تاریخ النبّي(صلی الله علیه وآله وسلم) والائمۀ (عليهم السلام)
وَمُعجزاتهم
المسمّى ب_ :
الهداية الكبرى
تأليف
أبي عبد الله الحسين بن حمدان الخصیبي
260 - 358ه_
الطبقة الكاملة المحقّقة
تحقيق
الشيخ مصطفى صبحى الخضر الحمصي
منشورات
شركة الأعلمي للمطبوعات
بيروت - لبنان
ص: 1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ص: 2
ص: 3
تاريخ النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)والأئمۀ(عليهم السلام)
وَمُعْجَزَاتِهم
المسمّى ب_ :
الهداية الكبرى
تأليف
أبي عبد الله الحسين بن حمدان الخصیبي
260 - 358ه_
الطبقة الكاملة المحقّقة
تحقيق
الشيخ مصطفى صبحى الخضر الحمصي
منشورات
شركة الأعلمي للمطبوعات
بيروت - لبنان
ص: 4
إلى الإمام الحافظ أبي عبد اللهِ الحُسَينِ بنِ حَمدَان الخَصَيبي وإلى جميع محبي أهل البيت العاملين بأقوالهم وأعمالهم وإلى روح والداي رحمهم الله.
المحقّق
ص: 5
ص: 6
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وَالصَّلاة والسَّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آلِهِ الطَّيبين الطاهرين وأصحابهِ الغُرر المنتجبين، وجميع الأنبياء والمرسلين .
أما بعد :
أهل البيت
إنَّ حبّ أهل البيتِ عترةِ النَّبي المُصطفى يعدُّ ضرورة من ضرورات الدين الإسلامي الثابتة بالقطع كتاباً وسُنَّة، قال تعالى: ﴿قُل لَّا أَسْئَلكُم عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدّةَ فِی الْقُرْبي﴾(1).
وتواتر عن النَّبي(صل الله علیه و آله و سلم) أنَّه قال: «أحبوا الله لما يغذوكم من نعمته، وأحبوني بحُبِّ الله، وأحبوا أهل بيتي بحبي» .
أهل البيت (علیهم السلام) الذين أذهَبَ اللهُ عَنهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَهم تظهيراً وأوجب على المسلمين حبّهم والصَّلاة عليهم .
قَالَ(صلی الله علیه وآله وسلم) : «إِنَّ حبَّهم علامة الإيمان، وَإِنّ بعضَهم علامةُ النِّفاق».
وقَالَ(صلی الله علیه وآله وسلم): «إِنَّ مَن أحبهم أحبَّه الله ورَسولَهُ، وَمَنْ أبغضهُمْ أبغَضَه الله وَرَسُوله». وعشرات الأحاديث التي تحثُ على حبهم وتنهى عن بغضهم.
فلذلك تسابق العلماء في التأليف والتصنيف في حياتهم وبيان مناقبهم وفضائلهم ومعاجزهم المؤيدة من البارئ (عزّوجل).
ص: 7
المصنفات المؤلفة في تاريخ ومناقب أهل البيت(علیهم السلام)
ومما يدلُّ على أهمية هذا الموضوع لدى أعلام الأمة، كثرة ما أُلْفَ فيه، فإنَّا نجد مجموعة كبيرة من المؤلفاتِ القيمة دبَّجَتها يراع العلماء المهتمين بتاريخ الإسلام وأئمته الكرام، وتصدَّى مؤلفوها لذكر خصوص ما يرتبط بتاريخ الأئمة نرتبها على حروفِ المُعْجم حسبَ أوائل أسمائها :
1 - أخبار الأئمة ومواليدهم : لجعفر بن محمد بن مالك بن عيسى بن سابُور، أبي عبد الله الفزاري، الكوفي الشيعي(1).
2 - أرجوزة في تواريخ المعصومين للشيخ محمد بن الحسن، الحرُّ العاملي ت 1104(2). وسيأتي له منظومة في تواريخ المعصومين والنظام في تواريخ المعصومين .
3 - أرجوزة في تاريخ المعصومين الأربعة عشر(علیهم السلام): للسيّد محمّد بن الحسين ابن أمير الحاج في مكتبة آل العطار ببغداد، أولها : أحمد ربي عدد السنينا علمنا للذكر إن نسينا (3)
4 - أرجوزة في تاريخ المعصومين(علیهم السلام): للشيخ محمد مهدي بن محمد الملقب بالصالح الفتوني العاملي الغروي.
5 - أرجوزة في تواريخ المعصومين(علیهم السلام): للشيخ محمد بن طاهر السماوي النجفي (4).
ص: 8
6- الإرشاد إلى أئمة العباد للشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد ابن النعمان ،العكبري، البغدادي ت 413 ه_ (1).
7 - أسماء النبي والأئمة(علیهم السلام): للحسين بن حمدان الخصيبي، الجنبلائي ت 358ه_(2).
8- إعلام الورى بأعلام الهدى للشيخ الطبرسي الفضل بن الحسن ت 548ه_ (3).
9 - ألقاب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم )وعترته : لبعض القدماء(4).
10 - أنساب الأئمة ومواليدهم إلى صاحب الأمر(علیهم السلام): للحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبي محمد الأطروش المعروف بالناصر الكبير ت 304ه_(5).
11 – إسعاف الراغبين في سيرة المصطفى ، وفضائل أهل بيته الطاهرين للشيخ محمد بن علي الصبَّان طبع بهامش نور الأبصار.
12 - الأنوار البهيَّة في تواريخ الحجج الإلهية للشيخ عباس بن محمد رضا : القُمي ت 1359ه_. مرتباً على أربعة عشر نوراً بعدد المعصومين(علیهم السلام)(6).
13 - الأنوار في تواريخ الأئمة الأطهار للشيخ علي بن هبة الله بن عثمان بن أحمد بن إبراهيم بن الرائقة، أبي الحسن الموصلي(7).
14 - الأنوار في تاريخ الأئمة الأطهار : للشيخ محمد بن همام بن سهيل أبي علي الكاتب، الإسكافي ت 336ه_ (8).
ص: 9
15 - الأنوار في تواريخ الأئمة: لا بن نوبخت(1)).
16 - أهل البيت(علیهم السلام) برواية الذهبي : جمع وتحقيق العلامة المحقق الشيخ مصطفى صبحي الخضر .
17 - تاج المواليد للشيخ الفضل بن الحسن أبي علي الطبرسي، أمين الإسلام ت 548ه_(2)
18 - تاريخ آل الرسول : للشيخ نصر بن علي بن نصر بن علي، أبي عمرو، الجهضمي، البصري ت 250ه_(3)
19 - تاريخ الأئمة : للشيخ عبد الله بن أحمد بن الخشاب البغدادي أبي محمّد النحوي ت 567ه_ (4).
20 - تاريخ الأئمة : لأحمد بن علي، أبي منصور الطبرسي(5)
21 - تاريخ الأئمة لآقا أحمد بن آقا محمد علي البهبهاني الكرمانشاهي فارسي، مختصر، يعبر عنه بتواريخ المعصومين(6).
22 - تاريخ الأئمة الإسماعيل بن علي بن علي بن رزين، الخزاعي، ابن أخي دعبل الواسطي(7).
23 - تاريخ الأئمة: للشيخ محمد بن أحمد محمد بن بن عبد الله، أبي الثلج، ابن إسماعيل أبي بكر البغدادي الكاتب المعروف بابن أبي الثلج (ت (325ه_ ) يرويه عنه أبو المُفَضَّل الشيباني(8).
ص: 10
24 - تاريخ الأئمة: لصالح بن محمد الصرامي، شيخ أبي الحسن بن الجندي(1) .
25 - تاريخ الأئمة: للسيد محمد بن عبد الكريم الطباطبائي البروجردي فرغ منه سنة 1126ه_، ويُسمَّى: رسالة في مواليد النبي والأئمة(علیهم السلام). يوجد عند السيد جعفر بحر العلوم في النجف(2)
26 - تاريخ الأئمة المعصومين(علیهم السلام): البعض الأصحاب(3).
27 - تاريخ مواليد الأئمة (علیهم السلام)وأعمارهم : لمحمَّد بن الحسن بن جمهور العمي البصري(4).
28 - التاريخية في أعمار سادات البرية(علیهم السلام) : للمولى محمد كاظم بن محمد شفيع الهزار جريبي الحائري تلميذ الوحيد البهبهاني(5).
29 - التتمة في تواريخ الأئمة(علیهم السلام) : للسيد علي بن أحمد، تاج الدين الحسني العاملي، ألفه سنة (180ه_)(6).
30 - التواريخ الشرعية عن الأئمة المهدية : للشيخ أحمد بن فهد، أبي العباس الحلي ت 841ه_(7).
31 - تاريخ أهل البيت(علیهم السلام) : رواية كبار المحدثين والمؤرخين ص 20: أحمد، تاج الدين الحسني العاملي، ألفه سنة (1018ه_ )(8).
ص: 11
32 - تواريخ الأئمة(علیهم السلام): هو تاريخ آل الرسول، المنسوب إلى نصر الجهضمي، ويسمى المواليد(1).
33 - تذكرة الخواص من الأمة بذكر خصائص الأئمة(علیهم السلام): يوسف بن - قرغلي البغدادي المعروف بسبط بن الجوزي الحنفي(2).
34 - تهذيب نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي المختار: الشيخ مصطفى صبحي الخضر. راجعه وقدم له : السيد محمد حسين فضل الله (رحمۀ الله علیه).
35 - تواريخ أعلام الهداية النبي وآله(علیهم السلام): آية الله الشيخ محمد تقي التستري( قدس سره الشریف)، توفي سنة 1415ه_(3).
36 - الدوحة المهديَّة، أرجوزة في تواريخ المعصومين(علیهم السلام): للشيخ حسين ابن علي الفتوني الهمداني العاملي الحائري نظمها سنة 1278ه_، في آخرها :
أبياتها ألف ومائتان*** عدَّتها كعدة التاريخ
من بعد سبعين مع الثمان*** تاریخها كالنور في المريخ(4).
37 - الذكرية، في ذكر تواريخ المعصومين(علیهم السلام)في أربعة عشر باباً بعددهم : للسيد محسن الحسيني السبزواري في مكتبة سلطان المتكلمين في طهران(5).
38 - رسالة في مواليد النبي والأئمة(علیهم السلام): مرَّ باسم : تاريخ الأئمة للسيد محمد الطباطبائي(6).
39 - زبدة الأخبار في تواريخ الأئمة الأطهار(علیهم السلام): للسيد محمد بن الحسين، جمال الدين الطباطبائي ،الواعظ، اليزدي، الحائري ت حوالي 1313ه_(7).
40 - زهرة الأنوار في نسب الأئمة الأطهار(علیهم السلام): للسيد ضامن بن شدقم بن علي الحسيني المدني (ت (1028ه_ )(8).
ص: 12
41 - سمط اللآل في تاريخ النبي والآل(علیهم السلام): للشيخ حسن بن كاظم السبتي (ت 1374). قصيدة بائية طويلة في (1500) بيت وتسمى أنفع زاد(1).
42 - الشذرات الذهبية في تراجم الأئمة الاثني عشر(علیهم السلام)عند الإمامية : لمحمد بن طولون شمس الدين الدمشقي، المؤرخ ت 953(2) .
43 - شرح النظام في تواريخ النبي والمعصومين(علیهم السلام): للمولى محمد إسماعيل . شرح فيه النظام للحر العاملي(3).
44 - الصفاء في تاريخ الأئمة(علیهم السلام): لأحمد بن إبراهيم بن أبي رافع الأنصاري الكوفي البغدادي، رواه الغضائري(4).
45 - الفصول المهمة في معرفة الأئمة(علیهم السلام): لا بن الصباغ المالكي علي بن محمد بن أحمدت 855ه_(5).
46 - كاشف الغمة في تواريخ الأئمة (علیهم السلام): للشيخ محمد بن محمد رضا ،المشهدي القمي، صاحب تفسير كنز الدقائق وبحر الغرائب)(6).
47 - كشف الغمة في معرفة الأئمة(علیهم السلام): للشيخ علي بن عيسى بن أبي الفتح، أبي الحسن الإربليت 693ه_ (7).
48 - لجج الحقائق في تواريخ الحجج على الخلائق: للحاج مولى أحمد اليزدي، المشهدي(8).
ص: 13
49 - لمحة الأئمة، أرجوزة في تواريخ الأئمة(علیهم السلام): للشيخ محمد بن طاهر، السماوي، النجفي . فرغ من نظمه سنة 1325ه_ ، واسمه التاريخي : بلوغ الأمة لمحبة الأئمة(1).
50 - المستجاد من الإرشاد للشيخ الحسن بن المطهر الحلي، الشهير العلامة ت 726ه_(2).
51 - مجموعة الشيخ جمال العراقي الميثمي ت 1360ه_. في تواريخ المعصومين(علیهم السلام)(3).
52 - مجموعة في مواليد ووفيات الأربعة عشر(علیهم السلام): للشيخ راشد بن إبراهيم بن إسحاق، البحراني ت 605ه_ (4).
530 - مشكاة الأنوار في تواريخ الأطهار(علیهم السلام): للمولى محمد إبراهيم بن علي . نسخة عند الشيخ محمد علي الحائري السنقري، تاريخها 1292ه_(5).
54 - مطارح الأنظار في تواريخ الرسول والأئمة الأطهار(علیهم السلام): للميرزا محمود بن محَمَّد كاظم المازندراني(6).
55 - مفاتيح الدرر في أحوال الأنوار الأربعة عشر(علیهم السلام): للشيخ حسين بن علي من أحفاد الشيخ البهائي، العاملي (7).
56- ملحة الأمة إلى لمحة الأئمة : أرجوزة في تواريخ مواليدهم ووفياتهم : للشيخ الفضلي السماوي صاحب الملتقطات (8).
57 - الملمة الملمة في تواريخ الأئمة(علیهم السلام): للشيخ محمد بن طاهر السماوي العقيلي(9).
ص: 14
58 - منتخب الأنوار في تاريخ الأئمة الأطهار(علیهم السلام)- والأنوار : لأبي علي محمد بن همام بن سهيل الكاتب الإسكافي، قد مضى ذكره - كان المنتخب عند المجلسي صاحب البحار(1).
منتهى الآمال في تواريخ النبي والآل(علیهم السلام): للشيخ عباس القمي ت 1359 ه_ (2).
60 - منظومة في تواريخ النبي والأئمة(علیهم السلام): للسيد محمد أبي جعفر الحسيني ابن أمير الحاج الحسين(3) .
61 - مواليد الأئمة(علیهم السلام): لمحمَّد بن عبد الله مملك الأصفهاني ،الجرجاني، أبي عبد الله (4).
62 - المواليد لابن شهر آشوب(5) .
63 - المواليد لنصر الجهضمي. ذكره ابن طاووس بهذا الاسم، وقد مر باسم : تاريخ آل الرسول(6).
64 - مواليد الأئمة(علیهم السلام): للشيخ الميرزا حسين بن محمد تقي النوري ت 1320ه_ ، صاحب المستدرك(7).
65 - مواليد الأئمة(علیهم السلام)وأعمارهم: لأحمد بن محمد بن أحمد بن طلحة العاصمي الكوفي البغدادي(8) .
66 - مواليد الأئمة(علیهم السلام) وأنسابهم ووفياتهم من النبي إلى الحُجَّة (عجل الله تعالی فرجه): للشيخ عبد الله بن أحمد بن محمد أبي محمد ابن الخشاب مر باسم تاريخ الأئمة، ويسمى المواليد ومواليد أهل البيت(علیهم السلام) (9).
ص: 15
67 - مواليد الأئمة وفضائلهم : للشيخ رجب بن محمد، البرسي الحلّي رضي الدین، صاحب مشارق أنوار اليقين، فرغ منه سنة 801ه_(1).
68 - مواليد الصادقين(علیهم السلام): لمحمَّد بن إبراهيم الطالقاني(2) .
69 - مواليد النبي والأئمة : للشيخ محمد بن محمد النعمان المفيد، أبي عبد الله، العكبري ت 413ه_(3). يروي عنه السيد ابن طاوس في اللهوف والإقبال .
70 - المختصر في حوالات الأربعة عشر(علیهم السلام): للشيخ راشد بن إبراهيم بن إسحاق البحراني ت 605ه_ (4). نسخة منه عند الأستاذ السيد محمد علي الروضاتي، في أصفهان.
71 - النظام في تواريخ المعصومين : للشيخ محمد بن الحسن، الحر العاملي ت 1104 .
أرجوزته التي ذكرناها سابقاً باسم : الأرجوزة والمنظومة.
72 - نور الأخبار في تاريخ النبي وآله الأطهار(علیهم السلام): لعلي نقي الكشميري (5).
73 - نور الأبصار في تاريخ النبي وآله الأطهار(علیهم السلام): لعلي نقي الجابرزي ابن میرزا محمد علي الرضوي المعروف بخوشنويس فارسي، في اللهوف والإقبال(6).
74 - الوفيات: للجهضمي مر باسم: تاريخ آل الرسول.
75 - وفيات أعلام الحق جمع مما كتبه الشيخ شريف بن عبد الحسين بن محمّد حسن صاحب الجواهر (7).
ص: 16
76 - وفيات الأئمة(علیهم السلام): الميرزا حسن بن علي الموسوي القزويني النجفي نزيل جسر الكوفة ت 1358ه_(1). فرغ منه سنة 1350ه_.
77 - وفيات المعصومين(علیهم السلام): للسيد رضا بن أبي القاسم الطبيب، الاسترابادي نزيل الحلة(2).
78 - وفيات المعصومين(علیهم السلام): لبعض الأصحاب(3).
79 - وقائع الأئمة الاثني عشر(علیهم السلام)(4) .
80 - الهداية في تاريخ النبي والأئمة(علیهم السلام)ومعجزاتهم : للحسين بن الله حَمدان الخصيبي الجنبلائي ت 358ه_(5).
81 - نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي المختار(علیهم السلام): العلامة محمد مؤمن بن حسن الشبلنجي الشافعي(6).
82 - مطالب السؤول في مناقب آل الرسول(صلی الله علیه وآله وسلم): الشيخ العلامة أبي سالم،كمال الدين محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن القرشي ،العدوي النصيبي ،الشافعي المتوفى سنة 652ه_ (7)
83 - مناقب أهل البيت(علیهم السلام) برواية الهيثمي : الشيخ مصطفى صبحي الخضر، الشهير بالشيخ الحمصي .
ص: 17
لمحة عن حياة المصنّف
اسمه ونسبه: أبو عبد الله الحسين بن حمدان بن خصيب بن أحمد الخصيبي الجنبلاني(1)، أو الجنبلائي .
قال ابن داوود: الخصيبي، بالخاء المعجمة والصاد المهملة والباء قبل ياء النسبة، نسبة إلى جده خصيب أو اسم المنطقة التي ولد فيها.
وأما الجنبلائي نسبة إلى جنبلاء بالهمزة بلدة بين واسط والكوفة، وينسب إليه أيضاً جنبلاني بالنون قبل ياء النسبة.
تمييز المشتركين في اسم الحسين بن حمدان:
1/ الحسين بن حمدان: غلام محمود بن عسكر الزجّاج، صاحب كتاب: النسب العالي الشريف(2).
2/ الحسين بن حمدان بن حمدون الأمير التغلبي، أبو علي : عم سيف الدولة الحمداني، ورأس الدولة الحمدانية قتله المقتدر بالله العباسي؛ سنة 306ه_(3).
3/ النقيب الحسين بن حمدان له كتاب الدلائل(4)
4 / الحسين بن حمدان الذي ذكره الطريحي في مشتركاته(5)دون أن ينسبه وميزه عمن يسمى بهذا الاسم برواية التلعكبري عنه وهكذا أورده الكاظمي ونقل الشيخ محمد تقي التستري أن اسم حمدان بن الحسين وقع في نوادر ميراث الفقيه ونقل الوحيد أن للصدوق إليه طريقاً، وعن جده أنه الحسين بن حمدان ووقع تقديم وتأخير.
ص: 18
ثم يعلق الشيخ التستري قائلاً: اشاهد له بل على خلافه فإن ذلك روى عن التلعكبري بلا واسطة، أي حمدان بن الحسين روى عن التلعكبري بلا واسطة هذا روى عنه المشيخة الذي عاصر التلعكبري بواسطتين فقال : وما كان فيه عن حمدان ابن الحسين فقد رويته عن علي بن حاتم إجازة .. إلخ(1).
وهذا لا يفيد بأنه الحسين بن حمدان الخصيبي كما ادعى البعض وذلك لأن التلعكبري لقب مشترك كذلك بين ثقة وغيره كما أن الطريحي نفسه ذكر ترجمة هارون بن موسى التلعكبري وذكر شيوخ الإجازة الذين أخذ عنهم فلم يذكر الخصيبي وإنما ذكر الحصيني(2) .
5/ الحسين بن حمدان الخصيبي(الحضيني)، هو أستاذ غلام الزجاج المذكور سابقاً وهو معاصر للحسين التغلبي لذلك يقع الاشتباه بين هذه الأسماء الثلاثة كما حصل للشيخ عيسى سعود الذي كتب في إحدى المجلات الثقافية يقول وفي أيام إمارة سيف الدولة الحمداني في حلب سنة 283 ه_ نبغ من العلويين شيخهم المعروف بالحسين بن حمدان الخصيبي .
مولده : ولد الخصيبي سنة 260ه_ ، في بلدة جنبلاء، وهي تقع بين واسط والكوفة، وإليها يُنسَب من أبوين كريمين فاضلين عريقين بالطهارة والإيمان والإخلاص في تمسكهما بالعروة الوثقى وهي ولاية أهل البيت(عليهم السلام) .
وهذه الأسرة الكريمة وفدت من منطقة الجزيرة العليا ديار ربيعة إلى الكوفة، ومنها انتشرت في محيطها حيث استقر جده خصيب بن أحمد الخصيبي الحمداني التغلبي في بلدة جنبلاء.
نشأته: نشأ نشأة دينيَّة إسلامية طاهرة على يد والده العلامة الفقيه، والمحدّث النبيه السيد أبي الحسين حمدان بن الخصيب الجنبلاني( قدس سره الشریف). وقرأ القرآن وهو ابن سبع سنين وحفظه وهو ابن عشر .
أولاده: ذكر له ولد يدعى أبا الهيثم السري، وابنة تدعى سرية.
شيوخه ومن روى عنهم :مهر في الكثير من العلوم السائدة في عصره:
ص: 19
كالنحو والصرف والمعاني والبيان والبديع والمنطق والفلسفة والتاريخ وغيرها . وحفظ كتاب الله(عزّوجل)وهو في العاشرة من عمره.
تابع علومه ومعارفه الشرعية على يد صديق والده العلامة الفقيه والمحدّث الكبير السيد أبي محمد عبد الله بن محمد العابد الزاهد الملقب بالجنان الجنبلاني(1)، المولود سنة 235ه_ ، والمتوفى سنة 287ه_ .
وقد أخذ العرفان على يد السيد محمد بن جندب الذي أخذه بدوره على يد السيّد أبي شعيب محمَّد بن نصير العبدي البكري النميري التميمي(2).
وأخذ عنه الأصول والأحكام والتفسير، وسائر علوم القرآن، واختلاف المذاهب والفرق في الأصول والفروع وبقي ملازماً له حتى سنة وفاته، وكان عمره وقتذاك سبعة وعشرون عاماً.
وقال الشيخ الخصيبي : لقيت من الشيوخ ما ينوف عن الستين رجلاً ممن لقي الإمامين العسكريين(عليهم السلام)، ورويت الأخبار عنهم جميعاً(3)، إلى أن قال : حدثني هارون بن مسلم البصري ومحمد بن أحمد ومظهر البغدادي وأحمد بن إسحاق وسهل بن زياد الآدمي وعبد الله بن جعفر الحميري. وأحمد بن عبد الله البرقي وصالح بن محمد النهرواني. وجعفر بن إبراهيم وداود بن عامر. وعمران الأشعري القمي.
وأحمد بن محمّد الخصيبي وإبراهيم بن الخصيبي. وأحمد بن الخصيب. ومحمد بن علي البشري ومحمد بن عبد الله اليقطيني. وأحمد بن عبد الله الأنباري وعلي بن محمد الضُّميري. وعلي بن محمد البصري. وعلي بن بلال. ومحمد بن علي الأصبهاني.
وإسحاق بن إبراهيم النيسابوري .وعلي بن عبد الله الحسيني. وأبو الحسن بن يحيى الفارسي وأحمد بن سندولا والعباس بن اللبان وعلي بن صالح، وعبد الحميد بن محمد بن يحيى بن يحيى الخُرقي. ومحمد بن علي الحسني.
ص: 20
وعلي بن عاجم الكوفي وأحمد بن محمد الحجّال وعسكر مولى أبي جعفر التاسع(عليهم السلام). والريان. وحمزة بن جعفر وأبو الحسن الرضا. وعيسى بن مهدي الجوهري والحسن بن إبراهيم وأحمد بن سعيد ومحمد بن ميمون الخرساني. ومحمد بن علان وحميد بن حسان وعلي بن أحمد الصائغ . والحسن بن جعفر الفراتي.
وعلي بن أحمد العجلي، والحسن بن مالك. ومحمد بن أبي قربة. وجعفر بن محمد القيصري البصري. وعلي بن أحمد الصابوني. وأبو الحسن علي بن بشير. والحسن البلخي .
وأحمد بن صالح. والحسن بن عتاب .وعبد الله بن عبد الباري. وأحمد بن داوود القمي. وعلي بن أحمد الطبراني. ومحمد بن عبد الله الطلحي. وطالب بن حاتم بن طالب. والحسن بن محمد بن سعيد. وأحمد بن نامندان. وأبو بكر الصفار. ومحمد بن موسى. وعتاب بن محمد الديلمي. وأحمد بن مالك القمي. وأبو بكر الجواري. وعبد الله بن محمّد .
قال الخصيبي : سماعي من هؤلاء جميعاً، وكل من ذكرنا مجاور الإمامين أبي الحسن، وأبي محمد العسكري(عليهم السلام) . ا . ه_ .
عبادته : لقد كان من المتعبدين ،الزاهدين المصلين الصائمين، وأدى فريضة الحج في الخامسة عشرة من عمره، أي فور بلوغه. وقيل: وهو ابن عشرين.
يقول العلامة الأستاذ محمد علي أسبر حفظه الله عن الخصيبي حين حجّ خمس عشرة حجة : إنما كان يُطبق على نفسه شريعة الله ورسوله ولم يقل وهو الفقيه بالعرفان:
أنا عارف فلا حجَّ عليَّ، وهكذا فعل تلاميذه(1)، وما منهم أحد إلا وهو عارف بالله ورسوله والأئمة من آل محمد(عليهم السلام)(2).
ص: 21
تلاميذه: الشيخ شأنه شأن العلماء الكبار، حيث درّس الكثيرين ممن تخرَّجوا على يديه، وقيل إن تلامذته بلغوا واحداً وخمسين تلميذاً، منهم :
1/ أبو منصور إينال المتطيب العجمي التركي.
2/ أبو سعيد بن معدان 3/ أحمد كبا .
4/ إبراهيم بن سعيد الطيب الرفاعي أبو إسحاق.
5/ أبو عبد الله الجنبلاني . 6/ أبو ذر الكاتب .
/7/ أبو القاسم العباسي . 8/ أبو القاسم الشيباني .
/9/ أبو عمار بن شعبة الحراني ...
زعامة الطريقة ولقاؤه بعلماء عصره :في مدرسة الجنبلاني في جنبلا نشأ الزكي النقي الحسين بن حمدان الخصيبي، الذي التقى بشيخه الجنبلاني، وتعلّق به تعلَّقاً شديداً ، ثم تتلمذ الطريقة على يده واستقر عند شيخه أبو محمد عبد الله ولمع ولمع شأنه وذاع صيته.
وبوفاة الشيخ (الجنان) سنة 287ه_ ، نهض الخصيبي بالعبء من بعده، وخَلَفَهُ في ولاية الطريقة، ثم رحل إلى بغداد، وبعد فترة من الاضطراب والصراع بين الجند التركي والخلفاء في بغداد تركها متجهاً إلى حلب، حيث استقر فيها ضيفاً على بلاط سيف الدولة الحمداني. ولعله استمدَّ بعض القُوَّة والسَّند من سيف الدولة. وما من شك في أنَّ الخصيبي قد لعب دوراً خطيراً في تثبيت الطريقة العرفانية العلويَّة، وتكريسها .
كان الخصيبي الله من ألمع رؤساء الطريقة الجنبلانية الشعيبية وأكثرهم أثراً في هذه العقيدة وساعده على ذلك عُمر مديد، وذكاء وقاد، وأنصار أشداء،مع قدرة على الإيغال في مذهب التشيع والتوحيد حتى اكتسب لقب «الشيخ القدوة»، فأصبح المرجع الروحي الأعلى للمسلمين العلويين في زمانه بقيت حتى وافاه الأجل سنة 358ه_ .
التقى الشيخ (رحمۀ الله علیه) مع الحسين بن منصور الحلاج المقتول سنة 309ه_، 922م . وأبي الحسن بن بابويه القمي سنة 329ه_.
وأبي الحسن علي بن أبي بكر الهروي وأبي محمد طلحة بن عبيد الله بن أبي عون الغساني العوني المشهور بالأشعار الغديرية حدث بينه وبين هؤلاء العلماء
ص: 22
مناظرات وحوارات، فتآمروا عليه واتهموه بالقرمطة مما أدى إلى دخوله السجن ببغداد .
هجرته وسياحته: هاجر الشيخ إلى الموصل بعد خروجه من السجن، قاصداً الأمير داوود بن حمدان، ولم يمكث طويلاً في الموصل، ومنها إلى حلب، حيث ينشد الأمان من خصومه وأعداءه.
ص: 23
آراء العلماء
أقوال المؤرخين المعاصرين له كثيرة بين متحامل عليه وحاقد، وبين محبّ ومخلص، وبين ملتزم في الصمت، فالنجاشي، وأحمد بن الحسين الغضائري الواسطي البغدادي(1)، وصاحب الخلاصة من المتحاملين عليه(2)، وابن داود الحلي في رجاله(3)، والتفريشي في نقده(4)، والبهبهاني في تعليقه(5)، وغيرهم(6) .
قال ابن حجر العسقلاني : الحسين بن حمدان بن خصيب الخصيبي أحد المصنفين في فقه الإمامية. روى عنه أبو العباس بن عقدة وأثنى عليه وأطراه وامتدحه، كان يؤم سيف الدولة بن حمدان في حلب، وله أشعار في مدح أهل البيت(عليهم السلام)(7)
قال السيد الأمين(رحمۀ الله علیه) في أعيان الشيعة في ترجمة الخصيبي، مفادها امتداحه
ص: 24
والثناء عليه، وعلى أنَّه من علماء الإمامية، وكل ما نسب إليه من معاصريه وغيرهم لا أصل له ولا صحة وإنما كان طاهر السريرة والجيب، وصحيح العقيدة.
وأورد أقوال العلماء فيه وردَّ على المتحاملين عليه رداً جميلاً، كابن الغضائري والنجاشي، وصاحب الخلاصة، ويقول( قدس سره الشریف): لو صح ما زعموا وما ذهبوا إليه ونسبوه له لما كان الأمير سيف الدولة المعروف والمشهور بصحة عقيدته الإسلامية وولائه للعترة الطاهرة وآل البيت صلى عليه وائتمّ به .
وفي رواية التلعكبري على أنه أجيز منه لما عرف عنه من الوثاقة والصدق بين خواص عصره.
وقال أيضاً : كونه شيخ إجازة يشير إلى الوثاقة(1).
قال أبو صالح الديلمي : الشيخ الصدر ، السيد العالم العامل البارع الفاضل شيخ الحقيقة، وأنموذج الطريقة، عين قلادة السلف، ومنبع فضائل الخلف، الصالح أبي عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي . . . إلخ(2) ..
يقول عبد الله أفندي فاضل عالم محدث منالقدماء(3).
قال الشيخ الطوسي ت 460ه_ : الحسين بن الحمدان بن خصيب له كتاب: أسماء النبي ، والأئمة(عليهم السلام)(4). ذكره في رجاله في باب من لم يرو واحد من الأئمة(عليهم السلام)(5)، وقال يكنى أبا عبد الله، وروى عنه التلعكبري(6)وسمع منه في داره بالكوفة سنة 344ه_ ، وله منه إجازة (7)
ص: 25
قال العلامة الحلي الحسين بن حمدان الخصيبي بالخاء المعجمة المفتوحة، والصاد المهملة المكسورة، والياء المنقطة تحتها نقطتين بعدها باء منقطة تحتها نقطة الجنبلائي بضم الجيم وإسكان النون ،بعدها وضم الباء المنقطة تحتها نقطة، والياء أخيراً بغير نون(1).
قال الميرزا محمد تقي الشيرازي( قدس سره الشریف): قال الشيخ الملي محمد علي بن المحقق البهبهاني لما لم يقف على كتابه الأخير، قال في حاشية له على نقد الرجال ما هذا لفظه : قال شيخنا المعاصر : إنَّ الذي في كتب الرجال : أنَّ الحسين ابن حمدان الحضيني كان فاسد المذهب كذاباً صاحب مقالة ملعونة لا يلتفت إليه . . .
وظاهر لمن تدبر هذا الكتاب وهو (الهداية) أنَّه من أجلاء الأمامية وثقاتهم، ولعل المذكور في كتب الرجال ليس هو هذا، وإلا فالتوفيق بينهما غير ممكن، والله أعلم .
نقله بعض أفاضل إخواننا المعاصرين أيَّده الله تعالى في كتابه، وتوفي ابن حمدان هذا على ما ذكر ابن داود في شهر ربيع الأول سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة (2).
في معجم المؤلفين الحسين بن حمدان الخطيب الخصيبي أبو عبد الله : فقيه، ،شاعر، توفي في ربيع الأول سنة 358ه_ من آثاره : كتاب أسماء النبي، وأسماء الأئمة والأخوان المائدة، وله شعر(3).
قال العلامة الشيخ سليمان الأحمد( قدس سره الشریف) في هذا الرجل العظيم:
الحسين بن حمدان الخصيبي من رجال الشيعة الإمامية ورواتها، تبحر في علوم آل محمد(عليه السلام)رواية ودراية واستكنهها إلى غاية يتعسَّرُ على أحدٍ بعده أن ينالها فضلاً عن أن يفوقه بها، وقد تضاربت فيه أقوال الرجاليين بين موثق ومبدع ومكفر كما تقتضيه الآراء والأهواء ومهما يكن الأمر فقد روى عن الثقات وروت الثقات عنه، ومن يروي عن الثقة فهو ثقة في اصطلاح فن الرجال.
ص: 26
وهذه الفرقة روت عن أهل العصمة ومَن لا يفارقهم الكتاب ولا يفارقونه ما احتجوا به على غيرهم وفلجوا من وجوب الإمامة وإمرة المؤمنين والولاية لمولاهم ونفاق مبغضيه وفوز محبيه ما لا تسعه الإحاطة حتى رماهم العدو بالغلو ورموه بالتقصير، ومن هذه الفرقة قام صاحب الترجمة فرموه بالغلو ونسبوا إليه المناكير من الروايات والمتتبع يرى أنه ليس في كتبه النصف بل ولا الثلث مما في كتبهم من الروايات التي رُمي بالغلو ،بسببها فمن رد الشمس إلى خطابها يا أول يا آخر إلى إحياء الموتى .. حتى تدله بعض العلماء من غير الشيعة فقال : تقيلت أفعال الربوبية(1).. يا أيها النار التي شبَّ السنا منها لموسى(2).. وأنت نقطة باء في توحدها(3). . مما لا يوصف به إلا الجلالة العظمى تقال في حق رجل ليس له من الميزة على الناس إلا كونه ابن عم صاحب الدعوة وما عدا ذلك فهو والناس شرع سواء في المطعم والملبس والمشرب.
إن هذا الأمر لأغرب وأعجب من كل أمر، وإذا علمت أن ثقات الإمامية الذين يُشار إليهم بالبنان وثقوه وأن المتأخرين الذين هم أخوف الله من أن يبتدع . هذا ما رأيته وأظنني كتبت ما أداني به الحق لا الهوى وهو ما يُطلب من الكاتب، ولا أنكر أن يكون للإعتقاد بعض التأثير ولكنني تجنبت التحيز جهد الاستطاعة، والعصمة لمن اختصه الله بها والسلام(4).
مؤلفاته كثيرة : قيل أنها بلغت ثلاثين كتاباً منها : الإخوان (5). المسائل(6). تاريخ الأئمة (7). الرسالة(8). أسماء النبي(9) ...
ص: 27
أسماء الأئمة(1). المائدة (2) الروضة . أقوال أصحاب الرسول وأخبارهم (3) العقود(4). وله ديواني شعر(5) هما : ديوان الغريب(6)، والديوان الشامي(7).
- كتاب الهداية الكبرى(8) : من الكُتُب النفيسة ذات الأثر العميق في الفكرة العَلَويَّة، وآية ذلك أنَّ السَّيد الخصيبي أهداه لسيف الدولة الحمداني الذي كان معروفاً بالاعتدال في تشيعه(9).
قال الشيخ آغا بزرك الطهراني (رحمۀ الله علیه): ولعل كتاب الهداية هو الذي عبر عنه النجاشي بكتاب تاريخ الأئمة (عليهم السلام)(10).
وذكره الحر العاملي صاحب أمل الآمل في كتاب الهداة في النصوص والمعجزات ونسب إليه الكتاب المذكور، قال: ويروي عن كتابه هذا ابن طاووس
ص: 28
في أوائل الإقبال وعبَّر عنه بالحسين بن حمدان الخطيب، ولعله غلط النساخ، [نقل عنه أنَّ الإمام الحسن العسكري كانت وفاته في الثامن من ربيع الأول].
وقال في أوائل البحار وكتاب الهداية في تاريخ الأئمة(عليهم السلام)ومعجزاتهم، للشيخ الحسين بن حمدان الخصيبي؛ مشتمل على أخبار كثيرة في الفضائل والمعجزات، وفي الرياض نسبه إليه في كتاب الهداة المذكور أنفاً .
يعتني المؤلف في كتابه الهداية الكبرى بفضائل أهل البيت، وما وصله من المعجزات والكرامات التي أكرمهم الله وخصّهم بها دون غيرهم من البشر .
قال المولى الميرزا محمد تقي الشيرازي الملقب بحجة الإسلام: إسناد كتاب الهداية وسائر مرويات الحسين بن حمدان عن التلعكبري إجازة وسماعاً عنه (1).
وقال : وبالجملة هذا الكتاب من الكتب المتقنة، ليس فيه أمر منكر، وأكثر أخباره موافقة لما رواه أصحابنا الأجلة، إما لفظاً وإما معنى(2).
قال الكجوري صاحب كتاب الدمعة الساكبة(3)واصفاً الهداية : وعثرنا على أحد عشر كراساً، واحدٌ منها في شطرٍ من أحوال الإمام الحادي عشر «أي الحسن العسكري(عليه السلام)» وسبعة منها في أحوال الخلف الحجّة(عليه السلام) وكيفية ظهوره، ورجعة النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)والأئمة(عليهم السلام)؛ برواية المُفَضَّل بن عمر.
وثلاثة منها في أحوال اثني عشر هم أبواب الأئمة الاثني عشر، وكتب على آخرهم تمَّ الجزء الثاني .
ومن خلال هذا الكلام استظهر صاحب الدمعة الساكبة أنها تكملة للهداية، والجزء الثاني منه ثم قال : ويوجد الكتاب عند فضل الله شيخ الإسلام بزنجان الأحد عشر كراساً، بخط نصر الله القزويني 1280ه_، كتبه عن نسخة العلامة المجلسي، وألحق بآخره رسالة مختصرة في أحوال مؤلف الهداية(4). كما توجد نسخة عند الحاج مولى علي الخياباني، كما فصله في وقائع الأيام(5)، ونسخة عند
ص: 29
السماوي، وأخرى بمكتبة [جعفر] كاشف الغطاء رقم(1) .
وهناك نسخة في مكتبة آية الله العظمى السيد أبو المعالي شهاب الدين المرعشي النجفي(قدس سره الشریف)، في مكتبته في قم، برقم: 2973.
وطبع الكتاب أول مرة في مؤسسة البلاغ في بيروت، ثم تتالت الطبعات الكثيرة لهذا الكتاب وللأسف طبع مع كثرة الأخطاء، والنقص ..
قال العلامة الشيخ سليمان الأحمد( قدس سره الشریف)واصفاً كتاب الهداية الكبرى شعراً :
بوركت ليلة خلوت فطا*** لعت بأثنائها كتاب الهداية
مخلصاً للنبي والعشرة الأ*** طهار آل الرسول صدق الولاية
موقناً في سريرتي إنما الأمر*** إليهم بداية ونهاية
هم غیاث لنا وغاية قصدِ ***يا إلهي وأنت للكل غاية
ربّ فاجعل ولاءهم لنجاتي*** يوم القاهم لدى البعث آية
وعلى سرّ سرّهم ثبت اللهم*** قلبي رواية ودراية(2)
ص: 30
الرواة الذين روى عنهم
الحسين بن حمدان في كتابه الهداية الكبرى
في البدء نذكر أسانيد كتاب الهداية، وهي ثلاثة أسانيد:
السند الأول : قال أبو عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي :
مالك البزاز الفزاري الكوفي ، قال : حدَّثني عبد الله
حدثني جعفر بن محمد محمد بن ابن يونس السبيعي قال: حدثني المُفَضَّل بن عمر ،الجعفي، عن سيدنا أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام).
السند الثاني : قال الحسين بن حمدان حدَّثني محمد بن إسماعيل الحسني كذا في المطبوعة من الهداية لكن في المخطوطة: محمد بن موسى الحسني – تارة و - محمد بن المُفَضَّل بن الحسين - أخرى عن أبي محمد الحسن بن علي الحادي عشر (العسكري)(عليه السلام).
السند الثالث: قال الحسين بن حمدان حدَّثني المنصور بن ظفر - كذا فیالمخطوطة - ، وفي المطبوعة : منصور بن جعفر، قال:
حدَّثني أبو بكر أحمد بن محمد القرباني – كذا – المتطبب - كذا - ببیت المقدس، لعشر خلونَ من شهر شعبان سنة اثنتين وثلاثمائة، قال: وفي المخطوطة: أحمد بن محمد العريضي - كذا - قال : حدثني نصر بن علي الجهضمي(1)، قال: سألت سيدنا أبا الحسن الرضا(عليهالسلام) عن آبائه(عليه السلام).
ص: 31
رواة الشيخ الخصيبي( قدس سره الشریف)
وأمَّا الرواة الذين روى عنهم الإمام الحافظ الشيخ أبي عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي (قده) في كتابه الهداية هم من الرواة الثقات، الذي تشرف بعضهم برؤية الإمامين العسكريين(عليهم السلام)، ومن هؤلاء الرواة :
إبراهيم بن الخصيب(1). أبو علي، أحمد بن إسحاق الأشعري(2). أحمد بن إسماعيل(3). أحمد بن جعفر الطوسي(4). أحمد بن حسّان(5). أحمد بن حيان العجلي(6). أحمد بن داوود بن علي القمي(7). أحمد بن سعد الكوفي(8) .
أحمد بن سندولا (9). أحمد بن أبي عبد الله البرقي(10). أحمد بن عبد الله بن
ص: 32
مهران الأنباري(1)أحمد بن عبد الله بن صالح(2). أبو الحسن، أحمد بن عثمان العمري (3). أحمد بن مالك القمي(4). أبو علي، أحمد بن محمد بن عمار الكوفي(5)، أحمد بن محمد بن عيسى بن بصير(6)،أحمد بن محمد الخصيبی(7). أحمد بن محمد النيسابوري(8). أحمد بن محمد الحجال(9).
أحمد بن محمد بن أبي قرنة(10). أحمد بن المنذر(11). أحمد بن مهران(12).أحمد بن محمد الصيرفي، المعروف بابن الدلال(13). إسحاق بن إسماعيل
ص: 33
(2) النيسابوري(1). جعفر بن إبراهيم بن نوح (2). جعفر بن أحمد القصير البصري(3) .جعفر بن محمّد الرامهرمزي(4). جعفر بن محمّد بن إسماعيل الحسيني(5) .جعفر ابن المُفَضَّل المخلول(6). جعفر بن يزيد القزويني(7).الحسن بن إبراهيم(8). أبو الحسين، الحسن بن جعفر العلوي الفراتي(9). الحسن بن علي الكوفي(10) .الحسن بن علي البلخي(11). الحسن بن عيسى(12). الحسن بن مالك القمي(13). الحسن بن محمَّد بن جمهور القمي(14)
ص: 34
الحسن بن محمد بن مسعود بن سعد(1). الحسين بن داود السعدي(2). أبو العباس، الحسين بن عتاب بن يونس(3). الحسين بن علي الصائغ(4).
الحسين بن غياث(5). والده، أبو الحسين حمدان بن الخصيب بن أحمد الجنبلاني(6) . حمزة بن نصر(7). داؤود بن عامر الأشعري القمي(8). الريان مولى الرضا(9). أبو سعيد سهل بن زياد الآدمي (10)......
ص: 35
36
صالح بن محمد الهمداني(1) .
طالب بن حاتم بن طالب (2). العباس اللبان الشيباني(3). عبد الله بن جرير النخعي(4) .. أبو العباس عبد الله بن جعفر الحمير(5). عبد الله بن زید الطبرستاني(6). عبد الله بن عبد الباري(7) . عبد الله محمد(8)عبد الحميد بن محمد(9). عسكر مولى أبي جعفر التاسع(10). علي بن أحمد الصائغ(11)أبو الطيّب، علي بن أحمد الطيب الصابوني(12). أبو الحسن علي بن بشر(13)أبو الحسن علي بن بلال البغدادي(14).
ص: 36
علي بن الحسين الكوفي(1). علي بن صالح(2). أبو الحسن ،علي بن عاصم الكوفي (3). أبو محمد ،علي بن عبيد الله الحسني(4). علي بن ياسين(5). أبو محمد، عیسی بن مهدي الجوهري(6). غيلان الكلابي(7)محمَّد بن إبراهيم الخياط(8). محمد بن أبان(9)
محمَّد بن إبراهيم الكوفي(10). محمد بن أبي الصهبان(11). محمد بن أحمد ابن مطهر البغدادي(12)
ص: 37
أبو جعفر بن إسماعيل الحسيني(1). محمد بن جابر بن عبد الله بن خالد الخزاعي(2). أبو بكر محمد بن جبلة التمار(3). أبو جعفر، محمّد بن جرير الطبري الآملي(4). محمّد بن الجليل(5). محمّد بن الحسن بن عبد الحميد القطاني(6). محمد بن خالد (7). أبو بكر، محمد ابن خلف الرازي(8). محمد بن زيد(9). محمد ابن عبد الرحمن الطريقي(10). محمد بن عبد الله الطلحي(11). محمد بن عبد الحميد البزاز(12) . محمد بن عبد الله اليقطيني البغدادي(13). محمد بن عبد الله الشاشي(14). محمد بن علي بن عبيد الله الحسني(15). محمد بن علي البشري، وقيل : الميسري(16). محمد بن علي الرازي(17). محمد بن عمير (18). محمد بن
ص: 38
غالب (1). محمد بن القاسم العطّار(2). محمّد بن منير القمي(3). محمد بن موسى القمي(4). محمد بن ميمون بن أحمد الخرساني(5). أبو الحسين، محمد بن يحيى الفارسي(6).
أبو الحسن، محمد بن يحيى الخرقي (7)منصور بن صفر(8).موسى بن محمّد الرازي(9). النصر بن محمّد بن سنان الزهري(10). أبو القاسم، هارون بن مسلم بن سعدان البصري(11). يعقوب بن بشر(12). يعقوب بن حازم (13).
أبو بكر الجواري(14). أبو بكر الصفار(15).
ص: 39
العلماء الذين اعتمدوا على كتاب الهداية
لقد نقل عنه الكثير من العلماء في مصنفاتهم، منهم:
/1 نفس الرحمن : المحدث الحاج ميرزا حسين النوري الطبرسي ت 1320ه_، في الباب الرابع عشر(1).
/2 مدينة المعاجز: السيد هاشم البحراني ت1107 ، تح: الشيخ عزة الله المولائي الهمداني(2).
3/ منتخب البصائر (مختصر بصائر درجات الشيعة ): الشيخ حسن بن سليمان الحلّي، ت ق 9ه_(3)
4/ إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: لشيخ المحدِّثين محمّد بن الحسن بن علي بن الحسين الحر العاملي( قدس سره الشریف)، المتوفى سنة 1104ه_(4)
/5 الفرقان في تفسير القرآن : للعلامة الصادقي.
6/ إقبال الأعمال: السيد علي بن موسى المشهور بابن طاووس(رحمۀ الله علیه)، المتوفى سنة 664ه_ (5)
7/ بحار الأنوار: المولى محمد باقر المجلسي، ت1111(6).
ص: 40
8/وسائل الشيعة : الشيخ محمد الحر العاملي، ت1104ه_(1).
9/ الإمامة والتبصرة من الخيرة: الفقيه المحدّث أبي الحسن علي بن بابويه القمي والد الشيخ الصدوق المتوفى سنة 329ه_ .
10/ تاريخ أهل البيت الحافظ الشيخ أبي محمد عبد محمد عبد الله بن النصر بن الخشاب البغدادي( قدس سره الشریف)، المتوفى سنة 567ه_.
11/ تفسير القمي : المنسوب لعلي بن إبراهيم القمي ( قدس سره الشریف).
12/ الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف السيد ابن طاووس( قدس سره الشریف)، تح: السيد علي عاشور(2).
13/ الرجعة الميرزا محمد مؤمن بن درست محمد الحسيني الأسترابادي، الشهيد بمكة سنة 1088ه_ ، نقل عن مخطوطة الهداية حيث قال : الحسين بن حمدان عن محمد بن إسماعيل بن إسماعيل . . . الحديث(3).
14 / الدمعة الساكبة الشيخ المحقق محمد باقر عبد الكريم البهبهاني ( قدس سره الشریف)المتوفى سنة 1285ه_ (4)
15/ الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم: العلامة المتكلم الشيخ زين الدين أبي محمد علي بن يونس العاملي النباطي، البياضي(5).
16/ مستدرك وسائل الشيعة العلامة الكبير الشيخ الميرزا حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي( قدس سره الشریف)ت1320ه_(6).
17 / فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب الميرزا النوري(7).
ص: 41
18/ خاتمة المستدرك: الميرزا النوري(1) .
19/ صحيفة الأبرار الميرزا محمد تقي الملقب بحجة الإسلام( قدس سره الشریف)(2).
20/ الوافي : المولى محمد محسن المعروف بالفيض الكاشاني( قدس سره الشریف).
21/ العصمة والرجعة : الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي( قدس سره الشریف)(3).
22/ عيون المعجزات(4): الشيخ حسين بن عبد الوهاب (رحمۀ الله علیه)، من علماء القرن الخامس الهجري المعاصر للشريف الرضي( قدس سره الشریف).
23 / قطرة من بحار مناقب النبي والعترة(عليهم السلام): لآية الله السيد أحمد المستنبط( قدس سره الشریف)(5).
24/ حق اليقين في معرفة أصول الدين السيد عبد الله شبر( قدس سره الشریف)(6).
25/ أسرار آل محمد(عليهم السلام): للعارف بالله المرجع الديني الشيخ يوسف حسن 25/ كنج العاملي( قدس سره الشریف)(7).
26/ جامع أحاديث الشيعة السيد البروجردي، ت1383ه_ (8).
27/ مستدرك سفينة البحار : الشيخ علي النمازي الشاهرودي، ت 1405ه_، تح وتصحيح: الشيخ حسن بن علي النمازي(9) .
28/ سلوني قبل أن تفقدوني : الشيخ محمد رضا الحكيمي .
29/ مسند الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام): السيد حسن قبانجي (رحمۀ الله علیه).
ص: 42
30/ سفينة النجاة : الميرزا الإحقاقي (رحمۀ الله علیه).
31/ العلامة السيد الشريف الدكتور عبد المحسن السراوي حفظه الله فیتحقيقه على كتاب معجزات وأعلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)(1).
32/ سنن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): السيد الطباطبائي، ت 1412ه_ تح وإلحاق الشيخ محمد هادي الفقهي(2).
33/ مسند الإمام الرضا(عليه السلام): تجميع وترتيب الشيخ عزيز الله عطاردي الخبوشاني معاصر(3).
34/ معجم أحاديث الإمام المهدي(عليه السلام): الشيخ علي الكوراني العاملي ،معاصر ،إشراف: الشيخ علي الكوراني العاملي(4) .
35/ مكاتيب الرسول : آية الله علي الأحمدي الميانجي معاصر(5) .
36/ موسوعة الإمام الجواد(عليه السلام): السيد الحسيني القزويني معاصر، إشراف : أبي القاسم الخزعلي(6).
37/ موسوعة كلمات الإمام الحسين(عليه السلام): لجنة الحديث في معهد باقر العلوم ، معاصر(7).
38/ بحوث في تاريخ القرآن وعلومه السيد مير محمدي زرندي، معاصر(8) .
ص: 43
39/ اعتمد عليه بالتحقيق : إكليل المنهج في تحقيق المطلب : محمد جعفر بن محمد طاهر الخراساني الكرباسي، ت1175ه_ ، تح: السيد جعفر الحسيني الاشكوري(1).
40/ اعتمد عليه بالتحقيق : المعلى بن خنيس : حسين الساعدي، معاصر(2).
41/ مستدركات علم رجال الحديث : الشيخ علي النمازي الشاهرودي ت 1405ه_ (3).
42 / كفاية الأثر الخزاز القمي، ت 400 ه_ ، تح: السيد عبد اللطيف الحسيني الكوهمري الخوئي(4).
43 / منابع العرفان عند المسلمين العلويين : الأستاذ حسن يونس حسن .
44/ العلويون بين الأسطورة والحقيقة: الأستاذ هاشم عثمان(5)
45/ الشيخ الخصيبي قدوة مثلى يحتذى : الشيخ حسين محمد مظلوم (6).
46/ كتاب الدهشات للشيخ الجليل الشاعر لقمان بدر غرة حفظه الله .
47 / معاجز أهل البيت(عليهم السلام): محسن عقيل(7)... إلخ .
وفاته : توفي في ربيع الأول سنة 358ه_ : في حلب، كما حلب، كما يرى ذلك المولى محمّد تقي الشيرازي( قدس سره الشریف)، صاحب صحيفة الأبرار، والإمام السيد محسن الأمين( قدس سره الشریف)، في أعيان الشيعة وقيل : يوم الأربعاء لأربع ليال خلون من ذي القعدة سنة 346ه_ ، والأصح عندي القول الأول.
وشهد وفاته جم غفير من تلامذته ومريديه منهم : أبو محمد يونس البديعي،
ص: 44
وأبو محمد الحسن بن محمّد الإعزازي، وأبو الحسن محمّد بن علي الجلي وحضر أيضاً أمراء الدولتين الحمدانية والبويهية، وشيوخ القبائل العربية من كلاب ونمير وكلب وتغلب وبهراء. وقد صلى عليه الأمير سيف الدولة الحمداني، ودفن في مشهد الدكة بالجانب الغربي من بر حلب، ويعرف بالشيخ يبرق(1). والله أعلم بحقائق الأمور.
ص: 45
كلمة شكر
أشكر كل من ساهم وساعد في إنجاز هذا الكتاب المبارك، وأسأل الله تعالى أن يجزيهم أحسن الجزاء.
عملنا في الكتاب
باعتبار الكتاب من الكتب المشهورة والمطبوعة بكثرة، فقد اعتمدت على النسخة المطبوعة الموافقة لأكثر النسخ المخطوطة، وأمَّا الجزء الثاني عن نفس المخطوطة، فقمت بالخطوات التالية :
1/ تسميته : الهداية الكبرى تاريخ النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) والأئمة(عليهم السلام) ومعجزاتهم.
2/ تصحيح النص من الأخطاء وإكمال النقص في الهامش من الكتب التي نقلت عن كتاب الهداية، وهي غير موجودة في النسخ المطبوعة .
3/ رقمت الروايات بشكل متسلسل، في كل باب، مع وضع عنوان مناسب لكل رواية .
4/قابلت نصوص الكتاب مع الكتب التي نقلت عنه .
5/ ما بين [] ليس من متن الكتاب ؛ وإنما عملنا للكتاب.
6/ ضبط الآيات القرآنية من القرآن الكريم.
7/ تخريج الأحاديث من الكتب المعتبرة، بالإضافة إلى كتب الفضائل والمناقب، والتفسير والتاريخ على قدر المستطاع ..
8/ ترجمة بعض الرواة وغيرهم ...
9/أضفت الجزء الثاني : وهو الباب الخامس عشر، بعنوان: أبواب
ص: 46
المعصومين، باعتبار أن المصنف الله أشار إليه في مقدمة الكتاب، وهذا الجزء غير مطبوع في الطبعات المتداولة.
10/لم أتطرق لتصحيح الروايات أو تضعيفها مع العلم أنه يوجد روايات ضعيفة .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
مصطفى الخضر
الجمعة 25/ ذو الحجة / 1427ه_ (1)الموافق : 22/ك2007/1م
سورية - حمص
ص: 47
ص: 48
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ابتدأنا بعون الله ،وقوّته، وبركة أسمائه وجلاله واسمه وبابه وأهل مراتب قدسه، وعالم أنسه وملكه وأن يوصلنا بهم إلى الرضا وبلوغ المنى .
وهو سماعه من الرجال الثقات، الذين لقيهم(عليه السلام)، منهم من عاشر الموليين السيدين الإمامين العسكريين(عليهم السلام)، وروى عن ما يشتمل على أسماء رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وأسماء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)في السريانية والعبرانية وجميع اللغات المختلفة .
وأسماء فاطمة الزهراء(عليها السلام)، وعلى الأئمة الراشدين الحسن والحسين ابني علي، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي، ومحمد بن الحسن (الحجة) سمي جده رسول الله وكنيته بجده، ولقبه المهدي والغائب والمنتظر صلوات الله عليهم أجمعين).
وأسمائهم وكناهم الخاص والعام منهم، وأسماء أمهاتهم ومواليدهم وأولادهم، وبراهينهم ودلائلهم ووفاة كل منهم ، وشاهدهم، وأبوابهم(1)، والدلالة من كتاب الله (عزّوجل) والأخبار المأثورة المرويَّة بالأسانيد الصحيحة، وفضل شيعتهم، نفعنا الله بهم جميعاً إنه على كل شيء قدير، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وهو ربُّ العرش العظيم.
ص: 49
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله مبدئ الحمد وباريه ومقدّره وقاضيه والآمر به وراضيه جزاء من عباده عن نعمه والمستوفي لهم جزيل قسمه والمزحزح عنهم حلول نقمه الفارض له عليهم الخاتم فيما أنزله إليهم المستحق على هدايته لهم حمده على نعمه، إذ كان حمدهم له على نعمه نعمة أنعمها منه عليهم الذي لم تدرج نوره الدياجي، ولم تحط بقدرته الأماكن ولم تستقل بذات كبريائه المعادن، ولم تستقر لجلال ملكوته المواطن .
الأول إذ لا أول مكيف والآخر إذ لا آخر مستحدث، الدائم في أزليته الباقي في ربوبيته الشاهد على خليقته فاطر المخلوقين بحسن تدبير الحكمة ومكوّنها أجساماً وأشخاصاً وأشباحاً وأرواحاً، وصوراً مختلفة وغير مختلفة ومتشابهة وغير متشابهة .
الذي لم تكله قدرته فيما خلق إلى ظهير ولم تدعه مبهرات عجائب ما فتق ورتق إلى مستعين به في أمره ومشير المظهر فيما ذرأه وبرأه مما شوهد بعيان واستُدِلَّ عليه ببرهان بدائع تحُسِرُ عقول المخلوقين عن بلوغ تحديدها المستشهد عند ذوي العلم والعقول خلق ألسنتهم وأنفسهم وألوانهم ولم يحيطوا به علماً، ولم يبلغوه فهماً، إذ لا صانع لهم دونه، ولا مركب لهم في تأليف غيره، ولا متقن في تصنيف، ولا مدبر في توليف غيره.
أحسنَ كلَّ شيء خلقه، الذي لم يعزب عنه علمه في ديجور طبقات السماوات ولا في دياجي ظلمات الأرضين المدحيَّات، ولا في قعر البحور الزاخرات، ولا كائن من المخلوقين إلا أحاط به قوَّةً وعلماً واقتداراً وسلطاناً .
الذي لم يفته متعزز بفناء وإكثار ، ولا ذو بطش جبار، متقلباً في كبريائه، لا
ص: 50
متقلب في ليل ولا في نهار ، ممتنع ببهاء وأوطار ، لا يحتوي بمدى عمر ذي أقطار فيدركه طلب بمستعان بل أشفى بطوله بريته وشمل بحوله خليقته، وسعت كلُّ شيء رحمته لطفاً وامتناناً .
فهو أزل قديم، في أزليته غير مشهود وفي كمال كليته غير محدود، ولا مدرَك بلحاظ عيون الناظرين ولا بحواس خواطر عقول العارفين موجود، ولا مقربهم عن بلوغ ذلك منفرداً، بل هو في ظواهر حكم صنعته ومراضي قضاء قدرته، ونفوذ سلطان عزّه، وتفرده بالصمدية معروف غير مجحود، وهو في حال فقر عباده إليه اعتمام(1) ما خوّلهم إياه، ولا يتعاظم وإن كبر عند المرزوقين، ولا ينقصه عطاؤه إياهم لأنَّه ليس بمحدود من خزائنه، ولا يغيظه تمرُّد المتمردين عليه وإن استكبروا عن أداء الشكر له على ذلك في حال طاعتهم ومعصيتهم إياه، فهو على كل حال محمود .
وكيف لا يكون ذلك وزمام كل شيء في قبضته وقضاء قدرته يحكم فيه ولا يحُكُمُ عليه، الأشياء خاشعةٌ له، وهو على كل شيء قدير .
وهو الله الذي نشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له في ملكه، وأنَّ محمداً عبده ورسوله ،أرسله بالهدى ودين الحقِّ ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون .
اللهمَّ أنزل زاكيات صلواتك، ومكرمات بركاتك، وتحنن رأفتك، وواسع رحمتك، وطيبات تحياتك، وفوز جنّاتك على محمد عبدك ورسولك ونبيك وصفوتك وخيرتك من خلقك، وعلى علي أخيه أمير المؤمنين، ونور العارفين وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، وأفضل الوصيين.
وعلى الأئمة الراشدين الحسن الزكي في الزاكين والحسين الشهيد الصابر في المحنة طهر الطاهرين وعلى علي سيد العابدين وعلى محمد باقر علم الأولين والآخرين، وعلى جعفر الصادق في الناطقين، وعلى موسى نورك الكاظم في الكاظمين وعلى علي الرضا في المؤمنين وعلى محمد المختار في صفوتك المختارين وعلى علي الهادي في الهادين وعلى الحسن المنتجب المستودع سرك في المستودعين.
ص: 51
اللهمّ أصلح بإصلاحك الكامل المبلغ ما بلغته المؤمنين من عبادك، عبدك الزكي الذي استخلصته لنفسك، وخليفتك الذي استخلفته في خلقك، وأمينك الذي ائتمنته على مكنون علمك، وحجّتك التي اتخذتها على أهل سماواتك وأرضك وعينك الناظرة التي حرست بها نعمك عند أوليائك، ويدك التي تقبض بها وتبسط أمرك ونهيك ولسانك الناطق المبين برحمة كنه غيبك ووحيك، ووجهك الدال عليك في وحدانيتك .
وصراط دينك المستقيم وسبيل رشادك المفهوم ومنهج هدايتك المعلوم الصادق الناطق الفاتق الرائق الأمر بطاعتك الناهي عن معصيتك المرجّى الثوابك، المحدر من عذابك حجّتك وابنُ حجّتك وصفوتك وابن صفوتك، وخيرتك وابن خيرتك، وأنيسك من خلقك ووصيك سمي جده رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) الإمام المهدي حجّتك يا رب العالمين، الذي خلقته نوراً للمؤمنين، وقدوةً للمقتدين وملاذاً للائذين وكهفاً للاجئين وأماناً لعبادك المرعوبين، ناصر المضطرين، ومدرك وتر المغلوبين، والآخذ بحق المغصوبين، مجلي الروعات، وكاشف الكربات، ومزحزح الضلالات ومزهق المعطلات، ومشفي الخواطر المضنيات ومزيل الفكر المخرّبات، وفاتح القلوب المقفلات، ومبصر العيون المسملات(1)، ومسمع الآذان الصامات، ومحقُ الكلمات التامات، الفتح الأكبر، والنصر الأظفر، والأمل المنتظر، منتهى رغبة الراغبين وغاية منية الطالبين وأحمد عواقب الصابرين وحبيب قلوب المؤمنين وفرجاً لعبادك المختارين، رحمةً منك لهم يا ربَّ السماوات والأرضين.
اللهمّ أنجز له كلَّ وعدك، وحقق فيه موعدك، واستخلفه في أرضك كما وعدتنا به .
اللهمَّ أورثه مشارق الأرض ومغاربها التي باركت فيها، ومكن له دينك الذي ارتضيته له، وثبت بنيانه وعظم شانه، وأوضح برهانه، وعل درجته، وأفلج حجته، وشرف ،مقامه، وأمض رأيه واجمع شمله وانصر جيوشه وسراياه ،ومرابطيه وأنصاره وأشياعه وأتباعه وأعوانه وحزبه وجنوده وأحباءه وخيرته وأولياءه وأهل طاعته.
ص: 52
اللهمّ انصرهم نصراً عزيزاً، وافتح له فتحاً مبيناً ، واجعل له من لدنك على عدوّك وعدوه سلطاناً نصيراً . اللهم وأمدده بنصرك بملائكتك وبالمؤمنين، واجعلنا له حواريين، ننصره حتى نعزره ونقره ونؤمن به نصدقه ونعزه ونُعَزُّ به .
اللهمّ فاكشف عنا به العمى وأذهب به عنا الضر، واهدنا به سبيل الراشدين، وتول نصر دينك على يد وليك ، واجعلنا ممن جاهد في سبيلك، وطهر الأرض بإظهاره من القوم الظالمين حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين لك يا رب العالمين.
اللهمّ أظهره، وأعزّ بإظهاره وإظهارك له أولياءك ، وأيده وأيد به، وأعلنه ولا تخفيه وامحق قبل إظهارك له أعداءك، وأعز أولياءك، وزد في أعمارهم، وطول آجالهم وتمم ،أيامنا ولا تقصر ،مددنا ولا تمتنا بحسرة من لقاء سيدنا حتى ترينا وجهه وتُشهدنا شخصه، وتسمعنا كلمته وتنجينا في أيامه، وترزقنا نصرته في أعمالنا ونياتنا وقلوبنا وشرفنا في دولته الزكيَّة المباركة الطاهرة المرضية، فإنما نحن أولياؤك يا رب العالمين.اللهمّ وأنزل اللعنة (1) الكافية، المغضبة المردية،
ص: 53
المخزية المخسِرة المدمرة على أعدائك وأعداء ملائكتك وأنبيائك ورسلك
ص: 54
وأصفيائك وأوليائك المخلصين من الظالمين الأولين والآخرين، وعلى أشياعهم وأتباعهم وأحبائهم وحزبهم وجندهم ،ورعيتهم ومن تابعهم بقلبه وعمله، ومن أحمد لهم رأياً وأمراً ورضي لهم فعلاً واستطال لهم رأياً، وقال فيهم خيراً، ودفع عنهم شرًّا وزدهم عذاباً ضعفاً في النار ، والعنهم كثيراً، وأصلهم سعيراً، ولفهم ثبوراً، وتبرهم فيها تتبيراً، ولا تذر منهم كبيراً ولا صغيراً، وأدخلهم في العذاب، ولا تخفف عنهم يوماً منه ، وخلّدهم في الدرك الأسفل من النار وعذبهم عذاباً لا تعذب به أحداً من العالمين، وطهر الأرض منهم أجمعين، ومن بدعهم وخلافهم وجحدهم وجورهم وظلمهم وغضبهم وغشهم وآثامهم وأوزارهم ومكرهم وخداعهم وسيئاتهم، واجعل الأرض منهم جميعاً قاعاً ،صفصفاً لا نرى فيها عوجاً ولا أمتاً .
واجعلنا ممن برئ إليك من أعمالهم والتباسهم وجرائرهم، وثبتنا على ما إليه
ص: 55
هديتنا من موالاة أوليائك وعداوة أعدائك، واجعلنا من الموفين بعهدك وعقدك وميثاقك الذي ألهمتنا لسعادتنا، ولا تضلنا بعد إذ هديتنا، وزدنا بصيرة وإيماناً ويقينا ورضاً ،وتسليماً ولا ترنا حيث نهيتنا ولا تفقدنا من حيث أمرتنا أبداً ما أبقيتنا، بطولِكَ وَمِنْكَ يا أرحم الراحمين .
ص: 56
قال السيد أبو عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي
حدثني جعفر بن محمد بن مالك البزاز الفزاري الكوفي، قال: حدثني عبد الله ابن يونس السبيعي، قال: حدثني المُفَضَّل بن عمر عن سيدنا أبي عبد الله جعفر الصادق(عليه السلام)
قال الحسين بن حمدان(1): حدثني محمد بن إسماعيل الحسني، عن سيدنا أبي عبد الله الحسن بن علي(عليه السلام)وهو الحادي عشر من الأئمة (عليهم السلام)..
قال الحسين بن حمدان : حدثني منصور بن جعفر(2)، قال : حدثني أبو بكر، أحمد بن محمد القرباني(3)، المتطبب ببيت المقدس، لعشر خلون من شهر شعبان سنة اثنين وثلاثمائة، قال: حدثني نصر بن علي الجهضمي(4)، قال: سألت سيدنا أبا الحسن الرضا علي بن موسى بن جعفر(عليه السلام)، عن أعمار الأئمة من آل رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فقال الرضا(عليه السلام) : حدثني أبي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين بن علي أميرالمؤمنين (عليه السلام).
ما رواه، عن جعفر بن محمد بن مالك، عن عبد الله السبيعي، عن المُفَضَّل ابن عمر، عن مولانا الصادق(عليه السلام)... ما رواه، عن محمد بن إسماعيل الحسني، عن أبي محمد الحسن، الحادي عشر من الأئمة(عليه السلام)، فقالوا جميعاً :
ص: 57
أن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)(1)مضى، وله ثلاث وستين سنة(2)، منها أربعون سنة(3)قبل أن ينبأ، ثم نزل عليه الوحي ثلاثاً وعشرين سنة(4)وهاجر إلى المدينة هارباً من مشركي قريش؛ وله ثلاث وخمسون سنة(5).
وأقام بالمدينة عشر سنوات(6)، وقبض يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول(7)من إحدى عشرة سنة من سني الهجرة.
ص: 58
وطه(1)، ونون، وحم عسق والحواميم السبعة والنبي(2)، والرسول(3)، والمزمل، والمدثر، والطواسين الثلاثة وكل ألف ولام وميم وراء وصاد في أول السور فهو من أسمائه وكهيعص .
وفي صحف إبراهيم إلى آدم صلى الله عليهما بالسريانية – مفسراً بالعربية - النبي ،والمحمود والعاقب ،والناجي، والحاشر والباعث والأمين(4).
وكان اسمه في التوراة الوفي وماد الماد. وفي الإنجيل الفارقليط وفي الزبور: مهيمنا، وطاب طاب(5).
ص: 60
كنيته أبو القاسم(1) .
وأمه : آمنة بنت وهب(2) بن عبد مناف(3) بن قصي بن كلاب(4)، بن مرة(5).
والقابه : صفي الله وحبيب الله ، وخاتم النبيين، وسيد المرسلين(6)والأمی(7)والمنتجب ،والمختار ،والمجتبى والشاهد، والنذير، والداعي إلى
ص: 61
الله والسراج المنير، والرحمة، والمبلغ والمصطفى(1).
ومشهده : بالمدينة (2)[المشرفة ](3)، واسمها : يثرب وطيبة .
أولاده قال الحسين بن حمدان الخصيبي : حدَّثني أبو بكر بن أحمد بن عبد الله، عن أبيه عبد الله بن محمَّد الأهوازي - وكان عالماً بأخبار أهل البيت(عليهم السلام).
قال : حدثني محمد بن سنان الزاهري، عن أبي بصير، وهو القاسم الأسدي «لا الثقفي »عن أبي عبد الله جعفر الصادق(عليه السلام)قال :
ولد الرسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)من خديجة ابنة خويلد(عليهم السلام) : القاسم، وبه يكنى وعبد الله ، والطاهر(4)، وزينب ورقية وأم كلثوم (5)، وكان اسمها آمنة، وكان اسمها آمنة، وسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء(عليها السلام)(6)،
ص: 62
وإبراهيم(1)من مارية القبطية(2)، وكانت أمة أهداها المقوقس ملك الإسكندرية(3).
فأما رقية: فزوجت من عتبة(4)بن أبي لهب، فمات عنها (5)، فزوجت لعثمان ابن عفان(6) . وكان السبب في ذلك أنَّ رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)نادى في أصحابه بالمدينة : من جهز جيش العسرة، وحفر بئر رومة، وأنفق عليها من ماله ضمنت له بيتاً في الجنَّة، عند الله ، فقال عثمان بن عفان أنا أنفق عليها يا رسول الله من مالي، فتضمن لي البيت في الجنَّة؟
فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): أنفق عليها يا عثمان وأنا الضامن لك على الله بيتاً في الجنَّة. فأنفق عثمان على الجيش والبئر من ماله طمعاً في ضمان رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وألقي في قلب عثمان أن يخطب رقية من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعرض ذلك على رسول الله .
فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): إنَّ رقية تقول لك لا تزوجك نفسها إلا بتسليم البيت الذي ضمنته لك، عند الله بزوجك في الجنَّة تدفعه إليها بصداقها، فإني أبرأ من ضماني لك البيت بتسليمه إليها إن عاشت رقية أو ماتت .
فقال عثمان أفعل يا رسول الله . فزوجها رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وأشهد على عثمان في الوقت أنه قد برئ من ضمانة البيت له وأنَّ البيت لرقية دونه، لا رجعة لعثمان على رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) فيه إن عاشت رقية أو ماتت .
ثمَّ إن رقية توفيت(7)قبل أن تجتمع بعثمان ولهذا السبب زوجت رقية نفسها .
ص: 63
.. ........
ص: 64
..........
ص: 65
...........
ص: 66
وأما زينب فزوجت من أبي العاص بن الربيع(1)، فولدت منه بنتاً سمَّاها أمامة، فتزوج بها أمير المؤمنين بعد وفاة فاطمة(عليها السلام)(2)
وأمَّا أم كلثوم : فإنها لم تتزوج بزوج(3)، وماتت قبل وفاة رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)(4).
وروي : أنَّ زينب كانت ربيبة رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)من جحش بعد خديجة (5)؛ قبل النبي ولم يصح هذا الخبر، ولا ملك خديجة أحد غير رسول الله، ولا ملك زوجة غيرها حتى توفيت .
ص: 67
أزواجه وكانت من أزواجه بعدها أم أيمن وأم سلمة(1)، وميمونة بنت الحارث الهلالية، ومارية القبطية - وكانت أمة - أفضل أزواج رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)وبعدهن : صفية، وزينب زوجة زيد بن حارثة .
والمذمومات عائشة وحفصة وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وهن ممن قال الله فيهن ﴿عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَجًا خَيْرًا مِنكُنَّ مُسْلِمَتٍ مُّؤْمِنَتٍ فَيْتَتٍ تَنَبَتٍ عَبِدَاتٍ سَبِحَتٍ ثَبَتٍ وَأَبْكَارًا ﴾(2)، وهذا أوضح دليل أنه لم يكن فيهن من هذا الوصف شیء.
وقال الله تعالى: ﴿يَنِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ﴾(3).
وقوله : ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾(4). وقد عرف من خرج وتبرج وشهد على أولاد الأنبياء أنهن إذا عصين عذبن بالنار(5).
وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿ ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانتا تحتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَلِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾(6)
وجمع رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) بين ثلاث عشر امرأة (7).
ص: 68
..........
ص: 69
وتوفي عن تسع أزواج(1).
ومن دلائله وبراهينه(صلی الله علیه وآله وسلم)
1 - ما رواه السيد الحسين بن حمدان الخصيبي عن [الحسن] بن علي البلخي، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد جعفر الصادق(عليهم السلام)، عن آبائه(عليهم السلام) قال : خرج رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وقد أصابه جوع شديد فمرَّ بأمير المؤمنين فقال : يا علي هل عندك طعام نطعمه»؟
فقال : يا رسول الله والذي بعثك بالحق نبياً ؛ واصطفاك على البشر ما طعمت طعاماً منذ ثلاثة أيام.
فأخذ(عليه السلام) بيده وانطلقا فإذا هما بالمقداد بن الأسود الكندي وأبي ذر، وعمار بن ياسر فقال لهم رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) : «إلى أين؟
فقالوا : إليك يا رسول الله .
فقال :« هل عند أحدكم طعام»؟
ص: 70
فقال القوم جميعاً ما أخرجنا إلَّا الجهد يا رسول الله .
فقال : «أبشروا فإنَّ الله(عزّوجل)أمر الجنة أن تتهيأ بأحسن هيئتها فتهيأت، وقال لها : يا جنتي من تحبين أن يسكنك؟ فقالت : أحب خلقك عليك، فقال لها : إني جعلت سكانك محمداً رسولي، وأهل بيته صلوات الله عليهم، وأصحابه وشيعته، وأنتم والله أصحابي وشيعتي وشيعة أهل بيتي وعترتي».
ثم أخذوا في طريقهم، فمروا بمنزل سعد بن مالك الأنصاري، فلم يلقوه، فقالت زوجته يا رسول الله فداك أبي وأمي ادخل أنت وأصحابك، فإنَّ سعداً يأتيك الساعة، فدخل هو وأصحابه جميعاً فأرادت أن تذبح عنزاً لهم فقال لها النبي :« ماذا تريدين»؟ .
قالت اذبح هذه العنزة لك ولأصحابك.
فقال لها : «لا تذبحيها فإنها عنزة مباركة ولكن قربيها مني .
فقالت یا رسول الله إنها ليس لها لبن وهي سمينة وقد عقرها الشحم فلم تحمل .
قال: «قرَّبيها إليَّ». فأدنتها منه ؛ فمسح يده المباركة على ظهرها فأنزلت لبناً، فاحتلبها، ونزع الإناء، فشرب وأسقى أصحابه حتى رووا من ذلك اللبن. ثم قال لها : «يا أم مالك إذا أتاك سعد فقولي له : يقول لك رسول الله : إياك أن تخرج هذه العنز من دارك، فإنها من قابل تحمل وتضع ثلاث سخلات في بطن، ويحملن جميعهن من قابل وتضع كل واحدة منهن أربع سخلات في بطن» .
ثم نظر في داره، وإذا هو ببقرة حمراء، فقال لامرأة سعد: «قولي لسعد: يستبدل بهذه البقرة بقرة سوداء، فإنها تضع عجلتين ببطن واحد ثم تحملان عن قليل معأمهما، فيضعن جميعا اثنين اثنين .
ورأى في جانب داره نخلة أشر ما يكون من النخل، فصعد إليها وتكلم بكلام خفي، فأنزل الله فيها بركته فحملت حملاً حسناً وأرطبت رطباً حسناً لم يكن في المدينة رطب بشبهه ولا رؤي ،مثله ودعا لسعد وأهله بالبركة.
وبشرها بغلام، وذلك أنها قالت: يا رسول الله فديتك بأبي وأمي أنا حامل ،فادع لي، فدعا لها أن يهب الله لها غلاماً ذكراً سوياً .
وخرج رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)ومن معه وأقبل سعد إلى أهله فأخبرته بدخول رسول
ص: 71
الله ، وأمير المؤمنين(عليه السلام)، والمقداد وأبي ذر وما قاله النبي لها، وما فعل بالعنز، والبقرة، والنخلة، وما بشرها به ودعائه لها، ففرح سعد بذلك وأقبل إلى النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)، فقال له : «يا سعد أخبرتك أم مالك بما قالت وقلت لها»؟ .
قال : نعم.
قال : «استبدل ببقرتك بقرة سوداء فإن الله تبارك وتعالى يهب لك منها عجلتين، ويولد لك غلام ».
قال أبو عبد الله جعفر الصادق(عليه السلام) : ما خرجت تلك السنة حتى وهب الله له منها ،غلاماً ، ورزق جميع ما قاله رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)، وما مضى له أربع سنين حتى كان أكثر أهل المدينة مالاً وأخصهم بها رجلاً، وكان النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)أكثر ما يأتي هووأصحابه إلى منزل سعد».
2 - وعنه ، قال : حدثني عبد الله بن جرير النخعي عن أبي مسعود المدائني، - عن أبي الجارود، عن أبي جعفر محمد بن علي قال: «أقبل أعرابي إلى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) وهو مع أصحابه جالس فقال : يا رسول الله كنت رجلاً ملياً كثير المال وكنت أقري الضيف، وأجل (1) وأجبر، وآمر بالمعروف وأنهي عن المنكر، وكان الله عليَّ نعمة، فذهب جميع ما كنت أملك من قليل وكثير، فشمت بي أقاربي وأهل بيتي، فكانت الشماتة عليّ أعظم من زوال النعمة وما ابتليت به».
قال: «صدقت في جميع ما ذكرت»، ثم التفت إلى جميع أصحابه، فقال: «من معه شيء يدفع إلى هذا الرجل»؟
فقالوا: يا رسول الله ما يحضرنا شيء.
فقال: «سبحان الله ما أعجب هذا»، ثم حوّل وجهه ضاحكاً مستبشراً، ورفع مصلى كان تحته وإذا بسبيكة ذهب فدفعها إليه وقال له :« خذها واشتر بها غنماً ضأناً، فإنها تبقى عليك إلى أن تموت ».
ص: 72
فقال الأعرابي : ادعُ لي يا رسول الله أن يكثر الله مالي وولدي.
فقال رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ): اللهم كثر ماله وولده .
قال أبو جعفر(عليه السلام): فما مات الأعرابي حتى ولد له اثنا عشر ولداً ذكوراً، وعشر بنات، وكان أكثر العرب مالاً، ويقال : أن الأعرابي علقمة بن علاقة العامري .
3- وعنه ، قال : حدثني جعفر بن أحمد القصير، عن أحمد بن جبلة عن زيد ابن خالد الواقفي، عن عبد الله بن جرير، عن يحيى بن نعيم، عن أبي حمزة الثمالي، عن جابر بن عبد الله بن عمر بن حزام الأنصاري، قال: خرجنا مع رسول الله إلى بني قريظة، وأقمنا إلى أن فتح الله على رسول الله وعلينا، فانطلقنا راجعين وكان في طريقنا رجل من اليهود فلما قربنا من كنيسته تلقانا والتوراة على صدره منشورة مزينة فلقي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فرحب به وقربه، وقال له: «يا أخا اليهود ما لك قد سعيت إلينا بالتوراة العظيمة القدر في كتب الله المنزلة»؟
فقال له اليهودي : جعلتها وسيلتي إليك يا رسول الله لتنزل وتأكل من طعامي.
فقال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم):(صلى الله عليه وآله وسلم)« لقد توسلت بعظيم، وأنا مجيبك يا أخا اليهود».
ثم نزل ونزلنا ، فإذا بطعام اليهودي قد حضر وحضر معه من تولى إصلاحه من المسلمين، وقال اليهودي : يا أيها النبي أنا ما صنعت طعامك بيدي، بل قوم من أهل دينك، لأنا عرفنا أنك تكره طعامنا أهل الملل ،قبلك فجلس النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وكان على الطعام خروف مشوي فغسل النبي يديه وغسلنا أيدينا، ومددنا إلى الطعام، ودعا بالبركة وضرب بيده إلى الخروف، فثغا الخروف واضطرب، فرفع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يده عنه ورفعنا أيدينا عنه فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): يا أخا اليهود عرفنا توسلك وعرفنا التوراة حقاً، وضيعت ما حفظناه فيك، أغواك الشيطان حتى رأيت هذا الخروف، وسمعت منك ما قد عرفته من نفسي» .
قال اليهودي : فإن كنت رسول الله حقاً فاسأل الله أن ينطق هذا الخروف كما أحياه لك فيخبرك بقصتنا .
ص: 73
فقال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) :« اللهم إني أسالك بقدرتك التي ذل لها ملكك إلا ما أنطقت هذا الخروف بهذه القصعة».
فقال الخروف في وسط القصعة : أشهد أن لا اله إلا الله، وأنك محمّد رسول الله، وأن الذي كان سمني لك عدوك عتيق ،وزفر، صارا إلى هذا اليهودي فدفعا إليه عشرين ديناراً وعهدوا له ولقومه من اليهود أن لا يؤذوا، وأن لا يسخروا ولا يعشروا، ولا يكرهوا على شيء يريدونه، وأنه دس السم في الطعام وتلقاك به وقالا له : إلقه في التوراة فأنه يعظمها، واسأله أن ينزل بك، وهاك هذا الخروف وهذه العشرين ديناراً، فاتخذ بها خبز البر وفاخر أطعمة الأعاجم طبيخاً ومشوياً، ودس هذا السم بهذا الخروف ففعل ذلك .
قال جابر بن عبد الله : والله لقد ظننا أن شنبويه وحبتر - لعنهما الله - قد ماتا ، لأنهما طأطاً وجهيهما .
قال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): ارفعا رأسيكما، لا رفع الله لكما صرعة، ولا أقالكما عثرة، ولا عقر لكما ذنباً ولا جريرة وأخذ بحقي منكما، إلى كم هذه الجرأة على الله ورسوله؟
فأظهرا اختلاط عقل ودهشة حتى حملا رحليهما وضرب النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بيده إلى الخروف وقال له : «ارجع بإذن الله مشوياً كما كنت»، فرجع الخروف كما كان.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)-«وقد ضرب بيده إلى لحمه -: «بسم الله الذي لا يضر مع اسمه داء ولا غائلة، وأكل، ثم قال: «كلوا» يرحمكم الله» .
فقال اليهودي : أنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك محمد عبده ورسوله حقاً حقاً، وإله موسى وهارون، وما أنزل في التوراة لقد قص عليك الخروف القصة، ما نقص حرفاً ولا زاد حرفاً. وأسلم اليهودي وغزاست غزوات، واستشهد في ذات السلاسل (رحمۀ الله علیه)(1)
ص: 74
4 - وعنه : عن أحمد بن محمد الحجال، عن جعفر بن محمد الكروزوني، عن الحسن بن مسكان عن صفوان الجمال قال قال جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام) : «لما نزلت هذه الآية: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾(1) دعا رسول الله علياً (عليه السلام)فقال : يا علي إصنع لنا طعاماً فخذ شاة وصاعاً من بر، وادع عشرة من بني هاشم وبني عبد المطلب، فصنع علي ما أمره رسول الله، وأدخلهم عليه، وكان الرجل منهم يأكل الجذعة وحده، فقرب علي منهم المائدة وقدم القصعة ووضع النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) یده على دورة القصعة.
وقال : هلموا وكلوا على اسم الله فأكلوا حتى صدروا، وفضل كثير، فبادرهم رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)بالكلام، وقال: «أيكم - يا بني عبد المطلب - يقضي ديني، وينجز وعدي، ويقوم مقامي ويكون خليفتي في أهلي ومالي، وأكون أخاه ويكون أخي في الدنيا والآخرة، ويكون وزيري وخليلي وصفيي وموضع سري، ويكون معي في درجتي»؟
فسكت القوم كلهم فقال علي(عليه السلام) :« يا رسول الله أنا أقضي دينك وأنجز وعدك، وأكون خليفتك في أمتك وأهلك، وأكون أخاك وتكون أخي وأكون معك وعلى درجتك في الدنيا والآخرة».
وكان علي(عليه السلام) أصغرهم سناً، وأعظمهم بطشاً، وأحمشهم ساقاً، فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) : قد فعلت يا علي فوجبت يومئذ المؤاخاة والمؤازرة له(عليه السلام) » .
5 - وعنه ، عن محمد بن إسحاق، عن عتبة بن مسلم - مولى بني تميم - وعبد الله بن الحارث ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب، عن عبد الله بن العباس، عن علي بن أبي طالب(عليه السلام)، قال : لما نزلت هذه الآية على رسول الله قال : يا علي إن الله أمرني أن ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ فضقت ذرعا، وعرفت أنني متى أبديت لهم ذلك أرى منهم ما أكره، فصمت حتى جاءني جبرائيل(عليه السلام) فقال :
ص: 75
يا محمد إنك إن لم تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك فاصنع لي يا علي صاعا واجعل عليه رجل شاة واملأ لنا عساً من لبن واجمع لي بني عبد المطلب حتى أكلمهم وأبلغهم ما أمرت به ففعلت ما أمرني ،به ثم دعوتهم وهم يومئذ أربعون رجلاً لا يزيدون رجلاً ولا ينقصون رجلاً وجئت بالطعام فلما وضعته تناول رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) جذوة من اللحم فشقها في نواجذه ثم ألقاها في نواحي الطعام في القصعة، ثم قال: خذوا بسم الله ، فأكل القوم حتى ما بهم من حاجة وما أرى إلا مواضع أيديهم وايم الله الذي نفس عليّ بيده، لقد كان الرجل منهم يأكل ما قدمت لجميعهم .
ثم قال : أسبق القوم، فجئتهم بذلك العس فشربوا حتى رووا جميعاً وايم الله لقد كان الرجل منهم يشرب مثله .
فلما أراد رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) أن يكلمهم بدره أبو لهب، فقال: لقد سحركم ،صاحبكم، فتفرق القوم ولم يكلمهم رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)، فقال : من الغد إن هذا الرجل قد سبقني إلى ما سمعت من القول فتفرق القوم ولم أكلمهم، فاعد لنا من الطعام مثل ما صنعت ثم أجمعهم إليَّ ، قال ففعلت ثم جمعت .
ودعا بالطعام فقربته إليهم ففعل كما فعل بالأمس، فأكلوا حتى ما بهم من حاجة ثم قال : اسقهم فجئتهم بذلك العس فشربوا حتى رووا منه جميعاً، ثم تكلم رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فقال : يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم أن إنساناً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، وإني جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على أمري هذا كله على أن يكون أخي ووصيي ووليي وخليفتي فيكم؟
فأحجم القوم، عنها جميعاً، فقلت: - والله إني أحدثهم سناً، وأطولهم باعاً، وأعظمهم بطشاً وأحمشهم ساقاً - أنا يا رسول الله مؤازرك، فأخذ رقبتي بيده، وقال : هذا أخي ووصيي وخليفتي، فاسمعوا له وأطيعوا .
قال فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب قد أمرك أن تسمع لعلي وتطيعه طاعة لا بطانة بها .
ص: 76
6 - وعنه ، عن علي بن الحسين المقري عن يحيى بن عمار، عن جعفر بن سنان الزيات عن الحسين بن معمر عن أبي بصير، عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) قال : «سار أبو طالب إلى الشام في بعض ما كان يخلف النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) بمكة، فكان يومئذ صغيراً، فلما صار معه إلى الشام خلفه أبو طالب في رحله، و دخل يمتار حوائجه .
والنبي(صلی الله علیه وآله وسلم)، عند شجرة، عند دير النصارى فأوى إلى تلك الشجرة، فنام فلم يزل نائماً، وكان لا يقدر أحد من الناس أن يدنو إلى تلك الشجرة ولا يقربها، مما كان عندها من الهوام والحيات والعقارب وبحيرا الراهب ينظر إلى النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)وإلى القوم، فأقبل يتعجب من ذلك، وقال: هذا غلام غريب نائم ها هنا، وأخاف عليه من الهوام فأقبل إليه، فانتبه من نومه ودعاه إليه، فأقبل النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)وإذا هو معافى لم يمسه سوء مما خاف عليه بحيرا الراهب.
فقال :يا غلام من أنت؟ وكيف صرت إلى تحت هذه الشجرة؟
فقال: «خلفني ها هنا عمي ومضى يقضي حوائجه من الشام، وإن لي حافظاً من الله».
فقال له بحيرا: من أنت؟ وما اسمك؟
فقال: «أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ».
قال : هل لك اسم غير هذا؟
قال : (نعم، أحمد)
قال : هل لك اسم غير هذا؟
قال: «الأمين».
قال بحيرا : اكشف لي عن كتفك فكشف له فنظر بحيرا إلى خاتم النبوة بين كتفيه، فلما رآه قبل فوق الخاتم، وأقبل أبو طالب وقد باع حوائجه، فقال بحيرا: ما هذا منك ولا أنت منه، فقد رأيت من هذا الغلام عجباً، ما نام تحت هذه الشجرة بشر وسلم من الهلاك، ولم يزل هذا الغلام نائماً تحتها وجميع ما تحتها من الحيات والعقارب حوله تحرسه في نومه.
ص: 77
فقال أبو طالب هذا ابن أخي . قال له : ما فعل أبوه؟
قال : «مات».
قال : ما فعلت أمه؟
قال : «ماتت».
قال : ما اسمه؟
قال: «محمّد».
قال : هل له اسم غير هذا ؟ قال: «نعم، أحمد».
قال: هل له اسم غير هذا ؟
قال : «الأمين».
قال : إن ابن أخيك هذا نبي ورسول ولا تذهب الأيام والليالي حتى يو إليه الله ويسوق العرب ،بعصاه، ويملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً
وظلماً، فاتق عليه خاصة من قريش واليهود ؛ فإنهم أعداء له من بين الناس.
قال له أبو طالب : «يا هذا رميت ابني بأمر عظيم أتزعم أنه نبي ولا تذهب الأيام والليالي حتى يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً ، شرقاً وغرباً، ويسوق العرب بعصاه»؟
قال بحيرا : لقد والله أخبرتك عن أمره، وهذا الذي نجده عندنا مكتوباً في سفر كذا وكذا من الإنجيل وهو الذي بشرنا به السيد عيس بن مريم
(عليه السلام)، ولم أقل فيه إلا الحق فالله الله في الغلام لا تقتله قريش واليهود، فاكتم عليَّ ما قلت لك، وأنا أشهدُ أنَّهُ محمد رسولُ الله ، وأنه الغلام الهاشمي القرشي الأبطحي وأنه عندنا مكتوب اسمه واسم أبيه من قبل، وإن أنكر من أنكر .
واعلم أنك تلقى رجلاً من إخواني ممن هو على ديني وقد قرأ مثل ما قرأت من هذه الكتب بأرض تهامة(1)، وسيقول لك بهذا الغلام ما قلته لك.
ص: 78
وكان صاحب بحيرا ورقة بن نوفل وكانا جميعاً ممن استحفظ الإنجيل وأخبار محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)وكانا أعلم أهل زمانهما .
فرجع فرحاً بما سمع من بحيرا الراهب، حتى إذا دخل أرض تهامة استقبله ورقة ابن نوفل الراهب وهو من المستحفظين الذين استودعوا علم الإنجيل والزبور، فقال ورقة بن نوفل مثل ما قاله ،بحيرا، وقال : اكتم علي يا شيخ ما قلته في هذا الغلام.
قال : وانتشر خبر النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) بأرض تهامة وكلام ورقة، فأقبلت قريش إلى ورقة بن نوفل .
فقالوا : ما هذا الذي انتشر عنك فيما قلت من هذا الغلام؟ والله لئن نطقت فيما نطقت به من أمره لنقتلنّك بأعظم قتلة، فاعلم ذلك، فخاف ورقة على نفسه فخرج من أرض تهامة وقد أظهر من أمر رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) ما أظهر، وأشهد على نفسه أنه يشهدُ أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريكَ لهُ، وأنَّ محمداً عبده ورسوله، وأنهُ نبي ورسول.
وقصد إلى الشام هارباً من قريش لأنه خافهم على نفسه، فما لبث النبي بعد ما قاله ورقة وبحيرا إلا يسيراً حتى أظهر الله دعوته، وطلبوا ورقة بن نوفل فلم يقدروا عليه .
وحفظه أبو طالب من قريش واستوهب النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) عليا بن أبي طالب من أبيه فوهبه له، فدعاه إلى الإسلام وإلى دين الله فأجابه يومئذ وهو ابن سبع سنوات. فكان أول من أسلم علي بن أبي طالب(عليه السلام)، فمكث على ذلك سنتين، وكان أبو طالب يقول لعلي: «أطع ابن عمك واسمع قوله فإنه لا يألوك(1) خيراً». فكانا يصليان جميعا ويكتمان ما هما فيه حتى أظهر الله أمر دينه فكان هذا من دلائله السلام .
7- وعنه عن أبي العباس، عن أبي غياث بن يونس الديلمي، عن أبي داود الطوسي، عن محمد بن خلف الطاطري عن أبي بصير، عن أبي عبد الله جعفر بن
ص: 79
محمّد ، قال : «لما بلغ رسول الله أربعة عشر سنة، وكان يومئذ أقل أهل المدينة مالاً ، فأكرى نفسه لخديجة ابنة خويلد على بكر وحقة .
وخرج غلام خديجة إلى الشام وكان لها غلام صدوق اسمه ميسرة؛ فأمرته خديجة - لما أراد الخروج - أن لا يخالف النبي فيما يأمره به، إذ رأيه سديد معروف بذلك، وكانت قريش لا تصدر عن رأيه في كل ما يأتيهم به، ويخوفهم من أمره، فلذلك وصت خديجة ميسرة أن لا يخالف أمره.
وخرجا إلى الشام فباعا ما كان معهما من التجارة وربحا ربحاً ما ربحت خديجة بمثله، ورزقت بتلك السفرة ما لم ترزق مثله ببركة النبي(صلی الله علیه وآله وسلم).
فأقبلا بتلك الغنيمة، وما رزق الله ، حتى إذا قربا من أرض تهامة قال ميسرة للنبي (صلی الله علیه وآله وسلم): «لو تقدمتُ إلى خديجة فبشرتها بما رزقها الله رجوت لك منها جائزة عظيمة، ففعل النبي ذلك .
وكان لخديجة منظرة في مستشرف الطريق تقعد فيها ونساء قومها، وكانت قاعدة في المنظرة تنظر إليه ومن معها من النساء فقالت لهن : يا هؤلاء ما ترين إن لهذا الرجل قدراً عظيماً؟
أما ترينه منفرداً وعلى رأسه غمامة تسير بمسيره وتقف لوقوفه وتظله من الحر والبرد، والطير ترفرف عليه بأجنحتها، ولها زجل وتسبيح وتمجيد وتقديس الله رب العالمين يا ليت شعري من هو ؟ وأنه مقبل نحوها .
فقالت : أظن هذا الرجل يقصد حينا، فلما دنا منها تبينته، فقالت لهن هذا محمد بن عبد الله ! فقرب منها فسلم، فردت (عليه السلام)وقرّبته منها، ورفعت مجلسه، فبشرها بما رزقها الله تعالى من تجارتها، ففرحت بذلك فرحاً شديداً، وازدادت فيه رغبة وضاعفت له الرزق أضعافاً، وقالت: يا محمد أعرض عليك أمراً وهي حاجة لي بعضها، وهي لك حظ ورغبة .
قال :« وما هي»؟
قالت : أريد أن تتزوجني فقد تباركت بك، ورأيت منك ما أحب، وأنا من عرفت شرفي وحسبي ونسبي وموضعي من قومي وسيادتي في الناس، وكثير لا ينالون تزويجي، وقد عرضت نفسي عليك .
فقال لها رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) : «أو تفعلين ذلك»؟
ص: 80
فقالت: ما قلت إلا ما أريد أن أفعله .
فقال لها :« حتى أستأمر ،عمي وأخبرك ما يكون إن شاء الله تعالى».
وانطلق إلى عمه فأخبره ما قالت خديجة فقال له عمه :« يا بني إنها من قوم کرام فتزوجها، ولا تخالفها فإنها فائقة في الحسب والنسب والشرف والمال، وهي رغبة لمن تزوجها».
فأقبل إليها وأخبرها بما قاله عمه، فقالت : «إذا كان كذا وكذا، فأقبل».
يوم فلما كان اليوم المعلوم أقبل ابن عمها وأهلها وتهيأت خديجة لما أرادت ونحرت البدن، واتخذت طعاماً كثيراً.
وأقبل النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)وعمه وبنو عمه، وأهل بيته من بني عبد المطلب خاصة، وأرسلت خديجة إلى عمها وأهل بيتها فدعتهم ولم يعلم الفريقان إلى ما دعوا، فأطعمت القوم الطعام ونحرت البدن على الجبال والشعاب والأودية بمكة وجعلتها قرى للناس والطير والسباع والهوام سبعة أيام وأمرت بسقي القوم، فلما شربوا وأخذوا في حديثهم.
قال أبو طالب لعمها :« لك في الشرف العظيم من قومك، وأنت الكفؤ الكريم ومحمد بن عبد الله ولد أخي، وهو لا يجهل حسبه ولا ينكر نسبه، وقد أتاك خاطباً خديجة ابنة خويلد، وهو ممن قد عرفتم أمره وحاله».
فقال عمها يا أبا طالب خديجة مالكة نفسها وأمرها إليها، فأرسل إليها واستأذنها . فأرسل إليها عمها يستأمرها .
فقالت : يا عم زوّجه فإنه بالنسب الثاقب والفرع الباسق، وليس هذا ممن یرد، فزوجه عمها في مجلسه، وذلك بمحضر من الفريقين، فخرجوا قريرة أعينهم بمجلسهم، وما كان من خديجة في تزويج محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)، وذلك أنها خطبت من أكابر قريش وسائر العرب، فلم تزوج نفسها فلما خرجوا احتبس النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) عندها فقالت له : «يا محمد ما نحلتك»؟
قال: «البكر والحقة وهما نحلة مني إليك وما أضعفت لي بعد ذلك من الرزق فهو في بيتك في موضع كذا وكذا».
فقالت: «قد قبلته وقبضته فادخل بأهلك متى شئت»، فبات عندها ليلته من أقر الناس عيناً وأحبهم إليها من جميع الناس وأصبحوا من غد ذلك اليوم، فقدم
ص: 81
بعض حساد محمّد(صلی الله علیه وآله وسلم) إلى عمها وقالوا زوجت بنت أخيك بغلام فقير قليل المال؟
فأقبل عمها إلى أبي طالب نادماً، وقد بلغ أبا طالب ندامته، فقال له : «يا هذا إن المال يأتي ويذهب وقد رأينا من لم يكن له مال فرزقه الله مالاً ورزقاً حسناً واسعاً».
وقد بلغ خديجة ذلك فأرسلت إليه، فأقبل إليها وهو نادم على ما كان منه، فقالت له :« يا عم لا تتهمني في نفسك ما زوجته أنت، بل الله زوجه، فهو ممن عرفت شرفه وكرمه وأمانته».
فقال لها : نعم، صدقت هو كما تقولين وأفضل، ولكن ليس له مال.
قالت له : يا عم إني ما قدمت إلا على بصيرة، وقد رأيت بعيني ما رأيت، ورأى ذلك نساء قريش معي» .
قال : ما الذي رأيت ورأين؟
قالت: «قد أقبل من تجارتي التي أنفذته بها مبشراً بالأرباح التي رزقني الله على يده وأنا جالسة في المنظرة فرأيته مقبلاً فرداً وعلى رأسه غمامة تسير بمسيرة، وتقف بموقفه، وتظله من الحر والبرد، ورأينا رجالاً بأجنحة لا بأيدٍ من حوله ومن فوقه يسيرون بمسيره ويكنفونه ويرفون عليه بأجنحتهم؛ ولهم زجل بالتسبيح والتهليل والتمجيد والتقديس الله (عزوجل ).
فهذا ما رأيت ونساء قومي وقلت لهن ترين هذا الرجل الكريم على الله (عزوجل ) العظيم المنزلة عند الله، الذي أظله بالغمام وحفّه بالملائكة؟ إلى أن قرب مني فتبينته فرأيته محمداً بن عبد الله، ورأى نساء قومي، فمن أجل ذلك يا عم رغبت فيه وعلمت أن له شأناً عظيماً، ويؤول إلى نبوة ورسالة». فسرّ عمها وخرج .
وقال : يا خديجة اكتمي هذا الأمر، ولا تظهريه ولا تذكري شيئاً من الغمام والملائكة، فتسمع به قريش ،فتقتله وخرج من عندها وقالت: «اكتم أنت ذلك يا عم، فإنه قد بات عندي ودخل بأهله، فعند ذلك شكره العم وعرف فضله. فكانت هذه من دلائله(عليه السلام).
ص: 82
8 - وعنه عن أبيه حمدان بن الخصيب، عن أحمد حمد بن الخصيب قال كنا بالعسكر ونحن مرابطون لمولانا أبي الحسن وسيدنا أبي محمد(عليه السلام)قال: «لما أظهر الله دينه ودعا رسول الله لا إلى الله ، كانت بقرة في نخل بني سالم فدلت عليه البقرة وآذنت باسمه، وأفصحت بلسان عربي مبين – في جميع آل ذريح فقالت: يا آل ذريح صائح يصيح بأن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً رسولَهُ حقاً.
فأقبل آل ذريح إلى النبي فآمنوا به وكانوا أول العرب إسلاماً وإيمانا وطاعة لله(عزوجل ) ولرسوله .
9 - وعنه، عن أبيه عن عمه بهذا الإسناد عن الصادق جعفر بن محمد(صلی الله علیه وآله وسلم) قال : تكلمت في عهد رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)بقرة، وهي كانت في نخل آل بني سلام فصاحت لآل ذريح الذئب، وهو الذي أقبل إلى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) فشكا إليه الجوع فدعا النبي بالرعاة .
فقال : افترضوا له شيئاً، فخشوا، فقال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) للذئب : «اختلس ما تجد»، فصار الذئب يختلس ما يجد لأنه مسلط» .
قال أبو عبد الله جعفر بن محمد(صلی الله علیه وآله وسلم) : «وايم الله لو كانوا فرضوا للذئب ما زاد عليه إلى يوم القيامة».
وأما الجمل : فإن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، و كان جالساً في أصحابه، إذ نظر إلى بعير ناد، حتى أقبل إليه وهو جالس بين أصحابه فضرب في أخفافه ورغا، فقال القوم : يا رسول الله يسجد لك هذا البعير فنحن أحق أن نسجد لك
قال لهم:« اسجدوا الله رب العالمين، إن الجمل يشكو إليَّ أربابه، ولو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ».
ص: 83
فوقع في قلب رجل منهم ما شاء الله أن يقع في قلبه من كلام النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)، فما لبث إلا قليلاً حتى أتى صاحب البعير، فقال له : يا أعرابي هلم إلي، فما بال هذا البعير يشكو من أربابه؟
فقال يا رسول الله ما يقول؟
قال : يقول : أنكم أنختموه صغيراً وأعنفتموه كبيراً، ثم أنكم أردتم نحره . قال الأعرابي : والذي بعثك بالحق نبياً، واصطفاك بالرسالة نجياً، ما كذب هذا البعير، ولقد قال بالحق .
فقال النبي :« يا أعرابي اختر واحدة من ثلاث إما أن تهبه لي، وإما أن تبيعني إياه، وإما أن تجعله سائباً لوجه الله».
فقال: يا رسول الله أهبه لك .
فقال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): «اللهم أشهدكم عليّ أني جعلته سائباً لوجه الله».
كان البعير يأتي المعالف فيعتلف منها ولا يمنعوه حياءً من رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)حتى هَلَكَ الجمل. فكان هذا من دلائله .
10 - وعنه بهذا الإسناد عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام)قال: «كان رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)جالساً والناس حوله، فقال لهم : أنه يأتيني غداً تسعة نفر من حضرموت يسلم منهم ستة وثلاثة لا يسلمون.
فوقع في قلوب الناس من كلامه ما شاء الله أن يقعَ، فلما أصبحوا وجلس النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) في مجلسه، أقبلت التسعة رهط من حضرموت، حتى دنوا من النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)وقالوا له : يا محمد اعرض علينا الإسلام، فعرض رسول الله عليهم الإسلام فأسلم منهم ستة وثلاثة لم يسلموا، فوقع في قلوب الناس مرض وانصرفوا .
قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): « يموت منهم واحد وهو هذا الأول، وأما هذا الآخر فإنه يخرج في طلب إبل له فيستلبه قوم فيقتلونه، وأما الثالث فيموت بالداء والدبيلة».
ص: 84
فوقع في قلوب الذين كانوا في المجلس أعظم مما وقع في الكرّة الأولى، فلما كان من قابل أقبل الستة الرهط الذين أسلموا حتى وقفوا على النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)فقال لهم: «ما فعل الثلاثة أصحابكم الذين كانوا معكم ولم يسلموا»؟
فأخبروه بموتهم - والناس يسمعون - والتفت إلى أصحابه فقال لهم: «ما قلت لكم في العام الماضي في هؤلاء القوم»؟
فقالوا : سمعنا مقالتك يا رسول الله، وقد ماتوا جميعاً في الموتات التي أخبرتنا بها فكان قولك الحق عند الله، فأنت الأمين على الأحياء والأموات.
فكان هذا من دلائله (صلی الله علیه وآله وسلم)
11 - وعنه، عن أبي بكر القصار، عن سيف بن عميرة، عن بكر بن محمد، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)قال : لما دعا النبي قريشاً إلى الله وخلع الأنداد اشتد ذلك على قريش وغمهم غماً شديداً، وتداخلهم أمر عظيمٌ ،وقالوا : إن ابن أبي كبشة ليدعي أمراً عظيماً، ويزعم أنه نبي ورسول.
فأتاه منهم أبو جهل لعنه الله - عمرو بن هشام بن المغيرة – وأبو سفيان، وسفيان بن حوشبة وعتبة بن ربيعة وهشام والوليد بن عتبة وصناديد قريش المنظور إليهم، وقالوا يا محمد تزعم أنك نبي ورسول، وقد ادعيت أمراً : عظيماً لم يدّعِهِ آباؤك، ولا أحد من أهل بيتك، ونحن نسألك أمراً إن جئتنا به وأريتنا إياه علمنا أنك نبي ورسول، وإن أنتَ لم تفعل ذلك علمنا أنك تدعي الباطل وتقول السحر والكهانة .
فقال لهم : «ما حاجتكم»؟
فقالوا : نريد أن تدعو لنا هذه الشجرة تنقلع بعروقها وتقف بين يديك.
فقال لهم :« إن أفعل هذا تؤمنون»؟
قالوا نعم نؤمن.
قال لهم:« سأريكم ما تطلبون وأعلم أنكم ما تجيبون ولا تؤمنون؟ ولا تؤولون إلى خير».
ص: 85
فقال للشجرة :« يا أيتها الشجرة، إن كنت تؤمنين بالله واليوم الآخر، وتعلمين أني رسولُ اللهِ حقاً فانقلعي بعروقك حتى تقفي بين يدي».
قال: ما استتم كلامه حتى اقتلعت الشجرة ووقفت بين يديه، فلما نظروا إليها اغتموا غماً شديداً، وقالوا له : مرها أن ترجع إلى مكانها وليأتك قسماً سوياً، فأمرها بذلك ؛ فأقبل نصفها وبقي نصفها.
قالوا : مر هذا النصف يرجع إلى الذي كان فيه فأمره فرجع إلى موضعه كما كان فلما رأوه قالوا بأجمعهم تالله ما رأينا مثل هذا السحر.
فقال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): «قد أخبرتكم أنكم لا تؤمنون بما أريكم وقد علمتم أني لست ساحراً، ولا كذاباً ولا مجنوناً».
قالوا : يا محمد ما رأينا أعظم من هذا السحر، ولم يكن فيهم أشد تكذيباً من أبي لهب فقال له بعضُهم : يا محمد ما وجد ربك من يبعثه غيرك؟ فغضب من كلامهم وقال لهم : «والله يا معاشر قريش قد علمتم أنه ما منكم أحد يتقدمني في شرف وأني إلى خير مكرمة، وأن آبائي قد علمتم من هم ».
فسكت القوم وانصرفوا وفي قلوبهم عليه أحر من الجمر مما سمعوا من الكلام، وأراهم من العجائب التي لم يقدروا أن يأتوا بمثلها .
فكان هذا من دلائله (صلی الله علیه وآله وسلم).
12 - وعنه بهذا الإسناد عن سيف بن عميرة عن إسحاق بن عمار، قال: قال الصادق(عليه السلام): «لما أُسري برسول الله في طريق مر على عير في مكان من الطريق، فقال لقريش - حين أصبح - يا معاشر قريش الله تبارك وتعالى قد أسرى بي في هذه الليلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى(1)حتى ركبت على البراق، وإن العنان بيد جبريل(عليه السلام) وهي دابة أكبر من الحمار، وأصغر من البغل، خطوتها مد البصر، ركبت عليه وصعدت إلى السماء وصليت بالمسلمين وبالنبيين أجمعين وبالملائكة كلهم ورأيت الجنة وما فيها، والنار وما فيها، واطلعت على الملك كله ».
ص: 86
فقالوا : يا محمد كذب بعد كذب يأتينا منك مرة بعد مرة، لئن لم تنته.
عما تقول وتدعيه لنقتلنك شر قتلة أتريد أن تأفكنا عن آلهتنا وتصدنا عما يعبد آباؤنا الشم الغطاريف(1)؟
فقال : يا قوم إنما أتيتكم بالخير، إن قبلتموه، فإن لم تقبلوه فارجعوا وتربصوا إني متربص بكم أعظم مما تتربصون بي وأرجو أن أرى فيكم ما أؤمله من الله فسوف تعلمون ».
فقال أبو سفيان يا محمد إن كنت صادقاً فإنا قد دخلنا الشام ومررنا في طريقنا، فخبرنا عن طريق الشام وما رأينا فيه .
فإنا قد رأينا جميعاً، ثم ونحن نعلم إنك لم تدخل الشام، فإن أنت أعطيتنا علامة، علمنا أنك رسول حق ونبي صدق.
فقال:« والله لأخبرنكم بما رأت عيناي الساعة رأيت عيراً لك يا أبا سفيان وهي ثلاثة وعشرون جملاً يقدمها أرمك عليه عباءتان قطوانيتان، وفيهما غلامان ،أحدهما صبيح، والآخر رياح في موضع كذا وكذا .
ورأيت عيرك يا أبا هشام بن المغيرة في موضع كذا وكذا، وهي ثلاثون بعيراً يقدمها جمل أحمر فيها مماليك أحدهم ميسرة، والآخر سالم، والثالث يزيد، وقد وقع بهم بعير بمحمله فمررت بهم وهم يحملون عليه حمله، والعير تأتيكم في يوم كذا وكذا وهي ساعة كذا وكذا». ووصف لهم جميع ما رأوه في بيت المقدس.
فقال أبو سفيان أما ما كان في بيت المقدس فقد وصفت جميع ما رأينا، وأما العير فقد ادعيت أمراً فإن وافق قولك ما قلت لنا وإلا علمنا أنك كذاب وأن ما تدعيه الباطل.
فلما كان ذلك اليوم الذي أخبرهم أن العير تأتيهم خرج أبو سفيان وهشام بن المغيرة حتى ركبا ناقتيهما وتوجها يستقبلان العير فرأوها في الموضع الذي وصفه لهما النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) فسألا غلمانهما عن جميع ما كانوا فيه، فأخبروهما بمثل ما أخبرهم رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)، فلما أقبلا قالا لهما : ما صنعتما؟
قالوا جميعاً : لقد رأينا جميع ما قلت وما يعلم أحد السحر إلا إياك، وإنك
ص: 87
لشيطان ،عالم، ولو رأينا ملائكة من السماء تنزل عليك لما صدقناك، ولا قبلنا قولك، ولا قلنا : إنك رسول ولا نبي ولا آمنا بما تقول أبداً، افعل ما شئت فهو سواء علينا ؛ أو عظت أم لم تكن من الواعظين أوعدتنا أم لم توعدنا . فكان هذا من دلائله (صلی الله علیه وآله وسلم).
13- وعنه ،عن أبيه، عن عبد الرحمن بن سنان، عن جعفر بن محمَّد الأنباطي، عن الحسين بن العلاء، عن أبي بصير الأسدي، عن أبي عبد الله جعفر ابن محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)قال :«مطر الناس مطراً شديداً، فلما أصبحوا خرج النبي ومعه أبو بكر وعمر يمشيان فتبعهما أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)وقد برز إلى الصحراء، فقال له رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) : «ما سرني تخلفك ، ولقد سررت بمجيئك يا علي».
فإذا هم برمانة قد انقضت من السماء إليهما أشد بياضاً من الثلج وأحلى من الشهد، فأخذها رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)فمصها ثم دفعها إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) فمصها حتى أتى على ما أراد .
قال النبي : يا أبا بكر لولا هذا طعام من طعام الجنة لا يأكله أحد في الدنيا إلا نبي أو وصي نبي لأطعمتك»، ثم كسرها النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) نصفين فأخذ النبي نصفها وأعطى عليا نصفها فأكل النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)ما كان في يده وأكل أمير المؤمنين ما كان في يده، وانصرف أبو بكر خائباً».
14 - وعنه، عن أبيه، عن محمد بن المُفَضَّل عن بياع السابري، عن سيف ابن عميرة، عن أبي بكر أحمد بن محمد الحضرمي، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد(عليه السلام)قال : كان رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)جالساً إذ أقبل إليه نفر من قريش فقالوا : يا
ص: 88
محمد إنك تنحل نفسك بأمر عظيم، وتزعم أنك نبي وأنه يوحى إليك والملائكة تنزل الوحي عليك، فإن كنتَ صادقاً فأخبرنا عن جميع ما نسألك به.
فقال : أسألوني عما بدا لكم، فإن يكن عندي منه علم وخبر أنبئكم به، وإن لم يكن عندي منه علم استأجلتكم أجلاً حتى يأتيني رسول ربي جبريل عن الله (عزوجل) فأخبركم به.
وقال أبو جهل - لعنه الله - : أخبرني عما صنعت في منزلي فإن عيس بن مریم(عليه السلام) كان يخبر بني إسرائيل بما كانوا يأكلون وما يدخرون في بيوتهم، فإن كنت نبياً كما تزعم فأخبرنا عما نعمل في بيوتنا وما ندخر فيها .
فقال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): يا أبا جهل لو كنت رأيت الملائكة نزلت عليَّ وكلمتني الموتى ما كنت تؤمن أنت ولا أصحابك أبداً، وسأخبرك بجميع ما سألتني، عنه، أما أنت يا أبا جهل فإنك دفنت ذهباً في منزلك في موضع كذا وكذا، ونكحت خادمتك السوداء سراً من أهلك لما فرغت من دفن المال.
وأما أنت يا هشام بن المغيرة فإنك جهزت جهازاً وأمرت المغيرة ليخرج في ذلك الجهاز، فإن أنت أتممت ما نويت في نفسك عطب ابنك في ذلك الطريق ولم تلق ما تحب فأخرج هشام ابنه المغيرة معانداً كلام رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) فلما توجه لم يسر إلا قليلاً حتى قطع عليه الطريق وقتل ابنه ورأى جميع ما قاله رسول الله وكتم هشام ما أصابه في ابنه .
فجاءه النبي وجماعة من قريش، فقال النبي : ما منعك يا هشام أن تخبرنا ما أصبت به في مالك وولدك لئن لم تخبرهم لأخبرتهم أنا .
فقالت قريش : يا أبا المغيرة ما الذي أصبت به؟
قال : ما أصبت بشيء، ولم يمنعه أن يخبرهم إلا بصدق رسول الله، فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) : أخبرني جبريل(عليه السلام)عن الله(عزوجل) أن اللصوص قطعوا على ابنك الطريق وأخذوا جميع مالك وأصبت بابنك في موضع كذا وكذا، فاغتم لذلك هشام، وقال : لئن لم تكفف قتلناك عنوة فإنك لم تزل تؤذينا وتخبرنا بما نكره.
فقال النبي : تسألونني حتى إذا أنبأتكم ،تجزعون، ليس لكم عندي بقول الحق، عن الله . فسكت هشام فقام مغتماً بشماتته، وقال لأبي جهل: ما تقول في الذهب الذي دفنته في بيتك في موضع كذا وكذا، ونكاحك السوداء؟
ص: 89
قال : ما دفنت ذهباً ولا نكحت سوداء ، ولا كان مما ذكرت شيئاً .
فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): لئن لم تقر عليه دعوت الله أن يذهب مالك الذي دفنته، ولأرسلن إلى السوداء حتى أسالها فتخبر بالحق.
فقال أبو جهل – لعنه الله -: نحن نعلم أن معك رجالاً من الجن يخبرونك بجميع ما تريد وأما أنك تريد أن نقول فيك نبي ورسول فلست هناك.
فقال : ولِمَ يا لكع؟ ألست أكرمكم حسباً، وأطولكم قصباً، وأفضلكم نسباً، وخيركم أماً وأبا وقبيلتي خير قبيلة؟ أتجزع أن تقول أنّي نبي والله لأقتلنك وأقتلنَّ شيبة، ولأقتلن الوليد ولأقتلن جبابرتكم وأشراركم ولأوطين دياركم بالخيل، وآخذ مكة عنوة، ولا تمنعوني شيئاً، شئتم أم أبيتم.
قال أبو عبد الله : فوالله ما ذهبت الأيام والليالي حتى قتل رسول الله قريشاً بيده شر قتلة، وجميع من سماه النبي سبعون رجلاً من أكابرهم وخيارهم، فصح جميع ما قاله رسول الله ما غادر منه حرفاً، فكان هذا من دلائله السلام
15 - وعنه ، عن أبي الحسين محمد بن يحيى الفارسي، عن عبد الله بن جعفر ابن خالد الجلاب ، عن عبد الله بن أيوب، قال : حدثني أبو أيوب وصفوان الجمال، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام) قال : لما رُمِيَ رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)بالسيف، وكان الذي رماه به عتبة بن أبي معيط ووضع رجله على عنقه وهو ساجد فغمزه في الأرض غمزة شديدة، حتى بلغ منه فرفع رأسه فقال : والله الذي لا يُحلف بأعظم منه لئن مكنني الله منك يا عقبة لأقتلنك، فقلته يوم بدر وقد جى به أسيراً فضرب عنقه، وصدق ما قال فيه رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) . فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
16 - وعنه ، عن الخضر بن أبان عن عبد الله بن جرير النخعي، عن أحمد ابن عنان، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر محمد بن علي(عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): يا معاشر أصحابي يأتيكم الساعة تسعة نفر من وراء هذا الجبل من آل غسان فيسلم سبعة ويرجع رجلان كافران ولا يصلان إلى منازلهم حتى يبليان ببلية، أحدهما يأكله السبع والآخر يعضه بعيره، فيورثه حمرة وبعد الحمرة أكلة، فيموت ويلحق بصاحبه في النار.
ص: 90
فلما أصبح أقبل النفر إلى النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) فقال أهل مكة : إن محمداً له من يخدمه من الجن، هؤلاء كانوا أحسنهم قولاً وقال بعضهم : ساحِرٌ كذاب مجنون، فأسلم من القوم سبعة ورجع أثنان كفاراً بما قاله رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم).
فكان هذا من دلائله(عليه السلام).
17 - وعنه، عن أبي بكر محمد بن جبلة التمار، عن حامد بن يزيد عن خليل بن أحمد الزيات عن صندل، عن داود بن فرزدق، عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام)قال : لما ظهر رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) بالرسالة جاء ذئب إلى الأشعث بن قيس الخزاعي، وهو في غنم له يطرده عنها كرة بعد كرة فقال في الكرة الرابعة : ما رأيت أصفق وجهاً منك ذئباً .
قال الذئب : بل أدلك على من هو أصفق مني وجهاً .
فقال له الأشعث بن قيس: من هو يا ذئب؟
قال له : أنت .
قال : كيف ذلك؟
قال الذئب : هذا النبي ظهر بينكم يدعوكم إلى الله وأنتم لا تجيبونه .
قال له الأشعث: ما تقول؟
قال الذئب : أقول الحق .
قال له : وأين هو ؟
قال بيثرب .
قال له الأشعث: ومن يحفظ غنمي؟
قال الذئب : أنا أحفظها حتى تذهب إليه فتؤمن به.
[و] قال الذئب : الله لك بذلك .
قال : فلم يزل في غنمه يحفظها حتى وصل الأشعث إلى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) فقص عليه قصته مع الذئب وآمن برسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)وعاد إلى غنمه والذئب يحفظها، فدفع للذئب سخلة من غنمه، فأكلها الذئب وخرج من عنده.
فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
ص: 91
18 - وعنه، عن يعقوب بن حازم عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام) قال : خرج رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)إلى غزاة تبوك وخلف المؤمنين(عليه السلام) وسائر من بها فتكلم الناس فيه وقالوا ما بال علي مقدم في كل غزوات رسول الله وقد أخره عن هذه الغزوة بالمدينة وما هذا إلا اجتزاء(1)عن علي، وبغضاً له لئلا يشهد فضل هذه الوقعة .
فخرج إليه أمير المؤمنين حتى وافي معسكر رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) فقال : فداك أبي وأمي يا علي ما الذي جاء بك؟
قال : إن الناس يقولون إنك ما خلفتني بالمدينة إلا من بغضك لي.
قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): ليس الأمر كما يقولون يا علي كيف وقد أمرني الله يخبرني مشافهة - حيث أسري بي إليه - أمرني أن أخيك وأزوجك بفاطمة بنتي سيدة نساء العالمين في الأرض بعد أن زوجك الله في السماء، وأمرني أن أعلمك جميع علمي ولا أتركك، وأن أقربك ولا أجفوك وأدنيك ولا أقصيك، وأن أصلك ولا أقطعك وأن أرضيك ولا أسخطك وأنت أخي وأنا أخوك في الدنيا والآخرة، ولا يعطى أحد الشفاعة غيري، وسألت ربي أن يشركك فيها معي ففعل، فمن له مثل ما لك، ومن أعطي مثلما أعطيت.
يا علي أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسی (2)حين خلّفه في قومه .
فلما قال النبي ذلك رجع علي(عليه السلام) إلى المدينة مستبشراً مسروراً، وسار رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) والناس معه، فشكوا العطش، فقال للناس : اطلبوا الماء، فلم
ص: 92
يصيبوا قليلاً ولا كثيراً، حتى خافوا على أنفسهم ومات بعضهم وبعض دوابهم فلما رأوا ما نزل بهم قالوا يا رسول الله ادع لنا ربك يسقينا رياً من الماء؛ فنزل جبریل(عليه السلام) فقال: یا رسول الله ابحث بيدك هذا الصعيد(1)، وضع قدميك وإصبعيك المسبحتين فينفجر اثنتا عشرة عيناً كما انفجرت لموسى(عليه السلام) ، فوضع النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) عشر أصابع رجليه وسبابتيه، وسمّى باسم الله (عزوجل)ودعا فتفجرت من بين أصابعه اثنتا عشرة عينا لاثنتي عشرة إصبعاً، وفاض الماء حتى ملأ الوادي والبقعة وشرب الناس وسقوا ،دوابهم، وحملوا من الماء ما كفاهم إلى الماء الآخر وأُعطي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) مثل الذي أعطي مثل الذي أعطي موسى(عليه السلام)وموضع الماء معروف مشهور في طريق الحديثة إلى وقتنا هذا فكان هذا من دلائله(عليه السلام).
19 - وعنه عن أبي الحواري، عن جعفر بن يزيد الطريقي، عن محمد بن مسلم عن عمر بن سهم عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام)قال سمعته يقول : لما ظهر محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)و دعا الناس إلى دين الله أبت ذلك قريش وكذبته وجميع العرب فبقي النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)مستجيراً في البلاد لا يدري ما يصنع، وكان يخرج وأمير المؤمنين(عليه السلام)، في كل ليلة إلى الشعاب فيصليان فيها سراً من قريش ومن الناس.
وكانت خديجة(عليها السلام)تخاف عليهما أن تقتلهما قريش فجاءت إلى أبي طالب فقالت له : إني لست آمن على رسول الله وعلى علي من قريش أن يقتلوهما، فإني أراهما يذهبان في بعض تلك الشعاب يصليان فأتاهما أبو طالب، وقال لهما : إني أعلم أن هذا الأمر سيكون له آخر، وأن هذا الذي أنتما عليه لدين الله، وإني أعلم أنكما على بينة من ربكما فاتقيا قريشاً، فوالله ما أخاف عليكما إلا من قريش خاصة، وما أنتما بكاذبين ولكن القوم يحسدونكما، والذي دعوتما إليه عظيم عندهم، وإنما تريدان أن تقلباهم عن دينهم ودين آبائهم إلى دين لا يعرفونه ويستعظمون ما تدعوانهم إليه .
ص: 93
فقال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): لأملكن رقابهم ولأطأن بلادهم بالخيل، ولتسلمن قريش والعرب طوعاً أو كرهاً، ولأقطعن أكابرهم جهراً، ولآخذنهم بالسيف، عنوة، وهكذا أخبرني جبريل(عليه السلام) ، عن الله (عزّوجل)
فرجع أبو طالب من تلك الشعاب من عندهما وهو من أسر الناس بما أخبره النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) ، وأتى أبو طالب خديجة(عليها السلام) وأخبرها بذلك؛ ففرحت فرحاً شديداً، وسرت بما قال لها أبو طالب وعلمت أنهما في حفظ الله (عزّوجل).
فكان هذا من دلائله (عليه السلام)
20 - وعنه ، عن محمد بن نجيح بن سليمان بن إبراهيم الخزاز، عن عبيد الله ابن سعيد الخزاعي، عن عمر بن بنشط، عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر الباقر قال: لما ظهر رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)ودعا قريشاً إلى الله تعالى فنفرت قريش من ذلك ؛ وقالوا يا ابن أبي كبشة، لقد ادعيت أمراً عظيماً أتزعم أنك نبي، وأن الملائكة تنزل عليك، فقد كذبت على الله وملائكته، ودخلت فيما دخل فيه السحرة والكهنة.
فقال لهم النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): لم تجزعون يا معاشر قريش، أن أدعوكم إلى الله وإلى عبادته؟ والله ما دعوتكم حتى أمرني بذلك، وما أدعوكم أن تعبدوا حجراً من دون الله ولا وثناً ولا صنماً ولا ناراً، وإنما دعوتكم أن تعبدوا من خلق هذه الأشياء كلها وخلق الخلق جميعاً، وهو ينفعكم ويضركم، ويميتكم ويحييكم ويرزقكم.
ثم قال : والله لتستجيبن إلى هذا الذي أدعوكم إليه شئتم أم أبيتم طائعين أو كارهين صغيركم وكبيركم، فبهذا أخبرني جبريل(عليه السلام)، عن رب العالمين، وإنكم لتعلمون ما أنا بكاذب وما بي من جنون ولا سحر ولا كهانة، فقد أخبرتكم بما أخبرني به ربي، فاسمعوا وأطيعوا.
فكان هذا من دلائله(عليه السلام)
21 - وعنه، عن علي بن الحسين المقري عن جابر بن خالد الأبي، عن سعيد بن قيس العبدي الحلبي، عن عبد الله بن بكر عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام)قال: لما ظهر رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) قال لعمه حمزة بن عبد المطلب ولأهل بيته :
ص: 94
يسوءهم، فهو نعمة من الله وتفضل عليكم فخذوا ما أعطاكم واشكروه واحمدوه، ولا تكونوا مثل هذه الأعراب الجفاة، وقريش الحسدة الظلمة المفترين فكان هذا من عجائبه ودلائله(عليه السلام)
22 - وعنه عن أبيه حمدان بن الخصيب عن إبراهيم بن الخصيب - وكان ، مرابطاً لسيدنا أبي الحسن علي بن محمد العسكري(عليه السلام)- قال : حدثني زيد بن شهاب، عن محمَّد بن راشد الصيدناني، عن الحسن بن محمد السكني، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام)، قال : جاء قوم من المنافقين إلى رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وقالوا : زعمت يا محمد أن الله تبارك وتعالى اتخذ إبراهيم خليلاً فما الذي صنع بك؟ قال : اتخذني حبيباً، والحبيب أقرب من الخليل إلى خليله .
قالوا : فإنك زعمت إن الله كلم موسى تكليماً فما صنع بك؟
قال صنع بي ما صنع بموسى، وزادني عليه أن الله كلمه فوق الأرض، وكلمني في حجب النور فوق السماوات.
قالوا : إنك زعمت أن الله ألان الحديد لداود حتى عجنه بيده بلا نار وقدره في السرد، وعمل منه الدروع والخوذ، فما الذي صنع بك؟
قال : صنع بي ما صنع بداود وزادني عليه أني علوت على جبل أبي قبيس على ناقتي العضباء مشرفاً على جميعكم وأنتم تريدون إخراجي من مكة فركبت ناقتي في الحجر الصلد في رأس أبي قبيس، ولين لي الحجر حتى غاصت وهي باركة وانقلبت مستلقياً على قفاي فلان لي الحجر حتى تبين فيه صورة ظهري وقفاي وتخطيط شعري في الحجر، وها أنتم تنظرون إليه، ولن يخفى ذلك الأثر ما دامت السماوات والأرض.
قال الحسين بن حمدان الخصيبي : أنا رأيت مبرك الناقة وأثر رداء رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فی الحجر فوق الجبل في سنة اثنين وثمانين ومئتين قبل أن حججت، ومعي جمع كثير من الحجاج وتمسحنا بالموضع وصلينا عنده .
ويرجع الحديث إلى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): وهذا سيف من أسيافكم فأعطونيه حتى أجعله ما شئتم بيدي فقالوا: هذا سيف من أسيافنا فقطعه لنا إبراً مثقبة إلى الأسفل بلا نار فأخذ رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)سيفا من أسيافهم فلم يزل يقطعه بيده إبراً مثقبة إلى
ص: 95
الأسفل بلا نار حتى آخره وقال: أتحبون أن أقطع لكم حمائله إبراً؟
قالوا : هو من أديم يا محمد، قال يجعلها الله حديداً. وضرب بيده المباركة إلى حصى رضراض كان جالساً عليه فقبض منه قبضة وقال يا حصى سبح الله بكل لغة في كفي فنطق ذلك الحصى بثلاث وسبعين لغة يثبتها من عرفها بتسبيح الله وتقديسه وتمجيده والشهادة لرسول الله بالرسالة ولعلي بالإمامة.
:قالوا يا محمد فقد زعمت أن داود كانت تسبح معه الجبال بالعشي والإشراق، والطير محشورة كل له أواب قال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): انظروا بأعينكم واسمعوا بآذانكم ماذا تجيب الجبال ثم صاح رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): يا جبال مكة ومن حولها والريح والتلاع أجيبيني بإذن الله ويا أيها الطير آوي إلي بإذن الله . قال فصاحت جبال مكة وما حولها والريح والتلاع وكل شعب بمكة لبيك لبيك يا رسول الله إجابة لدعوتك وطاعة لأمرك، وأقبلت الطيور من كل جانب صغاراً وكباراً بري وبحري وجبلي وسهلي حتى انفرشت بمكة وسطوحاتها وطرقاتها وحجبت الطير السماء بأجنحتها عنهم .
فقال المنافقون: فقد زعمت أن الله أعطى لعيسى إحياء الميت وإبراء الأكمه والأبرص وأن يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله، ونبا بني إسرائيل بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم ونحن نسألك أن تحيي لنا ميتاً، فدعا رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)عليّاً بن أبي طالب(عليه السلام)وقال له : ائتني ببردتي السحاب وقضيبي الممشوق ثم كلمه بكلام خفي لا يفهم ثم قال: انطلق يا علي معهم إلى بلاطة من بلاطهم فاحيي لهم من أرادوا من الموتى فلما انتهوا إلى البلاطة بظهر شعب بني سعد قالوا : يا علي هذا قبر سيد من ساداتنا من أكابر قريش، وقد مات قريباً وقد دفناه بالأمس، وهو قريب العهد بالحياة، أحيه لنا حتى نسأله، فدنا أمير المؤمنين من القبر، وتكلم بكلام خفي ثم ركل القبر برجله فارتجت الأرض وزلزلت حتى خافوا على أنفسهم، فقالوا : يا علي أقلنا أقالك الله .
فقال علي : ليس الأمر لي؛ بل الأمر إلى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) وهذا ميتكم فكلموه، فإذا هم بالقبر قد انشق، وخرج الرجل من أكفانه بعينه واسمه ونسبه فقال : يا ويلكم يا منافقي ،قريش ما أجرأكم على ما أنا فيه من العذاب أو لم أؤمن بمحمد حتى شهر تموني في الدنيا فولوا هاربين إلى رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم).
ص: 96
فقالوا: يا رسول الله اقلنا أقالك الله .
فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): إنكم لا تتمردون عليَّ ؛ وإنما تمردكم على الله، اللهم لا تقلهم فإني لا أقيلهم فأرسل النبي إلى المؤمنين(عليه السلام) بعد أن رد الميت في قبره. فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
23 - وعنه، عن أبيه، عن محمد بن موسى القمي، عن زيد بن شهاب القمي، عن طلحة بن جعفر الأشعري عن الحسين بن العلاء، عن يونس بن ظبيان عن المُفَضَّل بن عمر الجعفي، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : لما أرضعت حليمة رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) أقبل إليها زوجها فقال : يا حليمة من هذا الصبي؟
فقالت : ابن أخي أبي طالب ؛ وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب .
فقال لها : ويحك سنتنا سنة مجدبة كما ترين فإذا أرضعت هذا الصبي مع ابنك أضررتنا به .
فقالت : والله لقد وقع لهذا الصبي في قلبي من المحبة شيء لا أحسن أصفه لك. فلما كانت صلاة الفجر سرحت غنمها وحميرها مع غنم الناس وحميرهم فلما أمسوا وراحت الأغنام إلى منازلهم راحت غنم حليمة حفلة يكاد يبدر ما في ضرعها من اللبن ودوابها بطينة تكاد أن تفزر وراحت الأغنام على ما كانت تروح قبل ذلك فتكلم الناس في ذلك .
فقالوا : كيف هذا صار أن أغنامنا هلكت من الجوع، وأغنام حليمة ودوابها تروح بطينة تكاد تتفزر، وضروعها حفلة .
فقالت حليمة لزوجها : يا فلان أتسمع الناس ما يقولون؟
قال : يا حليمة قد رمى الناس غنمك ودوابك بأبصارهم فإني خائف على أموالنا أن تهلك من أعين الناس.
فقالت له حليمة : كلا - وكانت موفقة - والله يا فلان إنا لأكرم على الله .
من هؤلاء الناس وإلهنا رزقنا ما ترى حتى يكون لدينا عظيماً فلما انتشى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) وصار يخرج مع الرعاة إلى البرية كان يتجلى له جبريل(عليه السلام) فيفزع ففطنت به حليمة فكانت تكتم ذلك زماناً حتى أتاها صبي من الصبيان فأخبرها بخبره فلم تدر حليمة ما تصنع فاغتمت لذلك غماً شديداً،وكان رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) من
ص: 97
أسرع الناس شباباً حتى أوحى الله إليه، فآمنت به حليمة وزوجها وعلما أنه نبي مرسل مما كانا يرياه في منازلهما من الخير والبركة.
فكان هذا من دلائله (عليه السلام)
24 - وعنه ، عن جعفر بن محمَّد بن مالك وكان جعفر بن مالك راوياً علوم آل محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)قال : - وكان الحسن عمه من فقهاء شيعة آل محمد -(صلی الله علیه وآله وسلم) : حدَّثنا محمد بن أحمد عن حمران بن أعين عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر الباقر قال : لما أظهر رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)الرسالة والوحي بمكة وأراهم الآيات العظيمة والبراهين المبهرة تحيرت قبائل قريش من بني أمية وبني تيم وعدي فيما أتى به النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)اجتمع بعضهم إلى بعض وقالوا لذي الرأي منهم : ماذا ترون من الرأي في ما يأتي به محمد مما لا يقدر عليه أحد من السحرة والكهنة والجن، وأتى بشيء لا يقدر أن يأتي به ممن ذكرناه أحد حتى نسأل محمداً من أين أتى به فلم يدع بدينه إلى الأنبياء والرسل ولا الكهنة والسحرة ولا الجن المسخرة لسليمان بن داود ولا معجزة إلا وقد أتاهم النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)بمثلها وأعظم منها .
فقال بعضهم لبعض : اجمعوا على أن نسأله أن يشق لنا القمر في السماء وينزله إلى الأرض شعبتين، فإن القمر ما سمعنا من سائر النبيين أحداً يقدر عليه كما قدر على الشمس فإنها رجعت ليوشع بن نون(عليه السلام)وصي موسى بن عمران(عليه السلام)، وكانوا يظنون أن الشمس لا ترد من مغربها، فمن ذلك إبراهيم قال : ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِى كَفَرَ﴾(1) ، وهو النمرود، ثم ردت على يوشع بن نون على عهد موسى(عليه السلام) فأجمعوا أمرهم وجاؤوا إلى رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)فقالوا له : يا محمد قد جعلنا بينك وبيننا آية إن أتيت بها آمنا بك وصدقناك قال لهم رسول الله اسألوني فإني أنبئكم بكل آية لو كنتم تؤمنون بالله ورسوله.
ص: 98
فقالوا : يا محمد الوعد بيننا وبينك سواد الليل وطلوع القمر، تقف على المشعرين فتسأل ربك الذي تقول أنه أرسلك رسولاً أن يشق لك القمر شعبتين، وينزله من السماء حتى ينقسم قسمين، ويقع القسم الواحد على المشعرين والقسم الثاني على الصفا .
فقال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): فهل أنتم مؤمنون بما قلتم إنكم تؤمنون بالله ورسوله .
قالوا نعم يا محمد، وتسامع الناس وأتوا إلى سواد الليل فأقبل الناس يهرعون إلى البيت وحوله حتى أقبل الليل واسود وطلع القمر وأنار، والنبي وأمير المؤمنين(عليه السلام) ومن آمن بالله ورسوله يصلون على النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)ويطوفون حول البيت، فأقبل أبو جهل وأبو سفيان على النبي وقالوا له : الآن بطل سحرك وكهانتك، هذا القمر فأوف بعهدك .
فقال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): قم يا أبا الحسن قف بجانب الصفا، وهرول إلى المشعرين وناد بهذا إظهاراً وقل في ندائك : اللهم رب هذا البيت الحرام، والبلد الحرام، وزمزم والمقام ومرسل هذا الرسول التهامي، ائذن للقمر أن ينشق وينزل إلى الأرض فيقع نصفه على الصفا ونصفه على المشعرين، فقد سمعت سرنا ونجوانا،
وأنت بكل شيء عليم. فتضاحكت قريش وقالوا : إن محمداً استشفع بعليّ لأنه لم يبلغ الحلم، ولا ذنب له، فقال أبو لهب لعنه الله : لقد أشمتنا الله بك يا ابن أخي في هذه الليلة. فقال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): اخس يا من أتب الله يديه ولم ينفعه ماله ولا بنوه، وتبين مقعده في النار.
فقال أبو لهب لأفضحنك في هذه الليلة بالقمر وشقه وإنزاله إلى الأرض ولأفلت كلامك هذا الذي إذا كان غداً جعلته سورة، وقلت هذا أوحى إلى أبي لهب .
قال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) : امض يا علي فيما أمرتك واستعذ بالله من الجاهلين، ثم هرول أمير المؤمنين من الصفا إلى المشعرين ونادى وأسمع بالدعاء فما استتم كلامه حتى كادت الأرض أن تسيخ بأهلها والسماء أن تقع، فقالوا: يا محمد لقد أعجزك شق القمر أتيتنا بسحرك لتفتنا فيه.
فقال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): هان عليكم بما دعوت به فإن السماء والأرض لا يهون
ص: 99
عليهما بذلك، ولا يطيقان سماعه، فقوموا بأجمعكم وانظروا إلى القمر .
قال : ثم إن القمر انشق نصفين نصفاً، وقع على الصفا ونصفاً وقع على المشعرين، فأضاءت داخل مكة ،وأوديتها وصاح المنافقون: أهلكنا محمد يا محمَّد بسحره افعل ما شئت فلن نؤمن بك ولا بما جئتنا به .
ثم رجع القمر إلى منزله من الفلك، وأصبح الناس يلوم بعضهم بعضاً، ويقولون أيهم : والله لنؤمنن بمحمد ولنقاتلنكم معه مؤمنين معه مؤمنين فقد سقطت الحجة وتبين الأعذار، وأنزل في ذلك اليوم سورة أبي لهب واتصلت به فقال : إن محمداً فعل ما قلته له في تأليفه له في هذا الكلام ليشنعني ،به والله إني لأعلم إن محمداً يعاديني لكفري به وتكذيبي له من بين بني عبد المطلب وخاصة لسبب العباس، فإنه أنكره أولاد عبد المطلب لما أتت أمه بتلك الفاحشة وأحرقها أبونا عبد المطلب على الصفا، وكان أشدهم له جحداً الحارث والزبير وأبو طالب وعبد الله، فحلفت باللات والعزى أنه من أبناء عبد المطلب حتى ألحقت العباس بالنسب فمن أجل ذلك ألف هذا ويزعم أنها سورة أنزلها الله عليه فوحق اللات والعزى لو أتى محمد بما يملأ الأفق من المدح ما آمنت به ولا فيما جاء به ولو عذبني رب الكعبة بالنار.
فآمن في ذلك اليوم ستمئة واثنا عشر رجلاً، وأكثرهم أسر إيمانه وكتمه إلى أن جاء رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) إلى المدينة ومات أبو لهب لعنه الله وقتل أبو جهل وأسر أبو سفيان ومعاوية يوم فتح مكة والعباس وزيد بن الخطاب وعقيل بن أبي طالب وأسر كثير منهم مقدار ثمانين رجلاً تحت القدم فكانوا طلقاء لم ينفعهم إيمانهم وهم لا ينظرون فكان هذا من دلائله(عليه السلام).
25 - وعنه :عن أبي بصير، عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام)قال : لما ظهرت نبوة محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)بمكة عظم على قريش أمره ونزول الوحي عليه وما كان يخبرهم به قال بعضهم لبعض : ليس لنا إلا قتل محمد وقال أبو سفيان أنا أقتله لكم. قالوا : وكيف تصنع ذلك قال : إنه بلغنا أنه يظل في كل ليلة في مغارة الجبل أو في الوادي، وقد عرفت أنه في هذه الليلة يمضي إلى جبل حراء فيظل فيه. قالوا : ويحك يا أبا سفيان إنه لا يمشي عليه أحد إلا قذفه حتى يقطعه قطعاً، وكيف يمضي
ص: 100
محمّد إليه، فبعثوا إلى رصادهم على النبي فقالوا : تجسسوا لنا عليه أين يظل في هذه الليلة ودوروا من حول حراء، فلعل تلقون محمَّداً فتقتلوه فنكفى مؤونته، فلما جن عليه الليل أخذ بيد أمير المؤمنين وخرج وأصحابه لا يشعرون وأبو سفيان وجميع الرصدة مقنعون من حول الجبل، فما شعروا حتى وافي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وأمير المؤمنين(عليه السلام) بين يديه، وصعدا جبل حراء، فلما دارا في دورة الجبل اهتز الجبل وماج، ففزع أبو سفيان ومن معه وتباعدوا من الجبل وقالوا : قد كفينا مؤونة محمد وقد قذفه حراء وقد قطعه فاطلبوا من حول الجبل فسمعوا النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)وهو يقول اسكن يا حراء فما عليك إلا نبي ووصي(1).
فقال أبو سفيان: سمعت محمَّداً يقول : يا حراء، إن قرب منك أبو سفيان ومن معه فارمهم بهوامك حتى تنهشهم فتجعلهم حصيداً خامدين .
قال أبو سفيان ويلبيه من حول جوانبه ويقول : سمعاً وطاعة يا رسول الله لك ولوصيك علي. فسعينا على وجوهنا خوفاً أن نهلك بما قاله محمد، وأصبحوا واجتمعت قريش فقصوا قصتهم وما كان من رسول الله وما خاطبه به حراء.
فقال : أبو جهل لعنه الله : فماذا أنتم صانعون؟
قالوا : إنك سيدنا وكبيرنا، فقال لهم : لو نكافح محمَّداً بالسيف غلبناه أم غلبنا وفي إحدى القتلتين راحة .
فقال أبو سفيان قد بقي لي كيد أكيده فقالوا له : وما هو يا أبا سفيان؟ فقال : خبرت أنه يستظل من حر الشمس تحت حجر عال، وفي يومنا هذا قد أتى الحجر واستظل به فنهده عليه بجمع ذي قوة فلعلنا نكفى مؤونته فقالوا : افعل يا أبا سفيان، فبعث يرصد النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)حتى عرف أنه قد خرج وعلي حتى أتيا الحجر فاستظلا به وجعل رأسه في حجر علي(عليه السلام)وقال : يا علي إني قد أرقد وأبو سفيان يأتيك من وراء هذا الجبل بجمع ذي قوة، فإذا صار في الحجر استصعب عليهم وامتنع أن تعمل فيه أيديهم، فأمر الحجر أن ينقلب عليهم فينقلب فيقتل القوم جميعاً ويفلت أبو سفيان وحده فقال أبو سفيان: لا تفزعوا من قول محمد فما قال هذا القول إلا ليسمعنا فلا نمضي إلى الحجر ومحمد راقد في حجر علي فراموا أن يهدوا الحجر ويقتلعوه فيقلبوه على رسول الله فاستصعب عليهم وامتنع منهم.
ص: 101
فقال أصحاب أبي سفيان: إنا لنظن إن محمّداً قد قال حقاً نحن نعهد إن هذا الحجر يقلعه بعض عددنا فما باله اليوم مع كثرتنا لا يهتز.
فقال أبو سفيان: اصبروا عليه.
ثم أحس بهم صخر بن حرب فما استتم من كلامه حتى انقلب الحجر عليهم فتفرقوا فامتد عليهم الحجر وطال حتى كسر القوم جميعاً تحته غير أبي سفيان فإنه أقبل يضحك ويقول : يا ،محمد لو أحييت لنا الموتى وسيرت الجبال وأعطاك الله كل شيء لعصيتك وحدي، فسمع كلامه رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فقال له : ويلك يا أبا سفيان والله لتؤمنن بي وتطيعني مكرهاً مغلوباً إذا فتح الله مكة. فقال أبو سفيان وقد أخبرت يا محمد بفتح مكة وإيماني بك وطاعتي إياك فهذا ما لا يكون ففتح الله على رسول الله مكة وأسر أبو سفيان وآمن كرهاً وأطاع صاغراً مغلوباً .
أمير المؤمنين فصاح بالحجر : انقلب على القوم فأتى عليهم غير
قال أبو عبد الله الصادق(عليه السلام): ولقد والله دخل أبو سفيان بعد فتح مكة على رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وهو على المنبر يوم الجمعة بالمدينة، فنظر أبو سفيان إلى أكابر ربيعة واليمن ومصر وساداتهم في المسجد يزاحم بعضهم بعضاً، فوقف أبو سفيان متحيراً، وقال: يا محمد قدرت أن هذه الجماعة تذل لك حتى تعلو دعواك هذه وتقول ما تقول، فقطع النبي خطبته وقال له على رغمك يا أبا سفيان فسكت أبو سفيان خجلاً وقال في نفسه : والله يا محمد لئن أمكنني الله منك لأملأن يثرب خيلاً ورجالاً، ولأخمدن نارك ولأعفرن آثارك، فقطع النبي خطبته (صلی الله علیه وآله وسلم)وقال: يا ويلك يا أبا سفيان، أما بعدي فيتقدمك من هو أشقى منك، وأما بعهدي فلا وبعدي يكون منك ومن أهل بيتك ما تقول في نفسك، إلا أنك لا تطفي نوري ولا تقطع ذكري ولا يدوم لكم ذلك، وليسلبنكم الله إياه ويخلدكم النار وليجعلنكم شجرتها التي هي وقودها الناس فمن أجل ذلك قال الله سبحانه وتعالى :﴿وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْءَانِ﴾(1)إلى تمام الآية .
والشجرة هي بنو أمية وهم أهل النار. فكان هذا من دلائله (عليه السلام)
ص: 102
26 -وعنه عن الحسن بن محمد بن جمهور عن أبيه محمد بن جمهور، عن محمّد بن عبد الله بن مهران عن محمَّد بن صدقة العنبري التميمي، عن أبي المطلب جعفر بن محمَّد بن المُفَضَّل بن عمر عن الصادق له قال : لما سأل عبد الله بن سلام النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)، عن تلك المسائل وأجابه عنها.
فقال عبد الله بن سلام وقد أسلم : يا رسول الله هذا علم قد جاءك من الله على ألسن البشر أو على ألسن الملائكة؟
فقال النبي (صلی الله علیه وآله وسلم): ويحك يا عبد الله البشر كيف آخذ عنهم؟ والله ما أتاني به إلا جبريل عن الله .
قال : وكيف تسمعه يا رسول الله قال يا ابن ،سلام، سماعاً بإذني ومنزلاً على قلبي . قال ابن سلام: تعلم الغيب سماعاً يا رسول الله بسمعك ومنزلاً على قلبك؟
قال له رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): الغيب درجات منها سماع ، ومنها نبت في القلب.
قال :يا رسول الله فمن لك بذلك نسمعه ونعلمه .
قال له رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): ما في نفسك يا ابن سلام من قولك أو من فعلك ما جاء به محمّد حق .
قال ابن سلام ومتى قلت هذا يا رسول الله في نفسي؟
قال : يا ابن سلام الساعة بين قولك لي فحسن إسلامه بهذه الدلالة.
27 - وعنه قال : حدثني أبو الحسين محمد بن يحيى قال : حدثني أبو عبدالله ابن زيد عن الحسين بن موسى عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد الصادق عن محمد بن علي الباقر(عليه السلام)، قال أبو جعفر لجابر بن يزيد الجعفي : يا جابر إن نفراً من شيعتنا في الحديقة قد اجتمعوا للحديث والتذكار وقد وجدوا في حديثهم حديث أصحاب العقبة الذين هم أصحاب الدباب وشكوا
ص: 103
في عدتهم، فأرسل إليهم ليأتوا إلينا فنخبرهم بعددهم وأسمائهم وأنسابهم وكيدهم لجدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة العقبة، فبعث جابر بن يزيد الجعفي إليهم وأحضرهم على الباب وأذن لهم أبو جعفر(عليه السلام)فدخلوا عليه فقال لهم : ما لكم تشكون ونحن بين أظهركم تلقونا صباحاً ومساء؟
فقال القوم : فرج الله عنك يا سيدنا .
وقال أبو جعفر : تكلموا يرحمكم الله .
فقالوا : بعلة خطايانا وكثرة ذنوبنا تحول بيننا وبين ما ذكرت لنا جزاك الله خيراً من إمام خبير، أخبرنا يا سيدنا بقصة أصحاب العقبة .
قال أبو جعفر(عليه السلام): أخبركم بقصتهم وعدد أسمائهم فقال القوم : فرج عنا فرج الله عنك يا سيدنا .
فقال أبو جعفر : اعلموا رحمكم الله إن الأرض لم تقل والسماء لم تظل على أحد من الكفار إلا الاثني عشر أصحاب العقبة أشدهم لعنة وكفراً وجحداً ونفاقاً الله ولرسوله منذ الذرو الأول فإنهم أبدو كفرهم ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾(1)
فقال ضليلهم وإبليسهم الأكبر مكرهاً وقالوا مكرهين : نعم، وقال إبليسهم لجحده لا بغير نطق فاستحال ظلمة وكدراً وأسرّ ما قال كما أسرّ عجل موسى بن عمران(عليه السلام)فسمعنا وعصينا فعلى ذلك الكفر والإنكار وقول الطاغوت إبليسهم وجاؤوا معه إلى علم الله إلى أن ظهر وظهروا في الجان الذي خلقه الله من مارج من نار السموم فقد سمعتم ما كان منه من آدم والنداء له والنبيين والمرسلين والأوصياء والأئمة الراشدين من قتل قابيل لهابيل ونصبه لهم المنادة، الطاغية الباغية، العمالقة والفراعنة والطواغيت يكذبون الرسل والأنبياء والأوصياء والأئمة
(عليهم السلام)ويردون عليهم ويدعون الربوبية والإلهية من دون الله، ويقتلونهم ومن آمن بهم وصدقهم وينظرون ممهلون إلى يوم الوقت المعلوم. وقال القوم إلى أبي جعفر(عليه السلام)يا سيدنا وأولئك الاثنا عشر أصحاب عقبة الدباب هم إبليس ومن كان معه من الأحد عشر الأضداد؟
ص: 104
قال : هو والله وهم والله خلقه وإن قلت إن هؤلاء أولئك حقاً أقول. فقالوا يا سيدنا نحب أن تعرفنا قصة أصحاب العقبة الاثني عشر .
قال أبو جعفر : نعم أخبركم أن جدي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) قد سرى والليل مظلم معتم وهو راكب ناقته العضباء والمهاجرون والأنصار من حوله فلما قرب من العقبة اجتمع الاثنا عشر المنافقون . فقال ضليلهم وإبليسهم زفر يا قوم إن يكن يوم تقتلون فيه محمَّداً فهذا من لياليه، فقالوا : وكيف ذلك؟
فقال لهم : أما تعلمون شر هذه العقبة وصعوبتها وهذا أوانه فإنها لا يرقى فيها الناس إلا واحداً بعد واحد لضيق المسلك .
قالوا : ماذا نصنع وكيف نقتل محمَّداً؟
فقالوا : ما يمكن أن نقتله ومن معه من المهاجرين والأنصار. فقالوا: وإنما ليس يصعد وحده .
قال لهم : لا تؤمنون أن يبدركم أصحابه فتقتلون. قالوا : كيف نصنع؟
قال نستأذنه بالتقدم والصعود في العقبة، ونقول يا رسول الله فنسهل طريقها لك ونلقي من عسارة رصده بأنفسنا دونك ولا تلقاه أنت بنفسك فإنه يحمدنا على ذلك ونتقدمه. قالوا اصنع ما ذكرت .
فقال : قد فكرت في شيء عجيب نقتل به محمداً ولا يشعر بنا أحد، فقالوا : صف لنا ما أنت صانع، فقال لهم : نكب هذه الدباب التي فيها الزيت والخل ونلقي فيها الحصى ونقف في ذروة العقبة فإذا أحسسنا بمحمد يرقى العقبة، دحرجنا الدباب في هذه الظلمة من ذروة العقبة، فتنحط على وجه الناقة في الجادة، لها دوي فتذعر الناقة في الجادة فترمي محمَّداً فيتقطع مع ناقته ونستريح ونريح العرب والعجم منه فقد أضلنا وجميع العالم بسحره وكذبه حتى ما لأحد معه طاقة.
قالوا : نعم ما رأيت ونعم ما احتلت وأشرت فجاؤوا إلى العقبة، فقاموا بين يديه فقالوا : فديناك يا رسول الله بالآباء والأمهات قد وصلنا إلى العقبة فنحن نقيك من كل سوء محذور، ائذن لنا أن نتقدم فنرقى هذه العقبة الصعبة ونستهل طريقها ونلقى رصدان المشركين في ذروتها فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)امضوا لشأنكم والله شاهد على ما تقولون .
فقال أبو بكر - وقد تولى إلى العقبة -: ويحك يا عمر سمعت كلام محمّد
ص: 105
وإني لأخشى أن يكون قد علم بما أسررنا فنهلك فقال له عمر : لا تزال خائفاً وجلاً مرعوباً حتى كأن ما أتينا به ليس بحق خل عنك الصعود، فأنا أتقدمك والجماعة .
قال فتقدم عمر وتلاه أبو بكر وطلحة والزبير وتلاهم سعد بن أبي وقاص وتلاه أبو عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة، وأبو موسى، وصاروا في ذروة العقبة وكبوا ما كان في دبابهم من الزيت والخل، وطرحوا فيها الحصى، وكبروا وصاحوا يا معاشر المهاجرين والأنصار خبروا رسول الله ما في ذروة العقبة ولا في ظهر الجبل رصدة ولا غيره من المشركين، فتقدم رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)على ناقته العضباء فصعد وهم يرون من ذروة العقبة ضياء وجه رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)كدارة القمر يجلو ذلك الليل .
فقال أبو بكر: ويحك يا عمر مع محمّد مصباح؟
قال: لا، قال ما هذا الضياء الذي قد أضاء بين يديه وحوله ؟ فقال : شيء من سحره الذي نعرفه فأقبل أبو بكر يتوارى، فلما أحسوا بالناقة في ثلثي العقبة دحرجوا الدباب في وجهها فنزلت ولها دوي كدوي الرعد فنفرت الناقة، فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): إن الله معنا فأسرع أمير المؤمنين(عليه السلام)وكان يتلوه من ورائه في الطريق وقال : لبيك لبيك يا رسول الله وتلقته الدباب فأقبل يأخذها برجله فيطحنها واحدة بعد واحدة وضج المهاجرون والأنصار فصاح بهم أمير المؤمنين(عليه السلام): لا تخافوا ولا تحزنوا فقد مكروا ومكر الله والله خير الماكرين .
وكان رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) قد نزل عن الناقة في وقت نفورها وأخذ جبريل(عليه السلام)زمام الناقة في العقبة في أغصان دوحة كانت بجانب المسلك في العقبة وسمع للناقة صريخ والشجرة تنادي : يا رسول الله قد عقد خطام ناقتك في أغصاني.
فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): يا أخي جبريل ما هذه الدوحة التي تكلمني فقال : يا حبيب الله ورسوله هذه الدوحة، أثلة من نبات الأرض التي تحتها ولد أبوك إبراهيم الخليل(عليه السلام)وهي لك يا رسول الله محبة، والله أذن لها أن تكلمك .
فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): اللهم بارك في الأثل كما باركت في السدر وقدم جبريل(عليه السلام)الناقة من رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) حتى ركبها وسار وهي تمر كمر السحاب وقرب ما كان بعيداً من مسلك هذه العقبة حتى صار كالأرض البسيطة، قال رسول
ص: 106
الله : فديتك يا أبا الحسن ناد بالمهاجرين والأنصار فلما صاروا على ذروة العقبة رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) اجتمعوا من حوله وقالوا فديناك بالآباء والأمهات يا رسول الله ما هذا الكيد؟ ومن أكادك؟
فقال لهم رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): سيروا على اسم الله ،وعونه، وانزلوا إلى الأرض فإني مخبركم بهذا الكيد ومن هو أكادني والمهاجرون والأنصار يظنون ذلك من مشركي قريش ورصادهم زيادة الاثني عشر أصحاب الدباب فنزل أكثر الناس واختار رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)سبعين رجلاً فقال لهم : قفوا معنا في ذروة العقبة، فإنكم تعلمون ما أنا صانع فلما لم يبق غير رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وأمير المؤمنين والسبعون رجلاً قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): هل رأيتم ما صنع هؤلاء الأشقياء الضالون المضلون من كبهم ما كان في الدباب من زادهم وطرحهم فيها الحصى وإرسالها في وجه الناقة – ناقتي - مقدرين نفورها بي وسقوطي عنها من ذروة العقبة، فأهلك وتقطعني الناقة، وقص عليهم ما قاله الاثني عشر أصحاب الدباب وما تشاوروا فيه من أول أمرهم إلى آخره .
ثم قال : إني مختار منكم اثني عشر نقيباً يكونوا سعداء في الدنيا والآخرة كما الاثني عشر أصحاب الدباب أشقياء في الدنيا والآخرة فلباه السبعون رجلاً وقال كل واحد منهم : اللهم اجعلني من الاثني عشر نقيباً. واختار رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)من السبعين رجلاً اثني عشر نقيباً : أولهم أبو الهيثم مالك بن التيهان الأشهلي الأنصاري والبراء بن مغرور الأنصاري، والمنذر بن لوذان، ورافع بن مالك الأنصاري وأسيد بن حضير ،والعباس بن عبادة (بن نضلة الأنصاري)، وعبادة بن الصامت النوفلي وعبد الله بن عمر بن حزام الأنصاري، وسالم بن عمير الخزرجي وأبي بن كعب، ورافع بن ورقة، وبلال بن رياح الشنوي.
فقال حذيفة بن اليمان والله ما حسدت أحداً ولا خلقني الله حاسداً ولكني سألت الله(عزّوجل)وتمنيت أن أكون من هؤلاء الاثني عشر نقيباً فإن الله ما يشاء، فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): ادنُ مني يا أبا عبد الله، فمسح يده على ظهره وقال ما يكفيك يا أبا عبد الله يا حذيفة أن يعطيك الله علم المنايا والبلايا إلى يوم القيامة؟
ص: 107
فقال: بلى يا رسول الله ولله الحمد ولك يا رسول الله ثم خص رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)كلاً من السبعة وخمسين رجلاً الباقين من السبعين رجلاً شيئاً من فضله .
قال الحسين بن حمدان إنما لم أذكر ما خصهم به رسول الله .
فقال حذيفة بن اليمان: أتأذن لي يا رسول الله أن أؤذن في العسكر فأجمع جميعهم مصرحاً بأسمائهم أصحاب الدباب وألعنهم رجلاً رجلاً؟
فقال له رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): افعل إذا شئت.
فصاح حذيفة في ذروة العقبة مسمعاً جميع العسكر الذي نزل إلى الأرض من جانب العقبة إلى الآخر وهو يقول: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله أمرني رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)أن أفضح من دحرجوا الدباب منكم ، أيها المنافقون الفاسقون المفترون على الله ورسوله، اسمعوا يا معاشر المهاجرين والأنصار : إن عدد أصحاب الدباب اثنا عشر رجلاً، وسماهم ونسبهم رجلاً رجلاً، ثم قال هذا رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) قد لعنهم ولعنهم أمير المؤمنين ولعنهم السبعون رجلاً وأمرني أن ألعنهم، ولعنهم حذيفة بن اليمان وهو ينادي ملء صوته : يا فلان یا فلان الفلاني : إن الله ورسوله لعنك لعناً كثيراً بقيا عليك في الدنيا والآخرة ولا يزول ثبوته ولا يعفو ولا يصفح من الله حتى أتى على آخرهم عدداً لاثني عشر رجلاً أصحاب الدباب بأسمائهم وأنسابهم في صعودهم العقبة واحداً بعد واحد فكان هذا من حديث أصحاب العقبة وأصحاب الدباب.
28 - وعنه، عن أبي الفوارس محمّد بن موسى بن حمدون العدوي، قال: حدّثني العباس بن عبد الله قال : حدّثنا موسى بن مهران البصري، عن أبي داود القدوسي، عن عروة، عن عایشه قالت: لما فتح رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)خيبرأصابوا أواني من ذهب وفضة وأزواجاً من خفاف ونعالاً وحماراً ،أقمر، فلما ركبه رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) قال له : يا حمار ما اسمك؟
ص: 108
قال : عتيق بن شهاب بن حنيفة ، قال : لمن كنت؟
قال لرجل يهودي يقال له مرحب وكنت إذا ذكرت يسبك وكنت إذا ركبني کبوت به على وجهه وكان يسيئ إلي، قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): هل لك من إرب وحاجة تريد أن أعطيك من الإناث شيئاً؟
قال : لا ، قال : ولم ذلك؟ قال: حدثني أبي، عن أبيه وعن أجداده: أنه ركب نسلنا سبعون نبياً، وأن آخر نسلنا يركبه نبي يقال له محمد (صلی الله علیه وآله وسلم)؛ وأحب أن أكون آخر ،نسل، فمكث عند رسول الله إلى أن توفي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، ومكث الحمار ثلاثة أيام بعده وتوحل في بئر فمات(1).
ص: 109
29 - وعنه قال حدّثني جعفر بن القصير عن إسماعيل القمي، عن شاذان بن يحيى الفارسي، عن ماهان الأبلي، عن محمد بن سنان الزاهري قال: حججنا، فلما أتينا المدينة وبها سيّدنا جعفر الصادق لا دخلنا عليه فوجدنا بين يديه صحف فيها تمر من تمر المدينة وهو يأكل منه ويطعم من بحضرته، فقال لي: هاك يا محمد بن سنان هذا التمر الصيحاني كله وتبرك به، فإنّه يشفي شيعتنا من كل داء إذا عرفوه، فقلت يا مولاي عرفوه بماذا؟ يدعى صيحانياً(1).
قال : عند العامة هفوة وينبغي أن يسمى التمر باسم غير هذا الكلام والله أعلم(2)قلت: لا والله يا مولاي ما نعلم هذا إلا منك.
قال : نعم يا ابن سنان هو من دلائل جدي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) وأمير المؤمنين .
قلت مولاي أنعم علينا بمعرفته أنعم الله عليك.
ص: 110
قال : خرج جدّي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)قابضاً على يد أمير المؤمنين(عليه السلام)متوجهاً نحو حدائق ظهر المدينة فكلّ من لقيه استأذنه في صحبته، فلم يأذن له رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، حتى انتهى إلى أوّل نخلة(1)، فصاحت إلى التي تليها هذا آدم وشيث قد أقبلا، وصاحت الأخرى إلى التي تليها يا أُختي هذا نوح وسام قد أقبلا، وصاحت الأخرى التي تليها : يا أختي هذا يعقوب ويوسف قد أقبلا، وصاحت الأخرى إلى التي تليها : يا أختي هذا موسى ويوشع قد أقبلا، وصاحت الأخرى إلى التي تليها : يا أختي هذا سليمان وآصف قد أقبلا، وصاحت الأخرى إلى التي تليها : يا أختي هذا عيسى وشمعون الصفا قد أقبلا، وصاحت الأخرى إلى التي تليها يا أختي هذا محمد رسول الله وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب قد أقبلا(2)، وصاح سائر النخل في الحدائق بعضه إلى بعض بهذا .
فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)لأمير المؤمنين(عليه السلام): فديتك بأبي وأمي، يا أبا الحسن هذا ذكرى لنا(3)، فاجلس بنا عند أول نخلة ننتهي إليها، فلما انتهيا إليها جلسنا، وما كان أوان حمل النخل، فقال النبي (صلی الله علیه وآله وسلم): يا أبا الحسن مر هذه النخلة تنثني إليك - وكانت النخلة باسقة - فدعاها أمير المؤمنين(عليه السلام)وقال : يا أيتها النخلة هذا رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)يقول لك أن تنثني إلى الأرض(4)، فانثنت إلى الأرض وهي مملوءة حملاً رطباً جنياً .
ص: 111
فقال له : يا أبا الحسن التقط وكل وأطعمني، فالتقط أمير المؤمنين(عليه السلام)من رطبها وأكل منها(1) .
فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): يا أبا الحسن إن هذا النخل ينبغي أن نسمّيه صيحانيّاً لتصايحه وتشبيهه لي ولك بالنبيين والمرسلين، وهذا أخي جبرائيل(عليه السلام)يقول : إنّ الله(عزّوجل)قد جعله شفاء لشيعتنا خاصة، فأمرهم يا أبا الحسن بمعرفته، وأن يستضيؤوا (2)ويتبركوا بأكله .
ثم قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): يا نخلة أظهري لنا من أجناس ثمر(3)الأرض، فقالت : لبيك يا رسول الله حبّاً وكرامة فأظهرت النخلة من كل أجناس التمور فأقبل جبرائيل يقول لها : هيه يا نخلة إنّ الله قد أمرك أن تخرجي من كل جنس لرسول الله وحبيبه محمد وأخيه ووصيه(4)من أجناس التمور، وأقبل جبرائيل يلتقطه ويضعه بين يدي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) وأمير المؤمنين(عليه السلام)فأكلا من كل جنس تمرة فمرة يأكل رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) نصفها ، وأمير المؤمنين(عليه السلام)نصفها ، وجبرائيل(عليه السلام)يقول : يا رسول الله لوددت أني ممّن يأكل الطعام فأستشفي بالله وأتبرك يفضل سؤرك، وسؤر أمير المؤمنين.
وقال له رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) : يا حبيبي جبرائيل فإن الله قد فضلك علينا، فقال جبرائیل(عليه السلام): والله يا رسول الله ما فضلي إلا بكما إنكما أحب خلقه إليه وأقربهم منه وأزلفهم لديه (5).
فقال الصادق جعفر بن محمد(صلی الله علیه وآله وسلم): فارتفعت النخلة، وحدث رسول الله وأمير المؤمنين شيعتنا بخبرها(6)، وقصة تلك النخلة من دلائله وعجائبه(عليه السلام) والتحية والإكرام(7).
ص: 112
مضى علي أمير المؤمنين(1)، وله ثلاث وخمسون سنة(2)، في عام الأربعين من أول سني الهجرة(3).
وكان مقامه بمكة مع رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)ثلاثاً وعشرين سنة، منها ثلاث عشرة سنة في ظهور الرسالة(4)، وأقام معه بالمدينة عشر سنوات، ثم قبض النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)،وأقام بعده أيام أبي بكر سنتين وشهور وأيام عمر تسع سنين وشهور، وأيام عثمان اثنتي عشرة سنة، وأيامه(عليه السلام)ست سنين، الجميع ثلاثون سنة(5).
ومضى بضربة عبد الرحمن بن ملجم المرادي(6)في ليلة الجمعة لإحدى عشرة
ص: 113
ليلة بقيت من شهر رمضان(1).
وكان اسمه علياً. وفي القرآن ،مبيناً قوله في قصة إبراهيم(عليه السلام)، ﴿وَاجْعَل لي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ﴾(2).
وقوله تعالى إجابة لإبراهيم(عليه السلام): ﴿وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلَّا جَعَلْنَا نَبيا (49)وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَنِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (50)﴾(3).
وقوله: ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيُّ حَكِيمُ﴾(4)وله في القرآن ثلاثمئة اسماً . ورويت في الأسانيد الصحيحة ووجدت في قراءة عبد الله بن مسعود راه الذي قال النبي من أراد أن يسمع القرآن غضاً طرياً كما أنزله الله تعالى فليسمعه من فم عبد الله بن مسعود وبهذا كان يدعوه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم )لأبيه، ففي قراءته : ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17)فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18)ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)﴾(5)وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا أَنتَ مُنذِةٌ وَلِكُلِ قَوْمٍ هَادٍ ﴾(6)، والمنذر رسول الله والهادي علي (عليه السلام)(7).
وقوله تعالى: ﴿أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ، وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾(8). والشاهد منه علي(عليه السلام)(9)
ص: 114
وقوله (عزوجل) : ﴿عَمَ يَتَسَاءَلُونَ(1) عَنِ النَّبَاءِ الْعَظِيمِ(2) الَّذِى هُمْ فِيهِ مُختَلِفُونَ(3 )﴾(1).
وقول أمير المؤمنين(عليه السلام) لعلي بن دراع الأسدي، وقد دخل عليه وهو في جامع الكوفة، فوقف بين يديه، فقال [له]: [ل_]قد أرقت [ك منذ ليلتك جمعاً يا علي]).
فقال له : ما علمك يا أمير المؤمنين بأرقي؟
فقال : (ذكرتني والله في أرقتك فإن شئت ذكرتك وأخبرتك به).
فقال علي بن دراع : نعم يا أمير المؤمنين [علّمني] بذلك .
فقال له :( ذكرت في ليلتك هذه قول الله(عزّوجل): ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1)عَنِ النَّبَاءِ الْعَظِيم(2) الَّذِى هُمْ فِيهِ مُختَلِفُونَ(3 )﴾.
فارقت وفكرت فيه وتالله أنا عليّ [و]ما اختلف الملأ إلا في، وما الله نبأ هو أعظم منّي ولي ثلاثمئة ،اسم لا يمكن التصريح بها، لئلا يكبر على قوم لا يؤمنون بفضل الله(عزّوجل)على رسوله وأمير المؤمنين والأئمة الراشدين [ صلوات الله عليهم أجمعين])(2).
اسمه في صحف شيث وإدريس ونوح وإبراهيم وبالسرياني: مبين، وباللسان العبراني الهيولى، والأمين ،والثبات والبيان، واليقين، والإيمان.
وفي التوراة : إليا .
وفي الزبور : أريا وبلغة الزنج جينا .
وبلسان الحبشة تبريك، وسمي يوم القليب - وقد سقط عثمان في البدء من دابته الهلالية فعلقه أمير المؤمنين برجله وأخرجه فسمّي – ميموناً .
ص: 115
وبلسان الأرمن : أفريقا .
وباللسان العربي : حيدرة .
وسماه أبوه أبو طالب - وهو صغير وكان يصرع أكابر أخوته – ظهيراً .
وكناه أبو الحسن(1)، والحسين(2)، وأبو شبر، وأبو شبير، وأبوتراب (3)وأبو النور، وأبو السبطين وأبو الأئمة.
وألقابه أمير المؤمنين وهو اللقب الأعظم الذي خصه الله به وحده ولم يُسمَّ به أحد قبله ولا يسمى به أحد بعده إلا كان مأفوناً في عقله ومأبوناً في ذاته(4)، وأمير النحل والنحل هم المؤمنون، والوصي(5)، والإمام والخليفة، وسيد الوصيين(6)، والصديق الأعظم(7)، والفاروق الأكبر(8)، وقسيم الجنة والنار(9)، وقاضي الدين .
ومنجز الوعد، والمحنة الكبرى، وصاحب اللواء، والذائد عن الحوض، ومهلك الجان، والأنزع البطين والأصلع الأمين، وكاشف الكرب، ويعسوب الدين، وباب حطة، وباب المقام، وحجة الخصام ودابة الأرض، وصاحب القضايا وفاصل ،القضاء، وسفينة النجاة والمنهج الواضح، والمحجة البيضاء، وقصد السبيل، وجزارة ،قريش ومفني القرون، ومكر الكرات، ومديل الدولات وراجع الرجعات والقَوْم ،الحديد الذي هو في الله أبداً جديد.
وأمه : فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف(10)، ولم يكن في زمانه هاشمي
ص: 116
وعقيل(1)، وابنيه الحسن والحسين وابنتيه زينب وأم كلثوم .
ومشهده : في الذكوات البيض بالغريين غربي الكوفة. [وفي مشهده خبر ](2) .
1 - قال الحسين بن حمدان الخصيبي : حدثني أحمد بن صالح ،عن أبي
ص: 118
هاشم داود بن القاسم الجعفري، عن أبي جعفر الإمام التاسع(عليه السلام)، عن أبيه علي الرضا وموسى الكاظم وجعفر الصادق(عليهم السلام): أن الصادق(عليه السلام)قال لشيعته بالكوفة، وقد سألوه عن فضل الغريين والبقعة التي دفن فيها أمير المؤمنين(عليه السلام)ولم سُمي الغريان (1)غريين .
فقال : إن الجبار المعروف بالنعمان بن المنذر كان يقتل أكابر العرب ومن ناوأه من جبابرتهم وكبرائهم وكان الغريان على يمين الجادة فإذا قتل رجلاً أمر بحمل دمه إلى جادة العلمين حتى يغريانه يريد بذلك يشهده المقتول إذا رأى دمه على العلمين من أجل ذلك سمي الغريان .
وأما البقعة التي فيها قبر المؤمنين (عليه السلام): فإن نوحاً(عليه السلام) لما طافت السفينة وهبط جبريل(عليه السلام)على نوح(عليه السلام) فقال : إن الله يأمرك أن تنزل ما بين السفينة والركن اليماني فإذا استقرت قدماك على الأرض فابحث بيدك هناك فإنه يخرج تابوت آدم فاحمله معك في السفينة فإذا غاص فابحث بيدك الماء فادفنه بظهر النجف بين الذكوات البيض والكوفة فإنها بقعة اخترتها له ولك يا نوح ولعلي بن أبي طالب(عليه السلام) وصي محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)، ففعل نوح ، ففعل نوح ذلك ووصى ابنه ساماً أن يدفنه في البقعة مع التابوت الذي لآدم ، فإذا زرتم مشهد أمير المؤمنين فزوروا آدم ونوح وعلي بن أبي طالب (عليه السلام)(2).
وكان له من خولة الحنفية : أبو هاشم محمد بن الحنفية(1).
وكان له : عبد الله والعباس وجعفر وعثمان من أم البنين، وهي جعدة ابنة خالد ابن زيد الكلابية(2).
وكان له من أم عمر التغلبية : عمر ورقية(3)، وهي من سبي خالد بن الوليد(4).
وكان له : يحيى من أسماء بنت عميس الخثعمية(5)
وكان له : محمد الأصغر(6) من أم ولد(7).
وكان له الحسن ،ورملة وأمهما أم شعيب المخزومية(8).
وكان له : أبو بكر وعبيد الله(9)، وأمهما ليلى ابنة مسعود(10) النهشلية.
والذي أعقب من ولد أمير المؤمنين : الحسن والحسين(عليهم السلام) ومحمد بن الحنفية والعباس وعمر .
ص: 120
قال: ومضى أمير المؤمنين(عليه السلام)؛ وخلف منهن أمامة ابنة زينب ابنة رسول الله وليلى التميمية وأسماء ابنة عميس الخثعمية وأم البنين الكلابية، وثمانية عشر ولداً، ولم يكن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) تزوج أو تمتع بحرة ولا أمة في حياة خديجة(عليها السلام)إلا بعد وفاتها وكذلك أمير المؤمنين لم يتزوج ولا تمتع بحرة ولا أمة في حياة فاطمة إلا بعد وفاتها وكان اسم أبي طالب عبد مناف بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف .
وروي عن النبي أنه قال:« إنا أهل بيت نبوة ورسالة وإمامة، وإنه لا تقبلنا، عند ولادتنا القوابل ».
وإن الإمام لا يتولى ولادته ووفاته وتغميضه وتغسيله وتكفينه ودفنه والصلاة عليه إلا الإمام والذي تولى وفاة رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) علي (عليه السلام)غمضه وغسله وكفنه وصلى عليه وتولى أمره أمير المؤمنين(عليه السلام)وولداه الحسن والحسين(عليهم السلام) توليا وفاة أمير المؤمنين(عليه السلام)وتغميضه وغسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه ولم يحضره أحد غيرهما، ودفناه ليلاً، ولم يظهر على مشهده أحد إلا بدلالة صفوان الجمال، وكان جمال الصادق(عليه السلام).
ثم دلت عليه الأئمة من موسى بن جعفر وعلي الرضا ومحمد الجواد وعلي الهادي والحسن العسكري ورواه شيعتهم وكانت دلالة صفوان على مشهد أمير المؤمنين(عليه السلام) دلالة ظهرت للناس .
2 - قال الحسين بن حمدان : حدثني محمد بن يحيى الفارسي، عن محمّد بن جمهور القمي، عن عبد الله الكرخي عن علي بن مهران الأهوازي، عن محمد بن صدقة، عن محمد بن سنان الزاهري، عن المُفَضَّل بن عمر الجعفي، عن مولانا الصادق(عليه السلام) قال المُفَضَّل: دعاني سيدي الصادق في جنح الليل وهو مقتم أسود فحضرت داره وهي تزهر نوراً بلا ،ظلمة فلما امتثلت بين يديه قال يا مُفَضَّل : مُرْ صفواناً يصلح لي على ناقتي السعداء ،رحلها وأقم في الباب إلى وقت رجوعي إليك .
قال : ثم خرج مولاي الصادق(عليه السلام) وقد أحضر صفوان الناقة وأصلح رحلها
ص: 121
فاستوى عليها وأثارها ثم قال يا صفوان خذ بحقاب الناقة وارتدف، قال: ففعل صفوان ذلك ومرت الناقة كالبرق الخاطف أو كاللحظ السريع، وجلست بالباب حتى مضى من الليل سبع ساعات من وقت ركوب سيدي الصادق(عليه السلام).
قال المُفَضَّل : فرأيت الناقة وهي كجناح الطير وقد انقضت إلى الباب، ونزل عنها مولاي(عليه السلام) فانقلب صفوان إلى الأرض خافتاً، فأمهلته وأقبلت أنظر إلى الناقة، وهي تخفق والعرق يجري منها حتى ثاب(1)صفوان فقلت : خذ ناقتك إليك وعدل إلى أن خرج مغيث خادم مولاي الصادق فقال سل يا مُفَضَّل صفوان عما رأى ويا صفوان حدثه ولا تكتمه .
قال : فجلس صفوان بين يدي وقال : يا مُفَضَّل أخبرك بالذي رأيته الليلة فقد أذن لي مولاي قلت نعم قال: أمرني سيدي(عليه السلام) فارتدفت على الناقة، ولم أعلم أنا في سماء أم في أرض غير إني أحس في الناقة وهي كأنها الكوكب المنقض حتى أناخت ونزل مولاي
(عليه السلام)ونزلت وصلى ركعتين وقال: يا صفوان صل واعلم أنَّك في بيت الله الحرام قال: فصليت ثم ركبت وارتدفت وهبت الناقة كهبوب الريح العاصف، ثم انقضت فأناخت فنزل مولاي(عليه السلام) فقال: صل یا صفوان ركعتين واعلم إنك في المسجد الأقصى، قال: ثم ركب وارتدفت وسارت الناقة وهبطت فأناخت فنزل مولاي عنها ونزلت فصلى ركعتين .
ثم قال: صل يا صفوان واعلم بأنَّك بين قبر جدي(عليه السلام) ومنبره؛ قال: فصليت .
فقال: يا صفوان ارتدف من ورائي، فارتدفت فسارت مثل سيرها وانقضت فنزل مولاي وصلى وصليت .
فقال : يا صفوان أنت على جبل طور سيناء الذي كلم الله عليه موسى بن عمران(عليه السلام) ثم ركب وارتدفت وانقضت فنزل عنها ونزلت فإذا هو يجهش بالبكاء ويقول : جللت من مقام ما أعظمك ومصرع ما أجلك، أنت والله البقعة المباركة، والربوة ذات قرار ،ومعين وفيك والله كانت الشجرة التي كلم الله منها موسى(عليه السلام) ما أطول حزننا بمصابنا فيك إلى أن يأخذ الله بحقنا .
ص: 122
قال : وتكلم بكلام خفي عني ثم صلى ركعتين وصليت وأنا أبكي وأخفي بكائي، ثم ركب وارتدفت فنزل عن قريب لنا وصلى ركعتين وصليت.
قال: یا صفوان هل تعلم أين أنت؟
قلت: يا مولاي عرفني حتى أعرف قال : أنت بالغريين في الذكوات البيض في البقعة التي دفن فيها أمير المؤمنين علي(عليه السلام).
قال : فقلت يا مولاي فاجعل لي إليها دليلاً .
قال : ويحك بعهدي أو بعدي؟
قال: فقلت يا مولاي بعهدك وبعدك، قال: على أنك لا تدل عليها ولا تزورها إلا بأمري.
قال : فقلت يا مولاي إني لا أدل عليها ولا أزورها إلا بأمرك، قال خذ يا صفوان من الشعير الذي تزودته الناقة فانثر منه حباً إلى مسجد السهلة وبكر عليه تستدل وتعرف البقعة بعينها وزرها إذا شئت، ولا تظهرها لأحد إلا من تثق به ومن يتلوني من الأئمة إلى وقت ظهور مهدينا أهل البيت صلوات الله عليهم، ثم يكون الأمر إلى الله ويظهر فيها ما يشاء حتى تكون معقلاً لشيعتنا وتضرعاً إلى الله ووسيلة
للمؤمنين .
قال المُفَضَّل : فظللت باقي ليلتي راكعاً وساجداً أسأل الله بقائي إلى صباح ذلك اليوم، فلما أصبحت دخلت على مولاي(عليه السلام) فقلت : أريد الفوز العظيم والسعي إلى البقعة المباركة التي بين الذكوات البيض في الغريين.
قال : امض وفقك الله يا مُفَضَّل وصفوان معك .
قال المُفَضَّل : فأخذ بيدي وقصدت مسجد السهلة، ثم استدللنا بحبات الشعير المنثورة حتى وردنا البقعة فلذنا بها وزرنا وصلينا[ ورجعنا] وأنفسنا مريضة خوفاً من أن لا نكون وردنا البقعة بعينها .
قال : ودخلنا من مزارنا منها إلى مولانا الصادق(عليه السلام) فوقفنا بين يديه.
فقال : والله يا مُفَضَّل ويا صفوان ما خرجتما عن البقعة عقداً واحداً ولا نقصتما عنها قدماً .
ص: 123
فقلنا : الحمد لله ولك يا مولاي وشكراً لهذه النعمة وقرأ :﴿ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَهُ كتَاباً﴾(1). وقوله : ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْتَهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينِ﴾(2).
3 - وروي بهذه الإسناد عن الصادق(عليه السلام)، عن أبيه الباقر(عليه السلام) قال: دخل علم سلمان الفارسي له ، والمقداد بن الأسود الكندي وأبو ذر جندب الغفاري، وعمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان، وأبو الهيثم مالك بن التيهان وخزيمة بن ثابت، وأبو الطفيل عامر على النبي فجلسوا بين يديه والحزن ظاهر في وجوههم، فقالوا له : فديناك بالآباء والأمهات يا رسول الله إنا نسمع في أخيك علي(عليه السلام) ما يحزننا سماعه وإنا نستأذنك في الرد عليهم، فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم):وما عساهم يقولون في أخي علي؟
فقالوا : يا رسول الله إنهم يقولون : أي فضيلة له في سبقه إلى الإسلام، وإنما أدركه الإسلام طفلاً، ونحن يحزننا هذا، فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) : هذا يحزنكم؟
قالوا : نعم يا رسول الله ، فقال : أسألكم بالله هل علمتم من الكتب الأولى أن إبراهيم(عليه السلام)هربت به أمه وهو طفل صغير من عدو الله وعدوه النمرود في عهده فوضعته أمه بین ثلاث أشجار شاطئ نهر يدفق يقال له حوران وهو بين غروب الشمس وإقبال الليل فلما وضعته أمه واستقر على وجه الأرض فقام الأرض فقام من تحتها فمسح رأسه ووجهه وسائر بدنه وهو يكثر من الشهادة الله بالوحدانية، ثم أخذ ثوباً فاتشح به وأمه ترى ما يفعل فرعبت منه رعباً شديداً فهرول من بين يديها ماداً إلى السماء فكان منه ما قال الله ترك : ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي﴾(3)وقصة الشمس والقمر إلى قوله : ﴿وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (4).
وعلمتم أن موسى بن عمران(عليه السلام)كان فرعون في طلبه يبقر بطون النساء
ص: 124
الحوامل، ويذبح الأطفال لقتل موسى(عليه السلام) فلما ولدته أمه أوحى إليها أن يأخذوه من تحتها فتقذفه وتلقيه في التابوت وتقذفه في اليم فبقيت حيرانة حتى كلمها موسى وقال لها يا أم اقذفيني في التابوت .
خائفة فقالت له وهي من كلامه : يا بني إني أخاف عليك من الغرق.
فقال لها : لا تخافي إن الله رادّي إليك ففعلت ذلك فبقي التابوت في اليم إلى أن ألقاه إلى الساحل رده إلى أمه وهو برهة لا يطعم طعاماً ولا يشرب شراباً معصوماً .
وروي : إن المدة كانت سبعين يوماً وروي إنها كانت تسعة أشهر، وقال الله تعالى في حال طفوليته: ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنی(39) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ(40) ﴾(1)الآية .
وهذا عيس بن مريم(عليها السلام) قال الله تعالى: ﴿فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ﴾(2)إلى آخر الآية .
فكلم أمه وقت مولده فقال لها : ﴿فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ﴾ (3).
وقال: ﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَيبّاً(29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ اتني الكِتَب وَجَعَلَنِي نَبيّا(30)وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَنِي بِالصَّلَوةِ وَالزَّكَوةِ مَا دُمْتُ حَيًّا(41) وَبَرًا بِوَلِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًا الله(42)﴾(4).
فتكلم عيس بن مريم(عليه السلام) في وقت ولادته وأعطي الكتاب والنبوة وأوصى بالصلاة والزكاة في ساعة مولده وكلمه الناس في اليوم الثالث وقد علمتم جميعاً خلقتي، وأن علياً من نوري ونوري ونوره نور واحد، وكنا كذلك نسبح الله ونقدسه ونمجده ونهلله ونكبره قبل أن يخلق الملائكة والسماوات والأرضين والهواء ثم عرش العرش وكتب أسماءنا بالنور عليه، ثم أسكننا صلب آدم، ولم نزل ننتقل في
ص: 125
أصلاب الرجال المؤمنين وفي أرحام النساء الصالحات يسمع تسبيحنا في الظهور والبطون في كل عهد وعصر وزمان إلى أبي عبد المطلب فإنه كان يظهر نورنا في بلجات وجوه آبائنا وأمهاتنا حتى ثبتت أسماؤنا مخطوطة بالنور على جبهاتهم.
فلما افترقنا نصفين في عبد الله ،نصف وفي أبي طالب عمي نصف كان تسبيحنا في ظهورهما، فكان عمي وأبي إذا جلسا في ملأ من الناس ناجي نوري من صلب أبي نور علي من صلب أبيه إلى أن خرجنا من صلبي أبوينا وبطني أمينا، ولقد علم جبريل(عليه السلام)في وقت ولادة علي وهو يقول: هذا أول ظهور نبوتك وإعلان وحيك وكشف رسالتك، إذ أيدك الله بأخيك ووزيرك وصنوك وخليفتك ومن شددت به أزرك وأعليت به ذكرك علي بن أبي طالب، فقمت مبادراً فوجدت فاطمة ابنة أسد أم علي بن أبي طالب وقد جاءها المخاض فوجدتها بين النساء، والقوابل من حولها، فقال حبيبي جبرائيل : سجف بينها وبين جبرائیل: سجف بينها وبين النساء سجافا، فإذا وضعت علياً فتلقه بيدك اليمنى ففعلت ما أمرني ،به ومددت يدي اليمنى نحو أمه، فإذا بعلي ماثلاً على يدي واضعاً يده اليمنى في أذنه يؤذن ويقيم بالحنفية ويشهد بوحدانية الله (عزوجل) وبرسالتي.
ثم أشار إليَّ فقال : يا رسول الله ،اقرأ قلت اقرأ والذي نفس محمد بيده لقد ابتدأ بالصحف التي أنزلها الله على آدم وابنه شيث فتلاها من أول حرف إلى آخر حرف حتى لو حضر شيث لأقر بأنه أقرأ لها منه، ثم تلا صحف نوح حتى لو حضر نوح لأقر أنه أقرأ لها منه، ثم تلا صحف إبراهيم حتى لو حضر إبراهيم لأقر انه أقرأ لها منه، ثم تلا زبور داود حتى لو حضر داود لأقر أنه أقرأ لها منه، ثم تلا توراة موسى حتى لو حضر موسى لأقر أنه أقرأ ثم قرأ إنجيل عيسى حتى لو حضر عيسى لأقر بأنه أقرأ لها منه ثم خاطبني وخاطبته بما يخاطب به الأنبياء، ثم عاد إلى طفولته .
وهكذا سبيل الاثني عشر إماماً من ولده يفعلون في ولادتهم مثله .
فماذا تحدَّثون، وماذا عليكم من قول أهل الشك والشرك بالله هل تعلمون إني أفضل النبيين، ووصيي علي أفضل الوصيين وأن أبي آدم تمام اسمي واسم أخي علي وابنتي فاطمة وابني الحسن والحسين مكتوبة على سرادق العرش بالنور، منذ قال آدم إلهي هل خلقت خلقاً قبلي هو أكرم عليك مني».
ص: 126
قال : يا آدم لولا هذه الأسماء ما خلقت سماء مبنية ولا أرضاً مدحية ولا ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً ولا خلقتك يا آدم فقال : إلهي وسيدي بحقهم إلا غفرت لي خطيئتي .
فكنا نحن الكلمات التي تلقى آدم من ربه فغفر له وقال : ابشر يا آدم فإن هذه الأسماء من ذريتك وولدك، فحمد الله وافتخر على الملائكة بنا، فإذا كان هذا من فضلنا، عند الله وفضل الله علينا ولا يعطى إبراهيم وموسى وعيسى شيئاً من الفضل إلا ويعطيه بنا، فماذا يضرنا ويحزنكم قول أهل الإفك والمسرفين . فقام سلمان ومن كان معه على أقدامهم وهم يقولون : يا رسول الله نحن الفائزون؟
قال: نعم. أنتم ،الفائزون والله لكم خلقت الجنة ولأعدائنا وأعدائكم خلقت .النار. فكان هذا من دلائله وبراهينه ومعاجزه قبل وفاة رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم). وأما بعد وفاة رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) :
فمن دلائله ومعجزاته :
روي بالإسناد : أنّ أبا بكر لقيه (1): في سكة [من سكك] بني النجار في المدينة، وكان قد استخلف الناس أبا بكر فسلم أبو بكر عليه وصافحه، وقال له : يا أبا الحسن عسى في نفسك شيء من ء من استخلاف الناس إياي وما كان في السقيفة، وإكراهك على البيعة؟ والله ما كان ذلك بإرادتي إلا أن المسلمين اجتمعوا على أمر لم أكن أخالف عليه وفيه، لأن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) قال : لن تجتمع أُمتي على ضلال .
فقال له أمير المؤمنين(عليه السلام): منهم الذين أطاعوا الله وأطاعوا رسوله بعهده، وبعده، وأخذوا بهديه، وأوفوا بما عاهدوا الله عليه، ولم يغيروا ولا بدلوا؟»(2).
ص: 127
قال أبو بكر: والله يا علي لو شهد عندي [الساعة] من أثق به أنك أحقّ بهذا الأمر مني لسلّمته إليك، رضي من رضي، وسخط من سخط . فقال له المؤمنين(عليه السلام):« بالله يا أبا بكر هل أنت بأحد أوثق منك برسول الله»(1)؟
قال أبو بكر : لا والله .
قال له : «فقد أخذ عليك بيعتي في أربع مواطن وعلى جماعة معك فيهم عمر وعثمان في يوم الدار ، وفي بيعة الرضوان تحت الشجرة، ويوم جلوسه في بيت أُمّ سلمة (2)وأنا عن يمينه أحضرك وعمر وعثمان وسلمان، والمقداد، وجندب، وعمار، وحذيفة، وأبو الهيثم مالك بن التيهان وأبو الطفيل عامر بن واثلة، حتى امتلأ منهم البيت وحضر بريدة الأسلمي فجلس على عتبة الباب. فقال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): قم يا أبا بكر فسلم على علي بإمرة المؤمنين وبايع له، فما أجزاك إلا أن القول مني فقلت أقوم يا رسول الله، عن أمر الله وأمرك وأبايع علياً وأسلم عليه بإمرة المؤمنين؟ فقال: نعم، قم يا أبا بكر فقمت فبايعتني وسلمت علي بإمرة المؤمنين كما أمرك وجلست ثم قال : قم يا عمر فأعاد القول كما أعدته أنت فقال: یا رسول الله أسلم على علي بإمرة المؤمنين قال: نعم، قم فبايعه وسلم عليه بإمرة المؤمنين فقام وبايعني وسلم عليّ بإمرة المؤمنين وجلس.
فقال رسول الله : قم يا عثمان إلى أخي علي وسلم عليه بإمرة المؤمنين، فما قام حتى قال مثلما قلتما فأعاد عليه رسول الله ثالثة فقام فبايعني وسلم علي بإمرة المؤمنين وجلس .
ص: 128
فقال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): قم يا سلمان قم يا ،مقداد قم يا جندب، قم يا عمار، قم يا حذيفة ،قم يا خزيمة، قم يا أبا الهيثم، قم يا عامر، قم يا بريدة، فبايعوا لأخي علي، وسلموا عليه بإمرة المؤمنين، فقاموا بأجمعهم بلا مراجعة، فبايعوا لي وسلموا علي بإمرة المؤمنين.
وفي يوم غدير خم بعد رجوعه من حجة الوداع فقد نزل بغدير خم وقد علمت أنه كان يوماً شديد القيظ يشيب فيه الطفل، فأشار إلي جميعكم ورسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فاستظلوا بالدوحات التي حول الغدير فلما قرب الزوال وقف(عليه السلام) وأشار إليكم أن احتطبوا وخذوا من الدوحات ما سقط وأتوني به فكبس ما جمعتم بعضه فوق بعض فلما رأى لا يوفي الجمع أمر عليه بالأقتاب فنصب بعضاً فوق بعض حتى علت العسكر، ثم علاها ودعاني فعلوت معه فكان ما سمعتموه، وهو أن أخذ كفي بكفه اليمنى وقد بسطهما نحو السماء حتى رأيتم بياض إبطيه، يريكم شخصي ويعلن بأمري، ويقول ما أمر به (1).
قال الحسين بن حمدان : إنما تركنا إعادة الإشهاد عند الناس جميعاً، ويرجع الخبر إلى قول المؤمنين(عليه السلام): فقلتم بأجمعكم سمعاً وطاعة الله ولرسوله فقال لكم : الله ورسوله عليكم من الشاهدين فقال لكم فليشهد بعضكم على بعض وليسمع من سمع مني من لم يسمع فقلتم : نعم يا رسول الله فنزل وصلى صلاة الزوال، وارتفع صوت الأذان والإقامة في العسكر، فصلى بهم صلاة الظهر والعصر، فلما فرغنا من الصلاة قمتم أنتم بأجمعكم تهنئون رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وتهنئوني بكرامة الله لنا، فدنا مني عمر فضرب على كفي وقال بحضرتكم بخ بخ يا ابن أبي طالب أصبحت مولانا ومولى المؤمنين قال له رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): ويحك يا أبا حفص الا دعوته بما أمرك الله أن تدعوه بإمرة المؤمنين، فتقول: أصبحت يا أمير المؤمنين مولانا ومولى المؤمنين؟
فقال: نعم، فقال أبو بكر : يا أبا الحسن والله لقد ذكرتني أمراً لم أكن أعلم
ص: 129
ولو يكون رسول الله شاهداً ،فأسمعه فقال له أمير المؤمنين(عليه السلام): يا أبا بكر، الله ورسوله عليك من الشاهدين، إن رأيت رسول الله حياً ويقول لك: إنك ظالم في أخذ حقي الذي جعله الله لي ولرسوله دونك ودون المسلمين إنك تسلم هذا الأمر إليَّ وتخلع نفسك منه؟
قال أبو بكر : هذا ما لا يكون إلا أن أرى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) بعد موته حياً يقول لي ويأمرني بذلك.
قال له أمير المؤمنين(عليه السلام): نعم يا أبا بكر .
قال : فأرني ذلك إن يكن حقاً قال أمير المؤمنين(عليه السلام): الله ورسوله عليك من الشاهدين إنك تفي بما قلت .
قال أبو بكر: نعم، فضرب أمير المؤمنين على يده ومال يسعى به إلى مسجد قبا فلما ورداه تقدم أمير المؤمنين(عليه السلام)فدخل المسجد وأبو بكر من ورائه فإذا هما برسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)جالس في قبلة المسجد، فلما رآه أبو بكر سقط لوجهه كالمغشي
عليه فبادره رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): ارفع أيها الضليل المفتون ارفع رأسك.
فرفع [أبو بكر رأسه وقال : لبيك يا رسول الله، أحياة بعد الموت؟
قال: نعم، ويحك يا أبا بكر إنّ الذي أحياها لمحيي الموتى، [عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ].
قال : فسكت أبو بكر وشخصت عيناه نحو رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) فقال : ويحك يا أبا بكر أنسيت ما عاهدت الله ورسوله عليك في المواطن الأربع لعلي، فما بالك تناشد علياً فيها ويذكرك فتنساها وقص عليه رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)ما جرى بينه وبين أمير المؤمنين فلم ينقص منه كلمة ولا زاد فيه ،كلمة إلى أن انتهى .
فقال أبو بكر : يا رسول الله، فهل من توبة؟ وهل يعفو الله عني إذا سلمت هذا الأمر إلى أمير المؤمنين؟
فقال : نعم يا أبا بكر وأنا الضامن لك على الله ذلك إن وفيت.
قال : وغاب رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)[عنهما]، فثبت أبو بكر إلى أمير المؤمنين(عليه السلام).
وقال : الله الله سر معي حتى أعلو المنبر فأقص على الناس ما شاهدت وما رأيت من أمر رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، وما قال لي، وما قلت له، وما أمرني وأخلع نفسي من هذا الأمر، وأسلمه إليك.
ص: 130
قال أمير المؤمنين : أنا معك يا أبا بكر إن تركك شيطانك.
قال أبو بكر : إن لم يتركني تركته وعصيته .
فقال أمير المؤمنين : تطيعه ولا تعصيه والله ما أردت إلا تأكيد الحجة عليك . فأخذ بيده وخرجا من مسجد قبا يريدان مسجد رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)والمنبر وأبو بكر يخفق بعضه بعضاً يتلون ألواناً والناس ينظرون إليه ولا يدرون بالذي كان منه ؛ حتى لقيه ،عمر فقال له يا خليفة رسول الله ما شأنك؟ وما الذي دهاك؟
فقال : خل عني يا عمر، فوالله لا سمعت لك قولاً .
فقال : وأين تريد يا خليفة رسول الله ؟
فقال أبو بكر : أريد [المسجد و] المنبر .
فقال له عمر : إنه ليس وقت صلاة ولا منبر .
فقال : خلّ عني فلا حاجة لي في كلامك
فقال له عمر يا خليفة رسول الله فما تدخل قبل المسجد منزلك فتسبغ الوضوء؟
فقال له أبو بكر : بلى. ثم التفت إلى أمير المؤمنين[ علي(عليه السلام)] فقال : يا أبا الحسن، اجلس إلى جانب المنبر حتى أخرج إليك . فتبسم أمير المؤمنين(عليه السلام)، ثم قال : يا أبا بكر ، قد قلت لك : إنّ شيطانك لا يدعك ويردك. وسعى أمير المؤمنين(عليه السلام) وجلس بجانب المنبر ودخل أبو بكر منزله وعمر معه فقال له يا خليفة رسول الله لم لا تعرفني أمرك تحدثني بما دهاك؟
فقال أبو بكر: ويحك يا عمر رجع رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) بعد موته وخاطبني وخاطبته في ظلمي لعلي ويأمرني أن أرد حقه عليه وأخلع نفسي منه.
فقال عمر : يا خليفة رسول الله قص علي قصتك من أوّلها إلى آخرها .
فقال له : ويحك يا عمر إن علياً قال لي : إنك لا تدعني أخرج هذه المظلمة من عنقي، وإنك شيطاني. فلم يزل عمر يحدثه بحديثه كله .
فقال له : بالله يا أبا بكر أنسيت(1)في أول شهر رمضان الذي فرض علينا صيامه، حيث جاءك حذيفة بن اليمان ومعه سهل بن حنيف، وعثمان أخوه،
ص: 131
ونعيمان الأنصاري(1)، وخزيمة بن ثابت في [يوم] الجمعة إلى دارك ليتقاضوك ديناً عليك، فلما انتهوا إلى باب الدار سمعوا صلصلة في الدار فوقفوا على باب الدار ولم يستأذنوا عليك، فسمعوا أُمّ بكر زوجتك تناشدك، وتقول لك : قد عمل حرّ الشمس بين كتفيك، فقم من سواء الدار إلى داخل الجدار(2)سواء الدار إلى داخل الجدار (2)، وكن بنفسك من الشمس وابعد من الباب ليسمعك بعض أصحاب محمَّد فيهدروا دمك، فقد علمت أنّ محمَّداً قد أهدر دم من أفطر يوماً من شهر رمضان من غير سفر ولا مرض؛ خلافاً على الله ورسوله [محمد].
فقلت لها هاك لا أم لك فضل طعامي في الليل، وأترعي لي الكأس قرقفا(3)، فوقف حذيفة بن اليمان ومن معه يسمعون محاورتكما [إلى أن انتهيت من شعرك]، فجاءت بصحيفة فيها ثريد وأخذت القعب [مملوءاً خمراً] فكرعت منه في ضحى النهار وجعلت تقول لزوجتك :
ذريني أصطبح يا أُمّ بكر*** فإنّ الموت نقب عن هشام
ونقّب عن أخيك وكان صفواً*** من الفتيان في شرب المدام
تلبي بالتحية أم بكر*** وهل لك بعد قومك من سلام
فكم لك بالقليب قليب بدر*** من الأجسام تكلم بالسهام(4)
وكم لك بالطوي طوي أحد*** من الحركات والدمع العظام(5)
من أنصار الكريم إلى علي*** حيا الكأس الكريمة والمدام
يقول لنا ابن كبشة سوف نحيا*** وكيف حياة أشلاء وهام(6)
يود ابن المغيرة لو فداه*** بألف من سنام أو سوام
أاترك إن يكف الموت، عني*** ويحيي إذا بليت عظامي
ص: 132
أتزعم باطلا ما قال هذا*** وإفكا من زخاريف الكلام
الا من مبلغ الرحمن، عني*** بأني تارك شهر الصيام
إذا ما الرأس فارق منكبيه ***وليس بذاك يقطع للطعام
فقل الله يمنعني شرابي*** وقل الله يمنعني طعامي(1)
فسمعوك تهجو محمَّداً في دارك، فهجموا عليك في دارك، فوجدوك وقعب الخمر في يدك وأنت تكرعها ، فقالوا لك يا عدو الله خالفت الله وخالفت رسوله، وحملوك كهيئتك إلى مجمع الناس بباب رسول الله وقصوا قصتك، وأعادوا شعرك، فدنوت منك وقلت في صحيح (2)الناس عليك قل : إنك شربتها ليلاً، فئملتها نهاراً، فزال عقلك، فأتيت ما أتيته زياداً (3)، ولا علم لك بذلك، فعسى أن يدرأ عنك الحد .
وخرج محمد فنظر إليك فقال : استنطقوه فقالوا : رأيناه ثملاً يا رسول الله لايعقل .
فقال : ويحك والخمر تزيل العقول تعلمون هذا من أنفسكم وأنتم تشربونها ؟!
فقلنا : نعم يا رسول الله وقد قال فيها قائد الشعراء امرؤ القيس ابن حجر الكندي :
ص: 133
شربت الإثم حتى زال عقلي*** كذاك الإثم تذهب بالعقول(1)
فقال : والإثم من أسماء الخمرة، فقلنا : نعم يا رسول الله .
فقال : أنظروه إلى إفاقته من سكرته، فأمهلك حتى أريتهم أنك قد صحوت فسألك محمَّداً ؛ فأخبرته بما أو عزته إليك من شربك لها بالليل فما بالك اليوم تؤمن بمحمَّد وما جاء به وهو عندنا ساحر كذاب.
فقال : ويحك يا أبا حفص لا شكّ عندي فيما قصصته عليَّ، فاخرج إلى علي فاصرفه عن المنبر .
فخرج عمر وأمير المؤمنين(عليه السلام) بجانب المنبر جالس فقال : مالك يا علي قد تصديت لها هيهات هيهات دون والله ما تروم من علوّ هذا المنبر خرط القتاد.
فتبسم أمير المؤمنين(عليه السلام)حتى بدت نواجذه ثم قال : ويلك منها كل الويل یا عمر إذا أفضت إليك والويل للأمة من بلائك(2)
وانصرف أمير المؤمنين إلى منزله(3). فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
5- قال الحسين بن حمدان حدَّثني جعفر بن مالك، عن محمَّد بن خلف،عن المخول بن إبراهيم عن زيد الشحام عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي خالد ابن عبد الله بن حزام الأنصاري عن حذيفة بن اليمان، ونعيمان، وسهل بن حنيف، وخزيمة بن ثابت بالحديث الذي كان لحذيفة بن اليمان مع أبي بكر وقصد داره بهؤلاء الثلاثة نفر في يوم الجمعة في أول يوم من شهر رمضان فرض على المسلمين صيامه وأكل أبي بكر الطعام وشربه الخمرة وشعره على ما تضمنه منه
ص: 134
عمر بتذكيره لأبي بكر في نقضه الصيام وأكله الطعام وشربه الخمرة وقوله الشعر الذي لزمه الكفر بالله (عزوجل) وبرسوله اجتمعت تيم - وهي قبيلة أبي بكر – وعدي - وهي قبيلة عمر - وأمية - وهي قبيلة عثمان - وزهرة - وهي قبيلة عبد الرحمن ابن عوف الزهري - والكل من قريش فقالوا يا رسول الله ما لأبي بكر ذنب فلا تحرم علينا الخمرة فهب لنا ذنبه واقبل منا الكفارة.
فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): لا حكم إلا حكم الله، وأنا منتظر ما يأتي به جبريل(عليه السلام)، عن الله ومك فأنزل الله تبارك وتعالى: ﴿وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً﴾(1)، ونهى بذلك وكثر سؤال الناس عن الخمرة إلى رسول الله ، عن شرب الخمر، ونادى في المدينة وكتب إلى أهل الإسلام بذلك.
واحتجوا بأنه مطلق حلال ولم ينزل تحريمها في كتاب من كتب الله(عزوجل)(2)، وذكروا خبر نوح (عليه السلام)وأنه شرب وسكر من الخمرة حتى رقد، وخرج ابنه حام وقد حملت الريح ثوب أبيه نوح(عليه السلام)حتى كشف عورته، فوقف ينظر إليه ويتضاحك في وجهه ويعجب من أبيه.
فقام سام أخوه ونظر إليه ورأى ما يصنع، فقال له : ويحك يا حام بمن تهزأ ؟ فلم يخبره بشيء فنظر سام منظر حام وإذا بالريح قد كشف ثوب أبيهما، وهو سكران نائم، فدنا منه ومد عليه ثوبه وألقى عليه ملاءته وقعد يحرسه إلى أن أفاق، وانتبه من رقدته فنظر إلى سام فقال : يا بني ما لك جالساً وملاءتك على لونك متفكراً لا يكون أحد جنى عليك جناية، فعدت تحرسني منها .
فقال له : الله ورسوله أعلم فهبط جبريل(عليه السلام)، وقال له : يا نوح ربك يقرئك السلام ويقول لك : إن حاماً فعل بك كيت وكيت، وسام ابنك أنكر ذلك من فعله وسترك وطرح ملاءته عليك، وحرسك من أخيه حام ومن الريح.
فقال نوح: بدل الله ما بحام من جمال قبحاً ومن خير شراً، ومن إيمان كفراً، ولعنه لعناً وبيلاً كما صنع بأبيه رسولك ولم يشكر لولادته ولا لهدايته .
فاستجاب الله دعاء نبيه نوح(عليه السلام)في ولده حام واستحال جماله سواداً مخبأ،
ص: 135
منخلقاً، مجدداً، مقطحاً ، طمطمانياً، فوثب على أبيه نوح يريد قتله فوثب عليه سام فعلا هامته بيده وصده عنه، فدعا نوح(عليه السلام)أن ينزل عليه الأمان من ذريته وأن يجعل بين حام وذريته العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة(1).
واحتجوا بأن القرابين لها منذ قرب هابيل كانوا يشربون الخمر ويسقون القرابين منها وشرباها ووقفا يقربا منها، وأن شبر وشبير ابني هارون (عليه السلام)قرّبا قرباناً ثم سقياه الخمر وشرباها ووقفا يقربان، فنزلت النار عليهما أحرقتهما لأن الخمر في بطونهما فقتلا بذلك .
واحتجوا بقول الله(عزوجل)في الزبور على لسان داود(عليه السلام): خمراً مريئاً، دلنا تريا مفصحاً أثر فسمي لحماً لنا قلب ترياشا حسر خمراً حسراً حراباً .
قال داود(عليه السلام): معنى خمرة هي الخمر هي شقيق لنا قلب ترياشا ابن آدم، ويسقون القرابين منها، وإنها شربت بعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتخذوا الزي والمزفت إلى سكرة أبي بكر .
فقال المسلمون: لِمَ تنهانا عن شربها يا رسول الله ، أنزل فيها أمر من عند الله فنعمل به؟ فأنزل الله(عزوجل):﴿ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾(2).
فقال المسلمون إنما أمرنا بالاجتناب عنها، ولم تحرم علينا، فأنزل الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾(3).
فقالوا : أمرنا أن ننتهي ولم تحرم علينا فأنزل الله زوجك : ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾(4)
ص: 136
فقال المسلمون فيه منافع للناس وإن كان الإثم أكبر من المنافع ولم يحرم شربها علينا فأنزل الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ والبغى بغيرِ الْحَيّ﴾(1).
فصح تحريم الخمر من قولهم إن الإثم اسم من أسماء الخمر، ويستشهد بما تقدم من قول امرئ القيس بن حجر الكندي حيث يقول :
شربت الإثم حتى زال عقلي*** كذاك الإثم يذهب بالعقول(2)
ومما عني به السيد ابن محمد الحميري في الخمرة يقول :
لولا عتيق وشوم سكرته*** كانت حلالاً كسائغ العسل(3)
وفي قصيدة أخرى يقول : كانت حلالاً لساكن الزمن(4).
وله في لقاء أمير المؤمنين(عليه السلام)وحمله له إلى مسجد قبا وخبره مع رسول الله وخطابه له يقول :
لما لقاه أبو الفصيل بمشهد*** فخلابه وقرينه لم يعلم
فتناشدوا في نقضه العهد الذي*** أخذ النبي عليه غير تكتم
لتسلمن إلى الوصي إمامة*** إمارة صارت له من آدم
قال الغوي فأين لي ذو خبرة*** أدري ويشهد بالذي قد تزعم
قال الوصي هل لك عني مخبر*** عن النبي فقال آه حرم
أين النبي وكيف لي بمغيَّب*** بين الجنادل في ضريح مظلم
قال الوصي عَلَيَّ أن تلقاه في*** نادي قبا في مسجد لم يهدم
قال الغوي له أبعد مماته*** قال الوصي نعم برغم مرغم
فأتى به فإذا النبي بمحضر*** حي يحاوره بغیر تجمجم
أنسيت ويلك يا عتيق وكبَّهُ*** لجبينه للأرض صفة النادم
ص: 137
قال النبي له عتيق ردّها*** ويلك تنجو من جريرة ظالم
قال الشقي نعم أرد ظلامة*** لعليِّ ذي الهادي بغير تذمم
وله في هذا المعنى قصيدة أخرى :
حتى لقاه أبو الفصيل بجانب*** فخلا به وقرينه لم يشعر
وضوع
6 - وعنه بهذا الإسناد، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، عن سلمان الفارسي الله ، قال : دخل أبو بكر وعمر وعثمان على رسول الله .
فقالوا يا رسول الله ما لك تفضّل عليّاً علينا في كلّ الأفعال والأشياء ولا يرى لنا معه فضلاً (1)؟
قال لهم (2): (ما أنا فضلته ؛ بل الله فضله ).
فقالوا : وما الدليل على ذلك؟
فقال: (إذا لم تقبلوا منّي فليس [من الموتى] شيء، عندكم أصدق من أهل الكهف(3)حتى تُسلَّموا عليهم، فمن أحياهم الله له وأجابوه كان الأفضل).
قالوا رضينا يا رسول الله، فأمر رسول الله أن يبسط بساطاً له، ودعا بعليّ فأجلسه في [وسط] البساط، وأجلس كلّ واحدٍ منهم [على] قرنة .
قال سلمان وأجلسني القرنة الرابعة، وقال: (يا ريح احمليهم إلى أصحاب الكهف وردّيهم إليَّ)، فدخلت الريح [تحت البساط] وسارت بنا، فإذا نحن في كهف عظيم فحطة [نا] عليه .
قال أمير المؤمنين(عليه السلام): (يا سلمان هذا الكهف والرقيم فقل للقوم: يتقدمون أو أتقدم؟).
ص: 138
فقالوا : نحن نتقدّم فقام كلّ واحدٍ منهم فصلى ودعا وقال : السلام عليكم يا أصحاب الكهف، فلم يجبهم أحد .
فقام بعدهم أمير المؤمنين(عليه السلام) صلى ركعتين ودعا بدعوات خفيات، فصاح الكهف وصاح القوم من داخله بالتلبية، فقال أمير المؤمنين(عليه السلام):
(السلام عليكم أيها الفتية الذين آمنوا بربهم وزادهم هدى).
فقالوا: وعليك السلام يا أخا رسول الله [(صلی الله علیه وآله وسلم)] ووصيه [يا أمير المؤمنين]، لقد أخذ الله العهد علينا بعد إيماننا بالله وبرسوله محمد [(صلی الله علیه وآله وسلم) ]، لك يا أمير المؤمنين بالولاية إلى يوم الدين قال : فسقط القوم لوجوههم، وقالوا : يا أبا عبد الله ردنا ، فقلت : وما ذلك إلى(1)، فقالوا : يا أبا الحسن ردنا .
فقال(عليه السلام): (يا ريح ردّيهم إلى رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)).
فحملتنا فإذا نحن بين يديه فقص عليهم رسول الله [(صلی الله علیه وآله وسلم) ] القصة كما جرت، فقال: ([وهذا] حبيبي جبريل أخبرني أن عليا فضله الله عليكم) .
[ فقالوا : الآن علمنا فضل عليّ علينا من عند الله زوجك لا منك](2).
7 - وعنه، عن يعقوب بن بشر، عن زيد بن عامر الطاطري عن زيد بن شهاب الأزدي، عن زيد بن كثير اللخمي عن أبي سمينة محمد بن علي، عن أبي بصير، عن مولانا الصادق(عليه السلام)قال: لما أظهر رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فضل أمير المؤمنين كان المنافقون يتخافتون بذلك ويسترونه خوفاً من رسول الله إلى أن خطب أكابر قريش ،فاطمة، وبذلوا في تزويجها الرغائب، فكان رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)لا يزوج
ص: 139
أحداً منهم حتى خطبها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): يا علي ما خطبتها إلا والله زوجك إياها في السماء لأن الله وعد ذلك فيك وفي ابنتي فاطمة .
فقام إليه أبو أيوب خالد بن زيد الأنصاري وقال: يا رسول الله وقد زوج الله عليّا في السماء بفاطمة (عليها السلام)؟
فقال له(عليه السلام) : نعم يا ابن أيوب أمر الله الجنة أن تتزخرف، وشجرة طوبى أن تنشر أغصانها في السبع سماوات إلى حملة العرش، وأن تحمل بأغصانها دراً وياقوتاً ولؤلؤاً ومرجاناً وزبرجداً وزمرداً أصكاكاً مخطوطة بالنور، هذا ما كان من الله للملائكة وحملة عرشه وسكان السماوات كرامة لحبيبه وابنته فاطمة ووصيه علي وأمر جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل واللوح المحفوظ والقلم ونون وهي مخازن وحي الله وتنزيله على أنبيائه ورسله أن يقفوا في السماء الرابعة وأن يخطب جبريل بأمر الله، ويزوج ميكائيل عن الله، ويشهد جميع الملائكة وانتثرت طوبى من تحت العرش إلى السماء الدنيا، فالتقط الملائكة ذلك النثارة الصكاك فهو عندهم مذخور.
قال أبو أيوب : يا رسول الله ما كان نحلتها؟
:قال يا أبا أيوب شطر الجنة وخمس الدنيا وما فيها والنيل والفرات وسيحان وجيحان والخمس من الغنائم كل ذلك لفاطمة نحلة من الله وحباً لا يحل لأحد أن يظلمها فيه بورقة .
قال أبو أيوب: بخ بخ يا رسول الله هذا من الشرف العظيم أقر الله بها عينيك وعيوننا يا رسول الله، فقام حذيفة بن اليمان(رضی الله عنه) قائماً على قدميه وقال يا رسول الله تزوجها في يوم الأربعين من تزويجها في السماء.
قال حذيفة بن اليمان ما نحلتها في الأرض يا رسول الله؟
قال : يا أبا عبد الله نحلتها ما تكون سنة من نساء أمتي من آمن منهن واتقى، قال : وكم هو يا رسول الله ؟
قال : خمسمائة درهم.
قال حذيفة: يا رسول الله لا يزيد عليها في نساء الأمة فإن بيوتات العرب تعظم النحلة وتتنافس فيها تأديباً من الله ورحمة منه في ابنتي وأخي .
ص: 140
قال حذيفة بن اليمان يا رسول الله فمن لم يبلغ الخمسمئة درهم؟
قال له(عليه السلام) : تكون النحلة ما تراضيا عليه .
قال حذيفة : يا رسول الله فإن أحب أحد من الأمة الزيادة على الخمسمئة درهم؟
فقال له (عليه السلام)يجعل ما يعطيها من عرض الدنيا براً ولا يزيد على الخمسمئة درهم فقال حذيفة: صدقت يا رسول الله فيما بلغتنا إياه عن الله عزوجل في قوله عز من قائل: ﴿وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَثَهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَنا وَإِثْمًا مبينا (20)وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِيثَقا غليظا الله(21)﴾(1).
قال النبي : ما وجب لهن ذلك إلا عند الإفضاء إليهن ألا ترى يا أبا عبد الله حذيفة، وتسمع قوله برجك: ﴿وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ فَهُنَّ فَرِيضَةً فَيَصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوا الَّذِي بِيَدِهِ، عُقْدَةُ النِّكَاحَ وَأَن تَعْفُوا قْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾(2)فأعلم عز ذكره أنه إذا لم يفض إليهن ولم يمسسن أن لا تأخذوا شيئاً.
قال : فلما تمت الأربعون يوماً أمر الله ورسوله(صلی الله علیه وآله وسلم)أن يزوجها من علي(عليه السلام)فزوجت في مسجد رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)وحضر جميع المسلمين، وفيهم حاسد لعلي وشامت بفاطمة، وأنها تزوجت من فقير ورضا مسروراً رضاء الله ورسوله فلما اجتمع الناس وتكاتفوا قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): قد أخبرتكم معاشر الناس ما أكرمني به الله وأكرم به أخي عليّاً وابنتي فاطمة(عليها السلام)، وتزويجها في السماء، وقد أمرني الله أن أزوجه في الأرض وأن أجعل له نحلتها خمسمئة درهم، ثم تكون سنة في أمتي من أغناهم والمقلّ منهم ما تراضيا عليه .
ثم قال : قم يا علي فديتك فاخطب لنفسك فإن هذا يوم كرامتك، عند الله
وعند رسوله .
فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): الحمد لله حمداً لأنعمه وأياديه ولا إله إلا الله
ص: 141
شهادة تبلغه وترضيه وصلى الله على محمد صلاة تزلفه وتحظيه، ألا وإن النكاح مما أمر الله به ورضيه ومجلسنا هذا مما قدره الله وقضى فيه، هذا رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم). قد زوجني ابنته فاطمة وصداقها علي خمسمئة درهم(1)، فاسألوا رسول الله واشهدوا علي.
فقال رسول الله : ما زوجتك حتى زوجك الله في السماء منذ أربعين يوماً، فاشهدوا رحمكم الله فخرج مولى لأم سلمة - زوجة رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)- فنثر سكراً ولوزاً ونثر الناس من كل جانب، وانصرف رسول الله ويده في يد أمير المؤمنين(عليه السلام)حتى دخل إلى مشرفة أم سلمة وهي مشرفة عالية البناء كثيرة الأبواب والطاقات وانصرف الناس إلى منازلهم، وارتفع في دور الأنصار نقر الدفوف من مشارف رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)والأصوات بحمد الله وشكره والثناء عليه، فدعا رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)بتمرات كانت له في قعب وفضلة سمن عربي، فطرحه في قصعة كانت له وفتها بيده اليمنى وقال : قدموا يا أنصار الصحاف والقصاع واحملوا إلى سائر أهل المدينة وأبواب المهاجرين والأنصار، ثم سائر المسلمين، وأسرعوا في المدينة للسابلة ما يأكلون ويتزودون فلم تزل يده المباركة فيه تنقل من قصعة إلى الصحاف من ذلك الخبز وهي تمتلئ ،وتفيض حتى امتلأ منهما منازل المسلمين في المدينة، وأسرعت في الطرقات فأكلت وتزودت السابلة وسائر الناس، وقصعته(عليه السلام) كهيئتها بحالها .
وتكلم المنافقون والحساد لأمير المؤمنين(عليه السلام)وقالوا لنسائهم : ألقين إلى فاطمة ما تسمعن منا، فبلغنها وقلن لها : خطبك أكابر الناس وأغنياؤهم وبذلوا لك الرغائب، فزوجك رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)من فقير قريش وليس له خمسمئة درهم إلا ثمن درعه التي وهبها له رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) ومن لا يقدر يملك من الدنيا أكثر من فراش أديم ومضوغة محشوة ليف النخيل، وأصواف الغنم.
فألقت نساؤهم إلى فاطمة (عليها السلام)هذا القول وزدن منه وحكت أم سلمة لرسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فخرج إلى مسجده واجتمع الناس من حوله فقال (عليه السلام): ما بال قوم منكم يؤذون الله ورسوله وعليّاً وفاطمة؟ فقال الناس: لعن الله من يؤذيك يا رسول الله، ومن لم يرضَ ما ،رضيت، ويسخط ما سخطت.
فقال لهم : ليبلغني عن قوم منكم أنهم يقولون إني زوجت فاطمة من أفقر
ص: 142
قريش، وقد علم كثير من الناس أن الله تعالى أمر جبرائيل(عليه السلام)أن يعرض علي خزائن الأرض وكنوزها وما فيها من تبر ولجين ، وجوهر، وآتاني مفاتيح الدنيا وكشف لي عن ذلك حتى رأيت من خزائن الأرض وكنوزها وجبالها وبحارها وأنهارها .
فقلت له : وأخي علي يرى ما رأيت ويشهد ما شهدت.
فقال حبيبي جبريل : نعم .
فقلت : ما عند الله من الملك الذي لا يحول ولا يزول في الآخرة التي هي دار القرار أحب إليَّ من هذه الدنيا الفانية، فكيف أكون وأخي عليّاً وابنتي فاطمة؟ الله بيني وبين المنافقين من أمتي فأنزل الله(عزّوجل):﴿ لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاهُ﴾(1)، إلى آخر الآية .
وعنه بهذا الإسناد عن أبي جعفر الباقر](عليه السلام) قال: (لما كثر قول المنافقين، وحساد المؤمنين في ما يظهره رسول الله من فضل المؤمنين(عليه السلام)، ويبصّر الناس ويدلهم، ويأمرهم بطاعته، ويأخذ البيعة له من
الام كبرائهم ومن لا يؤمن غدره، ويأمرهم بالتسليم عليه بإمرة المؤمنين، ويقول لهم: إنه وصبي، وخليفتي، وقاضي ديني، ومنجز وعدي والحجّة [الله] على خلقه من بعدي من أطاعه سعد، ،، ومن خالفه ضلّ وشقي.
قال المنافقون: لقد ضل محمد في ابن عمه علي وغوى وجن(2)، والله ما فتنه فيه، ولا حببه إليه إلا قتل الشجعان و[ الأقران و] الفرسان يوم بدر وغيرها من قريش وسائر العرب واليهود وإنّ كل ما يأتينا به ويظهره في عليّ من هواه وكلّ ذلك يبلغ رسول الله حتى اجتمع التسعة الرهط المفسدون في الأرض، في دار الأقرع بن حابس التميمي.
وكان يسكنها في الوقت صهيب الرومي وهم التسعة الذين هم أعداء أمير
ص: 143
المؤمنين علي(عليه السلام)كان عددهم عشرة وهم أبو بكر وعمر، وعثمان، وطلحة، و[قيل : الزبير، و] سعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف الزهري وخالد بن الوليد، وأبو عبيدة بن الجراح، فقالوا : قد أكثر رسول الله في أمر علي وزاد فيه حتى لو أمكنه أن يقول لنا اعبدوه لقال .
فقال سعد بن أبي وقاص : ليت محمَّداً أتانا فيه بآية من السماء كما أتاه في نفسه من الآيات من شق القمر وغيره فباتوا ليلتهم تلك، فنزل نجم من السماء حتى صار على ذروة المدينة حتى دخل ضوؤه في البيوت(1)، وفي الآبار والمغارات وفي المواضع المظلمة من منازل الناس.
فذعر أهل المدينة ذعراً شديداً، وخرجوا وهم لا يعلمون ذلك النجم على دار من نزل ولا أين هو متعلق، إلا أنّهم يظنونه على بعض منازل رسول الله، وسمع رسول الله ذلك الضجيج والناس، فخرج إلى المسجد وصاح بالناس: (ما الذي أزعجكم وأخافكم؟ من هذا النجم النازل على دار أخي علي بن أبي طالب؟).
فقالوا: نعم يا رسول الله ] .
فقال : (فلا يقول منافقوكم التسعة الذين اجتمعوا في أمسكم في دار صهيب الرومي، فقالوا في وفي أخي عليّ ما قالوه وقال قائل : ليت محمداً، أتانا بآية من السماء في علي كما أتانا بها في نفسه من شق القمر وغيره، فأنزل الله برك هذا النجم على ذروة دار أخي علي آية له خصه الله بها ؛ فلم يزل ذلك النجم معلقاً على مشربة أمير المؤمنين(عليه السلام)) .
و[كان أمير المؤمنين(عليه السلام)] معه في المسجد إلى أن غاب كل نجم من السماء وهذا النجم معلق .
فقال لهم رسول الله : ( هذا حبيبي جبرائيل(عليه السلام)لقد أنزل عليَّ في هذا النجم وحياً [ وقرآناً] وهو ما تسمعونه)، ثم قرأ (عليه السلام): ﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى(1) ما ضلَّ صاحبكم وَمَا غَوَى(2) وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى(3) إِن هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى(4) إنْ هُوَ إِلَّا وَحْى يُوحَى عَلَمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى(5)﴾(2)،ثم ارتفع النجم وهم ينظرون إليه والشمس قد بزغت وغاب كل نجم في السماء .
ص: 144
فقال بعض المنافقين: لو شاء محمَّد لأمر هذه الشمس فنادت باسم علي وقالت: هذا ربّكم فاعبدوه فهبط جبرائیل(عليه السلام)فخبر رسول الله بما قالوا وكان هذا في ليلة الخميس وصبيحته فأقبل رسول الله بوجهه الكريم على الله وعلى الناس وقال: (استعيدوا عليّاً من منزله، فاستعادوا إليه علي(عليه السلام).
فقال [له]: (يا أبا الحسن، إنّ قوماً من منافقي أُمتي ما قنعوا بآية النجم حتى قالوا : لو شاء محمَّد لأمر الشمس أن تسلم على علي(1) وتقول هذا ربكم فاعبدوه، فیكر يا علي بعد صلاتك الفجر إلى بقيع الغرقد(2)وقف نحو مطلع الشمس فإذا بزغت الشمس فادعُ بدعواتٍ أنا مُلقنك إياها، وقل للشمس : السلام عليك يا خلق الله الجديد واسمع ما تقول [لك] وما تردّ عليك، وانصرف إلى البقيع).
فسمع الناس قول رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وسمع التسعة الرهط المفسدون في الأرض؛ فقال بعضهم لبعض : لا تزالون تغرون محمَّداً [ بأن يظهر] في ابن عمه عليّ على كل آية]، وليس [مثل ما] قال [محمد] في هذا اليوم.
فقال اثنان منهم، واقسموا بالله جهد أيمانهما(3)إنهما لا بد أن يحضرا إلى البقيع حتّى ينظرا ويسمعا ما يكون من عليّ والشمس.
فلما صلى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) صلاة الفجر وأمير المؤمنين(عليه السلام)[معه] في الصلاة أقبل عليه وقال:( قم يا أبا الحسن إلى ما أمرك الله به ورسوله فأتِ البقيع حتى تقول للشمس ما قلت لك، فأسر إليه سرّاً كان فيه الدعوات التي علمه إيّاها ) .
فخرج المؤمنين(عليه السلام)يسعى إلى البقيع وتلاه الرجلان،وتلاهما آخرون معهما حتى انتهوا إلى البقيع فأخفوا أشخاصهم بين تلك القبور.
ص: 145
ووقف أمير المؤمنين(عليه السلام)بجانب البقيع حتى بزغت الشمس، فهمهم بذلك الدعاء] كما علمه النبي بهمهمة لم يعرفوها فقالوا هذه الهمهمة مما علمه محمد من سحره، وقال: السلام عليك يا خلق الله الجديد فأنطقها الله [ برجك ] بلسان عربي مبين وقالت له : وعليك السلام يا أخا رسول الله ووصيه، أشهد أنك عبد الله وأخو رسول الله حقاً، فأرعد القوم واختلطت عقولهم، ورجعوا إلى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) مسودة وجوههم، تفيض أنفسهم غيظاً .
فقالوا: يا رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) ما هذه العجائب التي لم تسمع من النبيين ولا من المرسلين، ولا في الأمم الغابرة القديمة، ليتك تقول : إن علياً ليس بشراً وهو ربكم فاعبدوه .
فقال لهم رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) بمحضر علي: (ما رأيتم؟).
فقالوا : ما نقول ونسمع ونشهد بما قال علي للشمس وما قالت له الشمس، فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): (لا بل تقولون ما قال علي للشمس).
فقالوا : قال علي للشمس : السلام عليك يا خلق الله الجديد، بعد أن همهم همهمة تزلزل منها البقيع ؛ فأجابته الشمس وعليك السلام يا أخا رسول الله ووصيه، أشهد أنك عبد الله وأخو رسول الله حقاً .
فقال [لهم] رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): (الحمد لله الذي خَصَّنا بما تجهلون، وأعطانا ما لا تعلمون، وقد علمتم أنّي واخيت عليّاً دونكم، وأشهدتكم أنه وصبّي، فما أنكرتم عساكم تقولون : لم قالت له الشمس : أشهد أنك أنت الأول والآخر والظاهر والباطن، يا من أنت بكل شيء عليم.
فقالوا: يا رسول الله إنك أخبرتنا أنّ الله هو الأول والآخر والظاهر والباطن، في كتابه العزيز المنزل عليك، قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): ويحكم وإني لكم بعلم ما قالت [له] الشمس؟ أما قولها : إنك الأوّل فصدقت، إنه أول من آمن بالله ورسوله مِمّن دعوتهم من الرجال إلى الإيمان بالله وخديجة في النساء. وأما قولها له الآخر، فهو آخر الأوصياء، وأنا آخر النبيين و[خاتم الرسل.
وقولها الظاهر : فهو الذي ظهر على كل ما أعطاني الله من علمه ؛ فما علمه معي غيره، ولا يعلمه بعدي سواه [إلا] من ارتضاه الله البشريته من صفوته .
وأما قولها الباطن: فهو والله باطن علم الأوّلين والآخرين وسائر الكتب
ص: 146
المنزلة على النبيين والمرسلين، وما زادني الله وخصني الله من علم وما تعلمونه(1).
وأما قولها له يا من أنت بكل شيء عليم : فإن عليّاً يعلم علم المنايا والقضايا، وفصل الخطاب فماذا أنكرتم).
فقالوا بأجمعهم : نحن نستغفر الله يا رسول الله، لو علمنا ما تعلم لسقط الاعتذار، والفضل لك يا رسول الله ولعلي فاستغفر لنا، فأنزل الله تبارك وتعالى :﴿ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللهُ لَهُمَّ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾(2)، وهذا في سورة المنافقون. فكان هذا من دلائله(عليه السلام)(3)
9 - وعنه ، عن محمد بن منير القمي، عن زيد بن صعصعة التميمي، عن عمار بن عيسى عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير، عن أبي جعفر محمد بن علي(عليه السلام)، قال : قلت يا سيدي كم من مرة ردت الشمس على جدك أمير المؤمنين قال يا أبا بصير ردت له مرة عندنا بالمدينة ومرتين عندكم بالعراق .
فأما التي عندنا بالمدينة فإن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)صلى العصر وخرج إلى منفسح في غربي المدينة، وأمير المؤمنين(عليه السلام)يتبعه ولم يكن صلى العصر فلحق رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)النعاس فوضع رأسه في حجر أمير المؤمنين(عليه السلام)ورقد فلم ينتبه من رقدته إلا وقد توارت الشمس بالحجاب فلما انتبه رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)قال أمير المؤمنين(عليه السلام): يا رسول الله ما صليت ولا أيقظتك من رقدتك إجلالاً وإعظاماً وإشفاقاً عليك يا رسول الله .
فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): اللهم إنك تعلم أن عليّاً عظم نبيك وأشفق عليه أن يوقظه من رقدته حتى غربت الشمس ولم يصل العصر فكرم نبيك ووصيك برد
ص: 147
الشمس عليه حتى يصلي العصر فأقبلت من مغربها راجعة لها زجل بالتسبيح والتقديس، حتى صارت في منزلة الشمس لوقت العصر فصلى أمير المؤمنين(عليه السلام)ورسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)جميع الناس ينظرون، فلما قضى صلاته هوت إلى مغربها كالبرق الخاطف أو كالكوكب المنقض، فأمر رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)أن يبني في موضع صلاة العصر التي صلاها أمير المؤمنين مسجداً يصلى فيه ويزار .
قال السيد الحسين بن حمدان الله : أنا رأيت هذا المسجد في غربي المدينة في أرض السهلة سنة ثلاث وسبعين ومئتين من الهجرة وصليت به مع جمع كثير من الناس، والمسجد يجدد أبداً في كل زمان ويعرف بموضع ردة الشمس لعلي أمير المؤمنين(عليه السلام) وهو مشهد معروف.
وأما الأولى من المرتين في العراق فإن أمير المؤمنين سار بعسكره من النخلية مغرباً حتى أتى نهر كربلاء، فمال إلى بقعة يتضوع منها المسك، وقد جن عليه الليل مظلماً ،معتكراً، ومعه نفر من أصحابه وهم: محمد بن أبي بكر، والحارث الأعور الهمداني، وقيس بن عبادة ومالك الأشتر، وإبراهيم بن الحسن الأزدي، وهاشم المري.
قال ابن عبيد الله بن يزيد فلما وقف في البقعة وترجل النفر معه وصلى، وقال لهم : صلوا كما صليت ولكم عليَّ علم هذه البقعة .
فقالوا : يا أمير المؤمنين لك منن علينا بمعرفتها .
فقال (عليه السلام): هذه والله الربوة ذات قرار ومعين، التي ولد فيها عيسى(عليه السلام)، وفي موضع الدالي من ضفة الفرات غسلت مريم واغتسلت وهي البقعة المباركة التي نادى الله موسى من الشجرة وهي محط ركاب من هنا الله به جده رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) وعزاه، فبكوا وقالوا يا أمير المؤمنين هو سيدنا أبو عبد الله الحسين؟
قال لهم أمير المؤمنين(عليه السلام): اخفضوا من أصواتكم، فإنه وإخوانه في هذا السواد وما أحب أن يسمعوا فيحزنوا على الحسين على أن الحسين قد علم وفهم ذلك كله وأخبره به جده رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم).
ثم قبض قبضة من نثر دوحات كأنهن قضبان اللجين، فاشتمها ثم ردها في أيدينا وقال : تحيوا بها فأخذناها فإذا هي بعر ،غزلان، فقال لنا : لا تظنوا أنها من غزلان الدنيا، بل هي من غزلان الجنة تعمر هذه البقعة وتؤنسها وتنثر فيها الطيب.
ص: 148
قال قيس بن سعد بن عبادة: كيف لنا بأن نرسم هذه البقعة بأبصارنا، وهذا الليل بظلمته يمنعنا من ذلك؟
فقال لهم : هذا عسكرنا حائر لا يهتدي مسيره.
فقال له محمد بن أبي بكر يا مولانا ومولى كل مؤمن ومؤمنة، فأين فضلك الكبير لايدركنا؟ فانفرد أمير المؤمنين(عليه السلام)في جانب من البقعة، وصلى ركعتين له ودعا بدعوات فإذا الشمس قد رجعت من مغربها فوقفت في كبد السماء، فهلل العسكر وكبروا وخر أكثرهم سجداً الله ، ونظروا إلى البقعة وعرفوها وعلموا أين هي من الفرات وهي كربلاء ثم سار العسكر على الجادة وغربت الشمس .
وأما الثالثة فإن أمير المؤمنين(عليه السلام)انكفأ من النهروان بعد قتله الخوارج حتى قرب من أرض بابل(1) وقد وجبت صلاة العصر في أرض بابل، فلما وجبت أقبل الناس من العسكر وهم سائرون يقولون يا أمير المؤمنين، الصلاة ليلاً، ثم يجري في أرض قد خسف الله فيها بطشه وهي أرض لا يصلي لها نبي ولا وصي، فأقبل الناس يصلون إلى أن غربت الشمس وقد صلى أهل المعسكر إلا أمير المؤمنين، وجويرية بن مسهر يقول : والله لأقلدن صلاتي لأمير المؤمنين فإني أصلها وقد صلاها سائر العسكر ولي بأمير المؤمنين أسوة.
فقال له أمير المؤمنين(عليه السلام): ما صليت؟
فقال : لا يا أمير المؤمنين ما صليت .
فقال له أمير المؤمنين(عليه السلام): أذن وأقم حتى نصلي العصر، فصلى أمير المؤمنين وهو منفرد من العسكر ودعا بدعوات من الإنجيل لم يسمع أحد منها كلمة إلا جويرية فإنه سمعه يقول : اللهم إني أسألك باسمك الأعظم ودعا بالكلمات الإنجيلية، فأقبلت الشمس بعد غروبها راجعة لها ضجيج وزجل بالتسبيح والتقديس حتى صارت في درجة وقت العصر، فصلى وجويرية معه وندم أهل المعسكر في صلاتهم دونه .
ص: 149
قال جويرية : يا أمير المؤمنين لم أعلم أن الشمس ترد لصلاتك، فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): لا تثريب عليك اليوم يا جويرية فقال قوم من العسكر : فقد صلينا يا أمير المؤمنين في أرض بابل فقال لهم أمير المؤمنين : أنتم المغرورون، إذ قلتم ما لا تعلمون واعلموا رحمكم الله أن لكل شيء حرماً يكون أربعين ذراعاً إلا حرم مكة، فإنه اثنا عشر ميلاً على يمين الكعبة أربعة وثمانية بيسارها، وكذلك أمركم رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)أن تباشروا في القبلة وإذا صليتم تباينوا، فإنكم إذا باشرتم في وسط القبلة تباينتم وخرجتم عنها ، وإنما صليتم في حرم الفرات، ثم رجعت الشمس بعينها منقضة كالكوكب المنقض أو الشهاب الثاقب، فلما توارت بالحجاب أمر العسكر إلى غربي الفرات فعبروا ثلاث ساعات من الليل وعسكروا بقرية سور العقيق، وأمروا في الأذان والإقامة، فصلى بالناس العشاءين، وسار من ليلته حتى ورد الكوفة .
وروي أنه لم ترد الشمس لأحد من خلق الله تعالى إلا ليوشع بن نون وصي موسى(عليه السلام)ولأمير المؤمنين(عليه السلام)وكان آخر قتالهم له يوم الجمعة إلى أن غربت الشمس وقد ظهر على المنافقين أصحاب يوشع(عليه السلام)، وقال قاتلوهم فقد غلبتموهم بإذن الله، فقالوا : لا نقاتل وقد دخل السبت فانفرد يوشع (عليه السلام)فتلا أسفاراً من صحف إبراهيم(عليه السلام) ومن التوراة، وسأل الله(عزّوجل) برد الشمس عليهم حتى يحتج المارقون .
فقال يوشع موسى(عليه السلام) : قاتلوا .
قالوا :لا نقاتل لأن السبت قد دخل .
قال : هذا لا من السبت ولا من الجمعة وإنما سألت الله (عزّوجل)رد الشمس لتظهروا على أعدائكم ولا يظهروا فقاتلوهم فغلبوهم وملكوهم، وغربت الشمس وكانت صفراء ابنة شعيب النبي زوجة موسى بن عمران(عليه السلام)تقاتل يوشع بن نون(عليه السلام) مع المارقين من بني إسرائيل على زرافة كما قاتلت عائشة ابنة أبي بكر زوجة رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) وصيه أمير المؤمنين(عليه السلام) مع المارقين من أمته على جمل .
وقد ردت ليوشع مرة، وقد ردت لأمير المؤمنين ثلاث مرات وسلمت عليه بالبقيع.
وهذا نبي الله سليمان بن داود(عليه السلام)أمر بأن تعرض عليه خيله حتى أعجب بها وفتنته إلى أن غربت الشمس وفاتته صلاة العصر، فذكر أنه لم يصل صلاة العصر
ص: 150
فأمر برد خيله فأمر بضرب سوقها وأعناقها كفارة لما فوتته صلاة العصر ولم ترد الشمس له فصلى العصر، كما ردت لأمير المؤمنين له الفضل لرسول الله لأن الفضل للنبيين والمرسلين ولأمير المؤمنين(عليه السلام)، لأنه أفضل الوصيين والأئمة الراشدين .
وقد قص الله خبر سلیمان (عليه السلام)فقال تعالى: ﴿إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ ﴾(1)، فقال :﴿فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32)رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33)﴾(2)ولم يخبر إلا به ولم يخبر عن نفسه(عليه السلام) ولا أخبر أن الشمس ردت عليه(3) .
فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
10 - وعنه ، عن محمد محمد بن جابر بن عبد الله بن خالد الخزاعي(4)، عن محمد
ص: 151
ابن جعفر الطوسي، عن محمَّد بن صدقة العنبري، عن محمد بن سنان الزهري عن الحسن بن جهم [بن المضا]، عن أبي الصامت، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) قال: (بينما أمير المؤمنين(عليه السلام) متجهز إلى معاوية ويحرّض الناس على قتاله [إذ] اختصم إليه رجلان في فعل، فعجل أحدهما بالكلام وزاد فيه فالتفت إليه أمير المؤمنين(عليه السلام)وقال له اخسأ يا كلب فإذا رأسه رأس كلب فبهت من كان حوله وأقبل الرجل بإصبعه المسبحة يتضرع إلى أمير المؤمنين(عليه السلام)ويسأله الإقالة.
فنظر إليه [أمير المؤمنين(عليه السلام)] وحرّك شفتيه، فعاد [كما كان] خلقاً سويا فوثب بعض أصحابه فقالوا :له يا أمير المؤمنين هذه القدرة لك أريتنا إياها وأنت تجهزنا إلى قتال معاوية فما بلك لا تكفيناه ببعض ما أعطاك الله من هذه القدرة؟ فأطرق قليلاً ورفع رأسه إليهم ، فقال : والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة لو شئت لضربت برجلي هذه القصيرة في طول هذه الفيافي والفلوات والجبال والأودية حتى أضرب صدر معاوية على سريره فأقبله على أم رأسه لفعلت، ولو أقسمت على الله بك أن آتي به قبل أن أقوم من مجلسي هذا، ومن قبل أن يرتد إلى أحدكم طرفه لفعلت ولكنّا كما وصف الله عز من قائل : ﴿عِبَادٌ مُكْرَمُونَ(26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ، يَعْمَلُونَ(27)﴾(1) . فكان هذا من دلائله (عليه السلام)(2).
حمران بن أعين عن ميثم التمار قال : خطب بنا أمير المؤمنين(عليه السلام)في جامع الكوفة فأطال خطبته وعجب الناس من طولها وحسن وعظها وترغيبها وترهيبها، إذ دخل نذير من ناحية الأنبار(1)وهو مستغيثاً يقول : الله الله يا أمير المؤمنين في رعيتك وشيعتك هذه خيل معاوية قد شنت علينا الغارات في سواد الفرات، ما بين هيت والأنبار .
فقطع أمير المؤمنين(عليه السلام) الخطبة وقال :( ويحك إن خيل معاوية قد دخلت الدسكرة التي تلي جدران الأنبار ؛ فقتلوا فيها سبع(2)نسوة وسبعة من الأطفال ذكرانا(3)، وشهروهم ووطئوهم بحوافر خيلهم، وقالوا هذه مراغمة لأبي تراب).
فقام إبراهيم بن الحسن الأزدي بين يدي المنبر فقال : يا أمير المؤمنين هذه القدرة التي رأيت بها وأنت على منبرك وفي دارك، وخيل معاوية ابن آكلة الأكباد فعل بشيعتك ما فعل ويعلم بها هذا النذير(4) ، ما بالها تقصر عن معاوية؟ .
فقال له أمير المؤمنين(عليه السلام): (ويحك يا إبراهيم!﴿ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَى عَنْ بَيِّنَةٍ ﴾(5).
فصاح الناس في جوانب المسجد : يا أمير المؤمنين وإلى متى ليهلك من هلك(6)، وشيعتك تهلك؟ .
فقال لهم(عليه السلام):( ليقضي الله أمراً كان مفعولاً).
فصاح زيد بن كثير المرادي فقال : يا أمير المؤمنين تقول لنا بالأمس، وأنت متجهز إلى معاوية وتحرضنا على قتاله ويحتكم الرجلان في البغل، فيعجل أحدهما عليك في الكلام فتجعل رأسه رأس كلب (7)، ويستجيرك فترده بشراً سوياً، ونقول لك : ما بال هذه القدرة لا تبلغ معاوية فتكفينا شره فتقول لنا : وفالق الحبة
ص: 153
وبارئ النسمة، لو شئت أن أضرب برجلي هذه القصيرة صدر معاوية فأقلبه على أم رأسه لفعلت فما بالك اليوم لا تفعل ما تريد إلا أن يضعف يقيننا فنشك فيك فندخل النار؟ .
فقال أمير المؤمنين(عليه السلام):( الأفعلن ذلك ولأعجلن علی ابن هند؛ فمد رجله المباركة على منبره فخرجت من أبواب المسجد، وردها إلى فخذه وقال معاشر الناس افهموا تاريخ الوقت واعلموه ؛ فلقد ضربت برجلي هذه في هذه الساعة صدر معاوية فألقيته على أم رأسه فظن أنه قد هبط به فقال : يا أمير المؤمنين أين النظرة؟ فرددت رجلي عنه).
فتوقع الناس وورد الخبر من الشام بتاريخ تلك الساعة بعينها من ذلك اليوم بعينه : أن رجلاً جاءت من نحو أبواب كندة ممدودة متصلة، قد دخلت من أبواب معاوية والناس ينظرون حتى ضربت صدر معاوية فقلبته عن سريره على أم رأسه، فصاح يا أمير المؤمنين حقاً(1).
فكان هذا. من دلائله(عليه السلام).(2)
12 - وعنه : عن أبي الحسن محمد بن يحيى الفارسي، عن جعفر بن حباب، عن محمد بن علي الآدمي عن الحسن بن محبوب عن مالك بن عطية، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي إسحاق القرشي قال : دخلت المسجد الأعظم بالكوفة وإذا أنا بشيخ أبيض الرأس واللحية يستمد (3)بأعلى صوته ويبكي ودموعه تسيل على خديه فقلت له يا شيخ ما يبكيك؟
ص: 154
فقال : إنه أتى علي نيف ومئة سنة لم أر فيها عدلاً ولا حقاً ولا علماً ظاهراً إلا ساعة من الليل وساعة من النهار، فأنا أبكي لذلك، فقلت: وما تلك الساعة والليلة واليوم الذي رأيت فيه العدل؟
قال : إني كنت رجلاً من اليهود وكان لي ضيعة بناحية سور، وكان لنا جار في القرية من أهل الكوفة يقال له الأعور الهمداني وكان رجلاً مصاباً بإحدى عينيه، وكان خليطاً(1)وصديقاً، وإني دخلت الكوفة يوماً من الأيام بطعام لي على أحمرة لي أريد بيعه فبينما أنا أسوق حميري وإذا بصوت في سبخة الكوفة وذلك بعد العشاء الآخرة فافتقدت حميري فكأن الأرض ابتلعتها أو السماء تناولتها أو كأن الجن اختطفتها فمررت يميناً وشمالاً فلم أجدها فأتيت منزل الحارث الهمداني من ساعتي أشكو إليه ما أصابني فلما أخبرته قال: انطلق بنا إلى منزل أمير المؤمنين حتى أخبره فانطلقنا إليه وأخبره بالخبر .
فقال أمير المؤمنين(عليه السلام)للحارث انطلق إلى منزلك وخلني واليهودي فأنا ضامن له حميره وطعامه حتى أردها إليه، فأخذ بيدي ومضى حتى أتينا الموضع الذي فقدت فيه حميري فوجه وجهه عني وتحركت شفتاه بكلام لا أفهمه ثم رفع رأسه فسمعته يقول : والله ما بايعتموني وعاهدتموني معاشر الجن إلا بالطاعة لي والاستماع لأمري وايم الله لئن لم تردوا على هذا اليهودي حميره وطعامه لأنقضن عهدكم ولأجاهدن فيكم حق الجهاد.
قال : فوالله ما فرغ أمير المؤمنين من كلامه حتى رأيت حميري وطعامي بين يدي فقال لي أمير المؤمنين اختر يا يهودي إحدى الخصلتين؛ إما أن تسوق حميرك وأنا أحرسها من ورائها وإما أن أسوقها أنا وأنت تحرسها، فقلت أنا أسوقها وتقدم أنت يا أمير المؤمنين فتقدم وأتبعته الحمير حتى انتهى بها إلى الرحبة.
فقال : يا يهودي أحط عنها وتحفظها أنت أو تحط وأحفظها أنا حتى يصبح الصبح ؟ فإنه عليك بقية من الليل.
فقلت له يا مولاي أنا أقوى عليها بالحط وأنت أقوى عليها بالحفظ.
فقال: خلني وإياها ونم حتى يطلع الفجر فليس عليك بأس، فلما طلع الفجر
ص: 155
نبهني، ثم قال لي : قد طلع الفجر فاحفظ عليك طعامك وحميرك ولا تغفل عنها حتى أعود إليك فانطلق وصلى بالناس الصبح فلما طلعت الشمس أتاني، وقال: افتح عن برك على بركة الله ففعلت ثم قال : اختر خصلة من خصلتين، إما تبيع وأستوفي أنا، وإما استوف أنت وأبيع أنا. فقلت : أنا أقوى على بيعها وأنت أقوى على استيفائها، فبعت أنا واستوفى لي الثمن، ودفعه إلي وقال : ألك حاجة؟
فقلت : نعم أريد أدخل إلى السوق في شراء حوائج فقال : امض حتى امض حتى أعينك عليها، فإنك ،ذمي، فلم يزل معي حتى فرغت من حوائجي، ثم ودعني فقلت له عند الفراق : أشهد إن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وإنك وصيه وخليفته على الجن والإنس فجزاك الله عن الإسلام خيراً. ثم انطلقت إلى قريتي وأقمت بها شهوراً ونحو ذلك، فاشتقت إلى رؤية أمير المؤمنين من تلك الليلة فقدمت الكوفة فقيل لي قد قتل أمير المؤمنين(عليه السلام)، فاسترجعت وصليت صلاة كثيرة وقلت عند ذلك ذهب العلم، فكان هذا أول عدل رأيته تلك الليلة وآخر عدل رأيته في ذلك اليوم فما لي لا أبكي فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
13 - وعنه : عن علي بن محمد الصيرفي قال : حدثني علي بن محمد بن عبد الله الخياط، قال: حدثني الحسين بن علي، عن أبي حمزة البطائني، وهو علي بن معمر، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام)قال: خرج أمير المؤمنين إلى أصحابه فقال : يا قوم أرأيتم أن لا تذهب الأيام والليالي حتى يجري ها هنا نهر تجري فيه السفن، فما أنتم قائلون؟ أفأنتم مصدقون فيما قلت أم لا؟
قالوا : يا أمير المؤمنين ويكون هذا؟
قال : والله كأنني أنظر إلى نهر في هذا الموضع يزخر فيه الماء وتجري فيه السفن يحرفه طاغوت ينسب إلينا وليس هو منا يكون على أهل هذه العترة أولاً عذاباً، ورحمة عليهم ،آخراً، فلم تذهب الأيام والليالي حتى حفر الخندق بالكوفة حفره المنصور، فكان عذاباً على أهلها ،أولاً ورحمة عليهم آخراً، ثم جرى فيه الماء والسفن وانتفع الناس به فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
ص: 156
14 - وعنه، عن الحسن عن أبي حمزة عن أبيه قال: حدثني مسعود المدائني، وحسين بن محمد بن فرقد جميعاً، عن فضل الرسول، عن أبي جعفر أن أمير المؤمنين قال له أصحابه : لو أريتنا ما تطمئن به قلوبنا مما في يدك مما أنهى إليك رسول الله ، فقال : لو أريتكم عجيبة من عجائبي لكفرتم، وقلتم : ساحر أو كاهن ولكان هذا من أحسن قولكم.
فقالوا : يا أمير المؤمنين ما منا أحد إلا وهو يعلم أنك ورثت علم رسول الله وصار إليك .
فقال : علم العالم صعب مستصعب، لا يحمله إلا ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان، وأيده بروح منه ، فإذا أبيتم إلا أن أريكم بعض عجائبي وما أتاني من العلم فاتبعوا أثري إذا صليت العشاء الآخرة، فلما صلى أخذ طريقه إلى ظهر الكوفة واتبعوه وهم سبعون رجلا ممن كانوا عند أنفسهم من خيار الناس وكانوا شيعة له .
فقال : إني لست أريكم شيئاً حتى آخذ عليكم عهد الله وميثاقه ألا تكفّروني ولا ترموني بالمعطلات والله ما أريكم إلا بعض ما أعطيت من ميراث النبي المرسل والحجة علي وعليكم ) فأخذ عليهم عهد الله وميثاقه ثم قال: حولوا وجوهكم حتى أدعو بما أريد، فسمعوه جميعاً يدعو بالدعوات التي يعرفونها ويعلمونها من أسماء الله ثم قال حولوا وجوهكم، فإذا هم بالقيامة قد قامت، والجنة والنار قد حضرت، وحشر جميعهم، فما شكوا في القيامة وإنهم بعثوا وحشروا، فقالوا : يا أمير المؤمنين ما هذا .
فقال : هكذا يوم القيامة .
فقال أحسنهم قولاً : إن هذا إلا سحر عظيم ورجعوا من فورهم كفاراً إلا ،رجلان فلما صار مع الرجلين قال : سمعتها مقالة أصحابكما وأخذي عليهم العهود والمواثيق ورجوعهم يكفرونني، أما والله إنهم لفي حجتي، وهكذا كان أصحاب محمد(صلی الله علیه وآله وسلم) يقولون : ساحر كاهن كذاب، وقد علمت قريش ما خلق الله
ص: 157
خلقاً كان خيراً منه وبالله الذي لا يحلف بأعظم منه وبرسوله ورسله وكتبه كلها إني لست ساحراً ولا كذاباً ولا يعرف هذا إلا لي ولرسوله لأنهاه الله إلى رسوله(صلی الله علیه وآله وسلم) وأنهاه رسوله إليَّ، وأنهيته إليكم ، فصدق رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، وكذبتموني وكذبتم رسله، وننبئ عن الله ، فإذا رددتم على رسول الله فقد رددتم على الله، ثم قال : وأنتما راجعان معي وفي قلوبكما مرض وسيرجع أحدكما كافراً، قالا يا أمير المؤمنين نرجو أن لا نكفر بعد الإيمان.
قال: هيهات المؤمن قليل كما قال الله: ﴿وَمَا ءَامَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾(1)،حتى إذا صار إلى مسجد الكوفة، ودعا بدعوات فسمعناها فإذا حصى المسجد دراً وياقوتاً ولؤلؤاً، فقلنا : يا أمير المؤمنين هذا در وياقوت ولؤلؤ.
فقال : لو أقسمت على الله فيما هو أعظم من هذا لأبر ،قسمي فرجع أحدهما كافراً والآخر مثبتاً، وأخذ درة من ذلك الدر بيضاء لم ينظر مثلها
وقال : يا أمير المؤمنين قد أخذت من ذلك الدر درة واحدة وهي معي.
قال: قما دعاك إلى هذا .
قال : أحببت أعلم أحق هو أم باطل؟
قال له أمير المؤمنين : إنك إن رددتها إلى موضعها الذي أخذتها منه عوضك الله، وإن لم تردّها عوضك منها النار فقام الرجل فردها إلى موضعها فتحولت حصاة كما كانت فأخبره فقال أحسنت. وكان مما روى عمرو بن الحمق [الخزاعي]، وأبو الحارث الأعور ، وميثم التمار .
فكان هذا من دلائله(عليه السلام).
15 - وعنه ، عن علي بن الحسين، عن إسماعيل بن دينار، عن عمر بن ثابت عن حبيب عن الحارث الأعور أنه كان يوماً مع أمير المؤمنين (عليه السلام) في
ص: 158
مجلس القضايا، إذ أقبلت امرأة مستعدية على زوجها، فتكلمت بحجتها، وتكلم زوجها بحجته، فأوجب بحجته القضاء عليها، فغضبت غضباً شديداً، ثم قالت: يا أمير المؤمنين حكمت عليّ بالجدر(1)وما بهذا أمرك الله .
قال أمير المؤمنين : يا سلفع(2)یا مهیع یا فردع، بل حكمت عليك بالحق الذي تعلمينه فلما سمعت هذا الكلام قامت من بين يديه منسحبة، ولم ترد عليه جواباً فاتبعها عمر بن حريش.
قال لها : يا أمة الله لقد سمعت منك اليوم عجباً، سمعت أمير المؤمنين قد قال لك كلاماً فقمت من بين يديه منهزمة وما رددت عليه حرفاً، فأخبريني ما الذي قال لك حتى لم تقدري تردين عليه جواباً؟
قالت : يا عبد الله لقد أخبرني بما لا يطلع عليه أحد غيري، وأنا ما قمت من بين يديه إلا مخافة أن يخبرني بما هو أعظم مما رماني به، فصبرت على واحدة كانت أجمل من صبري على واحدة بعدها .
قال لها : فأخبريني ما الذي قال لك؟
قالت له : يا عبد الله إنه قال لي ما أكره ذكره وبعد فإنه قبيح أن يعلم الرجل ما في النساء من العيوب.
فقال : والله لا تعرفيني ولا أعرفك ولعلك لا تريني ولا أراك بعد يومي هذا ، فلما رأته قد ألح عليها أخبرته بما قال أمير المؤمنين(عليه السلام).
أما قوله لي يا سلفع والله ما كذب إي لا تحيض من حيث تحيض النساء.
وأما قوله : يا مهيع، فإني والله امرأة صاحبة نساء وما أنا صاحبة رجال.
وأما قوله : يا فردع أي إني لمخربة بيت زوجي، وما أبقي عليه شيئاً .
فقال : ويحك أو ما علمت بهذا إنه ،ساحر ،وكاهن ومجنون، أخبرك بما فيك، وهذا علم كثير؟
فقالت: هو والله غير ما قلت يا عدو الله إنه ليس ذا ولكنه من أهل بيت الله ورسوله محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)علمه إياه، لأنه حجة الله على خلقه بعد النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) فكانت
ص: 159
أحسن قولاً في أمير المؤمنين من عمر بن حريش - لعنه الله - وفارقته، وأقبل عمر إلى مجلسه .
فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): يا عمر بن حريش بم استحللت أن ترميني بما رميتني به؟ وايم الله لقد كانت المرأة أحسن قولاً في منك، ولأقفن أنا وأنت موقفاً من الله فانظر كيف تخلص من الله ؟
فقال : يا أمير المؤمنين أنا تائب إلى الله وإليك مما كان، فاغفر لي يغفر الله لك.
قال : والله لا غفرت لك هذا الذنب حتى أقف أنا وأنت بين يدي الله(1). فكان هذا من دلائله(عليه السلام) .
16 - وعنه ، عن محمد بن علي الصيرفي، عن علي بن محمد، عن وهب بن حفص ،الجزائري عن ابن حسان العجلي عن قنواء بنت رشيد الهجري، قال: قلت لها : أخبريني بما سمعت من أبيك.
قالت: سمعته يقول : أخبرني أمير المؤمنين(عليه السلام)، فقال : يا رشيد كيف صبرك إذا أرسل إليك دعي بني أمية فقطع يديك ورجليك ولسانك؟
فقلت : يا أمير المؤمنين أليس خيراً من ذلك الجنة؟
فقال : بلى يا رشيد أنت معي في الدنيا والآخرة قالت قنواء فوالله ما ذهبت الأيام والليالي حتى أرسل إليه عبيد الله بن زياد - لعنه الله - فدعاه إلى البراءة من أمير المؤمنين(عليه السلام)فأبى أن يتبرأ منه فقال له الدعي: فبأي موتة قال : لك تموت؟ قال : أخبرني أمير المؤمنين أنك تدعوني إلى البراءة فلا أبرأ منه، فتقطع يداي ورجلاي ولساني .
فقال : والله لأكذبن قوله فيك، فقطع يديه ورجليه، وترك لسانه، فقلت: يا أبت هل أصابك ألم؟
فقال : لا يا ابنتي إلا كالزحام بين النساء والناس فلما احتملناه من داره
ص: 160
بالكوفة اجتمع الناس من حوله فقال : ائتوني بصحيفة ودواة وكتب الناس عنه، وذهب اللعين فأخبره أنه يحدث والناس يأخذون منه علم ما هو كائن إلى يوم القيامة، فأرسل إليه عبيد الله بن زياد لعنه الله، فقطع بن زياد لعنه الله فقطع لسانه في تلك الليلة.
وكان أمير المؤمنين يقول له : أنت رشيد البلايا، وكان قد ألقى إليه علم البلايا والمنايا في حياته إذا لقي الرجل يقول يا فلان تموت ميتة كذا وكذا، وتقتل أنت يا فلان قتلة كذا وكذا فيكون كما قال رشيد.
وكان أمير المؤمنين(عليه السلام)يقول : رشيد البلايا، أي تقتل بهذه القتلة(1).
فكان هذا من دلائله(عليه السلام).
17 - وعنه عن علي بن ياسين، عن محمد بن علي الرازي عن علي بن محمد بن ميهوب عن يوسف بن عمران قال سمعت ميثم التمار(2) يقول : دعاني أمير المؤمنين(عليه السلام) فقال : كيف أنت يا ميثم إذا دعاك دعي بني أمية عبيد الله بن زياد - لعنه الله - إلى براءة مني؟
فقلت : إذا والله لا أبرأ منك يا مولاي.
قال : والله ليقتلنك ويصلبنك . قلت : إذا أصبر وذلك والله قليل في حبك .
قال : يا ميثم إذا تكون معي في درجتي.
قال : وكان ميثم التمار يمر بعريف عبيد الله بن زياد فيقول له : يا فلان كأني بك وقد دعاك دعي بني أمية وابن دعيها يطلبني منك فتقول هو بمكة، فيقول ما
ص: 161
أدري ما تقول، ولا بد لك أن تأتي به فتخرج إلى القادسية(1)فتقيم بها أياماً، فإذا قدمت إليك ذهبت بي إليه حتى يقتلني وأصلب على باب دار عمرو بن حريث فإذا كان اليوم الرابع ابتدر من منخري دم عبيط .
وكان ميثم يمر بنخلة في السبخة فيضرب بيده ،عليها، فيقول: يا نخلة ما غرست إلا لي ولا خلقت إلا لك، وكان يمر بعمرو بن حريث فيقول يا عمرو إذا جاورتك فأحسن مجاورتي، وكان عمرو يروي عنه، ويظن أنه يشتري داراً أو ضيعة ويجاوره لذلك، فيقول : ليتك قد فعلت ذلك .
ثم خرج ميثم إلى مكة فأرسل الطاغوت عبيد الله بن زياد لعنه الله عريف ميثم يطلبه منه فأخبره أنه بمكة فقال : لئن لم تأتني به لأقتلنك، فأجله أجلاً، وخرج العريف إلى القادسية ينظر ميثم فلما قدم ميثم أخذ بيده فأتى به إلى ابن زياد لعنه الله فلما أدخله عليه قال يا ميثم قال نعم قال تبرأ من أبي تراب قال : لا أعرف أنا أبا تراب قال تبرأ من علي بن أبي طالب قال : فإن لم أفعل ؟ قال : إذاً والله أقتلك، قال : وايم الله إنه قد كان يقول لي إنك تقتلني وتصلبني على باب دار عمرو بن حريث، فإذا كان اليوم الرابع ابتدر من منخري دم عبيط، فأمر ابن زياد لعنه الله بصلبه على باب دار عمرو بن حريث، فقال للناس: اسألوني وهو مصلوب قبل أن أقتل فوالله لأخبرنكم بعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، وبما يكون من الفتن، فلما سأله الناس، حدثهم حديثاً واحداً فأتى رسول من قبل عبيد الله بن زياد لعنه الله فألجمه بلجام شريط(2) من نحاس، فهو أول من ألجم بلجام وهو مصلوب حياً، فمنعه الكلام، فأقبل يشير إلى الناس بيده ويوحي بعينه وحاجبيه، ففهم أكثرهم ما يقوله فأمر عبيد الله بن زياد لعنه الله بقتله وهو مصلوب على جذع تلك النخلة التي كان يخاطبها إذا مر بها في سبخة الكوفة وكان في جوار عمرو بن حريث(3). فكان هذا من دلائله(عليه السلام)
ص: 162
18 - وعنه، عن محمد بن علي الرازي، عن علي بن محمد بن ميمون الخراساني، عن علي بن أبي حمزة عن عاصم الخياط، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام)قال : )لما أراد أمير المؤمنين(عليه السلام)أن يسير إلى الخوارج إلى النهروان)(1)، استنفر أهل الكوفة وأمرهم أن يعسكروا بالمدائن، فتخلّف عنه شبت بن ربعي والأشعث بن قيس الكندي، وجرير بن عبد الله النخعي(2)، وعمر بن حريش(3)، وقالوا : يا أمير المؤمنين ائذن لنا أياماً حتى نقضي حوائجنا ونصنع ما نريد، ثم نلحق بك .
فقال لهم : خدعتموني بشغلكم سوءاً لكم من مشائخ(4)، والله ما كان لكم من حاجة تتخلّفون عليها، ولكنكم تتخذون سفرة، وتخرجون إلى البرية(5)، وتجلسون تنتظرون متنكبون عن الجادة، وتبنطون سفرتكم بين أيديكم، وتأكلون من طعامكم، ويمرّ بكم ضبّ، فتأمرون غلمانكم فيصطادونه لكم ويأتونكم به فتخلعون أنفسكم عن مبايعتي، وتبايعون الضب، وتجعلونه إمامكم دوني، واعلموا أني سمعت أخي رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)يقول : ما في الدنيا أقبح وجوها منكم لأنكم تخلعون أخا رسول الله[(صلی الله علیه وآله وسلم) ]إمامكم، وتنقضون عهده الذي يأخذه عليكم ؛
ص: 163
وتبايعون ضباً، وسوف تحشرون يوم القيامة وإمامكم ضب، وهو كما قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بإسمِهِمْ﴾(1).
:قالوا والله يا أمير المؤمنين ما نريد إلا أن نقضي حوائجنا ونلحق بك ونوفي بعهدك، وهو يقول: عليكم الدمار وسوء الديار، والله ما يكون إلا ما قلت لكم وما قلت لكم إلا الحق .
ومضى أمير المؤمنين [(عليه السلام) ] حتى إذا صار بالمدائن(2)وخرج القوم إلى الخندق(3)وذهبوا ومعهم سفرة وبسطوا في الموضع وجلسوا يشربون الخمر، فمر
بهم ضب؛ فأمروا غلمانهم فصادوه لهم وأتوهم به فخلعوا أمير المؤمنين(عليه السلام)وبايعوا الضب وبسطوا يده، وقالوا له: أنت والله إمامنا ما بيعتنا لك ولعلي بن أبي طالب إلا واحدة وإنك لأحبُّ إلينا منه .
فكان ما قال أمير المؤمنين(عليه السلام)، وكانوا كما قال الله (عزّوجل):﴿ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بدلا﴾(4) ثم لحقوا به. فقال لهم لما وردوا عليه فعلتم يا أعداء الله، وأعداء رسوله وأمير المؤمنين ما أخبرتكم به، فقالوا يا أمير المؤمنين ما فعلنا . فقال : والله إن بيعتكم مع إمامكم(5)، قالوا : قد أفلحنا إذ بايعنا (6)الله معك .
ص: 164
قال : وكيف تكونون معي، وقد خلعتموني وبايعتم الضب؟ والله لكأني أنظر إليكم يوم القيامة والضبّ يسوقكم إلى النّار، فحلفوا [له] بالله إنا ما فعلنا، ولا خلعناك، ولا بايعنا الضبّ.
فلما رأوه يكذبهم ولا يقبل منهم فأقروا له وقالوا : اغفر لنا ذنوبنا . قال لهم : والله لا غفرت لكم ذنوبكم، واخترتم [عليَّ] مسخاً مسخه الله، وجعله آية للعالمين، فكذبتم رسول الله، وقد حدَّثني رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)(1) وقال : ويل لمن كان رسول الله خصمه وفاطمة بنت محمد .
ولما قتل الحسين(عليه السلام)[و] كان شبث بن ربعي، وعمرو بن حريث، ومحمّد بن الأشعث فيمن سار إليه(2)من الكوفة وقاتلوا بكربلاء فقتلوه(3).
فكان هذا من دلائله(عليه السلام).
19 - وعنه، عن عبد الله بن زيد الطبرستاني عن محمد بن علي، عن الحسين بن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام)قال : لما انقضت الهدنة التي كانت بين أمير المؤمنين(عليه السلام)، وبين معاوية لعنه الله ،أمر أمير المؤمنين بالنداء بالكوفة وبالبصرة وهما العراقان : إنكم معاشر شيعتنا طالبتمونا بالمراجعة عن قتال معاوية والهدنة التي كنتم سببها وأعوان معاوية عليها انقضت ولم يمكن نقض العهد إلى أن ينقضي الأجل، وعهد الهدنة، وها أنا مطيعكم في المسير إليه فانهضوا بنيات صحيحة وقلوب مطمئنة، ووفاء الله ولرسوله عليكم طائعين لا مكرهين فاجتمع من شيعة الكوفة والبصرة زهاء ثلاثين ألفاً محققون سوى من لحق بالعسكر، فلما برزوا وصاروا بالنخيلة وساروا إلى
ص: 165
القطقطانيات ورد عليه كتاب من عامله بالنهروان أن أربعة آلاف رجل من الخوارج حكموا بالنهروان ورفعوا راياتهم وأشهروا أسلحتهم وردوا بالمعبرة فأخرجوا عبد الله بن خباب من الحكم وأتوا إليه وكبروا وقالوا الحمد لله الذي أظفرنا بك أيها الخائن الكافر بكفر علي بن أبي طالب والمقيم معه على ردته، والله لنقتلنك وزوجتك تقربا إلى الله ،بدمائكم وأتوا بخنزير فذبحوه على شط النهروان وذبحوا عبد الله بن خباب ،فوقه وقالوا : والله ما ذبحنا لك ولهذا الخنزير إلا واحداً.
وكان عبد الله بن خباب من أعبد شيعة أمير المؤمنين وأفضلهم وأخيرهم، وذبحوا زوجته وطفله فوقه وقالوا : هذا فعلنا بشيعة علي وأنصاره نقتلهم ولا نبقي منهم أحداً .
فقرأ أمير المؤمنين الكتاب وبكى رحمة لعبد الله وزوجته وطفله وقال : آه يا عبد الله لئن فجع الله بك الدين لقد صرت وزوجتك وطفلك إلى جنات رب العالمين، وسمع من في العسكر ما ورد عليه وصاح الناس من العسكر: فماذا ترى يا أمير المؤمنين؟
قال : اعتدوا بنا إلى هؤلاء المارقين فهذا وايم الله أرى بوارهم ولحوقهم بالنار. فرجع إلى النهروان حتى نزل بالقرب من القنطرة وكان في أصحابه رجل يقال له جندب الأزدي قد داخله شك في أمير المؤمنين(عليه السلام) فلحق بالخوارج لعنهم الله .
فقال له أمير المؤمنين : الزمني وكن معي حيث كنت، وحقق أمير المؤمنين فحققه إلى أن زالت الشمس فأتاه قنبر.
فقال له يا أمير المؤمنين الصلاة يرحمك الله ، فقال له : ائتني بماء فأتاه فأسبغ وضوءه وصلى فأتاه فارس يركض .
فقال له يا أمير المؤمنين قد عبر القوم القنطرة .
فقال له(عليه السلام) : إنهم ما عبروها .
فقال والله لقد عبروها .
فقال : والله لقد كذبت ما عبروها ولن يعبروها ولا يقتلون منا إلا تسعة ولا يبقى منهم إلا تسعة. قال جناب الأزدي : الله أكبر هذه دلالة قد أعطاني إياها فيهم فأتاه فارس آخر يركض فرسه .
ص: 166
فقال : يا أمير المؤمنين عبروا القنطرة فقال : والله لقد كذبت ما عبروها ولا يعبرونها، ولا يبقى منهم إلا تسعة ولا يفقد منا إلا تسعة.
قال جندب : الحمد لله وهذه دلالة أخرى، فأتاه فارس آخر .
فقال : يا أمير المؤمنين قد أراد القوم أن يعبروها وما عبروها، قال: صدقت وكان لجندب فرس جواد فقال : والله لا سبقني أحد ولا تقدمني فيهم برمح وضرب فيهم بسيف، وخرج أمير المؤمنين(عليه السلام)من العسكر وفي رجليه نعل رسول الله المخصوف وعلى منكبيه ملاءة وعن يمينه عبد الله بن العباس، وعن يساره أبو أيوب خالد بن زيد الأنصاري، يمشي نحو الخوارج فوثب أصحابه عليه من معسكره بالسلاح وقاموا بين يديه وقالوا يا أمير المؤمنين تخرج إلى أعداء الله وأعداء رسوله وأعدائك حاسراً بغير سلاح وهم مقنعون بالحديد يريدون نفسك
لا غيرها ؟
فقال: ارجعوا رحمكم الله فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لا يكون إلا ما يريد الله(عزّوجل)
فلما دنا منهم وأشرف على القنطرة التي كانت من ورائها الواقعة هاجوا نحوه فصاح بهم : معاشر الخوارج إني جئتكم لأقدم الأعذار والإنذار إليكم وأسألكم ما تريدون وما تطلبون وتسمعون ما أقول وأسمع ما تقولون، فأخزى الله الظالمين فزجرهم .
ثم قال : ويلكم أيها الخوارج أنا أعلم ما تقولون ولا تعلمون ما أقول، فا خفضوا من أصواتكم وصلصلتكم، وضجيجكُم، وليبرز إلي ذو الحكم والرأي منكم، فيفهم عني وأفهم عنه ، فهدأوا ، وبرز إليه ذو الرأي منهم.
فقال أمير المؤمنين : يا معاشر الخوارج ما الذي أحكم بينكم أن مرقتم من دين الله كما يمرق السهم من الرمية؟ وماذا أنكرتم علي؟ وعلى هذا الأمر الذي تطلبونه بالقتال أن أدفعه إليكم بغير قتال تقبلونه وتقومون حتى لا تعطل شريعة الله ولا رسوله ولا تطيش مسلمة في حكم الله، ولا يقولوا على الله إلا الحق.
فقالوا : لا .
ص: 167
فقال واعجباه لقوم يطلبون أمراً بقتال دفع إليهم بغير قتال لم يقبلوه .
قالوا : وكيف نقبله ونحن نريد قتلكم؟
قال : أخبروني ما الذي أردتم للقتال بغير سؤال ولا جواب.
فقالوا : أنكرنا أشياء يحل لنا قتلك بواحدة منها .
فقال لهم(عليه السلام): فاذكروها .
فقالوا : أولها : أنك كنت أخا رسول الله ،ووصيه والخليفة من بعده، وقاضي دينه، ومنجز ،عداته وأخذ لك رسول الله البيعة في أربع مواطن على المسلمين : في يوم الدار وفي بيعة الرضوان، وتحت الشجرة، في بيت أم سلمة، وفي يوم غدير خم، وسماك أمير المؤمنين فلما قبض رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)تشاغلت بوفاته، وتركت قريشاً والمهاجرين والأنصار يتداولون الخلافة، والمهاجرون يقولون : الخلافة لمن استخلفه رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) وأخذ له البيعة منها وسماه أمير المؤمنين، وهو علي بن أبي طالب وقريش تقول لهم : لا نرضى ولا نعلم ما تقولون.
فقال لهم الأنصار : إذا منع علي حقه فنحن وأنتم أحق بها، فتعالوا ننصب منا أميراً ومنكم أميراً، فجاءت قريش، فقامت قسامة أربعون شاهداً يشهدون على رسول الله قال : الأئمة من قريش فأطيعوهم ما أطاعوا الله ، فإن عصوه فألحوهم(1)لحي هذا القضيب ورمى القضيب من يده وكانت هذه أول قسامة، أقسمت بهتاناً وزوراً وأشهرت في الإسلام، فاجتمع الناس في سقيفة بني ساعدة وعقدوا الأمر باختيارهم لأبي بكر ودعوك إلى بيعته، فخرجت مكرهاً مسحوباً بعد أن هيأت ما يقيم لك فيها عذراً، وتقول للناس : إنك مشغول بجمع رسول الله وأهل بيته وذريته وتعزيتهن وتأليف القرآن وما كان لك في ذلك عذر، فلما تركت ما جعله الله ورسوله لك وأخرجت نفسك منه أخرجناك نحن أيضاً وشككنا بك.
قال هيه، وماذا تنكرون؟
قالوا : والثانية إنك حكمت يوم الجمل فيهم بحكم خالفته بصفين قلت لنا يوم الجمل : لا تقاتلوهم مولين ولا ،مدبرين ولا نياماً ولا أيقاظاً ولا تجهزوا
ص: 168
على جريح، ومن ألقى سلاحه فهو كمن أغلق بابه فلا سبيل عليه وأحللت لنا في محاربتك لمعاوية سبي الكراع وأخذ السلاح وسبي الذراري فما العلة فيما اختلفوا فيه إلى أن هذا حلال وهذا حرام؟ قال : هيه، ثم ماذا أنكرتم؟
قالوا : والثالثة إنك الإمام والحاكم والوصي والخليفة وإنك أجبتنا إلى أن حكمنا دونك في دين الله الرجال، فكان ينبغي لك أن لا تفعل ولا تجيبنا إلى ذلك وتقاتلنا بنفسك ونطيعك أو تقتل ولا تجيبهم عند رفع المصاحف إلى أن يحكم في دین الله(عزّوجل) الرجال وأنت الحاكم . قال : هيه ثم ماذا؟
قالوا : والرابعة إنك كتبت كتاباً إلى معاوية تقول فيه :
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
من أمير المؤمنين إلى معاوية بن صخر ، فرد الكتاب إليك وكتب فيه يقول : إني لو أقررت أنك أمير المؤمنين وقاتلتك فأكون قد ظلمتك، بل اكتب باسمك واسم أبيك فكتبت إليه :
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
من علي بن أبي طالب إلى معاوية بن صخر، فلما أجبت معاوية إلى إخراج نفسك من إمرة المؤمنين كنا نحن في إخراجكم عن الآمرية أولى . قال : هيه ثم ماذا؟ قالوا : والخامسة إنك قلت : هذا كتاب الله فاحكموا به واتلوه من فاتحته إلى خاتمته فإن وجدتم معاوية أثبت مني فأثبتوه وإن وجدتموني أثبت منه فأثبتوني، فشککت في نفسك فنحن فيك أعظم شكا .
قال لهم : بقي لكم شيء تقولونه؟
قالوا : لا .
فقال أمير المؤمنين(عليه السلام) في الجواب :
أما ما ذكرتم وأقررتم مني من الأمر فيما أخذه الله لي ورسوله على المسلمين
ص: 169
من البيعة في أربعة مواطن إلى أن تشاغلت فيما ذكرتموه وفعلتم وفعلت قريش والمهاجرون والأنصار ما فعلوا إلى أن عقدوا الأمر لأبي بكر، فما تقولون معاشر الخوارج هل توجبون على آدم إذا أمر الله بالسجود له فعصى الله إبليس وخالفه ولم يسجد لآدم أن يدعو إبليس إلى السجود له ثانية.
فقالوا : لا.
قال : ولم؟
قالوا : لأن الله أمر إبليس بالسجود فعصى الله وخالفه ولم يفعل فلم يجب لآدم أن يدعوه بعدها .
قال : فهذا بيت الله الحرام أرأيتم إن أمر الله الناس بالحج من استطاع إليه سبيلاً فإن ترك الناس الحج ولم يحجوا للبيت كفر البيت أو كفر الناس بتركهم ما فرض الله عليهم من الحج إليه؟
قالوا : بل كفر الناس.
قال : ويحكم معاشر الخوارج، أتعذرون آدم وتقولون لا يجب عليه أن يدعو إبليس إلى السجود له بعد أن أمر الله بذلك ،فعصى وخالف، ولم يفعل، وإنما أمره مرة واحدة، ولا تعذرونني، وتقولون : كان يجب عليك أن تدعو الناس إلى البيعة وقد أقررتم أن المسلمين سموني بأمير المؤمنين ورسول الله أخذ لي البيعة عليهم في أربعة مواطن وهذا بيت الله فريضة والإمام فريضة، كسائر الفرائض التي تؤتى ولا تأتي فتعذرون البيت وتعذرون آدم(عليه السلام)، ولا تعذرونني؟
فقال الخوارج: صدقت ،وكذبنا والحق والحجة معك.
ثم قال : وأما في يوم الجمل بما خالفته في صفين فإن أهل الجمل أخذوا عليهم بيعتي فنكثوا وخرجوا عن حرم رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)إلى البصرة ولا إمام لهم ولا دار حرب تجمعهم، وإنما خرجوا مع عائشة زوجة رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) معهم لإكراهها لبيعتي، وقد أخبرها رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) بأن خروجها خروج بغي وعدوان من أجل قوله (عزّوجل): ﴿ يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ﴾(1).
ص: 170
وما من أزواج النبي واحدة أتت بفاحشة غيرها فإن فاحشتها كانت عظيمة، أولها خلاف الله فيما أمرها في قوله: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَهِلِيَّةِ الأُولى﴾(1)، فأي تبرج أعظم من خروجها وطلحة والزبير وخمسة وعشرين ألفاً من المسلمين إلى الحج والله ما أرادوا حجاً ولا عمرة ومسيرها من مكة إلى البصرة وإشعالها حرباً قتل فيه طلحة والزبير وخمسة وعشرون ألفاً من المسلمين، وقد علمتم إن الله جل ذكره يقول: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خلدا فيها وغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾(2).
فقلت لكم عندما أظهرنا الله عليهم ما قلته لكم، لأنه لم يكن لهم دار حرب تجمعهم ولا إمام يداوي ،جراحهم ولا يعيدهم إلى قتالهم مرة أخرى ولو كنت أحللت لكم سبي الذراري أيكم كان يأخذ عائشة زوجة رسول الله في سهمه؟ فقالوا : صدقت والله في جوابك وأصبت وأخطأنا، والحق والحجة لك. فقال لهم: وأما قولكم أجبتكم، عند رفع المصاحف إلى أن حكمتم في دين الله الرجال وكنت الحاكم، فماذا تقولون أيها الخوارج في ألف رجل من المسلمين قاتلهم ألفا رجل من المشركين فولوهم الأدبار فما هم؟ قالوا : كفار بالله لأن المسلمين ألف رجل على التمام، والمشركون ألفا رجل لا يزيدون، وقد قال الله تعالى: ﴿وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ﴾(3) فقال لهم أميرالمؤمنين : فإن نقص من عدد الألف رجل من المسلمين، والكفار على التمام ما هم عندكم؟
قالوا : المسلمون معذورون في ذلك. فضحك أمير المؤمنين حتى بدت نواجذه ثم قال : ويحكم يا معاشر الخوارج تعذرون تسعمائة وتسعة وتسعين رجلاً في قتال ألفي رجل ولا تعذرونني وقد التقاني رجال ابن هند في مئة وعشرين ألفاً ما جمع حكم حاكم، وقد دعوناهم إلى كتاب الله .
فقالوا : دعنا نحكم عليك من نشاء، وإلا أخرجنا أنفسنا من الفريقين وأبطلنا
ص: 171
الحكمين وارتددنا عن الدين وقعدنا عن نصرة المسلمين، فقال لي عبد الله بن العباس: حكم من هو منك وأنت منه .
فقلت لكم :اختاروا من شئتم من بني هاشم فقلتم : لا يحكم فينا مضري ولا هاشمي، فأعرضتم عن المهاجرين والأنصار وأظهرتم مخالفتكم لي، وكتبتم إلى عبد الله بن قيس بن قيس(1)، وقد قعد عن نصرتنا وهو قدم(2)حمار ، فحكمتموه وأنا أنصح لكم، وأقول لكم اتقوا الله ولا تحكموا علي أحداً. وإني الحاكم عليكم وأخبرتكم أنها خديعة من معاوية، فقلتم اسكت وإلا قتلناك وسلمنا هذا الأمر إلى عبد أسود وجعلناها بردة عن الإسلام فمن هو أولى بالعذر؟
فقالوا : أنت فوالله لقد أصبت وصدقت وأخطأنا والحق معك والحجة لك .
قال لهم : وأما قولكم أني كتبت كتاباً إلى معاوية بن صخر فيه بسم الله الرحمن الرحيم من علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن صخر، فأيكم يا معاشر الخوارج شهد رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)في غزاة الحديبية وقد أمرني أن اكتب بين يديه كتاباً إلى صخر بن حرب بإملاء رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فيه بسم فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمَّد رسول الله إلى صخر بن حرب بن أمية إلى آخر الكتاب فأجابوه.
وقالوا : نعم حضرنا ذلك الكتاب وأنت تكتبه لأبي سفيان صخر بن حرب.
قال : أليس علمتم إن صخر بن حرب رده إلى رسول الله وكتب إليه : أما الرحمن الرحيم فاسمان نعرفهما بالتوراة والإنجيل.
وأما أنت يا محمد فإنا لو أقررنا أنك رسول الله وقاتلناك فقد ظلمناك، فاكتب باسمك واسم أبيك حتى نجيبك، فقال لي رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): يا علي اكتب:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
من محمد بن عبد الله إلى صخر بن حرب، ثم قال لمن حوله، إن محوت اسمي ليرد علي الجواب فاسمي لا يمحى في السماء ولا في الأرض، ولا في
ص: 172
الدنيا ولا في الآخرة، وإنما أراد صخر بن حرب أن لا يجيب عن الكتاب وكتب رسول الله إلى الآباء، وكتبت أنا إلى الأبناء تأسيا برسول الله وقد قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أَسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾(1).
قالوا : صدقت وأصبت ،وأخطأنا والحق والحجة لك.
حسبي
قال لهم : وأما قولكم : أني قلت هذا كتاب الله فاحكموا به أتلوه من إلى خاتمته، فإن وجدتموني أثبت بكتاب الله من معاوية فأثبتوني، وإن وجدتم معاوية أثبت فأثبتوه، فوالله يا معاشر الخوارج ما قلت لكم هذا إلا بعد أن تيقنت أن الرين(2) استولى على قلوبكم، والشيطان قد استحوذ عليكم، وإنكم قد نسيتم الله ورسوله ونسيتم حقي، وخلا بعضكم إلى بعض، وقلتم : ما لنا إلا أن ننظر في كتاب الله في علي ،ومعاوية فمن قرب فاتحته إلى الحق كان أولى به وكنا معه، فوالله یا معاشر الخوارج، إن لم يكن في كتاب الله رجل إلا قوله : ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾(3)، وقد علمتم أنه لم يكن أقرب إلى رسول الله مني ومن ابنته فاطمة ومن ابني الحسن والحسين، لكان هذا بهذه الآية فضلاً عند الله ورسوله في كتاب الله برك في إن لم أسألكم أجراً على ما هداكم الله وأنقذكم من شفا حفرة من النار وجعلكم خير أمة وجعل الشفاعة والحوض الرسول الله فيكم إلا مودتنا لكان في ذلك فضل عظيم، هذا وقد علمتم أن الله تبارك وتعالى قد أنزل في حقي،
﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾(4)، وما أحد من المؤمنين زكى في ركوعه غيري، فكان رسول الله جاءني بخاتم أنزله جبريل من الله عزوجك ولم يصغه صائغ، عليه ياقوتة مكتوب عليها ( الملك) فتختمت به وخرجت إلى مسجد رسول الله فصليت ركعتين شكرا الله على تلك الموهبة، فأتاني آت من عند الله فسلم علي في الصلاة في الركعة الثانية.
وقال هل من زكاة يا رسول الله توصلها إليَّ يشكرها الله لك ويجازيك، عنها
ص: 173
فوهبت ذلك الخاتم له وما كان في الدنيا أحب إليَّ من ذلك الخاتم والناس ينظرون وأتممت صلاتي وجلست أسبح الله وأحمده وأشكره حتى دخلنا إلى رسول الله ،فضمني إليه وقبلني على بلجة وجهي.
وقال : هناك الله يا أبا الحسن وهنأني كرامة لي فيك وعيناه تهملان بالدموع، ثم قرأ هذه الآية وما يليها وقال لهم ولي آية الخمس في كتاب الله على سائر المسلمين، وهي قول الله برك : ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَمَى وَالْمَسَكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾(1)، وقد علمتم إن الله﴿ لَن يَنَالَ الله لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا ولكن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ﴾(2)فما هو الله من خمس الغنائم إلى من یرد؟
قالوا : إلى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) .
قال : فما هو الله وللرسول إذا قبض الرسول إلى من يرد؟
قالوا : إلى أولي القربى من الرسول واليتامى والمساكين وابن السبيل.
قال : واليتيم إذا بلغ أشده والمساكين إذا استغنوا وابن السبيل إذا لم يحتج، إلى من يرد مالهم؟
قالوا : إلى ذوي القربى من الرسول.
قال : فقد علمتم معاشر الخوارج أن ما غنمتم من غنيمة من جهاد أو في احتراف أو في مكسب أو مقرض الخياط، أو من غنم يكسب فهو لي والحكم لي فيه؛ وليس لأحد من المسلمين علي حق وأنا شريك كل من آمن بالله ورسوله في كل ما اكتسبه، فإن وفاني حق الله الذي فرضه الله عليه كان ممتثلاً لأمر الله، وما أنزله على رسوله، ومن بخسني حقي كانت ظلامتي عنده، إلى أن يحكم الله لي وهو خير الحاكمين قالوا صدقت وبررت وأصبت وأخطأنا والحق والحجة لك .
قال هذا هو الجواب عن آخر سؤالكم .
ص: 174
قالوا : صدقت وانحرفت إليه طائفة كانت استجابت إلا الأربعة آلاف الذين مرقوا فقالوا : يا أمير المؤمنين نقاتلهم معك .
فقال : لا ، قفوا لا معنا ولا علينا، وانظروا إلى نفوذ حكم الله فيهم. ثم صاح بهم ثلاثاً، فسمع جميعهم هل أنتم منيبون؟ هل أنتم راجعون؟
فقالوا بأجمعهم عن قتالك لا .
فقال لأصحابه : والله لولا أني أكره أن تتركوا العمل وتتكلوا علي بالفضل لمن قاتل لما قاتل هؤلاء غيري وكان لي من الله الفضل عنده في الدنيا والآخرة فشدوا عليهم فإني ،شاد فكانوا كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف أو كيوم قال لهم الله موتوا فماتوا .
فلما أخذوا قال أمير المؤمنين(عليه السلام): من قتل منكم ؟ فلن يقتل إلا تسعة، ولم يسلم منهم إلا تسعة.
فقدوا من قتل منهم ونجا فلم ينج إلا تسعة وعدوا أصحاب أمير المؤمنين المقتولين فوجدوهم تسعة.
قال : وفالق الحبة وبارئ النسمة ما كذبت ولا كذبت ولا ضللت ولا أضللت وإني على بينة من ربي، بينها لنبيه (صلی الله علیه وآله وسلم) فبينها نبيه لي، ثم قال لهم : هل وجدتم ذا الثدية في القتلى؟
قالوا: لا ، قال : ائتوني بالبغلة فقدمت إليه بغلة رسول الله الدلدل فركبها وسار في مصارعهم فوقفت به البغلة وهمهمت وهزت ذنبها فتبسم أمير المؤمنين(عليه السلام)، وقال : ويحكم هذه البغلة تخبرني إن ذا الثدية(1)حرقوصاً لعنه الله
ص: 175
تحت هؤلاء القتلى فابحثوا عليه فإذا هو في ركن قد دفن نفسه تحت القتلى فأخرجوه وكشفوا عن أثوابه، فإذا هو في صورة عظيمة حول حلمته شعرات كشوك الشيهم، والشيهم ذكر القنافذ قال : مدوا حلمته فمدوها فبلغت أطراف أنامل رجليه، ثم أطلقوها فصارت في صدره، فقال أمير المؤمنين : الحمد الله يا عدو الله الذي قتلك، وعجل بك، وبأصحابك إلى النار، فقتلوه لعنه الله ، وهو جد أحمد بن حنبل لعنه الله . وقد كانت الخوارج خرجوا إليه قبل ذلك بحروراء(1)في جانب الكوفة وهو غربي الفرات في اثني عشر ألف رجل فأتاه الخبر فخرج إليهم في جملة الناس وعليه ملاءة رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، ومعه بغلة رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فقال له الناس : يا أمير المؤمنين تخرج إليهم في جملة الناس في ملاءة والقوم شاكون سلاحهم؟
فقال : إنه ليس هو يوم قتالهم، ولكنهم يخرجون علي في قتال النهروان أربعة آلاف رجل يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، فلما برزوا قال لهم: ارضوا بمئة منكم ثم قال للعشرة ارضوا برجل منكم .
وقال للرجل : ليس هذا يوم أوان قتالهم، سيفرقون حتى يصيروا أربعة آلاف، ويخرجون علي في قابل مثل هذا الشهر، وفي مثل هذا اليوم، فأخرج إليكم فأقتلكم حتى لا يبقى إلا تسعة نفر، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة هكذا أخبرني رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)فافترقوا حتى صاروا أربعة آلاف رجل يتبرأ بعضهم من بعض كما أخبرهم أمير المؤمنين وقتلهم فلم يبق منهم إلا تسعة نفر(2). فكان هذا من دلائله(عليه السلام).
20 - وعنه عن أبي العباس، عن غياث بن يونس الديلمي، عن محمد بن علي، عن علي بن محمد، عن الحسن بن علي، عن أبي مسعود العلاف، عن أبي
ص: 176
الجارود، عن أبي جعفر قال : خطب أمير المؤمنين بالكوفة فبينما هو على المنبر إذ أقبلت عليه حية كالخابوط العظيم سوداء مظلمة حمراء العينين محددة الأنياب حتى دخلت باب المسجد، ففزع الناس منها واضطربت فقطع أمير المؤمنين(عليه السلام) الخطبة .
وقال لهم أفرجوا فإنها رسول قوم يقال لهم بنو عامر، فجاءت الحية حتى صعدت المنبر ووصلت إلى أمير المؤمنين(عليه السلام)ووضعت فاها على أذنه والناس ينظرون إليها، وإنها تساره أسرارا وتنقنق كتنقنق الطير، ثم كلمها بكلام يشبه نقيقها، ثم ولت الحية خارجة من حيث دخلت ونزل أمير المؤمنين، عن المنبر.
فقالوا له: ماذا أرادت الحية يا أمير المؤمنين؟ وما حالها ؟
فقال : هذه الحية رسول قوم من الجن، يقال لهم بنو عامر، أخبرتني أنه وقع بينهم وبين قوم يقال لهم بنو عنترة(1)شر وقتال، فبعثوا إليَّ هذه الحية يسألوني الإصلاح بينهم فوعدتهم بذلك وأنا آتيهم الليلة .
قالوا : يا أمير المؤمنين ائذن لنا أن نخرج معك .
قال : أنا لا أكره ذلك. فلما صلى بهم العشاء الآخرة انطلق والناس حوله حتى أتى بهم ظهر الكوفة في غربيها، فخط عليهم خطة ثم قال لهم : إياكم أن تخرجوا من هذه الخطة، هذه الخطة، فقعدوا في الخطة وهم ينظرون إليه وقد نصب منبراً فصعد عليه ثم خطب خطبة لم يسمع الأولون بمثلها، ثم لم يبرح حتى أصلح بينهم واقتدى بعضهم ببعض، وأقبل أمير المؤمنين(عليه السلام)إلى أصحابه وهم ينظرون إلى الجن حوله يميناً وشمالاً .
فقالوا : يا أمير المؤمنين رأينا عجباً في المشاهدة.
قال : رأيتموهم؟ قالوا : نعم .
قال : فصفوهم لي قالوا هم أقوام شبر بالطول شبيه بالزط(2).
ص: 177
قال: صدقتم، فقد رأيتموهم حقاً إنهم بعثوا يستغيثوني فأغثتهم، وكان بينهم دماءً فخافوا أن يتفانوا فأصلحت بينهم وقربت بعضهم من بعض(1) .
فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
21 - وعنه ، عن جعفر بن مالك عن موسى بن زيد الجلاب ، عن محمد بن علي، عن علي بن محمد عن سيف بن عميرة، عن إسحاق بن عمار، عن حمزة الثمالي عن ميثم التمار النهرواني، عن الأصبغ بن نباتة الطائي قال : خرجنا مع أمير المؤمنين(عليه السلام) وهو يريد ،صفين، فلما انتهى إلى كربلا وقف بها وقال : ها هنا يقتل ابني الحسين وثمان رجال معه من أولاد عبد المطلب وثلاثة وخمسون من ،أنصاره، ثم سار مغرباً وعدل عن الجادة بشاطئ الفرات قاصداً، فلما توسطنا البر وكان يوم قيظ شديد الحر، وكان الماء في العسكر يسيراً إلا إنا كنا على جادة الفرات فلم تزوده بقدر الماء الذي كان معنا وعطش أهل العسكر حتى تقطع الناس عطشاً وشكوا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فبينما نحن نسير فإذا بقائم من حديد شاهق عالٍ في رأسه ،راهب، فقصد إليه أمير المؤمنين(عليه السلام) فصاح : يا راهب هل بقربك ماء فأشرف الراهب من رأس القائمة، فقال: وأين لنا بالماء إلا على حد فرسخين؟ كيف يكون الماء في هذه القفرة(2)البيداء(3)؟
فعدل أمير المؤمنين إلى قاع رضراض وحصى رمل فوقف هنيهة ثم أشار إلى العسكر أن ينزلوا فنزل أكثر الناس فقال لهم : ها هنا ماء فابحثوا، فتلقوا صخرة على عين ماء أبيض زلال أشد بياضاً من اللبن وأحلى من الشهد فكبر الناس وبحثوا في القاع حتى قلعوا كثباناً من ذلك الرمل والحصى، وظهرت لنا صخرة بيضاء فقال لنا دونكم إياها فاقتلعوها فبحثنا عليها فصعبت وامتنعت منا .
ص: 178
فقال : ارموها بأجمعكم فإنكم لا تشربون الماء ولا تروون زلالاً إن لم تقلعوها، وكنا في العسكر ستين ألف رجل وتبع كثير، ولم تبق كف منا إلا رامت قلع تلك الصخرة فلم نقدر نقلعها .
فقلنا : يا أمير المؤمنين قد بلوتنا بها فوجدنا ضعفنا فأدركنا بفضلك علينا، فدنا منها وجرّد ذراعه ومد يده إلى السماء وتكلم بكلمات مستقبل القبلة، فسمعناه يقول كلاماً من الإنجيل : طاب طاب الماء، والعلم طيبوثا، واليوح اسمينا، والحايوثا، وإذا يكونا ، ثم هوى بيده المباركة اليمنى إلى الصخرة واقتلعها كالكرة إذا انضربت من اللعب، فكبر الناس وظهر الماء على وجه الأرض من تلك العين أبيض زلالاً لم ير مثله في ماء الدنيا، فشربنا وروينا وتزودنا والراهب مشرف في رأس القائمة، فلما استقينا أخذ الصخرة بيده المباركة فردها على تلك العين، فكأنما لم تزل ورددنا كلما بحثناه من الرمل وسرنا فلم نبعد حتى قال لنا : ليرجع بعضكم فلينظر هل لموضع الصخرة أثر ؟ فرجعوا يحلفون بالله أنهم ما رأوا لها أثراً، وكان وجه القاع عليه سحيق الرمل.
قال : فلما نظر الراهب إلى فعل أمير المؤمنين(عليه السلام)، قال : هذا والله وصي محمّد(صلی الله علیه وآله وسلم)،فوجدناه في الإنجيل والزبور ونزل من القائمة، ولحق بأمير المؤمنين(عليه السلام)فقال : أنا أشهد أن أبي أخبرني عن جدي، وكان من حواري سيدنا المسيح (عليه السلام) ، والمسيح أخبره بقرب هذا القائم الذي كنت فيه، وبهذه العين الماء الأبيض من الثلج وأعذب من كلما عذب، وأنه من أجلها بني ذلك الدير والقائم، وإنه لا يستخرجها إلا نبي أو وصي نبي وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله وإنك وصي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) والمؤدي عنه والقائم بالحق إلى يوم القيامة، وقد رأيت يا أمير المؤمنين(عليه السلام)أني أصحبك في سفرك هذا يصيبني ما أصابك من خير وشر فقال له أمير المؤمنين(عليه السلام): جزاك الله خيراً، ودعا له بالخير، فقال له يا راهب الزمني وكن قريباً فإنك تستشهد معي بصفين، وتدخل الجنة، فلما كان ليلة الهرير(1)بصفين والتقى الجمعان قتل الراهب في تلك الليلة فلما أصبح أمير المؤمنين (عليه السلام).قال لأصحابه : ادفنوا قتلاكم وأقبل أمير
ص: 179
المؤمنين يطلب الراهب، فوجدناه فأخذه وصلى عليه ودفنه في لحده .
ثم قال أمير المؤمنين(عليه السلام): لكأني أنظر إليه وإلى منزلته في الجنة وزوجاته التي أكرمه الله بها . فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
22 - وعنه، عن أحمد بن محمد الحجال الصيرفي، عن محمد بن جعفر الصيرفي عن محمد بن علي، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام)قال : مد(1)الفرات عندهم بالكوفة على عهد أميرالمؤمنين(عليه السلام)وهو بها مقيم مدة عظيمة حتى طغى وعلا كالجبال، وصار بإزاء شرفات الكوفة، وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) في ذلك اليوم قد خرج إلى النجف ونفراً من أصحابه، فنظر إلى بعض النجف وقال للنفر الذين معه إني أرى النجف يخبر أن الماء قد طغى في الفرات حتى أوفى على منازل الكوفة، وإن الناس بها ضجوا وفزعوا إلينا فقوموا بنا إليهم، فأقبل هو والنفر إلى الكوفة وتلقاه أهلها صارخين مستغيثين .
فقال : ما شأنكم طغى الماء عليكم ما كان الله ليعذبكم وأنا فيكم، وسار يريد الفرات والناس من حوله حتى ورد على مجلس الثقيف فتغامزوا عليه وأشار إليه بعض أحداثهم، فالتفت إليهم أمير المؤمنين مغضباً فقال : صغار الخدود(2)قصار الغمود(3)، بقايا ثمود عبيد بني عبيد من يشتري مني ثقيف برغيف، فإنهم عبيد زيوف، فقام إليه مشايخهم.
فقالوا : يا أمير المؤمنين إن هؤلاء شباب لا يعقلون فلا تؤاخذنا بهم، فوالله إنا لهذا ،كارهون وما أحد منا يرضى به فاعفُ عنا ، عفا الله عنك.
فقال : لست اعفو عنكم إلا على أن لا أرجع إلى الفرات أو تهدموا مجلسكم هذا، وكان منظراً وروشناً مشرف وميزاب يصب إلى طريق المسلمين، وتسدون بلاليعكم فيها .
ص: 180
فقالوا نفعل يا أمير المؤمنين، وسكروا مجلسهم وفعلوا كل ما أمرهم به، حتى أتى إلى الفرات وهو يزخر بأمواج كالجبال، فسقط الناس لوجوههم وصاحوا الله الله يا أمير المؤمنين أرفق برعينك فنزل وأخذ قضيب رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فقرعه(1)قرعة واحدة.
وقال: اسكن يا أبا ،خالد فانزجر الماء، فما أتم كلامه، حتى ظهرت الأرض في بطن الفرات حتى كأن لم يكن فيها ماء، فصاح الناس : الله الله رفقاً برعيتك يا أمير المؤمنين، لئلا يموتوا عطشاً.
فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): اجر على قدر یا فرات، فجرى لا زائداً ولا ناقصاً، ووجد فوق الجسر رمانة فوقعت على الجسر رمانة لم يوجد في الدنيا مثلها، فمد الناس أيديهم ليحملوها إلى أمير المؤمنين فلم تصل أيديهم إليها، فمد يده المباركة وأخذها وقال هذه رمانة من رمان الجنة لا يمسها ولا يأكلها إلا نبي أو وصي نبي ولولا ذلك لقسمتها عليكم في بيت مالكم وفي ذلك اليوم كانت فتنة عبد الله بن سبا(2)وأصحابه العشرة الذين كانوا معه وقالوا ما قالوه، وأحرقهم أمير المؤمنين(عليه السلام) بالنار بعد أن استتابهم ثلاثة أيام فأبوا ولم يرجعوا، فأحرقهم في صحراء الأخدود(3). وكان هذا من دلائله(عليه السلام).
ص: 181
23 - وعنه : عن أبيه، عن محمد بن ميمون عن الحسن بن علي عن أبي حمزة عن حيان بن سدير الصيرفي عن مراد يقال له رباب بن رياح قال: كنت قائماً على رأس أمير المؤمنين بالبصرة بعد الفراغ من أصحاب الجمل، إذ أتى عبد الله بن عباس .
فقال : يا أمير المؤمنين إن لي إليك حاجة .
فقال له : عرفت حاجتك قبل أن تذكرها لي جئت تطلب مني الأمان لمروان ابن الحكم.
فقال له يا أمير المؤمنين أحب أن تؤمنه .
قال : اذهب فجئني به يبايعني ولا يجيئني إلا رديفاً .
قال : فما لبث إلا قليلاً حتى أقبل ابن عباس وخلفه مروان بن الحكم رديف(1)
فقال له المؤمنين(عليه السلام): هل أبايعك .
قال مروان على أن في النفس ما فيها .
قال أمير المؤمنين : إني لست أبايعك على ما في نفسك إنما أبايعك على ما ظهر لي.
قال : فمد يده أمير المؤمنين فلما بايعه :قال هيه يا بن الحكم قد كنت تخاف أن ترى رأسك يقطع في هذه المعمعة(2)، كلاً بالله لا يكون حتى يخرج من صلبك طواغيت يملكون هذه الرعية، يسومونهم خوفاً(3)وظلماً وجوراً، ويسقونهم كؤوساً مرة(4).
ص: 182
قال مروان كان مني ما أخبرني علي ثم هرب فلحق بمعاوية وكان كما قال أمير المؤمنين(عليه السلام). فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
24 - وعنه : عن جعفر بن محمد محمد عن بن عبد الرحمن الزيات عن الربيع بن محمد الأصم عن بني الجارود، عن القاسم بن الوليد الهمداني، عن الحارث الأعور الهمداني قال : كنا مع أمير المؤمنين(عليه السلام)بالكناسة(1)، إذ أقبل أسد يهوي، فضعضع (2)من حوله حتى انتهى إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) فقال له : ارجع ولا تدخل دار هجرتي (3)بعد اليوم وبلغ السباع عني تتجافى الكوفة وجميع ما حولها ألا إن طاعتي طاعة الله، فإذا عصوا الله وخلوا طاعتي حكمت فيهم، فلم تزل السباع تتجافى الكوفة إلى أن قبض أمير المؤمنين(عليه السلام)، وتقلدها زياد ابن أبيه دَعيُّ أبي سفيان لعنه الله، فلما دخلها سلطت السباع على الكوفة وما حولها حتى أفنت أكثر الناس(4). فكان هذا من دلائله(عليه السلام).
علي، عن الحسن بن أبي حمزة عن القاسم بن الوليد] الهمداني، عن الحارث الأعور الهمداني، قال: بينما أمير المؤمنين(عليه السلام)يخطب في الناس يوم الجمعة في مسجد الكوفة إذ أقبلت أفعى من ناحية باب الفيل(1)، رأسها أعظم من رأس البعير؛ تهوي إلى نحو المنبر فافترق الناس في جانبي المسجد خوفاً منه حتى صعد المنبر، ثم تطاول إلى أذن أمير المؤمنين(عليه السلام)فأصغى إليه وجعل يساره ملياً، ثم نزل.
فلما بلغ باب أمير المؤمنين(عليه السلام)الذي يسمونه باب الفيل انقطع أثره وغاب عن الناس فلم ير، فلم يبق مؤمن ولا ،مؤمنة إلا قال هذا من عجائب أمير المؤمنين(عليه السلام)، ولم يبق منافق ولا منافقة إلا قال : هذا من سحر علي.
فقال أمير المؤمنين(عليه السلام):(أيها الناس إني لست ساحراً، وهذا الذي رأيتموه وصي محمد [ ] على الجن، وأنا وصيّه على الإنس، وهو يطيعني أكثر مما تطيعونني، وهو خليفتي فيهم، وقد جرى بين الجن ملحمة تتهادر فيها الدماء، والذي لا يعلم ما المخرج منها ولا الحكم فيها، فإنه مسائلي عن الجواب في ذلك فأجبته عنه بالحق، وهذا المثل الذي يمثل لكم به أراد يريكم فضلي عليكم الذي هو أعلم به منكم)(2). فكان هذا من دلائله(عليه السلام).
نحن بأصل شجرة قد وقع لحاؤها (1)وبقي عودها يابساً، فضربها بيده؛ ثم قال لها : ارجعي بإذن الله خضراء ذات ثمرة.
فإذا هي تهتز بأغصانها مورقة مثمرة وحملها الكمثرى الذي لم ير مثله في فواكه الدنيا، فأطعمنا منه وتزوّدنا وحملنا، فلما كان بعد ثلاثة أيام عدنا إليها فإذا بها خضراء فيها الكمثرى(2). فكان هذا من دلائله(عليه السلام).
27-وعنه، عن أبيه، عن محمد بن عمار، قال: حدثني عمر بن قاسم، عن عمرو بن شمر عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : لما أمر أمير المؤمنين(عليه السلام) بإنجاز عدات رسول الله وقضاء دينه نادى منادي أمير المؤمنين: الا من كان له دين عند رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)أو عدة فليقبل إلينا، فكان الرجل يجيئ وأمير المؤمنين لا يملك شيئاً ؛ فيقول : اللهم اقض عن نبيك فيجد ما وعد النبي تحت البساط لا يزيد ولا ينقص.
قال أبو بكر لعمر هذا يُصيب ما وعد النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)تحت البساط ونخشى أن يميل الناس إليه . فقال عمر: فينادي مناديك أيضاً، فإنك تقضي كما قضى، فنادى مناديه ألا من كان له عند رسول الله دين أو عبرة فليقبل إلينا.
فسلّط [الله] عليهم أعرابي فقال : لي عند رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)ثمانون ناقة سوداء المقل، حمراء الوبر، بأزمتها ورحالها .
فقال أبو بكر: تحضر، عندنا [ يا أعرابي] غداً، فمضى الأعرابي، فقال أبو بكر لعمر : لا تزال في ذلك مدة، ويحك من أين في الدنيا ثمانون ناقة بهذه الصفة
ص: 185
ما تُريد إلا أن تجعلنا عند الناس كاذبين فقال عمر يا أبا بكر إن ها هنا مخلص منه . قال : وما هي؟ قال : تقول : احضر لنا بينتك على رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) بهذا الذي ذكرته حتى نوفيك إياه، فإن رسول الله قال : إلا من أتاكم ببينة .
فلما كان بعد العصر حضر الأعرابي فقال : جئتكم ببينة، فقال: أوجبت الوعد على رسول الله ، فقال أبو بكر وعمر أحضر لنا بينتك على رسول الله بهذه حتى نوفيك، فقال : أترك رجلاً يعطيني بلا بينة وأجيئ إلى قوم لا يعطوني إلا ببينة ما أرى إلا قد تقطعت بكما الأسباب وتزعمون أن رسول الله كان كاذبا لآتين أبا الحسن فلئن قال لي كما قلتما لأرتدن عن الإسلام.
لسلام
فجاء إلى أمير المؤمنين(عليه السلام)فقال له : إن لي عند رسول الله ثمانون ناقة حمراء الوبر سوداء المقل، بأزمتها ورحالها .
فقال(عليه السلام): اجلس يا أعرابي إن الله يقضي عن نبيه ثم قال: يا حسن ويا حسین اذهبا إلى وادي فلان وناديا عند شفير الوادي: بعثنا رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) إليكم وحبيباه ووصياه إن للأعرابي عند رسول الله ثمانين ناقة، سوداء المقل، حمراء الويز بأزمتها ورحالها .
فمضيا ومعهما أهل المدينة إلى حيث أمرهما أمير المؤمنين(عليه السلام)، وقالا ما قاله لهما ومن تبعهما من الناس يسمعون ما جاء بهما، فجاؤوا من الوادي يقولون : نشهد أنكما حبيبا محمد ووصياه كما قلتما فانظرا حتى نجمعها بيننا، فما جلسنا إلا قليلاً حتى ظهرت ثمانون ناقة حمر الوبر سود المقل بأزمتها ورحالها، وإن الحسن والحسين(عليهم السلام)، ساقاها إلى أمير المؤمنين، فدفعها إلى الأعرابي(1) فكان هذا من دلائله(عليه السلام)
28 - وعنه ، عن محمد بن جبلة التمار، عن موسى بن محمد الأزدي(2)، عن
ص: 186
المخول بن إبراهيم عن رشدة بن يزيد الخيبري (1)، عن الحسن بن محبوب، عن أبي خديجة سالم بن مكرم عن أبي حمزة الثمالي عن جابر بن عبد الله بن عمر ابن حزام الأنصاري قال : أرسل رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) سرية .
فقال لهم : إنكم تصلون ساعة كذا وكذا من الليل إلى أرض لا تهتدون(2)فيها سيراً، فإذا وصلتم فخذوا ذات الشمال فإنّكم تمرون برجل فاضل خير في كنانة(3)فتسترشدونه فيأبى أن يرشدكم حتى تأكلوا من طعامه فيذبح لكم كبشاً فيطعمكم ثم يقوم معكم] ويرشدكم الطريق، فأقرئوه مني السلام وأعلموه أنّي قد ظهرت في المدينة .
فمضوا فلمّا وصلوا الموضع في الوقت ضلّوا، فقال قائل منهم : ألم يقل لكم رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) خذوا ذات الشمال، ففعلوا فمروا بالرّجل الذي ذكره رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) لهم فاستر شدوه الطريق.
فقال : لا أفعل حتى تأكلوا من طعامنا فذبح لهم كبشاً فأكلوا من طعامه ،وقام معهم فأرشدهم الطريق، وقال لهم: ظهر النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)في المدينة؟
قالوا نعم وبلغوه السلام، فخلف في نسائه من خلف ومضى إلى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، وهو عمرو بن الحمق الخزاعي [بن] الكاهن بن حبيب بن عمر بن الفتى ابن رزاح بن عمرو بن سعد بن كعب (4)، فلبث معه ما شاء الله سبحانه وتعالى، ثم قال له رسول الله : ارجع إلى الموضع الذي هاجرت إليَّ منه، فإذا نزل أخي أمير المؤمنين بالكوفة وجعلها دار هجرته فانته.
فانصرف عمرو بن الحمق إلى شأنه حتّى إذا نزل أمير المؤمنين(عليه السلام)أتاه فأقام بالكوفة معه بالكوفة، فبينما أمير المؤمنين(عليه السلام)، جالس وعمرو بين يديه، فقال له :يا عمرو ألك دار؟ .
[قال : نعم].
ص: 187
قال : بعها واجعلها في الأزد، فإني غداً لو غبت عنكم لطلبتك الأزد حتى تخرج من الكوفة متوجهاً نحو الموصل، فتمر برجل نصراني فتقعد عنده، وتستسقيه الماء فيسقيك، ويسألك عن قصتك فتخبره، وستصادفه مقعداً فادعه إلى الإسلام فإنه يسلم فإذا أسلم فأزر بيدك على ركبتيه فإنه ينهض صحيحاً مسلماً [ ويتبعك ] .
وتمرّ برجل محجوب ،جالس عن يمين الجادّة فتستسقيه الماء فيسقيك ،ويسألك عن قصتك، وما الذي أخافك وممّ تتوقّى؟ فحدثه أن معاوية طلبك ليقتلك، ويمثل بك لإيمانك بالله ورسوله وطاعتك لي وإخلاصك لولايتي، ونصحك الله [تعالى] في دينك، فادعه إلى الإسلام فإنّه يسلم، فمرر يدك على عينيه، فإنّه يرجع بصيراً بإذن الله تعالى فيتبعانك ويكونان [معك] هما اللذان يواريان بدنك في الأرض.
ثم تصير إلى دير على نهر يقال له الدجلة، فإنّ فيه صديقاً، عنده من علم المسيح فاتخذه عوناً من الأعوان على سر صاحبيك، وما ذلك إلا ليهديه الله بك، فإذا أحست بك شرطة ابن [أم] الحكم، وهو خليفة معاوية بالجزيرة، ويكون مسكنه بالموصل، فاقصد إلى الطريق الذي في الدير يتواضع لك حتى تصير في ذروته، فإذا رآك ذلك في أعلى الموصل فناده فإنه يمتنع عنك، فاذكر اسم الله الذي علمتك إياه فإن الدير يتواضع لك، حتى تصير في ذروته، فإذا رأى ذلك الراهب الصديق، قال التلاميذ معه ليس هذا أوان ظهور سيدنا المسيح، هذا شخص كريم، ومحمد قد توفاه الله، ووصيه قد استشهد بالكوفة، وهذا من حوارييه.
ثم يأتيك خاشعاً ذليلاً، فيقول لك : أيها الشخص العظيم [قد] أهلتني لما لم استحقه فبم تأمرني، فتقول استر تلميذك هذا من عبدك ويشرف على ديرك، فانظر ماذا ترى فإذا قال لك : أرى خيلاً غائرة نحونا فخلف تلميذك عنده وانزل واركب فرسك، واقصد نحو الغاب على شاطئ الدجلة استتر فيه فإنه لا بد أن يشترك في دمك فسقة من الجن والإنس فإذا استترت فيه عرفك فاسق من مردة الجن يظهر لك بصورة تنين أسود ينهشك نهشاً يبالغ أظفارك وتعثر بك فرسك، فينذر بك الخيل فيقولون هذا فرس عمرو بن الحمق ويقفون أثرك فإذا أحسست بهم دون الغار فابرز إليهم بين الدجلة والجادة وقاتلهم في تلك البقعة فإن الله جعلها حضرتك وحرمك فالقهم بنفسك واقتل ما استطعت حتى يأتيك أمر الله فإذا غلبوك حزوا رأسك
ص: 188
وسيروه على قناة إلى معاوية لعنه الله ورأسك أول رأس يشهر في الإسلام من بلد إلى بلد .
ثم يبكي أمير المؤمنين [(عليه السلام) ] ويقول : وقرة عيني ابني الحسين، فإن رأسه يشهر على قناة وتستباح ذراريه بعدك يا عمرو من كربلا غربي الفرات إلى يزيد بن معاوية عليهما اللعنة، ثمّ ينزل صاحباك المحجوب والمقعد فيواريان بدنك في موضع مصرعك، وهو بين الدير والموصل فكان كلما ذكره رسول الله وأمير المؤمنين(عليه السلام)(1).
فكان هذا من دلائله(عليه السلام).
29 - وعنه، عن علي بن بشر، عن علي بن النعمان عن هارون بن يزيد الخزاعي، عن أحمد بن خالد الطبرستاني عن حمران بن أعين بن القاسم بن محمد بن أبي بكر عن رميلة وكان رجلاً من خواص أمير المؤمنين(عليه السلام)قال رميلة : وعكت وعكاً شديداً في زمان أمير المؤمنين(عليه السلام) قال ثم وجدت منه خفة في نفسي في يوم الجمعة فقلت : لا أعمل شيئاً أفضل من أن أعلا على الماء وآتي المسجد فأصلي خلف أمير المؤمنين(عليه السلام)ففعلت ذلك .
فلما علا المنبر في جامع الكوفة عاودني الوعك، فلما خرج أمير المؤمنين من المسجد اتبعته فالتفت إليَّ، فقال : ما لي أراك متشكياً بعضك إلى بعض، قد علمت من الوعك وما قلت أنك لا تعمل شيئا أفضل من غسلك لصلاتك الجمعة خلفي وإنك كنت وجدت خفاً، فلما صليت وعلوت المنبر عاد إليك.
قلت : والله يا أمير المؤمنين ما زدت في قصتي حرفاً ولا نقصت حرفاً، قال: يا رميلة ما من مؤمن ولا مؤمنة يمرض إلا مرضنا ،لمرضه، ولا يحزن إلا حزنا لحزنه، ولا دعا إلا أمنا على دعائه ولا شكا إلا دعونا له.
فقلت يا أمير المؤمنين هذا لمن كان معك في هذا المصر فمن كان في أطراف الأرض كيف يكون في هذه المنزلة؟
ص: 189
قال : يا رميلة ليس بغائب عنا مؤمن ولا مؤمنة في مشارق الأرض ومغاربها إلا وهو معنا ونحن معه .
فكان هذا من دلائله(عليه السلام)
30 - وعنه(1): عن جعفر بن يزيد(2)القزويني، عن زيد الشحام، عن أبي هارون المكفوف، عن ميثم التمار ، عن سعد العلاف (3) عن الأصبغ بن نباتة قال : جاء نفرّ إلى أمير المؤمنين فقالوا : إن المعتمد(4)يزعم أنك تقول إن هذا الجري مسخ.
فقال : مكانكم حتى أخرج إليكم فتناول ثوبه، ثم خرج إليهم ومضى حتى انتهى إلى الفرات بالكوفة فصاح يا جري فأجابه لبيك لبيك .
قال : من أنا؟ .
قال : أنت إمام المتقين وأمير المؤمنين .
قال : من أنت؟ .
قال : أنا ممّن عرضت عليه ولايتك فجحدتها، ولم أقبلها فمسخت جرياً، وبعض هؤلاء الذين كانوا معك يمسخون جرياً .
فقال له أمير المؤمنين(عليه السلام): بيّن ضيعتك وفيمن كنت ومن كان معك.
قال : نعم يا أمير المؤمنين كنا أربعة وعشرين طائفة من بني إسرائيل قد تمردنا وطغينا واستكبرنا وتجبرنا وسكنا المفاوز رغبة منا في البعد من المياه والأنهار فأتانا آت وأنت والله أعرف به منا يا أمير المؤمنين فجمعنا في صحن الدار وصرخ بنا صرخة فجمعنا في موضع واحد وكنا مبددين في تلك المفاوز والقفار .
ص: 190
فقال لنا : ما لكم هربتم من المدن والمياه والأنهار وسكنتم هذه المفاوز؟ فأردنا نقول : لأننا فوق العالم تكبراً وتعززاً .
فقال لنا : قد علمت ما في نفوسكم فعلى الله تتعززون؟
فقلنا له: بلى.
فقال : أليس قد أخذ عليكم العهد لتؤمنن بمحمد بن عبد الله المكي؟
قلنا : بلى.
قال : وأخذ عليكم العهد بولاية وصيه وخليفته بعهده وبعده أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب(عليه السلام)، فسكتنا، فلم نجب بألسنتنا وقلوبنا، ونياتنا لا تقبلها.
فقال : لا أو تقولون بألسنتكم.
فقلناها بأجمعنا بألسنتنا وقلوبنا ونياتنا لا نقبلها فصاح بنا صيحة، وقال لنا : كونوا بإذن الله مسوخاً، كل طائفة جنساً، ويا أيتها القفار كوني بإذن الله أنهاراً وتسكنك هذه المسوخ وتتصل بحار الدنيا وأنهارها حتى لا يكون ماء إلا كانوا فيه .
فمسخنا ونحن أربعة وعشرون جنساً فصاحت اثنا عشر طائفة منا : أيها المقتدر علينا بقدرة الله عليك إلا ما أعفيتنا من الماء، وجعلتنا على ظهر الأرض، قال: قد فعلت.
فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): هيه يا جري بين ما كان الأجناس الممسوخات البرية والبحرية.
فقال : أما البحرية فنحن الجري والسلاحف والمارماهي(1) ، والزمار ، والسراطين، والدلافين، وكلاب الماء، والضفادع وبنات نقرس(2)، والغرمان، والكوسج والتمساح .
فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): هيه، والبرية؟ .
ص: 191
قال : نعم الوزغ ،والخفاش، والكلب ،والدّب، والقرد، والخنازير، والضب ،والحرباء، والورل، والخنافس، والأرنب، والضبع(1) .
[ثم] قال أمير المؤمنين : فما فيكم من خلق الإنسانية وطبائعها؟ .
قال الجري : أقوامنا والبعض لكل صورة ،وخلقه وكلنا تحيض مثل الإناث.
قال أمير المؤمنين : صدقت أيها الجري، وحفظت ما كان.
قال الجري : يا أمير المؤمنين هل من توبة ؟ فقال : للأجل المعلوم وهو يوم القيامة،﴿ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾(2).
قال الأصبغ بن نباتة فسمعنا والله ما قال ذلك الجري ووعيناه وكتبناه وعرضناه على أمير المؤمنين فصح والله لنا ومسخ من بعض القوم الذين حضروا جرياً(3). فكان هذا من دلائله السلام
31 - وعنه ، عن أبي الحواري، عن عبد الله بن محمد بن فارس بن ماهويه، عن إسماعيل بن علي النهرواني، عن ماهان(4)الأبلي، عن المُفَضَّل بن عمر الجعفي، عن الصادق(عليه السلام): إن أمير المؤمنين كان حوله من جهة الأنبار في بني مخزوم، وإن إنساناً منهم أتاه فقال له: يا خالي إن صاحبي وتربي(5)مات ضالاً وإنّي عليه ،لحزين قال أمير المؤمنين(عليه السلام): أتحب أن تراه؟
ص: 192
قال نعم قال : فلبس بردة رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)وخرج معه إلى أن أتى إلى قبر، فركض(1)برجله القبر فخرج الرجل من قبره وهو يقول : ويله وبيه سلان.
فقال له أخوه المخزومي : أولم تمت وأنت رجل من العرب؟
قال : كنا على سنة أبي بكر وعمر في العربية ونحن اليوم على سنة الفرس فليست ألسنتنا على دين الله بالعربية.
فقال له أمير المؤمنين(عليه السلام): ارجع إلى مضجعك وانصرف المخزومي معه (2). فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
32 - وعنه، عن أبيه، عن سعد بن مسلم، عن صباح الأمري(3)، عن الحارث بن خضر(4) ،عن الأصبغ بن نباتة قال: خرجنا مع أميرالمؤمنين وهو يطوف بالسوق يأمر بوفاء الكيل والميزان وهو يطوف إلى أن انتصف النهار، مر برجل جالس فقام إليه فقال له يا أمير المؤمنين مر معي إلى أن تدخل بيتي تتغدى عندي وتدعو لي وما أحسبك اليوم تغديت .
قال أمير المؤمنين على أن لا تدخر ما في بيتك ولا تتكلف من وراء بابك.
قال : لك شرطك، ودخل ودخلنا وأكلنا خبزاً وزيتاً وتمراً، ثم خرج يمشي حتى انتهى إلى قصر الإمارة بالكوفة فركض برجله الأرض فزلزلت ثم قال : وايم
ص: 193
الله لو علمتم ما ها هنا وايم الله لو قام قائمنا لأخرج من هذا الموضع اثني عشر ألف درع واثني عشر ألف بيضة لها وجهات، ثم ألبسها اثني عشرألفاً من ولد العجم، ثم يأمر بقتل كل من كان على خلاف ما هم عليه، وإني أعلم ذلك وأراه كما أعلم اليوم وأراه(1). فكان هذا من دلائله علامة (عليه السلام).
33 - وعنه : عن محمّد بن داود عن الحسين عن أبيه، عن عمر بن شمر ،ومحمّد بن سنان الزاهري، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن يحيى بن أبي العقب، عن مالك الأشتر(رضی الله عنه)، قال : دخلت على أمير المؤمنين(عليه السلام) في ليلة مظلمة فقلت : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته .
فقال : وعليك السلام ما الذي أدخلك عليَّ في هذه الساعة يا مالك؟
فقلتُ : خيراً يا أمير المؤمنين، وشوقي إليك.
فقال: صدقت والله يا مالك، فهل رأيت أحداً ببابي في هذه الليلة المظلمة؟
قلت : نعم يا أمير المؤمنين؛ رأيت ثلاثة نفر .
فقام أمير المؤمنين(عليه السلام) فخرج وخرجنا معه فإذا بالباب رجل مكفوف، ورجل أزمن، ورجل أبرص فقال لهم أمير المؤمنين ما تصنعون ببابي في هذا الوقت؟
قالوا : يا أمير المؤمنين جئناك تشفينا مما بنا ؛ فمسح أمير المؤمنين يده المباركة عليهم، فقاموا من غير زمن(2)ولا عمى، ولابرص(3) .
فكان هذا من دلائله(عليه السلام).
ص: 194
34 - وعنه ، عن أبيه، عن أحمد بن الخصيب، عن أحمد بن نصیر(1)،عن عبد الله الأسدي عن فضيل بن الزبير قال مرّ ميثم التمار على فرس له مستقبل حبيب بن مظاهر راه فجلس بين بني أسد بالكوفة فتحدَّثا حتى اختلف أعناق فرسيهما .
فقال :حبيب لكأني شيخ أصلع ضخم البطن يبيع البطيخ أزرق العينين قد صلب في [حب] أهل البيت، بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
وكأني وقد جاء برأسي إلى الكوفة، وأخبر الذي جاء به، ثم افترقا .
فقال أهل المجلس : ما رأينا أعجب من أصحاب أبي تراب يقولون أن علياً علمهم الغيب، فلم يفترق أهل المجلس حتى جاء رشيد الهجري يطلبهما فسأل عنهما، فقالوا له : قد افترقا وسمعناهما يقولان كذا وكذا .
قال رشيد الهجري لهم :رحم الله ميثم فقد نسي أنه يزاد في عطاء الذي يجيب رأسه مئة درهم ثم [ولى فقال أهل المجلس : هذا والله أكذبهم، فما مرت الأيام حتى رأى] أهل المجلس ميثماً مصلوب على باب دار عمرو بن حريث لعنه الله ، وجيئ برأس حبيب بن مظاهر من كربلاء وقد قتل مع الحسين بن علي(عليه السلام)إلى عبيد الله بن زياد لعنه الله وزيد في عطاء الذي حمل رأس حبيب مائة درهم
كما ذكر، وكان كل ما قالوه مما أخبرهم به أمير المؤمنين(عليه السلام)(2)، فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
ص: 195
35 - وعنه، عن محمد بن عبد الرحمن الطريقي، عن يونس بن أحمد الزيات، عن كثير بن جعفر الأدني ، عن الحسن بن محبوب، عن حمزة الثمالي، عن أبي إسحاق السبيعي، عن سويد بن غفلة، قال بينما نحن، عند أمير المؤمنين(عليه السلام) إذ أتى رجل فقال : يا أمير المؤمنين إني قد جئت من وادي القرى وقد مات خالد بن عرفطة .
فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): مه (1)لم يمث، فأعاد عليه الرجل ثانية، فقال: لم يمت وأعرض عنه بوجهه فأعاد عليه ثالثة فقال سبحان الله ؛ قد أخبرتك أنه قد مات، وتقول لي : إنه لم يمت .
فقال : لم يمت ولن يموت حتى يقود جيش ضلالة ومصيرها النار يحمل رايته حبيب بن جماز فأتى إلى أمير المؤمنين فقال له : ناشدتك بالله إنا لك شيعة، وقد ذكرتني يا مولاي شيئاً ما أعرفه من نفسي .
فقال له : من أنت؟ عساك حبيب بن جماز؟
فقال له : أنا هو يا أمير المؤمنين.
فقال : إن كنت هو فلا يحملها غيرك، فولّى حبيب مغضباً .
فقال سويد بن غفلة : فوالله ما ذهبت الأيام والليالي حتى بعث عمر بن سعد بن أبي وقاص خالد بن عرفطة على مقدمته في جيش ضلالة، وحبيب ابن جماز يحمل رايته إلى أبي عبد الله الحسين(عليه السلام)وعلى آبائه الطاهرين، حتى استشهد وقاتله . فكان هذا من دلائله وعجائبه.
ص: 196
36 - وعنه عن أبيه عن أحمد بن الخصيب (1)، عن أبي المطلب جعفر بن محمَّد بن المُفَضَّل(2)، عن محمد بن سنان الزاهري عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، عن مديح بن هارون بن سعد(3)، قال : سمعت أبا الطفيل عامر بن واثلة يقول(4): سمعت أمير المؤمنين يقول لعمر الخطاب ]: من علمك الجهالة يا مغرور؟ أما والله لو كنت بصيراً، أو كنت في دنياك تاجراً تحريراً، أو كنت فيما أمرك رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) [خبيراً] لركبت وفرشت القصب ولما أحببت أن يتمثل لك الرجال قياماً، ولما ظلمت عترة النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) بقبيح الفعال، غير أني أراك في الدنيا قتيلاً بجراحة من عبد أم معمر، تحكم عليه جوراً فيقتلك معمر، تحكم عليه جوراً فيقتلك(5)توفيقاً، يدخل والله الجنان على رغم منك .
والله لو كنت من رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)سامعاً مطيعاً لما وضعت سيفك في عنقك، ولما خطبت على المنبر، ولكأني بك قد دعيت فأجبت، ونودي باسمك فأحجمت، لك هتك ستراً وصلباً ولصاحبك الذي اختارك، وقمت مقامه من بعده.
تستحي لنفسك من هذا [ التكهن]؟ .
فقال [له] عمر يا أبا الحسن أما تستحي فقال له أمير المؤمنين : [ والله] ما قلت لك إلا ما سمعت [من رسول الله ] وما نطقت إلا بما علمت.
قال: فمتى هذا يا أمير المؤمنين؟
قال : إذا أخرجت جيفتكما عن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) من قبريكما اللذين لم
ص: 197
تدفنا(1) فيها لئلا (2)يشك أحد فيكما إذا نبشتما، ولو دفنتما بين المسلمين لشك شاك وارتاب ،مرتاب وستصلبان على أغصان دوحة يابسة فتورق تلك الدوحة (3)بكما، وتفرّع وتخضرُّ بكما فتكونا لمن أحبكما ورضي بفعلكما (4)آية ، ليميز الله الخبيث من الطيب، ولكأني أنظر إليكما والناس يسألون ربهم العافية مما بليتما به .
قال : فمن يفعل ذلك يا أبا الحسن؟
قال عصابة قد فرقت بين السيوف وأغمادها وارتضاهم الله لنصرة دينه، فما تأخذهم في الله لومة لائم، ولكأني أنظر إليكما وقد أُخرجتما من قبريكما [غضّين] طريين بصورتيكما حتى تصلبا على الدوحات، فتكون ذلك فتنة لمن أحبّكما .
ثم يؤتى بالنار التي أضرمت لإبراهيم(عليه السلام)[ويحيى]، وجرجيس، ودانيال، وكل نبي وصديق، ومؤمن ومؤمنة ثم يؤمر بالنار] وهي النار التي أضرمتموها(5)على باب داري لتحرقوني وفاطمة بنت رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، وابني الحسن والحسين، وابنتي زينب وأم كلثوم، حتى تحرقا بها، ويرسل الله إليكما ريحاً مدبرة فتنسفكما في اليم نسفاً، ويأخذ السيف من كان منكما (6)، ويصير مصيركما إلى النار جميعاً، وتخرجان إلى البيداء إلى موضع الخسف الذي قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُواْ فلا فوتَ وَأَخِذُوا مِن مَّكَانِ قَرِيبٍ (7)يعني من تحت أقدامكما(8).
:قال يا أبا الحسن يفرّق بيننا وبين رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)؟
قال : نعم .
قال يا أبا الحسن إنّك سمعت هذا وإنّه حق؟
ص: 198
قال : فحلف أمير المؤمنين(عليه السلام) أنه سمعه من النبي ، فبكى عمر وقال : [إني] أعوذ بالله ممّا تقول، فهل لك علامة؟
قال : نعم قتل فظيع، وموت سريع(1)، وطاعون شنيع، ولا يبقى من الناس في ذلك [الزمان] إلا ثلثهم وينادي منادٍ من السماء باسم رجل من ولدي وتكثر الآفات(2)حتى يتمنّى الأحياء الموت مِمّا يرون من الأهوال، وذلك مما أسأتما(3)، فمن هلك استراح، ومن كان له عند الله خير نجا، ثمّ يظهر رجل من عترتي(4) فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً (5)يأتيه الله ببقايا قوم موسى، ويُحيي له أصحاب الكهف [ويؤيده الله بالملائكة والجن وشيعتنا المخلصين ](6)، وتنزل السماء قطرها وتخرج الأرض نباتها .
قال له عمر : [يا أبا الحسن أما إني أعلم ](7)أنك لا تحلف إلا على حق، فإنك إن تهددني بفعال ولدك(8)فوالله لا تذوق من حلاوة الخلافة شيئاً أنت ولا ولدك، وإن قبل قولي لينصرني ولصاحبي من ولدك قبل أن أصير إلى ما قلت (9).
فقال له أمير المؤمنين(عليه السلام) : تباً لك أن تزداد إلا عدواناً [لي ولولدي](10)فكأني بك قد أظهرت الحسرة وطلبت الإقالة، حيث لا ينفعك ندمك(11) .
[ قال : ] فلما حضرت عمر الوفاة أرسل إلى أمير المؤمنين(عليه السلام)(12) فأبى أن
ص: 199
يجيئ فأرسل إليه جماعة من أصحابه فطلبوه إليه أن يأتيه، ففعل(1).
فقال عمر: يا أبا الحسن هؤلاء حالوني مما وليت من أمرهم فإن رأيت أن تحالني، فافعل.
فقام أمير المؤمنين(عليه السلام)وقال : أرأيت إن حللتك فمن حالل بتحليل ديان يوم الدين، ثم ولى وهو يقول: ﴿وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ ﴾(2).
فكان هذا دلائله(3)من الذي شهد أكثرها، وصح ما نبأ به فهو حق .
37 - وعنه : عن محمّد بن موسى القمي، عن داود بن سليمان الطوسي، عن محمَّد بن خلف الطاطري، عن الحسن بن سماعة الكوفي، عن راشد بن يزيد المدني، عن المُفَضَّل بن عمر الجعفي، عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام)قال : جلس رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) في رحبة مسجده بالمدينة، وطائفة من المهاجرين والأنصار حوله، وأمير المؤمنين [(عليه السلام) ] ، عن يمينه ، وأبو بكر وعمر بين يديه، إذ أظلّت غمامة لها زجل بالتسبيح وهفيف(4)، فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)(5) : قد شاهدته من عند الله، ثم مد يده إلى الغمامة، فنزلت(6)ودنت من يده فبدا منها جام يلمع حتى غشيت أبصار من [حضر](7)في المسجد من لمعانه وشعاع نوره وفاح في المسجد روائح حتى زالت عقولنا بطيبها ومهشمها(8).
ص: 200
والجام يسبّح الله [تعالى] ويقدسه ويمجده بلسان عربي مبين حتى نزل في بطن راحة رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)اليمنى وهو يقول : السلام عليك يا حبيب الله وصفيه(1)، ونبيه ورسوله المختار على العالمين والمُفَضَّل على خلق الله أجمعين من الأولين والآخرين(2)، وعلى وصيّك خير الوصيين وأخيك خير المؤاخين، وخليفتك خير المستخلفين وإمام المتقين وأمير المؤمنين ونور المستضيئين، وسراج المهتدين(3)، وعلى زوجته فاطمة ابنتك خير نساء العالمين؛ الزهراء في الزاهرين، والبتول في المتبتلين، والأئمة الراشدين(4)، وعلى سبطيك ونوريك وريحانتيك وقرة عينيك أبناء علي الحسن والحسين، [ورسول الله ](صلی الله علیه وآله وسلم) وسائر من كان حاضراً يسمعون(5)ما يقول الجام، ويغضون من أبصارهم من تلألؤ نوره، [ورسول الله ](صلی الله علیه وآله وسلم)يكثر من حمد الله وشكره حتى قال الجام - وهو في كفه : يا رسول الله أنا تحية الله إليك(6)وإلى أخيك علي وابنتك فاطمة والحسن والحسين، فردني يا رسول الله في(7)كف علي .
فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): خذه يا أبا الحسن تحية من عند الله(8)، فمد يده اليمنى فصار في بطن ،راحته فقبله واشتمه فقال : مرحباً بكرامة(9)الله إلى رسوله وأهل بيته، وأكثر من حمد الله والثناء عليه، والجام يسبح الله(عزّوجل)ويهلله ويكبره ويقول: يا رسول الله ما بقي من طيب في الجنة إلا وأنا أطيب منه(10)، فارددني إلى فاطمة والحسن والحسين كما أمرني الله (عزّوجل)
ص: 201
فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): قم يا أبا الحسن به فاردده إلى كف قرة عيني فاطمة وكف حبيبي الحسن والحسين.
فقام أمير المؤمنين(عليه السلام)يحمل الجام ونوره يزيد على نور الشمس والقمر(1) ورائحته قد أذهلت العقول طيباً حتى دخل به على فاطمة والحسن والحسين ال وردّه في أيديهم فتحيوا به وقبلوه، وأكثروا من حمد الله وشكره والثناء عليه، ثم ردّه إلى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، فلما صار في كفه قام عمر على قدميه فقال: يا رسول الله [مالك] تستأثر بكل ما أتاك من عند الله من تحيّة وهدية أنت وعلي وفاطمة والحسن والحسين؟
فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): یا عمر ما أجرأك على الله؟ أما سمعت ما قال الجام حتى تسألني أن أعطيك ما ليس لك؟
فقال له : يا رسول الله أتأذن لي بأخذه واشتمامه وتقبيله؟
فقال له رسول الله : ما أشد جأشك(2)، قم، فإن نلته فما محمد رسول الله حقاً، ولا جاء بحق من عند الله .
فمدّ عمر يده نحو الجام، فلم تصل إليه، وارتفع الجام نحو الغمام وهو يقول : يا رسول هكذا يفعل المزور بالزائر ؟
[فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): ويحك ما جرأتك على الله وعلى رسوله](3).
قم يا أبا الحسن على قدميك، وامدد يدك إلى الغمام وخذ الجام وقل له : ماذا أمرك الله به أن تؤدّيه إلينا ثانية.
فقام أمير المؤمنين(عليه السلام)فمد يده إلى الغمام فتلقاه الجام فأخذه فقال له : إنّ رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)يقول لك : ماذا أمرك الله أن تقول له ؟(4).
فأتاه الجام وقال : نعم يا [أخا] رسول الله أمرني أن أقول لكم إنّي قد أوقفني على نفس كلّ مؤمن ومؤمنة من شيعتكم وأمرني بحضور وفاته حتى لا يستوحش
ص: 202
من الموت ولا ييأس من النظر إليكم(1)، وأن أنزل على صدره، وأن أكسوه من روائح طيبي فتقبض روحه وهو لا يشعر(2)
فقال عمر لأبي بكر : يا ليت الجام مضى بالحديث الأول ولم يذكر شيعتهم (3).
فكان هذا من فضل الله على رسوله وعلى أمير المؤمنين(عليه السلام)
38 - ؛ : وعنه بهذا الإسناد قال قال أبو عبد الله [ جعفر بن محمد](عليه السلام): خرج أمير المؤمنين(عليه السلام)ذات يوم إلى بستان البرني ومعه أصحابه، فجلس تحت نخلة، فرطبت ونزل منها رطب فوضع بين أيديهم فأكلوا .
فقال رشيد الهجري يا أمير المؤمنين ما أطيب هذا الرطب.
فقال : يا رشيد أما إنّك تصلب على جذعها .
قال رشيد فكنت أختلف إليها أطراف النهار وأسقيها، ومضى أمير المؤمنين(عليه السلام)فخرجنا يوماً وقد قطعت وذهب نصفها، فقلت: قد اقترب أجلي. فجئت اليوم الآخر فإذا بالنصف الثاني قد جعل زرنوقاً يستقى عليه [الماء]، فقلت: والله ما كذبني خليلي، فأتاني العريف فقال : أجب الأمير، فأتيته فلما وصلت القصر فإذا أنا بخشب ملقى وفيه الزرنوق وجئت حتى ضربت الزرنوق برجلي، وقلت : إليك أعدت وإليك أتيت ثم دخلت على عبيد الله بن زياد لعنه الله، فقال: هات من كذب صاحبك .
فقلت : والله ما كان يكذب، ولقد أخبرني أنك تقطع يدي ورجلي ولساني.
قال : إذن أكذِّبه اقطعوا يديه ورجليه واطرحوه فلمّا حمل إلى أهله أقبل يحدث النّاس بالعظائم وما يأتي وهو يقول: يا أيها الناس اسألوني فإن للناس عندي طلبة لم يقضوها .
ص: 203
فدخل رجل إلى عبيد الله بن زياد لعنه الله قال : بئسما صنعت به قطعت يديه ورجليه وتركت اللسان فهو يحدث الناس بالعظائم.
قال: ردوه فقد بلغ إليَّ ذلك فردوه، فأمر بقطع لسانه وصلبه على جذع تلك النخلة(1). فكان هذا من دلائله .
وعنه ، عن جعفر بن المُفَضَّل المخلول عن إبراهيم، عن جعفر بن
يحيى القرني، عن يونس بن ظبيان عن أبي خالد خالد عبد الله بن غالب عن رشيد الهجري ، قال كنت [أنا] وأبا عبد الله سلمان(2)، وأبو عبد الرحمن قيس بن ورقا(3)، وأبو الهيثم(4)مالك بن التيهان وسهل بن حنيف بين يدي أمير المؤمنين(عليه السلام)بالمدينة إذ دخلت
[عليه أُمّ النداء] حبابة الوالبية وعلى رأسها كور شبيه السيف(5)، وعليها أطمار(6)سابغة متقلّدة بمصحف، وبين أناملها مسباح من حصى فسلّمت وبكت وقالت آه يا أمير المؤمنين آه من فقدك واأسفاه على غيبتك واحسرتاه على ما يفوت من الغنيمة منك لا يلهم عنك، ولا يرغب يا أمير المؤمنين من الله فيه الخشية (7)وإرادة من أمري معك على يقين وبيان وحقيقة، وإني أتيتك وأنت تعلم ما أُريد.
فمد يده اليمنى إليها فأخذ من يدها حصاة بيضاء تلمع وترى من صفائها، وأخذ خاتمه من يده وطبع به في الحصاة فانطبعت فقال لها : يا حبابة هذا كان مرادك منّي؟ .
ص: 204
فقالت: إي والله يا أمير المؤمنين هذا [الذي] أُريد لما سمعناه من [تفرّق] شيعتك واختلافهم [من] بعدك، فأردت بهذا برهاناً يكون معي إن عمرت بعدك، ولا عمّرت ويا ليتني وقومي [ وأهلي] لك الفداء، فإذا وقعت الإشارة وشكت الشيعة [في] من يقوم مقامك أتيته بهذه الحصاة فإذا فعل فعلك بها علمت أنه الخليفة، وأرجو أن لا أوجد لذلك(1).
قال[ لها] بلى والله يا حبابة، لتلقين بهذه الحصاه ابني الحسن والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمد بن على وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، وكلا إذا أتيته استدعى بالحصاة منك وطبعها بهذا الخاتم لك، فبعهد علي بن موسى ترين في نفسك برهاناً عظيماً تعجبين منه فتختارين الموت، فتموتين ويتولى أمرك، ويقوم على حفرتك ويصلي عليك، وأنا مبشرك بأنك مع المكرورات [من المؤمنات] مع المهدي من ذريتي إذا أظهر الله أمره).
فبكت حبابة ثم قالت يا أمير المؤمنين من أين لأمتك الطائعة الضعيفة اليقين القليلة العمل لولا فضله(2)، وفضل رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، وفضلك يا أمير فضله(2)، المؤمنين أن تتأتى هذه المنزلة التي أنا فيها والله بما قلته لي موقنة ليقيني بأنّك أمير المؤمنين حقاً لا سواك، فادعُ لي يا أمير المؤمنين بالثبات على ما هداني الله إليه، ولا أسلبه ولا أفتتن فيه، ولا أضل عنه .
فدعا لها أمير المؤمنين [(عليه السلام) ] بذلك، وأصحبها خيراً .
قالت حبابة : لما قبض أمير المؤمنين(عليه السلام) بضربة عبد الرحمن بن ملجم المرادي لعنه الله في مسجد الكوفة، أتيت مولاي الحسن(عليه السلام)، فلما رآني قال [لي]: أهلاً وسهلاً بك يا حبابة هاتي الحصاة فمد يده إليها(عليه السلام)كما مد أمير المؤمنين(عليه السلام)يده فأخذ الحصاة وطبعها كما طبعها أمير المؤمنين(عليه السلام)، وأخرج ذلك الخاتم بعينه .
فلمّا قبض الحسن بالسم، أتيت الحسين(عليه السلام)، فلما رآني قال : مرحباً بك يا حبابة، هاتي الحصاة، فأخذها وختم عليها بذلك الخاتم فلما استشهد(عليه السلام) أتيت
ص: 205
علياً بن الحسين وقد شك الناس فيه ومالت شيعة الحجاز إلى محمد بن الحنفية من شكهم في زين العابدين(عليه السلام)، وصار [إليَّ] من كبارهم أجمع فقالوا : يا حبابة الله الله فينا اقصدي إلى علي بن الحسين(عليه السلام) حتى يتبين الحق، فصرت إليه فلما رآني رحب بي ومد يده وقال : هاتي الحصاة.
فأخذها وطبعها بذلك الخاتم ، ثم صرت بذلك الخاتم إلى محمد، وإلى جعفربن محمَّد، وإلى موسى بن جعفر، وإلى علي بن موسى الرضا صلوات الله عليهم أجمعين، فكل يفعل كفعل أمير المؤمنين(عليه السلام) والحسن والحسين وكبر سني ورق ،جلدي، ودق عظمي، وحال سواد شعري بياضاً، وكنت بكثرة نظري إليهم صحيحة العقل والبصر والفهم [والسمع].
فلما صرت إلى علي الرضا بن موسى(عليه السلام)، رأيت شخصه الكريم ضحكت ضحكاً فقال من :حضر قد خرفت يا حبابة، وإلا نقص عقلك، فقال لهم علي الرضا(عليه السلام): إني [أقول] لكم ما خرفت حبابة ولا نقص عقلها، ولكن جدي أميرالمؤمنين(عليه السلام): أَخْبَرَهَا بأنها تكون [ميتتها]، وأنها تكون مع المكرورات [من المؤمنات] مع المهدي(عليه السلام)، من ولدي(1)، فضحكت تشوقاً إلى ذلك، وسروراً [به] وفرحاً بقربها منه .
فقال القوم : استغفر لنا يا سيدنا وما علمنا هذا .
قال: يا حبابة ما الذي قال لك جدي أمير المؤمنين ؟ .
قالت : قال تريني برهاناً عظيماً قال يا حبابة ترين بياض شعرك؟ .
قلت بلى يا مولاي.
ص: 206
قال : يا حبابة أفتحبين أن تريه أسود حالكاً كما كان في عنفوان شبابك؟ .
قلت :نعم يا مولاي، قال : يا حبابة ويجزيك ذلك أو نزيدك؟ .
فقلت يا مولاي زدني من فضل الله عليك . قال : أتحبين أن تكوني مع سواد شعرك شابة؟ .
فقلت يا مولاي هذا البرهان عظيم.
قال : وهذا أعظم منه ما تجدينه مما لا يعلم الناس به.
فقلت يا مولاي اجعلني لفضلك أهلاً، فدعا بدعوات خفية حرك بها شفتيه، فعادت والله شابة طرية غضة سوداء الشعر حالكاً ، ثم دخلت خلوة في جانب الدار ففتشت نفسي فوجدتها بكراً، فرجعت وخررت بين يديه ساجدة، ثم قلت: يا مولاي النقلة إلى الله(عزّوجل) فلا حاجة لي في الحياة الدنيا . فقال : يا حبابة، ادخلي
عزوجك إلى أمهات الأولاد فجهازك هناك منفرداً(1).
قال الحسين بن حمدان الخصيبي : حدَّثني جعفر بن مالك، قال حدثني محمد بن يزيد(3)المدني، قال: كنت مع مولاي علي الرضا(عليه السلام)حاضراً لأمر حبابة وقد دخلت إلى أُمّهات الأولاد فلم تلبث إلا بمقدار ما عاينت جهازها [إلى الله تعالى] حتى تشهدت وقبضت إلى الله رحمها الله؟ .
قال مولانا الرضا(عليه السلام): رحمك الله يا حبابة قلنا يا سيدنا وقد قبضت .
قال : لبثت إلى أن عاينت جهازها [إلى الله تعالى] حتى قبضت إلى الله .
ص: 207
وأمر بتجهيزها، فجهزت وخرجت وصلينا عليها وحملت إلى حفرتها وأمر سيدنا بزيارتها وتلاوة القرآن عندها والتبرك بالدعاء هناك(1).
فكان هذا من دلائل مولانا أمير المؤمنين وبراهينه (عليه السلام).
40 - وعنه بهذا الإسناد قال : حدثني جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: كنت بين يدي مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام)في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ دخل عمر بن الخطاب، فلما جلس قال للجماعة : إنّ لنا سرّاً فيما بيننا، تخففوا رحمكم الله، فاشمأزت وجوهنا وقلنا له ما هكذا كان يفعل بنا رسول الله لقد كان يأتمننا على سره، فما لك لما رأيت فتيان المسلمين تسريت بفتيان رسول الله ؟
فقال :للناس أسرار لا يمكن إعلانها بين الناس فقمنا مغضبين وخلا بأمير المؤمنين(عليه السلام)مليّاً ، ثم قاما من مجلسهما حتى رقيا منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً .
فقلنا : الله أكبر أترى ابن حنتمة رجع عن غيه وطغيانه ورقي المنبر مع أمير المؤمنين(عليه السلام)(2)،وقد مسح بيده على وجهه ورأينا عمر يرتعد ويقول : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثم صاح ملء صوته : يا سارية الجأ الجبل(3)، ثم لم يلبث أن قبل صدر أمير المؤمنين ونزل وهو ضاحك وأمير المؤمنين يقول له : افعل ما زعمت يا عمر أنك فاعله وإن كان لا عهد لك ولا وفاء.
فقال له: أمهلني يا أبا الحسن حتى أنظر ما يرد إلي من خبر سارية وهل ما رأيته صحيحاً أم لا؟
ص: 208
قال له أمير المؤمنين : ويحك يا عمر فإذا صح ووردت الأخبار عليك بتصديق ما رأيت وما عاينت، وأنهم قد سمعوا صوتك ولجؤوا إلى الجبل كما رأيت، هل أنت مسلم ما ضمنت؟
قال لا يا أبا الحسن ولكني أضيف هذا إلى ما رأيت منك ومن رسول الله ،
والله يفعل ما يشاء [ويختار].
فقال له أمير المؤمنين(عليه السلام): ويلك يا عمر إنّ الذي تقول أنت وحزبك الضالون(1)أنّه سحر وكهانة ليس فيك شك .
فقال [له عمر : يا أبا الحسن] ذلك قول قد مضى والأمر لنا في هذا الوقت، ونحن أولى بتصديقكم في أفعالكم(2)وما نراه من عجائبكم إلا أنّ هذا الملك عقيم .
فخرج أمير المؤمنين(عليه السلام)ولقيناه فقلنا [له]: يا أمير المؤمنين ما هذه الآية العظيمة، وهذا الخطاب الذي سمعناه؟
فقال [أمير المؤمنين]: هل علمتم أوّله؟
فقلنا : ما علمناه يا أمير المؤمنين، ولا نعلمه إلا منك.
قال : إنّ هذا ابن الخطاب قال لي : إنّه حزين القلب باكي العين على جيوشه التي في فتوح الجبل في نواحي نهاوند وإنه يحب أن يعلم صحة أخبارهم وكيف مع كثرة جيوش الجبل، وأنّ عمرو بن معدي يكرب قتل ودفن بنهاوند، وقد ضعف جيشه واتصل الخبر بقتل عمرو(3) ، فقلت له : ويحك يا عمر كيف تزعم أنك الخليفة في الأرض، والقائم مقام رسول الله وأنت لا تعلم ما وراء أذنك، وتحت قدمك، والإمام يرى الأرض ومن عليها، ولا يخفى عليه من أعمالهم شيء؟
فقال لي: يا أبا الحسن أنت بهذه الصورة فأتِ خبر سارية [الساعة] وأين هو؟ ومن معه؟ وكيف صورتهم؟
ص: 209
فقلت له : يا ابن الخطاب، فإن قلت لك لا تصدقني ولكنّي أُريك جيشك وأصحابك وسارية وقد كمن لهم جيش الجبل في وادٍ قعيد(1)، بعيد الأقطار ؛ كثير الأشجار فإن سار به جيشك يسيراً خلصوا بها(2)، وإلا قتل أول جيشك وآخره .
فقال : يا أبا الحسن ما لهم ملجأ منهم ولا يخرجون من ذلك الوادي، فقلت : بلى، لو لحقوا إلى الجبل الذي يلي الوادي سلموا وتملكوا جيش الجبل فقلق وأخذ بيدي وقال الله الله يا أبا الحسن في جيوش المسلمين فأرينهم كما ذكرت أو حذرهم إن ،قدرت ولك ما تشاء من خلع نفسي من هذا الأمر وأردّه إليك.
فأخذت عليه عهد الله وميثاقه إن رقيت به المنبر وكشفت عن بصره وأريته جيشه في الوادي وأنّه يصيح إليهم فيسمعون منه ويلجؤون إلى الجبل [فيسلمون] ويظفرون بجيش الجبل أن يخلع نفسه(3)ويسلّم إليَّ حقي .
فقلت له : قم يا شقي والله لا وفيت بهذا العهد والميثاق كما لم تف الله ولرسوله ولي بما أخذناه عليك من العهد والميثاق والبيعة في جميع المواطن.
فقال لي : بلى والله فقلت له : ستعلم أنك من الكافرين(4)، ورقيت المنبر فدعوت بدعوات وسألت الله أن يريه ما قلت له ومسحت بيدي على عينيه، وكشفت عنه غطاءه فنظر إلى سارية وسائر الجيش وجيش الجبل وما بقي إلا الهزيمة لجيشه فقلت له صح يا عمر إِن شئت قال : يسمع ؟
قلت : نعم، يسمع ويبلغ صوتك إليهم. فصاح الصيحة التي سمعتموها : يا سارية إلجأ الجبل(5) فسمعوا صوته ولجؤوا إلى الجبل، فسلموا وظفروا بجيش الجبل، فنزل ضاحكاً كما رأيتموه وخاطبته وخاطبني بما سمعتموه.
قال جابر: آمنا وصدّقنا وشك آخرون إلى ورود البريد بحكاية ما حكاه أمير
ص: 210
المؤمنين(عليه السلام)، ورآه عمر ونادى بصوته فكاد أكثر العوام المتمردين أن يعبدوا ابن الخطاب(1)وجعلوا هذا [الحديث] منقبةً له والله ما كان إلا مثلباً. فكان هذا من دلائل مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام).(2)
ص: 211
1- قال السيد الحسين بن حمدان الخصيبي بإسناده ولدت فاطمة بنت رسول بعد خمس سنين(1) من ظهور الرسالة ونزول الوحي، ومن بناء الحرم(2) الذي أراد أبرهة بن الصباح الجبار خرابه وملك الحبشة، وهو الجلند بن كركر صاحب الفيل وكان تخريبه بعد طسم وجديس وحزبهم، ورحلهم من مكة. وبنت قريش ما كان خرب منه، فلما ورد أبرهة لهدم البيت وتخريبه؛ أغار على أموال قريش، وبني هاشم ،فاستباحها فصار إليه عبد المطلب فاستأذنوه عليه، فلما صار إليه ارتعب منه أبرهة وعظم في نفسه وكبر عليه، فقال لمن حوله : من هذا الرجل العظيم؟
ص: 212
فقالوا : سيد قريش؛ وأفضل بني هاشم ؛ وأشرف العرب نفساً ونسباً، وهو صاحب هذا البيت فقال اسألوه فيما جاءنا، فسألوه.
قال : «جئت أساله رد ما أخذه واستباحه من أموالنا ونعمنا ».
فرغب أبرهة وقال لأصحابه : تزعمون أنه صاحب البيت، وفخره له يراني قد قصدت إليه ولا يسألني الصفح عنه ويسألني رد ماله ما أقول ما قلتم فأعيدوا قولي هذا عليه فأعادوه على عبد المطلب.
فقال لهم : «يرد علينا أموالنا ، فإن لهذه الكعبة رباً يمنعك منها» .
فقال : ردوا عليهم أموالهم حتى ننظر كيف رب هذه الكعبة يمنعنا منها، وأمر بالفيلة؛ فجمعت وحملوا بها ؛ وقال لساستها احملوا على البيت فاجعلوه سحيقاً، فلما جمع الفيلة وحملوا بها وقفت ولم تدخل الحرم، ودعا بفيل وحمله على البيت فلم يدخل البيت ولم يزالوا من غروب الشمس إلى طلوع الفجر يريدونها على دخول الحرم فلم تدخل، فأدار إلى خارج الحرم ويأمر بحطم كل ما يلقاها، فلما أسفر الصبح وطلع النهار أرسل الله تعالى عليهم طيراً أبابيل، فكانوا كما قال الله عزوجل :﴿ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ﴾(1).
وتوفيت(2): فاطمة ولها ثمانية عشر سنة وشهران وخمسة وعشرون يوماً (3). وأقامت مع أبيها بمكة ثماني سنين ثم هاجرت معه إلى المدينة، وأقامت بها عشر سنين الهجرة (4)،....
ص: 213
ومضى رسول الله ولها ثمانية عشر سنة(1)، وعاشت بعده خمسة وسبعين يوماً(2)، وبرواية الغار أربعين يوماً، وهو الصحيح (3).
وأسماؤها : فاطمة، وفاطم ترخيماً .
وكناها : أم الحسن والحسين وأم الأئمة (4)، وأم أبيها (5).
وألقابها : الزهراء، والبتول، والحصان(6)، والحوراء، والسيدة، والصديقة ،ومريم الكبرى (7)، ووالدة الحسن والحسين، وأم النقي، وأم التقي، وأم البلجة، وأم الرأفة، وأم العطية، وأم الموانح، وأم النورين ،وأم العلا، وأم البدية، وأم الرواق الحسيبة، وأم البدريين.
ومن أسماء أبي الحسن لها أم البركات وأم الهادي، وأم الرحبة.
ولها إحدى عشرة سنة بعد الهجرة ولم تحض كما تحيض النساء(8).
2 - وكان حملها ما روي عن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) أنه قال : لما أنه قال لما عرج بي جبريل(عليه السلام) إلى ربي ورأيت كل ما رأيته في الملكوت ودخلت الجنة وناداني كل
ص: 214
ما فيها من شيء حتى ثمارها وأخذ حبيبي جبريل(عليه السلام)التفاحة من تفاح الجنة، فقال لي: يا رسول الله ربك يقرئك السلام، ويقول لك : خذ هذه التفاحة فإن من مائها تخلق تفاحة الدنيا والآخرة، وهي فاطمة ابنتك .
ورأيت النار وما فيها ثم هبطت إلى الدنيا فوافيت خديجة(عليها السلام) فحملت بفاطمة .
وصدق هذا الخبر في التفاحة، قول عائشة وقد دخل عليها بالمدينة نسوة من العراقيات وعندها نسوة من الشاميات فقلن لها : يا عائشة نسألك عن خروجك على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، على ضلال استحللت قتاله أم على حق فبغيت عليه؟
فقالت عائشة: ويحكن يا عراقيات لقد سألتنني عن الداهية الدهياء والطامة العظمى، إن علياً(عليه السلام)كان الله ناصراً ولدين الله ثابتاً قائماً بالحجة، وخليفة النبوة، وأديب الملائكة، وقريع الوحي، يسمعه بكرة وعشياً، ويعيه في أذن واعية(1)، وحجته على خلقه، والباب بينهم وبينه .
وما عسى أن أقول في أبي الحسن وقد اشتبكت رحمه برسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)كاشتباك الأصابع المتشابكة بالأوصال المتحابكة فصارت النفس واحدة، وأودعت جسمين؛ فما يفارق جسم رسول الله ويرى ثقل حبيبه وخليله وقرة عينه ؛ الذي كان أحب الناس إليه مريم الكبرى، والحوراء التي أفرغت من ماء الجنة من تفاحة في صلب رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) لقحت أكرم لقح ، وانتجبت أكرم من نجب.
فهو وابناه كبعض فضل الله، لأن علياً(عليه السلام) أعلاهم فضلاً من الله ومنزلة عند الله ورسوله وسماكن مسلمات وجعلكن مؤمنات وهداكن سبلاً، وجعل الأرض لكن مهاداً، وذللا . فقلن الشاميات فما بال علي أمير المؤمنين يلعنه معاوية على منابر الشام؟
فقالت: ويلكن يا شاميات إن معاوية احتقب بخزيه إلى خزيكن وبعماه إلى عماكن، والله لولا إني أكره لأمرت بنفيكن اخرجن یا ناريات.
وكانت فاطمة غمضت عينها وحفظت نفسها ومدت عليها الملاءة وقالت : يا
ص: 215
أسماء بنت عميس إذا أنا مت فانظري إلى الدار، فإذا رأيت سجافاً من سندس الجنة قد ضرب فسطاطاً من جانب الدار ؛ فاحمليني وزينب وأم كلثوم وانتيا بي، فاجعلوني من وراء السجاف وخلوا بيني وبين نفسي.
فلما توفيت فاطمة وظهر السجاف حملتها وجعلت وراءهن فغسلت وحنطت بالحنوط، وكان كافوراً أنزله جبريل(عليه السلام) من الجنة وثلاث صدر، فقال: يا رسول الله العلي الأعلى يقرئك السلام ويقول لك هذا حنوطك وحنوط ابنتك فاطمة، وحنوط أخيك علي مقسوم ثلاثاً، وأن أكفانها من الجنة، لأنها أمة أكرم على الله من أن يتولاها أحد غيره .
وروي أنها تكفنت من بعد غسلها وحنوطها وطهارتها لا دنس فيها، وأنها لم يكن يحضرها إلا أمير المؤمنين ،والحسن والحسين وزينب، وأم كلثوم، وفضة جاريتها، وأسماء ابنة عميس.
وأن أمير المؤمنين(عليه السلام) جهزها، ومعه الحسن والحسين في الليل وصلوا عليها وأنها وصت وقالت: «لا يصلي عليَّ أمة نقضت عهد أمير المؤمنين(عليه السلام)» . ولم يعلم بها أحد ولا حضر وفاتها أحد ولا صلى عليها من سائر الناس غيرهم .
لأنها أوصت(عليهم السلام)، وقالت : لا يصلي عليَّ أمة نقضت عهد الله وعهد أبي رسول الله وأمير المؤمنين بعلي وظلموني وأخذوا وراثتي وحرقوا صحيفتي التي كتبها أبي بملك فدك والعوالي، وكذبوا شهودي، وهم: والله، وجبريل، وميكائيل وأمير المؤمنين، وأم أيمن، وطفت عليهم في بيوتهم، وأمير المؤمنين(عليه السلام)، وعليه يحملني ومعي الحسن والحسين ليلاً ونهاراً إلى منازلهم يذكرهم بالله ورسوله لئلا يظلمونا ويعطونا حقنا الذي جعله الله لنا، فيجيبون ليلاً ويقعدون عن نصرتنا نهاراً، ثم ينفذون إلى دارنا قنفذاً، ومعه خالد بن الوليد ليخرجا ابن عمي إلى سقيفة بني ساعدة لبيعتهم الخاسرة، ولا يخرج إليهم متشاغلاً بوصاة رسول الله وأزواجه وتأليف القرآن(1)،وقضاء ثمانين ألف درهم وصاه بقضائها عنه عدات وديناً .
ص: 216
فجمعوا الحطب ببابنا وأتوا بالنار ليحرقوا البيت فأخذت بعضادتي الباب وقلت ناشدتكم الله وبأبي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)أن تكفوا عنا ؛ وتنصرفوا، فأخذ عمر السوط من قنفذ مولى أبي بكر، فضرب به عضدي فالتوى السوط على يدي حتى صار كالدملج وركل الباب برجله فرده عليَّ وأنا حامل ؛ فسقطت لوجهي والنار تسعر، وصفق وجهي بيده حتى انتثر قرطي من أذني وجاءني المخاض فأسقطت محسناً قتيلاً بغير ،جرم، فهذه أمة تصلي عليَّ، وقد تبرأ الله ورسوله منها وتبرأت منها .
فعمل أمير المؤمنين بوصيتها، ولم يعلم بها أحد وأصبح الناس في البقيع(1) ليلة دفن فاطمة أربعون قبراً جدداً، وأن المسلمين لما علموا بوفاة فاطمة ودفنها، أتوا أمير المؤمنين(عليه السلام) يعزونه ،بها فقالوا يا أخا رسول الله أمرت بتجهيزها وحفر تربتها .
فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): قد ووريت ولحقت بأبيها صلى الله عليهما .
ص: 217
فقالوا : إنا لله وإنا إليه راجعون تموت بنت محمد ولم يخلف ولداً غيرها ولا يصلي عليها ، إن هذا الشيء عظيم.
فقال : حسبكم ما جئتم به على الله ورسوله من أهل بيته ولم أكن والله أعصيها في وصيتها التي وصت بها ؛ أن لا يصلي عليها أحد منكم وما بعد العهد غدر.
فنفض القوم أثوابهم وقالوا لا بد من الصلاة على بنت نبينا ومضوا من فورهم إلى البقيع(1)فوجدوا فيه أربعين قبر جدداً(2)، فاستشكل عليهم قبرها بين تلك القبور فضج الناس، ولام بعضهم بعضاً، وقالوا : لم تحضروا وفاة بنت نبيكم ولا الصلاة عليها ولا تعرفون قبرها فتزورونها .
فقال أبو بكر: أتوا نساء المسلمين من ينشر هذه القبور حتى تجدوا فاطمة(عليها السلام)فتصلوا عليها ويزار قبرها فبلغ ذلك أمير المؤمنين(عليه السلام) فخرج من داره مغضباً وقد احمرت عيناه ودارت أوداجه وعلى يده قباه الأصفر الذي لم يكن يلبسه إلا في كريهة يتوكأ على سيفه ذي الفقار، حتى ورد على البقيع فسبق إلى الناس النذير فقال لهم : هذا علي قد أقبل كما ترون يقسم بالله لئن بحث من هذه القبور حجر واحد لأضعن سيفي على غابر الأمة، فولى القوم ولم يحدثوا أحداثاً(3).
ص: 218
مضى(1)الحسن بن علي، وله سبع وأربعون سنة(2).
أقام مع [جده] رسول الله بالمدينة سبع سنين (3)من سني الهجرة، وأقام مع أمير المؤمنين(عليه السلام) عشر سنين(4) .
وكان اسمه : الحسن(5) ، وسماه الله في التوراة: شبر(6).
وكناه عند العامة : أبو محمد(7)، وعند الخاصة : أبو القاسم، لأنه كني بأخيه المستشهد بكربلا .
[القابه] الزكي والسبط الأول، وسيد شباب أهل الجنة، والأمين ،والحجة(8)، والتقي(9).
وأمه : الطاهرة فاطمة(10)ابنة رسول الله .
ص: 220
ثم أولاده(1): عبد الله والقاسم وزيد وعمر وعبيد الله وعبد الرحمن وأحمد وإسماعيل وعقيل والحسين وبشر (2). ومن البنات أم الحسن فقط(3).
ومشهده : البقيع(4)بالمدينة .
وتوفي بالسم (5)في تمام سنة خمسين من سني الهجرة، وكان سبب سمه على يد زوجته جعدة بنت محمد بن الأشعث بن قيس الكندي، لأنه بذل لها معاوية(6)على ذلك عشرة آلاف درهم وإقطاع عشر ضياع سوراً وهي من سواد الكوفة .
1 - ولما حضرت الحسن [(عليه السلام)] الوفاة، قال لأخيه الحسين [(عليه السلام) ] : إن جعدة لعنها الله ولعن أباها ،وجدها فإن أباها خالف أمير المؤمنين(عليه السلام)وقعد عنه بالكوفة بعد الرجوع من صفّين معانداً منحرفاً مخالفاً طاعته بعد أن خلعه بالكوفة من الإمارة، وبايع الضب ،دونه وكان لعنه الله لا يشهد له جمعة؛ ولا جماعة، ولا يشيع جنازة لأحد من الشيعة، ولا يصلي عليهم منذ سمع أمير المؤمنين(عليه السلام)على منبره يقول : ويح لفراخ أفراخ آل محمد وريحانتي وقرة عيني ابني الحسن من ابنتك التي من صلبك يا أشعث، وهو ملع متمرد وجبار يملك من بعد أبيه .
فقام إليه أبو بحر الأحنف بن قيس التميمي فقال له: يا أمير المؤمنين ما اسمه؟
ص: 221
قال: يزيد بن معاوية ويؤمر على قتل ابني الحسين(عليهم السلام)؛ عبيد الله بن زیاد لعنه الله على الجيش السائر إلى ابني بالكوفة، فتكون وقعتهم بكربلاء غربي الفرات، كأني انظر إلى مناخ ركابهم ورحالهم وإحاطة جيوش أهل الكوفة بهم وإغماد سيوفهم ورماحهم وسقيهم في جسومهم ودمائهم ولحومهم وسبي أولادي وذراري رسول الله حملهم على شرس الأقتاب وقتل الشيوخ والكهول والأطفال.
فقام الأشعث بن قيس على قدميه وقال: ما ادعى رسول الله ما تدعيه من العلم؛ من أين لك هذا .
فقال له أمير المؤمنين(عليه السلام): ويلك يا عنق النار؟؟ ابنك محمد ابنك من قوادهم، إي والله، وشمر بن ذي جوشن، وشبث بن ربعي، و[عمرو بن الحجاج] الزبيدي، وعمرو بن حريث، فأسرع الأشعث وقطع الكلام وقال : يا ابن أبي طالب أفهمني ما تقول حتى أجيبك عنه .
فقال له ويلك يا أشعث أما سمعت .
فقال : يا ابن أبي طالب ما سوى كلامك يمر(1)، وولى. فقام الناس على أقدامهم ومدوا أعينهم إلى أمير المؤمنين [(عليه السلام)] ليأذن لهم في قتله .
فقال لهم : مهلاً يرحمكم الله ، إنّي لأقدر على هلاكه منكم ولا بد أن تحقّ كلمة العذاب على الكافرين.
ومضى الأشعث لعنه الله [وتشاغل في]بنيان خطة وهي المعروفة بالأشعثية وبنى في داره مئذنة عالية، فكان إذا ارتفعت أصوات مؤذني أميرالمؤمنين (عليه السلام)في جامع الكوفة؛ صعد الأشعث[ بن قيس] إلى مئذنته فنادى نحو المسجد يريد أمير المؤمنين : أنا كذا وكذا، إنك ساحر كذاب واجتاز أمير المؤمنين(عليه السلام)في جماعة من أصحابه في خطة الأشعث بن قيس لعنه الله، وهو على ذروة بنيانه، فلما نظر أمير المؤمنين(عليه السلام) أعرض بوجهه .
فقال له : ويلك يا أشعث، حسبك ما أعد الله لك من عنق النار .
فقال أصحابه يا أمير المؤمنين ؛ وما معنى عنق النار .
ص: 222
فقال : إنَّ الأشعث لعنه الله إذا حضرته الوفاة دخل عليه عنق [من نار] ممدودة حتى تصل إليه وعشيرته ينظرون [إليه] فتبتلعه فإذا خرجت به عنق [من] النار لم يجدوه في مضجعه فيأخذون عليهم أثوابهم(1)، ويكتمون أمرهم ؛ ويقولون : لا تقروا بما رأيتم فيشمت بكم أصحاب أمير المؤمنين(2).
فقال له أصحابه يا أمير المؤمنين ما يصنع به عنق النار [بعد ذلك].
فقال: أمير المؤمنين(عليه السلام): عجلت عليه النار يكون فيها جثياً(3)معذباً ، إلى أن تورده النار بعد ذلك في الآخرة.
فقالوا : يا أمير المؤمنين فكيف عجلت له النار في الدنيا .
فقال(عليه السلام): لأنه كان يخاف الله ؛ ويخاف النار فيعذبه الله بالنار وبالذي كان يخاف منه .
فقالوا يا أمير المؤمنين وأين يكون عنق هذه النار .
قال : في هذه الدنيا والأشعث فيها [تورده] على كلّ يوم(4) ، حتى تقذفه بين يديه فيراه بصورته ويدعوه الأشعث ويستجير ويقول : أيها العبد الصالح ادع ربك لي يخرجني من هذه النار التي جعلها الله عذابي في الدنيا، ويعذبني بها في] الآخرة، أي والله لبغضي في علي بن أبي طالب وفي محمد، فيقول له المؤمن : لا أخرجك الله منها في الدنيا ولا في الآخرة أي والله وتقذفه عند عشيرته وأهله مِمّن شك أن عنق النار أخذته حتى يناجيهم ويناجونه .
ويقول لهم : إذا سألوه بما صرت معذباً في هذه النار، فيقول لهم: شكي في محمد، وبغضي لعلي بن أبي طالب وكراهتي لبيعته، وخلافي عليه، وخلعي بيعته، ومبايعتي ضباً ،دونه فيلعنونه ويتبرؤون منه، ويقولون [له]: ما نحب أن نصير إلى ما صرت إليه(5).
ص: 223
قال الحسن(عليه السلام): إذا أنا مت يا أخي فغسلني وحنطني وكفني وصلّ عليّ، واحملني إلى جدي رسول الله حتى تلحدني إلى جنبه .
فإن منعت من ذلك فبحق جدك رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، وعلي أبيك، وأمك فاطمة الزهراء(عليها السلام)، وبحقي يا أخي أن لا خاصمت أحداً، ولا قاتلته، فحسبك بما قال لك في قتال جيش يزيد بكربلا في غربي ،الفرات، وأرادوا تعنفي؛ فارجع من فورك إلى بقيع الفرقد فادفني فيه .
واعلم أنك إذا حملتني إلى قبر جدي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) لا يدع مروان طريد جدك لكفره، ويركب بغلته ويصير إلى عائشة مسرعاً فيقول لها : يا أم المؤمنين تتركين الحسين يدفن أخاه مع جده رسول الله .
فتقول له : يا مروان ما أصنع .
فيقول : والله يا عائشة لئن دفن الحسن مع جده محمد ليذهبن فخر أبيك، وفخر عمر إلى يوم القيامة.
فتقول له : وأنى لي بهم وقد سبقوني .
فيقول : هذه بغلتي فاركبيها والحقي بالقوم فامنعيهم من الدخول إليه، ولو جزت ناصيتك وينزل عن بغلته ؛ وتركب عائشة وتسرع إليهم، فتلحق بنعشي وقد وصل إلى حرم جدي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) فترمي نفسها بينكم وبين القبر، وتقول : لا يدفن الحسن ها هنا أو تجز ناصيتي هذه، وتأخذ ناصيتها بيدها .
فإذا فعلت ذلك فارددني إلى البقيع وادفني إلى جانب قبر إبراهيم بن جدك رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم).
فلما توفي الحسن(عليه السلام)أخذ الحسين(عليه السلام)في جهازه وحمله وصلى عليه، وصار به إلى قبر جده(صلی الله علیه وآله وسلم)، ووافي مروان لعنه الله مسرعا على بغلته إلى عائشة لعنها الله ، وقال كما حكاه الحسن للحسين(عليهم السلام)، وقالت له مثله .
ونزل مروان عن بغلته وركبتها عائشة ولحقت القوم وقد وصلوا إلى حرم النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) فرمت بنفسها عن البغلة وأخذت بناصيتها ووقفت بينهم وبين القبر وقالت : والله لا يدفن الحسن مع جده؛ أو تجز ناصيتي هذه .
فأراد بنو هاشم الكلام فقال الحسين(عليه السلام): الله الله، لا تضيعوا وصية
ص: 224
أخي واعدلوا به إلى البقيع فإنه أقسم عليَّ إن منعت من دفنه مع جده رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)لا أخاصم أحداً، وأن أدفنه في البقيع(1).
فعدلوا به إليه فدفنوه فيه .
فقال عبد الله بن العباس: كم لنا منكم يا حميراء يوم على جمل، ويوم على زرافة(2)
فقالت: يا ابن العباس ليس قتالي لعلي بعجيب، وقد رويتم أن صفراء ابنة شعيب زوجة موسى بن عمران(عليه السلام)قاتلت بعده وصية يوشع بن نون على زرافة.
فقال لها ابن العباس: هي والله صفراء، وأنت حميراء، إلا أنها بنت شعيب، وأنت بنت عتيق(3)ابن عبد العزى .
قالت : إن لنا عندك يا ابن العباس ثأراً بثأر، والمعاد لا تقول به .
فقال لها ابن عباس والله أنت ومن أنت منه وحزبكم الضالون.
فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
ص: 225
2 - قال الحسين بن حمدان الخصيبي : حدثني جعفر بن محمد(1)القصير البصري، عن محمد بن عبد الله بن مهران الكرخي عن محمد بن صدقة العنبري، عن محمّد بن سنان، عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله(عليه السلام) : إن أعرابياً بدوياً خرج من قومه حاجاً محرماً ، فورد على أدحي(2)نعام فيه بيض، فأخذه واشتواه وأكل منه، وذكر أن الصيد حرام في الإحرام، فورد المدينة.
فقال الأعرابي : أين الخليفة بعد رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)فقد جنيت جناية عظيمة فأرشدوه إلى أبي بكر فأرشد إليه الأعرابي وعنده ملأ من قريش فيهم: عمر ابن الخطاب وعثمان بن عفان ،وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة، فسلم الأعرابي عليهم فقال : أين خليفة رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، فأشاروا إلى أبي بكر، فقال له : أقتني؟
فقال له أبو بكر : قل يا أعرابي.
فقال : إني خرجت من قومي حاجاً محرماً، فأتيت على أدحي فيه بيض نعام،
ص: 226
فأخذته واشتويته ،وأكلته فماذا لي من الحج، ماذا عليَّ فيه أحلال ما حرم عليَّ من الصيد أم حرام؟
فأقبل أبو بكر على من حوله فقال : أنتم حواري رسول الله، أجيبوا الأعرابي. فقال له الزبير من دون الناس [الجماعة]: أنت خليفة رسول الله وأنت أحق بالإجابة .
فقال له أبو بكر : يا زبير علي بن أبي طالب في صدرك(1).
قال : وكيف لا وأمي صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله .
فقال الأعرابي : ذهبت فتياي وتنازع القوم فيما لا جواب فيه، وصاح يا أصحاب رسول الله أفرجع بعد محمد دينه فنرجع عنه ؟ فسكت القوم(2) .
فقال له الزبير : يا أعرابي ما في القوم إلا من يجهل ما جهلت(3).
فقال له الأعرابي : ما أصنع؟
قال له الزبير : لم يبق في المدينة من نسأله بعد من حضر هذا المجلس إلا صاحب الحق الذي هو أولى بهذا المجلس منهم .
قال الأعرابي : فترشدني إليه .
قال الزبير : إن أخباري يسومونه قوم ويحط آخرون .
قال الأعرابي قد ذهب الحق وصرتم تكرهون(4).
قال عمر : إلى كم تطيل الخطاب بابن العوام قوموا بنا والأعرابي إلى علي، فلا نسمع جواب هذه المسألة إلا منه .
فقاموا بأجمعهم والأعرابي معهم حتى صاروا إلى أمير المؤمنين(عليه السلام)فاستخرجوه من بيته وقالوا للأعرابي : اقصص قصتك على أبي الحسن علي.
قال الأعرابي : فَلِمَ أرشدتموني إلى غير خليفة رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم).
ص: 227
فقالوا : ويحك يا أعرابي خليفة رسول الله أبو بكر، وهذا وصيه في أهل بيته ،وخليفته عليهم وقاضي دينه ومنجز عداته ووارث علمه .
قال الأعرابي : ويحكم يا أصحاب محمد والذي أشرتم إليه بالخلافة ما فيه من هذه الخصال خصلة واحدة .
قالوا : ويحك يا أعرابي اسأل عن مسألتك، ودع عنك ما ليس من شأنك، قال الأعرابي : يا أبا الحسن يا خليفة رسول الله إنّي خرجت من قومي حاجا محرماً .
فقال له أمير المؤمنين أتريد الحج، فوردت على أدحي فيه بيض نعام فأخذته واشتويته وأكلته .
فقال الأعرابي : من سبقني بالخبر إليك، فقال أمير المؤمنين: عمن تحدث به في المجلس مجلس أبي بكر خليفة رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) فكيف لا يسبق الخبر إليه.
قال له أمير المؤمنين فأفته يا أبا حفص.
قال له أبو حفص لو حضرت وعلمت الفتوى ما حملنا إليك.
فقال أمير المؤمنين: أجل يا أعرابي عليك بالصبي الذي بين يدي معلمه ومؤدبه صاحب الرواية(1)فإنّه ابني الحسن فاسأله فإنه يفتيك(2).
قال الأعرابي : إنا لله وإنا إليه راجعون مات دین محمد(صلی الله علیه وآله وسلم) بعد موت محمد وتنازع أصحاب محمد وأزبد.
قال أمير المؤمنين حاشي الله يا أعرابي لم يمت أبداً .
قال الأعرابي : أفمن الحق أن أسأل خليفة رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وحوارييه وأصحابه
ص: 228
ولا يفتوني ويحيلوني عليك وتحيلني وتأمرني أن أسأل الصبي الذي بين يدي معلمه لا يفصل بين الخير والشر.
فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): يا أعرابي لا تقل ما ليس لك به علم(1)، واسأل الصبي، فإنه يف