خلف جدران السقيفة

هوية الكتاب

الأمانة العامة

قسم الشؤون الدينية شعبة البحوث والدراسك

خَلفُ جّدران

السَقَیفة

الشيخ نجم الدين طبسي

مصدر الفهرسة : IQ-KAPLI ara IQ-KaPLI rda

رقم تصنيف : BP166.9.T332019LC

المؤلف الشخصي : الطبسي نجم الدين، 1355 للهجرة -

العنوان :خلف جدران السقيفة.

بيان المسؤولية : الشيخ نجم الدين طبسي.

بيانات الطبع : الطبعة الاولى.

بيانات النشر : كربلاء، العراق : العتبة الحسينية المقدسة قسم الشؤون الدينية، شعبة البحوث والدراسات 2019 / 1440 للهجرة.

الوصف المادي : 391 صفحة؛ 24 سم.

سلسلة النشر : (العتبة الحسينية المقدسة؛ 716).

سلسلة النشر: (قسم الشؤون الدينية، شعبة البحوث والدراسات؛ 91).

تبصرة ببليوجرافية : يتضمن هوامش.

مصطلح موضوعي : الخلافة (شيعة) .

مصطلح موضوعي : التاريخ الإسلامي - عصر صدر الإسلام، 610 - 661 – وقائع مهمة.

مصطلح موضوعي : الإسلام - تاريخ.

مصطلح موضوعي : علي بن أبي طالب علیه السلام الامام الاول ، 23 قبل الهجرة 40 للهجرة.

مصطلح موضوعي الصحابة والتابعون.

مصطلح موضوعي : الحديث – رواية.

اسم هيئة اضافي : العتبة الحسينية المقدسة (كربلاء، العراق)، قسم الشؤون الدينية ،شعبة البحوث والدراسات. جهة مصدرة.

تمرت الفهرسة قبل النشر فى مكتبة العتبة الحسينية المقدسة التصميم والإخراج الفني: علي جبار

ص: 1

اشارة

مصدر الفهرسة : IQ-KAPLI ara IQ-KaPLI rda

رقم تصنيف : BP166.9.T332019LC

المؤلف الشخصي : الطبسي نجم الدين، 1355 للهجرة -

العنوان :خلف جدران السقيفة.

بيان المسؤولية : الشيخ نجم الدين طبسي.

بيانات الطبع : الطبعة الاولى.

بيانات النشر : كربلاء، العراق : العتبة الحسينية المقدسة قسم الشؤون الدينية، شعبة البحوث والدراسات 2019 / 1440 للهجرة.

الوصف المادي : 391 صفحة؛ 24 سم.

سلسلة النشر : (العتبة الحسينية المقدسة؛ 716).

سلسلة النشر: (قسم الشؤون الدينية، شعبة البحوث والدراسات؛ 91).

تبصرة ببليوجرافية : يتضمن هوامش.

مصطلح موضوعي : الخلافة (شيعة) .

مصطلح موضوعي : التاريخ الإسلامي - عصر صدر الإسلام، 610 - 661 – وقائع مهمة.

مصطلح موضوعي : الإسلام - تاريخ.

مصطلح موضوعي : علي بن أبي طالب علیه السلام الامام الاول ، 23 قبل الهجرة 40 للهجرة.

مصطلح موضوعي الصحابة والتابعون.

مصطلح موضوعي : الحديث – رواية.

اسم هيئة اضافي : العتبة الحسينية المقدسة (كربلاء، العراق)، قسم الشؤون الدينية ،شعبة البحوث والدراسات. جهة مصدرة.

تمرت الفهرسة قبل النشر فى مكتبة العتبة الحسينية المقدسة التصميم والإخراج الفني: علي جبار

ص: 2

مقدمة المولف

يطلق مصطلح أصول الدين على الأسس التي يقوم عليها الإسلام. ولاشك أن الشهادة بوحدانية الله ورسالة النبي الأكرم صلی الله علیه وآله وسلم من أصول الدين و لا حظّ من الإسلام لمن لا يؤمن بهذين الأصلين. وتفيد بعض آيات القرآن والروايات المنبثة في كتب الحديث للفريقين بأن الإمامة كذلك من أصول الدين ولا يتحقق إسلام المرء بدون الاعتقاد بها. وأن إنكارها مُخرج من دائرة الإسلام.

ولاريب في أن السؤال الذي يوجهه الله إلى المسلمين بقوله {أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم }.(1)

ليس سؤالاً استفهامياً لأن ذلك يستلزم الجهل المحال على الله . فلابد إذن من حمله على التوبيخ أو الاستنكار. والاستفهام التوبيخي والاستنكاري لا يتمان إلاّ على ما وقع من الأفعال أو ما هو مؤكد وقوعه في المستقبل. بناءً على هذه المقدمة لابد من القول: إن الله علم أن بعض المسلمين سوف يرتدون بعد وفاة النبي صلّی الله علیه وآله وسلم ويعودون إلى جاهليتهم وأن ذلك واقع منهم حتماً لذلك استعمل صيغة الماضي للفعل. وللننظر الآن عن أي اصل من أصول الدين ارتد المسلمون وأصحاب النبي صلّی الله علیه وآله وسلم بعد رحيله وهو ما وبخهم عليه القرآن ووصفه بالانقلاب والارتداد إلى الماضي ؟ فهل رجعوا عن توحيد الله ورسالة نبيه ؟ بالنظر إلى التاريخ والحوادث التي تلت وفاة النبي صلّی الله علیه وآله وسلم يتبين أن المسلمين لم يفقدوا الإيمان بالتوحيد وبنبوة محمد صلّی الله علیه وآله وسلم ولم يشكوا فيهما ولم يختلفوا عليهما أبداً. بل تفيد الحوادث بأن الأصل الذي ارتدوا عنه هو أصل الإمامة وواقعة الغدير. وبهذا استحقوا توبيخ الله ولومه.

ص: 3


1- آل عمران (3) ، الآية 144 .

هذا وتزخر كتب الحديث السنية بروايات من قبيل «من مات ولا إمام له مات ميتة جاهلية» (1)و«يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي فيجلون عن الحوض فأقول: يا ربّ أصحابي ! فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى»(2)و«ألا ومن مات علی حب آل محمد مات علی السنة والجمالة ...ومن مات علی بغض آل محمد مات کافرا»(3) و«أساس الإسلام حبي وحب أهل بیتي »(4)وأما ترضی أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى»(5)، و«من أحبّك حفّ بالأمن والإيمان ومن أبغضك أماته الله ميتة الجاهلية»(6) تبين أن حب آل النبي صلّی الله علیه وآله وسلم هو أساس الإسلام وجذره وبنيانه وأن الموت بدون معرفة الإمام موت جاهلي. وأن منزلة علي علیه السلام من النبي صلّی الله علیه وآله وسلم کمنزلة هارون من موسى علیه السلام . وأن غضب الله من بعض المسلمين والصحابة جاء لارتدادهم. وتقودنا هذه الروايات جميعها إلى أهمية أصل الإمامة وترشدنا إلى أن الاعتقاد بها

ص: 4


1- مضمون هذا الحديث من المضامين المؤكدة والمقبولة لدى جميع المسلمين. وقد ورد في كتب حديث أهل السنة بألفاظ من قبيل "من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية" و "من" مات ولا طاعة عليه مات ميتة جاهلية" و "من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية" و " من مات وليس عليه إمام جماعة فإن موتته موتة جاهلية" و " من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية" و " من مات وليست عليه طاعة مات ميتة جاهلية". وللمزيد من الاطلاع على الروايات المختلفة لهذا الحديث، راجع : مسند أحمد بن حنبل، ج2، ص111، وج3، ص 446، وج 4 ، ص 96 ؛ صحيح ابن حبان، ج 10 ، ص 434 ؛ المعجم الأوسط، ج 1، ص 80 ، الحديث 225، وج 4 ، ص 232، الحديث 5819 ؛ المعجم الكبير، ج 19 ، ص 335، الحديث ،769 ، حديث ذكوان أبي صالح السمان عن معاوية، وج19، ص388، الحديث 910، حدیث شریح بن عبيد عن معاوية ؛ المستدرك على الصحيحين، ج 1، ص 204، کتاب العلم، الحديث 114/403؛ المصنف في الأحاديث والآثار، ج 8، ص 605 ، كتاب الفتن من كره الخروج في الفتنة وتعوذ عنها، الحديث 92 ؛ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، ج 5، ص 218 و 219 و 223 و 225، كتاب الخلافة، باب لزوم الجماعة وطاعة الأئمة والنهي عن قتالهم وباب لزوم الجماعة والنهي عن الخروج عن الأمة وقتالهم.
2- صحيح البخاري، ص 1335 ، كتاب الرقاق، باب 53 ، باب في الحوض الحديث 6585
3- الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل ، ج 4 ، ص 214 ذيل الآية 23 من سورة الشورى ؛ التفسير الكبير، ج 27 ، ص 166 ذيل الآية 23 من سورة الشورى.
4- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، ج13، ص 645، الحديث 37631.
5- صحيح البخاري، ص 753 ، كتاب فضائل أصحاب النبي (صلی الله علیه وآله ) ، باب مناقب علي ابن أبي طالب الحديث 3706 .
6- المعجم الكبير ، ج 11، ص 63 ، الحديث 11092 .

شرط من شروط دخول الإسلام كما في التوحيد والنبوة، وأن إنكاره كإنكارهما يُخرج من الإسلام ويُدخل في الكفر.

وتفيد الروايات بأن أساس الإسلام ليس حب علي وأهل بيته فحسب، بل هو أمر أبعد من هذا وهو "الإمامة والولاية" اللذين يكون إنكارهما موتاً جاهلياً وارتداداً وحرماناً من حوض الكوثر.

إن الدلیل العقلي یحکم بأنه لابد للامام وخفیفة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من أن یکون معصوما من الذنوب قبل الامامة وبعدها وأن يكون منصوصاً عليه وهو أفضل الناس وأعلاهم في جميع الخصائص الفردية والاجتماعية والفضائل الأخلاقية كالزهد والتقوى والعلم والعبادة والشجاعة والإيمان. وتفيد المصادر التاريخية والأحاديث المروية من الفريقين بأن هذه الصفات لا تنطبق إلاّ على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام وحده. غير أن الحسد وحججاً واهية مثل عدم اجتماع النبوة والإمامة في بيت واحد أو كون الإمام علي صغيراً في السن وأن به دعابة وغيرها دفعت قوماً إلى مخالفة أوامر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الصريحة وإنكار وصيته في علي علیه السلام . وطرح قوم من الأنصار فكرة خلافة سعد بن عبادة فيما أصرّ بعض المهاجرين على أن تكون الخلافة فيهم. وأخيراً تم إسناد الخلافة إلى أبي بكر بزعم المشورة والإجماع، فامتنع عامة المسلمين من البيعة في بداية الأمر. (1). وتفيد الوثائق الموجودة بأن العديد من العشائر والقبائل كالأنصار وبني هاشم وعشائر من الخزرج وقبيلة بني أسد وقبائل فزارة وغطفان وجماعة من قريش وبني أمية وبني زهرة ومانعي الزكاة(2) كانوا من بين المحتجين على السقيفة ولم يبايعوا أبابكر منذ البداية ولم يعبأوا باحتجاجات

ص: 5


1- عن الجريري قال : لما أبطأ الناس عن أبي بكر ، قال من أحق بهذا الأمر مني ؟ ألست أول من صلى؟ ألست ألست ؟ قال : فذكر خصالاً فعلها مع النبي صلى الله عليه وآله. " الطبقات الكبرى، ج 3، ص 182 ، ذكر بيعة أبي بكر، شرح حال أبي بكر ؛ أنساب الأشراف، ج 2، ص 276 ، أمر السقيفة
2- سيتطرق الكتاب إلى المواضيع المتعلقة بعدم بيعة القبائل والعشائر وعدم بيعة بني هاشم ومانعي الزكاة ومنهم مالك بن النويرة والأشعث والحارث وعرفجة مع قومه. أما سائر القبائل ؛ ففيما يخص معارضة الأنصار فقد ورد " و أنه قد كان من خبرنا حين توفى الله نبيه الله صلّی الله علیه وآله إلا أن الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة " صحيح البخاري، ص 1380، کتاب الحدود، باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت، الحديث 6830 ؛ السيرة النبوية لابن هشام، ج 4، ص 309، أمر سقيفة بني ساعدة. "فبايعه عمر وبايعه الناس، فقالت الأنصار أو بعض الأنصار : لا نبايع إلا علياً. " تاريخ الطبري، ج 2، ص233، حوادث سنة 11 هجرية، ذكر الأخبار الواردة باليوم الذي توفي فيه رسول الله ومبلغ سنه يوم وفاته ؛ الكامل في التاريخ، ج 2، ص 10 ، حوادث سنة 11 هجرية، حديث السقيفة وخلافة أبي بكر. "فاعتزلت الأنصار عن أبي بكر فغضبت قريش وأحفظها ذلك فتكلم خطباؤها." تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 128 ، أيام أبي بكر . " وروى أبوبكر أحمد بن عبد العزيز عن حباب بن يزيد عن جرير بن المغيرة أن سلمان والزبير والأنصار كان هواهم أن يبايعوا عليا علیه السلام بعد النبي صلّی الله علیه وآله " . شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 49 ، حديث السقيفة، ذيل الخطبة 26 عن معارضة عشيرة من الخزرج وجماعة من قريش. وتخلف عن بيعته سعد بن عبادة وطائفة من قريش ثم بايعوه بعد غير سعد". الاستيعاب في معرفة الأصحاب : ج 3، ص99، شرح حال أبي بكر، الرقم 1651 ؛ الوافي بالوفيات، ج17، ص310 ، شرح حال أبي بكر، الرقم 264، مخالفة عشیرة بني أسد وقبيلة فزارة وغطفان. "وتقول أسد وفزارة: لا والله لا نبايع أبا فصيل أبداً. تاريخ الطبري، ج2، ص 261، حوادث سنة 11 هجرية، ذكر بقية الخبر عن غطفان حين انضمت إلى طليحة وما آل إليه أمر طليحة ؛ الثقات : ج 2، ص 110، استخلاف أبي بكر بن أبي قحافة. "وجعلت بنو أسد وغطفان وفزارة... وهم ينادون لا نبايع أبا فصيل يعنون أبا بكر " الفتوح: ج 1، ص 20، أول حرب أهل الردة، مخالفة بني أمية وبني زهرة. "قال : وكثر الناس على أبي بكر فبايعه معظم المسلمين في ذلك اليوم واجتمعت بنو هاشم إلى بيت علي بن أبي طالب... واجتمعت بنو أمية إلى عثمان بن عفان واجتمعت بنو زهرة إلى سعد وعبد الرحمن فأقبل عمر إليهم وأبو عبيدة فقال : ما لي أراكم ملتاثين؟ قوموا فبايعوا أبابكر فقد بايع له الناس وبايعه الأنصار . فقام عثمان ومن معه وقام سعد وعبدالرحمن ومن معهما فبايعوا أبابكر " . شرح نهج البلاغة، ج 6، ص 11 ، يوم السقيفة، ذيل الخطبة 66 . ج6،

كبار الصحابة أمثال سلمان وأبي ذر والمقداد والزبير والعباس والصديقة الطاهرة علیها السلام وأم أيمن وأم سلمة.

يقول ابن كثير عن مانعي الزكاة:

«وجعلت وفود العرب تقدم المدينة، يقرّون بالصلاة ويمتنعون من أداء الزكاة ومنهم من امتنع عن دفعها إلى الصديق». (1)(1)

ويقول ابن أبي الحديد:

أظهر الكثير من المسلمين والأنصار الندم بعد أن بايعوا أبا بكر وتلاوموا وذكروا علي بن أبي :طالب

ص: 6


1- البداية والنهاية، ج 6 ، ص 315 ، حوادث سنة 11 هجرية، فصل في تصدي لقتال أهل الردة ومانعي الزكاة.

«لمّا بويع أبوبكر واستقر أمره، ندم قوم كثير من الأنصار على بيعته ولام بعضُهم بعضاً وذكروا علي بن أبي طالب وهتفوا باسمه وإنه في داره لم يخرج إليهم وجزع لذلك المهاجرون وكثر في ذلك الكلام».(1)

ويقول حميد المفتي، من علماء القرن التاسع الهجري إن نحواً من 700 صحابي ومسلم عارضوا حادثة السقيفة والتفوا حول أمير المؤمنين ودعوا إلى إمامته وزعامته. (2)وهناك أبحاث ذكرت أسماء 56 شخصاً ممن رفضوا بيعة أبي بكر ذكرتهم المصادر التاريخية والحديثية هم : الإمام علي علیه السلام وفاطمة الزهراء علیها السلام والإمام الحسن علیه السلام و الإمام الحسين علیه السلام والعباس وخالد بن سعيد وأبان بن سعيد وعمرو بن سعيد وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري والمقداد وبريدة الأسلمي وعمار بن ياسر وأبي بن كعب وخزيمة بن ثابت ومالك بن التيهان وسهل بن حنيف وعثمان بن حنيف وأبو أيوب الأنصاري وسعد بن عبادة وقيس بن سعد وأم سلمة وبلال والفضل بن العباس ومنذر بن الأرقم وعتبة بن أبي لهب وحذيفة بن اليمان والزبير بن العوام وفروة بن عمر الأنصاري وعبادة بن الصامت وزيد بن أرقم وعبد الله بن عباس والنعمان بن عجلان وجابر بن عبد الله الأنصاري وأم مسطح بن أثاثة امرأة من بني النجار وأبوسفيان و حباب بن منذر وحسّان بن ثابت والبراء بن عازب وطلحة وعبد الله بن مسعود وزيد بن وهب وأبوسفيان بن الحارث وأبوسعيد الخدري وأبو قحافة وأسامة بن زيد والأشعث بن قيس وأم أيمن وأم فروة والحارث بن معاوية والحارث بن سراقة وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن

ص: 7


1- "لمّا بويع أبوبكر واستقر أمره، ندم قوم كثير من الأنصار على بيعته ولام بعضُهم بعضاً وذكروا علي بن أبي طالب وهتفوا باسمه وإنه في داره لم يخرج إليهم وجزع لذلك المهاجرون وكثر في ذلك الكلام. " شرح نهج البلاغة، ج6، ص 23 ، أمر المهاجرين والأنصار بعد بيعة أبي بكر، ذيل الخطبة 66 .
2- " وإنما قلنا إنه لم يكن ذلك للعجز لأن علياً كان في غاية الشجاعة ومعه فاطمة والحسن والحسين وكثير من أكابر الصحابة حتى روي عنهم أنه اجتمع عنده سبعمائة من الأكابر مريدين إمامته." قاموس البحرين، ص 337 المقالة السادسة في مقام الإمامة، الفصل الثاني : في بيان تعيين الإمام بعد النبي الأكرم صلّی الله علیه وآله.

حنبل وعبدالله بن أبي سفيان بن الحارث وعرفجة بن عبد الله وقيس بن صرمة والنابغة الجعدي ومالك بن النويرة وقيس بن مخزمة وعتبة بن أبي سفيان وربيعة بن الحارث والفضل بن عباس بن عتبة وزفر بن زيد والنعمان بن زيد.

وهنا نورد معارضة عدد من الصحابة للسقيفة ومواقفهم . أما باقي الصحابة فسيتطرق الكتاب إلى مواقفهم في حينه.

لقد وقف الزبير موقف المعارض الصريح الخلافة أبي بكر واستل سيفه وأقسم أن لا يعيده إلى غمده حتى يبايع علي.(1)

وعبّر أبوسفيان عن مخالفته للسقيفة وخلافة أبي بكر بالانتقاص من الخليفة وعشيرته وقال لعلي علیه السلام : ما بال هذا الأمر في أقل حي من قريش ؟ والله لإن شئت لأملأنها عليه خيلاً ورجالاً". " ما لنا ولأبي فصيل ! إنما هي عبدمناف".(2)وتساءل كيف رضوا بأن يتولى الخلافة رجل كأبي بكر وهو من تيم؟ أما العباس عمّ النبي صلّی الله علیه وآله فأعرب عن احتجاجه بأن قال لابن أخيه علي علیه السلام : اخرج حتى أبايعك على أعين الناس فلا يختلف عليك اثنان، فأبى وقال : أو منهم من يُنكر حقنا ويستبد علينا ؟(3).

ص: 8


1- " واخترط الزبير سيفه وقال : لا أغمده حتى يبايع علي". تاريخ الطبري، ج 2، ص 234 ، حوادث سنة 11 هجري، ذكر الأخبار الواردة باليوم الذي توفي فيه رسول الله صلّی الله علیه وآله و مبلغ سنه يوم وفاته.
2- "ما بال هذا الأمر في أقل حي من قريش؟ والله لإن شئت لأملأنها عليه خيلاً ورجالاً . " "ما لنا ولأبي فصيل! إنما هي عبدمناف " تاريخ الأمم والملوك، ج 2، ص 237 ، حوادث شنة 11 هجرية، حديث السقيفة. وكان في من تخلف عن بيعة أبي بكر أبوسفيان بن حرب وقال : أرضيتم يا بني عبدمناف أن يلي هذا الأمر عليكم غيركم؟ وقال لعلي بن أبي طالب : امدد يدك أبايعك". تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 126 ، خبر سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر
3- "اخرج حتى أبايعك على أعين الناس فلا يختلف عليك اثنان، فأبى وقال: أو منهم من ينكر حقنا ويستبد علينا؟" أنساب الأشراف، ج 2، ص 265، أمر السقيفة. "يا علي قم حتى أبايعك ومن حضر فإن هذا الأمر إذا كان لم يرد مثله والأمر في أيدينا. فقال علي علیه السلام وأحد يطمع فيه غيرنا؟ " الطبقات الكبرى، ج 2، ص 246، ذكر ما قال العباس بن عبد المطلب لعلي بن أبي طالب في مرض رسولالله [ صلّی الله علیه وآله وسلم] " ابسط يدك أبايعك فيقال: عم رسول الله بايع ابن عم رسول الله ويبايعك أهل بيتك... فقال له علي كرم الله وجه:ه ومن يطلب هذا الأمر غيرنا؟ " . الإمامة والسياسة، ج 1، ص 4 ، استخلاف رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلم أبا بكر .

وكانت السلطة الحاكمة وحماة السقيفة قد دبروا غصب الخلافة من قبل فلم يعبأوا بالاعتراضات وواجهوا المخالفين للسقيفة بقسوة. ورغم أنهم ادعوا الإجماع على خلافة أبي بكر لإسباغ الشرعية عليها إلا أن التاريخ زاخر بالشواهد على استعمالهم العنف ضد مخالفيهم بالضرب والجرح.

يقول زائدة بن قدامة : كان جماعة من الأعراب قد دخلوا المدينة ليمتاروا منها فشغل الناس عنهم بموت رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلم] فشهدوا البيعة وحضروا الأمر فأنفذ إليهم عمر واستدعاهم وقال لهم خذوا بالحظ والمعونة على بيعة خليفة رسول الله واخرجوا إلى الناس واحشر.وهم ليبايعوا، فمن امتنع فاضربوا رأسه وجبينه . قال : فوالله لقد رأيت الأعراب قد تحزموا واتشحوا بالأزر الصنعانية وأخذوا بأيديهم الخشب وخرجوا حتى خبطوا الناس خبطا وجاؤوا بهم مكرهين إلى البيعة.(1)ويقول البراء بن عازب: وإذا أنا بأبي بكر قد أقبل ومعه عمر وأبو عبيدة وجماعة من أصحاب السقيفة وهم محتجزون بالأزر الصنعانية لا يمرون بأحد إلا خبطوه وقدموه فمدوا يده فمسحوها على يد أبي بكر يبايعه، شاء ذلك أو أبى(2)(2)

ص: 9


1- "كان جماعة من الأعراب قد دخلوا المدينة ليمتار وا منها فشغل الناس عنهم بموت رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلم] فشهدوا البيعة وحضر وا الأمر فأنفذ إليهم عمر واستدعاهم وقال لهم خذوا بالحظ والمعونة على بيعة خليفة رسول الله واخرجوا إلى الناس واحشر وهم ليبايعوا، فمن امتنع فاضربوا رأسه وجبينه. قال: فوالله لقد رأيت الأعراب قد تحزموا واتشحوا بالأزر الصنعانية وأخذوا بأيديهم الخشب وخرجوا حتى خبطوا الناس خبطا وجاؤوا بهم مكرهين إلى البيعة . " الجمل، ص 119 ، إجبار عمر على بيعة أبي بكر.
2- " وإذا أنا بأبي بكر قد أقبل ومعه عمر وأبو عبيدة وجماعة من أصحاب السقيفة وهم محتجزون بالأزر الصنعانية لا يمرون بأحد إلا خبطوه وقدموه فمدوا يده فمسحوها على يد أبي بكر يبايعه، شاء ذلك أو أبى . " شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 219 ذيل الخطبة 5، اختلاف الرأي في الخلافة بعد وفاة رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلم ] .

من خلال التدقيق في النصوص والمصادر المتعلقة بحوادث السقيفة يتبين أن الدور الرئيس في تلك الحوادث وتعيين أبي بكر خليفة لعبه الخليفة الثاني. يقول ابن ابي الحديد عن عمر ابن الخطاب ودوره في غصب الخلافة وتسليمها إلى أبي بكر: وعمر هو الذي شد بيعة أبي بكر ووقم المخالفين فيها، فكسر سيف الزبير لما جرده ودفع في صدر المقداد ووطأ في السقيفة سعد بن عبادة وقال: اقتلوا سعداً قتل الله سعداً وحطم أنف الحباب بن المنذر ... وتوعد من لجأ إلى دار فاطمة [علیها السلام] من الهاشميين وأخرجهم منها ولولاه لم يثبت لأبي بكر أمر ولا قامت له قائمة،(1) ولكن سعد بن عبادة لم يبايع أبابكر رغم كل الضغوط والتهديدات التي تعرض لها، وغادر المدينة تعبيراً عن الرفض متوجهاً إلى الشام، ولم يبايع عمر بعد وفاة أبي بكر. وكان عمر يُدرك أهمية بيعة سعد بن عبادة وخطورة عدم بيعته له فأرسل إلى الشام من قتله غيلة. (2)لم يبايع الإمام علي علیه السلام أبا بكر وهو أعظم شخصية في الإسلام وكان يرى الخلافة حقه إلى أن هجموا على بيته بالطريقة الوحشية المعروفة وأوجعوا زوجه الصدّيقة الزهراء علیها السلام ووضعوا الحبال في عنقه وجروه إلى مسجد النبي جرّاً بتهديد السلاح ومسح أبو بكر على يده كأنه يأخذ منه البيعة. ويذكر معاوية في كتاب له كتبه للانتقاص من الإمام علیه السلام أنه بايع أبابكر مكرهاً(3). وأشار

ص: 10


1- " وعمر هو الذي شد بيعة أبي بكر ووقم المخالفين فيها، فكسر سيف الزبير لما جرده ودفع في صدر المقداد ووطأ في السقيفة سعد بن عبادة وقال: اقتلوا سعداً قتل الله سعداً وحطم أنف الحباب بن المنذر ... وتوعد من لجأ إلى دار فاطمة [علیهاالسلام] من الهاشميين وأخرجهم منها ولولاه لم يثبت لأبي بكر أمر ولا قامت له قائمة . " شرح نهج البلاغة ، ج 1، ص 174 ، ذيل الخطبة ،3، طرف من أخبار عمر بن الخطاب.
2- " أن سعد بن عبادة لم يبايع أبابكر وخرج إلى الشام فبعث عمر رجلاً وقال ادعه إلى البيعة واختل له وإن أبى فاستعن بالله عليه. فقدم الرجل الشام فوجد سعداً في حائط بحوارين فدعاه إلى البيعة فقال : لا أبايع قرشياً أبداً. قال : فإني أقاتلك. قال: وإن قاتلتني. قال: أفخارج أنت مما دخلت فيه الأمة؟ قال: أما من البيعة فإني خارج. فرماه بسهم فقتله. " أنساب الأشراف، ج 2، ص272، أمر السقيفة، موقف سعد بن عبادة من أبي بكر ؛ العقد الفريد، ج 4، ص 260 ، كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم، الذين تخلفوا عن بيعة أبي بكر.
3- وإبطائك على الخلفاء تقاد إلى البيعة كما يقاد الجمل الشارد حتى تبايع وأنت كاره . الفتوح، ج 2، ص 579 ، ذكر خروج علي بن أبي طالب أمير المؤمنين علیه السلام إلى صفين لمحاربة معاوية. وإبطائك عن الخلفاء في كل ذلك تقاد كما يقاد الجمل المخشوش...". أنسابالأشراف، ج 3، ص 66 - 67 ، أمر صفين ؛ مناقب آل أبي طالب، ج 3، ص 165 ، فصل في غزوات شتى، فصل في حرب صفين. " وتلكأت في بيعته حتى حملت إليه قهراً تُساق بخزائم الاقتسار كما يُساق الفحل المخشوش". شرح نهج البلاغة، ج 15 ، ص 186، ذيل الرسالة ،28 ، ووردت "المغشوش " بدل "المخشوش" في كتاب المناقب. "المخشوش الذي جعل في أنفه الخشاش بكسر الخاء وهو عويد يُجعل في عظم أنف الجمل يُشدّ به الزمام ليكون سريع الانقياد."

الإمام علي علیه السلام إلى هذا أيضاً في رده على كتاب معاوية بقوله: «وقلت أني كنت أقاد كما يُقاد الجمل المخشوش حتى أبايع. ولعمر الله لقد أردت أن تذم فمدحت...»(1) ، ويقول المسعودي (المتوفى 34 هجرية): «فوجهوا إلى منزله فهجموا عليه وأحرقوا بابه واستخرجوه منه كرهاً وضغطوا سيدة النساء بالباب حتى أسقطت محسناً وأخذوه بالبيعة فامتنع وقال : لا أفعل. فقالوا: نقتلك. فقال : إن تقتلوني فإني عبد الله وأخو رسوله. وبسطوا يده فقبضها وعسر عليهم فتحها فمسحوا عليها وهي مضمومة . . . » . (2)

كذلك يشير البلاذري (المتوفى 972 ه-) إلى عدم مبايعة الإمام علي علیه السلام لأبي بكر وكيف عامله الخليفتان الأول والثاني بشدة وعنف، يقول: «عندما امتنع علي بن أبي طالب عن مبايعة أبي بكر، بعث أبو بكر بالخليفة الثاني إليه وأمره بإحضاره بأشد العنف. فلما جاء عمر بن الخطاب عليا علیه السلام جرى بينهما كلام فاستشهد الإمام علي علیه السلام لعمر بمثل وقال له : والله إنك لم تأخذ الخلافة لأبي بكر اليوم إلا ليردها إليك غداً».(3)

ص: 11


1- نهج البلاغة، ص 366 ، الرسالة 28 .
2- "فوجهوا إلى منزله فهجموا عليه وأحرقوا بابه واستخرجوه منه كرهاً وضغطوا سيدة النساء بالباب حتى أسقطت محسناً وأخذوه بالبيعة فامتنع وقال: لا أفعل فقالوا: نقتلك. فقال : إن تقتلوني فإني عبد الله وأخو رسوله. وبسطوايده فقبضها وعسر عليهم فتحها فمسحوا عليها وهي مضمومة ... " إثبات الوصية، ص 124 .
3- "بعث أبوبكر عمر بن الخطاب إلى علي حين قعد عن بيعته وقال : ائتني به بأعنف العنف... " . أنساب الأشراف، ج2، ص 269، أمر السقيفة.

إن الكثير من كتب التاريخ يتحدث عن معارضة كبار الصحابة أمثال الإمام علي علیه السلام وسلمان الفارسي وأبي ذر الغفاري والمقداد بن الأسود الكندي وفاطمة الزهراء علیها السلام وأم أيمن وأم سلمة للسقيفة، وتورد نصوصاً لمعارضتهم سنوردها في مباحث هذا الكتاب.

إضافة إلى المواضيع المذكورة عن الانقلاب العسكري الذي حدث في السقيفة وأخذ البيعة لأبي بكر بالتهديد والعنف الجسدي والإكراه وانعدام المشورة والإجماع والاتفاق، لابد من الإشارة إلى نكتة تتعلق بدعوى الإجماع وهي أن الماوردي والقرطبي والقاضي الإيجي، وهم من علماء السنة، لا يرون ضرورة الإجماع واتفاق الأمة في تنصيب الخليفة. ويستندون إلى عقد عمر الخلافة لأبي بكر للقول بأن بيعة شخص واحد تكفي للخلافة."فقالت طائفة لا تنعقد إلا بجمهور أهل العقد والحل من كل بلد ليكون الرضا به عاماً والتسليم لإمامته إجماعاً وهذا مذهب مدفوع ببيعة أبي بكر على الخلافة باختيار من حضرها ولم ينتظر ببيعته قدوم غائب عنها". الأحكام السلطانية، ص 6-7، الباب الأول في عقد الإمامة. "الثامنة : فإن عقدها واحدٌ من أهل الحل والعقد فذلك ثابت ويلزم الغير فعله، خلافاً لبعض الناس حيث قال : لا تنعقد إلا بجماعة من أهل الحل والعقد ودليلنا أن عمر عقد البيعة لأبي بكر ولم يُنكر أحد من الصحابة ذلك". الجامع لأحكام القرآن، ج 1، ص 205، ذيل تفسير الآية 30 من سورة البقرة. "الخامس وهو عمدتهم أن العصمة والعلم بجميع مسائل الدين وعدم الكفر شرط ولا يعلمها أهل البيعة وقد مرّ جوابهما وإذا ثبت حصول الإمامة بالاختيار والبيعة فاعلم أن ذلك لا يفتقر إلى الإجماع إذ لم يقم عليه دليل من العقل أو السمع بل الواحد والاثنان من أهل الحل والعقد كاف لعلمنا أن الصحابة مع صلابتهم في الدين اكتفوا بذلك كعقد عمر لأبي بكر وعقد عبدالرحمن بن عوف لعثمان " . المواقف، ج 3، ص 591،590 ، المقصد الثالث المتن فيما يقصد بالإمامة.

نعم، لقد أدت بيعة السقيفة إلى تولي الحكم من قبل أشخاص مخالفين لأهل بيت النبي صلّی الله علیه وآله أصابتهم حروب صدر الإسلام بمطعن ولم يتظاهروا بالإسلام إلا اضطراراً ونفاقاً. وكان لهم عداء جدي مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ولم ينسوا ما فعل بهم ذو الفقاره فامتلأت قلوبهم حقداً عليه ولم يكفّوا عن التفكير بأخذ الثأر من أهل بيت النبي صلّی الله علیه وآله فوجهوا ضربات موجعة إلى بيت الرسالة والإسلام. وما فاجعة كربلاء إلا تتويج لما قدمت له السقيفة من

ص: 12

تداعيات ؛ حتى قال عبد الرحمن بن عيسى بن حماد (المتوفى 327 ه-) في كتاب "الألفاظ الكتابية": «قيل لرجل من بني هاشم: متى قتل الحسين علیه السلام؟ قال: يوم السقيفة».(1)

إن ما حلّ بأهل البيت من قتل وسجن وتشريد وضغوط ومضايقات كان من نتائج هذه السقيفة التي سمحت بأن يتولى السلطة أشخاص موتورون بعلي بن أبي طالب علیه السلام في آبائهم وأجدادهم في بدر وأحد. وقد أشار عبد الله بن عباس إلى هذه الحقيقة لدى مناظرته لمعاوية فقال: «وحجتنا أضواً من الشمس وأنور من القمر، كتاب الله معنا وسنّة نبيه فينا. وإنك لتعلم ذلك ولكن ثنى عطفك وصعرك. قتلنا أخاك وجدك وخالك وعمك ، فلا تبك على أعظم حائلة وأرواح في النار هالكة ولا تبغضوا لدماء أراقها الشرك وأحلّها الكفر ووضعها الدين ». (2)

إن هذا الكتاب يبحث في الزوايا الخفية المسكوت عنها تاريخياً المتعلقة بحادثة السقيفة. ويتناول الشخصيات المعارضة لها الذين تم الانتقاص منهم والإقلال من شأنهم وتصويرهم بأقل أهمية مما كانوا عليه وإهمالهم، ويسلط الضوء على مواقفهم التي كانت نابعة في الغالب من غيرتهم على الدين وحرصهم عليه، ويبين شخصياتهم الحقيقية والاعتبارية وموقعهم الحقيقي في المجتمع والسوابق اللامعة للكثير منهم ليكشف مدى تضخيم حادثة السقيفة والتعتيم على معارضيها حفاظاً على نتائج المؤامرة.

هذا وقد تم تأليف الكثير من الكتب حول هذه المرحلة المصيرية من تاريخ الإسلام من قبل مؤلفين من الفريقين ربما يعود بعضها إلى القرن الأول وأوائل القرن الثاني. ولايزال التأليف في

ص: 13


1- "قيل لرجل من بني هاشم: متى قتل الحسين علیه السلام ] ؟ قال : يوم السقيفة . " الألفاظ الكتابية، ص 143
2- "وحجتنا أضواً من الشمس وأنور من القمر ، كتاب الله معنا، وسنة نبيه فينا، وإنك لتعلم ذلك ولكن ثنى عطفك وصعرك، قتلنا أخاك وجدك وخالك وعمك، فلا تبك على أعظم حائلة وأرواح في النار هالكة ولا تبغضوا لدماء أراقها الشرك وأحلّها الكفر ووضعها الدين." الأمالي / الشيخ المفيد، ص 16 ، المجلس الثاني، الحديث الرابع.

هذه الحادثة الخطيرة مستمراً إلى هذا اليوم سرداً وتحليلاً. ونكتفي هنا بالإشارة إلى بعض تلك المؤلفات:

1 - السقيفة، المطبوع باسم كتاب سليم بن قيس الكوفي وكان من أصحاب الإمام علي علیه السلام توفي سنة 76ه- (1).

2 - السقيفة، لأبي مخنف لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف الأزدي الكوفي المتوفى سنة 158ه-)(2).

3-السقيفة وبيعة أبي بكر ، لأبي عبد الله محمد بن عمر الواقدي المتوفى سنة 207ه-)(3).

4 - المبتدأ والمبعث والمغازي والوفاة والسقيفة والردة ، لأبي عبد الله أبان بن عثمان الأحمر البصري الكوفي من أعلام القرن الثاني الهجري "

(4)

5- السقيفة لأبي عيسى الورّاق محمد بن هارون المتوفى سنة 247ه- (ه) (5).

6 - السقيفة، لعمر بن شبة المتوفى سنة 262ه- (6).

7 - السقيفة ، لإبراهيم بن محمد بن سعيد الثقفي المتوفى سنة 283ه- (7)

ص: 14


1- الأعلام، ج3، ص119.
2- الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ج 12، ص 206 ، حرف السين، رقم 1361 .
3- الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ج 12 ، ص 206 ، حرف السين، رقم 1362.
4- الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ج 19، ص 47 ، حرف الميم ، رقم 248 .
5- الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ج 12، ص 207 ، حرف السين، رقم 1367 .
6- الأعلام، ج 5 ، ص 47 - 48 .
7- الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ج 12، ص 206 ، حرف السين، رقم 1363 .

8- السقيفة لأبي صالح السليل بن أحمد بن عيسى من أعلام القرن الثالث الهجري"(1).

9 - السقيفة والفدك ( هكذا ) لأبي بكر أحمد بن عبدالعزيز الجوهري المتوفى سنة 323ه-. (2)

10 - الكشف فيما يتعلق بالسقيفة، لأحمد بن إبراهيم بن أبي رافع بن عبيد بن عازب الأنصاري المتوفى سنة 411ه-(3).

11 - لوامع السقيفة والدار والجمل وصفين والنهروان لأبي عبدالله الحسين بن محمد الحلواني من أعلام القرن الخامس الهجري(4).

12 - لوامع السقيفة والدار والجمل وصفين والنهروان لأبي عبيدالله بن عبدالله السعدآبادي أو السدآبادي من أعلام القرن الخامس الهجري. (5)

13 - أحوال السقيفة أو كامل السقيفة المشهور بكامل البهائي ، للحسن بن علي بن محمد بن علي بن الحسن الطبري المشهور بعماد الدين الطبري من أعلام القرن السابع الهجري. (6)

14 - السقيفة، للشيخ محمد رضا المظفر المتوفى سنة 1383ه-.

15 - سقيفه واختلاف در تعیین خلیفه" ترجمة كتاب السقيفة للمرحوم المظفر، المترجم: أبو القاسم سحاب بن محمد زمان تفرشي المتوفى سنة 1335ه-(7) .

ص: 15


1- الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ج 12، ص 206 ، حرف السين، رقم 1360 .
2- الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ج 12 ، ص 206 ، حرف السين، رقم 1364 .
3- الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ج 18 ، ص 52 ، حرف الكاف ، رقم 637 .
4- الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ج 18 ، ص 367 ، حرف اللام، رقم 493 .
5- الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ج 18 ، ص 368 ، حرف اللام، رقم 494 .
6- الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ج 17 ، ص 252 ، حرف الكاف، رقم 132 .
7- الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ج 12، ص 207 ، حرف السين، رقم 1366 .

16 - الردّ على ردّ السقيفة، للسيد أمير محمد بن مهدي الموسوي الكاظمي القزويني المتوفى سنة 1414ه-(1).

17 - مؤتمر السقيفة، للشيخ باقر شريف القرشي المتوفى سنة 1433ه-.

نظراً لأهمية هذا الموضوع الذي يمثل مرحلة هامة من تاريخ الإمامة، وكذلك لأننا في الحوزة العلمية بقم دأبنا منذ سنة 1388 شمسية على تناول مباحث الإمامة، فقد تعرضت إلى هذه المرحلة التاريخية في دروسي بالتفصيل. ثم تم وضعها بين أيدي الباحثين وطالبي الحقيقة في كتاب بعد إخضاعها للمزيد من التحقيق والتتبع طبعاً.

ختاماً، لابد من توجيه الشكر والعرفان لابنيّ العزيزين حجة الإسلام محمد مهدي لطفي والباحث المثابر السيد أبو الحسن أحمدي فروشاني اللذين بذلا جهوداً طيبة في التهذيب والتخريج والتصحيح والمقابلة مع النصوص الأصلية، والدعاء لهما بدوام التوفيق. ولا يفوتني أيضاً تقديم

الشكر والثناء لسماحة حجة الإسلام الشيخ حسن بلقان آبادي السبزواري لإشرافه على مراحل التحقيق والطباعة.

نجم الدين طبسي

قم المقدسة - 94/7/7

مؤسسة ولاء الصديقة الكبرى علیهاالسلام

ص: 16


1- الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ج 10 ، ص 196، حرف الراء، رقم 498 .

القسم الأول: السقيفة ومعارضوها

اشارة

الفصل الأول من هذا القسم مخصص للكلام في كيفية نشوء السقيفة.

أما الفصل الثاني منه فيتناول مواقف كبار الصحابة وبني هاشم منها ومعارضتهم لها.

ص: 17

ص: 18

الفصل الأول: مع السقيفة خطوة بخطوة

اشارة

تتناول المباحث الأربعة التي يتوزع عليها الفصل كيفية تكوّن السقيفة والأشخاص الذين لعبوا الدور الأساسي في التخطيط لها وتنفيذها.

القسم الأول: نشوء السقيفة:

اشارة

السقيفة(1) موضع اجتماع الأنصار وكانت جزءاً من دار سعد بن عبادة(2)عُقد فيه الاجتماع.

الاجتماع السرّي للانصار

بعد وفاة النبي صلی الله علیه وآله وسلم، ولم يكن جسده الطاهر قد ووري الثرى، وحين كان الإمام علي علیه السلام مشغولاً بتغسيله، انعقد اجتماع سري للغاية للتداول بشأن الخلافة، الخلافة التي كان النبي صلّی الله علیه وآله وسلم قد حسم أمرها قبل وفاته بتبليغ النص الإلهي على صاحبها.

حضر سعد بن عبادة الاجتماع رغم أنه كان مريضاً وكان ضعيفاً يتكلم بمشقة بصوت خفيض وكان رجل يعيد ما يقول بصوت عال. قال سعد:

أيها الأنصار ! ليس للعرب فضل كفضلكم. لقد أقام رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلم] في مكة ثلاث عشرة سنة دعا فيها الناس إلى عبادة الله ونبذ عبادة الأوثان لم يؤمن له من قومه إلاّ قليل. ومن آمن به لم يكن قادراً على فعل شيء لنصرة دينه . بل لم يكونوا قادرين على الدفاع عن أنفسهم. وأراد

ص: 19


1- "سقيفة يني ساعدة: هي صُفّة لها سقف . فعيلة بمعنى مفعولة . النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 2، ص 380، ذيل كلمة "سقف ".
2- "قال: قبض رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم و اجتمع الناس في دار سعد بن عبادة ....." تاريخ دمشق الكبير، ج 32، ص 182، شرح حال أبي بكر، رقم 3491 ؛ البداية والنهاية، ج 5، ص 218 ، قصة سقيفة بني ساعدة، اعتراف سعد بن عبادة بصحة ما قاله الصديق يوم السقيفة ؛ تاريخ الخلفاء، ص 53 ، الخلفاء الراشدون، أبو بكر، فصل في مبايعته.

الله أن يمن عليكم بالفضيلة فأوكل إليكم كرامة الدفاع عن الإسلام. فآمنتم بالله ورسوله وقدّر لكم الله أن تنصروا رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلم وأصحابه وتُعزوا دينه وتجاهدوا في سبيله. لقد دافعتم عن رسول الله وكنتم أشد الناس على أعدائه. حتى أنجز الله وعده لنبيه فأسلم العرب طوعاً أو كرهاً وخضعوا لسيوفكم. ثم قبض الله تعالى نبيه [صلّی الله علیه وآله وسلم] وهو عنكم راض وكنتم قرة عينه. أما وقد

مات رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلم] فقد اتسق لكم الأمر فعليكم التصدي له واستلام الخلافة لأنكم أولى الناس بها.

بعد أن انتهى سعد من كلامه تعالت صيحات قومه تؤيده أحسنت، لقد قلت حقاً لن نفترق عنه إنا جاعلوك رئيساً وخليفة وحاكماً. حسبنا أنت، والمؤمنون راضون بذلك.

هنا قال بعضهم : ماذا لو رفض المهاجرون من قريش وقالوا نحن المهاجرون وأول أنصار رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلم وأهله وأصحابه فلم تنازعوننا الأمر بعد وفاته، ماذا نحن قائلون؟ فقال بعض:

نقول منا خليفة ومنكم خليفة ولا نرضى بغير ذلك. لقد آويناهم ولنا حق في الحكم. وكل ما جاء في القرآن في المهاجرين جاء فينا كذلك. وكلّ ما عدّوه فضيلة لهم كان فضيلة لنا أيضاً. وبما أننا لا ندعي أن الحكم حكرُ علينا فنقول: منا أمير ومنكم أمير.

أسقط في يد سعد بن عبادة من هذا الحديث فقال: أردنا أن يكون الخليفة منّا وها أنتم تقولون منّا أمير ومنهم أمير إن هذا القول تراجع منكم(1).

ص: 20


1- حدّثنا هشام بن محمد عن أبي مخنف قال: حدثني عبدالله بن عبدالرحمن عن أبي عمرة الأنصاري إنّ النبي صلّی الله علیه وآله وسلم لما قبض اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة، فقالوا: نولّي هذا الأمر بعد محمد سعد بن عبادة وأخرجوا سعدا إليهم وهو مريض، فلما اجتمعوا قال لابنه أو بعض بني عمه: إني لا أقدر لشكواي أن أسمع القوم كلهم كلامي ولكن تلق مني قولي فأسمعهموه، فكان يتكلم ويحفظ الرجل قوله فيرفع صوته فيسمع أصحابه، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: يا معشر الأنصار لكم سابقة في الدين وفضيلة في الإسلام ليست لقبيلة من العرب أن محمداً [صلّی الله علیه وآله وسلّم] لبث بضع عشرة سنة في قومه يدعوهم إلى عبادة الرحمن وخلع الأنداد والأوثان، فما آمن به من قومه إلا رجال قليل وكان ما كانوا يقدرون على أن يمنعوا رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] ولا أن يعزوا في دينه ولا أن يدفعوا عن أنفسهم ضياً عموا به حتى إذا أراد بكم الفضيلة ساق إليكم الكرامة وخصكم بالنعمة فرزقكم الله الإيمان به وبرسوله والمنع له ولإصحابه والإعزاز له ولدينه والجهاد لأعدائه، فكنتم أشد الناس على عدوه [منكم] وأثقله على عدوكم من غيركم حتى استقامت العرب لأمر الله طوعاً و كرهاً وأعطى البعيد المقادة صاغراً داخراً حتى أثخن الله عزّ وجلّ لرسوله بكم الأرض ودانت بأسيافكم له العرب وتوفاه الله وهو عنكم راض وبكم قرير عين استبدوا بهذا الأمر دون الناس، فأجابوه بأجمعهم أن قد وفقت في الرأي وأصبت في القول ولن نعدو ما رأيت، نوليك هذا الأمر فإنك فينا مقنع ولصالح المؤمنين رضى . ثم إنهم ترادوا الكلام بينهم فقالوا : فإن أبت مهاجرة قريش فقالوا : نحن المهاجرون وصحابة رسول الله الأولون ونحن عشيرته وأولياؤه فعلام تنازعوننا هذا الأمر بعده؟ فقالت طائفة منهم: فإنا نقول إذن منا أمير ومنكم أمير ولن نرضى بدون هذا الأمر أبداً. فقال سعد بن عبادة حين سمعها : هذا أول الوهن. " تاريخ الطبري، ج 2، ص 241 - 242، حوادث سنة 11 هجرية، ذكر الخبر عما جرى بين المهاجرين والأنصار في أمر الإمارة في سقيفة بني ساعدة ؛ الكامل في التاريخ، ج 2، ص 12 - 13 ، حوادث سنة 11 هجرية حديث السقيفة وخلافة أبي بكر ؛ شرح نهج البلاغة، ج6، ص 5 - 6 ، شرح الخطبة 66 ، يوم السقيفة ؛ الإمامة والسياسة، ج 1، ص 4 - 5 ، ذكر السقيفة وما جرى فيها من القول.
أسئلة موجهة إلى سعد بن عبادة

اسمح لنا حضرة سعد بن عبادة بأن نطرح عليك بضعة أسئلة حول هذا الاجتماع:

1- ألم يُعقد الاجتماع لتعيين خليفة النبي الأكرم صلّی الله علیه وآله وسلّم وقيادة الأمة الإسلامية؟ فلماذا لم تذكر النبي صلّی الله علیه وآله وسلم في كلامك ولم تذكر وفاته أبداً والمصيبة العظمى التي حلت بالمسلمين؟

2- أنت تدّعي أنك تحمي خلافة رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم و ميراثه ، فلابد أنك تعلم بأن "العترة" من مواريثه. فلم لم تشر من قريب ولا بعيد إلى أهل بيت النبي ونسيتهم تماماً؟ لم لم تتطرق إليهم أبداً؟ لم لم تذكر علياً علیه السلام وفضائله التي لابد أنك سمعتها من رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم مراراً؟

3- ألا ترى أنك كنت شريكاً في جريمة وقوف السلطة في المدينة ضد أهل البيت علیه الاسلام وهتك حرمتهم (1) حتى بلغ ما بلغ ؟

ص: 21


1- أخبرنا علي بن الحسين قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار قال: حدثنا محمد بن حسان الرازي عن محمد بن علي الصيرفي عن محمد بن سنان عن محمد بن علي الحلبي عن سدير الصيرفي عن رجل من أهل الجزيرة كان قد جعل على نفسه نذراً في جارية وجاء بها إلى مكة، قال : فلقيت الحجبة فأخبرتهم بخبرها وجعلت لا أذكر لأحد منهم أمرها إلا قال [لي]: جئنى بها وقد وفى الله نذرك، فدخلني من ذلك وحشة شديدة، فذكرت ذلك لرجل من أصحابنا من أهل مكة فقال لي: تأخذ عني؟ فقلت : نعم . فقال : انظر الرجل الذي يجلس بحذاء الحجر الأسود وحوله الناس وهو أبو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين علیه السلام فأته فأخبره بهذا الأمر، فانظر ما يقول لك فاعمل به. قال: فأتيته فقلت : رحمك الله ! إني رجل من أهل الجزيرة ومعي جارية جعلتها علي نذرا لبيت الله في يمين كانت عليّ وقد أتيت بها وذكرتذلك للحجبة وأقبلت لا ألقى منهم أحداً إلا قال: جئني بها وقد وفى الله نذرك، فدخلني من ذلك وحشة شديدة، فقال : يا عبد الله ! إن البيت لا يأكل ولا يشرب، فبع جاريتك واستقص وانظر أهل بلادك ممن حج هذا البيت، فمن عجز منهم عن نفقته فأعطه حتى يقوى على العود إلى بلادهم. ففعلت ذلك ثم أقبلت لا ألقى أحداً من الحجبة إلا قال : ما فعلت بالجارية؟ فأخبرتهم بالذي قال أبو جعفر علیه السلام فيقولون: هو كذاب جاهل لا يدري ما يقول. فذكرت مقالتهم لأبي جعفر علیهماالسلام فقال : قد بلغتني تبلغ عني؟ فقلت : نعم . فقال : قل لهم قال لكم أبو جعفر كيف بكم لو قطعت أيديكم وأرجلكم وعلقت في الكعبة، ثم يقال لكم: نادوا نحن سراق الكعبة؟ فلما ذهبت لأقوم قال: إنني لست أنا أفعل ذلك وإنما يفعله رجلٌ مني (أعني : الإمام المهدي علیه السلام ) . الغيبة، النعماني، ص 237 ؛ بحار الأنوار، ج 52 ، ص 350 الباب 27 ، سيره وأخلاقه وعدد صحابه وخصائص زمانه وأحوال أصحابه.

4- لماذا وقفت معهم يا سعد بن عبادة بعد أن كنت قريباً من أهل البيت ومن الثوار السابقين والمعاهدين للقيادة ومن ذوي المواقف الإيجابية(1)؟

بل ما الضرورة التي دعت إلى عقد الاجتماع أصلاً؟ أفلم تكن حاضراً يوم غدير خم؟ ألم تسمع أقوال النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم؟ فلماذاعقدت الاجتماع في دارك ؟ ولماذا تجاهلت أقوال النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم ولمّا توار جثمانه الثرى؟

5- ألم يكن ما فعلته سبباً في ظهور بدعة صنع الخليفة المشؤومة؟ لقد أضفيتم صفة الرسمية عليها بإقامة السقيفة بعد وفاة النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم. ألم تُلمّعوا - بفعلتكم هذه - صورة مثل هذه الاجتماعات ؟ ألم تفتحوا باب السلطة بوجه أبناء الطلقاء ومهدتم الطريق لبني أمية للتسلط على رقاب المسلمين وارتكاب فاجعة كربلاء الدامية؟ ألم تسهلوا ظهور أمثال الحجاج بن يوسف الثقفي؟ وإذا كان حزب قريش يفعل ذلك سراً فقد قمتم بفعلتكم علانية. لذا فإن ذنبكم وذنب الأنصار لا يقل عن ذنب الحزب القرشي.

أليس لهذا لامكم الإمام علي علیه السلام بقوله :

ص: 22


1- كان سعد بن عبادة في الجاهلية وفي الإسلام رئيس الخزرج وأحد النقباء الاثنى عشر للنبي الأكرم صلّی الله علیه وآله وسلّم بإشارة من جبرائيل وكان غاية في السخاء. يقول ابن عبدالبر عن سعد: "عقيباً نقيباً سيداً جواداً". امتنع سعد عن بيعة أبي بكر وخرج من المدينة ولم يعد إليها حتى مات في حوران فقيل إن الجن قتلته لمزيد من الاطلاع على أحوال ،سعد راجع معجم رجال الحدیث، ج 8، ص 72 - 73، شرح حال سعد بن عبادة، رقم 5044؛ الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 2، ص 163 ، شرح حال سعد بن عبادة، رقم 949 .

"أول من جرّأ الناس علينا سعد، فتح باباً ولجه غيره وأضرم ناراً لهبها عليه وضوؤها لأعدائه. " [موقف سعد في اختيار الخليفة شجّع الآخرين على مواجهة أمير المؤمنين]. [يا سعد لقد فعلت شيئاً لستفاد منه غيرك ودفعت أنت ثمنه. فأشعلت لهم ناراً استضاؤوا بها وأزحت عن طريقهم الحجارة وأصررت على البقاء ولم تستفد شيئاً سوى أنك مهدت الطريق لهم، على حد تعبير أمير المؤمنين. لم تكن يا سعد أكثر من حادلة سوّت لهم الطريق، بالتعبير المعاصر ].(1)

موقف قيس من أبيه

كان قيس بن سعد رجلاً ثورياً متمسكاً بالولاية. لما سمع بمقالة أبيه غضب فذهب إليه: "فقال له ابنه قيس : أنت سمعت رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] يقول هذا الكلام في علي بن أبي طالب ثم تطلب الخلافة ويقول أصحابك منا أمير ومنكم أمير ؟ لا كلمتك والله من رأسي بعد هذا كلمة أبداً "(2)

ثبت قيس بن سعد على خط الإمام علي علیه السلام حتى آخر عمره، واتفق علماء الشيعة على أنه لم يبايع أبابكر أبداً(3). ولم تذكر أية من مصادر أهل السنة شيئاً عن مبايعته. هذا، بالإضافة إلى موقفه من أبيه حول خلافة الإمام علي علیه السلام وقوله له بأنه لن يكلمه ، أفضل دليل على عدم مبايعته

ص: 23


1- "روي عن علي[عليه السلام ] أول من جرأ الناس علينا سعد، فتح باباً ولجه غيره، وأضرم ناراً لهبها عليه وضوؤها لأعدائه." شرح نهج البلاغة، ج20، ص 307 - 308، الحكم المنسوبة إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رقم 522 ؛ أعيان الشيعة، ج 7، ص 225، شرح حال سعد بن عبادة ؛ طرائف المقال في معرفة طبقات الرجال، ج 2، ص 86، شرح حال سعد بن عبادة، رقم 7435.
2- "فقال له ابنه قيس بن سعد: أنت سمعت رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] يقول هذا الكلام في علي بن أبي طالب ثم تطلب الخلافة ويقول أصحابك منا أمير ومنكم أمير ؟ لا كلمتك والله من رأسي بعد هذا كلمة أبداً. " شرح نهج البلاغة ، ج 6 ، ص 44، أمر المهاجرين والأنصار بعد بيعة أبي بكر، نقلاً عن أبي بكر الجوهري ذيل الخطبة 66 .
3- "قيس بن سعد بن عبادة هو ممن لم يبايع أبابكر " . رجال الطوسي، ص 54 ، أسماء من روى عن أمير المؤمنين علیه السلام ، شرح حال قيس سعد ؛ خلاصة الأقوال في معرفة الرجال، ص 231، شرح حال قيس بن سعد. "وما ظهر من إنكار سلمان الفارسي لأمرهم ومشاركة الزبير وجماعة من بني هاشم وكثير من الأنصار كقيس بن سعد بن عبادة والجباب بن المنذر وبريدة الأسلمي وتخلّف عن البيعة إلى أن مات. " تقريب المعارف، ص 330 ، عدم حصول الاختيار بصفته المعتبرة.

وثباته على خط ولاية أمير المؤمنين علیه السلام . حتى اعتبره ابن أبي الحديد المعتزلي السني من كبار الشيعة المعتقدين بولاية أمير المؤمنين علیه السلام المخلصين في محبته (1)

ملاحظة : يتناول بعض علماء الشيعة شخصية سعد بن عبادة بالتمجيد ويحاولون دفع ما ورد في كتب أهل السنة عن دوره في السقيفة أو الدفاع عنه. ومنهم القاضي نور الله التستري الذي يقول: "كان سيد الأنصار وكريم عصره ونقيب الرسول المختار ... عدّه العلاّمة الحلي في زمرة المقبولين... وصفه الطبري في كامل البهائي بأنه الصاحب الأعظم، وكتب الجويني أن سعد بن عبادة كان رئيس قبيلة الخزرج ومن أتقياء الأنصار".

ويواصل القول في السقيفة: "لما بدأ الناس ببيعة أبي بكر قال الأنصار : أما وقد تركتم نص الله ورسوله واتبعتم الهوى فلا أحد أولى من أحد ؛ نحن الأنصار نجعل سعد بن عبادة رئيسنا وخليفتنا. لما سمع سعد هذا الكلام، قال: لا أبيع ديني بدنياي ولا أخاصم الله ورسوله ولا أقبل بهذا الأمر لكي نمتاز منهم أمام الله . بقول سعد هذا قوي موقف أبي بكر ومال الناس إليه وطالبوا سعداً بأن يبايع فأبى وقال لا أرضى بهذا الكذب لنفسي ولا أرضاه لغيري ولا أدخل النار من أجل الآخرين ولن يبايع سعد وقومه أبا بكر "(2)

يستنتج المحقق البروجردي من كلام القاضي نور الله التستري ما يلي : جاء في مجالس المؤمنين أن سعد بن عبادة لم يكن يدعو لنفسه بل لأمير المؤمنين علیه السلام(3)

ص: 24


1- "وكان قيس بن سعد من كبار شيعة أمير المؤمنين علیه السلام و [قائلاً] بمحبته وولائه . " شرح نهج البلاغة، ج 10، ص112، ذکر سعد بن عبادة ونسبه ذيل الخطبة 183 .
2- مجالس المؤمنين، ج 1، ص 233، سعد بن عبادة الأنصاري.
3- "سعد بن عبادة، في المجالس ما يظهر منه جلالته، وأنه ما كان [يريد] الخلافة لنفسه بل لعلي علیه السلام. " طرائف المقال في معرفة طبقات الرجال، ج 2، ص 86 ، شرح حال سعد بن عبادة ، الرقم 7435 .

يقول السيد بن طاووس: "ثم إن سعد بن عبادة لما رأى الناس يبايعون أبابكر نادى: والله ما أردتها حتى صُرفت عن علي ولا أبايعكم حتى يبايع علي ولعلّي لا أفعل وإن بايع، ثم ركب دابته وأتى حوران وأقام في خان حتى هلك ولم يبايع"(1)

وروي عن محمد بن جرير الطبري الشافعي ما يؤيد هذا الموضوع:

" وفي كتاب المواهب لمحمد بن جرير الطبري الشافعي عن أبي علقمة عن سعد بن عبادة، قال أبو علقمة : قلت لابن عبادة وقد مال الناس إلى بيعة أبي بكر : ألا تدخل فيما دخل فيه المسلمون؟ قال: إليك عني ! فوالله لقد سمعت رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم يقول : إذا أنا متّ تضل الأهواء ويرجع الناس على أعقابهم، فالحق يومئذ مع علي وكتابُ الله بيده لا تبايع أحداً غيره. فقلت له: هل سمع هذا الخبر أحد غيرك من رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم؟ فقال : أناس في قلوبهم أحقاد وضغائن

قلت: بل نازعتك نفسك أن يكون هذا الأمر لك دون الناس كلَّهم. فحلف أنه لم يهمّ بها ولم يُرده وأنهم لو بايعوا علياً كان أول من بايع "(2) .

ص: 25


1- ثم إن سعد بن عبادة لما رأى الناس يبايعون أبابكر نادى والله ما أردتها حتى صُرفت عن علي ولا أبايعكم حتى يبايع علي ولعلّي لا أفعل وإن بايع، ثم ركب دابته وأتى حوران وأقام في خان حتى هلك ولم يبايع. " كشف المحجة لثمرة المهجة، ص 177، اعتراض فروة بن عمر على أبي بكر ومثله قيس بن مخزمة ؛ بحار الأنوار، ج30، ص 11 - 12 ، فيما كتب علیه السلام إلى أصحابه في ذلك تصريحاً وتلويحاً، الحديث 1 .
2- " وفي كتاب المواهب لمحمد بن جرير الطبري الشافعي عن أبي علقمة عن سعد بن عبادة، قال أبو علقمة: قلت لابن عبادة وقد مال الناس إلى بيعة أبي بكر : ألا تدخل فيما دخل فيه المسلمون؟ قال : إليك عني ! فوالله لقد سمعت رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم يقول : إذا أنا مت تضل الأهواء ويرجع الناس على أعقابهم، فالحق يومئذ مع علي وكتاب الله بيده، لا تبايع أحداً غيره. فقلت له هل سمع هذا الخبر أحد غيرك من رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم؟ فقال : أناسٌ في قلوبهم أحقاد وضغائن . قلت : بل نازعتك نفسك أن يكون هذا الأمر لك دون الناس كلهم. فحلف أنه لم يهمّ بها ولم يُردها وأنهم لو بايعوا علياً كان أول من بايع . " إحقاق الحق وإزهاق الباطل ، ج2، ص 348 - 349 ؛ أعيان الشيعة، ج 7، ص 225 ، شرح حال سعد بن عبادة الخزرجي الأنصاري.

اتفق الشيعة والسنة على أن سعد بن عبادة مات ولم يبايع أبابكر رغم أنه حضر السقيفة، بل إن السقيفة كانت في داره ولم يبايع في زمن عمر (1). على أن المؤرخين السنة يعزون عدم بيعته إلى أنه كان يريد الخلافة لنفسه، فيما يرى بعض علماء الشيعة أنه كان يريدها لعلي علیه السلام .

نزاع المهاجرين والأنصار :

بينما كانت قريش منهمكة في تنفيذ خططها كان الأنصار يحاولون التكتم على الأمور والتخطيط بسرية تامة. لقد سعوا إلى تقديم مرشحهم للخلافة قبل قريش. كان أبوبكر وعمر وأبو عبيدة يضعون تدابيرهم في السر حين علموا فجأة باجتماع الأنصار السري للغاية. تم تسريب ترتيبات اجتماع الأنصار من قبل عويم بن ساعدة ومعن بن عدي وكانا من الأنصار ولكنهما كانا من حزب أنصار أبي بكر ومن أعداء سعد بن عبادة الألداء. فأسرع أبوبكر إلى السقيفة ومعه عمر وسالم مولى أبي حذيفة وجماعة من المهاجرين(2).

ص: 26


1- "وأما سعد بن عبادة.. شهد بدراً عند بعضهم ولم يبايع أبا بكر ولا عمر، وسار إلى الشام فأقام بحوران إلى أن مات سنة خمس عشرة. " عمدة القاري في شرح صحيح البخاري ، ج 13، ص 232 - 233 ، کتاب الإشهادات، باب تعديل النساء بعضهن بعضاً، ذيل الحديث 27 " فكان سعد لا يصلي بصلاتهم ولا يجمع معهم ولا يحج ولا يفيض معهم بإفاضتهم فلم يزل كذلك حتى هلك أبوبكر . " ؛ تاريخ الطبري، ج 2، ص 244، حوادث سنة 11 هجرية، ذكر الخبر عما جرى بين المهاجرين والأنصار في أمر الإمارة في سقيفة بني ساعدة ؛ الإمامة والسياسة ، ج 1، ص 10 ، تخلف سعد بن عبادة عن البيعة، وعن أبي مخنف عن الكلبي وغيرهما أن سعد بن عبادة لم يبايع أبابكر وخرج إلى الشام . " ؛ أنساب الأشراف، ج 2، ص272، موقف سعد بن عبادة من بيعة أبي بكر ؛ الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 2، ص 164 ، شرح حال سعد بن عبادة، رقم 949؛ مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج 2، ص329؛ الاحتجاج، ج1، ص 94 .
2- " واجتماع أكثر الأنصار في السقيفة يرشحون سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج، لكن ابن عمه بشير بن سعد بن ثعلبة الخزرجي وأسيد بن الحضير سيد الأوس كانا ينافسانه في السيادة فحسداه على هذا الترشيح وخافا أن يتم له الأمر فأضمرا له الحسيكة مجمعين على صرف الأمر عنه بكل ما لديهما من وسيلة وصافقهما على ذلك عويم بن ساعدة الأوسي ومعن بن عدي حليف الأنصار وقد كان هذان على اتفاق سري مع أبي بكر وعمر وحزبها فكانا من أولياء أبي بكر على عهد رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] وكانا مع ذلك ذوي بغض وشحناء لسعد بن عبادة فانطلق عويم إلى أبي بكر وعمر مسرعاً فشحذ عزمها لمعارضة سعد وأسرع بهما إلى السقيفة ومعهما أبو عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة ولحقهم آخرون من حزبهم من المهاجرين . " النص والاجتهاد، ص18.

نظراً إلى أن الاجتماع كان سرياً للغاية ولم يكن مجيئهم متوقعاً، فإنهم لم يفتحوا الباب لهم. فهجم أبو بكر ومن معه وكسروا الباب واقتحموا الاجتماع عنوة . فذهل سعد بن عبادة من مجيء قريش بجميع زعمائها.(1)

يقول مؤرخو أهل السنة عن دخول أبي بكر وعمر والمهاجرين السقيفة: "وأتى عمر الخبر، فأقبل إلى منزل النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] فأرسل إلى أبي بكر وأبوبكر في الدار وعلي بن أبي طالب دائب في جهاز رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] فأرسل إلى أبي بكر أن اخرج إلي، فأرسل إليه إني مشتغل، فأرسل إليه أنه قد حدث أمر لابد لك من حضوره. فخرج إليه فقال : أما علمت أن الأنصار قد اجتمعت في سقيفة بني ساعدة يريدون أن يولوا هذا الأمر سعد بن عبادة وأحسنهم مقالة من يقول: منا أمير ومن قريش أمير. فمضيا مسرعين نحوهم فلقيا أبا عبيدة بن الجراح [فما شوا] إليهم ثلاثتهم فلقيهم عاصم بن عدي وعويم بن ساعدة فقالا لهم ارجعوا فإنه لا يكون ما تريدون. فقالوا: لا نفعل. فجاؤوا وهم مجتمعون، فقال عمر بن الخطاب أتيناهم وقد كنت زويت كلاماً أردت أن أقوم به فيهم، فلما أن دفعت إليهم ذهبت لأبتدئ المنطق، فقال لي أبوبكر رويد حتى أتكلم ثم انطق بما أحببت، فنطق. فقال عمر : فما شيء كنت أردت أن أقوله إلا وقد أتى به أو زاد عليه(2). خشي عمر

ص: 27


1- " وانطلقا مسرعين وأخبرا أبابكر وعمر بذلك ففزعا وانطلقا مسرعين ومعهما أبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة وتبعهم جماعة آخرون من المهاجرين فكبسوا الأنصار في ندوتهم وأسقط ما بأيدي الأنصار وذهلوا وغاض لون سعد، وتخوف من خروج الأمر عنهم وذلك لعلمه بضعف الأنصار وتفلت قواهم وتصدع وحدتهم، فهو قد أحاط مؤتمرهم بكثير من السر. والكتمان خوفاً من المهاجرين. وبدخولهم المفاجئ فقد انهارت جميع مخططاته وفشلت جميع مساعيه في عقد البيعة له. " موسوعة سيرة أهل البيت، ج 12، ص 269 ، حكومة الشيخين مباغتة الأنصار.
2- وأتى عمر الخبر ، فأقبل إلى منزل النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] فأرسل إلى أبي بكر وأبوبكر في الدار وعلي بن أبي طالب دائب في جهاز رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] فأرسل إلى أبي بكر أن اخرج إلي، فأرسل إليه إني مشتغل فأرسل إليه أنه قد حدث أمر لابد لك من حضوره. فخرج إليه فقال: أما علمت أن الأنصار قد اجتمعت في سقيفة بني ساعدة يريدون أن يولوا هذا الأمر سعد بن عبادة وأحسنهم مقالة من يقول : منا أمير ومن قريش أمير. فمضيا مسرعين نحوهم فلقيا أبا عبيدة بن الجراح [فما شوا] إليهم ثلاثتهم فلقيهم عاصم بن عدي وعويم بن ساعدة فقالا لهم: ارجعوا فإنه لا يكون ما تريدون. فقالوا: لا نفعل فجاؤوا وهم مجتمعون فقال عمر بن الخطاب: أتيناهم وقد كنت زويت كلاماً أردت أن أقوم به فيهم، فلما أن دفعت إليهم ذهبت لأبتدئ المنطق، فقال لي أبوبكر : رويد حتى أتكلم ثم انطق بما أحببت فنطق. فقال عمر: فما شيء كنت أردت أن أقوله إلا وقد أتى به أو زاد عليه. " تاريخ الطبري، ج 2، ص 242، حوادث سنة 11، ذكر الخبر عن اليوم والشهر اللذين توفي فيهما رسول الله. "قال : فأتى الخبر إلى أبي بكر ففزع أشد الفزع وقام معه عمر فخرجا مسرعين إلى سقيفة بني ساعدة فلقيا أبا عبيدة بن الجراح فانطلقوا حتى دخلوا سقيفة بني ساعدة وفيها رجالٌ من الأشراف معهم سعد بن عبادة." الإمامة والسياسة، ج 1، ص 5 ، ذكر السقيفة وما جرى فيها من القول . ويورد أبوبكر الجوهري تقاصيل أكثر فيقول إنه لما أخبر معن بن عدي عمر بالخبر وأخبر عمر أبابكر به قال أبوبكر : ندفن النبي [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] أولاً. فقال عمر علينا أن نذهب الآن ثم نعود. فتركوا تجهيز النبي [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] وأسرعوا إلى السقيفة: " وأتى الخبر عمر فأتى منزل رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] وعلي في جهاز رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] وكان الذي أتاه بالخبر معن بن عدي فأخذ بيد عمر وقال : قم ! فقال عمر: إني عنك مشغول . فقال : إنه لابد من قيام. فقام معه فقال له: إن هذا الحي من الأنصار قد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة معهم سعد بن عبادة يدورون حوله ويقولون: أنت المرجى ونجلك المرجي، وثم أناس من أشرافهم وقد خشيت الفتنة فانظر يا عمر ماذا ترى و[ أذكر ] لإخوتك من المهاجرين واختاروا لأنفسكم فإني أنظر إلى باب فتنة قد فتح الساعة إلا أن يُغلقه الله . ففزع عمر أشد الفزع حتى أتى أبا بكر فأخذه بيده فقال : قم ! فقال أبو بكر : أين نبرح حتى نواري رسول الله؟ إني عنك مشغول. فقال عمر : لابد من قيام وسنرجع إن شاء الله . فقام أبوبكر مع عمر فحدثه الحديث ففزع أبو بكر أشد الفزع وخرجا. مسرعين إلى سقيفة بني ساعدة " شرح نهج البلاغة، ج 6 ، ص 6-7 ، شرح الخطبة 66 ، يوم السقيفة.

أن يقصر أبوبكر في الكلام فأراد أن يبادر إلى الكلام للتمهيد لخلافة أبي بكر. ولكن أبا بكر منعه من الكلام خشية من أن يُفسد الأمر بعصبيته وحدة مزاجه، وقال له : هوّن عليك! استمع لما أقول ثم قل ما شئت.(1) قال أبوبكر : نحن أول الناس إسلاماً وأوسطهم داراً وأكرمهم أنساباً وأمسهّم برسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] رحماً (2)وأنتم إخواننا في الإسلام وشركاؤنا في الدين نصرتم و آويتم وآسيتم، فجزاكم الله خيراً. فنحن الأمراء وأنتم الوزراء" (3)ولن تدين العرب إلاّ لهذا الحي من قريش، فأنتم أحقاء أن

ص: 28


1- فأراد عمر أن يتكلم ويمهد لأبي بكر وقال : خشيت أن يقصر - أبوبكر عن بعض الكلام. فما نسي - عمر كفه أبو بكر ، قال : على رسلك، فتلق الكلام ثم تكلم بعد كلامي بما بدا لك فتشهد أبو بكر ثم قال " شرح نهج البلاغة، ج 6 ، ص 7 ، في شرح الخطبة 66 ، يوم السقيفة ؛ مع اختلاف بسيط في الإمامة والسياسة ، ج 1، ص 5 ، ذكر السقيفة وما جرى فيها من القول ؛ تاريخ الطبري، ج2، ص 242، حوادث سنة 11، ذكر الخبر عن اليوم والشهر اللذين توفي فيهما رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] ؛ سبل الهدى والرشاد، ج12، ص312، البابپ الثالث والثلاثون في ذكر خبر السقيفة وبيعة أبي بكر بالخلافة بعد موت سیدنا رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم.
2- لاحظ أن كل الفضائل التي يتحدث عنها أبوبكر تنطبق على أمير المؤمنين علیه السلام
3- لاحظ أن النزاع على الحكم نشب والرسول صلّی الله علیه وآله وسلّم لم يكن قد دفن بعد.

لا تنفسوا على إخوانكم من المهاجرين ما ساق الله إليهم... فقال أبوبكر: إن تطيعوا أمري تبايعوا أحد هذين الرجلين ؛ أبا عبيدة، وكان عن يمينه، أو عمر بن الخطاب، وكان عن يساره.(1)

سؤال موجه إلى أبي بكر : يا أبابكر عندما كان الإمام علي علیه السلام يغسّل رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم كنتَ في بيت النبي أيضاً. وفجأة جاءك رسول بخبر فخرجت من الدار وتوجهت إلى السقيفة وتكلمت بكلام يثير تساؤلات كل من يسمعه:

1 - هل كانت وفاة النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم مصيبة ضئيلة نسيتها فوراً ولم تتطرق إليها في كلمتك ؟. (2)

ص: 29


1- فقال له أبو بكر : على رسلك . ثم قال أبوبكر : نحن أول الناس إسلاماً وأوسطهم داراً وأكرمهم أنساباً وأمسّهم برسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم ] رحماً (1) وأنتم إخواننا في الإسلام وشركاؤنا في الدين نصرتم و آويتم وآسيتم فجزاكم الله خيراً. فنحن الأمراء وأنتم الوزراء(2) ولن تدين العرب إلا لهذا الحي من قريش، فأنتم أحقاء أن لا تنفسوا على إخوانكم من المهاجرين ما ساق الله إليهم... فقال :أبو بكر: إن تطيعوا أمري تبايعوا أحد هذين الرجلين ؛ أبا عبيدة، وكان عن يمينه، أو عمر بن الخطاب، وكان عن يساره. " أنساب الأشراف، ج 2، ص 262 - 263 ؛ عيون أخبار الرضا، ج 2، ص 254 ، الخطب خطبة أبي بكر يوم سقيفة بني ساعدة ؛ سبل الهدى والرشاد، ج 12، ص 312 ، الباب الثالث والثلاثون في ذكر خبر السقيفة وبيعة أبي بكر بالخلافة بعد موت سيدنا رسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم] وبالمضمون نفسه في الإمامة والسياسة، ج 1، ص 6 ، ذكر السقيفة وما جرى فيها من القول ؛ تاريخ الطبري، ج 2، ص 242 - 243، حوادث سنة 11 هجرية، الباب الثالث والثلاثون في ذكر خبر السقيفة وبيعة أبي بكر بالخلافة بعد موت سيدنا رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم ] ؛ الكامل في التاريخ، ج 2، ص 13 ، حوادث سنة 11 هجرية حديث السقيفة وخلافة أبي بكر.
2- في حين تقول فاطمة الزهراء علیها السلام أنها بكت أباها وناحت عليه حتى بح صوتها ووهنت "هي علیها السلام تنادي وتندب أباها، وا أبتاه! واصفياه وا محمداه وا أبا قاسماه وا ربيع الأرامل واليتامى من للقبلة والمصلى ومن لابنتك الوالهة الشكلي؟ ثم أقبلت تعثر في أذيالها لا تبصر شيئاً من عبرتها، ومن تواتر دمعتها، حتى دنت من قبر أبيها محمد صلّی الله علیه وآله وسلّم ، فلما نظرت إلى الحجرة وقع طرفها على المئذنة، فقصرت خطاها ودام نحيبها وبكاها إلى أن أغمي عليها، فتبادرت النسوان إليها، فنضحن الماء عليها وعلى صدرها وجبينها حتى أفاقت. فلما أفاقت من غشيتها قامت وهي تقول: رفعتُ قوتي وخانني جلدي وشمت بي عدوي والكمد قاتلي يا أبتاه! بقيت والهة وحيدة وحيرانة فريدة، فقد انخمد صوتي وانقطع ظهري وتنغص عيشي وتكدر دهري، فما أجد يا أبتاه بعدك أنيساً لوحشتي ولا رادّاً لدمعتي ولا معيناً لضعفي، فقد فني بعدك محكم التنزيل ومهبط جبريل ومحل ميكائيل، انقلبت بعدك يا أبتاه الأسباب، وتغلقت دوني الأبواب، فأنا للدنيا بعدك قالية، وعليك ما ترددت أنفاسي باكية، لا ينفد شوقي إليك ولا حزني عليك ثم نادت يا أبتاه! والباه! ثم قالت: إن حزني عليك حزن جديد.. وفؤادي عليك صب عنيد كلّ يوم يزيد فيه شجوني .. واكتيابي عليك ليس يبيد جل خطبي فبان عني عزائي.. فبكائي كلّ وقتٍ جديد إن قلباً عليك يألف صبراً.. أو عزاء فإنه الجليد ثم نادت يا أبتاه! انقطعت بك الدنيا بأنوارها وزوت زهرتها وكانت ببهجتك ،زاهرة، فقد اسود نهارها فصار يحكي حنادسها رطبها .ويابسها يا أبتاه! أمسينا بعدك من المستضعفين يا أبتاه أصبحت الناس عنا معرضين ولقد كنا بك معظمين في الناس غير مستضعفين فأي دمعة لفراقك لا تنهمل، وأي حزن بعدك عليك لا يتصل، وأي جفن بعدك بالنوم يكتحل ، وأنت ربيع الدين ونور النبيين فكيف للجبال لا تمور وللبحار بعدك لا تغور والأرض كيف لم تزلزل ؟ رميت يا أبتاه بالخطب الجليل ولم تكن الرزية بالقليل، وطرقت يا أبتاه بالمصاب العظيم، وبالفادح المهول، بكتك يا أبتاه الأملاك ووقفت الأفلاك، فمنبرك بعدك مستوحش، ومحرابك خال من مناجاتك، وقبرك فرح بمواراتك والجنة مشتاقة إليك، وإلى دعائك وصلاتك. يا أبتاه! ما أعظم ظلمة مجالسك! فوا أسفاه عليك إلى أن أقدم عاجلاً عليك. وأثكل أبو الحسن المؤتمن أبو ولديك الحسن والحسين وأخوك ووليك وحبيبك ومن ربيته صغيراً وآخيته كبيراً وأحلى أحبابك وأصحابك إليك من كان منهم سابقاً ومهاجراً وناصراً، والشكل شملنا والبكاء قاتلنا والأسى لازمنا. ثم زفرت زفرة وأنت أنة كادت روحها أن تخرج ثم قالت: قل صبري وبان عني عزائي.. بعد فقدي لخاتم الأنبياء عين يا عين اسكبي الدمع سحاً .. ويك لا تبخلي بفيض الدماء یا رسول الإله يا خيرة الله وكهف الأيتام والضعفاء قد بكتك الجبال والوحش جمعاً .. والطير والأرض بعد بكي السماء وبكاك الحجون والركن والمشعر يا سيدي مع البطحاء وبكاك المحراب والدرس للقرآن في الصبح معلناً والمساء وبكاك الإسلام إذ صار في الناس غريباً من سائر الغرباء لو ترى المنبر الذي كنت تعلوه علاه الظلام بعد الضياء يا إلهي عجّل وفاتي سريعاً .. [ فلقد تنغصت الحياة يا مولائي] قال : ثم رجعت إلى منزلها وأخذت بالبكاء والعويل ليلها ونهارها وهي لا ترقاً دمعتها ولا تهدأ زفرتها...". بحار الأنوار، ج 43، ص 175 ، باب ما وقع عليها من الظلم.

ولم تهتم إلا بالحديث عن تعيين الخليفة؟

2 - أليست نبرة كلامك نبرة صراع على السلطة؟

3- في كلامك، لم تول أي اهتمام لأهل البيت علیهم السلام الذين طالما قال عنهم النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم أنهم عدل القرآن فهل يصح الإعراض عن أهل بيت النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم في كلام يدور حول خلافته؟ ألم يؤد موقفك هذا إلى أن ينظر الناس إلى أهل البيت نظرتهم إلى غيرهم من عوامهم؟ ولابد من

ص: 30

القول: ليت أهل البيت تمتعوا بالحقوق التي تمتع بها غيرهم ، فقد تعاملتم معهم بأدنى مما عاملتم به غيرهم. أفلم يؤد إعراضك عن أهل بيت العصمة والطهارة إلى زوال منزلتهم وحرمتهم وتوهينهم؟

4- لقد أكدتَ في كلامك على حق قريش في الخلافة لقربها النَسَبي من النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم . فإذا كان القرب النسبي من النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم و الله ملاكاً للحق في خلافته، فلماذا أزحتها عن علي بن أبي طالب وهو الأقرب نسباً إليه ؟ وإذا كان المعيار القرب النسبي فإن عم النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم أقرب إليه وأحق بالأمر منكم . أليس من الغريب أنكم اعتمدتم معياراً ليس لكم فيه الأولوية بل لغيركم؟ لقد انشغلتم بأوراق الشجرة عن ثمارها(1) .

5-عندما قال لك الإمام علي علیه السلام: هل تعلم ما تقول ؟ كيف أصبحت خليفة؟ هل كان معيارك الانتخاب والرأي، في حين لم يكن الناخبون حاضرين؟

عندما قال علیه السلام : إذا كانت حجتك القرابة والنسب فإن غيرك أولى منك بالنبي وأقرب إليه. لا شيء مما تحتج به متوفر فيك. والله إني أخو رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم .(2) أو حين قال علیه السلام : والله إني أخو رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم ووليه وابن عمه ووارث علمه، فمن

ص: 31


1- " لما انتهت إلى أمير المؤمنين علیه السلام أنباء السقيفة بعد وفاة رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم، قال : ما قالت الأنصار؟ قالوا: قالت : منا أمير ومنكم أمير . قالعلیه السلام : فهلا احتججتم بأن رسول الله وصى بأن يحسن إلى محسنهم ويُتجاوز عن مسيئهم؟ قالوا: وما في هذا من الحجة عليهم؟ قال علیه السلام : لو كانت الإمارة فيهم لم تكن الوصية بهم. قال علیه السلام : فماذا قالت قريش؟ قالوا: احتجت بأنها شجرة الرسول صلّی الله علیه وآله وسلّم. فقال : احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة نهج البلاغة، ص 82 ، الخطبة 67 . يقول العلامة المجلسي في توضيح هذا الحديث : "بيان: قوله علیه السلام احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة المراد بالثمرة إما الرسول صلّی الله علیه وآله وسلّم و الإضاعة عدم اتباع نصبه ،أو أمير المؤمنين علیه السلام وأهل البيت تشبيهاً له بالأغصان، أو اتباع الحق الموجب للتمسك به دون غيره كما قيل، والغرض إلزام قريش بما تمسكوا به من قرابته. فإن تم فالحق لمن هو أقرب وأخص، وإلا فالأنصار على دعواهم. " بحار الأنوار، ج 29، ص 611.
2- " أن رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] آخى بين المسلمين ثم قال: يا علي ! أنت أخي وأنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي ... " فضائل الصحابة، ج 2، ص 824، الحديث 1113 ، من فضائل علي من حديث أبي بكر بن مالك عن شيوخه غير عبدالله ؛ تاريخ دمشق الكبير، ج 45 ، ص 41 ، شرح حال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب اللا ، رقم9502؛ بحار الأنوار، ج8، ص1، باب 18 اللواء.

أقرب مني إليه؟(1)فما كان جوابك له؟

6 -على أي أساس قدّمت نفسك على أنك قائد الأمة الإسلامية وزعيم قريش؟ ومن الذي فوّضك أن تعتبر قولك هو القول الفصل فتخيّر الناس بين عمر وأبي عبيدة؟ هل أنت الخليفة؟ هل عينك النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم، وأنت تقول إنه لم يعيّن أحداً؟ لم تكن خليفة حينئذ، فعلام استندت في تخييرك للناس بين عمر وأبي عبيدة ؟ أنت لم تكن إلاّ واحداً من المسلمين له صوتُ واحد لا أكثر. وبحسب الموازين فإنك، ومعك عمر وأبو عبيدة، تحت إمرة أسامة بن زيد. فمن الذي جعلك صاحب الأمر في ذلك الاجتماع لترشح هذين الرجلين، في حين كنتَ وسائر المهاجرين تحت إمرة أسامة ؟ ولو كان النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم رشحك للخلافة لما سيّرك للقتال. إن تسيير النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم لك للقتال يعني أنه صلّی الله علیه وآله وسلّم كان يريد أن يعين رجلاً آخر للخلافة. فلماذا لم تمتثل أمر النبي وتركت جيش أسامة الذي عينه النبي آمراً لكم عليه، وتدخلتم في أمر لم يكن في دائرة مسؤولياتكم؟

استمرار النزاع :

عندما وصل أبوبكر في كلامه إلى هنا قام الحبّاب بن المنذر بن زيد بن حرام فقال:

يا معشر الأنصار املكوا عليكم أيديكم، فإنما الناس في فيئكم وظلالكم ولن يُجير مجير على خلافكم، ولن يصدر الناس إلا عن رأيكم. أنتم أهل العز والثروة، وألو العدد والنجدة، وإنما ينظر الناس ما تصنعون، فلا تختلفوا فيفسد عليكم رأيكم وتقطع أموركم، وأنتم أهل الإيواء والنصرة، وإليكم كانت الهجرة، ولكم في السابقين الأولين مثل ما لهم، وأنتم أصحاب الدار والإيمان من قبلهم. والله ما عبدوا الله علانية إلاّ في بلادكم، ولا جمعت الصلاة إلاّ في مساجدكم، ولا دانت

ص: 32


1- عن ابن عباس أن علياً علیه السلام كان يقول في حياة رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم: إن الله عزّ وجلّ يقول : { أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ }، والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله . والله لئن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت. والله إني لأخوه ووليه وابن عمه ووارثه فمن أحقُّ به مني ؟ " المعجم الكبير، ج 1، ص 107 ، وما أسند علي بن أبي طالب علیه السلام، الحديث 176 . "رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح " ؛ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، ج 9، ص 134 ، باب في قتاله ومن يقاتله.

العرب للإسلام إلا بأسيافكم فأنتم أعظم الناس نصيباً في هذا الأمر. وإن أبى القوم، فمنّا أمير ومنهم أمير.(1)كان عمر بن الخطاب حتى تلك اللحظة يعض على نواجذه صامتاً، فانفجر غاضباً ونهض ليكلم الأنصار الذين كانوا يصرون على أن تكون الخلافة فيهم . فتكلم بكلام غليظ كعادته فقال: هيهات، لا يجتمع اثنان في قرن. والله لا ترضى العرب أن يؤمروكم ونبيها من غيركم. ولكن العرب لا تمتنع أن تولّي أمرها من كانت النبوة فيهم وولي أمورهم منهم. ولنا بذلك على من أبي من العرب الحجة الظاهرة والسلطان المبين من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته ونحن أولياؤه وعشيرته إلاّ مُدل بباطل أو متجانف لإثم أو متورط في هلكة.(2)

ص: 33


1- فقام الحباب بن المنذر بن زيد بن حرام فقال: يا معشر الأنصار! املكوا عليكم أيديكم، فإنما الناس في فيئكم وظلالكم ولن يُجير مجير على خلافكم، ولن يصدر الناس إلاّ عن رأيكم. أنتم أهل العز والثروة، وألو العدد والنجدة، وإنما ينظر الناس ما تصنعون، فلا تختلفوا فيفسد عليكم رأيكم وتقطع أموركم، وأنتم أهل الإيواء والنصرة، وإليكم كانت الهجرة، ولكم في السابقين الأولين مثل ما لهم، وأنتم أصحاب الدار والإيمان من قبلهم والله ما عبدوا الله علانية إلا في بلادكم، ولا جمعت الصلاة إلا في مساجدكم، ولا دانت العرب للإسلام إلا بأسيافكم فأنتم أعظم الناس نصيباً في هذا الأمر. وإن أبى القوم، فمنا أمير ومنهم أمير " الإمامة والسياسة، ج 1، ص7، ذكر السقيفة وما جرى فيها من القول ؛ شرح نهج البلاغة ، ج 6 ، ص 8 - 9 ، يوم السقيفة، ذيل الخطبة .66 . مع اختلاف قليل في تاريخ الطبري، ج 2، ص 243 ، حوادث سنة 11 هجرية، ذكر الخبر عما جرى بين المهاجرين والأنصار في أمر الإمارة في سقيفة بني ساعدة ؛ الكامل في التاريخ، ج 2، ص 13 ، حوادث سنة 11 هجرية، حديث السقيفة وخلافة أبي بكر.
2- فقال عمر : هيهات لا يجتمع اثنان في قرن. والله لا ترضى العرب أن يؤمروكم ونبيها من غيركم ولكن العرب لا تمتنع أن تولّي أمرها من كانت النبوة فيهم وولي أمورهم منهم. ولنا بذلك على من أبى من العرب الحجة الظاهرة والسلطان المبين. من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مدل بباطل أو متجانف لإثم أو متورط في هلكة. " تاريخ الطبري، ج 2، ص 243، حوادث سنة 11 هجرية، ذكر الخبر عما جرى بين المهاجرين والأنصار في أمر الإمارة في سقيفة بني ساعدة ؛ الإمامة والسياسة، ج1، ص 7 - 8 ، ذكر السقيفة وما جرى فيها من القول ؛ شرح نهج البلاغة ، ج 6 ، ص 9 ،يوم السقيفة، ذيل الخطبة 66 ، نقلاً عن كتاب السقيفة وفدك للجوهري
سؤال موجّه إلى عمر:

مادمتَ تطرح معيار "الانتساب إلى قريش " و "قرابة النبي"، أفلا يتوفر هذان المعياران في أهل بيت النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم؟ إذا كان الانتساب إلى قريش مهماً عندك، فلابد أن الأولوية تكون لأهل البيت لأنهم يجمعون الانتساب إلى قريش والقرابة من الدرجة الأولى للنبي صلّی الله علیه وآله وسلّم.

ألم يكن ذلك الكلام مجرد شعارات؟ ألم تكن تريد استغلال تلك العناوين والمزايا؟ فكنت ترفعها مادامت تصب في مصلحتك. وحين أردت إزاحة أهل البيت عن الأمر تخليت عنها وأبدلتها بشعار آخر هو أن "لا تجتمع النبوة والخلافة في بيت واحد".(1)

دعنا نسألك، مادام يهمك أن يكون خليفة النبي قرشياً: هل كان الأمويون قرشيين؟

الموقف الحازم لحبّاب من عمر

غضب حبّاب بشدة وقال لعمر(2) : أنتم المهاجرين في كنفنا وفي مدينتنا. نحن آويناكم. وها أنتم تطلبون كل شيء لكم. ثم التفت للأنصار وقال: «يا معشر الأنصار ! املكوا على أيديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر. فإن أبوا عليكم ما سألتموه فأجلوهم من هذه البلاد وتولّوا عليهم هذه الأمور. فأنتم والله أحق بهذا الأمر منهم. فإنه بأسيافكم دان الناس لهذا الدين أنا جديلها المحكك وعذيقها

ص: 34


1- عن ابن عباس قال: خرجت مع عمر في بعض أسفاره، فإنا لنسير ليلة فدنوت منه إذ ضرب مقدم رحله بسوطه... ثم قال: أستغفر الله يا ابن عباس ! ما منع علياً من الخروج معنا؟ قلت: لا أدري. قال: يا ابن عباس ! أبوك عم رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم] وأنت ابن عمه، فما منع قومكم منكم؟ قلت: لا أدري قال: لكنّي أدري يكرهون ولايتكم لهم قلت: لم ونحن لهم كالخير؟ قال : اللهم غفراً يكرهون أن تجتمع فيكم النبوة والخلافة فيكون بجحاً بجحاً..." تاريخ الطبري، ج 2، ص 577، حوادث سنة 23، شيء من سيره مما لم يمض ذكره ؛ أنساب الأشراف، ج 10، ص 379 ، عمر بن الخطاب.
2- كان عمر فظاً غليظ القلب لا يُبدي أية مرونة أو تسامح.

المرجب! أنا أبو شبل في عرينة الأسد. والله إن شئتم لنعيدنها جدعة. فقال عمر : إذن ليقتلك الله ! فقال: بل إياك يقتل ».(1)

سؤال موجّه إلى الحبّاب بن المنذر :

أيها السيد ألا تهمك وحدة المجتمع الإسلامي؟

إن في طيات كلامك الحادّ ما لا ينسجم مع روح الوحدة:

1 - لقد هدّدت المسلمين (المهاجرين) بالنفي إذ قلت:" فإن أبوا عليكم ما سألتموه فأجلوهم من هذه البلاد".

2- وفتحت باباً لتخندق الأنصار مقابل المهاجرين وأعلنت الحرب عليهم.

3- وتفاخرت على الطريقة الجاهلية بقولك «أنا جديلها المحكك ، وعذيقها المرجب، أنا أبو شبل في عرينة الأسد...» وسعيت إلى تفضيل الأنصار على المهاجرين.

تراجع الأنصار

كان ممكناً في أية لحظة أن تتحول المواجهة بالألسن إلى مواجهات بالأيدي، فقال أبو عبيدة: «يا معشر الأنصار ! إنكم أول من نصر وآزر، فلا تكونوا أول من بدّل وغيّر".(2)

ص: 35


1- "فقال الحباب بن المنذر :يا معشر الأنصار املكوا على أيديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر. فإن أبوا عليكم ما سألتموه فأجلوهم من هذه البلاد وتولّوا عليهم هذه الأمور. فأنتم والله أحق بهذا الأمر منهم. فإنه بأسيافكم دان الناس لهذا الدين أنا جديلها المحكك وعذيقها المرجب ! أنا أبو شبل في عرينة الأسد. والله إن شئتم لنعيدنها جدعة. فقال عمر: إذن ليقتلك الله ! فقال : بل إياك يقتل " الكامل في التاريخ، ج 2، ص 13 ، حوادث سنة 11 هجرية، حديث السقيفة وخلافة أبي بكر ؛ تاريخ الطبري، ج 2، ص 243 ، حوادث سنة 11 هجرية، ذكر الخبر عما جرى بين المهاجرين والأنصار في أمر الإمارة في سقيفة بني ساعدة ؛ شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 38، حديث السقيفة، ذيل الخطبة 26 .
2- فقال أبو عبيدة : يا معشر الأنصار ! إنكم أول من نصر وآزر ، فلا تكونوا أول من بدل وغيّر . " تاريخ الطبري، ج2، ص 243، حوادث سنة 11 هجرية، ذكر الخبر عما جرى بين المهاجرين والأنصار في أمر الإمارة في سقيفة بني ساعدة ؛ الكامل في التاريخ، ج2، ص14، حوادث سنة 11 هجرية حديث السقيفة وخلافة أبي بكر ؛ الإمامة والسياسة، ج 1، ص 8 ، ذكر السقيفة وما جرى فيها من القول ؛ شرح نهج البلاغة ، ج 2، ص 39، حديث السقيفة، ذيل الخطبة 26 .

وفي حين كان مهاجر و قريش على كلمة واحدة وموقف واحد حول الخلافة، كان الأنصار متفرقين بشدة. فقد كان بشير بن سعد الخزرجي، وهو من سادات الخزرج، يحسد سعد بن عبادة. فلمّا رأى أن الأنصار اتفقوا على تأميره، قام فقال: «... يا معشر الأنصار ! أما والله لئن كنا أولي الفضيلة في جهاد المشركين والسابقة في الدين، ما أردنا إن شاء الله غير رضا ربنا وطاعة نبينا والكرم لأنفسنا. وما ينبغي أن نستطيل بذلك على الناس ولا نبتغي به عوضاً من الدنيا، فإن الله تعالى وليّ النعمة والمنّة علينا بذلك . ثم إن محمداً رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ]رجل من قريش وقومه أحقّ بميراثه وتولي سلطانه. وأيم الله لا يراني الله أنازعهم هذاالأمر أبداً. فاتقوا الله ولا تنازعوهم ولا تخالفوهم»(1).

استغل أبوبكر خلاف الأنصار أقصى استغلال فقال:

«هذا عمر وهذا أبو عبيدة، فأيهما شئتم فبايعوا فقالا: لا والله لا نتولى هذا الأمر عليك، فإنك أفضل المهاجرين وثاني اثنين إذ هما في الغار وخليفة رسول الله على الصلاة، والصلاة أفضل دين المسلمين. فمن ذا ينبغي له أن يتقدمك أو يتولى هذا الأمر عليك ؟ ابسط يدك نبايعك! فلما ذهبا ليبايعاه سبقهما إليه بشير بن سعد، فناداه الحبّاب بن المنذر يا بشير بن سعد عققت عقاق ما

ص: 36


1- (1) " وإن بشيراً لما رأى ما اتفق عليه قومه من تأمير سعد بن عبادة قام حسداً لسعد وكان بشير من سادات الخزرج، فقال: يا معشر. الأنصار! أما والله لئن كنا أولي الفضيلة في جهاد المشركين والسابقة في الدين، ما أردنا إن شاء الله غير رضا ربنا وطاعة نبينا والكرم لأنفسنا. وما ينبغي أن نستطيل بذلك على الناس ولا نبتغي به عوضاً من الدنيا، فإن الله تعالى وليّ النعمة والمنّة علينا بذلك. ثم إن محمداً رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] رجل من قريش وقومه أحق بميراثه وتولي سلطانه. وأيم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر أبداً. فاتقوا الله ولا تنازعوهم ولا تخالفوهم " الإمامة والسياسة، ج1، ص8، مخالفة بشير بن سعد ونقضه لعهدهم ؛ تاريخ الطبري، ج2، ص 243، حوادث سنة 11 هجرية، ذكر الخبر عما جرى بين المهاجرين والأنصار في أمر الإمارة في سقيفة بني ساعدة ؛ الكامل في التاريخ، ج2، ص 14، حوادث سنة 11 هجرية، حديث السقيفة وخلافة أبي بكر ؛ شرح نهج البلاغة، ج 6 ، ص 9 - 10 ، يوم السقيفة، ذيل الخطبة 66، نقلاً عن كتاب السقيفة وفدك للجوهري.

أحوجك إلى ما صنعت؟ أنفست على ابن عمك الإمارة؟ فقال: لا والله، ولكني كرهت أن أنازع قوماً حقاً جعله الله لهم»(1).

أورد الطبري وابن الأثير بيعة الأوس كما يلي:

«ولما رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد وما تدعو إليه قريش وما تطلب الخزرج من تأمير سعد بن عبادة قال بعضهم لبعض وفيهم أسيد بن حضير وكان أحد النقباء: والله لئن وليتها الخزرج عليكم مرة لازالت لهم عليكم بذلك الفضيلة ولا جعلوا لكم معهم فيها نصيباً أبداً فقوموا فبايعوا ،أبابكر، فقاموا إليه فبايعوه»(2).

قطع بشير وأسيد نزاع المهاجرين والأنصار بأن بايعا أبابكر. ثم بايعه عمر وأبو عبيدة وعويم بن ساعده وسالم مولى أبي حذيفة ثم خالد بن الوليد. (3) (4)ثم قام هؤلاء بإجبار الناس على

ص: 37


1- (1) " فقال أبو بكر : هذا عمر وهذا أبو عبيدة، فأيهما شئتم فبايعوا فقالا: لا والله لا نتولى هذا الأمر عليك، فإنك أفضل المهاجرين وثاني اثنين إذ هما في الغار وخليفة رسول الله على الصلاة، والصلاة أفضل دين المسلمين. فمن ذا ينبغي له أن يتقدمك أو يتولى هذا الأمر عليك ؟ ابسط يدك نبايعك ! فلما ذهبا ليبايعاه سبقهما إليه بشير بن سعد، فناداه الحبّاب بن المنذر يا بشير بن سعد ! عققت عقاق ما أحوجك إلى ما صنعت؟ أنفست على ابن عمك الإمارة؟ فقال: لا والله ولكني كرهت أن أنازع قوماً حقاً جعله الله لهم. تاريخ الطبري، ج 2، ص 243 ، حوادث سنة 11 هجرية، ذكر الخبر عما جرى بين المهاجرين والأنصار في الإمارة في سقيفة بني ساعدة ؛ الكامل في التاريخ، ج 2، ص 14، حوادث سنة 11 هجرية حديث السقيفة وخلافة أبي بكر ؛ الإمامة والسياسة، ج 1، ص9، بيعة أبي بكر "ولما رأت الأوس أن رئيساً من رؤساء الخزرج قد بايع قام أسيد بن حضير وهو رئيس الأوس فبايع حسداً لسعد أيضاً ومنافسة له أن يلي الأمر، فبايعت الأوس كلها لما بايع أسيد . " شرح نهج البلاغة، ج 6، ص 10، يوم السقيفة، ذيل الخطبة 66، نقلاً عن كتاب السقيفة وفدك للجوهري.
2- "ولما رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد وما تدعو إليه قريش وما تطلب الخزرج من تأمير سعد بن عبادة قال بعضهم لبعض وفيهم أسيد بن حضير وكان أحد النقباء: والله لئن وليتها الخزرج عليكم مرة لازالت لهم عليكم بذلك الفضيلة ولا جعلوا لكم معهم فيها نصيباً أبداً فقوموا فبايعوا أبابكر، فقاموا إليه فبايعوه. " تاريخ الطبري، ج 2، ص 243، حوادث سنة 11 هجرية، ذكر الخبر عما جرى ب-ي-ن المهاجرين والأنصار في الإمارة في سقيفة بني ساعدة ؛ الكامل في التاريخ، ج 2، ص 14، حوادث سنة 11 هجرية، حديث السقيفة وخلافة أبي بكر ؛ الإمامة والسياسة، ج 1، ص9، بيعة أبي بكر.
3- " والذي ثبت عندي أن أول من بايعه عمر ، ثم بشير بن سعد ثم أسيد بن حضير ثم أبو عبيدة بن الجرّاح ثم سالم مولى أبي حذيفة. قال الزبير : وقد كان مالاً أبابكر وعمر على نقض أمر سعد وإفساد حاله رجلان من الأنصار ممن شهد بدراً وهما عويم بن ساعدة ومعن بن عدي. " شرح نهج البلاغة، ج 6 ، ص 18 - 19 ، أمر المهاجرين والأنصار بعد بيعة أبي بكر، ذيل الخطبة 66 . "قال الزبير : وكان خالد بن الوليد شيعة لأبي بكر ومن المنحرفين عن علي . " شرح نهج البلاغة ، ج 6 ، ص 22 ، أمر المهاجرين والأنصار بعد بيعة أبي بكر، ذيل الخطبة 66.
4- رغم أن عمر بايع أبابكر إلا أنه لم يكن راضياً لهذا كان حتى آخر عمره مغتاظاً منه وكان بينها خلاف. كان عمر يقول : كان عليك أن تقدمني كما قدمتك. فلم لم تفعل ؟ "قال المغيرة: فما منعك منها يا أمير المؤمنين وقد عرضك لها يوم السقيفة بدعائك إليها ؟ ثم أنت الآن تنقم وتتأسف ؟ قال : ثكلتك أمك يا مغيرة! إني كنت لأعدك من دهاة العرب، كأنك كنت غائباً عما هناك ! إنّ الرجل ماكرني فاكرته، وألفاني أحذر من قطاة. إنه لما رأى شغف الناس به وإقبالهم بوجوههم عليه أيقن أنهم لا يريدون به بدلاً، فأحب لما رأى من حرص الناس عليه وميلهم إليه أن يعلم ما عندي وهل تنازعني نفسي إليها ! وأحبّ أن يبلوني بأطماعي فيها، والتعريض لي بها. وقد علم و علمت لو قبلت ما عرضه علي لم يجب الناس إلى ذلك. فالفاني قائماً على أخمصي مستوفزاً حذراً. ولو أجبته إلى قبولها لم يسلم الناس إلى ذلك واختباها ضغناً عليّ في قلبه، ولم آمن من غائلته ولو بعد حين مع ما بدا لي من كراهة الناس لي . أما سمعت نداءهم من كل ناحية عند عرضها عليّ: لا نريد سواك يا أبابكر، أنت لها ! فرددتها إليه عند ذلك، فلقد رأيته التمع وجهه لذلك سروراً. " راجع : شرح نهج البلاغة، ج 2، ص33، حديث السقيفة، ذيل الخطبة 26 .

بيعة أبي بكر. في تلك الأثناء، كان عمر بن الخطاب أكثر هم شدة وغلظة. فعندما أدرك أن الخلافة على وشك أن تفلت من بين يديه لجأ إلى العنف الجسدي. فقام بكسر سيوف بعض"(1)ونشر جواً

ص: 38


1- "لما قام الحبّاب بن المنذر انتضى سيفه وقال: أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب، أنا أبو شبل في عرينة الأسد يعزي إلى الأسد. فحامله عمر فضرب يده فندر السيف فأخذه ثم وثب على سعد ووثبوا على سعد وتتابع القوم على البيعة وبايع سعد وكانت فلتة كفلتات الجاهلية قام أبو بكر دونها وقال قائل حين أوطئ سعد : قتلتم سعداً؟ فقال عمر : قتله الله، إنه منافق. واعترض عمر بالسيف صخرة فقطعه. " تاريخ الطبري، ج 2، ص 244، حوادث سنة 11 هجرية، ذكر الخبر عما جرى بين المهاجرين والأنصار في أمر الإمارة في سقيفة بنیساعدة. "وتخلف علي والزبير واخترط الزبير سيفه وقال : لا أغمده حتى يبايع علي. فبلغ ذلك أبابكر وعمر، فقال عمر: خذوا سيف الزبير فاضربوا به الحجر . " تاريخ الطبري، ج 2، ص 234 ، حوادث سنة 11 هجرية، ذكر الأخبار الواردة باليوم الذي توفي فيه رسول الله ومبلغ سنه يوم وفاته. "فذهب إليهم عمر في عصابة فيهم أسيد بن حضير وسلمة بن أسلم، فقالوا: انطلقوا فبايعوا أبابكر، فأبوا، فخرج الزبير بن العوّام بالسيف، فقال عمر : عليكم بالرجل فخذوه فوثب عليه سلمة بن أسلم، فأخذ السيف من يده فضرب به الجدار وانطلقوا به، فبايع، وذهب بنو هاشم فبايعوا . " الإمامة والسياسة، ج 1، ص 11 ، تخلف سعد بن عبادة عن البيعة. يقول ابن أبي الحديد عن الذين اشتبك معهم عمر من أجل البيعة : " وعمر هو الذي شدّ بيعة أبي بكر و[رقم] المخالفين فيها فكسر سيف الزبير لما جرده ودفع في صدر المقداد ووطأ في السقيفة سعد بن عبادة وقال : اقتلوا سعداً، قتل الله سعداً، وحطّم أنف الحبّاب بن المنذر الذي قال يوم السقيفة: أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب، وتوعد من لجأ إلى دار فاطمة [علیهماالسلام] من الهاشميين وأخرجهم منها . ولولاه لم يثبت لأبي بكر أمر ولا قامت له قائمة . " شرح نهج البلاغة ، ج 1، ص 174 ، طرف من أخبار عمر بن الخطاب، ذيل الخطبة 3.

بوليسياً استبدادياً لكي ينفذ ما خطط له.(1)

حاول عمر أن يُرغم سعد بن عبادة على البيعة ولكن قيل له أن لا يفعل ذلك لأن سعداً لم يكن ليبايع حتى وإن قتل، إلا أن يُقتل جميع أفراد أُسرته وهذا ما لا يحصل إلا إذا أعلن الحرب على جميع الخزرج. وإذا جرت حرب مع الخزرج فإن الأوس ستقف معها وهذا ما سيدمر كل شيء. من هذا المنطق كفوا عن هذا المنطق كفوا عن سعد بن عبادة. (2)

كان الجناح القرشي وراء حادثة السقيفة حيث سعى لأن لا تصل الخلافة لعلي بن أبي طالب علیه السلام . وقد فرح (الجناح القرشي) كثيراً بتولي أبي بكر الخلافة واعتبره نصراً كبيراً واستمراراً لتسلطه.

في الاجتماع قام ابن أبي عبرة القرشي

وأنشد شعراً ابتهاجاً بالمناسبة، فقال:

شكراً لمن هو بالثناء حقيق ***ذهب اللجاج وبويع الصدّيق

من بعد ما زلّت بسعدٍ نعلُه *** ورجا رجاءً دونه العيوق

حقّت به الأنصار عاصب رأسه ***فأتاهم الصدّيق والفاروق

ص: 39


1- " وعلى أي حال فقد بادر أعضاء حزبه بسرعة خاطفة إلى بيعته خوفاً من تطور الأحداث فبايعه عمر وبشير وأسيد بن حضير وعويم بن ساعدة ومعن بن عدي وأبو عبيدة بن الجرّاح وسالم مولى أبي حذيفة وخالد بن الوليد واشتد هؤلاء في حمل الناس وإرغامهم على مبايعته وكان من أشدهم اندفاعاً وحماساً عمر بن الخطاب. فقد جعل يجول ويصول ويدفع الناس دفعاً إلى البيعة وقد لعبت درته شوطاً في الميدان. " موسوعة سيرة أهل البيت، ج 3، ص 273 ، مؤتمر السقيفة وحكومة أبي بكر، فوز أبي بكر بالحكم.
2- قال عمر : لا تدعه حتى يبايعك! فقال لهم بشير بن سعد: إنه قد أبى ولج وليس يبايعك حتى يُقتل وليس بمقتول حتى يقتل ولده معه وأهل بيته وعشيرته. ولن تقتلوهم حتى تُقتل الخزرج ولن تُقتل الخزرج حتى تُقتل الأوس. فلا تُفسدوا على أنفسكم أمراً قد استقام لكم، فاتركوه فليس تركه بضاركم وإنما هو رجل واحد. فتركوه وقبلوا مشورة بشير بن سعد . " الإمامة والسياسة، ج 1، ص 10، تخلف سعد بن عبادة عن البيعة ؛ تاريخ الطبري، ج 2، ص 244 ، حوادث سنة 11 هجرية، ذكر الخبر عما جرى بين المهاجرين والأنصار في أمر الإمارة في سقيفة بني ساعدة ؛ الكامل في التاريخ، ج 2، ص 14 ، حوادث سنة 11 هجرية، حديث السقيفة وخلافة أبي بكر ؛ شرح نهج البلاغة ، ج 6 ، ص 10 ، يوم السقيفة، ذيل الخطبة 66 .

وأبو عبيدة والذين إليهم ***نفسُ المؤمل للقاء تتوق

كنا نقول لهم علي والرضا***عمر وأولاهم بذاك عتيق

فدعت قريشُ باسمه فأجابها***أنّ المنوَه باسمه الموثوق

قل للألى طلبوا الخلافة زلةً ***لم يخط مثلَ خطاهم مخلوق

إن الخلافة في قريش ما لكم*** فيها وربٍّ محمدٍ معروق(1)

أسباب عداء قريش للإمام علي علیه السلام

لهذا العداء جذور ضاربة في الماضي. خطب الإمام علي علیه السلام فقال:

«ما لنا ولقريش؟ وما تنكر منا قريش غير أنا أهل بيت شيّد الله فوق بنيانهم بنياننا وأعلى فوق رؤوسهم رؤوسنا واختارنا الله عليهم. فنقموا على الله أن اختارنا عليهم، وسخطوا ما رضي الله، وأحبوا ما كره الله . فلما اختارنا الله عليهم شركناهم في حريمنا وعرّفناهم الكتاب والنبوة وعلمناهم الفرض والدين وحفّظناهم الصحف والزبر ، وديّناهم الدين والإسلام، فوثبوا علينا وجحدوا

ص: 40


1- قال ابن أبي عبرة القرشي: شكراً لمن هو بالثناء حقيق ***ذهب اللجاج وبويع الصدّيق من بعد ما زلت بسعدٍ نعلُه *** ورجا رجاء دونه العيوق حقّت به الأنصار عاصب رأسه ***فأتاهم الصدّيق والفاروق وأبو عبيدة والذين إليهم***نفسُ المؤمل للقاء تتوق كنا نقول لهم علي والرضا ***عمر وأولاهم بذاك عتيق فدعت قريش باسمه فأجابها***أنّ المنوه باسمه الموثوق قل للألى طلبوا الخلافة زلةً***لم يخط مثل خطاهم مخلوق إن الخلافة في قريش ما لكم*** فيها ورب محمد معروق شرح نهج البلاغة، ج 6 ، ص 20 - 21 ، أمر المهاجرين والأنصار بعد بيعة أبي بكر ، ذيل الخطبة 66 . وأورد ابن عبدالبر والصفدي وابن عساكر القصيدة باختلاف بسيط ؛الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 3، ص 100 ، شرح حال أبي بكر ، الرقم 1651 ؛ الوافي بالوفيات، ج3، ج 17، ص 312، شرح حال أبي بكر، الرقم 264 ؛ تاريخ دمشق الكبير، ج 32، ص197، شرح حال أبي بكر، الرقم 3491.

فضلنا ومنعونا حقنا والتونا أسباب أعمالنا وأعلامنا. اللهم فإني أستعديك على قريش فخذلي بحقي منها ولا تدع مظلمتي لديها وطالبهم يا ربّ بحقي ، فإنك الحكم العدل، فإن قريشاً صغّرت عظيم أمري... اللهم انصرني على قريش وخذ لي بحقي منهم ولا تغفر لهم فقد ظلموني. اللهم عليك بهم فأنت الحكم العدل. لقد استهانت قريش بأمري وهتكت حرمتي، وأهانت كرامتي وعيالي. سلبوني ميراث ابن عمي وسلطوا علي عدوي، وأوجدوا عداوة بيني وبين العرب والعجم. ونهبوا كل ما شقيت من صغري في تحصيله وما ترك لي أخي ووليي وفلذة كبدي. الهي! لقد نشرت آيات دينك وبينت هداية نبيك ولكنهم حملوا عليّ وأسلموني».

هنا قام أبو حازم الأنصاري فقال : يا أمير المؤمنين ! هل ظلمك أبوبكر وعمر؟ هل سلباك حقك بالباطل أم كانا محقين؟ هل كانا على حق وأخذا الخلافة بإذنك أم غصبوا إمامتك فحدثت الفتنة فلم تقدر على الاستقلال؟ إن المهاجرين والأنصار يظنون أن أبابكر وعمر كانا على حق. (1)فقال أمير المؤمنين:

لم يأخذا الخلافة بالحق، ولم يسيرا على منهاج الدين، ولم يتورعا عن الفساد والفتنة. أيها الإخوة أتظنون أن أبناء يعقوب كانوا على حق حين باعوا أخاهم وتركوا أباهم؟ قالوا: كلا. فقال: ألم يفعل أبناء يعقوب وابن آدم ما فعلوا حسداً وعداوة؟ قالوا: بلى. قال: كذلك كان كل ما فعله هذان الرجلان بي حسداً.

أيها المجاهدون المهاجرون والأنصار ! أتظنون أن تيماً وعدياً [ أبا بكر وعمر ] أسرعا إلى السقيفة خوفاً من وقوع الفتنة في الإسلام؟ إذا كان كذلك فلم لم يخافا على الإسلام في غزوة

ص: 41


1- مع أن الأمور كانت واضحة للجميع في البداية إلا أنها التبست فيما بعد على الكثير من الناس لأن الكثير منهم لم يحضروا الاجتماع الذي تم فيه اختيار الخليفة فظنوا أن الإمام علياً علیه السلام كان راضياً بما جرى وأنهم أخذوا الخلافة برضاه ولايزال الكثير من أهل السنة يعتقدون بهذا.

الأبواء حين كانت السهام تتساقط كالمطر والسيوف تتصادم ؟ لم لم يخافا على الإسلام يوم الأحزاب حين خرج عمرو بن عبد ود يختال بسيفه ويدعو للبراز؟

ولماذا فرّا من الزحف في معركة بواط رضوى (أحد) وعشيرة وبدر والليوث (حنين)

ودومة الجندل وغيرها ولم يخاف-ا على الإسلام والمسلمين ؟ لماذا لم يخافا على الإسلام إلاّ في السقيفة، والإسلام حينها ثابت وعدوه هالك، فطعنا الإسلام بسيفه ؟(1).

نشدت قريش السعادة ولكنها شقيت. أرادت الهدى فظلت وأظلت قومها ومن بعدهم. لقد أثبت الله إمامتنا في القرآن فقال: {«وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} (2)و{الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا

ص: 42


1- بالمقابل، تزخر صفحات التاريخ ببطولات علي بن أبي طالب علیه السلام نورد هنا واحدة منها: "قد كانت راية قريش مع طلحة بن أبي طلحة العبدري من بني عبدالدار، فبرز ونادی یا محمد! تزعمون أنكم تجهزونا بأسيافكم إلى النار ونجهزكم بأسيافنا إلى الجنة، فمن شاء أن يلحق بجنته فليبرز إلي ! فبرز إليه أمير المؤمنين ، فقال طلحة : من أنت يا غلام؟ قال: أنا علي بن أبي طالب قال : قد علمت يا قضم أنه لا يجسر علي أحد غيرك. فشدّ عليه طلحة فضربه فاتقاه أمير المؤمنين علیه السلام بالحجفة. ثم ضربه أمير المؤمنين على فخذيه فقطعهما جميعاً، فسقط على ظهره وسقطت الراية . فذهب علی علیه السلام ليجهز عليه، فحلفه بالرحم فانصرف عنه . فقال المسلمون: ألا أجهزت عليه؟ قال: قد ضربته ضربة لا يعيش منها أبداً. ثم أخذ الراية أبو سعيد بن أبي طلحة فقتله علي علیه السلام وسقطت رايته إلى الأرض فأخذها عثمان بن أبي طلحة فقتله علي علیه السلام وسقطت الراية إلى الأرض فأخذها مسافع بن أبي طلحة، فقتله علي علیه السلام وسقطت الراية إلى الأرض فأخذها الحارث بن أبي طلحة فقتله علي علیه السلام وسقطت الراية إلى الأرض فأخذها عزير بن عثمان فقتله علي علیه السلام وسقطت الراية إلى الأرض فأخذها عبدالله بن جميلة بن زهير فقتله علي الالا وسقطت الراية إلى الأرض فقتل أمير المؤمنين التاسع من بني عبدالدار وهو أرطاة بن شرحبيل مبارزة وسقطت الراية إلى الأرض فأخذها مولاهم صواب فضربه أمير المؤمنين علیه السلام على يمينه فقطعها وسقطت الراية إلى الأرض فأخذها بشماله فضربه أمير المؤمنين علیه السلام على شماله فقطعها فسقطت الراية إلى الأرض فاحتضنها بيديه المقطوعتين، ثم قال: يا بني عبدالدار! هل أعذرت فيما بيني وبينكم؟ فضربه أمير المؤمنين علیه االسلام على رأسه فقتله وسقطت الراية إلى الأرض..." بحار الأنوار، ج20، ص 50 ، الباب ،12 ، غزوة أحد وغزوة حمراء الأسد ؛ ذخيرة الحفاظ، ج 3، ص 1826، الحديث 4189. ورد مقتل طلحة بن أبي طلحة على يد علي علیه السلام في الكثير من مصادر أهل السنة راجع، مثلاً: الطبقات الكبرى، ج 2، ص 40 ، غزوة رسول الله صلى الله عليه وآله ] أحداً ؛ والاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 3، ص 152 ، شرح حال عثمان بن أبي طلحة، الرقم 1790.
2- الفرقان (25).

هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا }(1)، {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر والله عاقبة الأمور} (2) (3).

سُئل الإمام علي بن الحسين بن عليه السلام : ما بال قريش لا تحب علياً؟ فقال: لأنه أورد أولهم النار وألزم آخرهم العار " .(4)

يقول علي بن فضّال: «سألته [الإمام الرضا علیه السلام ] عن أمير المؤمنين علیه السلام كيف مال الناس عنه إلى غيره وقد عرفوا فضله وسابقته ومكانه من رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : إنما مالوا عنه إلى غيره وقد عرفوا فضله، لأنه قد كان قتل من آبائهم وأجدادهم وإخوانهم وأعمامهم وأخوالهم وأقربائهم المحادّين الله ولرسوله عدداً كثيراً، فكان حقدهم عليه لذلك في قلوبهم، فلم يحبوا أن يتولى عليهم. ولم يكن في قلوبهم على غيره مثل ذلك لأنه لم يكن له في الجهاد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله مثل ما كان له فلذلك عدلوا عنه ومالوا إلى سواه ».(5)

ص: 43


1- 74 الفرقان (25).
2- 41 الحج (22).
3- "خطب صلوات الله عليه فقال: ما لنا ولقريش؟ وما تنكر منا قريش غير أنا أهل بيت شيّد الله فوق بنيانهم بنياننا وأعلى فوق رؤوسهم رؤوسنا واختارنا الله عليهم. فنقموا على الله أن اختارنا عليهم، وسخطوا ما رضي الله، وأحبوا ما كره الله . فلما اختارنا الله عليهم شركناهم في حريمنا وعرّفناهم الكتاب والنبوة وعلمناهم الفرض والدين وحفظناهم الصحف والزبر، وديناهم الدين والإسلام، فوثبوا علينا وجحدوا فضلنا ومنعونا حقنا والتونا أسباب أعمالنا وأعلامنا. اللهم فإني أستعديك على قريش فخذلي بحقي منها ولا تدع مظلمتي لديها وطالبهم يا ربّ بحقي فإنك الحكم العدل، فإن قريشاً صغرت عظيم أمري..." بحار الأنوار، ج29، ص 558 ، الباب 15 شكاية أمير المؤمنين صلوات الله عليه عمن تقدمه من المتغلبين الغاصبين، الحديث العاشر.
4- تاریخ دمشق الكبير، ج 45 ، ص 221، شرح حال علي بن أبي طالب علیه السلام ، الرقم 5029 ؛ بحار الأنوار، ج 29، ص 482، الباب 14 العلة التي من أجلها ترك الناس عليا علیه السلام ، الحديث 4 .
5- "سألته [الإمام الرضا علیه السلام] عن أمير المؤمنين علیه السلام كيف مال الناس عنه إلى غيره وقد عرفوا فضله وسابقته ومكانه من رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : إنها مالوا عنه إلى غيره وقد عرفوا ،فضله، لأنه قد كان قتل من آبائهم وأجدادهم وإخوانهم وأعمامهم وأخوالهم وأقربائهم المحادّين الله ولرسوله عدداً كثيراً، فكان حقدهم عليه لذلك في قلوبهم، فلم يحبوا أن يتولى عليهم . ولم يكن في قلوبهم على غيره مثل ذلك لأنه لم يكن له في الجهاد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله مثل ما كان له، فلذلك عدلوا عنه ومالوا إلى سواه." عيون أخبار الرضا علیه السلام، ج 2، ص 81 ، الباب 32 في ذكر ما جاء عن الرضا علیه السلام من العلل الحديث 15 .

ورغم أن أبا بكر وعمر صحبا رسول الله صلّى الله عليه وآله في بعض غزواته إلاّ أنهما كانا يتحاشيان قتل أحد من أعداء الإسلام بأيديهما(1).

أما علي علیه السلام فلم يدّخر وسعاً في طاعة الله ورسوله فقتل الكثير من أعداء الإسلام حتى هتف هاتف من السماء « لا فتى إلاّ علي لا سيف إلا ذو الفقار»(2).

ص: 44


1- "فأما وحاله حاله وهو أضعف المسلمين جناناً وأقلهم عند العرب ترةً ولم يرم قط بسهم ولا سلّ سيفاً ولا أراق دماً." شرح نهج البلاغة ، ج 13، ص 281 ، القول في إسلام أبي بكر وعلي وخصائص كل منهما، ذيل الخطبة 238 .
2- وروى المحدثون أيضاً أن المسلمين سمعوا ذلك اليوم صائحاً من جهة السماء ينادي: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لمن حضره ألا تسمعون!؟ هذا صوت جبرئيل . " شرح نهج البلاغة ، ج 10، ص 82 ، ذيل الخطبة 190 . ينقل الكثير من المؤرخين والمحدثين هذه العبارة السماوية ومنهم الطبري في تاريخه : "فقال جبرئيل : يا رسول الله ! إنّ هذه للمواساة. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنه مني وأنا منه . فقال جبرئيل وأنا منكما. قال: فسمعوا صوتاً لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي " تاريخ الطبري، ج 2، ص 65 ، غزوة أحد، حوادث السنة الثالثة الهجرية ؛ الكامل في التاريخ، ج 1، ص 552 ، ذكر غزوة أحد، حوادث السنة الثالثة الهجرية ؛ البداية والنهاية، ج 4 ، ص 48 ، حوادث السنة الثالثة الهجرية. للمزيد من الاطلاع على المصادر والمراجع راجع : الغدير في الكتاب والسنة والأدب، ج 2، ص102، حديث لا فتى إلاّ علي!

القسم الثاني: السقيفة على لسان عمر

اشارة

تبيّن أن عمر بن الخطاب هو من حرّك الترتيبات من وراء الستار لخلافة أبي بكر وأنه لولاه لم تكن تنعقد الخلافة لأبي بكر. غير أن هذا الدعم الكبير كان له دوافع أخرى لابد من سماعها من عمر نفسه.

يقول أبو موسى الأشعري:

«حججت مع عمر فلما نزلنا وعظم الناس خرجت من رحلي أريده فلقيني المغيرة بن شعبة فرافقني ثم قال: أين تريد؟ قلت: أمير المؤمنين، فهل لك؟ قال: نعم. فانطلقنا نريد رحل عمر. فانا في طريقنا إذ ذكرنا تولّي عمر وقيامه بما هو فيه وحياطته على الإسلام ونهوضه بما قبله من ذلك. ثم خرجنا إلى ذكر أبي بكر ، فقلت للمغيرة: يا لك الخير ! لقد كان أبوبكر مسدداً في عمر، لكأنه ينظر إلى قيامه من بعده وجده واجتهاده وغنائه في الإسلام . فقال المغيرة: لقد كان ذلك وإن كان قوم كرهوا ولاية عمر ليزووها عنه وما كان لهم في ذلك من حظ . فقلت له : لا أبا لك! ومن القوم الذين كرهوا ذلك لعمر ؟ فقال المغيرة : الله أنت ! كأنك لا تعرف هذا الحي من قريش وما خُصوا به من الحسد ! فوالله لو كان هذا الحسد يدرك بحساب لكان لقريش تسعة أعشاره وللناس ملهم عشر .. فقلت: مه يا مغيرة فإن قريشاً بانت بفضلها على الناس. فلم نزل في مثل ذلك حتى انتهينا إلى رحل عمر فلم نجده فسألنا عنه فقيل قد خرج آنفاً فمضينا نقفو أثره حتى دخلنا المسجد فإذا عمر يطوف بالبيت فطفنا معه فلما فرغ دخل بيني وبين المغيرة فتوكأ على المغيرة وقال: من أين جئتما؟ فقلنا: خرجنا نريدك يا أمير المؤمنين فأتينا رحلك فقيل لنا خرج إلى المسجد فتبعناك. فقال: أتبعكما الخير. ثم نظر المغيرة إليّ وابتسم فرمقه عمر فقال : مم تبتسم أيها العبد؟ فقال: من حديث كنت أنا وأبو موسى فيه آنفاً في طريقنا إليك، قال: وما ذاك الحديث ؟ فقصصنا عليه الخبر حتى بلغنا ذكر

ص: 45

حسد قريش وذكر من أراد صرف أبي بكر عن استخلاف عمر، فتنفس الصعداء ثم قال: ثكلتك أمك يا مغيرة! وما تسعة أعشار الحسد بل وتسعة أعشار العشر، وفي الناس كلهم عُشر العُشر . بل وقريش شركاؤهم أيضاً فيه. وسكت ملياً وهو يتهادى بيننا ثم قال: ألا أخبركما بأحسد قريش كلها؟ قلنا: بلى يا أمير المؤمنين . قال : وعليكما ثيابكما ؟ قلنا : نعم . قال : وكيف بذلك وأنتما ملبسان ثيابكما؟ قلنا: يا أمير المؤمنين ! وما بالُ الثياب؟ قال: خوف الإذاعة منها. قلنا له: أتخاف الإذاعة من الثياب أنت وأنت من ملبس الثياب أخوف وما الثياب أرادت ! قال: هو ذاك. ثم انطلق وانطلقنا معه حتى انتهينا إلى رحله فخلا أيدينا من يديه ثم قال: لا تريما (لا تبرحا)! فقلت للمغيرة: لا أبا لك ! لقد عثرنا بكلامنا معه وما كنا فيه وما نراه حبسنا إلاّ ليذكرنا إياه. قال: فأنا لكذلك إذ خرج إذنه إلينا فقال: ادخلا فدخلنا فوجدناه مستلقياً على برذعة برحل فعلمنا أنه يريد أن نضمن له كتمان حديثه فقلت: أنا له يا أمير المؤمنين الزمنا وخُصنا وصنا! قال: بماذا يا أخا الأشعريين؟ فقلت: بإفشاء سرك وأن تشاركنا في همتك فنعم المستشاران نحن لك ! قال: إنكما كذلك فاسألا عما بدا لكما ! ثم قام إلى الباب ليغلقه فإذا الأذن الذي أذن لنا عليه في الحجرة فقال: امض عنا لا أُمّ لك! فخرج وأغلق الباب خلفه. ثم أقبل علينا فجلس معنا وقال: فلا تخبرا. قلنا: نريد أن يخبرنا أميرالمؤمنين بأحسد قريش الذي لم يؤمن ثيابنا على ذكره لنا. فقال: سألتها عن معضلة وسأخبركما فليكن عندكما في ذمة منيعة وحرز ما بقيت فإذا مت فشأنكما وما شئتها من إظهار أو كتمان. قلنا: فإن لك عندنا ذلك. قال أبو موسى وأنا أقول في نفسي ما يريد إلا الذين كرهوا استخلاف أبي بكر له كطلحة وغيره فإنهم قالوا لأبي بكر : أتستخلف علينا فظاً غليظاً !؟ وإذا هو يذهب إلى غير ما في نفسي فعاد إلى التنفس ثم قال: من تريانه؟ قلنا والله ما ندري إلا ظناً ! قال: وما تظنان؟ قلنا: عساك تريد القوم الذين أرادوا أبابكر على صرف هذا الأمر عنك . قال : كلا والله ! بل كان أبوبكر أعق وهو الذي سألتها عنه . كان والله أحسد قريش كلها . ثم أطرق طويلاً فنظر المغيرة إليّ ونظرت إليه وأطرقنا مليّاً لإطراقه وطال السكوت منا ومنه حتى ظننا أنه قد ندم على ما بدا منه ثم . قال: والهفاه

ص: 46

على ضئيل بني تيم بن مرة! لقد تقدمني ظالماً وخرج إلي منها آثماً. فقال المغيرة: أما تقدمه عليك يا أمير المؤمنين ظالماً فقد عرفناه، كيف خرج إليك منها آثماً؟ قال : ذلك أنه لم يخرج إلي منها إلا بعد يأس منها. أما والله لو كنت أطعت زيد بن الخطاب(1) ، وأصحابه [إذ قالوا لي إن أبابكر من عشيرة وضيعة وهو أوضع من عشيرته].

لم يتلمظ من حلاوتها بشيء أبداً ولكني قدّمت وأخّرت وصعدت وصوبّت ونقضت وأبرمت فلم أجد إلاّ الإغضاء على ما نشب به منها والتلهف على نفسي وأمّلت إنابته ورجوعه. ف-والله م-ا فعل حتى نغر بها بشماً. قال المغيرة: فما منعك منها يا أمير المؤمنين وقد عرضك لها يوم السقيفة بدعائك إليها!؟ ثم أنت الآن تنقم وتتأسف ؟ قال : ثكلتك أمك يا مغيرة! إني كنت لأعدك من دهاة العرب، كأنك كنت غائباً عما هناك. إن الرجل ماكرني فماكرته، وألفاني أحذر من قطاة. إنه لما رأى شغف الناس به وإقبالهم بوجوههم عليه أيقن أنه لا يريدون به بدلاً فأحب، لما رأى من حرص الناس عليه وميلهم عليه أن يعلم ما عندي وهل تنازعني نفسي إليه. وأحبّ أن يبلوني بإطماعي فيها والتعريض لي بها، وقد علم وعلمتُ لو قبلت ما عرضه علي لم يجب الناس إلى ذلك فألفاني قائماً على أخمصي مستوفزاً حذراً، ولو أجبته إلى قبولها لم يسلم الناس إلي ذلك واختبأها ضغناً عليّ في قلبه، ولم آمن غائلته ولو بعد حين مع ما بدا لي من كراهة الناس لي . أما سمعت نداءهم من كل ناحية عند عرضها علي : لا نريد سواك يا أبا بكر أنت لها ! فرددتها إليه عند ذلك. فلقد رأيته التمع وجهه سروراً، وقد عاتبني مرة على كلام بلغه عني وذلك لما قدم عليه بالأشعث أسيراً فمنّ عليه وأطلقه وزوجه أخته أم فروة، فقلت للأشعث وهو قاعد بين يديه: يا عدو الله ! أكفرت بعد إسلامك وارتددت ناكصاً على عقبيك، فنظر إلي نظراً علمت أنه يريد أن يكلمني بكلام في نفسه ثم يلقيني بعد ذلك في سكك المدينة، فقال لي: أنت صاحب الكلام يا ابن الخطاب؟ فقلت: نعم يا عدو الله

ص: 47


1- هو أخو الخليفة الثاني الأكبر منه وأسلم قبله. قيل إنه شارك في بدر والمعارك الأخرى وكان حامل راية المسلمين في حرب اليمامة. قُتل في السنة الثانية عشرة الهجرية. سير أعلام النبلاء، ج 1، ص 297 - 298، شرح حال زيد بن الخطاب، الرقم 57 .

ولك عندي شرّ من ذلك. فقال: بئس الجزاء هذا لي منك . قلت : وعلام تريد مني حسن الجزاء؟ قال: لأنفتي لك من اتباع هذا الرجل، والله ما جرّاني على الخلاف عليه إلاِّ تقدمه عليك وتخلفك عنه، ولو كنت صاحبها لما رأيت مني خلافاً عليك. [هكذا استمال الأشعث عمر ] قلت: لقد كان ذلك، فما تأمر الآن؟ [أي أنه غيّر موقفه بمقدار 180 درجة ] قال: إنه ليس بوقت أمر بل وقت صبر. ومضى ومضيت. ولقي الأشعث الزبرقان بن بدر فذكر له ما جرى بيني وبينه فنقل ذلك إلى أبي بكر فأرسل إليّ بعتاب مؤلم ، فأرسلت إليه أما والله لتكفنّ أو لأقولنّ كلمة بالغة بي وبك في الناس تحملها الركبان حيث ساروا [ يعني لأفضحنّك فضيحة يسمع بها القاصي والداني] وإن شئت استدمنا ما نحن فيه عفواً [يعني: استمرت صداقتنا] فقال: بل نستديمه، وإنها لصائرة إليك بعد أيام. فظننت أنه لا يأتي عليه جمعة حتى يردها علي، فتغافل والله ما ذكرني بعد ذلك حرفاً حتى هلك ومدّ في أمدها عاضاً على نواجذه حتى حضره الموت وأيس منه فكان منه ما رأيتها فاكتما ما قلت لكما عن الناس كافة وعن بني هاشم خاصة وليكن منكما بحيث أمرتكما، قوما إذا شئتما على بركة الله . فقمنا ونحن نعجب من قوله . فوالله ما أفشينا سره

حتى هلك»(1)

ص: 48


1- "سلمة عن أبي موسى الأشعري قال: حججت مع عمر فلما نزلنا وعظم الناس خرجت من رحلي أريده فلقيني المغيرة بن شعبة فرافقني ثم قال : أين تريد؟ قلت: أمير المؤمنين، فهل لك ؟ قال : نعم. فانطلقنا نريد رحل عمر. فإنا في طريقنا إذ ذكرنا تولّي عمر وقيامه بما هو فيه وحياطته على الإسلام ونهوضه بما قبله من ذلك . ثم خرجنا إلى ذكر أبي بكر ، فقلت للمغيرة يا لك الخير ! لقد كان أبو بكر مسدداً في عمر، لكأنه ينظر إلى قيامه من بعده وجده واجتهاده وغنائه في الإسلام فقال المغيرة: لقد كان ذلك وإن كان قوم كرهوا ولاية عمر ليزووها عنه وما كان لهم في ذلك من حظ فقلت له: لا أبا لك ! ومن القوم الذين كرهوا ذلك لعمر ؟ فقال المغيرة: الله أنت ! كأنك لا تعرف هذا الحي من قريش وما خُصوا به من الحسد ! فوالله لو كان هذا الحسد يدرك بحساب لكان لقريش تسعة أعشاره وللناس ملهم عشر. فقلت: مه يا مغيرة فإن قريشاً بانت بفضلها على الناس فلم نزل في مثل ذلك حتى انتهينا إلى رحل عمر فلم نجده فسألنا عنه فقيل قد خرج آنفاً فمضينا نقفو أثره حتى دخلنا المسجد فإذا عمر يطوف بالبيت فطفنا معه فلما فرغ دخل بيني وبين المغيرة فتوكأ على المغيرة وقال: من أين جئتما؟ فقلنا : خرجنا نريدك يا أمير المؤمنين فأتينا رحلك فقيل لنا خرج إلى المسجد فتبعناك. فقال: أتبعكما الخير. ثم نظر المغيرة إلي وابتسم فرمقه عمر فقال : مم تبتسم أيها العبد؟ فقال: من حديث كنت أنا وأبو موسى فيه آنفاً في طريقنا إليك، قال : وما ذاك الحديث؟ فقصصنا عليه الخبر حتى بلغنا ذكر حسد قريش وذكر من أراد صرف أبي بكر عن استخلاف عمر فتنفس الصعداء ثم قال : ثكلتك أمك يا مغيرة! وما تسعة أعشار الحسد بل وتسعة أعشار العشر، وفي الناس كلهم عُشر العُشر . بل وقريش شركاؤهم أيضاً فيه. وسكت ملياً وهو يتهادى بيننا ثم قال : ألا أخبركما بأحسد قريش كلها ؟ قلنا : بلى يا أمير المؤمنين. قال: وعليكما ثيابكما؟ قلنا: نعم . قال : وكيف بذلك وأنتما ملبسان ثيابكما ؟ قلنا : يا أمير المؤمنين وما بال الثياب ؟ قال : خوف الإذاعة منها. قلنا له: أتخاف الإذاعة من الثياب أنت وأنت من ملبس الثياب أخوف! وما الثياب أرادت ! قال: هو ذاك. ثم انطلق وانطلقنا معه حتى انتهينا إلى رحله فخلا أيدينا من يديه ثم قال : لا تريما ( لا تبرحا) ! فقلت للمغيرة: لا أبا لك ! لقد عثرنا بكلامنا معه وما كنا فيه وما نراه حبسنا إلاً ليذكرنا إياه. قال: فأنا لكذلك إذ خرج إذنه إلينا فقال : ادخلا فدخلنا فوجدناه مستلقياً على برذعة برحل فعلمنا أنه يريد أن نضمن له كتمان حديثه فقلت : أنا له يا أمير المؤمنين ! الزمنا وخُصنا وصنا! قال : بماذا يا أخا الأشعريين؟ فقلت : بإفشاء سرك وأن تشاركنا في همتك فنعم المستشاران نحن لك ! قال : إنكما كذلك فاسألا عما بدا لكما ! ثم قام إلى الباب ليغلقه فإذا الأذن الذي أذن لنا عليه في الحجرة فقال : امض عنا لا أمّ لك ! فخرج وأغلق الباب خلفه . ثم أقبل علينا فجلس معنا وقال : فلا تخبرا. قلنا: نريد أن يخبرنا أمير المؤمنين بأحسد قريش الذي لم يؤمن ثيابنا على ذكره لنا. فقال: سألتها عن معضلة وسأخبركما فليكن عندكما في ذمة منيعة وحرز ما بقيت فإذا مت فشأنكما وما شئتما من إظهار أو كتمان. قلنا: فإن لك عندنا ذلك. قال أبو موسى وأنا أقول في نفسي ما يريد إلا الذين كرهوا استخلاف أبي بكر له كطلحة وغيره فإنهم قالوا لأبي بكر : أتستخلف علينا فظاً غليظاً ؟؟ وإذا هو يذهب إلى غير ما في نفسي فعاد إلى التنفس ثم قال: من تريانه؟ قلنا: والله ما ندري إلا ظناً ! قال: وما تظنان؟ قلنا: عساك تريد القوم الذين أرادوا أبابكر على صرف هذا الأمر عنك. قال : كلا والله ! بل كان أبوبكر أعقّ وهو الذي سألتها عنه . كان والله أحسد قريش كلها . ثم أطرق طويلاً فنظر المغيرة إليّ ونظرت إليه وأطرقنا مليّاً لإطراقه وطال السكوت منا ومنه حتى ظننا أنه قد ندم على ما بدا منه ثم . قال : والهفاه على ضئيل بني تيم بن مرة! لقد تقدمني ظالماً وخرج إلي منها آثماً. فقال المغيرة: أما تقدمه عليك يا أمير المؤمنين ظالماً فقد عرفناه، كيف خرج إليك منها آثماً ؟ قال : ذلك أنه لم يخرج إلي منها إلا بعد يأس منها. أما والله لو كنت أطعت زيد بن الخطاب وأصحابه لم يتلمظ من حلاوتها بشيء أبداً ولكني قدّمت وأخرت وصعدت وصوبت ونقضت وأبرمت فلم أجد إلا الإغضاء على ما نشب به منها والتلهف على نفسي وأمّلت إنابته ورجوعه. فوالله ما فعل حتى نغر بها بشاً. قال المغيرة: فما منعك منها يا أمير المؤمنين وقد عرضك لها يوم السقيفة بدعائك إليها!؟ ثم أنت الآن تنقم وتتأسف ؟ قال : ثكلتك أمك يا مغيرة! إني كنت لأعدك من دهاة العرب، كأنك كنت غائباً عما هناك. إن الرجل ماكرني فماكرته، وألفاني أحذر من قطاة. إنه لما رأى شغف الناس به وإقبالهم بوجوههم عليه أيقن أنه لا يريدون به بدلاً فأحب، لما رأى من حرص الناس عليه وميلهم عليه أن يعلم م عندي وهل تنازعني نفسي إليه وأحبّ أن يبلوني بإطماعي فيها والتعريض لي بها، وقد علم وعلمتُ لو قبلت ما عرضه علي لم يجب الناس إلى ذلك فألفاني قائماً على أخمصي مستوفزاً حذراً، ولو أجبته إلى قبولها لم يسلم الناس إلي ذلك واختبأها ضغناً عليّ في قلبه، ولم آمن غائلته ولو بعد حين مع ما بدا لي من كراهة الناس لي . أما سمعت نداءهم من كل ناحية عند عرضها علي : لا نريد سواك يا أبابكر ! أنت لها! فرددتها إليه عند ذلك. فلقد رأيته التمع وجهه لذلك سروراً وقد عاتبني مرة على كلام بلغه عني وذلك لما قدم عليه بالأشعث أسيراً فمن عليه وأطلقه وزوجه أخته أم فروة،فقلت للأشعث وهو قاعد بين يديه: يا عدو الله ! أكفرت بعد إسلامك وارتددت ناكصاً على عقبيك، فنظر إلي نظراً علمت أنه يريد أن يكلمني بكلام في نفسه ثم يلقيني بعد ذلك في سكك المدينة، فقال لي : أنت صاحب الكلام يا ابن الخطاب؟ فقلت : نعم يا عدو الله ولك عندي شرّ من ذلك. فقال : بئس الجزاء هذا لي منك . قلت : وعلام تريد مني حسن الجزاء؟ قال: لأنفتي لك من اتباع هذا الرجل والله ما جرّاني على الخلاف عليه إلا تقدمه عليك وتخلفك عنه، ولو كنت صاحبها لما رأيت مني خلافاً عليك . قلت : لقد كان ذلك، فما تأمر الآن ؟ قال : إنه ليس بوقت أمر بل وقت صبر . ومضى ومضيت ولقي الأشعث الزبرقان بن بدر فذكر له ما جرى بيني وبينه فنقل ذلك إلى أبي بكر فأرسل إلي بعتاب مؤلم، فأرسلت إليه : أما والله لتكفن أو لأقولن كلمة بالغة بي وبك في الناس تحملها الركبان حيث ساروا وإن شئت استدمنا ما نحن فيه عفواً فقال : بل نستديمه، وإنها لصائرة إليك بعد أيام. فظننت أنه لا يأتي عليه جمعة حتى يردها علي، فتغافل والله ما ذكرني بعد ذلك حرفاً حتى هلك ومدّ في أمدها عاض-اً ع-ل-ى ن-واج-ذه حتى حضره الموت وأيس منه فكان منه ما رأيتها فاكتما ما قلت لكما عن الناس كافة وعن بني هاشم خاصة وليكن منكما بحيث أمرتكما، قوما إذا شئتما على بركة الله. فقمنا ونحن نعجب من قوله. فوالله ما أفشينا سره حتى هلك. " شرح نهج البلاغة ، ج 2، ص 30 - 34، حديث السقيفة، ذيل الخطبة 26 .

ص: 49

أسئلة موجهة إلى عمر:

أيها الخليفة ! ما الذي كان يؤرقك من أمر الخلافة؟ هل كانت غايتك منها أداء الواجب أم الوصول إلى الحكم؟

أيها الخليفة إن الحكاية التي قصصتها على المغيرة وأبي موسى تثير عدداً من التساؤلات:

1- لقد وصفت الخليفة الأول في أكثر من موضع بأنه كان كاذباً (1)غادراً وضيعاً تافها وكان أحسد الناس وظالماً. فهل يستحق مثل هذا الشخص أن يكون خليفة لرجل عظيم وصفه الله بقوله {وإنّك لعلى خلق عظيم }(2) ؟ وإلاّ فلماذا سعيت بكل جهدك لإيصاله إلى الخلافة وأعلنت أنه يليق بالمنصب؟

2- لقد تمنيت لو أنك أخذت برأي أخيك فأزحت أبابكر وتوليت الخلافة، فهل كنت في شك من كفاءة أبي بكر وأهليته للخلافة ؟ أم أنك كنت تريد سحق الحق؟

ص: 50


1- "قال : فلما توفي رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلم ] قال أبو بكر: أنا ولي رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلم] فجئتها تطلب ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها . فقال أبوبكر : قال رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلم]: ما نورث ما تركنا صدقة، فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً... توفي أبوبكر وأنا وليّ [ صلّی الله علیه وآله وسلم]وولي أبي بكر ، فرأيتماني كاذباً آثماً غادراً خائنا . " صحيح مسلم، ص 832 ، كتاب الجهاد والسير، باب حكم الفيء، الحديث 4552. ويورد البخاري الرواية نفسها ولكنه يخون الأمانة العلمية بأن يبدل عبارة " كاذباً آثماً غادراً خائناً" بعبارة "كذا وكذا. صحيح البخاري، ص 1123 ، كتاب النفقات باب حبس الرجل قوت سنة على أهله، الحديث 5358 .
2- الآية 4 سورة القلم (68).

3- قلتَ إن الناس لم يريدوا إلاّ أبا بكر ، ولذلك اعترضوا عليه حين رشحك لها . فإذا كان الناس هم أصحاب الحق في اختيار الخليفة ، وإذا كنتَ تحترم رأي الناس، فلماذا لم تكف عن الطمع بالخلافة وكنت تهدد الخليفة الأول؟

4 - لقد تبادلتها عرض الخلافة على بعضكما بعض في السقيفة، وتبادلتا التهديد من أجلها أحياناً، فهل خلافة المجتمع الإسلامي في رأيكما مجرد قطعة حلوى تدعوان إليه-ا بعضكما بعضاً مرة وتتنازعان من أجلها أخرى؟

5-من جانب كان المهاجرون يطرحون معيار العروبة والوطنية وقرابة رسول الله. ومن جانب آخر، كان الأنصار يهددون بطرد المهاجرين من المدينة. ولقد رأيت كيف ابتعد المسلمون عن جادة الإسلام وكم كانت الأرضية مهيأة لوقوع حرب أهلية. فإلى أين كانت ستنتهي الأمور؟ ولو كانت وقعت حرب أهلية، هل كان سيبقى من الإسلام شيء؟ أفلا يحكم العقل بأن النبي صلّی الله علیه وآله وسلم كان قد عيّن خليفة له؟ ولو لم يكن أي دليل سوى الدليل العقلي على أن النبي صلّی الله علیه وآله وسلم قد عيّن خليفة له، أفلا يكفي هذا الدليل لذلك؟

6- بعد أن آلت إليك الخلافة، عملت على انتقاد خلافة أبي بكر ووصفتها بالخطأ والشر. الذي نجا منه المسلمون. ولقد كنت تسأل الله أن ينجي المسلمين من شر خلافة كخلافة أبي بكر . والأعجب أنك قلت إنّ من يدعو لخلافة كخلافة أبي بكر فاقتلوه (1)فعلام

ص: 51


1- قال: كانت بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها. فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه" تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص158، أيام عمر بن الخطاب ؛ شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 26، حديث السقيفة، ذيل الخطبة 26. وقد أوردها البخاري هكذا : "ثم إنه بلغني أن قائلاً منكم يقول: والله لو مات عمر بايعت فلاناً. فلا يغترن امرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت ألا وإنها قد كانت كذلك ولكن الله وقى شرها. وليس منكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر. من بايع رجلاً عن غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا . " صحيح البخاري، ص 1380 ، کتاب الحدود، باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت الحديث 6830 .

استندت في قولك هذا؟ فهل كان اختيار أبي بكر خطأ؟ هل أخطأت أنت مع من أخطأ في اختيار أبي بكر؟ إلى أين ستوصلنا أجوبةهذه التساؤلات ؟ هل كان همّك الله والإسلام والدين والقرآن والنبي والحفاظ على بيضة الإسلام وكيان المسلمين، أم السلطة والجاه والمصالح والحزب وحب الدنيا ؟

ص: 52

القسم الثالث: أبوسفيان والسقيفة

اشارة

عندما أعلن أبو بكر خليفة، اعترض أبوسفيان ولم يبايعه(1)، ووصف دولته بدولة الفصيل الأغبر(2)، وإذا كان الغبار يُزال بالماء، فقد كان يعتقد أن خلافة أبي بكر لا تُزال بالماء بل بالدم. كان يصيح: يا بني عبدمناف! من هو أبوبكر لتولوه عليكم ؟ ألم تجدوا شخصاً آخر غيره؟

أين علي والعباس ؟ ما شأن قبيلة تيم وعشيرة أبي بكر في الخلافة؟ إنهم أوضع عشيرة من قريش. إنا لن نخضع لحكمهم . ثم ذهب أبو سفيان إلى أمير المؤمنين علیه السلام وقال له : امدد يدك أبايعك! والله لأملأنّ المدينة خيلاً ورجالاً حتى يقال أبوبكر. هيا نتعاهد! ثم أنشد:

بني هاشم إلا تطمعوا الناس فيكم ***ولاسيما تيم بن مرة أو عدي

فما الأمر إلا فيكم وإليكم*** وليس لها إلا أبو حسن علي

أباحسن فاشدد بها کف حازم ***فإنك بالأمر الذي يُرتجى ملي

ص: 53


1- "وكان فيمن تخلف عن بيعة أبي بكر أبوسفيان بن حرب وقال: أرضيتم يا بني عبدمناف أن يلي هذا الأمر عليكم غيركم؟ وقال لعلي بن أبي طالب: امدد يدك أبايعك! " تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 126 ، خبر سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر. "وإنّ الزبير بن العوّام امتنع من البيعة وقال : لا أبايع إلا علياً [علیه السلام وكذلك أبو سفيان بن حرب وخالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس والعباس بن عبدالمطلب وبنوه وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وجميع بني هاشم . " شرح نهج البلاغة ، ح 2، ص21، حديث السقيفة، ذيل الخطبة 26 .
2- عن ثابت قال : لما استخلف أبوبكر قال أبوسفيان ما لنا ولأبي فصيل ! إنما هي بنو عبدمناف !... فجعل يتمثل بشعر المتلمس: ولن يقيم على خسف يراد به ***إلاّ الأذلان، عير الحي والوتد هذا على الخسف مربوط برمته*** وذا يُشج فلا يبكي له أحد تاريخ الطبري، ج 2، ص 237 ، حوادث سنة 11 هجرية، حديث السقيفة. " لما بويع أبوبكر جاء أبوسفيان إلى علي فقال: أغلبكم على هذا الأمر أذلّ بيت من قريش وأقلّها ! أما والله لئن شئت لأملأنها على أبي فصيل خيلاً ورجلاً. " شرح نهج البلاغة، ج6، ص 40، أمر المهاجرين والأنصار بعد بيعة أبي بكر، ذيل الخطبة 66. وج 1 ، ص 221 - 222 ، اختلاف الرأي بعد وفاة رسول الله، ذيل الخطبة الخامسة، "كان النبي [ صلّی الله علیه وآله وسلم] قد بعث أبا سفيان ساعياً فرجع من سعايته وقد مات رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلم ] فلقيه قوم فسألهم فقالوا: مات رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلم] فقال: من ولي بعده؟ قيل أبوبكر . قال أبو فصيل؟ قالوا: نعم. قال : فما فعل المستضعفان علي والعباس؟ أم-ا والذي نفسي بيده لأرفعنّ لهما من أعضادهما . " شرح نهج البلاغة ، ج 2، ص 44 ، حديث السقيفة، ذيل الخطبة 26.

وقصي إن أمراً يرمي وراءه *** عزيز الحمى والناس من غالب قصي

وقال: ليس لهذا الأمر إلاّ أنت يا علي وقد قال لك رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلم]: اضرب يا أبا الحسن فلا أمل في سواك ! (1)فزجره علي وقال : إنك والله ما أردت بهذا إلاّ الفتنة وإنك والله طال ما بغيت الإسلام شراً. لا حاجة لنا في نصيحتك (2).

أهداف أبي سفيان ودوافعه:

أشعل أبوسفيان معركةً لم تكن له أية غاية منها إلاّ المنافسة على السلطة والمساومة عليها. ولم يكن له أي هدف في سبيل الله أو الإسلام. ولو كان أحد غير علي بن أبي طالب علیه السلام لا نخدع به ووقع في فخ فتنته. كان أبو سفيان يلطم ويصرخ ، لا حرصاً على الإسلام ودولته، بل لأنه لم

ص: 54


1- "وكان فيمن تخلف عن بيعة أبي بكر أبو سفيان بن حرب، وقال أرضيتم يا بني عبدمناف أن يلي هذا الأمر عليكم غيركم؟ وقال لعلي بن أبي طالب امدد يدك أبايعك، وعلي معه قصي، وقال: بني هاشم لا تُطمعوا الناس فيكم *** ولا سيما تيم بن مرة أو عدي..." [إلى آخر الأبيات] تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 126 ، خبر سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر ؛ شرح نهج البلاغة، ج 6 ، ص 17 - 18، أمر المهاجرين والأنصار بعد بيعة أبي بكر، ذيل الخطبة 66 ؛ العقد الفريد، ج 4 ، ص 257 ، كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم، خلافة أبي بكر.
2- (2) "لما اجتمع الناس على بيعة أبي بكر أقبل أبوسفيان وهو يقول : إني لأرى عجاجة لا يطفئها إلا دم . يا آل عبدمناف ! فیم أبوبكر من أموركم؟ أين المستضعفان؟ أين الأذلان علي والعباس؟ ما بال هذا الأمر في أقلّ حي من قريش ؟ ثم قال لعلي : ابسط يدك أبايعك ! فو الله لئن شئت لأملأنّها عليه خيلاً ورجلاً . فأبى علي [علیه السلام] فتمثل بشعر المتلمس : ولن يقيم على خسف يقيم به ***إلاّ الأذلاّن عير الحي والوتد هذا على الخسف مربوط برمته*** وذا يشج فلا يبكي له أحد قال: فزجره علي وقال : إنك ما أردت بهذا إلاّ الفتنة وإنك والله طال ما بغيت الإسلام شراً، لا حاجة لنا في نصيحتك. " الكامل في التاريخ، ج 2، ص 11 ، حوادث سنة 11 هجرية، حديث السقيفة وخلافة أبي بكر. وباختلاف قليل في تاريخ الطبري، ج 2، ص 237، حوادث سنة 11 هجرية، حديث السقيفة ؛ شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 221 - 22 اختلاف الرأي في الخلافة بعد وفاة رسول الله، ذيل الخطبة الخامسة.

يحصل على شيء من امتيازاتها. وحين سمع الحكام بموقفه المعارض أشار عمر على أبي بكر فأرسل إليه مالاً من الصدقات فنسي كل ما قال وأعطى البيعة للحاكم(1).

وربما كان اعتراض أبي سفيان إنذاراً للمسؤولين عن الحكم. إذن، كانت غايته أن يوصل إلى السلطة رسالة فحواها أنه قادر على إزاحتهم عنها . ولهذا السبب سارع الحاكمون إلى استدعائه وإسناد ولايتين مهمتين لابنيه هما الشام (2)، والطائف"(3)، يقول الطبري إنه لما بويع أبوبكر بدأ أبوسفيان معارضته فقيل له : لقد ولّي ابنك فهدأ وقال : وصلته رحم(4)، وتفيد بعض الروايات بأن أبا سفيان نفسه لم يعدم نصيباً في السلطة، فقد انتدبه أبوبكر على منطقة حدودية بين الحجاز ونجران خلال حروب الردّة(5).

ص: 55


1- "فقال عمر لأبي بكر: إنّ هذا قد قدم وهو فاعل شراً وقد كان النبي [صلّی الله علیه وآله وسلم] يستألفه على الإسلام، فدع له ما بيده من الصدقة، ففعل فرضي أبوسفيان وبايعه . " العقد الفريد، ج 4 ، ص 257 ، كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم، خلافة أبي بكر.
2- "يزيد بن أبي سفيان... ولأّه أبوبكر الصدّيق وجعل أباه أبا سفيان تحت رايته . " مشاهير علماء الأمصار ، ص 15 - 16 ، ذكر مشاهير الصحابة بالمدينة. "يزيد بن أبي سفيان... واستعمله أبوبكر الصديق وأوصاه وخرج يشيّعه راجلاً. " الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 4، ص 136، شرح حال يزيد بن أبي سفيان، الرقم 2801. يزيد بن أبي سفيان بن حرب... وعقد له أبوبكر الصديق مع أمراء الجيوش إلى الشام ... وشيعه أبوبكر الصدّيق راجلاً ... فولاّه عمر بن الخطّاب دمشق فلم يزل والياً بها حتى مات في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة وليس له عقب . " الطبقات الكبرى، ج 7، ص 405 - 406 ، شرح حال يزيد بن أبي سفيان.
3- "عتبة بن أبي سفيان... ولأه عمر بن الخطاب الطائف وصدقاتها . " الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 3، ص 146، شرح حال عتبة بن أبي سفيان، الرقم 1781 ؛ الإصابة في تمييز الصحابة، ج 5، ص 47 - 48 ، شرح حال عتبة بن أبي سفيان، الرقم 6259 .
4- "لما استخلف أبوبكر قال أبو سفيان: ما لنا ولأبي فصيل ! إنما هي بنو عبد مناف ! قال: فقيل له: إنه قد ولّى ابنك قال : وصلته رحم". تاريخ الطبري، ج 2، ص 237 ، حوادث سنة 11 هجرية حديث السقيفة "قال : بلغنا أن عمر لما بلغه وفاة يزيد - يعني ابن أبي سفيان - لقي أباسفيان فقال له يا أبا سفيان احتسب يزيد قال فمن وليت مكانه؟ قال : معاوية . قال : وصلتك رحم، أتقرّه عليها ؟ قال : نعم. :قال: إنا لله وإنا إليه راجعون . " تاريخ المدينة المنوّرة، ج 3، ص 837 ، عمر ولى معاوية بن أبي سفيان على الشام ؛ تاريخ دمشق الكبير ج 62 ، ص 77 ، شرح حال معاوية، الرقم 7662 .
5- "وولي أبوسفيان بن حرب ما بين آخر حدّ الحجاز وآخر حدّ نجران . " فتوح البلدان، ج 1، ص 123 ، ردّة بني وليعة والأشعث بن قيس الكندي ..

يا أبا سفيان لقد فرحت بالأموال والمناصب التي نلتها وانتقلت إلى صف الداعمين للسقيفة. وهناك شواهد على علاقة حميمة كانت بينك وبين الخليفتين الأول والثاني. وهنا لا يخلو إيراد الواقعة التالية من فائدة:

العلاقة الحميمة بين أبي سفيان وأبي بكر وعمر:

يروى «أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر، فقالوا والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها ! قال: فقال أبو بكر : أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟ فأتى النبي [صلّی الله علیه وآله وسلم] فأخبره فقال : يا أبا بكر ! لعلك أغضبتهم ، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك. فأتاهم أبوبكر فقال : يا إخوتاه أغضبتكم؟ قالوا: لا يغفر الله لك يا أخي»(1).

بضعة أسئلة

يُستنتج من هذه الواقعة أنه كان بينكما علاقة حميمة من قبل وكنتما تراعيان مصالح بعضكما. ونظير هذه العلاقة كانت تجمعك مع الخليفة الثاني الذي كان لك في مقر خلافته منزلة خاصة لا يحظى بها سواك. كان يقول : أبوسفيان شيخ قريش"(2).

ص: 56


1- " أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر، فقالوا: والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها ! قال: فقال :أبوبكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟ فأتى النبي [ صلّی الله علیه وآله وسلم] فأخبره فقال : يا أبا بكر لعلك أغضبتهم، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك. فأتاهم أبوبكر فقال : يا إخوتاه أغضبتكم؟ قالوا: لا يغفر الله لك يا أخي. " صحيح مسلم، ص 1151، کتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل سلمان وصهيب وبلال الحديث 6361 ؛ مسند أحمد، ج 5 ، ص 64 ، حديث عائذ بن عمرو ؛ سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 25 ، شرح حال صهيب بن سنان، الرقم 4 ؛ الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 2، ص 197، شرح حال سلمان، الرقم 1019 .
2- "وكان عمر بن الخطاب يفرش له فراش في بيته في وقت خلافته، فلا يجلس عليه أحد إلاّ العباس بن عبدالمطّلب وأبوسفيان بن حرب. " العقد الفريد، ج 2، ص 289 ، كتاب الياقوتة في العلم والأدب، باب السؤدد. وكان عمر بن الخطّاب يفرش فراشاً في بيته في وقت خلافته، فلا يجلس عليه إلاّ العباس بن عبدالمطّلب وأبوسفيان بن حرب ويقول : هذا عمّ رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلم] وهذا شيخ قريش. "الكامل في اللغة والأدب، ج 1، ص 252 ، من أخبار حارثة بن بدر الغداني. "وكان عمر يحترمه وذلك لأنه كان كبير بني أمية. " سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 107، شرح حال أبي سفيان، الرقم 13 .

من المناسب أن نسأل الخليفة الثاني السؤال التالي: ما الذي جعلك تحترم أبا سفيان كل هذا الاحترام؟ ولو افترضنا أنه خدم الإسلام، فهل تعادل خدماته واحداً من الألف من خدمات بلال للإسلام؟ أم واحداً من الألف من خدمات عمّار؟ فما الذي جعلك تمنح أباسفيان وهنداً هذه المنزلة المتميزة في نفسك؟

يا حضرة الخليفة! لماذا قطعت عطاء أم المؤمنين أم سلمة التي دافعت عن فاطمة الزهراء علیهما السلام وحقها(1)، ومنحت هنداً أموالاً كثيرة؟ (2)" ، ولطالما عُرفت هند بالفاحشة(3)، وحتى أنها بعد أن

ص: 57


1- "قال: فأطلعت أُم سلمة رأسها من بابها وقالت المثل فاطمة بنت رسول الله يقال هذا؟ وهي الحوراء بين الإنس، والأنس للنفس، ربيت في حجور الأنبياء وتداولتها أيدي الملائكة ونمت في حجور الطاهرات ونشأت خير منشأ وربيت خير مربّى ؟ أتزعمون أن رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلم] حرّم عليها ميراثه ولم يعلمها ؟ وقد قال الله له (( وأنذر عشيرتك الأقربين)) أفأنذرها وجاءت تطلبه وهي خيرة النسوان وأم سادة الشبّان وعديلة مريم بنت عمران وحليلة ليث الأقران، تمت بأبيها رسالات ربه فو الله لقد كان يشفق عليها من الحر والقر فيوسدها يمينه ويلحفها بشماله رويداً. فرسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلم ] بمرأى لغیّكم ، و على الله تردون فواهاً لكم وسوف تعلمون. قال: فحرمت أم سلمة تلك السنة عطاءها، ورجعت فاطمة [علیها السلام ] إلى منزلها فتشكت . " دلائل الإمامة، ص 39، حديث فدك ؛ الدر النظيم في مناقب الأئمة اللهاميم ، ص 480 ، كلامها من أجل فدك.
2- " هند بنت عتبة ... فاستقرضت من عمر من بيت المال أربعة آلاف درهم، فخرجت إلى بلاد كلب فاشترت وباعت . " تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام ، ج 3، ص 299، شرح حال هند بنت عتبة . للمزيد من الاطلاع، راجع تاريخ دمشق الكبير، ج 74، ص 137 و 138، شرح حال هند بنت عتبة ، الرقم 9780 ؛ تاريخ الطبري، ج 2، ص 576 و 577 ، حوادث سنة 23 هجرية، شيء من سيرة مما لم يمض ذكره
3- "وكانت هند تذكر في مكة بفجور وعهر . " شرح نهج البلاغة ، ج 1 ، ص 336 ، نسب معاوية بن أبي سفيان وذكر بعض أخباره، ذيل الخطبة 25 . كانت" هند من المغيلمات وكانت تميل إلى السودان من الرجال فكانت إذا ولدت ولداً أسود قتلته. " تذكرة الخواص ص 184 ، الباب الثامن في ذكر الحسن [علیه السلام] تفسير غريب هذه الواقعة. قال وكيف قال أما علمت أن بعض قريش في الجاهلية يزعمون إني للعباس فسقط في يدي يزيد " تذكرة الخواص، ص 185 ، الباب الثامن في ذكر الحسن [علیه السلام] تفسير غريب هذه الواقعة. "قال الأصمعي وهشام بن محمد الكلبى في كتابه المسمى بالمثالب وقد وقفت عليه معنى قول الحسن لمعاوية : قد علمت الفراش الذي ولدت عليه إنّ معاوية كان يقال إنه من أربعة من قريش؛ عمارة بن الوليد المخزومي ومسافر بن عمرو وأبي سفيان والعباس بن عبدالمطلب وهؤلاء كانوا ندماء أبي سفيان وكان كل منهم يتهم بهند . " تذكرة الخواص، ص 184 ، الباب الثامن في ذكر الحسن [ علیه السلام] تفسير غريب هذه الواقعة " وأما تعييرك لي بسمية فإن كنت ابن سمية فأنت ابن جماعة . " شرح نهج البلاغة، ج 16، ص 183 ، نسب زیاد بن أبيه وذكر بعض أخباره وكتبه وخطه ذيل الخطبة 44 .

أظهرت الإسلام في فتح مكة لم تكفّ عن الجرأة على رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلم ولكنه تحمّلها(1). لقد عاملت الزهراء الطاهرة علیهما السلام بقسوة وهنداً برفق ؟ فما الذي قدمته هند للإسلام لتستحق منك كل هذا الاحترام والاهتمام؟ هل خدمت الإسلام بتقطيع جسد سيد الشهداء حمزة وأكل كبده أم...!؟(2) .

هل عاملت الشجرة الملعونة(3)أيها الخليفة الثاني بصفتك خليفة رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلم كما عاملهم النبي وأهل بيته ؟ لتحصيل الجواب المناسب، لابد من إلقاء نظرة على التاريخ.

مواقف النبي صلّی الله علیه وآله وسلم من الشجرة الملعونة :

اتخذ رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلم مواقف متعددة من الشجرة الملعونة والأمويين وعلى رأسهم أبي سفيان ومعاوية نشير هنا إلى بعضها .

لعن النبي الأكرم صلّی الله علیه وآله وسلم لأبي سفيان ومعاوية ويزيد

رأى النبي صلّی الله علیه وآله وسلم يوماً أبا سفيان راكباً حماراً يتقدمه معاوية ويسير خلفه يزيد بن أبي سفيان فقال صلّی الله علیه وآله وسلم: «لعن الله القائد والراكب والسائق»(4) .

ص: 58


1- "فقال رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلم ] وإنك لهند بنت عتبة . فقالت : أنا هند بنت عتبة فاعف عما سلف عفا الله عنك . قال : ولا تزنين؟ قالت: يا رسول الله هل تزني الحرة؟ قال : ولا تقتلن أولادكن؟ قالت : قد ربّيناهم صغاراً وقتلتهم يوم بدر كباراً فأنت وهم أعلم. فضحك عمر الخطّاب من قولها حتى استغرب. " تاريخ الطبري، ج 2، ص 161 ، حوادث سنة 8 هجرية، ذكر الخبر عن فتح مكة ؛ تاريخ دمشق الكبير، ج 74 ، ص 132 ، شرح حال هند بنت عتبة، الرقم 9780 ؛ البداية والنهاية، ج 4 ، ص 318 ، حوادث سنة 8 هجرية.
2- "فلما قتل حمزة وثبت عليه فمثّلت به وشقت بطنه و استخرجت كبده فشوت منه وأكلت . " الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 4، ص 474، شرح حال هند بنت عتبة، الرقم 3548 ، وج 1 ، ص 426 ، شرح حال حمزة، الرقم 559 ؛ مسند أحمد، ج 1، ص 463 ؛ الطبقات الكبرى، ج 3، ص 13، شرح حال حمزة ؛ تاريخ الطبري، ح2، ص 70 ، حوادث سنة 3 هجرية، غزوة أحد.
3- "قوله تعالى ((والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغياناً كبيراً)) ولا اختلاف بين أحد أنه أراد بها بني تاريخ الطبري، ج 5 ، ص 621 ، حوادث سنة 284 هجرية، ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث الجليلة.
4- قول الرسول [صلّی الله علیه وآله وسلم] وقد رآه مقبلاً على حمار ومعاوية يقود به ويزيد ابنه يسوق به : لعن الله القائد والراكب والسائق.)) تاريخ الطبري، ج 5، ص 622 ، حوادث سنة 284 هجرية، ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث الجليلة.
لعن النبي لمعاوية وعمرو بن العاص:

لما سمع رسول الله بأن معاوية وعمرو بن العاص يغنيان لعنهما وقال: «اللهم دعّهم إلى الناردعّا »(1).

القردة على منبر رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلم:

استيقظ النبي صلّی الله علیه وآله وسلم من النوم ذات يوم وكان قلقاً فقال: رأيت القردة تصعد منبري وتتقافز عليه وتأويله أن الأمويين سيتملكونكم"(2). ولم يُرَ النبي ضاحكاً بعد هذا المنام حتى نهاية عمره الشريف(3).

ص: 59


1- "إنهم كانوا مع رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلم] فسمعوا غناءً فتشرّقوا له فقام رجل فاستمع له وذاك قبل أن تحرم الخمر فأتاهم ثم رجع فقال : هذا معاوية وعمرو بن العاص يجيب أحدهما الآخر وهو يقول: يزال حواري تلوح عظامه *** زوى الحرب عنه أن يحس فيقبرا فرفع رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلم]يديه فقال: اللهم أركسهم في الفتنة ركساً ، اللهم دعّهم إلى النار دعّا." وقعة صفین، ص219، ما ورد من الأحاديث في شأن معاوية ؛ المعجم الكبير، ج 11، ص 32، الحدیث 10970 ، نقل أحمد بن حنبل وآخرون الرواية دون أن يذكروا اسم معاوية حفاظاً على سمعته : "فقال النبي [صلّی الله علیه وآله وسلم]: انظروا من هما؟ قال: فقالوا: فلان وفلان فقال النبي [صلّی الله علیه وآله وسلم]: اللهم أركسهما ركساً ودعها إلى النار دعا . " مسند أحمد، ج 4، ص 421.
2- " إن النبي [ صلّی الله علیه وآله وسلم] قال : رأيت ولد الحكم بن أبي العاص على المنابر كأنهم القردة وأنزل الله في ذلك (( وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلاّ فتنة للناس والشجرة الملعونة)) يعني الحكم وولده. " قال رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلم]: أريت بني أمية على منابر الأرض وسيتملكونكم،فتجدونهم أرباب سوء واهتم رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلم] لذلك ، فأنزل الله ((وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس)). "عن الحسين بن علي [ علیهما السلام] إن رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلم] أصبح وهو مهموم فقيل له: ما لك يا رسول الله ؟ فقال : إني رأيت في المنام كأن بني أمية يتع-اورون منبري هذا. فقيل: يا رسول الله لا تهتم فإنها دنيا تنالهم. فأنزل الله ((وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن)). الدر المنثور في التفسير بالمأثور، ج 5، ص 271 ، سورة الإسراء، ذيل الآية 60 ؛ روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، ج 15، ص 137 ، سورة الإسراء، ذيل الآية 60 .
3- وروى عبد المهيمن عن ابن عباس عن سهل بن سعد عن أبيه عن جده قال : رأى رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلم] بني أمية ينزون على منبره نزو القردة فساءه ذلك فما استجمع ضاحكاً حتى مات، فأنزل الله في ذلك ((وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن))، الكشف والبيان ، ج 6 ، ص 111 ، سورة الإسراء، ذيل الآية 60 ؛ روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، ج 15، ص 127، سورة الإسراء، ذيل الآية 69 ؛ عمدة القاري، ج 19، ص 30 ، باب وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس، شرح الحديث 237
رأي النبي صلّی الله علیه وآله وسلم:

كان النبي صلّی الله علیه وآله يرى بني أمية أوضع العشائر ولم يكن يأذن بالتزاوج معهم. فقد جاءت امرأة إلى رسول الله فقالت: «إن معاوية بن أبي سفيان وأباجهم خطباني، فقال رسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلم]: أما أبوجهم فلا يضع عصاه عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك لا مال له. انكحي أسامة بن زيد فكرهته . ثم قال: انكحي أسامة! فنكحته، فجعل الله فيه خيراً واغتبطت به»(1) . لقد قطع النبي الأعظم [صلّی الله علیه وآله وسلم] و شجرة بني أمية الملعونة بأغصانها، غير أن الخلفاء الذين جاؤوا بعده أحيوهم ومنحوهم الامتيازات من أجل تثبيت الحكم لأنفسهم. ففي عهد أبي بكر كانت لهم السيطرة على ثُلث الأمور وفي عهد عمر على ثلثيها وفي عهد عثمان سيطروا على الأمور برمتها(2)

أما الإمام علي علیه السلام فقد عزم على تجريدهم من السلطات فأبعدهم وأنصارهم وعزلهم من مناصبهم وصادر أموالهم . فما كان منهم، لتقويض دولته، إلاّ أن شنّوا عليه الجمل وصفين والنهروان.

ص: 60


1- "إن معاوية بن أبي سفيان وأباجهم خطباني . فقال رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلم] أما أبوجهم فلا يضع عصاه عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك لا مال له انكحي أسامة بن زيد فكرهته، ثم قال: انكحي أسامة. فنكحته فجعل الله فيه خيراً واغتبطت به. " صحيح مسلم، ص 682 ، كتاب الطلاق، باب المطلقة ثلاثاً لا نفقة لها، الحديث 3681 ؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 286، تفريع أبواب الطلاق، باب في نفقةالمبتوتة، الحديث 2284 ؛ مسند أحمد، ج 6، ص 412 ، ومن حديث فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس ؛ الطبقات الكبرى، ج 8، ص273، شرح حال فاطمة بنت قيس.
2- راجع: معالم المدرستين!

تورد مصادر أهل السنة بسند صحيح عن النبي صلّی الله علیه وآله وسلم أنه قال: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي»(1) ، وعلى أساس هذه الرواية اعتبروا أبابكر وعمر وعثمان والإمام علياً علیه السلام الخلفاء الراشدين. وكانت سنة الإمام علي علیه السلام مطابقة لسنة النبي صلّی الله علیه وآله وسلم(2). أما نحن فنرى الحديث لا يستقيم من حيث الدلالة والسند، غير أن العامّة يصححونه.

انظروا الآن كيف تعامل معاوية مع الإمام علي . لقد كان يبعث بفرق الإعدام وفصائل التعرض إلى المدن والقرى الموالية لعلي ليحرقوها ويهدموا بيوتها(3) ، ويقتلوا من فيها.(4) وكان يأمر السجناء والمعتقلين بأن يتبرأوا من دين علي ويهددهم بالقتل إن لم يفعلوا.

ص: 61


1- "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي . " مسند أحمد، ج 4 ، ص 126 ، حديث العرباض بن السارية عن النبي [ صلّی الله علیه وآله وسلم] ؛ سنن أبي داود، ج 4 ، ص 201 ، كتاب السنة، باب في لزوم السنة، الحديث 4607 ؛ سنن الترمذي، ص 487 ، كتاب العلم، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع، الحديث 2676.
2- "قال الخطابي : وفي قوله صلى الله عليه [ وآله] عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين دليل على أن الواحد من الخلفاء الراشدين إذا قال قولاً وخالفه فيه غيره من الصحابة كان المصير إلى قول الخليفة أولى. والخلفاء الراشدون هم أبوبكر وعمر وعثمان وعلي. " إمتاع الأسماع، ج 12 ، هامش الصفحة 352 ، وأما إنذاره صلى الله عليه [ وآله] بظهور الاختلاف في أمته، ونقل المنذري تصحيح الترمذي وأقره وقال: والخلفاء أبوبكر وعمر وعثمان وعلي وقال رسول الله صلى الله عليه [ وآله]: اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر فخص اثنين وقال : فإن لم تجدني [فأت] أبا بكر فخصّه، فإذا قال أحدهم وخالفه فيه غيره من الصحابة كان المصير إلى قوله أولى. " تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي ، ج 7، ص 476 ، كتاب العلم، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع شرح الحديث 2676 ؛ عون المعبود شرح سنن أبي داود، ج 12، ص 235 ، كتاب السنة، باب في لزوم السنة، شرح الحديث 4594 .
3- "ثم كتب إلى عماله نسخة واحدة إلى جميع البلدان انظروا من قامت عليه البينة أنه يجب علياً وأهل بيته فامحوه من الديوان وأسقطوا عطاءه ورزقه وشفع ذلك بنسخة أخرى من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكلوا به واهدموا داره. " شرح نهج البلاغة، ج 11، ص 45 ، ذكر بعض ما مُني به آل البيت من الأذى والاضطهاد، ذيل الخطبة 203.
4- جاء في كتاب الإمام الحسين علیه السلام إلى معاوية : " أولست صاحب الحضرميين الذين كتب إليك ابن سمية أنهم على دين علي فكتبت إليه: اقتل من كان على دين على ورأيه، فقتلهم ومثل بهم بأمرك ؟ " أنساب الأشراف، ج5 ، [ص]129 ، شرح حال معاوية، جواب الحسين. "عن سفيان بن عوف الغامدي قال : دعاني معاوية فقال : إني باعثك في جيش كثيف... واتق أن تقرب الكوفة واعلم أنك إن أغرت على [أهل] الأنبار وأهل المدائن فكأنك أغرت على الكوفة، إن هذه الغارات يا سفيان على أهل العراق ترهب قلوبهم وتجرئ كل من كان له فينا هوى [منهم] ويرى فراقهم وتدعو إلينا كل من كان يخاف الدوائر، وخرب كل ما مررت به [ من القرى] واقتل كل من لقيت ممن ليس هو على رأيك، واحرب الأموال، فإنه شبيه بالقتل وهو أوجع للقلوب. " الغارات، ص 320 - 321، غارة سفيان بن عوف الغامدي على الأنبار.
معاویة وحجر بن عدي:

قام معاوية بنفسه بمحاكمة حجر بن عدي وجماعته وأمرهم بأن يتبرأوا من دين علي. فقال حجر: دلّني على دين أفضل من دين علي علیه السلام فأتبرأ منه . فأعدوا القبور وجاؤوا بالأكفان ووقف السياف فوق رأسه(1) ، وأمروه بالبراءة من دين علي فما كان قوله إلاّ أن قال : إني أرى قبراً محفوراً وكفناً مبسوطاً وسيفاً مصلتاً ولكنني أرى الخروج من دين علي أشدّ، فاقتلوني(2)"! ثم سأل حجر هل أنتم مأمورون بقتل ابني أيضاً؟ قالوا: نعم. قال: إذن فاقتلوه أولاً لأني أخاف إن قتلت قبله أن يرى هول السيف على عنقي فيرجع عن ولاية علي [علیه السلام].

فلا يكون معي يوم القيامة فقتلوا ابنه أمام عينيه وهو يتأوه(3). ثم صلى ركعتين ثم قال: والله ما صليت صلاةً قط أقصر منها ولولا أن تروا أن ما بي جزع من الموت لأحببت أن أستكثر منها)(4).

ص: 62


1- " فقال لهم رسول معاوية : إنا قد أمرنا أن نعرض عليكم البراءة من علي واللعن له فإن فعلتم تركناكم وإن أبيتم قتلناكم وإن أمير المؤمنين يزعم أن دماءكم حلت له بشهادة أهل مصركم عليكم غير أنه قد عفا عن ذلك، فابرأوا من هذا الرجل نخل سبيلكم. قالوا: اللهم إنا لسنا فاعلي ذلك. فأمر بقبورهم فحفرت وأدنيت أكفانهم وقاموا الليل كله يصلون. فلما أصبحوا قال أصحاب معاوية: يا هؤلاء! لقد رأيناكم البارحة قد أطلتم الصلاة وأحسنتم الدعاء فأخبرونا ما قولكم في عثمان ؟ قالوا : هو أول من جار في الحكم وعمل بغير الحق. فقال أصحاب معاوية : أمير المؤمنين كان أعلم بكم . ثم قاموا إليهم فقالوا : تبرأون من هذا الرجل؟ قالوا: بل نتولاه ونتبرأ من تبرأ منه. فأخذ كل رجل منهم رجلاً ليقتله . " تاريخ الطبري، ج 3، ص 229 - 230، حوادث سنة 51 هجرية، تسمية الذين بعث بهم إلى معاوية ؛ تاريخ دمشق الكبير، ج 8، ص 17 - 18 ، شرح حال الأرقم بن عبدالله الكندي، الرقم 787.
2- "قال الحجر: إن أمير المؤمنين قد أمرني بقتلك يا رأس الضلال ومعدن الكفر والطغيان والمتولي لأبي تراب وقتل [أصحاب ] إلا أن ترجعوا عن كفركم وتلعنوا صاحبكم وتتبرأوا منه. فقال حجر وجماعة ممن كانوا معه : إن الصبر على حد السيف لأيسر. علينا مما تدعونا إليه . ثم القدوم على الله وعلى نبيه وعلى وصيه أحب إلينا من دخول النار وأجاب نصف من كان معه إلى البراءة من علي. " مروج الذهب و معادن الجوهر ، ج 3، ص 4 ، مقتل حجر الكندي.
3- "ثم قال: إن كنت أمرت بقتل ولدي فقدّمه! فقدمه فضربت عنقه. فقيل له : تعجلت الثكل فقال : خفت أن يرى هول السيف على عنقي فيرجع عن ولاية علي[علیه السلام] فلا نجتمع في دار المقامة التي وعدها الله الصابرين " مختصر أخبار شعراء الشيعة، ص 50، حجر بن عدي بن الأدبر.
4- قال : ثم إن حجراً قال لهم: دعوني أتوضأ ! قالوا له : توضاً! فلما أن توضأ قال لهم: دعوني أصل ركعتين [فأيمن] الله ما توضأت قط إلاّ صليت ركعتين. قالوا: ليصل ! فصلى ثم انصرف فقال : ما صليت صلاة قط أقصر منها ولولا أن تروا أن ما بي جزع من الموت لأحببت أن أستكثر منها . " تاريخ الطبري، ج 3، ص 230، حوادث سنة 51 هجرية، تسمية الذين بعث بهم إلى معاوية ؛ تاريخ دمشق الكبير، ج 8، ص18، شرح حال الأرقم بن عبد الله الكندي، الرقم 787. وقد سمعت أنه بعد استشهاد حجر ربطوا جسده بفرس وجروه على الأرض من مكان استشهاده مرج عذرا". وحين وصل إلى دمشق لم يكن بقي منه إلا بعض العظام دفنوها بدمشق في محلة "مسجد القصب" قرب مرقد السيدة رقية علیه السلام الحالي. على أن المرحوم السيد محسن العاملي له رأي آخر في دفن أجسادهم الطاهرة في هذا المكان. وله بحث تفصيلي عن حجر أعيان الشيعة، ج 4 ، ص 583 .

فما الذي فعله حجر ؟ ما كان ذنبه إلاّ أنه كان على دين علي، الدين الذي تقولون إن النبي صلّی الله علیه وآله وسلم قال فيه: «عليكم بسنتي وسنّة الخلفاء الراشدين من بعدي»(1).

لم يكن استشهاد الإمام علي علیه السلام وصلح الإمام الحسن علیه السلام وفاجعة كربلاء واستشهاد الإمام الحسين علیه السلام إلاّ نتيجة سياسة الشؤم التي انتهجها حكام المدينة والأمويون. فمن حقنا، إذن، أن نقول إن واقعة كربلاء خُطط لها يوم السقيفة وأعطت نتائجها سنة 61 هجرية. وفي التاريخ أنه «قيل لرجل من بني هاشم: متى قتل الحسين؟ قال: يوم السقيفة»(2).

سؤال موجه إلى أبي سفيان:

نظراً للمنزلة السلبية التي كانت لك عند رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلم، وعلاقتك الوثيقة مع الخليفتين الأول والثاني، والدعم الذي كنت تحظى به منهما في مختلف المواقف، وسكوتك المريب بعد تلقيك الامتيازات من الخليفة والمعاملة الفظيعة التي كانت لأبنائك مع أبناء رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلم وشيعتهم، هل يمكننا بعد كل هذا أن نصدق أن حرصك على الإسلام هو الذي جعلك تذهب إلى الإمام علي علیه السلام ؟

ص: 63


1- مسند أحمد، ج 4 ، ص 126 ، حديث العرباض بن السارية عن النبي الله صلّی الله علیه وآله وسلم؛ سنن أبي داود، ج 4 ، ص 201، كتاب السنة، باب في لزوم السنة، الحديث 4607 ؛ سنن الترمذي، ص 487 ، كتاب العلم، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع، الحديث 2676 .
2- "قيل لرجل من بني هاشم متى قتل الحسين ؟ قال يوم السقيفة. " الألفاظ الكتابية، ص 143. "

القسم الرابع: المغيرة بن شعبة وحادثة السقيفة

اشارة

كان المغيرة بن شعبة من المخططين للسقيفة والداعمين المتحمسين لها، لعب دوراً هاماً في بلورتها وإدامتها . ويمكن مشاهدة بصماته على كل شبر من هذه المؤامرة المشؤومة.

التحريض على المشاركة في السقيفة :

بعد وفاة النبي صلّی الله علیه وآله وسلم كان أبو بكر وعمر جالسين باب دار النبي صلّی الله علیه وآله وسلم حين قال لهما المغيرة: تجلسان هنا ؟ قالا : ننتظر قدوم علي لنبايعه. فقال المغيرة: كيف تفعلان ذلك وأنتما ما أنتما وعلي أصغر منكما سناً؟ أنتما من قريش ولابد أن تبادرا. فقاما وتوجها إلى السقيفة(1)(1).

عقد اجتماعات سرية:

خرجت تلك الاجتماعات بقرار إبعاد الخلافة عن بني هاشم. حيث دخل الشيطان بهيئة المغيرة فقال: ما الذي يجعل الخلافة وراثية؟ لماذا تكون لعلي؟ بادروا إليها أنتم !"(2) .

زرع الخلاف بين أهل النبي صلّی الله علیه وآله وسلم :

قال المغيرة لأبي بكر : اذهبوا وأعطوا العباس عم النبي وأهله نصيباً من الخلافة لئلا تبقى حجة لعلي وبني هاشم. فتوجه أبوبكر وعمر وأبو عبيدة والمغيرة إلى العباس وقدموا له عرضاً نابعاً من مشروعهم(3). إلاّ أن العباس رفض عرضهم بصراحة ووضوح.

ص: 64


1- "مرّ المغيرة بن شعبة بأبي بكر وعمر وهما جالسان على باب النبي [ صلّی الله علیه وآله وسلم] حين ،قبض ، فقال : ما يقعد كما ؟ قالا: ننتظر هذا الرجل يخرج فنبايعه. فقال: أتريدون أن تنظروا حبل الخبلة من أهل هذا البيت؟ وسعوها في قريش تتسع ! فقاما إلى سقيفة بني ساعدة. " شرح نهج البلاغة ، ح 6 ، ص 43 ، أمر المهاجرين والأنصار بعد بيعة أبي بكر ، ذيل الخطبة ،66 ، نقلاً عن أبي بكر الجوهري.
2- "تمثل إبليس أربع صور تصوّر يوم قبض النبي صلّی الله علیه وآله وسلم في صورة المغيرة بن شعبة فقال : أيها الناس! لا تجعلوها كسروانية ولا قيصرانية، وسعوها تتسع ، فلا تردوها في بني هاشم قينتظر بها الحبالى . " بحار الأنوار، ج 28 ، ص 205 ، كتاب الفتن والمحن، الباب الرابع، الحديث الرابع ؛ أمالي الشيخ صدوق، ص177، المجلس السادس، الحديث 298/ 50.
3- "ثم خرج فأتي المغيرة بن شعبة فقال: الرأي يا أبابكر أن تلقوا العباس فتجعلوا له في هذه الإمارة نصيباً يكون له ولعقبه وتكون لكما الحجة على علي وبني هاشم إذا كان العباس معكم . قال : فانطلق أبوبكر وعمر وأبو عبيدة والمغيرة حتى دخلوا على العباس. " الإمامة والسياسة، ج 1 ، ص 15 ، كيف كانت بيعة علي بن أبي طالب ؛ تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 124 ، خبر سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر ؛ شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 52 ، حديث السقيفة، ذيل الخطبة 26 .
التخطيط لاستخلاف يزيد :

فضلاً عما تقدم ذكره، كان للمغيرة دور بارز في بيعة يزيد بن معاوية والسعي لإيصاله إلى سدة الحكم ، الأمر الذي يعتبر امتداداًلحادثةالسقيفة.

يقول ابن الأثير :

«وكان ابتداء ذلك وأوله من المغيرة بن شعبة. فإن معاوية أراد أن يعزله عن الكوفة ويستعمل عوضه سعيد بن العاص، فبلغه ذلك فقال: الرأي أن أشخص إلى معاوية فأستعفيه ليظهر للناس كراهتي للولاية. فسار إلى معاوية وقال لأصحابه حين وصل إليه : إن لم أكسبكم الآن ولاية وإمارة لا أفعل ذلك أبداً. ومضى حتى دخل على يزيد وقال له: إنه قد ذهب أعيان أصحاب النبي [ صلّی الله علیه وآله وسلم] وكبراء قريش وذوو أسنانهم، وإنما بقي أبناؤهم وأنت من أفضلهم وأحسنهم رأياً وأعلمهم بالسنة والسياسة . ولا أدري ما يمنع أمير المؤمنين أن يعقد لك البيعة. قال: أو ترى ذلك يتم؟ قال: نعم. فدخل يزيد على أبيه وأخبره بما قال المغيرة، فأحضر المغيرة وقال له ما يقول يزيد، فقال : يا أمير المؤمنين ! قد رأيت ما كان من سفك الدماء والاختلاف بعد عثمان، وفي يزيد منك خلف فاعقد له، فإن حدث بك حادث كان كهفاً للناس وخلفاً منك ولا تسفك دماء ولا تكون فتنة قال: ومن لي بهذا ؟ قال : أكفيك أهل الكوفة ويكفيك زياد أهل البصرة وليس بعد هذين المصرين أحد يخالفك . قال : فارجع إلى عملك وتحدث مع من تثق إليه في ذلك وترى ونرى. فودعه ورجع إلى أصحابه، فقالوا مه ؟ قال : لقد وضعت رجل معاوية في غرز بعيد الغاية على أمة محمد وفتقت عليهم فتقاً لا يُرتق أبداً».

ص: 65

نجحت خطة المغيرة فأبقاه معاوية على الكوفة وكلفه بالتمهيد لخلافة يزيد(1).

ويقول الطبري إن رجلاً قال للمغيرة: أظن أن معاوية يريد أن يعزلك من ولاية الكوفة، ولقد رأيت كاتبك لدى سعيد بن العاص فقال إن معاوية يريد أن يعوض عنك به. فقام المغيرة من فوره وذهب إلى يزيد قبل أن يذهب إلى معاوية وقال له : لا أجد من هو خير منك، هات يدك أبايعك!

فمدّ يزيد يده فبايعه المغيرة. ثم ذهب يزيد إلى معاوية وقال : يا أبي ! لقد بايعني المغيرة خليفةً للمسلمين. ففرح معاوية وأعاد المغيرة إلى عمله في الكوفة وأمره بأن يمهد لخلافة يزيد"(2).

ص: 66


1- " وكان ابتداء ذلك وأوله من المغيرة بن شعبة. فإن معاوية أراد أن يعزله عن الكوفة ويستعمل عوضه سعيد بن العاص، فبلغه ذلك فقال الرأي أن أشخص إلى معاوية فأستعفيه ليظهر للناس كراهتي للولاية. فسار إلى معاوية وقال لأصحابه حين وصل إليه : إن لم أكسبكم الآن ولاية وإمارة لا أفعل ذلك أبداً. ومضى حتى دخل على يزيد وقال له : إنه قد ذهب أعيان أصحاب النبي [صلّی الله علیه وآله وسلم ] وكبراء قريش وذوو أسنانهم، وإنما بقي أبناؤهم وأنت من أفضلهم وأحسنهم رأياً وأعلمهم بالسنة والسياسة. ولا أدري ما يمنع أمير المؤمنين أن يعقد لك البيعة . قال : أو ترى ذلك يتم ؟ قال : نعم. فدخل يزيد على أبيه وأخبره بما قال المغيرة، فأحضر المغيرة وقال له ما يقول يزيد، فقال : يا أمير المؤمنين ! قد رأيت ما كان من سفك الدماء والاختلاف بعد عثمان، وفي يزيد منك خلف فاعقد له، فإن حدث بك حادث كان كهفاً للناس وخلفاً منك ولا تسفك دماء ولا تكون فتنة. قال : ومن لي بهذا ؟ قال أكفيك أهل الكوفة ويكفيك زياد أهل البصرية وليس بعد هذين المصرين أحد يخالفك . قال : فارجع إلى عملك وتحدث مع من تثق إليه في ذلك وترى ونرى. فودعه ورجع إلى أصحابه، فقالوا مه ؟ قال : لقد وضعت رجل معاوية في غرز بعيد الغاية على أمة محمد وفتقت عليهم فتقاً لا يُرتق أبداً. " الكامل في التاريخ، ج2، ص 508 ، حوادث سنة 56 هجرية، ذكر البيعة ليزيد بولاية العهد.
2- "حدثني الحارث قال : حدّثنا علي بن محمد قال : حدّثنا أبو إسماعيل الهمداني وعلي بن مجاهد قالا : قال الشعبي : قدم المغيرة على معاوية واستعفاه وشكا إليه الضعف فأعفاه وأراد أن يولّي سعيد بن العاص، وبلغ كاتب المغيرة ذلك فأتى سعيد بن العاص فأخبره وعنده رجل من أهل الكوفة يقال له ربيعة أو الربيع من خزاعة، فأتى المغيرة فقال : يا مغيرة ! ما أرى معاوية إلا قد قلاك، رأيت ابن خنيس كاتبك عند سعيد بن العاص يخبره أن معاوية يوليه الكوفة... فقال : رويداً، أدخل على يزيد فدخل عليه فعرض له بالبيعة، فأدى ذلك يزيد إلى أبيه، فردّ معاوية المغيرة إلى الكوفة فأمره أن يعمل في بيعة يزيد... " تاريخ الطبري، ج 3، ص 247، حوادث سنة 56 هجرية، ذكر خبر البيعة ليزيد بولاية العهد ؛ المنتظم في تواريخ الملوك والأمم، ج 4 ، ص 103 ، حوادث سنة 56 هجرية، وفيها دعا الناس معاوية إلى بيعة يزيد ابنه.

تنفيذاً لما عاهد عليه معاوية، بعث المغيرة بأربعين من كبراء الكوفة اشترى ضمائرهم بالمال برفقة ابنه عروة إلى الشام. دخل هؤلاء الأربعون على معاوية فتكلم كلّ واحد منهم وقالوا: يا أمير المؤمنين ! لقد كبرت في السن ونحن نخاف على أمة محمد [ صلّی الله علیه وآله وسلم] من بعدك ، فهلّا عيِنت لنا من نلجأ إليه. فقال معاوية: إن كنتم ترون أحداً جديراً بالمقام فدلّوني عليه. قالوا: نشير عليك بیزید. قال معاوية: هل ترتضون يزيد؟ قالوا: نعم. قال: هل هذا ما ترون أنتم؟ قالوا: بل ما يرى سائر الناس أيضاً. فهمس معاوية في أذن عروة بن المغيرة: بكم اشترى أبوك دين هؤلاء؟ قال عروة بأربعمائة دينار . قال : ما أرخص دينهم !(1).

ص: 67


1- "قرأت في كتاب أبي محمد عبدالله بن أحمد بن ربيعة رواية ابنه أبي سليمان عنه، أنبأ أبوسعيد الضبعي يعني عبدالرحمن بن محمد بن منصور، نا وهب بن جریر نا جويرية يعني بن أسماء، حدثني خالد الحذاء أن المغيرة بن شعبة حيث أراد معاوية البيعة ليزيد وفد أربعين من وجوه أهل الكوفة وأمر عليهم ابنه عروة بن المغيرة فدخلوا على معاوية فقاموا خطباء فذكروا أنه إنما أشخصهم إليه التيه والنظر لأمة محمد [ صلّی الله علیه وآله وسلم] فقالوا: يا أمير المؤمنين! قد كبرت سنك وتخوفنا الانتشار من بعدك يا أمير المؤمنين ! اعلم لنا علماً وحد لنا حداً ننتهي إليه . قال : أشيروا عليّ ! قالوا نشير عليك بيزيد بن أمير المؤمنين . قال : وقد رضيتموه؟ قالوا: نعم. قال : وذاك رأيكم؟ قالوا: نعم ورأي من بعدنا. فأصفى إلى عروة وهو أقرب القوم منه مجلساً فقال: الله أبوك بكم اشترى أبوك من هؤلاء دينهم؟ قال : بأربعمائة . قال : لقد وجد دينهم عندهم رخيصاً. " تاريخ دمشق الكبير، ج 42، ص 241، شرح حال عروة بن المغيرة، الرقم 4788 ؛ الكامل في التاريخ، ج 2، ص 508 - 509 ، حوادث سنة 56 هجرية ذكر البيعة ليزيد بولاية العهد.

ص: 68

الفصل الثاني: مواقف بني هاشم والصحابة واعتراضاتهم

اشارة

نتناول في هذا الفصل الأشخاص الذين اتخذوا مواقف معارضة للسقيفة ونتائجها ورجالها. والمعترضون كانوا من كبار الصحابة وبني هاشم، وسنتطرق إلى مواقفهم في قسمين.

القسم الأول: معارضة بني هاشم

اشارة

«اجتمعت بنوهاشم إلى بيت علي بن أبي طالب ومعهم الزبير وكان يعد نفسه رجلاً من بني هاشم [ من حيث أن أمه صفية بنت عبدالمطلب]. كان علي يقول: مازال الزبير منّا أهل البيت حتى نشأ بنوه فصرفوه عنا. واجتمعت بنو أمية إلى عثمان بن عفان واجتمعت بنوزهرة إلى سعد وعبدالرحمن. فأقبل عمر إليهم وأبو عبيدة فقال : ما لي أراكم ملتاثين؟ قوموا فبايعوا أبابكر، فقد بايع له الناس وبايعه الأنصار. فقام عثمان ومن معه وقام سعد وعبدالرحمن ومن معهما فبايعوا أبابكر. وذهب عمر ومعه عصابة إلى بيت فاطمة منهم أسيد بن حضير وسلمة بن أسلم، فقال لهم: انطلقوا فبايعوا ! فأبوا عليه وخرج إليهم الزبير بسيفه فقال عمر : عليكم الكلب! فوثب عليه سلمة بن أسلم فأخذ السيف من يده فضرب به الجدار. ثم انطلقوا به وبعلي ومعهما بنوهاشم وعلي يقول: أنا عبد الله وأخو رسول الله . فقال له رجل: بايع ! قال: أنا أحق بهذا الأمر منكم لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله فأعطوكم المقادة وسلموا إليكم الإمارة وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار، فأنصفونا إن كنتم تخافون الله من أنفسكم واعرفوا لنا من الأمر مثل ما عرفت الأنصار لكم وإلا فبوؤوا بالظلم وأنتم تعلمون.

ص: 69

فقال عمر : إنك لست متروكاً حتى تبايع. فقال له علي احلب يا عمر حلباً لك شطره. اشدد له اليوم أمره ليرد عليك غداً. ألا والله لا أقبل قولك ولا أبايعه. فقال له أبو بكر : فإن لم تبايعني لم أكرهك. فقال له أبو عبيدة : يا أبا الحسن! إنك حديث السنّ وهؤلاء مشيخة قريش قومك، ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأمور ، ولا أرى أبابكر إلا أقوى على هذا الأمر منك وأشدّ احتمالاً له واضطلاعاً به، فسلّم له هذا الأمر وارض به فإنك إن تعش ويطل عمرك فأنت لهذا الأمر خليق وبه حقيق في فضلك وقرابتك وسابقتك وجهادك. فقال علي : يا معشر المهاجرين الله الله لا تخرجوا سلطان محمد عن داره وبيته إلى بيوتكم ودوركم، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقه. فوالله يا معشر المهاجرين ! لنحن أهل البيت أحقّ بهذا الأمر منكم. أما كان منا القارئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله العالم بالسنة المضطلع بأمر الرعية؟ والله إنه لفينا، فلا تتّبعوا فتزدادوا من الحق بعداً. فقال بشير بن سعد: لو كان هذا الكلام سمعته منك الأنصار يا علي قبل بيعتهم لأبي بكر ما اختلف عليك اثنان ، ولكنهم قد بايعوا(1) .

ص: 70


1- "اجتمعت بنوهاشم إلى بيت علي بن أبي طالب ومعهم الزبير وكان يعد نفسه رجلاً من بني هاشم كان علي يقول : مازال الزبير منّا أهل البيت حتى نشأ بنوه فصرفوه عنا. واجتمعت بنو أمية إلى عثمان بن عفان واجتمعت بنو زهرة إلى سعد وعبد الرحمن. فأقبل عمر إليهم وأبو عبيدة فقال : ما لي أراكم ملتاثين؟ قوموا فبايعوا أبا بكر، فقد بايع له الناس وبايعه الأنصار. فقام عثمان ومن معه وقام سعد وعبدالرحمن ومن معهما فبايعوا أبابكر. وذهب عمر ومعه عصابة إلى بيت فاطمة منهم أسيد بن حضير وسلمة بن أسلم، فقال لهم: انطلقوا فبايعوا ! فأبوا عليه وخرج إليهم الزبير بسيفه فقال عمر : عليكم الكلب ! فوثب عليه سلمة بن أسلم فأخذ السيف من يده فضرب به الجدار. ثم انطلقوا به وبعلي ومعها بنوهاشم وعلي يقول: أنا عبد الله وأخو رسول الله . فقال له رجل: بايع ! قال: أنا أحق بهذا الأمر منكم لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله فأعطوكم المقادة وسلموا إليكم الإمارة وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار، فأنصفونا إن كنتم تخافون الله من أنفسكم واعرفوا لنا من الأمر مثل ما عرفت الأنصار لكم وإلا فبوؤوا بالظلم وأنتم تعلمون. فقال عمر: إنك لست متروكاً حتى تبايع . فقال له علي احلب يا عمر حلباً لك شطره. اشدد له اليوم أمره ليرد عليك غداً. ألا والله لا أقبل قولك ولا أبايعه. فقال له أبوبكر : فإن لم تبايعني لم أكرهك. فقال له أبو عبيدة: يا أبا الحسن! إنك حديث السن وهؤلاء مشيخة قريش قومك، ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأمور، ولا أرى أبابكر إلا أقوى على هذا الأمر منك وأشدّ احتمالاً له واضطلاعاً به فسلّم له هذا الأمر وارض به فإنك إن تعش ويطل عمرك فأنت لهذا الأمر خليق وبه حقيق في فضلك وقرابتك وسابقتك وجهادك. فقال على : يا معشر المهاجرين الله الله لا تُخرجوا سلطان محمد عن داره وبيته إلى بيوتكم ودوركم، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقه. فوالله يا معشر المهاجرين ! لنحن أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم. أما كان منا القارئ لكتاب الله الفقيه في دين الله، العالم بالسنة، المضطلع بأمر الرعية؟ والله إنه لفينا، فلا تتبعوا فتزدادوا من الحق بعداً. فقال بشير بن سعد: لو كان هذا الكلام سمعته منك الأنص-ار ي-ا علي قبل بيعتهم لأبي بكر ما اختلف عليك اثنان ولكنهم قد بايعوا. " شرح نهج البلاغة، ج 6 ، ص 11 - 12 ، يوم السقيفة، ذيل الخطبة 66، ؛ الإمامة والسياسة، ج 1، ص 10 - 12 ، تخلف سعد بن عبادة عن البيعة وإباية علي بيعة أبي بكر.

استمرت معارضة بني هاشم وعدم إذعانهم لبيعة أبي بكر حتى استشهاد الزهراء علیهما السلام، فلم يبايع أحد منهم حتى ذلك الحين(1).

يقول الشيخ المفيد : اختلف الناس بعد وفاة النبي صلّی الله علیه وآله وسلم في إمامة علي علیه السلام . فقال شيعته وهم بنو هاشم وسلمان والمقداد وأبوذر وعمار وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وأبو أيوب الأنصاري وجابر بن عبدالله الأنصاري وأبوسعيد الخدري وأمثالهم من كبار المهاجرين والأنصار إن علياً خليفة رسول الله "(2) .

هل انتخب الخليفة بإجماع المسلمين؟

يقول أهل السنة إن فاطمة الزهراء علیها السلام ماتت بعد وفاة النبي صلّی الله علیه وآله وسلم بستة أشهر موتاً طبيعياً ولم تبايع أبابكر. هذا يعني أنه لم يبايع أيّ من بني هاشم الخليفة لستة أشهر ؛ فمن أين اكتسب الحكم مشروعيته ؟ أفلم يكن بنوهاشم من المسلمين؟ چ

ص: 71


1- " ولم يبايعه أحد من بني هاشم حتى ماتت فاطمة [علیهما السلام]" مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج 2، ص 329، يوم السقيفة. "قال "معمر : قال رجل للزهري أفلم يبايعه علي ستة أشهر ؟ قال : لا ولا أحد من بني هاشم حتى بايعه علي. " تاريخ الطبري، ج2، ص236، حوادث سنة 11 هجرية، حديث السقيفة ؛ المصنف، عبد الرزاق، ج 5، ص 472 ، كتاب المغازي، خصومة علي والعباس، الحديث 4974 ؛ الكامل في التاريخ، ج 2، ص 14 ، حوادث سنة 11 هجرية، حديث السقيفة وخلافة أبي بكر ؛ السنن الكبرى البيهقي، ج9، ص 434 ، كتاب قسم الفيء والغنيمة، الحديث 13002.
2- فاختلفت الأمة في إمامته يوم وفاة الرسول فقالت شيعته وهم بنو هاشم وسلمان وعمّار وأبوذر والمقداد وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وأبو أيوب الأنصاري وجابر بن عبد الله الأنصاري وأبو سعيد الخدري وأمثالهم من جلّة المهاجرين والأنصار إنه كان الخليفة بعد رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلم] . " الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، ج 1، ص 6 ، باب الخبر عن أمير المؤمنين علیه السلام.

ينقل أهل السنة رواية تقول : من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية .(1) " فهل كانت الزهراء علیها السلام التي تقولون إنها ماتت بعد وفاة النبي صلّی الله علیه وآله وسلم بستة أشهر قد بايعت أبا بكر أم لم تبايع؟ الشواهد تؤكد أنها لم تبايع فهل تزعمون أن الزهراء علیها السلام ماتت، والعياذ بالله، ميتة جاهلية وهي بنت رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلم؟ أتدّعون أنها خرجت عن الإسلام؟ أليس من المتفق عليه بين الشيعة والسنة أنها "سيدة نساء العالمين" و "سيدة نساء أهل الجنة "؟"(2).

معارضة العباس عم النبي:

يتفق الجميع على أن العباس عم النبي صلّی الله علیه وآله وسلم لم يبايع أبا بكر أبداً(3). كان يعلم أنه لا يجدر بخلافة النبي صلّی الله علیه وآله وسلم إلاّ علي علیه السلام فذهب إليه وقال له: يا ابن أخي امدد يدك أبايعك وأكون

ص: 72


1- "سمعت رسول الله يقول : من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية. " صحیح مسلم، ص 883 ، كتاب الإمارة، باب الأمر بلزوم الجماعة [ عن ] ظهور الفتن وتحذير الدعاة إلى الكفر، الحديث 4770.
2- "قال النبي فاطمة سيدة نساء أهل الجنة . " صحيح البخاري، ص 754 ، كتاب فضائل أصحاب النبي [ صلّی الله علیه وآله وسلم] باب مناقب قرابة رسول الله ومنقبة فاطمة علیها السلام البنت النبي ، وص 762 ، باب مناقب فاطمة علیهاالسلام . يقول آية الله العظمى الخوئي: "هي معصومة بضرورة مذهبنا ولولا علي لما وجد لها كفؤ لأنها سيدة نساء العالمين على ما نطقت به الروايات من الفريقين. " معجم رجال الحديث، ج 23 ، ص 198 ، شرح حال فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله، الرقم 15661 .
3- " وتخلف عن بيعة أبي بكر يومئذ سعد بن عبادة في طائفة من الخزرج وعلي بن أبي طالب وأبناؤه والعباس عم الرسول وبنوه في بني هاشم والزبير وطلحة وسلمان وعمار وأبوذر والمقداد وغيرهم من المهاجرين وخالد بن سعيد بن العاص . " الرياض النضرة في مناقب العشرة، ج 1 ، ص 241 ، ذكر بيعة العامة. "الذين تخلفوا عن بيعة أبي بكر علي والعباس والزبير وسعد بن عبادة." العقد الفريد، ج 4، ص 259، كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم، الذين تخلفوا عن بيعة أبي بكر. فإن العباس وأولاده وعلياً وزوجته وأولاده لم يحضروا حلقة البيعة وخالفكم أصحاب السقيفة في متابعة الخزرجي . " مجموعة رسائل الإمام الغزالي، سر العالمين وكشف ما في الدارين، ص 483، باب في ترتيب الخلافة والمملكة. "وإن الزبير بن العوام امتنع من البيعة وقال لا أبايع إلا عليا [علیه السلام ] وكذلك أبوسفيان بن حرب وخالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبدشمس والعباس بن عبدالمطلب وبنوه وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وجميع بني هاشم " شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 21 ، حديث السقيفة، ذيل الخطبة 26 . " وتخلف عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين والأنصار ومالوا مع علي بن أبي طالب منهم العباس بن عبدالمطلب والفضل بن العباس والزبير بن العوام بن العاص وخالد بن سعيد والمقدام بن عمرو وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري وعمار بن ياسر والبراء بن عازب وأبي بن كعب. " تاريخ اليعقوبي، ج2، ص 124 ، خبر سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر.

أول من بايعك! فإني إن بايعتك قال الناس :عمّ النبي بايع ابن عم النبي ولن يختلف عليها بعد ذلك اثنان. فقال علي علیه السلام : أنا الآن في شغل بتجهيز رسول الله . أفيطمع يا عم فيها طامع غيري؟(1).

يقول طه حسين، الكاتب السنّي المعروف، عندما يتطرق إلى هذه الحادثة في "الفتنة الكبرى": السبب وراء قول العباس لعلي [ علیه السلام ] "اخرج حتى أبايعك" هو أنه نظر إلى الخلافة ورأى أن علياً كان أجدر منه بها لأنه كان ربيب النبي [صلّی الله علیه وآله وسلم]. لعلي ملف لامع في الإسلام الذي تحمّل في سبيله الكثير من العناء.

كان النبي يعتبر علياً أخاه. ويروى أن أم أيمن قالت لرسول الله صلّی الله علیه وآله وسلم مداعبة: تدعوه أخاك وتزوجه ابنتك ؟ وقال النبي صلّی الله علیه وآله وسلم لعلي علیه السلام : أنت مني بمنزلة هارون من موسى. وقال للمسلمين يوماً من كنت مولاه فعلي مولاه. وكان العباس يعلم ذلك ؛ لذلك جاء أبوسفيان إلى علي علیه السلام وقال له: امدد يدك أبايعك. ولكن علياً رفض ذلك اجتناباً للفتنة"(2).

سمع أبوبكر وعمر بأن العباس بن عبد المطلب ذهب إلى علي ليبايعه فأرسلا في طلب أبي عبيدة الجرّاح والمغيرة بن شعبة للتشاور في الموضوع قال المغيرة: أرى أن تذهبوا إلى العباس بن

ص: 73


1- علي [علیه السلام ]وبعض بني هاشم مشتغلون بإعداد جهازه وغسله، فقال العباس لعلي وهما في الدار : امدد يدك أبايعك، فيقول الناس عم رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلم ] بايع ابن عم رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلم] فلا يختلف عليك اثنان فقال له أو يطمع يا عمّ فيها طامع غيري؟ قال: ستعلم. " شرح نهج البلاغة، ج 1 ، ص 160 - 161، مرض رسول الله وإمرة أسامة بن زيد على الجيش ؛ الإمامة والسياسة، ج 1، ص 4، استخلاف رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلم] أبا بكر. قال العباس لعلي : ما قدّمتك لشيء إلاّ تأخرت عنه وكان قال له لما قبض رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلم ] : اخرج حتى أبايعك على أعين الناس فلا يختلف عليك اثنان فأبى وقال : أو منهم من يُنكر حقنا ويستبد علينا؟ فقال العباس: سترى أن ذلك سيكون. فلمّا بويع أبوبكر قال له العباس : ألم أقل لك يا علي ؟ " أنساب الأشراف، ج2، ص 265، أمر السقيفة.
2- "كان علي ربيب النبي [صلّی الله علیه وآله وسلم ] وصاحب السابقة في الإسلام وصاحب البلاء الحسن الممتاز في المشاهد كلها وكان النبي يدعوه أخاه، حتى قالت له أم أيمن ذات يوم مداعبة: تدعوه أخاك وتزوجه ابنتك؟ وقال له النبي : أنت مني بمنزلة هارون من موسى . وقال للمسلمين يوماً آخر من كنت مولاه فعلي مولاه من أجل ذلك كله أقبل العباس بعد وفاة النبي وقال له : مُدّ يدك أبايعك! ولكن علياً أبى مخافة الفتنة . " في ظلال نهج البلاغة ، ج 1 ، ص 261 ، ذيل الخطبة الخامسة، نقلاً عن طه حسين.

عبد المطلب وتعطوه مناصب هامة وتطمعوه في أن يكون له ولأولاده نصيب في الخلافة، وبهذا تبعدونه عن علي [علیه السلام] وتدخلونه في حزبنا . فإذا انضم إليكم العباس تمت الحجة على الناس. وإذا بقي علي وحيداً انتهى أمره.

في الليلة الثانية من وفاة رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلم ، ذهب أبو بكر وعمر وأبو عبيدة والمغيرة إلى العباس فتكلم أبوبكر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ... جئناك لنجعل لك ولأبنائك من بعدك نصيباً في الحكم(1).

«وبلغ ذلك أبابكر وعمر فأرسلا إلى أبي عبيدة وإلى المغيرة بن شعبة فسألاهما عن الرأي فقال المغيرة الرأي أن تلقوا العباس فتجعلوا له ولولده في هذا الأمر نصيباً ليقطعوا بذلك ناحية علي بن أبي طالب فانطلق أبوبكر وعمر وأبو عبيدة والمغيرة حتى دخلوا على العباس وذلك في الليلة الثانية من وفاة رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلم ] فحمد أبو بكر الله وأثنى عليه وقال إن الله ابتعث لكم محمداً [صلّی الله علیه وآله وسلم] نبياً وللمؤمنين ولياً فمن الله عليهم بكونه بين ظهرانيهم حتى اختار له ما عنده فخلّى على الناس أمورهم ليختاروا لأنفسهم متفقين غير مختلفين فاختاروني عليهم والياً ولأمورهم راعياً فتوليت ذلك وما أخاف بعون الله وتسديده وهناً ولا حيرة ولا جبناً وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وما أنفك يبلغني عن طاعن يقول بخلاف قول عامة المسلمين يتخذكم لجاً فتكونون حصنه المنيع وخطبه البديع فإما دخلتم في ما دخل فيه الناس أو صرفتموه عما مالوا إليه فقد جئناك ونحن نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيباً ولمن بعدك من عقبك إذ كنت عمّ الرسول [صلّی الله علیه وآله وسلم] وإن كان المسلمون قد رأوا مكانك من رسول الله ومكان أهلك ثم عدلوا بهذاالأمر عنكم وعلى رسلكم بني هاشم فإن رسول الله منا ومنكم فاعترض كلامه عمر وخرج إلى مذهبه في الخشونة والوعيد وإتيان الأمر من أصعب جهاته فقال : إي والله وأخرى أنا لم نأتكم

ص: 74


1- كما في بعض الدول حيث تكون الوزارات حكراً دائمياً على بعض الأسر فيتوارثها الأبناء عن الآباء، فقد قاموا بتقسيم الوزارات والمناصب على القبائل.

حاجة إليكم ولكن كرهنا أن يكون الطعن في ما اجتمع عليه المسلمون منكم فيتفاقم الخطب بكم وبهم فانظروا لأنفسكم ولعامّتهم. ثم سكت فتكلم العباس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الله ابتعث محمداً نبيّاً كما وصفت ووليّاً للمؤمنين فمنّ الله به على أمته حتى اختار له ما عنده فخلّى الناس على أمرهم ليختاروا لأنفسهم مصيبين للحق مائلين عن زيغ الهوى. فإن كنت برسول الله طلبت فحقّنا أخذت، وإن كنت بالمؤمنين فنحن منهم ما تقدمنا في أمركم فرطاً ولا أحللنا وسطاً ولا نزحنا شحطاً، فإن كان ذلك الأمر يجب لك بالمؤمنين فما وجب إذ كنا كارهين وما أبعد قولكم إنهم طعنوا من قولك إنهم مالوا إليك . وأمّا ما بذلت لنا فإن يكن حقك أعطيتناه فأمسكه عليك، وإن يكن حق المؤمنين فليس لك أن تحكم فيه، وإن يكن حقنا لم نرض لك ببعض دون بعض. وما أقول هذا أروم صرفك عما دخلت فيه ولكن للحجة نصيبها من البيان. وأمّا قولك إن رسول الله منّا ومنكم فإن رسول الله من شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها. أما قولك يا عمر أنك تخاف الناس علينا فهذا الذي قدمتموه أول ذالك ، وبالله المستعان»(1)، لما سمع أبوبكر وعمر والمغيرة

ص: 75


1- " وبلغ ذلك أبابكر وعمر فأرسلا إلى أبي عبيدة وإلى المغيرة بن شعبة فسألاهما عن الرأي فقال المغيرة الرأي أن تلقوا العباس فتجعلوا له ولولده في هذا الأمر نصيباً ليقطعوا بذلك ناحية علي بن أبي طالب فانطلق أبوبكر وعمر وأبو عبيدة والمغيرة حتى دخلوا على العباس وذلك في الليلة الثانية من وفاة رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلم ] فحمد أبو بكر الله وأثنى عليه وقال إن الله ابتعث لكم محمداً صلّی الله علیه وآله وسلم] نبياً وللمؤمنين ولياً فمن الله عليهم بكونه بين ظهرانيهم حتى اختار له ما عنده فخلّى على الناس أمورهم ليختاروا لأنفسهم متفقين غير مختلفين فاختاروني عليهم والياً ولأمورهم راعياً فتوليت ذلك وما أخاف بعون الله وتسديده وهناً ولا حيرة ولا جبناً وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكلت وإليه أنيب وما أنفك يبلغني عن طاعن يقول بخلاف قول عامة المسلمين يتخذكم لجأ فتكونون حصنه المنيع وخطبه البديع فإما دخلتم في ما دخل فيه الناس أو صرفتموه عما مالوا إليه فقد جئناك ونحن نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيباً ولمن بعدك من عقبك إذ كنت عمّ الرسول صلّی الله علیه وآله وسلم ] وإن كان المسلمون قد رأوا مكانك من رسول الله ومكان أهلك ثم عدلوا بهذا الأمر عنكم وعلى علیه السلام رسلكم بني هاشم فإن رسول الله منا ومنكم . فاعترض كلامه عمر وخرج إلى مذهبه في الخشونة والوعيد وإتيان الأمر من أصعب جهاته فقال: إي والله وأخرى أنا لم نأتكم حاجةً إليكم ولكن كرهنا أن يكون الطعن في ما اجتمع عليه المسلمون منكم فيتفاقم الخطب بكم وبهم فانظروا لأنفسكم ولعامتهم. ثم سكت فتكلم العباس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إن الله ابتعث محمداً نبياً كما وصفت ووليّاً للمؤمنين فمن الله به على أمته حتى اختار له ما عنده فخلّى الناس على أمرهم ليختاروا لأنفسهم مصيبين للحق مائلين عن زيغ الهوى. فإن كنت برسول الله طلبت فحقنا أخذت، وإن كنت بالمؤمنين فنحن منهم ما تقدمنا في أمركم فرطاً ولا أحللنا وسطاً ولا نزحنا شحطاً، فإن كان ذلك الأمر يجب لك بالمؤمنين فما وجب إذ كنا كارهين وما أبعد قولكم إنهم طعنوا من قولك إنهم مالوا إليك. وأمّا ما بذلت لنا فإن يكن حقك أعطيتناه فأمسكه عليك، وإن يكن حق المؤمنين فليس لك أن تحكم فيه، وإن يكن حقنا لم نرض لك ببعض دون بعض. وما أقول هذا أروم صرفك عمّا دخلت فيه ولكن للحجة نصيبها من البيان. وأما قولك إن رسول الله منا ومنكم فإن رسول الله من شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها . أما قولك يا عمر أنك تخاف الناس علينا فهذا الذي قدمتموه أول ذالك، وبالله المستعان . " شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 221 - 222 ، اختلاف الرأي في الخلافة بعد وفاة رسول الله، ذيل الخطبة الخامسة ؛ تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 124 - 125، خبر سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر ؛ الإمامة والسياسة، ج 1 ، ص 15 - 16 ، إباءة علي بيعة أبي بكر .

وأبو عبيدة مقالة العباس المؤيسة قاموا فخرجوا فأنشد العباس أبياتاً مفادها: ما كنت أظن أن الخلافة تخرج من بني هاشم وتذهب إلى غير علي بن أبي طالب أوليس هو أول من صلّى إلى قبلة المسلمين؟ أليس هو الأعلم بآثار النبي وسنته؟ أليس هو الأقرب عهداً وميثاقاً لرسول الله ؟ أليس هو من أعانه جبرئيل على غسل النبي وتكفينه ؟ وهو الذي يحوي جميع محاسن الناس ولا يملك الناس محاسنه. فما الذي صرفكم عن استخلافه ؟ اعلموا أن بيعتكم هي أول الفتنة(1).

معارضة الإمام علي علیه السلام:

لقد أعلن أمير المؤمنين علیه السلام في أكثر من موضع موقفه من السقيفة ومعارضته لها. وقد شاع هذا الأمر ولم يخف على أحد حتى زخرت به صفحات التاريخ وكتب الماضين:

ص: 76


1- فخرجوا من عنده وأنشأ العباس يقول: ما كنت أحسب هذا الأمر منحرفاً ***عن هاشم ثم عنهم عن أبي حسن أليس أول من صلى لقبلتكم*** وأعلم الناس بالآثار والسنن؟ وأقرب الناس عهداً بالنبي ومن*** جبريل عون له في الغسل والكفن من فيه ما في جميع الناس كلهم ***وليس في الناس ما فيه من الحسن من ذا الذي ردّكم عنه فنعرفه ***ها إنّ بيعتكم من أول الفتن کتاب سلیم بن قيس الهلالي ، ج 2، ص 576 ، الحديث الثالث.

1- يقول الشيخ المفيد: إن علياً لم يبايع ساعة قط. فإذا سمعتم غير هذا فهو كلام غير محقق(1).

2- روي عن عمر أنه يشهد بأن علياً لم يبايع أبابكر بل لم يمدد يده إليه"(2).

3- بعد البيعة لأبي بكر في السقيفة خلف الأبواب المغلقة، أعلن يوم الثلاثاء بأن يأتي الناس لتجديد البيعة فخرج الإمام علي علیه السلام وصاح بأبي بكر : أفسدت أمور الناس ولم تستشرنا ولم تراع حقوقنا، إزاء هذا الموقف الحازم من الإمام علي قال أبو بكر : نعم إنه كذلك ولكني خشيت وقوع الفتنة(3).

4 - جاء في كتابي البخاري ومسلم أن الإمام علياً اله الا التفت إلى أبي بكر فقال : لكنك استبددت علينا بالأمر وكنّا نرى لقرابتنا من رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلم] نصيباً، حتى فاضت عينا أبي بكر(4).

لقد بتر البخاري الرواية ولم يأت بها كاملة. ولكن كتاب "الاحتجاج" يزودنا بالتكملة: في مناظرة هادئة ومنطقية جرّد الإمام علي علیه السلام أبا بكر من كل حججه وبيّن له أنه مخطئ تماماً. لقد أفهمه بالشروط اللازم توفرها في الخليفة، وذكّره بفضائله وفضائل أهل بيته وقرابتهم

من رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلم وسحبَ اعترافه بكل ما قاله . سأله الإمام علیه السلام : هل تقر بكل هذا؟ فقال: نعم. ثم سأله هل تتوفر هذه الصفات فيك؟ فإن لم تتوفر فيك، وأنت تقرّ بمواصفات الخليفة،

ص: 77


1- "المحققون من أهل الإمامة يقولون : لم يبايع ساعة قط. " الفصول المختارة من العيون والمحاسن، ص 56 ، فصل الدلالة على أن أمير المؤمنين علیه السلام لم يبايع أبابكر.
2- "فأشهد ما بايعه ولا مد يده إليه . " بحار الأنوار ، ج 30 ، ص 295 ، كتاب الفتن والمحن، الباب 20 كفر الثلاثة وفضل لعنهم.
3- "لما بويع أبوبكر في يوم السقيفة وجددت البيعة له يوم الثلاثاء على العامة خرج علي فقال : أفسدت علينا أمورنا ولم تستشر. ولم ترع لنا حقاً. فقال أبوبكر : بلى ولكني خشيت الفتنة . " مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج 2، ص 329، يوم السقيفة.
4- "لكنك استبددت علينا بالأمر وكنا نرى لقرابتنا من رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلم] نصيباً، حتى فاضت عينا أبي بكر . " صحيح البخاري ص856، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر الحديث 4240 و 4241 ؛ صحيح مسلم، ص 833، كتاب الجهاد والسير، باب قول النبي صلّی الله علیه وآله وسلم: لا نورث ما تركناه فهو صدقة، الحديث 4555 .

فلماذا رشحت نفسك للخلافة؟ ما الذي حرفك عن الله و رسوله صلّی الله علیه وآله وسلم وحرفك عن دينك، مادمت خلواً من هذه المزايا والمواصفات؟ فتغير أبوبكر فبكى واستمهل الإمام عليا علیه السلام التلاها ليلته ثم نهض وخرج متأثراً وذهب إلى بيته مهموماً واعتزل الناس حتى الليل ولم يأذن لأحد بالدخول عليه.

وفي تلك الليلة رأى النبي صلّی الله علیه وآله وسلم في المنام فسلّم عليه فأعرض النبي عنه. فقام وجلس قبالة النبي وسلّم عليه ثانية فأشاح النبي بوجهه عنه. فسأله عن السبب وإن كان قد بدر منه ما يسوء، فقال له النبي أعد الحق إلى أهله فسأله أبوبكر ومن أهله ؟ قال له النبي الذي لامك في مناظرتك، يعني علي بن أبي طالب علیه السلام . فقال أبوبكر : أعيده إليه.

في الصباح ذهب أبوبكر إلى الإمام علي علیه السلام فقص عليه ما رأى من في المنام ثم قال له: امدد يدك لأبايعك ! فطلب منه الإمام علیه السلام أن يتم ذلك في مسجد رسول الله أمام الناس بعد أن يقص عليهم أبوبكر ما رآه وما قاله له النبي ثم يسلم إليه إمارة المؤمنين. فخرج أبوبكر منه مصفر الوجه لائماً نفسه.

في الطريق صادف أبوبكر عمر فسأله عما حدث فقص عليه ما جرى بينه وبين الإمام علي علیه السلام ، فقال عمر إنه سحر بني هاشم وهي ليست المرة الأولى. ثم أخذ يلح عليه في الكلام حتى عدل عن قراره.

من جانبه، ذهب أمير المؤمنين علیه السلام إلى مسجد رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلم حسب الاتفاق مع أبي بكر فلم يجد أحداً. فمرّ عليه عمر وقال له : يا علي ! لن يحدث ما تريد. فعرف الإمام علیه السلام ما جرى فعاد إلى بيته (1) .

ص: 78


1- "عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال : لما كان من أمر أبي بكر وبيعة الناس له وفعلهم بعلى لم يزل أبو بكر يظهر له الانبساط ويرى منه الانقباض فكبر ذلك على أبي بكر وأحبّ لقاءه واستخراج ما عنده والمعذرة إليه مما اجتمع الناس عليه وتقليدهم إياه أمر الأمة وقلة رغبته في ذلك وزهده فيه أتاه في وقت غفلة وطلب منه الخلوة فقال : يا أبا الحسن ! والله ما كان هذا الأمر عن مواطاة مني ولا رغبة في ما وقعت عليه ولا حرص عليه ولا ثقة بنفسي فيما تحتاج إليه الأمة ولا قوة لي بمال ولا كثرة بعشيرة ولا استثثار به من دون غيري، فما لك تضمر عليّ ما لم أستحقه منك وتظهر لي الكراهة لما صرت فيه وتنظر إلي بعين الشنآن؟ قال: فقال أمير المؤمنين: فما حملك عليه إذ لم ترغب فيه ولا حرصت عليه ولا [أثقت ] بنفسك فيه القيام به؟ قال : فقال أبوبكر : حديث سمعته من رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلم] إن الله لا يجمع أمتي على الضلال. ولما رأيت إجماعهم اتبعت قول النبي [صلّی الله علیه وآله وسلم] وأحلت أن يكون إجماعهم على خلاف الهدى من الضلالة فأعطيتهم قود الإجابة، ولو علمت أن أحداً يختلف لامتنعت. فقال علي [علیه السلام]: أما ما ذكرت من قول النبي [صلّی الله علیه وآله وسلم ] إن الله لا يجمع أمتي على الضلال، فكنت من الأمة أم لم أكن ؟ قال : بلى . قال : وكذلك العصابة الممتنعة عنك من سلمان وعمار وأبي ذر والمقداد وابن عبادة ومن معه من الأنصار. قال: كل من الأمة. قال علي[علیه السلام]: فكيف تحتج بحديث النبي، وأمثال هؤلاء قد تخلفوا عنك ! وليسللأمة فيهم طعن ولا في صحبة الرسول لصحبته منهم تقصير ؟ قال : ما علمت بتخلفهم إلا بعد إبرام الأمر، وخفت إن قعدت عن الأمر أن يرجع الناس مرتدّين عن الدين وكانت ممارساتهم إلي ان أجبتهم أهون مؤونة على الدين وأبقى له من ضرب الناس ببعضهم بعض فيرجعون كفاراً وعلمت أنك لست بدوني في الإبقاء عليهم وعلى أديانهم فقال علي [علیه السلام]: أجل ، ولكن أخبرني عن الذي يستحق هذا الأمر بما يستحقه؟ فقال أبو بكر بالنصيحة والوفاء ودفع المداهنة وحسن السيرة وإظهار العدل والعلم بالكتاب والسنة وفصل الخطاب مع الزهد في الدنيا وقلة الرغبة فيها وانتصاف المظلوم من الظالم للقريب والبعيد . ثم سكت فقال علي [علیه السلام] والسابقة والقرابة؟ فقال أبوبكر والسابقة والقرابة. فقال علي [علیه السلام]: أنشدك بالله يا أبابكر، أفي نفسك تجد هذه الخصال أو في ؟ فقال أبو بكر: بل فيك يا أبا الحسن قال : فأنشدك بالله أنا المجيب لرسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلم] قبل ذكر ان المسلمين أم أنت؟ قال : بل أنت . قال علیه السلام : فأنشدك بالله، أنا صاحب الأذان لأهل الموسم والجمع الأعظم للأمة بسورة براءة أم أنت؟ قال: بل أنت . قال : فأنشدك بالله، أنا وقيت رسول الله بنفسي يوم الغار أم أنت؟ قال : بل أنت . قال : فأنشدك بالله أنا المولى [لك] ولكل مسلم بحديث النبي [صلى الله عليه وسلم ] يوم الغدير أم أنت؟ قال: بل أنت. قال: فأنشدك بالله ألي الولاية من الله مع رسوله في آية الزكاة بالخاتم أم لك؟ قال : بل لك . قال : فأنشدك بالله، أألي الوزارة مع رسول الله والمثل من هارون من موسى أم لك ؟ قال : بل لك. قال : فأنشدك بالله، أبي برز رسول الله وبأهلي وولدي في مباهلة المشركين أم بك وبأهلك وولدك ؟ قال : بل بكم . قال : فأنشدك بالله ألي ولأهلي ولولدي آية التطهير من الرجس أم لك ولأهل بيتك ؟ قال : بل لك ولأهل بيتك. قال: فأنشدك بالله، أنا صاحب دعوة رسول الله وأهلي وولدي يوم الكساء: اللهم هؤلاء أهلي إليك لا إلى النار، أم أن-ت؟ قال : بل أنت وأهلك وولدك . قال : فأنشدك بالله أنا صاحب آية ((يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيراً)) أم أنت؟ قال : بل أنت . قال: فأنشدك بالله أنت الذي ردت عليه الشمس لوقت صلاته فصلاها ثم توارت، أم أنا ؟ قال : بل أنت. قال: فأنشدك بالله، أنت الفتى نودي من السماء لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي، أم أنا؟ قال : بل أنت . قال : فأنشدك بالله، أنت الذي حباك رسول الله برايته يوم خيبر ففتح الله له أم أنا ؟ قال : بل أنت . قال : فأنشدك بالله أنت الذي نفست عن رسول الله وعن المسلمين بقتل عمرو بن عبدود، أم أنا ؟ قال : بل أنت . قال : فأنشدك بالله أنت الذي ائتمنك رسول الله على رسالته إلى الجن فأجابت، أم أنا ؟ قال : بل أنت . قال : فأنشدك بالله، أنا الذي طهره الله من السفاح من لدن آدم إلى أبيه بقول رسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلم ]: خرجت أنا وأنت من نكاح لا من سفاح من لدن آدم إلى عبد المطلب، أم أنت؟ قال : بل أنت . قال : فأنشدك بالله أنا الذي اختارني رسول الله وزوجني ابنته فاطمة [علیها السلام ] وقال : الله زوجك إياها في السماء، أم أنت؟ قال : بل أنت. قال: فأنشدك بالله أنا والد سبطيه الحسن والحسين وريحانتيه إذ يقول : هما سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما، أم أنت؟ قال : بل أنت . قال : فأنشدك بالله أخوك المزين بالجناحين يطير في الجنة مع الملائكة أم أخي ؟ قال : بل أخوك. قال : فأنشدك بالله أنا ضمنت دين رسول الله وناديت في المواسم بإنجاز موعده، أم أنت؟ قال: بل أنت. قال: فأنشدك بالله، أنا الذي دعاه رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلم] والطير عنده يريد أكله يقول : اللهم ايتني بأحب الخلق إلي وإليك بعدي يأكل معي من هذا الطير، فلم يأته غيري، أم أنت؟ قال : بل أنت . قال : فأنشدك بالله أنا الذي بشرني رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلم] بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين على تأويل القرآن أم أنت؟ قال : بل أنت . قال : فأنشدك بالله أنا الذي دل عليه رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلم] بعلم القضاء وفصل الخطاب بقوله : علي أقضاكم، أم أنت؟ قال: بل أنت . قال : فأنشدك بالله، أنا الذي أمر رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلم] أصحابه بالسلام عليه بالإمرة في حياته، أم أنت؟ قال: بل أنت . قال : فأنشدك بالله، أنا الذي شهدت آخر کلام رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلم] ووليت غسله ودفنه، أم أنت؟ قال: بل أنت . قال : فأنشدك بالله أنت الذي سبقت له القرابة من رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلم ] أم أنا ؟ قال : بل أنت . قال : فأنشدك بالله أنت الذي حباك الله بالدينار عند حاجته إليه وباعك جبرئيل وأضفت محمداً وأطعمت ولده أم أنا ؟ قال : فبكى أبو بكر . قال : بل أنت . قال : فأنشدك بالله، أنت الذي جعلك رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلم] على كتفه في طرح صنم الكعبة وكسره حتى لو شئت أن أنال أفق السماء لنلتها، أم أنا؟ قال: بل أنت . قال : فأنشدك بالله أنت الذي قال لك رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلم] أنت صاحب لواي في الدنيا والآخرة، أم أنا ؟ قال : بل أنت . قال: فأنشدك بالله، أنت الذي أمرك رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلم] بفتح بابه في مسجده عندما أمر بسد أبواب جميع أهل بيته وأصحابه وأحل لك فيه ما أحلّ الله له، أم أنا؟ قال: بل أنت. قال: فأنشدك بالله، أنت الذي قدمت بين يدي نجوى رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلم] صدقة فناجيته إذ عاتب الله قومًا فقال : أ أشفقتم أن تقدّموا بين يدي نجواكم صدقات، أم أنا ؟ قال : بل أنت. قال: فأنشدك بالله أنت قال رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلم] لفاطمة : زوجتك أول الناس إيماناً وأرجحهم إسلاماً في كلام له، أم أنا ؟ قال : بل أنت . قال : فأنشدك بالله يا أبابكر ! أنت الذي سلمت عليه ملائكة سمع سماوات يوم القليب، أم أنا ؟ قال : بل أنت . قال : فلم يزل يورد مناقبه التي جعل الله له ورسوله دونه ودون غيره، ويقول له أبوبكر : بل أنت . قال : فبهذا وشبهه تستحق القيام بأمور أمة محمد[ صلّی الله علیه وآله وسلم] ، فما الذي غرّك عن الله وعن رسوله ودينه وأنت خلو مما يحتاج إليه أهل دينه. قال: فبكى أبوبكر وقال : صدقت يا أبا الحسن! أنظرني قيام يومي فأدبر ما أنا فيه وما سمعت منك . فقال علي [علیه السلام]: لك ذلك يا أبابكر. فرجع من عنده وطابت نفسه يومه ولم يأذن لأحد إلى الليل وعمر يتردد في الناس لما بلغه من خلوته بعلي. فبات في ليلته فرأى في منامه كأن رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلم] ] تمثّل له في مجلسه فقام إليه أبوبكر يسلّم عليه فولّى عنه وجهه، فصار مقابل وجهه فسلم عليه فولّى وجهه عنه فقال أبوبكر : يا رسول الله ! أمرت بأمر لم أفعله؟ فقال: أردّ عليك السلام وقد عاديت من والاه الله ورسوله؟ رُدّ الحق إلى أهله ! فقلت : من أهله ؟ قال : من عاتبك عليه عليّ . قلت : قد رددته عليه يا رسول الله ثم لم يره. فأصبح أبوبكر إلى علي [علیه السلام ] وقال : ابسط يدك يا أبا الحسن أبايعك وأخبره بما قد رأى . قال : فبسط علي يده فمسح عليها أبوبكر وبايعه وسلّم إليه، وقال له: أخرج إلى مسجد رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلم ] فأخبرهم بما رأيت من ليلتي وما جرى بيني وبينك وأخرج نفسي من هذا الأمر وأسلمه إليك. قال : فقال علي [علیه السلام]: نعم. فخرج من عنده متغيراً لونه، عاتباً نفسه، فصادفه عمر وهو في طلبه، فقال له: ما لك يا خليفة رسول الله ؟ فأخبره بما كان وما رأى وما جرى بينه وبين علي فقال : أنشدك بالله يا خليفة رسول الله والاغترار بسحر بني هاشم والثقة بهم، فليس هذا بأول سحر منهم. فمازال به حتى ردّه عن رأيه وصرفه عن عزمه ورغبه فيما هو بالثبات عليه والقيام به. قال: فأتى على المسجد على الميعاد فلم ير فيه منهم أحداً فأحس بشيء منهم فقعد إلى قبر رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلم] . قال : فمر به عمر فقال : يا علي ! دون ما تريد خرط القتاد. فعلم الا بالأمر ورجع إلى بيته . " الاحتجاج، ج 1، ص 157 ، احتجاج أمير المؤمنين علیه السلام على أبي بكر لما كان يعتذر إليه من بيعة الناس له ويظهر الانبساط له ؛ بحار الأنوار، ج 29، ص 3، الباب الخامس، احتجاج أمير المؤمنين علیه السلام على أبي بكر وغيره في أمر البيعة.

ص: 79

ص: 80

5-يقول المسعودي إن علياً امتنع من البيعة فقالوا له: نقتلك. فقال: تقتلونني وأنا عبد الله وأخو رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلم]. فأمسكوا بيده وبسطوها كأنه يبايع ولكنه ضمّ يده فحاول جماعة أن يفتحوها فلم يقدروا على ذلك فتقدم أبو بكر فمسح يده على يده وكانت

مضمومة(1).

6- يقول البلاذري إن أبابكر بعث بجماعة ليأخذوا البيعة له من علي ولكنه لم يبايع. ثم جاء عمر يحمل قبساً من نار(2).

سؤال موجّه إلى البلاذري:

یا بلاذري! لمَ لم تُكمل القصة؟

لنفرض أننا نغض الطرف عن حادثة الصفعة وإسقاط الجنين، فهل يكون جزاء النبي الذي يقول فيه الله : {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون}(3)، أن يُروّع أهل بيته بهذه الطريقة بعد وفاته بيومين أو ثلاثة؟ هل جزاء النبي صلّی الله علیه وآله وسلم أن يحمل عمر بن الخطّاب النار فيقف أمام دار الزهراء علیها السلام ويهددها؟

أنت لم تقل ما القبس ولماذا حمله عمر. ولم تذكر شيئاً عن المحاورة التي جرت بين فاطمة وعمر. ولم تقل إن فاطمة وقفت خلف الباب وسألت عمر جئت لتحرق داري؟ فردّ عمر : نعم، إنه أفضل شيء لصيانة دين أبيك. فقد حدث كل هذه المطالب المهمة. والغريب أن عمر لم يقل

ص: 81


1- فأقام أمير المؤمنين [صلّی الله علیه وآله وسلم] ومن معه من شيعته فيمنزله بما عهد إليه رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلم ] ، فوجهوا إلى منزله فهجموا عليه وأحرقوا بابه واستخرجوه منه كرهاً وضغطوا سيدة النساء بالباب حتى أسقطت (محسناً) وأخذوه بالبيعة فامتنع وقال: لا أفعل. فقالوا: نقتلك. فقال : إن تقتلوني فإني عبد الله وأخو رسوله. وبسطوا يده فقبضها وعسر عليهم فتحها. فمسحوا عليها وهي مضمومة " إثبات الوصية للإمام علي بن أبي طالب، ص 124 ، في خلافة أبي بكر وعمر بن الخطّاب.
2- " أن أبابكر أرسل إلى علي يريد البيعة فلم يبايع فجاء عمر ومعه قبس . " أنسابالأشراف، ج 2، ص 268 ، أمر السقيفة.
3- آل عمران 103 .

خاتم الأنبياء ولا رسول الله بل قال: "أبيك " ! فما معنى هذا؟ أي إسلام هذا الذي لا يصان إلاّ بحرق دار بنت نبيه الزهراء المرضية؟ أليست الدار التي بعد أن نزلت آية التطهير كان النبي صلّی الله علیه وآله وسلم يقف ببابها كل صباح على مدى ستة أشهر ( وفي رواية ثمانية عشر شهراً) ويقول: الصلاة يا أهل بيت محمد ! ثم يتلو آية التطهير ؟(1).

7- يقول البلاذري إنه لما امتنع علي [علیه السلام]عن البيعة أمر أبو بكر عمر بالتعامل معه بأشد صورة لجلبه. وعندما ذهب عمر إلى علي جرى حديث حاد بينهما . فقال علي: «احلب حلباً لك شطره، والله ما حرصك على إمارته اليوم إلا ليؤمرك غداً »(2).

مرةً أخرى يبتر البلاذري الرواية ولا يقول كيف جاء عمر وماذا جرى من كلام بينه وبين علي عليه السلام .

8- يقول ابن قتيبة إن أبابكر سأل عن جماعة لم يبايعوه وتجمعوا في بيت علي بن أبي طالب وبعث إليهم بعمر. فوقف عمر أمام بيت علی [علیه السلام] وقال لهم: قوموا فبايعوا! فامتنعوا فطلب حطباً وصاح اخرجوا وإلا أحرقت عليكم البيت. فاستنكر بعض الطيبين قوله فقالوا له: يا أبا حفص !(3) " إن في البيت فاطمة [علیها السلام] فهل تحرقه؟. فغضب من قولهم

ص: 82


1- عن أنس أن رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلم] كان يمرّ ببيت فاطمة ستة أشهر إذا خرج لصلاة الفجر يقول : الصلاة يا أهل بيت محمد ((إنما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويُطهركم تطهيرا)) . رأيت رسول الله يأتي باب على وفاطمة ستة أشهر فيقول : ((إنما يريد الله ...)) . سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 134 ، شرح حال فاطمة بنت رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلم] ، الرقم 18؛ مسند أحمد، ج 2، ص 259 ؛ مسند أنس بن مالك ؛ سنن الترمذي، ص 581 ، كتاب تفسير القرآن باب ومن سورة الأحزاب، الحديث .3206. الحاكم النيسابوري يصحح الحديث على شرط البخاري ومسلم. المستدرك على الصحيحين، ج 3، ص 158 - 159 ، كتاب معرفة الصحابة، ومن مناقب أهل رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلم] ، الحديث 4705 .
2- عن ابن عباس قال: بعث أبوبكر عمر بن الخطاب إلى علي حين قعد عن بيعته وقال: ائتني به بأعنف العنف. فلما أتاه جرى بينها كلام فقال: احلب حلباً لك شطره، والله ما حرصك على إمارته اليوم إلا ليؤمرك غداً . " أنساب الأشراف، ج 2، ص 269 ، أمر السقيفة.
3- كنية عمر بن الخطاب أبو حفص.

وقال: لا فرق عندي إن كانت فيه فاطمة أو لم تكن فسأحرقه . وفي رواية أخرى إن فيها الحسنين(1).

يقول المؤلف: عندما أحس المعتصمون بجدية التهديد خرجوا وبايعوا إلاّ عليا علیه السلام فلم يبايع(2)وقال علي: أقسمت أن لا أخرج من البيت حتى أجمع القرآن.

وقفت السيدة فاطمة الزهراء علیها السلام أمام الباب وقالت: لم أر أسوأ منكم. [ كان هناك الكثير من المواقف القبيحة ولكني لم أر أقبح من فعلتكم هذه] . تركتم جثمان رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلم وقطعتم أمركم بينكم ولم تستشيرونا ولم تعطونا حقنا. فجاء عمر إلى أبي بكر وسأله لماذا لم يأخذ البيعة من المتخلف عنها وهو علي فبعث أبوبكر قنفذاً إلى علي فسأله عما بعث به فقال قنفذ خليفة رسول الله يطلبك. فقال علي: ما أسرع ما كذبتم على رسول الله !

فعاد قنفذ إلى أبي بكر فأخبره بما قاله علي فبكى أبو بكر طويلاً ولكن عمر قال له: لا تمهله وأحضره فوراً!

فعاد أبوبكر فبعث قنفذاً إلى علي فصاح علي علیه السلام : سبحان الله ! إن أبا بكر يدّعي لنفسه ما ليس له. فعاد قنفذ فأخبر أبا بكر بما قاله علي فبكى أبوبكر طويلاً.

بعد أن فشل قنفذ في بعثته مرتين بادر عمر إلى التدخل بنفسه فذهب ومعه جماعة مسلحون إلى بيت فاطمة علیها السلام فدقوا الباب. ولما سمعت فاطمة صوتهم لجأت إلى أبيها ونادت: يا أبت يا رسول الله ! انظر ماذا نتجرع من ابن الخطاب وأبي قحافة!

لما سمع المرافقون لعمر صوت الزهراء وبكاءها تولوا وهم يبكون حزناً وألماً. وبقي عمر ومعه جماعة فأخرجوا علياً من داره وأخذوه إلى أبي بكر.

ص: 83


1- الملل والنحل، ج 1، ص 59 ، الجزء الأول المسلمون، الباب الأول المعتزلة، 3 النظامية.
2- ثمة روايات أخرى أوردناها في هذا الكتاب تبيّن أن تلك البيعة لم تحظ بتأييد الجميع.

قال أبوبكر لعلي: بايع! فقال : وإن لم أبايع ؟ قالوا له : والله نقتلك. فقال: إن تقتلوني فإنكم تقتلون عبد الله وأخا رسوله . فقال عمر: نعم، أنت عبد الله ولكنك لست أخا رسوله. وكان أبوبكر يجلس ساكتاً. فصاح به عمر : لماذا تقعد؟ ألا تُنهي الأمر؟

فقال أبوبكر : مادامت فاطمة إلى جانبه فلا أقدر على أن أرغمه على شيء.

فرمى علي بنفسه على قبر رسول الله علیه السلام و صاح باكياً : يا ابن أم! إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني (1)

سؤال موجه إلى ابن قتيبة:

يا ابن قتيبة ! لقد جانبتَ الأمانة في موضعين . لقد هدد عمر بحرق بيت فاطمة علیها السلام بمن فيه، وأنت تقول إن الجميع بايعوا إلا علياً علیه السلام . ثم وقفت الزهراء وراء الباب وقالت أشياء. ثم .

ص: 84


1- "إن أبابكر تفقد قوماً تخلفوا عن بيعته عند علي فبعث إليهم عمر فجاء فناداهم وهم في دار علي فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب وقال: والذي نفس عمر بيده! لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها. فقيل له: يا أبا حفص إن فيها فاطمة فقال : وإن. فخرجوا فبايعوا إلا علياً فإنه زعم أنه قال : حلفت أن لا أخرج ولا أضع ثوبي على عاتقي حتى أجمع القرآن فوقفت فاطمة على بابها فقالت : لا عهد لي بق-وم حضروا أسوأ محضراً منكم تركتم رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلم ]جنازة بين أيدينا وقطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا ولم تردوا لنا حقاً. فأتى عمر أبابكر فقال له : ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة؟ فقال أبوبكر لقنفذ وهو مولى له: اذهب فادع لي علياً! قال: فذهب إلى علي فق--ال ل-ه : ما حجتك؟ فقال: يدعوك خليفة الرسول. فقال علي : السريع ما كذبتم على رسول الله فرجع فأبلغ الرسالة، قال: فبكى أبوبكر طويلاً فقال عمر الثانية : لا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة . فقال أبوبكر لقنفذ عُد إليه ! فقل له خليفة رسول الله يدعوك لتبايع . فجاء قنفذ فأدى ما أمر به فرفع علي صوته فقال : سبحان الله ! لقد ادعى ما ليس له. فرجع قنفذ فأبلغ الرسالة فبكى أبوبكر طويلاً ثم قام عمر فمشى معه جماعة حتى أتوا باب فاطمة فدقوا الباب فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها : يا أبت يا رسول الله ! ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة؟ فلما سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين وكادت قلوبهم تنصدع وأكبادهم تنفطر. وبقي عمر ومعه قوم فأخرجوا علياً فمضوا به إلى أبي بكر فقالوا له: بايع ! فقال : إن أنا لم أفعل فمه؟ قالوا: إذن والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك. فقال : إذن تقتلون عبد الله وأخا رسوله. قال عمر: أما عبد الله فنعم وأما أخو رسوله فلا ، وأبوبكر ساكت لا يتكلم فقال له عمر: ألا تأمر فيه بأمرك؟ فقال: لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه. فلحق علي بقبر رسول الله يصيح ويبكي وينادي : يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني. " الإمامة والسياسة، ج 1، ص 13 ، كيف كانت بيعة علي بن أبي طالب.

بترتَ الخبر بمكر وعدتَ إلى المسجد لتقول إن عمر قال لأبي بكر أن عليه أن يأخذ البيعة من علي وأغفلت ما جرى في تلك الأثناء من حطب ونار وغيرها.

وفي موضع آخر من هذه الواقعة، قلت إن فاطمة علیها السلام شكت وبكت فانقلب بعض من كان مع عمر على بابها. ثم تقول إن عمر وجماعة معه بقوا على باب بيت فاطمة وأخذوا علياً إلى أبي بكر. وها أنت مرة أخرى تقفز على الأحداث وتتغافل عن كيفية إخراج علي من بيته. لقد قلت بنفسك إنهم "أخرجوا" علياً ولم تقل "خرج " علي. هذا يعني أن علياً علیه السلام لم يخرج بمحض إرادته بل أخرج عنوة وأخذ إلى أبي بكر بالقوة. إنك لم تقل كيف تم ذلك وبأي ثمن. فهل تعتبر نفسك مؤرخاً؟ هل تكتب التاريخ مراعياً الأمانة أم خائناً لها؟ لم لا تنقل الوقائع كما حدثت؟ لم تبتر الأخبار؟

9- جاء في العقد الفريد(1) : «الذين تخلفوا عن بيعة أبي بكر علي والعباس والزبير وسعد بن عبادة. فأمّا علي والعباس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث إليهم أبوبكر عمر بن الخطاب ليخرجوا من بيت فاطمة وقال له : إن أبوا فقاتلهم! فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار ، فلقيته فاطمة فقالت يا ابن الخطّاب أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمّة»(2) (2)

ص: 85


1- مؤلف الكتاب ابن عبدربه الأندلسي المتوفى سنة 328 ه- وكان متعصباً جداً ويقول العلامة خرسان إنه كان ناصبياً جريئاً على الشيعة. "فقد كان ناصبياً معلناً ذلك في أرجوزته في الخلفاء، حيث ذكر الثلاثة ثم ربع بمعاوية ولم يذكر الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام ولا الإمام الحسن علیه السلام. "المحسن السبط مولود أم سقط، ص 157 ، الباب الثالث، الفصل الأول، من ذا سنختار من المصنفين
2- "الذين تخلفوا عن بيعة أبي بكر علي والعباس والزبير وسعد بن عبادة. فأما علي والعباس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث إليهم أبوبكر عمر بن الخطاب ليخرجوا من بيت فاطمة وقال له : إن أبوا فقاتلهم ! فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة فقالت : يا ابن الخطاب ! أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم، أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة. " العقد الفريد، ج 4، ص 259، كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم، الذين تخلفوا عن بيعة أبي بكر ؛ تاريخ أبي الفداء ، ج 1، ص219، حوادث سنة 11، ذكر أخبار أبي بكر وخلافته.
سؤال موجه إلى ابن عبد ربّه :

هل تم اختيار الخليفة بإجماع المسلمين؟

وردت عبارة "الذين تخلفوا عن بيعة أبي بكر " في رواية هذا العالم السني المتعصب .هذا يعني أن جماعة من المسلمين لم يبايعوا أبا بكر . فكيف يمكن ادعاء الإجماع عليه؟ لقد اتخذ قرار استخلاف أبي بكر بضعة أشخاص هم (أبو بكر نفسه وعمر وأبو عبيدة والمغيرة)، فكيف تقول: "ادخلوا فيما دخلت فيه الأمة"؟ فهل هؤلاء الأربعة هم الأُمة كلها؟

هل إن حرمة هؤلاء الأربعة من صحابة رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلم أكبر من حرمة أهل بيته ؟ لقد كان لعمر الكلمة الأولى والأخيرة لأنه صحابي لا تجوز إهانته. فهل إهانة الصحابي أمر عظيم وإهانة فاطمة الزهراء أمر هيّن ؟ هل للصحابة حصانة وليس للزهراء ولا لبيتها حصانة؟ من أجل ماذا جلب عمر النار ؟ هل جلبها ليحرق بها الإمام علياً وفاطمة الزهراء والحسنين وزينب الكبرى علیها السلام أحياء؟

10 - يقول بن أبي شيبة(1)عن خلافة أبي بكر وسياسته في التعامل مع المرتدين (2): حين كان الناس يبايعون أبابكر ذهب علي والزبير إلى بيت الزهراء الطاهرة ليشاوروها في الأمر. ولما سمع عمر بترددهم على ذلك البيت واجتماعاتهم ومشاوراتهم ذهب إلى بيت فاطمة وقال: يا بنت رسول الله ! لا أحد أحبّ إلينا من أبيك وبعده منك. لكني أقسم بالله إن عاد هؤلاء للاجتماع في بيتك والتداول في شؤون البلاد والسقيفة لن يمنعني شيء من أن آمر بحرق الدار بأهلها. ألقى عمر تهديده ومضى ثم جاء أمير المؤمنين علیه السلام والزبير

ص: 86


1- المتوفى سنة 235 ه- ومن الشخصيات المعتبرة جداً لدى السنة. كان أستاذ البخاري الذي كان على علاقة قوية مع المتوكل العباسي.
2- لاحظ أن عنوان الفصل هو "مواضيع حول خلافة أبي بكر وسياسته في التعامل مع المرتدين" وهو يتحدث فيه عن معاملة أبي بكر وعمر لعلي وفاطمة علیهما السلام،ما يعني أنه يعتبرهما من المرتدين.

فقالت فاطمة علیها السلام : هل بلغكما أن عمر جاء إلى هنا وأقسم أن يحرق الدار على أهلها إن اجتمعتم فيها ثانية ؟ والله إنه سيفعل ذلك(1) .

سؤال موجّه إلى ابن أبي شيبة:

هل حقاً أمر الخليفة [الأول] بحرق بيت بنت رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلم؟ هل حقاً هدّد الخليفة الثاني بحرق بنت رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلم وأهلها ؟ هل حقاً قام الخليفة الثاني بإحراق بيت بنت رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلم وكانت هي وزوجها وأبناؤها فيه؟ للحصول على أجوبة مناسبة لهذه الأسئلة، لاحظوا ما يلي بدقة: أن عمر أقسم بقوله "أيم الله " أن يحرق دار فاطمة على من فيها إن عادوا للاجتماع فيها والتداول بشأن البلاد والسقيفة. قالت الزهراء علیه السلام : والله لئن تم الاجتماع ثانية فإن عمر سيحرق الدار على من فيها. بعد تهديد عمر ، لم تنقطع الاجتماعات في بيت فاطمة علیها السلام . يقول علماء السنة إن علياً لم يبايع إلاّ بعد ستة أشهر (2) .

ص: 87


1- "حدثنا محمد بن بشر حدّثنا عبيد الله بن عمر حدثنا زيد بن أسلم عن أبيه أسلم أنه حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله كان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم. فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب خرج حتى دخل على فاطمة فقال : يا بنت رسول الله والله ما من أحد أحب إلينا بعد أبيك منك. وأيم الله ما ذلك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن أمرتهم أن يحرق عليهم البيت . قال : فلما خرج عمر جاؤوها فقالت : تعلمون أن عمر قد جاءني وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقن عليكم البيت وأيم الله ليمضين لما حلف عليه، فانصرفوا راشدين." المصنف في الحديث والآثار، ج 8، ص 572 ، كتاب المغازي، ما جاء في خلافة أبي بكر وسيرته في الردة. وقد نقل ابن عبدالبر والصفدي هذه الرواية ولكنهما أبدلا عبارة "الأحرقن البيت " بعبارة "لأفعلن ولأفعلن". الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج3، ص100، شرح حال أبي بكر ، الرقم 1651 ؛ الوافي بالوفيات، ج17، ص311، شرح حال أبي بكر، الرقم 264 .
2- "حتى توفيت وعاشت بعد النبي ستة أشهر ... [ وليكن] يبايع تلك الأشهر . " صحيح البخاري، ص856، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، الحديث 4240 و 4241 ؛ صحیح مسلم، ص 833 كتاب الجهاد والسير، باب قول النبي [ صلّی الله علیه وآله وسلم ] لا نورث ما تركنا فهو صدقة، الحديث 4555 ، والصحيح أن أمير المؤمنين ما بايع إلا بعد ستة أشهر . " الكامل في التاريخ، ج 2، ص 10، حوادث سنة 11 هجرية، حديث السقيفة ؛ الإمامة والسياسة، ج 1 ، ص 14 ، كيف كانت بيعة علي بن أبي طالب.

طيّب ! أنت استنتج الآن بنفسك. ولكي تصل إلى النتيجة الأفضل عليك أن تلاحظ ما رواه ابن سلام(1)(1) :

يقول عبدالرحمن بن عوف ذهبت لعيادة أبي بكر في مرضه الذي مات منه فقلت له : الحمد الله ، لا بأس عليك، فلا تغتم للدنيا. فالتفت إليّ أبو بكر فقال: «لست آسفاً على الدنيا ولكنني فعلت ثلاثة أشياء وددت أني لم أفعلها وثلاثة أشياء وددت لو أني سألت رسول الله عنها . أما الثلاثة التي فعلتها ووددت أني لم أفعلها فهي كذا وكذا». هنا، يبتر المؤلف كلام أبي بكر ويقول أنه لا يحب أن يذكره (2). غير أن محقق الكتاب يقول في هامشه: جاء في ميزان الاعتدال قال أبوبكر : ليتني لم أحمل على بيت فاطمة وأني تركته حتى وإن أغلقوه على حرب(3).

ص: 88


1- هو من الشخصيات المعتبرة لدى أهل السنة. متوفى سنة 224ه-. عاصر الإمام الرضا والإمام الجواد علیهما السلام.
2- دخلت على أبي بكر أعوده في مرضه الذي توفي فيه، فسلمت عليه وقلت ما أرى بك بأساً والحمد لله، ولا تأس على الدنيا فوالله إن علمناك إلا كنت صالحاً مصلحاً. فقال: أما إني لا آسى على شيء إلا على ثلاث فعلتهم ووددت أني لم أفعلهم وثلاث لم أفعلهم ووددت أني فعلتهم وثلاث وددت أني سألت رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلم] عنهم . فأما التي فعلتها و وددت أني لم أفعلها فوددت أني لم أكن فعلت كذا وكذا الخلة ذكرها - قال أبو عبيدة: لا أريد ذكرها - ووددت أني يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين عمر أو أبي عبيدة فكان أميراً وكنت وزيراً. ووددت أني حيث كنت وجهت خالداً إلى أهل الردّة أقمت بذي القصة، فإن ظفر المسلمون ظفروا وإلاّ كنت بصدد لقاء أو مدد وأما الثلاث التي تركتها ووددت أني فعلتها فوددت أني يوم أتيت بالأشعث بن قيس كنت ضربت عنقه فإنه يخيّل إلي أن لا يرى شراً إلا أعان عليه. ووددت أنني يوم أتيت بالفجاءة لم أكن أحرقته وكنت قتلته سريحاً أو أطلقته نجيحاً. ووددت حيث أني وجهت خالداً إلى أهل الشام كنت وجهت عمر إلى العراق فأكون قد بسطت يدي يميني وشمالي في سبيل الله. وأما الثلاثة التي وددت أني كنت سألت عنها رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلم ] فوددت أني سألته : فيمن هذا الأمر ، فلا ينازعه أهله ؟ وودت أني كنت سألته: هل للأنصار من هذا الأمر من نصيب ؟ ووددت أني كنت سألته عن ميراث العمة وابنة الأخ، فإن في نفسي منها حاجة . " الأموال، ص 174 ، دخول عبدالرحمن بن عوف على أبي بكر في مرض موته وما قال له.
3- فقال أبو بكر : إني لا آسى على شيء إلاّ على ثلاث وددت أني لم أفعلهن ووددت أني لم أكشف بيت فاطمة وتركته وإن أغلق على الحرب. " ميزان الاعتدال في نقد الرجال، ج 3، ص 109 ، شرح حال علوان بن داود البجلي، الرقم 5763 .

هذه الحادثة وردت طبعاً في كتب أخرى مثل "المعجم الكبير" للطبراني و "تاريخ دمشق الكبير " لابن عساكر(1) .

إذن فقد كان بيت فاطمة و عليه علیهما السلام غرفة عمليات محور المعارضة لمشروع السقيفة وقد أغلق بابه تعبيراً عن الاحتجاج والاعتراض، فقام قادة السقيفة بفتحه بقوة السلاح. حاول بعضُ إنكار الحادث وتضعيف الرواية فقالوا: إن حميد بن عبدالرحمن الذي روى ذلك

اللقاء لم يكن في حينها إلا إبن السنة الواحدة يوم وفاة ابيه فلا يمكنه نقل الرواية عن أبيه. من هنا فإن النقل ضعيف.

والجواب هو أنه أولا: إن حميد بن عبد الرحمن ناقل هذه الرواية هو نفسه ناقل رواية حديث العشرة المبشرة وقد ارتضيتم نقله بدون اعتراض. وإن أي دليل توردونه لقبول سند حديث العشرة المبشرة سنستعين به لقبول سند رواية هذه الحادثة.

ثانيا : ورد هذا الحديث في تاريخ الطبري بسند آخر عن عمر بن عبدالرحمن"(2).

سؤال:

إذا كان الحق مع علي علیه السلام،فلماذا لم يحمل سيفه ويناضل من أجل حقه؟ نقول في الجواب إن النبي صلّی الله علیه وآله وسلم بقي في مكة ثلاث عشرة سنة وكان الحق معه ولم يخامره شك في إسلامه وإيمانه و قرآنه ورسالته، ولكنه لم يحمل سيفا ولم يلجأ إلى الكفاح المسلح، فلماذا لم يفعل ذلك؟

ص: 89


1- المعجم الكبير، ج 1، ص 62 ، ومما أسند أبوبكر عن رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلم] ؛ تاریخ دمشق الكبير، ج 32، ص 275، شرح حال أبي بكر، الرقم 3491.
2- "حدثنا يونس بن الأعلى قال : حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال: حدثنا الليث بن سعد قال : حدثنا علوان عن صالح بن كيسان عن عمر بن عبدالرحمن بن عوف عن أبيه أنه دخل على أبي بكر الصديق في مرضه الذي توفي فيه... فأما الثلاث اللاتي وددت أني تركتهن فوددت أني لم أكشف بيت فاطمة عن شيء وإن كانوا قد غلقوه على الحرب . " تاريخ الطبري، ج 2، ص 353 ، حوادث سنة 13 هجرية، ذكر أسماء قضاته وكتابه وعماله على الصدقات.

لقد اضطر النبي نفسه وأنصاره تحت الكثير من الضغوط التي كان يمارسها عليهم العدو إلى الهجرة فلماذا لم يستعن بالسلاح؟

إن الإجابة على هذه الأسئلة من أوضح الواضحات، وهي أن الأرضية لم تكن ممهدة للثورة المسلحة، وأنه كان من شأن أي فعل من هذا القبيل أن يئد الإسلام في مهده ويقطع دابره. هذا الجواب نفسه يمكن أن يكون جوابا للسؤال المذكور. فمن جانب، افتقد الامام علي علیه السلام الأنصار حتى لم يتوفر له أربعون رجلا مستعدين للدفاع عن الإسلام حتى الرمق الأخير. ومن جانب آخر، كان من شأن أي حرب داخلية أن تعطي الفرصة لأعداء الإسلام الموتورين في السيطرة والقضاء عليه.

يروي السنّة عن عائشة أن رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلم قال إن هؤلاء حديثو عهد بالجاهلية ولازال فيهم أثر من الجاهلية (1).

كان جو المجتمع الإسلامي لم يزل مشوباً بالكثير من الغبار. فإذا نشبت حرب داخلية في تلك الظروف، فما كان سيتبقى من الإسلام؟

والأنصار ، رغم أنهم قدّموا للإسلام جليل الخدمات ومهدوا أرضية الدولة الإسلامية، إلاّ أنهم حين تعرضوا لمحك السلطة والحكم لم يختلفوا مع المهاجرين فحسب، بل اختلفوا فيما بينهم كذلك. فإذا دبّ النزاع داخل هيكل المجتمع الإسلامي فلن يبقى من هذا الهيكل شيء. فعرب الجاهلية لم يكونوا قد انتهوا إن الذين هزموا بالأمس القريب في الخندق وسائر الحروب التي شنّوها على المسلمين وتلقّوا منهم صفعة مدوية فيها، لازالوا يتربصون صفعة مدوية فيها، لازالوا يتربصون بهم مستعدين للانقضاض

ص: 90


1- "عن عائشة أن النبي[صلّی الله علیه وآله وسلم] قال لها : يا عائشة ! لولا أن قومك [ حديث ] عهد بجاهلية لأمرت بالبيت فهدم فأدخلت فيه ما أخرج منه وألزقته بالأرض وجعلت له بابين باباً شرقياً وباباً غربياً فبلغت به أساس إبراهيم . " صحيح البخاري، ص321، کتاب الحج، باب فضل مكة وبنيانها، الحديث 1568 .

عليهم في أول فرصة خلافٍ يتسع بينهم فيملأون شوارع المدينة وأزقتها بالشغب والاضطرابات للإجهاز على دولتهم الفتية والقضاء على دينهم. لقد صبر الإمام علي علیه السلام لأنه وعى الأوضاع جيداً، وأدرك أن الجهاد ليس إلا أن يصبر 25 سنة حتى ينشأ جيل جديد يضم أمثال مالك الأشتر الذين سيسطرون الأمجاد في صفين والجمل وأشباههما . وأن الكفاح والنصر ليسا إلاّ تصفية الأمور وبلورة الحدود الفارقة بين الحق والباطل لكي يميز التاريخ كله الإسلام المحمدي من الإسلام الأموي.

إن الموقف الذي اتخذه الإمام علیه السلام من السقيفة هو الموقف الصحيح. وهو، وإن لم يُشهر سيفاً، فقد نجح في إظهار حق أهل البيت من خلال كلماته ومناظراته والتذكير المستمر بأقوال النبي صلّی الله علیه وآله وسلم .وهو ، في الوقت نفسه، جاهر بمعارضته لأهل السقيفة - كما يروي السنّة أنفسهم - بمقاطعتهم والامتناع عن مبايعتهم ستة أشهر.

لقد كان الموقف الذي اتخذه الإمام علي علیه السلام هو الموقف الصحيح المناسب، إلاّ أن أصحاب السقيفة كانوا قد عقدوا العزم على المضي فيما خططوا له ولم يتراجعوا قيد أنملة ؛ ومن أجل ذلك لم يتورعوا عن اللجوء إلى أقسى أشكال العنف للتخلص من معارضيهم، خاصةً أهل البيت علیهما السلام وعلى رأسهم أمير المؤمنين علیه السلام (1)، وبفضل السياسة الحكيمة التي انتهجها الإمام علي علیه السلام المتمثلة

ص: 91


1- كما أشرنا سابقاً، فإن واقعة كربلاء لم تكن إلا امتداداً لعنف حزب السقيفة. وهذا ما صرّح به عبد الرحمن بن عيسى بن حماد في الصفحة 143 من كتابه "الألفاظ القرآنية" بقوله : قيل لرجل من بني هاشم: متى قتل الحسين؟ قال: يوم السقيفة. " لقد خططوا للمضي في مشروعهم إلى حيث ورد على حد قولهم "فقال : لا قمت ولا قعدت فإنك ضعيف مهين بل أدعهم كلما طلع منهم طالع أخذته سيوف آل أبي سفيان. " يقول يزيد سأحرص على أن لا أترك لك قوة للقيام ولا للقعود، فأنت ضعيف عاجز وحقير مستضعف !! إن سياستنا تقوم على وضعكم تحت المراقبة فإذا كبر منكم أحد ضربنا عنقه . تاريخ دمشق الكبير ، ح 73، ص 119، شرح حال ريا حاضنة يزيد بن معاوية، الرقم 9678 . يقول ابن زياد: "فازحف إليهم يعني أهل بيت النبي صلّی الله علیه وآله وسلم] حتى تقتلهم وتمثل بهم فإنهم لذلك واله وسلم مستحقون." تاريخ الطبري، ج 3، ص 313، حوادث سنة 61 هجرية، ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث ؛ أنساب الأشراف، ج3، ص391، خروج الحسين بن علي إلى الكوفة ؛ الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، ج 2، ص88 ، ما جرى في كربلاء قبل الواقعة. ورد هذا التعبير في كربلاء قبل استشهاد الإمام الحسين غلیه السلام في الكتب الواردة من الكوفة وأماكن أخرى. يقول الإمام علي علیه السلام في خطبه إن بني أمية لا يحتملون وجود رجل واحد منا " والله لود معاوية أنه ما بقي من بني هاشم نافخ ضرمة إلا طعن في نيطه. " عيون الأخبار، ج 1 ، ص 276 ، كتاب الحرب، باب من أخبار [الشجعاء] والفرسان وأشعارهم ؛ مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج 3، ص 24 ، ذكر خلافة معاوية بن أبي سفيان ؛ بحار الأنوار، ج 21 ، ص 349 الباب ،32 الحديث 18 . بالمناسبة، فإن المكان الوحيد الذي يهتم الوهابيون بتجديد بنائه وإعماره سقيفة بني ساعدة لأنه لم يحضرها رجل من بني هاشم وكانت موجهة في الأصل ضد أهل البيت علیهما الاسلام . بالمقابل، تراهم يخترعون الذرائع لهدم آثار أهل البيت علیهماالسلام أينما وجدت. ولعل الأعجب أن اليهودي كعب بن الأشرف، الذي عُرف بشدته على الإسلام ونبيه وقد قتل بأمر النبي صلّی الله علیه وآله وسلم، لا زال قصره قائماً يشاهده آلاف الزوار كل سنة. في حين محيت آثار بيت الإمام الصادق علیه السلام وبيت الإمام الحسن المجتبى علیه السلام و آثار سائر أهل البيت علیهم السلام بالكامل.

بالمعارضة والتوعية أصبح بمقدور مخالفي السقيفة أن يعبّروا عن مخالفتهم للوضع السائد، وحُرم مخالفوه من ذريعة سفك دمه.

سأل رجل أمير المؤمنين علیه السلام: لو كان النبي أعقب ولداً ذكراً وبلغ سن الرشد فهل كانت العرب تسلمه أمورها ؟ فقال علیه السلام : كلا، لو كان له ولد ولم يفعل ما فعلت لقتلوه. إن العرب لم يحبوا محمداً [صلّی الله علیه وآله وسلم ] بل حسدوه على ما فضله الله به عليهم. وبالرغم مما أسداه لهم من كعروف فقد قذفوا زوجته وسعوا إلى قتله.

وفي حياة النبي تآمروا وتعاهدوا على أن لا يسمحوا بعد وفاته لأهل بيته بأن يتولوا أمر المسلمين(1)، ولولا أن اسم النبي كان وسيلتهم للعزة والسلطان لمحوا ذكره إلى الأبد. ولولاه لما عبدوا الله يوما (2). ثم فتح الله علينا. ولكنهم نسبوا الفتح إلى أنفسهم. ثم أخذوا يعيدون هذا

ص: 92


1- نحن على يقين بأن فكرة السقيفة لم تكن وليدة الساعة ولا بعيدة عن التخطيط المسبق. يروى عن الإمام الباقر علیه السلام أنه قال : "كنت دخلت مع أبي الكعبة فصلى على الرخامة الحمراء بين العمودين، فقال: في هذا الموضع تعاقد القوم إن مات رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلم] أو قتل ألاّ يردّوا هذا الأمر في أحد من أهل بيته أبداً. قال : قلت : ومن كان؟ قال : كان الأول والثاني وأبو عبيدة بن الجرّاح وسالم بن الحبيبة." الكافي، ج 4 ، ص 545 ، كتاب الحج، باب النوادر الحديث 28؛ بحار الأنوار، ج 28، ص 85 کتاب الفتن والمحن الباب الثالث الحديث الأول. فلا يظنّ بعض أن السقيفة حدثت بالصدفة!
2- روى الزبير بن بكار في الموفقيات وهو غير متهم على معاوية ولا منسوب إلى اعتقاد الشيعة لما هو معلوم من حاله من مجانبة علي [علیه السلام] والانحراف عنه، قال المطرف بن المغيرة بن شعبة : دخلت مع أبي على معاوية وكان أبي يأتيه فيتحدث معه ثم ينصرف إلي فيذكر معاوية وعقله ويُعجب بما يرى منه إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء ورأيته معتماً فانتظرته ساعة وظننت أنه لأمر حدث فينا فقلت : ما لي أراك مغتماً منذ الليلة ؟ فقال : يا بنيّ ! جئت من عند أكفر الناس وأخبثهم . قلت : وما ذاك؟ قال: قلت له وقد خلوت به: إنك قد بلغت سناً يا أمير المؤمنين ! فلو أظهرت عدلاً وبسطت خيراً، فإنك قد كبرت، ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم، فوالله ما عندهم اليوم شيءٌ تخافه وإن ذلك مما يبقى لك ذكره وثوابه. فقال: هيهات هيهات! أي ذكر أرجو بقاءه؟ ملك أخو تيم فعدل وفعل ما فعل فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره إلا أن يقول قائل أبو بكر . ثم ملك أخو عدي فاجتهد وشمر عشر سنين فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره إلا أن يقول قائل ،عمر، وإن ابن أبي كبشة ليصاح به كل يوم خمس مرات أشهد أن محمداً رسول الله. فأي عمل يبقى وأي ذكر يدوم بعد هذا لا أبا لك؟ لا والله إلا دفناً دفناً . " شرح نهج البلاغة ، ج 5، ص 129 - 130 ، أخبار متفرقة عن معاوية، ذي-ل الخطبة 60 ؛ مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج 4 ، ص 48 - 49 ، نداء المأمون في أمر معاوية وسببه.

الكلام ويكررونه حتى أقنعوا الناس بأن الناس على قسمين ؛ مثقفين ذوي دراية وسياسة، وأميين عديمي سياسة. وأوهموهم بأننا من القسم الثاني. وهكذا انصرف الناس عنا ولم نعد قادرين على نيل حقنا. أما الذين كانوا يعرفونني ويعرفون حقي فقد ماتوا، ونشأ جيل جديد لا عهد له بحقيقتي وحقي .

فلو كان للنبي ولد فما كان بمقدوره أن يفعل؟ ولا تظنوا أن النبي قرّبني بسبب قربي النسبي منه، بل لجهادي ونصيحتي ولو كان له ولد لفعل ما فعلت ولما اكترثوا لأمره [ فهل اكترثوا لأمر الزهراء علیها السلام كانوا ؟سيفعلون بابن رسول الله ما فعلوه بابنته ] إلهي ! إنك تعلم أني لا أبتغي السلطان والمال. كل ما أردته أن أحكم في عبادك بحكمك وأقيم حدودك. الإسلام هو كل ما يهمني. أردت أن أعطي الحق لأهله وأسير على نهج نبيك وأرشد الضالين إلى أنوار هدايتك(1).

ص: 93


1- "قال له قائل: يا أمير المؤمنين! أرأيت لو كان رسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلم ] ترك ولداً ذكراً قد بلغ الحلم وأنس منه الرشد، أكانت العرب تسلّم إليه أمرها ؟ قال [علیه السلام ]: لا بل كانت تقتله إن لم يفعل ما فعلت إن العرب كرهت أمر محمد [ صلّی الله علیه وآله وسلم] وحسدته على ما آتاه الله من فضله واستطالت أيامه حتى قذفت زوجته و نفرت به ناقته مع عظيم إحسانه إليها وجسيم مننه عندها، وأجمعت مذ كان حياً على صرف الأمر عن أهل بيته بعد موته. ولولا أن قريشاً جعلت اسمه ذريعة إلى الرياسة وسلّماً إلى العزّ والإمرة لما عبدت الله من بعد موته يوماً واحداً ولارتدت في حافرتها وعاد قارحها جذعاً وبازلها بكراً. ثم فتح الله عليها الفتوح فأثرت بعد الفاقة وتمولت بعد الجهد والمخمصة، فحسن في عيونها من الإسلام ما كان سمجاً وثبت في قلوب كثير منها من الدين ما كان مضطرباً وقالت: لولا أنه حق لما كان كذا. ثم نسبت تلك الفتوح إلى آراء ولاتها وحسن تدبير الأمراء القائمين بها، فتأكد عند الناس نباهة قوم وخمول آخرين، فكنا نحن ممن خمل ذك-ره وخبت ناره وانقطع صوته وصيته حتى أكل الدهر علينا وشرب ومضت السنون والأحقاب بما فيها ومات كثير مما يعرف ونشأ كثير ممن لا يعرف وما عسى أن يكون الولد لو كان إن رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلم] لم يقرّبني بما تعلمونه من القرب للنسب واللحمة، بل للجهاد والنصيحة. أفتراه لو كان له ولد هل كان يفعل ما فعلت ! وكذلك لم يكن يقرب ما قربت ثم لم يكن عند قريش والعرب سبباً للحظوة والمنزلة بل للحرمان والجفوة. اللهم إنك تعلم إني لم أرد الإمرة ولا علوّ الملك والرياسة، وإنما أردت القيام بحدودك والأداء لشريعك ووضع الأمور في مواضعها وتوفير الحقوق على أهلها والمضي على منهاج نبيك وإرشاد الضال إلى أنوار هدايتك . " شرح نهج البلاغة، ج 20، ص 298 - 299 ، الحكم المنسوبة إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، الرقم 414.

بهذه السياسة رفع الإمام علیه السلام مستوى الوعي لدى الناس واستدرجهم إلى ساحة المعارضة. وسيأتي في المباحث القادمة أنه في موقف واحد احتج اثنا عشر من كبار الصحابة احتجاجاً شديداً حتى كاد يتطور الموقف إلى اشتباك بالأيدي لولا أن هدأهم أمير المؤمنين علیه السلام .

معارضة السيدة فاطمة علیها السلام واحتجاجها :

عندما يصل الذهبي، وهو من الشخصيات السنية بالغة التعصب (1)التي لا تتورع في التلاعب بالحقائق بتراً وقصّاً، إلى حادثة الهجوم على بيت الزهراء علیها السلام وما تلاها من أحداث، يقول في منتهى الخبث في سير أعلام النبلاء": يقول الشعبي: لما مرضت فاطمة استأذن عليها

ص: 94


1- إنه يخصص 16 صفحة فقط من كتابه للحديث عن فاطمة الزهراء علیها السلام، في حين يخصص لعائشة 66 صفحة. فيقول عن الزهراء علیها السلام : روايات الزهراء [علیها السلام] بلغت 18 لم يرو البخاري ومسلم إلا واحدة منها ! سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 134، شرح حال فاطمة بنت رسول الله، الرقم 18 . وهو نفسه يقول عن عائشة : لعائشة 2210 أحاديث سير أعلام النبلاء، ج 2، ص139، شرح حال ! عائشة، الرقم 19 . وحسب ما ينقله أهل السنة فإن عائشة ولدت في السنة الخامسة من البعثة النبوية وعاشت مع النبي صلى الله عليه وآله 9 سنوات فقط وكانت واحدة من تسع زوجات له. أما الزهراء علیها السلام فكان لها من العمر حين استشهدت ثماني وعشرين سنة عاشت مع النبي صلى الله عليه وآله منها سبعا عشرين سنة . سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 121 ، شرح حال فاطمة بنت محمد [ صلى الله عليه وآله] ، الرقم 18. فمن جانب كان بيت فاطمة علیها السلام المجاوراً لبيت النبي صلى الله عليه وآله بل إن بيتها مع علي علیه السلام كان بيت النبي صلى الله عليه وآله نفسه. فكيف يمكن أن يكون النبي صلى الله عليه وآله يحدثها إلا بحديث واحد؟ أليس هذا الكلام انقلاباً على أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله ؟ يقول الذهبي في شرح حال رجل يسمى ابن أبي دارم "الإمام الحافظ الفاضل أبو بكر أحمد بن محمد السري بن يحيى بن السري بن أبي دارم التميمي الكوفي الشيعي محدث الكوفة ... كان موصوفاً بالحفظ والمعرفة إلا أنه يترفض، قد ألف في الحطّ على بعض الصحابة، وهو مع ذلك ليس بثقة في النقل... قال محمد بن حماد الحافظ : كان مستقيم الأمر عامة دهره، ثم في آخر أيامه كان أكثر ما يُقرأ عليه المثالب حضرته ورجل يقرأ عليه أن عمر رفس فاطمة حتى أسقطت محسنا . " سير أعلام النبلاء، ج 15 ، ص 577 - 578 ، شرح حال ابن أبي دارم، الرقم 349. هذا الرجل المعروف صاحب كرسي الدرس الذي يصفونه بالذكاء ويقولون إنه كان إماماً حافظاً فاضلاً، يدمغونه بختم البطلان وعدم الوثاقة لمجرد أنه رافضي وأنه قال شيئاً في ذم بعض الصحابة، الأمر الذي أثار حفيظتهم.

أبو بكر فقال [ علي علیه السلام ] لها : يا فاطمة إن أبا بكر يريد لقاءك فهل تأذنين له ؟ فقالت فاطمة : وماذا تقول أنت ؟ هل تحب أن آذن له؟ فقال: نعم.

دخل أبو بكر على فاطمة ليترضّاها ويعتذر منها فقال : والله لم أترك الدار والأهل إلا ابتغاء مرضات الله ورسوله ومرضاتكم أهل البيت. ثم ألحّ عليها حتى رضيت(1).

ويوضح الذهبي قائلا : لقد عملت فاطمة بسنة النبي [صلى الله عليه وآله وسلم ] الأن دخول لأجنبي على المرأة لا يجوز إلا بإذن زوجها. لذا حولت فاطمة الزهراء إذن الدخول على زوجها، وهو الصحيح(2).

والبيهقي كذلك ينقل هذه الحادثة ويقول حسن بإسناد صحيح. وينقلها أيضا العيني شارح البخاري وابن كثير كذلك ويقوّيانها ويقولان قوي جيد (3).

سؤال موجّه إلى الذهبي:

يا ذهبي عن أي ذنب اعتذر أبو بكر؟

ص: 95


1- روى إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي، قال: لما مرضت فاطمة أتاها أبوبكر فاستأذن فقال علي : يا فاطمة هذا أبوبكر يستأذن عليك. فقالت: أتحب أن أذن له ؟ قال : نعم . قال : فأذنت له فدخل عليها يترضاها وقال: والله ما تركت الدار والمال والأهل والعشيرة إلا ابتغاء مرضات الله ورسوله ومرضاتكم أهل البيت . ثم ترضاها حتى رضيت . " سير أعلام النبلاء، ج 2، ص121، شرح حال فاطمة بنت رسول الله، الرقم 18 .
2- "قلت: عملت السنة . فلم تأذن في بيت زوجها إلا بأمره. " سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 121، شرح حال فاطمة بنت رسول الله، الرقم 18 .
3- " لما مرضت فاطمة علیها السلام أتاها أبوبكر الصديق فاستأذن عليها فقال علي رضي عنه: يا فاطمة هذا أبوبكر يستأذن عليك. فقالت : أتحب أن آذن له؟ قال: نعم. فأذنت له فدخل عليها يترضاها فقال: والله ما تركت الدار والمال والأهل ولا عشيرة] إلا ابتغاء مرضات الله ومرضات رسوله ومرضاتكم أهل البيت. ثم ترضاها حتى رضيت . هذا مرسل حسن بإسناد صحيح. " السنن الكبرى، ج 9، ص 436 - 437 ، كتاب قسم الفيء والغنيمة باب بيان مصرف أربعة أخماس الفيء بعد رسول الله [ صلى الله عليه وآله] ، الحديث 13005 . "هذا قوي جيد والظاهر أن الشعبي سمعه من علي رضي الله تعالى عنه أو ممن سمعه من علي . " عمدة القاري، ج 15، ص 20، کتاب الخمس، باب فرض الخمس، شرح الحديث الثاني . "هذا إسناد جيد قوي . " البداية والنهاية، ج 5، ص 252 - 253 ، حوادث سنة 11 هجرية، بيان رواية الجماعة لما رواه الصديق وموافقتهم على ذلك.

بدلاً من أن تجيب على هذا السؤال، ها أنت تسعى لتلميع صورة القضية وتتخذ هيأة التقى وأنت توضّح قائلاً إن استئذان فاطمة زوجها كان عملاً بالسنّة يا للعجب! هل إن مجيء رئيس النظام ونتاج السقيفة إلى بيت فاطمة ووقوفه عند بابها كان من أجل عيادتها، أم كان مشروعاً آخر؟ تقول إن أبابكر دخل على فاطمة الزهراء وأخذ يلح في استرضائها حتى رضيت.

حسن، فما المستفاد من هذا الموقف؟ ما الذنب الكبير الذي كان أبوبكر ارتكبه حتى يلح كل هذا الإلحاح لاسترضائها واستعفائها منه؟ أنت تقول «لمّا توفي أبوها تعلقت آمالها بميراثه »(1) أفليس هذا تقزياً لشخصية عظيمة كالزهراء علیها السلام من أجل التقليل من شأن الذنب الذي ارتكبه الآخرون؟ أليست فاطمة التي كانت تبكي أباها بعد وفاته وتقول: رفعت قوتي وخانني جلدي وشمت بي عدوي، والكمد قاتلي يا أبتاه! بقيت والهة وحيدة وحيرانة فريدة فقد انخمد صوتي وانقطع ظهري وتنغص عيشي وتكدّر دهري فما أجد يا أبتاه بعدك أنيساً لوحشتي ولا رادّاً لدمعتي ولا معيناً لضعفي.؟ (2).

أولستَ تقول : لما توفي النبي [صلى الله عليه وآله] حزنت عليه وبكته وقالت: «يا أبتاه! إلى جبريل ننعاه. يا أبتاه! أجاب رباً دعاه . يا أبتاه! جنة الفردوس مأواه» ؟(3).

أليس يقول الذهبي إن فاطمة أذابها حزنها على أبيها؟(4).

ص: 96


1- "لما توفي أبوها تعلقت آمالها بميراثه وجاءت تطلب ذلك من أبي بكر . "سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 120، شرح حال فاطمة بنت محمد [صلى الله عليه وآله]، الرقم 18 .
2- "رفعت قوتي وخانني جلدي وشمت بي عدوي والكمد قاتلي يا أبتاه! بقيت والهة وحيدة وحيرانة فريدة فقد انخمد صوتي وانقطع ظهري وتنغص عيشي وتكدر دهري فما أجد يا أبتاه بعدك أنيساً لوحشتي ولا راداً لدمعتي ولا معيناً لضعفي. " بحار الأنوار، ج 43، ص 175 - 176 ، الباب السابع، ما وقع عليها من الظلم الحديث 15 .
3- "لما توفي النبى [صلى الله عليه وآله ] حزنت عليه وبكته وقالت يا أبتاه إلى جبريل ننعاه يا أبتاه أجاب رباً دعاه يا أبتاه! جنة الفردوس مأواه. "؟ سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 120 ، شرح حال فاطمة بنت رسول الله، الرقم 18؛ صحيح البخاري، ص898، كتاب المغازي، باب مرض النبي [ صلى الله عليه وآله] ووفاته، الحديث 4462 ؛ الطبقات الكبرى، ج 2، ص311، ذكر الحزن على رسول الله [ صلى الله عليه وآله] ومن ندبه وبکی عليه.
4- وقال يزيد بن أبي زياد عن عبدالله بن الحارث قال : مكثت فاطمة بعد رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم] ستة أشهر وهي تذوب. " سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 128 ، شرح حال فاطمة بنت رسول الله، الرقم 18 .

فهل يجوز على فاطمة، وهي ما هي عليه من الذوبان في حب أبيها والحزن على فراقه أن تتعلق آمالها بماله و ميراثه؟

أنت تقول إن فاطمة قالت: والله [ يا علي] إني مقبوضة الساعة وقد اغتسلتُ فلا يكشفنّ لي أحد كنفاً [ ولا يروا لي كتفاً](1).

أنت تنقل أن فاطمة دفنت ليلاً. فهل فاطمة هذه تعلق آمالها بإرث أبيها؟

وفيما يخص مواقف الزهراء علیها السلام ينقل الذهبي وابن سعد وسائر مؤرخي السنة عن الشعبي وغيره روايات أخرى نشير إلى بعضها رغم تعرضها للحذف والرقابة. يقول الشعبي: «جاء أبو بكر إلى فاطمة حين مرضت فاستأذن فأذنت له فاعتذر إليها وكلمها فرضیت عنه ». (2).

ويروي الجزري الشافعي عن فاطمة وسكينة بنتي الإمام الحسين علیه السلام ما يدل بوضوح على معارضة فاطمة الزهراء علیها السلام للسقيفة. يقول الجزري إن فاطمة [علیها السلام] قالت معترضة :

أنسيتم قول رسول الله [صلی الله علیه وآله] يوم غدير خم من كنت مولاه فعلي مولاه وقوله :[ صلى الله عليه وآله]: أنت مني بمنزلة هارون من موسى؟(3).

ص: 97


1- روى إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق عن علي بن فلان بن أبي رافع عن أبيه عن سلمى قالت :مرضت فاطمة... إلى أن قالت: اضطجعت على فراشها واستقبلت القبلة ثم قالت: والله إني مقبوضة الساعة وقد اغتسلت فلا يكشفن لي أحد كنفاً، فماتت وجاء على فأخبرته فدفنها بغسلها ذلك . " سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 129، شرح حال فاطمة بنت رسول الله، الرقم 18 . وذكر ابن سعد "كتفاً" بدل "كنفاً": "مرضت فاطمة ... فجاء علي فأخبرته فقال : لا والله لا يكشف لها أحد كتفاً. " الطبقات الكبرى، ج 8، ص27، ذكر بنات رسول الله [ صلى الله عليه وآله] ، شرح حال فاطمة ؛ مسند أحمد، ج 6، ص 461 ، حديث أم سلمى ؛ تاريخ المدينة المنورة، ج 1، ص108 - 109، أول من حمل من الأموات على نعش فاطمة .
2- سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 129 ، شرح حال فاطمة بنت رسول الله، الرقم ،18 ؛ الطبقات الكبرى، ج 8، ص 27 ، ذكر بنات رسول الله [صلی الله علیه وآله] ، شرح حال فاطمة.
3- " حدثتني فاطمة وسكينة ابنتا الحسين بن علي عن أم كلثوم بنت فاطمة بنت النبي [صلی الله علیه وآله] عن فاطمة بنت رسول الله [صلی الله علیه وآله ] قالت: أنسيتم قول رسول الله [صلی الله علیه وآله] يوم غدير خم من كنت مولاه فعلي مولاه وقوله[صلی الله علیه وآله] : أنت مني بمنزلة هارون من موسى؟ " أسنى المطالب في مناقب سيدنا علي بن أبي طالب، ص 50 .

ويصرح بعضهم كالغزالي بوضوح بأن فاطمة الزهراء علیها السلام كانت من مخالفي السقيفة ومن الذين لم يبايعوا أبا بكر " (1)

أما ابن قتيبة الدينوري فيقول : قال عمر لأبي بكر : لنذهب إلى فاطمة فقد أغضبناها. فذهبا إلى بيتها واستأذنا في الدخول عليها فلم تأذن لهما ؛ فتوسلا بعلي [علیه السلام] فأذنت لهما بالدخول.

ولما دخلا على فاطمة سلما عليها فأدارت وجهها عنهما نحو الجدار ولم تردّ علیهما السلام . فقال أبوبكر:

«يا حبيبة رسول الله والله إن أهل بيت النبي أحب إلي من أهلي وإنك أحب إلي من ابنتي عائشة. وحين مات أبوك وددت لو أني مت بدلا عنه ولم أعش بعده فهل تظنين أني أحرمك من ميراث أبيك ومن حقك مع معرفتي بك وبفضلك وشرفك ؟ إني لم أفعل ذلك لولا أني سمعت من أبيك «لا نورث وما تركناه صدقة »» .

فقالت فاطمة [علیها السلام]: إني أسألك فأجبني ثم أرى إن كنت أرغب في الكلام معكما. فقال: تفضلي. فقالت: أنشدك الله ألم تسمع من أبي «رضا فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني»؟ قال: نعم سمعت ذلك من رسول الله . قالت: إني أشهد الله وملائكته أنكما آذيتماني ولم ترضياني وسأشكوكما إلى رسول الله. قال أبوبكر : يا فاطمة إني أعوذ بالله من سخطه وسخطك . فقالت فاطمة [علیها السلام ]: «والله لأدعون الله عليك في كل صلاة أصليها» فبكى أبوبكر حتى كادت روحه أن تزهق (2).

ص: 98


1- فإن العباس وأولاده وعلياً وزوجته وأولاده لم يحضر وا حلقة البيعة وخالفكم أصحاب السقيفة في متابعة الخزرجي . " مجموعة رسائل الإمام الغزالي / سر العالمين وكشف ما في الدارين، ص 483 ، باب في ترتيب الخلافة والمملكة.
2- " فقال عمر لأبي بكر : إنطلق بنا إلى فاطمة فإنا قد أغضبناها. فانطلقا جميعا فاستأذنا على فاطمة فلم تأذن لهما فأتيا علياً فكلماه فأدخلهما عليها فلما قعدا عندها حولت وجهها إلى الحائط فسلم عليها فلم تردّ علیهما السلام فتكلم أبوبكر فقال : يا حبيبة رسول الله والله إن قرابة رسول الله أحب إلي من قرابتي وإنك لأحب إلي من عائشة ابنتي ولوددت يوم مات أبوك أني مت ولا أبقى بعده، أفتراني أعرفك وأعرف فضلك وشرفك وأمنعك حقك وميراثك من رسول الله ؟ إلا أني سمعت أباك رسول الله [صلی الله علیه وآله] يقول : لا نورث ما تركناه فهو صدقة. فقالت: أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول الله [صلی الله علیه وآله] تعرفانه و تفعلان به؟ قالا : نعم. فقالت : نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله یقول :رضا فاطمه من رضاي وسخط فاطمة سخطي فمن احب فاطمة ابتني فقد احبني من ومن أرضى فاطمة فقدأرضاني ومن لءن لقیت النبي لا شکونکما الیه.فقال ابوبکر :أنا عاءز باالله تعالی من سخطه وسخطک یا فاطمه يوم غدير خم من كنت مولاه فعلي مولاه وقوله[صلی الله علیه وآله] : أنت مني بمنزلة هارون من موسى؟ " أسنى المطالب في مناقب سي] تعرفانه و تفعلان به؟ قالا : نعم. فقالت : نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله يقول : رضا فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني ومن أرضی فاطمه فقد أرضانى ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني ؟ قالا : نعم سمعناه من رسول الله [صلی الله علیه وآله] . قالت فإني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه . فقال أبوبكر : أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة. ثم انتحب أبوبكر يبكي حتى كادت نفسه أن تزهق وهي تقول : والله لأدعون الله عليك في كل صلاة أصليها ... " الإمامة والسياسة، ج 1، ص 13 - 14 ، كيف كانت بيعة علي بن أبي طالب. ويروي البلاذري أيضاً دعاء الزهراء على أبي يكر: "قالت: والله لا أكلمك قال والله لا أهجرك قالت والله لأدعون الله عليك . قال : لأدعون الله لك . " أنساب الأشراف، ج 10، ص79، وفاة أبي بكر.

ويقول اليعقوبي: بلغ أبابكر وعمر أن جماعة من الأنصار والمهاجرين يجتمعون في بيت فاطمة علیها السلام فهجم أبوبكر وعمر مع جماعة على البيت فخرج علي ] ممتشقا سيفه فاشتبك مع عمر فكسروا سيفه ودخلوا البيت فصاحت الزهراء [علیها السلام] : والله لئن لم تخرجوا من بيتي لأدعون عليكم. (1)ورد في معاني الأخبار للشيخ الصدوق وأمالي الشيخ الطوسي واحتجاج الطبرسي وبحار الأنوار للعلامة المجلسي (وهي كتب مهمة لدى الشيعة) وكتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد وهو من السنة، روايات عن زيارة نساء المدينة للسيدة الزهراء علیها السلام وعتابها الشديد لرجالهم نقلاً عن أبي بكر الجوهري، على النحو التالي(2):

ص: 99


1- " وبلغ أبابكر وعمر أن جماعة من المهاجرين والأنصار قد اجتمعوا مع علي بن أبي طالب في منزل فاطمة بنت رسول الله فأتوا في جماعة حتى هجموا الدار وخرج علي ومعه السيف فلقيه عمر فصارعه عمر فصرعه وكسر سيفه ودخلوا الدار فخرجت فاطمة فقالت : والله لتخرجن أو لأكشفن شعري ولأعجن إلى الله ! فخرجوا وخرج من كان في الدار واقام القوم أياماً . " تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 126، خبر سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر.
2- راوي هذه الحادثة في معاني الأخبار للشيخ الصدوق وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد هو عبد الله بن [حسن] رواها عن أمه فاطمة بنت الإمام الحسين علیه السلام . أما الطبرسي في احتجاجه فيرويها عن سويد بن غفلة. ويرويها الطوسي في أماليه عن ابن عباس.

عندما اشتد المرض على السيدة الزهراء علیها السلام في الأيام الأخيرة من عمرها الشريف زارها نساء المهاجرين والأنصار ليتفقدوا أحوالها فقالت علیها السلام :

إني قالية لدنياكم وساخطة على رجالكم وقد يئست منهم ومن خيرهم بعد أن خبرتهم. ما أقبح أن ينبو الحسام وينصدع الرمح إن آراءهم فاسدة، وإلا لما تركوا علياً. وبئس ما شروا به أنفسهم من غضب الله . وعليهم تقع مسؤولية العواقب الوخيمة لما فعلوا. الويل لهم كيف أزاحوا

الخلافة عن أساسها المتين وهو أساس النبوة ومهبط الروح الأمين وهو العالم بأمر الدنيا!؟ اعلموا أن ما فعلوه هو الخسران المبين . وما الذي نقموه من علي [علیه السلام] ؟ والله لم ينقموا منه إلاّ ضربات سيفه في سوح الوغى، وثباته في القتال وغضبه الله.

والله لو أنهم ساروا معه على منهاج رسول الله ولم يجردوه من زمام الخلافة الذي وضعه النبي بيده لقاد المسلمين من غير أن يصدعها(1)، [أفضل القادة أولئك الذين لا يشعر من معهم بالخوف]. ولو أنكم أسلمتم الأمر إلى علي لما اضطرب الأمر على أحد منكم. ولأوردكم النبع الصافي وأذهب عنكم الظمأ والجوع ولأرواكم من مائه العذب الزلال. وما كان علي ليستأثر بالدنيا دونكم ولما أخذ أكثر مما يأخذ الظمآن من الماء. ولكان ميّز لكم الزاهد من غير الزاهد والصادق من الكاذب.

{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }(2)، فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ }(3)[ لو أنهم أطاعوا ولاة أمرهم المرضيين من أهل السماء لفتحت السماء أبواب بركاتها ولأخرجت الأرض خيراتها لهم].

ص: 100


1- الزهراء علیه السلام تشبّه الخلافة بالناقة وسياسة الإمام لها بالإمساك بزمامها فتقول إنه لو كان الزمام بيد الإمام علیه السلام لقادها بنجاح من غير أن يجرحها، لأن المعروف أن الناقة إذا جُرّ زمامها يُجرح أنفها ويسيل منه الدم.
2- الأعراف الآية 96 .
3- الزمر، الآية 51 .

ما عشت أراك الدهر عجباً. فلمن أسلمتم قياد أمركم؟ وعلى من اعتمدتم؟ وبحبل من تمسكتم تركتم الروّاد العلماء وانحزتم إلى أضدادهم. إن الذين فعلوا ذلك وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، ستمرغ أنوفهم بالتراب. يقولون أنهم يريدون الإصلاح وقيادة الأمة {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ } (1)ويحهم {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } (2)؟. والله، إن ناقة الخلافة حبلى، ولو صبرتم قليلاً فستلد وسيحلبونها ولكنه سيكون عليهم موتاً زؤاماً و {هنالك يخسر المبطلون} وسيدفع اللاحقون ثمن أخطاء السابقين. فاستعدوا لأن تكونوا حطباً لنيران الفتن من أجلهم. وستعم الفوضى بلادكم ويقتل بعضكم بعضاً. وسيتسلط عليكم الظلمة. ولن يعطوكم شيئاً بل سيأخذون كل شيء باسمكم ويحصدون ما زرعتم إنكم تظنون أني أقول هذا من أجل فدك وحرصاً على الدنيا. لا والله، بل إني أشفق عليكم لأني أعلم ما ستلقونه غداً. فيا حسرة لكم وأنّى بكم وقد عميت عليكم {أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ } ؟

نقل نساء المدينة كلام الزهراء علیها السلام إلى الرجال. فجاء جماعة من المهاجرين والأنصار إليها يعتذرون عن موقفهم وقالوا: لو كان أبوالحسن قال لنا هذا لا تبعناه ولم نبايع سواه. فقالت علیهما السلام لهم انصرفوا عني فلا عذر مقبولاً لكم ولا كلام لي معكم بعد تقصيركم وتعذيركم"(3).

ص: 101


1- البقرة آية 12 .
2- يونس، الآية 35
3- " وقال سويد بن غفلة : لما مرضت فاطمة [علیها السلام] المرضة التي توفيت فيها دخلت عليها نساء المهاجرين والأنصار يعدنها، فقلن لها : كيف أصبحت من علتك يا بنت رسول الله؟ فحمدت الله وصلت على أبيها ثم قالت : أصبحت والله عائفة لدنياكن قالية لرجالكن لفظتهم بعد أن عجمتهم، وسئمتهم بعد أن سبرتهم، فقبحا لفلول الحد واللعب بعد الجد وقرع الصفات وصدع القناة وختل الآراء وزلل الأهواء، وبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون لاجرم لقد قلدتهم ربقتها وحملتهم أوقتها وشننت عليهم غاراتها فجدعاً وعقراً وبعداً للقوم الظالمين. ويحهم أنى زعزعوها عن رواسى الرسالة وقواعد النبوة والدلالة ومهبط الروح الأمين والطبين بأمور الدنيا والدين ؟! ألا ذلك هو الخسران المبين. وما الذي نقموا من أبي الحسن؟ نقموا والله منه نكير سيفه وقلة مبالاته لحتفه وشدة وطأته ونكال وقعته وتنمره في ذات الله. وتالله لو مالوا عن المحجة اللائحة وزالوا عن قبول الحجة الواضحة لردهم إليها وحملهم عليها ولسار بهم سيراً سجحاً لا يكلم حشاشه ولا يكل سائره ولا يمل راكبه. ولأوردهم منهلاً نميراً صافياً روياً، تطفح ضفتاه ولا يترنق جانباه، ولأصدرهم بطاناً ونصح لهم سراً وإعلاناً، ولم يكن يتحلى من الدنيا بطائل ولا يحظى منها بنائل غير ري الناهل وشبعة الكافل ولبان لهم الزاهد من الراغب والصادق من الكاذب ((ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذَّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون)) . فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وماهم بمعجزين)) ألا هلمّ فاسمع ! وما عشت أراك الدهر عجبا. وإن تعجب فعجب قولهم ليت شعري إلى أي أسناد استندوا؟ وإلى أي عماد اعتمدوا ؟ وبأي عروة تمسكوا؟ وعلى أية ذرية أقدموا واحتنكوا؟ ((لبئس المولى ولبئس العشير)) و ((بئس للظالمين بدلا)). استبدلوا والله الذنابى بالقوادم والعجز بالكاهل فرغماً لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ) ( ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون)). ويحهم ((أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدّي إلا أن يُهدى فمالكم كيف تحكمون))؟! أما لعمري لقد لقحت، فنظرة ريثما تنتج، ثم احتلبوا ملء القعب دماً عبيطاً وزعافاً مريداً ، ((هنالك يخسر المبطلون ))ويعرف البطالون غبّ ما أسس الأولون. ثم طيبوا عن دنياكم أنفساً واطمئنوا للفتنة جأشاً وأبشروا بسيف صارم وسطوة معتد غاشم وبهرج شامل واستبداد من الظالمين يدع فيأكم زهيداً وجمعكم حصيداً. فيا حسرة لكم وأنى بكم وقد عميت عليكم ((أنلز مكموها وأنتم لها كارهون؟)) قال سويد بن غفلة: فأعادت النساء قولها [علیهما السلام ] على رجالهن فجاء إليها قوم من المهاجرين والأنصار [متعذرين] وقالوا: يا سيدة النساء لو كان أبو الحسن ذكر لنا هذا الأمر قبل أن يبرم العهد ويحكم العقد لما عدلنا عنه إلى غيره. فقالت[علیهما السلام ]: إليكم عني فلا عذر بعد تعذيركم ولا أمر بعد تقصيركم. " الاحتجاج على أهل اللجاج، ج 1، ص 146 - 149 ، خطبة الزهراء علیها السلام في مرضها الذي توفيت فيه ؛ معاني الأخبار، 354 - 355، باب معاني قول فاطمة الزهراء علیها السلام النساء المهاجرين والأنصار في علتها ؛ شرح نهج البلاغة، ج 16 ، ص 233 – 234 ، ذكر ما ورد من السير والأخبار في أمر فدك ذيل الرسالة 45 ؛ الأمالي، ص 374 - 375 ، المجلس الثالث عشر الحديث 804/55؛ بحار الأنوار، ج 43 ، ص 158 - 162 ، الباب السابع في ما وقع عليها من الظلم...، الحديث 8 و 9 و 10.
جواب عن إشكال:

يُشكل بعضُ على رواية الطبرسي في الاحتجاج ويضعفها. ولو افترضنا جدلاً ضعف سند هذه الرواية، وغضضنا الطرف عن قوة متنها، وأغفلنا سند الشيخ الصدوق وابن أبي الحديد عن فاطمة بنت الإمام الحسين وسند الشيخ الطوسي عن ابن عباس، فإن هناك رواية أخرى مروية عن الحفيد السادس أو السابع لأمير المؤمنين علیه السلام عن عمر بن علي عن الإمام علي علیه السلام نفسه أنه قال: دعتني السيدة الزهراء علیها السلام في الليلة التي توفيت فيها وقالت لي وصية فهل تنجزها لي؟

فقلت: نعم. قالت: ادفنّي ليلاً ولا تُخبر ذينك الرجلين! ثم ينقل حادثة زيارة نساء المدينة(1).

ص: 102


1- وحدثنا بهذا الحديث أبو الحسن علي بن محمد بن الحسن المعروف بابن مقبرة القزويني، قال: أخبرنا أبو عبدالله جعفر بن محمد بن حسن بن جعفر بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب[علیه السلام ] ، قال : حدّثني محمد بن علي الهاشمي، قال: حدّثنا عيسى بن عبدالله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب [علیه السلام]، قال : حدثني أبي عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب [علیه السلام]، قال : لمّا حضرت فاطمة [علیها السلام]الوفاة دعتني فقالت : أمنفذ أنت وصيتي وعهدي؟ قال : قلت : بلى أنفذها. فأوصت إليّ وقالت: إذا أنا مت فادفني ليلاً ولا تؤذننّ رجلين ذكرتهما . قال : فلما اشتدت علتها اجتمع إليها نساء المهاجرين والأنصار فقلن : كيف أصبحت يا بنت رسول الله من علتك ؟ فقالت : أصبحت والله عائفة لدنياكم، وذكر الحديث نحوه. " معاني الأخبار، ص 355 - 356 ، باب معاني قول فاطمة [علیها السلام] لنساء المهاجرين والأنصار في علتها، الحديث الأول.

ثانياً : يصرّح المرحوم المجلسي بأن العلماء يولون هذه الرواية أهمية بالغة(1).

معارضة الإمام الحسن والإمام الحسين علیهما السلام :

يقول محب الدين الطبري والغزالي إن الإمام علياً علیه السلام وابنيه (الإمام الحسن والإمام الحسين علیهما السلام ) امتنعوا من بيعة أبي بكر (2).

ويقول ابن عساكر والبلاذري إن أبا بكر كان يوماً على المنبر خاطباً وإذا ب-[الإمام]

الحسن [علیه السلام]يصعد المنبر ويقول له: انزل عن منبر أبي!

قال [الإمام ]علي [علیه السلام]: لم أكن قلت له شيئاً(3).

ويضيف ابن أبي الحديد أن أبابكر صدّقه وقال: نعم إنه منبر أبيك لا أبي. ثم أرسل [الإمام] علي [علیه السلام] أرسل إلى أبي بكر رسالة: إني لم آمره بذلك. قال أبوبكر : أعلم أنا لا أتهمك(4).

ص: 103


1- "وإنما أوردتها مكررة للاختلاف الكثير بين رواياتها وشدة الاعتناء بشأنها . " بحار الأنوار، ج 43 ، ص 162 ، الباب السابع: ما وقع عليها من الظلم.... الحديث الثاني.
2- " وتخلف عن بيعة أبي بكر يومئذ سعد بن عبادة في طائفة من الخزرج وعلي بن أبي طالب وابناه والعباس عم رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلم] وبنوه في بني هاشم والزبير وطلحة وسلمان وعمار وأبوذر والمقداد وغيرهم من المهاجرين وخالد بن سعيد بن العاص . " الرياض النضرة في مناقب العشرة، ج 1 ، ص 241 ، ذكر بيعة العامة. فإن العباس وأولاده وعلياً وزوجته وأولاده لم يحضروا حلقة البيعة وخالفكم أصحاب السقيفة في متابعة الخزرجي . " مجموعة رسائل الإمام الغزالي / سر العالمينوكشف ما في الدارين، ص 483 ، باب في ترتيب الخلافة والمملكة.
3- "عن عروة أن أبا بكر خطب يوماً فجاء الحسن فصعد إليه المنبر فقال : انزل عن منبر أبي . فقال علي: إن هذا لشيء من غير [ملا] منا." تاريخ دمشق الكبير، ج 32، ص 202، شرح حال أبي بكر ؛ أنساب الأشراف، ج 3، ص278، أمر الحسن بن علي.
4- قال أبوبكر: وأخبرنا أبوزيد عمر بن شبة عن رجاله عن الشعبي قال: قام الحسن بن علي [علیه السلام] إلى أبي بكر وهو يخطب على المنبر فقال له: انزل عن منبر أبي . فقال أبوبكر : صدقت والله إنه لمنبر أبيك لا منبر أبي . فبعث علي إلى أبي بكر إنه غلام حدث وإنا لم نأمره. فقال أبوبكر : صدقت، إنا لم نتهمك. " شرح نهج البلاغة، ج 6 ، ص 42 - 43 ، أمر المهاجرين والأنصار بعد بيعة أبي بكر، ذيل الخطبة 66 .

وكتب الحسن إلى معاوية مع جندب بن عبدالله الأزدي: بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الله الحسن أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان. سلام عليك فإني أحمد الله الذي لا إله إلاّ هو أما بعد .... فلما توفي صلى الله عليه وعلى آله تنازعت سلطانه العرب فقالت قريش نحن قبيلته وأسرته وأولياؤه ولا يحل لكم أن تنازعونا سلطان محمد في الناس وحقه فرأت العرب أن القول كما قالت قريش وأن الحجة لهم في ذلك على من نازعهم أمر محمد صلّی الله علیه وآله وسلم فأنعمت لهم العرب وسلمت ذلك ثم حاججنا نحن قريشاً بمثل ما حاجت به العرب فلم تنصفنا قريش إنصاف العرب لها . إنهم أخذوا هذا الأمر دون العرب بالانتصاف والاحتجاج. فلما صرنا أهل بيت محمد وأوليائه (هكذا)

إلى محاجتهم وطلب النصف منهم باعدونا واستولوا بالاجتماع على ظلمنا ومراغمتنا والعنت منهم لنا فالموعد الله وهو الولي النصير. وقد تعجبنا لتوثب المتوثبين علينا في حقنا وسلطان نبينا وإن كانوا ذوي فضيلة وسابقة في الإسلام فأمسكنا عن منازعتهم مخافة على الدين أن يجد المنافقون والأحزاب بذلك مغمزاً يثلمونه به أو يكون لهم بذلك سبباً لما أرادوا به من فساده(1) .

ص: 104


1- " وكتب الحسن إلى معاوية مع جندب بن عبد الله الأزدي : بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الله الحسن أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان. سلام عليك فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو أما بعد .... فلما توفي صلى الله عليه وعلى آله تنازعت سلطانه العرب فقالت قريش نحن قبيلته وأسرته وأولياؤه ولا يحل لكم أن تنازعونا سلطان محمد في الناس وحقه فرأت العرب أن القول كما قالت قريش وأن الحجة لهم في ذلك على من نازعهم أمر محمد صلى الله عليه وآله فأنعمت لهم العرب وسلمت ذلك ثم حاججنا نحن قريشاً بمثل ما حاجت به العرب فلم تنصفنا قريش إنصاف العرب لها . إنهم أخذوا هذا الأمر دون العرب بالانتصاف والاحتجاج. فلما صرنا أهل بيت محمد و [ أوليائه ] إلى محاجتهم وطلب النصف منهم باعدونا واستولوا بالاجتماع على ظلمنا ومراغمتنا والعنت منهم لنا فالموعد الله وهو الولي النصير. وقد تعجبنا لتوثب المتوثبين علينا في حقنا وسلطان نبينا وإن كانوا ذوي فضيلة وسابقة في الإسلام فأمسكنا عن منازعتهم مخافةً على الدين أن يجد المنافقون والأحزاب بذلك مغمزاً يثلمونه به أو يكون لهم بذلك سبباً لما أرادوا به من فساده. " مقاتل الطالبيين، ص 34 .35الحسن بن علي [علیه السلام]
معارضة الزبير بن العوام :

يتفق جميع المؤرخين على أن الزبير كان معارضا للسقيفة وأبي بكر. ويصرح البخاري وابن الأثير واليعقوبي وابن عبد ربه والمحب الطبري وابو الفداء وابن الوردي بأنه عارض أبا بكر ولم يبايعه (1).

كان الزبير يريد مبايعة الإمام علي علیه السلام (2)، ويقول ابن أبي الحديد امتنع الزبير من البيعة وقال لا أبايع إلّا علياً [علیه السلام]. ويقول الطبري إنه استل سيفه وقال لا أغمده حتى أبايع عليا(3)

ص: 105


1- " وإنه قد كان من خبرنا حين توفى الله نبيه [صلى الله عليه وآله ] إلا أن الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة وخالف عنا علي والزبير ومن معهما . " صحيح البخاري ، ص 1380 ، کتاب الحدود، باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت، الحديث 6830 . "قال الزهري : بقي علي وبنوهاشم والزبير ستة أشهر لم يبايعوا أبابكر حتى ماتت فاطمة، فبايعوه . " الكامل في التاريخ، ج 2، ص 14 ، حوادث سنة 11 هجرية، حديث السقيفة وخلافة أبي بكر . "الذين تخلفوا عن بيعة أبي بكر علي والعباس والزبير وسعد بن عبادة. فأما علي والعباس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث إليهم أبوبكر عمر بن الخطاب ليخرجوا من بيت فاطمة..." العقد الفريد، ج4، ص 259 ، كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم، الذين تخلفوا عن بيعة أبي بكر. فرجع القوم إلى قوله وبادروا سقيفة بني ساعدة، فبايع عمر أبابكر وانثال الناس عليه يبايعونه في العشر الأوسط من ربيع الأول سنة إحدى عشرة خلا جماعة من بني هاشم والزبير وعتبة بن أبي لهب وخالد بن سعيد بن العاص والمقداد بن عمرو وسلمان الفارسي وأبي ذر وعمار بن ياسر والبراء بن عازب وأبيّ بن كعب ومالوا مع علي بن أبي طالب . " تاريخ أبي الفداء، ج 1، ص 219 ، حوادث سنة 11 ، ذكر أخبار أبي بكر وخلافته. " وبادروا (سقيفة بني ساعدة)، فبايع عمر أبابكر وانثال الناس يبايعونه في العشر الأوسط من ربيع الأول سنة إحدى عشرة خلا جماعة من بني هاشم والزبير وعتبة بن أبي لهب وخالد بن سعيد بن العاص والمقداد بن عمر وسلمان الفارسي وأبي ذر وعمار بن ياسر والبراء بن عازب وأبي بن كعب و[ أبو ]سفيان من بني أمية ومالوا مع علي . " تاريخ ابن الوردي ، ج 1، ص188 ، أخبار أبي بكر وخلافته. " وتخلف عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين والأنصار ومالوا مع علي بن أبي طالب منهم العباس بن عبد المطلب والفضل بن العباس والزبير بن العوام بن العاص وخالد بن سعيد والمقداد بن عمر وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري وعمار بن ياسر والبراء بن عازب وأبي بن كعب. " تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 124 ، خبر سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر . " وتخلف عن بيعة أبي بكر يومئذ سعد بن عباده في طائفة من الخزرج وعلى بن أبي طالب وابناه والعباس عم رسول الله [صلى الله عليه وآله] وبنوه في بني هاشم والزبير وطلحة وسلمان وعمار وأبوذر والمقداد وغيرهم من المهاجرين وخالد بن سعيد بن العاص . " الرياض النضرة في مناقب العشرة، ج1، ص 241، ذكر بيعة العامة.
2- وروى أبو بكر أحمد بن عبد العزيز عن حباب بن يزيد عن جرير بن المغيرة أن سلمان والزبير والأنصار كان هواهم أن يبايعوا علياً [علیه السلام] بعد النبي. " شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 49 ، حديث السقيففة، ذيل الخطبة 26
3- " وإن الزبير بن العوام امتنع من البيعة وقال : لا أبايع إلا علياً [علیه السلام]شرح نهج البلاغة ، ج 2، ص21، حديث السقيفة، ذيل الخطبة 26 . " وتخلف علي والزبير واخترط سيفه وقال : لا أغمده حتى يبايع علي . " تاريخ الطبري، ج 2، ص 234، حوادث سنة 11 هجرية، ذكر الأخبار الواردة باليوم الذي توفي فيه رسول الله ومبلغ سنه يوم وفاته.

يفيد الطبري والبلاذري وابن أبي الحديد بأن الزبير كان مع الإمام علي علیه السلام في بيت فاطمة علیها السلام حين جاء عمر إلى باب البيت وهدد بحرق البيت حتى اشتبك عمر مع الزبير وانكسر سيف الزبير(1)، ويضيف ابن أبي الحديد وصف عمر بن الخطاب الزبير بالكلب

واشتبك معه (2).

معارضة عبد الله بن عباس :

رغم أن ابن عباس كان يوم السقيفه بين الثانية عشرة والخامسة عشرة من العمر(3)، إلّا أن مصادر أهل السنة حافلة بآلاف الروايات عنه عن النبي صلى الله عليه وآله تفيد بمنزلته الخاصة في المجتمع الإسلامي. إذن لابد من أخذ مواقفه السياسية بعين الاعتبار. ولقد كان مع أبيه من ضمن الأشخاص الذين لم يبايعوا أبا بكر.(4)

ص: 106


1- عن زياد بن كليب قال: أتى عمر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين ، فقال : والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة، فخرج عليه الزبير مصلتاً بالسيف فعثر فسقط السيف من يده فوثبوا عليه فأخذوا. " تاريخ الطبري، ج 2، ص233، حوادث سنة 11 هجرية، ذكر الأخبار الواردة باليوم الذي توفي فيه رسول الله ومبلغ سنه يوم وفاته. وقد وردت حوادث هجوم عمر على البيت واشتباكه مع الزبير وانكسار سيف الزبير، مع قليل من الاختلاف في الكتب التالية: شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 56 ، حديث السقيفة، ذيل الخطبة 26 وج 6 ، ص 48 ، حديث السقيفة، ذيل الخطبة 26 ؛ أنساب الأشراف، ج 2، ص 264، أمر السقيفة.
2- " وذهب عمر ومعه عصابة إلى بيت فاطمة منهم أسيد بن حضير وسلمة بن أسلم فقال لهم : انطلقوا فبايعوا، فأبوا عليه وخرج إليهم الزبير بسيفه فقال عمر: عليكم الكلب، فوثب عليه سلمة بن أسلم فأخذ السيف من يده فضرب به الجدار. ثم انطلقوا به وبعلي ومعهما بنوهاشم وعلي يقول : أنا عبدالله وأخو [رسول] . " شرح نهج البلاغة ، ج 6 ، ص 11 ، يوم السقيفة، ذيل الخطبة 66
3- الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج3، ص 66، شرح حال عبدالله بن عباس، الرقم 1606 ؛ أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج3، ص 291، شرح حال عبد الله بن عباس، الرقم 3037 .
4- " وتخلف عن بيعة أبي بكر يومئذ سعد بن عبادة في طائفة من الخزرج وعلي بن أبي طالب وابناه والعباس عم رسول الله [ صلی الله علیه وآله وسلم] وبنوه في بني هاشم والزبير وطلحة وسلمان وعمار وأبوذر والمقداد وغيرهم من المهاجرين و خالد بن سعيد بن العاص . " الرياض النضره في مناقب العشرة ، ج 1، ص 241 ، ذكر بيعة العامة ؛ شرح نهج البلاغة ، ج 2، ص 121 ، حديث السقيفة، ذيل الخطبة "فإن العباس وأولاده وعلياً وزوجته وأولاده لم يحضروا حلقة البيعة وخالفكم أصحاب السقيفة في متابعة الخزرجي. " مجموعة رسائل الإمام الغزالي / سر العالمين وكشف ما في الدارين، ص 483 ، باب في ترتيب الخلافة والمملكة.

وينقل الطبري و ابن الأثير أن ابن عباس قال: جرى الحديث بحضور عمر عن أفضل الشعر و الشعراء فدخلت فقال عمر : دخل أعلم الناس. ثم سأل: من سيد الشعراء؟ قلت: زهير، ثم أنشدت أشعاره في مدح بني غطفان التي عبّر فيها عن حسد الناس لهم.

قال عمر : إن مصداق هذه المدائح اليوم بنوهاشم من حيث منزلتهم من رسول الله[ صلی الله علیه وآله وسلم] وقرابتهم منه . ثم قال: هل تعلم يا ابن عباس ما الذي حال بين قومك وبين الخلافة؟ فكرهت أن أجيبه فقلت له: أحب أن أسمع منك . فقال : الناس لا يريدون أن تجتمع فيكم النبوة والخلافة فتفخروا عليهم فاختارت قريش خليفة لها ووفقت في ذلك.

قلت: أتأذن لي بالكلام ولا تغضب؟ قال: قل. فقلت:

لو كانت قريش اختارت من اختاره الله لكانت أكثر توفيقاً ولم تتعرض للرد ولا للاعتراض أما ما قلته عن كرههم لاجتماع النبوة والخلافة فقد قال الله فيه {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ}(1)

قال عمر : یا ابن عباس ! بلغني عنك ما أكره أن أقوله لك لئلا تفقد منزلتك عندي. قلت: وما ذاك؟ فإن كان حقاً فلا ينبغي أن يفقدني منزلتي عندك . وإن كان باطلاً فمثلي لا يقول باطلاً أبداً. قال : بلغني أنك قلت إنهم أبعدوا الخلافة عنا حسداً وظلماً.

قلت: أما ظلم هذا البيت فهو بيّن للجميع . أما حسدهم فقد حسد إبليس آدم علیه السلام ونحن أبناء آدم ونتعرض للحسد. قال عمر : هيهات يا بني هاشم ! إن قلوبكم مملوءة حسداً لا يزول أبداً وأنتم منافقون لنا ذوو وجهين.

ص: 107


1- سورة محمد، الآية 9 .

قلت: على رسلك أيها الخليفة ولا تتهم من أنزل الله فيهم آية التطهير بالحسد والنفاق! فرسول الله [ صلی الله علیه وآله وسلم] من بني هاشم. فقال عمر غاضباً: إليك عني! (1).

وفي مجلس آخر جمع ابن عباس بعمر، قال له عمر : لعلك ترى علياً [ علیه السلام] أولى بالخلافة؟

قال ابن عباس نعم، من حيث القرابة والسابقة في الإسلام وأنه صهر رسول الله [ صلی الله علیه وآله وسلم] . فقال عمر: نعم، ولکن به دعابة ولا يليق بها(2) .

ص: 108


1- عن ابن عباس قال: بينما عمر بن الخطّاب وبعض أصحابه يتذاكرون الشعر ، فقال بعضهم : فلان أشعر. وقال بعضهم: بل فلان أشعر. قال: فأقبلت، فقال عمر : قد جاءكم أعلم الناس بها. فقال عمر : من شاعر الشعراء يا ابن عباس ؟ فقلت: زهير بن أبي سلمى. فقال عمر : هلم من شعره ما تستدل به على ما ذكرت فقلت: امتدح قوماً من بني عبد الله بن غطفان... فقال عمر: أحسن وما أعلم أحداً أولى بهذا الشعر من هذا الحى من بني هاشم لفضل رسول الله [ صلی الله علیه وآله وسلم] وقرابتهم منه. فقلت : وفقت يا أمير المؤمنين! ولم تزل موفقاً. فقال : يا ابن عباس أتدري ما منع قومكم منهم بعد محمد ؟ فكرهت أن أجيبه، فقلت: إن لم أكن أدري فأمير المؤمنين يُدريني. فقال عمر: كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة فتبجحوا على قومكم بجحاً بجحاً، فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت. فقلت: يا أمير المؤمنين ! إن تأذن لي في كلام وتمط عني الغضب تكلمت . فقال : تكلم يا ابن عباس ! فقلت: أما قولك يا أمير المؤمنين اختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت فلو أن قريشاً اختارت لأنفسها حيث اختار الله عزّ وجلّ لها لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود. وأما قولك إنهم كرهوا أن تكون لنا النبوة ،والخلافة فإن الله عزّ وجلّ وصف قوماً بالكراهية فقال ((ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم )) . فقال عمر : هيهات والله يا ابن عباس ! قد كانت تبلغني عنك أشياء كنت أكره أن أفرك عنها فتزيل منزلتك مني. فقلت : وما هي يا أمير المؤمنين؟ فإن كانت حقاً فما ينبغي أن تزيل منزلتي منك ، وإن كانت باطلاً فمثلي أماط الباطل عن نفسه. فقال عمر : بلغني أنك تقول إنما صرفوها عنا حسداً وظلماً. فقلت : أما قولك يا أمير المؤمنين ظلما فقد تبيّن للجاهل والحليم، وأما قولك حسداً فإن إبليس حسد آدم فنحن ولده المحسودون. فقال عمر هيهات أبت والله قلوبكم إلا حسداً ما يحول وضغناً وغشاً ما يزول. فقلت: مهلاً يا أمير المؤمنين ! لا تصب قلوب قوم أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً بالحسد والغش فإن قلب رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم ] من قلوب بني هاشم. فقال عمر : إليك عني يا ابن عباس ... " تاريخ الطبري، ج 2، ص 577 - 578 ، حوادث سنة 23 هجرية من ندب عمر ورثاه ذكر بعض ما رثي به ؛ الكامل في التاريخ، ج 2، ص 218 - 219 ، حوادث سنة 23 هجرية، ذكر بعض سيرته.
2- عن ابن عباس قال : كنت عند عمر ... فقال : لعلك ترى صاحبك لها ؟ فقلت : القربى في قرابته وصهره وسابقته أهله-ا؟ قال: بلى ولكنه امرؤ فيه دعابة . " تاريخ المدينة المنورة، ج 3، ص 879 - 880، مقتل عمر بن الخطاب وأمر الشورى ؛ شرح نهج البلاغة، ج 12، ص 51 ، نكت من كلام عمر وسيرته وأخلاقه، ذيل الخطبة 223 .

يروي ابن عساكر: يقول ابن عباس : قال لي عمر : أشفق على علي فقد وقع عليه ظلم . قلت: أعد إليه حقه فغضب عمر وقال إن الناس قد استهانوا به. قلت: أما رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم ] فلم يستهن به والدليل على ذلك أنه أخذ سورة براءة من أبي بكر وأعطاها إليه ليقرأها في مكة(1).

معارضة الفضل بن العباس:

يَعد اليعقوبي والمحب الطبري والغزالي الفضل بن العباس من الذين لم يبايعوا أبا بكر ومالوا إلى الإمام علي علیه السلام(2) يقول الزبير بن بكار : لما تمت البيعة لأبي بكر ، لم يكن أكثر المهاجرين والأنصار في شك ولا مترددين في أن ولي أمر المسلمين وخليفتهم بعد رسول الله [ صلی الله علیه وآله وسلم ] هو الإمام علي [علیه السلام]. فقد قام الفضل معترضاً على من بايعوه وخاصة من بني تيم فقال: يا بني تيم لقد استحوذتم على الخلافة بحجة أن النبوة في قريش.

ص: 109


1- "عن ابن عباس قال : بينا أنا مع عمر بن الخطاب في بعض طرق المدينة يده في يدي، إذ قال لي : يا ابن عباس! ما أحسب صاحبك إلا مظلوماً. فقلت : فردّ إليه ظلامته يا أمير المؤمنين ! . قال فانتزع يده من يدي ونفر مني يهمهم ثم وقف حتى لحقته، فقال لي: يا ابن عباس ! ما أحسب القوم إلا استصغر وا صاحبك . قال : قلت : والله ما استصغره رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم ]حين أرسله وأمره أن يأخذ براءةً من أبي بكر فيقرأها على الناس، فسكت . " تاريخ دمشق الكبير، ج 45 ، ص 266 ، شرح حال علي [علیه السلام، الرقم 5029 ؛ شرح نهج البلاغة، ج 6 ، ص 45 ، أمر المهاجرين والأنصار بعد بيعة أبي بكر، ذيل الخطبة 66 .
2- " وتخلف عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين والأنصار ومالوا مع علي بن أبي طالب منهم العباس بن عبدالمطلب والفضل بن العباس والزبير بن العوام بن العاص وخالد بن سعيد والمقداد بن عمرو وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري وعمار بن ياسر والبراء بن عازب وأبي بن كعب . " تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 124 ، خبر سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر. وتخلف عن بيعة أبي بكر يومئذ سعد بن عبادة في طائفة من الخزرج وعلي بن أبي طالب وابناه والعباس عم رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم] وبنوه في بني هاشم والزبير وطلحة وسلمان وعمار وأبوذر والمقداد وغيرهم من المهاجرين وخالد بن سعيد بن العاص . " الرياض النضرة في مناقب العشرة، ج 1 ، ص 241، ذكر بيعة العامة ؛ شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 21، حديث السقيفة، ذيل الخطبة 26 " فإن العباس وأولاده وعلياً وزوجته وأولاده لم يحضروا حلقة البيعة وخالفكم أصحاب السقيفة في متابعة الخزرجي. " مجموعة رسائل الإمام الغزالي / سر العالمين وكشف ما في الدارين ص 483 ، باب في ترتيب الخلافة والمملكة.

في حين أننا أولى بها. ولو أننا بادرنا إليها لعارضنا الناس (بعضهم) ولأبدوا انزعاجهم. ونحن نعلم أن الإمام علياً [علیه السلام] لا يتصرف إلا وفق ما أمره به النبي"(1).

ص: 110


1- " وروى الزبير بن بكار، قال: روى محمد بن إسحاق أن أبا بكر لما بويع افتخرت تيم بن مرة. قال : وكان عامة المهاجرين وجل الأنصار لا يشكون أن علياً هو صاحب الأمر بعد رسول الله[صلی الله علیه وآله وسلم] ، فقال الفضل بن العباس يا معشر قريش! وخصوصاً يا بني تيم، إنكم إنما أخذتم الخلافة بالنبوة، ونحن أهلها دونكم، ولو طلبنا هذا الأمر الذي نحن أهله لكانت كراهة الناس لنا أعظم من كراهتهم لغيرنا، حسداً منهم لنا، وحقداً علينا. وإنا لنعلم أن عند صاحبنا عهداً هو ينتهي إليه. " شرح نهج البلاغة، ج6، ص 21، أمر المهاجرين والأنصار بعد بيعة أبي بكر ، ذيل الخطبة 66 ؛ تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 124 ، خبر سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر.

القسم الثاني: معارضة الصحابة

اشارة

مما يؤسف له أن كتب أهل السنة لا تتطرق كثيراً لمعارضي حكم أبي بكر الذين كانوا من المهاجرين والأنصار . ومع أنها تنقل بعض احتجاجات الصحابة وتشير إلى اسم سعد بن عبادة، وتحاول تلميع صورة ،القضية، إلّا أنه لا يخفى أن المعارضين للسقيفة لم يكونوا أشخاصاً عاديين.

إنها تمر مرور الكرام على معارضة شخصيات هامة مثل عمار وسلمان وأبي ذر والمقداد وبريدة وابن التيهان وسهل بن حنيف وعثمان بن حنيف وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين وأبيّ بن كعب وخالد بن سعيد وأبي أيوب الأنصاري. على ان هذه المواضيع لا تُطرح بشكل مقصود لأنهم يدّعون أن الخليفة انتخب بإجماع المسلمين واتفاقهم. غير أننا نجد شخصيات بارزة ذات سابقة لامعة تقف موقف المعارض له. وهم أشخاص امتازوا بالصحبة والسابقة في الإسلام وكانوا على عهد النبي [صلی الله علیه وآله وسلم] ومن المبادرين في جبهات القتال.

أما كتب الشيعة فقد حفلت بهذه المواقف المعارضة . وحسب رواية الطبرسي في الاحتجاج فقد أعلن ما لا يقل عن اثني عشر شخصاً مخالفتهم.

يقول أبان بن تغلب أنه قال للإمام جعفر الصادق علیه السلام : هل اعترض أحد على أبي بكر حين خلف النبي صلی الله علیه وآله وسلم؟ فقال علیه السلام : نعم لقد عارضه اثنا عشر رجلاً. فمن المهاجرين عارض خلافة أبي بكر خالد بن سعيد بن العاص وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري والمقداد بن الأسود وعمار بن ياسر وبريدة الأسلمي، ومن الأنصار أبو الهيثم بن التيهان وسهل بن حنيف وعثمان بن حنيف وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وأبي بن كعب وأبو أيوب الأنصاري فعندما صعد أبو بكر المنبر تشاور هؤلاء الاثنا عشر فقال بعضهم : نذهب إلى المسجد وننزله من منبر رسول الله. وقال

ص: 111

بعضهم: إننا بهذا نلقي بأيدينا إلى التهلكة والله قال{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ }(1)بل نذهب إلى الإمام علي علیه السلام لنرى ما يرى.

فذهبوا جميعاً إلى الإمام علي فقالوا: لم تركت حقاً أنت أولى به؟ فقد سمعنا رسول الله يقول «علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيث دار» أردنا أن نذهب فننزل أبا بكر من المنبر ولكننا آثرنا أن نستمع لما ترى. فقال أمير المؤمنين:

وأيم الله لو فعلتم ذلك لما كنتم لهم إلاّ حرباً، ولكنكم كالملح في الزاد وكالكحل في العين. وأيم الله لو فعلتم ذلك لأتيتموني شاهرين بأسيافكم مستعدين للحرب والقتال وإذن لأتوني فقالوالي: بايع وإلاّ قتلناك، فلابد لي من أن أدفع القوم عن نفسي وذلك أن رسول الله [ صلی الله علیه وآله وسلم] أوعز إليّ قبل وفاته وقال لي: يا أبا الحسن! إن الأمة ستغدر بك من بعدي وتنقض فيك عهدي وإنّك مني بمنزلة هارون من موسى، وإنّ الأمة من بعدي كهارون ومن اتبعه والسامري ومن اتبعه. فقلت: يا رسول الله فما تعهد إليّ إذا كان كذلك ؟ فقال : إذا وجدت أعياناً فبادر إليهم وجاهدهم، وإن لم تجد أعواناً كفّ يدك واحقن دمك حتى تلحق بي مظلوماً. فلما توفي رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم]اشتغلت بغسله وتكفينه والفراغ من شأنه. ثم آليت على نفسي يميناً ألاً أرتدي برداء إلا للصلاة حتى أجمع القرآن، ففعلت ثم أخذت بيد فاطمة وابني الحسن والحسين فدرت على أهل بدر وأهل السابقة فناشدتهم حقي ودعوتهم إلى نصرتي فما أجابني منهم إلاّ أربعة رهط سلمان وعمّار وأبوذر والمقداد. ولقد راودت في ذلك بقية أهل بيتي فأبوا عليّ إلاّ السكوت لما علموا من وغارة صدور القوم وبغضهم الله ورسوله ولأهل بيت نبيه.

فانطلقوا بأجمعكم إلى الرجل فعرفوه ما سمعتم من قول نبيكم ليكون ذلك أوكد للحجة وأبلغ للعذر وأبعد لهم من رسول الله[صلی الله علیه وآله وسلم] إذا وردوا عليه.

ص: 112


1- سورة البقرة، الآية 195.

فذهبوا إلى المسجد فأحاطوا بالمنبر، وكان يوم جمعة . فلما صعد أبوبكر المنبر قدّم المهاجرون الأنصار ليبدأوا الكلام فقال الأنصار : أنتم مقدمون علينا لأن الله قال في القرآن {لقد تاب الله [ بالنبي ] على المهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العُسرة }.

سأل أبان الإمام الصادق علیه السلام: يا بن رسول الله إن الناس يقرأون «لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة» (1)فقال الإمام علیه السلام : ويحهم فهل أذنب النبي فيتوب الله عليه ؟ بل إن الله تاب على أمته ببركة وجوده(2).

ص: 113


1- سورة التوبة، الآية 117.
2- " عن أبان بن تغلب قال : قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق علیهما السلام]: جعلت فداك هل كان أحد في أصحاب رسول الله [ صلی الله علیه وآله وسلم] أنكر على أبي بكر فعله وجلوسه مجلس رسول الله [ صلی الله علیه وآله وسلم] ! قال : نعم كان الذي أنكر على أبي بكر اثني عشر رجلاً من المهاجرين خالد بن سعيد بن العاص وكان من بني أمية وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري والمقداد بن الأسود وعمار بن ياسر وبريدة الأسلمي، ومن الأنصار أبو الهيثم بن التيهان وسهل وعثمان ابنا حنيف وخزيمة بن ثابت ذوالشهادتين وابي بن كعب وأبو أيوب الأنصاري. قال: فلما صعد أبوبكر المنبر تشاوروا بينهم فقال بعضهم لبعض : والله لنأتينه ولننزلنه عن منبر رسول الله [ صلی الله علیه وآله وسلم]. وقال آخرون منهم: والله لئن فعلتم ذلك إذن أعنتم على أنفسكم فقد قال الله عز وجل: (( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)) فانطلقوا بنا إلى أمير المؤمنين [علیه السلام ] لنستشيره ونستطلع رأيه. فانطلق القوم إلى أمير المؤمنين بأجمعهم فقالوا: يا أمير المؤمنين ! تركت حقاً أنت أحق به وأولى به من غيرك ، لأنا سمعنا رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم ] يقول : علي مع الحق والحق مع علي يميل مع الحق كيف ما مال. ولقد هممنا أن نصير إليه فننزله عن منبر رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم] ، فجئناك لنستشيرك ونستطلع رأيك فما تأمرنا؟ فقال أمير المؤمنين وأيم الله لو فعلتم ذلك لما كنتم لهم إلا حرباً ، ولكنكم كالملح في الزاد وكالكحل في العين، وأيم الله لو فعلتم ذلك لأتيتموني شاهرين بأسيافكم مستعدين للحرب والقتال، وإذن لأتوني فقالوا لي بايع وإلا قتلناك. فلابد لي من [ أن] أدفع القوم عن نفسي وذلك أن رسول الله [ صلی الله علیه وآله وسلم] أوعز إلي قبل وفاته وقال لي: يا أبا الحسن ! إن الأمة ستغدر بك من بعدي وتنقض فيك عهدي وإنك مني بمنزلة هارون من موسى وإن الأمة من بعدي كهارون ومن اتبعه والسامري ومن اتبعه فقلت يا رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم ] فما تعهد إلي إذا كان كذلك؟ فقال: إذا وجدت أعواناً فبادر إليهم وجاهدهم، وإن لم تجد أعواناً كف يدك واحقن دمك حتى تلحق بي مظلوماً. فلما توفي رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم] اشتغلت بغسله وتكفينه والفراغ من شأنه، ثم آليت على نفسي يميناً ألا أرتدي برداء إلا للصلاة حتى أجمع القرآن ففعلت ثم أخذت بيد فاطمة وابني الحسن والحسين فدرت على أهل بدر وأهل السابقة فناشدتهم حقي ودعوتهم إلى نصرتي فما أجابني منهم إلا أربعة رهط، سلمان وعمار وأبوذر والمقداد. ولقد راودت في ذلك بقية أهل بيتي، فأبوا عليّ إلا السكوت لما علموا من وغارة صدور القوم وبغضهم الله ورسوله ولأهل بيت نبيه، فانطلقوا بأجمعكم إلى الرجل فعرفوه ما سمعتم من قول نبيكم ليكون ذلك أوكد للحجة وأبلغ للعذر وأبعد لهم من رسول الله[صلی الله علیه وآله وسلم] إذا وردوا عليه . فثار القوم حتى أحدقوا بمنبر رسول الله[صلی الله علیه وآله وسلم] وكان يوم الجمعة . فلما صعد أبوبكر المنبر قال المهاجرون للأنصار : تقدموا وتكلموا . فقال الأنصار للمهاجرين بل تكلموا وتقدموا أنتم، فإن الله عز وجل بدأ بكم في الكتاب إذ قال الله عز وجل: ((لقد تاب الله بالنبي على المهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة.)) قال أبان : قلت له يابن رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم] إن العامة لا تقرأ كما عندك قال : وكيف تقرأ ؟ قال : قلت : إنها تقرأ ((لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة)) . فقال : ويلهم فأي ذنب كان لرسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم] حتى تاب الله عليه عنه ؟ إنما تاب الله به على أمته." الاحتجاج على أهل اللجاج ، ج 1، ص 97 - 98 ، ما جرى بعد الرسول [صلی الله علیه وآله وسلم ] ؛ بحار الأنوار، ج 28، ص 189 - 191، کتاب الفتن والمحن، الباب الرابع.
معارضة خالد بن سعيد:

يشير الكبار من مؤرخي أهل السنة إلى بعض مواقف خالد بن سعيد المعارضة. فقد أشار أبو الفداء وابن الوردي واليعقوبي والمحب الطبري وابن أبي الحديد إلى عدم مبايعة خالد بن سعيد وجماعة من الصحابة وبني هاشم لأبي بكر ودعمهم للإمام علي علیه السلام (1)يقول ابن سعد وابن عساكر نقلاً عن بنت خالد بعد السقيفة وبيعة الناس لأبي بكر جاء أبي خالد من اليمن إلى المدينة وقال للإمام علي[علیه السلام ] وعثمان : يا بني عبدمناف! أرضيتم بأن تؤول

ص: 114


1- فرجع القوم إلى قوله وبادروا سقيفة بني ساعدة، فبايع عمر أبابكر وانثال الناس عليه يبايعونه في العشر الأوسط من ربيع الأول سنة إحدى عشرة خلا جماعة من بني هاشم والزبير وعتبة بن أبي لهب وخالد بن سعيد بن العاص والمقداد بن عمرو وسلمان الفارسي وأبي ذر وعمّار بن ياسر والبراء بن عازب وأبي بن كعب ومالوا مع علي بن أبي طالب. " تاريخ أبي الفداء، ج 1، ص219، حوادث سنة 11، ذكر أخبار أبي بكر وخلافته . " وبادروا سقيفة بني ساعدة فبايع عمر أبابكر وانثال الناس يبايعونه في العشر الأوسط من ربيع الأول سنة إحدى عشرة خلا جماعة من بني هاشم والزبير وعتبة بن أبي لهب وخالد بن سعيد بن العاص والمقداد بن عمرو وسلمان الفارسي وأبي ذر وعمار بن ياسر والبراء بن عازب وأبي بن كعب و[أبو سفيان من بني أمية ومالوا مع علي. " تاريخ ابن الوردي، ج1، ص188، أخبار أبي بكر وخلافته. " وتخلف عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين والأنصار ومالوا مع علي بن أبي طالب منهم العباس بن عبدالمطلب والفضل بن العباس والزبير بن العوام بن العاص وخالد بن سعيد والمقداد بن عمرو وسلمان الفارسي وأبوذر الغفاري وعمّار بن ياسر والبراء بن عازب وأبي بن كعب. " تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 124 ، خبر سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر. "وتخلف عن بيعة أبي بكر يومئذ سعد بن عبادة في طائفة من الخزرج وعلي بن أبي طالب وابناه والعباس عم رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم] وبنوه في بني هاشم والزبير وطلحة وسلمان وعمار وأبوذر والمقداد وغيرهم من المهاجرين وخالد بن سعيد بن العاص . " الرياض النضرة في مناقب العشرة، ج 1، ص246، ذكر بيعة العامة. "وإن الزبير بن العوام امتنع من البيعة وقال : لا أبايع إلا علياً [علیه السلام] وكذلك أبوسفيان بن حرب وخالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس والعباس بن عبد المطلب وبنوه وأبوسفيان بن الحارث بن عبد المطلب وجميع بني هاشم." شرح نهج البلاغة ، ج 2، ص 21، حديث السقيفة ذيل الخطبة 26 .

الخلافة التي هي حقكم إلى غيركم؟ فنقل عمر اعتراض خالد إلى أبي بكر فلم يصدّق ولم يهتم أمّا عمر فكان موقناً وأضمرها في قلبه. تقول بنت خالد لم يبايع أبي أبابكر ثلاثة أشهر(1).

ويروي الطبري وابن عبدالبر وابن الجوزي والبلاذري والصفدي الخبر نفسه باختلاف قليل و بسند آخر(2).

يشرح الطبري وابن عساكر مخالفة خالد بن سعيد ومواجهة عمر له على النحو التالي: في حياة رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم ] كان خالد بن سعيد في اليمن وعاد منها إلى المدينة بعد وفاة النبي [صلی الله علیه وآله وسلم] بشهر. وصادف عمر وعلياً [ علیه السلام] وكان (خالد) يرتدي جبةً من الحرير . فصاح عمر فجأة بغضب مزقوا جبته الحريرية لأنها ثوب غير مناسب. فهجم عليه من كان هناك ومزقوا جبته.

ص: 115


1- عن إبراهيم بن عقبة قال: سمعت أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص تقول : قدم أبي من اليمن إلى المدينة بعد أن بويع لأبي بكر فقال لعلي وعثمان : أرضيتم بني عبدمناف أن يلي هذا الأمر عليكم غيركم؟ فنقلها عمر إلى أبي بكر ، فلم يحملها أبوبكر على خالد وحملها عمر عليه وأقام خالد ثلاثة أشهر لم يبايع أبابكر . " الطبقات الكبرى، ج 4 ، ص 97 ، شرح حال خال-د ب-ن س-ع-ي-د ؛ تاريخ دمشق الكبير، ج 18 ، ص 57 ، شرح حال خالد بن سعيد، الرقم 1868 .
2- قال : ثم وجّه أبوبكر الجنود إلى الشام أول سنة ثلاث عشرة، فأول لواء عقده لواء خالد بن سعيد بن العاص، ثم عزله قبل أن يسيره وولى يزيد بن أبي سفيان فكان أول الأمراء الذين خرجوا إلى الشام وخرجوا في سبعة آلاف. قال أبو جعفر : وكان سبب عزل أبي بكر خالد بن سعيد فيما ذكر ما حدّثنا ابن حميد قال : حدّثنا سلمة عن أبي إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر أن خالداً بن سعيد حين قدم من اليمن بعد وفاة رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم ] تربّص ببيعته شهرين يقول : قد أمرني رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم ] ثم لم يعزلني حتى قبضه الله. وقد لقي علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان فقال : يا بني عبد مناف ! لقد طبتم نفساً عن أمركم يليه غيركم ؟ فأما أبوبكر فلم يحفلها عليه وأما عمر فاضطغنها عليه. ثم بعث أبوبكر الجنود إلى الشام وكان أول من استعمل على ربع منها خالد بن سعيد، فأخذ عمر يقول : أتؤمره وقد صنع ما صنع وقال ما قال ؟ فلم يزل بأبي بكر حتى عزله وأمر يزيد بن أبي سفيان . " تاريخ الطبري، ج 2، ص331، حوادث سنة 13 هجرية، ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث ؛ المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، ج 3، ص 53 - 54 ، حوادث سنة 13 هجرية، ذكر تجهيز الجيوش إلى الشام ؛ الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 3، ص 100، شرح حال أبي بكر، الرقم 1651 ؛ تاريخ دمشق الكبير، ج 18، ص 56 ، شرح حال خالد بن سعيد، الرقم 1868 ؛ الوافي بالوفيات، ج 17، ص 311 ، شرح حال أبي بكر ، الرقم 264 . "المدائني عن أبي زكريا العجلاني عن صالح بن كيسان قال : قدم خالد بن سعيد بن العاص من ناحية اليمن بعد وفاة النبي [صلی الله علیه وآله وسلم ] فأتي علياً وعثمان فقال: أنتما الشعار دون الدثار أرضيتم يا بني عبد مناف أن يلي أمركم عليكم غيركم؟... قال : فلم يحتملها عليه أبوبكر واضطعنها عمر. المدائني عن عوانة وابن جعدبة قالا : لم يبايع خالد بن سعيد أبابكر إلا بعد ستة أشهر . " أنساب الأشراف، ج2، ص270، أمر السقيفة.

فقال خالد لعلي [علیه السلام]: أظلمتَ يا أبا الحسن وأخذوا منك الحك-م بالقهر ؟ لا أحد أولى منك بالأمر.

فقال عمر لخالد: فضّ الله فاك ! إنك لتكذب ولن تضر إلاّ نفسك. ثم أخبر أبابكر بما جرى. ثم سلّم أبو بكر إحدى رايات عسكره إلى خالد ولكن عمر نهاه وقال له: إن خالداً ضعيف ويكذب ويصرّ على الكذب. ولا يمكن الاستعانة به فأخذ أبوبكر الراية منه وجعله مسانداً بعد أن كان قائداً. فأطاع عمر في بعض أمره وخالفه في بعض"(1).

يقول ابن الأثير : «وتأخر خالد وأخوه أبان عن بيعة أبي بكر، فقال لبني هاشم: إنكم لطوال الشجر طيبو الثمر ونحن تبع لكم . فلما بايع بنوهاشم أبابكر (2)بايعه خالد»(3).

ويقول ابن عبدالبر بعد وفاة النبي[صلی الله علیه وآله وسلم] توقف خالد و جماعة من العمال عن عمالتهم ورجعوا فاعترض أبوبكر على ما فعلوا فقالوا: لا نقبل أن نكون عمالاً لأحد بعد رسول الله(4).

ص: 116


1- عن شعيب عن سيف عن مبشر بن فضيل عن جبير بن صخر حارس النبي[صلی الله علیه وآله وسلم] عن أبيه قال : كان خالد بن سعيد بن العاص باليمن زمن النبي [صلی الله علیه وآله وسلم] وتوفي النبي[صلی الله علیه وآله وسلم ] وهو بها وقدم بعد وفاته بشهر وعليه جبة ديباج، فلقي عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، فصاح عمر بمن يليه مزّقوا عليه جبته، أيلبس الحرير وهو في رجالنا في السلم مهجور؟ فمزقوا جبته. فقال خالد: يا أبا الحسن! يا بني عبدمناف ! أغلبتم عليها ؟ فقال علي علیه السلام]أمغالبة ترى أم خلافة ؟ قال : لا يغالب على هذا الأمر أولى منكم يا بني عبدمناف. وقال عمر لخالد: فضّ الله فاك والله لا يزال كاذب يخوض فيما قلت ثم لا يضر إلاّ نفسه. فأبلغ عمر أبابكر مقالته، فلما عقد أبوبكر الألوية لقتال أهل الردة عقد له فيمن عقد فنهاه عنه عمر وقال : إنه لمخذول وإنه لضعيف التروية ولقد كذب كذبة لا يفارق الأرض مدل بها وخائض فيها، فلا يُستنصر به. فلم يحتمل أبوبكر عليه وجعله ردءاً بتيماء أطاع عمر في بعض أمره وعصاه في بعض. " تاريخ الطبري، ج 2، ص231 - 232، حوادث سنة 13 ، ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث ؛ تاريخ دمشق الكبير ، ج 18، ص56، شرح حال أبي بكر، الرقم 3491 .
2- مرّ أن بني هاشم بايعوا بعد ستة أشهر بعد وفاة الزهراء علیها السلام .
3- "وتأخر خالد وأخوه أبان عن بیعة أبي بکر فقال لبني هاشم:إنکم لطوال الشجر طیبو الثمر ونحن تبع لکم .فلما بایع بنوهاشم أبابکربایعه خالد"أسد الغابة في معرفة الصحابة ج2 ص125 شرح حال خالد بن سعید الرقم 1365.
4- "وقال خالد بن سعيد بن عمرو بن سعيد: أخبرني أبي أن أعمامه خالداً وأباناً وعمراً بني سعيد بن العاص رجعوا عن عمالتهم حين مات رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم] فقال أبو بكر : ما لكم رجعتم عن عمالتكم؟ ما أحد أحق بالعمل من عمال رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم ] ، ارجعوا إلى أعمالكم ! فقالوا: نحن بنو أبي أحيحة، لا نعمل لأحد بعد رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم ] أبداً. ثم مضوا إلى الشام فقتلوا جميعاً." الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 2، ص 8 ، شرح حال خالد بن سعيد، الرقم 617 .

ويقول ابن أبي الحديد المعتزلي:

«هذا خالد بن سعيد بن العاص هو الذي امتنع من بيعة أبي بكر وقال: لا أبايع إلا علياً» وفي موضع آخر ينقل ابن أبي الحديد عن أبي بكر الجوهري أن خالد بن سعيد جاء إلى بني هاشم وأمير المؤمنين ] وقال لهم : أنتم أولو الأمر في هذه الأمة فهل بايعتم أبا بكر ؟(1).

كما يقول اليعقوبي في تاريخه أنه قال للإمام علي [ علیه السلام] هلم أبا يعك، فوالله لا أعلم أحداً أحق بالخلافة منك)(2)

ومما يؤسف له أن المؤرخين من أهل السنة يكتفون بهذا المقدار ويحذفون الكثير من الاحتجاجات التي أبداها خالد بن سعيد. وقد وردت معارضة خالد في كتب الشيعة مفصلة.

تفاصيل معارضة خالد حسب روايات الشيعة :

يقول الإمام الصادق علیه السلام وإن أول المعترضين كان خالد بن سعيد ثم اعترض سائر المهاجرين ثم الأنصار. ويروى أن تلك الجماعة كانوا غائبين حين وفاة النبي صلّى الله عليه وآله

ص: 117


1- "هذا خالد بن سعيد بن العاص هو الذي امتنع من بيعة أبي بكر وقال : لا أبايع إلا علياً. " شرح نهج البلاغة، ج6، ص 22، أمر المهاجرين والأنصار بعد بيعة أبي بكر، ذيل الخطبة 66 . "كان خالد بن سعيد بن العاص من عمال رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم] على اليمن. فلما قبض رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم ] جاء المدينة وقد بايع الناس أبابكر، فاحتبس عن أبي بكر فلم يبايعه أياماً وقد بايع الناس، وأتى بني هاشم فقال : أنتم الظهر والبطن والشعار دون الدثار والعصا دون اللحا، فإذا رضيتم رضينا وإذا أسخطتم سخطنا . حدثوني إن كنتم قد بايعتم هذا الرجل، قالوا: نعم. قال: فأنا أرضى وأبايع إذا بايعتم. أما والله يا بني هاشم إنكم الطوال الشجر الطيب الثمر. ثم إنه بايع أبابكر وبلغت أبابكر فلم يحفل بها واضطغنها عليه عمر. فلما ولاه أبوبكر الجند الذي استنفر إلى الشام قال له عمر : أتولي خالداً وقد حبس عليك بيعته وقال لبني هاشم ما قال وقد جاء بورق من اليمن وعبيد وحبشان ودروع ورماح؟ ما أرى أن توليه وما آمن خلافه. فانصرف عنه أبوبكر وولى أباعبيدة بن الجراح ويزيد بن أبي سفيان " شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 58 - 59 ، حديث السقيفة، ذيل الخطبة 26 .
2- "وكان خالد بن سعيد غائباً، فقدم فأتى علياً فقال: هلم أبايعك، فوالله ما في الناس أحد أولى بمقام محمد منك. " تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 126 ، خبر سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر.

وحين عادوا كان أبوبكر قد بويع. وكانوا حينئذ من الشخصيات البارزة في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وفي المدينة.

قام خالد بن سعيد فقال: «اتق الله يا أبابكر ! فقد علمت أن رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم ] قال ونحن محتوشوه يوم بني قريظة حين فتح الله له باب النصر وقد قتل علي بن أبي طالب [علیه السلام ] يومئذ عدة من صناديد رجالهم وأولي البأس والنجدة منهم : يا معاشر المهاجرين والأنصار ! إني موصيكم بوصية فاحفظوها و[ موعدكم] أمراً فاحفظوه، ألا إن علي بن أبي طالب أميركم بعدي وخليفتي فيكم، بذلك أوصاني ربي. ألا وإنكم إن لم تحفظوا فيه وصيتي وتوازروه وتنصر وه اختلفتم في أحكامكم واضطرب عليكم أمر دينكم ووليكم أشراركم. ألا وإن أهل بيتي هم الوارثون لأمري والعالمون لأمر أمتي من بعدي، اللهم من أطاعهم من أمتي وحفظ فيهم وصيتي فاحشرهم في زمرتي واجعل لهم نصيباً من مرافقتي يدركون به نور الآخرة اللهم ومن أساء خلافتي في أهل بيتي فاحرمه الجنة التي عرضها كعرض السماء والأرض . فقال له عمر بن الخطاب: اسکت یا خالد! فلست من أهل المشورة ولا ممن يقتدى برأيه . فقال له خالد: بل اسکت أنت يا ابن الخطاب! فإنك تنطق على لسان غيرك. وأيم الله لقد علمت قريش إنك من ألأمها حسباً وأدناها منصباً وأخسها قدراً وأخملها ذكراً وأقلهم عناءً عن الله ورسوله وإنك لجبان في الحروب، بخيل بالمال، لئيم العنصر، ما لك في قريش من فخر ولا في الحروب من ذكر وإنك في هذا الأمر بمنزلة الشيطان { إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ. فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ } فأبلس عمر وجلس خالد بن سعيد» (1).

ص: 118


1- فأول من تكلم به خالد بن سعيد بن العاص ثم باقي المهاجرين ثم بعدهم الأنصار. وروي أنهم كانوا غيباً عن وفاة رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم ] فقدموا وقد تولى أبوبكر وهم يومئذ أعلام مسجد رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم ]، فقام إليه خالد بن سعيد بن العاص وقال: اتق الله يا أبابكر ! فقد علمت أن رسول الله [ صلی الله علیه وآله وسلم] قال ونحن محتوشوه يوم بني قريظة حين فتح الله له باب النصر وقد قتل علي بن أبي طالب [علیه السلام] يومئذ عدة من صناديد رجالهم وأولي البأس والنجدة منهم : يا معاشر المهاجرين والأنصار! إني موصيكم بوصية فاحفظوها و[موعدكم] أمراً فاحفظوه، ألا إن علي بن أبي طالب أميركم بعدي وخليفتي فيكم بذلك أوصاني ربي . ألا وإنكم إن لم تحفظوا فيه وصيتي وتوازروه وتنصروه اختلفتم في أحكامكم واضطرب عليكم أمر دينكم وليكم أشراركم. ألا وإن أهل بيتي هم الوارثون لأمري والعالمون لأمر أمتي من بعدي، اللهم من أطاعهم من أمتي وحفظ فيهم وصيتي فاحشرهم في زمرتي واجعل لهم نصيباً من مرافقتي يدركون به نور الآخرة اللهم ومن أساء خلافتي في أهل بيتي فاحرمه الجنة التي عرضها كعرض السماء والأرض. فقال له عمر بن الخطاب اسكت يا خالد فلست من أهل المشورة ولا ممن يقتدى برأيه فقال له خالد: بل اسكت أنت يا ابن الخطاب! فإنك تنطق على لسان غيرك. وأيم الله لقد علمت قريش إنك من ألأمها حسباً وأدناها منصباً وأخسها قدراً وأخملها ذكراً وأقلهم عناءً عن الله ورسوله وإنك لجبان في الحروب، بخيل بالمال، لئيم العنصر ، ما لك في قريش من فخر ولا في الحروب من ذكر وإنك في هذا الأمر بمنزلة الشيطان ((إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين . فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين)) فأبلس عمر وجلس خالد بن سعيد . " الاحتجاج على أهل اللجاج، ج 1، ص 98 - 99، ما جرى بعد الرسول صلى الله عليه وآله ؛ بحار الأنوار، ج 28 ، ص 192 - 193 ، کتاب الفتن والمحن الباب الرابع.

ويقول السيد بحر العلوم كان النبي صلی الله علیه وآله وسلم قد بعث بخالد بن سعيد إلى اليمن لجمع الصدقات . فكان هناك حين بلغه خبر وفاة النبي. فترك كل شيء وعاد إلى المدينة ووقف إلى جانب علي علیه السلام(1).

لا يمكن الاستهانة بمعارضة شخصيات من أمثال خالد بن سعيد ؛ لأنه كان ثالث من أسلموا أو رابعهم أو خامسهم(2). هذا الرجل هو الذي أراد أن ينزل الخليفة من المنبر ؛ لذا لا يحب أهل السنة أن ينقلوا هذه الحوادث ويبترونها في كتبهم.

معارضة سلمان الفارسي:

لم يحضر سلمان السقيفة أبداً وكان مخالفاً لمشروعها. وينقل مؤرخو السنة ومحدثوهم عبارته الشهيرة « لا آذان صاغية، لقد أخطأتم ومنعتم بركات السماء والأرض بأن بايعتم أبابكر». مع أن بعض الكتب عملت على تحريف قوله أو تبريره.

ص: 119


1- " ثم ولاه رسول الله صلى الله عليه وآله صدقات اليمن، فكان في عمله ذلك حتى بلغه وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله فترك ما في يده وأتى المدينة ولزم علياً . " الفوائد الرجالية، ج 2، ص 331، شرح حال خالد بن سعيد.
2- خالد بن سعيد بن العاص... أسلم قديماً، يقال إنه أسلم بعد أبي بكر ... فكان ثالثاً أو رابعاً وقيل كان خامساً. " الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 2، ص 7، شرح حال خالد بن سعيد، الرقم 617 ؛ أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج2، ص 124، شرح حال خالد بن سعيد، الرقم 1365

نورد في ما يلي بعض مواقف سلمان المعارضة التي ذكرتها كتب أهل السنة أولاً ثم نعرج على كتب الشيعة.

يكتفي أبو الفداء وابن الوردي واليعقوبي والمحب الطبري بالإشارة إلى عدم بيعة سلمان بالقول بأنه كان ضمن الصحابة وبني هاشم الذين رفضوا بيعة أبي بكر واصطفوا إلى جانب الإمام علي علیه السلام وساندوه(1). ويقول ابن شيبة: لما بويع أبوبكر اتخذ سلمان موقفاً صريحاً فقال: أصبتم وأخطأتم ولو أنكم جعلتم الخلافة في أهل بيت النبي[صلی الله علیه وآله وسلم] لعشتم عيشة رغداً(2).

أما ابن أبي الحديد فيذكر معارضة سلمان بتفصيل أكبر فينقل عن أبي بكر الجوهري أن سلمان قال : مع أنهم أصابوا في اختيار أبي بكر لكبر سنه فقد أخطأوا حيث لم يجعلوا الخلافة في أهل بيت النبي [صلی الله علیه وآله وسلم] ولو كانوا فعلوا ذلك لما اختلف فيها اثنان ولعاشوا رغداً(3).

ص: 120


1- " فرجع القوم إلى قوله وبادروا سقيفة بني ساعدة، فبايع عمر أبابكر وانثال الناس عليه يبايعونه في العشر الأوسط من ربيع الأول سنة إحدى عشرة، خلا جماعة من بني هاشم والزبير وعتبة بن أبي لهب وخالد بن سعيد بن العاص والمقداد بن عمرو وسلمان الفارسي وأبي ذر وعمار بن ياسر والبراء بن عازب وابي بن كعب ومالوا مع علي بن أبي طالب. " تاريخ أبي الفداء، ج 1، ص219، حوادث سنة 11 هجرية، ذكر أخبار أبي بكر وخلافته. " وبادروا ( سقيفة بني ساعدة) ، فبايع عمر أبابكر وانثال الناس يبايعونه في العشر الأوسط من ربيع الأول سنة إحدى عشرة خلا جماعة من بني هاشم والزبير وعتبة بن أبي لهب وخالد بن سعيد بن العاص والمقداد بن عمرو وسلمان الفارسي وأبي ذر وعمار بن ياسر والبراء بن عازب وابي بن كعب وأبو (هكذا) سفيان من بني أمية ومالوا مع علي." تاريخ بن الوردي، ج 1، ص188 ، أخبار أبي بكر الصديق وخلافته. " وتخلف عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين والأنصار ومالوا مع علي بن أبي طالب منهم العباس بن عبد المطلب والفضل بن العباس والزبير بن العوام بن العاص وخالد بن سعيد والمقداد بن عمرو وسلمان الفارسي وأبوذر الغفاري وعمار بن ياسر والبراء بن عازب وأبي بن كعب. " تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 124، خبر سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر. " وتخلف عن بيعة أبي بكر يومئذ سعد بن عبادة في طائفة من الخزرج وعلي بن أبي طالب وابناه والعباس عم رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم] وبنوه في بني هاشم والزبير وطلحة وسلمان وعمار وأبوذر والمقداد وغيرهم من المهاجرين وخالد بن سعيد بن العاص " الرياض النضرة في مناقب العشرة، ج 1، ص 241، ذكر بيعة العامة.
2- قال سلمان: أخطأتم وأصبتم، أما لو جعلتموها في أهل بيت نبيكم لأكلتموها رغداً." المصنف في الأحاديث والآثار، ج8، ص 586 ، كتاب المغازي، ما جاء في خلافة علي بن أبي طالب، الحديث الثاني.
3- " قال سلمان يومئذ : أصبتم ذا السن منكم وأخطأتم أهل بيت نبيكم لو جعلتموها فيهم ما اختلف عليكم اثنان ولأكلتموها رغداً. " شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 49 ، حديث السقيفة، ذيل الخطبة 27.

ويقول الرافعي القزويني: اجتمع الصحابة يوم السقيفة حول سلمان فقالوا له: يا أبا عبدالله أنت المسن وذو العمل والدين والصحبة الرسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم ] ، فقل شيئاً في هذا الأمر (غصب الخلافة)يبقى مع الزمن . فقال سلمان [ بالفارسية ] : لقلت لو كنتم تسمعون، ثم جاء في الصباح فقال الأصحاب: ماذا فعلت يا أبا عبدالله ؟ قال :[ بالفارسية ] : لقلت لو كنتم تفعلون ثم أنشد شعراً:

ما كنت أحسب أن الأمر منصرف*** عن هاشم ثم منهم عن أبي الحسن

أليس أول من صلى لقبلته؟*** وأعلم القوم بالأحكام والسنن؟

ما فيهم من صنوف الفضل يجمعها ***وليس في القوم ما فيه من الحسن(1)

ويقول البلاذري: «مر رجل على سلمان فقال : أرى علياً يمر بين ظهرانيكم فلا تقومون فتأخذون بحجزته. فوالذي نفسي بيده لا يخبركم أحد بسر نبيكم بعده»(2).

ينقل البلاذري جملة سلمان الشهيرة فيقول : لما بويع أبوبكر احتج سلمان فقال باللغة الفارسية: كرداذ وناكر داذ" أي فعلتم ما لم يكن ينبغي أن تفعلوه ولم تفعلوا ما كان ينبغي تفعلوه. فلو أنكم بايعتم علياً [علیه السلام] النعمتم ببركات السماء والأرض(3).

ص: 121


1- "قال : لما كان يوم السقيفة اجتمعت الصحابة على سلمان الفارسي فقالوا: يا أبا عبدالله إن لك سنك ودينك وعملك وصحبتك من رسول الله [ صلی الله علیه وآله وسلم] فقل في هذا الأمر قولاً يخلد عنك . فقال : گویم اگر شنوید، ثم غدا عليهم فقالوا: ما صنعت أبا عبدالله ؟ فقال : گفتم اگر بکار برید، ثم أنشأ يقول: ماكنت أحسب أن الأمر منصرف*** عن هاشم ثم منهم عن أبي الحسن أليس أول من صلى لقبلته؟ ***وأعلم القوم بالأحكام والسنن؟ ما فيهم من صنوف الفضل يجمعها ***وليس في القوم ما فيه من الحسن*** " التدوين في أخبار قزوین، ج 1، ص78 - 79، القول في بيان من ورد قزوين من الصحابة والتابعين سلمان.
2- "قال: مر رجل على سلمان فقال: أرى علياً يمر بين ظهرانيكم فلا تقومون فتأخذون بحجزته. فوالذي نفسي بيده لا يخبركم أحد بسر نبيكم بعده. " أنساب الأشراف، ج 2، ص 406 ، علي بن أبي طالب.
3- قال سلمان الفارسي حين بويع أبوبكر كرداذ و ناكرداذ أي عملتم وما عملتم . لو بايعوا علياً لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم. " أنساب الأشراف، ج 2، ص 274، خطبة أبي بكر بعد البيعة.

كذلك ينقل سبط بن الجوزي جملة سلمان الشهيرة بقوله : سألت المأمون كيف تقولون إن الناس ارتضوا أبا بكر وسلمان قال بالفارسية "كردى ونكردى" أي فعلت ولم تفعل فعصروا عنقه وضربوه؟(1).

يقول ابن أبي الحديد: يفسر الشيعة عبارة سلمان الاحتجاجية بأنها تعني لقد أسلمتم ولم تسلموا . أما نحن - أهل السنة - فلنا تفسيرنا المغاير لها وهو أنها تعني : لقد سلكتم الطريق الصحيح ولكنكم أخطأتم"(2).

إن ابن أبي الحديد ينقل حادثة نقلها البراء بن عازب عن وفاة النبي صلی الله علیه وآله وسلم وما تلاها من حوادث وهو ما سيأتي تفصيله في القسم الخاص بأبي بن كعب بأن المقداد وعبادة بن الصامت

ص: 122


1- عن أبي الهذيل العلاف قال: سافرت مع المأمون إلى الرقة فبينا أنا أسير في الفرات إذ مررنا بدير فوصف لي فيه مجنون يتكلم الحكمة، فدخلت الدير وإذا برجل وسيم نظيف فصيح وهو مقيد، فسلمت عليه فرد السلام ثم قال : قلبي يحدثني إنك لست من أهل المدينة القليل عقول أهلها، يعني الرقة. قلت : نعم أنا من أهل العراق . فقال : إني أسألك فافهم ما أقول فقلت: سل. فقال : أخبرني عن النبی[صلی الله علیه وآله وسلم] هل أوصى ؟ قلت: لا. قال: فكيف ولي أبوبكر مجلسه من غير وصية؟ فقلت: اختاره المهاجرون والأنصار ورضي به الناس... كيف تقول رضي به الناس وقد قال سلمان الفارسي كردى ونكردى أي فعلتموها، فوجئت عنقه..." تذكرة الخواص، ص 63 ، الباب الرابع في ذكر خلافته [علیه السلام ] .
2- "قلت هذا الخبر هو الذي رواه المتكلمون في باب الإمامة عن سلمان أنه قال : كردید و نکردید، تفسره الشيعة فتقول: أراد أسلمتم وما أسلمتم، ويفسره أصحابنا فيقولون : معناه: أخطأتم وأصبتم . " شرح نهج البلاغة ، ج 6 ، ص 43 ، أمر المهاجرين والأنصار بعد بيعة أبي بكر، ذيل الخطبة 66 . " وما يذكره المحدثون من قوله للمسلمين يوم السقيفة: كرديد و نكرديد، محمول عند أصحابنا على أن المراد صنعتم شيئاً وما صنعتم أي استخلفتم خليفة ونعم ما فعلتم إلا أنكم عدلتم عن أهل البيت، فلو كان الخليفة منهم كان أولى. والإمامية تقول: معناه أسلمتم وما أسلمتم واللفظة المذكورة في الفارسية لا تعطي هذا المعنى وإنما تدل على الفعل والعمل لا غير. ويدل على صحة قول أصحابنا أن سلمان عمل لعمر على المدائن. فلو كان ما تنسبه الإمامية إليه حقاً لم يعمل له. " شرح نهج البلاغة، ج 18، ص 39 ، سلمان الفارسي وخبر إسلامه، ذيل الرسالة 68 .

وسلمان الفارسي وأباذر وحذيفة وأبا الهيثم بن التيهان حاولوا في الليل إبطال الانتخابات وإعادة الخلافة شورى بين المهاجرين (1).

كالعادة، يكتفي مؤلفو السنّة بهذا المقدار وبشكل متناثر، أما كتب الشيعة فتورد موقف سلمان بالتفصيل.

يقول سلمان الفارسي: أتيت الإمام علياً [ علیه السلام ] وكان يغسل رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم] وكان رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم ] أوصى بأن لا يغسله إلاّ علي، وقال إن جسده الطاهر سينقلب إلى الجهة التي يريد. وكان الإمام علي [ علیه السلام] قد سأله عمّن يعينه على غسله فقال [صلی الله علیه وآله وسلم]: جبرائيل [سيعينك] . فلما انتهى من غسله وتكفينه دعاني الإمام علي [علیه السلام] وأباذر والمقداد وفاطمة والحسن والحسين. فوقف الإمام في الأمام ووقفنا خلفه فصلينا على النبي [صلی الله علیه وآله وسلم]. وكانت عائشة جالسة في ركن من أركان الغرفة لا تلتفت إلينا وكأن جبرائيل أغلق عينيها. ثم كان يؤتى في كل مرة بعشرة من المهاجرين وعشرة من الأنصار إلى داخل البيت فيصلون على النبي ثم يخرجون. حتى صلى جميع المهاجرين والأنصار عليه.

يقول سلمان: حين كان علي يغسل النبي أخبرته بما جرى في السقيفة وقلت له إنهم قرروا وفعلوا ما يريدون وإن أبابكر على منبر رسول الله والناس يبايعونه بيديه. فقال الإمام علي [علیه السلام]: يا سلمان ! أتعلم من أول من بايع أبابكر على منبر رسول الله [ صلی الله علیه وآله وسلم]؟ قلت: كلا، ولکن أول من بايعه في سقيفة بني ساعدة كان بشير بن سعد ثم أبو عبيدة الجرّاح ثم عمر بن الخطّاب ثم سالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل.

ص: 123


1- وقال البراء بن عازب : لم أزل لبني هاشم محباً، فلما توفي رسول الله[صلی الله علیه وآله وسلم] تخوفت أن تتمالأ قريش على إخراج هذا الأمر عن بني هاشم... فأتيتهم، فأجد المقداد بن الأسود وعبادة بن الصامت وسلمان الفارسي وأباذر وحذيفة وأبا الهيثم بن التيهان وإذا حذيفة يقول لهم: والله ليكونن ما أخبرتكم به والله ما كذبت ولا كذبت وإذا القوم يريدون أن يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين. ثم قال : ائتوا أبي بن كعب فقد علم كما علمت . " شرح نهج البلاغة ، ج 2، ص 51 - 52 ، حديث السقيفة، ذيل الخطبة 26 .

فقال الإمام ما هذا عنيتُ . هل عرفت من كان أول من بايع أبابكر حين صعد على منبر رسول الله؟ قلت: كلا ولكنه كان شيخاً يتوكأ على عصا وعلى جبهته أثر السجود، فصعد المنبر وهو يستجمع ثيابه وقال وهو يبكي : الحمد لله الذي أبقاني حتى رأيتك في هذا المكان امدد يدك أبايعك! ثم بايعه ثم نزل من المنبر وخرج من المسجد. فقال لي أمير المؤمنين [ علیه السلام]: يا سلمان ! ألم تعرف الرجل؟ قلت: كلا، ولكن ساءني كلامه، كأنه كان فرحاً بموت رسول الله. فقال الإمام علي:

«إن ذلك إبليس لعنه الله. أخبرني رسول الله أن إبليس ورؤساء أصحابه شهدوا نصب رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم] إياي بغدير خم بأمر الله تعالى، فأخبرهم أن يبلغ الشاهد الغائب فأتاه أبالسة ومردة أصحابه فقالوا: إن هذه أمة مرحومة معصومة وما لنا ولا لك عليهم من سبيل قد علموا إمامهم ومفزعهم بعد نبيهم. فانطلق إبليس كئيباً حزيناً، فأخبرني رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم] أن لو قد قبض أن

الناس سيبايعون أبابكر في ظلة بني ساعدة بعد أن تخاصمهم بحقك وحجتك ثم يأتون المسجد فيكون أول من يبايعه على منبري إبليس في صورة شيخ كبير مستبشر يقول كذا وكذا. ثم تجتمع شياطينه وأبالسته فيخرّ ويكسع ثم يقول: كذا زعمتم أن ليس لي عليهم سبيل، فكيف رأيتموني صنعت بهم حين تركوا أمر من أمرهم الله بطاعته وأمرهم رسوله؟...».

ثم تحدث سلمان عن النشاط الذي قام به علي وفاطمة والحسن والحسين [علیهم السلام] في الليل لاستنهاض الناس وغدر الناس بهم والهجوم على بيت فاطمة وإحراقه والمعاملة الوحشية التي عاملوا بها علياً وفاطمة واقتياد علي إلى المسجد لأخذ البيعة منه وبيعة الزبير التي أخذوها منه بالإكراه، ثم قال : ثم أمسكوا بي وضغطوا على عنقي ولووا ذراعي وكأنهم كسّروا جميع أعضائي، فبايعت مكرهاً مجبراً.

ص: 124

يقول سليم بن قيس: قلت لسلمان: هل بايعت أبا بكر دون أن تقول شيئاً؟ فقال: بعد أن بايعت :قلت تبّاًلكم سائر الدهر أو تدرون ما صنعتم بأنفسكم ؟ أصبتم و أخطأتم. أصبتم سنة الأولين وأخطأتم سنة نبيكم حتى أخرجتموها من معدنها وأهلها.

فقال لي عمر: «أمّا إذا بايع صاحبك وبايعت فقل ما بدا لك وليقل ما بدا له. فقلت: فإني أشهد أني سمعت رسول الله [ صلی الله علیه وآله وسلم] يقول : إنّ عليك وعلى صاحبك الذي بايعته مثل ذنوب أمته إلىيوم القيامة ومثل عذابهم» (1).

ص: 125


1- وفي رواية سليم بن قيس الهلالي، عن سلمان الفارسي أنه قال: أتيت علياً [ علیه السلام] وهو يغسّل رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم ] وقد كان أوصى أن لا يغسله غير علي [علیه السلام] وأخبر أنه لا يريد أن يقلب منه عضو إلا قلب له. وقد قال أمير المؤمنين [علیه السلام] الرسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم]: من يعينني على غسلك يا رسول الله؟ قال: جبرئيل. فلما غسّله وكفّنه أدخلني وأدخل أباذر والمقداد وفاطمة وحسناً وحسيناً، فتقدم وصففنا خلفه، فصلى عليه وعائشة في الحجرة لا تعلم قد أخذ جبرئيل ببصرها. ثم أدخل عشرة من المهاجرين وعشرة من الأنصار فيصلون ويخرجون حتى لم يبق من المهاجرين والأنصار الأصلى عليه. وقلت لعلي [علیه السلام] حين يُغسل رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم ]: إنّ القوم فعلوا كذا وإنّ أبابكر الساعة لعلى منبر رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم ] وما يرضى الناس أن يبايعوا له بيد واحدة إنهم ليبايعونه بيديه جميعاً يميناً وشمالاً. فقال علي [علیه السلام]: يا سلمان ! فهل تدري من أول من يبايعه على منبر رسول الله [ صلی الله علیه وآله وسلم ] ؟ فقلت : لا إلا أني قد رأيته في ظلة بني ساعدة حين خصمت الأنصار وكان أول من بايعه بشير بن سعيد ثم أبو عبيدة بن الجراح ثم عمر بن الخطّاب ثم سالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل. قال: لست أسألك عن هذا ولكن تدري من أول من بايعه حين صعد منبر رسول الله [ صلی الله علیه وآله وسلم ]؟ قلت: لا ولكنّي رأيت شيخاً كبيراً متوكئاً على عصاه بين عينيه سجّادة شديد التشمير وهو يبكي ويقول: الحمد لله الذي لم يمتني ولم يُخرجني من الدنيا حتى رأيتك في هذا المكان، ابسط يدك أبايعك ! فبسط يده فبايعه، ثم نزل فخرج من المسجد. فقال لي علي [علیه السلام] يا سلمان! وهل تدري من هو ؟ قلت: لا ولكني ساءتني مقالته كأنه شامت بموت رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم]. قال علي : إن ذلك إبليس لعنه الله. أخبرني رسول الله أن إبليس ورؤساء أصحابه شهدوا نصب رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم ] إياي بغدير خم بأمر الله تعالى، فأخبرهم أن يبلغ الشاهد الغائب، فأتاه أبالسة ومردة أصحابه فقالوا: إن هذه أمة مرحومة معصومة وما لنا ولا لك عليهم من سبيل قد علموا إمامهم ومفزعهم بعد نبيهم. فانطلق إبليس كئيباً حزيناً. فأخبرني رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم ] أن لو قد قبض أن الناس سيبايعون أبابكر في ظلة بني ساعدة بعد أن تخاصمهم بحقك وحجتك ثم يأتون المسجد فيكون أول من يبايعه على منبري إبليس في صورة شيخ كبير مستبشر يقول كذا وكذا، ثم تجتمع شياطينه وأبالسته فيخرّ ويكسع ثم يقول : كذا زعمتم أن ليس لي عليهم سبيل، فكيف رأيتموني صنعت بهم حين تركوا أمر من أمرهم الله بطاعته وأمرهم رسوله؟... قال سلمان ثم أخذوني [فوجئوا] عنقي حتى تركوها مثل السلعة ثم فتل-وا يدي فبايع-ت مكره-ا... ف-ق-ال س--لي-م : فقلت : یا سلمان! بايعت أبا بكر ولم تقل شيئاً ؟ قال : قد قلت بعد ما بايعت : تباً لكم سائر الدهر ! أو تدرون ماذا صنعتم بأناسكم؟ (هكذا) أصبتم وأخطأتم أصبتم سنة الأولين وأخطأتم سنة نبيكم حتى أخرجتموها من معدنها وأهلها. فقال لي عمر: أما إذا بايع صاحبك وبايعت فقل ما بدا لك وليقل ما بدا له . قال : قلت : فإني أشهد أني سمعت رسول الله [ صلی الله علیه وآله وسلم ] يقول أن عليك وعلى صاحبك الذي بايعته مثل ذنوب أمته إلى يوم القيامة ومثل عذابهم..." الاحتجاج على أهل اللجاج، ج 1، ص 105 - 111، ما جرى بعد الرسول [صلی الله علیه وآله وسلم ] ؛ كتاب سليم بن قيس الهلالي، ج 2، ص 577 ، الحديث الرابع ؛ بحار الأنوار، ج 28 ، ص 261 ، كتاب الفتن والمحن الباب الرابع، الحديث 45 .
اعتراض آخر من سلمان:

توجه جماعة من أصحاب النبي صلی الله علیه وآله إلى المسجد للاعتراض على السقيفة. يقول الإمام الصادق علیه السلام : « ثم قام سلمان الفارسي فقال : كرديد ونكرديد أي فعلتم ولم تفعلوا. وقد كان امتنع من البيعة قبل ذلك حتى وجئ عنقه، فقال: يا أبا بكر إلى من تسند أمرك إذا نزل بك ما لا تعرفه؟ وإلى من تفزع إذا سُئلت عما لا تعلمه؟ وما عذرك في تقدمك على من هو أعلم منك وأقرب إلى رسول الله [ صلی الله علیه وآله ] وأعلم بتأويل كتاب الله عزّ وجلّ وسنة نبيه، ومن قدّمه النبي [صلی الله علیه وآله وسلم] في حياته وأوصاكم به عند وفاته، فنبذتم قوله وتناسيتم وصيته وأخلفتم الوعد ونقضتم العهد وحللتم العقد الذي كان عقده عليكم من النفوذ تحت راية أسامة بن زيد حذراً من مثل ما أتيتموه وتنبيهاً للأمة على عظيم ما احترمتموه ومن مخالفة أمره. فعن قليل يصفو لك الأمر وقد أثقلك الوزر ونقلت إلى قبرك وحملت معك ما كسبت يداك. فلو راجعت الحق من قريب وتلافيت نفسك وتبت إلى الله من عظيم ما اجترمت كان ذلك أقرب إلى نجاتك يوم تفرد في حفرتك ويسلمك ذوو نصرتك، فقد سمعت كما سمعنا ورأيت كما رأينا فلم يردعك ذلك عما أنت متشبث به من هذا الأمر الذي لا عذر لك في تقلده ولا حظّ للدين ولا المسلمين في قيامك به. فالله الله في نفسك، فقد أعذر من أنذر ولا تكن كمن أدبر واستكبر»(1).

ص: 126


1- ثم قام سلمان الفارسي فقال: كرديد ونكرديد أي فعلتم ولم تفعلوا. وقد كان امتنع من البيعة قبل ذلك حتى وجي عنقه، فقال : يا أبابكر ! إلى من تسند أمرك إذا نزل بك ما لا تعرفه؟ وإلى من تفزع إذا سئلت عما لا تعلمه؟ وما عذرك في تقدمك على من هو أعلم منك وأقرب إلى رسول الله [صلی الله علیه وآله] وأعلم بتأويل كتاب الله عزّ وجلّ وسنة نبيه، ومن قدّمه النبي [صلی الله علیه وآله] في حياته وأوصاكم به عند وفاته، فنبذتم قوله وتناسيتم وصيته وأخلفتم الوعد ونقضتم العهد وحللتم العقد الذي كان عقده عليكم من النفوذ تحت راية أسامة بن زيد حذراً من مثل ما أتيتموه وتنبيهاً للأمة على عظيم ما احترمتموه ومن مخالفة أمره. فعن قليل يصفو لك الأمر وقد أثقلك الوزر ونقلت إلى قبرك وحملت معك ما كسبت يداك. فلو راجعت الحق من قريب وتلافيت نفسك وتبت إلى الله من عظيم ما اجترمت كان ذلك أقرب إلى نجاتك يوم تفرد في حفرتك ويسلمك ذو و نصرتك، فقد سمعت كما سمعنا ورأيت كما رأينا فلم يردعك ذلك عما أنت متشبث به من هذا الأمر الذي لا عذر لك في تقلده ولا حظّ للدين ولا المسلمين في قيامك به. فالله الله في نفسك، فقد أعذر من أنذر. ولا تكن كمن أدبر واستكبر . " الاحتجاج على أهل اللجاج، ج 1، ص 99 - 100 ، ما جرى بعد الرسول صلی الله علیه وآله ؛ بحار الأنوار، ج28، ص 193 - 195 ، كتاب الفتن والمحن الباب الرابع، الحديث الثاني.
معارضة أبي ذر الغفاري:

من المؤسف أن المؤرخين السنّة لا يتطرقون إلى موقف أبي ذر إلاّ قليلاً ويحاولون التركيز أكثر على خلافه مع عثمان وتجاهل معارضته لاستخلاف أبي بكر.

يكتفي أبو الفداء وابن الوردي واليعقوبي والمحب الطبري بالإشارة إلى عدم مبايعته لأبي بكر، فيقولون أن أباذر مع جماعة من الصحابة وبني هاشم امتنعوا من بيعة أبي بكر وذهبوا إلى بيت الإمام علي علیه السلام والتفوا حوله داعمين له(1).

ينقل ابن أبي الحديد رواية يرويها البراء بن عازب عن وفاة النبي صلی الله علیه وآله وسلم وما تلاها من حوادث ستأتي تفاصيلها في القسم الخاص بأبي بن كعب وهي أن المقداد وعبادة بن الصامت

ص: 127


1- "فرجع القوم إلى قوله وبادروا سقيفة بني ساعدة، فبايع عمر أبابكر وانثال الناس عليه يبايعونه في العشر الأوسط من ربيع الأول سنة إحدى عشرة خلا جماعة من بني هاشم والزبير وعتبة بن أبي لهب وخالد بن سعيد بن العاص والمقداد بن عمرو وسلمان الفارسي وأبي ذر وعمار بن ياسر والبراء بن عازب وأبي بن كعب ومالوا مع علي بن أبي طالب. " تاريخ أبي الفداء، ج 1، ص219، حوادث سنة 11 هجرية، ذكر أخبار أبي بكر وخلافته . " وبادروا (سقيفة بني ساعدة)، فبايع عمر أبابكر وانثال الناس يبايعونه في العشر الأوسط من ربيع الأول سنة إحدى عشرة خلا جماعة من بني هاشم والزبير وعتبة بن أبي لهب وخالد بن سعيد بن العاص والمقداد بن عمرو وسلمان الفارسي وأبي ذر وعمّار بن ياسر والبراء بن عازب وأبي بن كعب وأبو (هكذا) سفيان من بني أمية ومالوا مع علي. " تاريخ ابن الوردي، ج 1، ص188 ، أخبار أبي بكر وخلافته. " وتخلف عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين والأنصار ومالوا مع علي بن أبي طالب، منهم العباس بن عبد المطلب والفضل بن العباس والزبير بن العوام بن العاص وخالد بن سعيد والمقداد بن عمرو وسلمان الفارسي وأبوذر الغفاري وعمار بن ياسر والبراء بن عازب وأبي بن كعب . " تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 124 ، خبر سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر. " وتخلف عن بيعة أبي بكر يومئذ سعد بن عبادة في طائفة من الخزرج وعلي بن أبي طالب وابناه والعباس عمّ رسول الله وبنوه في بني هاشم والزبير وطلحة وسلمان وعمار وأبو ذر والمقداد وغيرهم من المهاجرين وخالد بن سعيد بن العاص . " الرياض النضرة في مناقب العشرة، ج 1 ، ص 241 ، ذكر بيعة العامة.

وسلمان الفارسي وأباذر وحذيفة وأبا الهيثم بن التيهان عزموا ليلاً على إعادة الخلافة شورى بين المهاجرين وإلغاء الانتخابات(1).

يشرح اليعقوبي معارضة أبي ذر لاستخلاف أبي بكر في عهد عثمان بقوله:

«أيتها الأمة المتحيرة بعد نبيها ! أما لو قدّمتم من قدم الله وأخرتم من أخر الله وأقررتم الولاية والوراثة في أهل بيت نبيكم لأكلتم من فوق رؤوسكم ومن تحت أقدامكم ولما عال ولي الله ولا طاش سهم من فرائض الله ولا اختلف اثنان في حكم الله إلا وجدتم علم ذلك عندهم من كتاب الله وسنة نبيه. فأما إذ فعلتم ما فعلتم فذوقوا وبال أمركم وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون»(2).

ينقل ابن أبي الحديد رواية رائعة ولكن قصيرة عن الجوهري حول معارضة أبي ذر فيقول : لما توفي رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم ] كان أبوذر غائباً. فلما عاد إلى المدينة ورأى أبابكر بويع له بالخلافة جهر بمعارضته وقال: رضيتم بالأدنى وتركتم أهل بيت نبيكم [صلی الله علیه وآله وسلم]. ولو أنكم جعلتم الخلافة فيهم لما اختلفتم(3).

ص: 128


1- " وقال البراء بن عازب لم أزل لبني هاشم محبا، فلما قبض رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم ] تخوفت أن تتمالأ قريش على إخراج هذا الأمر عن بني هاشم... فأتيتهم. فاجد المقداد بن الأسود وعبادة بن الصامت وسلمان الفارسي وأباذر و أبا الهيثم بن التيهان، وإذا حذيفة يقول لهم : والله ليكونن ما أخبرتكم به! والله ما كذبت وما كذبت . وإذا القوم يريدون أن يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين ثم قال : ائتوا أبي بن كعب فقد علم كما علمت " شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 51 - 52 ، حديث السقيفه، ذيل الخطبة 26 .
2- " وبلغ عثمان أن أباذر يقعد في مسجد رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم ] ويجتمع إليه الناس فيحدث بما فيه الطعن عليه وأنه وقف بباب المسجد فقال :.... أيتها الأمة المتحيرة بعد نبيها !..... أما لو قدمتم من قدم الله وأخرتم من أخر الله وأقررتم الولاية والوراثة في أهل بيت نبيكم لأكلتم من فوق رؤوسكم ومن تحت أقدامكم ولما عال ولي الله ولا طاش سهم من فرائض الله و لا اختلف اثنان في حكم الله إلا وجدتم علم ذلك عندهم من كتاب الله وسنة نبيه فأما إذ فعلتم ما فعلتم فذوقوا وبال أمركم وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. " تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 171، أيام عثمان بن عفان.
3- " أن رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم] لمامات وأبو ذر غائب وقدم وقد ولي أبو بكر ، فقال : أصبتم قناعةً وتركتم قرابة ؛ لو جعلتم هذا الأمر في أهل بيت نبيكم لما اختلف عليكم اثنان " شرح نهج البلاغة ، ج 6 ، ص 13 ، يوم السقيفة ذيل الخطبة 66 .
معارضة أبي ذر حسب روايات الشيعة :

ما يؤسف له أن تكملة كلام أبي ذر واعتراضه لم تذكر لأسباب مختلفة بل حذفت. وهنا نعود إلى رواية الإمام الصادق علیه السلام الواردة في كتب الشيعة للاطلاع عليها .

يقول الإمام الصادق علیه السلام : بعد سلمان، قام أبوذر فقال: «يا معشر قريش ! أصبتم قباحة وتركتم قرابة. والله ليرتدن جماعة من العرب ولتشكن في هذا الدين. ولو جعلتم الأمر في أهل بيت نبيكم ما اختلف عليكم سيفان والله لقد صارت لمن غلب، ولتطمحن إليها عين من ليس من أهلها، وليسفكن في طلبها دماء كثيرة. فكان كما قال أبو ذر،ثم قال : لقد علمتم وعلم خياركم أن رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم] قال الأمر بعدي لعلي ثم لابني الحسن والحسين ثم للطاهرين من ذريتي، فأطر حتم قول نبيكم وتناسيتم ما عهد به إليكم، فأطعتم الدنيا الفانية ونسيتم الآخرة الباقية التي لا يهرم شابها ولا يزول نعيمها ولا يحزن أهلها ولا يموت سكانها بالحقير التافه الفاني الزائل. فكذلك الأمم من قبلكم كفرت بعد أنبيائها ونكصت على أعقابها وغيرت وبدلت واختلفت. فساويتموهم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة وعما قليل تذوقون وبال أمركم وتجزون بما قدمت أيديكم وما الله بظلام للعبيد"(1) .

ص: 129


1- " ثم قام أبو ذر الغفاري فقال : يا معشر قريش أصبتم قباحة وتركتم قرابة والله ليرتدن جماعة من العرب ولتشكن في هذا الدين. ولو جعلتم الأمر في أهل بيت نبيكم ما اختلف عليكم سيفان والله لقد صارت لمن غلب، ولتطمحن إليها عين من ليس من أهلها، وليسفكن في طلبها دماء كثيرة. فكان كما قال أبو ذر ، ثم قال : لقد علمتم وعلم خياركم أن رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم] قال : الأمر بعدي لعلي ثم لابني الحسن والحسين ثم للطاهرين من ذريتي ، فأطر حتم قول نبيكم وتناسيتم ما عهد به إليكم، فأطعتم الدنيا الفانية ونسيتم الآخرة الباقية التي لا يهرم شابها ولا يزول نعيمها ولا يحزن أهلها ولا يموت سكانها بالحقير التافه الفاني الزائل. فكذلك الأمم من قبلكم كفرت بعد أنبيائها ونكصت على أعقابها وغيرت وبدلت واختلفت فساويتموهم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة وعما قليل تذوقون وبال أمركم وتجزون بما قدمت أيديكم وما الله بظلام للعبيد . " الاحتجاج على أهل اللجاج، ج 1، ص 100 - 101، ماجری بعد الرسول صلی الله علیه وآله وسلم؛ بحار الأنوار ، ج 28، ص 195 ، كتاب الفتن والمحن الباب الرابع، الحديث الثاني.

ويشير الإمام الباقر علیه السلام إلى معارضة أبي ذر فيقول: لما مروا بأمير المؤمنين علیه السلام وفي رقبته حبل آل زريق [كناية عن رئيس الحكم] ضرب أبو ذر بيده على الأخرى ثم قال: ليت السيوف قد عادت بأيدينا ثانية. وقال المقداد: لو شاء لدعا عليه ربه عز وجل. وقال سلمان: مولانا أعلم بما هو فيه [ بما يعمل](1).

معارضة المقداد:

المعارض الآخر للسقيفة والمخالف لنتائجها كان المقداد الذي يقول عنه السنة إنه ليس فقط لم يبايع بل كان من المعارضين الذين اجتمعوا في بيت فاطمة علیها السلام ، ولما هجم عمر بن الخطاب على البيت اشتبك معه بالأيدي وضربه [عمر] على صدره(2).ويشير أبو الفداء وابن الوردي واليعقوبي والمحب الطبري أيضاً إلى معارضة المقداد وعدم مبايعته لأبي بكر بقولهم إن المقداد مع جماعة من الصحابة وبني هاشم امتنعوا من بيعة أبي بكر

ص: 130


1- "عن أبي حمزة قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول : لما مروا بأمير المؤمنين علیه السلام و في رقبته حبل آل زريق ضرب أبوذر بيده على الأخرى ثم قال: ليت السيوف قد عادت بأيدينا ثانية. وقال المقداد: لو شاء لدعا عليه ربه عز وجل. وقال سلمان مولانا أعلم بما هو فيه." اختيار معرفة الرجال، ص 7 - 8 ، سلمان الفارسي ؛ بحار الأنوار، ج28، ص 237 - 238 ، كتاب الفتن والمحن، الباب الرابع، الحديث 23 .
2- "قال : قال أبو بكر : يا عمر ! أين خالد بن الوليد ؟ قال : هو هذا فقال: انطلقا إليهما، يعني علياً والزبير، فأتياني بهما. فانطلقا فدخل عمر ووقف خالد على الباب من خارج، فقال عمر للزبير : ما هذا السيف؟ قال : أعددته لأبايع علياً. قال : وكان في البيت ناس كثير منهم المقداد بن الأسود وجمهور الهاشميين..." شرح نهج البلاغة، ج 6 ، ص 48 ، ذكر أمر فاطمة مع أبي بكر ، ذيل الخطبة 66. "قال : لمّا بويع لأبي بكر كان الزبير والمقداد يختلفان في جماعة من الناس إلى علي وهو في بيت فاطمة فيتشاورون ويتراجعون أمورهم..." شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 45 ، حديث السقيفة، ذيل الخطبة 26. قال أبوبكر: وقد روي في رواية أخرى أن سعد بن أبي وقاص كان معهم في بيت فاطمة [علیه السلام] والمقداد بن الأسود أيضاً وأنهم اجتمعوا على أن يبايعوا علياً [علیه السلام ] . " شرح نهج البلاغة، ج2، ص 56 ، ذيل الخطبة 66 . "وعمر هو الذي شدّ بيعة أبي بكر ووقم المخالفين فيها، فكسر - سيف الزبير لما جرده ودفع في صدر المقداد." شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 174 ، طرف من أخبار عمر بن الخطّاب، ذيل الخطبة الثالثة.

ومالوا إلى علي [علیه السلام] وساندوه (1)، واستمرت معارضة المقداد إلى فترة الشورى التي انتهت باستخلاف عثمان .

يقول ابن شبة والطبري وابن الأثير إن المقداد جهر بالمعارضة وقال : إن ما جرى على أهل بيت النبي لم يجر على أحد. عجبي من قريش أنهم تركوا أعلم الناس وأقضاهم. والله لو وجدت أعواناً ... ! فهدد عبدالرحمن بن عوف المقداد قائلاً: اتق الله واجتنب الفتنة"(2)

أما المسعودي واليعقوبي فيتناولان موقف المقداد المعارض بمزيد من التفصيل فيقولان : قال المقداد: لم يؤذ بيت كما أوذي هذا البيت. فصاح به عبدالرحمن بن عوف: ما لك ولهذا الكلام؟ فردّ عليه المقداد:

ص: 131


1- "فرجع القوم إلى قوله وبادروا سقيفة بني ساعدة، فبايع عمر أبابكر وانثال الناس عليه يبايعونه في العشر الأوسط من ربيع الأول سنة إحدى عشرة خلا جماعة من بني هاشم والزبير وعتبة بن أبي لهب وخالد بن سعيد بن العاص والمقداد بن عمرو وسلمان الفارسي وأبي ذر وعمار بن ياسر والبراء بن عازب وأبي بن كعب ومالوا مع علي بن أبي طالب. " تاريخ أبي الفداء، ج 1، ص219، حوادث سنة 11 هجرية، ذكر أخبار أبي بكر وخلافته . " وبادروا ( سقيفة بني ساعدة) ، فبايع عمر أبابكر وانثال الناس يبايعونه في العشر الأوسط من ربيع الأول سنة إحدى عشرة خلا جماعة من بني هاشم والزبير وعتبة بن أبي لهب وخالد بن سعيد بن العاص والمقداد بن عمرو وسلمان الفارسي وأبي ذر وعمار بن ياسر والبراء بن عازب وأبي بن كعب و[ أبو سفيان من بني أمية ومالوا مع علي. " تاريخ ابن الوردي، ج1، ص188، أخبار أبي بكر وخلافته. " وتخلف عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين والأنصار، ومالوا مع علي بن أبي طالب، منهم العباس بن عبد المطلب والفضل بن العباس والزبير بن العوام بن العاص وخالد بن سعيد والمقداد بن عمرو وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري وعمار بن ياسر والبراء بن عازب وأبي بن كعب . " تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 124، خبر سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر . " وتخلف عن بيعة أبي بكر يومئذ سعد بن عبادة في طائفة من الخزرج وعلي بن أبي طالب وابناه والعباس عم رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم] وبنوه في بني هاشم والزبير وطلحة وسلمان وعمار وأبو ذر والمقداد وغيرهم من المهاجرين وخالد بن سعيد بن العاص . " الرياض النضرة في مناقب العشرية ج 1 ، ص 241 ، ذكر بيعة العامّة.
2- "فقال المقداد: ما رأيت مثل ما أوتي إلى أهل هذا البيت بعد نبيهم. إني لأعجب من قريش أنهم تركوا رجلاً ما أقول إن أحداً أعلم ولا أقضى منه بالعدل. أما والله لو أجد عليه أعواناً. فقال عبد الرحمن يا مقداد اتق الله فإني خائف عليك الفتنة. فقال رجل للمقداد: رحمك الله ! من أهل هذا البيت ومن هذا الرجل؟ قال : أهل البيت بنو عبدالمطلب والرجل علي بن أبي طالب . " تاريخ المدينة المنورة، ج3، ص 931 ، كيف تم انتخاب خليفة عمر ؛ تاريخ الطبري، ج 2، ص 583 ، حوادث سنة 23 هجرية قصة الشورى ؛ الكامل في التاريخ، ج 2، ص 223 - 224، حوادث سنة 23 هجرية، ذكر قصة الشورى ؛ شرح نهج البلاغة ، ج 9، ص 56 ، من أخبار يوم الشورى وتولي-ة عثمان ذيل الخطبة 139 .

والله إني أحبهم لأن رسول الله يحبهم والحق معهم دائماً. يا عبدالرحمن إني لأعجب من قريش كيف أخرجوا الخلافة من بيت رسول الله [ صلی الله علیه وآله وسلم] وهم لم يرتفع شأنهم إلا به. والله لو وجدت أنصاراً لقاتلتهم كما قاتلتهم مع النبي في بدر.

ثم جرت مشادة كلامية شديدة بين المقداد وعبد الرحمن بن عوف(1).

أما ابن أبي الحديد فينقل حادثةً عن البراء بن عازب حول وفاة النبي صلی الله علیه وآله وسلم وما تلاها من حوادث ستأتي تفاصيلها في القسم الخاص بأبي بن كعب وهو أن المقداد وعبادة بن الصامت وسلمان الفارسي وأباذر وحذيفة وأبا الهيثم بن التيهان عزموا ليلاً على إعادة الخلافة شورى بين المهاجرين وإلغاء الانتخابات (2).

موقف المقداد في كتب الشيعة:

يشير الإمام الصادق علیه السلام إلى اعتراض المقداد فيقول: قام المقداد بن الأسود فقال: يا أبا بكر ! إرجع عن ظلمك وتب إلى ربك والزم بيتك وابك على خطيئتك وسلم الأم لصاحبه الذي هو أولى به منك، فقد علمت ما عقده رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم] في عنقك من بيعته وألزمك من النفوذ تحت راية أسامة بن زيد وهو مولاه ونبه على بطلان وجوب هذا الأمر لك ولمن

ص: 132


1- "قام المقداد فقال : ما رأيت مثل ما أوذي به أهل هذا البيت بعد نبيهم. فقال عبدالرحمن بن عوف : وما أنت وذاك يا مقداد بن عمرو ؟ فقال : إني والله لأحبهم لحب رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم] إياهم وإن الحق معهم وفيهم ؛ يا عبد الرحمن ! أعجب من قريش، وإنما تطولهم على الناس بفضل أهل هذا البيت قد اجتمعوا على نزع سلطان رسول الله [ صلی الله علیه وآله وسلم] بعده من أيديهم. أما وأيم الله يا عبدالرحمن! لو أجد على قريش أنصاراً لقاتلتهم كقتالي إياهم مع النبي [صلی الله علیه وآله وسلم ] يوم بدر. وجرى بينهم من الكلام خطب طويل قد أتينا على ذكره في كتابنا أخبار الزمان في أخبار الشورى والدار. " مروج الذهب ومعادن الجوهر ، ج 2، ص 379 ، عمار بن ياسر ؛ تاريخ اليعقوبي، ج2، ص 163، أيام عثمان بن عفان ؛ شرح نهج البلاغة، ج 9، ص 21 ، فصل في ما شجر بين عثمان وابن عباس من الكلام بحضرة علي.
2- " وقال البراء بن عازب لم أزل لبني هاشم محباً، فلما قبض رسول الله [ صلی الله علیه وآله وسلم] تخوفت أن تتمالأ قريش على إخراج هذا الأمر عن بني هاشم... فأتيتهم. فأجد المقداد بن الأسود وعبادة بن الصامت وسلمان الفارسي وأباذر وحذيفة وأبا الهيثم بن التيهان وإذا حذيفة يقول لهم: والله ليكونن ما أخبرتكم به والله ما كذبت ولا كذبت واذا القوم يريدون أن يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين. ثم قال: ائتوا أبي بن كعب فقد علم كما علمت " شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 51-52 ، حديث السقيفة، ذيل الخطبة 26.

عضدك عليه بضمه لكما إلى علم النفاق ومعدن الشنان والشقاق عمرو بن العاص الذي أنزل الله فيه على نبيه [ صلی الله علیه وآله وسلم ] {وإن شانئك هو الأبتر} (1)، فلا اختلاف بين أهل العلم أنها نزلت في عمرو وهو كان أميراً عليكما وعلى سائر المنافقين في الوقت الذي أنفذه رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم] في غزاة ذات السلاسل وأن عمرواً قلدكما حرس عسكره ، فأين الحرس إلى الخلافة ؟ إتق الله وبادر بالاستقالة قبل فوتها، فإن ذلك أسلم لك في حياتك وبعد وفاتك، ولا تركن إلى دنياك، ولا تغرنك قريش وغيرها، فعن قليل تضمحل عنك دنياك ثم تصير إلى ربك فيجزيك بعملك وقد علمت وتيقنت أن علي بن أبي طالب [علیه السلام] هو صاحب الأمر بعد رسول الله [ صلی الله علیه وآله وسلم ] ، فسلمه إليه بما جعله الله له، فإنه أتم لسترك وأخف لوزرك، فقد والله نصحت لك إن قبلت نصحي وإلى الله ترجع الأمور"(2).

معارضة بريدة الأسلمي:

من الذين وقفوا موقفاً شفافاً وحازماً من السقيفة، السيد بريدة الذي لا تتطرق كتب السنة إلى مواقفه أبداً للأسف الشديد، إلا ابن مردويه وهو من كبار أهل السنة حيث ينقل رواية تفيد

ص: 133


1- سورة الكوثر، الآية 3.
2- "ثم قام المقداد بن الأسود فقال : يا أبابكر ! إرجع عن ظلمك وتب إلى ربك والزم بيتك وابك على خطيئتك وسلم الأمر لصاحبه الذي هو أولى به منك، فقد علمت ما عقده رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم ] في عنقك من بيعته وألزمك من النفوذ تحت راية أسامة بن زيد وهو مولاه ونبه على بطلان وجوب هذا الأمر لك ولمن عضدك عليه بضمه لكما إلى علم النفاق ومعدن الشنان والشقاق عمرو بن العاص الذي أنزل الله فيه على نبيه [ صلی الله علیه وآله وسلم] {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ } فلا اختلاف بين أهل العلم أنها نزلت في عمرو وهو كان أميراً عليكما وعلى سائر المنافقين في الوقت الذي أنفذه رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم] في غزاة ذات السلاسل وأن عمرواً قلدكما حرس عسكره، فأين الحرس إلى الخلافة؟ إتق الله وبادر بالاستقالة قبل فوتها، فإن ذلك أسلم لك في حياتك وبعد وفاتك، ولا تركن إلى دنياك، ولا تغ-رن-ك قريش وغيرها، فعن قليل تضمحل عنك دنياك ثم تصير إلى ربك فيجزيك بعملك وقد علمت وتيقنت أن علي بن أبي طالب [الا ] هو صاحب الأمر بعد رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم ] ، فسلمه إليه بما جعله الله له، فإنه أتم لسترك وأخف لوزرك، فقد والله نصحت لك إن قبلت نصحي وإلى الله ترجع الأمور ." الاحتجاج على أهل اللجاج، ج 1، ص 101، ما جرى بعد الرسول ؛ بحار الأنوار، ج28، ص 196 - 197 ، كتاب الفتن والمحن الباب الرابع، الحديث الرابع.

بأن بريدة امتنع من بيعة أبي بكر والتحق بعلي الهلا وسانده لأنه سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله حديثاً عن ولايته وإمامته(1)

مواقف بريدة في كتب الشيعة:

جاء في رواية عن الإمام الصادق علیه السلام أنه بعد أن انتهى كلام المقداد، عبر بريدة الأسلمي عن اعتراضه بالقول:

«إنا لله وإنا إليه راجعون [كأنه ينعى الإسلام ويقرأ عليه الفاتحة] ماذا لقي الحق من الباطل؟ يا أبابكر ! أنسيت أم تناسيت و خدعت أم خدعتك نفسك أم سولت لك الأباطيل ؟ أولم تذكر ما أمرنا به رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم ] من تسمیة علي ان بريدة من كبار قبيلته ومن أصحاب الألوية ومن المقاتلين الأشداء في الحروب. تهذيب الكمال في أسماء الرجال، ج 3، ص31

شرح حال بريدة، الرقم 650 ؛ سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 469 ، شرح حال بريدة، الرقم 91 . ] من تسمية علي [علیه السلام] بإمرة المؤمنين والنبي [ صلى الله عليه وآله] بين أظهرنا وقوله له في عدة أوقات هذا علي أمير المؤمنين وقاتل القاسطين ؟(2)، اتق الله وتدارك نفسك قبل أن لا تدركها وأنقذها مما يهلكها واردد الأمر إلى من هو أحق به منك ولا تتماد في اغتصابه وراجع وأنت تستطيع أن تراجع، فقد محضتك النصح ودللتك على طريق النجاة، فلا تكونن ظهيراً للمجرمين»(3).

ص: 134


1- " أن بريدة امتنع من مبايعة أبي بكر بعد وفاة النبي [صلی الله علیه وآله وسلم]وتبع العليا لأجل ما كان سمعه من نص النبي بالولاية بعده. " مناقب علي بن أبي طالب، ص 120 ، الفصل الثامن في أنه [علیه السلام] أقرب الناس من رسول الله [صلى الله عليه وآله ] ، الحديث 146 .
2- يعني حرب صفين.
3- "ثم قام إليه بريدة الأسلمي فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ماذا لقي الحق من الباطل؟ يا أبابكر ! أنسيت أم تناسيت و خدعت أم خدعتك نفسك أم سولت لك الأباطيل ؟ أو لم تذكر ما أمرنا به رسول الله [صلى الله عليه وآله] من تسمية علي [علیه السلام] بإمرة المؤمنين والنبي [صلى الله عليه وآله] بين أظهرنا وقوله له في عدة أوقات هذا على أمير المؤمنين وقاتل القاسطين؟(1) اتق الله وتدارك نفسك قبل أن لا تدركها وأنقذها مما يهلكها واردد الأمر إلى من هو أحق به منك ولا تتماد في اغتصابه وراجع وأنت تستطيع أن تراجع، فقد محضتك النصح ودللتك على طريق النجاة، فلا تكونن ظهيراً للمجرمين. " الاحتجاج على أهل اللجاج، ج 1، ص 101 - 102، ما جرى بعد الرسول صلى الله عليه وآله و ؛بحار الأنوار، ج 28، ص 197 - 198 ، كتاب الفتن والمحن، الباب الرابع، الحديث الرابع.

يروي العلامة المجلسي نقلا نقلاً عن حذيفة أن بريدة لما عاد من الشام وكان النبي قد توفي وبايع الناس أبابكر، فذهب إلى المسجد وكان أبوبكر على المنبر وعمر دونه بدرجة فصاح بهما: يا أبابكر ويا عمر ! فقالا : [ وكانا يعرفانه جيداً و يعرفان بلاءه الحسن في الحروب(1)، ولكنهما بوغتا]: هل جننت يا بريدة؟ قال: كلا لم أجن ولكن أين سلامكما بالأمس على علي [علیه السلام ] بإمرة المؤمنين؟

فقال أبوبكر: لقد قلنا بالأمس شيئاً ونقول اليوم شيئاً آخر. لقد كنت غائباً وكنا حاضرين. والحاضر يرى ما لا يرى الغائب. فقال بريدة : أفرأيتها ما لم ير الله ورسوله؟ ووفى لك صاحبك بقوله في الاجتماعات السرية : [ نهنئ علياً في الغدير]، وحين يتوفى النبي ننقض عهدنا وبيعتنا. ثم

قال : حرام عليّ البقاء في المدينة ما دمت حياً.

ثم أخذ عياله وذهب إلى قبيلته بني أسلم فكان يتابع أخبار المدينة من أسلم فكان يتابع أخبار المدينة من هناك. و لما وصل الحكم

إلى الإمام علي علیه السلام عاد إلى المدينة ثم رافق الإمام عندما حوّل عاصمته إلى العراق والكوفة. وبعد استشهاد أمير المؤمنين علیه السلام ذهب إلى خراسان وبقي فيها حتى وفاته(2).

ص: 135


1- كان بريدة من كبار قبيلته ومن أصحاب الألوية ومن المقاتلين الأشداء في الحروب. تهذيب الكمال في أسماء الرجال، ج 3، ص31 شرح حال بريدة، الرقم 650 ؛ سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 469 ، شرح حال بريدة، الرقم 91 .
2- " مضى بريدة الى بعض طرق الشام ورجع وقد قبض رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم ] وبايع الناس أبابكر. فأقبل بريدة وقد دخل المسجد وأبوبكر على المنبر وعمر دونه بمرقاة، فناداهما من ناحية المسجد يا أبابكر و يا عمر ! قالا : وما لك يا بريدة أجننت ؟ فقال لهما : والله ما جننت ولكن أين سلامكما بالأمس على علي علیه السلام بإمرة المؤمنين ؟ فقال له ابوبكر : يا بريدة الأمر يحدث بعده الأمر وإنك غبت وشهدنا والشاهد يرى ما لا يرى الغائب . فقال لهما : رأيتها ما لم يره الله ورسوله ؟ ووفى لك صاحبك بقوله : لو فقدنا محمداً لكان قوله هذا تحت أقدامنا. ألا إن المدينة حرام على أن أسكنها أبداً حتى أموت فخرج بريدة بأهله وولده فنزل بين قومه بني أسلم فكان يطلع في الوقت دون الوقت. فلما أفضى الأمر إلى أمير المؤمنين اللا سار إليه وكان معه حتى قدم العراق. فلما أصيب أمير المؤمنين علیه السلام صار إلى خراسان فنزلها ولبث هناك إلى أن مات برحمة الله تعالى . " بحار الأنوار، ج 28، ص 93 ، كتاب الفتن والمحن الباب الثالث، الحديث الثالث ؛ إرشاد القلوب، ج 2، ص 187 - 188، باب في فضائله علیه السلام.

ويقول القاضي نور الله التستري: لما سمع بريدة بوفاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حمل رايته و ركزهاعند باب بيت أمير المؤمنين علیه السلام[ تعبيراً عن التاييد]. فلما رأى عمر الراية قال: اتفق الناس كلهم على بيعة أبي بكر فلماذا ترفع راية المعارضة؟

فقال بريدة: لا أبايع إلّا صاحب هذه الدار(1).

يقول الإمام الصادق علیه السلام إن بريدة لما عاد من الشام ورأى الناس قد بايعوا أبا بكر قال لأبي بكر : هل نسيت وجوب التسليم على علي علیه السلام بإمرة المؤمنين من قبل الله ورسوله صلی الله علیه وآله وسلم علينا؟ فقال أبو بكر : كنتَ غائباً وكنا حاضرين و الله يغير أمراً بأمر. ولم يُرد أن تجتمع النبوة والخلافة في أهل هذا البيت(2).

وفي رواية أخرى لما عاد بريدة من سفره ذهب إلى عمران بن حصين فقال له: يا عمران! أتذكر لما كنا مع النبي مع جماعة من الأنصار في بستان، فكان النبي[صلی الله علیه وآله وسلم ] يأمر كل من يدخل البستان بأن يسلم على علي [علیه السلام ] بالقول " السلام عليك يا أمير المؤمنين"؟ وأن أبا بكر وعمر دخلا فأمرهما النبي بذلك. فاعترض عمر على أمر النبي وسأله هل هو أمر من الله أم من نبيه؟ فقال النبي: إنه أمر الله ورسوله. فقال عمران: نعم أذكر . فقال بريدة: أما وأنك تذكر فتعال معي

ص: 136


1- مجالس المؤمنين، ج 2، ص 273، شرح حال بريدة. ويقول المرحوم بحر العلوم: "وحكي أنه لما توفي رسول الله[صلی الله علیه وآله وسلم ] كان بريدة في قومه فأقبل برايته إلى المدينة ونصبها على باب دار أمير المؤمنين علیه السلام . ثم إن القوم خوّفوه وهدّدوه، فبايع أبابكر مكرها." الفوائد الرجالية، ج 2، ص 130، شرح حال بريدة.
2- " وروى عبدالله بن جبلة الكناني عن ذريح المحاربي عن أبي حمزة الثمالي عن جعفر بن محمد عن آبائه علیهم السلام أن بريدة كان غائباً بالشام فقدم وقد بايع الناس أبا بكر ، فأتاه في مجلسه فقال : يا أبابكر ! هل نسيت تسليمنا على علي بإمرة المؤمنين واجبة من الله ورسوله؟ قال: يا بريدة إنك غبت وشهدنا وإن الله يحدث الأمر بعد الأمر ولم يكن الله ليجمع لأهل هذا البيت النبوة والخلافة والملك. وقد روي خطاب لأبي بكر بهذا المعنى في ألفاظه (هكذا) مختلفة من طرق كثيرة. " موسوعة الشريف المرتضى (الشافي في الإمامة)، ج 8، ص 224 - 225، ج8، قول أمير المؤمنين: مازلت مظلوماً منذ قبض الله نبيه ؛ مناقب آل أبي طالب، ج 3، ص 53 ، في أنه علیه السلام أمير المؤمنين والوزير والأمين ؛ تلخيص الشافي، ج 3، ص 50 ، اعتراض بريدة وسلمان على أبي بكر يوم السقيفة. يقول العلامة المامقاني: هذه الاقوال اعتراف ضمني بأن غايتهم كانت الملك والسلطان لا الدين و التدين. " قال المامقاني : و في هذا اعتراف بأن غرضهم الملك لا الدين والديانة." تنقيح المقال، ج 12، ص 146 ، شرح حال بريدة، الرقم 2961/64 .

إلى أبي بكر لنحتج عليه بهذه الحادثة، فإذا أصرّ على أنه خليفة فيلزم أن يكون معه أمر من النبي. إنه لا يكذب و لا ينسب الكذب إلى النبي.

يقول بريدة: فذهبنا جميعاً إلى أبي بكر وذكرناه بالحادثة وقلنا: أنت كنت فيمن سلم على علي [علیه السلام ] بإمرة المؤمنين. قال أبوبكر : نعم أذكر ذلك.

قال بريدة : فبعد أن سمى النبي علياً "أمير المؤمنين"، فلا يحق لأحد من المسلمين أن يتقدم عليه و يتأمر . أما إذا كان قد صدر من النبي بعد ذلك في حقك شيء فقل لنا فنرضى به . قال أبوبكر : والله لم يعهد إلي النبي بأي عهد في هذا الأمر ولم يأمرني بشيء. إنه قرار الناس وأنا تبعتهم فيه. فقال له بريدة: والله لا يحق لك ولا لأحد من المسلمين أن يخالف أمر النبي. لما سمع أبوبكر كلام بريدة استدعى عمر. فلما جاء عمر قص عليه أبوبكر القصة(1). فقال عمر : عندي حل لهذا الإشكال وهو أن النبوة والإمامة لا يجتمعان في بيت واحد.

فرد بريدة على كلام عمر مستعيناً بآية من القرآن وهي قوله تعالى {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة و آتيناهم ملكاً عظيماً }(2) ، غضب عمر لما عجز عن الرد على استدلال بريدة وتطاير الشرر من عينيه فقال: لم تأتوا الا للفتنة والاختلاف (3)

ص: 137


1- في نقد هذه النقطه من سلوك أبي بكر وكلامه نقول : يا حضرة الخليفة زعمت أن الناس اختاروك ، فقال لك بريدة إنه لا يحق لك ولا لأحد من الناس مخالفة قول الله ورسوله. فلو كنت حقاً في شك من أمرك كان ينبغي عليك أن تقول للناس: لا يحق لي أن أخالف رسول الله. ولكنك راجعت عمر، فيتبين أن قصدك من "الناس" هو عمر أو أن عمر كان الناطق باسم الناس وربما وليهم إلى يوم القيامة.
2- سورة النساء، الآية 54 .
3- "كشف اليقين من كتاب المعرفة، تأليف عبّاد بن يعقوب الرواجني، عن السري بن عبد الله السلمي عن علي بن خرور قال: دخلت أنا والعلاء بن هلال الخفاف على أبي إسحق السبيعى حين قدم من خراسان فجرى الحديث، فقلت أبا إسحق ! أحدثك بحديث حدثنيه أخوك أبو داود عن عمران بن حصين الخزاعي وبريدة بن حصيب الأسلمي ؟ قال : نعم. فقلت : حدثني أبوداود أن بريدة أتى عمران بن حصين يدخل عليه في منزله حين بايع الناس أبابكر ، فقال : يا عمران! ترى القوم نسوا ما سمعوا من رسول الله [ صلی الله علیه وآله وسلم] في حائط بني فلان أهل بيت من الأنصار، فجعل لا يدخل عليه أحد من المسلمين فيسلم عليه إلا ردّ ثم قال له: سلّم على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فلم يردّ على رسول الله [ صلی الله علیه وآله وسلم] يومئذ أحد من الناس إلا عمر ، فإنه قال : من أمر الله أو من أمر رسول الله ؟ قال رسول الله :[ صلی الله علیه وآله وسلم] بل من الله ومن رسوله. قال عمران بلى أذكر ذا. فقال بريدة: فانطلق بنا إلى أبي بكر فنسأله عن هذا الأمر، فإن كان عنده عهد من رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم] عهده إليه بعد هذا الأمر أو أمر أمر به فإنه لا يخبرنا عن رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم] بكذب ولا يكذب على رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم]. فانطلقنا فدخلنا على أبي بكر فذكرنا ذلك اليوم وقلنا له: فلم يدخل أحد من المسلمين فسلّم على رسول الله [ صلی الله علیه وآله وسلم] إلا قال له: سلّم على أمير المؤمنين علي وكنت أنت ممن سلّم عليه بإمرة المؤمنين. فقال أبوبكر : قد أذكر ذلك. فقال له بريدة: لا ينبغي لاحد من المسلمين أن يتأمر على أمير المؤمنين علي [ علیه السلام] بعد أن سمّاه رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم]بأمير المؤمنين، فإن كان عندك عهد من رسول الله عهده إليك أو أمر أمرك به بعد هذا فأنت عندنا مصدّق . فقال أبوبكر : لا والله ما عندي عهد من رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم ] ولا أمر أمرني به ولكن المسلمين رأوا رأياً فتابعتهم به على رأيهم! فقال له بريدة: والله ما ذلك لك ولا للمسلمين خلاف رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم] . فقال أبوبكر: أرسل لكم إلى عمر ، فجاءه فقال له أبو بكر: إن هذين سألاني عن أمر قد شهدته، وقص عليه كلامها . فقال عمر : قد سمعت ذلك ولكن عندي المخرج من ذلك. فقال له بريدة: عندك ؟ قال : عندي . قال : فما هو ؟ قال : لا يجتمع النبوة والملك في أهل بيت واحد! قال: فاغتنمها بريدة وكان رجلاً مفهاً جرياً على الكلام فقال يا عمر ! إن الله عزّ وجلّ قد أبى ذلك عليك، أما سمعت الله في كتابه يقول ((أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً)) فقد جمع الله لهم النبوة والملك. قال: فغضب عمر حتى رأيت عينيه يوقدان، ثم قال ما جئتما إلا لتفرقا جماعة هذه الأمة وتشتتنا أمرها! فما زلنا نعرف منه الغضب حتى هلك . " بحار الأنوار، ج37، ص308 - 310 ، الباب الرابع والخمسون الحديث 42 ؛ شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار، ج 2، ص 258 - 260 ، في الأمر بطاعة أمير المؤمنين علیه السلام.

فأنشد بريدة بيتين من الشعر دفاعاً عن أمير المؤمنين وولايته ومضى(1).

معارضة عمّار بن ياسر :

حسب نقل أبي الفداء وابن الوردي واليعقوبي والمحب الطبري فإن عمّار بن ياسر كان مخالفاً للسقيفة وما تمخضت عنه ولم يبايع الخليفة الأول(2).

ص: 138


1- " فغضب عمر وما زلنا نعرف في وجهه الغضب حتى مات، و أنشد بريدة الأسلمي : أمر النبي معاشراً هم أسوة ***و[لازم] أن يدخلوا فيسلّموا تسليم من هو عالم مستيقن *** أن الوصي هو الإمام القائم مناقب آل أبي طالب، ج 3، ص 54 في أنه علیه السلام أمير المؤمنين والوزير والأمين ؛ بحار الأنوار ، ج 37، ص310، الباب الرابع والخمسون، الحديث 42 .
2- " فرجع القوم إلى قوله وبادروا سقيفة بني ساعدة، فبايع عمر أبابكر وانثال الناس عليه يبايعونه في العشر الأوسط من ربيع الأول سنة إحدى عشرة خلا جماعة من بني هاشم والزبير وعتبة بن أبي لهب وخالد بن سعيد بن العاص والمقداد بن عمرو وسلمان الفارسي وأبي ذر وعمار بن ياسر والبراء بن عازب وأبي بن كعب ومالوا مع علي بن أبي طالب. " تاريخ أبي الفداء، ج 1، ص219، حوادث سنة 11 هجرية، ذكر أخبار أبي بكر وخلافته . " وبادروا ( سقيفة بني ساعدة) فبايع عمر أبابكر وانثال الناس يبايعونه في العشر الأوسط من ربيع الأول سنة إحدى عشرة خلا جماعة من بني هاشم والزبير وعتبة بن أبي لهب وخالد بن سعيد بن العاص والمقداد بن عمرو وسلمان الفارسي وأبي ذر وعمار بن ياسر والبراء بن عازب وأبي بن كعب و ومالوا مع علی بنأبي طالب، " تاريخ ابن الوردي، ج1، ص188 ، أخبار أبي بكر وخلافته. " وتخلف عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين والأنصار، ومالوا مع علي بن أبي طالب، منهم العباس بن عبدالمطلب والفضل بن العباس والزبير بن العوام بن العاص وخالد بن سعيد والمقداد بن عمرو وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري وعمار بن ياسر والبراء بن عازب وأبي بن كعب. " تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 124 ، خبر سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر. "وتخلف عن بيعة أبي بكر يومئذ سعد بن عبادة في طائفة من الخزرج وعلي بن أبي طالب وابناه والعباس عم رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم] إلا قال له: سلّم على أمير المؤمنين علي وكنت أنت ممن سلّم عليه بإمرة المؤمنين. فقال أبوبكر : قد أذكر ذلك. فقال له بريدة: لا ينبغي لاوبنوه في بني هاشم والزبير وطلحة وسلمان وعمار وأبوذر والمقداد وغيرهم من المهاجرين وخالد بن سعيد بن العاص . " الرياض النضرة في مناقب العشرية، ج 1 ، ص 241 ، ذكر بيعة العامّة.

يروي المسعودي والجوهري عبارة عن عمار في حادثة شورى عمر بن الخطاب تبين معارضته للسقيفة و الشورى. فقد كان عمار في يوم الشورى قد قام من مكانه وقال معترضاً: «يا معشر [ القريش] ! أما إذا صرفتم هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم ههنا مرة وههنا مرة، فما أنا بآمن من أن ينزعه الله منكم فيضعه في غيركم كما نزعتموه من أهله ووضعتموه في غير أهله).(1)

كذلك يروي الطبري وابن شبة وابن عبدربه حادثة اعتراض عمار وما قاله في المناسبة، فيقولون:

«فقال عمّار: أيها الناس إن الله عزّ وجلّ أكرمنا بنبيه وأعزّنا بدينه، فأنى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم؟"(2) .

ص: 139


1- "فقام عمار في المسجد فقال : يا معشر القريش (هكذا) أما إذا صرفتم هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم ههنا مرة وههنا مرة، فما أنا بآن من أن ينزعه الله منكم فيضعه في غيركم كما نزعتموه من أهله ووضعتموه في غير أهله. " مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج2، ص379، عمّار بن ياسر ؛ شرح نهج البلاغة ، ج 9، ص 58 ، من أخبار يوم الشورى وتولية عثمان ذيل الخطبة ،139 ، نقلاً عن أبي بكر الجوهري.
2- (1) (2) "فقال عمّار: أيها الناس! إن الله عزّ وجلّ أكرمنا بنبيه وأعزنا بدينه، فأنى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم؟" تاريخ المدينة المنورة، ج 3، ص 930 ، كيف تم انتخاب خليفة عمر ؛ العقد الفريد، ج 1، ص 279 ، كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم، أمر الشورى في خلافة عثمان بن عفان ؛ تاريخ الطبري، ج 2، ص 583،حوادث سنة 23 هجرية، قصة الشورى ؛ الكامل في التاريخ، ج 2، ص 223 ، حوادث سنة 23 هجرية، ذكر قصة الشورى .

يروي ابن أبي الحديد والفاضل الآبي رواية يحتمل أن تكون محرفة(1). حيث يقول البراء بن عازب عن وفاة النبي صلی الله علیه وآله وسلم وما تلاها من أحداث إن المقداد وأبا ذر وعبادة بن الصامت وأبا الهيثم بن التيهان وحذيفة وعماراً تشاوروا حول إعادة الخلافة شورى بين المهاجرين.

هذه الحكاية مؤشر على عدم رضا كبار الصحابة عن خلافة أبي بكر(2)، وكما أسلفنا، ينقل ابن الحديد الحادثة في موضع آخر بدون تحريف وستأتي تفاصيلها في القسم الخاص بأبي بن كعب.

يقول الإمام الصادق علیه السلام عن اعتراض عمار :

ثم قام عمار بن ياسر فقال يا معشر قريش ويا معاشر المسلمين ! إن كنتم علمتم وإلا فاعلموا أن أهل بيت نبيكم أولى به وأحق بإرثه وأقوم بأمور الدين وآمن على المؤمنين وأحفظ لملته وأنصح لأمته، فمرّوا (هكذا) صاحبكم فليرد الحق إلى أهله قبل أن يضطرب حبلكم ويضعف أمركم

ويظهر شتاتكم وتعظم الفتنة بكم وتختلفون (هكذا) في ما بينكم ويطمع فيكم عدوكم(3) ، فقد علمتم أن بني هاشم أولى بهذا الأمر منكم وعلي [علیه السلام] أقرب منكم إلى نبيكم وهو من بينهم

ص: 140


1- الحديث عن جعل الخلافة شورى بين المهاجرين لا يبدو صحيحاً واحتمال التحريف فيه وارد.
2- "وقال البراء بن عازب : لم أزل لبني هاشم محباً، فلما قبض رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم] خفت أن تتمالأ قريش على إخراج هذا الأمر عنهم... ورأيت في الليل المقداد وسلمان وأباذر وعبادة بن الصامت وأبا الهيثم بن التيهان وحذيفة وعماراً وهم يريدون أن يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين. " شرح نهج البلاغة ، ج 1، ص 219 - 229 ، اختلاف الرأي في الخلافة بعد وفاة رسول الله ، ذيل الخطبة الخامسة ؛ نثر الدر في المحاضرات، ج 1، ص 278 ، الفصل الأول، الباب الخامس فيه كلام جماعة من بني هاشم المتقدمين منهم والمتأخرين.
3- رأيتم كيف حدث هذا بالفعل وكيف نجح أعداء الإسلام في التغلغل في كيانه؟ فمن كعب الأحبار ؟ ومن حماد بن سلمة؟ ومن الأخطل الشاعر ؟ ومن تميم الداري ؟ إنهم أشخاص تسللوا إلى البلاد الإسلامية من وراء حدودها وبضوء أخضر من حكامها. والأنكى من ذلك أن المسؤولين الحكوميين سلموهم منصات الخطابة والمناصب الحساسة والغريب أننا في هذا الزمان أيضاً نشهد أمثال أبي ذر الغفاري تكمم أفواههم ويمنعون من ارتقاء المنابر في أيام الحج وقف أبوذر خطيباً في الناس فتصدى له أزلام النظام ومنعوه من الكلام. فقال رضوان الله عليه: لو وضعتم السيف على رقبتي فلن أكف عن الكلام حتى تقطعوا رأسي. "فقال : أما نهاك أمير المؤمنين عن الفتيا؟ فقال : أرقيب أنت عليّ؟ فوالذي نفسي بيده لو وضعتم صمصامه هاهنا ثم ظننت أني منفذ كلمة سمعتها من رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم ] قبل أن تجيزوا علي لأنفذتها. " حلية الأولياء وطبقات الأوصياء، ج 1 ، ص 160 ، شرح حال أبي ذر الغفاري، الرقم 26 ؛ تذكرة الحفاظ، ج1، ص 19، شرح حال أبي ذر ، الرقم 7.

وليكم بعهد الله ورسوله وفرق ظاهر قد عرفتموه في حال بعد حال عند سد النبي [ صلی الله علیه وآله وسلم] أبوابكم التي كانت إلى المسجد كلها غير بابه، وإيثاره إياه بكريمته فاطمة دون سائر من خطبها إليه منكم وقوله [صلی الله علیه وآله وسلم ] : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد الحكمة فليأتها من بابها وإنكم جميعاً مضطرون في ما أشكل عليكم من أمور دينكم إليه وهو مستغن عن كل أحد منكم(1) إلى ما له من السوابق التي ليست لأفضلكم عند نفسه. فما بالكم تحيدون عنه وتبتزون علياً حقه وتؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا}(2) أعطوه ما جعله الله له ولا تتولوا عنه مدبرين ولا ترتدوا على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين"(3).

ص: 141


1- لا نجد في مصادر أهل السنة حتى موقفاً واحداً سأل فيه علي بن أبي طالب علیه السلام غيره سؤالاً، والمصادر نفسها تقول : "لولا علي لهلك أبوبكر . " فيض القدير شرح الجامع الصغير، ج 4، ص 462 ، ذيل الحديث 5594 . وكذلك لهلك عمر". الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 2، ص 206، شرح حال [الإمام] علي [علیه السلام]، وكذلك "لهلك عثمان". زين الفتى في شرح سورة هل أتى، ج1، ص318، الفصل الخامس في ذكر مشابه أمير المؤمنين الا [ وأما فصل] المرجوعات، ومنهم عثمان بن عفان، الحديث 225.
2- {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا } سورة الكهف، الآية 50 .
3- "ثم قام عمار بن ياسر فقال : يا معشر قريش! ويا معاشر المسلمين ! إن كنتم علمتم وإلا فاعلموا أن أهل بيت نبيكم أولى به وأحق بإرثه وأقوم بأمور الدين وآمن على المؤمنين وأحفظ لملته وأنصح لأمته، [فمروا] صاحبكم فليرد الحق إلى أهله قبل أن يضطرب حبلكم ويضعف أمركم ويظهر شتاتكم وتعظم الفتنة بكم و [ تختلفون] في ما بينكم ويطمع فيكم عدوكم، فقد علمتم أن بني هاشم أولى بهذا الأمر منكم و عالي لا أقرب منكم إلى نبيكم وهو من بينهم وليكم بعهد الله ورسوله وفرق ظاهر قد عرفتموه في حال بعد حال عند سد النبي [ صلی الله علیه وآله وسلم] أبوابكم التي كانت إلى المسجد كلها غير بابه وإيثاره إياه بكريمته فاطمة دون سائر من خطبها إليه منكم وقوله [ صلی الله علیه وآله وسلم] : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد الحكمة فليأتها من بابها وإنكم جميعاً مضطرون في ما أشكل عليكم من أمور دينكم إليه وهو مستغن عن كل أحد منكم إلى ما له من السوابق التي ليست لأفضلكم عند نفسه. فما بالكم تحيدون عنه وتبتزون علياً حقه وتؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة{ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بدلا} أعطوه ما جعله الله له ولا تتولوا عنه مدبرين ولا ترتدوا على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين. الاحتجاج على أهل اللجاج، ج 1، ص 102 ، ما جرى بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؛ بحار الأنوار، ج28، ص198 - 199، كتاب الفتن والمحن الباب الرابع، الحديث الثاني.
معارضة أبي بن كعب:

تتفق النصوص الروائية والتاريخية للسنة والشيعة على أن أبي بن كعب كان أحد معارضي السقيفة وغصب الخلافة من أمير المؤمنين. ويصرح مؤرخون كأبي الفداء وابن الوردي واليعقوبي بأن أبي بن كعب لم يبايع أبا بكر(1)، وتروي النصوص الروائية الشيعية بحثاً مفصلاً حول معارضة أبي للسقيفة ونبدأ بمصادر أهل السنة.

أبي بن كعب في مصادر أهل السنة:

يقول البراء بن عازب كنت منذ البداية من أنصار أهل البيت علیه السلام . وعندما توفي النبي خشيت أن يتفق أعضاء حزب قريش ضد بني هاشم من أجل غصب الخلافة منهم، ولكنني كنت عاجزاً عن أن أفعل شيئاً. فقلت في نفسي أذهب إلى المسجد عسى أن يخف قلقي. ولكنني حين وصلت المسجد تذكرت صوت النبي وهو يتلو القرآن فلم أطق أن أرى مكانه خالياً.

فخرجت من المسجد، ولما وصلت إلى حي بني بياضة كان الظلام يعم كل مكان. فسمعت رجالاً يتهامسون كأنهم يخشون أن يسمع كلامهم أحد فدنوت منهم فسكتوا. ففكرت أن ليس

ص: 142


1- فرجع القوم إلى قوله وبادروا سقيفة بني ساعدة فبايع عمر أبابكر وانثال الناس عليه يبايعونه في العشر الأوسط من ربيع الأوسط سنة إحدى عشرة خلا جماعة من بني هاشم والزبير وعتبة بن أبي لهب وخالد بن سعيد بن العاص والمقداد بن عمرو وسلمان الفارسي وأبي ذر وعمار بن ياسر والبراء بن عازب وأبي بن كعب ومالوا مع علي بن أبي طالب." تاريخ أبي الفداء، ج 1، ص219، حوادث سنة 11 هجرية، ذكر أخبار أبي بكر وخلافته. " وبادروا (سقيفة بني ساعدة) ، فبايع عمر أبابكر وانثال الناس يبايعونه في العشر الأوسط من ربيع الأول سنة إحدى عشرة خلا جماعة من بني هاشم والزبير وعتبة بن أبي لهب وخالد بن سعيد بن العاص والمقداد بن عمرو وسلمان الفارسي وأبي ذر وعمار بن ياسر والبراء بن عازب وأبي بن كعب وأبو (هكذا) سفيان من بني أمية ومالوا مع علي. " تاريخ ابن الوردي، ج 1، ص188 ، أخبار أبي بكر وخلافته. " وتخلف عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين والأنصار ومالوا مع علي بن أبي طالب منهم العباس بن عبد المطلب والفضل بن العباس والزبير بن العوام بن العاص وخالد بن سعيد والمقداد بن عمرو وسلمان الفارسي وأبوذر الغفاري وعمار بن ياسر والبراء بن عازب وأبي بن كعب. " تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 124 ، خبر سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر.

من الصحيح أن أبقى هناك. فابتعدت قليلاً وكانوا قد عرفوني فنادوني. فجئتهم فإذا بهم المقداد وعبادة بن الصامت وسلمان الفارسي وأبوذر وحذيفة وأبو الهيثم بن التيهان.

كان حذيفة يتكلم ويؤكد أن القوم يفعلون كذا. وحلف أنه لا يكذب ولم يُكذب إن القوم يخططون للاستحواذ على الخلافة. ثم قال: إن لم تصدقوني فاسألوا أبيّ بن كعب فهو يعلم ما أعلم. فانطلقنا إلى دار ابي فطرقنا الباب فقال: من ؟ فردّ عليه المقداد. فقال أبي : ماذا تريدون؟ فقلنا: افتح الباب فقد جئنا في أمر هام لا يمكن الحديث عنه من وراء الباب. فقال: لا أفتح الباب، فأنا أعلم ما جئتم من أجله . تريدون أن تتكلموا عن أهل "العقد"(1)، قلنا: نعم.فقال: هل حذيفة معكم ؟ قلنا : نعم . فقال : قولي هو ما يقوله حذيفة. والله لا أفتح الباب حتى يقع ما هو واقع اعلموا أن الأمر سيسوء أكثر وإلى الله المشتكى(2) .

ص: 143


1- "مراد أبي بأهل العقدة [العقد] أصحاب السقيفة [المؤسسين] لأساس الكفر إلى يوم القيامة " قاموس الرجال، ج 1، ص 354 - 355، شرح حال أبي بن كعب، الرقم 254. يروي الكليني عن الإمام الباقر علیه السلام أنه قال : كنت قد دخلت مع أبي الكعبة فصلى على الرخامة الحمراء بين العمودين [الصخرة هي موضع ولادة الإمام أمير المؤمنين علیه السلام وكان الأئمة يصلون عليها. في الفترة الأخيرة عثروا عليها خلال الترميمات فوجدوا مكتوباً عليها "هذا محل ولادة علي بن أبي طالب" فهشموها فلم يبق منها أثر]. فقال: في هذا الموضع تعاقد القوم إن مات رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم] أو قتل ألا يردّوا هذا الأمر في أحد من أهل بيته أيداً. قال : قلت : ومن كان؟ قال: كان الأول والثاني وأبو عبيدة بن الجراح وسالم بن الحبيبة [[أبي حذيفة ]] . الكافي، ج 4 ، ص 545 ، كتاب الحج، باب النوادر، الحديث 28.
2- "أبوسعيد الخدري قال: سمعت البراء بن عازب يقول : لم أزل لبني هاشم محباً فلما قبض رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم ] تخوفت أن تتمالاً قريش على إخراج هذا الأمر عن بني هاشم، فأخذني ما يأخذ الواله العجول ... فلما كان بليل خرجت إلى المسجد فلما صرت فيه تذكرت أني كنت أسمع همهمة رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم] بالقرآن، فامتنعت من مكاني فخرجت إلى الفضاء - فضاء بني بياضة - وأجد نفراً يتناجون. فلما دنوت منهم سكتوا، فانصرفت عنهم فعرفوني وما أعرفهم، فدعوني إليهم فأتيتهم، فأجد المقداد المقداد بن الأسود وعبادة بن الصامت وسلمان الفارسي وأباذر وحذيفة وأبا الهيثم بن التيهان. وإذا حذيفة يقول لهم: والله ليكوننّ ما أخبرتكم به! والله ما كذبت ولا كذبت. وإذا القوم يريدون أن يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين. ثم قال: ائتوا أبي بن كعب فقد علم كما علمت . قال : فانطلقنا إلى أبي، فضربنا عليه بابه حتى صار خلف الباب فقال: من أنتم ؟ فكلمه المقداد. فقال : ما حاجتكم ؟ فقال له افتح عليك بابك، فإن الأمر أعظم من أن يجري من وراء حجاب . قال : ما أنا بفاتح بابي وقد عرفت ما جئتم له كأنكم أردتم النظر في هذا العقد. فقلنا: نعم. فقال: أفيكم حذيفة؟ فقلنا : نعم . قال : فالقول ما قال وبالله ما أفتح عني بابي حتى يجري على ما هي جارية ولما يكون بعدها شر منها وإلى الله المشتكى . " شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 51 - 52 ، حديث ،السقيفة ذيل الخطبة ،26 ، وج 1 ، ص 219 - 220 ، اختلاف الرأي في الخلافة بعد وفاة رسول الله ، ذيل الخطبة الخامسة ؛ نثر الدر في المحاضرات، ج 1، ص 278 ، الفصل الأول، الباب الخامس فيه كلام جماعة من بني هاشم المتقدمين منهم والمتأخرين.

يروي ابن أبي شيبة وأحمد بن حنبل وأبونعيم الإصبهاني(1)، وهم من الثقات لدى أهل السنة عن قيس بن [عُباد] أنه قال: قدمت المدينة للقاء أصحاب محمد [صلی الله علیه وآله وسلم ] فلم يكن فيهم أحد أحب إلي من لقاء أبّي بن كعب. فقمت في الصف الأول، فخرج فلما صلى حدّث، فما رأيت الرجال متحت أعناقها إلى شيء متوجهاً إليه، فسمعته يقول : هلك أهل العقدة وربّ الكعبة. قالها ثلاثاً، هلكوا وأهلكوا، أما إني لا أسى عليهم ولكني آسى على من يهلكون من المسلمين(2). ويروي أبونعيم الإصبهاني قولاً آخر لأبي بن كعب وذلك قوله إننا كنا في حياة رسول الله على كلمة واحدة [ لنا قائد واحد نتبعه ونطيعه ] فلما توفي رسول الله اختلفنا وتفرقنا يميناً وشمالاً(3). كان أبي بن كعب يرى الحكم قبل علي بن أبي طالب علیه السلام عذاباً. وثمة رواية أخرى لأبي نعيم الإصبهاني في كتابه المعروف "حلية الأولياء" تقول إن أبي بن كعب قال عن الآية الشريفة {قل

ص: 144


1- "أبو نعيم أحمد بن عبدالله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران، الإمام الحافظ الثقة العلامة شيخ الإسلام، أبو نعيم المهراني، الإصبهاني، الصوفي، الأحول، سبط الزاهد محمد بن يوسف البناء وصاحب الحلية. " سير أعلام النبلاء، ج 17، [ص]453 - 454، شرح حال أبي نعيم الأصبهاني، الرقم 305 .
2- عن قيس بن عُبادة قال : قدمت المدينة للقاء أصحاب محمد [صلی الله علیه وآله وسلم ] فلم يكن فيهم أحد أحب إلي من لقاء أبي بن كعب. فقمت في الصف الأول، فخرج فلما صلى حدّث، فما رأيت الرجال متحت أعناقها إلى شيء متوجهاً إليه، فسمعته يقول: هلك أهل العقدة وربّ الكعبة. قالها ثلاثاً، هلكوا وأهلكوا، أما إني لا آسى عليهم ولكني آسى على من يهلكون من المسلمين. " حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، ج 1، ص 252 ، شرح حال أبي بن كعب، الرقم 39 ؛ مسند أحمد، ج 5، ص 140 ، حديث قيس بن عبادة عن أبي بن كعب ؛ تاريخ دمشق الكبير، ج 7، ص 234 - 235 ، شرح حال أبي بن كعب، الرقم 757 ؛ المصنف في الأحاديث والآثار، ج 8، ص 620 ، كتاب الفتن، باب من كره الخروج في الفتنة وتعوذ عنها، الحديث 187؛ مسند أبي داود الطيالسي ، ص 75، أحاديث أبي بن كعب، الحديث 555 .
3- "عن أبي بن كعب قال : كنا مع رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم ] ووجوهنا واحدة، حتى فارقنا فاختلفت وجوهنا يميناً وشمالاً." حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، ج 1 ، ص 254 ، شرح حال أبي بن كعب ، الرقم 39. " عن أبي بن كعب قال: كنا مع رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم ] وإنما وجهنا واحد، فلما قبض نظرنا هكذا وهكذا . " سنن ابن ماجة ، ج 1، ص 523 ، كتاب الجنائز، الباب 65 ذكر وفاته ودفنه 6، الحديث 1633.

قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ } (1)إنها تشير إلى أربعة أشياء أهمها العذاب. ولا شك أن العذابات الأربعة ستقع. بل قد وقع اثنان منها في الخمس وعشرين سنة التي تلت وفاة النبي وبقي اثنان لابد أنهما واقعان ؛ الخسف والرجم"(2). لم يوفر أبيّ بن كعب فرصة للتعبير عن معارضته لحكم الخلفاء. فأبوداود السجستاني، وهو من علماء السنة ومن أصحاب الكتب الستة، ينقل عن الحسن البصري قوله: جمع عمر [الصلاة التراويح] وجعل أبي بن كعب إماماً عليهم فصلى فيهم عشرين ليلة وصلى منفرداً في بيته العشر الأخرى ورفض أن يؤم الناس فيها في المسجد. وكان الناس يقولون: هرب أبيّ كالعبد الهارب(3) .

ص: 145


1- سورة الأنعام، الآية 65.
2- "عن أبي بن كعب، في قوله تبارك وتعالى {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ } قال : هنّ أربع وكلهن عذاب وكلهن واقع لا محالة. فمضت اثنتان بعد وفاة النبي [صلی الله علیه وآله وسلم ] بخمس وعشرين سنة، فالبسوا شيعاً وذاق بعضهم بأس بعض. وثنتان واقعتان لا محالة ؛ الخسف والرجم. " مسند أحمد، ج 5 ، ص 134 - 135، حديث أبي العالية الرياحي عن أبي بن كعب ؛ حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، ج 1، ص 253 ، شرح حال أبي بن كعب، الرقم 39 ؛ المصنف في الأحاديث والآثار، ج 8، ص 670، كتاب الفتن، باب ما ذكر في فتنة الدجال، الحديث 149 ؛ الدر المنثور في التفسير بالمأثور، ج 3، ص 257 ، ذيل سورة الأنعام، الآية 65. يقول الهيثمي بعد أن ينقل الرواية "رواه أحمد ورجاله ثقات." مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، ج 7، ص21، کتاب التفسير سورة الأنعام. ويقول العلامة التستري، بعد أن ينقل هذه الرواية عن أبي بن كعب: الخبر صريح في أن خلافة هؤلاء الثلاثة كانت عذاباً أنزله الله على الناس. ويقول: شاهدي على أن أبي كان يرى تلك الحكومات عذاباً قوله كنا في حياة رسول الله قلباً واحداً فما إن ارتحل عنا حتى ظهرت الخلافات بيننا. " والخبر صريح في كون خلافة الثلاثة عذاباً من الله تعالى للناس." قاموس الرجال، ج 1، ص 355 ، شر حال أبي بن كعب، الرقم 254.
3- " أن عمر بن الخطاب جمع الناس على أبيّ بن كعب فكان يصلي لهم عشرين ليلة ولا يقنت بهم إلاّ في النصف الباقي . فإذا كانت العشر الأواخر تخلّف فصلى في بيته، فكانوا يقولون: أبق أبي . " سنن أبي داود، ج 2، ص 65 كتاب الصلاة، باب القنوت في الوتر، الحديث ، 1429 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 64 ، كتاب الصلاة، جماع أبواب صلاة التطوع وقيام شهر رمضان، الحديث 4735. العلامة التستري، حين يورد هذا الخبر، يقول: إن هروب أبي دليل على أن عمر أكرهه على ذلك. "أبق أبي دليل على أن عمر أجبره على إمامته في نوافل ليالي شهر رمضان." قاموس الرجال، ج 1 ، ص 356 ، شرح حال أبيّ بن كعب، الرقم 254.
معارضة أبيّ بن كعب في كتب الشيعة :

يقول أمير المؤمنين علیه السلام : «لمّا خطب أبو بكر قام إليه أبيِّ بن كعب وكان يوم الجمعة من شهر رمضان وقال: يا معشر المهاجرين الذين اتبعوا مرضاة الله وأثنى الله عليهم في القرآن! ويا معشر. الأنصار الذين تبوأوا الدار والإيمان وأثنى الله عليهم في القرآن تناسيتم أم نسيتم أم بدلتم أم غيرتم أم خذلتم أم عجزتم ؟ ألستم تعلمون أن رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم ] قام فينا [ يوم الغدير ] مقاماً أقام فيه علياً فقال: من كنت مولاه فهذا مولاه يعني علياً ومن كنت نبيه فهذا أميره؟ ألستم تعلمون أن رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم] قال: يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى طاعتك واجبة على من بعدي كطاعتي في حياتي غير أنه لا نبي بعدي؟ ألستم تعلمون أن رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم]قال: أوصيكم بأهل بيتي خيراً فقدّموهم ولا تقدموهم وأمرّوهم ولا تأمروا عليهم؟ ألستم تعلمون أن رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم ] قال:أهل بيتي منار الهدى والدالّون على الله ؟ أولستم تعلمون أن رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم ] قال لعلي[علیه السلام]: أنت الهادي لمن ضل ؟ ألستم تعلمون أن رسول الله[صلی الله علیه وآله وسلم ] : قال : علي المحيي لسنتي ومعلم أمتي والقائم بحجتي وخير من أخلف من بعدي وسيد أهل بيتي وأحبّ الناس إلي، طاعته كطاعتي على أمتي؟ ألستم تعلمون أنه لم يولّ على علي أحداً منكم وولاه في كل غيبته عليكم؟ ألستم تعلمون أنه كان منزلهما في أسفارهما واحداً وارتحالهما واحداً؟

ألستم تعلمون أنه قال: إذا غبت فخلفت عليكم علياً فقد خلفت فيكم رجلاً كنفسي؟ ألستم تعلمون أن رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم] قبل موته قد جمعنا في بيت ابنته فاطمة[علیها السلام] فقال لنا: إن الله أوحى إلى موسى بن عمران أن اتخذ أخاً من أهلك فاجعله نبياً واجعل أهله لك ولداً، أطهرهم من الآفات وأخلصهم من الريب، فاتخذ موسى هارون أخاً وولده أئمة لبني إسرائيل من بعده الذين يحل لهم في مساجدهم ما يحل لموسى وأن الله أوحى إليّ أن اتخذ علياً أخاً كما أن موسى اتخذ هارون أخاً واتخذ ولده ولداً [ واجعلهم أئمة للأمة] فقد طهرتهم كما طهرت ولد هارون، إلاّ إني قد

ص: 146

ختمت بك النبيين فلا نبي بعدك فهم الأئمة الهادية . أفما تبصرون؟ أفما تفهمون؟ أفما تسمعون؟ ضربت عليكم الشبهات فكان مثلكم كمثل رجل في سفر فأصابه عطش شديد حتى خشي أن يهلك، فلقي رجلاً هادياً في الطريق فسأله عن الماء فقال له : أمامك عينان إحداهما مالحة والأخرى عذبة، فإن أصبت المالحة ضللت وإن أصبت العذبة هديت ورويت، فهذا مثلكم أيتها الأمة المهملة كما زعمتم وأيم الله ما أهملتم، لقد نصب لكم علم يحل لكم الحلال ويحرم عليكم الحرام ولو أطعتموه ما اختلفتم ولا تدابرتم ولا تقاتلتم ولا برئ بعضكم من بعض. فو الله إنكم بعده لناقضون عهد رسول الله[صلی الله علیه وآله وسلم] وإنكم على عترته المختلفون وإن سئل هذا عن غير ما يعلم أفتى برأيه، فقد أبعدتم وتخارستم وزعمتم أن الخلاف رحمة هيهات أبى الكتاب ذلك عليكم، يقول الله تعالى جده {ولا تكونوا كالذين تفرّقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البيّنات وأولئك لهم عذاب عظيم}(1) ثم أخبرنا باختلافكم فقال سبحانه {ولا يزالون مختلفين إلاّ من رحم ربك ولذلك خلقهم} (2)أي للرحمة وهم آل محمد. سمعت رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] يقول: يا علي أنت وشيعتك على الفطرة والناس منها براء، فهلا قبلتم من نبيكم؟ كيف وهو خبركم بانتكاصتكم عن وصيه علي بن أبي طالب وأمينه ووزيره وأخيه ووليه دونكم أجمعين وأطهركم قلباً وأقدمكم سلماً وأعظمكم وعياً من رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] أعطاه تراثه وأوصاه بعداته فاستخلفه على أمته ووضع عنده سره، فهو وليه دونكم أجمعين وأحق به منكم أكتعين سيد الوصيين ووصي خاتم المرسلين، أفضل المتقين وأطوع الأمة لرب العالمين سلمتم عليه بإمرة المؤمنين في حياة سيد النبيين وخاتم المرسلين، فقد أعذر من أنذر وأدّى النصيحة من وعظ وبصر من عمى، فقد سمعتم كما سمعنا ورأيتم كما رأينا وشهدتم كما شهدنا .

ص: 147


1- سورة آل عمران الآية 105 .
2- سورة هود، الآية 118 و 119 .

فقام إليه عبدالرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجرّاح ومعاذ بن جبل، فقالوا: يا أبيّ! أصابك خبل أم بك جُنّة ؟ فقال : بل الخبل فيكم والله كنت عند رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] يوماً فألفيته يكلم رجلاً أسمع كلامه ولا أرى شخصه، فقال فيما يخاطبه : ما أنصحه لك ولأمتك وأعلمه بسنتك! فقال رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] : أفترى أمتي تنقاد له من بعدي ؟ قال : يا محمد! يتبعه من أمتك أبرارها ويخالف عليهم من أمتك فجّارها وكذلك أوصياء النبيين من قبلك يا محمد! إن موسى بن عمران أوصى إلى يوشع بن نون وكان أعلم بني إسرائيل وأخوفهم الله وأطوعهم له، فأمره الله عزّ وجلّ أن يتخذه وصياً كما اتخذت علياً وصياً وكما أمرت بذلك، فحسده بنو إسرائيل سبط موسى خاصة، فلعنوه وشتموه وعنفوه ووضعوا له، فإن أخذت أمتك سنن بنى إسرائيل كذّبوا وصيك وجحدوا إمرته وابتزوا خلافته وغالطوه في علمه. فقلت: يا رسول الله! من هذا؟ فقال رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] هذا ملك من ملائكة ربي عزّ وجلّ ينبئني أن أمتي تتخلف على وصيي علي بن أبي طالب [علیه السلام ] وإني أوصيك يا أبيّ بوصية إن حفظتها لم تزل بخير يا أبي ! فإنه الهادي المهدي، الناصح لأمتي، المحيي لسنتي، وهو إمامكم بعدي، فمن رضي بذلك لقيني على ما فارقته عليه. يا أبي! ومن غيّر أو بدّل لقيني ناكثاً لبيعتي، عاصياً أمري، جاحداً لنبوتي، لا أشفع له عند ربي ولا أسقيه من حوضي. فقامت إليه رجال من الأنصار فقالوا: اقعد رحمك الله يا أبي ! فقد أديت ما سمعت الذي معك ووفيت بعهدك»(1).

ص: 148


1- " عن علي بن أبي طالب[علیه السلام ] قال : لمّا خطب أبو بكر قام إليه أبي بن كعب وكان يوم الجمعة من شهر رمضان وقال: يا معشر. المهاجرين الذين اتبعوا مرضاة الله وأثنى الله عليهم في القرآن ويا معشر الأنصار الذين تبوأوا الدار والإيمان وأثنى الله عليهم في القرآن! تناسيتم أم نسيتم أم بدلتم أم غيرتم أم خذلتم أم عجزتم ؟ ألستم تعلمون أن رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] قام فينا مقاماً أقام فيه علياً فقال :من كنت مولاه فهذا مولاه يعني علياً ومن كنت نبيه فهذا أميره؟ ألستم تعلمون أن رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] قال : يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى، طاعتك واجبة على من بعدي كطاعتي في حياتي غير أنه لا نبي بعدي ؟ ألستم تعلمون أن رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] قال : أوصيكم بأهل بيتي خيراً فقدموهم ولا تقدموهم وأمروهم ولا تأمروا عليهم؟ ألستم تعلمون أن رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] قال : أهل بيتي منار الهدى والدالّون على الله ؟ أولستم تعلمون أن رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] قال لعلي[علیه السلام ] أنت الهادي لمن ضل ؟ ألستم تعلمون أن رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] قال: علي المحيي لسنتي ومعلم أمتي والقائم بحجتي وخير من أخلف من بعدي وسيد أهل بيتي وأحبّ الناس إليّ، طاعته كطاعتي على أمتي ؟ ألستم تعلمون أنه لم يولّ على علي أحداً منكم وولاه في كل غيبته عليكم؟ ألستم تعلمون أنه كان منزلهما في أسفارهما واحداً وارتحالهما واحداً؟ ألستم تعلمون أنه قال : إذا غبت فخلفت عليكم علياً فقد خلفت فيكم رجلاً كنفسي؟ ألستم تعلمون أن رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] قبل موته قد جمعنا في بيت ابنته فاطمة [ علیها السلام] فقال لنا: إن الله أوحى إلى موسى بن عمران أن اتخذ أخاً من أهلك فاجعله نبياً واجعل أهله لك ولداً، أطهرهم من الآفات وأخلصهم من الريب فاتخذ موسى هارون أخاً وولده أئمة لبني إسرائيل من بعده الذين يحل لهم في مساجدهم ما يحل لموسى وأن الله أوحى إلي أن اتخذ علياً أخاً كما أن موسى اتخذ هارون أخاً واتخذ ولده ولداً، فقد طهرتهم كما طهرت ولد هارون، إلا إني قد ختمت بك النبيين فلا نبي بعدك فهم الأئمة الهادية. أفما تبصرون ؟ أفما تفهمون؟ أفما تسمعون؟ ضربت عليكم الشبهات فكان مثلكم كمثل رجل في سفر فأصابه عطش شديد حتى خشي أن يهلك، فلقي رجلاً هادياً في الطريق فسأله عن الماء فقال له : أمامك عينان إحداهما مالحة والأخرى عذبة، فإن أصبت المالحة ضللت وإن أصبت العذبة هديت ورويت، فهذا مثلكم أيتها الأمة المهملة كما زعمتم. وأيم الله ما أهملتم، لقد نصب لكم علم يحل لكم الحلال ويحرم عليكم الحرام ولو أطعتموه ما اختلفتم ولا تدابرتم ولا تقاتلتم ولا برئ بعضكم من بعض . فوالله إنكم بعده لناقضون عهد رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] وإنكم على عترته لمختلفون وإن سئل هذا عن غير ما يعلم أفتى برأيه، فقد أبعدتم و تخارستم وزعمتم أن الخلاف رحمة، هيهات أبى الكتاب ذلك عليكم، يقول الله تعالى جدّه ((ولا تكونوا كالذين تفرّقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم )) ثم أخبرنا باختلافكم فقال سبحانه ((ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربُّك ولذلك خلقهم)) أي للرحمة وهم آل محمد سمعت رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] يقول : يا علي أنت وشيعتك على الفطرة والناس منها براء، فهلا قبلتم من نبيكم؟ كيف وهو خبركم بانتكاصتكم عن وصيه علي بن أبي طالب وأمينه ووزيره وأخيه ووليه دونكم أجمعين وأطهركم قلباً وأقدمكم سلماً وأعظمكم وعياً من رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] أعطاه تراثه وأوصاه بعداته فاستخلفه على أمته ووضع عنده سره، فهو وليه دونكم أجمعين وأحق به منكم أكتعين سيد الوصيين ووصي خاتم المرسلين، أفضل المتقين وأطوع الأمة لرب العالمين سلمتم عليه بإمرة المؤمنين في حياة سيد النبيين وخاتم المرسلين، فقد أعذر من أنذر وأدى النصيحة من وعظ وبصر من عمى، فقد سمعتم كما سمعنا ورأيتم كما رأينا وشهدتم كما شهدنا. فقام إليه عبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل، فقالوا: يا أبي ! أصابك خبل أم بك جُنّة ؟ فقال : بل الخبل فيكم والله كنت عند رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] يوماً فألفيته يكلم رجلاً أسمع كلامه ولا أرى شخصه، فقال فيما يخاطبه : ما أنصحه لك ولأمتك وأعلمه بسنتك! فقال رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] : أفترى أمتي تنقاد له من بعدي؟ قال : يا محمد ! يتبعه من أمتك أبرارها ويخالف عليهم من أمتك فجارها وكذلك أوصياء النبيين من قبلك، يا محمد! إن موسى بن عمران أوصى إلى يوشع بن نون وكان أعلم بني إسرائيل وأخوفهم الله وأطوعهم له، فأمره الله عزّ وجلّ أن يتخذه وصياً كما اتخذت علياً وصياً وكما أمرت بذلك، فحسده بنو إسرائيل سبط موسى خاصة، فلعنوه وشتموه وعنفوه ووضعوا له، فإن أخذت أمتك سنن بني إسرائيل كذّبوا وصيك وجحدوا إمرته وابتزوا خلافته وغالطوه في علمه فقلت : يا رسول الله ! من هذا؟ فقال رسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم] : هذا ملك من ملائكة ربي عزّ وجلّ ينبئني أن أمتي تتخلف على وصيي علي بن أبي طالب [علیه السلام ] وإني أوصيك يا أبي بوصية إن حفظتها لم تزل بخير يا أبي ! فإنه الهادي المهدي، الناصح لأمتي، المحيي لسنتي، وهو إمامكم بعدي، فمن رضي بذلك لقيني على ما فارقته عليه يا أبي! ومن غيّر أو بدل لقيني ناكثاً لبيعتي، عاصياً أمري، جاحداً لنبوتي لا أشفع له عند ربي ولا أسقيه من حوضی . فقامت إليه رجال من الأنصار فقالوا: اقعد رحمك الله يا أبي ! فقد أديت ما سمعت الذي معك ووفيت بعهدك." الاحتجاج على أهل اللجاج، ج 1، ص 153 - 157، احتجاج أبي بن كعب ؛ بحار الأنوار، ج 28، ص 222 - 226 ، كتاب الفتن والمحن، الباب الرابع، الحديث 13 .

ص: 149

ويقول الإمام الصادق علیه السلام عن معارضة أبي بن كعب : ثم قام أبي بن كعب فقال: يا أبا بكر ! لا تجحد حقاً جعله الله لغيرك ولا تكن أول من عصى رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] في وصيه وصفيه وصدف عن أمره. اردد الحق إلى أهله تسلم ولا تتماد في غيك فتندم وبادر الإنابة يخف وزرك ولا تخصّص بهذا الأمر الذي لم يجعله الله لك نفسك فتلقى وبال عملك، فعن قليل تفارق ما أنت فيه وتصير إلى ربك فيسألك عما جنيت وما ربّك بظلاّم للعبيد(1).

يقول أبو الصلاح الحلبي : [في عصر الخلافة الأموية] جاء رجل الى أبي بن كعب فقال له : يا أبي! ما رأيك في عثمان؟ فلم يجب أبيّ. فقال الرجل: جزاك الله شراً. أنت من أصحاب رسول الله وتمتنع من الكلام الصريح في زمن الفتنة

(أزاحوا علياً فتقدم بنو أمية. نقول : كونوا شفافين) أنت صاحبت النبي، فقل الحق مع من؟ يا أبي ! كنتَ من كتّاب الوحي ورأيت النبي فعلمني ديني وعرّفني إمامي، فلماذا لا تفعل؟ أُيِّ! فقال أبيّ: والله لقد هلك أصحاب السقيفة كلهم . ولا آسى عليهم ولكن آسى على من افتتنوا بفتنتهم. والله لئن عشت إلى يوم الجمعة لأكشفن الحقيقة في الصلاة سواء قتلت أو أبقيت حياً.

ولكنه مات يوم الخميس(2) .

ص: 150


1- "ثم قام أبي بن كعب فقال يا أبابكر ! لا تجحد حقاً جعله الله لغيرك ولا تكن أول من عصى رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] في وصيه وصفيه لا وصدف عن أمره اردد الحق إلى أهله تسلم ولا تتماد في غيك فتندم وبادر الإنابة يخف وزرك ولا تخصّص بهذا الأمر الذي لم يجعله الله لك نفسك فتلقى وبال عملك، فعن قليل تفارق ما أنت فيه وتصير إلى ربك فيسألك عما جنيت وما ربّك بظلام للعبيد." الاحتجاج على أهل اللجاج، ج 1، ص 102 ، ما جرى بعد الرسول صلّی الله علیه وآله وسلّم و بحار الأنوار ، ج 28، ص 199 - 200، کتاب الفتن والمحن، الباب الرابع الحديث الثاني.
2- " وذكر الثقفي في تاريخه يإسناده، قال: فقام رجل إلى أبي بن كعب فقال : يا أبا المنذر ! ألا تخبرني عن عثمان ما قولك فيه؟ فأمسك عنه، فقال له الرجل: جزاكم الله شراً يا أصحاب محمد! شهدتم الوحي وعاينتموه ثم نسألكم التفقه في الدين فلا تعلّمونا؟ فقال أبي عند ذلك: هلك أصحاب العقدة ورب الكعبة. أما والله ما عليهم آسى ولكن آسى على من أهلكوا والله لئن أبقاني الله إلى يوم الجمعة لأقومن مقاماً أتكلم فيه بما أعلم، أقتلت أو استحييت. فمات رحمه الله يوم الخميس " بحار الأنوار، ج 3، ص 269 - 270، كتاب الفتن خلف جدران السقيفة والمحن الباب ،25 نكير أبي بن كعب. وقد تضمنت مصادر أهل السنة آخر الرواية التي جاء فيه أن أبي بن كعب كان عازماً على أن يقول كلاماً يوم الجمعة ولكن الراوي يقول إنه توفي يوم الخميس. الطبقات الكبرى، ج 3، ص 500 - 502، شرح حال أبي بن كعب ؛ تاريخ دمشق الكبير، ج 7، ص 239 . 240 ، شرح حال أبي بن كعب، الرقم 757.

ربما لم يكن موت أبيّ طبيعياً بل قتلته أجهزة الحكم بمؤامراتها، وحادثة قتل سعد بن عبادة شاهد على أن موت أمثال أبيّ مريب، لأن السلطة كان لها رجال يقمعون معارضيها. وقبيلة بني أسلم مثال على العناصر التي وظفها زعماء السقيفة في القضاء على كل معارض لها. فعندما جاءت هذه القبيلة للتجارة سمح لهم الخليفة الثاني بأن يأخذوا ما يريدون بشرط أن يبايعوا أبابكر ويضغطوا على الناس لحملهم على مبايعته، فإذا امتنعوا فيضربونهم . وهكذا انتشروا في الأزقة والأسواق حاملين العصي وهجموا على الناس يدفعونهم إلى المبايعة بالضرب والإكراه(1). مع أن الشيخ المفيد لا يصرح باسم القبيلة إلا أن الطبري يصرح بأنها كانت قبيلة بني أسلم"(2)، ويروي ابن أبي الحديد الحادثة في موضعين من كتابه(3)

يروي السيد محسن الأمین عن أبي بن كعب أنه قال: مررت ليلة السقيفة بجماعة من الأنصار فسألوني: من أين تأتي؟ فقلت من عند أهل بيت رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] . قالوا : فكيف تركتهم؟

ص: 151


1- قال" كان جماعة من الأعراب قد دخلوا المدينة ليتماروا منها فشغل الناس عنهم بموت رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] فشهدوا البيعة وحضروا الأمر فأنفذ إليهم عمر واستدعاهم وقال لهم خذوا بالحظ من المعونة على بيعة خليفة رسول الله واخرجوا إلى الناس واحشر. وهم ليبايعوا، فمن امتنع فاضربوا رأسه وجبينه. قال: والله لقد رأيت الأعراب تحزموا واتشحوا بالأزر الصنعانية وأخذوا بأيديهم الخشب وخرجوا حتى خبطوا الناس خبطاً وجاؤوا بهم مكرهين إلى البيعة . " الجمل، ص 119 ، إجبار عمر على بيعة أبي بكر.
2- " أن أسلم أقبلت بجماعتها حتى تضايق بهم السكك، فبايعوا أبابكر، فكان عمر يقول : ما هو إلا أن رأيت أسلم فأيقنت بالنصر.. " تاريخ الطبري، ج 2، ص 244، حوادث سنة 11 هجرية، ذكر الخبر عما جرى بين المهاجرين والأنصار في أمر الإمارة في سقيفة بني ساعدة.
3- "وجاءت أسلم فبايعت، فقوي بهم جانب أبي بكر وبايعه الناس . " شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 40 ، حديث السقيفة، ذيل الخطبة 26 . وقال البراء بن عازب لم أزل لبني هاشم محباً فلما قبض رسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم]... وإذا أنا بأبي بكر قد أقبل ومعه عمر وأبو عبيدة وجماعة من أصحاب السقيفة وهم محتجزون بالأزر الصنعانية لا يمرون بأحد إلا خبطوه وقدموه فمدّوايده فمسحوها على يد أبي بكر يبايعه شاء ذلك أو أبي، فأنكرت عقلي..." شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 219 ، اختلاف الرأي في الخلافة بعد رسول الله ، ذيل الخطبة الخامسة.

قلت: وكيف يكون حال أهل بيت كان مهبطاً للوحي ومختلفاً للملائكة ورسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم] واليوم استلب منهم سلطانهم ؟ ثم بكى بشدة وبكى معه الحاضرون (1).

معارضة خزيمة بن ثابت :

كان خزيمة بن ثابت الصحابي الجليل من معارضي السقيفة حتى قال الصفدي: كان خزيمة يعبّر عن استيائه من السقيفة بشعر كان يردده وهو قوله:

ما كنت أحسب هذا الأمر منصرفاً ***من هاشم ثم منها من أبي حسن

أليس أول من صلى لقبلتهم***وأعلم الناس بالفرقان والسنن

من فيه ما فيهم لا يمترون به***وليس في القوم ما فيه من الحسن (2)

تفيد بعض الروايات بأن خزيمة بن ثابت كان يؤكد على كون الإمام علي علیه السلام وصياً(3)، وفي مصادر الشيعة عن الإمام الصادق علیه السلام أن خزيمة تكلم بنقد شديد اللهجة للسقيفة وخلافة أبي بكر.

ص: 152


1- "أن أبي بن كعب قال مررت عشية يوم السقيفة بحلقة الأنصار فسألوني من أين أتيت؟ قلت: من عند أهل بيت رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] .فقالوا على أي حال تركتهم؟ قلت ما يكون حال قوم لم يزل بيتهم محط قدم جبرائيل ومنزل رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] إلى اليوم وقد زال ذلك عنهم اليوم وخرج حكمهم من أيديهم. ثم بكى أبي وبكى الحاضرون " أعيان الشيعة، ج 3، ص 455 ، شرح حال ابي بن كعب.
2- " وخزيمة هو القائل : ما كنت أحسب هذا الأمر منصرفاً ***من هاشم ثم منها من أبي حسن أليس أول من صلى لقبلتهم***وأعلم الناس بالفرقان والسنن من فيه ما فيهم لا يمترون به***وليس في القوم ما فيه من الحسن. الوافي بالوفيات، ج13، ص 312 ، شرح حال خزيمة، الرقم 380
3- " قال : لما بويع علي بن أبي طالب على منبر رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] قال خزيمة بن ثابت وهو واقف بين يدي المنبر: إذا نحن بايعنا علياً فحسبنا***أبو حسن مما نخاف من الفتن وجدناه أولى الناس بالناس أنه*** أطب قريش بالكتاب وبالسنن وإن قريشاً ما تشق غباره***إذا ما جرى يوماً على الضمر البدن وفيه الذي فيهم من الخير كله***وما فيهم كل الذي فيه من حسن" المستدرك على الصحيحين، ج 3، ص 124، كتاب معرفة الصحابة، ذكر إسلام أمير المؤمنين علي [علیه السلام ]، الحديث 4595 . " وقال خزيمة: وصي رسول الله من دون أهله***وفارسه مذ كان في سالف الزمن وأول من صلى من الناس كلهم***سوى خيرة النسوان والله ذو منن." شرح نهج البلاغة، ج 13، ص 231 ، القول في إسلام أبي بكر وعلي وخصائص كل منهما، ذيل الخطبة 238. " وقال :خزيمة: أعائش خلي عن علي وعيبه*** بما ليس فيه إنما أنت والدة وصي رسول الله من دون أهله ***وأنت على ما كان من ذاك شاهدة." شرح نهج البلاغة ، ج 1 ، ص 146 ، ما ورد في الوصاية من الشعر، ذيل الخطبة الثانية.

يقول الإمام الصادق علیه السلام :

ثم قام خزيمة بن ثابت [المعروف بذي الشهادتين] فقال: أيها الناس ألستم تعلمون أن رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] قبل شهادتي وحدي ولم يرد معي غيري؟ قالوا: بلى. قال: فأشهد أني سمعت رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] يقول أهل بيتي يفرقون بين الحق والباطل وهم الأئمة الذين يقتدى بهم. وقد قلت ماعلمت وما على الرسول إلا البلاغ المبين(1).

معارضة مالك بن التيهان :

هذا الصحابي الجليل كان من المخالفين للسقيفة، وإن جلوسه ليلاً مع جماعة من المخالفين وكذلك رفضه المنصب من قبل أبي بكر دليل واضح على موقفه.

ينقل ابن أبي الحديد عن البراء بن عازب حادثة حول وفاة النبي صلى الله عليه وآله وما تلاها أحداث وقد مرت في القسم الخاص بأبي بن كعب، وهي أن المقداد وعبادة بن الصامت

ص: 153


1- ثم قام خزيمة بن ثابت فقال : أيها الناس! ألستم تعلمون أن رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] قبل شهادتي وحدي ولم يرد معي غيري؟ قالوا: بلى قال : فأشهد أني سمعت رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] يقول أهل بيتي يفرقون بين الحق والباطل وهم الأئمة الذين يقتدى بهم. وقد قلت ما علمت وما على الرسول إلا البلاغ المبين . " الاحتجاج على أهل اللجاج ، ج 1، ص 102 - 103 ، ما جرى بعد الرسول صلّی الله علیه وآله وسلّم؛ بحار الأنوار، ج 28، ص 200، كتاب الفتن والمحن، الباب الرابع، الحديث الثاني.

وسلمان الفارسي وأباذر وحذيفة وأبا الهيثم بن التيهان عزموا ليلاً على إعادة الخلافة شورى بين المهاجرين وإلغاء الانتخابات(1).

يقول ابن سعد والذهبي : كان أبو الهيثم بن التيهان مبعوثاً من قبل النبي [صلى الله عليه وآله ] مخمناً وخبيراً ؛ وبعد وفاة النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] طلب منه أبو بكر التعاون فرفض(2) يقول الإمام الصادق عن معارضة ابن التيهان للسقيفة : ثم قام أبو الهيثم بن التيهان فقال: وأنا أشهد على نبينا [ صلّی الله علیه وآله وسلّم ] أنه أقام عليا ، يعني في يوم غدير خم، فقالت الأنصار : ما أقامه [إلا] للخلافة وقال بعضهم : ما أقامه إلا ليعلم الناس أنه مولى من كان رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] مولاه وكثر الخوض في ذلك. فبعثنا رجالاً منا إلى رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم ] فسألوه عن ذلك فقال: قولوا لهم: علي پولي المؤمنين بعدي وأنصح الناس لأمتي. وقد شهدت بما حضرني ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ... إن يوم الفصل كان ميقاتاً(3).

ص: 154


1- "وقال البراء بن عازب: لم أزل لبني هاشم محباً، فلما قبض رسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم] تخوفت أن تتمالأ قريش على إخراج هذا الأمر عن بني هاشم... فأتيتهم. فأجد المقداد بن الأسود وعبادة بن الصامت وسلمان الفارسي وأباذر وحذيفة وأبا الهيثم بن التيهان وإذا حذيفة يقول لهم : والله ليكونن ما أخبرتكم به والله ما كذبت ولا كذبت وإذا القوم يريدون أن يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين. ثم قال: ائتوا أبي بن كعب فقد علم كما علمت " شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 51-52 ، حديث السقيفة، ذيل الخطبة 26.
2- كان أبو الهيثم بن التيهان يخرص على عهد رسول الله فلما توفي رسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم] ، بعثه أبو بكر فأبى ، فقال : قد خرصت لرسول الله ؟ فقال : إني كنت إذا خرصت لرسول الله فرجعت دعا الله لي، قال: فتركه". الطبقات الكبرى، ج 3، ص 448، شرح حال أبي الهيثم بن التيهان ؛ سير أعلام النبلاء، ج 1، ص 190 ، شرح حال ابن التيهان، ش 22 .
3- "ثم قام أبو الهيثم بن التيهان فقال: وأنا أشهد على نبينا [صلّی الله علیه وآله وسلّم] أنه أقام علياً، يعني في يوم غدير خم، فقالت الأنصار : ما أقامه [إلا] للخلافة وقال بعضهم : ما أقامه إلا ليعلم الناس أنه مولى من كان رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] مولاه وكثر الخوض في ذلك. فبعثنا رجالاً منا إلى رسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم] فسألوه عن ذلك فقال : قولوا لهم : علي ولي المؤمنين بعدي وأنصح الناس لأمتي. وقد شهدت بما حضرني، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ... إن يوم الفصل كان ميقاتاً." الاحتجاج على أهل اللجاج، ج 1، ص 103، ما جرى بعد الرسول صلّی الله علیه وآله وسلّم و بحار الأنوار، ج 28، ص 200 ، كتاب الفتن والمحن، الباب الرابع، الحديث الثاني.
معارضة سهل بن حنيف:

يقول الإمام الصادق علیه السلام عن معارضة سهل بن حنيف:

ثم قام سهل بن حنيف فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي محمد وآله ثم قال:يا معاشر قریش اشهدوا علي أني أشهد على رسول الله وقد رأيته في هذا المكان، يعني الروضة، وقد أخذ بيد علي بن أبي طالب [علیه السلام ] وهو يقول : أيها الناس هذا علي إمامكم من بعدي ووصيي في حياتي وبعد وفاتي وقاضي ديني ومنجز وعدي وأول من يصافحني على حوضي، فطوبى لمن اتبعه ونصره والويل لمن تخلف عنه وخذله(1)پ

معارضة عثمان بن حنيف:

عن معارضة عثمان بن حنيف يقول الإمام الصادق علیه السلام : وقام معه أخوه عثمان بن حنيف وقال: سمعنا رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] يقول : أهل بيتي نجوم الأرض فلا تتقدموهم وقدموهم فهم الولاة من بعدي. فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله ! وأي أهل بيتك؟ فقال: علي والطاهرون من ولده. وقد بين [صلّی الله علیه وآله وسلّم] فلا تكن يا أبابكر أول كافر به{لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم

وأنتم تعلمون}(2) .

ص: 155


1- " ثم قام سهل بن حنيف فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي محمد وآله ثم قال: یا معاشر قریش اشهدوا علي أني أشهد على رسول الله وقد رأيته في هذا المكان، يعني الروضة، وقد أخذ بيد علي بن أبي طالب [علیه السلام ] وهو يقول : أيها الناس! هذا علي إمامكم من بعدي ووصيي في حياتي وبعد وفاتي وقاضي ديني ومنجز وعدي وأول من يصافحني على حوضي، فطوبى لمن اتبعه ونصره والويل لمن تخلف عنه وخذله." الاحتجاج على أهل اللجاج، ج 1، ص 103 ، ما جرى بعد الرسول صلى الله عليه وآله ؛ بحار الأنوار، ج28، ص 200 - 201، کتاب الفتن ،والمحن الباب الرابع، الحديث الثاني.
2- وقام معه أخوه عثمان بن حنيف وقال : سمعنا رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] يقول : أهل بيتي نجوم الأرض فلا تتقدموهم وقدموهم فهم الولاة من بعدي. فقام إليه رجل فقال : يا رسول الله ! وأي أهل بيتك ؟ فقال : علي والطاهرون من ولده. وقد بين [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] فلا تكن يا أبابكر أول كافر به { لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} الاحتجاج على أهل اللجاج، ج 1، ص103، ما جرى بعد الرسول صلّی الله علیه وآله وسلّم و بحار الأنوار، ج 28، ص201 ، كتاب الفتن والمحن الباب الرابع، الحديث الثاني.
معارضة أبي أيوب الأنصاري:

يتحدث الإمام الصادق علیه السلام عن آخر المعترضين بقوله: «ثم قام أبو أيوب الأنصاري فقال: اتقوا عباد الله في أهل بيت نبيكم وارددوا إليهم حقهم الذي جعله الله لهم. فقد سمعتم مثل ما سمع إخواننا في مقام بعد مقام لنبينا [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] و مجلس بعد مجلس يقول : أهل بيتي أئمتكم بعدي ويومئ إلى علي ويقول هذا أمير البررة وقاتل الكفرة مخذول من خذله، منصور من نصره. فتوبوا إلى الله من ظلمكم إياه إن الله تواب رحيم ولا تتولوا عنه مدبرين ولا تتولوا عنه معرضين»(1).

معارضة قيس بن سعد

كان قيس بن سعد من الذين لم يبايعوا أبابكر أبداً (2)، ولا تخفى معارضته للسقيفة وخلافة أبي بكر وقد دفع ثمناً باهظاً في هذا السبيل.

حين يعدّد البرقي معارضة الاثني عشر صحابياً، يذكر قيس بن سعد بدلاً من عثمان بن حنيف فيقول: ثم قام قيس بن سعد بن عبادة فقال : يا معشر قريش قد علم خياركم أن أهل بيت

ص: 156


1- "ثم قام أبو أيوب الأنصاري فقال : اتقوا عباد الله في أهل بيت نبيكم وارددوا إليهم حقهم الذي جعله الله لهم. فقد سمعتم مثل ما سمع إخواننا في مقام بعد مقام لنبينا [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] و مجلس بعد مجلس يقول : أهل بيتي أئمتكم بعدي ويومئ إلى علي ويقول: هذا أمير البررة وقاتل الكفرة مخذول من خذله، منصور من نصره. فتوبوا إلى الله من ظلمكم إياه إن الله تواب رحيم ولا تتولوا عنه مدبرين ولا تتولوا عنه معرضين." الاحتجاج على أهل اللجاج، ج 1، ص 103 ، ما جرى بعد الرسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم؛ بحار الأنوار ، ج 28، ص201، کتاب الفتن والمحن، الباب الرابع، الحديث الثاني.
2- " قيس بن سعد بن عبادة هو ممن لم يبايع أبابكر . " رجال الطوسي، ص 54 ، أسماء من روى عن أمير المؤمنين [ علیه السلام]، شرح حال قيس سعد ؛ خلاصة الأقوال في معرفة الرجال، ص 231، شرح حال قيس بن سعد. "وما ظهر من إنكار سلمان الفارسي لأمرهم ومشاركة الزبير وجماعة من بني هاشم وكثير من الأنصار كقيس بن سعد بن عبادة والحباب بن المنذر وبريدة الأسلمي وتخلف عن البيعة إلى أن مات . " تقريب المعارف، ص 330 ، عدم حصول الاختيار بصفته المعتبرة.

رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] أحق بمكانه في سبق سابقة وحسن عناء وقد جعل الله هذا الأمر لعلي بمحضر منك وسماع أذنيك، فلا ترجعوا ضلالاً فتنقلبوا خاسرين"(1).

وينقل الديلمي : وقام قيس بن سعد فحمد الله وأثنى عليه وقال يا أبا بكر ! اتق الله ولا تكن أول ظالم لأهل بيت محمد، واردد هذا الأمر الذي جعله الله تعالى ورسوله لهم تحط أوزارك وتلقى رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] وهو عنك راض أحب إليك أن تلقاه وهو عليك غضبان. ثم جلس(2).

في يوم السقيفة حدثت مشادة كلامية تطورت إلى اشتباك بالأيدي بين قيس وعمر بن الخطّاب. فأخذ قيس بلحية عمر وقال له:

والله يا ابن صهاك الجبان في الحرب والفرار الليث في الملأ والأمن لو حركت منه شعرة ما رجعت وفي وجهك واضحة(3).

يقول ابن أبي الحديد لما بلغ قيساً ما قاله أبوه يوم السقيفة ذهب إليه فقال له: أنت سمعت رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] يقول هذا الكلام في علي بن أبي طالب ثم تطلب الخلافة ويقول أصحابك: منا أمير ومنكم أمير ؟ لا كلمتك والله من رأسي بعد هذا كلمة أبداً(4) .

ص: 157


1- "ثم قام قيس بن سعد بن عبادة فقال : يا معشر قريش ! قد علم خياركم أن أهل بيت رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] أحق بمكانه في سبق سابقة وحسن عناء وقد جعل الله هذا الأمر لعلي بمحضر منك وسماع أذنيك، فلا ترجعوا ضلالاً فتنقلبوا خاسرين. " كتاب الطبقات، ص 455 ، أسماء المنكرين على أبي بكر.
2- " وقام قيس بن سعد فحمد الله وأثنى عليه وقال : يا أبابكر اتق الله ولا تكن أول ظالم لأهل بيت محمد، واردد هذا الأمر الذي جعله الله تعالى ورسوله لهم تحط أوزارك وتلقى رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] وهو عنك راض أحب إليك أن تلقاه وهو عليك غضبان. ثم جلس. غرر الأخبار ودرر الآثار ، ص 356 ، الفصل الثالث والثلاثون في شهادة اثني عشر رجلاً من أصحاب رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّمصل لأبي بكر في حق أمير المؤمنين.
3- "قال عمر : اقتلوا سعداً قتله الله . فوثب قيس بن سعد فأخذ بلحية عمر وقال : والله يا ابن صهاك الجبان في الحرب والفرار، الليث في الملأ والأمن! لو حركت منه شعرة ما رجعت وفي وجهك واضحة. فقال أبوبكر : مهلاً يا عمر مهلاً! فإن الرفق أبلغ وأفضل." الاحتجاج، ج 1، ص 93 ، ما جرى بعد الرسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم.
4- فقال له ابنه قيس بن سعد: أنت سمعت رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] يقول هذا الكلام في علي بن أبي طالب ثم تطلب الخلافة ويقول أصحابك : منا أمير ومنكم أمير؟ لا كلمتك والله من رأسي بعد هذا كلمة أبداً. " شرح نهج البلاغة، ج6، ص 44، أمر المهاجرين والأنصار بعد بيعة أبي بكر، نقلاً عن أبي بكر الجوهري، ذيل الخطبة 66 .

سؤال:

هل تم انتخاب الخليفة بإجماع المسلمين ؟ هل كلام الصحابة حجة؟

من العجب أن يكون كلام بضعة أشخاص أو حتى كلام شخص واحد كافياً لاختيار الخليفة وتنصيبه، ولا يكفي كلام اثني عشر رجلاً لعزله ! لماذا إذا قال رجل واحد إن أبابكر هو الخليفة أخذ بقوله، وإذا قال اثنا عشر رجلاً إنه لا يمكن أن يكون خليفة، ضرب بقولهم عرض الحائط؟

إذا كنتم تقولون إن كلام صحابي واحد حجة فلماذا لا تعتبرون كلام اثني عشر صحابياً حجة؟

نتائج معارضة الصحابة:

أسقط في يد أبي بكر بعد سماعه الاعتراضات الدامغة من عدد من كبار الصحابة ولم يحر جواباً عليها.

فقال : أصبحت خليفتكم ولست الأفضل فيكم(1). دعوني دعوني فإني أتخلى عن بيعتي. فقال له عمر : انزل عن المنبر أيها الأحمق [فقد نقضت غزلنا كله ]. إذا كنت عاجزاً عن الرد على قريش فلماذا صعدت المنبر ووضعت نفسك في هذا المنصب؟ والله كنت عازماً على عزلك وإبدالك بسالم مولى أبي حذيفة(2) .

ص: 158


1- "ثم تكلم أبوبكر فحمد الله وأثنى عليه بالذي هو أهله ثم قال: أما بعد أيها الناس! فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم. فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني ... " تاريخ الطبري، ج 2، ص 237 - 238، حوادث سنة 11 هجرية، حديث السقيفة ؛ المصنف، ج 11، ص 336، باب لا طاعة في معصية، الحديث 20702 ؛ الطبقات الكبرى، ج 3، ص 182 ، ذكر بيعة أبي بكر ؛ أنساب الأشراف، ج 2، ص 273 - 274 ، خطبة أبي بكر بعد البيعة.
2- العجيب أن يكون تنصيب الخليفة وعزله بيد شخص واحد، وهو عمر !!! وهذا ما يلفت النظر إليه ابن عبدالبر . " وقد روي عن عمر أنه قال: لو كان سالم حياً ما جعلتها شورى. وذلك بعد أن طعن فجعلها شورى وهذا عندي أنه كان يصدر فيها عن رأيه." الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 2، ص 136 ، شرح حال سالم بن معقل، الرقم 886 .

نزل أبوبكر من المنبر وأخذ بيد صاحبه فذهباً معاً إلى البيت ولم يأتيا إلى المسجد ثلاثة أيام(1)

(الظاهر أنه لم يحدث شيء في تلك الأيام الثلاثة، ولكن كان هناك اجتماعات تعقد وقرارات تتخذ في الخفاء. وفي اليوم الرابع امتشقوا سيوفهم وأطلقوا قوات التدخل السريع).

مواجهة أصحاب السقيفة للمعارضين:

بعد ثلاثة أيام من قعود الخليفة في بيته، جاءه خالد بن الوليد في اليوم الرابع ومعه ألف رجل فقال : لماذا أنتم قاعدون ؟ والله إن بني هاشم طمعوا في الخلافة . بعد ذلك جاء سالم مولى أبي حذيفة ومعه ألف رجل ثم معاذ بن جبل ومعه ألف حتى بلغ عديدهم أربعة آلاف. فقاد عمر

الأربعة آلاف مسلح إلى مسجد رسول الله.

التفت عمر إلى أنصار علي بن أبي طالب علیه السلام فقال:

والله يا أصحاب علي لئن ذهب منكم رجل يتكلم بالذي تكلم بالأمس لنأخذن الذي فيه عيناه.

فقام خالد بن سعيد بن العاص فقال:

يا ابن صهاك الحبشية أبأسيافكم تهددوننا أم بجمعكم تفزعوننا؟ والله إن أسيافنا أحد من أسيافكم وإنا لأكثر منكم وإن كنا قليلين لأن حجة الله فينا. والله لولا أني أعلم أن طاعة الله ورسوله وطاعة إمامي أولى بي لشهرت سيفي وجاهدتكم في الله.

ص: 159


1- قال الصادق علیه السلام : فأفحم أبو بكر على المنبر حتى لم يحر جواباً ثم قال: وليتكم ولست بخيركم أقيلوني أقيلوني. فقاله عمر بن الخطاب: انزل عنها يا لكع ! إذا كنت لا تقوم بحجج قريش لم أقمت نفسك هذا المقام؟ والله لقد هممت أن أخلعك وأجعلها في سالم مولى أبي حذيفة. قال: فنزل فأخذ بيده وانطلق إلى منزله وبقوا ثلاثة أيام لا يدخلون مسجد رسول صلّی الله علیه وآله وسلّم. " الاحتجاج على أهل اللجاج، ج 1 ، ص 104، ما جرى بعد الرسول صلّی الله علیه وآله وسلّم ؛ بحار الأنوار، ج 28، ص 201 - 202 ، كتاب الفتن والمحن، الباب الرابع الحديث الثاني.

فقال له أمير المؤمنين:

اجلس یا خالد فقد عرف الله لك مقامك وشكر لك سعيك.

فجلس ثم قام سلمان الفارسي فقال :

الله أكبر الله أكبر سمعت رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] بهاتين الأذنين والأصمّتا يقول: "بينا أخي وابن عمي جالس في مسجدي مع نفر من أصحابه إذ تكبسه جماعة من كلاب أصحاب النار يريدون قتله وقتل من معه" فلست أشك إلاّ وأنكم هم.

فهمّ به عمر بن الخطاب فوثب إليه أمير المؤمنين علیه السلام وأخذ بمجامع ثوبه ثم جلد به الأرض ثم قال:

يا ابن صهاك الحبشية لولا كتاب من الله سبق وعهد من رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] تقدم لأريتك أينا أضعف ناصراً وأقل عددا.

ثم التفت إلى أصحابه فقال:

انصرفوا رحمكم الله ! فوالله لا دخلت المسجد إلاّ كما دخل أخواي موسى وهارون، إذ قال له أصحابه:

{فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون }(1)والله لا دخلته إلا لزيارة رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] أو لقضية أقضيها، فإنه لا يجوز بحجة أقامها رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] أن يترك الناس في حيرة(2).

ص: 160


1- {قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون} سورة المائدة، الآية 24.
2- قال الصادق علیه السلام: ...فلما كان في اليوم الرابع جاءهم خالد بن الوليد ومعه ألف رجل، فقال لهم : ما جلوسكم فقد طمع فيها والله بنو هاشم؟ وجاءهم سالم مولى أبي حذيفة ومعه ألف رجل، وجاءهم معاذ بن جبل ومعه ألف رجل، فمازال يجتمع إليهم رجل رجل حتى اجتمع أربعة آلاف رجل، فخرجوا شاهرين بأسيافهم يقدمهم عمر بن الخطاب حتى وقفوا بمسجد رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] فقال :عمر والله يا أصحاب علي لئن ذهب منكم رجل يتكلم بالذي تكلم بالأمس لنأخذن الذي فيه عيناه. فقام إليه خالد بن سعيد بن العاص وقال : يا ابن صهاك الحبشية بأسيافكم تهددوننا أم بجمعكم تفزعوننا ؟ والله إن أسيافنا أحد من أسيافكم وإنا لأكثر منكم وإن كنا قليلين، لأن حجة الله فينا. والله لولا أني أعلم أن طاعة الله ورسوله وطاعة إمامي أولى بي لشهرت سيفي وجاهدتكم في الله إلى أن أبلي عذري. فقال أمير المؤمنين: اجلس يا خالد! فقد عرف الله لك مقامك وشكر لك سعيك. فجلس وقام إليه سلمان الفارسي فقال : الله أكبر الله أكبر سمعت رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] بهاتين الأذنين، وإلا صُمّتا، يقول: بينا أخي وابن عمي جالس في مسجدي مع نفر من أصحابه إذ تكبسه جماعة من كلاب أصحاب النار يريدون قتله وقتل من معه، فلست أشك إلا وإنكم .هم فهم به عمر بن الخطاب فوثب إليه أمير المؤمنين[علیه السلام ]و أخذ بمجامع ثوبه ثم جلد به الأرض ثم قال: يا ابن صهاك الحبشية لولا كتاب من الله سبق وعهد من رسول الله الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] تقدّم لأريتك أينا أضعف ناصراً وأقل عدداً . ثم التفت إلى أصحابه فقال : انصرفوا رحمكم الله فوالله لا دخلت المسجد إلاّ كما دخل أخواي موسى وهارون إذ قال له أصحابه (( فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون)). والله لا دخلته إلاّ لزيارة رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] أو لقضية أقضيها، فإنه لا يجوز بحجة أقامها رسول [صلّی الله علیه وآله وسلّم] أن يترك الناس في حيرة." الاحتجاج على أهل اللجاج ج 1 ، ص 104 - 105 ، ما جرى بعد الرسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم ؛ بحار الأنوار ، ج 28، ص 202 - 203 ، كتاب الفتن والمحن، الباب الرابع، الحديث الثاني .

سوال

ما جرى في المسجد يثير في الذهن سؤالين:

1- بدأ عمر بن الخطاب كلامه بعبارة "يا أصحاب علي " ولم يقل: "يا أصحاب محمد". فهل كان أولئك من صحابة رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم أم من صحابة علي علیه السلام ؟ ألم يكونوا صحابة رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم ؟ أم أن معارضتهم أخرجتهم من صحبة النبي؟ أليس الإمام علي علیه السلام من أصحاب رسول الله ؟ هل إن أبا سفيان ومعاوية من أصحاب النبي، وأمير المؤمنين ليس كذلك؟ ما لكم كيف تحكمون؟

2- يقول بعض إن عليا علیه السلام كان يصلي خلف الخلفاء وهذا يعني أنه كان راضياً بخلافتهم. فهل كان الأمر كذلك حقيقةً؟ إذا كان كذلك فما معنى قوله علیه السلام : ((والله لا دخلته (يعني مسجد النبي ) إلاّ لزيارة رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] أو لقضية أقضيها )) ؟

ص: 161

معارضة سعد بن عبادة:

اتفق الشيعة والسنة على أن سعد بن عبادة لم يبايع أبا بكر حتى مات، ولم يبايع في عهد عمر حتى مات(1) ولم يكن بعد السقيفة، يحضر اجتماعاتهم ولا يصلي الجمعة معهم ويرفض الأحكام القضائية الصادرة عنهم.

ولا ريب في أنه لو كان وجد أنصاراً لقاتلهم.

قال سعد لمن كان حاضراً السقيفة: والله ما طمعت في الخلافة لولا أني رأيتهم أبعدوها عن علي [علیه السلام] ، ولن أبا يعكم حتى يبايع علي [علیه السلام]. وقد لا أبايع وإن بايع هو (2).

وقال سعد لعمر يوم السقيفة: لو أن لي قوة لصرخت في أزقة المدينة فأدخلت الرعب في قلوبكم وأعدتكم أذلة خاسئين. (واليوم تدّعون الخلافة والولاية على الناس)(3).

ص: 162


1- "وأما سعد بن عبادة... شهد بدراً عند بعضهم ولم يبايع أبا بكر ولا عمر، وسار إلى الشام فأقام بحوران إلى أن مات سنة خمس عشرة. " عمدة القاري شرح صحيح البخاري، ج 13، ص 233، كتاب الهبة وفضلها، باب تعديل النساء بعضهن بعضاً، شرح الحديث 27. "فكان سعد لا يصلي بصلاتهم ولا يجمع معهم ويحج ولا يفيض معهم بإفاضتهم، فلم يزل كذلك حتى هلك أبوبكر. " تاريخ الطبري، ج 2، ص 244 ، حوادث سنة 11 هجرية، ذكر الخبر عما جرى بين المهاجرين والأنصار في أمر الإمارة في سقيفة بني ساعدة ؛ الإمامة والسياسة، ج 1، ص 10، تخلف سعد بن عبادة عن البيعة . " وعن أبي مخنف عن الكلبي وغيرهما أن سعد بن عبادة لم يبايع أبابكر ص10، "وعن وخرج إلى الشام." أنساب الأشراف، ج 2، ص 272، موقف سعد بن عبادة من بيعة أبي بكر ؛ الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 2، ص164، شرح حال سعد بن عبادة، الرقم 949؛ مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج2، ص 329؛ الاحتجاج، ج 1، ص 94 . "وتخلف عن بيعة أبي بكر يومئذ سعد بن عبادة في طائفة من الخزرج وعلي بن أبي طالب وابناه والعباس عنّ رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] وبنوه في بني هاشم والزبير وطلحة وسلمان وعمار وأبوذر والمقداد وغيرهم من المهاجرين وخالد بن سعيد بن العاص . " الرياض النضرة في مناقب العشرة، ج 1، ص 241، ذكر بيعة العامة. "الذين تخلفوا عن بيعة أبي بكر علي والعباس والزبير وسعد بن عبادة. " العقد الفريد، ج 4 ، ص 259 ، كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم الذين تخلفوا عن بيعة أبي بكر.
2- " ثم إن سعد بن عبادة لما رأى الناس يبايعون أبا بكر نادى والله ما أردتها حتى صرفت عن علي ولا أبايعكم حتى يبايع علي ولعلي لا أفعل وإن بايع . ثم ركب دابته وأتى حوران وأقام في خان حتى هلك ولم يبايع . " كشف المحجة لثمرة المهجة، ص177، اعتراض فروة بن عمر على أبي بكر ومثله قيس بن مخزمة ؛ بحار الأنوار، ج30، ص 11 - 12 ، فيما كتب علیه السلام إلى أصحابه في ذلك تصريحاً وتلويحاً، الحديث الأول .
3- "فقال سعد: يا ابن صهاك (وكانت جدة عمر) الحبشية أما والله لو أن لي قوة على النهوض لسمعتها مني في سكاكها زئيراً أزعجك وأصحابك منها ولألحقنكما بقوم كنتها فيهم أذناباً أذلاء تابعين غير متبوعين لقد اجترأتما. " الاحتجاج، ج 1، ص 93، ما جرى بعد الرسول صلّی الله علیه وآله وسلّم .

وحدث ذات مرة في عهد عمر أن التقيا في الطريق وكان سعد يمتطي حصاناً وعمر يركب ناقة، فقال له عمر يا سعد هيهات! فقال سعد هيهات. فقال عمر: ألازلت على عهدك ؟ قال سعد: بلى، أنا كما عهدت . والله لم يُسخطني جارٌ ولم يؤذني كما أسخطتني وآذيتني. قال عمر: إن لم يعجبك فارحل ! فقال سعد: أرجو أن أترك لك المدينة عما قريب وأرحل لمجاورة من جواره خير من جوارك أنت وأنصارك. ثم ارتحل سعد إلى الشام بعد فترة قصيرة ومات في "حوران".

لم يبايع سعد أحداً، لا أبا بكر ولا عمر(1).

ص: 163


1- "فكان لا يصلي بصلاتهم ولا يجمع بجماعتهم ولا يقضي بقضائهم ولو وجد أعواناً لضاربهم. فلم يزل كذلك حتى مات أبوبكر. ثم لقي عمر في خلافته وهو على فرس وعمر على بعير فقال له عمر هيهات يا سعد ! فقال سعد: هيهات يا عمر ! فقال : أنت صاحب من أنت صاحبه . قال : نعم أنا ذاك. ثم قال لعمر والله ما جاورني أحد هو أبغض إلي جواراً منك. قال عمر : فإنه من كه جوار رجل انتقل عنه. فقال سعد: إني لأرجو أن أخليها لك عاجلاً إلى جوار من هو أحب إلي جواراً منك ومن أصحابك. فلم يلبث سعد بعد ذلك إلا قليلاً حتى خرج إلى الشام فمات بحوران ولم يبايع لأحد لا لأبي بكر ولا لعمر ولا لغيرهما. " شرح نهج البلاغة، ج6، ص 10 - 11 ، يوم السقيفة، ذيل الخطبة 66 . وذكر ذلك ابن سعد والطبري وابن عساكر وابن قتيبة بهذا الاختلاف: "فلما ولي عمر لقيه ذات يوم في طريق المدينة فقال : إيه يا سعد ! فقال سعد: إيه يا عمر ! فقال عمر: أنت صاحب ما أنت صاحبه ؟ فقال سعد: نعم أنا ذاك وقد أفضى إليك الأمر، كان والله صاحبك أحب إلينا منك وقد والله أصبحت كارهاً لجوارك . فقال عمر : إنه من كره جوار جاره تحوّل عنه. فقال سعد: أما إني غير مستنسئ بذلك وأنا متحول إلى جوار من هو خير منك. قال: فلم يلبث إلا قليلاً حتى خرج مهاجراً إلى الشام في أول خلافة عمر بن الخطاب فمات بحوران " الطبقات الكبرى، ج 3، ص 616 - 617 ، شرح حال سعد بن عبادة ؛ تاريخ دمشق الكبير، ج 22، ص 181 ، شرح حال سعد بن عبادة، الرقم 2426. فكان سعد لا يصلي بصلاتهم ولا يجمع بجمعتهم ولا يفيض بإفاضتهم ولو يجد عليهم أعواناً لصال بهم ولو بايعه أحد على قتالهم لقاتلهم. فلم يزل كذلك حتى توفي أبو بكر وولي عمر بن الخطاب، فخرج إلى الشام، فمات بها ولم يبايع لأحد. " الإمامة والسياسة، ج 1، ص10، تخلف سعد بن عبادة عن البيعة. "وأما سعد بن عبادة... شهد بدراً عند بعضهم ولم يبايع أبابكر ولا عمر وسار إلى الشام فأقام بحوران إلى أن مات سنة خمس عشرة . " عمدة القاري شرح صحيح البخاري، ج 13، ص 232 - 233، کتاب الشهادات، باب تعديل النساء بعضهن بعضاً، شرح الحديث 27 . " فكان سعد لا يصلي بصلاتهم ولا يجمع معهم ولا يفيض معهم بإفاضتهم فلم يزل كذلك حتى هلك أبوبكر . " تاريخ الطبري، ج 2، ص 244، حوادث سنة 11 هجرية، ذكر الخبر عما جرى بين المهاجرين والأنصار في أمر الإمارة في سقيفة بني ساعدة .

ذهب سعد ضحية أفعاله. فليس فقط لم يحصل على أي دور في السلطة بل إنه، فوق ذلك، وجد نفسه مضطراً لترك بلاده على حد تعبير البلاذري وهو من المؤرخين السنة القدامى و ابن عبدربه وهو من السنة المتعصبين. فقد ذهب الى الشام، وحتى هناك لم يكن في مأمن. وأرسل له عمر عدداً من الإرهابيين ليغتالوه. ثم قالوا قتلته الجن(1).

كانت نهاية سعد أن اغتيل على يد محمد بن مسلمة وخالد بن الوليد بأمر من السلطة كما ينقل القاضي نور الله عن البلاذري(2)، ولكن يبدو أن الرواية تعرضت للتلاعب والحذف، ففي كتاب البلاذري الذي بين أيدينا عبارة "فبعث عمر رجلاً" و لم يذكر اسم خالد ومحمد بن مسلمة. ويؤيد كلامنا تصريحُ ابن أبي الحديد المعتزلي الذي يؤيد أن القتل تم على يد خالد ولكنه يبرره بأن خالداً فعل ذلك بغير أمر من أبي بكر وهو يتحمل إثمه ولا يتحمل أبوبكر شيئاً وأن ذلك ليس مستبعداً من خالد(3).

ص: 164


1- أن سعد بن عبادة لم يبايع أبابكر وخرج إلى الشام . فبعث عمر رجلاً وقال : ادعه إلى البيعة واختل له وإن أبى فاستعن بالله عليه. فقدم الرجل الشام فوجد سعداً في حائط بحوارين فدعاه إلى البيعة فقال : أفخارج أنت مما دخلت فيه الأمة؟ قال: أما من البيعة فإني خارج، فرماه بسهم فقتله. وروي أن سعداً رمي في حمام . وقيل : كان جالساً يبول فرمته الجن فقتلته. و قال قائلهم: قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة ***رمیناه بسهمين فلم تخط فؤاده أنساب الأشراف، ج 2، ص 272، موقف سعد بن عبادة من بيعة أبي بكر ؛ العقد الفريد، ج 4 ، ص 260 ، كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء و تواريخهم و أخبارهم الذين تخلفوا عن بيعة أبي بكر.
2- " ذكر البلاذري في تاريخه أن عمر بن الخطاب أرسل محمد بن مسلمة الأنصاري وخالد بن الوليد من المدينة ليقتلا سعد بن عبادة فرماه كل واحد منهم بسهم فقتلاه " مجالس المؤمنين، ج 2، ص 303 فقتلاه. " مجالس المؤمنين ، ج 2، ص 303 - 304 ، المجلس الثالث، شرح حال سعد بن عبادة.
3- "الطعن الثالث عشر :قولهم إنه كتب إلى خالد بن الوليد وهو على الشام يأمره أن يقتل سعد بن عبادة فكمن له هو وآخر معه ليلاً فلما مر بهما رمياه فقتلاه وهتف صاحب خالد في ظلام الليل بعد أن ألقيا سعداً في بئر هناك فيها ماء ببيتين: [ نحن] قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة [ ربما الصحيح (قد قتلنا) : المترجم] و رمیناه بسهمين فلم تخط فؤاده يوهم أن ذلك شعر الجن وأن الجن قتلت سعداً، فلما أصبح الناس فقدوا سعداً وقد سمع قوم منهم ذلك الهاتف فطلبوه فوجدوه بعد ثلاثة أيام في تلك البئر وقد اخضر. فقالوا هذا مسيس الجن وقال شيطان الطاق لسائل سأله : ما منع علياً أن يخاصم أبا بكر في الخلافة؟ فقال : يا ابن أخي خاف أن تقتله الجن والجواب: أما أنا فلا أعتقد أن الجن قتلت سعداً ولا أن هذا شعر الجن ولا أرتاب أن البشر قتلوه وأن هذا الشعر شعر البشر ولكن لم يثبت عندي أن أبابكر أمر خالداً ولا أستبعد أن يكون فعله من تلقاء نفسه ليرضي بذلك أبابكر، وحاشاه، فيكون الإثم على خالد وأبو بكر بريء من إثمه وما ذلك من أفعال خالد ببعيد . " شرح نهج البلاغه، ج17، ص 223 - 224، ذكر ما طعن به الشيعة في إمامة أبي بكر والجواب عنها الطعن الثالث عشر ذيل الرسالة 62 . في موضع آخر ينسب ابن أبي الحديد قتل سعد إلى والي الشام: " ويقول قوم : إن أمير الشام يومئذ كمن له من رماه ليلاً وهو خارج إلى الصحراء بسهمين، فقتله لخروجه عن طاعة الإمام. " شرح نهج البلاغه، ج 10، ص 111 ، ذكر سعد بن عبادة ونسبه، ذيل الخطبة 183.
معارضة حذيفة بن اليمان

كان من مخالفي السقيفة. ويفيد نقل بأن أبيّ بن كعب كان يؤيد جميع مواقف حذيفة المعارضة، وأنه كان من بين الذين خططوا ليلاً لإعادة الخلافة شورى بين المهاجرين، کما مر مفصلاً(1).

بعد مقتل عثمان وتولّي أمير المؤمنين علیه السلام الخلافة ، كتب الإمام كتاباً إلى حذيفة وكان عاملاً على المدائن قال له فيه :

ص: 165


1- "أبوسعيد الخدري قال: سمعت البراء بن عازب يقول : لم أزل لبني هاشم محباً، فلما قبض رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] تخوفت أن تتمالاً قريش على إخراج هذا الأمر عن بني هاشم، فأخذني ما يأخذ الواله العجول ... فلما كان بليل خرجت إلى المسجد فلما صرت فيه تذكرت أني كنت أسمع همهمة رسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم ] بالقرآن فامتنعت من مكاني فخرجت إلى الفضاء (فضاء بني بياضة) وأجد نفراً يتناجون. فلما دنوت منهم سكتوا فانصرفت عنهم فعرفوني وما أعرفهم، فدعوني إليهم فأتيتهم فأجد المقداد بن الأسود وعبادة بن الصامت وسلمان الفارسي وأباذر وحذيفة وأبا الهيثم بن التيهان. وإذا حذيفة يقول لهم: والله ليكونن ما أخبرتكم به والله ما كذبت ولا كذبت. وإذا القوم يريدون أن يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين. ثم قال : ائتوا أبي بن كعب فقد علم كما علمت . قال : فانطلقنا إلى أبي فضربنا عليه بابه حتى صار خلف الباب فقال: من أنتم؟ فكلمه المقداد فقال: ما حاجتكم؟ فقال له : افتح عليك بابك، فإن الأمر أعظم من أن يجري من وراء حجاب . قال : ما أنا بفاتح بابي وقد عرفت ما جئتم له كأنكم أردتم النظر في هذا العقد فقلنا : نعم . فقال : أفيكم حذيفة؟ فقلنا: نعم. قال: فالقول ما قال، وبالله ما أفتح عني بابي حتى يجري على ما هي جارية ولما يكون بعدها شر منها وإلى الله المشتكى . " شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 51 - 52 ، حديث السقيفة، ذيل الخطبة 26 ، وج 1، ص 2119 - 220 ، اختلاف الرأي في الخلافة بعد وفاة رسول الله، ذيل الخطبة الخامسة ؛ نثر الدر في المحاضرات، ج 1، ص 278 ، الفصل الأول، الباب الخامس فيه كلام جماعة من بني هاشم المتقدمين منهم والمتأخرين.

من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى حذيفة بن اليمان سلام عليك. أما بعد، فإني قد وليتك ما كنت تليه لمن كان قبلي من حرف المدائن وقد جعلت إليك أعمال الخراج والرستاق وجباية أهل الذمة، فاجمع إليك ثقاتك ومن أحببت ممن ترضى دينه وأمانته واستعن بهم على أعمالك فإن ذلك أعز لك ولوليك وأكبت لعدوك ... وقد وجّهت إليك كتاباً لتقرأه على أهل مملكتك ليعلموا رأينا فيهم وفي

جميع المسلمين، فأحضرهم واقرأه عليهم وخذ لنا البيعة على الصغير والكبير منهم إن شاء الله. قال: ولما وصل عهد أمير المؤمنين [علیه السلام ] إلى حذيفة جمع الناس فصلى بهم ثم أمر بالكتاب فقرأه عليهم وهو:

بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي بن أبي طالب أمير المؤمنين إلى من بلغه كتابي هذا من المسلمين. سلام عليكم. أما بعد!.. فلما قضى [رسول الله ] ما كان عليه من ذلك مضى إلى رحمة الله حميداً محموداً. ثم إن بعض المسلمين أقاموا بعده رجلين رضوا بهداهما وسيرتهما قاما ما شاء الله ثم توفاهما الله عزّ وجلّ ثم ولّوا بعدهما الثالث فأحدث أحداثاً ووجدت الأمة عليه فعالاً فاتفقوا عليه

ثم نقموا منه فغيّروا . ثم جاؤوني كتتابع الخيل فبايعوني فأنا أستهدي الله بهداه وأستعينه على التقوى. ألا وإن لكم علينا العمل بكتاب الله وسنة نبيه [صلّی الله علیه وآله وسلّم] و القيام عليكم بحقه وإحياء سنته والنصح لكم بالمغيب والمشهد وبالله نستعين على ذلك وهو حسبنا ونعم الوكيل. وقد وليت أموركم حذيفة بن اليمان وهو ممن أرتضي بهداه وأرجو صلاحه وقد أمرته بالإحسان إلى محسنكم والشدّة على مريبكم والرفق بجميعكم. أسأل الله لنا ولكم حسن الخيرة والإحسان ورحمته الواسعة في الدنيا والآخرة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

قال الراوي: ثم إن حذيفة صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على محمد وآل محمد ثم قال: الحمد لله الذي أحيى الحق وأمات الباطل وجاء بالعدل ودحض الجور وركبت (هكذا) الظالمين(1). أيها الناس! إنما وليكم الله ورسوله وأمير المؤمنين حقاً حقاً وخير من نعلمه بعد نبينا

ص: 166


1- إشارة إلى انطواء بساط الشجرة الخبيثة وصعود بني هاشم.

رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] وأولى الناس بالناس وأحقهم بالأمر وأقربهم إلى الصدق وأرشدهم إلى العدل وأهداهم سبيلاً وأدناهم إلى الله وسيلة [ أي إذا أردتم الوصول إلى الله فهذا هو الطريق إليه ] وأقربهم برسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم ] رحماً، أنيبوا إلى طاعة أول الناس سلماً وأكثر هم علماً وأصدقهم طريقة وأسبقهم إيماناً وأحسنهم يقيناً وأكثرهم معروفاً وأقدمهم جهاداً وأعزهم مقاماً أخي رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] و ابن عمه وأبي الحسن والحسين وزوج الزهراء البتول سيدة نساء العالمين، فقوموا أيها الناس فبايعوا على كتاب الله وسنة نبيه فإن الله في ذلك رضا ولكم مقنع وصلاح والسلام. فقام الناس بأجمعهم فبايعوا أمير المؤمنين [علیه السلام] ( في غيابه) بأحسن بيعة وأجمعها. فلما استتمت البيعة قام إليه فتى من أبناء العجم (إيراني) وولاة الأنصار لمحمد بن عمارة بن التيهان أخي أبي الهيثم بن التيهان يقال له مسلم متقلداً سيفاً فناداه من أقصى الناس: أيها الأمير! إنا سمعناك تقول في أول كلامك إنما وليكم الله ورسوله وأمير المؤمنين حقاً حقاً تعريضاً ممن كان قبله من الخلفاء أنهم لم يكونوا أمراء المؤمنين حقاً، فعرّفنا ذلك أيها الأمير رحمك الله ولا تكتمنا، فإنك ممن شهد وغبنا ونحن مقلدون ذلك في أعناقكم [ نحن الجيل الثاني ويفصلنا عن وفاة رسول الله 25 سنة منة وأنتم حلقة الوصل بين القيادة والجيل الجديد] والله شاهد عليكم فيما تأتون به من النصيحة لأمتكم وصدق الخبر عن نبيكم [ صلّی الله علیه وآله وسلّم ] .

قال حذيفة: أيها الرجل! أما إذا سألت وفحصت هكذا فاسمع وافهم ما أخبرك به ! أما من تقدم من الخلفاء قبل علي بن أبي طالب [علیه السلام] ممن تسمى بأمير المؤمنين فإنهم تسمّوا بذلك وسماهم الناس به، وأما علي بن أبي طالب فإن جبرائيل[ علیه السلام ] سمّاه بهذا الاسم عن الله تعالى وشهد له الرسول [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] عن سلام جبرائيل له بإمرة المؤمنين وكان أصحاب رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] يدعونه في حياة رسول الله بأمير المؤمنين. قال الفتى أخبرنا كيف كان ذلك يرحمك الله ؟ قال

حذيفة: إن الناس كانوا يدخلون على رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] قبل [آية ] الحجاب إذا شاؤوا فنهاهم رسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم]أن يدخل أحد إليه وعنده دحية بن خليفة الكلبي وكان رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] .

ص: 167

يراسل قيصراً ملك الروم وبني حنيفة وملوك بني غسان على يده وكان جبرائيل [علیه السلام ] يهبط عليه في صورته ولذلك نهى رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] أن يدخل المسلمون عليه إذا كان عنده دحية. قال حذيفة: وإني أقبلت يوماً لبعض أموري إلى رسول الله رجاء أن ألقاه خالياً فلما صرت بالباب نظرت فإذا أنا بشملة قد سدلت على الباب فرفعتها وهممت بالدخول، وكذلك كنا نصنع، فإذا أنا بدحية قاعد عند رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] والنبي نائم ورأسه في حجر دحية الكلبي، فلما رأيته انصرفت فلقيني علي بن أبي طالب [علیه السلام] في بعض الطريق فقال : يا ابن اليمان من أين أقبلت؟ فقلت: من عند رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] . قال : وماذا صنعت؟ قلت: أردت أن أدخل عليه في كذا وكذا وذكرت الأمر الذي جئت له فلم يتهيأ لي ذلك. قال : ولم؟ قلت: عنده دحية الكلبي. وسألت علياً معونتي على رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] في ذلك الأمر . قال : فارجع معي فرجعت معه. فلما صرنا إلى باب الدار جلست بالباب ورفع علي الشملة ودخل فسلّم فسمعت دحية يقول: وعليك السلام يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. ثم قال له: اجلس فخذ رأس أخيك وابن عمك من حجري فأنت أولى الناس به. فجلس علي وأخذ رأس رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] فجعله في حجره وخرج دحية من البيت. فقال علي: ادخل يا حذيفة فدخلت وجلست فما كان بأسرع من انتبه رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] فضحك في وجه علي ثم قال: يا أبا الحسن من حجر من أخذت رأسي؟ قال: من حجر دحية الكلبي. فقال [ صلّی الله علیه وآله وسلّم ] : ذلك جبرائيل ! فما قلت له حين دخلت وما قال لك؟ قال: دخلت وسلّمت فقال لي: وعليك السلام يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. فقال رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ]: يا علي [علیه السلام ] سلّمت عليك ملائكة الله وسكان سماواته بإمرة المؤمنين من قبل أن يسلم عليك أهل الأرض. يا علي ! إن جبرائيل [علیه السلام] فعل ذلك عن أمر الله عزّ وجلّ وقد أوحى إلي عن ربي تبارك وتعالى من قبل دخولك أن أفرض ذلك على الناس وأنا فاعل ذلك إن شاء الله تعالى. فلما كان من الغد بعثني رسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم] إلى ناحية فدك في حاجة، فلبثت أياماً ثم قدمت فوجدت الناس يتحدثون أن [صلّی الله علیه وآله وسلّم] أمر الناس أن يسلموا على علي [علیه السلام] بإمرة المؤمنين وأن جبرائيل أتاه بذلك

ص: 168

عن الله عزّ وجل. فقلت: صدق رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] وأنا قد سمعت جبرائيل سلّم على علي بإمرة المؤمنين فحدّثتهم الحديث، فسمعني عمر بن الخطاب وأنا أحدّث الناس في المسجد، فقال لي: أنت رأيت جبرائيل وسمعته ؟ اتق القول فقد قلت قولاً عظيماً فقد خولط بك. فقلت: نعم أنا سمعت ورأيت ذلك، فأرغم الله أنف من رغم . فقال : يا أباعبدالله ! لقد رأيت وسمعت عجباً. قال حذيفة: فسمعني بريدة بن الحصيب الأسلمي وأنا أحدث ببعض ما رأيت وسمعت، فقال لي: والله يا ابن اليمان لقد أمرهم رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] بالسلام على علي [علیه السلام] بإمرة المؤمنين فاستجاب له طائفة يسيرة من الناس وردّ ذلك عليه وأباه كثير من الناس فقلت: يا بريدة! أكنت شاهداً ذلك اليوم؟ فقال: نعم من أوله إلى آخره. فقلت له: حدثني به رحمك الله فإني كنت عن ذلك اليوم غائباً. (ص 215) قال بريدة: كنت أنا وعمار أخي مع رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] في نخيل بني النجار، فدخل

علينا علي بن أبي طالب [علیه السلام] فسلّم، فردّ عليه رسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم ] ورددنا، ثم قال: يا علي! اجلس هنا. فدخل رجال فأمرهم رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم ] بالسلام على علي بإمرة المؤمنين فسلّموا وما كادوا. ثم دخل أبوبكر وعمر فسلّما، فقال لهما رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم]: سلما على علي بإمرة المؤمنين. فقالا: الإمرة من الله ورسوله ؟ فقال : نعم. ثم دخل طلحة وسعد بن مالك فسلّما، فقال لهما النبي: سلّما على علي بإمرة المؤمنين. فقالا: عن الله ورسوله؟ فقال: نعم. قالا : سمعنا وأطعنا. ثم دخل سلمان الفارسي وأبوذر الغفاري فسلّما فردّ علیهما السلام ثم قال لهما : سلّما على علي بإمرة المؤمنين فسلّما ولم يقولا شيئاً. ثم دخل خزيمة بن ثابت وأبو الهيثم بن التيهان فسلّما فرد ثم قال: سلّما على علي بإمرة المؤمنين فسلّما ولم يقولا شيئاً. ثم دخل عمار ومقداد فسلّما فرد علیهما السلام وقال: سلما على علي بإمرة المؤمنين، ففعلا ولم يقولا شيئاً. ثم دخل عثمان وأبو عبيدة فسلّما فردّ علیهماالسلام وقال: سلّما على علي بإمرة المؤمنين. قالا: عن الله ورسوله؟ قال: نعم. فسلّما . ثم دخل فلان وفلان وعدد من جماعة المهاجرين والأنصار ، كل ذلك ورسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] يقول : سلموا على علي بإمرة المؤمنين، فبعض يسلّم و[ بعض ] لم يقل شيئاً وبعض يقول للنبي : عن الله ورسوله؟ فيقول: نعم. حتى غصّ المجلس

ص: 169

بأهله وامتلأت الحجرة وجلس بعض على الباب وفي الطريق وكانوا يدخلون فيسلّمون ويخرجون. ثم قال لي ولأخي: قم يا بريدة أنت وأخوك فسلَّما على علي بن أبي طالب بإمرة المؤمنين. فقمنا وسلّمنا ثم عدنا إلى مواضعنا فجلسنا . قال : ثم أقبل رسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم ] وقال: اسمعوا وعوا إني أمرتكم أن تسلّموا على علي بإمرة المؤمنين، وإن رجالاً سألوني ذلك عن أمر الله عزّ وجلّ أو أمر رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم]؟ ما كان لمحمد أن يأتي أمراً من تلقاء نفسه بل بوحي ربه وأمره، أفرأيتم والذي نفسي بيده لئن أبيتم ونقضتموه لتكفرن ولتفارقن ما بعثني به ربي، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. قال بريدة: فلما خرجنا سمعت بعض أولئك الذين أمروا بالسلام على علي [علیه السلام]بإمرة المؤمنين من قريش يقول لصاحبه وقد التفت بهما طائفة من الجفاء البطاء عن الإسلام من قريش: أما رأيت ما صنع محمد بابن عمه من علو المنزلة والمكانة؟ ولو يستطيع والله لجعله نبياً من بعده. فقال له صاحبه : أمسك ولا يكبرن عليك هذا الأمر فإنا لو فقدنا محمداً لكان فعله هذا تحت أقدامنا. قال حذيفة: ثم خرج بريدة إلى بعض طرق الشام ورجع وقد قبض رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] وبايع الناس أبابكر، فأقبل بريدة ودخل المسجد وأبوبكر على المنبر وعمر دونه بمرقاة، فناداهما من ناحية المسجد : يا أبا بكر ويا عمر ! فقال : ما لك يا بريدة، أجننت؟ فقال لهما : والله ما جننت، ولكن أين سلامكها بالأمس على علي بإمرة المؤمنين ؟ فقال له أبو بكر : يا بريدة! الأمر يحدث بعده الأمر، فإنك غبت وشهدنا الشاهد يرى ما لا يرى الغائب . فقال لهما : رأيتها ما لم يره الله ورسوله! ولكن هذا وفاء صاحبك بقوله: لو فقدنا محمداً لكان هذا قوله تحت أقدامنا، ألا إن المدينة حرام علي أن أسكنها أبداً حتى أموت. وخرج بريدة بأهله وولده فنزل بين قومه بني أسلم، فكان يطلع في الوقت دون الوقت. فلما أفضى الأمر إلى أمير المؤمنين [علیه السلام] سار إليه وكان معه حتى قدم العراق. فلما أصيب أمير المؤمنين [علیه السلام ] سار إلى خراسان فنزلها فلبث هناك إلى أن مات رحمه الله. قال حذيفة: هذه أنباء ما سألني عنه فقال الفتى: لا جزى الله الذين شاهدوا رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] وسمعوه يقول هذا القول في علي [علیه السلام] خيراً، فقد خانوا الله ورسوله وأزالوا الأمر عمن رضي به الله

ص: 170

وأقروه فيمن لم يره الله ولا رسوله لذلك أهلاً. لا جرم والله لن يفلحوا بعدها أبداً. ونزل حذيفة عن منبره فقال : يا أخا الأنصار ! إن الأمر كان أعظم مما تظن أنه عزب والله البصر وذهب اليقين وكثر المخالف وقلّ الناصر لأهل الحق . فقال له الفتى : فهلا انتضيتم أسيافكم ووضعتموها على

رقابكم وضربتم بها الزائلين عن الحق قدماً قدماً حتى تموتوا أو تدركوا الأمر الذي تحبونه من طاعة الله عزّ وجلّ وطاعة رسوله ؟ فقال له : أيها الفتى ! إنه أخذ والله بأسماعنا وأبصارنا وكرهنا الموت وزينت عندنا الحيرة وسبق علم الله بإمرة الظالمين ونحن نسأل الله الصفح لذنوبنا والعصمة فيما بقي من آجالنا، فإنه مالك رحيم. ثم انصرف حذيفة إلى منزله وتفرق الناس»(1).

كذلك ينقل المسعودي ما يشبه هذه الرواية عن حذيفة فيقول:

«وقد كان حذيفة عليلاً بالكوفة في سنة ست وثلاثين فبلغه قتل عثمان وبيعة الناس لعلي[علیه السلام] فقال : أخرجوني وادعوا الصلاة جامعة. فوضع على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي و على آله ثم قال : أيها الناس! إن الناس قد بايعوا علياً فعليكم بتقوى الله وانصروا علياً ووازروه فوالله إنه لعلى الحق آخراً وأولاً وإنه لخير من مضى بعد نبيكم ومن بقي إلى يوم القيامة. ثم أطبق يمينه على يساره ثم قال: اللهم اشهد إني قد بايعت علياً، وقال: الحمد لله الذي أبقاني إلى هذا اليوم. وقال لابنيه صفوان وسعد احملاني وكونا معه فستكون له حروب كثيرة فيهلك فيها خلق من الناس، فاجتهدا أن تستشهدا معه فإنه والله على الحق ومن خالفه على الباطل، ومات حذيفة بعد هذا اليوم بسبعة أيام، وقيل: بأربعين يوماً»(2).

ص: 171


1- إرشاد القلوب، ج 2، ص 180 - 189، باب في فضائله علیه السلام،خبر حذيفة بن اليمان... ؛ بحار الأنوار، ج 28، ص 86 - 94 ، کتاب الفتن والمحن الباب الثالث، الحديث الثالث.
2- وقد كان حذيفة عليلاً بالكوفة في سنة ست وثلاثين فبلغه قتل عثمان وبيعة الناس لعلي [علیه السلام] فقال : أخرجوني وادعوا الصلاة جامعة . فوضع على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي وعلى آله ثم قال : أيها الناس! إن الناس قد بايعوا علياً فعليكم بتقوى الله وانصروا علياً ووازروه فو الله إنه لعلى الحق آخراً وأولاً وإنه لخير من مضى بعد نبيكم ومن بقي إلى يوم القيامة. ثم أطبق يمينه على يساره ثم قال : اللهم اشهد إني قد بايعت علياً، وقال الحمد لله الذي أبقاني إلى هذا اليوم. وقال لابنيه صفوان وسعد احملاني وكونا معه فستكون له حروب كثيرة فيهلك فيها خلق من الناس، فاجتهدا أن تستشهدا معه فإنه والله على الحق ومن خالفه على الباطل. ومات حذيفة بعد هذا اليوم بسبعة أيام، وقيل بأربعين يوماً. مروج الذهب ومعادن الجوهر ، ج 2، ص 425 - 426 ، حذيفة بن اليمان وابناه.
معارضة عبادة بن الصامت:

كان عبادة بن الصامت الأنصاري الخزرجي من أصحاب رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم،حضر معه جميع حروبه وحضر العقبة الأولى والثانية. وكان من النقباء ومن المختارين لدى رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم بين الأنصار. وكان من الأشخاص القلائل الذين جمعوا القرآن في عهد رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم(1).

أما مؤرخو السنة فلم يشر أحد منهم إلى معارضة عبادة باستثناء ابن أبي الحديد الذي ذكره مع الذين خططوا ليلاً لإعادة الخلافة شورى بين المهاجرين(2).

أما كتب الشيعة فتذكر معارضة عبادة. وعدّه الشيخ الصدوق مع الذين لم يبايعوا أبابكر وثبتوا على ولاية أمير المؤمنين وإمامته(3).

يقول أحمد بن همام: أتيت عبادة بن الصامت في ولاية أبي بكر فقلت: يا عبادة! أكان الناس على تفضيل أبي بكر قبل أن يستخلف ؟ فقال : يا أبا ثعلبة ! إذا سكتنا عنكم فاسكتوا ولا تبحثونا، فوالله

ص: 172


1- للمزيد من الاطلاع على شرح حال عبادة، راجع أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 3، ص 158، شرح حال عبادة بن الصامت، الرقم 2791 ؛ الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 2، ص 355 ، شرح حال عبادة بن الصامت، الرقم 1380 .
2- " وقال البراء بن عازب... فمكثت أكابد ما في نفسي ورأيت في الليل المقداد وسلمان وأباذر وعبادة بن الصامت وأباالهيثم بن التيهان وحذيفة وعماراً وهم يريدون أن يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين . " شرح نهج البلاغة ، ج 1، ص 219 - 220 ، اختلاف الرأي في الخلافة بعد رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ]، ذيل الخطبة الخامسة.
3- " والولاية لأمير المؤمنين علیه السلام والذين مضوا على منهاج نبيهم صلّی الله علیه وآله وسلّم ولم يغيروا ولم يبدلوا مثل سلمان الفارسي وأبي ذر الغفاري والمقداد بن الأسود وعمار بن ياسر وحذيفة اليماني وأبي الهيثم بن التيهان وسهل بن حنيف وعبادة بن الصامت وأبي أيوب الأنصاري وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين وأبي سعيد الخدري وأمثالهم. " عيون أخبار الرضا، ج 2، ص 126 ، الباب 35 ما كتبه الرضا علیه السلام للمأمون في محض الإسلام وشرايع الدين الحديث الثاني.

لعلي بن أبي طالب كان أحق بالخلافة من أبي بكر كما كان رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] أحق بالنبوة من أبي جهل . قال : وأزيدكم إنا كنا ذات يوم عند رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ]فجاء علي[علیه السلام] وأبوبكر وعمرإلى باب رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] ، فدخل أبو بكر ثم دخل عمر ثم دخل علي [علیه السلام] على أثرهما ، فكأنها سفي على رسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم] الرماد، ثم قال يا علي أيتقدمانك هذان وقد أمرك الله عليهما ؟ فقال أبوبكر نسيت يا رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] ، وقال عمر : سهوت یا رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] فقال رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] : ما نسيتا ولا سهو تما وكأني بكما قد سلبتماه ملكه وتحاربتها عليه وأعانكما على ذلك أعداء الله وأعداء ،رسوله، وكأني بكما قد تركتها المهاجرين والأنصار يضرب بعضهم وجوه بعض بالسيف على الدنيا، ولكأني بأهل بيتي وهم المقهورون المشتتون في أقطارها وذلك لأمر قد قضي. ثم بكى رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم]حتى سالت دموعه ثم قال: يا علي! الصبر الصبر حتى ينزل الأمر...(1).

ولعبادة أشعار حول السقيفة يعبر فيها عن مخالفته لنتائجها فيقول:

يا للرجال أخروا علياً

عن رتبة كان لها مرضياً

أليس كان دونهم وصياً؟(2)

ص: 173


1- "وعن أحمد بن همام قال : أتيت عبادة بن الصامت في ولاية أبي بكر فقلت: يا عبادة أكان الناس على تفضيل أبي بكر قبل أن يستخلف ؟ فقال : يا أبا ثعلبة ! إذا سكتنا عنكم فاسكتوا ولا تبحثونا، فوالله لعلي بن أبي طالب كان أحق بالخلافة من أبي بكر كما كان رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] أحق بالنبوة من أبي جهل. قال : وأزيدكم إنا كنا ذات يوم عند رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] فجاء علي [علیه السلام] وأبوبكر وعمر إلى باب رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] ، فدخل أبو بكر ثم دخل عمر ثم دخل علي[علیه السلام] على أثرهما، فكأنما سفي على رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] الرماد ثم قال يا علي ! أيتقدمانك هذان وقد أمرك الله عليهما ؟ فقال أبو بكر : نسيت يا رسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم]، وقال عمر: سهوت یا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم]: ما نسيتها ولا سهوتما وكأني بكما قد سلبتماه ملكه وتحاربتها عليه وأعانكما على ذلك أعداء الله وأعداء ،رسوله، وكأني بكما قد تركتها المهاجرين والأنصار يضرب بعضهم وجوه بعض بالسيف على الدنيا، ولكأني بأهل بيتي وهم المقهورون المشتتون في أقطارها وذلك لأمر قد قضي. ثم بكى رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] حتى سالت دموعه ، ثم قال : يا علي الصبر الصبر حتى ينزل الأمر ..." الاحتجاج، ج 1، ص 291 - 292 ، احتجاجات أمير المؤمنين علیه السلام.
2- وقال عبادة بن الصامت في يوم السقيفة: يا للرجال أخروا علياً عن رتبة كان لها مرضياً أليس كان دونهم وصياً؟" المقنع في الإمامة، ص 125 ، فصل فيه طرف مما جرى في أمر السقيفة.
معارضة بلال:

كان بلال صاحب رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم ومؤذنه. وكان من أوائل المسلمين، تعرض للتعذيب على يد مشركي مكة ليترك الإيمان بالله ولكنه صبر ولم يتخل عن إيمانه وإسلامه(1). يقول ابو الصلاح الحلبي إن بلالاً امتنع من البيعة حتى توفي"(2)، ويقول ابن سعد والبلاذري وابن الجوزي وهم من المؤرخين السنة، إن بلالاً امتنع من الأذان لأبي بكر ورفض طلبه بذلك وترك المدينة مهاجراً إلى الشام"(3).

يقول محمد بن الحسن القمي: امتنع بلال من بيعة أبي بكر. فأمسكه عمر من تلابيبه وقال له: هل هذا جزاء من أحسن إليك وأعتقك ؟ ألا تبايعه أم إنك تتهاون في الأمر؟ فقال بلال: إن كان

ص: 174


1- لمزيد من الاطلاع على شرح حال بلال، راجع : أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 1، ص 415 ، شرح حال بلال بن رباح، الرقم 493 و ؛ الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 1، ص258، شرح حال بلال بن رباح، الرقم 214 .
2- "وما ظهر من إنكار سلمان الفارسي لأمرهم ومشاركة الزبير وجماعة من بني هاشم وكثير من الأنصار كقيس بن سعد بن عبادة،والحباب بن المنذر وبريدة الأسلمي وتخلف بلال عن البيعة إلى أن مات" تقريب المعارف، ص 330 ، عدم حصول الاختيار بصفته المعتبرة.
3- " قال: لما توفي رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] أذن بلال ورسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] لم يقبر، فكان إذا قال : أشهد أن محمداً رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] انتحب الناس في المسجد. قال " فلما دفن رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] قال له أبو بكر أذن . فقال : إن كنت إنما أعتقتني لأن أكون معك فسبيل ذلك وإن كنت أعتقتني الله فخلني ومن أعتقتني له. فقال : ما أعتقتك إلا لله . قال : فإني لا أؤذن لأحد بعد رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] . قال: فذاك إليك . قال : فأقام حتى خرجت بعوث الشام فسار معهم حتى انتهى إليها . " الطبقات الكبرى، ج 3، ص 236-237، شرح حال بلال بن رباح ؛ أنساب الأشراف، ج 1، ص 217 ، بلال بن رباح ؛ المنتظم في تواريخ الملوك والأمم، ج 3، ص198، حوادث سنة 20 هجرية، بلال بن رباح.

أعتقني في سبيل الله فليدعني وشأني وإلا فسأفعل ما يأمرني به (1)، ولن أبايعه أبداً فإني لا أبايع من لم يستخلفه رسول الله ويقدمه. والله يقول {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ }(2)يا أبا حفص ( عمر ) ! أنت تعلم بأن النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] أوصى بالخلافة لابن عمه علي [علیه السلام] وهو عهد في أعناقنا إلى يوم القيامة وقد جعله النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] مولانا في يوم الغدير .

قال عمر : لا أمّ لك ! إن كنت لا تبايع أبابكر فاخرج من المدينة. بعد ذلك ترك بلال المدينة إلى الشام بعد أن أنشد أبياتاً عبر فيها عن رأيه ولم يبايع أبابكر أبداً(3).

معارضة زيد بن الأرقم:

من الذين وقفوا معارضين للسقيفة ومطالبين بخلافة الإمام علي علیه السلام، زيد بن الأرقم صاحب رسول الله من الخزرج(4).

ص: 175


1- هناك كلام في صحة إعتاق أبي بكر لبلال.
2- سورة الحجرات، الآية .1
3- "عن علي بن الحسن بن فضال، يرفعه إلى عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي[علیه السلام] عن أبيه عن جده أن بلال بن حمامة مولى رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] أبى أن يبايع لأبي بكر وأن عمر بن الخطاب جاء حتى أخذ بتلابيبه وقال : يا بلال! هذا جزاء أبي بكر منك؟ إنه أعتقك، لا تجيء تبايعه وتبطىء عن بيعته! فقال بلال : إن كان إنها أعتقني الله عز وجل محتسباً باغياً في ذلك الخير فليدعني لذي أعتقني له، وإن كان إنما أعتقني لغير الله وأعتقني لنفسه، فها أنا ذا! وأما بيعته، فما كنت لأبايع أحداً لم يستخلفه رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] على أمته ولا يقدمه، إن الله يقول (( يا أيها الذين آمنوا لا تُقدّموا بين يدي الله ورسوله)) . ولقد علمت يا أبا حفص أن رسول علیه وآله وسلّم] عقد لابن عمه علي عقداً هو في أعناقنا إلى يوم القيامة وجعله مولانا من بعده، فأينا يستطيع أن يبايع على مولاه؟ قال: فقال له عمر : فإن كنت غير فاعل فلا تقم معنا، لا أم لك! فقال بلال : بالله لا بأبي بكر نجوت ولو*** لا الله قامت على أوصالي الضبع الله بو أني خيراً وأكرمني*** وإنما الخير عند الله متبع لا تلفيني تبوعاً كل مبتدع ***فلست مبتدعاً مثل الذي ابتدعوا قال: وخرج بلال إلى شام فأقام بها إلى أن مات ولم يبايع أبا بكر . " العقد النضيد والدر الفريد، ص 149 -150، الحديث السادس والمئة بلال بن حمامة يمتنع عن بيعته لأبي بكر.
4- للمزيد من الاطلاع على شرح حال زيد بن الأرقم، راجع الكتب الرجالية مثل: الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 2، ص 109، شرح حال زيد بن الأرقم الرقم 842 و ؛ أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 2، ص 342 ، شرح حال زيد بن الأرقم، الرقم 1819

يقول الواقدي وابن أبي الحديد عن معارضة زيد بن الأرقم: قال عبدالرحمن بن عوف للأنصار: يا معشر الأنصار ! لا أحد ينكر ما ذكرتم من فضائلكم وشرفكم ونصرتكم لرسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم] . غير أنه ليس فيكم نظير أبي بكر وعمر وعثمان وأبي عبيدة الجراح ولا يليق بكم أن تساووا أنفسكم بهم.

فقام زيد بن الأرقم وقال: أنا لا أنكر فضل هؤلاء إلا أن منا سيد الخزرج سعد بن عبادة وسيد الأوس سعد بن معاذ. وأبي بن كعب أحد أفضل قراء القرآن منا. ومنا إمام العلماء يوم القيامة معاذ بن جبل ومنا زيد بن ثابت العالم بالفرائض ومنا خبيب بن عدي. ومنا حنظلة بن أبي عامر غسيل الملائكة . ومنا خزيمة بن ثابت الذي جعل رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] شهادته كشهادتين، وغيرهم وغيرهم ممن يطول بذكرهم المقام ممن صاحبوا رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] ، والله لولو لم يكن علي بن أبي طالب علیه السلام وسائر بني هاشم مشغولين بمصيبة وفاة رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] وتجهيزه ودفنه لم يطمع بالخلافة أحد . فلا تبالغ في النظر إلى نفسك ولا تبادر إلى ما لست كفؤاً له (1)

ص: 176


1- قال : وأقبل عبد الرحمن بن عوف الزهري حتى وقف على جماعة من الأنصار فقال : يا معشر الأنصار ! إنكم وإن كنتم ما ذكرتم من الفضل والشرف والنصرة، فوالله لا ينكر لكم ذلك وليس فيكم مثل أبي بكر وعمر ولا عثمان ولا أبي عبيدة بن الجراح ولم يجب عليكم أن تسووا في الفضل من هو أفضل منكم . فقال له زيد بن الأرقم الأنصاري يا ابن عوف إنا لا ننكر فضل من ذكرت وإن منا لسيد الخزرج سعد بن عبادة ومنا سيد الأوس سعد بن معاذ الذي اهتز العرش لموته ومنا أبي بن كعب أقرأ أهل زمانه ومنا من يجيء إمام العلماء يوم القيامة معاذ بن جبل ومنا أفرض أهل دهره زيد بن ثابت ومنا من حمته الدبر خبيب بن عدي ومنا غسيل الملائكة حنظلة بن أبي عامر ومنا من أمضى رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] شهادته بشهادتين خزيمة بن ثابت وغير هؤلاء ممن لا يخفى عليك أمره ممن يطول علينا ذكرهم وصنيعهم بين يدي رسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم] . يا ابن عوف لولا أن علي بن أبي طالب وغيره من بني هاشم اشتغلوا بدفن النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] وبحزنهم عليه فجلسوا في منازلهم ما طمع فيها من طمع ، فانصرف ولا تهج على أصحابك ما لا تقوم له." الردة، ص 44 - 46 ، أخبار سقيفة بني ساعدة ؛ شرح نهج البلاغة ، ج 6 ، ص 19 - 20 ، أمر المهاجرين والأنصار بعد بيعة أبي بكر، ذيل الخطبة 66.
معارضة البراء بن عازب :

البراء بن عازب الأنصاري من أصحاب رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم، وفي إحدى الروايات أنه حضر أربع عشرة غزوة مع النبي(1) ، وكان ممن تخلف عن بيعة أبي بكر. ويعده اليعقوبي وأبوالفداء وابن الوردي، وهم من مؤرخي السنة، من الذين لم يبايعوا أبا بكر(2)

لما علم البراء بن عازب بنتائج السقيفة وغصب الخلافة ذهب إلى ديار بني هاشم فصاح متألماً: يا بني هاشم! لقد بويع أبو بكر(3). يقول البراء: كنت محباً لبني هاشم وخشيت أن تتآمر قريش على سلبهم حق الخلافة. حتى رأيت أبابكر وعمر وأباعبيدة عائدين من السقيفة ومعهم جماعة يضربون الناس ويجبرونهم على مبايعة أبي بكر شاؤوا أم أبوا.

ص: 177


1- للمزيد من الاطلاع على شرح حال البراء بن عازب راجع أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 1، ص 362، شرح حال البراء بن عازب، الرقم 389 .
2- "فرجع القوم إلى قوله وبادروا سقيفة بني ساعدة، فبايع عمر أبابكر وانثال الناس عليه يبايعونه في العشر الأوسط من ربيع الأول سنة إحدى عشرة خلا جماعة من بني هاشم والزبير وعتبة بن أبي لهب وخالد بن سعيد بن العاص والمقداد بن عمرو وسلمان الفارسي وأبي ذر وعمار بن ياسر والبراء بن عازب وأبي بن كعب ومالوا مع علي بن أبي طالب. " تاريخ أبي الفداء، ج 1، ص219، حوادث سنة 11 ، ذكر أخبار أبي بكر وخلافته . " وبادروا (سقيفة بني ساعدة)، فبايع عمر أباكر وانثال الناس يبايعونه في العشر الأوسط من ربيع الأول سنة إحدى عشرة خلا جماعة من بني هاشم والزبير وعتبة بن أبي لهب وخالد بن سعيد بن العاص والمقداد بن عمرو وسلمان الفارسي وأبي ذر وعمار بن ياسر والبراء بن عازب وأبي بن كعب و[ أبو ] سفيان من بني أمية ومالوا مع علي. " تاريخ ابن الوردي، ج 1، ج1، ص188، أخبار أبي بكر وخلافته. " وتخلف عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين والأنصار ومالوا مع علي بن أبي طالب منهم العباس بن عبدالمطلب والفضل بن العباس والزبير بن العوام بن العاص وخالد بن سعيد والمقداد بن عمرو وسلمان الفارسي وأبوذر الغفاري وعمار بن ياسر والبراء بن عازب وأبي بن كعب . " تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 124 ، خبر سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر.
3- "وجاء البراء بن عازب فضرب الباب على بني هاشم وقال: يا معشر بني هاشم بويع أبوبكر . " تاريخ اليعقوبي، ج2، ص 124، خبر سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر.

فقدت صوابي لدى مشاهدتي ذلك المنظر فذهبت إلى بيت بني هاشم فضربت عليهم الباب بقوة وقلت متألماً : لقد بويع أبوبكر. فقال العباس تربت أيديكم إلى آخر الدهر ، أما إني قد أمرتكم فعصيتموني.

حزنت كثيراً لما حدث حتى رأيت ذات ليلة المقداد وسلمان وأباذر وعبادة بن الصامت وابن التيهان وحذيفة وعماراً وكانوا يسعون لإبطال نتائج الانتحابات(1) .

معارضة مالك بن النويرة

كان مالك بن النويرة التميمي من أصحاب رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم والمكلف من قبله بالزكاة في قومه. كان شجاعاً شريفاً محارباً شاعراً مفوهاً ومن فصحاء زمانه، وكان يعد في مصاف الملوك(2)كان من معارضي السقيفة ولم يبايع أبابكر أبداً وكان من خواص محبي أمير المؤمنين علیه السلام . وكان يُنكر خلافة أبي بكر بشدة ويوبخه، حتى أنه قال له احفظ حدودك والزم دارك واستغفر من ذنبك وأعد الحق إلى أهله ألا تستحي من أن تجلس في مكان خصصه الله ورسوله لغيرك (يعني الإمام علياً) وأتم الحجة على جميع المسلمين يوم الغدير ولم يُبق عذراً لأحد !؟ أنسيت

ص: 178


1- وقال البراء بن عازب : لم أزل لبني هاشم محباً فلما قبض رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] خفت أن تتمالاً قريش على إخراج هذا الأمر عنهم، فأخذني ما يأخذ الواله العجول، مع ما في نفسي - من الحزن لوفاة رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] فكنت أتردد إلى بني هاشم وهم عند النبي[صلّی الله علیه وآله وسلّم] في الحجارة و أتفقد وجوه قريش. فأنا كذلك إذ فقدت أبابكر وعمر وإذا قائل يقول : القوم في سقيفة بني ساعدة. وإذا قائل آخر يقول : قد بويع أبوبكر . فلم ألبث وإذا أنا بأبي بكر قد أقبل ومعه عمر وأبو عبيدة وجماعة من أصحاب السقيفة وهم محتجزون بالأزر الصنعانية لا يمرون بأحد إلا خبطوه وقدموه فمدوايده فمسحوها على يد أبي بكر يبايعه شاء ذلك أم أبى. فأنكرت عقلي وخرجت أشتد حتى انتهيت إلى بني هاشم والباب مغلق، فضربت عليهم الباب ضرباً عنيفاً وقلت : قد بايع الناس لأبي بكر بن أبي قحافة. فقال العباس: تربت أيديكم إلى آخر الدهر، أما إني قد أمرتكم فعصيتموني. فمكثت أكابد ما في نفسي. ورأيت في الليل المقداد وسلمان وأباذر وعبادة بن الصامت وأبا الهيثم بن التيهان وحذيفة وعماراً وهم يريدون أن يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين. " شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 219 - 220 ، اختلاف الرأي في الخلافة بعد وفاة رسول الله، ذيل الخطبة الخامسة.
2- لمزيد من الاطلاع على أحوال مالك بن النويرة، راجع: الإصابة في تمييز الصحابة، ج 5 ، ص 560 ، شرح حال مالك بن النويرة، الرقم 7712.

سلامك على علي بإمرة المؤمنين في حياة رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] ؟ أيها المهاجرون وأيها الأنصار ! إن لم تجعلوا الحق في محله صعبت عليكم الأمور(1).

يقول ابن شاذان إن مالك بن النويرة ذهب إلى المدينة ليطلع على أوضاعها وعلى خلافة رسول الله صلى الله عليه وآله. فوصل المدينة يوم جمعة وكان أبوبكر يخطب على المنبر، فقال للناس متعجباً هل هذا أبوبكر؟ قالوا: نعم. فقال: فأين وصي رسول الله الذي أمرنا باتباعه؟ قالوا: أيها الأعرابي! إن الأمور تتغير والخلافة تتحول. فقال: لا والله لم يقع شيء ولكنكم خنتم الله ورسوله. ثم توجه إلى المنبر وقال لأبي بكر:من سمح لك بارتقاء المنبر ووصي رسول الله موجود؟

فغضب أبوبكر فقال: أخرجوا هذا الأعرابي النجس فقام قنفذ وخالد بن الوليد فأخرجاه من المسجد بالضرب واللكم فأنشد مالك وهو يمتطي جواده:

أطعنا رسول الله ما كان بيننا***فيا قوم ما شأني وشأن أبي بكر

إذا مات بكر قام عمر و مقامه***فتلك وبيت الله قاصمة الظهر

يدب ويغشاه العشار كأنما ***يجاهد جماً أو يقوم على قبر

فلو قام فينا من قريش عصابة*** أقمنا ولكن القيام على جمر(2)

ص: 179


1- مجالس المؤمنين، ج [؟]، ص 119 - 120 ، المجلس الثاني، قوله لأبي بكر ومصيره.
2- "فلما توفي رسول الله ورجع بنو تميم إلى المدينة ومعهم مالك بن نويرة فخرج لينظر من قام مقام رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] فدخل يوم الجمعة وأبوبكر على المنبر يخطب بالناس فنظر إليه وقال : أخو تيم؟ قالوا: نعم. قال: فما فعل وصي رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] الذي أمرني بموالاته؟ قالوا: يا أعرابي ! الأمر يحدث بعده الأمر . قال : بالله ما حدث شيء وإنكم قد خنتم الله ورسوله. ثم تقدم إلى أبي بكر وقال: من أرقاك هذا المنبر ووصي رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] جالس ؟ فقال أبو بكر: أخرجوا الأعرابي البوّال على عقبيه من مسجد رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] ! فقام إليه قنفذ بن عمير وخالد بن الوليد فلم يزالا يلكزان عنقه حتى أخرجاه فركب راحلته وأنشأ يقول: أطعنا رسول الله ما كان بيننا ***فيا قوم ما شأني وشأن أبي بكر إذا مات بكر قام عمر و مقامه***فتلك وبيت الله قاصمة الظهر يدب ويغشاه العشار كأنما***يجاهد جماً أو يقوم على قبر فلو قام فينا من قريش عصابة***أقمنا ولكن القيام على جمر . الفضائل، ص 76 ، معاجز أمير المؤمنين، خبر مالك بن نويرة ؛ بحار الأنوار ، ج 30 ، ص 344 - 345 ، كتاب الفتن والمحن، الباب 20 كفر الثلاثة وفضل لعنهم الحديث 163 .

على أن هذه الحادثة تسببت في إصدار حكم الإعدام بحق مالك (1)فقام خالد بن الوليد بالهجوم على منطقة مالك وقبيلته فقتلهم بأبشع طريقة واغتصب نساءهم، لدرجة أغضبت حتى عمر نفسه.

أما أبو بكر فقد سعى لتبرئته بمنحه مقام الاجتهاد لإضفاء الشرعية على جميع جرائمه التي ارتكبها من القتل والزنا بزوجة مالك، بل اعتبارها حسناتٍ له وستأتي تفاصيل ذلك في القسم الثاني وفي شرح حال خالد بن الوليد.

معارضة أبي قحافة:

هو أبو أبي بكر واسمه عثمان بن عامر (2) وكان من معارضي السقيفة وخلافة ابنه.

فقد قال لرسول أبي بكر الذي برر عدم مبايعة علي بن أبي طالب علیه السلام بصغر سنه وأنه قتل الكثيرين من قريش وغيرهم وأن أبابكر أكبر منه سناً : إذا كان السن هو المعيار فأنا أكبر منه سناً وأحق منه بالخلافة ! لقد ظلموا علياً حقاً فقد أمر النبي بمبايعته. ثم كتب إلى أبي بكر : من أبي قحافة إلى ابنه أبي بكر. أما بعد فقد أتاني كتابك فوجدته كتاب أحمق ينقض بعضه بعضاً، مرة تقول خليفة رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] ومرة تقول خليفة الله ومرة تقول تراضى بي الناس، وهو أمر ملتبس فلا تدخلن في أمر .

يصعب عليك الخروج منه غداً ويكون عقباك منه إلى النار والندامة وملامة النفس اللوامة لدى الحساب بيوم القيامة، فإن للأمور مداخل ومخارج ، وأنت تعرف من هو أولى بها منك، فراقب الله كأنك تراه ولا تدعن صاحبها، فإن تركها اليوم أخف عليك وأسلم لك(3).

ص: 180


1- مجالس المؤمنين، ج 1، ص 120 ، المجلس الثاني، قوله لأبي بكر ومصيره.
2- لمزيد من الاطلاع، راجع أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 3، ص 575 ، شرح حال عثمان بن عامر، الرقم 3582.
3- " قال : فلما قرأ أبو قحافة الكتاب قال للرسول: ما منعكم من علي؟ قال: هو حدث السن وقد أكثر القتل في قريش وغيرها وأبوبكر أسنّ منه. قال أبو قحافة: إن كان الأمر في ذلك بالسن فأنا أحق من أبي بكر، لقد ظلموا علياً حقه وقد بايع له النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] وأمرنا ببيعته. ثم كتب إليه: من أبي قحافة إلى ابنه أبي بكر. أما بعد فقد أتاني كتابك فوجدته كتاب أحمق ينقض بعضه بعضاً، مرة تقول خليفة رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] ومرة تقول خليفة الله ومرة تقول تراضى بي الناس وهو أمر ملتبس فلا تدخلن في أمر يصعب عليك الخروج منه غداً ويكون عقباك منه إلى النار والندامة وملامة النفس اللوامة لدى الحساب بيوم القيامة، فإن للأمور مداخل ومخارج وأنت تعرف من هو أولى بها منك، فراقب الله كأنك تراه ولا تدعن صاحبها، فإن تركها اليوم أخف عليك وأسلم لك." الاحتجاج، ج 1، ص 115، كتاب أبي قحافة إلى أبي بكر. قيل لأبي قحافة يوم ولي الأمر ابنه قد ولي ابنك الخلافة، فقرأ: قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء)) ثم قال : لم ولوه؟ قالوا: لسنه. قال: أنا أسنّ منه. "
معارضة أسامة بن زيد:

أسامة بن زيد أحد صحابة رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم. جعله النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم في أواخر أيام عمره الشريف أميراً على جيش المسلمين وبعثه إلى حدود الشام (1).

أرسل إليه أبو بكر رسالة بعد أن حصل على البيعة جاء فيها :

من أبي بكر خليفة رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] إلى أسامة بن زيد. أما بعد فانظر إذا أتاك كتابي فأقبل إلي أنت ومن معك فإن المسلمين قد اجتمعوا علي وولوني أمرهم فلا تتخلفن فتعصي ويأتيك مني ما تکره

فرد عليه أسامة بكتاب جاء فيه:

من أسامة بن زيد عامل رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] على غزوة الشام. أما بعد، فقد أتاني منك كتاب ينقض أوله آخره . ذكرت في أوله أنك خليفة رسول الله وذكرت في آخره أن المسلمين قد اجتمعوا عليك فولوك أمرهم ورضوك فاعلم أني ومن معي من جماعة المسلمين والمهاجرين فلا والله ما رضيناك ولا وليناك أمرنا ، وانظر أن تدفع الحق إلى أهله وتخليهم وإياه فإنهم أحق به منك فقد علمت ما كان من قول رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] في علي يوم الغدير، فما طال العهد فتنسى. انظر مركزك

ص: 181


1- للمزيد من الاطلاع على أحوال أسامة بن زيد، راجع أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 1 ، ص 84، شرج جال أسامة بن زيد، الرقم 84.

ولا تخالف فتعصي الله ورسوله وتعصي من استخلفه رسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم ] عليك وعلى صاحبك، ولم يعزلني حتى قبض رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] وأنك وصاحبك رجعتها وعصيتها فأقمتما في المدينة بغير إذن(1).

معارضة أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله:

وقف بعض نساء النبي ، أمثال أم سلمة، موقفاً معارضاً ناقداً للأوضاع الشاذة والمعاملة الظالمة التي تعامل بها الحاكمون مع أهل بيت النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم وبشكل خاص السيدة فاطمة الزهراء، حيث عبرت عن شجبها الشديد لها وللقائمين عليها. فكان جزاؤها أن قطعوا عنها عطاءها سنة كاملة.

فبعد أن ألقت السيدة الزهراء علیها السلام كلمتها النارية بمناسبة غصب حقها في فدك، والموقف الظالم الذي وقفته السلطة منها، وجهت أم سلمة الخطاب إلى ظالميها بالقول:

المثل فاطمة بنت رسول الله يقال هذا؟ وهي الحوراء بين الإنس والأنس للنفس، ربيت في حجور الأنبياء وتداولها أيدي الملائكة ونمت في المغارس ،الطاهرات، نشأت خير منشأ وربيت خير مربى ! أتزعمون أن رسول الله حرم عليها ميراثه ولم يعلمها ؟ وقد قال الله له {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ

ص: 182


1- " وروي عن الباقر علیه السلام أن عمر بن الخطاب قال لأبي بكر : اكتب إلى أسامة بن زيد يقدم عليك فإن في قدومه قطع الشنيعة عنا، فكتب أبوبكر إليه من أبي بكر خليفة رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] إلى أسامة بن زيد. أما بعد فانظر إذا أتاك كتابي فأقبل إلي أنت ومن معك فإن المسلمين قد اجتمعوا علي وولوني أمرهم فلا تتخلفن فتعصي ويأتيك مني ما تكره والسلام قال : فكتب أسامة إليه جواب كتابه من أسامة بن زيد عامل رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] على غزوة الشام. أما بعد فقد أتاني منك كتاب ينقض أوله آخره. ذكرت في أوله أنك خليفة رسول الله وذكرت في آخره أن المسلمين قد اجتمعوا عليك فولوك أمرهم ورضوك، فاعلم أني ومن معي من جماعة المسلمين والمهاجرين فلا والله ما رضيناك ولا وليناك أمرنا، وانظر أن تدفع الحق إلى أهله وتخليهم وإياه فإنهم أحق به منك فقد علمت ما كان من قول رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] في علي يوم الغدير، فما طال العهد فتنسى انظر مركزك ولا تخالف فتعصي الله ورسوله وتعصي من استخلفه رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] عليك و على صاحبك، ولم يعزلني حتى قبض رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] وأنك وصاحبك رجعتها وعصيتها فأقمتها في المدينة بغير إذن . " الاحتجاج، ج 1، ص 114 ، ذكر طرف مما جرى بعد وفاة رسول الله.

الْأَقْرَبِينَ}(1)أفأنذرها وجاءت تطلبه وهي خيرة النسوان وأمّ سادة الشبّان وعديلة مريم ابنة عمران وحليلة ليث الأقران، تمت بأبيها رسالات ربه فوالله لقد كان يشفق عليها من الحر والقر فيوسدها يمينه ويدثرها شماله. رويداً فرسول الله بمرأى لدينكم وعلى الله تردون. فواهاً لكم وسوف تعلمون.

بسبب هذا الموقف الشجاع قطعت سلطة المدينة عطاء أم سلمة سنة كاملة(2) .

معارضة أم أيمن :

كانت أم أيمن واحدة من الذين عارضوا السقيفة وخاطبت أبابكر بمنتهى الشجاعة والصراحة والحزم قائلة له: ما أسرع ما أبديتم حسدكم ونفاقكم ! فغضب عمر منها فأمر بإخراجها من المسجد، وقال ما لنا وللنساء(3)؟

وستأتي تفاصيل أحوال هذة السيدة البطلة في القسم الثاني من الكتاب.

ص: 183


1- سورة الشعراء ، الآية 214 .
2- "قال: فأطلعت أم سلمة رأسها من بابها وقالت المثل فاطمة بنت رسول الله يقال هذا وهي الحوراء بين الإنس والأنس للنفس، ربيت في حجور الأنبياء وتداولها أيدي الملائكة ونمت في المغارس ،الطاهرات، نشأت خير منشأ وربيت خير مربى ! أتزعمون أن رسول عليها ميراثه ولم يعلمها ؟ وقد قال الله له {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ } أفأنذرها وجاءت تطلبه وهي خيرة النسوان وأمّ سادة الشبّان وعديلة مريم ابنة عمران وحليلة ليث الأقران، تمت بأبيها رسالات ربه فوالله لقد كان يشفق عليها من الحر والقر فيوسدها يمينه ويدثرها شماله رويداً فرسول الله بمرأى لدينكم وعلى الله .تردون فواهاً لكم وسوف تعلمون . قال : فحرمت أم سلمة تلك السنة عطاءها ورجعت فاطمة[علیه السلام ] إلى منزلها فتشكت . " دلائل الإمامة، ص 39، حديث فدك ؛ الدر النظيم في مناقب الأئمة اللهاميم ص 480 ، في ذكر كلام فاطمة علیهاالسلام من أجل فدك.
3- " وأقبلت أم أيمن حاضنة رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] فقالت : يا أبابكر ! ما أسرع ما أبديتم حسدكم ونفاقكم! فأمر بها عمر فأخرجت من المسجد وقال: ما لنا وللنساء. " كتاب سليم بن قيس الهلالي، ج 2، ص 593 ، الحديث الرابع ؛ بحار الأنوار، ج28، ص276، كتاب الفتن والمحن، الباب الرابع، الحديث 45 .
معارضة ام فروة:

هي امرأة من الأنصار حرّضت الناس ضد خلافة أبي بكر ودعتهم إلى نقض بيعته ومبايعة أمير المؤمنين . فسمع أبوبكر بذلك فأحضرها ودعاها إلى التوبة وإظهار الندم عما فعلت. قال لها: تحرضين الناس عليّ وترغبينهم بالتفرق ؟ ما رأيك في إمامتي وخلافتي؟ فقالت: أنت لست إماماً. أنت أمير عشيرتك وهم اختاروك أميراً لهم وسيعزلونك إن رأوا ذلك. أما الإمام فهو اختيار الله ورسوله وهو العالم بأمور الدنيا. والإمامة لا تليق بمن كان كافراً يعبد الأصنام ثم أسلم. فأين أنت من هذا وذاك؟ قال أبو بكر: أنا من الصنف الأول اختارني الله . فقالت أم فروة: لقد كذبت على الله ولو كان كما تزعم لجاء ذكرك في القرآن .. ثم سألته أسئلة لم يحر لها جواباً فهددها بالقتل.

فقالت: لا يحزنني أن أموت على يد أمثالك . فاتهمها أبوبكر بالارتداد وأمر بقتلها. وكان أمير المؤمنين خارج المدينة فلما سمع بمقتلها وقف على قبرها ودعا الله فعادت إليها الحياة بإذن الله ورزقت بولدين وعاشت بعد استشهاد أمير المؤمنين بستة أشهر(1).

ص: 184


1- عن سلمان الفارسي قال : إن امرأة من الأنصار يقال لها أم فروة تحض على نكث بيعة أبي بكر وتحث على بيعة علي [علیه لسلام]. فبلغ أبابكر ذلك فأحضرها واستتابها فأبت عليه . فقال : يا عدوة الله ! أتحضين على فرقة جماعة اجتمع عليها المسلمون؟ فما قولك في إمامتي ؟ قالت ما أنت بإمام . قال : فمن أنا ؟ قالت : أمير قومك اختارك قومك وولوك ، فإذا كرهوك عزلوك ، فالإمام المخصوص من الله ورسوله يعلم ما في الظاهر والباطن وما يحدث في المشرق والمغرب من الخير والشر وإذا قام في شمس أو قمر فلا فيء له ولا تجوز الإمامة لعابد وثن ولا لمن كفر ثم أسلم. فمن أيهما أنت يا ابن أبي قحافة؟ قال : أنا من الأئمة الذين اختارهم الله لعباده فقالت : كذبت على الله، ولو كنت ممن اختارك الله لذكرك في كتابه كما ذكر غيرك فقال عزّ وجلّ {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}. ويلك إن كنت إماماً حقاً فما اسم السماء الدنيا الأولى والثانية والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة ؟ فبقي أبوبكر لا يحير جواباً، ثم قال: اسمها عند الله الذي خلقها. قالت: لو جاز للنساء أن يعلمن الرجال لعلمتك. فقال : يا عدوة الله ! لتذكرن اسم سماء سماء وإلا قتلتك . قالت : أبالقتل تهددني ؟ والله ما أبالي أن يجري قتلى على يدي مثلك ولكني أخبرك، أما السماء الدنيا الأولى فأيلول والثانية زبنول والثالثة سحقوم والرابعة ذيلول والخامسة ماين والسادسة ماحيز والسابعة أيوت. فبقي أبو بكر ومن معه متحيرين وقالوا لها ما تقولين في علي؟ قالت : وما عسى أن أقول في إمام الأئمة ووصي الأوصياء، من أشرق بنوره الأرض والسماء ومن لا يتم التوحيد إلاّ بحقيقة معرفته، ولكنك ممن نكث واستبدل وبعت دينك بدنياك. قال أبو بكر: اقتلوها فقد ارتدت فقتلت وكان علي [علیه السلام ] في ضيعة له بوادي القرى فلما قدم وبلغه قتل أم فروة فخرج إلى قبرها وإذا عند قبرها أربعة طيور بيض مناقيرها حمر، في منقار كل واحد حبة رمان كأحمر ما يكون وهي تدخل في فرجة في القبر، فلما نظر الطيور إلى علي [ علیه السلام] رفرفن و قرقرن فأجابها بكلام يشبه كلامها وقال: أفعل إن شاء الله . ووقف على قبرها ومد يده إلى السماء وقال: يا محيي النفوس بعد الموت ويا منشئ العظام الدارسات، أحي لنا أم فروة واجعلها عبرة لمن عصاك. فإذا بهاتف يقول : امض لأمرك يا أمير المؤمنين وخرجت أم فروة متلحفة بريطة خضراء من السندس وقالت يا مولاي أراد ابن أبي قحافة أن يطفئ نورك فأبى الله لنورك إلاّ ضياءً وبلغ أبابكر وعمر ذلك فبقيا متعجبين. فقال لهما سلمان: لو أقسم أبو الحسن على الله أن يُحيي الأولين والآخرين لأحياهم. وردّها أمير المؤمنين [علیه السلام ] إلى زوجها وولدت غلامين له وعاشت بعد علي ستة أشهر . " الخرائج و الجرائح، ج 2، ص 548 - 550 ، فصل في أعلام أمير المؤمنين، الحديث التاسع.
ملاحظة:

إن عودة الحياة إلى الموتى في الحياة الدنيا ليست من المحال، فقد أحيى السيد المسيح عشرات الموتى. ويروي السنة أن زيد بن خارجة قام بعد أن مات وسلّم على الخلفاء ثم مات(1) ، وللعالم السنّي ابن أبي الدنيا كتاب في هذا المجال اسمه من عاش بعد الموت (2)، إذن فهذا الأمر ليس محالاً وقد أشارت إليه الروايات.

معارضة باقى الصحابة:

فضلاً عن المواقف المعارضة التي أبداها كبار الصحابة المتقدم ذكرهم، عارض صحابة آخرون السقيفة وخلافة أبي بكر. وسنتطرق إليهم باختصار تجنباً للإطالة.

ص: 185


1- وردت هذه القصة بطرق متعددة في كتب أهل السنة منها الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 2، ص118، شرح حال زید بن خارجة، الرقم 118 ؛ تاريخ الإسلام، ج 3، ص 341، فصل فيه ذكر من توفي في خلافة عثمان تقريباً، زيد بن خارجة ؛ دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة ، ج 6 ، ص 55 ، باب ما جاء في شهادة الميت لرسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] بالرسالة والقائمين بعده بالخلافة.
2- كتاب "من عاش بعد "الموت" تأليف أبي بكر عبدالله بن محمد بن عبيد بن سفيان بن قيس البغدادي الأموي القرشي المعروف بابن أبي الدنيا المتوفى سنة 281 هجرية.
النعمان بن العجلان :

وكان سيد قومه وشاعراً ولسان الأنصار. تقول مصادر السنة أنه أظهر مخالفته يوم السقيفة وأنشأ يقول:

وأهل أبوبكر لها خير قائم ***وإنّ علياً كان أخلق للأمر

[ وكانا] هوانا في علي وأنه***لأهل لها من حيث ندري ولا ندري(1)

عبد الرحمن بن حنبل:

كان عبدالرحمن بن حنبل من صحابة رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم هو من أصحاب الإمام علي علیه السلام وكان حليفاً لقبيلة بني جمح (2). عبّر عن معارضته للسقيفة ومخرجاتها بشعر قال فيه:

لعمري لئن بايعتم ذا حفيظة ***على الدين معروف العفاف موفقا

عفيفاً عن الفحشاء أبيض ماجداً *** صدوقاً وللجبار قدماً مصدقا

أباحسن فارضوا به وتبايعوا *** فليس كمن فيه لذي العيب مرتقا

علي وصي المصطفى ووزيره*** وأول من صلى لذي العرش واتقى

رجعتم إلى نهج الهدى بعد زيغكم *** وجمّعتم من شمله ما تمزقا

وكان أمير المؤمنين ابن فاطم ***بكم إن عرا خطب أبر وأرفقا (3)

ص: 186


1- " النعمان بن العجلان الزرقي الأنصاري ***وكان سيداً وهو قائل *** وأهل أبوبكر لها خير قائم ***وإنّ علياً كان أخلق للأمر وكانا (هكذا) هوانا في علي وأنه ***لأهل لها من حيث ندري ولا ندري الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 4، ص 64، شرح حال النعمان بن العجلان، الرقم 2648 ؛ شرح نهج البلاغة، ج 6، ص 30 - 31، أمر المهاجرين والأنصار بعد بيعة أبي بكر، ذيل الخطبة 66 .
2- للمزيد من الاطلاع على أحوال عبدالرحمن بن حنبل، راجع أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 3، ص 435، شرح حال عبدالرحمن بن حنبل، الرقم 3292 .
3- " وقال عبد الرحمن بن حنبل حليف بني جمح : لعمري لئن بايعتم ذا حفيظة ***على الدين معروف العفاف موفقا عفيفاً عن الفحشاء أبيض ماجداً *** صدوقاً وللجبار قدماً مصدقا أباحسن فارضوا به وتبايعوا*** فليس كمن فيه لذي العيب مرتقا علي وصي المصطفى ووزيره ***وأول من صلى لذي العرش واتقى رجعتم إلى نهج الهدى بعد زيغكم ***وجمعتم من شمله ما تمزقا وكان أمير المؤمنين ابن فاطم*** بكم إن عرا خطب أبر وأرفقا المقنع في الإمامة، ص 125 - 126 ، فصل فيه طرف مما جرى في أمر السقيفة.

عبدالله بن أبي سفيان وربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب:

يقول ابن أبي الحديد إن عبدالله بن أبي سفيان كان من مخالفي السقيفة وقال شعراً يخاطب فيه الوليد بن عقبة جاء فيه:

وإن ولي الأمر بعد محمد ***علي وفي كل المواطن صاحبه

وصي رسول الله حقاً وصنوه ***وأول من صلى ومن لان جانبه(1).

يقول الشيخ المفيد بعد أن ينقل الرواية: «وفي هذا الشعر أيضاً دليل على اعتقاد هذا الرجل في أمير المؤمنين علیه السلم أنه كان الخليفة لرسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم بلا فصل»(2)

يقول الشيخ المفيد في كتاب "الجمل" عن موقف عبدالله بن أبي سفيان من السقيفة: «وكان عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب خارجاً عن المدينة فدخلها وقد بايع الناس أبابكر فوقف في وسط المسجد وأنشأ يقول:

ما كنت أحسب هذا الأمر منتقلاً*** عن هاشم ثم منها عن أبي حس

ص: 187


1- (1) "فمنها قول عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب مجيباً للوليد بن عقبة بن أبي معيط : وإن ولي الأمر بعد محمد*** علي وفي كل المواطن صاحبه وصي رسول الله حقاً وصنوه ***وأول من صلى ومن لان جانبه شرح نهج البلاغة ، ج 13، ص 231 ، القول في إسلام أبي بكر وعلي وخصائص كل منهما، ذيل الخطبة 238.
2- " وفي هذا الشعر أيضاً دليل على اعتقاد هذا الرجل في أمير المؤمنين علیه السلام أنه كان الخليفة لرسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم بلا فصل . " الفصول المختارة من العيون والمحاسن، ص 269 ، في الأشعار المأثورة عن الصحابة في الشهادة له على أسبقيته في الإيمان.

أليس أول من صلى لقبلتهم ***وأعرف الناس بالآثار والسنن

وآخر الناس عهداً بالنبي ومن*** جبريل عون له بالغسل والكفن

من فيه ما فيهم لا يمترون به ***وليس للقوم وليس للقوم ما فيه من الحسن

فما الذي ردكم عنه فنعلمه*** ها إن بيعتكم في (هكذا) أول الفتن(1)

غير أن العلامة المجلسي ينسب هذه الأبيات إلى ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب، قالها حين بويع أبوبكر. يقول العلامة المجلسي في آخرها إنها تدل على اعتقاد ربيع-ة ببطلان إمامة أبي بكر وإثبات الإمامة لأمير المؤمنين علیه السلام(2)

طلحة بن عبيد الله :

هو ممن صرحت مصادر السنة بامتناعه من مبايعة أبي بكر حيث يعده ابن الأثير والمحب الطبري مع رافضي بيعة أبي بكر"(3)، ويعده البلاذري والطبري مع من اعترضوا على البيعة وتحصنوا في بيت فاطمة الزهراء علیها السلام.

ص: 188


1- ما كنت أحسب هذا الأمر منتقلاً*** عن هاشم ثم منها عن أبي حسن أليس أول من صلى القبلتهم*** وأعرف الناس بالآثار والسنن وآخر الناس عهداً بالنبي ومن*** جبريل عون له بالغسل والكفن من فيه ما فيهم لا يمترون به ***وليس للقوم ما فيه من الحسن فما الذي ردكم عنه فنعلمه*** ها إن بيعتكم في (هكذا) أول الفتن الجمل، ص118، باب ذكر جماعة ممن بايع أمير المؤمنين، إجبار عمر على بيعة أبي بكر.
2- (2) " ومنه قول ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب حيث يقول عند بيعة أبي بكر : ما كنت أحسب ....... وفي هذا الشعر قطع من قائله على إبطال إمامة أبي بكر وإثبات الإمامة لأمير المؤمنين . " بحار الأنوار، ج 38 ، ص 274 - 275 ، تاريخ أمير المؤمنين، الباب 65 في أنه سبق الناس في الإسلام والإيمان .
3- قال : وتخلف علي وبنو هاشم والزبير وطلحة عن البيعة. " الكامل في التاريخ، ج 2، ص 10، حوادث سنة 11 هجرية، حديث السقيفة وخلافة أبي بكر ؛ الرياض النضرة في مناقب العشرة ، ج 1، ص 241، ذكر بيعة العامة.

يقول البلاذري في هذا إنه بعد وفاة النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] مال الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفته وتحصن علي بن أبي طالب [علیه السلام] والزبير وطلحة في بيت فاطمة [ علیها السلام] ومال المهاجرون إلى أبي بكر . كل هذا والنبي لم يكن قد دفن بعد(1)

حارث بن سراقة:

وهو من كبار سادات كندة. وقف معارضاً في وجه عمّال أبي بكر على الزكاة فيما يخص خلافته لرسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم . وينقل الواقدي مواجهة حارث لعمال أبي بكر على الزكاة بقوله:

لما بعثت حكومة المدينة بزياد بن لبيد لجباية الزكاة، أخذ إحدى النوق عنوة وكان يريدها لنفسه ولم يأبه بمقترح صاحبها بأن يبدلها بغيرها. فحدث شجار لفظي بين حارث وزياد بن لبيد فاستعاد حارث الناقة وهدد زياد بن لبيد بأن يكسر أنفه إن هو أصر على أخذها.

ثم قال حارث شاجباً السقيفة وتعيين أبي بكر خليفة ... أطعنا رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] إذ كان حياً، ولو قام رجل من أهل بيته لأطعناه، وأما ابن أبي قحافة فما له طاعة في رقابنا ولا بيعة.ثم أنشأ حارثة يقول [شعراً ](2)

ص: 189


1- عن الزهري قال : لما قبض النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] انحاز الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، واعتزل علي والزبير وطلحة في بیت فاطمة، وانحاز المهاجرون إلى أبي بكر ومعهم أسيد بن حضير في بني عبد الأشهل، ورسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] في بيته لم يفرغ من أمره. فأتى أبا بكر آت فقال : أدرك الناس قبل أن يتفاقم الأمر . " أنساب الأشراف، ج 2، ص 264 ، أمر السقيفة ؛ تاريخ الطبري، ج 2، ص 233، حوادث سنة 11 هجرية، ذكر الأخبار الواردة باليوم الذي توفي فيه رسول الله ومبلغ سنه يوم وفاته.
2- "... غير أنه أخذ يوماً من الأيام ناقة من إبل الصدقة فوسمها وسرحها مع الإبل يريد أن يوجه بها إلى أبي بكر وكانت هذه الناقة لفتى من كندة يقال له زيد بن معاوية القشيري من بني قشير، فأقبل إلى رجل من سادات كندة يقال له حارث بن سراقة فقال له: يا ابن عم، إن زياد بن لبيد قد أخذ ناقة لي فوسمها في إبل الصدقة ... قال : ثم أقبل حارثة بن سراقة إلى إبل الصدقة فأخرج الناقة بعينها ثم قال لصاحبها : خذ ناقتك إليك، فإن كلمك أحد فاخطم أنفه بالسيف، نحن إنما أطعنا رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم]إذ كان حياً، ولو قام رجل من أهل بيته لأطعناه، وأما ابن أبي قحافة فما له طاعة في رقابنا ولا بيعة، ثم أنشأ حارثة يقول : أطعنا رسول الله إذ كان وسطنا *** فيا عجباً ممن يطيع أبا بكر *** الردة، ص 169 - 172 ، ذكر ارتداد أهل حضرموت من كندة وغيرها.
الحارث بن معاوية وعرفجة بن عبدالله :

كان الحارث بن معاوية من سادات بني تميم، قال لعامل أبي بكر في جباية الزكاة: إنك تدعو الناس إلى طاعة رجل لم يصلنا ولم يصلكم عن رسول الله شيء في حقه. فقال زياد: صدقت، ولكننا ارتضيناه خليفة

فقال الحارث بن معاوية : فلماذا أبعدتم عن الخلافة أهل بيت النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] وهم أولى بها وأجدر والله يقول في كتابه {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ }(1)قال زياد: لا تجادلوا في هذا الأمر فالمهاجرون والأنصار أحرص عليه وأعرف به منكم. قال الحارث: والله ما أبعدتم الخلافة عن أهل بيت النبي إلا حسداً فلا أظن أن النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] يرحل عن الدنيا ولم يوص لخليفة من بعده يتبعه الناس فارحل يا زياد عن أرضنا لأنك تدعو الناس لأمر غير صحيح.

وكان حاضراً رجل يدعى عرفجة سمع مقالة الرجلين فتأثر فقال : والله إن الحارث ليقول الحق، أخرجوا هذا العامل (زياد) فأبوبكر ليس أهلاً أبداً للخلافة وليس جديراً بهذا المقام، وأما المهاجرون والأنصار فليسوا أبداً أحرص على هذا الأمر من رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ](2).

ص: 190


1- سورة الأنفال، الآية 75.
2- "قال : ثم إن زياد بن لبيد رأى من الرأي لا يعجل بالمسير إلى أبي بكر فوجه بما عنده من إبل الصدقة إلى المدينة مع ثقة وأمره أن لا يخبر أبابكر بشيء من أمره وأمر القوم قال : ثم إنه سار إلى حي من أحياء كندة يقال لهم بنو ذهل بن معاوية فخبرهم بما كان من إليه ودعاهم إلى السمع والطاعة، فأقبل إليه رجل من سادات بني تميم يقال له الحارث بن معاوية فقال لزياد: إنك لتدعو إلى طاعة رجل لم يعهد إلينا ولا إليكم فيه عهد فقال له زياد بن لبيد يا هذا صدقت ! فإنه لم يعهد إلينا ولا إليكم فيه عهد ولكنا اخترناه لهذا الأمر. فقال له الحارث : أخبرني لم نحيتم عنها أهل بيته وهم أحق الناس بها لأن الله عزّ وجلّ يقول (( وأولو الأرحام بعضُهم أولى ببعض في كتاب الله)) فقال له زياد بن لبيد: إن المهاجرين والأنصار أنظر لأنفسهم منك. فقال له الحارث بن معاوية: لا والله ! ما أزلتموها عن أهلها إلاّ حسداً منكم لهم وما يستقر في قلبي أن رسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم] خرج من الدنيا ولم ينصب للناس علماً يتبعونه، فارحل عنا أيها الرجل فإنك تدعو إلى غير رضا. ثم أنشأ الحارث بن معاوية يقول: كان الرسول هو المطاع فقد مضى ***صلى عليه الله لم يستخلف قال فوثب عرفجة بن عبدالله الذهلي فقال: صدق والله الحارث بن معاوية ! أخرجوا هذا الرجل عنكم، فما صاحبه بأهل للخلافة ولا يستحقها بوجه من الوجوه، وما المهاجرون والأنصار بأنظر لهذه الأمة من نبيها محمد[صلّی الله علیه وآله وسلّم]. " الفتوح، ج 1، ص 50 - 51 ، ذكر ارتداد أهل حضرموت من كندة ومحاربة المسلمين إياهم وذكر ارتداد أهل حضرموت من كندة وغيرها.
النابغة الجعدي وقيس بن صرمة:

جاء في كتاب "المقنع في الإمامة" عن معارضة النابغة الجعدي وقيس بن صرمة أن النابغة الجعدي خرج من بيته فصادف عمران بن حصين وقيس بن صرمة وكانا عائدين من السقيفة فسألهما عما جرى في السقيفة.

فقال عمران شعراً عبّر فيه عن معارضته لنتائج مؤتمر السقيفة. ثم أنشد قيس بن صرمة بيتاً عبّر به عن رفضه لتلك النتائج فقال :

أصبحت الأمة في أمر عجب*** والملك فيهم قد غدا لمن غلب

قد قلت قولاً صادقاً غير كذب ***إن غدا يهلك أعلام العرب

فقال له النابغة : فما فعل أبو الحسن علي ؟ قال : إنه منشغل بتجهيز النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] . فأنشالنابغة أبياتاً أظهر فيها أسفه وحزنه فقال:

وعليك سلمت الغداة بإمرة*** للمؤمنين فما رعت تسليمها

نكثت بنو تيم بن مرة عهده *** فتبوأت نيرانها وجحيمها

و تخاصمت يوم السقيفة والذي ***فيه الخصام غداً يكون خصيمها(1)

ص: 191


1- أن النابغة الجعدي خرج من منزله وسأل عن حال الناس فلقيه عمران بن حصين وقيس بن صرمة وقد عادا من السقيفة فقال : ما وراؤكما ؟ (هكذا) فقال عمران بن حصين شعراً: إن كنت أدري فعلي بدنة ***من كثرة التخليط أني من أنه وقال قيس بن صرمة : أصبحت الأمة في أمر عجب ***والملك فيهم قد غدا لم قد قلت قولاً صادقاً غير كذب*** إن غداً يهلك أعلام العرب فقال النابغة فما فعل أبو الحسن علي ؟ فقيل : مشغول بتجهيز النبي الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] ، فقال : وعليك سلمت الغداة بإمرة*** للمؤمنين فما رعت تسليمها نكثت بنو تيم بن مرة عهده*** فتبوأت نيرانها وجحيمها و تخاصمت يوم السقيفة والذي ***فيه الخصام غداً يكون خصيمها المقنع في الإمامة، ص 119 - 120 ، فصل فيه طرف مما جرى في أمر السقيفة.
النعمان بن زيد

كذلك، بكى النعمان بن زيد الأنصاري على مصيبة السقيفة التي حلت بالإسلام التي خولف فيها النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم فأنشأ یقول:

يا ناعي الإسلام قم وانعه***قد مات عرف وأتى منكر

ما لقريش لا علا كعبها***من قدّموا اليوم ومن أخّروا

مثل علي قد خفى أمره ***عليهم والشمس لا تستر

وليس يطوى علم باهر***سام يد الله له تنشر(1)

زفر بن زید

أنشد زفر بن زيد بن حذيفة الأسدي شعراً عبّر فيه عن موقفه المعارض للسقيفة والداعم للإمام علي علیه السلام . قال :

فحوطوا علياً وانصروه فإنه*** وصي وفي الإسلام أول أول

فإن تخذلوه والحوادث جمة*** فليس لكم في الأرض من متحول(2)

ص: 192


1- " وفي هذا اليوم قال النعمان بن زيد صاحب راية الأنصار يبكي على الإسلام وعلى خلافهم النبي[صلّی الله علیه وآله وسلّم]: يا ناعي الإسلام قم وانعه***قدمات عرف وأتى منكر ما لقريش لا علا كعبها***من قدموا اليوم ومن أخّروا مثل علي قد خفى أمره*** عليهم والشمس لا تستر وليس يطوى علم باهر*** سام يد الله له تنشر .... المقنع في الإمامة، ص 122 - 123 ، فصل فيه طرف مما جرى في أمر السقيفة.
2- وقال زفر بن زيد بن حذيفة الأسدي: فحوطوا علياً وانصروه فإنه ***وصي وفي الإسلام أول أول فإن تخذلوه والحوادث جمة ***فليس لكم في الأرض من متحول." المقنع في الإمامة، ص 126 - 127 ، فصل فيه طرف مما جرى في أمر السقيفة.
المنذر بن أرقم:

يقول اليعقوبي : وقام المنذر بن أرقم فقال : ما ندفع فضل من ذكرت وإن فيهم رجلاً لو طلب هذا الأمر لم ينازعه فيه أحد، يعني علي بن أبي طالب(1).

أبان بن سعيد وعمرو بن سعيد:

تشهد مصادر الشيعة والسنة أن أباناً وعمرواً وأخاهما خالداً لم يبايعوا أبا بكر ومالوا مع علي علیه السلام واتبعوه(2).

ويقول الحاكم النيسابوري وابن سعيد إنه لما سمع أبان وعمرو وخالد بوفاة رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم]رجعوا من محل مهمتهم إلى المدينة. فقال أبوبكر: أنتم أليق بهذه المهمة من سواكم

ص: 193


1- وقام المنذر بن أرقم فقال : ما ندفع فضل من ذكرت وإن فيهم رجلاً ل-و طلب هذا الأمر لم ينازعه فيه أحد، يعني علي بن أبي طالب . " تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 123 ، خبر سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر.
2- " وكان أبان أحد من تخلف عن بيعة أبي بكر لينظر ما يصنع بنو هاشم، فلما بايعوا بايع . " أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 1، ص 150 ، شرح حال أبان بن سعيد، الرقم 2 ، وج 2، ص 125، شرح حال خالد بن سعيد، الرقم 1365 . "فقال قائل قريش: إن النبي [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] قال: الأئمة من قريش، فدفعوا الأنصار عن دعوتها ومنعوني حقي منها فأتاني رهط يعرضون علي النصر منهم أبناء سعيد والمقداد ... " كشف المحجة لثمرة المهجة، ص 176 ، ذكر أسماء عشرة رجال كانوا من ثقات أمير المؤمنين ؛ بحار الأنوار، ج30، ص 10 ، فيما كتب علیه السلام إلى أصحابه في ذلك تصريحاً وتلويحاً، الحديث الأول. عن زيد بن وهب قال : كان الذين أنكروا على أبي بكر جلوسه في مجلس رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] اثني عشر رجلاً من المهاجرين والأنصار : عمرو بن سعيد بن العاص والمقداد بن الأسود وعمار بن ياسر وأبوذر الغفاري وسلمان الفارسي وبريدة بن حصب الأسلمي وكان من الأنصار : خزيمة بن ثابت " اليقين، ص 336. " في المجالس: أنه وأخويه خالداً وعمرواً أبوا عن بيعة أبي بكر وتابعوا أهل البيت وقالوا لهم إنكم لطوال الشجر طيبة الثمر ونحن تبع [لك]. " منتهى المقال في أحوال الرجال، ج 1، ص 136 ، شرح حال أبان بن سعيد، الرقم 12 ؛ طرائف المقال في معرفة طبقات الرجال، ج 2، ص 122 الطبقة الحادية والثلاثون، الرقم 7830 .

لأن رسول الله اختاركم لها. فلم يخضعوا لقوله وقالوا: لا نتعاون مع حكومة أخرى ولا نعمل لأحد بعد رسول الله . ثم ذهبوا إلى الشام فقتلوا هناك(1).

الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب:

يقول ابن الأثير وابن عبدالبر والصفدي إن الفضل بن العباس بن عتبة قام فأنشد:

ما كنت أحسب أن الأمر منصرف*** عن هاشم ثم عنهم عن أبي حسن!

أليس أول من صلى لقبلته*** وأعلم الناس بالقرآن والسنن

وآخر الناس عهداً بالنبي ومن***جبريل عون له في الغسل والكفن

من فيه ما فيهم لا تمترون به ***وليس في القوم ما فيه من الحسن(2)

ص: 194


1- "حدثني خالد بن سعيد بن عمرو بن سعيد حدثني أبي أن أعمامه خالداً وأباناً و [ عمرو] بن سعيد بن العاص رجعوا عن أعمالهم حين بلغهم وفاة رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] فقال أبو بكر : ما أحد أحق بالعمل من عمال رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] ارجعوا إلى أعمالكم . فقالوا: لا نعمل بعد رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] لأحد. فخرجوا إلى الشام فقتلوا عن آخرهم. " المستدرك على الصحيحين، ج 3، ص278، کتاب معرفة الصحابة، ذكر مناقب خالد بن سعيد الحديث 683/5085 ؛ الوافي بالوفيات، ج 5، ص 299 ، شرح حال أبان بن سعيد، الرقم 2357 ؛ الطبقات الكبری، ج 4 ، ص 361 ، شرح حال علاء بن الحضرمي ؛ الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 2، ص8، شرح حال خالد بن سعيد، الرقم 617 .
2- وقال الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب فيه أيضاً: ما كنت أحسب أن الأمر منصرف*** عن هاشم ثم عنهم عن أبي حسن! أليس أول من صلى لقبلته ***وأعلم الناس بالقرآن والسنن وآخر الناس عهداً بالنبي ومن***جبريل عون له في الغسل والكفن من فيه ما فيهم لا تمترون به ***وليس في القوم ما فيه من الحسن." أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 4 ، ص 116 - 117 ، شرح حال [الإمام ] علي [علیه السلام]، الرقم 3789 ؛ الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 3، ص 224 ، شرح حال [الإمام]علي [علیه السلام] ، الرقم 1875 ؛ الوافي بالوفيات، ج21، ص 277 ، شرح حال [الإمام] علي [علیه السلام] الرقم 185 .
فروة بن عمر (عمرو) وقيس بن مخزمة:

يقول ابن أبي الحديد إن فروة بن عمر كان ممن خالفوا بيعة أبي بكر(1).كذلك يقول الطبري الشيعي إن فروة بن عمر الأنصاري قال معترضاً على السقيفة واختيار الخليفة يا معشر قريش ! هل فيكم رجل [مثل علي] تحل له الخلافة؟ أو يقبل في الشورى فيه ما في علي؟ قالوا: لا. قال: فهل في علي ما ليس في أحد منكم؟ قالوا: نعم. قال: فما صدكم عنه ؟ قالوا : اجتماع الناس على أبي بكر . قال : أما والله لئن كنتم أصبتم أسنتكم لقد أخطأتم سننكم، فلو جعلتموها في علي لأكلتم من فوقكم ومن تحت أرجلكم(2). أما السيد ابن طاووس، فبعد أن يذكر معارضة فروة، ينسب هذا الكلام مع قليل من الاختلاف إلى قيس بن مخزمة (3) .

ص: 195


1- "قال: فروة بن عمر وكان ممن تخلف عن بيعة أبي بكر . " شرح نهج البلاغة، ج 6 ، ص 28 ، أمر المهاجرين والأنصار بعد بيعة أبي بكر، ذيل الخطبة 66 .
2- " وقام فروة بن عمر الأنصاري فقال : يا معشر قريش ! هل فيكم رجل تحل له الخلافة؟ أو يقبل في الشورى فيه ما في علي؟ قالوا: لا. قال : فهل في علي ما ليس في أحد منكم؟ قالوا: نعم. قال : فما صدكم عنه؟ قالوا: اجتماع الناس على أبي بكر. قال: أما والله لئن كنتم أصبتم أسنتكم لقد أخطأتم سننكم، فلو جعلتموها في علي لأكلتم من فوقكم ومن تحت أرجلكم . " المستر شد، ص 412 - 423 ، ومن كتاب له [علیه السلام ] إلى من قرأ من المؤمنين والمسلمين.
3- " وقام فروة بن عمر الأنصاري وكان يقود مع رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] فرسين ويصريع ألفاً ويشتري ثمراً فيتصدق به على المساكين فنادى: يا معشر قريش ! أخبروني هل فيكم رجل تحل له الخلافة وفيه ما في علي [علیه السلام]، فقال قيس بن مخزمة الزهري : ليس فينا من فيه ما في علي. فقال له: صدقت، فهل في علي[علیه السلام]ما ليس في أحد منكم ؟ قال : نعم . قال : فما يصدكم عنه ؟ قال : اجتماع الناس على أبي بكر. قال: أما والله لئن أصبتم سنتكم لقد أخطأتم سنة نبيكم ولو جعلتموها في أهل بيت نبيكم لأكلتم من فوقكم ومن تحت أرجلكم." كشف المحجة لثمرة المهجة، ص 177 ، اعتراض فروة بن عمر على أبي بكر ومثله قيس بن مخزمة ؛ بحار الأنوار، ج30، ص 11 - 12، فيما كتب علیه السلام إلى أصحابه في ذلك تصريحاً وتلويحاً، الحديث الأول.
الحباب بن المنذر :

عبّر الحباب بن المنذر في يوم السقيفة عن معارضته لها واعتبر نفسه متخصصاً في هذا المجال وعالماً بالمجريات ، كما مرّ في القسم الأول الخاص بعقد السقيفة وهذا ما جعل عمر يعامله بجفاء ویكسر أنفه بلكمة منه(1).

حسان بن ثابت:

قالت الأنصار الحسّان : لا تقل الشعر إلا في علي [علیه السلام] فقصر شعره عليه وعلى تعداد فضائله فقال:

جزى الله خيراً والجزاء بكفه ***أباحسن عنا ومن كأبي حسن

فصدرك مشروح وقلبك ممتحن تمنت رجال من قريش أعزة

مكانك هيهات الهزال من السمن وأنت من الإسلام في كل منزل

البطين من الرسن وكنت المرجى من لؤي بن غالب

لما كان منه والذي بعد لم يكن حفظت رسول الله فينا وعهده

إليك ومن أولى به منك من ومن ألست أخاه في في الإخا ووصيه ... (2)

ص: 196


1- "وعمر هو الذي شدّ بيعة أبي بكر ووقم المخالفين فيها، فكسر سيف الزبير لما جرّده ودفع في صدر المقداد و[وطئ] في السقيفة سعد بن عبادة وقال: اقتلوا سعداً قتل الله سعداً وحطم أنف الحباب بن المنذر الذي قال يوم السقيفة: أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب. شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 174 ، ذيل الخطبة الثالثة، طرف من أخبار عمر بن الخطاب.
2- " واجتمعت إلى حسّان بن ثابت، فقالوا: أجب الفضل فقال : إن عارضته بغير قوافيه فضحني . فقالوا: فاذكر علياً فقط . فقال: جزى الله خيراً والجزاء بكفه ***أبا حسن عنا ومن كأبي حسن فصدرك مشروح وقلبك ممتحن تمنت رجال من قريش أعزة مكانك هيهات الهزال من السمن وأنت من الإسلام في كل منزل البطين من الرسن وكنت المرجى من لؤي بن غالب لما كان منه والذي بعد لم يكن حفظت رسول الله فينا وعهده إليك ومن أولى به منك من ومن ألست أخاه في في الإخا ووصيه.." تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص128 ، أيام أبي بكر ؛ شرح نهج البلاغة، ج 6 ، ص 35،أمرالمهاجرين والأنصار بعد بيعة أبي بكر، ذيل الخطبة 66.

أما الفخر الرازي فينسب أبياتاً أخرى بالمضمون نفسه إلى حسان بن ثابت وهي

ما كنت أعرف هذا الأمر منصرفاً ***عن هاشم ثم منها عن أبي حسن

أليس أول من صلى لقبلتهم*** وأعرف الناس بالقرآن والسنن(1)

عبد الله بن مسعود:

حسب رواية الشيخ الصدوق، كان ابن مسعود من معارضي مشروع السقيفة ومن الاثني عشر رجلاً الذين أعلنوا بشكل رسمي مخالفتهم الخلافة أبي بكر(2)، وقد قال:

يا معشر قريش ! قد علمتم وعلم خياركم أن أهل بيت نبيكم [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] أقرب إلى رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] منكم وإن كنتم إنما تدعون هذا الأمر بقرابة رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] وتقولون : إن السابقة لنا، فأهل نبيكم أقرب إلى رسول الله منكم وأقدم سابقة منكم ، وعلي بن أبي طالب [علیه السلام] صاحب هذا الأمر بعد نبيكم فأعطوه ما جعله الله له ولا ترتدوا علىأعقابكم فتنقلبوا خاسرين(3).

ص: 197


1- ما كنت أعرف هذا الأمر منصرفاً*** عن هاشم ثم منها عن أبي حسن أليس أول من صلى لقبلتهم ***وأعرف الناس بالقرآن والسنن التفسير الكبير، ج 2، ص 212 ، ذيل الآية 32 من سورة البقرة.
2- عن زيد بن وهب قال : كان الذين أنكروا على أبي بكر جلوسه في الخلافة وتقدمه على علي بن أبي طالب[ علیه السلام] اثني عشر رجلاً من المهاجرين والأنصار وكان من المهاجرين خالد بن سعيد بن العاص والمقداد بن الأسود وأبي بن كعب وعمار بن ياسر وأبوذر الغفاري وسلمان الفارسي وعبدالله بن مسعود . " الخصال، ج 2، ص 59 ، الحدیث 873، أبواب الاثني عشر.
3- "ثم قام عبد الله بن مسعود فقال يا معشر قريش قد علمتم و علم خياركم أن أهل بيت نبيكم [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] أقرب إلى رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] منكم و إن كنتم إنما تدعون هذا الأمر بقرابة رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] وتقولون : إن السابقة لنا، فأهل نبيكم أقرب إلى رسول الله منكم وأقدم سابقة منكم ، وعلي بن أبي طالب [ علیه السلام]صاحب هذا الأمر بعد نبيكم فأعطوه ما جعله الله له ولا ترتدوا على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين . " الخصال، ج 2، ص 61 ، الحدیث 873، أبواب الاثني عشر.
زيد بن وهب:

نقلاً عن الشيخ الصدوق، فإن زيد بن وهب كان أحد مخالفي السقيفة وقد عبّر عن معارضته لخلافة أبي بكر بشجاعة في المسجد(1)

أبوسفيان بن الحارث :

يقول ابن أبي الحديد إن أبا سفيان بن الحارث وجماعة آخرين اتفقوا وأعلنوا أنهم لا يبايعون إلاّ علي بن أبي طالب[علیه السلام]ولا يبايعون غيره أبداً(2).

أبو سعيد الخدري وجابر بن عبدالله الأنصاري:

ينقل الشيخ المفيد والشيخ الصدوق والمرحوم الشامي أن أبا سعيد وجابر بن عبدالله كانا أيضاً من المعارضين للسقيفة وكانا يؤكدان على إمامة أمير المؤمنين وخلافته(3) .

ص: 198


1- ثم قام زيد بن وهب فتكلم وقام جماعة من بعده فتكلموا بنحو هذا " الخصال، ج 2، ص 62 ، الحديث 873، أبواب الاثني عشر.
2- " و إن الزبير بن العوام امتنع من البيعة وقال : لا أبايع إلا [علیه السلام]وكذلك أبو سفيان بن حرب وخالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس والعباس بن عبد المطلب وبنوه وأبوسفيان بن الحارث بن عبد المطلب وجميع بني هاشم " شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 21، حديث السقيفة، ذيل الخطبة 26.
3- "فاختلفت الأمة في إمامته يوم وفاة رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] فقالت شيعته وهم بنو هاشم وسلمان وعمار وأبوذر والمقداد وخزيمة بن ثابت ذوالشهادتين وأبو أيوب الأنصاري وجابر بن عبدالله الأنصاري وأبوسعيد الخدري وأمثالهم من جلة المهاجرين والأنصار إنه كان الخليفة بعد رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] والإمام ، لفضله على كافة الأنام بما اجتمع له من خصال الفضل والرأي والكمال من سبقه الجماعة إلى الإيمان والتبريز عليهم في العلم بالأحكام والتقدم لهم في الجهاد " الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، ج 2، ص6 - 7، باب الخبر عن أمير المؤمنين ؛ الدر النظيم في مناقب الأئمة اللهاميم، ص 275 ، الباب الثاني في ذكر أمير المؤمنين، فصل في منفعة وجود الإمام في أن علياً أفضل الناس بعد رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم، الخصال ، ج 2، ص231 - 232 ، الحدیث 1039، أبواب الثمانين وما فوقه.
عتبة بن أبي سفيان بن عبد المطلب:

حسب نقل كتاب الدر النظيم فإن عتبة كذلك كان من المعارضين الأشداء للسقيفة ومخرجاتها وقد عبّر عن موقفه المعارض بشعر قال فيه:

فكان ولي الأمر من بعد أحمد*** علي وفي كل المواطن صاحبه

وصي رسول الله حقاً وصهره ***وأول من صلى ومن لان جانبه(1).

الأشعث بن قيس:

لما توفي رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم امتنع الأشعث من بيعة أبي بكر فوجّه إليه أبوبكر من يقاتله فطلب الأشعث الأمان فأعطوه إياه واشترطوا أن ينظر الخليفة في أمره. فطلب العفو من أبي بكر وتعهد بأن يحارب إلى جانبه في حروبه(2).

في معارضته لخلافة أبي بكر ، قال الأشعث لقومه : يا معشر كندة! إن كنتم على ما أرى فلتكن كلمتكم واحدة والزموا بلادكم وحوطوا حريمكم وامنعوا زكاة أموالكم فإني أعلم أن العرب لا تقر بطاعة بني تيم بن مرة وتدع سادات البطحاء من بني هاشم إلى غيره، فإنها لنا أجود ونحن لها أجرى وأصلح من غيرنا لأنا ملوك من قبل أن يكون على وجه الأرض قريشي ولا أبطحي(3).

ص: 199


1- وقال عتبة بن أبي سفيان بن عبدالمطلب: فكان ولي الأمر من بعد أحمد***علي وفي كل المواطن صاحبه وصي رسول الله حقاً وصهره*** وأول من صلى ومن لان جانبه. " الدر النظيم في مناقب الأئمة ،اللهاميم، ص 399 - 400 ، الباب الثاني في ذكر أمير المؤمنين، فصل في الأشعار التي تدل على فضل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.
2- "ولما قبض رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] أبى أن يبايع أبابكر فحاربه عامل أبي بكر حتى استأمنه فاستأمنه على حكم أبي بكر وبعث به إليه وسلم فسأل أبابكر أن يستبقيه لحربه ويزوجه أخته أم فروة ففعل ذلك أبوبكر ومات سنة أربعين . " المعارف، ص334، الأشعث بن قيس.
3- "قال : ثم تكلم الأشعث بن قيس فقال : يا معشر كندة! إن كنتم على ما أرى فلتكن كلمتكم واحدة والزموا بلادكم وحوطوا حريمكم وامنعوا زكاة أموالكم فإني أعلم أن العرب لا تقر بطاعة بني تميم (هكذا) بن مرة وتدع سادات البطحاء من بني هاشم إلى غيره، فإنها لنا أجود ونحن لها أجرى وأصلح من غيرنا لأنا ملوك من قبل أن يكون على وجه الأرض قريشي. ولا أبطحي." الفتوح، ج 1، ص 50 ، ذكر ارتداد أهل حضرموت من كندة ومحاربة المسلمين إياهم ؛ الردة، ص 175 ، ذكر ارتداد أهل حضرموت من كندة وغيرها.

ولكننا نرى أن هذا الرجل كان من الأشرار الساقطين ومن المنافقين الذين اشتركوا في قتل أمير المؤمنين علیه السلام(1).

سعد بن أبي وقاص:

ينقل ابن أبي الحديد أن سعد بن أبي وقاص كان من معارضي السقيفة وكان ممن اعتصموا في بيت علي بن أبي طالب علیه السلام لغرض مبايعته إلا أن عمر ذهب إلى هناك ليحرق البيت(2).

أم مسطح:

هي بنت أبي رهم وابنة خالة أبي بكر(3)، وكانت من معارضي السقيفة. فعندما ذاع بين الناس أن أمير المؤمنين امتنع من بيعة أبي بكر، صعب ذلك على أبي بكر . فذهبت أم مسطح إلى قبر رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم فأنشدت شعراً عبّرت فيه عن سخطها مما جرى في السقيفة(4).

ص: 200


1- للمزيد من الاطلاع، راجع : تنقیح المقال، ج 11، ص 102 ، شرح حال الأشعث، الرقم 1032 / 25771 .
2- " قال أبو بكر : وقد روي في رواية أخرى أن سعد بن أبي وقاص كان معهم في بيت فاطمة [علیها السلام] والمقداد بن الأسود أيضاً وأنهم اجتمعوا على أن يبايعوا علياً فأتاهم عمر ليحرق عليهم البيت . " شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 56 ، حديث السقيفة، ذيل الخطبة 26 .
3- أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج7، ص383، شرح حال أم مسطح، الرقم 7597.
4- "لما أكثر الناس في تخلف علي [علیه السلام] عن بيعة أبي بكر واشتد أبوبكر وعمر عليه في ذلك، خرجت أم مسطح بن أثاثة فوقفت عند القبر وقالت : كانت أمور وأنباء وهنبثة ***لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب إنا فقدناك فقد الأرض و ابلها ***واختل قومك فاشهدهم ولا تغب شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 50 ، حديث السقيفة، ذيل الخطبة ،26 ، وج 6 ، ص 43 ، أمر المهاجرين والأنصار بعد بيعة أبي بكر، ذيل الخطبة 66 .

على أن الشعر يعود إلى فاطمة الزهراء علیها السلام، ولا يبعد أن تتمثل أم مسطح به للتعبير عن موقفها الغاضب مما جرى بعد وفاة رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم.

امرأة من بني النجار:

يقول ابن سعد والبلاذري وابن عساكر إنه لما بويع لأبي بكر وزّع أبوبكر أموالاً على الناس وأرسل مبلغاً من المال بيد زيد بن ثابت لامرأة عجوز من بني النجار، فسألته المرأة: ما هذه النقود؟ فقال زيد: إنه مما خصصه أبوبكر للنساء. فقالت المرأة بغضب: أتراشوني عن ديني ؟ فوالله

لا آخذ منه شيئاً(1).

القول الفصل:

يختصر أمير المؤمنين حادثة السقيفة المشؤومة بهذه العبارات الموجزة:

حتى إذا قبض رسول الله رجع قوم على الأعقاب وغالتهم الشبل واتكلوا على الولائج ووصلوا غير الرحم [ استولى على المناصب أشخاص غير صالحين فسّروا المحكمات والمسلمات الإسلامية على هواهم ووضعوا المنافقين في المناصب الهامة وقرّبوا الغرباء وجعلوهم أمناء سرهم

وصنّاع قرارات الدولة يطلعون على أسرارها التي كان ينبغي حجبها عنهم ] وهجروا السبب الذي أمروا بمودته ونقلوا البناء عن رص أساسه فبنوه في غير موضعه [غيّروا خارطة البناء ونقلوا مبنى الخلافة والولاية من أساس الغدير ومكانه الأصلي إلى الشورى والسقيفة وإجماع أهل الحلّ والعقد]. معادن كل خطيئة وأبواب كل ضارب في غمرة قد ماروا في الحيرة وذهلوا في السكرة على

ص: 201


1- قال: فلما اجتمع الناس على أبي بكر قسم بين الناس قسماً، فبعث إلى عجوز من بني عدي بن النجار بقسمها مع زيد بن ثابت . فقالت: ما هذا؟ قال: قسم قسمه أبو بكر للنساء. فقالت: أتراشوني عن ديني ؟ فقالوا: لا . فقالت: أتخافون أن أدع ما أنا عليه ؟ فقالوا: لا. فقالت: فوالله لا آخذ منه شيئاً أبداً. فرجع زيد إلى أبي بكر فأخبره بما قالت فقال أبو بكر: ونحن لا نأخذ مما أعطيناها شيئاً أبداً. " الطبقات الكبرى، ج 3، ص 182، شرح حال أبي بكر، ذكر بيعة أبي بكر ؛ أنساب الأشراف، ج 2، ص 260 - 261 ، أمر السقيفة ؛ تاريخ دمشق الكبير، ج 32، ص181، شرح حال أبي بكر، الرقم 3491 ؛ شرح نهج البلاغة ، ج 2، ص 53 ، حديث السقيفة، ذيل الخطبة 26.

سنّة من آل فرعون من منقطع إلى الدنيا راكن أو مفارق للدين مباين رجعوا على الأعقاب تركوا ما کانوا عليه(1).

هؤلاء الذين يصفهم الإمام علي علیه السلام بهذا الوصف لم يكفوا أبداً عن العداوة فكانوا يعبرون عنها بأشكال مختلفة. وكانوا ينتقصون من صحيفة أعمال الإمام الناصعة وإنجازاته الباهرة ويسعون إلى زرع بذور بغضه في قلوب الناس. وهذا مثال من التاريخ لما كانوا يفعلون :

قال الخليفة الثاني يوماً لسعيد بن العاص:

ما لي أراك كأن في نفسك عليّ شيئاً ! أتظن قتلت أباك ؟ والله لوددت أني كنت قاتله ولو قتلته أعتذر من قتل كافر ولكني مررت به في يوم بدر فرأيته يبحث للقتال كما يبحث الثور بقرنه وإذا شدقاه قد أز بدا كالوزغ، فلما رأيت ذلك هبته ورغت عنه فقال : إلى أين يا ابن الخطاب؟ وصمد له علي فتناوله. فوالله ما رمت مكاني حتى قتله(2).

ص: 202


1- "حتى إذا قبض رسول الله رجع قوم على الأعقاب وغالتهم الشبل واتكلوا على الولائج ووصلوا غير الرحم [ وهجروا السبب الذي أمروا بمودته ونقلوا البناء عن رصّ أساسه فبنوه في غير موضعه معادن كل خطيئة وأبواب كل ضارب في غمرة قد ماروا في الحيرة وذهلوا في السكرة على سنّة من آل فرعون من منقطع إلى الدنيا راكن أو مفارق للدين مباين رجعوا على الأعقاب تركوا ما كانوا عليه . " نهج البلاغة ، ص 196 ، الخطبة 150 ؛ شرح نهج البلاغة ، ح 9 ، ص 132 ، الخطبة ،150 ، ومن خطبة له [ علیه السلام] ويومئ فيها إلى الملاحم ؛ بحار الأنوار، ج 29، ص 616 ، الباب الخامس عشر، شكايته عن الغاصبين.
2- " ما لي أراك كأن في نفسك علي شيئاً! أتظن قتلت أباك؟ والله لوددتُ أني كنت قاتله ولو قتلته لم أعتذر من قتل كافر ولكني مررت به في يوم بدر فرأيته يبحث للقتال كما يبحث الثور بقرنه وإذا شدقاه قد أزبدا كالوزغ، فلما رأيت ذلك هبته ورغت عنه، فقال: إلى أين يا ابن الخطاب؟ وصمد له علي فتناوله. فوالله ما رمت مكاني حتى قتله . " أنساب القرشيين، ص 193 ؛ الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، ج 1 ، ص 76، تفاصيل وقعة بدر وجهاد أمير المؤمنين علیه السلام . ويروي ابن أبي الحديد الحادثة بهذا الاختلاف "ونقلت من غير كتاب الواقدي أن عثمان بن عفان وسعيد بن العاص حضرا عند عمر في أيام خلافته، فجلس سعيد بن العاص حجرة فنظر إليه عمر فقال : ما لي أراك معرضاً كأني قتلت أباك ! إني لم أقتله ولكنه قتله أبو حسن وكان علي [علیه السلام] حاضراً فقال : اللهم غفراً ذهب الشرك بما فيه ومحا الإسلام ما قبله، فلماذا تهاج القلوب؟ فسكت عمر وقال سعيد: لقد قتله كفؤ كريم وهو أحب إلي من أن يقتله من ليس من بني عبدمناف . " شرح نهج البلاغة، ج 14 ، ص 144 - 145 ، قصة غزوة بدر، ذيل الرسالة التاسعة. ووردت الحادثة باختلاف قليل في كتب عديدة من أهل السنة. الطبقات الكبرى، ج 6 ، ص 31، شرح حال سعيد بن العاص ؛ تاريخ دمشق الكبير، ج 23، ص81، شرح حال سعيد بن العاص، الرقم 2503 .

كان أمير المؤمنين علیه السلام حاضراً المجلس فقال بعد أن انتهى عمر من كلامه: اللهم اغفر لنا! اللهم لك الحمد أن أزلت غمام الشرك بالإسلام . يا عمر ! لماذا تهيج الناس عليّ ؟(1)

ملاحظة هامة على مواقف النواصب :

اتخذ بعض المؤلفين موقفاً بعيداً جداً عن الانصاف. ففي كتابه "منهاج السنة" يقول ابن تيمية عن حادثة السقيفة إنه بخصوص ما قيل من أن الخلافة حق لأهل البيت وأنهم أفضل من غيرهم فهو رأي جاهلي. فمنذ القديم كان يُعتقد أن الخلافة والملك يتوارثها الأبناء عن الآباء. فالأنصار طلبوا الخلافة لأنفسهم ولكنهم سكتوا عنها لما تيقنوا من أن النبي قال الخلافة في قريش. وكان لأبي بكر منزلة لا ينازعه عليها أحد. ولم يقل أحد من العرب أو العجم بأن هناك من هو أفضل من أبي بكر إلا إذا كانت له جذور جاهلية لأن العرب كانوا يفضلون أقرباء الرؤساء. وإن من كانوا يفضلون أحداً على أبي بكر لم يكونوا يعنون علياً بل العباس عم النبي. ولو فرضنا أن هناك من يفضل علياً ويقولون أنهم لا يراعون النسب ويلتزمون الإيمان والتقوى فإنهم يجمعون الجاهلية والإسلام أما المسلمون الحقيقيون ذوو الإيمان والتقوى فلا يختلفون على أحقية أبي

بكر.(2)

ص: 203


1- "كان علي علیه السلام حاضراً في المجلس فقال : اللهم غفراً، ذهب الشرك بما فيه ومحا الإسلام ما تقدم فمالك تهيج الناس علي ؟ " بحار الأنوار، ج 19، ص 281 ، الباب العاشر، غزوة بدر الكبرى ؛ الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، ج 1، ص 76، تفاصيل وقعة بدر وجهاد أمير المؤمنين علیه السلام ؛ شرح نهج البلاغة ، ج 14، ص 144 - 145، قصة غزوة بدر، ذيل الرسالة التاسعة.
2- "فلما اتفقوا على بيعته ولم يقل قط أحد إني أحق بهذا الأمر منه لا قرشي ولا أنصاري. فإن من نازع أولاً من الأنصار لم تكن منازعته للصديق بل طلبوا أن يكون منهم أمير ومن قريش أمير وهذه منازعة عامة لقريش، فلما تبين لهم أن هذا الأمر في قريش قطعوا المنازعة.... ولم يقل أحد قط إني أحق بهذا من أبي بكر ولا قاله أحد في أحد بعينه إن فلاناً أحق بهذا الأمر من أبي بكر وإنما قال من فيه أثر جاهلية عربية أو فارسية إن بيت الرسول أحق بالولاية لكون العرب كانت في جاهليتها تقدم أهل بيت الرؤساء وكذلك الفرس يقدمون أهل بيت الملك... صاحب هذا الرأي لم يكن له غرض في علي بل كان العباس عنده بحكم رأيه أولى من علي وإن قدر أنه رجح علياً فلعلمه بأن الإسلام يقدم الإيمان والتقوى على النسب فأراد أن يجمع بين حكم الجاهلية والإسلام..." منهاج السنة النبوية، ج4، ص 52-53، فصل كلام الرافضي على الوجه الثاني من وجوه إمامة علي وهو وجوب النص على الإمام، الوجه العاشر.
سؤال موجه إلى ابن تيمية :

1 - يا رجل ! قلت إن الاعتقاد بخلافة أهل البيت علیهم الاسلام جذور جاهلية لأنهم كانوا يعتقدون بأن الأبناء يرثون الآباء في الرئاسة ولكن الآية الشريفة تقول {واذ ابتلى إبراهيم ربُّه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين}(1)فهل تظن أن النبي إبراهيم علیه السلام كان يفكر على الطريقة الجاهلية؟

2 - يا رجل ! تقول إن كل من يعتقد بوجود من هو أفضل من أبي بكرله جذور جاهلية. فهل كان جميع من اعترض على خلافة أبي بكر وفضل علياً علیه السلام من جذور جاهلية؟ هل كان أبوذر وسلمان والمقداد وخباب وجابر وأبو سعيد الخدري وزيد بن الأرقم وعامر بن واثلة الذين فضلوا علياً على أبي بكر ينتمون إلى الجاهلية؟(2)أم أنت الذي لا تتحمل كلمة الحق، تنتمي الى الجاهلية؟

3-يا رجل ! قلت إن المسلمين الحقيقين ذوي الإيمان والتقوى لا يختلفون على أحقية أبي بكر ؛ في حين أن علماء السنة يقرون بأن السيدة الزهراء علیها السلام لم تبايع أبا بكر أبداً وأن الإمام علياً علیه السلام لم يبايعه إلا بعد ستة أشهر. فهل ترى أن الإمام علياً وفاطمة كانا بلا

إيمان وتقوى؟ وهل كان صحابة رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم من أمثال سعد بن عبادة الذين

ص: 204


1- سورة البقرة، الآية 124 .
2- "وروي عن سلمان وأبي ذر والمقداد وخباب وجابر وأبي سعيد الخدري وزيد بن الأرقم أن علي بن أبي طالب علیه السلام أول من أسلم وفضله هؤلاء على غيره. " الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 3، ص179، شرح حال الإمام على علیه السلام، الرقم 1875 . "عامر بن واثلة الليثي... وكان ثقة مأموناً يعترف بفضل الشيخين إلا أنه كان يقدم علياً. " الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 2، ص 347، شرح حال عامر بن واثلة، الرقم 1352.

اعترضوا على أحداث السقيفة ولم يبايعوا أبابكر وعمر بلا إيمان وتقوى، اين تقواك يارجل؟

ص: 205

ص: 206

القسم الثاني: الموافقون للسقيفة ومعارضوها تحت المجهر

اشارة

نتناول في هذا القسم تحليل الشخصيات على فصلين ؛ الفصل الأول خصصناه للشخصيات التي عارضت السقيفة ؛ واالفصل الثاني للأشخاص الذين وافقوها ولعبوا دوراً فيها.

ص: 207

ص: 208

الفصل الأول: تحليل شخصيات معارضي السقيفة

اشارة

يتناول هذا الفصل بالتحليل الأشخاص الذين عارضوا السقيفة

1 - قيس بن سعد:

كان قيس بن سعد من كبار صحابة رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم واتسم بالكرم والشجاعة والخبرة الثرّة في الحروب. انضم إلى ركب النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم منذ هجرته إلى المدينة وصاحبه نحواً من عشر سنوات كانت منزلة قيس من رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم کالمنزلة قائد القوات الخاصة للحاكم وحضر- جميع الحروب على المشركين وكان حامل راية الأنصار في فتح مكة. في حياة رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم، كان قيس مسؤولاً عن الصدقات وفي السنة الثامنة للهجرة أرسلهالنبي صلّی الله علیه وآله وسلّم إلى اليمن بمهمة. وتروي كتب أهل السنة عنه نحو 16 حديثاً(1).

كما كان قيس بن سعد والياً على مصر من قبل الإمام علي علیه السلام ولكن الإمام اضطر لعزله لأسباب معينة . فحاول بعضُ استغلال الموقف فذهبوا إلى قيس وقالوا له: ما الذي يبقيك على الولاء لعلي بعد أن عزلك؟ فرد عليهم : لن أترك ديني وإمامي.

وكان حسّان بن ثابت عثماني الهوى فأتى قيساً وقال له : قتلت عثمان وعزلك علي بن أبي طالب فبقي عليك اثمه ولم تحصل على شيء . فقال له قيس يا أعمى القلب والله لولا خشية وقوع الحرب بيننا وبينكم لضربت عنقك.

ص: 209


1- لمزيد من الاطلاع، راجع الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 3، ص 350 ، شرح حال قيس بن سعد، الرقم 2158 ؛ أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 4 ، ص 403 ، شرح حال قيس بن سعد، الرقم 4353 ؛ الإصابة في تمييز الصحابة، ج 5، ص 395، شرح حال قيس بن سعد، الرقم 7192؛ سير أعلام النبلاء، ج3، ص 102، شرح حال قيس بن سعد، الرقم 21.

ثم خرج قيس وسهل بن حنيف [ من المدينة ] وانضما إلى علي علیه السلام. فقص قيس على الإمام علیه السلام ما جرى فصدّقه الإمام . بعد ذلك شهد قيس وسهل حرب صفين مع الإمام علیه السلام(1) . ورغم تعرضه للاتهام وعزله من منصبه، إلا أنه تحمّل كل ذلك من أجل حكم الإمام علي علیه السلام؛ وهكذا واصل دفاعه عن الولاية وتمسكه بها ولم يتخل عن مبادئه ومعتقداته. ومثالاً نسوق الحادثة التالية :

قدم معاوية بن أبي سفيان حاجاً في خلافته فاستقبله أهل المدينة فنظر فإذا الذين استقبلوه ما فيهم أحد من قريش [ فنظر فإذا الذين استقبلوه ما منهم إلاّ قرشي]. فلما نزل قال: ما فعلت الأنصار وما بالها لم تستقبلني ؟ فقيل له : إنهم محتاجون ليس لهم دواب. فقال معاوية: فأين نواضحهم؟ فقال قيس بن سعد بن عبادة وكان سيد الأنصار وابن سيدها: أفنوها يوم بدر وأحد وما بعدهما من مشاهد رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم]حين ضربوك وأباك على الإسلام حتى ظهر أمر الله وأنتم كارهون. فسكت معاوية، فقال قيس: أما إن رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] عهد إلينا أنا سنلقى بعده إثرة. فقال معاوية فما أمركم به؟ فقال: أمرنا أن نصبر حتى نلقاه . قال : فاصبروا حتى تلقوه(2).

ص: 210


1- "فخرج منها مقبلاً إلى المدينة، فقدمها فجاء حسان بن ثابت شامتاً به وكان حسّان عثمانياً، فقال له: نزعك علي بن أبي طالب وقد قتلت عثمان، فبقي عليك الإثم ولم يحسن لك الشكر . فقال له قيس بن سعد يا أعمى القلب والبصر والله لولا أن ألقى بين رهطي ورهطك حرباً لضربت عنقك، اخرج عني . ثم إن قيساً خرج هو وسهل بن حنيف حتى قدما على علي، فخبره قيس فصدقه علي. ثم إن قيساً وسهلاً شهدا مع علي صفين. " تاريخ الطبري، ج 3، ص 67 ، حوادث سنة 36 هجرية، ولاية محمد بن أبي بكر مصر- ؛ الغارات، ج 1، ص 221 - 222 ، باب عزل قيس بن سعد بن عبادة عن مصر وتولية محمد بن أبي بكر ؛ شرح نهج البلاغة، ج6، ص 64، ولاية قيس بن سعد على مصر ثم عزله، ذيل الخطبة 66 .
2- قدم معاوية بن أبي سفيان حاجاً في خلافته فاستقبله أهل المدينة فنظر فإذا الذين استقبلوه ما فيهم أحد من قريش [ فنظر فإذا الذين استقبلوه ما منهم إلا قرشي]. فلما نزل قال : ما فعلت الأنصار وما بالها لم تستقبلني ؟ فقيل له : إنهم محتاجون ليس لهم دواب. فقال معاوية: فأين نواضحهم؟ فقال قيس بن سعد بن عبادة وكان سيد الأنصار وابن سيدها أفنوها يوم بدر وأحد وما بعد هما من مشاهد رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] حين ضربوك وأباك على الإسلام حتى ظهر أمر الله وأنتم كارهون فسكت معاوية، فقال قيس: أما إن رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] عهد إلينا أنا سنلقى بعده إثرة. فقال معاوية : فما أمركم به؟ فقال: أمرنا أن نصبر حتى نلقاه. قال: فاصبروا حتى تلقوه. " الاحتجاج على أهل اللجاج، ج 3، ص 15 ، احتجاج الحسين علیه السلام بذكر مناقب أمير المؤمنين وأولاده... ؛ كتاب سليم بن قيس الهلالي، ص 777 ، الحديث السادس والعشرون .

سؤال:

برأيكم ما الذي جعل قيساً يعارض موقف أبيه المؤيد للسقيفة؟(1) أليس لأنه كان رجلاً لا يتّبع هواه للوصول إلى غايات دنيوية بل يتخذ مواقفه على أساس الحق؟

2- أم سلمة:

اشارة

أم سلمة إحدى زوجات النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم وأمهات المؤمنين. تزوجها رسول الله وهي في الخامسة والعشرين من العمر وعاشت حتى بلغت التسعين(2) كانت المؤتمنة لدى أهل البيت عیهماالسلام فكان كل من يهاجر منهم يستودعها أماناته(3).

ص: 211


1- "حدثني أبو الحسن علي بن سليمان النوفلي قال: سمعت أبياً يقول : ذكر سعد بن عبادة يوماً علياً [ علیه السلام] بعد يوم السقيفة فذكر أمراً من أمره نسيه أبو الحسن يوجب ولايته. فقال له ابنه قيس بن سعد : أنت سمعت رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] يقول هذا الكلام في علي بن أبي طالب، ثم تطلب الخلافة ويقول أصحابك منا أمير ومنكم أمير؟ لا كلمتك والله من رأسي بعد هذا كلمة أبداً." شرح نهج البلاغة، ج6، ص 44 ، أمر المهاجرين والأنصار بعد بيعة أبي بكر ، نقلاً عن أبي بكر الجوهري.
2- " والظاهر أنها حين تزوجها رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] لم تكن قد بلغت الخامسة والعشرين من عمرها، لأنهم يقولون: إنها توفيت في أوائل خلافة يزيد لعنه الله سنة اثنتين وستين ولها أربع وثمانون سنة، فيكون عمرها حينما هاجرت إلى الحبشة حوالي 15 سنة." الصحيح من سيرة النبي الأعظم، ج 6، ص 189 - 190، أم سلمة في بيت النبي [ صلّی الله علیه وآله وسلّم]،عمر أم سلمة حين الزواج. يقول الذهبي عن أم سلمة: "أم سلمة أم المؤمنين، السيدة المحجبة، الطاهرة ... دخل بها النبي [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] في سنة أربع من الهجرة وكانت من أجمل النساء وأشرفهن نسباً وكانت آخر من مات من أمهات المؤمنين عمرت حتى بلغها مقتل الحسين الشهيد، فوجمت لذلك وغشي عليها وحزنت عليه كثيراً. لم تلبث بعده إلا يسيراً وانتقلت إلى الله ... عاشت نحواً من تسعين سنة. " سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 201 - 202، شرح حال أم سلمة، الرقم 20.
3- "عن الصادق علیه السلام أن الكتب كانت عند أمير المؤمنين علیه السلام فلما صار إلى العراق استودع الكتب أم سلمة. فلما مضى كانت عند الحسن علیه السلام. فلما مضى الحسن علیه السلام كانت عند الحسين علیه السلام. وفي أخبار أن الحسين علیه السلام أودع كتب الإمامة عندها فدفعتها بعده علیه السلام إلى السجّاد." قاموس الرجال، ج 12، ص205، شرح حال أم سلمة، الرقم 37 .

كانت أم سلمة من الذين لم يغيروا موقفهم بعد النبي وثبتت على مواكبة أهل بيته علیه السلام . وتدل مواقفها من الأحداث التي وقعت بعد وفاة النبي على نفاذ بصيرتها. والحكايات التالية شواهد على ذلك:

الحادثة الأولى: موقفها من أبي بكر

دافعت أم سلمة بشراسة عن السيدة الزهراء علیه السلام في قضية غصبها فدك وتعرضها للعدوان على يد عمر وأبي بكر. حيث كلمت الجناة بشجاعة ووبختهم. فقد خاطبت أبابكر قائلة: المثل فاطمة بنت رسول الله يقال هذا وهي الحوراء بين الإنس والأنس للنفس؟ ربيت في حجور الأنبياء وتداولتها أيدي الملائكة ونمت في المغارس الطاهرات، نشأت خير منشأ وربيت خير مربّى! أتزعمون أن رسول الله حرم عليها ميراثها ولم يعلمها ، وقد قال الله له: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} ؟ أفأنذرها وجاءت تطلبه وهي خيرة النسوان وأم سادة الشبان وعديلة مريم ابنة عمران وحليلة ليث الأقران، تمت بأبيها رسالات ربه فوالله لقد كان يشفق عليها من الحر والقر، فيوسدها يمينه ويدثرها شماله. رويداً فرسول الله بمرأى لدينكم وعلى الله تردون. فواهاً لكم وسوف تعلمون.

لقد دافعت أم سلمة عن فاطمة علیها السلام ودفعت ثمن ذلك حرمان أبي بكر له-ا عطاءها سنة كاملة(1) .

ص: 212


1- قال: فأطلعت أم سلمة رأسها من بابها وقالت : ألمثل فاطمة بنت رسول الله يقال هذا وهي الحوراء بين الإنس والأنس للنفس؟ ربيت في حجور الأنبياء وتداولتها أيدي الملائكة ونمت في المغارس ،الطاهرات، نشأت خير منشأ وربيت خير مربّى ! أتزعمون أن رسول الله حرم عليها ميراثها ولم يعلمها، وقد قال الله له : ((وأنذر عشيرتك الأقربين)) ؟ أفأنذرها وجاءت تطلبه وهي خيرة النسوان وأم سادة الشبان وعديلة مريم ابنة عمران وحليلة ليث الأقران تمت بأبيها رسالات ربه. فوالله لقد كان يشفق عليها من الحر والقر، فيوسدها يمينه ويدثرها شماله. رويداً فرسول الله بمرأى لدينكم وعلى الله تردون فواهاً لكم وسوف تعلمون . قال : فحرمت أم سلمة تلك السنة عطاءها ورجعت فاطمة علیها السلام إلى منزلها فتشكت . " دلائل الإمامة، ص 39، حديث فدك ؛ الدر النظيم في مناقب الأئمة اللهاميم ص 480 ، في ذكر كلام فاطمة علیها السلام من أجل فدك.
الحادثة الثانية: موقفها من عائشة

حاولت أم سلمة أن تثني عائشة عن الذهاب إلى حرب الجمل. فبعد أن آل-ت الخلافة إلى الإمام علي علیه السلام اتخذت عائشة موقف المعارضة له. وحاولت أن تستميل أم سلمة إلى جانبها في مواجهة الإمام علیه السلام فذهبت إليها وقالت لها : يا ابنة أبي أمية ! أنت كبيرة أمهات المؤمنين. وكان رسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم]يتناول الطعام في بيتك ويقسم أسهمنا فيه، وفي بيتك كان ينزل الوحي.

فقالت أم سلمة : يا ابنة أبي بكر ! لم يسبق لك أن أتيت لزيارتي ! فماذا وراء ما قلت؟ قالت عائشة : لقد قتل عثمان المظلوم وفي البصرة الآن آلاف الرجال يحملون سيوفهم للأخذ بثأره. فهل ترافقينني لإخماد الفتنة بين الفريقين؟

قالت أم سلمة : أنت كنت أشد المخالفين لعثمان فما الذي يدعوك للمطالبة بدمه؟ لعلك تريدين أن تنقضي خلافة ابن أبي طالب. إن القرآن يأمرك بأن تلزمي بيتك فالزميه ولا تخرجي منه !

وكان رسول الله يعرف مكانك في هذه الأمة، ولو شاء لعهد إليك بعهد ولكنه نهاك عن التنقل بين البلدان. ولو تداعى ركن الإسلام فلا تبنيه النساء.

وماذا سيكون جوابك لرسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] إن رآك وقد ركبت جملاً قوياً ينقلك من ماء إلى ما

هل أذكرك بكلام رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] في حق علي[علیه السلام ]؟ أتذكرين حين كنا مع رسول الله في سفر وقد اختارنا بالقرعة، وفي الطريق كان النبي يكلم علياً فغضبت وصرخت بوجه علي قائلة: إن لي من رسول الله يوماً من تسعة أيام وأنت تشغله فيه عني . فقال لك رسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم]: هل تعادينه؟ لا يعاديه من أهلي ولا من أمتي إلا خارج عن الإيمان.

ص: 213

اعترفت عائشة بالموقف، وواصلت أم سلمة كلامها: أتذكرين يوم قال رسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم] لي ولك: ليتني أعلم أيكن صاحبة الجمل الأحدب التي تنبحها كلاب الحوأب(1). فقلت أنا: أعوذ بالله أن أكون إياها . فقال رسول الله : والله إنها إحداكن. ثم أضاف: يا حميراء! (2)إياك أن تكونيها. فأيدت عائشة كلامها وواصلت أم سلمة : أتذكرين يوماً كنا أنا وأنت عند رسول الله نسري عنه فجلس النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم بقربك وقال : أتظنين يا حميراء أني لا أعرفك ؟ ستشهد أمتي يوماً مراً دامياً بسبب فتنة تثيرينها.

أتذكرين يوم كنا أنا وأنت عند رسول الله فجاء أبوك وصاحبه فقالا للنبي: نحن لا ندري كم ستعيش معنا، فهلاً عيّنت خليفة نفزع إليه بعدك ؟ فقال صلّی الله علیه وآله وسلّم : لو بيّنته لكم لا آمن أن تتفرقوا عنه كما تفرق بنو إسرائيل عن هارون فخرجا. فسألتُ رسول الله : من ستخلف بعدك ؟ فقال : الذي يخصف نعلي. ولم يكن غير علي من يفعل ذلك . فقلت لرسول الله : لا أرى إلاّ علياً. فقال: هو ذاك. أتذكرين يوم جمع النبي أزواجه في بيت ميمونة فقال : يا نساء النبي اتقين الله وإياكن أن يراكن أحد بلا حجاب!

اعترفت عائشة بجميع ما قالته أم سلمة وخرجت من البيت آيسة"(3).

ص: 214


1- اسم موضع قرب البصرة. لمزيد من الاطلاع، راجع: معجم البلدان، ج2، ص 314، كلمة الحوأب!
2- الحميراء لقب عائشة.
3- "قال أبو مخنف : جاءت عائشة إلى أم سلمة تخادعها على الخروج للطلب بدم عثمان فقالت لها : يا بنت أبي أمية، أنت أول مهاجرة من أزواج رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] وأنت كبيرة أمهات المؤمنين وكان رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] يقسم لنا من بيتك وكان جبريل أكثر ما يكون في منزلك. فقالت أم سلمة : لأمر ما قلت هذه المقالة ؟ فقالت عائشة: إن عبد الله أخبرني أن القوم استتابوا عثمان، فلما تاب قتلوه صائماً في شهر حرام وقد عزمت على الخروج إلى البصرة ومعي الزبير وطلحة فاخرجي معنا لعل الله أن يصلح هذا الأمر على أيدينا بنا، فقالت أم سلمة: إنك كنت بالأمس تحرضين على عثمان وتقولين فيه أخبث القول وما كان اسمه عندك إلا نعثلاً وإنك لتعرفين منزلة علي بن أبي طالب عند رسول الله [صلى الله عليه وسلم ] أفأذكرك ؟ قالت نعم قالت أتذكرين يوم أقبل صلى الله عليه وآله ونحن معه حتى إذا هلط من قُديد ذات الشمال خلا بعلي يناجيه فأطال ، فأردت أن تهجمي عليهما، فنهيتك فعصيتني فهجمت عليهما فما لبثت أن رجعت باكية، فقلت: ما شأنك؟ فقلت: إني هجمت عليها وهما يتناجيان، فقلت لعلي: ليس لي من رسول الله إلا يوم من تسعة أيام أفا تدعني يا ابن أبي طالب ويومي؟ فأقبل رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] وهو غضبان محمر الوجه فقال: ارجعي وراءك، والله لا يبغضه أحد من أهل بيتي ولا من غيرهم من الناس إلا وهو خارج من الإيمان، فرجعت نادمة ساقطة. قالت عائشة : نعم أذكر ذلك. قالت : وأذكرك أيضاً كنت أنا وأنت مع رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] وأنت تغسلين رأسه وأنا أحيس له حيساً يعجبه، فرفع رأسه وقال : يا ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأذنب، تنبحها كلاب الحوأب، فتكون ناكبة عن الصراط ؟ فرفعت يدي من الحيس فقلت: أعوذ بالله وبرسوله من ذلك . ثم ضرب على ظهرك وقال: إياك أن تكونيها . ثم قال: يا بنت أبي أمية إياك أن تكونيها، يا حميراء! أما أنا فقد أنذرتك . قالت عائشة : نعم أذكر هذا. قالت: وأذكرك أيضاً كنت أنا وأنت مع رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] في سفر له وكان علي يتعاهد نعلي رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] فيخصفها ويتعاهد أثواب-ه فيغسلها، فنقبت (ثقبت) له نعل فأخذها يومئذ يخصفها وقعد في ظل سَمُرة وجاء أبوك ومعه عمر فاستأذنا عليه فقمنا إلى الحجاب ودخلا يحادثانه فيما أراد ثم قالا : يا رسول الله ! إنا لا ندري قدر ما تصحبنا فلو أعلمتنا من يستخلف علينا ليكون لنا بعدك مفزعاً. فقال لهما : أما إني قد أرى مكانه ولو فعلت لتفرقتم عنه كما تفرقت بنو إسرائيل عن هارون بن عمران. فسكتا ثم خرجا، فلما خرجنا إلى رسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم] قلت له وكنت أجرأ عليه منا من كنتَ يا رسول الله مستخلفاً عليهم ؟ فقال : خاصف النعل . فنظرنا فلم نر أحداً إلا علياً، فقلت: يا رسول الله ! ما أرى إلا علياً . فقال : هو ذاك. فقالت عائشة: نعم أذكر ذلك. فقالت: فأي خروج تخرجين بعد هذا؟ فقالت : إنما أخرج للإصلاح بين الناس وأرجو فيه الأجر إن شاء الله. فقالت : أنت ورأيك. فانصرفت عائشة عنها. وكتبت أم سلمة بما قالت وقيل لها إلى علي [علیه السلام ] . " شرح نهج البلاغة، ج 6 ، ص 217 - 218 ، ذيل الخطبة .79. وخبر أم سلمة وعائشة جاء بالمضمون نفسه وبشكل مختصر في الفتوح، ج 1 ، ص 456 - 457 ، خبر عائشة مع أم سلمة حين أرادت المسير إلى البصرة.

عندما سمعت أم سلمة بنية الناكثين بكت حتى ابتل نقابها. ثم لبست ثيابها وذهبت إلى عائشة لتعظها وتثنيها عن عزمها. قالت أم سلمة لعائشة: إنك سُدّة رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] بين أمته وحجابك مضروب على حرمته وقد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه ومكنّك خفرتك فلا تضحيها ... اجعل حصنك بيتك وقاعة البيت قبرك حتى تلقينه (هكذا) وأنت على ذلك أطوع ما تكونين الله لزمته (هكذا) وأنصر ما تكونين للدين ما جلست عنه (1).

ص: 215


1- " وبلغ أم سلمة اجتماع القوم وما خاضوا فيه فبكت حتى اخضلّ خمارها ثم دعت بثيابها فلبستها وتخفّرت ومشت إلى عائشة لتعظها عن رأيها في مظاهرة أمير المؤمنين [صلّی الله علیه وآله وسلّم] بالخلاف وتقعد بها عن الخروج مع القوم. فلما دخلت عليها قالت : إنك سُدّة رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] بين أمته وحجابك مضروب على حرمته وقد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه ومكنك خفرتك فلا تضحيها ... اجعل حصنك بيتك وقاعة البيت قبرك حتى تلقينه (هكذا) وأنت على ذلك أطوع ما تكونين الله [...] لزمته وأنصر ما تكونين للدين ما جلست عنه." الجمل، ص 236، تحذير أم سلمة عائشة. "أم سلمة أتت عائشة لما أرادت الخروج إلى البصرة فقالت لها: إنك شدة بين رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] وأمته، وحجابك مضروب على حرمته..." الفائق في غريب الحديث، ج 2، ص 162 ، السين مع الدال، مادة سدد ؛ شرح نهج البلاغة ، ج 6 ، ص 219 - 220 .

ولما عادت عائشة من الحرب وأظهرت الندم أعرضت أم سلمة عنها لأنها كانت أقسمت أن لا تكلمها بسبب محاربتها للإمام علي علیه السلام، فأدارت وجهها إلى الجدار وقالت: أيها الجدار ألم أنهك عن الذهاب؟(1).

سؤال:

1 - أليست أم سلمة من زوجات النبي وأمهات المؤمنين؟ فلماذا يعرض عنها علماء أهل السنة فلا يروون عنها إلا القليل ؟ هل يعود هذا الإعراض إلى معارضة واحدة من أفضل زوجات النبي للخليفة الأول وأم المؤمنين عائشة ؟ ما الكلام الباطل الذي صدر عنها فأوجب هذا الإعراض ؟ هل قالت شيئاً مما يخالف القرآن أو السنة أو العقل؟ ألم تستدل في كلامها بالقرآن وأحاديث النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم؟ هي يُعد جريمة وإثماً قول الحق والاقتداء بالقرآن وكلام النبي؟

2- ماذا كان موضوع الخلاف بين زوجتي النبي ؟ من منهما تكلم بالحق ومن التي جانبته؟ هل المحق من يتطابق كلامه مع كلام الله وكلام رسوله، أم الذي يخالفهما قولاً وفعلاً؟ أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يُتبع أمن لا يهدّي إلا أن يُهدى. مالكم كيف تحكمون؟!(2)

ص: 216


1- "روي عن عائشة أنها دخلت على أم سلمة بعد رجوعها من وقعة الجمل وقد كانت أم سلمة حلفت أن لا تكلمها أبداً من أجل مسيرها إلى محاربة علي بن أبي طالب، فقالت عائشة: السلام عليك يا أم المؤمنين فقالت يا حائط ! ألم أنهك ؟ ألم أقل لك ؟ قال عائشة: فإني أستغفر الله وأتوب إليه كلميني يا أم المؤمنين. قالت: يا حائط ألم أقل لك ؟ ألم أنهك؟ فلم تكلمها حتى ماتت. وقامت عائشة وهي تبكي وتقول : وا أسفا على ما فرط مني . " المحاسن والمساوئ ، ج 1، ص 137، محاسن الندامة.
2- سورة يونس، الآية 35.

3- أم أيمن :

اشارة

كانت أم أيمن من معارضي السقيفة وأخذت موقفاً صريحاً منها. كانت حبشية واسمها بركة. كانت لمدة طويلة جارية لعبد المطلب علیه السلام ومن بعده لعبد الله علیه السلام ثم لرسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم و وصلت إليه بالميراث. وظلت جارية له حتى تزوج من السيدة خديجة علیه السلام فأعتقها رسول الله.

تعهدت رعاية النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم في طفولته ثم تولت رعاية الإمام الحسين علیه السلام . كانت أول مهاجرة من النساء وزوجة شهيد وأم شهيد استشهد ابنها أيمن في حرب ثقيف التي هرب فيها الكثير من الصحابة ولكنه كان من القلائل الذين ثبتوا فنال الشهادة واستشهد زوجها الثاني زيد بن حارثة أبو أسامة في معركة مؤتة(1).

يروي ابن سعد والذهبي أن النبي قال : من سرّه أن يتزوج امرأة من أهل الجنة فليتزوج أم أيمن. فتزوجها زيد(2).

كما يرويان رواية أخرى وهي أنها بكت بكاءً شديداً عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فسألوها عن ذلك فقالت: كنت أعلم أن النبي سيتوفى يوماً ما ولكن ما يبكيني انقطاع الوحي"(3).

أم أيمن وفاطمة الزهراء:

كانت أم أيمن أوثق النساء لدى السيدة فاطمة علیها السلام حتى أنها في لحظات عمرها الشريف الأخيرة بعثت إليها فقالت لها :

ص: 217


1- سير أعلام النبلاء، ج 2، ص223، شرح حال أم أيمن، الرقم 24.
2- "فقال رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم]: من سره أن يتزوج امرأة من أهل الجنة فليتزوج أم أيمن. فتزوجها زيد بن حارثة فولدت له أسامة بن زيد. " الطبقات الكبرى، ج 8 ، ص 224 ، شرح حال أم أيمن ؛ سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 224 ، شرح حال أم أيمن الرقم 24 .
3- عن أنس أن أم أيمن بكت حين مات النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] فقيل لها : أتبكين؟ فقالت : إي والله لقد علمت أن رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] سيموت ولكني أبكي على الوحي إذ انقطع عنا من السماء. " الطبقات الكبرى، ج 8، ص 226، شرح حال أم أيمن ؛ سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 226 ، شرح حال أم أيمن، الرقم 24 .

أشعر أنها آخر ساعات حياتي فاذهبي وادعي لي علياً(1).

وعندما غُصبت فدك، اتخذتها الزهراء علیها السلام شاهدة فشهدت مع الإمام علي علیه السلام على ذلك(2). يروي علماء السنة والشيعة أنه بعد وفاة الزهراء علیها السلام أقسمت أم أيمن أن لا تبقى في المدينة لأنها لا تطيق رؤية مكانها خالياً منها . وحين خرجت من المدينة إلى مكة نفد الماء الذي كانت تحمله فانتابها عطش شديد فرفعت يديها إلى السماء وقالت: يا ربّ أنا خادمة فاطمة [علیها السلام ] تقتلني عطشاً؟ فأنزل الله عليها دلواً من السماء فشربت منه فلم تحتج إلى ماء بعدها أبدا(3).

أم أيمن ممرضة سيد الشهداء علیه السلام :

عن أبي عبد الله (الصادق) علیه السلام قال : أقبل جيران أم أيمن إلى رسول الله صلى الله عليه وآله سلم فقالوا: يا رسول الله ! إن أم أيمن لم تنم البارحة من البكاء، لم تزل تبكي حتى أصبحت. قال: فبعث رسول

ص: 218


1- قال: فلما نعي إلى فاطمة نفسها أرسلت إلى أم أيمن وكانت أوثق نسائها عندها وفي نفسها، فقالت لها: يا أم أيمن ! إن نفسي- نعيت إلي فادعي لي علياً، فدعته لها . " علل الشرائع، ج1، ص 187، الباب 149 العلة التي من أجلها دفنت فاطمة علیهما السلام بالليل ولم تدفن بالنهار؛ بحار الأنوار، ج 43 ، ص 204 ، تاريخ سيدة النساء فاطمة الزهراء علیها السلام، الباب السابع، ما وقع عليها علیهاالسلام من الظلم، الحديث 31.
2- راجع الاحتجاج، ج 1، ص 122، شهادة أم أيمن لفاطمة علیها السلام !
3- " أن أم أيمن لما توفيت فاطمة حلفت أن لا تكون بالمدينة إذ لا تطيق النظر إلى مواضع كانت علیهما السلام فيها، فخرجت إلى مكة. فلما كانت في بعض الطريق عطشت عطشاً شديداً فرفعت يديها قالت: يا ربّ ! أنا خادمة فاطمة [ علیها السلام] تقتلني عطشاً. فأنزل الله عليها دلوا من السماء فشربت فلم تحتج إلى الطعام والشراب سبع سنين وكان الناس يبعثونها في اليوم الشديد الحر فما يصيبها عطش. " الخرائج والجرائح، ج 2، ص 530 ، فصل في ذكر أعلام فاطمة البتول علیها السلام الحديث الخامس ؛ بحار الأنوار، ج 43 ، ص 28، تاريخ سيدة النساء فاطمة الزهراء علیها السلام، الباب الثالث مناقبها وبعض أحوالها. ووردت هذه القصة في كتب أهل السنة كذلك: "هاجرت أم أيمن من مكة إلى المدينة وليس معها زاد فلما كانت عند الروحاء وذلك عند غيبوبة الشمس عطشت عطشاً شديداً قالت : فسمعت حفيفاً شديداً فوق رأسي. قالت: فرفعت رأسي فإذا دلو مدلى من السماء برشاء أبيض فتناولته بيدي حای استمسکت به قالت : فشربت منه حتى رويت. قالت : فلقد أصوم بعد تلك الشربة في اليوم الحار الشديد ثم أطوف في الشمس كي أظمأ فما ظمئت بعد تلك الشربة. " دلائل النبوة ومعرفة أحوال أصحاب الشريعة ، ج 6 ، ص 125 ، باب ما جاء في ما ظهر على أم أيمن مولاة رسول الله [صلى الله عليه وآله] وحاضنته من الكرامات في هجرتها ؛ الإصابة في تمييز الصحابة، ج8، ص 359، شرح حال أم أيمن، الرقم 11902.

الله صلّی الله علیه وآله وسلّم إلى أم أيمن فجاءته فقال لها : يا أم أيمن! لا أبكى الله عينيك، إن جيرانك أتوني وأخبروني أنك لم تزلي الليل تبكين أجمع، فلا أبكى الله عينيك، ما الذي أبكاك؟ قالت: يا رسول الله ! رأيت رؤيا عظيمة شديدة، فلم أزل أبكي الليل أجمع . فقال رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم : فقصيها على رسول الله، فإن الله ورسوله أعلم. فقالت: تعظم علي أن أتكلم بها . فقال لها : إن الرؤيا ليست على ما ترى، فقصيها على رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] قالت رأيت في ليلتي هذه كأن بعض أعضائك ملقى في بيتي. فقال لها رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم: نامت عينك يا أم أيمن! تلد فاطمة الحسين فتربينه وتلينه فيكون بعض أعضائي في بيتك. فلما ولدت فاطمة الحسين، فكان اليوم السابع، أمر رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم فحلق رأسه وتصدق بوزن شعره فضة وعقّ ثم هيأته أم أيمن ولفته في برد رسول الله صلى الله عليه وآله فقال صلّی الله علیه وآله وسلّم: مرحباً بالحامل والمحمول يا أم أيمن! هذا تأويل رؤياك(1).

سؤال:

ماذا يعني اعتراض أم أيمن على أبي بكر؟

أليس مؤشراً على بطلان خلافة أبي بكر؟

هل يمكن حمل موقف أم أيمن، التي بشرها رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم بالجنة واعتبرتها فاطمةالزهراء علیها السلام أوثق النساء عندها، على الحسد والغرض الشخصي؟ هل يمكن التغاضي عن معارضة أم أيمن وهي ممرضة النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم والإمام الحسين علیه السلام ذات التاريخ اللامع ؟

هل يجوز إخراج هذه السيدة من المسجد وانتهاك حرمتها مع ما كان لها من منزلة لدى النبي صلّى الله عليه وآله ؟

ص: 219


1- أمالي الصدوق، ص 134 ، المجلس التاسع عشر، الحديث الأول ؛ بحار الأنوار، ج 43 ، ص 242 - 243 ، تاريخ الإمامين الهمامين الحسن والحسين علیهما السلام ، الباب 11 ولادتهما وأسماؤهما علیهما السلام ، الحديث 15.

4 - عمار بن ياسر :

اشارة

كان عمار من أجلة صحابة النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم و أصحاب الإمام علي علیه السلام . والروايات المستفيضة المتفق عليها من جانب الفريقين تبين جلالة شأنه ومنزلته.

عمار في أحاديث النبي صلى الله عليه وآله:

لدينا روايات عن النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم تبين بوضوح فضل عمار وعظمة شأنه ومنزلته عند الله ورسوله، نكتفي هنا بالإشارة إلى بعضها:

إخلاص عمار:

عند بناء مسجد المدينة كان كل رجل يحمل لبنة وكان عمار يعمل عمل رجلين فيحمل لبنتين في كل مرة. وعمل حتى أغمي عليه . فوقف النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم ما عند رأسه ومسح التراب عن وجهه وقال له: يا ابن سمية! الناس يحملون لبنة واحدة وأنت تحمل لبنتين رغبةً في الآخرة ؛ مع ذلك تقتلك الفئة الباغية (1) .

ص: 220


1- " لما قتل عمار دخلت عسكر معاوية لأنظر هل يبغ منهم قتل عمار ما بلغ منا وكنا إذا تركنا القتال تحدثوا إلينا وتحدثنا إليهم، فإذا معاوية وعمرو وأبو الأعور وعبدالله بن عمرو يتسايرون، فأدخلت فرسي بينهم لئلا يفوتني ما يقولون، فقال عبدالله لأبيه : يا أبه ! قتلتم هذا الرجل في يومكم هذا وقد قال رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] ما قال؟ قال: وما قال ؟ قال : ألم يكن المسلمون ينقلون في بناء مسجد النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] لبنة لبنة وعمار لبنتين لبنتين فغشي عليه فأتاه رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول : ويحك يا ابن سمية، الناس ينقلون لبنة لبنة وأنت تنقل لبنتين لبنتين رغبة في الأجر وأنت مع ذلك تقتلك الفئة الباغية " الكامل في التاريخ، ج3، ص 382، حوادث سنة 37 هجرية، ذكر تتمة أمر صفين ؛ تاريخ الطبري، ج 3، ص 99 ، حوادث سنة 37 هجرية، مقتل عمار بن ياسر. وردت هذه الحادثة في طرق وروايات كثيرة: "حدثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا عبدالوهاب، حدثنا خالد عن عكرمة أن ابن عباس قال له ولعلي بن عبد الله : انتيا أبا سعيد فاسمعا من حديثه، فأتيناه وهو وأخوه في حائط لهما يسقيانه، فلما رآنا جاء فاحتبى وجلس فقال: كنا ننقل لبن المسجد لبنة لبنة وكان عمار ينقل لبنتين لبنتين فمرّ به النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] ومسح عن رأسه الغبار وقال ويح عمار ! تقتله الفئة الباغية، عمار يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار . " صحيح البخاري، ص 574 ، كتاب الجهاد والسير، باب مسح الغبار عن الرأس في سبيل الله، الحديث 2812 ؛ مسند أحمد، ج 3، ص91 ؛ مسند أبي سعيد الخدري و.... وينقل الهيثمي والحاكم روايات متعددة للخبر ويصححانه مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، ج 9، ص 296 ، باب فضل عمار بن ياسر ووفاته ؛ المستدرك على الصحيحين، ج2، ص 162، كتاب قتال أهل البغي وهو آخر الجهاد.
المؤمن الحقيقي:

يروي العياشي عن الإمام الصادق علیه السلام أن النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم و الامام علياً علیه السلام وعمار بن ياسر كانوا يبنون مسجداً، فمرّ بهم عثمان وهو يلبس ثياباً فاخرة فأنشد عمار أبياتاً بمعنى أنه لا يستوى من يبني المساجد ويسعى إلى الركوع والسجود فيها مع المعاند المحارب الذي يفر من الغبار.

فجاء عثمان إلى النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم وشكى إليه قائلاً: يا رسول الله ! لم نسلم ليشتمنا الناس. فقال النبي الله صلّی الله علیه وآله وسلّم: هل تحب أن يكلموك هكذا ؟ فنزلت الآية {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }(1) ثم قال النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم العلي علیه السلام: اكتب في من نزلت الآية ثم قال: اكتب{ «ِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ...}(2) .

ص: 221


1- سورة الحجرات، الآية 17 .
2- عن أبي عبد الله علیه السلام قال: كان رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم وعلي وعمار يعملون مسجداً، فمر عثمان في بزة له يخطر، فقال أمير المؤمنين علیه السلام : أرجز به، فقال عمار: لا يستوي من يعمر المساجدا ***يظل فيها راكعاً وساجداً ومن تراه عائداً معاندا ***عن الغبار لايزال حائدا قال : فأتى النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم فقال : ما أسلمنا لتشتم أعراضنا وأنفسنا. فقال رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم: أفتحب أن تقال بذلك؟ فنزلت آيتان ((يمنون عليك أن أسلموا ...)) ثم قال النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم لعلي علیه السلام: اكتب هذا في صاحبك. ثم قال النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم: اكتب هه الآية ((إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ...)) . " بحار الأنوار، ج 30، ص 237 - 238 ، الباب ،20 ، الحدیث 105 ؛ اختيار معرفة الرجال، . ج30، ص237 - ص 31 - 32، عمار ، الحدیث 59 . وأوردها الحلبي في سيرته باختلاف قليل السيرة الحلبية، ج 2، ص 262 ، باب بدء الأذان ومشروعيته.
عمار وإهانة عثمان :

رجل

عندما أمر النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم ببناء مسجد المدينة، قام بتوزيع الأعمال على المسلمين وجعل لكل مساعداً، فجعل عماراً مساعداً للإمام علي علیه السلام. وبينما كان المسلمون منهمكين في البناء خرج عثمان من بيته، ولما رأى الغبار استجمع ثيابه وابتعد عن العمال. قال الإمام علي علیه السلام لعمار: كرَّر ما أقول ! ثم أنشد شعراً بمعنى أنه لا يستوي من اً يعمر المساجد بالبناء وبالركوع والسجود فيها مع من يهرب منها. فأعاد عمار الأبيات.

علم عثمان أنه هو المقصود بتلك الأبيات ولم يكن قادراً على مواجهة الإمام علي علیه السلام فقال لعمار أنه عبد وضيع. فقال الإمام علي علیه السلام : يا عمار ! ألا تريد أن تُخبر رسول الله بما جرى؟ فذهب عمار إلى النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم و اشتكى له من عثمان. فطلب النبي منه شاهداً على ذلك فقال عمار إن علياً كان شاهداً. فسأل النبي الإمام علياً علیه السلام فشهد الإمام بما جرى. فقال النبي : يا علي ! اذهب وحيثما وجدت عثماناً فقل له: أيها العبد الذليل هذا ما قلته لعمار. ففعل الإمام علي علیه السلام ما أمره به النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم.(1)

ص: 222


1- عن صالح الحذاء قال : لما أمر النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] ببناء المسجد قسم عليهم المواضع وضمّ إلى كل رجل رجلاً، فضم عماراً إلى علي [علیه السلام] . قال : فبينا هم في علاج البناء إذ خرج عثمان عن داره وارتفع الغبار فتمنع بثوبه وأعرض بوجهه . قال : فقال علي [ علیه السلام] لعمار: إذا قلت شيئاً فردّ علي. قال: فقال علي[علیه السلام]: لا يستوي من يعمر المساجدا*** يظل فيها راكعاً وساجدا كمن ترى عن الطريق حائداً وعائدا قال: فأجابه عمار كما قال. فغضب عثمان من ذلك فلم يستطع أن يقول لعلي شيئاً، فقال لعمار يا عبد ! يا لكع ! ومضى.. فقال علي [علیه السلام] لعمار: رضيت بما قال ؟ ألا تأتي النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] فتخبره؟ قال: فأتاه فأخبره، فقال: يا نبي الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] إن عثمان قال لي: يا لكع فقال رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] : من يعلم ذلك؟ قال : علي . قال : فدعاه وسأله، فقال له كما قال عمار . فقال لعلي [علیه السلام]: اذهب وقل له حيث ما كان يا عبد ! يا لكع ! أنت القائل لعمار يا عبد ! يا لكع ! فذهب علي [علیه السلام] فقال له ذلك فانصرف . " بحار الأنوار، ج30، ص238 ، 239،الباب 20 ، الحديث 106 ؛ اختيار معرفة الرجال، ص 32 ، عمار، الحديث 60 .
حب الله لعمار:

وقعت مشاجرة بين عمار وخالد بن الوليد فشكاه خالد لدى النبي، فقال صلّی الله علیه وآله وسلّم: يا خالد !من أبغض عماراً فقد أبغض الله ومن سبّ عماراً سبّه الله ، ومن يحقر عماراً يحقره الله(1).

حب النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم لعمار:

يقول الإمام علي علیه السلام إنه جاء عمار يوماً إلى باب بيت رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم واستأذن عليه فسمع النبي صوته فقال: مرحباً بالطيب المطيب، ليدخل !(2).

ص: 223


1- "عن الأشتر قال: ابتدأنا خالد بن الوليد من غير أن أسأله، قال: ما أتى عليّ يوم قط كان أعظم عليّ من شأن عمار لما كان يوم بعثني رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] في أناس من أصحابه وأمرني عليهم وكان في القوم عمار فأصبنا قوماً فيهم أهل بيت من المسلمين فكلمني فيهم عمار وناس من المسلمين، قالوا خل سبيلهم قلت: لا والله لا أفعل حتى يراهم رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] فيرى فيهم رأيه. فغضب عليّ عمار . فلما قدمت استأذنت على رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] فهو يستخبر نيو أنا أحدثه. فاستأذن عمار فأذن له فدخل عمار فقال: يا رسول الله ! ألا ترى خالداً فعل كذا وفعل كذا فقلت: يا رسول الله ! أما والله لولا مجلسك ما سبني ابن سمية. فقال رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ]: يا عمار اخرج ! فخرج عمار وهو يبكي ويقول : ما نصرني رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] على خالد. فقال لي رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] : ألا أجبت الرجل قلت :ما منعني إن أجبته إلا محقرة له. فغضب رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] فقال : إنه من يبغض عماراً يبغضه الله ومن يسب عماراً يسبه الله ومن يحقر عماراً يحقره الله. فخرجت من عند رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] فلم أزل أطلب إلى عمار حتى استغفر لي . " المستدرك على الصحيحين، ج3، ص 441 - 442 ، كتاب معرفة الصحابة، ذكر مناقب عمار بن ياسر الحديث 5675 / 1273 ؛ المعجم الكبير، ج 4، ص 113 - 114 ، علقمة بن قيس عن خالد بن الوليد ؛ تاريخ دمشق الكبير ، ج18، ص 170 ، شرح حال خالد بن الوليد الرقم 1910 ؛ البداية والنهاية، ج 7، ص 323، حوادث سنة 37 هجرية، عمار بن ياسر أبو اليقظان العبسي.
2- لهذه الرواية في كتب السنة أسانيد كثيرة: "عن علي قال : جاء عمار بن ياسر يستأذن على النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] فقال : ائذنوا له، مرحباً بالطيب المطيب. هذا حديث حسن صحيح. " سنن الترمذي، ص 680 ، كتاب المناقب، باب مناقب عمار بن ياسر الحديث 3798؛ الأدب المفرد، ص 273 ، باب ،مرحباً، الحدیث 1038 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1، ص 52 ، فضل عمار بن ياسر الحديث 147 ؛ مسند أحمد، ج 1، ص 99 - 100 ، و 126 و 130 ، مسند علي بن أبي طالب [علیه السلام] ؛ المصنف في الأحاديث والآثار، ج 7، ص 522 ، كتاب الفضائل، ما ذكر في عمار بن ياسر الحديث الأول.
عمار ودعاء النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم له :

عمار هو الذي عندما رمت به قريش في النار دعا له و رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم بقوله: "يا نار كوني برداً وسلاماً على عمار كما كنت على إبراهيم، تقتلك الفئة الباغية. " فلم تؤذه النار بعد ذلك(1)

منزلة عمار لدى النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم:

عمار هو الذي قتلت قريش أمه وأباه. كان النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم يقول له : صبراً آل ياسر موعدكم الجنة. ما تريدون من عمار؟ عمار مع الحق والحق مع عمار حيث كان. عمار جلدة بين عيني وأنفي، تقتله الفئة الباغية(2).

ص: 224


1- " قال : أحرق المشركون عمار بن ياسر بالنار. قال : فكان رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] يمر به ويمر يده على رأسه فيقول : يا نار كوني برداً وسلاماً على عمار كما كنت على إبراهيم، تقتلك الفئة الباغية." الطبقات الكبرى، ج 3، ص 248 ، شرح حال عمار بن ياسر ؛ أنساب الأشراف، ج 1، ص191 ، عمار بن ياسر ؛ عمدة القاري شرح صحيح البخاري، ج 1، ص 197 ، كتاب الإيمان، باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة، شرح الحديث الأول، باب إفشاء السلام من الإسلام ؛ تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، ج3، ص 571 ، حوادث سنة 37 هجرية، عمار بن ياسر . "فقال عمار بن ياسر الذي قال فيه رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] وقد ألقته قريش في النار: يا نار كوني برداً وسلاماً على عمار كما كنت برداً وسلاماً على إبراهيم، فلم يصبه منها مكروه. " اختيار معرفة الرجال، ص 30، عمار، الحديث 57.
2- " وقتلت قريش أبويه ورسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] يقول : صبراً آل ياسر موعدكم الجنة. ما تريدون من عمار؟ عمار مع الحق والحق مع عمار حيث كان. عمار جلدة بين عيني وأنفي، تقتله الفئة الباغية . " اختيار معرفة الرجال، ص 30، عمار ، الحديث 57 . وقد وردت فقرات هذا الخبر متفرقة في كتب أهل السنة: " أن عمار بن ياسر وأباه ياسر وأخاه عبدالله بن ياسر وسمية أم عمار كانوا يعذَّبون في الله، فمر بهم النبي [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] فقال : صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة. فمات ياسر في العذاب وأغلظت سمية لأبي جهل فطعنها في قبلها فماتت ورمى عبد الله فسقط . " أنساب الأشراف، ج 1، ص 182 ، عمار بن ياسر ؛ السيرة النبوية / ابن هشام، ج 1 ، ص 342 ، ذكر عدوان المشركين على المستضعفين ممن أسلم بالأذى والفتنة ؛ عمدة القاري، ج 1، ص197، كتاب الإيمان، باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة، شرح الحديث الأول، باب إفشاء السلام من الإسلام ؛ أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 4 ، ص 123 - 124 ، شرح حال عمار بن ياسر الرقم 3804 "عمار مع الحق أين دار وقاتل عمار في النار . " أنساب الأشراف، ج 1، ص 198، عمار بن ياسر ؛ تاریخ دمشق الكبير، ج 46، ص 325، شرح حال عمار بن ياسر الرقم 5252 ؛ الطبقات الكبرى، ج 3، ص 262 ، شرح حال عمار بن ياسر . ثم قال : ما لهم ولعمار ! يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار. إن عماراً جلدة ما بين عيني وأنفي، فإذا بلغ ذلك من الرجل فلم يستبق فاجتنبوه." السيرة النبوية / ابن هشام، ج 2، ص 143 ، وصايا الرسول [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] بعمار .
عمار وبشارة النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم له :

يقول أنس بن مالك : سمعت رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] قال:" إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة". ووددنا أن يبين لنا هؤلاء الثلاثة لنعرفهم. فجاء أبوبكر فقال له رجل: اسأل رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم ] عن هؤلاء الثلاثة، فقال: أخشى أن لا أكون منهم فيلومني قومي. ولم يلبث أن جاء عمر فقيل له أن يسأل رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] عن الثلاثة الذين تشتاق لهم الجنة، فقال: أخشى أن أسأل فلا أكون منهم فيلومني قومي. ثم جاء علي بن أبي طالب [علیه السلام] فقيل له إن رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم ] قال : " إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة" وطلب منه أن يسأله عنهم. فقال [ علیه السلام ]: سأسأله عنهم فإن كنت منهم شكرت الله وإن لم أكن منهم شكرت الله أيضاً(1)[ وسألت الله أن أكون منهم].

فذهب علي[علیه السلام ] إلى النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] وقال له : يا رسول الله ! إنك قلت:

«إن الجنة لتشتاق إلى ثلاثة»، فمن هؤلاء الثلاثة ؟ قال : أنت منهم وأنت أولهم وسلمان الفارسي فإنه قليل الكبر وهو لك ناصح فاتخذه لنفسك وعمار بن ياسر شهد معك مشاهد غير واحدة ليس منها إلاّ وهو فيها، كثير خيره، ضوي نوره، عظيم أجره(2).

ص: 225


1- المؤمن يشكر الله في كل حال، كما يقول الإمام الصادق علیه السلام عن رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم: کان رسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم] إذا ورد عليه أمر يسره قال: الحمد لله على هذه النعمة، وإذا ورد عليه أمر يغتم به قال: الحمد لله على كل حال . " الكافي، ج 2، ص97، كتاب الإيمان والكفر ، باب الشكر، الحديث .19
2- "بريدة الأسلمي قال : سمعت رسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم] يقول : إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة قال : فجاء أبوبكر فقيل له : يا أبابكر أنت الصديق وأنت ثاني اثنين إذ هما في الغار ! فلو سألت رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] من هؤلاء الثلاثة؟ قال: إني أخاف أن أسأله فلا أكون منهم فتعيرني بذلك بنو تيم قال : ثم جاء عمر فقيل له : يا أبا حفص إن رسول الله[ صلّی الله علیه وآله وسلّم] قال : إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة وأنت الفاروق الذي ينطق الملك على لسانك ! فلو سألت رسول الله من هؤلاء الثلاثة؟ فقال : إني أخاف أن أسأله فلا أكون منهم فتعيرني بذلك بنو عدي . ثم جاء علي [علیه السلام]فقيل له: يا أبا الحسن! إن رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] قال : إن الجنة [مشتاق ] إلى ثلاثة، فلو سألته من هؤلاء الثلاثة؟ فقال : أسأله إن كنت منهم حمدت الله وإن لم أكن منهم حمدت الله . قال : فقال علي[ علیه السلام] : يا رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم]! إنك قلت: إن الجنة لتشتاق إلى ثلاثة، فمن هؤلاء الثلاثة؟ قال : أنت منهم وأنت أولهم وسلمان الفارسي فإنه قليل الكبر وهو لك ناصح فاتخذه لنفسك وعمار بن ياسر شهد معك مشاهد غير واحدة ليس منها إلا وهو فيها، كثير خيره، ضوي نوره عظيم أجره." اختيار معرفة الرجال، ص 30 - 31عمار الحديث 58 الرواية نفسها ينقلها ابن عساكر عن أنس عن رسول الله : " عن أبي جعفر محمد بن علي عن أبيه عن جده، قال: أتى جبريل النبي [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] فقال : يا محمد ! إن الله عزّ وجلّ يحب من أصحابك ثلاثة فأحبهم ، علي بن أبي طالب وأبوذر والمقداد بن الأسود . قال : فأتاه جبريل فقال له: يا محمد! إن الجنة لتشتاق إلى ثلاثة من أصحابك وعنده أنس بن مالك فرجا أن يكون لبعض الأنصار. قال: فأراد أن يسأل رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] ، زاد ابن حمدان عنهم، وقالا فهابه فخرج فلقي أبا بكر فقال: يا أبابكر ! إني كنت عند رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] آنفاً فأتاه جبريل فقال : إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة من أصحابك، فرجوت أن يكون لبعض الأنصار فهبت، وقال ابن :حمدان فهبته أن أسأله، فهل لك أن تدخل على نبي الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] فتسأله ؟ فقال : إني أخاف أن أسأله فلا أكون منهم ويشمت بي قومي. ثم لقي عمر بن الخطاب فقال له مثل قول أبي بكر . قال : فلقي علياً فقال له علي : نعم إن كنت منهم فحمدت الله. وقال ابن حمدان: فأحمد الله وإن لم أكن منهم فحمدت الله. فدخل على نبي الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] فقال : إن أنساً حدثني أنه كان آنفاً وأن جبريل أتاك فقال : يا محمد! إنالجنة لتشتاق إلى ثلاثة من أصحابك فمن هم ؟ وقال ابن حمدان قال: فمن هم يا نبي الله ؟ قال : أنت منهم يا علي وعمار بن ياسر وسيشهد معك مشاهد بيناً فضلها عظيماً خيرها وسلمان وهو منا أهل البيت وهو ناصح فاتخذه لنفسك . " تاريخ دمشق الكبير، ج 23، ص 292 - 293، شرح حال سلمان، الرقم 2606 ؛ مسند أبي يعلى الموصلي، ج 9، ص 30، مسند الحسين بن علي بن أبي طالب.
عمار وبشارة الشهادة :

بلغ النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم أن جداراً سقط على رأس عمار فمات، فقال: إن عماراً لن يموت [يعني أنه يستشهد](1).

عمار في عهد الإمام علي علیه السلام :

كان لعمار منزلة خاصة لدى الإمام علي علیه السلام كذلك وكان من خواصه. وكان حاضراً دائماً لتقديم الدعم والعون إليه. والشاهد الأكبر على ذلك وقوفه معه في حربي الجمل وصفين حيث نال الشهادة مقاتلاً بين يديه في الأخيرة.

ص: 226


1- قال : قيل للنبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] إن عماراً سقط عليه جدار فمات، فقال : إن عماراً لن يموت. " اختيار معرفة الرجال، ص 34، عمار، الحديث 65 .
دور عمار في حرب الجمل:

كان الإمام علي علیه السلام بحاجة إلى مقاتلين للقضاء على الاضطرابات التي عصفت بالبصرة. فتوجه عمار إلى الكوفة لتعبئة الرجال، غير أن واليها أباموسى الأشعري وقف بوجهه. في النهاية دخل الكوفة وفد عسكري رفيع المستوى بقيادة الإمام الحسن علیه السلام وعمار بن ياسر . فامتنع المسؤولون السابقون وعلى رأسهم الوالي نفسه الذي كان مناصراً للنظام السابق ويعد الأيام لسقوط حكم الإمام علي علیه السلام ، من التعاون.

يقول عبد الرحمن بن أبي ليلى إن عمار بن ياسر كان يسأل الناس عن أوضاع أهل الكوفة، وسمعته يقول إن ما يحز في نفسي ولا يبارحني ألمه أننا لم ننبش قبر عثمان ونستخرج جثته ونحرقها. ثم دخل [الإمام] الحسن [علیه السلام] وعمار الكوفة وقاما بتحشيد الرجال لنصرة الإمام

علي[علیه السلام ](1).

عمار وعمرو بن العاص :

قال عمرو بن العاص لعمار: فما ترى في قتل عثمان؟ قال: فتح لكم باب كل سوء. قال عمرو: فعلي قتله؟ قال عمار: بل الله ربُّ علي قتله وعلي معه. قال عمرو : أكنت فيمن قتله؟ قال: كنت مع قتله وأنا اليوم أقاتل معهم . قال عمرو : فلم قتلتموه؟ قال عمار: أراد أن يغير ديننا فقتلناه. فقال

عمرو : ألا تسمعون قد اعترف بقتل عثمان؟ قال عمار:

ص: 227


1- " أقبلنا مع الحسن [علیه السلام] وعمار بن ياسر من ذي قار حتى نزلنا القادسية، فنزل الحسن وعمار ونزلنا معهما فاحتبى عمار بحمائل سيفه ثم جعل يسأل الناس عن أهل الكوفة وعن حالهم. ثم سمعته يقول : ما تركت في نفسي حزة أهم إلي من أن لا يكون نبشنا عثمان من قبره ثم أحرقناه بالنار . فلما دخل الحسن[علیه السلام ]وعمار الكوفة اجتمع إليهما الناس فقام الحسن فاستنفر الناس. " شرح نهج البلاغة، ج 14، ص 11 ، أخبار علي عند مسيره إلى البصرة ورسله إلى أهل الكوفة، ذيل الكتاب الأول.

وقد قالها فرعون قبلك في قومه ألا تستمعون(1).

عمار والتعبئة:

يقول زيد بن وهب إن عماراً نادى وهو يعبئ الناس تحت راية علي [علیه السلام ] لمواجهة أصحاب الفتنة: أين من يبغي رضوان ربه ولا يئوب إلى مال ولا ولد؟ قال: فأتته عصابة من الناس فقال: أيها الناس! اقصدوا بنا نحو هؤلاء القوم الذين يبغون دم عثمان ويزعمون أنه قتل مظلوماً. والله إن كان إلا ظالماً لنفسه الحاكم بغير ما أنزل الله . [ وكان حكمه قائماً على معاداة الدين](2).

عمار وحرب صفين :

يمكن إدراك موقف عمار في حرب صفين من كلمته النارية المفعمة بالشهامة والبصيرة. يقول جندب بن عبدالله أن عماراً قام فقال:

امضوا معي عباد الله إلى قوم يطلبون فيما يزعمون بدم الظالم لنفسه، الحاكم على عباد الله بغير ما في كتاب الله .

ص: 228


1- " وقال له عمرو : فما ترى في قتل عثمان قال : فتح لكم باب كل سوء. قال عمرو : فعلي قتله ؟ قال عمار: بل الله ربُّ علي قتله وعلي به. قال عمرو : أكنت فيمن قتله؟ قال: كنت مع من قتله وأنا اليوم أقاتل معهم . قال عمرو : فلم قتلتموه؟ قال عمار: أراد أن يغير ديننا فقتلناه فقال عمرو ألا تسمعون قد اعترف بقتل عثمان ؟ قال عمار: وقد قالها فرعون قبلك في قومه : ألا تستمعون؟" وقعة صفين، ص 338 - 339، عمار بن ياسر وعمرو بن العاص ؛ شرح نهج البلاغة ، ج 8، ص 22 ، عود إلى أخبار صفين، ذيل الخطبة 124 ؛ الفتوح، ج 3، ص 74، ذكر ما جرى من المناظرة بين أبي نوح وذي الكلاع الحميري.
2- "عن زيد بن وهب الجهني أن عمار بن ياسر نادى يومئذ : أين من يبغي رضوان ربه ولا يتوب إلى مال ولا ولد؟ قال: فأتته عصابة من الناس، فقال: أيها الناس! اقصدوا بنا نحو هؤلاء القوم الذين يبغون دم عثمان ويزعمون أنه قتل مظلوماً. والله إن كان إلا ظالماً لنفسه الحاكم بغير ما أنزل الله . " وقعة صفين، ص 326 ، نداء عمار بن ياسر ؛ تاريخ الطبري، ج 3، ص 98 ، حوادث سنة 37 هجرية، مقتل عمار بن ياسر ؛ البداية والنهاية، ج 7، ص278، حوادث سنة 37 هجرية، في وقعة صفين بين أهل العراق وبين أهل الشام ؛ شرح نهج البلاغة، ج 8، ص 10 ، عود إلى أخبار صفين ذيل الخطبة 124 .

إنما قتله الصالحون المنكرون للعدوان الأمرون بالإحسان فقال : هؤلاء الذين لا يبالون إذا سلمت دنیاهم ولو درس هذا الدين [قالوا] لم قتلتموه؟ فقلنا: لإحداثه. هذا الدين. [ قالوا] لم قتلتموه؟ فقلنا: لإحداثه. فقالوا: إنه ما أحدث شيئاً، وذلك لأنه مكنهم من الدنيا فهم يأكلونها ويرعونها ولا يبالون انهدت عليهم الجبال. والله ما أظنهم يطلبون دمه. إنهم ليعلمون أنه لظالم. ولكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحبوها [واستمر أوها] وعلموا لو أن صاحب الحق لزمهم لحال بينهم وبين ما يأكلون ويرعون فيه منها. ولم [أكن] للقوم سابقةً في الإسلام يستحقون بها الطاعة والولاية، فخدعوا أتباعهم بأن قالوا: قتل إمامنا مظلوماً، ليكونوا بذلك جبابرة وملوكاً. وتلك مكيدة قد بلغوا بها ما ترون ولولا هي ما بايعهم من الناس رجلان(1).

ص: 229


1- " عن جندب بن عبدالله قال : قام عمار بن ياسر بصفين فقال : امضوا معي عباد اللها مضوا معي عباد الله إلى قوم يطلبون فيما يزعمون بدم الظالم لنفسه الحاكم على عباد الله بغير ما في كتاب الله إنما قتله الصالحون المنكرون للعدوان الأمرون بالإحسان. فقال: هؤلاء الذين لا يبالون إذا سلمت دنياهم ولو درس هذا الدين. [قالوا] لم قتلتموه؟ فقلنا : لإحداثه. فقالوا: إنه ما أحدث شيئاً، وذلك لأنه مكنهم من الدنيا فهم يأكلونها ويرعونها ولا يبالون انهدت عليهم الجبال. والله ما أظنهم يطلبون دمه. إنهم ليعلمون أنه لظالم. ولكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحبوها واستمرء وها ( هكذا) وعلموا لو أن صاحب الحق لزمهم لحال بينهم وبين ما يأكلون ويرعون فيه منها. ولم أكن (هكذا) للقوم سابقةً في الإسلام يستحقون بها الطاعة والولاية، فخدعوا أتباعهم بأن قالوا: قتل إمامنا مظلوماً، ليكونوا بذلك جبابرة وملوكاً. وتلك مكيدة قد بلغوا بها ما ترون ولولا هي ما بايعهم من الناس رجلان . " وقعة صفين، ص 319، خطبة عملر بن ياسر ؛ شرح نهج البلاغة ، ج 5، ص 252 ، من أخبار يوم صفين، ذيل الخطبة 65 . وأوردها الطبري وابن كثير وابن الأثير بهذا الاختلاف: "أن عمار بن ياسر رحمه الله قال يومئذٍ : أين من يبتغي رضوان الله عليه ولا يؤوب إلى مال ولا ولد فأتته عصابة من الناس فقال: أيها الناس! اقصدوا بنا نحو هؤلاء الذين يبغون دم ابن عفان ويزعمون أنه قتل مظلوماً . والله ما طلبتهم بدمه ولكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحبوها واستمرؤوها وعلموا أن الحق إذا لزمهم حال بينهم وبين ما يتمرغون فيه من دنياهم ولم يكن للقوم سابقة في الإسلام يستحقون بها طاعة الناس والولاية عليهم فخدعوا أتباعهم أن قالوا إمامنا قتل مظلوماً ليكونوا بذلك جبابرة ملوكاً وتلك مكيدة بلغوا ما ترون ولولا هي ما تبعهم من الناس رجلان ... " تاريخ الطبري، ج 3، ص98 ، حوادث سنة 37 هجرية، مقتل عمار بن ياسر ؛ البداية والنهاية، ج 7، ص278، حوادث سنة 37 هجرية، في وقعة صفين بين أهل العراق والشام ؛ الكامل في التاريخ، ج 2، ص380، حوادث سنة 37 هجرية، ذكر تتمة أمر صفين.
استشهاد عمار :

يقول عمار : كنت مع رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] في إحدى الغزوات فقتل علي بن أبي طالب [علیه السلام]عدداً من قادة الأعداء منهم عمر و بن عبد الله وشيبة بن نافع. فقلت لرسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم]: يا رسول الله ! لقد أبلى على اليوم بلاءً حسناً وجاهد في الله حق جهاده. فقال [صلّی الله علیه وآله وسلّم] علي مني وأنا من علي. هو وارث علمي وقاضي ديني ومو في عهدي وخليفتي ووصيي. لولاه لما عُرف المؤمنون والمنافقون بعدي.

يا عمار! إن حربه حربي وإن حربي حرب الله . سلمه سلمي وسلمي سلم الله . هو أبو سبطيّ وأبو الأئمة من بعدي. الأئمة الراشدون من صلبه ومنهم مهدي هذه الأمّة.

قلت: بأبي أنت وأمّي، من المهدي؟ قال:

يا عمار ! لقد كتب الله أن يُخرج من صلب الحسين تسعة أئمة يغيب تاسعهم. وهو قوله تعالى {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ}؟(1).

ستطول غيبته فيرتد بعض عن دينهم ويثبت آخرون عليه. ثم يخرج في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً.

يقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل. اسمه اسمي وهو أشبه الناس بي.

يا عمار! ستكون بعدي فتنة، فكن مع علي وحزبه لأن علياً مع الحق والحق مع علي يا عمار ! ستقاتل الناكثين والقاسطين وتقتلك الفئة الباغية.

قال عمار: يا رسول الله ! هل في ذلك رضا الله ورسوله ؟ قال[صلّی الله علیه وآله وسلّم]: نعم وآخر شرابك من الدنيا ضياح من لبن(2).

ص: 230


1- سورة الملك، الآية 30.
2- تورد كتب السنة قول رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم العمار: آخر شرابك من الدنيا ضياح من لبن، وأنه لما قال في صفين: إني عطشان، فسقي لبناً فقال : هذا عهد رسول الله [لي]. راجع : المصنف، ج 11 ، ص 240 ، باب أصحاب النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] ، الحديث 20426 ؛ البداية والنهاية،ج 3، ص 215، حوادث السنة الأولى للهجرة، في بناء مسجده الشريف ومقامه بدار أبي أيوب ؛ دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، ج 2، ص 550 ، باب ما أخبر عنه المصطفى [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] عند بناء مسجده ثم ظهر صدقه بعد وفاته وفيه وفي أمثاله دلالة ظاهرة على صحة نبوته ؛ الوافي بالوفيات، ج22، ص 377، شرح حال عمار ، الرقم 264 ؛ شرح نهج البلاغة ، ج 10، ص 106، عمار بن ياسر ونبذة من أخباره، ذيل الخطبة 183 .

جاء في يوم صفين إلى أمير المؤمنين علیه السلام وقال له : يا أخا رسول الله ! أتأذن لي بالبراز ؟ فقال علیه السلام: اصبر رحمك الله ! ثم عاد بعد ساعة وطلب الإذن بالبراز، فكرر الإمام عليه قوله. وعندما عاد للمرة الثالثة بكى أمير المؤمنين فنظر إليه عمار وقال: يا أمير المؤمنين ! إنه اليوم الذي وعدني به رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم فترجل الإمام علیه السلام من مركبه واعتنقه وودّعه قائلاً: جزاك الله خيراً

يا أبا اليقظان. لقد كنت أخاً وصديقاً طيباً. ثم بكى كلاهما. قال عمار: والله يا أمير المؤمنين ! لم أتبعك إلا عن بصيرة. سمعت رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم في يوم خيبر يقول يا عمار ستكون من بعدي فتنة.

فكن فيها مع علي لأن علياً مع الحق والحق مع علي. وستقاتل الناكثين والقاسطين. جزاك الله خير الجزاء يا أمير المؤمنين!

ركب عمار مركبه قاصداً الميدان. ولكنه قبل ذلك طلب ماءً . فقيل له: ليس عندنا ماء. فقام رجل من الأنصار وناوله شيئاً من اللبن فشرب منه وقال : لقد عهد رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم لي أن آخر نصيبي من الدنيا شراب من لبن .

ثم هجم وقتل ثمانية عشر رجلاً. ثم حمل عليه رجلان شامیان فقتلاه. وعندما حلّ الليل بحث الإمام علي علیه السلام عنه بين القتلى حتى وجده فوضع رأسه في حجره وبكى وأنشد:

[أ] يا موت كم هذا التفرق عنوة ***فلست تبقى للخليل خليل

[ ربما الصحيح: أفليس يبقى للخليل خليل: المترجم]

ص: 231

أراك بصيراً بالذين أحبهم ***كأنك تمضي نحوهم بدليل (1)

كان عمار قد أوصى بأن يُدفن بثيابه المضرجة بدمه لكي يخاصم بها معاوية يوم القيامة(2).

ص: 232


1- "عن أبي عبيدة بن محمد ين عمار، عن أبيه، عن جده عمار قال : كنت مع رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] في بعض غزواته وقتل علي [علیه السلام] أصحاب الألوية وفرّق جمعهم وقتل عمرو بن عبد الله الجمحي وقتل شيبة بن نافع. أتيت رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] فقلت له : يا رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] ! إن علياً قد جاهد في الله حق جهاده فقال : لأنه مني وأنا منه، وارث علمي وقاضي ديني ومنجز وعدي والخليفة بعدي ولولاه لم يُعرف المؤمن المحض، حربه حربي وحربي حرب الله، وسلمه سلمي وسلمي سلم الله . ألا إنه أبو سبطي والأئمة من صلبه يخرج الله تعالى الأئمة الراشدين ومنهم مهدي هذه الأمة فقلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما هذا المهدي؟ قال: يا عمار ! إن الله تبارك وتعالى عهد إلي أنه يخرج من صلب الحسين تسعة والتاسع من ولده يغيب عنهم وذلك قوله عزّ وجلّ ((قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً فمن يأتيكم بماء معين)) يكون له غيبة طويلة يرجع عنها قوم ويثبت عليها آخرون. فإذا كان في آخر الزمان يخرج فيملأ الدنيا قسطاً وعدلاً ويقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل وهو سميي و أشبه الناس بي . يا عمار ! ستكون بعدي فتنة فإذا كان ذلك فاتبع علياً وحزبه فإنه مع الحق والحق معه. يا عمار ! إنك ستقاتل بعدي مع علي صنفين ؛ الناكثين والقاسطين، ثم تقتلك الفئة الباغية. قلت: يا رسول الله أليس ذلك على رضا الله ورضاك ؟ قال : نعم على رضا الله ورضاي ويكون آخر زادك من الدنيا شربة من لبن تشربه. فلما كان يوم صفين خرج عمار بن ياسر إلى أمير المؤمنين [علیه السلام ] فقال له: يا أخا رسول الله ! أتأذن لي في القتال؟ قال : مهلاً رحمك الله . فلما كان بعد ساعة أعاد عليه الكلام فأجابه بمثله. فأعاد عليه ثالثاً فبكى أمير المؤمنين ، فنظر إليه عمار فقال : يا أمير المؤمنين! إنه اليوم الذي وصفه لي رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] فنزل أمير المؤمنين [علیه السلام] عن بغلته وعانق عماراً وودعه . ثم قال: يا أبا اليقظان جزاك الله عن الله وعن نبيك خيراً، فنعم الأخ ونعم الصاحب كنت . ثم بكى [علیه السلام] وبكى عمار . ثم قال: والله يا أمير المؤمنين ما تبعتك إلا ببصيرة. فإني سمعت رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] يقول يوم خيبر : يا عمار ! ستكون بعدي فتنة. فإذا كان ذلك فاتبع علياً وحزبه فإنه مع الحق والحق معه، وستقاتل الناكثين والقاسطين. فجزاك الله يا أمير المؤمنين عن الإسلام أفضل الجزاء، فلقد أديت وأبلغت ونصحت. ثم ركب وركب أمير المؤمنين [علیه السلام ] ثم برز إلى القتال. ثم دعا بشربة من ماء، فقيل له: ما معنا ماء. فقام إليه رجل من الأنصار فأسقاه شربة من لبن فشربه، ثم قال : هكذا عهد إلى رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] أن يكون آخر زادي من الدنيا شربة من اللبن. ثم حمل على القوم فقتل ثمانية عشر نفساً فخرج إليه رجلان من أهل الشام فطعناه فقتل رحمه الله . فلما كان في الليل طاف أمير المؤمنين [علیه السلام] في القتلى فوجد عماراً ملقى بين القتلى فجعل رأسه على فخذه ثم بكى [علیه السلام وأنشأ يقول : یا موت كم هذا التفرق عنوة ***فلست تبقى للخليل خليل [ربما أفليس يبقى للخليل خليل: المترجم] أراك بصيراً بالذين أحبهم*** كأنك تمضي نحوهم بدليل كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر، ص 120 - 124 ، باب ما جاء عن عمار بن ياسر عن النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم في النصوص على الأئمة الاثني عشر صلوات الله عليهم أجمعين.
2- عن عمار بن ياسر أنه قال: ادفنوني في ثيابي فإني مخاصم. " المصنف في الأحاديث والآثار، ج 7، ص 606 ، كتاب الجهاد، ما قالوا في الرجل يستشهد يغسل أم لا، الحديثان الثاني والثالث، وج 3، ص 140 ، كتاب الجنائز، في الرجل يقتل أو يستشهد يدفن كما هو أو يغسل، الحديثان التاسع والعاشر ؛ الطبقات الكبرى، ج 3، ص 262 ، شرح حال عمار ؛ تاريخ دمشق الكبير ، ج 46 ، ص 325 - 326، شرح حال عمار، الرقم 5252 ؛ السنن الكبرى / البيهقي ، ج 5، ص 320، کتاب الجنائز، باب من (هكذا) ورد في المقتول بسيف أهل البغي، الحديث 6923 ، وج 12 ، ص 358 ، كتاب قتال أهل البغي باب المقتول من أهل العدل بسيف أهل البغي في المتروك شهيد، الحديثان 17241 و 17242.

تديّن عمار:

يقول عبدالرحمن بن أبزي: كنت جالساً مع عمر فأتاه رجل فسأله : نكون أحياناً في مكان لا نجد فيه الماء شهراً أو شهرين فماذا نفعل ؟ فقال عمر : لو كنت مكانكم لما صليت حتى أجد ماءً! فقال عمار: أنسيت يوم ذهبنا أنا وأنت لرعي الإبل فاحتجنا للغسل فتمعكتُ في التراب وصليت [ تيممت بهذا الشكل]، وأما أنت فلم تصل . ثم أتينا رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] فعلمنا طريقة التيمم(1).

عمار في عيون النواصب :

لو كان بمقدور النواصب وأعداء أهل البيت لمحوا اسم عمار من صفحة الوجود. إليك التالي مثالاً:

ص: 233


1- " أن رجلاً أتى عمر فقال : إني أجنبت فلم أجد ماءً ؟ فقال : لا تُصلّ ! فقال عمار : أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماءً. فأما أنت فلم تصل وأما أنا فتمعكت في التراب وصليت فقال النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم]: إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك... " صحيح مسلم، ص 200 ، كتاب الحيض ، باب التيمم، الحديث 818. أما البخاري فحذف "لا" تصل " حفاظاً على ماء وجه عمر . "جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال : إني أجنبت فلم أصب الماء ؟ فقال عمار بن ياسر لعمر بن الخطاب: أما تذكر أنا كنا في سفر أنا وأنت فأما أنت فلم تصلّ وأما أنا فتمعكت فصليت. فذكرت للنبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] فقال النبي : إنما كان يكفيك هكذا، فضرب النبي بكفيه الأرض ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه . " صحيح البخاري ، ص 83 كتاب التيمم، باب المتيمم هل ينفخ فيهما ، الحديث 338. " عن عبد الرحمن بن أبزي قال : كنت عند عمر فجاءه رجل فقال : إنا نكون بالمكان الشهر والشهرين. فقال عمر: أما أنا فلم أكن أصلي حتى أجد الماء. قال: فقال عمار: يا أمير المؤمنين أما تذكر إذ كنت أنا وأنت في الإبل فأصابتنا جنابة، فأما أنا فتمعكت، فأتينا النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] فذكرت ذلك له فقال : إنما كان يكفيك أن تقول هكذا وضرب بيديه إلى الأرض..." سنن أبي داود، ج 1، ص88، كتاب الطهارة، باب التيمم، الحديث 322؛ مسند أحمد، ج 4 ، ص 265 ، بقية حديث عمار بن ياسر ؛ سنن ابن ماجة، ج1، ص 188 ، كتاب الطهارة وسننها، باب ما جاء في التيمم ضربة واحدة، الحديث 569 .

يقول أبو معشر : بينا الحجاج جالساً إذ أقبل رجل مقارب الخطو، فلما رآه الحجاج قال: مرحباً بأبي غادية وأجلسه على سريره وقال: أنت قتلت ابن سمية ؟ قال : نعم. قال: كيف صنعت؟ قال: صنعت كذا حتى قتلته. فقال الحجاج لأهل الشام: من سرّه أن ينظر إلى رجل عظيم الباع يوم القيامة فلينظر إلى هذا. ثم ساره أبو غادية يسأله شيئاً فأبى عليه. فقال أبو غادية: نوطئ لهم الدنيا ثم نسألهم فلا يعطوننا

[يبدو أنه كان قد طلب من الحجاج شيئاً فلم يعطه إياه] ويزعم أني عظيم الباع يوم القيامة !؟ أجل والله إن من ضربته مثل أحد وفخذه مثل ورقان ومجلسه مثل ما بين المدينة والربذة لعظيم الباع يوم القيامة، والله لو أن عماراً قتله أهل الأرض لدخلوا النار(1) .

ويروى أن أبابردة ابن أبي موسى الأشعري قال لقاتل عمار هات يدك أقبّلها! وامتدحه على فعلته وقال له : لن تمسك نار جهنم أبداً(2) .

روي عن عبدالله بن أبي جعفر الرازي وهو من مشايخ أبي داود السجستاني(3) أنه كان يعتبر عمار بن ياسر فاسقاً(4).

ص: 234


1- أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 6 ، ص 231 - 232، شرح حال أبي الغادية الجهني، الرقم 6147 ؛ الإصابة في تمييز الصحابة، ج 7، ص 259 - 260 ، شرح حال أبي الغادية الجهني، الرقم 10371 ؛ الكامل في التاريخ، ج 2، ص 382، حوادث سنة 37 هجرية، ذكر تتمة أمر صفين.
2- "رأيت أبابردة قال لأبي الغادية الجهني قاتل عمار بن ياسر : أأنت قتلت عمار بن ياسر ؟ قال : نعم. قال : ناولني يدك، فقبّلها وقال: لا تمسك النار أبداً. وروى أبو نعيم عن هشام بن المغيرة عن الغضبان بن يزيد قال: رأيت أبابردة قال لأبي الغادية قاتل عمار بن ياسر: مرحباً بأخي هاهنا! فأجلسه إلى جانبه . " شرح نهج البلاغة، ج 4، ص 99 ، فصل في ذك-ر المنحرفين عن علي، ذيل الخطبة 56 . "كان [ أبو بردة ] يذهب مذهب أهل الشام، جاءه أبو غادية الجهني قاتل عمار فأجلسه إلى جنبه وقال مرحباً بأخي . " تهذيب التهذيب، ج 12، ص 43 ، شرح حال أبي بكر بن أبي موسى الأشعري، الرقم 159 ؛ تهذيب الكمال في أسماء الرجال، ج 21 ، ص 106 - 107، شرح حال أبي بكر بن أبي موسى الأشعري، الرقم 7850 .
3- لمزيد من الاطلاع على أحوال عبد الله بن أبي جعفر الرازي راجع : تهذيب التهذيب، ج 5 ، ص 154 ، الرقم 300.
4- "قال عبد الله بن أبي جعفر : كان عمار فاسقاً. " الكامل في ضعفاء الرجال، ج 4، ص 217، شرح حال عبدالله بن أبي جعفر الرازي، الرقم 57 / 1024 ؛ تهذيب التهذيب، ج 5، ص 155 ، شرح حال عبد الله بن أبي جعفر عيسى بن ماهان الراضي [الرازي:المترجم]، الرقم 300 .

سؤال:

إذا كان السنة يعتقدون بعدالة جميع الصحابة، فكيف يكون صحابي مثل عمار فاسقاً؟ كيف يمكن أن يكون قاتل عمار من أهل الجنة؟ وإذا كان قاتل عمار مصيره الجنة، فلم لا يكون قاتل عمر وقتلة عثمان من أهل الجنة كذلك؟ وإذا لم يجز إهانة الصحابة، فهل يجوز قتلهم ويُمدح

قاتلهم ويُثنى عليه؟

حسب الأحاديث النبوية الشريفة، فإن عماراً هو من:

1- لا يخشى القيام بالأعمال الشاقة من أجل الأجر الأخروي.

2 - الله عدو لمن يعاديه.

3 - بغضه كبغض الله .

4- إذا سبه أحد فكأنما سبّ الله .

5 - تشتاق إليه الجنة، ورسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم وعد أبويه بالجنة.

6- مع الحق والحق معه.

7-دعا رسول الله واله وسلم أن تكون النار عليه برداً وسلاماً.

ماذا يعني أن يقف رجل يحظى بعناية رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم، عمار، مع شخص ما ويسانده؟

ماذا يعني أن يقف هذا الصحابي الجليل موقفاً ما ؟

هل يجوز على رجل من أهل الله تشتاق إليه الجنة أن يكذب أو أن يفعل شيئاً من أجل هوى نفسه أو من أجل غاياته الدنيوية؟

ص: 235

5- أبوذر

اشارة

ليس من السهل الحديث عن هذا الصحابي الجليل. يقول المرحوم محيي الدين المامقاني نجل آية الله المامقاني:

إن استيعاب فضائل هذا الصحابي العظيم رضوان الله تعالى عليه لا يسعه المقام ويحتاج إلى سفر كبير جداً يتضمن البحث عن حياته الكريمة وخصاله الحميدة وسجاياه الجميلة. عسى أن يوفقني الله لذلك، فإن ذلك على سبحانه سهل يسير وهو حسبنا ونعم الوكيل سيدنا المترجم بمنزلة من الجلالة والشهرة بحيث يُعدّ أرفع وأجلّ من التوثيق. حشرنا الله تعالى في زمرته(1)، ويقول أيضاً: إن حال الرجل في الجلالة والثقة والورع والزهد والعظمة أشهر من الشمس وأبين من الأمس وفضائله لا تُعد ومناقبه لا تُحصى وإيمانه كزبر الحديد(2).

يقول مباركفوري، وهو من علماء السنة : فضائل السيد أبي ذر كثيرة جداً(3) .

ص: 236


1- " تنقيح المقال في علم الرجال، ج 16 ، ص 268 ، شرح حال جندب بن جنادة، الرقم 392.
2- " . " تنقيح المقال في علم الرجال، ج 16 ، ص 251 ، شرح حالجندب بن جنادة، الرقم 392.
3- "أباذر الغفاري الصحابي... ومناقبه كثيرة جداً. " تحفة الأحوذي، ج 2، ص319، کتاب الصلاة، باب ما جاء أنه لا يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة، الحديث 338

كان أبو ذر أول من سلّم على رسول الله بتحية الإسلام "السلام عليكم (1)

يقول العلّامة بحر العلوم رابع الإسلام و خادم رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم وأحد الحواريين الذين مضوا على منهاج سيد المرسلين (2).

يروى أن الإمام الكاظم علیه السلام قال إن أباذر كان من حواريي رسول الله(3).

يعتبره أهل السنة رابع المسلمين أو خامسهم(4).

إسلام أبي ذر في كتب الشيعة:

عن أبي عبد الله [ الصادق علیه السلام] قال : ألا أخبركم كيف كان إسلام سلمان وأبي ذر؟... إن أباذر كان في بطن مر يرعى غناً له، فأتى ذئب عن يمين غنمه فهش بعصاه على الذئب فجاء الذئب عن شماله فهش عليه أبو ذر ثم قال له أبوذر: ما رأيت ذئباً أخبث

ص: 237


1- " قال أبوذر: فكنت أنا أول من حيّاه بتحية الإسلام. " صحيح مسلم، ص 1138، کتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أبي ذر، الحديث 6309 ؛ أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 1 ، ص 563 ، شرح حال جندب بن جنادة، الرقم 800؛ سنن الدارمي، ج 2، ص 359 - 360 ، كتاب الاستيذان، باب في ردّ السلام، الحديث 2639 ؛ تاریخ دمشق الكبير، ج 70، ص 129، شرح حال أبي ذر، الرقم 8822 .
2- الفوائد الرجالية، ج 2، ص 143 - 144 ، شرح حال أبي ذر . "فكان رابع أربعة وقيل خامس خمسة." أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 1 ، ص 563 ، شرح حال جندب بن جنادة، الرقم 800 ؛ الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 4، ص 216، شرح حال أبي ذر، الرقم2944 سیر أعلام النبلاء، ج 2، ص 46 ، شرح حال أبي ذر الرقم 10 ؛ تاريخ دمشق الكبير، ج 70، ص 129، شرح حال أبي ذر، الرقم 8822.
3- " عن علي بن أسباط ، عن أبيه أسباط بن سالم قال: قال أبو الحسن موسى بن جعفر علیه السلام إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين حواري "عن [حواريو] محمد بن عبد الله رسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم] الذين لم ينقضوا العهد ومضوا عليه ؟ فيقوم سلمان والمقداد وأبوذر. " الاختصاص، ص 61 ، حواري (هكذا) أهل البيت ؛ بحار الأنوار، ج 34 ، ص 275 ، الباب 34، الحديث 1020 .
4- فكان رابع أربعة وقيل خامس خمسة." أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 1 ، ص 563 ، شرح حال جندب بن جنادة، الرقم 800 ؛ الاستيعاب في معرفة الأصحاب ، ج 4 ، ص 216 ، شرح حال أبي ذر ، الرقم 2944 ؛ سير أعلام النبلاء، ج 2، ص46، شرح حال أبي ذر، الرقم 10 ؛ تاريخ دمشق الكبير، ج 70، ص 129، شرح حال أبي ذر ، الرقم 8822.

منك ولا شراً. فقال له الذئب: شر والله مني أهل مكة بعث الله عزّ وجلّ إليهم نبياً فكذّبوه وشتموه. فوقع في أذن أبي ذر فقال لامرأته : هلمي مزودي وأدواتي وعصاي، ثم خرج على رجليه يريد مكة ليعلم خبر الذئب وما أتاه به، حتى بلغ مكة فدخلها في ساعة حارة وقد تعب ونصب، فأتي زمزم وقد عطش فاغترف دلواً فخرج لبن، فقال في نفسه: هذا والله يدلني على أن ما خبرني الذئب وما جئت له حق فشرب وجاء إلى جانب من جوانب المسجد فإذا حلقة من قريش فجلس إليهم فرآهم يشتمون النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] كما قال الذئب . فمازالوا في ذلك من ذكر النبي [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] والشتم له حتى جاء أبو طالب من آخر النهار. فلما رأوه قال بعضهم لبعض : كفّوا فقد جاء عمه. قال: فكفوا فمازال يحدثهم ويكلمهم حتى كان آخر النهار ، ثم قام وقمت على أثره فالتفت إلي فقال : اذكر حاجتك ! فقلت: هذا النبي المبعوث فيكم؟ قال: وما تصنع به؟ قلت: أومن به وأصدّقه وأعرض عليه نفسي ولا يأمرني بشيء إلاّ أطعته. فقال: وتفعل؟ فقلت: نعم. قال : فتعال غداً في هذا الوقت إليّ حتى أدفعك إليه . قال : بت تلك الليلة في المسجد حتى

إذا كان الغد جلست معهم فمازالوا في ذكر النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم]وشتمه حتى إذا طلع أبو طالب، فلما رأوه قال بعضهم لبعض : أمسكوا فقد جاء عمه. فأمسكوا فمازال يحدثهم حتى قام فتبعته فسلمت عليه فقال : اذكر حاجتك ! فقلت : النبي المبعوث فيكم قال :وما تصنع به؟ فقلت: أومن به وأصدّقه وأعرض عليه نفسي- ولا يأمرني بشيء إلاّ أطعته. قال وتفعل؟ قلت: نعم. فقال : قم معي، فتبعته فدفعني إلى بيت فيه حمزة [علیه السلام] فسلمت عليه وجلست . فقال : [قل] لي ما حاجتك؟ فقلت: هذا النبي المبعوث فيكم. فقال : وما حاجتك إليه؟ قلت: أومن به وأصدّقه وأعرض عليه نفسي- ولا يأمرني بشيء إلاّ أطعته . فقال : تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] . قال : فشهدت. قال: فدفعني حمزة إلى بيت فيه جعفر [علیه اسلام] فسلمت عليه وجلست. فقال لي جعفر

ص: 238

[علیه اسلام] :ما حاجتك ؟ فقلت : هذا النبي المبعوث فيكم . قال : وما حاجتك إليه؟ فقلت: أو من به وأصدّقه وأعرض عليه نفسي ولا يأمرني بشيء إلاّ أطعته. فقال: تشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله. قال: فشهدت فدفعني إلى بيت فيه

علي[علیه اسلام] فسلمت وجلست . فقال ما حاجتك؟ فقلت هذا النبي المبعوث فيكم. قال : وما حاجتك إليه ؟ قلت: أومن به وأصدّقه وأعرض عليه نفسي ولا يأمرني بشيء إلاّ أطعته فقال : تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم] . قال: فشهدت (ص 296) فدفعني إلى بيت فيه رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] فسلمت و جلست. فقال لي رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم]: ما حاجتك؟ قلت: النبي المبعوث فيكم. قال : وما حاجتك إليه؟ قلت: أؤمن به وأصدّقه ولا يأمرني بشيء إلا أطعته. فقال: تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] . فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم]

فقال لي رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ]: يا أباذر انطلق إلى بلادك فإنك تجد ابن عم لك قد مات وليس له وارث غيرك، فخذ ماله وأقم عند أهلك حتى يظهر أمرنا ..."(1).

إسلام أبي ذر في كتب السنة:

يروي البخاري ومسلم قصة إسلام أبي ذر على النحو التالي:

عن ابن عباس قال: لما بلغ أباذر مبعث النبي الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي يأتيه الخبر من السماء واسمع من قوله ثم ائتني. فانطلق الأخ حتى قدمه وسمع من قوله ثم رجع إلى أبي ذر فقال له: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق وكلاماً ما هو بالشعر . فقال : ما شفيتني مما أردت، فتزود وحمل شنة له فيها ماء حتى قدم مكة، فأتى المسجد فالتمس النبي [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] ولا يعرفه وكره أن يسأل عنه، حتى أدركه بعض الليل فرآه علي

ص: 239


1- الكافي، ج 8، ص 297 - 298، حديث إسلام أبي ذر .

فعرف أنه غريب فلما رآه تبعه فلم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حتى أصبح. ثم احتمل قربته وزاده إلى المسجد وظل ذلك اليوم ولا يراه النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] حتى أمسى فعاد إلى مضجعه. فمر به علي فقال: أما [نال] للرجل أن يعلم منزله، فأقامه فذهب به معه لا يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء. حتى إذا كان اليوم الثالث فعاد علي على مثل ذلك فأقام معه، ثم قال: ألا تحدثني ما الذي أقدمك . قال : إن أعطيتني عهداً وميثاقاً لتر شدني فعلت ففعل فأخبره. قال: فإنه حق وهو رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] فإذا أصبحت فاتبعني فإني إن رأيت شيئاً أخاف عليك قمت كأني أريق الماء، فإن مضيت فاتبعني حتى تدخل مدخلي. ففعل فانطلق يقفوه حتى دخل على النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] ودخل معه، فسمع من قوله وأسلم مكانه. فقال له النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم]: ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري. قال: والذي نفسي بيده لأصرخن بها بين ظهرانيهم. فخرج حتى أتى المسجد، فنادى بأعلى صوته: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله . ثم قام القوم فضربوه حتى أضجعوه. وأتى العباس فأكبّ عليه قال : ويلكم ألستم تعلمون أنه من غفار وإن طريق تجاركم إلى الشام، فأنقذه منهم. ثم عاد من الغد لمثلها فضربوه وتاروا إليه فأكبّ العباس عليه(1) .

فضائل أبي ذر :

كان أبوذر من خاصة أصحاب رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم وذا منزلة مميزة لدى المسلمين. وقد امتدحه النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم كثيراً وعده من أهل الجنة.

ص: 240


1- صحيح البخاري، ص779، كتاب مناقب الأنصار، باب إسلام أبي ذر الغفاري، الحديث 3861 ؛ صحیح مسلم، ص1139، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي ذر الحديث 6312 .
شهادة النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم بصدق أبي ذر :

قال رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم بحقه : «ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر »(1).

تواضع أبي ذر وزهده :

قال رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم: أبوذر في أمتي شبيه عيسى بن مريم في زهده. من سرّه أن ينظر إلى تواضع عیسی بن مريم فلينظر إلى أبي ذر(2).

الجنة تشتاق إلى أبي ذر :

يقول سليم: «خرج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب [علیه السلام] ونحن قعود في المسجد بعد رجوعه من صفين وقبل يوم النهروان فقعد علي [علیه السلام]واحتوشناه فقال له رجل: يا أمير المؤمنين! أخبرنا عن أصحابك . قال : سل! فذكر قصة طويلة فقال : إني سمعت رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] يقول في كلام

ص: 241


1- " عن النبي [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] قال : ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر . " الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 4 ، ص 218 ، شرح حال أبي ذر الغفاري الرقم 2975؛ المصنف في الأحاديث والآثار، ج 7، ص 526 ، كتاب الفضائل، ما جاء في أبي ذر الغفاري، الحديث الأول والثاني والثالث ؛ سنن الترمذي ، ص ،681 ، كتاب المناقب، باب مناقب أبي ذر الحدیث 3801 و 3802؛ مسند أحمد، ج 2، ص223، مسند عبدالله بن عمرو بن العاص ؛ الطبقات الكبرى، ج 4 ، ص 228، شرح حال أبي ذر ؛ تاريخ دمشق الكبير، ج 70، ص138، شرح حال أبي ذر، الحديث 8822.
2- روي عن النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] أنه قال : أبوذر في أمتي شبيه عيسى بن مريم في زهده وبعضهم يرويه: من سره أن ينظر إلى تواضع عيسى بن مريم فلينظر إلى أبي ذر . " الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 1، ص 323 شرح حال جندب بن جنادة، الرقم 343 ؛ المصنف في الأحاديث والآثار، ج 7، ص 526 ، كتاب الفضائل، ما جاء في أبي ذر الغفاري، الحديث الثالث؛ الطيقات الكبرى، ج 4، ص 228، شرح حال أبي ذر ؛ سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 59 ، شرح حال أبي ذر الرقم 10 ؛ تاريخ دمشق الكبير، ج 70، ص139، شرح حال أبي ذر، الرقم 8822 .

طويل له: إن الله أمرني بحبّ أربعة رجال من أصحابي(1)وأخبرني أنه يحبهم وأن الجنة تشتاق إليهم. فقيل: من هم يا رسول الله ؟ فقال : علي بن أبي طالب ثم سكت. فقالوا: من هم يا رسول الله ؟ فقال : علي . ثم سكت. فقالوا: من هم یا رسول الله ؟ فقال: علي وثلاثة معه، هو إمامهم ودليلهم وهاديهم، لا ينثنون ولا يضلون ولا يرجعون ولا يطول عليهم الأمد فتقسو قلوبهم ؛ سلمان وأبوذر والمقداد»(2).

مخافته الله :

يروى عن الإمام الكاظم علیه السلام أن أباذر بكى من خشية الله حتى أصيب بألم في عينيه حتى خُشي عليه العمى. فقيل له: ادع الله أن يشفي عينيك، فقال: إني عنهما لمشغول وما عناني أكثر . فقيل له: وما شغلك عنهما ؟ قال : العظيمتان الجنة والنار.

ص: 242


1- لهذه الفقرة من الرواية أسانيد كثيرة في كتب أهل السنة : قال رسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم]: إن الله أمرني بحب أربعة وأخبرني أنه يحبهم.قيل : يا رسول الله ! من هم ؟ قال : علي منهم ، يقول ذلك ثلاثاً وأبوذر وسلمان والمقداد. سنن ابن ماجة، ج 1، ص 53 ، فضل سلمان وأبي ذر والمقداد، الحديث 149 ؛ سنن الترمذي، ص 669 ، كتاب المناقب، الباب 21، الحدیث 3718؛ مسند أحمد، ج 5، ص 356، مسند بريدة الأسلمي ؛ تاريخ دمشق الكبير، ج 70، ص 138 ، شرح حال أبي ذر الرقم 8822 ؛ سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 61 ، شرح حال أبي ذر، الرقم 10 .
2- قال: خرج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب [علیه السلام] ونحن قعود في المسجد بعد رجوعه من صفين وقبل يوم النهروان فقعد علي [علیه السلام] واحتوشناه. فقال له رجل: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن أصحابك . قال : سل فذكر قصة طويلة فقال : إني سمعت رسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم ] يقول في كلام طويل له: إن الله أمرني بحبّ أربعة رجال من أصحابي وأخبرني أنه يحبهم وأن الجنة تشتاق إليهم. فقيل: من هم يا رسول الله؟ فقال: علي بن أبي طالب ثم سكت. فقالوا: من هم يا رسول الله ؟ فقال : علي. ثم سكت . فقالوا: من هم يا رسول الله ؟ فقال: علي وثلاثة معه، هو إمامهم ودليلهم وهاديهم لا ينثنون ولا يضلون ولا يرجعون ولا يطول عليهم الأمد فتقسو قلوبهم؛ سلمان وابوذروالمقداد " كتاب سليم بن قيس الهلالي ، ج 2، ص 941 ، الحديث 78 .

وقال علیه السلام أنه لما حضرته الوفاة قيل له: ما مالك؟ قال : عملي. فقالوا له : إنا نسألك عن الذهب والفضة فقال : لنا كندوج (صندوق) ندع فيه حر متاعنا (خير أعمالي). فقالوا له : وما هذا الكندوج ؟ قال : سمعت حبيبي رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] يقول : كندوج المرء قبره(1).

عزوفه عن الدنيا:

يقول أبو بصير : سمعت أبا عبد الله [علیه السلام] يقول : أرسل عثمان إلى أبي ذر موليين له ومعهما مائتا دينار، فقال لهما انطلقا بها إلى أبي ذر فقولا له : عثمان يقرئك السلام وهو يقول لك: هذه مائتا دينار فاستعن بها على ما نابك. فقال أبو ذر : هل أعطى أحداً من المسلمين مثل ما أعطاني؟ قالا: لا. قال: فإنما أنا رجلٌ من المسلمين. قالا له: إنه يقول: هذا من صلب مالي وبالله الذي لا إله إلاّ هو ما خالطها حرام ولا بعثت بها إليك إلا من حلال. فقال: لا حاجة لي فيها وقد أصبحت يومي هذا وأنا من أغنى الناس. فقالا له : عافاك الله وأصلحك ! ما نرى في بيتك قليلاً ولا كثيراً مما يستمتع به. [ فأشار إلى صرة ملقاة و] قال: بلى تحت هذه الإكاف التي ترون رغيفا شعير قد أتي (هكذا) عليهما أيام فما أصنع بهذه الدنانير ؟ لا والله حتى يعلم الله أني لا أقدر على قليل ولا كثير وقد أصبحت غنياً بولاية علي بن أبي طالب [علیه السلام] وعترته الهادين المهديين الراضين المرضيين الذين يهدون بالحق وبه يعدلون وكذلك سمعت رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] يقول : فإنه قبيح بالشيخ أن يكون كذاباً، فردّاها عليه وأعلماه أنه لا حاجة لي فيها ولا فيما عنده حتى ألقى الله ربي فيكون هو الحاكم فيما بيني وبینه (2).

ص: 243


1- " إن أباذر بكى من خشية الله حتى اشتكى (هكذا) عيناه فخافوا عليها، فقيل له : يا أباذر لو دعوت الله في عينيك ؟ فقال : إني عنهما لمشغول وما عناني أكثر. فقيل له : وما شغلك عنهما ؟ قال : العظيمتان ؛ الجنة والنار . قال : وقيل له عند الموت يا أباذر! ما مالك؟ قال: عملي. قالوا: إنا نسألك عن الذهب والفضة. قال: ما أصبح فلا أمسي وما أمسي فلا أصبح لنا كندوج ندع فيه حرّ متاعنا، سمعت حبيبي رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] يقول : كندوج المرء قبره. اختيار معرفة الرجال، ص 28 ، شرح حال أبي ذر الغفاري الحديث 54 .
2- "عن أبي بضير، قال: سمعت أبا عبد الله [علیه السلام] يقول : أرسل عثمان إلى أبي ذر موليين له ومعها مائتا دينار، فقال لهما : انطلقا بها إلى أبي ذر فقولا له: عثمان يقرئك السلام وهو يقول لك: هذه مائتا دينار فاستعن بها على ما نابك. فقال أبو ذر : هل أعطى أحداً من المسلمين مثل ما أعطاني ؟ قالا : لا . قال : فإنما أنا رجلٌ من المسلمين. قالا له : إنه يقول : هذا من صلب مالي وبالله الذي لا إله إلا هو ما خالطها حرام ولا بعثت بها إليك إلا من حلال . فقال : لا حاجة لي فيها وقد أصبحت يومي هذا وأنا من أغنى الناس. فقالا له : عافاك الله وأصلحك ! ما نرى في بيتك قليلاً ولا كثيراً مما يستمتع به قال: بلى تحت هذه الإكاف التي ترون رغيفا شعير قد أتي (هكذا) عليهما أيام فما أصنع بهذه الدنانير؟ لا والله حتى يعلم الله أني لا أقدر على قليل ولا كثير وقد أصبحت غنياً بولاية علي بن أبي طالب[علیه السلام] وعترته الهادين المهديين الراضين المرضيين الذين يهدون بالحق وبه يعدلون وكذلك سمعت رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] يقول : فإنه قبيح بالشيخ أن يكون كذاباً، فردّاها عليه وأعلماء أنه لا حاجة لي فيها ولا فيما عنده حتى ألقى الله ربي فيكون هو الحاكم فيما بيني وبينه." اختيار معرفة الرجال، ص 27 - 28، شرح حال أبي ذر الغفاري ؛ بحار الأنوار ، ج 22، ص 398 ، الباب الثاني عشر في كيفية إسلام أبي ذر ...، الحديث الخامس.

يقول ابن أبي شيبة وابن عساكر عن زهد أبي ذر: أرسل حبيب بن مسلمة وهو على الشام إلى أبي ذر بثلاثمائة دينار، فقال: استعن بها على حاجتك. فقال أبوذر : ارجع بها، فما وجد أحداً أغر بالله منا ما لنا إلاّ ظل نتوارى به وثلة من غنم تروح علينا ومولاة لنا تصدقت علينا بخدمتها، ثم إني لأتخوف الفضل"(1).

علم أبي ذر :

يقول الإمام علي علیه السلام: [أبو ذر ] رجل وعى علماً عجز عنه الناس [لم نشأ أن يعلمه الناس] ثم أوكأ عليه [سدّ بابه](2).

ص: 244


1- أرسل حبيب بن مسلمة وهو على الشام إلى أبي ذر بثلاثمائة دينار، فقال : استعن بها على حاجتك. فقال أبوذر : ارجع بها، فما وجد أحداً أغر بالله منا ما لنا إلا ظل نتوارى به وثلة من غنم تروح علينا ومولاة لنا تصدقت علينا بخدمتها، ثم إني لأتخوف الفضل." المصنف في الأحاديث والآثار، ج 8، ص 184 ، كتاب الزهد، كلام أبي ذر الحديث الثامن ؛ تاريخ دمشق الكبير، ج 70، ص 151، شرح حال أبي ذر الغفاري، الرقم 8822 .
2- " وسئل علي [علیه السلام] عن أبي ذر فقال : ذلك رجل وعى علماً عجز عنه الناس، ثم أوكاً عليه ولم يخرج شيئاً منه." الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج1، ص323، شرح حال جندب بن جنادة ، الرقم 343 ؛ أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 6، ص 97 ، شرح حال أبي ذر الغفاري، الرقم 5869 ؛ تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام ، ج 3، ص 406 ، حوادث سنة 32 هجرية، أبوذر الغفاري.
ولاء أبي ذر :

كان أبو ذر يصرّح بفضائل الإمام علي علیه السلام ومساوئ أعدائه للناس ولا يكترث بدعوته للسكوت(1).

يروي ابن عساكر نقلاً عن أبي ذر أنه : قال رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم]: مثل علي فيكم، أو قال في هذهالأمة، كمثل الكعبة المستورة ، النظر إليها عبادة والحج إليها فريضة (2).

وينقل الحاكم النيسابوري رواية صحيحة بهذا المضمون عن الكناني: سمعت أباذر يقول وهو آخذُ بباب الكعبة: أيها الناس! من عرفني فأنا من عرفتم ومن أنكرني فأنا أبوذر، سمعت رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم]يقول: مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق(3).

تفيد بعض الروايات بأن أباذر كان من الذين يذكرون شهادة أن علياً ولي الله في الأذان(4).

ص: 245


1- "كان من المتجاهرين بمناقب أهل البيت ومثالب أعدائهم، لم تأخذه لومة لائم عند ظهور المنكر وانتهاك المحارم." تنقيح المقال في علم الرجال، ج 16 ، ص 255 ، شرح حال جندب بن جنادة، الرقم 392 .
2- " عن أبي ذر قال : قال رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم]: مثل علي فيكم، أو قال في هذه الأمة، كمثل الكعبة المستورة، النظر إليها عبادة والحج إليها فريضة. " تاريخ دمشق الكبير، ج 45 ، ص 271، شرح حال [الإمام] علي بن أبي طالب [علیه السلام].
3- "حنش الكناني قال : سمعت أباذر يقول وهو آخذ بباب الكعبة: أيها الناس من عرفني فأنا من عرفتم ومن أنكرني فأنا أبوذر، سمعت رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] يقول : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق. هذا صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. " المستدرك على الصحيحين، ج 2، ص 373 ، كتاب التفسير تفسير سورة هود، الحديث 3312.
4- "عن كتاب السلافة للشيخ عبد الله المراغي المصري: أن سلمان الفارسي ذكر فيهما، أي في الأذان والإقامة، الشهادة بالولاية لعلي بعد الشهادة بالرسالة في زمن النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] فدخل رجل على رسول الله فقال : سمعت أمراً لم أسمع قبل ذلك. فقال: ما هو ؟ فقال : سلمان قد يشهد في أذانه بعد الشهادة بالرسالة الشهادة بالولاية لعلي. فقال: سمعتم خيراً. وفي رواية أخرى أن أباذر يذكر في الأذان بعد الشهادة بالرسالة ذلك ويقول : أشهد أن علياً ولي الله . فأخبر بذلك رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] فقال : كذلك أونسيتم قولي في غدير خم من كنت مولاه فعلي مولاه؟" مستدرك سفينة البحار، ج 6 ، ص 85، باب الشين، مادة شهد.
البراءة من العدو :

يقول جلام بن جندل: كنت غلاماً لمعاوية على قنسرين والعواصم في خلافة عثمان، فجئت إليه يوماً أسأله عن حال عملي، إذ سمعت صارخاً على باب داره يقول: أتتكم القطار تحمل النار [يعني الأموال]. اللهم العن الآمرين بالمعروف التاركين له. اللهم العن الناهين عن المنكر المرتكبين له. فازبار معاوية وتغير لونه وقال: يا جلام أتعرف الصارخ ؟ فقلت: اللهم لا. قال: من عذيري من جندب بن جنادة . يأتينا كل يوم فيصرخ على باب قصرنا بما سمعت(1).

لقد أقض أبوذر مضجع معاوية المتلون حتى اضطر أن يكتب إلى عثمان كتاباً يقول فيه : إن أباذر قد حرّف قلوب أهل الشام وبغّضك إليهم فما يستفتون غيره ولا يقضي بينهم إلاّ هو. فكتب عثمان إلى معاوية أن احمل أباذر على ناب صعبة وقتب [ ناقة هزيلة بلا محمل] ثم ابعث معه من پنجش به نجشاً عنيفاً [ يعني مرافقاً سيء الخلق ] حتى يقدم به علي(2). يقول البلاذري، وهو من المؤرخين السنة: فكتب عثمان إلى معاوية: أما بعد فاحمل جندباً إلي على أغلظ مركب وأوعره. فوجّه معاوية من سار به الليل والنهار [ حتى بلغ به المدينة ](3).

ص: 246


1- "روى الجاحظ في كتاب السفيانية عن جلام بن جندل الغفاري قال: كنت غلاماً لمعاوية على قنسرين والعواصم في خلافة عثمان، فجئت إليه يوماً أسأله عن حال عملي، إذ سمعت صارخاً على باب داره يقول : أتتكم القطار تحمل النار. اللهم العن الآمرين بالمعروف التاركين له. اللهم العن الناهين عن المنكر المرتكبين له. فازبار معاوية وتغير لونه وقال يا جلام أتعرف الصارخ ؟ فقلت : اللهم لا . قال : من عذيري من جندب بن جنادة. يأتينا كل يوم فيصرخ على باب قصرنا بما سمعت . " شرح نهج البلاغة، ج8، ص 257، أخبار أبي ذر الغفاري حين خروجه من الربذة، ذيل الخطبة 130 .
2- عن عبد الملك ابن أخي أبي ذر :قال كتب معاوية إلى عثمان: إن أباذر قد حرّف قلوب أهل الشام وبغّضك إليهم فما يستفتون غيره ولا يقضي بينهم إلاّ هو . فكتب عثمان إلى معاوية أن احمل أباذر على ناب صعبة وقتب ثم ابعث معه من ينجش به نجشاً عنيفاً حتى يقدم به علي .... بحار الأنوار، ج 31 ، ص 274 ، مثالب عثمان وبدعه نكير أبي ذر .
3- فكتب عثمان إلى معاوية : أما بعد فاحمل جندباً إلي على أغلظ مركب وأوعره. فوجه معاوية من سار به الليل والنهار. " أنساب الأشراف، ج 6، ص 167، أمر أبي ذر جندب بن جنادة الغفاري ؛ شرح نهج البلاغة ، ج 8، ص 258 ، أخبار أبي ذر الغفاري حين خروجه إلى الربذة، ذيل الخطبة 130 .
نفي أبي ذر:

كتب أبوذر وهو في منفاه إلى حذيفة بن اليمان يصف ظروفه الصعبة:

يا أخي أنت ممن أستريح إلى الضريح إليه بثي وحزني وأشكو إليه تظاهر الظالمين علي. إني رأيت الجور يعمل به بعيني وسمعته يقال فرددته فحرمت العطاء وسيرت إلى البلاد وغربت عن العشيرة والإخوان وحرم رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] وأعوذ بربي العظيم أن يكون هذا مني شكوى أن ركب مني ما ركب بل أنبأتك أني قد رضيت ما أحب لي ربي وقضاه علي وأفضيت ذلك إليك لتدعو الله لي ولعامة المسلمين بالروح والفرج وبما هو أعلم نفعاً وخير مغبة وعقبى(1).

وفاة أبي ذر :

سأل أبوذر زوجته وهو يحتضر : ما يُبكيك؟ قالت: كيف لا أبكي وأنت تموت في هذه الصحراء وأنا لا أجد حتى قطعة قماش أكفنك بها؟(2) أنا زوجتك ولا أملك قطعة قماش لا لي ولا لك ولابد لي من كفنك.

ص: 247


1- عن زيد بن كثير عن أبي أمامة قال: كتب أبو ذر إلى حذيفة بن اليمان يشكو إليه ما صنع به عثمان بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد يا أخي! فخف الله مخافة يكثر منها بكاء عينيك، وحرر قلبك، وسهر ليلك وأنصب بدنك في طاعة ربك فحق لمن علم أن النار مثوى من سخط الله عليه أن يطول بكاؤه ونصبه وسهر ليله حتى يعلم أنه قد رضي الله عنه . وحق لمن علم أن الجنة مثوى من أن يستقبل الحق كي يفوز بها ويستصغر في ذات الله الخروج من أهله وماله وقيام ليله وصيام نهاره وجهاد الظالمين الملحدين بيده ولسانه حتى يعلم أن الله أوجبها له وليس بعالم ذلك دون لقاء ربه. وكذلك ينبغي لكل من رغب في جوار الله ومرافقة أنبيائه أن يكون. يا أخي! أنت ممن أستريح إلى الضريح إليه بثي وحزني وأشكو إليه تظاهر الظالمين علي. إني رأيت الجور يعمل به بعيني وسمعته يقال فرددته فحرمت العطاء وسيرت إلى البلاد وغربت عن العشيرة والإخوان وحرم رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] وأعوذ بربي العظيم أن يكون هذا مني شكوى أن ركب مني ما ركب بل أنبأتك أني قد رضيت ما أحب لي ربي وقضاه علي وأفضيت ذلك إليك لتدعو الله لي ولعامة المسلمين بالروح والفرج وبما هو أعلم نفعاً وخير مغبة وعقبى والسلام. " بحار الأنوار، ج 22، ص 408 - 409 ، الباب الثاني عشر كتابة أبي ذر إلى حذيفة وجواب حذيفة، الحديث 26 .
2- بعد أن مات عبدالرحمن بن عوف وأرادوا تقسيم الذهب الذي تركه، استعملوا الفؤوس في تكسيره. كان له أربع زوجات بلغ نصيب إحداهن من تركته من الأموال المنقولة فقط ثمانين ألف مثقال دينار ذهب . وصاحب رسول الله (أبوذر) لا يملك كفناً. "أن عبدالرحمن بن عوف توفي وكان فيما ترك ذهب قُطَّع بالفؤوس حتى مجلت أيدي الرجال منه. وترك أربع نسوة فأخرجت امرأة من ثمنها بثمانين ألفاً." الطبقات الكبرى، ج 3، ص 136 ، ذكر وصية عبدالرحمن بن عوف وتركته ؛ أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 3، ص 480، شرح حال عبدالرحمن بن عوف، الرقم 3370 .

التفت أبوذر إلى زوجته وقال لها مسلياً: إذا متُّ فاذهبي وقفي على الطريق وانظري. فقالتماذا أفعل على الطريق وقد ذهبت القوافل جميعها؟ قال: اذهبي إلى الطريق وانظري جيداً.

تقول زوجة أبي ذر : ذهبت إلى الطريق وسعيت للوصول إلى التلال وكنت أنظر إلى الطريق مرة وإلى مرقد أبي ذر أخرى. في تلك الأثناء رأيت قافلة قادمة مسرعة. فلما وصلت القافلة سألوني عما أفعل في تلك الفلاة القفرة فقلت لهم : هناك رجل مسلم يحتضر فهل تدفنونه؟ قالوا:

ومن هو ؟ قلت: أبوذر. قالوا: صاحب رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم]؟ قلت: نعم. قالوا: بآبائنا وأمهاتنا أباذر . ثم هرعوا نحو أبي ذر . فقال أبو ذر : أبشروا ! فإني سمعت رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] يقول لنفر أنا فيهم : ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين وليس من أولئك النفر أحد إلاّ وقد هلك في قرية وجماعة، والله ما كذبت [ ولا كذبت]. ولو كان عندي ثوب يسعني كفناً لي أو لامرأتي لم أكفن إلاّ في ثوب هو لي أو لها وإني أنشدكم الله ألا يكفني رجل كان أميراً أو عريفاً أو بريداً أو نقيباً. وليس من أولئك النفر أحد إلاّ وقد قارف بعض ما قال، إلا فتى من الأنصار، فقال: أنا أكفّنك يا عم في ردائي هذا وفي ثوبين في غيبتي [عيبتي] من غزل أمي. قال: أنت تكفني [يا بُنیّ] قال: فكفنه الأنصاري وغسله في النفر الذين حضروه وقاموا عليه ودفنوه في نفر كلهم ثمان [یمان ](1) .

ص: 248


1- عن أم ذر زوجة أبي ذر قالت لما حضرت أباذر الوفاة بكيت فقال لي: ما يبكيك؟ فقلت : ومالي لا أبكي وأنت تموت بفلاة من الأرض وليس عندي ثوب يسعك كفناً لي ولا لك؟ ولا يدلي للقيام بجهازك. قال : فأبشري ولا تبكي فإني سمعت رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] يقول : لا يموت بين امرأين مسلمين ولدان أو ثلاثة فيصبران ويحتسبان فيريان النار أبداً، وقد مات لنا ثلاثة من الولد وإني سمعت رسول الله [صلى الله عليه وسلم ] يقول لنفر أنا فيهم: ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين، وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد مات في قرية وجماعة، فأنا ذلك الرجل. والله ما كذبت ولا كذبت. فأبصري الطريق. قلت: وأنى وقد ذهب الحاج وتقطعت الطريق؟ قال: إذهبي فتبصري. قالت : فكنت أشتد إلى الكثيب فأنظر ثم أرجع إليه فأمرضه، فبينا هو وأنا كذلك إذ أنا برجال على رحالهم كأنهم الرخم تحث بهم رواحلهم فأسرعوا إلي حتى وقفوا علي فقالوا: يا أمة الله ! ما لك؟ قلت: امرؤ من المسلمين يموت، تكفنونه؟ قالوا: ومن هو ؟ قلت: أبوذر. قالوا: صاحب رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم]؟ قلت : نعم. [قالت : ] ففدوه بآبائهم وأمهاتهم وأسرعوا إليه حتى دخلوا عليه فقال لهم: أبشروا ! فإني سمعت رسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم] يقول لنفر أنا فيهم: ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد هلك في قرية وجماعة، والله ما كذبت [ ولا كذبت]. ولو كان عندي ثوب يسعني كفناً لي أو لامرأتي لم أكفن إلا في ثوب هو لي أو لها وإني أنشدكم الله ألا يكفني رجل كان أميراً أو عريفاً أو بريداً أو نقيباً. وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد قارف بعض ما قال، إلا فتى من الأنصار، فقال: أنا أكفّنك يا عم في ردائي هذا وفي ثوبين في غيبتي [ عيبتي] من غزل أمي. قال: أنت تكفني [يا بُنيّ] . قال : فكفنه الأنصاري وغسله في النفر الذين حضروه وقاموا عليه ودفنوه في نفر كلهم ثمان [یمان] . " الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 1، ص 322 - 323، شرح حال جندب بن جنادة، الرقم 343 ؛ الطبقات الكبرى، ج 4 ، ص 233 - 234 ، شرح حال أبي ذر ؛ تاريخ دمشق الكبير، ج 70، ص 159 - 160 ، شرح حال أبي ذر الرقم 8822 ؛ المستدرك على الصحيحين، ج 3، ص 388، کتاب معرفة الصحابة، محنة أبي ذر، الحديث 5470 .

وفي رواية أخرى يقول محمد بن علقمة النخعي: خرجت في رهط أريد الحج، منهم مالك بن الحارث الأشتر وعبد الله بن الفضل التيمي ورفاعة بن شداد البجلي حتى قدمنا الربذة، فإذا امرأة على قارعة الطريق تقول: يا عباد الله المسلمين ! هذا أبوذر صاحب رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] قد هلك غريباً، ليس لي أحد يعينني عليه . قال : فنظر بعضنا إلى بعض وحمدنا الله على ما ساق إلينا واسترجعنا على عظيم المصيبة، ثم أقبلنا معها فجهزناه وتنافسنا في كفنه حتى خرج من بيننا بالسواء ثم تعاونا على غسله حتى فرغنا منه، ثم قدمنا مالكاً الأشتر فصلى بنا عليه ثم دفناه. فقام الأشتر على قبره ثم قال: اللهم هذا أبوذر صاحب رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] عبدك في العابدين وجاهد فيك المشركين، لم يغير ولم يبدل ، لكنه رأى منكراً فغيره بلسانه وقلبه حتى جفي ونفي وحرم واحتقر ، ثم مات وحيداً غريباً، اللهم فاقصم من حرمه ونفاه من مهاجره وحرم رسولك [صلّی الله علیه وآله وسلّم] . قال : فرفعنا أيدينا جميعاً وقلنا آمين. ثم قدمت الشاة التي صنعت فقالت : أنها قد أقسم ألا تبرحوا حتى تتغدوا، فتغدينا وارتحلنا(1).

ص: 249


1- " محمد بن علقمة بن الأسود النخعي قال: خرجت في رهط أريد الحج، منهم مالك بن الحارث الأشتر وعبد الله بن الفضل التيمي ورفاعة بن شداد البجلي حتى قدمنا الربذة، فإذا امرأة على قارعة الطريق تقول: يا عباد الله المسلمين هذا أبوذر صاحب رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] قد هلك غريباً، ليس لي أحد يعينني عليه . قال : فنظر بعضنا إلى بعض وحمدنا الله على ما ساق إلينا واسترجعنا على عظيم المصيبة، ثم أقبلنا معها فجهزناه وتنافسنا في كفنه حتى خرج من بيننا بالسواء ثم تعاونا على غسله حتى فرغنا منه، ثم قدمنا مالكاً الأشتر فصلى بنا عليه ثم دفناه فقام الأشتر على قبره ثم قال : اللهم هذا أبوذر صاحب رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] عبدك في العابدين وجاهد فيك المشركين، لم يغير ولم يبدل، لكنه رأى منكراً فغيره بلسانه وقلبه، حتى جفي ونفي وحرم واحتقر ، ثم مات وحيداً غريباً، اللهم فاقصم من حرمه ونفاه من مهاجره وحرم رسولك [صلّی الله علیه وآله وسلّم] . قال : فرفعنا أيدينا جميعاً وقلنا آمين. ثم قدمت الشاة التي صنعت، فقالت أنها قد أقسم ألا تبرحوا حتى تتغدوا، فتغدينا وارتحلنا . " اختيار معرفة الرجال، ص 65 - 66 ، مالك الأشتر، الحديث 118.

سؤال:

ألم يصف رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم أبا ذر بأنه أصدق ذي لهجة ؟ فلماذا لم يلتفتوا لكلامه حين حدّثهم بحديث النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم حول استخلافه للإمام علي وأولاده علیه الاسلام ؟

ألم يقل النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم إن أباذر وعلي بن أبي طالب وأتباعه لا يضلون أبداً؟ فلماذا لم يستدلوا بهم على طريق الحق، بل إنهم لم يهتموا بأقوالهم؟

هل يجوز على من يبكي من خشية الله حتى يُخاف على عينيه من البكاء أن ينسى الله في هذا الموقف ويدوس على الحق؟

هل يدوس على الحق من أجل الدنيا من يرفض هدايا الحكام الثمينة ويكتفي بكسرة خبز يابسة ولا يملك في ساعة موته حتى ثوباً يكفن فيه؟

6 - المقداد بن الأسود:

اشارة

كان للتشيع أربعة أركان كان المقداد ثانيها(1). وعندما نزلت {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}، قال النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم للناس إن الله أوجب لي حقاً عليكم، فهل تؤدونه؟ فلم يجب أحد. وفي اليوم التالي أعاد النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم كلامه عليهم ولم يجبه أحد . وتكرر الأمر في اليوم الثالث ولم يجب أحد.

ص: 250


1- "المقداد بن الأسود الكندي... ثاني الأركان الأربعة . " رجال الطوسي، ص 57 ، أصحاب علي علیه السلام، شرح حال المقداد بن الأسود، باب الميم ، الرقم 1 .

ثم قال صلّی الله علیه وآله وسلّم: أيها الناس ! إنه ليس من ذهب ولا فضة ولا مطعم ولا مشرب. قالوا: فألقه إذن! قال: إن الله تبارك وتعالى أنزل على { قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} فقالوا: أما هذه فنعم.

قال الإمام الصادق علیه السلام: فوالله ما وفى بها إلاّ سبعة نفر : سلمان وأبوذر وعمّار والمقداد بن الأسود الكندي وجابر بن عبد الله الأنصاري ومولى لرسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] يقال له الثبيت وزيد بن أرقم(1).

فضائل المقداد وسوابقه:

كان المقداد من المقاتلين الشجعان الذين قاتلوا بين يدي رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم ولم يتراجع خطوة في بدر وأحد. ونشير هنا إلى بعض مواقفه مثالاً:

وفاؤه للنبي صلّی الله علیه وآله وسلّم:

يقول عبد الله بن مسعود أنه شهد من المقداد موقفاً جعله يفضل صداقته على الدنيا بأجمعها. يقول إن النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم كان إذا غضب احمر جانبا وجهه. وفي طريقه إلى بدر أغصبه بعض الأصحاب فجاء المقداد وقال له :

ص: 251


1- "حدثنا جعفر عن آبائه أنه لما نزلت هذه الآية على رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] ((قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى)) قام رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] فقال : أيها الناس إن الله تبارك وتعالى قد فرض لي عليكم فرضاً ، فهل أنتم مؤدوه؟ قال: فلم يجبه أحد منهم، فانصرف . فلما كان من الغد قام فيهم فقال مثل ذلك . ثم قام فيهم فقال مثل ذلك في اليوم الثالث ، فلم يتكلم أحد . فقال : يا أيها الناس! إنه ليس من ذهب ولا فضة ولا مطعم ولا مشرب. قالوا: فألقه إذن ! قال: إن الله تبارك وتعالى أنزل عليّ ((قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ))فقالوا: أما هذه فنعم. فقال أبو عبد الله : فوالله ما وفى بها إلا سبعة نفر : سلمان وأبوذر وعمّار والمقداد بن الأسود الكندي وجابر بن عبدالله الأنصاري ومولى لرسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] يقال له الثبيت وزيد بن أرقم " قرب الإسناد، ص 78 - 79، أحاديث متفرقة، الحديث254 والحديث 255 ؛ الاختصاص، ص 63 ، حدیث رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] مع الأصحاب بعد نزول آية المودة.

أبشر يا رسول الله ! لا نقول كما قال قوم موسى {فاذهب أنت وربّك فقاتلا}، ولكنّا نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك.

فسُرّ النبي وأشرق وجهه(1).

شجاعة المقداد:

عندما طلب عمرو بن العاص ثلاثة آلاف مقاتل من عمر أرسل الخليفة الثاني خارجة والزبير والمقداد(2)يقول المرحوم التستري: «لازم كلامه أن كلاً من الثلاثة كان معادلاً لألف فارس»(3).

ص: 252


1- "حدثنا أبو نعيم، حدثنا إسرائيل، عن مخارق، عن طارق بن شهاب قال: سمعت ابن مسعود يقول : شهدت من المقداد بن الأسود مشهداً لأن أكون صاحبه أحبّ إلي مما عدل به أتى النبي[صلّی الله علیه وآله وسلّم] وهو يده علو على المشركين فقال : لا نقول كما قال قوم موسى ((فاذهب أنت وربّك فقاتلا))ولكنّا نقاتل عن يمينك وشمالك وبين يديك وخلفك . فرأيت النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] أشرق وجهه وسره " صحيح البخاري، ص 800 ، كتاب المغازي، باب قول الله تعالى ((إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين))، الحديث 3952 ، وص 932 ، كتاب التفسير ، باب قوله (( فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون)). عن عبد الله بن مسعود قال: لقد شهدت من المقداد مشهداً لأن أكون أنا صاحبه أحبّ إلي مما في الأرض من كل شيء. كان رجلاً فارساً وكان رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] إذا غضب اجمارّت وجنتاه، فأتاه المقداد على تلك الحال فقال : أبشر يا رسول الله، فوالله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى ((فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون)) لكن والذي بعثك بالحق لنكونن من بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك أو يفتح الله لك . " تاريخ الطبري، ج 2، ص 37، حوادث السنة الثانية للهجرة، ذكر وقعة بدر الكبرى ؛ الأغاني ، ج 4 ، ص 182، ذكر الخبر عن غزاة بدر ؛ مسند أحمد، ج 1، ص 458 ، مسند عبدالله بن مسعود.
2- "يقال إنه يعادل بألف فارس. كتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب يستمده بثلاثة آلاف ،فارس، فأمده بخارجة بن حذافة هذا والزبير بن العوام والمقداد بن الأسود " أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 2، ص 106 ، شرح حال خارجة بن حذافة، الرقم 1327؛الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 2، ص 4 ، شرح حال خارجة بن حذافة، الرقم 609.
3- قاموس الرجال، ج 10، ص 231، شرح حال المقداد، الرقم 7707.
فارس بدر الأوحد:

يقول البلاذري إنه لم يكن للمسلمين يوم بدر سوى فرسين ؛ واحد للزبير والآخر للمقداد. ثم يقول: وهذا خطأ ، فجواد الزبير لم يكن له بل لابن أبي مرثد. وهناك اختلاف في كون الزبير من الفرسان أم من المشاة ؛ ولا خلاف على المقداد(1).

شارك المقداد في معركة أحد كذلك وكان من القناصة(2).

في غزوة ذي قرد"، قام عشرون رجلاً ومنهم عيينة بن حصن بالهجوم على مربض الماشية والحيوانات في بيت مال الدولة الإسلامية، فقتلوا بعضها ونهبوا بعضاً آخر. فأرسل النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم المقداد مع جماعة من المسلمين في أثرهم فاستعادوا عشرة من الإبل منهم(3).

ولاؤه:

يقول الإمام الصادق علیه السلام: فأما الذي لم يتغير منذ قبض رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] حتى فارق الدنيا طرفة عين فالمقداد بن الأسود لم يزل قائماً (قابضاً) على قائم السيف عيناه في عيني أمير المؤمنين [علیه السلام] ينتظر متى يأمره فيمضي(4).

ص: 253


1- "كان مع المسلمين فرسان، أحدهما للزبير بن العوّام يسمى السيل والآخر للمقداد بن عمر و البهراني ربيب الأسود بن عبديغوث. ويقال إنه لم يكن للزبير فرس وإنه كان لمرثد بن أبي مرثد فرس. ولم يختلفوا في فرس المقداد. ولا في أنه لم يكن مع المسلمين إلاّ فرسان وكان يقال لفرس المقداد سبحة . " أنساب الأشراف، ج 1 ، ص 346، غزوة بدر القتال.
2- "قالوا: وكان من الرماة المذكورين من أصحاب النبي [ صلّی الله علیه وآله وسلّم]... والمقداد بن عمر و البهراني ... ." أنساب الأشراف، ج1، ص 394 ، غزوة أحد الرماة المذكورين (هكذا).
3- "ثم غزاة ذي قرد... وكان سبب هذه الغزاة أن عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر أغار على لقاح رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] وهي ترعى بالغابة وهي على بريد من المدينة. فوجه رسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم] المقداد بن عمر و ويقال سعد بن زيد الأشهلي في عدة من المسلمين فتخلصوا عشراً منها وكانت عشرين . " أنساب الأشراف، ج 1، ص 437، غزوة ذي قردة.
4- "عن أبي عبد الله [علیه السلام] قال:... فأما الذي لم يتغير منذ قبض رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] حتى فارق الدنيا طرفة عين فالمقداد بن الأسود لم يزل قائماً (قابضاً) على قائم السيف عيناه في عيني أمير المؤمنين [علیه السلام] ينتظر متى يأمره فيمضي.. " الاختصاص، ص9، ذكر السابقين المقربين من أمير المؤمنين [علیه السلام] .

يروي أبوبكر الحضرمي عن الإمام الباقر علیه السلام أنه قال: ارتد الناس إلاّ ثلاثة نفر : سلمان وأبوذر والمقداد. قال: قلت فعمّار ؟ قال : قد كان جاض جيضة [ فكر ( تردد) قليلاً ثم عاد]. ثم قال: إن أردت الذي لم يشك ولم يدخله شيء فالمقداد. فأما سلمان: فإنه عرض في قلبه عارض أن عند أمير المؤمنين [علیه السلام] اسم الله الأعظم لو تكلم به لأخذتهم الأرض وهو هكذا. فلبب ووجئت عنقه حتى تركت كالسلقة فمرّ به أمير المؤمنين [علیه السلام] فقال له : يا أبا عبد الله هذا من ذاك، بايع. فبايع. وأما أبوذر فأمره أمير المؤمنين[علیه السلام]بالسكوت ولم يكن يأخذه في الله لومة لائم، فأبى إلاّ أن يتكلم فمرّ به عثمان فأمر به [فأُوذي).

لم تتطرق الرواية لتردد عمار. إلاّ أنه بالنظر إلى سياق الرواية وما جاء فيها عن باقي الأشخاص، يمكن القول بأن خطأه كان من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين" (1).

يقول آية الله الخوئي: إن جلالة ارجل واختصاصه بأمير المؤمنين علیه السلام أظهر من الشمس(2).

كان المقداد، بالتعبير المعاصر، من ثوار ما قبل الثورة الذين لم يتغيروا بعد الثورة. لقد كان الحال میسورالحال(3) ولم يكن فقيراً يدفعه فقره إلى رفع الشعارات الثورية ابتغاء الوصول إلى الغني.

ص: 254


1- "عن أبي بكر الحضرمي قال : قال أبو جعفر [علیه السلام]: ارتد الناس إلا ثلاثة نفر : سلمان وأبوذر والمقداد. قال: فقلت : وعمار؟ قال: قد كان جاض جيضة ثم رجع ثم قال: إن أردت الذي لم يشك ولم يدخله شيء فالمقداد. فأما سلمان، فإنه عرض في قلبه عارض أن عند أمير المؤمنين [علیه السلام] اسم الله الأعظم لو تكلم به لأخذتهم الأرض وهو هكذا. فلبب ووجئت عنقه حتى تركت كالسلقة فمرّ به أمير المؤمنين[علیه السلام] فقال له : يا أبا عبد الله هذا من ذاك، بايع. فبايع. وأما أبوذر فأمره أمير المؤمنين [ علیه السلام] بالسكوت ولم يكن يأخذه في الله لومة لائم، فأبى إلا أن يتكلم. فمرّ به عثمان فأمر به ثم أناب الناس بعد فكان أول من أناب أبوساسان الأنصاري وأبو عمرة وشتيرة وكانوا سبعة، فلم يكن يعرف حق أمير المؤمنين[علیه السلام] إلاّ هؤلاء السبعة . " اختيار معرفة الرجال، ص 11 - 12، شرح حال سلمان، الحديث 24 ؛ الاختصاص، ص 10 ، ارتداد الناس بعد رسول الله إلا ثلاثة نفر سلمان وأبوذر (هكذا) والمقداد.
2- "أقول إن جلالة الرجل واختصاصه بأمير المؤمنين علیه السلام أظهر من الشمس. " معجم رجال الحديث، ج 18، ص 314، شرح حال المقداد بن الأسود، الرقم 12607 .
3- " عن ضباعة بنت الزبير بن عبدالمطلب بن هاشم أنها أخبرتها قالت: ذهب المقداد لحاجته ببقيع الخبخبة، فإذا جرةٌ يُخرج من جحر ديناراً، ثم لم يزل يُخرج ديناراً ديناراً حتى أخرج سبعة عشر ديناراً، ثم أخرج خرقة حمراء يعني فيها دينار، فكانت ثمانية عشر - ديناراً، فذهب به إلى النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] فأخبره وقال له خذ صدقتها. فقال له النبي [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] هل هويت إلى الجحر ؟ قال: لا. فقال له رسولالله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] : بارك الله لك فيها. سنن أبي داود، ج 3، ص 181 ، کتاب الخراج والإمارة والفيء، باب ما جاء في الركاز وما فيه، الحديث 3078؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 838 - 839، كتاب اللقطة، باب التقاط ما أخرج الجرذ ، الحديث 2508 ؛ المعجم الكبير، ج 20، ص 260 ، ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب امرأة المقداد عن المقداد ؛ تاريخ دمشق الكبير، ج 63 ، ص 125 ، شرح حال المقداد، الرقم 7771. "وابتنى المقداد أيام عثمان داره بالمدينة في الموضع المعروف بالجرف على أميال من المدينة وجعل أعلاها شرفات وجعلها مخصصة الظاهر والباطن." مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج 2، ص 368، ثروة قوم من الصحابة.

يقول المرحوم التستري :... أن المقداد لم يكن متقشفاً مثل سلمان وأبي ذر(1). [وما في ذلك من بأس ما لم يكن الله حق فيه ] والله يقول {قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيّبات من الرزق}(2).

كما كان في غاية الشجاعة ولم يكن جباناً ضئيلاً فيقال إنه تزلّف لمركز السلطة ليكتسب لنفسه شأناً. كان شديد الإيمان برسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم و بولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام ولم يتراجع عن اعتقاده بهما قيد أنملة. كان من أشد المدافعين عن أمير المؤمنين علیه السلام ولم يخامر التردد قلبه لحظة حتى قيل إنه ما بقي أحد إلاّ وقد جال جولة إلاّ المقداد بن الأسود فإن قلبه كان مثل زبر الحديد(3).

معارضة المقداد الشورى عمر:
اشارة

فضلاً عن معارضته للسقيفة، وقف المقداد معارضاً لشورى عمر أيضاً. ونشير هنا إلى حادثتين تاريخيتين في هذا الصدد:

ص: 255


1- "فإن صح ما قال دلّ على أن المقداد لم يكن متقشفاً مثل سلمان وأبي ذر وقد قال الله تعالى ((قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيّبات من الرزق))، قاموس الرجال، ج 10، ص 231 ، شرح حال المقداد، الرقم 7707.
2- سورة الأعراف، الآية 32.
3- " عن محمد بن بشير عمّن حدثه قال : ما بقى أحد إلاّ وقد جال جولة إلا المقداد بن الأسود، فإن قلبه كان مثل زبر الحديد. " اختيار معرفة الرجال، ص 10 - 11 ، شرح حال سلمان الحديث 22 ؛ الاختصاص، ص 11 ، في أن قلب المقداد كزبر الحديد.
أ- اعتراضه على عبدالرحمن بن عوف :

عندما بايع عبدالرحمن بن عوف عثماناً اعترض عليه المقداد وقال له: لقد تركت علياً وهو من الذين يقضون بالحق وبه يعدلون. فقال له عبد الرحمن : والله لقد اجتهدت للمسلمين. قال المقداد: لم أرَ مظلوماً كأهل البيت. إني لأعجب من قريش يتركون رجلاً لا يدانيه أحد...

فقاطعه عبدالرحمن قائلاً: يا مقداد اتق الله فإني خائف عليك الفتنة(1).

ب - حزن المقداد وأسفه :

قال أحدهم: دخلت مسجد رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] فرأيت رجلاً جاثياً على ركبتيه يتلهف تلهف من كأن الدنيا كانت له فسلبها، وهو يقول: واعجباً لقريش ودفعهم هذا الأمر على (هكذا) أهل بيت نبيهم وفيهم أول المؤمنين وابن عمّ رسول الله أعلم الناس وأفقههم في دين الله وأعظمهم غناءً [ ربما عناءً : المترجم] وأبصرهم بالطريق وأهداهم للصراط المستقيم. والله لقد زووها عن الهادي المهتدي الطاهر النقي وما أرادوا إصلاحاً للأمة ولا صواباً في المذهب ولكنهم آثروا الدنيا على الآخرة. فبعداً وسحقاً للقوم الظالمين. فدنوت منه فقلت: من أنت رحمك الله ومن هذا الرجل؟ فقال: أنا المقداد بن عمرو وهذا الرجل علي بن أبي طالب. قال: فقلت: ألا تقوم بهذا الأمر فأعينك عليه؟ فقال: يا ابن أخي ! إن هذا الأمر لا يجري فيه الرجل ولا الرجلان. ثم خرجت فلقيت أباذر فذكرت له ذلك فقال: صدق أخي المقداد. ثم أتيت عبد الله بن مسعود(2) فذكرت ذلك له فقال: لقد أخبرنا فلم نألُ . [ لقد صوّتنا لصالح عثمان ولن نتراجع ](3).

ص: 256


1- "فقال المقداد: يا عبد الرحمن ! أما والله لقد تركته من الذين يقضون بالحق وبه يعدلون . فقال : يا مقداد! والله لقد اجتهدت للمسلمين. قال: إن كنت أردت بذلك الله فأثابك الله ثواب المحسنين. فقال المقداد: ما رأيت مثل ما أوتي إلى أهل هذا البيت بعد نبيهم، إني لأعجب من قريش أنهم تركوا رجلاً ما أقول إن أحداً أعلم ولا أقضى منه بالعدل. أما والله لو أجد عليه أعواناً... فقال عبدالرحمن: يا مقداد! اتق الله فإني خائف عليك الفتنة " تاريخ الطبري، ج 2، ص 583 ، حوادث سنة 23 هجرية، قصة الشورى ؛ تاريخ المدينة المنورة، ج 3، ص 931 ، كيف تم انتخاب خليفة عمر ؛ الكامل في التاريخ، ج 2، ص 223 - 224 ، حوادث سنة 23 هجرية، ذكر قصة الشورى ؛ شرح نهج البلاغة ، ج 9، ص 56 ، من أخبار يوم الشورى وتولية عثمان، ذيل الخطبة 139 .
2- يبدو من هذه الرواية أن عبدالله بن مسعود كان من الذين انحرفوا عن أمير المؤمنين علیه السلام.
3- قال: دخلت مسجد رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] فرأيت رجلاً جائياً على ركبتيه يتلهف تلهف من كأن الدنيا كانت له فسلبها، وهو يقول: واعجباً لقريش ودفعهم هذا الأمر على ( هكذا) أهل بيت نبيهم وفيهم أول المؤمنين وابن عمّ رسول الله أعلم الناس وأفقههم في دين الله وأعظمهم غناءً وأبصرهم بالطريق وأهداهم للصراط المستقيم . والله لقد زووها عن الهادي المهتدي الطاهر النقي وما أرادوا إصلاحاً للأمة ولا صواباً في المذهب ولكنهم آثروا الدنيا على الآخرة. فبعداً وسحقاً للقوم الظالمين. فدنوت منه فقلت : من أنت رحمك الله ومن هذا الرجل؟ فقال : أنا المقداد بن عمرو وهذا الرجل علي بن أبي طالب . قال : فقلت : ألا تقوم بهذا الأمر فأعينك عليه ؟ فقال : يا ابن أخي! إن هذا الأمر لا يجري فيه الرجل ولا الرجلان. ثم خرجت فلقيت أباذر فذكرت له ذلك فقال: صدق أخي المقداد. ثم أتيت عبدالله بن مسعود فذكرت ذلك له فقال : لقد أخبرنا فلم نأل . " تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 163، أيام عثمان بن عفان.

سؤال:

لماذا اعترض المقداد على السقيفة ودعا أبابكر إلى التنحي عن الخلافة لصالح صاحبها الحقيقي علي بن أبي طالب علیه السلام مذكّراً إياه بواقعة الغدير وفضائل الإمام علي علیه السلام؟ هل فعل ذلك خوفاً أم طمعاً؟ هل تجوز هذه الاحتمالات على رجل ثري له تاريخ نضالي لامع؟

7- خزيمة بن ثابت :

اشارة

كان خزيمة بن ثابت من أصحاب رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم والإمام علي علیه السلام(1). كان ملازماً لهما ولم يفقد إيمانه . شهد حروباً كثيرة حتى استشهد.

سوابق خزيمة بن ثابت ونضاله وفضائله:

شهد خزيمة بن ثابت بدراً والمعارك التي تلتها مع المقاتلين بين يدي رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم (2)يقول الشهيد الثاني في تعليقه على الخلاصة : خزيمة شهد بدراً مع رسول الله وجعل شهادته كشهادة رجلين

ص:257


1- رجال الطوسي، ص19، أصحاب رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] ، باب الخاء ، الرقم 5 وص 40 ، أصحاب علي علیه السلام، باب الخاء، الرقم 2 .
2- "شهد بدراً وما بعدها من المشاهد." الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 2، ص31، شرح حال خزيمة بن ثابت، الرقم 663 ؛ تهذيب الكمال في أسماء الرجال، ج 5 ، ص 455 ، شرح حال خزيمة بن ثابت الرقم 1667 ؛ تهذيب التهذيب، ج 3، ص121، شرح حال خزيمة بن ثابت الرقم 267 .

وكان يسمى ذا الشهادتين (1)، وقال إنه شهد صفين، وبعد استشهاد عمار حمل سلاحه وانطلق إلى الميدان وقاتل حتى استشهد(2) .

لقب "ذو الشهادتين " :

یروى ... أن النبي [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] ابتاع فرساً من رجل من الأعراب فاستتبعه رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم]ليعطيه ثمنه فأسرع النبي[صلّی الله علیه وآله وسلّم] المشي وأبطأ الأعرابي فطفق رجال يلقون الأعرابي يساومونهالفرس ولا يشعرون أن رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] قد ابتاعه حتى زاد بعضهم الأعرابي في السوم على ثمن الفرس الذي ابتاعه رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم]]. فلما زاده نادى الأعرابي رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] فقال: إن كنت مبتاعاً هذا الفرس فابتعه وإلا بعته. فقام النبي [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] حين سمع قول الأعرابي حتى أتاه الأعرابي ، فقال [صلّی الله علیه وآله وسلّم]: ألست قد ابتعته منك ؟ فقال الأعرابي : لا والله ما بعتكه. فقال رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم]: بلى قد ابتعته منك . فطفق الناس يلوذون بالنبي [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] وبالأعرابي وهما يتراجعان، فطفق الأعرابي يقول : هلم شهيداً يشهد أني بعتك فمن جاء من المسلمين قال للأعرابي : ويلك إن رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] [لم] يكن ليقول إلا حقاً. حتى جاء خزيمة بن ثابت فاستمع تراجع رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] وتراجع الأعرابي، فطفق الأعرابي يقول : هلم شهيداً يشهد أني بايعتك. فقال خزيمة: أنا أشهد أنك قد بايعته فأقبل رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] على خزيمة بن ثابت فقال: بم تشهد؟ فقال : بتصديقك يا رسول الله . فجعل رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] شهادة خزيمة شهادة رجلين... [ عن محمد بن عمارة بن خزيمة قال] : قال رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] يا خزيمة بم تشهد ولم تكن معنا؟ قال:

ص: 258


1- "وقال الشهيد الثاني رحمه الله في تعليقه على الخلاصة : خزيمة شهد بدراً مع رسول الله وجعل شهادته كشهادة رجلين وكان يسمى ذا الشهادتين" تنقيح المقال في علم الرجال، ج 25 ، ص 279 ، شرح حال خزيمة بن ثابت، الرقم 182 / 7541.
2- " وكان مع علي بصفين، فلما قتل عمار جرد سيفه فقاتل حتى قتل وكانت صفين [سنة] سبع وثلاثين. " الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 2، ص31، شرح حال خزيمة بن ثابت، الرقم 663 ؛ تهذيب الكمال في أسماء الرجال، ج 5، ص 456، شرح حال خزيمة بن ثابت، الرقم 1667 ؛ تهذيب التهذيب، ج 3، ص 121 ، شرح حال خزيمة بن ثابت، الرقم 267 ؛ سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 487، شرح حال خزيمة بن ثابت الرقم 100 .

يا رسول الله أنا أصدقك بخبر السماء ولا أصدقك بما تقول ! فجعل رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] شهادته شهادة رجلين(1).

ولاؤه:

كان خزيمة من السابقين إلى التمسك بالإمام علي علیه السلام(2) ، ولما جلس الإمام علي علیه السلام على المنبر وأخذ الناس يبايعونه، وقف خزيمة إلى جوار المنبر وأنشد يقول:

إذا نحن بايعنا علياً فحسبنا ***أبوحسن مما نخاف من الفتن

وجدناه أولى الناس بالناس أنه *** أطبّ قريشاً (هكذا) بالكتاب وبالسنن

وإن قريشاً ما تشق غباره*** إذا ما جرى يوماً على الضمر البدن

ص: 259


1- " عن الزهري عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن عمه وكان من أصحاب النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] أن النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] ابتاع فرساً من رجل من الأعراب فاستتبعه رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] ليعطيه ثمنه فأسرع النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] المشي وأبطأ الأعرابي فطفق رجال يلقون الأعرابي يساومونه الفرس ولا يشعرون أن رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] قد ابتاعه حتى زاد بعضهم الأعرابي في السوم على ثمن الفرس الذي ابتاعه رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم]. فلما زاده نادى الأعرابي رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] فقال : إن كنت مبتاعاً هذا الفرس فابتعه وإلا بعته، فقام النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] حين سمع قول الأعرابي حتى أتاه الأعرابي، فقال [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] : ألست قد ابتعته منك ؟ فقال الأعرابي : لا والله ما بعتكه . فقال رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] : بلى قد ابتعته منك . فطفق الناس يلوذون بالنبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] وبالأعرابي وهما يتراجعان، فطفق الأعرابي يقول : هلم شهيداً يشهد أني بعتك فمن جاء من المسلمين قال للأعرابي : ويلك إن رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] يكن ليقول إلا حقاً. حتى جاء خزيمة بن ثابت فاستمع تراجع رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] وتراجع الأعرابي، فطفق الأعرابي يقول : هلم شهيداً يشهد أني بايعتك. فقال خزيمة: أنا أشهد أنك قد بايعته فأقبل رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] على خزيمة بن ثابت فقال: : بم تشهد ؟ فقال : بتصديقك يا رسول الله . فجعل رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] شهادة خزيمة شهادة رجلين ... عن محمد بن عمارة بن خزيمة قال : قال رسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم]: يا خزيمة بم تشهد ولم تكن معنا؟ قال: يا رسول الله أنا أصدقك بخبر السماء ولا أصدقك بما تقول ! فجعل رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] شهادته شهادة رجلين " الطبقات الكبرى، ج 4 ، ص378-380، شرح حال خزيمة بن ثابت. وفي مسند أحمد باختلاف قليل، ج 5، ص 215 - 216، حديث خزيمة بن ثابت ؛ سنن النسائي، ج 7، ص 302 ، كتاب البيوع التسهيل في ترك الإشهاد على البيع ؛ ويصحح الحاكم النيسابوري الحديث "هذا حديث صحيح الإسناد ورجاله باتفاق الشيخين ثقاة ولم يخرجاه. " المستدرك على الصحيحين، ج 2، ص 21 - 22 ، كتاب البيوع، الحديث 2187.
2- خزيمة بن ثابت من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين قاله الفضل بن شاذان . " خلاصة الأقوال في معرفة الرجال، ص 139 ، الرقم 380، خزيمة.

وفيه الذي فيهم من الخير كله ***وما فيهم كل الذي فيه من حسن(1)

ويروي اليعقوبي كذلك أنه لما كان الناس يبايعون أمير المؤمنين، قام خزيمة فقال : يا أمير المؤمنين ! ما أصبنا لأمرنا هذا غيرك ولا كان المنقلب إلاّ إليك . ولئن صدقنا أنفسنا فيك فلأنت أقدم الناس إيماناً وأعلم الناس بالله وأولى المؤمنين برسول الله لك ما لهم وليس لهم ما لك. [لك كل ما لهم من الفضائل وليس لهم كل ما لك منها ](2). كان أمير المؤمنين يعلم أن حرب صفين ستحصد الكثير من النفوس والأرواح، لذا قدّم لها بأن ذكّر الناس بفضائله وخصائصه ليطلع عليها أيضاً الجيل الثاني والجيل الثالث، بعد أن أخفتها الحكومات السابقة بحجة منع الحديث لكي لا تسمع بها الأجيال التالية. وعلى هذا كان بعض المسلمين يجهلون فضائله ومزاياه.

عندما وصلوا إلى الرحبة، سأل الإمام من سمع النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] يوم غدير خم ما قال "من كنت مولاه فهذا علي مولاه" إلاّ قام ولا يقوم إلا من سمع رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] يقول . فقام

ص: 260


1- "لما بويع علي بن أبي طالب [ علیه السلام] على منبر رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] قال خزيمة بن ثابت وهو واقف بين يدي المنبر : إذا نحن بايعنا علياً فحسبنا *** أبوحسن . أبو حسن مما نخاف من الفتن وجدناه أولى الناس بالناس أنه*** أطبّ قريشاً (هكذا) بالكتاب وبالسنن وإن قريشاً ما تشق غباره*** إذا ما جرى يوماً على الضمر البدن وفيه الذي فيهم من الخير كله*** وما فيهم كل الذي فيه من المستدرك على الصحيحين، ج 3، ص 124 ، كتاب معرفة الصحابة، ذكر إسلام أمير المؤمنين علي [علیه السلام] ، الحديث 4595 ؛ الفتوح، ج2، ص 451 ، ذكر وقعة الجمل.
2- "واستخلف علي بن أبي طالب بن عبد المطلب ... ثم قام خزيمة بن ثابت الأنصاري وهو ذو الشهادتين فقال : يا أمير المؤمنين ! ما أصبنا لأمرنا هذا غيرك ولا كان المنقلب إلاّ إليك. ولئن صدقنا أنفسنا فيك فلأنت أقدم الناس إيماناً وأعلم الناس بالله وأولى المؤمنين برسول الله، لك ما لهم وليس لهم ما لك ."تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص179، خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.

اثناعشر رجلاً (رغم أنه لم يكن هناك اتفاق مسبق على الأمر) فيهم أبو أيوب الأنصاري وخزيمة بن ثابت(1).

موقف خزيمة من عائشة:

أنشد خزيمة في معركة الجمل شعراً مخاطباً عائشة قال فيه:

أعائش خلي عن علي وعيبه ***بما ليس فيه إنما أنت والدة

وصي رسول الله من دون أهله *** وأنت على ما كان . وأنت على ما كان من ذاك شاهدة

وحسبك منه بعض ما تعلمينه*** ويكفيك لو لم تعلمي غير واحدة

[كنتِ حاضرة في يوم الغدير حين أمر النبي أزواجه بمبايعة علي]

إذا قيل ماذا عبت منه رميته ***

وهل نصرت عثمان أنت؟] بخذل ابن عفان وما تلك آبدة

وليس سماء الله قاطرة دماً*** لذاك وما الأرض الفضاء بمائدة(2)

ص: 261


1- عن الأصبغ بن نباتة قال: نشد علي الناس في الرحبة من سمع النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] يوم غدير خم ما قال إلا قام. ولا يقوم إلاّ من سمع رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] يقول، فقام بضعة عشر رجلاً فيهم أبو أيوب الأنصاري وأبو عمرة بن عمرو بن محصن وأبوزينب وسهل بن حنيف وخزيمة بن ثابت وعبد الله بن ثابت الأنصاري وحبشي بن جنادة السلولي وعبيد بن عازب الأنصاري والنعمان بن عجلان الأنصاري وثابت بن وديعة الأنصاري وأبو فضالة الأنصاري وعبد الرحمن بن عبدرب الأنصاري فقالوا نشهد أنا سمعنا رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] يقول: ألا إن الله عزّ وجلّ وليي وأنا ولي المؤمنين، ألا فمن كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأحبه من أحبّه وأبغض من أبغضه وأعن من أعانه . " أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 3، ص 465 ، شرح حال عبدالرحمن بن عبدرب الأنصاري، الرقم .3347.
2- وقال" خزيمة أيضاً في يوم الجمل : أعائش خلي عن علي وعيبه ***بما ليس فيه إنما أنت والدة وصي رسول الله من دون أهله ***وأنت على ما كان من ذاك شاهدة وحسبك منه بعض ما تعلمينه***ويكفيك لو لم تعلمي غير واحدة إذا قيل ماذا عبت منه رميته***بخذل ابن عفان وما تلك آبدة وليس سماء الله قاطرة دماً *** لذاك وما الأرض الفضاء بمائدة. شرح نهج البلاغة ، ج 1 ، ص 146 ، ما ورد في الوصاية من الشعر، ذيل الخطبة الثانية.
خزيمة وآمال أمير المؤمنين علیه السلام:

يقول نوف البكالي: قال الإمام علي علیه السلام في أواخر حياته (سنة 40 هجرية) في الكوفة: أين إخواني الذين ركبوا الطريق ومضوا على الحق؟ أين عمار؟ وأين ابن التيهان؟ وأين ذو الشهادتين ؟(1)

خزيمة ومديح الإمام الصادق علیه السلام :

يقول أبو حمزة حفيد خزيمة بن ثابت : والله إني لعلى ظهر بعيري بالبقيع إذ جاءني رسول، فقال: أجب يا أباحمزة! فجئت وأبو عبد الله [ علیه السلام] جالس، فقال: إني لأستريح إذا رأيتك. ثم قال: إن أقواماً يزعمون أن علياً[ علیه السلام] لم يكن إماماً حتى شهر سيفه، [إذا كان الأمر كما يزعمون] خاب إذن عمار وخزيمة بن ثابت وصاحبك أبو عمرة(2).

يتبين من هذه الحادثة أن الإمام الصادق علیهم السلام يستدل بعمل عمار وخزيمة وأبي عمرة لتفنيد رأي من يرى عدم إمامة الإمام علي علیه السلام قبل حمله السيف ، وهذا دليل على عظمة هؤلاء بحيث تكون أقوالهم وأفعالهم حجة.

سؤال:

ألا يكفي أن يشهد على صحة خلافة علي علیه السلام صاحب رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم الذي اعتبر شهادته شهادة رجلين ؟ أليس هذا مريباً؟ أوليس معارضته للسقيفة والقائمين عليها حجة شرعية ضد ما نتج عنها ؟

ص: 262


1- " أين إخواني الذين ركبوا الطريق ومضوا على الحق؟ أين عمار؟ وأين ابن التيهان؟ وأين ذو الشهادتين؟ " نهج البلاغة، ص 248، الخطبة 182 .
2- "قال : والله إني لعلى ظهر بعيري بالبقيع إذ جاءني رسول، فقال : أجب يا أبا حمزة فجئت وأبو عبد الله [علیه السلام] جالس، فقال : إني لأستريح إذا رأيتك . ثم قال : إن أقواماً يزعمون أن علياً [ علیه السلام] لم يكن إماماً حتى شهر سيفه، خاب إذن عمار وخزيمة بن ثابت وصاحبك أبو عمرة. " اختيار معرفة الرجال، ص 33، شرح حال عمار بن ياسر الحديث 61 .

8- بريدة:

اشارة

يقول الشيخ الطوسي إن بريدة كان من صحابة رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم وأصحاب أمير المؤمنين علیه السلام و من قبيلة خزاعة(1) .

موقعه الاجتماعي:

في فتح مكة، كان بريدة أحد أصحاب الألوية في قبيلته(2)، وهذا يكشف عن منزلته في قبيلته ؛ لأن الألوية لم تكن حينئذٍ تُعطى لكل أحد.

وقد كلفه النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم بجمع صدقات قبيلته كان يسكن المدينة ومنها ذهب إلى البصرة ثم إلى مرو. توفي في مرو سنة 63 هجرية فكان آخر صحابي توفي في خراسان(3).

جهاده:

كان بريدة من المقاتلين الذين شهدوا خيبر وأصيب فيها بجراح كثيرة. وفي فتح مكة كان ملازماً للنبي صلّی الله علیه وآله وسلّم(4).

ص: 263


1- رجال الطوسي، ص 10 و 35، أصحاب رسول الله ،[صلّی الله علیه وآله وسلّم] باب الباء، الرقم 21 وأصحاب علي [علیه السلام]، باب الباء، الرقم 1.
2- "أسلم حين اجتاز به النبي[صلّی الله علیه وآله وسلّم ] مهاجراً إلى المدينة وشهد غزوة خيبر وأبلى يومئذ وشهد فتح مكة وكان معه أحد لوائي أسلم. تهذيب الكمال في أسماء الرجال، ج 3، ص 31 ، شرح حال بريدة، الرقم 650 . " وكان معه اللواء. " سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 469، شرح حال بريدة، الرقم 91 . " وقال : لا يدخل النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] المدينة إلا ومعه لواء فمشى بين يديه حتى دخل المدينة." الوافي بالوفيات، ج 10، ص 124 ، شرح حال بريدة، الرقم 4584 . "بريدة بن الحصيب بن عبد الله الأسلمي أبو عبد الله ويقال : أبوسهل، صاحب لواء (أسلم)، اجتاز به النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] مهاجراً إلى المدينة. " الفوائد الرجالية، ج 2، ص128، شرح حال بريدة.
3- "سكن المدينة، ثم انتقل إلى البصرة ثم انتقل إلى مرو، مات بها واستعمله النبي على صدقات قومه ... وقال محمد بن سعد : توفي بخراسان سنة ثلاث وستين... زاد غيره. وهو آخر من مات بخراسان من أصحاب رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] " تهذيب الكمال في أسماء الرجال، ج 3، ص 31 - 32، شرح حال بريدة، الرقم 650 ؛ الطبقات الكبرى، ج 4 ، ص 242، شرح حال بريدة.
4- " وشهد غزوة خيبر وأبلى يومئذ وشهد فتح مكة . " تهذيب الكمال في أسماء الرجال، ج 3، ص 31، شرح حال بريدة، الرقم 650 ؛ الوافي بالوفيات، ج 10، ص 124، شرح حال بريدة، الرقم 4584.
تدينه وولاؤه :

يقول الفضل بن شاذان إن بريدة رجع إلى علي بن أبي طالب علیه السلام بسرعة قصوى(1).

ويقول العلامة المامقاني: بالجملة فالأخبار في غيرته للحق وإنكاره على لصوص الخلافة وهجره المدينة إلى أن عاد الحق إلى أمير المؤمنين علیه السلام متواترة المعنى. وهي تكشف كشفاً قطعياً عن قوة إيمانه ورسوخ ملكته وخشونته في ذات الله وتصلبه في الديانة واتصافه بأعلى مراتب الوثاقة والعدالة والرجل إمامي عدل ثقة بلا شبهة(2).

سؤال:

لٍمَ لم يُلتفت إلى كلام بريدة؟ لٍمَ قوبل تذكيره بواقعة الغدير وتوصيات النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم بالإمام علي علیه السلام بالصمم ؟ أفلم يكن صاحب رسول الله الأمين؟

9 - سهل بن حنيف :

اشارة

يشهد علماء الشيعة(3)، والسنة أن سهل بن حنيف كان من صحابة رسول الله(4)، واعتبر أيضاً من أصحاب أمير المؤمنين علیه السلام(5)

ص: 264


1- "من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين... بريدة الأسلمي. " اختيار معرفة الرجال، ص 38 ، الرقم 78، حذيفة وعبد الله بن مسعود.
2- "بالجملة فالأخبار في غيرته للحق وإنكاره على لصوص الخلافة وهجره المدينة إلى أن عاد الحق إلى أمير المؤمنين علیه السلام متواترة المعنى. وهي تكشف كشفاً قطعياً عن قوة إيمانه ورسوخ ملكته وخشونته في ذات الله وتصلبه في الديانة واتصافه بأعلى مراتب الوثاقة والعدالة. والرجل إمامي عدل ثقة بلا شبهة " تنقيح المقال في علم الرجال، ج 12، ص 149 ، شرح حال بريدة بن الخضيب الأسلمي، الرقم 2961 .
3- رجال الطوسي، ص 20، أصحاب رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم،باب السين، الرقم 4 .
4- للمزيد من الاطلاع على شرح حاله راجع :الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 2، ص 223، شرح حال سهل بن حنيف، الرقم 1089 ؛ أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 2، ص 572 ، شرح حال سهل بن حنيف، الرقم 2289 ؛ معرفة الصحابة، ج2، ص 440، شرح حال سهل بن حنيف، الرقم 1181 .
5- رجال الطوسي، ص 43 ، أصحاب علي علیه السلام، باب السين، الرقم 3 .
موقعه الاجتماعي:

يقول الإمام الصادق علیه السلام : كان ( سهل بن حنيف) من النقباء. فقيل له : هل هم النقباء الاثناعشر الذين ذكرهم النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم؟ فقال علیه السلام : نعم، إنه من السبعين رجلاً الذين اختير منهمالاثنا عشر(1).

توفي سهل بن حنيف في الكوفة بعد العودة من حرب صفين. وكان أمير المؤمنين علیه السلام يحبه أكثر من سواه، وقال: لو أحبني جبل لتهافت(2). أي أنه سيتحمل بسبب-ي م-ن الآلام والمصائب ما يطاق.

جهاد سهل بن حنيف وسوابقه:

كان سهل بن حنيف من المجاهدين الأشداء في الإسلام وله تاريخ جهادي لامع. شهد بدراً وجميع غزوات النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم. ومن مفاخره أنه كان من القلائل الذين صمدوا مع النبي في غزوة أحد بعد أن تركه الآخرون(3).

في حين كان الخليفة الثاني، كما يعترف بلسانه، يقفز كالوعل هارباً في التلال (4)وبعضهم، ومنهم الخليفة الثالث، ولوا هاربين بعيداً ولم يعودوا إلا بعد انتهاء الحرب بثلاثة أيام(5)وانهزم

ص: 265


1- "قال أبو عبد الله علیه السلام ... وذكر سهل بن حنيف، فقال: كان من النقباء. فقلت له: من نقباء نبي الله الاثني عشر؟ فقال: نعم، كان من الذين اختيروا من السبعين. " الأصول الستة عشر من الأصول الأولية، ص 258، أصل محمد بن المثنى بن القسم الحضرمي. جدير بالذكر أن المؤرخين ذكروا أسماء النقباء الاثني عشر ولم يكن بينها اسم سهل بن حنيف عدا رواية الإمام الصادق علیه اسلام.
2- " وقال علیه السلام وقد توفي سهل بن حنيف الأنصاري بالكوفة بعد مرجعه معه من صفين وكان [من] أحبّ الناس إليه: لو أحبني جبل لتهافت . " نهج البلاغة، ص 462 ، الحكمة 111 ؛ شرح نهج البلاغة ، ج 18 ، ص 275 ، الحكمة 108 .
3- "شهد بدراً والمشاهد كلها مع رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] وثبت يوم أحد مع رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] لمّا انهزم الناس وكان بيعه يومنذ على الموت وكان يرمي بالنبل عن رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] ." أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 2، ص 573 ، شرح حال سهل بن حنيف، الرقم 2289 ؛ الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 2، ص223، شرح حال سهل بن حنيف ، الرقم 1089 ؛ الطبقات الكبرى، ج 3، ص 471، شرح حال سهل بن حنيف.
4- خطب عمر يوم الجمعة فقرأ آل عمران وكان يعجبه إذا خطب أن يقرأها فلما انتهى إلى قوله ((إن الذين تَوَلَّوْا منكم يومَ التقى الجمعان)) قال : لما كان يوم أحد هزمناهم، ففررت حتى صعدت الجبل، فلقد رأيتني أنزو كأنني أروى والناس يقولون : قتل محمد، فقلت : لا أجد أحداً يقول: قتل محمد إلاّ قتلته حتى اجتمعنا على الجبل فنزلت (( إن الذين تَوَلَّوْا منكم يوم التقى الجمعان)) الآية كلها. " الدر المنثور في التفسير بالمأثور، ج 2، ص 332 - 333، ذيل الآية 155 سورة آل عمران وص315 ، ذيل الآية 145 سورة آل عمران. لمزيد من الاطلاع على فرار عمر، راجع المغازي، ج 1، ص 295، غزوة أحد، وج 2، ص 609 ، غزوة الحديبية ؛ شرح نهج البلاغة، ج 15 ، ص 22 ، القول فيمن ثبت مع رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] يوم أحد ؛ التفسير الكبير ، ج 9، ص 50 ، ذيل الآية 155 سورة آل عمران.
5- " ومنهم أيضاً عثمان، انهزم مع رجلين من الأنصار يقال لهما سعد وعقبة، انهزموا حتى بلغوا موضعاً بعيداً ثم رجعوا بعد ثلاثة أيام، فقال لهم النبي الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم] : لقد ذهبتم فيها عريضة . " التفسير الكبير، ج 9، ص 50 ، ذيل الآية 155 سورة آل عمران ؛ تاريخ الطبري، ج 2، ص 69، حوادث سنة 3 هجرية، غزوة أحد ؛ الدر المنثور في التفسير بالمأثور، ج 2، ص 333، ذيل الآية 155 سورة آل عمران.

آخرون حاملين معهم أسلحتهم فاعترضتهم نساء ثبتن في المعركة فقلن لهم ألقوا أسلحتكم ولا تأخذوها معكم!(1).

بعد أن هاجر النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم بايعه جماعة في الظاهر وهم يخفون الكفر ولم يسلموا. وكان سهل يكسر أصنامهم في الليل وكانت من الخشب ويعطيها لأرملة فقيرة من الأنصار، ويقول : اتخذيها حطباً . فسمع الإمام علي علیه السلام بذلك فمدحه عليه. وبعد أن توفي سهل كان الإمام علیه السلام يذكره ويروي تلك الحكاية ويثني عليه بها(2).

ص: 266


1- "قالت أم عمارة : قد رأيتني وانكشف الناس عن رسول الله فما بقي إلا في نفير ما يتمون عشرة وأنا وابناي وزوجي بين يديه نذب عنه والناس يمرون به منهزمين ورآني لا ترس معي فرأى رجلاً مولّياً معه ترس فقال لصاحب الترس ألق ترسك إلى من يقاتل! فألقى ترسه فأخذته فجعلت أتترس به عن رسول الله ... " الطبقات الكبرى، ج 8، ص 413 - 414 ، شرح حال أم عمارة نسيبة بنت كعب ؛ سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 279، شرح حال أم عمارة نسيبة بنت كعب، الرقم 50 .
2- " و أقام علي بن أبي طالب[علیه السلام] بمكة ثلاث ليال وأيامها حتى أدّى عن رسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم] الودائع التي كانت عنده إلى الناس. حتى إذا فرغ منها لحق برسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] فنزل معه على كلثوم بن هدم فكان علي يقول : وإنما كانت إقامته بقباء على امرأة لا زوج لها مسلمة، ليلة أو ليلتين وكان يقول : كنت نزلت بقباء على امرأة لا زوج لها مسلمة، فرأيت إنساناً يأتيها في جوف الليل فيضرب عليها بابها فتخرج إليه فيعطيها شيئاً معه. قال: فاستربت لشأنه، فقلت لها : يا أمة الله ! من هذا الرجل الذي يضرب عليك بابك كل ليلة فتخرجين إليه فيعطيك شيئاً ما أدري ما هو، وأنت امرأة مسلمة لا زوج لك ؟ قالت: هذا سهل بن حنيف بن واهب، قد عرف أني امرأة لا أحد لي، فإذا أمسى عدا على أوثان قومه فكسرها ثم جاءني بها وقال: احتطبي بهذا .فكان علي بن أبي طالب يأثر ذلك من أمر سهل بن حنيف حتى هلك عنده بالعراق . " تاريخ الطبري، ج 1، ص 571 ، تاريخ ما قبل الهجرة، ذكر الخبر عما كان من أمر نبي الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] عند ابتداء الله تعالى ذكره إياه بإكرامه بإرسال جبريل علیه السلام إليه بوحيه ؛ البداية والنهاية، ج 3، ص 195 - 196 ، في دخوله علیه السلام المدينة وأين استقر منزله ؛ السيرة النبوية / ابن هشام، ج 2، ص 138 - 139 ، ابن حنيف وتكسيره الأصنام.

سؤال:

لٍمَ لم يسمع كلام رجل كان من النقباء ؟ لٍمَ لم يُصعَ إلى رجل لم يتخلّ عن دينه ولا نبيه حتى في أحلك الساعات حين تخلى عنه غيره؟

هل كان سهل يستهدف الجاه والمنصب وحطام الدنيا؟ لو كان كذلك، لتخلى عن رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم مع من تخلى عنه في ساعات الشدّة ونفذ بجلده من الميدان سالماً كما فعل غيره.

10 - عثمان بن حنيف:

كان عثمان بن حنيف من صحابة رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم(1)، ومن أصحاب أمير المؤمنين علیه السلام(2) وكان من الذين حسموا أمر ولائهم بسرعة وخرجوا من الفتنة وأصحابها(3) . رغم أن الإمام علياً علیه السلام كان ومازال مظلوماً إلا أنه لابد من القول بأنه في الوقت الذي كان هناك تساقط في الكثير من المسلمين، كان هناك تسام في بعضهم أيضاً. ففي حين سقط أمثال طلحة والزبير، فإن أمثال مالك الأشتر سمت بهم تربيتهم في مدرسة علي علیه السلام . كان هناك من الأصحاب الأوفياء الذين لم يسمحوا حتى بذكر الإمام علیه السلام بسوء. وهم الذين أخمدوا نار الفتنة والاضطرابات التي اشتعلت في البصرة.

إن فشل مشروع الانقلاب الذي تزعّمه طلحة والزبير وعائشة وسخروا كل طاقاتهم له يعود في أحد أسبابه إلى وجود أمثال هؤلاء الرجال المخلصين. لم يكن يظن الأعداء أن الإمام علیه السلامسيتمكن من إنتاج هذه النخبة الصالحة مع عزلته التي دامت خمساً وعشرين سنة.

ص: 267


1- "عثمان بن حنيف ... له صحبة. " تهذيب الكمال في أسماء الرجال، ج 12، ص 395 ، شرح حال عثمان بن حنيف، الرقم 4389 .
2- رجال الطوسي، ص 47 ، أصحاب علي علیه السلام، باب العين، الرقم 11 .
3- " من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين علیه السلام ... عثمان بن حنيف . " اختيار معرفة الرجال، ص38، الرقم 78، حذيفة وعبد الله بن مسعود .

من هؤلاء الأصحاب، عثمان بن حنيف الذي كان والياً على البصرة. فعندما اقتحم أصحاب الفتنة البصرة خرج لمنعهم من دخولها واشتبك معهم. ثم توصل الجانبان إلى اتفاق على أن يلقوا السلاح حتى يصل الإمام علي علیه السلام الذي كان في طريقه إلى البصرة.

ولكن أصحاب الفتنة نقضوا الاتفاق واقتحموا مقر الولاية وضربوا عثمان بن حنيف ونتفوا شعر لحيته وهو صاحب رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم . ثم اضطروا لإطلاق سراحه خوفاً على أهلهم في المدينة من أخيه سهل بن حنيف وسائر الأنصار الموجودين هناك. ولولا خوفهم لفعلوا بعثمان ما الله وحده يدريه(1) .

يقول الطبري: لما أخذوا عثمان بن حنيف أرسلوا أبان بن عثمان إلى عائشة يستشيرونها في أمره. قالت :اقتلوه فقالت لها امرأة : نشدتك بالله يا أمّ المؤمنين في عثمان وصحبته لرسول الله [ صلّی الله علیه وآله ] [إذا كان جرماً أن يكون والياً لعلي وعدم رضوخه للباطل] قالت: ردّوا أباناً، فردّوه. [وأمرت بأن یُحبس عثمان بن حنيف] فقالت: احبسوه ولا تقتلوه! قال: لو علمت أنك تدعينني لهذا لم أرجع [لو كنت أعلم أنك دعوتني من أجل تخفيف الحكم وإلغاء الإعدام لما أتيت]. فقال لهم مجاشع بن مسعود: اضربوه وانتفوا شعر لحيته. فضربوه أربعين سوطاً ونتفوا شعر لحيته ورأسه وحاجبيه وأشفار عينيه وحبسوه (2).

ص: 268


1- " فأتوا البصرة فخرج إليهم عثمان بن حنيف فمانعهم وجرى بينهم قتال. ثم إنهم اصطلحوا بعد ذلك على كفّ الحرب إلى قدوم علي. فلما كان في بعض الليالي بينوا عثمان بن حنيف فأسروه وضربوه ونتفوا لحيته . ثم إن القوم استرجعوا وخافوا على مخلّفيهم بالمدينة من أخيه سهل بن حنيف وغيره من الأنصار، فخلّوا عنه. " مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج 2، ص 395 ، ذكر الأخبار عن يوم الجمل وبدئه وما كان فيه من الحرب وغير ذلك، المسير إلى البصرة. وباختلاف قليل في أنساب الأشراف، ج3، ص 26، وقعة الجمل.
2- عن سهل بن سعد قال : لما أخذوا عثمان بن حنيف أرسلوا أبان بن عثمان إلى عائشة يستشيرونها في أمره. قالت: اقتلوه فقالت لها امرأة: نشدتك بالله يا أم المؤمنين في عثمان وصحبته لرسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] قالت: ردّوا أباناً، فردّوه. فقالت: احبسوه ولا تقتلوه! قال : لو علمت أنك تدعينني لهذا لم أرجع فقال لهم مجاشع بن مسعود اضربوه وانتفوا شعر لحيته . فضربوه أربعين سوطاً ونتفوا شعر لحيته ورأسه وحاجبيه وأشفار عينيه وحبسوه. " تاريخ الطبري، ج 3، ص 18 ، حوادث سنة 36 هجرية، دخولهم البصرة والحرب بينهم وبين عثمان بن حنيف. وباختلاف قليل في الكامل في التاريخ، ج 2، ص319 ، حوادث سنة 36 هجرية، ذكر ابتداء وقعة الجمل ؛ الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 1، ص 422 ، شرح حال حكيم بن جبلة العبدي، الرقم 558 .

على أنه كان هناك نحو أربعين رجلاً في مقر الولاية قتلوا جميعاً(1) وحين أرادوا قتل عثمان بن حنیف، قال: افعلوا بي ما شئتم ولكن اعلموا أن أخي سيثأر لي وسيفعل بأهلكم ما تفعلون بي (2)

سؤال:

هل يجوز على من يتحمل صنوف التعذيب من أجل دينه أن يتخلى عن معتقداته بسهولة ويشهد بالزور ؟ ألم يشهد بأن النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم لم يولٍّ إلاّ علياً وأولاده علیهم الإسلام؟

11 - سلمان الفارسي:

اشارة

كان اسمه قبل الإسلام روز به ثم سماه النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم سلمان. كنيته أبو عبد الله وأبوالبينات وأبوالمرشد. لقبه "سلمان" الخير" و "سلمان المحمدي" بعد أن منحه النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم هذه الهوية بقوله: «سلمان منا أهل البيت». فكان إذا عرّف نفسه قال: أنا سلمان ابن الإسلام، أنا من بني آدم(3).

ص: 269


1- تاريخ الطبري، ج 3، ص 17، حوادث سنة 36 هجرية دخولهم البصرة والحرب بينهم وبين عثمان بن حنيف.
2- "قال : لما قتل حكيم بن جبلة، أرادوا أن يقتلوا عثمان بن حنيف فقال : ما شئتم أما إن سهل بن حنيف وال على المدينة وإن قتلتموني انتصر، فخلّوا سبيله . " تاريخ الطبري، ج 3، ص 21 ، حوادث سنة 36 هجرية، دخولهم البصرة والحرب بينهم وبين عثمان بن حنيف ، الكامل في التاريخ، ج 2، ص 321، حوادث سنة 36 هجرية، ذكر ابتداء وقعة الجمل.
3- " سلمان الفارسي أبو عبد الله ويعرف بسلمان الخير مولى رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] وسئل عن نسبه فقال : أنا سلمان ابن الإسلام. أصله من فارس من رام هرمز وقيل إنه من جي وهي مدينة إصفهان. وكان اسمه قبل الإسلام ما به بن بوذخشان بن مورسلان بن بهبوذان بن فیروز بن سهرك من ولد آب الملك . " أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 2، ص 510 ، شرح حال سلمان، الرقم 2159 ؛ الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 2، ص 194 ، شرح حال سلمان، الرقم 194. حتى بلغ سلمان فقال : انتسب يا سلمان ! قال : ما أعرف لي أباً في الإسلام ولكني سلمان ابن الإسلام " المصنف، ج 11، ص 438 ، باب الغمر والفخر بأهل الجاهلية، الحديث 20942 . "كان اسم سلمان قبل الإسلام روز به ابن خشنودان أو ماهويه أو بهبود ابن بدخشان من ولد منوجهر الملك أو ناجية بن بدخشان أو سمنكان أو غير ذلك، على اختلاف أقوال المؤرخين وأرباب المعاجم . وقد سماه رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم و سلمان وكان يلقب سلمان الخير وسلمان المحمدي. وكان إذا سئل : من أنت ؟ يقول : أنا سلمان ابن الإسلام، أنا من بني آدم. وكنيته أبو عبد الله وأبو البينات وأبوالمرشد وكان أمير المؤمنين علیه السلام سماء سلسل أصله من شيراز أو رام هرمز أو الأهواز أو شوشتر أو إصفهان من قرية يقال لها جي. " تنقيح المقال في علم الرجال، ج 32، ص 236 - 237 ، شرح حال سلمان، الرقم 539 . لمزيد من الاطلاع على الاختلاف في اسم سلمان قبل الإسلام والاختلاف في مدينته، راجع: تاريخ دمشق الكبير ، ح 23 ، ص 265 ، شرح حال سلمان ابن الإسلام الرقم 2606 .

دخل ذات يوم مجلس رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم فوجد وجهاء قريش فتخطاهم وجلس في صدر المجلس فغلى الدم في عروقهم وقال له بعضهم: من أنت حتى تتخطانا؟ وقال له آخر : ما حسبك ونسبك؟ قال سلمان: أنا ابن الإسلام، كنت عبداً فأعتقني الله بمحمد صلّی الله علیه وآله وسلّم ووضيعاً فرفعني بمحمد صلّی الله علیه وآله وسلّم وفقيراً فأغناني بمحمد صلّی الله علیه وآله وسلّم ، فهذا حسبي ونسبي. فقال رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم:

صدق سلمان، صدق سلمان، من أراد أن ينظر إلى رجل نوّر الله قلبه بالإيمان فلينظر إلى سلمان. وتنافس المهاجرون والأنصار كل يقول : سلمان منا. فقال رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم: بل سلمان منا أهل البيت(1).

ص: 270


1- "دخل ذات يوم مجلس رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم فوجد وجهاء قريش فتخطاهم وجلس في صدر المجلس فغلى الدم في عروقهم وقال له بعضهم: من أنت حتى تتخطانا؟ وقال له :آخر ما حسبك ونسبك ؟ قال سلمان : أنا ابن الإسلام، كنت عبداً فأعتقني الله بمحمد الله صلّی الله علیه وآله وسلّم ووضيعاً فرفعني بمحمد صلّی الله علیه وآله وسلّم وفقيراً فأغناني بمحمد صلّی الله علیه وآله وسلّم ، فهذا حسبي ونسبي. فقال رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم: صدق سلمان، صدق سلمان، من أراد أن ينظر إلى رجل نوّر الله قلبه بالإيمان فلينظر إلى سلمان. وتنافس المهاجرون والأنصار كلِّ يقول : سلمان منا. فقال رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم: بل سلمان منا. أهل البيت . " الاحتجاج على أهل اللجاج، ج 1، ص 150 ، الهامش، ترجمة سلمان الفارسي. يروي ابن عساكر: عن أبي هريرة قال : تخطى سلمان الفارسي حلقة قريش وهم عند رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] في مجلسه، فالتفت إليه رجل منهم فقال : ما حسبك وما نسبك وبما اجترأت أن تخطى حلقة قريش ؟ قال : فنظر إليه سلمان فأرسل عينيه وبكى وقال: سألتني عن حسبي ونسبي، خلقت من نطفة قذرة، فأما اليوم ففكرة وعبرة وغداً جيفة منتنة، فإذا نشرت الدواوين ونصبت الموازين ودعي الناس لفصل القضاء فوضعت في الميزان فإن أرجح الميزان فأنا شريف كريم وإن أنقص الميزان فأنا اللئيم الذليل، فهذا حسبي وحسب الجميع. فقال النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم]: صدق ،سلمان صدق سلمان، صدق سلمان، من أراد أن ينظر إلى رجل نُور قلبه فلينظر إلى سلمان... فاحتج المهاجرون والأنصار في سلمان الفارسي وكان رجلاً قوياً، فقال المهاجرون: سلمان منا. وقالت الأنصار : سلمان منا . فقال النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم]: سلمان منا أهل البيت." تاريخ دمشق الكبير، ج 23، ص 290، شرح حال سلمان، الرقم 2606 . ويورد المرحوم الكليني : "عن أبي جعفر علیه السلام قال: كان سلمان جالساً مع نفر من قريش في المسجد فأقبلوا ينتسبون ويرفعون في أنسابهم حتى بلغوا سلمان فقال له عمر بن الخطاب: أخبرني من أنت ومن أبوك وما أصلك ؟ فقال : أنا سلمان بن عبد الله كنت ضالاً فهداني الله عزّ وجلّ بمحمدصلّی الله علیه وآله وسلّم وكنت عائلاً فأغناني الله بمحمد صلّی الله علیه وآله وسلّم و كنت مملوكاً فأعتقني الله بمحمد صلّی الله علیه وآله وسلّم. هذا نسبي وهذا حسبي . قال : فخرج رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم وسلمان يكلمهم، فقال له سلمان : يا رسول الله ! ما لقيت من هؤلاء جلست معهم فأخذوا ينتسبون ويرفعون في أنسابهم..." الكافي، ج 8، ص 181 ، إيذاء ج8، ص181، بعض الصحابة سلمان الفارسي " 203.
سلمان مثال المؤمن الحقيقي:

يقول الشيخ الصدوق :وما سجد قط لمطلع الشمس وإنما كان يسجد لله عزّ وجلّ وكانت القبلة التي أمر بالصلاة إليها شرقية وكان أبواه يظنان أنه إنما يسجد لمطلع الشمس كهيئتهم. وكان سلمان وصيّ وصيّ عيسى علیه السلام(1).

إسلام سلمان:

كان سلمان من الذين جالوا في الأرض كثيراً بحثاً عن حجة الله . لقد ذهب من عالٍم إلى عالٍم ومن فقيه إلى فقيه طلباً للسر الإلهي وكان يستدل بأخبار الأنبياء السابقين. انتظر ظهور النبي محمد صلّی الله علیه وآله وسلّم أربعمائة سنة حتى سمع البشارة بولادته. ولما تيقن من قرب الفرج يمّم صوب الحجاز وتهامة ولكنه أسر في الطريق إليها.

يقول سلمان: باعني بثلاثمائة درهم من رجل يهودي. قال: فسألني عن قصتي فأخبرته وقلت له: ليس لي ذنب إلا أني أحببت محمداً ووصيّه. فقال اليهودي :وإني لأبغضك وأبغض محمداً. ثم أخرجني إلى خارج داره وإذا رمل كثير على بابه، فقال: والله يا روزبه! لئن أصبحت ولم تنقل هذا الرمل كله من هذا الموضع لأقتلنك . قال : فجعلت أحمل طول ليلتي، فلمّا أجهدني التعب رفعت يدي إلى السماء وقلت: يا ربّ! إنك حبّبت محمداً ووصيه إلي فبحق وسيلته عجّل فرجي وأرحني مما أنا فيه. فبعث الله عزّ وجلّ ريحاً فقلعت ذلك الرمل من مكانه إلى المكان الذي قال اليهودي. فلما أصبح نظر إلى الرمل قد نقل كله، فقال يا روزبه أنت ساحر وأنا لا أعلم فلأخر جنك من هذه

ص: 271


1- " وما سجد قط لمطلع الشمس وإنما كان يسجد لله عزّ وجلّ وكانت القبلة التي أمر بالصلاة إليها شرقية وكان أبواه يظنان أنه إنما يسجد لمطلع الشمس كهيئتهم. وكان سلمان وصيّ وصيّ عيسى علیه السلام." كمال الدين وتمام النعمة، ج 1، ص 198، الباب التاسع، خبر سلمان الفارسي.

القرية لئلا تهلكها. قال: فأخرجني وباعني من امرأة سلمية فأحبتني حباً شديداً وكان لها حائط، فقالت: هذا الحائط لك، كل منه [ و ] ما شئت وهب وتصدق ! قال : فبقيت في ذلك الحائط ما شاء الله . فبينا أنا ذات يوم في الحائط إذا أنا بسبعة رهط قد أقبلوا تظلهم غمامة، فقلت في نفسي: والله ما هؤلاء كلهم أنبياء ولكنّ فيهم نبياً . قال : فأقبلوا حتى دخلوا الحائط والغامة تسير معهم. فلما دخلوا إذا فيهم رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم و أمير المؤمنين علیه السلام وأبوذر والمقداد وعقيب بن أبي طالب وحمزة بن عبدالمطلب وزيد بن حارثة،[ولم يكن حينئذٍ يعرفهم] فدخلوا الحائط فجعلوا يتناولون من حشف النخل ورسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم يقول لهم: كلوا الحشف ولا تفسدوا على القوم شيئاً. فدخلت على مولاتي فقلت لها :يا مولاتي هبي لي طبقاً من رطب . فقالت : لك ستة أطباق. قال: فجئت فحملت طبقاً من رطب فقلت في نفسي: إن كان فيهم نبي فإنه لا يأكل الصدقة ويأكل الهدية فوضعته بين يديه، فقلت هذه صدقة . فقال : رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم : كلوا وأمسك رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم وأمير المؤمنين وعقيل بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطلب وقال لزيد: مدّ يدك وكل ! فقلت في نفسي: هذه علامة. فدخلت إلى مولاتي فقلت لها: هبي لي طبقاً آخر ! فقالت: لك ستة أطباق . قال: فجئت فحملت طبقاً من رطب فوضعته بين يديه فقلت: هذه هدية. فمد يده وقال: بسم الله كلوا! ومدّ القوم جميعاً أيديهم فأكلوا. فقلت في نفسي: هذه أيضاً علامة. قال: فبينا أنا أدور خلفه إذ حانت من النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم التفاتة ، فقال : يا روزبه تطلب خاتم النبوة؟ فقلت: نعم. فكشف عن كتفيه فإذا أنا بخاتم النبوة معجوم بين كتفيه عليه شعرات. قال: فسقطت على قدم رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم أقبّلها ، فقال لي يا روزبه ادخل إلى هذه المرأة وقل له : يقول لك محمد بن عبد الله : تبيعينا هذا الغلام؟ فدخلت فقلت لها : يا مولاتي ! إن محمد بن عبد الله يقول لك : تبيعينا هذا الغلام؟ فقالت: قل له: لا أبيعك إلاّ بأربعمائة نخلة مائتي نخلة منها صفراء ومائتي نخلة منها حمراء. قال: فجئت إلى النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم فأخبرته فقال: وما أهون ما سألت.

ص: 272

ثم قال: قم يا علي فاجمع هذا النوى كله فجمعه وأخذه فغرسه، ثم قال: اسقه فسقاه أمير المؤمنين، فما بلغ آخره حتى خرج النخل ولحق بعضه بعضاً، فقال لي: ادخل إليها وقل لها: يقول لك محمد بن عبد الله : خذي شيئك وادفعي إلينا شيئنا. قال: فدخلت عليها وقلت ذلك لها، فخرجت ونظرت إلى النخل فقالت: والله لا أبيعكه إلاّ بأربعمائة نخلة كلها صفراء. قال: فهبط جبرائيل علیه السلام فمسح جناحيه على النخل فصار كله أصفر . قال : ثم قال لي : قل لها: إن محمداً يقول لك: خذي شيئك وادفعي إلينا شيئنا. قال: فقلت لها ذلك، فقالت: والله لنخلة من هذه أحبّ إلي من محمد ومنك. فقلت لها: والله ليوم واحد مع محمد أحبّ إلي منك ومن كل شيء أنت فيه، فأعتقني رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم وسمّاني سلمان(1) (1).

ص: 273


1- "كان ممن ضرب في الأرض لطلب الحجة سلمان الفارسي فلم يزل ينتقل من عالم إلى عالم ومن فقيه إلى فقيه ويبحث عن الأسرار ويستدل بالأخبار منتظراً لقيام القائم، سيد الأولين والآخرين محمدصلّی الله علیه وآله وسلّم أربعمائة سنة حتى بشر بولادته. فلما أيقن بالفرج خرج يريد تهامة فسُبي ... باعني بثلاثمائة درهم من رجل يهودي . قال : فسألني عن قصتي فأخبرته وقلت له ليس لي ذنب إلا أني أحببت محمداً ووصيّه . فقال اليهودي: وإني لأبغضك وأبغض محمداً. ثم أخرجني إلى خارج داره وإذا رمل كثير على بابه، فقال: والله يا روزبه لئن أصبحت ولم تنقل هذا الرمل كله من هذا الموضع لأقتلنك . قال : فجعلت أحمل طول ليلتي، فلمّا أجهدني التعب رفعت يدي إلى السماء وقلت: يا ربّ! إنك حبّبت محمداً ووصيه إلي فبحق وسيلته عجّل فرجي وأرحني مما أنا فيه. فبعث الله عزّ وجلّ ريحاً فقلعت ذلك الرمل من مكانه إلى المكان الذي قال اليهودي .فلما أصبح نظر إلى الرمل قد نقل كله، فقال يا روزبه أنت ساحر وأنا لا أعلم فلأخر جنك من هذه القرية لئلا تهلكها. قال: فأخرجني وباعني من امرأة سلمية فأحبتني حباً شديداً وكان لها حائط فقالت: هذا الحائط لك، كل منه [و] ما شئت وهب وتصدق ! قال : فبقيت في ذلك الحائط ما شاء الله . فبينا أنا ذات يوم في الحائط إذا أنا بسبعة رهط قد أقبلوا تظلهم غمامة، فقلت في نفسي: والله ما هؤلاء كلهم أنبياء ولكن فيهم نبياً. قال: فأقبلوا حتى دخلوا الحائط والغمامة تسير معهم. فلما دخلوا إذا فيهم رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم وأمير المؤمنين علیه السلام وأبوذر والمقداد وعقيب بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة، فدخلوا الحائط فجعلوا يتناولون من حشف النخل و و رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم يقول لهم : كلوا الحشف ولا تفسدوا على القوم شيئاً. فدخلت على مولاتي فقلت لها : يا مولاتي! هبي لي طبقاً من رطب. فقالت : لك ستة أطباق. قال: فجئت فحملت طبقاً من رطب فقلت في نفسي: إن كان فيهم نبي فإنه لا يأكل الصدقة ويأكل الهدية، فوضعته بين يديه، فقلت: هذه صدقة . فقال : رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم : كلوا ! وأمسك رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم وأمير المؤمنين وعقيل بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطلب وقال لزيد مدّ يدك وكل فقلت في نفسي هذه علامة. فدخلت إلى مولاتي فقلت لها هبي لي طبقاً آخر ! فقالت : لك ستة أطباق . قال : فجئت فحملت طبقاً من رطب فوضعته بين يديه فقلت: هذه هدية. فمدّ يده وقال: بسم الله كلوا ومدّ القوم جميعاً أيديهم فأكلوا. فقلت في نفسي : هذه أيضاً علامة. قال : فبينا أنا أدور خلفه إذ حانت من النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم التفاتة ، فقال : يا روزبه ! تطلب خاتم النبوة؟ فقلت : نعم. فكشف عن كتفيه فإذا أنا بخاتم النبوة معجوم بين كتفيه عليه شعرات. قال: فسقطت على قدم رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم، أقبّلها ، فقال لي: يا روزبه ادخل إلى هذه المرأة وقل له: يقول لك محمد بن عبد الله : تبيعينا هذا الغلام؟ فدخلت فقلت لها يا مولاتي إن محمد بن عبد الله يقول لك: تبيعينا هذا الغلام؟ فقالت: قل له: لا أبيعك إلا بأربعمائة نخلة مائتي نخلة منها صفراء ومائتي نخلة منها حمراء . قال : فجئت إلى النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم فأخبرته فقال: وما أهون ما سألت. ثم قال: قم يا علي فاجمع هذا النوى كله فجمعه وأخذه فغرسه ثم قال : اسقه فسقاه أمير المؤمنين، فما بلغ آخره حتى خرج النخل ولحق بعضه بعضاً، فقال لي: ادخل إليها وقل لها : يقول لك محمد بن عبد الله : خذي شيئك وادفعي إلينا شيئنا. قال: فدخلت عليها وقلت ذلك لها، فخرجت ونظرت إلى النخل فقالت: والله لا أبيعكه إلاّ بأربعمائة نخلة كلها صفراء . قال : فهبط جبرائيل علیه السلام فمسح جناحيه على النخل فصار كله أصفر . قال : ثم قال لي : قل لها : إن محمداً يقول لك: خذي شيئك وادفعي إلينا شيئنا. قال: فقلت لها ذلك، فقالت : والله لنخلة من هذه أحب إلي من محمد ومنك. فقلت لها: والله ليوم واحد مع محمد أحبّ إلي منك ومن كل شيء أنت فيه، فأعتقني رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم وسمّاني سلمان " كمال الدين وتمام النعمة، ج 1، ص198 ، الباب التاسع، خبر سلمان الفارسي ؛ روضة الواعظين، ج 2، ص278، مجلس في ذكر سبب إسلام سلمان الفارسي .
إسلام سلمان على رواية أهل السنة:

تروي كتب السنة قصة إسلام سلمان بشكل مختلف. يروي ابن عباس نقلاً عن سلمان أنه قال: كنت رجلاً من أهل فارس من إصبهان من جي ابن رجل من دهاقينها. وفي حديث ابن إدريس، وكان أبي دهقان أرضه وكنت أحب الخلق إليه . وفي حديث البكائي، أحب عباد الله إليه، فأجلسني في البيت كالجواري، فاجتهدت في الفارسية. وفي حديث علي بن جابر في المجوسية، فكنت في النار التي توقد فلا تخبو وكان أبي صاحب ضيعة وكان له بناء يعالجه. زاد ابن إدريس في حديثه في داره، فقال لي يوماً : يا بنيّ ! قد شغلني ما ترى، فانطلق إلى الضيعة ولا تحتبس فتشغلني عن كل ضيعة بهمي بك. فخرجت لذلك فمررت بكنيسة النصارى وهم يصلون، فملت إليهم وأعجبني أمرهم وقلت: هذا والله خير من ديننا، فأقمت عندهم حتى غابت الشمس، لا أنا أتيت الضيعة ولا رجعت إليه، فاستبطأني وبعث رسلاً في طلبي وقد قلت للنصارى حين أعجبني أمرهم: أين أصل هذا الدين؟ قالوا: بالشام. فرجعت إلى والدي، فقال : يا بنيّ ! قد بعثت إليك رسلاً. فقلت: مررت بقوم يصلون في كنيسة فأعجبني ما رأيت من أمرهم وعلمت أن دينهم خير من ديننا، فقال: يا بنيّ! دينك ودين آبائك خير من دينهم. فقلت: كلا والله فخافني وقيدني، فبعثت إلى النصارى

ص: 274

وأعلمتهم ما وافقني من أمرهم وسألتهم إعلامي من يريد الشآم ففعلوا فألقيت الحديد من رجلي فخرجت معهم حتى أتيت الشام، فسألتهم عن عالمهم ، فقالوا: الأسقف. فأتيته فأخبرته وقلت: أكون معك أخدمك وأصلي معك. قال: أقم، فمكثت مع رجل سوء في دينه كان يأمرهم بالصدقة. فإذا أعطوه شيئاً أمسكه لنفسه حتى جمع سبع قلال مملوءة ذهباً وورقاً. فتوفي فأخبرتهم بخبره، فزبروني فدللتهم على ماله. فصلبوه ولم يغيبوه ورجموه وأجلسوا مكانه رجلاً فاضلاً في دينه زهداً ورغبة في الآخرة وصلاحاً. فألقى الله حبه في قلبي حتى حضرته الوفاة. فقلت: أوصني! فذكر رجلاً بالموصل وكنا على أمر واحد حتى هلك. فأتيت الموصل فلقيت الرجل فأخبرته بخبري وأن فلاناً أمرني بإتيانك. فقال: أقم! فوجدته على سبيله وأمره حتى حضرته الوفاة، فقلت له: أوصني! فقال : ما أعرف أحداً على ما نحن عليه إلاّ رجلاً بعمورية فأتيته بعمورية (ص339) فأخبرته بخبري فأمرني بالمقام وثاب لي شيء واتخذت غنيمة وبقيرات فحضرته الوفاة، فقلت: إلى من توصي بي؟ فقال: لا أعلم أحداً اليوم على مثل ما كنا عليه ولكن قد أظلك نبي يبعث بدين إبراهيم الحنيفية مهاجرة بأرض ذات نخل و به آيات وعلامات لا تخفى ؛ بين منكبيه خاتم النبوة، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة. فإن استطعت فتخلص إليه، فتوفي. فمر بي ركب من العرب من كلب فقلت: أصحبكم وأعطيكم بقراتي وغنمي هذه وتحملوني إلى بلادكم. فحملوني إلى وادي القرى فباعوني من رجل من اليهود فرأيت النخل فعلمت أنه البلد الذي وصف لي. فأقمت عند الذي اشتراني وقدم عليه رجل من بني قريظة فاشتراني منه وقدم بي المدينة فعرفتها بصفتها فأقمت معه أعمل في نخلة. وبعث الله نبيه صلّی الله علیه وآله وسلّم وغفلت عن ذلك حتى قدم المدينة فنزل في بني عمرو بن عوف، فإني لفي رأس نخلة إذ أقبل ابن عم لصاحبي فقال : أي فلان! قاتل الله بني قيلة، مررت آنفاً اً وهم مجتمعون على رجل قدم عليهم من مكة يزعم أنه نبي. فوالله ما هو إلاّ أن سمعتها فأخذني القر ورجفت بي النخلة حتى كدت أن أسقط ونزلت سريعاً. فقلت: ما هذا الخبر؟ فلكمني صاحبي لكمة وقال : وما أنت وذاك ؟ أقبل على شأنك ! فأقبلت على عملي حتى أمسيت، فجمعت

ص: 275

شيئاً [ من التمر] فأتيته به وهو بقباء عند أصحابه، فقلت: اجتمع عندي أردت أن أتصدق به، فبلغني أنك رجل صالح ومعك رجال من أصحابك ذوو حاجة فرأيتكم أحق به، فوضعته بين يديه، فمدّ يده وقال لأصحابه: كلوا، فأكلوا . فقلت: هذه واحدة (1)، ورجعت. وتحول إلى المدينة

فجمعت شيئاً فأتيته به فقلت: أحببت كرامتك فأهديت لك هدية وليست بصدقة. فمدّ يده فأكل وأكل أصحابه فقلت: هاتان اثنتان ورجعت فأتيته وقد تبع جنازة في بقيع الغرقد وحوله أصحابه، فسلمت وتحولت أنظر إلى الخاتم في ظهره، فعلم ما أردت، فألقى رداءه فرأيت الخاتم

فقبلته وبكيت فأجلسني بين يديه فحدثته بشأني كله كما حدثتك يا ابن عباس فأعجبه ذلك وأحب أن يسمعه أصحابه، ففاتني معه بدر وأحد بالرق فقال لي: كاتب يا سلمان عن نفسك فلم أزل بصاحبي حتى كاتبته على أن أغرس له ثلاثمائة ودية وعلى أربعين أوقية من ذهب فقال النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم: أعينوا أخاكم بالنخل ! فأعانوني بالخمس والعشر حتى اجتمع لي. فقال لي: نقر لها ولا تضع منها شيئاً حتى أضعه بيدي. ففعلت فأعانني أصحابي حتى فرغت، فأتيته فكنت آتیه بالنخلة فيضعها ويسوي عليها تراباً. فانصرف والذي بعثه بالحق فما ماتت منها واحدة وبقي الذهب. فبينما هو قاعد إذ أتاه رجل من أصحابه بمثل البيضة من ذهب أصابه من بعض المعادن، فقال: ادع سلمان المسكين الفارسي المكاتب ! فقال : أدّ هذه ! فقلت: يا رسول الله! وأين تقع هذه مما عليّ؟ وروى أبو الطفيل عن سلمان قال : أعانني رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم ببيضة من ذهب فلو وزنت بأحد لكانت أثقل منه (2).

ص: 276


1- العلامة الأولى هجرته إلى المدينة، والثانية عدم أكله من الصدقة.
2- عن ابن عباس قال: حدثني سلمان :قال كنت رجلاً من أهل فارس من إصبهان من جي ابن رجل من دهاقينها. وفي حديث ابن : إدريس، وكان أبي دهقان أرضه وكنت أحب الخلق إليه. وفي حديث البكائي، أحب عباد الله إليه، فأجلسني في البيت كالجواري فاجتهدت في الفارسية. وفي حديث علي بن جابر في المجوسية، فكنت في النار التي توقد فلا تخبو وكان أبي صاحب ضيعة وكان له بناء يعالجه. زاد ابن إدريس في حديثه في داره، فقال لي يوماً : يا بني ! قد شغلني ما ترى، فانطلق إلى الضيعة ولا تحتبس فتشغلني عن كل ضيعة بهمي بك. فخرجت لذلك فمررت بكنيسة النصارى وهم يصلون، فملت إليهم وأعجبني أمرهم وقلت : هذا والله خير من ديننا، فأقمت عندهم حتى غابت الشمس لا أنا أتيت الضيعة ولا رجعت إليه، فاستبطأني وبعث رسلاً في طلبي وقد قلت للنصارى حين أعجبني أمرهم: أين أصل هذا الدين؟ قالوا: بالشام. فرجعت إلى والدي، فقال : يا بني ! قد بعثت إليك رسلاً. فقلت : مررت بقوم يصلون في كنيسة فأعجبني ما رأيت من أمرهم وعلمت أن دينهم خير من ديننا، فقال : يا بني ! دينك ودين آبائك خير من دينهم. فقلت : كلا والله ! فخافني وقيدني، فبعثت إلى النصارى وأعلمتهم ما وافقني من أمرهم وسألتهم إعلامي من يريد الشآم، ففعلوا فألقيت الحديد من رجلي فخرجت معهم حتى أتيت الشام، فسألتهم عن عالمهم، فقالوا: الأسقف . فأتيته فأخبرته وقلت: أكون معك أخدمك وأصلي معك. قال: أقم، فمكثت مع رجل سوء في دينه كان يأمرهم بالصدقة. فإذا أعطوه شيئاً أمسكه لنفسه حتى جمع سبع قلال مملوءة ذهباً وورقاً. فتوفي فأخبرتهم بخبره، فزبروني فدللتهم على ماله. فصلبوه ولم يغيبوه ورجموه وأجلسوا مكانه رجلاً فاضلاً في دينه زهداً ورغبة في الآخرة وصلاحاً. فألقى الله حبه في قلبي حتى حضرته الوفاة. فقلت: أوصني! فذكر رجلاً بالموصل وكنا على أمر واحد حتى هلك. فأتيت الموصل فلقيت الرجل فأخبرته بخبري وأن فلاناً أمرني بإتيانك . فقال : أقم ! فوجدته على سبيله وأمره حتى حضرته الوفاة، فقلت له: أوصني ! فقال : ما أعرف أحداً على ما نحن عليه إلا رجلاً بعمورية فأتيته بعمورية فأخبرته بخبري فأمرني بالمقام وثاب لي شيء واتخذت غنيمة وبقيرات فحضرته الوفاة، فقلت: إلى من توصي بي ؟ فقال : لا أعلم أحداً اليوم على مثل ما كنا عليه ولكن قد أظلك نبي يبعث بدين إبراهيم الحنيفية مهاجرة بأرض ذات نخل وبه آیات و علامات لا تخفى ؛ بين منكبيه خاتم النبوة، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة. فإن استطعت فتخلص إليه، فتوفي. فمر بي ركب من العرب من كلب فقلت: أصحبكم وأعطيكم بقراتي وغنمي هذه وتحملوني إلى بلادكم فحملوني إلى وادي القرى فباعوني من رجل من اليهود فرأيت النخل فعلمت أنه البلد الذي وصف لي فأقمت عند الذي اشتراني وقدم عليه رجل من بني قريظة فاشتراني منه وقدم بي المدينة فعرفتها بصفتها فأقمت معه أعمل في نخلة. وبعث الله نبيه صلّی الله علیه وآله وسلّم وغفلت عن ذلك حتى قدم المدينة فنزل في بني عمرو بن عوف، فإني لفي رأس نخلة إذ أقبل ابن عم لصاحبي، فقال: أي فلان! قاتل الله بني قيلة، مررت بهم آنفاً وهم مجتمعون على رجل قدم عليهم من مكة يزعم أنه نبي. فوالله ما هو إلا أن سمعتها فأخذني القر ورجفت بي النخلة حتى كدت أن أسقط ونزلت سريعاً. فقلت: ما هذا الخبر؟ فلكمني صاحبي لكمة وقال: وما أنت وذاك؟ أقبل على شأنك ! فأقبلت على عملي حتى أمسيت، فجمعت شيئاً فأتيته به وهو بقباء عند أصحابه، فقلت: اجتمع عندي أردت أن أتصدق به، فبلغني أن-ك رجل صالح ومعك رجال من أصحابك ذو و حاجة فرأيتكم أحق به فوضعته بين يديه، فمدّ يده وقال لأصحابه كلوا، فأكلوا فقلت واحدة، ورجعت وتحول إلى المدينة فجمعت شيئاً فأتيته به فقلت : أحببت كرامتك فأهديت لك هدية وليست بصدقة. فمد يده فأكل وأكل أصحابه فقلت: هاتان اثنتان ورجعت فأتيته وقد تبع جنازة في بقيع الغرقد وحوله أصحابه، فسلمت وتحولت أنظر إلى الخاتم في ظهره، فعلم ما أردت، فألقى رداءه فرأيت الخاتم فقبلته وبكيت فأجلسني بين يديه فحدثته بشأني كله كما حدثتك يا ابن عباس فأعجبه ذلك وأحب أن يسمعه أصحابه، ففاتني معه بدر وأحد بالرق فقال لي : كاتب يا سلمان عن نفسك فلم أزل بصاحبي حتى كاتبته على أن أغرس له ثلاثمائة ودية وعلى أربعين أوقية من ذهب . فقال النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم: أعينوا أخاكم بالنخل ! فأعانوني بالخمس والعشر. حتى وسلة اجتمع لي. فقال لي : نقر لها ولا تضع منها شيئاً حتى أضعه بيدي. ففعلت فأعانني أصحابي حتى فرغت، فأتيته فكنت آتيه بالنخلة فيضعها ويسوي عليها تراباً. فانصرف والذي بعثه بالحق فما ماتت منها واحدة وبقي الذهب. فبينما هو قاعد إذ أتاه رج-ل م-ن أصحابه بمثل البيضة من ذهب أصابه من بعض المعادن، فقال: ادع سلمان المسكين الفارسي المكاتب ! فقال : أدّ هذه ! فقلت: يا رسول الله ! وأين تقع هذه مما علي ؟ وروى أبو الطفيل عن سلمان قال : أعانني رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم بيضة من ذهب فلو وزنت بأحد لكانت أثقل منه . " أسد الغابة في معرفة الصحابة ، ج 2، ص 511 - 513 ، شرح حال سلمان، الرقم 2150 .

ص: 277

شخصية سلمان وشأنه الرفيع:

ينقل ابن عبدالبر نقاطاً هامة عن سلمان، فيقول : وكان خيراً فاضلاً حبراً عالماً زاهداً متقشفاً. ذكر هشام بن حسان عن الحسن قال : كان عطاء سلمان خمسة آلاف وكان إذا خرج عطاؤه تصدّق به ويأكل من عمل يده وكانت له عباءة يفترش بعضها ويلبس بعضها. كان سلمان يعمل الخوص بيده فيعيش منه ولا يقبل من أحد شيئاً. قال : ولم يكن له بيت وإنما كان يستظل بالجذور والشجر وإن رجلاً قال له : ألا أبني لك بيتاً تسكن فيه ؟ فقال : ما لي به حاجة فمازال به الرجل حتى قال له: إني أعرف البيت الذي يوافقك . قال : فصفه لي . قال : أبني لك بيتاً إذا أنت قمت فيه أصاب رأسك سقفه وإن أنت مددت فيه رجليك أصاب أصابعهما الجدار. قال: نعم. فبنى له بيتاً كذلك(1).

وينقل الحديثي عن رسول صلّی الله علیه وآله وسلّم أنه قال: إن الجنة لأشوق إلى سلمان من سلمان إليها(2).

سلمان سبب نزول البركات الإلهية:

في حديث هام جداً، قال الإمام علي علیه السلام: ضاقت الأرض بسبعة بهم تُرزقون وبهم تُنصرون وبهم تُمطرون، منهم سلمان الفارسي(3)

ص: 278


1- "وكان خيراً فاضلاً حبراً عالماً زاهداً متقشفاً. ذكر هشام بن حسان عن الحسن قال : كان عطاء سلمان خمسة آلاف وكان إذا خرج عطاؤه تصدّق به ويأكل من عمل يده وكانت له عباءة يفترش بعضها ويلبس بعضها. كان سلمان يعمل الخوص بيده فيعيش منه ولا يقبل من أحد شيئاً. قال: ولم يكن له بيت وإنما كان يستظل بالجذور والشجر وإن رجلاً قال له: ألا أبني لك بيتاً تسكن فيه ؟ فقال : ما لي به حاجة. فمازال به الرجل حتى قال له: إني أعرف البيت الذي يوافقك. قال: فصفه لي . قال : أبني لك بيتاً إذا أنت قمت فيه أصاب رأسك سقفه وإن أنت مددت فيه رجليك أصاب أصابعها الجدار. قال: نعم. فبنى له بيتاً كذلك. " الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 2، ص 195 - 196 ، شرح حال سلمان، الرقم 1019 .
2- " وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم ]: إن الجنة لأشوق إلى سلمان من سلمان إليها. " تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام ، ج 3، ص 515 ، شرح حال سلمان.
3- " علي بن أبي طالب[ علیه السلام] : قال : ضاقت الأرض بسبعة بهم تُرزقون وبهم تُنصرون وبهم تمطرون، منهم سلمان الفارسي والمقداد وأبوذر وعمار وحذيفة. وكان علي علیه السلام يقول : وأنا إمامهم وهم الذين صلوا على فاطمة علیها السلام ." اختيار معرفة الرجال، ص6 - 7، سلمان الفارسي، الحدیث 13 ؛ خصال الصدوق، ج 1، ص 297 ، الحديث 752، باب السبعة ؛ تفسير فرات الكوفي، ص570، الحديث 733، ذيل سورة الضحى ح شواهد التنزيل لقواعد التفضيل، ج 2، ص 449 ، الحديث 1115، ذيل السورة 93 الضحى، نقلاً عن تفسير فرات.
تحفة الجنة :

يقول الإمام الصادق علیه السلام: قال أمير المؤمنين علیه السلام: يا سلمان ! إذهب إلى فاطمة [ علیها السلام] فقل لها تتحفك من

تحف الجنة. فذهب ،سلمان، فإذا بين يديها ثلاث سلال .فقال لها: يا بنت رسول الله أتحفيني ! قالت: هذه ثلاث سلال جاءتني بها ثلاث وصائف فسألتهن عن أسمائهن فقالت واحدة: أنا سلمى لسلمان، وقالت الأخرى: أنا ذرّة لأبي ذر ، وقالت الأخرى : أنا مقدودة للمقداد. ثم قبضت فناولتني، فما مررت بملأ إلا ملئوا طيباً لريحها(1).

علم سلمان:

يقول زرارة أنه سمع الإمام الصادق علیه السلام يقول : أدرك سلمان العلم الأول والعلم الآخر وهو بحر لا ينزح وهو منا أهل البيت.

بلغ من علمه أنه مرّ برجل في رهط فقال له: يا أباعبدالله تُب إلى الله عزّ وجلّ من الذي عملت به في بطن بيتك البارحة. قال : ثم مضى. فقال له القوم : لقد رماك سلمان بأمر فما دفعته عن نفسك.

ص: 279


1- " عن أبي عبد الله علیه السلام، قال : قال أمير المؤمنين علیه السلام يا سلمان ! إذهب إلى فاطمة [علیهاالسلام] فقل لها تتحفك من تحف الجنة. فذهب سلمان، فإذا بين يديها ثلاث سلال . فقال لها : يا بنت رسول الله، أتحفيني ! قالت: هذه ثلاث سلال جاءتني بها ثلاث وصائف فسألتهن عن أسمائهن فقالت واحدة: أنا سلمى لسلمان، وقالت الأخرى: أنا ذرّة لأبي ذر ، وقالت الأخرى : أن-ا م-ق-دودة للمقداد. ث-م قبضت فناولتني ، فما مررت بملأ إلا ملئوا طيباً لريحها . " اختيار معرفة الرجال، ص 9 ، سلمان الفارسي الحديث 19 ؛ روضة الواعظين، ج 2، ص282 ، في فضائل أصحاب النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم و بحار الأنوار، ج 22، ص 352 - 353، الباب العاشر، الحديث 81.

قال: إنه أخبرني بأمر ما اطلع عليه إلاّ الله [ورسوله] وأنا. وفي خبر آخر مثله، وزاد في آخره أن الرجل كان أبا بكر بن أبي قحافة(1).

ويروي ابن الأثير والذهبي وهما من كبار مؤرخي أهل السنة أن علياً [علیه السلام ] سُئل عن سلمان فقال : أدرك العلم الأول والعلم الآخر، بحر لا يدرك قعره، هو منا أهل البيت (2).ويروي أبو بصير أيضاً عن الإمام الصادق علیه السلام أن سلمان كان عنده الاسم الأعظم(3).

ولاء سلمان:

حسب بعض ما يُنقل فإن سلمان كان من الذين قالوا بالشهادة الثالثة "أشهد أن علياً ولي الله" في الأذان في حياة النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم(4).

ص: 280


1- "عن زرارة قال : سمعت أبا عبد الله [ علیه السلام]يقول : أدرك سلمان العلم الأول والعلم الآخر وهو بحر لا ينزح وهو منا أهل البيت. بلغ من علمه أنه مرّ برجل في رهط فقال له: يا أباعبدالله تُب إلى الله عزّ وجلّ من الذي عملت به في بطن بيتك البارحة. قال: ثم مضى.. فقال له القوم : لقد رماك سلمان بأمرٍ فما دفعته عن نفسك. قال: إنه أخبرني بأمر ما اطلع عليه إلا الله وأنا. وفي خبر آخر مثله، وزاد في آخره أن الرجل كان أبابكر بن أبي قحافة. " اختيار معرفة الرجال، ص 12 ، سلمان الفارسي الحديث 25 ؛ الاختصاص، ص11، سلمان الفارسي ؛ بحار الأنوار، ج 22، ص 373، الباب الحادي عشر، الحديث 11.
2- "قال: أتينا علياً فسألناه عن أصحاب محمد [صلّی الله علیه وآله وسلّم ]... قالوا : سلمان؟ قال: أدرك العلم الأول والعلم الآخر، بحر لا يدرك قعره هو منا أهل البيت. " سير أعلام النبلاء، ج 2، ص388، شرح حال أبي موسى الأشعري، الرقم 82 ؛ أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 2، ص 514 ، شرح حال سلمان، الرقم 2150 .
3- " إن سلمان علم الاسم الأعظم. الاختصاص، ص 11 ، سلمان الفارسي ؛ اختيار معرفة الرجال، ص 13، الحدیث 29، سلمان الفارسي ؛ بحار الأنوار، ج 22 ، ص 346 ، الباب العاشر، الحديث 59 .
4- " عن كتاب السلافة للشيخ عبدالله المراغي المصري : أن سلمان الفارسي ذكر فيهما ، أي في الأذان والإقامة، الشهادة بالولاية لعلي بعد الشهادة بالرسالة في زمن النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] فدخل رجل على رسول الله فقال : سمعت أمراً لم أسمع قبل ذلك. فقال: ما هو ؟ فقال : سلمان قد يشهد في أذانه بعد الشهادة بالرسالة الشهادة بالولاية لعلي. فقال : سمعتم خيراً."
جمل عائشة:

كان سلمان إذا رأى الجمل الذي يقال له عسكر يضربه، فيقال له: يا أباعبدالله! ما تريد من هذه البهيمة؟ فيقول: ما هذا بهيمة ولكن هذا عسكر بن كنعان الجني. يا أعرابي ! لا ينفق جملك هاهنا ولكن اذهب به إلى الحوأب فإنك تعطى به ما تريد... . وقال الإمام الصادق علیه السلام : اشتروا عسكراً بسبعمائة درهم وكان شيطاناً(1).

فقه سلمان :

روي عن الفضل بن شاذان أنه قال : ليس في المسلمين أفقه من سلمان(2).

ويقول العلامة المامقاني في عظمة سلمان: حاله في علوّ الشأن وجلالة القدر وعظم المنزلة وسموّ الرتبة ورفعة المرتبة ووفور العلم والتقوى والزهد والنهى أشهر من أن يحتاج إلى تحرير أو ينضبط بتقرير. كيف وقد اتفق أهل الإسلام قاطبة على علو شأنه وبلغ إلى درجة أنه نادى الموتى فأجابه منهم مجيب. بل ذهب محيي الدين [كما في مجالس المؤمنين] إلى أنه معصوم، مستنداً إلى قول النبي الله صلّی الله علیه وآله وسلّم ((سلمان منا أهل البيت))(3).

ص: 281


1- " كان سلمان إذا رأى الجمل الذي يقال له عسكر يضربه، فيقال له : يا أباعبدالله! ما تريد من هذه البهيمة؟ فيقول: ما هذا بهيمة ولكن هذا عسكر بن كنعان الجني. يا أعرابي لا ينفق جملك هاهنا ولكن اذهب به إلى الحوأب فإنك تعطى به ما تريد عن أبي بصير عن أبي جعفر علیه السلام قال: اشتروا عسكراً بسبعمائة درهم وكان شيطاناً. " اختيار معرفة الرجال، ص 13 ، الحديث 30 و 31، سلمان الفارسي ؛ بحار الأنوار، ج22، ص 382 - 383، الباب الحادي عشر، الحديث 17 .
2- "حكي عن الفضل بن شاذان أنه قال : ما نشأ في الإسلام رجلٌ من كافة الناس كان أفقه من سلمان الفارسي،" اختيار معرفة الرجال، ص 16 ، الحديث ،38، سلمان الفارسي .
3- "حاله في علوّ الشأن وجلالة القدر وعظم المنزلة وسموّ الرتبة ورفعة المرتبة ووفور العلم والتقوى والزهد والنهي أشهر من أن يحتاج إلى تحرير أو ينضبط بتقرير . كيف وقد اتفق أهل الإسلام قاطبة على علو شأنه وبلغ إلى درجة أنه نادى الموتى فأجابه منهم مجيب. بل ذهب محيي الدين [ كما في مجالس المؤمنين] إلى أنه معصوم، مستنداً إلى قول النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم مسلمان منا أهل البيت." تنقيح المقال في علم الرجال، ج 32، ص 240 ، شرح حال سلمان، الرقم 539 .

توفي هذا الرجل الربّاني في مدينة المدائن وكان عمره 350 سنة(1).

سؤال:

هل يشك أحد في جلالة قدر سلمان؟

هل يجوز على من تحمّل كل تلك المصاعب والآلام من أجل الوصول إلى الحق أن يتخلى عن دينه وإيمانه ببساطة ؟

هل يخطئ أفقه المسلمين ومن عنده العلم الأول والعلم الآخر واسم الله الأعظم في تمييز الحق والباطل؟

ألا نسأل أنفسنا عن سبب معارضة سلمان للسقيفة؟

12 - أبيّ بن كعب:

كان أبيّ بن كعب من أصحاب رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم . حضر - العقبة مع سبعين من الأنصار وشهد بدراً وأحداً وجميع مشاهد رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم(2) .

ويقول عنه الذهبي:

جمع بين العلم والعمل(3)، ويقول في موضع آخر : شهد العقبة وبدراً وجمع القرآن في حياة النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] وعرض على النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] وحفظ عنه علماً مباركاً وكان رأساً في العلم والعمل(4).

ص: 282


1- "قد توفي بالمدائن سنة أربع وثلاثين للهجرة على الأصح وعمره إذ ذاك ثلاثمائة وخمسون سنة. " تنقيح المقال في علم الرجال، ج 32، ص 260 ، شرح حال سلمان، الرقم 539 ؛ أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 2، ص 515 ، شرح حال سلمان، الرقم 2150. ذكر المرحوم والد آية الله الشيخ محمد رضا الطبسي أن عمر سلمان بلغ 400 سنة . الشيعة والرجعة، ج 1، ص 222 ، تنبيه ذكر المعمرين، الطبقة الرابعة.
2- " وشهد أبي بدراً وأحداً والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم]. " الطبقات الكبرى، ج 3، ص 498 ، شرح حال أبي بن كعب. "شهد العقبة مع السبعين من الأنصار وشهد بدراً والمشاهد كلها مع رسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم]. المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، ج3، ص 262 ، حوادث سنة 30 هجرية أبي بن كعب ؛ الإصابة في تمييز الصحابة، ج 1، ص 181، شرح حال أبي بن كعب، الرقم 32 .
3- "جمع بين العلم والعمل ومناقبه جمة . " تذكرة الحفاظ، ج 1، ص 18 ، الطبقة الأولى، شرح حال أبي بن كعب، الرقم 6.
4- شهد العقبة وبدراً وجمع القرآن في حياة النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] وعرض على النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] وحفظ عنه علماً مباركاً وكان رأساً في العلم والعمل. " سير أعلام النبلاء، ج 1، ص 390، شرح حال أبي بن كعب، الرقم 82.

كما كان أبي موضع اهتمام الأئمة علیهم السلام . يقول عبد الله بن فرقد والمعلى بن خنيس: كنا عند أبي عبد الله [علیه السلام] ومعنا ربيعة الرأي(1) فذكرنا فضل القرآن فقال أبو عبد الله [علیه السلام]: إن كان ابن مسعود لا يقرأ على قراءتنا فهو ضال. فقال ربيعة: ضالّ؟ فقال: نعم ضال. ثم قال أبو عبد الله [علیه السلام]: أمّا نحن فنقرأ على قراءة أبي [بن كعب](2).

ويقول العلامة المامقاني : يستفاد من هذا الخبر ومن إنكاره على أبي بكر وثاقة الرجل وقوة إيمانه . فإن بيان الحق يومئذ لا يكون إلاّ من العدل الثقة الذي امتحن الله قلبه للإيمان(3). ويقول نجل العلامة المامقاني : يُستفاد من شرح حال أبي ومواقفه السياسية ومدح علماء

الشيعة والسنة له والخصائص المذكورة في مدحه وعدم اعتراض أي أحد عليه، أنه لاشك على الإطلاق في جلالة قدره وعلاقته بالنبي صلّی الله علیه وآله وسلّم. كان أبيّ صاحباً لأهل البيت وملازماً لهم . شهد بدراً وبيعة العقبة. كان له قراءة مميزة حظيت بتأييد الأئمة الأطهار علیهم السلام ، ولا يشك أحد في وثاقته. إن ابي فوق الوثاقة (4) . إنه ثقة جليل (5) .

ص: 283


1- ربيعة الرأي أساس فكر أبي حنيفة وأبحاثه في القياس .
2- "عن عبد الله بن فرقد والمعلى بن خنيس : كنا عند أبي عبد الله [علیه السلام] ومعنا ربيعة الرأي فذكرنا فضل القرآن، فقال أبو عبد الله [علیه السلام]: إن كان ابن مسعود لا يقرأ على قراءتنا فهو ضال. فقال ربيعة: ضال ؟ فقال : نعم ضال. ثم قال أبو عبد الله [علیه السلام]: أمّا نحن فنقرأ على قراءة أبي . " الكافي، ج 2، ص 634 ، كتاب فضل القرآن، باب النوادر الحديث 27.
3- "يستفاد من هذا الخبر ومن إنكاره على أبي بكر وثاقة الرجل وقوة إيمانه. فإن بيان الحق يومئذ لا يكون إلا من العدل الثقة الذي امتحن الله قلبه للإيمان." تنقيح المقال في علم الرجال، ج 5، ص 161 ، شرح حال أبي بن كعب، الرقم 268.
4- يقول بعض: إنّ أبي هو الذي اختلق فضائل سور القرآن، والواقع أنها اختلقت في المراحل اللاحقة لأن من اختلقها يقول: لما رأيت الناس انصرفوا عن القرآن إلى فقه أبي حنيفة والشعر وضعت هذه [الفضائل] لأعيدهم إلى تلاوته ونسبته إلى أبيّ. "ما ينقل عن أُبيّ من فضائل السور من موضوعاته، فإنه جهل من البعض وغفلة عن أن أبي مات في خلافة عمر أو عثمان والوضع المذكور متأخر عن زمن الصحابة، كما يكشف عنه ما نقل من اعتذار الواضع عن فعله بأنه رأى الناس نبذوا القرآن وراء ظهورهم واشتغلوا الأشعار وفقه أبي حنيفة و... فعل ذلك لترويج القرآن ونسب الرواية إلى أبي، لا أن أبي هو الواضع. " تنقيح المقال في علم الرجال، ج5، ص 161، شرح حال أبي بن كعب، الرقم 268 .
5- "إن الذي يتضح من دراسة المترجم ومواقفه وتقاريظ علماء العامة والخاصة والصفات التي وصفوه بها من دون غمز فيه أن من المتفق عليه جلالته وقربه من نبي الرحمة صلّی الله علیه وآله وسلّم ومؤازرته لأهل البيت علیهما السلام . فهو صحابي بدري عقبي ذو قراءة خاصة لكتاب الله عزّ وجل مرضية لأئمة الهدى علیهم السلام . فوصفه بالوثاقة بل فوق الوثاقة ينبغي أن لا يعتري فيها الشك، فهو ثقة جليل" تنقيح المقال في علم الرجال، ج 5، ص 162 ، شرح حال أبي بن كعب، الرقم 268 .

ويضيف السيد بحر العلوم إلى هذه الأوصاف التي يؤكدها له أن أبي كان سيداً وكان سيد القرّاء وكاتب الوحي. وهو أول من كتب من الأنصار للنبي الأكرم. كان من أفضل صحابة النبي وأبرزهم. ويروي أكثر العلماء أن النبي قال: أقرؤكم أبيّ. في اليوم الذي توفي فيه أبيّ، قال الخليفة الثاني : مات اليوم سيد المسلمين(1). كان أبيّ ضمن الاثني عشر شخصاً الذين أنكروا على أبي بكر تقدمه على أهل البيت في الخلافة والجلوس مجلس رسول الله (2).

يروي البخاري وابن سعد وابن عساكر عن جرير قوله : طلبت حاجة إلى عمر بن الخطاب في خلافته وإلى جنبه رجل أبيض الثياب أبيض الشعر ، قلت: يا أمير المؤمنين من هذا الرجل إلى جنبك ؟ قال : سيد المسلمين أبيّ بن كعب (3).

ص: 284


1- "الهيثم بن عدي الطائي، قال: توفي أبي سنة تسع عشرة. قال: وأنا ( هكذا) محمد بن عمر قال مات في ما رأيت أهله وأصحابنا يقولون في خلافة عمر سنة اثنتين وعشرين بالمدينة، فقال عمر: مات اليوم سيد المسلمين . " تاريخ دمشق الكبير، ج 7، ص 244، شرح حال أبي بن كعب، الرقم 757.
2- "أبي بن كعب أبو المنذر، سيد القرّاء وكاتب الوحي، عقبي بدري فقيه قار، أول من كتب للنبي[صلّی الله علیه وآله وسلّم] من الأنصار وهو من فضلاء الصحابة ومن أعيانهم. وروى الجمهور عن النبي[صلّی الله علیه وآله وسلّم] أنه قال : أقرؤكم أبي وكفى دليلاً على فضله وجلالته قوله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] إن الله أمرني أن أقرأ عليك ، وقوله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] : ليهنئك العلم أبا المنذر. مات في زمن عمر فقال عمر يوم مات مات اليوم سيد المسلمين... هو من الاثني عشر الذين أنكروا على أبي بكر تقدمه وجلوسه في مجلس رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] . " الفوائد الرجالية، ج 1 ، ص 465 - 466 شرح حال أبي بن كعب. كما يقول الشيخ الطوسي: "أبي بن كعب بن قيس يكنى أبا المنذر، شهد العقبة مع السبعين وكان يكتب الوحي آخی رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم بينه وبين سعد بن زيد بن عمرو بن نفيل. شهد بدراً والعقبة الثانية وبايع لرسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم." رجال الطوسي، ص4، أصحاب رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم، شرح حال أبي بن كعب، باب الهمزة، الرقم 16.
3- "عن أبي نضرة قال : قال رجل منا يقال له جابر أو جرير : طلبت حاجة إلى عمر بن الخطاب في خلافته وإلى جنبه رجل أبيض الثياب أبيض الشعر ، قلت : يا أمير المؤمنين من هذا الرجل إلى جنبك ؟ قال : سيد المسلمين أبي بن كعب. " تاريخ دمشق الكبير، ج 7، ص238 - 239، شرح حال أبي بن كعب، الرقم 757 ؛ الأدب المفرد، ص 128 ، باب الخرق الحديث 478 ؛ الطبقات الكبرى، ج 3، ص 499، شرح حال أبيّ بن كعب.

سؤال:

لماذا يُستبعد في السقيفة هذا الصحابي الجليل الذي يتفق الشيعة والسنة عليه ويصفه الخليفة الثاني بسيد المسلمين؟ ألم يكن أبيّ في المواقف الحرجة إلى جانب النبي؟ فلماذا استبعد من مصنع القرار بعد وفاة رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم؟

13 - حذيفة بن اليمان :

كان حذيفة من الأشخاص المعدودين الذين حظوا باهتمام خاص من النبي الأكرم صلّی الله علیه وآله وسلّم وكان من أمناء سره صلّی الله علیه وآله وسلّم(1)

ويقول عنه ابن حجر :وكان صاحب سر رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] ومناقبه كثيرة مشهورة (2)

يعتقد أهل السنة أن حذيفة كان يعلم بجميع ما يحدث حتى قيام الساعة. يقول البخاري ومسلم وأبو داود السجستاني أن حذيفة قال : لقد خطبنا النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] خطبة ما ترك فيها شيئاً إلى قيام الساعة إلاّ ذكره، علمه من علمه وجهله من جهله. إن كنت لأرى الشيء قد نسيت فأعرف ما يعرف الرجل إذا غاب عنه فرآه فعرفه(3). [بقي في ذهني كل ما قاله النبي].

ص: 285


1- "من نجباء أصحاب محمد [صلّی الله علیه وآله وسلّم] وهو صاحب السر. " سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 361 ، شرح حال حذيفة، الرقم 76.
2- " وكان صاحب سر رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] ومناقبه كثيرة مشهورة. " تهذيب التهذيب، ج 2، ص 193 ، شرح حال حذيفة، الرقم 454.
3- "عن حذيفة قال : لقد خطبنا النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] خطبة ما ترك فيها شيئاً إلى قيام الساعة إلا ذكره، علمه من علمه وجهله من جهله. إن كنت لأرى الشيء قد نسيت فأعرف ما يعرف الرجل إذا غاب عنه فرآه فعرفه . " صحيح البخاري، ص 1338، كتاب القدر، باب وكان أمر الله قدراً مقدوراً ، الحديث 6604. " عن حذيفة قال: قام فينا رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] مقاماً ما ترك شيئاً يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدّث به حفظه من حفظه و نسيه من نسيه، قد علمه أصحابه هؤلاء وإنه ليكون منه الشيء قد نسيته فرآه فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه، ثم إذا رآه عرفه. " صحیح مسلم، ص 1300 ، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب إخبار النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] فيما يكون إلى قيام الساعة الحديث 7192؛ سنن أبي داود، ج 4 ، ص 94 ، كتاب الفتن والمحن، باب ذكر الفتن ودلالاتها، الحديث 4240 ؛ مسند أحمد، ج 5، ص 385 ، وص ،389، حديث حذيفة بن اليمان.

ويصرّح ابن حجر كذلك بأن النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم علّم حذیفة جميع ما يحدث إلى يوم القيامة(1). يقول حذیفة :و الله ما أدري أنسي أصحابي أم تناسوا ! والله ما ترك رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] من قائد فتنة إلى أن تنقضي الدنيا يبلغ من معه ثلاثمائة فصاعداً إلاّ قد سمّاه لنا باسمه واسم أبيه واسم قبيلته (2).

يروي ابن عساكر والمزي عن حذيفة أنه قال: لو كنت على شاطئ نهر وقد مددت يدي لأغرف فحدثتكم بكل ما أعلم ما وصلت يدي إلى فمي حتى أقتل (تقتلوني)(3).

ويقول الإمام الصادق علیه السلام : لقي النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] حذيفة فمدّ النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] يده فكف

حذيفة يده فقال النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم]: يا حذيفة بسطت يدي إليك فكففت يدك عني؟ (لاشك أن النبي كان يعلم السبب ولكنه أراد أن يُظهر منزلة حذيفة وعلمه من أجل أن لا يلام إذا أودع لديه ملفاً سرياً للغاية) فقال حذيفة: يا رسول الله ! بيدك الرغبة ولكني كنت جنباً فلم أحب أن تمش يدي يدك وأنا جنب(4) .

ص: 286


1- أن رسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم] أعلمه بما كان ويكون إلى أن تقوم الساعة " تقريب التهذيب، ج 1 ، ص 156 ، حذيفة بن اليمان الرقم 183 . على أنه إذا قال أحد إن الإمام علياً علیه السلام أو فاطمة الزهراء أو الحسنين علیهم السلام يعلمون بشيء من تلك الحوادث، اتهم بالغلو وقيل إنه لا يعلم الغيب إلا الله!!!
2- "قال حذيفة بن اليمان: والله ما أدري أنسي أصحابي أم تناسوا ! والله ما ترك رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] من قائد فتنة إلى أن تنقضي- الدنيا يبلغ من معه ثلاثمائة فصاعداً إلا قد سماه لنا باسمه واسم أبيه واسم قبيلته . " سنن أبي داود، ج 4 ، ص 95 ، كتاب الفتن والمحن، باب ذكر الفتن ودلائلها، الحديث 4243 . !!!
3- "قال حذيفة: لو كنت على شاطئ نهر وقد مددت يدي لأغرف فحدثتكم بكل ما أعلم ما وصلت يدي إلى فمي حتى أقتل. " تاريخ دمشق الكبير، ج 13، ص 202 ، شرح حال حذيفة، الرقم 1514 ؛ تهذيب الكمال في أسماء الرجال، ج 4 ، ص198، شرح حال حذيفة، الرقم 1130 .
4- " عن أبي عبد الله علیه السلام: قال : لقي النبي[صلّی الله علیه وآله وسلّم] حذيفة فمدّ النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] يده فكف حذيفة يده فقال النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم]: يا حذيفة ! بسطت يدي إليك فكففت يدك عني ؟ فقال النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم]: أما تعلم أن المسلمين إذا التقيا فتصافحا تحاتت ذنوبهما كما يتحات ورق الشجر . " الكافي، ج 2، ص 183 ، كتاب الإيمان والكفر ، باب المصافحة، الحديث 19.

هؤلاء رجال عرفوا النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم كما ينبغي . فهم تارة يمدون أيديهم ليصافحوا النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم فيكف النبي يده ولكن في هذه الحادثة، يمدّ النبي يده ليصافح أحدهم فيكف الرجل يده عنه مدفوعاً بحب النبي. كان حذيفة طيب النفس ذا علم وبصيرة يؤمن إيماناً جازماً برسول الله ولا يمنّ بأي شيء على الإسلام والمسلمين وقائد المجتمع الإسلامي. يقول الطبري وابن هشام وابن الأثير وعدد من المؤرخين والمحدثين السنة أنه: لما خرج رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] إلى أحد وقع حسيل بن جابر [وهو اليمان أبو حذيفة بن اليمان] وثابت بن وقش بن زعوراء في الآطام مع النساء والصبيان فقال أحدهما لصاحبه [ وهما شيخان كبيران]: لا أبا لك! ما تنتظر؟ فوالله إن بقي لواحد منا من عمره إلاّ ظم حمار، إنما نحن هامه اليوم أو غد، أفلا نأخذ أسيافنا ثم نلحق برسول الله لعل الله عزّ وجلّ يرزقنا شهادة مع رسول الله ؟ فأخذا أسيافهما ثم خرجا حتى دخلا في الناس ولم يعلم بهما. فأما ثابت بن وقش فقتله المشركون وأما حسيل بن جابر اليمان فاختلف عليه أسياف المسلمين فقتلوه ولا يعرفونه. فقال حذيفة: أبي. قالوا: والله إن عرفناه، وصدقوا. قال حذيفة: يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين. فأراد رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] أن يديه فتصدق حذيفة بديته على المسلمين فزادته عند رسول الله خيراً (1)

ص: 287


1- " عن محمود بن لبيد قال : لما خرج رسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم] إلى أحد وقع حسيل بن جابر [ وهو اليمان أبو حذيفة بن اليمان ] وثابت بن وقش بن زعوراء في الآطام مع النساء والصبيان فقال أحدهما لصاحبه [ وهما شيخان كبيران ]: لا أبا لك! ما تنتظر؟ فوالله إن بقي لواحد منا من عمره إلا ظم حمار، إنما نحن هامه اليوم أو غد، أفلا نأخذ أسيافنا ثم نلحق برسول الله لعل الله عزّ وجلّ يرزقنا شهادة مع رسول الله ؟ فأخذا أسيافهما ثم خرجا حتى دخلا في الناس ولم يعلم بهما. فأما ثابت بن وقش فقتله المشركون وأما حسیل بن جابر اليمان فاختلف عليه أسياف المسلمين فقتلوه ولا يعرفونه. فقال حذيفة: أبي . قالوا: والله إن عرفناه، وصدقوا. قال حذيفة: يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين. فأراد رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] أن يديه فتصدق حذيفة بديته على المسلمين فزادته عند رسول الله خيراً. " تاريخ الطبري، ج 2، ص 73، حوادث سنة 3 هجرية، غزوة أحد ؛ السيرة النبوية، ج 3، ص 92 - 93 ، غزوة أحد، مقتل اليمان وابن وقش ؛ أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 2، ص 21 ، شرح حال حسیل بن جابر، الرقم 1166 ؛ المصنف، ج 11، ص 238 ، باب أصحاب النبي [ صلّی الله علیه وآله وسلّم]، الحديث 20424؛ المستدرك على الصحيحين، ج 3، ص 222 - 223 ، كتاب معرفة الصحابة، ذكر مناقب اليمان بن جابر أب حذيفة وهو ممن شهد أحداً، الحديث 4908 . وصرح الحاكم على صحة الحديث على شرط الصحيحين ولم يخرجاه. ؛ المغازي، ج 1، ص 233 - 234، غزوة أحد.

النقطة الأخرى من فضائل حذيفة التي يعتبرها بعض الناس مثلبة عليه موافقته على تولي ولاية المدائن من جانب الخليفة الثالث. يسأل بعضُ : إذا كان حذيفة موالياً تابعاً لأهل البيت فلماذا تعاون مع الخلفاء؟ وهم بهذا يغفلون حقيقة أن عظمة حذيفة ناشئة عن تمسكه بالحق

ومجانبته الباطل.ذكر الإمام الرضا علیه السلام أن : الحذيفة ( هكذا ) لما حضرته الوفاة وكان آخر الليل قال لابنته : أية ساعة هذه؟ قالت: آخر الليل. قال: الحمد لله الذي بلغني هذا المبلغ ولم أوالِ ظالماً على صاحب حق ولم أعاد صاحب حق(1) .(2).

إن قبول ولاية المدائن في الواقع تجسيد لاتباع الحق والانقياد للولاية. فقد كان أمير المؤمنين علیه السلام يكلف بعض الأصحاب والتابعين بالتعاون مع حكومة الخلفاء لتقوية المجتمع الإسلامي وتحقيق بعض المصالح. ولم تكن موافقة حذيفة على تولي المدائن إلا بأمر من أمير المؤمنين علیه السلام. وهذا ما يشير إليه المرحوم المامقاني(3).

ص: 288


1- الإمام علیه السلام يشير إلى قول رسول الله: (( علي مع الحق والحق مع علي)). وقد وردت هذه الرواية في كتب الشيعة والسنة بمضامين مختلفة. سنن الترمذي، ص 668 - 669 ، كتاب المناقب، باب مناقب علي بن أبي طالب، الحديث 3714 ؛ بحار الأنوار، ج 38، ص28، الباب السابع والخمسون، الحديث الأول ؛ تاريخ دمشق الكبير ، ج 45 ، ص 344 ، شرح حال [الإمام] علي [علیه السلام]، الرقم 5029 ؛ المستدرك على الصحيحين، ج 3، ص 134 - 135 ، كتاب معرفة الصحابة، ذكر إسلام أمير المؤمنين علي [ علیه السلام]، الحديث 4629. ويصرح الحاكم بصحة الحديث بشرط مسلم.
2- عن أبي الحسن الرضا علیه السلام ذكر أن الحذيفة لما حضرته الوفاة وكان آخر الليل قال لابنته : أية ساعة هذه؟ قالت : آخر الليل. قال : الحمد لله الذي بلغني هذا المبلغ ولم أوالِ ظالماً على صاحب حق ولم أعاد صاحب حق. " اختيار معرفة الرجال، ص36، حذيفة، الحديث 72 .
3- " إن من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم كانوا مأمورين من قبل أمير المؤمنين علیه السلام للاشتراك في الشؤون العامة وتقوية شؤون المسلمين وتوسيع نطاق الإسلام بالاشتراك في الإمارات وفي سوق الجيوش وفتح البلاد... وما إلى ذلك من الأمور، فتصدى سلمان وحذيفة ... ونظائرهما كان عن أمير المؤمنين علیه السلام." تنقيح المقال في علم الرجال، ج 18، ص 145 ، شرح حال حذيفة بن اليمان،360 .

سؤال:

أليس يعتقد أهل السنة أن الحذيفة منزلة عليا وعلماً بالأمور إلى يوم القيامة؟ فلماذا لم يستشيروه في اختيار الخليفة؟ ولم لم يعيروا رأيه اهتماماً؟

14 - خالد بن سعيد بن العاص الأموي:

آمن خالد بن سعيد من أول البعثة النبوية وإعلان الدعوة الإسلامية. إنه ثالث من أسلم أو رابعهم أو خامسهم(1). كان خالد أشرف بني أمية. وقصة إسلامه خلاصتها أنه رأى في المنام أن أباه يريد أن يلقي به في النار، فمرّ به رسول الله فأخذ بيده وأخرجه من النار. ولما استيقظ أدرك أنها رؤيا صادقة فذهب إلى رسول الله ليعلن إسلامه فلقي أبابكر في الطريق فقص عليه رؤياه فشجعه أبوبكر على اعتناق الإسلام(2).

ص: 289


1- "يكنى أبا سعيد. أسلم قديماً. يقال: إنه أسلم... فكان ثالثاً أو رابعاً. وقبل : كان خامساً. " الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 2، ص 7، شرح حال خالد بن سعيد، الرقم 617 ؛ أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 2، ص 124، شرح حال خالد بن الوليد، الرقم 1365.
2- "كان إسلام خالد بن سعيد قديماً وكان أول إخوته أسلم وكان بدء إسلامه أنه رأى في النوم أنه واقف على شفير النار فذکر من سعتها ما الله به أعلم ويرى في النوم كأن أباه يدفعه فيها ويرى رسول الله آخذاً بحقويه لئلا يقع، ففزع من نومه فقال: أحلف بالله إن هذه لرؤيا حق، فلقي أبابكر بن أبي قحافة فذكر ذلك له، فقال أبو بكر : أريد بك خير هذا رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] فاتبعه فإنك ستتبعه وتدخل معه في الإسلام. " الطبقات الكبرى، ج 4 ، ص 94 ، شرح حال خالد بن سعيد ؛ الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 2، ص8 - 9، شرح حال خالد بن سعيد، الرقم 617 ؛ أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 2، ص 124 ، شرح حال خالد بن سعيد، الرقم 1365 ؛ المستدرك على الصحيحين، ج 3، ص 277، کتاب معرفة الصحابة، ذكر مناقب خالد بن سعيد بن العاص، الرقم 5082 . اعتبروا هذه الحكاية من مفاخر خالد بن سعيد ولا أحد ينكرها. على أنه يُستنتج منها أن أبابكر أسلم مع خالد في وقت واحد، فكيف يدعون أن أبابكر كان أول من أسلم ؟ يروي الطبري رواية صحيحة عن سعد بن أبي وقاص وهي أن أبابكر أسلم قبله أكثر من خمسين وأن عمر أسلم بعد خمسة وأربعين رجلاً . "محمد بن سعد قال: قلت لأبي : أكان أبوبكر أولكم إسلاماً ؟ فقال : لا ، ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين ولكن كان أفضلنا إسلاماً. " تاريخ الطبري، ج 1، ص 540 ، تاريخ ما قبل الهجرة، ذكر الخبر عما كان من أمر النبي. "قال أبو جعفر ذكر أنه أسلم بعد خمسة وأربعين رجلاً وإحدى وعشرين امرأة... قال : أسلم عمر بعد خمسة وأربعين رجلاً وإحدى وعشرين امرأة. " تاريخ الطبري، ج2، ص 565 ، حوادث سنة 23 هجرية، ذكر وقت إسلامه ؛ الكامل في التاريخ، ج 1، ص 502 ، ذكر إسلام عمر بن الخطاب. ذكر باقي المؤرخين أن عمر أسلم بعد 45 رجلاً و 11 امرأة. الطبقات الكبرى، ج 3، ص 269 ، إسلام عمر ؛ المصنف في الأحاديث والآثار، ج8، ص 452 ، إسلام عمر بن الخطاب، الحديث الثاني ؛ تاريخ المدينة المنورة، ج 2، ص 660 ، إسلام عمر ؛ أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 4، ص138 - 139، شرح حال عمر بن الخطاب، الرقم 3830. كما أن ابن الأثير ذكر قولاً بأنه أسلم بعد 40 رجلاً و 10 نساء.

عندما علم أبو خالد بإسلامه طرده من البيت وأمر باقي أبنائه بمقاطعته. فكان خالد يلازم رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم ليل نهار حتى هاجر المسلمون إلى الحبشة فهاجر معهم بصحبة زوجته. بعث النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم بكتاب إلى النجاشي طلب منه ثلاثة أشياء: الأول الدخول في الإسلام، والثاني أن يتزوج بأم حبيبة بنت أبي سفيان أخت معاوية، والثالث أن يمهد لعودة جعفر بن أبي طالب وسائر المهاجرين. أسلم النجاشي ووافق على الزواج بأم حبيبة وتولى خالد ترتيبات الزواج وخصص النجاشي مهراً للزوجة مقداره أربعمائة دينار. ثم أمر المهاجرين بالذهاب إلى المدينة عملاً بأمر النبي.

لما وصلوا المدينة علموا أن الرسول الأكرم كان قد ذهب إلى خيبر (1) فتوجهوا إلى هناك فورهم. وحين وصلوا إلى هناك كانت الحرب وضعت أوزارها، ولكن أسماءهم أضيفت إلى قائمة أسماء المقاتلين وكان لهم نصيبهم من الغنائم.

رافق خالد النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم في فتح مكة وغزوة حنين والطائف وتبوك. ثم بعثه النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم إلى اليمن مسؤولاً عن الشؤون المالية. وظل في هذا المنصب حتى وفاة النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم فعاد إلى المدينة ووقف إلى جانب الإمام علي علیه السلام . ولم يبايع أبابكر حتى أجبر الإمام علي علیه السلام على مبايعته (2).

ص: 290


1- تبعد نحو 70 فرسخاً عن المدينة.
2- "فسر رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] بإسلامه وتغيب خالد وعلم أبوه إسلامه فأرسل في طلبه من بقي من ولده ولم يكونوا أسلموا فوجدوه فأتوا به أباه أبا أحيحة سعيداً فسبّه وبكته وضربه بعصا في يده حتى كسرها على رأسه وقال : اتبعت محمداً وأنت ترى خلافة قومه وما جاء به من عيب آلهتهم وعيب من مضى من آبائهم؟ قال : قد والله تبعته على ما جاء به، فغضب أبوه ونال منه وقال : اذهب يا لكع حيث شئت! والله لأمنعنك القوت. فقال خالد: إن منعتني فإن الله يرزقني ما أعيش به. فأخرجه وقال لبنيه: لا يكلمه أحد منكم إلا صنعت به ما صنعت بخالد. فانصرف خالد إلى رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] فكان يلزمه ويعيش معه. وتغيب عن أبيه في نواحي مكة حتى خرج المسلمون إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية فخرج معهم... وهاجر خالد إلى الحبشة ومعه امرأته أميمة بنت خالد الخزاعية وولد له بها ابنه سعيد بن خالد وابنته أم خالد واسمها أمة وهاجر معه إلى أرض الحبشة أخوه عمرو بن سعيد وقدما على النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] بخيبر مع جعفر بن أبي طالب في السفينتين، فكلم النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] المسلمين فأسهموا لهم. وشهد مع النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] القضية وفتح مكة وحنيناً والطائف وتبوك. وبعثه رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] عاملاً على صدقات اليمن، وقيل على صدقات مذحج، وعلى صنعاء. فتوفي النبي [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] وهو عليها. ولم يزل خالد وأخواه عمرو وأبان على أعمالهم التي استعملهم عليها رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] حتى توفي رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ]. فلما توفي رجعوا عن أعمالهم... وتأخر خالد وأخوه أبان عن بيعة أبي بكر ، فقال لبني هاشم : إنكم لطوال الشجر طيبو الثمر ونحن تبع لكم. فلما بايع بنوهاشم أبابكر بايعه خالد " أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 2، ص 125 ، شرح حال خالد بن سعيد، الرقم 1365 . "كتب رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] إلى النجاشي كتاباً يدعوه فيه إلى الإسلام، وبعث معه عمر و بن أمية الضمري. فلما قرئ عليه الكتاب أسلم وقال : لو قدرت أن آتيه لأتيته. وكتب إليه رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] أن يزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب وكانت في من هاجر إلى أرض الحبشة مع زوجها عبيد الله بن جحش فتنصر هناك ومات. فزوجه النجاشي إياها وأصدق عنه أربعمائة دينار وكان الذي ولي تزويجها خالد بن سعيد بن العاص. وكتب إليه رسول الله الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم ] أن يبعث إليه من بقي من أصحابه ويحملهم، ففعل وحملهم في سفينتين. " الطبقات الكبرى، ج 1، ص 207 - 208 ، ذكر الهجرة الثانية إلى أرض الحبشة.

يَعتبر وحيد البهبهاني طريقة تعبير خالد بن سعيد عن معارضته للسقيفة مؤشراً على جلالته وحبه لأمير المؤمنين علیه السلام (1).

سؤال:

إذا كان أهل السنة يقدّرون صحبة رسول الله، فلماذا لم يعيروا أسماعهم لكلام هذا الصحابي ؟ أفلم يكن خالد بن سعيد من صحابة رسول الله ومن عامليه وملازميه في حروبه وموضع اهتمامه و تأييده؟

ص: 291


1- تنقيح المقال في علم الرجال، ج 25 ، ص 129 ، شرح حال خالد بن سعید بن العاص، الرقم 7367 .

ص: 292

الفصل الثاني: تحليل الشخصيات المؤيدة للسقيفة

اشارة

يتناول هذا الفصل بالتحليل تاريخ الأشخاص الذين أيدوا مشروع السقيفة ولعبوا دوراً فيه

1۔ عمر بن الخطاب:

اشارة

كان لعمر بن الخطاب مواقف معارضة صريحة للنبي الأكرم صلّی الله علیه وآله وسلّم وسنته، سنتطرق إلى بعضها ثم سنشير إلى بعض تصرفاته الاجتماعية ومواقف الغلظة التي عُرف بها للتعرف على شخصيته .

أ- مخالفاته الصريحة لرسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم:
اشارة

خالف عمر النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم في مواضع كثيرة مما دلّ على ضعف إيمانه به ومعاناته من خلل اعتقادي. واستمرت تلك المخالفات حتى بعد وفاة النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم، حتى أنه غيّر سنته صلّی الله علیه وآله وسلّم.

ضعف اعتقاده :

يقول ابن شبة وهو من علماء السنة: لم يزل شريح [ بن حارث ](1)عامل رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم على قومه وعامل أبي بكر . فلما قام عمر أتاه بكتاب رسول الله فأخذه فوضعه تحت قدمه وقال: لا، ما هو إلا ملك انصرف(2).

ص: 293


1- على أن الكتب المختصة بشرح أحوال الصحابة تذكر أن اسمه حارث بن شريح لا شريح بن حارث. الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 1، ص 364، شرح حال حارث بن شريح الرقم 451 ؛ أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 1 ، ص 613، شرح حال حارث بن شريح الرقم 613 .
2- "لم يزل شريح عامل رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] على قومه وعامل أبي بكر . فلما قام عمر أتاه بكتاب رسول الله فأخذه فوضعه تحت قدمه وقال: لا، ما هو إلا ملك انصرف . " تاريخ المدينة المنورة، ج 2، ص 596 ، وفد بني نمير . يستعمل الوهابيون عبارات بحق النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم يظنون أنهم يدافعون عنه بها. وأنا إذ أنقل ما قالوا فإني أعتذر من ساحته المقدسة. يقول زيني دحلان الفقيه الشافعي والمؤرخ وإمام جماعة المسجد النبوي المتوفى 1304 هجرية في كتاب "الدرر السنية في الرد على الوهابية"، ص 42: حتى أن بعض أتباعه كان يقول [وهو تلميذ لابن عبدالوهاب قام بعد درس شيخه فحرك عصاه وقال]: عصاي هذه خير من محمد لأنها يُنتفع بها في قتل الحية ونحوها ومحمد قد مات ولم يبق فيه نفع أصلاً وإنما هو طارش (ساعي بريد) وقد مضى . " هذه الأقوال مصدرها سيدهم عمر بن الخطاب الذي قال: "ما هو إلا ملك انصرف".

سؤال:

أليس موقف عمر بن الخطاب وقوله هذا مخالفاً لقول الله تعالى{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ }(1).

نعت النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم بالهذيان :

يقول الغزالي وسبط بن الجوزي، وهما من علماء السنة : ولما مات رسول الله قال قبل وفاته: ائتوا بدواة لأزيل لكم إشكال الأمر واذكر لكم المستحق لها بعدي. قال عمر : دعوا الرجل فإنه ليهجر(2).

ينقل البخاري ومسلم وباقي علماء السنة هذه الرواية بدون ذكر اسم عمر. أما ابن الأثير فيصرّح في توضيح الرواية بأن عمر تجرأ على ساحة النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم(3).

ص: 294


1- سورة آل عمران الآية 144.
2- " ولما مات رسول الله قال قبل وفاته: ائتوا بدواة لأزيل لكم إشكال الأمر واذكر لكم المستحق لها بعدي. قال عمر : دعوا الرجل فإنه ليهجر . " مجموعة رسائل الإمام الغزالي / سرّ العالمين وكشف ما في الدارين ص 483 ، باب في ترتيب الخلافة والمملكة ؛ تذكرة الخواص، ص 65 ، الباب الرابع في ذكر خلافته علیه السلام .
3- "عن ابن عباس أنه قال : يوم الخميس وما يوم الخميس ! ثم بكى حتى خضب دمعه الحصباء، فقال: اشتد برسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم ] وجعه يوم الخميس، فقال : ائتوني [بكتاب] أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً. فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: هجر رسول الله . " صحيح البخاري، ص 619 ، كتاب الجهاد والسير باب جوائز الوفد الحديث 3053 ؛ صحیح مسلم، ص 767 ، كتاب الوصية باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصى فيه، الحديث 4209 . ورد في موضع آخر بهذا اللفظ : "ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: ما له أهجر استفهموه؟" صحيح البخاري، ص 645 ، كتاب الجزية والموادعة، باب إخراج اليهود من جزيرة العرب، الحديث 3168 وص ،893 ، كتاب المغازي، باب مرض النبي الله[ صلّی الله علیه وآله وسلّم] ، ووفاته، الحديث 4431. صحيح مسلم، ص 767 ، كتاب الوصية، باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصى فيه الحديث 4208 . " ومنه حديث مرض النبي الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] قالوا: ما شأنه؟ أهجر ؟ أي اختلف كلامه بسبب المرض، على سبيل الاستفهام أي هل تغيّر كلامه واختلط لأجل ما به من المرض؟ وهذا أحسن ما يقال فيه ولا يجعل إخباراً فيكون إما من الفحش أو الهذيان والقائل كان عمر ولا يظن به ذلك. " النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 5، ص 246 ، باب الهاء مع الجيم، مادة هجر.

سؤال:

أليس كلام عمر هذا مخالفاً للقرآن في قول الله تعالى {لا ينطق عن الهوى. إن هو إلاّ وحي يوحى علمه [ ملك ] شديد القوى} ؟(1)هل يستحق رجل يظن بالنبي صلّی الله علیه وآله وسلّم هذا الظن أن يصبح خليفة للمسلمين؟

اعتراضه على رسول الله لصلاته على امرأة مرجومة:

جاءت امرأة من جهينة إلى رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم و طلبت منه أن يقيم الحدّ عليها وقد حملت من زنا. فأمر النبي ولي المرأة أن يمسكها حتى تضع حملها. وبعد أن ولدت أمر النبي بإقامة الحدّ عليها. فماتت المرأة بالرجم . فتم غسلها وتكفينها ثم صلى عليها النبي. فجاء عمر مغضباً فقال : يا رسول الله ! أتصلي على زانية؟ فقال النبي : والذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم. فلم لا أصلي عليها؟ هل خرجت من الإسلام؟ لقد أذنبت ثم تطهرت(2).

ص: 295


1- سورة النجم، الآيات 3 - 5 .
2- "عن عمران بن حصين: إن امرأة من جهينة أتت نبي الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] وهي حبلى من الزنى فقالت: يا نبي الله ! أصبت حداً، فأقمه علي. فدعا نبي الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] وليها ، فقال : أحسن إليها ، فإذا وضعت ائتني بها. ففعل فأمر بها نبي الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] فشكت عليها ثيابها، ثم أمر بها فرجمت ثم صلى عليها. فقال له عمر : تصلي عليها يا نبي الله وقد زنت ؟ فقال : لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم. وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها الله تعالى . " صحيح مسلم، ص 804 - 805 كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنى الحديث 4408 ؛ سنن أبي داود، ج 4 ، ص 151 - 152 ، كتاب الحدود، باب المرأة التي أمر النبي برجمها من جهينة، الحديث 4440 ؛ سنن الترمذي، ص 276 ، كتاب الحدود، باب تربص الرجم بالحبلى حتى تضع الحديث 1435 ، المصنف، ج 7، ص 325 ، باب الرجم والإحسان، الحديث 13347 ؛ المصنف في الأحاديث والآثار، ج 6 ، ص 558 ، كتاب الحدود، باب من قال إذا فجرت وهي حامل انتظر بها حتى تضع ثم ترجم الحديث الثالث.
اعتراضه على النبي لصلاته على منافق:

لما مات كبير المنافقين عبد الله بن ابيّ جاء ابنه إلى رسول الله وقال: يا رسول الله !

لي إليك ،حاجتان، أن تعطيني قميصك أكفنه فيه وأن تصلي على جنازته.

أعطاه النبي قميصه. وبعد أن تم تغسيله وتكفينه استأذن رسول الله للصلاة عليه. فقام عمر وقال: يا رسول الله ! ألم ينهك ربك عن الصلاة على المنافقين ؟ فقال : لقد خيرني الله بين أن أستغفر لهم أو لا أستغفر، ولو استغفرت لهم سبعين مرة ما نفعهم ذلك وما غفر الله لهم(1) .

اعتراضه على صلح الحديبية :

عندما تم توقيع معاهدة صلح الحديبية بين النبي وسهيل بن عمرو تم الاتفاق على أنه إذا لجأ أحد من المسلمين إلى قريش ومكة فلا يعيدونه إليهم، وإذا لجأ أحد المشركين إلى المسلمين أو إلى المدينة فعليهم أن يعيدوه إليهم. فغضب عمر فقال لأبي بكر : ما هذا الكلام؟ هل نسلم المسلمين إلى المشركين ؟ ثم قال: لم أشك في ديني منذ أسلمت كما شككت اليوم.

ص: 296


1- " عن عبيد الله قال : حدّثني نافع عن ابن عمر أن عبد الله بن أبي لما توفي جاء ابنه إلى النبي [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] فقال : يا رسول الله ! أعطني قميصك أكفّنه فيه وصلّ عليه واستغفر له. فأعطاه النبي قميصه فقال : آذنّي أصلي ( هكذا) عليه فآذنه، فلما أراد أن يصلي عليه جذبه عمر فقال : أليس الله نهاك أن تصلي على المنافقين؟ فقال : أنا بين خيرتين، قال: استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم، فصلى عليه فنزلت (( ولا تصلّ على أحد منهم مات أبداً)) . " صحيح البخاري، ص 257 - 258 ، كتاب الجنائز، باب الكفن في القميص الذي يكفّ أو لا يكفّ ومن كفن بغير قميص، الحديث 1269 ؛ سنن الترمذي، ص 558 ، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة التوبة، الحديث 3098 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1، ص 487 - 488 ، كتاب الجنائز، باب في الصلاة على أهل القبلة، الحديث 1523 ؛ سنن النسائي، ج 4 ، ص 36 - 37 ، كتاب الجنائز، القميص في الكفن .

ثم أتى رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم وقال له : يا رسول الله ! ألستَ نبي الله ؟ فقال النبي: بلى. قال: ألسنا مسلمين بالحق ؟ قال بلى .قال : أوليسوا مشركين حقاً؟ قال النبي : بلى. قال: فما هذا الهوان الذي نتحمل؟ قال النبي : إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري.

في يوم فتح مكة قال النبي : قولوا لعمر أن يأتيني ! فأتاه فقال له: إن فتح مكة هو الوعد الذي وعدتكم به(1).

الزواج المؤقت (زواج المتعة) :

قال يحيى بن أكثم لشيخ من البصرة بمن اقتديت في جواز المتعة؟

ص: 297


1- "فقال سهيل : [و] على أنه لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا . فقال سهيل: هذا يا محمد أول من أقاضيك عليه أن ترده [إلي] فقال النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم: إنا لم نقض الكتاب بعد... فقال عمر بن الخطاب : والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ . قال : فأتيت النبي [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] فقلت: ألست نبي الله حقاً؟ قال : بلى. قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال : بلى. قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا؟ فقال : إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري . قلت : أولست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: بلى، فأخبرتك أنك تأتيه العام؟ قلت: لا. قال: فإنك آتيه ومطوف به قال: فأتيت أبابكر فقلت: يا أبابكر ! أليس هذا نبي الله حقاً؟ قال: بلى. قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ قال : بلى قلت فلم نعطي الدنية في ديننا إذن؟ قال: أيها الرجل إنه رسول الله وليس يعصي ربه وهو ناصره فاستمسك بغرزه حتى تموت، فوالله إنه لعلى الحق. قلت: أوليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: فأخبرك أنه سيأتيه العام؟ قلت: لا. قال: فإنك آتيه ومطوف به. قال الزهيري: قال عمر : فعملت لذلك أعمالاً . " المصنف، ج 5، ص 338 - 340، غزوة الحديبية. ينقل البخاري هذه الرواية عن عبدالرزاق ويحذف منها قول عمر "ما شككت منذ أسلمت ". صحيح البخاري، ص 554، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط، الحديث 2731 و 2732 . "لما كتب النبي [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] كتاب الصلح في الحديبية بينه وبين سهيل بن عمرو كان في الكتاب أن من خرج من المسلمين إلى قريش لا يُردّ ومن خرج من المشركين إلى النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] يردّ عليهم. فغضب عمر وقال لأبي بكر ما هذا يا أبابكر أيُردّ المسلمون على المشركين ثم جاء إلى رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] فجلس بين يديه وقال : يا رسول الله! ألست رسول الله حقاً ... فلما كان يوم الفتح وأخذ رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] مفتاح الكعبة، قال : ادعوا لي عمر. فجاء فقال : هذا الذي كنت وعدتكم به. " شرح نهج البلاغة ، ج 12، ص 59 - 60 ، نكت من كلام عمر وأخلاقه، ذيل الخطبة 223 ، المغازي، ج 2، ص 608 - 609 ، غزوة الحديبية.

فقال البصري:بعمر بن الخطاب .قال : كيف وعمر كان أشدّ الناس؟ قال: لأن الخبر الصحيح أنه صعد إلى المنبر، فقال: إن الله ورسوله قد أحلّ لكما متعتين وإني محرمها عليكم أو أعاقبكم عليهما، فقبلنا شهادته ولم نقبل تحريمه(1).

اعتراضه على مساعدة النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم للمستحق:

عن عمر بن الخطاب قال: جاء رجل إلى النبي فقال [ النبي]: ما عندي شيء أعطيك ولكن استقرض حتى يأتينا شيء فنعطيك. فقال عمر : ما كلّفك الله هذا، أعطيت ما عندك، فإذا لم يكن عندك فلا تكلف. قال: فكره رسول الله قول عمر حتى عرف في وجهه. فقال الرجل: يا رسول الله ! بأبي وأمي أنت، فأعط ولا تخش من ذي العرش إقلالاً. فتبسم النبي وقال : بهذا أمرت (2).

سؤال:

هل عمر هذا، الذي يعارض النبي الأكرم صلّی الله علیه وآله وسلّم في حياته مراراً وتكراراً، جدير بأن يعيّن خليفة النبي ؟ وهل هو مؤهل للاستشارة؟

ص: 298


1- "قال يحيى بن أكثم لشيخ من البصرة بمن اقتديت في جواز المتعة ؟ فقال البصري : بعمر بن الخطاب. قال: كيف وعمر كان أشدّ الناس؟ قال: لأن الخبر الصحيح أنه صعد إلى المنبر، فقال: إن الله ورسوله قد أحل لكما متعتين وإني محرمها عليكم أو أعاقبكم عليهما، فقبلنا شهادته ولم نقبل تحريمه " محاضرات الأدباء، ج 3، ص 245 ، الحد الخامس عشر في التزويج والأزواج والطلاق والعفة والتديث، باب جواز المتعة. وكتب أهل السنة زاخرة بالأسانيد على خطبة عمر : "عن ابن عمر عن عمر قال متعتان كانا على عهد رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] أنهى عنهما وأعاقب عليهما ؛ متعة النساء ومتعة الحج. " تذكرة الخواص، ج 1، ص 268 ، شرح حال مكي بن إبراهيم، الطبقة السابعة، الرقم 359 ؛ مسند أحمد، ج 3، ص 325، مسند جابر بن عبدالله ؛ المبسوط، ج 4، ص 27، كتاب المناسك، باب القرآن.
2- " عن عمر بن الخطاب قال: جاء رجل إلى النبي فقال [النبي]: ما عندي شيء أعطيك ولكن استقرض حتى يأتينا شيء فنعطيك. فقال عمر: ما كلّفك الله هذا، أعطيت ما عندك ، فإذا لم يكن عندك فلا تكلف . قال : فكره رسول الله قول عمر حتى عرف في وجهه. فقال :الرجل يا رسول الله ! بأبي وأمي أنت، فأعط ولا تخش من ذي العرش إقلالاً. فتبسم النبي وقال بهذا أمرت." مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، ج 10، ص 241 - 242 ، باب في الإنفاق والإمساك ؛ البداية والنهاية، ج 6 ، ص 57 ، كتاب الشمائل، حديث بلال في ذلك ؛ الشمائل المحمدية، ص191 ، ما جاء في خلق رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] ، الحديث 349 ؛ كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، ج 7، ص203. 204 ، كتاب الشمائل، سخاؤه، الحديث 18637.

يستعرض ابن أبي الحديد بعض مخالفات عمر للنبي واعتراضاته عليه فيقول إن عمر كان عاجزاً عن أن يتحكم بتصرفاته في اتخاذه تلك المواقف حيال النبي. بل لم يكن قادراً على السيطرة على لسانه. لقد كان يكلم النبي بكلمات أستحي من نقلها(1).

هل يصلح مثل هذا الرجل أن يقرر مصير المسلمين جميعاً؟

مخالفته لحج التمتع :

يقول الإمام الصادق علیه السلام : إن رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] أقام بالمدينة عشر سنين لم يحجّ ثم أنزل الله عزّ وجلّ ((وأذٍّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فجٍ عميق)) فأمر المؤذنين أن يؤذنوا بأعلى أصواتهم بأن رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] يحج في عامه هذا. فعلم به من حضر. المدينة وأهل العوالي والأعراب واجتمعوا لحج رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] [ وكانت حجة الوداع وواقعة الغدير ] وإنما كانوا تابعين ينظرون ما يؤمرون ويتبعونه أو يصنع شيئاً فيصنعونه. فخرج رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] في أربع بقين من ذي القعدة. فلما انتهى إلى ذي الحليفة زالت الشمس فاغتسل ثم خرج حتى أتى المسجد الذي عند الشجرة فصلّى فيه الظهر وعزم بالحج مفرداً وخرج حتى انتهى إلى البيداء عند الميل الأول فصفٌ له سماطان فلبّى بالحج مفرداً وساق الهدي ستاً وستين أو أربعاً وستين حتى انتهى إلى مكة في سلخ أربع من ذي الحجة، فطاف بالبيت سبعة أشواط ثم صلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم [علیه السلام] ثم عاد إلى الحجر فاستلمه وقد كان استلمه في أول طوافه، ثم قال : إن الصفا والمروة من شعائر الله فأبدأ بما بدأ الله تعالى به وإن المسلمين كانوا يظنون أن السعي

ص: 299


1- " وكان في أخلاق عمر وألفاظه جفاء وعنجهية ظاهرة يحسبه السامع لها أنه أراد بها ما لم يكن قد أراد ويتوهم من تحكى له أنه قصد بها ظاهراً ما لم يقصده فمنها الكلمة التي قالها في مرض رسول الله ومعاذ الله أن يقصد بها ظاهرها ولكنه أرسلها على مقتضى خشونة غريزته ولم يتحفظ منها ... وعلى نحو هذا يحتمل كلامه في صلح الحديبية لما قال للنبي : ألم تقل لنا ستدخلونها؟ في ألفاظ نكره حكايتها، حتى شكاه النبي إلى أبي بكر . " شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 183 ، طرف من أخبار عمر بن الخطاب، ذيل الخطبة الثانية.

بين الصفا والمروة شيء صنعه المشركون فأنزل الله عزّ وجلّ ((إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جُناح عليه أن يطّوّف بهما [ و من تطوع خيراً فإن الله شاكر عليم](1). ثم أتى الصفا فصعد عليه واستقبل الركن اليماني فحمد الله وأثنى عليه ودعا مقدار ما يقرأ سورة البقرة مترسلاً ثم انحدر إلى المروة فوقف عليها كما وقف على الصفا ثم انحدر وعاد إلى الصفا فوقف عليها ثم انحدر إلى المروة حتى فرغ من سعيه. فلما فرغ من سعيه وهو على المروة أقبل على الناس بوجهه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن هذا جبرئيل، وأومأ بيده إلى خلفه، يأمرني أن آمر من لم يسق هدياً أن يحلّ ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لصنعت مثل ما أمرتكم ولكني سقت الهدي ولا ينبغي لسائق الهدي أن يحلّ حتى يبلغ الهدي محله. قال: فقال له رجل من القوم: لنخرجن حجاجاً ورؤوسنا وشعورنا تقطر [ أنقارب النساء ثم نغتسل ]؟ فقال له رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] : أما إنك لن تؤمن بهذا [ الحكم] أبداً. فقال له سراقة بن مالك بن جعشم الكناني: يا رسول الله! علمنا ديننا كأننا خلقنا اليوم فهذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أم لما يستقبل ؟ فقال له رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم]: بل هو للأبد إلى يوم القيامة. ثم شبك أصابعه وقال: دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة. قال: وقدم على [علیه السلام] من اليمن على رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] وهو بمكة فدخل على فاطمة [علیها السلام] وهي قد أحلت فوجد ريحاً طيبة ووجد عليها ثياباً ،مصبوغة، فقال: ما هذا يا فاطمة؟ فقالت: أمرنا بهذا رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم]فخرج علي [علیه السلام] إلى رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم مستفتیا فقال:يا رسول الله ! إني رأيت فاطمة قد أحلت وعليها ثياب مصبوغة ؟ فقال رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم ]:أنا أمرت الناس بذلك، فأنت يا علي بما أهللت؟ قال: يا رسول الله ! إهلالاً كإهلال النبي. فقال له رسول الله : قرّ على إحرام (2)مثلي وأنت شريكي في هديي(3)

ص: 300


1- سورة البقرة، الآية 158
2- للنبي وعلي حساب يختلف عن حساب سائر الأمة. كان الإمام علي علیه السلام يقول : نحن نور واحد. " عن الصادق عن آبائه علیه السلام أن أمير المؤمنين قال في رسالته إلى سهل بن حنيف والله ما قلعت باب خیبر ورمیت به خلف ظهري أربعين ذراعاً بقوة جسدية ولا حركة غذائية، لكني أيدت بقوة ملكوتية ونفس بنور ربها مضيئة، وأنا من أحمد كالضوء من الضوء والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت ولو أمكنتني الفرصة من رقابها لما بقيت ومن لم يبال متى حتفه عليه ساقط فجنانه في الملمات رابط . " أمالي الصدوق، ص 812 ، المجلس 77، الحديث العاشر ؛ بحار الأنوار، ج 21 ، ص 26 ، الباب الثاني والعشرون غزوة خيبر وفدك وقدوم جعفر بن أبي طالب الحديث 25 .
3- عن ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله [علیه السلام] قال : إن رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] أقام بالمدينة عشر - سنين لم يحج ثم أنزل الله عزّ وجلّ (( وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق) فأمر المؤذنين أن يؤذنوا بأعلى أصواتهم بأن رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] يحج في عامه هذا. فعلم به من حضر المدينة وأهل العوالي والأعراب واجتمعوا لحج رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] وإنما كانوا تابعين ينظرون ما يؤمرون ويتبعونه أو يصنع شيئاً فيصنعونه. فخرج رسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم] في أربع بقين من ذي القعدة. فلما انتهى إلى ذي الحليفة زالت الشمس فاغتسل ثم خرج حتى أتى المسجد الذي عند الشجرة فصلّى فيه الظهر وعزم بالحج مفرداً وخرج حتى انتهى إلى البيداء عند الميل الأول فصفّ له سماطان فلبّى بالحج مفرداً وساق الهدي ستاً وستين أو أربعاً وستين حتى انتهى إلى مكة في سلخ أربع من ذي الحجة، فطاف بالبيت سبعة أشواط ثم صلى ركعتين خلف مقام إبراهيم [علیه السلام] ثم عاد إلى الحجر فاستلمه وقد كان استلمه في أول طوافه، ثم قال : إن الصفا والمروة من شعائر الله فأبدأ بما بدأ الله تعالى به وإن المسلمين كانوا يظنون أن السعي بين الصفا والمروة شيء صنعه المشركون فأنزل الله عزّ وجلّ (( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطّوف بهما)) ثم أتى الصفا فصعد عليه واستقبل الركن اليماني فحمد الله وأثنى عليه ودعا مقدار ما يقرأ سورة البقرة مترسلاً ثم انحدر إلى المروة فوقف عليها كما وقف على الصفا ثم انحدر وعاد إلى الصفا فوقف عليها ثم انحدر إلى المروة حتى فرغ من سعيه. فلما فرغ من سعيه وهو على المروة أقبل على الناس بوجهه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن هذا جبرئيل، وأومأ بيده إلى خلفه، يأمرني أن آمر من لم يسق هدياً أن يحل ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لصنعت مثل ما أمرتكم ولكني سقت الهدي ولا ينبغي لسائق الهدي أن يحلّ حتى يبلغ الهدي محله. قال: فقال له رجل من القوم: لنخرجن حجاجاً ورؤوسنا وشعورنا تقطر فقال له رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] : أما إنك لن تؤمن بهذا أبداً. فقال له سراقة بن مالك بن جعشم الكناني : يا رسول الله ! علمنا ديننا كأننا خلقنا اليوم فهذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أم لما يستقبل ؟ فقال له رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] بل هو للأبد إلى يوم القيامة. ثم شبك أصابعه وقال: دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة. قال: وقدم علي[علیه السلام] من اليمن على رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] وهو بمكة فدخل على فاطمة [علیها السلام ] وهي قد أحلت فوجد ريحاً طيبة ووجد عليها ثياباً مصبوغة، فقال: ما هذا يا فاطمة ؟ فقالت : أمرنا بهذا رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم]. فخرج علي [ علیه السلام] إلى رسول الله [الله :[ ] مستفتياً، فقال: یا رسول الله ! إني رأيت فاطمة قد أحلت وعليها ثياب مصبوغة ؟ فقال رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] : أنا أمرت الناس بذلك، فأنت يا علي بما أهللت؟ قال: يا رسول الله ! إهلالاً كإهلال النبي . فقال له رسول الله : قرّ على إحرامك مثلي وأنت شريكي في هديي... الكافي، ج 4، ص 245 - 246 ، كتاب الحج، باب حج النبي، الحديث الرابع ؛ بحار الأنوار ، ج 21، ص 390 - 392 ، الباب السادس والثلاثون، نزوله إلى غدير خم، الحديث 13 . لا إشكال من حيث السند في هذه الرواية. فالعلامة المجلسي، مع كل ما يتسم به من تدقيق ونقد، حين يصل إلى هذه الرواية يقول : حسن كالصحيح مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج 17، ص 110 ، کتاب الحج، باب حج النبي، الحديث الرابع . على أنه يقول هذا بسبب "إبراهيم بن هاشم" والد علي بن إبراهيم، لأنه [ لأنهما] غير موثق ولكنني أرى أن هذا الكلام ليس مقبولاً لأنه أولاً موثق في مقدمة تفسير القمي، وثانياً : لأن بعض الأشخاص مثلما هو فوق التوثيق. ومن يطلع على شرح حال إبراهيم بن هاشم يجد أن وصفه بالثقة قليل في حقه.

ص: 301

يروي أحمد في مسنده هذه الواقعة بقوله : عن ابن عمر أنه قال : قدم رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] مكة وأصحابه ،ملبين وقال عفان: مهلين بالحج ، فقال رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم]: من شاء أن يجعلها عمرة إلاّ من كان معه الهدي. قالوا: يا رسول الله ! أيروح أحدنا إلى منى وذكره يقط-ر منياً؟ قال: نعم. وسطعت المجامر [أحلوا من الإحرام] وقدم علي بن أبي طالب من اليمن، فقال رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم]: بم أهللت؟ قال: أهللت بما أهل به النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] . قال: روح [ابق محرماً] فإن لك معنا هديا(1) النقطة المثيرة للاهتمام في هذه الرواية أن رجلاً اعترض على النبي قائلاً: إننا جئنا حاجين ويحرم علينا كل ما يحرم على المحرم فهل نواقع النساء ثم نغتسل ؟

يقول العلامة المجلسي: إن علماء الشيعة والسنة متفقون على أن الشخص المعترض هو عمر، وأن قول النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم له : إنك لن تؤمن بهذا [الحكم] أبداً، من معجزاته. فمن المتواتر بين الشيعة والسنة أن عمر أنكر حج التمتع بعد وفاة رسول الله . وقد أصر على موقفه في أيام خلافته. لقد استهزأ الخليفة الثاني بحكم الله ورسوله بقوله مستنكراً: كيف نحج وأجسامنا تقطر من ماء غسل الجنابة ؟ (2).

ص: 302


1- عن ابن عمر أنه قال : قدم رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] مكة و أصحابه ، ملبين، وقال عفان مهلين بالحج، فقال رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ]: من شاء أن يجعلها عمرة إلا من كان معه الهدي. قالوا: يا رسول الله ! أيروح أحدنا إلى منى وذكره يقطر منياً؟ قال: نعم. وسطعت المجامر [ أحلوا من الإحرام] وقدم علي بن أبي طالب من اليمن، فقال رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] : بم أهللت ؟ قال : أهللت بما أهل به النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] قال : روح فإن لك معنا هدياً. " مسند أحمد، ج 2، ص28، مسند عبدالله بن عمر بن الخطاب.
2- "قوله علیه السلام : رجل هو عمر ... باتفاق الخاصة والعامة. وقوله صلّی الله علیه وآله وسلّم: إنك لن تؤمن بهذا أبداً، من معجزاته. فإنه قد أنكر ذلك بعد وفاته صلّی الله علیه وآله وسلّم لا سيما في أيام خلافته أشدّ الإنكار كما هو المتواتر بين الفريقين. ويكفي هذا لكل ذي عقل ولب . قوله علیه السلام: رؤوسنا وشعورنا تقطر أي من ماء غسل الجنابة. وفي بعض الروايات وذكرنا تقطر أي من ماء .المني. قال لعنه الله ذلك تقبيحاً وتشنيعاً على ما أمر الله ورسوله به." مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج 17، ص 113 ، کتاب الحج، باب حج النبي، الحديث الرابع.

كما يقول ابن حجر العسقلاني إن المقصود بالرجل عمر بن الخطاب. ويشير إلى ذلك أيضاً النووي والعيني وباقي علماء السنة(1).

ب :بعض تصرفاته الاجتماعية :
اشارة

للتعرف على شخصية عمر بن الخطاب نشير إلى بعض تصرفاته الاجتماعية التي اتسمت بالعنف والغلظة :

صناعة الارتداد:

تعامل عمر بقسوة مع جبلة بن الأيهم وألحق به إصابات جسدية كثيرة، لدرجة أنه تخلى عن الإسلام وتنصّر (2).

ص: 303


1- فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج8، ص 34، كتاب التفسير ، باب فمن تمتع بالعمرة إلى الحج، الحديث 4518 ؛ المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج ، ج 3، ص 357 - 358 ، کتاب الحج، باب جواز التمتع ؛ إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، ج 10، ص 61 ، كتاب تفسير القرآن باب فمن تمتع بالعمرة إلى الحج الحديث 4518 ؛ عمدة القاري شرح صحيح البخاري، ج18، ص 111، كتاب الحج، باب فمن تمتع بالعمرة إلى الحج. ويروي مسلم والنسائي رواية يمكن اتخاذها شاهداً. " عن أبي موسى، أنه كان يفتي بالمتعة فقال له رجل: رويدك ببعض فتياك فإنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بعد، حتى لقيه ،بعد، فسأله، فقال عمر: قد علمت أن النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] قد فعله وأصحابه ولكن كرهت أن يظلوا معرسين بهن في الأراك ، ثم يروحون في الحج تقطر رؤوسهم. " صحيح مسلم، ص 560 ، كتاب الحج، باب في نسخ التحلل من الإحرام والأمر بالتمام، الحديث 2952 ؛ سنن النسائي، ج 5، ص 153، كتاب مناسك الحج التمتع.
2- "وعمر هو الذي أغلظ على جبلة بن الأيهم حتى اضطره إلى مفارقة دار الهجرة، بل مفارقة دار الإسلام كلها وعاد مرتداً داخلاً في دين النصرانية، لأجل لطمة لطمها. " شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 183 ، طرف من أخبار عمر بن الخطاب، ذيل الخطبة الثالثة.
قطع شجرة الرضوان :

بعد وفاة النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم كان الناس يأتون إلى شجرة الرضوان ويصلون عندها. فاستاء عمر من توقيرهم للشجرة، فقال: أراكم أيها الناس رجعتم إلى العزّى ألا لا أوتى منذ اليوم بأحد عاد لمثلها إلاّ قتلته بالسيف كما يُقتل المرتد . ثم أمر بقطعها فقطعت منعاً للصحابة من الارتداد(1).

سؤال:

يا عمر بن الخطاب هل تعتبر الذين كانوا يقصدون ذلك المكان ويصلون فيه، مرتدين وعبدة أوثان؟

هل كان باقي الصحابة يرون مظاهر عبادة الأوثان منهم ولا يعترضون عليهم؟ وكنت أنت الوحيد الحريص على الإسلام والوحيد الذي يميز الحق من الباطل والشرك من التوحيد؟

تدخلاته في الأمور:

بعدما تم توقيع الصلح بين خالد وأهل اليمامة، خطب خالد إحدى بناتهم وتزوجها. فجاءته رسالة شديدة اللهجة من أبي بكر جاء فيها : يا ابن أم خالد ! إنك لفارغ حتى تزوج النساء وحول حجرتك

ص: 304


1- "كان الناس بعد وفاة رسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم] يأتون الشجرة التي كانت بيعة الرضوان تحتها فيصلون عندها . فقال عمر: أراكم أيها الناس رجعتم إلى العزّى. ألا لا أوتى منذ اليوم بأحد لمثلها إلا قتلته بالسيف كما يقتل المرتد. ثم أمر بها فقطعت . " شرح نهج البلاغة، ج 1، ص178، طرف من أخبار عمر بن الخطاب، ذيل الخطبة الثالثة. من هنا يتبين أن قضية التبرك والتوسل ليست قضية جديدة بل كانت سائدة في حياة رسول الله . والمعارض الوحيد لها كان الخليفة الثاني. ويتبين أيضاً أن مواجهة التبرك والتوسل بالعنف بدأت من زمن الخليفة الثاني. هذا الخطاب هو نفسه الذي نسمعه اليوم من الوهابيين الذين ينعتون كل من يعتقد بالترك والتوسل بأنه كافر ومرتد. ويشترط الوهابيون على من يريد الانخراط في ملتهم أن يؤدي الشهادتين مرة أخرى وأن يشهد أن أبويه كافران، وأن يعيد حجه. وأفتوا مؤخراً بأن حج غير الوهابي باطل وأن على الجميع أن يؤدوا فريضة الحج على الطريقة التي أقرها محمد بن عبدالوهاب.

دماء المسلمين لم تجفّ بعد؟ فقرأها خالد فقال: هذا الكتاب ليس من عمل أبي بكر، هذا عمل الأعيسر يعني عمر (1).

يمكن استنتاج ما يلي من هذه الرواية:

1 - أن خلافة أبي بكر كانت صورية وظاهرية، والسلطة الحقيقية كانت بيد عمر .

2 - أن سمعة عمر لدى الناس كانت سيئة لما كان يصدر منه من عنف وتطرف.

ضرب أخت الخليفة الأول:

بعد وفاة الخليفة الأول، ناحته النساء ومنهن أخته أم فروة وأقمن عليه مجالس عزاء كما نسميها اليوم. فنهاهن عمر عن ذلك فلم يعبأن بنهيه وواصلن العزاء والنياح. فذهب عمر إلى بيت أم فروة وطرق عليها الباب. ولما خرجت له أوسعها ضرباً بالعصا فهربت سائر النساء مذعورات(2).

سؤال:

ص: 305


1- " لما صالح خالد أهل اليمامة وكتب بينه وبينهم كتاب الصلح وتزوج ابنة مجاعة بن مرارة الحنفي وصل إليه كتاب أبي بكر : لعمري يا ابن أم خالد إنك لفارغ حتى تزوج النساء وحول حجرتك دماء المسلمين لم تجف بعد.... في كلام أغلظ له فيه. فقال خالد: هذا الكتاب ليس من عمل أبي بكر، هذا عمل الأعيسر يعني عمر . " شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 179، طرف من أخبار عمر بن الخطاب، ذيل الخطبة الثالثة.
2- "قال : لما توفي أبوبكر أقامت عائشة النوح. فأقبل عمر بن الخطاب حتى قام ببابها، فنهاهن عن البكاء على أبي بكر، فأبين أن ينتهين. فقال عمر لهشام بن الوليد: ادخل فأخرج إلي ابنة أبي قحافة أخت أبي بكر. فقالت عائشة لهشام حين سمعت ذلك من عمر : إني أحرج عليك بيتي. فقال عمر لهشام: ادخل فقد أذنت لك . فدخل هشام فأخرج أم فروة أخت أبي بكر إلى عمر، فعلاها بالدرة فضربها ضربات فتفرق النوح حين سمعوا ذلك. " تاريخ الطبري، ج 2، ص 349 - 350 ، حوادث سنة 13 هجرية، ذكر الخبر عمن غسله والكفن الذي كفن فيه ؛ تاريخ المدينة المنورة، ج 2، ص 676 ، ذكر ابتداء خلافته ؛ الطبقات الكبری، ج 3، ص 208 - 209 ، ذكر وصية أبي بكر ؛ أنساب الأشراف، ج10، ص 95 ، وفاة أبي بكر. "أول من ضرب عمر بالدرة أم فروة بنت أبي قحافة. مات أبوبكر فناح النساء عليه وفيهن أخته أم فروة، فنهاهن عمر مراراً وهنّ يعاودن. فأخرج أم فروة من بينهن وعلاها بالدرة فهر بن وتفرقن." شرح نهج البلاغة، ج 1، ص181، طرف من أخبار عمر بن الخطاب، ذيل الخطبة الثالثة .

هل كان النبي يعامل الناس بهذه الطريقة؟

هل لهذا العنف نظير في إسلام رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم؟

هل حدث، ولو مرة واحدة أن عامل النبي الأكرم النساء بهذه الطريقة ؟(1).

أليس يصف القرآن أخلاق النبي محمد بقول الله تعالى {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} ؟(2).

لو راجعنا تاريخ الحجاج بن يوسف الثقفي(3) لرأينا كم كان سفاحاً وكم قتل من الأبرياء. مع هذا قول المثل المعروف كانت" درة عمر أهيب من سيف الحجاج "(4).

عنفه :

في رواية صحيحة: استأذن عمر بن الخطاب على رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] وعنده نسوة من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتهن على صوته فلما استأذن عمر بن الخطاب قمن فبادرن الحجاب فأذن له رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] فدخل عمر ورسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] ، يضحك ، فقال عمر: أضحك الله سنك يا رسول الله ! فقال النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم]: عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب. فقال عمر : فأنت أحق أن يهبن يا رسول الله ! ثم قال عمر : يا عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهين رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] ؟ فقلن : نعم، أنت أفظ وأغلظ من رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] .

ص: 306


1- هذا النوع من التعامل هو الذي يقوم به الوهابيون اليوم، وهو الذي خلق الإسلاموفوبيا في العالم. ورغم أنهم أقلية إلا أن الغربيين يقولون: لابد من ربط أجراس في أقدام المسلمين لكي يُعلَموا عندما يتحركون ويؤخذ الحذر منهم.
2- سورة آل عمران الآية 159 .
3- "قتل من الشيعة أكثر من مائة ألف وكفره وزندقته أظهر وأشهر من أن يذكر . " مستدركات علم رجال الحديث، ج 2، ص310، شرح حال الحجاج بن يوسف الثقفي، الرقم 3198
4- "كانت درة عمر أهيب من سيف الحجاج. " ربيع الأبرار ونصوص الأخبار، ج 4 ، ص 13 ، الباب التاسع والخمسون، الرقم 47 ؛ وفيات الأعيان و أنباء أبناء الزمان ، ج 3، ص 14، شرح حال الشعبي، الرقم 317 ؛ أنساب الأشراف، ج 10 ، ص356، عمر بن الخطاب ؛ شرح نهج البلاغة ، ج 1، ص 181 ، طرف من أخبار عمر بن الخطاب، ذيل الخطبة الثالثة.

فقال رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] : إيها يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً قط الا سلك فجاً غير فجك(1).

يقول ابن أبي شيبة : إن أبا بكر حين حضره الموت أرسل إلى عمر يستخلفه، فقال الناس: تستخلف علينا فظاً غليظاً ولو قد ولينا لكان أفظ وأغلظ . فما تقول لربك إذا لقيته وقد استخلفت علينا عمر؟(2) .

إسقاط الجنين خوفاً من عمر :

يقول عبدالرزاق الصنعاني : أرسل عمر إلى امرأة مغيبة (مغنية) كان يدخل عليها فأنكر ذلك فأرسل إليها، فقيل لها : أجيبي عمر ! فقالت يا ويلها ما لها ولعمر ! فبينما هي في الطريق فزعت فضربها الطلق فدخلت داراً فألقت ولدها فصاح الصبي صيحتين ثم مات. فاستشار عمر أصحاب النبي فأشار عليه بعضهم أن ليس عليك شيء إنما أنت وال ومؤدب. وصمت علي، فأقبل علیه فقال: ما تقول؟ قال: إن كانوا قالوا برأيهم فقد أخطأ رأيهم وإن كانوا قالوا في هواك فلم ينصحوا

ص: 307


1- " استأذن عمر بن الخطاب على رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] وعنده نسوة من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتهن على صوته. فلما استأذن عمر بن الخطاب قمن فبادرن ،الحجاب فأذن له رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] فدخل عمر ورسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] يضحك، فقال عمر: أضحك الله سنك يا رسول الله ! فقال النبي :[صلّی الله علیه وآله وسلّم] :عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب. فقال عمر : فأنت أحق أن يهبن يا رسول الله ! ثم قال عمر يا عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ]؟ فقلن : نعم، أنت أفظ وأغلظ من رسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم] . فقال رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] : إيهاً يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً قط إلا سلك فجاً غير فجك." صحيح البخاري، ص 747 ، كتاب فضائل أصحاب النبي[صلّی الله علیه وآله وسلّم ]، باب مناقب عمر بن الخطاب، الحديث 3683 وص 668 ، كتاب بدء الخلق باب صفة إبليس وجنوده الحديث 3294 وص 1247 كتاب الأدب، باب التبسم والضحك الحديث 6085 ؛ صحیح مسلم، ص1108، کتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر، الحديث 6152. " وفي الصحيح أن نسوة كنّ عند رسول الله قد كثر لغطهن، فجاء عمر فهربن هيبة له. فقال لهن يا عديات أنفسهن ! أتهبنني ولا تهبن رسول الله؟ قلن: نعم، أنت أغلظ وأفظ . " شرح نهج البلاغة ، ج 1، ص 181 ، طرف من أخبار عمر بن الخطاب، ذيل الخطبة الثالثة.
2- " أن أبابكر حين حضره الموت أرسل إلى عمر يستخلفه فقال الناس: تستخلف علينا فظاً غليظاً ولو قد ولينا لكان أفظ وأغلظ . فما تقول لربك إذا لقيته وقد استخلفت علينا عمر ؟ " المصنف في الأحاديث والآثار، ج 8، ص 574 ، كتاب المغازي، ما جاء في خلافة عمر ؟بن الخطاب، الحديث الأول ؛ تاريخ المدينة المنورة، ج 2، ص 671، سياق وصية أبي بكر لعمر.

لك. أرى أن ديته عليك، فإنك أنت أفزعتها وألقت ولدها في سبيلك. [ ولكن بما أنه لم يكن قتل عمد فالعاقلة على قومك] فأمر علياً أن يقسم عقله على قريش يعني يأخذ عقله يأخذ عقله من قريش لأنه أخطأ(1).

عقوبة شديدة بسبب سؤال عن تفسير آية:

جاء رجل اسمه صبيغ وكان زعيم قبيلته إلى عمر وسأله عن تفسير بعض الآيات. فلم يقل له عمر أنه لا يعلم تفسيرها، بل غضب وأمر به فرفعت عمامة الرجل عن رأسه وضُرب حتى سال الدم من رأسه.

ثم أمر بالكف عنه والعودة إلى ضربه بعد أن تلتئم جراحاته. وتكرر الأمر ثلاث مرات فقال الرجل: ما الذي جنيته لتضربوني هذا الضرب المبرح ؟ لقد نسيت وفقدت عقلي. أي عمر ! ماذا تريد أن تصنع بي؟ إن كنت ستقتلني فأرحني وإن كنت أردت تأديبي فقد تأدبت.

ثم قطع عنه عطاءه ومنع التعامل معه في البيع والشراء. فقاطعه الناس فكانوا لا يتعاملون معه ولا يكلمونه امتثالاً لأمر الخليفة، حتى مات غريباً(2) .

ص: 308


1- أرسل عمر إلى امرأة مغيبة (مغنية) كان يدخل عليها فأنكر ذلك فأرسل إليها، فقيل لها أجيبي عمر ! فقالت : يا ويلها ما لها ولعمر ! فبينما هي في الطريق فزعت فضربها الطلق فدخلت داراً فألقت ولدها فصاح الصبي صيحتين ثم مات فاستشار عمر أصحاب النبي فأشار عليه بعضهم أن ليس عليك شيء إنما أنت وال ومؤدب وصمت علي، فأقبل عليه فقال : ما تقول ؟ قال : إن كانوا قالوا برأيهم فقد أخطأ رأيهم وإن كانوا قالوا في هواك فلم ينصحوا لك. أرى أن ديته عليك، فإنك أنت أفزعتها وألقت ولدها في سبيلك. فأمر علياً أن يقسم عقله على قريش يعني يأخذ عقله من قريش لأنه أخطأ. المصنف، ج 9، ص 458 - 459 ، كتاب العقول، باب من أفزعه السلطان، الحديث 18010 ؛ كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، ج 15، ص 84 - 85 كتاب القصاص والقتل والديات والقسامة من قسم الأفعال القصاص، الحديث 40201 ؛ المحلّى، ج 11، ص 24 ، حكم من أفزعه السلطان فتلف، المسألة 2120.
2- عن نافع مولى عبد الله : أن صبيغ العراقي جعل يسأل عن أشياء من القرآن في أجناد المسلمين حتى قدم مصر، فبعث به عمر و بن العاص إلى عمر بن الخطاب. فلما أتاه الرسول بالكتاب فقر أه قال : أين الرجل؟ قال: في الرحل قال عمر : أبصر لا يكون ذهب فيصيبك مني العقوبة الموجعة. فأتي به، فقال عمر : سبيل محدثة. فأرسل عمر إلى رطائب من جريد، فضربه بها حتى نزل ظهره دبرة. ثم تركه حتى برأ ثم عاد له. ثم تركه حتى برأ فدعا به ليعود فقال صبيغ : إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلاً جملاً، وإن كنت تريد أن تداويني فقد والله برئت . فأذن له إلى أرضه عن سليمان عن يسار أن رجلاً يقال له صبيغ قدم المدينة فجعل يسأل عن متشابه القرآن. فأرسل إليه عمر وقد أعد له عراجين النخل، فقال: من أنت ؟ فقال : أنا عبد الله صبيغ . فأخذ عمر عرجوناً من تلك العراجين فضربه، قال: أنا عبدالله عمر. فجعل له ضرباً حتى دمى رأسه. قال: يا أمير المؤمنين ! حسبك، قد ذهب الذي كنت أجد في رأسي. عن السائب بن يزيد: أن رجلاً قال لعمر: إني مررت برجل يسأل عن تفسير مشكل القرآن فقال عمر : اللهم أمكني منه ! فدخل الرجل على عمر يوماً وهو لابس ثياباً وعمامة وعمر يقرأ القرآن. فلما فرغ قام إليه الرجل فقال : يا أمير المؤمنين ! ما الذاريات ذرواً؟ فقام عمر فحسر عن ذراعيه وجعل يجلده، ثم قال: ألبسوه ثياباً واحملوه على قتب وأبلغوا به حيه ، ثم ليقم خطيب فيقل إن صبيغاً طلب العلم وأخطأه . فلم يزل وضيعاً في قومه بعد أن كان سيداً فيهم. عن محمد بن سيرين قال : كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري أن لا تجالس صبيغاً وأن يحرم عطاءه ورزقه. " تاريخ دمشق الكبير، ج 25، ص 279 - 281 ، شرح حال صبيغ بن عسل الرقم 2928 ؛ سنن الدارمي، ج 1، ص 67 ، باب من هاب الفتيا وكره التنطع والتبدع الحديث 148 ؛ كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، ج 2، ص 331 فصل في حقوق القرآن، الحديث 4161 ؛ الدر المنثور في التفسير بالمأثور، ج 2، ص 149 - 150، سورة آل عمران، الآية 7.

نعم، مثل هذا الشخص بهذه المواصفات كان أحد أركان السقيفة. فهل يبقى للسقيفة ما يجعلها موثوقاً بها؟

2۔ خالد بن الوليد :

اشارة

في خالد بن الوليد الكثير من نقاط الضعف والنقاط السلبية وهو معروف بسفك الدماء. ولعل مجزرة بني جذيمة التي وقعت في حياة رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم و حادثة مالك بن النويرة شاهدة على قسوته وتمرده على قيادته.

أ- بعض تصرفات خالد الاجتماعية:
اشارة

للتعريف بشخصية خالد وملفه، نستعرض بعض تصرفاته الاجتماعية والمذابح التي ارتكبها : الفرار من ساحة القتال :

ص: 309

يكفي خالداً عاراً فراره في معركة مؤتة. ولو لم يفر خالد في ذلك اليوم لتمكن المسلمون من أعظم إمبراطورية في العالم حينئذ . في حين ثبت القادة الثلاثة الآخرون وقاتلوا حتى استشهدوا ولم يتراجع المسلمون، فانتزع خالد الراية منهم انتزاعاً وأصدر أمراً بالانسحاب (1).

يقول عروة بن الزبير : لما دنوا من دخول المدينة تلقاهم رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] والمسلمون .. جعل الناس يحثون على الجيش التراب ويقولون يا فرار في سبيل الله ...

سألت أم سلمة زواج النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم زوجة رجل اسمه سلمة بن هشام بن المغيرة كان مؤتة وفرّ بأمر خالد :ما لي لا أرى سلمة يحضر الصلاة مع رسول الله ومع المسلمين؟ فأجابت المرأة: والله ما يستطيع أن يخرج . كلما خرج صاح الناس أفررتم في سبيل الله؟ حتى قعد في بيته فما يخرج(2).

يا خالد ما الذي جعلك تنسحب وتقبل بالفرار المذل لك وللمسلمين، ولكنك في مواجهة بني جذيمة لم تتردد في قتل عشرات المسلمين العُزّل بدم بارد؟

تقتيل الأبرياء وواقعة بني جذيمة:

من كان يخطر بباله أن رسول الله سيتمكن يوماً من عاصمة الكفار والمشركين ويدخلها فاتحاً؟

إن فتح مكة والتقدم صوب هوازن وثقيف لم يهز الجزيرة العربية وحدها بل المنطقة بأسرها ودفع بجماعة إلى الدخول في الإسلام. في هذه الحالة كان من الطبيعي أن يبعث النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم بوفود

ص: 310


1- "ولما انصرف خالد بن الوليد بالناس أقبل بهم قافلاً . " تاريخ الطبري، ج[؟]، ص 152، حوادث سنة 8 هجرية، ذكر الخبر عن غزوة مؤتة ؛ السيرة النبوية ابن هشام، ج 4 ، ص 24، ذكر غزوة مؤتة.
2- "عن عروة بن الزبير قال : لما دنوا من دخول المدينة تلقاهم رسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم] و المسلمون ... جعل الناس يحثون على الجيش التراب ويقولون: يا فرار في سبيل الله ... عن أم سلمة زوج النبي قال : قالت أم سلمة لامرأة سلمة بن هشام بن المغيرة: ما لي لا أرى سلمة يحضر الصلاة مع رسول الله ومع المسلمين؟ قالت : والله ما يستطيع أن يخرج. كلما خرج صاح الناس : أفررتم في سبيل الله؟ حتى قعد في بيته فما يخرج . " تاريخ الطبري، ج 2، ص 152 ، حوادث سنة 8 هجرية، ذكر الخبر عن غزوة مؤتة ؛ السيرة النبوية، ج 4 ، ص 24 - 25 ، ذكر غزوة مؤتة.

سياسية تشرح دوافعه وأهدافه من إنجازاته وتدعو غير المسلمين إلى الإسلام. على هذا بعث بخالد بن الوليد إلى قبيلة جذيمة ليعرض عليها الإسلام. ولكن خالداً قتل العشرات منهم. وبهذا وضع الدولة الإسلامية في موقف حرج اضطَر النبيَ إلى أن يبعث إليهم بوفد للاعتذار ويدفع لهم دية الضحايا من الأموال التي كان اقترضها من بعض التجار لتغطية النفقات الحربية (1).

جذور حادثة بني جذيمة وخلفياتها:

كان قبل الإسلام تاجر من بني جذيمة يسافر إلى اليمن للتجارة. وفي إحدى السنوات ذهب إليها للتجارة جماعة من قريش فيهم عفان وابنه عثمان (الخليفة الثالث) وأبو عبدالرحمن بن عوف الزهري ورجل اسمه فاكه بن المغيرة من مخزوم.

وصادف أن رجلاً من بني جذيمة أحس بدنو أجله، وكان له مال كثير. فأوصى لجماعة من قريش أن يعطوها إلى ورثته وكانوا في الغميصاء قرب مكة. سمع رجل من بني جذيمة أن الرجل مات وأورث مالاً كثيراً. فاتفق مع جماعة وهاجم عفان ومن معه قبل أن يصلوا إلى الغميصاء فاشتبكوا معهم فقُتل أبو عبدالرحمن وفاكه عم خالد من قبيلة مخزوم. أما عفان وعثمان ففرا وأخبرا قريشاً بالحادثة فانطلقوا لأخذ الثار من

القتلة.

ص: 311


1- بعد فتح مكة، اقترض رسول الله من ثلاثة أشخاص ؛ حويطب بن عبدالعزى اقترض منه أربعين ألف درهم، وصفوان بن أمية اقترض منه خمسين ألف درهم، وعبد الله بن أبي ربيعة اقترض منه أربعين ألف درهم. قسم بعض هذه الأموال على الفقراء والمحتاجين. ولما وقعت هذه الحادثة اضطر إلى أن يدفع بعضاً منها إلى بني جذيمة. "استقرض رسول الله [صلى الله عليه وآله سلم ] من ثلاثة نفر من قريش: من صفوان بن أمية خمسين ألف درهم فأقرضه، واستقرض من عبد الله بن أبي ربيعة أربعين ألف درهم، واستقرض من حويطب بن عبدالعزى أربعين ألف درهم، فكانت ثلاثين ومائة ألف فقسمها رسول الله بين أصحابه من أهل الضعف . قال : فأخبرني رجل من بني كنانة، كانوا مع رسول الله في الفتح، أنه قسم فيهم دراهم، فيصيب الرجل خمسين در هماً أو أقل أو أكثر. ومن ذلك المال بعث إلى بني جذيمة. " المغازي، ج 2، ص 863 - 864 ، شأن غزوة الفتح ؛ تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام ، ج 1، ص 560 ، حوادث سنة 8 هجرية، فتح مكة زاد الله شرفاً. (هكذا).

فلما سمعت جذيمة بذلك سارعت إلى إرسال وفد للاعتذار عما وقع والبراءة من الفاعلين. وأعلنوا استعدادهم لدفع دية القتلى. ولكن عبدالرحمن بن عوف كمن لقاتل أبيه، في أثناء المباحثات فقتله ولما سمعت قريش بالحادث وافقت على عرض جذيمة وأغلق ملف الحادثة (1). أغلق ملف الحادثة، ولكن لا أحد أخذ بثأر عم خالد. ولما تم فتح مكة للنبي قال صلى الله عليه وآله سلم: كل دم أُريق في الجاهلية تحت الأقدام، جميع ملفات العصر الجاهلي مغلقة. بعث رسول الله صلى الله عليه وآله سلم خالداً على رأس ثلاثمائة وخمسين رجلاً من المهاجرين والأنصار في مهمة تبليغية. فلما رأى بنو جذيمة خالداً ومن معه سارعوا إلى أسلحتهم. فقال خالد لهم : أسلموا فقالوا: إننا مسلمون، وقد بنينا مسجداً ونؤذن من أعلى مئذنة فيه ونصلي جماعة. قال: فلماذا تحملون السلاح ؟ قالوا: إن بيننا وبين بعض العرب عداوة فخشينا أن تكونوا هم. فقال لهم خالد: لا شأن لنا معكم فضعوا السلاح. فوضعوا أسلحتهم الواحد تلو الآخر. ثم قام رجل من بني جذيمة يقال له جحدم فقال: لا تُخدعوا، إنه خالد وأنا أعرفه والله لئن ألقيتم سلاحكم أخذكم أسرى وضرب أعناقكم. فقالت

ص: 312


1- "وكان الفاكه بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وعوف بن عبدعوف بن عبد الحارث بن زهرة وعفان بن أبي العاص بن أمية بن عبدشمس قد خرجوا تجاراً إلى اليمن ومع عفان ابنه عثمان ومع عوف بن عبدعوف ابنه عبدالرحمن. فلما أقبلوا حملوا مال رجل من بني جذيمة بن عامر كان هلك باليمن إلى ورثته. فادعاه رجل منهم يقال له خالد بن هشام ولقيهم بأرض بني جذيمة قبل أن يصلوا إلى أهل الميت فأبوا عليه، فقاتلهم بمن معه من قومه على المال ليأخذوه وقاتلوه فقتل عوف بن عبد عوف والفاكه بن المغيرة ونجا عفان بن أبي العاص وابنه عثمان وأصابوا مال الفاكه بن المغيرة ومال عوف بن عبدعوف فانطلقوا به وقتل عبد الرحمن بن عوف خالد بن هشام قاتل أبيه، فهمت قريش بغز و بني جذيمة. فقالت بنو جذيمة: ما كان مصاب أصحابكم عن ملأ منا إنما عدا عليهم قوم بجهالة فأصابوهم ولم نعلم. فنحن نعقل لكم ما كان لكم قبلنا من دم أو مال. فقبلت قريش ذلك ووضعوا الحرب. " السيرة النبوية ابن هشام، ج 4، ص 74، مسير خالد بن الوليد بعد الفتح إلى بني جذيمة، ما كان بين قريش وبني جذيمة من استعداد للحرب ثم صلح ؛ المنمق في أخبار قريش، ص 142 - 143، حديث الفاكه عن الواقدي ؛ البداية والنهاية، ج 4، ص 313، حوادث سنة 8 هجرية، بعثه علیه السسلام خالد بن الوليد بعد الفتح إلى بني جذيمة من كنانة. وكانت بنو جذيمة قد أصابوا في الجاهلية عوف بن عبدعوف أبا عبدالرحمن بن عوف والفاكه بن المغيرة وكانا أقبلا تاجرين من اليمن حتى إذا نزلا بهم قتلوهما وأخذوا أموالهما. " تاريخ الطبري، ج 2، ص 164 ، حوادث سنة 8 هجرية، ذكر الخبر عن فتح مكة ؛ الكامل في التاريخ، ج 2، ص 620 ، حوادث سنة 8 هجرية، ذكر غزوة خالد بن الوليد بني جذيمة.

جماعة: أتريد أن تسفك دماءنا يا جحدم؟ القوم أسلموا ونحن في أمان. ثم أخذوا سيف جحدم ووضعوا سيوفاً على الأرض ثقةً بكلام خالد(1).

ما إن وضع بنو جذيمة السلاح حتى أمر خالد بالهجوم عليهم وأسرهم. فأسروهم وقيدوا أيديهم. فاختلف المسلمون فيما بينهم ؛ فقال بعضهم: إن لهم مساجد ويصلون، فلماذا نفعل هذا بهم؟ وقال بعض: نمتحنهم في عقيدتهم، فإن أصابوا خلينا سبيلهم. وقال بعض :نأخذ الأسرى إلى رسول الله. فكانوا يفكون قيودهم في أوقات الصلاة ثم يوثقونها بعد أن يصلوا. عند السحر قال خالد لمن معه :ليضرب كل واحد منكم عنق أسيره. فامتنع جماعة من المهاجرين والأنصار فخلوا سبيل أسراهم فور صدور الأوامر بقتلهم. بينما نفذت جماعة أخرى الأوامر وكانت من بني سليم لأحقاد وعداوات سابقة(2).

ص: 313


1- "بعثه رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] إلى بني جذيمة وبعثه داعياً لهم إلى الإسلام ولم يبعثه مقاتلاً، فخرج في المسلمين من المهاجرين والأنصار وبني سليم فكاوا ثلاثمائة وخمسين رجلاً ، فانتهى إليهم بأسفل مكة، فقيل لبني جذيمة: هذا خالد بن الوليد ومعه المسلمون. قالوا: ونحن قوم مسلمون قد صلينا وصدقنا بمحمد وبنينا المساجد وأذنا فيها. فانتهى إليهم خالد فقال : الإسلام ! قالوا: نحن مسلمون. قال: فما بال السلاح عليكم؟ قالوا: إن بيننا وبين قوم من العرب عداوة فخفنا أن تكونوا هم فأخذنا السلاح لأن ندفع عن أنفسنا من خالف دين الإسلام قال فضعوا السلاح ! فقال لهم رجل منهم يقال له جحدم :يا بني جذيمة! إنه والله خالد وما يطلب محمد من أحد إلا أن يقر بالإسلام ونحن مقرون بالإسلام وهو خالد لا يريد بنا ما يراد بالمسلمين وإنه ما يقدر مع السلاح إلا الإسار ثم بعد الإسار السيف :قالوا نذكرك الله تسومنا. فأبى يلقي سيفه حتى كلموه جميعاً فألقى سيفه وقالوا :إنا مسلمون والناس قد أسلموا وفتح محمد مكة فما نخاف من خالد؟ فقال: أما والله ليأخذنكم بما تعلمون من الأحقاد القديمة فوضع القوم السلاح." المغازي، ج 3، ص 875 - 876، غزوة بني جذيمة ؛ تاريخ الطبري، ج 2، ص 164 ، حوادث سنة 8 هجرية، ذكر الخبر عن فتح مكة ؛ السيرة النبوية، ج 4، ص 71، مسير خالد بن الوليد بعد الفتح إلى بني جذيمة من كنانة ومسير علي لتلافي خطأ خالد ؛ البداية والنهاية، ج 4 ، ص 311، حوادث سنة 8 هجرية، بعثه علیه السلام خالد بن الوليد بعد الفتح إلى بني جذيمة من كنانة.
2- "فوضع القوم السلاح ، ثم قال لهم خالد: استأسر وا! فقال جحدم: يا قوم ما يريد من قوم مسلمين يستأسرون إنما يريد ما يريد، فقد خالفتموني وعصيتم أمري وهو والله السيف. فاستأسر القوم فأمر بعضهم يكتف بعضاً. فلما كتفوا دفع إلى كل رجل من المسلمين الرجل والرجلين وباتوا في وثاق فكانوا إذا جاء وقت الصلاة يكلمون المسلمين فيصلون ثم يربطون . فلما كان في السحر والمسلمون قد اختلفوا بينهم فقائل يقول:مانريدبأسرهم، نذهب بهم إلى النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم]وقائل يقول : ننظر هل يسمعون أو يطيعون ونبلوهم ونخبرهم. والناس على هذين القولين. فلما كان في السحر نادى خالد بن الوليد : من كان معه أسير فليذافّه [ والمذاقّة: الإجهاز عليه بالسيف]. فأما بنو سليم فقتلوا كل من كان في أيديهم. وأما المهاجرون والأنصار فأرسلوا أساراهم. " المغازي، ج 3، ص 876، غزوة بني جذيمة ؛ الطبقات الكبرى، ج 2، ص 148 ، سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة من كنعان.

غضب خالد من المهاجرين والأنصار . فقال أبو أسيد الساعدي: اتق الله يا خالد! والله ما كنا لنقتل قوماً مسلمين. قال [خالد]: وما يدريك ؟ قال [أبو أسيد]: نسمع إقرارهم بالإسلام وهذه المساجد بساحتهم(1).

عن أبي قتادة قال: لما نادى خالد في السحر : من كان معه أسير فليدافّه، أرسلت أسيري وقلت لخالد: اتق الله فإنك ميت وإن هؤلاء قوم مسلمون. قال : إنه لا علم لك بهؤلاء [ أنا أعلم بهم منك ](2) .

ويقول أبو بشير المازني: كان معي أسير منهم... فلما نادى خالد :من كان معه أسير فليذافّه، أخرجت سيفي لأضرب عنقه، فقال لي الأسير: يا أخا الأنصار إن هذا لا يفوتك، انظر إلى قومك ... فنظرت فإذا الأنصار طراً قد أرسلوا أساراهم ... قلت: انطلق حيث شئت. قال: بارك الله عليكم، ولكن من كان أقرب رحماً منكم قد قتلونا بنو سليم(3).

ص: 314


1- "لما نادى خالد بن الوليد في الأسرى يذافّون وثبت بنوسليم على أسراهم فذافّوهم. وأما المهاجرون والأنصار فأرسلوا أسراهم، غضب خالد على من أرسل من الأنصار، فكلمه يومئذ أبو أسيد الساعدي وقال : اتق الله يا خالد! والله ما كنا لنقتل قوماً مسلمين. قال: وما يدريك؟ قال : نسمع إقرارهم بالإسلام وهذه المساجد بساحتهم. " المغازي، ج 3، ص 877، غزوة بني جذيمة.
2- " عن أبي قتادة قال : لما نادى خالد في السحر: من كان معه أسير فليدافه أرسلت أسيري وقلت لخالد : اتق الله فإنك ميت وإن هؤلاء قوم مسلمون . قال : إنه لا علم لك بهؤلاء . " سير أعلام النبلاء، ج 1، ص 371، شرح حال خالد بن الوليد، الرقم 78 ؛ المغازي، ج 3، ص 881 ، غزوة بني جذيمة.
3- "عن ضمرة بن سعيد قال : سمعت أبابشير المازني يقول : كان معي أسير منهم . قال : فلما نادى خالد من كان معه أسير فليذاقه، أخرجت سيفي لأضرب عنقه . فقال لي الأسير: يا أخا الأنصار! إن هذا لا يفوتك، انظر إلى قومك . قال : فنظرت فإذا الأنصار طرّاً قد أرسلوا أساراهم. قال: قلت: انطلق حيث شئت. فقال: بارك الله عليكم، ولكن من كان أقرب رحماً منكم قد قتلونا بنو سليم." المغازي، ج 3، ص 877، غزوة بني جذيمة.

في هذه الحادثة قتل نحو ثلاثين رجلاً غدراً. وفر بعضهم وأتوا النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم وأخبروه بماجری، فرفع النبي يديه إلى السماء وقال : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد. ثم نادى عليا علیه السلام وأمره بالذهاب إلى بني جذيمة ودفع دية قتلاهم وتعويض خسائرهم(1).

يقول الإمام [أبو جعفر بن محمد بن علي ] الباقر علیه السلام : ثم دعا رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] علي بن ابی طالب رضوان الله عليه فقال : يا علي ! اخرج إلى هؤلاء القوم فانظر في أمرهم واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك. فخرج علي حتى جاءهم ومعه مال قد بعث به رسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] فودى لهم الدماء وما أصيب لهم من الأموال حتى أنه ليدي لهم ميلغة الكلب [ الوعاء الذي يشرب منه الكلب] حتى إذا لم يبق شيء من دم ولا مال إلاّ وداه وبقيت معه بقية من المال. فقال لهم علي رضوان الله عليه حين فرغ منهم : هل بقي لكم بقية من دم أو مال لم يودّ لكم؟ قالوا: لا. قال: فإني أعطيكم هذه البقية من هذا المال احتياطاً لرسول الله [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] مما يعلم ولا تعلمون، ففعل، ثم رجع إلى رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] فأخبره الخبر فقال : أصبت وأحسنت! قال: ثم قام رسول

ص: 315


1- "قال: سمعت خالد بن إلياس يقول : بلغنا أنه قتل منهم قريباً من ثلاثين رجلاً . " المغازي، ج 3، ص 884، غزوة بني جذيمة. "... فلما انتهى الخبر إلى رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] رفع يديه إلى السماء ثم قال : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد. ثم دعا علي بن أبي طالب [علیه السلام ] فقال : يا علي ! اخرج إلى هؤلاء القوم فانظر في أمرهم واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك. فخرج حتى جاءهم ومعه مال قد بعثه رسول الله به فودى لهم الدماء وما أصيب من الأموال حتى أنه ليدي ميلغة الكلب. حتى إذا لم يبق شيء من دم ولا مال إلا وداه." تاريخ الطبري، ج 2، ص 164 ، حوادث سنة 8 هجرية، ذكر الخبر عن فتح مكة ؛ السيرة النبوية / ابن هشام، ج 4، ص 72 - 73، مسير خالد بن الوليد بعد الفتح إلى بني جذيمة من كنانة غضب رسول الله لصنيع خالد وإرساله علياً ؛ الطبقات الكبرى، ج 2، ص 148، سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة من كنانة ؛ أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 2، ص 142 ، شرح حال خالد بن الوليد، الرقم 1399 "قال: بعث النبي[صلّی الله علیه وآله وسلّم] خالد بن الوليد إلى بني جذيمة فدعاهم إلى الإسلام، فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا. فجعل خالد يقتل منهم ويأسر ودفع إلى كل رجل منا أسيره حتى إذا كان يوم أمر خالد أن يقتل كل رجل منا أسيره، فقلت: والله لا أقتل أسيري ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره حتى قدمنا على النبي[صلّی الله علیه وآله وسلّم ] فذكرناه فرفع النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] يده فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع ،خالد مرتين . " صحيح البخاري، ص 873، کتاب المغازي، باب بعث النبي خالد بن الوليد إلى بني جذيمة، الحديث4339 ؛ المصنّف ، ج 5، ص 221 - 222 ، كتاب الجهاد، باب دعاء العدو، الحديث 9434 ؛ سنن النسائي ، ج 8، ص237، کتاب آداب القضاة، باب الرد الحاكم (هكذا) إذا قضى بغير الحق.

الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] فاستقبل القبلة قائماً شاهراً يديه حتى أنه ليرى ما تحت منكبيه، يقول: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد ثلاث مرات(1).

ويقول الواقدي إن رسول الله قال : ما أمرت خالداً بالقتل إنما أمرته بالدعاء [دعوتهم إلى الإسلام ] (2).

يقول الشيخ الطوسي : وأقبل [علي] إلى النبي فقال : ما صنعت؟ فأخبره حتى أتى على حديثهم. فقال النبي: أرضيتني رضي الله عنك يا علي ! أنت هادي أمتي، ألا إن السعيد كل سعيد من أحبك وأخذ بطريقتك، ألا إن الشقي كل الشقي من خالفك ورغب عن طريقك إلى يوم القيامة(3). هنا قرر النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم أن يبعث بكتاب إلى بني جذيمة، فطلب من ابن عباس أن يخبر معاوية بكتابة الكتاب. فذهب ابن عباس ثم عاد وقال إن معاوية يأكل. ثم أرسل النبي إليه مرة

ص: 316


1- "عن أبي جعفر بن محمد بن علي قال : ثم دعا رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] علي بن أبي طالب رضوان الله عليه فقال : يا علي ! اخرج إلى هؤلاء القوم فانظر في أمرهم واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك. فخرج علي حتى جاءهم ومعه مال قد بعث به رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] فودى لهم الدماء وما أصيب لهم من الأموال حتى أنه ليدي لهم ميلغة الكلب. حتى إذا لم يبق شيء من دم ولا مال إلا وداه وبقيت معه بقية من المال. فقال لهم علي رضوان الله عليه حين فرغ منهم: هل بقي لكم بقية من دم أو مال لم يودّ لكم؟ قالوا: لا. قال: فإني أعطيكم هذه البقية من هذا المال احتياطاً لرسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] مما يعلم ولا تعلمون، ففعل. ثم رجع إلى رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] فأخبره الخبر فقال : أصبت وأحسنت! قال : ثم قام رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] فاستقبل القبلة قائماً شاهراً يديه حتى أنه ليرى ما تحت منكبيه، يقول: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد، ثلاث مرات. " السيرة النبوية / ابن هشام، ج 4 ، ص 72 - 73، مسير خالد بن الوليد بعد الفتح إلى بني جذيمة من كنانة، غضب رسول الله لصنع خالد وإرساله علياً ؛ تاريخ الطبري، ج 2، ص 164، حوادث السنة 8 هجرية، ذكر الخبر عن فتح مكة.
2- " ما أمرت خالداً بالقتل إنما أمرته بالدعاء . " المغازي، ص882، غزوة بني جذيمة.
3- " وأقبل إلى النبي فقال: ما صنعت؟ فأخبره حتى أتى على حديثهم. فقال النبي : أرضيتني رضي الله عنك يا علي! أنت هادي أمتي، ألا إن السعيد كل السعيد من أحبك وأخذ بطريقتك، ألا إن الشقي كل الشقي من خالفك ورغب عن طريقك إلى يوم القيامة." الأمالي، ص 498، المجلس 17 ، ما فعل خالد بن الوليد في بني المصطلق، الحديث 1093 / 62 ؛ بحار الأنوار، ج 21، ص 143، الباب السابع والعشرون ذكر الحوادث بعد الفتح إلى غزوة حنين، الحديث السادس.

أخرى فعاد وقال إنه لازال يأكل. وتكرر الموقف للمرة الثالثة. فدعا النبي على معاوية وقال: اللهم لا تشبع بطنه(1).

بعد أن ارتكب خالد جريمته في بني جذيمة ذهب إلى النبي وكان صلّی الله علیه وآله وسلّم يتميز غضباً فأشاح بوجهه عنه ولم يلتفت إليه. وكان خالد يتحول فيقف أمامه ويقسم أنه لم يقتلهم عداوة. وجاء عمار إلى النبي، وظن خالد أن عماراً كان مسروراً بتلك الحادثة، لأن عماراً كان حليف بني مخزوم التي ينتسب إليها فاكه عم خالد الذي قتله بنو جذيمة. ولكن عماراً لما رأى خالداً شتمه وأغلظ عليه. ثم قال للنبي: إن هذا قتل قوماً مسلمين يصلون.

ثم خرج عمار غاضباً فشرع خالد يقول كلاماً بذيئاً. فقال له النبي: اسكت! لقد قال عمار حقاً. ومن عادى عماراً عاداه الله ومن يسفٍّهه يسفٍّهه الله(2).

ص: 317


1- " إن رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم بعث إليك لتكتب له لبني جذيمة حين أصابهم خالد بن الوليد فانصرف إليه الرسول فقال : هو يأكل. فأعاد الرسول إليك ثلاث مرات كل ذلك ينصرف الرسول إليه ويقول : هو يأكل . فقال رسول الله : اللهم لا تشبع بطنه." الاحتجاج على أهل اللجاج ، ج 1، ص 408، احتجاج الحسن على جماعة من منكري فضله وفضل أبيه لدعاء النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم هذا على معاوية مصادر كثيرة في كتب السنة. "عن ابن عباس قال: كنت ألعب مع الصبيان فجاء رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] فتواریت خلف باب قال: فجاء فحطأني حطأة وقال : اذهب وادع لي معاوية. قال : فجئت فقلت: هو يأكل . قال : ثم قال لي اذهب فادع لي معاوية. قال : فجئت فقلت : هو يأكل. فقال : لا أشبع الله بطنه." صحيح مسلم، ص 1187 ، كتاب (الأدب) البر والصلة والآداب، باب من لعنه النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] أو سبه أو دعا عليه وليس هو أهلاً لذلك كان له زكاة وأجراً ورحمة الحديث 6571 ؛ الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 3، ص 474 ، شرح حال معاوية، الرقم 2464 ؛ سير أعلام النبلاء، ج 3، ص 123 ، شرح حال معاوية، الرقم 25 .
2- " وقدم خالد والنبي[صلّی الله علیه وآله وسلّم] عاتب ... دخل عمار على رسول الله فقال : يا رسول الله ! لقد حمش قوماً قد صلوا وأسلموا ثم وقع بخالد عند النبي وخالد جالس لا يتكلم. فلما قام عمار وقع به خالد، فقال النبي مه يا خالد لا تقع بأبي اليقظان، فإنه من يعاده يعاده الله ومن يبغضه يبغضه الله ومن يسفهه يسفهه الله ... فكان رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] لا يقبل على خالد ويعرض عنه وخالد يتعرض لرسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم]ويحلف ما قتلهم على ترة ولا عداوة. " المغازي، ج 3، ص 881-883، غزوة بني جذيمة.
سبب إسناد هذه المهمة إلى خالد :

ذكرنا سابقاً أن النبي قال بعد فتح مكة إن كل دم أريق في الجاهلية تحت الأقدام وإن جميع ملفات الجاهلية مغلقة ومختومة.

وباختياره لخالد، أراد النبي الإيحاء إلى بني جذيمة أنّ جميع الملفات السابقة مغلقة، وأن ذلك ينطبق على الثأر الذي كان لخالد عليهم بسبب قتلهم عمه في الجاهلية. لقد حمّل النبي خالداً تلك الرسالة إليهم ليبعث فيهم الطمأنينة. ولو أن رجلاً آخر غير خالد كُلّف بالذهاب إليهم لما تحقق الاطمئنان لديهم ولبقي خوف انتقام خالد منهم يزعزع طمأنينتهم. أما إذا كان هو حامل رسالة الإسلام إليهم من جانب النبي فإن ذلك سيكون مثاراً لتهدئة نفوسهم وإزالة الخوف عنها. ولولا تلك الحسابات لما اختار النبی صلّی الله علیه وآله وسلّم خالداً لتلك المهمة ، لأنه - كما يقول الشيخ المفيد - لم يكن أهلاً لقيادة مهمة قتالية(1).

سبب عدم الاقتصاص من خالد:

قد يُسأل : لم لم يقتص رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم من خالد لقتله مسلمين؟

للإجابة على هذا السؤال ثمة عدد من الاحتمالات:

1- لأن أولياء المقتولين قبلوا الدية.

ص: 318


1- "ثم اتصل بفتح مكة إنفاذ رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] خالد بن الوليد إلى جذيمة بن عامر وكانوا بالغميصاء يدعوهم إلى الله عزّ وجلّ. وإنما أنفذه إليهم للترة التي كانت بينه وبينهم وذلك أنهم كانوا أصابوا في الجاهلية نسوةً من بني المغيرة وقتلوا الفاكه بن المغيرة عمّ خالد بن الوليد وقتلوا عوفاً [أبا عبدالرحمن بن عوف]. فأنفذه رسول الله لذلك وأنفذ معه عبدالرحمن بن عوف للترة أيضاً التي كانت بينه وبينهم. ولولا ذلك ما رأى رسول الله خالداً أهلاً للإمارة على المسلمين فكان من أمره ما قدّمنا ذكره وخالف فيه عهد الله وعهد رسوله وعمل فيه على سنة الجاهلية واطرح حكم الإسلام وراء ظهره، فبرئ رسول الله من صنيعه وتلافى فارطه بأمير المؤمنين [علیه السلام]. " الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، ج 1، ص 139 ، باب طرف من أخبار أمير المؤمنين [علیه السلام]، فصل ذكر إرسال رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] له [علیه السلام ] إلى بني جذيمة.

2 - لأن المنافقين كانوا يتربصون بالمؤمنين فرص نشر التوتر والفوضى وضرب الأمن الداخلي. ولو كان النبي قتل خالداً لقالوا إن محمداً يقتل أصحابه. لذا امتنع النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم عن إنزال القصاص به ليمنع استغلال الفرصة المحتمل، وكذلك لمنع ضعف إيمان حديثي العهد بالإسلام.

3-ربما لأن القصاص لم يكن قد شُرّع حينئذ بعد.

4 - يقول ابن إسحاق : وقد قال بعض من يعذر خالداً أنه قال : ما قاتلت حتى أمرني بذلا عبدالله بن حذافة السهمي وقال : إن رسول الله قد أمرك أن تقاتلهم لامتناعهم عن الإسلام(1). ويقول بعض إن ادّعاء خالد هذا لا يمكن أن يكون صحيحاً بدليل أن النبي تبرأ مما فعله خالد.

5- إذا قُتل شخص وكان له أبناء بالغون وأخر قاصرون، فلا يجوز إنزال القصاص به لعدم معرفة رأي القاصرين وربما لهذا السبب لم يقتص من خالد. لقد قبل أولياء الدم بالدية، وأرضاهم علي بن أبي طالب علیه السلام (2)

سؤال موجه إلى الذهبي:

يقول الذهبي: ولخالد اجتهاده ولذلك ما طالبه النبي بدياتهم.

يا ذهبي! ألم تقل إن النبي غضب على خالد وأعرض عنه وأشاح بوجهه عنه؟ ألم تقل إنه حتى عمر لام خالداً على فعلته تلك ؟ ألم يرو الطبري أن رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم رفع يديه إلى السماء

ص: 319


1- "وقال ابن إسحاق : وقد قال بعض من يعذر خالداً أنه قال : ما قاتلت حتى أمرني بذلك عبد الله بن حذافة السهمي وقال : إن رسول الله قد أمرك أن تقاتلهم لامتناعهم عن الإسلام. " السيرة النبوية / ابن هشام، ج 4 ، ص 73، مسير خالد بن الوليد بعد الفتح إلى بني جذيمة، معذرة خالد في قتال القوم ؛ تاريخ الطبري، ج 2، ص 164 ، حوادث سنة 8 هجرية، ذكر الخبر عن فتح مكة.
2- للاطلاع على بعض الاحتمالات راجع :موسوعة التاريخ الإسلامي، ج 3، ص 263 - 265 ، حوادث سنة 8 هجرية، ومن يعذر خالداً.

وتبرأ مما فعله خالد؟ فأي اجتهاد هذا؟ وهل كان كل ما فعله ،خالد حتى الزنى، من باب الاجتهاد؟ وهل للاجتهاد مقابل النص معنى ؟ (1).

قتل المسلمين :

يقول الطبري: إن أبابكر كان من عهده إلى جيوشه أن إذا غشيتم داراً من دور الناس فسمعتم فيها أذاناً للصلاة فأمسكوا عن أهلها حتى تسألوهم ما الذي نقموا وإن لم تسمعوا أذاناً فشنوا الغارة فاقتلوا وحرقوا. وكان ممن شهد لمالك بالإسلام أبو قتادة الحارث بن ربعي أخو بني سلمة وقد كان عاهد الله ألا يشهد مع خالد [ بعد أن رآه يسفك دماء الأبرياء بغير حق ويزني باسم الإسلام].

وكان يحدّث أنهم لما غشوا القوم راعوهم تحت الليل، فأخذ القوم السلاح. قال: فقلنا: إنا المسلمون . فقالوا: ونحن المسلمون قلنا : فما بال السلاح معكم ؟ قالوا لنا: فما بال السلاح معكم ؟ قلنا : فإن كنتم كما تقولون فضعوا السلاح. قال: فوضعوها، ثم صلينا وصلوا.

وكان خالد يعتذر في قتله، أنه قال له وهو يراجعه [ كأنه لا يؤمن بالنبي ]: ما أخال صاحبكم إلاّ وقد كان يقول كذا وكذا. قال: أو ما تعده لك صاحباً؟ ثم قدمه فضرب عنقه وأعناق أصحابه. فلما بلغ قتلهم عمر بن الخطاب تكلم فيه عند أبي بكر فأكثر وقال: عدو الله عدا على امرئ مسلم فقتله، ثم نزا على امرأته وأقبل خالد بن الوليد قافلاً حتى دخل المسجد وعليه قباء له عليه صدا

ص: 320


1- "لما قدم بعد صنيعه ببني جذيمة عاب عليه ابن عوف ما صنع وقال : أخذت بأمر الجاهلية، قتلتهم بعمك الفاكه، قاتلك الله. قال: وأعابه عمر. فقال خالد أخذتهم بقتل أبيك. فقال عبدالرحمن: كذبت، لقد قتلت قاتل أبي بيدي، ولو لم أقتله لكنت تقتل قوماً مسلمين بأبي في الجاهلية. قال : ومن أخبرك أنهم أسلموا؟ فقال: أهل السرية كلهم. قال: جاءني رسول رسول الله أن أغير عليهم فأغرت. قال: كذبت على رسول الله. وأعرض رسول الله عن خالد و غضب وقال يا خالد ذروا لي أصحابي متى ينكاً إلف المرء ينكأ المرء عن أبي قتادة قال : لما نادى خالد في السحر : من كان معه أسير فليدافه، أرسلت أسيري وقلت لخالد: اتق الله فإنك ميت وإن هؤلاء قوم مسلمون قال : إنه لا علم لك بهؤلاء إسناده فيه الواقدي والخالد اجتهاده ولذلك ما طالبه النبي بدياتهم. " سير أعلام النبلاء، ج1، ص 370 - 371، شرح حال خالد بن الوليد، الرقم 78.

الحديد، معتجراً بعمامة له، قد غرز في عمامته أسهماً. فلما أن دخل المسجد قام إليه عمر فانتزع الأسهم من رأسه فحطمها، ثم قال: أرئاء ! قتلت امرءاً مسلماً ثم نزوت على امرأته! والله لأرجمنك بأحجارك. ولا يكلمه خالد بن الوليد ولا يظن إلا أن رأي أبي بكر على مثل رأي عمر فيه، حتى دخل على أبي بكر . فلما أن دخل عليه أخبره الخبر واعتذر إليه فعذره أبوبكر وتجاوز عنه ما كان في حربه تلك. قال: فخرج خالد حين رضي عنه أبوبكر وعمر جالس في المسجد، فقال: هلم إلي يا ابن أم شملة ! قال: فعرف عمر أن أبا بكر رضي عنه فلم يكلمه ودخل بيته(1) .

فقال أبو قتادة :[ مخاطباً خالداً]: هذا عملك [ جئت من أجل الزنى]. فزبره خالد [ وقال له: بل جئنا للعبادة] فغضب [أبو قتادة] ومضى حتى أتى أبابكر فغضب عليه أبوبكر [وقال له: وما شأنك أنت؟ إنه مبعوثي أنا] حتى كلمه عمر فيه [ وقال: من حق أبي قتادة أن يعترض] فلم يرض [أبوبكر ] إلا أن يرجع إليه [إلى خالد ويكون تحت إمرته، فرجع إليه حتى قدم معه المدينة.

ص: 321


1- " إن أبابكر كان من عهده إلى جيوشه أن إذا غشيتم داراً من دور الناس فسمعتم فيها أذاناً للصلاة فأمسكوا عن أهلها حتى تسألوهم ما الذي نقموا وإن لم تسمعوا أذاناً فشنوا الغارة فاقتلوا وحرقوا. وكان ممن شهد لمالك بالإسلام أبو قتادة الحارث بن ربعي أخو بني سلمة وقد كان عاهد الله ألا يشهد مع خالد وكان يحدث أنهم لما غشوا القوم راعوهم تحت الليل، فأخذ القوم السلاح. قال: فقلنا: إنا المسلمون. فقالوا: ونحن المسلمون. قلنا: فما بال السلاح معكم ؟ قالوا لنا: فما بال السلاح معكم ؟ قلنا : فإن كنتم كما تقولون فضعوا السلاح قال ،فوضعوها ، ثم صلينا وصلوا. وكان خالد يعتذر في قتله أنه قال له وهو يراجعه : ما أخال صاحبكم إلا وقد كان يقول كذا وكذا. قال: أو ما تعده لك صاحباً ؟ ثم قدمه فضرب عنقه وأعناق أصحابه. فلما بلغ قتلهم عمر بن الخطاب تكلم فيه عند أبي بكر فأكثر وقال عدو الله عدا على امرئ مسلم فقتله، ثم نزا على امرأته وأقبل خالد بن الوليد قافلاً حتى دخل المسجد وعليه قباء ل-ه ع-ل-ي-ه ص-دا الحديد، معتجراً بعمامة له، قد غرز في عمامته أسهماً . فلما أن دخل المسجد قام إليه عمر فانتزع الأسهم من رأسه فحطمها، ثم قال : أرثاء ! قتلت امرءاً مسلماً ثم نزوت على امرأته والله لأرجمنك بأحجارك. ولا يكلمه خالد بن الوليد ولا يظن إلا أن رأي أبي بكر على مثل رأي عمر فيه، حتى دخل على أبي بكر. فلما أن دخل عليه أخبره الخبر واعتذر إليه فعذره أبو بكر وتجاوز عنه ما كان في حربه تلك. قال: فخرج خالد حين رضي عنه أبوبكر وعمر جالس في المسجد، فقال: هلم إلي يا ابن أم شملة قال : فعرف عمر أن أبا بكر رضي عنه فلم يكلمه ودخل بيته . " تاريخ الطبري، ج 2، ص 273 - 274، حوادث سنة 11 هجرية، ذكر البطاح وخبره ؛ الأغاني، ج 15، ص 294 - 295، ذكر متمم وأخباره وخبر مالك ومقتله.

قال عمر لأبي بكر: إن في سيف خالد رهقاً [ إنه سفاح جلاد] فإن لم يكن هذا [ما أخبر به أبو قتادة] حقاً، حق عليه أن تقيده وأكثر عليه في ذلك. وكان أبوبكر لا يقيد من عماله ولا وزعته [كان يعتبرهم فوق القانون ولا يعرّضهم للمساءلة] ، فقال : هيه يا عمر ! تأول فأخطأ، فارفع لسانك عن خالد. وودى مالكاً وكتب إلى خالد أن يقدم عليه، ففعل، فأخبره خبره، فعذره وقبل منه(1) .

قسوة خالد :

يقول الطبري: كان مالك بن نويرة من أكثر الناس شعراً وإن أهل العسكر أثفوا برؤوسهم القدور، فما منهم رأس إلا وصلت النار إلى بشرته ما خلا مالكاً، فإن القدر نضجت ومانضج رأسه من كثرة شعره، وقى الشعر البشرة حرها أن يبلغ منه ذلك(2).

ص: 322


1- "فقال أبو قتادة: هذا عملك. فزبره خالد فغضب ومضى حتى أتى أبابكر فغضب عليه أبوبكر حتى كلمه عمر فيه. فلم یرض إلاّ أن يرجع إليه. فرجع إليه حتى قدم معه المدينة... قال عمر لأبي بكر: إن في سيف خالد رهقاً، فإن لم يكن هذا حقاً، حق عليه أن تقيده وأكثر عليه في ذلك. وكان أبو بكر لا يقيد من عماله ولا وزعته فقال هيه يا عمر ! تأول فأخطأ، فارفع لسانك عن خالد. وودى مالكاً وكتب إلى خالد أن يقدم عليه، ففعل. فأخبره خبره. فعذره وقبل منه . " تاريخ الطبري، ج 2، ص 273 ، حوادث سنة 11 هجرية، ذكر البطاح وخبره ؛ الأغاني، ج 15 ، ص 292 - 293 ، ذكر متمم وأخباره وخبر مالك ومقتله ؛ تاريخ دمشق الكبير، ج 18، ص 186، شرح حال خالد بن الوليد، الرقم 1910.
2- "عن سويد قال : كان مالك بن نويرة من أكثر الناس شعراً وإن أهل العسكر أثفوا برؤوسهم القدور . فما منهم رأس إلاّ وصلت النار إلى بشرته ما خلا مالكاً، فإن القدر نضجت وما نضج رأسه من كثرة شعره، وقى الشعر البشرة حرها أن يبلغ منه ذلك. " تاريخ الطبري، ج 2، ص 273، حوادث سنة 11 ، ذكر البطاح وخبره ؛ الأغاني، ج 15، ص 293، ذكر متمم وأخباره وخبر مالك ومقتله. على أن هذه القصة عجيبة جداً و لا تنسجم مع العقل، ولكن يمكن القول إنه ربما أراد الله أن يبين فضل مالك بهذه الطريقة ؛ كما أن أجساد بعض الناس لا تتفسخ بعد الدفن ولا تفنى، وهذا ليس عجيباً.
عداوة عمر لخالد:

عندما كان عمر يلتقي خالداً كان يهدده ويقول: إن تمكنت منك يوماً قتلتك لقتلك مالكاً بن نويرة(1).

حرق البشر :

وصلت أخبار بأن بني سليم قد ارتدوا. فأرسل أبوبكر خالداً إليهم. فجمع خالد رجال بني سليم في حفرة وأضرم النار فيهم جميعاً. فاعترض عمر على أبي بكر قائلاً: هل أرسلت إليهم من يعذبهم بعذاب الله ؟ فقال أبوبكر : لا أغمد سيفاً استله الله على عدوه(2).

وفي رواية أخرى أن خالداً سمع أن قبيلة بزاخة ذكرت النبي بسوء فأمر بحرقهم. وعندما عاد إلى المدينة توجه من فوره إلى عمر فأعرض عنه عمر. ثم ذهب إلى أبي بكر فسمع ورأى من أبي بكر ما يسره. فقد استقبله أبوبكر استقبالاً حافلاً ، ولما سمع عمر لم يقل شيئاً(3) .

ص: 323


1- " وكان عمر يعتد على خالد بقتلهما إلى قتل مالك، يعني ابن نويرة. " تاريخ الطبري، ج 2، ص 327، حوادث سنة 12 هجرية،مصيخ بني البرشاء.
2- "حدثنا أبو معاوية عن هشام عن أبيه قال: كانت في بني سليم ردة فبعث إليهم أبوبكر خالد بن الوليد، فجمع منهم أناساً في حظيرة حرقها عليهم بالنار. فبلغ ذلك عمر فأتى أبابكر فقال : انزع رجلاً يعذب بعذاب الله . فقال أبو بكر: والله لا أشيم سيفاً سله الله على عدوه حتى يكون الله هو يشيمه. وأمره فمضى من وجهه ذلك إلى مسيلمة. " المصنف في الأحاديث والآثار، ج 8، ص 5 ، كتاب التاريخ، حديث اليمامة ومن شهدها الحديث الثامن ؛ الطبقات الكبرى، ج 7، ص 396، شرح حال خالد بن الوليد ؛ المصنف، ج 5، ص 212، کتاب الجهاد، باب القتل بالنار، الحديث 9412 ؛ سير أعلام النبلاء، ج 1، ص 372، شرح حال خالد بن الوليد، الرقم 78.
3- "ثم أوقع بأهل بزاخة وحرقهم لكونه بلغه عنهم مقالة سيئة شتموا النبي الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم]... فمر بعمر ، فلم يكلمه. ودخل على أبي بكر فرأى منه كل ما يحب وعلم عمر فأمسك . " سير أعلام النبلاء، ج 1، ص 378، شرح حال خالد بن الوليد الرقم 78؛ تاریخ دمشق الكبير، ج 18، ص 187 ، شرح حال خالد بن الوليد، الرقم 1910.
محاولة اغتيال الإمام علي علیه السلام:

لم يكن خالد يقيم حرمة لأهل بيت النبي علیه السلام . بل كان أحد جلاوزة النظام والمسؤول عن إزاحة معارضيه . ومن المهام التي أسندت إليه اغتيال الإمام علي علیه السلام.

يقول السمعاني (المتوفى562) وهو من علماء السنة المتعصبين: سألت في الكوفة شيخي الشريف عمر بن إبراهيم الحسيني عما عناه أبوبكر بقوله "لا يفعل خالد ما أمر به " فقال: كان أمر خالد بن الوليد أن يقتل علياً، ثم ندم بعد ذلك فنهى عن ذلك (1).

ويروي الطبرسي (المتوفى (560) وكان معاصراً للسمعاني القضية على النحو التالي: أرسل أبوبكر وعمر إلى خالد وأمراه بقتل الإمام علي علیه السلام . فقال : أعدكم أن أنجز المهمة على أفضل وجه.

كان الاجتماع في بيت أبي بكر . فسمعت زوجته أسماء بنت عميس بالمؤامرة فأرسلت جاريتها وأمرتها بأن تذهب إلى بيت علي وأن تقول له {إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ }(2)، ففعلت الجارية ذلك فقال علي علیه السلام:رحم الله صاحبك . وقولي لمولاتك : فمن يقاتل الناكثين والقاسطين

والمارقين؟ (وعدني رسول الله بأني سأقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ولن ينال مني أحد حتى يتحقق وعد رسول الله، ولن يفلحوا).

حدد المتآمرون وقت صلاة الصبح موعداً لهم لأنه وقت مناسب ولا يتبين فيه شيء. فصلوا صلاة خفيفة في الظلام حيث لا يمتاز النساء من الرجال. فقال أبوبكر لخالد: قف إلى جانب علي في الصلاة فإذا فرغنا منها اضرب عنقه.

أخذ أبوبكر بقراءة الأذكار ولكنه لم يكن يتمها بل يعيدها في كل مرة.

ص: 324


1- " وروي عنه حديث أبي بكر أنه قال : لا يفعل خالد ما أمر به. سألت الشريف عمر بن إبراهيم الحسيني بالكوفة عن معنى هذا الأثر، فقال : كان أمر خالد بن الوليد أن يقتل علياً، ثم ندم بعد ذلك فنهى عن ذلك . " الأنساب، ج 3، ص 95 ، شرح حال الرواجني.
2- سورة القصص، الآية 20.

وأطال الصلاة من أول وقتها فكان يفكر في نتيجة المؤامرة. هل يتركني بنو هاشم وشأني؟ وهل يسكت الناس أم يعزلونني عن الخلافة؟ فحسم أمره وقال ثلاث مرات قبل أن يتم صلاته: يا خالد لا تفعل ما أمرتك به، وفي رواية أخرى لا يفعلن خالد ما أمر به. 6

نظر الإمام علي علیه السلام، بعد أن فرغ من الصلاة، إلى خالد فوجد سيفاً تحت مصلاته فقال له: يا خالد ما الذي أمرك به؟ قال :خالد أردت أن أقتلك. فقال علیه السلام : وهل كنت ستفعل ؟ قال خالد: والله لو لم ينهني الخليفة لأنزلت السيف في رأسك. فقال علیه السلام: كذبت لا أمّ لك ! لولا ما سبق به القضاء لعلمت أي الفريقين شر مكاناً وأضعفُ جنداً.

يكمل الطبرسي الرواية على لسان أبي ذر قال : أمسك أمير المؤمنين خالداً بإصبعين من أصابعه فضغطهما فصاح خالد صيحة خاف الناس منها ففروا . أما خالد فبال في ثيابه وهو يرفس الأرض. فقال أبوبكر لعمر : هذه مشورتك المنكوسة كأني كنت أنظر إلى هذا [أرى نتيجة خطتنا الفاشلة] وأحمد الله على سلامتنا [ الحمد لله على أني لم أتلوث بهذه العملية].

حاول بعض الرجال تخليص خالد من يد الإمام فعجزوا وفروا خوفاً منه علیه السلام . فأرسل أبوبكر عمر إلى العباس عمّ النبي ليتشفع لخالد. فجاء العباس وقال [ وهو يشير إلى قبر النبي]: بحق هذا القبر ومن فيه وبحق ولديه وأمهما [الحسنين والزهراء] إلاّ تركته! ففعل الإمام وقبل العباس بين عينيه (1).

ص: 325


1- "وروي أن أبابكر وعمر بعثا إلى خالد بن الوليد فواعداه وفارقاه على قتل علي [علیه السلام] وضمن ذلك لهما. فسمعت ذلك أسماء بنت عميس امرأة أبي بكر في خدرها، فأرسلت خادمة لها وقالت : ترددي في دار علي وقولي له ((إن القوم يأتمرون بك ليقتلوك)) ففعلت الجارية وسمعها علي[علیه السلام] فقال رحمها الله ! قولي لمولاتك :فمن يقتل الناكثين والمارقين والقاسطين ؟ ووقعت المواعدة لصلاة الفجر إذ كان أخفى واختيرت للسدفة والشبهة [ فإنهم كانوا يغسلون بالصلاة حتى لا تعرف المرأة من الرجل] ولكن الله بالغ أمره. وكان أبوبكر قال لخالد: إذا انصرفت من صلاة الفجر فاضرب عنق علي. فصلى إلى جنبه لأجل ذلك وأبوبكر في الصلاة يفكر في العواقب فندم فجلس في صلاته حتى كادت الشمس تطلع يتعقب الآراء ويخاف الفتنة ولا يأمن على نفسه. فقال قبل أن يسلم في صلاته يا خالد لا تفعل ما أمرتك به (ثلاثاً)، وفي رواية أخرى: لا يفعلن خالد ما أمر به. فالتفت علي [علیه السلام] فإذا خالد مشتمل على السيف إلى جانبه، فقال : يا خالد! ما الذي أمرك به؟ قال : بقتلك يا أمير المؤمنين . قال : أو كنت فاعلاً ؟ فقال : إي والله لولا أنه نهاني لوضعته في أكثرك شعراً. فقال له علي [علیه السلام]: كذبت لا أمّ لك! من يفعله أضيق حلقة أست منك، أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لولا ما سبق به القضاء لعلمت أي الفريقين شر مكاناً وأضعفُ جنداً. وفي رواية أخرى لأبي ذر رحمه الله أن أمير المؤمنين علیه السلام أخذ خالداً بإصبعيه السبابة والوسطى في ذلك الوقت، فعصره عصراً فصاح خالد صيحة منكرة ففزع الناس وهمتهم أنفسهم وأحدث خالد في ثيابه وجعل يضرب برجليه الأرض ولا يتكلم . فقال أبوبكر لعمر : هذه مشورتك المنكوسة، كأني كنت أنظر إلى هذا وأحمد الله على سلامتنا. وكلما دنا أحد ليخلصه من يده لحظة تنحى عنه رعباً. فبعث أبوبكر وعمر إلى العباس فجاء وتشفع إليه وأقسم عليه ، فقال : بحق هذا القبر ومن فيه وبحق ولديه وأمهما إلا تركته. ففعل ذلك وقبل العباس بين عينيه." الاحتجاج على أهل اللجاج، ج 1، ص 117 - 118، التآمر على قتل علي الا ؛ بحار الأنوار، ج 29 ، ص 136 - 138 ، كتاب الفتن والمحن، الباب الحادي عشر نزول الآيات في أمر فدك، الحديث 29.
هجوم خالد على بيت بنت النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم:

شارك خالد في الهجوم على بيت الزهراء وأمير المؤمنين علیه السلام وكان يقف في صف أبي بكر وعمر.

يقول ابن أبي الحديد عن تلك الحادثة :سأل أبوبكر فقال: أين الزبير ؟ [لم لم يأت لمبايعتي؟] فقيل: عند علي وقد تقلد سيفه فقال : قم يا عمر، قم يا خالد بن الوليد، انطلقا حتى تأتياني بهما. فانطلقا فدخل عمر وقام خالد على باب البيت من خارج فقال عمر للزبير : ما هذا السيف؟ فقال: نبايع علياً. فاخترطه عمر فضرب به حجراً فكسره. ثم أخذ بيد الزبير فأقامه ثم دفعه وقال : يا خالد دونكه فأمسكه . ثم قال لعلي: قم فبايع لأبي بكر. فتلكأ واحتبس فأخذ بيده وقال: قم. فأبى أن يقوم، فحمله ودفعه كما دفع الزبير، فأخرجه ورأت فاطمة ما صنع بهما فقامت على باب الحجرة وقالت: يا أبابكر ! ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله! والله لا أكلم عمر حتى ألقى الله (1).

ص: 326


1- "عن الشعبي قال: سأل أبو بكر فقال : أين الزبير ؟ فقيل: عند علي وقد تقلد سیفه. فقال : قم يا عمر، قم يا خالد بن الوليد، انطلقا حتى تأتياني بهما. فانطلقا، فدخل عمر وقام خالد على باب البيت من خارج . فقال عمر للزبير : ما هذا السيف ؟ فقال : نبايع علياً. فاختر طه عمر فضرب به حجراً فكسره. ثم أخذ بيد الزبير فأقامه ثم دفعه وقال يا خالد دونکه فأمسكه. ثم قال لعلي:قم فبايع لأبي بكر. فتلكأ واحتبس فأخذ بيده وقال : قم . فأبى أن يقوم فحمله ودفعه كما دفع الزبير فأخرجه. ورأت فاطمة ما صنع بهما فقامت على باب الحجرة وقالت: يا أبابكر ! ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله ! والله لا أكلم عمر حتى ألقى الله . " شرح نهج البلاغة، ج2، ص 57 ، حديث السقيفة، ذيل الخطبة ،26 ، نقلاً عن أبي بكر الجوهري.

يقول ابن أبي الحديد إنه كان في البيت الكثير من الناس منهم المقداد وبنوهاشم (المعارضون لم يكونوا قليلين). فأخرجوا علياً إخراجاً مهيناً، فكان خالد يمسك بهم وعمر يجرهم. فتجمهر الناس وتساءلوا: ما الذي يجري؟ لماذا يقودون علياً؟ فلما رأت فاطمة الزهراء الموقف صرخت(1) .

سؤال موجه إلى أهل السنة:

ما دلالة أن يدعم السقيفة رجل له هذا التاريخ الأسود من القتل وسفك الدماء؟ وهل يمكننا أن ننظر بإيجابية إلى السقيفة؟

هل كانت أفعاله في إطار موافقة النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم وتأييده ؟ أم أنها كحادثة بني جذيمة، كانت خلافاً لرأيه ورضاه ؟

ب - خالد في المصادر السنية :
اشارة

رغم كل هذه الملفات السود المتعلقة بخالد، لا يتورع علماء السنة عن تمجيده والإطراء عليه. ولا يترددون في نسبة الفضائل والكرامات إليه وهو القاتل الزاني !

يقول عمرو بن العاص إن النبي لم يكن يستغني في الحروب عن اثنين ؛ أنا وخالد بن الوليد (2).

ص: 327


1- " عن الشعبي، قال: قال أبو بكر :يا عمر ! أين خالد بن الوليد ؟ قال هو هذا فقال: انطلقا إليهما، يعني علياً والزبير، فأتياني بهما. فانطلقا، فدخل عمر ووقف خالد على الباب من خارج. فقال عمر للزبير : ما هذا السيف؟ قال: أعددته لأبايع علياً. قال: وكان في البيت ناس كثير منهم المقداد بن الأسود وجمهور الهاشميين. فاخترط عمر السيف فضرب به صخرة في البيت فكسره. ثم أخذ بيد الزبير فأقامه، ثم دفعه فأخرجه. وقال: يا خالد دونك هذا ! فأمسكه خالد وكان خارج البيت مع خالد جمع كثير من الناس أرسلهم أبوبكر ردءاً لهما . ثم دخل عمر فقال لعلي : قم فبايع ! فتلكأ واحتبس، فأخذ بيده وقال : قم . فأبى أن يقوم فحمله ودفعه كما دفع الزبير . ثم أمسكهما خالد وساقهما عمر ومن معه سوقاً عنيفاً. واجتمع الناس ينظرون وامتلأت شوارع المدينة بالرجال ورأت فاطمة ما صنع عمر فصرخت وولولت واجتمع معها نساء كثير من الهاشميات وغيرهن فخرجت إلى باب حجرتها ونادت: يا أبابكر ! ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله ! والله لا أكلم عمر حتى ألقى الله . " شرح نهج البلاغة ، ج 6، ص 48 - 49 ، ما روي من أمر فاطمة مع أبي بكر، ذيل الخطبة 66 .
2- " عن حيان بن أبي جبلة، عن عمرو بن العاص، قال : ما عدل بي رسول الله وبخالد أحداً في حربه منذ أسلمنا." سير أعلام النبلاء، ج 1 ، ص 396، شرح حال خالد بن الوليد الرقم 78؛ المستدرك على الصحيحين، ج 3، ص 515 ، كتاب معرفة الصحابة، ذكر مناقب عمرو بن العاص، الحدیث 5917 ؛ تاريخ دمشق الكبير، ج 18 ، ص 166 ، شرح حال خالد بن الوليد، الرقم 1910.

أما الذهبي فيصفه بقوله : خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن كعب سيف الله تعالى وفارس الإسلام وليث المشاهد السيد الإمام الأمير الكبير قائد المجاهدين أبو سليمان القرشي المخزومي المكي وابن أخت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث(1). وينقل الذهبي عن خيثمة قوله : أتي خالد بن الوليد برجل معه زق خمر، فقال: اللهم اجعله عسلاً، فصار عسلاً(2) .

يقول قيس بن أبي حازم سمعت خالداً يقول: "منعني الجهاد كثيراً من القراءة" ورأيته أتي

بسم فقالوا: ما هذا؟ قالوا: سمّ. قال: باسم الله وشربه. قلت هذه والله الكرامة وهذه الشجاعة (3).

سؤال موجه إلى الذهبي:

تقول إن خالداً سيف الله ووو..... أفنسيت أنك قلت إن عمر قال إن سيف خالد سيف طغیان؟(4)

ص: 328


1- "خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن كعب سيف الله تعالى وفارس الإسلام وليث المشاهد السيد الإمام، الأمير الكبير، قائد المجاهدين، أبوسليمان القرشي المخزومي المكي وابن أخت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث . " سير أعلام النبلاء، ج 1، ص 366 ، شرح حال خالد بن الوليد، الرقم 78.
2- "أبوبكر بن عياش عن الأعمش عن خيثمة، قال: أتي خالد برجل معه زق خمر فقال : اللهم اجعله عسلاً، فصار عسلاً" سير أعلام النبلاء، ج 1، ص 376 ، شرح حال خالد بن الوليد، الرقم 78 ؛ تاریخ دمشق الكبير، ج 18، ص 182 ، شرح حال خالد بن الوليد، الرقم 1910 ؛ الإصابة في تمييز الصحابة، ج 2، ص218 ، شرح حال خالد بن الوليد، الرقم 2206 .
3- "قال قيس بن أبي حازم: سمعت خالداً يقول : منعني الجهاد كثيراً من القراءة ورأيته أتي بسم فقالوا: ما هذا؟ قالوا سم. قال: بسم الله وشربه. قلت: هذه والله الكرامة وهذه الشجاعة. " سير أعلام النبلاء، ج 1، ص 375 - 376 ، شرح حال خالد بن الوليد، الرقم 78.
4- " وألح عليه عمر في أن يعزل خالداً وقال : إن في سيفه رهقاً. فقال : لا يا عمر لم أكن لأشيم سيفاً سله الله على الكافرين. " سير أعلام النبلاء، ج 1، ص 377، شرح حال خالد بن الوليد، الرقم 78 .

فأيهما الصحيح كلام الخليفة الثاني أم ما ترويه عن النبي؟

فإن صح كلام الخليفة فلا تبقى فضيلة الخالد. أما إذا صحت روايتك عن النبي فهذا يعني أن الخليفة يعارض قول النبي ويتكلم بخلافه. إذا كنت تصدق نسبة هذه الكرامات لأشخاص سيئي التاريخ السياسي والأخلاقي والديني أمثال خالد الذي فعل أشياء تبرأ منها النبي وحتى الخليفة الثاني، فلماذا لا تصدق الخبر القائل بأنه "جاء أبو المنذر الكلبي الإمام الصادق علیه السلام، وقد نسي كل ما كان يعلم، فأعطاه الإمام إناءً فيه ماء

فشرب منه فعادت له علومه (1) وتعتبره غلواً؟

ألا يمكننا من ملاحظة هذا التعصب والازدواجية في المواقف، أن نحتمل وجود مؤامرة لإزاحة أهل بيت النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم و بدالهم بأعدائهم؟ ألا تؤدي هذه الازدواجية إلى انعدام الثقة؟

3 -قنفذ :

اشارة

هو قنفذ بن عمير بن جدعان التميمي، ذكروه مع أصحاب النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم . ولاه عمر مكة ثم عزله(2).

يقول العلامة التستري نقلاً عن العلامة المامقاني: عده العامة في أصحاب الرسول صلّی الله علیه وآله وسلّم و حلاله[ لدى الشيعة ] مجهول. ثم ينتقد كلام المامقاني فيضيف : بل معلوم الخبث (3).

ص: 329


1- "وله الحديث المشهور: قال: اعتللت علة عظيمة نسيت علمي، فجلست إلى جعفر بن محمد [علیه السلام] فسقاني العلم في كأس، فعاد علمي . " رجال النجاسي، ص 434 ، شرح حال هشام بن محمد الكلبي، الرقم 1166 ؛ الغارات، ج 2، ص 747، ترجمة محمد بن السائب الكلبي وابنه هشام.
2- "قنفذ بن عمير بن جدعان التميمي، له صحبة، ولأه عمر مكة ثم عزله وولّى نافع بن عبد الحارث." الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 3، ص 366، شرح حال قنفذ، الرقم 2196 ؛ أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 4 ، ص392، شرح حال قنفذ الرقم 4323.
3- "قال : عدّه العامة في أصحاب الرسول صلّی الله علیه وآله وسلّم و حاله مجهول. أقول : بل معلوم الخبث . " ولكننا لم نعثر على العبارة التي ينسبها العلامة التستري للعلامة المامقاني في كتاب تنقيح المقال. وقد تكون وردت في كتب أخرى. قاموس الرجال، ج8، ص 529 شرح حال قنفذ، الرقم 6070 .

على أن للعلامة المامقاني مصطلحاً خاصاً للتعبير عن أن حاله "مجهول". وإذا كان يشير إلى مصطلح القدماء فإن "مجهول " تعني الضعيف الذي لا يمكن الوثوق به.

ضرب بنت رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم بالسوط :

يروي سليم بن قيس (1): انتهيت إلى حلقة في مسجد رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] ليس فيها إلاّ هاشمي غير سلمان وأبي ذر والمقداد ومحمد بن أبي بكر وعمر بن أبي سلمة وقيس بن سعد بن عبادة، فقال العباس لعلي علیه السلام : ما ترى عمر منعه من أن يُغرم قنفذاً كما أغرم جميع عماله ؟ فنظر علي إلى من حوله [ أن لا يكون في الحاضرين غريب] ثم اغرورقت عيناه [بالدموع ] ثم قال: شكر له ضربة ضربها فاطمة [علیها السلام] بالسوط [لقد أعاد ضربها حتى تورمت يدها ] فماتت وفي عضدها أثره كأنه الدملج(2).

يقول آية الله صابري الهمداني: زرت آية الله الفيروزآبادي فقال لي: رأيت البارحة أمي الزهراء المرضية في المنام وقلت لها: صفي لي حال علي بن أبي طالب بعد النبي . فقالت: كان علي بعد رسول الله مظلوماً على الدوام. قلت: سمعت أنهم ضربوك. فهل حدث ذلك؟ فلم تقل شيئاً

ص: 330


1- سليم بن قيس من تلاميذ أمير المؤمنين علیه السلام توفي سنة 85 هجرية. أي أنه عاش في زمن الإمام زين العابدين علیه السلام.
2- "عن سليم قال : انتهيت إلى حلقة في مسجد رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] ليس فيها إلا هاشمي غير سلمان وأبي ذر والمقداد ومحمد بن أبي بكر وعمر بن أبي سلمة وقيس بن سعد بن عبادة، فقال العباس لعلي [علیه السلام] :ما ترى عمر منعه من أن يغرم قنفذاً كما أغرم جميع عماله؟ فنظر علي إلى من حوله ثم اغرورقت عيناه [بالدموع ] ثم قال : شكر له ضربة ضربها فاطمة [علیها السلام] بالسوط فماتت وفي عضدها أثره كأنه الدملج. " كتاب سليم بن قيس الهلالي، ج 2، ص 675 ، الحديث 14 ؛ بحار الأنوار ، ج 30 ، ص 303 ، الباب 20 كفر الثلاثة ونفاقهم.... الحديث 152.

ورفعت رداءها فرأيت يدها المباركة مسودة من كدمة. ولقد كنت رأيت آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي كثيراً وكان له علاقة وثيقة بوالدي، وهو مؤلف عناية الأصول في شرح الكفاية.

الهجوم على بيت فاطمة علیها السلام:

لزم الإمام علي علیه السلام داره لما علم بأن الناس تخلوا عنه وخذلوه ومالوا إلى أبي بكر واتبعوه.

فقال عمر لأبي بكر: لم لا تبعث من يأخذ البيعة من علي فلم يبق إلا هو وعدد من الرجال؟ كان أبوبكر أهدأ وألين من عمر وربما كان يتظاهر بذلك. أما عمر فكان سيء الخلق وفظاً(1). فالتفت أبوبكر لعمر وقال : من نرسل إليه ؟ فقال عمر : نرسل إليه قنفذاً وهو رجل فظ غليظ جاف الطلقاء أحد بني عدي بن كعب. فأرسله إليه وأرسل معه أعواناً وانطلق فاستأذن على علي السلام فأبى أن يأذن لهم. فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر وعمر وهما جالسان في المسجد والناس حولهما فقالوا: لم يؤذن لنا. فقال عمر : اذهبوا ، فإن أذن لكم وإلا فادخلوا عليه بغير إذن. فانطلقوا فاستأذنوا فقالت فاطمة علیها السلام: أحرج عليكم أن تدخلوا على (هكذا) بيتي بغير إذن. فرجعوا وثبت قنفذ الملعون . فقالوا : إن فاطمة قالت كذا وكذا فتحرجنا أن ندخل بيتها بغير إذن. فغضب عمر وقال : ما لنا وللنساء؟ ثم أمر أناساً حوله أن يحملوا الحطب، فحملوا الحطب وحمل معهم عمر، فجعلوه حول منزل علي وفاطمة وابناهما (هكذا) عالم علیهم السلام. ثم نادى عمر حتى أسمع علياً وفاطمة علیها السلام : والله لتخرجن يا علي ولتبايعن خليفة رسول الله وإلا أضرمت عليك بيتك النار . فقالت فاطمة علیها السلام: يا عمر مالنا ولك ؟ فقال : افتحي الباب وإلا أحرقنا عليكم بيتكم. فقالت: يا عمر أما تتقي الله تدخل على (هكذا) بيتي ؟ فأبى أن ينصرف . ودعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل فاستقبلته فاطمة علیها السلام وصاحت يا أبتاه يا رسول الله! فرفع عمر السيف

ص: 331


1- هذه الأوصاف ذكرت في شرح أحوال أغلب الذين هجموا على بيت فاطمة علیها السلام. كما لو أن السلطة اختارتهم لهذه المهمة. فهم كانوا يشتركون في صفة عدم احترام هذا البيت وفي كونهم سفاحين غلاظاً وجلادين قساة.

وهو في غمده فوجاً به جنبها، فصرخت :یا أبتاه فرفع السوط فضرب به ذراعها. فنادت: یا رسول الله ! لبئس ما خلفك أبوبكر وعمر. فوثب علي علیه السلام فأخذ بتلابيبه ثم نتره فصرعه ووجأ أنفه ورقبته وهم بقتله، فذكر قول رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم وما أوصاه به فقال : والذي كرم محمداً بالنبوة يابن صهاك ! لو لا كتاب من الله سبق وعهد عهده علي رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] لعلمت إنك لا تدخل بيتي.

فأرسل عمر يستغيث فأقبل الناس حتى دخلوا الدار وثار علي علیه السلام إلى سيفه، فرجع قنفذ إلى أبي بكر وهو يتخوف أن يخرج علي السلام إليه بسيفه لما قد عرف من بأسه وشدته. فقال أبوبكر لقنفذ: ارجع ، فإن خرج وإلا فاقتحم عليه بيته فإن امتنع فأضرم عليهم بيتهم النار. فانطلق قنفذ الملعون فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن وثار علي علیه السلام إلى سيفه فسبقوه إليه وكاثروه وهم كثيرون، فتناول بعضهم سيوفهم فكاثروه وضبطوه فألقوا في عنقه حبلاً وحالت بينهم وبينه فاطمة علیها السلام عند باب البيت، فضربها قنفذ الملعون بالسوط فماتت حين ماتت وإن في عضدها كمثل الدملج من ضربته لعنه الله ولعن من بعث به(1).

ص: 332


1- "فلما رأى علي علیه السلام خذلان الناس إياه وتركهم نصرته واجتماع كلمتهم مع أبي بكر وطاعتهم له وتعظيمهم إياه، لزم بيته. فقال عمر لأبي بكر : ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع، فإنه لم يبق أحد إلا وقد بايع غيره وغير هؤلاء الأربعة. وكان أبوبكر أرق الرجلين وأرفقها وأدهاهما وأبعدهما غوراً ، والآخر أفظهما وأغلظهما وأجفاهما. فقال أبوبكر :من نرسل إليه ؟ فقال عمر: نرسل إليه قنفذاً وهو رجل فظ غليظ جاف من الطلقاء أحد بني عدي بن كعب. فأرسله إليه وأرسل معه أعواناً وانطلق فاستأذن على علي علیه السلام فأبى أن يأذن لهم. فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر وعمر وهما جالسان في المسجد والناس حولهما فقالوا: لم يؤذن لنا . فقال عمر : اذهبوا، فإن أذن لكم وإلا فادخلوا عليه بغير إذن. فانطلقوا فاستأذنوا فقالت فاطمة علیها السلام: أحرج عليكم أن تدخلوا على ( هكذا) بيتي بغير إذن. فرجعوا وثبت قنفذ الملعون. فقالوا: إن فاطمة قالت كذا وكذا فتحرجنا أن ندخل بيتها بغير إذن. فغضب عمر وقال: ما لنا وللنساء؟ ثم أمر أناساً حوله أن يحملوا الحطب، فحملوا الحطب وحمل معهم عمر، فجعلوه حول منزل علي وفاطمة وابناهما ( هكذا ) علیهم السلام . ثم نادى عمر حتى أسمع علياً وفاطمة علیها السلام: والله لتخرجن يا علي ولتبايعن خليفة رسول الله وإلا أضرمت عليك بيتك النار. فقالت فاطمة العلاج : يا عمر مالنا ولك ؟ فقال : افتحي الباب وإلا أحرقنا عليكم بيتكم . فقالت : يا عمر أما تتقى الله تدخل على (هكذا) بيتي ؟ فأبى أن ينصرف. ودعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل فاستقبلته فاطمة علیها السلام وصاحت : يا أبتاه يا رسول الله ! فرفع عمر السيف وهو في غمده فوجاً به جنبها، فصرخت یا أبتاه فرفع السوط فضرب به ذراعها فنادت یا رسول الله ! لبئس ما خلفك أبوبكر وعمر. فوثب علي علیه السلام فأخذ بتلابيبه ثم نتره فصرعه ووجأ أنفه ورقبته وهم بقتله، فذكر قول رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم وما أوصاه به فقال: والذي كرم محمداً بالنبوة يابن صهاك ! لولا كتاب من الله سبق وعهد عهده علي رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] العلمت إنك لا تدخل بيتي فأرسل عمر يستغيث فأقبل الناس حتى دخلوا الدار وثار علي السلام إلى سيفه، فرجع قنفذ إلى أبي بكر وهو يتخوف أن يخرج علي علیه السلام إليه بسيفه لما قد عرف من بأسه وشدته. فقال أبوبكر لقنفذ: ارجع، فإن خرج وإلا فاقتحم عليه بيته فإن امتنع فأضرم عليهم بيتهم النار. فانطلق قنفذ الملعون فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن وثار علي علیه السلام إلى سيفه فسبقوه إليه وكاثروه وهم كثيرون، فتناول بعضهم سيوفهم فكاثروه وضبطوه فألقوا في عنقه حبلاً وحالت بينهم وبينه فاطمة علیها السلام عند باب البيت، فضربها قنفذ الملعون بالسوط فماتت حين ماتت وإن في عضدها كمثل الدملج من ضربته لعنه الله ولعن من بعث به . " كتاب سليم بن قيس الهلالي، ج 2، ص 584 - 586 ، الحديث الرابع ؛ بحار الأنوار، ج 28، ص 268 - 270 ، كتاب الفتن والمحن الباب الرابع الحديث 45. راجع أيضاً: الإمامة والسياسة، ص 13، كيف كانت بيعة علي بن أبي طالب [علیه السلام].
سبب الهجوم على بيت الإمام علي وفاطمة علیهما السلام :

هل تمت تلك الجريمة العظيمة لمجرد أخذ علي وإرغامه على المبايعة؟

يبدو أن للقضية وجهاً آخر. ذلك أنه فضلاً عن أخذ البيعة من علي، كانت فاطمة مستهدفة بنفسها. فقد كان المهاجمون يعلمون أن فاطمة تحمل رسالة وتتهيأ لأداء مهمة موكلة إليها. كان بمقدورها أن تذكّر الناس بالنبي وتعيد إلى أذهانهم حادثة الغدير الهامة. ولم تكن شخصيتها تخفى على أحد، وكان من شأن كلامها أن يُحدث موجة وتياراً بين المسلمين.

كان واضحاً من كلام الزهراء مع نساء المدينة والمحادثات التي جرت معها أنها كانت مستهدفة بذاتها. لقد تطابقت مطاليبها مع وصايا رسول الله في يوم الغدير، فكانت تسعى إلى إيصال تلك الرسالة بالنيابة عن النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم.

وهكذا تدخل الحرس الخاص بأقصى ما يمتلك من قسوة. ولم تكن عناصره من الناس العاديين. كان عبدالرحمن بن أبي بكر قناصاً(1). فما كانت ضرورة وجوده مع المهاجمين؟ أما خالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة فكانت أيديهما تقطر من دماء الأبرياء. فلماذا جاءا إلى باب بيت الزهراء؟ ربما جاء هؤلاء لإنجاز مهمة لا يقدر عليها غيرهم. إنهم جاؤوا ليضربوا ويهينوا. وهذا ما لا يقدر على فعله أي أحد ولإثبات هذا، إليك الواقعة التالية:

ص: 333


1- " وكان شجاعاً رامياً حسن الرمي . " أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 3، ص 463 ، شرح حال عبدالرحمن، الرقم 3344.
كلام الزهراء علیها السلام :

يقول محمود بن لبيد: لما قبض رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] كانت فاطمة تأتي قبور الشهداء وتأتي قبر حمزة وتبكي هناك. فلما كان في بعض الأيام أتيت قبر حمزة[علیه السلام]فوجدتها صلوات الله عليها تبكي هناك فأمهلتها حتى سكتت فأتيتها وسلمت عليها وقلت :يا سيدة النسوان! قد والله قطعت أنياط قلبي من بكائك. فقالت: يا أبا عمر ! يحق لي البكاء ولقد أصبت بخير الآباء رسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم]، وا شوقاه إلى رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] . ثم أنشأت[علیها السلام] تقول :

إذا مات يوماً ميت قل ذكره ..... وذكر أبي [....] مات والله أكثر [ ربما مذ مات: المترجم] قلت : يا سيدتي ! إني سائلك عن مسألة تلجلج في صدري قالت :سل. قلت: هل نص رسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم]قبل وفاته على علي بالإمامة؟ قالت واعجباه أنسيتم يوم غدير خم؟ قلت: قد كان ذلك ولكن أخبريني بما أسر إليك. قالت: أشهد الله تعالى سمعته يقول: علي خير من أخلفه فيكم وهو الإمام والخليفة بعدي وسبطي وتسعة من صلب الحسين أئمة أبرار، لئن اتبعتموهم وجدتموهم هادين ،مهديين ولئن خالفتموهم ليكون الاختلاف فيكم إلى يوم القيامة. قلت: يا سيدتي! فما باله قعد عن حقه؟(1)قالت: يا أبا عمر ! لقد قال رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ]: مثل الإمام مثل الكعبة إذ تؤتى ولا يأتي أو قالت مثل علي، ثم قالت: أما والله لو تركوا الحق على أهله واتبعوا عترة نبيه لما اختلف في الله تعالى اثنان ولورثها (الإمامة) سلف عن سلف وخلف بعد خلف حتى يقوم قائمنا التاسع من ولد الحسين، ولكن قدموا من أخره وأخروا من قدمه الله حتى إذا الحد المبعوث وأوذعوه (هكذا بالذال )الحدث المحدوث واختاروا بشهوتهم وعملوا بآرائهم تباً لهم!

ص: 334


1- يظن بعض أن الدفاع عن الحق يقتصر على حمل السيف والقتال. إذا كان كذلك فهذا يعني أن النبي الأكرم سكت عن حقه ولم يدافع عنه خلال السنوات الثلاث عشرة التي قضاها في مكة، وكذلك فعل النبي عيسى، ولجاز لنا أن نقول إن النبي موسى لم يكن على الحق حين فرّ من فرعون. أما إذا كان الدفاع عن الحق يتمثل في اتخاذ المواقف وتبيين الحقائق ومقاطعة الصلاة مع الأعداء والمشاركة في حروبهم وإلقاء الخطب المبينة والقيام بالمناظرات والمحادثات وعدم اللامبالاة بشكل عام، فإن الإمام فعل كل ذلك ودافع عن حقه.

أولم يسمعوا الله يقول{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ }(1) بل سمعوا ولكنهم كما قال سبحانه {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}(2). هيهات بسطوا في الدنيا آمالهم ونسوا آجالهم(3).

هذه هي فاطمة بخطبها وتصريحاتها ومحادثاتها، فهل كان هدف قنفذ ورفاقه علي وحده؟

لماذا حين أمر عمر بإحراق البيت فقيل له: إن فيها فاطمة والحسنين، قال: وإن !؟ أفلم يكن الهدف منذ البداية أهل البيت بأجمعهم ؟ إلى أي حد يمكن الوثوق بمن يهجم على بنت رسول الله ويضربها بالسوط ويجرحها ؟ وهل يمكن اعتبار طريقه الطريق الصحيح؟

ص: 335


1- سورة القصص الآية 68 .
2- سورة الحج، الآية 46 .
3- "عن محمود بن لبيد قال : لما قبض رسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم] كانت فاطمة تأتي قبور الشهداء وتأتي قبر حمزة وتبكي هناك. فلما كان في بعض الأيام أتيت قبر حمزة [علیه السلام] فوجدتها صلوات الله عليها تبكي هناك فأمهلتها حتى سكتت فأتيتها وسلمت عليها وقلت: يا سيدة النسوان قد والله قطعت أنياط قلبي من بكائك. فقالت: يا أبا عمر ! يحق لي البكاء ولقد أصبت بخير الآباء رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] واشوقاه إلى رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم]. ثم أنشأت [ علیهما السلام] تقول : إذا مات يوماً ميت قل ذكره ***وذكر أبي مات والله أكثر قلت:يا سيدتي ! إني سائلك عن مسألة تلجلج في صدري . قالت: سل. قلت: هل نص رسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم] قبل وفاته على علي بالإمامة؟ قالت : واعجباه ! أنسيتم يوم غدير خم؟ قلت : قد كان ذلك ولكن أخبريني بما أسر إليك . قالت : أشهد الله تعالى سمعته يقول: علي خير من أخلفه فيكم وهو الإمام والخليفة بعدي وسبطي وتسعة من صلب الحسين أئمة أبرار، لئن اتبعتموهم وجدتموهم هادين مهديين،ولئن خالفتموهم ليكون الاختلاف فيكم إلى يوم القيامة . قلت : يا سيدتي ! فما باله قعد عن حقه؟(1) قالت: يا أباعمر ! لقد قال رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم]: مثل الإمام مثل الكعبة إذ تؤتى ولا يأتي أو قالت مثل علي، ثم قالت : أما والله لو تركوا الحق على أهله واتبعوا عترة نبيه لما اختلف في الله تعالى اثنان ولورثها سلف عن سلف وخلف بعد خلف حتى يقوم قائمنا التاسع من ولد الحسين، ولكن قدموا من أخره وأخروا من قدمه الله حتى إذا ألحد المبعوث وأوذعوه الحدث المحدوث واختاروا بشهوتهم وعملوا بآرائهم، تباً لهم! أولم يسمعوا الله يقول (( وربُّك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة))بل سمعوا ولكنهم كما قال سبحانه ((فإنها لا تعمى الأبصار ولك-ن تعمى القلوب التي في الصدور)). هيهات بسطوا في الدنيا آمالهم ونسوا آجالهم . فتعساً لهم وأضل أعمالهم، أعوذ بك يا ربّ من الجور بعد الكور. " كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر، ص197 - 200 ، باب ما جاء عن فاطمة الزهراء من النصوص.

4- سالم مولى أبي حذيفة:

اشارة

كان سالم مولى أبي حذيفة(1)من الذين هجموا على بيت الوحي. يقول العلاّمة المامقاني: عداء المعنون ونصبه لأهل البيت علیهم السلام مما لا يختلف فيه اثنان كيف وقد ملئت المصادر التاريخية ذلك؟ فهو من أضعف الضعفاء وروايته ساقطة عن الاعتبار(2).

الشهادة الكاذبة :

كان سالم من الذين شهدوا على علي علیه السلام كذباً. قال أبان بن أبي عياش : قال لي أبو جعفر الباقر علیه السلام:

ما لقينا أهل البيت من ظلم قريش وتظاهرهم علينا وقتلهم إيانا . وما لقيت شيعتنا ومحبونا من الناس. إن رسول الله قبض وقد قام بحقنا وأمر بطاعتنا وفرض ولايتنا ومودتنا وأخبرهم بأنا أولى بهم من أنفسهم وأمر بأن يبلغ الشاهد الغائب. فتظاهر وا على علي واحتج عليهم بما قال رسول الله فيه وما سمعت العامة. فقالوا: صدقت قد قال رسول الله ولكن قد نسخه، فقال: إنا أهل البيت أكرمنا الله عزّ وجلّ واصطفانا ولم يرض لنا بالدنيا، وإن الله لا يجمع لنا النبوة والخلافة، فشهد له بذلك أربعة نفر ؛ عمر وأبو عبيدة ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة. فشبهوا على العامة

وصدّقوهم وردّوهم على أدبارهم وأخرجوها من معدنها حيث جعلها الله(3).

ص: 336


1- تفسير العياشي، ج 2، ص 66 ، ذيل الآية 61 سورة الأنفال، الحديث 76 ؛ بحار الأنوار، ج 28، ص 227، کتاب الفتن والمحن، الباب الرابع ، الحديث 14 ؛ الاختصاص، ص 186 ، حديث سقيفة بني ساعدة .
2- "عداء المعنون ونصبه لأهل البيت علیهم السلام مما لا يختلف فيه اثنان كيف وقد ملئت المصادر التاريخية ذلك؟ فهو من أضعف الضعفاء وروايته ساقطة عن الاعتبار. " تنقيح المقال في علم الرجال، ج 30، ص 112 ، شرح حال سالم مولى أبي حذيفة، الرقم 9004
3- "قال أبان بن عياش : قال لي أبو جعفر الباقر علیه السلام : ما لقينا أهل البيت من ظلم قريش وتظاهرهم علينا وقتلهم إيانا. وما لقيت شيعتنا ومحبونا من الناس. إن رسول الله قبض وقد قام بحقنا وأمر بطاعتنا وفرض ولايتنا ومودتنا وأخبرهم بأنا أولى بهم من أنفسهم وأمر أن يبلغ الشاهد الغائب. فتظاهروا على علي واحتج عليهم بما قال رسول الله فيه وما سمعت العامة. فقالوا: صدقت قد قال رسول الله ولكن قد نسخه فقال إنا أهل بيت أكرمنا الله عزّ وجلّ واصطفانا ولم يرض لنا بالدنيا وإن الله لا يجمع لنا النبوة والخلافة. فشهد له بذلك أربعة نفر: عمر وأبوعبيدة ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة. فشبّهوا على العامة وصدّقوهم وردّوهم على أدبارهم وأخرجوها من معدنها حيث جعلها الله . " بحار الأنوار، ج27، ص211 - 212 ، أبوب ولايتهم وحبهم وبغضهم، الباب التاسع، الحديث 15 ؛ كتاب سليم بن قيس الهلالي، ج 2، ص 630 - 631 ، الحديث العاشر.
نفاقه وتلونه :

عد الإمام الصادق علیه السلام سالماً من المنافقين. روي عن حسّان الجمال قال: حملت أباعبدالله من مكة إلى المدينة. فلما انتهينا إلى مسجد الغدير ، نظر في ميسرة المسجد فقال : ذاك موضع قدم رسول الله حيث [ وقف ورفع يد علي علیه السلام و ] قال: من كنت مولاه فعلي مولاه. ثم نظر إلى الجانب الآخر فقال : ذاك موضع فسطاط أبي فلان وفلان وسالم مولى أبي حذيفة وأبي عبيدة بن الجراح، فلما رأوه رافعاً يده قال بعضهم لبعض : انظروا إلى عينيه تدور كأنهما عينا مجنون. فنزل جبرئيل بهذه الآية{وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ . وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ } (1)(2).

ماذا يعني مشاركة منافقين أمثال سالم مولى أبي حذيفة وأبي عبيدة الجراح في الهجوم على بيت علي وفاطمة ومشاركتهم مع أنصار السقيفة؟

ص: 337


1- سورة القلم، الآية 51 - 52 .
2- "روي عن حسان الجمال قال : حملت أبا عبد الله من المدينة إلى مكة. فلما انتهينا إلى مسجد الغدير نظر في ميسرة المسجد فقال : ذاك موضع قدم رسول الله حيث قال: من كنت مولاه فعلي مولاه. ثم نظر إلى الجانب الآخر فقال : ذاك موضع فسطاط أبي فلان وفلان وسالم مولى أبي حذيفة وأبي عبيدة بن الجراح، فلما رأوه رافعاً يده قال بعضهم لبعض : انظروا إلى عينيه تدور كأنهما عينا مجنون فنزل جبرئيل بهذه الآية ((وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون وما هو إلا ذكر للعالمين)). الكافي، ج4، ص 566 - 567 ، كتاب الحج، باب مسجد غدیر خم الحديث الثاني ؛ من لا يحضره الفقيه، ج 2، ص 335 ، باب الابتداء بمكة والختم بالمدينة، الصلاة في مسجد غدير خم، الحديث 1558 .

5- أُسَيد بن حضير :

اشارة

أسيد بن حضير من الأنصار من قبيلة الأوس. كان الخليفة الأول يجله كثيراً ويقرب مجلسه منه ولا يقدم عليه أحداً، نظير دوره الحاسم في تثبيت خلافته وأخذ البيعة له(1).

الهجوم على بيت بنت رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم:

يروي الجوهري عن أبي الأسود أنه قال : غضب رجال من المهاجرين في بيعة أبي بكر بغير مشورة. وغضب علي والزبير فدخلا بيت فاطمة معهما السلاح. فجاء عمر في عصابة منهم أسيد بن حضير وسلمة بن سلامة بن وقش وهما من بني عبد الأشهل، [فاقتحما الدار] فصاحت فاطمة وناشدتهم الله فأخذوا سيفي علي والزبير فضربوا بهما الجدار حتى كسر وهما ثم أخرجها عمر يسوقهما حتى بايعا(2).

يقول سليم بن قيس: ثم انطلق بعلي يعتل عتلاً حتى انتهى به إلى أبي بكر وعمر قائم بالسيف على رأسه وخالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل

ص: 338


1- "كان أبوبكر يكرمه ولا يقدم عليه واحداً ..... وله في بيعة أبي بكر أثر عظيم " أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 1 ، ص 240 - 241 ، شرح حال أسيد بن حضير ، الرقم 170 .
2- "عن أبي الأسود قال : غضب رجال من المهاجرين في بيعة أبي بكر بغير مشورة. وغضب علي والزبير فدخلا بيت فاطمة معهما السلاح فجاء عمر في عصابة منهم أسيد بن حضير وسلمة بن سلامة بن وقش وهما من بني عبد الأشهل [ فاقتحما الدار ] فصاحت فاطمة وناشدتهم الله فأخذوا سيفي علي والزبير فضربوا بهما الجدار حتى كسروهما. ثم أخرجهما عمر يسوقها حتى بايعا... " شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 50 ، حديث السقيفة، ذيل الخطبة 26 وج 6 ، ص 47 ، ما روي من أمر فاطمة مع أبي بكر، ذيا الخطبة 66، نقلاً عن أبي بكر الجوهري ؛ الإمامة والسياسة، ص 11 ، تخلف سعد بن عبادة عن البيعة.

والمغيرة بن شعبة وأسيد بن حصين [ وفي بعض النسخ أسيد بن حضير ] وبشير بن سعد وسائر الناس [جلوس] حول أبي بكر عليهم السلاح(1).

6 - المغيرة بن شعبة:

اشارة

المغيرة من الأشخاص الذين لم يسلموا حقاً. يقول جندب بن عبدالله : ذكر المغيرة بن شعبة عند علي[علیه السلام] وجدّه مع معاوية ، فقال : وما المغيرة؟ إنما كان إسلامه لفجرة وغدرة لمطمئنين إليه [من قومه فتك بهم] وركبها منهم فهرب فأتى النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] كالعائلة بالإسلام. والله ما رأى أحد عليه منذ ادّعى الإسلام خضوعاً ولا خشوعاً، ألا وإنه كان من ثقيف فراعنة قبل يوم القيامة، يجانبون الحق ويسعرون نيران الحرب ويوازرون الظالمين(2).

كيف أسلم المغيرة ولماذا أسلم؟

يروي المغيرة قصة إسلامه على النحو التالي: كنا متمسكين بديننا ونحن سدنة اللات. [ ما كنت أظن أني سأسلم يوماً ولازلت غير مصدق أني أسلمت] فأراني لو رأيت قومنا قد أسلموا ما تبعتهم... فأجمع نفر من بني مالك الوفود على المقوقس [سلطان المسيحيين في الإسكندرية] وإهداء هدايا له. فأجمعت الخروج معهم فاستشرت عمي عروة بن مسعود(3) فنهاني وقال: ليس

ص: 339


1- "ثم انطلق بعلي يعتل عتلاً حتى انتهى به إلى أبي بكر وعمر قائم بالسيف على رأسه وخالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل والمغيرة بن شعبة وأسيد بن حصين [ وفي بعض النسخ أسيد بن حضير ] وبشير بن سعد وسائر الناس [جلوس] حول أبي بكر عليهم السلاح. " كتاب سليم بن قيس الهلالي، ج 2، ص 587، الحديث الرابع.
2- "عن جندب بن عبدالله قال : ذكر المغيرة بن شعبة عند علي [علیه السلام] وجده مع معاوية، فقال: وما المغيرة؟ إنما كان إسلامه لفجرة وغدرة المطمئنين إليه [ من قومه فتك بهم] وركبها منهم فهرب فأتى النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] كالعائذ بالإسلام والله ما رأى أحد عليه منذ ادعى الإسلام خضوعاً ولا خشوعاً، ألا وإنه كان من ثقيف فراعنة قبل يوم القيامة، يجانبون الحق ويسعرون نيران الحرب ويوازرون الظالمين... " الغارات، ج 2، ص 516 - 517 ، ومنهم المغيرة بن شعبة ؛ شرح نهج البلاغة ، ج 4 ، ص 80 ، فصل في ذكر المنحرفين عن علي، ذيل الخطبة 56 .
3- عروة بن مسعود هو جد علي الأكبر علیه السلام لأمه.

معك من بني أبيك أحد. فأبيت، وسرت معهم وما معهم من الإحلاف غيري حتى دخلنا الإسكندرية، فإذا المقوقس في مجلس مطل على البحر فركبت زورقاً حتى حاذيت مجلسه، فأنكرني وأمر من يسألني فأخبرته بأمرنا وقدومنا . فأمر أن ننزل في الكنيسة وأجرى علينا ضيافته. ثم أدخلنا عليه فنظر إلى رأس بني مالك فأدناه فأجلسه معه. ثم سأله: أكلكم من بني مالك؟ قال: نعم، سوى رجل واحد، فعرفه بي. فكنت أهون القوم عليه. وسر بهداياهم وأعطاهم الجوائز وأعطاني شيئاً لا ذكر له وخرجنا ، فأقبلت بنو مالك يشترون هدايا لأهلهم ولم يعرض علي أحد منهم مواساة. وخرجوا، وحملوا معهم الخمر، فكنا نشرب. فأجمعت على قتلهم، فتمارضت وعصبت رأسي، فوضعوا شرابهم، فقلت: رأسي يصدع ولكني أسقيكم.

فلم ينكروا، فجعلت أصرف لهم وأترع لهم الكأس، فيشربون ولا يدرون حتى ناموا سكراً. فوثبت وقتلتهم جميعاً وأخذت ما معهم. فقدمت على النبي، فأجده جالساً في المسجد مع أصحابه وعلي ثياب ،سفري، فسلمت فعرفني أبوبكر، وقال النبي : الحمد لله الذي هداك للإسلام. قال أبوبكر: أمن مصر أقبلتم ؟ قلت: نعم. قال : ما فعل المالكيون؟ قلت: قتلتهم وأخذت أسلابهم وجئت بها إلى رسول الله ليخمسها . فقال النبي : أما إسلامك فنقبله ، ولا آخذ من أموالهم شيئاً (1).

ص: 340


1- "عن جماعة قالوا: قال المغيرة بن شعبة : كنا متمسكين بديننا ونحن سدنة اللات. فأراني لو رأيت قومنا قد أسلموا ما تبعتهم. فأجمع نفر من بني مالك الوفود على المقوقس وإهداء هدايا له. فأجمعت الخروج معهم فاستشرت عمي عروة بن مسعود(*) فنهاني وقال: ليس معك من بني أبيك أحد فأبيت وسرت معهم وما معهم من الإحلاف غيري حتى دخلنا الإسكندرية، فإذا المقوقس في مجلس مطل على البحر. فركبت زورقاً حتى حاذيت مجلسه، فأنكرني وأمر من يسألني. فأخبرته بأمرنا وقدومنا. فأمر أن ننزل في الكنيسة وأجرى علينا ضيافته. ثم أدخلنا عليه فنظر إلى رأس بني مالك فأدناه فأجلسه معه . ثم سأله : أكلكم من بني مالك؟ قال : نعم، سوى رجل واحد، فعرفه بي. فكنت أهون القوم عليه. وسر بهداياهم وأعطاهم الجوائز وأعطاني شيئاً لا ذكر له. وخرجنا، فأقبلت بنو مالك يشترون هدايا لأهلهم ولم يعرض علي أحد منهم مواساة. وخرجوا، وحملوا معهم الخمر، فكنا نشرب. فأجمعت على قتلهم، فتمارضت وعصبت رأسي، فوضعوا شرابهم ، فقلت : رأسي يصدع ولكني أسقيكم. فلم ينكروا، فجعلت أصرف لهم وأترع لهم الكأس، فيشربون ولا يدرون حتى ناموا سكراً. فوثبت وقتلتهم جميعاً وأخذت ما معهم . فقدمت على النبي، فأجده جالساً في المسجد مع أصحابه وعلي ثياب سفري، فسلمت فعرفني أبوبكر ، وقال النبي : الحمد لله الذي هداك للإسلام. قال أبو بكر : أمن مصر أقبلتم ؟ قلت : نعم. قال: ما فعل المالكيون؟ قلت: قتلتهم وأخذت أسلابهم وجئت بها إلى رسول الله ليخمسها . فقال النبي : أما إسلامك فنقبله، ولا آخذ من أموالهم شيئاً، لأن هذا غدر ولا خير في الغدر " سير أعلام النبلاء، ج 3، ص 24 - 25 ، شرح حال المغيرة بن شعبة، الرقم 7 ؛ الطبقات الكبرى، ص 285- 287، شرح حال المغيرة ؛ المغازي، ج 2، ص 964 - 965، قدوم عروة بن مسعود.
عنفه وحدة مزاجه وغدره:

قال المغيرة: بعثت قريش عام الحديبية عروة بن مسعود إلى رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] ليكلمه . فأتاه فكلمه وجعل يمس لحيته وأنا قائم على رأس رسول الله مقنع في الحديد [فقلت] لعروة: كف يدك قبل أن لا تصل إليك [ يعني قبل أن أقطعها ] فقال : من ذا يا محمد؟ ما أفظه وأغلظه! قال: ابن أخيك . [ كان المغيرة يلبس زياً عسكرياً ودرعاً ويعتمر خوذة فلم يعرفه عروة بن مسعود] فقال : يا غُدَر! والله ما غسلت عني سواتك إلا بالأمس [بعد أن دفعنا دية ثلاثة عشر رجلاً](1).

نفاقه:

قال أمير المؤمنين علیه اسلام لرجل: أجل ما يبالي المغيرة أي لواء رفع لواء ضلالة أو هدى(2).

ص: 341


1- "قال :[المغيرة]: بعثت قريش عام الحديبية عروة بن مسعود إلى رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] ليكلمه فأتاه فكلمه وجعل يمس لحيته وأنا قائم على رأس رسول الله مقنع في الحديد [ فقلت ] لعروة: كف يدك قبل أن لا تصل إليك فقال : من ذا يا محمد ؟ ما أفظه وأغلظه ! قال : ابن أخيك. فقال: يا غُدَر ! والله ما غسلت عني سوأتك إلا بالأمس. " سير أعلام النبلاء، ج 3، ص 25 ، شرح حال المغيرة بن شعبة، الرقم 7 ؛ المغازي، ج 1، ص 595 ، غزوة الحديبية. "وجعل يكلم النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] فكلما تكلم أخذ بلحيته والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي [ صلّی الله علیه وآله وسلّم] ومعه السيف وعليه المغفر. فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي[صلّی الله علیه وآله وسلّم] ضرب يده بنعل السيف وقال له: أخر يدك عن الحية رسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم]. فرفع عروة رأسه فقال : من هذا؟ قالوا: المغيرة بن شعبة فقال: أي غُدَر ألست أسعى في غدرتك؟ وك-ان المغيرة صحب قوماً في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلم. فقال النبي[صلّی الله علیه وآله وسلّم] : أما الإسلام فأقبل وأما المال فلست منه في شيء . " صحيح البخاري، ص 553 ، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط، الحديث 2731 و 2732 ؛ سنن أبي داوود، ج 3، ص 85 كتاب الجهاد، باب في صلح العدو، الحديث 2765 ؛ مسند أحمد، ج 4، ص 329، حديث قطبة بن مالك ، المصنف، ج 5، ص 335 - 336 ، غزوة الحديبية، الحديث 9720؛ تاريخ الطبري، ج 2، ص 119 ، حوادث سنة 6 ، ذكر الخبر عن عمرة النبي.
2- "فقال علي علیه اسلام: أجل ما يبالي المغيرة أي لواء رفع لواء ضلالة أو هدى . " الجمل، ص 296 ، موقف الأحنف ؛ قاموس الرجال، ج 10، ص 200، شرح حال المغيرة، الرقم 7688 .

في أيام خلافته، عزم أمير المؤمنين علیه اسلام على التوجه من المدينة إلى البصرة لإخماد نار الفتنة فيها. فقال عمار للمغيرة: هل تريد أن تسمع كلام الله وتفعل شيئاً طيباً؟

قال : فما هو ؟ قال عمار: تكون تحت راية أمير المؤمنين فتلحق بمن سبقك وتسود من لحقك. فقال المغيرة: عندي مقترح أفضل. قال عمار: فما هو ؟ قال: الأمور غير واضحة والمستقبل مجهول، فأرى أن نقعد في بيوتنا ونغلق علينا أبوابنا حتى تنجلي الغبرة. فخرج أمير المؤمنين وقال: يا أبا اليقظان(1) ! ما يقول لك الأعور ؟(2)فإنه والله دائباً يلبس الحق بالباطل ويموه فيه ولن يتعلق من الدين إلا بما يوافق الدنيا(3) .

ص: 342


1- أبو اليقظان كنية عمار بن ياسر .
2- "ذهبت عينه يوم اليرموك وقيل يوم القادسية. روى مغيرة بن الريان عن الزهري قالت عائشة : كسفت الشمس على عهد رسول الله فقام المغيرة بن شعبة ينظر إليها فذهبت عينه . " سير أعلام النبلاء، ج 3، ص 21 ، شرح حال المغيرة، الرقم 7 .
3- "قال : إني لواقف مع المغيرة بن شعبة عند نهوض علي بن أبي طالب من المدينة إلى البصرة، إذ أقبل عمار بن ياسر فقال له : هل لك في الله عزّ وجلّ يا مغيرة ؟ فقال : وأين هو لي يا عمار ؟ قال : تدخل في هذه الدعوة فتلحق بمن سبقك وتسود من خلفك. فقال له المغيرة: أو خير من ذلك يا أبا اليقظان ؟ قال عمار: وما هو ؟ قال : ندخل بيوتنا ونغلق علينا أبوابنا حتى يضيء لنا الأمر، فنخرج ونحن مبصرون ولا نكون كقاطع السلسلة أراد الضحك فوقع في الغم. فقال له عمار:هيهات هيهات أجهل بعد علم وعمى بعد استبصار؟ ولكن اسمع قولي، فوالله لن تراني إلا في الرعيل الأول . قال : فطلع عليهما أمير المؤمنين فقال : يا أبا اليقظان ما يقول لك الأعور؟ فإنه والله دائباً يلبس الحق بالباطل ويموه فيه ولن يتعلق من الدين إلاّ بما يوافق الدنيا . ويحك يا مغيرة! إنها دعوة تسوق من يدخل فيها إلى الجنة. فقال له المغيرة: صدقت يا أمير المؤمنين ! إن لم أكن معك فلن أكون عليك. " الأمالي / المفيد، ص 217 - 218، المجلس الخامس والعشرون، الحديث الخامس ؛ بحار الأنوار، ج 32، ص 124 - 125 ، الباب الأول باب بيعة أمير المؤمنين علیه السلام وما جرى ما بعدها من نكث الناكثين إلى غزوة الجمل الحديث 101
شيطنته ومكره وخدعه وحيله:

يقول الطبري: ولو أن المغيرة جعل في مدينة لا يخرج من أبوابها كلها إلا بالغدر الخرج منها(1)[لاستطاع الخروج منها جميعها ] لما وُضع جسد النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم في القبر وخرج الإمام علي علیه السلام من القبر ليهيل عليه التراب، أسقط المغيرة خاتمه في القبر . فقال له الإمام علیه السلام :

إنما أسقطته عمداً لتنزل فتأخذه وتقول : كنت آخر من نزل في قبر رسول الله وأقربهم عهداً به . [ لتختلق لنفسك فضيلة]. ثم قال الإمام علي علیه السلام لقثم بن العباس: انزل فاستخرج الخاتم وأعطه له(2)

مقارفته الزنا والفاحشة :

كان المغيرة أكثر أهل الجاهلية مقارفة للزنا. وحين اضطر للدخول في الإسلام، لم يستطع الانقياد التام للقيود التي فرضها الإسلام في هذا المجال. فعندما عيّنه عمر والياً على البصرة برزت هذه الرذيلة من صفاته وارتكب الزنا مع أم جميل(3) .

ص: 343


1- " ولو أن المغيرة جعل في مدينة لا يخرج من أبوابها كلها إلا بالغدر، لخرج منها . " تاريخ الطبري، ج 3، ص 269، حوادث سنة 60 هجرية، ذكر بعض ما حضرنا من ذكر أخباره وسيره. "صحبت المغيرة بن شعبة فلو أن مدينة لها ثمانية أبواب لا يخرج من باب منها إلاّ بمكر يخرج من أبوابها كلها . " تاريخ دمشق الكبير، ج 21، ص 128 ، شرح حال زياد بن عبيد، الرقم 2315 .
2- " وسقط خاتم المغيرة بن شعبة في القبر، فقال له علي[ علیه السلام]: إنما أسقطته عمداً لتنزل فتأخذه وتقول : كنت آخر من نزل في قبر رسول الله وأقربهم عهداً به. فنزل قثم بن العباس فأخرج خاتم المغيرة " أنساب الأشراف، ج [...]، ص [...]، غسل رسول الله وتكفينه ودفنه.
3- " وقد روى المدائني أن المغيرة كان أزنى الناس في الجاهلية، فلما دخل في الإسلام قيّده الإسلام وبقيت عنده منه بقية ظهرت في أيام ولايته البصرة. " شرح نهج البلاغة ، ج 12، ص 239 ، فصل في ذكر ما طعن به على عمر والجواب عنه الطعن السادس. "كان الجمال بالكوفة ينتهي إلى أربعة نفر المغيرة بن شعبة، وجرير بن عبد الله، والأشعث بن قيس، وحجر بن عدي، وكلهم كان أعور فكان المغيرة والأشعث وجرير يوماً متوافقين بالكوفة بالكناسة، فطلع عليهم أعرابي ، فقال لهم المغيرة: دعوني أحركه! قالوا: لا تفعل فإن للأعراب جواباً يؤثر. قال : لابد. قالوا: فأنت أعلم. قال له: يا أعرابي! هل تعرف المغيرة بن شعبة؟ قال: نعم، أعرفه أعور زانياً. فوجم ثم تجلد." الأغاني، ج 16 ، ص 98 ، أخبار المغيرة بن شعبة ونسبه المغيرة يتزوج تسعاً وثمانين امرأة.

قال الإمام الحسن المجتبى علیه السلام للمغيرة: إنك عدو الله ، جعلت القرآن وراء ظهرك وكذّبت رسول الله وتفعل الزنا، شهد عليك به أربعة عدول وحق عليك أن تُرجم ولكن الخليفة الثاني صاح بالشهود فخافوا وتلكأوا.

وقال الإمام الحسن علیه السلام في موضع آخر : وإن حد الله في الزنا لثابت عليك ولقد درأ عمر عنك حقاً الله سائله عنه . ولقد سألت رسول الله : هل ينظر الرجل إلى المرأة يريد أن يتزوجها؟ فقال: لا بأس بذلك يا مغيرة ما لم ينو الزنا، لعلمه بأنك زان(1).

فضيحة زنا المغيرة في البصرة:

يروي الطبري وابن عساكر وابن الأثير، وهم من كبار مؤرخي السنة، حادثة زنا المغيرة على النحو التالي: قالوا: كان الذي حدث بين أبي بكرة والمغيرة بن شعبة أن المغيرة كان يناغيه وكان أبوبكرة ينافره عند كل ما يكون منه . وكانا بالبصرة وكانا متجاورين بينهما طريق. وكانا في مشربتين متقابلتين لهما في داريهما في كل واحدة منهما كوة مقابلة الأخرى. فاجتمع إلى أبي بكرة نفر يتحدثون في مشربته فهبت ريح ففتحت باب الكوة فقام أبوبكرة ليصفقه فبصر بالمغيرة وقد فتحت الريح باب كوة مشربته وهو بين رجلي ،امرأة، فقال للنفر : قوموا فانظروا، فقاموا فنظروا [ وكان مع أبي بكرة، نافع بن كلدة وزياد بن أبيه (وكان أخا أبي بكرة من أمه) وشبل بن معبد البجلي ] ثم قال: اشهدوا. قالوا: من هذه؟ قال: أم جميل ابنة الأفقم. وكانت أم جميل إحدى بني عامر بن صعصعة وكانت غاشية للمغيرة وتغشى الأمراء والأشراف. وكان بعض النساء يفعلن ذلك في زمانها.

ص: 344


1- " وأما أنت يا مغيرة! فلم تكن بخليق أن تقع في هذا وشبهه. وإنما مثلك مثل البعوضة إذ قالت للنخلة استمسكي فإني طائرة عنك. فقالت النخلة :وهل علمت بك واقعة علي، فأعلم بك طائرة عني ؟ والله ما نشعر بعداوتك إيانا ولا اغتممنا إذ علمنا بها ولا يشق علينا كلامك. وإن حد الله في الزنا لثابت عليك ولقد درأ عمر عنك حقاً الله سائله عنه. ولقد سألت رسول الله : هل ينظر الرجل إلى المرأة يريد أن يتزوجها ؟ فقال : لا بأس بذلك يا مغيرة ! ما لم ينو الزنا، لعلمه بأنك زان" شرح نهج البلاغة ، ج 6 ، ص 293 - 294، مفاخرة بين الحسن بن علي ورجالات من قريش ذيل الخطبة 83 .

فقالوا: إنما رأينا أعجازاً ولا ندري ما الوجه. ثم إنهم صمموا حين قامت. [ فرأوا أنها كانت أم جميل] فلما خرج المغيرة إلى الصلاة حال أبو بكرة بينه وبين الصلاة وقال : لا تصلّ بنا. فكتبوا إلى عمر بذلك [ كتب أبوبكرة إلى عمر ] وتكاتبوا. فبعث عمر إلى أبي موسى [الأشعري] إني مستعملك أني أبعثك إلى أرض ... وارتحل المغيرة وأبوبكرة ونافع بن كلدة وزياد وشبل بن معبد البجلي حتى قدموا على عمر فجمع بينهم وبين المغيرة. فقال المغيرة: سل هؤلاء الأعبد كيف رأوني مستقبلهم أو مستدبرهم وكيف رأوا المرأة وعرفوها ؟ فإن كانوا مستقبلي فكيف لم أستتر، أو مستدبري فبأي شيء استحلوا النظر إلي في منزلي على امرأتي؟ والله ما أتيت إلا امرأتي، وكانت شبهها. فبدأ بأبي بكرة فشهد عليه أنه رآه بين رجلي أم جميل وهو يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة.

قال: كيف رأيتهما ؟ قال : مستدبرهما . قال : فكيف استثبت رأسها ؟ قال : تحاملت. ثم دعا بشبل بن معبد فشهد بمثل ذلك فقال : استدبرتهما أو استقبلتهما ؟ قال : استقبلتهما. وشهد نافع بمثل شهادة أبي بكرة ولم يشهد زياد بمثل شهادتهم. قال: رأيته جالساً بين رجلي امرأة فرأيت قدمين مخضوبتين تخفقان وأستين مكشوفتين وسمعت حفزاناً شديداً. قال: هل رأيت كالميل في المكحلة؟ قال: لا. قال: فهل تعرف المرأة؟ قال: لا ولكن أشبهها. قال: فتنح وأمر بالثلاثة فجلدوا الحدّ وقرأ: { فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله الكاذبون}. فقال المغيرة: اشفني من الأعبد! فقال: اسكت أسكت الله نأمتك ! أما والله لو تمت الشهادة لرجمتك بأحجارك(1) .

ص: 345


1- "قالوا: كان الذي حدث بين أبي بكرة والمغيرة بن شعبة أن المغيرة كان يناغيه وكان أبو بكرة ينافره عند كل ما يكون منه. وكانا بالبصرة وكانا متجاورين بينهما طريق. وكانا في مشربتين متقابلتين لهما في داريها في كل واحدة منهما كوة مقابلة الأخرى. فاجتمع إلى أبي بكرة نفر يتحدثون في مشربته فهبت ريح ففتحت باب الكوة فقام أبو بكرة ليصفقه فبصر بالمغيرة وقد فتحت الريح باب كوة مشربته وهو بين رجلي امرأة، فقال للنفر : قوموا فانظروا، فقاموا فنظروا، ثم قال: اشهدوا. قالوا: من هذه؟ قال: أم جميل ابنة الأفقم . وكانت أم جميل إحدى بني عامر بن صعصعة وكانت غاشية للمغيرة وتغشى الأمراء والأشراف. وكان بعض النساء يفعلن ذلك في زمانها. فقالوا: إنما رأينا أعجازاً ولا ندري ما الوجه. ثم إنهم صمموا حين قامت. فلما خرج المغيرة إلى الصلاة حال أبوبكرة بينه وبين الصلاة وقال: لا تصل بنا. فكتبوا إلى عمر بذلك وتكاتبوا. فبعث عمر إلى أبي موسى إني مستعملك أني أبعثك إلى أرض... وارتحل المغيرة وأبوبكرة ونافع بن كلدة وزياد وشبل بن معبد البجلي حتى قدموا على عمر فجمع بينهم وبين المغيرة. فقال المغيرة: سل هؤلاء الأعبد كيف رأوني مستقبلهم أو مستدبرهم وكيف رأوا المرأة وعرفوها؟ فإن كانوا مستقبلي فكيف لم أستتر، أو مستدبري فبأي شيء استحلوا النظر إلي في منزلي على امرأتي؟ والله ما أتيت إلا امرأتي، وكانت شبهها. فبدأ بأبي بكرة فشهد عليه أنه رآه بين رجلي أم جميل وهو يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة. قال: كيف رأيتهما ؟ قال : مستدبرهما . قال : فكيف استثبت رأسها ؟ قال : تحاملت . ثم دعا بشبل بن معبد فشهد بمثل ذلك فقال : استدبرتهما أو استقبلتهما ؟ قال : استقبلتها. وشهد نافع بمثل شهادة أبي بكرة ولم يشهد زياد بمثل شهادتهم قال: رأيته جالساً بين رجلي امرأة فرأيت قدمين مخضوبتين تخفقان وأستين مكشوفتين وسمعت حفزاناً شديداً. قال: هل رأيت كالميل في المكحلة؟ قال: لا. قال: فهل تعرف المرأة؟ قال : لا ولكن أشبهها . قال : فتنح ! وأمر بالثلاثة فجلدوا الحدّ وقرأ: ((فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون)). فقال المغيرة: اشفني من الأعبد ! فقال: اسكت أسكت الله نأمتك ! أما والله لو تمت الشهادة لرجمتك بأحجارك. " تاريخ الطبري، ج 2، ص 493 - 494 ، حوادث سنة 17 هجرية، ذكر الخبر عن سيف في ذلك والخبر عما ذكره عن عمر في خرجته تلك أنه أحدث في مصالح المسلمين ؛ تاريخ دمشق الكبير، ج 63 ، ص 28 - 29 ، شرح حال المغيرة بن شعبة، الرقم 7743 ؛ الكامل في التاريخ، ج 2، ص 159، حوادث سنة 17 هجرية، ذكر عزل المغيرة عن البصرة وولاية أبي موسى وينقل أبو الفرج الإصبهاني حادثة زنا المغيرة بروايات متعددة. راجع: الأغاني، ج 16 ، ص 103 ، أخبار المغيرة بن شعبة ونسبه المغيرة يزني وأبوبكرة يشهد عليه !
لماذا دفع عمر عن عمر عن المغيرة؟

لقد دفع عمر عن المغيرة شهادة الشهود على ارتكابه الزنا رداً الجميله. فبعد أن شهد الثلاثة الأول، منع عمر زياد بن أبيه من الشهادة. فقد نظر إليه وامتدحه قائلاً: إني لأرى رجلاً لن يُخزي الله على لسانه رجلاً من المهاجرين . [ كأنه يحذره من الإدلاء بشهادته على المغيرة ](1).

قال الإمام الحسن علیه السلام للمغيرة: وأنت الذي ضربت فاطمة بنت رسول الله حتى أدميتها وألقت ما في بطنها استذلالاً منك لرسول الله ومخالفة منك لأمره وانتهاكاً لحرمته(2).

ص: 346


1- " قال: ثم كتب إلى زياد فقدم على عمر. فلما رآه جلس له في المسجد واجتمع إليه رؤوس المهاجرين والأنصار. قال المغيرة :ومعي كلمة قد رفعتها لأكلم القوم . قال : فلما رآه عمر مقبلاً قال : إني لأرى رجلاً لن يخزي الله على لسانه رجلاً من المهاجرين " الأغاني ج 16 ، ص 107 ، أخبار المغيرة بن شعبة ونسبه المغيرة يزني وأبوبكرة يشهد عليه . " فلما نظر عمر قال : أما إني أرى وجه رجل أرجو أن لا يرجم رجل من أصحاب رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] على يده ولا يخزى بشهادته . " فتوح البلدان، ج 2، ص 423 ، فتح كور دجلة. "فقال عمر حين رأى زياداً: إني لأرى غلاماً كيساً لا يقول إلا حقاً ولم يكن ليكتمني شيئاً. " تاريخ دمشق الكبير، ج 63، ص 24، شرح حال المغيرة، الرقم 7743 ؛ تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام ، ج 4 ، ص 121، شرح حال المغيرة. "جاء زياد فقال له عمر : رجل لن يشهد إن شاء الله إلا بحق . " المصنف في الأحاديث والآثار، ج 6، ص 560 ، كتاب الحدود، باب في الشهادة على الزنا كيف هي، الحديث الأول.
2- "أما أنت يا مغيرة بن شعبة! فإنك الله عدو ولكتابه نابذ ولنبيه مكذب، وأنت الزاني وقد وجب عليك الرجم وشهد عليك العدول البررة الأتقياء فأخّر رجمك ودفع الحق بالأباطيل والصدق بالأغاليط، وذلك لما أعد الله لك من العذاب الأليم والخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى. وأنت الذي ضربت فاطمة بنت رسول الله حتى أدميتها وألقت ما في بطنها استذلالاً منك لرسول الله ومخالفة منك لأمره وانتهاكاً لحرمته، وقد قال لها رسول الله : يا فاطمة أنت سيدة نساء أهل الجنة، والله مصيرك إلى النار..." الاحتجاج على أهل اللجاج، ج 1، ص 413 - 414 ، احتجاج الحسن على منكري فضله وفضل أبيه علیهما السلام .
عداؤه لأهل بيت النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم :

قال صعصعة بن صوحان للمغيرة وكان والياً على العراق: لقد ثار الخوارج فابعثني للقضاء على قائدهم "مستورد". فقال له المغيرة: اجلس ! فإنما أنت خطيب . (الحقيقة أن المغيرة لم يكن ليبعث بصعصعة لمحاربة الخوارج لأنه كان معادياً لحكم عثمان، بل كان يريد إرسال قائد موالٍ للنظام السابق لكي تكون المواجهة شكلية).

وفي يوم من الأيام أحضر المغيرة صعصعة وقال له: إياك أن يبلغني عنك إنك تعيب عثمان وتظهر شيئاً من فضل علي . فإنك لست بذاكر من فضل علي شيئاً أجهله. بل أنا أعلم بذلك ولكن هذا السلطان قد ظهر . (إن هذا الحكم قائم على أساس معاداة أهل البيت. فقد اجتمع كل من يتربص بأهل البيت ويعاديهم وصنعوا دولة باسم الدولة الأموية. وأمرونا بأن نجعل حكم الشرع تحت أقدامنا وأن نقول ما نعلم أنه غير صحيح).

فإن كنتَ ذاكراً فضله فاذكره بينك وبين أصحابك وفي منازلكم سراً. أما في العلن وفي وسائل الإعلام فلابد من سبه والدعاية المضادة له والواجب يقتضي تشويه سمعته في المحافل الثقافية والعسكرية وفي كل مكان نصل إليه. أما أنت الخطيب الموالي لعلي فلا مكان لك في المراكز الثقافية

والعسكرية. اذهب إلى بيتك وأقم مجلساً صغيراً سرياً فيه(1).

ص: 347


1- "قال : لقد كان صعصعة بن صوحان قام بعد معقل بن قيس وقال : ابعثني إليهم أيها الأمير فأنا والله لدمائهم مستحل وبحملها مستقل. فقال له: اجلس فإنما أنت خطيب. فكان أحفظه ذلك وإنما قال ذلك لأنه يعيب عثمان بن عفان ويكثر ذكر على ويفضله. وقد كان دعاه فقال: إياك أن يبلغني عنك أنك تعيب عثمان عند أحد من الناس وإياك أن يبلغني عنك أنك تظهر شيئاً من فضل علي علانية ! فإنك لست بذاكر من فضل علي شيئاً أجهله، بل أنا أعلم بذلك ولكن هذا السلطان قد ظهر وقد أخذنا بإظهار عيبه للناس. فنحن ندع كثيراً مما أمرنا به ونذكر الشيء الذي لا نجد منه بداً ندفع به هؤلاء القوم عن أنفسنا تقية. فإن كنت ذاكراً فضله فاذكره بينك وبين أصحابك وفي منازلكم سراً... " تاريخ الطبري، ج 3، ص 182 ، حوادث سنة 43 هجرية، خبر قتل المستورد بن علقة الخارجي ؛ الكامل في التاريخ، ج 2، ص 461 ، حوادث سنة 43 هجرية، ذكر مقتل المستورد الخارجي.

عندما ولّى معاوية المغيرة الكوفة قال له: لا تتحم عن شتم علي وذمه والترحم على عثمان والاستغفار له والعيب على أصحاب عليّ والإقصاء لهم [ ونفيهم] وترك الاستماع منهم [والأخذ بشهادتهم في القضاء] وبإطراء شيعة عثمان والإدناء لهم [ و إسناد المناصب المهمة إليهم] والاستماع منهم.

قال المغيرة : لقد سبق لي أن فعلت ذلك للخلفاء السابقين .فكان المغيرة في فترة ولايته على الكوفة لا يكف عن ذمّ الإمام علي علیه السلام ولعن قتلة عثمان(1)

7-عائشة :

اشارة

إيذاؤها لرسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم:

جاء في حديث طويل أن ابن عباس أراد أن يسأل عمر من المرأتان المقصودتان في قوله تعالى {إن تتوبا إلى الله فقد صغت [ انحرفت] قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير}(2).

ص: 348


1- "إن معاوية بن أبي سفيان لما ولى المغيرة بن شعبة الكوفة... وقد أردت إيصاءك بأشياء كثيرة، فأنا تاركها اعتماداً على بصرك بما يرضيني ويسعد سلطاني ويصلح به رعيتي ولست تاركاً إيصاءك بخصلة لا تتحم عن شتم عليّ وذمه والترحم على عثمان والاستغفار له والعيب على أصحاب عليّ والإقصاء لهم وترك الاستماع منهم، وبإطراء شيعة عثمان والإدناء لهم والاستماع منهم. فقال المغيرة: ق-د جَرّبتُ وجُرّبت وعملت قبلك لغيرك فلم يذمم بي دفع ولا رفع ولا ،وضع، فستبلو وتحمد أو تذم ... أقام المغيرة على الكوفة عاملاً لمعاوية سبع سنين وأشهراً وهو من أحسن شيء سيرة وأشده حباً للعافية. غير أنه لا يدع ذمّ علي والوقوع فيه والعيب لقتلة عثمان واللعن لهم والدعاء لعثمان بالرحمة والاستغفار له والتزكية لأصحابه . " تاريخ الطبري، ج 3، ص 218، حوادث سنة 51 هجرية، ذكر مقتل حجر بن عدي وأصحابه ؛ أنساب الأشراف، ج 5، ص 252 ، أمر حجر بن عدي الكندي ومقتله ؛ الكامل في التاريخ، ج 2، ص 488 - 489 ، حوادث سنة 51 هجرية، ذكر مقتل حجر بن عدي وعمرو بن الحمق وأصحابهما.
2- سورة التحريم الآية 4 .

قال ابن عباس: سألت عمر ونحن في سفر الحج عن المرأتين من أزواج النبي المشار إليهما في الآية فقال : إنهما عائشة وحفصة(1).

حسدها:

تقول عائشة : ما غرت على امرأة للنبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] ما غرت على خديجة(2). (واضح أنها كانت تحسد باقي نساء النبي أيضاً، ولكن حسدها لخديجة كان أعظم).

تقول عائشة : استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] فعرف استئذان خديجة [تذكرها ] فارتاع [فرح] لذلك، فقال: اللهم هالة. قالت: فغرت فقلت: ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين، هلكت في الدهر قد أبدلك الله خيراً منها ؟(3).

ص: 349


1- "عن ابن عباس قال: لم أزل حريصاً أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج النبي اللتين قال الله تعالى ((إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما ...)) حتى حج عمر وحججت معه، فلما كنا ببعض الطريق عدل عمر وعدلت معه بالإداوة. فتبرز ثم أتاني فسكبت على يديه فتوضأ، فقلت: يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم ] اللتان قال الله عزّ وجلّ لهما ((إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما )) ؟ قال عمر : واعجبا لك يا ابن عباس ! قال الزهري كره والله ما سأله عنه ولم يكتمه . قال : هي حفصة وعائشة " صحيح مسلم ص 680 ، كتاب الطلاق، باب إيلاء واعتزال النساء وتخيير هن وقوله تعالى وإن تظاهرا عليه، الحديث 3679 ؛صحیح البخاري، ص1028، کتاب التفسير سورة التحريم، الحديث 4915 وص 1209 ، كتاب اللباس، باب ما كان النبي[صلّی الله علیه وآله وسلّم] يتجوز من اللباس والبسط، الحديث 5843 ؛ سنن الترمذي، ص 601 ، كتاب التفسير سورة التحريم الحديث .3318.
2- "عن عائشة قالت : ما غرت على امرأة للنبي[صلّی الله علیه وآله وسلّم] ما غرت على خديجة من كثرة ذكر رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] إياها ..." صحيح البخاري، ص 771 ، كتاب مناقب الأنصار ، باب تزويج النبي[صلّی الله علیه وآله وسلّم ] خديجة وفضلها، الحديث 3816 و 817 و 3818 وص 1098، كتاب النكاح، باب غيرة النساء ووجدهن الحديث 5229 وص 1234 ، كتاب الأدب، باب حسن العهد من الإيمان، الحديث 6004 وص 1510 ، كتاب التوحيد، باب قوله تعالى: ((ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له)..... الحديث 7484 ؛ صحيح مسلم، ص 1122 ، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل خديجة أم المؤمنين الحديث 6227 و 6228 و 6229 و 6230 ؛ سنن ابن ماجه، ج1، ص 643 ، كتاب النكاح، باب الغيرة الحديث 1997 ؛ سنن الترمذي، ص 372، كتاب البر والصلة باب ما جاء في حسن العهد الحديث 2017 وص 691 ، كتاب المناقب، باب فضل خديجة، الحديث 3875 .
3- " عن عائشة قالت: استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] فعرف استئذان خديجة فارتاع لذلك، فقال: واله و اللهم هالة قالت: فغرت فقلت :ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين، هلكت في الدهر قد أبدلك الله خيراً منها."صحيح البخاري، ص 772، كتاب مناقب الأنصار ، باب تزويج النبي [صلّی الله علیه وآله وسلّم] خديجة وفضلها ، الحديث 3821؛ صحیح مسلم، ص 1122، کتاب فضائل الصحابة، باب فضائل خديجة أم المؤمنين الحديث 6232 .

وجاء في رواية أخرى أن النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم قال رداً على حسد عائشة : ما أبدلني الله عزّ وجلّ خيراً منها. قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله عز وجل ولدها إذ حرمني أولاد النساء(1).

النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم يتمنى موت عائشة :

جاء في المصادر السنية المعتبرة أن رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم كان يستعجل موت عائشة. تقول عائشة: رجع رسول الله من البقيع فوجدني وأنا أجد صداعاً في رأسي وأنا أقول: وارأساه! فقال: بل أنا يا عائشة وارأساه (ربما لأن صوت عائشة كان عالياً. يعني: صوت عائشة كان عالياً. يعني: لماذا تصرخين هكذا). ثم قال: ما ضرك لو مت قبلي، فقمت عليك فغسلتك وكفنتك وصليت عليك ودفنتك(2).

أما محمد بن إسماعيل البخاري فيروي الحادثة على النحو التالي: قالت عائشة: [قلت:] وارأساه ! فقال رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم ]: ذاك لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك (إن كنت حياً

ص: 350


1- "عن عائشة قالت: كان النبي إذا دكر خديجة أثنى عليها فأحسن الثناء. قالت: فغرت يوماً فقلت : ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدق قد أبدلك الله عزّ وجلّ بها خيراً منها ؟ قال : ما أبدلني الله عزّ وجلّ خيراً منها. قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله عز وجل ولدها إذ حرمني أولاد النساء. " مسند أحمد، ج 6، ص117 - 118، مسند السيدة 6 عائشة ؛ الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 4 ، ص 384، شرح حال خديجة، الرقم 3347 ؛ أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 7، ص 86، شرح حال خديجة، الرقم 6874 .
2- "عن عائشة قالت : رجع رسول الله من البقيع فوجدني وأنا أجد صداعاً في رأسي وأنا أقول وار أساه! فقال : بل أنا يا عائشة وار أساه ثم قال: ما ضرك لو مت قبلي، فقمت عليك فغسلتك وكفنتك وصليت عليك ودفنتك. " سنن ابن ماجة، ج 1 ، ص 470 ، كتاب الجنائز، باب ما جاء في غسل الرجل امرأته وغسل المرأة زوجها الحديث 1465؛ مسند أحمد، ج 6 ، ص228، مسند السيدة عائشة ؛ تاريخ الطبري، ج 2، ص 226 ، حوادث سنة 11 هجرية، ذكر الأحداث التي كانت فيها ؛ السيرة النبوية ابن هشام، ج 4، ص292 ، ابتداء شكوى رسول الله[صلّی الله علیه وآله وسلّم] ، تمريضه في بيت عائشة .

في وقت مماتك لاستغفرت لك ودعوت لك) فقالت عائشة :والكلياه ! والله إني لأظنك تحب موتي ولو كان ذاك لظللت آخر يومك معرساً ببعض أزواجك(1).

لو كان النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم يحب ،عائشة ، أفلم يكن يدعو لها بزوال الصداع بدل أن يتمنى لها الموت؟

إن الذي يحب زوجته ويراها مريضة فلا يتحدث لها عن الموت والتغسيل والتكفين والدفن بل يواسيها .

ألم تكن أمنية رسول الله هذه نابعة من خوفه من مستقبل عائشة؟ فقد كان يعلم أنها ستركب الجمل في وقت لاحق وتسير به لحرب الوصي وتتسبب في سفك دماء آلاف المسلمين(2).

مخالفة عائشة للأحكام الشرعية :

تقول عائشة صلاة المسافر قصر وصلاة الحاضر تمام".

يقول الزهري أنه سأل عروة : فلماذا أتمت عائشة صلاتها في السفر؟ فأجاب : تأولت ما تأول عثمان(3).

ص: 351


1- "قالت عائشة: وارأساه ! فقال رسول الله [صلّی الله علیه وآله وسلّم] : ذاك لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك فقالت عائشة: والكلياه! والله إني لأظنك تحب موتي ولو كان ذاك لظللت آخر يومك معرساً ببعض أزواجك. " صحيح البخاري، ص 1459، كتاب الأحكام، باب الاستخلاف، الحديث 7217 وص 1177 - 1178 ، کتاب المرضى، باب ما رخص للمريض أن يقول إني وجع أو وارأساه أو اشتد بي الوجع، الحديث 5666 .
2- قال رسول الله لزوجاته: "كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب ؟ " وهي إشارة إلى حرب الجمل وقد ذكرناها في مبحث أم سلمة.
3- " عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت الصلاة أول ما فرضت ركعتين فأقرت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر.. قال الزهري :فقلت لعروة: ما بال عائشة تتم ؟ قال تأولت ما تأول عثمان " صحيح البخاري، ص 222 ، كتاب تقصير الصلاة، باب ما جاء في التقصير ، باب يقصر إذا خرج من موضعه الحديث 1090 ؛ صحیح مسلم، ص 322، کتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة المسافرين وقصرها الحديث 1570 ؛ سنن الدارمي ، ج 1 ، ص 424 ، كتاب الصلاة، باب قصر الصلاة في السفر، الحديث 1509 .
أسئلة موجهة إلى أهل السنة:

هل إن الواجب اتباع سنة رسول الله أم اتباع بدعة عثمان؟

ألم تخالف عائشة سنة النبي باتباعها لعثمان؟

إذا جاز التعامل مع الأحكام الإلهية بهذه الطريقة، فهل يبقى شيء منها؟

إذا كان لكل شخص أن يعمل برأيه، فما الداعي لأن يبعث الله الأنبياء؟

لقد أصدرت عائشة في الهجوم على البصرة، أمراً بإعدام واليها عثمان بن حنيف والعشرات من الموظفين فيها (1)! فعلى أي أساس أهدرت عائشة دم والي البصرة والعاملين معه؟

هل يعد العمل في وظيفة في دولة الإمام علي علیه السلام جريمة، فيكون حكمها الإعدام؟

القول الفصل:

على صفحات هذا الكتاب عرضنا موجزاً لواقعة السقيفة ومخرجيها والشخصيات التي لعبت دوراً مؤثراً فيها والقوات المسلحة التي فرضتها بديلاً قسرياً عن الغدير ؛ السقيفة التي لازال المسلمون لليوم يدفعون ثمنها . فما أكثر الدماء التي سفكت بسببها ! وما أكثر الأنقياء الذين نحروا على مذبحها ! وأي رجال بارزين بالشرف والعلم أعدموا من أجلها!

لم تكن فاجعة كربلاء الدامية إلا واحدة من مخرجات السقيفة، كما مر على لسان عبدالرحمن بن عيسى إذ قال : سئل رجل من بني هاشم :متى قتل الحسين ؟ فقال : في يوم السقيفة (2).

ص: 352


1- تم عرض الوثائق الخاصة لهذه الحادثة عند التطرق إلى شخصية عثمان بن حنيف.
2- الألفاظ الكتابية، ص 143 .

إننا بانتظار يوم يمزق فيه الإمام المهدي المنتظر علیه السلام أستار الغيبة فيظهر ويدعو الناس إلى إسلام رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم وخلافة أمير المؤمنين علیه السلام وينشر راية الإسلام المحمدي الأصيل على العالم كله(1)إن شاء الله .

نجم الدين الطبسي

مؤسسة ولاء الصدّيقة الكبرى علیهاالسلام

ذكرى شهادة السيدة فاطمة علیها السلام

12 جمادى الأولى 1437

قم المقدسة

ص: 353


1- " عن أبي جعفر علیه السلام قال : يبايع القائم بمكة على كتاب الله وسنة رسوله ويستعمل على مكة ثم يسير نحو المدينة فيبلغه أن عامله قتل فيرجع إليهم فيقتل المقاتلة ولا يزيد على ذلك ثم ينطلق فيدعو الناس بين المسجدين إلى كتاب الله وسنة رسوله والولاية لعلي بن أبي أبي طالب والبراءة من عدوه... بحار الأنوار، ج 52 ، ص 308، الباب 26، الحديث 83.

ص: 354

المصادر

القرآن الكريم

(أ)

1.إثبات الوصية للإمام علي بن أبي طالب ، ابو الحسن علي بن الحسين بن علي الهندي المسعودي المتوفى سنة 346 ه- .

2. الاحتجاج، ابي منصور احمد بن علي بن ابي طالب الطبرسي، من علماء القرن السادس.

3. إحقاق الحق وإزهاق الباطل، القاضي السيد نور الله الحسيني المرعشي التستري المتوفى سنة 1019 ه-.

4.الأحكام السلطانية والولايات الدينية، ابو الحسن علي بن محمد الماوردي.

5. اختيار معرفة الرجال، شيخ الطائفة ابي جعفر محمد بن الحسن الطوسي المتوفى سنة 460 ه.

6.الأدب المفرد، ابي عبد الله محمد بن اسماعيل البخاري المتوفى سنة 256 ه-.

7. الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، الشيخ محمد بن محمد بن النعمان الملقب بالمفيد المتوفى سنة 413 ه-.

8. الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ابي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد السبر.

9.أسد الغابة في معرفة الصحابة، عز الدين ابي الحسن علي بن محمد الجزري المعروف بابن اثير المتوفى سنة 630 ه- .

10 . أسنى المطالب في مناقب سيدنا علي بن أبي طالب أبي العباس شهاب الدين احمد بن محمد بن علي بن حجير الهيثمي المكي المتوفى سنة 974 ه- .

ص: 355

11 . الإصابة في تمييز الصحابة ابي الفضل احمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفي سنة 853 ه-.

12 . الأصول الستة عشر ، مجموعة من كتب الرواية الأولية في عصر الائمة علیهم الإسلام .

13 . الأعلام، لخير الدين الزركاني.

14 . أعيان الشيعة، الامام السيد محسن الامين.

15 . الأغاني، ابي فرج الأصفهاني.

16 . الألفاظ الكتابية، عبد الرحمن بن عيسى الهمداني.

17 . الأمالي، الشيخ محمد بن محمد بن النعمان الملقب بالمفيد المتوفى سنة 413 ه-.

18 . الأمالي، محمد بن الحسن بن علي الطوسي المتوفى سنة 460 ه-.

19 . الإمامة والسياسة ابي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدنيوري المتوفى سنة 276 ه-.

20. إمتاع الأسماع، تقي سماع، تقي الدين احمد بن علي بن عبد القادر بن محمد المعريزي المتوفى سنة 845ه-.

21. الأموال، اب جعفر احمد بن نصر الداودي المالكي المتوفى سنة 402 ه-.

22.أنساب الأشراف، احمد بن يحي بن جابر البلاذري المتوفى سنة 279 ه-.

(ب)

23 . بحار الأنوار ، الشيخ محمد باقر المجلسي المتوفى سنة 1111 ه-.

24 . البداية والنهاية أبي الفداء اسماعيل بن كثير المتوفى سنة 774ه-.

ص: 356

(ت)

25. تاريخ ابن الوردي،زين الدين عمر بن مظهر الشهير بابن الوردي المتوفى سنة 749 ه-.

26 . تاريخ أبي الفداء، عماد الدين ابي الفداء اسماعيل بن علي بن محمود بن عمر بن شاهنشاه بن ايوب المتوفى سنة 732 ه-.

27 . تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، شمس الدين ابي عبد الله محمد بن احمد بن عثمان الذهبي المتوفى سنة 748 ه-.

28 . تاريخ الأمم والملوك، ابي جعفر بن جرير الطبري المتوفى سنة 310 ه-.

29 .تاريخ الخلفاء ،جلال الدين عبد الرحمن بن ابي بكر السيوطي المتوفى سنة 911 ه-.

30 .تاريخ المدينة المنورة، ابو زيد عمر بن شبة النميري البصري المتوفى سنة 173ه-.

31. تاريخ اليعقوبي، احمد بن ابي يعقوب بن جعفر بن وهب الكاتب المعروف ب(بن (واضح )الاخباري المتوفى سنة 292 ه- .

32. تاريخ دمشق الكبير، ابي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله الشافعي المعروف بابن عساكر المتوفى سنة 571 ه- .

33. تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، ابي العُلا محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوزري المتوفى سنة 1353 ه-.

34. التدوين في أخبار قزوين، عبد الكريم بن محمد الرافعي القزويني، من اعلام القرن السادس.

35. تذكرة الحفاظ، ابو عبد الله شمس الدين محمد الذهبي المتوفى سنة 748 ه-.

36 . تذكرة الخواص، يوسف بن علي بن عبد الله البغدادي - سبط الحافظ ابي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي الحنفي – المتوفى سنة 654 ه- .

ص: 357

37. تفسير العياشي، ابي النصر - محمد بن مسعود بن عياش السلمي السمر قندي العياشي المتوفى سنة 320 ه-.

38 .التفسير الكبير، تقي الدين ابن تيمية المتوفى سنة 728ه-.

39. تفسير فرات الكوفي أبي القاسم بن فرات الكوفي من أعلام الغيبة الصغرى.

40 . تقريب المعارف ابي الصلاح تقي نجم الحلبي المتوفى سنة 447 ه-.

41 . تنقيح المقال في علم الرجال الشيخ عبد الله المامقاني المتوفى سنة 1351 ه-.

42 . تهذيب الكمال في أسماء الرجال، جمال الدين ابي الحجاج يوسف المزي المتوفى سنة 742ه- .

(ث)

43 . الثقات، ابي الحاتم بن حبّان بن احمد التميمي البستي المتوفى سنة 354 ه-.

(ج)

44. الجامع لأحكام القرآن، ابي عبد الله محمد بن احمد بن ابي بكر القرطبي المتوفى سنة 691ه- .

45 الجمل الشيخ محمد بن محمد بن النعمان الملقب بالمفيد المتوفى سنة 413 ه-. .

ص: 358

(ح)

46 . حلية الأولياء وطبقات الأوصياء، ابي النعيم احمد بن عبد الله الاصفهاني المتوفى سنة 430ه-

41 . الخرائج و الجرائح، قطب الدين الراوندي المتوفي سنة 573 ه-.

(خ)

48. الخصال، ابي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابوية القمي المتوفى سنة 381 ه-.

49 . خلاصة الأقوال في معرفة الرجال، أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الاسدي المتوفى سنة 726ه- .

(د)

50 . الدر المنثور في التفسير بالمأثور، جلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911 ه- .

51 . الدر النظيم في مناقب الأئمة، اللهاميم الشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي، من أعلام القرن السابع.

52 . الدرر السنية في الرد على الوهابية، عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي الحنبلي المتوفى سنة 1392 ه-.

53 . دلائل الإمامة ابي جعفر محمد بن جرير بن رسم الطبري.

54 . دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة ،ابي بكر احمد بن الحسين بن علي بن موسى البهيقي المتوفى سنة 458 ه- .

ص: 359

(ذ)

55 . الذريعة إلى تصانيف الشيعة، الشيخ آقا بزرك الطهراني.

(ر)

56 . ربيع الأبرار ونصوص الأخبار، ابي القاسم محمود بن عمر الزمخشري المتوفى سنة 538ه- .

57 . رجال الطوسي، ابي جعفر محمد بن الحسن الطوسي المتوفى سنة 385 ه-.

58 . روضة الواعظين، محمد بن الفتال النيشابوري المتوفى سنة 508 ه- .

59 . الرياض النضرة في مناقب العشرة ، ابي جعفر احمد بن عبد الله بن محمد الطبري الشافعي المتوفى سنة 694 ه- .

(س)

60 . سبل الهدى والرشاد، محمد بن يوسف الصالحي الشامي المتوفى سنة 942ه- .

61 . سنن ابن ماجة ،ابي عبد الله محمد بن برير بن ماجه الربعي القزويني المتوفى سنة 273 ه-

62 . سنن أبي داود ابي داود، سليمان بن الاشعث الازدي السجستاني المتوفى سنة 275 ه-.

63 . سنن الترمذي، ابي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي المتوفى سنة 297 ه- .

64 . السنن الكبرى للبيهقي، ابي بكر احمد بن الحسين بن علي البهيقي المتوفى سنة 458 ه-.

65 . سنن النسائي، احمد بن شعيب بن علي بن سنان ابو عبد الرحمن النسائي المتوفى سنة 303 ه-.

ص: 360

66

سير أعلام النبلاء، شمس الدين محمد بن احمد بن عثمان الذهبي المتوفى سنة 1374 ه-.

67 . السيرة النبوية، محمد بن احمد بن عثمان الذهبي المتوفى سنة 748 ه- .

(ش)

68. شرح نهج البلاغة، ابن ابي الحديد المعتزلي المتوفى سنة 656 ه-.

69. شواهد التنزيل لقواعد التفضيل ،الحافظ عبيد الله بن أحمد المعروف ب- (الحاكم الحسكاني).

(ص)

70. صحيح ابن حبّان، ابي حاتم محمد بن حبّان بن احمد بن حبّان التميمي المتوفى سنة 254 ه- .

71 . صحيح البخاري، ابي عبد الله محمد بن اسماعيل البخاري المتوفى سنة 256 ه- .

.72 صحیح مسلم ،ابي الحسن مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري المتوفى سنة 261ه- .

73 . الصحيح من سيرة النبي الأعظم، السيد جعفر مرتضى العاملي المتوفى سنة 1441 ه-.

ص: 361

(ط)

74. الطبقات الكبرىمحمد بن سعد بن منتح الهاشمي البصري المعروف بابن سعد المتوفى سنة 230ه- .

75. طرائف المقال في معرفة طبقات الرجال، علي اصغر بن العلامة السيد محمد شفيع الجايلقي البروجردي المتوفى سنة 1313 ه-.

76 . العقد الفريد، احمد بن محمد بن عبد ربه الاندلسي المتوفى سنة 328ه-.

(ع)

77. عمدة القاري في شرح صحيح البخاري، بد الدين ابي محمد محمود بن احمد العيني المتوفى سنة 855 ه- .

78. عون المعبود شرح سنن أبي داود، ابي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي المتوفى سنة 381ه-.

79. عيون أخبار الرضا ،محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المتوفى سنة 381 ه- .

(غ)

80. الغارات، أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سعيد بن هلال بن عاصم بن سعد بن مسعود الثقفي الكوفي الإصبهاني المتوفى سنة 283ه-.

ص: 362

81 . غرر الأخبار ودرر الآثار الشيخ الحسن بن أبي الحسن علي بن محمد الديلمي من اعلام

القرن الثامن الهجري

82. الغيبة النعماني، ابي عبد الله محمد بن ابراهيم بن جعفر الكاتب المعروف ب-(بن ابي زينب النعماني) المتوفى سنة 360 ه-.

(ف)

83 . الفائق في غريب الحديث، جار الله محمود بن عمر الزمخشري المتوفى سنة 583 ه- .

84. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، احمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 ه- .

85. فتوح البلدان ،ابي الحسن احمد بن يحيى بن جابر البلاذري المتوفى سنة 279 ه-.

86. الفتوح، ابي محمد احمد بن اعثم الكوفي المتوفى سنة 314 ه-.

87.الفصول المختارة من العيون والمحاسن، السيد الشريف المرتضى المتوفى سنة 436 ه-.

88. فضائل الصحابة ،ابي الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي الدارقطني المتوفى سنة 385 ه- .

89. في ظلال نهج البلاغة، الشيخ محمد جواد مغنية المتوفى سنة 1400 ه-.

(ق)

90 . قاموس البحرين، فخر الدين الطريحي المتوفى سنة 1085 ه-.

91 قاموس الرجال، الشيخ محمد تقي التستري المتوفى سنة 1415ه- .

ص: 363

(ك)

92 . الكافي، ابو جعفر محمد بن يعقوب بن اسحاق الكليني الرازي المتوفى سنة 329 ه-

93 . الكامل في التاريخ، ابي الحسن علي بن ابي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني المعروف بابن الاثير الجزري المتوفى سنة 630 ه-.

94 . الكامل في اللغة والأدب، ابي العباس محمد بن زيد المعروف بالمبرد النحوي المتوفى سنة 285 ه- .

95 . کتاب الطبقات، ابي عمر عمر خليفة بن خياط شيابي العصفري المتوفى سنة 340 ه- .

96 . كتاب سليم بن قيس الهلالي، سليم بن قيس الهلالي العامري صاحب امير المؤمنين علیه السلام المتوفى سنى 90 ه-.

97 . الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، محمود بن عمر الزمخشري المتوفى سنة 528 ه- .

98 . كشف المحجة لثمرة المهجة ،رضي الدين ابي القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس المتوفى سنة 664 ه-.

99 . كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق ابي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المتوفي سنة 381ه-.

100.كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي المتوفى سنة 975 ه-.

ص: 364

(م)

101.مجالس المؤمنين ،القاضي نور الله المرعشي التستري المتوفى سنة 119 ه-.

102.مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، ابي الحسن علي بن ابي بكر ابن سليمان الشافعي نور الدين الهيثمي المتوفى سنه 807 ه- .

103. مجموعة رسائل الإمام الغزالي ،ابي حامد محمد بن محمد الغزالي المتوفى سنة 505ه- .

104. المحاسن والمساوئ، ابراهيم ابن محمد البهيقي احد اعلام القرن الخامس.

105.محاضرات الأدباء، ابي القاسم حسن ابن محمد الراغب الاصفهاني المتوفي سنه 502 ه- .

106.المحسن السبط مولود أم سقط، السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان.

107.مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، محمد باقر المجلسي المتوفى سنه 1111ه-

108.مروج الذهب ومعادن الجوهر، ابي الحسن علي ابن الحسين ابن علي المسعودي المتوفى سنه 346 ه- .

109.المستدرك على الصحيحين، ابي عبد الله الحاكم النيسابوري المتوفى سنه 405 ه-.

110.مستدركات علم رجال الحديث، الشيخ علي النمازي الشاهرودي.

111.مسند أحمد بن حنبل، احمد ابن حنبل المتوفى سنه 241 ه-.

112.مسند أنس بن مالك ؛ ابي جعفر محمد بن الحسين الحنيني المتوفى 277 ه-.

ص: 365

113.المصنف في الأحاديث والآثار ،ابي بكر عبد الله بن محمد ابن شيبه الكوفي المتوفى سنه 235 ه- .

114.معالم المدرستين، الشيخ مرتضى العسكري المتوفى سنه 1428ه-.

115. معاني الأخبار ،الشيخ الصدوق ابي جعفر محمد بن علي بن الحسين ابن بابويه القمي المتوفى سنه 381 ه-.

116. المعجم الأوسط، ابي القاسم سليمان ابن احمد الطبراني المتوفى سنه 360 ه-.

117.معجم البلدان شهاب الدين ياقوت ابن عبد الله الحموي الرومي البغدادي.

118.المعجم الكبير ابي القاسم سليمان ابن احمد الطبراني المتوفى سنه 660 ه-.

119.معجم رجال الحديث، السيد ابو القاسم الموسوي الخوئي المتوفى سنه 1992 .

120.المغازي، محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري المتوفى سنه 124ه-.

121.مقاتل الطالبيين ابي فرج الاصفهاني المتوفى سنه 356 ه- .

122.المقنع في الإمامة الشيخ عبيد الله بن عبد الله السدآبادي اعلام القرن الخامس الهجري.

123.الملل والنحل ابي الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني المتوفى سنه 548 ه- .

124. مناقب آل أبي طالب أبي جعفر محمد بن علي بن شهر اشوب الروي المازندراني المتوفى سنه 588 ه- .

125.المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ، ابي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي توفي سنه 597 ه- .

126.منتهى المقال في أحوال الرجال، ابي علي الحائري محمد بن اسماعيل المازندراني المتوفى سنه 1216ه-.

ص: 366

127.منهاج السنة النبوية ابي العباس تقديم احمد ابن عبد الحليم بن تيميه الحراني الدمشقي الحبلى المتوفى سنه 728 ه-.

128.موسوعة الشريف المرتضى ( الشافي في الإمامة)، الشريف المرتضى- علي بن الحسين الموسوي المتوفي سنه 436 ه- .

129. موسوعة سيرة أهل البيت، الشيخ باقر شريف القرشي المتوفى سنه 1433 ه-.

130.ميزان الاعتدال في نقد الرجال ،ابي عبد الله شمس الدين محمد بن احمد بن عثمان الذهبي المتوفى سنه 748 ه-.

(ن)

131. نثر الدر في المحاضرات ابي سعد منصور بن الحسين الابي المتوفى سنه 421 ه-.

132.النص والاجتهاد، السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي العاملي المتوفى سنه 1377ه- .

133.النهاية في غريب الحديث والأثر ، مجد الدين ابو السعادات المبارك بن محمد الجزري المتوفى سنه 606 ه-.

134. نهج البلاغة الشيخ محمد عبده المتوفى سنه 1905م.

(و)

135.الوافي بالوفيات، صلاح الدين خليل بن ايبك الصفدي المتوفى سنه 764 ه-

ص: 367

136.وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، عباس احمد ابن محمد ابن ابراهیم ابن ابی بكر ابن خلكان المتوفى سنه 681 ه- .

137.وقعة صفين، نصر ابن مزاحم المنقري المتوفى سنه 212 ه-

ص: 368

فهرس الآيات

الآية

الصفحة

(أ)

{إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ .... }119

{أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ...}3

{أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهدي إِلَّا أَن يُهْدَى ...}101

{ألا إنّهُمْ هُمُ المُفْسِدُونَ وَلكِن لَّا يَشْعُرُونَ}. 101

{الَّذِينَ إِن مَّكَنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ... }44

{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ ... }138

{إِنَّ المَلا يَأْتَمرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ}331

{إن تَتُوبًا إلى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُم ... }356

{إن شَانِئَكَ هُوَ الأَبتر}. 133

{أَنْلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ}. 101

ص: 369

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالله وَرَسُولِهِ ... }223

(ب)

{بئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا }142

{ذُلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَاهُمْ}. 108

(ف)

{فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِندَ اللهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ}353

{فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ }. 162

{فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا }.254

{فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا} .101

{فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلكِن تَعْمَى القُلُوبُ الَّتي في الصُّدُور}. 342

{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهَ لِنتَ هُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} . 312

(ق)

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاءٍ مَّعِينٍ}.232

ص: 370

{قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} . 253

{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ }.257

{قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ...}.146

(ل)

{لَا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}. 157

{وَمَا يَنطِقُ عَنِ اهْوَى 5 إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى... }. 301

{لَقَد تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} . 113

(و)

{وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ}.101

{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَتَهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ... }208

{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ...}.142

{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ...}.81

{وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا}.43

{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}. 44

ص: 371

{وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}. 213 185

{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}51

{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ الله} . 192

{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ }.342

{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ .... }148

{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ }. 112

{وَلَا يَزَالُونَ مُختلِفِينَ 5 إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ} . 148

{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ... }.100

{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ... }.300

(ي)

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَي الله وَرَسُولِه}. 176

{يَمُنُونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمَنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ... }223

ص: 372

الفهرس

مقدمة المؤلف ...2

الفصل الأول19

مع السقيفة خطوة بخطوة 19

القسم الأول: نشوءالسقيفة:...19

الاجتماع السرّي لانصار ...19

أسئلة موجهة إلى سعد بن عبادة...21

موقف قيس من أبيه...23

نزاع المهاجرين والأنصار: ...26

استمرار النزاع:...32

سؤال موجه إلى عمر:...34

الموقف الحازم لحبّاب من عمر...34

سؤال موجّه إلى الحباب بن المنذر: ...35

تراجع الأنصار...35

أسباب عداء قريش للإمام علي علیه السلام...40

القسم الثاني... 4

ص: 373

السقيفة على لسان عمر...45

أسئلة موجهة إلى عمر :...50

القسم الثالث: أبوسفيان والسقيفة..53

أهداف أبي سفيان ودوافعه: ...54

العلاقة الحميمة بين أبي سفيان وأبي بكر وعمر:...56

بضعة أسئلة ...56

مواقف النبي صلی الله علیه وآله من الشجرة الملعونة :...58

لعن النبي لمعاوية وعمرو بن العاص :...59

القردة على منبر رسول الله صلى اللَّهُ عَلَيْهِ آله وسلم:59

رأي النبي صلى اللَّهُ عَلَيْهِ آله وسلم: 60

معاوية وحجر بن عدي: ...62

سؤال موجه إلى أبي سفيان: ....63

القسم الرابع: المغيرة بن شعبة وحادثة السقيفة. ..64

التحريض على المشاركة في السقيفة : ...64

عقد اجتماعات سرية:...64

زرع الخلاف بين أهل النبي صلى اللَّهُ عَلَيْهِ آله وسلم:64

التخطيط لاستخلاف یزید:...65

ص: 374

الفصل الثاني 69

مواقف بني هاشم والصحابة واعتراضاتهم 69

القسم الأول: معارضة بني هاشم...69

هل انتخب الخليفة بإجماع المسلمين؟ ...71

معارضة العباس عم النبي:...72

معارضة الإمام علي علیه السلام :76

سؤال موجه إلى البلاذري:...81

سؤال موجه إلى ابن قتيبة :...84

سؤال موجّه إلى ابن عبد ربّه : ... 86

سؤال موجه إلى ابن أبي شيبة:...87

سؤال:...89

معارضة السيدة فاطمة علیها السلام واحتجاجها :...94

سؤال موجّه إلى الذهبي:...95

جواب عن إشكال:...102

معارضة الإمام الحسن والإمام الحسين علیهما السلام :...103

معارضة الزبير بن العوام:...105

معارضة عبد الله بن عباس:...106

.... الفهرس

ص: 375

معارضة الفضل بن العباس:...109

القسم الثاني: معارضة الصحابة..111

معارضة خالد بن سعيد:...114

تفاصيل معارضة خالد حسب روايات الشيعة:...117

معارضة سلمان الفارسي:... 119

اعتراض آخر من سلمان:...126

معارضة أبي ذر الغفاري:...127

معارضة أبي ذر حسب روايات الشيعة:.... 129

معارضة المقداد:...130

موقف المقداد في كتب الشيعة:...132

معارضة بريدة الأسلمي:...133

مواقف بريدة في كتب الشيعة: ...134

معارضة عمار بن ياسر :...138

معارضة أبي بن كعب:...142

أبي بن كعب في مصادر أهل السنة :...142

معارضة أبي بن كعب في كتب الشيعة .... 146

معارضة خزيمة بن ثابت:...152

ص: 376

معارضة مالك بن التيهان :...153

معارضة سهل بن حنيف:...155

معارضة عثمان بن حنيف:...155

معارضة أبي أيوب الأنصاري:...156

معارضة قيس بن سعد ...156

نتائج معارضة الصحابة: ...158

مواجهة أصحاب السقيفة للمعارضين :...159

معارضة سعد بن عبادة :...162

معارضة حذيفة بن اليمان...165

معارضة عبادة بن الصامت:...172

معارضة بلال:...174

معارضة زيد بن الأرقم:...175

معارضة البراء بن عازب:...177

معارضة مالك بن النويرة...178

معارضة أبي قحافة:...180

معارضة أسامة بن زيد: ...181

معارضة أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه و آله :... 182

ص: 377

معارضة أم أيمن:...183

معارضة أم فروة: ...184

ملاحظة :...185

معارضة باقي الصحابة:...185

النعمان بن العجلان:...186

عبد الرحمن بن حنبل:...186

طلحة بن عبيد الله :...188

حارث بن سراقة:...189

الحارث بن معاوية وعرفجة بن عبد الله:...190

النابغة الجعدي وقيس بن صرمة:...191

النعمان بن زيد .... 192

زفر بن زيد ...192

المنذر بن أرقم:193

أبان بن سعيد وعمرو بن سعيد:... 193

الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب:... 194

فروة بن عمر (عمرو) وقيس بن مخزمة:...195

الحباب بن المنذر:...196

ص: 378

حسان بن ثابت :...196

عبد الله بن مسعود:...197

زيد بن وهب:...198

أبوسفيان بن الحارث :...198

أبو سعيد الخدري وجابر بن عبدالله الأنصاري:...198

عتبة بن أبي سفيان بن عبد المطلب:...199

الأشعث بن قيس:...199

سعد بن أبي وقاص:...200

أم مسطح :... 200

امرأة من بني النجار:...201

القول الفصل:...201

ملاحظة هامة على مواقف النواصب:...203

سؤال موجه إلى ابن تيمية:...204

ص: 379

القسم الثاني 207

الموافقون للسقيفة ومعارضوها تحت المجهر 207

الفصل الأول 209

تحليل شخصيات معارضي السقيفة 209

1- قيس بن سعد: ...209

2 - أم سلمة: سلمة: .....211

الحادثة الأولى موقفها من أبي بكر...212

الحادثة الثانية : موقفها من عائشة عائشة ...213

3-أم أيمن: 217

أم أيمن وفاطمة الزهراء...217

أم أيمن ممرضة سيد الشهداء علیه السلام:...218

4 - عمار بن ياسر :...220

عمار في أحاديث النبي صلى الله عليه وآله: ...220

إخلاص عمار :...220

المؤمن الحقيقي :...221

عمار وإهانة عثمان:...222

ص: 380

حب الله لعمار :...223

حب النبي صلی الله علیه وآله العمار :...223

عمار ودعاء النبي صلی الله علیه وآله له:...224

منزلة عمار لدى النبي صلی الله علیه وآله:...224

عمار وبشارة النبي صلی الله علیه وآله له:... 225

عمار وبشارة الشهادة:...226

عمار في عهد الإمام علي علیه السلام:...226

دور عمار في حرب الجمل:...227

عمار وعمرو بن العاص:...227

عمار والتعبئة :...228

عمار وحرب صفين:...228

استشهاد عمار:...230

تديّن عمار:...233

عمار في عيون النواصب:...233

5 - أبوذر:...236

إسلام أبي ذر في كتب الشيعة:...237

إسلام أبي ذر في كتب السنة:...239

ص: 381

فضائل أبي ذر:...240

شهادة النبي صلّی الله علیه وآله بصدق أبي ذر:...241

تواضع أبي ذر وزهده: ...241

الجنة تشتاق إلى أبي ذر :...241

مخافته الله :...242

عزوفه عن الدنیا:...243

علم أبي ذر:...244

ولاء أبي ذر:...245

البراءة من العدو:...246

نفي أبي ذر:...247

وفاة أبي ذر:... 247

6 - المقداد بن الأسود:...250

فضائل المقداد وسوابقه:...251

وفاؤه للنبي صل اللهُ عَلَيْهِ وآله:...251

شجاعة المقداد:...252

فارس بدر الأوحد:...253

ولاؤه:...253

ص: 382

معارضة المقداد الشورى عمر:...255

أ- اعتراضه على عبدالرحمن بن عوف:...256

ب - حزن المقداد وأسفه:...256

7-خزيمة بن ثابت :...257

سوابق خزيمة بن ثابت ونضاله وفضائله:...257

لقب "ذو الشهادتين":...258

ولاؤه:...259

موقف خزيمة من عائشة: عائشة :...261

خزيمة وآمال أمير المؤمنين علیه السلام :...262

خزيمة ومديح الإمام الصادق علیه السلام:262

8- بريدة :...263

موقعه الاجتماعي:...263

جهاده: ...263

تدينه وولاؤه :....264

9 - سهل بن حنيف:...264

موقعه الاجتماعي:...265

جهاد سهل بن حنيف وسوابقه:...265

ص: 383

10- عثمان بن حنيف:...267

11- سلمان الفارسي:...269

سلمان مثال المؤمن الحقيقي:...271

إسلام سلمان:...271

إسلام سلمان على رواية أهل السنة : ...274

شخصية سلمان وشأنه الرفيع:...278

سلمان سبب نزول البركات الإلهية :... 278

تحفة الجنة :...279

علم سلمان:...279

ولاء سلمان :...280

جمل عائشة:...281

فقه سلمان: ...281

12 - أبي بن كعب:...282

13 - حذيفة بن اليمان :...285

14۔ خالد بن سعيد بن العاص الأموي:...289

ص: 384

الفصل الثاني 293

تحليل الشخصيات المؤيدة للسقيفة 293

1- عمر بن الخطاب:...293

أ- مخالفاته الصريحة لرسول الله صلّى الله علیه وآله:...293

ضعف اعتقاده:...293

نعت النبي صلّى الله علیه وآله بالهذيان :...294

اعتراضه على رسول الله لصلاته على امرأة مرجومة: ...295

اعتراضه على النبي لصلاته على منافق:...296

اعتراضه على صلح الحديبية: ...296

الزواج المؤقت (زواج المتعة):...297

اعتراضه على مساعدة النبي صلّى الله علیه وآله للمستحق :...298

مخالفته لحج التمتع:...299

ب- بعض تصرفاته الاجتماعية:...303

صناعة الارتداد:...303

قطع شجرة الرضوان:...304

تدخلاته في الأمور:...304

ضرب أخت الخليفة الأول:...305

ص: 385

عنفه:.... 306

إسقاط الجنين خوفاً من عمر :...307

عقوبة شديدة بسبب سؤال عن تفسير آية:...308

2۔ خالد بن الوليد:...309

-أ- بعض تصرفات خالد الاجتماعية:...309

تقتيل الأبرياء وواقعة بني جذيمة:...310

جذور حادثة بني جذيمة وخلفياتها:... 311

سبب إسناد هذه المهمة إلى خالد:318

سبب عدم الاقتصاص من خالد:... 318

سؤال موجه إلى الذهبي:...319

قتل المسلمين:...320

قسوة خالد:....322

عداوة عمر لخالد:...323

حرق البشر:...323

محاولة اغتيال الإمام علي علیه السلام:...324

هجوم خالد على بيت بنت النبي صلّى الله علیه وآله:...326

سؤال موجه إلى أهل السنة:...327

ص: 386

ب - خالد في المصادر السنية:...327

سؤال موجه إلى الذهبي:...328

3-قنفذ:...329

ضرب بنت رسول الله صلّى الله علیه وآله بالسوط :...330

الهجوم على بيت فاطمة علیها السلام:...331

سبب الهجوم على بيت الإمام علي وفاطمة علیهماالإسلام:...333

کلام الزهراء علیهاالسلام الهام:...334

4 - سالم مولى أبي حذيفة:...336

الشهادة الكاذبة:...336

نفاقه وتلونه:...337

5 - أسيد بن حضير:...338

الهجوم على بيت بنت رسول الله صلّى الله عَلَیه وآله:...338

6 - المغيرة بن شعبة:...339

كيف أسلم المغيرة ولماذا أسلم؟...339

عنفه وحدة مزاجه وغدره :...341

نفاقه:...341

شيطنته ومكره وخدعه وحيله :...343

ص: 387

مقارفته الزنا والفاحشة:...343

فضيحة زنا المغيرة في البصرة:...344

لماذا دفع عمر عن المغيرة؟...346

عداؤه لأهل بيت النبي صلّى الله عَلَیه وآله:...347

7-عائشة :...348

حسدها :... 349

النبي صلّى الله عَلَیه وآله عليه يتمنى موت عائشة:...350

مخالفة عائشة للأحكام الشرعية:...351

أسئلة موجهة إلى أهل السنة:...352

القول الفصل:...352

المصادر 355

فهرس الآيات 369

الفهرس 373

ص: 388

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.