تاریخ النبّي(صلی الله علیه وآله وسلم) والائمۀ (عليهم السلام)
وَمُعجزاتهم
المسمّى ب_ :
الهداية الكبرى
تأليف
أبي عبد الله الحسين بن حمدان الخصیبي
260 - 358ه_
الطبقة الكاملة المحقّقة
تحقيق
الشيخ مصطفى صبحى الخضر الحمصي
منشورات
شركة الأعلمي للمطبوعات
بيروت - لبنان
ص: 1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ص: 2
ص: 3
تاريخ النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)والأئمۀ(عليهم السلام)
وَمُعْجَزَاتِهم
المسمّى ب_ :
الهداية الكبرى
تأليف
أبي عبد الله الحسين بن حمدان الخصیبي
260 - 358ه_
الطبقة الكاملة المحقّقة
تحقيق
الشيخ مصطفى صبحى الخضر الحمصي
منشورات
شركة الأعلمي للمطبوعات
بيروت - لبنان
ص: 4
إلى الإمام الحافظ أبي عبد اللهِ الحُسَينِ بنِ حَمدَان الخَصَيبي وإلى جميع محبي أهل البيت العاملين بأقوالهم وأعمالهم وإلى روح والداي رحمهم الله.
المحقّق
ص: 5
ص: 6
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وَالصَّلاة والسَّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آلِهِ الطَّيبين الطاهرين وأصحابهِ الغُرر المنتجبين، وجميع الأنبياء والمرسلين .
أما بعد :
أهل البيت
إنَّ حبّ أهل البيتِ عترةِ النَّبي المُصطفى يعدُّ ضرورة من ضرورات الدين الإسلامي الثابتة بالقطع كتاباً وسُنَّة، قال تعالى: ﴿قُل لَّا أَسْئَلكُم عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدّةَ فِی الْقُرْبي﴾(1).
وتواتر عن النَّبي(صل الله علیه و آله و سلم) أنَّه قال: «أحبوا الله لما يغذوكم من نعمته، وأحبوني بحُبِّ الله، وأحبوا أهل بيتي بحبي» .
أهل البيت (علیهم السلام) الذين أذهَبَ اللهُ عَنهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَهم تظهيراً وأوجب على المسلمين حبّهم والصَّلاة عليهم .
قَالَ(صلی الله علیه وآله وسلم) : «إِنَّ حبَّهم علامة الإيمان، وَإِنّ بعضَهم علامةُ النِّفاق».
وقَالَ(صلی الله علیه وآله وسلم): «إِنَّ مَن أحبهم أحبَّه الله ورَسولَهُ، وَمَنْ أبغضهُمْ أبغَضَه الله وَرَسُوله». وعشرات الأحاديث التي تحثُ على حبهم وتنهى عن بغضهم.
فلذلك تسابق العلماء في التأليف والتصنيف في حياتهم وبيان مناقبهم وفضائلهم ومعاجزهم المؤيدة من البارئ (عزّوجل).
ص: 7
المصنفات المؤلفة في تاريخ ومناقب أهل البيت(علیهم السلام)
ومما يدلُّ على أهمية هذا الموضوع لدى أعلام الأمة، كثرة ما أُلْفَ فيه، فإنَّا نجد مجموعة كبيرة من المؤلفاتِ القيمة دبَّجَتها يراع العلماء المهتمين بتاريخ الإسلام وأئمته الكرام، وتصدَّى مؤلفوها لذكر خصوص ما يرتبط بتاريخ الأئمة نرتبها على حروفِ المُعْجم حسبَ أوائل أسمائها :
1 - أخبار الأئمة ومواليدهم : لجعفر بن محمد بن مالك بن عيسى بن سابُور، أبي عبد الله الفزاري، الكوفي الشيعي(1).
2 - أرجوزة في تواريخ المعصومين للشيخ محمد بن الحسن، الحرُّ العاملي ت 1104(2). وسيأتي له منظومة في تواريخ المعصومين والنظام في تواريخ المعصومين .
3 - أرجوزة في تاريخ المعصومين الأربعة عشر(علیهم السلام): للسيّد محمّد بن الحسين ابن أمير الحاج في مكتبة آل العطار ببغداد، أولها : أحمد ربي عدد السنينا علمنا للذكر إن نسينا (3)
4 - أرجوزة في تاريخ المعصومين(علیهم السلام): للشيخ محمد مهدي بن محمد الملقب بالصالح الفتوني العاملي الغروي.
5 - أرجوزة في تواريخ المعصومين(علیهم السلام): للشيخ محمد بن طاهر السماوي النجفي (4).
ص: 8
6- الإرشاد إلى أئمة العباد للشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد ابن النعمان ،العكبري، البغدادي ت 413 ه_ (1).
7 - أسماء النبي والأئمة(علیهم السلام): للحسين بن حمدان الخصيبي، الجنبلائي ت 358ه_(2).
8- إعلام الورى بأعلام الهدى للشيخ الطبرسي الفضل بن الحسن ت 548ه_ (3).
9 - ألقاب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم )وعترته : لبعض القدماء(4).
10 - أنساب الأئمة ومواليدهم إلى صاحب الأمر(علیهم السلام): للحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبي محمد الأطروش المعروف بالناصر الكبير ت 304ه_(5).
11 – إسعاف الراغبين في سيرة المصطفى ، وفضائل أهل بيته الطاهرين للشيخ محمد بن علي الصبَّان طبع بهامش نور الأبصار.
12 - الأنوار البهيَّة في تواريخ الحجج الإلهية للشيخ عباس بن محمد رضا : القُمي ت 1359ه_. مرتباً على أربعة عشر نوراً بعدد المعصومين(علیهم السلام)(6).
13 - الأنوار في تواريخ الأئمة الأطهار للشيخ علي بن هبة الله بن عثمان بن أحمد بن إبراهيم بن الرائقة، أبي الحسن الموصلي(7).
14 - الأنوار في تاريخ الأئمة الأطهار : للشيخ محمد بن همام بن سهيل أبي علي الكاتب، الإسكافي ت 336ه_ (8).
ص: 9
15 - الأنوار في تواريخ الأئمة: لا بن نوبخت(1)).
16 - أهل البيت(علیهم السلام) برواية الذهبي : جمع وتحقيق العلامة المحقق الشيخ مصطفى صبحي الخضر .
17 - تاج المواليد للشيخ الفضل بن الحسن أبي علي الطبرسي، أمين الإسلام ت 548ه_(2)
18 - تاريخ آل الرسول : للشيخ نصر بن علي بن نصر بن علي، أبي عمرو، الجهضمي، البصري ت 250ه_(3)
19 - تاريخ الأئمة : للشيخ عبد الله بن أحمد بن الخشاب البغدادي أبي محمّد النحوي ت 567ه_ (4).
20 - تاريخ الأئمة : لأحمد بن علي، أبي منصور الطبرسي(5)
21 - تاريخ الأئمة لآقا أحمد بن آقا محمد علي البهبهاني الكرمانشاهي فارسي، مختصر، يعبر عنه بتواريخ المعصومين(6).
22 - تاريخ الأئمة الإسماعيل بن علي بن علي بن رزين، الخزاعي، ابن أخي دعبل الواسطي(7).
23 - تاريخ الأئمة: للشيخ محمد بن أحمد محمد بن بن عبد الله، أبي الثلج، ابن إسماعيل أبي بكر البغدادي الكاتب المعروف بابن أبي الثلج (ت (325ه_ ) يرويه عنه أبو المُفَضَّل الشيباني(8).
ص: 10
24 - تاريخ الأئمة: لصالح بن محمد الصرامي، شيخ أبي الحسن بن الجندي(1) .
25 - تاريخ الأئمة: للسيد محمد بن عبد الكريم الطباطبائي البروجردي فرغ منه سنة 1126ه_، ويُسمَّى: رسالة في مواليد النبي والأئمة(علیهم السلام). يوجد عند السيد جعفر بحر العلوم في النجف(2)
26 - تاريخ الأئمة المعصومين(علیهم السلام): البعض الأصحاب(3).
27 - تاريخ مواليد الأئمة (علیهم السلام)وأعمارهم : لمحمَّد بن الحسن بن جمهور العمي البصري(4).
28 - التاريخية في أعمار سادات البرية(علیهم السلام) : للمولى محمد كاظم بن محمد شفيع الهزار جريبي الحائري تلميذ الوحيد البهبهاني(5).
29 - التتمة في تواريخ الأئمة(علیهم السلام) : للسيد علي بن أحمد، تاج الدين الحسني العاملي، ألفه سنة (180ه_)(6).
30 - التواريخ الشرعية عن الأئمة المهدية : للشيخ أحمد بن فهد، أبي العباس الحلي ت 841ه_(7).
31 - تاريخ أهل البيت(علیهم السلام) : رواية كبار المحدثين والمؤرخين ص 20: أحمد، تاج الدين الحسني العاملي، ألفه سنة (1018ه_ )(8).
ص: 11
32 - تواريخ الأئمة(علیهم السلام): هو تاريخ آل الرسول، المنسوب إلى نصر الجهضمي، ويسمى المواليد(1).
33 - تذكرة الخواص من الأمة بذكر خصائص الأئمة(علیهم السلام): يوسف بن - قرغلي البغدادي المعروف بسبط بن الجوزي الحنفي(2).
34 - تهذيب نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي المختار: الشيخ مصطفى صبحي الخضر. راجعه وقدم له : السيد محمد حسين فضل الله (رحمۀ الله علیه).
35 - تواريخ أعلام الهداية النبي وآله(علیهم السلام): آية الله الشيخ محمد تقي التستري( قدس سره الشریف)، توفي سنة 1415ه_(3).
36 - الدوحة المهديَّة، أرجوزة في تواريخ المعصومين(علیهم السلام): للشيخ حسين ابن علي الفتوني الهمداني العاملي الحائري نظمها سنة 1278ه_، في آخرها :
أبياتها ألف ومائتان*** عدَّتها كعدة التاريخ
من بعد سبعين مع الثمان*** تاریخها كالنور في المريخ(4).
37 - الذكرية، في ذكر تواريخ المعصومين(علیهم السلام)في أربعة عشر باباً بعددهم : للسيد محسن الحسيني السبزواري في مكتبة سلطان المتكلمين في طهران(5).
38 - رسالة في مواليد النبي والأئمة(علیهم السلام): مرَّ باسم : تاريخ الأئمة للسيد محمد الطباطبائي(6).
39 - زبدة الأخبار في تواريخ الأئمة الأطهار(علیهم السلام): للسيد محمد بن الحسين، جمال الدين الطباطبائي ،الواعظ، اليزدي، الحائري ت حوالي 1313ه_(7).
40 - زهرة الأنوار في نسب الأئمة الأطهار(علیهم السلام): للسيد ضامن بن شدقم بن علي الحسيني المدني (ت (1028ه_ )(8).
ص: 12
41 - سمط اللآل في تاريخ النبي والآل(علیهم السلام): للشيخ حسن بن كاظم السبتي (ت 1374). قصيدة بائية طويلة في (1500) بيت وتسمى أنفع زاد(1).
42 - الشذرات الذهبية في تراجم الأئمة الاثني عشر(علیهم السلام)عند الإمامية : لمحمد بن طولون شمس الدين الدمشقي، المؤرخ ت 953(2) .
43 - شرح النظام في تواريخ النبي والمعصومين(علیهم السلام): للمولى محمد إسماعيل . شرح فيه النظام للحر العاملي(3).
44 - الصفاء في تاريخ الأئمة(علیهم السلام): لأحمد بن إبراهيم بن أبي رافع الأنصاري الكوفي البغدادي، رواه الغضائري(4).
45 - الفصول المهمة في معرفة الأئمة(علیهم السلام): لا بن الصباغ المالكي علي بن محمد بن أحمدت 855ه_(5).
46 - كاشف الغمة في تواريخ الأئمة (علیهم السلام): للشيخ محمد بن محمد رضا ،المشهدي القمي، صاحب تفسير كنز الدقائق وبحر الغرائب)(6).
47 - كشف الغمة في معرفة الأئمة(علیهم السلام): للشيخ علي بن عيسى بن أبي الفتح، أبي الحسن الإربليت 693ه_ (7).
48 - لجج الحقائق في تواريخ الحجج على الخلائق: للحاج مولى أحمد اليزدي، المشهدي(8).
ص: 13
49 - لمحة الأئمة، أرجوزة في تواريخ الأئمة(علیهم السلام): للشيخ محمد بن طاهر، السماوي، النجفي . فرغ من نظمه سنة 1325ه_ ، واسمه التاريخي : بلوغ الأمة لمحبة الأئمة(1).
50 - المستجاد من الإرشاد للشيخ الحسن بن المطهر الحلي، الشهير العلامة ت 726ه_(2).
51 - مجموعة الشيخ جمال العراقي الميثمي ت 1360ه_. في تواريخ المعصومين(علیهم السلام)(3).
52 - مجموعة في مواليد ووفيات الأربعة عشر(علیهم السلام): للشيخ راشد بن إبراهيم بن إسحاق، البحراني ت 605ه_ (4).
530 - مشكاة الأنوار في تواريخ الأطهار(علیهم السلام): للمولى محمد إبراهيم بن علي . نسخة عند الشيخ محمد علي الحائري السنقري، تاريخها 1292ه_(5).
54 - مطارح الأنظار في تواريخ الرسول والأئمة الأطهار(علیهم السلام): للميرزا محمود بن محَمَّد كاظم المازندراني(6).
55 - مفاتيح الدرر في أحوال الأنوار الأربعة عشر(علیهم السلام): للشيخ حسين بن علي من أحفاد الشيخ البهائي، العاملي (7).
56- ملحة الأمة إلى لمحة الأئمة : أرجوزة في تواريخ مواليدهم ووفياتهم : للشيخ الفضلي السماوي صاحب الملتقطات (8).
57 - الملمة الملمة في تواريخ الأئمة(علیهم السلام): للشيخ محمد بن طاهر السماوي العقيلي(9).
ص: 14
58 - منتخب الأنوار في تاريخ الأئمة الأطهار(علیهم السلام)- والأنوار : لأبي علي محمد بن همام بن سهيل الكاتب الإسكافي، قد مضى ذكره - كان المنتخب عند المجلسي صاحب البحار(1).
منتهى الآمال في تواريخ النبي والآل(علیهم السلام): للشيخ عباس القمي ت 1359 ه_ (2).
60 - منظومة في تواريخ النبي والأئمة(علیهم السلام): للسيد محمد أبي جعفر الحسيني ابن أمير الحاج الحسين(3) .
61 - مواليد الأئمة(علیهم السلام): لمحمَّد بن عبد الله مملك الأصفهاني ،الجرجاني، أبي عبد الله (4).
62 - المواليد لابن شهر آشوب(5) .
63 - المواليد لنصر الجهضمي. ذكره ابن طاووس بهذا الاسم، وقد مر باسم : تاريخ آل الرسول(6).
64 - مواليد الأئمة(علیهم السلام): للشيخ الميرزا حسين بن محمد تقي النوري ت 1320ه_ ، صاحب المستدرك(7).
65 - مواليد الأئمة(علیهم السلام)وأعمارهم: لأحمد بن محمد بن أحمد بن طلحة العاصمي الكوفي البغدادي(8) .
66 - مواليد الأئمة(علیهم السلام) وأنسابهم ووفياتهم من النبي إلى الحُجَّة (عجل الله تعالی فرجه): للشيخ عبد الله بن أحمد بن محمد أبي محمد ابن الخشاب مر باسم تاريخ الأئمة، ويسمى المواليد ومواليد أهل البيت(علیهم السلام) (9).
ص: 15
67 - مواليد الأئمة وفضائلهم : للشيخ رجب بن محمد، البرسي الحلّي رضي الدین، صاحب مشارق أنوار اليقين، فرغ منه سنة 801ه_(1).
68 - مواليد الصادقين(علیهم السلام): لمحمَّد بن إبراهيم الطالقاني(2) .
69 - مواليد النبي والأئمة : للشيخ محمد بن محمد النعمان المفيد، أبي عبد الله، العكبري ت 413ه_(3). يروي عنه السيد ابن طاوس في اللهوف والإقبال .
70 - المختصر في حوالات الأربعة عشر(علیهم السلام): للشيخ راشد بن إبراهيم بن إسحاق البحراني ت 605ه_ (4). نسخة منه عند الأستاذ السيد محمد علي الروضاتي، في أصفهان.
71 - النظام في تواريخ المعصومين : للشيخ محمد بن الحسن، الحر العاملي ت 1104 .
أرجوزته التي ذكرناها سابقاً باسم : الأرجوزة والمنظومة.
72 - نور الأخبار في تاريخ النبي وآله الأطهار(علیهم السلام): لعلي نقي الكشميري (5).
73 - نور الأبصار في تاريخ النبي وآله الأطهار(علیهم السلام): لعلي نقي الجابرزي ابن میرزا محمد علي الرضوي المعروف بخوشنويس فارسي، في اللهوف والإقبال(6).
74 - الوفيات: للجهضمي مر باسم: تاريخ آل الرسول.
75 - وفيات أعلام الحق جمع مما كتبه الشيخ شريف بن عبد الحسين بن محمّد حسن صاحب الجواهر (7).
ص: 16
76 - وفيات الأئمة(علیهم السلام): الميرزا حسن بن علي الموسوي القزويني النجفي نزيل جسر الكوفة ت 1358ه_(1). فرغ منه سنة 1350ه_.
77 - وفيات المعصومين(علیهم السلام): للسيد رضا بن أبي القاسم الطبيب، الاسترابادي نزيل الحلة(2).
78 - وفيات المعصومين(علیهم السلام): لبعض الأصحاب(3).
79 - وقائع الأئمة الاثني عشر(علیهم السلام)(4) .
80 - الهداية في تاريخ النبي والأئمة(علیهم السلام)ومعجزاتهم : للحسين بن الله حَمدان الخصيبي الجنبلائي ت 358ه_(5).
81 - نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي المختار(علیهم السلام): العلامة محمد مؤمن بن حسن الشبلنجي الشافعي(6).
82 - مطالب السؤول في مناقب آل الرسول(صلی الله علیه وآله وسلم): الشيخ العلامة أبي سالم،كمال الدين محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن القرشي ،العدوي النصيبي ،الشافعي المتوفى سنة 652ه_ (7)
83 - مناقب أهل البيت(علیهم السلام) برواية الهيثمي : الشيخ مصطفى صبحي الخضر، الشهير بالشيخ الحمصي .
ص: 17
لمحة عن حياة المصنّف
اسمه ونسبه: أبو عبد الله الحسين بن حمدان بن خصيب بن أحمد الخصيبي الجنبلاني(1)، أو الجنبلائي .
قال ابن داوود: الخصيبي، بالخاء المعجمة والصاد المهملة والباء قبل ياء النسبة، نسبة إلى جده خصيب أو اسم المنطقة التي ولد فيها.
وأما الجنبلائي نسبة إلى جنبلاء بالهمزة بلدة بين واسط والكوفة، وينسب إليه أيضاً جنبلاني بالنون قبل ياء النسبة.
تمييز المشتركين في اسم الحسين بن حمدان:
1/ الحسين بن حمدان: غلام محمود بن عسكر الزجّاج، صاحب كتاب: النسب العالي الشريف(2).
2/ الحسين بن حمدان بن حمدون الأمير التغلبي، أبو علي : عم سيف الدولة الحمداني، ورأس الدولة الحمدانية قتله المقتدر بالله العباسي؛ سنة 306ه_(3).
3/ النقيب الحسين بن حمدان له كتاب الدلائل(4)
4 / الحسين بن حمدان الذي ذكره الطريحي في مشتركاته(5)دون أن ينسبه وميزه عمن يسمى بهذا الاسم برواية التلعكبري عنه وهكذا أورده الكاظمي ونقل الشيخ محمد تقي التستري أن اسم حمدان بن الحسين وقع في نوادر ميراث الفقيه ونقل الوحيد أن للصدوق إليه طريقاً، وعن جده أنه الحسين بن حمدان ووقع تقديم وتأخير.
ص: 18
ثم يعلق الشيخ التستري قائلاً: اشاهد له بل على خلافه فإن ذلك روى عن التلعكبري بلا واسطة، أي حمدان بن الحسين روى عن التلعكبري بلا واسطة هذا روى عنه المشيخة الذي عاصر التلعكبري بواسطتين فقال : وما كان فيه عن حمدان ابن الحسين فقد رويته عن علي بن حاتم إجازة .. إلخ(1).
وهذا لا يفيد بأنه الحسين بن حمدان الخصيبي كما ادعى البعض وذلك لأن التلعكبري لقب مشترك كذلك بين ثقة وغيره كما أن الطريحي نفسه ذكر ترجمة هارون بن موسى التلعكبري وذكر شيوخ الإجازة الذين أخذ عنهم فلم يذكر الخصيبي وإنما ذكر الحصيني(2) .
5/ الحسين بن حمدان الخصيبي(الحضيني)، هو أستاذ غلام الزجاج المذكور سابقاً وهو معاصر للحسين التغلبي لذلك يقع الاشتباه بين هذه الأسماء الثلاثة كما حصل للشيخ عيسى سعود الذي كتب في إحدى المجلات الثقافية يقول وفي أيام إمارة سيف الدولة الحمداني في حلب سنة 283 ه_ نبغ من العلويين شيخهم المعروف بالحسين بن حمدان الخصيبي .
مولده : ولد الخصيبي سنة 260ه_ ، في بلدة جنبلاء، وهي تقع بين واسط والكوفة، وإليها يُنسَب من أبوين كريمين فاضلين عريقين بالطهارة والإيمان والإخلاص في تمسكهما بالعروة الوثقى وهي ولاية أهل البيت(عليهم السلام) .
وهذه الأسرة الكريمة وفدت من منطقة الجزيرة العليا ديار ربيعة إلى الكوفة، ومنها انتشرت في محيطها حيث استقر جده خصيب بن أحمد الخصيبي الحمداني التغلبي في بلدة جنبلاء.
نشأته: نشأ نشأة دينيَّة إسلامية طاهرة على يد والده العلامة الفقيه، والمحدّث النبيه السيد أبي الحسين حمدان بن الخصيب الجنبلاني( قدس سره الشریف). وقرأ القرآن وهو ابن سبع سنين وحفظه وهو ابن عشر .
أولاده: ذكر له ولد يدعى أبا الهيثم السري، وابنة تدعى سرية.
شيوخه ومن روى عنهم :مهر في الكثير من العلوم السائدة في عصره:
ص: 19
كالنحو والصرف والمعاني والبيان والبديع والمنطق والفلسفة والتاريخ وغيرها . وحفظ كتاب الله(عزّوجل)وهو في العاشرة من عمره.
تابع علومه ومعارفه الشرعية على يد صديق والده العلامة الفقيه والمحدّث الكبير السيد أبي محمد عبد الله بن محمد العابد الزاهد الملقب بالجنان الجنبلاني(1)، المولود سنة 235ه_ ، والمتوفى سنة 287ه_ .
وقد أخذ العرفان على يد السيد محمد بن جندب الذي أخذه بدوره على يد السيّد أبي شعيب محمَّد بن نصير العبدي البكري النميري التميمي(2).
وأخذ عنه الأصول والأحكام والتفسير، وسائر علوم القرآن، واختلاف المذاهب والفرق في الأصول والفروع وبقي ملازماً له حتى سنة وفاته، وكان عمره وقتذاك سبعة وعشرون عاماً.
وقال الشيخ الخصيبي : لقيت من الشيوخ ما ينوف عن الستين رجلاً ممن لقي الإمامين العسكريين(عليهم السلام)، ورويت الأخبار عنهم جميعاً(3)، إلى أن قال : حدثني هارون بن مسلم البصري ومحمد بن أحمد ومظهر البغدادي وأحمد بن إسحاق وسهل بن زياد الآدمي وعبد الله بن جعفر الحميري. وأحمد بن عبد الله البرقي وصالح بن محمد النهرواني. وجعفر بن إبراهيم وداود بن عامر. وعمران الأشعري القمي.
وأحمد بن محمّد الخصيبي وإبراهيم بن الخصيبي. وأحمد بن الخصيب. ومحمد بن علي البشري ومحمد بن عبد الله اليقطيني. وأحمد بن عبد الله الأنباري وعلي بن محمد الضُّميري. وعلي بن محمد البصري. وعلي بن بلال. ومحمد بن علي الأصبهاني.
وإسحاق بن إبراهيم النيسابوري .وعلي بن عبد الله الحسيني. وأبو الحسن بن يحيى الفارسي وأحمد بن سندولا والعباس بن اللبان وعلي بن صالح، وعبد الحميد بن محمد بن يحيى بن يحيى الخُرقي. ومحمد بن علي الحسني.
ص: 20
وعلي بن عاجم الكوفي وأحمد بن محمد الحجّال وعسكر مولى أبي جعفر التاسع(عليهم السلام). والريان. وحمزة بن جعفر وأبو الحسن الرضا. وعيسى بن مهدي الجوهري والحسن بن إبراهيم وأحمد بن سعيد ومحمد بن ميمون الخرساني. ومحمد بن علان وحميد بن حسان وعلي بن أحمد الصائغ . والحسن بن جعفر الفراتي.
وعلي بن أحمد العجلي، والحسن بن مالك. ومحمد بن أبي قربة. وجعفر بن محمد القيصري البصري. وعلي بن أحمد الصابوني. وأبو الحسن علي بن بشير. والحسن البلخي .
وأحمد بن صالح. والحسن بن عتاب .وعبد الله بن عبد الباري. وأحمد بن داوود القمي. وعلي بن أحمد الطبراني. ومحمد بن عبد الله الطلحي. وطالب بن حاتم بن طالب. والحسن بن محمد بن سعيد. وأحمد بن نامندان. وأبو بكر الصفار. ومحمد بن موسى. وعتاب بن محمد الديلمي. وأحمد بن مالك القمي. وأبو بكر الجواري. وعبد الله بن محمّد .
قال الخصيبي : سماعي من هؤلاء جميعاً، وكل من ذكرنا مجاور الإمامين أبي الحسن، وأبي محمد العسكري(عليهم السلام) . ا . ه_ .
عبادته : لقد كان من المتعبدين ،الزاهدين المصلين الصائمين، وأدى فريضة الحج في الخامسة عشرة من عمره، أي فور بلوغه. وقيل: وهو ابن عشرين.
يقول العلامة الأستاذ محمد علي أسبر حفظه الله عن الخصيبي حين حجّ خمس عشرة حجة : إنما كان يُطبق على نفسه شريعة الله ورسوله ولم يقل وهو الفقيه بالعرفان:
أنا عارف فلا حجَّ عليَّ، وهكذا فعل تلاميذه(1)، وما منهم أحد إلا وهو عارف بالله ورسوله والأئمة من آل محمد(عليهم السلام)(2).
ص: 21
تلاميذه: الشيخ شأنه شأن العلماء الكبار، حيث درّس الكثيرين ممن تخرَّجوا على يديه، وقيل إن تلامذته بلغوا واحداً وخمسين تلميذاً، منهم :
1/ أبو منصور إينال المتطيب العجمي التركي.
2/ أبو سعيد بن معدان 3/ أحمد كبا .
4/ إبراهيم بن سعيد الطيب الرفاعي أبو إسحاق.
5/ أبو عبد الله الجنبلاني . 6/ أبو ذر الكاتب .
/7/ أبو القاسم العباسي . 8/ أبو القاسم الشيباني .
/9/ أبو عمار بن شعبة الحراني ...
زعامة الطريقة ولقاؤه بعلماء عصره :في مدرسة الجنبلاني في جنبلا نشأ الزكي النقي الحسين بن حمدان الخصيبي، الذي التقى بشيخه الجنبلاني، وتعلّق به تعلَّقاً شديداً ، ثم تتلمذ الطريقة على يده واستقر عند شيخه أبو محمد عبد الله ولمع ولمع شأنه وذاع صيته.
وبوفاة الشيخ (الجنان) سنة 287ه_ ، نهض الخصيبي بالعبء من بعده، وخَلَفَهُ في ولاية الطريقة، ثم رحل إلى بغداد، وبعد فترة من الاضطراب والصراع بين الجند التركي والخلفاء في بغداد تركها متجهاً إلى حلب، حيث استقر فيها ضيفاً على بلاط سيف الدولة الحمداني. ولعله استمدَّ بعض القُوَّة والسَّند من سيف الدولة. وما من شك في أنَّ الخصيبي قد لعب دوراً خطيراً في تثبيت الطريقة العرفانية العلويَّة، وتكريسها .
كان الخصيبي الله من ألمع رؤساء الطريقة الجنبلانية الشعيبية وأكثرهم أثراً في هذه العقيدة وساعده على ذلك عُمر مديد، وذكاء وقاد، وأنصار أشداء،مع قدرة على الإيغال في مذهب التشيع والتوحيد حتى اكتسب لقب «الشيخ القدوة»، فأصبح المرجع الروحي الأعلى للمسلمين العلويين في زمانه بقيت حتى وافاه الأجل سنة 358ه_ .
التقى الشيخ (رحمۀ الله علیه) مع الحسين بن منصور الحلاج المقتول سنة 309ه_، 922م . وأبي الحسن بن بابويه القمي سنة 329ه_.
وأبي الحسن علي بن أبي بكر الهروي وأبي محمد طلحة بن عبيد الله بن أبي عون الغساني العوني المشهور بالأشعار الغديرية حدث بينه وبين هؤلاء العلماء
ص: 22
مناظرات وحوارات، فتآمروا عليه واتهموه بالقرمطة مما أدى إلى دخوله السجن ببغداد .
هجرته وسياحته: هاجر الشيخ إلى الموصل بعد خروجه من السجن، قاصداً الأمير داوود بن حمدان، ولم يمكث طويلاً في الموصل، ومنها إلى حلب، حيث ينشد الأمان من خصومه وأعداءه.
ص: 23
آراء العلماء
أقوال المؤرخين المعاصرين له كثيرة بين متحامل عليه وحاقد، وبين محبّ ومخلص، وبين ملتزم في الصمت، فالنجاشي، وأحمد بن الحسين الغضائري الواسطي البغدادي(1)، وصاحب الخلاصة من المتحاملين عليه(2)، وابن داود الحلي في رجاله(3)، والتفريشي في نقده(4)، والبهبهاني في تعليقه(5)، وغيرهم(6) .
قال ابن حجر العسقلاني : الحسين بن حمدان بن خصيب الخصيبي أحد المصنفين في فقه الإمامية. روى عنه أبو العباس بن عقدة وأثنى عليه وأطراه وامتدحه، كان يؤم سيف الدولة بن حمدان في حلب، وله أشعار في مدح أهل البيت(عليهم السلام)(7)
قال السيد الأمين(رحمۀ الله علیه) في أعيان الشيعة في ترجمة الخصيبي، مفادها امتداحه
ص: 24
والثناء عليه، وعلى أنَّه من علماء الإمامية، وكل ما نسب إليه من معاصريه وغيرهم لا أصل له ولا صحة وإنما كان طاهر السريرة والجيب، وصحيح العقيدة.
وأورد أقوال العلماء فيه وردَّ على المتحاملين عليه رداً جميلاً، كابن الغضائري والنجاشي، وصاحب الخلاصة، ويقول( قدس سره الشریف): لو صح ما زعموا وما ذهبوا إليه ونسبوه له لما كان الأمير سيف الدولة المعروف والمشهور بصحة عقيدته الإسلامية وولائه للعترة الطاهرة وآل البيت صلى عليه وائتمّ به .
وفي رواية التلعكبري على أنه أجيز منه لما عرف عنه من الوثاقة والصدق بين خواص عصره.
وقال أيضاً : كونه شيخ إجازة يشير إلى الوثاقة(1).
قال أبو صالح الديلمي : الشيخ الصدر ، السيد العالم العامل البارع الفاضل شيخ الحقيقة، وأنموذج الطريقة، عين قلادة السلف، ومنبع فضائل الخلف، الصالح أبي عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي . . . إلخ(2) ..
يقول عبد الله أفندي فاضل عالم محدث منالقدماء(3).
قال الشيخ الطوسي ت 460ه_ : الحسين بن الحمدان بن خصيب له كتاب: أسماء النبي ، والأئمة(عليهم السلام)(4). ذكره في رجاله في باب من لم يرو واحد من الأئمة(عليهم السلام)(5)، وقال يكنى أبا عبد الله، وروى عنه التلعكبري(6)وسمع منه في داره بالكوفة سنة 344ه_ ، وله منه إجازة (7)
ص: 25
قال العلامة الحلي الحسين بن حمدان الخصيبي بالخاء المعجمة المفتوحة، والصاد المهملة المكسورة، والياء المنقطة تحتها نقطتين بعدها باء منقطة تحتها نقطة الجنبلائي بضم الجيم وإسكان النون ،بعدها وضم الباء المنقطة تحتها نقطة، والياء أخيراً بغير نون(1).
قال الميرزا محمد تقي الشيرازي( قدس سره الشریف): قال الشيخ الملي محمد علي بن المحقق البهبهاني لما لم يقف على كتابه الأخير، قال في حاشية له على نقد الرجال ما هذا لفظه : قال شيخنا المعاصر : إنَّ الذي في كتب الرجال : أنَّ الحسين ابن حمدان الحضيني كان فاسد المذهب كذاباً صاحب مقالة ملعونة لا يلتفت إليه . . .
وظاهر لمن تدبر هذا الكتاب وهو (الهداية) أنَّه من أجلاء الأمامية وثقاتهم، ولعل المذكور في كتب الرجال ليس هو هذا، وإلا فالتوفيق بينهما غير ممكن، والله أعلم .
نقله بعض أفاضل إخواننا المعاصرين أيَّده الله تعالى في كتابه، وتوفي ابن حمدان هذا على ما ذكر ابن داود في شهر ربيع الأول سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة (2).
في معجم المؤلفين الحسين بن حمدان الخطيب الخصيبي أبو عبد الله : فقيه، ،شاعر، توفي في ربيع الأول سنة 358ه_ من آثاره : كتاب أسماء النبي، وأسماء الأئمة والأخوان المائدة، وله شعر(3).
قال العلامة الشيخ سليمان الأحمد( قدس سره الشریف) في هذا الرجل العظيم:
الحسين بن حمدان الخصيبي من رجال الشيعة الإمامية ورواتها، تبحر في علوم آل محمد(عليه السلام)رواية ودراية واستكنهها إلى غاية يتعسَّرُ على أحدٍ بعده أن ينالها فضلاً عن أن يفوقه بها، وقد تضاربت فيه أقوال الرجاليين بين موثق ومبدع ومكفر كما تقتضيه الآراء والأهواء ومهما يكن الأمر فقد روى عن الثقات وروت الثقات عنه، ومن يروي عن الثقة فهو ثقة في اصطلاح فن الرجال.
ص: 26
وهذه الفرقة روت عن أهل العصمة ومَن لا يفارقهم الكتاب ولا يفارقونه ما احتجوا به على غيرهم وفلجوا من وجوب الإمامة وإمرة المؤمنين والولاية لمولاهم ونفاق مبغضيه وفوز محبيه ما لا تسعه الإحاطة حتى رماهم العدو بالغلو ورموه بالتقصير، ومن هذه الفرقة قام صاحب الترجمة فرموه بالغلو ونسبوا إليه المناكير من الروايات والمتتبع يرى أنه ليس في كتبه النصف بل ولا الثلث مما في كتبهم من الروايات التي رُمي بالغلو ،بسببها فمن رد الشمس إلى خطابها يا أول يا آخر إلى إحياء الموتى .. حتى تدله بعض العلماء من غير الشيعة فقال : تقيلت أفعال الربوبية(1).. يا أيها النار التي شبَّ السنا منها لموسى(2).. وأنت نقطة باء في توحدها(3). . مما لا يوصف به إلا الجلالة العظمى تقال في حق رجل ليس له من الميزة على الناس إلا كونه ابن عم صاحب الدعوة وما عدا ذلك فهو والناس شرع سواء في المطعم والملبس والمشرب.
إن هذا الأمر لأغرب وأعجب من كل أمر، وإذا علمت أن ثقات الإمامية الذين يُشار إليهم بالبنان وثقوه وأن المتأخرين الذين هم أخوف الله من أن يبتدع . هذا ما رأيته وأظنني كتبت ما أداني به الحق لا الهوى وهو ما يُطلب من الكاتب، ولا أنكر أن يكون للإعتقاد بعض التأثير ولكنني تجنبت التحيز جهد الاستطاعة، والعصمة لمن اختصه الله بها والسلام(4).
مؤلفاته كثيرة : قيل أنها بلغت ثلاثين كتاباً منها : الإخوان (5). المسائل(6). تاريخ الأئمة (7). الرسالة(8). أسماء النبي(9) ...
ص: 27
أسماء الأئمة(1). المائدة (2) الروضة . أقوال أصحاب الرسول وأخبارهم (3) العقود(4). وله ديواني شعر(5) هما : ديوان الغريب(6)، والديوان الشامي(7).
- كتاب الهداية الكبرى(8) : من الكُتُب النفيسة ذات الأثر العميق في الفكرة العَلَويَّة، وآية ذلك أنَّ السَّيد الخصيبي أهداه لسيف الدولة الحمداني الذي كان معروفاً بالاعتدال في تشيعه(9).
قال الشيخ آغا بزرك الطهراني (رحمۀ الله علیه): ولعل كتاب الهداية هو الذي عبر عنه النجاشي بكتاب تاريخ الأئمة (عليهم السلام)(10).
وذكره الحر العاملي صاحب أمل الآمل في كتاب الهداة في النصوص والمعجزات ونسب إليه الكتاب المذكور، قال: ويروي عن كتابه هذا ابن طاووس
ص: 28
في أوائل الإقبال وعبَّر عنه بالحسين بن حمدان الخطيب، ولعله غلط النساخ، [نقل عنه أنَّ الإمام الحسن العسكري كانت وفاته في الثامن من ربيع الأول].
وقال في أوائل البحار وكتاب الهداية في تاريخ الأئمة(عليهم السلام)ومعجزاتهم، للشيخ الحسين بن حمدان الخصيبي؛ مشتمل على أخبار كثيرة في الفضائل والمعجزات، وفي الرياض نسبه إليه في كتاب الهداة المذكور أنفاً .
يعتني المؤلف في كتابه الهداية الكبرى بفضائل أهل البيت، وما وصله من المعجزات والكرامات التي أكرمهم الله وخصّهم بها دون غيرهم من البشر .
قال المولى الميرزا محمد تقي الشيرازي الملقب بحجة الإسلام: إسناد كتاب الهداية وسائر مرويات الحسين بن حمدان عن التلعكبري إجازة وسماعاً عنه (1).
وقال : وبالجملة هذا الكتاب من الكتب المتقنة، ليس فيه أمر منكر، وأكثر أخباره موافقة لما رواه أصحابنا الأجلة، إما لفظاً وإما معنى(2).
قال الكجوري صاحب كتاب الدمعة الساكبة(3)واصفاً الهداية : وعثرنا على أحد عشر كراساً، واحدٌ منها في شطرٍ من أحوال الإمام الحادي عشر «أي الحسن العسكري(عليه السلام)» وسبعة منها في أحوال الخلف الحجّة(عليه السلام) وكيفية ظهوره، ورجعة النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)والأئمة(عليهم السلام)؛ برواية المُفَضَّل بن عمر.
وثلاثة منها في أحوال اثني عشر هم أبواب الأئمة الاثني عشر، وكتب على آخرهم تمَّ الجزء الثاني .
ومن خلال هذا الكلام استظهر صاحب الدمعة الساكبة أنها تكملة للهداية، والجزء الثاني منه ثم قال : ويوجد الكتاب عند فضل الله شيخ الإسلام بزنجان الأحد عشر كراساً، بخط نصر الله القزويني 1280ه_، كتبه عن نسخة العلامة المجلسي، وألحق بآخره رسالة مختصرة في أحوال مؤلف الهداية(4). كما توجد نسخة عند الحاج مولى علي الخياباني، كما فصله في وقائع الأيام(5)، ونسخة عند
ص: 29
السماوي، وأخرى بمكتبة [جعفر] كاشف الغطاء رقم(1) .
وهناك نسخة في مكتبة آية الله العظمى السيد أبو المعالي شهاب الدين المرعشي النجفي(قدس سره الشریف)، في مكتبته في قم، برقم: 2973.
وطبع الكتاب أول مرة في مؤسسة البلاغ في بيروت، ثم تتالت الطبعات الكثيرة لهذا الكتاب وللأسف طبع مع كثرة الأخطاء، والنقص ..
قال العلامة الشيخ سليمان الأحمد( قدس سره الشریف)واصفاً كتاب الهداية الكبرى شعراً :
بوركت ليلة خلوت فطا*** لعت بأثنائها كتاب الهداية
مخلصاً للنبي والعشرة الأ*** طهار آل الرسول صدق الولاية
موقناً في سريرتي إنما الأمر*** إليهم بداية ونهاية
هم غیاث لنا وغاية قصدِ ***يا إلهي وأنت للكل غاية
ربّ فاجعل ولاءهم لنجاتي*** يوم القاهم لدى البعث آية
وعلى سرّ سرّهم ثبت اللهم*** قلبي رواية ودراية(2)
ص: 30
الرواة الذين روى عنهم
الحسين بن حمدان في كتابه الهداية الكبرى
في البدء نذكر أسانيد كتاب الهداية، وهي ثلاثة أسانيد:
السند الأول : قال أبو عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي :
مالك البزاز الفزاري الكوفي ، قال : حدَّثني عبد الله
حدثني جعفر بن محمد محمد بن ابن يونس السبيعي قال: حدثني المُفَضَّل بن عمر ،الجعفي، عن سيدنا أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام).
السند الثاني : قال الحسين بن حمدان حدَّثني محمد بن إسماعيل الحسني كذا في المطبوعة من الهداية لكن في المخطوطة: محمد بن موسى الحسني – تارة و - محمد بن المُفَضَّل بن الحسين - أخرى عن أبي محمد الحسن بن علي الحادي عشر (العسكري)(عليه السلام).
السند الثالث: قال الحسين بن حمدان حدَّثني المنصور بن ظفر - كذا فیالمخطوطة - ، وفي المطبوعة : منصور بن جعفر، قال:
حدَّثني أبو بكر أحمد بن محمد القرباني – كذا – المتطبب - كذا - ببیت المقدس، لعشر خلونَ من شهر شعبان سنة اثنتين وثلاثمائة، قال: وفي المخطوطة: أحمد بن محمد العريضي - كذا - قال : حدثني نصر بن علي الجهضمي(1)، قال: سألت سيدنا أبا الحسن الرضا(عليهالسلام) عن آبائه(عليه السلام).
ص: 31
رواة الشيخ الخصيبي( قدس سره الشریف)
وأمَّا الرواة الذين روى عنهم الإمام الحافظ الشيخ أبي عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي (قده) في كتابه الهداية هم من الرواة الثقات، الذي تشرف بعضهم برؤية الإمامين العسكريين(عليهم السلام)، ومن هؤلاء الرواة :
إبراهيم بن الخصيب(1). أبو علي، أحمد بن إسحاق الأشعري(2). أحمد بن إسماعيل(3). أحمد بن جعفر الطوسي(4). أحمد بن حسّان(5). أحمد بن حيان العجلي(6). أحمد بن داوود بن علي القمي(7). أحمد بن سعد الكوفي(8) .
أحمد بن سندولا (9). أحمد بن أبي عبد الله البرقي(10). أحمد بن عبد الله بن
ص: 32
مهران الأنباري(1)أحمد بن عبد الله بن صالح(2). أبو الحسن، أحمد بن عثمان العمري (3). أحمد بن مالك القمي(4). أبو علي، أحمد بن محمد بن عمار الكوفي(5)، أحمد بن محمد بن عيسى بن بصير(6)،أحمد بن محمد الخصيبی(7). أحمد بن محمد النيسابوري(8). أحمد بن محمد الحجال(9).
أحمد بن محمد بن أبي قرنة(10). أحمد بن المنذر(11). أحمد بن مهران(12).أحمد بن محمد الصيرفي، المعروف بابن الدلال(13). إسحاق بن إسماعيل
ص: 33
(2) النيسابوري(1). جعفر بن إبراهيم بن نوح (2). جعفر بن أحمد القصير البصري(3) .جعفر بن محمّد الرامهرمزي(4). جعفر بن محمّد بن إسماعيل الحسيني(5) .جعفر ابن المُفَضَّل المخلول(6). جعفر بن يزيد القزويني(7).الحسن بن إبراهيم(8). أبو الحسين، الحسن بن جعفر العلوي الفراتي(9). الحسن بن علي الكوفي(10) .الحسن بن علي البلخي(11). الحسن بن عيسى(12). الحسن بن مالك القمي(13). الحسن بن محمَّد بن جمهور القمي(14)
ص: 34
الحسن بن محمد بن مسعود بن سعد(1). الحسين بن داود السعدي(2). أبو العباس، الحسين بن عتاب بن يونس(3). الحسين بن علي الصائغ(4).
الحسين بن غياث(5). والده، أبو الحسين حمدان بن الخصيب بن أحمد الجنبلاني(6) . حمزة بن نصر(7). داؤود بن عامر الأشعري القمي(8). الريان مولى الرضا(9). أبو سعيد سهل بن زياد الآدمي (10)......
ص: 35
36
صالح بن محمد الهمداني(1) .
طالب بن حاتم بن طالب (2). العباس اللبان الشيباني(3). عبد الله بن جرير النخعي(4) .. أبو العباس عبد الله بن جعفر الحمير(5). عبد الله بن زید الطبرستاني(6). عبد الله بن عبد الباري(7) . عبد الله محمد(8)عبد الحميد بن محمد(9). عسكر مولى أبي جعفر التاسع(10). علي بن أحمد الصائغ(11)أبو الطيّب، علي بن أحمد الطيب الصابوني(12). أبو الحسن علي بن بشر(13)أبو الحسن علي بن بلال البغدادي(14).
ص: 36
علي بن الحسين الكوفي(1). علي بن صالح(2). أبو الحسن ،علي بن عاصم الكوفي (3). أبو محمد ،علي بن عبيد الله الحسني(4). علي بن ياسين(5). أبو محمد، عیسی بن مهدي الجوهري(6). غيلان الكلابي(7)محمَّد بن إبراهيم الخياط(8). محمد بن أبان(9)
محمَّد بن إبراهيم الكوفي(10). محمد بن أبي الصهبان(11). محمد بن أحمد ابن مطهر البغدادي(12)
ص: 37
أبو جعفر بن إسماعيل الحسيني(1). محمد بن جابر بن عبد الله بن خالد الخزاعي(2). أبو بكر محمد بن جبلة التمار(3). أبو جعفر، محمّد بن جرير الطبري الآملي(4). محمّد بن الجليل(5). محمّد بن الحسن بن عبد الحميد القطاني(6). محمد بن خالد (7). أبو بكر، محمد ابن خلف الرازي(8). محمد بن زيد(9). محمد ابن عبد الرحمن الطريقي(10). محمد بن عبد الله الطلحي(11). محمد بن عبد الحميد البزاز(12) . محمد بن عبد الله اليقطيني البغدادي(13). محمد بن عبد الله الشاشي(14). محمد بن علي بن عبيد الله الحسني(15). محمد بن علي البشري، وقيل : الميسري(16). محمد بن علي الرازي(17). محمد بن عمير (18). محمد بن
ص: 38
غالب (1). محمد بن القاسم العطّار(2). محمّد بن منير القمي(3). محمد بن موسى القمي(4). محمد بن ميمون بن أحمد الخرساني(5). أبو الحسين، محمد بن يحيى الفارسي(6).
أبو الحسن، محمد بن يحيى الخرقي (7)منصور بن صفر(8).موسى بن محمّد الرازي(9). النصر بن محمّد بن سنان الزهري(10). أبو القاسم، هارون بن مسلم بن سعدان البصري(11). يعقوب بن بشر(12). يعقوب بن حازم (13).
أبو بكر الجواري(14). أبو بكر الصفار(15).
ص: 39
العلماء الذين اعتمدوا على كتاب الهداية
لقد نقل عنه الكثير من العلماء في مصنفاتهم، منهم:
/1 نفس الرحمن : المحدث الحاج ميرزا حسين النوري الطبرسي ت 1320ه_، في الباب الرابع عشر(1).
/2 مدينة المعاجز: السيد هاشم البحراني ت1107 ، تح: الشيخ عزة الله المولائي الهمداني(2).
3/ منتخب البصائر (مختصر بصائر درجات الشيعة ): الشيخ حسن بن سليمان الحلّي، ت ق 9ه_(3)
4/ إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: لشيخ المحدِّثين محمّد بن الحسن بن علي بن الحسين الحر العاملي( قدس سره الشریف)، المتوفى سنة 1104ه_(4)
/5 الفرقان في تفسير القرآن : للعلامة الصادقي.
6/ إقبال الأعمال: السيد علي بن موسى المشهور بابن طاووس(رحمۀ الله علیه)، المتوفى سنة 664ه_ (5)
7/ بحار الأنوار: المولى محمد باقر المجلسي، ت1111(6).
ص: 40
8/وسائل الشيعة : الشيخ محمد الحر العاملي، ت1104ه_(1).
9/ الإمامة والتبصرة من الخيرة: الفقيه المحدّث أبي الحسن علي بن بابويه القمي والد الشيخ الصدوق المتوفى سنة 329ه_ .
10/ تاريخ أهل البيت الحافظ الشيخ أبي محمد عبد محمد عبد الله بن النصر بن الخشاب البغدادي( قدس سره الشریف)، المتوفى سنة 567ه_.
11/ تفسير القمي : المنسوب لعلي بن إبراهيم القمي ( قدس سره الشریف).
12/ الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف السيد ابن طاووس( قدس سره الشریف)، تح: السيد علي عاشور(2).
13/ الرجعة الميرزا محمد مؤمن بن درست محمد الحسيني الأسترابادي، الشهيد بمكة سنة 1088ه_ ، نقل عن مخطوطة الهداية حيث قال : الحسين بن حمدان عن محمد بن إسماعيل بن إسماعيل . . . الحديث(3).
14 / الدمعة الساكبة الشيخ المحقق محمد باقر عبد الكريم البهبهاني ( قدس سره الشریف)المتوفى سنة 1285ه_ (4)
15/ الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم: العلامة المتكلم الشيخ زين الدين أبي محمد علي بن يونس العاملي النباطي، البياضي(5).
16/ مستدرك وسائل الشيعة العلامة الكبير الشيخ الميرزا حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي( قدس سره الشریف)ت1320ه_(6).
17 / فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب الميرزا النوري(7).
ص: 41
18/ خاتمة المستدرك: الميرزا النوري(1) .
19/ صحيفة الأبرار الميرزا محمد تقي الملقب بحجة الإسلام( قدس سره الشریف)(2).
20/ الوافي : المولى محمد محسن المعروف بالفيض الكاشاني( قدس سره الشریف).
21/ العصمة والرجعة : الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي( قدس سره الشریف)(3).
22/ عيون المعجزات(4): الشيخ حسين بن عبد الوهاب (رحمۀ الله علیه)، من علماء القرن الخامس الهجري المعاصر للشريف الرضي( قدس سره الشریف).
23 / قطرة من بحار مناقب النبي والعترة(عليهم السلام): لآية الله السيد أحمد المستنبط( قدس سره الشریف)(5).
24/ حق اليقين في معرفة أصول الدين السيد عبد الله شبر( قدس سره الشریف)(6).
25/ أسرار آل محمد(عليهم السلام): للعارف بالله المرجع الديني الشيخ يوسف حسن 25/ كنج العاملي( قدس سره الشریف)(7).
26/ جامع أحاديث الشيعة السيد البروجردي، ت1383ه_ (8).
27/ مستدرك سفينة البحار : الشيخ علي النمازي الشاهرودي، ت 1405ه_، تح وتصحيح: الشيخ حسن بن علي النمازي(9) .
28/ سلوني قبل أن تفقدوني : الشيخ محمد رضا الحكيمي .
29/ مسند الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام): السيد حسن قبانجي (رحمۀ الله علیه).
ص: 42
30/ سفينة النجاة : الميرزا الإحقاقي (رحمۀ الله علیه).
31/ العلامة السيد الشريف الدكتور عبد المحسن السراوي حفظه الله فیتحقيقه على كتاب معجزات وأعلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)(1).
32/ سنن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): السيد الطباطبائي، ت 1412ه_ تح وإلحاق الشيخ محمد هادي الفقهي(2).
33/ مسند الإمام الرضا(عليه السلام): تجميع وترتيب الشيخ عزيز الله عطاردي الخبوشاني معاصر(3).
34/ معجم أحاديث الإمام المهدي(عليه السلام): الشيخ علي الكوراني العاملي ،معاصر ،إشراف: الشيخ علي الكوراني العاملي(4) .
35/ مكاتيب الرسول : آية الله علي الأحمدي الميانجي معاصر(5) .
36/ موسوعة الإمام الجواد(عليه السلام): السيد الحسيني القزويني معاصر، إشراف : أبي القاسم الخزعلي(6).
37/ موسوعة كلمات الإمام الحسين(عليه السلام): لجنة الحديث في معهد باقر العلوم ، معاصر(7).
38/ بحوث في تاريخ القرآن وعلومه السيد مير محمدي زرندي، معاصر(8) .
ص: 43
39/ اعتمد عليه بالتحقيق : إكليل المنهج في تحقيق المطلب : محمد جعفر بن محمد طاهر الخراساني الكرباسي، ت1175ه_ ، تح: السيد جعفر الحسيني الاشكوري(1).
40/ اعتمد عليه بالتحقيق : المعلى بن خنيس : حسين الساعدي، معاصر(2).
41/ مستدركات علم رجال الحديث : الشيخ علي النمازي الشاهرودي ت 1405ه_ (3).
42 / كفاية الأثر الخزاز القمي، ت 400 ه_ ، تح: السيد عبد اللطيف الحسيني الكوهمري الخوئي(4).
43 / منابع العرفان عند المسلمين العلويين : الأستاذ حسن يونس حسن .
44/ العلويون بين الأسطورة والحقيقة: الأستاذ هاشم عثمان(5)
45/ الشيخ الخصيبي قدوة مثلى يحتذى : الشيخ حسين محمد مظلوم (6).
46/ كتاب الدهشات للشيخ الجليل الشاعر لقمان بدر غرة حفظه الله .
47 / معاجز أهل البيت(عليهم السلام): محسن عقيل(7)... إلخ .
وفاته : توفي في ربيع الأول سنة 358ه_ : في حلب، كما حلب، كما يرى ذلك المولى محمّد تقي الشيرازي( قدس سره الشریف)، صاحب صحيفة الأبرار، والإمام السيد محسن الأمين( قدس سره الشریف)، في أعيان الشيعة وقيل : يوم الأربعاء لأربع ليال خلون من ذي القعدة سنة 346ه_ ، والأصح عندي القول الأول.
وشهد وفاته جم غفير من تلامذته ومريديه منهم : أبو محمد يونس البديعي،
ص: 44
وأبو محمد الحسن بن محمّد الإعزازي، وأبو الحسن محمّد بن علي الجلي وحضر أيضاً أمراء الدولتين الحمدانية والبويهية، وشيوخ القبائل العربية من كلاب ونمير وكلب وتغلب وبهراء. وقد صلى عليه الأمير سيف الدولة الحمداني، ودفن في مشهد الدكة بالجانب الغربي من بر حلب، ويعرف بالشيخ يبرق(1). والله أعلم بحقائق الأمور.
ص: 45
كلمة شكر
أشكر كل من ساهم وساعد في إنجاز هذا الكتاب المبارك، وأسأل الله تعالى أن يجزيهم أحسن الجزاء.
عملنا في الكتاب
باعتبار الكتاب من الكتب المشهورة والمطبوعة بكثرة، فقد اعتمدت على النسخة المطبوعة الموافقة لأكثر النسخ المخطوطة، وأمَّا الجزء الثاني عن نفس المخطوطة، فقمت بالخطوات التالية :
1/ تسميته : الهداية الكبرى تاريخ النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) والأئمة(عليهم السلام) ومعجزاتهم.
2/ تصحيح النص من الأخطاء وإكمال النقص في الهامش من الكتب التي نقلت عن كتاب الهداية، وهي غير موجودة في النسخ المطبوعة .
3/ رقمت الروايات بشكل متسلسل، في كل باب، مع وضع عنوان مناسب لكل رواية .
4/قابلت نصوص الكتاب مع الكتب التي نقلت عنه .
5/ ما بين [] ليس من متن الكتاب ؛ وإنما عملنا للكتاب.
6/ ضبط الآيات القرآنية من القرآن الكريم.
7/ تخريج الأحاديث من الكتب المعتبرة، بالإضافة إلى كتب الفضائل والمناقب، والتفسير والتاريخ على قدر المستطاع ..
8/ ترجمة بعض الرواة وغيرهم ...
9/أضفت الجزء الثاني : وهو الباب الخامس عشر، بعنوان: أبواب
ص: 46
المعصومين، باعتبار أن المصنف الله أشار إليه في مقدمة الكتاب، وهذا الجزء غير مطبوع في الطبعات المتداولة.
10/لم أتطرق لتصحيح الروايات أو تضعيفها مع العلم أنه يوجد روايات ضعيفة .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
مصطفى الخضر
الجمعة 25/ ذو الحجة / 1427ه_ (1)الموافق : 22/ك2007/1م
سورية - حمص
ص: 47
ص: 48
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ابتدأنا بعون الله ،وقوّته، وبركة أسمائه وجلاله واسمه وبابه وأهل مراتب قدسه، وعالم أنسه وملكه وأن يوصلنا بهم إلى الرضا وبلوغ المنى .
وهو سماعه من الرجال الثقات، الذين لقيهم(عليه السلام)، منهم من عاشر الموليين السيدين الإمامين العسكريين(عليهم السلام)، وروى عن ما يشتمل على أسماء رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وأسماء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)في السريانية والعبرانية وجميع اللغات المختلفة .
وأسماء فاطمة الزهراء(عليها السلام)، وعلى الأئمة الراشدين الحسن والحسين ابني علي، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي، ومحمد بن الحسن (الحجة) سمي جده رسول الله وكنيته بجده، ولقبه المهدي والغائب والمنتظر صلوات الله عليهم أجمعين).
وأسمائهم وكناهم الخاص والعام منهم، وأسماء أمهاتهم ومواليدهم وأولادهم، وبراهينهم ودلائلهم ووفاة كل منهم ، وشاهدهم، وأبوابهم(1)، والدلالة من كتاب الله (عزّوجل) والأخبار المأثورة المرويَّة بالأسانيد الصحيحة، وفضل شيعتهم، نفعنا الله بهم جميعاً إنه على كل شيء قدير، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وهو ربُّ العرش العظيم.
ص: 49
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله مبدئ الحمد وباريه ومقدّره وقاضيه والآمر به وراضيه جزاء من عباده عن نعمه والمستوفي لهم جزيل قسمه والمزحزح عنهم حلول نقمه الفارض له عليهم الخاتم فيما أنزله إليهم المستحق على هدايته لهم حمده على نعمه، إذ كان حمدهم له على نعمه نعمة أنعمها منه عليهم الذي لم تدرج نوره الدياجي، ولم تحط بقدرته الأماكن ولم تستقل بذات كبريائه المعادن، ولم تستقر لجلال ملكوته المواطن .
الأول إذ لا أول مكيف والآخر إذ لا آخر مستحدث، الدائم في أزليته الباقي في ربوبيته الشاهد على خليقته فاطر المخلوقين بحسن تدبير الحكمة ومكوّنها أجساماً وأشخاصاً وأشباحاً وأرواحاً، وصوراً مختلفة وغير مختلفة ومتشابهة وغير متشابهة .
الذي لم تكله قدرته فيما خلق إلى ظهير ولم تدعه مبهرات عجائب ما فتق ورتق إلى مستعين به في أمره ومشير المظهر فيما ذرأه وبرأه مما شوهد بعيان واستُدِلَّ عليه ببرهان بدائع تحُسِرُ عقول المخلوقين عن بلوغ تحديدها المستشهد عند ذوي العلم والعقول خلق ألسنتهم وأنفسهم وألوانهم ولم يحيطوا به علماً، ولم يبلغوه فهماً، إذ لا صانع لهم دونه، ولا مركب لهم في تأليف غيره، ولا متقن في تصنيف، ولا مدبر في توليف غيره.
أحسنَ كلَّ شيء خلقه، الذي لم يعزب عنه علمه في ديجور طبقات السماوات ولا في دياجي ظلمات الأرضين المدحيَّات، ولا في قعر البحور الزاخرات، ولا كائن من المخلوقين إلا أحاط به قوَّةً وعلماً واقتداراً وسلطاناً .
الذي لم يفته متعزز بفناء وإكثار ، ولا ذو بطش جبار، متقلباً في كبريائه، لا
ص: 50
متقلب في ليل ولا في نهار ، ممتنع ببهاء وأوطار ، لا يحتوي بمدى عمر ذي أقطار فيدركه طلب بمستعان بل أشفى بطوله بريته وشمل بحوله خليقته، وسعت كلُّ شيء رحمته لطفاً وامتناناً .
فهو أزل قديم، في أزليته غير مشهود وفي كمال كليته غير محدود، ولا مدرَك بلحاظ عيون الناظرين ولا بحواس خواطر عقول العارفين موجود، ولا مقربهم عن بلوغ ذلك منفرداً، بل هو في ظواهر حكم صنعته ومراضي قضاء قدرته، ونفوذ سلطان عزّه، وتفرده بالصمدية معروف غير مجحود، وهو في حال فقر عباده إليه اعتمام(1) ما خوّلهم إياه، ولا يتعاظم وإن كبر عند المرزوقين، ولا ينقصه عطاؤه إياهم لأنَّه ليس بمحدود من خزائنه، ولا يغيظه تمرُّد المتمردين عليه وإن استكبروا عن أداء الشكر له على ذلك في حال طاعتهم ومعصيتهم إياه، فهو على كل حال محمود .
وكيف لا يكون ذلك وزمام كل شيء في قبضته وقضاء قدرته يحكم فيه ولا يحُكُمُ عليه، الأشياء خاشعةٌ له، وهو على كل شيء قدير .
وهو الله الذي نشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له في ملكه، وأنَّ محمداً عبده ورسوله ،أرسله بالهدى ودين الحقِّ ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون .
اللهمَّ أنزل زاكيات صلواتك، ومكرمات بركاتك، وتحنن رأفتك، وواسع رحمتك، وطيبات تحياتك، وفوز جنّاتك على محمد عبدك ورسولك ونبيك وصفوتك وخيرتك من خلقك، وعلى علي أخيه أمير المؤمنين، ونور العارفين وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، وأفضل الوصيين.
وعلى الأئمة الراشدين الحسن الزكي في الزاكين والحسين الشهيد الصابر في المحنة طهر الطاهرين وعلى علي سيد العابدين وعلى محمد باقر علم الأولين والآخرين، وعلى جعفر الصادق في الناطقين، وعلى موسى نورك الكاظم في الكاظمين وعلى علي الرضا في المؤمنين وعلى محمد المختار في صفوتك المختارين وعلى علي الهادي في الهادين وعلى الحسن المنتجب المستودع سرك في المستودعين.
ص: 51
اللهمّ أصلح بإصلاحك الكامل المبلغ ما بلغته المؤمنين من عبادك، عبدك الزكي الذي استخلصته لنفسك، وخليفتك الذي استخلفته في خلقك، وأمينك الذي ائتمنته على مكنون علمك، وحجّتك التي اتخذتها على أهل سماواتك وأرضك وعينك الناظرة التي حرست بها نعمك عند أوليائك، ويدك التي تقبض بها وتبسط أمرك ونهيك ولسانك الناطق المبين برحمة كنه غيبك ووحيك، ووجهك الدال عليك في وحدانيتك .
وصراط دينك المستقيم وسبيل رشادك المفهوم ومنهج هدايتك المعلوم الصادق الناطق الفاتق الرائق الأمر بطاعتك الناهي عن معصيتك المرجّى الثوابك، المحدر من عذابك حجّتك وابنُ حجّتك وصفوتك وابن صفوتك، وخيرتك وابن خيرتك، وأنيسك من خلقك ووصيك سمي جده رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) الإمام المهدي حجّتك يا رب العالمين، الذي خلقته نوراً للمؤمنين، وقدوةً للمقتدين وملاذاً للائذين وكهفاً للاجئين وأماناً لعبادك المرعوبين، ناصر المضطرين، ومدرك وتر المغلوبين، والآخذ بحق المغصوبين، مجلي الروعات، وكاشف الكربات، ومزحزح الضلالات ومزهق المعطلات، ومشفي الخواطر المضنيات ومزيل الفكر المخرّبات، وفاتح القلوب المقفلات، ومبصر العيون المسملات(1)، ومسمع الآذان الصامات، ومحقُ الكلمات التامات، الفتح الأكبر، والنصر الأظفر، والأمل المنتظر، منتهى رغبة الراغبين وغاية منية الطالبين وأحمد عواقب الصابرين وحبيب قلوب المؤمنين وفرجاً لعبادك المختارين، رحمةً منك لهم يا ربَّ السماوات والأرضين.
اللهمّ أنجز له كلَّ وعدك، وحقق فيه موعدك، واستخلفه في أرضك كما وعدتنا به .
اللهمَّ أورثه مشارق الأرض ومغاربها التي باركت فيها، ومكن له دينك الذي ارتضيته له، وثبت بنيانه وعظم شانه، وأوضح برهانه، وعل درجته، وأفلج حجته، وشرف ،مقامه، وأمض رأيه واجمع شمله وانصر جيوشه وسراياه ،ومرابطيه وأنصاره وأشياعه وأتباعه وأعوانه وحزبه وجنوده وأحباءه وخيرته وأولياءه وأهل طاعته.
ص: 52
اللهمّ انصرهم نصراً عزيزاً، وافتح له فتحاً مبيناً ، واجعل له من لدنك على عدوّك وعدوه سلطاناً نصيراً . اللهم وأمدده بنصرك بملائكتك وبالمؤمنين، واجعلنا له حواريين، ننصره حتى نعزره ونقره ونؤمن به نصدقه ونعزه ونُعَزُّ به .
اللهمّ فاكشف عنا به العمى وأذهب به عنا الضر، واهدنا به سبيل الراشدين، وتول نصر دينك على يد وليك ، واجعلنا ممن جاهد في سبيلك، وطهر الأرض بإظهاره من القوم الظالمين حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين لك يا رب العالمين.
اللهمّ أظهره، وأعزّ بإظهاره وإظهارك له أولياءك ، وأيده وأيد به، وأعلنه ولا تخفيه وامحق قبل إظهارك له أعداءك، وأعز أولياءك، وزد في أعمارهم، وطول آجالهم وتمم ،أيامنا ولا تقصر ،مددنا ولا تمتنا بحسرة من لقاء سيدنا حتى ترينا وجهه وتُشهدنا شخصه، وتسمعنا كلمته وتنجينا في أيامه، وترزقنا نصرته في أعمالنا ونياتنا وقلوبنا وشرفنا في دولته الزكيَّة المباركة الطاهرة المرضية، فإنما نحن أولياؤك يا رب العالمين.اللهمّ وأنزل اللعنة (1) الكافية، المغضبة المردية،
ص: 53
المخزية المخسِرة المدمرة على أعدائك وأعداء ملائكتك وأنبيائك ورسلك
ص: 54
وأصفيائك وأوليائك المخلصين من الظالمين الأولين والآخرين، وعلى أشياعهم وأتباعهم وأحبائهم وحزبهم وجندهم ،ورعيتهم ومن تابعهم بقلبه وعمله، ومن أحمد لهم رأياً وأمراً ورضي لهم فعلاً واستطال لهم رأياً، وقال فيهم خيراً، ودفع عنهم شرًّا وزدهم عذاباً ضعفاً في النار ، والعنهم كثيراً، وأصلهم سعيراً، ولفهم ثبوراً، وتبرهم فيها تتبيراً، ولا تذر منهم كبيراً ولا صغيراً، وأدخلهم في العذاب، ولا تخفف عنهم يوماً منه ، وخلّدهم في الدرك الأسفل من النار وعذبهم عذاباً لا تعذب به أحداً من العالمين، وطهر الأرض منهم أجمعين، ومن بدعهم وخلافهم وجحدهم وجورهم وظلمهم وغضبهم وغشهم وآثامهم وأوزارهم ومكرهم وخداعهم وسيئاتهم، واجعل الأرض منهم جميعاً قاعاً ،صفصفاً لا نرى فيها عوجاً ولا أمتاً .
واجعلنا ممن برئ إليك من أعمالهم والتباسهم وجرائرهم، وثبتنا على ما إليه
ص: 55
هديتنا من موالاة أوليائك وعداوة أعدائك، واجعلنا من الموفين بعهدك وعقدك وميثاقك الذي ألهمتنا لسعادتنا، ولا تضلنا بعد إذ هديتنا، وزدنا بصيرة وإيماناً ويقينا ورضاً ،وتسليماً ولا ترنا حيث نهيتنا ولا تفقدنا من حيث أمرتنا أبداً ما أبقيتنا، بطولِكَ وَمِنْكَ يا أرحم الراحمين .
ص: 56
قال السيد أبو عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي
حدثني جعفر بن محمد بن مالك البزاز الفزاري الكوفي، قال: حدثني عبد الله ابن يونس السبيعي، قال: حدثني المُفَضَّل بن عمر عن سيدنا أبي عبد الله جعفر الصادق(عليه السلام)
قال الحسين بن حمدان(1): حدثني محمد بن إسماعيل الحسني، عن سيدنا أبي عبد الله الحسن بن علي(عليه السلام)وهو الحادي عشر من الأئمة (عليهم السلام)..
قال الحسين بن حمدان : حدثني منصور بن جعفر(2)، قال : حدثني أبو بكر، أحمد بن محمد القرباني(3)، المتطبب ببيت المقدس، لعشر خلون من شهر شعبان سنة اثنين وثلاثمائة، قال: حدثني نصر بن علي الجهضمي(4)، قال: سألت سيدنا أبا الحسن الرضا علي بن موسى بن جعفر(عليه السلام)، عن أعمار الأئمة من آل رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فقال الرضا(عليه السلام) : حدثني أبي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين بن علي أميرالمؤمنين (عليه السلام).
ما رواه، عن جعفر بن محمد بن مالك، عن عبد الله السبيعي، عن المُفَضَّل ابن عمر، عن مولانا الصادق(عليه السلام)... ما رواه، عن محمد بن إسماعيل الحسني، عن أبي محمد الحسن، الحادي عشر من الأئمة(عليه السلام)، فقالوا جميعاً :
ص: 57
أن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)(1)مضى، وله ثلاث وستين سنة(2)، منها أربعون سنة(3)قبل أن ينبأ، ثم نزل عليه الوحي ثلاثاً وعشرين سنة(4)وهاجر إلى المدينة هارباً من مشركي قريش؛ وله ثلاث وخمسون سنة(5).
وأقام بالمدينة عشر سنوات(6)، وقبض يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول(7)من إحدى عشرة سنة من سني الهجرة.
ص: 58
وطه(1)، ونون، وحم عسق والحواميم السبعة والنبي(2)، والرسول(3)، والمزمل، والمدثر، والطواسين الثلاثة وكل ألف ولام وميم وراء وصاد في أول السور فهو من أسمائه وكهيعص .
وفي صحف إبراهيم إلى آدم صلى الله عليهما بالسريانية – مفسراً بالعربية - النبي ،والمحمود والعاقب ،والناجي، والحاشر والباعث والأمين(4).
وكان اسمه في التوراة الوفي وماد الماد. وفي الإنجيل الفارقليط وفي الزبور: مهيمنا، وطاب طاب(5).
ص: 60
كنيته أبو القاسم(1) .
وأمه : آمنة بنت وهب(2) بن عبد مناف(3) بن قصي بن كلاب(4)، بن مرة(5).
والقابه : صفي الله وحبيب الله ، وخاتم النبيين، وسيد المرسلين(6)والأمی(7)والمنتجب ،والمختار ،والمجتبى والشاهد، والنذير، والداعي إلى
ص: 61
الله والسراج المنير، والرحمة، والمبلغ والمصطفى(1).
ومشهده : بالمدينة (2)[المشرفة ](3)، واسمها : يثرب وطيبة .
أولاده قال الحسين بن حمدان الخصيبي : حدَّثني أبو بكر بن أحمد بن عبد الله، عن أبيه عبد الله بن محمَّد الأهوازي - وكان عالماً بأخبار أهل البيت(عليهم السلام).
قال : حدثني محمد بن سنان الزاهري، عن أبي بصير، وهو القاسم الأسدي «لا الثقفي »عن أبي عبد الله جعفر الصادق(عليه السلام)قال :
ولد الرسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)من خديجة ابنة خويلد(عليهم السلام) : القاسم، وبه يكنى وعبد الله ، والطاهر(4)، وزينب ورقية وأم كلثوم (5)، وكان اسمها آمنة، وكان اسمها آمنة، وسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء(عليها السلام)(6)،
ص: 62
وإبراهيم(1)من مارية القبطية(2)، وكانت أمة أهداها المقوقس ملك الإسكندرية(3).
فأما رقية: فزوجت من عتبة(4)بن أبي لهب، فمات عنها (5)، فزوجت لعثمان ابن عفان(6) . وكان السبب في ذلك أنَّ رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)نادى في أصحابه بالمدينة : من جهز جيش العسرة، وحفر بئر رومة، وأنفق عليها من ماله ضمنت له بيتاً في الجنَّة، عند الله ، فقال عثمان بن عفان أنا أنفق عليها يا رسول الله من مالي، فتضمن لي البيت في الجنَّة؟
فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): أنفق عليها يا عثمان وأنا الضامن لك على الله بيتاً في الجنَّة. فأنفق عثمان على الجيش والبئر من ماله طمعاً في ضمان رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وألقي في قلب عثمان أن يخطب رقية من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعرض ذلك على رسول الله .
فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): إنَّ رقية تقول لك لا تزوجك نفسها إلا بتسليم البيت الذي ضمنته لك، عند الله بزوجك في الجنَّة تدفعه إليها بصداقها، فإني أبرأ من ضماني لك البيت بتسليمه إليها إن عاشت رقية أو ماتت .
فقال عثمان أفعل يا رسول الله . فزوجها رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وأشهد على عثمان في الوقت أنه قد برئ من ضمانة البيت له وأنَّ البيت لرقية دونه، لا رجعة لعثمان على رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) فيه إن عاشت رقية أو ماتت .
ثمَّ إن رقية توفيت(7)قبل أن تجتمع بعثمان ولهذا السبب زوجت رقية نفسها .
ص: 63
.. ........
ص: 64
..........
ص: 65
...........
ص: 66
وأما زينب فزوجت من أبي العاص بن الربيع(1)، فولدت منه بنتاً سمَّاها أمامة، فتزوج بها أمير المؤمنين بعد وفاة فاطمة(عليها السلام)(2)
وأمَّا أم كلثوم : فإنها لم تتزوج بزوج(3)، وماتت قبل وفاة رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)(4).
وروي : أنَّ زينب كانت ربيبة رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)من جحش بعد خديجة (5)؛ قبل النبي ولم يصح هذا الخبر، ولا ملك خديجة أحد غير رسول الله، ولا ملك زوجة غيرها حتى توفيت .
ص: 67
أزواجه وكانت من أزواجه بعدها أم أيمن وأم سلمة(1)، وميمونة بنت الحارث الهلالية، ومارية القبطية - وكانت أمة - أفضل أزواج رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)وبعدهن : صفية، وزينب زوجة زيد بن حارثة .
والمذمومات عائشة وحفصة وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وهن ممن قال الله فيهن ﴿عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَجًا خَيْرًا مِنكُنَّ مُسْلِمَتٍ مُّؤْمِنَتٍ فَيْتَتٍ تَنَبَتٍ عَبِدَاتٍ سَبِحَتٍ ثَبَتٍ وَأَبْكَارًا ﴾(2)، وهذا أوضح دليل أنه لم يكن فيهن من هذا الوصف شیء.
وقال الله تعالى: ﴿يَنِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ﴾(3).
وقوله : ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾(4). وقد عرف من خرج وتبرج وشهد على أولاد الأنبياء أنهن إذا عصين عذبن بالنار(5).
وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿ ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانتا تحتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَلِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾(6)
وجمع رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) بين ثلاث عشر امرأة (7).
ص: 68
..........
ص: 69
وتوفي عن تسع أزواج(1).
ومن دلائله وبراهينه(صلی الله علیه وآله وسلم)
1 - ما رواه السيد الحسين بن حمدان الخصيبي عن [الحسن] بن علي البلخي، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد جعفر الصادق(عليهم السلام)، عن آبائه(عليهم السلام) قال : خرج رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وقد أصابه جوع شديد فمرَّ بأمير المؤمنين فقال : يا علي هل عندك طعام نطعمه»؟
فقال : يا رسول الله والذي بعثك بالحق نبياً ؛ واصطفاك على البشر ما طعمت طعاماً منذ ثلاثة أيام.
فأخذ(عليه السلام) بيده وانطلقا فإذا هما بالمقداد بن الأسود الكندي وأبي ذر، وعمار بن ياسر فقال لهم رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) : «إلى أين؟
فقالوا : إليك يا رسول الله .
فقال :« هل عند أحدكم طعام»؟
ص: 70
فقال القوم جميعاً ما أخرجنا إلَّا الجهد يا رسول الله .
فقال : «أبشروا فإنَّ الله(عزّوجل)أمر الجنة أن تتهيأ بأحسن هيئتها فتهيأت، وقال لها : يا جنتي من تحبين أن يسكنك؟ فقالت : أحب خلقك عليك، فقال لها : إني جعلت سكانك محمداً رسولي، وأهل بيته صلوات الله عليهم، وأصحابه وشيعته، وأنتم والله أصحابي وشيعتي وشيعة أهل بيتي وعترتي».
ثم أخذوا في طريقهم، فمروا بمنزل سعد بن مالك الأنصاري، فلم يلقوه، فقالت زوجته يا رسول الله فداك أبي وأمي ادخل أنت وأصحابك، فإنَّ سعداً يأتيك الساعة، فدخل هو وأصحابه جميعاً فأرادت أن تذبح عنزاً لهم فقال لها النبي :« ماذا تريدين»؟ .
قالت اذبح هذه العنزة لك ولأصحابك.
فقال لها : «لا تذبحيها فإنها عنزة مباركة ولكن قربيها مني .
فقالت یا رسول الله إنها ليس لها لبن وهي سمينة وقد عقرها الشحم فلم تحمل .
قال: «قرَّبيها إليَّ». فأدنتها منه ؛ فمسح يده المباركة على ظهرها فأنزلت لبناً، فاحتلبها، ونزع الإناء، فشرب وأسقى أصحابه حتى رووا من ذلك اللبن. ثم قال لها : «يا أم مالك إذا أتاك سعد فقولي له : يقول لك رسول الله : إياك أن تخرج هذه العنز من دارك، فإنها من قابل تحمل وتضع ثلاث سخلات في بطن، ويحملن جميعهن من قابل وتضع كل واحدة منهن أربع سخلات في بطن» .
ثم نظر في داره، وإذا هو ببقرة حمراء، فقال لامرأة سعد: «قولي لسعد: يستبدل بهذه البقرة بقرة سوداء، فإنها تضع عجلتين ببطن واحد ثم تحملان عن قليل معأمهما، فيضعن جميعا اثنين اثنين .
ورأى في جانب داره نخلة أشر ما يكون من النخل، فصعد إليها وتكلم بكلام خفي، فأنزل الله فيها بركته فحملت حملاً حسناً وأرطبت رطباً حسناً لم يكن في المدينة رطب بشبهه ولا رؤي ،مثله ودعا لسعد وأهله بالبركة.
وبشرها بغلام، وذلك أنها قالت: يا رسول الله فديتك بأبي وأمي أنا حامل ،فادع لي، فدعا لها أن يهب الله لها غلاماً ذكراً سوياً .
وخرج رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)ومن معه وأقبل سعد إلى أهله فأخبرته بدخول رسول
ص: 71
الله ، وأمير المؤمنين(عليه السلام)، والمقداد وأبي ذر وما قاله النبي لها، وما فعل بالعنز، والبقرة، والنخلة، وما بشرها به ودعائه لها، ففرح سعد بذلك وأقبل إلى النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)، فقال له : «يا سعد أخبرتك أم مالك بما قالت وقلت لها»؟ .
قال : نعم.
قال : «استبدل ببقرتك بقرة سوداء فإن الله تبارك وتعالى يهب لك منها عجلتين، ويولد لك غلام ».
قال أبو عبد الله جعفر الصادق(عليه السلام) : ما خرجت تلك السنة حتى وهب الله له منها ،غلاماً ، ورزق جميع ما قاله رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)، وما مضى له أربع سنين حتى كان أكثر أهل المدينة مالاً وأخصهم بها رجلاً، وكان النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)أكثر ما يأتي هووأصحابه إلى منزل سعد».
2 - وعنه ، قال : حدثني عبد الله بن جرير النخعي عن أبي مسعود المدائني، - عن أبي الجارود، عن أبي جعفر محمد بن علي قال: «أقبل أعرابي إلى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) وهو مع أصحابه جالس فقال : يا رسول الله كنت رجلاً ملياً كثير المال وكنت أقري الضيف، وأجل (1) وأجبر، وآمر بالمعروف وأنهي عن المنكر، وكان الله عليَّ نعمة، فذهب جميع ما كنت أملك من قليل وكثير، فشمت بي أقاربي وأهل بيتي، فكانت الشماتة عليّ أعظم من زوال النعمة وما ابتليت به».
قال: «صدقت في جميع ما ذكرت»، ثم التفت إلى جميع أصحابه، فقال: «من معه شيء يدفع إلى هذا الرجل»؟
فقالوا: يا رسول الله ما يحضرنا شيء.
فقال: «سبحان الله ما أعجب هذا»، ثم حوّل وجهه ضاحكاً مستبشراً، ورفع مصلى كان تحته وإذا بسبيكة ذهب فدفعها إليه وقال له :« خذها واشتر بها غنماً ضأناً، فإنها تبقى عليك إلى أن تموت ».
ص: 72
فقال الأعرابي : ادعُ لي يا رسول الله أن يكثر الله مالي وولدي.
فقال رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ): اللهم كثر ماله وولده .
قال أبو جعفر(عليه السلام): فما مات الأعرابي حتى ولد له اثنا عشر ولداً ذكوراً، وعشر بنات، وكان أكثر العرب مالاً، ويقال : أن الأعرابي علقمة بن علاقة العامري .
3- وعنه ، قال : حدثني جعفر بن أحمد القصير، عن أحمد بن جبلة عن زيد ابن خالد الواقفي، عن عبد الله بن جرير، عن يحيى بن نعيم، عن أبي حمزة الثمالي، عن جابر بن عبد الله بن عمر بن حزام الأنصاري، قال: خرجنا مع رسول الله إلى بني قريظة، وأقمنا إلى أن فتح الله على رسول الله وعلينا، فانطلقنا راجعين وكان في طريقنا رجل من اليهود فلما قربنا من كنيسته تلقانا والتوراة على صدره منشورة مزينة فلقي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فرحب به وقربه، وقال له: «يا أخا اليهود ما لك قد سعيت إلينا بالتوراة العظيمة القدر في كتب الله المنزلة»؟
فقال له اليهودي : جعلتها وسيلتي إليك يا رسول الله لتنزل وتأكل من طعامي.
فقال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم):(صلى الله عليه وآله وسلم)« لقد توسلت بعظيم، وأنا مجيبك يا أخا اليهود».
ثم نزل ونزلنا ، فإذا بطعام اليهودي قد حضر وحضر معه من تولى إصلاحه من المسلمين، وقال اليهودي : يا أيها النبي أنا ما صنعت طعامك بيدي، بل قوم من أهل دينك، لأنا عرفنا أنك تكره طعامنا أهل الملل ،قبلك فجلس النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وكان على الطعام خروف مشوي فغسل النبي يديه وغسلنا أيدينا، ومددنا إلى الطعام، ودعا بالبركة وضرب بيده إلى الخروف، فثغا الخروف واضطرب، فرفع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يده عنه ورفعنا أيدينا عنه فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): يا أخا اليهود عرفنا توسلك وعرفنا التوراة حقاً، وضيعت ما حفظناه فيك، أغواك الشيطان حتى رأيت هذا الخروف، وسمعت منك ما قد عرفته من نفسي» .
قال اليهودي : فإن كنت رسول الله حقاً فاسأل الله أن ينطق هذا الخروف كما أحياه لك فيخبرك بقصتنا .
ص: 73
فقال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) :« اللهم إني أسالك بقدرتك التي ذل لها ملكك إلا ما أنطقت هذا الخروف بهذه القصعة».
فقال الخروف في وسط القصعة : أشهد أن لا اله إلا الله، وأنك محمّد رسول الله، وأن الذي كان سمني لك عدوك عتيق ،وزفر، صارا إلى هذا اليهودي فدفعا إليه عشرين ديناراً وعهدوا له ولقومه من اليهود أن لا يؤذوا، وأن لا يسخروا ولا يعشروا، ولا يكرهوا على شيء يريدونه، وأنه دس السم في الطعام وتلقاك به وقالا له : إلقه في التوراة فأنه يعظمها، واسأله أن ينزل بك، وهاك هذا الخروف وهذه العشرين ديناراً، فاتخذ بها خبز البر وفاخر أطعمة الأعاجم طبيخاً ومشوياً، ودس هذا السم بهذا الخروف ففعل ذلك .
قال جابر بن عبد الله : والله لقد ظننا أن شنبويه وحبتر - لعنهما الله - قد ماتا ، لأنهما طأطاً وجهيهما .
قال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): ارفعا رأسيكما، لا رفع الله لكما صرعة، ولا أقالكما عثرة، ولا عقر لكما ذنباً ولا جريرة وأخذ بحقي منكما، إلى كم هذه الجرأة على الله ورسوله؟
فأظهرا اختلاط عقل ودهشة حتى حملا رحليهما وضرب النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بيده إلى الخروف وقال له : «ارجع بإذن الله مشوياً كما كنت»، فرجع الخروف كما كان.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)-«وقد ضرب بيده إلى لحمه -: «بسم الله الذي لا يضر مع اسمه داء ولا غائلة، وأكل، ثم قال: «كلوا» يرحمكم الله» .
فقال اليهودي : أنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك محمد عبده ورسوله حقاً حقاً، وإله موسى وهارون، وما أنزل في التوراة لقد قص عليك الخروف القصة، ما نقص حرفاً ولا زاد حرفاً. وأسلم اليهودي وغزاست غزوات، واستشهد في ذات السلاسل (رحمۀ الله علیه)(1)
ص: 74
4 - وعنه : عن أحمد بن محمد الحجال، عن جعفر بن محمد الكروزوني، عن الحسن بن مسكان عن صفوان الجمال قال قال جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام) : «لما نزلت هذه الآية: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾(1) دعا رسول الله علياً (عليه السلام)فقال : يا علي إصنع لنا طعاماً فخذ شاة وصاعاً من بر، وادع عشرة من بني هاشم وبني عبد المطلب، فصنع علي ما أمره رسول الله، وأدخلهم عليه، وكان الرجل منهم يأكل الجذعة وحده، فقرب علي منهم المائدة وقدم القصعة ووضع النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) یده على دورة القصعة.
وقال : هلموا وكلوا على اسم الله فأكلوا حتى صدروا، وفضل كثير، فبادرهم رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)بالكلام، وقال: «أيكم - يا بني عبد المطلب - يقضي ديني، وينجز وعدي، ويقوم مقامي ويكون خليفتي في أهلي ومالي، وأكون أخاه ويكون أخي في الدنيا والآخرة، ويكون وزيري وخليلي وصفيي وموضع سري، ويكون معي في درجتي»؟
فسكت القوم كلهم فقال علي(عليه السلام) :« يا رسول الله أنا أقضي دينك وأنجز وعدك، وأكون خليفتك في أمتك وأهلك، وأكون أخاك وتكون أخي وأكون معك وعلى درجتك في الدنيا والآخرة».
وكان علي(عليه السلام) أصغرهم سناً، وأعظمهم بطشاً، وأحمشهم ساقاً، فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) : قد فعلت يا علي فوجبت يومئذ المؤاخاة والمؤازرة له(عليه السلام) » .
5 - وعنه ، عن محمد بن إسحاق، عن عتبة بن مسلم - مولى بني تميم - وعبد الله بن الحارث ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب، عن عبد الله بن العباس، عن علي بن أبي طالب(عليه السلام)، قال : لما نزلت هذه الآية على رسول الله قال : يا علي إن الله أمرني أن ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ فضقت ذرعا، وعرفت أنني متى أبديت لهم ذلك أرى منهم ما أكره، فصمت حتى جاءني جبرائيل(عليه السلام) فقال :
ص: 75
يا محمد إنك إن لم تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك فاصنع لي يا علي صاعا واجعل عليه رجل شاة واملأ لنا عساً من لبن واجمع لي بني عبد المطلب حتى أكلمهم وأبلغهم ما أمرت به ففعلت ما أمرني ،به ثم دعوتهم وهم يومئذ أربعون رجلاً لا يزيدون رجلاً ولا ينقصون رجلاً وجئت بالطعام فلما وضعته تناول رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) جذوة من اللحم فشقها في نواجذه ثم ألقاها في نواحي الطعام في القصعة، ثم قال: خذوا بسم الله ، فأكل القوم حتى ما بهم من حاجة وما أرى إلا مواضع أيديهم وايم الله الذي نفس عليّ بيده، لقد كان الرجل منهم يأكل ما قدمت لجميعهم .
ثم قال : أسبق القوم، فجئتهم بذلك العس فشربوا حتى رووا جميعاً وايم الله لقد كان الرجل منهم يشرب مثله .
فلما أراد رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) أن يكلمهم بدره أبو لهب، فقال: لقد سحركم ،صاحبكم، فتفرق القوم ولم يكلمهم رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)، فقال : من الغد إن هذا الرجل قد سبقني إلى ما سمعت من القول فتفرق القوم ولم أكلمهم، فاعد لنا من الطعام مثل ما صنعت ثم أجمعهم إليَّ ، قال ففعلت ثم جمعت .
ودعا بالطعام فقربته إليهم ففعل كما فعل بالأمس، فأكلوا حتى ما بهم من حاجة ثم قال : اسقهم فجئتهم بذلك العس فشربوا حتى رووا منه جميعاً، ثم تكلم رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فقال : يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم أن إنساناً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، وإني جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على أمري هذا كله على أن يكون أخي ووصيي ووليي وخليفتي فيكم؟
فأحجم القوم، عنها جميعاً، فقلت: - والله إني أحدثهم سناً، وأطولهم باعاً، وأعظمهم بطشاً وأحمشهم ساقاً - أنا يا رسول الله مؤازرك، فأخذ رقبتي بيده، وقال : هذا أخي ووصيي وخليفتي، فاسمعوا له وأطيعوا .
قال فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب قد أمرك أن تسمع لعلي وتطيعه طاعة لا بطانة بها .
ص: 76
6 - وعنه ، عن علي بن الحسين المقري عن يحيى بن عمار، عن جعفر بن سنان الزيات عن الحسين بن معمر عن أبي بصير، عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) قال : «سار أبو طالب إلى الشام في بعض ما كان يخلف النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) بمكة، فكان يومئذ صغيراً، فلما صار معه إلى الشام خلفه أبو طالب في رحله، و دخل يمتار حوائجه .
والنبي(صلی الله علیه وآله وسلم)، عند شجرة، عند دير النصارى فأوى إلى تلك الشجرة، فنام فلم يزل نائماً، وكان لا يقدر أحد من الناس أن يدنو إلى تلك الشجرة ولا يقربها، مما كان عندها من الهوام والحيات والعقارب وبحيرا الراهب ينظر إلى النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)وإلى القوم، فأقبل يتعجب من ذلك، وقال: هذا غلام غريب نائم ها هنا، وأخاف عليه من الهوام فأقبل إليه، فانتبه من نومه ودعاه إليه، فأقبل النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)وإذا هو معافى لم يمسه سوء مما خاف عليه بحيرا الراهب.
فقال :يا غلام من أنت؟ وكيف صرت إلى تحت هذه الشجرة؟
فقال: «خلفني ها هنا عمي ومضى يقضي حوائجه من الشام، وإن لي حافظاً من الله».
فقال له بحيرا: من أنت؟ وما اسمك؟
فقال: «أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ».
قال : هل لك اسم غير هذا؟
قال : (نعم، أحمد)
قال : هل لك اسم غير هذا؟
قال: «الأمين».
قال بحيرا : اكشف لي عن كتفك فكشف له فنظر بحيرا إلى خاتم النبوة بين كتفيه، فلما رآه قبل فوق الخاتم، وأقبل أبو طالب وقد باع حوائجه، فقال بحيرا: ما هذا منك ولا أنت منه، فقد رأيت من هذا الغلام عجباً، ما نام تحت هذه الشجرة بشر وسلم من الهلاك، ولم يزل هذا الغلام نائماً تحتها وجميع ما تحتها من الحيات والعقارب حوله تحرسه في نومه.
ص: 77
فقال أبو طالب هذا ابن أخي . قال له : ما فعل أبوه؟
قال : «مات».
قال : ما فعلت أمه؟
قال : «ماتت».
قال : ما اسمه؟
قال: «محمّد».
قال : هل له اسم غير هذا ؟ قال: «نعم، أحمد».
قال: هل له اسم غير هذا ؟
قال : «الأمين».
قال : إن ابن أخيك هذا نبي ورسول ولا تذهب الأيام والليالي حتى يو إليه الله ويسوق العرب ،بعصاه، ويملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً
وظلماً، فاتق عليه خاصة من قريش واليهود ؛ فإنهم أعداء له من بين الناس.
قال له أبو طالب : «يا هذا رميت ابني بأمر عظيم أتزعم أنه نبي ولا تذهب الأيام والليالي حتى يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً ، شرقاً وغرباً، ويسوق العرب بعصاه»؟
قال بحيرا : لقد والله أخبرتك عن أمره، وهذا الذي نجده عندنا مكتوباً في سفر كذا وكذا من الإنجيل وهو الذي بشرنا به السيد عيس بن مريم
(عليه السلام)، ولم أقل فيه إلا الحق فالله الله في الغلام لا تقتله قريش واليهود، فاكتم عليَّ ما قلت لك، وأنا أشهدُ أنَّهُ محمد رسولُ الله ، وأنه الغلام الهاشمي القرشي الأبطحي وأنه عندنا مكتوب اسمه واسم أبيه من قبل، وإن أنكر من أنكر .
واعلم أنك تلقى رجلاً من إخواني ممن هو على ديني وقد قرأ مثل ما قرأت من هذه الكتب بأرض تهامة(1)، وسيقول لك بهذا الغلام ما قلته لك.
ص: 78
وكان صاحب بحيرا ورقة بن نوفل وكانا جميعاً ممن استحفظ الإنجيل وأخبار محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)وكانا أعلم أهل زمانهما .
فرجع فرحاً بما سمع من بحيرا الراهب، حتى إذا دخل أرض تهامة استقبله ورقة ابن نوفل الراهب وهو من المستحفظين الذين استودعوا علم الإنجيل والزبور، فقال ورقة بن نوفل مثل ما قاله ،بحيرا، وقال : اكتم علي يا شيخ ما قلته في هذا الغلام.
قال : وانتشر خبر النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) بأرض تهامة وكلام ورقة، فأقبلت قريش إلى ورقة بن نوفل .
فقالوا : ما هذا الذي انتشر عنك فيما قلت من هذا الغلام؟ والله لئن نطقت فيما نطقت به من أمره لنقتلنّك بأعظم قتلة، فاعلم ذلك، فخاف ورقة على نفسه فخرج من أرض تهامة وقد أظهر من أمر رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) ما أظهر، وأشهد على نفسه أنه يشهدُ أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريكَ لهُ، وأنَّ محمداً عبده ورسوله، وأنهُ نبي ورسول.
وقصد إلى الشام هارباً من قريش لأنه خافهم على نفسه، فما لبث النبي بعد ما قاله ورقة وبحيرا إلا يسيراً حتى أظهر الله دعوته، وطلبوا ورقة بن نوفل فلم يقدروا عليه .
وحفظه أبو طالب من قريش واستوهب النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) عليا بن أبي طالب من أبيه فوهبه له، فدعاه إلى الإسلام وإلى دين الله فأجابه يومئذ وهو ابن سبع سنوات. فكان أول من أسلم علي بن أبي طالب(عليه السلام)، فمكث على ذلك سنتين، وكان أبو طالب يقول لعلي: «أطع ابن عمك واسمع قوله فإنه لا يألوك(1) خيراً». فكانا يصليان جميعا ويكتمان ما هما فيه حتى أظهر الله أمر دينه فكان هذا من دلائله السلام .
7- وعنه عن أبي العباس، عن أبي غياث بن يونس الديلمي، عن أبي داود الطوسي، عن محمد بن خلف الطاطري عن أبي بصير، عن أبي عبد الله جعفر بن
ص: 79
محمّد ، قال : «لما بلغ رسول الله أربعة عشر سنة، وكان يومئذ أقل أهل المدينة مالاً ، فأكرى نفسه لخديجة ابنة خويلد على بكر وحقة .
وخرج غلام خديجة إلى الشام وكان لها غلام صدوق اسمه ميسرة؛ فأمرته خديجة - لما أراد الخروج - أن لا يخالف النبي فيما يأمره به، إذ رأيه سديد معروف بذلك، وكانت قريش لا تصدر عن رأيه في كل ما يأتيهم به، ويخوفهم من أمره، فلذلك وصت خديجة ميسرة أن لا يخالف أمره.
وخرجا إلى الشام فباعا ما كان معهما من التجارة وربحا ربحاً ما ربحت خديجة بمثله، ورزقت بتلك السفرة ما لم ترزق مثله ببركة النبي(صلی الله علیه وآله وسلم).
فأقبلا بتلك الغنيمة، وما رزق الله ، حتى إذا قربا من أرض تهامة قال ميسرة للنبي (صلی الله علیه وآله وسلم): «لو تقدمتُ إلى خديجة فبشرتها بما رزقها الله رجوت لك منها جائزة عظيمة، ففعل النبي ذلك .
وكان لخديجة منظرة في مستشرف الطريق تقعد فيها ونساء قومها، وكانت قاعدة في المنظرة تنظر إليه ومن معها من النساء فقالت لهن : يا هؤلاء ما ترين إن لهذا الرجل قدراً عظيماً؟
أما ترينه منفرداً وعلى رأسه غمامة تسير بمسيره وتقف لوقوفه وتظله من الحر والبرد، والطير ترفرف عليه بأجنحتها، ولها زجل وتسبيح وتمجيد وتقديس الله رب العالمين يا ليت شعري من هو ؟ وأنه مقبل نحوها .
فقالت : أظن هذا الرجل يقصد حينا، فلما دنا منها تبينته، فقالت لهن هذا محمد بن عبد الله ! فقرب منها فسلم، فردت (عليه السلام)وقرّبته منها، ورفعت مجلسه، فبشرها بما رزقها الله تعالى من تجارتها، ففرحت بذلك فرحاً شديداً، وازدادت فيه رغبة وضاعفت له الرزق أضعافاً، وقالت: يا محمد أعرض عليك أمراً وهي حاجة لي بعضها، وهي لك حظ ورغبة .
قال :« وما هي»؟
قالت : أريد أن تتزوجني فقد تباركت بك، ورأيت منك ما أحب، وأنا من عرفت شرفي وحسبي ونسبي وموضعي من قومي وسيادتي في الناس، وكثير لا ينالون تزويجي، وقد عرضت نفسي عليك .
فقال لها رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) : «أو تفعلين ذلك»؟
ص: 80
فقالت: ما قلت إلا ما أريد أن أفعله .
فقال لها :« حتى أستأمر ،عمي وأخبرك ما يكون إن شاء الله تعالى».
وانطلق إلى عمه فأخبره ما قالت خديجة فقال له عمه :« يا بني إنها من قوم کرام فتزوجها، ولا تخالفها فإنها فائقة في الحسب والنسب والشرف والمال، وهي رغبة لمن تزوجها».
فأقبل إليها وأخبرها بما قاله عمه، فقالت : «إذا كان كذا وكذا، فأقبل».
يوم فلما كان اليوم المعلوم أقبل ابن عمها وأهلها وتهيأت خديجة لما أرادت ونحرت البدن، واتخذت طعاماً كثيراً.
وأقبل النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)وعمه وبنو عمه، وأهل بيته من بني عبد المطلب خاصة، وأرسلت خديجة إلى عمها وأهل بيتها فدعتهم ولم يعلم الفريقان إلى ما دعوا، فأطعمت القوم الطعام ونحرت البدن على الجبال والشعاب والأودية بمكة وجعلتها قرى للناس والطير والسباع والهوام سبعة أيام وأمرت بسقي القوم، فلما شربوا وأخذوا في حديثهم.
قال أبو طالب لعمها :« لك في الشرف العظيم من قومك، وأنت الكفؤ الكريم ومحمد بن عبد الله ولد أخي، وهو لا يجهل حسبه ولا ينكر نسبه، وقد أتاك خاطباً خديجة ابنة خويلد، وهو ممن قد عرفتم أمره وحاله».
فقال عمها يا أبا طالب خديجة مالكة نفسها وأمرها إليها، فأرسل إليها واستأذنها . فأرسل إليها عمها يستأمرها .
فقالت : يا عم زوّجه فإنه بالنسب الثاقب والفرع الباسق، وليس هذا ممن یرد، فزوجه عمها في مجلسه، وذلك بمحضر من الفريقين، فخرجوا قريرة أعينهم بمجلسهم، وما كان من خديجة في تزويج محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)، وذلك أنها خطبت من أكابر قريش وسائر العرب، فلم تزوج نفسها فلما خرجوا احتبس النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) عندها فقالت له : «يا محمد ما نحلتك»؟
قال: «البكر والحقة وهما نحلة مني إليك وما أضعفت لي بعد ذلك من الرزق فهو في بيتك في موضع كذا وكذا».
فقالت: «قد قبلته وقبضته فادخل بأهلك متى شئت»، فبات عندها ليلته من أقر الناس عيناً وأحبهم إليها من جميع الناس وأصبحوا من غد ذلك اليوم، فقدم
ص: 81
بعض حساد محمّد(صلی الله علیه وآله وسلم) إلى عمها وقالوا زوجت بنت أخيك بغلام فقير قليل المال؟
فأقبل عمها إلى أبي طالب نادماً، وقد بلغ أبا طالب ندامته، فقال له : «يا هذا إن المال يأتي ويذهب وقد رأينا من لم يكن له مال فرزقه الله مالاً ورزقاً حسناً واسعاً».
وقد بلغ خديجة ذلك فأرسلت إليه، فأقبل إليها وهو نادم على ما كان منه، فقالت له :« يا عم لا تتهمني في نفسك ما زوجته أنت، بل الله زوجه، فهو ممن عرفت شرفه وكرمه وأمانته».
فقال لها : نعم، صدقت هو كما تقولين وأفضل، ولكن ليس له مال.
قالت له : يا عم إني ما قدمت إلا على بصيرة، وقد رأيت بعيني ما رأيت، ورأى ذلك نساء قريش معي» .
قال : ما الذي رأيت ورأين؟
قالت: «قد أقبل من تجارتي التي أنفذته بها مبشراً بالأرباح التي رزقني الله على يده وأنا جالسة في المنظرة فرأيته مقبلاً فرداً وعلى رأسه غمامة تسير بمسيرة، وتقف بموقفه، وتظله من الحر والبرد، ورأينا رجالاً بأجنحة لا بأيدٍ من حوله ومن فوقه يسيرون بمسيره ويكنفونه ويرفون عليه بأجنحتهم؛ ولهم زجل بالتسبيح والتهليل والتمجيد والتقديس الله (عزوجل ).
فهذا ما رأيت ونساء قومي وقلت لهن ترين هذا الرجل الكريم على الله (عزوجل ) العظيم المنزلة عند الله، الذي أظله بالغمام وحفّه بالملائكة؟ إلى أن قرب مني فتبينته فرأيته محمداً بن عبد الله، ورأى نساء قومي، فمن أجل ذلك يا عم رغبت فيه وعلمت أن له شأناً عظيماً، ويؤول إلى نبوة ورسالة». فسرّ عمها وخرج .
وقال : يا خديجة اكتمي هذا الأمر، ولا تظهريه ولا تذكري شيئاً من الغمام والملائكة، فتسمع به قريش ،فتقتله وخرج من عندها وقالت: «اكتم أنت ذلك يا عم، فإنه قد بات عندي ودخل بأهله، فعند ذلك شكره العم وعرف فضله. فكانت هذه من دلائله(عليه السلام).
ص: 82
8 - وعنه عن أبيه حمدان بن الخصيب، عن أحمد حمد بن الخصيب قال كنا بالعسكر ونحن مرابطون لمولانا أبي الحسن وسيدنا أبي محمد(عليه السلام)قال: «لما أظهر الله دينه ودعا رسول الله لا إلى الله ، كانت بقرة في نخل بني سالم فدلت عليه البقرة وآذنت باسمه، وأفصحت بلسان عربي مبين – في جميع آل ذريح فقالت: يا آل ذريح صائح يصيح بأن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً رسولَهُ حقاً.
فأقبل آل ذريح إلى النبي فآمنوا به وكانوا أول العرب إسلاماً وإيمانا وطاعة لله(عزوجل ) ولرسوله .
9 - وعنه، عن أبيه عن عمه بهذا الإسناد عن الصادق جعفر بن محمد(صلی الله علیه وآله وسلم) قال : تكلمت في عهد رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)بقرة، وهي كانت في نخل آل بني سلام فصاحت لآل ذريح الذئب، وهو الذي أقبل إلى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) فشكا إليه الجوع فدعا النبي بالرعاة .
فقال : افترضوا له شيئاً، فخشوا، فقال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) للذئب : «اختلس ما تجد»، فصار الذئب يختلس ما يجد لأنه مسلط» .
قال أبو عبد الله جعفر بن محمد(صلی الله علیه وآله وسلم) : «وايم الله لو كانوا فرضوا للذئب ما زاد عليه إلى يوم القيامة».
وأما الجمل : فإن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، و كان جالساً في أصحابه، إذ نظر إلى بعير ناد، حتى أقبل إليه وهو جالس بين أصحابه فضرب في أخفافه ورغا، فقال القوم : يا رسول الله يسجد لك هذا البعير فنحن أحق أن نسجد لك
قال لهم:« اسجدوا الله رب العالمين، إن الجمل يشكو إليَّ أربابه، ولو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ».
ص: 83
فوقع في قلب رجل منهم ما شاء الله أن يقع في قلبه من كلام النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)، فما لبث إلا قليلاً حتى أتى صاحب البعير، فقال له : يا أعرابي هلم إلي، فما بال هذا البعير يشكو من أربابه؟
فقال يا رسول الله ما يقول؟
قال : يقول : أنكم أنختموه صغيراً وأعنفتموه كبيراً، ثم أنكم أردتم نحره . قال الأعرابي : والذي بعثك بالحق نبياً، واصطفاك بالرسالة نجياً، ما كذب هذا البعير، ولقد قال بالحق .
فقال النبي :« يا أعرابي اختر واحدة من ثلاث إما أن تهبه لي، وإما أن تبيعني إياه، وإما أن تجعله سائباً لوجه الله».
فقال: يا رسول الله أهبه لك .
فقال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): «اللهم أشهدكم عليّ أني جعلته سائباً لوجه الله».
كان البعير يأتي المعالف فيعتلف منها ولا يمنعوه حياءً من رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)حتى هَلَكَ الجمل. فكان هذا من دلائله .
10 - وعنه بهذا الإسناد عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام)قال: «كان رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)جالساً والناس حوله، فقال لهم : أنه يأتيني غداً تسعة نفر من حضرموت يسلم منهم ستة وثلاثة لا يسلمون.
فوقع في قلوب الناس من كلامه ما شاء الله أن يقعَ، فلما أصبحوا وجلس النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) في مجلسه، أقبلت التسعة رهط من حضرموت، حتى دنوا من النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)وقالوا له : يا محمد اعرض علينا الإسلام، فعرض رسول الله عليهم الإسلام فأسلم منهم ستة وثلاثة لم يسلموا، فوقع في قلوب الناس مرض وانصرفوا .
قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): « يموت منهم واحد وهو هذا الأول، وأما هذا الآخر فإنه يخرج في طلب إبل له فيستلبه قوم فيقتلونه، وأما الثالث فيموت بالداء والدبيلة».
ص: 84
فوقع في قلوب الذين كانوا في المجلس أعظم مما وقع في الكرّة الأولى، فلما كان من قابل أقبل الستة الرهط الذين أسلموا حتى وقفوا على النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)فقال لهم: «ما فعل الثلاثة أصحابكم الذين كانوا معكم ولم يسلموا»؟
فأخبروه بموتهم - والناس يسمعون - والتفت إلى أصحابه فقال لهم: «ما قلت لكم في العام الماضي في هؤلاء القوم»؟
فقالوا : سمعنا مقالتك يا رسول الله، وقد ماتوا جميعاً في الموتات التي أخبرتنا بها فكان قولك الحق عند الله، فأنت الأمين على الأحياء والأموات.
فكان هذا من دلائله (صلی الله علیه وآله وسلم)
11 - وعنه، عن أبي بكر القصار، عن سيف بن عميرة، عن بكر بن محمد، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)قال : لما دعا النبي قريشاً إلى الله وخلع الأنداد اشتد ذلك على قريش وغمهم غماً شديداً، وتداخلهم أمر عظيمٌ ،وقالوا : إن ابن أبي كبشة ليدعي أمراً عظيماً، ويزعم أنه نبي ورسول.
فأتاه منهم أبو جهل لعنه الله - عمرو بن هشام بن المغيرة – وأبو سفيان، وسفيان بن حوشبة وعتبة بن ربيعة وهشام والوليد بن عتبة وصناديد قريش المنظور إليهم، وقالوا يا محمد تزعم أنك نبي ورسول، وقد ادعيت أمراً : عظيماً لم يدّعِهِ آباؤك، ولا أحد من أهل بيتك، ونحن نسألك أمراً إن جئتنا به وأريتنا إياه علمنا أنك نبي ورسول، وإن أنتَ لم تفعل ذلك علمنا أنك تدعي الباطل وتقول السحر والكهانة .
فقال لهم : «ما حاجتكم»؟
فقالوا : نريد أن تدعو لنا هذه الشجرة تنقلع بعروقها وتقف بين يديك.
فقال لهم :« إن أفعل هذا تؤمنون»؟
قالوا نعم نؤمن.
قال لهم:« سأريكم ما تطلبون وأعلم أنكم ما تجيبون ولا تؤمنون؟ ولا تؤولون إلى خير».
ص: 85
فقال للشجرة :« يا أيتها الشجرة، إن كنت تؤمنين بالله واليوم الآخر، وتعلمين أني رسولُ اللهِ حقاً فانقلعي بعروقك حتى تقفي بين يدي».
قال: ما استتم كلامه حتى اقتلعت الشجرة ووقفت بين يديه، فلما نظروا إليها اغتموا غماً شديداً، وقالوا له : مرها أن ترجع إلى مكانها وليأتك قسماً سوياً، فأمرها بذلك ؛ فأقبل نصفها وبقي نصفها.
قالوا : مر هذا النصف يرجع إلى الذي كان فيه فأمره فرجع إلى موضعه كما كان فلما رأوه قالوا بأجمعهم تالله ما رأينا مثل هذا السحر.
فقال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): «قد أخبرتكم أنكم لا تؤمنون بما أريكم وقد علمتم أني لست ساحراً، ولا كذاباً ولا مجنوناً».
قالوا : يا محمد ما رأينا أعظم من هذا السحر، ولم يكن فيهم أشد تكذيباً من أبي لهب فقال له بعضُهم : يا محمد ما وجد ربك من يبعثه غيرك؟ فغضب من كلامهم وقال لهم : «والله يا معاشر قريش قد علمتم أنه ما منكم أحد يتقدمني في شرف وأني إلى خير مكرمة، وأن آبائي قد علمتم من هم ».
فسكت القوم وانصرفوا وفي قلوبهم عليه أحر من الجمر مما سمعوا من الكلام، وأراهم من العجائب التي لم يقدروا أن يأتوا بمثلها .
فكان هذا من دلائله (صلی الله علیه وآله وسلم).
12 - وعنه بهذا الإسناد عن سيف بن عميرة عن إسحاق بن عمار، قال: قال الصادق(عليه السلام): «لما أُسري برسول الله في طريق مر على عير في مكان من الطريق، فقال لقريش - حين أصبح - يا معاشر قريش الله تبارك وتعالى قد أسرى بي في هذه الليلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى(1)حتى ركبت على البراق، وإن العنان بيد جبريل(عليه السلام) وهي دابة أكبر من الحمار، وأصغر من البغل، خطوتها مد البصر، ركبت عليه وصعدت إلى السماء وصليت بالمسلمين وبالنبيين أجمعين وبالملائكة كلهم ورأيت الجنة وما فيها، والنار وما فيها، واطلعت على الملك كله ».
ص: 86
فقالوا : يا محمد كذب بعد كذب يأتينا منك مرة بعد مرة، لئن لم تنته.
عما تقول وتدعيه لنقتلنك شر قتلة أتريد أن تأفكنا عن آلهتنا وتصدنا عما يعبد آباؤنا الشم الغطاريف(1)؟
فقال : يا قوم إنما أتيتكم بالخير، إن قبلتموه، فإن لم تقبلوه فارجعوا وتربصوا إني متربص بكم أعظم مما تتربصون بي وأرجو أن أرى فيكم ما أؤمله من الله فسوف تعلمون ».
فقال أبو سفيان يا محمد إن كنت صادقاً فإنا قد دخلنا الشام ومررنا في طريقنا، فخبرنا عن طريق الشام وما رأينا فيه .
فإنا قد رأينا جميعاً، ثم ونحن نعلم إنك لم تدخل الشام، فإن أنت أعطيتنا علامة، علمنا أنك رسول حق ونبي صدق.
فقال:« والله لأخبرنكم بما رأت عيناي الساعة رأيت عيراً لك يا أبا سفيان وهي ثلاثة وعشرون جملاً يقدمها أرمك عليه عباءتان قطوانيتان، وفيهما غلامان ،أحدهما صبيح، والآخر رياح في موضع كذا وكذا .
ورأيت عيرك يا أبا هشام بن المغيرة في موضع كذا وكذا، وهي ثلاثون بعيراً يقدمها جمل أحمر فيها مماليك أحدهم ميسرة، والآخر سالم، والثالث يزيد، وقد وقع بهم بعير بمحمله فمررت بهم وهم يحملون عليه حمله، والعير تأتيكم في يوم كذا وكذا وهي ساعة كذا وكذا». ووصف لهم جميع ما رأوه في بيت المقدس.
فقال أبو سفيان أما ما كان في بيت المقدس فقد وصفت جميع ما رأينا، وأما العير فقد ادعيت أمراً فإن وافق قولك ما قلت لنا وإلا علمنا أنك كذاب وأن ما تدعيه الباطل.
فلما كان ذلك اليوم الذي أخبرهم أن العير تأتيهم خرج أبو سفيان وهشام بن المغيرة حتى ركبا ناقتيهما وتوجها يستقبلان العير فرأوها في الموضع الذي وصفه لهما النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) فسألا غلمانهما عن جميع ما كانوا فيه، فأخبروهما بمثل ما أخبرهم رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)، فلما أقبلا قالا لهما : ما صنعتما؟
قالوا جميعاً : لقد رأينا جميع ما قلت وما يعلم أحد السحر إلا إياك، وإنك
ص: 87
لشيطان ،عالم، ولو رأينا ملائكة من السماء تنزل عليك لما صدقناك، ولا قبلنا قولك، ولا قلنا : إنك رسول ولا نبي ولا آمنا بما تقول أبداً، افعل ما شئت فهو سواء علينا ؛ أو عظت أم لم تكن من الواعظين أوعدتنا أم لم توعدنا . فكان هذا من دلائله (صلی الله علیه وآله وسلم).
13- وعنه ،عن أبيه، عن عبد الرحمن بن سنان، عن جعفر بن محمَّد الأنباطي، عن الحسين بن العلاء، عن أبي بصير الأسدي، عن أبي عبد الله جعفر ابن محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)قال :«مطر الناس مطراً شديداً، فلما أصبحوا خرج النبي ومعه أبو بكر وعمر يمشيان فتبعهما أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)وقد برز إلى الصحراء، فقال له رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) : «ما سرني تخلفك ، ولقد سررت بمجيئك يا علي».
فإذا هم برمانة قد انقضت من السماء إليهما أشد بياضاً من الثلج وأحلى من الشهد، فأخذها رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)فمصها ثم دفعها إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) فمصها حتى أتى على ما أراد .
قال النبي : يا أبا بكر لولا هذا طعام من طعام الجنة لا يأكله أحد في الدنيا إلا نبي أو وصي نبي لأطعمتك»، ثم كسرها النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) نصفين فأخذ النبي نصفها وأعطى عليا نصفها فأكل النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)ما كان في يده وأكل أمير المؤمنين ما كان في يده، وانصرف أبو بكر خائباً».
14 - وعنه، عن أبيه، عن محمد بن المُفَضَّل عن بياع السابري، عن سيف ابن عميرة، عن أبي بكر أحمد بن محمد الحضرمي، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد(عليه السلام)قال : كان رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)جالساً إذ أقبل إليه نفر من قريش فقالوا : يا
ص: 88
محمد إنك تنحل نفسك بأمر عظيم، وتزعم أنك نبي وأنه يوحى إليك والملائكة تنزل الوحي عليك، فإن كنتَ صادقاً فأخبرنا عن جميع ما نسألك به.
فقال : أسألوني عما بدا لكم، فإن يكن عندي منه علم وخبر أنبئكم به، وإن لم يكن عندي منه علم استأجلتكم أجلاً حتى يأتيني رسول ربي جبريل عن الله (عزوجل) فأخبركم به.
وقال أبو جهل - لعنه الله - : أخبرني عما صنعت في منزلي فإن عيس بن مریم(عليه السلام) كان يخبر بني إسرائيل بما كانوا يأكلون وما يدخرون في بيوتهم، فإن كنت نبياً كما تزعم فأخبرنا عما نعمل في بيوتنا وما ندخر فيها .
فقال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): يا أبا جهل لو كنت رأيت الملائكة نزلت عليَّ وكلمتني الموتى ما كنت تؤمن أنت ولا أصحابك أبداً، وسأخبرك بجميع ما سألتني، عنه، أما أنت يا أبا جهل فإنك دفنت ذهباً في منزلك في موضع كذا وكذا، ونكحت خادمتك السوداء سراً من أهلك لما فرغت من دفن المال.
وأما أنت يا هشام بن المغيرة فإنك جهزت جهازاً وأمرت المغيرة ليخرج في ذلك الجهاز، فإن أنت أتممت ما نويت في نفسك عطب ابنك في ذلك الطريق ولم تلق ما تحب فأخرج هشام ابنه المغيرة معانداً كلام رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) فلما توجه لم يسر إلا قليلاً حتى قطع عليه الطريق وقتل ابنه ورأى جميع ما قاله رسول الله وكتم هشام ما أصابه في ابنه .
فجاءه النبي وجماعة من قريش، فقال النبي : ما منعك يا هشام أن تخبرنا ما أصبت به في مالك وولدك لئن لم تخبرهم لأخبرتهم أنا .
فقالت قريش : يا أبا المغيرة ما الذي أصبت به؟
قال : ما أصبت بشيء، ولم يمنعه أن يخبرهم إلا بصدق رسول الله، فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) : أخبرني جبريل(عليه السلام)عن الله(عزوجل) أن اللصوص قطعوا على ابنك الطريق وأخذوا جميع مالك وأصبت بابنك في موضع كذا وكذا، فاغتم لذلك هشام، وقال : لئن لم تكفف قتلناك عنوة فإنك لم تزل تؤذينا وتخبرنا بما نكره.
فقال النبي : تسألونني حتى إذا أنبأتكم ،تجزعون، ليس لكم عندي بقول الحق، عن الله . فسكت هشام فقام مغتماً بشماتته، وقال لأبي جهل: ما تقول في الذهب الذي دفنته في بيتك في موضع كذا وكذا، ونكاحك السوداء؟
ص: 89
قال : ما دفنت ذهباً ولا نكحت سوداء ، ولا كان مما ذكرت شيئاً .
فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): لئن لم تقر عليه دعوت الله أن يذهب مالك الذي دفنته، ولأرسلن إلى السوداء حتى أسالها فتخبر بالحق.
فقال أبو جهل – لعنه الله -: نحن نعلم أن معك رجالاً من الجن يخبرونك بجميع ما تريد وأما أنك تريد أن نقول فيك نبي ورسول فلست هناك.
فقال : ولِمَ يا لكع؟ ألست أكرمكم حسباً، وأطولكم قصباً، وأفضلكم نسباً، وخيركم أماً وأبا وقبيلتي خير قبيلة؟ أتجزع أن تقول أنّي نبي والله لأقتلنك وأقتلنَّ شيبة، ولأقتلن الوليد ولأقتلن جبابرتكم وأشراركم ولأوطين دياركم بالخيل، وآخذ مكة عنوة، ولا تمنعوني شيئاً، شئتم أم أبيتم.
قال أبو عبد الله : فوالله ما ذهبت الأيام والليالي حتى قتل رسول الله قريشاً بيده شر قتلة، وجميع من سماه النبي سبعون رجلاً من أكابرهم وخيارهم، فصح جميع ما قاله رسول الله ما غادر منه حرفاً، فكان هذا من دلائله السلام
15 - وعنه ، عن أبي الحسين محمد بن يحيى الفارسي، عن عبد الله بن جعفر ابن خالد الجلاب ، عن عبد الله بن أيوب، قال : حدثني أبو أيوب وصفوان الجمال، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام) قال : لما رُمِيَ رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)بالسيف، وكان الذي رماه به عتبة بن أبي معيط ووضع رجله على عنقه وهو ساجد فغمزه في الأرض غمزة شديدة، حتى بلغ منه فرفع رأسه فقال : والله الذي لا يُحلف بأعظم منه لئن مكنني الله منك يا عقبة لأقتلنك، فقلته يوم بدر وقد جى به أسيراً فضرب عنقه، وصدق ما قال فيه رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) . فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
16 - وعنه ، عن الخضر بن أبان عن عبد الله بن جرير النخعي، عن أحمد ابن عنان، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر محمد بن علي(عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): يا معاشر أصحابي يأتيكم الساعة تسعة نفر من وراء هذا الجبل من آل غسان فيسلم سبعة ويرجع رجلان كافران ولا يصلان إلى منازلهم حتى يبليان ببلية، أحدهما يأكله السبع والآخر يعضه بعيره، فيورثه حمرة وبعد الحمرة أكلة، فيموت ويلحق بصاحبه في النار.
ص: 90
فلما أصبح أقبل النفر إلى النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) فقال أهل مكة : إن محمداً له من يخدمه من الجن، هؤلاء كانوا أحسنهم قولاً وقال بعضهم : ساحِرٌ كذاب مجنون، فأسلم من القوم سبعة ورجع أثنان كفاراً بما قاله رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم).
فكان هذا من دلائله(عليه السلام).
17 - وعنه، عن أبي بكر محمد بن جبلة التمار، عن حامد بن يزيد عن خليل بن أحمد الزيات عن صندل، عن داود بن فرزدق، عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام)قال : لما ظهر رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) بالرسالة جاء ذئب إلى الأشعث بن قيس الخزاعي، وهو في غنم له يطرده عنها كرة بعد كرة فقال في الكرة الرابعة : ما رأيت أصفق وجهاً منك ذئباً .
قال الذئب : بل أدلك على من هو أصفق مني وجهاً .
فقال له الأشعث بن قيس: من هو يا ذئب؟
قال له : أنت .
قال : كيف ذلك؟
قال الذئب : هذا النبي ظهر بينكم يدعوكم إلى الله وأنتم لا تجيبونه .
قال له الأشعث: ما تقول؟
قال الذئب : أقول الحق .
قال له : وأين هو ؟
قال بيثرب .
قال له الأشعث: ومن يحفظ غنمي؟
قال الذئب : أنا أحفظها حتى تذهب إليه فتؤمن به.
[و] قال الذئب : الله لك بذلك .
قال : فلم يزل في غنمه يحفظها حتى وصل الأشعث إلى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) فقص عليه قصته مع الذئب وآمن برسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)وعاد إلى غنمه والذئب يحفظها، فدفع للذئب سخلة من غنمه، فأكلها الذئب وخرج من عنده.
فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
ص: 91
18 - وعنه، عن يعقوب بن حازم عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام) قال : خرج رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)إلى غزاة تبوك وخلف المؤمنين(عليه السلام) وسائر من بها فتكلم الناس فيه وقالوا ما بال علي مقدم في كل غزوات رسول الله وقد أخره عن هذه الغزوة بالمدينة وما هذا إلا اجتزاء(1)عن علي، وبغضاً له لئلا يشهد فضل هذه الوقعة .
فخرج إليه أمير المؤمنين حتى وافي معسكر رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) فقال : فداك أبي وأمي يا علي ما الذي جاء بك؟
قال : إن الناس يقولون إنك ما خلفتني بالمدينة إلا من بغضك لي.
قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): ليس الأمر كما يقولون يا علي كيف وقد أمرني الله يخبرني مشافهة - حيث أسري بي إليه - أمرني أن أخيك وأزوجك بفاطمة بنتي سيدة نساء العالمين في الأرض بعد أن زوجك الله في السماء، وأمرني أن أعلمك جميع علمي ولا أتركك، وأن أقربك ولا أجفوك وأدنيك ولا أقصيك، وأن أصلك ولا أقطعك وأن أرضيك ولا أسخطك وأنت أخي وأنا أخوك في الدنيا والآخرة، ولا يعطى أحد الشفاعة غيري، وسألت ربي أن يشركك فيها معي ففعل، فمن له مثل ما لك، ومن أعطي مثلما أعطيت.
يا علي أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسی (2)حين خلّفه في قومه .
فلما قال النبي ذلك رجع علي(عليه السلام) إلى المدينة مستبشراً مسروراً، وسار رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) والناس معه، فشكوا العطش، فقال للناس : اطلبوا الماء، فلم
ص: 92
يصيبوا قليلاً ولا كثيراً، حتى خافوا على أنفسهم ومات بعضهم وبعض دوابهم فلما رأوا ما نزل بهم قالوا يا رسول الله ادع لنا ربك يسقينا رياً من الماء؛ فنزل جبریل(عليه السلام) فقال: یا رسول الله ابحث بيدك هذا الصعيد(1)، وضع قدميك وإصبعيك المسبحتين فينفجر اثنتا عشرة عيناً كما انفجرت لموسى(عليه السلام) ، فوضع النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) عشر أصابع رجليه وسبابتيه، وسمّى باسم الله (عزوجل)ودعا فتفجرت من بين أصابعه اثنتا عشرة عينا لاثنتي عشرة إصبعاً، وفاض الماء حتى ملأ الوادي والبقعة وشرب الناس وسقوا ،دوابهم، وحملوا من الماء ما كفاهم إلى الماء الآخر وأُعطي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) مثل الذي أعطي مثل الذي أعطي موسى(عليه السلام)وموضع الماء معروف مشهور في طريق الحديثة إلى وقتنا هذا فكان هذا من دلائله(عليه السلام).
19 - وعنه عن أبي الحواري، عن جعفر بن يزيد الطريقي، عن محمد بن مسلم عن عمر بن سهم عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام)قال سمعته يقول : لما ظهر محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)و دعا الناس إلى دين الله أبت ذلك قريش وكذبته وجميع العرب فبقي النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)مستجيراً في البلاد لا يدري ما يصنع، وكان يخرج وأمير المؤمنين(عليه السلام)، في كل ليلة إلى الشعاب فيصليان فيها سراً من قريش ومن الناس.
وكانت خديجة(عليها السلام)تخاف عليهما أن تقتلهما قريش فجاءت إلى أبي طالب فقالت له : إني لست آمن على رسول الله وعلى علي من قريش أن يقتلوهما، فإني أراهما يذهبان في بعض تلك الشعاب يصليان فأتاهما أبو طالب، وقال لهما : إني أعلم أن هذا الأمر سيكون له آخر، وأن هذا الذي أنتما عليه لدين الله، وإني أعلم أنكما على بينة من ربكما فاتقيا قريشاً، فوالله ما أخاف عليكما إلا من قريش خاصة، وما أنتما بكاذبين ولكن القوم يحسدونكما، والذي دعوتما إليه عظيم عندهم، وإنما تريدان أن تقلباهم عن دينهم ودين آبائهم إلى دين لا يعرفونه ويستعظمون ما تدعوانهم إليه .
ص: 93
فقال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): لأملكن رقابهم ولأطأن بلادهم بالخيل، ولتسلمن قريش والعرب طوعاً أو كرهاً، ولأقطعن أكابرهم جهراً، ولآخذنهم بالسيف، عنوة، وهكذا أخبرني جبريل(عليه السلام) ، عن الله (عزّوجل)
فرجع أبو طالب من تلك الشعاب من عندهما وهو من أسر الناس بما أخبره النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) ، وأتى أبو طالب خديجة(عليها السلام) وأخبرها بذلك؛ ففرحت فرحاً شديداً، وسرت بما قال لها أبو طالب وعلمت أنهما في حفظ الله (عزّوجل).
فكان هذا من دلائله (عليه السلام)
20 - وعنه ، عن محمد بن نجيح بن سليمان بن إبراهيم الخزاز، عن عبيد الله ابن سعيد الخزاعي، عن عمر بن بنشط، عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر الباقر قال: لما ظهر رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)ودعا قريشاً إلى الله تعالى فنفرت قريش من ذلك ؛ وقالوا يا ابن أبي كبشة، لقد ادعيت أمراً عظيماً أتزعم أنك نبي، وأن الملائكة تنزل عليك، فقد كذبت على الله وملائكته، ودخلت فيما دخل فيه السحرة والكهنة.
فقال لهم النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): لم تجزعون يا معاشر قريش، أن أدعوكم إلى الله وإلى عبادته؟ والله ما دعوتكم حتى أمرني بذلك، وما أدعوكم أن تعبدوا حجراً من دون الله ولا وثناً ولا صنماً ولا ناراً، وإنما دعوتكم أن تعبدوا من خلق هذه الأشياء كلها وخلق الخلق جميعاً، وهو ينفعكم ويضركم، ويميتكم ويحييكم ويرزقكم.
ثم قال : والله لتستجيبن إلى هذا الذي أدعوكم إليه شئتم أم أبيتم طائعين أو كارهين صغيركم وكبيركم، فبهذا أخبرني جبريل(عليه السلام)، عن رب العالمين، وإنكم لتعلمون ما أنا بكاذب وما بي من جنون ولا سحر ولا كهانة، فقد أخبرتكم بما أخبرني به ربي، فاسمعوا وأطيعوا.
فكان هذا من دلائله(عليه السلام)
21 - وعنه، عن علي بن الحسين المقري عن جابر بن خالد الأبي، عن سعيد بن قيس العبدي الحلبي، عن عبد الله بن بكر عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام)قال: لما ظهر رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) قال لعمه حمزة بن عبد المطلب ولأهل بيته :
ص: 94
يسوءهم، فهو نعمة من الله وتفضل عليكم فخذوا ما أعطاكم واشكروه واحمدوه، ولا تكونوا مثل هذه الأعراب الجفاة، وقريش الحسدة الظلمة المفترين فكان هذا من عجائبه ودلائله(عليه السلام)
22 - وعنه عن أبيه حمدان بن الخصيب عن إبراهيم بن الخصيب - وكان ، مرابطاً لسيدنا أبي الحسن علي بن محمد العسكري(عليه السلام)- قال : حدثني زيد بن شهاب، عن محمَّد بن راشد الصيدناني، عن الحسن بن محمد السكني، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام)، قال : جاء قوم من المنافقين إلى رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وقالوا : زعمت يا محمد أن الله تبارك وتعالى اتخذ إبراهيم خليلاً فما الذي صنع بك؟ قال : اتخذني حبيباً، والحبيب أقرب من الخليل إلى خليله .
قالوا : فإنك زعمت إن الله كلم موسى تكليماً فما صنع بك؟
قال صنع بي ما صنع بموسى، وزادني عليه أن الله كلمه فوق الأرض، وكلمني في حجب النور فوق السماوات.
قالوا : إنك زعمت أن الله ألان الحديد لداود حتى عجنه بيده بلا نار وقدره في السرد، وعمل منه الدروع والخوذ، فما الذي صنع بك؟
قال : صنع بي ما صنع بداود وزادني عليه أني علوت على جبل أبي قبيس على ناقتي العضباء مشرفاً على جميعكم وأنتم تريدون إخراجي من مكة فركبت ناقتي في الحجر الصلد في رأس أبي قبيس، ولين لي الحجر حتى غاصت وهي باركة وانقلبت مستلقياً على قفاي فلان لي الحجر حتى تبين فيه صورة ظهري وقفاي وتخطيط شعري في الحجر، وها أنتم تنظرون إليه، ولن يخفى ذلك الأثر ما دامت السماوات والأرض.
قال الحسين بن حمدان الخصيبي : أنا رأيت مبرك الناقة وأثر رداء رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فی الحجر فوق الجبل في سنة اثنين وثمانين ومئتين قبل أن حججت، ومعي جمع كثير من الحجاج وتمسحنا بالموضع وصلينا عنده .
ويرجع الحديث إلى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): وهذا سيف من أسيافكم فأعطونيه حتى أجعله ما شئتم بيدي فقالوا: هذا سيف من أسيافنا فقطعه لنا إبراً مثقبة إلى الأسفل بلا نار فأخذ رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)سيفا من أسيافهم فلم يزل يقطعه بيده إبراً مثقبة إلى
ص: 95
الأسفل بلا نار حتى آخره وقال: أتحبون أن أقطع لكم حمائله إبراً؟
قالوا : هو من أديم يا محمد، قال يجعلها الله حديداً. وضرب بيده المباركة إلى حصى رضراض كان جالساً عليه فقبض منه قبضة وقال يا حصى سبح الله بكل لغة في كفي فنطق ذلك الحصى بثلاث وسبعين لغة يثبتها من عرفها بتسبيح الله وتقديسه وتمجيده والشهادة لرسول الله بالرسالة ولعلي بالإمامة.
:قالوا يا محمد فقد زعمت أن داود كانت تسبح معه الجبال بالعشي والإشراق، والطير محشورة كل له أواب قال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): انظروا بأعينكم واسمعوا بآذانكم ماذا تجيب الجبال ثم صاح رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): يا جبال مكة ومن حولها والريح والتلاع أجيبيني بإذن الله ويا أيها الطير آوي إلي بإذن الله . قال فصاحت جبال مكة وما حولها والريح والتلاع وكل شعب بمكة لبيك لبيك يا رسول الله إجابة لدعوتك وطاعة لأمرك، وأقبلت الطيور من كل جانب صغاراً وكباراً بري وبحري وجبلي وسهلي حتى انفرشت بمكة وسطوحاتها وطرقاتها وحجبت الطير السماء بأجنحتها عنهم .
فقال المنافقون: فقد زعمت أن الله أعطى لعيسى إحياء الميت وإبراء الأكمه والأبرص وأن يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله، ونبا بني إسرائيل بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم ونحن نسألك أن تحيي لنا ميتاً، فدعا رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)عليّاً بن أبي طالب(عليه السلام)وقال له : ائتني ببردتي السحاب وقضيبي الممشوق ثم كلمه بكلام خفي لا يفهم ثم قال: انطلق يا علي معهم إلى بلاطة من بلاطهم فاحيي لهم من أرادوا من الموتى فلما انتهوا إلى البلاطة بظهر شعب بني سعد قالوا : يا علي هذا قبر سيد من ساداتنا من أكابر قريش، وقد مات قريباً وقد دفناه بالأمس، وهو قريب العهد بالحياة، أحيه لنا حتى نسأله، فدنا أمير المؤمنين من القبر، وتكلم بكلام خفي ثم ركل القبر برجله فارتجت الأرض وزلزلت حتى خافوا على أنفسهم، فقالوا : يا علي أقلنا أقالك الله .
فقال علي : ليس الأمر لي؛ بل الأمر إلى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) وهذا ميتكم فكلموه، فإذا هم بالقبر قد انشق، وخرج الرجل من أكفانه بعينه واسمه ونسبه فقال : يا ويلكم يا منافقي ،قريش ما أجرأكم على ما أنا فيه من العذاب أو لم أؤمن بمحمد حتى شهر تموني في الدنيا فولوا هاربين إلى رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم).
ص: 96
فقالوا: يا رسول الله اقلنا أقالك الله .
فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): إنكم لا تتمردون عليَّ ؛ وإنما تمردكم على الله، اللهم لا تقلهم فإني لا أقيلهم فأرسل النبي إلى المؤمنين(عليه السلام) بعد أن رد الميت في قبره. فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
23 - وعنه، عن أبيه، عن محمد بن موسى القمي، عن زيد بن شهاب القمي، عن طلحة بن جعفر الأشعري عن الحسين بن العلاء، عن يونس بن ظبيان عن المُفَضَّل بن عمر الجعفي، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : لما أرضعت حليمة رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) أقبل إليها زوجها فقال : يا حليمة من هذا الصبي؟
فقالت : ابن أخي أبي طالب ؛ وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب .
فقال لها : ويحك سنتنا سنة مجدبة كما ترين فإذا أرضعت هذا الصبي مع ابنك أضررتنا به .
فقالت : والله لقد وقع لهذا الصبي في قلبي من المحبة شيء لا أحسن أصفه لك. فلما كانت صلاة الفجر سرحت غنمها وحميرها مع غنم الناس وحميرهم فلما أمسوا وراحت الأغنام إلى منازلهم راحت غنم حليمة حفلة يكاد يبدر ما في ضرعها من اللبن ودوابها بطينة تكاد أن تفزر وراحت الأغنام على ما كانت تروح قبل ذلك فتكلم الناس في ذلك .
فقالوا : كيف هذا صار أن أغنامنا هلكت من الجوع، وأغنام حليمة ودوابها تروح بطينة تكاد تتفزر، وضروعها حفلة .
فقالت حليمة لزوجها : يا فلان أتسمع الناس ما يقولون؟
قال : يا حليمة قد رمى الناس غنمك ودوابك بأبصارهم فإني خائف على أموالنا أن تهلك من أعين الناس.
فقالت له حليمة : كلا - وكانت موفقة - والله يا فلان إنا لأكرم على الله .
من هؤلاء الناس وإلهنا رزقنا ما ترى حتى يكون لدينا عظيماً فلما انتشى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) وصار يخرج مع الرعاة إلى البرية كان يتجلى له جبريل(عليه السلام) فيفزع ففطنت به حليمة فكانت تكتم ذلك زماناً حتى أتاها صبي من الصبيان فأخبرها بخبره فلم تدر حليمة ما تصنع فاغتمت لذلك غماً شديداً،وكان رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) من
ص: 97
أسرع الناس شباباً حتى أوحى الله إليه، فآمنت به حليمة وزوجها وعلما أنه نبي مرسل مما كانا يرياه في منازلهما من الخير والبركة.
فكان هذا من دلائله (عليه السلام)
24 - وعنه ، عن جعفر بن محمَّد بن مالك وكان جعفر بن مالك راوياً علوم آل محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)قال : - وكان الحسن عمه من فقهاء شيعة آل محمد -(صلی الله علیه وآله وسلم) : حدَّثنا محمد بن أحمد عن حمران بن أعين عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر الباقر قال : لما أظهر رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)الرسالة والوحي بمكة وأراهم الآيات العظيمة والبراهين المبهرة تحيرت قبائل قريش من بني أمية وبني تيم وعدي فيما أتى به النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)اجتمع بعضهم إلى بعض وقالوا لذي الرأي منهم : ماذا ترون من الرأي في ما يأتي به محمد مما لا يقدر عليه أحد من السحرة والكهنة والجن، وأتى بشيء لا يقدر أن يأتي به ممن ذكرناه أحد حتى نسأل محمداً من أين أتى به فلم يدع بدينه إلى الأنبياء والرسل ولا الكهنة والسحرة ولا الجن المسخرة لسليمان بن داود ولا معجزة إلا وقد أتاهم النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)بمثلها وأعظم منها .
فقال بعضهم لبعض : اجمعوا على أن نسأله أن يشق لنا القمر في السماء وينزله إلى الأرض شعبتين، فإن القمر ما سمعنا من سائر النبيين أحداً يقدر عليه كما قدر على الشمس فإنها رجعت ليوشع بن نون(عليه السلام)وصي موسى بن عمران(عليه السلام)، وكانوا يظنون أن الشمس لا ترد من مغربها، فمن ذلك إبراهيم قال : ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِى كَفَرَ﴾(1) ، وهو النمرود، ثم ردت على يوشع بن نون على عهد موسى(عليه السلام) فأجمعوا أمرهم وجاؤوا إلى رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)فقالوا له : يا محمد قد جعلنا بينك وبيننا آية إن أتيت بها آمنا بك وصدقناك قال لهم رسول الله اسألوني فإني أنبئكم بكل آية لو كنتم تؤمنون بالله ورسوله.
ص: 98
فقالوا : يا محمد الوعد بيننا وبينك سواد الليل وطلوع القمر، تقف على المشعرين فتسأل ربك الذي تقول أنه أرسلك رسولاً أن يشق لك القمر شعبتين، وينزله من السماء حتى ينقسم قسمين، ويقع القسم الواحد على المشعرين والقسم الثاني على الصفا .
فقال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): فهل أنتم مؤمنون بما قلتم إنكم تؤمنون بالله ورسوله .
قالوا نعم يا محمد، وتسامع الناس وأتوا إلى سواد الليل فأقبل الناس يهرعون إلى البيت وحوله حتى أقبل الليل واسود وطلع القمر وأنار، والنبي وأمير المؤمنين(عليه السلام) ومن آمن بالله ورسوله يصلون على النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)ويطوفون حول البيت، فأقبل أبو جهل وأبو سفيان على النبي وقالوا له : الآن بطل سحرك وكهانتك، هذا القمر فأوف بعهدك .
فقال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): قم يا أبا الحسن قف بجانب الصفا، وهرول إلى المشعرين وناد بهذا إظهاراً وقل في ندائك : اللهم رب هذا البيت الحرام، والبلد الحرام، وزمزم والمقام ومرسل هذا الرسول التهامي، ائذن للقمر أن ينشق وينزل إلى الأرض فيقع نصفه على الصفا ونصفه على المشعرين، فقد سمعت سرنا ونجوانا،
وأنت بكل شيء عليم. فتضاحكت قريش وقالوا : إن محمداً استشفع بعليّ لأنه لم يبلغ الحلم، ولا ذنب له، فقال أبو لهب لعنه الله : لقد أشمتنا الله بك يا ابن أخي في هذه الليلة. فقال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): اخس يا من أتب الله يديه ولم ينفعه ماله ولا بنوه، وتبين مقعده في النار.
فقال أبو لهب لأفضحنك في هذه الليلة بالقمر وشقه وإنزاله إلى الأرض ولأفلت كلامك هذا الذي إذا كان غداً جعلته سورة، وقلت هذا أوحى إلى أبي لهب .
قال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) : امض يا علي فيما أمرتك واستعذ بالله من الجاهلين، ثم هرول أمير المؤمنين من الصفا إلى المشعرين ونادى وأسمع بالدعاء فما استتم كلامه حتى كادت الأرض أن تسيخ بأهلها والسماء أن تقع، فقالوا: يا محمد لقد أعجزك شق القمر أتيتنا بسحرك لتفتنا فيه.
فقال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): هان عليكم بما دعوت به فإن السماء والأرض لا يهون
ص: 99
عليهما بذلك، ولا يطيقان سماعه، فقوموا بأجمعكم وانظروا إلى القمر .
قال : ثم إن القمر انشق نصفين نصفاً، وقع على الصفا ونصفاً وقع على المشعرين، فأضاءت داخل مكة ،وأوديتها وصاح المنافقون: أهلكنا محمد يا محمَّد بسحره افعل ما شئت فلن نؤمن بك ولا بما جئتنا به .
ثم رجع القمر إلى منزله من الفلك، وأصبح الناس يلوم بعضهم بعضاً، ويقولون أيهم : والله لنؤمنن بمحمد ولنقاتلنكم معه مؤمنين معه مؤمنين فقد سقطت الحجة وتبين الأعذار، وأنزل في ذلك اليوم سورة أبي لهب واتصلت به فقال : إن محمداً فعل ما قلته له في تأليفه له في هذا الكلام ليشنعني ،به والله إني لأعلم إن محمداً يعاديني لكفري به وتكذيبي له من بين بني عبد المطلب وخاصة لسبب العباس، فإنه أنكره أولاد عبد المطلب لما أتت أمه بتلك الفاحشة وأحرقها أبونا عبد المطلب على الصفا، وكان أشدهم له جحداً الحارث والزبير وأبو طالب وعبد الله، فحلفت باللات والعزى أنه من أبناء عبد المطلب حتى ألحقت العباس بالنسب فمن أجل ذلك ألف هذا ويزعم أنها سورة أنزلها الله عليه فوحق اللات والعزى لو أتى محمد بما يملأ الأفق من المدح ما آمنت به ولا فيما جاء به ولو عذبني رب الكعبة بالنار.
فآمن في ذلك اليوم ستمئة واثنا عشر رجلاً، وأكثرهم أسر إيمانه وكتمه إلى أن جاء رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) إلى المدينة ومات أبو لهب لعنه الله وقتل أبو جهل وأسر أبو سفيان ومعاوية يوم فتح مكة والعباس وزيد بن الخطاب وعقيل بن أبي طالب وأسر كثير منهم مقدار ثمانين رجلاً تحت القدم فكانوا طلقاء لم ينفعهم إيمانهم وهم لا ينظرون فكان هذا من دلائله(عليه السلام).
25 - وعنه :عن أبي بصير، عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام)قال : لما ظهرت نبوة محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)بمكة عظم على قريش أمره ونزول الوحي عليه وما كان يخبرهم به قال بعضهم لبعض : ليس لنا إلا قتل محمد وقال أبو سفيان أنا أقتله لكم. قالوا : وكيف تصنع ذلك قال : إنه بلغنا أنه يظل في كل ليلة في مغارة الجبل أو في الوادي، وقد عرفت أنه في هذه الليلة يمضي إلى جبل حراء فيظل فيه. قالوا : ويحك يا أبا سفيان إنه لا يمشي عليه أحد إلا قذفه حتى يقطعه قطعاً، وكيف يمضي
ص: 100
محمّد إليه، فبعثوا إلى رصادهم على النبي فقالوا : تجسسوا لنا عليه أين يظل في هذه الليلة ودوروا من حول حراء، فلعل تلقون محمَّداً فتقتلوه فنكفى مؤونته، فلما جن عليه الليل أخذ بيد أمير المؤمنين وخرج وأصحابه لا يشعرون وأبو سفيان وجميع الرصدة مقنعون من حول الجبل، فما شعروا حتى وافي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وأمير المؤمنين(عليه السلام) بين يديه، وصعدا جبل حراء، فلما دارا في دورة الجبل اهتز الجبل وماج، ففزع أبو سفيان ومن معه وتباعدوا من الجبل وقالوا : قد كفينا مؤونة محمد وقد قذفه حراء وقد قطعه فاطلبوا من حول الجبل فسمعوا النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)وهو يقول اسكن يا حراء فما عليك إلا نبي ووصي(1).
فقال أبو سفيان: سمعت محمَّداً يقول : يا حراء، إن قرب منك أبو سفيان ومن معه فارمهم بهوامك حتى تنهشهم فتجعلهم حصيداً خامدين .
قال أبو سفيان ويلبيه من حول جوانبه ويقول : سمعاً وطاعة يا رسول الله لك ولوصيك علي. فسعينا على وجوهنا خوفاً أن نهلك بما قاله محمد، وأصبحوا واجتمعت قريش فقصوا قصتهم وما كان من رسول الله وما خاطبه به حراء.
فقال : أبو جهل لعنه الله : فماذا أنتم صانعون؟
قالوا : إنك سيدنا وكبيرنا، فقال لهم : لو نكافح محمَّداً بالسيف غلبناه أم غلبنا وفي إحدى القتلتين راحة .
فقال أبو سفيان قد بقي لي كيد أكيده فقالوا له : وما هو يا أبا سفيان؟ فقال : خبرت أنه يستظل من حر الشمس تحت حجر عال، وفي يومنا هذا قد أتى الحجر واستظل به فنهده عليه بجمع ذي قوة فلعلنا نكفى مؤونته فقالوا : افعل يا أبا سفيان، فبعث يرصد النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)حتى عرف أنه قد خرج وعلي حتى أتيا الحجر فاستظلا به وجعل رأسه في حجر علي(عليه السلام)وقال : يا علي إني قد أرقد وأبو سفيان يأتيك من وراء هذا الجبل بجمع ذي قوة، فإذا صار في الحجر استصعب عليهم وامتنع أن تعمل فيه أيديهم، فأمر الحجر أن ينقلب عليهم فينقلب فيقتل القوم جميعاً ويفلت أبو سفيان وحده فقال أبو سفيان: لا تفزعوا من قول محمد فما قال هذا القول إلا ليسمعنا فلا نمضي إلى الحجر ومحمد راقد في حجر علي فراموا أن يهدوا الحجر ويقتلعوه فيقلبوه على رسول الله فاستصعب عليهم وامتنع منهم.
ص: 101
فقال أصحاب أبي سفيان: إنا لنظن إن محمّداً قد قال حقاً نحن نعهد إن هذا الحجر يقلعه بعض عددنا فما باله اليوم مع كثرتنا لا يهتز.
فقال أبو سفيان: اصبروا عليه.
ثم أحس بهم صخر بن حرب فما استتم من كلامه حتى انقلب الحجر عليهم فتفرقوا فامتد عليهم الحجر وطال حتى كسر القوم جميعاً تحته غير أبي سفيان فإنه أقبل يضحك ويقول : يا ،محمد لو أحييت لنا الموتى وسيرت الجبال وأعطاك الله كل شيء لعصيتك وحدي، فسمع كلامه رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فقال له : ويلك يا أبا سفيان والله لتؤمنن بي وتطيعني مكرهاً مغلوباً إذا فتح الله مكة. فقال أبو سفيان وقد أخبرت يا محمد بفتح مكة وإيماني بك وطاعتي إياك فهذا ما لا يكون ففتح الله على رسول الله مكة وأسر أبو سفيان وآمن كرهاً وأطاع صاغراً مغلوباً .
أمير المؤمنين فصاح بالحجر : انقلب على القوم فأتى عليهم غير
قال أبو عبد الله الصادق(عليه السلام): ولقد والله دخل أبو سفيان بعد فتح مكة على رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وهو على المنبر يوم الجمعة بالمدينة، فنظر أبو سفيان إلى أكابر ربيعة واليمن ومصر وساداتهم في المسجد يزاحم بعضهم بعضاً، فوقف أبو سفيان متحيراً، وقال: يا محمد قدرت أن هذه الجماعة تذل لك حتى تعلو دعواك هذه وتقول ما تقول، فقطع النبي خطبته وقال له على رغمك يا أبا سفيان فسكت أبو سفيان خجلاً وقال في نفسه : والله يا محمد لئن أمكنني الله منك لأملأن يثرب خيلاً ورجالاً، ولأخمدن نارك ولأعفرن آثارك، فقطع النبي خطبته (صلی الله علیه وآله وسلم)وقال: يا ويلك يا أبا سفيان، أما بعدي فيتقدمك من هو أشقى منك، وأما بعهدي فلا وبعدي يكون منك ومن أهل بيتك ما تقول في نفسك، إلا أنك لا تطفي نوري ولا تقطع ذكري ولا يدوم لكم ذلك، وليسلبنكم الله إياه ويخلدكم النار وليجعلنكم شجرتها التي هي وقودها الناس فمن أجل ذلك قال الله سبحانه وتعالى :﴿وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْءَانِ﴾(1)إلى تمام الآية .
والشجرة هي بنو أمية وهم أهل النار. فكان هذا من دلائله (عليه السلام)
ص: 102
26 -وعنه عن الحسن بن محمد بن جمهور عن أبيه محمد بن جمهور، عن محمّد بن عبد الله بن مهران عن محمَّد بن صدقة العنبري التميمي، عن أبي المطلب جعفر بن محمَّد بن المُفَضَّل بن عمر عن الصادق له قال : لما سأل عبد الله بن سلام النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)، عن تلك المسائل وأجابه عنها.
فقال عبد الله بن سلام وقد أسلم : يا رسول الله هذا علم قد جاءك من الله على ألسن البشر أو على ألسن الملائكة؟
فقال النبي (صلی الله علیه وآله وسلم): ويحك يا عبد الله البشر كيف آخذ عنهم؟ والله ما أتاني به إلا جبريل عن الله .
قال : وكيف تسمعه يا رسول الله قال يا ابن ،سلام، سماعاً بإذني ومنزلاً على قلبي . قال ابن سلام: تعلم الغيب سماعاً يا رسول الله بسمعك ومنزلاً على قلبك؟
قال له رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): الغيب درجات منها سماع ، ومنها نبت في القلب.
قال :يا رسول الله فمن لك بذلك نسمعه ونعلمه .
قال له رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): ما في نفسك يا ابن سلام من قولك أو من فعلك ما جاء به محمّد حق .
قال ابن سلام ومتى قلت هذا يا رسول الله في نفسي؟
قال : يا ابن سلام الساعة بين قولك لي فحسن إسلامه بهذه الدلالة.
27 - وعنه قال : حدثني أبو الحسين محمد بن يحيى قال : حدثني أبو عبدالله ابن زيد عن الحسين بن موسى عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد الصادق عن محمد بن علي الباقر(عليه السلام)، قال أبو جعفر لجابر بن يزيد الجعفي : يا جابر إن نفراً من شيعتنا في الحديقة قد اجتمعوا للحديث والتذكار وقد وجدوا في حديثهم حديث أصحاب العقبة الذين هم أصحاب الدباب وشكوا
ص: 103
في عدتهم، فأرسل إليهم ليأتوا إلينا فنخبرهم بعددهم وأسمائهم وأنسابهم وكيدهم لجدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة العقبة، فبعث جابر بن يزيد الجعفي إليهم وأحضرهم على الباب وأذن لهم أبو جعفر(عليه السلام)فدخلوا عليه فقال لهم : ما لكم تشكون ونحن بين أظهركم تلقونا صباحاً ومساء؟
فقال القوم : فرج الله عنك يا سيدنا .
وقال أبو جعفر : تكلموا يرحمكم الله .
فقالوا : بعلة خطايانا وكثرة ذنوبنا تحول بيننا وبين ما ذكرت لنا جزاك الله خيراً من إمام خبير، أخبرنا يا سيدنا بقصة أصحاب العقبة .
قال أبو جعفر(عليه السلام): أخبركم بقصتهم وعدد أسمائهم فقال القوم : فرج عنا فرج الله عنك يا سيدنا .
فقال أبو جعفر : اعلموا رحمكم الله إن الأرض لم تقل والسماء لم تظل على أحد من الكفار إلا الاثني عشر أصحاب العقبة أشدهم لعنة وكفراً وجحداً ونفاقاً الله ولرسوله منذ الذرو الأول فإنهم أبدو كفرهم ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾(1)
فقال ضليلهم وإبليسهم الأكبر مكرهاً وقالوا مكرهين : نعم، وقال إبليسهم لجحده لا بغير نطق فاستحال ظلمة وكدراً وأسرّ ما قال كما أسرّ عجل موسى بن عمران(عليه السلام)فسمعنا وعصينا فعلى ذلك الكفر والإنكار وقول الطاغوت إبليسهم وجاؤوا معه إلى علم الله إلى أن ظهر وظهروا في الجان الذي خلقه الله من مارج من نار السموم فقد سمعتم ما كان منه من آدم والنداء له والنبيين والمرسلين والأوصياء والأئمة الراشدين من قتل قابيل لهابيل ونصبه لهم المنادة، الطاغية الباغية، العمالقة والفراعنة والطواغيت يكذبون الرسل والأنبياء والأوصياء والأئمة
(عليهم السلام)ويردون عليهم ويدعون الربوبية والإلهية من دون الله، ويقتلونهم ومن آمن بهم وصدقهم وينظرون ممهلون إلى يوم الوقت المعلوم. وقال القوم إلى أبي جعفر(عليه السلام)يا سيدنا وأولئك الاثنا عشر أصحاب عقبة الدباب هم إبليس ومن كان معه من الأحد عشر الأضداد؟
ص: 104
قال : هو والله وهم والله خلقه وإن قلت إن هؤلاء أولئك حقاً أقول. فقالوا يا سيدنا نحب أن تعرفنا قصة أصحاب العقبة الاثني عشر .
قال أبو جعفر : نعم أخبركم أن جدي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) قد سرى والليل مظلم معتم وهو راكب ناقته العضباء والمهاجرون والأنصار من حوله فلما قرب من العقبة اجتمع الاثنا عشر المنافقون . فقال ضليلهم وإبليسهم زفر يا قوم إن يكن يوم تقتلون فيه محمَّداً فهذا من لياليه، فقالوا : وكيف ذلك؟
فقال لهم : أما تعلمون شر هذه العقبة وصعوبتها وهذا أوانه فإنها لا يرقى فيها الناس إلا واحداً بعد واحد لضيق المسلك .
قالوا : ماذا نصنع وكيف نقتل محمَّداً؟
فقالوا : ما يمكن أن نقتله ومن معه من المهاجرين والأنصار. فقالوا: وإنما ليس يصعد وحده .
قال لهم : لا تؤمنون أن يبدركم أصحابه فتقتلون. قالوا : كيف نصنع؟
قال نستأذنه بالتقدم والصعود في العقبة، ونقول يا رسول الله فنسهل طريقها لك ونلقي من عسارة رصده بأنفسنا دونك ولا تلقاه أنت بنفسك فإنه يحمدنا على ذلك ونتقدمه. قالوا اصنع ما ذكرت .
فقال : قد فكرت في شيء عجيب نقتل به محمداً ولا يشعر بنا أحد، فقالوا : صف لنا ما أنت صانع، فقال لهم : نكب هذه الدباب التي فيها الزيت والخل ونلقي فيها الحصى ونقف في ذروة العقبة فإذا أحسسنا بمحمد يرقى العقبة، دحرجنا الدباب في هذه الظلمة من ذروة العقبة، فتنحط على وجه الناقة في الجادة، لها دوي فتذعر الناقة في الجادة فترمي محمَّداً فيتقطع مع ناقته ونستريح ونريح العرب والعجم منه فقد أضلنا وجميع العالم بسحره وكذبه حتى ما لأحد معه طاقة.
قالوا : نعم ما رأيت ونعم ما احتلت وأشرت فجاؤوا إلى العقبة، فقاموا بين يديه فقالوا : فديناك يا رسول الله بالآباء والأمهات قد وصلنا إلى العقبة فنحن نقيك من كل سوء محذور، ائذن لنا أن نتقدم فنرقى هذه العقبة الصعبة ونستهل طريقها ونلقى رصدان المشركين في ذروتها فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)امضوا لشأنكم والله شاهد على ما تقولون .
فقال أبو بكر - وقد تولى إلى العقبة -: ويحك يا عمر سمعت كلام محمّد
ص: 105
وإني لأخشى أن يكون قد علم بما أسررنا فنهلك فقال له عمر : لا تزال خائفاً وجلاً مرعوباً حتى كأن ما أتينا به ليس بحق خل عنك الصعود، فأنا أتقدمك والجماعة .
قال فتقدم عمر وتلاه أبو بكر وطلحة والزبير وتلاهم سعد بن أبي وقاص وتلاه أبو عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة، وأبو موسى، وصاروا في ذروة العقبة وكبوا ما كان في دبابهم من الزيت والخل، وطرحوا فيها الحصى، وكبروا وصاحوا يا معاشر المهاجرين والأنصار خبروا رسول الله ما في ذروة العقبة ولا في ظهر الجبل رصدة ولا غيره من المشركين، فتقدم رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)على ناقته العضباء فصعد وهم يرون من ذروة العقبة ضياء وجه رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)كدارة القمر يجلو ذلك الليل .
فقال أبو بكر: ويحك يا عمر مع محمّد مصباح؟
قال: لا، قال ما هذا الضياء الذي قد أضاء بين يديه وحوله ؟ فقال : شيء من سحره الذي نعرفه فأقبل أبو بكر يتوارى، فلما أحسوا بالناقة في ثلثي العقبة دحرجوا الدباب في وجهها فنزلت ولها دوي كدوي الرعد فنفرت الناقة، فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): إن الله معنا فأسرع أمير المؤمنين(عليه السلام)وكان يتلوه من ورائه في الطريق وقال : لبيك لبيك يا رسول الله وتلقته الدباب فأقبل يأخذها برجله فيطحنها واحدة بعد واحدة وضج المهاجرون والأنصار فصاح بهم أمير المؤمنين(عليه السلام): لا تخافوا ولا تحزنوا فقد مكروا ومكر الله والله خير الماكرين .
وكان رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) قد نزل عن الناقة في وقت نفورها وأخذ جبريل(عليه السلام)زمام الناقة في العقبة في أغصان دوحة كانت بجانب المسلك في العقبة وسمع للناقة صريخ والشجرة تنادي : يا رسول الله قد عقد خطام ناقتك في أغصاني.
فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): يا أخي جبريل ما هذه الدوحة التي تكلمني فقال : يا حبيب الله ورسوله هذه الدوحة، أثلة من نبات الأرض التي تحتها ولد أبوك إبراهيم الخليل(عليه السلام)وهي لك يا رسول الله محبة، والله أذن لها أن تكلمك .
فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): اللهم بارك في الأثل كما باركت في السدر وقدم جبريل(عليه السلام)الناقة من رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) حتى ركبها وسار وهي تمر كمر السحاب وقرب ما كان بعيداً من مسلك هذه العقبة حتى صار كالأرض البسيطة، قال رسول
ص: 106
الله : فديتك يا أبا الحسن ناد بالمهاجرين والأنصار فلما صاروا على ذروة العقبة رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) اجتمعوا من حوله وقالوا فديناك بالآباء والأمهات يا رسول الله ما هذا الكيد؟ ومن أكادك؟
فقال لهم رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): سيروا على اسم الله ،وعونه، وانزلوا إلى الأرض فإني مخبركم بهذا الكيد ومن هو أكادني والمهاجرون والأنصار يظنون ذلك من مشركي قريش ورصادهم زيادة الاثني عشر أصحاب الدباب فنزل أكثر الناس واختار رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)سبعين رجلاً فقال لهم : قفوا معنا في ذروة العقبة، فإنكم تعلمون ما أنا صانع فلما لم يبق غير رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وأمير المؤمنين والسبعون رجلاً قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): هل رأيتم ما صنع هؤلاء الأشقياء الضالون المضلون من كبهم ما كان في الدباب من زادهم وطرحهم فيها الحصى وإرسالها في وجه الناقة – ناقتي - مقدرين نفورها بي وسقوطي عنها من ذروة العقبة، فأهلك وتقطعني الناقة، وقص عليهم ما قاله الاثني عشر أصحاب الدباب وما تشاوروا فيه من أول أمرهم إلى آخره .
ثم قال : إني مختار منكم اثني عشر نقيباً يكونوا سعداء في الدنيا والآخرة كما الاثني عشر أصحاب الدباب أشقياء في الدنيا والآخرة فلباه السبعون رجلاً وقال كل واحد منهم : اللهم اجعلني من الاثني عشر نقيباً. واختار رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)من السبعين رجلاً اثني عشر نقيباً : أولهم أبو الهيثم مالك بن التيهان الأشهلي الأنصاري والبراء بن مغرور الأنصاري، والمنذر بن لوذان، ورافع بن مالك الأنصاري وأسيد بن حضير ،والعباس بن عبادة (بن نضلة الأنصاري)، وعبادة بن الصامت النوفلي وعبد الله بن عمر بن حزام الأنصاري، وسالم بن عمير الخزرجي وأبي بن كعب، ورافع بن ورقة، وبلال بن رياح الشنوي.
فقال حذيفة بن اليمان والله ما حسدت أحداً ولا خلقني الله حاسداً ولكني سألت الله(عزّوجل)وتمنيت أن أكون من هؤلاء الاثني عشر نقيباً فإن الله ما يشاء، فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): ادنُ مني يا أبا عبد الله، فمسح يده على ظهره وقال ما يكفيك يا أبا عبد الله يا حذيفة أن يعطيك الله علم المنايا والبلايا إلى يوم القيامة؟
ص: 107
فقال: بلى يا رسول الله ولله الحمد ولك يا رسول الله ثم خص رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)كلاً من السبعة وخمسين رجلاً الباقين من السبعين رجلاً شيئاً من فضله .
قال الحسين بن حمدان إنما لم أذكر ما خصهم به رسول الله .
فقال حذيفة بن اليمان: أتأذن لي يا رسول الله أن أؤذن في العسكر فأجمع جميعهم مصرحاً بأسمائهم أصحاب الدباب وألعنهم رجلاً رجلاً؟
فقال له رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): افعل إذا شئت.
فصاح حذيفة في ذروة العقبة مسمعاً جميع العسكر الذي نزل إلى الأرض من جانب العقبة إلى الآخر وهو يقول: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله أمرني رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)أن أفضح من دحرجوا الدباب منكم ، أيها المنافقون الفاسقون المفترون على الله ورسوله، اسمعوا يا معاشر المهاجرين والأنصار : إن عدد أصحاب الدباب اثنا عشر رجلاً، وسماهم ونسبهم رجلاً رجلاً، ثم قال هذا رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) قد لعنهم ولعنهم أمير المؤمنين ولعنهم السبعون رجلاً وأمرني أن ألعنهم، ولعنهم حذيفة بن اليمان وهو ينادي ملء صوته : يا فلان یا فلان الفلاني : إن الله ورسوله لعنك لعناً كثيراً بقيا عليك في الدنيا والآخرة ولا يزول ثبوته ولا يعفو ولا يصفح من الله حتى أتى على آخرهم عدداً لاثني عشر رجلاً أصحاب الدباب بأسمائهم وأنسابهم في صعودهم العقبة واحداً بعد واحد فكان هذا من حديث أصحاب العقبة وأصحاب الدباب.
28 - وعنه، عن أبي الفوارس محمّد بن موسى بن حمدون العدوي، قال: حدّثني العباس بن عبد الله قال : حدّثنا موسى بن مهران البصري، عن أبي داود القدوسي، عن عروة، عن عایشه قالت: لما فتح رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)خيبرأصابوا أواني من ذهب وفضة وأزواجاً من خفاف ونعالاً وحماراً ،أقمر، فلما ركبه رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) قال له : يا حمار ما اسمك؟
ص: 108
قال : عتيق بن شهاب بن حنيفة ، قال : لمن كنت؟
قال لرجل يهودي يقال له مرحب وكنت إذا ذكرت يسبك وكنت إذا ركبني کبوت به على وجهه وكان يسيئ إلي، قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): هل لك من إرب وحاجة تريد أن أعطيك من الإناث شيئاً؟
قال : لا ، قال : ولم ذلك؟ قال: حدثني أبي، عن أبيه وعن أجداده: أنه ركب نسلنا سبعون نبياً، وأن آخر نسلنا يركبه نبي يقال له محمد (صلی الله علیه وآله وسلم)؛ وأحب أن أكون آخر ،نسل، فمكث عند رسول الله إلى أن توفي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، ومكث الحمار ثلاثة أيام بعده وتوحل في بئر فمات(1).
ص: 109
29 - وعنه قال حدّثني جعفر بن القصير عن إسماعيل القمي، عن شاذان بن يحيى الفارسي، عن ماهان الأبلي، عن محمد بن سنان الزاهري قال: حججنا، فلما أتينا المدينة وبها سيّدنا جعفر الصادق لا دخلنا عليه فوجدنا بين يديه صحف فيها تمر من تمر المدينة وهو يأكل منه ويطعم من بحضرته، فقال لي: هاك يا محمد بن سنان هذا التمر الصيحاني كله وتبرك به، فإنّه يشفي شيعتنا من كل داء إذا عرفوه، فقلت يا مولاي عرفوه بماذا؟ يدعى صيحانياً(1).
قال : عند العامة هفوة وينبغي أن يسمى التمر باسم غير هذا الكلام والله أعلم(2)قلت: لا والله يا مولاي ما نعلم هذا إلا منك.
قال : نعم يا ابن سنان هو من دلائل جدي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) وأمير المؤمنين .
قلت مولاي أنعم علينا بمعرفته أنعم الله عليك.
ص: 110
قال : خرج جدّي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)قابضاً على يد أمير المؤمنين(عليه السلام)متوجهاً نحو حدائق ظهر المدينة فكلّ من لقيه استأذنه في صحبته، فلم يأذن له رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، حتى انتهى إلى أوّل نخلة(1)، فصاحت إلى التي تليها هذا آدم وشيث قد أقبلا، وصاحت الأخرى إلى التي تليها يا أُختي هذا نوح وسام قد أقبلا، وصاحت الأخرى التي تليها : يا أختي هذا يعقوب ويوسف قد أقبلا، وصاحت الأخرى إلى التي تليها : يا أختي هذا موسى ويوشع قد أقبلا، وصاحت الأخرى إلى التي تليها : يا أختي هذا سليمان وآصف قد أقبلا، وصاحت الأخرى إلى التي تليها : يا أختي هذا عيسى وشمعون الصفا قد أقبلا، وصاحت الأخرى إلى التي تليها يا أختي هذا محمد رسول الله وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب قد أقبلا(2)، وصاح سائر النخل في الحدائق بعضه إلى بعض بهذا .
فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)لأمير المؤمنين(عليه السلام): فديتك بأبي وأمي، يا أبا الحسن هذا ذكرى لنا(3)، فاجلس بنا عند أول نخلة ننتهي إليها، فلما انتهيا إليها جلسنا، وما كان أوان حمل النخل، فقال النبي (صلی الله علیه وآله وسلم): يا أبا الحسن مر هذه النخلة تنثني إليك - وكانت النخلة باسقة - فدعاها أمير المؤمنين(عليه السلام)وقال : يا أيتها النخلة هذا رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)يقول لك أن تنثني إلى الأرض(4)، فانثنت إلى الأرض وهي مملوءة حملاً رطباً جنياً .
ص: 111
فقال له : يا أبا الحسن التقط وكل وأطعمني، فالتقط أمير المؤمنين(عليه السلام)من رطبها وأكل منها(1) .
فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): يا أبا الحسن إن هذا النخل ينبغي أن نسمّيه صيحانيّاً لتصايحه وتشبيهه لي ولك بالنبيين والمرسلين، وهذا أخي جبرائيل(عليه السلام)يقول : إنّ الله(عزّوجل)قد جعله شفاء لشيعتنا خاصة، فأمرهم يا أبا الحسن بمعرفته، وأن يستضيؤوا (2)ويتبركوا بأكله .
ثم قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): يا نخلة أظهري لنا من أجناس ثمر(3)الأرض، فقالت : لبيك يا رسول الله حبّاً وكرامة فأظهرت النخلة من كل أجناس التمور فأقبل جبرائيل يقول لها : هيه يا نخلة إنّ الله قد أمرك أن تخرجي من كل جنس لرسول الله وحبيبه محمد وأخيه ووصيه(4)من أجناس التمور، وأقبل جبرائيل يلتقطه ويضعه بين يدي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) وأمير المؤمنين(عليه السلام)فأكلا من كل جنس تمرة فمرة يأكل رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) نصفها ، وأمير المؤمنين(عليه السلام)نصفها ، وجبرائيل(عليه السلام)يقول : يا رسول الله لوددت أني ممّن يأكل الطعام فأستشفي بالله وأتبرك يفضل سؤرك، وسؤر أمير المؤمنين.
وقال له رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) : يا حبيبي جبرائيل فإن الله قد فضلك علينا، فقال جبرائیل(عليه السلام): والله يا رسول الله ما فضلي إلا بكما إنكما أحب خلقه إليه وأقربهم منه وأزلفهم لديه (5).
فقال الصادق جعفر بن محمد(صلی الله علیه وآله وسلم): فارتفعت النخلة، وحدث رسول الله وأمير المؤمنين شيعتنا بخبرها(6)، وقصة تلك النخلة من دلائله وعجائبه(عليه السلام) والتحية والإكرام(7).
ص: 112
مضى علي أمير المؤمنين(1)، وله ثلاث وخمسون سنة(2)، في عام الأربعين من أول سني الهجرة(3).
وكان مقامه بمكة مع رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)ثلاثاً وعشرين سنة، منها ثلاث عشرة سنة في ظهور الرسالة(4)، وأقام معه بالمدينة عشر سنوات، ثم قبض النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)،وأقام بعده أيام أبي بكر سنتين وشهور وأيام عمر تسع سنين وشهور، وأيام عثمان اثنتي عشرة سنة، وأيامه(عليه السلام)ست سنين، الجميع ثلاثون سنة(5).
ومضى بضربة عبد الرحمن بن ملجم المرادي(6)في ليلة الجمعة لإحدى عشرة
ص: 113
ليلة بقيت من شهر رمضان(1).
وكان اسمه علياً. وفي القرآن ،مبيناً قوله في قصة إبراهيم(عليه السلام)، ﴿وَاجْعَل لي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ﴾(2).
وقوله تعالى إجابة لإبراهيم(عليه السلام): ﴿وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلَّا جَعَلْنَا نَبيا (49)وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَنِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (50)﴾(3).
وقوله: ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيُّ حَكِيمُ﴾(4)وله في القرآن ثلاثمئة اسماً . ورويت في الأسانيد الصحيحة ووجدت في قراءة عبد الله بن مسعود راه الذي قال النبي من أراد أن يسمع القرآن غضاً طرياً كما أنزله الله تعالى فليسمعه من فم عبد الله بن مسعود وبهذا كان يدعوه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم )لأبيه، ففي قراءته : ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17)فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18)ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)﴾(5)وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا أَنتَ مُنذِةٌ وَلِكُلِ قَوْمٍ هَادٍ ﴾(6)، والمنذر رسول الله والهادي علي (عليه السلام)(7).
وقوله تعالى: ﴿أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ، وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾(8). والشاهد منه علي(عليه السلام)(9)
ص: 114
وقوله (عزوجل) : ﴿عَمَ يَتَسَاءَلُونَ(1) عَنِ النَّبَاءِ الْعَظِيمِ(2) الَّذِى هُمْ فِيهِ مُختَلِفُونَ(3 )﴾(1).
وقول أمير المؤمنين(عليه السلام) لعلي بن دراع الأسدي، وقد دخل عليه وهو في جامع الكوفة، فوقف بين يديه، فقال [له]: [ل_]قد أرقت [ك منذ ليلتك جمعاً يا علي]).
فقال له : ما علمك يا أمير المؤمنين بأرقي؟
فقال : (ذكرتني والله في أرقتك فإن شئت ذكرتك وأخبرتك به).
فقال علي بن دراع : نعم يا أمير المؤمنين [علّمني] بذلك .
فقال له :( ذكرت في ليلتك هذه قول الله(عزّوجل): ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1)عَنِ النَّبَاءِ الْعَظِيم(2) الَّذِى هُمْ فِيهِ مُختَلِفُونَ(3 )﴾.
فارقت وفكرت فيه وتالله أنا عليّ [و]ما اختلف الملأ إلا في، وما الله نبأ هو أعظم منّي ولي ثلاثمئة ،اسم لا يمكن التصريح بها، لئلا يكبر على قوم لا يؤمنون بفضل الله(عزّوجل)على رسوله وأمير المؤمنين والأئمة الراشدين [ صلوات الله عليهم أجمعين])(2).
اسمه في صحف شيث وإدريس ونوح وإبراهيم وبالسرياني: مبين، وباللسان العبراني الهيولى، والأمين ،والثبات والبيان، واليقين، والإيمان.
وفي التوراة : إليا .
وفي الزبور : أريا وبلغة الزنج جينا .
وبلسان الحبشة تبريك، وسمي يوم القليب - وقد سقط عثمان في البدء من دابته الهلالية فعلقه أمير المؤمنين برجله وأخرجه فسمّي – ميموناً .
ص: 115
وبلسان الأرمن : أفريقا .
وباللسان العربي : حيدرة .
وسماه أبوه أبو طالب - وهو صغير وكان يصرع أكابر أخوته – ظهيراً .
وكناه أبو الحسن(1)، والحسين(2)، وأبو شبر، وأبو شبير، وأبوتراب (3)وأبو النور، وأبو السبطين وأبو الأئمة.
وألقابه أمير المؤمنين وهو اللقب الأعظم الذي خصه الله به وحده ولم يُسمَّ به أحد قبله ولا يسمى به أحد بعده إلا كان مأفوناً في عقله ومأبوناً في ذاته(4)، وأمير النحل والنحل هم المؤمنون، والوصي(5)، والإمام والخليفة، وسيد الوصيين(6)، والصديق الأعظم(7)، والفاروق الأكبر(8)، وقسيم الجنة والنار(9)، وقاضي الدين .
ومنجز الوعد، والمحنة الكبرى، وصاحب اللواء، والذائد عن الحوض، ومهلك الجان، والأنزع البطين والأصلع الأمين، وكاشف الكرب، ويعسوب الدين، وباب حطة، وباب المقام، وحجة الخصام ودابة الأرض، وصاحب القضايا وفاصل ،القضاء، وسفينة النجاة والمنهج الواضح، والمحجة البيضاء، وقصد السبيل، وجزارة ،قريش ومفني القرون، ومكر الكرات، ومديل الدولات وراجع الرجعات والقَوْم ،الحديد الذي هو في الله أبداً جديد.
وأمه : فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف(10)، ولم يكن في زمانه هاشمي
ص: 116
وعقيل(1)، وابنيه الحسن والحسين وابنتيه زينب وأم كلثوم .
ومشهده : في الذكوات البيض بالغريين غربي الكوفة. [وفي مشهده خبر ](2) .
1 - قال الحسين بن حمدان الخصيبي : حدثني أحمد بن صالح ،عن أبي
ص: 118
هاشم داود بن القاسم الجعفري، عن أبي جعفر الإمام التاسع(عليه السلام)، عن أبيه علي الرضا وموسى الكاظم وجعفر الصادق(عليهم السلام): أن الصادق(عليه السلام)قال لشيعته بالكوفة، وقد سألوه عن فضل الغريين والبقعة التي دفن فيها أمير المؤمنين(عليه السلام)ولم سُمي الغريان (1)غريين .
فقال : إن الجبار المعروف بالنعمان بن المنذر كان يقتل أكابر العرب ومن ناوأه من جبابرتهم وكبرائهم وكان الغريان على يمين الجادة فإذا قتل رجلاً أمر بحمل دمه إلى جادة العلمين حتى يغريانه يريد بذلك يشهده المقتول إذا رأى دمه على العلمين من أجل ذلك سمي الغريان .
وأما البقعة التي فيها قبر المؤمنين (عليه السلام): فإن نوحاً(عليه السلام) لما طافت السفينة وهبط جبريل(عليه السلام)على نوح(عليه السلام) فقال : إن الله يأمرك أن تنزل ما بين السفينة والركن اليماني فإذا استقرت قدماك على الأرض فابحث بيدك هناك فإنه يخرج تابوت آدم فاحمله معك في السفينة فإذا غاص فابحث بيدك الماء فادفنه بظهر النجف بين الذكوات البيض والكوفة فإنها بقعة اخترتها له ولك يا نوح ولعلي بن أبي طالب(عليه السلام) وصي محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)، ففعل نوح ، ففعل نوح ذلك ووصى ابنه ساماً أن يدفنه في البقعة مع التابوت الذي لآدم ، فإذا زرتم مشهد أمير المؤمنين فزوروا آدم ونوح وعلي بن أبي طالب (عليه السلام)(2).
وكان له من خولة الحنفية : أبو هاشم محمد بن الحنفية(1).
وكان له : عبد الله والعباس وجعفر وعثمان من أم البنين، وهي جعدة ابنة خالد ابن زيد الكلابية(2).
وكان له من أم عمر التغلبية : عمر ورقية(3)، وهي من سبي خالد بن الوليد(4).
وكان له : يحيى من أسماء بنت عميس الخثعمية(5)
وكان له : محمد الأصغر(6) من أم ولد(7).
وكان له الحسن ،ورملة وأمهما أم شعيب المخزومية(8).
وكان له : أبو بكر وعبيد الله(9)، وأمهما ليلى ابنة مسعود(10) النهشلية.
والذي أعقب من ولد أمير المؤمنين : الحسن والحسين(عليهم السلام) ومحمد بن الحنفية والعباس وعمر .
ص: 120
قال: ومضى أمير المؤمنين(عليه السلام)؛ وخلف منهن أمامة ابنة زينب ابنة رسول الله وليلى التميمية وأسماء ابنة عميس الخثعمية وأم البنين الكلابية، وثمانية عشر ولداً، ولم يكن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) تزوج أو تمتع بحرة ولا أمة في حياة خديجة(عليها السلام)إلا بعد وفاتها وكذلك أمير المؤمنين لم يتزوج ولا تمتع بحرة ولا أمة في حياة فاطمة إلا بعد وفاتها وكان اسم أبي طالب عبد مناف بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف .
وروي عن النبي أنه قال:« إنا أهل بيت نبوة ورسالة وإمامة، وإنه لا تقبلنا، عند ولادتنا القوابل ».
وإن الإمام لا يتولى ولادته ووفاته وتغميضه وتغسيله وتكفينه ودفنه والصلاة عليه إلا الإمام والذي تولى وفاة رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) علي (عليه السلام)غمضه وغسله وكفنه وصلى عليه وتولى أمره أمير المؤمنين(عليه السلام)وولداه الحسن والحسين(عليهم السلام) توليا وفاة أمير المؤمنين(عليه السلام)وتغميضه وغسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه ولم يحضره أحد غيرهما، ودفناه ليلاً، ولم يظهر على مشهده أحد إلا بدلالة صفوان الجمال، وكان جمال الصادق(عليه السلام).
ثم دلت عليه الأئمة من موسى بن جعفر وعلي الرضا ومحمد الجواد وعلي الهادي والحسن العسكري ورواه شيعتهم وكانت دلالة صفوان على مشهد أمير المؤمنين(عليه السلام) دلالة ظهرت للناس .
2 - قال الحسين بن حمدان : حدثني محمد بن يحيى الفارسي، عن محمّد بن جمهور القمي، عن عبد الله الكرخي عن علي بن مهران الأهوازي، عن محمد بن صدقة، عن محمد بن سنان الزاهري، عن المُفَضَّل بن عمر الجعفي، عن مولانا الصادق(عليه السلام) قال المُفَضَّل: دعاني سيدي الصادق في جنح الليل وهو مقتم أسود فحضرت داره وهي تزهر نوراً بلا ،ظلمة فلما امتثلت بين يديه قال يا مُفَضَّل : مُرْ صفواناً يصلح لي على ناقتي السعداء ،رحلها وأقم في الباب إلى وقت رجوعي إليك .
قال : ثم خرج مولاي الصادق(عليه السلام) وقد أحضر صفوان الناقة وأصلح رحلها
ص: 121
فاستوى عليها وأثارها ثم قال يا صفوان خذ بحقاب الناقة وارتدف، قال: ففعل صفوان ذلك ومرت الناقة كالبرق الخاطف أو كاللحظ السريع، وجلست بالباب حتى مضى من الليل سبع ساعات من وقت ركوب سيدي الصادق(عليه السلام).
قال المُفَضَّل : فرأيت الناقة وهي كجناح الطير وقد انقضت إلى الباب، ونزل عنها مولاي(عليه السلام) فانقلب صفوان إلى الأرض خافتاً، فأمهلته وأقبلت أنظر إلى الناقة، وهي تخفق والعرق يجري منها حتى ثاب(1)صفوان فقلت : خذ ناقتك إليك وعدل إلى أن خرج مغيث خادم مولاي الصادق فقال سل يا مُفَضَّل صفوان عما رأى ويا صفوان حدثه ولا تكتمه .
قال : فجلس صفوان بين يدي وقال : يا مُفَضَّل أخبرك بالذي رأيته الليلة فقد أذن لي مولاي قلت نعم قال: أمرني سيدي(عليه السلام) فارتدفت على الناقة، ولم أعلم أنا في سماء أم في أرض غير إني أحس في الناقة وهي كأنها الكوكب المنقض حتى أناخت ونزل مولاي
(عليه السلام)ونزلت وصلى ركعتين وقال: يا صفوان صل واعلم أنَّك في بيت الله الحرام قال: فصليت ثم ركبت وارتدفت وهبت الناقة كهبوب الريح العاصف، ثم انقضت فأناخت فنزل مولاي(عليه السلام) فقال: صل یا صفوان ركعتين واعلم إنك في المسجد الأقصى، قال: ثم ركب وارتدفت وسارت الناقة وهبطت فأناخت فنزل مولاي عنها ونزلت فصلى ركعتين .
ثم قال: صل يا صفوان واعلم بأنَّك بين قبر جدي(عليه السلام) ومنبره؛ قال: فصليت .
فقال: يا صفوان ارتدف من ورائي، فارتدفت فسارت مثل سيرها وانقضت فنزل مولاي وصلى وصليت .
فقال : يا صفوان أنت على جبل طور سيناء الذي كلم الله عليه موسى بن عمران(عليه السلام) ثم ركب وارتدفت وانقضت فنزل عنها ونزلت فإذا هو يجهش بالبكاء ويقول : جللت من مقام ما أعظمك ومصرع ما أجلك، أنت والله البقعة المباركة، والربوة ذات قرار ،ومعين وفيك والله كانت الشجرة التي كلم الله منها موسى(عليه السلام) ما أطول حزننا بمصابنا فيك إلى أن يأخذ الله بحقنا .
ص: 122
قال : وتكلم بكلام خفي عني ثم صلى ركعتين وصليت وأنا أبكي وأخفي بكائي، ثم ركب وارتدفت فنزل عن قريب لنا وصلى ركعتين وصليت.
قال: یا صفوان هل تعلم أين أنت؟
قلت: يا مولاي عرفني حتى أعرف قال : أنت بالغريين في الذكوات البيض في البقعة التي دفن فيها أمير المؤمنين علي(عليه السلام).
قال : فقلت يا مولاي فاجعل لي إليها دليلاً .
قال : ويحك بعهدي أو بعدي؟
قال: فقلت يا مولاي بعهدك وبعدك، قال: على أنك لا تدل عليها ولا تزورها إلا بأمري.
قال : فقلت يا مولاي إني لا أدل عليها ولا أزورها إلا بأمرك، قال خذ يا صفوان من الشعير الذي تزودته الناقة فانثر منه حباً إلى مسجد السهلة وبكر عليه تستدل وتعرف البقعة بعينها وزرها إذا شئت، ولا تظهرها لأحد إلا من تثق به ومن يتلوني من الأئمة إلى وقت ظهور مهدينا أهل البيت صلوات الله عليهم، ثم يكون الأمر إلى الله ويظهر فيها ما يشاء حتى تكون معقلاً لشيعتنا وتضرعاً إلى الله ووسيلة
للمؤمنين .
قال المُفَضَّل : فظللت باقي ليلتي راكعاً وساجداً أسأل الله بقائي إلى صباح ذلك اليوم، فلما أصبحت دخلت على مولاي(عليه السلام) فقلت : أريد الفوز العظيم والسعي إلى البقعة المباركة التي بين الذكوات البيض في الغريين.
قال : امض وفقك الله يا مُفَضَّل وصفوان معك .
قال المُفَضَّل : فأخذ بيدي وقصدت مسجد السهلة، ثم استدللنا بحبات الشعير المنثورة حتى وردنا البقعة فلذنا بها وزرنا وصلينا[ ورجعنا] وأنفسنا مريضة خوفاً من أن لا نكون وردنا البقعة بعينها .
قال : ودخلنا من مزارنا منها إلى مولانا الصادق(عليه السلام) فوقفنا بين يديه.
فقال : والله يا مُفَضَّل ويا صفوان ما خرجتما عن البقعة عقداً واحداً ولا نقصتما عنها قدماً .
ص: 123
فقلنا : الحمد لله ولك يا مولاي وشكراً لهذه النعمة وقرأ :﴿ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَهُ كتَاباً﴾(1). وقوله : ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْتَهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينِ﴾(2).
3 - وروي بهذه الإسناد عن الصادق(عليه السلام)، عن أبيه الباقر(عليه السلام) قال: دخل علم سلمان الفارسي له ، والمقداد بن الأسود الكندي وأبو ذر جندب الغفاري، وعمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان، وأبو الهيثم مالك بن التيهان وخزيمة بن ثابت، وأبو الطفيل عامر على النبي فجلسوا بين يديه والحزن ظاهر في وجوههم، فقالوا له : فديناك بالآباء والأمهات يا رسول الله إنا نسمع في أخيك علي(عليه السلام) ما يحزننا سماعه وإنا نستأذنك في الرد عليهم، فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم):وما عساهم يقولون في أخي علي؟
فقالوا : يا رسول الله إنهم يقولون : أي فضيلة له في سبقه إلى الإسلام، وإنما أدركه الإسلام طفلاً، ونحن يحزننا هذا، فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) : هذا يحزنكم؟
قالوا : نعم يا رسول الله ، فقال : أسألكم بالله هل علمتم من الكتب الأولى أن إبراهيم(عليه السلام)هربت به أمه وهو طفل صغير من عدو الله وعدوه النمرود في عهده فوضعته أمه بین ثلاث أشجار شاطئ نهر يدفق يقال له حوران وهو بين غروب الشمس وإقبال الليل فلما وضعته أمه واستقر على وجه الأرض فقام الأرض فقام من تحتها فمسح رأسه ووجهه وسائر بدنه وهو يكثر من الشهادة الله بالوحدانية، ثم أخذ ثوباً فاتشح به وأمه ترى ما يفعل فرعبت منه رعباً شديداً فهرول من بين يديها ماداً إلى السماء فكان منه ما قال الله ترك : ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي﴾(3)وقصة الشمس والقمر إلى قوله : ﴿وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (4).
وعلمتم أن موسى بن عمران(عليه السلام)كان فرعون في طلبه يبقر بطون النساء
ص: 124
الحوامل، ويذبح الأطفال لقتل موسى(عليه السلام) فلما ولدته أمه أوحى إليها أن يأخذوه من تحتها فتقذفه وتلقيه في التابوت وتقذفه في اليم فبقيت حيرانة حتى كلمها موسى وقال لها يا أم اقذفيني في التابوت .
خائفة فقالت له وهي من كلامه : يا بني إني أخاف عليك من الغرق.
فقال لها : لا تخافي إن الله رادّي إليك ففعلت ذلك فبقي التابوت في اليم إلى أن ألقاه إلى الساحل رده إلى أمه وهو برهة لا يطعم طعاماً ولا يشرب شراباً معصوماً .
وروي : إن المدة كانت سبعين يوماً وروي إنها كانت تسعة أشهر، وقال الله تعالى في حال طفوليته: ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنی(39) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ(40) ﴾(1)الآية .
وهذا عيس بن مريم(عليها السلام) قال الله تعالى: ﴿فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ﴾(2)إلى آخر الآية .
فكلم أمه وقت مولده فقال لها : ﴿فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ﴾ (3).
وقال: ﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَيبّاً(29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ اتني الكِتَب وَجَعَلَنِي نَبيّا(30)وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَنِي بِالصَّلَوةِ وَالزَّكَوةِ مَا دُمْتُ حَيًّا(41) وَبَرًا بِوَلِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًا الله(42)﴾(4).
فتكلم عيس بن مريم(عليه السلام) في وقت ولادته وأعطي الكتاب والنبوة وأوصى بالصلاة والزكاة في ساعة مولده وكلمه الناس في اليوم الثالث وقد علمتم جميعاً خلقتي، وأن علياً من نوري ونوري ونوره نور واحد، وكنا كذلك نسبح الله ونقدسه ونمجده ونهلله ونكبره قبل أن يخلق الملائكة والسماوات والأرضين والهواء ثم عرش العرش وكتب أسماءنا بالنور عليه، ثم أسكننا صلب آدم، ولم نزل ننتقل في
ص: 125
أصلاب الرجال المؤمنين وفي أرحام النساء الصالحات يسمع تسبيحنا في الظهور والبطون في كل عهد وعصر وزمان إلى أبي عبد المطلب فإنه كان يظهر نورنا في بلجات وجوه آبائنا وأمهاتنا حتى ثبتت أسماؤنا مخطوطة بالنور على جبهاتهم.
فلما افترقنا نصفين في عبد الله ،نصف وفي أبي طالب عمي نصف كان تسبيحنا في ظهورهما، فكان عمي وأبي إذا جلسا في ملأ من الناس ناجي نوري من صلب أبي نور علي من صلب أبيه إلى أن خرجنا من صلبي أبوينا وبطني أمينا، ولقد علم جبريل(عليه السلام)في وقت ولادة علي وهو يقول: هذا أول ظهور نبوتك وإعلان وحيك وكشف رسالتك، إذ أيدك الله بأخيك ووزيرك وصنوك وخليفتك ومن شددت به أزرك وأعليت به ذكرك علي بن أبي طالب، فقمت مبادراً فوجدت فاطمة ابنة أسد أم علي بن أبي طالب وقد جاءها المخاض فوجدتها بين النساء، والقوابل من حولها، فقال حبيبي جبرائيل : سجف بينها وبين جبرائیل: سجف بينها وبين النساء سجافا، فإذا وضعت علياً فتلقه بيدك اليمنى ففعلت ما أمرني ،به ومددت يدي اليمنى نحو أمه، فإذا بعلي ماثلاً على يدي واضعاً يده اليمنى في أذنه يؤذن ويقيم بالحنفية ويشهد بوحدانية الله (عزوجل) وبرسالتي.
ثم أشار إليَّ فقال : يا رسول الله ،اقرأ قلت اقرأ والذي نفس محمد بيده لقد ابتدأ بالصحف التي أنزلها الله على آدم وابنه شيث فتلاها من أول حرف إلى آخر حرف حتى لو حضر شيث لأقر بأنه أقرأ لها منه، ثم تلا صحف نوح حتى لو حضر نوح لأقر أنه أقرأ لها منه، ثم تلا صحف إبراهيم حتى لو حضر إبراهيم لأقر انه أقرأ لها منه، ثم تلا زبور داود حتى لو حضر داود لأقر أنه أقرأ لها منه، ثم تلا توراة موسى حتى لو حضر موسى لأقر أنه أقرأ ثم قرأ إنجيل عيسى حتى لو حضر عيسى لأقر بأنه أقرأ لها منه ثم خاطبني وخاطبته بما يخاطب به الأنبياء، ثم عاد إلى طفولته .
وهكذا سبيل الاثني عشر إماماً من ولده يفعلون في ولادتهم مثله .
فماذا تحدَّثون، وماذا عليكم من قول أهل الشك والشرك بالله هل تعلمون إني أفضل النبيين، ووصيي علي أفضل الوصيين وأن أبي آدم تمام اسمي واسم أخي علي وابنتي فاطمة وابني الحسن والحسين مكتوبة على سرادق العرش بالنور، منذ قال آدم إلهي هل خلقت خلقاً قبلي هو أكرم عليك مني».
ص: 126
قال : يا آدم لولا هذه الأسماء ما خلقت سماء مبنية ولا أرضاً مدحية ولا ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً ولا خلقتك يا آدم فقال : إلهي وسيدي بحقهم إلا غفرت لي خطيئتي .
فكنا نحن الكلمات التي تلقى آدم من ربه فغفر له وقال : ابشر يا آدم فإن هذه الأسماء من ذريتك وولدك، فحمد الله وافتخر على الملائكة بنا، فإذا كان هذا من فضلنا، عند الله وفضل الله علينا ولا يعطى إبراهيم وموسى وعيسى شيئاً من الفضل إلا ويعطيه بنا، فماذا يضرنا ويحزنكم قول أهل الإفك والمسرفين . فقام سلمان ومن كان معه على أقدامهم وهم يقولون : يا رسول الله نحن الفائزون؟
قال: نعم. أنتم ،الفائزون والله لكم خلقت الجنة ولأعدائنا وأعدائكم خلقت .النار. فكان هذا من دلائله وبراهينه ومعاجزه قبل وفاة رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم). وأما بعد وفاة رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) :
فمن دلائله ومعجزاته :
روي بالإسناد : أنّ أبا بكر لقيه (1): في سكة [من سكك] بني النجار في المدينة، وكان قد استخلف الناس أبا بكر فسلم أبو بكر عليه وصافحه، وقال له : يا أبا الحسن عسى في نفسك شيء من ء من استخلاف الناس إياي وما كان في السقيفة، وإكراهك على البيعة؟ والله ما كان ذلك بإرادتي إلا أن المسلمين اجتمعوا على أمر لم أكن أخالف عليه وفيه، لأن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) قال : لن تجتمع أُمتي على ضلال .
فقال له أمير المؤمنين(عليه السلام): منهم الذين أطاعوا الله وأطاعوا رسوله بعهده، وبعده، وأخذوا بهديه، وأوفوا بما عاهدوا الله عليه، ولم يغيروا ولا بدلوا؟»(2).
ص: 127
قال أبو بكر: والله يا علي لو شهد عندي [الساعة] من أثق به أنك أحقّ بهذا الأمر مني لسلّمته إليك، رضي من رضي، وسخط من سخط . فقال له المؤمنين(عليه السلام):« بالله يا أبا بكر هل أنت بأحد أوثق منك برسول الله»(1)؟
قال أبو بكر : لا والله .
قال له : «فقد أخذ عليك بيعتي في أربع مواطن وعلى جماعة معك فيهم عمر وعثمان في يوم الدار ، وفي بيعة الرضوان تحت الشجرة، ويوم جلوسه في بيت أُمّ سلمة (2)وأنا عن يمينه أحضرك وعمر وعثمان وسلمان، والمقداد، وجندب، وعمار، وحذيفة، وأبو الهيثم مالك بن التيهان وأبو الطفيل عامر بن واثلة، حتى امتلأ منهم البيت وحضر بريدة الأسلمي فجلس على عتبة الباب. فقال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): قم يا أبا بكر فسلم على علي بإمرة المؤمنين وبايع له، فما أجزاك إلا أن القول مني فقلت أقوم يا رسول الله، عن أمر الله وأمرك وأبايع علياً وأسلم عليه بإمرة المؤمنين؟ فقال: نعم، قم يا أبا بكر فقمت فبايعتني وسلمت علي بإمرة المؤمنين كما أمرك وجلست ثم قال : قم يا عمر فأعاد القول كما أعدته أنت فقال: یا رسول الله أسلم على علي بإمرة المؤمنين قال: نعم، قم فبايعه وسلم عليه بإمرة المؤمنين فقام وبايعني وسلم عليّ بإمرة المؤمنين وجلس.
فقال رسول الله : قم يا عثمان إلى أخي علي وسلم عليه بإمرة المؤمنين، فما قام حتى قال مثلما قلتما فأعاد عليه رسول الله ثالثة فقام فبايعني وسلم علي بإمرة المؤمنين وجلس .
ص: 128
فقال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): قم يا سلمان قم يا ،مقداد قم يا جندب، قم يا عمار، قم يا حذيفة ،قم يا خزيمة، قم يا أبا الهيثم، قم يا عامر، قم يا بريدة، فبايعوا لأخي علي، وسلموا عليه بإمرة المؤمنين، فقاموا بأجمعهم بلا مراجعة، فبايعوا لي وسلموا علي بإمرة المؤمنين.
وفي يوم غدير خم بعد رجوعه من حجة الوداع فقد نزل بغدير خم وقد علمت أنه كان يوماً شديد القيظ يشيب فيه الطفل، فأشار إلي جميعكم ورسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فاستظلوا بالدوحات التي حول الغدير فلما قرب الزوال وقف(عليه السلام) وأشار إليكم أن احتطبوا وخذوا من الدوحات ما سقط وأتوني به فكبس ما جمعتم بعضه فوق بعض فلما رأى لا يوفي الجمع أمر عليه بالأقتاب فنصب بعضاً فوق بعض حتى علت العسكر، ثم علاها ودعاني فعلوت معه فكان ما سمعتموه، وهو أن أخذ كفي بكفه اليمنى وقد بسطهما نحو السماء حتى رأيتم بياض إبطيه، يريكم شخصي ويعلن بأمري، ويقول ما أمر به (1).
قال الحسين بن حمدان : إنما تركنا إعادة الإشهاد عند الناس جميعاً، ويرجع الخبر إلى قول المؤمنين(عليه السلام): فقلتم بأجمعكم سمعاً وطاعة الله ولرسوله فقال لكم : الله ورسوله عليكم من الشاهدين فقال لكم فليشهد بعضكم على بعض وليسمع من سمع مني من لم يسمع فقلتم : نعم يا رسول الله فنزل وصلى صلاة الزوال، وارتفع صوت الأذان والإقامة في العسكر، فصلى بهم صلاة الظهر والعصر، فلما فرغنا من الصلاة قمتم أنتم بأجمعكم تهنئون رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وتهنئوني بكرامة الله لنا، فدنا مني عمر فضرب على كفي وقال بحضرتكم بخ بخ يا ابن أبي طالب أصبحت مولانا ومولى المؤمنين قال له رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): ويحك يا أبا حفص الا دعوته بما أمرك الله أن تدعوه بإمرة المؤمنين، فتقول: أصبحت يا أمير المؤمنين مولانا ومولى المؤمنين؟
فقال: نعم، فقال أبو بكر : يا أبا الحسن والله لقد ذكرتني أمراً لم أكن أعلم
ص: 129
ولو يكون رسول الله شاهداً ،فأسمعه فقال له أمير المؤمنين(عليه السلام): يا أبا بكر، الله ورسوله عليك من الشاهدين، إن رأيت رسول الله حياً ويقول لك: إنك ظالم في أخذ حقي الذي جعله الله لي ولرسوله دونك ودون المسلمين إنك تسلم هذا الأمر إليَّ وتخلع نفسك منه؟
قال أبو بكر : هذا ما لا يكون إلا أن أرى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) بعد موته حياً يقول لي ويأمرني بذلك.
قال له أمير المؤمنين(عليه السلام): نعم يا أبا بكر .
قال : فأرني ذلك إن يكن حقاً قال أمير المؤمنين(عليه السلام): الله ورسوله عليك من الشاهدين إنك تفي بما قلت .
قال أبو بكر: نعم، فضرب أمير المؤمنين على يده ومال يسعى به إلى مسجد قبا فلما ورداه تقدم أمير المؤمنين(عليه السلام)فدخل المسجد وأبو بكر من ورائه فإذا هما برسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)جالس في قبلة المسجد، فلما رآه أبو بكر سقط لوجهه كالمغشي
عليه فبادره رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): ارفع أيها الضليل المفتون ارفع رأسك.
فرفع [أبو بكر رأسه وقال : لبيك يا رسول الله، أحياة بعد الموت؟
قال: نعم، ويحك يا أبا بكر إنّ الذي أحياها لمحيي الموتى، [عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ].
قال : فسكت أبو بكر وشخصت عيناه نحو رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) فقال : ويحك يا أبا بكر أنسيت ما عاهدت الله ورسوله عليك في المواطن الأربع لعلي، فما بالك تناشد علياً فيها ويذكرك فتنساها وقص عليه رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)ما جرى بينه وبين أمير المؤمنين فلم ينقص منه كلمة ولا زاد فيه ،كلمة إلى أن انتهى .
فقال أبو بكر : يا رسول الله، فهل من توبة؟ وهل يعفو الله عني إذا سلمت هذا الأمر إلى أمير المؤمنين؟
فقال : نعم يا أبا بكر وأنا الضامن لك على الله ذلك إن وفيت.
قال : وغاب رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)[عنهما]، فثبت أبو بكر إلى أمير المؤمنين(عليه السلام).
وقال : الله الله سر معي حتى أعلو المنبر فأقص على الناس ما شاهدت وما رأيت من أمر رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، وما قال لي، وما قلت له، وما أمرني وأخلع نفسي من هذا الأمر، وأسلمه إليك.
ص: 130
قال أمير المؤمنين : أنا معك يا أبا بكر إن تركك شيطانك.
قال أبو بكر : إن لم يتركني تركته وعصيته .
فقال أمير المؤمنين : تطيعه ولا تعصيه والله ما أردت إلا تأكيد الحجة عليك . فأخذ بيده وخرجا من مسجد قبا يريدان مسجد رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)والمنبر وأبو بكر يخفق بعضه بعضاً يتلون ألواناً والناس ينظرون إليه ولا يدرون بالذي كان منه ؛ حتى لقيه ،عمر فقال له يا خليفة رسول الله ما شأنك؟ وما الذي دهاك؟
فقال : خل عني يا عمر، فوالله لا سمعت لك قولاً .
فقال : وأين تريد يا خليفة رسول الله ؟
فقال أبو بكر : أريد [المسجد و] المنبر .
فقال له عمر : إنه ليس وقت صلاة ولا منبر .
فقال : خلّ عني فلا حاجة لي في كلامك
فقال له عمر يا خليفة رسول الله فما تدخل قبل المسجد منزلك فتسبغ الوضوء؟
فقال له أبو بكر : بلى. ثم التفت إلى أمير المؤمنين[ علي(عليه السلام)] فقال : يا أبا الحسن، اجلس إلى جانب المنبر حتى أخرج إليك . فتبسم أمير المؤمنين(عليه السلام)، ثم قال : يا أبا بكر ، قد قلت لك : إنّ شيطانك لا يدعك ويردك. وسعى أمير المؤمنين(عليه السلام) وجلس بجانب المنبر ودخل أبو بكر منزله وعمر معه فقال له يا خليفة رسول الله لم لا تعرفني أمرك تحدثني بما دهاك؟
فقال أبو بكر: ويحك يا عمر رجع رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) بعد موته وخاطبني وخاطبته في ظلمي لعلي ويأمرني أن أرد حقه عليه وأخلع نفسي منه.
فقال عمر : يا خليفة رسول الله قص علي قصتك من أوّلها إلى آخرها .
فقال له : ويحك يا عمر إن علياً قال لي : إنك لا تدعني أخرج هذه المظلمة من عنقي، وإنك شيطاني. فلم يزل عمر يحدثه بحديثه كله .
فقال له : بالله يا أبا بكر أنسيت(1)في أول شهر رمضان الذي فرض علينا صيامه، حيث جاءك حذيفة بن اليمان ومعه سهل بن حنيف، وعثمان أخوه،
ص: 131
ونعيمان الأنصاري(1)، وخزيمة بن ثابت في [يوم] الجمعة إلى دارك ليتقاضوك ديناً عليك، فلما انتهوا إلى باب الدار سمعوا صلصلة في الدار فوقفوا على باب الدار ولم يستأذنوا عليك، فسمعوا أُمّ بكر زوجتك تناشدك، وتقول لك : قد عمل حرّ الشمس بين كتفيك، فقم من سواء الدار إلى داخل الجدار(2)سواء الدار إلى داخل الجدار (2)، وكن بنفسك من الشمس وابعد من الباب ليسمعك بعض أصحاب محمَّد فيهدروا دمك، فقد علمت أنّ محمَّداً قد أهدر دم من أفطر يوماً من شهر رمضان من غير سفر ولا مرض؛ خلافاً على الله ورسوله [محمد].
فقلت لها هاك لا أم لك فضل طعامي في الليل، وأترعي لي الكأس قرقفا(3)، فوقف حذيفة بن اليمان ومن معه يسمعون محاورتكما [إلى أن انتهيت من شعرك]، فجاءت بصحيفة فيها ثريد وأخذت القعب [مملوءاً خمراً] فكرعت منه في ضحى النهار وجعلت تقول لزوجتك :
ذريني أصطبح يا أُمّ بكر*** فإنّ الموت نقب عن هشام
ونقّب عن أخيك وكان صفواً*** من الفتيان في شرب المدام
تلبي بالتحية أم بكر*** وهل لك بعد قومك من سلام
فكم لك بالقليب قليب بدر*** من الأجسام تكلم بالسهام(4)
وكم لك بالطوي طوي أحد*** من الحركات والدمع العظام(5)
من أنصار الكريم إلى علي*** حيا الكأس الكريمة والمدام
يقول لنا ابن كبشة سوف نحيا*** وكيف حياة أشلاء وهام(6)
يود ابن المغيرة لو فداه*** بألف من سنام أو سوام
أاترك إن يكف الموت، عني*** ويحيي إذا بليت عظامي
ص: 132
أتزعم باطلا ما قال هذا*** وإفكا من زخاريف الكلام
الا من مبلغ الرحمن، عني*** بأني تارك شهر الصيام
إذا ما الرأس فارق منكبيه ***وليس بذاك يقطع للطعام
فقل الله يمنعني شرابي*** وقل الله يمنعني طعامي(1)
فسمعوك تهجو محمَّداً في دارك، فهجموا عليك في دارك، فوجدوك وقعب الخمر في يدك وأنت تكرعها ، فقالوا لك يا عدو الله خالفت الله وخالفت رسوله، وحملوك كهيئتك إلى مجمع الناس بباب رسول الله وقصوا قصتك، وأعادوا شعرك، فدنوت منك وقلت في صحيح (2)الناس عليك قل : إنك شربتها ليلاً، فئملتها نهاراً، فزال عقلك، فأتيت ما أتيته زياداً (3)، ولا علم لك بذلك، فعسى أن يدرأ عنك الحد .
وخرج محمد فنظر إليك فقال : استنطقوه فقالوا : رأيناه ثملاً يا رسول الله لايعقل .
فقال : ويحك والخمر تزيل العقول تعلمون هذا من أنفسكم وأنتم تشربونها ؟!
فقلنا : نعم يا رسول الله وقد قال فيها قائد الشعراء امرؤ القيس ابن حجر الكندي :
ص: 133
شربت الإثم حتى زال عقلي*** كذاك الإثم تذهب بالعقول(1)
فقال : والإثم من أسماء الخمرة، فقلنا : نعم يا رسول الله .
فقال : أنظروه إلى إفاقته من سكرته، فأمهلك حتى أريتهم أنك قد صحوت فسألك محمَّداً ؛ فأخبرته بما أو عزته إليك من شربك لها بالليل فما بالك اليوم تؤمن بمحمَّد وما جاء به وهو عندنا ساحر كذاب.
فقال : ويحك يا أبا حفص لا شكّ عندي فيما قصصته عليَّ، فاخرج إلى علي فاصرفه عن المنبر .
فخرج عمر وأمير المؤمنين(عليه السلام) بجانب المنبر جالس فقال : مالك يا علي قد تصديت لها هيهات هيهات دون والله ما تروم من علوّ هذا المنبر خرط القتاد.
فتبسم أمير المؤمنين(عليه السلام)حتى بدت نواجذه ثم قال : ويلك منها كل الويل یا عمر إذا أفضت إليك والويل للأمة من بلائك(2)
وانصرف أمير المؤمنين إلى منزله(3). فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
5- قال الحسين بن حمدان حدَّثني جعفر بن مالك، عن محمَّد بن خلف،عن المخول بن إبراهيم عن زيد الشحام عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي خالد ابن عبد الله بن حزام الأنصاري عن حذيفة بن اليمان، ونعيمان، وسهل بن حنيف، وخزيمة بن ثابت بالحديث الذي كان لحذيفة بن اليمان مع أبي بكر وقصد داره بهؤلاء الثلاثة نفر في يوم الجمعة في أول يوم من شهر رمضان فرض على المسلمين صيامه وأكل أبي بكر الطعام وشربه الخمرة وشعره على ما تضمنه منه
ص: 134
عمر بتذكيره لأبي بكر في نقضه الصيام وأكله الطعام وشربه الخمرة وقوله الشعر الذي لزمه الكفر بالله (عزوجل) وبرسوله اجتمعت تيم - وهي قبيلة أبي بكر – وعدي - وهي قبيلة عمر - وأمية - وهي قبيلة عثمان - وزهرة - وهي قبيلة عبد الرحمن ابن عوف الزهري - والكل من قريش فقالوا يا رسول الله ما لأبي بكر ذنب فلا تحرم علينا الخمرة فهب لنا ذنبه واقبل منا الكفارة.
فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): لا حكم إلا حكم الله، وأنا منتظر ما يأتي به جبريل(عليه السلام)، عن الله ومك فأنزل الله تبارك وتعالى: ﴿وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً﴾(1)، ونهى بذلك وكثر سؤال الناس عن الخمرة إلى رسول الله ، عن شرب الخمر، ونادى في المدينة وكتب إلى أهل الإسلام بذلك.
واحتجوا بأنه مطلق حلال ولم ينزل تحريمها في كتاب من كتب الله(عزوجل)(2)، وذكروا خبر نوح (عليه السلام)وأنه شرب وسكر من الخمرة حتى رقد، وخرج ابنه حام وقد حملت الريح ثوب أبيه نوح(عليه السلام)حتى كشف عورته، فوقف ينظر إليه ويتضاحك في وجهه ويعجب من أبيه.
فقام سام أخوه ونظر إليه ورأى ما يصنع، فقال له : ويحك يا حام بمن تهزأ ؟ فلم يخبره بشيء فنظر سام منظر حام وإذا بالريح قد كشف ثوب أبيهما، وهو سكران نائم، فدنا منه ومد عليه ثوبه وألقى عليه ملاءته وقعد يحرسه إلى أن أفاق، وانتبه من رقدته فنظر إلى سام فقال : يا بني ما لك جالساً وملاءتك على لونك متفكراً لا يكون أحد جنى عليك جناية، فعدت تحرسني منها .
فقال له : الله ورسوله أعلم فهبط جبريل(عليه السلام)، وقال له : يا نوح ربك يقرئك السلام ويقول لك : إن حاماً فعل بك كيت وكيت، وسام ابنك أنكر ذلك من فعله وسترك وطرح ملاءته عليك، وحرسك من أخيه حام ومن الريح.
فقال نوح: بدل الله ما بحام من جمال قبحاً ومن خير شراً، ومن إيمان كفراً، ولعنه لعناً وبيلاً كما صنع بأبيه رسولك ولم يشكر لولادته ولا لهدايته .
فاستجاب الله دعاء نبيه نوح(عليه السلام)في ولده حام واستحال جماله سواداً مخبأ،
ص: 135
منخلقاً، مجدداً، مقطحاً ، طمطمانياً، فوثب على أبيه نوح يريد قتله فوثب عليه سام فعلا هامته بيده وصده عنه، فدعا نوح(عليه السلام)أن ينزل عليه الأمان من ذريته وأن يجعل بين حام وذريته العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة(1).
واحتجوا بأن القرابين لها منذ قرب هابيل كانوا يشربون الخمر ويسقون القرابين منها وشرباها ووقفا يقربا منها، وأن شبر وشبير ابني هارون (عليه السلام)قرّبا قرباناً ثم سقياه الخمر وشرباها ووقفا يقربان، فنزلت النار عليهما أحرقتهما لأن الخمر في بطونهما فقتلا بذلك .
واحتجوا بقول الله(عزوجل)في الزبور على لسان داود(عليه السلام): خمراً مريئاً، دلنا تريا مفصحاً أثر فسمي لحماً لنا قلب ترياشا حسر خمراً حسراً حراباً .
قال داود(عليه السلام): معنى خمرة هي الخمر هي شقيق لنا قلب ترياشا ابن آدم، ويسقون القرابين منها، وإنها شربت بعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتخذوا الزي والمزفت إلى سكرة أبي بكر .
فقال المسلمون: لِمَ تنهانا عن شربها يا رسول الله ، أنزل فيها أمر من عند الله فنعمل به؟ فأنزل الله(عزوجل):﴿ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾(2).
فقال المسلمون إنما أمرنا بالاجتناب عنها، ولم تحرم علينا، فأنزل الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾(3).
فقالوا : أمرنا أن ننتهي ولم تحرم علينا فأنزل الله زوجك : ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾(4)
ص: 136
فقال المسلمون فيه منافع للناس وإن كان الإثم أكبر من المنافع ولم يحرم شربها علينا فأنزل الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ والبغى بغيرِ الْحَيّ﴾(1).
فصح تحريم الخمر من قولهم إن الإثم اسم من أسماء الخمر، ويستشهد بما تقدم من قول امرئ القيس بن حجر الكندي حيث يقول :
شربت الإثم حتى زال عقلي*** كذاك الإثم يذهب بالعقول(2)
ومما عني به السيد ابن محمد الحميري في الخمرة يقول :
لولا عتيق وشوم سكرته*** كانت حلالاً كسائغ العسل(3)
وفي قصيدة أخرى يقول : كانت حلالاً لساكن الزمن(4).
وله في لقاء أمير المؤمنين(عليه السلام)وحمله له إلى مسجد قبا وخبره مع رسول الله وخطابه له يقول :
لما لقاه أبو الفصيل بمشهد*** فخلابه وقرينه لم يعلم
فتناشدوا في نقضه العهد الذي*** أخذ النبي عليه غير تكتم
لتسلمن إلى الوصي إمامة*** إمارة صارت له من آدم
قال الغوي فأين لي ذو خبرة*** أدري ويشهد بالذي قد تزعم
قال الوصي هل لك عني مخبر*** عن النبي فقال آه حرم
أين النبي وكيف لي بمغيَّب*** بين الجنادل في ضريح مظلم
قال الوصي عَلَيَّ أن تلقاه في*** نادي قبا في مسجد لم يهدم
قال الغوي له أبعد مماته*** قال الوصي نعم برغم مرغم
فأتى به فإذا النبي بمحضر*** حي يحاوره بغیر تجمجم
أنسيت ويلك يا عتيق وكبَّهُ*** لجبينه للأرض صفة النادم
ص: 137
قال النبي له عتيق ردّها*** ويلك تنجو من جريرة ظالم
قال الشقي نعم أرد ظلامة*** لعليِّ ذي الهادي بغير تذمم
وله في هذا المعنى قصيدة أخرى :
حتى لقاه أبو الفصيل بجانب*** فخلا به وقرينه لم يشعر
وضوع
6 - وعنه بهذا الإسناد، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، عن سلمان الفارسي الله ، قال : دخل أبو بكر وعمر وعثمان على رسول الله .
فقالوا يا رسول الله ما لك تفضّل عليّاً علينا في كلّ الأفعال والأشياء ولا يرى لنا معه فضلاً (1)؟
قال لهم (2): (ما أنا فضلته ؛ بل الله فضله ).
فقالوا : وما الدليل على ذلك؟
فقال: (إذا لم تقبلوا منّي فليس [من الموتى] شيء، عندكم أصدق من أهل الكهف(3)حتى تُسلَّموا عليهم، فمن أحياهم الله له وأجابوه كان الأفضل).
قالوا رضينا يا رسول الله، فأمر رسول الله أن يبسط بساطاً له، ودعا بعليّ فأجلسه في [وسط] البساط، وأجلس كلّ واحدٍ منهم [على] قرنة .
قال سلمان وأجلسني القرنة الرابعة، وقال: (يا ريح احمليهم إلى أصحاب الكهف وردّيهم إليَّ)، فدخلت الريح [تحت البساط] وسارت بنا، فإذا نحن في كهف عظيم فحطة [نا] عليه .
قال أمير المؤمنين(عليه السلام): (يا سلمان هذا الكهف والرقيم فقل للقوم: يتقدمون أو أتقدم؟).
ص: 138
فقالوا : نحن نتقدّم فقام كلّ واحدٍ منهم فصلى ودعا وقال : السلام عليكم يا أصحاب الكهف، فلم يجبهم أحد .
فقام بعدهم أمير المؤمنين(عليه السلام) صلى ركعتين ودعا بدعوات خفيات، فصاح الكهف وصاح القوم من داخله بالتلبية، فقال أمير المؤمنين(عليه السلام):
(السلام عليكم أيها الفتية الذين آمنوا بربهم وزادهم هدى).
فقالوا: وعليك السلام يا أخا رسول الله [(صلی الله علیه وآله وسلم)] ووصيه [يا أمير المؤمنين]، لقد أخذ الله العهد علينا بعد إيماننا بالله وبرسوله محمد [(صلی الله علیه وآله وسلم) ]، لك يا أمير المؤمنين بالولاية إلى يوم الدين قال : فسقط القوم لوجوههم، وقالوا : يا أبا عبد الله ردنا ، فقلت : وما ذلك إلى(1)، فقالوا : يا أبا الحسن ردنا .
فقال(عليه السلام): (يا ريح ردّيهم إلى رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)).
فحملتنا فإذا نحن بين يديه فقص عليهم رسول الله [(صلی الله علیه وآله وسلم) ] القصة كما جرت، فقال: ([وهذا] حبيبي جبريل أخبرني أن عليا فضله الله عليكم) .
[ فقالوا : الآن علمنا فضل عليّ علينا من عند الله زوجك لا منك](2).
7 - وعنه، عن يعقوب بن بشر، عن زيد بن عامر الطاطري عن زيد بن شهاب الأزدي، عن زيد بن كثير اللخمي عن أبي سمينة محمد بن علي، عن أبي بصير، عن مولانا الصادق(عليه السلام)قال: لما أظهر رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فضل أمير المؤمنين كان المنافقون يتخافتون بذلك ويسترونه خوفاً من رسول الله إلى أن خطب أكابر قريش ،فاطمة، وبذلوا في تزويجها الرغائب، فكان رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)لا يزوج
ص: 139
أحداً منهم حتى خطبها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): يا علي ما خطبتها إلا والله زوجك إياها في السماء لأن الله وعد ذلك فيك وفي ابنتي فاطمة .
فقام إليه أبو أيوب خالد بن زيد الأنصاري وقال: يا رسول الله وقد زوج الله عليّا في السماء بفاطمة (عليها السلام)؟
فقال له(عليه السلام) : نعم يا ابن أيوب أمر الله الجنة أن تتزخرف، وشجرة طوبى أن تنشر أغصانها في السبع سماوات إلى حملة العرش، وأن تحمل بأغصانها دراً وياقوتاً ولؤلؤاً ومرجاناً وزبرجداً وزمرداً أصكاكاً مخطوطة بالنور، هذا ما كان من الله للملائكة وحملة عرشه وسكان السماوات كرامة لحبيبه وابنته فاطمة ووصيه علي وأمر جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل واللوح المحفوظ والقلم ونون وهي مخازن وحي الله وتنزيله على أنبيائه ورسله أن يقفوا في السماء الرابعة وأن يخطب جبريل بأمر الله، ويزوج ميكائيل عن الله، ويشهد جميع الملائكة وانتثرت طوبى من تحت العرش إلى السماء الدنيا، فالتقط الملائكة ذلك النثارة الصكاك فهو عندهم مذخور.
قال أبو أيوب : يا رسول الله ما كان نحلتها؟
:قال يا أبا أيوب شطر الجنة وخمس الدنيا وما فيها والنيل والفرات وسيحان وجيحان والخمس من الغنائم كل ذلك لفاطمة نحلة من الله وحباً لا يحل لأحد أن يظلمها فيه بورقة .
قال أبو أيوب: بخ بخ يا رسول الله هذا من الشرف العظيم أقر الله بها عينيك وعيوننا يا رسول الله، فقام حذيفة بن اليمان(رضی الله عنه) قائماً على قدميه وقال يا رسول الله تزوجها في يوم الأربعين من تزويجها في السماء.
قال حذيفة بن اليمان ما نحلتها في الأرض يا رسول الله؟
قال : يا أبا عبد الله نحلتها ما تكون سنة من نساء أمتي من آمن منهن واتقى، قال : وكم هو يا رسول الله ؟
قال : خمسمائة درهم.
قال حذيفة: يا رسول الله لا يزيد عليها في نساء الأمة فإن بيوتات العرب تعظم النحلة وتتنافس فيها تأديباً من الله ورحمة منه في ابنتي وأخي .
ص: 140
قال حذيفة بن اليمان يا رسول الله فمن لم يبلغ الخمسمئة درهم؟
قال له(عليه السلام) : تكون النحلة ما تراضيا عليه .
قال حذيفة : يا رسول الله فإن أحب أحد من الأمة الزيادة على الخمسمئة درهم؟
فقال له (عليه السلام)يجعل ما يعطيها من عرض الدنيا براً ولا يزيد على الخمسمئة درهم فقال حذيفة: صدقت يا رسول الله فيما بلغتنا إياه عن الله عزوجل في قوله عز من قائل: ﴿وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَثَهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَنا وَإِثْمًا مبينا (20)وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِيثَقا غليظا الله(21)﴾(1).
قال النبي : ما وجب لهن ذلك إلا عند الإفضاء إليهن ألا ترى يا أبا عبد الله حذيفة، وتسمع قوله برجك: ﴿وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ فَهُنَّ فَرِيضَةً فَيَصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوا الَّذِي بِيَدِهِ، عُقْدَةُ النِّكَاحَ وَأَن تَعْفُوا قْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾(2)فأعلم عز ذكره أنه إذا لم يفض إليهن ولم يمسسن أن لا تأخذوا شيئاً.
قال : فلما تمت الأربعون يوماً أمر الله ورسوله(صلی الله علیه وآله وسلم)أن يزوجها من علي(عليه السلام)فزوجت في مسجد رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)وحضر جميع المسلمين، وفيهم حاسد لعلي وشامت بفاطمة، وأنها تزوجت من فقير ورضا مسروراً رضاء الله ورسوله فلما اجتمع الناس وتكاتفوا قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): قد أخبرتكم معاشر الناس ما أكرمني به الله وأكرم به أخي عليّاً وابنتي فاطمة(عليها السلام)، وتزويجها في السماء، وقد أمرني الله أن أزوجه في الأرض وأن أجعل له نحلتها خمسمئة درهم، ثم تكون سنة في أمتي من أغناهم والمقلّ منهم ما تراضيا عليه .
ثم قال : قم يا علي فديتك فاخطب لنفسك فإن هذا يوم كرامتك، عند الله
وعند رسوله .
فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): الحمد لله حمداً لأنعمه وأياديه ولا إله إلا الله
ص: 141
شهادة تبلغه وترضيه وصلى الله على محمد صلاة تزلفه وتحظيه، ألا وإن النكاح مما أمر الله به ورضيه ومجلسنا هذا مما قدره الله وقضى فيه، هذا رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم). قد زوجني ابنته فاطمة وصداقها علي خمسمئة درهم(1)، فاسألوا رسول الله واشهدوا علي.
فقال رسول الله : ما زوجتك حتى زوجك الله في السماء منذ أربعين يوماً، فاشهدوا رحمكم الله فخرج مولى لأم سلمة - زوجة رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)- فنثر سكراً ولوزاً ونثر الناس من كل جانب، وانصرف رسول الله ويده في يد أمير المؤمنين(عليه السلام)حتى دخل إلى مشرفة أم سلمة وهي مشرفة عالية البناء كثيرة الأبواب والطاقات وانصرف الناس إلى منازلهم، وارتفع في دور الأنصار نقر الدفوف من مشارف رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)والأصوات بحمد الله وشكره والثناء عليه، فدعا رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)بتمرات كانت له في قعب وفضلة سمن عربي، فطرحه في قصعة كانت له وفتها بيده اليمنى وقال : قدموا يا أنصار الصحاف والقصاع واحملوا إلى سائر أهل المدينة وأبواب المهاجرين والأنصار، ثم سائر المسلمين، وأسرعوا في المدينة للسابلة ما يأكلون ويتزودون فلم تزل يده المباركة فيه تنقل من قصعة إلى الصحاف من ذلك الخبز وهي تمتلئ ،وتفيض حتى امتلأ منهما منازل المسلمين في المدينة، وأسرعت في الطرقات فأكلت وتزودت السابلة وسائر الناس، وقصعته(عليه السلام) كهيئتها بحالها .
وتكلم المنافقون والحساد لأمير المؤمنين(عليه السلام)وقالوا لنسائهم : ألقين إلى فاطمة ما تسمعن منا، فبلغنها وقلن لها : خطبك أكابر الناس وأغنياؤهم وبذلوا لك الرغائب، فزوجك رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)من فقير قريش وليس له خمسمئة درهم إلا ثمن درعه التي وهبها له رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) ومن لا يقدر يملك من الدنيا أكثر من فراش أديم ومضوغة محشوة ليف النخيل، وأصواف الغنم.
فألقت نساؤهم إلى فاطمة (عليها السلام)هذا القول وزدن منه وحكت أم سلمة لرسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فخرج إلى مسجده واجتمع الناس من حوله فقال (عليه السلام): ما بال قوم منكم يؤذون الله ورسوله وعليّاً وفاطمة؟ فقال الناس: لعن الله من يؤذيك يا رسول الله، ومن لم يرضَ ما ،رضيت، ويسخط ما سخطت.
فقال لهم : ليبلغني عن قوم منكم أنهم يقولون إني زوجت فاطمة من أفقر
ص: 142
قريش، وقد علم كثير من الناس أن الله تعالى أمر جبرائيل(عليه السلام)أن يعرض علي خزائن الأرض وكنوزها وما فيها من تبر ولجين ، وجوهر، وآتاني مفاتيح الدنيا وكشف لي عن ذلك حتى رأيت من خزائن الأرض وكنوزها وجبالها وبحارها وأنهارها .
فقلت له : وأخي علي يرى ما رأيت ويشهد ما شهدت.
فقال حبيبي جبريل : نعم .
فقلت : ما عند الله من الملك الذي لا يحول ولا يزول في الآخرة التي هي دار القرار أحب إليَّ من هذه الدنيا الفانية، فكيف أكون وأخي عليّاً وابنتي فاطمة؟ الله بيني وبين المنافقين من أمتي فأنزل الله(عزّوجل):﴿ لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاهُ﴾(1)، إلى آخر الآية .
وعنه بهذا الإسناد عن أبي جعفر الباقر](عليه السلام) قال: (لما كثر قول المنافقين، وحساد المؤمنين في ما يظهره رسول الله من فضل المؤمنين(عليه السلام)، ويبصّر الناس ويدلهم، ويأمرهم بطاعته، ويأخذ البيعة له من
الام كبرائهم ومن لا يؤمن غدره، ويأمرهم بالتسليم عليه بإمرة المؤمنين، ويقول لهم: إنه وصبي، وخليفتي، وقاضي ديني، ومنجز وعدي والحجّة [الله] على خلقه من بعدي من أطاعه سعد، ،، ومن خالفه ضلّ وشقي.
قال المنافقون: لقد ضل محمد في ابن عمه علي وغوى وجن(2)، والله ما فتنه فيه، ولا حببه إليه إلا قتل الشجعان و[ الأقران و] الفرسان يوم بدر وغيرها من قريش وسائر العرب واليهود وإنّ كل ما يأتينا به ويظهره في عليّ من هواه وكلّ ذلك يبلغ رسول الله حتى اجتمع التسعة الرهط المفسدون في الأرض، في دار الأقرع بن حابس التميمي.
وكان يسكنها في الوقت صهيب الرومي وهم التسعة الذين هم أعداء أمير
ص: 143
المؤمنين علي(عليه السلام)كان عددهم عشرة وهم أبو بكر وعمر، وعثمان، وطلحة، و[قيل : الزبير، و] سعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف الزهري وخالد بن الوليد، وأبو عبيدة بن الجراح، فقالوا : قد أكثر رسول الله في أمر علي وزاد فيه حتى لو أمكنه أن يقول لنا اعبدوه لقال .
فقال سعد بن أبي وقاص : ليت محمَّداً أتانا فيه بآية من السماء كما أتاه في نفسه من الآيات من شق القمر وغيره فباتوا ليلتهم تلك، فنزل نجم من السماء حتى صار على ذروة المدينة حتى دخل ضوؤه في البيوت(1)، وفي الآبار والمغارات وفي المواضع المظلمة من منازل الناس.
فذعر أهل المدينة ذعراً شديداً، وخرجوا وهم لا يعلمون ذلك النجم على دار من نزل ولا أين هو متعلق، إلا أنّهم يظنونه على بعض منازل رسول الله، وسمع رسول الله ذلك الضجيج والناس، فخرج إلى المسجد وصاح بالناس: (ما الذي أزعجكم وأخافكم؟ من هذا النجم النازل على دار أخي علي بن أبي طالب؟).
فقالوا: نعم يا رسول الله ] .
فقال : (فلا يقول منافقوكم التسعة الذين اجتمعوا في أمسكم في دار صهيب الرومي، فقالوا في وفي أخي عليّ ما قالوه وقال قائل : ليت محمداً، أتانا بآية من السماء في علي كما أتانا بها في نفسه من شق القمر وغيره، فأنزل الله برك هذا النجم على ذروة دار أخي علي آية له خصه الله بها ؛ فلم يزل ذلك النجم معلقاً على مشربة أمير المؤمنين(عليه السلام)) .
و[كان أمير المؤمنين(عليه السلام)] معه في المسجد إلى أن غاب كل نجم من السماء وهذا النجم معلق .
فقال لهم رسول الله : ( هذا حبيبي جبرائيل(عليه السلام)لقد أنزل عليَّ في هذا النجم وحياً [ وقرآناً] وهو ما تسمعونه)، ثم قرأ (عليه السلام): ﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى(1) ما ضلَّ صاحبكم وَمَا غَوَى(2) وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى(3) إِن هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى(4) إنْ هُوَ إِلَّا وَحْى يُوحَى عَلَمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى(5)﴾(2)،ثم ارتفع النجم وهم ينظرون إليه والشمس قد بزغت وغاب كل نجم في السماء .
ص: 144
فقال بعض المنافقين: لو شاء محمَّد لأمر هذه الشمس فنادت باسم علي وقالت: هذا ربّكم فاعبدوه فهبط جبرائیل(عليه السلام)فخبر رسول الله بما قالوا وكان هذا في ليلة الخميس وصبيحته فأقبل رسول الله بوجهه الكريم على الله وعلى الناس وقال: (استعيدوا عليّاً من منزله، فاستعادوا إليه علي(عليه السلام).
فقال [له]: (يا أبا الحسن، إنّ قوماً من منافقي أُمتي ما قنعوا بآية النجم حتى قالوا : لو شاء محمَّد لأمر الشمس أن تسلم على علي(1) وتقول هذا ربكم فاعبدوه، فیكر يا علي بعد صلاتك الفجر إلى بقيع الغرقد(2)وقف نحو مطلع الشمس فإذا بزغت الشمس فادعُ بدعواتٍ أنا مُلقنك إياها، وقل للشمس : السلام عليك يا خلق الله الجديد واسمع ما تقول [لك] وما تردّ عليك، وانصرف إلى البقيع).
فسمع الناس قول رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وسمع التسعة الرهط المفسدون في الأرض؛ فقال بعضهم لبعض : لا تزالون تغرون محمَّداً [ بأن يظهر] في ابن عمه عليّ على كل آية]، وليس [مثل ما] قال [محمد] في هذا اليوم.
فقال اثنان منهم، واقسموا بالله جهد أيمانهما(3)إنهما لا بد أن يحضرا إلى البقيع حتّى ينظرا ويسمعا ما يكون من عليّ والشمس.
فلما صلى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) صلاة الفجر وأمير المؤمنين(عليه السلام)[معه] في الصلاة أقبل عليه وقال:( قم يا أبا الحسن إلى ما أمرك الله به ورسوله فأتِ البقيع حتى تقول للشمس ما قلت لك، فأسر إليه سرّاً كان فيه الدعوات التي علمه إيّاها ) .
فخرج المؤمنين(عليه السلام)يسعى إلى البقيع وتلاه الرجلان،وتلاهما آخرون معهما حتى انتهوا إلى البقيع فأخفوا أشخاصهم بين تلك القبور.
ص: 145
ووقف أمير المؤمنين(عليه السلام)بجانب البقيع حتى بزغت الشمس، فهمهم بذلك الدعاء] كما علمه النبي بهمهمة لم يعرفوها فقالوا هذه الهمهمة مما علمه محمد من سحره، وقال: السلام عليك يا خلق الله الجديد فأنطقها الله [ برجك ] بلسان عربي مبين وقالت له : وعليك السلام يا أخا رسول الله ووصيه، أشهد أنك عبد الله وأخو رسول الله حقاً، فأرعد القوم واختلطت عقولهم، ورجعوا إلى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) مسودة وجوههم، تفيض أنفسهم غيظاً .
فقالوا: يا رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) ما هذه العجائب التي لم تسمع من النبيين ولا من المرسلين، ولا في الأمم الغابرة القديمة، ليتك تقول : إن علياً ليس بشراً وهو ربكم فاعبدوه .
فقال لهم رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) بمحضر علي: (ما رأيتم؟).
فقالوا : ما نقول ونسمع ونشهد بما قال علي للشمس وما قالت له الشمس، فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): (لا بل تقولون ما قال علي للشمس).
فقالوا : قال علي للشمس : السلام عليك يا خلق الله الجديد، بعد أن همهم همهمة تزلزل منها البقيع ؛ فأجابته الشمس وعليك السلام يا أخا رسول الله ووصيه، أشهد أنك عبد الله وأخو رسول الله حقاً .
فقال [لهم] رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): (الحمد لله الذي خَصَّنا بما تجهلون، وأعطانا ما لا تعلمون، وقد علمتم أنّي واخيت عليّاً دونكم، وأشهدتكم أنه وصبّي، فما أنكرتم عساكم تقولون : لم قالت له الشمس : أشهد أنك أنت الأول والآخر والظاهر والباطن، يا من أنت بكل شيء عليم.
فقالوا: يا رسول الله إنك أخبرتنا أنّ الله هو الأول والآخر والظاهر والباطن، في كتابه العزيز المنزل عليك، قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): ويحكم وإني لكم بعلم ما قالت [له] الشمس؟ أما قولها : إنك الأوّل فصدقت، إنه أول من آمن بالله ورسوله مِمّن دعوتهم من الرجال إلى الإيمان بالله وخديجة في النساء. وأما قولها له الآخر، فهو آخر الأوصياء، وأنا آخر النبيين و[خاتم الرسل.
وقولها الظاهر : فهو الذي ظهر على كل ما أعطاني الله من علمه ؛ فما علمه معي غيره، ولا يعلمه بعدي سواه [إلا] من ارتضاه الله البشريته من صفوته .
وأما قولها الباطن: فهو والله باطن علم الأوّلين والآخرين وسائر الكتب
ص: 146
المنزلة على النبيين والمرسلين، وما زادني الله وخصني الله من علم وما تعلمونه(1).
وأما قولها له يا من أنت بكل شيء عليم : فإن عليّاً يعلم علم المنايا والقضايا، وفصل الخطاب فماذا أنكرتم).
فقالوا بأجمعهم : نحن نستغفر الله يا رسول الله، لو علمنا ما تعلم لسقط الاعتذار، والفضل لك يا رسول الله ولعلي فاستغفر لنا، فأنزل الله تبارك وتعالى :﴿ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللهُ لَهُمَّ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾(2)، وهذا في سورة المنافقون. فكان هذا من دلائله(عليه السلام)(3)
9 - وعنه ، عن محمد بن منير القمي، عن زيد بن صعصعة التميمي، عن عمار بن عيسى عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير، عن أبي جعفر محمد بن علي(عليه السلام)، قال : قلت يا سيدي كم من مرة ردت الشمس على جدك أمير المؤمنين قال يا أبا بصير ردت له مرة عندنا بالمدينة ومرتين عندكم بالعراق .
فأما التي عندنا بالمدينة فإن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)صلى العصر وخرج إلى منفسح في غربي المدينة، وأمير المؤمنين(عليه السلام)يتبعه ولم يكن صلى العصر فلحق رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)النعاس فوضع رأسه في حجر أمير المؤمنين(عليه السلام)ورقد فلم ينتبه من رقدته إلا وقد توارت الشمس بالحجاب فلما انتبه رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)قال أمير المؤمنين(عليه السلام): يا رسول الله ما صليت ولا أيقظتك من رقدتك إجلالاً وإعظاماً وإشفاقاً عليك يا رسول الله .
فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): اللهم إنك تعلم أن عليّاً عظم نبيك وأشفق عليه أن يوقظه من رقدته حتى غربت الشمس ولم يصل العصر فكرم نبيك ووصيك برد
ص: 147
الشمس عليه حتى يصلي العصر فأقبلت من مغربها راجعة لها زجل بالتسبيح والتقديس، حتى صارت في منزلة الشمس لوقت العصر فصلى أمير المؤمنين(عليه السلام)ورسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)جميع الناس ينظرون، فلما قضى صلاته هوت إلى مغربها كالبرق الخاطف أو كالكوكب المنقض، فأمر رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)أن يبني في موضع صلاة العصر التي صلاها أمير المؤمنين مسجداً يصلى فيه ويزار .
قال السيد الحسين بن حمدان الله : أنا رأيت هذا المسجد في غربي المدينة في أرض السهلة سنة ثلاث وسبعين ومئتين من الهجرة وصليت به مع جمع كثير من الناس، والمسجد يجدد أبداً في كل زمان ويعرف بموضع ردة الشمس لعلي أمير المؤمنين(عليه السلام) وهو مشهد معروف.
وأما الأولى من المرتين في العراق فإن أمير المؤمنين سار بعسكره من النخلية مغرباً حتى أتى نهر كربلاء، فمال إلى بقعة يتضوع منها المسك، وقد جن عليه الليل مظلماً ،معتكراً، ومعه نفر من أصحابه وهم: محمد بن أبي بكر، والحارث الأعور الهمداني، وقيس بن عبادة ومالك الأشتر، وإبراهيم بن الحسن الأزدي، وهاشم المري.
قال ابن عبيد الله بن يزيد فلما وقف في البقعة وترجل النفر معه وصلى، وقال لهم : صلوا كما صليت ولكم عليَّ علم هذه البقعة .
فقالوا : يا أمير المؤمنين لك منن علينا بمعرفتها .
فقال (عليه السلام): هذه والله الربوة ذات قرار ومعين، التي ولد فيها عيسى(عليه السلام)، وفي موضع الدالي من ضفة الفرات غسلت مريم واغتسلت وهي البقعة المباركة التي نادى الله موسى من الشجرة وهي محط ركاب من هنا الله به جده رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) وعزاه، فبكوا وقالوا يا أمير المؤمنين هو سيدنا أبو عبد الله الحسين؟
قال لهم أمير المؤمنين(عليه السلام): اخفضوا من أصواتكم، فإنه وإخوانه في هذا السواد وما أحب أن يسمعوا فيحزنوا على الحسين على أن الحسين قد علم وفهم ذلك كله وأخبره به جده رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم).
ثم قبض قبضة من نثر دوحات كأنهن قضبان اللجين، فاشتمها ثم ردها في أيدينا وقال : تحيوا بها فأخذناها فإذا هي بعر ،غزلان، فقال لنا : لا تظنوا أنها من غزلان الدنيا، بل هي من غزلان الجنة تعمر هذه البقعة وتؤنسها وتنثر فيها الطيب.
ص: 148
قال قيس بن سعد بن عبادة: كيف لنا بأن نرسم هذه البقعة بأبصارنا، وهذا الليل بظلمته يمنعنا من ذلك؟
فقال لهم : هذا عسكرنا حائر لا يهتدي مسيره.
فقال له محمد بن أبي بكر يا مولانا ومولى كل مؤمن ومؤمنة، فأين فضلك الكبير لايدركنا؟ فانفرد أمير المؤمنين(عليه السلام)في جانب من البقعة، وصلى ركعتين له ودعا بدعوات فإذا الشمس قد رجعت من مغربها فوقفت في كبد السماء، فهلل العسكر وكبروا وخر أكثرهم سجداً الله ، ونظروا إلى البقعة وعرفوها وعلموا أين هي من الفرات وهي كربلاء ثم سار العسكر على الجادة وغربت الشمس .
وأما الثالثة فإن أمير المؤمنين(عليه السلام)انكفأ من النهروان بعد قتله الخوارج حتى قرب من أرض بابل(1) وقد وجبت صلاة العصر في أرض بابل، فلما وجبت أقبل الناس من العسكر وهم سائرون يقولون يا أمير المؤمنين، الصلاة ليلاً، ثم يجري في أرض قد خسف الله فيها بطشه وهي أرض لا يصلي لها نبي ولا وصي، فأقبل الناس يصلون إلى أن غربت الشمس وقد صلى أهل المعسكر إلا أمير المؤمنين، وجويرية بن مسهر يقول : والله لأقلدن صلاتي لأمير المؤمنين فإني أصلها وقد صلاها سائر العسكر ولي بأمير المؤمنين أسوة.
فقال له أمير المؤمنين(عليه السلام): ما صليت؟
فقال : لا يا أمير المؤمنين ما صليت .
فقال له أمير المؤمنين(عليه السلام): أذن وأقم حتى نصلي العصر، فصلى أمير المؤمنين وهو منفرد من العسكر ودعا بدعوات من الإنجيل لم يسمع أحد منها كلمة إلا جويرية فإنه سمعه يقول : اللهم إني أسألك باسمك الأعظم ودعا بالكلمات الإنجيلية، فأقبلت الشمس بعد غروبها راجعة لها ضجيج وزجل بالتسبيح والتقديس حتى صارت في درجة وقت العصر، فصلى وجويرية معه وندم أهل المعسكر في صلاتهم دونه .
ص: 149
قال جويرية : يا أمير المؤمنين لم أعلم أن الشمس ترد لصلاتك، فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): لا تثريب عليك اليوم يا جويرية فقال قوم من العسكر : فقد صلينا يا أمير المؤمنين في أرض بابل فقال لهم أمير المؤمنين : أنتم المغرورون، إذ قلتم ما لا تعلمون واعلموا رحمكم الله أن لكل شيء حرماً يكون أربعين ذراعاً إلا حرم مكة، فإنه اثنا عشر ميلاً على يمين الكعبة أربعة وثمانية بيسارها، وكذلك أمركم رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)أن تباشروا في القبلة وإذا صليتم تباينوا، فإنكم إذا باشرتم في وسط القبلة تباينتم وخرجتم عنها ، وإنما صليتم في حرم الفرات، ثم رجعت الشمس بعينها منقضة كالكوكب المنقض أو الشهاب الثاقب، فلما توارت بالحجاب أمر العسكر إلى غربي الفرات فعبروا ثلاث ساعات من الليل وعسكروا بقرية سور العقيق، وأمروا في الأذان والإقامة، فصلى بالناس العشاءين، وسار من ليلته حتى ورد الكوفة .
وروي أنه لم ترد الشمس لأحد من خلق الله تعالى إلا ليوشع بن نون وصي موسى(عليه السلام)ولأمير المؤمنين(عليه السلام)وكان آخر قتالهم له يوم الجمعة إلى أن غربت الشمس وقد ظهر على المنافقين أصحاب يوشع(عليه السلام)، وقال قاتلوهم فقد غلبتموهم بإذن الله، فقالوا : لا نقاتل وقد دخل السبت فانفرد يوشع (عليه السلام)فتلا أسفاراً من صحف إبراهيم(عليه السلام) ومن التوراة، وسأل الله(عزّوجل) برد الشمس عليهم حتى يحتج المارقون .
فقال يوشع موسى(عليه السلام) : قاتلوا .
قالوا :لا نقاتل لأن السبت قد دخل .
قال : هذا لا من السبت ولا من الجمعة وإنما سألت الله (عزّوجل)رد الشمس لتظهروا على أعدائكم ولا يظهروا فقاتلوهم فغلبوهم وملكوهم، وغربت الشمس وكانت صفراء ابنة شعيب النبي زوجة موسى بن عمران(عليه السلام)تقاتل يوشع بن نون(عليه السلام) مع المارقين من بني إسرائيل على زرافة كما قاتلت عائشة ابنة أبي بكر زوجة رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) وصيه أمير المؤمنين(عليه السلام) مع المارقين من أمته على جمل .
وقد ردت ليوشع مرة، وقد ردت لأمير المؤمنين ثلاث مرات وسلمت عليه بالبقيع.
وهذا نبي الله سليمان بن داود(عليه السلام)أمر بأن تعرض عليه خيله حتى أعجب بها وفتنته إلى أن غربت الشمس وفاتته صلاة العصر، فذكر أنه لم يصل صلاة العصر
ص: 150
فأمر برد خيله فأمر بضرب سوقها وأعناقها كفارة لما فوتته صلاة العصر ولم ترد الشمس له فصلى العصر، كما ردت لأمير المؤمنين له الفضل لرسول الله لأن الفضل للنبيين والمرسلين ولأمير المؤمنين(عليه السلام)، لأنه أفضل الوصيين والأئمة الراشدين .
وقد قص الله خبر سلیمان (عليه السلام)فقال تعالى: ﴿إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ ﴾(1)، فقال :﴿فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32)رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33)﴾(2)ولم يخبر إلا به ولم يخبر عن نفسه(عليه السلام) ولا أخبر أن الشمس ردت عليه(3) .
فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
10 - وعنه ، عن محمد محمد بن جابر بن عبد الله بن خالد الخزاعي(4)، عن محمد
ص: 151
ابن جعفر الطوسي، عن محمَّد بن صدقة العنبري، عن محمد بن سنان الزهري عن الحسن بن جهم [بن المضا]، عن أبي الصامت، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) قال: (بينما أمير المؤمنين(عليه السلام) متجهز إلى معاوية ويحرّض الناس على قتاله [إذ] اختصم إليه رجلان في فعل، فعجل أحدهما بالكلام وزاد فيه فالتفت إليه أمير المؤمنين(عليه السلام)وقال له اخسأ يا كلب فإذا رأسه رأس كلب فبهت من كان حوله وأقبل الرجل بإصبعه المسبحة يتضرع إلى أمير المؤمنين(عليه السلام)ويسأله الإقالة.
فنظر إليه [أمير المؤمنين(عليه السلام)] وحرّك شفتيه، فعاد [كما كان] خلقاً سويا فوثب بعض أصحابه فقالوا :له يا أمير المؤمنين هذه القدرة لك أريتنا إياها وأنت تجهزنا إلى قتال معاوية فما بلك لا تكفيناه ببعض ما أعطاك الله من هذه القدرة؟ فأطرق قليلاً ورفع رأسه إليهم ، فقال : والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة لو شئت لضربت برجلي هذه القصيرة في طول هذه الفيافي والفلوات والجبال والأودية حتى أضرب صدر معاوية على سريره فأقبله على أم رأسه لفعلت، ولو أقسمت على الله بك أن آتي به قبل أن أقوم من مجلسي هذا، ومن قبل أن يرتد إلى أحدكم طرفه لفعلت ولكنّا كما وصف الله عز من قائل : ﴿عِبَادٌ مُكْرَمُونَ(26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ، يَعْمَلُونَ(27)﴾(1) . فكان هذا من دلائله (عليه السلام)(2).
حمران بن أعين عن ميثم التمار قال : خطب بنا أمير المؤمنين(عليه السلام)في جامع الكوفة فأطال خطبته وعجب الناس من طولها وحسن وعظها وترغيبها وترهيبها، إذ دخل نذير من ناحية الأنبار(1)وهو مستغيثاً يقول : الله الله يا أمير المؤمنين في رعيتك وشيعتك هذه خيل معاوية قد شنت علينا الغارات في سواد الفرات، ما بين هيت والأنبار .
فقطع أمير المؤمنين(عليه السلام) الخطبة وقال :( ويحك إن خيل معاوية قد دخلت الدسكرة التي تلي جدران الأنبار ؛ فقتلوا فيها سبع(2)نسوة وسبعة من الأطفال ذكرانا(3)، وشهروهم ووطئوهم بحوافر خيلهم، وقالوا هذه مراغمة لأبي تراب).
فقام إبراهيم بن الحسن الأزدي بين يدي المنبر فقال : يا أمير المؤمنين هذه القدرة التي رأيت بها وأنت على منبرك وفي دارك، وخيل معاوية ابن آكلة الأكباد فعل بشيعتك ما فعل ويعلم بها هذا النذير(4) ، ما بالها تقصر عن معاوية؟ .
فقال له أمير المؤمنين(عليه السلام): (ويحك يا إبراهيم!﴿ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَى عَنْ بَيِّنَةٍ ﴾(5).
فصاح الناس في جوانب المسجد : يا أمير المؤمنين وإلى متى ليهلك من هلك(6)، وشيعتك تهلك؟ .
فقال لهم(عليه السلام):( ليقضي الله أمراً كان مفعولاً).
فصاح زيد بن كثير المرادي فقال : يا أمير المؤمنين تقول لنا بالأمس، وأنت متجهز إلى معاوية وتحرضنا على قتاله ويحتكم الرجلان في البغل، فيعجل أحدهما عليك في الكلام فتجعل رأسه رأس كلب (7)، ويستجيرك فترده بشراً سوياً، ونقول لك : ما بال هذه القدرة لا تبلغ معاوية فتكفينا شره فتقول لنا : وفالق الحبة
ص: 153
وبارئ النسمة، لو شئت أن أضرب برجلي هذه القصيرة صدر معاوية فأقلبه على أم رأسه لفعلت فما بالك اليوم لا تفعل ما تريد إلا أن يضعف يقيننا فنشك فيك فندخل النار؟ .
فقال أمير المؤمنين(عليه السلام):( الأفعلن ذلك ولأعجلن علی ابن هند؛ فمد رجله المباركة على منبره فخرجت من أبواب المسجد، وردها إلى فخذه وقال معاشر الناس افهموا تاريخ الوقت واعلموه ؛ فلقد ضربت برجلي هذه في هذه الساعة صدر معاوية فألقيته على أم رأسه فظن أنه قد هبط به فقال : يا أمير المؤمنين أين النظرة؟ فرددت رجلي عنه).
فتوقع الناس وورد الخبر من الشام بتاريخ تلك الساعة بعينها من ذلك اليوم بعينه : أن رجلاً جاءت من نحو أبواب كندة ممدودة متصلة، قد دخلت من أبواب معاوية والناس ينظرون حتى ضربت صدر معاوية فقلبته عن سريره على أم رأسه، فصاح يا أمير المؤمنين حقاً(1).
فكان هذا. من دلائله(عليه السلام).(2)
12 - وعنه : عن أبي الحسن محمد بن يحيى الفارسي، عن جعفر بن حباب، عن محمد بن علي الآدمي عن الحسن بن محبوب عن مالك بن عطية، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي إسحاق القرشي قال : دخلت المسجد الأعظم بالكوفة وإذا أنا بشيخ أبيض الرأس واللحية يستمد (3)بأعلى صوته ويبكي ودموعه تسيل على خديه فقلت له يا شيخ ما يبكيك؟
ص: 154
فقال : إنه أتى علي نيف ومئة سنة لم أر فيها عدلاً ولا حقاً ولا علماً ظاهراً إلا ساعة من الليل وساعة من النهار، فأنا أبكي لذلك، فقلت: وما تلك الساعة والليلة واليوم الذي رأيت فيه العدل؟
قال : إني كنت رجلاً من اليهود وكان لي ضيعة بناحية سور، وكان لنا جار في القرية من أهل الكوفة يقال له الأعور الهمداني وكان رجلاً مصاباً بإحدى عينيه، وكان خليطاً(1)وصديقاً، وإني دخلت الكوفة يوماً من الأيام بطعام لي على أحمرة لي أريد بيعه فبينما أنا أسوق حميري وإذا بصوت في سبخة الكوفة وذلك بعد العشاء الآخرة فافتقدت حميري فكأن الأرض ابتلعتها أو السماء تناولتها أو كأن الجن اختطفتها فمررت يميناً وشمالاً فلم أجدها فأتيت منزل الحارث الهمداني من ساعتي أشكو إليه ما أصابني فلما أخبرته قال: انطلق بنا إلى منزل أمير المؤمنين حتى أخبره فانطلقنا إليه وأخبره بالخبر .
فقال أمير المؤمنين(عليه السلام)للحارث انطلق إلى منزلك وخلني واليهودي فأنا ضامن له حميره وطعامه حتى أردها إليه، فأخذ بيدي ومضى حتى أتينا الموضع الذي فقدت فيه حميري فوجه وجهه عني وتحركت شفتاه بكلام لا أفهمه ثم رفع رأسه فسمعته يقول : والله ما بايعتموني وعاهدتموني معاشر الجن إلا بالطاعة لي والاستماع لأمري وايم الله لئن لم تردوا على هذا اليهودي حميره وطعامه لأنقضن عهدكم ولأجاهدن فيكم حق الجهاد.
قال : فوالله ما فرغ أمير المؤمنين من كلامه حتى رأيت حميري وطعامي بين يدي فقال لي أمير المؤمنين اختر يا يهودي إحدى الخصلتين؛ إما أن تسوق حميرك وأنا أحرسها من ورائها وإما أن أسوقها أنا وأنت تحرسها، فقلت أنا أسوقها وتقدم أنت يا أمير المؤمنين فتقدم وأتبعته الحمير حتى انتهى بها إلى الرحبة.
فقال : يا يهودي أحط عنها وتحفظها أنت أو تحط وأحفظها أنا حتى يصبح الصبح ؟ فإنه عليك بقية من الليل.
فقلت له يا مولاي أنا أقوى عليها بالحط وأنت أقوى عليها بالحفظ.
فقال: خلني وإياها ونم حتى يطلع الفجر فليس عليك بأس، فلما طلع الفجر
ص: 155
نبهني، ثم قال لي : قد طلع الفجر فاحفظ عليك طعامك وحميرك ولا تغفل عنها حتى أعود إليك فانطلق وصلى بالناس الصبح فلما طلعت الشمس أتاني، وقال: افتح عن برك على بركة الله ففعلت ثم قال : اختر خصلة من خصلتين، إما تبيع وأستوفي أنا، وإما استوف أنت وأبيع أنا. فقلت : أنا أقوى على بيعها وأنت أقوى على استيفائها، فبعت أنا واستوفى لي الثمن، ودفعه إلي وقال : ألك حاجة؟
فقلت : نعم أريد أدخل إلى السوق في شراء حوائج فقال : امض حتى امض حتى أعينك عليها، فإنك ،ذمي، فلم يزل معي حتى فرغت من حوائجي، ثم ودعني فقلت له عند الفراق : أشهد إن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وإنك وصيه وخليفته على الجن والإنس فجزاك الله عن الإسلام خيراً. ثم انطلقت إلى قريتي وأقمت بها شهوراً ونحو ذلك، فاشتقت إلى رؤية أمير المؤمنين من تلك الليلة فقدمت الكوفة فقيل لي قد قتل أمير المؤمنين(عليه السلام)، فاسترجعت وصليت صلاة كثيرة وقلت عند ذلك ذهب العلم، فكان هذا أول عدل رأيته تلك الليلة وآخر عدل رأيته في ذلك اليوم فما لي لا أبكي فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
13 - وعنه : عن علي بن محمد الصيرفي قال : حدثني علي بن محمد بن عبد الله الخياط، قال: حدثني الحسين بن علي، عن أبي حمزة البطائني، وهو علي بن معمر، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام)قال: خرج أمير المؤمنين إلى أصحابه فقال : يا قوم أرأيتم أن لا تذهب الأيام والليالي حتى يجري ها هنا نهر تجري فيه السفن، فما أنتم قائلون؟ أفأنتم مصدقون فيما قلت أم لا؟
قالوا : يا أمير المؤمنين ويكون هذا؟
قال : والله كأنني أنظر إلى نهر في هذا الموضع يزخر فيه الماء وتجري فيه السفن يحرفه طاغوت ينسب إلينا وليس هو منا يكون على أهل هذه العترة أولاً عذاباً، ورحمة عليهم ،آخراً، فلم تذهب الأيام والليالي حتى حفر الخندق بالكوفة حفره المنصور، فكان عذاباً على أهلها ،أولاً ورحمة عليهم آخراً، ثم جرى فيه الماء والسفن وانتفع الناس به فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
ص: 156
14 - وعنه، عن الحسن عن أبي حمزة عن أبيه قال: حدثني مسعود المدائني، وحسين بن محمد بن فرقد جميعاً، عن فضل الرسول، عن أبي جعفر أن أمير المؤمنين قال له أصحابه : لو أريتنا ما تطمئن به قلوبنا مما في يدك مما أنهى إليك رسول الله ، فقال : لو أريتكم عجيبة من عجائبي لكفرتم، وقلتم : ساحر أو كاهن ولكان هذا من أحسن قولكم.
فقالوا : يا أمير المؤمنين ما منا أحد إلا وهو يعلم أنك ورثت علم رسول الله وصار إليك .
فقال : علم العالم صعب مستصعب، لا يحمله إلا ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان، وأيده بروح منه ، فإذا أبيتم إلا أن أريكم بعض عجائبي وما أتاني من العلم فاتبعوا أثري إذا صليت العشاء الآخرة، فلما صلى أخذ طريقه إلى ظهر الكوفة واتبعوه وهم سبعون رجلا ممن كانوا عند أنفسهم من خيار الناس وكانوا شيعة له .
فقال : إني لست أريكم شيئاً حتى آخذ عليكم عهد الله وميثاقه ألا تكفّروني ولا ترموني بالمعطلات والله ما أريكم إلا بعض ما أعطيت من ميراث النبي المرسل والحجة علي وعليكم ) فأخذ عليهم عهد الله وميثاقه ثم قال: حولوا وجوهكم حتى أدعو بما أريد، فسمعوه جميعاً يدعو بالدعوات التي يعرفونها ويعلمونها من أسماء الله ثم قال حولوا وجوهكم، فإذا هم بالقيامة قد قامت، والجنة والنار قد حضرت، وحشر جميعهم، فما شكوا في القيامة وإنهم بعثوا وحشروا، فقالوا : يا أمير المؤمنين ما هذا .
فقال : هكذا يوم القيامة .
فقال أحسنهم قولاً : إن هذا إلا سحر عظيم ورجعوا من فورهم كفاراً إلا ،رجلان فلما صار مع الرجلين قال : سمعتها مقالة أصحابكما وأخذي عليهم العهود والمواثيق ورجوعهم يكفرونني، أما والله إنهم لفي حجتي، وهكذا كان أصحاب محمد(صلی الله علیه وآله وسلم) يقولون : ساحر كاهن كذاب، وقد علمت قريش ما خلق الله
ص: 157
خلقاً كان خيراً منه وبالله الذي لا يحلف بأعظم منه وبرسوله ورسله وكتبه كلها إني لست ساحراً ولا كذاباً ولا يعرف هذا إلا لي ولرسوله لأنهاه الله إلى رسوله(صلی الله علیه وآله وسلم) وأنهاه رسوله إليَّ، وأنهيته إليكم ، فصدق رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، وكذبتموني وكذبتم رسله، وننبئ عن الله ، فإذا رددتم على رسول الله فقد رددتم على الله، ثم قال : وأنتما راجعان معي وفي قلوبكما مرض وسيرجع أحدكما كافراً، قالا يا أمير المؤمنين نرجو أن لا نكفر بعد الإيمان.
قال: هيهات المؤمن قليل كما قال الله: ﴿وَمَا ءَامَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾(1)،حتى إذا صار إلى مسجد الكوفة، ودعا بدعوات فسمعناها فإذا حصى المسجد دراً وياقوتاً ولؤلؤاً، فقلنا : يا أمير المؤمنين هذا در وياقوت ولؤلؤ.
فقال : لو أقسمت على الله فيما هو أعظم من هذا لأبر ،قسمي فرجع أحدهما كافراً والآخر مثبتاً، وأخذ درة من ذلك الدر بيضاء لم ينظر مثلها
وقال : يا أمير المؤمنين قد أخذت من ذلك الدر درة واحدة وهي معي.
قال: قما دعاك إلى هذا .
قال : أحببت أعلم أحق هو أم باطل؟
قال له أمير المؤمنين : إنك إن رددتها إلى موضعها الذي أخذتها منه عوضك الله، وإن لم تردّها عوضك منها النار فقام الرجل فردها إلى موضعها فتحولت حصاة كما كانت فأخبره فقال أحسنت. وكان مما روى عمرو بن الحمق [الخزاعي]، وأبو الحارث الأعور ، وميثم التمار .
فكان هذا من دلائله(عليه السلام).
15 - وعنه ، عن علي بن الحسين، عن إسماعيل بن دينار، عن عمر بن ثابت عن حبيب عن الحارث الأعور أنه كان يوماً مع أمير المؤمنين (عليه السلام) في
ص: 158
مجلس القضايا، إذ أقبلت امرأة مستعدية على زوجها، فتكلمت بحجتها، وتكلم زوجها بحجته، فأوجب بحجته القضاء عليها، فغضبت غضباً شديداً، ثم قالت: يا أمير المؤمنين حكمت عليّ بالجدر(1)وما بهذا أمرك الله .
قال أمير المؤمنين : يا سلفع(2)یا مهیع یا فردع، بل حكمت عليك بالحق الذي تعلمينه فلما سمعت هذا الكلام قامت من بين يديه منسحبة، ولم ترد عليه جواباً فاتبعها عمر بن حريش.
قال لها : يا أمة الله لقد سمعت منك اليوم عجباً، سمعت أمير المؤمنين قد قال لك كلاماً فقمت من بين يديه منهزمة وما رددت عليه حرفاً، فأخبريني ما الذي قال لك حتى لم تقدري تردين عليه جواباً؟
قالت : يا عبد الله لقد أخبرني بما لا يطلع عليه أحد غيري، وأنا ما قمت من بين يديه إلا مخافة أن يخبرني بما هو أعظم مما رماني به، فصبرت على واحدة كانت أجمل من صبري على واحدة بعدها .
قال لها : فأخبريني ما الذي قال لك؟
قالت له : يا عبد الله إنه قال لي ما أكره ذكره وبعد فإنه قبيح أن يعلم الرجل ما في النساء من العيوب.
فقال : والله لا تعرفيني ولا أعرفك ولعلك لا تريني ولا أراك بعد يومي هذا ، فلما رأته قد ألح عليها أخبرته بما قال أمير المؤمنين(عليه السلام).
أما قوله لي يا سلفع والله ما كذب إي لا تحيض من حيث تحيض النساء.
وأما قوله : يا مهيع، فإني والله امرأة صاحبة نساء وما أنا صاحبة رجال.
وأما قوله : يا فردع أي إني لمخربة بيت زوجي، وما أبقي عليه شيئاً .
فقال : ويحك أو ما علمت بهذا إنه ،ساحر ،وكاهن ومجنون، أخبرك بما فيك، وهذا علم كثير؟
فقالت: هو والله غير ما قلت يا عدو الله إنه ليس ذا ولكنه من أهل بيت الله ورسوله محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)علمه إياه، لأنه حجة الله على خلقه بعد النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) فكانت
ص: 159
أحسن قولاً في أمير المؤمنين من عمر بن حريش - لعنه الله - وفارقته، وأقبل عمر إلى مجلسه .
فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): يا عمر بن حريش بم استحللت أن ترميني بما رميتني به؟ وايم الله لقد كانت المرأة أحسن قولاً في منك، ولأقفن أنا وأنت موقفاً من الله فانظر كيف تخلص من الله ؟
فقال : يا أمير المؤمنين أنا تائب إلى الله وإليك مما كان، فاغفر لي يغفر الله لك.
قال : والله لا غفرت لك هذا الذنب حتى أقف أنا وأنت بين يدي الله(1). فكان هذا من دلائله(عليه السلام) .
16 - وعنه ، عن محمد بن علي الصيرفي، عن علي بن محمد، عن وهب بن حفص ،الجزائري عن ابن حسان العجلي عن قنواء بنت رشيد الهجري، قال: قلت لها : أخبريني بما سمعت من أبيك.
قالت: سمعته يقول : أخبرني أمير المؤمنين(عليه السلام)، فقال : يا رشيد كيف صبرك إذا أرسل إليك دعي بني أمية فقطع يديك ورجليك ولسانك؟
فقلت : يا أمير المؤمنين أليس خيراً من ذلك الجنة؟
فقال : بلى يا رشيد أنت معي في الدنيا والآخرة قالت قنواء فوالله ما ذهبت الأيام والليالي حتى أرسل إليه عبيد الله بن زياد - لعنه الله - فدعاه إلى البراءة من أمير المؤمنين(عليه السلام)فأبى أن يتبرأ منه فقال له الدعي: فبأي موتة قال : لك تموت؟ قال : أخبرني أمير المؤمنين أنك تدعوني إلى البراءة فلا أبرأ منه، فتقطع يداي ورجلاي ولساني .
فقال : والله لأكذبن قوله فيك، فقطع يديه ورجليه، وترك لسانه، فقلت: يا أبت هل أصابك ألم؟
فقال : لا يا ابنتي إلا كالزحام بين النساء والناس فلما احتملناه من داره
ص: 160
بالكوفة اجتمع الناس من حوله فقال : ائتوني بصحيفة ودواة وكتب الناس عنه، وذهب اللعين فأخبره أنه يحدث والناس يأخذون منه علم ما هو كائن إلى يوم القيامة، فأرسل إليه عبيد الله بن زياد لعنه الله، فقطع بن زياد لعنه الله فقطع لسانه في تلك الليلة.
وكان أمير المؤمنين يقول له : أنت رشيد البلايا، وكان قد ألقى إليه علم البلايا والمنايا في حياته إذا لقي الرجل يقول يا فلان تموت ميتة كذا وكذا، وتقتل أنت يا فلان قتلة كذا وكذا فيكون كما قال رشيد.
وكان أمير المؤمنين(عليه السلام)يقول : رشيد البلايا، أي تقتل بهذه القتلة(1).
فكان هذا من دلائله(عليه السلام).
17 - وعنه عن علي بن ياسين، عن محمد بن علي الرازي عن علي بن محمد بن ميهوب عن يوسف بن عمران قال سمعت ميثم التمار(2) يقول : دعاني أمير المؤمنين(عليه السلام) فقال : كيف أنت يا ميثم إذا دعاك دعي بني أمية عبيد الله بن زياد - لعنه الله - إلى براءة مني؟
فقلت : إذا والله لا أبرأ منك يا مولاي.
قال : والله ليقتلنك ويصلبنك . قلت : إذا أصبر وذلك والله قليل في حبك .
قال : يا ميثم إذا تكون معي في درجتي.
قال : وكان ميثم التمار يمر بعريف عبيد الله بن زياد فيقول له : يا فلان كأني بك وقد دعاك دعي بني أمية وابن دعيها يطلبني منك فتقول هو بمكة، فيقول ما
ص: 161
أدري ما تقول، ولا بد لك أن تأتي به فتخرج إلى القادسية(1)فتقيم بها أياماً، فإذا قدمت إليك ذهبت بي إليه حتى يقتلني وأصلب على باب دار عمرو بن حريث فإذا كان اليوم الرابع ابتدر من منخري دم عبيط .
وكان ميثم يمر بنخلة في السبخة فيضرب بيده ،عليها، فيقول: يا نخلة ما غرست إلا لي ولا خلقت إلا لك، وكان يمر بعمرو بن حريث فيقول يا عمرو إذا جاورتك فأحسن مجاورتي، وكان عمرو يروي عنه، ويظن أنه يشتري داراً أو ضيعة ويجاوره لذلك، فيقول : ليتك قد فعلت ذلك .
ثم خرج ميثم إلى مكة فأرسل الطاغوت عبيد الله بن زياد لعنه الله عريف ميثم يطلبه منه فأخبره أنه بمكة فقال : لئن لم تأتني به لأقتلنك، فأجله أجلاً، وخرج العريف إلى القادسية ينظر ميثم فلما قدم ميثم أخذ بيده فأتى به إلى ابن زياد لعنه الله فلما أدخله عليه قال يا ميثم قال نعم قال تبرأ من أبي تراب قال : لا أعرف أنا أبا تراب قال تبرأ من علي بن أبي طالب قال : فإن لم أفعل ؟ قال : إذاً والله أقتلك، قال : وايم الله إنه قد كان يقول لي إنك تقتلني وتصلبني على باب دار عمرو بن حريث، فإذا كان اليوم الرابع ابتدر من منخري دم عبيط، فأمر ابن زياد لعنه الله بصلبه على باب دار عمرو بن حريث، فقال للناس: اسألوني وهو مصلوب قبل أن أقتل فوالله لأخبرنكم بعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، وبما يكون من الفتن، فلما سأله الناس، حدثهم حديثاً واحداً فأتى رسول من قبل عبيد الله بن زياد لعنه الله فألجمه بلجام شريط(2) من نحاس، فهو أول من ألجم بلجام وهو مصلوب حياً، فمنعه الكلام، فأقبل يشير إلى الناس بيده ويوحي بعينه وحاجبيه، ففهم أكثرهم ما يقوله فأمر عبيد الله بن زياد لعنه الله بقتله وهو مصلوب على جذع تلك النخلة التي كان يخاطبها إذا مر بها في سبخة الكوفة وكان في جوار عمرو بن حريث(3). فكان هذا من دلائله(عليه السلام)
ص: 162
18 - وعنه، عن محمد بن علي الرازي، عن علي بن محمد بن ميمون الخراساني، عن علي بن أبي حمزة عن عاصم الخياط، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام)قال : )لما أراد أمير المؤمنين(عليه السلام)أن يسير إلى الخوارج إلى النهروان)(1)، استنفر أهل الكوفة وأمرهم أن يعسكروا بالمدائن، فتخلّف عنه شبت بن ربعي والأشعث بن قيس الكندي، وجرير بن عبد الله النخعي(2)، وعمر بن حريش(3)، وقالوا : يا أمير المؤمنين ائذن لنا أياماً حتى نقضي حوائجنا ونصنع ما نريد، ثم نلحق بك .
فقال لهم : خدعتموني بشغلكم سوءاً لكم من مشائخ(4)، والله ما كان لكم من حاجة تتخلّفون عليها، ولكنكم تتخذون سفرة، وتخرجون إلى البرية(5)، وتجلسون تنتظرون متنكبون عن الجادة، وتبنطون سفرتكم بين أيديكم، وتأكلون من طعامكم، ويمرّ بكم ضبّ، فتأمرون غلمانكم فيصطادونه لكم ويأتونكم به فتخلعون أنفسكم عن مبايعتي، وتبايعون الضب، وتجعلونه إمامكم دوني، واعلموا أني سمعت أخي رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)يقول : ما في الدنيا أقبح وجوها منكم لأنكم تخلعون أخا رسول الله[(صلی الله علیه وآله وسلم) ]إمامكم، وتنقضون عهده الذي يأخذه عليكم ؛
ص: 163
وتبايعون ضباً، وسوف تحشرون يوم القيامة وإمامكم ضب، وهو كما قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بإسمِهِمْ﴾(1).
:قالوا والله يا أمير المؤمنين ما نريد إلا أن نقضي حوائجنا ونلحق بك ونوفي بعهدك، وهو يقول: عليكم الدمار وسوء الديار، والله ما يكون إلا ما قلت لكم وما قلت لكم إلا الحق .
ومضى أمير المؤمنين [(عليه السلام) ] حتى إذا صار بالمدائن(2)وخرج القوم إلى الخندق(3)وذهبوا ومعهم سفرة وبسطوا في الموضع وجلسوا يشربون الخمر، فمر
بهم ضب؛ فأمروا غلمانهم فصادوه لهم وأتوهم به فخلعوا أمير المؤمنين(عليه السلام)وبايعوا الضب وبسطوا يده، وقالوا له: أنت والله إمامنا ما بيعتنا لك ولعلي بن أبي طالب إلا واحدة وإنك لأحبُّ إلينا منه .
فكان ما قال أمير المؤمنين(عليه السلام)، وكانوا كما قال الله (عزّوجل):﴿ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بدلا﴾(4) ثم لحقوا به. فقال لهم لما وردوا عليه فعلتم يا أعداء الله، وأعداء رسوله وأمير المؤمنين ما أخبرتكم به، فقالوا يا أمير المؤمنين ما فعلنا . فقال : والله إن بيعتكم مع إمامكم(5)، قالوا : قد أفلحنا إذ بايعنا (6)الله معك .
ص: 164
قال : وكيف تكونون معي، وقد خلعتموني وبايعتم الضب؟ والله لكأني أنظر إليكم يوم القيامة والضبّ يسوقكم إلى النّار، فحلفوا [له] بالله إنا ما فعلنا، ولا خلعناك، ولا بايعنا الضبّ.
فلما رأوه يكذبهم ولا يقبل منهم فأقروا له وقالوا : اغفر لنا ذنوبنا . قال لهم : والله لا غفرت لكم ذنوبكم، واخترتم [عليَّ] مسخاً مسخه الله، وجعله آية للعالمين، فكذبتم رسول الله، وقد حدَّثني رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)(1) وقال : ويل لمن كان رسول الله خصمه وفاطمة بنت محمد .
ولما قتل الحسين(عليه السلام)[و] كان شبث بن ربعي، وعمرو بن حريث، ومحمّد بن الأشعث فيمن سار إليه(2)من الكوفة وقاتلوا بكربلاء فقتلوه(3).
فكان هذا من دلائله(عليه السلام).
19 - وعنه، عن عبد الله بن زيد الطبرستاني عن محمد بن علي، عن الحسين بن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام)قال : لما انقضت الهدنة التي كانت بين أمير المؤمنين(عليه السلام)، وبين معاوية لعنه الله ،أمر أمير المؤمنين بالنداء بالكوفة وبالبصرة وهما العراقان : إنكم معاشر شيعتنا طالبتمونا بالمراجعة عن قتال معاوية والهدنة التي كنتم سببها وأعوان معاوية عليها انقضت ولم يمكن نقض العهد إلى أن ينقضي الأجل، وعهد الهدنة، وها أنا مطيعكم في المسير إليه فانهضوا بنيات صحيحة وقلوب مطمئنة، ووفاء الله ولرسوله عليكم طائعين لا مكرهين فاجتمع من شيعة الكوفة والبصرة زهاء ثلاثين ألفاً محققون سوى من لحق بالعسكر، فلما برزوا وصاروا بالنخيلة وساروا إلى
ص: 165
القطقطانيات ورد عليه كتاب من عامله بالنهروان أن أربعة آلاف رجل من الخوارج حكموا بالنهروان ورفعوا راياتهم وأشهروا أسلحتهم وردوا بالمعبرة فأخرجوا عبد الله بن خباب من الحكم وأتوا إليه وكبروا وقالوا الحمد لله الذي أظفرنا بك أيها الخائن الكافر بكفر علي بن أبي طالب والمقيم معه على ردته، والله لنقتلنك وزوجتك تقربا إلى الله ،بدمائكم وأتوا بخنزير فذبحوه على شط النهروان وذبحوا عبد الله بن خباب ،فوقه وقالوا : والله ما ذبحنا لك ولهذا الخنزير إلا واحداً.
وكان عبد الله بن خباب من أعبد شيعة أمير المؤمنين وأفضلهم وأخيرهم، وذبحوا زوجته وطفله فوقه وقالوا : هذا فعلنا بشيعة علي وأنصاره نقتلهم ولا نبقي منهم أحداً .
فقرأ أمير المؤمنين الكتاب وبكى رحمة لعبد الله وزوجته وطفله وقال : آه يا عبد الله لئن فجع الله بك الدين لقد صرت وزوجتك وطفلك إلى جنات رب العالمين، وسمع من في العسكر ما ورد عليه وصاح الناس من العسكر: فماذا ترى يا أمير المؤمنين؟
قال : اعتدوا بنا إلى هؤلاء المارقين فهذا وايم الله أرى بوارهم ولحوقهم بالنار. فرجع إلى النهروان حتى نزل بالقرب من القنطرة وكان في أصحابه رجل يقال له جندب الأزدي قد داخله شك في أمير المؤمنين(عليه السلام) فلحق بالخوارج لعنهم الله .
فقال له أمير المؤمنين : الزمني وكن معي حيث كنت، وحقق أمير المؤمنين فحققه إلى أن زالت الشمس فأتاه قنبر.
فقال له يا أمير المؤمنين الصلاة يرحمك الله ، فقال له : ائتني بماء فأتاه فأسبغ وضوءه وصلى فأتاه فارس يركض .
فقال له يا أمير المؤمنين قد عبر القوم القنطرة .
فقال له(عليه السلام) : إنهم ما عبروها .
فقال والله لقد عبروها .
فقال : والله لقد كذبت ما عبروها ولن يعبروها ولا يقتلون منا إلا تسعة ولا يبقى منهم إلا تسعة. قال جناب الأزدي : الله أكبر هذه دلالة قد أعطاني إياها فيهم فأتاه فارس آخر يركض فرسه .
ص: 166
فقال : يا أمير المؤمنين عبروا القنطرة فقال : والله لقد كذبت ما عبروها ولا يعبرونها، ولا يبقى منهم إلا تسعة ولا يفقد منا إلا تسعة.
قال جندب : الحمد لله وهذه دلالة أخرى، فأتاه فارس آخر .
فقال : يا أمير المؤمنين قد أراد القوم أن يعبروها وما عبروها، قال: صدقت وكان لجندب فرس جواد فقال : والله لا سبقني أحد ولا تقدمني فيهم برمح وضرب فيهم بسيف، وخرج أمير المؤمنين(عليه السلام)من العسكر وفي رجليه نعل رسول الله المخصوف وعلى منكبيه ملاءة وعن يمينه عبد الله بن العباس، وعن يساره أبو أيوب خالد بن زيد الأنصاري، يمشي نحو الخوارج فوثب أصحابه عليه من معسكره بالسلاح وقاموا بين يديه وقالوا يا أمير المؤمنين تخرج إلى أعداء الله وأعداء رسوله وأعدائك حاسراً بغير سلاح وهم مقنعون بالحديد يريدون نفسك
لا غيرها ؟
فقال: ارجعوا رحمكم الله فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لا يكون إلا ما يريد الله(عزّوجل)
فلما دنا منهم وأشرف على القنطرة التي كانت من ورائها الواقعة هاجوا نحوه فصاح بهم : معاشر الخوارج إني جئتكم لأقدم الأعذار والإنذار إليكم وأسألكم ما تريدون وما تطلبون وتسمعون ما أقول وأسمع ما تقولون، فأخزى الله الظالمين فزجرهم .
ثم قال : ويلكم أيها الخوارج أنا أعلم ما تقولون ولا تعلمون ما أقول، فا خفضوا من أصواتكم وصلصلتكم، وضجيجكُم، وليبرز إلي ذو الحكم والرأي منكم، فيفهم عني وأفهم عنه ، فهدأوا ، وبرز إليه ذو الرأي منهم.
فقال أمير المؤمنين : يا معاشر الخوارج ما الذي أحكم بينكم أن مرقتم من دين الله كما يمرق السهم من الرمية؟ وماذا أنكرتم علي؟ وعلى هذا الأمر الذي تطلبونه بالقتال أن أدفعه إليكم بغير قتال تقبلونه وتقومون حتى لا تعطل شريعة الله ولا رسوله ولا تطيش مسلمة في حكم الله، ولا يقولوا على الله إلا الحق.
فقالوا : لا .
ص: 167
فقال واعجباه لقوم يطلبون أمراً بقتال دفع إليهم بغير قتال لم يقبلوه .
قالوا : وكيف نقبله ونحن نريد قتلكم؟
قال : أخبروني ما الذي أردتم للقتال بغير سؤال ولا جواب.
فقالوا : أنكرنا أشياء يحل لنا قتلك بواحدة منها .
فقال لهم(عليه السلام): فاذكروها .
فقالوا : أولها : أنك كنت أخا رسول الله ،ووصيه والخليفة من بعده، وقاضي دينه، ومنجز ،عداته وأخذ لك رسول الله البيعة في أربع مواطن على المسلمين : في يوم الدار وفي بيعة الرضوان، وتحت الشجرة، في بيت أم سلمة، وفي يوم غدير خم، وسماك أمير المؤمنين فلما قبض رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)تشاغلت بوفاته، وتركت قريشاً والمهاجرين والأنصار يتداولون الخلافة، والمهاجرون يقولون : الخلافة لمن استخلفه رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) وأخذ له البيعة منها وسماه أمير المؤمنين، وهو علي بن أبي طالب وقريش تقول لهم : لا نرضى ولا نعلم ما تقولون.
فقال لهم الأنصار : إذا منع علي حقه فنحن وأنتم أحق بها، فتعالوا ننصب منا أميراً ومنكم أميراً، فجاءت قريش، فقامت قسامة أربعون شاهداً يشهدون على رسول الله قال : الأئمة من قريش فأطيعوهم ما أطاعوا الله ، فإن عصوه فألحوهم(1)لحي هذا القضيب ورمى القضيب من يده وكانت هذه أول قسامة، أقسمت بهتاناً وزوراً وأشهرت في الإسلام، فاجتمع الناس في سقيفة بني ساعدة وعقدوا الأمر باختيارهم لأبي بكر ودعوك إلى بيعته، فخرجت مكرهاً مسحوباً بعد أن هيأت ما يقيم لك فيها عذراً، وتقول للناس : إنك مشغول بجمع رسول الله وأهل بيته وذريته وتعزيتهن وتأليف القرآن وما كان لك في ذلك عذر، فلما تركت ما جعله الله ورسوله لك وأخرجت نفسك منه أخرجناك نحن أيضاً وشككنا بك.
قال هيه، وماذا تنكرون؟
قالوا : والثانية إنك حكمت يوم الجمل فيهم بحكم خالفته بصفين قلت لنا يوم الجمل : لا تقاتلوهم مولين ولا ،مدبرين ولا نياماً ولا أيقاظاً ولا تجهزوا
ص: 168
على جريح، ومن ألقى سلاحه فهو كمن أغلق بابه فلا سبيل عليه وأحللت لنا في محاربتك لمعاوية سبي الكراع وأخذ السلاح وسبي الذراري فما العلة فيما اختلفوا فيه إلى أن هذا حلال وهذا حرام؟ قال : هيه، ثم ماذا أنكرتم؟
قالوا : والثالثة إنك الإمام والحاكم والوصي والخليفة وإنك أجبتنا إلى أن حكمنا دونك في دين الله الرجال، فكان ينبغي لك أن لا تفعل ولا تجيبنا إلى ذلك وتقاتلنا بنفسك ونطيعك أو تقتل ولا تجيبهم عند رفع المصاحف إلى أن يحكم في دین الله(عزّوجل) الرجال وأنت الحاكم . قال : هيه ثم ماذا؟
قالوا : والرابعة إنك كتبت كتاباً إلى معاوية تقول فيه :
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
من أمير المؤمنين إلى معاوية بن صخر ، فرد الكتاب إليك وكتب فيه يقول : إني لو أقررت أنك أمير المؤمنين وقاتلتك فأكون قد ظلمتك، بل اكتب باسمك واسم أبيك فكتبت إليه :
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
من علي بن أبي طالب إلى معاوية بن صخر، فلما أجبت معاوية إلى إخراج نفسك من إمرة المؤمنين كنا نحن في إخراجكم عن الآمرية أولى . قال : هيه ثم ماذا؟ قالوا : والخامسة إنك قلت : هذا كتاب الله فاحكموا به واتلوه من فاتحته إلى خاتمته فإن وجدتم معاوية أثبت مني فأثبتوه وإن وجدتموني أثبت منه فأثبتوني، فشککت في نفسك فنحن فيك أعظم شكا .
قال لهم : بقي لكم شيء تقولونه؟
قالوا : لا .
فقال أمير المؤمنين(عليه السلام) في الجواب :
أما ما ذكرتم وأقررتم مني من الأمر فيما أخذه الله لي ورسوله على المسلمين
ص: 169
من البيعة في أربعة مواطن إلى أن تشاغلت فيما ذكرتموه وفعلتم وفعلت قريش والمهاجرون والأنصار ما فعلوا إلى أن عقدوا الأمر لأبي بكر، فما تقولون معاشر الخوارج هل توجبون على آدم إذا أمر الله بالسجود له فعصى الله إبليس وخالفه ولم يسجد لآدم أن يدعو إبليس إلى السجود له ثانية.
فقالوا : لا.
قال : ولم؟
قالوا : لأن الله أمر إبليس بالسجود فعصى الله وخالفه ولم يفعل فلم يجب لآدم أن يدعوه بعدها .
قال : فهذا بيت الله الحرام أرأيتم إن أمر الله الناس بالحج من استطاع إليه سبيلاً فإن ترك الناس الحج ولم يحجوا للبيت كفر البيت أو كفر الناس بتركهم ما فرض الله عليهم من الحج إليه؟
قالوا : بل كفر الناس.
قال : ويحكم معاشر الخوارج، أتعذرون آدم وتقولون لا يجب عليه أن يدعو إبليس إلى السجود له بعد أن أمر الله بذلك ،فعصى وخالف، ولم يفعل، وإنما أمره مرة واحدة، ولا تعذرونني، وتقولون : كان يجب عليك أن تدعو الناس إلى البيعة وقد أقررتم أن المسلمين سموني بأمير المؤمنين ورسول الله أخذ لي البيعة عليهم في أربعة مواطن وهذا بيت الله فريضة والإمام فريضة، كسائر الفرائض التي تؤتى ولا تأتي فتعذرون البيت وتعذرون آدم(عليه السلام)، ولا تعذرونني؟
فقال الخوارج: صدقت ،وكذبنا والحق والحجة معك.
ثم قال : وأما في يوم الجمل بما خالفته في صفين فإن أهل الجمل أخذوا عليهم بيعتي فنكثوا وخرجوا عن حرم رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)إلى البصرة ولا إمام لهم ولا دار حرب تجمعهم، وإنما خرجوا مع عائشة زوجة رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) معهم لإكراهها لبيعتي، وقد أخبرها رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) بأن خروجها خروج بغي وعدوان من أجل قوله (عزّوجل): ﴿ يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ﴾(1).
ص: 170
وما من أزواج النبي واحدة أتت بفاحشة غيرها فإن فاحشتها كانت عظيمة، أولها خلاف الله فيما أمرها في قوله: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَهِلِيَّةِ الأُولى﴾(1)، فأي تبرج أعظم من خروجها وطلحة والزبير وخمسة وعشرين ألفاً من المسلمين إلى الحج والله ما أرادوا حجاً ولا عمرة ومسيرها من مكة إلى البصرة وإشعالها حرباً قتل فيه طلحة والزبير وخمسة وعشرون ألفاً من المسلمين، وقد علمتم إن الله جل ذكره يقول: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خلدا فيها وغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾(2).
فقلت لكم عندما أظهرنا الله عليهم ما قلته لكم، لأنه لم يكن لهم دار حرب تجمعهم ولا إمام يداوي ،جراحهم ولا يعيدهم إلى قتالهم مرة أخرى ولو كنت أحللت لكم سبي الذراري أيكم كان يأخذ عائشة زوجة رسول الله في سهمه؟ فقالوا : صدقت والله في جوابك وأصبت وأخطأنا، والحق والحجة لك. فقال لهم: وأما قولكم أجبتكم، عند رفع المصاحف إلى أن حكمتم في دين الله الرجال وكنت الحاكم، فماذا تقولون أيها الخوارج في ألف رجل من المسلمين قاتلهم ألفا رجل من المشركين فولوهم الأدبار فما هم؟ قالوا : كفار بالله لأن المسلمين ألف رجل على التمام، والمشركون ألفا رجل لا يزيدون، وقد قال الله تعالى: ﴿وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ﴾(3) فقال لهم أميرالمؤمنين : فإن نقص من عدد الألف رجل من المسلمين، والكفار على التمام ما هم عندكم؟
قالوا : المسلمون معذورون في ذلك. فضحك أمير المؤمنين حتى بدت نواجذه ثم قال : ويحكم يا معاشر الخوارج تعذرون تسعمائة وتسعة وتسعين رجلاً في قتال ألفي رجل ولا تعذرونني وقد التقاني رجال ابن هند في مئة وعشرين ألفاً ما جمع حكم حاكم، وقد دعوناهم إلى كتاب الله .
فقالوا : دعنا نحكم عليك من نشاء، وإلا أخرجنا أنفسنا من الفريقين وأبطلنا
ص: 171
الحكمين وارتددنا عن الدين وقعدنا عن نصرة المسلمين، فقال لي عبد الله بن العباس: حكم من هو منك وأنت منه .
فقلت لكم :اختاروا من شئتم من بني هاشم فقلتم : لا يحكم فينا مضري ولا هاشمي، فأعرضتم عن المهاجرين والأنصار وأظهرتم مخالفتكم لي، وكتبتم إلى عبد الله بن قيس بن قيس(1)، وقد قعد عن نصرتنا وهو قدم(2)حمار ، فحكمتموه وأنا أنصح لكم، وأقول لكم اتقوا الله ولا تحكموا علي أحداً. وإني الحاكم عليكم وأخبرتكم أنها خديعة من معاوية، فقلتم اسكت وإلا قتلناك وسلمنا هذا الأمر إلى عبد أسود وجعلناها بردة عن الإسلام فمن هو أولى بالعذر؟
فقالوا : أنت فوالله لقد أصبت وصدقت وأخطأنا والحق معك والحجة لك .
قال لهم : وأما قولكم أني كتبت كتاباً إلى معاوية بن صخر فيه بسم الله الرحمن الرحيم من علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن صخر، فأيكم يا معاشر الخوارج شهد رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)في غزاة الحديبية وقد أمرني أن اكتب بين يديه كتاباً إلى صخر بن حرب بإملاء رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فيه بسم فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمَّد رسول الله إلى صخر بن حرب بن أمية إلى آخر الكتاب فأجابوه.
وقالوا : نعم حضرنا ذلك الكتاب وأنت تكتبه لأبي سفيان صخر بن حرب.
قال : أليس علمتم إن صخر بن حرب رده إلى رسول الله وكتب إليه : أما الرحمن الرحيم فاسمان نعرفهما بالتوراة والإنجيل.
وأما أنت يا محمد فإنا لو أقررنا أنك رسول الله وقاتلناك فقد ظلمناك، فاكتب باسمك واسم أبيك حتى نجيبك، فقال لي رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): يا علي اكتب:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
من محمد بن عبد الله إلى صخر بن حرب، ثم قال لمن حوله، إن محوت اسمي ليرد علي الجواب فاسمي لا يمحى في السماء ولا في الأرض، ولا في
ص: 172
الدنيا ولا في الآخرة، وإنما أراد صخر بن حرب أن لا يجيب عن الكتاب وكتب رسول الله إلى الآباء، وكتبت أنا إلى الأبناء تأسيا برسول الله وقد قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أَسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾(1).
قالوا : صدقت وأصبت ،وأخطأنا والحق والحجة لك.
حسبي
قال لهم : وأما قولكم : أني قلت هذا كتاب الله فاحكموا به أتلوه من إلى خاتمته، فإن وجدتموني أثبت بكتاب الله من معاوية فأثبتوني، وإن وجدتم معاوية أثبت فأثبتوه، فوالله يا معاشر الخوارج ما قلت لكم هذا إلا بعد أن تيقنت أن الرين(2) استولى على قلوبكم، والشيطان قد استحوذ عليكم، وإنكم قد نسيتم الله ورسوله ونسيتم حقي، وخلا بعضكم إلى بعض، وقلتم : ما لنا إلا أن ننظر في كتاب الله في علي ،ومعاوية فمن قرب فاتحته إلى الحق كان أولى به وكنا معه، فوالله یا معاشر الخوارج، إن لم يكن في كتاب الله رجل إلا قوله : ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾(3)، وقد علمتم أنه لم يكن أقرب إلى رسول الله مني ومن ابنته فاطمة ومن ابني الحسن والحسين، لكان هذا بهذه الآية فضلاً عند الله ورسوله في كتاب الله برك في إن لم أسألكم أجراً على ما هداكم الله وأنقذكم من شفا حفرة من النار وجعلكم خير أمة وجعل الشفاعة والحوض الرسول الله فيكم إلا مودتنا لكان في ذلك فضل عظيم، هذا وقد علمتم أن الله تبارك وتعالى قد أنزل في حقي،
﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾(4)، وما أحد من المؤمنين زكى في ركوعه غيري، فكان رسول الله جاءني بخاتم أنزله جبريل من الله عزوجك ولم يصغه صائغ، عليه ياقوتة مكتوب عليها ( الملك) فتختمت به وخرجت إلى مسجد رسول الله فصليت ركعتين شكرا الله على تلك الموهبة، فأتاني آت من عند الله فسلم علي في الصلاة في الركعة الثانية.
وقال هل من زكاة يا رسول الله توصلها إليَّ يشكرها الله لك ويجازيك، عنها
ص: 173
فوهبت ذلك الخاتم له وما كان في الدنيا أحب إليَّ من ذلك الخاتم والناس ينظرون وأتممت صلاتي وجلست أسبح الله وأحمده وأشكره حتى دخلنا إلى رسول الله ،فضمني إليه وقبلني على بلجة وجهي.
وقال : هناك الله يا أبا الحسن وهنأني كرامة لي فيك وعيناه تهملان بالدموع، ثم قرأ هذه الآية وما يليها وقال لهم ولي آية الخمس في كتاب الله على سائر المسلمين، وهي قول الله برك : ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَمَى وَالْمَسَكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾(1)، وقد علمتم إن الله﴿ لَن يَنَالَ الله لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا ولكن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ﴾(2)فما هو الله من خمس الغنائم إلى من یرد؟
قالوا : إلى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) .
قال : فما هو الله وللرسول إذا قبض الرسول إلى من يرد؟
قالوا : إلى أولي القربى من الرسول واليتامى والمساكين وابن السبيل.
قال : واليتيم إذا بلغ أشده والمساكين إذا استغنوا وابن السبيل إذا لم يحتج، إلى من يرد مالهم؟
قالوا : إلى ذوي القربى من الرسول.
قال : فقد علمتم معاشر الخوارج أن ما غنمتم من غنيمة من جهاد أو في احتراف أو في مكسب أو مقرض الخياط، أو من غنم يكسب فهو لي والحكم لي فيه؛ وليس لأحد من المسلمين علي حق وأنا شريك كل من آمن بالله ورسوله في كل ما اكتسبه، فإن وفاني حق الله الذي فرضه الله عليه كان ممتثلاً لأمر الله، وما أنزله على رسوله، ومن بخسني حقي كانت ظلامتي عنده، إلى أن يحكم الله لي وهو خير الحاكمين قالوا صدقت وبررت وأصبت وأخطأنا والحق والحجة لك .
قال هذا هو الجواب عن آخر سؤالكم .
ص: 174
قالوا : صدقت وانحرفت إليه طائفة كانت استجابت إلا الأربعة آلاف الذين مرقوا فقالوا : يا أمير المؤمنين نقاتلهم معك .
فقال : لا ، قفوا لا معنا ولا علينا، وانظروا إلى نفوذ حكم الله فيهم. ثم صاح بهم ثلاثاً، فسمع جميعهم هل أنتم منيبون؟ هل أنتم راجعون؟
فقالوا بأجمعهم عن قتالك لا .
فقال لأصحابه : والله لولا أني أكره أن تتركوا العمل وتتكلوا علي بالفضل لمن قاتل لما قاتل هؤلاء غيري وكان لي من الله الفضل عنده في الدنيا والآخرة فشدوا عليهم فإني ،شاد فكانوا كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف أو كيوم قال لهم الله موتوا فماتوا .
فلما أخذوا قال أمير المؤمنين(عليه السلام): من قتل منكم ؟ فلن يقتل إلا تسعة، ولم يسلم منهم إلا تسعة.
فقدوا من قتل منهم ونجا فلم ينج إلا تسعة وعدوا أصحاب أمير المؤمنين المقتولين فوجدوهم تسعة.
قال : وفالق الحبة وبارئ النسمة ما كذبت ولا كذبت ولا ضللت ولا أضللت وإني على بينة من ربي، بينها لنبيه (صلی الله علیه وآله وسلم) فبينها نبيه لي، ثم قال لهم : هل وجدتم ذا الثدية في القتلى؟
قالوا: لا ، قال : ائتوني بالبغلة فقدمت إليه بغلة رسول الله الدلدل فركبها وسار في مصارعهم فوقفت به البغلة وهمهمت وهزت ذنبها فتبسم أمير المؤمنين(عليه السلام)، وقال : ويحكم هذه البغلة تخبرني إن ذا الثدية(1)حرقوصاً لعنه الله
ص: 175
تحت هؤلاء القتلى فابحثوا عليه فإذا هو في ركن قد دفن نفسه تحت القتلى فأخرجوه وكشفوا عن أثوابه، فإذا هو في صورة عظيمة حول حلمته شعرات كشوك الشيهم، والشيهم ذكر القنافذ قال : مدوا حلمته فمدوها فبلغت أطراف أنامل رجليه، ثم أطلقوها فصارت في صدره، فقال أمير المؤمنين : الحمد الله يا عدو الله الذي قتلك، وعجل بك، وبأصحابك إلى النار، فقتلوه لعنه الله ، وهو جد أحمد بن حنبل لعنه الله . وقد كانت الخوارج خرجوا إليه قبل ذلك بحروراء(1)في جانب الكوفة وهو غربي الفرات في اثني عشر ألف رجل فأتاه الخبر فخرج إليهم في جملة الناس وعليه ملاءة رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، ومعه بغلة رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فقال له الناس : يا أمير المؤمنين تخرج إليهم في جملة الناس في ملاءة والقوم شاكون سلاحهم؟
فقال : إنه ليس هو يوم قتالهم، ولكنهم يخرجون علي في قتال النهروان أربعة آلاف رجل يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، فلما برزوا قال لهم: ارضوا بمئة منكم ثم قال للعشرة ارضوا برجل منكم .
وقال للرجل : ليس هذا يوم أوان قتالهم، سيفرقون حتى يصيروا أربعة آلاف، ويخرجون علي في قابل مثل هذا الشهر، وفي مثل هذا اليوم، فأخرج إليكم فأقتلكم حتى لا يبقى إلا تسعة نفر، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة هكذا أخبرني رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)فافترقوا حتى صاروا أربعة آلاف رجل يتبرأ بعضهم من بعض كما أخبرهم أمير المؤمنين وقتلهم فلم يبق منهم إلا تسعة نفر(2). فكان هذا من دلائله(عليه السلام).
20 - وعنه عن أبي العباس، عن غياث بن يونس الديلمي، عن محمد بن علي، عن علي بن محمد، عن الحسن بن علي، عن أبي مسعود العلاف، عن أبي
ص: 176
الجارود، عن أبي جعفر قال : خطب أمير المؤمنين بالكوفة فبينما هو على المنبر إذ أقبلت عليه حية كالخابوط العظيم سوداء مظلمة حمراء العينين محددة الأنياب حتى دخلت باب المسجد، ففزع الناس منها واضطربت فقطع أمير المؤمنين(عليه السلام) الخطبة .
وقال لهم أفرجوا فإنها رسول قوم يقال لهم بنو عامر، فجاءت الحية حتى صعدت المنبر ووصلت إلى أمير المؤمنين(عليه السلام)ووضعت فاها على أذنه والناس ينظرون إليها، وإنها تساره أسرارا وتنقنق كتنقنق الطير، ثم كلمها بكلام يشبه نقيقها، ثم ولت الحية خارجة من حيث دخلت ونزل أمير المؤمنين، عن المنبر.
فقالوا له: ماذا أرادت الحية يا أمير المؤمنين؟ وما حالها ؟
فقال : هذه الحية رسول قوم من الجن، يقال لهم بنو عامر، أخبرتني أنه وقع بينهم وبين قوم يقال لهم بنو عنترة(1)شر وقتال، فبعثوا إليَّ هذه الحية يسألوني الإصلاح بينهم فوعدتهم بذلك وأنا آتيهم الليلة .
قالوا : يا أمير المؤمنين ائذن لنا أن نخرج معك .
قال : أنا لا أكره ذلك. فلما صلى بهم العشاء الآخرة انطلق والناس حوله حتى أتى بهم ظهر الكوفة في غربيها، فخط عليهم خطة ثم قال لهم : إياكم أن تخرجوا من هذه الخطة، هذه الخطة، فقعدوا في الخطة وهم ينظرون إليه وقد نصب منبراً فصعد عليه ثم خطب خطبة لم يسمع الأولون بمثلها، ثم لم يبرح حتى أصلح بينهم واقتدى بعضهم ببعض، وأقبل أمير المؤمنين(عليه السلام)إلى أصحابه وهم ينظرون إلى الجن حوله يميناً وشمالاً .
فقالوا : يا أمير المؤمنين رأينا عجباً في المشاهدة.
قال : رأيتموهم؟ قالوا : نعم .
قال : فصفوهم لي قالوا هم أقوام شبر بالطول شبيه بالزط(2).
ص: 177
قال: صدقتم، فقد رأيتموهم حقاً إنهم بعثوا يستغيثوني فأغثتهم، وكان بينهم دماءً فخافوا أن يتفانوا فأصلحت بينهم وقربت بعضهم من بعض(1) .
فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
21 - وعنه ، عن جعفر بن مالك عن موسى بن زيد الجلاب ، عن محمد بن علي، عن علي بن محمد عن سيف بن عميرة، عن إسحاق بن عمار، عن حمزة الثمالي عن ميثم التمار النهرواني، عن الأصبغ بن نباتة الطائي قال : خرجنا مع أمير المؤمنين(عليه السلام) وهو يريد ،صفين، فلما انتهى إلى كربلا وقف بها وقال : ها هنا يقتل ابني الحسين وثمان رجال معه من أولاد عبد المطلب وثلاثة وخمسون من ،أنصاره، ثم سار مغرباً وعدل عن الجادة بشاطئ الفرات قاصداً، فلما توسطنا البر وكان يوم قيظ شديد الحر، وكان الماء في العسكر يسيراً إلا إنا كنا على جادة الفرات فلم تزوده بقدر الماء الذي كان معنا وعطش أهل العسكر حتى تقطع الناس عطشاً وشكوا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فبينما نحن نسير فإذا بقائم من حديد شاهق عالٍ في رأسه ،راهب، فقصد إليه أمير المؤمنين(عليه السلام) فصاح : يا راهب هل بقربك ماء فأشرف الراهب من رأس القائمة، فقال: وأين لنا بالماء إلا على حد فرسخين؟ كيف يكون الماء في هذه القفرة(2)البيداء(3)؟
فعدل أمير المؤمنين إلى قاع رضراض وحصى رمل فوقف هنيهة ثم أشار إلى العسكر أن ينزلوا فنزل أكثر الناس فقال لهم : ها هنا ماء فابحثوا، فتلقوا صخرة على عين ماء أبيض زلال أشد بياضاً من اللبن وأحلى من الشهد فكبر الناس وبحثوا في القاع حتى قلعوا كثباناً من ذلك الرمل والحصى، وظهرت لنا صخرة بيضاء فقال لنا دونكم إياها فاقتلعوها فبحثنا عليها فصعبت وامتنعت منا .
ص: 178
فقال : ارموها بأجمعكم فإنكم لا تشربون الماء ولا تروون زلالاً إن لم تقلعوها، وكنا في العسكر ستين ألف رجل وتبع كثير، ولم تبق كف منا إلا رامت قلع تلك الصخرة فلم نقدر نقلعها .
فقلنا : يا أمير المؤمنين قد بلوتنا بها فوجدنا ضعفنا فأدركنا بفضلك علينا، فدنا منها وجرّد ذراعه ومد يده إلى السماء وتكلم بكلمات مستقبل القبلة، فسمعناه يقول كلاماً من الإنجيل : طاب طاب الماء، والعلم طيبوثا، واليوح اسمينا، والحايوثا، وإذا يكونا ، ثم هوى بيده المباركة اليمنى إلى الصخرة واقتلعها كالكرة إذا انضربت من اللعب، فكبر الناس وظهر الماء على وجه الأرض من تلك العين أبيض زلالاً لم ير مثله في ماء الدنيا، فشربنا وروينا وتزودنا والراهب مشرف في رأس القائمة، فلما استقينا أخذ الصخرة بيده المباركة فردها على تلك العين، فكأنما لم تزل ورددنا كلما بحثناه من الرمل وسرنا فلم نبعد حتى قال لنا : ليرجع بعضكم فلينظر هل لموضع الصخرة أثر ؟ فرجعوا يحلفون بالله أنهم ما رأوا لها أثراً، وكان وجه القاع عليه سحيق الرمل.
قال : فلما نظر الراهب إلى فعل أمير المؤمنين(عليه السلام)، قال : هذا والله وصي محمّد(صلی الله علیه وآله وسلم)،فوجدناه في الإنجيل والزبور ونزل من القائمة، ولحق بأمير المؤمنين(عليه السلام)فقال : أنا أشهد أن أبي أخبرني عن جدي، وكان من حواري سيدنا المسيح (عليه السلام) ، والمسيح أخبره بقرب هذا القائم الذي كنت فيه، وبهذه العين الماء الأبيض من الثلج وأعذب من كلما عذب، وأنه من أجلها بني ذلك الدير والقائم، وإنه لا يستخرجها إلا نبي أو وصي نبي وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله وإنك وصي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) والمؤدي عنه والقائم بالحق إلى يوم القيامة، وقد رأيت يا أمير المؤمنين(عليه السلام)أني أصحبك في سفرك هذا يصيبني ما أصابك من خير وشر فقال له أمير المؤمنين(عليه السلام): جزاك الله خيراً، ودعا له بالخير، فقال له يا راهب الزمني وكن قريباً فإنك تستشهد معي بصفين، وتدخل الجنة، فلما كان ليلة الهرير(1)بصفين والتقى الجمعان قتل الراهب في تلك الليلة فلما أصبح أمير المؤمنين (عليه السلام).قال لأصحابه : ادفنوا قتلاكم وأقبل أمير
ص: 179
المؤمنين يطلب الراهب، فوجدناه فأخذه وصلى عليه ودفنه في لحده .
ثم قال أمير المؤمنين(عليه السلام): لكأني أنظر إليه وإلى منزلته في الجنة وزوجاته التي أكرمه الله بها . فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
22 - وعنه، عن أحمد بن محمد الحجال الصيرفي، عن محمد بن جعفر الصيرفي عن محمد بن علي، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام)قال : مد(1)الفرات عندهم بالكوفة على عهد أميرالمؤمنين(عليه السلام)وهو بها مقيم مدة عظيمة حتى طغى وعلا كالجبال، وصار بإزاء شرفات الكوفة، وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) في ذلك اليوم قد خرج إلى النجف ونفراً من أصحابه، فنظر إلى بعض النجف وقال للنفر الذين معه إني أرى النجف يخبر أن الماء قد طغى في الفرات حتى أوفى على منازل الكوفة، وإن الناس بها ضجوا وفزعوا إلينا فقوموا بنا إليهم، فأقبل هو والنفر إلى الكوفة وتلقاه أهلها صارخين مستغيثين .
فقال : ما شأنكم طغى الماء عليكم ما كان الله ليعذبكم وأنا فيكم، وسار يريد الفرات والناس من حوله حتى ورد على مجلس الثقيف فتغامزوا عليه وأشار إليه بعض أحداثهم، فالتفت إليهم أمير المؤمنين مغضباً فقال : صغار الخدود(2)قصار الغمود(3)، بقايا ثمود عبيد بني عبيد من يشتري مني ثقيف برغيف، فإنهم عبيد زيوف، فقام إليه مشايخهم.
فقالوا : يا أمير المؤمنين إن هؤلاء شباب لا يعقلون فلا تؤاخذنا بهم، فوالله إنا لهذا ،كارهون وما أحد منا يرضى به فاعفُ عنا ، عفا الله عنك.
فقال : لست اعفو عنكم إلا على أن لا أرجع إلى الفرات أو تهدموا مجلسكم هذا، وكان منظراً وروشناً مشرف وميزاب يصب إلى طريق المسلمين، وتسدون بلاليعكم فيها .
ص: 180
فقالوا نفعل يا أمير المؤمنين، وسكروا مجلسهم وفعلوا كل ما أمرهم به، حتى أتى إلى الفرات وهو يزخر بأمواج كالجبال، فسقط الناس لوجوههم وصاحوا الله الله يا أمير المؤمنين أرفق برعينك فنزل وأخذ قضيب رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فقرعه(1)قرعة واحدة.
وقال: اسكن يا أبا ،خالد فانزجر الماء، فما أتم كلامه، حتى ظهرت الأرض في بطن الفرات حتى كأن لم يكن فيها ماء، فصاح الناس : الله الله رفقاً برعيتك يا أمير المؤمنين، لئلا يموتوا عطشاً.
فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): اجر على قدر یا فرات، فجرى لا زائداً ولا ناقصاً، ووجد فوق الجسر رمانة فوقعت على الجسر رمانة لم يوجد في الدنيا مثلها، فمد الناس أيديهم ليحملوها إلى أمير المؤمنين فلم تصل أيديهم إليها، فمد يده المباركة وأخذها وقال هذه رمانة من رمان الجنة لا يمسها ولا يأكلها إلا نبي أو وصي نبي ولولا ذلك لقسمتها عليكم في بيت مالكم وفي ذلك اليوم كانت فتنة عبد الله بن سبا(2)وأصحابه العشرة الذين كانوا معه وقالوا ما قالوه، وأحرقهم أمير المؤمنين(عليه السلام) بالنار بعد أن استتابهم ثلاثة أيام فأبوا ولم يرجعوا، فأحرقهم في صحراء الأخدود(3). وكان هذا من دلائله(عليه السلام).
ص: 181
23 - وعنه : عن أبيه، عن محمد بن ميمون عن الحسن بن علي عن أبي حمزة عن حيان بن سدير الصيرفي عن مراد يقال له رباب بن رياح قال: كنت قائماً على رأس أمير المؤمنين بالبصرة بعد الفراغ من أصحاب الجمل، إذ أتى عبد الله بن عباس .
فقال : يا أمير المؤمنين إن لي إليك حاجة .
فقال له : عرفت حاجتك قبل أن تذكرها لي جئت تطلب مني الأمان لمروان ابن الحكم.
فقال له يا أمير المؤمنين أحب أن تؤمنه .
قال : اذهب فجئني به يبايعني ولا يجيئني إلا رديفاً .
قال : فما لبث إلا قليلاً حتى أقبل ابن عباس وخلفه مروان بن الحكم رديف(1)
فقال له المؤمنين(عليه السلام): هل أبايعك .
قال مروان على أن في النفس ما فيها .
قال أمير المؤمنين : إني لست أبايعك على ما في نفسك إنما أبايعك على ما ظهر لي.
قال : فمد يده أمير المؤمنين فلما بايعه :قال هيه يا بن الحكم قد كنت تخاف أن ترى رأسك يقطع في هذه المعمعة(2)، كلاً بالله لا يكون حتى يخرج من صلبك طواغيت يملكون هذه الرعية، يسومونهم خوفاً(3)وظلماً وجوراً، ويسقونهم كؤوساً مرة(4).
ص: 182
قال مروان كان مني ما أخبرني علي ثم هرب فلحق بمعاوية وكان كما قال أمير المؤمنين(عليه السلام). فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
24 - وعنه : عن جعفر بن محمد محمد عن بن عبد الرحمن الزيات عن الربيع بن محمد الأصم عن بني الجارود، عن القاسم بن الوليد الهمداني، عن الحارث الأعور الهمداني قال : كنا مع أمير المؤمنين(عليه السلام)بالكناسة(1)، إذ أقبل أسد يهوي، فضعضع (2)من حوله حتى انتهى إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) فقال له : ارجع ولا تدخل دار هجرتي (3)بعد اليوم وبلغ السباع عني تتجافى الكوفة وجميع ما حولها ألا إن طاعتي طاعة الله، فإذا عصوا الله وخلوا طاعتي حكمت فيهم، فلم تزل السباع تتجافى الكوفة إلى أن قبض أمير المؤمنين(عليه السلام)، وتقلدها زياد ابن أبيه دَعيُّ أبي سفيان لعنه الله، فلما دخلها سلطت السباع على الكوفة وما حولها حتى أفنت أكثر الناس(4). فكان هذا من دلائله(عليه السلام).
علي، عن الحسن بن أبي حمزة عن القاسم بن الوليد] الهمداني، عن الحارث الأعور الهمداني، قال: بينما أمير المؤمنين(عليه السلام)يخطب في الناس يوم الجمعة في مسجد الكوفة إذ أقبلت أفعى من ناحية باب الفيل(1)، رأسها أعظم من رأس البعير؛ تهوي إلى نحو المنبر فافترق الناس في جانبي المسجد خوفاً منه حتى صعد المنبر، ثم تطاول إلى أذن أمير المؤمنين(عليه السلام)فأصغى إليه وجعل يساره ملياً، ثم نزل.
فلما بلغ باب أمير المؤمنين(عليه السلام)الذي يسمونه باب الفيل انقطع أثره وغاب عن الناس فلم ير، فلم يبق مؤمن ولا ،مؤمنة إلا قال هذا من عجائب أمير المؤمنين(عليه السلام)، ولم يبق منافق ولا منافقة إلا قال : هذا من سحر علي.
فقال أمير المؤمنين(عليه السلام):(أيها الناس إني لست ساحراً، وهذا الذي رأيتموه وصي محمد [ ] على الجن، وأنا وصيّه على الإنس، وهو يطيعني أكثر مما تطيعونني، وهو خليفتي فيهم، وقد جرى بين الجن ملحمة تتهادر فيها الدماء، والذي لا يعلم ما المخرج منها ولا الحكم فيها، فإنه مسائلي عن الجواب في ذلك فأجبته عنه بالحق، وهذا المثل الذي يمثل لكم به أراد يريكم فضلي عليكم الذي هو أعلم به منكم)(2). فكان هذا من دلائله(عليه السلام).
نحن بأصل شجرة قد وقع لحاؤها (1)وبقي عودها يابساً، فضربها بيده؛ ثم قال لها : ارجعي بإذن الله خضراء ذات ثمرة.
فإذا هي تهتز بأغصانها مورقة مثمرة وحملها الكمثرى الذي لم ير مثله في فواكه الدنيا، فأطعمنا منه وتزوّدنا وحملنا، فلما كان بعد ثلاثة أيام عدنا إليها فإذا بها خضراء فيها الكمثرى(2). فكان هذا من دلائله(عليه السلام).
27-وعنه، عن أبيه، عن محمد بن عمار، قال: حدثني عمر بن قاسم، عن عمرو بن شمر عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : لما أمر أمير المؤمنين(عليه السلام) بإنجاز عدات رسول الله وقضاء دينه نادى منادي أمير المؤمنين: الا من كان له دين عند رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)أو عدة فليقبل إلينا، فكان الرجل يجيئ وأمير المؤمنين لا يملك شيئاً ؛ فيقول : اللهم اقض عن نبيك فيجد ما وعد النبي تحت البساط لا يزيد ولا ينقص.
قال أبو بكر لعمر هذا يُصيب ما وعد النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)تحت البساط ونخشى أن يميل الناس إليه . فقال عمر: فينادي مناديك أيضاً، فإنك تقضي كما قضى، فنادى مناديه ألا من كان له عند رسول الله دين أو عبرة فليقبل إلينا.
فسلّط [الله] عليهم أعرابي فقال : لي عند رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)ثمانون ناقة سوداء المقل، حمراء الوبر، بأزمتها ورحالها .
فقال أبو بكر: تحضر، عندنا [ يا أعرابي] غداً، فمضى الأعرابي، فقال أبو بكر لعمر : لا تزال في ذلك مدة، ويحك من أين في الدنيا ثمانون ناقة بهذه الصفة
ص: 185
ما تُريد إلا أن تجعلنا عند الناس كاذبين فقال عمر يا أبا بكر إن ها هنا مخلص منه . قال : وما هي؟ قال : تقول : احضر لنا بينتك على رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) بهذا الذي ذكرته حتى نوفيك إياه، فإن رسول الله قال : إلا من أتاكم ببينة .
فلما كان بعد العصر حضر الأعرابي فقال : جئتكم ببينة، فقال: أوجبت الوعد على رسول الله ، فقال أبو بكر وعمر أحضر لنا بينتك على رسول الله بهذه حتى نوفيك، فقال : أترك رجلاً يعطيني بلا بينة وأجيئ إلى قوم لا يعطوني إلا ببينة ما أرى إلا قد تقطعت بكما الأسباب وتزعمون أن رسول الله كان كاذبا لآتين أبا الحسن فلئن قال لي كما قلتما لأرتدن عن الإسلام.
لسلام
فجاء إلى أمير المؤمنين(عليه السلام)فقال له : إن لي عند رسول الله ثمانون ناقة حمراء الوبر سوداء المقل، بأزمتها ورحالها .
فقال(عليه السلام): اجلس يا أعرابي إن الله يقضي عن نبيه ثم قال: يا حسن ويا حسین اذهبا إلى وادي فلان وناديا عند شفير الوادي: بعثنا رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) إليكم وحبيباه ووصياه إن للأعرابي عند رسول الله ثمانين ناقة، سوداء المقل، حمراء الويز بأزمتها ورحالها .
فمضيا ومعهما أهل المدينة إلى حيث أمرهما أمير المؤمنين(عليه السلام)، وقالا ما قاله لهما ومن تبعهما من الناس يسمعون ما جاء بهما، فجاؤوا من الوادي يقولون : نشهد أنكما حبيبا محمد ووصياه كما قلتما فانظرا حتى نجمعها بيننا، فما جلسنا إلا قليلاً حتى ظهرت ثمانون ناقة حمر الوبر سود المقل بأزمتها ورحالها، وإن الحسن والحسين(عليهم السلام)، ساقاها إلى أمير المؤمنين، فدفعها إلى الأعرابي(1) فكان هذا من دلائله(عليه السلام)
28 - وعنه ، عن محمد بن جبلة التمار، عن موسى بن محمد الأزدي(2)، عن
ص: 186
المخول بن إبراهيم عن رشدة بن يزيد الخيبري (1)، عن الحسن بن محبوب، عن أبي خديجة سالم بن مكرم عن أبي حمزة الثمالي عن جابر بن عبد الله بن عمر ابن حزام الأنصاري قال : أرسل رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) سرية .
فقال لهم : إنكم تصلون ساعة كذا وكذا من الليل إلى أرض لا تهتدون(2)فيها سيراً، فإذا وصلتم فخذوا ذات الشمال فإنّكم تمرون برجل فاضل خير في كنانة(3)فتسترشدونه فيأبى أن يرشدكم حتى تأكلوا من طعامه فيذبح لكم كبشاً فيطعمكم ثم يقوم معكم] ويرشدكم الطريق، فأقرئوه مني السلام وأعلموه أنّي قد ظهرت في المدينة .
فمضوا فلمّا وصلوا الموضع في الوقت ضلّوا، فقال قائل منهم : ألم يقل لكم رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) خذوا ذات الشمال، ففعلوا فمروا بالرّجل الذي ذكره رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) لهم فاستر شدوه الطريق.
فقال : لا أفعل حتى تأكلوا من طعامنا فذبح لهم كبشاً فأكلوا من طعامه ،وقام معهم فأرشدهم الطريق، وقال لهم: ظهر النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)في المدينة؟
قالوا نعم وبلغوه السلام، فخلف في نسائه من خلف ومضى إلى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، وهو عمرو بن الحمق الخزاعي [بن] الكاهن بن حبيب بن عمر بن الفتى ابن رزاح بن عمرو بن سعد بن كعب (4)، فلبث معه ما شاء الله سبحانه وتعالى، ثم قال له رسول الله : ارجع إلى الموضع الذي هاجرت إليَّ منه، فإذا نزل أخي أمير المؤمنين بالكوفة وجعلها دار هجرته فانته.
فانصرف عمرو بن الحمق إلى شأنه حتّى إذا نزل أمير المؤمنين(عليه السلام)أتاه فأقام بالكوفة معه بالكوفة، فبينما أمير المؤمنين(عليه السلام)، جالس وعمرو بين يديه، فقال له :يا عمرو ألك دار؟ .
[قال : نعم].
ص: 187
قال : بعها واجعلها في الأزد، فإني غداً لو غبت عنكم لطلبتك الأزد حتى تخرج من الكوفة متوجهاً نحو الموصل، فتمر برجل نصراني فتقعد عنده، وتستسقيه الماء فيسقيك، ويسألك عن قصتك فتخبره، وستصادفه مقعداً فادعه إلى الإسلام فإنه يسلم فإذا أسلم فأزر بيدك على ركبتيه فإنه ينهض صحيحاً مسلماً [ ويتبعك ] .
وتمرّ برجل محجوب ،جالس عن يمين الجادّة فتستسقيه الماء فيسقيك ،ويسألك عن قصتك، وما الذي أخافك وممّ تتوقّى؟ فحدثه أن معاوية طلبك ليقتلك، ويمثل بك لإيمانك بالله ورسوله وطاعتك لي وإخلاصك لولايتي، ونصحك الله [تعالى] في دينك، فادعه إلى الإسلام فإنّه يسلم، فمرر يدك على عينيه، فإنّه يرجع بصيراً بإذن الله تعالى فيتبعانك ويكونان [معك] هما اللذان يواريان بدنك في الأرض.
ثم تصير إلى دير على نهر يقال له الدجلة، فإنّ فيه صديقاً، عنده من علم المسيح فاتخذه عوناً من الأعوان على سر صاحبيك، وما ذلك إلا ليهديه الله بك، فإذا أحست بك شرطة ابن [أم] الحكم، وهو خليفة معاوية بالجزيرة، ويكون مسكنه بالموصل، فاقصد إلى الطريق الذي في الدير يتواضع لك حتى تصير في ذروته، فإذا رآك ذلك في أعلى الموصل فناده فإنه يمتنع عنك، فاذكر اسم الله الذي علمتك إياه فإن الدير يتواضع لك، حتى تصير في ذروته، فإذا رأى ذلك الراهب الصديق، قال التلاميذ معه ليس هذا أوان ظهور سيدنا المسيح، هذا شخص كريم، ومحمد قد توفاه الله، ووصيه قد استشهد بالكوفة، وهذا من حوارييه.
ثم يأتيك خاشعاً ذليلاً، فيقول لك : أيها الشخص العظيم [قد] أهلتني لما لم استحقه فبم تأمرني، فتقول استر تلميذك هذا من عبدك ويشرف على ديرك، فانظر ماذا ترى فإذا قال لك : أرى خيلاً غائرة نحونا فخلف تلميذك عنده وانزل واركب فرسك، واقصد نحو الغاب على شاطئ الدجلة استتر فيه فإنه لا بد أن يشترك في دمك فسقة من الجن والإنس فإذا استترت فيه عرفك فاسق من مردة الجن يظهر لك بصورة تنين أسود ينهشك نهشاً يبالغ أظفارك وتعثر بك فرسك، فينذر بك الخيل فيقولون هذا فرس عمرو بن الحمق ويقفون أثرك فإذا أحسست بهم دون الغار فابرز إليهم بين الدجلة والجادة وقاتلهم في تلك البقعة فإن الله جعلها حضرتك وحرمك فالقهم بنفسك واقتل ما استطعت حتى يأتيك أمر الله فإذا غلبوك حزوا رأسك
ص: 188
وسيروه على قناة إلى معاوية لعنه الله ورأسك أول رأس يشهر في الإسلام من بلد إلى بلد .
ثم يبكي أمير المؤمنين [(عليه السلام) ] ويقول : وقرة عيني ابني الحسين، فإن رأسه يشهر على قناة وتستباح ذراريه بعدك يا عمرو من كربلا غربي الفرات إلى يزيد بن معاوية عليهما اللعنة، ثمّ ينزل صاحباك المحجوب والمقعد فيواريان بدنك في موضع مصرعك، وهو بين الدير والموصل فكان كلما ذكره رسول الله وأمير المؤمنين(عليه السلام)(1).
فكان هذا من دلائله(عليه السلام).
29 - وعنه، عن علي بن بشر، عن علي بن النعمان عن هارون بن يزيد الخزاعي، عن أحمد بن خالد الطبرستاني عن حمران بن أعين بن القاسم بن محمد بن أبي بكر عن رميلة وكان رجلاً من خواص أمير المؤمنين(عليه السلام)قال رميلة : وعكت وعكاً شديداً في زمان أمير المؤمنين(عليه السلام) قال ثم وجدت منه خفة في نفسي في يوم الجمعة فقلت : لا أعمل شيئاً أفضل من أن أعلا على الماء وآتي المسجد فأصلي خلف أمير المؤمنين(عليه السلام)ففعلت ذلك .
فلما علا المنبر في جامع الكوفة عاودني الوعك، فلما خرج أمير المؤمنين من المسجد اتبعته فالتفت إليَّ، فقال : ما لي أراك متشكياً بعضك إلى بعض، قد علمت من الوعك وما قلت أنك لا تعمل شيئا أفضل من غسلك لصلاتك الجمعة خلفي وإنك كنت وجدت خفاً، فلما صليت وعلوت المنبر عاد إليك.
قلت : والله يا أمير المؤمنين ما زدت في قصتي حرفاً ولا نقصت حرفاً، قال: يا رميلة ما من مؤمن ولا مؤمنة يمرض إلا مرضنا ،لمرضه، ولا يحزن إلا حزنا لحزنه، ولا دعا إلا أمنا على دعائه ولا شكا إلا دعونا له.
فقلت يا أمير المؤمنين هذا لمن كان معك في هذا المصر فمن كان في أطراف الأرض كيف يكون في هذه المنزلة؟
ص: 189
قال : يا رميلة ليس بغائب عنا مؤمن ولا مؤمنة في مشارق الأرض ومغاربها إلا وهو معنا ونحن معه .
فكان هذا من دلائله(عليه السلام)
30 - وعنه(1): عن جعفر بن يزيد(2)القزويني، عن زيد الشحام، عن أبي هارون المكفوف، عن ميثم التمار ، عن سعد العلاف (3) عن الأصبغ بن نباتة قال : جاء نفرّ إلى أمير المؤمنين فقالوا : إن المعتمد(4)يزعم أنك تقول إن هذا الجري مسخ.
فقال : مكانكم حتى أخرج إليكم فتناول ثوبه، ثم خرج إليهم ومضى حتى انتهى إلى الفرات بالكوفة فصاح يا جري فأجابه لبيك لبيك .
قال : من أنا؟ .
قال : أنت إمام المتقين وأمير المؤمنين .
قال : من أنت؟ .
قال : أنا ممّن عرضت عليه ولايتك فجحدتها، ولم أقبلها فمسخت جرياً، وبعض هؤلاء الذين كانوا معك يمسخون جرياً .
فقال له أمير المؤمنين(عليه السلام): بيّن ضيعتك وفيمن كنت ومن كان معك.
قال : نعم يا أمير المؤمنين كنا أربعة وعشرين طائفة من بني إسرائيل قد تمردنا وطغينا واستكبرنا وتجبرنا وسكنا المفاوز رغبة منا في البعد من المياه والأنهار فأتانا آت وأنت والله أعرف به منا يا أمير المؤمنين فجمعنا في صحن الدار وصرخ بنا صرخة فجمعنا في موضع واحد وكنا مبددين في تلك المفاوز والقفار .
ص: 190
فقال لنا : ما لكم هربتم من المدن والمياه والأنهار وسكنتم هذه المفاوز؟ فأردنا نقول : لأننا فوق العالم تكبراً وتعززاً .
فقال لنا : قد علمت ما في نفوسكم فعلى الله تتعززون؟
فقلنا له: بلى.
فقال : أليس قد أخذ عليكم العهد لتؤمنن بمحمد بن عبد الله المكي؟
قلنا : بلى.
قال : وأخذ عليكم العهد بولاية وصيه وخليفته بعهده وبعده أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب(عليه السلام)، فسكتنا، فلم نجب بألسنتنا وقلوبنا، ونياتنا لا تقبلها.
فقال : لا أو تقولون بألسنتكم.
فقلناها بأجمعنا بألسنتنا وقلوبنا ونياتنا لا نقبلها فصاح بنا صيحة، وقال لنا : كونوا بإذن الله مسوخاً، كل طائفة جنساً، ويا أيتها القفار كوني بإذن الله أنهاراً وتسكنك هذه المسوخ وتتصل بحار الدنيا وأنهارها حتى لا يكون ماء إلا كانوا فيه .
فمسخنا ونحن أربعة وعشرون جنساً فصاحت اثنا عشر طائفة منا : أيها المقتدر علينا بقدرة الله عليك إلا ما أعفيتنا من الماء، وجعلتنا على ظهر الأرض، قال: قد فعلت.
فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): هيه يا جري بين ما كان الأجناس الممسوخات البرية والبحرية.
فقال : أما البحرية فنحن الجري والسلاحف والمارماهي(1) ، والزمار ، والسراطين، والدلافين، وكلاب الماء، والضفادع وبنات نقرس(2)، والغرمان، والكوسج والتمساح .
فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): هيه، والبرية؟ .
ص: 191
قال : نعم الوزغ ،والخفاش، والكلب ،والدّب، والقرد، والخنازير، والضب ،والحرباء، والورل، والخنافس، والأرنب، والضبع(1) .
[ثم] قال أمير المؤمنين : فما فيكم من خلق الإنسانية وطبائعها؟ .
قال الجري : أقوامنا والبعض لكل صورة ،وخلقه وكلنا تحيض مثل الإناث.
قال أمير المؤمنين : صدقت أيها الجري، وحفظت ما كان.
قال الجري : يا أمير المؤمنين هل من توبة ؟ فقال : للأجل المعلوم وهو يوم القيامة،﴿ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾(2).
قال الأصبغ بن نباتة فسمعنا والله ما قال ذلك الجري ووعيناه وكتبناه وعرضناه على أمير المؤمنين فصح والله لنا ومسخ من بعض القوم الذين حضروا جرياً(3). فكان هذا من دلائله السلام
31 - وعنه ، عن أبي الحواري، عن عبد الله بن محمد بن فارس بن ماهويه، عن إسماعيل بن علي النهرواني، عن ماهان(4)الأبلي، عن المُفَضَّل بن عمر الجعفي، عن الصادق(عليه السلام): إن أمير المؤمنين كان حوله من جهة الأنبار في بني مخزوم، وإن إنساناً منهم أتاه فقال له: يا خالي إن صاحبي وتربي(5)مات ضالاً وإنّي عليه ،لحزين قال أمير المؤمنين(عليه السلام): أتحب أن تراه؟
ص: 192
قال نعم قال : فلبس بردة رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)وخرج معه إلى أن أتى إلى قبر، فركض(1)برجله القبر فخرج الرجل من قبره وهو يقول : ويله وبيه سلان.
فقال له أخوه المخزومي : أولم تمت وأنت رجل من العرب؟
قال : كنا على سنة أبي بكر وعمر في العربية ونحن اليوم على سنة الفرس فليست ألسنتنا على دين الله بالعربية.
فقال له أمير المؤمنين(عليه السلام): ارجع إلى مضجعك وانصرف المخزومي معه (2). فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
32 - وعنه، عن أبيه، عن سعد بن مسلم، عن صباح الأمري(3)، عن الحارث بن خضر(4) ،عن الأصبغ بن نباتة قال: خرجنا مع أميرالمؤمنين وهو يطوف بالسوق يأمر بوفاء الكيل والميزان وهو يطوف إلى أن انتصف النهار، مر برجل جالس فقام إليه فقال له يا أمير المؤمنين مر معي إلى أن تدخل بيتي تتغدى عندي وتدعو لي وما أحسبك اليوم تغديت .
قال أمير المؤمنين على أن لا تدخر ما في بيتك ولا تتكلف من وراء بابك.
قال : لك شرطك، ودخل ودخلنا وأكلنا خبزاً وزيتاً وتمراً، ثم خرج يمشي حتى انتهى إلى قصر الإمارة بالكوفة فركض برجله الأرض فزلزلت ثم قال : وايم
ص: 193
الله لو علمتم ما ها هنا وايم الله لو قام قائمنا لأخرج من هذا الموضع اثني عشر ألف درع واثني عشر ألف بيضة لها وجهات، ثم ألبسها اثني عشرألفاً من ولد العجم، ثم يأمر بقتل كل من كان على خلاف ما هم عليه، وإني أعلم ذلك وأراه كما أعلم اليوم وأراه(1). فكان هذا من دلائله علامة (عليه السلام).
33 - وعنه : عن محمّد بن داود عن الحسين عن أبيه، عن عمر بن شمر ،ومحمّد بن سنان الزاهري، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن يحيى بن أبي العقب، عن مالك الأشتر(رضی الله عنه)، قال : دخلت على أمير المؤمنين(عليه السلام) في ليلة مظلمة فقلت : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته .
فقال : وعليك السلام ما الذي أدخلك عليَّ في هذه الساعة يا مالك؟
فقلتُ : خيراً يا أمير المؤمنين، وشوقي إليك.
فقال: صدقت والله يا مالك، فهل رأيت أحداً ببابي في هذه الليلة المظلمة؟
قلت : نعم يا أمير المؤمنين؛ رأيت ثلاثة نفر .
فقام أمير المؤمنين(عليه السلام) فخرج وخرجنا معه فإذا بالباب رجل مكفوف، ورجل أزمن، ورجل أبرص فقال لهم أمير المؤمنين ما تصنعون ببابي في هذا الوقت؟
قالوا : يا أمير المؤمنين جئناك تشفينا مما بنا ؛ فمسح أمير المؤمنين يده المباركة عليهم، فقاموا من غير زمن(2)ولا عمى، ولابرص(3) .
فكان هذا من دلائله(عليه السلام).
ص: 194
34 - وعنه ، عن أبيه، عن أحمد بن الخصيب، عن أحمد بن نصیر(1)،عن عبد الله الأسدي عن فضيل بن الزبير قال مرّ ميثم التمار على فرس له مستقبل حبيب بن مظاهر راه فجلس بين بني أسد بالكوفة فتحدَّثا حتى اختلف أعناق فرسيهما .
فقال :حبيب لكأني شيخ أصلع ضخم البطن يبيع البطيخ أزرق العينين قد صلب في [حب] أهل البيت، بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
وكأني وقد جاء برأسي إلى الكوفة، وأخبر الذي جاء به، ثم افترقا .
فقال أهل المجلس : ما رأينا أعجب من أصحاب أبي تراب يقولون أن علياً علمهم الغيب، فلم يفترق أهل المجلس حتى جاء رشيد الهجري يطلبهما فسأل عنهما، فقالوا له : قد افترقا وسمعناهما يقولان كذا وكذا .
قال رشيد الهجري لهم :رحم الله ميثم فقد نسي أنه يزاد في عطاء الذي يجيب رأسه مئة درهم ثم [ولى فقال أهل المجلس : هذا والله أكذبهم، فما مرت الأيام حتى رأى] أهل المجلس ميثماً مصلوب على باب دار عمرو بن حريث لعنه الله ، وجيئ برأس حبيب بن مظاهر من كربلاء وقد قتل مع الحسين بن علي(عليه السلام)إلى عبيد الله بن زياد لعنه الله وزيد في عطاء الذي حمل رأس حبيب مائة درهم
كما ذكر، وكان كل ما قالوه مما أخبرهم به أمير المؤمنين(عليه السلام)(2)، فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
ص: 195
35 - وعنه، عن محمد بن عبد الرحمن الطريقي، عن يونس بن أحمد الزيات، عن كثير بن جعفر الأدني ، عن الحسن بن محبوب، عن حمزة الثمالي، عن أبي إسحاق السبيعي، عن سويد بن غفلة، قال بينما نحن، عند أمير المؤمنين(عليه السلام) إذ أتى رجل فقال : يا أمير المؤمنين إني قد جئت من وادي القرى وقد مات خالد بن عرفطة .
فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): مه (1)لم يمث، فأعاد عليه الرجل ثانية، فقال: لم يمت وأعرض عنه بوجهه فأعاد عليه ثالثة فقال سبحان الله ؛ قد أخبرتك أنه قد مات، وتقول لي : إنه لم يمت .
فقال : لم يمت ولن يموت حتى يقود جيش ضلالة ومصيرها النار يحمل رايته حبيب بن جماز فأتى إلى أمير المؤمنين فقال له : ناشدتك بالله إنا لك شيعة، وقد ذكرتني يا مولاي شيئاً ما أعرفه من نفسي .
فقال له : من أنت؟ عساك حبيب بن جماز؟
فقال له : أنا هو يا أمير المؤمنين.
فقال : إن كنت هو فلا يحملها غيرك، فولّى حبيب مغضباً .
فقال سويد بن غفلة : فوالله ما ذهبت الأيام والليالي حتى بعث عمر بن سعد بن أبي وقاص خالد بن عرفطة على مقدمته في جيش ضلالة، وحبيب ابن جماز يحمل رايته إلى أبي عبد الله الحسين(عليه السلام)وعلى آبائه الطاهرين، حتى استشهد وقاتله . فكان هذا من دلائله وعجائبه.
ص: 196
36 - وعنه عن أبيه عن أحمد بن الخصيب (1)، عن أبي المطلب جعفر بن محمَّد بن المُفَضَّل(2)، عن محمد بن سنان الزاهري عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، عن مديح بن هارون بن سعد(3)، قال : سمعت أبا الطفيل عامر بن واثلة يقول(4): سمعت أمير المؤمنين يقول لعمر الخطاب ]: من علمك الجهالة يا مغرور؟ أما والله لو كنت بصيراً، أو كنت في دنياك تاجراً تحريراً، أو كنت فيما أمرك رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) [خبيراً] لركبت وفرشت القصب ولما أحببت أن يتمثل لك الرجال قياماً، ولما ظلمت عترة النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) بقبيح الفعال، غير أني أراك في الدنيا قتيلاً بجراحة من عبد أم معمر، تحكم عليه جوراً فيقتلك معمر، تحكم عليه جوراً فيقتلك(5)توفيقاً، يدخل والله الجنان على رغم منك .
والله لو كنت من رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)سامعاً مطيعاً لما وضعت سيفك في عنقك، ولما خطبت على المنبر، ولكأني بك قد دعيت فأجبت، ونودي باسمك فأحجمت، لك هتك ستراً وصلباً ولصاحبك الذي اختارك، وقمت مقامه من بعده.
تستحي لنفسك من هذا [ التكهن]؟ .
فقال [له] عمر يا أبا الحسن أما تستحي فقال له أمير المؤمنين : [ والله] ما قلت لك إلا ما سمعت [من رسول الله ] وما نطقت إلا بما علمت.
قال: فمتى هذا يا أمير المؤمنين؟
قال : إذا أخرجت جيفتكما عن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) من قبريكما اللذين لم
ص: 197
تدفنا(1) فيها لئلا (2)يشك أحد فيكما إذا نبشتما، ولو دفنتما بين المسلمين لشك شاك وارتاب ،مرتاب وستصلبان على أغصان دوحة يابسة فتورق تلك الدوحة (3)بكما، وتفرّع وتخضرُّ بكما فتكونا لمن أحبكما ورضي بفعلكما (4)آية ، ليميز الله الخبيث من الطيب، ولكأني أنظر إليكما والناس يسألون ربهم العافية مما بليتما به .
قال : فمن يفعل ذلك يا أبا الحسن؟
قال عصابة قد فرقت بين السيوف وأغمادها وارتضاهم الله لنصرة دينه، فما تأخذهم في الله لومة لائم، ولكأني أنظر إليكما وقد أُخرجتما من قبريكما [غضّين] طريين بصورتيكما حتى تصلبا على الدوحات، فتكون ذلك فتنة لمن أحبّكما .
ثم يؤتى بالنار التي أضرمت لإبراهيم(عليه السلام)[ويحيى]، وجرجيس، ودانيال، وكل نبي وصديق، ومؤمن ومؤمنة ثم يؤمر بالنار] وهي النار التي أضرمتموها(5)على باب داري لتحرقوني وفاطمة بنت رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، وابني الحسن والحسين، وابنتي زينب وأم كلثوم، حتى تحرقا بها، ويرسل الله إليكما ريحاً مدبرة فتنسفكما في اليم نسفاً، ويأخذ السيف من كان منكما (6)، ويصير مصيركما إلى النار جميعاً، وتخرجان إلى البيداء إلى موضع الخسف الذي قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُواْ فلا فوتَ وَأَخِذُوا مِن مَّكَانِ قَرِيبٍ (7)يعني من تحت أقدامكما(8).
:قال يا أبا الحسن يفرّق بيننا وبين رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)؟
قال : نعم .
قال يا أبا الحسن إنّك سمعت هذا وإنّه حق؟
ص: 198
قال : فحلف أمير المؤمنين(عليه السلام) أنه سمعه من النبي ، فبكى عمر وقال : [إني] أعوذ بالله ممّا تقول، فهل لك علامة؟
قال : نعم قتل فظيع، وموت سريع(1)، وطاعون شنيع، ولا يبقى من الناس في ذلك [الزمان] إلا ثلثهم وينادي منادٍ من السماء باسم رجل من ولدي وتكثر الآفات(2)حتى يتمنّى الأحياء الموت مِمّا يرون من الأهوال، وذلك مما أسأتما(3)، فمن هلك استراح، ومن كان له عند الله خير نجا، ثمّ يظهر رجل من عترتي(4) فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً (5)يأتيه الله ببقايا قوم موسى، ويُحيي له أصحاب الكهف [ويؤيده الله بالملائكة والجن وشيعتنا المخلصين ](6)، وتنزل السماء قطرها وتخرج الأرض نباتها .
قال له عمر : [يا أبا الحسن أما إني أعلم ](7)أنك لا تحلف إلا على حق، فإنك إن تهددني بفعال ولدك(8)فوالله لا تذوق من حلاوة الخلافة شيئاً أنت ولا ولدك، وإن قبل قولي لينصرني ولصاحبي من ولدك قبل أن أصير إلى ما قلت (9).
فقال له أمير المؤمنين(عليه السلام) : تباً لك أن تزداد إلا عدواناً [لي ولولدي](10)فكأني بك قد أظهرت الحسرة وطلبت الإقالة، حيث لا ينفعك ندمك(11) .
[ قال : ] فلما حضرت عمر الوفاة أرسل إلى أمير المؤمنين(عليه السلام)(12) فأبى أن
ص: 199
يجيئ فأرسل إليه جماعة من أصحابه فطلبوه إليه أن يأتيه، ففعل(1).
فقال عمر: يا أبا الحسن هؤلاء حالوني مما وليت من أمرهم فإن رأيت أن تحالني، فافعل.
فقام أمير المؤمنين(عليه السلام)وقال : أرأيت إن حللتك فمن حالل بتحليل ديان يوم الدين، ثم ولى وهو يقول: ﴿وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ ﴾(2).
فكان هذا دلائله(3)من الذي شهد أكثرها، وصح ما نبأ به فهو حق .
37 - وعنه : عن محمّد بن موسى القمي، عن داود بن سليمان الطوسي، عن محمَّد بن خلف الطاطري، عن الحسن بن سماعة الكوفي، عن راشد بن يزيد المدني، عن المُفَضَّل بن عمر الجعفي، عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام)قال : جلس رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) في رحبة مسجده بالمدينة، وطائفة من المهاجرين والأنصار حوله، وأمير المؤمنين [(عليه السلام) ] ، عن يمينه ، وأبو بكر وعمر بين يديه، إذ أظلّت غمامة لها زجل بالتسبيح وهفيف(4)، فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)(5) : قد شاهدته من عند الله، ثم مد يده إلى الغمامة، فنزلت(6)ودنت من يده فبدا منها جام يلمع حتى غشيت أبصار من [حضر](7)في المسجد من لمعانه وشعاع نوره وفاح في المسجد روائح حتى زالت عقولنا بطيبها ومهشمها(8).
ص: 200
والجام يسبّح الله [تعالى] ويقدسه ويمجده بلسان عربي مبين حتى نزل في بطن راحة رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)اليمنى وهو يقول : السلام عليك يا حبيب الله وصفيه(1)، ونبيه ورسوله المختار على العالمين والمُفَضَّل على خلق الله أجمعين من الأولين والآخرين(2)، وعلى وصيّك خير الوصيين وأخيك خير المؤاخين، وخليفتك خير المستخلفين وإمام المتقين وأمير المؤمنين ونور المستضيئين، وسراج المهتدين(3)، وعلى زوجته فاطمة ابنتك خير نساء العالمين؛ الزهراء في الزاهرين، والبتول في المتبتلين، والأئمة الراشدين(4)، وعلى سبطيك ونوريك وريحانتيك وقرة عينيك أبناء علي الحسن والحسين، [ورسول الله ](صلی الله علیه وآله وسلم) وسائر من كان حاضراً يسمعون(5)ما يقول الجام، ويغضون من أبصارهم من تلألؤ نوره، [ورسول الله ](صلی الله علیه وآله وسلم)يكثر من حمد الله وشكره حتى قال الجام - وهو في كفه : يا رسول الله أنا تحية الله إليك(6)وإلى أخيك علي وابنتك فاطمة والحسن والحسين، فردني يا رسول الله في(7)كف علي .
فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): خذه يا أبا الحسن تحية من عند الله(8)، فمد يده اليمنى فصار في بطن ،راحته فقبله واشتمه فقال : مرحباً بكرامة(9)الله إلى رسوله وأهل بيته، وأكثر من حمد الله والثناء عليه، والجام يسبح الله(عزّوجل)ويهلله ويكبره ويقول: يا رسول الله ما بقي من طيب في الجنة إلا وأنا أطيب منه(10)، فارددني إلى فاطمة والحسن والحسين كما أمرني الله (عزّوجل)
ص: 201
فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): قم يا أبا الحسن به فاردده إلى كف قرة عيني فاطمة وكف حبيبي الحسن والحسين.
فقام أمير المؤمنين(عليه السلام)يحمل الجام ونوره يزيد على نور الشمس والقمر(1) ورائحته قد أذهلت العقول طيباً حتى دخل به على فاطمة والحسن والحسين ال وردّه في أيديهم فتحيوا به وقبلوه، وأكثروا من حمد الله وشكره والثناء عليه، ثم ردّه إلى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، فلما صار في كفه قام عمر على قدميه فقال: يا رسول الله [مالك] تستأثر بكل ما أتاك من عند الله من تحيّة وهدية أنت وعلي وفاطمة والحسن والحسين؟
فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): یا عمر ما أجرأك على الله؟ أما سمعت ما قال الجام حتى تسألني أن أعطيك ما ليس لك؟
فقال له : يا رسول الله أتأذن لي بأخذه واشتمامه وتقبيله؟
فقال له رسول الله : ما أشد جأشك(2)، قم، فإن نلته فما محمد رسول الله حقاً، ولا جاء بحق من عند الله .
فمدّ عمر يده نحو الجام، فلم تصل إليه، وارتفع الجام نحو الغمام وهو يقول : يا رسول هكذا يفعل المزور بالزائر ؟
[فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): ويحك ما جرأتك على الله وعلى رسوله](3).
قم يا أبا الحسن على قدميك، وامدد يدك إلى الغمام وخذ الجام وقل له : ماذا أمرك الله به أن تؤدّيه إلينا ثانية.
فقام أمير المؤمنين(عليه السلام)فمد يده إلى الغمام فتلقاه الجام فأخذه فقال له : إنّ رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)يقول لك : ماذا أمرك الله أن تقول له ؟(4).
فأتاه الجام وقال : نعم يا [أخا] رسول الله أمرني أن أقول لكم إنّي قد أوقفني على نفس كلّ مؤمن ومؤمنة من شيعتكم وأمرني بحضور وفاته حتى لا يستوحش
ص: 202
من الموت ولا ييأس من النظر إليكم(1)، وأن أنزل على صدره، وأن أكسوه من روائح طيبي فتقبض روحه وهو لا يشعر(2)
فقال عمر لأبي بكر : يا ليت الجام مضى بالحديث الأول ولم يذكر شيعتهم (3).
فكان هذا من فضل الله على رسوله وعلى أمير المؤمنين(عليه السلام)
38 - ؛ : وعنه بهذا الإسناد قال قال أبو عبد الله [ جعفر بن محمد](عليه السلام): خرج أمير المؤمنين(عليه السلام)ذات يوم إلى بستان البرني ومعه أصحابه، فجلس تحت نخلة، فرطبت ونزل منها رطب فوضع بين أيديهم فأكلوا .
فقال رشيد الهجري يا أمير المؤمنين ما أطيب هذا الرطب.
فقال : يا رشيد أما إنّك تصلب على جذعها .
قال رشيد فكنت أختلف إليها أطراف النهار وأسقيها، ومضى أمير المؤمنين(عليه السلام)فخرجنا يوماً وقد قطعت وذهب نصفها، فقلت: قد اقترب أجلي. فجئت اليوم الآخر فإذا بالنصف الثاني قد جعل زرنوقاً يستقى عليه [الماء]، فقلت: والله ما كذبني خليلي، فأتاني العريف فقال : أجب الأمير، فأتيته فلما وصلت القصر فإذا أنا بخشب ملقى وفيه الزرنوق وجئت حتى ضربت الزرنوق برجلي، وقلت : إليك أعدت وإليك أتيت ثم دخلت على عبيد الله بن زياد لعنه الله، فقال: هات من كذب صاحبك .
فقلت : والله ما كان يكذب، ولقد أخبرني أنك تقطع يدي ورجلي ولساني.
قال : إذن أكذِّبه اقطعوا يديه ورجليه واطرحوه فلمّا حمل إلى أهله أقبل يحدث النّاس بالعظائم وما يأتي وهو يقول: يا أيها الناس اسألوني فإن للناس عندي طلبة لم يقضوها .
ص: 203
فدخل رجل إلى عبيد الله بن زياد لعنه الله قال : بئسما صنعت به قطعت يديه ورجليه وتركت اللسان فهو يحدث الناس بالعظائم.
قال: ردوه فقد بلغ إليَّ ذلك فردوه، فأمر بقطع لسانه وصلبه على جذع تلك النخلة(1). فكان هذا من دلائله .
وعنه ، عن جعفر بن المُفَضَّل المخلول عن إبراهيم، عن جعفر بن
يحيى القرني، عن يونس بن ظبيان عن أبي خالد خالد عبد الله بن غالب عن رشيد الهجري ، قال كنت [أنا] وأبا عبد الله سلمان(2)، وأبو عبد الرحمن قيس بن ورقا(3)، وأبو الهيثم(4)مالك بن التيهان وسهل بن حنيف بين يدي أمير المؤمنين(عليه السلام)بالمدينة إذ دخلت
[عليه أُمّ النداء] حبابة الوالبية وعلى رأسها كور شبيه السيف(5)، وعليها أطمار(6)سابغة متقلّدة بمصحف، وبين أناملها مسباح من حصى فسلّمت وبكت وقالت آه يا أمير المؤمنين آه من فقدك واأسفاه على غيبتك واحسرتاه على ما يفوت من الغنيمة منك لا يلهم عنك، ولا يرغب يا أمير المؤمنين من الله فيه الخشية (7)وإرادة من أمري معك على يقين وبيان وحقيقة، وإني أتيتك وأنت تعلم ما أُريد.
فمد يده اليمنى إليها فأخذ من يدها حصاة بيضاء تلمع وترى من صفائها، وأخذ خاتمه من يده وطبع به في الحصاة فانطبعت فقال لها : يا حبابة هذا كان مرادك منّي؟ .
ص: 204
فقالت: إي والله يا أمير المؤمنين هذا [الذي] أُريد لما سمعناه من [تفرّق] شيعتك واختلافهم [من] بعدك، فأردت بهذا برهاناً يكون معي إن عمرت بعدك، ولا عمّرت ويا ليتني وقومي [ وأهلي] لك الفداء، فإذا وقعت الإشارة وشكت الشيعة [في] من يقوم مقامك أتيته بهذه الحصاة فإذا فعل فعلك بها علمت أنه الخليفة، وأرجو أن لا أوجد لذلك(1).
قال[ لها] بلى والله يا حبابة، لتلقين بهذه الحصاه ابني الحسن والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمد بن على وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، وكلا إذا أتيته استدعى بالحصاة منك وطبعها بهذا الخاتم لك، فبعهد علي بن موسى ترين في نفسك برهاناً عظيماً تعجبين منه فتختارين الموت، فتموتين ويتولى أمرك، ويقوم على حفرتك ويصلي عليك، وأنا مبشرك بأنك مع المكرورات [من المؤمنات] مع المهدي من ذريتي إذا أظهر الله أمره).
فبكت حبابة ثم قالت يا أمير المؤمنين من أين لأمتك الطائعة الضعيفة اليقين القليلة العمل لولا فضله(2)، وفضل رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، وفضلك يا أمير فضله(2)، المؤمنين أن تتأتى هذه المنزلة التي أنا فيها والله بما قلته لي موقنة ليقيني بأنّك أمير المؤمنين حقاً لا سواك، فادعُ لي يا أمير المؤمنين بالثبات على ما هداني الله إليه، ولا أسلبه ولا أفتتن فيه، ولا أضل عنه .
فدعا لها أمير المؤمنين [(عليه السلام) ] بذلك، وأصحبها خيراً .
قالت حبابة : لما قبض أمير المؤمنين(عليه السلام) بضربة عبد الرحمن بن ملجم المرادي لعنه الله في مسجد الكوفة، أتيت مولاي الحسن(عليه السلام)، فلما رآني قال [لي]: أهلاً وسهلاً بك يا حبابة هاتي الحصاة فمد يده إليها(عليه السلام)كما مد أمير المؤمنين(عليه السلام)يده فأخذ الحصاة وطبعها كما طبعها أمير المؤمنين(عليه السلام)، وأخرج ذلك الخاتم بعينه .
فلمّا قبض الحسن بالسم، أتيت الحسين(عليه السلام)، فلما رآني قال : مرحباً بك يا حبابة، هاتي الحصاة، فأخذها وختم عليها بذلك الخاتم فلما استشهد(عليه السلام) أتيت
ص: 205
علياً بن الحسين وقد شك الناس فيه ومالت شيعة الحجاز إلى محمد بن الحنفية من شكهم في زين العابدين(عليه السلام)، وصار [إليَّ] من كبارهم أجمع فقالوا : يا حبابة الله الله فينا اقصدي إلى علي بن الحسين(عليه السلام) حتى يتبين الحق، فصرت إليه فلما رآني رحب بي ومد يده وقال : هاتي الحصاة.
فأخذها وطبعها بذلك الخاتم ، ثم صرت بذلك الخاتم إلى محمد، وإلى جعفربن محمَّد، وإلى موسى بن جعفر، وإلى علي بن موسى الرضا صلوات الله عليهم أجمعين، فكل يفعل كفعل أمير المؤمنين(عليه السلام) والحسن والحسين وكبر سني ورق ،جلدي، ودق عظمي، وحال سواد شعري بياضاً، وكنت بكثرة نظري إليهم صحيحة العقل والبصر والفهم [والسمع].
فلما صرت إلى علي الرضا بن موسى(عليه السلام)، رأيت شخصه الكريم ضحكت ضحكاً فقال من :حضر قد خرفت يا حبابة، وإلا نقص عقلك، فقال لهم علي الرضا(عليه السلام): إني [أقول] لكم ما خرفت حبابة ولا نقص عقلها، ولكن جدي أميرالمؤمنين(عليه السلام): أَخْبَرَهَا بأنها تكون [ميتتها]، وأنها تكون مع المكرورات [من المؤمنات] مع المهدي(عليه السلام)، من ولدي(1)، فضحكت تشوقاً إلى ذلك، وسروراً [به] وفرحاً بقربها منه .
فقال القوم : استغفر لنا يا سيدنا وما علمنا هذا .
قال: يا حبابة ما الذي قال لك جدي أمير المؤمنين ؟ .
قالت : قال تريني برهاناً عظيماً قال يا حبابة ترين بياض شعرك؟ .
قلت بلى يا مولاي.
ص: 206
قال : يا حبابة أفتحبين أن تريه أسود حالكاً كما كان في عنفوان شبابك؟ .
قلت :نعم يا مولاي، قال : يا حبابة ويجزيك ذلك أو نزيدك؟ .
فقلت يا مولاي زدني من فضل الله عليك . قال : أتحبين أن تكوني مع سواد شعرك شابة؟ .
فقلت يا مولاي هذا البرهان عظيم.
قال : وهذا أعظم منه ما تجدينه مما لا يعلم الناس به.
فقلت يا مولاي اجعلني لفضلك أهلاً، فدعا بدعوات خفية حرك بها شفتيه، فعادت والله شابة طرية غضة سوداء الشعر حالكاً ، ثم دخلت خلوة في جانب الدار ففتشت نفسي فوجدتها بكراً، فرجعت وخررت بين يديه ساجدة، ثم قلت: يا مولاي النقلة إلى الله(عزّوجل) فلا حاجة لي في الحياة الدنيا . فقال : يا حبابة، ادخلي
عزوجك إلى أمهات الأولاد فجهازك هناك منفرداً(1).
قال الحسين بن حمدان الخصيبي : حدَّثني جعفر بن مالك، قال حدثني محمد بن يزيد(3)المدني، قال: كنت مع مولاي علي الرضا(عليه السلام)حاضراً لأمر حبابة وقد دخلت إلى أُمّهات الأولاد فلم تلبث إلا بمقدار ما عاينت جهازها [إلى الله تعالى] حتى تشهدت وقبضت إلى الله رحمها الله؟ .
قال مولانا الرضا(عليه السلام): رحمك الله يا حبابة قلنا يا سيدنا وقد قبضت .
قال : لبثت إلى أن عاينت جهازها [إلى الله تعالى] حتى قبضت إلى الله .
ص: 207
وأمر بتجهيزها، فجهزت وخرجت وصلينا عليها وحملت إلى حفرتها وأمر سيدنا بزيارتها وتلاوة القرآن عندها والتبرك بالدعاء هناك(1).
فكان هذا من دلائل مولانا أمير المؤمنين وبراهينه (عليه السلام).
40 - وعنه بهذا الإسناد قال : حدثني جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: كنت بين يدي مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام)في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ دخل عمر بن الخطاب، فلما جلس قال للجماعة : إنّ لنا سرّاً فيما بيننا، تخففوا رحمكم الله، فاشمأزت وجوهنا وقلنا له ما هكذا كان يفعل بنا رسول الله لقد كان يأتمننا على سره، فما لك لما رأيت فتيان المسلمين تسريت بفتيان رسول الله ؟
فقال :للناس أسرار لا يمكن إعلانها بين الناس فقمنا مغضبين وخلا بأمير المؤمنين(عليه السلام)مليّاً ، ثم قاما من مجلسهما حتى رقيا منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً .
فقلنا : الله أكبر أترى ابن حنتمة رجع عن غيه وطغيانه ورقي المنبر مع أمير المؤمنين(عليه السلام)(2)،وقد مسح بيده على وجهه ورأينا عمر يرتعد ويقول : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثم صاح ملء صوته : يا سارية الجأ الجبل(3)، ثم لم يلبث أن قبل صدر أمير المؤمنين ونزل وهو ضاحك وأمير المؤمنين يقول له : افعل ما زعمت يا عمر أنك فاعله وإن كان لا عهد لك ولا وفاء.
فقال له: أمهلني يا أبا الحسن حتى أنظر ما يرد إلي من خبر سارية وهل ما رأيته صحيحاً أم لا؟
ص: 208
قال له أمير المؤمنين : ويحك يا عمر فإذا صح ووردت الأخبار عليك بتصديق ما رأيت وما عاينت، وأنهم قد سمعوا صوتك ولجؤوا إلى الجبل كما رأيت، هل أنت مسلم ما ضمنت؟
قال لا يا أبا الحسن ولكني أضيف هذا إلى ما رأيت منك ومن رسول الله ،
والله يفعل ما يشاء [ويختار].
فقال له أمير المؤمنين(عليه السلام): ويلك يا عمر إنّ الذي تقول أنت وحزبك الضالون(1)أنّه سحر وكهانة ليس فيك شك .
فقال [له عمر : يا أبا الحسن] ذلك قول قد مضى والأمر لنا في هذا الوقت، ونحن أولى بتصديقكم في أفعالكم(2)وما نراه من عجائبكم إلا أنّ هذا الملك عقيم .
فخرج أمير المؤمنين(عليه السلام)ولقيناه فقلنا [له]: يا أمير المؤمنين ما هذه الآية العظيمة، وهذا الخطاب الذي سمعناه؟
فقال [أمير المؤمنين]: هل علمتم أوّله؟
فقلنا : ما علمناه يا أمير المؤمنين، ولا نعلمه إلا منك.
قال : إنّ هذا ابن الخطاب قال لي : إنّه حزين القلب باكي العين على جيوشه التي في فتوح الجبل في نواحي نهاوند وإنه يحب أن يعلم صحة أخبارهم وكيف مع كثرة جيوش الجبل، وأنّ عمرو بن معدي يكرب قتل ودفن بنهاوند، وقد ضعف جيشه واتصل الخبر بقتل عمرو(3) ، فقلت له : ويحك يا عمر كيف تزعم أنك الخليفة في الأرض، والقائم مقام رسول الله وأنت لا تعلم ما وراء أذنك، وتحت قدمك، والإمام يرى الأرض ومن عليها، ولا يخفى عليه من أعمالهم شيء؟
فقال لي: يا أبا الحسن أنت بهذه الصورة فأتِ خبر سارية [الساعة] وأين هو؟ ومن معه؟ وكيف صورتهم؟
ص: 209
فقلت له : يا ابن الخطاب، فإن قلت لك لا تصدقني ولكنّي أُريك جيشك وأصحابك وسارية وقد كمن لهم جيش الجبل في وادٍ قعيد(1)، بعيد الأقطار ؛ كثير الأشجار فإن سار به جيشك يسيراً خلصوا بها(2)، وإلا قتل أول جيشك وآخره .
فقال : يا أبا الحسن ما لهم ملجأ منهم ولا يخرجون من ذلك الوادي، فقلت : بلى، لو لحقوا إلى الجبل الذي يلي الوادي سلموا وتملكوا جيش الجبل فقلق وأخذ بيدي وقال الله الله يا أبا الحسن في جيوش المسلمين فأرينهم كما ذكرت أو حذرهم إن ،قدرت ولك ما تشاء من خلع نفسي من هذا الأمر وأردّه إليك.
فأخذت عليه عهد الله وميثاقه إن رقيت به المنبر وكشفت عن بصره وأريته جيشه في الوادي وأنّه يصيح إليهم فيسمعون منه ويلجؤون إلى الجبل [فيسلمون] ويظفرون بجيش الجبل أن يخلع نفسه(3)ويسلّم إليَّ حقي .
فقلت له : قم يا شقي والله لا وفيت بهذا العهد والميثاق كما لم تف الله ولرسوله ولي بما أخذناه عليك من العهد والميثاق والبيعة في جميع المواطن.
فقال لي : بلى والله فقلت له : ستعلم أنك من الكافرين(4)، ورقيت المنبر فدعوت بدعوات وسألت الله أن يريه ما قلت له ومسحت بيدي على عينيه، وكشفت عنه غطاءه فنظر إلى سارية وسائر الجيش وجيش الجبل وما بقي إلا الهزيمة لجيشه فقلت له صح يا عمر إِن شئت قال : يسمع ؟
قلت : نعم، يسمع ويبلغ صوتك إليهم. فصاح الصيحة التي سمعتموها : يا سارية إلجأ الجبل(5) فسمعوا صوته ولجؤوا إلى الجبل، فسلموا وظفروا بجيش الجبل، فنزل ضاحكاً كما رأيتموه وخاطبته وخاطبني بما سمعتموه.
قال جابر: آمنا وصدّقنا وشك آخرون إلى ورود البريد بحكاية ما حكاه أمير
ص: 210
المؤمنين(عليه السلام)، ورآه عمر ونادى بصوته فكاد أكثر العوام المتمردين أن يعبدوا ابن الخطاب(1)وجعلوا هذا [الحديث] منقبةً له والله ما كان إلا مثلباً. فكان هذا من دلائل مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام).(2)
ص: 211
1- قال السيد الحسين بن حمدان الخصيبي بإسناده ولدت فاطمة بنت رسول بعد خمس سنين(1) من ظهور الرسالة ونزول الوحي، ومن بناء الحرم(2) الذي أراد أبرهة بن الصباح الجبار خرابه وملك الحبشة، وهو الجلند بن كركر صاحب الفيل وكان تخريبه بعد طسم وجديس وحزبهم، ورحلهم من مكة. وبنت قريش ما كان خرب منه، فلما ورد أبرهة لهدم البيت وتخريبه؛ أغار على أموال قريش، وبني هاشم ،فاستباحها فصار إليه عبد المطلب فاستأذنوه عليه، فلما صار إليه ارتعب منه أبرهة وعظم في نفسه وكبر عليه، فقال لمن حوله : من هذا الرجل العظيم؟
ص: 212
فقالوا : سيد قريش؛ وأفضل بني هاشم ؛ وأشرف العرب نفساً ونسباً، وهو صاحب هذا البيت فقال اسألوه فيما جاءنا، فسألوه.
قال : «جئت أساله رد ما أخذه واستباحه من أموالنا ونعمنا ».
فرغب أبرهة وقال لأصحابه : تزعمون أنه صاحب البيت، وفخره له يراني قد قصدت إليه ولا يسألني الصفح عنه ويسألني رد ماله ما أقول ما قلتم فأعيدوا قولي هذا عليه فأعادوه على عبد المطلب.
فقال لهم : «يرد علينا أموالنا ، فإن لهذه الكعبة رباً يمنعك منها» .
فقال : ردوا عليهم أموالهم حتى ننظر كيف رب هذه الكعبة يمنعنا منها، وأمر بالفيلة؛ فجمعت وحملوا بها ؛ وقال لساستها احملوا على البيت فاجعلوه سحيقاً، فلما جمع الفيلة وحملوا بها وقفت ولم تدخل الحرم، ودعا بفيل وحمله على البيت فلم يدخل البيت ولم يزالوا من غروب الشمس إلى طلوع الفجر يريدونها على دخول الحرم فلم تدخل، فأدار إلى خارج الحرم ويأمر بحطم كل ما يلقاها، فلما أسفر الصبح وطلع النهار أرسل الله تعالى عليهم طيراً أبابيل، فكانوا كما قال الله عزوجل :﴿ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ﴾(1).
وتوفيت(2): فاطمة ولها ثمانية عشر سنة وشهران وخمسة وعشرون يوماً (3). وأقامت مع أبيها بمكة ثماني سنين ثم هاجرت معه إلى المدينة، وأقامت بها عشر سنين الهجرة (4)،....
ص: 213
ومضى رسول الله ولها ثمانية عشر سنة(1)، وعاشت بعده خمسة وسبعين يوماً(2)، وبرواية الغار أربعين يوماً، وهو الصحيح (3).
وأسماؤها : فاطمة، وفاطم ترخيماً .
وكناها : أم الحسن والحسين وأم الأئمة (4)، وأم أبيها (5).
وألقابها : الزهراء، والبتول، والحصان(6)، والحوراء، والسيدة، والصديقة ،ومريم الكبرى (7)، ووالدة الحسن والحسين، وأم النقي، وأم التقي، وأم البلجة، وأم الرأفة، وأم العطية، وأم الموانح، وأم النورين ،وأم العلا، وأم البدية، وأم الرواق الحسيبة، وأم البدريين.
ومن أسماء أبي الحسن لها أم البركات وأم الهادي، وأم الرحبة.
ولها إحدى عشرة سنة بعد الهجرة ولم تحض كما تحيض النساء(8).
2 - وكان حملها ما روي عن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) أنه قال : لما أنه قال لما عرج بي جبريل(عليه السلام) إلى ربي ورأيت كل ما رأيته في الملكوت ودخلت الجنة وناداني كل
ص: 214
ما فيها من شيء حتى ثمارها وأخذ حبيبي جبريل(عليه السلام)التفاحة من تفاح الجنة، فقال لي: يا رسول الله ربك يقرئك السلام، ويقول لك : خذ هذه التفاحة فإن من مائها تخلق تفاحة الدنيا والآخرة، وهي فاطمة ابنتك .
ورأيت النار وما فيها ثم هبطت إلى الدنيا فوافيت خديجة(عليها السلام) فحملت بفاطمة .
وصدق هذا الخبر في التفاحة، قول عائشة وقد دخل عليها بالمدينة نسوة من العراقيات وعندها نسوة من الشاميات فقلن لها : يا عائشة نسألك عن خروجك على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، على ضلال استحللت قتاله أم على حق فبغيت عليه؟
فقالت عائشة: ويحكن يا عراقيات لقد سألتنني عن الداهية الدهياء والطامة العظمى، إن علياً(عليه السلام)كان الله ناصراً ولدين الله ثابتاً قائماً بالحجة، وخليفة النبوة، وأديب الملائكة، وقريع الوحي، يسمعه بكرة وعشياً، ويعيه في أذن واعية(1)، وحجته على خلقه، والباب بينهم وبينه .
وما عسى أن أقول في أبي الحسن وقد اشتبكت رحمه برسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)كاشتباك الأصابع المتشابكة بالأوصال المتحابكة فصارت النفس واحدة، وأودعت جسمين؛ فما يفارق جسم رسول الله ويرى ثقل حبيبه وخليله وقرة عينه ؛ الذي كان أحب الناس إليه مريم الكبرى، والحوراء التي أفرغت من ماء الجنة من تفاحة في صلب رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) لقحت أكرم لقح ، وانتجبت أكرم من نجب.
فهو وابناه كبعض فضل الله، لأن علياً(عليه السلام) أعلاهم فضلاً من الله ومنزلة عند الله ورسوله وسماكن مسلمات وجعلكن مؤمنات وهداكن سبلاً، وجعل الأرض لكن مهاداً، وذللا . فقلن الشاميات فما بال علي أمير المؤمنين يلعنه معاوية على منابر الشام؟
فقالت: ويلكن يا شاميات إن معاوية احتقب بخزيه إلى خزيكن وبعماه إلى عماكن، والله لولا إني أكره لأمرت بنفيكن اخرجن یا ناريات.
وكانت فاطمة غمضت عينها وحفظت نفسها ومدت عليها الملاءة وقالت : يا
ص: 215
أسماء بنت عميس إذا أنا مت فانظري إلى الدار، فإذا رأيت سجافاً من سندس الجنة قد ضرب فسطاطاً من جانب الدار ؛ فاحمليني وزينب وأم كلثوم وانتيا بي، فاجعلوني من وراء السجاف وخلوا بيني وبين نفسي.
فلما توفيت فاطمة وظهر السجاف حملتها وجعلت وراءهن فغسلت وحنطت بالحنوط، وكان كافوراً أنزله جبريل(عليه السلام) من الجنة وثلاث صدر، فقال: يا رسول الله العلي الأعلى يقرئك السلام ويقول لك هذا حنوطك وحنوط ابنتك فاطمة، وحنوط أخيك علي مقسوم ثلاثاً، وأن أكفانها من الجنة، لأنها أمة أكرم على الله من أن يتولاها أحد غيره .
وروي أنها تكفنت من بعد غسلها وحنوطها وطهارتها لا دنس فيها، وأنها لم يكن يحضرها إلا أمير المؤمنين ،والحسن والحسين وزينب، وأم كلثوم، وفضة جاريتها، وأسماء ابنة عميس.
وأن أمير المؤمنين(عليه السلام) جهزها، ومعه الحسن والحسين في الليل وصلوا عليها وأنها وصت وقالت: «لا يصلي عليَّ أمة نقضت عهد أمير المؤمنين(عليه السلام)» . ولم يعلم بها أحد ولا حضر وفاتها أحد ولا صلى عليها من سائر الناس غيرهم .
لأنها أوصت(عليهم السلام)، وقالت : لا يصلي عليَّ أمة نقضت عهد الله وعهد أبي رسول الله وأمير المؤمنين بعلي وظلموني وأخذوا وراثتي وحرقوا صحيفتي التي كتبها أبي بملك فدك والعوالي، وكذبوا شهودي، وهم: والله، وجبريل، وميكائيل وأمير المؤمنين، وأم أيمن، وطفت عليهم في بيوتهم، وأمير المؤمنين(عليه السلام)، وعليه يحملني ومعي الحسن والحسين ليلاً ونهاراً إلى منازلهم يذكرهم بالله ورسوله لئلا يظلمونا ويعطونا حقنا الذي جعله الله لنا، فيجيبون ليلاً ويقعدون عن نصرتنا نهاراً، ثم ينفذون إلى دارنا قنفذاً، ومعه خالد بن الوليد ليخرجا ابن عمي إلى سقيفة بني ساعدة لبيعتهم الخاسرة، ولا يخرج إليهم متشاغلاً بوصاة رسول الله وأزواجه وتأليف القرآن(1)،وقضاء ثمانين ألف درهم وصاه بقضائها عنه عدات وديناً .
ص: 216
فجمعوا الحطب ببابنا وأتوا بالنار ليحرقوا البيت فأخذت بعضادتي الباب وقلت ناشدتكم الله وبأبي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)أن تكفوا عنا ؛ وتنصرفوا، فأخذ عمر السوط من قنفذ مولى أبي بكر، فضرب به عضدي فالتوى السوط على يدي حتى صار كالدملج وركل الباب برجله فرده عليَّ وأنا حامل ؛ فسقطت لوجهي والنار تسعر، وصفق وجهي بيده حتى انتثر قرطي من أذني وجاءني المخاض فأسقطت محسناً قتيلاً بغير ،جرم، فهذه أمة تصلي عليَّ، وقد تبرأ الله ورسوله منها وتبرأت منها .
فعمل أمير المؤمنين بوصيتها، ولم يعلم بها أحد وأصبح الناس في البقيع(1) ليلة دفن فاطمة أربعون قبراً جدداً، وأن المسلمين لما علموا بوفاة فاطمة ودفنها، أتوا أمير المؤمنين(عليه السلام) يعزونه ،بها فقالوا يا أخا رسول الله أمرت بتجهيزها وحفر تربتها .
فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): قد ووريت ولحقت بأبيها صلى الله عليهما .
ص: 217
فقالوا : إنا لله وإنا إليه راجعون تموت بنت محمد ولم يخلف ولداً غيرها ولا يصلي عليها ، إن هذا الشيء عظيم.
فقال : حسبكم ما جئتم به على الله ورسوله من أهل بيته ولم أكن والله أعصيها في وصيتها التي وصت بها ؛ أن لا يصلي عليها أحد منكم وما بعد العهد غدر.
فنفض القوم أثوابهم وقالوا لا بد من الصلاة على بنت نبينا ومضوا من فورهم إلى البقيع(1)فوجدوا فيه أربعين قبر جدداً(2)، فاستشكل عليهم قبرها بين تلك القبور فضج الناس، ولام بعضهم بعضاً، وقالوا : لم تحضروا وفاة بنت نبيكم ولا الصلاة عليها ولا تعرفون قبرها فتزورونها .
فقال أبو بكر: أتوا نساء المسلمين من ينشر هذه القبور حتى تجدوا فاطمة(عليها السلام)فتصلوا عليها ويزار قبرها فبلغ ذلك أمير المؤمنين(عليه السلام) فخرج من داره مغضباً وقد احمرت عيناه ودارت أوداجه وعلى يده قباه الأصفر الذي لم يكن يلبسه إلا في كريهة يتوكأ على سيفه ذي الفقار، حتى ورد على البقيع فسبق إلى الناس النذير فقال لهم : هذا علي قد أقبل كما ترون يقسم بالله لئن بحث من هذه القبور حجر واحد لأضعن سيفي على غابر الأمة، فولى القوم ولم يحدثوا أحداثاً(3).
ص: 218
مضى(1)الحسن بن علي، وله سبع وأربعون سنة(2).
أقام مع [جده] رسول الله بالمدينة سبع سنين (3)من سني الهجرة، وأقام مع أمير المؤمنين(عليه السلام) عشر سنين(4) .
وكان اسمه : الحسن(5) ، وسماه الله في التوراة: شبر(6).
وكناه عند العامة : أبو محمد(7)، وعند الخاصة : أبو القاسم، لأنه كني بأخيه المستشهد بكربلا .
[القابه] الزكي والسبط الأول، وسيد شباب أهل الجنة، والأمين ،والحجة(8)، والتقي(9).
وأمه : الطاهرة فاطمة(10)ابنة رسول الله .
ص: 220
ثم أولاده(1): عبد الله والقاسم وزيد وعمر وعبيد الله وعبد الرحمن وأحمد وإسماعيل وعقيل والحسين وبشر (2). ومن البنات أم الحسن فقط(3).
ومشهده : البقيع(4)بالمدينة .
وتوفي بالسم (5)في تمام سنة خمسين من سني الهجرة، وكان سبب سمه على يد زوجته جعدة بنت محمد بن الأشعث بن قيس الكندي، لأنه بذل لها معاوية(6)على ذلك عشرة آلاف درهم وإقطاع عشر ضياع سوراً وهي من سواد الكوفة .
1 - ولما حضرت الحسن [(عليه السلام)] الوفاة، قال لأخيه الحسين [(عليه السلام) ] : إن جعدة لعنها الله ولعن أباها ،وجدها فإن أباها خالف أمير المؤمنين(عليه السلام)وقعد عنه بالكوفة بعد الرجوع من صفّين معانداً منحرفاً مخالفاً طاعته بعد أن خلعه بالكوفة من الإمارة، وبايع الضب ،دونه وكان لعنه الله لا يشهد له جمعة؛ ولا جماعة، ولا يشيع جنازة لأحد من الشيعة، ولا يصلي عليهم منذ سمع أمير المؤمنين(عليه السلام)على منبره يقول : ويح لفراخ أفراخ آل محمد وريحانتي وقرة عيني ابني الحسن من ابنتك التي من صلبك يا أشعث، وهو ملع متمرد وجبار يملك من بعد أبيه .
فقام إليه أبو بحر الأحنف بن قيس التميمي فقال له: يا أمير المؤمنين ما اسمه؟
ص: 221
قال: يزيد بن معاوية ويؤمر على قتل ابني الحسين(عليهم السلام)؛ عبيد الله بن زیاد لعنه الله على الجيش السائر إلى ابني بالكوفة، فتكون وقعتهم بكربلاء غربي الفرات، كأني انظر إلى مناخ ركابهم ورحالهم وإحاطة جيوش أهل الكوفة بهم وإغماد سيوفهم ورماحهم وسقيهم في جسومهم ودمائهم ولحومهم وسبي أولادي وذراري رسول الله حملهم على شرس الأقتاب وقتل الشيوخ والكهول والأطفال.
فقام الأشعث بن قيس على قدميه وقال: ما ادعى رسول الله ما تدعيه من العلم؛ من أين لك هذا .
فقال له أمير المؤمنين(عليه السلام): ويلك يا عنق النار؟؟ ابنك محمد ابنك من قوادهم، إي والله، وشمر بن ذي جوشن، وشبث بن ربعي، و[عمرو بن الحجاج] الزبيدي، وعمرو بن حريث، فأسرع الأشعث وقطع الكلام وقال : يا ابن أبي طالب أفهمني ما تقول حتى أجيبك عنه .
فقال له ويلك يا أشعث أما سمعت .
فقال : يا ابن أبي طالب ما سوى كلامك يمر(1)، وولى. فقام الناس على أقدامهم ومدوا أعينهم إلى أمير المؤمنين [(عليه السلام)] ليأذن لهم في قتله .
فقال لهم : مهلاً يرحمكم الله ، إنّي لأقدر على هلاكه منكم ولا بد أن تحقّ كلمة العذاب على الكافرين.
ومضى الأشعث لعنه الله [وتشاغل في]بنيان خطة وهي المعروفة بالأشعثية وبنى في داره مئذنة عالية، فكان إذا ارتفعت أصوات مؤذني أميرالمؤمنين (عليه السلام)في جامع الكوفة؛ صعد الأشعث[ بن قيس] إلى مئذنته فنادى نحو المسجد يريد أمير المؤمنين : أنا كذا وكذا، إنك ساحر كذاب واجتاز أمير المؤمنين(عليه السلام)في جماعة من أصحابه في خطة الأشعث بن قيس لعنه الله، وهو على ذروة بنيانه، فلما نظر أمير المؤمنين(عليه السلام) أعرض بوجهه .
فقال له : ويلك يا أشعث، حسبك ما أعد الله لك من عنق النار .
فقال أصحابه يا أمير المؤمنين ؛ وما معنى عنق النار .
ص: 222
فقال : إنَّ الأشعث لعنه الله إذا حضرته الوفاة دخل عليه عنق [من نار] ممدودة حتى تصل إليه وعشيرته ينظرون [إليه] فتبتلعه فإذا خرجت به عنق [من] النار لم يجدوه في مضجعه فيأخذون عليهم أثوابهم(1)، ويكتمون أمرهم ؛ ويقولون : لا تقروا بما رأيتم فيشمت بكم أصحاب أمير المؤمنين(2).
فقال له أصحابه يا أمير المؤمنين ما يصنع به عنق النار [بعد ذلك].
فقال: أمير المؤمنين(عليه السلام): عجلت عليه النار يكون فيها جثياً(3)معذباً ، إلى أن تورده النار بعد ذلك في الآخرة.
فقالوا : يا أمير المؤمنين فكيف عجلت له النار في الدنيا .
فقال(عليه السلام): لأنه كان يخاف الله ؛ ويخاف النار فيعذبه الله بالنار وبالذي كان يخاف منه .
فقالوا يا أمير المؤمنين وأين يكون عنق هذه النار .
قال : في هذه الدنيا والأشعث فيها [تورده] على كلّ يوم(4) ، حتى تقذفه بين يديه فيراه بصورته ويدعوه الأشعث ويستجير ويقول : أيها العبد الصالح ادع ربك لي يخرجني من هذه النار التي جعلها الله عذابي في الدنيا، ويعذبني بها في] الآخرة، أي والله لبغضي في علي بن أبي طالب وفي محمد، فيقول له المؤمن : لا أخرجك الله منها في الدنيا ولا في الآخرة أي والله وتقذفه عند عشيرته وأهله مِمّن شك أن عنق النار أخذته حتى يناجيهم ويناجونه .
ويقول لهم : إذا سألوه بما صرت معذباً في هذه النار، فيقول لهم: شكي في محمد، وبغضي لعلي بن أبي طالب وكراهتي لبيعته، وخلافي عليه، وخلعي بيعته، ومبايعتي ضباً ،دونه فيلعنونه ويتبرؤون منه، ويقولون [له]: ما نحب أن نصير إلى ما صرت إليه(5).
ص: 223
قال الحسن(عليه السلام): إذا أنا مت يا أخي فغسلني وحنطني وكفني وصلّ عليّ، واحملني إلى جدي رسول الله حتى تلحدني إلى جنبه .
فإن منعت من ذلك فبحق جدك رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، وعلي أبيك، وأمك فاطمة الزهراء(عليها السلام)، وبحقي يا أخي أن لا خاصمت أحداً، ولا قاتلته، فحسبك بما قال لك في قتال جيش يزيد بكربلا في غربي ،الفرات، وأرادوا تعنفي؛ فارجع من فورك إلى بقيع الفرقد فادفني فيه .
واعلم أنك إذا حملتني إلى قبر جدي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) لا يدع مروان طريد جدك لكفره، ويركب بغلته ويصير إلى عائشة مسرعاً فيقول لها : يا أم المؤمنين تتركين الحسين يدفن أخاه مع جده رسول الله .
فتقول له : يا مروان ما أصنع .
فيقول : والله يا عائشة لئن دفن الحسن مع جده محمد ليذهبن فخر أبيك، وفخر عمر إلى يوم القيامة.
فتقول له : وأنى لي بهم وقد سبقوني .
فيقول : هذه بغلتي فاركبيها والحقي بالقوم فامنعيهم من الدخول إليه، ولو جزت ناصيتك وينزل عن بغلته ؛ وتركب عائشة وتسرع إليهم، فتلحق بنعشي وقد وصل إلى حرم جدي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) فترمي نفسها بينكم وبين القبر، وتقول : لا يدفن الحسن ها هنا أو تجز ناصيتي هذه، وتأخذ ناصيتها بيدها .
فإذا فعلت ذلك فارددني إلى البقيع وادفني إلى جانب قبر إبراهيم بن جدك رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم).
فلما توفي الحسن(عليه السلام)أخذ الحسين(عليه السلام)في جهازه وحمله وصلى عليه، وصار به إلى قبر جده(صلی الله علیه وآله وسلم)، ووافي مروان لعنه الله مسرعا على بغلته إلى عائشة لعنها الله ، وقال كما حكاه الحسن للحسين(عليهم السلام)، وقالت له مثله .
ونزل مروان عن بغلته وركبتها عائشة ولحقت القوم وقد وصلوا إلى حرم النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) فرمت بنفسها عن البغلة وأخذت بناصيتها ووقفت بينهم وبين القبر وقالت : والله لا يدفن الحسن مع جده؛ أو تجز ناصيتي هذه .
فأراد بنو هاشم الكلام فقال الحسين(عليه السلام): الله الله، لا تضيعوا وصية
ص: 224
أخي واعدلوا به إلى البقيع فإنه أقسم عليَّ إن منعت من دفنه مع جده رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)لا أخاصم أحداً، وأن أدفنه في البقيع(1).
فعدلوا به إليه فدفنوه فيه .
فقال عبد الله بن العباس: كم لنا منكم يا حميراء يوم على جمل، ويوم على زرافة(2)
فقالت: يا ابن العباس ليس قتالي لعلي بعجيب، وقد رويتم أن صفراء ابنة شعيب زوجة موسى بن عمران(عليه السلام)قاتلت بعده وصية يوشع بن نون على زرافة.
فقال لها ابن العباس: هي والله صفراء، وأنت حميراء، إلا أنها بنت شعيب، وأنت بنت عتيق(3)ابن عبد العزى .
قالت : إن لنا عندك يا ابن العباس ثأراً بثأر، والمعاد لا تقول به .
فقال لها ابن عباس والله أنت ومن أنت منه وحزبكم الضالون.
فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
ص: 225
2 - قال الحسين بن حمدان الخصيبي : حدثني جعفر بن محمد(1)القصير البصري، عن محمد بن عبد الله بن مهران الكرخي عن محمد بن صدقة العنبري، عن محمّد بن سنان، عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله(عليه السلام) : إن أعرابياً بدوياً خرج من قومه حاجاً محرماً ، فورد على أدحي(2)نعام فيه بيض، فأخذه واشتواه وأكل منه، وذكر أن الصيد حرام في الإحرام، فورد المدينة.
فقال الأعرابي : أين الخليفة بعد رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)فقد جنيت جناية عظيمة فأرشدوه إلى أبي بكر فأرشد إليه الأعرابي وعنده ملأ من قريش فيهم: عمر ابن الخطاب وعثمان بن عفان ،وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة، فسلم الأعرابي عليهم فقال : أين خليفة رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، فأشاروا إلى أبي بكر، فقال له : أقتني؟
فقال له أبو بكر : قل يا أعرابي.
فقال : إني خرجت من قومي حاجاً محرماً، فأتيت على أدحي فيه بيض نعام،
ص: 226
فأخذته واشتويته ،وأكلته فماذا لي من الحج، ماذا عليَّ فيه أحلال ما حرم عليَّ من الصيد أم حرام؟
فأقبل أبو بكر على من حوله فقال : أنتم حواري رسول الله، أجيبوا الأعرابي. فقال له الزبير من دون الناس [الجماعة]: أنت خليفة رسول الله وأنت أحق بالإجابة .
فقال له أبو بكر : يا زبير علي بن أبي طالب في صدرك(1).
قال : وكيف لا وأمي صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله .
فقال الأعرابي : ذهبت فتياي وتنازع القوم فيما لا جواب فيه، وصاح يا أصحاب رسول الله أفرجع بعد محمد دينه فنرجع عنه ؟ فسكت القوم(2) .
فقال له الزبير : يا أعرابي ما في القوم إلا من يجهل ما جهلت(3).
فقال له الأعرابي : ما أصنع؟
قال له الزبير : لم يبق في المدينة من نسأله بعد من حضر هذا المجلس إلا صاحب الحق الذي هو أولى بهذا المجلس منهم .
قال الأعرابي : فترشدني إليه .
قال الزبير : إن أخباري يسومونه قوم ويحط آخرون .
قال الأعرابي قد ذهب الحق وصرتم تكرهون(4).
قال عمر : إلى كم تطيل الخطاب بابن العوام قوموا بنا والأعرابي إلى علي، فلا نسمع جواب هذه المسألة إلا منه .
فقاموا بأجمعهم والأعرابي معهم حتى صاروا إلى أمير المؤمنين(عليه السلام)فاستخرجوه من بيته وقالوا للأعرابي : اقصص قصتك على أبي الحسن علي.
قال الأعرابي : فَلِمَ أرشدتموني إلى غير خليفة رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم).
ص: 227
فقالوا : ويحك يا أعرابي خليفة رسول الله أبو بكر، وهذا وصيه في أهل بيته ،وخليفته عليهم وقاضي دينه ومنجز عداته ووارث علمه .
قال الأعرابي : ويحكم يا أصحاب محمد والذي أشرتم إليه بالخلافة ما فيه من هذه الخصال خصلة واحدة .
قالوا : ويحك يا أعرابي اسأل عن مسألتك، ودع عنك ما ليس من شأنك، قال الأعرابي : يا أبا الحسن يا خليفة رسول الله إنّي خرجت من قومي حاجا محرماً .
فقال له أمير المؤمنين أتريد الحج، فوردت على أدحي فيه بيض نعام فأخذته واشتويته وأكلته .
فقال الأعرابي : من سبقني بالخبر إليك، فقال أمير المؤمنين: عمن تحدث به في المجلس مجلس أبي بكر خليفة رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) فكيف لا يسبق الخبر إليه.
قال له أمير المؤمنين فأفته يا أبا حفص.
قال له أبو حفص لو حضرت وعلمت الفتوى ما حملنا إليك.
فقال أمير المؤمنين: أجل يا أعرابي عليك بالصبي الذي بين يدي معلمه ومؤدبه صاحب الرواية(1)فإنّه ابني الحسن فاسأله فإنه يفتيك(2).
قال الأعرابي : إنا لله وإنا إليه راجعون مات دین محمد(صلی الله علیه وآله وسلم) بعد موت محمد وتنازع أصحاب محمد وأزبد.
قال أمير المؤمنين حاشي الله يا أعرابي لم يمت أبداً .
قال الأعرابي : أفمن الحق أن أسأل خليفة رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وحوارييه وأصحابه
ص: 228
ولا يفتوني ويحيلوني عليك وتحيلني وتأمرني أن أسأل الصبي الذي بين يدي معلمه لا يفصل بين الخير والشر.
فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): يا أعرابي لا تقل ما ليس لك به علم(1)، واسأل الصبي، فإنه يفتيك .
فقام الأعرابي إلى الحسن(عليه السلام)وقلمه في يده يخط في الصحيفة ومؤدبه يقول: أحسنت أحسن الله إليك يا حسن.
قال الأعرابي : يا مؤدب يحسن للصبي من إحسانه وما أسمعك تقول له شيئاً حتى كأنه بمؤدبك .
قال : فضحك القوم من الأعرابي وصاحوا به ويحك يا أعرابي أوجز، قال الأعرابي : قد نبأتك يا حسن إني خرجت من قومي حاجاً محرماً فوردت على أدحي فيه بيض نعام فاشتويته وأكلته عامداً هذا ناسياً .
قال الحسن: زدت في القول يا أعرابي، قولك عامداً لم يكن هذا عبثاً .
قال الأعرابي : ما كنت ناسياً .
فقال له الحسن - وهو يخط في صحيفته - : يا أعرابي خذ بعدد البيض نوقاً فاحمل – أي فاعل – عليها فيقاً - يعني ذكر النوق -، فإذا انتجت من قابل فاجعلها هدياً بالغ الكعبة كفارة لفعلك).
قال الأعرابي : فديتك يا حسن إن من الإبل لما يزلقن.
قال الحسن(عليه السلام): يا أعرابي وإن في البيض لما يمرقن.
قال الأعرابي : أنت : أنت صبي محق، وفي علم الله معروف، ولو جاز أن يكون ما
أقول لقلت إنك خليفة رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)
قال الحسن(عليه السلام): ما ترى قوماً اختاروه فإذا أبغضوه عزلوه فكبر القوم وعجبوا لما سمعوا من الحسن .
فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): الحمد لله الذي جعل في وفي ابني هذا، كما جعله
ص: 229
في داود وسليمان إذ يقول الله (عزّوجل) من قائل: ﴿فَفَهَمْنَهَا سُلَيْماَنَ﴾(1). فكان هذا من دلائله(2).
3 - وعنه: عن محمد بن علي بن محمد، عن علي بن محمد(3)،عن الحسين(4) بن علي عن الحسن بن محمد بن فرقد عن علي بن الحسن العنبدي(5)، عن أبي هارون المكفوف، عن الحارث الأعور الهمداني قال : لما مضى أمير المؤمنين(عليه السلام)جاء الناس الحسن بن علي فقالوا : يا ابن رسول الله نحن السامعون المطيعون لك أمرنا بأمرك .
قال: كذبتم والله ما وفيتم لمن كان خيراً مني – يعني - أمير المؤمنين(عليه السلام)، فكيف توفون لي ؛ وكيف أطمئن إليكم وأثق بكم إن كنتم صادقين، فهو غداً ما بيني وبينكم أعسكر بالمدائن فوافوني هناك. فركب معه من أراد الخروج وتخلف عنه خلق كثير لم يوفوا له بما قالوا ؛ وغروه كما غروا أباه أمير المؤمنين(عليه السلام)قبله .
فقام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه، وذكر جده فصلى عليه وقال : يا أيها الناس قد غررتموني كما غررتم أبي أمير المؤمنين(عليه السلام)قبلي، فلا أمير المؤمنين قبلي، فلا جزاكم الله، عن رسوله خيراً مع أبي أما أنه تقاتلون بعدي ؟ مع الظالم الكافر اللعين ابن اللعين عبيد الله بن زياد الذي لا يؤمن بالله ولا برسول الله ولا باليوم الآخر، ولا أظهر الإسلام؛ هو
ص: 230
ولا أبيه(1)قاطبة؛ إلا خوفاً من السيف، ولو لم يبق من بني أمية إلا عجوز درداء(2)لا بتغت لدين الله عوجاً ؛ هكذا قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم).
ثم وجه قائداً في أربعة آلاف رجل، وكان من كندة ؛ أمره أن يعسكر بالأنبار ولا يحدث حدثاً حتى يأتيه أمره، فلما توجه إلى الأنبار] ونزل بها، وعلم بذلك معاوية لعنه الله بعث إليه رسولاً وكتب إليه معاوية : إنك إن أقبلت إليَّ وليتك بعض أكوار الشام والجزيرة غير ما أفيضه من الأنعام عليك وحمل إليه خمسمئة ألف درهم، وقبضها الكندي لعنه الله من الرسول وانقلب عن الحسن [(عليه السلام)] ومضى إلى معاوية لعنه الله .
فقام الحسن(عليه السلام)خطيباً ؛ فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال: يا أيها الناس إنَّ صاحبي بعث إليه معاوية بخمسمئة ألف درهم ووعده ومناه وولاه بعض كور الشام والجزيرة [غير منفوس عليه]، وقد توجّه إليه وغدر بي وبكم وقد أخبرتكم مرّة بعد مرة إنه لا وفاء لكم ولا خير عندكم أنتم عبيد الدنيا، وإنّي موجه مكانه رجلاً إن هو علم به سيفعل بي وبكم ما فعل صاحبه ولا يراقب [الله] فيَّ ولا فيكم.
فبعث رجلاً من مراد في أربعة آلاف رجل وتقدّم إليه فحلف بالإيمان لا تقوم لها الجبال بأنه لا يفعل كما فعل صاحبه وحلف الحسن(عليه السلام) مثلها إنه يفعل ويغدر به فلما توجّه وصار إلى الأنبار ونزل بها وعلم ذلك معاوية لعنه الله بعث إليه رسولاً وكتب إليه كما كتب إلى صاحبه وبعث إليه خمسمئة ألف درهم ومناه أن يوليه خيراً من كور الشام والجزيرة ؛ فنكث على الحسن(عليه السلام) ما فعل، وأخذ طريقه إلى معاوية لعنه الله ولم يراقب [الله] ولم يخف ما أخذ عليه من العهد والميثاق.
وبلغ الحسن فعل المرادي لعنه الله ، فقام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه وقال : يا أيّها الناس قد أخبرتكم مرة بعد مرة إنكم لا توفون بعهد الله ، وإنكم قد أغررتم هذا صاحبكم المرادي وقد غدر بي وصار إلى معاوية.
ص: 231
وكتب معاوية إلى الحسن(عليه السلام): يا بن العم الله الله فيما بيني وبينكم أن تقطع الرحم وأن قد غدروا بيني وبينكم وبالله أستعين.
فقرأ عليهم الحسن(عليه السلام)كتاب معاوية فقالوا : يا ابن بنت رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) إن كان الرجلان غدرا بك وغراك من أنفسهما فإنا لك ناصحون متبعون غير غادرين.
فقال الحسن(عليه السلام): والله لأعذرن هذه المرة فيما بيني وبينكم أن يعسكر بالنخيلة فوافوني هناك إن شاء الله تعالى فوالله لا توفون ما بيني وبينكم.
ثم إن الحسن(عليه السلام)أخذ طريقه إلى النخيلة عشرة أيام فما وافاه [إلا] عشر آلاف رجل [أو أربعة آلاف رجل ](1)فانصرف إلى الكوفة فدخلها وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : واعجباه من قوم لا حياء لهم ولا دين يغدرون مرّة بعد مرة وايم الله لو وجدت على ابن هند أعواناً ما وضعت يدي في يده [أبداً] ولا سلّمت إليه الخلافة وإنها محرمة عليهم فإذا أنتم لا يأمن غدركم وأفعالكم فإني واضع يدي في يده وايم الله لا ترون فرجاً أبداً مع بني أمية.
وإني لأعلم أني عنده لأحسن حالاً منكم، وتالله ليسومنكم بنو أمية سوء العذاب، ويشنون عليكم جيشاً عظيماً من معاوية فأن لكم وترحاً يا عبيد الدنيا وأبناء الطمع.
ثم كتب إلى معاوية : إني تاركها من يومي هذا وغير طالب لها، وتالله لو وجدت عليكم أعواناً ناصرين عارفين بحقي غير منكرين ما سلمت إليك هذا الأمر؛ ولا أعطيتك هذا الأمر الذي أنت طالبه أبداً، ولكن الله(عزّوجل) قد علم وعلمت يا معاوية وسائر المسلمين إن هذا الأمر لي دونك، ولقد سمعت من رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) أن الخلافة لي ولأخي الحسين وأنها لمحرمة عليك وعلى قومك وسماعك وسماع المسلمين، والصادق والأمين والمؤدي، عن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم).
وانصرف إلى الكوفة، فأقام بها عاتباً على أهلها موارياً عليهم حتى دخل عليه حجر بن عدي الطائي، فقال له يا أمير المؤمنين كيف يسعك ترك معاوية؟
فغضب الحسن(عليه السلام) غضباً شديداً حتى احمرت عيناه ودارت أوداجه وسكبت دموعه، وقال: ويحك يا حجر تسميني بإمرة المؤمنين وما جعلها الله لي
ص: 232
ولا لأخي الحسين ولا لأحد ممن مضى ولا لأحد ممن يأتي إلا لأمير المؤمنين خاصة؟ أو ما سمعت جدي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، قد قال لأبي : يا علي إن الله سماك بأمير المؤمنين ولم يشرك معك في هذا الاسم أحداً، فما تسمى به غيره إلا وهو مأفون في عقله مأبون في عقبه .
فانصرف عنه وهو يستغفر الله، فمكث أياماً ثم عاد إليه، فقال له : السلام عليك يا مذل المؤمنين فضحك في وجهه وقال : والله يا حجر هذه الكلمة لأسهل عليَّ وأسر إلى قلبي من كلمتك الأولى فما شأنك؟ أتريد أن تقول أن خيل معاوية قد أشرفت على الأنبار وسوادها وأتى في مئة ألف رجل في هذين المصرين يريد البصرة والكوفة .
فقال :حجر يا مولاي ما أردت أن أقول إلا ما ذكرته .
فقال : والله يا حجر لو أني في ألف(1)رجل لا والله إلا [في] مئتي رجل لا والله إلا في سبعة نفر لما وسعني تركه(2)، ولقد علمتم أن أمير المؤمنين(عليه السلام) دخل عليه ثقاته حين بايع أبا بكر فقالوا له مثلما قلتم لي فقال لهم مثلما قلت لكم فقام سلمان، والمقداد، وأبو ذر وعمار وحذيفة بن اليمان وخزيمة بن ثابت وأبو الهيثم مالك بن التيهان فقالوا له : يا أمير المؤمنين] نحن لك شيعة، ومن [ ورائنا ] شيعة لك مصدقون الله في طاعتك.
فقال لهم : حسبي بكم.
قالوا : وما تأمرنا .
قال : إذا كان غداً فاحلقوا رؤوسكم واشهروا سيوفكم وضعوها على عواتقكم وبكروا إليّ، فإني أقوم بأمر الله، ولا يسعني القعود عنه.
فلما كان من الغد بكر إليه سلمان، والمقداد، وأبو ذر ، وقد حلقوا رؤوسهم وأشهروا سيوفهم وجعلوها على عواتقهم، ومعهم عمار بن ياسر؛ وقد حلق نصف رأسه وشهر نصف سيفه فلما قعدوا بين يديه نظر إليهم، وقال لعمار: يا أبا اليقظان من يشتري نفسه على نصر دينه يبقى ولا يخاف.
ص: 233
قال: يا أمير المؤمنين خشيت وثوبهم عليَّ وسفك دمي.
فقال : اغمدوا سيوفكم فوالله لو تم عددكم سبعة رجال لما وسعني القعود عنكم وتالله يا حجر إني لعلى ما كان عليه أبي أمير المؤمنين لو أطعتموني. فخرج حجر واجتمع إليه وجوه قبائل الكوفة فقالوا : إنا قد امتحنا أهل مصرنا فوجدناهم سامعين مطيعين وهم زهاء ثلاثين ألف ،رجل، فقم بنا إلى سيدنا ابن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)حتى نبايعه بيعة مجددة، ونخرج بين يديه ولا ندع ابن هند يعبر علينا، وقوائم سيوفنا في أيدينا .
فجاؤوا إلى الحسن(عليه السلام)فخاطبوه بما يطول شرحه فقال لهم: والله ما تريدون إلا انقطاع الجبل بي حتى تريحوا معاوية منّي ولئن خرجت معكم بالله حتى أبرز عن هذا المصر ليرغبنكم معاوية وليدبر على رجل منكم يرغبه في قتلي بالمال الكثير ويسأله اغتيالي بطعنة أو ضربة فيضربني ضربة يجرحني بها، ولا يصل إليّ.
قالوا بأجمعهم تالله يا ابن رسول الله لا تقل هذا فنقتل أنفسنا وقد قلدناك دمنا . فقال : ابرزوا إلى المدائن حتى تنظروا . فبرزوا وساروا حتى وردوا المدائن فعسكر بها في ليلة مقمرة(1).
وقد كان معاوية كاتب يزيد(2)بن سنان البجلي ابن أخي جرير بن عبد الله البجلي لعنه الله وبذل له مالاً على اغتيال الحسن(عليه السلام)وقتله، فأخذ له سيفاً واحتمله تحت أثوابه وتوجه نحو الحسن(عليه السلام)فخاف على نفسه فرجع فرمى السيف وأخذ الرمح معه فضاق به صدره فرده خوفاً وأخذ حربة مرهفة ؛ وأقبل يتوكأ عليها حتى انتهى إلى الفسطاط المضروب للحسن بن علي(عليهم السلام)فوقف غير بعيد ونظر إليه ساجداً وراكعاً والناس نيام فرمى بالحربة فأثبتها فيه وولى هارباً .
ص: 234
فتمم صلاته والحربة تهتز في بدنه ثم انتقل من صلاته ونبه من حوله، وصاحوا الناس فجاؤوا حتى نظروا إلى الحربة تهتز في بدنه، فقال لهم: هل أنا يا أهل الكوفة أخبرتكم ما تفعلونه وكذبتموني.
وأخذ الحربة وصاح بالرحيل وانكفأ من المدائن جريحاً، وكان له بالكوفة خطب وخطاب كثير [ثم] قال لهم : إنّ يزيد(1) بن سنان ابن أخي جرير ابن عبد الله البجلي، رماني بحربة فاطلبوه.
فخرج من الكوفة وسلم ولحق بمعاوية، ورحل(2) الحسن(عليه السلام)من الكوفة [من المدائن] وسلم الأمر إلى معاوية ؛ وقلدها معاوية إلى زياد بن أبيه ](3) لعنه الله . فكان هذا من دلائله(عليه السلام) .
4 - وعنه عن أبي الحسن عن أبي قرنة عن جعفر بن يزيد الخزاز، عن محمد بن علي الطوسي الرسي، عن علي بن محمد، عن الحسن بن عبد الله، عن صندل، عن أبي أسامة عن أبي عبد الله قال : خرج الحسن بن علي إلى مكة سنة من السنين ماشياً من المدينة، فتورمت قدماه، فقال له بعض مواليه: لو ركبت سكن عنك هذا الورم الذي برجليك.
قال : كلا إذا أتيت المنزل سيلقاك أسود معه دهن لهذا الورم فاشتره ولا تماسكه.
فقال مولاه: بأبي أنت وأمي. أتيت منزلاً ليس فيه أحد يبيع هذا الدواء، قال : بلى، إنه أمامك دون المنزل فسار ملياً فإذا الأسود قد قابله .
قال الحسن لمولاه دونك الرجل فخذ منه الدهن وأعطه الثمن.
فقال الأسود ويحك يا غلام لمن أردت هذا الدهن؟
ص: 235
فقال : للحسن بن علي (عليه السلام).
فقال : انطلق بي إليه . فأخذ بيده حتى أدخله عليه، فقال : بأبي أنت وأمي لم أعلم إنك محتاج إلى الدهن، فلست آخذ له ثمناً ، أنا مولاك، ولكن ادع الله لي أن يرزقني ذكراً سوياً يحبكم أهل البيت فقد خلفت أهلي بمحضر .
قال : انطلق إلى منزلك فإن الله قد وهب لك ذكراً سوياً، وهو لنا شيعة. فرجع الأسود فإذا أهله قد وضعت غلاماً سوياً، فرجع الحسن فأخبره بذلك، فدعا الله له ؛ وقال له خير ومسح رجله بذلك الدهن، وخرج من مجلسه وقد سكن ما به ومشى على قدميه(1).
فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
5- وعنه عن علي بن بشر عن أحمد بن هارون الوراق، عن محمد بن علي، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي عبد الله جعفر الصادق (عليه السلام) قال: جاء الناس إلى الحسن بن علي(عليه السلام). فقالوا له : أرنا ما عندك من عجائب أبيك التي كان يرينا إياها .
قال : تؤمنون بذلك؟
قالوا : نعم نؤمن بالله تعالى.
فقال : أليس تعرفون أبي.
قالوا : بلى كلنا نعرفه . فرفع لهم جانب(2)ستر فإذا بأمير المؤمنين جالس، قال : أتعرفونه؟
قالوا بأجمعهم : هذا والله أمير المؤمنين ونشهد أنك الإمام بعده ولقد أريتنا أمير المؤمنين بعد موته .
قال لهم الحسن :ويلكم أما سمعتم قوله(عزّوجل): ﴿وَلَا نَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي
ص: 236
سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاة﴾(1)، ﴿عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ . إلى آخر الآية (2). فإذا كان هذا (2) فيمن قتل في سبيل الله ، فماذا تقولون فينا ؟ قالوا آمنا وصدقنا فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
6 - وعنه ، عن جعفر بن محمد بن مالك عن زياد بن جعفر الوشا، عن محمد بن خالد، عن الحسن بن مسكان عن داود الرقي، عن أبي حمزة الثمالي عن عبد الله بن غالب وهو أبو خالد الكابلي، عن سيد العابدين علي بن الحسين(عليه السلام)، قال : كتب معاوية إلى عمي الحسن كتاباً يقول فيه : إني قد أعددت لك بزاً فدخلت في نفسي وصغرت فيما تستحقه؛ فإن أذنت بقبولها أنفذتها إليك وإن أجبت أن أعرفكها تختار منها ما تراه.
فقلت : وكان بعد وروده المدينة من الكوفة وأقبل للقائه فكتب إليه : وصل كتابك بما عندنا علمه والذي أعددته لنا فإن أخذناه أخر عنك وإن تركناه كان عليك أعظم حمل، ثقيل الوقر ، وإن كان المال دون الدماء التي سفكت والفتن التي ظهرت.
وأما عرضك علي ما أعددته لأختار منه ما أشاء، فوالله إنني بفضل الله أحيط به علماً، ومن ومن ذلك إنك غلطت ونسيت فرددت خاتماً جعلته في السفط الجزع من الجوهر الذي يكون عدده اثنتان وأربعون حبة قد استأثرت بالخاتم لنفسك، وأعجبك فبخلت ببعثه إلينا، وجعلته في سبابتك اليمنى.
وقلت في نفسك : ماذا يقول أهل الشام إذا رأوا خاتمي في يده، قد هوى علياً بعد موته، وتشاغلت بما أعددت لنا من البز والحرم ودق مصر، ونسيج عدن، ومسك تيبت وكافور ،قصورة، وعنبر الهند ولو شئت لفصلت لك كلما أعددته وزناً وعدداً، وكيف تعرض علينا أن نختار ما نحن أعلم به منك.
ص: 237
ولو كنت تأدبت بآداب الله وأهديت ولم تشاور للزمنا قبول هديتك، فدع الآن إلى أن تنظر وننظر والسلام.
فلما ورد الكتاب إلى معاوية وفضه وقرأه وهم أن يخفيه، ثم أظهره فقال له أخوه ابن أبي سفيان يا أمير المؤمنين، إن صدق الحسن فيما قال، فقد أظهرت عیب نفسك بإظهارك ما كتبت به ،إليك وإن كان كذاب فبين ذلك من كذبه عند من حضرك . .
فقال : ويحك يا عتبة قد كان ما كان في النفس ما فيها وإتيان الحق أجمل والكذب لا يليق بذوي الكرم والله لقد صدق في كل ما ذكره .
فقال له عتبة : أدام الله لك رعبك من بني هاشم فلا تزال تخافهم كلما ذكرت علياً. ونهض من مجلسه مغضباً .
فقال معاوية : إن غضبت يا عتبة فعن قليل ترضى وما سخطك ورضاك بنافعي عند الله شيئاً .
فخرج أكثر من في المجلس، وهم يقولون : لا جزاك الله يا معاوية خيراً؛ فقد أدخلتنا في ضلال وعاقبة خسر. فكان هذا من دلائله (عليه السلام)
7 - وعنه : عن الحسن بن علي المقري الكوفى(1)، عن محمد بن جبلة(2)التمار، عن المخول بن إبراهيم عن زيد بن كثير الجمحي، عن يونس بن ظبيان، عن المفضل بن عمر ،الجعفي عن المولى [أبي عبد الله] الصادق جعفر بن محمد(عليه السلام) قال : لما قدم الحسن بن علي(عليه السلام)من الكوفة، التقاه أهل المدينة معزين بأمير المؤمنين(عليه السلام)، ومهنئين له بالقدوم، ودخلت عليه أزواج رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) فقالت عائشة : والله يا أبا محمد ما فقد جدك إلا حيث فقد أبوك، ولقد قلت يوم قام عندنا ناعيه قولاً صدقت فيه ما كذبت .
ص: 238
قال لها الحسن(عليه السلام): عسى هو تمثلك بقول لبيد بن ربيعة حيث يقول :
يحق على المستعجلين المباشر*** وبشرتها فاستعجلت بخمارها
وبين قرى نجران والشام كافر*** وأخبرها الركبان إن ليس بينها
كما قرعيناً بالإياب المسافر*** فألقت عصاها واستقر النوى بها(1)
فقالت له : يا ابن خبوت جدك وأبوك في علم الغيب، فمن ذا الذي أخبرك بهذا، عني(2)؟
فقال لها : ما هذا غيب لأنك أظهرتيه وسمع منك وعن نبشك جرداً أخضر في وسط بيتك ليلاً، بلا قش فتترين الحديدة في كفك حتى صار جرحاً، وإلا فاكشفي عنه وأريه لمن حولك من النساء، ثم إخراجك الجرد وفيه ما جمعته من خيانة وأخذك منه أربعين ديناراً عدداً لا تعلمين ،وزنها، وتفريقك له في ضعفة مبغضي أمير المؤمنين من تيم وعدي شكراً لقتل أمير المؤمنين(عليه السلام)
فقالت : والله يا حسن لقد كان ما ،قلت والله ابن ،هند، فلقد شفا وأشفاني.
فقالت لها أم سلمة زوجة رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): ويحك يا عائشة ما هذا منك بعجب، وإني لأشهد عليك أن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)قال لي وأنت حاضرة صوام أم أيمن وميمونة : يا أم سلمة كيف تجديني في نفسك؟
فقلت : يا رسول الله ما أجده قرباً ولا أبلغه ،وصفاً، قال: كيف تجدين عليّاً فی نفسك .
ص: 239
قلت : لا يتقدّمك يا رسول الله ولا يتأخر عنك، وأنتما في نفسي سواء.
فقال : شكر الله فعلك يا أم سلمة، لو لم يكن عليّ في نفسك مثلي لبرئت منك في الآخرة، ولم ينفعك قربك مني في الدنيا .
فقلت : إنني يا رسول الله وكذلك أزواجك؟
قال : نعم (1)
فقلت : [لا] والله ما أجد لعليّ في نفسي موضعاً قريبا أو بعيداً .
فقال لك : حسبك يا عائشة .
[فقالت]: يا أم سلمة يمضي محمد، ويمضي علي، ويمضي الحسن مسموماً،
ويمضي الحسين ،مقتولاً ، كما أخبرك جدهما رسول الله [ (صلی الله علیه وآله وسلم)] . فقال لها الحسن : وأخبرك جدي رسول الله أنك تموتين وإلى ماذا تصيرين؟
فقالت له : نعم، ما أخبرني إلا بخير .
فقال لها الحسن(عليه السلام): تالله لقد أخبرني جدي رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) إنك تموتين بالداء [و] الدبيلة (2).
فقالت يا حسن متى .
فقال لها الحسن(عليه السلام): حيث أخبرك بعد لومك (3)أمير المؤمنين(عليه السلام)، وإنشائك حرباً تجرين فيه(4)، عن بيتك متأمّرة على جمل أحمر ممسوخ من مردة الجن يقال له عسكر تسفكين دم خمسة وعشرين ألفاً من المؤمنين الذين يزعمون أنك أمهم(5).
قالت له : جدك أخبرك بذلك أم هذا من غيبك.
ص: 240
قال : هذا من علم الله وعلم رسوله وعلم أمير المؤمنين (عليه السلام).
فأعرضت عنه بوجهها .
وقالت في نفسها : والله لأتصدَّقن بأربعين [ وأربعين] ديناراً ونهضت .
فقال لها الحسن(عليه السلام): والله لو تصدقت بأربعين قنطاراً ما كان ثوابك إلا النار(1) . فهذا من دلائله(2).
ص: 241
مضى: أبو عبد الله الحسين؛ وله سبعة وستون سنة في عام الستين من الهجرة في يوم عاشوراء(1)، وهو يوم السبت من المحرم، وكان بينه وبين أخيه الحسن(عليه السلام)طهور الحمل، وكان حمل أبي عبد الله ستة أشهر(2)، ولم يولد(3)لستة أشهر غير الحسين(عليه السلام)وعيسى بن مريم(عليه السلام)(4) ، وروي يحيى بن زكريا كذلك صلى الله عليه (5).
وكان مقام الحسين مع جده رسول الله صلى الله عليه وسلم ست سنين وستة أشهر(6)وعشرة
أيام(7)، والعشرة أيام هي المدة بين مولد الحسن وحمل الحسين(8).
ص: 242
وأقام مع أمير المؤمنين ست سنين(1)، ومع أبي محمد بعد مضي أمير المؤمنين عشر سنين(2)، وأقام بعد مضي الحسن(عليه السلام)عشر سنين وستة أشهر(3)،لأنه لم يكن بينهما غير الحمل(4) .
واسمه الحسين(5). وفي التوراة شبير ولما علم موسى بن عمران(عليه السلام)قبل التوراة أن الله سمى الحسن والحسين سبطي محمد شبر وشبير سمى أخوه هارون ابنيه بهذين الاسمين.
وكان يكنى: أبا عبد الله(6)، والخاص : أبو علي.
ولقبه الشهيد ،والسبط والتام وسيد شباب أهل الجنة، والرشيد، والطيب، والوفي والمبارك، والتابع والرضي الله والشاري نفسه الله، والدال على ذات الله (7).
وأمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليهما(8).
ومشهده البقعة المباركة والربوة ذات قرار ومعين بكربلاء؛ غربي الفرات(9)، وقتله(10)عبيد الله عبيد الله بن زياد وعمر بن سعد، وشمر بن ذي
ص: 243
الجوشن(1)، بأمر يزيد بن معاوية لعنهم الله وأتوه ومعهم اثنان وثلاثون ألف فارس، وأربعة وعشرون ألف راجل .
وعدة أصحاب الحسين(عليه السلام): اثنان وثلاثون فارساً، وأربعون راجلاً (2)، وثمانية عشر رهط عبد المطلب، والباقون من سائر الناس (3).
والذي كان له من الأولاد علي سيد العابدين؛ وهو الأكبر، وعلي الأصغر؛ وهو المتصل به، وعبد الله ؛ وهو الطفل المذبوح بالنشابة، ومحمد، وجعفر.
ومن البنات زينب وسكينة وفاطمة(4).
1 - وروي بإسناده عن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) : أن الله زوجك هناه بحمل الحسين وولادته، وعزاه بقتله ،ومصيبته، فعرفته فاطمة فكرهت حمله وولادته فأنزل الله تعالى في كتابه العزيز :﴿ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا﴾(5)
ص: 244
وهذه الآية أنزلت في حق مولانا الحسين خاصة ليس هذا في سائر الناس، لأن حمل النساء تسعة أشهر والرضاع حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وهما أربعة وعشرون شهراً، ليكون بذلك ثلاثة وثلاثون شهراً، ومن النساء من تلد لسبعة أشهر مع أربعة وعشرين فيكون أحد وثلاثون شهراً، والمولود لا يعيش أبداً إذا ولد لستة أشهر، ورضاعه أربعة وعشرون شهراً فهو ثلاثون شهراً (1)؛ كما قال الله (عزوجل)(2).
فكان هذا من دلائله(عليه السلام) .
2 - قال الحسين بن حمدان الخصيبي شرف الله مقامه : حدثني أبو الحسين محمد بن علي الفارسي، عن أبي بصير، عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام)قال : لما أراد الحسين بن علي(عليه السلام) الخروج إلى الشام بعثت إليه أم سلمة وهي التي كانت ربته وكان هو أحب إليها من كل أحد، وكانت أرأف الناس عليه، وكانت تربة الحسين(عليه السلام) عندها في قارورة مختومة دفعها إليها رسول الله، وقال لها : إذا خرج ابني إلى العراق فاجعلي هذه القارورة نصب عينيك فإذا استحالت التربة في القارورة دماً عبيطاً فاعلمي إن ابني الحسين قد قتل.
فقالت له : أذكرت رسول الله أن تخرج إلى العراق .
قال : ولم يا أم سلمة .
قالت: سمعت رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)يقول : يقتل ابني الحسين بالعراق وعندي يا بني تربتُكَ في قارورة مختومة دفعها إليَّ النبي (صلی الله علیه وآله وسلم).
ص: 245
فقال : يا أم سلمة إني مقتول لا محالة فأين أفرّ من القدر والقضاء المحتوم والأمر الواجب من الله سبحانه تعالى.
قالت واعجباه فأين تذهب وأنت مقتول .
قال : يا أم إني إن لم أذهب اليوم ذهبت غداً، وإن لم أذهب غداً ذهبت بعد غد، وما من الموت مفر، والله يا أم إني لأعرف اليوم الذي أقتل فيه والساعة التي أحمل فيها والحفرة التي أدفن فيها وأعرف قاتلي ومحاربي والمجلب عليَّ والسائق والقائد والمحرض وَمَنْ هو ،قاتلي ومن يحرضه، ومن يقتل معي من أهلي وشيعتي رجلاً رجلاً، وأحصيهم عدداً وأعرفهم بأعيانهم وأسمائهم وقبائلهم وعشائرهم كما أعرفك، فإن أحببت أريتك مصرعي ومكاني(1).
فقالت: فقد شئت فما زاد عليَّ إن تكلم باسم الله فخضعت له الأرض حتى أراها مضجعه ومكانه ومكان أصحابه وأعطاها من تلك التربة التي كانت عندها .
ثم خرج الحسين(عليه السلام)وقال لها : يا أم إني لمقتول يوم عاشوراء يوم السبت. فكانت أم سلمة تعد الأيام وتسأل عن يوم عاشوراء، فلما كانت تلك الليلة التي في صبيحتها قتل الحسين(عليه السلام)فرأت في منامها أشعث مغبراً باكياً ؛ وقال: دفنت الحسين وأصحابه الساعة فانتبهت أم سلمة وخرجت صارخة بأعلى صوتها، واجتمع إليها أهل المدينة.
فقالوا لها : ما الذي دهاك.
قالت : قتل الحسين بن علي وأصحابه(عليهم السلام).
فقالوا : أضغاث أحلام
فقالت : مكانكم فإن عندي تربة الحسين(عليه السلام). فأخرجت إليهم القارورة فإذا هي دم عبيط، فحسبوا الأيام فإذا الحسين(عليه السلام)قتل في ذلك اليوم(2).
ص: 246
3 - وعنه : عن الحسين بن محمد بن جمهور عن محمد بن علي، عن علي ابن الحسن عن علي بن محمد، عن عاصم الخياط، عن أبي حمزة الثمالي قال : سمعت علي بن الحسين(عليه السلام)يقول :
(لمّا كان اليوم الذي استشهد فيه أبو عبد الله (عليه السلام)(1) ،جمع أهله وأصحابه في ليلة ذلك اليوم، فقال لهم: يا أهلي وشيعتي اتخذوا هذا الليل جملاً لكم وانجوا بأنفسكم، فليس المطلوب غيري ولو قتلوني ما فكروا فيكم فانجوا بأنفسكم رحمكم الله، فأنتم في حلّ وسعة من بيعتي وعهد الله الذي عاهدتموني.
فقال إخوته وأهله وأنصاره بلسان واحد والله يا سيّدنا [يا] أبا عبد الله لا تركناك أبداً(2)، [والله لا قال] الناس تركوا إمامهم، وسيّدهم وكبيرهم وحده، حتى قتل، ونبلو بيننا وبين الله عذراً، وحاشى الله أن يكون ذلك أبداً(3)أو نقتل دونك.
ص: 247
فقال(عليه السلام): يا قوم فإنّي غداً أقتلُ وتُقتلون كلكم [معي] حتى لا يبقى منكم واحد.
فقالوا : الحمد لله الذي أكرمنا بنصرتك، وشرّفنا بالقتل معك، أوّلا ترضى أن نكون معك في درجتك يا ابن بنت(1)رسول الله .
فقال لهم خيراً ودعا لهم بخير فأصبح وقتل وقتلوا معه أجمعين، فقال له القاسم ابن أخيه الحسن يا عم وأنا أقتل؟ فأشفق عليه، ثم قال: يا ابن أخي كيف الموت عندك .
قال : يا عم أحلى من العسل.
قال : أي والله [فداك عمّك] [إنّك] لا أحد يُقتل من الرجال معي أن تبلو بلاء عظيماً، وابني عبد الله إذا خفت عطشاً .
قال : يا عم ويصلون إلى النساء حتّى يقتل عبد الله وهو رضيع؟
فقال: فداك عمّك يقتل عبد الله إذا جنّت روحي عطشاً، وصرت إلى خيامنا فطلبت ماءً ولبناً ، فلا أجد [قط] فأقول : ناولوني [ابني] عبد الله، أشرب من فيه، فيأتوني به فيضعونه على يدي]، فأحمله على يدي فأدنى فاه من في فيرميه فاسق(2) منهم لعنه الله لعنه الله بسهم فينحره، وهو يناغي فينحره، وهو يناغي، فيفيض دمه في كفي، فأرفعه إلى السماء؛ وأقول : اللهم صبراً واحتساباً فيك فتلحقني(3)الأسنة منهم، والنار تحرق وتستعر في الخندق الذي في ظهر الخيم، فأكرّ عليهم في آخر(4)أوقات بقائي في دار الدنيا فيكون ما يريد الله .
فبكى وبكينا وارتفع البكاء والصراخ من ذراري رسول الله في الخيم، ويسألني زهير بن القين وحبيب بن مظاهر عن عليّ فيقولان يا سيدنا [فسيدنا] علي إلى ما يكون من حاله؟ فأقول مستعبراً : لم يكن الله ليقطع نسلي من الدنيا، وكيف يصلون إليه وهو أبو ثمانية أئمة [(عليهم السلام)] (5). وكان كلما قاله صار فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
ص: 248
4- وعنه : عن أحمد بن عبد الله بن صالح، عن محمد بن عبد الرحمن، عن محمد بن علي بن الحسين عن صندل، عن هارون بن خارجة قال : قال أبو عبد الله الصادق(عليه السلام):
قال الحسين بن علي(عليه السلام): لا تخرجوا إلا في يوم سبت أو يوم خميس؛ فإنكم إن خالفتموني وخرجتم في غيرهما قطع عليكم الطريق وقتلتم وذهب ما معكم، وكان قد أرسلهم إلى ضيعة له. فخالفوه وخرجوا في غير اليومين الذي قال لهم، وأخذوا في طريق الجزيرة فاستقبلهم اللصوص فقتلوا القوم أجمعين وأخذوا ما كان معهم.
فقيل ذلك للحسين(عليه السلام)، فقال : قد قلت لهم لا تخرجوا إلا في يوم السبت أو في يوم الخميس؛ فخالفوني. فدخل من ساعته إلى والي المدينة، فقال: قد بلغني ما نزل بغلمانك ومواليك فاجرك الله فيهم.
فقال الحسين(عليه السلام): فإني أدلك على من قتلهم فاشدد يدك عليهم.
فقال : يا أبا عبد الله وتعرفهم.
قال: نعم، كما أعرفك وهذا منهم. وأشار بيده إلى رجل على رأس الوالي ؛ قائم، قال له : وكيف عرفتني يا ابن بنت رسول الله بأني كنت معهم .
قال : إن صدقتك تصدق .
قال نعم والله لأفعلن
قال الحسين(عليه السلام): نعم، ومعك فلان وفلان يسميهم بأسمائهم كلهم ،وفيهم أربعة من موالي الوالي والباقي من حبشان المدينة.
فقال الوالي للغلام: برب القبر والمنبر لتصدقني، أو لأنزلن لحمك بالسياط.
ص: 249
فقال الرجل : والله ما كذب الحسين، ولو كان ما زاد علماً على قوله قليلاً ولا كثيراً، فجمعهم الوالي جميعاً، فأقروا بلسان واحد، والله أراد بهم ليعلم الناس والوالي من هو أحق بالأمر، فقام الوالي وضرب أعناقهم (1). فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
5 - وعنه عن الحسين بن علي بن جمهور عن علي بن الطيب الصابوني، قال الحسين بن حمدان لقيت علي بن الطيب الصابوني فحدثني بهذا الحديث عن الحسن بن زيد المدني عن محمد بن علي بن الحسين الزيات، عن سيف بن عميرة التمار عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام)قال : جاء رجل من موالي أبي عبد الله الحسين(عليه السلام)يشاوره في امرأة يتزوج بها، فقال له(عليه السلام): لا أُحِبّ لك أن تتزوّجها فإنّها امرأة مشؤومة، وكان [الرجل] محبّاً لها، ذو مال كثير، فخالف مولانا الحسين(عليه السلام)وتزوجها فلم يلبث معها إلا قليلاً حتى أتلف الله ماله وركبه دين ومات أخ له كان أحب الناس إليه.
فقال له الحسين(عليه السلام): [أما] لقد أشرت عليك ولو كنت أطعتني، ما أصابك ما أصابك، فخل سبيلها، فإنّ الله يخلف عليك] ما هو خير لك منها، وأعظم بركة. فخلى [الرجل] ،سبيلها فقال عليك بفلانة فتزوجها، فما خرجت سنته حتى أخلف الله عليه ماله وحاله، وولدت له غلاماً، ورأى منها ما فقد في تلك السنة (2). فكان هذا من دلائله(عليه السلام).
ص: 250
وعنه : بهذا الإسناد عن أبي عبد الله جعفر الصادق(عليه السلام)قال : لما سار أبو عبد الله الحسين(عليه السلام)من المدينة تكنفه أفواج الملائكة المسومين والمردفين في أيديهم الحراب على نجب من نجب الجنة فسلموا عليه وقالوا : يا حجة الله على خلقه بعد جده وأبيه وأخيه إن الله قد أمدك بنا .
فقال لهم : الموعد حضرتي وبقعتي التي أستشهد بها في كربلاء فإذا وردتها فأتوني.
فقالوا : يا حجة الله إن الله أمرنا أن نسمع لك ،ونطيع، فهل تخشى من عدو يلقاك فنكون معك.
فقال : لا سبيل لهم عليّ، ولا يلقوني بكريهة حتى أصل إلى بقعتي .
وأتاه أفراخ من مؤمني الجن، فقالوا له يا مولانا نحن شيعتك وأنصارك مرنا بأمرك؛ فإن أمرتنا نقتل كل عدو لك ؛ وأنت مكانك لكفيناك ذلك. فجزاهم خيراً، وقال لهم : أما قرأتم كتاب الله المنزل على نبيه المرسل قوله تعالى: ﴿ قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ ﴾(1).
فإذا أقمت مكاني فبماذا يمتحن الله هذا الخلق المنكوس، وإنما يحشرون إلى النار، وأما من يكون حضرتي بكربلاء التي اختارها الله لي دون الأرض، وجعلها معقلاً لشيعتنا ومحبيهم، ويقبل فيها أعمالهم ويشكر الله سعيهم .
وتكون لهم أماناً في الدنيا والآخرة، ولا يبقى مطلوب من أهلي ونسبي وذراري وأخوتي وأهل بيتي ويسير برأسي إلى يزيد بن معاوية لعنه الله، ولعن كل ظالم لهم .
ص: 251
فقالت له الجن :والله يا حبيب الله وابن حبيبه لولا أن أمرك أمر الله وطاعتك، ذلك لا يجوز لنا مخالفته لخالفناك، وقتلنا جميع أعدائك قبل أن يصلوا إليك.
فقال لهم(عليه السلام): ونحن بالله عليهم أقدر ؛ ولكن﴿ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَتَ عَنْ بَيْنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعُ عَلِيمٌ﴾(1)(2). فكان هذا من دلائله(عليه السلام).
7 - وعنه عن الحسين بن علي الصائغ عن محمد بن شهاب الوشاء، عن كثير بن وهب عن الحدا بن يونس بن ظبيان عن جابر بن يحيى المعبراني، عن سعيد بن المسيب قال : لما استشهد أبو عبد الله الحسين(عليه السلام) وحجّ الناس من ،قابل دخلت على سيدي علي بن الحسين(عليه السلام) فقلت له يا مولاي قد قرب(3)الحج فماذا تأمرني؟
قال : امض على ني~تك. فحججت، فبينما أنا أطوف بالكعبة، فإذا نحن برجل مقطوع اليدين، ووجهه كقطع الليل المظلم، متعلقاً بأستار الكعبة وهو يقول : اللهم ربّ هذا البيت الحرام اغفر لي، وما أحسبك تغفر لي ولو شفع لي سكان سماواتك وجميع من خلقت لعظم جره جرمي .
قال سعيد بن المسيب : فشغلنا وشغل جميع الناس من الطواف حتى حف به الناس واجتمعنا عليه وقلنا له يا ويلك لو كنت إبليس لعنه الله لكان ينبغي أن لا ييأس من رحمة الله، فمن أنت؟ وما ذنبك؟ فبكى، وقال يا ،قوم أنا أعرف بنفسي وذنبي وما جنيت.
فقلنا له: تذكره لنا .
فقال : إني كنت جمالا لأبي عبد الله الحسين بن علي(عليه السلام) لمّا [خرج] من المدينة إلى العراق وكنت أراه إذا أراد الوضوء للصلاة فإذا يضع سراويله
ص: 252
عندي فأرى التكة تغشي الأبصار بحسن إشراقها وألوانها، وكنت أتمناها إلى أن صرنا بكربلاء، فقتل الحسين بن علي(عليه السلام)وأنا معه، فدفنت نفسي في مكان من الأرض، ولم أطلب ولا مثالي، فلمّا جنّ علينا الليل خرجت من مكاني فرأيت تلك المعركة بها نوراً لا ظلمة ونهاراً لا ليلاً، والقتلى مطروحين على وجه الأرض.
فذكرت لشقاوتي التكّة، فقلت والله لأطلبن ،الحسين، فأرجو أن تكون التكة عليه في سراويله فأخذها ولم أزل أنظر في وجوه القتلى حتى وجدته جديلاً [بلا رأس، فإذا التكة فيها، فدنوت منه وضربت بيدي إلى التكة فإذا هو قد عقدها عقدة قوية فلم أزل أحل حتى حللت منها عقدة، فمد يده اليمنى وقبض على التكة، فلم أقدر على أخذ يده عنها ولا أصل إليها .
فدعتني نفسي الملعونة إلى أن طلبت فوجدت قطعة من سيف مطروحة، فأخذتها وانكببت على يده فلم أزل أحزها من يده حتى فصلتها عن التكة، ثم حللت عقدة أخرى، فمد يده اليسرى فقطعتها (1)، ثم نحيتها، عن التكة، ومددت يدي إلى التكة لآخذها وإذا بالأرض ،ترجف والسماء [تهتزّ]، وإذا بجبلة عظيمة، وبكاء [شديد] ونداء يقول : وا إبناه واحسيناه.
فصعقت ورميت نفسي بين القتلى فإذا ثلاث نفر وامرأة، وحولهم خلائق وفرق قد امتلأت منهم الأرض والسماء في صور الناس وأجنحة الملائكة، وإذا بواحدٍ منهم يقول : وا ابناه يا حسين فداك جدّك وأبوك وأمك وأخوك ، وإذا بالحسين قد جلس ورأسه على بدنه وهو يقول : لبيك يا جدّاه، یا رسول الله ويا أبتاه يا أمير المؤمنين ويا أُماه يا فاطمة [الزهراء]، ويا أخاه المقتول بالسم قبلي.
وإذا هم قد جلسوا حوله وفاطمة تقول : يا أبي يا رسول الله أتأذن لي حتى آخذ من دم شيبته وأخضب ناصيتي وألقى الله يوم القيامة.
قال لها : افعلي .
فرأيتهم يأخذون وفاطمة تمسح ناصيتها والنبي وعلي والحسن(عليه السلام)يمسحون نحورهم وصدورهم وأيديهم إلى المرافق، وسمعت رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) يقول : فديتك یا حسین فما كان من قطع يدك اليمنى وثني باليسرى.
ص: 253
قال : يا جداه كان معي جمّال صحبني من المدينة وكان ينظر إلى سراويلي ووضوء الصلاة، فيتمنّى أن يكون له، فما منعني أن أدفعها إليه إلا لعلمي إنّه صاحب هذا الفعل.
فلما قتلت خرج يطلبني فوجدني بلا رأس، فتفقد سراويلي، ورأى التكة وقد كنت عقدتها عقدة صعبة، فضرب يده إلى العقدة منها ،فحلها، فمددت يدي اليمنى فقبضت على التكة، فطلب في المعركة فوجد قطعة من سيف فقطع بها يدي اليمنى، ثمّ حل عقدة أخرى فضربت بيدي اليسرى على التكة لئلا يحلها فتنكشف عورتي فجز يدي اليسرى، فلما أن حل العقدة الأخرى أحس بك، فرمى بنفسه بين القتلى.
فقالوا : أن لك جمالا، سوّد الله وجهك في الدنيا والآخرة، وقطع يديك، وجعلك في حزب من سفك دماءنا، وحايش على الله في قتلنا .
فما استتم دعاءه حتى انتثرت يداي وأحسست بوجهي أنّه أُلبس قطعاً من النار مسودةً، فجئت إلى هذا البيت استشفع [به] وأعلم بأنه لا يغفر لي أبداً . فلم يبق بمكة أحد ممن سمع بحديثه ؛ إلا تقرب إلى الله بلعنه وكلّ يقول : حسبك ما أنت فيه .
فكان هذا من دلائله(1)، وعجائبه وغرائبه وبرهانه(عليه السلام).
ص: 254
مضى وله سبع وخمسون سنة(1)، مثل إقامة أبيه في العمر في عام خمسة وتسعين من أول سني الهجرة (2).
وكان مولده ليلة الخميس لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان سنة ثمان وثلاثين من الهجرة(3)؛ قبل وفاة جده أمير المؤمنين(عليه السلام).(4)
وكان مقامه : مع جده أمير المؤمنين(عليه السلام)سنتين(5)وأقام مع أبيه الحسين عشر سنين(6) وبعد وفاة أبيه(عليه السلام)خمسة وثلاثون سنة (7).
وكان اسمه علي.
وكنيته أبو الحسين(8)، والخاص : أبو محمد. وروي أنه كني بأبي بكر(9)؛ ولم تصح هذه الكنية.
ص: 255
وألقابه : سيد العابدين(1)، وزين الصالحين، وذو الثفنات(2)، والزاهد، والخاشع ،والباكي والمجتهد والرهباني(3) .
وإنما لقب بذي الثفنات لأنه كان من طول سجوده وكثرة عبادته تخفى غضون جبهته فتصير ثفنات منتصبة فيقصها إذا طالت لتستقر جبهته على الأرض في سجوده(4).
واسم أمه :حلوة وروي حلولا بنت سيد الناس يزدجرد ملك فارس، وسماها أمير المؤمنين ،شازنان معناه بالفارسية [ملكة] النساء، وكان يقال لعلي بن الحسين(عليه السلام): ابن الخيرتين. ويقال أمه برابنة ،والنوسجان ويقال : شهر حاجون بنت يزدجرد وهو الصحيح(5) .
وأسماء أولاده : محمد الباقر(عليه السلام)، والحسين، وزيد [الشهيد] المصلوب بكناسة الكوفة، وعبد الله، وعبيد الله، وعلي، وعمر(6)، ولم يكن له ابنة غير زوجة محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، وعقبه منها .
ومشهده : بالبقيع(7) في المدينة بجانب قبر عمه الحسن بن علي.
وكان من دلائله :
ص: 256
1 - قال الحسين بن حمدان(رضی الله عنه): حدثني عتاب بن يونس الديلمي، عن عسکر مولى أبي جعفر الإمام التاسع(عليه السلام)، عن أبيه(عليه السلام)، عن علي بن موسى بن جعفر، عن جعفر بن محمد صلوات الله عليهم أجمعين قال : دخلت عليه طائفة من شيعة الكوفة فقالوا : يا ابن رسول الله الأنبياء كلهم عابدون الله فكيف سمي جدك علي بن الحسين سيد العابدين.
فقال الصادق(عليه السلام): ويحكم أما سمعتم قول الله عزوجل :﴿ وهُمْ دَرَجَتُ عِندَ الله والله﴾ (1)، ويقول : ﴿نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشاه﴾ (2)، [وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بعضَ النَّبِي عَلَى بَعْضٍ ﴾(3)
[ فقالوا بلی، یا ابن رسول الله ] .
قال : فماذا أنكرتم؟
قالوا : أحببنا أن نعلم ما سألنا عنه .
فقال : ويحكم إن إبليس لعنه الله ناجى ربه فقال : إني قد رأيت العابدين لك من عبادك منذ أول العهد إلى عهد علي بن الحسين(عليه السلام)فلم أر أعبد لك ولا أخشع منه فأذن لي يا إلهي أن أكيده وأبتليه لأعلم كيف صبره فنهاه الله بروجك عن ذلك فلم ينته وتصور لعلي بن الحسين وهو قائم يصلي في صلاته فتصور في صورة أفعى لها عشر رؤوس محددة الأنياب متقلبة الأعين بحمرة، وطلع عليه من الأرض من موضع سجوده، ثم تطاول في قبلته فلم يرعه ولم يرعبه ذلك، ولم ينكس رأسه إليه .
ص: 257
فانتفض إبليس لعنه الله إلى الأرض في صورة الأفعى وقبض على عشر أنامل رجلي علي بن الحسين(عليه السلام)، وأقبل يكدمها بأنيابه، وينفخ عليها من نار جوفه، وكل ذلك لا يميل طرفه إليه ولا يحول قدميه عن مقامه، ولا يختلجه شك ولا وهم في صلاته وقراءته.
فلم يلبث إبليس لعنه الله حتى انقض عليه شهاب من نار محرق من السماء، فلما أحس به صرخ وقام إلى جانب علي بن الحسين في صورته الأولى ثم قال : يا علي أنت سيد العابدين كما سميت وأنا إبليس كما جنيت والله لقد شهدت عبادة النبيين والمرسلين من عهد أبيك آدم إليك، فما رأيت مثلك ولا مثل عبادتك، ولوددت أنك استغفرت لي فإن الله كان يغفر لي، ثم تركه وولى وهو في صلاته لا يشغله كلامه حتى قضى صلاته على تمامها(1). فكان هذا فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
2 - وعنه : بهذا الإسناد إلى أبي عبد الله(عليه السلام)؛ كان قائماً يصلي حتى زحف ابنه محمد(عليه السلام)وهو طفل إلى بئر كانت في داره بالمدينة عميقة؛ فسقط فيه فنظرت إليه أمه فصرخت وانقلبت تضرب بنفسها حول البئر ؛ وتستغيث وتقول : يا ابن رسول الله غرق ابنك محمد في قعر البئر في الماء فلما طال عليها ذلك قالت له جزعاً على ابنها : ما أقسى قلوبكم يا أهل بيت النبوة، فأقبل على صلاته ولم يخرج عنها إلى غير كمالها، ثم قال لها وقد جلس على البئر ومد يده إلى قعرها، وكانت لا تصل إلا برشاء طويل، وأخرج ابنه على يده يناغي ويضحك، ولم يتبلل له ثوب ولا جسد.
فقال : هاك يا ضعيفة اليقين بالله فضحكت لسلامة ابنها وبكت لقوله لها يا ضعيفة اليقين .
ص: 258
فقال لها : لا تثريب عليك، أما علمت بأني كنت بين يدي جبار ولو ملت بوجهي عنه، لمال بوجهه عني، فمن ترين بعده(1).
فكان هذا من دلائله (عليه السلام)
3 - وعنه : عن محمد بن علي الصيرفي، عن علي بن محمد، عن الحسن بن محمد، عن شعيب بن عمر، عن جابر، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : بينما علي بن الحسين(عليه السلام) جالس مع جماعة من أصحابه إذ دخلت عليه ظبية من الصحراء حتى قامت بين يديه فضربت بيدها على الأرض وثغت(2)؛ فقال بعض القوم : يا بن رسول الله ما تقول هذه الظبية.
فقال : تزعم أن فلان ابن [الفلان] القرشي، أخذ خشفها(3)بالأمس وإنها لم ترضعه اليوم شيئاً، فوقع في قلب رجل منهم شك.
ثم أن علي بن الحسين قال لابن القرشي : ما بال هذه الظبية تشكوك.
قال : وما تقول.
قال : تزعم إنك أخذت خشفها بالأمس وأنها لم ترضعه اليوم شيئاً منذ أخذته، وقد سألتني أن أسألك أن تبعث به إليها حتى ترضعه وترده.
فقال له القرشي : والذي بعث جدك بالحق نبياً واصطفاه بالرسالة نجياً لقد صدقت في قولها .
فقال سيد العابدين(عليه السلام): ابعث الخشف إليها فلما رأته ثغت وضربت بيدها ثم رضع منها، فقال علي بن الحسين : بحقي عليك يا فلان إلا ما وهبته لي؛ فوهبه
ص: 259
القرشي، فأطلق الخشف مع أمه فقال : يا بن رسول الله ما الذي قالت، قال: دعت الله لكم وجزتكم خيراً (1). فكان هذا من دلائله(عليه السلام) .
وعنه : عن الحسين بن محمد بن يحيى الفارسي، عن محمد بن علي، عن علي بن الحسين، عن سيف بن عميرة عن بكر بن محمد، قال: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول : كان علي بن الحسين(عليه السلام) قد عمل سفرة لأصحابه بالكوفة يأكلون منها فبينما هم كذلك إذا أقبل ظبي من الصحراء حتى قام بإزائه فثغا وضرب بیده .
فقال القوم : يا ابن رسول الله ما يقول هذا الظبي؟ قال: يشكو أنه لم يأكل شيئاً منذ ثلاثة أيام فأحب أن تحلفوا له أن لا تؤذوه ولا تصيبونه بسوء ففعلوا فكلمه علي بن الحسين مثل كلامه فأقبل الظبي حتى وضع فمه على سفرتهم وأكل قليلاً ثم أن رجلاً منهم مسح يده على ظهره فذعر وقام يعدو .
فقال زين العابدين(عليه السلام): أليس قد حلفتم أن لا تصيبوه بسوء فحلف الرجل بالله الذي لا إله إلا هو ما أراد به غائلة ولا سوءاً فكلمه علي بن الحسين(عليه السلام) فرجع فأكل حتى شبع وثغا وضرب بيده وانطلق نحو الصحراء.
فقالوا : يا ابن رسول الله ما قال: قال دعا لكم وجزاكم خيراً ودعا لكم بالعافية (2). فكان هذا من دلائله(عليه السلام) .
ص: 260
5- وعنه : عن محمد بن علي عن علي بن الحسين، عن أبيه الحسين، عن زيد بن عاصم الخياط، عن أبي حمزة الثمالي قال : كنت من أملاء علي بن الحسين زين العابدين(عليه السلام) بين مكة والمدينة فقال : إذا بلغت جبال صيحان تقف ناقتي لأمر أخبرك به هناك .
قال أبو حمزة : فلما وصلنا إلى جبال صيحان وقفت الناقة فقال لها : سيري وإلا قلت ما تعلمين فسارت.
فقلت : جعلت فداك، الناقة وقفت .
فقال : يا أبا حمزة جاء معاوية لعنه الله وفي عنقه سلسلة، وأصحابه معه يسألوني أسقيهم الماء، فوقفت الناقة لأنها تهواهم، فهتف بي هاتف من عند الله لأسقيهم سقاهم الله ، فهم في هذا الموضع يعذبون بأنواع العذاب إلى يوم القيامة.
قال أبو حمزة فما الذي قالت الناقة وإلا فقلت ما تعلمين.
قال : قد قلت لها سيري وإلا عذبت معهم فسارت(1).
فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
6 -وعنه : عن محمد بن يحيى الفارسي، عن محمد بن علي، عن علي بن محمد، عن الحسن بن أبي عشار، عن أبي حمزة الثمالي قال : كنت من أملاء علي ابن الحسين(عليه السلام) بين مكة والمدينة فمررنا بشجرة فيها قنابر تصفّر فقال : يا أبا حمزة أتدري ما الذي تقول هذه القنابر؟
ص: 261
فقلت والله ما أدري قال ولكني أدري قلت يا سيدي ما تقول، قال: تقدّسن ربّهنّ وتسألن قوتهن يوماً بيوم(1) . فكان هذا من دلائله(عليه السلام).
7 - وعنه: عن جعفر بن مالك عن محمد بن علي عن علي بن الحسين : عن معمر بن خديجة، عن ابن يزيد الجعفي، عن أبي خالد عبد الله بن غالب الكابلي قال : جاء الناس إلى سيدنا سيد العابدين(عليه السلام)فقالوا : يا بن رسول الله نريد الحجّ إلى مكة فاخرج أنت معنا نشكر الله؟
قال لهم : نعم .
فدعا لهم ووعدهم [بالخروج] يوم الخميس، فلما نزل بعسفان بين مكة والمدينة، وإذا غلمانه قد سبقوه فضربوا لهم فسطاطاً في موضع عالٍ من الأرض؛ فلما دنا من ذلك الموضع قال لغلمانه : كيف ضربتم وفي هذا الموضع قوم من الجن لنا أولياء ،وشيعة قد أضررتم بهم وضيقتم عليهم .
فقالوا : ما علمنا يا مولانا هذا يكون ها هنا. فإذا هاتف من جانب الفسطاط نسمع كلامه ولا نرى شخصه وهو يقول : يا ابن رسول الله لا تحول فسطاطك فإنا نحب هذا ونرى ذلك علينا فرضاً وطاعتك طاعة الله وخلافك خلاف على الله وهذه ألطاف قد أهدينا لك فنحب أن تأكل منها ، فنظر الله وإذا طبق عظيم بجانب الفسطاط وأطباق أخرى دونه فيها رطب وعنب ورمان وموز ومن سائر الفواكه فدعا لكل من كان حوله وأكلوا وأكل من تلك الهدية وقال لهم هذه هدية إخوانكم من الجن المؤمنين ثم رحل(2). فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
8- وعنه ، عن علي بن الطيب الصابوني عن محمد بن علي بن الحسن، عن
ص: 262
محمد(1) بن أبي العلاء، عن أبي الفراء(2)جميعاً، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام)قال : دخل أبو هاشم محمد بن الحنفية على سيد العابدين علي بن الحسين، لإظهار أمر كان من شيعته بمكة والمدينة مكتوم ما رحل عند الحسين بن علي(عليه السلام)بالعراق وسيد العابدين ابنه معه وكانت تلك وصية من الحسين(عليه السلام)إلى أخيه محمد بن الحنفية أن يظهر للناس إمامته لئلا يرجعوا عن محبتهم أهل البيت، إلى أن يعود علي بن الحسين من الشام إلى المدينة بعد أن تحمل من العراق إلى الشام، فنصب محمد نفسه للشيعة وأظهرهم بأنه الإمام.
وخرج المختار بن عبيد الله الثقفي بما يريده الحسين(عليه السلام) وسأل عن الإمام بعده .
فقالت له شيعة في المدينة : هو محمد بن الحنفية وكان المختار حيث مات أبوه وهو طفل، وتبعل عمه بأمه، وكان المختار كيسياً وحده، وكان عمه يدعوه بكيسان المكتسبة .
فلما أتاه بدم الحسين(عليه السلام)ادعى إمامة محمد بن الحنفية، فعرف أصحابه بالكيسانية، ولما صار بالمزار ومعه عبيد الله بن أمير المؤمنين علي، وسأله وهو في المعسكر على أيدي وجوه الشيعة الذين كانوا مع المختار إنك كنت تطلب هذا الثأر لترد إلينا حقنا وأنا ابن أمير المؤمنين وأنا أحق منك بهذا الأمر، فسلمه إليَّ.
وإن كنت تطلبه بنفسك فانظر حتى أرحل عنك .
فقال له المختار : سأنظر إلى ما ذكرت ولا أؤخره فلما جن عليه الليل وهو في المعسكر أحضر القوم الذين كانوا الرسل إليه فقال لهم : قد حل قتل عبيد الله ، لأن الإمام محمد بن الحنفية وقد طلب عبيد الله الإمامة لنفسه.
قالوا : بئسما قلت إنك في قتله تكون كيزيد بن معاوية وجنده.
فقال لهم انصرفوا إلى أخبيتكم حتى أنظر وتنظرون، وصار بنفسه في عدة من خاصته إلى خيمة عبيد الله وأخذوه من بين غلمانه فقتلوه، ودرجوه في بساطه وجهزوه وصلوا عليه ودفنوه بالمزار.
ص: 263
وتفرق عن المختار طوائف وأنكروا قتل عبيد الله فلما قتل الحسين بن علي(عليه السلام)؛ وحمل علي بن الحسين(عليه السلام)، وذراري رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)إلى يزيد بن معاوية، وكان علي بن الحسين عليلاً نحيفاً، رده يزيد وأهله إلى المدينة.
وتسامعت الشيعة برجوع علي بن الحسين في إمامة محمد بن الحنفية ودخلت أحياؤها على علي بن الحسين(عليه السلام)فأراهم دلائل الإمامة وبراهينها، فاستجابت الشيعة وسلمت الأمر إليه وسرت بصحيح الأخبار، عن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)، وعن أمير المؤمنين، وعن اللوح المنزل على فاطمة(عليها السلام) ، وأن محمد بن الحنفية ما له شيء بالإمامة وأمير المؤمنين والحسن والحسين والتسعة من ولد الحسين، أولهم سيد العابدين فلما فشا ذلك في الشيعة ورجعت إلى علي بن الحسين فقامت طائفة على محمد بن الحنفية .
أراد محمد بن الحنفية يروِّي الشيعة في دخوله على علي، فقال: يا علي بن الحسين ألست تعلم أني إمام عليك .
قال له : يا عم لو علمت منك ذلك لما خالفتك ولا وسعني جحدك، وإنك لتعلم أني إمامك وإمام جميع المؤمنين والحجة على الخلق أجمعين، وإن طاعتي عليك فرض ،مفترض يا عم ؛ أما علمت أني وصي الحسنين، وأن أبي وصي أبيه أمير المؤمنين، ووصي أخيه الحسن، أخذ الله عليهما بعد أبيهما أمير المؤمنين، وأن الأوصياء مني والمهدي، فتشاجرا ملياً(1).
قال علي بن الحسين لمحمد بن الحنفية فمن ترضى تجعله حكماً بيني وبينك .
قال له محمد بن الحنفية من شئت.
قال له : ترضى أن تجعل بيني وبينك الحجر الأسود.
قال له محمد: يا علي تجعل بيني وبينك الحجر، حكم لا يسمع ولا يبصر ولا ينطق، سبحان الله ما أعجب هذا، تترك الناس وتحكّم الحجر.
فقال له علي بن الحسين : يا عم وإن لم يسمع ويبصر وينطق، وقد علمت أن الله تعالى أخذ من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست
ص: 264
بربكم؟ قالوا : بلى أخذ ذلك العهد، فاستودعه الحجر الأسود في البيت الحرام، وجعل البيت أول بيت وضع للناس ببكة وأمر الناس بالحج إليه، فإذا كان يوم القيامة أتى بالحجر سميعا ،بصيراً فيشهد لمن وفد إليه بالوفاء وعلى من تأخر عنه بالغدر .
فقال له محمد بن الحنفية قد رضيت والوعد أن يكون مجيئنا إليه في وقت الحج، وجمع الناس، فلما حج الناس تلك السنة ؛ وهي سنة من سني حج علي بن الحسين(عليه السلام)، ومحمد واجتمعت الشيعة فوقفوا تجاه الحجر .
فقال علي بن الحسين : تقوم يا عم فأنت أكبر سناً مني؛ فأقسم على الحجر أن يجيبك وبين ،أمرك فدنا محمد بن الحنفية وقام وصلى في مقام إبراهيم.
فقال: يا حجر :أسالك بحرمة الله وحرمة رسوله وبحق كل مؤمن ومؤمنة إن كنت تعلم إني الحجة على الناس، وعلى علي بن الحسين، فانطق وبين ذلك. فلم يجبه الحجر .
فقال : تقدم أنت يا بني منه فدنا علي بن الحسين وقد صلى فتكلم بكلام خفي لم يفهم منه ثم قال : أسالك أيها الحجر بحرمة الله وحرمة نبيه (صلی الله علیه وآله وسلم)، وحرمة أمير المؤمنين، وحرمة فاطمة، وحرمة الحسن، وحرمة الحسين صلوات الله عليهم أجمعين، إن كنت تعلم أني الحجة على عمي محمد بن الحنفية، وعلى الخلق أجمعين من أهل السماوات والأرضين ؛ إلا نطقت بذلك، وبينته لنا وللناس كلهم.
فنطق الحجر بلسان عربي مبين يقول : يا محمد بن أمير المؤمنين اسمع وأطع لعلي بن الحسين فإنه حجة الله عليك وعلى خلقه جميع من الأولين والآخرين من أهل السماوات والأرضين.
فقال محمد بن الحنفية : اللهم إني أشهد أني قد سمعت وأطعت وسلمت(1) هذا الأمر إلى إمامي وحجتي وحجة الله علي وعلى خلقك علي بن الحسين(عليه السلام)، فآمن به أكثر الشيعة التي قالت محمد بن الحنفية إمام، وأقام عليه قوم غلبت عليهم شقوتهم واستحوذ عليهم الشيطان وما كان محمد بن الحنفية أظهر ما أظهره إلا ليضبط الشيعة في وقت قتل الحسين
(عليه السلام)؛ لئلا يشكوا ويرجعوا فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
ص: 265
9 - وعنه : عن علي بن الطيب الصابوني عن محمّد بن عليّ، عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن أبي بصير قال سمعت أبا جعفر(عليه السلام) يقول :
كان أبو خالد الكابلي، ومحمد بن الحنفية دهراً، وما كان يشك إلا أنه الإمام، حتى أتاه ذات يوم فقال له: جعلت فداك إن لي حرمة ومودة وانقطاع إليك فأسألك بحرمة الله وحرمة رسوله وحرمة أمير المؤمنين، ألا أخبرتني أنت الإمام الذي فرض الله طاعتك على خلقه .
فقال لي: يا أبا خالد حلفتني اعلم أن الإمام علي وعليك وعلى جميع الخلق، علي بن الحسين(عليه السلام). فأقبل أبو خالد لما سمع مقالة ابن الحنفية إلى الإمام زين العابدين فاستأذن عليه فأخبره أن أبا خالد في الباب، فإذن له، فلما دخل عليه قال مرحباً بك يا كنكر أما كنت منا فما بدا لك.
فخر أبو خالد ساجداً شاكراً الله تعالى؛ لما سمع من الإمام زين العابدين علي ابن الحسين(عليه السلام)، فقال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى عرفت إمامي .
فقال له الإمام زين العابدين :وكيف عرفت إمامك يا أبا خالد.
قال : لأنك دعوتني باسمي الذي سمتني أمي به وما سمعه أحد من الناس.
قال له (عليه السلام): وما معنى كنكر .
قال : يا مولاي أنت أعلم به مني.
قال : كنتَ ثقيلاً في بطن أمك [و] أنت حمل، فكانت تقول بلغة كابل : يا کنکر، تريد يا ثقيل الحمل.
قال : ودلني عليك محمد بن الحنفية، وكنت في غم من هذا وحيرة ولقد خدمت محمد بن الحنفية برهاً من عمري ولا أشك إلا أنه إمامي حتى إذا كان سألته بحرمة الله وحرمة رسوله وحرمة أمير المؤمنين فأرشدني إليك، وقال: هو الإمام عليَّ وعليك وعلى خلق الله أجمعين، ثم أذنت إليَّ، فلما دخلت إليك
ص: 266
سميتني باسمي الذي سمتني به أمي فقلتُ أنت الإمام الذي فرض عليَّ وعلى كل مسلم طاعته (1). فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
10 - وعنه : عن أحمد بن جعفر القصير، عن محمد بن ميمون [بن أحمد] الخراسان، قال الحسين بن حمدان الخصيبي الله : سمعت هذا الخبر، عن محمد ابن میمون عن محمد بن علي عن علي بن الحسين، عن ابن الصباح(2) ،عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام)، قال : سمعته يقول : خدم أبو خالد الكابلي إلى علي بن الحسين(عليه السلام) دهراً من عمره ثم أنه أراد أن ينصرف إلى أهله فأتى إلى علي بن الحسين(عليه السلام)؛ فشكا إليه شوقه إلى ،والدته وإنه بلا مال ولا نفقة تحمله.
فقال : يا أبا خالد يقدم غداً رجل من أهل الشام له قدر ومال كثير وقد أصاب ابنته عارض من الجن يريدون أن يطلبوا له معالجاً يعالجها، فإذا أنت سمعت بقدومه؛ فأته وقل له : أنا أعالجها على أن تعطيني ديتها عشرة آلاف درهم.
فيقولون لك : نعم نعطيك ولا يوفون لك، ولا بد أن تأخذ منها .
فقدم الرجل الشامي بابنته وكان من عظماء أهل الشام في الحال والقدر، فقال لأصحابه : ما من معالج يعالج هذه.
فقال لهم أبو خالد أنا أعالجها على أن أعطى ديتها عشرة آلاف رهم، فإن وفيتم وفيت لكم على أن لا يعود إليها أبداً، فشرطوا ذلك وضمنوه، ثم أقبل إلى الإمام زين العابدين(عليه السلام) فأخبره بالخبر .
فقال : إني أعلم أنهم سيكذبون ولا يوفون لك، فانطلق يا أبا خالد فخذ بإذن
ص: 267
الجارية ثم قل: يا حبيب؛ يقول لك علي بن الحسين اخرج من هذه الجارية ولا تعود .
ففعل أبو خالد ما أمره فخرج عنها، فأفاقت الجارية فطلب الذي جعلوا له، فلم يعطوه فخرج معه .
فقال له الإمام زين العابدين(عليه السلام): ما لي أراك كثيباً يا أبا خالد، ألم أقل لك أنهم يغدرون، دعهم فإنهم سيعودون إليك، لأن الجني يعاودها، فإذا جاؤوك، فقل لهم : قد غدرتم ،والآن، فلست أعالجها أو تعدون العشرة آلاف درهم، عند سيد العابدين علي بن الحسين لأنه ثقة عليَّ وعليكم، فعادوا الجارية العارض، ففعلوا ذلك وعدوا المال على يديه .
ورجع أبو خالد إلى الجارية، فقال لها :كالأول وهو أخذ بأذنها، وقال: يا بيب يقول لك علي زين العابدين : اخرج من هذه الجارية ولا تعود إليها، فإنك إن عدت إليها أحرقت بنار الله الموقدة، التي تطلع على الأفئدة، فخرج منها ولم يعد إليها فدفع المال إلى أبي خالد فخرج إلى بلاده(1).
فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
11 - وعنه ، عن محمد بن يحيى الفارسي(2)عن محمد بن علي، عن علي ابن الحسين، عن الحسن بن سيف بن عميرة عن أبي الصباح، عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام)، قال : لما ولي عبد الملك بن مروان الخلافة، كتب إلى الحجاج بن يوسف الثقفي لعنه الله بذلك، وبعث الكتاب مع ثقته فعلم بذلك علي بن الحسين،
ص: 268
وما كتب به وأسره وكتب إلى الحجاج كتاباً إن الله قد شكر إلي فعلك وترك عليك الجماعة وزادك برهة وكتب من ساعته كتاباً إلى عبد الملك
بن مروان أما بعد :
فإنك كتبت في يوم كذا وكذا كتاباً إلى الحجاج تقول فيه : أما بعد فانظر دماء آل عبد المطلب فاحقنها فإن آل أبي سفيان لما ولغو فيها لم يلبثوا إلا قليلاً وأسررت ذلك وكتمته وقد شكر الله لك فعلك، وترك عليك ملكك وزادك برهة وبعث بالكتاب مع غلامه على راحلة وأمره أن يوصله إلى عبد الملك بن مروان، فلما وصل إليه نظر في تاريخه فوجده وافق الساعة التي كتب إليه وبعث إلى الحجاج بالكتاب لم يشك عبد الملك بن مروان في صدق علي بن الحسين وبعث إليه بوقر راحلته فجازاه لما أسره من كتابه مالاً جزيلاً ليصرفه في فقراء شيعته وأهل بيته(1). فكان هذا من دلائله(عليه السلام).
12 - وعنه ، عن محمد بن يحيى الخرقي(2) ، عن محمد بن علي، عن علي ابن الحسين، عن محمد بن سنان عن إسماعيل بن زكريا عن أبيه زكريا، عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام)، عن أبيه محمد بن علي، عن جده علي بن الحسين صلوات الله عليهم : أن رجلاً من أهل الشيعة دخل عليه فقال : يا ابن رسول الله ما فُضّلنا
ص: 269
على أعدائنا ونحن وهم سواء بل منهم من هو أجمل منا وأحسن أدباً وأطيب رائحة فما لنا عليهم من الفضل .
فقال زين العابدين(عليه السلام): تريد أن أريك فضلك عليهم .
قال : نعم.
قال : ادنُ مني؛ فدنا منه فأخذ بلحيته ومسح عينيه وروح بكفه على وجهه، وقال : انظر ما ترى.
فنظر إلى مسجد رسول الله وما فيه إلا ،قردة وخنازير ودب، وضب، فقال جعلت فداك ردني كما كنت، فإن هذا منظر صعب، فمسح عينيه فرده كما كان(1). فكان هذا من دلائله(عليه السلام).
13 - وعنه ، عن أحمد بن صالح عن جعفر بن يحيى، عن محمد بن خالد ،عن سعدان بن مسلم عن عمار(2)، عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام)، قال : لما كان الليلة التي فقد فيها سيد العابدين(عليه السلام)، قال لأبيه(3): ائتني بوضوء، فأتاه بوضوء، فقال له قبل أن يصل إليه أردده؛ فإن فيه ميتة فدعا بالمصباح، فإذا فيه فأرة ميتة، فأتاه بوضوء غيره(4).
فقال له : يا بني هذه الليلة وعدت فيها ألحق لحوقي بجدي رسول الله، وجدي
ص: 270
أمير المؤمنين(عليه السلام)، وجدتي فاطمة(عليه السلام)، وعمي الحسن، وأبي الحسين صلوات الله عليهم أجمعين، فإذا توفيت وواريتني فخذ ناقتي فاجعل لها خطاماً وأقرر لها علقماً (1)فإنها تخرج إلى قبري فتضرب بجرانها للأرض حول قبري وترغو، فأتها وردها إلى موضعها فإنها تطيعك وترجع إلى موضعها ثم تعود الخروج، فتفعل مثل فعلها الأول فارفق فيها وردها رداً رفيقاً ؛ فإنها تنفق بعد ثلاثة أيام.
فلما قبض زین العابدين(عليه السلام)في تلك السنة فعل بالناقة أبو جعفر محمد الباقر ما وصاه به فخرجت إلى القبر وضربت الأرض حوله ورغت فأتاها أبو جعفر فقال لها : قومي يا مباركة فارجعي إلى مكانك فرجعت إلى مكانها، ثم مكثت قليلاً وخرجت إلى القبر ففعلت مثل فعلها الأول، فأتاها أبو جعفر الباقر فقال لها قومي الآن فلم تقم فصاح بها من حضر، فقال الباقر(عليه السلام): دعوها فإن أبي أخبرني إنها تنفق بعد ثلاثة أيام ونفقت.
قال أبو عبد الله : كان جدي علي بن الحسين يحج إلى مكة فيعلوا الصوت في الرحل فلا يصل إليها حتى يرجع إلى داره بالمدينة(2).
فكان هذا من دلائله(عليه السلام).
14 - وعنه : عن محمد بن عبد الله الشاشي عن محمد بن يزيد الداعي بطبرستان عن أحمد بن يحيى صاحب مولانا الرضا عن محمد بن أبي عميرة، عن الحسن بن عبيدة عن أبي خالد الكابلي، قال: خدمت محمد ، قال : خدمت محمد بن الحنفية سبع سنين، ثم قلت له: جعلت فداك إن لي إليك حاجة قد عرفت خدمتي لك.
قال : فاسأل حاجتك . قلت : تريني الدرع والمغفر.
قال : ليس هما عندي ولكن عند ذلك الفتى. وأشار بيده إلى مولانا زين
ص: 271
العابدين علي بن الحسين(عليه السلام)، فنظرت إليه حتى انصرف وتبعته حتى عرفت منزله، فلما كان من الغد، وتعالى النهار أقبلت فإذا بابه مفتوح، فأنكرت ذلك؛ لأني كنت أرى أبواب الأئمة تطبق أبداً، فقرعت الباب فصاح : یا کنکر ادخل، فدخلت عليه فقلت : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وإنك حجة الله على جميع خلقه وهذا والله لقبي لقبتني به أمي، وما عرفه خلق .
قال : اجلس فأنا حجة الله وخزانة وحي الله فينا الرسالة والنبوة والإمامة، ومختلف الملائكة وبنا فتح الله وبنا يختم .
قال أبو خالد فأطلت الجلوس ووقع على قلبي الفكر في فتح الباب، وكانت لحيته بطيب وعليه ثوبان موردان.
فقال يا كنكر تعجب من فتح الباب ومن الخصلة والطبع الذي في الثوبين. قلت : نعم .
قال : يا أبا ،محمد أما الباب فخرجت خادمة من الدار لا علم لها، فتركت الباب مفتوحاً، ولا يجوز لبنات رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)أن يبرزن فيصفقنه .
وأما الخصلة فليس أنا فعلتها، لكن النساء أخذن طيباً فخصلنني به.
وأما الطبع في الثوبين فأنا قريب العهد بعرش ابن عمي؛ ولي منذ استخرجتها أربعة أيام ثم قبض على عضادتي الباب ثم قال هات السفط الأبيض، فأقبل السفط الأبيض حتى صار بين يديه .
فقلت له: يا سيدي من جلب السفط.
قال : بعض خدمي من الجن، ثم فك الختم وبكى بكاء شديداً، ثم أخذ الدرع والمغفر فلبسهما وقام قائماً، وقال: كيف ترى.
قلت: كأنهما أفرغا عليك يا ابن رسول الله إفراغاً .
قال : هكذا كان على جدي(صلی الله علیه وآله وسلم) ، وعلى جدي أمير المؤمنين وعمي الحسن وأبي الحسين والله لا يراهما أحد إلا عليَّ وعلى القائم المهدي من ذريتي(1)فكان هذا . من دلائله(عليه السلام).
ص: 272
15 - وعنه قال : حدثني محمد بن علي القمي قال : حدثني محمد بن أحمد ابن عيسى عن محمد بن جعفر البرسي، قال حدثني إبراهيم بن محمد الموصلي، عن أبيه، عن أبيه، عن حنان بن سدير الصيرفي، عن جابر بن يزيد الجعفي، قال : لما قبض أمير المؤمنين وأفضت الخلافة إلى بني أمية سفكوا الدماء، ولعنوا أمير المؤمنين على المنابر وتبرؤوا منه واغتالوا الشيعة في كل بلدة وقتلوهم وما يليهم من الشيعة بحطام الدنيا، فجعلوا يمتحنون الناس في البلدان كل من لم يلعن أمير المؤمنين(عليه السلام) ويتبرأ منه ،قتلوه فشكت الشيعة إلى زين العابدين وسيد الرهبان من المؤمنين وإمامهم علي بن الحسين .
فقالوا يا ابن رسول الله قد قتلونا تحت كل حجر ومدر، واستأصلوا شأفتنا وأعلنوا لعن أمير المؤمنين على المنابر والطرق والسكك وتبرأوا منه حتى إنهم ليجتمعون في مسجد رسول الله وعند منبره فيطلقون على أمير المؤمنين(عليه السلام)اللعنة علانية لا ينكر ذلك عليهم ولا يغير فإن أنكر ذلك أحد منا ؛ حملوا عليه بأجمعهم، وقالوا : ذكرت أبا تراب بخير، فيضربونه ويحبسونه .
فلما سمع ذلك نظر إلى السماء، وقال: سبحانك ما أحلمك، وأعظم شأنك،ومن حلمك أنك أمهلت عبادك حتى ظنوا أنك أغفلتهم، وهذا كله لا يغالب قضاؤك، ولا يرد حكمك تدبيرك كيف شئت وما أنت أعلم به مني. ثم قال لابنه أبي جعفر(عليه السلام): يا محمد.
قال : لبيك .
قال : إذا كان غداً أغدوا إلى مسجد رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) وخذ الخيط الذي نزل به جبريل(عليه السلام)على رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فحركه تحريكاً خفيفاً، ولا تحركه تحريكاً شديداً، فيهلك الناس كلهم.
ص: 273
قال جابر فبقيت والله متعجباً من قوله ،وما أدري ما أقول وكنت كل يوم أغدو إلى أبي جعفر ، فلما كان في ذلك اليوم غدوت إلى أبي جعفر الباقر ، وقد بقي من الليل جانب حرصاً على أن أنظر إلى الخيط وتحريكه، فبينما أنا على الباب وإذا بأبي جعفر قد خرج فقمت وسلمت عليه فقال لي: ما غدوتك ولم تأتنا في مثل هذا الوقت.
قلت : يا ابن رسول الله سمعت إنك بالأمس تقول في الخيط ما تعلمه.
فقال: نعم، يا جابر لولا الوقت المعلوم والأجل المحتوم، والقدر المقدور، لخسفت والله بهذا الخلق في طرفة عين لا بل في لحظة الإبل في لمحه، بل إننا عباد الله المكرمون الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعلمون.
قال :جابر فقلت سيدي لم تفعل ذلك بهم .
قال : أما حضرت بالأمس والشيعة يشكون إلى أبي ما يلقون من الناصبة الملاعين .
قال :جابر قلت :بلی، يا سيدي ومولاي.
قال : فإنه قد أمرني أن أرعبهم وكنت أحب أن تهلك طائفة منهم .
قلت : يا سيدي ومولاي كيف ترعبهم وهم أكثر من أن يحصوا .
قال : امضي بنا إلى مسجد رسول الله لأريك قدرة من قدر الله (عزّوجل)، الذي خصنا بها، وفضلاً من فضله الذي أعطانا إياه.
قال جابر : فمضيت معه إلى المسجد فصلى فيه ركعتين، ثم وضع خده على التراب وتكلم بكلمات ثم رفع رأسه، وأخرج من كمه خيطاً تفوح منه رائحة المسك، وهو أدق من الخيط المخيط في النظر، ثم قال: خذ إليك يا جابر طرف هذا الخيط فأخذته ومشيت به رويداً .
فقال : قف يا جابر، فحرك الخيط تحريكاً ليناً خفيفاً، وما ظننت أنه حركه من لينه، ثم قال : ويحك يا جابر اخرج انظر ما حال الناس فيه .
قال : فخرجت من المسجد وإذا بصياح وولولة من كل ناحية وإذا زلزلة شديدة، وهزة ورجفة قد أخربت عامة دور المدينة وهلك تحتها أكثر من ثلاثين ألف رجلاً وامرأة وصبياً وإذا بالخلق باكين يخرجون من السكك، ولهم بكاء وعويل، وضجيج ورنة شديدة وهم يقولون : إنا لله وإنا إليه راجعون قد قامت
ص: 274
الساعة ووقعت الواقعة فهلك الناس، وآخرون يقولون : إنا لله وإنا إليه راجعون، كانت رجفة هلك فيها عامة الناس، وإذا أناس قد أقبلوا يبكون ويريدون المسجد وبعض يقولون لبعض: كيف لا يخسف بنا وقد تركنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أظهرنا الفسق والفجور وشرب الخمر واللواط وكثر الزنى وفشا الربا، والله لينزل بنا ما هو أشد وأعظم أو نصلح من أنفسنا .
قال جابر: فبقيت متحيراً أنظر إلى الناس وهم يبكون ويتضرعون ويعدون زمراً زمراً إلى المسجد، فرحمتهم والله حتى بكيت معهم لبكائهم، وإذا المساكين لا يدرون من أين أتوا وأخذوا .
فانصرفت إلى الباقر(عليه السلام)وقد حف به الناس يقولون يا ابن رسول الله ألا ترى ما قد حل بنا وبحرم رسول الله من هذه النازلة العظمى والآية الكبرى.
قال : والله لقد رأيت في هذه الآية ما أزال متعجباً به حتى ألقى الله (عزّوجل).
فقال : يا جابر هذه منزلة الأئمة عند الله ومنزلة أوليائه المخلصين، قلت: يا سيدي ومولاي، فإن شياطينهم قد سألونا أن يحضر حتى يحتملون إلى عندك، ويدعون إلى الله، ويتضرعون إليه ويسألونه الإقالة فتبسم (عليه السلام)وتلا قوله تعالى:﴿قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (50) إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51)﴾(1).
[و] تلا قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111)﴾ (2).
وتلا قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾(3).
لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون وهي أجزاها وهي والله ولايتنا وهذه أجزاها وهي ما وصف الله في كتابه العزيز، بل نقذف بالحق على (عزّوجل)الباطل يدمغه فإذا هو ،زاهق ولكم الويل مما تصفون يا جابر ما تقول بقوم أماتوا
ص: 275
كلمة الحق وأظهروا الباطل وهتكوا حريمنا، وظلمونا حقنا، وغصبونا ملكنا، وفعلوا أفعال المنافقين، وساروا سيرة الفاسقين.
قال جابر قلت يا سيدي الحمد لله الذي منَّ عليَّ بمعرفتكم، وألهمني فضلكم، ووفقني لشيعتكم وموالاة مواليكم، ومناداة أعدائكم.
فقال : يا جابر أتدري ما المعرفة.
قلت : لا أدري.
قال : إثبات التوحيد أولاً ، ثم معرفة المعاني ثانياً ، ثم معرفة الأبواب ثالثاً، ثم معرفة الأيتام رابعاً ، ثم معرفة النقباء خامساً ، ثم معرفة النجباء سادساً، ثم معرفة المختصين سابعاً، ثم معرفة المخلصين ثامناً، ثم معرفة الممتحنين تاسعاً، وهو قوله تعالى: ﴿قُل لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بمثله، مددا ﴾(2).
وتلا قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَفَلَامُ وَالْبَحْرُ يَمُدُّمُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَتُ اللَّهِ ﴾(3)، الآية .
يا :جابر مولاك أمرك بثبات التوحيد معرفة معنى المعان.
قال جابر : فقلت سيدي ومولاي وفقني على إثبات التوحيد، فهي معرفة الله الأزل القديم العلي العظيم، الذي﴿ لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَار وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾(4)؛ وهو غيب باطن ليس يتدارك كما وصف نفسه (عزّوجل).
وأما المعاني فنحن معانيه وظاهره فينا اختارنا من نور ذاته، وفوض إلينا أمر ،عباده، فنحن نفعل بإذنه ما نشاء، ونحن لا نشاء إلا ما شاء الله، وإذا أردنا أراد الله أحلنا الله هذا المحل واصطفانا من بين عباده وخصنا بهذه المنزلة الرفيعة السنية، وجعلنا عينه على عباده وحجته في بلاده، ووجهه وآياته، فمن أنكر من
ص: 276
ذلك شيئاً ورده فقد رد على الله وأنبيائه وآياته ورسله.
يا جابر من عرف الله بهذه الصفة فقد أثبت التوحيد لأن هذه الصفة موافقة لكتاب الله المنزل وهو قوله:﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ الطيفُ الخبير﴾ (1).
وقوله في كتابه العزيز : ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَى وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾(2).
وقوله تعالى:﴿ لَا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ﴾(3).
يا جابر فإذا عرفت الله بهذه الصفة، ثم عرفت معانيه وإنهم من نور ذاته اختصهم الله بالفضل، وأعزهم بالروح التي هي منه، لم يطفأ بتلك الروح والنور الذي هو منه عزنا وأنت عارف خبير مستبصر كامل بالغ.
قال جابر : أنا الله ما أقل أصحابي .
قال : هيهات يا جابر أتدري كم على وجه الأرض من أصحابك.
قلت: يا ابن رسول الله كنت أظن أن في كل بلدة ما بين المئة إلى المئتين وكل إقليم ما بين الألف إلى الألفين لأنا كنا نظن أنهم أكثر من مئة ألف في أطراف الأرض ونواحيها .
قال یا جابر خاب ظنك وقصر رأيك، أولئك هم المقصرة، وليس من أصحابك .
قلت: يا ابن رسول الله ومن المقصرة.
قال : الذين يقصرون عن معرفة الأئمة، وعن معرفة ما فوض إليهم من روحه).
قال جابر : مُنَّ عليَّ يا سيدي.
ص: 277
قال : أن تعرف كل من خصه الله بالروح، فقد فوض إليه أمره أن يخلق بلا إذنه، ويعلم ويخبر بما في الضمائر، ويعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، وذلك أن هذه الروح من أمر الله (عزّوجل)، خصه بهذه الروح، وهو كامل غير ناقص، يفعل ما يشاء بأمر الله يسير بإذن الله من المشرق إلى المغرب في لحظة ويعرج إلى السماء وينزل إلى الأرض متى شاء وأراد.
قلت : سيدي أوجدني بيان هذه الروح من كتاب الله المنزل على نبيه المرسل( ، وأنها من أمر الله خص الله بها رسوله وارتضاه .
قال: نعم، اقرأ هذه الآية قوله تعالى :﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِى مَا الْكِتَبُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْتَهُ نُورًا تَهْدِى بِهِ مَن نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾(1).
قال جابر قلت يا ابن رسول الله هل بعد هذه المعرفة تقصير .
قال: نعم، إن قصر في حقوق إخوانه ولم يشركهم في كل أمرهم واستأثر بحطام الدنيا دونهم، فهنالك يسلب المعرفة وينسلخ من دينه، وتصيبه من آفات الدنيا وبلاياها ما لا يطيقه من الأوجاع، وإذهاب ماله وتشتيت شمله بما قصر في حقوق إخوانه .
قال جابر فاغتممت غماً شديداً ؛ وقلت يا ابن رسول الله ما حق المؤمن على أخيه .
قال : يفرح بفرحه ويحزن لحزنه ويتفقد أموره كلها فيصلحها، ولا يغتنم بشيء من حطام الدنيا إلا واساه به ؛ حتى يكونا في الخير والشر قرآناً واحداً.
قلت : سيدي ومولاي كيف فرض الله هذا للأخ على أخيه المؤمن. قال : لأن المؤمن أخو المؤمن لأبيه ،وأمه يرثه ويعتقد منه وهو أحق بملكه من ابنه إذا كان على مذهبه .
ص: 278
قلت : سبحان الله ومن يمكنه ذلك ومن يقدر عليه .
قال: من أحب أن يقرع باب الجنان ويعانق الحور الحسان ويجتمع معنا في دار السلام، ويشتاق العلي العلام.
قال جابر: هلكنا والله .
قال: يا جابر إن رجلاً من إخوانك شاباً طرياً أتاني فسألني عن حقوق الإخوان أخبرته ببعض حقوقهم، فمر متحيراً لا يهتدي لأمره من صعوبة ما مر على مسامعه من حقوق المؤمن على أخيه المؤمن.
فقال :جابر يا ابن رسول الله هلكت والله .
فقال : ولم . قلت : لأني ضيعت حقوقاً وجبت عليَّ لإخواني المؤمنين، فقصرت فيها، وكان يمكني أن أقضيها ولم أعلم أنه يلزمني من التقصير كل هذا يسير .
فقال: هو ما أخبرتك لأن الله(عزّوجل) امتحنك بمعرفتنا وبحقوق إخوانك المؤمنين، فتنفس صعداً، ونظر إلى جابر وقد تحول شعر رأسه ولحيته بياضاً من شدة ما داخله من الأسف والحزن، وخرج وهو يبكي ويقول : أتوب إلى الله يا ابن بنت رسول الله، مما كان مني من التقصير في رعاية حقوق إخواني المؤمنين، تالله إني كنت في ضلال مبين قبل يومي هذا، وجعل يبكي بكاءً شديداً حتى غاب عن بصري.
قال جابر: فقلت يا ابن رسول الله فما حال جابر فيما ينفقه على أهله وولده وهم لا يعرفون الحق وشفقتي عليهم أكثر من شفقتي على أخواني وأنا منهم.
قال : معاذ الله ما أنت منهم ولا هم منك إذا كانوا لا يعرفون هذا .
قال جابر : قلت سيدي ومولاي قد ابتليت بهم.
قال : والله ما ابتليت بهم إلا بتركك بر إخوانك وتضييعك لحقوقهم.
قلت : سيدي ومولاي فإخواني إذا قليل على حسب ما وصفت.
قال : ذلك أوكد للحجة عليك من حق المؤمنين، فمن كان مقصراً فليس يلزمك حقه، ومن كان بالغاً فهو أخوك لأبيك وأمك، ترثه ويرثك، وليس شيء أحق من حق أخيك المؤمن يا جابر.
فقلت : وللمقصرة .
ص: 279
قال : عرفهم الشيء بعد الشيء، وارفعهم من الدرجة إلى الدرجة، فإن يرد الله بهم خيراً أرشدهم إلى هذا الأمر، ومن لم يرد به خيراً نكبه في معرفته، ومن أرشدته فقد أحييته، ومن أحيى ميتاً فكأنما أحيى الناس جميعاً، وإياك يا جابر أن تطلع على سر الله مقصراً حتى تعلم أنه قد استبصر، قال الله تعالى: ﴿فَإِنْ ءَانَسْتُم مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا﴾(1)، يعني إذا بلغوا التفويض.
. قلت يا ابن بنت رسول الله فكيف صار الأمر مكتوماً .
قال : يا جابر إن الله أحب أن يعبد سراً فما ذنب محمد وعلي(2).
16 - وعنه : عن أبي الطيب الصابوني عن هارون بن إسحاق المدني، عن الحكم بن إبان بن أبي حمزة الثمالي(3)، عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام)، قال : كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج بن يوسف الثقفي لعنه الله وهو بالمدينة : أن اشتري لي درع رسول الله وسيفه .
ص: 280
فبعث الحجاج إلى علي بن الحسين(عليه السلام): يعني درع رسول الله وسيفه .
وكان عبد الملك في ذلك الوقت أكبر من الحجاج سناً، فقال عبد الملك: إن ولي الأمر بعد رسول الله أمير المؤمنين(عليه السلام)، وعلى ذريته بعده الحسن ابنه، والحسين، وبعده علي بن الحسين والسيف والدرع عند علي بن الحسين، فبعث الحجاج لعنه الله أن لا بد من السيف والدرع أو ضرب عنقه .
فاستأذنه وضمن له حمله إليه، وصار إلى منزله وأحضر صانعاً وأخرج إليه درعاً غير درع النبي رسول الله وسيفاً غير سيفه فقبض الدرع ودار في مواضع غير السيف، وحملهما إلى الحجاج فقال الحجاج لعنه الله : ما هذا سيف رسول الله ولا درعه .
فقال له علي بن الحسين(عليه السلام): القول لك ، فقل ما شئت، فأرسلهما إلى محمد بن الحنفية.
وقال : أخبرني أهذان سيف رسول الله ودرعه .
فقال : كأنهما هما وشبههما .
قال الحجاج وما تعرفهما .
فقال محمد كيف لا أعرفهما، وأنا أفرغت الدرع على أمير المؤمنين في يوم الجمل، ويوم صفين، ويوم النهروان .
فقال له الحجاج : فلم لا تصدقني عنهما .
:قال نسيتهما على طول المكث والعهد.
فقال الحجاج لعنه الله لعلي بن الحسين (عليه السلام): بعني هما .
قال : لا أبيع قال : ولم.
قال : لأني لأجد ذلك فأعطاه أربعين ألف درهم في أربع بدر، وأنفذهما إلى عبد الملك بن مروان وكتب له بكل ما جرى بينهما، فبعث إليه أن يحمل إليه أربعين ألف ألف درهم أخر، و أخر، وحج عبد الملك بن مروان في تلك السنة ولقيه علي بن الحسين(عليه السلام) فرحب به وقربه إليه .
فقال له علي بن الحسين ظلامتي.
قال عبد الملك وما ظلامتك يا أبا محمد .
ص: 281
فقال : سيفي والدرع.
قال : أوليس بعتناهما وقبضت الثمن.
قال : ما بعت .
قال : فاردد مالنا فبعث حمل المال مختوماً .
فقال له عبد الملك : فهذه خمسين ألف درهم أخرى، وأتمم لنا البيع. فأبى أن يفعل، فأقسم عليه ثانياً لا بد أن يفعل فأبى، فأقسم عليه ثالثاً لا بد أن يفعل.
فقال له علي بن الحسين(عليه السلام): على شرط تكتب لي عليك كتاباً يشهد فيه قبائل قريش أني وارث رسول الله، وأن السيف والدرع لي دونك ودون كل هاشمي وها شمية.
قال له : ولك ذلك، أكتب ما أحببت .
فكتب عبد الملك بن مروان:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
هذا ما اشترى عبد الملك بن مروان من علي بن الحسين وارث رسول الله اشترى منه درعه وسيفه الذين ورثهما من رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) بمئة وثلاثين ألف در هماً، وقد قبض علي بن الحسين الثمن ؛ وقبض عبد الملك بن مروان السيف والدرع، ولا حق ولا سبيل لأحد من بني هاشم من رجالهم ونسائهم عليه . ولا لأحد من العالمين وأحضروا قبائل قريش قبيلة بعد قبيلة وشهدوا على علي ابن الحسين(عليه السلام)وعلى عبد الملك بن مروان فكانوا إذا خرجوا من الشهادة يقول بعضهم لبعض : عبد الملك بن مروان أجهل خلق الله يقر لعلي بن الحسين أنه وارث رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، وهو أحق به منه إن هذا ، وهو أحق به منه إن هذا هو الخسران المبين .
يقول هذا القول مؤالفهم ومخالفهم، ثم أخذ علي(عليه السلام) الكتاب وخرج بالمال؛ وهو يقول : أنا أعلى العرب سيفاً ودرعاً . يريدهما أنهما غير سيف رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)ودرعه (1). فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
ص: 282
مضى محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(عليه السلام)وله سبع وخمسون سنة (1)؛ مثل عمر أبيه وجده (صلی الله علیه وآله وسلم)(2) في عام مئة وأربعة عشر سنة من الهجرة (3)في شهر ربيع الآخر(4) .
وكان مولده(عليه السلام)(5): قبل مضي الحسين جده بثلاث سنين، وهي سنة ثمانين وخمسين من الهجرة (6)
وأقام مع أبيه علي بن الحسين خمسة وثلاثين سنة غير شهرين(7).
وكان اسمه: محمداً .
وكنيته :أبو جعفر، لا غير.
ولقبه : باقر العلم(8)، والشاكر الله(9)، والهادي، والأمين(10).
ص: 283
1 - وروي أن رسول الله قال لجابر بن عبد الله الأنصاري(1): إنك لن تموت حتى تلقى سيد العابدين علي بن الحسين وابني منه محمد بن علي (عليه السلام)، فإذا ولد محمد بن علي بن الحسين فصر إليه عند أوان ترعرعه تقرئ أباه السلام؛ وتقول له : إني أمرتك أن تلحق ابنه محمد وتقرئه مني السلام وتقبل بين عينيه وتسأله أن يلصق بطنه ببطنك؛ فإن لك في ذلك أماناً من النار، وتقول له جدك رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) يقول لك : يا باقر علم الأولين والآخرين من النبيين والمرسلين، بوركت كثيراً حياً وميتاً ، ثم إذا فعلت ذلك يا جابر فأوص وصيتك، فإنك راحل إلى ربك.
فلم يزل جابر بن عبد الله باقياً بحياته حتى قيل له : قد ولد محمد بن علي وترعرع، ثم صار إلى علي بن الحسين وإلى محمد بن علي فأدى رسالة رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) وفعل ما أمره رسول الله .
فقال محمد بن علي يا جابر أثبت وصاتك فإنك راحل إلى ربك، فبكى جابر، وقال له يا سيدي وما أعلمك بذلك، وبهذا عهد إليَّ جدك رسول الله. فقال له : يا جابر لقد أعطاني الله علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، فأوصى جابر وصاته وأدركته الوفاة وصلى عليه علي بن الحسين، ومحمد بن علي فلأجل ذلك سمي الباقر(2).
وأمه فاطمة بنت عبد الله بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم(3) .
ص: 284
وأسماء أولاده : جعفر الإمام الصادق وعلي وعبد الله، وإبراهيم(1).
ومن البنات : أم سلمة (2).
و مشهده في البقيع(3)إلى جانب مشهد أبيه علي بن الحسين، وعمه الحسن ابن علي بن أبي طالب(عليه السلام)(4).
وفي أربع سنين من إمامته ؛ توفي الوليد بن عبد الملك، وكان ملكه تسع سنين وشهور، وبويع لسليمان بن عبد الملك وأمر الإمامة مكتوم.
وتوفي الوليد والشيعة في شدة شديدة، وفي ست سنين وشهور من إمامته توفي
سلمان بن عبد الملك. وبويع لعمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم فرفع اللعن عن أمير المؤمنين(عليه السلام)؛ وأقام في الملك سنتين وخمسة أشهر ثم توفي في تسع سنين من إمامته .
فروي أنه قال(5)وهو بالمدينة : توفي في هذه الليلة رجل تلعنه ملائكة السماء وتبكي عليه أهل الأرض وبويع ليزيد بن عبد الملك، وملك أربع سنين، وفي أربع سنين ولد هشام بن عبد الملك، وكان شديد العداوة والعناد لأبي جعفر(عليه السلام)؛
ولأهل بيته . فروي أنه بعث إليه يستحضره فأحضره ليوقع به فلما دخل عليه حرك شفتيه بدعاء لم يسمع فأجلسه معه على سريره، ثم قال له : تعرض عليَّ حوائجك.
فقال له : تردني إلى بلدي.
فقال له : ارجع وكتب إلى عامله يمنعه الميرة في طريقه، فمنعه فصعد الجبل وقرأ بأعلى صوته﴿ وَإِلَى مَدينَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً﴾ إلى قوله تعالى: ﴿ذَالِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ (6)
ص: 285
وفي المدينة شيخ من بقايا العلماء خرج إلى أهل المدينة فناداهم بأعلى صوته هذا والله شعيب يناديكم .
فقالوا له : ليس هذا شعيب هذا محمد بن علي بن الحسين له أمر فلا تمنعه الميرة.
فقال لهم : افتحوا الباب وإلا فتقعوا في العذاب فأطاعوه وفتحوا الباب، وأمرهم بحمل الميرة إليه ،ففعلوا، فرجع إلى المدينة وأقام بها، فلما قربت وفاته استدعى بأبي عبد الله جعفر ابنه فقال له : إن هذه الليلة التي وعدت فيها، ثم سلم إليه الاسم الأعظم ومواريث الأنبياء والسلاح وقال له : يا أبا عبد الله الله الله في الشيعة(1).
فقال أبو عبد الله الصادق : لا أتركهم يحتاجون لها أحداً.
فقال له : إن زيداً سيدعو بعدي إلى نفسه فدعه ولا تنازعه، فإن عمره قصير. فروي أن خروج زيد يوم الأربعاء، وقتل يوم الجمعة، وجدد على قاتله
العذاب.
2 - وعنه : عن أبي حمزة الثمالي عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: كنت أبي جعفر(عليه السلام)فالتفت إليَّ وقال لي: يا جابر أما لك حمار تركبه .
قلت: لا يا سيدي.
فقال لي : إني أعرف رجلاً بالمدينة له حمار يركبه، فيأتي المشرق والمغرب في ليلة واحدة(عليه السلام) ، وأنه قال : نحن جنب الله، ونحن صفوة الله، ونحن خيرة الله، ونحن مستودعون مواريث الأنبياء، ونحن آمنا بالله، ونحن حجج الله، ونحن حبل الله، ونحن رحمة الله إلى خلقه وبنا يختم الله من تمسك بنا نجا ولحق، ومن تخلف عنا غرق، ونحن القادة الغر المحجلين.
ص: 286
ثم قال بعد كلام طويل يا قوم من عرفنا وعرف حقنا وأخذ بأمرنا فهو منا وإلينا .
3 - وعنه عن المفضل بن شبان(1)قال : سمعت أبا جعفر(عليه السلام)يقول : إن الإمام منا يسمع الكلام في بطن أمه، فإذا وقع إلى الأرض رفع له عمود من نور برى به أعمال العباد(2).
4 - وعنه عن أبي حمزة الثمالي قال : سمعت أبا جعفر(عليه السلام) يقول : لا ، والله لا يكون عالماً بشيء، إن الله يربك أكرم وأعز وأعدل من أن يفوض طاعة عبده، [و] يجعله حجة ثم يحجب عنه علم أرضه وسمائه .
ثم قال : يحجب ذلك.
عنه وروي عن حبابة الوالبية قال : دخلت على أبي جعفر(عليه السلام) فقال لي : يا حبابة ما الذي أبطأك .
قالت كثرة همي وظهر في رأسي البياض.
فقال : يا حبابة أرنيه فدنوت إليه فوضع يده المباركة في مفرق رأسي ودعا لي بكلام لم أفهمه، ثم دعا لي بالمرآة فنظرتُ فإذا شمط رأسي قد أسود وعاد حالكاً، فسررت بذلك، وسر أبو جعفر(عليه السلام) لسرورها .
فقالت له حبابة بالذي أخذ ميثاقكم على النبيين أي شيء كنتم في الأظلة.
قال : يا حبابة نوراً بين يدي العرش قبل أن يخلق الله(عزّوجل)آدم(عليه السلام)،وأوحى الله تبارك وتعالى إلينا فسبحنا فسبحت الملائكة بتسبيحنا ولم نكن نسبح.
ص: 287
6- وروي، عن العالم(عليه السلام): أنه تزوج أبو محمد علي بن الحسين بأم عبد الله بنت الحسن بن علي عمه(عليه السلام) عمه(عليه السلام) وهي أم أبي جعفر الباقر(عليه السلام)، فكان يسميها الصديقة، ويقول : لم يدرك في الحسن امرأة مثلها .
7 - وروي عن أبي جعفر(عليه السلام)أنه قال: كانت أمي أم عبد الله بنت الحسن جالسة عند جدار فتصدع الجدار فقالت بيدها: لا وحق المصطفى
معلقاً ما أذن لك الله في السقوط حتى أقوم فبقي حتى قامت وبعدت ثم سقط فتصدق علي بن الحسين(عليه السلام) بمئة دينار(1).
8 - وكان مولد أبي جعفر بن محمد(عليه السلام): في سنة ثمانية وخمسين من الهجرة (2) قبل أن يصاب جده علي بن الحسين(عليه السلام)[(عليه السلام)ب_] سنتين وشهور، وحضر الطف(3)
وكان من دلائله مناظرته اللعين بن يزيد ما قد ذكرناه .
وكان مولده ومنشأه مثل مواليد آبائه، فأتاه جابر بن عبد الله الأنصاري فقبل رأسه، ثم قال له : إن رسول الله جدك يقرئك السلام وكان قال لي : تعيش حتى تری محمد بن علي بن الحسين؛ فإذا رأيته فاقرأ عليه سلامي، وقبل رأسه وقل له : يا باقر العلم، فلما فعل ذلك أمر علي بن الحسين أبا جعفر لا يخرج من الدار، فكان جابر يأتيه طرفي النهار، فيسلم عليه، فلما مضى علي بن الحسين(عليه السلام)، كان
ص: 288
أبو جعفر [(عليه السلام) ] يمضي إلى جابر ليسأله من صحيفة جده رسول الله ، وأمير المؤمنين(عليه السلام)في الوقت بعد الوقت .
9 - وروي، عنه، عن عدة من أصحابه أنهم قالوا : كنا معه؛ فمر زيد بن علي ابن الحسين(عليه السلام)فقال لنا: أترون أخي هذا والله ليخرجن بالكوفة وليقتلن ويصلبن ويطاف برأسه.
10 - وروي أن أصحابه كانوا مجتمعين عنده إذ سقط بين يديه ورشان ومعه أنثاه فرقن لهما فرقنا ساعة، ثم طارا، فقال : علمنا منطق الطير، وأوتينا من كل شيء، إن هذا لهو الفضل المبين كل شيء أسمع وأطوع لنا، وأعرف بحقنا من هذه الأمة، إن هذا الورشان ظن بزوجته ظن سوء فأتى مشتكياً عليها، وهي معه، فحاكمها ؛ فحلفت له بالولاية أنها ما خانته.
فأخبرته أنها صادقة ونهيته عن ظلمها لأن ليس من بهيمة ولا طير يحلف بولايتنا كاذباً، ولا يحلف بها كاذباً ، إلا ابن آدم، فاصطلحا وطارا.
11 – وروي، عن محمد بن مسلم (1) قال : كنت مع أبي جعفر في طريق مكة إذا بصوت شاة منفردة من الغنم تصيح بسخلة لها قد انقطع عنها، وتسرع السير السخلة إليها .
فقال أبو جعفر(عليه السلام) : أتدري ما تقول هذه الشاة لولدها .
ص: 289
قلت: لا يا سيدي
قال : تقول لها : أسرعي إلى القطيع ؛ فإن أخاك عام أول تخلف عن القطيع في هذا المكان فاختلسه الذئب فأكله.
قال محمد بن مسلم فدنوت من الراعي فقلت: أرى هذه الشاة تصيح بسخلتها لعل الذئب أكل قبل هذا سخلها في هذا الموضع .
فقال : قد كان ذلك في عام أول فما يدريك(1).
12 - وروي أن الأسود بن سعيد كان عند أبي جعفر(عليه السلام) فابتدأ، فقال: نحن حجج الله، ونحن لسان الله ونحن وجه الله ، ونحن ولاة الله، ونحن أمة الله.
ثم قال : يا أسود إن بيننا وبين كل أرض براً مثل برنا إلينا، فإذا أمرنا بأمر في الأرض جذبنا ذلك البر، فأقبلت تلك الأرض إلينا .
13 - وروي عن الحكم ابن أبي نعيم قال : أتيت أبا جعفر بالمدينة فقلت له : نذر بين الركن والمقام إن أنا لقيتك لا أخرج من المدينة حتى أعلم إنك قائم آل محمد أو لا، فلم يجبني بشيء، فأقمت ثلاثين يوماً، ثم استقبلني في الطريق.
ص: 290
فقال : يا حكم وإنك لهاهنا بعد أن قلت لأني أخبرتك بما جعلت لله (عزّوجل)على نفسي فلم تأمرني ولم تنهني. فقال: بكر إلى المنزل.
فغدوت إليه فقال : سل عن حاجتك .
فقلت: جعلت فداك إني جعلت عليّ نذر صيام وصدقة إن أنا لقيتك لم أخرج من المدينة حتى أعلم إنك قائم آل محمد(عليه السلام)أو لا، فإن كنت أنت، رابطتك ، وإن لم تكن انتشرت في الأرض، وطلبت المعاش.
فقال : يا حكم كلنا قائم، يمين قائم بأمر الله (عزّوجل).
فقلت : وأنت المهدي .
قال : كلنا نهدي إلى الله (عزّوجل).
قلت: فأنت صاحب السيف ووارث السيف وأنت الذي تقتل أعداء الله، وتعز أولياءه، ويظهر بك دين الله .
قال يا حكم أكون أنا هو، وقد بلغت هذا، أليس صاحب الأمر أقرب عهداً باللين مني، ثم قال بعد كلام طويل: سر في حفظ الله والتمس معاشاً.
14 - وروي عن ابن مصعب عن جابر بن يزيد الجعفي قال سئل أبو جعفر(عليه السلام)، عن القائم، فضرب بيده على أبي عبد الله(عليه السلام) وقال : والله هذا قا قائم آل محمد.
قال عنبسة : فلما قبض أبو جعفر دخلت على أبي عبد الله(عليه السلام)فأخبرته بذلك.
فقال صدق جابر ثم لعلكم ترون الإمام ليس هو القائم بعد الإمام الذي قبله هذا اسم لجميعهم.
15 - وقد روي عن محمد بن عمير، عن عبد الصمد، عن أبي بصير، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : إن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) عاده علي (عليه السلام)في المرض الذي قبض به فقال له :با علي ادنُ مني ؛ حتى أسر إليك ما أسره الله إليّ، فأئتمنك على ما ائتمنني عليه الله فدنا منه فأسر إليه، وفعل علي بالحسن، وفعل الحسن بالحسين، وفعل الحسين بأبي وفعل أبي بي.
ص: 291
16 - وروي عن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) أنه قال : أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وأخي علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا استشهد أبو الحسن، فالحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم ابني الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وستدركه يا حسين .
17 - وروى هذا الحديث عبد هذا الحديث عبد الله بن العباس وأسامة بن زيد، وعبد الله بن جعفر الطيار(عليه السلام)أنه قال : أنتم ورثة رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) .
فقال لي : نعم، رسل الأنبياء ونحن ورثتهم وورثة رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم).
قلت : تقدرون تحيون؛ وتميتون؛ وتبرئون الأكمه والأبرص .
فقال لي : بإذن الله ، ثم قال: ادنُ مني يا محمد، ففعلت فمسح يده على وجهي ؛ فأبصرت الشمس والسماء والأرض، وكل شيء في الدار.
قال : أتحب أن تكون هكذا ولك ما للناس، وعليك ما عليهم، أو تعود إلى حالك، ولك الجنة خالصاً.
قلت: أعود والجنة خير لي، فمسح يده على وجهي فرجعت كما كنت.
[...](1).
ص: 292
مضى مولانا جعفر الصادق بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم، وله خمس وستون سنة، في [عام] ثمانية وأربعين ومئة من الهجرة(1).
وكان مقامه مع جده تسعة عشر سنة(2)، وأقام مع أبيه اثني عشر سنة (3)، وأقام بعد أبيه أربعاً وثلاثين سنة(4).
وكانت كنيته أبا عبد الله(5)، وأبا إسماعيل، والخاص : أبو موسى .
ولقبه : الصادق والفاضل، والقاهر ،والتام ،والكامل، والمنجي(6).
وأمه أم فروة وكانت تكنى أم القاسم ؛ وهي بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر(7) بن أبي قحافة.
ص: 294
ومشهده بالبقيع إلى جانب مشهد أبيه محمد بن علي وجده علي بن الحسين.
وكان له من الولد موسى الإمام الكاظم ،وإسماعيل ومحمد، وعلي، وعبد الله ، وإسحاق، وأم فروة، وهي التي زوجها ابن عمها الخارج مع زيد(1).
وكان من دلائله(عليه السلام):
1 - قال الحسين بن حمدان: حدثني علي بن بشر، عن جعفر بن يزيد الرهاوي، عن محمد بن المفضل عن الحسن بن مسكان، عن داود الرقي، عن أبي حمزة الثمالي، عن ميثم التمار عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال:
قال رسول الله : إذا ولد جعفر بن محمد بن علي بن الحسين(عليه السلام) فسموه جعفر الصادق؛ فإنه يولد من ولده ولد يقال له : جعفر الكذاب ويل له من جرأته عليَّ، وبغيه على أخيه صاحب الحق، وإمام الخلق، ومهدي أهل بيتي.
فلأجل ذلك ذلك سمی جعفر الصادق، وجعفر الكذاب هو جعفر بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر الصادق، وهو المعروف بزق خمر، وهو الذي سعی بجارية أخيه الحسن بن علي إلى السلطان وقال له : إن أخي توفي ولم يكن له ولد، وإنما خلف حملاً في بطن جاريته نرجس وأخذت هي وورداس الكتابية جاريتا الحسن بن علي من داره في سوق العطش وحبستا سنتين، فلم يصح على نرجس ما ادعى عليها ولا غيرها فأُطلقتا.
2 - قال الحسين بن حمدان قال : حدثني أبو الحسين بن يحيى الخرقي، وأبو محمد جعفر بن إسماعيل الحسني، والعباس بن أحمد، وأحمد بن سندولا،
ص: 295
وأحمد بن صالح ومحمد بن منصور الخراساني، والحسن بن مسعود الفزاري ،وعيسى بن مهدي الجوهري الجنبلاني والحسين بن غياث الجنبلاني.
وأحمد بن حسان العجلي الفزاري، وعبد الحميد بن محمد السراج جميعاً في مجالس شتى أنهم حضروا وقت وفاة أبي محمد بن الحسن بن علي بن موسى بن جعفر الصادق صلوات الله عليهم والصلاة، بسر من رأى فإن السلطان لما عرف خبر وفاته أمر سائر أهل المدينة بالركوب إلى جنازته وأن يحمل إلى دار السلطان حتى صلى عليه وحضرت الشيعة وتكلموا، وقال علماؤهم :
اليوم يبين فضل سيدنا أبي محمد الحسن بن علي على أخيه جعفر، ونرى خروجهما مع النعش .
قالوا جميعاً فلما خرج النعش وعليه أبو الحسن خرج أبو محمد حافي القدم مكشوف الرأس، محلل الأزرار خلف النعش مشقوق الجيب مخضل اللحية بدموع علي عينيه يمشي راجلاً خلف النعش، مرة عن يمين النعش، ومرة عن شمال النعش، ولا يتقدم النعش إليه .
وخرج جعفر أخوه خلف النعش بدراريع يسحب ذيولها، معتم، محبتك الأزرار، طلق الوجه على حمار يماني يتقدم النعش، فلما نظر إليه أهل الدولة وكبراء الناس والشيعة ورأوا زي أبي محمد وفعله ترجل الناس وخلعوا أخفافهم وكشفوا عمائمهم، ومنهم من شق جيبه وحلل أزراره ولم يمش بالخفاف، ولا الأمراء، وأولياء السلطان أحد فأكثروا اللعن والسب لجعفر الكذاب، وركوبه وخلافه على أخيه لما تلا النعش إلى دار السلطان سبق بالخبر إليه فأمر بأن يوضع على ساحة الدار على مصطبة عالية كانت على باب الديوان.
وأمر أحمد بن فتيان وهو المعتمد بالخروج إليه والصلاة عليه وأقام السلطان في داره للصلاة عليه إلى صلاة العامة وأمر السلطان بالإعلان والتكبير، وخرج المعتمد بخف وعمامة ودراريع فصلى عليه خمس تكبيرات، وصلى السلطان بصلاتهم، والسلطان في ذلك الوقت المعتز وكان اسم المعتز الزبير والموفق طلحة، وكانت أم المعتز تتوالى أهل البيت.
فقال المعتز : وكل . وقد ولد المعتز وقد سميته الزبير .
قالت وكيف اخترت له هذا الاسم.
ص: 296
فقال : هذا اسم عم النبي(صلی الله علیه وآله وسلم).
قال الحسين بن حمدان إنما ذكرت هذا ليعلم من لا يعلم ما كان المعتز هو الزبير، وجعفر المتوكل على الله المعتضد أحمد بن طلحة .
رجع الحديث إلى الجماعة الذين شهدوا الوفاة والصلاة قال : اجعلوا النعش إلى الدار فدفن في داره وبقي الإمام أبو محمد الحسن بن علي ثلاثة أيام مردود الأبواب يسمع من داره القراءة والتسبيح والبكاء، ولا يؤكل في الدار إلا خبز الخشكار والملح ويشرب الشربات وجعفر بغير هذه الصفة، ويفعل ما يقبح ذكره من الأفعال.
قالوا جميعاً : وسمعنا الناس يقولون هكذا كنا نحن جميعاً نعلم ما عند سيدنا أبي محمد الحسن من شق جيبه .
قالوا جميعاً : فخرج توقيع منه في اليوم الرابع من المصيبة .
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أما بعد من شق جيبه على الذرية، يعقوب على يوسف، حزناً قال: يا أسفي على يوسف ؛ فإنه قد جيبه فشقه .
3 - قال الحسين بن حمدان حدثني الحسن بن محمد بن جمهور، عن محمد ابن علي، عن علي بن محمد، عن أبي المعز عن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبد الله الصادق بعد مضي والده الباقر(عليه السلام) وقد جامعت أهلي فأتيت إلى عند سيدي الصادق من قبل أن أغتسل لأمتحنه وأرى دلالته مثل ما أراني أبوه .
فلما دخلت عليه بمجلسه وأنا على هذه الحال فقال لي: يا محمد ما كان فيما كنت فيه حاجة أن تدخل على إمامك وأنت جُنب.
فقلت له : جعلت فداك اعتمدت ذلك لأرى دلالتك .
فقال : أولم تؤمن.
قلت: بلى ولكن ليطمئن قلبي .
ص: 297
قال : قم اغتسل من جنابتك. ففعلت وعدت إلى مجلسه وعلمت بهذه الدلالة إنه الإمام حقاً .
4 - وعنه : عن أحمد بن صالح، عن جرير بن يزيد الشاري، عن محمد بن علي، عن الحسن بن علي، عن محمد غلام سعد الإسكاف قال : كنت عند أبي عبد الله إذ دخل عليه رجل من أهل الجبل بهدايا وألطاف، فكان مما كان أهدى إليه جراب فيه قديد وحيش فنثر أبو عبد الله
(عليه السلام) القديد(1)من الجراب .
قال الرجل : أنا ما أتيتك إلا ناصحاً .
قال : هذا القديد ليس مذكى(2). فرده بين يديه أبو عبد الله الصادق(عليه السلام) فی الجراب، ثم تكلم عليه بكلام لم أفهمه وقال للرجل : قم بهذا الجراب فادخل في ذلك البيت وضعه في الزاوية. فسمع الرجل القديد من داخل الجراب وهو يقول: ليس مثلي يأكله الإمام لأني غير مذكى.
فحمل الرجل الجراب وخرج إلى أبي عبد الله(عليه السلام)، فقال الصادق : إن القديد أخبرني بما أخبرتني به، قال : إنه غير مذكى.
فقال له أبو عبد الله(عليه السلام) : أما علمت يا هارون أنا نعلم ما لا يعلم الناس. قال : بلى، جعلت فداك فعلمت أن اسم الرجل هارون، وخرج وخرجت أتبعه حتى مر على كلب فألقاه إليه، فأكله الكلب حتى لم يبق منه شيء(3)
فكان هذا دلائله .
ص: 298
5 - وعنه : عن أحمد بن محمد الحجالي الصيرفي، عن محمد بن علي، عن علي بن الحسن عن أبيه، عن أبي حمزة، عن أبي عبد الله بن يحيى الكاهلي(1) قال : قال أبو عبد الله : يا عبد الله بن يحيى الكاهلي، إذا لقيته فاقرأ آية الكرسي، ثم قل عزمت عليك بعزيمة أمير المؤمنين والأئمة بعده صلوات الله عليهم أجمعين، إلا تنحيت عن طريقنا لا تؤذينا ولا نؤذيك.
قال عبد الله بن يحيى بن يحيى : فأنا وابن عمي في الطريق إذ عرض لنا سبع(2) ،فقلت له : ما أمرني الصادق وكان السبع يزأر فانكف وطأطأ رأسه وجمع نفسه وأدخل ذنبه بين يديه ومشى على الطريق من حيث جاء(3).
فقال لي ابن عمي: ما سمعت كلاماً أحسن مما قلته للسبع.
فقلت : هذا مما علمني أبو عبد الله(عليه السلام).
فقال : أشهد أنه الإمام الذي فرض الله طاعته ولولا ذلك ما أطاعه السبع وما كان ابن عمي يعرف قليلاً ولا كثيراً من دينه، فدخلت على الصادق (عليه السلام) من قابل فأخبرني بما كان مني ومن ابن عمي والسبع.
وقال: لا تكن ظننت ثم قال : إن لي مع كل ولي أذناً سامعة، وعيناً ناظرة، ولساناً ناطقاً ثم قال لي يا عبد الله ولقيك السبع ببيداء الكوفة على شاطئ النهر، واسم ابن عمك حبيب وما كان الله ليميته حتى يعرف هذا الأمر.
ص: 299
قال: فرجعت إلى الكوفة فأخبرت ابن عمي بمقالة أبي عبد الله الصادق(عليه السلام)، ففرح فرحاً شديداً، وما زال مستبصراً حتى مات على ذلك
ص: 300
6 - وعنه : عن جعفر بن أحمد القصير، عن محمد بن علي، عن علي بن محمد، عن الحسن بن علي، عن أبي العلاء عن أبي بصير، قال: دخلت على أبي عبد الله الصادق(عليه السلام)فكان ابنه إسماعيل موعوكاً فقال : قم يا محمد فادخل على ابني إسماعيل فعده فدخلت معه فإذا في جانب داره قصر فيه فاختة وهي تصيح فقال : يا بني تمسك هذه الفاختة، أما علمت أنها مشؤومة، قليلة الذكر الله، تدعو على أربابها وعلينا أهل البيت.
قال أبو بصير : فقلت : وماذا دعاؤها يا سيدي.
قال : تقول : فقدتكم أهل البيت وفقدت أربابي.
قال لإسماعيل : إن كان لا بد متخذاً مثلها ؛ فاتخذ ورشاناً فإنه ما زال كثيراً يذكر الله تعالى ويتولانا ويحبنا .
قال أبو بصير فقلت يا سيدي فهل في الطير مثله بهذه الصفة.
قال نعم ،الزاعبي والقنابر والديك الأفرق، والطيطوى، والبنية.
قلت : وما البنية .
قال : الذي تسمونه البوم، فإنه من يوم قتل الحسين يسكن نهاراً ويندبنا ليلاً.
7 : - وعنه عن محمد بن علي عن شعيب العاقرقوني(1)قال : دخلت أنا وحمزة وأبو بصير ومعي ثلاثمئة دينار على أبي عبد الله الصادق(عليه السلام)فصببتها بين يديه فقبض منها لنفسه :وقال يا شعيب خذ الباقي فإنه مئة دينار ؛ وارددها إلى
ص: 301
موضعها الذي أخذتها منه فقد قبلنا منك ما هو لك، ورددنا المئة على صاحبها .
قال شعيب فخرجنا من عنده جميعاً .
فقال لي أبو بصير: يا شعيب ما حال هذه الدنانير التي ردها أبو عبد الله(عليه السلام).
قلت له : أخذتها من غرفة أخي سراً وهو لا يعلم.
فقال أبو بصير وأبو حمزة : زن الدنانير وعدّها لننظر كم هي، فزناها وعددناها فإذا هي مئة دينار لا تنقص ولا تزيد(1).
8 - وعنه : عن محمد بن غالب، عن زيد بن رياح، عن محمد بن علي، عن علي بن محمد، عن الحسين بن علي، عن أبي حمزة، عن أبيه علي، عن أبي بصير : قال : كنت عند أبي عبد الله يوماً جالساً إذ قال : يا محمد هل تعرف إما مك؟
قلت : إي والله الذي لا إله إلا هو أنت هو، ووضعت يدي على ركبتيه وفخذيه .
فقال : يا محمد ليس هذا الأمر ،معرفة، ولا إقرار للإمام بما جعله الله له وفيه ،ولكن نطالبه بعلامة ودلالة.
قلت : يا سيدي قولك الحق، ولكي أزداد علماً ويقيناً وليطمئن قلبي.
قال: يا محمد ترجع إلى الكوفة ويولد لك ولد تسميه عيسى، ويولد لك بعد سنتين ولد تسميه محمداً، ويولد لك بعدهما ابنتان في ثلاث سنين، واعلم أن أسماء أبنائك عندنا في الصحيفة الجامعة، والوسطى مثبتان مسميان مع أسماء شيعتنا ، وأسماء آبائهم وأمهاتهم وقبائلهم وعشائرهم مصوران مجليان، وأجدادهم وأولادهم، وما يلدون إلى يوم القيامة رجلاً رجلاً وامرأة امرأة وهي صحيفة
ص: 302
صفراء مدروجة(1)مخطوطة بالنور لا بحبر ولا بمداد.
قال أبو بصير : فرجعت من المدينة ودخلت الكوفة فولد لي والله ولدان وابنتان في الأوقات التي قال عنها(2). فكان هذا من دلائله(عليه السلام).
9 - وعنه : بهذا الإسناد، عن أبي بصير : قال دخلت على أبي عبد الله(عليه السلام)فقال : يا أبا محمد ما فعل أبو حمزة الثمالي.
فقلت له : جعلت فداءك خلفت أبا حمزة صالحاً .
فقال لي : إذا رجعت فاقرئه مني السلام وقل له: إنك تموت يوم الجمعة من شهر رمضان من السنة الداخلة.
قلت : جعلت فداك لقد كان للشيعة فيه أنس وكان عليهم نعم الشيعة .
فقال: صدقت يا أبا ،محمد وما عندنا وعنه الله خير .
قلت: جعلت فداءك شيعتكم تعلم.
قال: نعم، إذا هم خافوا الله وراقبوه وخافونا وخافوا الذنوب فإذا هم فعلوا ذلك كانوا معنا في درجتنا .
قال أبو بصير: لما رجعت بلغت أبا حمزة كل ما قاله أبو عبد الله الصادق(عليه السلام)، فلما كانت السنة الداخلة توفي أبو حمزة رحمة الله عليه يوم الجمعة في رمضان كما قال(3).
ص: 303
10 - وعنه ، عن محمد بن خالد، عن جعفر بن أحمد الصفار، عن محمد بن علي ،عن علي بن الحسين ،عن الحسن والحسين ابني أبي العلاء، عن أبي العلاء، عن أبي المغيرة، عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله الصادق(عليه السلام) يقول وقد جرى ذكر المعلى بن خنيس فقال : رحم الله المعلى بن خنيس.
فقلت : يا سيدي وما حاله .
فقال لي : اكتم عليَّ يا أبا محمد ما أقول في المعلى بن خنيس.
فقلت : أفعل يا سيدي.
فقال : إن المعلى ما كان ينال درجتنا إلا بما نال منه داود بن علي بن عبد الله ابن عباس ...
قلت له : جعلت فداك وما الذي ينال داود بن علي.
قال : يدعو به إذا تقلد المدينة عليه لعنة الله وسوء الدار فيطالبه بأن يثبت له أسماء شيعتنا وأوليائنا ليقتلهم فلا يفعل فيضرب عنقه ويصلبه .
فقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون، ومتى يكون ذلك.
قال : قابل. فلما كان من قابل ولي المدينة داود بن علي لعنه الله فأحضر المعلى بن خنيس فسأله عن شيعة جعفر الصادق(عليه السلام) وأوليائه أن يكتبهم له.
فقال له المعلى ما أعرف من شيعته وأوليائه أحداً، وإنما أنا وكيله؛ أنفق له وأتردد في حوائجه وما أعرف له شيعة ولا صاحباً.
قال : لا تكتمني فأقتلك .
قال المعلى بن خنيس : أفبالقتل تهددني والله لو كانوا تحت قدمي ما رفعتها عنهم ولئن قتلتني ليسعدني الله ويشقيك. فأمر به فضرب عنقه وصلب على باب دار الإمارة.
فدخل عليه أبو عبد الله الصادق(عليه السلام) فقال له : يا داود بن علي، قتلت مولاي ووكيلي وثقتي على عيالي
ص: 304
قال : ما أنا قتلته .
قال : فمن قتله.
قال : ما أدري.
قال الصادق(عليه السلام): ما رضيت أن صلبته وقتلته حتى تجحد وتكذب؛ والله ما رضيت أن قتلته ظلماً وعدواناً، ثم صلبته، أردت أن تشهر به، وأن تنوه بقتله، وإنه مولاي، والله إنه لا وجه عند الله منك ومن أمثالك منزلته عند الله رفيعة، ولك منزلة وضيعة في النار، فانظر كيف تخلص منها ؛ والله لأدعون الله فيقتلك الله كما قتلته .
فقال له داود بن علي :تهددني بدعائك ؛ اصنع ما أنت صانع وادع لنفسك، فإذا استجيب لك فادع علي .
فخرج الصادق(عليه السلام)من عنده مغضباً، فلما جن عليه الليل اغتسل ولبس ثياب الصلاة وابتهل إلى الله(عزّوجل)، وقال : يا ذاي يا ذاي يا ذويه ارم سهماً من سهامك علی داود بن علي يفلق به قلبه، ثم قال لغلامه : اخرج اسمع الصراخ على داود.
فخرج ورجع الغلام وقال يا مولاي الصراخ عال عليه وقد مات؛ فخر الصادق(عليه السلام)ساجداً وهو يقول : شكراً للكريم، شكراً للقائم الدائم؛ الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء.
وأصبح داود بن علي ميتاً لعنه الله والشيعة يهرعون إلى أبي عبد الله الصادق(عليه السلام)ويهنئونه بموته فقال لهم : قد مات على دين أبي لهب؛ ولقد دعوت الله عليه بثلاث كلمات؛ لو دعوت الله بها على الأرض لزالت ومن عليها ؛ فأجابني وعجل عليه إلى أمه هاوية (1).
11 - وعنه، عن محمد بن إبراهيم الخياط عن بشار بن علي، عن زيد الشحام، عن أبي سمينة، عن محمد بن علي عن يونس بن ظبيان، عن المفضل
ص: 305
بن عمر الجعفي عن سيدنا أبي عبد الله الصادق(عليه السلام)وهو جالس على بساط أحمر في وسط داره(1)وأنا أقول : إن كان داود أوتي ملكاً عظيماً، فالذي أوتيه محمد رسول الله وأهل بيته(عليهم السلام)أعظم وأجل .
وقلت في نفسي: اللهم إني ما أشك في حجتك على خلقك، وأما جعفر فبين لي فيه آية تزيدني ثباتاً ويقيناً، فرفع رأسه إليَّ وقال :﴿ قَدْ أُوتِيتَ سُوْلَكَ يَمُوسَى﴾(2)، يا مفضل ناولني النواة، وأشار بيده إلى نواة في جانب الدار، فأخذتها وناولته إياها، فجمع سبابته عليها وغمرها في الأرض فغيبها ودعا بدعوات سمعته يقول: اللهم فالق الحب والنوى، ولم أسمع الباقي، وإذا تلك النواة نبتت نخلة وأخذت تعلو حتى صارت بإزاء علو الدار ، ثم حملت حملاً حسناً وتهدلت ونارت ورطبت وأنا أنظر إليها .
فقال لي: يا مفضل اهززها فهززتها، فنثرت علينا في الدار رطباً جنياً ليس مما رأى الناس ولا عرفوه ولا أكلوا أصفى منه وهو أصفى من الجوهر، وأعطر من روائح المسك والعنبر توري كالمرآة.
فقال لي : التقط وكل. فالتقطت وأكلت .
فقال : ضم كلما سقط من هذا الرطب واهدِهِ إلى مخلصي شيعتنا الذين أوجب الله لهم الجنة، فلا يحل هذا الرطب إلا لهم ،فاهدِ إلى كل نفس منهم واحدة.
قال المفضل : فضممت ذلك الرطب وظننت أني لا أطيق حمله، فخف حتى حملته إلى منزلي وفرقته فيمن أمرني به ممن هو بالكوفة، فخرج بأعدادهم لا يزيد رطبة ولا ينقص رطبة .
فرجعت إليه فقال لي: اعلم يا مفضل أن هذه النخلة تطاولت وانبسطت في هذه الدنيا فلم يبق مؤمن ولا مؤمنة من شيعتنا بالكوفة وغيرها بمقدار مضيك إلى منزلك ورجوعك إلينا إلا وقد وصل إليهم منها، فهذا فضل من الله أعظم إلى جدنا محمد ، وأن الكتب من شيعتنا سترد إلينا وإليك من طول الدنيا وعرضها بأن النخلة وصلت إليهم جميعاً وطرحت إلى كل واحد منهم رطبة .
ص: 306
قال المفضل : فلم تزل الكتب ترد عليه من سائر الشيعة ومن سائر الدنيا بذلك فعرفت عددهم من كتبهم(1).
12 - وعنه : عن الحسين بن مسعود عن عبد الله بن زيد التمار عن هشام ابن جعفر الوشا عن الحسين بن مسكان عن بشار الشعيري، عن المفضل بن عمر قال : خرج أبو عبد الله الصادق(عليه السلام)وأنا معه إلى بعض قرى سواد الكوفة، فلما رجعنا رأينا على الطريق رجلاً يلطم رأسه ويدعو بالويل والعويل، وبين يديه حمار قد خنق كان عليه رحله وزاده فنظرت إليه فرحمته .
فقلت : لو أدركت يا مولاي هذا البائس رحمتك ودعوت له أن يحيي حماره. قال : يا مفضل إني أفعل هذا به فأسال الله تعالى فيحييه له، فإذا أحييناه سألنا من نحن، فنعرفه أنفسنا، فيدخل الكوفة فينادي علينا فيها، ويقول للناس: هاهنا رجل يعرف بجعفر بن محمد وهو ساحر كذاب فيقولون له ما رأيت من سحره، فيحدثهم بالذي كان، فإذا سمعوه فرحت شيعتنا واغتم أعداؤنا، وينسبوننا إلى السحر والكهانة.
وإن الجن تحدثنا وتطيعنا ويكذبون علينا، فادنُ منه وخذ عليه العهد إن أحيينا له حماره لا يشنع علينا فإنه يعطيك ولا يفي وما تشنيعه علينا بضار، بل يشنع علينا أكثر أهل الكوفة من أعدائنا .
قال المفضل : فدنوت منه فقلت له : إن أحيى سيدنا لك حمارك تكتم عليه ولا تشنع به .
قال : نعم. وأعطى عهد الله وميثاقه على ذلك، فحلف ودنا سيدنا أبو عبد الله الصادق(عليه السلام)من حماره وتكلم بكلمات وقال لصاحب الحمار: أمدد برأسه.
ص: 307
فمده، فنهض حياً، وحمل عليه رحله ودخل الكوفة، ونادى وشنع في الناس والطرق وقال إن ها هنا ساحر يعرف بجعفر بن محمد مر بحماري وهو ميت فتكلم عليه بسحره فأحياه.
فشنع أكثر الناس المخالفين من أجل ذلك وقال لي : من قابل اخرج يا مفضل فإنك تلقى صاحب الحمار سائل العينين أصم الأذنين مقطوع اليدين والرجلين، أخرس اللسان على ظهر ذلك الحمار يطاف به.
فكان كما قال(عليه السلام)(1)
13 - وروي عن محمد بن زيد عن إبراهيم بن إسحاق، عن محمد بن عبيد الله الجوهري، عن علي بن إبراهيم عن حمران بن أعين، عن أبي هارون المكفوف، عن أبي عبد الله الصادق ، قال أبو هارون : خرجت أريده فلقيني بعض أعدائه فقال : أعمى يسعى إلى عند أعمى؛ فمصيركما إلى النار يا سحرة يا كفرة .
فدخلت على مولاي الصادق(عليه السلام)حزيناً باكي العين، وعرفته ما جرى فاسترجع وقال: يا هارون لا يحزنك ما قاله عدونا ؛ فوالله ما اجترأ إلا على الله وقد نزلت به في الوقت عقوبة أندرت ناظريه من عينيه وجعلت أنت من بعده بصيراً، ومن علامة ذلك خذ هذا الكتاب فاقرأه.
قال أبو هارون فأخذت الكتاب ففضضته وقرأته إلى آخر حرف منه، ثم قال :لا تنظر في أمر يهمك إلا رأيته ؛ لا تحجب بعد يومك هذا إلا عن ما لا يهمك. قال أبو هارون فصرفت قائدي من الباب وجئت إلى بيتي أنظر إلى طريقي، وإلى ما يهمني وقرأت سكك الدراهم والدنانير ونقش الفصوص، وتزويق السقوف، ولم أحجب إلا عما لا يعنيني فإني لم أكن أراه، وسألت عن الرجل،
ص: 308
فوجدته لم يبلغ بعض طريقه إلى داره حتى فقد ناظريه من عينيه، وافتقر وكان ذا ،مال فكان يسأل الناس عن الطريق (1)
14 - وعنه ، عن محمد بن قاسم العطار وعلي بن عاصم الكوفي(2)، قالا جميعاً : حدثنا علي بن عبد الله الحسني، عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري، عن علي بن أحمد البزاز صاحب أبي جعفر(عليه السلام)، قال هاشم جلست بین یدیه أسمع منه ولا أسأل، وجلست عشرين سنة أسأله ويجيبني، فقلت له يوماً (3): وقد دخل عليه عبد الله الديصاني وجماعة معه من أصحابه وقد سأله فقال له يا أبا عبد الله يقدر ربك يجمع السماوات والأرض في بيضة ؛ لا تكبر البيضة ولا تصغر السماوات والأرض.
فقال أبو عبد الله(عليه السلام): انظر بعينيك يا ديصاني ماذا ترى.
فقال : أرى سماء، وأرضاً وجبالاً ،وبحاراً وأنهاراً ، وضروباً من الخلق فى صور شتى .
فقال له : ويحك يا ديصاني أنت ترى هذا كله في ناظريك الذي هو أقل من عدسة، ولا يكبر ناظريك ولا يصغر ما تراه فالذي يجمع السماوات والأرض في بيضة لا تكبر البيضة ولا تصغر السماوات والأرض هو الذي جمع هذا كله في ناظريك ؛ ولم يصغر ما تراه.
فكان آخر كلامه أن قال له ما اسمك، فسكت الديصاني فهزه أصحابه فقال لهم : اسمي عبد الله .
فقال : ويحك كيف تجحد من أنت عبده. فانقطع عن الكلام وسكت، فلما
ص: 309
خلا المجلس قلت له يا أبا عبد الله أما رحمتك وسعت كل شيء، فقد حملتني منها عظيماً فأرني دلالة من دلائلك .
فقال : يا ديصاني حدث هاشم بقصتك. فقلت في نفسي أو ليس قد خرج الديصاني وخلا المجلس، فإذا بالديصاني وحده واقف بين يديه ينتفض ويرتعد، فقال : حدثه لا أم لك .
فقال الديصاني : يا هاشم القدرة الله رب العالمين؛ رب السماوات والأرض، وهي في هذا الرجل، ولقد والله دعا عليَّ سبع مرات وزجرني سبع زجرات، يقول لي بعد كل زجرة : إن لم تقر بالله فكن ،قرداً، فصرت ،قرداً، وخضعت وخشعت وبكيت بين يديه، فردني بشراً سوياً فلم أقر بالله .
فقال لي: كن خنزيراً، وكن وزغاً، وكن جرياً، وكن حديداً، فكلا أكون وأستقيله، فيردني، ولا أقر بالله إلى غايتي هذه ،ولا أدري ما يفعل، فقلت: لا إله إلا الله ما أعظم جرمك وأشد كفرك .
فقال له الحق بأصحابك ؛ فإنهم منتظروك في الموضع الذي أخذناك منهم ،فقص عليهم قصتك فغاب الديصاني فقلت له يا مولاي فإذا قال لهم يؤمنون.
فقال : والله لا يزيدهم ذلك إلا كفراً، ولا يؤمنون إلا على ذلك، ويحشرون إلى النار .
قال هاشم وكنت أعرف القوم وأسال عنهم وأسألهم فما ماتوا إلا على كفرهم .
ص: 310
مضى (1):موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين وله تسع وأربعون سنة(2)؛ في عام ثلاث وثمانين ومائة سنة من الهجرة(3)
وكان مقامه : مع أبيه جعفر الصادق أربعة عشر سنة(4)، وأقام بعد أبيه خمسا وثلاثين سنة(5)
واسمه :موسى .
وكناه(6): أبو الحسن، وأبو إبراهيم(7)، والخاص : أبو علي .
ص: 311
ولقبه الكاظم، والصابر(1)، والمصلح، والمبرهن، والبيان، وذو المعجزات (2).
وأمه : حميدة البربرية(3)، ويقال : الأندلسية(4)، والبربرية أصح.
ومشهده : ببغداد في مقابر قريش(5).
وكان له من الولد: علي الرضا الإمام(عليه السلام)، وزيد الباز ،وإبراهيم ،وعقيل ،ومروان، وإسماعيل، وعبد الله، ومحمد، وأحمد ،وجعفر، والحسن، ويحيى ،والعباس، وحمزة ،وعبد الرحمن، والقاسم(6).
وكان له من البنات :أم فروة، وأم أبيها، ومحمودة، وأمامة، وميمونة، وعلية، وفاطمة، وأم كلثوم، آمنة وزينب، وأم عبد الله ، وأم القاسم، وحليمة، وأسماء، وصرخة(7).
وكانت وفاته: في زمن هارون الرشيد في دار السندي بن شاهك والي الشرطة ببغداد في الكوفة(8). وكان من دلائله وبراهينه(عليه السلام):
ص: 312
1 - قال الحسين بن حمدان الخصيبي (قدس سره): حدثني جعفر بن محمد ابن مالك، عن إبراهيم بن زيد النخعي، عن الخليل بن محمد عن أحمد البزاز وكان بزاز أبي الحسن موسى(عليه السلام)، قال : لما بعث الرشيد إليه فحمله من المدينة وجاء به إلى بغداد واعتقله في داره وفكر في قتله بالسم، فدعا برطب فأكل منها، ثم أخذ صينية فوضع فيها عشرين رطبة وأخذ سلكاً فركه بالسم وأدخله في سم الخياط وأخذ الرطبة وأقبل يردد السلك المسموم من رأس الرطبة إلى آخرها، حتى علم أنه قد مكن السم فيها واستكثر منه، ثم ردها بين الرطب، وقال لخادمه : احمل هذه الصينية إلى موسى وقل له : إن أمير المؤمنين حمل لك من هذا الرطب، وهو يقسم عليك بحقه إلا ما أكلته عن آخره فإنه اختاره لك بيده، ولا تدعه يبقى منه شيئاً، ولا يطعم منه أحداً .
فأتاه به الخادم وبلغه الرسالة، فقال: ائتني بخلال.
فناوله خلالاً، وقام بإزائه وهو يأكل من الرطب وكانت للرشيد كلبة أعز عليه من کل مملكته ،فخلعت نفسها وخرجت تجر سلاسلها، وهي من
كل فضحه، حتى حاذت موسى بن جعفر(عليه السلام) فبادر بالخلال إلى الرطبة المسمومة فغرزها ورماها إلى الكلبة فأكلتها، فلم تلبث أن ضربت بنفسها إلى الأرض وعوت حتى تقطعت قطعاً .
وأكل(عليه السلام) باقي الرطب كله عن آخره وحمل الغلام الصينية وصار بها إلى الرشيد، فقال له : أكل الرطب كله .
قال : نعم ، قال : كيف رأيته؟ .
فقال : ما أنكرت منه شيئاً .
فقال : وورد خبر الكلبة وأنها قهرت وماتت فقلق الرشيد بذلك قلقاً شديداً واستعظمه، ووقف على الكلبة فوجدها مهترأة بالسم فأخذ الخادم ودعا له بالسيف والنطع وقال له : لتصدقني الصحيح عن خبر الرطب وإلا قتلتك .
قال له : يا أمير المؤمنين إني حملت الرطب إلى موسى وبلغته سلامك وقمت
ص: 313
بإزائه فطلب خلالاً فدفعته إليه، فأقبل يغرز الرطبة بعد الرطبة ويأكلها حتى مرت به الكلبة فغرز رطبة ورماها إليها، وأكل باقي الرطب، فكان ما ترى يا أمير المؤمنين .
فقال الرشيد: ما ربحنا من موسى بن جعفر إلا أن أطعمناه جيد الرطب، وضيعنا سمنا وقتلنا ،كلبتنا ما في موسى حيلة .
2 - وعنه بهذا الإسناد، عن علي بن أحمد البزاز قال : أمر الرشيد السندي ابن شاهك أن يبني لموسى مجلساً في داره، وتحول إليه من دار هارون، ويقيده بثلاثة قيود من ثلاثة أرطال حديد، ويلزمه إبقاءه ويطبق عليه ويغلق الباب في وجهه إلا وقت الطعام ووضوء الصلاة.
قال : فلما كان قبل وفاته بثلاثة أيام دعا برجل كان فيمن وكل به يقال له المسبب وكان ولياً، فقال له يا مسبب .
قال : لبيك .
قال : إني ظاعن عنك في هذه الليلة إلى مدينة جدي رسول الله لأعهد إلى من بها عهداً يعمل به بعدي.
قال المسبب : كيف تأمرني والحرس معي أن أفتح لك الأبواب وأقفالها .
قال : ويحك يا مسبب ضعف يقينك في الله زوجك وفينا ؟! .
فقلت: لا يا سيدي ولم أزل ساجداً، قال: فمه.
قال المسبب فثبتني ،سيدي وقال : يا مسبب إذا مضى من هذه الليلة المقبلة ثلثها قف وانظر .
قال المسبب : فحرمت على نفسي الاضطجاع في تلك الليلة، ولم أزل ساجداً وراكعاً وناظراً إلى ما وعدني به فلما مضى من الليلة ثلثها تغشاني النعاس وأنا جالس، وإذا سيدي موسى(عليه السلام)يجذبني برجله، فقال: قم.
فقمت قائماً، وإذا بتلك الجدران المشيدة والأبنية المعلاة وما حولها من القصور والدور وقد صارت كلها أرضاً، والدنيا من حولها فضاء، فظننت إن مولاي قد أخرجني من المسجد الذي كان فيه فقلت لمولاي : أين أنا من الأرض.
ص: 314
فقال لي: في مجلسي .
فقلت :مولاي ، خذ بيدي من ظالمي وظالمك.
فقال : يا مسبب أتخاف القتل؟ .
قلت: مولاي أنا معك فلا .
قال : يا مسبب كن على جملتك، فإني راجع إليك بعد ساعة، فإذا وليت عنك فيعود مجلسي إلى بنيانه .
قلت:مولاي، فالحديد لا تقطعه
قال: يا مسبب، بنا والله لان الحديد ،لداود فكيف يصعب علينا .
قال المسبب : ثم خطا من بين يدي خطوة فلم أدر أين غاب عن بصري، ثم ارتفع البنيان وعادت القصور إلى ما كانت عليه فاشتد هيامي، فعلمت أن وعده الحق .
فلم أزل قائماً على قدمي، ولم يمض إلا ساعة كما أخبرني حتى رأيت الجدران والأبنية والدور والقصور قد خرجت إلى الأرض ساجدة، فإذا بسيدي قد عاد إلى مجلسه وعاد الحديد إلى رجليه فخررت ساجداً لوجهي بين يديه، فقال لي : ارفع رأسك، واعلم أن سيدك راحل إلى الله تعالى في ثالث هذا اليوم.
فقلت :مولاي فأين سيدي علي الرضا؟
قال : شاهد عندك غير غائب، وحاضر غير بعيد يسمع ويرى .
قلت: سيدي، إلى أين قصدت؟.
قال : قصدت والله كل مستجيب الله على وجه الأرض شرقاً وغرباً، حتى صحبني من الجن في البراري والبحر، ومختفي الملائكة في مقاماتهم وصفوفهم.
فبكيت قال : لا تبك فأنا نور لا يطفأ إن غبت عنك، فهذا ابني علي الرضا بعدي هو أنا .
فقلت : الحمد لله الذي وفقني .
ثم دعاني في ثالث ليلة فقال لي: يا مسبب إن سيدك يصبح من ليلة يومه على ما فرغت من الرحيل إلى الله، فإذا دعوت بشربة من الماء فشربتها فرأيت قد انتفخ بطني واصفر لوني واحمر واخضر وتلون ألواناً فخبر الطاغية هارون بوفاتي.
ص: 315
قال المسبب : لم أزل أرقب وعده حتى دعا بشربة من الماء فشربها ثم دعاني وقال : يا مسبب إن هذا الرجس السندي بن شاهك سيقول : إنه يتولى أمر دفني، وهيهات أن يكون ذلك أبداً، فإذا حملت إلى المقابر المعروفة بمقابر قريش فالحدوني بها، ولا تعلوا على قبري بناء وتجنبوا زيارتي، ولا تأخذوا من تربتي تراباً لتتبركوا فإن كل تربة له مجربة إلا تربة جدي الحسين(عليه السلام)، فإن الله تعالى جعلها شفاء لشيعتنا وأوليائنا .
قال : ثم إني رأيته مختلفاً ألوانه وينتفخ بطنه. ثم رأيت شخصاً أشبه الأشخاص بشخصه جالساً إلى جانبه في مثل شبهه، وكان عهدي بالرضا بن موسى غلاماً، فأقبلت أريد سؤاله فصاح بي : أليس قد نهيتك يا مسبب؟ .
فولیت عنه، ثم لم أزل حتى قضى وغاب ذلك الشخص، ثم أوصلت الخبر إلى الرشيد لعنه الله ، فوافى السندي بن شاهك، فوالله لقد رأيتهم بعيني وهم يظنون أنهم يغسلونه ويحنطونه ويكفنونه وأيديهم لا تصل إليه، ولا يصنعون به شيئاً وهو مغسل محنط مكفن. ثم حمل فدفن في مقابر قريش ولم يُعلوا عليه بناءً إلا في هذا الزمان(1).
3 - وعنه عن محمد بن موسى القمي، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن إسحاق بن عمار الكوفي، قال: سمعت سيدي أبا الحسن موسى(عليه السلام)ينعى إلى رجل نفسه ويخبره ساعة موته وقرب الموت منه يوماً بعينه سماه، فقلت في نفسي : : والله إنه يعلم متى يموت الرجل من شيعته.
فالتفت إليَّ شبيه المغضب، فقال لي: يا إسحاق قد كان رشيد الهجري من المستضعفين يعلم علم الخفايا والبلايا، فالإمام أولى بعلم ذلك.
ص: 316
ثم قال: يا إسحاق اصنع ما أنت صانع، فإن عمرك فني وأنت تموت إلى سنتين، وأبوك وأخوك وأهلك لا يلبثون بعدك إلا يسيراً يتفرق كلهم ويخفون بعضهم بعضاً ويصيرون عند إخوانهم ومن عرفهم (رحمۀ الله علیه).
قال إسحاق : فإني أستغفر الله مما عرض في صدري .
فلم يلبث إسحاق بعد هذا الكلام إلا سنتين ثم مات وأخوته وتفرقت كل أهل بيته.
وقام آل عمار بأموال وافتقروا أقبح فقر .
4 - وعنه، بهذا الإسناد عن علي بن أحمد البزاز قال: كنت في جامع الكوفة في شهر رمضان في العشر الأخير، إذ جاء حبيب الأحول بكتاب مختوم من أبي الحسن موسى(عليه السلام) مقداره أربع أصابع فيه :
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إذا قرأت كتابي هذا فانظر الكتاب الصغير المختوم الذي في هذا الكتاب فاحرزه عندك حتى أطلبه منك .
قال : فأخذت الكتاب، فأدخلته في جوف بيت فيه ثوبي ومتاعي، فجعلته في صندوق مقفل، وأخذت مفاتيح الأقفال فكانت معي في نهاري وليلي ولا يأخذها غيري، ولا يدخل ذلك البيت أحد سواي.
فلما حضر الموسم خرجت إلى مكة وحملت معي كل ما كان أمرني بحمله إليه، فلما قدمت عليه قال يا علي ما فعل الكتاب الصغير الذي أمرتك بإحرازه؟
فقلت : جعلت فداءك عندي بالكوفة، في جوف بيت، وإن لي في البيت صندوقاً فيه قمطر في القمطر حقة فيها الكتاب، وكل واحد منها مفصل، لا يدخل ذلك ،غيري، والمفاتيح معي بمكة.
قال : يا علي إن رأيت الكتاب تعرفه؟
قلت : إي والله يا سيدي إني لأعرفه ولو أنه في وسط ألف كتاب.
ص: 317
قال فرفع مصلى كان تحته فأخرج ذلك الكتاب بعينه إلي، ثم قال : يا علي ، هاك هو، واحتفظ به.
فقلت : والله ما نفعني أحرازي ولا أقفالي ببيت أردته يا سيدي.
قال: خذه واحتفظ به والله لو علمت بما فيه لضاق به ذرعك .
قال علي : فأخذته ورددته إلى الكوفة معي وقعدت وأخي محمد، وكانت محيطة في جنب جبتي القز، فكان الكتاب لا يفارقني أيام حياته(عليه السلام)، فلما توفي لم يكن همي إلا أن قمت أنا وأخي إلى فروتي ففتقت جيبها وطلبت الكتاب فلم أجده، فعلمنا أنه(عليه السلام)أخذه كما في الكرة الأولى.
5-وعنه، عن محمد بن جرير الطبري (1)، عن محمد بن علي، عن علي بن أبي حمزة الثمالي قال أخبرني شعيب قال : قال لي أبو الحسن موسى(عليه السلام) بمكة، مبتدئاً من غير مسألة اركب يا شعيب وسر قليلاً، يلقاك رجل من أهل المغرب يسألك عني وعن إمامتي فقل له ما تعلمه منها، وما قاله أبي في أوان سؤالك عن الحلال والحرام فأفته فإنه يحتاج إلى ذلك.
قلت : جعلت فداءك ما علامة هذا الرجل؟
قال: هو رجل طويل جسيم، يقال له يعقوب، إذا لقيك فسألك عنا عليك أن تجيبه عما سألك عنه، فإنه حاج قومه وملتمس معرفتي، وإذا أحب أن يدخل علي فافعل ما أمرتك به .
قال شعیب: فوالله، لقد ركبت وسرت قليلاً فإذا أنا بالرجل قد أقبل بتلك العلامات، فقلت: هذا والله الرجل الذي وصفه سيدي .
فلما دنا مني أراد كلامي، فقلت له : يا يعقوب.
ص: 318
فنظر إليَّ وقال : ما أعلمك باسمي؟
فقلت له : وصفك لي وسماك من قصدت معرفته . فقال : أريد أن أسألك عن صاحبك .
فقلت له : عن أي أصحابي تسأل؟
قال : عن أبي الحسن موسى (عليه السلام).
فقلت له : ومن أين أنت؟
قال لي : من أهل بلد المغرب.
قلت : كذا أخبرني سيدي. فمن أين عرفتني.
قال لي : فما اسمك؟
فلم أقل له فقال لي: يا هذا الرجل أتاني آتٍ في منامي فقال : القَ شعيباً فسأله عن جميع ما تحتاج إليه فإنه يخبرك .
قلت له وأنا شعيب والذي أمرك في منامك وسماني هو الذي سماك لي ووصفك .
فحمد الله وشكره وقال : هو صاحبنا أبو الحسن موسى (عليه السلام).
فقلت له : هو لا غير .
وخرجنا إلى الطواف ،فطفنا فقال لي : أريد أن تدخلني عليه .
فقلت : تجلس مكانك حتى أفرغ من طوافي وأجيبك إن شاء الله تعالى.
فطفت ثم أتيته فكلمته فإذا به رجل عاقل، فأخذت بيده فأدخلته على أبي الحسن موسى(عليه السلام)، فلما نظر إليه، قال له : يا يعقوب قدمت أمس، ووقع بينك وبين أخيك خلاف، في موضع كذا وكذا حتى شتم بعضكم بعضاً، وليس هذا ديني ولا دين آبائي ولا نأمر بهذا أحداً من الناس ، فاتقِ الله وحده لا شريك له، فإنكما ستفرقان بالموت أما إن أخاك سيموت في سفره قبل أن يصل إلى أهله وستندم أنت على ما كان بينكما، فإنكما تقاطعتما فبتر الله أعماركما .
قال له يعقوب : جعلت فداءك، متى أجلي؟.
قال له : أما أجلك فإنه كان قد حضر وبتر حتى أوصلت عمتك بما أوصلتها في المنزل الذي نزلتموه بعد المنزل الذي اختصمت أنت وأخوك فيه، فزاد الله في عمرك عشرين سنة .
ص: 319
قال شعيب : فلقيت الرجل بعينه من قابل في الحج فقلت له : ما كان من خبر أخيك ؟ .
فقال : مات والله في الطريق قبل أن يصل إلى أهله وندمت على ما كان بيني وبينه، وقد علمت إن أجلي على ما قال(عليه السلام).
6 - قال الحسين بن حمدان حدثني علي بن بشر ، عن محمد بن زيد عن محمد بن علي، عن علي بن محمد عن الحسن والحسين ابني العلاء جميعاً، عن صفوان بن مهران الجمال قال :
أمرني أبو عبد الله(عليه السلام)أن أقدم ناقته الشعلاء إلى باب الدار وأضع عليها رحلها، ففعلت ووقفت افتقد أمره، فإذا أنا بأبي الحسن موسى
(عليه السلام) قد خرج مسرعاً، وله في ذلك الوقت ست سنين مشتملاً ببردته اليمانية، وذوائبه تضرب على كتفيه، حتى استوى في ظهر الناقة وأثارها ، فلم أجسر على منعه من ركوبها، وذهبت به فغاب عن نظري، فقلت: إنا لله وما الذي أقول لسيدي أبي عبد الله إن خرج ليركب الناقة، وبقيت متململاً حتى نمت ساعة فإذا أنا بالناقة قد انحنت كأنها كانت في السماء وانقضت إلى الأرض؛ وهي تعرق عرقاً جارياً، ونزل عنها ولم يعرق لها جبين وسبق ودخل الدار فخرج مغيث الخادم إليَّ، وقال لي ،صفوان إن مولاك يأمرك أن تحط عن الناقة رحلها، وتردها إلى مربطها .
فقلت : الحمد لله ، أرجو أن الإمام ندم على ركوبه إياها .
وقلت ذلك، ووقفت في الباب، فأذن لي بالدخول على سيدي أبي عبد الله الصادق(عليه السلام)، فقال : يا صفوان لا لوم عليك فيما أمرتك به من إحضارك الناقة وإصلاح رحلها عليها وما ذاك إلا ليركبها أبو الحسن موسى(عليه السلام)، فهل علمت أين بلغ عليها في مقدار هذه الساعة؟
قلت : والله إنه لا علم لي بذلك.
قال : بلغ ما بلغه ذو القرنين وجازه أضعافاً مضاعفة، فشاهد كل مؤمن ومؤمنة وعرفه نفسه وبلغه سلامي ،وعاد فادخل عليه يخبرك بما كان في نفسك وما قلت لك .
ص: 320
قال صفوان فدخلت على موسى(عليه السلام)وهو جالس وبين يديه فاكهة ليست من فاكهة الزمان ،والوقت فقال لي: يا صفوان لما ركبت الناقة قلت في نفسك إنا الله وإنا إليه راجعون ماذا أقول لسيدي أبي عبد الله إذا خرج ليركب فلا يجدها، وأردت منعي من الركوب فلم تجسر فوقفت متململاً حتى نزلت، فخرج الأمر إليك بالحط عن الراحلة .
فقلت : الحمد لله ، أرجو بالدخول.
فقال : يا صفوان لا لوم عليك، هل علمت أين بلغت في مقدار هذه الساعة؟ .
فقلت : الله وأنت يا مولاي أعلم.
فقال : إني بلغت ما بلغه ذو القرنين وجاوزته أضعافاً مضاعفة، وشاهدت كل مؤمن ومؤمنة وعرفته نفسي وبلغته سلام أبي.
قال صفوان فسجدت الله شكراً وقلت له يا مولاي هذه الفاكهة التي بين يديك في غير أوانها، يأكلها مثلي إذا أكل منها من هو مثلك؟
قال : فعد إلى دارك، فقد أتاك منها رزقك .
فخرجت من عنده فقال لي مولاي أبو عبد الله الصادق(عليه السلام): يا صفوان ما زادك كلمة ولا نقصك كلمة .
فقلت : لا والله يا مولاي
فقال : كن في دارك، فإني آكل من الفاكهة وأطعمك وأطعم أخوانك، ويأتيك رزقك كما وعدك موسى .
فقلت : ﴿ ذُرِّيَّةٌ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾(1).
ومضيت إلى منزلي وحضرت الصلاتان الظهر والعصر فصليتهما، وإذا بطبق من تلك الفاكهة بعينها وقال لي الرسول : يقول لك مولاك فما تركنا لنا ولياً إلا وأطعمناه على قدر استحقاقه(2)
ص: 321
7- وعنه ، عن محمد بن يحيى الفارسي، عن محمد بن علي، عن علي بن محمد، عن خلاد المقري عن أبي خالد الديالي عن علي بن أحمد البزاز، قال: لما قدم هارون الرشيد على سيدنا موسى(عليه السلام) من المدينة إلى بغداد أمر أن لا يدخل الكوفة، وأن يعدل له إلى البصرة ويصعد به في الدجلة إلى بغداد، ففعل به ذلك، فلما وصل إلى بغداد أمر به أن يكرمه، فأصحب ،له وفرشت له الفراشات وحملت إليه الأطعمة والأغذية.
وأسكن أبو الحسن موسى أياها وأمر الناس بالسلام عليه، ولم يزل ثلاثة أيام تجيئه أهل الدولة بالزي وأن يحضر الناس الدار ووقفوا في مراتبهم، ولا يتأخر أحد قرشي ولا هاشمي ولا عربي ولا عجمي إلا حضر الناس بالزي الحسن والعدد والجنس وأقيموا صفوفاً من خارج الدار والشارع وإلى دون السرير، وزخرفت الدار وجلس الرشيد على السرير وعليه البردة والتاج والمصحف بين يديه وأقام بنو هاشم صفين إلى طرف البساط، وأقام
الأمين وعبد الله المأمون بالسرد وسيوفهما ومناطقهما مع السرير .
ووقف الوزراء والكتاب من دون بني هاشم ووقف من دونهم الخدم والحشم، ووقف من دونهم القواد والأمراء الأمثل فالأمثل، واستحضر أبا الحسن موسى(عليه السلام)على حمار أسود يماني، وعليه بياض وبين يديه ثلاثة نفر من مواليه، فلما ورد الباب خرج الأذن بأن يدخل على حماره إلى طرف البساط، وأن يشار إليه بالسلام إلى أن يصل فدخل على هذا حتى انتهى إلى طرف البساط، فصاح هارون الرشيد بابنيه الأمين والمأمون : تلقيا ابن عمكما .
فأسرعا يجران سيفيهما حتى تلقياه فقبلا ،فخذيه وأشار هارون إليه قبل أن يطأ البساط، فلم يفعل أبو الحسن موسى ذلك، فنزل على البساط، فلما قرب من سريره ومحمد وعبد الله بين يديه تطاول الرشيد ،نحوه فلما صعد السرير قام إليه قائماً واعتنقه وأوسع له من موضعه وفرح به وأظهر سروراً بقدومه عليه، وقال: قد
ص: 322
رأيتك شيئاً، وقد قضينا وطراً من السلام والتلاقي ولا عليك يا ابن العم اليوم جلوس أكثر من هذا .
فأظهر له أبو الحسن موسى صلوات الله عليه مثلما أظهر، وشكر له، ونهض، فقال الرشيد لابنيه يمشيا بين يديه وأشار إلى بني هاشم أن يمشوا بين يديه وقدم حماره إلى طرف البساط فركب من حيث نزل وسار وبني هاشم بين يديه إلى باب الدار .
قال عبد الله المأمون يا أمير المؤمنين من هذا الابن العم العظيم الشأن الذي ما رأيتك فعلت بأحد من العالمين فعلك به .
قال :الرشيد يا عبد الله هذا حجة الله على خلقه، وإمام المسلمين.
قال له عبد الله : يا أمير المؤمنين، ألست أنت الإمام؟
قال : يا بني نحن أئمة الملك، وهذا إمام الدين.
قال له المأمون يا أمير المؤمنين فهل هو أفضل أو أنت؟ .
قال : والله يا بني لو قلت إني أفضل منه تعذبت في النار.
قال له المأمون : فتحبه يا أمير المؤمنين وتدين الله به؟
قال: نعم، أما في الدين فنعم، وأما في الملك فلا . فكان سبب تشيع المأمون قول أبيه ما قاله في موسى .
قال علي بن حمد: فلما أنساه الشيطان ذكر ربه أمر باعتقاله وحبسه، وفكر بماذا يقتله .
فقال أخوه إبراهيم بن شكلة يا أمير المؤمنين أما نفعل بموسى ما فعله جدك المنصور بأبيه جعفر؟
قال : وماذا صنع به؟
ينعم
قال : حدثني أبي المهدي أنه بعث إلى قوم من الأعاجم يقال لهم : البزغز، فاستدعى رجالاً عليهم ويفضلهم ويطيعونه في كلما يأمرهم به، فقدم عليه منهم نحو المئة ،رجل، فدخلوا عليه فلما نظر إليهم واستنطقهم وجدهم قوماً لا يفصحون بكلمة ولا يعقلون ما يقال لهم ولا يعقلون ما يقولون فقال لترجمانهم، قل لهم : من ربكم؟
ص: 323
فكلمهم، فسكتوا عنه فلم يجيبوه فقال المنصور هؤلاء يصلحون إذا كانوا لا يعرفون الله .
فخلع عليهم الديباج المثقل والوشي، وأقيمت لهم الأنزال السرية الوافرة، وفرشوا، وخدموا، وحملت إليهم الأموال، والألطاف تجدد عليهم في كل يوم، وخلع وأموال حتى مضى لهم نحو شهر، فقالوا لترجمانهم : هذا الملك يفعل بنا هذا الفعل ولا يتخذ منا كلمة، انظر أي شيء يريد بنا؟
فقال له الترجمان ما قالوا فقال : قد قالوا كل هذا .
قال : نعم .
قال : فقل لهم إن لي عدواً يدخل علي الليلة، فإذا دخل فليقتلوه.
فعرفهم الترجمان ذلك، قالوا : نحن قتل كل عدو له إذا رأيناه.
فقال لهم : احضروا الليلة الدار بأسلحتكم فإن العدو يوافي، فإذا رأيتموه فاقتلوه .
قال الرشيد : ثم ماذا ، قتلوه؟
قال له إبراهيم أخوه : لا لأن جدك صفح عنه، ووهب له ذنبه .
قال له الرشيد : ليس كذا بلغني .
قال إبراهيم فما الذي بلغك يا أمير المؤمنين؟
قال : بلغني إنه أحضرهم في الدار في الثلث الأول من الليل، فحضروا وجردوا أسلحتهم ووقفوا يزأرون زئير السباع وبعث إلى جعفر بن محمد فأتاه، فلما أقبل كانوا قد حشروا في الدار.
قال : يدخل وحده وقال : لترجمانهم هو عدوي يدخل وحده فاقتلوه .
فلما دخل جعفر وأشرف عليهم تعاووا مثل الكلاب ورموا أسلحتهم وكتفوا أيديهم وخروا على وجوههم إلى الأرض نحو جعفر، فلما رآه جدي المنصور قام إليه وتلقاه وقال يا أبا عبد الله ما الذي جاء بك في هذا الوقت؟
قال له جعفر : رسلك أتت بي إليك، وما جئتك والله إلا مغسلاً محنطاً مكفناً .
قال له جدي حاشى الله أن يكون كما تقول ما كنت لأقطع رحم رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) فيك، فارجع راشداً.
ص: 324
فخرج جعفر وألقوا البزغز على الأرض مكتفين حتى خرج جعفر قاموا کالسكارى وقالوا لترجمانهم : لا جزاك الله خيراً، تقول يدخل عليكم عدو الملك وحده فاقتلوه، فيدخل علينا إمامنا ومن يكفلنا في ليلنا ونهارنا ويدبرنا كما يدبر الرجل ولده .
فقال جدي المنصور للترجمان ما يقولون؟
فأعاد عليه قولهم فقال : أخرجهم عني فلا حاجة لي فيهم، وسيرهم من تحت ليلتهم .
قال إبراهيم بن شكلة لعنه الله : ما سمعت من أبيك باقي الحديث الذي سمعته منك .
قال له الرشيد : أليس أبي المهدي قال باقي الحديث.
قال إبراهيم : يا أمير المؤمنين، ما قال لك؟
قال : قالت أمي، حدثها ياسر الخادم لأنه كان حاضراً ذلك . قال له إبراهيم : قد كانت أمك أقرب إليه من أمي وكان ياسر الخادم يلقي إليها سر جدك المنصور.
قال الرشيد ولكنني سأفعل فعلا إن تم لم يبق غيره في موسى .
ثم كتب إلى عماله في الأطراف، إن التمس لي قوماً لا دين لهم ولا يعرفون لهم رباً ولا رسولاً فإقدم عليه منهم طائفة، فنظر عماله فلم يجدوا أحداً بهذه الصفة إلا قوماً من وراء بحر الترك يقال لهم العبدة راسلوهم وحملوا إليهم ولطفوا بهم وآمنوهم إلى أن أقدموا منهم على الرشيد خمسين رجلاً .
قال أحمد بن علي البزاز فلما قدموا نزلوا في حجر دار الرشيد، وحمل إليهم من الكسوة والحلي ،والمال والجوهر والطيب والجواري والخدم وما يجد ذكره قولا لترجمانهم : قل لهم من ربكم؟
فقالوا: لا نعرف لنا رباً ولا ندري ما هذه الكلمة .
قال لهم : من أنا ؟
قالوا له : قل إنك ما شئت حتى نقول أنك هو.
فقال لترجمانهم : أليس قد رأيتم ما فعلت بكم منذ قدمتم؟
ص: 325
قالوا : بلى.
قال : فأنا أقدر أجمعكم وأفرقكم، وأجيعكم، وأعريكم، وأقتلكم، وأحرقكم بالنار .
قالوا له : لا ندري ما تقول إلا أنا نطيعك ولو في قتل أنفسنا .
وكان الرشيد قد صور لهم صورة موسى(عليه السلام) فأمر الرشيد فنصب لهم موائد وهو جالس والخادم معه على مشرف أيديهم، وينقل إليهم الطعام الذي لا يعقلونه ،وخرجت عليهم الجواري بالعيدان والنايات والطبول فوقفن صفوفاً حولهم يغنين، والكاسات تأخذهم من كل جانب والخلع تطرح عليهم والأموال تنثر بين أيديهم، فلما سكروا قال لترجمانهم : قل لهم يأخذوا سيوفهم ويدخلوا على عدو لي في هذه الحجرة .
وقال : إن كان هؤلاء يعرفون موسى(عليه السلام)كمعرفة البزغز لجعفر بن محمد فسيفعلون فعلهم، وإن لم يعرفوه سيقتلون صورته فإذا قتلوا صورته اليوم قتلوه غداً، فاخذوا سيوفهم عليه فرضوه. خلعاً
فقال الرشيد لعنه الله : الآن قتلت موسى بهؤلاء القوم، فخلع عليهم خلعاً أخرى، وحمل إليهم الأموال، وردّهم إلى منازلهم فلما كان من الغد قال الرشيد : أثبتوا تلك الصورة والمثال يقيناً .
ثم أمر فصور مثالاً آخر صورة موسى(عليه السلام)كأنه هو في غير تلك الحجرة، وأحضرهم ففعل بهم مثل ذلك الفعل وأمرهم أن يسكروا، وقال لترجمانهم : فقل لهم يأخذوا سيوفهم ويدخلوا عليه فوضعوها من أيديهم، ثم قالوا : أليس هذا الذي قتلناه بالأمس؟
قال : هو شبهه فاقتلوه فوضعوا عليه سيوفهم فرضوه، فزادهم خلعاً، وقال لهم : قد قتلت موسى بن جعفر بعون الله .
وردهم إلى منازلهم ولم يقدم على إظهار أبي الحسن موسى(عليه السلام)صوره سبع مرات ويقتلونه .
فقال الرشيد: ما بقي لي غير إظهاري أبا الحسن موسى لهم.
فأمر بإحضاره، وجعله في حجرة مثل تلك الحجر على سبيل تلك التماثيل وأحضرهم، وقال الترجمانهم : ما بقي لي من أعدائي غير عدو واحد فاقتلوه، وأنا
ص: 326
أسلم إليكم المملكة. فأخذوا سيوفهم ودخلوا على موسى(عليه السلام)والرشيد وخادمه على مشترف له على الحجرة، يقول للخادم : أين موسى؟
قال : جالس في وسط الحجرة على بساط.
قال : ماذا يصنع؟
قال : مستقبل القبلة، مادّاً يده إلى السماء، يحرك شفتيه .
قال الرشيد إنا لله ليته ما يريده .
ثم قال للخادم : دخل القوم عليه ؟ .
قال : قد دخل أولهم ورمى سيفه ودخلوا معه ورموا سيوفهم، وخروا سجداً حوله وهو يمر يده المباركة على رؤوسهم ويخاطبهم بمثل لغتهم وهم يخاطبونه .
قال فغشي على الرشيد، وقال : أغلق باب المشترف الذي نحن فيه، لا يأمرهم موسى بقتلنا، وقل لترجمانهم حتى يقول لهم أن يخرجوا .
وأقبل يتململ ويقول وافضيحتاه من موسى، كدته كيداً ما نفعني فيه شيئاً .
وصاح الخادم لترجمانهم قل لهم أمير المؤمنين يقول لكم اخرجوا .
: فخرجوا مكتفي الأيدي على ظهورهم وهم يمشون القهقرى حتى غابوا عنه، ثم جاؤوا إلى منازلهم فأخذوا ما فيها، وركبوا خيولهم من ساعتهم وخرجوا . وأمر الرشيد بترك العرض لهم .
قال علي بن أحمد :والله لقد اتبعهم خلق كثير من شيعة أبي الحسن موسى(عليه السلام)، فما ، فما وجدوا لهم أثراً، ولا علم أحداً أين ساروا ولا أي طريق أخذوا(1). فكان هذا من دلائله وبراهينه(عليه السلام).
ص: 327
مضى: علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وله تسع وأربعون سنة(1)
واستشهد: في عام ثلاث ومئتين من الهجرة(2).
وكان مولده سنة ثلاث وخمسين ومئة(3)، وأقام مع أبيه تسعاً وعشرين سنة وستة أشهر(4)، وأقام بعد أبيه عشرين سنة إلا شهراً(5)
واسمه: علي.
وكناه: أبو الحسن(6)، والخاص : أبو محمد(7).
ولقبه: الرضا، والصابر،والوفی(8)، ونور الهدى، وسراج الله، والفاضل ،وقرة أعين المؤمنين، ومكيد الملحدين(9).
ص: 328
واسم أمه : أم البنين وأم ولد(1)
ومشهده : بطوس بخراسان(2)، ومات بالسم. وكان من دلائله :
1 - قال الحسين بن حمدان (قدس سره) : حدثني محمد بن زيد القمي عن محمد بن بشر ، قال : حدثني الحسين ولقيت بشر وحدثني بهذا الحديث، عن عبد بن جعفر اللافي قال: خرجت مع هرثمة بن أعين إلى خراسان وكان مع المأمون.
وكان سبب سم المأمون(3)حمله من المدينة في طريق الأهواز يريد خراسان فلما صار بالسوس لقيه الشيعة بها وكان علي بن أسباط الفارسي قد سار من فارس بهدايا وألطاف ليلقاه بها فقطعت اللصوص وأخذوا كل ما كان فيها وأخذوا الهدايا والألطاف التي كانت مع علي بن أسباط وكان ذا مال ودنيا عريضة، فطالبه القفص (4)بأن يشتري نفسه منهم بمال عظيم، وعذبوه إلى أن قال قائل منهم : احشوا فاه جمراً حتى يشتري نفسه منا. ففعلوا ذلك، فانتثرت نواجذه وأنيابه وأضراسه وتركه القفص وجميع من في القافلة وساروا بالغنيمة.
فبكي علي بن أسباط وقال : والله ما مصيبتي بغمي بأعظم من مصيبتي بما حملته إلى سيدي الرضا(عليه السلام) .
ورقد من شدة وجعه فرأى في منامه سيدنا الرضا(عليه السلام) وهو يقول له : لا تحزن فإن هداياك وألطافك عندنا بالسوس إذا وردناها ووردتها، وأما فوك فأول مدينة تدخلها فاطلب السعد المسحوق فاحش به فاك فإن الله يرد عليك نواجذك وأنيابك وأضراسك، فانتبه مسروراً، فقال الحمد لله حق حمده على ما رأيت
ص: 329
وحقاً ما رأيت وحمل نفسه حتى دخل أول مدينة والتمس السعد بها فأخذه وحشا فاه فرد الله عليه جميع نواجذه .
وسار حتى لقي سيدنا الرضا(عليه السلام) بالسوس فلما دخل عليه قال له: يا علي(1) قد وجدت جميع ما قلنا لك في السعد حقاً فادخل إلى تلك الخزانة فانظر هداياك وألطافك وجميع ما كان مما أهديته إلينا تراه بحاله وما كان لك فخذه .
. فدخل علي بن أسباط الخزانة فوجد جميع ما كان معه لم يفقد منه شيئاً، فأخذ ما كان له وترك الهدايا والألطاف.
وسار الرضا(عليه السلام) إلى المأمون فزوجه أخته وجعله ولي عهده وضرب اسمه على الدراهم وهي الدارهم الرضوية، وجمع بني العباس وناظرهم في فضل علي ابن موسى حتى ألزمهم الحجة ورد فدكاً على ولد فاطمة ثم سمه بعد كيد طويل(2). نشرح منه بعضه في كتابنا هذا إن شاء الله تعالى.
2 - حدثني محمد بن زيد، وحدثه محمد بن منبر بعد أن حدثني محمد بن زید، قال حدثني محمد بن خلف الطاطري قال حدثني هرثمة بن أعين قال: دخلت على سيدي الرضا علي بن موسى(عليه السلام)أريد الأذن فإذا أنا بصبيح قد خرج، فلما رآني قال [أي صبيح ] : ألست تعلم ثقة المأمون بي على سره وعلانيته؟ .
قلت : بلى.
قال :[صبيح]: اعلم أن المأمون دعاني في الثلث الأول من الليل، فدخلنا عليه وقد صار ليله نهاراً بالشمع وبين يديه سيوف مسللة مسحوبة ومسمومة، ودعانا غلاماً غلاماً، فأخذ علينا العهد والميثاق بلسانه ليس بحضرته أحد من خلق الله غيرنا، فقال لنا : لازم أنكم تفعلون ما آمركم به ولا تخالفوا منه شيئاً، فحلفنا له .
فقال : يأخذ كل واحد منكم سيفاً من هذه الأسياف في يده وامضوا حيث
ص: 330
تدخلوا على علي بن موسى في حجرته فإن وجدتموه قائماً أو قاعداً ضعوا أسيافكم هذه عليه ولا تكلموه ورضوه بها حتى تخلطوا لحمه ودمه وشعره وعظمه ومخه ثم اقلبوا عليه بساطه وامسحوا أسيافكم وصيروا إليَّ، فقد جعلت لكل واحد منكم في هذا الفعل وكتمانه عشرة بِدَر دراهم وعشرة منتجبة والحظوة مني ما عشت وبقيت.
فأخذنا الأسياف بأيدينا ودخلنا عليه في حجرته فوجدناه منضجعاً طرفه وهو يتكلم بكلام لم نعلمه فبادروا الأسياف والغلمان إليه، ووضعت سيفي وأنا قائم حتی فعلنا به ما حدثنا به المأمون، ثم طوي عليه البساط ومسحوا أسيافهم وخرجوا حتى دخلوا على المأمون فقال : ما الذي صنعتموه؟
فقالوا : ما أمرتنا يا أمير المؤمنين .
وأنا أظن أنهم يقولون أني ما ضربت معهم بسيف فلما تقدمت قال : أيكم المسرع إليه ؟
فقالوا : صبيح الديلمي يا أمير المؤمنين .
ثم قال : لا تعيدوا شيئاً مما فعلتم فتخسوا وتعجلوا الفنا وتخسروا الآخرة والأولى.
فلما كان في تبلج الفجر خرج المأمون فجلس مجلسه مكشوف الرأس محلل الأزرار، وأظهر وفاته وقعد للتعزية قبل أن يصل إليه الناس. قام حافياً فمشى إلى الدار لينظر إليه وأنا بين يديه فلما دخل إليه في حجرته سمع همهمة فارتعد ثم قال: من عنده؟ .
فقلنا : لا علم لنا يا أمير المؤمنين.
فقال : أسرعوا فانظروا فأسرعنا إلى البيت فإذا نحن بسيدنا الرضا(عليه السلام)لا جالساً في محرابه مواصل بتسبيحه. قلنا : يا أمير المؤمنين هو ذا نرى شخصاً جالساً في محرابه يصلي ويسبح .
فانتفض المأمون وارتعد ثم قال : غررتموني لعنكم الله .
[و] قال : يا صبيح أنت تعزيه فانظر من المُصلي عنده .
قال صبيح : وتولى المأمون راجعاً. فلما صرت بعتبة الباب(1) قال : يا صبيح .
ص: 331
قلت: لبيك يا ،مولاي، وسقطت لوجهي .
قال : قم يرحمك الله فارجع إليه فقل له : ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُم نُورِهِ وَلَوْ كَرِةَ الكَفِرُونَ﴾(1).
قال : فرجعت إلى المأمون فوجدت وجهه كقطع الليل المظلم.
فقال : يا صبيح ما وراءك؟ .
فقلت : يا أمير المؤمنين [إنه] جالس في محرابه وقد ناداني باسمي، وقال كيت وكيت. فشد أزراره وأمر برد أثوابه وقال : قولوا إنه كان غشي عليه وقد أفاق من غشوته .
فلما رآني(2)قال : يا هرثمة لا تحدث بما حدثك به صبيح إلا من قد امتحن الله قلبه بمحبتنا وولايتنا .
فقلت : نعم يا سيدي.
وقال: والله يا هرثمة فلا يضرنا كيدهم شيئاً حتى يبلغ الكتاب أجله(3).
3 - وعنه ، عن محمد بن ميمون الخراساني، عن أبيه ميمون بن أحمد بن هرثمة بن أعين، قال ميمون كنت مع هرثمة بطوس وحضرت وفاة علي بن موسى الرضا(عليه السلام) وحضرت غسله ودفنه وشاهدت ما كان ذلك كله وسألت هرثمة
ص: 332
فقلت له : كيف كان خبر السم الذي سُم به سيدنا الرضا؟
[...] فقال هرثمة كنت بين يدي المأمون إلى أن مضى من الليل أربع ساعات ثم أذن لي بالانصراف فانصرفت فلما مضى من الليل ساعتين قرع قارع بابي فكلمه بعض غلماني، فقال : قل لهرثمة أجب سيدنا الرضا .
فقمت مسرعاً، فأخذت علي أثوابي وأسرعت إلى سيدي، فدخل الغلام بين يدي ودخلت داره فإذا أنا بسيدي الرضا(عليه السلام)في صحن داره جالس.
قال: هرثمة . قلت : لبيك يا مولاي.
قال : اجلس واسمع وعي هذا إن رحيلي إلى الله بروحك ولحوقي بآبائي وأجدادي(عليه السلام)و قد بلغ الكتاب أجله، وقد عزم هذا الطاغي على سمي في عنب ورمان ،مفروك، فأما العنب ليحضى، وأما الرمان فإنه ليطرح السم في كف بعض غلمانه ويفرك بيده ليلطخ حبه في ذلك السم، وأنه يستدعيني إليه في يومنا هذا المقبل ويقرب إليَّ الرمان والعنب ويسألني أكله فآكله وينفذ الحكم ويحضر القضاء، فإذا أنا مت فيقول : أنا أغسله بيدي.
فإذا قال ذلك فقل له : لا يتعرض لغسلي ولا لكفني ولا لدفني فإنه إن فعل ذلك عاجله الله من العذاب ما أُخر وحل به أليم ما يحذروا شيعتي .
قال [ميمون]: فقلت [أي هرثمة] يا سيدي فإذا خلى بينك وبين غسلي؟
قال الرضا(عليه السلام) ]: فيجلس من أبنيته هذه مشرفاً على موضع غسلي لينظر إليَّ .
قال : فلا تعرض يا هرثمة لشيء من غسلي حتى ترى فسطاطاً أبيض قد ضرب في جانب الدار، فإذا رأيت ذلك فاحملني في أثوابي التي أنا فيها من وراء الفسطاط وقف وراءه ويكون معك دونك، ولا تكشف عن الفسطاط فتراني فتهلك فإنه سيشرف عليك، ويقول لك : يا هرثمة أليس زعمتم أن الإمام لا يغسله إلا إمام مثله فمن يغسله وابنه محمد[ الجواد(عليه السلام)] بالكوفة أو في بلاد الحجاز ونحن بوسط بلاد خراسان.
فإذا قال لك ذلك فأجبه وقل له :ما يغسله أحد غير من ذكرته .
فإذا ارتفع الفسطاط فسوف تراني مندرجاً في أكفاني محنطاً، فضعني على نعش واحملني وصل عليَّ، واعلم أن صاحب الصلاة عليَّ محمد ابني، فإذا أرادوا
ص: 333
أن يحتفروا قبري فإنه سيجعل قبر أبيه هارون الرشيد قبلة لقبري ولن يكون والله ذلك أبداً، فإذا ضربوا بالمعاول فستنبو عن الأرض ولا ينحفر كقلامة الظفر، فإذا اجتهدوا في ذلك وصعب عليهم فقل له إني أمرتك أن تضرب معولاً واحداً في قبلة قبر هارون الرشيد فإذا ضربت نفذ في الأرض قبراً محفوراً وضريحاً قائماً، فإذا انحفر ذلك القبر مع وجه الأرض، ثم يظهر فيه حيتان صغار فخذ لقمة من خبز ففتها فإنهن يأكلنها ثم يظهر حوت ويطول فيأكل تلك الحيتان الصغار فيقول لك : ما هذا ؟
فقل له : إن مثل هذه الحيتان الصغار مثل بني العباس فإنهم يأكلون مدتهم من الدنيا، ومثل الحوت الذي أكلهم مثل القائم المهدي من ولدي فإنه إذا ظهر أفنى بني العباس .
فإذا كان ذلك فلا تنزلني في القبر حتى إذا غاب الحوت وغار الماء فيسجف على قبري سجفاً أبيض، فخلوا بيني وبين من ينزلني في قبري ويلحدني فإنه محمد ابني، فإذا أرادوا تراباً يلقونه في قبري فامنعهم من ذلك فإن القبر ينطبق من نفسه ويمتلئ ويتربع .
قال فقلت : نعم يا سيدي.
ثم قال : احفظ ما عهدت إليك واعمل به ولا تخالفه .
قلت : أعوذ بالله يا سيدي أن أخالف أمرك .
قال هرثمة : فخرجت باكياً حزيناً فلم أزل على ما قال لي ولا يعلم ما في نفسي إلا الله . ثم دعاني المأمون إليه ، فدخلت فلم أزل قائماً إلى ضحى النهار ، ثم قال المأمون امض يا هرثمة إلى أبي الحسن فاقرئه مني السلام وقل له : تصير إلينا أو نصير إليك؟
فإن قال : بلى نصير إليه ونسأله أن يقدم بمصيرنا .
قال : فجئته فلما طلعت على سيدي الرضا قال لي: يا هرثمة أليس قد حفظت ما وصيتك به؟
قلت : بلی.
فقال : قدموا نعلي فقد علمت ما سألك به.
فقدمت نعله ومشى إليه، فلما دخل المجلس قام إليه المأمون قائماً فعانقه وقبل
ص: 334
بين عينيه وأجلسه إلى جانبه على سريره وأقبل عليه يحادثه من النهار طويلاً ثم قال لبعض غلمانه : ائتوني بعنب ورمان.
قال [ميمون]: هرثمة قال : سمعت لم أستطع الصبر ورأيت النفضة قد عرضت في جسدي فكرهت أن يتبين ذلك فرجعت القهقرى حتى رميت نفسي في موضع من الدار، فلما قرب زوال الشمس أحسست بسيدي الرضا(عليه السلام) قد خرج من عنده ورجع إلى داره، ثم رأيت الأمر قد خرج من عند المأمون بإحضار الأولياء والمتفرقين، فقلت: ما هذا؟
فقال : علة عرضت لأبي الحسن علي الرضا(عليه السلام).
فكان الناس في شك وكنت أنا في يقين لما علمته منه. فلما كان في بعض الليل وهو الثلث الثاني علا الصياح وعلت الوجبة من الدار فأسرعت فيمن أسرع فإذا نحن بالمأمون مكشوف الرأس محلل الأزرار قائماً ينتحب ويتباكى، فوقفت فيمن وقف وأنا أحس في نفسي أكاد أتميز من الغيظ فلما أصبحنا جلس المأمون للتعزية ثم قام يمشي إلى الموضع الذي كان فيه سيدنا الرضا(عليه السلام)فقال : أصلحوا لنا موضعاً إني أريد أن أغسله .
فدنوت منه فقلت خلوة يا أمير المؤمنين .
فأخلى نفسه فأعدت عليه ما قاله لي سيدي بسبب الغسل والكفن والدفن.
فقال لي: لست أعرض في شيء من ذلك يا هرثمة .
قال : فلم أزل قائماً حتى رأيت ذلك الفسطاط الأبيض قد نصب إلى جانب الدار فحملته فوضعته إلى جانب الفسطاط فعبر الفسطاط وصار داخله وقعدت في ظاهره وكل من في الدار دوني وأنا أسمع التكبير والتهليل والتسبيح وتردد الأواني وتضوع الطيب، فإذا أنا بالمأمون قد أشرف على بعض داره فصاح يا هرثمة أليس زعمتم أن الإمام لا يغسله إلا إمام مثله فأين محمد ابنه عنه وهو في مدينة الرسول وهذا بطوس بخراسان؟ .
فقلت له : والله يا أمير المؤمنين ما يغسله غير من ذكرته .
فسكت عنى، ثم ارتفع الفسطاط فإذا أنا به مدرج في أكفانه فوضعته على نعشه ثم حملناه فاشتال النعش من أيدينا وهو يسير إلى موضع الصلاة عليه فصلى عليه المأمون وجميع الناس فجئنا إلى موضع قبره فوجدتهم يضربون بالمعاول من فوق
ص: 335
الرشيد ليجعلوه قبلة لقبر علي الرضا(عليه السلام)والمعاول تنبو حتى ما تقلب شيئاً من تراب الأرض، فقال لي: ويحك يا هرثمة أما ترى الأرض كيف تمتنع من حفر قبر له .
فقلت : يا أمير المؤمنين ائذن لنا لأضرب معولاً واحداً في قبلة قبر أبيك ولا أضرب غيره .
قال : فإذا ضربت يا هرثمة يكون ماذا ؟
قلت له أخبرني أنه لا يجوز أن يكون قبر أبيك قبلة لقبره وإني إذا ضربت هذا المعول نفذ القبر محفوراً من غير يد تحفره وبان الضريح في وسطه .
قال المأمون : سبحان الله ما أعجب هذا الكلام فلا عجب من أمر أبي الحسن، فاضرب حتى نرى .
قال هرثمة: فأخذت المعول في يدي فضربت في قبلة قبر هارون فنفذ القبر محفوراً وبان الضريح في وسطه .
قال المأمون : أنزله يا هرثمة .
فقلت له : يا سيدي ،لا إنه أمرني لا أنزله حتى ينفجر من أرض هذا القبر ماء أبيض فيمتلئ به القبر مع وجه الأرض، ثم تظهر فيه حيتان صغار فأنثر لها خبزاً فتأكله، ثم يظهر حوت بطول القبر فيضطرب ويأكل الحيتان الصغار، فإذا غاب الحوت وضعته على جانب القبر وخليت بينه وبين من ينزله في لحده.
ثم غاب الحوت، وغار الماء، ثم جعلت النعش بجانب القبر مما يلي الرأس كما أمرني، فتسجف على القبر سجاف أبيض لم يبيضه أحد من الناس ممن حضر.
فأشار المأمون إلى الناس أن هاتوا التراب فألقوه في القبر فقلت : لا تفعل يا أمير المؤمنين.
قال : ويحك فمن يملأه؟
قلت : قد أمرني لا يطرح التراب عليه وأن القبر سيمتلئ من نفسه وينطبق ويتربع على وجه الأرض ويرش عليه ماء ليس من عند الناس.
فأشار المأمون إلى الناس أن كفّوا فرموا ما في أيديهم من التراب ثم امتلأ القبر وانطبق وتربع على وجه الأرض ورش عليه الماء لم يُدرَ من رشه، أزكى من
ص: 336
المسك وأبيض من اللجين ثم انصرف المأمون وانصرفنا ، ثم دعاني وأخذ مجلسه ثم قال : والله يا هرثمة لتصدقني عما سمعته من أبي محمد.
قلت : قد أخبرتك يا أمير المؤمنين.
قال لي: لا والله أو تصدقني عما أخبرك من غير ما قلته لي؟
فقلت : يا أمير المؤمنين نعم تسألني.
قال : بالله يا هرثمة هل أسر إليك شيئاً غير هذا؟
قلت: نعم خبر العنب والرمان والسم.
فأقبل المأمون يتلون ألواناً صفراء وحمراء وسوداء ثم مد نفسه كالمغشي عليه وسمعته يقول في غشيته وهو يجهر : ويل المأمون من الله ، ويل المأمون من الحسن والحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى، وويل لأبيه هارون منهم جميعاً، وويله من موسى بن جعفر، إن هذا لهو الخسران المبين .
يقول هذا القول ويكرره.
قال هرثمة : فلما رأيته قد طال عليه الكلام وليت عنه، فجلست في بعض الدار، فجلس ودعاني إليه وهو كالسكران إذا ثمل فقال لي: والله يا هرثمة ما أنت أعز عليَّ منه ولا جميع من في الأرض والسماء، والله لئن أعدت مما سمعت ورأيت شيئاً ليكونن هلاكك أهون علي مما لم يكن .
:قلت يا أمير المؤمنين إن أظهرت على ذلك أحداً فأنت في حل من دمي.
قال: لا والله، أو تعطيني عهداً موثقاً أنك تكتم هذا الأمر ولا تعيده.
فأخذ مني العهد والميثاق وأكده، فلما وليت عنه صفق بيديه ثم سمعته يقول :﴿ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ الله بِمَا يَعْمَلُونَ يُحِيطَا﴾(1).
ص: 337
4 - وعنه : عن الحسين بن محمد بن جمهور القمي، عن أبيه، عن محمد بن عبد الله بن مهران عن أبي محمد الحسن بن نصير البصري، قال أبو محمد الكوفي : دخلت على أبي الحسن الرضا بالمدائن فسلمت عليه فأقبل يحدثني بأحاديث سألته عنها إذ قال ما ابتلى الله مؤمناً ببلية صبر عليها إلا كان له أجر ألف شهيد(1).
قال أبو محمد ولم يكن في حديثنا شيء من ذكر البلوى والعلل والأمراض، فأنكرت ذلك من قوله، فقلت في نفسي : سبحان الله ما أجمل هذا الحديث، رجل أنا معه قد عنيت به إذ حدثني بالوجع في غير موضعه .
فسلمت عليه وودعته ثم خرجت فلحقت بأصحابي وقد حلوا، فاشتكت رجلي من ليلتي فقلت: هذا من تعبي.
فلما كان من الغد تورمت رجلاي، ثم أصبحت وقد اشتد الورم وضرب عليَّ، فذكرت قوله (عليه السلام).
ووصلت الكوفة، وخرج منها القيح وصار جرحاً عظيماً لا أنام ولا أنيم.
فعلمتُ أنه ما حدثني هذا الحديث إلا لهذه البلوى.
فبقيت معه تسعة عشر يوماً فزالت، ثم أفقتُ .
فحدثت بحديثي هذا قال أبو محمد ابن مهران البصري ثم نكس [منها] فمات(2)
ص: 338
5 - وعنه، عن محمد بن مهران عن علي بن أسباط القدسي، عن أحمد بن محمد بن أبي بصير الأسدي قال : دخلت على سيدي الرضا(عليه السلام)أنا وعبد الله ابن المغيرة، وعبد الله بن جندب ،وصفوان ومحمد بن سنان، وهو بصاريا (1)خارجاً عن المدينة في القصر على الوادي، فجلسنا عنده ساعة، ثم قمنا، فقال: اثبت أنت يا أحمد فاجلس.
فجلست وأقبل عليَّ يحدثني، وأسأله فيجيبني حتى ذهل عامة الليل، فلما أردت الانصراف قال يا أحمد تنصرف أو تثبت؟
فقلت : جعلت فداك، إن أُمرت بالمبيت بتُ.
فقال : أقم بهذه الحجرة.
فقمت وقد هدأ الناس فقام(عليه السلام). فلما ظننت أنه قد دخل خررت ساجداً : الحمد الله إن حجة الله ووارث علم النبيين آثرني من بين إخواني فقلت في نفسي : وأجلسني عنده .
فبينما أنا في سجودي وشكري الله فما علمت إلا وقد ركلني برجله فوثبت قائماً فأخذ بيدي فغمزها ثم قال يا أحمد إن أمير المؤمنين عاد صعصعة في مرضه، فلما قام من عنده قال : يا صعصعة لا تفتخر على إخوانك بعيادتي إياك فقد علمت ما في نفسك فاتقِ الله ربك .
فقد علمت يا أحمد ما كان في نفسك في سجودك وما فخرت به على إخوانك من أن أسررتك من بينهم وحملتك من دونهم.
فقلت :كذا كان وأستغفر الله .
ص: 339
6 - وعنه ، عن جعفر بن أحمد القصير، عن أبي النضر، عن أبي عبد الله، عن جعفر بن محمد بن يونس قال: جاء قوم إلى باب أبي الحسن الرضا (عليه السلام)برقاع فيها مسائل وفي القوم رجل واقفي(1) واقف على باب أبي الحسن بن موسی، فوصلت الرقاع إليه، فخرجت الأجوبة في جميعها، وخرجت رقعة الواقفي بلا جواب فسألته لم خرجت رقعته بلا جواب؟
فقال لي الرجل: ما عرفني الرضا، ولا رآني فيعلم أني واقفي، ولا في القوم الذين جئت معهم من يعرفني اللهم إني تائب من الوقف، مقر بإمامة الرضا.
فما استتم كلامه حتى خرج الخادم فأخذ رقعته من يده ودخل بها وعاد الجواب فيها إلى الرجل فقال : الحمد لله هذان برهانان في وقت واحد.
7 - وعنه بهذا الإسناد، عن جعفر بن محمد بن يونس قال: جاء رجل من شيعة الرضا(عليه السلام)بكتاب منه إلى أبي الحسن الرضا(عليه السلام) فسألني أن أنفذه إليه، فلما أنفذت الكتاب فقال : جعلت فداك، سهوت أن أذكر في الكتاب عن سلاح رسول الله أين هو، وعن الإحرام هل يجوز في الثوب الملحم أم لا .
فقلت له : قد أنفذ كتابك فتذكرني في كتاب آخر .
فورد جواب كتابه في آخره، إن كنت نسيت أن تسألنا عن سلاح رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وأين هو فنحن لا ننسى، وسلاح رسول الله فينا بمنزلة التابوت في بني إسرائيل، والسلاح معنا حيث أردنا ، ولا بأس في الإحرام في الثوب الملحم .
ص: 340
8- وعنه عن محمد بن ميمون الخراساني، عن محمد بن إسحاق الكوفي، عن علي بن مهران، قال جاءني رجل من شيعة أبي الحسن الرضا
(عليه السلام).
فقلت : جعلت فداك تكتب إليه فإن لي بنتاً قد طلب أبوها أن يهب لها العافية أو يريحنا منها .
قال جعفر بن محمد بن يونس : فأردت الخروج إليه فحملت برسالة الرجل. فلما عاد جعفر أخبرنا أنه أبقى الرسالة، وأخذ بيده فغمزها، ثم قال له : قد كفيت مؤونتها .
فحفظت منه(عليه السلام)، فلما قدمت وجدتها قد ماتت قبل قدومي بيوم واحد.
9-وعنه، عن الحسن بن إبراهيم، عن جابر بن خالد البزاز الكوفي قال : سألت الحسن بن موسى هل تروي عن أخيك الرضا شيئاً؟
قال : أحدثك عنه بثلاثة أشياء رأيتها منه ؛ خرجنا معه في يوم صائف شديد الحر إلى بعض الأماكن، فقال لنا في الطريق : حملتم مماطر(1)؟ فقلت : جعلت فداك، وما حاجتنا إليها في هذا القيظ الشديد، والناس قد ماتوا بالحر !
فقال : لكنني حملت ممطري، فما سرنا إلا يسيراً حتى نشأت سحابة فجاء منها من المطر شيء عظيم، فما بقي منا أحد إلا تبللت ثيابه غيره.
وأنّا خلونا معه وعنده جماعة من سماتنا أهل البيت بالمدينة، فمر علينا جعفر ابن عمر الذي غُلِبَ على المدينة، فرأيناه رث البزة جداً، فضحكنا منه، فقال أبو الحسن تضحكون من رثاثة بزة جعفر ؟
ص: 341
فقلنا : نعم يا سيدنا .
فقال : عن قريب ترونه عظيم الموكب جليل البزة.
قال الحسن : فما مضى لذلك إلا أيام يسيرة حتى غَلَبَ جعفر على المدينة، فكان يمر بنا في موكب عظيم وبزة جليلة، كما قال أخي.
وأتى أقوام من أهل مصر فاستأذنوه في الزراعة في عامهم ذلك، فقال : لا تزرعوا في عامكم هذا فتدمروا، وأخبروا أهل مصر.
فزرع قوم وأمسك ،آخرون فأصابتهم الآفة فذهب زرعهم فقال لهم : ألم أنهكم عن الزراعة في عامكم هذا ؟ فكان هذا مما رأيت وسمعت .
10 - وعنه عن محمد بن موسى القمي، عن إبراهيم بن زيد السامري عن جعفر بن محمد بن يونس قال: دفع سيدنا أبو الحسن الرضا(عليه السلام)إلى مولى له حمارٌ بالمدينة ، وقال : تبيعه بعشر دنانير ولا تنقصه شيئاً .
فعرفه المولى، فأتاه رجل من أهل خراسان من الحاج، فقال له : معي ثمانية دنانير ما أملك غيرها .
فقال له : ارجع لمولاك إن شئت لعله يأذن لك في بيعه بهذه الثمانية دنانير .
فرجع المولى إليه فأخبره بخبر الخراساني، فقال له : قل له إن قبلت منا الدينارين صلة أخذنا منك الثمانية .
فقلت له فقال : قد قبلت فسلمت إليه .
وحج أبو الحسن معه، فلما كنا في بعض المنازل في المنصرف وإذا أنا بصاحب الحمار يبكي، فقلت له : ما لك؟.
قال سرق حماري، وعليه الخرج وفيه نفقتي وثيابي وليس معي شيء إلا ما ترى فأخبرت أبا الحسن إن هذا صاحب الحمار الذي اشتراه، ذكر من قصته كذا وكذا .
فقال أبو الحسن: أعطه عشرين درهماً، وقل له إذا قدمت المدينة فالقنا .
قال فمضينا، فلما كنا في أوائل المدينة بعد رجوعنا من مكة نظر أبو الحسن
ص: 342
إلى قوم متكئين على الطريق، فأشار إليهم وقال : سارق الحمار معهم، والحمار معه والرجل ما أحدث فيه حدثاً، فامض إليه وقل له : يقول لك علي بن موسى إما أن ترد الحمار وما كان عليه وإلا رفعت أمرك إلى السلطان، فأتيته فقلت له ما قال .
قال سارق الحمار: يجعل عهداً وذمة أن لا يدل عليَّ، وأرد الحمار وما عليه .
وقدم صاحب الحمار فقال : هذا حمارك وما عليه فانظر فإنك لا تفقد منه شيئاً من متاعك .
فنظر وقال: جعلني الله فداك، ما فقدت من متاعي قليلاً ولا كثيراً(1).
11 - وعنه، عن محمد بن يحيى الخرقي عن أبي الحسن الخفاف عن النضر بن سويد قال كان أبي مريضاً فدخلت المدينة على أبي الحسن
الرضا(عليه السلام) فقلت له : جعلت فداك، إني خلفتُ أبي بالكوفة مريضاً .
فقال لي : آجرك الله .
فلما قدمت الكوفة وجدت أبي قد مات قبل مسألتي إياه عن الدعاء له بالعافية.
عن الحسين بن بنت الأمين قال : أتيت خراسان في تجارة - ومذهبي الوقف - على أبي الحسن موسى، وكنتُ قد حملتُ بزاً فيه ثوب وشي(1)في بعض الرزم ، ولم أشعر به ولم أعرف مكانه فلما قدمت سامراء نزلتُ في بعض منازلها، ولم أشعر إلا برجل مدني من مولدي المدينة قد أتاني فقال لي: مولاي الرضا علي بن موسى(عليه السلام) يقول لك : ابعث بالثوب الوشي الذي معك .
فقلت له : ومن أخبر أبا الحسن بقدومي؟ وإنّما قدمت آنفاً وما عندي ثوب وشي.
فرجع إليه وعاد إليَّ فقال : يقول لك الثوب معك في الرزمة الفلانية.
فوجدت الرزمة التي وصفها فحللتها فوجدت الثوب الوشي، فبعثت به إليه وآمنت به وعلمت أنه الإمام بعد أبيه(عليه السلام)(2).، والتحية والإكرام وعلى آبائه الغرر الكرام .
ص: 344
مضى : أبو جعفر محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وله خمسة وعشرون سنة وثلاثة أشهر واثنا عشر يوماً في يوم الثلاثاء لستُ خلون من ذي الحجة سنة عشرين ومائتين(1)، فكان مقامه مع أبيه تسع سنين وثلاثة أشهر(2)، وأقام بعد أبيه ست عشرة سنة واثني عشر يوماً(3).
واسمه : محمد(4). وكنيته : أبو جعفر(5)، والخاص : أبو علي(6).
ولقبه: المختار، والمرتضى، والتقي، والمتوكل(7).
ص: 345
ومشهده: في مقابر قريش إلى جانب مشهد جده موسى في القبة(1).
واسم أمه: خيزران المرسية(2).
وكان له من الولد: علي العسكري وموسى ومن البنات: خديجة، وحليمة، وأم كلثوم(3).
وكان(عليه السلام)شديد الأدمة ولقد قال فيه أهل الحيرة والشاكون والمرتابون : إنه ليس من ولد الرضا، وقالوا - لعنهم الله - : إنه من ولد سيف الأسود مولاه، وقالوا من لؤلؤ .
وإنهم أخذوا الرضا أباه عند المأمون، فحملوه إلى القافة بمكة وهو طفل في مجمع من الناس في المسجد الحرام فعرضوه عليهم، فلما نظر إليه القافة (4)خروا سجداً، ثم قاموا فقال :[المأمون]: ويحكم من هذا الكوكب العظيم الدري النور المبين يعرض عليَّ، هذا والله الزكي النسب المهذب الطاهر والله ما تردد إلا في الأصلاب والأرحام الطاهرة والله ما هو إلا من ذرية رسول الله(صلى الله عليه وسلم وسلم)وعلي أمير المؤمنين فارجعوا، فاستقيلوا الله(عزّوجل)واستغفروه ولا تشكوا في نسب مثله .
وتحمد [الجواد](عليه السلام) في ذلك الوقت وله خمسة وعشرون شهراً، فنطق بلسان أرهف من السيف، وأفصح من الصاخة، يقول: الحمد لله الذي خلقنا من نوره ،واصطفانا من بريته وجعلنا أمناءه على خلقه ووحيه.
معاشر الناس أنا محمد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الشهيد بن أمير المؤمنين علي المرتضى وفاطمة الزهراء بنت محمد المصطفى صلى الله عليهم أجمعين؛ وعلى أولادي ،بعدي، وأعرض على القافة.
ص: 346
والله إني لأعلم بأنساب الناس من آبائهم والله إني لأعلم خوافي سرائرهم وظاهرهم، وإني لأعلم بهم أجمعين وما هم إليه صائرون أقوله حقاً، وأظهره صدقاً . علماً أورثناه الله(عزّوجل)قبل الخلق أجمعين وبعد فناء السماوات والأرض.
وايم الله، لولا تظاهر الباطل علينا وغلبة دولة الكفر، وتولي أهل الشك والشرك والشقاق علينا لقلت قولاً يعجب منه الأولون والآخرون.
ثم وضع يده على فمه وقال يا محمد اصمت كما صمت آباؤك :
﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ ﴾، إلى آخر الآية(1)
ثم تولى إلى رجل إلى جانبه فقبض على يده وتمشى يتخطى رقاب الناس، والناس يفرجون ،له فرأيت مشيخة الحلة(2)وهم ينظرون إليه، ويقولون : الله أعلم حيث يجعل رسالته .
فسألت عن المشيخة، فقيل لي : هؤلاء قوم من بني هاشم من أولاد عبد المطلب .
قال : فبلغ الخبر إلى علي بن موسى وما صنع بابنه محمد، فقال: الحمد لله.
ثم التفت إلى من بحضرته من شيعته فقال لهم : هل علمتم ما قذفت به مارية القبطية، وما ادعى عليها في ولادتها إبراهيم بن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)؟
فقالوا : يا سيدنا أنت أعلم خبرنا لنعلم .
فقال : إن مارية أهداها المقوقس إلى جدي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وتحظى بمارية من دونهم، وكان معها خادم يقال له جريح، وحسن إيمانها وإسلامها . ثم ملكت مارية قلب رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فحسدها بعض أزواجه وأقبلت عائشة وحفصة تشكوان إلى أبويهما ميل رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) إلى مارية وإيثاره إياها عليهما حتى سولت لأبويهما أنفسهما بأن يقذفوا مارية بأنها حملت بإبراهيم من جريح الخادم، وكانوا لا يظنون جريحاً خادماً .
ص: 347
فأقبل أبواهما إلى النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)وهو جالس في مسجده فجلسا بين يديه، ثم :قالا : یا رسول الله ما يحل لنا ولا لشيعتنا أن نكتم عليك ما يظهر من خيانة واقعة بك .
قال : ماذا تقولان؟ .
قالا : يا رسول الله إن جريحاً يأتي من مارية الفاحشة العظمى، وإن حملها من جزيح ليس هو منك. فاربد وجه رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وعرضت له سهوة لعظيم ما تلقياه ،به ثم قال : ويحكما ما تقولان؟ .
قالا : يا رسول الله إنا خلفنا جريحاً ومارية في مسرتها يعتبها في حجرتها ويفاكهها ويلاعبها ويروم منها ما يروم الرجال من النساء، فابعث إلى جريح فإنك تجده على هذه الحال فأنفذ فيهما حكم الله وحكمك.
فأتى النبي إلى علي(عليه السلام)، وقال : قم يا أبا الحسن بسيفك ذي الفقار حتى تمضي مسزية مارية فإن صادفتها وجريحاً كما يصفان فأخمدهما بسيفك ضرباً .
وقام علي(عليه السلام) ومسح سيفه وأخذه تحت ثوبه، فلما ولى من بين يدي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)انثنى إليه فقال يا رسول الله، أكون كالشكة؛ والشاهد يرى ما لا يرى الغائب .
فقال له : فديتك يا أبا الحسن، امضِ.
فمضى وسيفه في يده حتى تسور من فوق مسرية مارية وهي في جوف المسرية وجريح معها يؤدبها بآداب الملوك، ويقول لها : عظمي رسول الله ولبيه وأكرميه .
عتى التفت جريح فنظر إلى أمير المؤمنين وسيفه مشهور في يده، ففزع جريح وصعد إلى نخلة في المسرية، فصعد إلى رأسها فنزل أمير المؤمنين إلى المسرية، فكشف الريح عن أثواب جريح، فرآه خادماً مسموحاً ليس له ما للآدميين، فقال: انزل يا جريح.
قال : يا أمير المؤمنين آمناً على نفسي؟
فقال : آمناً على نفسك .
ص: 348
فنزل جريح، وأخذ بيده أمير المؤمنين إلى رسول الله فأوقفه بين يديه، وقال: يا رسول الله إن جريحاً خادم ممسوح.
فولى النبي وجهه إلى الجدار، وقال: حل(1)لهما – لعنهما الله – يا جريح حتى يتبين كذبهما ويحتقبا خزيهما بجرأتهما على الله ورسوله .
فكشف جريح عن أثوابه فإذا هو خادم ممسوح فسقطا بين يدي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) وقالا : یا رسول الله ،التوبة استغفر لنا ولن نعود .
فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): لا تاب الله عليكما فما نفعكما استغفاري ومعكما هذه الجرأة على الله(عزّوجل)، وعلى رسوله .
فقالا : يا رسول الله إن استغفرت لنا رجونا أن يغفر الله لنا .
فأنزل الله الآية بهما وفي براءة مارية : ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23)يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24)﴾(2).
قال الرضا علي بن موسى(عليه السلام): الحمد الله الذي في ابني محمد أسوة برسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وابنه إبراهيم وكان هذا من دلائله وبراهينه الذين ذكرناهم (عليه السلام)
1 - عن الحسين بن حمدان قال : حدثني أحمد بن صالح، عن عسكر مولى أبي جعفر محمد بن علي الرضا(عليه السلام) قال : دخلت عليه وهو جالس في وسط إيوان له يكون عشرة أذرع في عشرة أذرع فوقفت بباب الإيوان أراه فقلت في نفسي: سبحان الله ما أشد سمرة مولاي وأضوأ جسده.
قال : فو الله ما استتممت هذا القول حتى عرض جسده وتطاول وامتلأ به الإيوان إلى سقفه مع جوانب حيطانه، ثم رأيت لونه قد أظلم ثم أظلم، ثم ابيض ثم صار كأبيض من الثلج ، ثم احمر ثم صار مثل العقيق المحمر، ثم اخضر حتى صار
ص: 349
كأغض ما يكون من الأغصان المورقة المخضرة، ثم تناقص جسده حتى صار في صورته الأولى، وأعاد لونه إلى اللون الأول فسقطت لوجهي لهول ما رأيت.
فصاح بي: يا عسكر تشكون بي فنثبتكم، وتضعفون فنقويكم، فوالله لا وصل إلى حقيقة معرفتنا إلا مَنْ مَنَّ الله بها عليه وارتضيناه لنا ولياً .
قال عسكر : فما لبث في نفسي إلا ما أظهره لساني وتفوه به جناني.
2 - وعن الحسين بن داود السعدي عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري، قال: دخلت على أبي جعفر(عليه السلام) ومعي ثلاث رقاع غير مترجمة ولا عليها اسم لأصحابها، فاشتبهت عليَّ، فتناول إحداها وقال : هذه رقعة زيد بن شهاب .
ثم تناول الثانية وقال هذه رقعة محمد بن جعفر .
أخذ الثالثة وقال : هذه رقعة علي بن الحسين.
فسماهم والله وسمّى آباءهم، ووقع فيها بالذي سألوا . فأخذتها ونهضت. فنظر إليَّ وتبسم لأنه علم بسروري بتلك الدلائل، ثم أعطاني ثلاثمئة دينار، وأمر بحملها إلى علي بن الحسين بن إبراهيم بن موسى ابن عمه وقال : يقول لك دلني على حريف يعرف ليشتري بها متاعاً .
فدللت عليه(1)، فكلمني الجمال أن أسأله(عليه السلام)أن يدخله في خدمته، فجئت به باب الدار فأوقفته ودخلت على أبي جعفر(عليه السلام)الأكلمه في أمره، فوجدته على مائدة يأكل معه جماعة من أوليائه وشيعته فلم يمكنني كلامه، فقال: يا أبا هاشم اجلس فكل .
وأخذ بيده طعاماً فوضعه يبن يدي فأكلت ثم ابتدأ من غير أن أسأله ولا أذكر له الجمال فقال یا غلام انظر الجمال الذي أتانا به أبو هاشم، وإنه واقف بالباب فضمه في خدمتنا وطاعتنا .
ص: 350
3- وعنه ، عن محمد بن موسى القمي، عن خالد الحداء، عن صالح بن محمد بن داود اليعقوبي قال لما توجه أبو جعفر(عليه السلام) لاستقبال المأمون وقد أقبل من نواحي الشام وأمر أن يعقد ذنب دابته (1)، وذلك في يوم صائف شديد الحر وطريق لا يوجد فيه الماء.
فقال بعض من كان معنا ممن لا علم له: أي موضع عقد ذنب دابته(2).
فما سرنا إلا يسيراً حتى وردنا أرض ماء ووحل كثير، وفسدت ثيابنا وما معنا، ولم يصبه شيء من ذلك (3).
قال صالح : وقال لنا يوماً ونحن في ذلك الوجه : اعلموا إنكم ستضلون عن الطريق قبل المنزل الأول، الذي يلقاكم الليلة ترجعون إليه في المنزل بعدما يذهب من الليل سبع ساعات.
فقال من فينا، من لا فضل له بهذه الطريق ولا يعرفه ولا يسلكه قط ،وستنظرون صدق ما قال صالح .
فضللنا عن الطريق قبل المنزل الذي كان يلقانا، وسرنا بالليل حتى تنصف وهو يسير بين أيدينا ونحن نتبعه حتى صرنا في المنزل الثاني على الطريق، فقال: انظروا كم ساعة مضى من الليل فإنها سبع ساعات، فنظرنا فإذا ، فنظرنا فإذا هي كما قال .
4 - وعن الحسين بن محمّد بن جمهور عن صفوان بن يحيى، ومحمد بن سنان الزاهري، قالا جميعاً دخلنا على أبي الرضا(عليه السلام) بمكة، وقد عمل على المقام وعملنا على الخروج إلى المدينة فقلنا يا سيدنا أنت مقيم ونحن
ص: 351
خارجون، وإنا رأينا أن تكتب لنا كتاباً إلى أبي جعفر، توصية فيكم، وبارك بالنظر إليه .
فكتب لنا إليه، فلما وردنا المدينة صرنا بالكتاب إلى داره، فخرج إلينا موفق الخادم، وقد حمل أبا جعفر على صدره وله في ذلك الوقت خمسة عشر شهراً، فرأينا وأشرنا بالكتاب إلى موفق، فمد أبو جعفر يده فأخذ الكتاب وأشار به إلى موفق ليفضه ففضه موفق وأخذه أبو جعفر وأقبل يقرأ الكتاب ويطويه من أعلاه وينشره من أسفله ويتبسم حتى أتى على آخره، ثم قال: سألتما سيدي أن يكتب لكما كتاباً إليَّ لتكلماني؟
فنظر إليَّ، قلنا : يا سيدنا هكذا كان.
قال محمد بن سنان: يا سيدي اردد إليَّ بصري أنظر إليك وارددني محجوباً، فإن هذه آيتي مع أبيك وجدك موسى وجعفر .
قال : فمسح يده على عيني فرجعت بصيراً، ثم رد يده على وجهي فرجعت محجوباً، فقلت: بطرسيا .
فحرك رجله إلى صدر موفق وقال :باخ باخ.
حكاية لما يقوله إذا ،ناغى قال صفوان بن يحيى ومحمد بن سنان : ما أخذنا الكتاب إلا ونحن لا نشك أنه الإمام بعد أبيه فأرانا دلالته وخاطبنا وقرأ الكتاب من أوله إلى آخره، ثم عاد إلى حكاية طفوليته، إن هذا برهان عظيم.
5 - وعنه ، عن أبي الحسن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن حمزة بن القاسم الهاشمي، عن علي بن محمد بن علي بن أحمد بن أبي الحسن، قال: دخلت على أبي جعفر في صبحة عرسه بأم الفضل بنت المأمون وكنت أول من دخل عليه في ذلك اليوم فدنوت منه وقعدت فوجدت عطشاً شديداً، فجللته أن أطلب الماء، فنظر إليَّ وقال يا علي شربت الدواء بالليل، وتغديت على بكرة، فأصبت العطش واستحييت تطلب الماء مني .
فقلت : والله يا سيدي هذه صفتي ما غادرت منها حرفاً .
ص: 352
فصاح في نفسه : يا غلام تسقيني .
فقلت في نفسي يا ليت لا يسقى الماء.
واغتممت ،فأقبل الغلام ومعه الماء، فنظر إلى الماء وإليَّ وتبسم، وأخذ الماء وشرب منه وسقاني، فمكث قليلاً، وعاودني العطش فاستحييت أطلب الماء، فصاح بالخادم وقال : تسقيني ماء.
فقلت في نفسي مثل ذلك القول الأول : وأقبل الخادم بالماء، فأخذه وشرب منه وسقاني فقلت : لا إله إلا الله أي دليل دل على إمامته من علمه ما أسره في نفسي؟! .
فقال : يا علي، والله نحن كما قال تعالى:﴿ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ﴾(1).
فقمت وقلت لمن كان معي : هذه ثلاثة براهين رأيتها من أبي جعفر(عليه السلام)في مجلسي هذا .
فقال من لا علم له بفضله : إني لأحسب هذا الهاشمي كما يقال إنه يعلم الغيب.
فنظرت إليه وحمدت الله على معرفة سيدي لجهل الرجل به .
وعنه عن علي بن بشر عن أبي عمران موسى بن زيد، عن يحيى بن أبي ،عمران قال إن موسى بن جعفر الداري(2)قال : وردنا جماعة من أهل الري إلى بغداد نريد أبا جعفر(عليه السلام)فدللنا عليه ومعنا رجل من أهل الري زيدي يظهر لنا الإمامة، فلما دخلنا على أبي جعفر(عليه السلام) سألناه عن مسائل قصدنا بها، وقال أبو جعفر لبعض غلمانه : خذ بيد هذا الرجل الزيدي وأخرجه .
فقام الرجل على قدميه وقال أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمّداً
ص: 353
رسول الله، وأن علياً أمير المؤمنين، وأن آباءك الأئمة، وأثبت لك الحجة الله في هذا العصر.
فقال له : اجلس فقد استحقيت بترك الضلال الذي كنت عليه وتسليمك الأمر لي من جعله له يسمع ولا يمنع.
فقال الرجل : والله يا سيدي إني أدين الله إمامة زيد بن علي مدة أربعين سنة، ولا أظهر للناس غير مذهب الإمامة، فلما علمت مني ما لا يعلمه إلا الله (1)، أشهد أنك الإمام والحجة(2).
7 - وعنه ، عن جعفر بن محمد بن مالك، عن محمد بن يونس، عن داود بن زيد الخياط :قال : كنتُ بين يدي أبي جعفر(عليه السلام)وهو جالس في مجلسه، فَسُرِقَتْ شاة لبعض مواليه، فطالب قوماً بأعينهم، فقال(عليه السلام) : أحضروا فلاناً لقد سُرِقَتْ شاته، وهو يطالب بها من لا يسرقها .
فأحضروه، فقال : خَلّ القوم الذين تطالبهم بشاتك، وامض إلى منزل راشد مولاك وخذ شاتك من بيته فهو أخذها
قال داود: فقمتُ حتى صرت ،بداره فوجدت الشاة في بيته فأخذتها، وابترأ القوم الذين كان يطالبهم بها .
8- وعن أبي العباس عتاب بن يونس الديلمي عن محمد بن علي بن حديد الوشا الوفي، قال: خرجنا حاجين، فلما قضينا حجنا ورجعنا من مكة قُطِعَ علينا الطريق، ونحن عصابة من شيعة أبي جعفر(عليه السلام) فأُخِذَ كل ما كان معنا، فلما وردنا
ص: 354
المدينة دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) فابتدأني قبل ما أسأله بشيء، فقال : يا علي بن حديد، قُطِعَ عليكم الطريق في العرج، وأُخِذَ ما كان معكم وعددكم ثلاثة وعشرون نفراً وسمانا، بأسمائنا وأسماء آبائنا .
فقلت : أي والله يا سيدي، كنا كما قلت.
وأمر لنا بكسوة ودنانير كثيرة وقال : فرقها على أصحابك فإنها بعدد ما ذهب منكم.
قال علي بن حديد فصرتُ بها إلى إخواني وأصحابي، ففرقتها عليهم، فطلعت والله بإزاء ما أخذ منا سواء.
9 - وعن محمد بن أبان(1)، عن خالد العطار الكوفي، عن أبي هاشم داود ابن القاسم الجعفري، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : كنتُ في داره ببغداد وأنا جالس بين يديه، إذ دخل عليه ياسر الخادم فرحب به وقربه ثم قال(2): يا سيدي، ستنا أم جعفر تستأذنك بالمسير إلى أم الفضل للسلام عليك وعليها، وقد استأذنت .
فقال له : قل لها أقبلي إليه بالرحب والسعة. فمضى الخادم، وقمت وأنا أقول
في نفسي : إنه ليس هذا وقت جلوس أم جعفر، تصير إليه أم الفضل.
فقال لي : اجلس يا أبا هاشم فإن أم جعفر تحضر، وترى ما يجب. فجلست ،وانصرفتُ أم جعفر، فأذنت عليه قبل أذنها على أم الفضل، فقال للخادم : قل لها لا يحضرني إلا من يحتشم بنا وهو أبو هاشم الجعفري ابن عمك.
فاستحييتُ واعتزلتُ بجانب حيث لا أراهم وأسمع كلامهم. فدخلت وسلمت عليه، واستأذنته بالدخول على أم الفضل بنت المأمون زوجته، فأذن لها .
فما لبث أن عادت إليه فقالت له يا سيدي إني لأحب أن أراك وأم الخير
ص: 355
بموضع واحد لتقر عيني وأفرح، وأعرف أمير المؤمنين اجتماعكما فيفرح.
فقال : ادخلي إليها فإني تابعك في الأثر.
فدخلت أم الخير، فقدمت نعليه ودخل والستور تشتال بين يديه، فما لبث أن أسرع راجعاً وهو يقول : فلما رأينه أكبرنه وجلس، وخرجت أم جعفر، فقالت : يا سيدي ما حدث إلا خيراً، ما رأيتُ وما حضرتُ إلا خيراً، ولم لا تجلس فما الذي حدث؟ .
فقال : يا أم جعفر حدث ما لا يصح أن أعيده عليك فارجعي إلى أم الفضل فاسأليها بينكِ وبينها فإنها تخبركِ ما حدث منها ساعة دخولي إليها، فإنه من سر النساء.
فأعادت أم جعفر على أم الخير ما قاله(عليه السلام) فقالت لها : يا عمة، ما الذي حدث مني؟
قلت يا بنية ما أعلم ما هو فحلفتُ إني ما أحضرت إلا خيراً، وظننتُ أنه رأى في وجهكِ كرهاً .
فقالت: لا والله يا عمة ما تبين بوجهي كرهاً ولا علمتُ ما حدث، فارجعي إليه اسأليه أن يخبرك .
فقلت : يا ابنة إنه قال : إنه من سر النساء.
فقالت أم الخير : كيف لا أدعو على أبي وقد زوجني ساحراً.
فقلت لها : يا بنية لا تقولي هذا في أبيك ولا فيه، أريني فما الذي حدث.
قالت يا عمة والله ما هو طلع حقاً إلا انعزلت إلى الصلاة، وحدث مني ما يحدث من النساء، فضربت يدي إلى أثوابي وضممتها فخرجت أم جعفر إليه، وقالت يا سيدي، أنت تعلم الغيب؟
قال : لا .
قالت : من لك بأن تعلم ما حدث من أم الخير مما لا يعلمه إلا الله، وهي في الوقت .
فقال لها : نحن من علم الله علمنا، وعن الله نخبر .
قالت له : ينزل عليك الوحي؟ .
ص: 356
قال : لا .
قالت: من أين لك علم ذلك؟ .
قال : من حيث لا تعلمين وسترجعين إلى من تخبرينه بما كان فيقول لك : لا تعجبي فإن فضله وعلمه فوق ما تظنين. فخرجت أم جعفر، ودنوت منه، وقلتُ له : قد سمعتك وأنت تقول : فلما رأينه أكبرنه فهذا خبر النسوة الذي خرج عليهن يوسف لما رأينه والإكبار مما حدث من أم الفضل، فعلمت إنه الحيض .
10 - وعنه، عن محمد بن إسماعيل الحسني، عن محمد بن علي، عن أيوب السراج، عن محمد بن موسى النوفلي، قال: دخلتُ على سيدي أبي جعفر(عليه السلام) يوم الجمعة عشياً فوجدت بين يديه أبا هاشم داود بن القاسم الجعفري، وعيناً أبي هاشم بهمدان ورأيت سيدي أبا جعفر مطرقاً، فقلت لأبي هاشم: ما يبكيك يا ابن العم؟ .
قال: من جرأة هذا الطاغي المأمون على الله وعلى دمائنا بالأمس قتل الرضا، والآن يريد قتلي فبكيت وقلت يا سيدي هذا مع إظهاره فيك ما
يظهره .
قال : ويحك يا ابن العم الذي أظهره في أبي أكثر .
فقلت : والله يا سيدي إنك لتعلم ما علمه جدك رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) وقد علم ما علمه المسيح وسائر النبيين، وليس لنا حكم والحكم والأمر لك، فإن تستكفي شره فإنه يكفيك .
فقال : ويحك يا ابن العم فمن يركب إليَّ الليلة في خدمة بالساعة الثامنة من الليل وقد وصل الشرب والطرب إلى ذلك الوقت وأظهره بشوقه إلى أم الفضل فيركب ويدخل إليَّ ويقصد إلى ابنته أم الفضل وقد وعدها أنها تبات في الحجرة الفلانية في بعد مرقدي بحجرة نومي، فإذا دخل داري عدل إليها، وعهد الخدم ليدخلون إلى مرقدي فيقولون: إن مولانا المأمون منا ويشهروا سيوفهم، ويحلفوا : إنه لا بد نقتله فأين يهرب منا.
ص: 357
ويظهرون إليَّ، ويكون هذا الكلام ،أشعارهم فيضعون سيوفهم على مرقدي، ويفعلون كفعل غيلانه في أبي فلا يضرني ذلك ولا تصل أيديهم إليَّ، ويخيل لهم أنه فعل حق وهو باطل. ويخرجون مخضبين الثياب قاطرة سيوفهم دماً كذباً، ويدخلون على المأمون وهو عند ابنته في داري فيقول: ما وراءكم؟. فيروه أسيافهم تقطر دماً، وثيابهم وأيديهم مضرجة بالدم.
فتقول أم الفضل : أين قتلتموه؟
فيقولون لها : في مرقده.
فتقول لهم : ما علامة مرقده؟ فيصفون لها .
فتقول: أي والله هو .
فتقدم إلى رأس أبيها فتقبله وتقول الحمد لله الذي أراحك من هذا الساحر الكذاب .
فيقول لها :يا ابنة لا تعجلي، فقد كان لأبيه علي بن موسى هذا الفعل ،فأمرت تُفتح الأبواب، وقعدت للتعزية، ولقد قتله خدمي أشد من هذه القتلة، ثم ثاب إليَّ عقلي، فبعثت ثقة خدمي صبيح الديلمي فعاد إليَّ وقال : إنه في محرابه يسبح الله ، فتُغلق الأبواب ثم تظهر إنها كانت غشية وفاقت الساعة .فاصبري يا بنية، لا تكون هذه القتلة مثل تلك القتلة.
فقالت: يا أبي هذا يكون؟
قال: نعم، فإذا رجعتُ إلى داري وراق الصبح فابعثي استأذني عليه، فإن وجدتيه حياً فادخلي عليه وقولي له: أن أمير المؤمنين شعب عليه خدمه وأرادوا قتله، فهرب منهم إلى أن سكنوا فرجع، وإن وجدتيه مقتولاً فلا تحدثي أحداً حتى أجيئك .
وينصرف إلى داره وترتقب ابنته الصبح فإذا اعترض(1) تبعث إليَّ خادماً فيجدني في الصلاة قائماً، فيرجع إليها بالخبر، فتجيء وتدخل عليَّ، وتفعل ما قال أبوها، وتقول : ما منعني أن أجيئك بليلتي إلا أمير المؤمنين.
ص: 358
إلى أن أقول والله الموفق. ها هنا من هذا الموضع يقول : انصرف. وتبعث له(1). وهذا خبر المأمون بالتمام.
11 - وعنه، بهذا الحديث مرفوعاً إلى أبي جعفر(عليه السلام)وكان في عهده رجل يقال له شاذويه، وكان له أهل حامل وإنها أموية وهي قبيلة وما بالقبيلة من سلم أمره إلى أبي جعفر محمد(عليه السلام)إلا هي وبعلها، وليس تسليم أمرهم إلا ببينة من أبي جعفر(عليه السلام).
فقدم إليه شاذويه وهو بين من حضر معه ومحمد بن سنان في مجلسه . فلما قرب شاذويه من أبي جعفر(عليه السلام)فرمی فقال أبو جعفر : يا شاذويه، ببالك حديث، وقد أتيت منا البينة وما أبديته إلى سواي. فلما سمع ذلك أيقن أنه من أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة.
وقال تريد يا شاذويه بيان ما أتيتَ إلينا به من حاجة لك؟
فقال نعم يا ،مولانا ما أتيتُ إلا بإظهار ما كان في ضميري تبديه لي، فما سؤالي لك وما الحاجة .
فقال: نعم، إن لك أهلاً حاملاً، وعن قريب تلد غلاماً، وإنها لن تموت في ذلك الغلام، فما تفاوض أبو جعفر بالكلام إلا لاتخاذ الإمامة، وأهلك من أمية، وإنها جميلة المراجعة لك.
فقال : نعم يا أبا جعفر(2)، وإنها تسلمن أمرها إلينا ببينة منا لها، وإنها من قوم كافرين فإنها راجعة إلى الإسلام.
وكان الشاذويه رفيقاً له لم يؤمن بما يأتي به أبو جعفر(عليه السلام) فقال له : بئس ما قلت وما قال أبو جعفر أفما تفاوض أبو جعفر بالكلام إلا لاتخاذ الإمامة.
فقال شاذويه : قد علمنا ما علمت ولم تؤتَ من الفضل والإيثار من أبي
ص: 359
جعفر(عليه السلام)مثلما علمت فلما أسرعتُ إليه بهذه البشرى قال محمد بن سنان: ليعلم فضل شعب أبي جعفر(عليه السلام)وعلمهم في سائر الناس.
قال شاذويه : فدخلتُ منزلي فإذا أنا بزوجتي على شرف لم أجزع لذلك، لأن أبا جعفر(عليه السلام)أخبرني إنها لن تموت في هذه الولادة فأفاقت عن قريب، وولدت غلاماً ميتاً فرجعت إلى أبي جعفر(عليه السلام)فلما دنوت من المجلس، فقال: يا شاذويه، وجدت ما أخبرتك وولدك حقاً؟ .
قلت : نعم يا سيدي، فلم لا تدعو لي حتى يرزقني الله ولداً باقياً؟ .
قال : لا تسألني.
قلت يا سيدي سألتك .
قال : ويحك الآن، فقد نفذ فيه الحكم.
قلت : أين فضلك؟
قال محمد بن سنان :قلت يا سيدي، تسأل الله أن يجيئه .
فقال : اللهم إنك عالم بسرائر عبادك، فإن شاذويه قد أحب أن يرى فضلك عليه، فأحيي له أنت الغلام
فانثنى أبو جعفر إليَّ، وقال: الحق بابنك فقد أحياه الله لك.
قال: فأسرعت إلى منزلي، فتلقتني البشارة أن ابني قد عاش، فخبرت أمه، وكانت أموية، فقالت: والله الآن لأتبرأن من أمية جميعاً .
قلت لها ومن تيم وعدي. فقالت : تبرأت من فلان وفلان وتواليت بني هاشم، وهذا الإمام محمّد بن علي(عليه السلام)وتشيعت وتشيع كل من في داري وما كان فيها غيري من يتولاه.
12 -وعن محمد بن إبراهيم، عن محمّد بن علي، عن موسى بن القاسم، قال: شاجرني رجل -ونحن في مكة من أصحابنا -يقال له إسماعيل، في أبي الحسن الرضا(عليه السلام)قال : كان يجب أن يدعو المأمون إلى الله وإلى طاعته.
فلم أدر ما أجيبه، فانصرفتُ إلى فراشي، فرأيتُ أبا جعفر(عليه السلام) في نومي،
ص: 360
فقلت له : جعلت فداك، إن إسماعيل سألني هل كان يجب على أبيك أن يدعو المأمون إلى الله وطاعته فلم أدرِ ما أجيبه .
فقال لي: إنما يدعو الإمام إلى الله مثلك ومثل أصحابك ومن تبعهم، فانتبهتُ، وحفظت الجواب من أبي جعفر محمد، وخرجتُ إلى الطواف، فلقيني إسماعيل، فقلت له ما قاله لي أبو جعفر، فكأني ألقمته حجراً .
فلما كان من قابل(1)أتيتُ المدينة، ودخلت على أبي جعفر(عليه السلام)وهو يصلي، فأجلسني موفق ،الخادم، فلما فرغ من صلاته قال لي: يا موسى، ما الذي قال إسماعيل بمكة عام أول حيث شاجرك في أبي؟
قلت : جعلت فداك، أنتَ تعلم .
قال : ما كانت رؤياك؟
قلت : رأيتك يا سيدي في نومي، وشكوت إليك إسماعيل.
قال : فقلتُ إنما يجب طاعته على مثلك ومثل أصحابك ممن لا يبغيه(2) ،وخصمته (3).
قال : هو ذلك.
قال : أنا قلتُ لكَ في منامك، والساعة أعيده عليك.
فقلت : والله هذا هو الحق المبين(4).
13 - وعنه (5)، عن محمد بن يحيى الفارسي، عن علي بن حديد، عن علي ابن مسافر، عن محمد بن الوليد بن يزيد قال : أتيت أباجعفر(عليه السلام)فوجدتُ في
ص: 361
داره قوماً كثيرين، ورأيت ابن مسافر جالساً في معزل منهم، فعدلت إليه، فجلست معه حتى زالت الشمس فقمت إلى الصلاة فصليت الزوال فرض الظهر، والنوافل بعدها، وزدت أربع ركع فرض العصر، فأحسست بحركة وراثي، فالتفتُ وإذا أبو جعفر ، فقمتُ إليه وسلمت عليه وقبلت يديه ورجليه، فجلس، وقال: ما الذي أقدمك؟ وكان في نفسي مرض من إمامته، فقال لي: سلم.
فقلت : يا سيدي قد سلمت (1).
فقال : ويحك. وتبسم بوجهي، فأناب (2)إليَّ، فقلت: سلمت إليك يا ابن رسول الله ، وقد رضيت بك إماماً . فكأن الله جلا عني ،غمي، وزال ما في قلبي من المرض من إمامته حتى اجتهدت ورميت الشك فيه إلى ما وصلت إليه، ثم عدت من إمامته حتى اجتهدت ورميت الشك فيه إلى ما وصلت إليه، ثم عدت من الغد بكرة وما معي خلق ولا أرى خلقاً وأنا أتوقع السبيل إلى من أجد وينتهي خبري إليه، وطال ذلك علي حتى اشتد الجوع.
فبينما أنا كذلك إذ أقبل نحوي غلام قد حمل إليَّ خواناً فيه طعام ألواناً، وغلام آخر معه طست وإبريق فوضعه بين يدي وقال لي : مولاي يأمرك أن تغسل يديك وتأكل .
فغسلت يدي وأكلت فإذا بأبي جعفر(عليه السلام) قد أقبل فقمت إليه، فأمرني بالجلوس، فجلست وأكلت فنظر إليَّ الغلام أرفع ما سقط من الخوان على الأرض، فقال له(3)ما كان معك في الخوان فدعه ولو كان فخذ شاة، وما كان معك في البيت فالقطه ،وكله فإن فيه رضى الرب ومجلبة الرزق وشفاء من الداء(4).
ثم قال لي: اسأل.
فقلت : جعلت فداك، ما تقول في المسك؟
ص: 362
فقال أبو الرضا : لم يتخذ مسكاً فيه.
كتب إليه الفضل بن سهل يقول : يا سيدي إن الناس يعيبون ذلك عليك .
فكتب : يا فضل، ما علمت إن يوسف الصديق(عليه السلام)كان يلبس الديباج مزرراً بالذهب والجوهر، ويجلس على كراسي الذهب واللُّجين(1) فلم يضُرُّه ذلك، ولا نقص من نبوته شيئاً .
وأن سليمان بن داود(عليه السلام)وضع له كرسي من الفضة والذهب مرصع بالجوهر، وعليه علم وله درج من ذهب إذا صعد على الدرج اندرج فتراً، فإذا نزل انتشرت بين يديه والغمام يظلله، والأنس والجن تخدمه، وتقف الرياح لأمره وتنسم وتجري كما يأمرها والسباع الوحوش والطير عاكفة من حوله، والملائكة تختلف إليه فما يضره ذلك ولا نقص من نبوته شيئاً ولا من منزلته عند الله .
وقد قال الله :﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾(2) .
ثم أمر أن يتخذ له غالية فاتخذت بأربعة الاف دينار وعرضت عليه، فنظر إليها وإلى سدوها وحبها وطيبها وأمر أن يكتب لها رقعة من العين وقال: العين حق(3).
فقلت : جعلت فداك، فما لمواليكم في آلاتكم؟
فقال : إن جدي جعفر الصادق(عليه السلام)كان له غلام يمسك عليه بغلته إذا دخل المسجد، فبينما هو في بعض الأيام جالس في المسجد إذ أقبلت من خراسان قافلة، فأقبل رجل منهم إلى الغلام وفي يده البغلة، فقال له : من داخل المسجد؟
فقال : مولاي جعفر الصادق بن رسول الله .
فقال له الرجل: هل لك يا غلام تسأله يجعلني مكانك وأكون له مملوكاً، وأجعل لك مالي كله فإني كثير الخير والضياع، أشهد لك بجميعه وأكتب لك وتمضي إلى خراسان ، فتقبضه، وأنا موضعك أقيم.
فقال له الغلام اسأل مولاي ذلك .
ص: 363
فلما خرج قدم بغلته فركب وتبعه كما كان يفعل فلما نزل في داره استأذن الغلام ودخل عليه فقال له : مولاي يعرف خدمتي وطول صحبتي .
قال (1): فإن ساق الله لنا خيراً تمنعني منه؟
فقال له جدي : أعطيك من عندي وأمنعك من غيري، حاشى لله .
فحكى له حديث الخراساني، فقال له(عليه السلام): إن زهدت بخدمتنا وأرغبت الزجل فينا قبلنا وأرسلناك فولى الغلام فقال له انضجع بطول الصحبة ولك الخير .
قال : نعم .
فقال له : إذا كان يوم القيامة كان رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) بنور الله أخذنا لحجرته، وكذلك أمير المؤمنين، وكذلك فاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام)وكذلك شيعتنا يدخلون مدخلنا ويردون موردنا ويسكنون مسكننا .
فقال الغلام يا مولاي، بل أقيم بخدمتك.
قال : اختر ما ذكرت .
فخرج الغلام إلى الخراساني، فقال له يا غلام قد خرجت إليَّ بغير الوجه الذي دخلت به .
فأعاد الغلام عليه قول الصادق(عليه السلام)فقال له : ما تستأذن لي عليه بالدخول، فاستأذن له ودخل عليه وعرفه رشيد ولايته، فقبل ولايته، وشكر له.
وأمر للغلام [أي الصادق] بوقته بألف درهم وقال : هذا خير لك من مال الخراساني .
فودعه، وسأله أن يدعو له، ففعل بلطف ورفق وبشاشة بالخراساني، ثم أمر له برزمة عمائم فحضرت وقال للخراساني : خذها فإن كل ما معك يؤخذ بالطريق وتبقى معك هذه العمائم وتحتاج إليها، فقبلها وسار فقطع عليه الطريق وأخذ كل ما كان معه غير العمائم، واحتاج إليها فباع منها وتجمل إلى أن وصل إلى خراسان.
قال الكرماني حسب مواليهم بهذا الشرف فضلاً(2)
ص: 364
مضى: علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب يوم الإثنين لخمس ليال بقيت من جمادى الآخرة سنة أربعة وخمسين ومئتين من الهجرة (1).
وكان مولده في رجب سنة أربعة عشر ومئتين(2).
وكان عمره أربعين سنة(3)، أقام منها مع أبيه ست سنين وسبعة أشهر(4)، وبعد أبيه ثلاثاً وثلاثين سنة وخمسة أشهر(5)
وكان اسمه : عليا(6)
وكنيته : أبو الحسن(7)لا غير .
ولقبه الهادي ،والعسكري، والعالم، والدليل، والموضح (8)،...
ص: 365
والراشد، والسديد(1).
وأمه : سمانة أم ولد(2)، وقيل : مهرسنة المغربية؛ وليس مهرسنة صحيحاً .
وله من الولد: الحسن الإمام ،ومحمد والحسين، وجعفر(3)المدعي الإمامة المعروف بالكذاب ؛ المذكور بحديث جعفر الصادق(عليه السلام)
ومشهد أبي الحسن : بسر من رأى(4).
1 - قال الحسين بن حمدان حدثني الحسن بن محمد بن جمهور، عن محمد ابن علي، عن الحسن بن علي الوشا عن خزمان الأسباطي، قال: قدمت على أبي الحسن علي بن محمد(عليه السلام)وهو بالمدينة، فلما لقيته قال : يا خزمان ما خبر الواثق عندك ؟
فقلت : خلفته في عافية. فقال لي : إن الناس يقولون أنه مات.
فقلت له، جعلت فداك، عهدي به منذ بضعة أيام سالم.
قال: ها هنا من يقول إنه مات.
فلما ذكر ذلك علمتُ إن الذي يقول له عنده .
فقال لي: ما فعل ابنه جعفر؟ قلت: خلفته محبوساً.
قال لي : ما فعل ابن الزيات؟ قلت : الناس معه والأمر أمره.
قال يا ويله مشؤوم على نفسه. ثم سكت وقال : قتل ابن الزيات.
ص: 366
فقلت : متى ؟ فقال : بعد خروجك بستة أيام. فكان كما قال(عليه السلام).
2 - وعنه، عن أبي الحسين بن علي البكا، عن زيد بن علي بن زيد، قال: مرضت مرضاً شديداً، فدخل علي الطبيب وقد اشتدت بي العلة فأصلح لي دواءً بالليل لم يعلم به أحد، وقال: خذ تداوى فيه مدة عشرة أيام فإنك تتعافى إن شاء الله تعالى.
وخرج من عندي نصف الليل، وترك الدواء فما بَعُدَ عني إلا أتاني نصر غلام أبي الحسن علي(عليه السلام) فاستأذن علي، ودخل معه هاون(1) فيه مثل ذلك الدواء الذي أصلحه الطبيب بتلك الساعة وقال لي: مولاي يقول لك الطبيب استعمل لك دواء مدة عشرة أيام نحن إنما بعثنا لك هذا الدواء فخذ منه مرة واحدة تبرأ بإذن الله تعالى من ساعتك .
قال زيد والله علمت إن قوله حق، فأخذتُ ذلك الدواء من الهاون مرة واحدة، فتعافيت من ساعتي. ورددت دواء الطبيب عليه، وكان نصرانياً، فرآني في صبيحة يومي، وسألني مذ رآني معافى من علتي ما كان السبب في عافيتي، ولم رددت عليه الدواء، حدثته عن دواء أبي الحسن ولم أكتم عنه شيئاً، فمضى إلى أبي الحسن وأسلم على يده وقال : يا سيدي هذا علم المسيح وليس يعلمه أحد إلا من يكون مثله (2).
ص: 367
3- وعنه ، عن أبي بكر الصفار، عن أبي الحسن الوشا، عن محمد بن عبد الله القمي قال : حملت ألطافاً من قم(1)إلى سيدي أبي الحسن في وقت وروده من سر من رأى(2) فوردتها واستأجرت لها منزلاً، ودخلت أروم الوصول إليه أو بوصول تلك الألطاف التي حملتها، وأعتذر بذلك، وكلفت عجوزاً كانت معي في الدار تلتمس لي امرأة أتمتع بها. فخرجت في طلب حاجتي فإذا أنا بطارق يطرق الباب فخرجت إليه فإذا أنا ،بغلام فقلت له : ما حاجتك؟
فقال : سيدي أبو الحسن قد شكر لك ألطافك التي حملتها تريدنا بها، فاخرج إلى بلدك واردد الطافك معك، واحذر كل الحذر أن تقيم بسامرا أكثر من ساعة، فإن خالفتَ عوقبت، فانظر لنفسك .
قلت: أي أخرج ولا أقيم.
فجاءت العجوز ومعها المتعة، فأعجبتني فتمتعت وبت ليلتي، وقلت: في غدٍ أخرج.
فلما تولى الليل طرق بابي طارق وقرعه قرعاً شديداً، فخرجت العجوز إليهم فإذا بالطائف والحارث وشرطة ومعهم شمع .
فقالوا لها : أخرجي إلينا الرجل والمرأة من دارك فجحدتنا، فهجموا على الدار وأخذوني والمرأة، ونهبوا كل ما كان معي من الألطاف وغيرها. فقمت بالحبس ستة أشهر، فجاء بعض مواليه وقال حلت بك العقوبة التي حذرتك منها واليوم تخرج من حبسك وتصير إلى بلدك.
ص: 368
فأخرجت ذلك اليوم من الحبس هائماً حتى وردتُ قم، فعلمت أني بخلافي لسيدي الهادي تلقيت تلك العقوبة(1).
4 - وعنه، عن محمد بن موسى القمي، عن الحسن بن علي الوشا، قال: دخلت يوماً على علي الرضا بن موسى(عليه السلام)فرأيتُ عنده قوماً لم أرهم ولم أعرفهم وهو يخاطبهم بالسندية مثل زقزقة الزرازير ، ثم لقيت بعده صاحبنا أبا الحسن(عليه السلام) محمَّداً بسامراء وعنده نجار يصلح عتبة بابه وهو يخاطبه بالسندية كخطاب الزرازير، فقلت في نفسي : لا إله إلا الله هكذا كان جده الرضا يخاطب بهذا اللسان.
فقال أبو الحسن : من فرق بيني وبين جدي، أنا هو وهو أنا، وإلينا فصل الخطاب .
فقلت : جعلت فداءك، وما معنى فصل الخطاب؟
قال : أجابة كل عن لغته لغة مثلها وجميع ما خلق الله تعالى .
5 - وعنه عن أبي العباس بن عتاب بن يونس الديلمي، عن علي بن يونس وكان رجل من عباد الشيعة وصلحائهم زهداً وورعاً، قال علي بن يونس: حملت الطافاً وبزاً من قوم من الشيعة، وجعلوني رسولهم إلى أبي الحسن(عليه السلام)بعد وروده من سامراء، فلما دخلت سألت عنه، فقيل لي هو مع المتوكل في الحلة. فأودعت ما كان معي وصرت إلى الحلة طمعاً أني أراهم، فلم أصل إليه ورأيت الناس
ص: 369
جلوساً يترقبونه، فوقفت على الطريق مع ذلك الخلق، فما لبث أن انصرف المتوكل ومن كان معه .
وأقبل أبو الحسن(عليه السلام)ومعه علامه نصر ومن ال ومعه غلامه نصر ومن أصحابه جماعة وبني عمه، وأنا في جملة الناس، فلما صار بإزائي نظر إليَّ وأشار بيده نحوي، وقال: كيف كنت في سفرك ؟ احمل إلينا الألطاف والبز الذي جئت به .
فقلت : لا إله إلا الله عرفني من كل هذا الخلق العظيم وعلم ما حملته إليه .
ففكرت فيمن يحمل الألطاف والبز إليه من حيث لا يعلم بي أحد، فأودعتها، فصرت إلى الموضع ودخلت البيت فلم أصادف البز ولا الألطاف، فقلت: وا أسفاه أي شيء أقول له وقد سُرِقَتْ مني.
فلم أشعر إلا وغلامه نصر يدعوني باسمي واسم أبي، وهو يقول: يا علي بن يونس علم سيدي أن البز والألطاف ،له فحملها ورفهك من حملها . فسألته : من كان إياها من داخل البيت.
فقال: سبحان الله تسألنا عما لم نره ما دخل علينا أحد ولا دخل بيتك أحد .
6 - وعنه ، عن محمد بن إسماعيل الحسني، عن يزيد بن الحسين بن موسى، قال : أنفذني سيدي أبو الحسن ورجلين حسنيين من بني عمه إلى صاحب الدار، قال : لست أبيعها .
فرجعنا إليه فأخبرناه. فلما كان في غد أمرنا أن نعاوده، فقال لنا: لست أبيعها .
فلما كان اليوم الثالث أمرنا بمعاودته ،فعاودناه فقال : كم تترددون وما أريد [أن] أبيع داري .
فقال أحد أولاد عمه الحسني : إلى كم يرددنا إلى صاحب الدار ويؤذينا ويتعبنا والرجل ليس يبيع داره .
ص: 370
فقال : يا ،هذا جرى مجرى آل فرعون فإن يك كاذباً فعليه كذبه، وإن يك صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم .
فتبين صدقه فجئناه وأخبرناه أن صاحب الدار قد تبرم وقال كم تترددون وما أريد البيع.
فقال لنا ارجعوا إليه فقال : بعت الدار واسترحت منكم .
فعدنا إليه فقال : قد كذب ما باعها ولا بد من بيعها وأبنيها وأسكنها ويولد لي غلاماً اسميه حسناً وأرى منه ما أحب.
قال زيد فلم نزل نتردد حتى باعنا الدار واشتراها أبو الحسن وسكنها وكان فيها مولد أبي محمد الحسن(عليه السلام)الإمام والتحية.
- وعنه ، عن محمد بن إبراهيم الكوفي(1)، قال: حدثني قال : حدثني أحمد بن الخصيب بسامرا، وقد سألته عن لعن أبي الحسن(عليه السلام)لفارس بن حاتم بن ماهويه، وكان السبب فيه أن المتوكل بعث في يوم دجن(2)والسحاب يلقي رذاذاً، وكان في وقت الربيع من الزمان وقد أمر المتوكل فزُخرفت داره وأظهر فيها من الجوهر وألوان الطيب وأفضل مما كان يظهر وأظهر القينات والمغنين في ألوان التزيين ووقفوا صفوفاً والملاهي على صدورهم، وجلس على السرير ولبس البردة وجعل التاج على رأسه، وأنفذ رسلاً إلى أبي الحسن(عليه السلام)ودخل معه فارس بن [حاتم بن] ماهويه، وفي يد المتوكل كأس مملوء خمراً، فلما انتهى أبو الحسن إلى داره في المدينة فعلى له رتبة وتطاول إليه ودعا بسفرة فجعلت مع جانبه، وأقبل عليه، :وقال يا بن العم ما ترى إلى هذه الدنيا، وحُسن هذا اليوم واستشعارنا فيه والسرور بك.
ص: 371
فقال : الله، وهو غير باشِّ به .
وقال [المتوكل] : إن سروري أتاني بما أطعتني فيه رفعت منزلتك وأطعتك فيما تحب وأفضلت على أهل بيتك ومواليك وكنت لك كنفسك وإن خالفتني فيه حملتني على قطع الرحم بيني وبينك ومعصية الله فيك، وقصد أهلك ومواليك بما لا تحبه فاختر أي الحالتين شئت، وأرجو أن لا تخالفني، ثم حلف له بغليظ الإيمان المؤكدة لينفي له ما سمعه منه .
فقال أبو الحسن(عليه السلام): هذه تباشير شر لا خير فيه.
فقال : الله الكافي.
فقال المتوكل للمغنين : غنوا واضربوا بالملاهي وغنوا واشربوا .
وشرب المتوكل فقال للخادم هاته في كأس خمر وادفعه إليه.
وأقبل المتوكل على أبي الحسن وقال قد سمعت مأمون الأيمان وأنا بها أسألك أن تشرب هذا الكأس.
فقال له أبو الحسن: أستغفر الله من الشيطان الرجيم، فأخاف الله وأخشاه، فإني لا أبدل طاعتك في معصية الله .
فضحك المتوكل وقال للخادم : هلمه واسقي فارس بن [حاتم بن] ماهويه فأخذ فارس الكأس فشربه وخرج مع أبي الحسن.
فقال المتوكل : لا يصير ابن عمي في هذا المطر إلا راكباً .
فقدّموا إليه الطيارة ليفعلوا ذلك، فجلس(عليه السلام)ومعه فارس، فلما سار الطيار كشف أبو الحسن أستاره وأمر فارس فعل مثل ذلك فقال له يا فارس ورأسه مدلى على الماء، انظر إلى الكأس الذي شربته أنا ، ثم مج من فيه في الماء، فإذا هو يجري مع الطيار لا يختلط بالماء ولا ينقطع.
فقال له :خذه يا فارس بيدك واشتمه وذقه . فمد فارس يده وأخذه من الماءواشتمه وذاقه فوجده عسلاً ومسكاً فقال له : خله من يدك. فخلاه.
فقال له : مج مع الماء ما شربت أنت فمج فارس في الماء، فسار مع الطيار ولم ينقطع ولم يختلط بالماء، فقال: خذ بيدك واشتمه.
ص: 372
فأخذه بيده واشتمه، فقال له : ما هو ؟
قال : يا مولاي خمراً .
قال له : ويحك يا فارس حين لم تستأذننا بلسانك ولابطرفك ما تناجينا بقلبك فيعصمه منه كما عصمت أنا فكان هذا ما أنكره على فارس .
8- وعنه عن أحمد بن مالك القمي، عن فارس بن [حاتم] ماهويه قال: بعث المتوكل إلى سيدنا أبي الحسن(عليه السلام)أن اركب واخرج معنا إلى الصيد لنشاركك .
فقال للرسول : قل له إني راكب.
فلما خرج الرسول قال كذب ما يدري غير ما قال.
قلنا :يا مولانا فما الذي يريد؟
قال : فما يظهر ما يريده بما يعيده من الله، وهو يركب في هذا اليوم ويخرج إلى الصيد، فيدهمه جيشه على القنطرة في النهر، فيعبر سائر العسكر ولا تعبر دابتي، وأرجع، فيسقط المتوكل عن فرسه وتزيل رجله فتوهن يده ويمرض شهراً.
قال فارس فركب سيدنا على ركوبه مع المتوكل .
قال له : يا ابن عمي .
فقال : نعم (1).وهو سائر معه في ورود النهر والقنطرة. فعبر سائر الجيش وتشعثت القنطرة وانهدمت ونحن في أواخر القوم مع سيدنا، وأرسل الملك تحته، فلما وردنا النهر والقنطرة، فامتنعت دابته أن تعبر وعبر سائر الجيش ودوابنا، واجتهدت رسل المتوكل في دابته ولم تعبر وبعد المتوكل فلحقوا به، ورجع سيدنا .
ص: 373
فلم يمض من النهار ساعة حتى جاء الخبر أنّ المتوكل سقط عن دابته وزالت رجله وتوهنت يده وبقي عليلاً شهراً وعتب على أبي الحسن . فقال أبو الحسن ما رجع إلا فزع لا تصيبه هذه السقطة عليه، وإنما رجعنا غصب عنا لا تصيبنا هذه السقطة (1).
فقال أبو الحسن : صدق الملعون وأبدى ما كان في نفسه(2).
9 - وعنه ، عن أبي الجواري، عن عبد الله بن محمّد، قال: حدثني محمّد بن أحمد الخصيبي(3) ،وهو غير أحمد بن الخصيب قال ورد على المتوكل رجل من الهند شعبذي(4)يلعب الخفة، فلعب بين يدي المتوكل بأشياء ظريفة، فكثر تعجبه منها فقال للهندي يحضر عندنا الساعة رجل والعب بين يديه، فكلما تحسن اقصده وخجله .
فحضر سيدنا أبو الحسن(عليه السلام) فلعب الهندي وهو ينظر إليه، والمتوكل يعجب من لعبه حتى تعرض الهندي لسيدنا وقال : مالك أيها الشريف لا تهش للعبي، أظنّك جائعاً، وصاح وضرب على صدره بالسبابة، وقال: ارتفع وأراهم أنها رغيف خبز .
وقال : امضِ إلى هذا الجائع يأكلك ويشبع ويفرح بلعبي .
فوضع سيدنا أبو الحسن إصبعه على صورة سبع في البساط وقال: خذه.
فوثب من الصورة سبع عظيم وابتلع الهندي ورجع إلى صورته في البساط، فسقط المتوكل لوجهه وهرب كل من كان قائماً. وقد أثاب عقله وقال يا أبا الحسن رد الرجل .
ص: 374
فقال له أبو الحسن(عليه السلام): إن ردت عصا موسى أرده ونهض(1) .
10 - وعنه ، عن أحمد بن سعد الكوفي(2)، وأحمد بن محمّد الحجلي ، قال: دخلنا على سيدنا أبي الحسن(عليه السلام)في جماعة من أوليائه، وقد أظهرنا مسألة عن الحق من بعده، فإن بعضهم ذكروا ابنه جعفر(3)مع سيدنا أبي محمد الحسن(عليه السلام)(4) قال : فأذن لنا فدخلنا وجلسنا فأمهلنا قليلا ثم رمى إلينا تفاحة وقال: خذوها بأيديكم فأخذناها فقال : قولي لهم يا تفاحة بما دخلوا يسألونني عنه. فنطقت التفاحة وقالت : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، وأن علياً أمير المؤمنين وصيه وأن الأئمة منه إلى سيدنا أبي الحسن علي تسعة، وأن الإمام بعده سيدنا أبو محمد الحسن، وأن المهدي سمي جده رسول الله وكناه .
وصاح بنا : فأكثروا من ذكر الله وحمده على ما هداكم إليه، وإياكم جعفر، فإنه عدو لي ولو كان ابني، وهو عدو لأخيه الحسن وهو إمامه، وإن جعفر يدل من بعده على أمهات الأولاد فيسلمهم إلى الطاغية ويدعي أنه الحق وهو المعتدي جهلاً، ويله من جرأته على الله فلا ينفعه نسبه مني.
قال : فخرجنا جميعاً وما عندنا شك بعد الذي سمعناه. وسألتهم عن التفاحة ما فعلت بعد ذلك القول وقد أخذها سيدنا منا وخرجنا وهي في يده.
ص: 375
11 - وعنه : عن عبد الله بن جعفر عن المعلى بن محمد قال : قال الحسن علي بن محمد(عليه السلام): إن هذا الطاغية (1)يبني مدينة يقال لها : سامرا يكون حتفه فيها على يد ابنه المسمى بالمنتصر وأعوانه عليه الترك .
قال : وسمعت اسم الله على ثلاثة وسبعين حرفاً، وإنما كان عند آصف بن برخيا(2)حرف واحد فتكلم به فخرقت له الأرض ما بينه وبين سبأ فتناول عرش بلقيس فأحضره إلى سليمان بن داود قبل أن يرتد إليه طرفه(3)ثم سقط على الأرض في أقل من طرفة عين، وعندنا منه اثنان وسبعون حرفاً، والحرف الذي كان عند آصف بن برخيا .
أتى إليه رجل من شيعته من المدائن عن ثني المتوكل وكتب إليه :
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47)ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49)﴾،(4) فقتل في خمسة عشر سنة .
ثم أمر المتوكل الجعفري، وما أمر به بني هاشم وغيرهم الأنباء ما تحدث به
ص: 376
وجه إلى أبي الحسن بثلاثين ألف درهم، وأمره يستعين بها على بناء داره(1)، فركب المتوكل يطوف على الأبنية، فنظر إلى دار أبي الحسن لم ترتفع إلا قليلاً، فقال لعبد الله بن خاقان : عليَّ يميناً إن ركبت ولم ترتفع دار أبي الحسن لأضربن عنقه .
فقال له عبد الله : يا أمير المؤمنين، أسعى له في إضافة، وأمر له بعشرين ألف درهم.
فوجهها إليه مع ابنه أحمد إلى أبيه عبد الله فعرفه ذلك فقال عبد الله : فليس والله يركب .
فلما كان يوم الفطر من السنة التي أمر بني هاشم بالترجل والمشي بين يديه، وإنما أراد بذلك أبا الحسن فرجل بني هاشم وترجل أبو الحسن (عليه السلام) فأتى على رجل من مواليه فأقبل عليه الهاشميون فقالوا: يا سيدنا ما في العالم يدعوا الله فيكفينا مؤونته؟
فقال أبو الحسن(عليه السلام): ما في هذا العالم قلامة ظفره [أعظم على الله من ناقة صالح لما عقرت وضج الفصيل إلى الله، فقال الله عزّ من قائل]:﴿ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدُ غَيْرُ مَكْذُوب﴾(2)، فقتل المتوكل في الثلاثة أيام (3).
وروي أنه أجهدهم في المشي، ثم أنه قد قطع الرحم ، فقطع الله أجله(4).
ومضى المتوكل في [[اليوم] الرابع من شوال سنة سبع وأربعين ومئتين في [سنة] سبعة وعشرين من إمامة أبي الحسن [(عليه السلام) وبويع لا بنه ] محمد بن جعفر المنتصر. فكان من حديثه مع أبي الحسن [(عليه السلام)]، ومع جعفر بن محمد(5) ما رواه الناس .(6)
وكان ملكه ستة أشهر، وتوفي في شهر ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين ومئتين،
ص: 377
وتولى أحمد بن المستعين إمامته فكانت أيامه أربع سنين وشهر ثم خلع، وقبض المعتز وهو الزبير في سنة اثنين وخمسين ومئتين وذلك في سنة من إمامة أبي الحسن واعتل أبو الحسن(عليه السلام)في سنة أربع وخمسين وأحضر ابنه أبا محمد الحسن(عليه السلام)وسلم إليه النور والحكمة ومواريث الأنبياء والأوصياء ومضى في تلك العلة و[ إمامته] أربعون سنة، وكان مولده في شهر رجب سنة أربع عشرة ومئتين من الهجرة، وأقام مع أبيه ست سنين ومنفرداً بالإمامة ثلاثاً وثلاثين سنة وستة أشهر .
1200 - وعنه ، عن الحسن بن مسعود، وعلي وعبيد الله الحسني، قال: دخلنا على سيدنا أبي الحسن(عليه السلام) بسامرا وبين يديه ال أحمد بن الخصيب، ومحمد وإبراهيم الخياط، وعيونهم تفيض من الدمع فأشار إلينا(عليه السلام) بالجلوس فجلسنا ، وقال : هل علمتم ما علمه إخوانكم؟
فقلنا : حدثنا منه يا سيدنا ذكراً .
قال: نعم هذا الطاغي قال - مسمعاً لحفدته وأهل مملكته – تقول شيعتك الرافضة أن لك قدرة والقدرة لا تكون إلا الله ، فهل تستطيع إن أردت سوءاً تدفعه، فقلت له : وأن يمسك الله بسوء فلا كاشف له إلا هو . فأطرق، ثم قال : إنك لتروي لكم قدرة دوننا، ونحن أحق به منكم لأننا خلفاء وأنتم رعيتنا . فأمسكت عن جوابه لأنه أراد [أن] يبين جبره بي، فنهضت فقال : لتقعدن وهو مغضب، فخالفت أمره وخرجت فأشار إلى من حوله الآن خذوه، فلم تصل أيديهم إليَّ وأمسكها الله عني فصاح الآن قد أريتنا ،قدرتك، والآن نريك قدرتنا .
فلم يستتم كلامه حتى زلزلت الأرض ورجفت فسقط لوجهه، وخرجت فقلت: في غد الذي يكون له هنا قدرة يكون عليه الحكم لا لهُ.
فبكينا على إمهال الله عليه وتجبره علينا وطغيانه فلما كان فلما كان من غد ذلك اليوم، فأذن لنا فدخلنا فقال هذا ولينا زرافة يقول : إنه قد أخرج سيفاً مسموماً من الشفرتين وأمره أن يرسل إليَّ، فإذا حضرت مجلسه أخلى زرافة لأمته مني ودخل إليَّ بالسيف ليقتلني به، ولن يقدر على ذلك.
ص: 378
فقلنا : يا مولانا، اجعل لنا من الغم فرجاً .
فقال : أنا راكبٌ إليه فإذا رجعت فاسألوا زرافة عما يرى.
قال : وجاءته الرسل من دار المتوكل فركب وهو يقول : إن كيد الشيطان كان ضعيفاً.
ولم نزل نرقب رجوعه إلى أن رجع ومضينا إلى زرافة فدخلنا عليه في حجرة خلوته فوجدناه منفرداً بها واضعاً خده على الأرض يبكي ويشكر الله مولاه ويستقيله، فما جلس حتى أتينا إليه .
فقال لنا اجلسوا يا أخواني حتى أحدثكم بما كان من هذا الطاغي، ومن مولاي أبي الحسن .
فقلنا له: سرنا سرك الله .
فقال : إنه أخرج إليَّ سيفاً مسموم الشفرتين وأمرني ليرسلني إلى مولاي أبي الحسن إذا خلا مجلسه فلا يكون فيه ثالث ،غيري وأعلو مولاي بالسيف فأقتله. فانتهيت إلى ما خرج به أمره إليَّ . فلما ورد مولاي للدار وقفت مشارفاً فأعمل ما يأمر به، وقد أخليت المجلس وأبطأت فبعث إليَّ هذا الطاغي خادماً يقول : أمضِ ويلك، ما أمرك به .
فأخذت السيف بيدي ودخلت، فلما صرت في صحن الدار ورآني مولاي، فركل برجله وسط المجلس، فانفجرت الأرض وظهر منها ثعبان عظيم فاتح ،فاه لو ابتلع سامرا ومن فيها لكان في فيه سعة لا ترى مثله فسقط المتوكل لوجهه وسقط السيف من يده وأنا أسمعه يقول : يا مولاي ويا بن عمي أقلني أقالك الله، وأنا أشهد إنك على كل شيء قدير.
فأشار مولاي بيده إلى الثعبان فغاب ونهض وقال : ويلك [...] ، فحمدنا الله وشكرناه .
ص: 379
13 - وعنه قال : حدثني أبو جعفر محمد بن الحسن، قال: اجتمعت، عند أبي شعيب محمد بن نصير البكري النميري(1)، وكان باباً لمولانا الحسن(2) ، وبعده رأى مولانا محمداً من بعد عمر بن الفرات، وكان معنا محمد بن جندب، وعلي بن أم الرقاد وفازويه الكردي، ومحمَّد بن عمر الكاتب، وعلي بن عبد الله الحسني، وأحمد بن محمد الزيادي، ووهب ابناقارن، فشكونا إلى أبي شعيب، وقلنا : ما ترى إلى ما قد نزل بنا من عدونا هذا الطاغي المتوكل على سيدنا أبي الحسن(عليه السلام) وعلينا، وما نخافه من شره وإنفاذه إلى إبراهيم الديدج بحفر قبر أبي عبد الله الحسين بن علي(عليه السلام) بكربلاء.
فقال أبو شعيب : الساعة تجيئكم رسالة من مولاي أبي الحسن وترون فيها عجباً يفرح قلوبكم وتقر عيونكم، وتعلمون أنكم الفائزون.
فما لبثنا أن دخل علينا كافور الخادم من دار مولانا أبي الحسن(عليه السلام) وقال : يا أبا شعيب مولاي يقول لك : قد علمت اجتماع إخوانك عندك الساعة، وعرفت شكواهم إليك، فيكونوا عندك إلى أن يقدم رسولي بما تعمل .
فقال أبو شعيب : سمعاً وطاعة لمولاي.
فأقمنا عنده ،نهارنا وصلينا العشاءين، فقال أبو شعيب خذوا هبتكم فإن الرسول يجيئكم الساعة.
فما لبثنا أن وافى الخادم فقال: يا أبا شعيب خذ إخوانك وصر بهم إلى مولاك .
ص: 380
فصرنا إليه فإذا نحن بمولانا أبي الحسن(عليه السلام)قد أقبل ونور وجهه أضواء من نور الشمس، فقال لنا : نعمتم بياتاً.
فقلنا :يا مولانا، الله الشكر ولك .
فقال : كم تشكون إليَّ ما كان من تمرد هذا الطاغي علينا لولا لزوم الحجة وبلوغ الكتاب أجله، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة، ويحق كلمة العذاب على الكافرين لعجّل الله ما بعد عنه ولو شئت لسألت الله النكال الساعة ففعل، وسأريكم ذلك.
ودعا بدعوات، فإذا بالمتوكل بينهم مسحوباً يستقيل الله ويستغفره مما بدا منه من الجرأة.
[...](1)
ص: 381
..........
ص: 382
.....
ص: 383
مضى (1): أبو محمد الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب لوله سبع وعشرون سنة يوم الجمعة لثمان ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة ستين ومئتين من الهجرة(2).
وكان مولده :في مدينة الرسول في سنة ثلاث وثلاثين ومئتين(3) .
وكان مقامه مع جده وأبيه إحدى وعشرين سنة وثمانية أشهر وثلاثة عشر يوماً، وبعد أبيه خمس سنين وثلاثة أشهر وسبعة عشر يوماً .
ص: 384
وولد له: الخلف الإمام الثاني عشر صاحب الزمان(عليه السلام)(1) ،يوم الجمعة طلوع الفجر لثمان ليال خلت من شعبان سنة سبع وخمسين ومئتين من الهجرة (2)؛قبل مضي أبيه بسنتين وسبعة أشهر.
وكان اسمه: الحسن (3). وكنيته : أبو محمد(4)لا غير .
ولقبه : الصامت، والشفيع، والموفي، والزكي، والتقي، والنقي، والسخي، والمستودع(5)
واسم أمه :حديث، وقيل: غزالة المغربية، وليس غزالة اسماً مثبوتاً (6).
ومشهده : ئبداره إلى جانب مشهد أبيه (7).
وله من البنات : فاطمة ودلالة (8).
واسم الخلف المهدي الثاني عشر : محمّد بن الحسن، والحمد، والحامد، والحميد، والمحمود.
ص: 385
وكناه : أبو القاسم(1)، وأبو جعفر(2). وروي أن له كنى الأحد عشر إماماً من آبائه إلى عمه الحسن بن علي(عليه السلام).
ومن لقبه: المنتقم، وصاحب الرجعة البيضاء، والكرة الزهراء والقابض ،والباسط ،والساعة ،والقيامة ،والوارث ،والكاسر ،والجابر، وسدرة المنتهى، والغاية القصوى، وغاية الطالبين، وفرج المؤمنين، ومنية الصابرين، والمحيط بما لم يعلن، وكاشف الغطاء، والمجازي بالأعمال، ومن لم يجعل الله له من قبل سمياً (أي شبيهاً).
ودابة الأرض، واللواء الأعظم، واليوم الموعود، والداعي إلى شيء نكر، ومظهر الفضائح، ومبلي السرائر، ومبدي الآيات، وطالب الثارات، والفرج الأعظم، والصبح المسفر، وعاقبة الدار ،والعدل والقسط، والأمل، والمحسن، والمنعم، والمفضل ،والسناء ،والضياء ،والهناء، والحجاب، والحق، والصدق، والصراط، والسبيل، والعين الناظرة، والأذن السامعة، واليد الباطشة، والجنب، والجانب ، والوجه، والعين، والنفس ،واليمين، والأبد، والتأييد ،والنصر، والفتح، والقوة ،والعزة ،والقدرة ،والكمال، والتمام.
وأمه(3): صقيل ، وقيل : نرجس. ويقال: سوسن ويقال: مريم بنت زيد أخت حسن، ومحمد بن زيد الحسيني الداعي بطبرستان، وإن التشبيه وقع على الجواري أمهات الأولاد والمشهور والصحيح: نرجس .
من دلائله(عليه السلام):
1 - قال الحسين بن حمدان الخصيبي : حدثني الحسن بن محمد بن يحيى
ص: 386
الخرقي(1)، ببغداد في الجانب الشرقي ... ، قال : كان أبي بزازاً من أهل الكرخ وكان يحمل المتاع إلى سامرا ويبيع بها ويعود إلى بغداد. فلما نشأت وصرت رجلاً جهز لي أبي متاعاً، وأمرني بحمله إلى سامرا، وضم إليَّ غلاماً كان لنا، وكتب إلى صديق له كان بزازاً من أهل سامرا وقال: انظر إلى من هو منهم صاحب طاعة كطاعتك لي، وقف عند أمره ولا تخالفه، واعمل بما يرسمه لك.
وأكد عليَّ بذلك، وخرجت إلى سامراء، فلما وصلت إليها صرت إلى البزاز وأوصلت كتاب أبي إليه فدعا لي حانوتاً وأمرني الرجل – الذي أمرني أبي بطاعته - أن أحمل المتاع من السقيفة إلى الحانوت ففعلت ذلك، ولم أكن دخلت سامراء قبل ذلك اليوم، أنا وغلماني ... ، حتى جاءني خادم، فقال: يا أبا الحسن، محمد بن يحيى الخرقي أجب مولاي.
ورأيته خادماً جليلاً ،فرهبته وقلت ما أعلمك بكنيتي واسمي ونسبي، وما دخلت هذه المدينة إلا في يومي هذا؟ وما يريد مولاي مني.
فقال : قم عافاك لا تخف ما ها هنا شيء تخافه ولا تحذر.
فذكرت قول أبي وما أمرني به من مشاورة ذلك الرجل والعمل بما جاءني رسمه وكان جاري وبجانب حانوتي، فقمت إليه وقلت يا سيدي جاءني خادم جليل فسماني وكناني، وقال لي : أجب مولاي [خرج] الرجل من حانوته، وقال : يا بني، اطرح عليك ثوبك، وأسرغ معه ولا تخالف ما تؤمر به ولا تراجع فيه، واقبل كل ما يقال لك .
فقلت في نفسي: هذا من خدم السلطان أو أمير أو وزير .
قلت للرجل : أنا ابتعت السعر ومتاعي مختلط، ولا أدري ما يراد مني .
فقال : يا بني امض مع الخادم وكلما يقال لك، قل نعم .
فمضيت مع الخادم ،وأنا خائف، حتى انتهى بي إلى باب عظيم، ودخل من دهليز إلى دهليز، ومن دار إلى دار، حتى تخيل لي أنها الجنة، ثم انتهيت إلى شخص جالس على بساط أخضر، فلما رأيته انتفضت و داخلني منه هيبة ورهبة، والخادم يقول : ادنُ مني. حتى قربت منه، فأشار إليَّ بالجلوس فجلست، وما
ص: 387
أملك عقلي. فأمهلني حتى سكنت وقال: احمل إلينا الحبرتين اللتين في متاعك رحمك الله .
ولم أكن والله أعلم إن معي حبراً، ولا فقت عليهما، فكرهت أن أقول ليس معي حبراً، فأخالف ما وصاني به الرجل وخفت أن أقول نعم فأكذب، فتحيرت وأنا ساكت، فقال : قم يا محمد إلى حاديك، وعد ستة أسفاط من متاعك وافتح السفط السابع واعزل الثوب الأول الذي تلقاه بأوله وخذ الثوب الثاني فافتحه وخذ الحبرة التي في طيه، وفيها رقعة في ثمن الحبرة وما رسم لك فيها من الربح، وهو في العشرة اثنان وفي الثمن اثنان وعشرون ديناراً وأحد عشر قيراطاً وحبة وانشر الرزمة العظمى في متاعك، فعد منها ثلاثة أثواب، وافتح الثوب الرابع، فإنك تجد في طيه حبرة في طيها رقعة الثمن تسعة عشر ديناراً وتسع قراريط ،وحبتان الربح في العشرة اثنان .
فقلت : نعم .
ولا علم لي بذلك، فوقفت عند قيامي بين يديه، فمشيت القهقرى، ولم أول ظهري إجلالاً وإعظاماً وأنا لا أعرفه فقال لي الخادم ونحن في الطريق: طوبى لك، لقد أسعدك الله بقدومك .
فلم أغير قولي : نعم .
وصرت إلى حانوتي ودعوت الرجل، وقصصت عليه قصتي، وما قال لي ،فوضع خده للأرض ،وبكى وقال : قولك يا مولاي حق، فعلمه من علم الله .
وقام إلى الأسفاط والرزم ، واستخرج الحبرتين وأخرج الرقعتين، فوجدنا رأس المال والربح موضوحاً في طي الحبرتين، كما قال(عليه السلام) فقلت: يا عم، أي شيء هذا الإنسان؟ كاهن أو حاسب أو مخدوم؟
فبكا وقال : يا بني لِمَ تخاطب بما خوطبت به إلا لأن لك عند الله منزلة، وسيعلم من لا يعلم .
فقلت : يا عم، ما لي قلب أرجع إليه .
قال: ارجع. فرجعت، فسكن ما في قلبي وقوي مشيي، وأنا معجب من نفسي، إلى أن قربت من الدار فقال : أنا منتظرك إلى أن تخرج.
فقلت : يا عم أعتذر إليه وأقول : أني لم أعلم بالحبرتين .
ص: 388
قال: لا بل تقعد كما قيل لك فدخلت ووضعت الحبرتين بين يديه، فقال لي : اجلس .
فجلست وأنا لا أطيق النظر إليه إجلالاً وإعظاماً له، فقال للخادم : خذ الحبرتين منه .
فأخذهما ودخل فضرب بيده إلى البساط، وقبض قبضة، وقال: هذا ثمن حبرتيك، وربحهما، امض راشداً - وأنا لم أرَ شيئا على البساط - وإذا أتاك رسولنا فلا تتأخر عنا .
فأخذته في طرف ملاءتي وإذا هي دنانير وخرجت فإذا بالرجل، فقال: هات حدثني .
فأخذت بيده وقلت يا عم الله الله فما أطيق أحدثك بما رأيت فقبض قبضة دنانير وأعطاني إياها وقال : هذا ثمن حبرتيك وربحهما. فوزناه وحسبناه فكان كما قال لا زاد حبة ولا نقص حبة .
قال : يا بني تعرفه؟ قلت : لا يا عم.
فقال : هذا مولانا أبو محمد الحسن بن علي حجة الله(1)على خلقه(2).
فهذه أول دلالة رأيتها منه(عليه السلام)
2 - وعنه عن أبي الفضل محمد بن علي بن عبد الله الحسيني المعروف بباعر، قال: خرجت من الكوفة إلى زيارة أبي عبد الله الحسين(عليه السلام)ليلة النصف من شعبان سنة ثمان وخمسين ومئتين، وقد عرفت ولادة المهدي(عليه السلام)وأن الشيعة تتضرع إلى الله في المشاهدة وبحمده وشكره على ولادته، فقالت لي أمي وكانت مؤمنة : يا بني اسأل الله عند قبر سيدنا أبي عبد الله الحسين(عليه السلام)أن يرزقك خدمة مولانا أبي محمد الحسن بن علي العسكري(عليه السلام)كما رزق أباك علي بن عبد الله .
ص: 389
قال أبو الفضل : فلم أزل أسأل الله وأتوسل بأبي عبد الله الحسين إلى أن رزقني منزلة أبي من سيدنا أبي محمد الحسن(عليه السلام).
قال : فلما كان في وقت السحر بليلة النصف من شعبان، جاءني خادم وقد طرحت نفسي على شاطئ الحير من شدة التعب والقيام فجلس الخادم عند رأسي، وقال لي: يا أبا الفضل محمد بن علي مولاي أبو محمد الحسن قد سمع دعاءك، فصر إلينا مخلصاً بما تنطقه وبما سألت.
فقلت له : ما اسمك؟
قال: سرور.
فقلت :يا سرور وما أنا على هيئة وما معي ما ينهض إلى العسكر(1)حتى أرجع إلى الكوفة وأصلح شأني.
فقال : قد بلغتك الرسالة، فافعل ما ترى.
فرجعت على الزيارة إلى الكوفة، وعرفت أمي بما من الله عليَّ بما قاله الخادم وشكرت الله ، وحمدته فقالت يا بني قد أجاب الله دعاءك ودعائي لك فقم ولا تقعد.
فأصلحت شأني، وخرجت ومعي علي الذهبي من سوق الصاغة بالكوفة، ووصته بي خيراً وأمرته قبل يدي لأني كنت حدثاً. فخرجنا من الكوفة إلى بغداد، ووقف أني نزلت على عم لي حبيس وكانت ليلة الشعانين، فدعوني إلى أن خرجت معهم إلى الشعانين وصاروا بي إلى دار الروميين، ودخلوا إلى دار الخمار وهو من بعض النصارى، وأحضروا طعاماً فأكلت معهم، وابتاعوا خمراً وسألوني أن أشرب معهم فلم ،أفعل وغلبوا على رأيي وسقوني فشربت وجاؤوا بغلمان حسان فحملوني أن أفعل كما فعلوا فزين لي الشيطان سوء عملي ففعلت .
وأقمت أياماً ببغداد، وخرجت إلى العسكر فوردتها، وأفضت علي الماء من الدجلة، ولبست ثياباً طاهرة، وصرت إلى المسجد الذي على باب سيدي أبي محمد الحسن(عليه السلام)وفيه قوم يصلون فصليت معهم. ودخلت فإذا أنا ودخلت فإذا أنا بسرور الخادم قد دخل المسجد، فقمت مسرورا إليه، فوضع يده بصدري ودفعني عنه، ثم قال لي : هاك .
ص: 390
وطرح بيدي دنانير وقال لي: مولاي يقول لك ويأمرك أن لا تصير إليه، فتقدم من وصولك ببغداد وارجع من حيث جئت، وهذه نفقتك من دارك بالكوفة وإليها راجعاً إلى ما نفقته في دار الروميين.
فرجعت باكياً إلى بغداد ومنها إلى الكوفة، وأخبرت والدتي بما كان مني وكلما نالني ولم أخفِ منه شيئاً، والذهبي حسبما اتفقنا، فوجدنا الذي أعطانا إياه الخادم لا يزيد حبة ولا ينقصن حبة إلا دينارين وزنتها في دار الروميين، فلبست الشعر وقيدت رجلي وغللت يدي وحبست نفسي إلى أن توفي أبو محمد الحسن(عليه السلام) بيوم الجمعة لثمان ليال خلت من من ربيع الأول سنة ستين ومئتين، ثم أطلقت نفسي بعد ذلك. فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
3 - وعنه ، عن أحمد بن سند، والعباس التبان الشيبين، قال : تشاجرنا ونحن سائرون إلى سيدنا أبي محمّد الحسن(عليه السلام) بسامرا في الصلاة، وفي الخبر المروي عن السجود على سبعة أعضاء اليدين والركبتين والقدمين والوجه دون الأنف، فصرنا نلتمس الأذن.
فصادفنا ركوبه إلى دار أبي بحير، وقفنا في الشارع فلما طلع علينا بوجهه الكريم نظر إلينا، فعلمنا ما يريدنا به ثم وضع سبابته اليمنى على جبهته دون أنفه، وقال : هو على هذه دون هذا .
وأنفذ أصبعه من جبهته إلى أنفه .
قال : وتشاجرنا في أكل اللحم، فلم نستتم كلامنا حتى دخل علينا لؤلؤ الخادم، فأخذ لحم غنم واكتنفنا وقال مولاي يقول لكم لحم المقرن أقرب مرعى وأبعد من الداء، ولحم الفخذ منعا منه (1). فعلمنا أن سيدنا علم بتشاجرنا فأطلق لنا أكله وهذا من دلائله(عليه السلام).
ص: 391
4 - وعنه ، عن جعفر بن محمّد بن إسماعيل الحسيني(1)، قال: دخلت على سيدنا أبي محمّد الحسن أنا وعلي بن عبيد الله(2)وبين يديه محمّد بن ميمون الخراساني، ومحمّد بن يحيى الخرقي وعبد الحميد بن محمّد، وعقيل بن يحيى، وبين يديه نخلة فيها ثمر بغير أوانه، فقال: اغسلوا أيديكم وسموا على طعامكم، ومن يسمى رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)والأئمة(عليهم السلام)إذا حضروا الطعام فلا يمد الناس أيديهم إليه حتى يمد صاحب الوقت يده ويضعها في الطعام(3)، فإذا فعل ذلك مد الناس أيديهم.
فترفعنا وقلت في نفسي : فما بال سيدي لم يمد يده حتى نمد أيدينا بعده ونأكل من هذا الثمر؟ فإنا نشك أنه من تمر الجنة .
فعلم ما في نفسي فقال لي يا أبا جعفر، كل طعام المؤمنين حلال، ولم أمسك يدي إلا لحضور قوم من إخوانكم من الجن بأعدادكم قد جلسوا معكم، وقد أمرتكم به، وها أنا أمد يدي فمدوا أيديكم.
فمددنا أيدينا وأكلنا ونحن ننظر إلى مواضع أيدي إخواننا من الجن فنرى ما يؤخذ من الثمر مثلما نأخذ بالسوية ولا نرى أيديهم، فقلت في نفسي: لو شاء مولاي لكشف لنا عنهم حتى نراهم كما يروننا .
ثم مد يده ومر على أعيننا، فكان بيننا وبينهم ثم كشف عن أعيننا
ص: 392
وتجلت فأردنا أن نعتنقهم فقال لنا حرمة الطعام أوجب، فقد بدأتم به، فإذا قضيتم أريكم منه فافعلوا بإخوانكم ما تشاؤون .
فلبثنا ننظر إليهم شحب الألوان، نحل الأبدان غاضين أعينهم، يتكلمون
خفاتاً وأعينهم ترغرغ بالدمع فقلنا يا سيدنا الجن بهذه الصورة كلهم؟
فقال : لا ، فيهم ما فيكم، وأما هؤلاء فاسألوهم، فإنهم لا يطعمون طعاماً ولا يشربون شراباً إلا في وقت قيام نبي أو وصي فيأمرهم فيأكلون طاعة له لا رغبة في الطعام والشراب وقد صرفوا أنفسهم لله وأشغلتهم الرهبة والخوف من الله عن الطعام والشراب فصارت صورهم كما ترون .
فقلنا: يا سيدنا لقد أقررت أعيننا بالنظر إلى إخواننا هؤلاء من الجن .
فقال : الآن قد قبلت أعمالكم عندنا وعلمنا إن الله عباداً مكرمون فوقنا في درجات الله في طاعته.
قال : لمواليكم من إخوان الجن كالخرس لا ينطقون نطقة ولا برمقة عيوننا حتى أذن لهم(1) .
فكان الستر بيننا وبينهم قد أسبل على أعيننا فقمنا ونحن نشكر الله ونحمده على ما فضلنا به فكان هذا من دلائلهالله عن.
وعنه، عن موسى بن مهدي الجوهري قال: دخلت على مولاي أبي محمّد الحسن(عليه السلام)العسكر، فقلت له يا مولاي هذه سنة خمس وخمسين وقد أخبرتنا بولادة مهدينا، فهل يوقت لها وقت نعلمه؟
قال : ألسنا قد قلنا لكم لا تسألونا عن علم الغيب فنخرج ما علمنا منه إليكم فيسمعه من لا يطيق استماعه فيكفر؟
فقلت يا مولاي أرجو أن أكون ممن لا يكفر .
قال : يولد قبل طلوع الفجر بيوم الجمعة لثمان ليال خلت من شهر شعبان سنة سبعة وخمسين ومئتين وأمه ،نرجس وأنا أقبله وحكيمة عمتي تحضنه .
ص: 393
فقلت : لك الحمد والشكر يا مولاي إذ جعلتني أهلاً لعلم ذلك.
فلم أزل وجماعة علمت منه نرقب الوقت ونعد الأيام، حتى ولد كما قال لا زود ولا نقص وأمه ،نرجس وقبله في ولادته وعمته حكيمة بنة محمد بن علي حضنته. فكان هذا من دلائله(عليه السلام).
6 - وعنه ، عن جعفر(1)بن محمد القصير البصري، قال: حضرنا عند سيدنا أبي محمد(عليه السلام) المكنى بالعسكري. فدخل عليه خادم من دار السلطان جليل القدر، فقال له : أمير المؤمنين يقرئك السلام ويقول لك : كاتبنا أنوش النصراني - وقيل اليهودي - يطهر ابنين ،له وقد سألنا أن نركب إلى داره وندعو لابنيه بالسلامة والبقاء، فوجب أن نركب ونفعل ذلك، فإنا لم نحمل هذا الفيء إلا أن قال: لنتبارك ببقايا النبوة والرسالة .
فقال مولانا الحمد لله الذي جعل اليهود والنصارى أعرف بحقنا من المسلمين.
ثم أسرجوا الناقة، فركب وورد إلى دار أنوش، فخرج مكشوف الرأس حافي القدم وحوله القسيسون والشمامسة(2)والرهبان وعلى صدره الإنجيل، وتلقاه على باب داره وقال يا سيدنا أتوسل إليك بهذا الكتاب الذي أنت أعلم به مني، أم عرفت ديني فهو غناك (3)، والمسيح عيسى بن مريم وما جاء به هذا الإنجيل من عند الله إلا ما سألت أمير المؤمنين مسألتك هذه فما وجدناكم في هذا الإنجيل إلا مثل عيسى المسيح عند الله.
فقال مولانا(عليه السلام) : الحمد لله .
ودخل على فراشه والغلمان على منصبة(4)وقد قام الناس على أقدامهم،
ص: 394
فقال : أما ابنك هذا فباقٍ عليك، والآخر مأخوذ منك بعد ثلاثة أيام، وهذا الباقي عليك يسلم ويحسن إسلامه ويتولانا أهل البيت (1).
فقال أنوش والله يا سيدي قولك حق، ولقد سهل عليَّ موت ابني هذا لما عرفتني إن ابني هذا يسلم ويتولى أهل البيت.
فقال له القسيس :وأنت مالك لا تسلم؟
فقال له أنوش: أنا مسلم ومولاي يعلم هذا .
فقال مولانا : صدق أنوش ولولا يقول الناس أنا ما أخبر لما أخبرتك بموت ابنك، ولو لم يمت كما أخبرتك لسألت الله يبقيه عليك .
فقال أنوش : لا أريد يا مولاي إلا كما تريد.
قال جعفر(2) بن أحمد القصير : مات والله ذلك الابن لثلاثة أيام وأسلم ستة(3)أيام. ولزم الباب معنا إلى وفاة سيدنا [أبي محمد]الآخر بعد الحسن(عليه السلام)(4)
7 - وعنه، عن أبي الحسن عاصم الكوفي وكان محجوباً قال: دخلت على أبي محمد الحسن(عليه السلام) بالعسكر، فطرقت شيئاً ناعماً، فقلت: مولاي، ما هذا؟
فقال : يا عاصم أنت على بساط قد جلس عليه ووطئه كثير من المرسلين والنبيين والأئمة الراشدين.
فقلت يا مولاي لا تخففت بخف ولا تنعلت بنعل ما دمت في الدنيا إعظاما لهذا البساط .
فقال : يا علي إن هذا الذي منه الخف جلد ملعون نجس رجس، لم يقر بإمامتنا ولا أجاب دعوتنا ولا قبل ولايتنا .
ص: 395
فقلت : وحقك يا مولاي لا لبست خفاً ولا نعلاً أبداً .
وقلت في نفسي : كنت أشتهي أن أرى هذا البساط .
فوجدته ملء الدار ولم يبق لون حسن إلا وجدته فيه وأطلت النظر إليه .
قال يا علي تحب أن ترى آثار أرجل النبيين والمرسلين والأئمة الراشدين الذين وطئوا هذا البساط ومجالسهم عليه؟
قلت : نعم يا مولاي.
فرأيت مواضع أقدامهم وجلوسهم على البساط مصورة.
فقال هذا أثر قدم آدم وموضع جلوسه، وهذا موضع قدم قابيل إلا أنه لعن حيث قتل أخاه هابيل، وهذا أثر شيث، وهذا أثر أنوش، وهذا أثر قينان ،وهذا أثر مهلائيل، وهذا أثر يازد، وهذا أثر أخنوخ وهو إدريس ، وهذا أثر متوشلخ، وهذا أثر لمك، وهذا أثر نوح، وهذا أثر سام، وهذا أثر أرفخشد، وهذا أثر يعرب، وهذا أثر هود، وهذا أثر صالح، وهذا أثر لقمان، وهذا أثر لوط، وهذا أثر إبراهيم، وهذا أثر إسماعيل، وهذا أثر إلياس، وهذا أثر قصي، وهذا أثر إسحاق، وهذا أثر يعقوب وهو إسرائيل، وهذا أثر يوسف ،وهذا أثر شعيب، وهذا أثر موسى، وهذا أثر هارون، وهذا أثر يوشع .
وهذا أثر كولب، وهذا أثر حزقيل، وهذا أثر شمويل، وهذا أثر طالوت، وهذا أثر داود، وهذا أثر سليمان، وهذا أثر آصف، وهذا أثر أيوب ،وهذا أثر يونس، وهذا أثر أشعياء، وهذا أثر السيع، وهذا أثر الخضر، وهذا أثر اليسع، وهذا أثر الخضر، وهذا أثر زكريا، وهذا أثر يحيى، وهذا أثر عيسى، وهذا أثر شمعون، وهذا أثر دانيال، وهذا أثر الإسكندر، وهذا أثر إزدشير، وهذا أثر سابور.
وهذا أثر لؤي، وهذا أثر مرة، وهذا أثر كلاب ،وهذا أثر قصي، وهذا أثر عبد مناف، وهذا أثر هاشم، وهذا أثر عبد المطلب ،وهذا أثر عبد الله، وهذا أثر
ص: 396
السيد محمد، وهذا أثر أمير المؤمنين، وهذا أثر الحسن، وهذا أثر الحسين، وهذا أثر علي، وهذا أثر محمد، وهذا أثر جعفر، وهذا أثر موسى، وهذا أثر علي، وهذا أثر محمد، وهذا أثر علي ،وهذا أثري، وهذا أثر المهدي لأنه وطئه وجلس عليه (1).
فقال لي علي بن عاصم : يخيل لي والله من رد بصري ونظري إلى البساط وهذه الآثار كلها وأنا نائم، وإني أحلم ما رأيت .
فقال أبو محمد الحسن(عليه السلام) : يا علي بن عاصم فما أنت نائم، ولم تحلم وترى إلى تلك الآثار، واعلم أنهم أذنين(2)، فمن زاد فيهم كفر، ومن نقص كفر، والشاك في واحد منهم كالشاك الجاحد الله ، وبهم يعذبه الله يوم القيامة عذاباً شديداً لا يعذب به أحداً من العالمين، غض طرفك يا علي .
فغضضت طرفي فرجعت محجوباً، فقلت: يا سيدي، من يقول أنهم مئة ألف نبي، وأربعة وعشرون ألف نبي(3)، هو آثم وإن علم ما قال لم يأثم.
فقلت يا سيدي أعلمني علمهم حتى لا أزيد فيهم ولا أنقص منهم .
قال : الأنبياء والرسل والأوصياء والأئمة هم الذين رأيتهم وآثارهم في البساط، والمئة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف الذين حسبوا من الأنبياء الله ورسله وحجبه فآمنوا بالله وبما جاءتهم رسلهم به من الكتب والشرائع، فمنهم الصديقون والشهداء والصالحون وهم المؤمنون وهذا عددهم منذ أهبط آدم من الجنة إلى أن بعث الله جدي رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ).
فقلت : لله الحمد والشكر ولك يا مولاي الذي هديتني لهداكم وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله (4). فكان هذا من دلائله(عليه السلام).
ص: 397
8 - وعنه : عن أحمد بن ميمون الخراساني، قال: قدمت من خراسان أُريد سامرا للقاء مولاي [أبي محمد] الحسن(عليه السلام)فصادفت بغلته، وكانت عندنا الأخبار الصحيحة إن الحجة والإمام من بعد أبيه علي بن محمد سيدنا أبو محمد الحسن(عليه السلام)فصرت إلى إخواننا المجاورين ،له فقلت أريد سيدنا أبا محمد الحسن .
فقالوا : هذا يوم ركوبه إلى دار المعتز .
فقلت : أقف له في الطريق، فلست أخلو من آية في مشيئة الله وعونه .
فأتى وهو ماض، فوقفت على ظهر دابتي، وكان يوماً شديد الحر يوم لقيته، فأشار إليَّ بطرفه، فتأخرت وسرت من ورائه، وقلت في نفسي : اللهم إنك تعلم أني أشهد وأقر بأنك الحجة على خلقك، وأن مهدينا الثاني عشر، فسهل لي دلائله آية منه تقر عيني وينشرح صدري بها .
فأشار إليَّ وقال يا محمد بن ،میمون قد أجيبت دعوتك والله .
فقلت : لا إله إلا الله .
والله قد علم سيدي ما ناجيت ربي في نفسي. ثم قلت طمعاً في الزيادة: إن كان يعلم ما في نفسي فيأخذ العمة عن رأسه .
قال : فمد يده فأخذها فوسوست في نفسي، وقلت: لعله أن حميت عليه، فيأخذها ثانية فيضعها على قربوس السرج فأخذها ووضعها على سرجه، فقلت: يردها على رأسه .
فردها على رأسه، فقلت لا إله إلا الله يكون هذا فاق مرتين، اللهم إن كان هذا هو الحق فليأخذها ثالثاً من رأسه فيضعها على قربوس سرج فرسه ويردها مسرعاً.
فأخذها من رأسه ووضعها على قربوس فرسه وردها مسرعاً إلى رأسه، وصاح : يا محمّد بن ميمون، إلى كم هذا ؟
ص: 398
فقلت : حسبي يا مولاي(1). فكان هذا من دلائله(عليه السلام).
9 - وعنه ،عن أبي الحسن محمّد بن يحيى، وأبي داود الطوسي، قالا : دخلنا على أبي شعيب محمّد بن نصير بن بكر النميري البصري، وبين يديه أبو عباد ابن عبادة البصري، وإسحاق بن محمّد بن أبان النخعي البصري المعروف بالأحمر، والحسن بن منذر القيسي(2)، وقوف في المجلس وعلي بن أم الرقاد وفاذويه الكردي، ومحمّد بن جندب، ومحمّد بن عمر الكناسي وأحمد بن محمّد بن فرات الكاتب فأمرنا بالجلوس فجلسنا دون القوم وكان الوقت في غير أوان حمل النخل والشجر فانثنى أبو شعيب إلى علي بن أم الرقاد وقال : قم يا علي إلى هذه النخلة واجتني منها رطباً وائتنا.
فقام علي إلى النخلة نخلة في جانب الدار لا حمل فيها فلم يصل إليها حتى رأيناها قد تهدلت أثمارها فلم يزل يلقط منها ونحن ننظر إليه حتى لقط ملء طبق معه، ثم أتى به ووضعه بين أيدينا وقال لنا كلوا واعلموا يسيراً في فضل الله على سيدكم أبي محمد الحسن(عليه السلام) على من كان متصلاً به.
قال : فأكلنا منه وأقبل يظهر لنا فيه ألواناً من الرطب من كل نوع غريب وإذا نحن بخادم قد أتى من دار سيدنا الحسن(عليه السلام)وفي يده إناء مملوء لبناً وزبداً .
وقال : يا أبا شعيب ما قنع النخعي بما طلبه في نفسه من الرطب بغير أوانه فأطعمته إياه إلى أن تحير في نفسه إن كان هذا من عند أبي محمد الحسن، فليبعث إلينا لبناً وزبداً فوضع الخادم الإناء وانصرف فأمسكنا عن الأكل.
فقال أبو شعيب: يا إسحاق ويحك تجد هذا وتتحير بغيره.
فقال : لا يا سيدي.
فقالت الجماعة : الحمد لله الذي عرفنا من طلب الرطب واللبن والزبد.
ص: 399
فقال لنا : كلوا لا تثريب عليكم فأكلنا والله فما رأينا رطباً ولا زبداً أطيب من ذلك فرجع الخادم وقال : مولاك يقول لك : يا أبا شعيب اغرس هذا النوى في بستانك بالبصرة يخرج منه نخلة واحدة آية لك وعبرة في حياتك وبعد وفاتك فأمر بجمع النوى وغرسه في البستان بحفرة واحدة.
قال أبو الحسين محمد بن يحيى الفارسي : فعدت من قابل فجاء في نفسي من أمر النخلة فلما وصلت إلى أبي شعيب :قال يا أبا الحسين جئت ترى النخلة .
قلت: نعم يا سيدي وكان عنده جماعة من أولياء سيدنا أبي محمد الحسن(عليه السلام) فقال : قوموا فقمنا فدخل البستان ودخلنا معه فرأينا نخلة ظننا أنها من نبات سنين كثيرة فلم نعرفها فقال : هذه هي فدنونا منها وأسعافها تحركها الرياح فسمعنا في تخشخشها ألسناً تنطق وتقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، وعلي أمير المؤمنين والحسن والحسين وعلي ومحمد وجعفر، وموسى، وعلي، ومحمد وعلي والحسن بن علي ؛ حجج الله على خلقه والحجة المهدي سمي جده رسول الله وكنيته أبو الحسن حقاً حقاً علم من علم، وشهد من شهد، والله على ما نقول من الشاهدين.
فقلنا : يا سيدنا أبا شعيب إن هذا شيء عجيب ؛ هذه ألسن الملائكة تنطق بهذه النخلة أم ألسن المؤمنين من الجن.
فقال : هذه ألسن من النخلة فقلنا جعلنا فداك وهذا مثله ما كان في الزمان .
فقال : نعم، وأعجب من ذلك.
قلنا له: خبرنا به.
فقال: سأل جابر بن يزيد الجعفي، لمولانا أبي جعفر الباقر(عليه السلام) بستين ألف خبر، وقال له ذلك استودعه علماً وفضلاً في هذه الدلالة فحدثه الباقر(عليه السلام) الستين ألف خبر.
فقال له يا مولاي كيف أكون فيها .
ص: 400
فقال : تحدث منها بعشرين ألف خبر وعشرين ألف خبر أخفها ولا تظهرها (1).
فقال : يا مولاي ضعف صبري عن إخفائها .
فقال : احفر لها حفيرة في الجبانة وتحدث بها فإذا أخرجت رأسك منها ادفنها، ففعل جابر ذلك كله، فلما أن أحدث الحفيرة ودفنها أنبتت الحفيرة قصباً فكانوا يأخذون القصبة من قصبها ويلعبون فيها تنطق بما حدث به جابر للحفيرة، فقصد إليها الكهول والشيوخ فأخذوا من ذلك القصب ونفخوا فيه، فنطق بالعشرين ألف ،خبر عن جابر، عن محمد الباقر(عليه السلام)، فسمعوه وكتبوه، فخاف جابر على نفسه من بني أمية فقشر القصب وركبه وركض في طرقات المدينة فنظر إليه الناس، وقالوا له : ما شأنك أيها الحكيم.
فقال لهم: جن جابر فصاح الناس جن جابر بما قال عن أبي جعفر، فرفع بعض الأخبار إلى بني أمية فأنفذوا ليريدوا قتله فصادفوه في طرقات المدينة راكب القصب يطوف ويصيح جن جابر فكتبوا يخبرون السلطان من بني أمية بجنونه فبعث إليهم أردنا قتله لما فعل فإذا كان قد جن أتركوه.
فقال أهل المدينة الجنون لجابر خير من القتل.
فقلنا : سبحان الله سمعنا بهذا الخبر لكن نسيناه وأما هذا بفضل موالينا أهل البيت(عليه السلام). وهذا من دلائله(عليه السلام).
10 - وعنه ، عن الحسن بن إبراهيم(2)، والحسن بن مسعود قالا : دخلنا على سيدنا أبي محمد الحسن(عليه السلام)في سنة ست وخمسين ومئتين وقد ورد عليه كتاب من السواد من إخواننا يسألون مسألة لسيدنا أبي محمّد(عليه السلام): أن يسأل الله أن
ص: 401
يكفيهم مؤونة رجل كان يتقلد الحرب يسمى السرجي وهو سفاك للدماء ومسألة يصرفه عنهم، فدخلنا والكتاب معنا ومجلسه حافل بالناس.
قال السلطان مبتدئاً : قد قرأت الكتاب الذي معكم وبما بعث يريد إخوانكم من أهل السواد وما التمسوا فحمدنا الله وشكرناه وقمنا والكتاب معنا، ففككنا ختمه في غرفة كنا نسكنها إلا أنا قرأناه وختمناه لنوصله فوصلنا إلى غرفتنا فأخرجنا الكتاب الذي كان معنا فوجدناه في خاتمه ففضضناه وقرأناه فوجدناه بخطه هذا سؤالنا والله الذي إليه الأمر كله ولم نسأله من ليس له من الأمر شيء كفيتهم شره وهو سيموت بالطاعون(1)قبل وصول هذا الكتاب بثلاثة أيام فطبق السرجي بالطاعون ومات وحمل في أثاثه إلى سامرا . فكان هذا من دلائله(عليه السلام).
11 - وعنه عبد الحميد بن محمّد، ومحمّد بن يحيى الخرقي، قالا دخلنا على أبي الحسن علي بن بشر، وهو عليل ،قلق فلما رآنا استغاث بنا وقال : ادعوا الله لي بالإقالة وأنفذوا كتاباً خطيته بيدي إلى مولاي أبي محمد الحسن(عليه السلام)مع من تتقون به فقلنا : يا علي أين الكتاب.
فقال : جنبي، فأدخلنا أيدينا تحت مصلاه فأخذناه وفضضناه لنقرأه فإذا نحن في رأس الكتاب توقيعاً ونحباً، وإذا فيه قد قرأنا كتابك وسألنا الله عافيتك وإقالتك، فإن الله مد بعمرك تسعاً وأربعين سنة من بعد ما مضى عمرك، فاحمد الله واشكره واعمل بما فيه وبما تبقيه ولا تأمن إن أسات أن يبتر ،عمرك، فإن الله يفعل ما يريد.
فقلنا : يا علي قد قرأ سيدنا كتابك وهذا خطه بكل ما أصابك، فقام في الوقت أرضى جاريته وتصدق بها، فلما كان بعد ثلاثة أيام، وردت سفتجة من أبي عمر عثمان بن سعد العمري السمان من سامرا على بعض تجار الكرخ يحمل مالاً إلى علي بن بشر ؛ فحمله إليه فحسب ما تصدق به من ماله فوجد المال المحمول إليه ثلاثة أضعاف فكان هذا من دلائله(عليه السلام).
ص: 402
12 - وعنه عن أحمد بن صالح قال خرجت من الكوفة إلى سامرا فدخلت على مولاي أبي محمد الحسن(عليه السلام)في سنة تسع وخمسين ومئتين وكان لي أربع بنات فقال لي: يا أحمد أي شيء كان من بناتك.
فقلت : بخير يا مولاي.
فقال : أما الواحدة آمنة فقد ماتت بهذا اليوم، وأما سكينة تموت في غدٍ، وخديجة وفاطمة، فتموتان بأول يوم من الهلال المستهل. فبكيت.
فقال : رقة عليهن أم اهتماماً بتجهيزهن .
فقلت يا مولاي ما خلفت ما يستر الواحدة منهن.
فقال : قم ولا تهتم فقد أمرنا عثمان بن سعيد العمري بإنفاذ ورق بتجهيزهن، ويفضل لك بعد تجهيزهن بالأكياس ثلاثة آلاف درهم وهي ما سألت .
قال :قد كان قصدي يا مولاي أن أسالك ثلاثة آلاف درهم حتى أزوجهن وأخرجهن إلى أزواجهن فجهزتهن إلى الآخرة وذخرت الثلاثة آلاف درهم عليَّ، وأقمت إلى أول يوم من الهلال ودخلت عليه فقال : اخرج يا أحمد بن صالح إلى الكوفة فقد عظم الله أجرك في بناتك.
فخرجت حتى وردت الكوفة الثلاثة آلاف درهم فلم يزل أخواني من أهل الكوفة وسائر السواد يستمدون من تلك الدراهم وفرقتها عليهم، وما أنفقت منها على نفسي ثلاثين درهماً ورجعت من قابل ودخلت على مولاي الحسن(عليه السلام) يوم الجمعة لثمان ليال خلت من شهر ربيع الأول سنة ستين ومئتين.
وكان هذا من دلائله(عليه السلام).
ص: 403
13 - وعنه ، عن أحمد(1)بن داود[ بن علي] القمي(2)، ومحمد بن عبد الله الطلحي(3)، قالا : حملنا ما جمعنا من خمس ونذور وبر من غير ورق وحلي وجوهر وثياب من بلاد قم وما يليها وخرجنا نريد سيدنا أبا محمد الحسن(عليه السلام)فلما وصلنا إلى دسكرة الملك تلقانا رجل راكب على جمل ونحن في قافلة عظيمة فقصد إلينا وقال : يا أحمد الطلحي معي رسالة إليكم.
فقلنا : من أين؟ يرحمك الله .
فقال : من سيدكم أبي محمد الحسن(عليه السلام) يقول لكم أنا راحل إلى الله مولاي في هذه الليلة فأقيموا مكانكم حتى يأتيكم أمر ابني محمّد فخشعت قلوبنا وبكت عيوننا وقزحت أجفاننا لذلك، ولم نظهره وتركنا المسير واستأجرنا بدسكرة الملك منزلاً وأخذنا ما حملنا إليه، وأصبحنا والخبر شائع بالدسكرة بوفاة مولانا أبي محمد الحسن(عليه السلام).
فقلنا : لا إله إلا الله ترى الرسول الذي أتانا بالرسالة أشاع الخبر في الناس فلما تعالى النهار رأينا قوماً من الشيعة على أشد قلق لما نحن فيه، فأخفينا أمر الرسالة، ولم نظهره فلما جن علينا الليل جلسنا بلا ضوء حزناً على سيدنا الحسن(عليه السلام) نبكي ونشكي إلى فقده، فإذا نحن بيده قد دخلت علينا من الباب فضاءت كما يضيء المصباح وهي تقول : يا أحمد هذا التوقيع اعمل به وبما فيه، فقمنا على أقدامنا وأخذنا التوقيع فإذا فيه :
ص: 404
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
من الحسن المسكين الله رب العالمين إلى شيعته المساكين: أما بعد: فالحمد لله على ما نزل منه ونشكره إليكم جميل الصبر عليه وهو حسبنا في أنفسنا وفيكم، ونعم الوكيل ردوا ما معكم ليس هذا أوان وصوله إلينا، فإن هذا الطاغي قد دنت غشيته إلينا، ولو شئنا ما ضركم وأمرنا يرد عليكم ومعكم صرة فيها سبعة عشر ديناراً في خرقة حمراء إلى أيوب بن سليمان الآن فردوها فإنه حملها ممتحناً لنا بها وبمن بعله وهو ممن وقف عند جدي موسى بن جعفر(عليه السلام) فردوا صرته عليه، ولا تخبروه فرجعنا إلى قم.
فأقمنا بها سبع ليال ثم جاءنا أمر ابنه قد بعثنا إليكم إبلاً غير إبلكم احملا ما قبلكما عليها وأخليا لها السبيل فإنها واصلة إليَّ وكانت الإبل بغير قائد ولا سائق على وجه الأول منها بهذا الشرح ، وهو مثل الخط الذي بالتوقيع التي أوصلته إلى الدسكرة فحملنا ما عندنا واستودعناه ،وأطلقناهم فلما كان من قابل خرجنا نريده( فلما وصلنا إلى سامرا دخلنا عليه فقال لنا : يا أحمد ومحمد ادخلا من الباب الذي بجانب الدار وانظرا ما حملتماه على الإبل فلا نفقد منه شيئاً .
فدخلنا من الباب ؛ فإذا نحن بالمتاع كما وعيناه وشددناه لم يتغير فحللناه كما أمرنا وعرضنا جمعه فما فقدنا منه شيئاً، فوجدنا الصرة الحمراء والدنانير فيها بختمها ، وكنا قد رددناها على أيوب، فقلنا : إنا لله وإنا إليه راجعون فقلنا : إنها من سيدنا فصاح بنا من مجلسه : فما لكما بدت لكما سوأتكما فسمعنا الصوت فأتينا إليه .
فقال : من أيوب وقت وردت الصرة عليه فقبل الله إيمانه وقبل هديته فحمدنا الله وشكرناه على ذلك(1). فكان هذا من دلائله(عليه السلام).
ص: 405
14 - وعنه، عن أحمد بن منذر قال تقلدت ديار ربيعة وغيرها، وكان مقامي بنصيبين وتقلدت أعمال النواحي وقدمت إلى كل واحد منهم أن يحمل إلى كل من علمه ممن له مذهب فكان يرد على الحما مما دخل إلي كتاب من عاملي بكفرتوثي يذكر أنه أنفذ إليَّ رجلاً كفرتوثياً، يقال له : إدريس بن زياد؛ فدعوت به فرأيته رجلاً وسيماً فقبلته نفسي فناجيته فوجدته منتظراً ممن يقف على إمامة أبي الحسن موسى بن جعفر ولا يقر بالرضا علي بن موسى(عليه السلام) ومن بعده من الأئمة ورأيت به من الفقه والمعرفة ما أعجبني.
فدعوته إلى مذهبنا الإمامة، فأنكر ذلك وخاصمني، فسألت أن يهب لي زاداً إلى سامرا وينصرف إلى أبي محمَّد الحسن بن علي(عليه السلام)، فقال لي : أقضي حقك وأمضي بمسألتك وشخص بعدما حملته وأنهضته وزودته فأبطأ وتأخر الكتاب ثم آليت أن قدم فدخل علي فأول ما رآني أسبل عينيه بالبكاء، فلما رأيته باكياً لم أتمالك أن بكيت فدنا مني وقبل يدي ورجلي ثم قال: يا عظيم الناس على أبي محمد الحسن
(عليه السلام)نجيتني من النار وأدخلتني الجنة، ثم قال: خرجت من عندك وعزمت على لقاء أبي محمد الحسن(عليه السلام)الأبتليه من مسائل.
فكان فيما أضمرت من مسألته عن من عرق ،الجنابة هل تجوز صلاته في ثوب يأخذ ذلك العرق أم لا ، فصرت إلى سامرا فسمعت يتحدثون ببابه أنه يركب، فبادرت وركبت أريد السلطان فجلست في الشارع لا أبرح أو ينصرف فاشتد الحر علي فعدلت إلى باب دار فيه واسع الظن فجلستُ فيه فحملني النوم فلم أنتبه إلا بقرعة قد وضعت في كتفي ففتحت عيني فإذا أنا بأبي محمد واقف فوثب على قدميه وقال : يا إدريس بن زياد أمان لك.
فقلت بلى، يا سيدي
فقال : إن كان من حلال فحلال وإن كان من حرام فحرام، من غير أن أسأله
ص: 406
فلما علم ما أضمرته من مسألتي في عرق الجنابة ولم يعلم به، فقلت: لا إله إلا الله سبحانه وتعالى فوالله لقد علمت أنه الإمام والحجة فلما جرى ذلك آمنت به وأسلمت فكان هذا من دلائله(عليه السلام).
15 - وعنه، عن عيسى بن مهدي الجوهري(1)قال : خرجت أنا [والحسين بن غياث]، والحسن بن مسعود والحسين بن إبراهيم [ وأحمد بن حسّان]، وعتاب وطالب ابنا [إبراهيم(2) ] حاتم(3)، و [ الحسن بن] محمَّد بن سعيد، و[ محجل بن(4) محمد بن] أحمد بن الخصيب(5)، وأحمد بن جنان من جنبلاء(6)إلى سامرا(7)سنة سبع و خمسين ومئتين فعدلنا من المدائن إلى كربلاء فرأينا أثر سيدنا أبي عبد الله الحسين(عليه السلام) في ليلة النصف من شعبان فلقينا إخواننا المجاورين بسامرا لمولانا محمد أبي الحسن(عليه السلام)، وكنا خرجنا] للتهنئة بمولد مولانا المهدي(عليه السلام)(8)فبشرنا إخواننا بأن المولود كان طلوع الفجر من يوم الجمعة لثمان ليال خلت من من شعبان(9)، وهو ذلك الشهر، فقضينا زيارتنا ببغداد فزرنا أبا الحسن موسى بن جعفر وأبا محمد جعفر، ومحمد بن علي(عليه السلام)، وصعدنا إلى سامرا فلما دخلنا على سيدنا أبي محمد الحسن(عليه السلام) بدأنا بالبكاء بدل التهنئة فجهرنا بالبكاء بين يديه ونحن ما ينيف عن سبعين رجلاً(10)من أهل السواد.
ص: 407
فقال : إن البكاء من السرور بنعم الله مثل الشكر لها فطيبوا نفساً وقروا عيناً فوالله إنكم على دين الله الذي جاءت به ملائكته وكتبه ورسله وإنكم كما قال جدي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) أنه قال : إياكم أن تزهدوا في الشيعة فإن فقيرهم الممتحن المتقي عند الله يوم القيامة له شفاعة عند الله يدخل فيها مثل ربيعة ومضر، فإذا كان هذا لكم من فضل الله عليكم وعلينا فيكم، فأي شيء بقي لكم، فقلنا بأجمعنا: الحمد الله ، والشكر له ولكم يا ساداتنا فبكم بلغنا هذه المنزلة .
فقال : بلغتموها بالله وبطاعتكم إياه واجتهادكم بطاعته وعبادته وموالاتكم لأوليائه ومعاداتكم لأعدائه .
قال عيسى بن مهدي الجوهري : فأردنا الكلام والمسألة فأجابنا قبل السؤال ،أما فيكم من أظهر مسألتي عن ولدي المهدي فقلنا وأين هو . فقال : قد استودعته الله كما استودعت أم موسى ابنها حيث ألقته في اليم إلى أن رده الله إليها(1)
فقالت طائفة منا : أي والله لقد كانت هذه المسالة في أنفسنا قال ومنكم من سأل عن اختلاف بينكم وبين أعداء الله وأعدائنا من أهل القبلة والإسلام، وأنا أنبئكم بذلك، فافهموا .
فقالت طائفة أخرى: أي والله يا سيدنا لقد أضمرنا .
فقال : إن الله (عزّوجل) أوحى إلى جدي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) إني قد خصصتك وعلياً وحججي منه ليوم القيامة وشيعتكم(2): صلاة الخمس، والتختم باليمين، وتعفير الجبين، والأذان والإقامة مثنى، وحي على خير العمل والجهر في بسم الله الرحمان الرحيم(3)،والآيتين والقنوت وصلاة العصر والشمس بيضاء نقية، وصلاة الفجر ،مغلسة واختضاب الرأس ،واللحية والوشمة، فخالفنا من من أخذ
ص: 408
حقنا(1)وحزبه في الصلاة، فجعل أصل التراويح(2)في ليالي شهر رمضان عوضاً من صلاة الخمس(3)كل يوم وليلة .
وكتف أيديهم على صدورهم عوضاً عن تعفير الجبين(4)، والتختم باليسرى عوضاً عن التختم باليمين(5)، والفاتحة فرادى خلاف مثنى، والصلاة خير من النوم خلاف حي على خير العمل والإخفاء عن القنوت وصلاة العصر إذا اصفرت الشمس خلافاً على بيضاء نقية، وصلاة الفجر عند تلاحف بزوغ الشمس خلافاً على صلاتها مغلسة، وهجر الخضاب والنهي خلاف على الأمر به واستعماله (6).
فقال أكثرنا : فرجت عنا يا سيدنا.
قال : نعم في أنفسكم ما تسألون عنه وأنا أنبئكم به(7)، والتكبير على الميت خمساً وكبر غيرنا أربعاً . فقلنا : يا سيدنا هو مما ردنا أن نسألك عنه .
فقال(عليه السلام): أول من صُليَ عليه من المسلمين خمساً عمنا حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله، فإنه لما قتل، قلق رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) قلقاً شديداً وحزن عليه حتى عدم صبره وعزاؤه.
ص: 409
فقال رسول الله : والله لأقتلن عوضاً [عن] كل شعرة سبعين رجلاً من مشركي قريش، فأوحى الله سبحانه وتعالى: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126)وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127)إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)﴾(1)
وإنما أحب الله جل ثناؤه [ أن لا] يجعل ذلك في المسلمين، لأنه لو قتل بكل شعرة من حمزة(عليه السلام)ألف رجل من المشركين ما كان يكون عليهم في قتالهم حرج، وأرادوا دفنه بلا غسل، فأحب أن يدفن مضرجاً بدمائه، وكان قد أمر بتغسيل الموتىی فدفن بثيابه فصارت سنة في المسلمين لا يغسل شهداؤهم، وأمره الله أن يكبر عليه خمساً وسبعين تكبيرة ويستغفر له بين كل تكبيرتين منها فأوحى الله سبحانه إليه إني قد فضلت [عمك] حمزة بسبعين تكبيرة لعظم منزلته عندي وكرامته عليَّ، ولك يا محمد فضل على المسلمين.
وكبر خَمْساً على كل مؤمن ومؤمنة فإني أفرض عليك وعلى أمتك خمس صلوات في كل يوم وليلة والخمس تكبيرات عن خمس صلوات في كل يوم وليلة، وله ثوابها وأكتب له أجرها(2).
فقام رجل منا فقال يا سيدنا من صلى الأربعة.
فقال : ما كبرها تيمياً(3)ولا عدوياً(4)ولا ثالثهما من بني أمية(5)، ولا من بني هند(6)، فمن كبرها طريد جدي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، وإن طريده مروان بن الحكم، لأن معاوية وصى يزيد بأشياء منها وقال : خائف عليك يا يزيد من أربعة من عبد الله بن عمر، ومن مروان بن الحكم وعبيد الله بن زياد والحسين بن علي، ويلك يا يزيد منه .
فأما مروان بن الحكم :فإذا أنا مت وجهزتموني ووضعتموني على نعشي
ص: 410
للصلاة فسيقولون تقدم صلّ على أبيك قل قد كنت أعصي أمره فقد أمرني أن لا يصلي عليه إلا شيخ بني أمية مروان فقدمه وتقدم على ثقات موالينا فكبر أربع تكبيرات واستدعى بالخامسة.
فقال : إلا يسلم فاقتلوه فإنك تراح منه، وهو أعظمهم عليك، فَنَمَى الخبر إلى مروان، فأسرها في نفسه، وتوفي معاوية وحمل على نعشه وجعل الصلاة عليه، فقالوا : إلى يزيد يقدم . فقال: ما وصاه أبوه، فقدموا مروان وخرج يزيد عن الصلاة فكبر أربعاً وتأخر عن الخامسة قبل الدعاء، فاشتغل الناس وقالوا الآن ما كبر الخامسة وقلق مروان بن الحكم، وقام مروان وآل مروان الأخبار الكاذبة عن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) في أن التكبير على الميت أربع لئلا يكون مروان مبدعاً .
فقال قائل منا يا سيدنا يجوز أن يكون أربعة تقية.
فقال : خَمْسَةٌ لَا نَقِيَّةَ فِيهَا التَّكْبِيرُ خَمْساً عَلَى الْمَيِّتِ وَالتَّعْفِيرُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ وَتَرْبِيعُ الْقُبُورِ وَتَرْكُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَشُرْبُ الْمُسْكِرِ(1).
فقال سيدنا : إن الصلوات الخمس وأوقاتها سنة من رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)ولا الخمس منزلة في كتاب الله .
فقال قائل منا : رحمك الله ما استن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)إلا ما أمره الله به .
فقال : أما صلوات الخمس فهي عند أهل البيت كما فرض الله سبحانه وتعالى على رسوله وهي إحدى وخمسين ركعة في ستة أوقات؛ أبينها لكم من كتاب الله تقدست أسماؤه، وهو قوله في وقت الظهر : ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعُ﴾ (2)فأجمع المسلمون أن السعي صلاة الظهر، وأبان وأوضح في حقها في كتاب الله كثيراً .
ص: 411
وصلاة العصر: بينها في قوله : ﴿وَأَقِمِ الصَّلَوةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ الَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾(1)الطرف صلاة العصر(2)ومختلفون بإتيان هذه الآية وتبيانها في حق صلاة العصر، وصلاة الصبح، وصلاة المغرب فتبيانها في كتابه العزيز قوله:﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَوةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾(3)وفي المغرب في إيقاع كتابه المنزل.
. وأما صلاة العشاء : فقد بينها الله في كتابه العزيز: ﴿أَقِمِ الصَّلَوَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إلَى غَسَقِ الَّيْلِ﴾(4)وإن هذه في حق صلاة العشاء، لأنه قال : إلى غسق الليل ما بين الليل ودلوك الشمس حكم وقضى ما بين العشاء وبين صلاة الليل وقد جاء بيان ذلك في قوله ومن بعد صلاة العشاء فذكرها الله في كتابه وسماها .
ومن بعدها صلاة الليل حكى في قوله: ﴿يَأَيُّهَا الْمُزَمَلُ(1)وِ الَّيْلَ إِلَّا قَلِيلا(2) نِصْعَهُ أَوِ أنقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا(3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْءَانَ تَرْتِيلًا(4)﴾ (5)وبين النصف والزيادة.
وقوله(عزّوجل): ﴿أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُتِي الَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُتَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ الَّيْلَ وَالنَّهَار﴾(6)إلى آخر السورة .
وصلاة الفجر : فقد حكى في كتابه العزيز :﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾(7)وحكى في حقها :﴿ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾ (8)من صباحهم لمساهم وهاتين
ص: 412
الآيتين وما دونهما في حق صلاة الفجر لأنها جامعة للصلاة فمنها إلى وقت ثان إلى الانتهاء في كمية عدد الصلاة وأنها الصلاة تشعبت منها مبدأ الضياء وهي السبب والواسطة ما بين العبد ومولاه والشاهد من كتاب الله على أنها جامعة قوله :﴿ إلَى غَسَقِ الَّيْلِ وَقُرْءَانَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْوَانَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾(1)لأن القرآن من بعد فراغ العبد من الصلاة فإن القرآن كان مشهوداً ؛ أي في معنى الإجابة، واستماع الدعاء من الله (عزّوجل). فهذه الخمس أوقات التي ذكرها الله (عزّوجل) وأمر بها(2).
الوقت السادس : صلاة الليل(3): وهي فرض مثل الأوقات الخمس ولولا صلاة ثمان ركعات لما تمت واحد وخمسون ركعة فضججنا بين يديه(عليه السلام) بالحمد والشكر على ما هدانا إليه(4).
قال الحسين بن حمدان: لقيت هؤلاء المذكورين وهم [نيف و] سبعون رجلاً وسألتهم عما حدثني عيسى بن مهدي الجوهري، فحدثوني به جميعاً، وشتى وكان لنيف عن السبعين الذين لقيتهم ممن اجتمع بذلك المجلس فلقي أبا الحسن(عليه السلام)، ولقيت عسكر مولى أبي جعفر التاسع(عليه السلام)، ولقيت الريان مولى الرضا(عليه السلام)، ولقيت ابن عجائز الدارين داري سيدنا أبي الحسن وأبي محمد(عليه السلام)فمن يجوز تسميتهن ومن حفظهن وروين عن أبي الحسن وأبي محمد(عليه السلام)، مثل ما يروي الرجال(5). فكان من دلائله(عليه السلام).
ص: 413
تمّ الباب بحمد الله وعونه وحسن توفيقه وبه الهداية والتوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل ونعم المولى ونعم النصير ، اللهم ثبتنا على ما إليه هديتنا من علم هذا الكتاب وهب لنا منه توفيقاً قائداً إلى الرشد وقلباً منقلباً مع الحق، ولساناً متجلياً بالصدق وعزيمة إلى مناهج الرشد قاهرة إلى النفس، وبصيرة ندرك بها عرفان ،القدر، وأن تسعدنا بالهداية إلى الدراية، وأن تعضدنا بالإعانة على الإبانة وإن تعصمنا من الغواية في الرواية، وأن تصرف عنا السفاهة بالكفاية، وأن تتقبل منا قبولاً حسناً، يا أرحم الراحمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله [الطاهرين].
ص: 414
الباب الرابع عشر باب الإمام المهدي المنتظر(عليه السلام)
1 - قال الحسين بن حمدان الخصيبي : حدثني هارون بن مسلم بن سعدان البصري، ومحمد بن أحمد بن مطهر(1)البغدادي ، وأحمد بن إسحاق وسهل بن زياد الآدمي، وعبد الله بن جعفر الحميري وأحمد بن أبي عبد الله البرقي، وصالح ابن محمد الهمداني، وجعفر بن إبراهيم بن نوح، وداود بن عامر الأشعري القمي، وأحمد بن محمد الخصيبي(2)، وإبراهيم بن الخصيب ومحمد بن علي البشري(3)، ومحمَّد بن عبد الله اليقطيني البغدادي، وأحمد بن محمد النيسابوري.
وأحمد بن عبد بن عبد الله بن مهران الأنباري(4)، وأحمد بن محمد الصيرفي، وعلي ابن بلال ومحمد بن عبد الجبار] أبي الصهباني وإسحاق بن إسماعيل النيسابوري، وعلي بن عبيد الله الحسني، ومحمد بن إسماعيل الحسيني، وأبو
ص: 415
الحسين محمد بن يحيى الفارسي، وأحمد بن سندولا والعباس اللبان، وعلي بن صالح وعبد الحميد بن محمد، ومحمد بن يحيى الخرقي، ومحمد بن علي بن عبيد الله الحسني، وابن عاصم الكوفي، وأحمد بن محمد الحجال، وعسكر مولى أبي جعفر التاسع والريان مولى الرضى وحمزة مولى أبي جعفر التاسع.
وعيسى بن مهدي الجوهري، والحسن بن إبراهيم، وأحمد بن إسماعيل، ومحمَّد بن ميمون الخراساني، ومحمد بن خلف، وأحمد بن حسان، وعلي بن أحمد الصائغ، والحسن بن مسعود الفراتي وأحمد بن حيان العجلي، والحسن بن مالك، وأحمد بن محمد بن أبي ،قرنة وجعفر بن أحمد القصير البصري، وعلي بن الصابوني، وأبو الحسن علي بن بشر، والحسن البلخي، وأحمد بن صالح والحسين بن عتاب، وعبد الله بن عبد الباري، وأحمد بن داود القمي، ومحمد بن عبد الله، وطالب بن حاتم بن طالب والحسن بن محمد بن مسعود بن سعد.
وأحمد بن ماران وأبو بكر الصفار، ومحمد بن موسى القمي، وعتاب بن محمّد الديلمي، وأحمد مالك بن القمي، وأبو بكر الجواري وعبد الله جميعاً
وشتى كانوا بأجمعهم مجاورين ،الإمامين عن سيدنا أبي الحسن وأبي محمد قالا :
إن الله جل جلاله إذا أراد أن يخلق الإمام أنزل قطرة من ماء الجنة، فتسقط على الأرض فيأكلها الحجة في الزمان فإذا استقرت في الموضع الذي تستقر فيه، ومضى له أربعون يوماً سمع الصوت ؛ فإذا أنت أربعة أشهر وهو حمل كتب على عضده الأيمن: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَتِهِ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾(1).
فإذا ولد قام بأمر الله(عزّوجل) رفع له عمود من نور في كل مكان ينظر فيه الخلائق ؛ وأعمالهم وينزل أمر الله في ذلك العمود ونصب عينه حيث تولى [ ونظر ] (2).
قال أبو محمد(عليه السلام): إني أدخلت عماتي في داري فرأيت جارية من جواريهن قد زينت تسمى نرجس فنظرت إليها نظراً أطلته .
فقالت عمتي حكيمة : أراك يا سيدي تنظر إلى هذه الجارية نظراً شديداً .
ص: 416
فقلت : يا عمة ما نظري إليها إلا أتعجب مما لله فيها من إرادته وخيرته.
فقالت: يا سيدي أحسبك تريدها .
قلت بلى فأمرتها تستأذن لي أبي علي بن محمد(عليه السلام) في تسليمها إلي ففعلت، فأمرها(عليه السلام)بذلك فجاءتني بها .
قال الحسين بن حمدان: حدثني من زاد في أسماء من حدثني من هؤلاء ،
الرجال الذين أسميهم وهم:غيلان الكلابي(1) وموسى بن محمد الرازي (2)،وأحمد بن جعفر الطوسي، عن حكيمة(3)ابنة محمد بن علي الرضا(عليه السلام)، قال : كانت تدخل على أبي محمد(عليه السلام)فتدعو له أن يرزقه الله ولداً وأنها قالت: دخلت عليه، فقلت له كما كنت أقول، ودعوت له كما كنت أدعو .
فقال: يا عمة، أما الذي تدعين إلى الله أن يرزقنيه، يولد في هذه الليلة.
وكانت ليلة الجمعة لثمان ليال خلت من شهر شعبان سنة سبع وخمسين ومئتين من الهجرة، فاجعلي إفطارك عندنا .
فقالت: يا سيدي ما يكون هذا الولد العظيم؟
قال لي: من نرجس يا عمة.
قالت :يا سيدي ما في جواريك أحب إليَّ منها، فقمت ودخلت عليها، ففعلت كما كانت تفعله فخاطبتني بالسندية فخاطبتها بمثلها، وانكببت على يديها فقبلتها .
ص: 417
فقالت: فديتك
فقلت لها : بل أنا فداؤك ؛ وجميع العالمين. فأنكرت ذلك مني .
فقلت تنكرين ما فعلت فإن الله سيهب لك بهذه الليلة سيداً في الدنيا والآخرة، وهو فرج المؤمنين، فاستحيت مني فتأملتها فلم أر فيها أثر حمل.
فقلت لسيدي أبي محمد(عليه السلام): ما أرى لها أثر حمل .
فتبسم وقال : إنا معاشر الأوصياء [ لا يبان حملنا]، . . . ، لأننا نور الله الذي لا تناله الدناسات.
فقلت له : يا سيدي قد أخبرتني في هذه الليلة يلد، ففي أي وقت منها؟
قال : طلوع الفجر يولد المولود الكريم على الله إن شاء الله تعالى.
قالت حكيمة: فقمت وأفطرت ونمت بالقرب من نرجس وبات أبو محمد(عليه السلام) في صفة بتلك الدار التي نحن فيها فلما أتى وقت صلاة الليل قمت ونرجس نائمة ما بها أثر حمل فأخذت في صلاتي ثم أوترت فأنا في الوتر فوقع في نفسي أن الفجر قد طلع ودخل بقلبي شيء.
فصاح أبو محمد(عليه السلام)من الصفة : لم يطلع الفجر يا عمة، فأسرعت في الصلاة وتحركت نرجس فدنوت منها ضممتها إليَّ وسميت عليها، ثم قلت لها : هل تحسين بشيء.
قالت: نعم، فوقع عليَّ سبات لم أتمالك معه أن نمت، فلم أنتبه إلا بحس سيدي المهدي وضجة أبي محمد يقول : يا عمة هاتي ابني إليَّ فقد قبلته فكشفت عن سيدي إليه التسليم فإذا هو ساجد ملتقي الأرض بمساجده وعلى ذراعه الأيمن مكتوب ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾(1)فضممته إليَّ فوجدته متضرعاً فلففته بثوب وحملته إلى أبي محمد فأخذه وأقعده على راحته اليسرى وجعله راحته اليمنى على ظهره وأدخل لسانه في فيه ومر بيده على ظهره ومفاصله وسمعه ثم قال : تكلم يا بني .
فقال : أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله وأن علياً أمير
ص: 418
المؤمنين، لم يزل يعد الأئمة(عليه السلام)حتى بلغ إلى نفسه ودعا لأوليائه على يده بالفرج ثم أحجم.
فقال أبو محمد(عليه السلام): يا عمة اذهبي به إلى أمه لتسلم عليه وائتيني به، فمضت به إليها فسلمت عليه وردته إليه، ثم وقع بيني وبين أبي محمد كالحجاب فلم أرَ سيدي فقلت لأبي محمد يا سيدي أين مولاي.
فقال : أخذه من هو أحق به منك، فلما جاء اليوم السابع أتيت وسلمت وجلست.
فقال لي(عليه السلام): هلمي ابني فجئت سيدي، وهو في ثياب صفر، ففعل به كفعله الأول، وجعل لسانه في فيه ثم قال : تكلم يا بني.
فقال :أشهد أن لا إله إلا الله وأثنى بالصلاة على محمد وأمير المؤمنين، والأئمة حتى وقف على أبيه، ثم قرأ: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5)وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)﴾(1) ثم قال اقرأ يا بني ما أنزل الله على أنبيائه ورسله فابتدأ بصحف شيث ،وإبراهيم قرأها بالسريانية، وصحف إدريس، ونوح، وهود، وصالح وتوراة موسى، وإنجيل عيسى وقرآن جده رسول الله صلوات الله عليهم أجمعين، ثم قص قصص النبيين والمرسلين إلى عهده فلما كان بعد أربعين يوماً دخلت إلى أبي محمد إليه التسليم فإذا بمولانا صاحب الزمان القائم إليه التسليم يمشي في الدار فلم أرَ أحسن وجهاً من وجهه ولا لغة أفصح من لغته .
فقال لي أبو محمد(عليه السلام): هذا المولود الكريم على الله(عزّوجل).
قلت له : يا سيدي له أربعون يوماً وأنا أرى من أمره ما أرى .
فقال(عليه السلام) وتبسم : يا عمة أما علمت إنا معاشر الأوصياء ننشو في اليوم ما ينشو غيرنا بالجمعة، وننشو في الجمعة ما ينشو غيرنا في السنة، فقمت إليه وقبلت رأسه وانصرفت فعدت تفقدته فلم أره .
فقلت لسيدي أبي محمد(عليه السلام): ما فعل مولانا .
ص: 419
فقال : يا عمة استودعناه للذي استودع موسى(عليه السلام)(1).
3- وعن موسى بن محمد أنه قال: قرأ المولود على أبي محمد فصحح قراءته فما زاد فيه ولا نقص منه حرفاً .
4 - وعنه ، عن أبي محمد جعفر بن محمد بن إسماعيل الحسني، عن أبي محمد(عليه السلام) قال : لما وهب لي ربي مهدي هذه الأمة أرسل ملكين فحملاه إلى سرادق العرش حتى وقف بين يدي الله فقال له مرحباً بعبدي المختار لنصرة ديني وإظهار أمري ومهدي خلقي آليت أني بك آخذ وبك أعطي وبك أغفر وبك أعذب اردداه أيها الملكان على أبيه رداً رفيقاً وبلغاه أنه في ضماني وكنفي وبعيني إلى أن أحق به الحق وأزهق الباطل ويكون الدين لي واصباً(2).
ص: 420
5 - وعنه ، عن غيلان(1)الكلابي، عن محمّد بن يحيى، عن الحسين بن علي النيسابوري الدقاق، عن إبراهيم بن محمّد بن عبد الله بن موسى بن جعفر(عليه السلام)قال: حدثني نسيم ومارية قالا : لما خرج صاحب الزمان(عليه السلام)من بطن أمه سقط جائياً على ركبتيه قائماً لسبابتيه ثم عطس وقال :
الحمد لله رب العالمين، وصل اللهم على سيدنا محمد وآله عبداً ذاكراً لله غير مستنكف ولا مستكبر، ثم قال : زعمت الظلمة أن حجة الله داحضة لو أذن لنا بالكلام لزال الشك(2).
6 - وعنه عن حمزة بن نصر غلام أبي الحسن(عليه السلام)قال : لما ولد السيد المهدي تباشر أهل الدار لذلك فلما نشأ خرج الأمر أن ابتاع(3)في كل يوم مع اللحم مخ قصب، وقيل لي : إن هذا لمولاي الصغير(عليه السلام).
7 - وعنه عن الحسن بن محمد بن جمهور عن البشار بن إبراهيم بن إدريس صاحب ثقة أبي محمد(عليه السلام)قال : وجه إليَّ مولاي أبو محمد كبشين وقال : اعقرهما عن أبي الحسن(عليه السلام)وكل وأطعم إخوانك، ففعلت.
ثم لقيته بعد ذلك فقال : المولود الذي ولد لي مات، ثم وجه لي بأربعة أكبشة وكتب إليه :
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
اذبح هذه الأربعة أكبشه عن مولاك وكل ؛ هناك الله ، ففعلت، ولقيته بعد ذلك، فَقَالَ : إِنَّمَا اسْتَأْثَرَ اللهُ بِابْنَيَّ الْحُسَيْنِ وَمُوسَى لِوِلَادَةِ مُحَمَّدٍ مَهْدِيٍّ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَالْفَرْجِ الْأَعْظَمِ(4)
ص: 421
8- وعنه عن غيلان الكلابي قال حدثتني نسيم خادمة أبي محمد(عليه السلام)قالت: قال صاحب الزمان المهدي(عليه السلام)وقد دخلت عليه بعد مولده بليلة فعطست عنده فقال : يرحمك الله، ففرحت بكلامه لي بالطفولية ودعائه لي بالرحمة. فقال لي : ألا أبشرك في العطاس قلت بلى يا مولاي فقال: هو أمان من الموت ثلاثة أيام(1).
9 - وعنه عن غيلان الكلابي قال: حدثني أبو نصر طريف خادم سيدي أبي محمد(عليه السلام)قال : دخلت على صاحب الزمان إليه التسليم، فقال: يا طريف علي بالصندل الأحمر، فأتيته به.
فقال : أتعرفني . قلت : نعم.
قال: من أنا قلت: مولاي وابن مولاي.
قال : ليس عن هذا أسالك .
قلت : جعلني الله فداك عما سألتني قال: أنا خاتم الأوصياء، وبي يرفع الله البلاء، عن أهلي وشيعتي القوام بدين الله .
10 - وعنه ، عن جعفر بن محمّد بن مالك الفزاري الكوفي، عن محمّد بن جعفر بن عبد الله بن أبي نعيم، عن أبي أحمد الأنصاري، قال: وجه قوم من
ص: 422
المؤمنين والمقصرة كامل بن إبراهيم المدني المعروف بصناعة أبي محمد بسامرا إلى الناجية في أمرهم قال كامل بن إبراهيم فقلت في نفسي: لا يدخل الجنة إلا من عرف معرفتي وقال مقالتي .
قال : فلما دخلت على سيدي أبي محمّد(عليه السلام) نظرت عليه ثياباً بيضاء ناعمة، فقلت في نفسي : ولي الله وحجة الله يلبس الناعم من الثياب ويأمر بمواساة إخواننا وينهى عن لبس مثله .
فقال مبتسماً : يا كامل؛ وحسر عن ذراعيه ؛ فإذا هو مسح خشن، فقال: هذا والله أهدى لكم، فخجلت(1)وجلست إلى باب ستر مرخي، فجاءت الريح فكشفت طرفه فإذا بفتى كأنه فلقة قمر من أبناء أربعة عشر فقال كامل بن إبراهيم فاقشعريت من ذلك وألهمت وقلت : لبيك لبيك يا سيدي .
فقال : جئت إلى ولي الله وحجته تريد تسأله هل يدخل الجنة إلا من عرف معرفتي وقال مقالتي.
فقلت : أي والله .
فقال : إذا والله يقول داخلها ليدخلها خلق كثير قوم يقال لهم الحافية.
قلت سيدي : ومن هم.
قال : قوم من حبهم إلى أمير المؤمنين يحلفون بحقه ولا يدرون ما فضله، ثم سكت(عليه السلام)وقال : وجئت تسأله عن المفوضة كذبوا بل قلوبنا أوعية لمشيئة الله ، فإذا شاء الله شيئاً شئنا والله يقول : ما تشاؤون إلا أن يشاء الله ثم رجع الستر إلى حاله فلم أكشفه، فنظر إليَّ أبو محمد (عليه السلام)وتبسم وقال : يا كامل بن إبراهيم ما جلوسك وقد أنبأك المهدي والحجة بعدي بما كان في نفسك وجئت تسألني عنه، قال فنهضت وأخذت الجواب الذي أسررته في نفسي من الإمام المهدي ولم ألقه بعد ذلك .
قال أبو نعيم: فلقيت كاملاً فسألته عن هذا الحديث فحدثني به عن آخره بلا زيادة ولا نقصان .
ص: 423
11 - وعنه عن أحمد بن محمد بن عيسى بن بصير قال: دخلت على الرضا(عليه السلام)ومعي صفوان بن يحيى وأبو جعفر(عليه السلام)عنده وله ثلاث سنين، فقلت له : جعلنا فداك إن حدث لك حادث فمن بعدك فقال : ابني هذا، وأومى إليه .
12 - وعنه عن الحسن بن محمّد بن جمهور بن إبراهيم بن مهديار، عن أخيه علي بن مهديار، عن فضالة، عن عمر بن أبان عن حمران بن أعين، قال: سألت أبا جعفر(عليه السلام)، عن قول الله :﴿ مَثَلُ نُورِهِ كَيشكوة فِيهَا مِصْبَاح﴾(1)، الآية . فقال المصباح : هو الإمام يتكلم بصغر سنه بالوحي .
13 - وعنه عن محمد بن جمهور عن إسماعيل بن علي عن زيد بن خالد، عن زرارة بن أعين قال : قلت لأبي عبد الله الصادق ، جعلت فداك ما تقول في قول الله :﴿ لِأُنذِرَكُم بِهِ ﴾(2)، ومن بلغ تأويل أي شيء يعني عن بلوغ الإمام، قال: قلت فما بلوغه قال : أربع سنين.
14 - وعنه بهذا الإسناد، عن حمران بن أعين، عن أبي حمزة الثمالي، قال: قلت لأبي جعفر الباقر(عليه السلام) المهدي بكم يبلغ ، قال : إن الله بعث عيسى بن مريم بنبوة ورسالة وكتاب وشريعة وله سنتان ؛ وما يضر الإمام صغر سنه، وقد قام عيسى بن مريم(عليه السلام) بالرسالة وله ثلاث سنين وتكلم بالمهد ، وأوتي الكتاب والنبوة بثلاثة أيام.
ص: 424
15 - وعنه ،عن سعد بن محمد بن أحمد، عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري، قال: سمعت أبا الحسن العسكري(عليه السلام) يقول الخليفة من بعدي الحسن ابني، فكيف لكم بالخلف من الخلف قلت ولم جعلت فداك، قال: إنكم لاترون شخصه ولا يحل لكم قلت فكيف نذكره قال: قولوا الحجة من آل محمد(عليهم السلام)(1)
16 - وعنه، عن محمد بن علي، عن محمد بن أحمد بن عيسى بن عبد الله ابن أبي خدان، عن المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)، يقول : إياكم والتنويه [باسم المهدي] والله ليغيبن مهديكم سنين من دهركم تطول عليكم؛ وتقولون أي وليت ،ولعل ،وكيف وتمحصه الشكوك في أنفسكم حتى يقال: مات وهلك، ويأتي وأين سلك، ولتدمعن عليه أعين المؤمنين، ولتتكفوون كما تتكفأ السفن في أمواج البحر، ولا ينجو إلا من أخذ الله ميثاقه بيوم الذر، وكتب بقلبه الإيمان وأيده بروح منه وليرفعن له اثنتا عشرة راية مشبهة لا يدرون أمرها ما تصنع .
قال المفضل : فبكيت وقلت كيف يصنع أولياؤكم ، فنظر إلى الشمس دخلت في الصفة قال : يا مفضل ترى هذه الشمس.
قلت : نعم قال : والله أمرنا أنور وأبين منها، وليقال المهدي في غيبته مات ،
ص: 425
ويقولون بالولد منه وأكثرهم يجحد ولادته، وكونه وظهوره، أولئك عليهم لعنة الله، والملائكة والرسل، والناس أجمعين(1).
17 - وعنه، عن الحسن بن عيسى، عن محمّد بن علي، عن جعفر عن أبي الحسن بن موسى بن جعفر قال : إذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم لا يزيلكم أحد عنها فتهلكوا لا بد لصاحب الزمان من هذا الأمر من غيبة حتى يرجع عنه من من كان يقول فيه فرضاً، وإنما هو محنة من الله يمتحن بها خلقه .
قلت: يا سيدي من الخامس من ولد السابع.
قال : عقولكم تصغر عن هذا، ولكن إن تعيشوا فسوف تذكرون .
قلت: يا سيدي فنموت بشك منه .
قال: أنا السابع، وابني علي الرضا الثامن، وابنه محمد التاسع، وابنه علي العاشر، وابنه الحسن حادي عشر، وابنه محمّد سمي جده رسول الله وكنيته المهدي الخامس بعد السابع.
قلت : فرج الله عنك يا سيدي كما فرجت عني.
18 - وعنه : عن محمد بن يحيى الفارسي، عن محمد بن علي الصيرفي، عن إبراهيم بن هاشم عن فرات بن أحنف عن سعيد بن المسيب عن زادان ،عن سلمان الفارسي، قال: قال المؤمنين(عليه السلام)فذكر المهدي القائم(عليه السلام): والله ليغيين حتى يقول الجهال : ما بقي الله في آل محمد من حاجة، ثم يطلع طلوع البدر في وقت تمامه والشمس في وقت إشراقها فتقر عيون وتعمى عيون.
19 - وعنه عن الحسن، عن محمّد بن الحسن عن عمر بن يزيد، عن الحسن بن أبي الربيع الهمداني، عن إسحاق، عن أسد بن ثعلبة، قال لقيت أبا جعفر الباقر(عليه السلام)، فسألته عن هذه الآية ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15)الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16)﴾ (2)قال : إمام يغيب سنة ستين ومائتين، ثم يبدو كالشهاب الثاقب، فإن أدركت زمانه قرت عيناك.
20 - وعنه، عن الحسن بن محمّد بن جمهور، عن علي بن إسماعيل، عن
ص: 426
هارون بن مسلم بن سعدان بن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام)في خطبة له مع كميل بن زياد اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم الله بحجة على خلقه، يهديهم إلى دينك ويعلمهم علمك لئلا تبطل حجتك، وليقل أتباع أوليائك وشيعتهم بعد إذ هديتهم إلى إمام ظاهر مشهود ليس بمطاع وخائف مغمور يترقب أو غائب عن الناس في حال غيبته لم يغب عنهم أمره ونهيه ومثوبة علمه، فآياته في قلوب المؤمنين مثبتة فهم بها عاملون.
21 - وعنه عن الحسن بن جمهور، عن أبيه، عن محمَّد : بن عبد الله بن مهران الكرخي عن ماهان ،الإبلي عن جعفر بن يحيى الرهاوي، عن سعيد بن المسيب عن الأصبغ بن نباتة، قال دخلت على المؤمنين(عليه السلام)فوجدته مفكراً ينكت في الأرض قلت يا مولاي مالي أراك مفكراً .
قال : في مولود يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي؛ وهو المهدي الذي يملوها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً(1)، يكون له غيبة يضل بها أقواماً ، ويهدي بها ،آخرين أولئك خيار هذه الأمة مع أبرار هذه العترة.
فقلت : ثم ماذا .
قال : يفعل الله ما يشاء من الرجعة البيضاء والكرة الزهراء، وإحضار الأنفس الشح والقصاص، والأخذ بالحق والمجازاة بكل ما سلف، ثم يغفر الله لمن يشاء(2).
ص: 427
22 - وعنه عن النصر بن محمد بن سنان الزاهري عن يونس بن ظبيان ،عن المفضل بن عمر عن الصادق(عليه السلام)وهم عنده جمع كثير قد امتلأ بهم مجلسه ظاهره وباطنه وقد قام الناس إليه فقالوا : يا بن رسول الله إن الله جل وعلا يقول :﴿وما كَانَ لِمُؤْمِن وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾(1)ولسنا نأمن غيبتك عنا إلى رضوان الله ،ورحمته فبين لنا اختيار الله من هذه الأمة لنلزمه ولا نفارقه .
فقال : إن الله من اختار من الأيام الجمعة؛ ومن الليالي ليلة القدر؛ ومن الشهور شهر رمضان؛ واختار جدي رسول الله من الرسل واختار منه علياً ؛ واختار
ص: 428
من علي الحسن والحسين واختار من الحسين تسعة أئمة، وتاسعهم قائمهم ظاهرهم وباطنهم، وهو سمي جده وكنيته .
23 - وعنه، عن الحسن بن مسعود، ومحمّد بن الجليل، قال: دخلنا على سيدنا علي العسكري(عليه السلام)بسامرا وعنده جماعة من شيعته فسألناه عن أسعد الأيام وانحسها .
فقال : لا تعادوا الأيام فتعاديكم، وسألناه عن معنى هذا الحديث.
فقال : معناه بين ظاهر وباطن، إن السبت لنا، والأحد لشيعتنا، والاثنين لبني أمية، والثلاثاء لشيعتهم والأربعاء لبني العباس، والخميس لشيعتهم، والجمعة للمؤمنين.
والباطن : إن السبت جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم )، والأحد أمير المؤمنين، والاثنين الحسن والحسين، والثلاثاء علي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد والأربعاء موسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وأنا، والخميس ابني الحسن والجمعة ابنه الذي تجتمع فيه الكلمة، وتتم به النعمة، ويحق الله الحق ویزهق الباطل، فهو مهديكم المنتظر ، ثم قرأ :﴿ بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنتُم مُؤْمِنِينَ﴾(1). ثم قال : لنا والله هو بقية الله(2).
ص: 429
24 - وعنه ، عن محمد بن زيد عن عباد الأسدي عن الحسن بن حماد، عن عباد بن نهيعة (1)، عن حذيفة بن اليمان قال : سمعت رسول الله يقول : ويل لبني العباس من ولدي مهديكم وهو الذي لا يسميه باسمه ظاهراً قبل قيامه إلا كافر به(2).
25 - وعنه عن علي بن الحسن بن فضالة عن الريان بن الصلت قال : سمعت الرضا(عليه السلام)، يقول : القائم المهدي بن الحسن لا يرى جسمه، ولا يسمى باسمه أحد بعد غيبته حتى يراه ويعلن باسمه ويسمعه كل الخلق.
فقلنا له يا سيدنا وإن قلنا صاحب الغيبة وصاحب الزمان والمهدي.
قال : هو كله جايز مطلق ؛ وإنما نهيتكم عن التصريح باسمه ليخفي اسمه عن أعدائنا فلا يعرفوه (3).
26-وعنه بهذا الإسناد، عن الرضا(عليه السلام)أنه قال : إذا رفع عالمكم وغاب من بين أظهركم فتوقعوا الفرج الأعظم من تحت إقدامكم.
27 - وعنه عن الحسن بن محمد بن جمهور عن عبد الله بن جعفر عن محمد بن عيسى عن سليمان بن داود عن أبي بصير قال سمعت الباقر (عليه السلام)، يقول : في مهدينا المنتظر بسبع سنين من آدم أنه كان في الجنة لا يراه أحد إلا حواء؛ حتى ظهر منها وبه نجا نوح في السفينة وبه إبراهيم نجا من النار، وبه يوسف نجا من السجن إلى أن ملكه الله خزائن الأرض، وبه موسى خرج خائفاً يترقب .
ص: 430
وقوله : ففررت منكم لما خفتكم، فوهب لي ربي حكماً وجعلني من المرسلين، ومن عيسى اتهم لعيسى(1)، قالوا : قتلناه وصلبناه فكذبهم الله بقوله : ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُيَهَ لَهُمَّ ﴾(2)، ومن محمد وظهوره بالسيف.
28 - وعنه ، عن جعفر بن أحمد القصير، عن صالح بن أبي حماد، والحسين ابن طريف جميعاً، عن بكر بن صالح عن عبد الرحمن بن سالم، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام)، قال : قال أبي لجابر بن عبد الله الأنصاري : إن لي إليك حاجة فمتى يخف عليك أن أخلو بك وأسألك عما شئت .
قال جابر: في أي الأوقات أحببت يا سيدي فخلا به أبي في بعض الأيام.
فقال له : يا جابر أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد أمي فاطمة بنت رسول الله ، وما أخبرتك أمي أي شيء مكتوب في اللوح.
قال جابر: أشهد بالله أني دخلت على أمك فاطمة في حياة رسول الله فهنأتها في ولادة الحسين(عليه السلام)ورأيت بيدها لوحاً أخضر ؛ ظننت أنه زمرد، ورأيت كتاباً أبيض شبه نور الشمس قلت لها : بأبي وأمي يا بنت رسول الله ما هذا اللوح.
قالت: هذا اللوح هداه الله إلى رسوله فيه اسم أبي واسم بعلي، وأسماء أبنائي، وأسماء الأوصياء من ولدي وأعطانيه أبي ليسرني بذلك.
قال جابر: ثم أعطتني إياه أمك فاطمة فقرأته ونسخته .
فقال أبي : فهل لك يا جابر، تعرضه عليَّ.
قال: نعم، فمشى أبي معه حتى انتهى إلى منزل جابر فأخرج أبي صحيفة من ،ورق، وقال يا جابر انظر بكتابك لأقرأ عليك ؛ فنظر جابر بنسخته وقرأ أبي عليه، فما خالف حرف الحرف .
ص: 431
فقال جابر : أشهد بالله هكذا مكتوب، وهو :
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
هذا كتاب من لله العزيز الحكيم لمحمد نبيه ونوره وسفيره وحجابه ودليله نزل به الروح الأمين من عند رب العالمين عظم يا محمد أسمائي واشكر نعمائي، ولا تجحد آلائي أنا الله لا إله إلا أنا من رجا غيري فضلي وخاف غيري، عذبته عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين.
فإياي فاعبد وعليَّ فتوكل ؛ إني لم أبعث نبياً فأكملت أيامه وانقضت مدته إلا جعلت له وصياً، وإني فضلتك على الأنبياء، وفضلت وصيك على الأوصياء، وأكرمت شبليه وسبطيه حسناً وحسيناً معدني علمي بعد انقضاء مدة أبيهما .
وجعلت الحسين بعد أخيه الحسن ،روحي وأكرمته بالشهادة، وختمت له بالسعادة، وهو أفضل كل من استشهد وأعلى درجة ،عندي وجعلتُ كلمته التامة معي وحجتي عنده بعترته، أثبتُ وعاقبت.
أولهم سيد العابدين وزين أوليائي العارفين الماضين وابنه شبيه جده المحمود محمد الباقر لعلمي المعلن بحكمي، سيهلك المرتابون في جعفر الصادق، والراد عليه كالراد عليَّ حقاً مني لأكرمن مثوى جعفر، ولأسر به أشياعه وأنصاره وأولياؤه.
تبيح به بعده فتنة عمياء حندس إلا أن حبل فرضي لا ينقطع وحجتي لا تخفى، وأوليائي لا خوف عليهم ولا هم يحزنون إلا من جحد عند انقضاء مدة عبدي موسى وحبلي وخيرتي، إن المكذب بكل أوليائي وعلي ابنه ناصري ومن أضع أعناق النبوة عليه وأمنحه الاصطلاح إلى جانب مخالفي حق القول مني لا أقرن عينه سري وحجتي على خلقي، جعلت الجنة مثواه وشفعته سبعين من أهل بيته كل منهم استوجب النار ، وأختم بالسعادة لابنه علي وليي وناصري والشاهد في خلقي، وأميني على وحيي واخرج منه الداعي إلى سبيلي والخازن لعلمي ابنه الحسن.
ثم أكمل ذلك بابنه رحمة للعالمين، عليه أكمال صفوة آدم، ورفعة إدريس، وسكينة ،نوح وكلم إبراهيم، وشدة موسى وبهاء عيسى، وصبر أيوب، ستذل
ص: 432
أوليائي في غيبته، وتتهادى رؤوسهم كما تتهادى رؤوس الترك، والديلم، ويقتلون ويحرقون، ويكونون خائفين وجلين تضيق بهم الأرض، ويفتنون الويل والرين في لسانهم أولئك أوليائي حقاً، بهم أدفع كل فتنة عمياء حندس، وبهم أكشف الزلازل، وأرفع الآصار والأغلال أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة، وأولئك هم المهتدون .
قال عبد الرحمن بن سالم : قال أبو بصير جدي لأبي : لو لم تسمع يا بني في دهرك إلا هذا الحديث لكفاك، فصنه إلا عن أهله .
لم
29 - [وعنه ، عن محمّد بن يحيى الفارسي، عن أبي الحسين، عن أبي محمّد ابن جعفر الأسدي قال : حدثني أحمد بن إبراهيم قال دخلت على حكيمة بنت محمَّد بن علي الرضا(عليه السلام)، أخت أبي الحسن صاحب العسكر(عليه السلام)في سنة اثنتين وستين ومئتين [بالمدينة] فكلمتها من وراء حجاب وسألتها عن دينها، فسمت لي من تأتم بهم ثم قالت والحجة ابن الحسن بن علي فسمته .
فقلت لها : جعلني فداك معاينة أو خبراً؟
فقالت : خبراً عن أبي محمد(عليه السلام)كتب به إلى أمه .
فقلت لها : فأين الولد فقالت : مستور .
فقلت : إلى من تفزع الشيعة .
فقالت : إلى الجدة أم الحسن.
فقلت لها : أقتدي بمن وصيته إلى امرأة.
فقالت : اقتداء بالحسين بن علي، فإن الحسين بن علي(عليه السلام)أوصى إلى أخته زينب بنت علي في الظاهر، فكان ما يخرج عن علي بن الحسين(عليه السلام)من علم ينسب إلى [عمته] زينب ستراً على علي بن الحسين(عليه السلام)ثم قالت : إنكم قوم أصحاب أخبار ، أما رويتم أن التاسع من ولد الحسين بن علي(عليه السلام)يقسم ميراثه وهو في الحياة(1).
ص: 433
30 - وعنه ، عن محمد بن إسماعيل الحسني عن أبي الحسن صاحب العسكر(1)احتجب عن كثير من الشيعة إلا عن خواصه فلما أفضى الأمر إلى أبي الحسن (عليه السلام)(2)كان يكلم الخواص وغيرهم من وراء الستر إلا في الأوقات التي يركب فيها إلى دار السلطان وما ذلك مقدمة إلا لغيبة صاحب الزمان(عليه السلام)(3) .
وكانت كتبه وتوقيعاته(عليه السلام) تخرج على يد جدته أم أبي محمّد(عليه السلام)(4) وعلى يد عثمان بن سعيد وابنه محمد بن عثمان.
31 - وعنه قال: حدثني محمد بن جمهور، عن محمد بن إبراهيم بن مهدیار(5)قال : شككت بعد مضي أبي محمّد(عليه السلام)اجتمع عند أبي مال كثير فحمله وركب السفينة وخرجت معه مشيعاً فوعك وعكاً شديداً .
فقال يا بني ردني فهذا الموت وقال : اتق الله في هذا المال، وأوصاني ومات قلت في نفسي : لم يكن أبي أوصاني في شيء غير صحيح أحمل هذا المال إلى العراق واستكري داراً على الشط ولا أخبر أحداً بشيء فإن وضح لي شيء كوضوح أيام أبي محمد(عليه السلام)أنفذته أو رجعت به .
وقدمت بغداد واستكريت داراً على الشط وبقيت أياماً، فإذا أنا برسول معه رقعة فيها : يا أبا محمد معك كذا في جوف كذا حتى قص علي جميع ما علمته وما
ص: 434
لم أعلمه، فسلمته للرسول وبقيت أياماً لا يراجع بي رسول، فاغتممت، فخرج الأمر قد أقمناك في مال لنا مقام أبيك، فاحمد الله(1)واشكره.
32 - وعنه : عن أبي القاسم سعد بن أبي خلف قال : كان الحسن بن النصر، وأبو صدام وجماعة تكلموا معي بعد مضي أبي الحسن(عليه السلام) في ما كان في يد الوكلاء وازدادوا القبط؛ فجاء الحسن بن النصر إلى أبي صدام فقال : أريد الحج.
فقال أبو صدام: في آخر هذه السنة .
فقال له الحسن : إني أفزع في المنام ولا بد من أن أخرج فأوصى إلى أحمد ابن حماد، وأوصى إلى الناحية بمال وأمره أن لا يخرج شيئاً إلا من يده إلى يده بعد ظهوره - يعني صاحب الزمان(عليه السلام) - .
قال الحسن بن النصر : وافيت إلى بغداد فاكتريت داراً ونزلتها فجاءني بعض الوكلاء بكتاب ودنانير وخلفها عندي ؛ فقلت له : ما هذا؟
فقال : هو ما ترى ثم جاءني آخر بمثلها، وآخر؛ حتى كبسوا الدار، ثم جاءني أحمد بن إسحاق بجميع ما كان فتعجبت وبقيت متفكراً فوردت عليّ رقعة : ارحل إذا مضى من النهار سبع ساعات، فرحلت وحملت ما كان معي وفي الطريق صعاليك ويقطعون الطريق بين بغداد وسامراء في ستين رجلاً، ولهم رئيس صعلوك فاجتزت به وهو يراني منه فوافيت العسكر ونزلت فوردت عليَّ رقعة احمل ما معك، فسلمني الله وعبيته في صار الحمالين(2)فلما بلغت به الدهليز إذا فيه خادم أسود نائم فقال لي : أنت الحسن بن النصر .
فقلت: نعم ، فقال : ادخل الدار فدخلت ونزلت في بيت وفرغت، صار الحمالين فإذا(3)في زوايا البيت خبز كثير فأعطى كل واحد من الحمالين رغيفين،
ص: 435
فخرجوا، فنظرت إلى باب علیه ستر فنوديت منه يا حسن بن النصر : احمد الله على ما من عليك ولا تسكن إلى قول الشيطان إنك شككت وأخرج إليَّ ثوبين .
فقال : خذهما فإنك تحتاج إليهما، فأخذتهما وخرجت.
فقال أبو القاسم: انصرف الحسن بن النصر بشهر رمضان ومات وكفنته في الثوبين .
33 - وعنه ، عن محمد بن جعفر الكوفي، عن أبي خالد البصري وكان يسمى عبد ربه قال: خرجت في طريق مكة بعد مضي أبي محمد(عليه السلام)بثلاث سنين ؛ فوردت المدينة وأتيت صارياً فجلست في ظلة كانت لأبي محمد(عليه السلام)وكان سيدي أبو محمد رام أن أتعشى عنده وأنا أفكر في نفسي، فلو كان شيء لظهر بعد ثلاث سنين، فإذا بهاتف يقول لي أسمع صوته ولا أرى شخصه : يا عبد ربه قل لأهل مصر : هل رأيتم رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)حيث آمنتم به .
قال : ولم أكن أعرف اسم أبي وذلك أني خرجت من مصر وأنا طفل صغير، فقلت : إن صاحب الزمان بعد أبيه حق وإن غيبته حق وإنه الهاتف بي فزال عني الشك وثبت اليقين .
34 - وعنه ، عن محمّد بن الحسن بن عبد الحميد القطاني قال : شك الحسن ابن عبد الحميد في أمر حجر الوشا فجمع مالاً وخرج إليه الأمر في سنة ستين: ليس فينا شك ولا في من يقوم بأمرنا فاردد ما معك إلى حجر بن يزيد.
35 - وعنه عن أبي علي وأبي عبد الله المهدي، عن محمد بن عبد الله وأبي عبد الله بن علي المهدي(عليه السلام)، عن محمد السوري، عن أبي الحسن أحمد بن الحسن، وعلي بن رزق الله ، عن بدر غلام أحمد بن الحسن قال :
ص: 436
وردت الجبل وأنا أقول بالإمامة وأحبهم جملة إلى أن مات زيد بن عبيد الله وكان من موالي أبي محمد(عليه السلام)، ومن جند ذكوتكين ؛ فأوصى في علته أن يدفع شهري كان معه وسيف ومنطقة إلى مولاه صاحب الزمان(عليه السلام).
قال بدر : فخفت أن أقعد فيلحقني ذلك سراً من ذكوتكين، فقومت الشهري والسيف والمنطقة بتسع مئة دينار وما كنت والله أعلمت به أحداً، فحملت من مالي مثله .
36 - وعنه ، عن أبي حامد المراغي : إن القاسم بن المعلى الهمداني كتب يشكو قلة الولد، وكان من وقت كتب إلى أن رزق ولدا ذكراً تسعة أشهر، ثم كتب يسأل بالدعاء بإطالة الحياة لولده، فورد الدعاء له في نفسه ولم يجب في ولده شيئاً فمات ،الولد فمنّ الله فرزق ابنين .
37 - وعنه ، عن محمد بن يحيى الفارسي، قال: حدثني الفضل الخزاز المدني، مولى خديجة ابنة أبي جعفر(عليه السلام)، أن قوماً من أهل المدينة الطاغين كانوا يقولون الحق فكانت الوظائف ترد عليهم في وقت معلوم فلما مضى أبو محمد(عليه السلام)رجع قوم منهم ، عن القول بالخلف(عليه السلام)فوردت الوظائف على من ثبت على الإقرار به بعد أبيه(عليه السلام)وقطع عن الباقين فلم يعد إليهم .
38 - وعنه ، عن أبي الحسن أحمد بن عثمان العمري عن أخيه أبي جعفر بن عثمان قال : حمل رجل من أهل السواد مالاً كثيراً إلى صاحب الزمان (عليه السلام)فرد عليه وقيل له : أخرج حق أولاد عمك منه أربعمئة درهم وكان في يده قرية لولد عمه دفع إليهم بعضاً وزوي عنهم بعضاً فبقي باهتاً متعجباً، ونظر في حساب المال فإذا الذي لولد عمه أربعمئة درهم كما قال(عليه السلام).
ص: 437
39 -وعنه ، عن أبي الحسن العمري قال : كتب محمد داود إلى الناحية يسأل الدعاء لوالديه وأخوته وخرج التوقيع : غفر الله لك ولوالديك، ولإخوانك المتوفاة . . .(1) ولم يذكر الباقين.
40 - وعنه ، عن أبي الحسن العمري قال : حمل رجل من القائلين مالاً إلى صاحب الزمان(عليه السلام)مفصلاً بأسماء قوم مؤمنين وجعل بين كل اسمين فصلاً، وحمل عشرة دنانير باسم امرأة لم تكن مؤمنة فقبل مال الجميع ووقع في فصوله، وردت العشرة دنانير على المرأة ووقع تحت اسمها إنما يتقبل الله من المتقين.
41 - وعنه : قال حدثني عبد الله الشيباني قال : أوصلت مالاً وحلياً للمرزباني كان فيه سوار ذهب فقبل الجميع ورد السوار وأمرني بكسره فجئت إلى المرزباني فعرفته ما رد به صاحب الأمر فكسرناه فوجدنا فيه مثقال حديد ونحاس وغيره فأخرجناه ورددناه إليه فقبله .
وعنه قال حدثني أبو الحسن الجلتيتي كان لي على أخ مالاً فأعطاني بعضه في حياته ومات فطعمت في تمامه بعد موته في سنة إحدى وسبعين، واستأذنت في الخروج إلى ورثته إلى واسط فلم يؤذن لي، فاغتممت، فلما مضت لذلك مدة كتب إليَّ مبتدياً بالأذن والخروج وأنا آيس؛ فقلت: لم يؤذن لي في قرب موته، وأذن لي بهذا الوقت، فلما وصلت إلى القوم أعطيت حقي عن آخره .
ص: 438
قال : وسرت إلى العسكر فمرضت مرضاً شديداً حتى آيست من نفسي؛ فظننت إن الموت بعث إليَّ، فإذا أتاني من الناحية قارورة فيها بنفسج مر بي من غير السؤال، فكنت آكل منها على غير مقدار فكان يروي عند فراغي منها وفيما كان فيها.
43 - وعنه قال: حدثني عبد الله بن المرزبان عن أحمد بن الخصيب عن محمد بن إبراهيم بن مهديار قال : أنفذت مالاً إلى الناحية فقيل : إنك غلظت على نفسك في الصروف بثمانية وعشرين ديناراً فرجعت إلى الحساب فوجدت الأمر كما وقع به .
44 - وعنه قال : حدثني محمد بن عباس القصيري قال : كتبت في سنة ثلاثة وسبعين إلى الناحية أسأل الدعاء بالحج ولم يكن عندي ما يحملني، وأن أرزق السلامة، وأن أكفى أمر بناتي فوقع تحت المسألة سألت بالدعاء عليها فرزقت الحج والسلامة ومات لي ثلاث بنات من السنة .
45 -وعنه قال: حدثني أبو العباس الخالدي قال : كتب رجلان من أخواننا بمصر إلى الناحية يسألان صاحب الزمان(عليه السلام)في جملين، فخرج الدعاء لأحدهما بالبقاء وخرج الآخر، وأما أنت يا حمدان فأجرك الله بجملك فمات الجمل الذي له .
46 -وعنه قال: حدثني أبو الحسن علي بن الحسن(1)اليماني : قال كنت بالكوفة فتهيأت قافلة لليمانيين فأردت الخروج معهم وكنت ألتمس الأمر من صاحب الزمان؛ فخرج إليَّ الأمر لا تخرج مع هذه القافلة فليس لك بالخروج معهم خير، وأقم بالكوفة .
:قال فقمت كما أمرني وخرجت القافلة فخرجت عليهم حنظلة فإباحتهم .
قال : وكتبت أستأذن في ركوب الماء من البصرة، فلم يؤذن لي، وسارت المراكب فسألت عنها فخبرت : إن خيلاً من الهند يقال لهم : البوازج خرجوا
ص: 439
فقطعوا عليهم، فما سلم أحد منهم، فخرجت إلى سامراء فدخلتها غروب الشمس ولم أكلم أحداً ولم أتعرف إلى أحد حتى وصلت إلى المسجد الذي بإزاء الدار.
قلت : أصلي فيه بعد فراغي من الزيارة، فإذا أنا بالخادم الذي كان يقف على رأس السيدة نرجس(عليها السلام)فجاءني، وقال: قم، فقلت: إلى أين ومن أنا ، قال : أنت أبو الحسن علي بن الحسن اليماني رسول جعفر بن إبراهيم حاطه الله فمر بي حتى أنزلني في بيت الحسين بن حمدان فلم أدر بجميع ما أقول حتى أتاني ما احتاج إليه، فجلستُ ثلاثة أيام ثم استأذنت في الزيارة من داخل لي فزرت ليلا(1).
وورد كتاب أحمد بن إسحاق في السنة [التي مات فيها] بحلوان في ،حاجتين فقضيت له واحدة، وقيل له في الثانية : إذا وافيت قم، كتبنا إليك بما سألت وكانت الحاجة أنه كتب ليستعفي من العمل فإنه قد شاخ، ولا يتهيأ له القيام به فمات بحلوان(2).
وعنه قال : حدثني أبو جعفر محمد بن موسى القمي، قال: خرجت إلى سامرا مع ابن أحمد الشعيباني وكتبت رقعة إلى السيدة نرجس(عليها السلام) أعرفها بقدومي لزيارة مولاي(عليه السلام)وأنفذتها مع بدر الخادم المعروف بأبي الحر فانصرفت فإذا بالرسول يطلبني، فجئت وعلي بن أحمد وقد دفع إلى أبي دينارين وأربع رقع، فقال لي علي بن أحمد لولا أنه ذهب لأخذ بعضه من الخادم.
فقال : خذ الدينارين.
فقلت : لا هذه قد أمرت أن ينكسني بها .
ص: 440
فقال ابن أحمد: اكتب رقعة واسألهم الدعاء .
فقلت حتى أستأذن ،الخادم فإن أذن لي كتبت فجئت إلى بدر فعرفته علي ابن أحمد ، ومذهبه وأعملته أنه يريد [أن] يكتب رقعة وأني أردت أن أستأذن له، فقال لي : تعود إليَّ بعد هذا الوقت فانصرفت فجاءني رسول الخادم فسرت إليه وعلي بن أحمد قال : اكتب بما تريد.
فكتبت رقعة أسأل فيها الدعاء، وانصرفنا فلما كان بالعشي جاءني رسول الخادم فسرنا إليه جميعاً فدفعت إليه رقعة، فدعا له فيها ودفع إليه ستة دراهم، وقيل له رصع منها الخواتم.
48 - وعنه : عن أبي محمد عيسى بن مهدي الجوهري(1)قال: خرجت في سنة ثمانية وستين ومئتين إلى الحج وكان قصدي المدينة وصاريا حتى صح عندنا إن صاحب الزمان(عليه السلام) رحل من العراق إلى المدينة فجلست بالقصر بصاريا في ظلة أبي محمد(عليه السلام) ودخل عليه قوم من خاصة شيعته فخرجت بعد أن حجيت ثلاثين حجة في تلك السنة حاجاً مشتاقاً إلى لقائه(عليه السلام) بصاريا فاعتللت وقد خرجنا من فید (2)فتعلقت نفسي بشهوة السمك واللبن والتمر فلما وردت المدينة الملاية وافيت فيها أخواننا فبشروني بظهوره(عليه السلام)بصاريا .
فلما أشرفت على الوادي رأيت عنوزاً عجافاً تدخل القصر فوقفت ارتقب.
الأمر إلى أن صليت العشاءين وأنا أدعو وأتضرع وأسأل وإذا ببدر الخادم يصيح بي يا عيسى بن مهدي الجوهري الجنبلاني ادخل .
فكبرت وهللت وأكثرت من حمد الله عزوجك والثناء عليه، فلما صرت في صحن دار القصر رأيت مائدة منصوبة فمر بي الخادم وأجلسني عليها وقال لي : مولاك يأمرك أن تأكل ما اشتهيت بعلتك وأنت خارج من فيد فقلت في نفسي حسبي بهذا
ص: 441
برهاناً فكيف آكل ولم أرَ سيدي ومولاي فصاح يا عيسى: كل من طعامي فإنك تراني .
فجلست على المائدة ونظرت فإذا عليها سمك حارّ يفور وتمر إلى جانبه أشبه التمر بتمرنا بجنبلا(1)، وجانب التمر لبن، فقلت في نفسي: أنا عليل، وسمك ولبن وتمر؟
فصاح بي : يا عيسى لا تشك في أمرنا أنت أعلم بما ينفعك ويضرك فبكيت واستغفرت الله وأكلت من الجميع وكلما رفعت يدي لم يبن فيه موضع فوجدته أطيب ما ذقته في الدنيا فأكلت منه كثيراً حتى استحييت، فصاح: يا عيسى لا تستحي فإنه من طعام الجنة لم تصنعه يد مخلوق، فأكلت فرأيت نفسي لا تشتهي من أكلة .
فقلت: يا مولاي حسبي فصاح بي أقبل إليَّ، فقلت في نفسي : ألقى مولاي ولم أغسل يدي، فصاح بي : يا عيسى وهل لما أكلت غمر؟
فشممت يدي، فإذا هي أعطر من المسك والكافور، فدنوت منه (عليه السلام) فبدا لي شخص أغشى بصري ورهبت؛ حتى ظننت أن عقلي قد اختلط .
فقال لي: يا عيسى ما كان لكم أن تروني ولولا الملا تقول: أين هو كان متى يكون وأين ولد ومن رآه وما الذي خرج إليكم منه وبأي شيء أنبأكم وأي معجزة أراكم أما والله لقد دفعوا أمير المؤمنين عما أراده وقدموا عليه وكادوه وقتلوه وكذلك فعلوا بآبائي ولم يصدقوهم ونسبوهم إلى السحر والكهانة وخدمة الجن لما رأيتني يا عيسى أخبر أولياءنا بما رأيت وإياك أن تخبر عدواً لنا فتسلبه .
فقلت يا مولاي ادعُ لنا بالثبات فقال لي : لو لم يثبتك الله لما رأيتني فامض لحجك راشداً، فخرجت من أكثر الناس حمداً وشكراً(2).
ص: 442
49 -وعنه قال : حدثني محمد بن سنان ،الزاهري، عن الصادق(عليه السلام)، عن أبيه، عن جده الحسين عن عمه الحسن عن أميرالمؤمنين، عن رسول الله قال : إذا توالت أربعة أسماء من الأئمة من ولدي فرابعهم القائم المؤمل المنتظر .
50-وعنه : قال حدثني علي بن الطيب الصابوني عن علي بن مهديار، عن محمد بن خلف الطاطري، عن الحسن بن سماعة، عن جابر المعبراني، عن أبي حمزة الثمالي، عن محمد الباقر، عن أبيه عن جده الحسين(عليه السلام)قال :
دخلت أنا وأخي الحسن على جدي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)؛ فأجلسني على فخذه وأجلس أخي على فخذه الآخر وقبلنا وقال بأبي وأمي أنتما من إمامين زكيين صالحين اختاركما الله بروجك مني ومن أبيكما وأمكما واختار من صلبك يا حسين تسعة أئمة تاسعهم قائمهم وكلاكما في [الفضل و] المنزلة [عند الله] سواء(1).
51 - وعنه قال حدثني الحسن بن محمد بن جمهور، عن أبيه محمد، عن كثير بن عبد الله عن المفضل بن عمر قال: دخلت على جعفر الصادق(عليه السلام) فقلت: يا سيدي لولا عهدت إلينا بالخلف من بعدك .
ص: 443
فقال : يا مفضل الإمام بعدي ابني موسى والخلف المؤمل المنتظر محمد بن الحسن بن علي.
52 - وعنه : قال حدثني علي بن الحسن المقري الكوفي، عن أحمد بن زيد الدهان، عن المخول بن إبراهيم، عن رشده بن عبد الله بن خالد المخزومي، عن سلمان قال دخلت على رسول الله فنظر إليَّ وقال : يا سلمان الله تبارك وتعالى لم يبعث نبياً ولا رسولاً إلا جعل له اثني عشر نقيباً .
قال : قلت له : يا رسول الله قد عرفت هذا من أهل الكتابين التوراة والإنجيل.
قال : يا سلمان فهل علمت من نقبائي ومن الاثني عشر الذين اختارهم الله للأمة من بعدي.
فقلت : الله ورسوله أعلم .
فقال : يا سلمان خلقني الله من صفوة نوره، ودعاني فأطعته، وخلق من نوري علياً ودعاه، فأطاعه، وخلق من نوري ومن نور عليّ فاطمة، ودعاها فأطاعته، وخلق مني ومن علي وفاطمة الحسن، ودعاه فأطاعه، وخلق مني ومن علي وفاطمة والحسن الحسين ودعاه فأطاعه فسمانا الخمسة الأسماء من أسمائه، الله محمود، وأنا محمد، والله العلي وهذا علي والله فاطر وهذه فاطمة، والله الإحسان وهذا الحسن والله المحسن وهذا الحسين.
ثم خلق منا ومن صلب الحسين تسعة أئمة ودعاهم فأطاعوه، قبل أن يخلق الله سماءً مبنية وأرضاً مدحية وهواء وماء وملكاً وأشركنا بعلمه نوراً نسبحه ونسمع له ونطيع .
قال سلمان: قلت يا سيدي يا رسول الله فديتك بأبي أنت وأمي لمن عرف عني هذا .
فقال : يا سلمان من عرفهم حق معرفتهم واقتدى بهم، ووالى وليهم، وتبرأ من عدوهم، فهو والله منا يرد حيث نرد ويسكن حيث نسكن .
فقلت : يا رسول الله فهل تكون الجنات بهم بغير معرفة بأسمائهم وأنسابهم.
ص: 444
فقال : لا يا سلمان.
فقلت: يا رسول الله قد عرفتهم الحسين، ثم سيد العابدين علي بن الحسين وابنه محمد بن علي؛ باقر علم الأولين والآخرين من النبيين والمرسلين، ثم جعفر ابن محمد لسان الله الصادق، ثم موسى بن جعفر الكاظم الغيظ صبراً في الله (عزّوجل)، ثم علي بن موسى الرضا، ثم محمد بن علي المختار من خلق الله، ثم علي بن محمد الهادي إلى الله، ثم الحسن بن علي الأمين على سر الله، ثم محمد ابن الحسن الهادي المهدي، الناطق القائم بحق الله .
قال سلمان: فبكيت ثم قلت: يا رسول الله فإني لسلمان بإدراكهم .
قال : يا سلمان إنك مداركهم ومثلك من توالاهم لحفظ المعرفة.
فقال سلمان فشكرت الله كثيراً، ثم قلت يا رسول الله إني مؤجل إلى عهده.
قال: يا سلمان اقرأ : ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا(5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَكُم بِأَمْوَالٍ وبنين وَجَعَلْتَكُمْ أَكثر نَفِيرًا(6)﴾(1)
قال سلمان واشتد بكائي وشوقي، ثم قلت بعهد منك .
قال : والذي بعث محمَّداً إنه لعهدي ومن علي، وفاطمة والحسن، والحسين، والتسعة الأئمة، وكل من هو منا مظلوماً فينا، أي والله يا سلمان ثم ليحضرن إبليس وجنوده وكل من محض الإيمان محضاً ومحض الكفر محضاً ثم يؤخذ بالقصاص والأوتار ولا يظلم ربك أحداً ونحن تأويل هذه الآية: ﴿وَنُرِيدُ أَن ثَهُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَهَمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارثين(5)وَنُمَكِّنَ لَهُم فِي الْأَرْضِ وَنُرِى فِرْعَوْنَ وَهَمَنَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)﴾(2).
قال سلمان فقمت من بين يدي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)ولا أبالي متى لقيني الموت أو لقيته(3).
ص: 445
53 - وعنه : عن محمد بن يحيى الفارسي، عن زيد الرهاوي، عن الحسن بن مسكان عن عتبة بن سنان عن جابر الجعفي قال : دخلت على سيدي الباقر(عليه السلام) فقلت : مولاي حدثني مولاك خالد بسوق العقيق(1) .
قال : سمعت مولاي الحسين بن علي يقول: دخلت على جدي را رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)، فلما رآني ضمني إليه وقبل ما بين عيني، وتنفس صعداً، وانهملت عيناه بالدموع.
ثم قال لي(2): فديتك يا قتيل الفجرة وأبنائهم إلى الله أشكو عظيم مصيبتي فيك يا حسين .
وانهملت عيناه(3)، قال : وكان لي في ذلك الوقت ثلاث سنين، فلما سمعت كلام جدي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)عرض لي البكاء فبكيت ولما سمعت منه ولبكائه، فقال : لا تبك يا حسين بل اضحك سنا يا حسين لا يحزنك ما سمعت من قتلك فإن الله خلقك من نور لا يطفأ ولن تطفأ أبداً ووجه لم يهلك، ولن يهلك أبداً، وخلق من صلبك أنواراً أئمة أبراراً، وجعل فيك وفيهم حكم البدء والفناء والآخرة والأولى وزمام كل زمام .
قال الحسين(عليه السلام): فكشف الله (عزّوجل)عني حزني ؛ وملأ قلبي سروراً، فما حزنت منذ سمعت كلام جدي رسول الله (4).
54 - وعنه قال : حدثني علي بن الحسين الكوفي قال حدثني وهب بن عبد الله، عن محمَّد بن جبلة، عن الحسين بن معمر، عن خالد بن محمد، عن جابر
ص: 446
الجعفي قال سمعت الباقر(عليه السلام) يقول : عن تأويل قول الله (عزوجل) : ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾(1).
فتنفس صعداً ثم قال: يا جابر أما السنة جدي رسول الله، وشهورها الاثنا عشر من جدي أمير المؤمنين إلى الخلف المهدي من ولد الحسين اثنا عشر إمام، وأما الأربعة الحرم ،منا فهم أربعة أئمة باسم واحد علي أمير المؤمنين وعلي بن الحسين وعلي بن موسى وعلي بن محمد والإقرار بهؤلاء الدين القيم فلا تظلموا فيهم أنفسكم وتجعلوهم بالسواء جميعاً (2).
وعنه بهذا الإسناد عن جابر الجعفي قال : قال سيدي الباقر(عليه السلام) في
قول الله: ﴿وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ، فَقُلْنَا اضْرِب بَعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشرة عَيْنا قَدْ عَلِمَ كُل أَنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا في الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾(3)
قال : لما شكى قوم موسى إليه الجدب والعطش فاستسقوا موسى فسقاهم، فسمعت ما قال الله ،له ومثل ذلك جاء المؤمنون إلى جدي رسول الله .
فقالوا له: يا رسول الله، تعرفنا من الأئمة(4)من بعدك فما مضى من نبي إلا وله وصي وأئمة من بعده، وقد علمنا أن علياً وصيك، فمن الأئمة بعده؟
فأوحى الله قد زوجت علياً بفاطمة في سمائي تحت ظل عرشي، وجعلت جبرائيل خطيبها وميكائيل وليها، وإسرافيل القابل عن علي ، وأمرت شجرة طوبى فنثرت اللولو الرطب، واليواقيت والزبرجد الأخضر والأحمر والأصفر،
ص: 447
ومناشير مخطوطة بالنور، فيها أمان الملائكة من سخطي وعذابي، ونشر على فاطمة تلك المناشير في أيدي الملائكة يفتخرون بها في يوم القيامة وفصل الخطاب.
وجعلت نحلتها من علي ونحلتها اعني خمس الدنيا (1)، وثلثي الجنة، وجعلت لها في الأرض أربعة أنهار الفرات ونيل مصر، وسيحان،وجيحان، فزوجها أنت يا محمد بخمسمئة درهماً تكون أسوة بها لأمتك ولابنتك، فإذا زوجت فاطمة من علي فعلي العصاة وفاطمة الحجر، يخرج منها إحدى عشر إماماً من علي، وتتم اثني عشر إمام بعلي حياة لأمتك تهدي كل أمة بإمامها في زمانه ويعلمون كلما علم موسى فهذا تأويل هذه الآية وكان بين تزويج فاطمة (عليها السلام)في السماء وتزويجها في الأرض أربعون يوماً(2).
56 - . وعنه ، عن أبي الحسين محمد بن يحيى الفارسي، عن هارون بن زيد الطبرستاني، عن المخول بن إبراهيم، عن محمد بن خالد الكناسي الكوفي، عن يونس بن ظبيان عن المفضل بن عمر عن جابر الأنصاري قال جابر بعث رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) إلى سلمان الفارسي، والمقداد بن الأسود الكندي، وأبي ذر جندب بن جنادة الغفاري وعمار بن ياسر وحذيفة بن اليماني وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين، وأبو الهيثم مالك بن التيهان الأشهلي وأبي الطفيل عامر بن واثله، وسويد بن غفله وسهل وعثمان ابني حنيف ويزيد السلمي، فحضرنا يوم جمعة ضحى فلما اجتمعنا بين يديه وأمير المؤمنين عن يمينه وأمر(صلی الله علیه وآله وسلم)بأن لا يدخل أحد وكان أنس في ذلك الوقت خادمه فأمره بالانصراف إلى منزله.
ثم أقبل علينا بوجهه الكريم على الله وقال لنا : أبشروا فإن الله من علينا بفضله وعلم ما في أنفسنا من الإخلاص ،له والإيمان به والإقرار بوحدانيته، وبملائكته وكتبه ورسله، وعلم وفاكم الجنة بغير حساب أنتم ومن كان كما أنتم عليه من مضى ومن يأتي إلى يوم القيامة.
ص: 448
قال :جابر ورسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)يبشرنا ويحدثنا ودموعه تجري ودموعنا تهطل لبكائه ولفضل الله علينا ورحمته لنا ورأفته بنا فسجدنا شكراً لله وأردنا الكلام فقطعتنا عنه الرقة والبكاء.
فقال لنا : فإن بكيتم قليلاً لتضحكن كثيراً، وإنّي مبشركم بما أعلمه منكم أنكم تحبون مسألتي عنه، ولو فقدتموني وسألتم أخي علياً لأخبركم به. فجهرنا بالبكاء والشكر والدعاء.
فقال لنا : تحاولون مسألتي عن بدء تكوني(1)، واعلموا رحمكم الله إن الله تقدست أسماؤه وجل ثناؤه كان ولا مكان ولا كون معه ولا سواه أحد في فردانيته صمد في أزليته، مشيء لا شيء معه، فلما شاء أن يخلق خلقني بمشيئته وإرادته لي نوراً ؛ وقال لي: كن فكنت نوراً شعشعانياً، أسمع وأبصر وأنطق بلا جسم ولا كيفية، ثم خلق مني أخي علياً، ثم خلق منا فاطمة، ثم خلق مني ومن علي وفاطمة الحسن وخلق منا الحسين ومنه ابنه علي وخلق منه ابنه محمداً، وخلق منه ابنه جعفراً، وخلق منه ابنه ،موسى وخلق منه ابنه علياً، وخلق منه ابنه محمداً، وخلق منه ابنه علياً، وخلق منه ابنه الحسن، وخلق منه ابنه سميي وكنبي، ومهدي أمتي، ومحيي سنني، ومعدن ملتي.
ومن وعدني أن يظهرني به على الدين كله ويحق به الحق، ويزهق به الباطل، إن الباطل كان زهوقاً، ويكون الدين كله واصباً، فكنا أنواراً بأرواح وأسماع وأبصار، ونطق وحس وعقل، وكان الله الخالق ونحن المخلوقون، والله المكون ونحن المكونون والله البارئ ونحن البرية موصولون لا مفصولون.
فهلل نفسه فهللناه، وكبر نفسه ،فکبرناه وسبح نفسه فسبحناه، وقدس نفسه فقدسناه، وحمد نفسه فحمدناه، ولم يغيبنا وأنوارنا تتناجى وتتعارف، مسمين متناسبين أزليين لا موجودين منه بدأنا وإليه نعود نور من نور بمشيئته وقدرته لا ننسی ،تسبیحه ولا نستكبر عن عبادته .
ثم شاء فمد الأظلة، وخلق خلقة أطوار الملائكة وخلق الماء والجان، وعرش عرشه على الأظلة، وأخذ من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على
ص: 449
أنفسهم ألست بربكم قالوا : بلى(1). كان يعلم ما في أنفسهم والخلق أرواح وأشباح في الأظلة يبصرون ويسمعون ويعقلون فأخذ عليهم العهد والميثاق ليؤمنن به وبملائكته وكتبه ورسله .
ثم تجلى لهم وجلاً علياً وفاطمة والحسن والحسين والتسعة الأئمة من الحسين الذين سميتهم لكم فأخذ لي العهد والميثاق على جميع النبيين وهو قوله الذي أكرمني به جل من قائل: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ (2).
وقد علمتم أن الميثاق أخذ لي على جميع النبيين، وإني أنا الرسول الذي ختم الله بي الرسل، وهو قوله تعالى: ﴿رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾(3) فكنت والله قبلهم وبعثت بعدهم، وأعطيت ما أعطوا وزادني ربي من فضله ما لم يعطه لأحد من خلقه غيرني فمن ذلك إنه أخذ لي الميثاق على سائر النبيين، ولم يأخذ ميثاقي لأحد، ومن ذلك ما نبا نبياً ولا أرسل رسولاً إلا أمره بالإقرار بي، وأن يبشر أمته بمبعثي ورسالتي والشاهد لي بهذا قوله جل ذكره في التوراة لموسى :﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾(4).
ولا يعلمون نبياً ولا رسولاً غيري(5)، وفي الإنجيل قوله عز اسمه الذي حكاه
ص: 450
فيما أنزله عليَّ من خطابه لأخي عيسى بن مريم(عليه السلام):﴿ ومبشراً بِرَسُول يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسمُهُ وَمُبَشِّرًا أَحَمَدُّ﴾(1).
ويعلم أنه ما يرسل رسولاً اسمه أحمد غيري وأن الله منحني اللوح يوم القيامة الذي يحمله أخي علي وآدم، فمن دونه تحته يوم القيامة، وأعطاني الشفاعة والحوض تفضلاً منه عليَّ، وأعطاني مفاتيح الدنيا وكنوزها ونعيمها، فلم أقبله زهداً فيه، فعوضني بمفاتيح الجنة والنار، فجعلت كل ما أعطانيه ربي لأخي علي، والأئمة منهم، فطوبى لكم، وطوبى لمن والاكم حسن مآب(2).
فقمنا على أقدامنا وقلنا : يا رسول الله إنا قد أنعم الله بك علينا وبأخيك علي وذريتك فنسأل الله يقبضنا إليه الساعة لئلا يأتي أحد منا ببائقة تخرجه، عن هذا الخطر العظيم.
فقال لنا(عليه السلام) : كلا لا تخافوا فأنكم من الذين قال الله فيهم : ﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)﴾(3).
قال جابر الجعفي : فقلت لجابر الأنصاري : لقد أسعدني الله بلقائك في هذا اليوم هذا ببركة الله وبركة سيدي الباقر(عليه السلام)ولقائك إياه بأمر رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم).
قال جابر بن عبد الله الأنصاري : يا جابر خبر من لقيك من شيعة آل محمد بما سمعته مني فبهذا عهد رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) (4).
57- وعنه : عن محمد بن عبد الحميد البزاز [وأبي الحسين محمد بن يحيى، ومحمد بن ميمون الخرساني، ]، والحسين بن مسعودالفراتي (5)، قالوا
ص: 451
جميعاً : وقد سألتهم في مشهد سيدنا أبي عبد الله الحسين(عليه السلام)بكربلاء، عن جعفر [ الكذاب] وما جرى في أمره بعد غيبة سيدنا أبي الحسن علي وأبي محمد الحسن الرضا(عليه السلام)وما ادعاه له جعفر وما فعل فحدثوني بجملة أخباره إن سيدنا أبا الحسن(عليه السلام)كان يقول لهم : تجنبوا ابني ،جعفر أما إنه ابني مثل حام من نوح الذي قال الله جل من قائل فيه : ﴿فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي﴾(1)الآية .
فقال له الله : ﴿يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾(2)
وأن أبا محمد(عليه السلام)كان يقول لنا بعد أبي الحسن(عليه السلام): الله الله أن يظهر لكم أخي جعفر على سر، فوالله ما مثلي ومثله إلا مثل هابيل وقابيل ابني آدم، حيث حسد قابيل لهابيل على ما أعطاه الله لهابيل من فضله، فقتله ،ولو تهيأ لجعفر قتلي لفعل، ولكن الله غالب على أمره فلقد عهدنا بجعفر وكل من في البلد، وكل من في العسكر من الحاشية الرجال والنساء والخدم يشكون إذ أوردنا الدار أمر جعفر يقولون : إنه يلبس المصنعات من ثياب النساء، ويضرب له بالعيدان فيأخذون مننه ولا يكتمون عليه.
وإن الشيعة بعد أبي محمد(عليه السلام)زادوا في هجره، وتركوا رمي السلام عليه ،وقالوا: لا تقية بيننا وبينه نتجمل به وإن نحن لقيناه وسلمنا عليه ودخلنا داره وذكرناه ،نحن نضل الناس فيه ويعملون على ما يرونا ،نفعله فنكون بذلك من أهل النار(3)، وأن جعفر لا كان في ليلة أبي محمد(عليه السلام) ختم الخزائن، وكل ما في الدار ومضى إلى منزله فلما أصبح أتى الدار ودخلها ليحمل ما ختم عليه، فلما فتح الخواتم ودخل نظرنا فلم يبق في الدار ولا في الخزائن إلا قدراً يسيراً، فضرب جماعة من الخدم ومن الإماء.
فقالوا له : لا تضربنا فوالله لقد رأينا الأمتعة والرجال توقر الجمال في
ص: 452
الشارع ؛ ونحن لا نستطيع الكلام ولا الحركة إلى أن سارت الجمال وغلقت الأبواب كما كانت، فولول جعفر وضرب على رأسه أسفاً على ما خرج من الدار، وأنه بقي يأكل ما كان ،له ويبيع حتى ما بقي له قوت يوم وكان له في الدار أربعة وعشرون ولداً بنون وبنات ولهم أمهات وأولاد وحشم وخدم وغلمان، فبلغ به الفقر إلى أن أمرت الجدة وهي جدة أبى محمد(عليه السلام)أن يجري عليه من مالها الدقيق واللحم والشعير والتبن لداوبه ، وكسوة لأولاده وأمهاتهم، وحشمه وغلمانه، ونفقاتهم، ولقد ظهرت أشياء منه أكثر مما وصفنا نسأل الله العصمة والعافية من البلاء في الدنيا والآخرة(1).
58 - وعنه قال : حدثني علي بن الحسين بن فضال وكان ممن يقول بإمامة جعفر بعد أبي محمد ، وكان قبل ذلك مخطئاً أنه كتب إلى ابن جعفر يسأله عن حقيقة أمره، وكتب إن أخي أبا محمد كان إماماً مفروض الطاعة؛ وإني وصيه من بعده وإمام لا غير .
59 - وعنه قال : حدثني أبو العباس بن حيوان، عن أحمد بن محمد المدايني قال : لما توفي أبو محمد(عليه السلام)خرجت إلى الحج وأتيت المدينة فسألت بها كل من ظننت أنه يعرف خبر المهدي فلم يعرفه أحد إلا قوم من خواص الأهل والموالي وإنهم يقولون لي : لِمَ تسأل عمن أنت منكر له فارجع إلى ربك في جعفر، فبقيت ثلاث سنين على هذا أسأل بالمدينة وبالعسكر ولا يقال لي إلا ما ذكرته، وكان هواي في جعفر، وكنت أسمع بالإمام المهدي مقيم بالعسكر، وأن قوماً شاهدوه.
ويخرج إليهم أمره ونهيه وكتبت إلى جعفر أسأله عن الإمام والوصي من بعده .
ص: 453
قال العباس بن حيوان وأبو علي الصايغ إن جعفراً كتب إلى أحمد بن إسحاق القمي يطلب منه ما كان يحمله من قم إلى أبي محمد(عليه السلام)، وأكثر من ذلك واجتمع أهل ،قم، وأحمد بن إسحاق، وكتبوا له كتاباً لكتابه، وضمنوه مسائل يسألونه عنها، وقالوا تجيبنا عن هذه المسائل.
كما سألوا عنها سلفنا إلى آبائك(عليه السلام)فأجابوا عنها بأجوبة وهي عندنا، نقتدي بها، ونعمل عليها، فأجبنا عنها مثل ما أجاب آباؤك المتقادمون(عليه السلام)حتى نحمل إليك الحقوق التي كنا نحملها إليهم، فخرج الرجل حتى قدم العسكر فأوصل إليه كتاب وأقام عليه مدة يسأل عن جواب المسائل، فلم يجب عنها ولا عن الكتاب بشيء منه أبداً .
60 - وعنه قال : حدثني علي بن أحمد الواسطي، أنه سار إلى العسكر وأتى الدار ووقف ببابه مستأذناً عليه يسأله عن مسائل كان يسأل عنها سيدنا أبا الحسن، وأبا محمد(عليه السلام)، فخرج إليه الخادم فقال له ما اسمك . قال : اسمي علي بن أحمد الواسطي . فقال : انصرف أنت لا أذن لك.
61 - وعنه قال: حدثني أحمد بن مطهر صاحب عبد الصمد بن موسى، أنه كان بائتاً عند عبد الصمد في الليلة التي توفي بها أبو محمد(عليه السلام)، فإنه دخل أحمد ابن مطهر على عبد الصمد بن موسى فأخبره بوفاة أبي محمد، فركب عبد الصمد إلى الوزير واخبره بذلك فركب الوزير وعبد الصمد بن موسى بن بقاء إلى المعتمد وأخبراه بوفاة أبي محمد(عليه السلام)، فأمر المعتمد أخاه بالركوب، والوزير، وعبد الصمد إلى دار أبي محمد ؛ حتى ينظروا إليه ويكشفوا عن وجه، ويغسلوه ويكفنوه، ويصلوا عليه، ويدفنوه مع أبيه(عليه السلام)، وينظروا من خلف ويرجعوا إليه بالخبر .
وتقدم إلى سائر الخاصة والعامة ... أن يحضروا الصلاة عليه.
ففعل أبو عيسى والوزير وعبد الصمد جميع ما أمروا به، ونظروا إلى من
ص: 454
في الدار وانصرفوا إلى المعتمد فقال المعتمد لأخيه أبي عيسى: أبشر إنك ستلي الخلافة؛ لأن أخانا المعتز لما توفي أبو الحسن علي بن محمد فخرجت وصليت وصلى بصلاتنا في الدار لأنه كان التكبير يصل فلما دفنا أبا الحسن(عليه السلام)ورجعت ؛ قال أبشر يا أحمد فإنك صليت على أبي الحسن؛ وأنت تجازى بالخلافة بصلاتك عليه وأنت يا أبا عيسى قد صليت على أبي الحسن وأرجو أن تجازى بالخلافة مثلي .
62-وعنه قال: حدثني أبو الحسن علي بن بلال، وجماعة من إخواننا، أنه لما كان في اليوم الرابع من زيارة سيدنا أبي الحسن أمر المعتز بأن ينفذ إلى أبي محمد(عليه السلام)من بشركم إلى المعتز ليعزيه ويسليه فركب أبو محمد إلى المعتز، فلما دخل عليه رحب به ،وعزاه وأمر فرتب بمرتبة أبيه(عليه السلام)وأثبت له رزقه، وزاد فيه، فكان الذي يراه لا يشك إلا أنه في صورة أبيه(عليه السلام).
واجتمعت الشيعة كلها من المهتدين على أبي محمد بعد أبيه ؛ إلا أصحاب فارس بن [حاتم] بن ماهويه فأنهم قالوا بإمامة جعفر بن علي العسكري(عليه السلام).
قال الحسين بن حمدان: لقيت أبا الحسين بن ثوابة، وأبا عبد الله أحمد بن عبد الله الجمال شيخاً كان مع أبي الحسين بن ثوابة في داره ببغداد في الجانب الشرقي بعسكر المهدي، فسألتهما عن ما علماه من أمر الإمام بعد أبي محمد .
فقالا لي : إن أبا الحسن(عليه السلام)كان في حياته إلى أبي جعفر محمد ابنه، ومضى أبو جعفر في حياة أبي الحسن(عليه السلام)، وعاش أبو الحسن بعده أربع سنين السلام وعشرة أشهر، وكان فارس بن ماهويه يدعي أنه باب أبي جعفر(1)ثم وقعت الشبهة عند المقصرة والمرتابين من الشيعة(2).
وكان الأمر والحق لأبي محمد(عليه السلام)، وادعى جعفر أنه باب أبي جعفر بعد فارس بن حاتم بن ماهويه، وذلك من سيدنا أبي محمد(عليه السلام)، وألقاه الرجلين
ص: 455
وقبلا ذلك عنه ودعيا الناس إليه فأمر سيدنا بطلبهما، فهربا إلى الكوفة، وأقاما بها إلى أن مضى أبو محمد(عليه السلام).
قال الحسين بن حمدان فقلت إلى الحسين بن ثوابة، ولأبي عبد الله الشيخ النازل عليه : قد قصصتما عليَّ هذه القصص ؛ فإن قص غيركما عليَّ قصصاً فأترك قصصكم، وأقبل قصة ذلك.
ولكن عندي حجة ،أقولها قالا : هات ما عندك .
فقلت لهم : هكذا قالت الميمونة : إن أبا عبد الله الصادق أوصى إلى إسماعيل ابنه، وقص عليه وخبر أنه الإمام بعده، وقد علمتم وعلمنا وسائر الشيعة إن إسماعيل مضى في حياة أبيه جعفر الصادق(عليه السلام)، وعاش الصادق بعده أربع سنين، ومضى أبو عبد الله .
قالت الشيعة إن عبد الله بن جعفر الصادق جلس بمجلس أبيه وادعى الإمامة ؛ وهو مبطل، وكانت الإمامة في ابنه موسى(عليه السلام)، وإنما دعي عبد الله الأفطح لأنه كان أفطح الرأس.
فهل عندكما قول وحجة تأتيان بها غير هذا الذي سمعته منكما .
قالا : هذا عندنا في الظاهر .
قلت : ما عندكما في الباطن.
فقالا : جعفر هو الإمام المفترض الطاعة الذي لا يسع الخلق إلا معرفته .
فقلت لهما : أليس قد رويتما إن أبا الحسن(عليه السلام)أشار إلى أبي جعفر أنه الإمام من بعده.
قالا : بلى.
فقلت لهما : قد كفرتما بروايتكما على أبي الحسن إنه أشار إلى أبي جعفر أنه الإمام من بعده، وقد مات أبو جعفر قبله في حياته، ونسيتما أبا الحسن(عليه السلام)إلا أنه لم يعلم إن أبا جعفر لم يمت قبله وإن أبا الحسن غش الإمامة، وتركها في الشكوك والحيرة وأعلمهم أنه لا علم له بما كان وما يكون كما قالت الميمونة في الصادق(عليه السلام)وإسماعيل، حذو النعل بالنعل .
فكان أبو عبد الله الصادق، وأبو الحسن صاحب العسكر(عليه السلام)أعرف بالله
ص: 456
وأعلم بعلم الله بكل ما كان وما هو كائن من أين تقولان قولاً يكون غيره، فهل عندكم من حجة أو دليل غير ما ذكرتماه وسمعتما الجواب عنه، فلم يكن عندهما جواب إلا أنهما قالا لي: سئل أبا الحسن(عليه السلام)من القائم بعده بالإمامة؛ فقال : أكبر ،ولدي وكان أبو جعفر أكبر ولده.
فقلت لهما سبحان الله ما أضل رأيكما، وأضل روايتكما ؛ أليس ابنه أبو جعفر مات قبله ؛ وإنما سئل عن الإمام بعده ؛ فقال : أكبر ولدي الذي بعدي، وكان أكبر ولده بعده أبو محمد(عليه السلام).
63 - وقد روينا، عن أبي محمد محمد عبد الله بن سنان بن أحمد، وعلي بن أحمد النوفلي قال: كنا مع سيدنا أبي الحسن(عليه السلام) بالعسكر في داره، فمر به ابنه أبو
جعفر فقلنا له: يا سيدنا هذا صاحبنا بعدك . فقال : لا.
فقلنا له: ومن هو .
فقال : ابني أبو محمد الحسن؛ لا محمّد ولا جعفر، فسكتا .
فقلت لهما : إن كان عندكما شيء في صاحبكما مثلما رويتم في أبي محمد(عليه السلام) فهاتوه فما كان عندهما شيء فرددتهما .
محمَّد
وقلت : حدثني أبو علي الملكي، وأبو عبد الله جعفر بن محمد الرامهرمزي: إنهم نظروا إلى سيدنا أبي محمد(عليه السلام)وهو يسير في الموكب وقال جعفر بن كنت أحب أن أرزق ولداً .
فقلت في نفسي : يا سيدي يا أبا محمد أرزق ولداً، فنظر إليَّ وقال برأيه : نعم ،فقلت في نفسي : يكون ذكراً فقال برأسه لا، فكانت أنثى . 64 - وقال : حدثني جعفر بن محمد الرامهرمزي، قال: نظرت إلى سيدي أبي محمد(عليه السلام)وجماعة من أخواننا، فقلت في نفسي : إني أرى من فضل سيدي أبي محمد برهاناً تقر به عيني فرأيته قد ارتفع نحو السماء حتى سد الأفق، فقلت لأصحابي : ترون كما أرى فقالوا: وما هو فأشرت فإذا هو قد رجع كهيئته الأولى ودخل المسجد(1).
ص: 457
فقال أبو الحسين بن ثوابة وأبو عبد الله الجمال : قد سمعنا ما سمعت من هذه الروايات والدلائل والبراهين فإذا صدقنا الله فما رأينا لأبي جعفر ولا سمعنا لجعفر دليل ولا برهان ولا حقيقة إلا إلى أبي محمد بعد أبيه(عليه السلام)، وإنا لنعلم إن المهدي سمي جده ،وكنيه وهو ابن الحسن من نرجس، ولقد عرفنا يوم مولده .
فقلت لهما في أي يوم، وبأي شهر، وبأي سنة .
فقالا : ولد طلوع الفجر بيوم الجمعة لثمان ليال خلت من شهر شعبان من سنة سبع وخمسين ومئتين(1) .
فقلت لهما : قد قلتما الحق وعلمتما صحة المولود فمن قبله .
قالا لي : أبو محمد أبوه، وكفيله حكيمة أخت أبي الحسن، وهي العمة.
فقلت: حقاً، فلم حاججتماني وأنتما تعلمان أنه باطل.
فقالا : والله ما هذا إلا خسران مبين في الدنيا والآخرة، وعرض الدنيا يفنى، وعذاب الآخرة يبقى إلا أن يعفو الله .
فقلت : حسبكم الله شاهد عليكم .
فقالا : والله لا يسمع هذا الذي سمعته منا أحد بعدك.
قال الحسين بن حمدان: ثم ظهرت عليهم أنهم كانوا يأخذون أموال جعفر والقرويين، وجعفر يخافهم ويقول فيهم ويلعنهم عند من يثق به ويقول لهم إنهم يأكلون مالي .
ص: 458
65 - قال الحسين بن حمدان: حدثني أبو القاسم بن الصائغ البلخي، قال: خرجت من بغداد إلى العسكر في شهر المحرم لسبع ليال خلت منه فلما كان بكرة يوم السبت فسلمت على الموالي(عليه السلام)وصرت على باب جعفر فإذا في الدهليز دابة مسرجة فجاوزت بابه وجلست عند حائط دار موسى بن بقاء، فخرج جعفر على دابة كميت وعليه ثياب بيض ورداء، وعليه عدنية سوداء طويلة وبين يديه خادم وفي يده غاشية، وعلى يمينه خادم آخر ثيابه سود، وعلى رأسه خادم آخر، وخادم علی بغلته خلفه، فلما رآني نظر إليَّ نظراً شديداً فمشيت خلفه حتى بلغت باب النقيب الذي على الطالبيين، فنزل عنده ودخل إليه، ثم خرج منصرفاً إلى منزله .
فلما بلغ قبر أبي الحسن وقبر أبي محمد(عليه السلام)أشار بيده وسلم عليهما، ودخل داره، فانصرفت إلى حانوت بقال؛ وأخذت منه أوقيتين، فكتبت إليه كتاباً، وكتاباً إلى امرأة تكنى أم أبي سلمان امرأة محمد بن زكريا الرازي، وكانت باب جعفر، وكان صديقاً لي كتب كتاباً إلى بعض أخوانه ليوصله إلى جعفر، وفعلت أنا كتاباً على لسان أبي محمد بن يعقوب بن أبي نافع المدائني، وكتاباً إلى المرأة أم أبي سليمان .
وتسميت في الذي ترون فيه أحمد بن محمد المروزي، وكتبت فيه: جعلت فداك إن حامل كتابي رجل من خراسان وهو يقول بالسيد محمد، متعلقاً إليه، وذهبت إلى امرأة أبي سليمان فدفعت الكتاب إليها، فأدخلتني إلى دهليز فيه درجة .
فقالت لي اصعد، فصعدت إلى حجره.
فقالت : اجلس فجلست وجلست معي تحدثني وسائلني، وقامت فذهبت إلى جعفر فاحتسبت به ثم جاءت ومعها رقعة بخطه مكتوب فيها :
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
يا أحمد رحمك الله أوصلت إليَّ المرأة الكتاب بما أحببت أرشدك الله وثبتك إليَّ بدواة وكاغد ،أبيض، وطين الختم فكتبت :
ص: 459
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أطال الله بقاءك، وأعزك وأيدك وأتم نعمته عليك، وزاد في فضله وإحسانه إليك، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم كثيراً .
يا سيدي جعلت فداك أنا رجل من مواليك وموالي آبائك(عليه السلام)من خراسان منذ كنا متعلقين بحبل الله المتين كما قال الله تعالى :﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾(1)فلما حدث بالماضي أبي الحسن(عليه السلام)ما حدث، خرجت إلى العراق لقيت أخواننا فسألتهم فوجدتهم كلهم مجمعين على أبي محمد(عليه السلام)غير أصحاب ابن ماهويه إنهم كانوا مخالفين وقالوا بإمامة جعفر أخو الحسن العسكري (عليه السلام)، فانصرفت إلى خراسان فوجدت أصحابي الذين خلفتهم وراثي فأخبرتهم.
فقلنا بأبي محمد(عليه السلام) ولم نشك فيه طرفة عين، فلما توفي أبو محمد(عليه السلام) وجه رسولاً إلى أخواننا بالعراق ليسألهم فكتبوا بما كان عندهم من الاختلاف بنفسي مرة فقطع عليَّ ،الطريق فانصرفت إلى منزلي واضطربت خراسان من الخوارج ولم يمكني أن أخرج وسيدي عالم بما أقول .
فخرجت العام مع الحاج فلم أترك أحداً من أصحابنا بنيسابور، والري، و همدان وغيرهم إلا سألتهم، فوجدتهم مختلفين حتى وجدت أحمد بن يعقوب المدائني صاحب الكتاب فكتب لي كتاباً إلى السيد، فدخلت بغداد منذ ثلاثة أشهر فما تركت أحداً يقول بهذا القول إلا لقيتهم وناظرتهم فوجدتهم مختلفين، حتى لقيت أبا الحسن بن ثوابة وأصحابه وأبا عبد الله الجمال، وأبا علي الصائغ، وغيرهم .
فقالوا : إن جعفر أبيه وصي أخيه أبي محمد(2)، ولم يكن إماماً غيره، ورأيت
ص: 460
علي بن الحسين بن فضال فقال : كتبت إلى جعفر فسألته عن أبي محمد من وصيه .
فقال : أبو محمد كان إماماً مفترض الطاعة على الخلق، وأنا وصيه ورأيت غيرهم، فقالوا : إن جعفراً وصي أبيه أبي الحسن(1)، فتحيرت وقلت: ليس ها هنا حيلة إلا أن أخرج إلى السيد وأسأله مشافهة فخرجت إلى سيدي، فهذه قصتي وحالي، فإن رأى سيدي أن يمن على عبده بالنظر إلى وجهه وسؤاله مشافها فعل فإني خلفت ورائي قوماً حياري، فلعل الله أن يهديهم سيدي سبيلاً فعلاً مفعولاً مأجوراً إن شاء تعالى.
وراجعت الكتاب إليه على يد أم أبي سليمان فلما كان بعد ساعة جاءت هذه المرأة التي تكنى أم سليمان فقالت لي : يقول لك السيد إني كنت راكباً وانصرفت وأنا كسلان فكن عند هذه المرأة حتى أوجه إليك وأدعوك .
فقالت : أراك يا سيدي رجلاً ،عاقلاً، وقد حملت كتاب أخينا إليَّ وسألني هل تعرفين هذا الرجل فقلت لا أعرفه وكان عند السيد عام الأول، وأنا أدخلك عليه، وأسألك يا أخي لا تتحدث قلت نعم لك هذا، فإني رجل مرتاد إليك أريد فكاك رقبتي من النار.
فقلت :إني أدخل عليه إن شاء الله بعد الظهر، ثم نزلت من عندي وصعدت بطبق فيه أربع أرغفة وقثا مفرم، وبطيخ ،وصينية، وكوز ماء، فقالت: كُل .
فقلت : إني أكلت وجئت .
فقالت : أسالك أن تأكل فإن هذا من الخبز الذي يجري على السيد؛ فأكلت منه رغيفاً من القثا والبطيخ، فلما صدرت جاءت وقالت: قم، فقمت فأدخلتني في دهلیز جعفر وردت الباب فجلست مع خادمه الأبيض، ودخلت المرأة إليه ثم خرجت وقالت لي أدخل، فدخلت بدهليز طوله عشرون ذراعاً ضيق، فإذا بوسطه بئر ماء، وإذا على يساره حجرة وقدام الدهليز ،باب فدخلت فإذا بدهليز آخر فدخلت فرأيت داراً كبيرة واسعة فإذا فيها أسرة ،عدة وفيها قبة مكتسية من خشب من يسار الدار وقدام الدار ،بيت وعن يمينه بيوت غيره عدة فرفع الستر من البيت الأول، فدخلت فإذا جعفر جالس على سرير قصير في البيت، فسلمت
ص: 461
فناولني يده فقبلتها وجثوت بين يديه فقال لي: كيف طريقك، وكيف أنت، وكيف أصحابك .
فقلت : في عافية وسلامة ثم قلت له : جعلت فداك إني رجل من مواليك وموالي آبائك ، وقد حدث هذا الحديث فاختلف أصحابنا فخرجت قاصداً مع الحاج وأنا مقيم ببغداد منذ ثلاثة أشهر، فلقيت خلقاً تدعي هذا الأمر، فوجدتهم مختلفين حتى لقيت أبا الحسن بن ثوابة وأبا عبد الله الجمال، وأبا علي الصائغ، فقالوا : إنك وصي أبي جعفر أعني أباك الذي مضى في أيام الحسن أخيك(عليه السلام)، وقال غيرهم : بل هو وصي الحسن أخيه جئت إليك لأسمع منك مشافها وآخذ بقولك وما تأمرني به.
فقال : لعن الله أبا الحسين بن ثوابة وأصحابه فأنهم يكذبون علي ويقولون ما لم أقل، ويخدعون الناس، ويأكلون أموالهم، وقد قطعوا مالاً كان لي من ناحية فصار بأيديهم وهاهنا من هو أشد من ابن ثوابة فقلت من جعلت فداك؟! قال القزويني علي بن أحمد فقلت سمعت باسمه وأردت أن أذهب إليه .
فقال : إياك فإنه كافر وأخاف أن يفتنك ويفسد عليك ما أنت عليه من دينك، علي بن أحمد القزويني وأصحابه لعنهم الله والملائكة والناس أجمعون.
فقلت : نعم لعنهم الله بلعنتك المنتظرة، ثم قال لي : هل تشك في أبي الحسن .
قلت : أعوذ بالله .
قال : مضى أبو محمد أخي ولم يخلف أحداً لا ذكراً ولا أنثى، وأنا وصيه .
قلت : أبو محمد كان إماماً مفروض الطاعة عليك وعلى الخلق أجمعين.
قال : نعم .
قلت :وأنت ،وصيه وأنت الإمام المفروض الطاعة على الخلق أجمعين.
قال : نعم. فارتميت إلى يده أقبلها فناولني إياها فقبلتها، فقلت: يا سيدي روينا عن آبائك(عليهم السلام): أن الإمامة لا تكون في أخوين بعد الحسن والحسين.
قال: صدقت بهذا ؛ ولكن أنقر بالبداء(1).
ص: 462
قلت : نعم .
ص: 463
قال : فإن الله بدا له في ذلك .
ص: 464
فقلت له: يا سيدي فوقك إمام.
قال : لا ، ثم قال يا أحمد لولا إني عرفت من نيتك الصدق لما أذنت لك .
فقلت : جعلت فداك معي شيء حملته من خراسان، وهو [الآن] في بغداد فإن كان لك وليا تثق به حتى أدفعه إليه بأمرك .
فقال : ليس لي أحد ببغداد ولكن احمله بنفسك أنت حتى يكون لك الأجر والثواب .
قلت : نعم، جعلت فداك فأسألك أن تدعو لي بالعافية والسلامة، وأن يردني الله إلى أهلي وبيتي في عافية، ويخرجني من الدنيا على ولايتك وولاية آبائك (عليهم السلام).
فقال : ثبتك الله على ولايتي وولاية آبائي وردك إلى أهلك وولدك في عافية وسلامة.
فقمت وخرجت من عنده ورجعت إلى منزلي وإلى أبي سليمان، فسألت أبا
ص: 465
سليمان عن عياله وخدمه ،وجواره وحاله وكيف عيشه، فقال : له عشرون ولداً، وأربع عشرة بنتاً وعليه من العيال ستين نفساً من الجوار والخدم، والبنين والبنات وغيرهم، وهو اليوم يأكل بالربا وقد رهن ثيابه وقدم ابن بشار، وحمل عطايا الهاشميين والطالبين وقال : اعرضوا عليّ بنيكم وبناتكم.
فقال جعفر : والله فلو صرت للصدق باباً ما كشف وجه بناتي بين يديه، وركب جعفر ومعه ثمانية من شيعته إلى ابن بشار فعرضهم عليه وأخذ عطاه وعطاء بنيه وبناته وانصرف، فلم أر فيه شيئاً من دلائل آبائه(عليهم السلام)، ومن آثار الإمامة.
فقلت لأبي الحسين بن ثوابة وأبي عبد الله الجمال وأبي علي الصائغ والقزويني كلما قال لي وقصصت عليهم قصتي معه فضحكوا وقالوا : والله هو أحق باللعنة منا التي لعننا بها لأنه يقول : إننا أخذنا ماله، بل أخذنا مال الله وليس ماله، وقد ادعى الوصية والإمامة، والله برأه منها .
فقلت لهم : تأخذون مال الله بغير حق.
فقالوا : إننا محتاجون إليه وليس له طالب في هذا الوقت.
فقلت لهم : ويحكم ؛ أليس أبو عمر عثمان بن سعد العمري السمان يأخذ بأمر أبي محمد(عليه السلام)أموال الله هو وابنه أبو جعفر محمد، وينفذها حيث شاء بأمر الخلف من أبي محمد(عليه السلام)، وهو المهدي سمي جده رسول الله، وكنيه.
فضحكوا وقالوا إن المهدي إليه التسليم بدأ بكل دين على المؤمنين فقضاه عنهم، فكيف لا يهب لنا ماله .
فقلت : أف عليكم أن تكونوا مؤمنين .
فقالوا والله ما عندنا شك في الإمام بعد أبي الحسن(عليه السلام) إلا أبي محمد(عليه السلام)، وما لأبي جعفر محمد بن علي، ولا لجعفر هذا الكذاب في الوصية حظ ولا نصيب وأن المهدي أبو القاسم محمَّد بن الحسن لا شك فيه، وإنما نأخذ هذه الأموال ليرى الناس إنا مخالفون فيها على جعفر، فانقلبت إلى أهلي ،بخراسان وسائر الجبل فقصصت عليهم قصتي من جعفر، وسائر ما لقيت، فقمنا على الخلف من أبي محمد(عليه السلام)، ومن قال في أبي جعفر، ومن قال بجعفر، وكان هذا فضل من الله .
ص: 466
66 - وعنه : قال الحسين بن حمدان الخصيبي : حدثني محمد بن إسماعيل، وعلي بن عبد الله الحسنيان عن أبي شعيب محمد بن نصير، عن عمر بن الفرات، عن محمد بن المفضل عن المفضل بن عمر ](1)قال: سألت سيدي أبا عبد الله الصادق(عليه السلام)، هل للمأمول المنتظر المهدي إليه التسليم من وقت موقت يعلمه الناس ؟](2).
فقال الصادق(عليه السلام): حاشا لله أن يوقت له وقت، أو توقت له شيعتنا .
قال : قلت يا مولاي ولم ذلك؟
قال: لأنه هو الساعة التي قال الله تعالى فيها :﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا﴾(3).
وقوله :﴿ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾(4).
وقوله : ﴿عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾(5) ولم يقل أحد دونه .
وقوله:﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ ﴾(6).
ص: 467
وقوله : ﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ﴾ (1)
وقوله: ﴿ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17)يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (18)﴾(2).
قلت: يا مولاي ما معنى يمارون؟
قال : يقولون : متى ولد؟ ومن رآه؟ وأين هو ؟ وأين يكون؟ ومتى يظهر؟ كل ذلك استعجالا لأمر الله وشكا في قضائه وقدرته :﴿ أَوَلَيْكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ﴾(3) في الدنيا والآخرة وإن للكافر لشر مآب.
قال المفضل : يا مولاي فلا يوقت له وقت؟
قال: يا مفضل لا توقت فمن وقت لمهدينا وقتاً، فقد شارك الله في علمه، وادعى أنه يظهره على أمره وما الله سر إلا وقد وقع إلى هذا الخلق المنكوس الضال عن الله الراغب، عن أولياء الله وما الله خزانة هي أحصن سراً عندهم أكبر من جهلهم ،به وإنما ألقى قوله إليهم لتكون الله الحجة عليهم.
قال المفضل : يا سيدي فكيف بدء ظهور المهدي إليه التسليم ؟
قال : يا مفضل يظهر في سنة يكشف لستر أمره، ويعلو ذكره، وينادي باسمه، وكنيته، ونسبه، ويكثر ذلك في أفواه المحققين والمبطلين والموافقين والمخالفين لتلزمهم الحجة لمعرفتهم به على أننا ،نصصنا، ودللنا عليه، ونسبناه، وسميناه، وكنيناه سمي جده رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وكنيته لئلا يقول الناس ما عرفنا اسمه، ولا كناه ولا نسبه والله ليحقن الإفصاح به وباسمه، وكنيته على ألسنتهم ؛ حتى يكون كتسمية بعضهم لبعض، كل ذلك للزوم الحجة عليهم، ثم يظهر الله(صلی الله علیه وآله وسلم)كما وعد جده رسول الله في قوله عز من قائل: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾(4).
ص: 468
قال المفضل : قلت : وما تأويل قوله : ﴿ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِهِ﴾(1).
قال : هو قول الله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ﴾(2)[فو الله يا مفضل لتفقدن الملل والأديان والآراء والاختلاف ويكون الدين كله واحداً](3)كما قال الله برجك : ﴿هو إنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلَامُ﴾(4).
[ وقوله]: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الخَسِرِينَ﴾(5).
قال المفضل : فقلت يا سيدي فالدين الذي أتى به آدم ونوح وإبراهيم وموسى، وعيسى ومحمد هو الإسلام؟
قال نعم يا مفضل هو الإسلام لا غير.
فقلت : فنجده في كتاب الله .
قال : نعم من أوله إلى آخره، وهذه الآية منه :﴿ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَم ﴾(6)
وقوله(عزّوجل):﴿ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّنكُمُ المُسْلِمِينَ مِن قبل﴾ (7).
ص: 469
وفي قصة إبراهيم وإسماعيل : ﴿وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةٌ مُسْلِمَةٌ لكَ ﴾(1).
وقوله في قصة فرعون : ﴿حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾(2).
وفي قصة سليمان وبلقيس حيث يقول:﴿ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾(3)
وقول بلقيس ](4) : ﴿وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾(5)
وقول عيسى للحواريين :﴿ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ (6).
وقوله تعالى: ﴿ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾(7).
وقوله في قصة لوط:﴿ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ (8). ولوط قبل إبراهيم .
ص: 470
وقوله: ﴿قُولُوا ءَامَنَا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا ﴾، إلى قوله: ﴿ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾(1).
وقوله :﴿ أمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ ﴾، إلى قوله : ﴿إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾(2).
قال المفضل : يا مولاي كم الملل؟
قال : يا مفضل الملل أربعة وهي الشرائع .
قال المفضل : يا سيدي المجوس لم سموا مجوسا؟
قال : لأنهم تمجسوا في السريانية، وادعوا على آدم وابنه شيث هبة الله أنه أطلق لهم نكاح الأمهات والأخوات والعمات والخالات والبنات والمحرمات من النساء، وأنه أمرهم أن يصلوا للشمس حيث وقفت من السماء، ولم يجعل لصلاتهم وقتاً، وإنما هو افتراء على الله وكذب على آدم وشيث.
قال المفضل : يا سيدي فلم سموا قوم موسى اليهود؟
قال : لقول الله عنهم :﴿ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ﴾ (3)أي :اهديتنا إليك
ص: 471
قال المفضل : يا سيدي فلِمَ سمي النصارى نصارى.
قال : لقول عيسى لهم : يا بني إسرائيل﴿ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ﴾(1).فتسموا نصارى لنصرة دين الله .
قال المفضل : يا سيدي فلِمَ سموا الصابئون صابئين؟
قال : يا مفضل لأنهم صبوا إلى تعطيل الأنبياء والرسل والملل والشرائع وقالوا : كل ما جاؤوا به هؤلاء باطل، وجحدوا توحيد الله، ونبوة الأنبياء والرسل، ووصية الأوصياء، فهم بلا شريعة ولا كتاب ولا رسول، وهم معطلة العالم.
قال المفضل : يا سيدي ففي أي بقعة يظهر المهدي؟
قال الصادق(عليه السلام): لا تراه عين في وقت ظهوره إلا رأته كل عين، فمن قال لكم غير هذا فكذبوه.
قال المفضل : يا سيدي وفي أي وقت ولادته؟
قال بلى والله لا يرى من ساعة ولادته إلى ساعة وفاته أبيه سنتين وسبعة
ص: 472
أشهر أولها وقت الفجر من ليلة يوم الجمعة لثمان ليال خلت من شهر شعبان(1)، لثمان ليال خلت من شهر ربيع الأول من سنة ستين ومئتين(2).
ثم يرى بالمدينة التي تُبنى بشاطئ دجلة بناها المتكبر الجبار المسمى باسم [أبي](3)جعفر العيار(4)المتلقب المتوكل، وهو المتآكل لعنه الله، وهي مدينة تدعى سر من رأى وهي ساء من رأى يرى شخصه المؤمن المحق، ولا يرى شخصه المشك ،المرتاب، وينفذ فيها أمره ونهيه ويغيب عنها ويظهر بالقصر بصاريا بجانب مدينة جده رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، فيلقاه هناك المؤمن بالقصر وبعده لا تراه كل عين(5) .
قال المفضل : يا سيدي فمن يخاطبه ولمن يخاطب؟
قال الصادق(عليه السلام): تخاطبه حتى تراه كل عين الملائكة والمؤمنون من الجن ويخرج أمره ونهيه إلى نقبائه ووكلائه ويقعد على بابه](6)محمد بن نصير [ البصري في يوم غيبته بصاريا، ثم يظهر بمكة والله يا مفضل كأني أنظر إليه وهو داخل مكة وعليه بردة جده رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وعلى رأسه عمامة صفراء، وفي رجليه نعلا رسول الله المخصوفة وفي يده ،هراوته يسوق بين يديه أعنزناً عجافاً حتى يقبل بها نحو البيت وليس [ من أحد يعرفه] ويظهر وهو شاب غرنوف.
فقال له المفضل : يا سيدي يعود شاباً ويظهر في شيعته(7)؟ قال : سبحان الله [يا مفضل] وهل يعزب عليك يظهر كيف شاء وبأي صورة
[ يشاء، إذا] جاءه الأمر من الله جل ذكره.
ص: 473
قال المفضل : يا سيدي فيمن يظهر؟ وكيف يظهر؟
قال : يا مفضل يظهر وحده، ويأتي البيت وحده [ويلجأ إلى الكعبة وحده، ويجن عليه الليل وحده ](1)، فإذا نامت العيون وغسق الليل نزل [إليه] جبرائيل وميكائيل والملائكة صفوفاً فيقول له جبريل : يا سيدي قولك مقبول وأمرك جار، ويمسح يده على وجهه ويقول: ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾(2).
ثم يقف بين الركن والمقام ويصرخ صرخة ويقول : معاشر نقبائي، وأهل خاصتي، ومن ذخرهم الله لظهوري على وجه الأرض؛ ائتوني طائعين، فترد صيحته عليهم وهم في محاريبهم وعلى فرشهم وهم في شرق الأرض وغربها، فيسمعوا صيحة واحدة في أذن رجل واحد فيجيئون نحوها، ولا يمضي لهم إلا كلمح البصر حتى يكونون بين يديه بين الركن والمقام.
فيأمر الله(عزّوجل) النور أن يصير عموداً من الأرض إلى السماء؛ فيستضيء به كل مؤمن على وجه الأرض، ويدخل عليه نوره في جوف بيته فتفرح نفوس المؤمنين بذلك النور وهم لا يعلمون بظهور قائمنا القائم(عليه السلام)، ثم تصبح نقباؤه بين يديه وهم ثلاثمئة وثلاثة عشر نفراً(3)بعدد أصحاب رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)بيوم بدر.
قال المفضل : قلت يا سيدي والاثنان وسبعون رجلاً أصحاب أبي عبد الله الحسين بن علي(عليه السلام) يظهرون معهم ؟
ص: 474
قال : يظهر معهم الحسين بن علي باثني عشر ألف صديق من شيعته وعليه عمامة سوداء .
فقال المفضل : يا سيدي فنقباء القائم إليه التسليم بايعوه قبل قيامه .
قال : يا مفضل كل بيعة قبل ظهور القائم فهي كفر ونفاق وخديعة، لعن الله المبايع لها، بل يا مفضل يسند القائم ظهره إلى كعبة البيت الحرام ويمد يده المباركة فترى بيضاء من غير سوء؛ فيقول : هذه يد الله وعن الله وبأمر الله، ثم يتلو هذه الآية: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُتُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾(1).
وأول من يقبل يده جبريل ، ثم يبايعه وتبايعه الملائكة ونقباء الحق(2)ثم النجباء، ويصبح الناس بمكة فيقولون: من هذا [الرجل] الذي بجانب الكعبة؟ ما هذا الخلق الذي معه؟ وما هذه الآية التي رأيناها بهذه الليلة ولم نر مثلها؟ فيقول بعضهم لبعض(3): انظروا هل تعرفون أحداً ممن معه ؟
فيقولون: لا نعرف منهم إلا أربعة من أهل مكة وأربعة من أهل المدينة؛ وهم : : فلان وفلان يعدونهم بأسمائهم، ويكون ذلك اليوم أول طلوع الشمس بيضاء نقية، فإذا طلعت [الشمس] وابيضت صاح صائح بالخلائق من عين الشمس، بلسان عربي مبين يسمعه من في السماوات والأرضين يا معشر الخلائق هذا مهدي آل محمَّد (صلی الله علیه وآله وسلم) ويسميه باسم جده رسول الله ويكنيه بكنيته وينسبه إلى أبيه الحسن الحادي عشر (4)فاتبعوه تهتدوا ولا تخالفوه فتضلوا .
فأول من يلبي نداءه الملائكة ثم الجن ثم النقباء ويقولون : سمعنا وأطعنا. ولم يبق ذو أذن [من الخلائق] إلا سمع ذلك النداء، وتقبل الخلائق من البدو والحضر والبر والبحر يحدث بعضهم بعضاً، ويفهم بعضهم بعضاً مما سمعوه [بآذانهم] في نهارهم بذلك اليوم فإذا زالت الشمس للغروب صرخ صارخ من مغاربها يا معشر
ص: 475
الخلائق قد ظهر ربكم من الوادي اليابس من أرض فلسطين؛ وهو عثمان بن عنبسة الأموي، من ولد يزيد بن معاوية لعنهم الله .
فاتبعوه تهتدوا ولا تخالفوه فتضلوا فترد عليه [الملائكة] والجن والنقباء قوله ويكذبونه ويقولون :﴿ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا﴾(1)ولا يبقى ذو شك ولا مرتاب ولا منافق ولا كافر الأصل في النداء الثاني.
ويسند القائم(عليه السلام)ظهره إلى الكعبة ويقول : [يا معشر] الخلائق ألا من أراد أن ينظر(2)إلى إبراهيم وإسماعيل فها أنا إبراهيم [وإسماعيل]، ومن أراد أن ينظر إلى موسى ويوشع فها أنا موسى [ويوشع]، ومن أراد أن ينظر إلى عيسى وشمعون، فها أنا عيسى[وشمعون]، ومن أراد أن ينظر إلى محمد [رسول الله ] وأمير المؤمنين، فها أنا محمد [وأمير المؤمنين].
ومن أراد أن ينظر إلى [الحسن والحسين فها أنا الحسن والحسين ألا من أراد أن ينظر إلى] الأئمة من ولد الحسين [واحداً بعد واحد] فها أنا هم فلينظر إلي ويسألني فإني أنبى بما نبؤوا به وما لم ينبئوا [به] ألا من كان يقرأ الصحف والكتب فليسمع إلي .
ثم يبتدئ بالصحف التي أنزلها الله على آدم وشيث فيقرأها، فتقول: أمة آدم هذه والله الصحف حقاً ولقد قرأ ما لم نكن نعلمه منها وما خفي عنا، وما كان أسقط وبدل وحرّف.
ويقرأ صحف نوح، وصحف إبراهيم والتوراة والإنجيل، والزبور، فتقول أمتهم: هذه والله كما نزلت التوراة الجامعة، والزبور التام، والإنجيل الكامل وإنها أضعاف ما قرأناه.
ثم يتلو القرآن فيقول المسلمون هذا والله القرآن حقاً الذي أنزله الله على محمد(صلى الله عليه وآله وسلم )فما أسقط ولا بدل ولا حرف ولعن الله من أسقطه وبدله وحرفه .
ص: 476
ثم تظهر الدابة بين الركن والمقام، فتكتب في وجه المؤمن مؤمن وفي وجه الكافر كافر، ثم يقبل على القائم رجل وجهه إلى قفاه وقفاه إلى صدره، ويقف بين يديه، فيقول: أنا وأخي بشير أمرني ملك من الملائكة أن ألحق بك، وأبشرك بهلاك السفياني بالبيداء.
فيقول له القائم(عليه السلام): ما قصتك وقصة أخيك نذير؟
فيقول الرجل : كنت وأخي نذيراً في جيش السفياني فخربنا الدنيا من دمشق إلى الزوراء، وتركناهم حمماً، وخربنا الكوفة، وخربنا المدينة، وروثت أبغالنا في مسجد رسول الله وخرجنا منها نريد مكة وعددنا ثلاثمئة ألف رجل نريد مكة والمدينة، وخراب البيت العتيق وقتل أهله فلما صرنا بالبيداء عرسنا بها، فصاح صائح يا بيداء بيدي بالقوم الكافرين، فانفجرت الأرض وابتلعت ذلك الجيش فوالله ما بقي على الأرض عقال ناقة ولا سواه غيري وأخي نذير .
فإذا بملك قد ضرب وجوهنا إلى وراء كما ترانا .
وقال لأخي : ويلك يا نذير النذر الملعون بدمشق بظهور مهدي آل محمد، وإن الله قد أهلك جيشه بالبيداء، وقال لي: يا بشير الحق بالمهدي بمكة فبشره بهلاك السفياني، وتب على يده؛ فإنه يقبل توبتك، فيمر القائم يده على وجهه فيرده سوياً كما كان ويبايعه ويسير معه .
قال المفضل : يا سيدي وتظهر الملائكة والجن للناس.
قال : أي والله يا مفضل ويخالطونهم كما يكون الرجل مع جماعته وأهله.
:قلت يا سيدي ويسيرون معه .
ص: 477
قال : أي والله ولينزلن أرض الهجرة ما بين الكوفة والنجف، وعدد أصحابه ستة وأربعون ألفاً من الملائكة وستة الآف من الجن بهم ينصره ،الجن، بهم ينصره الله ويفتح على يده .
قال المفضل : يا سيدي فما يصنع بأهل مكة .
قال : يدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة، فيطيعونه ويستخلف فيهم من أهل بيته، ويخرج يريد المدينة.
قال المفضل : يا سيدي فما يصنع بالبيت.
قال : ينقضه ولا يدع منه إلا القواعد التي هي أول بيت وضع للناس ببكة في عهد آدم والذي رفعه إبراهيم وإسماعيل وإن الذي بني بعدهم لا بناه نبي ولا وصي، ثم يبنيه كما يشاء ويغير آثار الظلمة بمكة والمدينة، والعراق، وسائر الأقاليم، وليهدمن مسجد الكوفة، ويبنيه على بنائه الأول، وليهدمن القصر العتيق ملعون ملعون من بناه.
قال المفضل : يا سيدي يقيم بمكة؟
قال : لا، بل يستخلف فيها رجلاً من أهله فإذا سار منها وثبوا عليه وقتلوه فيرجع إليهم فيأتوا مهطعين مقنعي رؤوسهم يبكون ويتضرعون، ويقولون: يا مهدي آل محمد التوبة فيعظهم وينذرهم ويحذرهم، ثم يستخلف فيهم خليفة ويسير عنهم، فيثبون عليه بعده ويقتلونه، فيرجع إليهم.
فيخرجون إليه مجززين النواصي ويضجون ويبكون ويقولون : يا مهدي آل محمد غلبت علينا شقوتنا فاقبل منا توبتنا يا أهل بيت الرحمة ؛ فيعظهم ويحذرهم ويستخلف فيهم خليفة، ويسير فيثبون عليه بعده ويقتلونه فيرد إليهم أنصاره من الجن والنقباء.
فيقول : ارجعوا إليهم لا تبقوا منهم أحداً إلا من وسم وجهه بالإيمان، فلولا رحمة الله وسعت كل شيء، وأنا تلك الرحمة لرجعت إليهم معكم، فقد قطعوا الأعذار والإنذار بين الله وبيني وبينهم فيرجعون إليهم، فوالله لا يسلم من المئةمنهم واحد، والله ولا من الألف واحد.
ص: 478
قال المفضل : قلت يا سيدي فأين يكون دار المهدي، ومجمع المؤمنين.
قال : يكون ملكه بالكوفة ومجلس حكمه جامعها وبيت ماله مقسم غنائم المسلمين مسجد السهلة وموضع خلوته الذكوات البيض من الغريين.
قال المفضل : ويكون المؤمنون بالكوفة.
قال : أي والله يا مفضل لا يبقى مؤمن إلا كان فيها، وجرى إليها، وليبلغن مربط مجال فرس ألف درهم والله ومربط شاة ألف درهم، والله وليودن كثيراً من الناس أنهم يشترون شبراً من أرض السبيع بواحد ذهب، والسبيع خطة من خطط همدان، ولتصيرن الكوفة أربعة وخمسين ميلاً، ولتخافن قصورها كربلا، ولتصيرن كربلا معقلاً ومقاماً تعكف فيه الملائكة، والمؤمنون، وليكونن شأن عظيم، ويكون فيها البركات ما لو وقف فيها مؤمن ودعا ربه بدعوة واحدة، لأعطاه مثل ملك الدنيا ألف مرة .
ثم تنفس أبو عبد الله وقال : يا مفضل إن بقاع الأرض تفاخرت ففخرت كعبة البيت الحرام على البقعة بكربلاء، فأوحى الله اسكتي يا كعبة البيت الحرام؛ فلا تفخري عليها فإنها البقعة المباركة التي نودي موسى منها من الشجرة، وإنها الربوة التي أوت إليها مريم والمسيح، وإنها الدالية التي غسل فيها رأس الحسين، وفيها غسلت مريم لعيسى واغتسلت من ولادتها، وإنها آخر بقعة يخرج الرسول منها في وقت غيبته وليكونن لشيعتنا فيها حياة لظهور قائمنا .
قال المفضل : يا سيدي إلى أين يسير المهدي؟
قال : إلى مدينة جده رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم )فإذا وردها كان له فيها مقام عجيب يظهر سرور المؤمنين وحزن الكافرين.
ص: 479
قال المفضل : يا سيدي ما هو ذلك.
قال: يرد قبر جده رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم )ويقول: يا معشر الخلائق هذا قبر جدي رسول الله ؟
فيقولون : نعم يا مهدي آل محمّد .
فيقول : من معه في القبر .
فيقولون : ضجيعاه وصاحباه أبو بكر وعمر .
فيقول وهو أعلم بهم من الخلق جميعاً ومن أبو بكر وعمر: وكيف دفنا مندون كل الخلق مع جدي رسول الله فعسى المدفون غيرهما .
فيقولون: يا مهدي آل محمد ما ها هنا غيرهما، وإنما دفنا لأنهما خليفتاه وأبوا زوجتيه.
فيقول للخلق بعد ثلاثة أيام أخرجوهما فيخرجان غضين طريين لم تتغير خلقتهما ولم تشحب ألوانهما، فيقول : هل فيكم رجل يعرفهما .
فيقولون: نعرفهما بالصفة ونشبههم، لأن ليس هنا غيرهم.
فيقول : هل فيكم أحد يقول غير هذا ويشك فيهما .
فيقولون: لا، فيؤخر إخراجهما ثلاثة أيام، ثم ينشر الخبر في الناس فيفتتن من والاهما بذلك الحديث، ويجتمع الناس ويحضر المهدي ويكشف الجدار، عن القبرين ويقول للنقباء : ابحثوا عنهما وانبشوهما .
فيبحثون بأيديهم إلى أن يصلوا إليهما فيخرجاهما .
قال : كهيئتهما في الدنيا فتكشف عنهما أكفانهما، ويأمر برفعهما على دوحة يابسة ،ناخرة ويصلبان عليها فتحيى الشجرة وتنبع وتورق ويطول فرعها، فيقول المرتابون من أهل شيعتهما : هذا والله الشرف العظيم الباذخ حقاً، ولقد فزنا بمحبتهما ويخسر من أخفى في نفسه مقياس حبة من محبتهما، فيضرونهما ويرونهما ويفتتنون بهما، وينادي منادي المهدي كل من أحب صاحبي رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم )وضجيعيه فلينفرد.
ص: 480
فيجتاز الخلق حزبين موال لهما ومتبرئ منهما، فيعرض المهدي عليهم البراءة منهما فيقولون : يا مهدي آل محمد: نحن لا نتبرأ منهما، ولم نعلم أن لهما عند الله وعندك هذه المنزلة، وهذا الذي قد بدا لنا من فضلهما نتبرأ الساعة منهما، وقد رأينا منهما ما رأينا في هذا الوقت من طراوتها وغضاضتهما، وحياة هذه الشجرة بهما بلى والله نتبرأ منك لنبشك لهما وصلبك إياهما .
فيأمر ريحاً سوداء؛ فتهب عليهم فتجعلهم كأعجاز نخل خاوية، ثم يأمر بإنزالهما فينزلان إليه فيحييان ويأمر الخلائق بالاجتماع، ثم يقص عليهم قصص أفعالهما في كل كور ودور حتى يقص عليهم قتل هابيل بن آدم وجمع النار لإبراهيم، وطرح يوسف في الجب، وحبس يونس ببطن الحوت، وقتل يحيى، وصلب عيسى، وحرق جرجيس ودانيال وضرب سلمان الفارسي، وإشعال النار على باب أمير المؤمنين وسم الحسن، وضرب الصديقة فاطمة بسوط قنفذ، ورفسه في بطنها، وإسقاطها محسناً، وقتل الحسين، وذبح أطفاله، وبني عمه، وأنصاره، وسبي ذراري رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم )، وإهراق دماء آل الرسول، ودم كل مؤمن ومؤمنة.
و نكاح كل فرج حرام، وأكل كل سحت وفاحشة، وإثم وظلم وجور؛ من عهد آدم إلى وقت قائمنا كله يعده عليهم ويلزمهم إياه فيعترفان به، ثم يأمر بهما، فيقتص منهما في ذلك الوقت بمظالم من حضر، ثم يصلبهما على الشجرة، ويأمر ناراً تخرج من الأرض تحرقهما، ثم يأمر ريحاً تنسفهما في اليم نسفاً.
قال المفضل : يا سيدي ؛ وذلك هو آخر عذابهم؟
قال : هيهات يا مفضل والله ليردان ويحضر السيد محمد الأكبر رسول الله ، والصديق الأعظم أمير المؤمنين ،وفاطمة والحسن والحسين، والأئمة إمام بعد إمام، وكل من محض الإيمان محضاً، ومحض الكفر محضاً، وليقتصن منهما بجميع المظالم، حتى إنهما ليقتلان كل يوم ألف قتلة ويردان إلى ما شاء الله من عذابهما(1).
ص: 481
ثم يسير المهدي إلى الكوفة وينزل ما بينها وبين النجف، وعدد أصحابه في ذلك اليوم ستة وأربعون ألفاً من الملائكة، وستة آلاف من الجن والنقباء ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً.
قال المفضل : يا سيدي كيف تكون دار الفاسقين الزوراء في ذلك اليوم والوقت .
قال : في لعنة الله وسخطه وبطشه تحرقهم الفتن، وتتركهم حمماً ، الويل لها، ولمن بها، كل الويل من الرايات الصفر ومن رايات الغرب، ومن كلب الجزيرة ومن الراية التي تسير إليها من كل قريب ،وبعيد والله لينزلن فيها من صنوف العذاب ما لا رأت ولا أذن سمعت بمثله ولا يكون طوفان أهلها إلا السيف.
عين الويل عند ذك كل الويل لمن اتخذها مسكناً، فإن المقيم بها لشقائه، والخارج منها يرحمه الله والله يا مفضل ليتنافس أمرها في الدنيا - يعني الكوفة - حتى يقال : أنها هي الدنيا، وأن دورها وقصورها هي الجنة، وأن نساءها هي الحور العين، وأن ولدانها الولدان، وليظن الناس أن الله لم يقسم رزقاً للعباد إلا بها، ولتظهر بغداد الزور والافتراء على الله ورسوله والحكم بغير كتاب، وشهادة الزور، وشرب الخمر، وركوب الفسق والفجور وأكل السحت وسفك الدماء.
ما لم يكن في الدنيا إلا دونه ، ثم يخربها الله بتلك الفتن والرايات حتى ليمر عليها المار فيقول : ها هنا كانت الزوراء .
قال المفضل : ثم ماذا يا سيدي.
قال : ثم يخرج الحسني الفتى الصبيح من نحو الديلم، يصيح بصوت فصيح
ص: 482
يا آل أحمد أجيبوا الملهوف والمنادي من حول الضريح، فتجيبه كنوز الله بالطاقات كنوزاً، وهي كنوز ليست من فضة ولا من ذهب؛ بل هي رجال كزبر الحديد، كأني أنظر إليهم على البراذين الشهب في أيديهم الحراب يتعاوون شوقاً للحرب، كما تتعاوى الذئاب.
أميرهم رجل من تميم يقال له شعيب بن صالح فيقبل الحسني إليهم وجهه كدارة البدر يريع الناس جمالاً أنيقاً، فيعفي على أثر الظلمة فيأخذ بسيفه الكبير، والصغير، والعظيم والرضيع ثم يسير بتلك الرايات كلها حتى يرد الكوفة، وقد صفا أكثر الأرض، فيجعلها معقلاً، ويتصل به وبأصحابه خبر المهدي(عليه السلام)، فيقولون : يا بن رسول الله من هذا الذي نزل بساحتنا ؟
فيقول : اخرجوا بنا إليه حتى ننظره من هو وما يريد والله يعلم أنه المهدي وأنه يعرفه، وأنه لم يرد بذلك الأمر إلا له فيخرج الحسني في أمر عظيم بين يديه أربعة آلاف رجل وفي أعناقهم المصاحف، وعلى ظهورهم المسوح الشعر ؛ يقال لهم الزيدية، فيقبل الحسني حتى ينزل بالقرب من المهدي، ثم يقول الرجل لأصحابه : اسألوا عن هذا الرجل ؛ من هو، وما يريد.
فيخرج بعض أصحاب الحسني إلى عسكر المهدي، ويقول: يا أيها العسكر الجميل من أنتم حياكم الله ، ومن صاحبكم هذا، وما تريدون.
فيقول له أصحاب المهدي هذا ولي الله مهدي آل محمد، ونحن أنصاره من الملائكة، والإنس والجن .
فيقول أصحاب الحسني : يا سيدنا ما تسمع ما يقول هؤلاء في صاحبهم.
فيقول الحسني: خلوا بيني وبين القوم فأنا قد أتيت على هذا حتى أنظر وينظروا، فيخرج الحسني من عسكره، ويخرج المهدي(عليه السلام)، ويقفان بين العسكرين ؛ فيقول له الحسني : إن كنت مهدي آل محمَّد ؛ فأين هراوة جدك رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، وخاتمه، وبردته، ودرعيه الفاضل وعمامته السحاب، وفرسه البرقوع، وناقته العضباء، وبغلته الدلدل وحماره اليعفور ونجيبه البراق وتاجه السني والمصحف الذي جمعه المؤمنين(عليه السلام) بغير تبديل ولا تغيير.
قال المفضل : يا سيدي فهذا كله في السفط؟
ص: 483
قال : يا مفضل وتركات جميع النبيين حتى عصاة آدم وآلة نوح، وتركة هود، وصالح ومجمع إبراهيم وصاع يوسف وميكائيل وشعيب وميراثه وعصا موسى، وتابوته الذي فيه بقية مما ترك آل ،موسى وآل ،هارون، تحمله الملائكة ودرع داود وعصاته وخاتم سليمان وتاجه وإنجيل عيسى وميراث النبيين والمرسلين في ذلك السفط .
فيقول الحسني : هذا بعض ما قد رأيت وأنا أسالك أن تغرس هراوة جدك رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) في هذا الحجر الصفا، وتسأل الله أن ينبتها فيها. وهو لايريد بذلك إلا أن يرى أصحابه فضل المهدي إليه التسليم حتى يطيعوه ويبايعوه، فيأخذ المهدي الهراوة بيده ويغرسها في الحجر فتنبت فيه، وتعلو وتفرغ وتورق، حتى تظل عسكر المهدي والحسني.
فيقول الحسني : الله أكبر مد يدك يا بن رسول الله حتى أبايعك، فيمد يده فيبايعه، ويبايعه سائر عسكر الحسني، إلا الأربعة آلاف أصحاب المصاحف والمسوح الشعر ؛ المعروفين بالزيدية، فيقولون: ما هذا إلا سحر عظيم، فتختلط العسكران ويقبل المهدي على الطائفة المنحرفة فيعظهم ويدعيهم ثلاثة أيام فلم يزدادوا إلا طغياناً، وكفراً، فيأمر بقتلهم كأني انظر إليهم وقد ذبحوا على مصاحفهم وتمرغوا بدمائهم، فيقبل بعض أصحاب المهدي لأخذ تلك المصاحف، فيقول لهم المهدي : دعوها تكون عليهم حسرةً، كما بدلوها وغيروها ولم يعملوا بما فيها .
قال المفضل : ثم ماذا يا سيدي؟
قال : ثم تثور رجاله إلى سرايا السفياني بدمشق، فيأخذوه، ويذبحونه على الصخرة، ثم يظهر الحسين(عليه السلام)في اثني عشر ألف صديق، واثنين وسبعين من رجاله بكربلاء فيا لك عندها من كرة زهراء ورجعة بيضاء، ثم يخرج الصديق الأكبر أمير المؤمنين إليه التسليم وتنصب له القبة على النجف، وتقام أركانها، رکن بهجر، وركن بصنعاء اليمن وركن بطيبة وهي مدينة النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)؛ فكأني أنظر إليها ومصابيحها تشرق بالسماء والأرض، أضوى من الشمس والقمر فعندها ﴿ يومَ
ص: 484
بلَ السَرَائِرُ﴾(1)﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ﴾(2)إلى آخر الآية .
ثم يظهر الصديق الأكبر الأجل السيد محمد في أنصاره إليه، ومن آمن به وصدق، واستشهد معه ويحضر مكذبوه والشاكون فيه أنه ساحر، وكاهن ومجنون، ومعلم وشاعر وناعق ومن حاربه وقاتله حتى يقتص منهم بالحق، ويجاوزوا بأفعالهم من وقت رسول الله إلى ظهور المهدي، مع إمام إمام ووقت وقت، ويحق تأويل هذه الآية: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5)وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)﴾(3).
[قال المفضل : قلت يا سيدي من هامان وفرعون؟](4).
قال : ضلال ووبال لعنهما الله فينشبا ويحيا (5).
قال المفضل : قلت يا سيدي فرسول الله أين يكون؟ وأمير المؤمنين؟ قال : إنَّ رسول الله وأمير المؤمنين، لا بد أن يطنا الأرض والله حتى يورثاها، أي والله ما في الظلمات ولا في قعر البحار، حتى لا يبقى موضع قدم إلا ،وطناه وأقاما فيه الدين الواصب.
والله فكأني أنظر إلينا يا مفضل معاشر الأئمة ونحن بين يدي جدنا رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) نشكو إليه ما نزل بنا من الأمة بعده وما نالنا من التكذيب، والردّ علينا،
ص: 485
وسبّنا ولعننا، وتخويفنا بالقتل وقصد طواغيتهم الولاة لأمورهم إيانا من دون الأمة، وترحيلنا عن حرمه إلى ديار ملكهم، وقتلهم إيانا بالحبس وبالسّم، وبالكيد العظيم؛ فيبكي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)ويقول : يا بني ما نزل بكم إلا ما نزل بجدكم قبلكم ولو علمت طواغيتهم وولاتهم أن الحق والهدى، والإيمان، والوصية، والإمامة، في غيركم لطلبوه .
ثم تبتدئ فاطمة بشكوى ما نالها من أبي بكر وعمر من أخذ فدك منها(1)، ومشيها إليهم في مجمع الأنصار والمهاجرين وخطابها إلى أبي بكر في أمر فدك ،
ص: 486
.......
ص: 487
وما رد عليها من قوله : إن الأنبياء لا وارث لهم(1)، واحتجاجها عليه بقول
ص: 488
الله (عزّوجل) بقصة زكريا ويحيى: ﴿فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا(5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ ءَالِ
ص: 489
يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا(6) ﴾(1)
وقوله بقصة داود وسليمان: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ﴾(2)
وقول عمر لها هاتي صحيفتك التي ذكرت إن أباك كتبها لك على فدك، وإخراجها الصحيفة وأخذ عمر إياها منها، ونشره لها على رؤوس الأشهاد من قريش والمهاجرين والأنصار، وسائر العرب وتفله فيها، وعركه لها، وتمزيقه إياها، وبكاءها، ورجوعها إلى قبر أبيها باكية تمشي على رمضاء وقد أقلقتها، واستغاثتها بأبيها وتمثلها بقول رقية بنت صفية :
قد كان بعدك أنباء وهنبثة ***لو كنت شاهدها لم تكثر الخطبُ .
إنا فقدناك فقد الأرض وابلها*** واختل أهلك واختلت بها الريب
أبدى رجال لنا ما في صدورهم*** لما نأيت وحالت دونك الحجبُ
لكل قوم لهم قوبى ومنزلة*** عند الإله، عن الأدنين مقترب
يا ليت بعدك كان الموت حل بنا*** أملوا أناس ففازوا بالذي طلبوا
وتقص عليه قصة أبي بكر، وإنفاذ خالد بن الوليد، وقنفذ وعمر جميعاً لإخراج المؤمنين(عليه السلام)من بيته إلى البيعة في سقيفة بني ساعدة(3)، واشتغال أمير المؤمنين، وضم أزواج رسول الله وتعزيتهن وجمع القرآن وتأليفه وقضاء دينه]، وإنجاز عداته، وهي ثمانون ألف درهم باع فيها ،تالده وطارفه وقضاها عن [رسول الله ] .
ص: 490
وقول عمر له : اخرج يا علي إلى ما أجمع عليه المسلمون من البيعة لأمر أبي بكر، فما لك أن تخرج عما اجتمعنا عليه فإن لم تفعل قتلناك وقول فضة جارية فاطمة إن أمير المؤمنين عنكم مشغول، والحق له لو أنصفتموه، واتقيتم الله ورسوله وسب عمر لها .
وجمع الحطب الجزل(1)على النار لإحراق أمير المؤمنين وفاطمة والحسن، والحسين، وزينب ورقية وأم كلثوم وفضة وإضرامهم النار على الباب وخروج فاطمة(عليها السلام)[إليهم] ، وخطابها لهم من وراء الباب وقولها ويحك يا عمر ما هذه الجرأة على الله ورسوله تريد أن تقطع نسله من الدنيا وتفنيه وتطفئ نور الله﴿ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِه﴾(2)وانتهاره لها وقوله :
كفي يا فاطمة فلو أن محمداً حاضر والملائكة تأتيه بالأمر والنهي والوحي من الله وما علي إلا كأحد المسلمين فاختاري إن شئت خروجه إلى بيعة أبي بكر وإلا أحرقكم بالنار جميعاً وقولها له : يا شقي عدي هذا رسول الله لم يبل له جبين في قبره ولامس الثرى أكفانه .
ثم قالت وهي باكية: اللهم إليك نشكو فقد نبيك ورسولك، وصفيك، وارتداد أمته ومنعهم إيانا حقنا الذي جعلته لنا في كتابك المنزل على نبيك بلسانه، وانتهار عمر لها، وخالد بن الوليد، وقولهم دعي عنك يا فاطمة حماقة النساء، فكم يجمع الله لكم النبوة والرسالة.
وأخذ النار في خشب الباب وأدخل قنفذ لعنه الله يده يروم فتح الباب، وضرب عمر لها بسوط أبي بكر على عضدها حتى صار كالدملج(3)الأسود
ص: 491
المحترق، وأنينها من ذلك ،وبكاها وركل عمر الباب برجله حتى أصاب بطنها ؛ وهي حاملة بمحسن لستة أشهر وإسقاطها، وصرختها عند رجوع الباب وهجوم عمر ،وقنفذ وخالد وصفقة عمر على خدها حتى أبرى قرطها تحت خمارها، فانتثر وهي تجهر بالبكاء، تقول: يا أبتاه، يا رسول الله ابنتك فاطمة تضرب، ويقتل جنين في بطنها وتصفق يا أبتاه ويسقف خد لما لها كنت تصونه من ضيم الهوان يصل إليه من فوق الخمار .
وضربها بيدها على الخمار لتكشفه، ورفعها ناصيتها إلى السماء تدعو إلى الله، وخروج أمير المؤمنين من داخل البيت محمر العينين داير الحدقتين، حاسراً حتى ألقى ملاءته عليها، وضمها لصدره وقال : يا بنة رسول الله قد علمتي أن الله بعث أباكِ رحمة للعالمين فالله الله أن تكشفي أو ترفعي ناصيتك، فوالله يا فاطمة لئن فعلتي ذلك لا يبقي الله على الأرض من يشهد أن محمداً رسول الله، ولا موسى، ولا عيسى ولا إبراهيم ولا نوح ولا آدم ولا دابة تمشي على وجه الأرض، ولا طائر يطير في السماء إلا هلك.
ثم قال : يا بن الخطاب لك الويل كل الويل بالكيل من يومك هذا، وما بعده، وما يليه اخرج قبل أن أخرج سيفي ذا الفقار فأفني غابر الأمة.
فخرج عمر وخالد بن الوليد ،وقنفذ وعبد الرحمن بن أبي بكر، وصاروا من خارج الدار فصاح أمير المؤمنين بفضة إليكِ ،مولاتك، فاقبلي منها ما يقبل النساء؛ وقد جاءها المخاض من الرفسة ورده الباب، فسقطت محسناً عليه قتيلاً، وعرفت أمير المؤمنين إليه التسليم.
فقال لها : يا فضة لقد عرفه رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وعرفني وعرف فاطمة وعرف الحسن وعرف الحسين اليوم بهذا الفعل ونحن في نور الأظلة أنوار، عن يمين العرش فآويه بقعر البيت فإنه لاحق بجده رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وتشكو حمل أمير المؤمنين لها في سواد الليل والحسن والحسين وزينب وأم كلثوم إلى دور المهاجرين والأنصار يذكره بالله ورسوله وعهده الذي بايعوا الله ورسوله عليه في أربع مواطن في حياة رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) وتسليمهم عليه بإمرة المؤمنين جميعهم فكل يعده النصرة ليومه المقبل فلما أصبح قعد جمعهم عنه .
ص: 492
ثم يشكو إليه أمير المؤمنين المحن السبعة التي امتحن بها بعده ونقض المهاجرين والأنصار قولهم لما تنازعت قريش في الإمامة والخلافة قد منع لصاحب هذا الأمر حقه فإذا منع فنحن أولى به من قريش الذين قتلوا رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وكبسوه في فراشه حتى خرج منهم هارباً إلى الغار [ثم] إلى المدينة فآويناه، و نصرناه وهاجرنا إليه .
فقالت الأنصار، حتى قال من الحزبين : منا أمير ومنكم أمير .
فقام عمر أربعين شاهداً قسامة شهدوا على رسول الله زوراً وبهتانا : إن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) قال : الأئمة من قريش، فأطيعوهم ما أطاعوا الله، فإن عصوا؛ فالحوهم لحي هذا القضيب ورمى القضيب من يده فكانت أول قسامة زور شهدت في الإسلام على رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم).
وأن رقبوا الأمر إلى أبي بكر وجاؤوا يدعوني إلى بيعته فامتنعت إذ لا ناصر لي، وقد علم الله ورسوله أن لو نصرني سبعة من سائر المسلمين لما وسعني القعود، فوثبوا عليَّ، وفعلوا بابنتك يا رسول الله ما شكيته إليك، وأنت أعلم به، ثم جاؤوا بي فأخرجوني من داري مكرهاً وثلبوني وكان من قصتي فيهم مثل قصة هارون مع بني إسرائيل، وقولي كقوله لموسى :﴿ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾(1)
وقوله: ﴿قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي﴾(2).
فصبرت محتسباً راضياً وكانت الحجة عليهم في خلافي، ونقض عهدي الذي عاهدتهم عليه يا رسول الله واحتملت ما لم يحتمل وصي من نبي من سائر الأنبياء والأوصياء في الأمم ؛ حتى قتلوني بضربة عبد الرحمن بن ملجم [لعنه الله]، وكان
الله الرقيب عليهم في نقضهم بيعتي .
ص: 493
وخروج طلحة والزبير بعائشة إلى مكة يظهران الحج والعمرة وسيرهم بها ناقضين لبيعتي إلى البصرة وخروجي إليهم وتخويفي إياهم بما جئت به يا رسول الله من كتاب الله، ومقامهم على حربي وقتالي وصبري عليهم، وأعذاري وإنذاري، وهم يأبون إلا السيف فحاكمتهم إلى الله بعد أن ألزمتهم الحجة، فنصرني الله عليهم بعد أن قتل أكابر المهاجرين والأنصار والتابعين بالإحسان، وهرقت دماء عشرين ألف من المسلمين، وقطعت سبعون كفاً على زمام الجمل من سبعين رئيساً ، كلما قطعت كف قبض عليه آخر .
ثم لقيت من ابن هند معاوية بن صخر أدهى وأمر مما لقيت في غزواتك يا رسول الله بعدك من أصحاب الجمل على أن حرب الجمل كان أشنع الحرب التي لقيتها وأهولها، وأعظمها فسرت من دار هجرتي الكوفة إلى حرب معاوية، ومعي سبعمئة من أنصارك يا رسول الله وأربعة من دونه في ديوانك، ولها ستين رجل من أهل العراقين الكوفة والبصرة وأخلاط الناس فكان بعون الله وعلمك يا رسول الله جهادي بهم وصبري عليهم، حتى إذا وهنوا وتنازعوا وتفاشلوا مكر بأصحابي ابن هند وشانئك الأبتر عمرو بن العاص، ورفع المصاحب على الأسنة، [في معركة صفين] ونادى : يا إخواننا من الإسلام ندعوكم إلى كتاب الله وإلى الحكومة ونصون دماءنا ودماءكم.
فأصغى أهل الشبهات والشكوك والظنون ومن في قلبه مرض من أصحابي إلى ذلك، وقالوا بأجمعهم لا يحل لنا قتال من دعانا إلى كتاب الله .
وقلت لهم : ما قد علمته وأنت يا رسول الله علمتني إياه من علم الله، أن القوم لم يرفعوا المصاحف إلا عند رهبهم وظهورنا عليهم فأبى المنافقون من أصحابي إلا الكف عنهم وترك قتالهم فوعظتهم وحرضتهم وحفظتهم، وبينت لهم ،أمرهم وإنها حيلة عليهم، فرموا أسلحتهم واجتمعوا أصحاب معاوية في زهاء عشرين ألفاً وقالوا لي كلمة رجل واحد : دعنا نحاكم القوم إلى كتاب الله . فقلت لهم : على أنني أحكم به منكم، ومن معاوية.
ص: 494
فقال معاوية لا يحكم علي، ولا أحكم به فإنه لا يرضى ولا أرضى، ولا يسلم إليّ ولا أسلم إليه .
فقلت : إلى ابني الحسن، لا شككت في نفسي، وفضلت ابني علي.
فقالوا لي : ابنك أنت وأنت ابنك، فقلت: عبد الله بن العباس.
فقالوا : لا يحكم بيننا ،مضري واختاروا عليَّ ولي الاختيار عليهم وتحكموا وأنا الحاكم وقالوا إن لم ترض نحكم من نشاء أخذنا الذي فيه عيناك .
ثم اختاروا أن يحكموا ويكتبوا إلى عبد الله بن قيس الأشعري، وهو منعزل عنا، فسيروه وقدموه وتركوا معاوية قد حكم عمراً، ورضوا هم بعبد الله بن قيس الأشعري [أبو موسى]، وحكموا بما أرادوا ووصفوا عبد الله بن قيس بالفضل والجبلة عباء عن مكر ،عمرو، وما كانت إلا مواطاة وخدعة أظهرها عمرو، وعبد الله، فزعموا أن عبد الله عزلني، وأن عمراً أثبت معاوية، وألزموني عند قعود جمعهم عني واجتماعهم، وأهل الشام وأن كتبت بيني وبين معاوية إلى أجل معلوم وانكفات معصياً غير مطاع إلى الكوفة.
وأظهر معاوية لعني على منابر الشام وسائر أعماله ولعنت أنا وابناك يا رسول الله الحسن والحسين وعبد الله بن العباس وعمار بن ياسر ومالك الأشتر، شهد أيام بني أمية كلهم على المنابر وفي جوامع الصلاة ومساجدها، وفي الأسواق، وعلى الطرق والمسالك جهراً لا سراً .
وخرج علي المارقون من أصحابي المطالبون لي بالتحكيم يوم المصاحف فقالوا : قد غيرت وكفرت وبدلت وخالفت الله في تركنا ورأينا وإجابتك لنا إلى
ص: 495
أن حكمنا عليك الرجال، فكان لي ولهم بحروراء(1)، موقف دفعت لهم فيه عن قتالهم وانظرتهم حولاً كاملاً ، ثم خرجت بعد انقضاء الهدنة؛ أريد معاوية بمن أطاعني من المسلمين، فخرج أصحابي المارقون عليَّ بالنهروان، فلقوا رجلاً من صلحاء المسلمين وعبادهم ومن قاتل معي يوم الجمل وصفين، يقال له : عبد الله ابن خباب وذبحوه وزوجته وطفلاً له؛ على دم خنزير .
وقالوا : ما ذبحنا هؤلاء وهذا الخنزير إلا واحد وهذا فعلنا بعلي وسائر أصحابه، حتى يقر أنه قد كفر، وغير وبدل، ثم يتوب، ونقبل توبته، فعدلت إليهم وخاطبتهم بالنهروان، فاحتجوا عليَّ ؛ واحتججت عليهم، فكان احتجاجهم باطلاً، وكان احتجاجي حقاً .
قال الحسين بن حمدان: ويعيد أمير المؤمنين احتجاجهم عليه، واحتجاجه عليهم على رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) فلم أعده لأن شرحه قد تقدم.
ورجع الحديث إلى قول الصادق(عليه السلام) للمفضل بن عمر.
قال : يقول أمير المؤمنين(عليه السلام): والله يا رسول الله ما رضوا بتكذيبي، ونقض بيعتي، والخلاف عليَّ ،وقتالي، واستحلال ،دمي ولعني قروا فإني أمرت الأمة بما أمرتني به من تربيع الأظافر ونهيتهم عن تدويرها، فذكروا إني إنما ربعتها لأني أتسلق على مشارب أزواجك يا رسول الله، فأتي منهن الفاحشة.
وكنت أبيع الخمر بعهدك، وبعدك، وكنت أغل الفيء في جميع غزواتك، واستبد به دونك ودون المسلمين ولم يبقوا ،عضيهة ولا شبهة، ولا فاحشة، إلا نسبوها إليَّ.
وزعموا إني لو استحقيت الخلافة لما قدمت عليَّ في حياتك أبا بكر في الصلاة، ولقد علمت يا رسول الله أن عائشة أمرت بلالاً وأنت في وعك مرضك، وقد نادى بلال في الصلاة فأسرعت كاذبة عليك يا رسول الله .
فقالت : إن رسول الله يأمرك أن تقدم أبا بكر ، فراجع بذلك بلال، وكلّ يقول له
ص: 496
مثل قولها، فرجع بلال إلى المسجد، فقال: إن مخبراً أخبرني عن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)إنه أمر بتقديمك يا أبا بكر في الصلاة، ورجعت عائشة من الباب نكرت وقلت لها يا رسول الله : ويلك يا حميراء ما الذي جنيت أمرت عني بتقديم أبيك في الصلاة.
فقالت : قد كان بعض ذلك يا رسول الله، فقمت ويدك اليمنى عليَّ، واليسرى على الفضل بن العباس معجلاً لا تستقر قدماك على الأرض حتى دخلت المسجد؛ ولحقت أبا بكر قد قام مقامك في الصلاة فأخرجته وصليت بالناس فوالله لقد تكلم المنافقون بفضل أبي بكر حتى تقدم للصلاة بعهدك يا رسول الله، فاحتججت عليهم لما أظهروا ذلك بعد وفاتك، فلم أدع لهم فيها اعتلالاً، ولا مذهباً، ولا حجة ينقلون بها .
وقلت : إن زعمتم أن تقديم رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)أبا بكر في الصلاة لأنه أفضل الأمة عنده، فلما أخرجه عن فضل ندبه إليه وإن زعمتم أن رسول الله أمر بذلك وهو مثقل عن النهضة، فلما وجد الحق فسارع فلم يسعه القعود، فالحجة عليك في إسقاط أبي بكر .
وإن زعمتم أن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)أوقفه عن يمينه دون الصفوف؛ فقد كان رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وأبو بكر إمام المسلمين في تلك الصلاة، فهذا لا يكون.
وإن زعمتم أنه أوقفه أنه أوقفه عن شماله؛ فقد كان أبو بكر إمام رسول الله، لأن الإمام إذا صلى برجل واحد فمقامه عن يمينه لا عن شماله.
وأن زعمتم أنه أوقفه بينه وبين الصف الأول فقد كان رسول الله إمام أبي بكر، وأبو بكر إمام المسلمين وهذا الأمر لا يكون ولا يقوم رجل واحد في الصلاة إلا إمام الصلاة.
وإن زعمتم أنه أقامه في الصف الأول، فما فضله على جميع الصف الأول.
وإن زعمتم أن رسول الله أقامه في الصف الأول مسمع فيه التكبير في الصلاة لأنه كان في حال ضيقه من العلة لا يسمع ساير من في المسجد، فقد كفرتم أبا بكر ، و حبطتم عمله، لأن الله(عزّوجل)يقول :﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ﴾(1).
ص: 497
والله ما ذاك يا رسول الله إلا أنني لم أجد ناصراً من المسلمين على نصرة دين الله، ولقد دعوتهم كما أخبرتكم الموفقة فاطمة أنني حملتها وذريتها إلى دور المهاجرين والأنصار أذكرهم بأيام الله وما أخذته عليهم يا رسول الله بأمر الله من العهد والميثاق لي في أربعة مواطن، وتسليمهم عليَّ بإمرة المؤمنين بعهدك، فيعدوني النصرة ليلاً ويقعدون عني نهاراً حتى إذا جاءني ثقات أصحابك باكين استنهضوني ويقولون على أنهم أنصاري على إظهار دين الله .
امتحنتهم بحلق رؤوسهم وإشهار سيوفهم على عواتقهم، ومسيرهم إلى باب داري، فتأخر جمعهم عني، فما صح لي منهم إلا ثلاث نفر، وآخر لم يتم حلق رأسه، ولا أشهر سيفه، وهم والله أحبابك، وأنجابك وأصحابك، وهم: سلمان، والمقداد، وأبو ذر، وعمار الذي لم يتم حلق رأسه، ولا أشهر سيفه.
ولا خرجت مكرهاً إلى سقيفة بني ساعدة أقاد إليها كما تُقاد صعبة الإبل، فلم أر لي ولا ناصراً إلا الزبير بن العوام فأنه شهر سيفه في أوساطهم وعض على نواجذه ؛ وقال : والله لأغمدته أو تقطع يدي، أما ترضون أن غصبتم علياً حقه، ونقضتم عهده، وعهد الله، ومبايعتكم له، حتى جئتم به يبايعكم.
فوثب عمر، وخالد وتمام أربعين رجلاً كلّ يجتهد في أخذ السيف من يده، وطرحوه إلى الأرض صريعاً، وأخذوا السيف من يده، فلما انتهوا بي إلى عتيق(1)، وردت على مورد لم يسعني معه السكوت بعد أن كظمت غيظي، وحفظت نفسي، وربطت جأشي.
وقلت للناس جميعاً : إنما أنا فريضة فرضها الله ورسوله(صلی الله علیه وآله وسلم)على الأمة، فإذا نقضوا عهد الله ورسوله وخالفتني الأمة لم يكن عليَّ أن أدعوهم إلى طاعتي ثانية، ومالي فيهم ناصر ولا معين وصبرت كما أدبني الله بما أدبك يا رسول الله في قوله جل من قائل:﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ﴾(2) الآية .
ص: 498
وقوله: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ﴾(1)، وحق يا رسول الله تأويل هذه الآية التي أنزلها في الأمة من بعدك في قوله عز من قائل: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾(2).
قال المفضل : يا سيدي فما تأويل هذه الآية: ﴿أَفَايْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَبِكُمْ﴾(3)فإن كثيراً من الناس يقولون : [كأن الله لم يعلم بموت محمد أو يقتل، وبعضهم يقول : فإن مات محمَّداً أو قتل . . . ؟](4).
قال الصادق : لو ردوا ما لا يعلمونه إلينا ولم يفتروا فيه الكذب، ولم يتأولوه من عند أنفسهم، لبينا لهم الحق فيه.
يا مفضل : إن الله عالم لا بعلم، وإنما تأويل الآية : أَن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ بما يموت به العالم فإنهما ميتتان لا ثالثة لهما الموت بلا ،قتل والقتل بالسيف، وبما يقتل به من سائر الأشياء، أما ترى إن الأمة ارتدت ونقضت وغيرت وبدلت بين موت رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، وقتل أمير المؤمنين(عليه السلام)، ثم جرى الآخرون كما جرى الأولون.
قال الحسين بن حمدان وقص أمير المؤمنين(عليه السلام)على رسول الله قصصاً طويلة لم أعدها لئلا يطول الكتاب به .
وعاد الحديث إلى الحسن(عليه السلام)
روى المفضل، عن الصادق(عليه السلام)قال : ويقوم الحسن(عليه السلام)إلى جده رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) ويقول : يا جداه كنت مع أمير المؤمنين بالكوفة في دار هجرته حتى
ص: 499
استشهد بضربة عبد الرحمن بن ملجم، فوصاني بما وصيته به يا جداه، وبلغ معاوية قتل أبي، فأنفذ الدعي عبيد الله بن زياد إلى الكوفة في مئة وخمسين ألف مقاتل وأمره بالقبض عليَّ، وعلى أخي الحسين(عليه السلام)، وسائر أخوتي وأهل بيتي وشيعتي، وموالينا .
وأن يأخذ علينا جميعاً البيعة لمعاوية، فمن تأبى منا ضرب عنقه، ويسير إلى معاوية رأسه، فلما علمت ذلك من فعل معاوية خرجت من داري ودخلت جامع الصلاة، ورقيت المنبر واجتمع الناس حتى لم يبق موضع قدم في المسجد، وتكاتفوا حتى ركب بعضهم بعضاً .
فحمدت الله وأثنيت عليه وقلت : معاشر الناس عفت الديار ومحيت الآثار، وقل الاصطبار، فلا إقرار على همزات الشياطين والخائنين الساعة، وضحت البراهين وتفصلت الآيات وبانت المشكلات، ولقد كنا نتوقع إتمام هذه الآية بتأويلها، [قال الله(عزّوجل)من قائل ]: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾(1).
فقد مات والله جدي رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)، وقتل أبي أمير المؤمنين(عليه السلام)، وصاح الوسواس الخناس، ودخل الشك في قلوب الناس، ونعق ناعق الفتنة وخالفتهم السنة فيها لها من فتنة صماء بكماء، عمياء، لا يسمع لداعيها ولا يجاب مناديها، ولا يخالف وإليها ظهرت ظلمة ،النفاق وسيرت آيات أهل الشقاق.
و تكاملت جيوش أهل العراق المراق بين الشام والعراق، هلموا رحمكم الله إلى الإصباح والنور الوضاح، والعالم الجحجاح إلى النور الذي لا يطفأ يا أيها الناس : تيقظوا من رقدة الغفلة ومن برهة الوسنة، وتكاثف الظلمة، ومن نقصان الهمة، فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة وتردى بالعظمة لئن قام لي منكم عصبة بقلوب صافية، ونيات ،مخلصة لا يكون فيها شوب، ولا نفاق ولا نية فراق لجاهدنا بالسيف قدماً قدماً، ولأصفن من السيف جوانبها، ومن الرماح أطرافها، ومن الخيل سنابكها، فتكلموا رحمكم الله، فكأنما ألجموا بلجام الضمت بن الصرد، وبنو الجارود ثلاثة وعمرو بن الحمق الخزاعي، وحجر بن عدي
ص: 500
الكندي، والطرماح بن عطارد السعدي وهاني بن عروة السدوسي، والمختار بن أبي عبيد الثقفي، وشداد بن عباد الكاهلي، ومحمّد بن عطارد الباهلي وتمام العشرين من همدان.
فقالوا لي: يا بن رسول الله ما نملك غير أنفسنا وسيوفنا، وها نحن بين يديك لأمرك طائعين وعن رأيك ،صادرين مرنا بما شئت فنظرت يمنة ويسرة، فلم أر أحداً غيرهم .
فقلت لهم : لي أسوة بجدي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) حين عبد الله سراً وهو يومئذ في تسعة وثلاثين رجلاً فلما أكمل الله له أربعين صاروا في عدة فأظهر أمر الله فلو كان معي عدتهم جاهدت في الله حق جهاده(1)، ثم رفعت رأسي نحو السماء وقلت : اللهم أني قد دعوت وأنذرت وصوبت ونبهت فكانوا عن إجابة الداعي غافلين، وعن نصرته قاعدين وعن طاعته مقصرين، ولأعدائه ناصرين.
اللهم فأنزل عليهم رجزك وبأسك الذي لا يرد عن القوم الظالمين.
ونزلت عن المنبر وأمرت أوليائي وأهل بيتي فشدوا رواحلكم، وخرجت من الكوفة راحلاً إلى المدينة، هذا يا جداه بعد أن دعوت سائر الأمة، وخاطبتهم بعد قتل أمير المؤمنين إلى ما دعاهم إليه هو وخاطبهم بعدك يا رسول الله جارياً على سنتك ومنهاجك، وسنن أمير المؤمنين ومنهاجه في الموعظة الحسنة، والترفق والخطاب الجميل والتخويف بالله والتحذير من سخطه وعذابه، والترغيب في رحمته ورضوانه، وصفحه وغفرانه لمن وفي بما عاهد عليه الله .
ورغبتهم في نصرة الدين وموافق الحق والوقوف بين أمر الله ونهيه فرأيت أنفسهم مريضة وقلوبهم نائبة فاسدة قد غلب الران عليها، فجاؤوني يقولون : إن معاوية قد سير سراياه إلى نحو الأنبار والكوفة، وشنت غاراته على المسلمين، وقتل منهم من لم يقاتله وقتل النساء والأطفال، فأعلمتهم أنه لا وفاء لهم، ولا نصر فيهم، وأنهم قد أسروا الدعوة، وأخلدوا الرفاهة، وأحبوا الدنيا وتناسوا الآخرة.
فقالوا : معاذ الله يا بن رسول الله أن نكون كما ذكرت فادع لنا الله بالسداد
ص: 501
والرشاد، فأنفذت معهم رجالاً وجيوشاً وعرفتهم أنهم يجيبون إلى معاوية، وينقضون عهدي وبيعتي، ويبيعوني بالخطر اليسير ويقبلون منهم الرشي والتقليدات، فزعموا أنهم لا يفعلون فما مضى منهم أحد إلا فعل ما أخبرتهم به من أخذ رشى معاوية ،وتقليده ونفذ إليه عادياً فأقضى مخالفاً .
فلما كثرت غارات معاوية في أطراف العراق جاؤوني فعاهدوني عهداً مجدداً، وبيعة مجددة وسرت معهم من الكوفة إلى المدائن بشاطئ الدجلة، فدس معاوية إلى زيد بن سنان أخي جرير بن عبد الله مالاً ورشاه إياه على قتلي، فخرج إليَّ ليلاً؛ وأنا في فسطاط لي أصلي، والناس نيام؛ فرماني بحربة فأثبتها بجسدي، فنبهت العسكر، ورأوا الحربة تهتز في أعضائي وأمرت بطلب زيد لعنه الله، فخرج إلى الشام هارباً إلى معاوية فرجعت جريحاً وخرجت عند قعود الأمة عني إلى المدينة؛ إلى حرمك يا جداه، فلقيت من معاوية وسائر بني أمية وعراتهم، فاسأل الله أن لا يضيع لي أجره، ولا يحرمني ثوابه.
ثم دس معاوية إلى جعدة بنت محمد بن الأشعث بن قيس الكندي لعنهم الله ، فبذل لها مئة ألف درهم، وضمن لها إقطاع عشر قرى، وأنفذ إليها سماً سمتني به .
ثم يقوم الحسين(عليه السلام) مخضباً بدمائه، فيقبل في اثني عشر ألف صديق كلهم شهداء، وقتلوا في سبيل الله من ذرية رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)، ومن شيعتهم ومواليهم وأنصارهم، وكلهم مضرجون بدمائهم، فإذا رآه رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)بكت أهل السماوات والأرض ومن عليها ويقف أمير المؤمنين والحسن عن يمينه وفاطمة عن شماله ويقبل الحسين ويضمه رسول الله إلى صدره ويقول: يا حسين فديتك قرت عيناك وعيناي فيك وعن يمين الحسين حمزة بن عبد المطلب، وعن شماله جعفر بن أبي طالب وأمامه أبو عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، ويأتي محسن مخضباً بدمه تحمله خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت أسد، وهما جدتاه وجمانة عمته ابنة أبي طالب وأسماء بنت عميس صارخات، وأيديهن على خدودهن، ونواصيهن منشرة والملائكة تسترهن بأجنحتها، وأمه فاطمة تصيح وتقول : هذا يومكم الذي كنتم به توعدون.
ص: 502
و جبرائيل يصيح ويقول : مظلوم فانتصر فيأخذ رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)محسن على يده ويرفعه إلى السماء، وهو يقول إلهي صبرنا في الدنيا احتساباً، وهذا اليوم:﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ﴾(1). قال : ثم بكى الصادق وقال : يا مفضل لو قلت عيناً بكت ما في الدموع من ثواب، وإنما نرجو أن بكينا الدماء أن ثاب به فبكى المفضل طويلاً، ثم قال : يا بن رسول الله أن يومكم في القصاص لأعظم من يوم محتنكم.
فقال له الصادق ولا كيوم محنتنا بكربلا وإن كان كيوم السقيفة، وإحراق الباب على أمير المؤمنين، وفاطمة، والحسن، والحسين، وزينب، وأم كلثوم ،وفضة، وقتل محسن بالرفسة، لأعظم وأمر ؛ لأنه أصل يوم الفراش.
[تفسير قوله تعالى:
﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئلَتْ(8) بِأَتِي ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9)﴾]
قال المفضل : يا مولاي اسأل.
قال : أسأل .
قال: يا مولاي ﴿وَإِذَا الْمَوْءُدَةُ(8) سُلَتْ بِأَتِي ذَنْبٍ قُتِلَتْ(9) ﴾(2)؟
قال : يا مفضل تقول العامة أنها في كل جنين من أولاد الناس يقتل مظلوماً.
قال المفضل : نعم يا مولاي هكذا يقول أكثرهم .
قال[ الصادق(عليه السلام)]: ويلهم من أين لهم هذا؛ والآية هي لنا خاصة في الكتاب، وهي محسن(عليه السلام)؛ لأنه منا، وقال الله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ (3)، وإنما هي من أسماء المودة فمن أين إلى كل جنين من أولاد الناس، وهل في المودة والقربى غيرنا يا مفضل.
ص: 503
قال: صدقت يا مولاي ثم ماذا .
قال: فتضرب سيدة نساء العالمين فاطمة يدها إلى ناصيتها، وتقول: اللهم أنجز وعدك وموعدك فيمن ظلمني وضربني وجرعني، ثكل أولادي، ثم تلبيها ملائكة السماء السبع وحملة العرش، وسكان الهواء ومن في الدنيا وبين أطباق الثرى، صائحين صارخين بيصيحتها، وصراخها إلى الله، فلا يبقى أحد ممن قاتلنا ،ولا أحب قتالنا وظلمنا، ورضي بغضبنا، وبهضمنا ومنعنا حقنا الذي جعله الله لنا، إلا قتل في ذلك اليوم، كل واحد ألف قتلة، ويذوق في كل قتلة من العذاب ما ذاقه من ألم القتل سائر من قتل من أهل الدنيا من دون من قتل في سبيل الله، فإنه لا يذوق الموت، وهو كما قال الله عزوجك : ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170)﴾(1)
قال المفضل : يا سيدي فإن من يستبشرون شيعتكم من لا يقر بالرجعة وأنكم لا تكرون بعد الموت، ولا يكر أعداؤكم حتى تقتصوا منهم بالحق .
فقال : ويلهم ما سمعوا قول جدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم )وجميع الأئمة(عليه السلام)ونحن نقول : من لم يثبت إمامتنا ويحل متعتنا ويقول برجعتنا فليس منا، وما سمعوا قول الله تعالى: ﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾(2).
قال المفضل : يا مولاي ما العذاب الأدنى، وما العذاب الأكبر.
قال(عليه السلام): العذاب الأدنى عذاب الرجعة والعذاب الأكبر عذاب يوم القيامة، الذي يبدل فيه ﴿ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾(3)
ص: 504
قال المفضل : يا مولاي فإمامتكم ثابتة عند شيعتكم، ونحن نعلم أنكم اختيار الله في قوله : ﴿نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ(1).
وقوله : ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾(2)
وقوله: ﴿«إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)﴾(3)
قال : يا مفضل فأين نحن من هذه الآية.
قال : يا مفضل قول الله تعالى: ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ﴾(4).
وقوله : ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ﴾(5).
وقول إبراهيم رب : ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾ (6)، وقد علمنا أن رسول الله ، وأمير المؤمنين ما عبدا صنماً، ولا وثناً، ولا أشركا بالله طرفة عين.
وقوله: ﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾(7)والعهد هو الإمامة.
ص: 505
قال المفضل : يا مولاي لا تمتحني ولا تختبرني ولا تبتليني فمن علمكم علمت، ومن فضل الله عليكم أخذت.
قال : صدقت یا مفضل لولا اعترافك بنعمة الله عليك في ذلك لما كنت باب الهدى، فأين يا مفضل الآيات من القرآن فيه أن الكافر ظالم .
قال : نعم يا مولاي ؛ قوله: ﴿وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾(1)
والكَافِرُونَ﴾ : هم الفاسقون، ومن كفر وفسق وظلم لا يجعله الله للناس إماماً .
قال: أحسنت يا مفضل فمن أين قلت برجعتنا ومقصرة شيعتنا أن معنى الرجعة أن يرد الله إلينا ملك الدنيا، فيجعله للمهدي، ويحهم متى سلبنا الملك حتى يرد إلينا .
قال المفضل : لا والله يا مولاي ما سلبتموه ولا سلبونه، لأنه ملك النبوة والرسالة والوصية والإمامة .
قال الصادق(عليه السلام): يا مفضل لو تدبر القرآن شيعتنا لما شكوا في فضلنا، أما سمعوا قول الله جل من قائل: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾(2)، فأخذ إبراهيم أربعة أطيار فذبحها وقطعها ؛ وأخلط لحومها وريشها حتى صارت قبضة واحدة ثم قسمها أربعة أجزاء، وجعلها على أربعة أجبال ودعاها فأجابته وأقرت، وأيقنت بوحدانية، وبرسالة إبراهيم بصورها الأولية.
ومثل قوله في كتابه العزيز : ﴿ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ
ص: 506
نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾(1). . وقوله في طوائف من بني إسرائيل : الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ﴾(2) هاربين حذر الموت إلى البراري والمغاور فحظروا على أنفسهم حظائر، وقالوا : قد حرزنا أنفسنا من الموت، وهم زهاء ثلاثين ألف رجل وامرأة وطفل، فقال لهم الله : موتوا فماتوا كهيئة نفس واحدة، وصاروا ،رفاتاً، فمر عليهم حزقيل ابن العجوز؛ فتأمل أمرهم وناجى ربه في أمرهم، وقص عليه قصتهم.
وقال : إلهي وسيدي قد أريتهم قدرتك إنك أمتهم، وجعلتهم ،رفاتاً، فأرهم قدرتك، وإنك تحييهم حتى أدعوهم إليك، ووفقهم للإيمان بك وتصديقي.
فأوحى الله إليه يا حزقيل، هذا يوم شريف عظيم القدر، وقد آليت به أن لا يسألني مؤمن حاجة إلا قضيتها له وهو يوم ،نوروز، فخذ الماء ورشه عليهم، فإنهم يحيون بإذني، فرش عليهم الماء فأحياهم الله بأسرهم، فأقبلوا إلى حزقيل مؤمنين بالله مصدقين وهم الذين قال الله فيهم :﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ﴾(3)
وقوله في قصة عيسى : ﴿أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ﴾(4).
هذا يا مفضل ما أقمنا به الشاهد من كتاب الله لشيعتنا مما يعرفونه في الكتاب ولا يجهلونه ولئلا يقولوا إلا أن الله لا يحيي الموتى في الدنيا، ويردهم إلينا ولزمهم الحجة من الله ، إذا أعطى أنبياءه، ورسله الصالحين من عباده، فنحن بفضله علينا أولى فأعطانا ما أعطوا ويزاد عليه، وما سمعوا ويحهم قول الله تعالى: ﴿فَإِذَا
ص: 507
جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5)ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6)﴾(1).
قال المفضل يا مولاي فما تأويل : ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا ﴾.
قال الصادق : هما والله الرجعة وهي الأولى، وتقوم يوم القيامة العظمى، يا مفضل أوما سمعوا قوله تعالى: ﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5)وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)﴾(2) الآية .
والله يا مفضل [ إن تنزيل هذه في بني إسرائيل ](3)أن تأويل هذه الآية فينا، وإن فرعون وهامان وجنودهما هم أبو بكر وعمر وشيعتهم(4).
قال المفضل : يا مولاي فما المتعة؟
قال : حلال مطلق والشاهد بها قوله تعالى في النساء المزوجات بالولي والشهود: ﴿ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾(5)، أي مشهوداً، والقول المعروف: هو المشهود بالولي، وإنما احتاج إلى الولي والشهود في النكاح ليثبت النسل ويصح النسب ويستحق الميراث، وقوله: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ﴾(6)
ص: 508
وجعل الطلاق في النساء المزوجات غير جائز إلا بشاهدين ذوي عدل من المسلمين، وقال في سائر الشهادات على الدماء والفروج والأموال والأملاك : ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ ﴾ (1).
وبين الطلاق عز ذكره فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ﴾(2)
ولو كانت المطلقة تبين بثلاث تطليقات يجمعها كلمة واحدة وأكثر منها وأقل، كما قال الله تعالى: ﴿وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ﴾(3) إلى قوله : ﴿ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1)فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2)﴾(4)
وقوله(عزّوجل) :﴿ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا﴾(5)هو نكرة تقع بين الزوج والزوجة، فتطلق التطليقة الأولى بشهادة ذوي ،عدل، وحرر وقت التطليق؛ وهو آخر القروء، والقروء : هو الحيض، والطلاق يجب عند آخر النطفة تنزل بيضاء بعد الحمرة والصفرة أول التطليقة الثانية ،والثالثة وما يحدث الله بينهما عطفاً، وذلك ما كرهاه .
وقوله: ﴿«وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ
ص: 509
مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾(1).
هذا يقوله تعالى في أن للبعولة مراجعة النساء من تطليقة إلى تطليقة إن أرادوا إصلاحاً، وللنساء مراجعة للرجال في مثل ذلك(2).
ثم بين تبارك وتعالى فقال :﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾(3) ، في الثالثة فإن طلق الثالثة وبانت فهو قوله: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ﴾(4).
ثم يكون كسائر الخطاب والمتعة التي حللها الله في كتابه وأطلقها الرسول عن الله لسائر المسلمين فهي قوله: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾(5).
والفرق بين المزوجة والمتمتعة : أن للمزوجة صداقاً، وللمتمتعة أجرة، فتمتع سائر المسلمين في عهد رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)في الحج وغيره، وأيام أبي بكر، وأربع سنين من أيام عمر حتى دخل على أخته عفراء فوجد في حجرها طفلاً ترضعه من ثديها، فقال: يا أختي ما هذا.
فقالت له : ابني من أحشائي، ولم تكن متبعلة .
فقال لها : من أين ذلك .
فقالت تمتعت ،فكشفت عن ثديها فنظر إلى درة اللبن في فم الطفل.
فاغتضب فكشف عن ثديها وأرعد وأربد ،لونه وأخذ الطفل على يده مغضباً،
ص: 510
وخرج ومشى حتى أتى المسجد؛ فرقي المنبر وقال : نادوا في الناس في غير وقت الصلاة، فعلم المسلمون أن ذلك لأمر يريده ،عمر، فحضروا فقال : معاشر الناس من المهاجرين والأنصار، وأولاد قحطان [ونزار] من منكم يحب أن يرى المحرمات منالنساء كهذا الطفل قد خرج من بطن أمه، وسقته لبنها وهي غير متبعلة؟
فقال : بعض القوم ما نحب هذا يا أمير المؤمنين .
فقال : ألستم تعلمون أن أختي عفراء من حنتمة ،أمي وأبي الخطاب أنها غير متبعلة ؟
قالوا : بلى يا أمير المؤمنين .
قال : فإني دخلت عليها في هذه الساعة فوجدت هذا الطفل في حجرها فناشدتها من أنّى لك هذا .
قالت :ابني من أحشائي، ورأيت در اللبن من ثديها في فيه. فقلت: من أين لك هذا ؟
فقالت :تمتعت فاعلموا معاشر الناس أن هذه المتعة كانت حلالاً في عهد رسول الله وبعده، وقد رأيت تحريمها ؛ فمن أتاها ضربت جنبيه بالسوط .
فلم يكن في القوم منكر لقوله ولا رادّ عليه ولا قائل أي رسول بعد رسول الله، وأي كتاب بعد كتاب الله(عزّوجل)، ولا يقبل خلافك على الله ورسوله، وكتابه بل سلموا ورضوا .
قال المفضل : يا مولاي فما شرائط المتعة؟
قال : يا مفضل سبعون شرطاً من خالف منها شرطاً واحداً ظلم نفسه.
قال: فقلت يا سيدي فأعرض عليك ما علمته منكم فيها .
قال الصادق(عليه السلام): قل یا مفضل على أنك قد علمت الفرق بين المزوجة والمتمتع بها مما تلوته عليك.
وقال : المزوجة لها صداق ونحلة والمتمتعة ،أجرة، فهذا فرق بينهما .
قال المفضل : نعم يا مولاي قد علمت ذلك .
ص: 511
فقال : قل يا مفضل.
قال : يا مولاي قد أمرتمونا ألا نتمتع ببغية ولا مشهورة بالفساد ولا مجنونة، وأن ندعو المتمتع بها إلى الفاحشة، فإن أجابت فقد حرم الاستمتاع بها ؛ وأن تسأل أفارغة هي أم مشغولة ببعل أو بحمل أم بعدة، فإن شغلت بواحدة من هذه الثلاثة فلا تحل فإن حلت فنقول لها متعيني نفسك على كتاب الله وسنة نبيه نكاحاً غير سفاح أجلاً معلوماً بأجرة معلومة وهي ساعة أو يوم، أو يومان، أو شهر، أو سنة، أو ما دون ذلك أو أكثر .
الأجرة ما تراضيا عليه من حلقة خاتم أو شسع نعال، أو شق ثمرة، أو إلى ما فوق ذلك من الدراهم والدنانير أو غرض ترضى به، فإن وهبت حلت له كالصداق الموهوب من النساء المزوجات التي قال الله فيهن : ﴿ فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ﴾ (1).
ثم يقول لها : على أن لا ترثيني ولا أرتك وعلى أن الماء مائي أضعه حيث شئت، وعليك الاستبراء [خمسة و] أربعين يوماً أو محيضاً واحداً ما كان من عدد الأيام، فإذا قالت نعم أعدت القول ثانية، وعقدت النكاح به، فإن أحببت وهي أحبت الاستزادة في الأجل [زدتما].
وفيه ما رويناه عنكم قولكم : لئن أخرجنا فرجاً من الحرام إلى الحلال أحب إلينا من تركه على الحرام.
ومن قولكم : إذا كانت تعقل قولها فعليها ما تولت من الأخيار عن نفسها ولا جناح عليك. وقول أمير المؤمنين(عليه السلام): لعن الله ابن الخطاب، فولاه ما زنى إلا شقي أو شقية؛ لأنه كان يكون للمسلمين غنى في عمل المتعة عن الزنى. وروينا عنكم أنكم قلتم : إن الفرق بين الزوجة والمتمتع بها : أن المتمتع يعتزل عن المتمتعة، وليس للزوج أن يعتزل عن الزوجة؛ لأن الله يقول: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204)وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205)﴾(2)
ص: 512
وإن في كتاب الله لكفارة عنكم : إن من عزل نطفة من رحم مزوجه فدية النطفة عشر دنانير كفارة وإن في شرط المتعة : أن المال يضعه حيث يشاء من المتمتع بها، فإن وضعت في الرحم فخلق منه ولد كان لاحقاً بأبيه.
قال الصادق(عليه السلام): يا مفضل حدثني أبي، عن أبيه، عن جده رسول الله قال : إن الله أخذ الميثاق على ماء أوليائه المؤمنون، لا يعلق منه فرج من متعة، وأنه أحد محن المؤمن الذي تبين إيمانه من كفره إذا علق منه فرج من متعة . . .
قال المفضل: يا مولاي فإن عبد الله بن الزبير سب عبد الله بن العباس سباً كان فيه قوله : أما ترون رجلاً قد أعمى الله قلبه، كما أعمى عينه، ويفتي في المتعة، ويقول : أنها ،حلال فسمعه عبد الله بن العباس، قال لقائده : قف على الجماعة التي فيها عبد الله بن الزبير فأوقفه وقال له يا بن الزبير سل أسماء بنت أبي بكر ؛ فأنها تنبئك أن أباك عوسجة الأسدي استمتع بها ببردتين يمانيتين؛ فحملت بك، فأنت أول مولود في الإسلام من المتعة.
وقد قال النبي : لا ، ولد المتعة حرام.
فقال الصادق(عليه السلام): والله يا مفضل لقد صدق عبد الله بن العباس في قوله لعبد الله بن الزبير .
قال المفضل : قد روى بعض شيعتكم إنكم قلتم أن حدود المتعة أشهر من راية البيطار، وأنكم قلتم لأهل المدينة هبوا لنا التمتع بالمدينة.
قال الصادق : يا مفضل إنما قلنا هبوا لنا التمتع بالمدينة، وتمتعوا حيث شئتم من الأرض، لا خوفاً عليكم من شيعة ابن الخطاب أن يضربوا جنوبكم بالسياط فحرزناها باستيائها منهم بالمدينة.
قال المفضل : وروت شيعتكم عنكم أن محمد بن سنان الأسدي تمتع بامرأة؛ فلما تمطاها وجد في أحشائها تركلاً فرفع نفسه عنها، وقام قلقاً ودخل على جدك علي بن الحسين(عليه السلام)وقال له يا مولاي تمتعت بامرأة وكان من قصتي وقصتها كيت وكيت قلت ما هذا التركل فجعلت رجلها بصدري وقالت لي: قم، فما أنت بأديب ولا بعالم أما سمعت قول الله تعالى :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ
ص: 513
يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾(1)
قال الصادق(عليه السلام): هذا لشرف من شيعتنا علينا ومن يكذب علينا فليس منا ، والله ما أرسل رسوله إلا بالحق ولا جاء إلا بالصدق، ولا يحكي إلا عن الله ، ومن عند الله، وبكتاب الله فلا تتبعوا أهواءكم، ولا ترخصوا لأنفسكم، فيحرم عليكم ما أحل لكم، والله يا مفضل ما هو إلا دين الحق، وما شرائط المتعة إلا ما قدمت ذكره لك(2)، فذر الغاوين وازجر نفسك عن هواها.
قال المفضل : ثم ماذا يا مولاي.
قال : ثم يقوم زين العابدين علي بن الحسين ومحمد الباقر(عليه السلام)فيشكوان إلى جدنا رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)ما نالهما من بني أمية وما روعا به من القتل، ثم أقوم أنا فأشكو إلى جدي رسول الله ما جرى عليَّ من طاغية الأمة الملقب بالمنصور، حيث أفضت الخلافة إليه فإنه عرضني على الموت والقتل ولقد دخلت عليه وقد رحلني عن المدينة إلى دار ملكه بالكوفة مغسلاً مكفناً مراراً، فأراه من قدرته ما ردعه عني ومنعه من قتلي.
قال الحسين بن حمدان(رضی الله عنه): وقد تقدم في هذا الكتاب شرح ما فعل المنصور لعنه الله بالصادق.
قال : ثم يقوم ابني موسى يشكو إلى جده رسول الله ما لقيه من الضليل هارون الرشيد، وتسييره من المدينة إلى طريق البصرة متجنباً طريق الكوفة؛ لأنه قال أهل
ص: 514
الكوفة شيعة آل محمد وأهل البصرة أعداؤهم، وقد صدق لعنه الله .
وحدثني الباقر، عن أبيه علي بن الحسين يرفعه إلى جده رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)قال طينة أمتي من مدينتي وطينة شيعتنا من الكوفة وطينة أعدائنا من البصرة ويقص فعله وحبسه إياه في دار السندي بن شاهك صاحب شرطته بالزوراء وما يعرض عليه من القتل .
قال الحسين بن حمدان] وقد تقدم ذكره، وما فعل الرشيد به إلى أن مات .
شكوى الإمام الرضا(عليه السلام)
ورجع الحديث إلى الصادق(عليه السلام)قال : ويقوم علي بن موسى(عليه السلام)فيشكو إلى جده رسول الله ما نزل به وتسيير المأمون إياه من المدينة إلى طوس بخراسان من طريق البصرة من الأهواز ويقص عليه قصته إلى أن قتله بالسم.
قال ابن حمدان] وقد تقدم ذكره وما فعل به .
شكوى الإمام الجواد والإمام الهادي(عليه السلام)
وعاد الحديث إلى الصادق(عليه السلام) قال : ويقوم محمد بن علي بن موسى(عليه السلام) ويشكو إلى جده رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) ما نزل به من المأمون إلى أن قتله بالسم. ويقوم علي بن محمد فيشكو إلى جده رسول الله تسيير جعفر المتوكل إياه، وابنه الحسن من المدينة إلى مدينة بناها على الدجلة تدعى سر من رأى، وما جرى عليه منه إلى أن قتل المتوكل لعنه الله ، ومات علي بن محمد.
قال: ويقوم الحسن بن علي الحادي عشر من الأئمة(عليه السلام)ويشكو إلى جده رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وما لقيه من المعتز ؛ وهو الزبير بن أبي جعفر المتوكل، ومن أحمد ابن فتيان (1)وهو المعتمد إلى أن مات الحسن.
ص: 515
ويقوم الخامس بعد السابع، وهو المهدي يشكو إلى جده رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وكنيته محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام).
وعليه قميص رسول الله بدم رسول الله يوم كسر رباعيته، والملائكة تحفه، حتى يقف بين يدي جده رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فيقول له : يا جداه نصصت علي ودللت ونسبتني وسميتني، فجحدتني الأمة أمة الكفر.
وتمارت فيَّ، وقالوا ما ولد ولا كان وأين هو ومتى كان، وأين يكون، وقد مات وهلك، ولم يعقب أبوه، واستعجلوا ما أخره الله إلى هذا الوقت المعلوم، فصبرت مجتسباً وقد أذن الله لي فيها بأمره يا جداه.
فيقول رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): الحمد لله الذي صدقنا ،وعده، وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء، فنعم أجر العاملين ويقول : قد جاء نصر الله والفتح وحق قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾«هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾(1) .
ويقرأ : ﴿«إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1)لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2)وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (3)﴾(2)
[قال المفضل : يا مولاي فما ذنب رسول الله الذي تقدم وتأخر ؛ فغفره الله له ؟ ] (3).
فقال الصادق(عليه السلام): أن الله تعالى:﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ
ص: 516
أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33)﴾(1)
ذلك يا مفضل لما أخذ الله من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم (2)عرضوا تلك الذرية على جدنا رسول الله وعلينا إمام بعد إمام إلى مهدينا الثاني عشر من أمير المؤمنين إلى سمي جده، وكنية محمد الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى ابني، وعرض علينا أعمالهم، فرأينا لهم ذنوباً وخطايا، فبكى جدنا رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وبكينا رحمة لشيعتنا أن يدعوا لنا بنا، ولهم ذنوب مشهورة بين الخلائق إلى يوم القيامة.
فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): اللهم اغفر ذنوب شيعة أخي وأولاده الأوصياء منه وما تقدم منها وما تأخر ليوم القيامة ولا تفضحني بين النبيين والمرسلين في شيعتنا ، فحمله الله إياها وغفرها جميعاً وهذا تأويل: ﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1)لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ (2)﴾(3) الآية .
قال المفضل : فبكيت بكاءً طويلاً، وقلت يا سيدي هذا بفضل الله وفضلكم.
قال الصادق : هذا بفضل الله علينا ،فيكم يا مفضل وهل علمت من شيعتنا .
قال المفضل : من تقول .
فقال : والله ما هم إلا أنت وأمثالك، ولا تحدث بهذا الحديث أصحاب الرخص من شيعتنا، فيتكلموا على هذا الفضل، ويتركوا العمل به فلا يغني عنهم من الله شيئاً لأننا كما قال الله تعالى: ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ﴾(4).
قال المفضل : يا مولاي بقي لي : ﴿ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ (5)، ما كان رسول الله يظهر على الدين كله.
ص: 517
قال : يا مفضل ظهر عليه علماً، ولم يظهر علمه عليه، ولو كان ظهر عليه ما كانت مجوسية ولا يهودية ولا جاهلية، ولا عبدت الأصنام والأوثان، ولا صابئة، ولا ،نصرانية ولا فرقة ولا خلافة ولا شك ولا شرك، ولا أولو العزة، ولا عبد الشمس والقمر والنجوم ولا النار ولا الحجارة، وإنما قوله : ﴿ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾(1)في هذا اليوم وهذا المهدي وهذه الرجعة وهو قوله : ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ﴾(2).
قال المفضل : ثم ماذا يا سيدي؟
قال الصادق(عليه السلام): يقول رسول الله لأمير المؤمنين : فديتك يا أبا الحسن أنت ضربتهم بسيف الله عن هذا الدين، فاضربهم الآن عليه عوداً، ويسير في هذه الدنيا يسير جبالها وأقدار أرضها ويطأها قدماً قدماً حتى يصفي الأرض من القوم الظالمين.
ويقول للمهدي : سر بالملائكة وخلصاء الجن والأنس ونقبائك المختارين، ومن سمع وأطاع الله لنا، فاحمل خيلك في الهواء؛ فإنها تركض كما تركض على الأرض واحملها على وجه الماء في البحار والأمصار.
فإنها تركض بحوافرها عليه فلا يبل لها ،حافر، وإنها تسير مع الطير، وتسبق كل شيء، فخذ بثأرك وثأرنا ، واقتص بمظالمنا منهم، وأظهر حقنا وأزهق الباطل، فإنها دونة لا ليل فيه ولا ظلمة ولا قتام، ومن تضعه أهل الجنة في الجنة .
ويقول لفاطمة والحسن والحسين وسائر الأئمة منا : انظروا إلى ما فضلكم الله به وجعل لكم عقبى الدار ، فأكثروا من شكره واشفعوا لشيعتكم فإنكم لا تزالون ترون هذه الأرض في هذه الرجعة منكرة مقشعرة إلى أن لا يبقى عليها شاك ولا ،مرتاب ولا مشرك ولا راد ولا مخالف ولا متكبر ولا جاحد إلا طاهر مطهر ويقعد الملك والشرائع ويصير الدين الله واصباً فإذا صفت جرت أنهارها بالماء واللبن والعسل والخمر بغير بلاء، ولا غائلة وتفتح أبواب السماء بالبر، وتمطر السماء خيرها وتخرج الأرض كنوزها وتعظم البرة حتى تصير حمل بعير ويجتمع
ص: 518
الإنسان، والسبع والطير والحية وسائر من يدب في بقعة واحدة فلا يوحش بعضهم بعضاً ؛ بل يؤنسه ونحادثه، ويشرب الذئب والشاة من مورد واحد، ويصدران كما يصدر الرجلان المتواخيان في الله من وردهم.
وتخرج الفتاة العاتق والعجوز العاقر وعلى رأسها مكيال من دقيق أو بر، أو سويق، وتبلغ حيث شاءت من الأرض ولا يمسها نصب ولا لغوب، وترتفع الأمراض والأسقام ويستغني المؤمن عن قص شعره، وتقليم أظافره، وغسل أثوابه، وعن حمام وحجام وعن طب وطبيب ويفصح عن كل ذي نطق من البشر والدواب والطير والهوام والدبيب وتفقد جميع اللغات، ولم يبق إلا اللغة العربية بإفصاح لسان واحد ولا يخرج المؤمن من الدنيا حتى يرى من صلبه ألف ولد ذكر مؤمن موحد تقي.
قال المفضل : يا مولاي فماذا يصنع أمير المؤمنين بدءاً؟
قال : يصنع والله ما قاله بخطبته ،وأيام لا تكون الدنيا إلى شاب غرنوق، ولأقفن في كل موقف كان لي وعلي ولاتركن ظالمي، وناصبني شقي تيم، وعدي للمهدي من ولدي، حتى يتولى نبشهما وعذابهما وإحراقهما ونسفهما في اليم نسفاً .
ولأركضن برجلي في رحبة جامع الكوفة فاخرج منها اثني عشر ألف صديق من شيعتي مكتوب على تلك البيض أسماؤهم، وأنسابهم، وقبائلهم، وعشائرهم، ولأسيرن من دار هجرتي الكوفة حتى أفني العالم قدماً قدماً؛ بسيفي ذي الفقار حتى آتي جبل الديلم فأصعده ،وأستهل طريقه، وأقطع خبره، ولآتين بلقاء الهند، وبيضاء الصين، التي كلتا جواريها حور العين، ولآتين مصر، وأعقد على نيلها جسراً، ولأنصبن على مجراها منبراً ، ولأخطبن عليه خطبة طوبى لمن عرفني فيها، ولم يشك في والويل والعويل، والنار والثبور، لمن جهل أو تجاهل، أو نسي أو تناسى، أو أنكر أو تناكر، ولآتين جابلقا وجابرصا ،ولأنصين رحى الحرب، وأطحن بها العالم طحن الرحى لباب البر، ولآتين كوراً ولأسبكن الخلق فيها سبك خالص التبر، وحرق اللجين، ولألتقطنهم على وجه الأرض، وشواهق الجبال، وبطون الأودية، والمغارات، وأطباق الثرى، التقاط الديك سمين الحب من يابسه وعجفه، ولأقتلن الروم، والصقالب، والقبط، والحبش، والعران، والكرد، والأرمن، والقلف، والهمج، والغلف، والأعابد، والبزغز، والزغزغ، والقردة
ص: 519
والخنازير وعبدة الطاغوت، فهم الشراة ،والناصبة، والمرجئة، والبترية ،والجهمية، والمقصرة، والمرتفعة.
قال المفضل : قلت للصادق(عليه السلام)يا مولاي من المقصرة والمرتفعة.
قال : يا مفضل المقصرة :هم الذين هداهم الله إلى فضل علمنا وأفضى إليهم سرنا فشكوا فينا وأنكروا فضلنا وقالوا : لم يكن الله ليعطيهم سلطانه ومعرفته .
وأما المرتفعة : هم الذين يرتفعون بمحبتنا وولايتنا أهل البيت، وأظهروه بغير حقيقة، وليس هم منا، ولا نحن منهم ولا أئمتهم، أولئك يعذبون بعذاب الأمم الطاغية، حتى لا يبقى نوع من العذاب إلا وعذبوا به.
قال المفضل : يا مولاي أليس قد روينا عنكم أنكم قلتم الغالي نرده إلينا والتالي تلحقه بنا .
قال : يا مفضل ظننت أن التالي هم المقصرة.
قال كذا ظننت يا سيدي.
قال كلا، التالي هم من خيار شيعتنا القائلين بفضلنا، المستمسكين بحبل الله وحبلنا، الذين يزدادون بفضلنا علماً، وإذا ورد على أحدهم خبر قبله وعمل به، ولم يشك فيه فإن لم يطقه رده ،إلينا ولم يرد علينا فذلك هو التالي، وأما الغالي فليس قد اتخذنا أرباباً من دون الله، وإنما اقتدى بقولنا إذ جعلونا عبيداً مربوبين مرزوقين فقولوا بفضلنا ما شئتم فلن تدركوه .
قال المفضل : يا مولاي إنَّ الغالي عند الشيعة من ذكر إنكم أرباباً من دون الله .
قال : ويحك يا مفضل! ما قال أحد فينا إلا عبد الله بن سبأ، وأصحابه العشرة الذين أحرقهم أمير المؤمنين في النار بالكوفة، وموضع إحراقهم يعرف بصحراء الأخدود (1).
ص: 520
وكذا عذبهم أمير المؤمنين بعذاب الله ؛ وهو النار عاجلاً، وهي لهم أجلاً . ويحك يا مفضل، إن الغالي في محبتنا نرده ،إلينا ويثبت ويستجيب ولا يرجع، والمقصرة ندعوه إلى الإلحاق بنا، والإقرار بما فضلنا الله به فلا يثبت ولا يستجيب ولا يلحق بنا، لأنهم لما رأونا نفعل أفعال النبيين قبلنا مما ذكرهم الله في كتابه ؛ وقص قصصهم، وما فرض إليهم من قدرته وسلطانه .
حتى خلقوا وأحيوا ورزقوا وأبروا الأكمه والأبرص ونبأوا الناس بما يأكلون ويشربون ويدخرون في بيوتهم ويعلمون ما كان وما يكون إلى يوم القيامة بإذن الله .
وسلموا إلى النبيين أفعالهم وما وصفهم الله ، وأقروا لهم بذلك، وجحدوا بغياً علينا وحسداً لنا على ما جعله الله لنا وفينا وما أعطاه الله لسائر النبيين والمرسلين، والصالحين وازدادنا من فضله ما لم يعطهم أياه .
وقالوا : ما أعطي النبيون هذه القدرة التي أظهرها ؛ إنما صدقناها وأنزل بها، لأن الله أنزلها بكتابه، ولو علموا ويحهم أن الله ما أعطاه من فضله شيئاً إلا أنزله بسائر كتبه وصفنا ،به ولكن أعداؤنا لا يعلموه وإذا سمعوا فضلنا أنكروه وصدوا عنه واستكبروا .
وهم لا يشكون في آدم(عليه السلام) لما رأوا أسماءنا مكتوبة على سرداق العرش، قال : إلهي وسيدي خلقت خلقاً قبلي وهو أحب إليك مني .
قال الله : يا آدم ،نعم لولا هؤلاء الأسماء المكتوبة على سرداق العرش ما خلقت سماء ،مبنية ولا أرضاً مدحية ولا ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً، ولا خلقتك يا آدم .
قال : إلهي ما هؤلاء.
قال : هؤلاء ذريتك يا آدم؛ فاستبشر وأكثر من حمد الله وشكره، وقال بحقهم :
ص: 521
یا رب اغفر خطيئتي، فكنا والله الكلمات التي تلقاها آدم من ربه؛ فاجتباه وتاب عليه ؛ وهداه ؛ وإنهم ليروون أن الله خلقنا نوراً واحداً قبل أن يخلق خلقاً ودنيا وآخرة، وجنة وناراً بأربعة آلاف عام نسبح الله ونقدسه ونهلله ونكبره.
قال المفضل : يا سيدي هل بذلك شاهد من كتاب الله؟
قال : نعم هو قوله تعالى: ﴿ووَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ﴾(1)، إلى قوله :﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26)لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27)يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28)وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29)﴾(2)
ويحك يا مفضل، ألستم تعلمون أن من في السماوات هم الملائكة، ومن في الأرض هم الجان والبشر، وكل ذي حركة، فمن الذين فيهم - ومن عنده - الذين قد خرجوا من جملة الملائكة .
قال المفضل : من تقول يا مولاي.
قال: يا مفضل ومن ! نحن الذين كنا عنده ولا كون قبلنا ولا حدوث سماء ولا أرض ولا ملك ولا نبي ولا رسول .
قال المفضل : فبكيت وقلت يا بن رسول الله هذا والله الحق المبين وهل
نجد في كلامكم والأخبار المروية عنكم شاهداً بما وجدتني في كتاب الله .
قال : نعم في خطبة أمير المؤمنين(عليه السلام)يوم ضرب سلمان بالمدينة، وخروجه إلى الجبانة، وخروج أمير المؤمنين إليه التسليم إليه وقوله : اسأل يا سلسل سبيلك لا تجهل اسألني يا سلمان أنبئك البيان أوضحك البرهان.
فقال : سلمان يا أمير المؤمنين أودعني الحياة وأهلي الخطوة أن للرشاد إذا
ص: 522
بلغ نزح بغزيته وهذا اليوم مواضي ختم المقادير، ثم تنفس أمير المؤمنين الصعداء وقال : الحمد الله مدهر الدهور، وقاضي الأمور، ومالك يوم النشور، الذي كنا بكينونيته قبل الحلول في التمكين وقبل مواقع صفات التمكين في التكوين، كائنين غير ،مكونين ناسبين غير متناسبين أزليين لا ،موجودين ولا محدودين، منه بدونا وإليه ،نعود لأن الدهر فينا قسمت حدوده؛ ولنا أخذت عهوده، وإلينا ترد شهوده فإذا استدارت ألوف الأدوار، وتطاول الليل والنهار وقامت العلامة الوفرة والسامة ،والقامة الأسمر الأضخم والعالم غير معلم والخبير أيضاً يعلم، قد ساقتهم الفسقات واستوغلت بهم الحيرات ولبستهم الضلالات وتشتتت بهم الطرقات فلات حين مناص .
أما يا أهل حرم الله سيؤخذ لنا بالقصاص من عرف غيبتنا، ثم شهدنا نحن القدرة، ونحن الجانب ونحن العروة الوثقى، محمد العرش، عرش الله على الخلائق، ونحن الكرسي، وأصول العلم، ألا لعن الله السالف والتالف، وفسقة الجزيرة، ومن أواها ينبوعا (1)، أنا باب المقام، وحجة الخصام، ودابة الأرض وفصل القضا، وصاحب العصا وسدرة المنتهى، وسفينة النجاة من ركبها نجا ومن تخلف عنها ضل وهوى ...(2)نحن العمل ومحبتنا الثواب، وولايتنا فصل الخطاب، ونحن حجبه الحجاب فإذا استدار الفلك قلتم بأي واد سلك.
قلتم : مات أو هلك أو في أي واد سلك فنادى إلى الله تتخذ الروم النجاة ومنجدة لأن المطيع هو السامع، والسامع هو العامل والعامل هو العالم والعالم هو الساتر، والساتر هو الكاتم ، والمولّي هو الحاسد فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾(3)
من طرفي الحبل المتين إلى قرار ذات المعين إلى سبطة التمكين إلى وراء بيضاء الصين إلى مصارع مطارح قبور الطالقانيين إلى قرن ياسر، وأصحاب سنين الأعلين العالمين الأعظمين إلى كتمة أسرار طواسين، إلى البيداء الغبرة ،
ص: 523
التي حدها الثرى، التي قواعدها جوانبها إلى ثرى الأرض السابعة السفلى كذا الخالق لما يشاء سبحانه وتعالى عما يشركون .
قال المفضل : إن هذا الكلام عظيم يا سيدي تحار فيه العقول، فثبتني ثبتك الله، وعرفني ما معنى قول أمير المؤمنين الذي كنا بكينونيته في التمكين .
قال الصادق(عليه السلام): نعم يا مفضل الذي كنا بكينونيته في القدم والأزل، هو المكون ونحن المكان، وهو المنشيء ونحن الشيء، وهو الخالق، ونحن المخلوقون، وهو الرب، ونحن المربوبون، وهو المعنى، ونحن أسماؤه المعاني، وهو المحتجب، ونحن حجبه قبل الحلول في التمكين، ممكنين لا نحول ولا نزول وقبل مواضع صفات تمكين التكوين قبل أن نوصف بالبشرية والصور، والأجسام والأشخاص . . .(1) كائنين لا مكونين كائنين عنده أنواراً لا مكونين .
أجسام وصور ناسلين لا متناسلين محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف إلى آدم والحسن والحسين من أمير المؤمنين، وفاطمة بنت محمد، وعلي من الحسين ومحمد الحسين ومحمد من علي وجعفر من محمد، وموسى من جعفر، وعلي من موسى ومحمد من علي وعلي من محمد والحسن من علي، ومحمد من الحسن بهذا النسب لا متناسلين ذوات أجسام ولا صور ولا مثال، إلا أنوار، نسمع الله ربنا ونطيع يسبح نفسه فنسبحه ويهللها فنهلله، ويكبرها فنكبره ويقدسها فنقدسه، ويمجدها فنمجده في ستة أكوان؛ منها ما شاء من المدة، وقوله أزليين لا ،موجودين وكنا أزليين قبل الخلق لا موجودين بأجسام ولا صور .
قال المفضل : يا سيدي ومتى هذه الأكوان .
قال : يا مفضل أما الكون الأول نوراني لا غير ونحن فيه والكون الثاني جوهري لا غير ونحن فيه والكون الثالث هوائي لا غير ونحن فيه والكون الرابع مائي لا غير ونحن فيه والكون الخامس ناري لا غير ونحن فيه والكون السادس ترابي لا غير، فأظلة ودور ثم سماء مبنية وأرض مدحية فيها الجان الذي خلقه الله من مارج من نار إلى أن خلق الله آدم من التراب.
ص: 524
قال المفضل : يا سيدي فهل كان في هذه الأكوان خلقاً منها في كل كون؟
قال : نعم يا مفضل.
قال المفضل : يا سيدي فهل نجد الخلق الذي كان فيها ونعرفه؟
قال : نعم ما من كون إلا وفيه نوري وجوهري وهوائي ومائي وناري وترابي. يا مفضل تحب أن أقرب عليك وأريك أن فيك من هذه الستة أكوان، اعلم أنه خلقك وخلق هذه البشر وكل ذي حركة من لحم ودم.
قال : يا سيدي أين ذلك .
قال : يا مفضل الذي من الكون النوراني نوراً في ناظريك وناظرك بمقدار حبة عدس ؛ ثم ترى بها ما أدركاه من السماء والهوام والأرض ومن عليها، وفيك من الكون الجوهري يحسن ويعقل وينظر، وهو ملك الجسد.
وفيك من الكون الهوائي الهواء الذي منه نفسك وحركاتك وأنفاسك المترددة في جسدك، وفيك من الكون المائي رطوبة ريقك ودموع عينيك وما يخرج من أنفك والسبيلين اللذين هما منك وفيك من الكون الناري النار التي في تراكيب جسدك وهو المنضج المنفذ مأكلك ومشاربك ؛ وما يرد إلى معدتك، وهو الذي إذا حكت بعض ببعض كدت أن تقدح ناراً وبتلك الحرارة تمت حركاتك، ولولا الحرارة لكنت جماداً، وفيك من الكون الترابي عظمك، ولحمك، ودمك، وجلدك، وعروقك ومفاصلك وعصبك، وتمام كميته جسمك.
قال المفضل : يا مولاي إني لأحسب أن شيعتك لو غلت كل الغلو فيكم تهتدي إلى وصف يسير مما فضلكم فضلكم الله به من هذا العلم الجليل .
قال الصادق(عليه السلام): ما لك يا مفضل لا تسأل عن تفصيل الأكوان الستة .
قلت يا مولاي بهرني والله عظيم ما سمعته من السؤال.
قال الصادق نحن كنا في الكون النوراني لا غير وفي الجوهري لا غير ،وفي الهوائي خلق وهم جيل من الملائكة، أما سمعت قول جدي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)يقول : لا يوقعن أحدكم بوله من عالي جبل ولا من سطح بيت، ولا من رأس رابية، ولا في ماء، فإن للهواء سكاناً، وللماء سكاناً.
ص: 525
قال المفضل : نعم يا ،مولاي، مما خلق أهل الماء.
قال : خلقهم بصور وأجسام نطقوا بثلاث وعشرين لغة، وقامت فيهم النذر والرسل، والأمر والنهي، وصارت فيهم ولادات ونسل، وكونهم من الماء الذي يقول الله(عزّوجل): ﴿وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ﴾(1).
قال المفضل : نعم يا مولاي فالجان.
قال الصادق : يا مفضل لما خلق الله السموات والأرض سكن خلق الماء في البحار والأنهار والينابيع ومناقع الماء، حيث كانت من الأرض وأسكن الجان الذي خلقه من مارج من نار، فقامت فيهم النذر والرسل، ونطقوا بأربع وعشرين لغة وأمر إبليس بالسجود لآدم.
والسجود هو الطاعة لا الصلاة فأبى واستكبر وقال : لا أسجد لبشر خلقتني من نار وخلقته من طين فافتخر على آدم وعصى الله، وقاس ويله النار بالنور وظن أن النار ،أفضل ولو علم أن النور الذي في آدم وهو الروح التي نفخها الله فيه؛ كان أفضل من النار التي خلق منها إبليس لفسد قياسه.
قال المفضل : يا مولاي أو ليس يقال : إن إبليس كان من الملائكة؟
قال :بلی یا مفضل هو من الملائكة، لا الروحانية ولا النورانية، ولا سكان السماوات ومعنى ملائكة هو اسم واحد فيصرف فهو ملك ومالك ومملوك، هذا كله اسم واحد وكان أملاك الأرض ؛ أما سمعت قول الله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ
ص: 526
اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ﴾ (1).
وقوله تعالى: ﴿وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (27)﴾ (2)
وقال: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ﴾(3) .
وقوله : ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1)يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2)﴾(4)
قال المفضل : نعم يا سيدي علمتُ ،وفهمتُ، فكيف كانت الأظلة .
قال : أما سمعت قول الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (45)ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا (46)﴾(5) ، يا مفضل إن الله سبحانه وتعالى، أول ما خلق النور الظلّي، قلت : ومما خلقه؟(6)
ص: 527
قال : خلقه من مشيئته ثم قسمه ألم تسمع قول الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ
ص: 528
كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (45)ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا (46)﴾(1)، خلقه قبل أن يخلق سماء وأرضاً وعرشاً وماء ثم قسمه أظلة الله فنظرت الأظلة بعضها إلى بعض فرأت نفسها فعرفت أنهم كوّنوا بعد أن لم يكونوا والهموا من المعرفة هذا المقدر ؛ ولم يُلهموا معرفة شيء سواه من الخير والشرّ ثم أن الله أدبهم، قال: كيف أدّبهم؟
قال : سبّح نفسه فسبّحوه وحمد نفسه فحمدوه ولولا ذلك لم يكن أحد يعرفه ولا يدري كيف يُثني عليه ويشكره فلم تزل الأظلة تحمده وتهلله، فمكثوا على ذلك سبعة آلاف سنة فشكر الله ذلك لهم فخلق من تسبيحهم السماء السابعة.
ثم خلق الأظلّة أشباحاً وجعلها لباساً للأظلة وخلق من تسبيح نفسه الحجاب
عبد الله جدي، ونصف في جدي أبي طالب بن عبد مناف أبي أمير المؤمنين(عليه السلام). ثم زوّج الله أمنا فاطمة بجدنا المؤمنين فكنا كما قال الله تعالى : ﴿ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضِ وَاللهُ عَلِيمٌ﴾[آل عمران : 34].
قال الصادق(عليه السلام): يا مفضل لا تلق بما نلقيه إليك من علم ما فضلك الله به إلا إلى مستحقه ؛ فإنه علم لا يحتمله إلا من أعم الله عليه به وطهره من الشكوك وكتب الإيمان في قلبه . يا مفضل لأمير المؤمنين(عليه السلام)في خطبة الدرّة وعنه يقول : حديثنا أهل البيت صعبٌ مُستصعب ، غريب مُستغرب، لا تحمله إلا صدور حصينة وأخلاق رصينة من الغي نقية يا عجبي كل العجب بين جمادى ورجب.
فقام صعصعة بن صوحان العبدي فقال له : يا أمير المؤمنين ما هذا العجب الذي لا تزال تكرره في خطبتك كأنك تحب أن تسأل عنه ؟ قال : ويحك يا صعصعة وما لي لا أعجب من أموات يضربون هام الأحياء من أعداء الله وأعدائنا ، لكأني أنظر إليهم وقد شهروا سيوفهم على عواتقهم يقتلون المشككين والظانين بالله ظن السوء، والمرتابين في فضائلنا أهل البيت.
قال صعصعة : يا أمير المؤمنين ما هؤلاء الأموات أموات الدين، أو أموات القبور ؟
قال : لا والله يا صعصعة بل أموات القبور ويكرّون إلى الدنيا معنا ، لكأني أنظر إليهم في سكك الكوفة كالسباع الضارية شعارهم الليلي يا ثارات الحسين .
ولأمير المؤمنين في الخطبة المعروفة بالمختارة : حديثنا صعبٌ مُستصعب، غريب مُستغرب، لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو مؤمن امتحن الله قلبه في العلم والإيمان.
فقام إليه الأصبغ بن نباتة فقال له : فرج عن شيعتك بعلم هذا الصعب المستصعب الغريب المستغرب .... وباقي الحديث في متن المصنف
ص: 529
الأعلى ثم تلى : ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ﴾(1)، الوحي : يعني الأظلة أو من وراء حجاب، يعني الأشباح التي خلقت من تسبيح الأظلة، ثم خلق لهم الجنة السابعة والسماء السابعة وهي أعلى الجنان ثم خلق آدم الأول ؛ وأخذ عليه الميثاق وعلى ذريته فقال لهم : من ربكم : ﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ﴾(2)فقال : للحجاب الذي خلقه من تسبيح نفسه﴿ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ﴾(3)ومن أي شيء خلقوا فأنبأهم الحجاب في ذلك فكان الحجاب الأول يعلمهم فمن هناك وجبت الحجة على الخلق .
ثم إن الله خلق على مثال ذلك سبعة آدام وخلق لكل آدم سماء وجنّة فجعل الأول من أجاب لأخذ الميثاق الأول ثم الثاني واحداً بعد واحد، يفضل الأول في الأول، وخلق النور الثاني أفضل من الثالث وخلق الأظلة من إرادته على ما شاء، ثم أدبهم على مثال الأول وخلق لهم السماء الثانية، والجنة الثانية وقال: ﴿ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ ﴾(4) ﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ﴾(5)، فقال للحجاب الثاني أنبئهم بأسمائهم، ومن أي شيء خُلِقوا وأخذ من أهل السماء الثانية الميثاق للحجاب الثاني، ثم قرأ : ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ ﴾(6)، وهو الحجاب الأول ثم تلى : ﴿وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ﴾(7)، ثم خلق النور الثالث على مثال ما خلق النور الأول والثاني من الأظلّة والأشباح والسماء والجنة، وخلق الحجاب الثالث، ورأسه كما رأس الحجاب الثاني، وأخذ ميثاقهم له وأنبأهم كما أنبأ أهل السماء الثانية فأجابوا ؛ وكذلك بقية الأنوار والسماوات وأضعفهم السابع، وإن ذلك أنه أقلهم نوراً وأرقهم إيماناً ويقيناً .
وخلق السماوات كلها من سبعة أنوار وجعل كل نور متقدم أفضل من صاحبه لسابقته في الإجابة ؛ وذلك مقدار ذلك خمسين ألف سنة، وخلق في كل سماء جنة وعيناً وإنما احتملت كل سماء أهلها وصارت قطباً لهم لأن الله خلقها من أعمالهم والعيون السبعة التي في الجنان فإنها خُلقت من علوم أهلها ثم خلق سبعة أيام لكل سماء يوماً ثم خلق للأرواح أبداناً من نور.
ص: 530
ومما أتى في الحديث الصحيح عن رسول الله : أنّه كان جالس في محرابه ووجهه كدارة البدر في وقت الاكتمال وكانت محدقة من حوله الأنصار والمهاجرين، ومن آمن في نبوتِهِ.
فقال زيد بن حارثة وسعد بن مالك : يا رسول الله، سمعناك بالأمس تأتي بذكر الحسين بن علي، وأبيه أمير المؤمنين.
فقال(صلی الله علیه وآله وسلم): فسوف يظهر من قبائل ولدي الحسين، ونسله إمام يقال له الإمام محمد بن الحسن بن علي، وسوف تظهر قبيلة من نسله لا يحصى عددهم؛ وفي أيديهم السيوف المضرية والخوذ الداودية، والثياب العدنانية؛ وهُم يُقيمون في نصرة ولدي الحسين كأنهم معنا وكأني أنظر إليهم يقدمون في سكك الكوفة بشعارهم مكللة ويأخذون بثارات الحسين بن علي وأبيه أمير المؤمنين.
ويرجعُ الحديث إلى الصادق(عليه السلام)أنه قال : يا مفضل فقد قال جدي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وذكرهم رجلاً رجُلاً في خطبتِهِ وكأني واعيها وناظرها يا مفضل: حديثنا أهل البيت صعبٌ مُستصعب غريب مُستغرب لا يحمله إلا ملك مقرب، أو نبي مرسل أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه في العلم والإيمان.
فقام إليه الأصبغ بن نباته فقال : فرّج عن شيعتك يا أمير المؤمنين بعلم هذا الصّعب المستصعب الغريب المستغرب .
قال : نعم يا أصبغ إنّ الصعب هو المؤاساة والمُستصعب هو المساواة.
قال الأصبع : يا أمير المؤمنين كيف المواساة والمساواة؟
قالَ: تُواسِي أخاك المؤمن من كل شيء رزقك الله إياه ولا تحرمه ولا تمتحنه في دينه، فإذا امتحنته فوجدته حقيقي الإيمان مخلص التوحيد لزمتك مساواته وهوَ ان تساويه في كلّ مل تملكه صغيراً كان أو كبيراً تالداً أو طارفاً، وحتى والله في الإبرة فهذه والله هو المساواة والمواساة.
ص: 531
وقال أمير المؤمنين في خطبته المرهفة [المبرهنة ] : إن حديثنا أهل البيت غريب مُستغرب لا يحمله ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا عبد امتحن قلبه بالإيمان إلا ما شاءَ الله وشئنا ، فقام إليه إبراهيم بن الحسن الأزدي فقال : يا أمير المؤمنين بالذي فضلك الله بما فضّل به رسول الله على العالمين؛ إنّ حرمة أوليائك تحرزنًا من أعدائك، أن يسمعوا مالا يستحقوا علمه منك.
قال أمير المؤمنين : يا إبراهيم قد بلغَ الرسول وأقام البرهان والدّليل، ولزمه الحجّة، وبقيت المجازات، فاسأل يا إبراهيم.
فقال : يا أمير المؤمنين من هو الملك المقرب، والنبي المرسل، والعبد الذي امتحن الله قلبه للإيمان، ولم لا يحملونه؟
قال : يا إبراهيم أمّا الملك المقرّب الذي لم يحمل حديثنا ؛ كان من المؤمنين يقالُ لهُ : صَلصَائيل، نظر إلى بعض ما فضلنا الله به، ولم يطق حمله وشكَ فيهِ فأهبطه الله من جَوارهِ ودق جناحه ؛ وأسكنه في جزائر البحر، وهو عند الناس إنّه سهى وغفل عن تسبيحه فَعاقبه الله في هذه العُقُوبة إلى الليلة التي ولد فيها الحسين ابني، فإن الملائكة استأذنت الله في تهنئة جده رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، وتهنئة أمه فاطمة ؛ فأذن الله لهم فنزلوا أفواجاً من العرش، ومن سماء إلى سماء؛ فمرّ منهم ملك وفوج من الملائكة بصلصائيل ؛ وهو ملقى في الجزيرة؛ فلما نظر إليهم وهو باك حزين مُستقيل الله، فوقفُوا ينظرون إليه، فقال لهم : يا ملائكة إلى ما تُريدون؛ وفيما أهبطتم به؟
فقال له الملك : يا صلصائيل يولد في هذه الليلة أكرم مولد في الدنيا بعد جده رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، وعلي أبيه وأمه فاطمة وأخيه الحسن وقد استأذنا الله في تهنئة جده محمد به؛ فأذن لنا .
فقال صلصائيل : يا ملائكة الله ربي وربكم وأسألكم بهِ وبحبيبه محمَّد، وبهذا المولود الكريم تأخذوني معكم إلى حبيب الله ؛ وتسألونه وأسأله بحق هذا المولود الذي أوهبه الله له أن يغفر لي خطيئتي ويجبر كسري ويردني إلى مقامي مع الملائكة المقربين.
ص: 532
فحملوه وأتوا إلى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وهناوه بابنه الحسين وقضوا عليه قضة الملك صلصائيل وسألوه بجاه الله والإقسام عليه بحق الحسين أن يغفر خطيئته وبجبر كسر جناحه ويردّه إلى مقامه مع الملائكة المقربين، فقام رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)ودخل على فاطمة (عليها السلام).
فقال لها : يا موفقة ائتني بابني الحسين.
فأخرجته إلى جدّه مقمطاً يُناغِي إلى أن أتت جدّه رسُول الله ؛ فأخذَهُ وخرج به إلى الملائكة يحمله على بطن كفّه وهلّلوا وكبروا وحمدوا الله وأثنوا عليه في تهنئة رسول الله، فتوجه به إلى القبلة ورفعه إلى السماء، وقال: اللهم إني أسألك بحق هَذا ابني الحسين عليك أن تغفر لصَلصَائيل الملك خطيئته، وجبرت كسر جناحه وردّيته إلى مقامه مع الملائكة المقربين.
فهبط جبرائل(عليه السلام): يا رسُول الله ربّك يقرئكَ السّلام ويقولُ لكَ قد غفرتُ خطيئته وجبرتُ كسر جناحه وردّيته إلى مقامه مع الملائكة، وجعلته مولى الحسين بن علي ابن فاطمة ابنتك ؛ يا محمد كرامةً لك، وإلى الملائكة(عليه السلام)جبرت کسر جناحه .
فرجعت الملائكة وصلصائيل معها إلى مقامه فهو يعرفُ بصلصائيل مولى الحسين بن علي(عليه السلام)، والنبي المرسل فهو يونس بن متى، فكان من قصّته أنه تنبأ بنبوّته بأنّ ولاءنا معقود بتوحيد الله جل ذكره، ولا يقبلُ الله من موحد توحيده إلا بولايتنا ولا ينعقد إلا بتوحيد الله جل ذكره، فشك فينا ولم يقرّ بأنّ ذلك شَكٍّ يلحقهُ سخط من الله جل ذكره، فكان كما قال الله تعالى: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾(1).
قال المفضّل : يا سيدي وكان يونس في توبته يظنّ أن الله لا يقدر عليه.
فقال : يا مفضل إنما ظنّ أن لا يقدر عليه بشكه فيما فضلنا الله به، فسخطّ عليه وعاقبه، فكان من قصّتهِ مَا قصه الله في كتابه للعبد الذي امتحن الله قلبه للإيمان.
ص: 533
وقد روت عنه الشيعة أنّه سلمان الفارسي(رحمۀ الله علیه)، وأنّه لما رأى أمير المؤمنين(عليه السلام)وهو مكتف ليُساقُ إلى سقيفة بني ساعدة، وقالها : هذا الأمر أمرٌ عظیم(1) ،ومن كان من حوله من جملة أصحابه وأعوانه، والمقداد، وأبو ذر، وحيث حلقوا رؤوسهم وأشهروا سيوفهم على عواتقهم كما أمرهم أمير المؤمنين(عليه السلام)، ورووا أن ميثم التمار لما اجتاز بالكوفة، ونظر أمير المؤمنين(عليه السلام)إلى النخل قالَ: يا ميثم التمار ما أنبت هذه النخلة إلا لك، إنها توقع وتشقُ فتصلبُ على بعضها على باب عمرو بن حريث، ويقطعُ عبيد الله بن زياد لعنه الله يديك ورجليك ولسانك .
فقال في نفسه : إنّ هذا لَهوَ البلاء المبين، فازداد في محبتك.
قال الحسين بن حمدان(رحمۀ الله علیه): إنّما أردتُ إلى الثلاثة لئلا يبقى شيء مما رُويَ فی الثلاثة، والذي صح : أنه سلمان الفارسي(رحمۀ الله علیه) .
قال المفضل للصادق: يا سيدي إني أسألك أن تسأل الله أن يثبتني وسائر شيعتكم المخلصين لكم على ما فضلكم الله به ولا يجعلنا به شاكين ولا مرتابين .
قال الصادق(عليه السلام): يا مفضل قد فعلتُ، ولولا دعانا ما ثبتم.
قال المفضل يا مولاي إني أحبُّ أن تفيدني شاهداً من كتاب الله(عزّوجل) على ما فرضَه الله لكم من سُلطانه وقدرته .
قال الصادق(عليه السلام): يا مفضل القرآن وسائر الكُتب تنطق به، ولو كنتم تعلمون فإني أُبين لك ما هو في حقنا في كتابه وقوله : ﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31)قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32)لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (33)مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34)
فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35)فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36)وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً
ص: 534
لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (37)وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38)فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39)فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40)وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41)مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42)وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43)فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (44)فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ (45)وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (46) وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47)وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (48)وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49)فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50)وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (51)﴾(1)
وإنما هذا قول الرسول المفوض إليه، وهو المفوض إلينا ذلك العلم، لقول الله تبارك وتعالى : نحنُ نفعلُ منه بما يأمرنا بفعله وهذا القول إشارة منّا إليه وسنراه بينه وبين عباده ولا ملائكة بأكرم عنده منا ولا أوثق .
قال المفضل : يا سيدي مثل هذا في القرآن كثير(2).
ص: 535
قال : نعم يا مفضل؛ ما كان في القرآن أنزلنا وإنا جعلنا وإنا أرسلنا وإنا
ص: 536
أوحينا، فهو قول الأنبياء والرسل المخولين في بسائط ملكوت السماء وتخُوم
ص: 537
الأرض فهم نحنُ ولا خلق الله شيء بأكرم منا عنده وقد شرحت لك يا مفضل هذا، فاشكر الله واحمده ولا تنسى فضله إن فضله كان عليك كبيراً وما كان في كتابه العزيز أنا وإياي وخلقتُ ورزقت وأمتُ وأحببتُ وأبديت وأنشأت وسويت وأطعمت وأرسلتُ فهي من نطق ذاته إلينا يا مفضل ومثل هذا كثير، ولقد أتيناك من لدنا ذكراً .
ص: 538
وكان أمير المؤمنين(عليه السلام)سماه سلسل وكان يكنى أبا عبد الله، وكناه أمير المؤمنين أبا البينات وكان اسمه ،روزبة عند بني إسرائيل، وكنيته: أبو المرشد، ومشهده بالمدائن.
عن
1 - قال الحسين بن حمدان حدثني محمد بن يحيى الفارسي، عن محمد بن خالد اليماني، عن جعفر بن زيد الخزاعي، عن محمد بن النعمان، مؤمن الطاق، أبي حمزة الثمالي عن سعيد بن المسيب عن زادان مولى سلمان عن سلمان قال : لما ابتاعني رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)من اليهودية بالحديقة التي استشنت على رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)أن يخطها لها في أرض سبخة أرض سبخة بور لا ينبت فيها شيء، وأن يغرسها لها نوى ينبت فيها، ويحمل ويُثمر ويطعم من يومه .
واليهودية تظن أن هذا ما يكون؛ ولا يقدر عليه رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، فاختطها لها في أرض سبخة كما شاءت، وأمر بنوى فجمع له وصار إلى الخطة هو وأمير
ص: 539
المؤمنين(عليه السلام)، والمقداد، وأبو ذر وقال لي : اسق يا سلمان؛ فإنك باب حياة المؤمنين، وأبو ذر متقدم وكنت أصب الماء في حفرة حفرة، وإذا تمت الحفرة إلى آخر الحديقة نبت أولها وأخرج نخلاً وحمل وأثمر، وأطعم ألواناً من التمور حتى إذا غرست كلها، فاض اليهودي وسبعون رجلاً من اليهود فيهم أحبار وربانيون قالوا : ما ظننا أن يبعث الله رسولاً بعد موسى وإن كانت التوراة تنطق بك يا رسول الله حقاً.
ودخل رسول الله المدينة، ونحن معه ؛ فأقبل المسلمون إليه يهنئونه، ويهنئوني ورسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)يقول : أنهنئون سلمان بالإسلام وهو يدعو بني إسرائيل إلى الإيمان بالله منذ أربعمائة سنة وخمسين.
فقال: قوم من المسلمين يا رسول الله لقد فضلت هذا الفارسي على كثير من الناس.
فقال : وهذا فضله عندكم إن الله أوحى إليَّ أن الجنة تشتاق إلى ثلاث نفر، من أصحابي منهم سلمان.
فأكثروا سؤال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)عن الاثنين الآخرين اللذين تشتاق إليهم الجنة.
فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): سيد الاثنين، وإمامهما أخي علي بن أبي طالب ثم سلمان، ثم عمار بن ياسر .
2 - قال الحسين بن حمدان نضر الله وجهه قال : حدثني أحمد بن جعفر الفقير البصري، عن محمد بن عبد الله بن مهران الكرخي عن زيد بن غياث، عن جعفر بن محمد بن المفضل، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام)، قال : دخل عليه أبو الخطاب محمد بن أبي زينب، فرحب به وقبله وقربه، وأقبل عليه فقال له يا بن الخطاب أصبحت عيبة علمنا وموضع سرنا، وأمرنا ونهينا فكن الله على ذلك شاكراً، وبما أعطاك متمسكاً، ولطاعته مؤثراً، وأدب شيعتنا بما أحبك الله به ولا تعدل من حيث أمرك .
فبكى أبو الخطاب ؛ وقال : ربي أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليَّ
ص: 540
وعلى والدي، وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي؛ إني تبت إليك وإني من المسلمين.
فقال له الصادق(عليه السلام): يا محمد إني خاطبتك بما خاطب به جدي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)سلمان.
وقد دخل عليه عند أم أيمن فرحب به وقربه وقال أصبحت يا سلمان عيبة علمنا ؛ ومعدن سرنا ومجمع ،أمرنا ونهينا ومؤدب المؤمنين بأدابنا أمن والله الباب الذي بوأ ،علمنا وفيك يتبوأ علم التأويل والتنزيل وباطن السر، وسر السر، فبوركت أولاً وآخراً وباطناً وظاهراً وحياً وميتاً .
فقال رسول الله هذا القول لسلمان وقلته أنا لك يا محمد
3- وعنه (قدس سره)، عن أبي العباس أحمد بن يوسف الشامي، قال: حدثني إسحاق بن محمد، قال حدثني جعفر بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن المنذر الخوارنسي، قال خرج علينا الصادق وعليه جبة هروي صفراء، فجعل يقول : أما السفينة فكذا وأما الغلام فكذا وأما الجدار فكذا، وأما الغلامان اليتيمان والكنز فكذا ولقد صفر على رأس اليتيمين طائر أسود؛ ثم سقط في البحر بمنقاره وطلع، فقال العالم الذي أقام الجدار لليتيمين تعلمان ما يقول هذا الطائر . قالا : لا .
قال : إنه له خلف إنما علمكما في علم سلمان الفارسي إلا كمثل ما أخذه من البحر بمنقاره، وما علم أمير المؤمنين إلا بمنزلة بحر يمده من بعده سبعة أبحر بجانبها عين تزيدها والعين رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم).
وعنه (قدس سره)، عن محمد بن عامر عن إسماعيل بن علي القمي عن عبد الله بن رجا الفراتي عن إسرائيل، عن يونس بن ظبيان، عن أبي إسحاق الهمداني عن الحارث الأعور ، قال : سمعت أمير المؤمنين، يقول: قال رسول
ص: 541
الله (صلی الله علیه وآله وسلم): سلمان منا أهل البيت أدرك علم الأولين، وعلم الآخرين، وإنه لكم مثل لقمان الحكيم.
5-وعنه، عن صالح بن أحمد الشيئي، عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي، عن أبيه، عن محمد بن سنان الزهري عن المفضل بن عمر، قال: سمعت الصادق ، جعفر بن محمد يقول : سلمان بحر لا ينزف، أعطي العلم الأول والآخر، وما مثله في علم محمد وأمير المؤمنين إلا بمنزلة بحر يمده من بعده سبعة أبحر .
قال المفضل وسأله سائل عن علم محمد وعلي، فقرأ : ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ﴾
(1)كلمات محمد وعلي لأنهما لسان الله الناطق بإذنه(2).
6 - وعنه (قدس سره) ، عن الحسن بن محمد بن جمهور عن مالك بن خالد الجهني عن قيس العبراني، عن عطية العوفي عن أبي عمرو زادان، قال: لما آخى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) بينه وبين أصحابه، وآخى بين سلمان والمقداد، فدخل المقداد على سلمان وعنده قدر منصوبة على اثنتين وهي تغلي من غير حطب فتعحب المقداد ؛ وقال يا أبا عبد الله هذه القدر تغلي من غير حطب، فأخذ سلمان حجرين فرمى بهما تحت القدر، فالتهب فيها فقال له سلمان: لا تعجب؛ أليس الله يقول جل من قائل: ﴿وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾(3). ففارت القدر.
فقال سلمان :یا مقداد سكن فورتها.
فقال : المقداد: ما أرى شيئاً أسكن به القدر، فأدخل سلمان يده في القدر،
ص: 542
فأدارها ؛ فسكنت القدر من ،فورتها فاغترف منها بيده فأكل منها هو والمقداد.
فدخل المقداد على رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، فأعاد عليه خبر النار، والقدر، وفورتها، فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): سلمان من يطع الله ورسوله وأمير المؤمنين فيطيعه كل شيء، ولا يضره شيء. فلما دخل سلمان عليه قال له رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) : ارفق یا سلمان بأخيك المقداد وارفق بك(1).
7 -وعنه(قدس سره)، عن أبي العباس أحمد بن يوسف الشاشي، عن إسحاق بن محمد، عن عثمان بن راشيد، عن محمد بن سليمان السوسي، عن أبي السفايح عن الصادق(عليه السلام)قال :
لما اشترى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)سلمان، جلس في داره ودعا أزواجه وقال لهم: سلمان عيني الناظرة، ولكن تأدبوا بآدابه، ولا تظنوا أنه كمن ترون من الرجال، إن سلمان يدعو إلى الله وإليَّ قبل مبعثي بأربعمائة وخمسين سنة، لم تأخذه في الله لومة لائم إلا افقرار بي، ولم يكتب إليه في صحيفته ذنباً اكتسبه سمعه ولا بصره ولا ،لسانه ولا يداه ،ولا ،رجلاه ولا قلبه ولا شيء من جوارحه، ولو سئل سلمان عن عورات الرجال والنساء لم يعرفهن ولم يرهن ولا رأى عورة نفسه منذ عقل ولا أخلد إلى الدنيا ولا إلى نعيمها ولا إلى نسائها ولا ظهر فيه خيانة إلا أنه ماله ما للرجال وللنساء.
وهو باب أمير المؤمنين(عليه السلام)، وعلي بابي وأنا مدينة العلم، فاعرفوا سلمان قال : فكن أزواج رسول الله وفاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، تخاطب سلمان مخاطبة الولد لوالده .
8- وعنه قدس سره عن جعفر بن محمد بن مالك بن بن عبد الله بن يونس، عن محمد بن سهيل، عن زيد الشحام عن يونس بن ظبيان عن المفضل بن عمر،
ص: 543
عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي خالد الكابلي عن رشيد الهجري، عن جابر ابن عبد الله بن حزام الأنصاري قال: كان سلمان بعد وفاة رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)يكثر التردد إلى دار فاطمة(عليها السلام)؛ يعزيها ويسليها ويخدمها خدمة بعهد رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)وكانت فاطمة تخرج بعدها أمير المؤمنين وبنيها الحسن والحسين ليلاً إلى دار المهاجرين والأنصار يستنهضوا بهم لنصرة أمير المؤمنين على تلك العصابة؛ فيعدونه ليلاً ويتخاذلون عنه نهاراً .
فقال عمر بن الخطاب ما لليلة في خروج فاطمة إلى الناس، إلا هذا الفارسي المجوسي لآتين عليه لأنه يكثر الخروج، والدخول إلى فاطمة لا ليثير الفتنة علينا فوقف له عمر في جماعة بباب فاطمة(عليها السلام) فلما خرج سلمان وثب إليه عمر وقال : أما ترون هذا الأعجمي الطمطماني يدخل على بنت رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)نهاراً وليلاً كأنها من بنات ،مجوسهم، وسلمان واقف لا يكلمه وهو يشنع عليه الفاحشة، ويفحش في الخطاب، ويشنع أنه غير مأمون على فاطمة بنت رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) ويقول : ما تصنع الرجال عند النساء في الخلوات والله يا فارسي لقد استحققت التطهير بالسيف، وكل ذلك لا يجيبه سلمان عما يقول، وتهب ريح فكشف ثوب سلمان وعورته ؛ فنظر إليه كل من حضر فلم يروا له ما يكون للرجال ولا للنساء من العورات.
فقالوا له بأجمعهم : يا عمر استغفر الله فيما قذفت سلمان ورميته به، وشعرت فاطمة بنت رسول الله فرجع عمر خجلاً نادماً إلى أبي بكر، فقال أبو بكر : لا تزال يا أبا حفص تفضحنا في هذه الأمة بعجلتك وسطوتك حتى نفقد عنا الأمة فنخسر الدنيا والآخرة، وبعث أبو بكر إلى سلمان فاعتذر إليه وسأله إحلال ما فعل به عمر.
فقال سلمان: إن قذف عمر إليَّ بهذه السوأة لأشد عليَّ من يوم ضربه لي في السقيفة يوم فقد رسول الله فقد رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)، والله لا أحللته أبداً أو يأخذ الله لي بحق منه .
9 - وعنه (قدس الله سره) روى بهذا الإسناد عن جابر بن عبد الله قال قال : رسول الله : لكل أمة محدث ومحدث هذه الأمة سلمان.
ص: 544
فقيل له: يا رسول الله فما معنى محدث فقال هو ينبئنا بما غيب عن الناس مما يحتاجون إليه.
قيل له : وكيف ذلك يا رسول .
قال : لأنه قد علم مني علمي ما هو في قلبه من علم ما كان وما هو كائن.
10 - وعنه (قدس سره) : عن علي بن الحسين المقري الكوفي، عن إبراهيم ابن جعفر الزيات عن الحسن بن معمر عن أبي سمينة محمد بن علي، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام)أنه دخل عليه وفد من فارس حجاج؛ وهو بالمدينة، فسألوه عن معالم دينهم، فأخبرهم بجميع ما سألوه عنه، وسألوه عن سلمان ورغبته إلى عمر في تزويجه ،ابنته أخت حفصة زوجة رسول الله، هل كان ذلك صحيحاً .
فقال أبو جعفر : والله ما كان سلمان ممن يميل إلى الدنيا، ولا إلى نعيمها، ولا كان مفتناً بالنساء، لأن الله خلقه معصوماً، وما كان له ما يكون للرجال، ولا للنساء من العورة، ولكنه اختبر عمر بخطبته إليه وامتحنه .
فقالوا: يا بن رسول الله ؛ فكيف كان قوله لعمر، وما قال له عمر .
فقال(عليه السلام)لهم : إن سلمان اجتاز عمر وهو على باب داره في رهط من بني عدي؛ قوم عمر، فدعاه عمر، فقال: يا أبا عبد الله ما ترغب إلينا في شيء من دنيانا فنسفعك به، قال بلى يا أبا حفص قد رغبت إليك في أن تنكحني ابنتك أخت حفصة، فغضب عليه عمر وقال لقومه : أما ترون هذا العجمي الطمطماني كيف قد رفعه ،محمد عن مقداره حتى سمت نفسه إلى أن يكون صابئاً كالسلف وقام عمر إلى رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)منكراً جوابه، فقال : يا رسول الله لا ترفع مقدار من ليس له قدر حتى يزيد على أشراف أصحابك تفاخراً ،وقدراً فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): من فعل بك هذا، فقص عليه قوله لسلمان، وقول سلمان له .
فقال له رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): ويحك يا عمر، أما ترضى أن تزوج سلمان أن رغب إليك، وأن تقرب إليك، وقد اشتاقت إليه الجنة وأنزل الله (عزّوجل) إِليَّ فيه وفيكم
ص: 545
معاشر قريش،﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ ﴾(1).
فقال عمر: من هؤلاء يا رسول الله . فقال : هو والله سلمان ورهطه أي والله وقد أنزل الله فيه وفيكم : ﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾(2)، فسكت عمر.
فقال حذيفة: من هؤلاء.
فقال هم والله سلمان ورهطه ثم قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): معاشر قريش تضربون العجم على الإسلام هذا والله ليضربنكم عليه عوداً غداً. فقال حذيفة بن اليمان: هنيئاً لسلمان وقومه من آمن منهم واتقى. فقال رسول الله : لو فقد الإسلام من الأرض لوجد في جحر، ولو بلغ إلى عنان السماء؛ لما ناله إلا أولاد فارس. فقام عمر حزيناً فمر به سلمان بعد ذلك، فقال له : يا أبا عبد الله، ما رأيك فيما قلته فقال لك لا فقال سلمان هيهات يا عمر كان ذلك مرة واليوم فلا . تمت أخبار سلمان .
1 - قال الحسين بن حمدان، حدثني الحسين بن عبد الله بن مهران الكرخي،
عن محمد بن يحيى الأرمني، عن محمد بن صدقة العنبري عن محمد بن سنان الزهري عن المفضل بن عمر عن جابر بن يزيد الجعفي عن سعيد بن المسيب، عن عمرو بن الحمق الخزاعي، عن عمار بن ياسر، قال عمار: كنا مع رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)في غزوة ذات الأباطل فرجعنا منها ظاهرين؛ ولحقنا سقي من السماء فحملت الماء الأرض وترفعت الغدران والمسالك فوردنا على ماء عظيم قد اعترض الطريق في بطن واد عريض، فوقف الناس يرموون الخوض فيه والعبور، وكل يقدر على ذلك حتى ورد رسول الله إلى الوادي ؛ فنظر إلى شدة جريانه وقلة حيلة الناس في عبوره.
فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): تسفن یا سفينة على الوادي، فنزل سفينة، عن فرسه ووضع عنه سلاحه فرمى بنفسه في عرض الوادي، فصار الوادي دونه، وصار كالسفينة فيه، فنزل رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فمشى على ظهر سفينة حتى صار في جانب الوادي، ودعي أمير المؤمنين(عليه السلام)فنزل وعبر على ظهر سفينة، ثم قال له رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): قم يا سفينة فحسبك هذا افتخاراً.
فقام سفينة على الوادي فتضايق الوادي وقبت ضفتاه حتى تخطاه العسكر وعبر، فمن أجل ذلك لقبه رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) سفينة .
2 - وعنه (قدس سره)، عن جعفر بن محمد بن مالك، عن عبد الله بن يونس السبيعي، عن الحسن بن محبوب الزراد، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن محمد ابن أبي يعقوب ،عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام)قال : قال أمير المؤمنين(عليه السلام)لسفينة مولى أم سلمة : ملاك الله علماً جماً إلى مشاشك؛ فأنت فلك الله المشحون وأنت الباب لي، ولإبني الحسن بعد سلمان.
ص: 547
3 - وعنه (قدس سره) بهذا الإسناد عن المفضل بن عمر قال : حدثني محمد ابن أبي زينب، عن صالح بن ميثم التمار، عن أبيه ميثم، قال:
رأيتُ سفينة يوماً وقد سال وادي مكة؛ فجاء بشيء بقدرة قادر وأقبل يهدهد الحجارة والإبل والدواب والناس لا يملكون من أنفسهم شيئاً والوادي يدفق كلما مر عليه إلى البحر، فرأيت رجلاً على جمل له في محمل والماء يدهده، والرجل ينادي : يا منقذ الغرقى أنقذني، فرأيت أبا عبد الرحمن سفينة قد دخل الوادي وتوسط الماء وأخذ الجمل يحمله فرمى به على الجبل فلم أر شيئاً أعجب مما صنعه سفينة، ثم رجع إلى موضعه كأنه ما دخل في ماء ولا مسه بيده.
4 - وعنه (قدس سره)، عن أبي العباس أحمد بن يوسف، عن إسحاق بن محمد، قال : حدثني علي بن إسماعيل، عن علي بن الحسين القمي، عن محمد بن سنان، عن المعلى بن خنيس عن الصادق(عليه السلام)جعفر بن محمد؛ أنه قال : مقام سفينة مع أمير المؤمنين ومع الحسن(عليهم السلام)، مقام سلمان مع رسول الله وأمير المؤمنين(عليه السلام)، وهو بابهما. ولا بد من باب مع كل إمام في كل عهد وزمان منذ عهد آدم إلى ظهور المهدي(عليه السلام).
5 - وعنه (قدس سره)، عن أحمد بن يوسف إسحاق بن محمد، عن جعفر ابن يحيى، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن الصادق(عليه السلام)أنه قال: بينما رسول الله في بعض أسفاره إذ انتهى الناس إلى غدير ؛ فإذا فيه ماء فعبر الناس أمتعتهم، وجاء سفينة فعبر متاع رسول الله فقال له : يا قيس أنت سفينتي، والباب للأئمة من بعد سلمان وأنت وسلمان ومن يليكم في البابية سواء.
ص: 548
6 - وعنه (قدس سره)، عن محمد بن يحيى الفارسي، عبد الله بن زيد، عن محمد بن جبلة عن محمد بن كثير الخراز، عن عبد الله بن بلال، عن أبي حمزة الثمالي عن حجر بن عدي الطائي عن الأصبغ بن نباتة ، قال : ركب سفينة البحر في مركب مع قوم فانكسر بهم المركب فركب سفينة خشبة من خشب المركب إلى أن ورد الساحل، فإذا هو بأسد قد تلقاه .
فقال: أنا سفينة صاحب رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) فنكس الأسد رأسه خاضعاً وطأطأ ظهره وأوماً إليه أن اركب فركب سفينة الأسد، وهو يسير به حتى انتهى به إلى ،قرية فلما نظر أهلها إلى سفينة على الأسد، فزعوا وتعجبوا ودخل القرية وروعهم الأسد وهم ينظرون إليه وقد همهم في وجههم، فرد عليه فانصرف، فلما دخل القرية .
قالوا : الله أنت أمرك لعجيب، فمن أنت .
فقال : أنا سفينة مولى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) فعظموه وبجلوه .
باب ما ورد في رشيد الهجري(1)، وكانت كنيته أبا محمد، وأبو العلا، وكناه أمير المؤمنين، أبا البركات، ومشهده بالكوفة.
ص: 549
قال الحسين بن حمدان: حدثني أحمد بن يوسف، عن إسحاق بن محمد قال : حدثني أبو سكينة عن علي بن عبد الله الخراز، عن نصر بن قابوس، عن الكاظم موسى بن جعفر(عليه السلام): أنه سُئل عن رشيد الهجري، فقال: كان يعلم علم المنايا والبلايا وأنساب العرب ومولد الإسلام، وفصل الخطاب وكان من الذين قال الله جل اسمه فيهم :﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾(1)
2 - وعنه ، عن محمد بن إسماعيل القمي، عن ربيعي، عن عبدالله بن الجارود ابن أبي سمر الهذلي، عن أبيه عن جده قال : شهدت أمير المؤمنين (عليه السلام)وقد دخل عليه أشراف العرب والأنصار، فوا الله ما اكترث بهم، فلم يلبث أن دخل عليه رشيد الهجري فسلم عليه، فرد عليه السلام فرفع رأسه إليه وتبسم في وجهه، ورفع مجلسه ثم قال له : لقد أرشدك الله يا رشيد فأرشد كما أرشدك الله إلى صراط مستقيم .
فخرج الناس من عنده وهم يقولون كان عمر أشد حباً للعرب والأشراف منه، فوا الله كانت الريح حملت كلامهم إلى أن سمعه(عليه السلام)فقال : أحذركم الله العرب فإنهم أصل الكفر وباب النفاق.
3 - وعنه ، عن أحمد بن يوسف، عن إسحاق بن محمد، عن حمير بن رزام، عن أبي منصور عن الصادق(عليه السلام)أنه قال: كان رشيد الهجري من أبواب الهدى وأبواب الله، وعماد بيت الله الحرام الذي جعله مثابة للناس وأمناً، والناس هم الذين آمنوا بمعرفة الله ومعرفة الأنبياء والرسل والأئمة وأبوابهم(عليهم السلام) .
ص: 550
الله
4 - وعنه ، عن الحسن بن محمد بن جمهور عن أبيه، عن محمد بن عبد بن مهران الكرخي، عن محمد بن عبد الله ،الطحان عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام)، أنه قال: كان رشيد الهجري، عنده اسم الله الأعظم فمرت به يوماً في الكوفة امرأة قد مات ابنها وهي تنادي يا واحد ليت المنايا قبلت مني.
فقال لها رشيد الهجري: أيتها المرأة بأي شيء تفديه.
قالت بنفسي ومالي وجميع ما أملكه .
فقال : أعلمك كلمة تقوليها ؛ فترجع الروح في بدنه ويحييه الله لك.
فقالت: بلى، فمضى معها حتى انتهى إلى منزلها، فقال لها : قولي: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وأشهد أن أمير المؤمنين والأئمة المهديين أنوار الله في خلقه يحيون بأمره، ويميتون بأمره.
فقالت المرأة هذه الكلمات، فعاش ابنها بإذن الله واشتهر الخبر في الكوفة بما فعل رشيد.
5 - وعنه (قدس سره) قال: حدثني أبو الحسن محمد بن يحيى الفارسي، قال : حدثني جعفر بن عبد الرحمن الرازي عن الحسين بن معمر، عن أبي حمزة الثمالي، عن سعيد بن المسيب قال : لما طلب عبيد الله بن زياد لعنه الله بعد قتله الحسين لرشيد طلباً حثيثاً ليقتله، فجاءت الشرطة إلى داره فخرج قبل ورودهم إياهم، فدخل على رجل يعرف بأبي وداعة وهو جالس في داره فلما نظر إليه قال له يا رشيد قد والله قتلتني . قال : ولم .
قال : لأن عبيد الله بن زياد [أرسل] في طلبك ليقتلك فإن أخذك من عندي قتلت وقتلت معك فقال له :رشيد لا بأس عليك ما أرى أحداً حيث دخلت دارك .
ص: 551
فقال : يا رشيد أن مشايخ الدرب جلوس على باب الدار، وقد رأوك حيث دخلت . فقال رشيد ما رأوني، فخرج الرجل إلى المشايخ فسلم عليهم وقال : جعلت فداكم دخل الدرب الساعة إنسان رأيتموه.
فقالوا له: ما دخل الدرب أحد ولا رأينا إنساناً، فرجع إليه، وقال له : يا رشيد قد ذكر القوم أنهم ما رأوك وأنا أمض إلى عبيد الله بن زياد، وأنت أغلق الباب ،وأقفله، فإن سألني عنكَ وطالبني بك سلمتك إليه، فقال له رشيد : لا تفعل هذا وأغلق بابك وافعل ما ترى قال الرجل وكان لي بغل أبلق في بيت، فغلقتُ على رشيد وأقفلت الباب على البغل وسرتُ إلى مجلس عبيد الله بن زياد لعنه الله، فلم ألبث أن رأيت رشيداً على بغلي الأبلق، فدخل على عبيد الله بن زياد ووصل إليه، فتطاول له عبيد الله بن زياد ورحب به وقربه فوفاه حق السلام، فقلت في نفسي : إن هذا العجب وأقبل يسأله عمن بالشام وهو يخبره فلما قام رشيد قلتُ لعبيد الله بن زياد أصلح الله الأمير من هذا الذي سلمت عليه ورحبت به، أتعرفه؟!
فقال : ويحك هذا ابن عمي، والذين سألته عنهم فهم أهلنا بدمشق. فقلتُ في نفسي لا إله إلا الله لقد سكن عبيد الله بن زياد وما حل به وما قلته لرشيد وقمت مسرعاً إلى داري وإذا الباب مغلق على رشيد كما تركته وعلى البيت الذي فيه البغل كما قفلته ؛ ففتحت الباب ودخلت إليه فقلت يا رشيد جهلت عليك فاغفر لي .
فقال لي : أليس زعمت إنك تسلمني إلى عبيد الله بن زياد قلت نعم .
قال : كيف رأيت فعله ، فقلت يا سيدي قد رأيت منك ومنه عجباً وأنا أستغفر الله .
فقال لي: يا هذا إن كيده ليس بضاري شيئاً حتى يبلغ الكتاب أجله فإذا بلغ الكتاب أجله فهو والله قاتلي وقاطع يدي ورجلي وسال لساني من قفاي، فكان ما قاله رشيد الهجري.
ص: 552
باب ما ورد في أبي خالد(1)عبد الله بن غالب الكابلي غالب الكابلي(2)، وكان كنيته : أبو الصالحات، وكان لقبه كنكر ومشهده مدينة كابل بلده.
1 - قال الحسين بن حمدان (قدس سره)، حدثني أحمد بن يوسف الشاشي عن إسحاق بن محمد عن الحسن بن علي، عن محارم بن الصحاف عن الصادق جعفر بن محمد(عليه السلام): كان أبو خالد الكابلي من كابل شاه، وكان يقوم لسيد العابدين علي بن الحسين(عليه السلام)بالبابية ، مقام سلمان لأمير المؤمنين(عليه السلام)ومقام سفينة للحسن، ومقام رشيد للحسين(عليه السلام)، ولما قدم من كابل شاه استأذن على سيد العابدين(عليه السلام)خرج إليه الإذن أن أدخل يا كنكر إليَّ.
ص: 553
فقال : اللقب ما علم به إلا الله، فوا الذي لا إله إلا هو أشهد إنك الإمام والحجة الله على خلقه .
فقال له سيد العابدين: أنا كما ذكرت وأنت باب مخرج علم الله الذي رويته عن آبائي منك كذا اختارك الله وجعلك مجمع علمي، وموضع سري، والباب مني لكل من وحد الله وعرفنا حق معرفتنا .
1 - وعنه (قدس سره)، عن محمد بن عامر، عن إسماعيل القمي، قال: حدثني محمد بن صدفة، عن محمد بن سنان الزهري عن المفضل بن عمر عن الصادق قال : لما استأذن أبو خالد الكابلي على علي بن الحسين فقال له ادخل يا كنكر ؛ فوا الله لأنت أعلم بعلم النبوة والإمامة، وأهدى من الهادي بطرق الكوفة وإنك باب الهدى والرشاد .
2- وعنه (قدس سره)، عن أحمد بن يوسف عن إسحاق بن محمد، عن أبي سكينة، عن عمر بن وهب عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر الباقر
(عليه السلام)قال : كان أبو خالد مع حجة الله علي سيد العابدين باب الله في وقته أظهر عجائب وبراهين كثيرة صار إليه علم سلمان وسفينة ورشيد، وقام مقامهم لم يستبدل بهم به ولا قبض إلا على الهدى والرشاد والتقوى فلا تشكوا في بابيته .
4 - وعنه (قدس سره)، عن أحمد بن يوسف، إسحاق بن أحمد بن بشير بن مبشر التركي، عن بشار الشعيري، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن يحيى بن معمر ابن أم الطويل الثمالي، قال: دخل أبو خالد على سيد العابدين(عليه السلام)هو وخمسة من أصحابه .
فقال له : أبشر يا خالد أنت وأيتامك نور الله في ظلمات الأرض، وأنت باب الهدى ولا يشك فيك إلا من شك فينا .
ص: 554
5 - وعنه (قدس سره) ،عن الحسن بن محمد بن جمهور، عن محمد بن عبدالله بن مهران، عن محمد بن صدقة، عن عن محمد بن سنان، عن عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام)، قال : إن أبا خالد الكابلي باب الهدى وكان محدثاً .
قلتُ : جُعلت فداك من كان ،محدثه، محدث الأنبياء والأئمة والأبواب قبله وإن أبا خالد حدث أهل الكوفة قبل أن يقتل عمي زيد بن علي، بأنه يقتل ويصلب بالكوفة بالكناسة، فلما خرج زيد تبعه كثير من أهل الكوفة فتذاكروا حديث أبي خالد وما حدثهم به من خروج زيد ،وقتله وصلبه فرجع عنه الناس جميعاً حتى لم يبق معه إلا مئتا رجل، وقتل وصلب.
فقال : الشاكون من أهل الكوفة : إن أبا خالد كاهن ولا يعلم الغيب إلا الله جل ذكره فمن له ما خبر به في زيد فكان كما قال ولو علموا أن أبا خالد خبر عن جدي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)لما شكوا فيه .
باب ما ورد في يحيى بن معمر بن أم الطويل الثمالي (1)، وكان كنيته : أبو الحسين، وكناه سيد العابدين أبا الحياة ومشهده بواسط في الجانب الغربي.
ص: 555
1 - قال الحسين بن حمدان: حدثني جعفر بن أحمد القصير البصري، عن النظير بن محمد، عن محمد بن عبد الله بن مهران الكرخي عن محمد بن صدفة، عن أبي المطلب جعفر بن محمد بن المفضل، عن أبيه محمد بن المفضل، عن أبيه المفضل بن عمر، عن جابر بن يزيد الجعفي عن الباقر محمد بن علي(عليه السلام)قال : كان يحيى ابن أم الطويل باب الهدى وباب أبي علي بن الحسين(عليه السلام)، وبابي من بعده، أعطاه الله علمنا أهل البيت واختاره باباً بيننا وبين شيعتنا من جميع خلق الله لم تأخذه في الله لومة لائم بعلم منه، وكان الحجاج بن يوسف صاحب عبد الملك بن مروان أمر أن يقتله في محبتنا ويمثل به فكان بذلك فرحاً مسروراً يعلم كل ما يصيب الناس من خير أو شر وما يصاب في نفسه راضياً صابراً محتسباً .
2 - وعنه ، عن محمد بن عامر، عن إسماعيل القمي ،عن الهيثم بن ماهان، عن حنتمة بن عبد الرحمن، عن أبي زيد التميمي، قال: دخل يحيى ابن أم الطويل على الباقر(عليه السلام)فقال له : يا يحيى لقد أوتيت علم البلايا والمنايا، والناسخ والمنسوخ، وعلم ما كان وعلم ما يكون إلى يوم القيامة، فلا تكلم الناس إلا رمزاً واحذر دعي ثقيف بديل الجن الحجاج المنسوب إلى يوسف وليس بأبيه، يطلبك ويكيدك إلى أن يبلغ الكتاب أجله ثم يأخذك بالكوفة ويحملك إلى مدينة يتخذها له تدعى واسط بشاطئ دجلة. فقال له : يا يحيى أو لست بذلك سعيداً رشيداً يا مولاي.
قال: بلى والله يا يحيى سعيداً رشيداً ويغبطك فيما يرون من قبلك وعظم منزلتك، عند الله وعندنا في الدنيا والآخرة.
ص: 556
3 - وعنه (قدس سره)، عن جعفر بن محمد بن مالك الكوفي، عن عبد الله ابن يونس السبيعي، عن محمد بن خالد، عن جعفر بن يحيى بن الحسن بن موسى، عن الحسن بن مسكان عن يونس بن ظبيان عن أبي حمزة الثمالي، عن الأصبغ بن نباتة، عن المؤمنين(عليه السلام)قال يوماً لسلمان :
يا أبا عبد الله أنت بابي وسفينة باب الحسن ورشيد باب ابني الحسين وأبو خالد الكابلي باب ابني علي بن الحسين ثم يقوم مقامه يحيى بن معمر بن ن أم الطويل الثمالي، يا له من باب هدى وما أعظم درجته في الشهادة عند الله يوم القيامة .
فقال سلمان شهادته مثل شهادة رشيد يا مولاي .
قال : الشهادة واحدة، ورشيد تقرب شهادته في يوم القيامة، ويحيى يكثر بلواه مع دعي ثقيف الحجاج بديل الجن ومبذول الخلق وممسوخه، ويطول كيده آياه بكوفان دار هجرتي ويخرجه إلى قرية يقال لها واسط فيمثل به، ويكون بقعة فيها بالحي بالقرب من مشهد رشيد الهجري.
وعنه (قدس سره)، عن أحمد بن محمد الحجال الصيرفي الكوفي، عن ساعد بن زيد عن محمد بن خالد عن الحسن بن معمر عن وهب بن هاشم بن الحكم، عن أبيه ،هاشم قال سألتُ سيدي جعفر بن محمد الصادق ، عن يحيى ابن أم الطويل، وعن حمله قوس البندق وتقلده الخريطة، وتوشحه بالأبراز الأجر والأصفر، وخروجه من بردية الكوفة وهم الرماة بقوس البندق .
فقال الصادق(عليه السلام): يا هشام ما خفي عنك أكثر مما ذكرته من تعليقه طنبور في بيته ووضعه ونسبه.
قال هشام قلت يا مولاي ما يحيى منهم ولا مشكوك فيه أنه باب الله مع جدك سيد العابدين(عليه السلام)، فلما ظهر ما ذكرته عنه وما ذكرته أنت يا مولاي من الطنبور
ص: 557
والمسكر، فقال لي(عليه السلام): إن يحيى كان يفتي ولا يفتيه إلا إمامه وأنه أظهر جميع ما ذكرته عنه، وذكرته أنت تلبيساً على الحجاج لعنه الله إلى أن يبلغ الكتاب أجله، وكان الحجاج قد علم خروجه مع البردية، وأن يصيد في كل يوم طائرين ويبيع أحدهما ويشتري بثمنه خبزاً ويشوي الآخر ويطبخه ويتقوت به في وقت إفطاره، وكان يحيى يستخفي من الحجاج في المنازل الخفية ويلقاه في مواليه فلم يعرفه حتى دخل عليه في مسكن يسكنه في أطراف كندة بالكوفة فخرج الحجاج إليه ليلاً راجلاً في عدد يسير من شرطته حتى ورد إلى المسكن الذي فيه يحيى، فوقف مستمعاً عليه وإذا مصباح بين يديه فحرك الباب تحريكاً يسيراً.
فقال له يحيى من هذا وقد علم أنه الحجاج.
فقال له : ضيف نزل بك .
فقال له: ادخل، وإذا في بيته طنبوراً وقينة وقدح.
فقال الحجاج : إنا لله كذبني الواشي وغرني حتى دخلت عليه على رجل مقدم بين يديه شراب ،وفي بيته طنبور ويحيى متبع بني ولدي علي(عليه السلام)، وشاهدهم وعالمهم، وداعي الناس إلى إمامة علي بن الحسين(عليه السلام)، وطاعته، ثم ذكر أن طعامه خبز ولحم طير.
فقال له : قد نزلت بك أيها الرجل وأنا جائع.
فقال له يحيى قد بقي من فضل طعامنا ما تأكله فكل إذا شئت وأوما بيده إلى موضع طعامه .
فقام الحجاج فوجد فضلة من خبز وفضلة من لحم طائر، فقال في نفسه : أربعة عظيمة : الخبز ولحم الطير لحيى والطنبور والمسكر لا يكونان، عنده، فما أنا صانع، ثم نظر في البيت وإذا قوس البندق والخريطة، فقال في نفسه وهذا والله يحيى لا شك فيه فلأتبين ،أمره فأكل من الطعام وجلس فقال : قد أضفتني وأحسنت إليَّ وأطعمتني، فاسقني من شرابك . نطيق .
فقال له يحيى : إشرب إذا شئت فقال له : هذا الطنبور تنقر به . فقال يحيى : ليس ذلك لك، ولنا أن نفعل ما نشاء، وليس لك أن تحملنا ما لا
فقال الحجاج : اشرب واسقني . فقال : زدت فيما لا يجب لك .
ص: 558
فقال له الحجاج والله لازلت طلبتي وأنت كما توصف به من العبادة والعلم، فأنت يحيى بن أم الطويل.
فقال له يحيى : نعم يا شقي ثقيف أنا يحيى الذي تطلبه في غير الله وتتوفاه في الله .
فقال له الحجاج : ما علمك يا يحيى بأني الحجاج.
قال : ويحك والله إني لأعلم بك من نفسك، وما وصلت إلي إلا لتمام شقوتك وتمام سعادتي. فضرب الحجاج يده على يد يحيى وقال له : قم يا يحيى، فوا الله لأرينك ما لم تقدره في نفسك .
فقال له يحيى : ويحك يا حجاج أقص قصتي عليك، وما أنت لي صانع، ما لا تستطيع أن تزيد ولا تنقص منه .
فقال له : قل يا يحيى .
فخبره بإخراجه له من الكوفة إلى القرية التي تدعى واسط، وكيف يمثل به، وفي أي يوم، وفي أي ساعة يقتله، وفي أي بقعة يدفنه(1)
فقال له الحجاج: والله يا يحيى لأكذبن قولك ولأقتلك بالكوفة ولأشهرنك بها ولا قطعت لك يداً ولا رجلاً، ولا لساناً ولا أدفنك إلا بالكوفة .
قال يحيى : ويلك يا حجاج إذا كان كما تقول فأنت من الفائزين وما شاء الله أن يستطيع الخلق أن يحرجوا من علم الله .
فقال له الحجاج : إنك تخاطبني بالحجاج، ولست هو. قال فاكشف عن أذنيك ورجليك إن كنت من الصادقين.
فقال الحجاج لعنه الله : وما مذهبك في كشف ذلك.
قال له يحيى : إن أذناك أذنا ،حمار، ورجلاك رجلاه.
قال له الحجاج : قد عرفتك وعرفتني حق المعرفة، وأخذه بيده وحمله ففعل به كما قاله يحيى من إخراجه إلى واسط من الكوفة وتمثيله به في يومه وساعته في بقعته التي ذكرها له ولم يستطع الحجاج أن يغير حرفاً مما قاله يحيى.
ص: 559
5- وعنه (قدس سره) قال: حدثني أبو العباس أحمد بن محمد الحجال الصيرفي في بني خزيمة بالكوفة عن حمزة بن محمد العلاف، عن المحمول بن إبراهيم، عن رشدي عن الحسن بن معمر عن داوود الرقي، عن أبي حمزة الثمالي، عن سعيد بن المسيب قال : كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج بن يوسف في طلب يحيى بن أم الطويل بالعراق في أصحاب النسك فكثر طلبه، فلم يجده الحجاج .
فكتب إليه يعلمه فكتب إليه عبد الملك لعنه الله أن اطلبه في أشطار الكوفة، فقد بلغنا أنه لبس ثياب الشطار وتزيا بزيهم وأنه يلبس نعلین زمامين طويلين، ويعرض أكمامه ويطولها ويضعف طرفه ويدهنها ويخضب أطراف رجليه، ويظهر للشطار، فإذا جن الليل لبس جبة ،صوف، ولم يزل قائماً يصلي حتى يصبح فهو قائم لیله صائم نهاره فطلبه الحجاج في الشطار، فظفر به ؛ وكان قد قال علي بن الحسين(عليه السلام): إن الحجاج يأخذك ؛ فيقطع يديك ورجليك، ويسل لسانك من قفاك هات يدك يا يحيى. فقطعها علي بن الحسين(عليه السلام)، ثم قال: هل تجد الماً .
قال : لا يا مولاي .
فقال : هكذا يقطع الحجاج يدك ورجليك ولسانك لا تجد له ألماً مثل هذا .
رد يده عليه، ثم يضرب عنقك من بعد ذلك.
فلما ظفر به الحجاج قال له: يا يحيى ابن أم الطويل.
قال له : نعم .
قال ابرأ من أبي تراب .
قال: ما هذا جزاءه مني ؛ بل برئ الله منك ومن روحك، وأرواح من أمرك بهذا يا بن أم الحجاج .
إنه نسبه إلى أمه لا إلى أبيه يوسف ؛ لأنه بديل للجن، فرجع الحديث، فقال: والله لأقتلنك .
ص: 560
قال : اقض لأمرك فقطعه إربا إرباً، وهو يضحك، وقد كان علي بن الحسين(عليه السلام) قال له : إنك ستطلب الماء، فتؤتى به، ولا يصل إليك حتى يقبضك الله إليه .
فاستسقى ماءً فأتى به، فلم يصل إليه حتى توفي رضوان الله عليه، ثم صلب، فجاءت أمه إلى الحجاج فقالت له يا حجاج قتلت ابني وخادمي، وكان يغسل ثيابي ويغسل رأسي، ويخبز ويطبخ، وكان إذا خرج من داره، يضع يده وينادي بأعلى صوته وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده، وكذلك كان أبو خالد الكابلي يقول : أودعنا السر فأورينا العجائب من أنفسنا .
6 - وعنه (قدس سره)، عن محمد بن يحيى الفارسي، عن صالح بن زيد البزاز، عم محمد بن مسلم الثقفي، عن جابر بن يحيى المعبراني، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام)، أنه قال : كان من قصة عامر بن شراحيل الشعبي مع الحجاج بن يوسف الثقفي، ما حدثني به أنه صلى العيد مع الحجاج بن يوسف بواسط العراق، وكان يوم عيد النحر، قال: فرأيت الحجاج يخطب الناس على منبره ويعظهم في خطبته ويبكي ويمسح دموعه بأكمامه، ويقول في خطبته : حدثني فلان عن فلان عن أبي بدرة قال: قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)كيت وكيت.
قال الشعبي: واعجباه هذا الحجاج قد بُلي بقتل العلماء والصالحين يخطب بالناس بمثل هذه الخطبة ويعظهم بمثل هذه العظة ثم استرجعت وقلت عبثاً إنما يكون من ذلك فإن القلوب بيد الله تبارك وتعالى؛ يحركها كيف يشاء فإذا حركها للخير تحركت .
قال الشعبي : فلما انقضت الخطبة انصرفت إلى منزلي، فوالله ما توسطته حتى أتى قارع يقرع الباب عليَّ قلت من بالباب قال يا شعبي أنا رسول الأمير الحجاج يقول لك : صر إليَّ، فإني على الحالة التي خلفتني عليها، فأسقطت بيدي.
فقلت: ما ذكرني وما دعاني إلا ليقتلني، فتغسلت وتحنطت وتكفنت، وخرجت إلى الرسول، فأخذ بيدي وأدخلني على الحجاج، فإذا هو جالس في قبة الخضراء وبين يديه سيف نقمته مجرد وعن يمينه محمد أخوه ابن يوسف، وعن
ص: 561
شماله جماعة من أهل ،واسط فلما نظرت إليه وإلى تجبره ذكرت قول موسی بز عمران حين دخل على فرعون ونظر موسى إليه وإلى تجبره فألهمه الله أن قال : لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله رب السماوات السبع ورب العرش العظيم اللهم إني أدرأ بك من تجبره وأعوذ بك من شره، وأستعين بك عليه وعلى كفره.
ثم ناديته : السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته، فرد عليَّ السلام وقال: ألستَ عامر بن شراحيل .
فقلتُ : بلى.
فقال : مالي أراك وقد جددت أثوابك، كأنك قد عزمت على الموت في هذه الساعة .
فقلت : أيها الأمير أتاني رسولك في هذا الوقت، فقلت فكرني، وما طلبني إلا ليقتلني، فتغسلت وتكفنت وتحنطت، وها أنذا بين يديك، فتبسم وقال : لا بأس عليك، والله ما دعوتك في هذه الساعة لأسيء إليك ولكن أسألك عن مسألة فإن صدقت نجوت فقلت : سل أيها الأمير فإن يكن عندي جواب أجبت.
فقال : يا شعبي أي يوم هذا .
فقلت : يوم الأضحى.
فقال لي: بما يتقرب الناس فيه إلى الله .
فقلت : باصطناع المعروف، والذبائح والأضاحي.
فقال لي : اعلم يا شعبي أني قد عرفت اليوم بأن أضحي برجل من الأبدال.
فقلت في نفسي ليت شعري من هذا الرجل الذي وقع في يده، وقد عزم أن يقتله في هذه الساعة فإنه ليخاطبني إذ سمعت من ورائي حس السلاسل، وصوت قيود، فالتفت فإذا أنا بشيخ قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر .
فأوقف الشيخ بين يديه مقيد الرجلين مغلول اليدين، فأقبل عليه الحجاج وقال : يا شيخ ألست يحيى بن معمر زعيم أهل الكوفة .
قال الشيخ: بل أنا عاملهم لا زعيم، وذلك أن زعيم القوم أرذلهم، وكل زعیم في كتاب الله باطل .
قال :الحجاج يا شيخ بلغني أنك تقول : أن الحسن والحسین ولدا رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم).
ص: 562
قال الشيخ : ما أقول هكذا .
قال الحجاج فما الذي تقول .
قال الشيخ: أنا أقول أن الحسن والحسين ولدا رسول الله دخلا في ظهره وخرجا منه .
ثكلتك
قال الشعبي : وكان الحجاج مُتكئاً فاستوى جالساً، ثم قال: يا شيخ أمك، أما رضيت أن تجعلهما نسباً، وكان الحجاج لاحقاً حتى جعلتهما رحماً متصلاً، وبيعة أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان؛ لئن لم تأتني بآية من كتاب الله(عزّوجل) تدل فيها على أن الحسن والحسين هما ولدا رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، دخلا في ظهره وخرجا منه لأخذت الذي فيه عيناك .
قال الشعبي : وقد كنت قرأت القرآن وعده ووعيده، وعرفت الناسخ والمنسوخ، والتذكير والإنذار فوالله ما وجدت في ذلك الذكر آية تبين أن الحسن والحسين ولدا رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) دخلا في ظهره وخرجا منه، فقلت: وا أسفاً على هذا الشيخ كيف يقتله هذا الفاجر، فاستفتح الشيخ فقرأ :
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
فقطع عليه الحجاج ، وقال: يا شيخ لعلك تريد أن تحتج علي بآية المباهلة، إذا قال كرون بن أبي كرون، وعلقمة بن أبي كرون، والمرطباطيس، وعبد المسيح ونظرائهم من نصار نجران إن باهلكم محمد بأهل الأرض ،فباهلوه، وأن باهلكم بأهل بيته فلا تباهلوه.
قال الشيخ : ما أريد أن احتج عليك بهذا، ثم قرأ :
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ (1)﴿وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى ﴾(2). ثم وقف الشيخ فقال له الحجاج : ﴿وَعِيسَى﴾ .
ص: 563
قال له الشيخ: فبماذا دخل عيسى في نسب إبراهيم وليس له أب.
قال الحجاج : بأمه مريم .
قال الشيخ : وكذا دخل الحسن والحسين في ظهر رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وخرجا منه بأمهما فاطمة الزهراء(عليها السلام)
قال الشعبي : فوالله لقد رأيت الحجاج كأنما ألقمه حجراً .
قال الحجاج : قد وهبت لك دمك في هذا اليوم. فولى الشيخ وهو يقول : من الله جل اسمه لا منك يا حجاج وبحمد الله لا بحمدك.
باب ما ورد في جابر بن يزيد الجعفي(1)، وكان يكنى أبا محمد، وكناه الباقر(عليه السلام)أبا التحايا، ومشهده بالمدينة.
1 - قال الحسين بن حمدان: حدثني أحمد بن يوسف، عن إسحاق بن محمد، عن عمر بن أبي مُسلم، عن محمد بن صدقة قال : سمعت الرضا(عليه السلام)وهو يقول : دخل جابر بن يزيد الجعفي على الباقر(عليه السلام) فقال : ادخل يا نظير الذي أغرق الخليقة بالماء وأنت أغرقتهم بالعلم.
2- وعنه (قدس سره)، عن أحمد بن يوسف بن محمد، عن أبي سكينة، عن عمر بن الزهير عن الصادق(عليه السلام)قال : إنما سُمي جابر، لأنه جبر المؤمنين
ص: 564
بعلمه، وهو بحر لا ينزح وهو الباب في دهره والحجة على الخلق، حجة الله أبي جعفر محمد بن علي(عليه السلام) .
3 - وعنه (قدس سره) عن الحسن بن محمد بن جمهور، عن محمد بن عبد بن مهران، عن محمد بن صدقة، وعلي بن الحسين عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر عن أبي الخطاب محمد بن أبي زينب قال رأيت جابر يوماً وهو في ظهر الكوفة إذا أقبلت ظبية يتبعها ذئب حتى انتهت إلى جابر فقالت له الظبية شيئاً لا نعلمه .
فسألناه عنه فقال : إنها قالت: يا باب سيدي أبي جعفر إن هذا الذئب أتاني في موضع خشفي .
فقال جابر للذئب : ألم ينهكم مولاي أبو جعفر(عليه السلام)لا تطرقوا الحاملة في منازلها ولا الطير في أوكارها، فبينما نحن كذلك إذ أقبل أسد وضرب بذنبه مضرب الذئب فشق بطنه فخرج خشف الظبية من بطنه يعدو مع أمه وأكل الأسد الذئب .
4 - وعنه قال : حدثني علي بن الحسين المقري الكوفي، عن محمد بن سنان الظريفي، عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي، عن أبيه محمد بن خالد، عن يونس ابن ظبيان قال : إن جابر كان يجبر من العظائم ويظهر من العلم ما لا يطيقه أحد، فمن ذلك أنه قال : إذا كان غداً زوال الشمس تهب ريح ترمي بهذه الشرافة - وأوماً بيده إلى شرافة من شرافة المسجد - فلما كان الغد هبت الريح في ذلك الوقت فرمت تلك الشرافة بعينها التي أشار إليها وأنه خرج يوماً من الحمام وابن أخت لهُ جالس على باب الدار يلعب الشطرنج، فلما نظر إليه قال عظوه، فقد أقبل خالي الكذاب، وكان ابن أخته يدعي نظر النجوم فلما انتهى إليه جابر، قال له: يا بن أخت قد سمعت ما قلت فكيف نظرك في النجوم.
قال : إني أحسن النظر بها .
ص: 565
قال له جابر : هل نجد في نجومك أن سليمان بن عبد الملك، وهشام مات أحدهما الساعة.
قال : قال الغلام: ما أجد ذلك.
قال : فإن قلت لك إن خارجياً يخرج فيأتي النخيلة فتخرج إليه الناس، فتخرج معهم في النظارة فتطعن طعنة في دبرك فلا تجد لك شيئاً تحمل عليه إلا باب حمام فترد إلى أهلك ميتاً مقتولاً أتصدق قولي.
قال ابن أخته هذا ذاك من يريد قوله : قد أقبل الكذاب فمن جابر.
فقال رجل من القوم ما في هذا الحديث مظنة من كذب فلم تمر الأيام حتى كان ما قال ،جابر فمر جابر بالرجل الذي قال ما في هذا الحديث مظنة كذب. قال : نعم يا أبا محمد وفطن الرجل وعلم أن كل ما قال صحيح .
5 - وعنه (قدس سره) بهذا الإسناد أن جابر مر بقنطرة الكوفة فسقط خاتمه في الفرات، فتناول حصاه فرمى بها في أثر الخاتم، فارتفع الخاتم طافياً على الماء، فتناوله بيده.
6 - وعنه (قدس سره)، عن جعفر بن محمد بن مالك، عن جعفر بن محمد الخراز، عن محمول بن إبراهيم، عن أبي خديجة سالم بن مكرم عن ميمون بن إبراهيم ،التبان قال كان جابر قد جنن نفسه فركب القصب وطاف مع الصبيان حيث طلب للقتل وكان فيما يدور إذ لقيه رجل في طريقه وكان الرجل قد حلف بطلاق امرأته في ليلته تلك أنه يسأل عن النساء أول من يلقاه فاستقبله جابر؛ فسأله عن النساء.
فقال له جابر : النساء ثلاث وهو راكب القصبة ؛ فمسكها الرجل .
فقال له :جابر : خل عن الجواد.
فقال الرجل : ما فهمت ،قوله فلحق به وقال: ما فهمت ما قلت فقال له أما
ص: 566
التي لك فالبكر، وأما التي عليك فالتي كان لها بعل ولها ولد منه، والتي لا لك ولا عليك، فالثيب التي لا ولد لها - أخبار جابر بهذا الإسناد أنه قال : علمني ابن فاطمة كلمات ما أشاء أن أعلم بهن شيئاً إلا علمته – يعني الباقر(عليه السلام).
7 - وعنه (قدس سره) عن علي بن الحسين ،المقري، عن جعفر بن يزيد الزيات عن هاشم بن أحمد، عن الحسن بن مسكان عن أبي السفاح، قال: لما أظهر جابر بن يزيد الجعفي عجائبه وبراهينه ودلائله وعرفه الناس بالعلم، وشاع ذكره في ملوك بني أمية كتب الوليد بن عبد الملك إلى متقلد المدينة بالقبض عليه، وتثقيله بالحديد.
إلى أن يرد أمره بما رآه فدخل جابر على أبي جعفر الباقر(عليه السلام)وقال له : يا جابر ما يضرك من كيدهم شيئاً، وأن هذا الطاغية الوليد بن عبد الملك قد كتب بالقبض عليك إلى أن يرد أمره فيك بما يراه فأظهر ما تكف به شرهم عنك.
فخرج جابر فقشر قصبة وجعل في رأسها ،سناماً، وجعل على رأسه قلنسوةً مشهرة ومخرقة، بشفاشك، وذؤابتين، وركض في الطرقات وأسواقها، وهو يصيح والناس يصيحون معه جن جابر.
إلى أن ورد الكتاب على متقلد المدينة؛ فأمر بإحضار جابر، فقيل له : أصلح الله الأمير، إن جابراً كان من عباد الله الصالحين، عالماً من علماء الدين، فاضلاً حبراً، وقد غلب على عقله فصار يركب القصب الفارسي بذؤابة، ويعدو في الأسواق والطرقات والناس يتعادون وراءه، وما يحل لك أن تقبض عليه وهو بهذه الصورة واكتب إلى الوالي محضراً بمآخذه.
فأخذ شهادات أهل المدينة وأنفذه إلى الوليد فلما وقف على ما تضمنه المحضر، كتب إلى صاحبه بالمدينة، إنما أردنا قتل جابر لما أظهره في آل محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)، ودعا الناس إليهم فإذا كان الله قد كفانا مؤونته وسلبه عقله ؛ فخل له السبيل .
قال الحسين بن حمدان: ولجابر دلائل ظهرت قدمتها بأسانيدها في باب ما ورد في الباقر(عليه السلام).
ص: 567
باب ما ورد في أبي الخطاب محمد بن أبي زينب الكاهلي(1)، كناه الصادق أبا الطيبات، ومشهده بالكوفة.
أبو الخطاب عيبة علم الإمام
1 - قال الحسين بن حمدان حدثني أحمد بن يوسف، عن إسحاق بن محمد ابن سواده الأشرم ، عن الصادق(عليه السلام)أنه قال : أصبح أبو الخطاب محمد بن أبي زینب عيبة علمي كما كان سلمان عيبة علم رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، وأمير المؤمنين(عليه السلام)، وهو وسلمان في الفضل سواء.
2 - وعنه (قدس سره)، عن أحمد بن يوسف، عن إسحاق بن محمد، عن عثمان بن عيسى عن خالد بن يحيى الجوازي قال : قال الصادق(عليه السلام): سلمان، وسفينة ورشيد وأبو خالد ويحيى وجابر، وأبو الخطاب أبوابنا، وحججنا من أطاعهم أطاعنا ومن عصاهم فقد عصانا.
ص: 568
3 - وعنه (قدس سره)، عن أحمد بن يوسف، عن إسحاق بن محمد، عن أبي سكينة، عن محمد بن منصور عن الفضل الدهكتي، قال: قال بعضنا للصادق(عليه السلام): يا سيدنا قد انقطعت ظهورنا منذ لعنت أبا الخطاب، وقد سمعنا، عنك أن أبا الخطاب بابك الذي وهبه الله لك، وما وهبه الله فلا يسترجع هبة الله أبداً .
فقال لهم الصادق(عليه السلام): أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر، فأردت أن أعيبها، وكان من ورائهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً، أنبئوا أبا الخطاب، فقولوا له عني : أنت تأويل السفينة والملك تأويله عيسى بن موسى بن علي بن عبد الله بن العباس أمير الأمراء، عن المنصور.
4 - وعنه (قدس سره)، عن أحمد بن يوسف، عن إسحاق بن محمد، عن
الحسين بن عمر البزاز، عن أبيه الحسن عن كثير بن وادع عن أبي كهمس قال: سمعت الصادق جعفر بن محمد(عليه السلام)يقول : أبو الخطاب بابي وحجتي، وضياء شيعتي في الأرض به يهتدي المهتدون منهم بما يخرج منه إليهم من علمي الذي ورثته عن آبائي وجدي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم).
5 - وعنه (قدس سره)، عن محمد بن عامر عن إسماعيل القمي عن الهيثم ابن عبید بن زید قال سمعت الصادق(عليه السلام)يقول : أبو الخطاب عيبة علمنا ، وموضع سرنا، وهو الأمين على أحبائنا، وهو بابنا، وإني سألت الله أن يجعل رزقه تحت يدي، ورزقي تحت يده، ففعل ذلك ووهبه الله لي هبة لا يرجع فيها أبداً .
فقلتُ: يا سيدي أنت لسان الله الصادق قولك الحق ، فلِمَ لعنت أبا الخطاب .
ص: 569
فقال : ويحكم أنا لعنته إنما لعنت من طالبني بلعنه وادعى إليه أنه سماني إلهاً، وحاشى الله أن يقول أبو الخطاب فيما ليس لي بحق، فقالوا لي إن لم تلعنه فقد رضيت بما سماك به أبو الخطاب ولما رأيتهم يحاولون الكفر، ويغرون بي أعداء الله، لعنت لهم تقية.
قال : فقلتُ له : يا سيدي كيف لعنته .
قال : قلتُ : اللهم العن أبا الخطاب، فقالوا لي: محمد بن أبي زينب الكاهلي، فقلت ما قالوه ثم قلت : إن كان ما قالوه عنه، وكان ذلك حقاً، وقد علم الله وعلمت أنه ما قال ما ذكروه عنه، ولو كان قال لكان الذي قلته .
قال : قلت : يا سيدي ولقد أتوا بهتاناً وإثماً مبيناً عظيماً .
فقال لي : ويحك أما علمت أن شيعتنا بالكوفة جاؤوني إلى المدينة، فشكوا إلى حريقهم في حلال وحرام، وفريضة، وسنة، وقضية وفتيا، لما أشكل عليهم، وسألوني أن أختار لهم رجلاً فيه عالماً في دين الله فأسكت عنهم، فعادوا إليَّ في السنة الثانية فذكروا ما أخبرتك به وقالوا يا بن رسول الله أيسعك أن لا تجيبنا على ما نسألك، فقلت لهم : إذا رجعتم إلى مصركم فانظروا من فيه بفضلكم علماً وفهماً، وتقوى وعبادة، وزهداً، وخيراً، وإحساناً، فإذا وجدتموه بهذه الصفة نظرت فيما سألتموني عنه.
فقالوا بأجمعهم: نحن أهل ذلك المصر، ونعلم ما فيه وما عندنا رجل بهذه الصفة غير أبي الخطاب، محمد بن أبي زينب.
فقلت لهم : أرجعوا وانظروا وتبينوا ما قلتم حتى لا تشكوا في شيءٍ منه، فإذا أثبتموه نصبته لكم فأتوني في السنة الرابعة.
فقالوا: يا سيدنا قد نظرنا وتبينا وتحققنا أمر أبي الخطاب محمد بن أبي زینب، فوجدناه فوق ما وصفناه كمقداد السماء فوق الأرض.
فقلت لهم : إني لأخشى حسدكم له وبغيكم عليه فاتركوه والتمسوا مثله حتى أنصبه لكم .
فقالوا : سبحان الله ما نقدر على أحد مثله .
فقلت لهم : إنكم تفعلون به هذا وما هو أعظم منه .
قالوا : إذن فلا دين لنا ولا إيمان.
ص: 570
فقلت لهم : الله عليكم من الشاهدين، ونصبته لهم باباً ، فلما ظهر منه علماً، وفقهاً وأحكاماً، وأعطاه الله ما أعطاء وأبوابنا قبله من الرفعة والمنزلة والدلائل حسدوه، وادعوا عليه ما أخبرتك، فلعنته حيثُ طالبوني، فلعنته على علم دعواهم الباطلة عليه.
فقلتُ : يا سيدي فأحدث بهذا جميع شيعتك.
فقال : سبحان الله أقص عليك قصتهم، فتقول أحدثهم، والله لو حدثتهم ما رضوا بتكذيبي، ولا أقنعتهم أن يجعلوني ،ساحراً، ولا كاهناً ولا كانت غايتهم إلا قتلي. فقلت : يا سيدي فلا أحدث بهذا أبداً .
قال بلى حدث من امتحن الله قلبه بالإيمان، فلا يشك فينا ولا فيمن هو منا .
6 - وعنه (قدس سره)، عن الحسين بن محمد بن جمهور القمي، عن أبيه، عن محمد بن عبد الله بن مهران الكرخي عن محمد بن صدقة العنبري، عن محمد ابن سنان الزاهري عن المفضل بن عمر الجعفي، قال: دخل أبو الخطاب وسبعون رجلاً من مخلصي أصحابه مع علي بن بشار الشُّعيري، يعودونه وأنا معهم، فوجدنا عنده تجار كوفة يبيعهم أربعة أكوار حنطة، وهو يمنعهم من ذلك.
فقال له أبو الخطاب تبيعهم يا بشار فباعهم وأجزل لهم الكيل، وقال له : كل عليهم فوافهم أربعة أكوار، والحنطة عنده كما كانت لم تزد ولم تنقص .
فقال أبو الخطاب لأصحابه : تبركوا بهذه الحنطة، فقد نزلت بها بركات فقبض كل واحد منهم القبضة والقبضتين فلما صاروا في منازلهم فوجدوها قراضة أبريز .
7- وعنه (قدس سره)، عن أبي محمد علي بن همام بن سهل الإسكافي، عن علي بن سليمان، عن محمد بن أسد، عن محمد بن جبلة، عن يونس بن عبد الرحمن القريظي، وكان عند داوود الرقي، ويونس بن ظبيان، قال:
ص: 571
لما نادى أبو الخطاب في مأذنة المسجد في جامع الكوفة، فلعن الظالمين من الأولين والآخرين وسماهم بأسمائهم، ولعن المنصور، وعيسى بن موسى، وأشياعهم أجمعين وأتباعهم، صاح الناس في المسجد، والطرق والمنازل، وخرجوا بالسلاح يقولون خذوا أعداء الله فنزل عن المأذنة، وفي يده سيفه وترسه فقاتل الناس في المسجد والشارع إلى ظهر خزاعة بالكوفة، وخرجت إليه الشرطة والجند وهو يقاتلهم حتى ظفروا به وعیسی بن موسى في الجيش، وقتل من العسكر وأخذوا رأسه وحملوه إليه وكان قبل قتلهم إياه رمى سيفه وترسه من يده .
فقال لهم : والله لولا بلغ الكتاب أجله، وقول الله جل من قائل وإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون لما وصلتم إليَّ ولا رأيتموني مقتولاً وكفى بالله شهيداً بيني وبينكم في قتلكم لي ظلماً، وافتراء، وبهتاناً وقولكم : إني دعوت أمامي جعفر بن محمد إلها، وقلت لبيك الله جعفر وكيف يوصف بالألوهية من لا يعرف حتى ينتسب والله تعالى لم يلد ولم يولد فكان هذا آخر ما سمع منه .
8- وعنه (قدس سره)، بهذا الإسناد : أن أبا الحسن موسى(عليه السلام)، قال : إن أبا الخطاب عيبة علمنا وموضع سرنا وأمين الله ، وأميني، وأمين آبائي، وإني استوهبته من الله فوهبه لي ولا يبدو له فيه وإنه كان يتحدث بالأحاديث الصعبة التي لا تحملوا مثلها فشنعتم عليه عند العامة فضلاً عن الخاصة، واستمعتم به الناس، وضربتم به آباط الإبل إلى أبي عبد الله ، وقلتم إن أبا الخطاب يقول كذا وكذا .
فقال لعنه الله فقلتم من تعني فقال : أبا الخطاب محمد بن أبي زينب، ولعن من يزعم أنه في تقية من أمره، وقد رويتم عن الرسول(صلی الله علیه وآله وسلم)أنه قال، وعن الأئمة(عليهم السلام)أنهم قالوا : إذا لعنا ولياً كانت تلك اللعنة رحمة عليه، وإذا دعونا لعدونا كان دعاؤنا عذاباً عليه فرويتم أنه لما كان من أمر أبي الخطاب وأصحابه من القتل .
بعث المعلى بن خنيس وقال له انتِ زرارة وبريد العجلي، وقل لهما:
ص: 572
اشتفيتما الآن لأنتما فيه وفيهم بعد أن قتلوا وما قرأ من سخط عليهم ولا تقولوا : إن الذي نزل بها من رضي ورويتم عن مراد أنه قال : قد دخلت على أبي عبد الله لما قتل أبو الخطاب وأصحابه فقلت له : أصلحك الله خلت أساطين مسجد الكوفة مذ قتل أبو الخطاب وهؤلاء القوم.
قال : فنكت أبو عبد الله(عليه السلام)الأرض طويلاً، ثم رفع رأسه إليَّ، فقال: مراد كلاً إنهم زعموا أنهم لا يصلون فويل لهم، فيقول: هذا أبو عبد الله، في أبي الخطاب وأصحابه، وهو راض عنهم غاية الرضا، ساخط على من يلعنهم غاية السخط، ورويتم أنه كان يسمع لأصحاب أبي الخطاب في مسجد الكوفة ليلاً ونهاراً، دوياً من تلاوة القرآن والدعاء والتسبيح فرويتم أنهم مروا بالمواساة والصلاة والعفاف فبلغوا من ذلك ما لم يبلغه أحد من الشيعة .
وأنه بلغ من مواساتهم أن أحدهم يدخل بيت أخيه وأخوه غائب فتخرج إليه امرأته فتضيفه، وتغذيه وتدعو له بكيس أخيه فيأخذ منه حاجته، ويختمه على امرأته، ورويتم أنه بلغ من مواساتهم أنه جلخ أحدهم قدراً ذات يوم فدارت على سبعين، ورويتم أنه قيل لأصحاب أبي الخطاب إنكم تقتلون في دار الرزق فكانوا يختلفون إليه سنين، فيصلون معه في موضع مهراق دمائهم .
فهل فيكم من للعبادة والنسك، والطاعة الله والأئمة كما كان أبو الخطاب وأصحابه، فما بالكم تكفّرون من هو أتقى الله منكم وأعلم، فقالوا : نستغفر الله ما علمنا ما علمت يا سيدنا ولا ما قصصت ونحن مقلعون تائبون من أمر أبي الخطاب وأصحابه .
باب ما ورد في المفضل بن عمر ،الجعفي، وكان يكنى أبا عبد الله وأبا محمد، وهو الصحيح وكناه الصادق(عليه السلام)أبا الخيرات، ومشهده بالكوفة وكانت الشيعة مثل: يونس بن ظبيان ومحمد بن سنان وداوود الرقي، وأمثالهم يخاطبونه يا فضل الله ورحمته .
ص: 573
1 - قال الحسين بن حمدان: حدثني أحمد بن يوسف، عن إسحاق بن محمد، عن أبي محمد عبد الله بن محمد الهمداني عن أبي سكينة، عن محمد بن سنان، عن داوود بن كثير الرقي قال : قال الصادق : المفضل بن عمر الولد بعد الوالد، وهو عيبة علمي وحجتي وبابي، وموضع سري وجهري، وكذلك ابنه .
2 - وعنه ، عن محمد بن عامر بن علي القمي عن محمد بن صدقة العنبري، وعلي بن الحسين القمي، عن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله يقول : إن الله ذكر قتلة الحسين(عليه السلام) في آخر الزمان، فيزورون قبره، ويتشافون بتربته وهم قتلة الأنبياء في كل زمان.
قال محمد بن سنان فعرضتُ هذا الحديث على الرضا(عليه السلام) علي بن موسى، فقال : صدق المفضل، وهو باب الله في أرضه والمصباح للمؤمنين في الظلمات ،وهو الولد بعد الوالد .
فقلت : يا سيدي بعد أي والد.
فقال : بعد أبي الخطاب.
قال : قلت : فمن هؤلاء قتلة الأنبياء في كل زمان.
قال لهم: المنتحلة لولايتنا وليسوا منا فاؤلئك عليهم لعنة الله ولعنة اللاعنين .
3 - وعنه (قدس سره) عن الحسن بن محمد، عن عبد الله بن مهران، عن محمد بن صدقة ،عن محمد بن سنان. عن يونس بن ظبيان، قالوا : كنا نحدث عند المفضل حتى مضى من الليل جزء فأمسينا عنده، وكانت ليلة ظلماء ما نبصر أكفنا ،
ص: 574
فلما خرجنا من عنده لاح لنا كفه فعلمت أصابعه كأنها برق، فلم نزل نمشي في ضوئها حتى دخلنا منازلنا .
4 - وعنه (قدس سره)، عن جعفر بن محمد بن مالك الكوفي، عن عبد الله ابن يونس الشعبي عن محمد بن إبراهيم الخياط عن علي بن حمزة، عن يونس ابن ،ظبیان قال : دخلتُ على المفضل بن عمر، وهو جالس في عُلو بيت على سطح مشرفاً على صحن الدار.
فقلت له : يا فضل الله ورحمته لو أنعمت عليّ بمعانية ما فضلك الله به حتى أخرج به إلى الشيعة فيزدادون إيماناً ويقيناً فضرب بيده إلى حصير بجانبه أبيض بلا نقش وخط فبسطه في الهواء، وصعد عليه وصلى ركعتين، ثم رجع إلى موضعه فجلس وأخذ الحصير فدرجه وجعله بجانبه .
5-وعنه (قدس سره)، عن محمد بن يحيى الفارسي، وعلي بن يحيى الصابوني قالا : حدثنا أحمد بن محمد الخصيب، عن يحيى بن عبد الله الحسيني، عن الحسن بن موسى بن جعفر قال سمعت أبا موسى وهو يقول :
وقد سُئل عن المفضل سألوني، عن رجل قد عضله الله بما فضل به سلمان، وسفينة ورشيد وأبا خالد الكابلي، ويحيى بن أم الطويل الثمالي، وجابر بن يزيد الجعفي، وزاده فضلاً بأن جعل الله ابنه محمداً بابي من بعده، ولقد رأيتُ المفضل يوماً وقد دخل على الصادق(عليه السلام)، وقد حمل إليه أربعين ألف درهم اجتمعت له من ملكه بالكوفة، فأخرج الخمس منها ، وأوصله إلى إخوانه ثم قال لابنه محمد: أخرج يا بني خمساً آخر ففرقه.
فأخرج وفرق سيدي ونحن خمسة وثلاثة أخماس، ويعطي إخواننا خمسين(1)، والله لا كان هذا أبداً فأخرج الخمس الثالث .
ص: 575
وقال فرقه فقال : أخرج الخمس الرابع وحسبنا قوتاً لسنتنا، فأخرجه وفرّقه، ودخل على الصادق(عليه السلام)، دق فوقف بين يديه فنظر إليه، وقال له: يا مفضل زهوت في نفسك بأنك فرقت اثنين وثلاثين ألف درهم على أناس كثيرة، وبقي لك ثمانية آلاف درهم، وأنت ومن في دارك خمس نفر فرجع المفضل إلى داره، فأخرج الخمس الخامس، عن آخره وعاد إلى أبي عبد الله الصادق، فوقف بين يديه، فقال له : يا مفضل يؤمنك أن يكون لك أخ مؤمن لا يملك مثل ما ملكته في دارك .
فرجع إلى داره فأخرجه كل ما فيها من قليل وكثير حتى لم يدع إلا ما يستر أبدانهم وما لا يجدون بداً منه، وباع الجميع وفرقه على إخوانه وعاد إلى أبي عبد الله الصادق(عليه السلام)، فقال له وقد أطال النظر إليه : يا مفضل ما يؤمنك أن يكون لك أخ مؤمن عاد فرجع إلى داره فلم يدع عليه ولا عليهم إلا ثوبين تتم بها الصلاة.
وعاد إلى أبي عبد الله(عليه السلام) فقال له: لا والله يا مفضل أو تساويهم في الوبرة، فيكم فخر المفضل ساجداً لله .
فقال له : ارفع رأسك يا مفضل الله ورحمته لم أمتحنك إلا لعظم منزلتك عند الله وعندي وإني مبشرك أن الله قد جعل ابنك محمداً باب ابني موسى من بعدك وجعل جعفر بن محمد ابن ابنك فقيهاً عالماً كبيراً، عند الله وعندنا .
6 - وعنه (قدس سره)، عن جعفر بن محمد ،عن مالك الفزاري، عن عبد الله ابن يونس، عن الحسن بن مسكان، عن أبي خديجة سالم بن مكرم : أن المفضل أتاه جماعة من جيران مسجده .
فقالوا : قد وقفنا نفقة لمؤونة المسجد، وتطيينه وقد جعل منها قبلك خمس دراهم فمر بها، فقال المفضل : ما كنت لأعين على قتل رجل مسلم.
فقالوا : وكيف ذلك، فقال : إنه إذا فرغ من تطيين المسجد وكملت ذكراته لم يطين المأذنة فيرجع ليطينها ، فإذا صار فوقها هبت الريح، فرمت به من فوقها فيقع على عنقه فيموت وأكره أن أكون معيناً على قتله .
فقال شيخ من القوم : قد خرف المفضل. وخرجوا من عنده، فلما طين المطين
ص: 576
المسجد نسي تطيين المأذنة فرجع فلما صار فوقها هبت الريح فرمت به فوقع منها على عنقه فمات كما قال المفضل .
7 - وعنه (قدس سره) بهذا الإسناد : أن أبا عبد الله الصادق(عليه السلام) قال له : يا مفضل أنت المفضل في الدنيا والآخرة. وقال : مفضل كاسمه
باب ما ورد في محمد بن المفضل الجعفي(1)، وكنيته أبو جعفر، وكناه أبو الحسن موسى(عليه السلام)بأبي الشهداء، ومشهده بالكوفة.
1 - قال الحسين بن حمدان: حدثني أحمد بن يوسف، عن إسحاق بن محمد، عن محمد بن أبي، عن محمد بن سنان قال: سمعت الكاظم (عليه السلام)يقول : محمد ابن المفضل كالمفضل قام لنا مقام أبيه وهو الصادق عنا والداعي إلينا، والمؤدي عنا، وهو بابي وحجتي على كل مؤمن ومؤمنة، من خالفه فقد خالفني ومن عصاه فقد عصاني.
ص: 577
2 - وعنه (قدس سره)، عن محمد بن عامر بن إسماعيل القمي، عن محمد ابن المعلى النيشابوري الكاتب عن علي بن أحمد البزاز، قال: دخلت على سيدي أبي الحسن موسى بن جعفر أشكو إليه محمد بن المفضل، فابتدأني، وقال محمد بن المفضل حامل مكنون علمنا وهو ديان المؤمنين، والباب بيني وبينهم، فإن شكوته فقد شكوتني.
فقلت : أستغفر الله ولا أعود يا سيد أبداً .
3 - وعنه (قدس سره)، عن جعفر بن أحمد القصير، عن محمد بن عبد الله ابن مهران، عن محمد بن صدقة، عن محمد بن سنان قال: سألت سيدي أبا الحسن موسى(عليه السلام)، عن محمد بن المفضل ، أقديماً أصاره الله وجعله باباً، ووهبه لأبيه المفضل، وجعله بابك في الهدى، ومن بعده.
فقال لي: يا محمد قد اختار الله أبوابنا منذ اختارنا، وفضلهم بما فضلنا، ولا يخرج منا إلى المؤمنين علم ولا حكم إلا منهم ومحمد بابي، ومجمع سري، له مالي وعليه ما عليَّ، فإنه يا محمد خليق بما فضله الله به .
قال محمد بن سنان فأتيته، فلما نظر إليَّ فأجرى بالحديث الذي حدثني به موسى ، عن آخره، فقلت له : يا باب الهدى ما يعظم هذا علي منك، وقد قال لي الإمام موسى إن لك ما له وعليك ما عليه .
ص: 578
باب ما ورد في عمر بن الفرات(1)، وكان يكنى عند العامة أبا حفص، وعند الشيعة أبا القسم، وكناه الرضا(عليه السلام)أبا السهل، ومشهده ببغداد بالجانب الغربي في مشرعة النساء .
1 - قال الحسين بن حمدان حدثني أحمد بن يوسف، قال: حدثني إسحاق ابن محمد، قال حدثني أبو سكينة، عن محمد بن سنان قال سمعت الرضا(عليه السلام)،يقول : ما مقام لنا أحد قط ولي الباقية مقام أبي الخطاب، والمفضل بن عمر، إلا عمر بن الفرات، ولقد قام مقام سلمان> وسفينة ورشيد، ويحيى، وأبو خالد وجابر، والمفضل، ومحمد بن المفضل، وليقومن مقامه من بعده أخر أبوابنا الطاهرة محمد بن نصير.
2- وعنه (قدس سره)، عن محمد بن عامر عن إسماعيل بن علي القمي عن محمد بن المعلى قال دخلت على الرضا(عليه السلام)لأسأله عن عمر بن الفرات وأخبره أنه قد أتانا بأشياء لم نسمعها من غيره فقال: من أراد العالم من المؤمنين فليأتِ بابي عمر بن الفرات.
ص: 579
3 - وعنه (قدس سره)، عن جعفر بن محمد بن مالك الكوفي، عن عبد الله ابن يونس السبيعي عن الوليد بن خالد قال دخلت على مولاي أبي الحسن(عليه السلام)صاحب العسكر.
فقلت له : يا سيدي إن الشيعة ليكثروا القول في عمر بن الفرات، ويقولون له مالا يستحل يكتب على أعماله السواد في هذه الدولة الملعونة، وينادم كبير أهلها .
فقال أبو الحسن(عليه السلام): وما لشيعتنا أن يقولوا ما لا يعلمون ونحن أعلم بما لا يقولون، ويحهم لو علموا أن زكريا(عليه السلام)كتب للعماليق ودبر أمره، وقام بمملكته ولو اعتبروا بعلي بن يقطين مع هارون الرشيد لما شكوا في عمر بن الفرات، ويحهم أما علموا أن يوسف بن يعقوب خدم العزيز بمصر؛ وكان على داره وخزائنه ،ومملكته لو تذكروا لنفعهم الذكر .
وقد قلنا لهم : إن الله أرحم وأرأف بكم أن يسلط عليكم هؤلاء الطواغيت، فإذا رأيتم واحداً منكم متقلداً لهم عملاً ، فاعلموا أن الله ما أوصله إليهم إلا ليجلب عليكم من خيرهم ويكف من شرهم.
يا وليد بن خالد ما لشيعتنا أن ينكروا ما لم يحيطوا به علماً، ولا ينصب لهم الإمام باباً يدعوهم إليه، ويخرج علمه منه إليهم، فيقولون له : لِمَ وكيف واشهد يا وليد أن الراد على عمر بن الفرات كمن رد على آبائي(عليه السلام)، وعلى جدي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، وعلى الله(عزّوجل) ، ومن رد على الله فقد برأ الله منه، وبرأنا منه في الدنيا والآخرة.
4- وعنه (قدس سره)، عن أبي الحسن بن يحيى الفارسي، عن زيد بن كثير، قال: دخلت على مولانا أبي الحسن علي بن محمد صاحب العسكر(عليه السلام)، لأسأله عن مسائل ضاق بها صدري وأردت أن أسأل سيدي أبا محمد فحالت أمور الدنيا بيني وبين ذلك .
ص: 580
فقال أبو الحسن(عليه السلام): صر إلى عمر بن الفرات فإنه ينبئك بعلم ما ضاق به صدرك .
قال : فقلت : يا مولاي إذا أجابني عنها، فكل جواب أسمعه منه أقبله منه .
قال : ويحك يا زيد أفي الله شك.
قال :قلت: لا . قال : ففينا شك . قلت : معاذ الله .
قال : ففي عمر بن الفرات شك هو خازن علمي، وبابي، ومجمع سري، ومن علم المنايا ،والبلايا والقضايا والوصايا والناسخ والمنسوخ، وما كان وما يكون إلى يوم القيامة.
قال :زید فاستؤذن لصاحب عمر بن الفرات؛ فدخل وفي يده القرطاس، فيه المسائل التي كانت في نفسي والأجوبة عنها .
فقال لي مولاي أبو الحسن(عليه السلام): خذها با زید، فقد أتتك مسائلك التي أردت أن تسأل عنها أبي من قبل وتسألني فأجابك عنها، ثم لم يكن أبي ولا أنا نزيد فيه حرفاً، ولا تنقص حرفاً. فأخذت المسائل فقرأتها وقلت يا مولاي والله مسائلي عن آخرها .
فقال : قم وادخل وانظر ماذا ترى.
فقمت أسعى حتى دخلتُ على عمر بن الفرات، وهو جالس، فلما رآني دفعني إليه وقال يا زيد أتريد أن أريك ما أراك مولاي ، أن تراه عندي، فتحمد الله عليه .
قلت : نعم يا سيدي.
قال : وكان اليوم السابع من ذي الحجة، وكان في نفسي حسرة أنني لن أحج في تلك السنة .
فقال : أحببت الحج في هذه السنة .
فقلت : نعم .
فقال : فقم واعهد إلى منزلك ما تريد وعد إليَّ .
قلتُ : جُعلت فداك، ثم ماذا .
قال : تحج، وتنقلب غانماً مسروراً. فعلمت أن ما قال هو الحق .
ص: 581
فقمت إلى منزلي فعهدت إليهم بما أردت وعدتُ إليه وليس معي صفراء ولا بيضاء، فجلست عنده إلى العشاء الآخرة، فلما صلاها وصليتها، قال لي: قم يا زيد إلى راحلتك فجهزها واركبها فإنها بالباب وإنها لتحملك عليها ما كنت تحمل وزيادة في خروجك، فإذا قضيت فاركبها في مثل هذا الوقت، فإنك بمشيئة الله وعونه تعود إلينا .
قال: فودعته وخرجت وإذا الراحلة بالباب فركبتها وسارت وغشي عيني النعاس، فانتبهت بعد هنيهة فإذا أنا بمكة فحججت حجاً تاماً هانئاً، ولقيت غريماً كان لي عليه مال كثير، مقدار أربعة آلاف دينار فوفاني فركبت الراحلة بعد تمام الحج بعد العشاء الآخرة، ونعست ،نعسة فلم أنتبه إلا بقائل يقول لي: انزل يا زید، فانتبهت فإذا راحتي قد أناخت على باب دار عمر بن الفرات في الموضع الذي ركبتها فيه، فدخلت إليه فشكرت الله عنده وحمدته، وعدت إلى سيدي أبي الحسن(عليه السلام)فقال لي : أرأيت فضل الله علينا وعلى بابي عمر بن الفرات.
فقلت : نعم يا مولاي فقد رأيت، فلله الشكر والحمد ، ولكم الحمد الكثير . فقال : ذلك والله بمسألتي الله تعالى فيه.
باب ما ورد في أبي شعيب محمد بن نصير بن أبي بكر النميري (1)، وكان كنيته في دار السلطان، وعند العامة أبو جعفر، وكان يكنى أبا المطلب، ومشهده بالبصرة في قطيعة سامراء.
1 - قال الحسين بن حمدان: حدثني أحمد بن يوسف، عن إسحاق بن
ص: 582
محمد، عن أبي سكينة، عن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر، قال سمعت الصادق(عليه السلام)يقول :
إن الله جعل الإمامة بعد الرسالة في أمير المؤمنين(عليه السلام)، وأحد عشر شخصاً من ولده، وجعلهم الحجة في أهل مكة والقوام بأمره ونهيه، ومعادناً لعلمه وسره، وجعل لهم اثني عشر باباً لكل إمام ،باب يدخل المؤمنون منه إلى علمه، فمن جحد باباً فقد جحد إماماً، ويأبى الله أن يقبل لجاحد الباب حرفاً ولا عدلاً يظهر الأحد عشر ،باباً، فيظهر الأحد عشر إماماً ويغيب الباب الثاني عشر بغيبة الإمام الثاني عشر .
فقال الإمام الحادي عشر ابني الحسن من ابني علي من ابني محمد من ابني علي من ابني ،موسى بابه محمد بن نصير النميري يكثر حساده في عهده، ويفرقهم الحسد عنه حتى شكواً فيه أولئك منا براء؛ ونحن منهم براء، وهم الخاسرون.
2-وعنه (قدس سره)، عن محمد بن ميمون الخرساني، عن أبي هاشم ،داوود بن القسم الجعفري، عن علي بن أحمد البزاز عن أحمد البزاز، عن محمد بن سنان، قال: جرى في مجلس الصادق ذكر الناس على طبقاتهم حتى ذكر الشعراء، فقال قائل منهم: قاتل الله جرير حيث يقول:
فغض الطرف إنك من نمير*** فلا كعباً بلغت ولا كلاباً
فقال له : أما علمت أن الله في نمير داراً تظهر، ولو بعد حين. فقال القوم بأجمعهم: نحن نستغفر الله يا سيدنا ونحب أن نعلم الإرادة التي لله
في نمير .
فقال : تلك والله الإرادة باب ابني علي والحسن وهو الحادي عشر من الأبواب يظهر للمؤمنين ما أظهرناه وسر ما أسريناه ويملك أمر الطاغية صاحب الملك في زمانه ظاهراً، ويملك أمرنا باطناً، فيملك فيه من جسده على علم منه بفضله إنه باب الهدى.
ص: 583
3 - وعنه (قدس سره)، عن محمد بن صالح البثي عن علي بن حسان ،قال : دخلت على سيدي أبي الحسن صاحب العسكر علي بن محمد (عليه السلام) فقلت : جعلت فداك عمن آخذ معالم ديني، فقد كثرت المقالات.
فقال : خذها ممن ترميه الناصبة بالرفض وترميه المقصرة من الشيعة بالغلو، وهو عند المرتفعة محسود ومكفر ، فاطلبه، فإنك تجد عنده جميع ما تريد من معالم دينك.
فطلبت فلم أجد هذه الصفة في جميع من يشير إليه، غير أبي شعيب محمد بن نصير، فاتبعه فوجدت عنده كل ما أردته وعلمني ما لم أعلمه ورأيته بالعلم يزخر كالبحر الزاخر، فعلمت وشهدت وأقررت أنه باب الإمام في زمانه .
ودخلت على السيد أبي الحسن العسكري(عليه السلام)، فأعلمته إني لم أجد بهذه الصفة إلا محمد بن نصير بعد عمر بن الفرات فقال وفقت وما توفيقك إلا بالله .
ثم قال : محمد بن نصير نوري وبابي وحجتي وكل ما قال عني فهو الصادق على صدق لا كذب أيتامه بعده فخرجت وقد اعتقدت في بابيته فهديت به .
4 - وعنه عن أبي جعفر محمد بن علي الشلمغاني قال : حدثني علي بن عبد الغفار قال : كثر القول في محمد بن نصير من الشيعة فكتبت إلى أبي محمد الحسن العسكري : يا سيدي إن محمد بن نصير يقول فيكم العظائم، ويزيد أنكم أرباب فعرفني يا سيدي ما عندك في ذلك لأعمل بحسبه، فوقع إلي نحن أعلم بما يقولون، وما أنت عليهم بجبار.
والله ما قال لهم إلا أنا ربانيون لا أرباب من دون الله، وكيف يقول محمد بن نصير هذا، وهو بابي في الهدى كما كان سلمان باب جدي أمير المؤمنين ، فأقررت عند ورود التوقيع ببابيته واقتدیت به فهديت ورأيت منه ما رأيت من عمر ابن الفرات حذو النعل بالنعل .
ص: 584
5 - وعنه (قدس سره)، عن محمد بن صالح الشيبي، قال: سمعت علي بن حسان يقول : أشاع قوم من الأضداد المقصرة بأن أبا شعيب ادعى المعنوية فدخلت عليه وقلت له : يا باب الهدى إن قوماً من الأضداد الحساد لك ذكروا عنك إنك ادعيت المعنوية، فقال: والله لقد كذبوا على أمير المؤمنين وعلى سائر الأئمة الراشدين إلى أبي محمد صاحب العسكر(عليه السلام)وقالوا : إنهم يقولون للشيعة اتخذونا أرباباً من دون الله، ولقد قالوا لهم قول الحق : اجعلونا مربوبين مرزوقين، وقولوا في فضلنا ما شئتم، ولن تدركوه.
ولقد قال بعض الشيعة للصادق إن من الناس من يقول : إن الحسن والحسين ربان وإلهان.
فقال لهم الصادق(عليه السلام): والله لو ادعى الحسن والحسين هذا لكانا أضل من بغلتي هذه ولما كان ينفعهما نسبتهما من جدهما رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، ولا من المؤمنين(عليه السلام)، ولا من فاطمة الزهراء(عليها السلام)، ولكانا من أهل النار، وحاشى الله أن يقولا على الله إلا الحق، فكيف لا يكذب عليَّ، وإنما أنا حسنة من حسنات موالي مولاي(عليه السلام).
فقلت : يا أبا شعيب اغفر لي ما ظننته فيك فقال : ليس ذلك إلي، فتوجه نحو مولاي أبي الحسن(عليه السلام)، فإن غفر لك فقد غفر الله لك، فخرجت من عنده، وقلت لعن الله من كذب عليك ودخلت على مولاي أبي الحسن(عليه السلام)، فلما مثلت بين يديه قال لي: ويحك أما استحييت من الله ولا خفته فيما لقيت به بابي العظيم القائم فيكم مقام سلمان وسفينة ورشيد، وسائر أبوابنا .
فقلت يا مولاي عرض لي بذنبي شك فيه. فقلت له: ما سمعته من الأضداد والحساد فاغفر لي.
فقال : يغفر الله لك ما لم تشك في محمد بن نصير .
فقلت : أعوذ بالله أن أشك فيه أبداً .
ص: 585
جحد الباب فقد كفر بالواحد القهار
6 - وعنه، عن الحسين بن منذر، عن إسحاق بن محمد بن عبد الله بن مهران،عن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر عن الصادق لا أنه قال : أبوابنا أولهم كآخرهم، وآخرهم كأولهم في الفضل والمنزلة واحد، وهم الدالون لشيعتنا المؤمنون إلى الله ،وإلينا، وهم نور من روح القدس التي هي روح محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)منه بدوهم وإليه معادهم، ومن جحد واحداً؛ فقد جحد كل الأبواب لأنه من لم يقم فيما أمره الله في أبوابه، فلا دين له، ومن جحد الباب فقد كفر بالواحد القهار.
[القحف]
7 - قال الحسين بن حمدان هذا كما روي من أخبار أبي شعيب بالأسانيد؛ سواء وأخبار له منه خبر القحف البلوري الذي وهبه المتوكل لصالح بن موسی ،فدعا سائر أهل الدولة ودعا أبا شعيب محمد بن نصير، وأمر بإخراج القحف فأخرجته الجارية من غلافه لتمسحه فسقط من يدها فتعيب وهَرَب الخادم الذي أمر بطلبه والجارية التي سقط من يدها، وكثر طلب صالح للقحف حتى حلف ليقتلن الجارية، وينغص عليه عيشه.
فقال أبو شعيب لخادم آخر: امض يا بني وأتنا بالقحف فقد سقط من يد الجارية فتعيب. فمضى فأتاه به، فأخذه ولفه، والمجلس حافل بأهل الدولة، فعاد کهیئته، بلا صدع ولا كسر ودعا بدعوات، فاستوى فبلغ ذلك المتوكل، فقال: ما ندري ما نحمل من عجائب ابن عمنا علي بن محمد الحجازي، أو من صاحبه محمد بن نصير .
وخبر البغل وإحيائه إياه بعد أن نفق وتحطيم بضاعة كانت لزجاج حمل إلى خزانته زجاجاً محكماً بأربعمئة دينار.
فقال له الزجاج : حسابي أكثر من هذا المال، وقد وقع فيه الغلط بعد أن حرقت الرقاع، وتفتتت وكانت بخط الوكيل، وخط الزجاج فدعا بها أبو شعيب فقدمت
ص: 586
إليه، فأخذها ولم يزل يناول الزجاج رقعة بعد رقعة وهو ينظر خطه وخط الوكيل وقد كمل رقعة رقعة، فخرج الحساب أربعمائة دينار لا تزيد حبة ولا تنقص حبة .
فقال الزجاج : أستغفر الله يا سيدي أنا وهمت في القول، والقول قولك.
فقال له : قم إلى دكانك فإن الأربعمائة دينار في صندوقك في خرقة بيضاء،
واختم بخاتمين . فقام الرجل وهو يقول : لا حول ولا قوة إلا بالله ماذا أقول، فصار الرجل إلى دكانه وفتح الصندوق، فوجد الصرة وما بها كما قال: وعد الدنانير، فخرجت أربعمائة دينار فحلف الزجاج أنه لا يملك غيرها من ماله وكان ذا مال كثير وجمع ثمن كل ما يملكه غير أربعمائة دينار، وصرفه في مستحقي الشيعة، وقبض إلى تلك الصرة إلى أن قبضه الله إلى رحمته .
قال الحسين بن حمدان: إنما ذكرنا هذا في أخبار أبي الخطاب محمد بن أبي زينب الكاهلي وأبي شعيب محمد بن نصير، لما ظهر من اللعن لهما، وإلا ففضائل القوم أكثر من أن تخفى ولذا روينا هذا من أخبارهما ليعلم من لم يعلم ويدري من لم يدر وبالله التوفيق.
وكأني بالناظر المقصر الذي لا يحتمل قلبه علم آل محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)قد أنكر ما فضل الله به الأئمة وأبوابهم فيما القوه إليهم وعرفوهم إياه مما عرفه الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم)، عن جبرائيل، عن الله تعالى، وجعله لهم ورضيهم له وهم لا ينكرون أمر عبد الله بن هلال ومسيره إلى مكة في ليلة ومعه خبز حار وحين أكله هناك، وأمر بشر الحافي في ركوبه السبع حين حج عليه في ليلة وعاد في ليلته ويقولون: من أطاع الله أطاعه كل شيء، افترى محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)وآل محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)و ما أطاعوا الله وعبدوه فاستحقوا ما استحق عبد الله بنهلال وبشر الحافي، والعباد بجبل اللكام وإنطاكية .
وقد أراني منهم في هذا الزمان العجائب وأوت السباع إليهم، ونزل عليهم النخل بالرطب في غير وقته وحملتهم السباع على ظهورها، وكاتبهم الروم في مواضعهم بين ساحل إنطاكية وجبل اللكام فما ردوا لهم وهم غائرون عليهم، ولا قطع ببال الناس أن هناك شواهد زور في زماننا .
ولذلك يقول الناس جميعاً هذا صحيح بطاعتهم الله تعالى، ومن ذكرناهم نحن منهم أكثر طاعة الله وأعظم اجتهاداً وعبادة وأصلح نية وأقرب من الله منزلة وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
ص: 587
ما ورد من الوكالة والدالة على أبي ،عمر وعثمان بن سعيد السمان العمري (1)،وابنه أبي جعفر محمد بن عثمان(2)، ومن دل محمد بن عثمان وهو أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي، وأنهم وكلاء الأموال وثقات أبي محمد الحادي عشر(عليه السلام)بسر من رأى، والخلف منه. المهدي(عليه السلام) .
1 - قال الحسين بن حمدان حدثني محمد بن إسماعيل، وعلي بن عبد الله الحسنيان قالا : دخلنا على أبي محمد ؛ وهو بسر من رأى وبين يديه جماعة من أوليائه وشيعته حتى دخل عليه بدر ،خادمه فقال یا مولاي بالباب قوم غبر شعث .
فقال : نعم هؤلاء قوم من شيعتنا باليمن، وهم: خالد بن شهاب الصعيدي وأنس بن زبيدة الغبري والمختار بن كثير النجراني وعيسى ومحمد أبناء عروة الطالقيين قد وردوا بمال وجب عليهم .
ص: 588
قال بدر يا مولاي هم أكثر من هذا العدد.
فقال : ويلك يا بدر أولئك خدامهم، فامض وأتِ بعثمان بن سعيد العمري.
فما لبثنا إلا يسيراً حتى أتى عثمان، فقال له أبو محمد : امض يا عثمان
صلى الله عليه وسلم فإنك الوكيل على مال الله والشيعة، فاقبض من هؤلاء النفر الثمانية ما حملوه من المال، وهو ثلاثة عشر ألف دينار عيناً، وسبعة وعشرون ألف درهم ورق، ولا تحدث حدثاً في رزم الثياب التي معهم واحمل المال وخل الرزم في رحلهم حتى يجيئك أمري.
قال : فخرج عثمان إلى القوم فلم يحتاجوا إلى أمرٍ ولا نطقوا بحرف دون أن تبعوا عثمان إلى مواضعهم فسلموا المال إليه فحمله عثمان إلى الدار وسألوه حمل الرزم فعرفهم ما أمر به ثم قال عثمان : كيف سلمتم إلي هذا المال ولم تعرفوني ولم تلقوا سيدي فيأمركم بتسليمه إليَّ ولا أخرج أمر بالتسليم مع غيري .
فقالوا: يا سبحان الله أعزينا دخولك الدار وخروجك إلينا منها بالأمر حتى نستظهر عليك بأمر آخر .
قال لهم عثمان : فما يأمنكم أن منكم أن أكون اختلف عليكم .
فقالوا له : لأنك لا تعلم الغيب ولا تعلم ما نحن فيه، وما معنا، وإن الصاحب أمرك بما علم .
قال : فأعاد عثمان الحديث علينا بحضرة أبي محمد(عليه السلام)، فقال له : ويحك يا عثمان لقد اختبرت القوم فأحسنوا اختبارك .
و خرج عثمان فقلنا : يا سيدي إن عثمان لمن خيار شيعتك ولقد ازددنا علماً بموضعه في خدمتك، وإنه وكيلك وثقتك على مال الله.
فقال :نعم، فاشهدوا على أن عثمان بن سعيد العمري وكيلي، وأن ابنه محمد وكيل ابني؛ يهديكم.
قال محمد بن إسماعيل، وعلي بن عبد الله الحسنيان فسألنا عثمان، عن ابنه محمد، فقال: والله ما ولد لي وإن لي حملاً، وأرجو أن يكون هو. قالا : فلما كان بعد ثلاثة أيام دخل عثمان على سيدنا أبي محمد(عليه السلام) فنظرت إليه مقبلاً ، فقال : قد ولد لك ولد قسمه محمد قبل أن تقبله وتذكر ولادته .
ص: 589
2 - وعنه (قدس سره)، عن أبي الحسين بن محمد بن يحيى الفارسي والحسن بن عبد الحميد القسطاني قالا : حضرنا مجلس سيدنا أبي محمد (عليه السلام)بسر من رأى فورد كتاب من حاجز الوشا عليه يقول فيه : إن نفراً من أهل تستر صاروا إليه يسألونه قبض ما حملوه من حق الواجب عليهم في أموالهم فرفع سيدنا أبو محمد في كتاب اقبض منهم فإنك مأجور على ذلك واحمله إلى وكيلنا عثمان ابن سعيد العمري.
3 - وعنه (قدس سره) قال: حدثني محمد بن ميمون الخرساني، قال: جاءني ما مع الحاج من خرسان وأنا مقيم بسر من رأى، فلما وصلت القافلة التي فيها المال إلى حلوان قطع عليها وأخذ ما كان فيها فدخلت على سيدي أبي محمد حزيناً لما أصبت به في القافلة وذهاب المال فلما صرت بين يديه قال لي : لا تحزن يا محمد وانفلت إلى عثمان العمري الوكيل فخذ كتبك التي كانت في القافلة، وانظر إلى المال المحمول إلينا عنده وقابل به كتبك فإنك تجده كما كتب إليك فرجعت إلى عثمان فعرفته ما أمرني به سيدنا فأخرج إلي الكتب فقرأتها وقابلت بها المال فوجدته سالماً لم ينقص ولم يزد.
4 - وعنه (قدس سره)، عن عنان بن يونس الديلمي، وأبي داوود الطوسي والحسن بن مسعود الفراتي قال: اجتمعنا في دار الحسن بن علي بن الحسين بن موسی ابن جعفر(عليه السلام) أربعة وعشرون رجلاً فخضنا في محمد بن نصير، وأنه الباب لا شك فيه، وفي أبي عمرو عثمان بن سعيد العُمري، وأنه مؤمن لا شك فيه، وأن وكالته لسيدنا(عليه السلام) بمنزلة أحببنا أن نعرفها، فجاءنا كافور الخادم فقال لنا يقول لكم مولاي قد علمتُ ما خضتم فيه من أمر محمد بن نصير، وعثمان بن سعيد العمري ولم أكن لأدعكم في شبهة .
ص: 590
اعلموا أن محمد بن نصير بابي وباب أبي من قبلي ؛ بعد عمر بن الفرات، وعثمان العمري وكيلي في مالي وابنه محمد وكيل ابني المهدي المنتظر، فقلنا رضينا وسلمنا .
5 - وعنه (قدس سره)، عن جعفر بن محمد بن مالك الفزاري وعلي بن عاصم الكوفي، وأحمد بن محمد الحجال الصيرفي قالوا : لما نصب سيدنا أبو محمد الحسن بن علي(عليه السلام)أبا عمر عثمان بن سعيد العمري وكيلاً؛ وقعت الشبهة في قلوبنا، وقلنا عسى أن يكون قد بدا الله في محمد بن نصير كما بدا له في أبي الخطاب؛ محمد بن أبي زينب.
وكثر الكلام بالكوفة وسوادها، فاجتمعا اثنان وأربعون رجلاً ممن لقي أبا الحسن وأبا محمد(عليه السلام)على أن نكتب كتاباً نسأل فيه عما وقعت الشبهة فيه عندنا، ثم اجتمعنا على الشخوص إلى سامراء فسرنا إليها وبها في ذلك الوقت ما ينيف على الثلاثمائة رجل من سائر البلدان ،مجاورين، فلقي بعضنا بعضاً وأدرنا الرأي ؛ فخرج إلينا الأمر من سيدنا أبي محمد أنا أجلس لكم ليلة الجمعة فاحضروا واستمعوا الجواب فيما خضتم فيه وأحببتم معرفته فشكرنا الله وحمدناه فلما كان في ليلة الجمعة توجهنا نحو الدار وكل ما وصل منا قوم دخلوا حتى اجتمعنا عن آخرنا وخرج علينا مولانا أبو محمد(عليه السلام)فقال لنا : هل علم أحد منكم أو نقل إليه أن سلمان كان وكيلاً على مال أمير المؤمنين .
قلنا : لا يا سيدنا.
قال: أفليس قد علمتم ونقل إليكم أنه كان بابه. فقلنا : بلى قال : فما الذي أنكرتم أن يكون محمد بن نصير بابي، وعثمان بن سعيد وكيلي.
فقلنا : يا سيدنا إنما خشينا أن يكون قد بدا لله في محمد بن نصير، كما بدا له في أبي الخطاب، محمد بن أبي زينب.
فقال لنا : الله المشيئة في خلقه أن يفعل ما يشاء، وعليهم الرضا والتسليم، فقلنا : سمعنا وأطعنا .
فقال : اشهدوا على أنه ما بدا لله في أبي الخطاب باب أبي جعفر الصادق(عليه السلام)، وأن محمد بن نصير بابي إلى أن يقبضه الله إليه، وأن عثمان بن
ص: 591
سعيد العمري السمان ،وكيلي وابنه محمد وكيل ابني المهدي، مهديكم إلى أن يقبضه الله فشكرنا الله وحمدناه، وأوصى أبو جعفر محمد بن عثمان العمري إلى أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي، وسلم إليه وصيته؛ فلزم الشيعة قبول ذلك؛ لأن محمد بن عثمان ثقة الإمام، ولم يوثق إلا من هو ثقة، عند الله، وعنده، وأوصى الحسين بن روح النوبختي إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري فتنازعت الشيعة فيه.
قال بعضهم: إنه أوصى إليه بملكه وماله لعجز ابنه أبي طالب عن القيام بذلك .
وقال آخرون : بل أوصى إليه بما أوصى به محمد بن عثمان إليه، فطالب الشيعة علي بن محمد السمري بما طالبوا به الحسين بن روح؛ فذكروا أنه عجز عن ذلك، فمنهم من سلم المال المحمول من البلدان إليه تقليداً، ومنهم من رجع بماله وقبض علي بن محمد السمري، ولم يوص إلى أحد.
قال الحسين بن حمدان: فأما اختلاف الطوائف الشيعية في بابية محمد بن سنان وعلي بن جبلة القمي ومحمد بن موسى الشعبي وغيرهم فباطل واتباع هوى ولا أصل له وفتنة وضرب الدنيا بالدين، وقد نهى الله جل ثناؤه، عن بقوله جل من قائل: ﴿«وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40)فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)﴾(1)، وفي قوله جل من قائل : ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾(2).
يعصمنا الله وجميع المؤمنين والمؤمنات من الفتنة والخطأ واتباع الهوى، ومن الضلالة بعد الهدى بلطفه وكريمه عطفه، إنه ولي حميد (3).
ص: 592
-القرآن الکریم.
-إثبات الهداة: محمد بن الحسن الحر العاملي، طقم، 1404ه_.
-إثبات الوصية :علي بن الحسين بن علي المسعودي، طقم، 1404ه_.
-إحقاق الحق وإزهاق الباطل: القاضي نور الله الحسيني المرعشي التستري، المتوفى سنة 1019ه_، في هامشه : تعليقات الإمام المرعشي النجفي طقم، سنة 1401ه_، وط/ 1411ه_. وطقم، 1966م.
-الاختصاص: محمد بن محمد بن النعمان المفيد، ط/ النجف، 1390ه_.
- الاستيعاب: يوسف بن عبدالله بن عبد البر، ط دار صادر.
- إرشاد القلوب الحسن بن محمد الديلمي ط بیروت، 1398ه_ .
الأمالي : الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، ط/ بغداد، 1385ه_.
- الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد الشيخ محمد بن محمد بن النعمان العكبري، البغدادي، المفيد، المتوفى سنة 413 ه_ ، طقم، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، وبيروت، دار إحياء التراث العربي سنة 1415ه_.
- إيضاح الاشتباه : العلامة الحلي، ت726ه_ ، تح : الشيخ محمد الحسون، ط/1، نشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، بقم المشرفة، في شوال المكرم 1411ه_.
- إكليل المنهج في تحقيق المطلب : محمد جعفر بن محمد طاهر الخراساني الكرباسي، ت 1175ه_، تح: السيد جعفر الحسيني الاشكوري، ط/1، طبع ونشر : دار الحديث للطباعة والنشر، عام 1425ه_.
- أبو هريرة شيخ المضيرة العلامة المحقق الشيخ محمود أبو رية، ط/3، دار المعارف، مصر.
-بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار : محمد باقر بن محمد تقي المجلسي
ص: 593
(الثاني) المتوفى سنة 1110ه_ ، تح ونشر : دار إحياء التراث، ط1، بيروت، سنة 1412ه_، ومؤسسة الوفاء، سنة 1400ه_، وط/ 4 ، سنة 1405ه_، وط/ طهران، 1391ه_ .
- وتح: عبد الرحيم الرباني الشيرازي ط2 ، المصححة، نشر: مؤسسة الوفاء، بيروت عام 1403 - 1983م.
- بشارة المصطفى: محمد بن علي الطبري، ط/ النجف، 1383ه_ .
- بصائر الدرجات: محمد بن علي الصفار، ط/ النجف، 1380ه_ .
- تاريخ الأئمة : الشيخ ابن أبي الثلج البغدادي المتوفى سنة 325ه_، ضمن مجموعة نفيسة .
- تاريخ الأئمة : نصر بن علي الجهضمي.
- تاريخ الطبري : ط دار سویدان، بیروت.
- التتمة في تواريخ الأئمة: السيد تاج الدين بن علي بن أحمد الحسيني العاملي، تح: السيد باسم الهاشمي ط دار الكتاب الإسلامي، بيروت.
- تهذيب نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي المختار : المحقق الشيخ مصطفى صبحي الخضر .
- تنقيح المقال في علم الرجال عبد الله بن محمد حسن المامقاني، ط/ دار الكتاب العربي، بيروت سنة 1402ه_ وط/ المطبعة المرتضوية النجف الأشرف .
- تهذيب المقال في تنقيح كتاب رجال النجاشي: السيد محمد على الأبطحي، معاصر، طبع : مطبعة الآداب النجف الأشرف، عام 1390ه_ ، 1971م.
- تعليقة على منهج المقال الوحيد البهبهاني، ت1205ه_.
- تفسير الكشاف الزمخشري، ط/ بيروت.
- ثاقب المناقب: محمد بن علي الطوسي، ط/ حجري .
- الجوهرة في نسب الإمام علي وآله : محمد بن أبي بكر الأنصاري التلمساني المعروف بالبري.
ص: 594
- جامع الرواة: محمد بن علي الأردبيلي ،الغروي الحائري، ت1101ه_ ، طبع ونشر : مكتبة المحمدي طهران.
- جوامع السيرة النبوية لابن حزم الأندلسي، ط/ بيروت.
- خصائص أمير المؤمنين علي(عليه السلام): الشريف الرضي ، ط/ النجف، 1368ه_.
- الخرائج والجرائح الراوندي .
- خلاصة الأقوال : العلامة الحلي، ت726 ، تح: الشيخ جواد القيومي، ط/1، طبع : مؤسسة النشر الإسلامي، نشر : مؤسسة نشر الفقاهة في عيد الغدير 1417ه_.
- دلائل الإمامة : لأبي جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري من علماء المائة الرابعة، ط 3، قم، سنة 1363ه_ ؛ وط/ الحيدرية المطبوعة سنة 1383ه_، 1963م.
- دلائل النبوة : أحمد بن الحسين البيهقي، ط دار الكتب العلمية، بيروت.
- الدر النظيم في مناقب الأئمة اللهاميم: الشيخ جمال الدين بن يوسف حاتم الشامي، من أعلام القرن السابع الهجري، تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي، التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة ، ط/ مؤسسة النشر الإسلامي، قم، سنة 1420ه_.
- رجال الكشي : الكشي، ط/ مشهد إيران.
- رجال ابن داود: الحسن بن علي بن داود الحلي ت 740ه_ ، ، ط/ المكتبة السلفية، المدينة المنورة، سنة 1402ه_ .وتح وتقديم : السيد محمد صادق آل بحر العلوم، :نشر منشورات مطبعة الحيدرية النجف الأشرف منشورات الرضي، قم، عام 1392ه_ ، 1972م .
- رجال الشيخ الطوسي : الطوسي، تحقيق : جواد القيومي، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم، سنة 1415ه_.
- رجال ابن الغضائري : أحمد بن الحسين الغضائري الواسطي البغدادي، ت ق 5ه_، تح: : السيد محمد رضا الجلالي، ط/1، طبع سرور، نشر: دار الحديث، عام 1422ه_ .
ص: 595
زبدة البيان المحقق الأردبيلي، ت993ه_ تح وتعليق : محمد الباقر البهبودي، نشر : المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية - طهران .
شرح نهج البلاغة : ابن أبي الحديد المدائني المعتزلي، ط/ مصر، 1378ه_ .
علل الشرائع : محمد بن علي بن الحسين الصدوق، ط/ النجف، 1385ه_.
- طرائف المقال : السيد علي البروجردي ت 1313ه_ ، تح: السيد مهدي الرجائي، ط/ 1، طبع :بهمن، قم، نشر مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي العامة - قم المقدسة، عام 1410ه_ . تقديم آية الله العظمى المرعشي النجفي، إشراف: السيد محمود المرعشي .
- الطبقات الكبرى : محمد بن سعد البصري، ط دار صادر، بيروت.
-عيون المعجزات :الشيخ حسين بن عبد الوهاب ط بیروت، 1403ه_، وط/4، الأعلمي، 1424ه_، 2004م. عيون أخبار الرضا(عليه السلام): الشيخ محمد بن علي بن بابويه القمي، الصدوق المتوفى سنة 381ه_ ، ط منشورات المكتبة الحيدرية، النجف الأشرف.
-الغيبة : الشيخ محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي المتوفى سنة 460ه_، تحقيق: عباد الله الطهراني - علي أحمد ناصح، ط/ 1 ، مؤسسة المعارف الإسلامية، قم، سنة 1411ه-.
-الغارات: إبراهيم بن محمد الثقفي الكوفي، ط إيران، 1405ه_.
-الفصول المهمة في معرفة الأئمة : الشيخ علي بن محمد بن أحمد المالكي، الشهير بابن الصباغ المالكي، المتوفى سنة 855ه_ ، تحقيق : سامي الغريري، ط/1، قم.
ص: 596
الفضائل سديد الدين شاذان بن جبرائيل، ط/ النجف، 1381ه_ .
قاموس الرجال : الشيخ محمد تقي التستري معاصر تح: مؤسسة النشر الإسلامي، 1 :طبع مؤسسة النشر الإسلامي، نشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة في شوال المكرم 1425ه_ .
-كشف الغمة في معرفة الأئمة: علي بن عيسى الأربلي المتوفى سنة 687ه_، تصحيح : هاشم الرسولي المحلاتي ، دار الكتاب الإسلامي، بيروت، سنة 1401ه_.
-الكافي: الشيخ محمد بن يعقوب الكليني الرازي المتوفى سنة 329ه- ، تحقيق : علي أكبر الغفاري ط دار الكتب الإسلامية، طهران، سنة 1389ه_.
-كمال الدين وتمام النعمة محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، الصدوق، المتوفى سنة ،381ه_ تحقيق علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، سنة 1405ه_.
- مدينة المعاجز : السيد هاشم البحراني، ط طهران، 1385ه_.
- مستدرك الوسائل : حسين النوري الطبرسي، طقم، 1407ه_.
- مناقب آل أبي طالب : محمد بن علي بن شهر آشوب، ط/ النجف، 1965م.
- معجم رجال الحديث : الإمام أبو القاسم بن علي أكبر الخوئي، ط دار إحياء التراث، بيروت سنة 1406ه_ ، وط/3، منشورات مدينة العلم، قم، سنة 1403ه_.
- المصباح الكفعمي .
- المحجة البيضاء : الفيض الكاشاني ط جماعة المدرسين، قم.
- مناقب آل أبي طالب لرشيد الدين محمد بن علي بن شهر آشوب المازندراني المتوفى سنة 588ه_ ، طقم المطبعة العلمية، والنجف الأشرف.
- منتخب الأنوار في تاريخ الأئمة الأطهار : أبو علي محمد بن همام بن سهل الكاتب الإسكافي، تح علي رضا ،هَزار،ط /1، قم، سنة 1422ه_.
ص: 597
- المسلمون العلويون في مواجهة التجني : الدكتور الشيخ أحمد علي حسن، ط/2، الدار العالمية للطباعة والنشر، تقديم : الأستاذ حامد حسن .- مستدركات علم رجال الحديث الشيخ علي النمازي الشاهرودي، ت1405ه_، ط/1، :طبع حيدري طهران، نشر ابن المؤلف.
- المعلى بن خنيس : حسين الساعدي معاصر ،ط/ 1 ، طبع ونشر : دار الحديث للطباعة والنشر، عام 1425ه_.
- معجم المؤلفين : عمر كحالة معاصر، نشر : مكتبة المثنى، بيروت، ودار إحياء التراث العربي، بيروت.
- مروج الذهب علي بن الحسين المسعودي، ط/ مؤسسة الهجرة، قم.
- نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي المختار الشيخ مؤمن بن حسن مؤمن الشبلنجي، ط دار الفكر بهامشه إسعاف الراغبين ،وط 1 ، دار الكتب العلمية، بيروت سنة 1398ه_ .
- نقد الرجال : التفرشي ، ت ق 11ه_ ، تح: مؤسسة آل البيت(عليهم السلام) لإحياء التراث، ط/1، طبع : ستارة، قم، نشر مؤسسة آل البيت(عليهم السلام) الاحياء التراث، قم، في شوال 1418ه_.
- النص والاجتهاد :الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي، ط/مطبعة سيد الشهداء .
- وقعة صفين : نصر بن مزاحم المنقري، طقم، 1382ه_ .
- وقعة الجمل : ضامن بن شدقم بن علي الحسيني المدني تبعد 1028ه_، تح: السيد تحسین آل شبيب الموسوي، ط 1، 1420ه_ - 1999م.
- ينابيع المودة: سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي / الكاظمية، 1385ه_.
-
-
-
-
-
ص: 598
الإهداء ... 5
مقدمة المحقق ......7
تمهيد .....49
مقدمة المصنّف ....50
الباب الأول : باب رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)...57
دلائله وبراهينه...70
خبر الأعرابي علقمة بن علاقة العامري ....72
خبر الرجل اليهودي ...73
﴿وأنذر عَشِيرَتَكَ الأقربين﴾ ....75
خبر الراهب بحيرا...77
زواج الرسول بخديجة (عليها السلام)....... 79
معركة تبوك ....92
خبر دعوة الرسول....93
معجزة شق القمر ...98
محاولۀ قتل الرسول...100
إسلام عبد الله بن سلام ...103
حديث أصحاب عقبة الدباب ...103
النقباء الاثني عشر...107
حذيفة بن اليمان يفضح أصحاب العقبة ..... 108
خبر الحمار الذي كلمه رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)...108
الباب الثاني : باب أمير المؤمنين(عليه السلام) ...113
فضل الغريين، والبقعة التي دفن فيها الإمام علي(عليه السلام)....118
نساؤه وأولاده .....119
فضيلة أمير المؤمنين(عليه السلام) .....124
بيعة الإمام علي (عليه السلام)....127
ص: 599
يوم غدير خم ...129
النهي عن الخمر....134
الآيات الدالة على تحريم الخمر ...136
تفضيل الإمام علي(عليه السلام)...138
زواج الإمام علي من السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام) ........139
التسعة الرهط المفسدون في الأرض ....143
وصف الشمس لعلي (عليه السلام)....145
معجزة رد الشمس للإمام علي(عليه السلام)......147
شهادة رشيد الهجري(رضی الله عنه)...160
شهادة ميثم التمار(رضی الله عنه)...161
مقتل عبد الله بن خباب وزوجته وطفله .......165
المحاورة مع الخوارج ...167
الرد على الخوارج ...169
استشهاد ميثم التمار(عليه السلام)....195
خبر خالد بن عرفطة ... 196
الحكمة من دفن الأول والثاني؛ قرب قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)... 197
خبر الجام ...200
استشهاد رشيد الهجري(عليه السلام).......203
خبر حبابة الوالبية ...204
وفاة حبابة... 207
الباب الثالث: باب سيدة النساء [فاطمة الزهراء] (عليه السلام) ...212
خبر الحمل .....214
خير الهجوم على دار أمير المؤمنين علي(عليه السلام)... 217
المحاولة الفاشلة في معرفة قبر الزهراء(عليها السلام) .....218
أولادها (عليه السلام)... 219
الباب الرابع : باب الإمام الحسن المجتبى(عليه السلام)...220
السلام خبر وفاة الإمام الحسن(عليه السلام)...221
خبر أدحي النعام ...226
إحالة أمير المؤمنين علي(عليه السلام)الأعرابي إلى ابنه الإمام الحسن(عليه السلام)وهو صبي ...228
ص: 600
خبر ما بعد استشهاد الإمام علي(عليه السلام)....230
الإمام الحسن(عليه السلام)خطيباً ... 231
التخطيط لاغتيال الإمام الحسن(عليه السلام)...234
خبر الورم الذي أصاب قدمي الإمام الحسن(عليه السلام)......235
عجيبة من عجائب الإمام الحسن(عليه السلام)...... 236
ضلال معاوية بن أبي سفيان...237
علم الحسن(عليه السلام) بالغيب ...238
الباب الخامس: باب الإمام الحسين الشهيد(عليه السلام)...242
أولاده (عليه السلام)...244
ولادة الحسين(عليه السلام)لستة أشهر .....244
خبر القارورة ...245
الإمامة بعد الحسين(عليه السلام)...247
ما خلفة أمر الإمام الحسين(عليه السلام)...249
خبر المرأة المشؤومة ...250
خروج الحسين(عليه السلام) من المدينة إلى كربلاء...251
خبر الرجل الذي لا يغفر له الله ...252
الباب السادس: باب الإمام علي السجاد(عليه السلام)......255
سبب تسميته زين العابدين .....257
بعض معجزاته .... 258
الباب السابع: باب الإمام محمد الباقر (عليه السلام)...283
لقاء جابر مع الإمام محمد الباقر(عليه السلام).....284
فضل أهل البيت(عليهم السلام).....286
قدرة الإمام المعصوم ....287
خبر حبابة الوالبية ...287
أم عبد الله والدة الإمام الباقر(عليه السلام)...288
سقوط الجدار .... 288
مولودۀ(عليه السلام)...288
خبر الشهيد زيد بن علي بن الحسين(عليه السلام)... 289
قدرة الأئمة ...290
ص: 601
قائم آل محمد(عجل الله تعالی فرجه)...290
سر من رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) إلى علي(عليه السلام)...291
الباب الثامن : باب الإمام جعفر الصادق(عليه السلام)....294
خبر السيدة نرجس (عليها السلام).......295
وقت وفاة أبي محمد بن الحسن(عليه السلام) ...295
من دلالة دلالات الإمام الصادق(عليه السلام)....297
علامة ودلالة تدل على أن الإمام الصادق(عليه السلام) هو الإمام الحق ........... 302
خبر أبو حمزة الثمالي(رضی الله عنه)...303
خبر المعلى بن خنسي وداود بن علي ...304
معجزة للإمام الصادق(عليه السلام)...305
سؤال الديصاني للإمام الصادق(عليه السلام)...309
الباب التاسع : الإمام موسى الكاظم(عليه السلام)....311
معجزة للإمام الكاظم(عليه السلام)...316
خير الكتاب المختوم ...317
خبر يعقوب ....318
خبر الناقة الشعلاء ....320
قدوم هارون على سيدنا موسى(عليه السلام)من المدينة إلى بغداد...322
الباب العاشر : باب الإمام علي الرضا(عليه السلام).....328
خبر علي بن أسباط الفارسي ...329
حديث هرثمة بن أعين وصبيح....330
وفاة الإمام علي الرضا(عليه السلام)...... 332
بعض معجزاته ....338
الباب الحادي عشر : باب الإمام محمد الجواد(عليه السلام)...345
جسد الإمام(عليه السلام)...349
خبر الرقاع الثلاث ....350
معرفة أبي جعفر(عليه السلام)ما سرقه قطاع الطرق من بعض شیعته ....354
خبر أم الفضل ...355
خبر المأمون .....357
الباب الثاني عشر : باب الإمام علي الهادي(عليه السلام) ...... 365
ص: 602
خبر الواثق ...366
خبر مرض زيد بن علي بن زيد ...367
خبر الألطاف التي حملها محمد بن عبد الله القمي للإمام الرضا(عليه السلام)...368
مخاطبة كل قوم بلسانه ...369
معرفة الإمام(عليه السلام)ما حمله علي بن يونس إليه ...... 369
خبر الدار ...370
إنفاذ المتوكل رسلاً إلى أبي الحسن(عليه السلام) للقدوم إليه...371
دعوة المتوكل الإمام الهادي(عليه السلام) للخروج معه للصيد...373
خبر الشعبذي الهندي...374
خبر التفاحة ... 375
مصير المتوكل العباسي على يد ولده المنتصر وأعوانه لعنهم الله جميعاً ....... 376
الباب الثالث عشر : باب الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)...384
خبر الحسن بن محمد بن يحيى الخرقي ...386
ليلة النصف من شعبان ...389
مولد الإمام المهدي(عليه السلام)....393
خبر أنوش...394
أثر أقدام الأنبياء والأوصياء والرسل(عليه السلام) على البساط ...396
الإمام المهدي(عليه السلام) ...398
التهنئة بولادة المهدي(عليه السلام)...407
عدد التكبيرات في الصلاة على الميت، وكرامة سيدنا الحمزة(عليه السلام) .... 409
الصلوات الخمس...411
صلاة الليل ....413
خاتمة الباب ....414
الباب الرابع عشر : باب الإمام المهدي المنتظر(عليه السلام)...... 415
خبر زواج الإمام الحسن العسكري من السيدة نرجس(عليها السلام).... 415
حديث السيدة حكيمة عن ولادة الإمام المهدي(عجل الله تعالی فرجه).... 417
خبر الملكين الذين حملا الإمام المهدي(عجل الله تعالی فرجه)...420
إزالة الشك ......421
ص: 603
العطاس ...422
خاتم الأوصياء ....422
معرفة الإمام ...422
الإمام محمد الجواد(عليه السلام)خلف أبيه(عليه السلام)...424
تكلم الإمام في الصغر ...424
بلوغ الإمام ...424
كيفية ذكر الإمام الحجة ......425
غيبة الإمام (عليه السلام).....425
الإمام علي يخبر بولادة الإمام المهدي(عجل الله تعالی فرجه)....... 427
الإمام الصادق لا يخبر عن المهدي(عجل الله تعالی فرجه)...428
أسعد الأيام وانحسها ... 429
لا يجوز التسمية باسم المهدي ظاهراً ....... 430
اللوح الذي كان مع السيدة فاطمة (عليها السلام)...431
الحسين . يقسم ميراثه وهو في الحياة ....433
كتبه وتوقيعاته(عليه السلام) ...434
إخبار الإمام ببعض المغيبات ....439
الرقعة التي كتبها أبو جعفر القمي إلى السيدة نرجس(عليه السلام).....440
السمك واللبن والتمر ...441
القائم المؤمل المنتظر ......443
المهدي من ذرية الحسين (عليه السلام)...443
الخلف من بعدك .....443
لكل نبي أئمة ونقباء...444
البكاء على الحسين(عليه السلام)....446
آية: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللهِ﴾ ....
خبر زواج علي بالسيدة فاطمة(عليه السلام)....447
حديث خلق النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)والأئمة (عليه السلام)....448
خبر جعفر الكذاب ...451
خبر الأسئلة ......453
خبر أحمد الواسطي ...454
خبر وفاة الإمام الحسن العسكري(عليه السلام)......454
ص: 604
الإمام بعد أبي محمد(عليه السلام)...455
تاريخ ولادة المهدي(عجل الله تعالی فرجه)...458
خبركتاب أحمد بن محمد المروزي...459
هل للمأمول المنتظر المهدي إليه التسليم من وقت موقت يعلمه الناس ....... 467
تأويل قوله تعالى : ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِهِ ﴾...469
عدد الملل ...471
البقعة التي يظهر بها المهدي ....472
وقت ولادة الإمام المهدي ...472
من يخاطبه ولمن يخاطب ...473
فيمن يظهر؟ وكيف يظهر .....474
أصحاب المهدي(عجل الله تعالی فرجه)....474
ظهور الدابة .....477
خبر نذیر ...477
ظهور الملائكة والجن للناس ...477
مكان دار المهدي ...479
مكان سير المهدي ...479
الشيء الذي يسر المؤمنين ويحزن الكافرين ........480
خبر الفتى الصبيح ...482
خبر السفياني ...484
خبر هامان وفرعون ...... 485
مكان الرسول(صلی الله علیه وآله وسلم)والإمام علي(عليه السلام)...485
خبرفدك، وخطبتها (عليهم السلام) ...486
خبر الهجوم على بيت أمير المؤمنين علي(عليه السلام)، وفاطمة(عليها السلام)...491
الناكثين البيعة أصحاب الجمل ...494
إظهار معاوية سنة سب الإمام علي(عليه السلام)...495
خبر المارقين وهم الخوارج، وذبحهم عبد الله بن خباب وزوجته وطفله .....495
تأويل قوله تعالى: ﴿أَفَائِن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَبَكُمْ﴾ ...499
محاولة اغتيال الإمام الحسن(عليه السلام) ...502
تفسير قوله تعالى: ﴿وَإِذَا الْمَوْءُ دَةُ سُئِلَتْ(8) بِأَيِ ذَنْبٍ قُتِلَت (9)﴾...503
الرجعة ...504
ص: 605
العذاب الأدنى والعذاب الأكبر ...504
خبر النبي الذي مر على قرية خاوية ...506
تأويل قوله تعالى : ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَهُمَا﴾...508
المتعة ....508
الطلاق ...509
الفرق بين المزوجة والمتمتعة ...510
شرائط المتعة ...511
شكوى الإمام زين العابدين وابنه محمد الباقر(عليه السلام)...514
ورجع الحديث إلى الصادق [شكوى الإمام الكاظم (عليه السلام)]...514
شكوى الإمام الرضا(عليه السلام) ... 515
شكوى الإمام الجواد والإمام الهادي (عليهم السلام)....515
شكوى الإمام العسكري(عليه السلام)...515
شكوى الإمام المهدي(عليه السلام)...516
من هم المقصرة، ومن هم المرتفعة .........520
خبر الأكوان ...524
الأكوان الستة ....525
مما خلق أهل الماء .....526
الجان ...526
الأظلة ...527
حديث أهل البيت (عليهم السلام)...531
الباب الخامس عشر : أبواب الأئمة المعصومين(عليهم السلام)......539
الباب الأول : سلمان الفارسي ...539
رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) يشتري سلمان من اليهودية ...539
سلمان عيبة علم أهل البيت(عليهم السلام) ...540
علم سلمان الفارسي ...541
سلمان منا أهل البيت ...541
سلمان بحر لا ينزف ...542
وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ......542
سلمان عين رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)الناظرة ...543
التعرض لسلمان بالسوء ....543
ص: 606
محدث هذه الأمة سلمان ......544
أخلاق سلمان ......545
الباب الثاني : قيس بن ورقة ....546
السبب في تلقيبه سفينة...547
سفينة فلك الله المشحون ...... 547
مقام سفينة ...... 548
يا قيس أنت سفينتي ...548
سفينة والأسد ........549
الباب الثالث: رشيد الهجري ...549
رشيد يعلم المنايا والبلايا ...550
ارشدك الله يا رشيد ...550
رشيد الهجري من أبواب الهدى .......550
اسم الله الأعظم ...551
رشيد يخبر عن كيفية قتله ...551
الباب الرابع : أبي خالد عبد الله بن غالب الكابلي...553
علم الإمام بلقب أبي خالد الكابلي ...553
کنکر باب الهدى والرشاد ... 554
أبو خالد مع حجۀ الله...554
يشك فيك إلا من شك فينا ...554
أبو خالد الكابلي محدثاً .....555
الباب الخامس : يحيى بن معمر بن أم الطويل الثمالي...555
يحيى ابن أم الطويل باب الهدى ...556
علم البلايا والمنايا ...556
الشهادة ...557
علم يحيى بن أم الطويل .... 557
الباب السادس: جابر بن رمزيد الجعفي .......564
ادخل يا نظير الذي أغرق الخليقة بالماء ....564
السبب الذي سمي لأجله جابر ...564
علم جابر ....566
الباب السابع: محمد بن أبي زينب الكاهلي ...568
ص: 607
أبو الخطاب عيبة علم الإمام ...568
أبوابنا ....568
تأويل السفينة ........569
أبو الخطاب بابي ...569
أبو الخطاب عيبة علمنا ..... 569
الباب الثامن : المفضل بن عمر الجعفي ......573
المفضل عيبة علمي ....574
قتلة الحسين (عليه السلام)...574
مفضل كاسمه ...577
الباب التاسع : محمد بن المفضل الجعفي ...577
بابي وحجتي ...577
ديان المؤمنين ...578
اختار الله أبوابنا منذ اختارنا .....578
الباب العاشر : عمر بن الفرات ...579
مقام عمر بن الفرات ...579
العالم من المؤمنين ....579
عمر بن الفرات خازن علم، وباب الإمام ...580
الباب الحادي عشر : محمد بن نصير بن أبي بكر النميري...582
الإمامة .... 589
محمد بن نصير بابي ...584
حسنة من حسنات الحسن العسكري(عليه السلام)...585
جحد الباب فقد كفر بالواحد القهار ...586
القحف ... 586
الباب الثاني عشر : وكلاء الإمام المهدي(عليه السلام)...588
وكيلنا عثمان بن سعيد العمري ...590
لم أكن لأدعكم في شبهة ...590
الشبهة في أبي عمر عثمان بن سعيد العمري...590
الفهرس...599
ص: 608
الطبعة الأولى
1432 ه_ - 2011م
جميع الحقوق محفوظة ومسجلة للناشر
يحظر نسخ أو تصوير أو ترجمة أو إعادة التنضيد بشكل كامل أو جزئي أو تسجيله على أشرطة كاسيت أو إدخاله على الكمبيوتر أو برمجته على إسطوانات ضوئية إلا بموافقة خطية من الناشر .
Published by Aalami Est.
Beirut Airport Road
Tel:01/450426 Fax:01/450427
P.O.Box.7120
شركة الأعليمي للمطبوعات
بيروت - طريق المطار - قرب سنتر زعرور
هاتف : 01/450426 - فاكس : 01/450427
صندوق برید: 7120
E-mail:alaalami@yahoo.com http://www.alaalami.com
ص: 609