ نُورٌ مُؤَيَّدُ بِالعَقْلِ، وَمَا كَانَ مِنْ نَفْسِ الكَافِرِ فَهُوَنارٌ مُؤيد بالنكراء (4)، فَهَذَا مِنْ صُورَةٍ نارِهِ وَهَذَا مِنْ صُورَةٍ نُورِه وَالمَوْتُ رَحمَةٌ مِنَ اللّه لِعَبْدِهِ الْمُؤْمِن وَنَقَمَةٌ عَلَى الكَافِرِ.
وَلِلَّهِ عُقُوبَتَانِ إِحْدَاهُمَا مِنَ الرُّوحِ وَالأخرى تسليط النَّاس بَعْضٍ عَلَى بَعْضٍ، وَمَا كَانَ من قبل الروح فهو السّقم والفقر. وما كانَ مِن تسليط فَهُوَ النَّقَمَةُ وذلِكَ قَولُ اللّه عَزَّ وَجَلَّ: «وَكَذلِكَ نُوَلّي بَعضَ الظَّالِمينَ بعضاً بما كانوا يكسبونَ (5)»، مِنَ الذُّنوبِ. فَما كَانَ مِنْ ذَنْبِ الرُّوحِ فَعُقُوبَتُهُ بِذلِكَ السَّقْمُ وَالفَقْرُ. وَمَا كانَ مِنْ تَسْلِيطٍ فَهُوَ النَّقَمَةُ. وَكُلٌّ ذلِكَ
ص: 355
عقُوبَةُ لِلْمُؤْمِن في الدُّنيا وَعَذابٌ لَهُ فيها. وأما الكافر فَيَقْمَةٌ عَلَيْهِ فِي الدُّنيا وَسُوءِ العَذَابِ في الآخِرَةِ وَلا يَكُونَ ذلِكَ إِلَّا بِذَنْبِ وَالذَّنبُ مِنَ الشَّهْوَةِ وَهِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِ خَطَاهُ وَنِسْيان وَأَنْ يَكون مُسْتَكْرَها وَمالا يُطِيقُ ومَا كانَ مِنَ الكَافِرِ فَعَمَدُ وَجُحُودٌ واعتداء وَحَسَدٌ وذلِكَ قَولُ اللّه عَزَّ وَجَلَّ: «كَفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنفسهم (1)».
لا يصلح صلحُ مَنْ لا يعقِلُ (2) وَلا يَعْقِلُ مَنْ لا يَعْلَمُ. وَسَوْفَ يَنجُبُ مَنْ يفهم. ويظفر. مَنْ يَحْلُمُ. وَالعِلْمُ جُنَّةٌ. وَالصِّدْقُ عِزَّ وَالجَهْلُ ذُلُّ وَالْفَهُم مَجْد (3) وَالجُودُ نُجح. وَحُسْنُ الخُلْقِ مَجْلَبَةٌ لِلْمَوَدَّةِ. وَالعَالِمُ بِزَمَانِهِ لا تَهْجُمُ عَلَيْهِ اللَّوابِسُ (4) وَالحَزْمُ مِشْكَاةُ الظَّنِّ (5) واللّه وَلِيُّ مَنْ عَرَفَهُ وَعَدُو مَنْ تَكَلَّفَهُ. وَالعَاقِلُ غَفُورٌ وَ الجَاهِلُ خَتُورُ (6). وَإِنْ شئت أن تُكرم فلن. وَإِنْ شِئتَ أَنْ تَهانَ فَاحْشُنْ، وَمَنْ كَرُمَ أَصْلُهُ لانَ قَلْبُهُ، وَمَنْ خَشُنَ عنْصُرُهُ غَلُظَ كَبَدُهُ (7). وَمَنْ فَرَّطَ تَوَرطَ (8)، وَمَنْ خَافَ العاقبة تثبت فيما لايَعْلَمُ. وَمَنْ هجم على أمر بغي علمٍ جَدَعَ أَنفَ نَفْسِهِ (9). وَمَنْ لَم يعلم لم يفهم. ومن لم يفهم لم يسلم. ومن لَمْ يَسْلَمْ لَمْ يَكْرَمْ. وَمَنْ لَمْ يَكْرُمَ تَهَضَّمَ. وَمَنْ تَهَضَمَ كانَ الْوَمَ (10). وَمَنْ كانَ كَذلِكَ كَانَ أخرى أنْ يَنْدَمَ. إن قدرت أنْ لا تُعرَفَ فَافْعَلَ. وَمَا عَلَيْكَ إِذَالَمْ يُثنِ النَّاس
ص: 356
عَلَيْكَ. وَمَا عَلَيْكَ أن تَكُونَ مَذْمُوماً عِنْدَ النَّاس إذا كُنْتَ عِنْدَ اللّه محموداً، إِنَّ أمِيرَ المُؤمِنِينَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) كَانَ يَقُولُ : «لأخير في الحَياةِ الالأحَدِ رَجُلَيْنِ : رَجُلٌ يَزْدادُ كلّ يَوْمٍ فيها إحْسَاناً وَرَجُلٌ يَتَدارَكَ مَنِيِّتَهُ بِالتّوبَةِ (1)»، إِنْ قَدَرْتَ أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِكَ فَافْعَلْ وَإِنَّ عَلَيْكَ فِي خُرُوجِكَ أَنْ لَا تَغْتابَ وَلَا تَكْذِبَ وَلَاتَحْسُدَ وَلَا تُرَائِي وَلَا تَتَصَنَّعَ وَلَا تُدَاهِنَ صومعه مُسلِمِ بَيْنَهُ يَحبِسُ فِيهِ نَفْسَهُ وبَصَرَهُ وَلِسَانَهُ وَفَرجَهُ. إِنَّ مَنْ عَرَفَ نِعْمَةَ اللّه بِقَلْبِهِ اسْتَوجَبَ المَزِيدَ مِنَ اللّه قَبْلَ أَنْ يُظْهِرَشُكْرَها عَلَى لِسانه.
ثم قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): كَمْ مِنْ مَغْرُورِ بِمَا أَنْعَمَ اللّه عَلَيْهِ. وَكَمْ مِنْ مُستدرج بسترِ اللّه عليهِ وَكُمْ مِنْ مَفْتُونِ، مفتون بِثَنَاءِ النَّاس عَلَيْهِ، إِنِّي لَأَرْجُو النَّجَاةَ لِمَنْ عَرَفَ حقنا مِنْ هَذِهِ الأمَّة إلا [ل-] أحد ثلاثة : صاحِبُ سُلْطَانٍ جَائِرٍ، وَصاحِبُ هَوى. وَالفَاسِقُ الْمُعَلِنُ الحُبُّ أَفْضَلُ من الخَوْفِ. واللّه مَا أحَبَّ اللّه مَنْ أَحَبَّ الدُّنيا وَوالى غَيْرَنَا وَمَنْ عَرَفَ حَقَنَا وَأَحَبَّبَنَا فَقَدْ أَحَبُّ اللّه كُنْ ذَنَبَاً وَلا تَكُنْ رَأْساً. قَالَ رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): مَنْ خَافَ كلّ لِسَانُهُ.
قالَ صَلَواتُ اللّه عَلَيْهِ : مَنْ أَنصَفَ النَّاس مَنْ نَفْسِهِ رَضِيَ بِهِ حَكَما لِغَيْره.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إذا كانَ الزَّمانُ زمان جورٍ وَأَهْلَهُ أَهْلَ غَدَرٍ فَالطَّمَانِينَةُ إِلَى كلّ أحد عجز (2).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إذا أضِيفَ البَلاءُ إِلَى البَلَاءِ كَانَ مِنَ البَلَاءِ عَافِيَةٌ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إذا أردتَ أنْ تَعلَمَ صِحةَ مَا عِندَ أَخِيكَ فَأَغْضِبُهُ فَإِنْ نَبَتَ لَكَ عَلَى المودة فَهُوَ أخوك وَإِلا فَلا.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا تعتد بِمَوَدَّةِ أَحَدٍ حتّى تُغْضِبَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا تثقنَّ بأخِيكَ كلّ الثَّقَةِ، فَإِنَّ صَرْعَةَ الإِسْتِرْسال لا تُسْتَقالُ (3).
ص: 357
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): الإسلام دَرَجَة والإيمان على الإِسْلامِ دَرَجَةً. وَاليَقِينُ عَلَى الإِيمَانِ دَرَجَة (1) وَمَا أُوتِيَ النَّاس أَقلَّ مِنَ الْيَقِينِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إزالة الجبالِ أهْوَنُ من إزالة قلب عَنْ مَوضِعه.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): الإيمانُ في القَلْبِ وَاليَقِينُ خَطَراتٌ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): الرَّغْبَةُ في الدُّنياتُورِثُ الغَمَّ وَالحُزنَ (2). وَالزَّهدُ في الدُّنيا راحَةُ القلب والبدنِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): مِن العيش دارٌ يُكرى وخُبز يُشرى.
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لِرَجُلَيْنِ تَخَاصَمَا بِحَضَرَتِهِ : أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَظْفَرَ بِخَيْرٍ مَنْ ظَفِرَ بِالظُّلْمِ. وَمَنْ يَفْعَلِ السَّوءَ بِالنَّاسِ فَلا يُنكرِ السَّوء إذا فُعِلَ بِه.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : التّواصل بين الإخوانِ في الحَضَرِ التَّزَاوُرُ وَالتَّواصُلُ في السَّفَرِ المكاتبة.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا يَصْلُحُ المؤمِنُ إِلا عَلَى ثَلاثِ خِصَالٍ : التَّفْقَهُ فِي الدِّين وَحُسْنُ التقدير في المَعِيشَةِ وَالصَّبْرُ على النائبة..
وقال(عَلَيهِ السَّلَامُ): المؤمِنُ لا يَغْلِبُهُ فَرَجَهُ. ولا يفضحهُ بَطْنُهُ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): صُحْبَهُ عِشْرِينَ سَنَةً قَرابَةٌ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا تصلح الصنيعة الا عِندِ ذي حَسَبِ أَوْدِينِ. وَمَا أَقلَ مَنْ يَشْكُرُ المَعْرُوفَ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إِنَّمَا يُؤْمَرُ بِالمعروف وينهى عَنِ الْمُنكَرِ مُؤْمِن فَيَتَعَظُ، أَوْ جَاهِلٌ فَيَتَعَلَّمُ. فَأَمَّا صَاحِبُ سوطٍ وَسَيْفَ فَلا (3).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إنَّما يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنكَرِ مَنْ كَانَتْ فِيهِ ثَلَاثُ خِصَالٍ : عالِم بِمَا يَأْمُرُ، عالم بما ينهى. عادِلٌ فيما يَأْمُرُ، عادِلٌ فيما ينهى. رفيق بِمَا يَأْمُرُ، رفيق بِما ينهى.
ص: 358
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَنْ تَعَرَّضَ لِسُلْطَانٍ (1) جَائِرٍ فَأَصَابَتْهُ مِنْهُ بَلِيَّةٌ لَمْ يُوْجَرْ عَلَيْهَا وَلَمْ يُرْزَقِ الصَّبْرَ عَلَيْها.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إنَّ اللّه أنعم على قوم بالمواهِبِ فَلَمْ يَشْكُرُوهُ فَصَارَتْ عَلَيْهِم وَبَالاً. وَابْتَلَى قَوْماً بالمصائب فَصَبَرُوا فَكَانَتْ عَلَيْهِمْ نِعْمَةً.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): صلاح حالِ التَّعايش والتعاشُرِ مِلْ، مِكْيَالٍ (2) ثُلْثَاهُ فِطْنَةٌ وَثُلتُهُ تَغَافُلُ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): ما أقبح الانتقام بأَهْلِ الأقدار (3).
وقيلَ لَهُ : مَا الْمُرُوةُ ؟ فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): لايراكَ اللّه حَيْثُ نَهاكَ وَلَا يَفْقِدُكَ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكَ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): أشكر مَنْ أنْعَمَ عَلَيْكَ. وَأَنْعِمْ عَلَى مَنْ شَكَرَكَ، فَإِنَّهُ لَا إِزالَةَ لِلنِّعم إذا شكرَتْ وَلَا إقَامَةَ لَهَا إِذا كَفَرَتْ. وَالشكر زيادَةٌ فِي النِّعَمِ وأمانٌ مِنَ الْفَقْرِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): فَوتُ الحَاجَةِ خَيْرٌ مِنْ طَلَبهَا مِنْ غَيْر أَهْلِهَا. وَأَشَدَّ مِنَ المُصِيبَةِ سُوء الخُلْقِ مِنْها.
وسَأَلَهُ رَجُلٌ : أَنْ يُعَلِمَهُ مايَنَالُ بِهِ خَيْرَ الدُّنيا وَالآخِرَةِ وَلَا يَطُولَ عَلَيْهِ (4) فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا تكذب.
وقيلَ لَهُ : مَا البَلاغَةُ ؟ فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : مَنْ عَرَفَ شَيْئاً قَرَّ كلامُهُ فِيهِ. وَإِنَّمَا سُمِّيَ البليغ لِأَنَّهُ يُبْلِغُ حاجَتَهُ بِأَهْوَنِ سَعِيه.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): الدِّين غَمَّ بِاللَّيلِ وَذُلُّ بِالنَّهَارِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إِذا صَلُحَ أَمْرُدُنْياكَ فَاتَّهِمْ دِينَكَ
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): بَرُّوا آبائكم يبركُّمْ أَبْنَاؤُكُمْ وَعِفُوا عَنْ نِسَاءِ النَّاس تَعِفَّ نساؤكم.
ص: 359
وقال : مَنِ ائْتَمَنَ حَائِنا عَلى أمَانَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى اللّه ضَمان (1).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) لحمران بن أَعَينَ : يا حمران انظُرْ مَنْ هُوَ دُونَكَ في المَقْدُرَةِ (2) وَلَا تَنظُرْ إلى مَنْ هُوَ فَوقكَ، فَإنَّ ذلِكَ أقْنَعُ لَكَ بِمَا قَسَمَ اللّه لَكَ وَأخرى أنْ تَستَوجِبَ الزَّيَادَةَ مِنْهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَاعْلَمْ أَنَّ العَمَلَ الدَّائِمَ القَلِيلَ عَلَى اليَقِينِ أفْضَلُ عِنْدَ اللّه مِنَ العَمَلِ الكَثِيرِ عَلَى غَيْرِيَقِينِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لاوَرَعَ أنفَعُ مِنْ تَجَنَّبِ مَحَارِمِ اللّه وَالْكَفِّ عَنْ أَدَى المُؤْمِنِينَ واغتيابهم. وَلَا عَيْشَ أَهْنأ مِنْ حُسَنِ الخَلْقِ، وَلَا مَالَ أَنْفَعُ مِنَ القَناعَةِ بِاليَسِيرِ المُجْزِىء. وَلا جَهْلَ أَضَرَّ مِنَ العُجب.
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): الحَياءُ عَلَى وَجْهَيْنِ فَمِنْهُ ضَعْفَ وَمِنْهُ قُوَّةً وَإِسلام وإيمان.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): تَرَكُ الحُقُوقِ مَلَةٌ وَ إِنَّ الرَّجُلَ يَحتاجُ إلَى أَنْ يَتَعَرَّضَ فِيهَا لِلْكِذب.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إِذا سَلَّمَ الرَّجُلُ مِنَ الجَمَاعَةِ أجْزَ أَعَنْهُمْ. وَ إِذا رَدَّ وَاحِدٌ مِنَ القَومِ اجزا عنهم (3).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): السَّلامُ تَطَوُّعُ وَالرَّد فَرِيضَةٌ (4).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : مَنْ بَدأ بكلامٍ قَبْلَ سَلَامٍ فَلَا تَجِيبُوهُ (5).
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): إِن تَمَامَ التَّحِيَّةِ (6) لِلمُقِيمِ المصافحة، وَتَمامَ التسليم عَلَى المُسَافِرِ اللّه المعانقة.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : تَصافَحُوا، فَإِنَّها تَذَهَبُ بِالسَّخِيمَةِ (7).
ص: 360
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اتَّقِ اللّه بَعْضَ التَّقى وَإِنْ قَلَّ وَدَعَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ سِتْراً وَإِنْ رَقَّ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَنْ مَلَكَ نَفْسَهُ إِذا غَضِبَ وَإِذا رَعْبَ وَإِذَا رَهِبَ وَإِذَا اشْتَهى حَرَّمَ اللّه جسده على النار.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) العافِيَةُ نِعمَةٌ خَفِيفَةٌ (1) إذا وُجِدَتْ نُسِيَتْ وَإِذَا عُدِمَتْ ذُكِرَتْ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): للّه في السَّرَّاءِ نِعْمَةُ التَّفَضلِ وَفي الضَّرَّاءِ نِعْمَةُ التَطَهر (2).
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): كَمْ مِنْ نِعْمَةٍ للّه عَلَى عَبْدِهِ فِي غَيْرِ أُمَلِهِ. وَكَمْ مِنْ مُؤَمِّلٍ أَمَلاً الخِيارُ في غَيْرِهِ. وَكَمْ مِنْ سَاعَ إِلَى حَتِنِهِ وَهُوَ مُبْطِي عَنْ حَظِّه.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): قَدْعْجَزَ مَنْ لَمْ يُعِدَّ لِكُلِّ بَلاءِ صبراً، وَلِكُلٍّ نِعْمَةٍ شكراً، وَلِكُلِّ عسر يسراً. اصبر نَفْسَكَ عِنْدَ كلّ بَلِيَّةٍ وَرَزِيَّةٍ في وَلَدٍ. أو في مال، فَإِنَّ اللّه إِنَّمَا يَقْبِضُ عارِيَّتَهُ وَهَبَتَهُ لَيَبْلُوَ شُكْرَكَ وَصَبَرَكَ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): ما مِنْ شَيْءٍ إِلا وَلَهُ حَدُّ قِيلَ : فَمَا حَدَّ اليَقِينِ ؟ قَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): أَنْ لاتخاف شيئاً.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ ثَمانُ خِصَالٍ : وَقُورٌ عِنْدَ الهَزَاهِزِ (3) صَبُورٌ عِنْدَ البَلاءِ، شكورٌ عِندَ الرَّخاءِ، قَانِعَ بِمَا رَزَقَهُ اللّه، لَا يَظْلِمُ الأَعْداءَ، وَلَا يَتَحَملُ الأصدقاءَ (4)، بَدَنُهُ مِنْهُ في تَعَب وَالنَّاسُ مِنْهُ فِي راحَةٍ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إنَّ العِلْمَ خَلِيلُ المؤمِن وَالحِلْمَ وَزِيرُهُ وَالسَّيْرَ أَمِيرُ جُنُودِهِ وَالرَّفق أخوه واللين والده.
وقال أبو عبيدة (5): اُدْعُ اللّه بي أن لا يجعل رِزقي على أيدي العِبادِ. فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
ص: 361
أَبَى اللّه عَلَيْكَ ذلِكَ إِلَّا أَنْ يَجْعَلَ أَرْزَاقَ العِبادِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ. وَلَكِنِ ادْعُ اللّه أَن يَجْعَلَ رِزْقَكَ عَلَى أيْدِي خِيارِ خَلْقِهِ، فَإِنَّهُ مِنَ السَّعادَةِ وَلا يَجْعَلَهُ عَلَى أَيْدِي شِرَارِ خَلْقِهِ، فَإِنَّهُ مِنَ الشقاوة.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): العامِلُ عَلَى غَيْرِ بَصِيرَةٍ كَالسَّائِر عَلى غَيْرِ طَرِيق(1)، فلا تزيده سُرعة السير إلا بعداً.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قَوْلِ اللّه عَزَّ وَجَلَّ: «اتَّقُوا اللّه حَقَّ تُقَاتِهِ (2)»، قالَ : يُطَاعُ فَلا يعصى ويذكر فلا يُنسى وَيُشْكَرُ فَلا يُكْفَرُ
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَنْ عَرَفَ اللّه خاف اللّه وَمَن خَافَ اللّه سَخَتْ نَفْسُهُ عَنِ الدُّنيا (3).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): الخَائِفُ مَنْ لَمْ تَدَعَ لَهُ الرَّهْبَةُ لِساناً يَنْطِقُ به.
وقيلَ لَهُ (عَلَيهِ السَّلَامُ): قَوْم يَعْمَلُونَ بِالمَعاصِي وَيَقُولُونَ : نَرْجُو فَلَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ حتّى يَأْتيتهم الموتُ. فَقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هؤلاءِ قَوْمٍ يَتَرَبَّحُونَ فِي الأَمَانِي كَذَبُوا لَيْسَ يَرْجُونَ(4) إِنَّ مَنْ رَجَا شَيْئاً طَلَبَهُ. وَمَنْ خَافَ مِنْ شَيْءٍ هَرَبَ مِنْهُ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إِنَّا لَنَحِب مَنْ كانَ عاقلاً عالِماً فَهما فقيهاً حَلِيماً مَدارِياً صَبور أَصَدُوقاً وَفِياً (5)، إِنَّ اللّه خَص الأنبياءَ (عَلَيهِم السَّلَامُ) بِمَكارِمِ الأخْلاقِ، فَمَنْ كَانَتْ فِيهِ فَلْيَحْمَدِ اللّه عَلى ذلِكَ وَمَن لَم تكن فيه فليتضرع إلى اللّه وَليَسأَلَهُ إِيَّاهَا قِيلَ لَهُ : وَمَا هِيَ ؟ قَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): الورع والقناعة والصبر والشكرُ والحِلْمُ وَالحَياهُ وَالسَّخاءُ وَالشَّجَاعَةُ والغَيْرَةُ وَصِدْقُ الحَدِيثِ وَالبر وأداء الأمانَةِ وَاليَقِينُ وَحُسْنُ الخُلْقِ وَالمروة.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): مِنْ أوْ نَقِ عَرَى الإِيمَانِ أنْ تُحِبُّ في اللّه وَتَبَعْضَ فِي اللّه وَتَعْطِيَ فِي اللّه وَتَمْنَعَ في اللّه.
ص: 362
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا يتبع الرَّجُلَ بعد موته إلا ثلاتُ خِصَالٍ : صَدَقَةٌ أَجْرَاهَا اللّه لَهُ فِي حياته فهي تَجْرِي لَهُ بعد موته. وَسُنَّةٌ هُدى يعمل بها. وَوَلَدٌ صَالِحُ يَدعو لَهُ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إن الكذبة لتنقُضُ الوُضُو، إذا توضأ الرّجُلُ لِلصَّلاةِ. وَ تُفْطِرُ الصِّيام فَقِيلَ لَهُ : إنا نكذِبُ، فَقَالَ(عَلَيهِ السَّلَامُ) : لَيْسَ هُوَ بِاللَّغْوِ وَلَكِنَّهُ الكِذَبُ عَلَى اللّه وَعَلَى رَسُولِهِ وعَلَى الأئمَّة صَلَواتُ اللّه عَلَيْهِمْ ثمَّ قَالَ : إِنَّ الصَّيامَ لَيْسَ مِنَ الطَّعَامِ وَلَا مِنَ الشَّرَابِ وَحْدَهُ، إن مريم (عَلَيهَا السَّلَامُ) قالَتْ : «إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحمن صَوْماً (1)»، أَيْ صَمْتاً، فَاحْفَظُوا ألْسَنَتَكُمْ وَغُضُّوا أبصارَكُمْ وَلا تَحاسَدُوا ولا تَنازَعُوا، فَإِنَّ الحَسَدَ يَأْكُلُ الإيمان كما تأكل النار الحطب.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): من اعلم اللّه مالم يعلم اهتز له عرشه (2).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إِنَّ اللّه عَلَمَ أَنَّ الذَّنْبَ خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنَ العُجْبِ وَ لَولا ذلِكَ مَا ابْتَلَى اللّه مُؤْمِناً بِذَنْب أَبَداً.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَنْ ساءَ خُلْقَهُ عَذَابٌ نَفْسَهُ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): المَعْرُوفُ كَاسْمِهِ وَلَيْسَ شَيْءٌ أَفضَلَ مِنَ المَعْرُوفِ إِلَّا ثَوابُهُ. وَالمَعْرُوفُ هدِيةٌ مِنَ اللّه إِلى عَبْدِهِ. وَلَيْسَ كلّ مَنْ يُحِبُّ أَنْ يَصْنَعَ المَعْرُوفَ إِلَى النَّاس يَصْنَعُهُ. وَلَا كلّ مَنْ رَعْبَ فِيهِ يَقْدِرُ عَلَيْهِ. وَلا كلّ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ يُؤْذَنَ لَهُ فِيهِ. فَإِذَا مَنَّ اللّه عَلَى الْعَبْدِ لَهُ الرَّغْبَةَ في المَعْرُوفِ وَالقُدْرَةَ وَالإذْنَ فَهُنَاكَ تَمَّتِ السَّعَادَةُ وَالكَرَامَةُ لِلطَّالِبِ والمطلوب إليه.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لَم يَسْتَرَدُ في مَحبُوبِ بِمِثْلِ الشَّكرِ. وَلَمْ يَسْتَنْقَصَ مِنْ مَكَرُوهِ بِمِثْلِ الصبر.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): ليس لا بليسَ جُندٌ أَشَدُّ مِنَ النِّساءِ وَالغَضَب.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): الدُّنيا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَالصَّبْرُ حِصْنَهُ. وَالجنّة مَأْوَاهُ. وَالدُّنْيَا جَنَّةُ الكافر. والقبر سِجْنُهُ. وَالنَّارُ مَأْواهُ.
ص: 363
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): وَلَمْ يَخْلُقِ اللّه يَقِينَا لَاشَكَ فِيهِ أَشْبَهَ بِشَكَ لا يَقِينَ فِيهِ مِنَ المَوْتِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إذا رأيتم العبد يتفقد الذُّنُوبَ مِنَ النَّاسِ، نَاسِباً لِذَنْبِهِ فَاعْلَمُوا أَنَّهُ قَدْ مکربه.
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): الطَّاعِمُ الشَّاكِرُ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ السّام المحتسب. والمعافى الشاكِرُ لَهُ مِثلُ أَجْر المُبْتَلَى الصَّابِرِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا ينبغي مِنْ لَمْ يَكُن عالماً أن يعدَّ سَعِيداً وَلَا لِمَنْ لَمْ يَكُنْ وَ دُوداً حميداً. وَلا لَمَنْ لَمْ يَكُن صَبُوراً أنْ يُعَدَّ كَامِلاً. وَلا لِمَنْ لا يَتَقَى مَلامَةَ العُلَماءِ وَذَمَّهُم أنْ يُرجى لَهُ خَيْرُ الدُّنيا وَالآخِرَةِ وَيَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أنْ يَكُونَ صَدُوقًا لِيُؤْمَنَ عَلَى حَدِيثِهِ وَشَكوراً ليَستوجب الزيادة.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لَيْسَ لَكَ أَنْ تَأْتَمِنَ الخَائِنَ وَقَدْ جَرَّبْنَهُ وَلَيْسَ لَكَ أن تتَّهم مَنِ ائْتَمَنتَ.
وقيلَ لَهُ : مَنْ أَكْرَمُ الخَلْقِ عَلَى اللّه ؟ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): أَكْثَرُهُمْ ذِكْر اللّه وَأعْمَلَهُم بِطَاعَةِ اللّه. قُلْتُ : فَمَنْ أَبْغَضُ الخَلَقِ إِلَى اللّه ؟ قَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَنْ يَتَّهِمُ اللّه. قُلْتُ : أَحَدٌ يَتَّهِمُ اللّه ؟ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): نَعَمْ مَنِ اسْتَخَارَ اللّه فَجَاءَتْهُ الخِيَرَةُ بِمَا يَكُرَهُ فَيَسْخَطُ فَذلِكَ يَتهم اللّه قُلْتُ :وَمَنْ ؟ قَالَ : يَشكو اللّه، قُلْتُ : وأَجَدٌ يَشْكُوهُ ؟ قَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): نَعَمْ، مَنْ إِذَا ابْتُلِيَ شَكَى بِأَكْثَرَ مما أصابَهُ. قُلْتُ : وَمَنْ ؟ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إذا أَعْطَى لَمْ يَشكُرْ وَإِذَا ابْتِلَى لَمْ يَصْبر. قُلْتُ : فَمَنْ أكْرَمُ الخَلْقِ عَلَى اللّه ؟ قَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَنْ إِذا أُعْطِيَ شَكَرَ وَإِذَا ابْتِلَى صَبَرَ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لَيْسَ لِمَلُولٍ (1) صَدِيقٌ. وَلا لِحَسُودٍ غِنى. وَكَثْرَةُ النَّظَرِ فِي الحِكْمَةِ تلقح العقل.
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): كَفَى بِخَشْيَةِ اللّه عِلماً. وَكَفَى بِالاغْتِرَارِ بِهِ جَهْلاً.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): أفْضَلُ العِبادَةِ العِلْمُ باللّه وَالتَّواضُعُ لَهُ.
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : عالِمٌ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ عابِدِ وَألْفِ رَاهِدٍ وَأَلْفِ مُجْتَهِد (2).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ زَكَاةً وَزَكَاةُ العِلْمِ أَنْ يُعَلِّمَهُ أَهْلَهُ.
ص: 364
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): القضاة أربعةُ ثَلاثَةٌ في النَّارِ وَواحِدٌ في الجنّة : رَجُلٌ قَضَى بِجَوْرٍ وَ هو يعلم فهو في النَّارِ، وَرَجُلٌ قَضى بِجَوْرٍ وَهُوَ لا يَعْلَمُ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ قَضَى بحقِّ وَهُوَ لا يَعْلَمُ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ قَضَى بحقِّ وَهُوَ يَعْلَمُ فَهُوَ فِي الجنّة.
وَسُئِلَ : عَنْ صِفَةِ العَدْلِ مِنَ الرَّجُلِ ؟ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إِذا غَضَ طَرْفَهُ عَنِ المَحَارِمِ وَ لِسَانَهُ عَنِ الْمَآثِمٍ وَكَفَهُ عَنِ الْمَظَالِمِ.
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): كلّ ما حَجَبَ اللّه عَنِ العِبادِ فَمَوضُوع عَنْهُم حتّى يُعرَ فَهَمُوهُ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) الداوُدَ الرَّقي (1) : تُدْخِلُ يَدَكَ في فَمِ التَّنِينِ (2) إِلَى المِرْفَقِ خَيْرٌ لَكَ مِنْ طلب الحَوائِجِ إِلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَ كَانَ (3).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): قضاء الحوائج إِلَى اللّه وَأَسْبَابُها - بَعْدَ اللّه - العبادُ تَجْرِي عَلَى أَيْدِيهِمْ، فَما قَضَى اللّه مِنْ ذلِكَ فَاقْبَلُوا مِنَ اللّه بالشكرِ، وَمَا زَوى عَنكُمْ (4) مِنْهَا فَاقِبَلُوهُ عَنِ اللّه بالرضا والتسليم والصَّبْرِ فَعَسى أن يَكُونَ ذلِكَ خَيْراً لَكُمْ، فَإِنَّ اللّه أَعْلَمُ بِما يُصْلِحُكُمْ وانتم لا تعلمون.
و قالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَسْأَلَة ابْنِ آدَمَ لِابْنِ آدَمَ فِتْنَةٌ، إِنْ أَعْطَاهُ حَدَ مَنْ لَمْ يُعْطِيهِ. وَإِنْ رَدَّهُ دَم مَنْ لَمْ يَمْنَعُهُ.
ص: 365
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إِنَّ اللّه قَدْ جَعَلَ كلّ خَيْرٍ فِي التَّزْحِيَةِ (1).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إيّاك وَمُخَالَطَة السَّفِلَةِ، فَإِنَّ مُخَالَطَةَ السَّفِلَةِ لا تُؤَدِّي إلى خَيْرٍ (2).
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): الرَّجُلُ يَجْزَعُ مِنَ الدَّل الصغيرِ فَيُدْخِلُهُ ذُلِكَ في الذلِ الكَبير.
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): أَنْفَعُ الأَشْيَاء لِلْمَرْءِ سَبَقَهُ النَّاس إِلَى عَيْبِ نَفْسِهِ. وَأَشَدَّ شَيْءٍ مَؤوَنَةٌ إخفاء الفاقة. وأقل الأشياء غناء النَّصِيحَةُ لِمَنْ لا يَقْبلُها وَ مُجاوَرَةُ الحَرِيص. وأروح الروحِ اليَأْسُ مِنَ النَّاسِ. لا تكُنْ ضَجِراً وَلَا غَلِقاً. وَذَلِل نَفْسَكَ بِاحْتِمَالِ مَنْ خَالَفَكَ يمن هو فوقكَ وَ مَنْ لَهُ الفَضْلُ عَلَيْكَ، فَإِنَّمَا أَقْرَرْتَ لَهُ بفضله (3) لثلا تُخَالِقَهُ ومن لا يعرف لِأَحَدٍ الفضل فهو المعجبُ بِرَأيهِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَاعِزُّ لمَنْ لَا يَتَذَكَّلُ لِلَّهِ. وَلَا رِفْعَةً لمَنْ لا يتواضع للّه.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إنَّ مِنَ السُّنَةِ لبس الخاتم (4).
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): أَحَبُّ إِخْوَانِي إِلَيَّ مَنْ أَهْدَى إِلَيَّ عُيُوبي.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا تكون الصداقة إلا يحدُودِها فَمَنْ كَانَتْ فِيهِ هَذِهِ الحُدودُ أَوْشَيْء مِنْهُ، وَإِلَّا فَلَا تَنْسِبَهُ إِلَى شَيءٍ مِنَ الصَّدَاقَةِ : فَأوَّلُها أَنْ تَكُونَ سَرِيرَتُهُ وَ عَلَانِيَتُهُ لَكَ واحِدَة وَالثَّانية أنْ يَرَى زَيْنَكَ زَيْنَهُ وَشَيْنَكَ شَيْنَهُ. والثالثة أن لا نغيره عليك ولاية وَلأمال. وَالرَّابعةُ لا يمنعُكَ شَيْئاً تناله مقدرته (5) وَ الخَامِسَةُ وَهِيَ تَجْمَعُ هَذِهِ الخِصال أن لا يُسلَمَكَ عِنْدَ النَّكَبَاتِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : مُجامَلَةُ النَّاس ثلث العقل (6).
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): ضِحكُ المُؤْمِنِ تَبَسم.
ص: 366
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): ما أبالي إلى مَنِ ائْتَمَنْتُ حَائِناً أو مُضَيِّعاً (1).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) للمفضّل (2) : أوصيك بستِّ خِصَالٍ تُبلغُهُنَّ شِيعَتِي. قلتُ : وَ ما هنَّ يا سيدي ؟ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أداء الأمانةِ إِلى مَنِ ائْتَمَنَكَ. وَ أَنْ تَرْضَى لِأَخِيكَ ما تَرضى لِنَفْسِكَ. وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْأُمُورِ أَوَاخِرَ فَاحْذَرِ الْعَواقِبَ. وَأَنَّ لِلْأُمُورِ بَغَتَاتٍ (3) فَكُنْ عَلَى حَذَرٍ. وَإِيّاكَ وَمُرتقى جَبَلٍ سَهْلٍ إذا كان المنحدر وعرا (4). وَلَا تَعِدَنَّ أَخَاكَ وَعَد أَلَيْسَ في يدك وفاؤه.
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): ثَلَاثَ لَمْ يَجْعَلِ اللّه لِأَحَدٍ مِنَ النَّاس فِيهِنَّ رَحْصَةً : بِرَّ الوالدين بَرَّيْنِ كانا أَوْفَاجِرَيْنِ. وَوَفاهُ بِالعَهْدِ لِلْبَر وَالفَاجِرِ، وَأداء الأمانةِ إِلَى البَرِّ وَ الفَاجِرِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إني لا رحم ثلاثة وحق لهم ان يرحموا. عَزِيزٌ أصابته مذلة بعد العز وَعَنيٌّ أَصابَتْهُ حَاجَةٌ بعد الغنى. وَعَالِم يَسْتَخِفْ بِهِ أَهْلُهُ وَالجَهَلَةُ (5).
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَن تَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِحُبِّ الدُّنيا تَعَلَّقَ مِنْ ضَرَدِهَا بِثَلاثِ خِصَالٍ : هَم لا يفنی وَأَمَلٍ لا يُدْرَكُ وَرَجَاءٍ لا ينالُ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): المُؤْمِنُ لا يُخلَقُ عَلَى الكِذَّبِ وَلا عَلَى الخِيانَةِ. وَحَصَلَتانِ لا يجتمعان
ص: 367
في المنافق : سَمْتُ حَسَنُ (1) وَفِقَهُ في سُنَّةٍ.
وقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): النَّاس سَوَاءٌ كَأَسنانِ المُقطِ. والمرء كبير بأخيه (2). ولأخير في صحبة مَنْ لَمْ يَرَلَكَ مِثْلَ الّذي يَرَى لِنَفْسِه.ِ
وقالَ : مِنْ زَيْنِ الإِيمَانِ الفِقْهُ. وَمِنْ زَيْنِ الفِقْهِ الحِلْمُ، وَمِن زَيْنِ العِلْمِ الرِّفْقُ. وَمِنْ زَيْنِ الرُّفْقِ الدِّينُ. وَمِنْ زَينِ الدِّين السُّهولة.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : مَنْ غَضِبَ عَلَيْكَ مِنْ إِخْوانِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلَمْ يَقُل فِيكَ مَكْرُوها فَأَعِد لِنَفْسِكَ.
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): يَأْتِي عَلَى النَّاس زَمَانٌ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ أَعَزَّ مِنْ أَخٍ أَنيِسٍ وَكَسْبِ درهم خلال.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : مَنْ وَقَفَ نَفْسَهُ مَوقِفَ السّهُمَةِ فَلَا يَلُومَنَّ مَنْ أَسَاءَ بِهِ الظَّنَ ومن كَتَمَ سِرَّهُ كانَتِ الخِيَرَةُ فِي يَدِهِ (3). وَكُلُّ حَدِيثٍ جَاوَزَ اثْنَيْنِ فَاش (4) وَضَع أَمْر أَخِيكَ عَلَى أَحْسَنِهِ وَلَا تَطْلُبَنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ أخِيكَ سُوءاً وَأَنتَ تَجِدُلَها فِي الخَيْرِ محمِلاً. وَعَلَيكَ بِإِخْوانِ الصِّدْقِ. فَإِنَّهُمْ عُدَّةَ عِنْدَ الرَّخَاءِ (5) وَجِنَّةٌ عِنْدَ البَلاءِ. وَشَاوِرَ فِي حَدِيثِكَ الّذين يَخَافُونَ اللّه وَأَحْبِبِ الإِخْوانَ عَلَى قَدْرِ التَّقُوى. وَاتَّقِ شِرَارَ النِّسَاءِ وَكُنْ مِنْ خِيَارِ مِن عَلَى حَذَرٍو إِنْ أَمَرَنَكُمْ بِالْمَعْرُوفِ فَخَالِفُوهُنَّ حتّى لا يَطْمَعْنَ مِنكُمْ في المنكر.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): المُنافِقُ إِذا حَدَّتَ عَنِ اللّه وَعَنْ رَسُولِهِ كَذَبَ. وَإِذَا وَعَدَ اللّه وَرَسُولَهُ أَخْلَفَ. وَإِذَا مَلِكَ خَانَ اللّه وَرَسُولَهُ فِي مَالِهِ. وَذَلِكَ قَولُ اللّه عَزَّ وَجَلَّ: «فَأَعْقَبَهُم نِفاقاً فِي قُلُوبِهِم
ص: 368
إلى يوم يلقونهُ بِما أَخْلَفُوا اللّه ما عدُوهُ وَ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (1)، وقوله : «وَإِن يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَد خانوا اللّه مِنْ قَبل فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ واللّه عَلِيمٌ حَكِيمٌ (2)».
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): كَفَى بِالمَرْه خِزياً أن يَلْبَسَ ثَوْباً يُشهره (3)، أَوْ يَرْكَبَ دابة مشهورة قُلْتُ : وَمَا الدَّابَّةُ المَشْهُورَةُ، قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): البلقاء (4).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا يَبْلُغَ أَحَدُكُمْ حَقيقَةَ الإِيمَانِ حتّى يُحِبُّ أَبْعَدَ الخَلْقِ مِنْهُ فِي اللّه وَيُبَعْضِ أَقْرَبَ الخَلْقِ مِنْهُ فِي اللّه.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَنْ أَنعم اللّه عَلَيْهِ نِعمَةٌ فَعرفها بِقَلْبِهِ وَعَلِمَ أَنَّ الْمُنْهِمَ عَلَيْهِ اللّه فَقَدْ أَدَى شكرها وَإِنْ لَمْ يُحَرَكَ لِسَانَهُ وَمَنْ عَلِمَ أَنَّ المُعَاقِبَ عَلَى الذُّنُوبِ اللّه فَقَدِ اسْتَغْفَرَ وَ إِنْ لَمْ يُحَرَّكَ بِهِ لِسَانَهُ. وَقَرَأَ : «إِنْ تُبْدُوا ما في أَنفُسِكُمْ أَو تَخفُوهُ – الآية» (5).
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): خَصْلَتَيْنِ مُهْلِكَتَينِ : تَفْتِي النَّاس بِرَأْيِكَ أَوْتَدِينُ بِمَا لا تَعْلَمُ (6).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) لابي بَصِير (7): يا أبامحمد لا تفتش النَّاس عَنْ أَدْيَانِهِمْ فَتَبَقَى بِلاصَدِيقِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): الصَّفَحُ الجَميلُ أنْ لا تُعاقِبَ عَلَى الذَّنْبِ. وَالصَّبْرُ الجَميلُ الّذي لَيْسَ فِيهِ شَكُوى.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): أربع مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُؤْمِناً وَإِنْ كَانَ مِنْ قَرْنِهِ إِلى قَدَمِهِ ذُنُوبُ الصدق. وَالحَياهُ، وَحُسْنُ الخُلْقِ، وَالشكر.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا تكونُ مُؤْمِناً حتّى تَكُون خَائِفاً راجياً. وَلَا تَكُونُ خَائِفاً راجياً حتى تكون عاملا لِما تَخَافُ وَتَرْجُو پ.
ص: 369
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): لَيسَ الإِيمَانُ بِالتَحَلَى وَلَا بِالتَمَنِّي وَ لَكِنَّ الإِيمَانَ مَا خَلَصَ فِي القُلُوبِ وَصَدَقَتْهُ الأعمال.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إِذا زادَ الرَّجُلُ عَلَى الثّلاثِينَ فَهُوَ كَهْل. وَإِذَا زَادَ عَلَى الأَرْبَعِينَ فهو شيخ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): النَّاس فِي التَّوْحِيدِ عَلَى ثَلاثَةِ أَوْجُهِ : مُثْبِتُ وَنَافِ وَمُشَبِّهُ، فَالنَّافِي مبطل، والمثبتُ مُؤْمِنٌ وَالمُشبَّهُ مُشرك (1).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): الإيمان إقرارٌ وعَمَل وَنِيَّةٌ. وَالإسْلامُ إِقْرَارُ وَعمَل (2).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا تذهب الحشمة (3) بينك وبين أخِيكَ وَأَبَقِ مِنْهَا، فَإِنَّ ذَهَابَ الحِشْمَةِ ذَهابُ الحَياءِ وبقاء الحشمة بقاء المودة.
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَنِ احْتَشَم أَخَاهُ حَرُمَتْ وَصَلَتْهُ، وَمَنِ اغْتَمهُ سَقَطَتْ حُرمَتُهُ.
وَقِيلَ لَهُ : خَلَوتَ بِالعَقيقِ (4) وَتَعجِبُكَ الوَحدةُ. فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لوذقت حَلاوَةَ الوَحْدَةِ لاسْتَوْحَشتَ مِنْ نَفْسِكَ. ثمَّ قَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): أقل ما يَجِدُ العَبْدُ فِي الوَحْدَةِ أمَنُ مُداراةِ النَّاسِ (5).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما فَتَحَ اللّه عَلَى عَبْدِ بابا مِنَ الدُّنيا إلّافَتَحَ عَلَيْهِ مِنَ الحِرْصِ مِثْلَيْهِ (6).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): المُؤْمِنُ في الدُّنيا غَرِيب: لا يَجزَعُ مِنْ ذَلِها وَلَا يَتَنَافَسُ أَهْلَهَا فِي عِزّها.
وقيل له : أَيْنَ طَرِيقُ الرَّاحَةِ ؟ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): في خلافِ الهَوى. قيل : فَمَتَى يَجِدُ عبد الراحة ؟ فقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): عِنْدَ أَوَّلِ يَوْمٍ يَصِيرُ فِي الجنّة.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا يجمع اللّه لمنافق ولا فاسق حُسنَ السَّمْتِ وَالفِقَهَ وَحُسْنَ الخُلْقِ أَبَداً.
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): طَعْمُ المَاءِ الحَياةُ، وَطَعْمُ الخَبْزِ القُوَّةُ، وَضَعْفُ البَدَنِ وَقُوَّتُهُ مِنْ شَحْمِ
ص: 370
الكليتين (1). وَمَوْضِعُ العَقلِ الدَّمَاعُ. وَالقَسْوَةُ وَالرَّقَةُ فِي القَلْبِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): الحَسَدُ حَسَدانِ : حَسَدُ فِتْنَةٍ وَحَسَدُ غَفْلَةٍ، فَأَمَّا حَسَدُ الغَفْلَةِ فَكَما قالَتِ المَلائِكَةُ حِينَ قالَ اللّه: «إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فيها و يسفك الدماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ (2)»، أَي اِجْعَلْ ذَلِكَ الخَلِيفَةَ مِنا وَلَمْ يَقُولُوا، حَسَدَ الآدَمَ مِنْ جَهَةِ الفِتْنَةِ وَالرَّد وَالجُحُودِ. وَالحَسَدُ الثَّانِي الّذي يَصِيرُ بِهِ العبد إلى الكُفْرِ وَ الشِّرْكِ فَهُوَ حَسَدُ إبليس في ردّه عَلَى اللّه وَإِبَائِهِ عَنِ السُّجُودِ لِآدَمَ (عَلَيهِ السَّلَامُ).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): النَّاس فِي القُدْرَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهِ : رَجُلٌ يَزْعَمُ أَنَّ الأَمْرَ مُفَوَّضٌ إِلَيْهِ فَقَدْ وَهَنَ اللّه في سُلْطانِهِ فَهُوَ مَالِكَ. وَرَجُلٌ يَزْعَمُ أَنَّ اللّه أَخْبَرَ العِبَادَ عَلَى المَعاصِي وَكَلَّفَهم ما لا يطيقون، فَقَدْ ظَلَم اللّه في حُكْمِهِ فَهُوَهالِك. ورجل يَزعَمُ أَنَّ اللّه كَلَّفَ العِبادَ مَا يُطِيقُونَهُ وَلَمْ يُكلفهم مالايطيقُونَهُ، فَإذا أحْسَنَ حَمِدَ اللّه وَإِذَا أَسَاءَ اسْتَغْفَرَ اللّه فَهَذَا مُسلم بالغ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): المَشْيِّ المُسْتَعْجِلُ يَذْهَبُ بِهَاءِ المُؤمِن وَيُطْفِى، نُورَهُ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إن اللّه بعضُ الغنى الظلوم.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): الغَضَبُ مَمحَقَةٌ لِقَلْبِ الحَكِيم وَمَنْ لَم يَمْلِكُ غَضَبَهُ لَم يملك عقله.
وقَالَ الفُضَيْلُ بنُ عَياضِ (3) : قالَ لي أبو عَبْدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): أَتَدْرِي مَنِ الرَّحِيحُ ؟
ص: 371
قُلْتُ : هُوَ البخيلُ، فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): الشُّحّ أَشَدُّ مِنَ البُخْلِ، إِنَّ البَحْيِلَ يَبْخَلُ بِما فِي يَدِهِ وَالشَّجِيحُ يشحُّ على ما في أيدِي النَّاس وَعلى ما في يَدِهِ حتّى لا يرى فِي أَيْدِي النَّاس شَيْئًا إِلَّا تَمَنَّى أنْ يَكُونَ لَهُ بِالحِل والحرام، لا يشبع ولا ينتفع بما رَزَقَهُ اللّه.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إِن البَحْيِلَ مَنْ كَسَبَ مالاً مِنْ غَيْرِ حِلِهِ وَأَنفقَهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) لبعض شِيعَتِهِ : ما بالُ أَخِيكَ يَشكُوكَ ؟ فَقَالَ : يَشْكُونِي أَنِ اسْتَقْصَيْتُ عَلَيْه حَمّي فَجَلَس (عَلَيهِ السَّلَامُ) مغضباً ثمَّ قالَ: كَأَنَّكَ إِذَا اسْتَقَصيتَ عَلَيْهِ حَقَّكَ لَمْ تَسِي: أرأيتَكَ ما حَكَى اللّه عَنْ قَوْمٍ يَخافُونَ سُوءَ الحِسَابِ، أخافُوا أنْ يَجُورَ اللّه عَلَيْهِمْ ؟ لا. وَلكِن خَافُوا الاستقصاء فَسَمَّاه اللّه سُوءَ الحِسَابِ، فَمَنِ اسْتَقصى فَقَد أساء.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): كَثرَةُ السُّحْتِ يَمْحَقُ الرِّزْقَ (1).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : سُوءُ الخُلْقِ نَكَد (2).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إِنَّ الإِيمَانَ فَوقَ الإِسْلامِ بِدَرَجَةٍ. وَالتَّقْوى فَوْقَ الإِيمَانِ بِدَرَجَةٍ وَ بَعْضَهُ مِنْ بَعْضٍ (3)، فَقَدْ يَكونُ الْمُؤْمِنُ ؛ في لِسَانِهِ بَعْضُ الشَّيْء الّذي لَمْ يَعِدِ اللّه عَلَيْهِ النارَ وَقَالَ اللّه: «إِن تَجْتَنِبُوا كَبار ما تنهون عنهُ نُكَفَر عَنكُم سَيَاتِكُمْ وَنَدْخِلَكُمْ مُدْخَلا كَرِيماً (4)»، وَيَكُونُ الآخَرُ وَهُوَ الفَهِم لِساناً (5) وَهُوَ أَشَدُّ لِقاءَ لِلذُّنُوبِ وَ كِلَاهُمَا مُؤْمِنٌ. وَاليَقينُ فَوقَ التَّقوى بِدَرَجَةٍ، وَلَمْ يُقسم (6) بَيْنَ النَّاس شَيْءٌ أَسْدَّ مِنَ الْيَقِينِ. إِنَّ بَعْضَ
ص: 372
النَّاسِ أَشَدَّ يَقِينَا مِنْ بَعْضٍ وَهُمْ مُؤْمِنُونَ وَبَعْضَهُمْ أَصْبَرُ مِنْ بَعْضٍ عَلَى الْمُصِيبَةِ وَعَلَى الْفَقْرِ وَ عَلى المَرْضِ وَعَلَى الخَوْفِ وَذَلِكَ مِنَ الْيَقِينِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إِنَّ الغِنى وَالعِرْ يَجُولانِ، فَإِذا خَفِرًا بِمَوْضِعِ التَّوَكُلِ أوْطَنَاهُ (1).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): حُسْنُ الخُلْقِ مِنَ الدِّين وَهُوَ يَزِيدُ فِي الرِّزْقِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): الخُلْقُ خُلْقَانِ أَحَدُهُمَا نِيَّةٌ وَالآخَرُ سَجِيّةٌ. قِيلَ : فَأَيُّهُمَا أَفَضَلُ ؟ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): النِّيَّةُ، لأنَّ صَاحِبَ السَّجِيّة مجبول عَلَى أمْرِ لا يَسْتَطِيعُ غَيْرَهُ، وَصَاحِبُ النِّيَّةِ يتَصَرُ عَلَى الطَّاعَةِ تَصَبراً فَهذا أَفْضَلُ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إنَّ سُرْعَةَ ائْتِلافِ قُلُوبِ الأَبْرَارِ إِذَا التَقَوْا وَ إِنْ لَمْ يُظهِرُوا التَّوَدُّد بِأَلْسِنَتِهِمْ كَسُرْعَةِ اخْتِلاطِ مَاءِ السَّمَاءِ بِمَاءِ الأَنْهارِ. وَ إِنَّ بَعْدَ ابْتِلافِ قُلوبِ الفُجَارِ إِذا التقوا وإن أظْهَرُوا التَّوَدُّدَ بِألْسِنَتِهِمْ كَبُعدِ البَهَائِمِ مِنَ التَّعَاطِفِ وَإِنْ طَالَ اعْتِلافُها عَلَى مذودٍ واحِد (2).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): السَّخِي الكَرِيمُ الّذي يُنْفِقُ مَالَهُ فِي حَقٌّ اللّه.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): يا أَهْلَ الإيمانِ وَمحَلَ الكِتْمَانِ تَفَكَّروا وَ تَذَكَرُوا عِنْدَغَفْلَةِ السَّاهِينَ.
قال المفضل بن عمر (3) سَأَلْتُ أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عَنِ الحَسَبِ ؟ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): المال. قَلْتُ : فَالْكَرَمُ ؟ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): التَّقوى. قُلْتُ : فَالسُّوْدَدُ (4) قَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : السَّحَاءُ وَيُحَكَ أما رَأَيْتَ حَاتِمَ طَيِّ (5) كَيْفَ سادَ قَوْمَهُ وَمَا كَانَ بِأجودِهِم مَوضِعاً (6).
ص: 373
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): المروة مُرُوتَانِ مُرُوةِ الحَضَرِ وَمُرُوةَ السَّفَرِ فَأَمَّا مُرُوةُ الحَضَرِ فَتِلاوَة القُرْآنِ، وَحُضورُ المَسَاجِدِ، وَ صُحْبَةُ أَهْلِ الخَيْرِ وَالنَّظَرُ في التَّفقه. وأما مُروةَ السَّفَرِ فَبَذَلُ الزَّادِ، وَ المزاح في غَيْرِ ما يُسْخِطُ اللّه وَقلَةُ الخِلاف عَلَى مَنْ صَحِبَكَ، وَ تَرْكُ الروايَةِ عَلَيْهِم إِذا أَنتَ فارقتهم.
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): أَعْلَمُ أَنَّ صَارِبَ عَلى (عَلَيهِ السَّلَامُ) بِالسَّيْفِ وَقَاتِلَهُ لَوِ الْتَمَنَنِي وَاسْتَنصحني وَ اسْتَشارَنِي ثمَّ قَبلْتُ ذَلِكَ مِنْهُ لَأ ديتُ إِلَيْهِ الأَمَانَةَ.
وقالَ سُفْيَانُ : قُلْتُ لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): يَجُوزُ أَنْ يُزَكِيَ الرَّجُلُ نَفْسَهُ ؟ قال : نعم إِذَا اضْطَرَّ إِلَيْهِ، أَمَا سَمِعْتَ قَولَ يُوسُفَ : «اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (1)»، وَقَوْلَ العَبْدِ الصَّالِح : «أنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أمين (2)».
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): أَوْحَى اللّه إلى داوُودَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): يا دَاوُدُ تُرِيدُ وَأُرِيدُ، فَإِنِ اكْتَفَيْتَ بِمَا أرِيدُ مما تُرِيدُ كَفَيْتُكَ مَا تُرِيدُ وَأنْ أبَيْتَ إِلَّا مَا تُرِيدُ أَتَعَبْتُكَ فِيمَا تُرِيدُ وَكَانَ مَا أُرِيدُ.
قال محمَّد بن قيس (3) سَأَلْتُ أبا عَبْدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عَنِ الفِئَتَيْنِ يَلْتَقِيانِ مِنْ أَهْلِ البَاطِلِ أبيهما السّلاحَ ؟ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : بعهما ما يُكنّهُمَا الدّرعَ وَالخَفَتانَ (4) وَالبَيْضَةَ وَنَحْوَذَلِكَ.
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): أربع لا تُجْزِي في أربع الخِيانَةُ وَالقُلُولُ وَالسَّرِقَةُ وَالرّبا لاتج تجري في حَج وَلا عُمرة. وَلا جهادٍ، وَلا صَدَقَةٍ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إنَّ اللّه يُعْطِي الدُّنيا مَنْ يُحِبُّ وَيُبْغِضُ وَلَا يُعْطِي الإيمَانَ إِلَّا أَهْلَ صَفْوَتِهِ مِنْ خَلْقِهِ.
ص: 374
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَنْ دَعَا النَّاس إِلى نَفْسِهِ وَفِيهِم مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ فَهُوَ مُبْتَدِعُ ضَالّ.
قيلَ لَهُ : ما كانَ في وصيّة لُقمان ؟ فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كانَ فِيهَا الأَعاجِيبُ وَكَانَ مِنْ أَعْجَبِ ما فيها أنْ قالَ لابْنِهِ : خَفِ اللّه خِيفَةً لَوْ جِئْتَهُ بِبرّ الثَّقَلَيْنِ لَعَذّبَكَ وَارْجُ اللّه رَجَاءَ لَوْجِئتَهُ بِذُنُوبِ الثَّقَلَيْنِ لَرَحِمكَ. ثمَّ قَالَ أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما مِنْ مُؤْمِنٍ إِلا وَفِي قَلْبِهِ نُورانِ : نُورُ خِيفَةٍ وَنُورُ رَجَاءٍ، لَوُوُزِنَ هذا لم يَزِدْ عَلى هَذَا وَلَووُزِنَ هَذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا.
قال أبو بصير : (1) سَألْتُ أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)سَأَلْتُ أَبا عَبْدِ اللّه عَن الإيمانِ ؟ فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الإيمانُ باللّه أن لا يعضى، قُلْتُ : فَمَا الإِسْلامُ، فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَنْ نَسَكَ نُسُكَنَا وَذَبَحَ ذَبِيحَتِنا. ؟
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ بِكَلِمَةِ هُدًى فَيُؤْخَذُ بِهَا إِلا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرٍ مَنْ أَخَذَ بها. ولا يَتَكَلَّمُ بِكَلِمَةٍ صَلالَةٍ فَيُؤْخَذُ بِها إِلا كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ أخذبها.
وقيلَ لَهُ : إِنَّ النَّصَارَى يَقُولُونَ : إِنَّ لَيْلَةَ الميلادِ فِي أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ مِنْ كَانُونَ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): كَذَبُوا، بَلْ فِي النَّصفِ مِنْ حَزيرانَ وَيَسْتَوِي اللَّيلُ وَالنَّهَارُ فِي النِّصْفِ من آذار.
و قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): كانَ إِسْمَاعِيلُ أكبر مِنْ إِسْحَاقَ بِخَمْسِ سِنِينَ. وكانَ الذبيح إسماعيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) أما تسمع قول إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (2)» إِنَّما سَأَلَ ربّه أَنْ يَرْزُقَهُ غُلاماً مِنَ الصَّالحينَ فَقَالَ فِي سُورَةِ الصَّافات (3) : «فَبَشَرنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ»، يَعْنِي إِسْمَاعِيلَ، قالَ : «وَ بَشَرنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ (4)»، فَمَنْ زَعَمَ أَنْ إِسْحَاقَ أكبَرُ مِنْ إسماعيل فقد كَذَّبَ بِمَا أَنزَلَ اللّه مِنَ الْقُرْآنِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): أَربَعَةٌ مِنْ أخْلاقِ الأَنْبِياءِ (عَلَيهِم السَّلَامُ) : البِرَّ وَالسَّخاءُ وَ الصَّبْرُ عَلَى النّائِبَةِ وَالِقِيامُ بحقِّ المُؤْمِنِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا تَعُدنَّ مُصِيبَةٌ أَعْطِيتَ عَلَيْهَا الصبر و استوجبت عليها من اللّه ثواباً بِمُصِيبَةٍ، إِنَّمَا المُصيبَةُ أَنْ يُحْرَمَ صَاحِبُها أجْرَها وَثَوَابَهَا إِذا لَمْ يَصْبِرْ عِندَ نُزُولِها.
ص: 375
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): إِنَّ للّه عِباداً مِنْ خَلْقِهِ فِي أَرْضِهِ يُفْزَعُ إِلَيْهِمْ فِي حَوائِجِ الدُّنيا وَالآخِرَةِ أولئِكَ هُمُ المُؤمِنُونَ حَقًّا، آمِنونَ يَوْمَ القِيامَةِ. أَلَا وَإِنَّ أَحَبُّ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى اللّه مَنْ أَعَانَ المؤْمِنَ الفقير مِنَ الفَقْرِ فِي دُنياهُ وَمَعَاشِهِ. وَمَنْ أَعَانَ وَنَفَعَ وَدَفَعَ المَكْرُوهَ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ.
وقال : إِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ وَالبِرَّ لَيُهوَّ نَانِ الحِسَابَ وَ يَعْصِمَانِ مِنَ الذُّنُوبِ، فَصِلُوا إِخْوَانَكُمْ وَبِرُوا إِخْوانَكُمْ وَلَوْ بِحُسْنِ السَّلَامِ وَرَدَّ الجَوابِ قالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ : دَخَلْتُ عَلَى الصَّادِقِ (1) فَقُلْتُ لَهُ : أَوْصِنِي بِوَصِيَّةٍ اللا أحْفَظها مِنْ بَعْدِكَ ؟ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): وتحفظ يا سُفيان : قلتُ : أَجَلُ يَا ابْنَ بِنْتِ رَسُولِ اللّه (2) قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): يا سفيان لا مُرُوةَ لِكَذوب. وَلَا رَاحَةَ لِحَسُودٍ. وَلَا إجَاةَ لملوك. وَلَا خُلَّةَ لِمُخْتَالٍ وَلا سُودَدَ لِسَبَى الخَلْقِ (3) ثمَّ أَمْسَكَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فَقُلْتُ : يَا ابْنَ بِنْتِ رَسُولِ اللّه زِدْنِي ؟ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): ياسفيانُ ثِقْ باللّه تَكُن عَارِفاً. وَارْضَ بِمَا قَسَمَهُ لَكَ تَكُنْ غَنِياً. صَاحِبُ بِمِثْلِ ما يُصاحِبُونَكَ به تردد إيماناً، وَلَا تُصَاحِبِ الفَاجِرَ فَيُعَلِمَكَ مِنْ فُجُورِه. وَشَاوِر فِي أَمْرِكَ الّذين يَخْشَوْنَ اللّه عَزَّ وَجَلَّ ثمَّ أَمْسَكَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فَقُلتُ : يَا ابْنَ بِنْتِ رَسُولِ اللّه زدني ؟ فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): يا سُفْيَانُ مَنْ أَرَادَ عِزَا بِلاسُلْطَانٍ وَكَثرَة بِلا إِخْوانِ وَهَيْبَةٌ بِلامَالٍ فَلْيَنتَقِلْ مِنْ دُلُّ مَعَاصِي اللّه إلى عِزَّ طَاعَتِهِ (4). ثمَّ أَمْسَكَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فَقُلْتُ : يَا ابْنَ بِنْتِ رَسُولِ اللّه زِدْنِي ؟ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا يا سفْيَانُ أَدَّبَنِي أَبِي (عَلَيهِ السَّلَامُ) بِثَلَاثٍ وَنَهَانِي عَنْ ثَلاتٍ (5) : فَأَما اللَّواتي أدبَنَى بِهِنَّ فَإِنَّه قال لي : يَا بُنَيَّ مَنْ يَصْحَبُ صاحِبَ السَّوْءِ لَا يَسْلَم. وَمَنْ لا يُقيّد ألفاظهُ يَنْدَم. وَمَن يَدْخُل مداخل السوء يتهم. قُلْتُ : يَا ابْنَ بِنتِ رَسُولِ اللّه فَمَا السَّلاتُ اللواتي نَهَاكَ عَنْهُنَّ ؟ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): نهاني أن أصاحِبَ حَاسِدَ نِعْمَةٍ وَشامِتاً بِمُصِيبَةٍ أَوْ حَامِلَ نَمِيمَةٍ.
ص: 376
وقال : ستة لا تكون في مؤمِن : العُسر. وَالنَّكْدُ (1) وَالحَسَدُ. وَالدَّجَاجَةُ وَالكِذَّبُ. وَالبَغْيُ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): المُؤمِنُ بَينَ مَخافَتَيْنِ : ذَنْبٌ قَد مضى لا يَدْرِي مَا يَصْنَعُ اللّه فِيهِ. وَعُمر قد بقي لا يدري ما يكتسببُ فِيهِ مِنَ المَهالِكِ، فَهو لا يصبحُ الا خائِفاً وَلا يُمْسِي إِلا خَائِفاً وَلا يُصلحُهُ إِلَّا الخَوْفُ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : مَنْ رَضِيَ بِالقَلِيلِ مِنَ الرِّزْقِ قَبلَ اللّه مِنْهُ اليَسِيرَ مِنَ العَمَلِ. وَ مَنْ رضي باليسير مِنَ الحَلالِ خَفَّتْ مَؤوَنَتُهُ وَزَكَتْ مَكْسَبَتْهُ وَخَرَجَ مِنْ حَد المَجْزَ.
وقالَ سُفْيَانُ النَّوْرِيُّ : دَخَلْتُ عَلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فَقُلْتُ : كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللّه ؟ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): واللّه إِنِّي لَمَحْرُونَ وَإِنِّي مَسْتَغِلُ القَلْبِ فَقُلْتُ لَهُ : وَمَا أَحْزَنَكَ ؟ وَمَا أَشْغَلَ قَلْبَكَ ؟ فَقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لي : يا ثَورِي إِنَّهُ مَنْ داخَلَ قَلْبَهُ صَافِي خَالِصِ دِينِ اللّه شغله عَمَّا سِواهُ يَاثَوْرِيُّ مَا الدُّنيا، وَمَا عَسَى أَنْ تَكُونَ، هَلِ الدُّنيا إِلَّا أَكْلُ أَكَلْتَهُ، أَوْ ثَوْب لَبَسْتَهُ، أَوْ مَرْكَبُ رَكِبْتُهُ، إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَطْمَئِنُّوا في الدُّنيا وَلَمْ يَأْمَنُوا قُدومَ الآخِرَةِ. دارُ الدُّنيا دَارُ زَوالٍ وَدَارُ الآخِرَةِ دَارُ قَرَارٍ، أَهْلُ الدُّنيا أَهْلُ غَفْلَةٍ. إِنَّ أَهْلَ التَّقْوى أخَفُّ أَهْلِ الدُّنيا مَوْوُنَةً وَأَكثَرُهُمْ مَعُونَةً، إِنْ نَسِيتَ ذَكَّرُوكَ وَ إِنْ ذَكَرَوكَ أعْلَموكَ فَأَنزل الدُّنيا كَمَنزلٍ نَزَلْتَهُ فَارْتَحَلْتَ عَنْهُ، أَوْ كَمَالٍ أَصَبْتَهُ فِي مَنَامِكَ فَاسْتَيْقَظَتَ وَلَيْسَ في يَدِكَ شَيْء مِنْهُ فَكَمْ مِنْ حَرِيصٌ عَلَى أَمْرٍ قَدَشَقِيَ بِهِ حِينَ أَتَاهُ، وَكَمْ مِنْ تَارِكِ لأمْرٍ قد سَعِدَ بِهِ حِينَ أَنَاهُ (2).
وَقِيلَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : مَا الدَّلِيلُ عَلَى الوَاحِدِ، فَقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما بالخلقِ مِنَ الحَاجَةِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لَنْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ حتّى تَعدُوا البَلاءَ نِعَمَةٌ وَالرَّحْاَءَ مُصِيبَةٌ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : المال أربعة آلاف واثنا عَشَرَ أَلْفَ درهم كَنرٌ، وَلَمْ يَجْتَمِعْ عِشْرُونَ أَلفاً مِنَ حَلالٍ. وَصَاحِبُ الثَّلاثين ألفاً هَالِكُ. وَلَيْسَ مِنْ شِيعَتِنَا مَنْ يَمْلِكُ مِائَةَ أَلْفِ درهم.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): من صحية يقين المرء المسلم أن لا يرضِيَ النَّاس بِسَخَطِ اللّه، وَلا يَحْمَدُهُم
ص: 377
عَلَى مَا رَزَقَ اللّه. وَلا يَلُومُهُمْ عَلَى مَالَمْ يُؤْتِهِ اللّه، فَإِنَّ رِزْقَهُ (1) لايَسُوقُهُ حِرْصُ حَرِيس وَلا يَرُدُّهُ كره كارِهِ. وَلَوْ أَن أَحَدَكُمْ فَرَّ مِنْ رِزْقِهِ كَمَا يَفِرْ مِنَ الْمَوْتِ لَأَدْرَكَهُ رِزْقُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ كَمَا يُدْرِكُهُ الموتُ.
و قالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): مِن شِيعَتِنا مَنْ لا يَعْدُو صَوْتُهُ سَمْعَهُ وَلَا شَحْتُهُ أُذُنه (2) وَلَا يَمتدح بنا معلناً (3). وَلا يُواصِلُ لَنَا مُبْغِضاً. وَلا يُخاصِمُ لَنا وَلِيّاً وَلا يُجالِسُ لَنا عَائِباً. قالَ لَهُ مَهزَم (4) : فَكَيْفَ أصْنَعُ بِهِؤلاء المتشيعة؟ (5) قالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): فِيهِمُ التَّمحِيصُ (6) وَفِيهِم التمييرُ وَفِيهِمُ التَّنْزِيلُ، تَأْتِي عَلَيْهِم سِنُونَ تَفْنِيهِم وَطاعُون يقتلهم. وَاخْتِلافٌ يُبَددُهُم. شِيعَتنا مَنْ لا یهرّ هَرِيرَ الكَلْبِ (7) وَلَا يَطْمَعُ طَمَعَ الغُرَابِ وَلَا يَسْأَلُ وَإِنْ مَاتَ جُوعاً. قُلْتُ: فَأَيْنَ أَطْلُبُ هؤلاء ؟ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): اطلبهم في أطرافِ الأَرْضِ أُولئِكَ الخَفِيضُ عَيْشُهُم (8)المُنتَقِلَةُ دارُهُمْ، الّذين إِنْ شَهِدُوا لَمْ يُعْرَفُوا وَ إِنْ غَابُوا لَمْ يَفْتَقَدُوا. وَ إِنْ مَرِضُوا لَمْ يُعادوا. وَإِنْ خَطَبُوا لَمْ يَزُوجُوا. وَإِنْ رَأَوا مُنكَراً أَنكَرُوا. وَإِن خَاطَبَهُمْ جَاهِلَ سَلموا وَإِنْ لَجَأ إِلَيْهِمْ ذُو الحَاجَةِ مِنْهُمْ رَحِوا. وَعِنْدَ المَوتِ هُمْ لا يَحْزَنُونَ. لَم تَخْتلِفٌ قُلُوبُهُمْ وَإِنْ رأيتهم اخْتَلَفَتْ بهم البلدان.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَنْ أَرادَ أَنْ يُطَوَّلَ اللّه عُمرَهُ فَلْيَقِمْ أَمْرَهُ. وَمَن أراد أن يَحْطَّ وِزْرَهُ فَليُرخِ ستره (9) وَمَنْ أراد أن يُرفع ذكرُهُ فَلْيَحْمِلُ أمره (10).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): ثَلَاثُ خِصَالٍ هُنَّ أَشَدُّ مَا عَمِلَ بِهِ العَبْدُ : إِنْصَافُ المُؤْمِنِ مِنْ نَفْسِهِ وَمُواساة
ص: 378
المرء لأخِيهِ. وَذِكْرُ اللّه عَلَى كلّ حالٍ. قيلَ لَهُ : فَما معنى ذكر اللّه عَلى كلّ حالٍ، قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): يَذْكُر اللّه عِندَ كلّ مَعْصِيَّةٍ يَهُم بِها فَيَحُولُ بَينَهُ وَبَينَ المَعصِيَةِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الهَمْرُ زِيادَةٌ في القُرْآن (1).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إيّاكم (2) والمزاح، فَإِنَّهُ يَجُرُّ السَّخْيمَةَ وَيُورِثُ الضَّغينَة وَهُوَ السب الأصفر.
وقال الحَسَنُ بْنُ رَاشِدِ (3) قالَ أَبُو عَبْدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): إِذا نَزَلَتْ بِكَ نازِلَةٌ فَلا تَشْكُها : إلى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الخِلافِ ولكن اذكرها لبعض إخْوانِكَ، فَإِنَّكَ لَنْ تَعْدَمَ خَصْلَةً مِنْ أرْبَعِ خِصَالٍ : إِمَّا كِفَايَةً وَإِمَّا مَعُونَةٌ بِجَاءٍ أَوْدَعْوَةَ مُسْتَجَابَة أَو مَشُورَة بِرَأي.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا تَكونَنَّ دَواراً في الأسواق وَلَا تَكُنْ شَرَاءَ دَقَائِقِ الأَشْيَاء بِنَفْسِكَ، فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لِلْمَرْءِ ذِي الحَسَبِ والدِّين أنْ يَليَ دَفَائِقَ الأَشْياءِ بِنَفْسِهِ (4) إِلَّا في ثلاثَةِ أَشْيَاءَ شراء العِقَارِ وَالرقيقِ وَالإِبِلِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا تكلم بما لا يعنيكَ وَدَع كَثِيراً مِنَ الكَلامِ فِيمَا يَعْنِيكَ حتّى تَجِدَ لَهُ موضعاً. فَرُبَّ مُتَكَلَّم تَكَلَّمَ بِالحَقِّ بِمَا يَعْنِيهِ في غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَتَعِبَ. وَلَا تُمَارِينَ سَفِيهَا وَلَا حليماً، فَإِنَّ الحَلِيمَ يَغْلِبُكَ وَالسَّفِية يُردِيكَ. وَاذكُر أَخَاكَ إِذَا تَغَيَّبَ بِأَحْسَنِ مَا تُحبُّ أَنْ يذكرك به إذا تغيبتَ عَنْهُ، فَإِنَّ هَذَا هُوَ العَمَلُ. وَاعْمَلَ عَمَلَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ مُجْرَى بِالإِحْسَانِ يَذْكُرَكَ مَأْخُوذُ بِالإجرام.
وقالَ لَهُ يُونُسُ (5): لَوِلا بي لَكُمْ وَمَا عَرَفَنِي اللّه مِنْ حَقَكُمْ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنيا
ص: 379
بحذافيرها. قالَ يُونُسُ : فَتَبَسَنتُ الغَضَبَ فِيهِ ثمَّ قَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): يَايُونُسُ قِسْتَنا بِغَيْرِ قِياسٍ مَاالدُّنيا وما فيها هَلْ هِيَ إِلا سَد فورةٍ، أَوْ سَتَر عَورَةٍ وَأنْتَ لَكَ بِمَحَبَّتِنَا الحَيَاةُ الدَّائِمَةُ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): يا شِيعَةَ آلِ محمدِ إنَّهُ لَيْسَ مِنا من لَم يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ وَلَم يُحْسِن صُحْبَةَ مَنْ صَحِبَهُ وَمُرافَقَةً مَنْ رَافَقَهُ وَمُصَالَحَةٌ مَنْ صَالَحَهُ وَمُخالَفَةَ مَنْ خَالَفَهُ. يَا شِيعَةَ آلِ محمَّد اتَّقُوا اللّه مَا اسْتَطَعْتُمْ وَلَا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا باللّه.
وقال عبد الأعلى (1) : كُنتُ في حَلْقَةٍ بالمدينة فَذَكَرُوا الجُودِ، فَأَكْثَرُوا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْها يكنى أبادَلَيْنِ : إِنَّ جَعْفَرَ أو إِنَّهُ لَوْلَا أَنَّهُ - ضَعَ يَدَهُ - فَقَالَ لِي أَبو عَبْدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) تَجالِسُ أَهْلَ المَدِينَةِ : قُلْتُ : نعم. قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): فما حدّثت بلغني ؟ فَقَصَصت عَلَيْهِ الحَدِيثَ، فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): وَيْحَ أبادُلَيْنِ إِنَّمَا مَثَلُهُ مَثَلُ الرِّيشَةِ تَمُرُّ بِهَا الرِّيحُ فَتُطَيرها (2). ثم قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): كلّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ وَأَفْضَلُ الصَّدَقَةِ صَدَقَةٌ عَنْ ظَهْرِ عَنِى (3) وَابْدَأ. بِمَنْ تَعُولُ. وَاليَدُ العُليا خَيْرٌ مِنَ السفلى. وَلا يَلُومُ اللّه عَلَى الكَفَافِ، أَتَظُنُّونَ أَنَّ اللّه بخيل وَتَرَوْنَ أَنَّ شَيْئاً أَجودُ مِنَ اللّه. إِنَّ الجَواد السَّيْد مَنْ وَضَعَ حَقَّ اللّه مَوْضِعَهُ، وَلَيْسَ الجَوادُ مَنْ يَأْخُذُ المالَ مِنْ غَيْرِ حِلِهِ وَيَضَعُ في غَيْرِ حَقِهِ أَمَا وَ اللّه إِنِّي لَأَرْجُو أَن أَلْقَى اللّه وَلَمْ أَتَناول ما لا يحل بي وَمَا وَرَدَ على حق اللّه إِلَّا أَمْضَيتُهُ وَمَا بِت لَيْلَةٌ قَط وَلِلَّهِ فِي مَا لِي حَقٌّ لَم أَوده.
ص: 380
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لارضاع بعدَ فِطامٍ (1) وَلا وِصَالَ فِي صِيَامٍ وَلَا يتم بَعْدَ احْتِلامٍ. وَلا صَمْتَيَوْمِ إِلى اللَّيْلِ. وَلا تَعَرَّبَ بعد الهجرة (2) وَلا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ. وَلا طَلاقَ قَبلَ النِّكَاحِ. وَلا عِشقَ قَبْلَ مِلْكِ. وَلا يَمِينَ لِوَلَدٍ مَعَ وَالِدِهِ (3) وَلَا لِلْمَمْلُوكِ مَعَ مَوْلاهُ وَلَا لِلْمَرأَة مَعَ زَوْجِهَا. وَلا نَذر في مَعصِيَةٍ وَلا يَمينَ فِي قَطِيعَةٍ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لَيْسَ مِنْ أحد - وإن ساعَدَتْهُ الأُمُور - بِمُسْتَخْلِصِ غَضَارَةَ عَيْشٍ (4) إِلا مِنْ خِلالٍ مَكْرُوهِ. وَمَنِ انْتَظَرَ بِمُعَاجَلَةِ الفُرْصَةِ مُوْاجَلَةَ الاِسْتِقْصَاءِ (5) سَلَبَتْهُ الأَيامُ فُرْصَتَهُ لأنَّ مِنْ شَأْنِ الأيامِ السَّلْبَ وَسَبِيلَ الزَّمَنِ الفَوْتُ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): المَعرُوفُ زَكاةُ النِّعَمِ. وَالسَّفاعَةُ زَكاةُ الجَاهِ. وَالعِلَلُ زَكَاة الأبدان. والعفو زَكاةُ الظَّفَرِ. وما أديَتْ زَكاتُهُ فَهُوَ مَأمُونُ السّلب.
وكان (عَلَيهِ السَّلَامُ) يَقُولُ عِنْدَ المُصِيبَةِ : «الْحَمْدُ للّه الّذي لَمْ يَجْعَلْ مُصِيبَتِي فِي دِينِي وَالْحَمْدُلِلهِ الّذي لَوْشَاء أَنْ تَكُونَ مُصِيبَتِي أَعْظَمَ ممَّا كَانَ كَانَتْ وَالحَمْدُ للّه عَلَى الأَمْرِ الّذي شاء أن يَكون وَكانَ».
ص: 381
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): يقولُ اللّه : مَنِ اسْتَنقَذَ حَيْراناً مِنْ حَيْرَتِهِ سَميتُهُ حَميداً، وَ أَسْكَنتَهُ جنّتي (1).
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): إِذا أَقْبَلَتْ دُنْيَا قَوْمٍ كُسُوا مَحاسِنَ غَيْرِهِمْ وَإِذَا أَدْبَرَتْ سَلِبُوا مَحَاسَنَ أنفُسِهِمْ (2).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : البَناتُ حَسَنَاتُ وَالبَنونَ نِعَمَ، فَالحَسَنَاتُ تُتَابُ عَلَيْهِنَّ وَالنِّعْمَةُ تسأل عنها.
ص: 382
وروى عن الامام الكاظم الامين ويكنّى أبا الحسن موسى بن جعفر (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) في طوال هذه المعاني
ياهشامُ بنُ الحَكَمِ إِنَّ اللّه عَزَّوَجَلَّ أَكْمَلَ لِلنَّاسِ (1) الحُجَجَ بِالعُقُولِ وَأَفْضَى إليهم بالبيانِ وَدَلَّهُمْ عَلَى رُبُوبِيَتِهِ بِالأدلّاء، فقال : «وَ إلهكم إله واحِدٌ لا إله إلا هو الرحمن الرَّحِيمُ (2)»، «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، - إلى قَوْلِهِ - لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (3)». يَا هِشَامُ قَدْ جَعَلَ اللّه عَزَّ وَ جَلَّ ذَلِكَ دَلِيلاً عَلَى معرفته بأن لَهُ بأن لهم مُدَبِّرًا، فَقَالَ : «وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4)» وَقالَ : «حم * وَالكِتابِ المبين * جَعَلْناه قرآناً عَرَبِمَا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (5)»، وَقَالَ : «وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ البَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (6)».
يَا هِشَامُ ثمَّ وَعَظَ أَهْلَ العَقْلِ وَرَغْبَهُمْ فِي الآخِرَةِ فَقَالَ : «وَمَا الحَيوةُ الدُّنيا إِلَّا لَعِب ولهو وللدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (7)». وَقالَ : «وَمَا أُوتِيتُم مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الحَياةِ الدُّنيا وَزِينَتَها وَمَا عِنْدَ اللّه خَيْرٌ وَ أَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ (8)».
يا هشامُ ثمَّ خَوَّفَ الّذين لا يَعْقِلُونَ عَذَابَهُ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: «ثمَّ دَمَّرْ نَا الآخَرِينَ وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (9)».
يا هِشَامُ ثمَّ بَيَّنَ أَنَّ العَقَلَ مَعَ العِلْمِ فَقَالَ : «وَتِلْكَ الأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إلّا العَالَمُون (10)».
نا هِشَامُ ثمَّ دَمُ الّذين لا يَعْقِلُونَ فَقَالَ : «وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (11)»، وَقالَ : «إِنَّ
ص: 384
شَرَّ الدَّوابِّ عِنْدَ اللّه الصُّمُّ البُكْمُ الّذين لا يَعْقِلُونَ (1)». وَقالَ : «وَلَئِن سَأَلتهم مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللّه قُلِ الْحَمْدُ للّه بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (2)».
ثمَّ دَمَ الْكَثِرَةَ فَقَالَ : «وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللّه (3)» وقالَ : «وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ» (4). «وَأَكثرهم لا يشعُرُونَ (5)».
يا هشام ثمَّ مَدَحَ القِلّة فَقَالَ : «وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ (6)». وَقَالَ : «وَقَلِيلٌ ما هم (7)». وَقَالَ : «وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (8)».
يا هشامُ ثمَّ ذَكَرَ أُولِي الألْبَابِ بِأَحْسَنِ الذِّكْرِ وَحَلّاهُمْ بِأَحْسَنِ الحِلْيَةِ، فَقَالَ : «يؤتي الحكمة مَن يَشَاءُ وَ مَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فقد أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيراً وَمَا يَذَّكَرُ إِلَّا يُؤْتِي أولوا الألباب (9)» : يا هشام إن اللّه يَقُولُ : «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ (10)». يعني العَقْلَ. وَقَالَ : «وَلَقَدْ آتَيْنَا القُمانَ الْحِكْمَةَ (11)»، قالَ : الفَهمَ وَالعَقْلَ.
ص: 385
يا هشام إِنَّ لُقْمَانَ قَالَ لِابْنِهِ : «تَوَاضَعَ لِلْحَقِّ تَكُنْ أَعْقَلَ النَّاس (1). يابني إِنَّ الدُّنيا بحر عميق قَدْ غَرِقَ فِيهِ عَالَم كَثِيرٌ فلتكن سفينتكَ فِيها تَقْوَى اللّه وَحَشْوُهَا الإيمان (2) وَشِرَاعُهَا التَّوَكُلَ وَقَيِّمُهَا العَقْلَ. وَدَليلُها العِلْمَ وَسُكَّانُهَا الصَّبْرَ».
ياهِشَامُ لِكُلِّ شَيْءٍ دَلِيلٌ وَدَلِيلُ العَاقِلِ التَّفَكُرُودَلِيلُ التَّفَكُرِ الصَّمْتُ. وَلِكُلِّ شَيْءٍ مَطِيَّةٌ وَعَطِيَّةُ العَاقِلِ التَّواضُعُ (3) وَكَفَى بِكَ جَهلاً أنْ تَرْكَبُ ما نهيت عَنْهُ.
يا هِشَامُ لَوْ كَانَ في يَدِكَ جَوْزَةٌ وقَالَ النَّاس [ في يَدِكَ ] لُؤْلُوةٌ مَا كَانَ يَنْفَعُكَ وَأَنتَ تَعْلَمُ أَنَّهَا جَوْزَةٌ. وَلَوْ كَانَ فِي يَدِكَ لُؤْلُوةُ وَ قالَ النَّاس : إِنَّهَا جَوزَة مَا ضَرَّكَ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّها لُوْلُوةُ.
يا هشام ما بَعَثَ اللّه أَنبياءهُ وَرُسُلَهُ إِلَى عِبَادِهِ الّا لِيَعْقِلُوا عَنِ اللّه، فَأَحْسَنَهُم استجابة أَحْسَنُهُم مَعْرِفَةٌ للّهِ، وَأَعْلَهُمْ بِأَمْرِ اللّه أَحْسَنَهُمْ عَقلا. وَ أَعْقَلَهُمْ (4)أَرفعهم دَرَجَةً فِي الدُّنيا والآخرة.
يا هِشَامُ مَا مِنْ عَبْدٍ إِلَّا وَمَلَكَ آخِذ بِنَاصِيَتِهِ، فَلا يَتَواضَعُ إِلَّا رَفَعَهُ اللّه ولا يتعاظم إِلَّا وَضَعَهُ اللّه.
يا هِشَامُ إِنَّ للّه عَلَى النَّاس حُجتَينِ حُجَّة ظاهِرَةٌ وَحُجَّةٌ باطِنَةٌ، فَأَما الظَّاهِرَةُ فَالرُّسُلُ وَالأنبياء والأئمَّة. وأما الباطنة فَالعُقُولُ.
ياهِشَامُ إِنَّ العَاقِلَ، الّذي لا يَشْغَلُ الحَلَالُ شَكْرَهُ وَلَا يَغْلِبُ الحَرامُ صَبَرَهُ.
يا هِشَامُ مَنْ سَلَّطَ ثَلاثاً عَلَى ثَلاثٍ فَكَأَنَّمَا أَعَانَ هَواهُ عَلَى هَدْمِ عَقلِهِ : مَنْ أَظْلَم نُوَرفِكْرِه (5) بِطُولِ أَمَلِهِ. وَمَحَا طَرَائِفَ حِكْمَتِهِ بِفُضُولِ كَلامِهِ. وَأَطفَا نُورَ عِبَرَتِهِ بِشَهَوَاتِ
ص: 386
نَفْسِهِ، فَكَأَنَّمَا أَعَانَ هَوَاهُ عَلَى هَدَمٍ عَقْلِهِ. وَمَنْ هَدَمَ عَقْلَهُ أَفْسَدَ عَلَيْهِ دِينَهُ وَدُنْيَاهُ.
یا هِشَامُ كَيْفَ يَرْكُوعِندَ اللّه عَمَلَكَ وَ أَنتَ قَدَشَغَلْتَ عَقَلَكَ عَنْ أَمْرِ رَبِّكَ وَأَطَعْتَ هَواكَ عَلَى غَلَبَةِ عَقلِكَ.
يا هشام الصَّبْرُ عَلَى الوَحدَةِ عَلامَةُ قُوَّةِ العَقلِ، فَمَنْ عَقَلَ عَنِ اللّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى اعْتَزَلَ أَهْلَ الدُّنيا وَالرَّاعِينَ فِيهَا، وَرَغِبَ فِيمَا عِندَ ربّه [وَكَانَ اللّه ] آنِسَهُ فِي الوَحْشَةِ وَصَاحِبَهُ فِي الوَحْدَةِ. وَغِناهُ فِي العَيلَةِ ومعزه في غيرِ عَشِيرَة (1).
يا هِشَامُ نُصِبَ الخَلْقُ لِطَاعَةِ اللّه (2). وَلا تَجاةَ إِلَّا بِالطاعة، والطاعة بالعِلم. والعلم بالتعلم. وَالتَّعْلَمُ بِالعَقْلِ يُعْتَقَدُ (3). وَلا عِلْمَ إِلَّا مِنْ عَالِمٍ رَبَّانِيِّ. وَمَعْرِفةٌ العالم بالعقل.
ياهِشَامُ قَلِيلُ العَمَلِ مِنَ العَاقِلِ مَقْبُولُ مُضَاعَفٌ. وَكَثِيرُ العَمَلِ مِنْ أَهْلِ الهَوى والجَهْلِ مَردود.
يا هشام إِنَّ العَاقِلَ رَضِيَ بِالدُّونِ مِنَ الدُّنيا مَعَ الحِكْمَةِ. وَلَمْ يَرْضَ بِالدُّونِ مِنَ الحِكْمَةِ مَعَ الدُّنيا، فَلِذلكَ رَبِحَتْ تِجَارَتُهُم.
يا هشام إنْ كانَ يُغنيك ما يكفيك فأدنى ما في الدُّنيا يَكفِيكَ. وَإِنْ كَانَ لا يغنيك ما يكفيكَ فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الدُّنيا يُغنيك.
يا هشام إنَّ العُقَلاة تركوا فضول الدُّنيا فَكَيفَ الذُّنُوبُ. وَتَرْكُ الدُّنيا مِنَ الفَضْلِ وَتَركُ الذُّنوبِ مِنَ الفَرْض (4).
يا هشام إنَّ العقلاء زَهَدُوا فِي الدُّنيا وَرَغِبوا في الآخِرَةِ. لأنهم علِمُوا أَنَّ الدُّنيا طالبة ومطلوبةٌ وَالآخِرَةَ طالبة ومطلوبةٌ (5)، فمن طَلَبَ الآخِرَةَ طَلَبَتْهُ الدُّنيا حتّى
ص: 387
يستوفي مِنها رِزْقَهُ وَمَنْ طَلَبَ الدُّنيا طَلَبَته الآخِرَة فَيَأْتِيهِ المَوتُ فَيَفْسِدُ عَلَيْهِ دنياهُ وَ آخِرَتَهُ.
ياهِشام مَنْ أرادَ الغني بلا مالٍ وَراحَةَ القَلبِ مِنَ الحَسَدِ وَالسَّلَامَةَ فِي الدِّين فَلْيَتَضَرَّعَ إِلَى اللّه في مَسْأَلَتِهِ بِأَنْ يُكَمِلَ عَقَلَهُ، فَمَن عقلَ فَنَعَ بِما يَكفِيهِ وَمَنْ قَنَع بِمَا يَكْفِيهِ استغنى وَمَنْ لَمْ يقنع بِمَا يَكْفِيهِ لَمْ يُدْرِكِ الغِنى أبداً.
يا هِشَامُ إِنَّ اللّه جَلَّ وَعَزَّ حَكَى عَنْ قَوْمٍ صَالِحِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا : «ربَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ (1)»، حينَ عَلِمُوا أَنَّ القُلُوبَ تَزيغُ وَتعود إلى عماها وَرَدَاهَا (2) إِنَّهُ لَّمْ يَخَفِ اللّه مَنْ لَمْ يَعْقِلُ عَنِ اللّه وَمَنْ لَمْ يَعْقِلْ عَنِ اللّه لَم يَعْقِدْ قَلْبُهُ عَلَى مَعرِفَةٍ ثابتة يُبْصِرُها وَيَجِدُ حَقِيقَتَها فِي قَلْبِهِ. وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ كَذلِكَ إِلَّا كَانَ قَوْلُهُ لِفِعْلِهِ مُصَدَّقاً، وَسِرُّهُ لِعَلَانِيَتِهِ، مُوافِقاً، لأنَّ اللّه لَم يَدُلُّ لم يدل (3) عَلَى الباطن الخَفِي مِنَ العَقْلِ إِلَّا بِظَاهِرِ مِنْهُ وَ نَاطِقٍ عَنْهُ.
يا هشام كانَ أَمِيرُ المؤْمِنِينَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يَقُولُ : مَا مِنْ شَيْءٍ عُبِدَ اللّه بِهِ (4) أَفَضَلَ مِنَ العَقْلِ. وَمَاتَم عَقَلُ امْرِءٍ حتّى يَكُونَ فِيهِ خِصال شتى، الكفر والشَّرْمِنْهُ مَأْمُونَانِ (5) وَالرُّشْدُ، وَالخَيْرُ مِنْهُ مَأمُولان (6). وفَضْلُ مَالِهِ مَبْدَولُ. وَفَضَلُ قَوْلِهِ مَكْفُوفُ نَصِيبُهُ مِنَ الدُّنيا القوتُ. ولا يشبع مِنَ العِلْمِ دَهْرَهُ الذُّلُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مَعَ اللّه مِنَا وَالتَّواضُع أحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الشَّرَفِ. يَسْتَكِيرُ قَليلَ الْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِهِ وَيَسْتَقِل كَثِير المعروفِ مِنْ نَفْسِهِ. وَيَرَى النَّاس كُلَّهُمْ خَيْراً مِنْهُ وَأَنَّهُ شَرَّهُم فِي نَفْسِهِ وَهُوَ تَمامُ الأمر (7).
ياهِشَامُ مَنْ صَدَقَ لِسَانَهُ زَكَى عَمَلَهُ. وَمَن حَسَنَتْ نِيتَهُ زِيدَ فِي رِزْقِهِ. وَمَنْ حَسُنَ بِرَّهُ بِإِخْوَانِهِ وَأَهْلِهِ مُدَّ فِي عُمرِه.
ص: 388
يا هشام لا تمنحوا الجمال الحِكْمَةَ فَتَظْلِمُوها (1)، ولا تمنعوها أهلها فتظلِمُوهُم.
يا هِشَامُ كَمَا تَرَكُوا لَكُمُ الحِكْمَةَ فَاتْرُكُوا لَهُمُ الدُّنيا (2).
يا هشام لادِينَ لِمَنْ لَا مُرُوةَ لَهُ. وَلَا مُرُوةَ لِمَنْ لاعَقَلَ لَهُ وَإِنَّ أَعْظَمَ النَّاس قَدْراً الّذي لايَرَى الدُّنيا لِنَفْسِهِ خَطَراً (3)، أما إنَّ أَبْدَانَكُمْ لَيْسَ لَها نَمَنْ إِلَّا الجنّة، فَلا تبيعوها بغيرها. (4)
يا هِشَامُ إِنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) كَانَ يَقُولُ (5) : «لا يجلس فِي صَدْرِ المَجْلِسِ الْأَرَجُلُ فيه ثلاث خصالٍ : يُجيبُ إِذا سُئِلَ وَيَنْطِقُ إِذا عَجَزَ القَوْمُ عَنِ الكَلَامِ، وَيُشِيرُ بِالرَّأْيِ الّذي فيه صلاح أهلِهِ، فَمَنْ لَمْ يَكُن فِيهِ شَيْءٍ مِنْهُنَّ فَجَلَسَ فَهُوَ أَحَقُ،. وَقَالَ الحَسَنَ مِنْ عَلَى (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) : «إِذا طَلَبْتُمُ الحَوائِجَ فَاطْلُبُوها من أهلها»، قيل : يَا ابْنَ رَسُولِ اللّه وَمَنْ أَهْلُها؟ قالَ: «الّذين قَصَّ اللّه في كِتَابِهِ وَذَكَرَهُمْ»، فَقَالَ : (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (6)) قال : «هم أولوا العقولِ»، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) : «مُجالَسَةُ الصَّالِحِينَ دَاعِيَةٌ إلى
ص: 389
الصَّلاح. وَأَدَبُ العَلَمَاءِ (1) زِيَادَةٌ في العَقلِ. وَطاعَةُ وَلَاةِ العَدْلِ تَمامُ العِزَّ وَاسْتِثْمَارُ المالِ (2) تَمَامُ المُرُوةِ. وَإِرشاد المُسْتَشِيرِ قَضَاء لِحَقِّ النِّعْمَةِ. وَكَفَ الأَدَى مِنْ كَمَالِ العَقْلِ وفِيهِ رَاحَةُ البَدَنِ عَاجِلا وَ آجِلا.
يا هشام، إن العاقل لا يُحَدِّثُ مَنْ يَخَافُ تَكْذِيبَهُ. وَلا يَسأَلُ مَنْ يَخَافُ مَنْعَهُ، وَلا يَعِدُ مَا لا يَقْدِرُ عَلَيْهِ. وَلَا يَرْجُو مَا يُعَنَّفُ بِرَجامِهِ (3) وَلَا يَتَقَدَّمُ عَلَى مَايَخَافُ العَجْزَ عنه (4). و كان أمير المؤمِنِينَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يُوصِي أَصْحَابَهُ يَقُولُ : «أُوصِيكُمْ بِالْخَشْيَةِ مِنَ اللّه فِي السِّرِّ وَ العَلانِيَةِ، وَالعَدْلِ فِي الرِّضَا وَالغَضَبِ. والاكتساب فِي الفَقْرِ وَالغِنى. وَأَنْ تَصِلوا مَنْ قَطَعَكُمْ. وَتَعْفُوا عَمَّنْ ظَلَمَكُمْ. وَتَعْطِفُوا (5) عَلَى مَنْ حَرَّمَكُمْ وَلْيَكُنْ نَظَرُكُمْ عبراً. وَصَمْتُكُمْ فِكْراً. وَقَولُكُم ذكراً وَطَبيعتكُمُ السَّخاء (6)، فَإِنَّهُ لا يَدْخُلُ الجنّة بخيل وَلَا يَدْخُلُ النَّارَسَخِي».
يا هشام رَحِمَ اللّه مَن اسْتَحْيا مِنَ اللّه حَقَّ الحَياءِ، فَحَفِظَ الرَّأْسَ وَما حوى (7) وَالْبَطْنَ وَماوَعى. وَذَكَرَ المَوْتَ وَالبِلى. وَعَلِمَ أَنَّ الجنّة مَحْفُوفَةٌ بِالمَكارِهِ (8). وَالنَّارَ مَحفُوفَةٌ بالشَّهَوَاتِ.
ص: 390
يا هِشَامُ مَنْ كَفَ نَفْسَهُ عَنْ أَعْرَاضِ النَّاس أقالَهُ اللّه عَشْرَتَهُ يَوْمَ القِيامَةِ. وَمَن كَفَ غَضَبَهُ عَن النَّاس كَفَ اللّه عَنْهُ غَضَبَهُ يوم القيامة.
يا هشام إنَّ العاقِلَ لا يَكْذِبُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ هَوَاهُ.
ياهشامُ وُجِدَ فِي ذُوابَةِ (1) سَيْفِ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): إِنَّ أَعْتَى النَّاس عَلَى اللّه مَنْ ضَرَبَ غَيْرَ ضَارِ بِهِ وَقَتَلَ غَيْرَ قَاتِلِهِ. وَمَنْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوالِيهِ فَهُوَ كَافِرُ بِمَا أَنزَلَ اللّه عَلَى نَبِيَّهِ محمَّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وَمَنْ أحْدَثَ حَدَثَا (2)، أو آوى مُحْدِثَا لَمْ يَقْبَلِ اللّه مِنْهُ يَومَ القِيامَةِ صَرْفاً ولا عدلاً.
يا هشام أفضل ما يتقرب به العبد إلى اللّه بعد المعرفة به الصلاة وبر الوالدين وترك الحَسَدِ وَالعُجب والفخر.
يا هِشَامُ أَصْلَحُ أَيَّامِكَ الّذي هُوَ أَمَامَكَ، فَانْظُرْ أَي يَوْمٍ هُوَ وَأَعِدَّ لَهُ الجَوابَ، فَإِنَّكَ مَوْقُوفٌ وَمَسْؤُولٌ وَخُذْ مَوْعِظَتَكَ مِنَ الدَّهْرِ وَأَهْلِهِ، فَإِنَّ الدَّهْرَ طَويلَةٌ قَصِيرَةٌ فَاعْمَلَ كَأَنَّكَ تَرى تَوابَ عَمَلِكَ لِتَكُونَ أَطْمَعَ في ذلِكَ. وَاعْقِلُ عَنِ اللّه وَانْظُرُ (3) في تَصَرُّفِ الدَّهْرِ وَ أَخْوالِهِ، فَإِنَّ مَا هُوَ آتِ مِنَ الدُّنيا، كَمَا وَلَى مِنْهَا، فَاعْتَبِرُ بِها. وقالَ عَلِيٌّ ابنُ الحُسَيْنُ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) : «إِنَّ جَمِيعَ ما طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ فِي مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغادِيها بَحْرِهَا وَبَرَهَا وَ سَهْلِها وَ جَبَلِها عِندَ وَلِيٌّ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللّه وَأَهْلِ المَعرِفَةِ بحقِّ اللّه كَفَييء الظَّلالِ - ثمَّ قَالَ -: أَوَلاحُرِّ يَدَعُ [ هَذِهِ ] الأَمَاظَةَ لِأَهْلِها (4). - يعني الدُّنيا - فَلَيْسَ لأَنفُسِكُمْ تَمَنْ إِلَّا الجنّة فَلا تبيعوها بِغَيْرِها، فَإِنَّهُ مَنْ رَضِيَ مِنَ اللّه بِالدُّنَيَا فَقَدْ رَضِيَ بالخسيس».
ص: 391
يلهشام إنَّ كلّ النَّاس يُبْصِرُ النُّجُومَ وَلكِنْ لَا يَهْتَدِي بِها إِلَّا مَنْ يَعْرِفُ مَجارِيها وَمَنَازِلَها. وَكَذَلِكَ أَنتُمْ تَدْرُسُونَ الحِكْمَةَ وَلكِنْ لَا يَهْتَدِي بِهَا مِنْكُمْ إِلَّا مَنْ عَمِلَ بِهَا.
يا هشام إن المسيح قال للحواريين : «يا عَبِيدَ السَّوْءِ يَهُولُكُمْ طُولُ النَّخْلَةِ (1) وَتَذْكُرُونَ شَوكَهَا وَمَوْدُنَةَ مَراقِيها وَتَنْسَوْنَ طِيبَ ثَمَرِها وَمَرافقها (2). كَذلِكَ تَذْكُرُونَ مَؤُونَةً عَمَلِ الآخِرَةِ فَيَطُولُ عَلَيْكُمْ أَمَدُهُ (3) وَتَنْسَوْنَ مَا تَقْضُونَ إِلَيْهِ مِنْ نَعِيمِها وَنَوْرِها ثمرها. ياعبيد السَّوءِ تقُوا القَمْحَ وَطَيِّبُوهُ وَادِقُوا طَعْنَهُ تَجِدُوا طَعَمَهُ وَيَيْكُمْ أَكَلَهُ، كَذلِكَ فَأَخْلِصُوا الإيمَانَ وَأَكْمِلُوهُ تَجِدُوا حَلاوَتَهُ وَيَنْفَعَكُمْ غِبُهُ (4)، بحقِّ أَقُولُ لَكُمْ: لو وجدتُم سِراجاً يَتَوَقَدُ بِالقَطْرانِ (5) في لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ لَاسْتَضَاتُم بِهِ وَلَمْ يَمْنَعكُمْ مِنْهُ ريح نتيه. كَذَلِكَ يُنبَغِي لَكُم أَنْ تَأْخُذُوا الحِكْمَةَ مِنْ وَجَدْتُمُوهَا مَعَهُ وَلَا يَمْنَعْكُمْ مِنْهُ سوء رَغْبَتِهِ فِيهَا. يَا عَبِيدَ الدُّنيا بحقِّ أَقُولُ لَكُمْ : لَا تُدْرِكُونَ شَرَفَ الآخِرَةِ إِلَّا بِتَركِ ما تُحِبُّونَ، فَلا تُنْظِرُوا بِالتَّوْبَةِ غَداً، فَإِنَّ دُونَ غَدٍ يَوْماً وَلَيْلَةً وَقَضَاءَ اللّه فِيهِمَا (6) يَعْدُوا ويروح يحقِّ أَقولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ دَينْ مِنَ النَّاس أَرْوَحُ وَأَقَلَ هَمَا ممَّن عَلَيْهِ الدِّين وَإِنْ أَحْسَنَ القَضَاءَ وَكَذلِكَ مَنْ لَمْ يَعْمَلِ الخَطِيئَة أروحُ هَمَا مَنْ عَمِلَ الخَطِيئَةَ وَإِنْ أَخَلَصَ التَّوْبَةَ وَأَنَابَ. وَإِنَّ صِغَارَ الذُّنُوبِ وَمُحَقَراتِها (7) مِنْ مَكَائِدِ إِبْلِيسَ، يُحَقِّرُها لَكُم وَيُصَغْرُها في أعينكم فتجتمع وتكثر فتحِيطُ بكم. بحقِّ أقولُ لَكُمْ: إِنَّ النَّاس فِي الحِكْمَةِ رَجُلانِ : فَرَجُلٌ أتقنها بقولِهِ وَصَدَّقَهَا بِفِعْلِهِ، وَرَجُلٌ أتقنها بِقُولِهِ وَضَيعها بِسُوء فعله،
ص: 392
فَشتّان بينهما، فَطُوبى لِلْعَلَمَاءِ بِالْفِعْلِ وَوَيْلٌ لِلْعَلَمَاءِ بِالقَولِ. يَا عَبِيدَ السَّوْءِ اتَّخِذُوا مَسَاجِدَ رَبِّكُمْ سُجونا لأجسادِكُمْ وَجَاهِكُم. واجْعَلُوا قلوبكم بيوتا للتقوى ولا تجعلوا قلوبكم مأوى لِلشَّهَوَاتِ، إِنَّ أَجْزَعَكُمْ عِنْدَ البَلَاءِ لَأَشَدُّ كُم حُبّ لِلدُّنيا. وَإِنَّ أَصْبَرَكُم عَلَى البَلاءِ لأَزْهَدُكُم في الدُّنيا. ياعبيد السَّوْءِ لا تَكُونُوا شبيهاً بِالحِداءِ الخَاطِفَةِ(1) وَلَا بِالثَّعَالِب الخادِعَةِ وَلا بِالدَّعابِ الغَادِرَةِ وَلا بالأسدِ العَاتِيَةِ كَمَا تَفْعَلُ بِالفَرائِسِ(2). كَذَلِكَ تَفْعَلُونَ بالنّاسِ، فَرِيقاً تَحْطِفُونَ وَفَرِيقاً تخدعُونَ وَفَرِيقاً تَغدِرُونَ بِهِمْ(3). بحقِّ أقول لكم : لا یغني عن الجَسَدِ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرُهُ صَحِيحا وَ بَاطِنُهُ فَاسِداً. كَذَلِكَ لا تُعْنِي أَجْسَادُكُمْ الّتي قد أعجبتكم وقد فَسَدَتْ قُلُوبُكُمْ. وما يغني عنكُمْ أَن تُنقوا جُلُودَكُمْ وَقُلُوبُكُم دَنِسَةٌ. لا تَكُونُوا كَالمُنْخَلِ (4) يُخْرِجُ مِنْهُ الدَّقيقَ الطَّيِّبَ وَيُمْسِكُ النَّخَالَةَ. كَذَلِكَ أَنتُمْ تُخْرِجُونَ الحِكْمَةَ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ وَيَبْقَى الغِلُّ في صُدُورِكُم. يَا عَبِيدَ الدُّنيا إِنَّما مَثْلُكُمْ مَثَلُ اسْرَاحِ يُضيِي لِلنَّاسِ وَيُحْرِقُ نَفْسَهُ. يا بني إسرائيلَ زَاحِموا الْعَلَمَاءَ فِي مَجالِسِهِمْ وَلَوْ جُثّوا عَلَى الرَّكَب (5)، فَإِنَّ اللّه يُحْيِي الْقُلُوبَ المينَةَ بِنُورِ الحِكْمَةِ كَمَا يُحْيِي الْأَرْضَ المَيْتَةَ بِوابِلِ المَطَرِ (6)».
يا هشامُ مَكْتُوبُ فِي الإِنْجِيلِ : «طُوبَى لِلْمُتَرَاحِمينَ، أُولئِكَ هُمُ المَرْحُومُونَ يَوْمَ القِيامَةِ طُوبَى لِلْمُصْلِحِينَ بَينَ النَّاسِ، أُولئِكَ هُمُ المُقَرَّبُونَ يَوْمَ القِيامَةِ. طُوبَى لِلْمُطَهَّرَةِ قُلُوبُهُمْ،
ص: 393
أولئِكَ هُم المتقونَ يَوْمَ القِيامَةِ. طُوبَى لِلْمُتَوَاضِعِينَ فِي الدُّنيا، أُولَئِكَ يَرْتَقُونَ مَنَابِرَ المُلكِ يوم القيامة».
باهِشَامُ قِلَةُ المَنْطِقِ حُكُمْ عَظِيمٌ، فَعَلَيكُم بِالصَّمْتِ، فَإِنَّهُ دَعَةٌ حَسَنَةٌ وَقِلَهُ وِزْرٍ وَخِفَّةٌ مِنَ الذُّنُوبِ، فَحَصَنُوا بَابَ العِلْمِ، فَإِنَّ بَابَهُ الصَّبْرُ. وَإِنَّ اللّه عَزَّ وَجَلَّ يُبْغِضُ مِنْ غَيْرِ عَجَب وَالمَشَاءَ إِلى غَيْر أَرَب (1) وَيَجِبُ عَلَى الْوَالِي أَنْ يَكُونَ كَالرَّاعِي لا يغفل عن رعيته ولا يتكبرُ عَلَيْهِمْ. فَاسْتَحْيُوا مِنَ اللّه فِي سَرَائِرِكُمْ، كَمَا تَسْتَحْيُونَ مِنَ النَّاس في عَلانِيَتِكُمْ. وَاعْلَمُوا أَنَّ الكَلِمَةَ مِنَ الحِكمة ضالة المؤْمِنِ، فَعَلَيْكُم بِالْعِلْمِ قبل أن يُرْفَعَ وَرَفَعَهُ غَيْبَةُ عَالِمِيكُم بين أظهرِكُمْ.
يا هِشَامُ تَعَلَّمَ مِنَ العِلْمِ مَا جَهِلْتَ. وَعَلَمِ الجَاهِلَ يَمَا عَلَّمْتَ. عَظِيمِ العَالِمَ لِعِلْمِهِ، وَدَعْ مُنازَعَتَهُ، وَصَفْرِ الجَاهِلَ لِجَهْلِهِ وَلا تَطْرُدُهُ وَلَكِنْ قَرَّبْهُ وَعَلِمهُ.
يا هشام إنَّ كلّ نِعْمَةٍ عَجَرْتَ عَنْ شَكْرِهَا بِمَنْزِلَةِ سيّئة تُوْاخَذُ بِهَا. وَقَالَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ صَلَواتُ اللّه عَلَيْهِ : «إِنَّ للّه عِباداً كَسَرَتْ قُلُوبَهُمْ خَشْيَتُهُ فَأَسْكَتَتُهُمْ عَنِ المَنْطِقِ (2) وَإِنَّهُمْ لفصحاء عقلاهُ، يَسْتَبِقُونَ إِلَى اللّه بِالأَعْمَالِ الزَّكِيَّةِ، لَا يَسْتَكْثِرُونَ لَهُ الكَثِيرَ وَلا يَرْضَوْنَ لَهُمْ مِنْ أَنفُسِهِمْ بِالقَلِيلِ يَرَوْنَ في أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ أَشْرَار وَأَنَّهُمْ لَاكياس وأَبْرَار (3)».
يا هشام الحياءُ مِنَ الإِيمَانِ وَالإِيمَانُ فِي الجنّة وَالبَذَاءُ مِنَ الجَفاءِ (4) وَالْجَفاه في النار.
يَا هِشَامُ المُتَكَلِّمُونَ ثَلاثَةٌ : فَرايح وَسَالِمٍ وَشَاحِب (5)، فَأَمَّا الرَّابِحُ فَالذاكر لله. وأما السّالِمُ فَالسَّاكِتُ. وَأَما الشَّاحِبُ فَالّذي يَخُوضُ فِي البَاطِلِ، إِنَّ اللّه حَرَّمَ الجنّة عَلَى كلّ فَاحِش بَذِي قَلِيلِ الحَياءِ لا يُبالي ما قالَ وَلَا ما قبل فِيهِ. وَكانَ أبوذر
ص: 394
- رَضِيَ اللّه عَنْهُ - يَقولُ : «يَا مُبْتَغِيَ العِلْمِ إِنَّ هَذَا اللَّسَانَ مِفْتَاحُ خَيْرٍ وَمِفْتَاحُ شَرٍّ، فَاخْتِمَ على فِيكَ كَمَا تَحْتِمُ عَلَى ذَهَبِكَ وَوَرِقِكَ».
يا هشام بِئْسَ العَبْدُ عَبْد يَكون ذاوَجْهَيْنِ وَذَالِسَانَينِ، يُطْرِي أَخَاهُ إِذَا شَاهَدَهُ (1) وَيَأْكُلُهُ إِذا غَابَ عَنْهُ، إِنْ أَعْطِيَ حَسَدَهُ وَإِنِ ابْتُلِيَ خَذَلَهُ إِنَّ أَسْرَعَ الخَيْرِ نَوَاباً البر وَأسْرَعَ الشَّرِّعقُوبَةٌ البَغْيُ. وَإِنَّ شَرَّ عِبَادِ اللّه مَنْ تَكْرَهُ مُجالَسَتَهُ لِفْحيه. وَهَلْ يَكَبُّ النَّاس عَلَى مَنَاخِرِهِمْ في النَّارِ الْاحَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ. وَمِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ المَرْءِ تَرْكُ مَالَا يَعْنِيهِ.
يا هشام لا يَكُونُ الرَّجُلُ مُؤْمِناً حتّى يَكُونَ خَائِف راجياً. ولا يكون خائِفا راجياً حَتَّى يَكُونَ عَامِلا لِمَا يَخَافُ وَيَرْجُو.
يا هشام قالَ اللّه جَلَّ وَعَرَّ : وَعِزَّتِي وَجَلالِي وَعَظَمَتِي وَقَدْرَتِي وَبَهَائِي وَعُلُوي في مَكاني لا يُؤْثِرُ عَبْد هَوَايَ عَلَى هَوَاهُ إِلَّاجَعَلْتُ الغِنى في نَفْسِهِ. وَهَمَّهُ فِي آخِرَتِهِ. وَكَفَفْتُ عَلَيْهِ [ في] ضيعته (2). وَضَمَّنْتُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ رِزْقَهُ وَكُنتُ لَهُ مِنْ وَرَاءِ حِجَارَةِ كُل تاجر.
يا هِشَامُ الغَضَبُ مِفْتَاحُ الشَّرِّ وَأَكَمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانَا أَحْسَنَهُم خلقا. وَإِنْ خَالَطَتَ النَّاس فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أنْ لا تُخَالِطَ أَحَداً مِنْهُمْ إِلَّا مَنْ كَانَتْ يَدُكَ عَلَيْهِ العُلْيا (3) فَافْعَلْ.
ياهِشَامُ عَلَيْكَ بالرفقِ، فَإِنَّ الرفق يُمَن وَالخُرق شوم، إِنَّ الرَّفْقَ وَالبِر وَحُسْنَ الخُلْقِ يَعْمُرُ الدِّيارَ وَيَزِيدُ فِي الرِّزْقِ.
يا هشام قولُ اللّه : «هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإحْسَانُ (4)»، جَرَتْ فِي المُؤْمِنِ وَالكَافِرِ وَالبَرِّ وَالفَاجِرِ. مَنْ صُنَعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يُكافِىء بِهِ. وَلَيْسَتِ الْمُكَافَاةُ أَنْ تَصْنَعَ كَمَا صَنَعَ حتّى تَرى فَضْلَكَ. فَإِنْ صَنَعْتَ كَمَا صَنَعَ فَلَهُ الفَضْلُ بِالابْتِدَاءِ (5).
ص: 395
يا هشامُ إِنَّ مَثَلَ الدُّنيا مَثَلُ الحَيَّةِ مَسّها لَيْن وَفِي جَوفِها السَّمَّ القَاتِلُ، يَحْذَرُهَا الرجالُ ذَرُوا العُقُولِ ويهوي إليها الصبيانُ بِأَيْدِيهِمْ.
يا هشام اصبرْ عَلَى طَاعَةِ اللّه وَاصْبِر عَنْ مَعَاصِي اللّه، فَإِنَّمَا الدُّنيا سَاعَةٌ، فَمَا مَضَى مِنْها فَلَيْسَ تَجِدُلَهُ سُرُوراً وَلا حُزناً. وَمَالَمْ يَأْتِ مِنها فَلَيْسَ تَعرِفُهُ، فَاصْبِر عَلَى تِلْكَ السَّاعَةِ الّتي أنت فيها فَكَأَنَّكَ قَدِاغتبطت (1).
يا هشام مَثَلُ الدُّنيا مَثَلُ ماء البَحْرِ كُلَّمَا شَرِبَ مِنْهُ العَطْشَانُ ازْدَادَ عَطَشاً حَتى يَقْتُلَهُ.
يا هِشَامُ إيّاك وَالكَبْرَ، فَإِنَّهُ لا يَدْخُلُ الجنّة مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ كَبْر. الكِبْرُ رِداءُ اللّه، فَمَنْ نَازَعَهُ رِداءَهُ أكَبَّهُ اللّه في النّارِ عَلى وَجْهه.
يا هشامُ لَيْسَ مِسَامَنْ لَمْ يُحَاسِبُ نَفْسَهُ في كلّ يَوْمٍ، فَإِنْ عَمِلَ حَسَنَا اسْتَزادَ مِنْهُ. وإنْ عَمِلَ سَيِّئاً استغفر اللّه مِنْهُ وَتَابَ إِليه.
يا هشام تَمَثَّلَتِ الدُّنيا للمسيح (عَلَيهِ السَّلَامُ) في صُورَةٍ امْرَأَة زرقاء فَقالَ لَها : كَمْ تَزَوَّجت؟ فقَالَتْ : كَثِيراً، قَالَ : فَكُلُّ طَلَقَكِ، قَالَتْ : لا بَلْ كُلا قتلت قالَ المَسيحُ (عَلَيهِ السَّلَامُ): فَوَيْحُ لأزواجك الباقين، كيف لا يعتبرونَ بالماضين.
يا هشام إِنَّ ضَوْءَ الجَسَدِ فِي عَيْنِهِ، فَإِنْ كَانَ البَصَرُ مُضِيئَا اسْتَضَاءَ الجَسَدُ كُلُّهُ. وَإِنَّ ضَوء الروح العَقْلُ، فَإذا كانَ العَبدُ عاقلاً كان عالماً بِرَبِّهِ وَ إِذا كانَ عَلِيماً بِرَبِّهِ أَبْصَرَ دينَهُ. وَإِن كَانَ جاهلاً بِرَبِّهِ لَم يقم لَهُ دِينُ. وَكَما لايقومُ الجَسَدُ إِلَّا بِالنَّفْسِ الحَيَّةِ، فَكَذلِكَ لا يَقومُ الدِّين إِلا بِالنِّيَّةِ الصَّادِقَةِ، وَلا تَتْبَتُ النِّيَّةُ الصَّادِقَةُ إِلَّا بِالعَقْلِ.
ياهِشام إنَّ الزَّرْعَ يَنبُتُ في السَّهْلِ وَلا يَنبَتْ في الصَّفا (2). فَكَذلِكَ الحِكْمَةُ تعمرُ في قلب المتواضع وَلا تَعْمُرُ في قلب المتكبر الجَبَّارِ، لِأَنَّ اللّه جَعَلَ التَّواضُعَ آلَةَ العقلِ وَجَعَلَ الشَّكَبُرَ مِنْ آلَةِ الجَهْلِ، أَلَمْ تَعْلَمُ أَنَّ مَنْ شَمَعَ إِلَى السَّقْفِ (3) بِرَأْسِهِ
ص: 396
شجّه (1) وَمَن خَفَضَ رَأْسَهُ اسْتَظَلَّ تَحْتَهُ وَأَكَنَّهُ، وَكَذَلِكَ مَن لَم يَتَوَاضَعَ للّه خَفَضَهُ اللّه. و من تواضع لِللَّهِ رَفَعَهُ.
يا هشام ما أقبحَ الفَقْرَ بَعدَ الغِنى. وأقبحَ الخَطِيئَةَ بَعدَ النَّسُكِ. وَأَقبحَ مِنْ ذَلِكَ العابد للّه ثمَّ يترك عبادته.
يا هشام لأخَيْرَ فِي العَيْشِ إِلا لِرَجُلَيْنِ : لِمُسْتَمِع واعٍ، وَعَالِم نَاطِقٍ.
ياهشامُ ما قَسَمَ بَيْنَ العِبادِ أفْضَلُ مِنَ العَقْلِ. نَوْمُ العَاقِلِ أَفْضَلُ مِنْ سهر الجاهل وَما بَعَثَ اللّه نَبِيا إِلَّا عَاقِلَا حتّى يَكُونَ عَقْلُهُ أَفضَلَ مِنْ جَمِيعِ جَهْدِ المجتَهِدِينَ. وَمَا أَدَّى العَبْدُ فَرِيضَةً مِنْ فَرائض اللّه حتّى عَقَلَ عَنْهُ (2).
يا هشام قال رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): إذا رأيتم المؤمِنَ صَمُوتاً فَادْنُوا مِنْهُ، فَإِنَّهُ يُلْقِى الحِكْمَةَ. وَالْمُؤْمِنُ قَلِيلُ الكَلامِ كَثِيرُ العَمَلِ وَالمُنافِقُ كَثِيرُ الكَلامِ قَلِيلُ العَمَلِ.
يا هِشَامُ أوحى اللّه تعالى إلى داودَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) قُلْ لِعِبادِي : لا يجعَلُوا بَيْنِي وَبَيْنَهُم عَالِماً مَفْتُونا بِالدُّنْيا فَيَصُدَّهُمْ عَنْ ذِكْرِي وَعَنْ طَرِيقِ مَحَبَّتِي وَ مُناجاتِي، أَولَئِكَ فَطَّاعُ الطَّرِيقِ مِنْ عِبادِي، إِنَّ أَدْنَى مَا أَنَا صَانِعُ بِهِمْ أَنْ أَنْزِعَ حَلَاوَةَ مَحَبَّتِي (3) ومناجاتِي مِنْ قُلُوبِهِمْ.
ياهِشَامُ مَنْ تَعَظَمَ فِي نَفْسِهِ لَعَتَتْهُ مَلائِكَةُ السَّمَاءِ وَمَلائِكَةُ الأرْضِ. وَ ومن تكبر عَلَى إخوانِهِ وَاسْتَطَالَ عَلَيْهِمْ فَقَدْ ضَادَّ اللّه (4) وَمَن ادَّعَى مَا لَيْسَ فَقَدْ ضاد اللّه (5) وَمَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ فَهُوَ [ أ ] عنى لِغَيْرِ رُشْدِهِ (6).
يا هشام أوحى اللّه تعالى إلى دَاوُدَ لا يَا دَاوُدُ حَذَرٌ، وأَنذِرُ أَصْحَابَكَ عَنْ حُب الشَّهَوَاتِ، فَإِنَّ العَلَقَةَ قُلُوبُهُم بِشَهَواتِ الدُّنيا قُلُوبُهُمْ مَحْجُوبَةٌ عَنِّي.
يا هشام إيّاك والكبر على أوليائى والاستطالة بعلمك فيمقتكَ اللّه، فَلا تنفعك
ص: 397
بعد مقته دنياك ولا آخِرَتُكَ وَكُن في الدُّنيا كَسَاكِنِ دار لَيْسَتْ لَهُ، إِنَّمَا يَنتَظِرُ الرَّحِيل.
يا هشام مُجالَسَةُ أَهْلِ الدِّين شَرَفُ الدُّنيا وَالآخِرَةِ وَمُسْاوَرَةُ العَاقِلِ النَّاصِح يُمن وَبَرَكَةً وَ رشدٌ و توفيق من اللّه، فإذا أشار (1) عَليكَ العَاقِلُ النَّاسِحُ فَإِيَّاكَ وَالْخِلاقَ فَإِنَّ فِي ذلِكَ العَطَبَ (2).
ياهِشَامُ إيّاك وَمُخَالَطَةَ النَّاس وَالأنَسَ بِهِمْ إِلَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُمْ عَاقِلَا وَمَأْمُونَاً فَانِسٌ بِهِ وَاهْرَبُ مِنْ سايرهِمْ كَهَرْبِكَ مِنَ السَّباع الضارية (3). وَيَنبَغِي لِلْعَاقِلِ إِذا عَمِلَ عَمَلاً يَسْتَحْيِي مِنَ اللّه. وَإِذا تَفَرَّدَ لَهُ بِالنِّعَمِ أن يُشارِكَ فِي عَمَلِهِ أَحَداً غَيْرَهُ (4) وَإِذا مريكَ (5) أَمْرانِ لا تَدْرِي أَيُّهُمَا خَيْرٌ وَأَصْوَبُ، فَانظُرْ أَتُهُما أَقْرَبُ إِلى هَوَاكَ فَخَالِفَهُ، فَإِنَّ كَثِيرَ الصَّوابِ في مُخالَفَةِ هواك. وَإِيَّاكَ أنْ تَغْلِبَ الحِكْمَةَ وَتَضَعها في أَهْلِ الجَهالَةِ (6). قال هشام : فَقُلْتُ لَهُ : فَإِن وَجَدْتُ رَجُلاً طالبالَهُ غَيْرَ أَنَّ عَقَلَهُ لَا يَتَّسِعُ لِضَبْطِ مَا الْقِيَ إِلَيْهِ؟ قالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): فَتَلَطَّف لَهُ فِي النَّصِيحَةِ، فَإِن ضَاقَ قَلْبُهُ [ف-]-لا تَعرِضَن نَفْسَكَ الْفِتْنَةِ. وَاحْذَرُ ردّ المتكبّرينَ، فَإِنَّ العِلْمَ يُدِلُّ عَلَى أنْ يُعَلى عَلَى مَنْ لا يُفيقُ (7). قُلْتُ : فَإِنْ لَمْ أَجِدْ
ص: 398
مَنْ يَعْقِلُ السؤالَ عَنْها، قَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): فَاغْتَنِمْ جَهَلَهُ عَن السُّؤالِ حتّى تَسْلَمَ مِنْ فِتْنَةِ القَوْلِ وَعَظِيمِ فِتْنَةِ الرَّدَّ. وَاعْلَمْ أَنَّ اللّه لَمْ يَرفَعِ المُتَوَاضِعِينَ بِقَدْرِ تَواضُعِهِمْ وَلَكِنْ رَفَعَهُمْ بِقَدْرِ عَظَمَتِهِ وَمَجْدِهِ. وَلَمْ يُؤْمِن الخَائِفِينَ بِقَدْرِ خَوفِهِمْ وَلَكِنْ آمَنهُم بِقَدْرِ كَرَمِهِ وَجُودِهِ. ولم يفرج المحزونِينَ (1) بِقَدْرِ حُزْنِهِمْ وَلَكِنْ بِقَدْرِ رَأْفَتِهِ وَرَحمتِهِ. فَمَا ظَنُّكَ بِالرَّؤُوفِ الرَّحِيمِ الّذي يَتَوَدَّدُ إلى مَنْ يُؤذِيهِ بِأَوْلِيَاتِهِ، فَكَيْفَ بِمَنْ يُؤدَى فِيهِ. وَمَا ظَنُّكَ بالتواب الرحيم الّذي يَتَوبُ عَلَى مَنْ يُعادِيهِ، فَكَيْفَ بِمَنْ يَتَرَضَاهُ (2) وَيَخْتارُ عَداوَةَ الخَلْق فيه.
یا هِشَامُ مَنْ أَحَبَّ الدُّنيا ذَهَبَ خَوْفُ الآخِرَةِ مِنْ قَلْبِهِ وَمَا أُوتِيَ عَبْدُ عِلْماً فَازْدادَ لِلدُّنيا حباً إلا از داد مِنَ اللّه بعداً واز دادَ اللّه عَلَيْهِ غَضَباً.
یا هِشَامُ إِنَّ العَاقِلَ اللَّبِيبَ مَنْ تَرَكَ ما لا طاقَةَ لَهُ بِهِ، وَأَكثرُ الصَّوابِ فِي خِلافِ الهوى. وَمَنْ طَالَ أمَلَهُ سَاءَ عَمَلُهُ.
يا هشام لَوْرَأَيْتَ مَسِيرَ الأَجَلِ لَأَنْهَاكَ عَنِ الأَمَل.
يا هشام إيّاك والطمع. وعليك باليأس ممَّا في أيدِي النَّاسِ، وَأَمِتِ الطَّمَعَ مِنَ المخلوقِينَ، فَإِنَّ الطَّمَعَ مِفتاح للذُّل (3) وَاخْتِلاسُ العَقْلِ وَاخْتِلاقُ المُرُوَّاتِ (4). وتدنيسُ العِرْضِ، والذهابُ بِالعِلْمِ، وَعَلَيْكَ بِالاِعْتِصامِ بِرَبِّكَ وَالتَّوَكُلِ عَلَيْهِ. وَ جَاهِدٌ نَفْسَكَ لِتَرُدُّها عَنْ هَواها، فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْكَ كَجِهادِ عَدُوكَ. قَالَ هِشَامٌ : فَقُلْتُ لَهُ فَأَيُّ الأعداءِ أَوْجَبهم مُجَاهَدَةً، قَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): أَقْرَبُهُمْ إِلَيْكَ وَأَعْداهُمْ لَكَ وَأَضَرُّهُم بِكَ وَ أعظمُهُم لَكَ عَدَاوَةٌ وَأَخْفا هُم لَكَ شَخْصَا مَعَ دُنُوهٍ مِنْكَ، وَمَن يُحَرَّضَ (5) أَعْداءَكَ عَلَيْكَ
ص: 399
هو (1) إِبْلِيسُ الموكَّلُ بِوَسْواس [ مِنَ] القُلُوبِ فَلَهُ فَلْتَشتَدَّ عَداوَتُكَ (2). وَلَا يَكُونَنَّ أَصْبَرَ عَلَى مُجاهديه لهلكَتِكَ مِنْكَ عَلى صَبرك لِلْجَاهَدَتِهِ، فَإِنَّهُ أَضْعَفُ مِنْكَ رُكناً في قُوتِهِ (3) وَ أَقل مِنْكَ ضَرَداً في كثرَةٍ شَرّه. إذا أَنْتَ اعْتَصَمَتَ باللّه فَقَدْ هُدِيتَ إِلَى صِراطِ مستقيم.
يا هشام من أكْرَمَهُ اللّه بِثَلَاتٍ فَقَدْ لَطْفَ لَهُ : عَقْل يَكْفِيهِ مَؤُونَةٌ هَوَاهُ، وَعِلْمٌ يَكفِيهِ مَؤُونَةَ جَهْلِهِ وَغِنَى يَكْفِيهِ مَخَافَةَ الفَقْرِ.
يا هِشَامُ احْذَر هَذِهِ الدُّنيا وَاحْذَرُ أَهْلَهَا، فَإِنَّ النَّاس فِيها على أربعة أصناف :رَجُلٍ مُتَرَدٍّ مُعَانِقٍ لِهَوَاهُ. وَمُتَعَلِمٍ مُقْرِئٍ (4) كُلَّمَا أَزْدادَ عِلْمًا ازداد كَبْراً، يَسْتَعْلِي (5) قِراءَتِهِ وَعِلْمِه عَلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ. وَعَابد جاهِلٍ يَسْتَصفغرُ مَنْ هُو دونَهُ في عِبادَتِه يُحِبُّ يعظم ويوقَّر. وَذِي بَصِيرَةٍ عالمٍ عَارِف بِطَرِيقِ الحقّ يُحِبُّ القِيامَ بِهِ، فَهُو عاجز أو مَغلُوبٌ وَلا يَقْدِرُ عَلَى القِيامِ بِما يعرف-[-ه ] فَهُوَ مَحْزُونٌ، مَعْمُومٌ بِذَلِكَ، فَهُوَ أَمْثَلُ أَهْلِ زمانِهِ (6) وأوجههم عقلاً.
يا هشام اعرف العقل و جُندَهُ، وَ الجَهْلَ وَجُندَهُ تَكُنْ مِنَ المُهْتَدِينَ، قَالَ هِشام : فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِداكَ لا تعرفُ إلا ما عَرَّفتنا.
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): يا هشام إن اللّه خَلَقَ العَقَلَ وَهُوَ أَوَّلُ خَلْقٍ خَلَقَهُ اللّه مِنَ الروحانيّين (7)
ص: 400
عن يمين العَرْشِ مِنْ نُورِه (1) فَقَالَ لَهُ : أَدبر، فَأَدْبَرَ، ثمَّ قَالَ لَهُ : أَقبل فَأَقْبَلَ، فَقَالَ اللّه جَلَّ وَعَزَّ : خَلَقْتُكَ خَلْقاً [عظيما] وَكَرَّمْتُكَ عَلى جَميع خَلْقِي. ثمَّ خَلَقَ الجَهْلَ مِنَ البحر الأحاجِ الظُّلُماني، فقالَ لَهُ : أَدبر، فَأَدْبَرَ ثمَّ قَالَ لَهُ : أَقْبِلَ، فَلَمْ يُقبل. فَقَالَ لَهُ : اسْتَكْبَرَت فَلَعَنَهُ ثمَّ جَعَلَ لِلْعَقْل خَمَصَةٌ وَسَبْعِينَ جُنْداً، فَلَمَّا رَأَى الجَبَلُ مَا كَرَّم اللّه و العقل وما أعطاهُ أَضْمَرَ لَهُ العَداوَةَ فَقَالَ الجَهْلُ : يَا رَبِّ هذا خَلْقَ مِثْلِي خَلَقْتَهُ وَ كَرَّمْتَهُ وَقَوَيْتَهُ وَأَنَا ضِدُّهُ وَلَا قُوَّةَ لِي بِهِ أَعْطِنِي مِنَ الْجُنْدِ مِثْلَ مَا أَعْطَيْتَهُ؟ فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعالَى، نَعَمْ، فَإِنْ عَصيتني بعد ذلك أخرجتك وجُنْدَكَ مِنْ جوارِي وَمِن رَحمتي، فَقَالَ: رَضِيتُ. وَأَعْطَاهُ اللّه خَمْسَةَ وَسَبْعِينَ جُنداً فَكانَ ممَّا أَعْطَى العَقْلَ مِنَ الخَمْسَةِ وَ السبعين جنداً : الخَيْرُ وَهُوَ وَزِيرُ العَقْلِ وَجَعَلَ ضِدهُ الشَّرَ وَهُوَ وَزِيرُ الجَهْلِ.
جُنُودُ العَقْلِ وَالجَهْلِ
الإيمان، الكفر، التَّصْدِيقُ، التكذيب، الإخلاص، النِّفاقُ، الرَّجَاءُ، القُنُوطُ. العدل، الجورُ. الرَّضَى، السَّخطُ، الشُّكْرُ، الكُفْران، البَاسُ، الطَّمَع، التَّوَكَّلُ، الحرسُ، الرَّافَةُ، الغِلْظَةُ، العلم، الجَهْل، العِفة، التهتك، الزهد، الرغبة، الرفق، الخرق، الرهبة، الجرأة، التَّواضُع، الكبر، التَّوْدَة (2)، العَجَلَةُ، العِلْمُ، السَّفَهُ، الصَّمْتُ، الهَذَرُ(3)، الاستلام، الاستکبار، التسليم، التجبُّر، العفو، الحقد، الرَّحْمَةُ، القسوة، اليَقينُ، الشَّك، الصَّبْرُ، الجَزَعُ، الصَّفَحُ، الانتقام، الغنى، الفقر، التفكُّر، السَّهو الحفظ، النِّسْيانُ، التَّواصل، القَطِيعَةُ. القناعَةُ، الشَّرَة (4) المواساة، المَنْعُ
ص: 401
المودة، العداوة، الوفاء، الغَدْرُ، الطَّاعَةُ، المَعْصِيَةُ، الخُضُوعُ، التطاول (1)، السلامة، البَلاءُ، الفهم، الغَبَاوَةُ (2)، المَعرِفَةُ، الإنكار، المداراة، المَكَاشَفَة، سلامة الغيب، الماكرة(3) الكتمان، الإفشاء، البرّ، العُقُوقُ، الحَقيقَةُ، التسويف (4) المعروف، المُنكَرُ، التَّقِيَّةُ، الإذاعة، الإنصاف، الظُّلْمُ، التقى، الحَسَدُ (5) النظافة، القَذَرُ، الحَياءُ القِحَةُ (6) القَصْدُ، الإسرافُ، الرَّاحَةُ، التَّعَبُ، السُّهُولَةُ، الصُّعوبة، العافية، البلوى، القوام، المكاثرة (7) الحكمة، الهوى، الوقارُ، الخِفَّةُ، السَّعادَةُ، الشقاء، التَّوْبَةُ، الإضرار، المحافظة، التهاون (8)، الدعاء، الاستنكافُ، النَّشاط، الكَسَلُ، الفَرَحُ، الحزن، الألفة، الفرقة، السخاء، البخل الخشوع، العُجب. صَونَ الحَدِيثِ (9)، النَّمِيمَةُ. الاستغفار، الاغْتِرَارُ. الكياسة، الحمق (10).
يا هشام لا تجمع (11)هذه الخصال إلا لنبي أو وَصِيَّ أو مُؤْمِن امْتَحَنَ اللّه قَلْبَهُ للإيمان. وأما سائر ذلِكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّ أَحَدَهُمْ لا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ بَعْضُ هَذِهِ الجُنُودِ مِنْ أَجْنادِ العَقلِ حتّى يَستكمل العقل ويتخلص مِنْ جُنُودِ الجَهْلِ. فَعِنْدَ ذلِكَ يَكونُ في الدَّرَجَةِ العَلَيَا مَعَ الأنْبِياءِ وَالأَوصِياءِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَفَقْنَا اللّه وإِيَّاكُمْ لِطَاعَتِه.
ص: 402
رُويَ عَنْهُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أَنَّهُ قَالَ : صَلاةُ النَّوافِلِ قُربانُ إِلَى اللّه لِكُلِّ مُؤْمِن. وَ الحَجّ جهادُ كلّ ضَعِيف. وَلِكُلِّ شَيْ وزَكَاة وَزَكَاةُ الجَسَدِ صِيامُ النَّوافِلِ، وَأَفْضَلُ العِبَادَةِ بَعْدَ المعرفة إنتظار الفرج. وَمَنْ دَعَا قَبْلَ الثَّنَاءِ عَلَى اللّه وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كَانَ كَمَنْ رمى بِسَهُم بِلاوَتَرٍ. وَمَنْ أَيْقَنَ بِالْخَلَفِ جَادَ بِالعَطِيَّةِ وَمَا عَالَ امْرُء اقْتَصَدَ. وَالتَّدْبِيرُ نِصْفُ العيش. والتَّودد إلى النَّاس نِصْفُ العَقْلِ. وكثرة الهم يُورِث الهرم. وَالعَجَلَةُ هِيَ الخُرْقُ. وَقَلَةُ العيالِ أَحَدُ اليَسَارَيْنِ. وَمَنْ أَحْزَنَ وَالِدَيْهِ فَقَدْ عَقَّهُما. وَمَنْ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى فَخِذِهِ، أَوْ ضَرَبَ بَيَدِهِ الوَاحِدَةِ عَلَى الأخرى عِندَ المُصِيبَةِ فَقَدْ حَبِطَ أَجْرُهُ. وَ المُصيبَةُ لا تَكُونُ مُصِيبَةٌ يَسْتَوْجِبُ صاحِبُها أَجْرَها إِلَّا بِالصَّبْرِ وَ الاِسْتِرْجَاعِ عِنْدَ الصَّدَمَةِ. وَ الصنيعة لا تَكُونُ صَبْيعَة إِلَّا عِندَ ذِي دِينِ أوْ حَسَب واللّه يُنزِلُ المَعُونَةَ عَلَى قَدْرِ المَؤُونَةِ، وَ يُنزِلُ الصَّبْرَ عَلَى قَدْرِ المُصيبَةِ. وَمَنِ اقْتَصَدَ وَقَيْعَ بَقِيَتْ عَلَيْهِ النِّعْمَةُ. وَمَنْ بَذَرَ وَأَسْرَفَ زالتْ عَنْهُ النِّعْمَةُ. وأداء الأمانَةِ والصَّدْقُ يَجْلِبانِ الرِّزْقَ. وَالخِيانَةُ والكِذَبُ يَجْلِبانِ الفقر و النِّفاق. وإذا أرادَ اللّه بِالذَّرَةِ (1) شراً أَنبَتَ لَهَا جَنَاحَيْنِ فَطَارَتْ فَأَكَلَهَا الطَّيْرُ. وَ الصَّنيعة لا تتّم صنيعة عِنْدَ المُؤْمِنِ لِصَاحِبِها إِلَّا بِثَلاثَةِ أَشْيَاءَ : تَصْغِيرِها وَسَتْرِها وَتَعجيلها، فَمَنْ صَفْرَ الصَّنيعَةَ عِنْدَ المُؤمِن فَقَدْ عَظَمَ أحَاهُ. وَمَنْ عَظَمَ الصِّبْيعَةَ عِندَهُ فَقَدْ صَغَرَ أخاهُ. وَمَنْ كَتَمَ ما أَوْلَاهُ (2) مِنْ صَنِيعِهِ فَقَدْ كَرُمَ فِعَالُهُ. وَمَنْ عَجَلَ مَا وَعَدَ فَقَدْ هَنِيء(3) العطيَّة.
ص: 403
(مَعَ الرَّشيدِ في خَبر طَوِيل ذكر نا موضع الحَاجَةِ إِلَيْهِ)
دخل إليه وقد عمد على القبض عَلَيْهِ، لأشياء كَذِبَتْ عَلَيْهِ عِندَهُ، فَأَعْطَاهُ طوماراً طويلاً فيهِ مَذاهِبُ شَنعَةٌ (1) نَسبها إلى شيعَتِهِ [فَقَرَأَهُ] ثمَّ قَالَ لَهُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَحْنُ أهل بيت منينا بِالسَّقَولِ عَلَينا (2)، وَرَبُّنَا غَفُورٌ سَتُورٌ، أَبِي أَنْ يَكْشِفَ أَسْرَارَ عِبادِهِ بَيْتِ إلا في وَقْتِ مُحاسَبَتِهِ «يَوْمَ لا ينفع مال وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللّه بِقَلْبٍ سَلِيمٍ».
ثمَّ قَالَ : حَدَّ تَنَي أبي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عليٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَواتُ اللّه عَلَيْهِمْ : الرَّحِم إذا مَسَتِ الرَّحِمَ اضْطَرَبَتْ ثمَّ سَكَنَتْ، فَإِنْ رَأَى أمير المؤمِنِينَ أَنْ تَمُسَّ رحمي رحمه وَيُصافحني فَعَلَ. فَتَحَوَّلَ عِنْدَ ذلِكَ عَنْ سَرِيرِهِ وَمَدَّ يَمِينَهُ إِلَى مُوسَى (عَلَيهِ السَّلَامُ) فَأَخَذَ بِيَمِينِهِ، ثمّ ضَمَّهُ إِلى صَدْرِهِ، فَاعْتَنقَهُ وأقعدهُ عَنْ يَمِينِهِ وَقالَ : أَشْهَدُ أَنَّكَ صَادِق وَأَبَاكَ صَادِقٌ وَجَدَكَ صَادِق وَرَسولَ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) صادِق وَلَقَدْ دَخَلْتَ وَأَنَا أَشَدَّ النَّاس عَلَيْكَ حَنَقا (3) وَغَضَباً لِمارقي إلىَّ (4) فيكَ فَلَمّا تَكَلَّمْتَ بِما تَكَلَّمْتَ وَ صَافَحَتِنِي سُرَّيَ عَني (5) وَتَحَولَ غَضَبي عَلَيْكَ رِضى. وَسَكَتَ سَاعَةً، ثمَّ قَالَ لَهُ : أرِيدُ أنْ أَسْأَلَكَ عَنِ العَباسِ وَعَليَّ بِم صَارَ على أولى بميراثِ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) مِنَ العَباسِ وَالْعَبَّاسُ عَمَّ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وَصِنْوُ أبيه (6) ؟ فَقَالَ لَهُ مُوسى اللّه : أعفِني. قالَ : واللّه لا أعفيتُكَ، فَأَجِبْنِي. قالَ : فَإِنْ لَمْ تعفنى فآمنى، قال : أمنتك. قالَ مُوسى (عَلَيهِ السَّلَامُ). إِنَّ النَّبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لَمْ يُوَرِّثُ مَنْ قَدر عَلَى الهجرة فَلَمْ يُهاجر، إنّ أباك العبّاس آمَنَ وَلَمْ يُهاجر وَ إِنْ عَلِيا (عَلَيهِ السَّلَامُ) آمَنَ وَهَاجَرَ وَقَالَ
ص: 404
الله: «الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا (1)»، فالتمع لَوْنُ هَارُونَ وَتَغَيَّرَ. وقال : مالكم لا تنسبُونَ إلى عَليَّ هُوَ أَبُوكُمْ وَتَنَسَبُونَ إِلَى رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وَهُوَجَدكُمْ ؟ فَقالَ مُوسَى (عَلَيهِ السَّلَامُ): إِنَّ اللّه نَسَبَ المَسيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى خَلِيلِهِ إبْرَاهِيمَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بِأُمِّهِ مَرْيَمَ البِكْرِ البَتُولِ الّتي لَمْ يَمَسَّها بَشَرُ في قَولِه : «وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأتُوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وعيسى وإِلْيَاسَ كلّ مِنَ الصَّالِحِينَ (2)»، فَنَسَبَهُ بِأُمِّهِ وَحْدَها إِلى خَلِيلِهِ إبْراهِيمَ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، كَما نَسَب داوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأيُّوبَ وَمُوسَى وَهَارُونَ (عَلَيهِم السَّلَامُ) بِآبَائِهِمْ وأمهاتهم فَضِيلَة لِعيسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) ومنزلَةٌ رفيعة بأمه وحدها. وذلِكَ قَولُهُ في قِصَّةِ مَرْيَمَ (عَلَيهَا السَّلَامُ) : «إِنَّ اللّه اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِساء العالمينَ(3)»، بِالمَسِيحِ مِنْ غَيْر بَشَر وَكَذلِكَ اصْطَفى ربَّنا فاطِمَةَ (عَلَيهَا السَّلَامُ) وَطَهَّرَها وَفَضَّلَها عَلَى نِساء العالمينَ بالحسن والحسين سيدَي شَبَابِ أَهْلِ الجنّة. فَقَالَ لَهُ هَارُونُ - وَقَدِ اضْطَرَبَ وَسَاءَهُ مَا سَمِعَ - : مِنْ أيْنَ قُلْتُمُ الإِنسانُ يَدْخُلُهُ الفَسادُ (4) مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ وَمِنْ قِبَلِ الآباءِ لِحالِ الخمْسِ الّذي لَم يَدْفَع إلى أهْلِهِ ؟ فقالَ مُوسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هذِهِ مَسْأَلَةٌ مَا سَأَلَ عَنْها أَحَدٌ مِنَ السَّلاطينِ غَيْرُكَ - يا أميرَ الْمُؤْمِنِينَ - وَلَاتيمَ وَلا عَدِي وَلَا بَنُو امَيَّةَ وَلاسُئِلَ عَنْها أحد من آبائي فلا تكشفنِي عَنْهَا. قَالَ : فَإِنْ بَلَغَنِي عَنْكَ كَشْفُ هذا رَجَعْتُ عَمَّا آمَنتُكَ. فقال موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ): لكَ ذلِكَ. قَالَ : فَإِنَّ الزَّنْدَقَةَ قَدْ كَثُرت في الإِسْلامِ وَهُؤلاءِ الزَّنَادِقَةُ الّذين يُرْفَعُونَ إِلَينا في الأخبار، هُمُ المَنْسُوبُونَ إِلَيْكُمْ، فَمَا الزَّنْدِيقُ عِنْدَكُمْ أَهْلَ البَيتِ فقال(عَلَيهِ السَّلَامُ) : الزَّنْدِيقُ هُوَ الرَادُّ عَلَى اللّه وَعَلَى رَسُولِهِ وَهُمُ الّذين يُحَادُّونَ اللّه وَرَسُولَهُ قالَ اللّه : «لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا
ص: 405
آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ إلى آخر الآية (1)» وَهُمُ المُلْحِدُونَ، عَدَلُوا عَن التَّوْحِيدِ إِلَى الالْحادِ فَقالَ هَارُونُ : أَخْبَرَنِي عَنْ أَوَّلِ مَنْ أَلْحَدَ وَتَزَنْدَقَ، فَقَالَ مُوسَى (عَلَيهِ السَّلَامُ): أَوَّلُ مَنْ أَلْحَدَ وَتَزَنَدَقَ في السَّماء إبليس اللعينُ، فَاسْتَكْبَرَ وافتخر عَلى صَفِيَّ اللّه ونجيه آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقال اللعينُ : «أنا خير مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (2)» فعتا عن أمْرِ ربّه وَالْحَدَ فَتَوارَثَ الإلحاد ذُرِّيَّتَهُ إِلى أَن تَقُومَ السَّاعَةُ، فَقَالَ : وَلإبليس ذرِّيَّةٌ، فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): نعم أَلَمْ تَسْمَعْ إِلى قَولِ اللّه : «إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أمْرِ ربّه أَفَتَتَخِدُونَهُ وَذُرِّ يَتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِمْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدلاً * مَا أَشْهَدتُهُم خَلَقَ السَّمواتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ المُضِلَّينَ عَضُداً (3)»، لِأَنَّهُم يُضِلُّونَ ذُرِّيَّةَ آدَمَ بِزَخَارِفِهِمْ وَكِذِبِهِمْ وَيَشْهَدُونَ أَن لا إله إلا اللّه كَما وَصَفَهُمُ اللّه في قَوْلِهِ : «وَلَئِن سَأَلَتُهم مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللّه قُلِ الْحَمْدُ للّه بل أكثرهم أكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (4)»، أي إنَّهُمْ لا يَقُولُونَ ذلِكَ إِلا تَلْقِينَا وَتَأْدِيبَاً وَ تَسْمِيَةٌ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ وَإِنْ شهد كانَ شاكاً حَاسِداً مُعائِداً. وَلِذَلِكَ قالَتِ العَرَبُ : «مَنْ جَهلَ أَمْراً عَادَاهُ وَمَنْ قَصَرَ عَنهُ عَابَهُ وَأَلْحَدَ فِيهِ»، لِأَنَّهُ جَاهِل غَيْرُ عَالِم.
- وكانَ لَهُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) مَع أبي يُوسُفَ القَاضِي كَلامٌ طَوِيلٌ لَيْسَ هُنَا مَوْضِعُهُ (5)-
ص: 406
ثم قالَ الرَّشِيدُ : يحق آبائِكَ لَمَا اخْتَصَرْتَ كَلِمَاتٍ جَامِعَةٍ (1) لِما تَجَارَيْنَاهُ فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): ثمَّ : نعم. وَأُتِيَ بِدَواةٍ وَقِرْطاس فَكَتَبَ :
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ جميع أمور الأديانِ أَربعةُ : أَمْرُ لَا اخْتِلافَ فِيهِ وَهُوَ إِجماعُ الأمَّة عَلَى الضرورةِ الّتي يَضْطَرُّونَ إِلَيْهَا، وَالأخبار المجمع عليها وَهِيَ الغَايَةُ المَعْرُوضُ عَلَيْهَا كلّ شُبهة وَالْمُسْتَنْبَطُ مِنْهَا كلّ حادِنَةٍ وَهُوَ إجماع الأمة. وأمر يحتمل الشَّكَ وَالاِنكَارَ، فَسَبِيلُهُ استيضاح أهْلِهِ (2) لمنتَحِليهِ بِحُجَّة. مِنْ كِتَابِ اللّه مُجْمَع عَلَى تَأْوِيلِهَا، وَسُنَةٍ مجمع عَلَيْها لا اختلاف فيها، أوقياس تعرِفُ العُقُولُ عَدَلَهُ وَلا يَسَعُ خاصة الأمَّة وَعامَّتها الشَّكُ فِيهِ وَالإنكار لَهُ (3). وَهَدَانِ الأمْرَانِ مِنْ أَمْرِ التَّوْجِيدِ فَمَا دُونَهُ وَأَرْضِ الخَدْشِ (4) فَمَافَوقَهُ. فَهَذَا المَعرُوضُ الّذي يُعْرَضُ عَلَيْهِ أَمْرُ الدِّين فَما نَبَتَ لَكَ بُرهَانُهُ اصْطَفَيْتَهُ وَمَا غَمَضَ عَلَيْكَ صَوابُهُ (5) نفيته. فمن أورد واحِدةَ مِنْ هَذِهِ الثّلاثِ (6) فهيَ الحجّة البالغةُ الّتي بَيْنَهَا اللّه في قوله لنبيه : «قُل فللّه الحجّة البالغة فلوشا، لهديكم أجْمَعِينَ (7)»، يَبْلُغَ الحجّة البالغة فَلِلّهِ الجاهِلَ فَيَعْلَمُها بِجَهْلِهِ كَمَا يَعْلَمُهُ العَالِمُ بِعِلمِهِ، لأنَّ اللّه عدل لا يَجُورُ، يحتج على خَلْقِهِ
ص: 407
بِمَا يَعْلَمُونَ وَيَدْعُوهُمْ إلى ما يَعْرِفُونَ لا إِلى مَا يَجهلُونَ وَيُنْكِرُونَ. فَأَجَازَهُ الرَّشِيدُورَدهُ. وَالخَبر طويل (1).
قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): يَنْبَغِي مِنْ عَقَلَ عَنِ اللّه أنْ لا يَسْتَبْطِئَهُ (2) فِي رِزْقِهِ وَلَا يَتَهمَهُ في قضائه.
وَقالَ رَجُلٌ : سَأَلْتُهُ عَنِ اليَقِينِ ؟ فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّه، وَيُسَلِّمُ للّهِ، وَيَرْضَى بِقَضاءِ اللّه، وَيُفَوِّضُ إِلَى اللّه.
وقال عبد اللّه بنُ يَحْيى (3) : كَتبتُ إِلَيْهِ فِي دُعاء «الحَمدُ للّه مُنْتَهَى عِلمِهِ»، فَكَتَبَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): تقولَنَّ مُنتَهى عِلْمِهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لِعِلْمِهِ مُنتَهى. وَلَكِنْ قُلْ : مُنْتَهَى رِضَاهُ.
وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ الجَوادِ، فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): إِنَّ لِكَلَامِكَ وَجْهَيْنِ، فَإِنْ كُنْتَ تَسْأَلُ عَن المخلوقِينَ، فَإِنَّ الجَوادَ، الّذي يُؤَدِّي مَا افْتَرَضَ اللّه عَلَيْهِ. وَالبَخِيلُ مَنْ بَخِلَ بِمَا افْتَرَضَ اللّه وَإِن كُنتَ تَعنِي الخَالِقَ فَهُوَ الجَوادُ إِنْ أَعطى وَهُوَ الجَوادُ إِنْ مَنَعَ، لأَنَّهُ إِنْ أَعْطَاكَ أعطاك مالَيسَ لَكَ وَإِنْ مَنْعَكَ مَنْعَكَ مَا لَيْسَ لَكَ.
وَ قالَ لِبَعْضِ شِيعَتِهِ : أَيْ فَلانُ : اِتَّقِ اللّه وَقُلِ الحقّ وَإِنْ كَانَ فِيهِ هَلاكَكَ فَإِنَّ فيهِ نَجاتكَ، أَي فَلانُ : اتَّقِ اللّه وَدَع الباطل وإنْ كَانَ فِيهِ نَجَاتُكَ. فَإِنَّ فِيهِ هَلَاكَكَ.
وقال لَهُ وَكِيلُهُ : واللّه ماخنتكَ، فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لَهُ : خِيانَتُكَ وَتَضْيِيعُكَ عَلى مالى سواء والخيانَةُ شَرَّهُما عَلَيْكَ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إيّاك أن تمنع في طَاعَةِ اللّه، فَتَنْفِقَ مِثْلَيْهِ فِي مَعْصِيَةِ اللّه.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): المُؤمِنُ مِثْلُ كَفَّتَى الميزان كُلما زِيدَ فِي إِيمَانِهِ زِيدَ في بَلائه.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) عِنْدَ قَبر حَضَرَهُ (4) : إن شيئاً هذا آخِرُهُ لَحَقِيق أَنْ يُزهَدَ في أَولِهِ. وَإِنَّ شيئاً هذا أوله تحقيق أن يُخاف آخِرُهُ.
ص: 408
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَنْ تَكَلَّمَ في اللّه هَلَكَ. وَمَنْ طَلَبَ الرِّئَاسَةَ هَلَكَ. وَمَنْ دَخَلَهُ العُجْبُ هَلَكَ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): اشْتَدَّت مؤونَةُ الدُّنيا والدِّين : فَأَمَا مَؤُونَةُ الدُّنيا فَإِنَّكَ لَا تَمُدُّ يَدَكَ إِلى شَيْءٍ مِنْهَا إِلَّا وَجَدْتَ فاجِراً قَد سَبَقَكَ إِلَيْهِ. وَأَمَا مَؤُونَةُ الآخِرَةِ فَإِنَّكَ لا تَجِدُ أعواناً يُعينونَكَ عَلَيْهِ.
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): أَرْبَعَةٌ مِنَ الوَسْوَاسِ : أَكْلُ الطِينِ وَفَتُّ الطِّينِ. وتقليم الأظفارِ بِالأَسنانِ. وأكلُ اللَّحْيَةِ. وَثَلاثٌ يُجْلِينَ البَصَرَ : النَّظَرُ إِلَى الخُضْرَةِ. وَالنَّظَرُ إِلَى المَاءِ الجاري. والنظر إلى الوَجْهِ الحَسَنِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لَيْسَ حُسْنُ الجِوارِ كَف الأذى وَ لكِنْ حُسنُ الجِوارِ الصَّبْرُ على الأذى.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا تُذْهِبِ الحِشْمَةَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ أَخِيكَ (1). وَأَبْقِ مِنْهَا، فَإِنَّ ذَهَابَهَا. ذَهابُ الحَياءِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) لبعض وليه : يابني إيّاك أن يَرَاكَ اللّه في مَعْصِيَةٍ نَهَاكَ عَنْهَا. وَإِناكَ أنْ يَفْقِدَكَ اللّه عِنْدَ طَاعَةٍ أَمَرَكَ بها. وَعَلَيْكَ بِالجِد وَلَا تُخْرِجَنِّ نَفْسَكَ مِنَ التَّقْصِيرِ في عِبادَةِ اللّه وَطاعَتِهِ، فَإِنَّ اللّه لا يُعبَدُ حَق عِبادَتِهِ. وَإِيَّاكَ وَالْمُزَاحَ ؛ فَإِنَّهُ يَذْهَبُ بِنُورِ إيمَانِكَ وَيَسْتَخِفٌ مُرُوتكَ. وَإِيَّاكَ وَالضَّجَرَ وَالكَسَلَ، فَإِنَّهُمَا يَمْنَعَانِ حَظَّكَ مِنَ الدنيا والآخرة.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إذا كانَ الجَوْرُ أَعْلَبُ مِنَ الحقّ لَم يَحِلَّ لِأَحَدٍ أَنْ يَظُنُّ بِأحَدِ خَيْراً حَتى يَعرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لَيْسَ القَبْلَةُ عَلَى القَمِ إِلَّا لِلزَّوْجَةِ وَالوَلَدِ الصَّغِيرِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): اجْتَهِدُوا فِي أَنْ يَكُونَ زَمانُكُمْ أربع ساعات : سَاعَةً لِمَناجاةِ اللّه. وَسَاعَةً لأَمْرِ المَعَاشِي. وَسَاعَةً لِلْعاشَرَةِ الإِخْوَانِ وَ الثّقاتِ الّذين يُعَرَّفونَكُمْ عُيُوبَكم وَيُخْلِصُونَ لَكُمْ في البَاطِنِ وَسَاعَةً تَخْلُونَ فيها لِلذَّاتِكُمْ فِي غَيْرِ مُحَرَّمٍ وِبِهذِهِ السّاعَةِ
ص: 409
تَقْدِرُونَ عَلَى الثَّلَاثِ ساعات لا تحدثوا أَنفُسَكُم بِفَقَرٍ وَلَا بِطُولِ عُمْرٍ، فَإِنَّهُ مَنْ حَدَّثَ نَفْسَهُ بِالْفَقْرِ بَخِلَ، وَمَنْ حَدَّثهَا بِطُولِ العُمر يَحْرِضُ. اِجْعَلُو الأَنفُسِكُمْ حَظًّا مِنَ الدُّنيا بإعطائها ما تشتهي مِنَ الحَلالِ ومالا يثلِمُ المَروةَ وَمَا لا سَرَفَ فِيهِ. وَاسْتَعِينُوا بِذَلِكَ عَلَى أمُورِ الدِّينِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ «لَيْسَ مِنّا مَنْ تَرَكَ دُنْيَاهُ لِدِينِهِ أَوْ تَرَكَ دِينَهُ لِدُنْيَاهُ».
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : تَفَقَهُوا فِي دِينِ اللّه فَإِنَّ الفقة مِفْتَاحُ البَصِيرَةِ وَ تَمَامُ العِبَادَةِ وَ السَّبَبُ إلى المنازِلِ الرَّفِيعَةِ وَالرُّتَبِ الجَلِيلَةِ في الدِّين وَالدُّنْيا. وَفَضْلُ الفَقِيهِ عَلَى العَابِدِ كَفَضْلِ الشَّمْسِ عَلَى الكَواكِبِ. وَمَنْ لَمْ يَتَفَقَهُ فِي دِينِهِ لَمْ يَرْضَ اللّه لَهُ عَمَلاً.
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لِعَلِيِّ بْنِ يَقْطِينِ (1): كَفَّارَةُ عَمَلِ السُّلْطَانِ الإِحْسَانُ إِلَى الإِخْوَانِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): كلما أَحْدَثَ النَّاس مِنَ الذُّنُوبِ مالم يكونوا يَعْمَلُونَ أحْدَثَ اللّه لَهُمْ مِنَ البَلاءِ مَالَمْ يَكُونُوا يَعْدُونَ.
ص: 410
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إذا كان الإمام عادِلاً كانَ لَهُ الأجْرُ وَ عَلَيْكَ الشكرُ، وَإِذا كانَ جَائِراً كانَ عَلَيْهِ الوِزْرُ وَعَلَيْكَ الصَّبْرُ.
وقال أبو حنيفة (1) حَجَجْتُ في أيام أبي عبد اللّه الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) فلما أتيت المدينة فَلَمَّا دَخَلْتُ دَارَهُ فَجَلَسْتُ في الدهليز أنتظر إذنهُ إِذْ خَرَجَ صَبي يدرج ورد (2) فَقُلْتُ : يَاغُلام أَيْنَ يَضَعُ الغريب الغائِطَ مِنْ بَلَدِكُمْ : قالَ : عَلى رِسْلِكَ (3) ثمَّ جَلَسَ مُستنداً إلى الحائط. ثمَّ قَالَ : تَوَقٌ شُطُوطَ الأنهارِ وَ مَساقِطَ الثِّمارِ وأفنيةَ المَسَاجِدِ وَقَارِعَةَ الطَّريق (4) وَتَوَارَ خَلْفَ جِدارٍ وَشِلْ ثَوْبَكَ (5) وَلا تَسْتَقْبِلِ القِبْلَةَ وَلَا تَستديرها. وَضَعَ حَيْثُ شِئْتَ. فأعجبني ما سَمِعْتُ مِنَ الصَّبِيِّ، فَقُلْتُ لَهُ : مَا اسْمُكَ، فَقَالَ : أَنَا مُوسَى بنُ فَأَعْجَبَنِي، جَعْفَرِ بنِ محمَّد بنِ
ص: 411
على بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب. فَقَلْتُ لَهُ : ياغلام يمن المعصيةُ، فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): إِنَّ السَّيِّئَاتِ لاتخلو مِنْ إحْدَى ثَلاتٍ : إما أَنْ تَكُونَ مِنَ اللّه وَلَيْسَتْ مِنْهُ فَلَا يَنْبَغِي لِلرَّبِ أنْ يُعَذِّبَ العَبْدَ عَلَى مَالَا يَرْتَكِبُ. وَإِما أَن تَكُونَ مِنْهُ وَمِنَ العَبْدِ وَلَيْسَتْ كَذلِكَ، فَلَا ينبغي للشريك القوي أنْ يَظلَمَ الشَّرِيكَ الضعيف. وَإِما أَن تَكُونَ مِنَ العَبْدِ وَهِيَ مِنْهُ، فَإِنْ عَفا [ف-] بِكَرَمِهِ وَجُودِهِ، وَإِنْ عَاقَبَ فَبِذَنْبِ العَبْدِ وَجَرِيرَتِهِ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : فانصرفت وَلَمَ الق أبا عَبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَاسْتَغْنَيتُ بِما سَمِعْتُ.
وقالَ لَهُ أبو أحمد الخراساني : الكفراً قدم أمِ الشِّرْكِ (1)، فَقَالَ لَهُ : مَالَكَ ؟ لا ولهذا ما عَهدِي بِكَ تُكَلِمُ النَّاسَ. قُلْتُ : أمرني هِشَامُ بْنُ الحَكَم (2) أَنْ أَسْأَلَكَ. فَقَالَ : قُل لَهُ : الْكَفَرَ أَقَدَمُ، أَوَّلُ مَنْ كَفَرَ إِبْلِيسُ «أبى وَاسْتَكْبَرَ وَ كَانَ مِنَ الكَافِرِينَ (3)»، وَالْكُفْرُ شَيْءٍ وَاحِدٌ وَالشرك يُنبِتُ وَاحِداً وَيُشْرِكُ مَعَهُ غَيْرَهُ.
وَرَأى رَجُلَيْنِ يَتَسابَانِ فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): البادي أظلم وَوِزْرَهُ وَوِزْرَ صَاحِبِهِ عَلَيْهِ مَالَمْ يعتد المظلوم.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): يُنَادِي مُنادِيَومَ القِيامَةِ : الأمَن كانَ لَهُ عَلَى اللّه أَجْرٌ فَلْيَقُمْ، فَلَا يَقُومُ إِلَّا مَن عَفَاوَ اصلح فَأَجْرُهُ عَلَى اللّه.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): السَّخِيُّ الحَسَنُ الخُلق في كنف اللّه، لا يَتَحَلَّى اللّه عَنْهُ حتّى يُدخِلَهُ الجنّة. وَمَا بَعَثَ اللّه نبياً إلا سَخِياً. ومازالَ أَبي يُوصيني بِالسَّخاءِ وَحُسْنِ الخُلْقِ حتى مضى.
وَ قالَ السِّنْدِيُّ بْنُ شَاهِكٍ - وَكانَ الّذي وَكَلَهُ الرَّشِيدُ بحبس موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ)- لما حَضَرَتْهُ الوَفاةُ : دَعْنى أكَفَنَكَ، فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): إنا أهْلُ بَيْتٍ، حَقٌّ صَرورتنا (4) وَمُهور نسائنا وأكفانا منْ طَهُور أهوالنا.
ص: 412
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لِفَضْلِ بنِ يُونُسَ : أبلغ خَيْراً وَقُل خيراً ولا تكن إمَّعة (1) قلتُ : وَمَا الإمَّعَةُ : قالَ : لا تَقُل : أنَا مَعَ النَّاس وَأَنَا كَواحِدٍ مِنَ النَّاسِ. إِنَّ رَسُولَ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قَالَ : يا أيُّها النَّاس إِنَّمَا هُمَا نَجدَانِ نَجِدُ خَيرٍ وَ نَجِدُ شَرَّ فَلا يَكُن نَجِدُ الشَّرِّ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ نجد الخير (2)».
وَرُوِيَ أَنَّهُ مَرَّ بَرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ السَّوادِ دَمِيمِ المَنْظَرِ (3)، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَنَزَلَ عِنْدَهُ وحادَثهُ طَوِيلاً، ثمَّ عَرَضَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) عَلَيْهِ نفسَهُ في القيامِ بِحاجَةٍ إِنْ عَرَضَتْ لَهُ، فَقِيلَ لَهُ : يَا ابْنَ رَسُولِ اللّه أَتَنْزِلُ إِلى هذا ثمَّ تَسْأَلُهُ عَنْ حوائجكَ وَهوَ إِليك أحوج ؟ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِ اللّه وَأَخ في كتاب اللّه وَجَارَ في بِلادِ اللّه، يَجمعنا وَإِيْمَاهُ خَيْرُ الآباءِ آدَمُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَأَفْضَلُ الأديانِ الإسلامُ وَلَعَلَّ الدَّهْرَ يَرُدُّ مِنْ حَاجَاتِنَا إِلَيْهِ، فَيَرانا - بَعدَ الزَّهْوَ عَلَيْهِ (4) -مُتواضِعِينَ بَيْنَ يَدَيْهِ. ثمَّ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ):
تواصِلُ مَنْ لا يستحق وصالنا ***مَخَافَةَ أَنْ نَبْقَى بِغَيْرِ صَدِيقٍ
ص: 413
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا تصلح المسألة إلا في ثلاثة : في دَم مُنقطع (1) أو غرم مُتَّقِل أو حاجة مدقعة.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): عَونَكَ لِلضَّعِيفِ مِنْ أَفْضَلِ الصَّدَقَةِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): تَعَجَّبُ الجَاهِلِ مِنَ العَاقِلِ أكثر مِنْ تَعَجَّب العَاقِلِ مِنَ الجَاهِلِ.
وقال(عَلَيهِ السَّلَامُ) : المُصيبَةُ لِلصَّابِرِ وَاحِدَةً وَلِلجازع اثْنَتَانِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): يَعْرِفُ شِدَّةَ الجَورِ مَنْ حُكمَ بِه عليه.
ص: 414
[ بسم اللّه الرحمن الرحيم ]
ورُوِيَ عن الامام الهمام أبي الحسن علىّ بن موسى الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) في طوال هذه المعاني
رُوِي أَنَّ المأمونَ بَعَثَ الفَضَلَ بنَ سَهْلٍ ذَا الرِّياستينِ (1) إلى الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال إنِّي أحِبُّ أنْ تجمع لي مِنَ الحَلالِ وَالحَرَامِ وَالفَرائِضِ وَالسُّنَنِ، فَإِنَّكَ حُجة اللّه عَلى خَلْقِهِ وَمَعْدِنُ العِلْمِ. فَدَعَا الرَّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) بدَواةٍ وَقِرْطاسِ، وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) لِلْفَضلِ : أَكْتُب:
بسم اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
حسْبُنَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللّه، أَحَداً سَمَداً، لم يَتَّخذ صاحبة ولا ولداً، قيوماً،
ص: 415
سميعاً، بَصِيراً، قَوِياً، قائماً، باقياً، نُوراً، عالماً لا يجهل، قادِراً لا يَعْجِرُ، غَنِي لا يحتاج عدلاً لا يَجُورُ، خَلَقَ كلّ شَيْءٍ، لَيْسَ كَمثلِهِ شَيْءٌ، لَاشِبَهَ لَهُ وَلَا ضِدَّ وَلَا ندَّ وَلَا كُفَوَ وَأَنَّ محمّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأمِينُهُ وَصَفَوتُهُ مِنْ خَلقه، سيد المرسلين وَخَاتَمُ النبيِّينَ وَأفلا العالمين، لا نبي بعدهُ وَلا تَبْدِيلَ لِلَّيْهِ ولا تغيير. وَأَنَّ جَمِيعَ ماجاء به محمَّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أَنَّهُ هُوَ الحقّ المُبِينُ نُصَدِّقُ بِهِ وَبِجَمِيعِ مَنْ مَضَى قَبْلَهُ مِنْ رُسُلِ اللّه وأنبيائِهِ وَحَجَجه. وَنَصَدق بكتابه الصَّادِقِ : «لا يَأْتِيهِ البَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ» وأنَّه [كتابه] المهيمن على الكتب كُلها. وَأَنَّهُ حَقٌّ مِنْ فَاتِحَتِهِ إِلى خَاتِمَتِهِ، نُؤْمِنُ بِمُحْكَمِه وَمُتَشَابِهِ. وَخاصه وَعَامِّهِ. وَوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ. وَناسِخِهِ وَمَنسُوخِهِ وَأَخْبَارِهِ لا يَقْدِرُ وَاحِدٌ مِنَ المخلوقِينَ أنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهِ. وَأَنَّ الدَّلِيلَ وَالحجّة مِنْ بَعْدِهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَ القائم بأمور المسلمين، والنَّاطِقَ عَن القُرْآنِ وَالعَالِمَ بِأحْكامِه، أخُوهُ وَخَلِيفَتُهُ وَوَصِيهُ والّذي كانَ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، عَلِيُّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) أمير المؤمِنينَ وَإِمَامُ المُتَّقِينَ وَقَائِدُ الغُر المحجلينَ، يَعْسُوبُ المُؤمِنِينَ وَأفْضَلُ الوَصِيِّينَ بَعْدَ النَّبيينَ. وَبَعدَهُ الحَسَنُ وَالحُسَينُ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا عِتْرَةُ الرَّسول و أعلَمُهُمْ بالكتاب والسُّنَّةِ وَ أَعْدَلُهُمْ بِالقَضِيةِ و أولاهُمْ بِالإِمَامَةِ فِي كلّ عَصْرِ وَزَمَان. وَأَنَّهُمُ العُرْوَةُ الوُثْقَى وَأَئِمَّةُ الهُدى وَالحجّة عَلَى أَهْلِ الدُّنيا حتّى يَرِتَ اللّه الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَ هُو خير الوارِثِينَ. وَأَنَّ كلّ مَنْ خَالَفَهُمْ ضَالٌ مُضِلَّ، تَارِكٌ لِلْحَقِّ وَالهُدى. المُعَبرُونَ عَنِ القُرْآنِ، النَّاطِقُونَ عَنِ الرَّسول بِالبَيانِ، مَنْ مَاتَ لا يَعرِفُهُمْ وَلا يتولاهُم بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاء آباتِهِم مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةٌ، وَأَنَّ مِنْ دِينِهِمُ الوَرَعَ وَالعِفَّةَ وَالصَّدْقَ والصلاح والاجتهاد وأداء الأمانةِ إلى البر والفاجِرِ وَطُولَ السُّجُودِ وَالقِيامَ بِاللَّيْلِ وَاجْتِنابَ المَحَارِمِ وانتظار الفرج بِالصَّبر وحسن الصحبَةِ وَحَسُنَ الجوار و بذل المعروف وَكَف الأذى وبسط الوجه والنصيحة والرَّحْمَةَ لِلْمُؤْمِنِينَ. وَالوُضُوءَ كَمَا أَمَرَ اللّه فِي كِتَابِهِ غسل الوجهِ وَاليَدَيْنِ وَمَسْحَ الرَّأْسِ وَالرَّجُلَيْنِ واحِدٌ فَرِيضَةٌ وَأَثْنَانِ إِسْبَاغُ وَمَنْ رَادَائِمَ وَلَمْ يُوجَرْ وَلا ينقض الوضوة إِلَّا الريحُ والبَولُ والغَامِطُ وَالنَّوْمُ وَالجَنابَةُ. وَمَنْ مَسَحَ
ص: 416
عَلَى الخُفَّيْنِ فَقَدْ خَالَفَ اللّه وَرَسُولَهُ وَ كِتابَهُ وَلَم يجزعنهُ وُضُوءَهُ وَذَلِكَ أَنَّ عَلَيَّا (عَلَيهِ السَّلَامُ) خَالَفَ القَوْمَ في المَسْحِ عَلَى الخُفِّينِ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: رَأَيْتُ النَّبِي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يمسح. فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ): قبل نزولِ سُورَةِ المائِدَةِ أَو بعدها : قال لا أدري. قالَ عَلى (عَلَيهِ السَّلَامُ): لكني أدْرِي أَنَّ رَسُولَ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)لم يمسح على خفيهِ مُذنزلَتْ سُورَةُ المائِدَةِ».
والا تسال من الجَنابَةِ وَالِاحْتِلامِ وَالحَيْض، وغسلُ مَنْ غَسل الميت فَرضَ وَالغُسل يوم الجمعة. والعيدين وَدُخُولِ مَكَةَ وَالمَدِينَةَ. وَغُسل الزيارَةِ. وَغَسْلُ الإِحْرَامِ، وَيَوْمَ عَرَفَةَ وَ أول ليلة من شهرِ رَمَضَانَ وَلَيلَةٍ تسع عشرة مِنْهُ وَإحْدَى وَعِشْرِينَ وَثَلَاتَ وَعِشْرِينَ مِنْهُ سُنَّةٌ.
وَصَلاة الفَرِيضَةِ : الظَّهْرُ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَالعَصْرُ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ. وَالمَغرِبُ ثَلاثُ رَكَعَاتٍ وَالعِشاء الآخِرَةُ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَالفَجْرُ رَكَعَتَانِ، فَذَلِكَ سبع عشرة رَكْعَةٌ وَالسَّنة أربع وثلاثون رَكْعَةً : مِنْهَا نَمان قبل الظهرِ، وَثَمَانٌ بَعْدَها، وَأَرْبَعَ بَعْدَ المَغرِب. وَرَكَعَتَانِ مِنْ جُلُوس بعد العشاء الآخِرَةِ - تُعَدُّ بوَاحِدَةٍ - وَثَمانُ فِي السَّحَرِ، وَالوَتْرُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ (1) وَرَكَعَتَانِ بَعْد الوَتْرِ. وَالصَّلاة في أول الأوقاتِ (2). وَفَضْلُ الجَمَاعَةِ عَلَى الفردِ كلّ رَكْعَة بِألْفِي رَكْعَةٍ، وَلا تُصَلِّ خَلْفَ فَاجِرٍ (3) وَلَا تَقْتَدِي إِلَّا بِأَهْلِ الوِلَايَةِ. وَلا تُصَلِّ في جُلُودِ المَيْتَةِ. وَلَا جُلُودِ السباع. والتقصير في أَرْبَعِ فَراسِخ، بَرِيد ذَاهِباً وَبَرِيد جَائِياً (4)، اننا عَشَرَ مِيلاً. وإذا قَصَّرْتَ أفْطَرْتَ. وَالقُنُوتُ فِي أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ، في الغَدَاةِ وَالْمَغْرِبِ وَالعَتَمَةِ (5) وَيَوْمِ الجُمُعَةِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ (6) وَكُلُّ القُنُوتِ قَبْلَ الرَّكُوعِ وَ
ص: 417
بَعْدَ القِراءَةِ، وَالصَّلاةُ عَلَى المَيِّتِ خَمْسُ تَكبيراتٍ وَلَيْسَ في صَلَاةِ الجَنَافِرَ تَسْلِيمٌ لِأَنَّ التَسْلِيمَ في الركوع والسجودِ وَلَيْسَ لِصَلاةِ الجِنَازَةِ رُكُوعٌ وَلَا سُجُودٌ وَيُرَبَّعُ قَبْرَ المَيِّتِ وَلَا يسنّم(1) وَالجَهْرَ بِبِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي الصَّلَاةِ مَعَ فَاتِحَةِ الكِتابِ.
والزَّكَاةَ المَفْرُوضَةَ مِنْ كلّ مِائَتَى دِرْهَم خَمْسَةٌ دَرَاهِمَ وَلَا تَجِبُ فِي مَا دُونَ ذَلِكَ وَفِيمَا زاد في كلّ أَربعين دِرْهَما درهم وَلا تَجبُ فيما دُونَ الأَرْبَعِينَاتِ شَيْ (2) وَلا تَجِبْ حتّى يحول الحولُ. وَلا تُعطى إلا أهْلُ الوِلايَةِ وَالمَعرِفَةِ. وَفي كلّ عِشْرِينَ دِينَاراً نِصْفُ دِينَارٍ. وَ الخُمْسَ مِنْ جَمِيعِ المَالِ مَرَّةً واحِدَة (3) وَالعُشْرَ مِنَ الحِنْطَةِ وَالسَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزبيب. وَكُلُّ يَخْرُجُ مِنَ الأرْضِ مِنَ الحُبُوبِ إِذا بَلَغَتْ خَمْسَةَ أَوْسَقٍ فَفِيهِ العُشْرُ إِنْ كَانَ يُسْقَى سَيْحاً (4). وَ إنْ كانَ يُسْقَى بِالدَّوالِي فَفِيهِ نِصْفُ العَشْرِ لِلْمُغْسِرِ وَالمُوسِرِ. وَتَخْرَجُ مِنَ الحبوب القَبْضَةُ وَالقَبْضَانِ، لأنَّ اللّه لا يكلف نفساً إِلَّا وُسْعَهَا وَلَا يُكَلِّفُ العَبْدَ فَوقَ طاقتِه وَ الوَسْقُ سِتّونَ صاعاً وَالصَّاعُ سَةُ أرْطَالٍ وَ هُوَ أَرْبَعَةُ أَمَدَادٍ وَالمُدَّ رِطَلَانِ وربع برطل العراقي وقال الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هُوَ (5) تِسْعَةُ أَرْطَالٍ بِالعِراقِي وَسِتَةَ أَرطال بِالْمَدَنِي. وزكاةُ الفِطْرِ فَرِيضَةً عَلَى رَأْسِ كلّ صَغير أو كبيرٍ، حَرَّ أَو عَبْدِ مِنَ الحِنْطَةِ نِصف صاع وَمِنَ التمر والزبيب صاع (6). ولا يجوز أن تعطى غَير أَهْلِ الوِلايَةِ، لِأَنَّها فَرِيضَةٌ.
ص: 418
وأكثرُ الحَيْضِ عَشَرَةُ أيَّامٍ وَأَقَلُهُ ثلاثة أيامٍ. وَالمُسْتَحَاضَة تَغْتَسِلُ وَ تُصلى. وَ الحافِضُ تترك الصلاة ولا تقضي، وتترك الصيام وتقضيه.
ويُصام شهرُ رَمَضانَ لِرُؤْيَتِهِ وَيُفْطَرُ لِرُؤيَتِهِ. وَلَا يَجُوزُ التَّرَاوِيحُ فِي جَمَاعَةٍ (1) وَ صوم ثلاثةِ أيامٍ فِي كلّ شَهْرٍ سُنَّةٌ مِن كلّ عَشَرَةِ أَيَّامٍ يَوْمُ خَمِيسٌ مِنَ العَشْرِ الأَوَّلِ. والأربعاء مِنَ العشر الأوسط. وَالخَمِيسُ من العشر الآخِرِ، وَ صَوم شعبانَ حَسَنٌ وَهُوَ مِنَ سُنَةٌ وَقَالَ رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «شعبان شهری و شهرُ رَمَضَانَ شَهْرُ اللّه»، وَ إِنْ قَضَيْتَ فَائِتَ شَهْرِ رَمَضَانَ مُتَفَرَّقاً أَجْزَءَكَ (2).
وَحَجَّ البَيتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَالسَّبِيل زاد وَراحِلَةٌ (3). وَلا يَجُوزُ الحَج إلا متمتّعاً (4) وَلا يَجُوزُ الإفراد و القرآنُ الّذي تَعمَلُهُ العامّة والإحرام دُونَ الميقات لا يجوزُ. قَالَ اللّه: «وَأَتِمُّوا الحَج وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ (5)»، وَلا يَجُوزُ فِي النَّسَكِ الخَصِيُّ، لاَنَّهُ ناقِصٌ وَيَجُوزُ المَوجُوهُ (6).
والجهادَ مَعَ إِمَامٍ عَادِلٍ، وَمَن قَاتَلَ فَقُتِلَ دُونَ مَالِهِ وَرَحْلِهِ وَنَفْسِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَلا يَحِلُّ
ص: 419
قتلُ أحَدٍ مِنَ الكُفَّارِ في دارِ التَّقِيَّةِ إِلَّا قَاتِل أوباغ وَذَلِكَ إِذا لَمْ تَحْذَرْ عَلَى نَفْسِكَ (1) وَلا أكل أموالِ النَّاس مِنَ المُخالِفِينَ وَغَيْرِهِمْ وَالتَّقِيَّةُ في دارِ النقية واجِبَةٌ. وَلَاحِنْثَ عَلَى مَنْ حَلَفَ تَقِيَّةً يَدْفَعُ بِها ظُلْماً عَنْ نَفْسِهِ.
والطلاق بِالسُّنَةِ عَلَى مَا ذَكَرَ اللّه جَلَّ وَعَزَّ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وَلَا يَكُونُ طلاق بِغَيْرِ سُنَةٍ وَكُلُّ طَلَاقٍ يُخَالِفُ الكِتابَ فَلَيْسَ بِطَلاقٍ وَكُلٌّ نكاح يُخَالِفُ السَّنْةَ فليس بنكاح وَلَا تَجْمَعَ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَع حَرَامِرَ. وَإِذا طُلْقَتِ المرأَة ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لِلسُّنةِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ حتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ. وَقَالَ أميرُ المُؤْمِنِينَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): «اتَّقُوا المُطَلَّقَاتِ ثَلاثاً فَإِنَّهُنَّ ذَواتُ أَزْواجِ»(2)
وَ الصَّلاةَ عَلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فِي كلّ المَواطِنِ عِنْدَ الرِّياحِ وَالعُطَاسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَحُبِّ أَوْلِياءِ اللّه وَ أَوْلِيائِهِمْ وَبَعْضَ أعْدائِهِ وَالبَراءَةَ مِنْهُمْ وَمِنْ أَئِمَّتِهِمْ. (3)
وبر الوالِدَينِ وَإِنْ كَانَا مُشْرِكَيْنِ فَلا تُطِعْهُمَا (4) وَصَاحِبُهُمَا فِي الدُّنيا مَعْرُوفاً لِأَنَّ اللّه يَقُولُ: «اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيكَ إِلَى المصير * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ علمٌ فَلا تُطِعْهُما (5)»، قال أمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): «ما ضامُوا لَهُمْ وَلَا صَلَّوا وَ لكِنْ أَمَرُوهُمْ بِمَعْصِيَةِ اللّه فَأطَاعُوهُم ثمَّ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ : مَنْ أطاعَ مَخلُوقا في غَيْرِ طاعَةِ اللّه جَلَّ وَعَزَّ فَقَدْ كَفَرَ وَاتَّخَذَ إِلَهَا مِنْ دُونِ اللّه».
وَذَكَاةُ الجَنينِ ذَكَاةُ أُمه.
وَذُنُوبُ الأنبياء صغار موهوبة لهم بالنبوة.
وَالفَرائِضَ عَلَى مَا أَمَرَ اللّه لا عَولَ فيها (6) وَلَا يَرِثُ مَعَ الوَالِدَيْنِ وَالوَلَدِ أَحَدٌ إِلَّا الزوج
ص: 420
وَاقَرَأَهُ وَذُو السَّهُم أَحَقُّ ممَّن لا سَهُم لَهُ وَلَيْسَتِ العَصَبَةُ مِن دِينِ اللّه (1).
والعقيقَةُ عَنِ المَوْلُودِ الذَّكَرِ وَ الأُنثى يَوْمَ السابع. ويحلق راسه يوم السابع. وَيُسمى يوم السابع. ويتصدق بوَزْنِ شَعَرِهِ ذَهَبَاً أَوْ فِضَةٌ يَوْمَ السَّابِعِ.
وَ أَنَّ أَفعال العبادِ مَخْلُوقَةٌ خَلَقَ تَقدِيرٍ، لا خَلْقَ تَكوين. وَلَا تَقُل بِالجَبْرِ وَلا بالتفويض ؛ وَلَا يَأْخُذَ اللّه عَزَّ وَجَلَّ البَرِي بِجُرْمِ السَّقِيمِ، وَلَا يُعَذِّبُ اللّه الأَبْنَاءَ وَ الأَطْفَالَ بِذُنُوبِ الآبَاءِ وَإِنَّهُ قَالَ : «وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى (2)». «وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا مَا سَعی(3)»، واللّه يَغْفِرُ وَلا يَظْلِمُ. وَلا يَفْرِضُ اللّه عَلَى العِبادِ طَاعَةَ مَنْ يَعلَمُ أَنه يَظْلِمُهُم وَ يُغويهم. وَلَا يَخْتارُ لِرِسالَتِهِ وَيَصْطَفِي مِن عِبادِهِ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَكْفُرُ وَيَعْبُدُ الشَّيْطَانَ مِنْ دُونِهِ. وَأَنَّ الإِسْلامَ غَيْرُ الإِيمَانِ وَكُلَّ مُؤْمِن مُسلِمٌ وَلَيْسَ كلّ مُسْلِمٍ مُؤْمِناً. لا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنْ وَلا يَشْرَبُ الشَّارِبُ حِين يَشْرَبُ الخَمْرَ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يقتل النفس الّتي حَرَّمَ اللّه بِغَيْرِ الحقّ وَهُوَ مُؤْمِنَ. وَأَصْحَابُ الحُدُودِ لا بِمُؤْمِنِينَ وَ لَا بکافرينَ (4) وَأَنَّ اللّه لا يُدْخِلُ النَّارَ مُؤْمِناً وَقَدْ وَعَدَهُ الجنّة وَالخُلُودَ فِيها وَمَن وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ بنفاق أو فسق أَوْ كَبِيرَةٍ مِنَ الكَبائِرِ لَم يبعث مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا مِنْهُم وَلَا تُحِيطُ جَهَنَّمُ إِلَّا بالكافِرِينَ. وَكُلُّ إِثْم دَخَلَ صَاحِبَهُ بِلزَوْمِهِ النَّارَ فَهُوَ فَاسِقٌ (5). وَمَنْ أَشْرَكَ، أَوْ كَفَرَ، أو نافق، أو أتى كَبِيرَةً مِنَ الكَبَائِرِ (6) وَالشَّفَاعَةُ جَائِزَةٌ لِلْمُسْتَشْفِعِينَ. وَالأمْرُ بِالْمَعْرُوفِ و النَّهْي عَنِ الْمُنكَرِ باللسان واجب.
ص: 421
والإيمان أداء الفرائضِ وَاجْتِنابُ المَحارِمِ. وَالإِيمَانُ هُوَ مَعرِفَةٌ بِالْقَلْبِ وَإِقْرَارُ بِالنِّسانِ وَعَمَلُ بالأَرْكَانِ.
والتكير في الأضحى خَلْفَ عَشْرِ صَلَواتِ يُبتدأ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَفِي الفِطْرِ فِي خَمْسِ صَلَواتِ يُبْدَأُ بِصَلَاةِ المَغْرِبِ مِنْ لَيْلَةِ الفِطْرِ.
والنفساهُ تَعْمَدُ عِشْرِينَ يَوْماً لا أكثر منها (1) فَإِنْ طَهُرَتْ قَبل ذلِكَ صَلَتْ وَإِلا فَإلى عِشْرِينَ يَوْماً، ثمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَتَعْمَلُ عَمَلَ المُستَحاضَةِ.
وَيُؤْمَنُ بِعَذَابِ القَبْرِ وَمُنْكِرٍ وَنَكير. وَالبَعْثِ بَعْدَ المَوْتِ، وَالحِسابِ. وَالميزان والصراطِ. وَالبَرَاءَةِ مِنْ أئمّة الصَّلالِ وَأَتْباعِهِمْ. وَالمُوالاتِ لِأَولِياءِ اللّه (2) وَتَحْرِيمِ الخَمْرِ قليلها وَ كَثِيرها. وَكُلُّ مُسْكِر خَمْرُ وَكُل مَا أَسْكَر كَثِيرُهُ فَقَليلُهُ حَرَامٌ. وَالمُضْطَرَّ لَّا يَشْرَبُ الخمرَ فَإنَّها تَقْتُلُهُ. وَتَحْرِيمِ كلّ ذِي نَابِ مِنَ السَّبَاعِ وَكُلِّ ذِي مِخَلَب مِنَ الطَّيِّرِ. وَتَحْرِيمِ الطِّحالِ فَإِنْه دَم. والجري وَالطَّافي والمارُ ماهِي وَالزّمِّيرِ (3) وَكُلِّ شَيْءٍ لَا يَكُونُ لَهُ قُسُورٌ. وَمِنَ الطَّيْرِ مالا تَكُونُ لَهُ قَانِصَةٌ (4) وَ مِنَ البَيْضِ كلّ مَا اخْتَلَفَ طَرَفَاهُ فَخَلالُ أَكَلُهُ وَمَا اسْتَوى طَرفَاهُ فَحَرَام أَكْلُهُ، وَاجْتِنابِ الكَبَائِرِ، وَهِيَ قَتْلُ النَّفْسِ الّتي حَرَّمَ اللّه. وَشُرَبُ الخَمْرِ. وَعَقُوقُ الوالِدَيْنِ وَالفِرارُ مِنَ الزَّحْفِ (5) وَأَكْلُ مَالِ اليَتَامَى ظُلماً. ! وأكل الميتةِ، وَالدم. ولحم الخنزير، وما أهل به لغير اللّه مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ بِهِ. وَأَكل الربا وَالسُّحْتِ بَعْد البَيِّنَةِ. والمَيْسِرُ. وَالبَخْسُ في الميزانِ وَالمِكْيالِ. وَقَذَفُ المُحْصَنَاتِ. والزنا. واللواط. وَالشَّهَادَاتُ الرُّورُ. وَاليَاسُ مِنْ رَوْح اللّه وَالأَمْنُ مِن مَكْرِ اللّه.
ص: 422
والقنوط من رحمة اللّه. وَمُعَاوَنَةُ الظَّالِمينَ وَالرَّكُونُ إليهم. وَاليَمِينُ الغَمُوسُ (1) وَحَبْسُ الحقوق مِنْ غَير عُسر. وَالكَبْرُ. وَالكَفَرُ. وَالإسْرافُ وَالشَّبَذِيرُ، وَالخِيانَةُ وكتمان الشَّهَادَةِ والملاهي الّتي تَصُدُّ عَنْ ذِكْرِ اللّه مِثْلُ الغناء وَضَرْبِ الأوْثَارِ. وَالاصْرَارُ عَلَى الصغاير مِنَ الذُّنوبِ. فَهَذَا أُصُولُ الدِّينِ. وَالْحَمْدُ للّه رَبِّ العالَمينَ وَصَلَّى اللّه عَلَى نَبِيِّهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً.
سَأَلَهُ عِمْرَانُ الصَّابِيُّ فِي مَجْلِسٍ كَبِيرٍ جَمَعَ لَهُ الْمَأمُونُ فِيهِ مُتَكَلَّمِي المَلَلِ كُلِّهِمْ المُخالِفِينَ لِلْإِسْلامِ فَخَصَمَ جَمِيعَهُمْ (2) - وَالخَبْرُ طَوِيلٌ وَالمَجْلِسُ مَشْهُورٌ. ذَكَر پنَا مِنْهُ ما اقتضاه الكتاب- (3).
. قالَ لَهُ عِمْرَانُ الصَّابِيُّ: أَخْبِرْنِي نَوَحدَ اللّه بِحَقِيقَة أَمْ نُوَحْدُهُ بِوَصْفٍ (4)؟
فَقَالَ لَهُ الرِّضا : إِنَّ النُّورَ البَدِيء (5) الوَاحِدَ الكَونَ الأَوَّلَ وَاحِدٌ لأَشَرِيكَ
ص: 423
لَهُ وَلَا هَيْ مَعَهُ (1) فَرْد لا ثَانَيَ مَعَهُ. وَلاَ مَعْلُومَ - وَلَا مَجُهُول -(2) وَ وَلَا محُكُمْ وَلا متشابة ولا مذكورٌ وَلا مُنْسا (3) وَلاشَيء، يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ شَيْءٍ مِنَ الأَشْيَاءِ (4) كَلِهَا. فَكَانَ البَدِي، قَائِماً بِنَفْسِهِ، نُور غني مستغن عن غيره، لا من وقت كانَ وَلا إلى وَقْتِ يَكُونُ. وَلَا عَلَى شَيْءٍ قَامَ وَلَا إِلَى شَيْءٍ اسْتَترَ (5) وَلَا فِي شَيْءٍ اسْتَكَنَّ وَلَا يُدْرِكُ القَائِلُ مَقَالاً إِذا خَطَرَ بِبَالِهِ ضَوْهُ أَوْ مِثال أوْ شَبَحَ أَوْظِلُ.ّ وَذَلِكَ كُلَّهُ قَبْلَ الخَلْقِ في الحالِ الّتي لَاشَيْء فِيها غَيْرُهُ (6) وَالحَالُ أَيضاً فيهذا الموضِعِ، فَإِنَّمَا هِي صِفاتٌ محَدَثَةٌ وَتَرْجَمَةٌ مِنْ مُتَوَهُم لِيَفهم. أَفَهِمْتَ بِاعْمران ؟
قالَ : نَعَمْ.
قال الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إِعْلَمُ أَنَّ التَّوَهُم وَالْمَشِيئَةَ وَ الإِرَادَةَ مَعْنَاهَا وَاحِدٌ وَ أَسْمَاؤُهَا ثلاثة وَكانَ أولُ تَوَهُمِهِ وَإِرَادَتِهِ وَ مَشِيئَتِهِ الحُرُوفَ الّتي جَعَلَها أَصَلا لِكُلِّ شَيْءٍ وَ فَاصِلا لِكُلِّ مُشكل وَلَمْ يَجْعَلْ فِي تَوَهُمِهِ مَعْنَى غَيْرَ أَنْفُسِهَا مُتَنَاهِي وَلَا وُجُودَلا نَها مُتَوَهُمَةٌ بالتوهم واللّه سَابِقُ التَّوَهُم، لأنَّهُ لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ وَ لا كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ. وَالتَّوَهُمُ سابق لِلْحُرُوفِ فَكانَتِ الحُروف مُحْدَثَةٌ بالتوهم وكان التوهم وليس قبل اللّه مذهَب وَالتّوهُمُ مِنَ اللّه غَيْرُ اللّه وَلِذَلِكَ صَارَ فِعْلُ كلّ شَيْءٍ غَيْرَهُ وَحَدَّ كلّ شَيْءٍ غَيْرَهُ وَ صِفَةُ كلّ شَيْءٍ غَيْرَ المَوْصُوفِ وَحَدَّ كلّ شَيْءٍ غَيْرَ المَحدُودِ : وَذَلِكَ لأنَّ الحُرُوفَ إِنَّمَا هِيَ مُقَطَّعَةٌ قَائِمَةٌ برؤوسها لا تدلُّ غَيْرَ نُفُوسِها، فإذا أَلَفتَها وجَمَعتَ مِنْهَا أَحْرفاً كَانَتْ تَدُلُّ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ أسْمَاءٍ وَصِفاتٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لا يَكُونُ صِفَةٌ لِغَيْرِ مَوْصُوفي ولا اسم لِغَيرِ مَعْنَى وَلاحَدٌ الغَيرِ مَحدُودٍ. والأسماء والصفات كلها تَدُلُّ عَلَى الكَمَالِ وَالوُجُودِ وَلَا تَدُلُّ عَلَى الإِحَاطَةِ كَمَا تَدُل
ص: 424
عَلَى الوُجُودِ الّذي هُوَ التَّرْبِيعُ والتَّدْوِيرُ والتَّثْلِيثُ لِأَنَّ اللّه يَرَك بِالأَسْمَاءِ و الصفاتِ وَلا يُدرك بِالتَّحْدِيدِ. فَلَيسَ يَنزِلُ باللّه شَيْءٌ مِنْ ذلِكَ حتّى يَعرِفَهُ خَلْقَهُ مَعْرِفَتَهُم لأَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَتْ صِفاتُهُ لا تَدُلُّ عَلَيْهِ وَأَسْمَاؤهُ لا تَدْعُو إِلَيْهِ لَكَانَتِ العِبَادَةُ مِنَ الْخَلْقِ لأسمائه وصفاتِه دُونَ مَعْنَاهُ وَ لَوْ كانَ كَذلِكَ لَكَانَ المَعْبُودُ الوَاحِدُ غَيْرَ اللّه لِأَنَّ صِفَاتَهُ غيره.
قالَ لَهُ عِمران : أخبرني عن التّوهم خَلَقَ هُوَ (1) أم غَيْرُ خَلِقٍ ؟.
قالَ الرِّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : بَلْ خَلْقَ سَاكِنُ لَا يُدْرَكُ بِالسُّكُونِ وَإِنَّمَا صَارَ خَلْقاً، لأنَّهُ شى محدث، اللّه الّذي أَحدَثَهُ فَلَمَّا سُمِّيَ شَيْئاً صَارَ خَلْقاً وَإِنَّمَا هُوَ اللّه وَخَلَقَهُ لَا ثالِثَ غَيْرُهُمَا وَقَدْ يَكُونُ الخَلْقُ ساكناً وَمُتَحرَّكا وَمُختلِفاً وَمُوْتَلِفاً وَمَعْلُوماً وَمُتَشَابِها وَكُلُّ ما وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمٌ شَيْءٍ فَهُوَ خَلَقَ.
وَمِنْ كَلامِهِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي الاصْطِفَاءِ (2)
لَما حَضَرَ عَليُّ بنُ مُوسَى (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) مَجْلِسَ المَأْمُونِ (3) وَقَدِ اجْتَمَعَ فِيهِ جَمَاعَةُ عُلَمَاءِ أَهْلِ العِراقِ وَخُرَاسَانَ. فَقَالَ المَأمُونُ : أَخْبِرُونِي عَنْ مَعْنَى هَذِهِ الآيَةِ، ثمَّ أَوَرَثَنَا الكتابَ الّذين اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا (4) - الآية -»
فَقالَتِ العلماء : أراد اللّه الأمَّة كلها.
فَقالَ الْمَأْمُونُ : مَا تَقُولُ يَا أَبَا الحَسَنِ ؟
فَقالَ الرَّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا أقولُ كَما قَالُوا وَلكِنْ أقُولُ : أَرَادَ اللّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِذلِكَ العِتْرَةَ الطَّاهِرَةُ (عَلَيهِم السَّلَامُ).
فَقَالَ المأمون : وَكَيْفَ عَنَى العِتْرَةَ دونَ الأمَّةِ؟.
فقال الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ): لو أراد الأمَّة لكانت بأجمعها في الجنّة ؛ لِقَولِ اللّه : «فَمِنْهُم ظالِمٌ
ص: 425
لنفسه ومنهم مقتصد و مِنْهُمْ سابق بِالخَيْراتِ باذن اللّه ذلِكَ هُوَ الفَضْلُ الكبير (1)». ثمَّ جَعَلَهُمْ كُلَّهُمْ في الجنّة (2) فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : «جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها (3)»، فَصَارَتِ الوِراثَةُ لِلْعِتَرَةِ الطَّاهِرَةِ لا لغَيرِهِمْ. ثمَّ قَالَ الرَّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ)(4) هُمُ الّذين وَصَفَهُمُ اللّه فِي كِتابهِ فَقَالَ: «إِنَّمَا لا يُرِيدُ اللّه لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (5)». وَهُمُ الّذين قالَ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «إِنِّي مُخلف فيكم الثقلَيْنِ كِتابَ اللّه وَعِتَرَتِي - أَهْلَ بَيْنِي - لَن يَفْتَرِ قَاحَتَّى تردا عَلَيَّ الحَوْضَ». أَنظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فيهما، يَا أيُّها النَّاس لا تُعلِمُوهُمْ فَإِنَّهُم أَعْلَمُ مِنْكُمْ.
قَالَتِ الْعَلَمَاءُ : أَخبرنا يَا أَبَا الحَسَنِ عَنِ العِتْرَةِ هُمُ الآلُ أَوْغَيْرُ الآلِ؟
فقال الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هم الآن.
فَقَالَتِ العُلَماهُ : فَهَذَا رَسُولُ اللّه يؤثر عنه (6) أَنَّهُ قَالَ : «أُمَّتِي آلي»، وهؤلاء أصحابهيَقُولُونَ بِالخَبَرِ المستفيض الّذي لا يمكن دَفَعُهُ : «آل محمدٍ أُمَّتَهُ».
فقَالَ الرَّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ): أخبرُونِي هَلْ تَحْرُمُ الصَّدَقَةُ عَلَى آلِ محمّدٍ ؟.
قالُوا : نَعَمْ قالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): فَتَحْرُمُ عَلَى الأُمَّةِ؟ قَالُوا : لا.
قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): هذا فَرق بين الآلي وبين الأمة. ويحكم أين يذهبُ بكُم «أصرفتم عن الذكْرِ صَفْحاً أم أنتم قوم مُسْرِفُون»؟ أَمَا عَلِمْتُم أَنَّمَا وَقَعَتِ الرَّوَايَةُ فِي الظَّاهِرَ (7) عَلَى المصطَفَينَ المُهْتَدِينَ دُونَ سَائِرِهِمْ ؟!
قالُوا : مِنْ أَيْنَ قُلْتَ يَا أَبَا الحَسَنِ ؟
قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : مِن قَولِ اللّه : «لقد ارسلنا نوحا وَ إِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالكِتابَ
ص: 426
فَمِنْهُم مُهْتَدِ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (1)»، فَصَارَتْ وِرانَةُ النُّبُوَّةِ وَ الكتاب في المُهْتَدِينَ دُونَ الفاسِقِينَ، أَمَا عَلِمْتُمْ أَنَّ نُوحاً سَأَلَ ربّه : «فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعَدَكَ الحق (2)»، وَ ذلِكَ أَنَّ اللّه وَعَدَهُ أنْ يُنجِيَهُ وَ أَهْلَهُ، فَقَالَ لَهُ ربّه تَبَارَكَ وَتَعالى : إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَل غَير صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ من الجاهلين (3)».
فقال المأمونُ : فَهَلْ فَضَلَ اللّه العِتْرَةَ عَلَى سَائِرِ النَّاس ؟ (4)
فقال الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ): إِنَّ اللّه العَزِيزِ الجَبَّارَ فَضَّلَ العِتْرَةَ (5) عَلَى سَائِرِ النَّاس في محكم كتابه.
قال المأمونُ : أَيْنَ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ اللّه ؟
قال الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ): في قوله تعالى : «إن اللّه اصطفى آدم و نوحاً وَ آلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عمران على العالِمينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِن بَعْضٍ (6)» وَقَالَ اللّه فِي مَوضِعَ آخَرَ : «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاس عَلى ما أتاهُمُ اللّه مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الكِتابَ وَ الحِكْمَةَ وَآتَيْنَا هُمْ ملكاً عظيماً (7)»، ثمَّ رَدَّ المُخاطَبَة في أثر هذا إِلَى سَائِرِ المُؤْمِنِينَ فَقَالَ : «يَا أيُّها الّذين آمَنوا أطيعوا اللّه وَأَطِيعُوا الرَّسول وَأُولِي الأمْرِ مِنكُمْ (8)، يَعْنِي الّذين أُورَنَهُمُ الكِتابَ وَالحِكْمَة (9)» وَحْسِدُواعَلَيْهِمَا بِقَولِهِ : «أم يَحْسَدُونَ النَّاس عَلَى مَا آتيهمُ اللّه مِنْ فَضْلِهِ فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهُم مُلكاً عَظِيماً» يَعْنِي الطَّاعَةَ لِلْمُصْطَفَينَ الطاهِرينَ وَالمُلْكُ ههنا الطاعة لَهُم.
ص: 427
فقال الرضا : فَسَّرَ الإصطفاء في الظَّاهِرِ سِوَى البَاطِن في اثْنَيْ عَشَرَ مَوضِعاً. فَأَوَّلُ ذلِكَ قَوْلُ اللّه : «وَأَنذِرْ عَشِيرَتكَ الأَقْرَبِينَ (1)» - وَرَهْطَكَ المُخْلِصِينَ - هَكَذَا في قراءة أبي بن كعب (2) وَهِيَ ثابتة في مصحفِ عَبدِ اللّه بن مَسْعُودٍ (3) فَلَمَّا أَمَرَ عُثمَانُ ثَابِتَةٌ
ص: 428
زيد بن ثابت (1) أَنْ يَجْمَعَ القُرْآنَ خَنَسَ هَذِهِ الآيَةَ (2) وَهَذِهِ مَنْزِلَةٌ رَفِيعَةٌ وَفَضْلُ عَظِيمٌ ید وَشَرَف عال حِينَ عَلَى اللّه عَزَّ وَجَلَّ بِذلِكَ الآلَ فَهذه وَاحِدَةٌ.
والآية الثَّانية فِي الاِصْطِفَاء قَولُ اللّه : «إِنَّمَا يُرِيدُ اللّه لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُم تطهيراً، وهذا الفضْلُ الّذي لا يَجْحَدُهُ مُعَانِدُ لأَنَّهُ فَضْلُ بَيّن (3).
وَالآيَةُ الثَّالِثَةُ حِينَ مَيَّزَ اللّه الطَّاهِرِينَ مِنْ خَلْقِهِ أَمَرَ نَبِيَّهُ فِي آية الِابْتِهَالِ فَقَالَ : «قُل - يا محمَّد - تعالو اندعُ أبناءنا وأبناءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللّه عَلَى الكَاذِبِينَ (4)» فأبرز النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) عليّا وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَفَاطِمَةَ (عَلَيهِم السَّلَامُ) فقرن أنفسهم بنفسه. فَهَلْ تَدْرُونَ ما معنى قولِهِ : وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ؟ قَالَتِ العلماءُ : عَنى بِهِ نَفْسَهُ. قال أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ): غَلَطتُم، إِنَّمَا عَلَى بِهِ عَلِيّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَمِمَا يَدُلُّ على ذلك قول النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) حين قال: لينتهين بنو وَلِيعَةَ (5) أَوْلَأبَعَثَنَّ إِلَيْهِمْ رَجُلاً كَنَفْسِي يعني عليّا (عَلَيهِ السَّلَامُ) (6). فهذِهِ خُصُوصِيَّةٌ لَا يَتَقَدَّمُها أَحَدٌ. وَفَضْلٌ لا يَخْتَلِفُ فِيهِ بَشَرٌ. وَ شَرَف لا يَسْقُهُ إِلَيْهِ خَلْقَ (7)، إذ جَعَلَ نَفْسَ عَلَى لا كَنَفْسِهِ فَهَذِهِ الثَّالِثَّةُ.
ص: 429
وَأَمَّا الرَّابعةُ : فَإخْرَاجُهُ النَّاس مِنْ مَسْجِدِه مَاخَلَا العِتْرَةَ حِينَ تَكَلَّمَ النَّاس في ذلك، وتكلم العباسُ، فَقَالَ : يَارَسُولَ اللّه تَرَكتَ عَلِياً وَأَخرجتنا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): ما أنا تَرَكْتُهُ وَأخرجتُكُمْ وَلَكِنَّ اللّه تركَهُ وَ أَخرجكم. وفي هذا بيان قوله لعلي (عَلَيهِ السَّلَامُ): «أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسى». قالَتِ الْعَلَمَاءُ : فَأَيْنَ هَذَا مِنَ القُرْآنِ ؟ قال أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ): أوجدُكُمْ في ذلك قُرْآناً أَقْرَؤُهُ عَلَيْكُمْ، قالوا : هات قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): قَوْلَ اللّه عَزَّ وَجَلَّ : «وَأَوْحَيْنَا إِلى موسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبُوءّا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُم قِبَلَةً (1)»، ففي هذه الآيَةِ مَنْزِلَةَ هَارُونَ مِنْ مُوسَى وَفِيها أَيْضاً مَنْزِلَةَ علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) مِنْ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ). وَمَعَ هَذَا دَلِيلٌ ظَاهِرُ في قَوْلِ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) حين قال «إِنَّ هَذَا المَسْجِدَ لا يَحِلُّ لِجُنُبِ وَلَا لِحَائِضِ إِلَّا لِمحمَّد وَ آلِ محمّد».
فَقالَتِ الْعُلَماءُ : هَذَا الشَّرْحُ وَهَذَا البيانُ لا يُوجَدُ إِلا عِنْدَكُمْ مَعْشَرَ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).
قال أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ): وَمَنْ يُنكر لَنَا ذَلِكَ وَرَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ : «أَنَا مَدِينَةُ العِلْمِ وَعَلي بابها فَمَنْ أَرَادَ مَدِينَةُ العِلْمِ (2) فَلَيَأتِها مِن بابها». فَفِيمَا أَوْضَحْنَا وَشَرَحْنَا مِنَ الفَضْلِ وَالشَّرَفِ وَالتَّقْدِمَةِ وَالاصْطِفَاءِ وَالطَّهارة ما لا يَنكِرُهُ إِلَّا مُعَانِدُ. وَلِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الحَمْدُ عَلى ذلِكَ. فَهْذِهِ الرَّابعةُ.
وأما الخامِسَةُ : فَقَولُ اللّه عَزَّ وَجَلَّ: «وَ آتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ (3)»، خُصُوصِيَّةٌ خَصَّهُمُ اللّه العَزِيزُ الجَبَارُبِها وَاصْطَفاهُم على الأمية. فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةَ عَلَى رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال : ادْعُوا لي فاطِمَةَ فَدَعَوْها لَهُ، فَقَالَ : يا فاطِمَةُ. قالَتْ : لَبِيِّكَ يَا رَسُولَ اللّه. فَقَالَ : إِن فَدَكَ لَم يُوجَفْ عَلَيها بِخَيلٍ وَلار كاب (4) وَهِي لي خاصة دونَ المُسلِمِينَ. وَقَدْ جَعَلْتُها لَكِ لِما أَمَرَنِي اللّه بِهِ فَخُذيها لَكِ وَلِوَلَدِكِ. فَهَذِهِ الخَامِسَةُ.
ص: 430
وَأَمَّا السَّادِسَةُ : فَقَولُ اللّه عَزَّوَجَل : «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى (1)»، فَهَذِهِ خُصُوصِيَّةُ لِلنَّبى (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) دونَ الأنبياءِ وَخُصُوصِيَّةٌ لِلآلِ دُونَ غَيْرِهِمْ. وذَلِكَ أَنَّ اللّه حَكَى عَنِ الأنْبِياءِ فِي ذِكْرِ نُوحٍ (عَلَيهِ السَّلَامُ) «ياقومِ لَا أَسْأَلُكُم عَلَيْهِ مَالاً إِن أجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللّه وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الّذين آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا ربّهم ولكني أريكُم قوماً تَجْهَلُونَ (2)»، وَحَكَى عَن هُودٍ (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال :«.... لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِي إِلَّا عَلَى الّذي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ (3)».
وقالَ لِنَبِيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) «قُلْ لا أسألُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى». وَلَمْ يَفْرِضِ اللّه مودتهم إلَّا وَقَدْ عَلمَ أَنَّهُمْ لا يَرْتَدُّونَ عَنِ الدِّين أَبَداً وَلَا يَرْجِعُونَ إِلَى ضَلَالَةٍ أَبَداً. وأخرى أنْ يَكُونَ الرَّجُلُ وَادًّا لِلرَّجُلِ فَيَكُونُ بَعْضُ أَهْلِ بَيْتِهِ عَدُوا لَهُ فَلا يَسلم قَلْبٌ فَأَحَبَّ اللّه أنْ لا يَكُونَ فِي قَلْبِ رَسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) عَلَى الْمُؤْمِنِينَ شَيْءٌ. إِذْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ مَوَدَّةَ ذِي القُربي، فَمَن أخذَبِها وَأَحَبَّ رَسُولَ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وَ أَحَبَ أَهْلَ بَيْتِهِ (عَلَيهِم السَّلَامُ) لَمْ يَسْتَطِعْ رَسُولُ اللّه أَنْ يُبْغِضَهُ. وَمَنْ تَرَكَهَا وَلَمْ يَأْخُذ بها وَأَبْغَضَ أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فعلى رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أنْ يُبْغِضَهُ، لِأَنَّهُ قَدْ تَرَكَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللّه. وَأَيُّ فَضِيلَةٍ وَأَيُّ شَرَفٍ يَتَقَدَّمُ هذا (4) وَلَمَّا أَنزَلَ اللّه هَذِهِ الآيَةَ عَلَى نَبِيِّهِ(صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) «قُلْ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى»، قامَ رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فِي أَصْحَابِهِ، فَحَمِدَ اللّه وَأَثْنى عَلَيْهِ وَقَالَ : «أيُّها النَّاس إِنَّ اللّه قَدْ فَرَضَ عَلَيْكُمْ فَرْضاً فَهل أنتم مُؤَدُّوهُ»، فلم يحبه أحد (5) فقَامَ فِيهِمْ يَوْماً ثانياً، فَقَالَ مِثْلَ ذلِكَ. فَلَم يُجِبَهُ أحد. فَقامَ فِيهِم يومَ الثَّالِثِ، فَقالَ : «أَيُّهَا النَّاس إِنَّ اللّه قَد فَرَضَ عَلَيْكُم فَرضا فهل أنتم مؤدُّوهُ»، فَلم يُجِبهُ أَحَدٌ، فَقالَ: «أَيُّهَا النَّاس إِنَّهُ لَيْسَ دَعَباً وَلَا فِضَّةٌ وَلَا مَا كُولاً وَلَا مَشْرُوباً». قالُوا :
ص: 431
فَهاتِ إِذاً : فَتَلَا عَلَيْهِم هذِهِ الآيَةَ. فَقَالُوا : أَمَّا هذا فَنَعَمْ. فَما وَفَى بِهِ أَكثرُ. (1) ثمَّ قَالَ. أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : حدثني أبي، عَنْ جَدِي، عَنِ آبائِهِ، عَنِ الحُسَيْنِ بن علي (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال: «اجتمع المهاجرُونَ وَالأنصار إلى رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فَقالُوا: إِنَّ لَكَ يَا رَسُولَ اللّه مَوْوُنَةً فِي نَفَقَتِكَ وفيمن يأتيكَ مِنَ الوُفُودِ وَهَذِهِ أموالنا مَعَ دِما ينا فَاحْكُمْ فِيهَا بَارًا مَأْجُوراً، أَعْطِ مَاشِتَتَ وَأمْسِكَ مَا شِئْتَ مِنْ غَيْرِ حَرَج. فَأَنزَلَ اللّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ الرُّوحَ الأَمِينَ فَقالَ : يَامحمّدُ «قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا المَوَدَّةَ فِي القُربى»، لا تُؤْذُوا قَرابَنِي مِنْ بَعْدِي، فَخَرَجُوا. فَقَالَ أناس منهم (2): ما حَمَلَ رَسُولَ اللّه عَلَى تَرَكِ مَا عَرَضْنَا عَلَيْهِ إِلَّا لِيَحْشَنَا عَلَى قَرابَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ إِنْ هُوَ إِلَّاشَيء افتراهُ في مَجْلِسِهِ وَكانَ ذلِكَ مِنْ قَولِهِمْ عَظِيماً. فَأَنزَلَ اللّه هَذِهِ الآيَةَ أمْ يَقُولُونَ افتريهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتَهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللّه شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ کفی به شهیداً بيني وبينكم وهو الغَفُورُ الرّحيم(3)» فَبَعَثَ إِلَيْهِم النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقال : هلْ مِنْ حَدَثٍ : فَقَالُوا : إي واللّه يَارَسُولَ اللّه، لَقَد تَكلم بعضُنَا كَلاماً عَظِيماً [ف]كرهناه. فَتَلَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللّه فَيَكُوا وَاشْتَدَّ بكاؤُهُم، فأنزل اللّه تعالى «وهُوَ الّذي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ
ص: 432
عِبادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (1)»، فَهَذِهِ السَّادِسَةُ.
وأما السَّابِعَةُ فَيَقُولُ اللّه: «إِنَّ اللّه وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أيُّها الّذين آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلَّموا تسليما (2)»، وَقَدْ عَلِمَ المُعائِدُونَ [مِنْهُم] أَنَّهُ لَمَانَزَلَتْ هَذِهِ الآية قيل : يَارَسُولَ اللّه، قَدْ عَرَفْنَا التَّسْلِيمَ [ عَلَيْكَ ] فَكَيفَ الصَّلاةُ عَلَيْكَ : فَقَالَ : تَقُولُونَ : «اللّهمّ صَلِّ عَلَى محمَّد وَ آلِ محمَّد كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَميدٌ مَجِيدٌ» وَهَل بَيْنَكُمْ مَعاشِرَ النَّاس : في هَذَا اخْتِلافُ، قالوا : لا. فَقَالَ المَأمُونَ : هَذَا مَا لَا اخْتِلافَ فيه [ أصلاً ] وَعَلَيْهِ الإِجْمَاعُ فَهَلْ عِنْدَكَ فِي الآلِ شَيْءٍ أَوضَحُ مِنْ هذا في القُرآنِ ؟ قَالَ أبو الا والحسن : أخبِرُونِي عَنْ قَول اللّه : «يس * وَالْقُرْآنِ الحَكيم * إِنَّكَ مِنَ المُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مستقيم»، فَمَنْ عَنى بِقَولِهِ : يس : قالَ الْعُلَماءُ : يَسَ عَد لَيْسَ فِيهِ شَكٍّ قَالَ أَبُو الحَسَنِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أعطى اللّه محمّداً وَ آلَ محمَّدِ مِنْ ذلِكَ فَضْلاً لم يبلغ أَحَدٌ كُنهَ وَصْفِهِ لِمَنْ عَقَلَهُ وَذَلِكَ أَنَّ اللّه لم يسلم على أحَدٍ إِلَّا عَلَى الأنبياء [ صَلَواتُ اللّه عَلَيْهِم ] فَقالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : «سَلامُ عَلَى نوح في العالمينَ (3)»، وَقالَ : «سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (4)»، ولا قال : «سَلامٌ عَلَى مُوسى وَهَارُونَ(5)» وَلَمْ يَقُل : سَلَامٌ عَلَى آلِ نُوحٍ وَلَمْ يَقُل : سَلامٌ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَلَا قَالَ : سَلَام عَلى آل موسى وَهَارُونَ ؛ وقال عز وجل:«سَلامٌ عَلَى آلِ يُسَ (6)»، يَعْنِي آل محمد. فَقَالَ المأمونُ : لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ فِي مَعْدِنِ النُّبُوَّةِ شَرحَ هَذَا وَبَيَانَهُ. فَهَذِهِ السَّابِعَةُ.
وأمَّا الثَّامِنَةُ فَقَولُ اللّه عَزَّ وَجَلَّ: «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِن شَيْءٍ فَأَنَّ للّه خَمْسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبى (7)»، فَقَرَنَ سَهُمَ ذِي القُرْبَى مَعَ سَهْمِهِ وَسَهُم رَسُولِهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فَهَذَا فَصْلُ بَيْنِ الآلِ وَالأُمَّةِ، لِأَنَّ اللّه جَعَلَهُمْ فِي حَيِّز وَ جَعَلَ النَّاس كُلَهُمْ فِي حَيْزِ دونَ
ص: 433
ذلِكَ وَرَضِيَ لَهُمْ مَارَضِيَ لِنَفْسِهِ وَاصْطَفاهُمْ فِيهِ، وَابْتَدَأَ بِنَفْسِهِ ثمَّ ثنَّى بِرَسُولِهِ ثمَّ بذي القُرْبى في كلّ ما كَانَ مِنَ الفَيي، وَالغَنِيمَةِ وَغَيْرِ ذلِكَ ممَّا رَضِيَهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَفْسِهِ وَرَضِيَهُ فَقالَ - وَقَوْلُهُ الحقّ - : «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِن شَيْءٍ فَأَن للّه خَمْسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى» فهذا توكيد مو كد وأمر دائم لهم إلى يومِ القِيامَةِ (1) في كِتابِ اللّه النَّاطِقِ الّذي لا يَأْتِيهِ الباطل مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ، وَأَما قولُه : «وَاليَتامى والمساكين»، فَإِنَّ اليَتِيمَ إِذَا انْقَطَعَ يتمُهُ (2) خَرَجَ مِنَ المَغَانِمٍ وَلَمْ يَكُن لَهُ نَصِيبٌ (3) وَكَذَلِكَ المسكين إذا انقطعت مسكنتهُ لَمْ يَكُن لَهُ نَصيب في المغنم وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَخَذَهُ وَسَهُم ذِي الْقُربى إلى يَوْمِ القِيامَةِ قائم فيهم للغني والفقير، لأنه لا أحدَ أَغْنَى مِنَ اللّه وَلَا مِنْ رَسُولِهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فَجَعَلَ لِنَفْسِهِ مِنْها سَهُما وَلِرَسُولِهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) سَهما، فَما رَضِيَ لِنَفْسِهِ وَلِرَسُولِهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) رَضِيَهُ لَهُم وَكَذلِكَ القَيِّئُ مَا رَضِيَهُ لِنَفْسِهِ ولِنَبِيهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) رَضِيهُ لِذِي القربى كَما جازَلَهُمْ فِي الغَنِيمَةِ فَبَدا بَنَفْسِهِ، ثمَّ بِرَسُولِهِ، ثمَّ بهم وقرن سهمهم بسهم اللّه وسهم رسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وَكَذلِكَ في الطَّاعَةِ قَالَ عَزَّوَجَلَّ : «يا أيُّها الّذين آمَنوا أطيعوا اللّه وَأطِيعُوا الرَّسول (4) وأولي الأمر منكم»، فَبَدَأَ بِنَفْسِهِ، ثمَّ بِرَسُولِهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ثمَّ بِأَهْلِ بَيْتِهِ وَكَذَلِكَ آيَةً ولايَةِ (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّه وَرَسُولُهُ وَ الّذين آمَنُوا (5)) فَجَعَلَ وِلايَتَهُم مَعَ طَاعَةِ الرَّسول مَقْرُونَةٌ بِطَاعَتِهِ كَما جَعَلَ سَهمَهُ مَعَ سهم الرَّسول مَقْرُونَا بِأَسْهُمِهِمْ فِي الغَنِيمَةِ وَالفَيي(6). فَتَبارَكَ اللّه ما أَعْظَمَ نِعْمَتَهُ عَلَى أهْلِ هَذَا البَيْتِ، فَلَمَّا جَاءَتْ قِصَّةُ الصَّدَقَةِ نَزَّهَ نَفْسَهُ عَزَّ ذِكْرُهُ وَ نَزَه رَسُولَهُ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وَنَزَّة أهل بيته عنها فَقالَ: «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ والعاملين عليها والمؤلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرَّقابِ وَالغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّه وَابْنِ السَّبِيلِ
ص: 434
فَريضَةً مِنَ اللّه (1)، فَهَلْ تَجِدُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذلِكَ أَنَّهُ جَعَلَ لِنَفْسِهِ سَهُما، أَولِرَسُولِهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أو لِذِي القُربى لأَنَّهُ لَمَا نَزَّعَهُمْ عَنِ الصَّدَقَةِ نَزَّهَ نَفْسَهُ وَنَزَّهَ رَسُولَهُ وَنَزَّهُ أَهْلَ بَيْتِهِ عليهِمْ، لِأَنَّ الصَّدَقَةُ مُحَرَّمَةٌ عَلَى محمّد وَأَهْلِ بَيْتِهِ وَهِيَ أَوْسَاحُ النَّاس لا تَحِلَّ لهم لأنهم طُهَّرُوا مِن كلّ دَنَس وَوَسَخ، فلما طهرهم وَاصْطَفَاهُم رَضِيَ لَهُمْ مَا رَضِيَ لِنَفْسِهِ وَكَرِهَ لَهُمْ مَا كَرِهَ لِنَفْسِهِ (2).
وَأَمَّا التَّاسِعَةُ فَنَحْنُ أَهْلُ الذَّكْرِ الّذين قَالَ اللّه فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ : «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذكر إن كنتم لا تَعْلَمُونَ (3)»، فَقَالَ العُلَماء (4): إِنَّمَا عَنَى بِذلِكَ الْيَهُودَ وَالنَّصارى. قَالَ أبو الحَسَنِ (عَلَيهِ السَّلَامُ): وَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ إِذا يَدعونا إلى دِينِهِمْ وَيَقُولُونَ : إِنَّهُ أَفضلُ مِنْ دِينِ الإسلام. فَقَالَ المَأْمُونُ : فَهَل عِندَكَ فِي ذلِكَ شَرح يُخالِفُ ما قالوا يا أبا الحَسَنِ ؟ قَالَ : نَعَم الذكرُ رَسُولُ اللّه وَ نَحْنُ أَهْلُهُ وَذَلِكَ بَين في كِتابِ اللّه بِقَوْلِهِ فِي سُورَةِ الطَّلاقِ : «فَاتَّقُوا اللّه يا أُولِي الألْبَابِ الّذين آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللّه إِلَيْكُمْ ذِكر أرَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللّه مُبَيِّنَاتٍ، فالذِّكَرْ رَسُولُ اللّه وَنَحْنُ أَهْلَهُ. فَهَذِهِ التَّاسِعَةُ.
وَأَما العَاشِرَةُ فَقُولُ اللّه عَزَّوَجَلَّ فِي آيَةِ التحريم : «حُرمت عليكم أُمهاتكم وبناتكُم وَأَخَوَاتُكُمْ - إلى آخِرِها - (5)»، أَخْبِرُونِي هَلْ تَصَلَحَ ابْنَتِي أَوِ ابْنَةُ ابْنِي أَوْ مَاتَنَاسَلَ مِنْ صلبي لِرَسُولِ اللّه أَنْ يَتَزَوجَها لَو كَانَ حَيّاً، قالوا : لَا، قَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): فَأَخْبِرُونِي هَلْ كَانَتِ ابْنَةَ أحَدِكُمْ تَصلَحُ لَهُ أن يتزوجها، قالوا : بلى. قَالَ : فَقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ففى هذا بيانُ أَنَا مِنْ آلِه وَلَسْتُمْ مِنْ آلِهِ وَلَو كُنتُم مِنْ آلِهِ لَحَرمَت عَلَيْهِ بَنَاتِكُمْ كَمَا حَرَّمَتْ عَلَيْهِ بَنَاتِي، لانّا من آلِهِ وَأنتُم مِنْ أُمَّتِهِ، فَهذا فَرْقُ بَيْنَ الآلِ وَالأمَّة، لأَنَّ الآلَ مِنْهُ وَالأمَّةَ إِذَا لَمْ تَكُن الآل فَلَيْسَتْ مِّنْهُ. فَهَذِهِ العَاشَرَةُ.
ص: 435
وأما الحادِيَةَ عَشَرَ فَقَولُهُ في سُورَةِ المُؤمِن حِكَايَةٌ عَنْ قَوْلِ رَجُلٍ : «وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللّه وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ - الآية (1)» وَكَانَ ابْنَ حَالِ فِرْعَونَ فَنَسَبَهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِنَسَبِهِ وَلَمْ يُضِفَهُ إِلَيْهِ بدينه. وَكَذَلِكَ خصِّصنا نَحْنُ إِذ كُنَّا مِنْ آلِ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بِوِلادتِنَا مِنَه وَعُمِّمنا النَّاس بدِينِهِ، فَهَذا فَرَقُ مَا بَيْنَ الآلِ وَالأُمَّةِ. فَهَذِهِ الحَادِيَةَ عَشَرَ.
وَأَمَّا الثَّانية عَشَرَ فَقَولَهُ : «وَأمْرَ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبَرَ عَلَيْها (2)»، فَخَصَّنَا بِهِذِهِ الخصوصية إذ أَمَرَنَا مَعَ أَمْرِهِ، ثمَّ خَصَّنَا دُونَ الأمَّة (3)، فَكَانَ رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : يجيىء، إلى باب عَلَيَّ وَفَاطِمَةَ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) بَعْدَ نُزولِ هَذِهِ الآيَةِ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ فِي كلّ يَوْمٍ عِندَ حضورِ كلّ صَلَاة خَمْسَ مَرَّاتٍ فَيَقُولُ : «الصَّلاةَ يرحمُکم اللّه»، وَما أَكْرَمَ اللّه أَحَداً منْ ذَرارِي الأنبياءِ بِهَذِهِ الكَرامَةِ الّتي أَكْرَمَنَا اللّه بِهَا وَخَصَّنَا مِنْ أهل بيته (4)فَهذا فَرْقُ مَا بَيْنَ الآلِ وَالأُمَّةِ (5) وَالْحَمْدُ للّه رَبِّ العالَمينَ وَصَلَّى اللّه عَلَى محمّدٍ نَبِيه
قالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسلم (6) : كُنَا مَعَ الرَّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) بمروٍ فاجتمعنا في المَسْجِدِ الجَامِعِ بها، فَأَدارَ النَّاس بَيْنَهُم أمر الإمامَةِ، فَذَكَرُوا كثرة الاِخْتِلافِ فيها. فَدَخَلْتُ عَلَى سَيّدِ: وَمَوْلايَ الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) فَاعلَمته بما خاصَ النَّاس فيهِ، فَتَبسم (عَلَيهِ السَّلَامُ).
ثُمَّ قَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): يَا عَبد العَزِيزِ جَهِلَ القَوْمُ وَخُدِعُوا عَنْ أَدْيَانِهِمْ، إِنَّ اللّه جَلَّ وَعَزَّ لَمْ
ص: 436
يقبض نبيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)حتّى أكمَلَ لَهُ الدِّين وَأَنزَلَ عَليهِ الْقُرْآنَ فِيهِ تِبْيَانُ كلّ شَيْءٍ وَبَيْنَ فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام وَجَميعَ مَا يَحتاجُ إِلَيْهِ النَّاس كَمِلاً، فَقَالَ : «مَا فَرَّطَنَا في الكتاب مِنْ شَيْءٍ (1)». وَأَنزَلَ عَلَيْهِ فِي حِجة الوداع وهي آخر عمره (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) «اليوم أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَنعَمتَ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينا (2)». وَأَمر الإمامَةِ مِنْ كَمَالِ الدِّينِ. وَلَمْ يَمْضِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) حتّى بَيْنَ لِأُمِّتِهِ مَعَالِمَ دِينِهِ وَأَوضَحَ لَهُمْ سبلهم وَتَرَكَهُمْ عَلَى قَصدِ الحقّ وَأَقامَ لَهُمْ عَلِييًا علماً وإماماً، وَمَا تَرَكَ شَيْئًا ممَّا تَحْتاجُ إليه الأمَّة إلّا وَقَدْ بَينَهُ. فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ اللّه لَمْ يُكْمِلُ دِينَهُ فَقَدْ رَدَّ كِتابَ اللّه، وَمَنْ كِتابَ اللّه فَقَدْ كَفَرَ هَلْ يَعْرِفُونَ قَدَرَ الإِمَامَةِ وَمَحَلَها مِنَ الأُمَّةِ، فَيَجُوزَفِيهَا اخْتِبارُهُمْ (3).
إنَّ الإمامَةَ خَص اللّه بها إِبْراهِيمَ الخَليلَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بَعْدَ النُّبُوَّةِ وَالخِلَةِ مَرتبَةٌ ثالِثَةٌ وَفَضِيلَةٌ شَرَّفَهُ بِهَا وَأَشَادَ بِهَا ذِكَرَهُ (4)، فَقَالَ جَلَّ وَعَرَ : «وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ ربّه بِكَلِمَاتِ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إماماً»، قالَ الخَلِيلُ سُرُوراً بها : «وَمِنْ ذُرِّيَّتِي، قَالَد لا ينال عَهدِي الظَّالِمِينَ»(5). فَأَبطَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ إمَامَةَ كلّ ظالِمٍ إِلَى يَوْمِ القِيامَةِ وَصَارَتْ في الصفوة. ثمَّ أَكْرَمَهَا اللّه بِأَنْ جَعَلَها فِي ذُرِّيَّةِ أَهْلِ الصَّفْوَةِ وَالطَهَارَةِ، فَقالَ : «وَوَهَبنا لَهُ إِسْحَاق ويعقوب نافِلَةٌ وَكُلاً جَعَلْنَا صَالِحِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أئمّة يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إليهم فعل الخيراتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاهَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (6)». فَلَمْ تَزَلْ تَرثُها ذرِّيته (عَلَيهِ السَّلَامُ) بَعض عَنْ بَعضٍ قَرْنا فَقَرْنا حتّى وَرِثَهَا النَّبِيُ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، فَقَالَ اللّه: «إِنَّ أولَى النَّاس بِإبْراهيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالّذين آمَنُوا (7)»، فَكَانَتْ لَهُمْ خَاصَّةٌ
ص: 437
فَقَلَدَهَا النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) عليا (عَلَيهِ السَّلَامُ) (1)، فَصَارَتْ في ذُرِّيَّتِهِ الأَصْفِياءِ الّذين آتَاهُمُ اللّه العِلْمَ والإيمانَ وَذَلِكَ قَوْلُهُ : «وَقَالَ الّذين أُوتُوا العِلْمَ وَالايمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُم فِي كِتابِ اللّه إلى يَوْمِ البَعْثِ فَهذا يَوْمُ البَعْثِ ولكنكُمْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ (2)»، عَلى رَسم ماجرى وَمَا فَرَضَهُ اللّه في ولدِهِ إلى يوم القيامة (3). إذلا نبي بعد محمّد فَمِنْ أَيْنَ يَخْتَارُ هَذِهِ الجُهَالُ الإمامة بآرائهم.
إن الإمامَةَ مَنْزِلَةُ الأَنْبِياءِ وَإِرْتُ الأوصياء، إِنَّ الَّا مَامَةَ خِلَافَةُ اللّه وَخِلافَةُ رَسُولِهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)وَ مَقَام أمير المؤمِنِينَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَخِلافَةُ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ).
إنَّ الإمام (4) زِمَامُ الدِّين وَنِظامُ المُسلِمينِ وَصَلاحُ الدُّنيا وَ عِزَّ المؤمِنِينَ. الإمام (5) أس الإسلامِ النَّامِي وَفَرْعُهُ السَّامي. بالإمامِ تَمَامُ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّيَامِ والحَجّ والجهاد وتوفير الفيىء وَالصَّدَقَاتِ وَإِمْضَاءُ الحُدودِ والأَحْكامِ وَمَنْعُ الثُّغُورِ وَالأطْرَافِ.
الإمام يُحَلِلُ حَلالَ اللّه وَيُحَرِّمُ حَرَامَهُ وَيُقِيمُ حُدُودَ اللّه وَيَذَبُّ عَنْ دِينِ اللّه ويدعو إلى سَبِيلِ اللّه بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَالحجّة البالِغَةِ.
الإمامُ كَالشمس الطَّالِعَةِ المُجَلِلَّةِ بِنُورِهَا لِلعالَمَ وَهُوَ بِالأُفُقِ حَيْثُ لاتَنالُهُ الأَبْصَارُ وَلَا الأَيْدِي.
الإمام البدر المنير وَ السَّراجُ الزَّاهِرُ والنُّورُ الطالع والنجم الهادي في غياباتِ الدجى (6) والدليل على الهدى والمنجي مِنَ الرَّدى (7)
ص: 438
الإمامُ النَّارُ عَلَى اليَفَاعِ (1)، الحاد لِمَنِ اصْطَلَى وَالدَّلِيلُ فِي المَالِكِ، مَنْ فارَقَهُ فَهالِك.
الإمام السحاب الماطر والغَيثُ الهَاطِل (2) وَالسَّمَاءُ الظَّلِيلَةُ وَالأَرْضُ البسيطة والعينُ العَزِيرَةُ وَالعَدِيرُ وَ الرَّوْضَة (3).
الإمامُ الأمين الرَّفِيقُ، وَالوَلَدُ السَّفِيقُ وَالأَحَ الشَّقِيقُ وَكَلامَ البَرَّةِ بِالْوَلَدِ الصغير وَ مَفْزَعُ العباد (4).
الإمامُ أَمِينُ اللّه فِي أَرْضِهِ وَخَلْقِهِ، وَحُجَّتُهُ عَلَى عِبَادِهِ وَخَلِيفَتُهُ فِي بِلادِهِ وَالدَّاعِي إلَى اللّه وَالذَّابُ عَنْ حَريم اللّه.
الإمامُ مَطَهَّرْ مِنَ الذُّنوبِ، مُبَرَّ مِنَ الْعُيُوبِ، تَصُوصُ بِالعِلْمِ، مَوْسُومُ بِالْحِلْمِ، نِظامُ الدِّين وَعِن المُسلِمينَ وَغَيْظُ الْمُنافِقِينَ وَبَوَارُ الكَافِرِينَ.
الإمامُ واحِدُ دَهْرِه، لايُدَانِيهِ أَحَدٌ (5) وَلا يُعادِلُهُ عالِمٌ وَلا يُوجَدُ لَهُ بَدَل وَلالَهُ مثل ولا نظير. مخصوص بِالفَضْلِ كُلِهِ مِنْ غَيْرِ طَلَب مِنْهُ وَلَا اكْتِسَابِ، بَلِ اخْتِصَاصُ مِنَ المُفَضّلِ الوَهَّابِ، فَمَنْ ذَا يَبْلُغَ مَعْرِفَةَ الإِمَامِ أَوْ كُنْهُ وَصْفِه (6).
هيهات هيهات، ضَلَتِ الْعُقُولُ وَتَاهَتِ العُلُومُ وَحَارَتِ الأَلْبَابُ (7) وَحَصَرَتِ الخُطباء وَكَلَّتِ الشعراء (8) وعجزت الأدباء وعييت البلغاهُ وَفَحَمَتِ العلما: (9) عَنْ وَصْفِ وَعَجَزَتِ وَعَيْبَتِ
ص: 439
شَأْنٍ مِن شَأْنِهِ أَوْ فَضِيلَةٍ مِنْ فَضَائِلِهِ، فَأَقَرَّتْ بِالْعَجْزِ وَ التَّقْصِيرَ فَكَيْفَ يُوصَفُ بِكَلِيَتِهِ، أَوْ يُنعَتُ بكيفيته (1)، أَوْ يُوجَدُ مَنْ يَقومُ مَقَامَهُ، أو يغني غِنَاهُ، وَأَنَّى وَهُوَ بِحَيْثُ النَّجْمِ عَنْ أَيْدِي المتناولين وَوَصْفِ الوَاصِفِينَ (2)، أَيَظُنُّونَ أَنَّهُ يُوجَدُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ آلِ رَسُولِ اللّه صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ، كَذَبَتْهُمْ واللّه أَنفُسُهُمْ وَمَنتَهُمُ الأباطيل إذ ارتَقَوْا مُرتَقَى (3) صَعْباً وَمَنزِلاً دَحْضاً زَلَتْ بِهِمْ إِلَى الحَضِيضِ أقْدَامُهُمْ، إِذرَامُوا إقامَةَ إِمَامٍ بِآرَائِهِمْ (4) وَكَيْفَ لَهُمْ بِاخْتِيارِ إمَامٍ. والإمام عالِم لا يجهل وراع لا يمكرُ (5)، مَعْدِنُ النبوة يَجْهَلُ (6) لا يغمز فيه بنسب (7)
ص: 440
وَلا يُدَانِيهِ ذُو حَسَب فَالْبَيْتُ مِنْ قَريش وَ الذَّرْوَةُ مِنْ هَاشِمٍ وَ العِتْرَةُ مِنَ الرَّسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) (1) شَرَفُ الأَشْرافِ وَالفَرْعَ عَنْ عَبْدِ مَنافٍ، نامي العِلْمِ، كامِلُ الحِلْمِ، مُضْطَلِع بالأمر (2)، عالم بالسياسَةِ، مُسْتَحِق لِلرِّئَاسَةِ، مُقْتَرَضُ الطَّاعَةِ. قَائِمٌ بِأَمْرِ اللّه، نَاصِحٌ لعباد اللّه. إن الأنبياء وَالأَرْضِياءَ صَلَواتُ اللّه عَلَيْهِم يوفقهم اللّه وَيُسَدِّدُهُم وَيُؤْتِيهِم مِنْ مَخْزُونِ عِلْمِهِ وَحكمته مالا يُؤْتِيهِ غَيْرَهُم، يَكُونَ عِلْمُهُمْ فَوقَ عِلمٍ أَهْلِ زَمَانِهِمْ، وَقَدْ قَالَ اللّه جَل وَعَزَّ: «أَفَمَن يَهْدِي إِلى الحقّ أَحَق أَن يَتَبَعَ أَمَنْ لَا يَهْدي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (3)». وقالَ تَعَالَى فِي قِصَّةِ طالوت : (إِنَّ اللّه اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةٌ في العِلْمِ وَالجِسْمِ واللّه يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ (4)). وَقَالَ فِي قِصَّةِ دَاوُدَ : «وَقَتَلَ دَاوُدُ جالوت و آتاه اللّه الملك والحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ ممَّا يَشاءُ (5)» وَقَالَ لِنَبِيهِ : «وَأَنزَلَ عَلَيْكَ الكتابَ وَالحِكْمَةَ وَعَلَمَكَ مَالَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّه عَلَيْكَ عَظِيماً (6)». وَقَالَ في الأئمَّة مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَعِتَرَتِهِ وَذُرِّيَّتِهِ : «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاس عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّه مِنْ فَضْلِهِ - إلى قَوْلِهِ - سَعِيداً (7)». وَإِنَّ العَبْدَ إِذَا اخْتارَهُ اللّه لأمُورِ عِبَادِهِ شَرَحَ صَدْرَهُ لِذلِكَ وَأَوْدَعَ قَلْبَهُ بِنَابِيعَ الحِكْمَةِ وَأَطلَقَ عَلى لِسَانِهِ (8) فَلَمْ يَعِي بَعْدَهُ بِجَوابِ وَلَمْ تَجِدْ فِيهِ غير صواب (9)، فَهُوَ مُوفق مسدد مؤيد، قَدْ أمِن مِنَ الخَطَا وَالزَّلَلِ. خَصَّهُ بِذلِكَ ليكون ذلكَ حُجَّةٌ عَلَى خَلْقِهِ شَاهِداً عَلَى عِبَادِه (10)، فَهَلْ يَقْدِرُونَ عَلَى مِثْلِ هذا
ص: 441
فيختارُونَهُ فيكون مختارُهُم بِهَذِهِ الصَّفَةِ (1).
قال الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا يَكُونُ الْمُؤْمِن مُؤْمِناً حتّى تَكُونَ فِيهِ ثَلَاثُ خِصَالٍ : سُنَةٌ مِنْ ربّه وَسُنَّةٌ مِنْ نَبِيهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): وَسُنَّةٌ مِنْ وَلِيهِ (عَلَيهِ السَّلَامُ). فَأَمَّا السُّنَةَ مِنْ ربّه فَكِتمَانُ السر وَأَمَّا السُّنَّةَ مِنْ نَبِيهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) مُداراة الناسِ، وَأَمَّا السُّنَّةُ مِنْ وَلِيّهِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فَالصَّبرُ في البَأْسَاءِ وَالضَّرَاءِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : صاحِبُ النِّعْمَة يَجِبُ أنْ يُوَسعَ عَلَى عِمَالِهِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لَيْسَتِ العِبادَةُ كَثرَةَ الصِّيامِ وَالصَّلاةِ. وَإِنْمَا العِبادَةُ كَثرَةُ التَّفَكُرِ في أَمْرِ اللّه.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): مِنْ أَخْلاقِ الأَنْبِياءِ التَنْظُّفُ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ثلاث مِنْ سُنَنِ المُرْسَلِينَ : العِطْرُ وَإحْفَاهُ الشعرِ وَ كَثرَةُ الطَّرُوقَةِ (2).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لم يخنكَ الأمِينُ وَلَكِنِ ائْتَمَنتَ الخَائِنَ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إذا أراد اللّه أَمْراً سَلَبَ العِبادَ عُقُولَهُم، فَأَنفَذ أَمْرَهُ وَتَمَتْ إِرَادَتُهُ. فَإِذَا أَنْقَذَ أَمْرَهُ رَدَّ إِلَى كلّ ذِي عَقْلٍ عَقَلَهُ، فَيَقُولُ: كَيْفَ ذَا وَمِنْ أَيْنَ ذَا.
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): الصَّمْتُ بَاب مِنْ أبواب الحكمة، إِنَّ السَّمْتَ يَكْسِبُ المحبة إِنَّهُ دَليلٌ عَلَى كلّ خَيْرٍ.
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَا مِنْ شَيْءٍ مِنَ الفُضُولِ إِلَّا وَهُوَ يَحْتاجُ إِلَى الْفُضُولِ مِنَ الكَلامِ
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الأخر الأکبر بمنزلة الأب.
وَسُئِلَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) عَن السَّفِلَةِ فَقَالَ : مَنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ يُلْهِيهِ عَنِ اللّه.
ص: 442
وكان : يُتَرِّبُ الكِتابَ (1) وَيَقُولُ : لا بَأْسَ بِهِ. وَكَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ تذكراتِ حَوَائِجِه كَتَبَ بِسمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَذْكُرْ إِن شَاءَ اللّه، ثمَّ يَكْتُبُ مَا يُرِيدُ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إذا ذكَرْتَ الرَّجُلَ وَهُوَ حاضِرُ فَكَنَّه، وَإِذَا كَانَ غَائِباً فَسَمه.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): صَدِيقُ كلّ امْرِءٍ عَقْلُهُ وَعَدُوهُ جَهْلُهُ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): التَّوَدُّدُ إِلَى النَّاس نِصْفُ العَقلِ.
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): إِنَّ اللّه يُبْغِضُ القيلَ وَالقَالَ وَإِضَاعَةَ المَالِ وَكَيْرَةَ السُّوَالِ.
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لايتم عقلُ أمْرِ : مُسلِم حتّى تَكُونَ فِيهِ عَشْرُ خِصَالٍ : الخَيْرُ مِنْهُ مَأْمُولِ. وَالشَّرَّ مِنْهُ مَأْمُونَ، يَسْتَكْثِرُ قَليلَ الخَيْرِ مِنْ غَيْرِهِ. وَيَسْتَقِل كَثِير الخَيْرِ مِنْ نَفْسِهِ لايَسْأَمُ مِنْ طَلَبِ الحَوائِجِ إِلَيْهِ. وَلَايَمَل مِنْ طَلَبِ العِلْمِ طُولَ دَهرِهِ. الفَقْرُ فِي اللّه أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الغنى. وَالدَّلُّ فِي اللّه أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ العِزَّ فِي عَدُوه وَالخُمُولُ أَشْهَى إِلَيْهِ مِنَ الشَّهْرَةِ، ثمَّ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): العاشرة وَمَا العَاشِرَةُ. قِيلَ لَهُ : مَا هِيَ قال لا لا يرى أحَداً إِلَّاقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): هُوَ خَيْرٌ مني وأتقى. إِنَّمَا النَّاس رَجُلانِ : رَجُلٌ خَيْرٌ مِنْهُ وَأَتْقَى وَرَجُلٌ شَرَّ مِنْهُ وَأَدْنَى، فَإِذَا لَقِيَ الّذي شَرَّ مِنْهُ وَأدنى قالَ : لَعَلَّ خَيْرَ هذا باطن وهو خير له وخيري ظاهر وهو شر لي ؛ وَإِذا رَأَى الّذي هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ وَأَتْقَى تَوَاضَعَ لَهُ لَيَلْحَقِّ بِهِ. فَإِذَا فَعَلَ ذلِكَ فَقَدْ عَلا مَجدُهُ وَطابَ خَيْرُهُ وَحَسُنَ ذِكْرُهُ وَسادَ أَهْلَ زَمَانِهِ.
وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ قَولِ اللّه : «وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّه فَهُوَ حَسْبُهُ (2)»، فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): التّوكَّلُ دَرَجَاتٌ : مِنْها أَن تَبْقَ به في أمرِكَ كُلِهِ فيما فَعَلَ بِكَ، فَمَا فَعَلَ بِكَ كُنْتَ رَاضِياً وتعلم أنه لم يألك خير أو نظراً (3). وتعلم أن الحكم فِي ذلِكَ لَهُ، فَتَتَوَكَّلَ عَلَيْهِ بِتَقْوِيضِ ذلِكَ إِلَيْهِ. وَمِنْ ذلِكَ الإِيمَانُ بِغُيُوبِ اللّه الّتي لَمْ يُحِطْ عِلْمُكَ بِها فَوَكَلْتَ عِلْمَهَا إِلَيْهِ و إلى أمَنَائِهِ عَلَيْهَا وَوَنَقَتَ بِهِ فِيها وَ فِي غَيْرِها.
ص: 443
وَسَأَلَهُ أَحدُ بنُ نَجم (1) عن العجب الّذي يُفْسِدُ العَمَلَ ؟ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : العُجب درَجَاتٌ : مِنْهَا أَنْ يُزَيِّنَ لِلْعَبْدِ سُوءُ عَمَلِهِ فَيَراهُ حَسَناً فَيُعْجِبُهُ وَيَحْسَبُ أَنَّهُ يحسن صنعا وَمِنْهَا أَنْ يُؤْمِنَ العَبْدُ بِرَبِّهِ فَيَمُنُّ عَلَى اللّه (2) وَلِلَّهِ المِنْةُ عَلَيْهِ فِيهِ.
قال الفضل (3) قُلْتُ لأبي الحَسَن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ): يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَرْعَمُ أَنَّ المَعرِفَةَ إِنَّمَا هِيَ اكْتِساب. قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما أصَابَ، إِنَّ اللّه يُعْطِي مَنْ يَشَاءُ، فَمِنْهُمْ مَنْ يجعله مستقرا فيهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ مستودعاً عِندَهُ، فَأَمَّا المستقر، فالّذي لا يسلب اللّه ذلِكَ أَبَداً. وَأَمَّا المُسْتَودَعُ، فَالّذي يُعْطاهُ الرَّجُلُ ثمَّ يُسْلَبُهُ إِيَّاهُ.
وَقَالَ صَفْوانُ بْنُ يَحْيَى (4) سَأَلْتُ الرَّضَا (عَلَيهِ السَّلَامُ)عَنِ الْمَعْرِفَةِ هَلَّ لِلْعِبادِ فِيهَا صُنع؟
ص: 444
قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا. قُلْتُ : لَهُم فيها أجر؟ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): نعم تَطَوَّلَ عَلَيْهِمْ بِالْمَعْرِفَةِ وَتَطَوَّلَ عَلَيْهِمْ لي بالصواب (1).
وقال الفضيل بن يسار (2) سَأَلْتُ الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) عَنْ أَفَاعِيلِ العِبَادِ مَخْلُوقَةٌ هِيَ أَمْ غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ : قالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): هِيَ واللّه مَخْلُوقَةٌ - أرادَ خَلْقَ تَقْدِيرِ لا خَلْقَ تَكْوِينِ -. ثمَّ قَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): إنَّ الإيمان أفضلُ مِنَ الإِسْلامِ بَدَرَجَةٍ وَالتَّقْوى أَفْضَلُ مِنَ الإِيمَانِ بِدَرَجَةٍ وَلَم يُعْطَ بَنو آدم أفضَلَ مِنَ اليقين.
وَسُئِلَ عَنْ خِيَارِ العِبادِ : فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الّذين إِذا أَحْسَنُوا اسْتَبْشَرُوا وَإِذَا أَسَاؤُا استغفروا، وإذا أعْطُوا شَكُرُوا، وَإِذَا ابْتُلُوا صَبَرُوا، وَإِذَا غَضِبُوا عَفَوا.
وَسُئِلَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) عَن حَدَّ التَّوَكُلِ : فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): أَنْ لَا تَخَافَ أَحَداً إِلَّا اللّه.
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): مِنَ السُّنَّةِ إِطْعَامُ الطَّعَامِ عِندَ التَّزويج.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الإيمانُ أَرْبَعَةُ أَرْكَانِ التَوَكَّلْ عَلَى اللّه، وَالرضا بِقَضَاءِ اللّه وَالتسليم لأَمْرِ اللّه. وَالتَّفْوِيضُ إِلى اللّه، قالَ العَبْدُ الصَّالِحُ (3) : «وَأَفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللّه فَوَقَاهُ اللّه سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا».
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): صل رحمك ولو بشربة من ماء. وأَفضَلُ مَا تُوَصَلُ بِهِ الرَّحِمِ كَف الأذى عَنْها وَقالَ فِي كِتابِ اللّه : «وَلا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بالمن والأذى (4)».
وَقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): إِنَّ مِنْ عَلَامَاتِ الفِقْهِ : العِلْمَ وَالعِلْمَ، وَالصَّمْتُ باب مِنْ أبواب الحِكْمَةِ. إنَّ الصَّمَتَ يَكْسِبُ المَحَبَّةَ، إِنَّهُ دليلٌ عَلَى كلّ خير (5).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إِنَّ الّذي يَطْلُبُ مِنْ فَضْلٍ يَكُف بِهِ عِيالَهُ أَعظم أجر أمِنَ المُجَاهِدِ فِي سبيل اللّه.
ص: 445
وَقِيلَ لَهُ : كَيْفَ أصبحت ؟ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): أصبحتُ بأجل منقوص، وعمل محفوظ، وَالموتُ في رقابنا، وَالنَّارُ مِنْ وَرَاتِنَا، وَلا نَدْرِي مَا يُفعَلُ بنا.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): خَمْسٌ مَنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ فَلا تَرْجُوهُ لِشَيْءٍ مِنَ الدُّنيا وَالآخِرَةِ : مَنْ لم تعرف الوثاقة في أرومَتِهِ. وَالكَرَمَ في طباعِهِ. والرَّصانَةَ فِي خُلْقِه (1). والنَّبلَ في نَفْسِه والمخافة لربه.
وَقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : مَا الْتَقَتْ فِئَتانِ قَطُّ إِلَّا نُصِرَ أَعْظَمُهُمَا عَفْواً.
وَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): السَّخِي يَأْكُلُ مِنْ طَعَامِ النَّاس لَيَأْكُلُوا مِنْ طَعَامِهِ، والبخيل لا يأكل من طَعَامِ النَّاس لِتَلايَا كُلُوا مِنْ طَعَامِهِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إنما أهْلُ بيت نَرى وَعْدَنا عَلينا ديناً كَما صَنَعَ رَسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)(2).
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يَأْتِي عَلَى النَّاس زَمَانٌ تَكُونُ العَافِيَةُ فِيهِ عَشَرَةَ أَجزاء : يَسْعَةٌ مِنْها في اعتزالِ النَّاس وَواحِدٌ في الصمتِ.
وقالَ لَهُ مُعَمَّرُ بْنُ خَلادٍ (3) عَجَلَ اللّه فَرَجَكَ. فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): يا معمر ذاكَ فَرَجُكُمْ أَنتُمْ، فَأَما أَنا فَوَاللّه مَا هُوَ إِلَّا مِزْوَدْ فِيهِ كَفَ سَويقٍ مَخْتُومٍ بِخَاتِمٍ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : عونكَ لِلضَّعِيفِ مِنْ أَفْضَلِ الصَّدَقَةِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا يَسْتَكْمِلُ عَبْد حَقِيقَةَ الإيمانِ حتّى تَكُونَ فِيهِ خِصال ثَلَاتُ : التَّفَقُهُ في الدِّينِ. وَحُسْنُ التَّقْدِيرِ في المَعِيشَةِ. وَالصَّبْرُ عَلَى الرزايا.
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأبي هاشم داودَ بنِ القَاسِمِ الجعفري (4): ياداود إِنَّ لَنَا عَلَيْكُم حقاً
ص: 446
بِرَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، وَإِنَّ لَكُم عَلَينا حقاً. فَمَن عَرَفَ حَقَّنَا وَجَبَ حَقَّهُ، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ حَقَنا فَلا حَقَّ لَهُ.
وَحَضَرَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يَوْماً مَجْلِسَ المأمونِ وَ ذُو الرياستين حَاضِرٌ، فَتَدَاكَرُوا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ و أيهما خُلِقَ قبل صاحبه، فسأل دو الرياستين الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) عَنْ ذلِكَ ؟ فقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لَهُ : تُحِبُّ أنْ أعطِيكَ الجَوابَ مِنْ كِتابِ اللّه أمْ حِسابِكَ ؟ فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): أَرِيدُهُ أَولَا مِنَ الحِسابِ، فقال : أليس تَقُولُونَ : إِنَّ طالع الدُّنيا السَّرَطانُ وَإِنَّ الكَواكِبُ كَانَتْ في أَشْرافِهَا ؟ قال : نعم. قالَ : فَرْحَلُ في الميزانِ وَالمُشْتَرِي في السَّرطانِ وَالمَرِّيحُ فِي الجَدْيِ وَالزَّهْرَة في الحوتِ وَالقَمَرُ في الثَّورِ وَالشَّمْسُ في وَسَطِ السَّماءِ فِي الحَمَلِ وَهَذا لا يَكُونُ إِلَّا نهاراً. قالَ: نَعَمْ. قَالَ : فَمِنْ كِتابِ اللّه، قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): قوله : «لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَها أَن تُدْرِكَ القَمَرَولَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهارِ» أَي إِنَّ النّهار سَبَقَهُ (1).
ص: 447
قال علي بن شعيب (1) دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الحَسَنِ الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فَقَالَ لِي : يا عليُّ مَنْ أَحْسَنُ النَّاس مَعاشاً : قُلْتُ : أَنتَ ياسيدي أعْلَمُ بِهِ مِنِّي، فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): يا عليُّ مِنْ حَسَنَ معاش غَيْرِهِ في مَعاشِهِ.
يا عليُّ مَنْ أَسْوَهُ النَّاس مَعاشاً، قُلْتُ : أَنتَ أَعْلَمُ، قَالَ مَنْ لَمْ يُعِشَ غَيْرَهُ في مَعاشِهِ.
يا عليُّ أَحْسِنُوا جوارَ النَّعَمِ فَإِنَّها وَحْشِيَّةٌ مَا نَأَتْ عَنْ قَوْمٍ فَعَادَتْ إِلَيْهِم (2).
يا عليُّ إِنَّ شَرَّ النَّاس مَنْ مَنَعَ رِفْدَهُ وَأَكَلَ وَحْدَهُ وَجَلَدَ عَبْدَهُ.
وقالَ لَهُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) رَجُلٌ في يوم الفِطْرِ : إِنِّي أَفَطَرْتُ اليوم على تمر وَطِينِ القَبْرِ. فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): جَمَعْتَ السُّنَّةَ والبَرَكَة.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأبي هاشم الجعفري : يا أباهاشم العَقْلُ حِبَاء مِنَ اللّه، وَالأدَبُ كُلفة ؛ فَمَنْ تَكَلَّفَ الأدب قدرَ عَلَيْهِ وَمَنْ تكَلَّفَ العَقْلَ لَمْ يَرْدَدْ بِذلِكَ إِلا جَهلاً (3).
وقالَ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ، وَالحُسَيْنُ بْنُ يَزِيدَ (4) دَخَلْنَا عَلَى الرَّضَا (عَلَيهِ السَّلَامُ) فَقُلْنَا : إِنَّا كُنَّا فِي سَعَةٍ مِنَ الرِّزْقِ وَغَضَارَةٍ مِنَ العَيْشِ فَتَغَيَّرَتِ الحَالُ بَعْضَ التَّغَيرِ فَادْعُ اللّه أَنْ يَرُدَّ ذلك إلينا، فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): أَيَّ شَيْءٍ تُرِيدُونَ تَكُونُونَ مُلُوكَاً ؟ أَيَسُرُّكُمْ أَنْ تَكُونُوا مِثْلَ
ص: 448
طاهِرِ وَ هَرثَمَةَ (1) وَإِنَّكُمْ عَلَى خِلافِ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ ؟ فَقُلْتُ : لا واللّه ما سرّني أنَّ لِيَ الدُّنيا بِمَا فِيها ذَهَبَاً وَفِضَةً وَ إِنِّي عَلى خِلافِ مَا أَنَا عَلَيْهِ. فَقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): إِنَّ اللّه يَقُولُ : «اعْمَلُوا آلَ داود شكراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (2)». أحْسِنِ الظَّنِّ باللّه، فَإِنَّ مَنْ حَسُنَ ظَنُّهُ باللّه كَانَ اللّه عِندَ ظَنْهِ (3) وَمَنْ رَضِيَ بِالقَلِيلِ مِنَ الرِّزْقِ قُبِلَ مِنْهُ اليَسِيرُ مِنَ العَمَلِ. وَمَنْ رَضِيَ باليسير مِنَ الحَلالِ خَفَّتْ مَؤُونَتُهُ وَ نَعمَ أهْلُهُ وَبَصَرَهُ اللّه داءَ الدُّنيا وَدَواءَها و أخْرَجَهُ مِنْها سالِماً إلى دَارِ السّلام.
ص: 449
وقالَ لَهُ ابْنُ السَّكِيتِ (1) : مَا الحجّة عَلَى الخَلْقِ اليَوْمَ : فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): العَقْلُ يعرفُ بِهِ الصَّادِقَ عَلَى اللّه فَيُصَدقَهُ وَالْكَاذِبَ عَلَى اللّه فَيُكَذِّبُهُ. فَقَالَ ابْن السكيت : هذا واللّه هُوَ الجَوابُ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا يقبل الرَّجُلُ يَدَ الرَّجُلِ، فَإِنَّ قَبلَةَ يَدِهِ كَالصَّلاةِ لَهُ (2).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قَبلَةُ الأمْ عَلَى الفَمِ. وَقَبْلَةُ الأخْتِ عَلَى الخَدَّ. وَقَبلَةُ الإِمَامِ بَين عينيهِ.
وقال(عَلَيهِ السَّلَامُ): لَيْسَ لَبَخَيلٍ راحَةٌ، وَلا لِحَسُودٍ لَنَّةٌ، وَلا لمَلُولٍ وَفَاء وَلا لِكَذُوب مُروة.
ص: 450
[ بسم اللّه الرحمن الرحيم ]
وروى عن الامام الناصح الهادى ابى جعفر محمَّد بن علی (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فى طوال هذه المعاني
لما عزم المأمون على أنْ يُزَوج ابنته أم الفضلِ أبا جعفرٍ محمّد بنَ عَليَّ الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ)(1) إجتمع إليه أهلُ بَيْتِهِ الأدْنَوْنَ مِنْهُ، فقالوا له : يا أمير المؤمنين ناشدناك أنْ تُخرِج عنَّا أمراً قَدْ مَلَكْنَاهُ. وَتَنزِعَ عنَّا عِزَّاً قَدَ لَبِسَناهُ، وَتَعْلَمُ الأَمْرَ الّذي بَيْنَنَا وَبَيْنَ آلِ عَلي قَدِيماً وحديثاً. فقال المأمون : أمسكوا اللّه لا قبلْتُ مِنْ وَاحِدٍ مِنكُمْ فِي أَمْرِه. فقالوا : يا أمير المؤمِنينَ أَتُزَوِّجُ ابْنَتَكَ وَقُرَّةَ عَيْنكَ صَبِيا لَمْ يَتَفَقَهُ فِي دِينِ اللّه، وَلا يَعرِفُ خلاله من حرامِهِ، وَلا فَرْضاً مِنْ سُنَّةٍ وَلا بِي جَعْفَرٍ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إِذْ ذَاكَ تِسْعُ سِنِينَ - (2) فَلَو صَبَرتَ لَهُ حتّى يَتَأَدَّبَ وَيَقْرَأُ القُرآنَ وَيَعْرِفَ الحَلالَ مِنَ الحَرامِ. فَقَالَ المأمونُ : إِنَّهُ لَأفقَهُ مِنكُمْ وَأَعْلَمُ باللّه وَرَسُولِهِ وَسُنَّتِهِ وَأحْكامِه، وأقرء لكتابِ اللّه مِنْكُمْ وَأَعْلَمُ بِمُحْكمه وَمُتَشَابِيه وَناسِخه وَمَنْسُوخِهِ وَظَاهِرِه وَبَاطِيه وخاصّه و عامّه وَتَنْزِيلِهِ وَ تَأْوِيلِهِ مِنكُمْ. فَاسْأَلُوهُ، فَإن كان الأمر كما وصفتُمْ قَبلْتُ مِنكُمْ، وَإِنْ كانَ الأمْرُ عَلَى مَا وَصَفْتُ عَلِمْتُ أَنَّ الرَّجُلَ خَلَفَ مِنكُمْ (3) فَخَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ وَبَعَنُوا إِلَى يَحْيَى بْنِ أكثَم (4) وَهُوَ يَومَئِذٍ
ص: 451
قاضي القضاةِ فَجَعَلُوا حَاجَتَهُمْ إِلَيْهِ وَأَطْمَعُوهُ في هَدَانَا عَلَى أَنْ يَحْتَالَ عَلَى أَبي جَعْفَرٍ (عَلَيهِ السَّلَامُ)بمسألة في الفِقْهِ لا يَدْرِي مَا الجَوابُ فيها.
فَلَمَّا حَضَرُوا وَحَضَرَ أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قالوا يا أمير المؤمنين هَذَا القَاضِي إِنْ أَذِنَتْ لَهُ أنْ يَسْأَلَ : فَقالَ المأمونُ : يا يحيى سَلْ أبا جَعْفَرِ عَنْ مَسْأَلَةٍ فِي الفِقْهِ لِتَنْظُرَ كَيْفَ فِقَههُ ؟ فَقَالَ يحيى : يا أبا جَعْفَرٍ أَصْلَحَكَ اللّه ما تَقُولُ في مُحرِم قَتَلَ صَيْداً ؟ فَقَالَ أَبو جَعْفَرٍ (عَلَيهِ السَّلَامُ): قَتَلَهُ في حل أم حرم، عالماً أو جاهلاً، عمداً أوْخَطَاً، عَبْداً أوخراً، صَغِيراً أو كبيراً، مُبيداً أوْ مُعيداً، مِنْ ذَواتِ الطَّيْرِ أوْغَيْرِهِ، مِنْ صِغَارِ الطَّيْرِ أَوْ كِبَارِه. مُصِراً أَوْ نَادِماً، بِاللَّيْلِ في أوكارها أو بِالنَّهارِ وَعِياناً، مُحْرِماً لِلْحج أو لِلْعُمْرَةِ؟ قَالَ : فَانْقَطَعَ يَحْيِي انْقِطاعاً لَمْ يخف على أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ المَجْلِسِ انْقِطاعُهُ وَتَخَيرَ النَّاس عَجَباً مِنْ جَوابِ أَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيهِ السَّلَامُ): فَقالَ المأمون : أخْطُبُ أبا جَعْفَرٍ ؟ فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : نعم يا أمير المؤمِنِينَ، فَقَالَ : الْحَمْدُ للّه إِقْرَاراً بِنِعْمَتِهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللّه إِجلالاً لِعَظَمَتِهِ، وَصَلَّى اللّه عَلَى محمّد وَآلِهِ عِنْدَ ذِكْرِهِ. أَمَا بَعْدُ فَقَدْ كانَ مِن قَضاءِ اللّه عَلَى الأَنامِ أَنْ أَغْنَاهُم بِالحَلالِ عَنِ الحَرَامِ، فَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ : «فَأَنكِحُوا الأيامى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللّه مِن فَضْلِهِ واللّه وَاسِعٌ عَلِيمٌ (1)». ثمَّ إِنَّ محمّد بْنَ عَلَى خَطَبَ أَمَّ الفَضْلِ ابْنَةَ عَبْدِ اللّه، وَقَدْ بَدَلَ لَهَا مِنَ الصَّدَاقِ خَمْسَ مِائَةِ دِرْهُم، فَقَدْ زَوجَتُهُ، فَهَلْ قَبلْتَ، فَقَدْ زَوَّجْتُهُ، فَهَلْ قَبِلْتَ يا أبا جَعْفَرِ؟ فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قَدْ قَبِلْتُ هذَا التَّزْوِيجَ بِهَذَا الصِّدَاقِ فَأَولَمَ المَأْمُونَ (2) وَأَجَازَ النَّاس عَلَى مَراتِبِهِمْ أَهْلَ الخاصَّة وَأهْلَ العامّة وَالأشرافَ وَالعُمالَ، وَأَوْصَلَ إلى كلّ طَلَبَقَةٍ بِرًا عَلَى مَا يَسْتَحِقَهُ.
قلَما تَفَرَّقَ أَكْثَرُ النَّاس قَالَ المَأْمُونُ : يا أبا جعفر إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُعرفنا ما يَجِبُ عَلَى كلّ صِنْفٍ مِنْ هَذِهِ الأصْنافِ في قَتْلِ الصَّيْدِ : فَقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): إِنَّ المُحرِم إِذا قَتَلَ صَيْداً في الحِل وكان الصيدُ مِنْ ذواتِ الطَّيْرِ مِنْ كبَارِها فَعَلَيْهِ شَاةٌ، فَإِنْ أَصَابَهُ فِي الحَرَمِ فَعَلَيْهِ الجَزاءُ مُضاعَفاً. وإن قتل فرخاً في الحِل فَعَليهِ حَمَل قَدْ قُطِعَ فَلَيسَتْ عَلَيْهِ القِيمَةُ لأنه ليس في الحرم. وإذاقَتلَهُ فِي الحَرَمِ فَعَلَيْهِ الحَمَلُ وَقِيمَهُ الفَرح (3). وإِنْ كَانَ مِنَ الوَحْشِي
ص: 452
فعليه في حِمار الوحش بَقَرَة وإن كانَ نَعَامَةٌ فعليه بَدَنَةٌ (1) فَإِن لم يَقْدِرُ فإطعام ستين مسكيناً، فإن لم يقدر فليصم ثمانية عشر يوماً. وَإن كان بَقَرَةً فعليهِ بَقَرَة، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرَ فَلْيَطْعِمْ ثلاثينَ مسكيناً، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُ فَلْيَهُمْ تِسْعَةَ أَيَّامٍ. وإن كانَ ظَبياً فعليهِ شَاةٌ، فَإِن لَم يقدر فَلْيُطْعِمْ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَصُم ثلاثة أيامٍ. وإِنْ أَصابَهُ في الحَرَمِ فَعَلَيْهِ الجَزَاءُ مُضاعفاً : «هَدْياً بالِغَ الكَعْبَةِ»، حَقاً واجباً أن ينحرَهُ إِن كَانَ فِي حَجَّ بِمِنِى حَيْثُ يَنْحَرُ النَّاسُ. وإن كان في عُمرَة يَنْحَرُهُ بِمَكةَ في فناء الكعبة ويَتَصَدَّقُ بِمِثْلِ ثَمَنِهِ حتّى يكون مضاعفاً، وكذلك إذا أصابَ أَرنَباً أو تَعْلَبَا فَعَلَيْهِ شَاةٌ وَيَتَصَدِّقُ بِمِثْلِ نَمَن شَاةٍ. وإِنْ قَتَلَ تماماً من تمامِ الحَرَمِ فعليهِ دِرْهِمْ يَتَصَدِّقُ به. ودِرهم (2) يَشْتَرِي بِهِ عَلَفاً لِحَمامِ الحَرم. و في الفرح نِصْفُ دِرْهَم. وفي البَيْضَةِ رَبِّعُ دِرْهَم وكُلُّما أَتَى بِهِ الْمُحْرِمُ بِجَهَالَةٍ أو خَطَأ فلاشَيْ، عليهِ إِلَّا الصَّيْدَ، فَإِنَّ عَلَيْهِ فِيهِ الفِداءَ بِجَهَالَةٍ كَانَ أَمْ بِعِلْمٍ، بِخَطَا كَانَ أم بِعَمَدٍ. وكل ما أتى بِهِ العَبْدُ وَكَفَّارَتْهُ عَلَى صَاحِبِهِ مِثْلُ ما يَلْزَمُ صَاحِبَهُ. وَكُلُّ ما أَتَى بِهِ الصَّغِيرُ الّذي لَيْسَ بِبالغ فَلا شَيْءٍ عَلَيْهِ. فَإِنْ عَادَ فَهُوَ ممَّن يَنتَقِمُ اللّه مِنْهُ. وَإِنْ دَلَّ عَلَى الصَّيْدِ وَهُوَ محرم وقتل الصيد فَعَلَيْهِ فِيهِ الفداء. وَالمَصِرُّ عَلَيْهِ يَلْزَمُهُ بَعْدَ الفِداء العُقُوبَةُ فِي الآخِرَةِ. وَالنَّادِمُ لا شَيْءٍ عَلَيْهِ بَعْدَ الفِداء في الآخِرَةِ. وَإِنْ أَصَابَهُ لَيْلاً أَوْ كَارُها (3) خَطَأَ فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ إلا أن يَتَصَيَّدَ، فَإِنْ تَصَيَّدَ بِلَيْلِ أَوْ نَهارٍ فَعَلَيْهِ فِيهِ الفِدَاهُ. وَالمُحرِم لِلْحَجِّ يَنْحَرُ الفداء بمكة.
قالَ : فَأَمَرَ أنْ يُكتبَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي جَعفَر(عَلَيهِ السَّلَامُ). ثمَّ التَفَتَ إِلَى أَهْلِ بَيْتِهِ الّذين أَنكروا تَزْوِيجَهُ، فَقَالَ : هَلْ فِيكُمْ مَنْ يُجِيبُ بِهذا الجَوابِ ؟ قَالُوا : لَا واللّه وَلَا القَاضِي، فقالوا : يا أمير المؤمِنِينَ كُنتَ أعْلَمُ بِهِ مِنا. فَقالَ : وَيَحَكُمْ أَمَا عَلِمتم أَنَّ أَهْلَ هَذَا البَيْتِ لَيَسُوا خَلْقاً مِنْ هَذَا الخَلْقِ، أَمَا عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بايَعَ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) وَهُمَا صَبِيانِ وَلَمْ يُبايع غَيْرَ هُما طِفْلَيْنِ. أوَلَمْ تَعلَمُوا أن أباهم عليا (عَلَيهِ السَّلَامُ) آمَنَ بِرَسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وَهُوَ ابْنُ تِسْع سِنِينَ، فَقَبِلَ اللّه وَرَسُولُهُ إِيمَانَهُ وَلَمْ يُقْبَلَ مِن طِفْلِ غَيْرِهِ وَلَا دَعَا رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) طفلا غيره أَوَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّهَا ذُرِّيَّةٌ بعضُهَا مِنْ بَعْضٍ يَجْرِي لِآخِرِهِمْ مَا يَجْرِي لِأُ وَلِهِمْ.
ص: 453
قال المأمونُ لِيَحْيَى بْنِ أَكْثَم (1): اطْرَح عَلَى أبي جَعْفَرٍ محمد بنِ الرِّضَا (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) مَسْأَلَةً تَقْطَعُهُ فيها. فقال : يا أبا جعفر ما تقولُ في رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةَ عَلَى زِنَا أَيَحِلُّ أَنْ يتزوجها ؟ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): يَدَعُها حتّى يَسْتَبْرِتها مِنْ نُطْفَتِهِ وَنُطْفَةٍ غَيْرِهِ، إِذلا يُؤْمَنُ مِنْهَا أنْ تكون قد أحَدَنَتْ مَعَ غَيْرِهِ حدثاً كَمَا أَحْدَثَتْ مَعَهُ، ثمَّ يَتَزَوَّجُ بِهَا إِنْ أَرَادَ، فَإِنَّمَا مثلها مثل نَخْلَةٍ أَكَلَ رَجُلٌ مِنْها حَراماً ثمَّ اشْتَراهَا فَأَكَلَ مِنْهَا حَلَالًا. فَانْقَطَعَ يَحْيَى.
فقالَ لَهُ أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ): يا أبا محمد ماتقولُ في رَجُلٍ حَرمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَةٌ بِالغَدَاةِ وَحَلَّتْ لَهُ ارْتِفاعَ النَّهارِ وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ نِصْفَ النَّهارِ، ثمَّ حَلَّتْ لَهُ الظَّهَرَ، ثمَّ حَرَمَتْ عَلَيْهِ العَصْرَ، ثمَّ حَلَّتْ لَهُ المَغْرِبَ، ثمَّ حَرَمَتْ عَلَيْهِ نِصْفَ اللَّيْلِ، ثمَّ حَلَّتْ لَهُ الْفَجْرَ، ثمَّ حَرُمَتْ عَلَيْهِ ارْتِفَاعَ النَّهارِ، ثمَّ حَلَّتْ لَهُ نِصْفَ النَّهَارِ ؟ فَبَقِيَ يَحْيَى وَالفُقَهَاهُ بُلْسا خرسا (2) فَقَالَ المأمون : يا أبا جَعْفَرٍ أَعَزَّكَ اللّه بَين لنا هذا ؟ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): هذا رَجُلٌ نَظَرَ إِلَى مَمْلُوكَةٍ لا تَحلُّ لَهُ، اشتراها فَحَلَّتْ لَهُ. ثمَّ أعتقها فَحَرُمَتْ عَلَيْهِ، ثمَّ تَزَوجَهَا فَحَلَّتْ لَهُ، فَظَاهر مِنْهَا فَحَرُمَتْ عَلَيْهِ. فَكَفَرَ الظَّهارَ فَحَلَّتْ لَهُ، ثمَّ طَلقَها تَطْلِيقَةٌ فَحَرُمَتْ عَلَيْهِ، ثمَّ رَاجَعَها فَحَلَّتْ لَهُ، فَارْتَدَّ عَنِ الإِسْلامِ فَحَرُمَتْ عَلَيْهِ. فَتَابَ وَرَجَعَ إِلَى الإِسْلَامِ فَحَلَّتْ لَهُ بِالنِّكَاحِ الأولِ، كَما أَقرَّ رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) نِكَاحَ زَيْنَبَ مَعَ أَبِي العَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ حَيْثُ أَسْلَم عَلَى النِّكَاح الأول (3).
ص: 454
قال لَهُ (1) رَجُلٌ : أَوصني ؟ قَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): وَتَقَبلُ : قَالَ : نعم، قال : توسَّد الصبر وَاعْتَنقِ الفَقْرَ، وَارْفَضِ الشَّهَوَاتِ. وَخالِفِ الهَوى. وَاعْلَمْ أَنَّكَ لَن تَخْلُو مِنْ عَيْنِ اللّه فَانظُرْ كَيْفَ تَكُونُ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): أوحى اللّه إلى بعض الأنبياء : أما زُهْدُكَ فِي الدُّنيا فَتَعَجِّلُكَ الرَّاحَة
ص: 455
وأما انقطاعكَ إِلَى فَيُعَزّزُكَ بي. ولكن هَلْ عَادَيْتَ لِي عَدُوا وَوَالَيْتَ لي وَلِيّاً.
وَرُوِيَ أَنَّهُ حُمِلَ له حِمْلُ بَزّ (1) لَهُ قِيمَةٌ كَثِيرَةٌ، فَسُلٌ فِي الطَّرِيقِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ الّذي حَمَلَهُ يُعَرِّفُهُ الخَبَرَ، فَوَقَعَ بِخَطَّهِ إِنَّ أَنفُسَنَا وَأَمْوالَنَا مِنْ مَوَاهِبِ اللّه الهَبْيَئَةِ وَ عوارِيهِ المَسْتَوْدَعَةِ يُمَتَّعُ بِمَا مَعَ مِنْهَا فِي سُرُورٍ وَغِبْطَةٍ وَيَأْخُذُ مَا أَخَذَ مِنْها فِي أَجْرٍ وَحِسْبَةٍ (2) فَمَن غَلَبَ جَزَعُهُ عَلَى صَبْرِهِ حَبِطَ أَجْرُهُ وَنَعُوذُ باللّه مِنْ ذلِكَ.
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَنْ شَهِدَ أَمْراً فَكَرِهَهُ كَانَ كَمَنْ غَابَ عَنْهُ. وَ مَنْ غَابَ عَنْ أَمْرٍ فَرَضِيَهُ كانَ كَمَنْ شَهدَهُ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من أَصْغَى إلى ناطِقٍ فَقَدْ عَبَدَهُ، فَإِنْ كَانَ النَّاطِقُ عَنِ اللّه فَقَدْ عَبَدَ اللّه ؛ وإِنْ كَانَ النَّاطِقُ يَنْطِقُ عَنْ لِسَانِ إبْلِيسَ فَقَدْ عَبَدَ إبْلِيسَ.
و قال داود بن القاسم (3) : سَأَلْتُهُ عَنِ الصَّمَدِ : فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): الّذي لاسرة له (4). قُلْتُ : فَإنَّهُمْ يَقُولُونَ : إنه الّذي لاجوفَ لَهُ، فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): كلّ دَى جَوْفِ لَهُ سُرَّةٌ.
فَقَالَ لَهُ أبوهايم الجَعفَرِيُّ في يَوْمٍ تَزَوَّجَ أَمَّ الفَضْلِ ابْنَةَ المأمونِ : يَا مَوْلايَ لَقَدْ عَظُمَتْ عَلَيْنَا بَرَكَةً هَذَا اليَوْمِ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): يا أبا هاشم عَظُمَتْ بَرَكَاتُ اللّه عَلَيْنَا فِيهِ : قُلْتُ : نَعَمْ يَا مَوْلايَ، فَما أقولُ في اليَوْمِ ؟ فَقَالَ : قُلْ فِيهِ خَيراً، فإنه يُصِيبُكَ. قلت : يا مولاي أفعل هذا وَلا أَخَالِفُهُ، قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إذا تُرْشَدُ ولا ترى إلا خيراً.
وَ كَتَبَ إِلى بَعْضٍ أَوْلِيائِهِ : أَمَا هَذِهِ الدُّنيا فَإِنَّا فِيهَا مُعْتَرِفُونَ وَ لَكِنْ مَنْ كَانَ هواه هَوى صَاحِبِهِ وَدانَ بِدِينِهِ فَهُوَ مَعَهُ حَيْثُ كَانَ (5). وَالآخِرَةُ هِيَ دارُ القَرارِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): تَأخِيرُ التّوبَةِ اغْتِرَارُ. وَطُولُ التّسويفِ حَيْرَةٌ، وَالاعْتِلالُ عَلَى اللّه هَلَكَة (6)والإضرارُ عَلَى الذنب أمن لمكْرِ اللّه «وَلا يَأْمَنُ مَكَرَ اللّه إِلَّا القَوْمُ الخَاسِرُونَ (7)»،
ص: 456
ورُوِيَ أَنَّ جَمَالاً حَمَلَهُ مِنَ المَدِينَةِ إلى الكوفَةِ (1) فَكَلَّمَهُ فِي صِلَتِهِ وَقَدْ كَانَ أبو جَعْفَرٍ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَصَلَهُ بِأَربَعَ مِائَة دينار، فقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): سُبْحَانَ اللّه، أَمَاعَلِمْتَ أَنَّهُ لَا يَنقَطِعُ المَزِيدُ مِنَ اللّه حتّى يَنْقَطِعَ الشَّكْرُ مِنَ العِبَادِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): كانَتْ مُبايعة رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) النِّسَاء أَنْ يَغْسِسَ يَدَهُ في إناءٍ فِيهِ ماء ثمَّ يُخْرِجُها وَ تَغْمِسَ النِّسَاءُ بِأَيْدِيهن في ذلِكَ الإناء بالإِقْرَارِ وَالإِيمَانِ باللّه وَالتَّصْدِيقِ بِرَسُولِهِ عَلى ما أخذ عليهن.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إظهار الشيء قَبْلَ أَنْ يُسْتَحكَمَ مَفْسَدَةٌ لَهُ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): المؤمِنُ يَحْتاجُ إلى توفيق مِنَ اللّه وَ وَاعِظُ مِنْ نَفْسِهِ وَ قَبُولٍ ممَّن ينصحه.
ص: 457
[ بسم اللّه الرحمن الرحيم ]
وروى عن الامام الراشد الصابر أبي الحسن علی بن محمَّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) في طوال هذه المعاني
مِنْ علي بن محمّد ؛ سلامُ عَلَيْكُمْ وَعَلَى مَنِ اتَّبَعَ الهُدى وَرَحْمَةُ اللّه وَبَرَكَاتُهُ، فَإِنَّهُ وَرَدَ عَلَيَّ كِتابَكُمْ (1) وَفَهِمْتُ ما ذكَرتُم مِن اخْتِلافِيكُمْ فِي دِينِكُمْ وَخَوضِكُمْ في القَدَرِ وَ مقالة مَن يَقُولُ مِنكُم بِالجَبْرِ وَمَنْ يَقُولُ بِالتفويض وَتَفَرقِكُمْ فِي ذَلِكَ وَتَقَاطِعِكُمْ وَمَا ظَهَرَ مِنَ العَدَاوَةِ بَيْنَكُمْ، ثمَّ سَأَلْتُمُونِي عَنْهُ وَبَيَانِهِ لَكُمْ وَفَهِمْتُ ذَلِكَ كُلَّهُ.
اعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللّه أَنا نَظَرْنَا في الآثارِ وَكَثْرَةِ مَا جَاءَتْ بِهِ الأَخْبَارُ فَوَجَدْنَاهَا عند جَميع مَنْ يَنتَحِلُ الإِسْلامَ ممَّن يَعْقِلُ عَنِ اللّه جَلَّ وَعَزَّ لَا تَخلُو مِن مَعنيين : إما حَقُ فَيُتَّبَعُ وَإما باطل فيجتنب. وقد اجتمعت الأمَّة قاطبة لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّ القُرْآنَ حَقٌّ لَا رَيْبَ فِيهِ عِنْدَ جَميع أَهْلِ الفَرَقِ وَفي حالِ اجْتِمَاعِهِمْ مُفِرونَ بتصدِيقِ الكِتَابِ وَتَحْقِيقِهِ، مُصِيبُونَ مُهْتَدُونَ وَذَلِكَ بِقَولِ رَسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «لا تَجْتَمِعُ اُمتِي عَلَى ضَلالَةٍ»، فَأَخْبَرَ أَنَّ جَمِيعَ ما اجتمعت عَلَيْهِ الأمَّة كُلُها حَقٌّ، هذا إذا لَمْ يُخالِف بَعْضُها بعضاً. وَالقُرآنُ حَقٌّ لَا اخْتِلافَ بينهم في تَنزِيلِهِ وَتَصَدِيقِهِ : فَإِذا شَهِدَ القُرْآنُ بِتَصْدِيقِ خَبَرٍ وَتَحْقِيقِهِ وَأَنكَرَ الخَبَرَ طَائِفَةٌ مِنَ الأمَّة لَزِمَهُمُ الإقرار به ضَرُورَةً حِينَ اجْتَمَعَتْ في الأَصْلِ عَلَى تَصْدِيقِ الكِتابِ، فَإِنْ [هي ] جَحَدَتْ وَأَنْكَرَتْ لَزِمَهَا الخُرُوجُ مِن المِلَّةِ.
فأول خبر يعرفُ تَحقيقه من الكتاب وتصديقه والتمَاسُ شَهادَتِهِ عَلَيْهِ خَبَرٌ وَرَدَ عَن رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وَوُجِدَ بِمُوافَقَةِ الكِتابِ وَ تَصدِيقِهِ بِحَيْثُ لا تُخَالِفُهُ أَقَاوِيلُهُمْ ؛ حَيْثُ قالَ : «إِنِّي مُخَلَّفْ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ كِتابَ اللّه وَعِتَرَبي - أَهْلَ بَيْتِي - لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكُتُم
ص: 458
بِهِمَا وَإِنَّهُما لَنْ يفترقا حتّى يَرِداعَلَي الحَوْضَ»، فَلَمّا وَجَدْنَا شَواهِدَ هَذا الحَدِيثِ في كتاب اللّه نصاً مِثْلَ قَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّه وَرَسُولُهُ وَ الّذين آمَنُوا الّذين يقيمونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللّه وَرَسُولَهُ وَ الّذين آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللّه هُمُ الغالِبُونَ (1)». وَرَوَتِ العامّة في ذلِكَ أَخْبَاراً لِأَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنَّهُ تَصدق بخاتمه و هُوَ رَاكُمْ فَشَكَرَ اللّه ذَلِكَ لَهُ وَأَنزَلَ الآيَةَ فِيهِ. فَوَجَدْنَا رَسُولَ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)قد أتى بِقَوْلِهِ : «مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَلى مَوْلاهُ»، وَبِقَوْلِهِ :«أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسى إلا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي»، وَوَجَدْنَاهُ يَقُولُ : «عَلَيَّ يَقْضِي دَيْنِي وَ يُنْجِرُ مَوْعِدِي وَهُوَ خَليفَتِي عَلَيْكُم مِن بعدِي».
فالخَبَرُ الأَوَّلُ الّذي اسْتَنبِطَتْ مِنْهُ هذِهِ الأخبارُ خَبر صحيح مجمع عليه لا اختِلافَ فِيهِ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ أَيضاً مُوافِقُ لِلْكِتابِ ؛ فَلَمَّا شَهِدَ الكِتابُ بِتَصْدِيقِ الخَبَرِ هذِهِ الشَّواهِدُ الأَخَرَ لَزِمَ عَلَى الأمَّة الإقرار بها ضَرُورَةً إِذ كَانَتْ هَذِهِ الأَخْبَارُ شَواهِدُهَا مِنَ القُرآنِ ناطِقَةٌ وَوَافَقَتِ القُرآنَ وَالقُرْآنُ وافقها. ثمَّ وَرَدَتْ حَمَائِقُ الأخبارِ مِنْ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) عن الصادِقِينَ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) وَ نَقَلَها قَوْمُ ثِقاتٌ مَعْرُوفُونَ فَصَارَ الإِقْتِدَاء بِهَذِهِ الأَخْبَارِ فَرْضاً واجباً عَلى كلّ مُؤْمِن وَ مُؤْمِنَةٍ لا يَتَعَدَّاهُ إِلَّا أَهْلُ العِنادِ. وَذَلِكَ أَنَّ أَقاويلَ آلِ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) مُتَصِلَةٌ بِقَولِ اللّه وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ في محكم كتابه : «إِنَّ الّذين يُؤْدُونَ اللّه وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّه فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مهينا (2)»، وَوَجَدْنَا نَظِيرَ هَذِهِ الآية قول رَسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): مَنْ آذِى عَلِيّاً فقد آذاني وَ مَنْ آذَانِي فَقَدْ آدَى اللّه وَمَنْ آذى اللّه يُوشِكُ أَنْ يَنتَقِمَ مِنْهُ، وكَذلِكَ قَوْلُهُ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «مَنْ أَحَبُّ عَلِيّا فَقَدْ أَحَبَنِي وَ مَنْ حبَّنِي فَقَدْ أَحَبَّ اللّه». وَمِثْلُ قَولِهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في بني وَلِيعَةَ : «لَابَعَثَنَّ إِلَيْهِمْ رَجُلاً كَنَفْسِي اللّه وَرَسُولَهُ وَيُحِبَهُ اللّه ورَسُولُهُ قم يا عليُّ فسر إليهم» (3)، وقوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): يوم خيبر : «لَابَعَثَنَّ إِلَيْهِمْ غَداً رَجُلاً يُحِبُّ اللّه وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللّه وَرَسُولُهُ كَرَاراً غَيْرَ فَرَارِ لا يَرْجِعُ
ص: 459
حتى يفتح اللّه عَلَيْهِ». فَقَضَى رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بالفتح قَبْلَ التَّوْجِيهِ فَاسْتَشْرَفَ لِكَلامِهِ أصحاب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فلما كانَ مِنَ القَدِدعا عليا (عَلَيهِ السَّلَامُ) فَبَعَثَهُ إِلَيْهِمْ فَاصْطَفَاهُ بِهْذِهِ المنقبة (1) وَسَمَاهُ كَرَار أَغَير فَرَّارٍ، قَسَماهُ اللّه مُحِب اللّه وَلِرَسُولِهِ، فَأَخَبَرَ أنَّ اللّه و رسُولَهُ يُحبانِه.
وَإِنَّمَا قَدَّمْنَا هَذَا الشَّرْحَ وَالبَيَانَ دَليلاً عَلى ما أَرَدْنَا وَقُوَّةَ لِمَا نَحْنُ مُبَينوه. أمْرِ الجَبرِ وَالتَّفْوِيضِ وَالمَنْزِلَةِ بَيْنَ المَنْزِلَتَيْنِ وَباللّه العَوْنُ وَالْقُوَّةُ وَعَلَيْهِ نَتَوَكَّلُ فِي جَمِيعِ أمُورِنَا. فَإِنا نَبْدَأَ مِنْ ذلِكَ بِقَوْلِ الصَّادِقِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا جَبَرَ ولا تَقويضَ وَلَكِنْ مَنْزِلَةٌ بين المنزلتين وَهِيَ صِحَةُ الخِلْقَةِ وَتَخَلَيَةُ السَّرْب (2) وَالمُهلَةُ فِي الوَقْتِ وَالزَّادُ مِثلُ الرَّاحِلَةِ و السبب المهيجُ لِلْفَاعِلِ عَلَى فِعْلِهِ»، فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ جَمَعَ بِهِ الصَّادِقُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) جَوامِعَ الفَضْلِ، فَإِذا نَقَصَ العَبْدُ مِنْهَا خَلَّة كَانَ العَمَلُ عَنْهُ مَطروحاً بِحَسَبِهِ، فَأَخْبَرَ الصَّادِقُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بأصلِ ما يَجِبُ عَلَى النَّاس مِنْ طَلَب مَعْرِفَتِهِ وَنَطَقَ الكِتابُ بِتَصْدِيقِهِ فَشَهِدَ بِذلِكَ مُحْكَمَاتُ آياتِ رَسُولِهِ، لأن الرَّسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) و آله (عَلَيهِم السَّلَامُ) لا يعدونَ شَيْئًا مِنْ قَوْلِهِ وَأَقَاوِيلهم حدود القُرْآنِ، فَإِذا وَرَدَتْ حَقائق الأخبارِ وَالْمَسَتْ شَواهِدُهَا مِنَ التَّنْزِيلِ فَوُجِدَ لَها مُوافِقاً وعليها دليلا كان الاقتداء بها فَرَضاً لا يتعداه إلا أهل العِنادِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ الكِتابِ. وَلَا التمسنا تحقيقَ مَا قَالَهُ الصَّادِقُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) مِنَ المَنزِلَةِ بَيْنَ المَنْزِلَتَينِ وَإِنْكَارِهِ الجَبْرَ وَالتَّفْوِيضَ وَجَدْنا الكِتابَ قَدْ شَهدَلَهُ وَ صَدَّقَ مَقَالَتَهُ في هَذَا وَ خَبَرٌ عَنْهُ أيضاً موافق لهذا ؛ أَنَّ الصَّادِقَ (عَلَيهِ السَّلَامُ)سُئِلَ هَلْ أَخْبَرَ اللّه العِبادَ عَلَى المَعاصِي ؟ فَقالَ الصَّادِقُ (عَلَيهِ السَّلَامُ): هُوَ أَعْدَلُ مِنْ ذَلِكَ. فَقِيلَ لَهُ : فَهَلْ فَوَّضَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): هُوَ أَعَزَّ وَ أَقْهَر لَهُم مِن ذَلِكَ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : النَّاس فِي القَدرِ على ثلاثة أوجه : رَجُلٌ يَزْعَمُ أَنَّ الأَمْرَ مُفَوِّضُ إِلَيْهِ فَقَدْ وَمَنَ اللّه فِي سُلْطَانِهِ فَهُوَ هَالِكُ. وَرَجُلٌ يَزْعَمُ أَنَّ اللّه جَلَّ وَعَرَ أَجَبَرَ العِبادَ عَلَى المَعَاصِيَ وَكَلَّفَهُمْ ما لا يُطيقون فَقَدْ ظَلم اللّه في حُكْمِهِ فَهُوَ هَالِكُ. وَرَجُلٌ يَزْعَمُ أَنَّ اللّه كَلَّفَ العِبَادَ مَا يُطِيقُونَ وَلَمْ يُكَلِّفهم مالا
ص: 460
يطيقون، فإذا أحْسَنَ حَمِدَ اللّه وَإِذا أَساءَ استغفر اللّه فَهَذَا مُسْلِمُ بالغ، فَأَخَبَر (عَلَيهِ السَّلَامُ) أَنَّ مَنْ تقلد الجبر والتفويض وَدانَ بِهِمَا فَهُوَ عَلَى خِلافِ الحقّ فَقَدْ شَرَحْتُ الجَبْرَ الّذي مَنْ دانَ بِهِ يَلْزَمُهُ الخَطَأَ، وَ أَنَّ الّذي يَتَقَلَّدُ التَّفْوِيضَ يَلْزَمُهُ الْبَاطِلُ، فَصَارَتِ المَنزِلَةُ بَيْنَ المنزِلَتَيْنِ بَيْنَهُما.
ثم قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): وَأَضْرِبُ لِكُلِّ بَابٍ مِنْ هَذِهِ الأبْوَابِ مَثَلاً يُقَرِّبُ المَعنى لِلطَّالِبِ وَيُسهل لَهُ البحث عن شرحه، تشهد به محكمات آیاتِ الكِتابِ وَ تَحقَّقَ تَصْدِيقُهُ عِندَ ذَوِي الأَلْبَابِ وَباللّه التَّوْفِيقُ وَالعِصْمَةُ.
فأما الجَبْرُ الّذي يَلْزَمُ مَنْ دانَ بِهِ الخَطَأُ فَهُوَ قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللّه جَلَّ وَعَزَّ أَجْبَر العِبادَ عَلَى المَعَاصِي وَعاقَبهِم عَلَيْها، وَمَنْ قالَ بَهْذَا القَولِ فَقَدْ ظَلَّمَ اللّه في حُكْمِه وَكَذَّبَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ قَوْلَهُ : «وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (1)». وَقَوْلَهُ : ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ «وَأَنَّ اللّه لَيْسَ بظلامِ لِلْعَبِيدِ»(2). وَقَوْلَهُ: «إِنَّ اللّه لَا يَظْلِمُ النَّاس شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاس أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (3)» مَعْ أَي كَثِيرَةٍ فِي ذِكْرِ هذا. فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مُجْبَرُ عَلَى الْمَعَاصِي فَقَدْ أَحَالَ بِذَنْبِهِ عَلَى اللّه وَ قد ظلمهُ في عُقُوبَتِهِ. وَمَنْ ظَلَمَ اللّه فَقَدْ كَذَّبَ كِتابَهُ. وَمَنْ كَذَّبَ كِتَابَهُ فَقَدْ لَزِمَهُ الكُفْرُ باجتماع الأمة. وَمَثَل ذلِكَ مَثَلُ رَجُلٍ مَلَكَ عَبداً مملوكا لا يملكُ نَفْسَهُ وَلَا يَمْلِكُ عَرَضاً مِن عَرَضِ الدُّنيا وَ يَعْلَمُ مَولاهُ ذَلِكَ مِنْهُ فَأَمَرَهُ عَلى عِلْمٍ مِنْهُ بِالمَصِيرِ إِلَى السُّوقِ لِحَاجَةٍ يأتيه بها وَلَمْ يُمَلِكُهُ تَمَنَ مَا يَأْتِيهِ بِهِ مِنْ حَاجَتِهِ وَ عَلِمَ الْمَالِكُ أَنَّ عَلَى الحَاجَةِ رَقِيباً لَا يَطْمَعُ أَحَدٌ في أخذها مِنْهُ إِلَّا بِمَا يَرْضَى بِهِ مِنَ الشَّمَنِ، وَقَدْ وَصَفَ مَالِكُ هَذَا العَبْدِ نَفْسَهُ بِالعَدْلِ وَالنَّصِفَةِ وَإِظْهَارِ الحِكْمَةِ وَنَفْيِ الجَوْرِ وَأَوْعَدَ عَبْدَهُ إِنْ لَمْ يَأْتِهِ بِحاجَتِهِ أَنْ يُعَاقِبَهُ عَلى عِلْمٍ مِنْهُ بِالرّقيبِ الّذي عَلى حَاجَتِهِ أنَّه سَيَمْنَعُهُ، وَعَلِمَ أَنَّ المَمْلُوكَ لا يَمْلِكُ تَمَنَها وَلَمْ يُملكه ذلِكَ، فَلَمَّا صَارَ العَبْدُ إلى السُّوقِ وَجَاءَ لَيَأْخُذَ حَاجَتَهُ الّتي بَعَنْهُ المولى لَها وَجَدَ عَلَيْها مانِعاً يمنعُ مِنْها إِلا بِشِرَاءٍ وَلَيْسَ يَمْلِكُ العَبْدُ تَمَنْهَا، فَانْصَرَفَ إِلَى مَوْلاهُ
ص: 461
خائباً بغير قَضاءِ حَاجَتِهِ فَاغتاظ مَولاهُ مِنْ ذلِكَ وَ عَاقَبَهُ عَلَيْهِ. أَلَيس يجب في عَدْلِه و حكمه أن لا يُعاقِبَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ عَبْدَهُ لا يَمْلِكُ عَرَضاً مِنْ عُرُوض الدُّنيا وَ لَمْ يُمَلِكُهُ ثَمَنَ حاجَتِهِ ؟ فَإِنْ عاقبه عاقبه ظالِماً مَتَعَدّ يَا عَلَيْهِ مبطلاً لِما وَصَفَ مِنْ عَدْلِهِ وَحِكْمَتِهِ وَنَصِفَتِهِ وإن لم يُعاقبة كَذَّبَ نَفْسَهُ في وَعِيدِهِ إيّاه حين أوعده بالكذب والظلم اللذين يَنْقِيانِ العَدْلَ وَالحِكْمَةَ. تَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوا كَبِيراً ؛ فَمَنْ دانَ بِالجَبْرِ أَوْ بِمَا يَدْعُو إِلَى الجَبْرِ فَقَدْ ظَلَّمَ اللّه وَنَسَبَهُ إِلَى الجَوْرِ وَالعُدْوَانِ، إِذْ أَوْجَبَ عَلى مَنْ أَجْبَرَ [ه] العُقُوبَةَ. وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ اللّه أَجْبَرَ العِبادَ فَقَدْ أوْجَبَ عَلَى قِياسِ قولِهِ إِنَّ اللّه يدفَعُ عَنْهُمُ العُقُوبَةَ. وَمَن زعم اللّه يَدْفَعُ عَنْ أَهْلِ المَعاصِي العَذَابَ فَقَدْ كَذَّبَ اللّه في وَعِيدِهِ حَيْثُ يَقُولُ : «بَلَى مَنْ كَسَبَ سيّئة وَأَحاطَتْ بِهِ خَطيئَتْهُ فَأُولئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (1)». وَقَوْلَهُ: «إِنَّ الّذين يَأْكُلُونَ أمْوال اليتامى ظلماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ في بُطُونهم ناراً وَسَيَصْلُونَ سَعِيراً (2)». وقولَهُ : «إِنَّ الّذين كَفَرُوا بِآيَاتِنا سَوفَ نُصليهم ناراً كُلَّما نَضَجَتْ جُلُودُهُمْ بَدلناهم جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا العَذَابَ إِنَّ اللّه كَانَ عَزِيزاً حكيماً (3)»، مَعَ أَي كَثِيرةٍ في هذا الفَنَّ ممَّن كَذَّبَ وَعِيدَ اللّه وَيَلْزَمُهُ في تَكْذِيبه آيةٌ مِنْ كِتاب اللّه الكفرُ وَهُوَ ممَّن قالَ اللّه : «أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْض الكتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْض فَمَا جَزَاء مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ الْآخِرِي فِي الحيوةِ الدُّنيا وَيَوْمَ القِيمَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدَّ العَذَابِ وَمَا اللّه بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (4)»، بَلْ نَقُولُ : إِنَّ اللّه جَلَّ وَعَزَّ جَازَى العِبادَ عَلَى أَعْمَالِهِمْ وَيُعَاقِبُهُمْ عَلَى أَفْعَالِهِمْ بِالاسْتِطَاعَةِ الّتي مَلَكَهُمْ إِيَّاهَا، فَأَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ بِذلِكَ وَنَطَقَ كِتابُهُ : «مَنْ جَاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِها وَمَنْ جَاءَ بِالسيّئة فَلا يُجزى إلَّا مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (5)». وَقَالَ جَلَّ ذِكرُهُ : «يَومَ تَجِدُ كلّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرِ مُحْصَر أَوَ مَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لُو أَنَّ بَينَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً
ص: 462
وَيُحذَرُكُمُ اللّه نفسه (1):، وقال : «اليوم» تُجرى كلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظلم اليَوْمَ (2)». فَهْذِهِ آيَاتٌ مُحكَمَاتٌ تَنْفِي الجَبَرَ وَمَنْ دَانَ بهِ. وَمِثْلُهَا فِي القُرْآنِ كَثِيرُ، اخْتَصَرْنَا ذَلِكَ لتلأ يطول الكتاب وباللّه التوفيق.
وأمّا التَّفوِيضُ الّذي أبْطَلَهُ الصَّادِقُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَأَخْطَأَ (3) مَنْ دَانَ بِهِ وَتَقَلَّدَهُ فَهُوَ قَولُ القائل : إِنَّ اللّه جَلَّ ذِكْرُهُ فَوَضَ إِلَى العِبادِ اخْتِيَارَ أَمْرِهِ وَنَهيِهِ وَأَهْمَلَهُمْ. وفي هذا كَلامٌ دقيق لِمَنْ يَذْهَبُ إِلى تَحْرِيرِهِ وَدِفَتِهِ. وَإلى هذا ذَهَبَتِ الأئمَّة المُهْتَدِيَةُ مِنْ عِتَرَةِ الرَّسُولِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، فإنهم قالوا : لَوْفَوَّضَ إِلَيْهِمْ عَلَى جَهَةِ الاعْمَالِ لَكَانَ لَازِمَالَهُ رِضًا مَا اخْتَارُوهُ وَاسْتَوْجَبُوا مِنْهُ الثَّوابَ (4) وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ فِيمَا جَنوهُ العِقَابُ إِذا كَانَ الإعْمَالُ واقعاً. وَتَنْصَرِفُ هَذِهِ المَقَالَةَ عَلَى مَعَنَيَيْنِ : إما أن يَكُونَ العِبادَ تَظاهَرُوا عَلَيْهِ فَأَلْزَمُوهُ قَبُولَ اخْتِيارِهِمْ بآرائهم ضَرُورَة كَرِهَ ذَلِكَ أَمْ أَحَبَّ فَقَدْ لَزِمَهُ الوَهْنُ، أَوْ يَكُونَ جَلَّ وَعَزَّ عَجَزَ عَنْ تَعَبدِهِمْ وَالنَّهْيِ عَلَى إِرَادَتِهِ كَرِهُوا أَوْ أَحَبُّوا فَفَوَّضَ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ إِلَيْهِمْ وَأَجْرَاهُمَا عَلَى، إِذْ عَجَزَ عَنْ تَعَبدِهِمْ بِإِرَادَتِهِ فَجَعَلَ الاختيارَ إِلَيْهِمْ فِي الكُفْرِ والإِيمَانِ وَمَثَلُ ذلِكَ مَثَل رَجُلٍ مَلَكَ عَبْد ابْتَاعَهُ لِيَحْدِمَهُ وَيَعْرِفَ لَهُ فَضَلَ وِلايَتِهِ وَيَقِفَ عِنْدَ أَمْرِهِ وَنَهْيِه، وَادعى مالِكُ العَبْدِ أَنَّهُ قَاهِرُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، فَأَمَرَ عَبْدَهُ وَنَهاهُ وَوَعَدَهُ عَلَى اتِّباع أمْرِ عَظِيمَ النَّوابِ وَأَوْعَدَهُ عَلَى مَعْصِيَتِهِ أَلِيمَ العِقَابِ، فَخَالَفَ العَبْدُ إِرَادَةَ مَالِكِ، وَلَمْ يَقِف عِند أمره ونهيه، فأي أمْرِ أَمَرَهُ أو أي نهي نَهاهُ عَنْهُ لَمَ يَأْتِهِ عَلَى إِرَادَةِ الأَولَى بَلْ كَانَ الْعَبْدُ يَتَّبِعُ إرادَةَ نَفْسِهِ وَاتَّبَاعَ هَوَاهُ وَلايَطِيقُ المولى أنْ يَرُدَّهُ إِلَى اتَّبَاعِ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَالوُقُوفِ عَلَى إِرَادَتِهِ، فَفَوَّضَ اخْتِيارَ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ إِلَيْهِ وَرَضِيَ مِنْهُ بكلّ مَا فَعَلَهُ عَلَى إِرَادَةِ العَبْدِ لَا عَلَى إرادة المالِكِ وَبَعَثَهُ فِي بَعْضِ حَوائِجِهِ وَسَمَّى لَهُ الحَاجَةَ فَخَالَفَ عَلَى مَوْلاهُ وَقَصَدَ لِاِرادَةِ نَفْسِهِ وَاتَّبَعَ هَواهُ، فَلَمّا رَجَعَ إِلى مَوْلاهُ نَظَرَ إلى ما أتاهُ بِهِ فَإِذَا هُوَ خِلافُ مَا أَمَرَهُ بِهِ، فَقَالَ لَهُ : لِمَ أَتَيْتَنِي بِخِلافِ مَا أَمَرْتُكَ ؟ فَقَالَ العَبْدُ : اتّكَلْتُ عَلَى تَفْوِيضِكَ الأمْرَ إِلَى فَاتَّبَعْت هوايَ وَإِرادَتِي، لأَنَّ الْمُقَوَّضَ إِلَيْهِ غَير محظور عَلَيْهِ فَاسْتَحالَ التفويض.
ص: 463
أوَلَيْسَ يَجِبُ على هذا السبب إما أن يكون المالِكُ لِلْعَبدِ قَادِراً يأمر عبدَهُ بِاتِّباع أمْرِهِ وَنَهْيِهِ عَلَى إِرَادَتِهِ لا عَلَى إِرَادَةِ العَبْدِ وَيُمَلِكَهُ مِنَ الطَّاقَةِ بِقَدْرِ مَا يَأْمُرُهُ بِهِ وَيَنْهَاهُ عَنْهُ، فَإِذا أَمَرَهُ بِأَمْرِ وَنَهَاهُ عَنْ نَهْي عَرَّفَهُ الثُّوابَ وَالعِقَابَ عَلَيْهِما وَحَذَرَهُ وَرَغَبَهُ بِصِفَةِ ثَوابِهِ وَعِقابِهِ لِيَعْرِفَ العَبْدُ قَدَرَةَ مَوْلاهُ بِمَا مَلَكَهُ مِنَ الطَّاقَةِ (1) الأَمرِهِ وَنَهبِهِ وَتَرغيبه وترهيبه، فَيَكُونَ عَدْلُهُ وَإِنصَافُهُ شَامِلا لَهُ وَحُجْتَهُ وَاضِحَةٌ عَلَيْهِ لِلْإِعْذَارِ والإِنْذَارِ. فَإِذا اتَّبَعَ العَبْدُ أمْرَ مَولاهُ جَازَاهُ وَإِذا لَمْ يَزْدَجِرْ عَنْ نَهْيِهِ عَاقَبَهُ أَوْ يَكُونُ عَاجِزاً غَيْرَ قَادِرٍ ففوّضَ أَمْرَهُ إِلَيْهِ أَحْسَنَ أَمْ أَسَاءَ أَطَاعَ أَمْ عَصَى، عَاجِرْ عَنْ عُقُوبَتِهِ وَرَدَّ إِلَى اتَّبَاعِ أَمْرِه. و في إثباتِ العَجْزِ نَفَي القُدْرَةِ وَالتّاله وإِبْطَالُ الأمْرِ وَ النَّهْيِ وَالسَّوَابِ وَالعِقَابِ وَمُخَالَفَهُ الكِتابِ إذيَقُولُ : (وَلا يرضى لِعِبادِهِ الكَفَرَ وَ إِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ (2))، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: «اتَّقُوا اللّه حق تقاته وَلا تَمُوتُن إلا وأنتم مُسْلِمُونَ (3)»، وَقَوْلُهُ : «وَمَا خَلَقْتُ الجن والانس إِلا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أنْ يُطْعِمُونِ (4)»، وَقَوْلُهُ : «أَعْبُدُوا اللّه ولا تشركوا بِهِ شَيْئًا (5)»، وَقَوْلُهُ : «وَأَطِيعُوا اللّه وَأَطِيعُوا الرَّسول وَلَا تَوَلَّوا عَنْهُ وَأَنتُم تَسْمَعُونَ (6)».
فَمَنْ زَعَمَ أنَّ اللّه تعالى فَوضَ أمره ونهيه إلى عِبادِهِ فَقَدْ أَثبَتَ عَلَيْهِ العَجْزَ وَ أَوْجَبَ عَلَيْهِ قَبُولَ كلّ مَا عَمِلُوا مِنْ خَيْرٍ وَشَرَّ وَأبْطَلَ أَمْرَ اللّه وَنَهْيَهِ وَوَعَدَهِ وَوَعِيدَهِ، لِعِلَّةٍ مَا زَعَمَ أَنَّ اللّه فَوَّضَهَا إِلَيْهِ لأنَّ المُفَوَّضَ إِلَيْهِ يَعْمَلُ بِمَشِيَئتِهِ، فَإِنْ شَاءَ الكَفَرَأَوِ الإِيمَانَ كَانَ غَيْرَ مَردُودٍ عَلَيْهِ وَلا مَحْظُورٍ، فَمَنْ دَانَ بِالتَّفْوِيضِ عَلَى هَذَا المَعْنَى فَقَدْ أَبْطَلَ جَميعَ مَاذَكَر نَا مِنْ وَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ وَأَمره ونهيه وَهُوَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الآيَةِ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنكُم إِلَّا خِزْيٌ فِي الحَيوةِ الدُّنيا وَيَوْمَ القِيامَةِ يُرَدُّونَ
ص: 464
إلى أَشَدَّ العَذَابِ وَمَا اللّه بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (1)» : تَعَالَى اللّه عَمَّا يَدِينُ بِهِ أَهْلُ التَّفْوِيضِ علُوا كَبيراً.
لكِن نَقُولُ : إِنَّ اللّه جَلَّ وَعَزَّ خَلَقَ الخَلْقَ بِقَدرَتِهِ، وَمَلَكَهُمُ اسْتِطَاعَةٌ تَعبَدَهُم بها، فأمرهم هم وَنَهَاهُمْ بِمَا أَرَادَ (2) فَقَبِلَ مِنْهُمْ اتَّبَاعَ أَمْرِهِ وَرَضِي بِذلِكَ لَهُمْ. وَنَهَاهُمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ وَدَمَ مَنْ عَصَاهُ وَعَاقَبَهُ عَلَيْهَا وَلِلَّهِ الخِيَرَةُ فِي الأمْرِ وَ النَّهي، يختارُ مَا يُرِيدُ وَيَأْمُرُ بِهِ وينهى عَمَّا يَكْرَهُ وَيُعَاقِبُ عَلَيْهِ بِالاِسْتِطَاعَةِ الّتي مَلَكَهَا عِبَادَةَ لاتِّباع أَمْرِهِ وَاجْتِنَابِ مَعاصِيهِ، لِأَنَّهُ ظَاهِرُ العَدْلِ وَالنَّصَفَةِ وَالحِكْمَةِ البالِغَةِ ؛ بالَغَ الحجّة بِالْإِعْذَارِ وَ الإِنْذَارِ وَإِلَيْهِ الصَّفْوَةُ يَصْطَفِي مِنْ عِبَادِهِ مَنْ يَشَاءُ لِتبليغ رِسَالَتِهِ وَاحْتِجَاجِهِ عَلَى عِبَادِهِ، اصْطَفَى محمّدا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وبعثه بِرِسَالَاتِهِ إِلى خَلْقِهِ، فَقَالَ مَنْ قَالَ مِنْ كُفَّارِ قَوْمِهِ حَسَداً وَاسْتِكْبَاراً : «لَوْلا نُزَّلَ هَذَا القُرآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنِ عظيم (3)» بِذلِكَ أُمَيَّةَ بن أبي الصَّلْتِ وأَبا مَسْعُودٍ الثَّقَفِيَّ (4)، فَأَبْطَلَ اللّه اختيارَهُمْ وَلَمْ يُجَِلَهُمْ آرَاءَهُم حيث يقول :
ص: 465
«أَهُم يَقْسِمُونَ رَمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَعِيشَتَهُمْ فِي الحَيوةِ الدُّنيا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُم
ص: 466
فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخرياً وَرَحْمَةً رَبِّكَ خَير يما يجمعون (1)». وَلِذلِكَ اخْتَارَ مِنَ الأُمُورِ ما أَحَبُّ وَنَهى عَمَّا كَرِهَ، فَمَنْ أطاعَهُ أَتَابَهُ. وَمَنْ عَصَاهُ عَاقَبَهُ وَلَوْ فَوَّضَ اخْتِيَارَ أمْرِه إِلى عِبَادِهِ لَأَجَازَ لِقُريش اختيار أُمَيَّةَ بنِ أَبِي الصَّلْتِ وَأَبِي مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، إِذْ كَانَا عِنْدَهُمْ أَفْضَلَ مِنْ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).
فَلَمَّا أَدَّبَ اللّه المُؤمِنينَ بِقَوْلِهِ : «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِن وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللّه وَرَسُولُهُ أمْراً أنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ (2)»، فَلَمْ يُجِزَلَهُمُ الاِخْتِيار بأهوائِهِمْ وَلَم يقبل مِنْهُمْ إِلَّا اتِّباعَ أَمْرِهِ وَاجْتِنَابَ نَهْيِهِ عَلَى يَدَي مَنِ اصْطَفَاهُ، فَمَنْ أَطَاعَهُ رَشَدَ وَمَنْ عصاه ضَلَّ وَغَوى وَلَزِمَتْهُ الحجّة بِمَامَلَكَهُ مِنَ الاِسْتِطَاعَةِ لا تُبَاعِ أَمْرِهِ وَاجْتِنَابِ نَهْيِهِ، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَمَهُ تَوابَهُ وَأَنْزَلَ بِهِ عِقابَهُ.
وَهذَا القَوْلُ بَينَ القولين ليس بجبرولا تفويض وَ بِذلِكَ أَخْبَرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صَلَواتُ اللّه عَلَيْهِ عَبايَةَ بن ربعي الاسديِّ (3) حينَ سَألَهُ عنِ الاِسْتِطَاعَة الّتي بها يقومُ وَيَقعدو يفعل،
ص: 467
فَقالَ لَهُ أمير المؤمِنِينَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): سَأَلْتَ عَن الاسْتِطَاعَةِ تَمْلِكُها مِنْ دُونِ اللّه أَومَعَ اللّه فَسَكَتَ عبايَةُ، فَقَالَ لَهُ أمير المؤمِنِينَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قل يا عباية، قال وَمَا أَقولُ : قَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): إِنْ قُلْتَ إِنَّكَ تملكها مَعَ اللّه قتلتُكَ وَإِنْ قُلْتَ: تملكهادُونَ اللّه قتلتكَ قَالَ عَبَايَةُ : فَمَا أَقُولُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): تَقُولُ إِنَّكَ تَمْلِكُها باللّه الّذي يملكها مِنْ دُونِكَ، فَإِنْ يُمَلِكُهَا إيّاك كَانَ ذلِكَ مِنْ عَطائِهِ، وَإِنْ يَسلُبَكَها كانَ ذلِكَ مِنْ بَلائهِ، هُوَ المَالِكُ لِما مَلَّكَكَ وَالْقَادِرُ عَلَى ما عَلَيْهِ أقدَركَ، أَما سَبعْتَ النَّاس يَسْأَلُونَ الحَوْلَ وَالقُوَّةَ حِينَ يَقُولُونَ : لَا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا باللّه. قالَ عبايَةُ : وَمَا تَأْوِيلُها يا أمير المؤمِنينَ ؟ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لَاحَولَ عَنْ مَعَاصِي اللّه إِلَّا بِعِصْمَةِ اللّه وَلَا قُوَّةَ لَنَا عَلَى طَاعَةِ اللّه إِلَّا بِعَوْنِ اللّه، قَالَ : فَوَتَبَ عَبَايَةٌ فَقَبَّلَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ.
وَرُوِيَ عَنْ أمير المؤمِنِينَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) حين أتاهُ نَجدَةً يَسْأَلُهُ عَنْ مَعْرِفَةِ اللّه، قَالَ : يا أمير المؤمِنينَ بِمَاذَا عَرَفْتَ رَبَّكَ ؟ قَالَ(عَلَيهِ السَّلَامُ) : بالتميز الّذي خَوَّلَنِي وَالعَقْلِ الّذي دَلَّنِي، قالَ : أَفَمَجبُول أَنتَ عَلَيْهِ ؟ قَالَ : لَو كُنتُ مَجبُولاً مَا كُنتُ مَحْمُوداً عَلَى إِحْسانٍ و ولا مذموماً على إساءَةِ وَكانَ المُحْسِنُ أولى باللأئمَةِ مِنَ المَسِيىء، فَعَلِمْتُ أَنَّ اللّه قائم باق وَمَا دُونَهُ حدث حائِلٌ زَائِلٌ، وَلَيْسَ القديم الباقي كَالْحَدَثِ الزَّائِلِ قالَ نَجدَةُ: أَجِدُكَ أصبحت حكيماً يا أمير المؤمنين، قالَ أَصْبَحْتُ مُخَيْراً ؛ فإن أتيتُ السيّئة [ب-] مَكَانِ الحَسَنَةِ فَأَنَا المُعاقَبُ عَلَيْها.
وَرُوِيَ عَنْ أمير المؤمِنِينَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ سَأَلَهُ بَعْدَ انْصِرافِهِ مِنَ الشَّامِ، فَقالَ : يا أمير المؤمِنِينَ أَخبرنا عَنْ خُرُوجِنَا إِلى السَّامِ بِقَضاءِ وَقَدَرٍ ؟ قالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : نعم ياشيخ : ما عَلَوتُم تَلْعَة (1) وَلا هَبَطَتُم وَادِياً إلا بقضاء وَقَدَرٍ مِنَ اللّه، فَقَالَ الشّيخ : عِنْدَ ؛ اللّه أَحْتَسِبُ ؟ لا أحتسب عنائي يا أمير المؤمِنينَ، فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): مه ياشيخ، فَإِنَّ اللّه قَدْ عَظُمَ أَجْرَكُمْ مَسِيرِكُم وَأنتم سائِرُونَ، وَفِي مَقَامِكُمْ وَأَنتُم مُقِيمُونَ، وَفِي انْصِرافِكُمْ وَأَنتُم مُنصَرِفُونَ وَلَمْ تَكُونُوا فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِكُمْ مُكْرَهِينَ وَلَا إِلَيْهِ مُضْطَرِّينَ، لَعَلَّكَ ظَنَنْتَ أَنَّه قَضاء حتم وَقَدَرُ لازم، لَوْ كانَ ذلِكَ كَذلِكَ لَبَطَلَ السَّوابُ وَالعِقَابُ وَلَسَقَطَ الوَعْدُ وَالوَعِيدُ وَلَا أُلْزِمَتِ الأشياء أهْلَهَا (2) على الحقائقِ ؛ ذلِكَ مقَالَةُ عَبَدَةِ الأَوثَانِ وَأَولِياءِ الشَّيْطَانِ، إنَّ اللّه جل وعز أمر تخيراً ونهى تحذيراً ولم يُطَعْ مُكْرَها ولم يُعضَ مَغلُوباً وَلَمْ يَخْلُقِ
ص: 468
السَّمواتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الّذين كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ فَقَامَ الشيحُ فَقَبَّلَ رَأْسَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَأَنْشَأَ يَقُولُ :
أَنْتَ الإِمَامُ الّذي نَرْجُو بِطَاعَتِهِ*** يَوْمَ النَّجَاةِ مِنَ الرَّحْمَنِ غُفْراناً
أَوْ ضَحْتَ مِنْ دِينِنَا مَا كَانَ مُلْتَبِساً *** جَزَاكَ رَبَّكَ عنَّا فِيهِ رِضواناً (1)
فليسَ مَعْذِرَة فِي فِعْلِ فَاحِشَةٍ *** قَدْ كُنتُ راكبها ظُلْماً وَعِصْياناً (2)
فَقَدْ دَلَّ أميرُ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) عَلَى مُوافَقَةِ الكِتابِ وَنَفَي الجَبْرِ وَالتَّفْوِيضِ اللَّذَينِ يَلْزَمَانِ مَنْ دانَ بِهِمَا وَتَقَلَّدَهُمَا البَاطِلَ وَالكفر وتكذيبَ الكِتَابِ وَنَعُوذُ باللّه مِنَ الصَّلالَةِ وَالْكُفْرِ، وَلَسْنَا نَدِينُ بَجَبرٍ وَلا تَفويض لكِنَّا نَقُولُ بِمَنْزِلَةٍ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَينِ وَهُوَ الا مْتِحَانُ والاختبار بالاسْتِطَاعَةِ الّتي مَلَكَنَا اللّه وتعبدنا بها على ما شَهِدَ بِهِ الكِتابُ وَدَانَ بِهِ الأئمَّة الأبرار مِنْ آلِ الرَّسول صَلَواتُ اللّه عَلَيْهِمْ.
وَمَثَلُ الاختبارِ بِالاسْتِطَاعَةِ مَثَلُ رَجُلٍ مَلَكَ عَبْد أَوَ مَلَكَ مَالاً كَثِيراً أَحَبُّ أَنْ يَخْتَبِرَ عَبدَهُ عَلَى عِلمٍ مِنْهُ بِمَايَؤُلُ إِلَيْهِ، فَمَلَكَهُ مِنْ مَالِهِ بَعْضَ ما أحَبُّ وَوَقَفَهُ (3) عَلَى أُمُورٍ عَرَفَهَا العَبْدَ فَأَمَرَهُ أنْ يَصْرِفَ ذلِكَ المالَ فِيها وَنَهَاهُ عَنْ أسبابٍ لَمْ يُحِبها وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ أَنْ يَجْتَنِبها ولا ينفقَ مِن مالِهِ فِيهَا، وَالمَالُ يَتَصَرْفُ فِي أَيَّ الوَجْهَيْنِ، فَصَرَفَ المَالَ (4) أَحَدُهُما فِي اتِّباع أمْرِ المولى وَرِضَاهُ، وَالآخَرُ صَرَفَهُ فِي اتَّبَاعِ نَهَيْهِ وَسَخَطِهِ. وَأَسْكَنَهُ دارَ اخْتِبَارٍ أَعْلَمَهُ أَنَّهُ غير دائم لَهُ السكنى فِي الدَّارِ وَ أَنَّ لَهُ داراً غَيْرَهَا وَهُوَ مُخْرِجُهُ إِلَيْهَا، فِيهَا ثَوابِ وَعِقَابٌ دائمانِ، فَإِنْ أَنْفَذَ العَبْدُ المَالَ الّذي مَلَكَهُ مَوْلاهُ فِي الوَجْهِ الّذي أَمَرَهُ بِهِ جَعَلَ لَهُ ذَلِكَ الثَّوابَ الدَّائِمَ في تِلْكَ الدَّارِ الّتي أَعْلَمُهُ أَنَّهُ مُخْرِجُهُ إِلَيْهَا، وَإِنْ أَنفَقَ المَالَ فِي الوَجْهِ الّذي نَهَاهُ عَنْ إنفاقه فيهِ جَعَلَ لَهُ ذَلِكَ العِقابَ الدَّائِمَ فِي دَارِ الخُلُودِ. وَقَدْ حَدَّ المَولى في ذلِكَ حَدًّا مَعْرُوفاً وَهُوَ المَسْكَنُ الّذي أَسْكَنَهُ فِي الدَّارِ الأُولى، فَإِذا بَلَغَ الحَدَّ اسْتَبْدَلَ المَوْلَى بِالمَالِ وَبِالعَبدِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مَالِكَاً لِلْمَالِ وَالْعَبْدِ فِي الأَوْقَاتِ كَلِهَا إِلَّا أَنَّه وَعَدَ أنْ لا يَسْلُبَهُ ذلك المال ما كانَ فِي تِلكَ الدَّارِ الأولى إلى أنْ يَسْتَتِم سُكْنَاهُ فيها
ص: 469
فَوَفَى لَهُ لِأَنَّ مِنْ صِفاتِ المَولى العَدْلَ وَالوفاءَ وَالنَّصَفَةَ وَالحِكْمَةَ، أَوَلَيْسَ يَجِبُ إِنْ كَانَ ذلِكَ العَبْدُ صَرَفَ ذلك المالَ فِي الوَجْهِ المَأمُورِ بِهِ أَن يَفِيَ لَهُ بِمَا وَعَدَهُ مِنَ الثَّوابِ وَتَفَضَّلَ عَلَيْهِ بِأَنِ اسْتَعْمَلَهُ فِي دَارٍ فَانيَةٍ وَأثَابَهُ عَلَى طَاعَتِه فيها نَعيماً دائماً في دارٍ باقِيَةٍ دائِمَةِ. وَإِنْ صَرَفَ العَبْدُ الْمَالَ الّذي مَلَكَهُ مَوْلاهُ أيَّامَ سُكْنَاهُ تِلْكَ الدَّارَ الأولى في الوَجْهِ المنهي عَنْهُ وخَالَفَ أَمْرَ مَوْلاهُ كَذَلِكَ تَجِبُ عَلَيْهِ العُقُوبَةُ الدَّائِمَةُ الّتي حَذَرَهُ إِيَّاهَا، غير ظالِمٍ لَهُ لِمَا تَقَدَّمَ إِلَيْهِ وَأَعْلَمَهُ وَعَرَّفَهُ وَأَوْجَبَ لَهُ الوفاهَ بِوَعْدِهِ وَ وَعِيدِم، بِذَلِكَ يُوصَفُ القَادِرُ الْقَاهِرُ. وَأَمَّا المولى فَهوَ اللّه جَلَّ وَعَزَّ، وأَمَّا العَبَدُ فَهُوَ ابْنُ آدَمَ المَخْلُونَ، وَالمَالُ قدرة اللّه الواسِعَةُ، وَجنَتُهُ (1) إظهار [ه] الحِكْمَةَ وَالقَدْرَةَ، وَالدَّارُ الفَانِيَةُ هِيَ الدُّنيا. وَبَعْضُ المَالِ الّذي مَلَكَهُ مَوْلاهُ هُوَ الاِسْتِطَاعَةُ الّتي مَلَكَ ابْنَ آدَمَ، وَالأمور الّتي أمر اللّه بصَرْفِ المَالِ إِلَيْهَا هُوَ الاِسْتِطَاعَةُ لاتباع الأنبياءِ وَالإِقْرَارِ بِمَا أَوْرَدُوهُ عَنِ اللّه جَلَّ وَعَرَّ، وَاجْتِنَاب الأسباب الّتي نَهى عَنْها هِيَ طرق إبْلِيسَ. وأمَّا وَعَدُهُ فَالنَّعِيمُ الدائم وَهِيَ الجنّة. وَأَمَّا الدَّارُ الفَانِيَةُ فَهيَ الدُّنيا. وَأمَّا الدَّارُ الأخرى فَهِيَ الدَّارُ البَاقِيَةُ وَهِيَ الآخِرَةُ وَالقَولُ بَيْنَ الجَبْرِ وَ التفويض هُوَ الِاخْتِبارُ وَ الامتحان والبلوى بِالاسْتِطَاعَةِ الّتي مَلكَ العَبْدَ. وشرحها فِي الخَمْسَةِ الأَمْثالِ الّتي ذَكَرَهَا الصَّادِقُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) (2) أَنَّهَا جَمَعَتْ جَوامِعَ الفَضْلِ وَأَنَا مُفَسِّرُها بِشَواهِدَ مِنَ القُرْآنِ وَالبَيانِ إِنْ شَاءَ اللّه.
«تفسير صحة الخلقة» :
أما قولُ الصَّادِقِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فَإِنَّ مَعْنَاهُ كَمَالُ الخَلْقِ لِلْإِنْسَانِ وَ كَمَالُ الحَواسِ وَثَبَاتُ العقلِ وَالتَّمييز وإطلاق النِّسَانِ بِالنُّطْقِ، وَذَلِكَ قَولُ اللّه : «وَلَقَدْ كَرَّ منَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُم في البر والبحرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُم عَلَى كَثِيرٍ مَنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (3)» فقد أخبر عز وجل عن تفضيله بني آدَمَ عَلَى سَائِرِ خَلْقِهِ مِنَ البَهَائِمِ وَالسَّبَاعِ وَدَوابَ الْبَحْرِ وَالطَّير وَكُلٌّ ذِي حَرَكَةٍ تُدْرِكُهُ حَوَاسٌ بَنِي آدَمَ بتمييز العقل والنطق ؛ وَذَلِكَ قَولُهُ «لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ في أَحْسَن تفويم (4)». وقوله : «يَا أيُّها الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ
ص: 470
الكَرِيم * الّذي خَلَقَكَ فَسَوّاكَ فَعَدَلَكَ * في أَي صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَبَكَ (1)». وَفِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ فَأَوَّلَ نِعْمَةِ اللّه عَلَى الإِنسَانِ صِحَةُ عَقْلِهِ وَتَفْضِيلُهُ عَلى كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِهِ بِكَمالِ العَقْلِ وَتَمْيِيزِ الْبَيانِ، وَذَلِكَ أَنَّ كلّ ذِي حَرَكَةٍ عَلَى بَسِيطِ الأَرْضِ هُوَ قَائِم بِنَفْسِهِ بِحَواسه، مُسْتَكْمِلُ في ذاتِهِ، فَفَضَّلَ بَنِي آدَمَ بِالنُّطْقِ الّذي لَيْسَ فِي غَيْرِهِ مِنَ الخَلْقِ الْمُدْرِكِ بِالْحَوَاسِ، فَمِنْ أَجْلِ النُّطْقِ مَلَكَ اللّه ابْنَ آدَمَ غَيْرَهُ مِنَ الخَلْقِ حتّى صَارَ امِراً ناهِياً وَغَيْرُهُ مُسَخَرُ لَهُ كَمَا قالَ اللّه: «كَذلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللّه عَلَى مَا هَدَاكُمْ (2)». وَقَالَ : «وَهُوَ الّذي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِياكُلُوا مِنْهُ لَحَما طَرِيّاً وتستخرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةٌ تَلْبَسُونَها (3)». وَقَالَ: «وَالأَنْعَامَ خَلَقَها لَكُم فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُم فيها جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أثقالَكُم إلى بلدٍ لَمْ تَكُونُوا بالغيه إلا بشق الأَنفُسِ (4)». فَمِنْ أَجْلِ ذلِكَ دَعَا اللّه الإنسان إلى اتباع أَمْرِهِ وَإلى طاعته تتفضيله إيّاه بِاسْتِوَاءِ الخَلْقِ وَكَمَالِ النُّطْقِ وَالْمَعرِفَةِ بَعْدَ أنْ مَلَكَهُمُ اسْتِطَاعَةَ مَا كانَ تَعَبدَهُم بِهِ بِقَوْلِهِ : «فَاتَّقُوا اللّه مَا اسْتَطَعْتَم وَاسْمَعُوا وَأطِيعُوا (5)». وَقَوْلِهِ : «لا يكلف اللّه نفساً إِلَّا وُسْعَها (6)». وَقَولِهِ : «لا يُكَلِّفُ اللّه نَفْسًا إِلَّا مَا آتيها (7)»، وفي آياتٍ كبيرةٍ. فإذا سَلَبَ مِنَ الْعَبْدِ حَاسَةً مِنْ حَواسه رَفَعَ العَمَلَ عَنْهُ بِحَاسَتِهِ كَقَولِهِ : «لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الاعرج حرج (8) الآية-». فَقَدْ رَفَعَ عَنْ كلّ مَنْ كَانَ بِهذِهِ الصَّفَةِ الجِهَادَ وَ جَميعَ الأعْمالِ الّتي لا يَقُومُ بِهَا، وَكَذلِكَ أَوْجَبَ عَلَى ذِي اليَسَارِ الحَج وَالزَّكَاةَ لِما مَلَّكَهُ مِنَ اسْتِطَاعَةِ ذَلِكَ وَلَمْ يُوجِبْ عَلَى الفَقير الزَّكَاةَ وَالحَج ؛ قَوْلُهُ : «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا (9)». وَقَوْلُهُ
ص: 471
في الظهارِ : «وَالّذين يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ - إِلَى قَوْلِهِ - فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإطعام ستين مسكينا (1)». كلّ ذلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يُكلف عِبادَهُ إِلَّا مَا مَلَكَهُمُ اسْتِطَاعَتَهُ بِقُوَّةِ العَمَلِ بِهِ وَنَهَاهُمْ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ. فَهَذِهِ صحة الخِلْقَةِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ : تَخْلِيَةُ السَّرْب (2) فَهُوَ الّذي لَيْسَ عَلَيْهِ رَقِيبٌ يَحْضُرُ عَلَيْهِ وَيَمْنَعُهُ العَمَلَ بِما أَمَرَهُ اللّه بِهِ وَذَلِكَ قَولُهُ فِيمَنِ اسْتَضْعَفَ وَحْفِرَ عَلَيْهِ العَمَلُ فَلَمْ يَجِدْ حِيلَةٌ وَلَا يهتدي سَبِيلاً، كَما قال اللّه تعالى : «إلا المُستضعَفِينَ مِنَ الرَّجَالِ وَالنِّساءِ والولدان لا يستطيعون جيلَةً وَلا يهتدونَ سَبِيلاً (3)»، فَأَخبر أن المُسْتَضْعَفَ لَمْ يُحَلَّ سَربُهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أنَّ مِنَ الْقَوْلِ شَيْءٍ إِذَا كَانَ مُطْمَئِنَّ القَلْبِ بِالْإِيمَانِ.
وَأَمَّا المُهلَةُ فِي الوَقْتِ فَهُوَ الْعُمَرُ الّذي يُمَتِّعُ الإِنْسَانُ مِنْ حَدّ مَا تَجِبُ عَلَيْهِ المعرفة إلَى أَجَلِ الوَقْتِ، وَذَلِكَ مِنْ وَقتِ تمييزه وبلوغ الحُلم إلى أَنْ يَأْتِيَهُ أَجَلُهُ. فَمَنْ مَاتَ عَلَى طَلَبِ الحقّ وَلَم يدرِك كَمَالَهُ فَهُوَ عَلى خَيْرٍ؛ وَذَلِكَ قَوْلُهُ : «وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّه وَرَسُولِهِ - الآية (4)»، وَإِنْ كَانَ لَم يَعمَل بِكَمَالِ شَرَايِعِهِ لِعِلَّةٍ مَالَمْ يُمْهِلُهُ فِي الوَقْتِ إلَى اسْتِتْمَامِ أَمْرِهِ. وَقَدْ حَضَرَ عَلَى البالغ وَقَدْ حَظَرَ عَلَى البالغ مَالَمْ يَحْظُر عَلَى الطِّفْلِ إِذَا لَمْ يَبْلُغَ الحُلُمَ فِي قَوْلِهِ: «وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَ الآية - (5)»، فلم يجعل عَلَيْهِنَّ حَرَجاً فِي إِبْدَاءِ الزِّينَةِ لِلطِّفْلِ وَكَذَلِكَ لا تَجْرِي عَلَيْهِ الأحكام.
وَأَما قوله : الزَّادُ فَمَعْنَاهُ الجِدَةُ (6) وَالْبَلَغَةُ الّتي يَسْتَعِينُ بِهَا العَبْدُ عَلى ما أَمَرَهُ اللّه بِهِ. وَذَلِكَ قَوْلُهُ : «مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ - الآية - (7)»، الْأَتَرى أَنَّهُ قَبْلَ عُذْرَ
ص: 472
مَنْ لَمْ يَجِد ما ينفِقُ وَأَلزم الحجّة كلّ مَنْ أمكنته البُلْغَةُ وَالرَّاحِلَةُ لِلْحَجِّ وَالجِهادِ وَأشْبَاهِ ذلِكَ، وَكَذَلِكَ قَبلَ عُذَرَ الْفَقَرَاءِ وَأَوْجَبَ لَهُمْ حَقاً في مَالِ الأَغْنِياءِ بِقَوْلِهِ : «لِلْفُقَرَاءِ الّذين أَحْصِرُوا في سبيل اللّه - الآية (1)»، فأمر بإعفائِهِمْ وَلَمْ يَكَلِّفُهُمُ الإِعْدَادَ لِمَا لَا يَسْتَطِيعُونَ ولا يملكون.
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي السَّبَبِ المُهَيِّجِ، فَهُوَ النِّيَّةُ الّتي هِيَ دَاعِيَةُ الإِنْسَانِ إِلَى جَمِيعِ الأفعالِ وَحاسَتُهَا القَلْبُ (2) فَمَنْ فَعَلَ فِعْلاً وَكانَ بِدينِ لَمْ يَعْقِدْ قَلْبُهُ عَلَى ذلِكَ لَم يقبل اللّه مِنْهُ عَمَلَا إِلا بِصِدْقِ النِّيَّةِ وَلِذَلِكَ أَخْبَر عَنِ الْمُنَافِقِينَ بِقَوْلِهِ : «يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَالَيْسَ في قُلُوبِهِمْ واللّه أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (3)». ثمَّ أَنزَلَ عَلَى نَبِيهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) توبيخاً لِلْمُؤْمِنِينَ. «يا أيُّها الّذين آمَنُوا لَمَ تَقُولُونَ مالا تَفْعَلُونَ - الآية (4) -»، فَإِذا قالَ الرَّجُلُ قَولاً واعتقد في قَوْلِهِ دَعَتْهُ النِّيَّةُ إِلى تَصْدِيقِ القَولِ بِإِظهارِ الفِعْلِ : وَإِذَا لَمْ يَعْتَقِدِ القُولَ لَم تتبين حقيقتُهُ، وَقد أجاز اللّه صدَقَ النِّيَّةِ وَإِنْ كَانَ الفِعَلُ غَيْرَ مُوا فِي لَهَا لِعِلَّةِ مانع يَمْنَعُ إظهار الفِعْلِ في قَوْلِهِ : «إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنَّ بِالإِيمَانِ (5)»، وَقَوْلِهِ : «لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّه باللغو في أيمَانِكُمْ (6)». فَدَلَ القُرْآنُ وَأَخبارُ الرَّسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أَنَّ الْقَلْبَ مَالِكُ لِجَمِيعِ الحواس يُصَحيحُ أفعالها، وَلَا يُبْطِلُ مَا يُصَحّحُ القَلْبُ شَيْءٌ.
فَهذا شَرْحُ جَمِيعِ الخَمْسَةِ الأَمْثَالِ الّتي ذَكَرَ هَا الصَّادِقُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أَنَّهَا تَجْمَعُ الْمَنزِلَةَ بين المنزلتين وهما الجبر و التفويض. فَإِذَا اجتمع في الإنْسَانِ كَمَالُ هَذِهِ الخَمْسَةِ الأَمْثَالِ وجَبَ عَلَيْهِ العَمَلُ كَمُلا لِما أَمَرَ اللّه عَزَّ وَجَلَّ بِهِ وَرَسُولُهُ، وَإِذَا نَقَصَ العَبْدُ مِنْهَا خَلَةٌ كَانَ العَمَلُ عنها (7) مطروحاً بِحَسَبِ ذَلِكَ.
ص: 473
فَأَمَّا شَوَاهِدُ القُرْآنِ عَلَى الاختبارِ والبلوى بِالاسْتِطَاعَةِ الّتي تَجْمَعُ القَولَ بَينَ القولين فكبيرة. وَمِن ذَلِكَ قَوْلُهُ : «ولنبلونكم حتّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (1)». وَقَالَ : «سَنَسْتَدْرِجُهُم مِن حيث لا يَعْلَمُونَ (2)». وَقَالَ : «الم أَحَسِبَ النَّاس أَنْ يُترَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يفتنونَ (3)». وَقَالَ في الفتنِ الّتي معناها الاختبار : «وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ - الآية - (4)»، وَقالَ فِي قِصَّةِ مُوسَى (عَلَيهِ السَّلَامُ): «فَانَّا قَدْ اللّه فَتَنا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَهُمُ السَّامِرِي (5)»:، وَقَولُ مُوسَى : «إِنْ هِيَ إِلَّا فِتَنتك (6)» أَي اختبارُكَ فَهْذِهِ الآيَاتُ يُقَاسُ بَعضُها بِبَعْضٍ وَيَشْهَدُ بَعْضُهَا لِبَعْضٍ.
و أما آيات البلوى بمعنى الاختبار قوله : «ليبلُوكُمْ فِيمَا آتَاكُمْ (7)»، وقوله : «ثم صَرَفكُم عَنْهُم ليبتليكُم (8)». وَقَولُهُ: «إنا بلونَاهُم كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الجنّة (9)» وقوله : «خَلَقَ المَوْتَ وَالحَيوةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيْكُم أَحْسَنُ عَمَلاً (10)». وقوله : «وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ ربّه بِكَلِمَاتٍ (11)»، وَقَوْلُهُ : «وَلَويَشَاء اللّه لانتصرَ مِنهم ولكن ليبلو بعضکم ببعض (12)»وَكُل ما فِي القُرْآنِ مِنْ بَلْوى هذِهِ الآيَاتِ الّتي شَرَحَ أو ا وأمثالها في القرآنِ كَثِيرة. فَهِيَ إِثْباتُ الاخْتِبَارِ وَالْبَلْوى : إِنَّ اللّه جَلَّ وَعَزَّ لَم يَخْلُقِ الخَلْقَ عَبثاً وَلا أَهْمَلَهُمْ سُدى وَلَا أَظهَرَ حِكْمَتَهُ لَعِباً وَبِذلِكَ أخبر في قوله : «أَفَحَسِبْتُم أَنَّما خَلَقْنَاكُمْ عَبثاً (13)». فَإِنْ قَالَ قَائِل : فلم يعلم اللّه ما يكون مِنَ العِبادِ حَتَّى
ص: 474
اختبرهم، قُلْنَا : بَلَى، قَد عَلِمَ مَا يَكُونُ مِنْهُم قَبلَ كَوْنِهِ وَذَلِكَ قَوْله. «وَلَوردوا لعادوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ (1)»، وَإِنَّمَا اختبرهُمْ لِيُعلمهم عدلَهُ وَلا يُعد بهم إِلَّا بِحَجَةٍ بَعدَ الفِعْلِ، وَقد أخبر لِهِ : «وَلَوأنا أهلكناهُم بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا ربَّنا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً (2)». وَقَوْلِهِ : «وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتّى نَبْعَثَ رَسُولاً (3)». وَقَوْلِهِ : «رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ (4)». فَالاِخْتِبارُ مِنَ اللّه بِالاسْتِطَاعَةِ الّتي مَلكَهَا عَبْدَهُ وَهُوَ القَولُ بَيْنَ الجَبْرِ وَالتَّقْويضِ. وَبِهَذَا نَطَقَ القُرْآنُ وَجَرَتِ الأخْبارُ عَنِ الأئمَّة مِنْ آلِ الرَّسُولِ(صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).
فَإِن قَالُوا : مَا الحجّة فِي قَولِ اللّه : «يَهْدِي مَن يَشَاءُ ويُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ»، وَما أشبهها قِيلَ : مَجازُ هُذِهِ الآيَاتِ كُلها على معنييْنِ : أَمَّا أَحَدُهُمَا فَإِ خَبَارٌ عَنْ قَدَرَتِهِ أَي إِنَّهُ قَادِرُ عَلَى هِدَايَةِ مَنْ يَشَاءُ وَضَلَالِ مَنْ يَشَاءُ وَإِذَا أَخْبَرَهُمْ بِقَدَرَتِهِ عَلَى أَحَدِهِمَا لَمْ يَجِبْ لَهُم تَوَاب وَلا عَلَيْهِمْ عِقَابٌ عَلَى نَحْو مَاشَرَحْنَا فِي الكِتابِ، وَالْمَعَنَى الآخَرُ أَنَّ الهَدَايَةَ مِنْهُ تَعرِيفُهُ كَقَوْلِهِ : «وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُم»، أَي عَرَّفْنَاهُمْ، «فَاسْتَحَبُّوا العَمَى عَلَى الهدى (5)»، فَلَوْ خبَرَهُمْ عَلَى الهُدى لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَضِلُّوا، وَلَيْسَ كُلما وَرَدَتْ آيةٌ مُسْتَبَهَةٌ كَانَتِ الآيَةَ حُجَّةً على حكم الآيات اللواتي أُمِرْنا بِالأخذ بها ؛ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ : «مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أمَّ الكِتابِ وَأخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الّذين فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تأويله ومايعلم – الآية-(6)»، وَقالَ: «فَبَشِرِ عِبادِ * الّذين يَسْتَمِعُونَ القَولَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ»، أَي أَحْكَمَهُ وَأَشْرَحَهُ «أُولَئِكَ الّذين هَدَاهُمُ اللّه وَ أ ْولَئِكَ هُم أولوا الْأَلْبَابِ (7)».
وفَقَنَا اللّه وَإِيَّاكُمْ إِلَى القَوْلِ وَالْعَمَلِ لِمَا يُحِبُّ وَيَرْضَى وَجَنَّبَنَا وَإِيَّاكُم مَعَاصِيَهُ بِمَنّهِ وَفَضْلِهِ وَالْحَمْدُ للّه كَثِيراً كَمَا هُوَ أَهْلَهُ وَصَلَّى اللّه عَلَى محمّد وَ آلِهِ الطَّيِّبِينَ وَحَسْبُنَا اللّه ونعم الوكيل.
ص: 475
أَجْوِبَتْهُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لِيَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ عَنْ مَسَائِلِهِ (1)
قال موسى بْنُ محمَّد بنِ الرَّضا (2): لَقيتُ يَحْيَى بْنَ أَكْثَمَ فِي دَارِ العامّة، فَسَأَلَنِي عَنْ مَسائِلَ، فَجِبْتُ إلى أخي على بن محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فَدَارَ بينِي وَبَيْنَهُ مِنَ الْمَوَاعِظِ ما حملَنِي وَبَصْرَني فِي طَاعَتَهُ، فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّ ابْنَ أَكْثَم كَتَبَ يَسْأَلُنِي عَنْ مَسَامِلَ لأفتيه فيها، فَضَحِكَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثمَّ قَالَ : فَهَلْ أَفتيتَهُ، قُلْتُ : لَا، لَمْ أَعْرِفها (3)، قَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): وَمَا هِيَ ؟ قُلْتُ : كَتَبَ يَسْأَلْنِي عَنْ قَولِ اللّه : «قالَ الّذي عِندَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ (4)»، نَبِي اللّه كانَ مُحتاجاً إلى عِلْمٍ آصِفَ (5)». وَعَنْ قَوْلِهِ : «وَرَفَعَ
ص: 476
أبويهِ عَلَى العَرْشِ وَخَرُّ والهُ سُجَّداً (1)، سَجَدَ يَعْقُوبُ وَوَلَدُهُ لِيُوسُفَ وَهُمْ أَنْبِيَاءُ. وَعَنْ قوله : «فَإِن كُنتَ في شَكٍّ ممَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الّذين يَقْرَؤُونَ الكِتَابَ (2)»، هَنِ المُخاطَبُ بِالآيةِ؟ فَإِنْ كَانَ المُخاطَبُ النَّبِي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فَقَدْ شَكَ، وَإِنْ كَانَ الْمُخَاطَبُ غَيْرَهُ فَعَلى مَنْ إِذا أَنزَلَ الكتاب؟. وَعَنْ قَوْلِهِ : «وَلَوْ أَن ما في الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقلام وَالْبَحْرَ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبَحْرِ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللّه (3)»، ماهذِهِ الاَبحر واين هِيَ ؟ وعن قوله : «وفيها ماتشتهيه الأنفسُ وَتَلَذُّ الأعين (4)»، فَاشْتَهَتْ نَفْسُ آدَمَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أَكَلَ البَرْقَأَكَلَ وَأَطْعَمَ [وفيها ما تشتهي الأنفسُ ] فَكَيْفَ عُوقِبَ ؟. وَعَنْ قَوْلِهِ : «أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِناثا (5)» يُزَوِّجُ اللّه عِبادَهُ الذِّكْرانَ وَقَدْ عَاقَبَ قَوْما فَعَلُوا ذلِكَ، وَعَنْ شَهَادَةِ المَرْأَةِ جَازَتْ وَحْدَها وقد قال اللّه: «وَأَشْهِدُوا ذذَوَي عَدْلٍ مِنكُمْ (6)»، وَعَنِ الخُنْثَى وَقَولِ عَلَيَّ (عَلَيهِ السَّلَامُ): يُورَثُ مِنَ المَبالِ، فَمَنْ يَنْظُرُ إِذَا بَالَ إِلَيْهِ ؟ مَعَ أَنَّهُ عَسَى أَنْ يَكُونَ امْرَأَةٌ وَقَد نَظَرَ إِلَيْهَا الرَّجَالُ، أَوْعَسَى أَنْ يَكُونَ رَجُلا وَقَدْ نَظَرَتْ إِلَيْهِ النِّسَاءُ وَهَذَا مَالَا يَحِلُّ، وَشَهَادَةُ الجَارَ إِلَى نَفْسه لا تقبل، وَعَنْ رَجُلٍ أتى إلى قطيعِ غَنَمِ فَرَأَى الرَّاعِيَ يَنزَوُ عَلَى شَاةٍ مِنْهَا فَلَمَّا بَصُرَ يصاحِبِهَا حَلَى سَبِيلَها، فَدَخَلَتْ بَيْنَ الْغَنَمِ كَيْفَ تُذْبَحُ وَهَلْ يَجُوزُاً كَلَها أَمْ لَا، وَعَن صَلَاةِ الْفَجْرِ لِمَ يُجهر فيها بِالقِراءَةِ وَهِيَ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ وَإِنَّمَا يُجْهَرُ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ ؟. وَعَنْ قَولِ علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) لابْنِ جُرَمُورٍ: بَشِّرْقَاتِلَ ابْنِ صَفِيَّةَ بِالنَّارِ (7) فَلَمْ يَقْتُلُهُ وَهُوَ إِمَامٌ، وَأَخْبِرْنِي عَنْ عَليَّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لِمَ قَتَلَ أَهْلَ صِفِّينَ وَأَمَرَ بِذلِكَ مُقْبِلِينَ وَمُدْبِرِينَ وَأَجَازَ عَلَى الجَرْحى (8)، وَكَانَ حُكْمُهُ يَومَ الجَمَلِ أنه لم يقتل موليا ولم يُجِزْ عَلَى جَرِيحٍ وَلَمْ يَأْمُرْ بِذلِكَ، وَقَالَ : مَنْ دَخَلَ دَارَهُ فَهُوَ آمِنْ، وَمَنْ القَى سِلاحَهُ فَهُوَ آمِنْ، لِمَ فَعَلَ ذلِكَ ؟ فَإِنْ كانَ الحُكْمُ
ص: 477
الأول صواباً فَالثاني خَطَاً. وَأَخْبِرْنِي عَنْ رَجُلٍ أَقَرَّ بِالمَواطِ عَلَى نَفْسِهِ أَيُحَدَّ، أَمْ يُدْرَا عنه الحدّ ؟
قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): أكتب إِلَيْهِ، قُلْتُ : وَمَا أَكْتُبُ، قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): اكْتُبْ بِسمِ اللّه الرَّحمن الرّحيمِ وَأَنتَ فَأَلْهَمَكَ اللّه الرَّشَدَ أَتَانِي كِتابُكَ فَامْتَحَنَتَنا بِهِ مِنْ تَعَشْتِكَ لِتَجِدَ إِلَى الطَّعْن سَبِيلاً إن قصرنا فيها، واللّه يكافيكَ عَلى نِيَّتِكَ وَقد شَرَحْنَا مَسامِلَكَ فَأَضْعَ إِلَيْهَا سَمعَكَ وذلِّل لَها فَهمَكَ واشغل بها قَلْبَكَ، فَقَد لزمتك الصحة والسلام.
سَأَلْتَ : عَنْ قَولِ اللّه جَلَّ وَعَنْ: «قالَ الّذي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الكِتاب، فَهُوَ آصِفُ بْنُ خيا ولم يعجز سُلَيْمَانُ عَنْ مَعْرِفَةِ مَاعَرَفَ آصِفُ لَكِنَّهُ صَلَواتُ اللّه عَلَيْهِ أَحَب أَن يُعرف أمته من أُمَّتَهُ مِنَ الجِنِّ وَالإِنْسِ أَنَّهُ الحجّة مِنْ بَعْدِهِ، وَذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ سُلَيْمَانَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أَوْدَعَهُ عِنْدَ آصِفَ بِأَمْرِ اللّه، فَفَهُمَهُ ذَلِكَ لِتَلا يختلف عَلَيْهِ فِي إِمَامَتِهِ وَدَلَالَتِهِ كَمَا فَهُم سُلَيْمَانُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) في حياة داود (عَلَيهِ السَّلَامُ) لتعرف نُبُوتُهُ وَإمَامَتُهُ مِنْ بَعْدِهِ لِتَأْكُدِ الحجّة عَلَى الخَلق وأما سجود يعقوبَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَوَلَدِهِ فَكَانَ طَاعَةٌ للّه وَمَحَبَّةَ لِيُوسُفَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) كَمَا أَنَّ السُّجُودَ مِنَ المَلائِكَةِ لِآدَمَ لَمْ يَكُنْ لِآدَمَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَإِنَّمَا كانَ ذلِكَ طَاعَةٌ للّه وَمَحَبَّةٌ مِنْهُمْ لِآدَمَ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فَسُجُودُ يعقوب (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَوَلَدِهِ وَيُوسُفَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) معَهُمْ كَانَ شُكْر اللّه بِاجْتِماع شملِهِمْ، ألم تَرَهُ يَقُولُ في شكره ذلك الوقت : «رَبِّ قد أتيتني مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ - إلى آخر الآية - (1)».
وَأَمَّا قَوْلُهُ : «فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِمَا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الّذين يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ» فَإِنَّ المَخاطَبَ بِهِ رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وَلَمْ يَكُن في شَكٍّ بِمَا اُنْزِلَ إِلَيْهِ وَلكِنْ قَالَتِ الجَهَلَةُ : كَيْفَ لَمْ يَبعَثِ اللّه نبياً مِنَ الْمَلائِكَةِ ؟ إذْ لَمْ يَفْرُقُ بَيْنَ نَبِيِّهِ وَ بَيْنَنَا فِي الاسْتِعْنَاءِ عَنِ المَآكِلِ وَالمَشارِبِ وَالمَشْيِ فِي الأَسْواقِ، فَأَوْحَى اللّه إِلَى نَبِيِّهِ «فَاسْأَلِ الّذين يَقْرَؤُونَ الكِتابَ»، بِمَحْضَرِ الجَهَلَةِ، هَلْ بَعَثَ اللّه رَسُولاً قَبْلَكَ إِلَّا وَهُوَيَا كلّ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأسواق وَلَكَ بِهِمَ أسْوَةٌ. وَإِنَّمَا قالَ : فَإِن كُنتَ في شَكٍّ، وَلَمْ يَكُن سَك وَلكِن لِلنَّصَفَةِ كَما قال : «تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثمَّ نَبْتَهِلْ
ص: 478
فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللّه عَلَى الكَاذِبِينَ (1)»، وَلَوْ قَالَ : عَلَيْكُمْ لَمْ يُجيبُوا إِلَى الْمُبَاهَلَةِ، وَقَدْ عَلِمَ اللّه أن نَبِيَّهُ يُؤَدِّي عَنْهُ رِسالاتِهِ وَمَا هُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ، فَكَذلِكَ عَرَفَ النَّبي أَنَّهُ صَادِقٌ فيما يَقُولُ وَلَكِنْ أَحَبُّ أَنْ يُنْصِفَ مِنْ نَفْسِهِ.
وأما قوله : «وَلَو أَنَّ مَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أقلام والبحريمُدَّ مِن بعدِهِ سَبعة أبحر ما نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللّه»، فَهُوَ كَذَلِكَ لَوْ أَنَّ أَشْجَارَ الدُّنيا أقلام وَالبَحْرُ يَمُدَّهُ سَبْعَةُ وَانْفَجَرَتِ الأَرْضُ عُيُونا لَنَفِدَتْ قَبل أن تنفد كلمات اللّه وَهِيَ عَيْنُ الكَبْريتِ وَعَيْنُ النمر(2) وَعَيْنُ [ ال-]-برَهُوتِ وَعَينُ طَبَرِيَّةِ وحمة ماسبذان (3) وحمة إفريقية يُدعى لسنان (4) وعَيْنُ بحرُونَ (5) تَنفَدُ، وَنَحْنُ كَلِمَاتُ اللّه الّتي لا تنفد ولا تدرك فَضَائِلْنَا.
وَأَمَّا الجنّة فَإِنَّ فِيها مِنَ المَآكِلِ وَالمَشارِبِ وَالمَلاهِي ما تشتهي الأنفْسُ وَتَلَذَّ الأعينُ وَأَبَاحَ اللّه ذَلِكَ كُلَّهُ لِآدَمَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَالشَّجَرَةُ الّتي نَهى اللّه عَنْهَا آدَمَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَزَوجَتَهُ أنْ يَأْكُلا مِنْهَا شَجَرَةُ الحَسَدِ عَهِدَ إِلَيْهِمَا أَن لا يَنظُر إِلى مَنْ فَضَّلَ اللّه عَلَى خَلَائِقِهِ بِعَيْنِ الْحَسَدِ فَنَسِيَ وَنَظَر بِعَيْنِ الحَسَدِوَ لَمْ يَجِدُ لَهُ عَزْماً وَأَما قوله : «أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإناثا» أَي يُولَدُ لَهُ ذكور و يُولَدُ لَهُ إِناثُ، يُقَالُ لِكُلِّ اثْنَيْنِ مُقرنين زَوجَانِ كلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا زَوْجٍ، وَمَعَاذَ اللّه يَكُونَ عَنَى الجَليلُ ما لبَّستَ بِهِ عَلى نَفْسِكَ تَطْلُبُ الرَّحْصَ لِارْتِكَابِ المَآثم «وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ القِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (6)»، إِنَّ لَم يَتُبْ.
وَأَما شَهَادَةُ المَرْأَةِ وَحَدَهَا الّتي جَازَتِ فَهِيَ القَابِلَةُ جَازَتْ شَهادَتُها مَعَ الرّضا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رِضَى فَلا أُقَلَ مِنَ امْرَأَتِينِ تَقومُ المَرْأَتَانِ بَدَلَ الرَّجُلِ لِلضَّرُورَةِ، لِأَنَّ الرَّجُلَ
ص: 479
لا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُومَ مَقامَها، فَإِن كَانَتْ وَحدَها قَبِلَ قَولُها مَعَ يَمينِها.
وَأَمَّا قَولُ عَلِيَّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي الخُنثى فَهِيَ كَما قال (1): يَنْظُرُ قَوْمَ عُدُولٌ يَأْخُذُكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِرآة وتقوم الخنثى خَلْفَهم عريانة وينظرُونَ في المرايا فيرونَ الشَّبَحَ فَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا الرَّجُلُ النَّاظِرُ إِلَى الرَّاعِي وَقَدْنَا عَلَى شَاءٍ فَإِنْ عَرَفَهَا ذَبَحَهَا وَأَحْرَقَهَا، وإن لم يعرفها قَسَمَ الْعَلَمَ نِصْفَيْنِ وَسَاهَمَ بينهما (2)، فَإِذَا وَقَعَ عَلَى أَحَدِ النِّصْفَينِ فَقَدْ نَجَا النِّصْفُ الآخَرُ، ثمّ يفرق النصف الآخَرَ فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حتّى تَبْقَى شَاتَانِ فَيَقْرَعُ بينهما فأيتها وقَعَ السهم بها ذبحت واحرقت و نجا سائِرُ الغَنمِ (3).
ذُبِحَتْ وَأَمَّا صَلاةُ الفَجْرِ فَالْجَهْرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ، لأنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كان يُغلس بها (4) فقراءتها مِنَ اللَّيْلِ.
و أما قولُ عَليَّ (عَلَيهِ السَّلَامُ): بَشِّرْ قَاتِلَ ابْنِ صَفِيَّةَ بِالنَّارِ فَهُوَ لِقُولِ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كانَ ممَّن خَرَجَ يَوْمَ النَّهْرَوانِ فَلَمْ يَقْتَلَهُ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالبصرة، لأَنَّهُ عَلَمَ أَنَّهُ يُقْتَلُ في فِتْنَةِ النَّهْرَوانِ.
وَأَمَّا قَوْلُكَ : إِنَّ عَلِيًا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قَتَلَ أَهْلَ الصَّفِّينِ مُقْبِلِينَ وَمُدْبِرِينَ وَأَجَازَ عَلَى جَرِيحِهِمْ (5)، وَإِنَّهُ يَوْمَ الجَمَلِ لَمْ يُتبع مُوَلِياً وَلَمْ يُجْزَ عَلَى جَرِيحٍ وَمَنْ أَلْقَى سِلْاحَهُ آمَنْهُ وَمَنْ دَخَلَ دَارَهُ آمَنهُ، فَإِنَّ أَهْلَ الجَمَلِ قُتِلَ إِمَامُهُمْ وَلَمْ تَكُنْ لَهُم فِئَةٌ يَرْجِعُونَ إليها وَإنَّما رَجَعَ القومُ إِلى مَنازِلِهِم غَيْرَ مُحارِبينَ وَلا مُخَالِفِينَ وَلا مُنَابِذِينَ (6)، رَضُوا إِلَيْهَا بالكف عَنْهُمْ، فَكَانَ الحُكْمُ فِيهِم دفع السيف عَنْهُمْ وَالكَفِّ عَنْ أَذَاهُم، إذ لم يطلبوا عَلَيْهِ أعواناً، وَأَهْلُ صِفِّينَ كَانُوا يَرْجِعُونَ إِلَى فِيَّةٍ مُسْتَعِدَّةٍ وإِمامٍ (7) يَجْمَعُ لَهُمُ السَّلاحَ
ص: 480
الدروع والرماح والسيوفَ وَيُسني لَهُمُ العَطاءَ (1) یهيء لهم الأنزال ويعود مريضهم ويجبر كسيرهم (2)ويداوي جريحهم ويحمِلُ راجلَهُمْ وَيَكسُوا حَاسِرَهُم (3) ويردّهم فيرجعون إلى محاربتهم وقِتالِهِمْ (4)، فلم يُساوِبَينَ الفَرِيقَيْنِ فِي الحُكْمِ لِمَاعَرَفَ منَ الحكم في قِتَالِ أَهْلِ التَّوْحِيدِ (5) لَكِنَّهُ شَرَحَ ذَلِكَ لَهُمْ، فَمَنْ ذلِكَ لَهُمْ، فَمَن رَغِبَ عُرِضَ عَلَى السيف أوْ يَتُوبَ مِنْ ذَلِكَ.
وَأَمَّا الرَّجُلُ الّذي اعْتَرَفَ بِاللواط فإنَّهُ لَم تقم عَلَيْهِ بَيْنَةٌ وَإِنَّمَا تَطَوَّعَ بِالاقرارِ مِنْ نَفْسِهِ وَإِذَا كَانَ لِلإِمَامِ الّذي مِنَ اللّه أنْ يُعَاقِبَ عَنِ اللّه كَانَ لَهُ أَنْ يَمُنَّ عَنِ اللّه ؛ اما سَمِعْتَ قَولَ اللّه : «هَذا عَطَاؤُنَا - الآية (6)»، قد أنبأنَاكَ بِجَمِيعِ ما سألتنا عنه فاعلم ذلك.
قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) لبعض مواليهِ : عَاتِبُ فُلاناً وَقُلْ له : إِنَّ اللّه إِذَا أَرَادَ بِعَبْدِ خَيْراً إِذا عُوتِبَ قَبلَ.
وَكانَ المُتَوَكَّلُ نَذَرَ أَن يَتَصَدَّقَ بِمَالٍ كَثِير إِنْ عَافَاهُ اللّه مِنْ عِلَيْهِ، فَلَمَّا عُوفي سأل العُلَمَاء عَنْ حَدَّ المَالِ الكَثِيرِ فَاخْتَلَفُوا وَلَمْ يُصيبوا المعنى، فَسَأَلَ أَبَا الحَسَنِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): يَتَصَدَّقُ بِثَمَانِينَ دِرْهَماً، فَسَأَلَ عَن عِلَة ذلِكَ ؟ فَقَالَ : إِنَّ اللّه قَالَ لِنَبِيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ (7)»، فعددنا مَواطِنَ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فَبَلَغَتْ ثمانين
ص: 481
مَوْطِناً وَسَمَّاهَا اللّه كَثِيرَة فَسَرَّ المُتَوَكَّلْ بِذلِكَ وَصَدَّقَ بِثَمَانِينَ دِرْهَماً.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إن اللّه بقاعاً يُحِبُّ أنْ يُدعى فيها فَيَستَجِيبَ لِمَنْ دَعَاهُ وَالحَيرُ مِنْها (1).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَن اتقى اللّه يتقى. وَمَنْ أطاعَ اللّه يُطَاعُ. وَمَنْ أَطَاعَ الخَالِقَ لَمْ يُبَالِ سَخَطَ المَخْلُوقِينَ. وَمَنْ أَسْخَطَ الخَالِقَ فَلْيَقَن أَنْ يَحِلُّ بِهِ سَخَطُ المَخلُوقِينَ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إِنَّ اللّه لا يُوصَفُ إِلَّا بِمَا وَصَفَ بِه نَفْسَهُ، وَأَنَّى يُوصَفُ الّذي تَعْجِزُ الحَوَاسُ أنْ تُدْرِكَهُ وَالأوهام أنْ تَنالَهُ وَالخَطَرَاتُ أنْ تَحْدهُ وَالأَبْصَارُ عَنِ الإحاطة به. نأى في قُربِهِ وَقَرُبَ في تأيهِ، كَيْفَ الكَيْفَ بغيرِ أَنْ يُقَالَ : كَيْفَ، وَأَيَّن الأَيْنَ بِلا أَنْ يقال : أين، هُوَ مُنقطع الكيفية وَالأَيْنيّةِ، الوَاحِدُ الأَحَدُ، جَلَّ جَلالُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ.
وَقَالَ الحَسَنُ بْن مسعودٍ (2): دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الحَسَنِ عَلَيَّ بنِ محمَّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) وقد نَكِبَتْ إِصْبَعِي (3) وتلقاني راكِبُ وَصَدَمَ كِتَفِي وَدَخَلْتُ فِي زَحْمَةٍ (4) فَخَرقُوا عَلَى بَعضَ ثِيابي، فَقُلْتُ : كَفَانِي اللّه شَرَّكَ مِنْ يَوْمٍ فَمَا أَيْشَمَكَ (5). فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لي : يَاحَسَنُ هذا وَأَنتَ تَغْشانا (6) ترمي بِذَنْبِكَ مَن لا ذَنْبَ لَهُ، قالَ الحَسَنُ : فَأَثَابَ إِلى عَقلِي وَتَبيَّنَتُ خطائي، فقلتُ : يا مولاي اسْتَغْفِرُ اللّه، فَقَالَ : يَا حَسَنُ مَا ذَنْبُ الأَيَّامِ حتّى صِرَتُم تَتَتَشئّمُونَ بها إذا جُوزِيتُم بِأعمالكم فيها، قالَ الحَسَنُ : أَنَا أَسْتَغْفِرُ اللّه أَبَداً وَهِيَ تَوْبَتِي يَا ابْنَ رَسُولِ اللّه ؟ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): واللّه ما ينفعكم ولكن اللّه يعاقبكُم بِذَمِّها عَلَى مَا لَادَم عَلَيْهَا فِيهِ، أما
ص: 482
عَلِمْتَ يَا حَسَنُ أَنَّ اللّه هُوَ المُبيبُ والمَعاقِبُ وَالمُجازِي بالأعمال عاجلاً وَ آجلا، قُلْتُ : بَلَى يامولاي، قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا تَعْدُ وَلا تَجْعَلْ لِلأَيَّامِ صُنْعاً في حُكْمِ اللّه، قَالَ الحَسَنُ : بَلَى ؟ يامولاتي.
وَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَنْ أَمِنَ مَكَرَ اللّه وَأَلِيمَ أَخْذِهِ تَكَبَّرَ حتّى يَحِلَّ بِهِ قَضَاؤُهُ وَنَافِذُ أمره.وَمَنْ كانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ ربّه هَانَتْ عَلَيْهِ مَصائِبُ الدُّنيا ولوقرضَ وَنَشِرَ.
وقال داوُدُ الصرمي (1) : أَمَرَني سَيِّدِي بِحَوائِجَ كَثِيرَةٍ، فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لي : قُلْ : كيف تقولُ : فَلَمْ أَحْفَظَ مِثْلَ مَا قَالَ لِي، فَمَدَّ الدواة وَكَتَبَ بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الرجيم أذكرُهُ إِنْ شَاءَ اللّه وَالأَمْريدِ اللّه، فَتَبَسَمْتُ، فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَالَكَ ؟ قُلْتُ : خَيْرٌ، فَقَالَ : أَخبرني ؟ قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ذَكَرْتُ حَدِيثًا حَدثَني بِهِ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ جَدِّكَ الرَّضَا (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذا أَمَرَ بِحَاجَةٍ كَتَبَ بِسمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَذْكُرْ إِنْ شَاءَ اللّه، فَتَبَسَمْتُ، فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لي : يَا دَاوُدُ وَلَوْقَلْتُ : إِنَّ تَارِكَ التَّقِيَّةِ كَنَارِكَ الصَّلاةِ لَكُنتُ صَادِقاً.
وقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يَوْماً : إِنَّ أَكُلَ البطيخ يُورِثُ الجُذَامَ، فَقِيلَ لَهُ : أَلَيْسَ قَدْ أَمِنَ الْمُؤْمِنُ إذا أَتَى عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ سَنَةٌ مِنَ الجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالبَرضِ ؟ قَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): نَعَمْ، وَلَكِنْ إِذا خَالَفَ المُؤْمِنَ مَا أمَرَ بِهِ مَنْ آمَنْهُ لَمْ يَأْمَنْ أَنْ تُصِيبَهُ عُقُوبَةُ الخِلافِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): الشاكر أسعد بالشكرِ مِنهُ بِالنَّعْمَةِ الّتي أَوْجَبَتِ الشكر، لأنَّ النعم مناع والشكر يعم وعقبى.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إِنَّ اللّه جَعَلَ الدُّنيادار بلوى وَالآخِرَةَ دَارَ عُقْبِى وَجَعَلَ بَلوى الدُّنيا لثواب الآخِرَةِ سَبَباً وثواب الآخِرَةِ مِنْ بَلْوَى الدُّنيا عِوضاً.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إنَّ الظَّالِم العالم يكاد أن يُعفى عَلَى ظُلْمِهِ بِعِلْمِهِ، وَإِنَّ المحق السَّفِيةَ يَكَادُ أنْ يُطْفِى، نُور حقّه بسفهه.
وَقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَنْ جَمَعَ لَكَ وُدَّهُ وَرَأيَهُ فَاجمع لَهُ طَاعَتِكَ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : مَنْ هَانَتْ عليه نفسه فلا تأمن شرَّه.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): الدُّنيا سُوق، ربح فِيها قَوْم وَخَسِرَ آخِرُونَ.
ص: 483
[ بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ]
وروى عن الامام الخالص الهادى أبي محمَّد الحسن بن على (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) في طوال هذه المعاني
کتابه (عَلَيهِ السَّلَامُ) الى اسحاقَ بنِ إِسْمَاعِيلَ النِّيْسابُورِي (1)
ستَرَنَا اللّه وَإِيَّاكَ بَسَيْرِهِ وَتَوَلَّاكَ فِي جَمِيع أُمُورِكَ بِصْنِعِهِ ؛ فَهِمْتُ كِتَابَكَ يَرْحَمُكَ اللّه وَنَحْنُ بِحَمْدِ اللّه وَنِعْمَتِهِ أَهْلُ بَيْتٍ نَرِقَ عَلَى أَوْلِيَائِنَا وَنَسُرُّ بِتتَابِعِ إِحْسَانِ اللّه إِلَيْهِمْ وَفَضْلِهِ لَدَيْهِمْ وَنَعْتَدُّ بكلّ نِعْمَةٍ يُنْعِمُهَا اللّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْهِمْ، فَأَتَمَّ اللّه عَلَيْكَ يَا إِسْحَاقُ وَعَلَى مَنْ كَانَ مِثلَكَ - يُمَنْ قَدرَحِمَهُ اللّه وَبَصَرَهُ بَصِيرَتَكَ - نِعْمَتَهُ. وَقَدَّرَ تَمَامَ نِعْمَتِهِ دُخُولَ الجنّة وَلَيْسَ مِنْ نِعْمَةٍ وَإِنْ جَلَّ أَمْرُهَا وَعَظُمَ خَطَرُهَا إِلَّا وَ «الحَمْدُ للّه» تَقَدَّسَتْ أسْمَاؤُهُ عَلَيْهَا مُؤَدَّ شكرها، وأنا أقولُ (2) الْحَمْدُ للّه أَفْضَلَ مَا حَمِدَهُ حَامِدُهُ إِلَى أَبَدِ الأبد بما مَنَّ اللّه عَلَيْكَ مِنْ رَحْمَتِهِ وَنَجَاكَ مِنَ الهَلَكَةِ وَسَهْلَ سَبيلَكَ عَلَى العَقَبَةِ. وَايْمُ اللّه إِنَّها (3) لَعَقَبَةُ كَؤُودٌ، شَدِيدٌ أَمْرُهَا، صَعْبُ مَسْلَكُها، عَظِيمٌ بَلاؤُهَا، قَدِيمٌ فِي الزَّبْرِ الأولى ذكرها. وَلَقَد كانَتْ مِنكُم في أيام الماضي (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى أن مَضَى لِسَبِيلِهِ وَ في أيامي هذِهِ أُمُورُ كُنتُمْ فِيهَا عِندِي غَيْرَ محمودِي الرَّأْيِ وَلا مُسَدَّ دِي التَّوْفِيقِ.
فَاعْلَمْ يَقِيناً يا إن يقيناً يَا إِسْحَاقُ أنهُ مَن خَرجَ مِنْ هَذِهِ الدُّنيا أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةٍ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً يا إسحاق (4) لَيْسَ تعمى الأبْصَارُ وَلكِن الأبْصَارُ وَلكِنْ تَعْمَى القُلُوبُ الّتي فِي الصَّدورِ ؛ وَذَلِكَ قَولُ اللّه فِي مُحْكَم كِتَابِهِ حِكَايَةٌ عَنِ الظَّالِمِ إِذْيَقُولُ : «رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَد كُنتُ بَصِيراً قال كذلك أننكَ آيَاتُنا فَنَسِيتَها وَكَذَلِكَ اليَوْمَ تُنسى (5)». وَأيُّ آيَةٍ أَعْظَمُ كَذلِكَ
ص: 484
مِنْ حُجَّةِ اللّه عَلَى خَلْقِهِ وَأَمِينِهِ فِي بِلادِهِ وَشَهِيدِهِ عَلَى عِبَادِهِ مِنْ بَعْدِ مَنْ سَلَفَ مِنْ آبَائِهِ الأولِينَ لنَّبِيِّينَ وَ آبَائِهِ الآخِرِينَ الوَصِيِّينَ عَليهم أجمعينَ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللّه وَبَرَكاتُهُ. فأين یتاه بكُمْ (1) وَأَيْنَ تَذْهَبُونَ كَالانْعَامِ عَلَى وُجُوهِكُمْ، عَنِ الحقّ تَصْدِفُونَ وَبِالبَاطِلِ تُؤْمِنُونَ وَ بِنِعْمَةِ اللّه تَكْفُرُونَ أَوْ تَكُونُونَ بِمَن يُؤْمِنُ بِبَعْضِ الكِتابِ وَيَكْفُرُ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاهُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ وَمِن غَيْرِكُم الاخري في الحيوة الدُّنيا وَطُولُ عَذَابِ فِي الآخِرَةِ الباقِيةِ. وذلِكَ واللّه الخزي العظيم. إِنَّ اللّه بِمَنْهِ وَرَحْمَتِهِ لَما فَرَضَ عَلَيْكُمُ الفَرائِضَ لَمْ يَفْرِضَ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ لِحَاجَةٍ مِنْهُ إِلَيْكُم بَلْ بَرَحْمَةٍ مِنْهُ - لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ - عَلَيْكُمْ لِيَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وليبتلي ما في صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ، لِتُسابِقُوا إِلَى رَحْمَةِ اللّه وَلِتَتَفَاضَلَ مَنازِلكُم فِي جَنتِهِ، فَفَرَضَ عَلَيْكُمُ الحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وإقامَ الصَّلاةِ وَإِيْتاءَ الزَّكَاةِ وَالصَّومَ وَالوِلايَة وَجَعَلَ لَكُمْ بابا تستفتِحُونَ بِهِ أبْوابَ الفَرائِضِ وَمِفْتَاحاً إِلى سَبِيلِهِ، لَولامحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) والأوصياء مِنْ وَلَدِهِ لَكُنتُمْ حُيَارى (2) كَالْبَهَائِمِ لَا تَعْرِفُونَ فَرْضَا مِنَ الفَرَائِضِ وَهَلْ تُدْخَلُ مَدِينَةِ (3) إِلَّا مِنْ بابِهَا، فَلَمَّا مَنَّ عَلَيْكُمْ بِإِقَامَةِ الأوْلِياءِ بَعْدَ نَبِيِّكُمْ ؛ قالَ اللّه في كتابه : (أليومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُم نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً (4))، فَفَرَضَ عَلَيْكُمْ لِأَولِياتِهِ حُقوقاً أَمَرَكُمْ بِأدائها لِيَحِلُّ لَكُمْ مَاوَراءَ ظُهُورِكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأمْوالِكُم وَمَا كِلِيكُمْ وَمَشارِ بِكُم، قال اللّه : «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى (5)» وَاعْلَمُوا أَنَّ مَنْ يَبْخَلُ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ واللّه الغَنِيُّ وَأَنتُم الفقراء، لا إِلَهَ إِلا هُوَ. وَلَقَدْ طالَتِ المُخاطَبَةُ فيما هُوَلَكُم وَعَلَيْكُم.
ولولا ما يُحِبُّ اللّه مِنْ تَمَامِ النِّعْمَةِ مِنَ اللّه عَلَيْكُمْ لَمَا رَأَيْتُم لي خَطَا وَلاسَمِعتُم مِنِّي حَرْفاً مِنْ بَعْدِ مُضِيَّ الماضي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَأَنتُمْ فِي غَفْلَةٍ لِمَا إِلَيْهِ مَعَادُكُمْ (6). وَمِنْ بَعْدِ إِقَامَتِي لَكُمْ إِبْراهِيمَ بْنَ عَبْدَةَ (7) وَكِتابِي الّذي حَمَلَهُ إِلَيْكُمْ محمّدُ بنُ مُوسَى النَّيْسابُورِي واللّه
ص: 485
المستعانُ عَلَى كلّ حَالٍ. وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُفَرِّطُوا فِي جَنْبِ اللّه فَتَكُونُوا مِنَ الخَاسِرِينَ. فَبُعْداً وَسُحقاً لِمَنْ رَغِبَ عَنْ طَاعَةِ اللّه وَلَمْ يَقْبَلْ مَوَاعِظَ أَولِيائِهِ. فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللّه بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ وَطاعَةِ أولِي الأمْرِ، رَحِمَ اللّه ضعفكم وغفلتكم وَصَبَرَكُمْ عَلَى أَمْرِكُمْ، فَمَا أَغْرَ الإِنْسَانَ برَبِّهِ الكَرِيمِ وَلَو فَهِمَتِ الصمّ الصّلابُ بعض ما هو في هذَا الْكِتَابِ لَتَصَدَّعَتْ (1) قَلِقاً وَخَوْفاً مِنْ خَشْيَةِ اللّه وَرُجُوعاً إلى طَاعَةِ اللّه، اِعْمَلُوا ما شتم، «فَسَيَرَى اللّه عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ثمّ تُرَدُّونَ إِلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملُونَ (2)»، وَالْحَمدُ للّه رَبِّ العالَمينَ وَصَلَّى اللّه على محمّد وآله أجمعين.
قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا تُمَارِ فَيَذهَبَ بَهَاؤُكَ، وَلَا تُمازح فيجترًأ عَلَيْكَ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَنْ رَضِيَ بِدُونِ الشَّرَفِ مِنَ المَجْلِسِ لَمْ يَزَلِ اللّه وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ حتّى يَقُومَ.
وَكَتَبَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إِلَى رَجُلٍ سَأَلَهُ دَليلاً : مَنْ سَأَلَ آيَةً أَوبُرْهَانَا فَاعْطِيَ مَا سَأَلَ، ثمَّ رَجَعَ عَمَّنْ طَلَبَ مِنْهُ الآيَةَ عُذَّبَ ضِعْفَ العَذَابِ. وَمَنْ صَبَرَ أعْطِي الثَّابِيدَ مِنَ اللّه. وَالنَّاسُ مَجبُولُونَ عَلى حيلةِ إِيثارِ الكُتُبِ الْمُنَشرَةِ نَسْألُ اللّه السَّدَادَ، فَإِنَّمَا هُوَ التَسْلِيمُ أَوِ العَطَبُ (3) وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ.
وَكَتَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ شِيعَتِهِ يُعَرَفُهُ اخْتِلافَ الشيعَةِ، فَكَتَبَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): إِنَّمَا خَاطَبَ اللّه العاقِلَ. وَالنَّاسُ فِي عَلى طَبَقَاتٍ : المُسْتَبْصِرُ عَلى سَبِيلِ نَجاة، مُتَمَسَّكَ بِالْحَقِّ، مُتَعَلِق يفرع الأَصْلِ، غَيْرُ شَاكَ وَلَا مُرْتَاب، لا يَجِدُ عَنِّي مَلْجَأَ. وَطَبَقَةٌ لَمْ تَأْخُذِ الحقّ مِنْ أَهْلِهِ، فهم كَرَاكِب البَحْرِ يَمُوجُ عِنْدَ مَوجِهِ وَيَسْكُنُ عِندَسُكُونِهِ. وَطَبَقَةُ اسْتَحوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ، شأنهُمُ الرَّدُّ عَلَى أَهْلِ الحقّ وَدَفَعُ الحقّ بِالْبَاطِلِ حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ. فَدَعْ مَنْ ذَهَبَ
ص: 486
يميناً وشمالاً، فإن الرَّاعِيَ إذا أرادَ أَنْ يَجْمَعَ غَنَمَهُ جَمَعَهَا بِأَهُونِ سَعِي وَإِيَّاكَ وَالإِذَاعَةَ وَطَلَبَ الرَّئَاسَةِ، فَإِنَّهُمَا يَدْعُوانِ إِلَى الهَلَكَةِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): مِنَ الذُّنُوبِ الّتي لا تُغْفَرُ : ليتني لا أؤاخَذُ إِلا بهذا (1). ثمَّ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الإشراك في النَّاس أَخْفَى مِنْ ذَبِيبِ النَّمْلِ عَلَى المَسْحُ الأَسْوَدِ فِي اللَّيْلَةِ المَظْلِمَةِ (2).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): بِسمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَقْرَبُ إِلَى اسْمِ اللّه الأَعْظَمِ مِنْ سَوَادِ العين إلى بياضها.
وَخَرَجَ فِي بَعض توقيعاته (عَلَيهِ السَّلَامُ) عِندَ اخْتِلافِ قَوْمٍ مِنْ شِيعَتِهِ فِي أَمْرِهِ : مَا مُنِي أَحَدٌ مِنْ آبائِي بِمِثْلِ ما مُنِيتُ بِهِ مِنْ شَكٍّ هَذِهِ العِصابَةِ فِيَّ، فَإِنْ كَانَ هَذَا الأَمْرُ أَمْراً اعْتَقَدَتُمُوهُ ودنتُم بِهِ إِلَى وَقْتِ ثمَّ يَنقَطِعُ فَلِلشَّكِ مَوضِعُ، وَإِنْ كَانَ مُتْصِلا مَا اتَّصَلَتْ أُمُورُ اللّه فَمَا مَعْنى هذا الشك ؟.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): حب الأبرار للابرار ثواب لِلأَبْرَارِ، وَحُبُّ الفُجَارِ لِلأَبْرَارِ فَضِيلَةٌ للأبْرَارِ، وَ بَعْضُ الفُجَارِ لِلْأَبْرَارِ زَيْن لِلأَبْرَارِ وَ بَعْضُ الأَبْرَارِ لِلْفُجَارِ خِزْيٌ عَلَى الفُجَارِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : مِنَ التَّواضُعِ السَّلامُ عَلَى كلّ مَنْ تَمُرُّبِهِ ؛ وَ الجُلُوسُ دُونَ شرف المجلس.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : مِنَ الجَهْلِ الضِّحك من غير عجب.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): مِنَ الفَواقِرِ الّتي تَقْسِمُ الظهر (3) جَارٌ إِنْ رَأَى حَسَنَةٌ أَطْفَاهَا وَإِنْ رأى سيّئة أفشاها.
وَقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لشيعَتِهِ : أوصيكم بتقوى اللّه وَالوَرَعِ فِي دِينِكُم وَ الِاجْتِهَادِ للّه وَصِدْقٍ الحَدِيثِ وأداء الأمانةِ إِلى مَنِ ائْتَمَنَكُمْ مِنْ بَرَّ أَوْ فَاجِرٍ وَطُولِ السُّجُودِ وَحُسْنِ الجِوارِ فبهذا جاءَ محمَّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) صلّوا في عَشائِرِهِمْ وَاشْهَدُوا جَنَائِزَهُمْ وَعُودُوا مَرْضَاهُمْ وَأدّوا حقوقهم (4)، فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنكُمْ إِذا وَرَعَ فِي دِينِهِ وَصَدَقَ فِي حَدِينِهِ وَأَدَّى الأمانة
ص: 487
حَسَنَ خُلْقَهُ مَعَ النَّاس قِيلَ : هذا شيعي فَيَسُرُّني ذلِكَ. اتَّقُوا اللّه وَكُونُوازَيْناً ولا تكونوا شَيْئًا، جُرُّوا إِلَيْنَا كلّ مَوَدَّةٍ وَادْفَعُوا عنَّا كلّ قَبيحِ، فَإِنَّهُ مَاقِيلَ فِينَا مِنْ حَسَنٍ فَنَحْنُ أَهْلُهُ، وَمَاقِيلَ فِينَا مِنْ سُوءٍ فَمَا نَحْنُ كَذَلِكَ. لَنَا حَقٌّ فِي كِتَابِ اللّه وَقَرابَةٌ مِنْ رَسُولِ اللّه وتطهير من اللّه لايدّعيهِ أَحَدٌ غَيْرُنَا إِلَّا كَذَّابُ. أَكثرُ وا ذِكْر اللّه وَذِكْرَ المَوتِ وَ تِلاوَةَ القُرآنِ وَ الصَّلاةَ عَلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، فَإِنَّ الصَّلاةَ عَلَى رَسُولِ اللّه عَشْرُ حَسَنَاتٍ. اِحْفَظُوا مَا وَصَّيْتَكُمْ به وَاسْتَودِعُكُمُ اللّه وَأَقْرَأَ عَلَيْكُمُ السّلام.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لَيْسَتِ العِبادَةُ كَثرَة الصَّيامِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّمَا العِبَادَةُ كَثْرَةُ التَّفَكْرِ في أَمر اللّه.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): بِئْسَ العَبدُ عَبْد يكون ذاوَجْهَيْنِ وَذَا لِسَانَينِ، يُطْرِي أَخَاهُ شَاهِداً(1) وَيَأْكُلُهُ غَائِباً، إِنْ أَعْطِيَ حَسَدَهُ، وَإِنِ ابْتُلِيَ خَذَلَهُ (2).
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الغَضَبُ مِفْتَاحُ كُلِّ شَرّ.
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): لِشِيعَتِهِ فِي سَنَةِ سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ : أَمَرنَاكُمْ بِالتَّخَتُم فِي الْيَمِينِ وَنَحْنُ بين ظهرانيكُمْ (3) وَالآنَ نَأْمُرُكُم بِالتَّخَتُم فِي الشِّمَالِ لِغَيْبَتِنَا عَنْكُم إِلَى أَنْ يُظْهِرَ اللّه أَمْرَنَا وَأَمْرَكُمْ، فَإِنَّهُ مِنْ أَدَل دَلِيلٍ عَلَيْكُمْ فِي وِلايتنا - أَهْلَ البَيْتِ -. فَخَلَعُوا خَواتِيمَهُمْ مِنْ أيمانهم بين يَدَيْهِ وَلَبِسُوها في شمائليهِمْ (4) وَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لَهُمْ : حَدَّثُوا بِهَذَا شِيعَتَنا.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أقل النَّاس رَاحَةَ الحَقُودُ (5).
ص: 488
وقال(عَلَيهِ السَّلَامُ) : أَوْرَعُ النَّاس مَن وَقَفَ عِنْدَ الشَّبْهَةِ ؛ أَعْبَدُ النَّاس مَنْ أَقَامَ عَلَى الفَرَائِضِ أَزْهَدُ النَّاس مَنْ تَرَكَ الحَرامَ ؛ أَشدَّ النَّاس اجتهاداً مَنْ تَرَكَ الذُّنُوبَ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إنكم في آجال مَنقُوصَةٍ وَأَيام مَعْدُودَةٍ وَالمَوتُ يَأْتِي بَغْتَةً، مَنْ يَزْرَع خَيْراً يَحْصُدُ غِبْطَةٌ، وَمَنْ يَزْرَعَ شَرًّا يَحْصُدُ نَدَامَةَ، لِكُلِّ زارع مَازَرَعَ. لا يُسْبَقُ بَطىء بِحَظِهِ. وَلا يُدْرِكُ حَرِيصٌ مَالَمْ يُقَدَّرُلَهُ. مَنْ أعْطِيَ خَيْراً فَاللّه أعطاهُ. وَمَن وُقِيَ شرّاًفاللّه وَقَاهُ.
وَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): الْمُؤْمِنُ بَرَكَةً عَلَى الْمُؤْمِنِ وَحُجَةٌ عَلَى الكَافِرِ.
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): قَلْبُ الأحمَقِ في فَمِهِ وَقَمُ الحَكيم في قلبه.
وَقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا يَسْعَلكَ رِزْقٌ مَضْمُونَ عَنْ عَمَلٍ مَفْرُوضٍ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : مَنْ تَعَدَّى فِي طَهُورِهِ كَانَ كَنَاقِضِهِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): ماتَرَكَ الحقّ عَزِيزٌ إِلَّا ذَلَّ، وَلَا أَخَذَبِهِ ذَلِيلٌ إِلَّا عَزُّ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : صَدِيقُ الجَاهِلِ تَعَب.
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): خَصْلَتَانِ لَيْسَ فَوْقَهُما شَيْءٌ : الإِيمَانُ باللّه، وَنَفَعُ الإِخْوَانِ.
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): جُرْأَةُ الوَلَدِ عَلَى وَالِدِهِ فِي صِغَرِهِ تَدْعُو إِلَى العُقُوقِ فِي كَبَرِه.
وَقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): لَيْسَ مِنَ الأَدَبِ إِظْهَارُ الفَرَحِ عِنْدَ الْمَحْزُونِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): خَيْرٌ مِنَ الحَياةِ ما إذا فَقَدتَهُ أبْغَضَتَ الحَياةَ وَشَرِّ مِنَ المَوْتِ مَا إذا نَزَلَ بِكَ أحْبَبْتَ المَوْتَ.
وقالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): رِياضةُ الجَاهِلِ وَرَدَّ المُعْتَادِ عَنْ عَادَتِهِ كَالْمُعْجِزِ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): التَّواضُعُ نِعْمَةٌ لَا يَحْسَدُ عَلَيْهَا.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا تكرم الرَّجُلَ بِما يَشق عليه.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَنْ وَعَظَ أَخَاهُ سِرًّا فَقَدْ زَانَهُ، وَمَنْ وَعَظَهُ عَلانِيَةً فَقَد شَانَهُ .
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما مِنْ بَليَّةِ إِلا وَلِلَّهِ فِيهَا نِعمَةٌ تُحيط بها.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): ما أقبحَ بِالمُؤْمِنِ أنْ تَكُونَ لَهُ رَغْبَةٌ تُذِلُّهُ.
ثم ما انتهى إِلَيْنَا مِنْ أَخْبَارِ النَّبِيُّ وَالأئمَّة الطَّاهِرِينَ (عَلَيهِم السَّلَامُ) فِي المَعَانِي
ص: 489
التي ذكرناها والآثارِ الّتي اشْتَرَطَناها. وَلَمْ نَذكر شيئاً مِنْ تَوْقِيعَاتِ صَاحِب زَمَانِنِا والحجّة في عَصْرِنَا عَلَى تَواثرها في الشيعَةِ المُسْتَبْصِرِينَ وَاسْتِفَاضَتها فِيهِمْ، لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْنَا مَا اقْتَضَاهُ كِتابنَا وَضَاهَاهُ تأليفنَا وَالاعْتِقَادُ فِيهِ مِثْلُهُ فِيمَنْ سَلَفَ مِنْ آبَائِهِ الْمَاضِينَ الأئمَّة الرَّاشِدِينَ (عَلَيهِم السَّلَامُ) أجْمَعِينَ وَأَتْبَعْتُ ذلِكَ بِمَا جَانَسَهُ وَشَاكَلَهُ لِتُزَادَ الفَوائِدُ وَتَتَضاعَفَ المَواعِظُ وَ اللّه وَلِيُّ التَّوْفِيقِ وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الوَكِيلُ.
مُناجَاةُ اللّه عَزَّوَجَلَّ لِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) (1)
يا موسى لا تُطِلْ فِي الدُّنيا أَمَلَكَ فَيَفْسُوقَلْبُكَ (2) وَقَاسِى القَلْبِ مِنِّي بَعِيدٌ (3) أَمِتْ قلبكَ بِالخَشْيَةِ. وَكُنْ خَلَقَ الشَّيَابِ، جَدِيدَ القَلْبِ، تَخْفَى عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ وَتُعْرَفُ بَيْنَ أَهْلِ السَّمَاءِ. وَصِحَ إِلَيَّ مِنْ كَثرَةِ الذُّنُوبِ صِياحَ الهَارِبِ مِنْ عَدُوهِ. وَاسْتَعِن بِي عَلَى ذلكَ، فَإِنِّي نِعمَ المُستَعَانُ (4).
يا مُوسَى إِنِّي أَنَافَوقَ العِبادِ وَالعِبادُ دُونِي وَكُلٌّ لِي دَاخِرُونَ، فَاتِهِمْ نَفْسَكَ عَلَى نفسِكَ ولا تأتمِن وَلَدَكَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ وَلَدُكَ مِثْلَكَ يُحِبُّ الصَّالِحِينَ.
يا مُوسَى اغْسِلْ وَاغْتَسِلُ وَاقْتَرَبَ مِنْ عِبَادِيَ الصَّالِحِينَ.
يا موسى كُنْ إِمَامَهُمْ فِي صَلَاتِهِمْ وَفِيمَا يَتَشَاجَرُونَ وَاحْكُم بينهم بِالْحَقِّ بِمَا أَنزَلْتُ عَلَيْكَ، فَقَدْ أَنزَلَتْهُ حُكْماً بَيْناً وبرهاناً نَيْراً وَنُوراً يَنْطِقُ بِمَا فِي الأَوَّلِينَ وَبِمَا هُوَ كَامِنُ في الآخرين.
يا موسى أوصِيكَ وصيّة الشفيقِ المُشْفِقِ بِابْنِ الْبَتُولِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ صَاحِب الأتانِ (5) وَالْبُرْنَس وَالزَّيْتِ وَالزَّيْتُونِ وَالمِحْرَابِ وَمِنْ بَعْدِهِ بِصَاحِب الجَمَلِ الأَحْمَر
ص: 490
الطَّيِّبِ الطَّاهِرِ المُطَهِّرِ فَمَثَلُهُ في كِتَابِكَ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ مُهَيْمِنُ عَلَى الكُتُبِ (1)، وَأَنَّهُ راكع ساجد راغب راهِبٌ، إِخْوانُهُ المَسَاكِينُ وَأنصارُهُ قَوْمَ آخَرُونَ وَسَيَكُونُ فِي زَمَانِهِ أَزْلُ وَزَلازِلُ وَقَتْلُ (2)، اِسْمُهُ أَحْمَدُ محمّدالأمينُ مِنَ الباقينَ الأَوَّلِينَ (3)، يُؤْمِنُ بالكتب كلها وَيُصَدِّقُ جَميع المرسلين، أمته مرحومَةٌ مُبَارَكَةٌ، لَهُمْ سَاعَاتُ مُوقَتَاتٌ يُؤَذَ نَونَ فِيها بالصَّلَواتِ، فَبِهِ صَدَّقَ، فَإِنَّهُ أَخوك (4).
يا موسى إِنَّهُ أميني وَهُوَ عَبدُ صِدْقٍ مُبارَك لَهُ فِيمَا وَضَعَ يَدَهُ، تُبَارِك عَلَيْهِ (5)، كَذَلِكَ كانَ فِي عِلمي وكَذَلِكَ خَلَقْتَهُ، بِه أفتح السَّاعَةَ وَبِامّتِه أختم مفاتيح الدُّنيا، فمرّ ظلمةَ بني إسرائيل أ إِسْرَائِيلَ أنْ لا يدرسوا اِسْمَهُ وَلا يَخْذُلُوهُ وَإِنَّهُمْ لَفَاعِلُونَ وَحُبَهُ لِي حَسَنَةٌ وَأنا مَعَهُ وأنا مِنْ حِزْبِهِ وَهُوَ مِنْ حِربي، وَحِزبي هُمُ الغَالِبُونَ (6).
يا موسى أَنتَ عَبْدِي وَأَنَا إِلهُكَ، لَا تَسْتَذِلُ الْحَقيرَ الْفَقِيرَ، وَلَا تَغْبِطِ العَنيَّ، وَكُنْ عِندَ ذِكْرِي خَاشِعاً، وَعِندَ تِلاوَتِهِ بِرَحْمَتِي طَامِعاً، فَأَسْمِعْنِي لَذَادَةَ التَّوْرَاةِ بِصَوْتِ خَاشِعِ حزين، اطمئِنَّ عِنْدَ ذِكْرِي وَاعْبُدْنِي وَلَا تُشْرِكَ بي (7)، إِنِّي أَنَا السَّيْدُ الكَبِيرُ، إنِّي خَلَقْتُكَ مِنْ نُطْفَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ مِنْ طِينَةٍ أَخرجتها مِنْ أَرْضِ دَلِيلَةٍ مَمْشُوجَةٍ (8) فَكَانَتْ
ص: 491
بشراً، فَأَنَا صَانِعُها خَلْقاً، فَتَبَارَكَ وَجْهِي وَتَقَدَّسَ صُنْعِي، لَيْسَ كَمِثْلِي شَيْءٌ وَأَنَا الحَيُّ الدائم لا أزُولُ (1).
یا موسى كُن إِذا دَعوتَني خَائِفاً، مُشفقاً، وَجِلا (2)، وَ نَاجِنِي حِينَ تُنَاجِينِي بِخَشَيةٍ من قلب وَجِلٍ، وَأحْي بتوراتي أيَّامَ الحَياةِ، وَعَلمِ الجَاهِلِينَ مَحامِدِي، وَذَكَرْهُمْ آلأئي وَنِعَمي، وَقُلْ لَهُمْ : لا يتمادون في غي ماهُم فِيهِ، فَإِنَّ أَخْذِي لَهُمْ شَدِيدٌ.
يا موسى إِنِ انْقَطَعَ حَبْلُكَ مِنِّي لَمْ يَتَصِلْ بِحَبْلِ غَيْرِي، فَاعْبُدْنِي وَقُم بَيْنَ يَدَيَّ مَقامَ العَبْدِ الحَقير. ذمَّ نَفْسَكَ وَهِيَ أولى بالدم. ولا تتطاول (3) عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِكِتَابِي فَكَفَى بِهذا وَاعِظاً لِقَلْبِكَ مُنيراً، وَهُوَ كَلَامُ رَبِّ الْعَالَمِينَ جَلَّ وَتَعَالَى.
يا موسى متى مَادَعوتَني وَجَدَتَنِي (4)، فَإِنِّي سَأَغْفِرُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ، السَّمَاءُ تُسَبِّحُ لي وَجِلاً، وَالمَلائِكَةُ مِنْ مَخَافَتِي مُسْفِقُونَ، وَالْأَرْضُ تُسَبِّحُ لِي طَمَعاً، وَكُلُّ الخَلْقِ يُسَبِّحُونَ لي داخِرِينَ. ثمَّ عَلَيْكَ بِالصَّلاةِ (5)، فَإِنَّها مِنِّي بِمَكانٍ وَلَها عِنْدِي عَهْد وَثَيقِ وَالْحِقَ بِهَا مَا هُوَ مِنْهَا زَكَاةَ القُرْبَانِ مِنْ طَيِّبِ المَالِ وَالطَّعَامِ، فَإِنِّي لَا أَقْبَلُ إِلّا الطَّيِّبَ ؛ يُرَادُ بِهِ وَجْهِي اِقْرِنْ مَعَ ذلِك صِلَةَ الأَرْحَامِ، فَإِنِّي أَنَا الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ وَالرَّحِمُ أَنَا خَلَقْتُها فَضْلاً مِنْ رَحْمَتِي لِيَتَعَاطَفَ بِهَا العِبَادُ، وَلَها عِنْدِي سُلْطَانٌ في مَعَادِ الآخِرَةِ، وَأَنا قَاطِع مَنْ قَطَعَها وَوَاصِل مَنْ وَصَلَها وَكَذَلِكَ أَفْعَلُ بِمَنْ ضَيْعَ أَمْرِي.
يا مؤسَى أَكْرِمِ السَّائِلَ إِذَا أَتَاكَ بِرَدْ جَمِيلٍ أَوْ إِعْطَاءِ يَسِيرٍ، فَإِنَّهُ يَأْتِيكَ مَنْ لَيْسَ بإنس ولا جان: مَلائِكَةُ الرَّحْمَنِ يَبْلُونَكَ كَيْفَ أَنتَ صَانِعَ فِيمَا أَوْلَيَتَكَ وَكَيْفَ مُوَاسَاتُكَ فيما حولتكَ، فَاخْشَع لي بِالشَّضَرْعِ وَاهْتِفَ بِوَلَوَلَةِ الكِتَابِ (6). وَاعْلَمْ أَنِّي أَدْعُوكَ
ص: 492
دعاء السيد مملوكَهُ لِتَبْلُغَ بِهِ شَرَفَ المَنازِلِ، وَذَلِكَ مِن فَضْلِي عَلَيْكَ وَعَلى آبائِكَ الأَوَّلِينَ.
يا موسى لا تنسني عَلَى كلّ حَالٍ وَلا تَفرح بكثرَةِ المَالِ، فَإِنَّ نِسْيَانِي يُقْسِي الْقُلُوبَ كَثْرَةِ المَالِ كَثَرَةُ الذُّنُوبِ. الأَرْضُ مُطِيعَة [ وَالسَّمَاءُ مُطِيعَةٌ ] والبحار مطيعةٌ، فَمَنْ عطاني شَقِي، فَأَنَا الرَّحْمَنُ [الرَّحِيمُ ] رَحْمنُ كلّ زَمَانٍ، آتِي بِالشِّدَّةِ بَعْدَ الرَّخَاءِ، وَبِالرَّخاءِ بَعدَ الشِّدَّةِ، وَبِالْمُلُوكِ بَعْدَ المَملُوكِ وَمُلْكي دائم، قَائِمٌ لا يَزُولُ وَلا يخفى عَلَيَّ في الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَكَيْفَ يَخْفى عَلَيَّ مَا مِنِّي مُبْتَدَوهُ، وَكَيْفَ لَا يَكُونُ هَمكَ فِيمَا عِنْدِي وَإِلَيَّ تُرْجَعُ لأمَحالَةَ.
يا موسَى اجْعَلْنِي حِرْزَكَ وَضَعْ عِنْدِي كَنَزَكَ مِنَ الصَّالِحَاتِ. وَخَفْنِي وَلَا تَخَفْ غَيْرِي ؛ إلى المصير (1).
يا موسى عَجَلِ التَّوْبَةَ وَأَخِرِ الذَّنَبَ وَتَأَنَّ فِي المَكْثِ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الصَّلاةِ، وَلَا تَرْجُ غَيْرِي، اِتَّخِذَنِي جُنَّةٌ لِلسَّدَائِدِ وَحِصْنَا لِمُلَمَّاتِ الأمُورِ(2).
يا موسى نافِسُ فِي الخَيْرِ أَهْلَهُ، فَإِنَّ الخَيْرَ كَاسْمِهِ. وَدَع الشر لكل مفتون.
يا مُوسَى اجْعَلْ لِسَانَكَ مِنْ وَرَاءِ قَلْبِكَ تَسْلَمْ، وَأَكْثَرِ ذِكْرِي بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ تَغْنَم، وَلا تَتَّبع الخَطايا فتندم، فَإِنَّ الخَطايا مَوْعِدُهَا النَّارُ.
يا مُوسى أَطِب الكَلْامَ لِأَهْلِ التَّرْكِ لِلذُّنُوبِ وَكُنْ لَهُمْ جَلِيسَ وَ اتَّخِذْهُمْ لِغَيْبِكَ إِخْوانَا وَجَدَ مَعَهُمْ يَجِدونَ معك (3).
يا موسى ما أريد به وجهي فَكَثِيرٌ قَلِيلهُ، وَ مَا يُرِيدَ بِهِ غَيْرِي فَقَلِيلٌ كَثِيرُهُ. وَ إِنَّ أَصْلَحَ أَيامِكَ : الّذي أمامَكَ فَانْظُرْ أَيُّ يَوْمٍ هُوَ فَأَعِدَّ لَهُ الجَوابَ، فَإِنَّكَ
ص: 493
موقوف وَمَسْؤُولُ، وَخُذْ مَوعِظَكَ مِنَ الدَّهْرِ وَ أَهْلِهِ، فَإِنَّ الدَّهْرَ طَوِيلُهُ قَصِيرٌ وَقَصِيرُهُ طَوِيلٌ وَكُلَّ شَيْءٍ فَانٍ. فَاعْمَلْ كَأَنَّكَ تَرَى نَوابَ عَمَلِكَ لِكَيْ يَكُونَ أَطْمَعَ لَكَ فِي الآخِرَةِ لا مَحالَةَ، فَإِنَّ مَا بَقِي مِنَ الدُّنيا كَمَا وَلَى مِنْهَا. وَكُلُّ عَامِلٍ يَعْمَلُ عَلَى بَصِيرَةٍ وَمِثالٍ. فَكُن مُرْتَاداً لِنَفْسِكَ (1)، يَا ابْنَ عِمْرَانَ لَعَلَّكَ تَفُوزُ غَداً يومَ السُّؤالِ وَهُنَالِكَ يَخْسُرُ المبطلون (2).
يا موسى طِب نَفْساً عَنِ الدُّنيا وَانْطَوِ عَنْها فَإنَّها لَيْسَتْ لَكَ وَلَسْتَ لَهَا، مَالَكَ وَلِدارِ الظَّالِمِينَ إِلَّا لِعَامِل فيها بِالْخَيْرِ ؛ فَإنَّها لَهُ نِعمَ الدَّارُ (3).
ياموسى الدُّنيا وَأَهْلُهَا فِتَن بَعضُ البعض (4)، فَكُلُّ مُزَيَّنَ لَهُ مَا هُوَ فِيهِ وَالْمُؤْمِنُ زينَتْ لَهُ الآخِرَةُ فَهُوَ يَنظُرُ إِلَيْها ما يفتر (5) قد حالَتْ شَهوَتُهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ لَذَّةِ العَيْشِ فَأدلجتَهُ بِالأسْحَارِ (6) كَفِعْلِ الرَّاكِبِ السَّابِقِ إِلَى غَايَتِهِ يَضِلُّ كَثِيباً وَيُمْسِي حَزِينَاً فَطُوبَى لَهُ، [أما] توقد كيفَ الغطاء ماذا يُعايِنُ مِنَ السُّرُورِ (7)
ص: 494
يا موسى إِذَا رَأَيْتَ الغِنى مقبلاً فَقَلَ: ذَنْبٌ عُجِّلَتْ عُقُوبَتُهُ، وَإِذَا رَأَيْتَ الفقر مُقبلا فَقُلْ: مَرْحَباً بِشِمَارِ الصَّالِحِينَ. وَلَا تَكُن جباراً ظَلُوماً وَلَا تَكُنْ لِلظَّالِمِينَ قَرِيناً.
يا مُوسَى مَا عُمْرُ وَإِنْ طَالَ يَذَمُّ آخِرُهُ، وَما ضَرَ كَ مَازُوِيَ عَنْكَ إِذا حُمِدَتْ مَغَبَّتُهُ(1).
يا موسى صَرَّحَ الكِتابُ صَراحاً (2) بِمَا أَنْتَ إِلَيْهِ صَائِرٌ، فَكَيْفَ تَرْقُدُ عَلَى هَذَا العيونِ، أَمْ كَيْفَ يَجِدُ قَوْم لَذَةَ العَيْشِ لَوْلَا التّمَادِي فِي الغَفْلَةِ (3) وَالتَتابعُ فِي الشَّهَوَاتِ وَمِنْ دُونِ هَذَا جَزِعَ الصِّدِّيقُونَ.
يا مُوسَى مُرْ عِبادِي يَدْعُونِي عَلَى مَا كَانُوا بَعد أن يُقِرُّوا بي أَنِّي أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، أجِيبُ الْمُضْطَرِّينَ (4)، وَأَكْشِفُ السُّوءَ، وَأَبَدلُ الزَّمَانَ، وَ آبَي بِالرِّخَاءِ، وَأَشْكُرُ اليسير، وأنيبُ بِالكَثِيرِ، وَأَغْنِي الفقير، وَأَنَا الدائمُ العَزِيزُ القَدِيرُ، فَمَنْ لَجَأَ إِلَيْكَ وَانْضَوى إِلَيْكَ مِنَ الخَاطِئِينَ (5) فَقُلْ : أَهْلاً وَ سَهْلاً بِأَرْحَبِ الفِنَاءِ نَزَلْتَ بِفِنَاءِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَكُنْ [لَهُم ] كَأَحَدِهِمْ وَلا تَستَطِل عَلَيهِم بِمَا أَنَا أَعطيتُكَ فَضْلَهُ، وَقُل لَهُم فَيَسْأَلُونِي مِن فَضْلِي وَرَحْمَتِي، فَإِنَّهُ لا يَمْلِكُها أحدٌ غَيْرِي وَأَنَا ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ، كَهفَ الخَاطِئِينَ وَجَليسُ المُضطَرِّينَ (6) وَمُسْتَغْفِرْ لِلْمُذِنِينَ، إِنَّكَ مِنِّي بِالْمَكَانِ الرَّضِى، فَادْعُنِي بِالْقَلْبِ النَّقِيِّ وَاللَّسَانِ الصَّادِقِ، وَكُنْ كَما أَمَرْتُكَ، أَطِعْ أَمْرِي وَلَا تَسْتَطِل عَلَى عِبَادِي بِمَالَيسَ مِنْكَ مُبْتَدَؤُهُ. وَتَقرب إليَّ، فَإِنِّي مِنكَ قَرِيبٌ، فَإِنِّي لَمْ أَسْأَلُكَ ما يُؤْذِيكَ َقْلُهُ وَلَا حَمْلَهُ. إِنَّما سَأَلْتُكَ أَن تَدْعُونِي فَأجِيبَكَ. وَأن تسألني فأعطِيكَ وَأَنْ تَتَقَرَّبَ بِمَا مِنِّي أَخَذَتَ تَأْوِيلَهُ وَعَلَى تَمامُ تَنْزِيله.
يا مُوسَى انْظُرْ إِلَى الأَرْضِ فَإِنَّهَا عَنْ قَرِيبٍ قَبْركَ. وَارْفَعْ عَيْنَيْكَ إِلَى السَّمَاءِ فَإِنَّ
ص: 495
فوقك فيها ملكاً عظيماً وَابْكِ عَلَى نَفْسِكَ مَا كُنتَ فِي الدُّنيا (1)، وَتَخَوفِ العَطَبَ والمَهالِكَ، وَلَا تَعُرُّنَّكَ زِينَةُ الدُّنيا وَزَهْرَتَهَا، وَلا تَرْضَ بِالظَّلْمِ وَلا تَكُنْ ظَالِماً، فَإِنِّي لِلظَّالِمِ بمرْصَدٍ حتّى أُدِيلَ مِنْهُ المَظْلُوم (2).
يَا مُوسَى إِنَّ الحَسَنَةَ عَشْرَةُ أَضْعَافٍ وَمِنَ السيّئة الوَاحِدَةِ الهَلاكَ، وَلا تُشْرِك بي لا يَحِلُّ لَكَ أنْ تُشْرِكَ بي، قارِبُ وَسَدَّدٌ، أَدْعُ دُعاءَ الرَّاغِب فِيمَا عِنْدِي، النَّادِمِ عَلَى مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ (3) فَإِنْ سَوادَ اللَّيْلِ يَمْحُوهُ النَّهارُ، كَذلِكَ السيّئة تَمْحُوهَا الحَسَنَةُ وَعَشَوَة اللَّيْلِ (4) تَأْتِي عَلَى ضَوْءِ النَّهَارِ فَكَذَلِكَ السيّئة تَأْتِي عَلَى الحَسَنَةِ فَتُسَوَّدُها.
مناجاةُ اللّه جَلَّ تَناؤُهُ لِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ صَلَواتُ اللّه عَلَيْهِما (5)
يا عيسى أنَا رَبَكَ وَرَبُّ آبائِكَ، اِسْمِي وَاحِدٌ وَأَنَا الأَحَدُ المُتَفَرِّدُ بِخَلْقِ كلّ شَيْءٍ وَكُلِّ شَيْءٍ مِنْ صُنْعِي وَكُلٌّ إِليَّ رَاجِعُونَ.
يا عيسى أنتَ المَسيحُ بِأمْرِي، وَأنْتَ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ بِإِذْنِي، وَأَنتَ تُحْيِي الموتى بكلامي، فَكُنْ إِلَيَّ رَاغِباً وَمِنْي رَاهِبَاً وَلَنْ تَجِدَ مِني مَلجَاْ ملجاً إِلَّا إِلَيَّ.
يا عيسى أوصِيكَ وصيّة المُتحنِّنِ عَلَيْكَ بِالرَّحْمَةِ حتّى حَقَّتْ لَكَ مِنِّي الوَلايَةُ بتحريك (6) مني المَسَرَّةَ، فَبُورِكتَ كَبِيراً وَبُورِكتَ صَغِيراً حَيْثُ مَا كُنْتَ، أَشْهَدُ أَنَّكَ عبدِي مِنْ أَمَتِي، تَقَرَّبْ إِلَيَّ بِالنِّوَافِلِ وَتَوَكَّلْ عَلَيَّ أَكْفِكَ، وَلَا تَوَلَّ غَيْرِي فَأَخْذَلَكَ.
ص: 496
يا عيسَى اصْبِرْ عَلَى البَلَاءِ وَارْضَ بِالقَضَاءِ وَكُنْ كَمَسَرّتِي فِيكَ، فَإِنَّ مَسَرتِي أَنْ أطاعَ فَلا أعصى.
يا عيسى أخي ذِكْرِي بِلِسَانِكَ، وَلَيَكُنْ وُدي فِي قَلْبِكَ.
يا عيسى تَيَقَّظ في ساعاتِ الغَفْلَةِ. وَأَحْكِمْ لِي لَطيف الحكمة.
يا عيسى كن راغباً راهِباً، وَأَمِتْ قَلْبَكَ بِالخَشْيَةِ.
يا عيسى راع اللَّيْلَ لِتَحَرِّي مَسَرَّبَى وَاظْمَأنَهارَكَ لِيَوْمٍ حَاجَتِكَ.
يا عيسى إِنَّكَ مَسْؤُولٌ فَارْحَمِ الضَّعِيفَ كَرَحْمَتِي إيّاك وَلَا تَقهر اليتيم.
يا عيسى ابك على نَفْسِكَ في الخَلَوَاتِ، وَأنقُلْ قَدَمَيْكَ إلى مواقيت الصلواتِ وَأَسْمِعْني لَذادَة نُطْقِكَ بذكري، فَإِنَّ صَنِيعِي إِلَيْكَ حَسَنُ.
يا عيسى كُمْ [ مِنْ] أُمَّةٍ قَدأَهلَكَتُها بِسَالِفِ ذُنُوبِ قَدْ عَصَمْتُكَ مِنْهَا.
يا عيسى ازفقَ بِالضَّعِيفِ وَارْفَعْ طَرْفَكَ الكَلِيلَ (1) إِلَى السَّمَاءِ وَادْعُنِي، فَإِنِّي مِنكَ قَرِيبٌ. وَلا تَذكرني إِلّا مُتَضَرْعاً إلى وَهَمكَ وَاحِدٌ، فَإِنَّكَ مَتَى دَعَوْتَنِي كذلك أحبك.
يا عيسى لا يَغُرَّكَ المُتَمَرِّدُ [عَلَيَّ] بِالعِصْيانِ يَأْكُلُ رِزْقِي وَيَعْبَدُ غَيْرِي؛ ثمَّ يَدْعُونِي عِنْدَ الكَرْبِ فَأجِيبُهُ، ثمَّ يَرْجِعُ إِلى مَا كَانَ عَلَيْهِ، فَعَلَيَّ يَتَمَرَّدًا أَمْ بِسَخَطِي يَتَعَرَّضُ ؟ وَبِي حَلَفْتُ لَا خَذَنَّهُ أَخْذَة لَيْسَ لَهُ مِنْها مَنْجاً وَلادُونِي مَلْجَاً، أيْنَ يهر مِنْ سَمَاعِي وَأَرْضِي.
يا عيسى قُلْ لِظَلَمَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ : لا تَدْعُونِي وَالسَّحْتُ تَحْتَ أَحْضَائِكُمْ وَالأَصنام في بيوتكم (2)، فإني آليتْ أنْ أجِيبَ مَنْ دَعَانِي وَأَنْ أَجْعَلَ إِجَابَتِي إِيَّاهُم لَعْنا عَلَيْهِمْ حَتَّى يَتَفَرَّقُوا.
يا عيسى مَا خَيرُ لِدَادَةٍ لا تَدُومُ وَعَيْش عَنْ صَاحِبِهِ يَزُولُ؟.
يا ابْنَ مَرْيَمَ لو رأت عينك ما أَعْدَدْتُ لأوليائي الصَّالِحِينَ ذَابَ قَلْبَكَ وَزَهَقَتْ نَفْسُكَ
ص: 497
شوقاً إِلَيْهِ، فَلَيْسَ كَدَارِ الآخِرَةِ دار تجاوَرُ فِيهَا الطَّيِّبونَ وَتَدْخُلُ عَلَيْهِمْ فِيهَا المَلائِكَةُ المقربونَ وَهُمْ بِما يَأْتِي يَومَ القِيامَةِ مِنْ أهوالها آمِنُونَ، دار لا يتغير فِيهَا النَّعِيمُ وَلَا يَرُولُ عن أهلها.
يا ابْنَ مَرْيَمَ نَافِسٌ فِيهَا مَعَ المُتَنافِسِينَ، فَإِنَّهَا أمْنِيَّةُ المُتَمَكِنِينَ، حَسَنَة المنظرِ، طوبى لَكَ يَا ابْنَ مَرْيَمَ إِنْ كُنتَ لَها مِنَ العَامِلِينَ مَعَ آبَاتِكَ آدَمَ وَإِبْرَاهِيمَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ لا تبغي بها بدلاً وَلا تَحوِيلاً كَذَلِكَ أفعلُ بِالمُتَّقِينَ.
يا عيسى اهرب إِليَّ مَعَ مَنْ يَهْرُبُ مِنْ نَارٍ ذَاتِ لَهَب وَنَارٍ ذَاتِ أَغْلَال وَأَنكال (1)، لا يدخلها روح وَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا غَم أَبَداً، قِطَعْ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، مَنْ يَنْجُ مِنْهَا يَفَرُ، هِيَ دارُ الجَبَّارِينَ وَالعُتَاةِ الظَّالِمِينَ وَكُلِّ فَظَّ غَلِيظٌ.
يا عيسى بِئسَتِ الدَّارُ مَنْ رَكَنَ إِلَيْهَا وَبِئْسَ القَرارُ دَارُ الظَّالِمِينَ إِنِّي أَحَذَرُكَ نَفْسَكَ فَكُنْ بِي خَبِيراً.
یا عیسى كُن حَيْثُ مَا كُنتَ مُراقبالِي وَاشْهَدْ عَلَيَّ أَنِّي خَلَقْتُكَ وَأَنَّكَ عَبْدِي وَأَنِّي صَوَّرَتُكَ وَإِلَى الأَرْضِ أَهْبَطَتُكَ.
يا عيسى افطِمُ نَفْسَكَ عَنِ الشَّهَوَاتِ المُوبِقاتِ وَكُلُّ شَهْوَةٍ تُبَاعِدُكَ مِنِّي فَاهْجُرْها. وَاعْلَمْ أَنَّكَ مِنِّي بِمَكانِ الرَّسول الأَمِينِ فَكُنْ مِنِّي عَلَى حَذَرٍ.
يا عيسى كُنتُ خَلَقْتُكَ بكلامي، وَلَدتك مريم بِأَمْرِي، المُرْسَلُ إِليهارُ وجِي جَبرئيل الأمينُ مِنْ مَلائِكَتِي حتّى قَمْتَ عَلَى الأَرْضِ حَيّاً تَمْشِي. وَكُلٌّ ذلِكَ في سَابِقِ عِلْمِي.
يا عيسى إنْ غَضِبَت عَليك لم ينفعكَ مَنْ رَضِيَ عَنكَ. وَإِن رَضِيتُ عَنْكَ لَمْ يَضُرَّكَ غَضَبُ المتغضّبين عليك.
يا عيسى اذكرني في نفسك واذكرني في مَلاكَ أَذْكَرَكَ فِي مَلاءٍ خَيْرِ مِنَ الآدَمِيِّينَ.
يا عيسَى ادْعُني دُعاءَ الغَرِيقِ الّذي لَيْسَ لَهُ مُغِيثٌ.
يا عيسى لا تخلف بي كاذباً فيهتزّ عرشي غَضَباً. الدُّنيا قَصِيرَةُ العُمُرِ طَوِيلَةُ الأَمَلِ. وَعِنْدِي دَارُ خَيْرٌ ممَّا يَجْمَعُونَ.
ص: 498
مناجاة اللّه عَزَّ وَجَل لِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ لا
یا عیسى كَيْفَ أَنتُمْ صَانِعُونَ إِذا أَخرجتُ لَكُم كِتاباً يَنْطِقُ بِالحَقِّ وَأَنتُم تَشْهَدُونَ بسرائر قد كَتَمْتُمُوهَا وَأَعْمالِ كُنتُم بِها عامِلِينَ.
يا عيسى قُلْ إِظَلَمَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ : غَسَلْتُم وُجُوهَكُم وَدَنَستُم قُلُوبِكُم ؛ أَبي تَغْتَرُّونَ أم عَلَى تَجْتَرِئُونَ، تُطَيِّبُونَ بِالطَّيبِ لِأَهْلِ الدُّنيا وَأجْوافكُمْ عِنْدِي بِمَنِزَلَةِ الْجَيفِ الْمُنْتِنَةِ كَأَنَّكُمْ أَقْوَامٌ مَيِّتُونَ.
يا عيسى قُل لَهُم : قَلِمُوا أَظْفَارَكُم مِنْ كَسْبِ الحَرَامِ. وَأَصمُوا أَسْمَاعَكُمْ مِنْ ذِكْرِ الخَناءِ وَأَقْبلُوا عَلَيَّ بِقُلُوبِكُم، فإني لَسْتُ أُرِيدُ صُوَرَ كُم.
يا عيسى افرح بِالحَسَنَةِ، فإنها لي رِضَى وَ ابْكِ عَلَى السيّئة فَإِنَّهَا شَينُ. وَمَا لا تُحِبُّ أَنْ يُصْنَعَ بِكَ فَلَا تَصْنَعَهُ بِغَيْرِكَ. وَإِنْ لَطَمَ أَحَدٌ خَدَّكَ الأَيْمَنَ فَأَعْطِهِ الأَيْسَرَ. وَتَقَرَّبْ إلَيَّ بِالمَوَدَّةِ جُهْدَكَ، وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ.
يا عيسى دلَّ لِأَهْلِ الحَسَنَةِ (1) وَشَارِكُهُم فِيها وَكُن عَلَيْهِمْ شَهيداً ؛ وَقُلْ لِظَلَمَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ : يا أخذَانَ السَّوْءِ إِن لَم تَنتَهُوا أَمْسَحُكُمْ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ.
يا عيسى قُلْ لِظَلَمَة بني إسرائيل : الحكمة تبكي فَرَقَا مِنِّي وَأَنتُم بِالضَّحَكِ تَهْجُرُونَ أتتكم براءتي؟ أَمْ لَدَيكُمْ أَمَانٌ مِنْ عَذَابِي أَمْ تَعرَضُونَ لِعُقُوبَتِي، فَبِي حَلَفْتُ لَأترَكَنَّكُ-ممثلاً للغابرين.
ثمّ أوصيك يا ابن مريم البِكْرِ البَتُولِ بِسَيْدِ المُرسَلِينَ وَحَبيبي أحمد صَاحِبِ الجَمَلِ الأحْمَرِ وَ الوَجْهِ الأزْهَرِ الْمُشْرِقِ بِالنُّورِ، الطَّاهِرِ القَلْبِ، الشَّدِيدِ البَأْسِ، الحَيِيّ (2)المتكرمِ، فَإِنَّهُ رَحمَةٌ لِلعالَمينَ وَسَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ يَلْقَانِي، أَكْرَمُ السَّابِقِينَ عَلَيَّ وَأَقْرَبُ المسلمينَ مِني العربي الأمي، الديانُ بِديني، الصابر في ذاتي، المُجَاهِدُ لِلْمُشْرِكِينَ بذَبِّهِ عَنْ دِينِي وَأنْ تخبر به بني إسرائيل وتأمرَهُم أن يُصدقوهُ وَأَنْ يُؤْمِنُوا بِه وأَن يَتَّبِعُوهُ وَ يَنْصُرُوهُ. قَالَ : إِلهِي مَنْ هُوَ حتّى أَرضِيَهُ ذَلِكَ الرّضا ؟ قَالَ : هُوَ محمّد رَسُولُ اللّه إِلَى الناس كافة وأقربهم مَنْزِلَةٌ وَأَحْضَرُهُمْ شَفاعَةً، طُوبَى لَهُ مِنْ نَبيَّ وَطُوبى لأمۀته،
ص: 499
إِنَّهُمْ لَقُونِي عَلى سَبِيلِهِ، يَحْمَدُهُ أَهْلُ الأَرْضِ وَيَسْتَغْفِرُ لَهُ أَهْلُ السَّماءِ، أَمِينُ مَيْمُونٌ، طَيِّبٌ، خَيْرُ البَاقِينَ عِنْدِي، يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمانِ إذا خَرَجَ أَرْخَتِ السَّمَاءُ عَز اليها (1) وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ زَهْرَتَها حتّى يَرَوُا البَرَكَةَ وَأبَارِك لَهُمْ فِيمَا وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، كَثِيرُ الأزواج، قليلُ الأَولادِ.
يا عيسى كلّ ما يُقربُكَ مِني قد دللتكَ عَلَيْهِ، وَكُلُّ ما يُباعِدُكَ مِنِّي قَدْ نَهيتَكَ عَنْهُ فَارْتَد لِنَفْسِكَ.
يا عِيسَى الدُّنيا حُلْوَةً وَإِنَّمَا اسْتَعْمَلْتُكَ فِيهَا فَجَانِبُ مِنْهَا مَاحَذَّرَتكَ، وَخُذْ مِنْهَا ما أعطيتك عفواً.
يا عيسى انظُرْ فِي عَمَلِكَ نَظَرَ العَبْدِ المُذنِبِ الخَاطِيءِ، وَلَا تَنظُرْ فِي عَمَلِ غَيْرِكَ، كُن فيها زاهِداً وَلا تَرَهَبْ فِيها فَتَعْطَبَ.
يا عِيسَى اعْقِلْ وَتَفَكَّرْ وَانْظُرْ فِي نَواحِي الْأَرْضِ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ.
یا عیسى كلّ وَصْفِي لَكَ نَصِيحَةُ، وَكُلٌّ قَوْلِي لَكَ حَقٌّ وَأَنَا الحقّ الْمُبِينُ، فَحَقاً أَقولُ لَئِنْ أَنْتَ عَصَيْتَنِي بَعْدَ أنْ أَنْبَاتُكَ مَالَكَ مِنْ دُونِي وَلِي وَلَا نَصِير.
يا عيسى أدب قَلْبَكَ بِالْخَشْيَةِ. وَانْظُرْ إِلى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكَ، وَلَا تَنْظُر إِلى مَنْ فَوْقَكَ. وَاعْلَمْ أَنَّ رَأْسَ كلّ خَطِيئَةٍ وَذَنْبٍ هُوَ حُبُّ الدُّنيا فَلَا تُحِبَهَا، فَإِنِّي لَا أَحِبُّها.
يا عيسى أطِبْ لِي قَلْبَكَ وَأَكْثَر ذِكْرِي فِي الخَلَواتِ وَاعْلَمْ أَنَّ سُرُورِي أَنْ تُبَصيص إلَيَّ (2)، كُن في ذلِكَ حَيّاً وَلا تَكُن مَيْتاً.
يا عيسى لا تُشْرِكَ بِي وَكُنْ مِنِّي عَلَى حَذَرٍ، وَلَا تَغْتَرَ بِالصَّحَةِ، وَلَا تَغْبِطَ نَفْسَكَ، فَإِنَّ الدُّنيا كَفَيء زَائِلٍ وَمَا أَقْبَلَ مِنْهَا كَمَا أَدْبَرَ، فَنافِسٌ فِي الصَّالِحَاتِ جُهْدَكَ، وَكُنْ مَعَ الحقّ وَإِنْ قَطَعْتَ وَأحرقْتَ بِالنَّارِ، فَلا تكفربي بَعْدَ المَعرِفَةِ. ولا تكن مَعَ الجاهلينَ فإن الشيء يَكُونُ مَعَ الشَّيْء.
ص: 500
يا عيسى صب لِي الدَّمُوعَ مِنْ عَيْنَيْكَ. وَاخْشَعْ بِقَلْبِكَ.
يا عيسى اسْتَغِتْ لي في حالِ الشِّدَّةِ، فَإِنِّي أغيتُ المَكْرُوبِينَ وَأجِيبُ الْمُضْطَرينَ وَأَنَا أَرْحَمُ الرَّاحِمينَ.
وَمِنْ حِكَمِهِ
طُوبَى لِلْمُتَرَاحِمِينَ أُولَئِكَ هُمُ المَرْحُومُونَ يَوْمَ القِيامَةِ. طُوبَى لِلْمُصْلِحِينَ بَيْنَ النَّاس أولئِكَ هُمُ المُقَرَّبُونَ يَوْمَ القِيامَةِ. طوبى لِلْمُطَهَّرَةِ قُلُوبُهُمْ أُولَئِكَ يَرْوُونَ اللّه يوم القِيامَةِ (1). طوبى لِلْمُتَوَاضِعِينَ فِي الدُّنيا أُولَئِكَ يَرِثُونَ مَنَابِرَ المُلْكِ يَوْمَ القِيامَةِ. طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ وَلَهُمْ مَلَكُوتُ السَّمَاءِ. طُوبَى لِلْمَحْرُومينَ هُمُ الّذين يَسُرُّونَ. طُوبَى لِلَّذِينَ يَجُوعُونَ وَ يَظْمَئونَ خُشوعاً هُمُ الّذين يُسْقَوْنَ [ طُوبَى لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ الخَيْرَ أَصْفِياءُ اللّه يُدْعَوْنَ ] طُوبیٰ للمسبوبِينَ مِنْ أَجْلِ الطَّهَارَةِ، فَإِنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاءِ. طُوبَى لَكُمْ إِذا حُسِدْتُم وشتمْتُمْ وَقِيلَ فِيكُم كلّ كَلِمَةٍ قَبِيحَةٍ كَاذِبَةٍ حِينَئِذٍ فَافْرَحُوا وَابْتَهِجُوا، فَإِنَّ أَجْرَكُمْ قَدْ كثر في السَّمَاءِ.
وقال : ياعبيد السَّوْءِ تَلُومُونَ النَّاس عَلَى الظَّنِّ وَلَا تَلُومُونَ أَنْفُسَكُمْ عَلَى الْيَقِينِ. [ياعبيد الدُّنيا تُحِبُّونَ أنْ يُقَالَ فِيكُمْ مَالَيسَ فِيكُمْ ؛ وَأَنْ يُشَارَ إِلَيْكُم بِالأصابع ] يَا عَبِيدَ الدُّنيا تَحْلِقُونَ رُؤوسَكُمْ وَتَقْصَرُونَ قَمصَكُمْ (2) وَتَنكِسُونَ رُؤُوسَكُمْ وَلا تَنْزِعُونَ الغِل مِنْ قُلُوبِكُمْ. يَا عَيدَ الدُّنيا مَثَلُكُمْ كَمَثَلِ القُبُورِ المُشَيَّدَةِ يُعْجِبُ النَّاظِرَ ظَهْرُهَا وَدَاخِلُها عِظامُ المَوْتَى مَمْلُوةٌ خَطايا.
ياعبيد الدُّنيا إِنَّمَا مَثَلُكُم كَمَثَلِ السَّراج يُنيِي لِلنَّاسِ وَيُحْرِقُ نَفْسَهُ.
يا بني إِسْرَائِيلَ زَاحِمُوا العَلَماء في مَجالِسِهِمْ وَلَوْحَبُوا عَلَى الرَّكَب (3)، فَإِنَّ اللّه
ص: 501
يحْيِي القلوب الميتة بِنُورِ الحِكْمَةِ كَمَا يُحْيِي الأَرْضَ المينَةَ بوابل المطر.
يا بني إسرائيلَ قِلَّةُ المَنْطِقِ حكم عظيمٌ فَعَلَيْكُم بِالصَّمْتِ، فَإِنَّهُ دَعَةٌ حَسَنَةٌ وَقِلَةٌ وِزْرِوَخِفَةٌ مِنَ الذُّنُوبِ (1) فَحَصَّنوا بابَ العِلْمِ، فَإِنَّ بَابَهُ الصَّبْرُ. وَإِنَّ اللّه يُبْغِضُ الضّحاكَ مِنْ غَيْرِ عَجَبٍ، وَالمَشَاءَ إِلى غَيْرِ أدب، وَيُحِبُّ الوَالِيَ الّذي يَكُونُ كَالرَّاعِي لَا يَغْفُلُ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَاسْتَحبُوا اللّه فِي سَرَائِرِكُمْ كَمَا تَسْتَحْيُونَ النَّاس فِي عَلانِيَتِكُمْ. وَاعْلَمُوا أَنَّ كَلِمَةَ الحِكْمَةِ ضَالَّةُ المُؤْمِن فَعَلَيْكُم بِها قَبْلَ أَنْ تُرْفَعَ، وَرَفَعُها أَنْ تَذْهَبَ رَوَاتُها.
يا صاحِبَ العِلْمِ عَظمِ العَلَمَاء لِعِلْمِهِمْ وَدَعْ مُنَازَعَتَهُمْ (2)، وَصَغيرِ الجُمالَ لِجَهْلِهِمْ ولا تطردهُمْ وَلَكِنْ قَرَّبهُمْ وَعَلَّمْهُمْ. يَا صَاحِبَ العِلْمِ اعْلَمْ أَنَّ كلّ نِعْمَةٍ عَجَرْتَ عَنْ شُكْرِهَا بِمَنزِلَةِ سيّئة تُؤْاخَذَ عَلَيْها.
يا صاحِبَ العِلْمِ اعْلَمْ أَنَّ كلّ مَعْصِبَةٍ عَجَزَتْ عَنْ تَوبتها بمنزلَةِ عُقُوبَةٍ تُعاقب بها.
يا صاحِبَ العِلْمِ كَرَب (3) لا تَدْرِي مَتى تَغْشَاكَ فَاسْتَعِدَّ لَهَا قَبْلَ أَنْ تَفْجَأَكَ.
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأصحابه : أرأيتم لَوْ أَنَّ أَحَداً مَرَّ بِأَخِيهِ فَرَأَى تَوْبَهُ قَدِ انْكَشَفَ عَنْ عَوْرَتِهِ، أَكَانَ كاشفاً عَنْها أَمْ يَرُدُّ عَلَى مَا أَنكَشَفَ مِنْهَا ؟ قَالُوا : بَلْ يَرُدَّ عَلَى مَا انْكَشَفَ منها، قال : كَلابَل تَكْشِفُونَ عَنْهَا، فَعَرَفُوا أَنَّهُ مَثَلُ ضَرَبَهُ لَهُمْ، فَقَالُوا : يَارُوحَ اللّه وَكَيْفَ ذاكَ ؟ قَالَ : ذَاكَ الرَّجُلُ مِنْكُمْ يَطَّلِعُ عَلَى العَوْرَةِ مِنْ أخِيهِ فَلا يَسْتُرُها.
بحقِّ أقولُ لَكُمْ : أَعلَمُكُمْ لِتَعْلَمُوا وَلا أَعْلَمُكُمْ لِتُعْجَبُوا بِأَنفُسِكُمْ إِنَّكُمْ لَنْ تَنالُوا مَا تُرِيدُونَ إِلَّا بِتَرْكِ مَا تَشْتَهُونَ. وَلَنْ تَظْفَرُوا بِمَا تَأْمُلُونَ إِلَّا بِالصَّبر عَلى ما تَكْرَهُونَ. إيّاكم وَالنَّظَرَةَ، فَإِنَّهَا تَزْرَعُ فِي القُلوبِ الشَّهَوَةَ وَكَفَى بِهَا لِصَاحِبِهَا فِتْنَةٌ. طُوبَى مِنْ جُعِلَ بَصَرُهُ فِي قَلْبِهِ وَلَمْ يُجْعَلْ قَلْبُهُ فِي نَظَرِ عَيْنِهِ (4) لَا تَنظُرُوا فِي عُيُوبِ النَّاس كَالأَرْبَابِ وانظرُوا فِي عُيُوبِهِمْ كَهَيئَةِ عَبِيدِ النَّاسِ، إِنَّمَا النَّاس رَجُلانِ مُبْتَلَى وَمُعَافَى، فَارْحَمُوا المبتلى وَاحْمَدُوا اللّه على العافية.
ص: 502
يا بني إسرائيل أمَا تَسْتَحْيُونَ مِنَ اللّه، إِنَّ أَحَدَكُمْ لا يَسُوعُ لَهُ شَرابُهُ حتّى يُصفيه مِنَ القَذى وَلا يُبالي أنْ يَبْلُغَ أَمْثالِ الفِيلَةِ مِنَ الحَرامِ. ألَمْ تَسْمَعُوا أَنَّهُ قِيلَ لَكُم فِي السَّورية : «صِلُوا أَرْحَامَكُمْ وَكَافِئُوا أَرْحَامَكُمْ، وَأَنا أقولُ لَكُمْ: صِلوا قَطَعكُم وَأَعْطُوا مَنْ مَنَعَكُمْ وَأَحْسِنُوا إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْكُمْ وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ سَبِّكُمْ وَأَنْصِفُوا مَنْ خاصَمَكُمْ وَاعْفُوا عَمَّنْ ظَلَمَكُمْ كَمَا أَنَّكُم تُحِبُّونَ أَنْ يُعْفَى عَنْ إِسْاءَتِكُمْ، فَاعْتَبِرُوا يعفو اللّه عنكُمْ، الا تَرَوْنَ أَنَّ شَمْسَهُ أَشْرَقَتْ عَلَى الأَبْرَارِ وَالفُجارِ مِنكُمْ وَأَنَّ مَطَرَهُ يَنْزِلُ عَلَى الصَّالِحِينَ وَالْخَاطِئِينَ مِنْكُمْ، فَإِن كُنتُمْ لا تُحِبُّونَ إِلَّا مَنْ أَحَبَّكُمْ وَلَا تُحْسِنُونَ إلَّا إِلَى مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْكُمْ وَلا تُكَافِئُونَ إِلَّا مَنْ أعْطاكُمْ فَمَا فَضْلُكُمْ إِذَا عَلَى غَيْرِكُم وَقَدْ يَصْنَعُ هَذَا السَّفَهَاءُ الّذين لَيْسَتْ عِنْدَهُمْ فَضُول (1) وَلا لَهُمْ أَحْلامُ. وَلَكِنْ إِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَكُونُوا أَحِبَّاءَ اللّه وَأَصْفِيَاءَ اللّه فَأَحْسِنُوا إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْكُمْ وَاعْفُوا عَمَّنْ ظَلَمَكُمْ وَسَلِّمُوا عَلى مَنْ أَعْرَضَ عَنكُمْ، إِسْمَعُوا قَوْلِي وَاحْفَظُوا وَسِينِي وَارْعَوْا عَهْدِي كَيْمَا تَكُونُوا علماء فقهاء.
بحق أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ قُلُوبَكُمْ بِحَيْثُ تَكُونُ كُنُوزُكُمْ (2) - وَلِذَلِكَ النَّاس يُحِبُّونَ - أمْوالَهُمْ وَتَتوُقُ إِلَيْها أَنْفُسُهُمْ (3) - فَضَعُوا كُنُوزَكُمْ فِي السَّمَاءِ حَيْثُ لا يَأْكُلُها السُّوسُ ولا ينالها اللصوص.
بحق أقولُ لكُم : إنَّ العبد لايقدر على أَنْ يَحْدِمَ رَبِينِ وَلَا مَحالَةٌ أَنَّهُ يُؤْيُر أَحَدَهُمَا عَلَى الآخَرِ وَإِنْ جَهَدَ، كَذلِكَ لا يَجتَمِعُ لَكُمْ حُبُّ اللّه وحُبُّ الدُّنيا. ي
بحقٍّ أقولُ لَكُم : إِنَّ شَرَ النَّاس لَرَجُلٌ عَالِمُ آثَرَ دُنياهُ عَلَى عِلْمِهِ فَأَحبَّها وَطَلَبَهَا وَجَهَدَ عَلَيْها حتّى لَوِ اسْتَطَاعَ أن يَجْعَلَ النَّاس فِي حَيْرَةِ لَفَعَلَ، وَمَاذَا يُغْنِي عَنِ الأَعْمَى سَعَةُ نُورِ الشمسِ وَهُوَ لا يُبْصِرُها، كَذلِكَ لا يغني عن العالم عِلْمُهُ إذْ هُوَ لَم يَعمَل بِه. ما أكثَرَ ثِمَارَ الشَّجَرِ وَلَيْسَ كُلُّها يَنْفَعُ وَيُؤكَلُ، وَمَا أَكْثَرَ العُلَمَاء وَلَيْسَ كُلُّهم ينتفِعُ بِما عَلِمَ، وَمَا أوْسَعَ
ص: 503
الأَرْضَ وَلَيْسَ كُلُّها تَسْكَنُ، وَمَا أَكثر المتكلمينَ وَلَيْسَ كلّ كَلَامِهِمْ يُصَدِّقُ، فَاحْتَفِظُوا من العلماءِ الكَذَبَةِ الّذين عَلَيْهِمْ ثِيَابُ الصُّوفِ منكسى رؤوسهم إلى الأرْضِ يُزوِّرون (1) بِهِ الخَطَايَا يَرْمَقُونَ مِن تَحْتِ حَواجِبِهِمْ (2) كَمَا تَرْ مَقُ الذّئَابُ وَقَوْلُهُمْ يُخَالِفُ فعَلَهُم، وَهَلْ يُجْتَني مِنَ العَوْسَجِ العِنَبُ وَمِنَ الحَنْظَلِ الدِّينُ، وَكَذَلِكَ لا يُوَ تُرْقَولُ العَالِمِ الكاذِبِ إلا زوراً وَلَيْسَ كلّ مَنْ يَقُولُ يَصْدُقُ.
بحق أقولُ لَكُمْ: إِنَّ الزَّرْعَ يَنْبُتُ في السَّهْلِ وَلا يَنْبُتُ فِي الصَّفَا وَكَذلِكَ الحِكْمَةُ تعمرُ فِي قَلْبِ المُتَوَاضِعِ وَلَا تَعْمُرُ فِي قَلْبِ المُتَكَبَرِ الجَبَارِ، أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ شَمَعَ بِرَأْسِهِ إلى السَّقْفِ شَجَهُ، وَمَنْ خَفَضَ بِرَأْسِهِ عَنْهُ اسْتَظَلَّ تَحْتَهُ وَأَكَنَّهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يَتَوَاضَعَ للّه خَفَضَهُ وَمَنْ تَوَاضَعَ للّه رَفَعَهُ. إِنَّهُ لَيْسَ عَلَى كلّ حَالٍ يَصْلُحُ العَسَلُ في الزقاقِ (3) وَكَذلِكَ القُلُوبُ لَيْسَ عَلَى كلّ حَالٍ تَعْمُرُ الحِكْمَةَ فيها، إن الزق مالم ينخَرِقُ أَوْ يَفْعَلْ أَوْ يَتَفَلَ فَسَوْفَ يَكُونُ لِلْعَسَلِ وِعاء وَكَذَلِكَ القُلُوبُ مَا لَمْ تَخْرِقُهَا الشَّهَوَاتُ وَيُدَنّسهَا الطَّمَعُ وَيُقْسِهَا النَّعِيمُ فَسَوْفَ تَكونُ أوْعِيَّةٌ لِلْحِكْمَةِ.
بحق أقولُ لكُم: إنَّ الحَرِيقَ لَيَقَعُ في البَيتِ الوَاحِدِ فَلا يَزَالُ يَنتَقِلُ مِنْ بَيْتِ إِلَى بَيْتٍ حتّى تَحْتَرِقَ بُيُوتُ كَثِيرَةُ إِلَّا أَنْ يُسْتَدْرَكَ البيتُ الأَوَّلُ فَيُهدَمَ مِنْ قَواعِدِهِ فَلَا تَجِدُ فِيهِ النَّارُ مَعَمَلاً وَكَذَلِكَ الظَّالِمُ الأول يُؤْخَذْ عَلَى يَدَيْهِ لَمْ يُوجَدُ مِنْ بَعْدِهِ إِمَامٌ ظالِمٌ فَيَأْتُونَ بِهِ كَمَا لَوْ لَمْ تَجِدِ النَّارُ فِي البَيْتِ الأَوَّلِ خَشَبَاً وَأَلْوَاحَا لَمْ تُخْرِقَ شَيْئًا.
بحقِّ أقولُ لَكُمْ : مَنْ نَظَرَ إِلَى الحَيَّةِ تَوْمّ أَخَاهُ لِتِلْدَغَهُ وَلَمْ يُحَذَرْهُ حتّى قَتَلَتْهُ فَلَا يأمن أن يكون قَدْ شَرِكَ في دَمِهِ وَكَذَلِكَ مَنْ نَظَرَ إلى أَخِيهِ يَعْمَلُ الخَطِيئَةَ وَلَمْ يُحَذِّرُهُ عاقبتها حتّى أحاطَتْ بِهِ فَلا يَأْمَنْ أنْ يَكُون قَدْ شَرِكَ فِي إِثْمِهِ. وَمَنْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرَ
ص: 504
الظالم ثمّ لم يُغَيِّرُهُ فَهُوَ كَفَاعِلِهِ (1)، وَكَيْفَ يَهابُ الظَّالِمُ وَقَد أمِنَ بَيْنَ أظهركُمْ لا ينهى ولا يغير عَلَيْهِ وَلا يُؤْخَذُ عَلَى يَدَيْهِ فَمِنْ أَيْنَ يُقَصِّرُ الظَّالِمُونَ أَمْ كَيْفَ لا يغترونَ، فَحَسْبُ أَنْ يَقُولَ أَحَدُكُمْ : لا أَظْلِمُ وَمَن شَاءَ فَلْيَظْلِم وَيَرَى الظُّلَمَ فَلَا يُغَيِّرَهُ. فَلَوْ كَانَ. فَلَوْ كَانَ الأمْرُ عَلَى ما تقولُونَ لِمَ تُعَاقَبُوا مَعَ الظَّالِمِينَ الّذين لَمْ تَعْمَلُوا بِأَعْمَالِهِمْ حِينَ تَنْزِلُ بِهِمُ العَثرَةُ في الدُّنيا.
ويلَكُمْ يَا عِيدَ السَّوْءِ كَيْفَ تَرْجُونَ أَنْ يُؤْمِنَكُمُ اللّه مِنْ فَزَع يَوْمِ القِيامَةِ وَأنتم تَخافُونَ النَّاس في طَاعَةِ اللّه وَتُطِيعُونَهُمْ فِي مَعْصِيَتِهِ وَتَفُونَ لَهُم بِالْعُبُودِ النَّاقِضَةِ لِعَهْدِهِ.
بحَقُّ أَقُولُ لَكُم : لا يُؤْمِنُ اللّه مِنْ فَزَعِ ذَلِكَ اليَوْمِ مَنِ اتَّخَذَ العِبَادَ أَرْبَاباً مِنْ دُونِهِ.
وَيْلَكُمْ ياعبيد السَّوْءِ مِنْ أَجْلِ دُنْيَادَنِيَّةٍ وَشَهْوَةِ رَدِيَّة تُفَرِّطُونَ فِي مُلْكِ الجنّة وَتَنْسَوْنَ هَول يوم القيامةِ.
وَيْلَكُمْ يَاحَبيدَ الدُّنيا مِنْ أَجْلٍ نِعْمَةٍ زَائِلَةٍ وَحَيَاةٍ مُنْقَطِعَةٍ تَفِرُّونَ مِنَ اللّه وَتَكْرَهُونَ لِقاءَهُ، فَكَيْفَ يُحِبُّ اللّه لِقَاءَكُمْ وَأَنتُمْ تَكْرَهُونَ لِفَاءَهُ، فَإِنَّمَا يُحِبُّ اللّه لِقاءَ مَنْ يُحِبُّ لِقَاءَهُ وَيَكْرَهُ لِقَاءَ مَنْ يَكْرَهُ لِقاءَهُ وَكَيْفَ تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ اللّه مِنْ دُونِ النَّاس وَأَنتُمْ تَفِرُّونَ مِنَ المَوتِ وَتَعْتَصِمُونَ بِالدُّنْيا. فَمَاذَا يُغْنِي عَن المَيِّتِ
ص: 505
طيب ريح حُنُوطِهِ وَبَيَاضُ أَكْفَاتِهِ وَكُلُّ ذلِكَ يَكُونَ فِي التَّرابِ، كَذلِكَ لا يَعْنِي عَنكُمْ بَهْجَة دُنْيا كُمُ الّتي زُيِّنَتْ لَكُمْ وَكُلُّ ذَلِكَ إِلى سَلْب وَزَوَالٍ، مَاذَا عَنِي عَنكُمْ نَقَاهُ أَجْسَادِكُمْ وَصَفَاءُ ألوانكم وإلى الموتِ تصيرون وفي التراب تُنسون وفي ظلمة القبر تَغْمَرُونَ.
ويلكم يا عبيد الدُّنيا تَحْمِلُونَ السّراج في ضوء الشمس وضوؤها كان يكفيكم وَتَدَعُونَ أَنْ تَسْتَضِيئُوا بِها فِي الظُّلَمِ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ سُخْرَت لَكُمْ ؛ كَذَلِكَ اسْتَضَاتُم العِلْمِ لأَمْرِ الدُّنيا وَقَدْ كَفَيتُمُوهُ وَتَرَكْتُم أَنْ تَسْتَضِيئُوا بِهِ لأَمْرِ الآخِرَةِ وَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَعْطِيتُمُوهُ تَقُولُونَ : إِنَّ الآخِرَةَ حَق وَأَنتُمْ تُمهدونَ الدُّنيا. وَتَقُولُونَ : إِنَّ المَوْتَ حَقٌّ وأنتم تفرّونَ مِنْهُ. وَتَقُولُونَ : إِنَّ اللّه يَسْمَعُ وَيَرَى وَلَا تَخَافُونَ إِحْصَاءَهُ عَلَيْكُمْ وَكَيْفَ يُصَد قكُمْ مَنْ سَمِعَكُمْ فَإِنَّ مَنْ كَذَبَ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ أَعْذَرُ ممَّن كَذَبَ عَلَى عِلْمٍ وَإِنْ كَانَ لا عُذْرَ في شَيْءٍ مِنَ الكَذِب.
بحق أقول لكم : إِنَّ الدَّابة إِذا لَمْ تُرتكب وَلَمْ تُمتهن (1) وَتَسْتَعْمَلُ لَتَصْعَبُ تُمْتَهَنْ ويتغير خلقها وَكَذَلِكَ القُلوبُ إذا لَمْ تُرفق بذكر الموت وتتعبها دُؤُوبُ العبادة (2) تقسو وَتَغلُظْ. ماذا يعني عَنِ البَيْتِ المُظْلِمِ أَنْ يُوضَعَ السّراجُ فَوقَ ظَهْرِهِ وَجَوْهُهُ وَحِشٌ مُظْلِم ؛ كذلك لا يغني عَنكُمْ أنْ يَكون نَورُ العِلم بأفواهِكُمْ وَأخْوافُكُمْ مِنْهُ وَحِشَةٌ مُعَطَّلَةٌ، فَأَسْرِعُوا إلى بيوتِكُمُ الْمُظْلِمَةِ فَأَنيرُوا فِيهَا، كَذَلِكَ فَأَسْرِعُوا إِلَى قُلُوبِكُمُ القَاسِيَةِ بِالْحِكْمَةِ قَبْلَ أنْ تَرِينَ عَلَيْها الخطايا فَتَكُونَ أقسى مِنَ الحِجَارَةِ، كَيْفَ يُطِيقُ حَمَلَ الأثْقَالِ مَنْ يَسْتَعِينُ عَلَى حَمِلها : أمْ كَيْفَ تُحَطَّ أوزار مَن لا يَسْتَغْفِرُ اللّه مِنْها ؛ أَمْ كَيْفَ تَنْقَى ثِيَابُ مَنْ لا يَغْسِلُها، وَكَيْفَ يَبْرَأُ مِنَ الخَطَايَا مَنْ لا يُكَفِّرُها ؟ أَمْ كَيْفَ يَنْجُومِنْ غَرَقِ البَحْرِ مَنْ بغير سَفِينَةٍ وَكَيْفَ يَنْجُومِنْ فِتَنِ الدُّنيا مَنْ لَمْ يُدَاوِهَا بِالْجِد وَالِاجْتِهَادِ، وَكَيْفَ يَبْلُغَ مَنْ يُسافِرُ بِغَيْرِ دَليلٍ، وَكَيْفَ يَصِيرُ إِلَى الجنّة مَنْ لا يُبْصِرُ مَعَالِمَ الدِّين وَكَيْفَ يَنَالُ مرضات اللّه مَنْ لا يطيعه ؛ وَكَيْفَ يَبصُرُ عَيْبَ وَجْهِهِ مَنْ لا يَنْظُرُ فِي المِرْآةِ ؟ وَكَيْفَ يَسْتَكْمِلُ
ص: 506
حُبُّ خَلِيلِهِ مَنْ لا يَبْلُ لَهُ بَعْضَ مَا عِنْدَهُ، وَكَيْفَ يَسْتَكْمِلُ حُبُّ ربّه مَنْ لا يَقْرِضُهُ بَعْضَ مارزقه ؟!.
بحقِّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ كَمَا لَا يَنْقُصُ البَحْرَ أَنْ تَفَرقَ فِيهِ السَّفِينَةُ وَلَايَضُرُّه، ذَلِكَ شَيْئاً كَذلِكَ لا تَنقُصُونَ اللّه بمعاصيكُم شَيْئاً وَلا تَضُرُونَهُ بَلْ أَنفُسَكُمْ تَضُرُّونَ وَإِيَّاها تَنقُصُونَ، وَكَمَا لا تَنقُصُ نُورَ الشَّمْسِ كَثرَةُ مَن يَتَقَلَّبُ فِيهَا بَلْ بِهِ يَعِيشُ وَيَحْيَى كَذلِكَ لا ينقص اللّه كَثرة ما يُعطيكُمْ وَيَرْزُقُكُم بَلْ بِرِزْقِهِ تَعيشُونَ وَبِهِ تَحْيَوْنَ، يَزِيدُ مَنْ شَكَرَهُ ؛ إِنَّهُ شَاكِرٌ عَلِيمٌ.
ويلكم يا أجراءَ السَّوْءِ ؛ الأَجْرَ تَسْتَوْفُونَ وَالرِّزْقَ تَأْكُلُونَ وَالكَسْوَةَ تَلْبَسُونَ وَالمَنازِلَ تَبْنُونَ وَعَمَلَ مَنِ اسْتَأْجَرَكُمْ تُفْسِدُونَ ؛ يُوشِكُ رَبُّ هذا العَمَلِ أنْ يُطالبكُمْ (1) فَيَنظُرَ فِي عَمَلِهِ الّذي أَفَسَدْتُمْ فَيُنزِلُ بِكُمْ مَايُخْزِيكُمْ، وَيَأْمُرَ بِرِقَابِكُمْ فَتَجَدَ مِنْ أُصُولِها وَيَأْمُرَ بِأَيْدِيكُمْ فَتَقطَعَ مِنْ مَفَاصِلها ؛ ثمَّ يَأْمُرَ بِجَتَنِكُم فَتَجَرَّ عَلَى بُطُونُها حتّى تُوْضَمَ عَلَى قَوادِعِ الطَّرِيقِ حتّى تَكُونُوا عِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ونَكَالاً لِلظَّالِمِينَ.
ويلكم ياعلَماء السَّوءِ لَا تَحدَّثوا أنفسكم أنَّ أَجَالَكُمْ تَسْتَأْخِرُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ المَوْتَ أَنفُسَكُمْ لَم يَنزِلْ بِكُم فَكانَهُ قَدْ حَلٌّ بِكُمْ فَأَظْعَنكُم، فَمِنَ الآنَ فَاجْعَلُوا الدَّعْوَةَ فِي آذَانِكُمْ وَمِنَ الآنَ فَنوحوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَمِنَ الآنَ فَابْكُوا عَلى خَطاياكُمْ، وَمِنَ الآنَ فَتَجَهَرُوا وخذوا أَهْبَتَكُم وَبَادِرُوا التَّوْبَةَ إِلى رَبِّكُم.
بحقِّ أقولُ لَكُمْ: إِنَّهُ كَمَا يَنْظُرُ المَرِيضُ إِلى طَيِّبِ الطَّعَامِ فَلَا يَلْتَذهُ مَعَ مَا يَجِدُهُ مِنْ شِدَّةِ الوَجَع ؛ كَذلِكَ صَاحِبُ الدُّنيا لا يلتذّ بِالعِبادَةِ وَلَا يَجِد حَلَاوَتَهَا مَعَ مَا يَجِدُمِنَ حب المالِ، وَكَما يَلْتَذُّ المَرِيضُ نَعْتَ الطَّبيب العالِم بِمَا يَرْجُو فِيهِ مِنَ الشَّفَاءِ، فَإِذَا ذَكَرَ قرارة الدوَاءِ وَطَعْمُهُ كَدَرَ عَلَيْهِ الشَّفَاءُ، كَذَلِكَ أهْلُ الدُّنيا يَلْتَذُّونَ بِبَهْجَتِهَا وَأَنواعِ مَا فِيهَا فَإِذَا ذَكَرُوا فَجَأَةَ المَوْتِ كَدَّرَهَا عَلَيْهِمْ وَأَفْسَدَها.
بحَقِّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كلّ النَّاس يُبْصِرُ النُّجُومَ وَلكِنْ لا يَهْدِي بِها إِلَّا مَنْ يَعْرِفُ مَجَارِيَا وَمَنَازِلَها وَكَذَلِكَ تَدْرُسُونَ الحِكْمَةَ وَلكِنْ لَا يَهْتَدِي لَهَا مِنكُمْ إِلَّا مَنْ عَمِلَ بِهَا.
ويلَكُمْ ياعبيد الدُّنيا نَقُوا القَمْحَ وَطَيِّبُوهُ وَأدقوا طَحْنَهُ تَجِدُوا طَعمهُ يَهْتَكُم
ص: 507
أكله ؛ كَذلِكَ فَأَخْلِصُوا الإيمان تَجِدُوا حلاوته وينفعكم غيه.
بحق أقول لكم : لَووَجَدتُم سِراجاً يَتَوَقَدُ بِالقَطِرانِ في لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ لَاسْتَضَاتُم بِهِ وَلَمْ يَمْنَعْكُمْ مِنْهُ رِيحُ قطرانِه كَذلِكَ يَنْبَغِي لَكُم أَنْ تَأْخُذُوا الحِكْمَةَ ممَّن وَجَدْتُمُوها معهُ وَلَا يَمْنَعْكُمْ مِنْهُ سُوءُ رَغْبَتِهِ فِيها.
ويلكم يا عبيد الدُّنيا لا كَحُكَما تَعْقِلُونَ وَلا كَحُلَمَاءَ تَفْقَهُونَ وَلَا كَعَلَمَاءَ تَعْلَمُونَ ولا كعبيد أتقياء وَلا كَاحرارٍ كِرَامٍ تُوشِكُ الدُّنيا أن تَقْتَلِعَكُمْ مِنْ أُصُولِكُمْ فَتَقَلبَكُمْ عَلَى وجُوهِكُمْ ثمَّ تَكَبَّكُمْ عَلَى مَنَاخِرَكُمْ ثمَّ تَأْخُذَ خَطايا كُم بِنَوَاصِيكُمْ وَيَدْفَعَكُمُ العِلْمُ مِنَ خلفكُمْ حتّى يُسَلّمَا كُمْ إِلَى المَلِكِ الدَّيَّانِ عُراة فرادى فَيُجْزِيَكُمْ بِسُوءٍ أَعْمَالِكُمْ.
وَيْلَكُمْ يَا عبِيدَ الدُّنيا أَلَيْسَ بِالعِلْمِ أعْطِيتُمُ السُّلْطَانَ عَلَى جَمِيعِ الخَلائِقِ فَنَبَذَتُمُوهُ فَلَمْ تَعْمَلُوا به، وأقبلتُم عَلَى الدُّنيا فَبِها تَحْكُمُونَ وَلَهَا تَمَهُدُونَ وَإِيَّاهَا تُؤْثِرُونَ وَتَعْمُرُونَ، فَحَتَّى مَتى أَنتُمْ لِلدُّنْيَا، لَيْسَ للّه فِيكُمْ نَصِيبٌ.
بحقِّ أقولُ لَكُمْ : لَا تُدْرِكُونَ شَرَفَ الآخِرَةِ إِلَّا بِتَرْكِ مَا تُحِبُّونَ. فَلَا تَنْتَظِرُوا بِالتَّوْبَةِ غَداً، فَإِنَّ دُونَ غَدٍ يَوْماً وَ لَيْلَةٌ قَضاءُ اللّه فِيهِما يَعْدُو وَيَرُوحُ.
بحقِّ أقولُ لَكُمْ : إِنَّ صِغَارَ الخَطايا ومقراتها لِمَنْ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ : يُحَقِّرُ ما لَكُم وَيُصَغْرُها في أعْيُنِكُمْ فَتَجْتَمِعُ فَتَكْثَرُ وَ تَحِيطُ بكُم.
بحقِّ أقولُ لَكُمْ : إِن المنحة بالكذب وَالتَّرْكِيَةَ فِي الدِّين مِنْ رَأْسِ السُّرُورِ المَعْلُومَةِ وَإِن حُبُّ الدُّنيا لَرَأسَ كلّ خَطِيئَةٍ.
بحقِّ أَقُولُ لَكُمْ : لَيْسَ شَيْءٍ أَبْلَغَ فِي شَرَفِ الآخِرَةِ وَأَعُونَ عَلَى حَوادِثِ الدُّنيا مِنَ الصَّلاةِ الدَّائِمَةِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ أَقْرَبَ إِلَى الرَّحْمَنِ مِنْهَا فَدُومُوا عَلَيْهَا وَاسْتَكْثِرُوا مِنْهَا، وَكُلٌّ عَمَلٍ صَالِحٍ يُقَرِّبُ إِلَى اللّه فَالصَّلاةُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ وَآثَر عِنْدَهُ.
بحق أقولُ لَكُمْ: إِنَّ كلّ عَمَلِ المَظْلُومِ الّذي لَم ينتصر بِقَوْلِ وَلَا فِعْلٍ وَلَا حِقْدٍ هُوَ في مَلَكُوتِ السَّماءِ عظيم. أيكُمْ رَأى نُوراً اسمه ظلَمَة أَوْ ظَلَمَةٌ اسْمُهَا نُورُ كَذَلِكَ لا يَجْتَمِعُ لِلْعَبْدِ أن يكونَ مُؤْمِناً كَافِراً ولا مؤثراً لِلدُّنيا راغباً في الآخِرَةِ. وَهَلْ زَارِعُ يَحْصُدُ قَمْحاً أو زارِعُ قَمْحٍ يَحْصُدُ شَعِيراً، كَذلِكَ يَحْصُدُ كلّ عَبْدِ فِي الآخِرَةِ مَازَرَعَ وَيُجْرَى بما عمل.
ص: 508
بحَقِّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ النَّاس فِي الحِكْمَةِ رَجُلانِ : فَرَجُلٌ أَتقنها بِقَوْلِهِ وَضَيَّعَها بسُوءٍ فِعَليهِ، وَرَجُلٌ أتقنها بقولِهِ وَصَدَّقَهَا بِفِعْلِهِ، وَشَانَ بَيْنَهُمَا، فَطُوبَى لِلْعُلَماءِ بِالفِعْلِ وَوَيْلٌ لِلْعُلَماءِ بِالْقَوْلِ.
بحَقِّ أَقُولُ لَكُمْ : مَنْ لا ينقي مِنْ زَرْعِهِ الحَبيشَ يَكْثرُ فِيهِ حتّى يَعْمَرَهُ فَيُفْسِدَهُ وَكَذلِكَ مَنْ لا يُخْرِجُ مِنْ قَلْبِهِ حُبُّ الدُّنيا يَعْمُرُهُ حتّى لَا يَجِدَ لِحُبُّ الْآخِرَةِ طَعْمَاً.
ويلكم ياعيد الدُّنيا اتَّخِذُوا مَسَاجِدَ رَبكُم سُجُوناً لِأَجْسادِكُمْ وَاجْعَلُوا قُلُوبَكُم بيوتا التقوى ولا تجعلوا قُلُوبَكُمْ مَأوى لِلشَّهَوَاتِ.
بِحَقِّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ أَجْزَ عَكُمْ عَلَى البَلاءِ لَأَشَدُّكُمْ حُبّاً لِلدُّنيا. وَإِنَّ أَصْبَرَكُمْ عَلَى البَلاءِ لَا زُهَدُكُمْ فِي الدُّنيا.
وَيْلَكُمْ یا عْلَماء السَّوْءِ أَلَمْ تَكُونُوا أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ فَلَمَّا أَحْيَاكُمْ مُتُمْ. وَيْلَكُمْ ألَمْ تَكُونُوا أميينَ فَعَلَامَكُمْ، فَلَمَّا عَلَمَكُمْ نَسِيتُمْ. وَيْلَكُمْ ألَمْ تَكُونُوا جفاة فقهكُم اللّه، فَلَمَّا فَقكُمْ جَهِلْتُمْ وَيْلَكُمْ أَلَمْ تَكُونُوا خُلاَلاً فَهَدَاكُمْ، فَلَمَّا هَدَاكُمْ ضَلَلْتُم. وَيْلَكُمْ ألَمْ تَكُونُوا عُمياً فَبَصَرَ، فَلَمَّا بَصَرَكُم عَمِيتم.
ويلَكُمْ أَلَمْ تَكُونُوا صُمَّا فَأَسْمَعَكُمْ فَلَمَّا أَسْمَعَكُمْ ويلكم ألم تكونوا كما فأنطقكُم، فَلَما أَنطَقَكُم بكتم. ويلكم ألم تستفتحوا، فَلَمَّا فَتَحَ لَكُمْ نَكَصْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ. ويلَكُمْ أَلَمْ تَكُونُوا أَذِلَّةً فَأَعَزَّكُمْ، فَلَمَّا عَزَزْتُم قَهَرْتُمْ وَ اعْتَدِيتُم وَعَصَبْتُمْ، وَيْلَكُم أَلم تكونوا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاس فَنَصَرَكُمْ وَأَيَّدَكُم، فَلَمَّا نَصَرَكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ وَتَجَبَرتُمْ. فَيا وَيْلَكُمْ مِنْ ذُلِّ يَومَ القِيامَةِ كَيْفَ يُهينكُمْ وَيُصَغَرُكُم.
وياوَيْلَكُمْ يَاعْلَمَاءَ السَّوءِ إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ عَمَلَ الْمُلْحِدِينَ وَتَأْمُلُونَ أَمَلَ الوَارِثِينَ (1) وَتَطْمَئِنُونَ بِطَمَانِينَةِ الآمِنِينَ، وَلَيْسَ أمْرُ اللّه عَلى ما تَتَمَنَّونَ وَتَتَخَيَّرُونَ بَلْ لِلْمَوْتِ تتَوالَدُونَ وَلِلْخَرابِ تَبْنُونَ وَ تَعْمُرُونَ وَلِلوارِثِينَ تَمْهَدُونَ.
بحقِّ أقولُ لَكُمْ: إِنَّ مُوسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) كَانَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ لَا تَحْلِفُوا باللّه صَادِقِينَ وَلَا كَاذِبينَ ولكن قولوا : لا وَنَعَمْ ؛ يابَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَيْكُمْ بِالبَقْلِ البَرِّي وَخُبْزِ السَّعِيرِ، وَإِيَّاكُمْ
ص: 509
وَخُبز البرّ، فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم أن لا تقوموا بشكره.
بحق أقولُ لَكُم : إِنَّ النَّاس مُعافى وَمُبْتَلَى فَاعْدُوا اللّه عَلَى العَافِيَةِ وَارْحَموا أَهْلَ البَلاءِ.
بحق أقولُ لَكُمْ: إِنَّ كلّ كَلِمَةٍ سيّئة تَقُولُونَ بها تعطونَ جَوابَها يَوْمَ القِيامَةِ. يا عبيد السَّوْءِ إِذا قَرَّبَ أَحَدُكُمْ قُرْبانَهُ لِيَذْبَحَهُ فَذَكَرَ أَنَّ أَخَاهُ وَاحِدٌ عَلَيْهُ (1) فليترك قُرْبانَهُ وَلْيَذْهَبْ إِلَى أَخِيهِ فَلْيُرْضِهِ ثمَّ لَيَرْجِعْ إِلَى قُرْبانِهِ فَلْيَذْبَحَهُ.
ياعبيد السَّوْءِ إِنْ أُخِذَ (2) قَمِيصُ أَحَدِكُمْ فَلْيُعْطِ رِداءَهُ مَعَهُ. وَمَنْ لَطِمَ خَدَّهُ مِنكُمْ فَلْيمكِن مِنْ خَدَّهِ الآخَرِ. وَمَنْ سُخْرَ مِنكُم ميلا (3) فَلْيَذْهَبْ مِيلاً آخَرَمَعَهُ.
بحقِّ أقولُ لَكُمْ : ماذا يُغْنِي عَنِ الجَسَدِ إِذا كَانَ ظَاهِرُهُ صَحِيحاً وَبَاطِنُهُ فَاسِداً. وما تغني عنكم أجْسادُكُمْ إذا أعْجَبَتْكُمْ وَقَد فَسَدَتْ قُلُوبُكُمْ وَمَا يُغْنِي عَنكُمْ أَن تَنقُوا جُلُودَكُمْ وَقُلُوبِكُمْ دَنِسَة.
بحقِّ أَقُولُ لَكُمْ : لا تَكُونُوا كَالنَّخْلِ يُخْرِجُ الدَّقيقَ الطَّيِّبِ وَيُمْسِكُ النَّخَالَةَ كَذَلِكَ أَنْتُمْ تُخْرِجُونَ الحِكْمَةَ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ وَيَبْقَى الغِل في صُدورِكُمْ.
بحَقِّ أَقُولُ لَكُمْ : اِبْدَؤُوا بِالشَّرِّ فَاتْرُكُوهُ ثمَّ اطْلُبُوا الخَيْر ينفعكُمْ، فَإِنَّكُمْ إِذَا جمعتُمُ الخَير مَعَ الشِّرَ لَمْ يَنْفَعُكُمُ الخَيْرُ.
بحقِّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ الّذي يَخُوضُ النَّهْر لَا بُدَّ أَنْ يُصِيبَ تَوْبَهُ المَاءُ وَإِنْ جَهَدَ أَنْ لا يصيبَهُ كَذلِكَ مَنْ يُحِبُّ الدُّنيا لَا يَنْجُومِنَ الخَطَايَا.
بحقِّ أقولُ لَكُمْ: طُوبَى لِلَّذِينَ يَتَهَجَدُونَ مِنَ اللَّيْلِ أُولئِكَ الّذين يَرِثُونَ النُّور الدَّائِمَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ قَامُوا في ظُلْمَةِ اللَّيْلِ عَلَى أَرْجُلِهِمْ فِي مَسَاجِدِهِمْ ؛ يَتَضَرَّعُونَ إِلَى ربّهم رَجَاءَ أَنْ يُنْجِيَّهُمْ فِي الشِّدَّةِ غَداً.
بحقِّ أقولُ لَكُمْ: إِنَّ الدُّنيا خُلِقَتْ مَزرَعَةٌ تَزْرَعُ فِيهَا العِبادُ الحُلْوَ وَالمُرّ والشرۀ
ص: 510
والخير، والخَير لَهُ مَغَبَة نافِعَةٌ يومَ الحِسَابِ وَالشَّرَلَهُ عَنَاهُ وَشَقَاءٌ يَوْمَ الحَصَادِ.
بحقِّ أَقُولُ لَكُم : إِنَّ الحَكِيمَ يَعْتَبِرُ بِالجَاهِلِ، وَالجَاهِلُ يَعْتَبِرُ بِهَواهُ. أوصِيكُمْ أنْ تَحْتِمُوا عَلَى أَفْوَاهِكُمْ بِالصَّمْتِ حتّى لا يَخْرُجَ مِنْهَا مَا لَايَحِلَّ لَكُمْ.
بحقِّ أقولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ لا تُدْرِكُونَ مَا تَأْمُلُونَ إِلَّا بِالصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُونَ، وَلَا تَبْتَغُونَ مَا تُرِيدُونَ إِلَّا بَتَرْكِ مَا تَشْتَهُونَ.
بحق أقولُ لَكُم : يا عَبِيدَ الدُّنيا كَيفَ يُدْرِكُ الآخِرَةَ مَنْ لَا تَنْقُصُ شَهَوَتُهُ مِنَ الدُّنيا ولا تنقطع منها رغبته.
يحَقٍ أقول لكم : يا عَبِيدَ الدُّنيا مَا الدُّنيا تُحِبُّونَ وَلَا الآخِرَةَ تَرْجُونَ ؛ لَو كنتم تُحِبُّونَ الدُّنيا أكَرَمْتُمُ العَمَلَ الّذي بِه أدركتُمُوهَا وَلَوْ كُنتُم تُرِيدُونَ الآخِرَةَ عَمِلْتُم عمل مَنْ يَرْجُوها.
بحق أقولُ لَكُم : ياعبيد الدُّنيا إِنَّ أَحَدَكُمْ يُبْغِضُ صَاحِبَهُ عَلَى الظَّنَّ وَلَا يُبْغِضُ نَفْسَهُ على اليقين.
بحق أقُولُ لَكُم : إِنَّ أَحَدَكُمْ ليغضَبُ إِذا ذكر له بعض عُيُوبِه وَهِي ویفرح إِذَا مُدحَ بِمَا لَيْسَ فِيهِ.
بحقِّ أقولُ لَكُم : إِنَّ أرواح الشياطين ماعُمّرَتْ فِي شَيْءٍ مَا عُمّرَتْ فِي قُلُوبِكُمْ. فَإِنَّمَا أَعْطَاكُمُ اللّه الدُّنيا لِتَعْمَلُوا فِيهَا لِلآخِرَةِ وَلَمْ يُعْطِكُمُوهَا لِتَشْغَلَكُمْ عَنِ الآخِرَةِ وَإِنَّمَا بَسَطَها لَكُم لِتَعْلَمُوا أَنَّه أعانَكُمْ بِها عَلَى العِبادَةِ وَلَمْ يُعِضُكُم بِها عَلَى الخَطايا. و إِنَّما أَمرَكُم فيها بِطاعَتِهِ وَلَمْ يَأْمُرُكُم فيها بِمَعْصِيَتِهِ، وَإِنَّمَا أَعَانَكُمْ بِهَا عَلَى الحَلالِ وَلَمْ يُحِل لَكُم بِهَا الحَرامَ، وَإِنَّمَا وَسَّعَها لَكُم لِتَواصَلُوا فِيها وَ لَمْ يُوَسْعَهَا لَكُمْ لتقاطعوا فيها.
بحقِّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ الأَجْرَ مَحْرُوصٌ عَلَيْهِ وَلا يُدْرِكُهُ إِلا مَنْ عَمِلَ لَهُ.
بحقِّ أقولُ لَكُمْ: إِنَّ الشَّجَرَةَ لا تكمل إلَّا ثَمَرَةٍ طَيِّبَةٍ، كَذَلِكَ لا يَكُمُلُ الدِّين إِلَّا بالتحرج عن المحارم. (1)
ص: 511
بحق أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ الزَّرْعَ لَا يَصْلُحُ إِلَّا بِالمَاءِ وَالتَّرَابِ، كَذَلِكَ الإِيمَانُ لا يَصْلُحُ إلا بالعِلْمِ وَالعَمَلِ.
بحق أقولُ لكُم: إن الماء يُطْفِي النَّارَ؛ كَذلِكَ الحِلْمُ يُطْفِي العَضَبَ.
بحق أقولُ لَكُم : لا يجتمع الماء والنار في إناء واحِدٍ ؛ كَذَلِكَ لا يَجْتَمِعُ الفِقَهُ وَالعَمَى في قلب واحد (1).
بحَقِّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لا يَكُونُ مَطَرُ بِغَيْرِ سَحَابٍ، كَذَلِكَ لَا يَكُونُ عَمَل فِي مَرْضَاتِ الرب إلا بقلب نقيّ (2).
بحقِّ أقولُ لَكُمْ: إِنَّ الشَّمْسَ (3) نُورُ كلّ شَيْءٍ وَإِنَّ الحِكْمَةَ نُورُ كلّ قَلْبٍ، وَالتَّقْوى رَأْسُ كلّ حِكْمَةِ، وَالحَق بابُ كلّ خَيْرٍ، وَرَحمَةَ اللّه بابُ كلّ حَقٌّ، وَمَفَاتِيحُ ذَلِكَ الدُّعَاءُ وَالتَّضَرَّعُ وَالعَمَلُ ؛ وَكَيْفَ يفتح باب بِغَيرِ مِفتاح.
بحقِّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ الرَّجُلَ الحَكِيمَ لا يَغْرِ ة إِلَّا شَجَرة يرضاها وَلَا يَحْمِلُ عَلَى خَيْلِهِ إِلَّافَرَساً يَرْضَاهُ، كَذلِكَ الْمُؤْمِنُ العَالِمُ لا يَعْمَلُ إِلا عَمَلاً يَرْضَاهُ رَبُّهُ.
بحقِّ أقُولُ لَكُم : إِنَّ الصَّفَالَةَ تُصلِحُ السَّيْفَ وَتَجْلُوهُ، كَذَلِكَ الحِكْمَةُ لِلْقَلْبِ تَصْقُلُهُ وَتَجلُوهُ، وَهِيَ فِي قَلْبِ الحكيم مِثْلُ الماءِ فِي الْأَرْضِ المَيْتَةِ تَحْيِي قَلْبَهُ كَمَا يُحْيِي الماء الأَرْضَ المَيِّتَةَ، وَهِيَ فِي قَلْبِ الحَكِيمِ مِثْلُ النُّورِ فِي الظُّلْمَةِ يَمْشِي بِهَا فِي النَّاس.
بحقِّ أقولُ لَكُمْ: إِنَّ نَقَلَ الحِجَارَةِ مِنْ رُؤوسِ الجِبَالِ أَفْضَلُ مِنْ أَنْ تُحَدَّثَ مَنْ لا يَعْقِلُ عَنْكَ حَدِيثَكَ، كَمَثَلِ الّذي يَنفَعُ الحِجَارَةَ لِتَلِينَ (4) وَكَمَثَلِ الّذي يَصْنَعُ الطَّعَامَ لِأَهْلِ القُبُورِ. طُوبَى لِمَنْ حَبَسَ الفَضْلَ مِنْ قَوْلِهِ الّذي يَخَافُ عَلَيْهِ المَقْتَ مِنْ ربّه وَلا يُحَدِّثُ حَدِيثًا إلا يفهم (5) وَلا يَغْبِطُ امْراً في قَوْلِهِ حتّى يَسْتَبِينَ لَهُ فِعله. طُوبَى لِمَنْ تَعَلَّمَ مِنَ الْعُلَماءِ مَا جَهِلَ. وَعَلَمَ الجَاهِلَ مِمَا عُلَّمَ. طُوبَى مِنْ عَظَمَ العُلَمَاء لِعِلْمِهِمْ وَ ترَكَ مُنازَعَتِهِمْ وَصَغَّرَ الجُهَّالَ لِجَهْلِهِمْ وَلَا يَطْرُدُهُمْ وَلَكِن يُقرِّبهُمْ وَيُعَلِّمُهُم
ص: 512
بحق أقولُ لكُم: يا معشر الحواريينَ إِنَّكُمْ اليَوْمَ في النَّاس كَالأَحَياءِ مِنَ الموتى فَلا تَمُوتُوا بِمَوْتِ الأحياء.
وَقالَ المَسيحُ : يَقُولُ اللّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَحْزَنُ عَبْدِي الْمُؤْمِنْ أَنْ أَصْرِفَ عَنْهُ الدُّنيا وذلك أَحَبُّ مَا يَكُونُ إِلَيَّ وَأَقْرَبُ مَا يَكُونُ مِنِّي، وَيَفْرَحُ أَنْ أُوَسْعَ عَلَيْهِ فِي الدُّنيا وَذَلِكَ أَبْغَضُ مَا يَكُونُ إِلَى وَأَبْعَدُ مَا يَكُونُ مِنِّى.
وَالحَمدُ لِلّهِ رَبِّ العالمين وصلى اللّه على عملي و آله وسلم تسليماً.
أوصيكم بتقوى اللّه وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللّه وَأَنَّ غَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ اتَّقُوا اللّه وَقُولُوا قولاً معروفاً. وَابْتَغُوا رِضوانَ اللّه وَاخْشَوْا سَخَطَهُ. وَحَافِظُوا عَلَى سُنَّةِ اللّه وَلَا تَتَعدوا حُدُودَ اللّه. وَرَاقِبُوا اللّه في جَمِيعِ أُمُورِكُمْ. وَارْضَوا بِقَضَائِهِ فيما لكم عليكم.
ألا وعليكُم بِالأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنِ الْمُنكَرِ.
ألْا وَمَنْ أَحْسَنَ إِلَيْكُمْ فَرِيدُوهُ إِحْسَانًا وَاعْفُوا عَمَّنْ أَسَاءَ إِلَيْكُمْ. وَافْعَلُوا بِالنَّاسِ ما تُحِبُّونَ أَنْ يَفْعَلُوهُ بِكُم.
أَلَا وَخَالِطُوهُمْ بِأَحْسَنِ مَا تَقْدِرُونَ عَلَيْهِ وَإِنَّكُمْ أَخرى أَنْ لا تَجْعَلُوا عَلَيْكُمْ سبيلاً عَلَيْكُمْ بِالفِقْهِ فِي دِينِ اللّه وَالوَرَعِ عَنْ مَحَارِمِهِ وَحُسْنِ الصَّحابَةِ لِمَنْ صَحِبَكُمْ كان أو فاجراً.
أَلَا وَعَلَيْكُم بِالوَرَعِ الشَّدِيدِ ؛ فَإِنَّ مِلاكَ الدِّين الوَرَعُ. صَلُّوا الصَّلَواتِ لطَواقِيتِها وَأَدوا الفَرَائِضَ عَلَى حُدودِها.
أَلاَ وَلَا تَقَصِّرُوا فِيمَا فَرَضَ اللّه عَلَيْكُمْ وَبِمَا يَرْضَى عَنكُمْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يَقُولُ : «تَفَقَّهُوا فِي دِينِ اللّه وَلَا تَكُونُوا أَعراباً، فَإِنَّهُ مَنْ لَمْ يَتَفَقَّهُ فِي دِينِ اللّه لَمْ يَنْظُرِ اللّه إِلَيْهِ يَومَ القِيامَةِ». وَعَلَيْكُمْ بِالْقَصْدِ فِي الغِنى وَالفَقْرِ. وَاسْتَعِينُوا بِبَعْضِ الدُّنيا عليُّ الآخِرَةِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يَقُولُ : «اِسْتَعِينُوا بِبَعْضِ هَذِهِ عَلَى هَذِهِ وَلَا تَكُونُوا كَلَّا عَلَى النَّاس» عَلَيْكُمْ بِالبِرِّ بِجَمِيعِ مَنْ خَالَطَتُمُوهُ وَحُسْنِ الصنيعِ إِلَيْهِ.
ص: 513
أَلَا وَإِيَّاكُمْ وَالبَغْيَ، فَإِنَّ أَبَا عَبْدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) كَانَ يَقُولُ: «إِنَّ أَسْرَعَ الشَّرِّ عُقُوبَةُ البَغْيِ». أدّوا مَا افْتَرَضَ اللّه عَلَيْكُمْ مِنَ الصَّلاةِ وَالصَّوْمِ وَسَايِرِ فَرائِضِ اللّه وَأدوا الزَّكَاةَ المَفْرُوضَةَ إلَى أَهْلِها فَإِنَّ أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : «يا مُفَضَلُ قُل لأَصْحَابِكَ : يَضَعُونَ الزَّكَاةَ فِي أَهْلِها وَإِنِّي ضا مِنْ لِمَاذَهَبَ لَهُمْ». عَلَيْكُم بولاية آل محمَّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ). أَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَلَا يَغْتَبْ بعضُكُم بَعْضاً. تَزَاوَرُو او تحابّوا وليُحْسِن بعضُكُم إِلَى بَعْضٍ، وَتَلَاقُوا وَ تَحَدَّنُوا وَلَا يُبْطِنَن بَعْضُكُم عَنْ بَعْضٍ (1) وَإِيَّاكُمْ وَالتَّصَارُم وَإِيَّاكُمْ وَالهِجْرَانَ فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يَقُولُ : واللّه لا يفترقُ رَجُلَانِ مِنْ شِيعَتِنَا عَلَى الهِجْرَانِ إِلا بَرِئْتُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَعَنَتُهُ وَأَكْثَرُ ما أَفْعَلُ ذلك بكليهما، فَقَالَ لَهُ مُعَتِّبُ (2): جُعِلْتُ فَدَاكَ هَذَا الظَّالِمُ فَمَا بَالُ المَظْلُومِ ؟ قَالَ لِأَنَّهُ لا يَدْعُو أَخاهُ إِلَى صِلَتِهِ، سَمِعْتُ أَبِي وَهُوَ يَقُولُ : إِذَا تَنَازَعَ إِثْنَانِ مِنْ شِيعَتِنَا فَفَارَقَ أَحَدُهُمَا الآخر فليرجع المظلُومُ إِلى صَاحِبِهِ حتّى يَقُولَ لَهُ : يا أخي أَنَا الظَّالِمُ حتّى يَنقَطِعَ الهِجران فيما بَيْنَهُما، إِنَّ اللّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَكَمْ عَدَل يَأْخُذُ لِلمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ، لا تحقروا ولا تَجفُوا فُقَراءَ شِيعَةِ آلِ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وَأَلْطِفُوهُمْ وَأَعْطُوهُمْ مِنَ الحقّ الّذي جَعَلَهُ اللّه لَهُم في أمْوالِكُمْ وَأَحْسِنُوا إِلَيْهِمْ، لَا تَأْكُلُوا النَّاس بِآلِ محمّد، فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يَقُولُ: افتَرَقَ النَّاس فينا عَلَى ثَلَاثِ فَرِقٍ : فِرقَةٌ أَحَبُّونَا انْتِظَارَ قَائِمِنَا لِيُصِيبُوا مِن دُنْيانَا، فَقَالُوا وَحَفِظُوا كَلامنا وَقَصَرُوا عَنْ فَعَلِنَا، فَسَيَحْشُرُهُمُ اللّه إِلَى النَّارِ. وَفِرقَةُ أَحَبُّونَا وَسَمِعوا كَلامَنَا وَلَمْ يُقَصِّرُوا عَنْ فِعْلِنَا، لِيَسْتَأْكِلُوا النَّاس بِنا فَيَمْلَا اللّه بُطُونَهُم نَاراً يُسَلِطُ عَلَيْهم الجُوعَ وَالعَطَشَ. وَفِرْقَةٌ أَحَبُّونَا وَحَفِظُوا قَولَنَا وَأَطَاعُوا أَمْرَنَا وَلَمْ يُخَالِفُوا فَعَلَنَا فاوَلَئكَ منا وَنَحْنُ مِنْهُمْ، وَلَا تَدَعُوا صِلَةَ آلِ محمّدٍ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) مِنْ أمْوالِكُمْ : مَنْ كَانَ غَنِياً فَبِقَدْرِ غِنَاهُ وَمَنْ كان فقيراً فَبِقَدْرِ فَقْرِهِ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْضِي اللّه لَهُ أَهُم الحَوَائِجِ إِلَيْهِ فَلْيَصِلْ آلَ محمّد وَشِيعَتَهُمْ
ص: 514
بأحوج ما يَكُونُ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ لا تَغْضِبُوا مِنَ الحقّ إِذَا قِيلَ لَكُمْ. وَلَا تُبْغِضُوا أَهْلَ الحقّ إِذا صَدَعُوكُمْ بِهِ، فَإِنَّ المُؤمِنَ لا يَغْضِبُ مِنَ الحقّ إذا صُدِعَ بِه.
وقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) مَرَّةٌ وَأَنَا مَعَهُ : يَا مُفَضَّلُ كَمْ أَصْحَابَكَ، فَقُلْتُ : قَلِيلٌ، فَلَمَّا انصرفتُ إِلى الكَوفَةِ أَقْبَلَتْ عَلَى الشَّيعَةُ فَمَزَّقونِي كلّ مُمَزَّقٍ : يَأْكُلُونَ لَحْمِي وَيَشْتمُونَ عِرْضِي حتّى إِنَّ بَعَضَهُمْ اِسْتَقْبَلَنِي فوثب في وَجْهِي وَبَعضَهُمْ فَعَدَلِي فِي سِكَكِ الكُوفَةِ يُرِيدُ ضُربي، وَرَمَوْنِي بكلّ بُهْتَانٍ حتّى بَلَغَ ذَلِكَ أَبَا عَبْدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَيْهِ فِي السَّنة الثَّانية كانَ أَوَّلَ مَا اسْتَقْبَلَنِي بِهِ بعد تسليمِهِ عَلَيَّ أَنْ قَالَ : يَا مُفَضَّلُ مَا هَذَا الّذي بِلَغَنِي أَنَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ لَكَ وَفِيكَ ؟ قَلْتُ : وَمَاعَلَيَّ مِنْ قَوْلِهِمْ، قَالَ : «أَجَلٌ بَلْ ذلِكَ عَلَيْهِمْ، أَيَعْضِبُونَ بُؤساً لَهُمْ، إِنَّكَ قُلْتَ : إِنَّ أَصْحَابَكَ قَليل، لا واللّه ماهُم لَنَا شِيعَةُ ولو كانُوا لَنَا شِيعَةَ مَاعَضِبُوا مِنْ قَوْلِكَ وَمَا اشْمَأَروا مِنْهُ ؛ لَقَدْ وَصَفَ اللّه شِيعَتَنا بِغَيْرِ مَاهُم عَلَيْهِ، وَمَا شِيعَةُ جَعْفَرٍ إِلَّا مَنْ كَفَ لِسَانَهُ وَعَمِلَ لِخَالِقِهِ وَرَجَا سَيْدَهُ وَخَافَ اللّه حَقَّ خِيفَتِهِ، ويحهم أفيهِم مَنْ قدْ صَارَ كَالحَنايَا مِنْ كَثرَةِ الصَّلَاةِ، أَوْ قَدْ صَارَ كَالتَّائِهِ مِنْ شِدَّةِ الخَوْفِ أو كالضَّرِيرِ مِنَ الخُشُوعِ، أو كَالضَّنِي مِنَ الصِّيامِ، أَوْ كَالأَخْرَسِ مِنْ طُولِ الصَّمْتِ والسكوتِ، أَوْهَلْ فِيهِمَ مَنْ قَدْ أَدابَ لَيْلَهُ مِنْ طُولِ القِيَامِ وَأَدْأَبَ نَهَارَهُ مِنَ الصِيَامِ، أو مَنَعَ نَفْسَهُ لَذَاتِ الدُّنيا وَ نَعِيمَها خَوفا مِنَ اللّه وَشَوقاً إِلَيْنَا - أَهْلَ الْبَيْتِ - أَنَّى يَكُونُون لنا شيعة وإنهم ليخاصِمُونَ عَدُونا فينا حتّى يَزِيدُوهُمْ عَدَاوَةَ وَإِنَّهُمْ لَيَهرُّونَ هَرِيرَ الكَلْبِ وَيَطْمَعُونَ طَمَعَ الغُرَابِ، وَأَما إِنِّي لَوْلا أَنَّني أَتَخَوَّفُ عَلَيْهِمْ أَنْ أَغْرِيَهُمْ بِكَ لَأَمَرْتُكَ أنْ تَدْخُلَ بَيْنَكَ وَتغلق بابكَ ثمَّ لَا تَنظُرَ إِلَيْهِمْ ما بقيت ولكن ان جاؤوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُم، فَإِنَّ اللّه قَدْ جَعَلَهُمْ حُجَّةً عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَاحْتَجَ بِهِمْ عَلَى غَيْرِهِمْ».
لا تَغُرَّنَّكُمُ الدُّنيا وَمَا تَرَوْنَ فِيها مِنْ نَعِيمِها وَزَهْرَتِها وَبَهْجَتِهَا وَمُلْكِها فَإنَّها لا تصلح لكم، فواللّه ما صَلُحَتْ لِأَهْلِها وَالحَمْدُ للّه رَبِّ العالَمينَ وَصَلَّى اللّه عَلَى سَيِّدِنَا عمل النبي وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ.
تم الكتاب بعون الملك الوهاب
و الْحَمْدُ للّه الّذي مَنْ عَلَيَّ فضلا مِنْهُ بِتَصْحِيح هذا السِّفْرِ القَيمِ وَالتَّعْلِيقِ عَلَيْهِ وَوَفَّقَني لإتمامه، وَذَلِكَ مِنْ فَضْلِهِ وَمَنْه.
على أكبر الغفاري 1376
ص: 515
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه وصلى اللّه على محمَّد نبي اللّه وعلى آله آل اللّه
لقد قامت مؤسسة الانتشارات التابعة لجماعة المدرسين في الحوزة العلميَّة بقم المشرفة بنشاطات واسعة في مجال نشر المعرفة واحياء التراث الاسلامي ونستطيع ان نسجل هنا مايلي :
ا: الكتب الّتي أنجز طبعها ونشرت وهي :
الكتاب / المؤلف
الآداب الطبية / للسيد جعفر مرتضى العاملي
الاختصاص / للشيخ المفيد
الأمالي / للشيخ المفيد
التوحيد / للشيخ الصدوق
الحدائق الناضرة 9- 15 / للبحراني
الحياة السياسية للامام الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) / للسيد جعفر مرتضى العاملي
الخصال مع فهرس الاعلام / للشيخ الصدوق
الدليل الى موضوعات الصحيفة السجادية الرسائل العشر / للشيخ الطوسي
شرح مئة كلمة / لا بن ميثم البحراني ولعبد الوهاب وللوطواط
العدل الالهي / للمفكر الاسلامي الكبير الشهيد مرتضى المطهري
كتاب الخمس والأنفال / لسماحة آية اللّه المنتظري
مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان 1-3 / للمحقّق المقدس الأردبيلي
المحجة البيضاء ج 1-8 / للفيض الكاشاني
ص: 516