الثّقل الأكبر القرآن الكريم بحث مستلّ من موسوعة الغدير للعلاّمة الاميني رحمه اللّه

هويّة الكتاب

سلسلة الغدير الموضوعيّة 2

الثّقل الأكبر القرآن الكريم بحث مستلّ من موسوعة الغدير للعلاّمة الاميني رحمه اللّه

إعداد و تحقيق: محمّد حسن الشفيعي الشاهرودي

موسّسة ميراث النبوّة 1389

مشخصات ظاهری : 239ص.

فروست : سلسله الغدیر الموضوعیه؛ 2

وضعیت فهرست نویسی : در انتظار فهرستنویسی (اطلاعات ثبت)

شماره کتابشناسی ملی : 2407694

المحرر رقمي : میثم الحیدري

ص: 1

اشارة

ص: 2

أوّلا وصايا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حول الثّقل الأكبر القرآن الكريم

اشارة

ص: 3

ص: 4

ما العلم إلاّ كتاب اللّه و الأثر *** و ما سوى ذلك لا عين و لا أثر

إلاّ هوى و خصومات ملفّقة *** فلا يغرنّك من أربابها هدر(1)

1 - الثقل الأكبر القرآن الكريم في حديث الغدير:

أجمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الخروج إلى الحجّ في سنة عشر من مهاجره، و أذّن في الناس بذلك، فقدم المدينة خلق كثير يأتمّون به في حجّته تلك الّتي يقال(2)عليها: حجّة الوداع، و حجّة الإسلام، و حجّة البلاغ، و حجّة الكمال، و حجّة التمام(3). و لم يحجّ غيرها منذ هاجر إلى أن توفّاه اللّه؛ فخرج صلّى اللّه عليه و آله من المدينة مغتسلا متدهّنا مترجّلا متجرّدا في ثوبين صحاريّين(4): إزار، ورداء، و ذلك يوم السبت لخمس ليال أو ستّ بقين من ذي القعدة. و أخرج معه نساءه كلّهنّ في الهوادج، و سار معه أهل بيته، و عامّة المهاجرين و الأنصار، و من شاء اللّه

ص: 5


1- - البيتان للفقيه أبي زيد علي الزبيدي، المتوفّى (813)، ذكرهما صاحب شذرات الذهب 203:7[153/9، حوادث سنة 813 ه].
2- - [الظاهر أنّه قدّس سرّه ضمّن «قال» معنى «يطلق» فعدّاه ب «على»].
3- - الّذي نظنّه - و ظنّ الألمعيّ يقين - أنّ الوجه في تسمية حجّة الوداع بالبلاغ هو نزول قوله تعالى: يٰا أَيُّهَا اَلرَّسُولُ بَلِّغْ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ... [المائدة: 67]؛ كما أنّ الوجه في تسميتها بالتمام و الكمال هو نزول قوله سبحانه: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي [المائدة: 3].
4- - [«صحار»: مدينة عمان أو قصبة عمان ممّا يلي الجبل، و «توأم» قصبتها ممّا يلي الساحل؛ انظر معجم البلدان 393/3].

من قبائل العرب و أفناء(1) الناس(2).

و عند خروجه صلّى اللّه عليه و آله أصاب الناس بالمدينة جدريّ - بضم الجيم و فتح الدال و بفتحهما - أو حصبة منعت كثيرا من الناس من الحجّ معه صلّى اللّه عليه و آله، و مع ذلك كان معه جموع لا يعلمها إلاّ اللّه تعالى؛ و قد يقال: خرج معه تسعون ألفا، و يقال:

أكثر من ذلك. و هذه عدّة من خرج معه. و أمّا الّذين حجّوا معه فأكثر من ذلك؛ كالمقيمين بمكّة، و الّذين أتوا من اليمن مع عليّ أمير المؤمنين و أبي موسى(3).

فلمّا قضى مناسكه، و انصرف راجعا إلى المدينة و معه من كان من الجموع المذكورات، وصل إلى غدير خمّ من الجحفة الّتي تتشعّب فيها طرق المدنيّين و المصريّين و العراقيّين، و ذلك يوم الخميس(4) الثامن عشر من ذي الحجّة نزل إليه جبرئيل الأمين عن اللّه بقوله: يٰا أَيُّهَا اَلرَّسُولُ بَلِّغْ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ...(5)، و أمره أن يقيم عليّا علما للناس، و يبلّغهم ما نزل فيه من الولاية و فرض الطاعة على كلّ أحد.

و كان أوائل القوم قريبا من الجحفة، فأمر رسول اللّه أن يردّ من تقدّم منهم، و يحبس من تأخّر عنهم في ذلك المكان، و نهى عن سمرات(6) خمس متقاربات

ص: 6


1- - [«أفناء»: واحده فنو أي: أخلاط. و رجل من أفناء القبائل أي: لا يدرى من أيّ قبيلة هو].
2- - الطبقات لابن سعد: 225:3[173/2]؛ إمتاع المقريزي: 510؛ إرشاد الساري 429:6 [426/9].
3- - السيرة الحلبيّة 283:3[257/3]؛ سيرة أحمد زيني دحلان 3:3[143/2]؛ تاريخ الخلفاء لابن الجوزي في الجزء الرابع؛ تذكرة خواصّ الامّة: 18 [ص 30]؛ دائرة المعارف لفريد وجدي 542:3.
4- - هو المنصوص عليه في لفظ البراء بن عازب و بعض آخر من رواة حديث الغدير.
5- - المائدة: 67.
6- - [«سمرات» جمع سمرة: شجرة الطلح، و «الدوحة» هي الشجرة العظيمة، و سمّي يوم الغدير بيوم الدوح لأجل ذلك].

دوحات عظام أن لا ينزل تحتهنّ أحد، حتّى إذا أخذ القوم منازلهم، فقمّ ما تحتهنّ ، حتّى إذا نودي بالصلاة - صلاة الظهر - عمد إليهنّ ، فصلّى بالناس تحتهنّ ، و كان يوما هاجرا يضع الرجل بعض ردائه على رأسه، و بعضه تحت قدميه، من شدّة الرمضاء، و ظلّل لرسول اللّه بثوب على شجرة سمرة من الشمس.

فلمّا انصرف صلّى اللّه عليه و آله من صلاته، قام خطيبا وسط القوم(1) على أقتاب الإبل(2)، و أسمع الجميع، رافعا عقيرته، فقال:

«الحمد للّه و نستعينه و نؤمن به، و نتوكّل عليه، و نعوذ باللّه من شرور أنفسنا، و من سيّئات أعمالنا، الّذي لا هادي لمن أضلّ (3)، و لا مضلّ لمن هدى، و أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، و أنّ محمّدا عبده و رسوله.

أمّا بعد: أيّها الناس! قد نبّأني اللطيف(4) الخبير: أنّه لم يعمّر نبيّ إلاّ مثل نصف عمر الّذي قبله. و إنّي اوشك أن ادعى فاجيب، و إنّي مسؤول، و أنتم مسؤولون، فما ذا أنتم قائلون ؟».

قالوا: نشهد أنّك قد بلّغت و نصحت و جهدت، فجزاك اللّه خيرا.

قال: «أ لستم تشهدون أن لا إله إلاّ اللّه، و أنّ محمّدا عبده و رسوله، و أنّ جنّته حقّ و ناره حقّ ، و أنّ الموت حقّ ، و أنّ الساعة آتية لا ريب فيها، و أنّ اللّه يبعث من في القبور؟».

قالوا: بلى نشهد بذلك.

ص: 7


1- - انظر مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي 106:9.
2- - ثمار القلوب: 51 [ص 636، رقم 1068].
3- - [في الأصل: «ضلّ » و الصحيح ما أثبتناه].
4- - [قيل: إنّ أحد معاني «اللطيف»: لطيف التدبير، و كأنّه الأنسب بالمقام؛ انظر مجمع البيان 128:4، ذيل الآية 103 من الأنعام].

قال: «أللّهمّ اشهد».

ثمّ قال: «أيّها الناس! ألا تستمعون ؟»(1).

قالوا: بلى.

قال: «فإنّي فرط(2) على الحوض و أنتم واردون عليّ الحوض، و إنّ عرضه ما بين صنعاء و بصرى(3)، فيه أقداح عدد النجوم من فضّة، فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين(4)».

فنادى مناد: و ما الثقلان يا رسول اللّه ؟!

قال: «الثقل الأكبر كتاب اللّه طرف بيد اللّه عزّ و جلّ و طرف بأيديكم فتمسّكوا به لا تضلّوا، و الآخر الأصغر عترتي. و إنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض؛ فسألت ذلك لهما ربّي؛ فلا تقدموهما فتهلكوا، و لا تقصّروا(5) عنهما فتهلكوا».

ص: 8


1- - [في بعض النسخ: «ألا تسمعون ؟ قالوا: نعم»].
2- - [«الفرط»: المتقدّم قومه إلى الماء، و يستوي فيه الواحد و الجمع].
3- - «صنعاء»: عاصمة اليمن اليوم. و «بصرى»: قصبة كورة حوران من أعمال دمشق.
4- - [الصحيح - على ما صرّح به الأزهري و الثعلب و ابن الأثير و الفيروزآبادي -: «الثقلين» بفتح الثاء و القاف. و «الثقل» - بفتح المثلّثة و الثمنّاة -: كلّ شيء خطير نفيس، و يأتي أيضا بمعنى «زاد السفر». و نظرا إلى أنّ مصدره «ثقل»، يمكن أن يعزى سبب تسمية القرآن و السنّة بالثقلين إلى ما يلي: الف - اظهارا لقدرهما و شأنهما اعتبرا أمرين خطيرين و نفيسين. ب - من جهة أنّ التمسّك و العمل بهما يعدّ زادا و متاعا للسفر الاخرويّ . ج - من جهة ثقل التمسّك و العمل بهما. انظر تهذيب اللغة للأزهري؛ النهاية في غريب الحديث لابن الأثير؛ لسان العرب لابن منظور؛ القاموس المحيط للفيروزآبادي، مادّة (ث ق ل)].
5- - [قصّر عن الأمر: أمسك عنه مع القدرة عليه].

ثمّ أخذ بيد عليّ فرفعها حتّى رؤي بياض آباطهما و عرفه القوم أجمعون؛ فقال:

«أيّها الناس! من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم ؟».

قالوا: اللّه و رسوله أعلم.

قال: «إنّ اللّه مولاي، و أنا مولى المؤمنين، و أنا أولى بهم من أنفسهم؛ فمن كنت مولاه فعليّ مولاه». يقولها ثلاث مرّات، و في لفظ أحمد إمام الحنابلة:

أربع مرّات.

ثمّ قال: «أللّهمّ وال من والاه، و عاد من عاداه، و أحبّ من أحبّه، و أبغض(1) من أبغضه، و انصر من نصره، و اخذل من خذله، و أدر الحقّ معه حيث دار. ألا فليبلّغ الشاهد الغائب».

ثمّ لم يتفرّقوا حتّى نزل أمين وحي اللّه بقوله: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي...؛ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «اللّه أكبر على إكمال الدين، و إتمام النعمة، و رضا الربّ برسالتي، و الولاية لعليّ من بعدي».

ثمّ طفق القوم يهنّئون أمير المؤمنين عليه السّلام، و ممّن هنّأه في مقدّم الصحابة الشيخان: أبو بكر و عمر؛ كلّ يقول: بخّ بخّ لك يا ابن أبي طالب! أصبحت و أمسيت مولاي و مولى كلّ مؤمن و مؤمنة. و قال ابن عبّاس: وجبت - و اللّه - في أعناق القوم.

ص: 9


1- - [«الولاية»: هي نوع من المحبّة قد لوحظ فيها العون و النصرة، و نقيضها «العداوة» لبعدها عن حالة العون و النصرة. و «المحبّة»: نوع من الولاية قد لو حظ فيها التعظيم و التجليل، و نقيضها «البغضة» و هي نوع من العداوة قد لو حظ فيها التحقير و الإهانة؛ انظر الفروق اللغويّة لابن هلال العسكري؛ الفرق بين العداوة و البغضة].

2 - قال صلّى اللّه عليه و آله: «إنّي تارك - أو مخلّف - فيكم الثقلين - أو الخليفتين - ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي، كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي، و إنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض»(1).

3 - قال صلّى اللّه عليه و آله: «عليّ مع القرآن و القرآن معه لا يفترقان حتّى يردا عليّ الحوض»(2).

4 - صحّ عنه صلّى اللّه عليه و آله: «من قرأ القرآن في أقلّ من ثلاث لم يفقه»(3).

5 - رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يعرّف الخوارج بالمروق من الدين بقوله: «يخرج قوم من امّتي يقرؤون القرآن ليست قراءتكم إلى قراءتهم بشيء، و لا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، و لا صيامكم إلى صيامهم بشيء، يقرؤون القرآن يحسبون أنّه لهم، و هو عليهم، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة(4)»(5)؟!

6 - قال النبيّ الأعظم صلّى اللّه عليه و آله: «من تولّى من أمر المسلمين شيئا فاستعمل عليهم رجلا و هو يعلم أنّ فيهم من هو أولى بذلك و أعلم منه بكتاب اللّه و سنّة رسوله فقد خان اللّه و رسوله و جميع المؤمنين»(6)؟!

7 - قد جاء في الصحيح مرفوعا: «تكثر لكم الأحاديث من بعدي فإذا روي لكم حديث فأعرضوه على كتاب اللّه تعالى فما وافق كتاب اللّه فاقبلوه

ص: 10


1- - الصواعق المحرقة: 136 [ص 228].
2- - تاريخ بغداد 32:14؛ الإمامة و السياسة 68:1[73/1]؛ ربيع الأبرار [828/1].
3- - [سنن ابن ماجة 428/1؛ سنن الترمذي 266/4].
4- - [«الرميّة»: هي الطريدة الّتي يرميها الصائد، و هي كلّ دابّة مرميّة].
5- - صحيح الترمذي 37:9[417/4، ح 2188]؛ سنن البيهقي 170:8؛ و أخرجه مسلم [443/2، ح 156، كتاب الزكاة]؛ و أبو داود [244/4، ح 4768] كما في تيسير الوصول 31:4[36/4].
6- - مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي 211:5.

و ما خالفه فردّوه»(1).

8 - قال صلّى اللّه عليه و آله: «يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب اللّه، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنّة، فإن كانوا في السنّة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما»(2).

ص: 11


1- - أخرجه البخاري في صحيحه و انظر سنن الدارقطني [208/4-209، ح 17-20]؛ المعجم الكبير للطبراني [97/2، ح 1429]؛ مجمع الزوائد [170/1]؛ كنز العمّال [179/1 و 196، ح 907 و 992-994 بألفاظ مختلفة].
2- - صحيح مسلم: 133:2[119/2، ح 290، كتاب المساجد]؛ صحيح الترمذي 34:6 [495/1، ح 235]؛ سنن أبي داود 96:1[159/1، ح 582 و 584].

ص: 12

ثانيا عليّ عليه السّلام في القرآن

اشارة

ص: 13

ص: 14

- 1 - آية التبليغ

اشارة

فمن الآيات الكريمة النازلة في عليّ عليه السّلام قوله تعالى في سورة المائدة:

يٰا أَيُّهَا اَلرَّسُولُ بَلِّغْ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمٰا بَلَّغْتَ رِسٰالَتَهُ وَ اَللّٰهُ يَعْصِمُكَ مِنَ اَلنّٰاسِ (1) .

نزلت هذه الآية الشريفة يوم الثامن عشر من ذي الحجّة سنة حجّة الوداع (10 ه) لمّا بلغ النبيّ الأعظم صلّى اللّه عليه و آله غدير خمّ ، فأتاه جبرئيل بها على خمس ساعات مضت من النهار، فقال:

يا محمّد! إنّ اللّه يقرئك السّلام، و يقول لك: يٰا أَيُّهَا اَلرَّسُولُ بَلِّغْ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ في عليّ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمٰا بَلَّغْتَ رِسٰالَتَهُ ....

و كان أوائل القوم - و هم مئة ألف أو يزيدون - قريبا من الجحفة فأمره أن يردّ من تقدّم منهم، و يحبس من تأخّر عنهم في ذلك المكان، و أن يقيم عليّا عليه السّلام علما للناس، و يبلّغهم ما أنزل اللّه فيه، و أخبره بأنّ اللّه عزّ و جلّ قد عصمه من الناس.

و ما ذكرناه من المتسالم عليه عند أصحابنا الإماميّة، غير أنّا نحتجّ في المقام بأحاديث أهل السنّة في ذلك. أنهاها شيخنا الأميني رحمه اللّه في الغدير(2) إلى (30)

ص: 15


1- - المائدة: 67.
2- - [انظر الغدير 424/1-438؛ و تلخيص الغدير/ 27-31].

حديثا؛ منها:

1 - الحافظ أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري، المتوفّى (310).

أخرج بإسناده - في كتاب الولاية(1) في طرق حديث الغدير - عن زيد بن أرقم، قال:

لمّا نزل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بغدير خمّ في رجوعه من حجّة الوداع، و كان في وقت الضحى و حرّ شديد، أمر بالدوحات فقمّت، و نادى الصلاة جامعة، فاجتمعنا فخطب بالغة، ثمّ قال:

«إنّ اللّه تعالى أنزل إلىّ : بَلِّغْ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمٰا بَلَّغْتَ رِسٰالَتَهُ وَ اَللّٰهُ يَعْصِمُكَ مِنَ اَلنّٰاسِ . و قد أمرني جبرئيل عن ربّي أن أقوم في هذا المشهد، و اعلم كلّ أبيض و أسود: أنّ عليّ بن أبي طالب أخي و وصيّي و خليفتي و الإمام بعدي. فسألت جبرئيل أن يستعفي لي ربّي؛ لعلمي بقلّة المتّقين، و كثرة المؤذين لي، و اللائمين لكثرة ملازمتي لعليّ ، و شدّة إقبالي عليه، حتّى سمّوني اذنا؛ فقال تعالى: وَ مِنْهُمُ اَلَّذِينَ يُؤْذُونَ اَلنَّبِيَّ وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ ...(2).

و لو شئت أن أسمّيهم و أدلّ عليهم لفعلت، و لكنّي بسترهم قد تكرّمت، فلم يرض اللّه إلاّ بتبليغي فيه.

فاعلموا معاشر الناس ذلك؛ فإنّ اللّه قد نصبه لكم وليّا و إماما و فرض طاعته على كلّ أحد، ماض حكمه، جائز قوله، ملعون من خالفه، مرحوم من صدّقه، اسمعوا و أطيعوا؛ فإنّ اللّه مولاكم و عليّ إمامكم. ثمّ الإمامة في ولدي من صلبه إلى القيامة. لا حلال إلاّ ما أحلّه اللّه و رسوله، و لا حرام إلاّ ما حرّم اللّه و رسوله و هم؛ فما من علم إلاّ و قد أحصاه اللّه فيّ ، و نقلته إليه، فلا تضلّوا

ص: 16


1- - صفحة 7 [كتاب الولاية/ 152].
2- - التوبة: 61.

عنه، و لا تستنكفوا منه؛ فهو الّذي يهدي إلى الحقّ (1) و يعمل به، لن يتوب اللّه على أحد أنكره، و لن يغفر له، حتما على اللّه أن يفعل ذلك أن يعذّبه عذابا نكرا أبد الآبدين، فهو أفضل الناس بعدي ما نزل الرزق و بقي الخلق، ملعون من خالفه، قولي عن جبرئيل عن اللّه، فلتنظر نفس ما قدّمت لغد(2).

إفهموا محكم القرآن، و لا تتّبعوا متشابهه، و لن يفسّر ذلك لكم إلاّ من أنا آخذ بيده و شائل بعضده و معلمكم: أنّ من كنت مولاه فهذا - فعليّ - مولاه، و موالاته من اللّه عزّ و جلّ أنزلها عليّ .

ألا و قد أدّيت، ألا و قد بلّغت، ألا و قد أسمعت، ألا و قد أوضحت، لا تحلّ إمرة المؤمنين بعدي لأحد غيره.

ثمّ رفعه إلى السماء حتّى صارت رجله مع ركبة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و قال:

معاشر الناس! هذا أخي و وصيّي و واعي علمي و خليفتي على من آمن بي و على تفسير كتاب ربّي - و في رواية -: أللّهمّ وال من والاه و عاد من عاداه و العن من أنكره، و اغضب على من جحد حقّه. أللّهمّ إنّك أنزلت عند تبيين ذلك في عليّ : اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ (3) بإمامته، فمن لم يأتمّ به و بمن كان من ولدي من صلبه إلى القيامة، فاولئك حبطت أعمالهم و في النار هم خالدون.

إنّ إبليس أخرج آدم عليه السّلام من الجنّة، مع كونه صفوة اللّه، بالحسد؛ فلا تحسدوا فتحبط أعمالكم و تزلّ أقدامكم. في عليّ نزلت سورة وَ اَلْعَصْرِ * إِنَّ اَلْإِنْسٰانَ لَفِي خُسْرٍ(4).

ص: 17


1- - [قال اللّه تعالى: أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى اَلْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاٰ يَهِدِّي إِلاّٰ أَنْ يُهْدىٰ ؛ يونس: 35].
2- - [قال اللّه تعالى: وَ لْتَنْظُرْ نَفْسٌ مٰا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَ اِتَّقُوا اَللّٰهَ ؛ الحشر: 18].
3- - المائدة: 3.
4- - في الدرّ المنثور 392:6[622/8] من طريق ابن مردويه عن ابن عبّاس: «أنّ قوله تعالى: إِلاَّ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّٰالِحٰاتِ نزل في عليّ و سلمان».

معاشر الناس! آمنوا باللّه و رسوله و النور الّذي انزل معه(1)مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهٰا عَلىٰ أَدْبٰارِهٰا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمٰا لَعَنّٰا أَصْحٰابَ اَلسَّبْتِ (2). النور من اللّه فيّ ، ثمّ في عليّ ، ثمّ في النسل منه إلى القائم المهديّ .

معاشر الناس! سيكون من بعدي أئمّة يدعون إلى النار و يوم القيامة لا ينصرون، و إنّ اللّه و أنا بريئان منهم، إنّهم و أنصارهم و أتباعهم في الدرك الأسفل من النار، و سيجعلونها ملكا اغتصابا، فعندها يفرغ لكم أيّها الثّقلان،(3) و يُرْسَلُ عَلَيْكُمٰا شُوٰاظٌ مِنْ نٰارٍ وَ نُحٰاسٌ فَلاٰ تَنْتَصِرٰانِ (4)...».

2 - الحافظ الحاكم الحسكاني، أبو القاسم، المتوفّى بعد (490)(5).

3 - الحافظ أبو القاسم بن عساكر، الشافعيّ ، المتوفّى (571)(6).

4 - أبو عبد اللّه فخر الدين الرازي، الشافعيّ ، المتوفّى (606)(7).

5 - جلال الدين السيوطيّ ، الشافعيّ ، المتوفّى (911)(8).

6 - القاضي الشوكانيّ ، المتوفّى (1250)، في تفسيره فتح القدير(9).

7 - السيّد شهاب الدين الآلوسيّ ، الشافعيّ البغداديّ ، المتوفّى (1270)(10).

8 - الشيخ سليمان القندوزي، الحنفيّ ، المتوفّى (1293)(11).

ص: 18


1- - [قال اللّه تعالى: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَ عَزَّرُوهُ وَ نَصَرُوهُ وَ اِتَّبَعُوا اَلنُّورَ اَلَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولٰئِكَ هُمُ اَلْمُفْلِحُونَ ؛ الأعراف: 157].
2- - النساء: 47.
3- - [قال اللّه تعالى: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ اَلثَّقَلاٰنِ ؛ الرّحمن: 31؛ و لعلّ النبي صلّى اللّه عليه و آله في قوله هذا أشار إلى هذه الآية الكريمة].
4- - الرحمن: 35.
5- - شواهد التنزيل [255/1، ح 249].
6- - تاريخ مدينة دمشق [237/12].
7- - التفسير الكبير 636:3[49/12].
8- - الدرّ المنثور 298:2[116/3].
9- - فتح القدير 57:3[60/2].
10- - روح المعاني 348:2[192/6].
11- - ينابيع المودّة: 120 [119/1، باب 39].

9 - الشيخ محمّد عبده المصريّ ، المتوفّى (1323)(1).

القول الفصل:

ذكر المتوسّعون في النقل وجوها اخر لنزولها. و أوّل من عرفناه ممّن ذكرها الطبري في تفسيره(2)، ثمّ تبعه من تأخّر عنه، و أنهاها الفخر الرازي(3) إلى تسعة أوجه، و عاشرها ما ذكرناه في هذا الكتاب.

و ما حشده الرازي في تفسيره(4) من الوجوه العشرة - و جعل نصّ الغدير عاشرها - فهي مراسيل مقطوعة عن الإسناد غير معلومة القائل؛ و لذا عزي جميعها في تفسير نظام الدين النيسابوري(5) إلى القيل، و جعل ما روي في نصّ الولاية أوّل الوجوه، و أسنده إلى ابن عبّاس و البراء بن عازب و أبي سعيد الخدريّ و محمّد بن عليّ عليهما السّلام.

و الطبريّ الّذي هو أقدم و أعرف بهذه الشؤون أهملها رأسا. و هو و إن لم يذكر حديث الولاية(6) - أيضا - لكنّه أفرد له كتابا أخرجه فيه بنيّف و سبعين طريقا.

فهي غير صالحة للاعتماد عليها، و لا ناهضة لمجابهة الأحاديث المعتبرة.

ذيل في المقام:

قال القرطبي في تفسيره(7) في قوله تعالى: يٰا أَيُّهَا اَلرَّسُولُ بَلِّغْ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ :

قبّح اللّه الروافض حيث قالوا: إنّه عليه السّلام كتم شيئا ممّا أوحى اللّه إليه كان بالناس حاجة إليه.

ص: 19


1- - تفسير المنار 463:6.
2- - جامع البيان: مج 4: ج 307:6.
3- - التفسير الكبير 635:3[49/12].
4- - المدرك السابق.
5- - غرائب القرآن [194/6].
6- - [كتاب الولاية/ 150].
7- - الجامع لأحكام القرآن 242:6[157/6].

و زاد القسطلاني في إرشاد الساري(1) ضغثا على إبّالة(2) فقال:

قالت الشيعة: إنّه قد كتم أشياء على سبيل التقيّة(3).

و ليتهما أو عزا إلى مصدر هذه الفرية على الشيعة. و الشيعة لم تجرؤ قطّ على قدس صاحب الرسالة بإسناد كتمان ما يجب عليه تبليغه إليه صلّى اللّه عليه و آله إلاّ أن يكون للتبليغ ظرف معيّن؛ فما كان يسبق الوحي الإلهيّ بتقديم المظاهرة به قبل ميعاده.

أللّهمّ إن كانا - الرجلان - يمعنان النظر في أقاويل أصحابهم المقولة في الآية الكريمة من الوجوه العشرة الّتي ذكرها الرازي لوقفا على قائل ما قذفا الشيعة به؛ فإنّ منهم من يقول: إنّ الآية نزلت في الجهاد؛ فإنّه صلّى اللّه عليه و آله كان يمسك أحيانا من حثّ المنافقين على الجهاد.

و آخر منهم يقول: إنّها نزلت لمّا سكت النبيّ عن عيب آلهة الوثنيّين!.

و ثالث يقول: كتم آية التخيير عن أزواجه؛ و هي قوله: يٰا أَيُّهَا اَلنَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوٰاجِكَ (4)؛ فلم يعرضها عليهنّ خوفا من اختيارهنّ الدنيا.

فنزول الآية على هذه الوجوه ينبئ عن قعود النبيّ عمّا ارسل إليه! حاشا نبيّ العظمة و القداسة.

وَ إِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ * وَ إِنّٰا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (5) .

ص: 20


1- - إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري 101:7[210/10].
2- - [مثل يضرب معناه: بليّة على اخرى، و «الإبّالة»: بمعنى حمل من حطب، و «الضغث»: بمعنى القبضة من النبات الأخضر و اليابس معا؛ انظر مجمع الأمثال 524/1].
3- - [و هو - كما ترى - فقد أضاف تهمة اخرى و هي تقيّة النبي صلّى اللّه عليه و آله، مع أنّه عندنا لا تقيّة في مورد النبي صلّى اللّه عليه و آله، بل تجري في سائر المعصومين عليهم السّلام].
4- - الأحزاب: 28.
5- - الحاقّة: 48-49.

- 2 - آية الإكمال إكمال الدين بالولاية

و من الآيات النازلة يوم الغدير في أمير المؤمنين عليه السّلام قوله تعالى:

اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ اَلْإِسْلاٰمَ دِيناً (1) .

أصفقت الإماميّة عن بكرة أبيهم على نزول هذه الآية الكريمة حول نصّ الغدير بعد إصحار النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بولاية مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام بألفاظ درّيّة صريحة، تتضمّن نصّا جليّا عرفته الصحابة و فهمته العرب، فاحتجّ به من بلغه الخبر.

و صافق الإماميّة على ذلك كثيرون من علماء التفسير و أئمّة الحديث و حفظة الآثار من أهل السنّة. و هو الّذي يساعده الاعتبار و يؤكّده النقل الثابت في تفسير الرازي(2) عن أصحاب الآثار:

أنّه لمّا نزلت هذه الآية على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يعمّر بعد نزولها إلاّ أحدا و ثمانين يوما، أو اثنين و ثمانين.

و ذكر المورّخون منهم(3): أنّ وفاته صلّى اللّه عليه و آله في الثاني عشر من ربيع الأوّل.

و كأنّ فيه تسامحا بزيادة يوم واحد على الاثنين و ثمانين يوما بعد إخراج يومي الغدير و الوفاة. و على أيّ فهو أقرب إلى الحقيقة من كون نزولها

ص: 21


1- - المائدة: 3.
2- - التفسير الكبير 523:3[139/11].
3- - راجع تاريخ الكامل 134:2[9/2، حوادث سنة 11 ه]؛ و تاريخ ابن كثير 332:6 [البداية و النهاية 365/6، حوادث سنة 11 ه] و عدّه مشهورا؛ و السيرة الحلبيّة 382:3 [353/3].

يوم عرفة؛ كما جاء في صحيحي البخاري و مسلم(1) و غيرهما؛ لزيادة الأيّام حينئذ.

على أنّ ذلك معتضد بنصوص كثيرة لا محيص عن الخضوع لمفادها؛ فإلى الملتقى:

1 - الحافظ أبو جعفر محمّد بن جرير الطبريّ ، المتوفّى (310).

روى في كتاب الولاية بإسناده عن زيد بن أرقم نزول الآية الكريمة يوم غدير خمّ في أمير المؤمنين عليه السّلام في الحديث الّذي مرّ(2).

2 - الحافظ ابن مردويه الإصفهانيّ ، المتوفّى (410).

روى من طريق أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدريّ : أنّها نزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم غدير خمّ حين قال لعليّ : «من كنت مولاه فعليّ مولاه».

ثمّ رواه عن أبي هريرة، و فيه: أنّه اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة؛ يعني مرجعه عليه السّلام من حجّة الوداع(3).

3 - الحافظ أبو نعيم الأصبهانيّ ، المتوفّى (430)(4).

4 - الحافظ أبو القاسم الحاكم الحسكانيّ ، المتوفّى بعد (490)(5).

5 - الحافظ أبو القاسم بن عساكر الشافعيّ ، الدمشقيّ ، المتوفّى (571)(6).

6 - أخطب الخطباء الخوارزميّ ، المتوفّى (568)(7).

7 - جلال الدين السيوطيّ ، الشافعيّ ، المتوفّى (911)(8).

ص: 22


1- - صحيح البخاري [1600/4، ح 4145]؛ صحيح مسلم [517/5، ح 3، كتاب التفسير].
2- - في ص 16-18 من كتابنا هذا.
3- - تفسير ابن كثير 14:2.
4- - انظر كتابه ما نزل من القرآن في عليّ [ص 56].
5- - شواهد التنزيل [201/1، ح 211].
6- - الدرّ المنثور 259:2[19/3].
7- - المناقب: 80 و 94 [ص 135، ح 52؛ و ص 156، ح 184].
8- - الدرّ المنثور 259:2[19/3].

و غيرهم ممّن صرّحوا بنزول الآية يوم الغدير في ولاية عليّ بن أبي طالب عليه السّلام(1).

و بعد هذا كلّه، فإن تعجب فعجب قول الآلوسي في روح المعاني(2):

أخرج الشيعة عن أبي سعيد الخدري أنّ هذه الآية نزلت بعد أن قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لعليّ - كرّم اللّه وجهه - في غدير خمّ : «من كنت مولاه فعليّ مولاه». فلمّا نزلت قال صلّى اللّه عليه و آله: «اللّه أكبر على إكمال الدين، و إتمام النعمة، و رضا الربّ برسالتي، و ولاية عليّ - كرّم اللّه تعالى وجهه - بعدي».

و لا يخفى أنّ هذا من مفترياتهم، و ركاكة الخبر شاهد على ذلك في مبتدأ الأمر.

و نحن لا نحتمل أنّ الآلوسي لم يقف على طرق الحديث و رواته حتّى حداه الجهل الشائن إلى عزو الرواية إلى الشيعة فحسب، لكن بواعثه دعته إلى التمويه و الجلبة أمام تلك الحقيقة الراهنة، و هو لا يحسب أنّ وراءه من يناقشه الحساب بعد الاطّلاع على كتب أهل السنّة و رواياتهم.

ألا مسائل هذا الرجل عن تخصيصه الرواية بالشيعة، و قد رواها من أئمّة الحديث و قادة التفسير و حملة التاريخ من غيرهم ؟!

ثمّ عن حصره إسناد الحديث بأبي سعيد، و قد رواها أبو هريرة و جابر بن عبد اللّه و مجاهد و الإمامان الباقر و الصادق عليهما السّلام له ؟!

ثمّ عن الركاكة الّتي حسبها في الحديث، و جعلها شاهدا على كونه من مفتريات الشيعة: أ هي في لفظه ؟ و لا يعدوه أن يكن لدة سائر الأحاديث المرويّة، و هو خال عن أيّ تعقيد، أو ضعف في الاسلوب، أو تكلّف في البيان، أو تنافر في التركيب، جار على مجاري العربيّة المحضة.

ص: 23


1- - كالخطيب البغداديّ في تاريخه 209:8؛ و ابن المغازلي الشافعي في كتابه مناقب عليّ ابن أبي طالب [ص 18، ح 24].
2- - روح المعاني 249:2[61/6].

أو في معناه ؟ و ليس فيه منها شيء.

غير أن يقول الآلوسي: إنّ ما يروى في فضل أمير المؤمنين عليه السّلام و ما يسند إليه من فضائل كلّها ركيكة؛ لأنّها في فضله؛ و هذا هو النصب المسفّ بصاحبه إلى هوّة الهلكة.

كَلاّٰ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شٰاءَ ذَكَرَهُ * وَ مٰا يَذْكُرُونَ إِلاّٰ أَنْ يَشٰاءَ اَللّٰهُ (1) .

- 3 - آية العذاب الواقع

اشارة

و من الآيات النازلة بعد نصّ الغدير قوله تعالى من سورة المعارج:

سَأَلَ سٰائِلٌ بِعَذٰابٍ وٰاقِعٍ * لِلْكٰافِرينَ لَيْسَ لَهُ دٰافِعٌ * مِنَ اَللّٰهِ ذِي اَلْمَعٰارِجِ (2) .

و قد أذعنت له الشيعة، و جاء مثبتا في كتب التفسير و الحديث لمن لا يستهان بهم من علماء أهل السنّة.

ذكر شيخنا العلاّمة في الغدير(3) (29) من علماء أهل السنّة؛ منها:

1 - الحافظ أبو عبيد الهرويّ ، المتوفّى بمكّة (224، 223).

روى في تفسيره غريب القرآن قال: «لمّا بلّغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في غدير خمّ ما بلّغ، و شاع ذلك في البلاد أتى جابر(4) بن النضر بن الحارث بن كلدة العبدري

ص: 24


1- - المدّثّر: 54-56.
2- - المعارج: 1-3.
3- - [الغدير 460/1-471].
4- - في رواية الثعلبي الّتي أصفق العلماء على نقلها أسمته: «الحارث بن النعمان الفهري». و لا يبعد صحّة ما في هذه الرواية من كونه جابر بن النضر؛ حيث إنّ جابرا قتل أمير المؤمنين عليه السّلام والده النضر صبرا بأمر من رسول اللّه، لمّا اسر يوم بدر الكبرى، و كانت الناس - يومئذ - حديثي عهد بالكفر، و من جرّاء ذلك كانت البغضاء محتدمة بينهم على الأوتار الجاهليّة.

فقال:

يا محمّد! أمرتنا من اللّه نشهد أن لا إله إلاّ اللّه، و أنّك رسول اللّه، و بالصلاة، و الصوم، الحجّ ، و الزكاة، فقبلنا منك، ثمّ لم ترض بذلك حتّى رفعت بضبع ابن عمّك ففضّلته علينا، و قلت: من كنت مولاه فعليّ مولاه، فهذا شيء منك، أم من اللّه ؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «و الّذي لا إله إلاّ هو إنّ هذا من اللّه».

فولّى جابر يريد راحلته، و هو يقول: أللّهمّ إن كان ما يقول محمّد حقّا فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم.

فما وصل إليها حتّى رماه اللّه بحجر، فسقط على هامته، و خرج من دبره، و قتله، و أنزل اللّه تعالى: سَأَلَ سٰائِلٌ بِعَذٰابٍ وٰاقِعٍ ...».

2 - أبو بكر يحيى القرطبيّ (1)، المتوفّى (567).

وَ إِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ مٰا عَلَى اَلرَّسُولِ إِلاَّ اَلْبَلاٰغُ اَلْمُبِينُ (2) .

نظرة في الحديث:

لم نجد من قريب أو مناوئ غمزا فيه أو وقيعة في نقله، مهما وجدوا رجال إسناده ثقات فأخبتوا إليه، عدا ما يؤثر عن ابن تيميّة(3) في منهاج السنّة(4)فقد ذكر وجوها في إبطال الحديث كشف بها عن سوأته، كما هو عادته في كلّ مسألة تفرّد بالتحذلق فيها عند مناوأة فرق المسلمين، و نحن نذكرها مختصرة

ص: 25


1- - الجامع لأحكام القرآن [181/18].
2- - العنكبوت: 18.
3- - ابن تيميّة الدائب على إنكار الضروريّات، و المتجرّئ على الوقيعة في المسلمين، و على تكفيرهم و تضليلهم؛ و لذلك عاد غرضا لنبال الجرح من فطاحل علماء أهل السنّة منذ ظهرت مخاريقه و إلى هذا اليوم. و حسبك قول الشوكاني في البدر الطالع 260:2 [رقم 515]: «صرّح محمّد البخاري الحنفي - المتوفّى (841) - بتبديعه ثمّ تكفيره، ثمّ صار يصرّح في مجلسه: أنّ من أطلق القول على ابن تيميّة أنّه شيخ الإسلام، فهو بهذا الإطلاق كافر».
4- - منهاج السنّة 13:4.

و نجيب عنها:

الوجه الأوّل: أنّ قصّة الغدير كانت في مرتجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من حجّة الوداع، و قد أجمع الناس على هذا، و في الحديث: أنّها لمّا شاعت في البلاد جاءه الحارث و هو بالأبطح بمكّة، و طبع الحال يقتضي أن يكون ذلك بالمدينة؛ فالمفتعل للرواية كان يجهل تاريخ قصّة الغدير.

الجواب:

أوّلا: في رواية الحلبي في السيرة(1)، و سبط ابن الجوزي في التذكرة(2)، و الشيخ محمّد صدر العالم في معارج العلى: أنّ مجيء السائل كان في المسجد - إن اريد منه مسجد المدينة - و نصّ الحلبي على أنّه كان بالمدينة؛ لكن ابن تيميّة عزب عنه ذلك كلّه، فطفق يهملج في تفنيد الرواية بصورة جزميّة.

ثانيا: فإنّ مغاضاة الرجل عن الحقائق اللغويّة، أو عصبيّته العمياء الّتي أسدلت بينه و بينها ستور العمى، و رّطته في هذه الغمرة، فحسب اختصاص الأبطح بحوالي مكّة. و لو كان يراجع كتب الحديث و معاجم اللغة و البلدان، و الأدب(3) لوجد فيها نصوص أربابها بأنّ الأبطح: كلّ مسيل فيه دقاق الحصى، و قولهم في الإشارة إلى بعض مصاديقه: و منه بطحاء مكّة. و عرف أنّه يطلق على كلّ مسيل يكون بتلك الصفة، و ليس حجرا على أطراف البلاد

ص: 26


1- - السيرة الحلبيّة [274/3].
2- - تذكرة الخواصّ [ص 30].
3- - انظر صحيح البخاري 181:1[556/2، ح 1459]؛ و 175:1[183/1، ح 470]؛ صحيح مسلم 382:1[154/3، ح 430 و 432، كتاب الحجّ ]؛ و 382:1[155/3، ح 433، كتاب الحجّ ]؛ و 213:2 و 215 و 222؛ [معجم البلدان 444/1 و 446 و 450]؛ لسان العرب 236:3[428/1]؛ الصحاح للجوهري [356/1]؛ شرح ديوان أمير المؤمنين عليه السّلام للميبذي: [ص 197]؛ ديوان الشريف الرضي: 191 و 194 و 198 و 205 [247/1 و 250 و 255 و 256].

و أكناف المفاوز أن تكون فيها أباطح.

الوجه الثاني: أنّ سورة المعارج مكّيّة باتّفاق أهل العلم، فيكون نزولها قبل واقعة الغدير بعشر سنين، أو أكثر من ذلك.

الجواب:

إنّ المتيقّن من معقد الإجماع المذكور هو نزول مجموع السورة مكّيّا، لا جميع آياتها؛ فيمكن أن يكون خصوص هذه الآية مدنيّا كما في كثير من السور.

الوجه الثالث: أنّها نزلت بسبب ما قاله المشركون بمكّة، و لم ينزل عليهم العذاب هناك لوجود النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بينهم؛ لقوله تعالى: وَ مٰا كٰانَ اَللّٰهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَ مٰا كٰانَ اَللّٰهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (1).

الجواب:

لا ملازمة بين عدم نزول العذاب في مكّة على المشركين، و بين عدم نزوله هاهنا على الرجل؛ فإنّ أفعال المولى سبحانه تختلف باختلاف وجوه الحكمة؛ فكان في سابق علمه إسلام جماعة من اولئك بعد حين، أو وجود مسلمين في أصلابهم، فلو أبادهم بالعذاب النازل لاهملت الغاية المتوخّاة من بعث الرسول صلّى اللّه عليه و آله.

و لمّا لم ير سبحانه ذلك الوجه في هذا المنتكس على عقبه عن دين الهدى بقيله ذلك، و لم يكن ليلد مؤمنا - كما عرف ذلك نوح عليه السّلام من قومه؛ فقال: إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبٰادَكَ وَ لاٰ يَلِدُوا إِلاّٰ فٰاجِراً كَفّٰاراً (2)- قطع جرثومة فساده بما تمنّاه من العذاب الواقع.

ص: 27


1- - الأنفال: 33 [و يمكن القول إنّ الآية في عصاة المسلمين، و أمّا من ارتدّ عن الإسلام و كذّب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و طلب العذاب من اللّه تحدّيا و استخفافا فعلى اللّه أن يعجّل عليه نقمته].
2- - نوح: 27.

و وجود الرسول صلّى اللّه عليه و آله رحمة تدرأ العذاب عن الامّة، إلاّ أنّ تمام الرحمة أن يكون فيها مكتسح للعراقيل أمام السير في لاحب الطريق المهيع؛ و لذلك قمّ سبحانه ذلك الجذم(1) الخبيث، للخلاف عمّا أبرمه النبيّ الأعظم في أمر الخلافة، كما أنّه في حروبه و مغازيه كان يجتاح اصول الغيّ بسيفه الصارم، و كان يدعو على من شاهد عتوّه، و يئس من إيمانه، فتجاب دعوته:

أخرج مسلم في صحيحه(2) بالإسناد عن ابن مسعود: أنّ قريشا لمّا استعصت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أبطؤوا عن الإسلام، قال: «أللّهمّ أعنّي عليهم بسبع كسبع يوسف»؛ فأصابتهم سنة فحصّت كلّ شيء، حتّى أكلوا الجيف و الميتة حتّى إنّ أحدهم كان يرى ما بينه و بين السماء كهيئة الدخان من الجوع؛ فذلك قوله: يَوْمَ تَأْتِي اَلسَّمٰاءُ بِدُخٰانٍ مُبِينٍ (3). و رواه البخاري(4).

و في الإصابة(5) أخرج البيهقي(6) من طريق مالك بن دينار:

حدّثني هند بن خديجة زوج النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: مرّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بالحكم [الحكم بن أبي العاص بن اميّة، أبي مروان]، فجعل الحكم يغمز النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بإصبعه فالتفت فرآه، فقال: «أللّهمّ اجعله وزغا»، فزحف مكانه.

الوجه الرابع: أنّه لو صحّ ذلك لكان آية كآية أصحاب الفيل، و مثلها تتوفّر الدواعي لنقله. و لمّا وجدنا المصنّفين في العلم من أرباب المسانيد و الصحاح و الفضائل و التفسير و السير و نحوها قد أهملوه رأسا - فلا يروى إلاّ بهذا الإسناد المنكر - فعلم أنّه كذب باطل.

ص: 28


1- - [«جذم الشيء»: أصله].
2- - صحيح مسلم 468:2[342/5، ح 39، كتاب صفة القيامة و الجنّة و النار].
3- - الدخان: 10.
4- - صحيح البخاري 125:2[1730/4، ح 4416].
5- - الإصابة 346:1.
6- - دلائل النبوّة [240/6].

الجواب:

إنّ قياس هذه - الّتي هي حادثة فرديّة لا تحدث في المجتمع فراغا كبيرا يؤبه له، و ورائها أغراض مستهدفة تحاول إسدال ستور الإنساء عليها، كما أسدلوها على نصّ الغدير نفسه - بواقعة أصحاب الفيل - تلك الحادثة العظيمة الّتي عدادها في الإرهاصات النبويّة(1)، و فيها تدمير امّة كبيرة يشاهد العالم كلّه فراغها الحادث، و إنقاذ امّة هي أرقى الامم، و الإبقاء عليها و على مقدّساتها، و بيتها الّذي هو مطاف الامم، و مقصد الحجيج، و هو يومئذ أكبر مظهر من مظاهر الصقع الربوبيّ - في توفّر الدواعي لنقلها مجازفة ظاهرة(2)؛ فإنّ من حكم الضرورة أنّ الدواعي في الاولى دونها في الثانية. كما تجد هذا الفرق لائحا بين معاجز النبي صلّى اللّه عليه و آله؛ فمنها ما لم ينقل إلاّ بأخبار آحاد، و منها ما تجاوز حدّ التواتر، و منها ما هو المتسالم عليه بين المسلمين بلا اعتناء بسنده، و ما ذلك إلاّ لاختلاف موارد العظمة فيها أو المقارنات المحتفّة بها.

و أمّا ما ادّعاه ابن تيميّة من إهمال طبقات المصنّفين لها فهو مجازفة اخرى؛ لما أسلفناه من رواية المصنّفين لها من أئمّة العلم و حملة التفسير، و حفّاظ الحديث، و نقلة التاريخ الّذين تضمّنت المعاجم فضائلهم الجمّة، و تعاقب من العلماء إطراؤهم.

و إلى الغاية لم نعرف المشار إليه في قوله: «بهذا الإسناد المنكر»؛ فإنّه لا ينتهي إلاّ إلى حذيفة بن اليمان الصحابيّ العظيم(3)، و سفيان بن عيينة

ص: 29


1- - [«الإرهاصات»: المعجزات].
2- - [«الجزاف» بكسر الجيم و المجازفة: المبايعة من الشيء بالحدس من غير كيل و لا وزن و لا عدد؛ فارسيّ معرّب].
3- - انظر صحيح مسلم [411/5، ح 24، كتاب الفتن]؛ التقريب لابن حجر: 82 [156/1، رقم 183]؛ تهذيب التهذيب [193/2].

المعروف إمامته في العلم و الحديث و التفسير و ثقته في الرواية(1).

لكن ابن تيميّة استنكر السند، و ناقش في المتن؛ لأنّ شيئا من ذلك لا يلائم دعارة خطّته(2).

الوجه الخامس: أنّ المعلوم من هذا الحديث أنّ حارثا المذكور كان مسلما باعترافه بالمبادئ الخمسة الإسلاميّة، و من المعلوم بالضرورة أنّ أحدا من المسلمين لم يصبه عذاب على العهد النبويّ .

الجواب:

إنّ الحديث كما أثبت إسلام الحارث فكذلك أثبت ردّته بردّه قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و تشكيكه فيما أخبر به عن اللّه تعالى، و العذاب لم يأته على حين إسلامه، و إنّما جاءه بعد الكفر و الإرتداد؛ فإنّه بعد سماعه الحديث شكّ في نبوّة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

على أنّ في المسلمين من شملته العقوبة لمّا تجرّؤوا على قدس صاحب الرسالة كما مرّ حديثه في جواب الوجه الثالث. و روى مسلم في صحيحه(3) عن سلمة بن الأكوع: أنّ رجلا أكل عند النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بشماله، فقال:

«كل بيمينك».

قال: لا أستطيع. قال: «لا استطعت». قال: فما رفعها إلى فيه بعد.

الوجه السادس: أنّ الحارث بن النعمان غير معروف في الصحابة، و لم يذكره ابن عبد البرّ في الاستيعاب، و ابن مندة و أبو نعيم الأصبهاني و أبو موسى في تآليف ألّفوها في أسماء الصحابة؛ فلم نتحقّق وجوده.

الجواب:

إنّ معاجم الصحابة غير كافلة لاستيفاء أسمائهم؛ فكلّ مؤلّف من أربابها

ص: 30


1- - تذكرة الحفّاظ 161:1، رقم 249؛ وفيات الأعيان [391/2، رقم 267].
2- - [«الخطّة»: الجهل، الخصلة، جمعه خطط].
3- - صحيح مسلم [259/4، ح 107، كتاب الأشربة].

جمع ما وسعته حيطته، و أحاط به اطّلاعه، ثمّ جاء المتأخّر عنه فاستدرك على من قبله بما أوقفه السير في غضون الكتب و تضاعيف الآثار(1)؛ فالنافي لشخص لم يجد اسمه في كتب هذا شأنها، خارج عن ميزان النصفة، و متحايد عن نواميس البحث.

على أنّ من المحتمل قريبا أنّ مؤلفي معاجم الصحابة أهملوا ذكره لردّته الأخيرة.

وَ مِنَ اَلنّٰاسِ مَنْ يُجٰادِلُ فِي اَللّٰهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ لاٰ هُدىً وَ لاٰ كِتٰابٍ مُنِيرٍ (2) .

- 4 و 5 - آية شرح الصدر و آية الامتحان

في تاريخ اليعقوبي(3)، و شرح ابن أبي الحديد(4) و غيرهما:

اجتمعت الأنصار إلى حسّان بن ثابت، فقالوا(5): فاذكر عليّا فقط؛ فقال:

جزى اللّه خيرا و الجزاء بكفّه *** أبا حسن عنّا و من كأبي حسن

سبقت قريشا بالّذي أنت أهله *** فصدرك مشروح و قلبك ممتحن

حفظت رسول اللّه فينا و عهده *** إليك و من أولى به منك من و من

أ لست أخاه في الهدى و وصيّه *** و أعلم فهر بالكتاب و بالسنن

قوله: «فصدرك مشروح»: إشارة إلى ما ورد في قوله تعالى: أَ فَمَنْ شَرَحَ اَللّٰهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلاٰمِ (6)؛ فإنّها نزلت في عليّ و حمزة. رواه الحافظ محبّ الدين

ص: 31


1- - انظر الإصابة [2/1-4].
2- - لقمان: 20.
3- - تاريخ اليعقوبي 107:2[127/2].
4- - شرح نهج البلاغة 14:3[20/6 و 35، خطبة 66].
5- - في شرح ابن أبي الحديد: «فقال له خزيمة بن ثابت: اذكر عليّا و آله يكفك عن كلّ شيء».
6- - الزمر: 22.

الطبري في رياضه(1).

قوله: «و قلبك ممتحن»: أشار به إلى النبويّ الوارد في أمير المؤمنين: «إنّه امتحن اللّه قلبه بالإيمان»(2). أخرجه جمع من الحفّاظ و العلماء؛ منهم: النسائي في خصائصه، و الترمذي في الصحيح، و السيوطي في جمع الجوامع كما في كنز العمّال(3).

قوله: «أ لست أخاه في الهدى و وصيّه»: أوعز به إلى حديثي الإخاء و الوصيّة، و هما من الشهرة و التواتر بمكان عظيم، يجدهما الباحث في جلّ مسانيد الحفّاظ و الأعلام.

قوله: «و أعلم فهر بالكتاب و بالسنن»: أراد به ما ورد في علم عليّ أمير المؤمنين بالكتاب و السنّة. و أخرج الحفّاظ عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في حديث فاطمة عليها السّلام:

«زوّجتك خير أهلي، أعلمهم علما، و أفضلهم حلما، و أوّلهم إسلاما».

و في حديث آخر: «أعلم امّتي من بعدي عليّ بن أبي طالب».

و في ثالث: «أعلم الناس باللّه و بالناس».

و في حديث: «يا عليّ ! لك سبع خصال»، و عدّ منها: «و أعلمهم بالقضيّة»(4).

و أخرج محبّ الدين الطبري في رياضه(5) عن عائشة: «أنّه أعلم الناس بالسنّة».

ص: 32


1- - الرياض النضرة 207:2[157/3].
2- - كذا في لفظ الخطيب، و في بعض المصادر: «على الإيمان». و في بعضها: «للإيمان».
3- - خصائص أمير المؤمنين عليه السّلام: 11 [ص 55، ح 31]؛ سنن الترمذي 298:2[592:5، ح 3715]؛ كنز العمّال 393:6 و 396 [115/13، ح 36373؛ و ص 127، ح 36402].
4- - حلية الأولياء 66:1 [رقم 4]؛ كنز العمّال 153:6 و 156 و 398 [605/11، ح 32926؛ و ص 617، ح 32995؛ 135/13، ح 36423].
5- - الرياض النضرة 193:2[141/3].

و في كفاية الكنجي(1) عن أبي أمامة، عنه صلّى اللّه عليه و آله: «أعلم امّتي بالسنّة و القضاء بعدي عليّ بن أبي طالب».

و أخرج الخوارزمي في المناقب(2) عن سلمان، عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «أعلم امّتي من بعدي عليّ بن أبي طالب».

و أخرج الحفّاظ عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال: «و اللّه ما نزلت آية إلاّ و قد علمت فيم نزلت و على من نزلت، إنّ ربّي و هب لي قلبا عقولا و لسانا ناطقا»(3).

و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «قسمت الحكمة عشرة أجزاء، فاعطي عليّ تسعة أجزاء، و الناس جزءا واحدا»(4).

قال أبو الطفيل:

شهدت عليّا يخطب و هو يقول: «سلوني(5) من كتاب اللّه، فو اللّه ما من آية إلاّ و أنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار، أم في سهل أم في جبل، و لو شئت أو قرت سبعين بعيرا من تفسير فاتحة الكتاب».

و قال ابن عبّاس رضى اللّه عنه: «علم رسول اللّه من علم اللّه تبارك و تعالى، و علم عليّ رضى اللّه عنه من علم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و علمي من علم عليّ رضى اللّه عنه. و ما علمي و علم أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و آله في علم عليّ رضى اللّه عنه إلاّ كقطرة في سبعة أبحر».

و يقال: إنّ عبد اللّه بن عبّاس أكثر البكاء على عليّ رضى اللّه عنه حتّى ذهب بصره و كان عمر بن الخطّاب يتعوّذ من معظلة ليس فيها أبو الحسن(6).

ص: 33


1- - كفاية الطالب: 190 [332، باب 94].
2- - المناقب: 49 [ص 82، ح 67].
3- - حلية الأولياء 67:1 [رقم 4]؛ كنز العمّال 396:6[128/13، ح 36404].
4- - حلية الأولياء 65:1 [رقم 4].
5- - في الإصابة 509:2 [رقم 5688]: «سلوني سلوني سلوني عن كتاب اللّه».
6- - أخرجه كثير من الحفّاظ و أئمّة الحديث [منهم: أحمد في المناقب/ 155، ح 122].

6 - 16 آية شراء النفس، و الآيات العشرة النازلة في عليّ عليه السّلام الّتي سمّي فيها مؤمنا

اشارة

و من شعر حسّان في أمير المؤمنين عليه السّلام(1):

ذكر له أبو المظفّر سبط بن الجوزي الحنفيّ ، في تذكرته:

من ذا بخاتمه تصدّق راكعا *** و أسرّها في نفسه إسرارا

من كان بات على فراش محمّد *** و محمّد أسرى يؤمّ الغارا

من كان في القرآن سمّي مؤمنا *** في تسع آيات تلين غزارا(2)

في البيت الأوّل: إيعاز إلى مأثرة تصدّقه - صلوات اللّه عليه - بخاتمه للسائل راكعا، و فيها نزل قوله تعالى: إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اَللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا...(3).

و سنوقفك على بيانها في شرح البيت الثالث إن شاء اللّه تعالى.

و بثاني الأبيات: أشار إلى حديث أصفقت الامّة عليه من أنّ عليّا عليه السّلام لبس برد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله الحضرميّ الأخضر، و نام على فراشه ليلة هرب النبيّ من المشركين إلى الغار، و فداه بنفسه، و نزلت فيه: وَ مِنَ اَلنّٰاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغٰاءَ مَرْضٰاتِ اَللّٰهِ (4).

قال أبو جعفر الإسكافي - كما في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد -(5):

حديث الفراش قد ثبت بالتواتر؛ فلا يجحده إلاّ مجنون أو غير مخالط لأهل الملّة. و قد روى المفسّرون كلّهم أنّ قول اللّه تعالى: وَ مِنَ اَلنّٰاسِ

ص: 34


1- - ذكر له أبو المظفّر سبط بن الجوزي الحنفيّ في تذكرة الخواصّ : 10 [ص 16].
2- - و ذكرها الكنجي في الكفاية: 123 [ص 251، باب 92] و نسبها إلى بعضهم و فيه: «في تسع آيات جعلن كبارا».
3- - المائدة: 55.
4- - البقرة: 207.
5- - شرح نهج البلاغة 27:3[261/13، خطبة 238].

مَنْ يَشْرِي... نزلت في عليّ ليلة المبيت على الفراش.

البيت الثالث: أشار به إلى الآيات التسع النازلة في أمير المؤمنين الّتي سمّي فيها مؤمنا. و نحن وقفنا من تلك على عشر(1) آيات، و لم نعرف خصوص التسع المراد لحسّان في قوله.

و قال معاوية بن صعصعة في قصيدة له ذكرها نصر بن مزاحم في كتاب صفّين(2):

و من نزلت فيه ثلاثون آية *** تسمّيه فيها مؤمنا مخلصا فردا

سوى موجبات جئن فيه و غيرها *** بها أوجب اللّه الولاية و الودّا

و الآيات:

1 - أَ فَمَنْ كٰانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كٰانَ فٰاسِقاً لاٰ يَسْتَوُونَ (3).

أخرج الطبري في تفسيره، بإسناده عن عطاء بن يسار، قال:

كان بين الوليد [الوليد بن عقبة بن أبي معيط] و عليّ كلام؛ فقال الوليد:

أنا أبسط منك لسانا، و أحدّ منك سنانا، و أردّ منك للكتيبة؛ فقال عليّ :

«اسكت فإنّك فاسق»؛ فأنزل اللّه: أَ فَمَنْ كٰانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كٰانَ فٰاسِقاً لاٰ يَسْتَوُونَ (4).

و ذكره ابن أبي الحديد في شرح النهج و حكى عن شيخه:

إنّه من المعلوم الّذي لا ريب فيه: لاشتهار الخبر به، و إطباق الناس عليه(5).

ص: 35


1- - و كذا قال الإمام الحسن السبط الزكي في حديث: «سمّاه اللّه مؤمنا في عشر آيات» [الكشّاف 246/3؛ بحار 339/35؛ و 81/44].
2- - وقعة صفّين: 31 [ص 27].
3- - السجدة: 18.
4- - جامع البيان 62:21 [مج 11 /ج 107/21].
5- - شرح نهج البلاغة 394:1؛ و 103:2[80/4، خطبة 56؛ 292/6، خطبة 83].

2 - هُوَ اَلَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَ بِالْمُؤْمِنِينَ (1).

أخرج الحافظ أبو القاسم بن عساكر في تاريخه(2) بإسناده عن أبي هريرة قال: «مكتوب على العرش: لا إله إلاّ اللّه وحدي لا شريك لي، و محمّد عبدي و رسولي، أيّدته بعليّ ؛ و ذلك قوله عزّ و جلّ في كتابه الكريم: هُوَ اَلَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَ بِالْمُؤْمِنِينَ عليّ وحده».

و روى السيّد الهمداني في مودّة القربى - في المودّة الثامنة - عن عليّ قال:

«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إنّي رأيت اسمك مقرونا باسمي في أربعة مواطن: فلمّا بلغت البيت المقدس في معراجي إلى السماء، وجدت على صخرة بها: لا إله إلاّ اللّه، محمّد رسول اللّه، أيّدته بعليّ وزيره. و لمّا انتهيت إلى سدرة المنتهى وجدت عليها: إنّي أنا اللّه، لا إله إلاّ أنا وحدي، محمّد صفوتي من خلقي، أيّدته بعليّ وزيره و نصرته به. و لمّا انتهيت إلى عرش ربّ العالمين، وجدت مكتوبا على قوائمه: إنّي أنا اللّه، لا إله إلاّ أنا، محمّد حبيبي من خلقي، أيّدته بعليّ وزيره، و نصرته به. فلمّا وصلت الجنّة، وجدت مكتوبا على باب الجنّة: لا إله إلاّ أنا، و محمّد حبيبي من خلقي، أيّدته بعليّ وزيره و نصرته به».

3 - يٰا أَيُّهَا اَلنَّبِيُّ حَسْبُكَ اَللّٰهُ وَ مَنِ اِتَّبَعَكَ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ (3).

أخرج الحافظ أبو نعيم في فضائل الصحابة بإسناده: أنّها نزلت في عليّ ، و هو المعنيّ بقوله: اَلْمُؤْمِنِينَ .

4 - مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ رِجٰالٌ صَدَقُوا مٰا عٰاهَدُوا اَللّٰهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضىٰ نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ مٰا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً(4).

أخرج الخطيب الخوارزمي في المناقب(5) و صدر الحفّاظ الكنجي في

ص: 36


1- - الأنفال: 62.
2- - تاريخ مدينة دمشق [307/12].
3- - الأنفال: 64.
4- - الأحزاب: 23.
5- - المناقب: 188 [ص 279، ح 270].

الكفاية(1) نقلا عن ابن جرير و غيره من المفسّرين، أنّه نزل قوله:

فَمِنْهُمْ مَنْ قَضىٰ نَحْبَهُ في حمزة و أصحابه، كانوا عاهدوا اللّه تعالى لا يولّون الأدبار، فجاهدوا مقبلين حتّى قتلوا. وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ عليّ بن أبي طالب، مضى على الجهاد لم يبدّل و لم يغيّر الآثار.

و في الصواعق(2) لابن حجر:

سئل عليّ و هو على المنبر بالكوفة عن قوله تعالى: مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ رِجٰالٌ صَدَقُوا مٰا عٰاهَدُوا اَللّٰهَ عَلَيْهِ ....

فقال: «أللّهمّ غفرا هذه الآية نزلت فيّ ، و في عمّي حمزة، و في ابن عمّي عبيدة ابن الحارث بن عبد المطّلب؛ فأمّا عبيدة فقضى نحبه شهيدا يوم بدر. و حمزة قضى نحبه شهيدا يوم احد. و أمّا أنا فأنتظر أشقاها، يخضب هذه من هذه - و أشار إلى لحيته و رأسه - عهد عهده إليّ حبيبي أبو القاسم صلّى اللّه عليه و آله».

5 - إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اَللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا اَلَّذِينَ يُقِيمُونَ اَلصَّلاٰةَ وَ يُؤْتُونَ اَلزَّكٰاةَ وَ هُمْ رٰاكِعُونَ (3).

أخرج أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره(4) بإسناده عن أبي ذرّ الغفاري قال:

أما إنّي صلّيت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوما من الأيّام الظهر، فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد شيئا؛ فرفع السائل يديه إلى السماء، و قال: أللّهمّ اشهد أنّي سألت في مسجد نبيّك محمّد صلّى اللّه عليه و آله فلم يعطني أحد شيئا، و كان عليّ عليه السّلام في الصلاة راكعا فأومأ إليه بخنصره اليمنى و فيه خاتم، فأقبل السائل فأخذ الخاتم من خنصره، و ذلك بمرأى من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و هو في المسجد، فرفع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

ص: 37


1- - كفاية الطالب: 122 [ص 249، باب 62].
2- - الصواعق المحرقة: 80 [ص 134].
3- - المائدة: 55.
4- - الكشف و البيان: [الورقة 80؛ سورة المائدة: آية 55].

طرفه إلى السماء، و قال:

«أللّهمّ إنّ أخي موسى سألك فقال: رَبِّ اِشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَ يَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَ اُحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسٰانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَ اِجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هٰارُونَ أَخِي * اُشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَ أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي(1) فأنزلت عليه قرآنا سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَ نَجْعَلُ لَكُمٰا سُلْطٰاناً فَلاٰ يَصِلُونَ إِلَيْكُمٰا(2). أللّهمّ و إنّي محمّد نبيّك و صفيّك، أللّهمّ و اشرح لي صدري، و يسّر لي أمري، و اجعل لي وزيرا من اهلي، عليّا اشدد به ظهري».

قال أبو ذرّ رضى اللّه عنه: فما استتمّ دعاءه حتّى نزل جبرئيل عليه السّلام من عند اللّه عزّ و جلّ و قال: يا محمّد! اقرأ: إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اَللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا...».

أخرج هذه الأثارة و نزول الآية فيها، جمع كثير من أئمّة التفسير و الحديث؛ منهم: الطبري في تفسيره؛ الواحدي في أسباب النزول؛ الرازي في تفسيره؛ و محبّ الدين الطبري في الرياض؛ و ابن كثير الشامي في البداية و النهاية؛ و الحافظ السيوطي في جمع الجوامع كما في الكنز؛ و ابن حجر في الصواعق(3).

مناقشة ابن تيميّة في هذه المنقبة:

قال:

قد وضع بعض الكذّابين حديثا مفترى: أنّ هذه الآية: إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اَللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا اَلَّذِينَ يُقِيمُونَ اَلصَّلاٰةَ وَ يُؤْتُونَ اَلزَّكٰاةَ وَ هُمْ

ص: 38


1- - سورة طه: 25-32.
2- - القصص: 35.
3- - جامع البيان 165:6 [مج 4 /ج 288/6]؛ أسباب النزول: 148 [ص 133]؛ التفسير الكبير 431:3[26/12]؛ الرياض النضرة 227:2[182/3، باب 4، فصل 9؛ ص 156، فصل 6]؛ البداية و النهاية 357:7[394/7، حوادث سنة 40 ه]؛ كنز العمّال 391:6 [108/13، ح 36354]؛ الصواعق المحرقة: 25 [ص 41].

رٰاكِعُونَ (1) نزلت في عليّ لمّا تصدّق بخاتمه في الصلاة، و هذا كذب بإجماع أهل العلم بالنقل(2).

ثمّ استدلّ على كذب القول به بأوهام و تافهات طالما يكرّر أمثالها تجاه النصوص، كقوله في حديث ردّ الشمس(3)، و قوله(4) في آية التطهير و قُلْ لاٰ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ اَلْمَوَدَّةَ فِي اَلْقُرْبىٰ (5)، و في حديث المؤاخاة(6)، و أمثالها من الصحاح.

الجواب: ما كنت أدري أنّ القحّة تبلغ بالإنسان إلى أن ينكر الحقائق الثابتة، و يزعم أنّ ما خرّجته الأئمّة و الحفّاظ و أنهوا أسانيده إلى مثل أمير المؤمنين، و ابن عبّاس، و أبي ذرّ، و عمّار، و جابر الأنصاري، و أبي رافع، و أنس بن مالك، و سلمة بن كهيل، و عبد اللّه بن سلام، ممّا قام الإجماع على كذبه؛ فهو كبقيّة إجماعاته المدّعاة ليس له مقيل من مستوى الصدق.

ليت شعري كيف يعزو الرجل إلى أهل العلم إجماعهم على كذب الحديث و هم يستدلّون بالآية الشريفة و حديثها هذا على أنّ الفعل القليل لا يبطل الصلاة، و أنّ صدقة التطوّع تسمّى زكاة، و يعدّونها بذلك من آيات الأحكام(7)؛ و ذلك ينمّ عن اتّفاقهم على صحّة الحديث.

و يشهد لهذا الاتّفاق: أنّ من أراد المناقشة فيه من المتكلّمين قصرها على الدلالة فحسب من دون أيّ غمز في السند، و فيهم من أسنده إلى المفسّرين عامّة مشفوعا بما عنده من النقد الدلاليّ ؛ فتلك دلالة واضحة على إطباق

ص: 39


1- - المائدة: 55.
2- - منهاج السنّة 156:1.
3- - انظر تلخيص الغدير/ 265.
4- - انظر تلخيص الغدير/ 283 و 285 و 295.
5- - الشورى: 23.
6- - انظر تلخيص الغدير/ 285-286.
7- - كما فعله الجصّاص في أحكام القرآن [446/2]، و غيره [كالنسفي في تفسيره 289/1، و الكيا الطبري في أحكام القرآن 84/3].

المفسّرين و المتكلّمين و الفقهاء على صدور الحديث.

أضف إلى ذلك إخراج الحفّاظ و حملة الحديث له في مدوّناتهم مخبتين إليه و فيهم من نصّ على صحّته؛ فانظر إذن أين يكون مستوى إجماع ابن تيميّة ؟! و أين استقلّ اولئك المجمعون من أديم الأرض ؟! و لك الحكم الفاصل.

و إليك أسماء جمع ممّن أخرج الحديث أو أخبت إليه:

1 - أبو جعفر الإسكافي المعتزلي، المتوفّى (240)، في رسالته الّتي ردّ بها على الجاحظ(1).

2 - الحافظ أبو عبد الرحمن النسائي صاحب السنن، المتوفّى (303)، في صحيحه.

3 - ابن جرير الطبري، المتوفّى (310)، في تفسيره(2) بعدّة طرق.

4 - الحافظ أبو بكر الجصّاص الرازي، المتوفّى (370)، في أحكام القرآن(3)، بعدّة طرق.

5 - أبو القاسم جار اللّه الزمخشريّ الحنفيّ ، المتوفّى (538)، في الكشّاف(4).

و قال:

فإن قلت: كيف صحّ أن يكون لعليّ رضى اللّه عنه و اللفظ لفظ جماعة ؟ قلت: جيء به على لفظ الجمع، و إن كان السبب فيه رجلا واحدا ليرغب الناس في مثل فعله، فينالوا مثل ثوابه.

6 - الحافظ أبو القاسم ابن عساكر الدمشقيّ ، المتوفّى (571)، في تاريخ الشام(5) بعدّة طرق.

ص: 40


1- - نقض العثمانيّة [ص 319].
2- - جامع البيان 186:6 [مج 4 /ج 288/6].
3- - أحكام القرآن 542:2[446/2].
4- - الكشّاف 422:1.
5- - تاريخ مدينة دمشق [305/12؛ و في ترجمة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السّلام - الطبعة المحقّقة -: رقم 915؛ و في ترجمة عمر بن عليّ ].

7 - عزّ الدين بن أبي الحديد المعتزلي، المتوفّى (655)، في شرح نهج البلاغة(1).

8 - القاضي ناصر الدين البيضاوي الشافعيّ ، المتوفّى (685)، في تفسيره(2).

9 - جلال الدين السيوطي الشافعيّ ، المتوفّى (911)، في الدرّ المنثور(3)من عدّة طريق.

لفظ الحديث:

عن أنس بن مالك: أنّ سائلا أتى المسجد و هو يقول: من يقرض المليّ الوفيّ؟ و عليّ عليه السّلام راكع يقول بيده(4) خلفه للسائل؛ أي: اخلع الخاتم من يدي.

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «يا عمر! وجبت». قال: بأبي أنت و امّي يا رسول اللّه! ما وجبت ؟ قال: «وجبت له الجنّة و اللّه، و ما خلعه من يده حتّى خلعه اللّه من كلّ ذنب و من كلّ خطيئة».

قال: فما خرج أحد من المسجد حتّى نزل جبرئيل بقوله عزّ و جلّ : إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اَللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا اَلَّذِينَ يُقِيمُونَ اَلصَّلاٰةَ وَ يُؤْتُونَ اَلزَّكٰاةَ وَ هُمْ رٰاكِعُونَ (5) فأنشأ حسّان بن ثابت يقول:

أبا حسن تفديك نفسي و مهجتي *** و كلّ بطيء في الهدى و مسارع

أ يذهب مدحي و المحبّين ضائعا *** و ما المدح في ذات الإله بضائع

فأنت الّذي أعطيت إذ أنت راكع *** فدتك نفوس القوم يا خير راكع

بخاتمك الميمون يا خير سيّد *** و يا خير شار ثمّ يا خير بائع

ص: 41


1- - شرح نهج البلاغة 275:3[277/13، خطبة 238].
2- - تفسير البيضاوي: 345 [272/1].
3- - الدرّ المنثور 293:2[105/3].
4- - [أي: أشار بيده].
5- - المائدة: 55.

فأنزل فيك اللّه خير ولاية *** و بيّنها في محكمات الشرائع

إشكال مزيّف:

قال السيّد حميد الدين عبد الحميد الآلوسي في كتابه نثر اللآلي على نظم الأمالي(1) عند ذكره آية الولاية:

إنّ الآية ليس نزولها في حقّ عليّ خاصّة كما زعموا، بل نزلت في المهاجرين و الأنصار، و هو من جملتهم؛ فإنّ قوله: اَلَّذِينَ صيغة جمع، فلا يكون عليّ هو المراد وحده.

قال الأميني: كأنّ الرجل يضرب في قوله هذا على وتر ابن كثير الدمشقي و ينسج على نوله، و يمتح من قليبه؛ حيث قال في تاريخه حول الآية - كما يأتي بعيد هذا(2) -:

و لم ينزل في عليّ شيء من القرآن بخصوصيّته...

و قد عزب عن المغفّلين أنّ إصدار الحكم على الجهة العامّة، بحيث يكون مصبّه الطبيعة - حتّى يكون ترغيبا في الإتيان بمثله، أو تحذيرا عن مثله - ثمّ تقييد الموضوع بما يخصّصه بفرد معيّن حسب الانطباق الخارجيّ ، أبلغ و آكد في صدق القضيّة من توجيهه إلى ذلك الفرد رأسا، و ما أكثر له من نظير في لسان الذكر الحكيم؛ و إليك نماذج منه:

1 - اَلَّذِينَ قٰالُوا إِنَّ اَللّٰهَ فَقِيرٌ وَ نَحْنُ أَغْنِيٰاءُ (3).

ذكر الحسن: أنّ قائل هذه المقالة هو حيي بن أخطب. و قال عكرمة و السدّي و مقاتل و محمّد بن إسحاق: هو فنحاص بن عازوراء. و قال الخازن:

هذه المقالة و إن كانت قد صدرت من واحد من اليهود لكنّهم يرضون

ص: 42


1- - نثر اللآلي على نظم الأمالي: 169.
2- - في ص 61 من كتابنا هذا.
3- - آل عمران: 181.

بمقالته هذه، فنسبت إلى جميعهم.

راجع تفسير القرطبي؛ تفسير ابن كثير؛ تفسير الخازن(1).

2 - لاٰ يَنْهٰاكُمُ اَللّٰهُ عَنِ اَلَّذِينَ لَمْ يُقٰاتِلُوكُمْ فِي اَلدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيٰارِكُمْ (2).

نزلت في أسماء بنت أبي بكر؛ و ذلك: أنّ امّها قتيلة بنت عبد العزّى قدمت عليها المدينة بهدايا و هي مشركة، فقالت أسماء: لا أقبل منك هديّة، و لا تدخلي عليّ بيتا حتّى أستأذن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

فسألته، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية، فأمرها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن تدخلها منزلها، و أن تقبل هديّتها، و تكرمها و تحسن إليها.

أخرجه البخاري، و مسلم، و أحمد، و ابن جرير، و ابن أبي حاتم؛ كما في تفسير القرطبي، و تفسير ابن كثير، و تفسير الخازن(3).

3 - وَ اَلْعَصْرِ * إِنَّ اَلْإِنْسٰانَ لَفِي خُسْرٍ...(4).

عن ابيّ بن كعب قال: قرأت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سورة و العصر، فقلت: يا رسول اللّه! بأبي و أمّي أفديك ما تفسيرها؟

قال: وَ اَلْعَصْرِ قسم من اللّه بآخر النهار إِنَّ اَلْإِنْسٰانَ لَفِي خُسْرٍ أبو جهل ابن هشام إِلاَّ اَلَّذِينَ آمَنُوا أبو بكر الصدّيق وَ عَمِلُوا اَلصّٰالِحٰاتِ عمر بن الخطّاب وَ تَوٰاصَوْا بِالْحَقِّ عثمان بن عفّان وَ تَوٰاصَوْا بِالصَّبْرِ عليّ بن

ص: 43


1- - الجامع لأحكام القرآن 294:4[187/4]؛ تفسير ابن كثير 434:1؛ تفسير الخازن 1: 322 [310/1].
2- - الممتحنة: 8.
3- - صحيح البخاري [924/2، ح 2477]؛ صحيح مسلم [391/2، ح 50، كتاب الزكاة]؛ مسند أحمد [483/7، ح 26375]؛ جامع البيان [مج 14 /ج 66/28]؛ الجامع لأحكام القرآن 59:18[40/18]؛ تفسير ابن كثير 349:4؛ تفسير الخازن 272:4[258/4].
4- - العصر: 1-3.

أبي طالب(1).

قال الأميني: نحن لا نصافق القوم على هذه التأويلات المحرّفة المزيّفة، غير أنّا نسردها لإقامة الحجّة عليهم بما ذهبوا إليه.

4 - اَلَّذِينَ قٰالَ لَهُمُ اَلنّٰاسُ إِنَّ اَلنّٰاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ (2).

المراد من الناس الأوّل: هو نعيم بن مسعود الأشجعي. قال النسفي في تفسيره(3):

هو جمع اريد به الواحد، أو: كان له أتباع يثبطون مثل تثبيطه.

و قال الخازن:

فيكون اللفظ عامّا اريد به الخاصّ .

و أخرج ابن مردويه بإسناده عن أبي رافع: أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله وجّه عليّا في نفر معه في طلب أبي سفيان، فلقيهم أعرابيّ من خزاعة، فقال: إنّ القوم قد جمعوا لكم، فقالوا: حَسْبُنَا اَللّٰهُ وَ نِعْمَ اَلْوَكِيلُ ، فنزلت فيهم هذه الآية(4).

5 - يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اَللّٰهُ يُفْتِيكُمْ فِي اَلْكَلاٰلَةِ (5).

نزلت في جابر بن عبد اللّه الأنصاري و هو المستفتي، و كان يقول: انزلت هذه الآية فيّ (6).

6 - وَ هُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَ يَنْأَوْنَ عَنْهُ (7).

ص: 44


1- - انظر الرياض النضرة 34:1[49/1 و 50].
2- - آل عمران: 173.
3- - المطبوع في هامش تفسير الخازن 318:1 [تفسير النسفي 195/1].
4- - انظر الجامع لأحكام القرآن 279:4[178/4]؛ تفسير ابن كثير 430:1؛ تفسير الخازن 318:1[306/1].
5- - النساء: 176.
6- - انظر الجامع لأحكام القرآن 28:6[20/6]؛ تفسير الخازن 447:1[428/1]؛ تفسير النسفي 447:1[267/1].
7- - الأنعام: 26.

ذهب القوم إلى أنّها نزلت في أبي طالب(1).

6 - أَ جَعَلْتُمْ سِقٰايَةَ اَلْحٰاجِّ وَ عِمٰارَةَ اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرٰامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّٰهِ وَ اَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ وَ جٰاهَدَ فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ لاٰ يَسْتَوُونَ عِنْدَ اَللّٰهِ (2).

أخرج الطبري في تفسيره(3) بإسناده عن أنس أنّه قال:

قعد العبّاس و شيبة بن عثمان - صاحب البيت - يفتخران، فقال له العبّاس:

أنا أشرف منك، أنا عمّ رسول اللّه، و وصيّ أبيه، و ساقي الحجيج. فقال شيبة:

أنا أشرف منك، أنا أمين اللّه على بيته و خازنه، أ فلا ائتمنك كما ائتمنني ؟!

فهما على ذلك يتشاجران، حتّى أشرف عليهما عليّ ، فقال له العبّاس:

إنّ شيبة فاخرني، فزعم أنّه أشرف منّي، فقال: «فما قلت له يا عمّاه ؟!».

قال: قلت: أنا عمّ رسول اللّه، و وصيّ أبيه، و ساقي الحجيج، أنا أشرف منك.

فقال لشيبة: «ما ذا قلت أنت يا شيبة ؟!» قال: قلت: أنا أشرف منك، أنا أمين اللّه على بيته و خازنه، أ فلا ائتمنك كما ائتمني ؟!

قال: فقال لهما: «اجعلاني معكما فخرا». قالا: نعم. قال: «فأنا أشرف منكما، أنا أوّل من آمن بالوعيد من ذكور هذه الامّة، و هاجر، و جاهد».

و انطلقوا ثلاثتهم إلى النبيّ ، فأخبر كلّ واحد منهم بمفخره، فما أجابهم النبيّ بشيء، فانصرفوا عنه، فنزل جبرئيل عليه السّلام بالوحي بعد أيّام فيهم، فأرسل النبيّ إليهم ثلاثتهم حتّى أتوه؛ فقرأ عليهم: أَ جَعَلْتُمْ سِقٰايَةَ اَلْحٰاجِّ وَ عِمٰارَةَ اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرٰامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّٰهِ وَ اَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ...».

حديث هذه المفاخرة و نزول الآية فيها أخرجه كثير من الحفّاظ و العلماء مجملا و مفصّلا؛ منهم: الواحدي في أسباب النزول؛ القرطبي في تفسيره؛

ص: 45


1- - [انظر تلخيص الغدير: 246-248].
2- - التوبة: 19.
3- - جامع البيان 59:10 [مج 6 /ج 95/10].

الرازي في تفسيره؛ الخازن في تفسيره؛ الحافظ السيوطي في الدرّ المنثور(1).

و هذه المفاخرة و نزول الآية فيها نظمها غير واحد من شعراء السلف الحافظين لناموس الحديث؛ كسيّد الشعراء الحميري، و الناشئ، و البشنوي، و نظرائهم.

7 - إِنَّ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّٰالِحٰاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ اَلرَّحْمٰنُ وُدًّا(2).

أخرج أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره(3)، بإسناده عن البراء بن عازب قال:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لعليّ : «قل: أللّهمّ اجعل لي عندك عهدا، و اجعل لي في صدور المؤمنين مودّة»؛ فأنزل اللّه هذه الآية.

و أخرج محبّ الدين الطبري في رياضه(4) في الآية من طريق الحافظ السلفي، عن ابن الحنفيّة: «لا يبقى مؤمن إلاّ و في قلبه ودّ لعليّ و أهل بيته».

8 - أَمْ حَسِبَ اَلَّذِينَ اِجْتَرَحُوا اَلسَّيِّئٰاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّٰالِحٰاتِ (5).

قال أبو المظفّر سبط بن الجوزي الحنفي في تذكرته(6): قال السدّي عن ابن عبّاس: نزلت هذه الآية في عليّ عليه السّلام يوم بدر: ف اَلَّذِينَ اِجْتَرَحُوا اَلسَّيِّئٰاتِ عتبة و شيبة و الوليد و المغيرة، كَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّٰالِحٰاتِ عليّ عليه السّلام.

9 - إِنَّ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّٰالِحٰاتِ أُولٰئِكَ هُمْ خَيْرُ اَلْبَرِيَّةِ (7).

ص: 46


1- - أسباب النزول: 182 [ص 164]؛ الجامع لأحكام القرآن 91:8[59/8]؛ التفسير الكبير 422:4[11/16]؛ تفسير الخازن 221:2[211/2]؛ الدرّ المنثور 218:3 [146/4].
2- - مريم: 96.
3- - الكشف و البيان [الورقة 19؛ سورة مريم: 96].
4- - الرياض النضرة 207:2[157/3].
5- - الجاثية: 21.
6- - تذكرة الخواصّ : 11 [ص 17].
7- - البيّنة: 7.

أخرج الطبري في تفسيره(1) بإسناده عن أبي الجارود، عن محمّد بن عليّ أُولٰئِكَ هُمْ خَيْرُ اَلْبَرِيَّةِ . فقال: «قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: أنت يا عليّ ! و شيعتك».

و روى الخوارزمي في مناقبه(2) عن جابر، قال: كنّا عند النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فأقبل عليّ بن أبي طالب، فقال رسول اللّه: «قد أتاكم أخي». ثمّ التفت إلى الكعبة فضربها بيده. ثمّ قال: «و الّذي نفسي بيده، إنّ هذا و شيعته هم الفائزون يوم القيامة».

ثمّ قال: «إنّه أوّلكم إيمانا معي، و أوفاكم بعهد اللّه، و أقومكم بأمر اللّه، و أعدلكم في الرعيّة، و أقسمكم بالسويّة، و أعظمكم عند اللّه مزيّة».

قال: و في ذلك الوقت نزلت فيه: إِنَّ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّٰالِحٰاتِ أُولٰئِكَ هُمْ خَيْرُ اَلْبَرِيَّةِ . و كان أصحاب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إذا أقبل عليّ قالوا: قد جاء خير البريّة.

و أرسل ابن الصبّاغ المالكي في فصوله(3) عن ابن عبّاس، قال: لمّا نزلت هذه الآية قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لعليّ : «أنت و شيعتك، تأتي يوم القيامة أنت و هم راضين مرضيّين، و يأتي أعداؤك غضابا مقمحين(4)».

10 - وَ اَلْعَصْرِ * إِنَّ اَلْإِنْسٰانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّٰالِحٰاتِ .

قال جلال الدين السيوطي في الدرّ المنثور(5): أخرج ابن مردويه عن ابن عبّاس في قوله تعالى: وَ اَلْعَصْرِ * إِنَّ اَلْإِنْسٰانَ لَفِي خُسْرٍ يعني أبا جهل بن

ص: 47


1- - جامع البيان 146:30 [مج 15 /ج 264/30].
2- - المناقب: 66 [ص 111، ح 120؛ ص 265، ح 247].
3- - الفصول المهمّة: 122 [ص 121].
4- - [قال اللّه تعالى: إِنّٰا جَعَلْنٰا فِي أَعْنٰاقِهِمْ أَغْلاٰلاً فَهِيَ إِلَى اَلْأَذْقٰانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ ؛ يس/ 8].
5- - الدرّ المنثور 392:6[622/8].

هشام إِلاَّ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّٰالِحٰاتِ ذكر عليّا و سلمان.

17-21 آية وَ كُونُوا مَعَ اَلصّٰادِقِينَ ، و آية وَ اَلسّٰابِقُونَ اَلسّٰابِقُونَ ، و آية المودّة، و آية وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ، و آية الصراط

من شعر العبدي:

آل النبيّ محمّد *** أهل الفضائل و المناقب

المرشدون من العمى *** و المنقذون من اللوازب(1)

الصادقون الناطقون *** السابقون إلى الرغائب

فولاهم فرض من الر *** حمن في القرآن واجب

و هم الصراط فمستقيم *** فوقه ناج و ناكب(2)

بيان ما ضمّنته الأبيات من الحديث:

قوله: «الصادقون»: إشارة إلى ما روي في قوله تعالى: يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اَللّٰهَ وَ كُونُوا مَعَ اَلصّٰادِقِينَ (3) من طريق الحافظ أبي نعيم و ابن مردويه و ابن عساكر(4) و آخرين كثيرين عن جابر و ابن عبّاس: أي: كونوا مع عليّ بن أبي طالب. و رواه الكنجي الشافعي في الكفاية(5)؛ و الحافظ السيوطي في الدرّ المنثور(6).

قوله: «السابقون إلى الرغائب»: إشارة إلى قوله تعالى: وَ اَلسّٰابِقُونَ

ص: 48


1- - [«اللوازب»: الشدائد].
2- - أعيان الشيعة [270/7].
3- - التوبة: 119.
4- - تاريخ مدينة دمشق [307/12]. و في ترجمة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السّلام - الطبعة المحقّقة -: [رقم 930].
5- - كفاية الطالب: 111 [ص 236، باب 62].
6- - الدرّ المنثور 290:3[316/4].

اَلسّٰابِقُونَ * أُولٰئِكَ اَلْمُقَرَّبُونَ (1) و أنّها نزلت في عليّ عليه السّلام.

أخرج ابن مردويه عن ابن عبّاس: «أنّها نزلت في حزقيل مؤمن آل فرعون، و حبيب النجّار الّذي ذكر في يس، و عليّ بن أبي طالب. و كلّ رجل منهم سابق امّته، و عليّ أفضلهم».

و في لفظ ابن أبي حاتم: يوشع بن نون بدل حزقيل.

و رواه الحافظ السيوطي في الدرّ المنثور؛ و ابن حجر في الصواعق؛ و سبط ابن الجوزي في التذكرة(2).

قوله:

فولاهم فرض من الر *** حمن في القرآن واجب

أشار به إلى قوله تعالى: قُلْ لاٰ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ اَلْمَوَدَّةَ فِي اَلْقُرْبىٰ وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهٰا حُسْناً(3). توجد في الكتب و المعاجم أحاديث و كلمات ضافية حول الآية الشريفة لا يسعنا بسط المقال فيها، غير أنّا نقتصر(4) بجملة منها:

1 - أخرج أحمد في المناقب، و ابن المنذر، و ابن أبي حاتم، و الطبراني، و ابن مردويه، و الواحدي، و الثعلبي، و أبو نعيم، و البغوي في تفسيره، و ابن المغازلي في المناقب بأسانيدهم عن ابن عبّاس قال: لمّا نزلت هذه الآية قيل: يا رسول اللّه! من قرابتك هؤلاء الّذين وجبت علينا مودّتهم ؟ قال: «عليّ و فاطمة و ابناهما»(5).

ص: 49


1- - الواقعة: 10-11.
2- - الدرّ المنثور 154:6[6/8]؛ الصواعق المحرقة: 74 [ص 125]؛ تذكرة الخواصّ : 11 [ص 17].
3- - الشورى: 23.
4- - [الظاهر أنّه قدّس سرّهم ضمّن «نقتصر» معنى «نكتفي» فعدّاه بالباء].
5- - مناقب عليّ [ص 187، ح 263]؛ المعجم الكبير [351/11، ح 12259]؛ الكشف -

2 - أخرج الحافظ الطبري و ابن عساكر(1) و الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل لقواعد التفضيل(2) بعدّة طرق عن أبي امامة الباهلي قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

«إنّ اللّه خلق الأنبياء من أشجار شتّى و خلقني من شجرة واحدة، فأنا أصلها و عليّ فرعها و فاطمة لقاحها و الحسن و الحسين ثمرها؛ فمن تعلّق بغصن من أغصانها نجا و من زاغ عنها هوى. و لو أنّ عبدا عبد اللّه بين الصفا و المروة ألف عام ثمّ ألف عام ثمّ ألف عام ثمّ لم يدرك صحبتنا كبّه اللّه على منخريه في النار». ثمّ تلا: قُلْ لاٰ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ اَلْمَوَدَّةَ فِي اَلْقُرْبىٰ . و ذكره الكنجي في الكفاية(3).

3 - أخرج أحمد(4) و ابن أبي حاتم عن ابن عبّاس في قوله تعالى: وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهٰا حُسْناً قال: «المودّة لآل محمّد».

4 - عن أبي الطفيل قال: خطبنا الحسن بن عليّ بن أبي طالب، فحمد اللّه و أثنى عليه و ذكر أمير المؤمنين عليّا رضى اللّه عنه خاتم الأوصياء و وصيّ الأنبياء و أمين الصدّيقين و الشهداء ثمّ قال:

«أيّها الناس! لقد فارقكم رجل ما سبقه الأوّلون و لا يدركه الآخرون.

لقد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يعطيه الراية فيقاتل جبريل عن يمينه و ميكائيل عن يساره فما يرجع حتّى يفتح اللّه عليه. و لقد قبضه اللّه في الليلة الّتي قبض فيها

ص: 50


1- - تاريخ مدينة دمشق [143/12]؛ و في ترجمة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السّلام [رقم 178 و 179].
2- - شواهد التنزيل [203/2، ح 837].
3- - كفاية الطالب: 178 [ص 317، باب 87].
4- - فضائل الصحابة [669/2، ح 1141].

وصيّ موسى و عرج بروحه في الليلة الّتي عرج فيها بروح عيسى بن مريم، و في الليلة الّتي أنزل اللّه عزّ و جلّ فيها الفرقان، و اللّه ما ترك ذهبا و لا فضّة، و ما في بيت ماله إلاّ سبعمئة و خمسون درهما فضلت من عطائه أراد أن يشتري بها خادما لامّ كلثوم.

ثمّ قال: من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني فأنا الحسن بن محمّد. ثمّ تلا هذه الآية قول يوسف: وَ اِتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبٰائِي إِبْرٰاهِيمَ وَ إِسْحٰاقَ وَ يَعْقُوبَ (1). ثمّ أخذ في كتاب للّه.

ثمّ قال: أنا ابن البشير، و أنا ابن النذير، أنا ابن النبيّ ، أنا ابن الداعي إلى اللّه بإذنه، و أنا ابن السراج المنير، و أنا ابن الّذي ارسل رحمة للعالمين، و أنا من أهل البيت الّذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا، و أنا من أهل البيت الّذين افترض اللّه عزّ و جلّ مودّتهم و ولايتهم؛ فقال فيما أنزل على محمّد:

قُلْ لاٰ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ اَلْمَوَدَّةَ فِي اَلْقُرْبىٰ ...».

أخرجه البزّار و الطبراني في الكبير؛ و أبو الفرج في مقاتل الطالبيّين؛ و ابن أبي الحديد في شرح النهج؛ و ابن حجر في الصواعق(2).

قال ابن حجر في الصواعق(3):

أخرج الديلمي عن أبي سعيد الخدري أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: «وقفوهم إنّهم مسؤولون عن ولاية عليّ ». و كأنّ هذا هو مراد الواحدي بقوله: روي في

ص: 51


1- - يوسف: 38.
2- - المعجم الكبير [79/3-80، ح 2717-2725]؛ المعجم الأوسط [888/3، ح 1276]؛ مقاتل الطالبيّين [ص 62]؛ شرح نهج البلاغة 11:4[30/16، خطبة 31]؛ الفصول المهمّة [ص 158-159]؛ كفاية الطالب [ص 93، باب 11]؛ السنن الكبرى [112/5، ح 8408]؛ الصواعق المحرقة 101 و 136 [ص 170 و 228].
3- - الصواعق المحرقة: 89 [ص 149].

قوله تعالى: وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (1) أي: عن ولاية عليّ و أهل البيت؛ لأنّ اللّه أمر نبيّه صلّى اللّه عليه و آله أن يعرّف الخلق أنّه لا يسألهم على تبليغ الرسالة أجرا إلاّ المودّة في القربى. و المعنى أنّهم يسألون: هل و الوهم حقّ الموالاة كما أوصاهم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أم أضاعوها و أهملوها فتكون عليهم المطالبة و التبعة ؟

قال ابن تيميّة:

قوله - يعني العلاّمة الحلّي -: إيجاب مودّة أهل البيت بقوله تعالى: قُلْ لاٰ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ اَلْمَوَدَّةَ فِي اَلْقُرْبىٰ (2)، غلط. و ممّا يدلّ على هذا أنّ الآية مكّية، و لم يكن عليّ بعد قد تزوّج بفاطمة و لا ولد لهما أولاد(3).

و قال(4):

أمّا قوله - يعني العلاّمة -: و أنزل اللّه فيهم: قُلْ لاٰ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ اَلْمَوَدَّةَ فِي اَلْقُرْبىٰ فهذا كذب؛ فإنّ هذه الآية في سورة الشورى و هي مكّيّة بلا ريب، نزلت قبل أن يتزوّج عليّ بفاطمة، و قبل أن يولد له الحسن و الحسين.

إلى أن قال:

و قد ذكر طائفة من المصنّفين من أهل السنّة و الجماعة، و الشيعة من أصحاب أحمد و غيرهم حديثا عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: إنّ هذه الآية لمّا نزلت قالوا:

يا رسول اللّه! من هؤلاء؟ قال: «عليّ و فاطمة و ابناهما». و هذا كذب باتّفاق أهل المعرفة بالحديث. و ممّا يبيّن ذلك أنّ هذه الآية نزلت بمكّة باتّفاق أهل العلم؛ فإنّ سورة الشورى جميعها مكّية، بل جميع آل حميم كلّهنّ مكّيات.

ص: 52


1- - الصافّات: 24.
2- - الشورى: 23.
3- - منهاج السنّة 118:2.
4- - المصدر السابق 250:2.

ثمّ فصّل تاريخ ولادة السبطين الحسنين إثباتا لاطّلاعه و علمه بالتاريخ.

الجواب: لو لم يكن في كتاب الرجل إلاّ ما في هذه الجمل من التدجيل و التمويه على أجر صاحب الرسالة، و القول المزوّر، و الفرية الشائنة، و الكذب الصريح، لكفى عليه عارا و شنارا.

لم يصرّح أحد بأنّ الآية مكّية فضلا عن الاتّفاق المكذوب على أهل العلم، و إنّما حسب الرجل ذلك من إطلاق قولهم: إنّ السورة مكّيّة.

و دعوى كون جميع سورة الشورى مكّية يكذّبها استثناؤهم قوله تعالى:

أَمْ يَقُولُونَ اِفْتَرىٰ عَلَى اَللّٰهِ كَذِباً إلى قوله: خَبِيرٌ بَصِيرٌ، و هي أربع آيات.

و استثناء بعضهم قوله تعالى: وَ اَلَّذِينَ إِذٰا أَصٰابَهُمُ اَلْبَغْيُ إلى قوله: مِنْ سَبِيلٍ ، و هي عدّة آيات، فضلا عن آية المودّة(1).

و نصّ القرطبي في تفسيره(2)، و النيسابوري في تفسيره(3)، و الخازن في تفسيره(4)، و الشوكاني في فتح القدير(5)، و غيرهم، عن ابن عبّاس و قتادة على أنّها مكّية إلاّ أربع آيات، أوّلها: قُلْ لاٰ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً.

و أمّا حديث: إنّ الآية نزلت في عليّ و فاطمة و ابنيهما و إيجاب مودّتهم بها، فليس مختصّا بآية اللّه العلاّمة الحلّي و لا بامّته من الشيعة، بل أصفق المسلمون على ذلك إلاّ شذّاذا من حملة الروح الامويّة نظراء ابن تيميّة و ابن كثير.

و لم يقف القارئ - و لن يقف - على شيء من الاتّفاق المكذوب على أهل المعرفة بالحديث. ليت الرجل دلّنا على بعض من اولئك المجمعين، أو على شيء من تآليفهم، أو على نزر من كلماتهم. و قد أسلفنا(6) ما فيه بلغة و كفاية، نقلا عن

ص: 53


1- - انظر تفسير الخازن 49:4[90/4]؛ الإتقان 27:1[44/1].
2- - الجامع لأحكام القرآن [3/16].
3- - غرائب القرآن [مج 11 /ج 35/25].
4- - تفسير الخازن 49:4[90/4].
5- - فتح القدير 510:4[524/4].
6- - انظر ص 49-51 من كتابنا هذا.

جمع من الحفّاظ و المفسّرين من أعلام القوم.

و قول الإمام الشافعي في ذلك مشهور؛ قال:

يا أهل بيت رسول اللّه حبّكم *** فرض من اللّه في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم القدر أنّكم *** من لم يصلّ عليكم لا صلاة له

و أمّا أنّ تزويج عليّ بفاطمة عليهما السّلام كان من حوادث العهد المدنيّ ، و قد ماشينا الرجل على نزول الآية في مكّة، فإنّه لا ملازمة بين إطباق الآية بهما و بأولادهما و بين تقدّم تزويجهما على نزولها، كما لا منافاة بينه و بين تأخّر وجود أولادهما على فرضه؛ فإنّ ممّا لا شبهة فيه كون كلّ منهما من قربى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالعمومة و البنوّة. و أمّا أولادهما فكان من المقدّر في العلم الأزليّ أن يخلقوا منهما، كما أنّه كان قد قضى بعلقة التزويج بينهما، و ليس من شرط ثبوت الحكم بملاك عامّ يشمل الحاضر و الغابر وجود موضوعه الفعليّ ، بل إنّما يتسرّب إليه الحكم مهما وجد، و متى وجد، و أنّى وجد.

على أنّ من الممكن أن تكون قد نزلت بمكّة في حجّة الوداع، و عليّ قد تزوّج بفاطمة و ولد الحسنان، و لا ملازمة بين نزولها بمكّة و بين كونه قبل الهجرة.

وَ يَرَى اَلَّذِينَ أُوتُوا اَلْعِلْمَ اَلَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ اَلْحَقَّ (1) .

قوله:

و هم الصراط فمستقيم *** فوقه ناج و ناكب

أخرج الثعلبي في الكشف و البيان(2) في قوله تعالى: اِهْدِنَا اَلصِّرٰاطَ اَلْمُسْتَقِيمَ قال مسلم بن حيّان: سمعت أبا بريدة يقول: «صراط محمّد و آله».

ص: 54


1- - سبأ: 6.
2- - الكشف و البيان [الورقة 9، سورة الحمد: 6].

و أخرج الحمّوئي في الفرائد(1) بإسناده عن أصبغ بن نباتة عن عليّ عليه السّلام في قوله تعالى: وَ إِنَّ اَلَّذِينَ لاٰ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ اَلصِّرٰاطِ لَنٰاكِبُونَ (2) قال:

«الصراط ولايتنا أهل البيت».

و أخرج الخوارزمي في المناقب: «الصراط صراطان: صراط في الدنيا، و صراط في الآخرة؛ فأمّا صراط الدنيا فهو عليّ بن أبي طالب، و أمّا صراط الآخرة فهو جسر جهنّم. من عرف صراط الدنيا جاز على صراط الآخرة».

و يوضح معنى هذا الحديث ما أخرجه ابن عدي(3) و الديلمي كما في الصواعق(4) عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: «أثبتكم على الصراط أشدّكم حبّا لأهل بيتي و لأصحابي».

- 22 - الإستغفار لعليّ في القرآن

عن عبد اللّه بن عبّاس، قال: فرض اللّه تعالى الاستغفار لعليّ في القرآن على كلّ مسلم بقوله تعالى: رَبَّنَا اِغْفِرْ لَنٰا وَ لِإِخْوٰانِنَا اَلَّذِينَ سَبَقُونٰا بِالْإِيمٰانِ (5)؛ فكلّ من أسلم بعد عليّ فهو يستغفر لعليّ (6).

- 23 - آية أُذُنٌ وٰاعِيَةٌ

أخرج الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء(7) عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:

ص: 55


1- - فرائد السمطين [300/2، ح 556].
2- - المؤمنون: 74.
3- - الكامل في ضعفاء الرجال [302/6، رقم 1791].
4- - الصواعق المحرقة: 111 [ص 187].
5- - الحشر: 10.
6- - انظر شرح نهج البلاغة 256:3[224/13، خطبة 238].
7- - حلية الأولياء 62:1.

«يا عليّ ! إنّ اللّه عزّ و جلّ أمرني أن أدنيك و اعلّمك لتعي - و انزلت هذه الآية:

وَ تَعِيَهٰا أُذُنٌ وٰاعِيَةٌ (1) - فأنت اذن واعية لعلمي». و أخرجه جمع من الحفّاظ.

و قال القاضي عضد الإيجي في المواقف(2):

أكثر المفسّرين في قوله تعالى: وَ تَعِيَهٰا أُذُنٌ وٰاعِيَةٌ أنّه عليّ .

- 24 - آية الإنفاق سرّا و علانية

إنّ أمير المؤمنين عليّا عليه السّلام كانت له أربعة دراهم فتصدّق بدرهم ليلا، و بدرهم نهارا، و بدرهم سرّا، و بدرهم جهرا؛ فأنزل اللّه فيه القرآن فقال:

اَلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوٰالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَ اَلنَّهٰارِ سِرًّا وَ عَلاٰنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لاٰ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لاٰ هُمْ يَحْزَنُونَ (3) .(4)

و لعلّ الباحث يقف على ما جاء به البيضاوي و الزمخشري، فيقع ذلك منه موقعا حسنا و يطالبني المخرج منه.

فقد ذكر البيضاوي في تفسيره(5)، و الزمخشري في الكشّاف(6): «أنّ قوله

ص: 56


1- - الحاقّة: 12.
2- - المواقف 276:3 [ص 411].
3- - البقرة: 274.
4- - أخرجه عبد الرزّاق و عبد بن حميد و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و الطبراني [في المعجم الكبير 80/11، ح 11164] و ابن عساكر [في ترجمة الإمام عليّ بن أبي طالب: رقم 918 و 919؛ و في مختصر تاريخ دمشق 9/18] و ابن جرير؛ راجع تفسير القرطبي 347:3[225/3]؛ تفسير البيضاوي 185:1[141/1]؛ تفسير الزمخشري 286:1 [319/1]؛ تفسير الرازي 369:2[83/7]؛ تفسير ابن كثير 326:1؛ تفسير الدرّ المنثور 363:1[100/2-101]؛ تفسير الخازن 208:1[201/1]؛ تفسير الشوكاني 265:1 [294/1]؛ تفسير الآلوسي 48:3.
5- - تفسير البيضاوي 185:1[141/1].
6- - الكشّاف 286:1[319/1].

تعالى: اَلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوٰالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَ اَلنَّهٰارِ سِرًّا وَ عَلاٰنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ...(1) نزلت في أبي بكر حين تصدّق بأربعين ألف دينار؛ عشرة بالليل، و عشرة بالنهار، و عشرة بالسرّ، و عشرة بالعلانية».

هذه المرسلة الّتي لم أعرف قائلها من الصحابة و التابعين، و لم أقف على عزوها إلى أحد من السلف في كتب القوم إلاّ سعيد بن المسيّب المعروف بانحرافه عن أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام، اختلقتها يد الوضع تجاه ما أخرجه الحفّاظ من نزولها في عليّ أمير المؤمنين، و منحت فيها لأبي بكر أربعين ألف دينار لتقريب نزول الآية فيمن أنفق كمّيّة كبيرة كهذه إلى فهم بسطاء الامّة دون منفق أربعة دراهم، ذاهلا عمّا هو المتسالم عليه عند القوم من أخذ أبي بكر يوم هجرته إلى المدينة أربعة أو خمسة أو ستّة آلاف درهم، و هي جميع ما كان يملكه.

و الآية المذكورة في سورة البقرة، و قد أصفقت أئمّة الحديث و التفسير على نزولها بالمدينة في اوليات الهجرة؛ قال ابن كثير في تفسيره(2):

هكذا قال غير واحد من الأئمّة و العلماء و المفسّرين، و لا خلاف فيه.

فأنّى لأبي بكر عند نزول الآية الأربعون ألف دينارا تصدّق بها أم لم يتصدّق ؟! و لم يكن يملك إلاّ دريهمات إن صحّ حديثها أيضا.

و تعقّب السيوطي(3) هذه المرسلة بقوله: «خبر أنّ الآية نزلت فيه لم أقف عليه».

و جاء مختلق آخر(4) فروى عن سعيد بن المسيّب مرسلا من الطرفين: «أنّ

ص: 57


1- - البقرة: 274.
2- - تفسير القرطبي 132:1[107/1]؛ تفسير ابن كثير 35:1؛ تفسير الخازن 91:1[19/1].
3- - الدرّ المنثور [101/2].
4- - راجع تفسير الشوكاني 265:1[294/1]؛ تفسير الآلوسي 48:3؛ و التفسير الكبير 45:7.

الآية المذكورة نزلت في عثمان بن عفّان و عبد الرحمن بن عوف في نفقتهم في جيش العسرة(1) يوم غزوة تبوك».

و قد أعمى الحبّ بصائر القوم، فحرّفوا الكلم عن مواضعه، و قالوا في كتاب اللّه ما زيّن لهم الشيطان، خفي على المغفّلين أنّ الآيتين من سورة البقرة آية (262 و 274)، و هي أوّل سورة نزلت بالمدينة المشرّفة كما قاله المفسّرون(2)، و قد نزلت قبل غزوة تبوك و جيشها - جيش العسرة الواقعة في شهر رجب سنة تسع - بعدّة سنين، فلا يصحّ نزول أيّ من الآيتين في عثمان.

وَ لَقَدْ وَصَّلْنٰا لَهُمُ اَلْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ .

وَ إِذٰا سَمِعُوا اَللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَ قٰالُوا لَنٰا أَعْمٰالُنٰا وَ لَكُمْ أَعْمٰالُكُمْ سَلاٰمٌ عَلَيْكُمْ لاٰ نَبْتَغِي اَلْجٰاهِلِينَ (3) .

خاتمة: إذا عرفت بعض ما نزل من القرآن في عليّ عليه السّلام فعجب قول من قال:

هل يستطيع أن يجيء - الشيعيّ - بحرف واحد من القرآن يدلّ على قول الشيعة بتناسخ الأرواح، و حلول اللّه في أشخاص أئمّتهم، و قولهم بالرجعة، و عصمة الأئمّة، و تقديم عليّ على أبي بكر و عمر و عثمان ؟ أو يدلّ على وجود عليّ في السحاب، و أنّ البرق تبسّمه و الرعد صوته كما تقول الشيعة الإماميّة(4)؟

ص: 58


1- - [يقال له «جيش العسرة» لأنّهم امروا بالقتال في الحرّ الشديد فأصابهم العطش و لم يكن معهم ماء و كانوا في عسرة. و لفظ العسرة مأخوذة من قوله تعالى في سورة التوبة، الآية 117: لَقَدْ تٰابَ اَللّٰهُ عَلَى اَلنَّبِيِّ وَ اَلْمُهٰاجِرِينَ وَ اَلْأَنْصٰارِ اَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ فِي سٰاعَةِ اَلْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مٰا كٰادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تٰابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ؛ انظر فتح الباري 84/8].
2- - راجع تفسير القرطبي 132:1[107/1]؛ تفسير الخازن 19:1؛ تفسير الشوكاني 1: 16 [27/1].
3- - القصص: 51 و 55.
4- - الصراع بين الإسلام و الوثنيّة 72:1.

الجواب: لو كان الرجل يتدبّر في قوله تعالى: مٰا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاّٰ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ(1)، أو يصدّق ما أوعد اللّه به كلّ أفّاك أثيم همّاز مشّاء بنميم، لكفّ مدّته عن البهت، و عرف صالحه، و لكان هو المجيب عن سؤال شيطانه بأنّ الشيعة الإماميّة متى قالت بالتناسخ و حلول اللّه في أشخاص أئمّتهم ؟! و من الّذين ذهب منهم قديما و حديثا إلى وجود عليّ في السحاب و... حتّى توجد حرف واحد منها في القرآن ؟!

نعم، عليّ في السحاب كلمة للشيعة تأسّيا بالنبيّ الأعظم صلّى اللّه عليه و آله بالمعنى الّذي سيأتي عن الحلبي غير أنّ قوّالة الإحنة حرّفتها عن موضعها، و أوّلتها بما يشوّه الشيعة الإماميّة.

قال الحلبي في السيرة(2):

كان له صلّى اللّه عليه و آله عمامة تسمّى السحاب كساها عليّ بن أبي طالب - كرّم اللّه وجهه - فكان ربما طلع عليه عليّ - كرّم اللّه وجهه - فيقول صلّى اللّه عليه و آله: «أتاكم عليّ في السحاب»؛ يعنى عمامته الّتي وهبها صلّى اللّه عليه و آله.

أشار به إلى التتويج يوم الغدير. لمّا عيّن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صاحب الخلافة الكبرى للموكيّة الإسلاميّة و نيله ولاية العهد النبويّ ، كان من الحريّ تتويجه بما هو شارة الملوك، و سمة الامراء.

و لمّا كانت التيجان المكلّلة بالذهب المرصّعة بالجواهر من شناشن ملوك الفرس، و لم يكن للعرب منها بدل إلاّ العمائم، فكان لا يلبسها إلاّ العظماء و الأشراف منهم؛ و لذلك جاء عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «العمائم تيجان العرب».

رواه القضاعي و الديلمي، و صحّحه السيوطيّ في الجامع الصغير(3)، و أورده

ص: 59


1- - سورة ق: 18.
2- - السيرة الحلبيّة 369:3[341/3].
3- - الجامع الصغير 155:2[193/2، ح 5723].

ابن الأثير في النهاية(1).

فعلى هذا الأساس عمّمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هذا اليوم بهيئة خاصّة تعرب عن العظمة و الجلال و توجّه بيده الكريمة بعمامته - السحاب - في ذلك المحتشد العظيم.

و فيه تلويح أنّ المتوّج بها مقيّض - بالفتح - لإمرة كإمرته صلّى اللّه عليه و آله غير أنّه مبلّغ عنه و قائم مقامه من بعده.

روى في الكنز العمّال(2) عن عليّ ، قال:

«عمّمني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم غدير خمّ بعامة، فسد لها خلفي».

و في لفظ: «فسدل طرفها على منكبي». ثمّ قال: «إنّ اللّه أمدّني يوم بدر و حنين بملائكة يعتمّون هذه العمّة». و قال: «إنّ العمامة حاجزة بين الكفر و الايمان».

و عن الحافظ الديلمي عن ابن عبّاس قال: لمّا عمّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عليّا بالسحاب(3)، قال له: «يا عليّ ! العمائم تيجان العرب»(4).

و قول الإماميّة بالرجعة نطق به القرآن، غير أنّ الجهل أعشى بصر الرجل كبصيرته، فلم يره و لم يجده فيه، فعليه بمراجعة كتب الإماميّة، و قد أفردها بالتأليف جماهير من العلماء، فحبّذا لو كان الرجل يراجع شيئا منها.

كما أنّ آية التطهير ناطقة بعصمة جمع ممّن تقول الإماميّة بعصمتهم، و في البقيّة بوحدة الملاك و النصوص الثابتة. و فيما أخرجه إمام مذهبه أحمد بن

ص: 60


1- - النهاية في غريب الحديث و الأثر [199/1].
2- - كنز العمّال 60:8[482/15، ح 41909]؛ و انظر أيضا الرياض النضرة 17:3؛ و فرائد السمطين 75:1؛ الباب 12، ح 41؛ و الفصول المهمّة: 41.
3- - قال ابن الأثير في النهاية 160:2[345/2]: «كان اسم عمامة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله السحاب».
4- - الفردوس بمأثور الخطاب [78/3، ح 4246].

حنبل في الآية الشريفة في مسنده(1) مقنع و كفاية.

و كيف لم يقدّم القرآن عليّا على غيره، و قد قرن اللّه ولايته بولايته و ولاية نبيّه بقوله العزيز: إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اَللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا اَلَّذِينَ يُقِيمُونَ اَلصَّلاٰةَ وَ يُؤْتُونَ اَلزَّكٰاةَ وَ هُمْ رٰاكِعُونَ (2)؟! و قد مرّ آنفا(3): إطباق الفقهاء و المحدّثين و المتكلّمين على نزولها في عليّ أمير المؤمنين عليه السّلام.

و الباحث إن أعطى النصفة حقّها يجد في كتاب اللّه آيا تعدّ بالعشرات نزلت في عليّ أمير المؤمنين عليه السّلام، و هي تدلّ على تقديمه على غيره. و لا بدع و هو نفس النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بنصّ القرآن، و بولايته أكمل اللّه دينه، و أتمّ علينا نعمه، و رضي لنا الإسلام دينا.

و نحن نعيد السؤال هاهنا على القصيميّ فنقول: هل يستطيع أن يجيء هو و قومه بحرف واحد من القرآن يدلّ على تقديم أبي بكر و عمر و عثمان على وليّ اللّه الطاهر أمير المؤمنين عليه السّلام ؟

ما عشت أراك الدهر عجبا:

ذكر الحافظ عماد الدين أبي الفداء بن كثير الدمشقي، المتوفّى (774) حديث تصدّق أمير المؤمنين خاتمه في الصلاة و هو راكع، و نزول آية: إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اَللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا...، ثمّ أردفه بقوله:

و هذا لا يصحّ بوجه من الوجوه؛ لضعف أسانيده، و لم ينزل في عليّ شيء من القرآن بخصوصيّته. و كلّ ما يريدونه(4) في قوله تعالى: إِنَّمٰا أَنْتَ

ص: 61


1- - مسند أحمد 331:1؛ و 285:3؛ و 107:4؛ و 296:6؛ 298 و 304 و 323 [544/1، ح 3052؛ و 202/4، ح 13626؛ و 79/5، ح 16540؛ و 421/7، ح 26000؛ ص 423، ح 26010؛ ص 431، ح 26057؛ ص 455، ح 26206].
2- - المائدة: 55.
3- - في ص 39-41.
4- - كذا في النسخة و لعلّه: «يروونه».

مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هٰادٍ (1) ، و قوله: وَ يُطْعِمُونَ اَلطَّعٰامَ عَلىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً(2)، و قوله: أَ جَعَلْتُمْ سِقٰايَةَ اَلْحٰاجِّ وَ عِمٰارَةَ اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرٰامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّٰهِ وَ اَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ(3)، و غير ذلك من الآيات و الأحاديث الواردة في أنّها نزلت في عليّ ، لا يصحّ شيء منها.

الجواب: كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوٰاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاّٰ كَذِباً(4). كيف يحكم الرجل بعدم صحّة نزول آية: إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اَللّٰهُ في عليّ عليه السّلام، و يستدلّ بضعف أسانيده، و هو بنفسه يرويه في تفسيره(5) من طريق ابن مردويه، عن الكلبي و يقول: «قال: هذا إسناد لا يقدح به»؟!

و حديث أبي سعيد الأشجّ الكوفي المتوفّى (257) الّذي ذكره، صحيح رجاله ثقات.

و نحن قد أوقفناك على مصادر نزول هذه الآيات الكريمة في كتابنا(6).

و ورد(7) في قوله تعالى: إِنَّمٰا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هٰادٍ عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «أنا المنذر و أنت يا عليّ الهادي».

ص: 62


1- - الرعد: 7.
2- - الإنسان: 8.
3- - التوبة: 19.
4- - الكهف: 5.
5- - تفسير ابن كثير 71:2.
6- - انظر ص 37-47، و ص 68-70.
7- - [انظر بحار الأنوار 404/35. و عن عليّ عليه السّلام: «رسول اللّه المنذر و أنا الهادي»؛ المستدرك للحاكم النيسابوري 130/3].

ثالثا أهل البيت عليهم السّلام في القرآن

اشارة

ص: 63

ص: 64

1 - الصلاة عليهم عليهم السّلام مأمور بها:

قال العبدي الكوفي:

و لا يتمّ لامرىء صلاته *** إلاّ بذكراهم و لا يزكو الدعا

أشار إلى كون الصلاة عليهم مأمورا بها في الصلاة. و في المقام أخبار كثيرة و كلمات ضافية توجد في طيّات كتب الفقه و التفسير و الحديث.

ذكر ابن حجر في الصواعق(1) قوله تعالى: إِنَّ اَللّٰهَ وَ مَلاٰئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى اَلنَّبِيِّ يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً(2)، و روى جملة من الأخبار الصحيحة الواردة فيها، و أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قرن الصلاة على آله بالصلاة عليه لمّا سئل عن كيفيّة الصلاة و السّلام عليه. ثمّ قال:

و هذا دليل ظاهر على أنّ الأمر بالصلاة على أهل بيته و بقيّة آله مراد من هذه الآية، و إلاّ لم يسألوا عن الصلاة على أهل بيته و آله عقب نزولها و لم يجابوا بما ذكر.

و يروى: «لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء». فقالوا: و ما الصلاة البتراء؟

قال: «تقولون أللّهمّ صلّ على محمّد و تمسكون، بل قولوا: أللّهمّ صلّ على محمّد و على آل محمّد».

و قال النيسابوري في تفسيره(3) عند قوله تعالى: قُلْ لاٰ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ اَلْمَوَدَّةَ فِي اَلْقُرْبىٰ :

ص: 65


1- - الصواعق المحرقة: 87 [ص 146].
2- - الأحزاب: 56.
3- - غرائب القرآن: [مج 11، ج 35/25].

كفى شرفا لآل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و فخرا ختم التشهّد بذكرهم و الصلاة عليهم في كلّ صلاة.

و روى محبّ الدين الطبري في الذخائر(1) عن جابر رضى اللّه عنه أنّه كان يقول: «لو صلّيت صلاة لم اصلّ فيها على محمّد و على آل محمّد ما رأيت أنّها تقبل».

قوله: «و لا يزكو الدعا»: إشارة إلى ما أخرجه الديلمي(2) أنّه صلّى اللّه عليه و آله قال:

«الدعاء محجوب حتّى يصلّى على محمّد و أهل بيته. أللّهمّ صلّ على محمّد و آله».

و أخرج الطبراني في الأوسط(3) عن عليّ أمير المؤمنين عليه السّلام: «كلّ دعاء محجوب حتّى يصلّى على محمّد و آل محمّد».

2 - مودّتهم عليهم السّلام و ولايتهم واجبان

2 - مودّتهم عليهم السّلام و ولايتهم واجبان(4).

3 - ناصرهم عليهم السّلام يدخل الجنّة و مبغضهم يدخل النار:

قال العبدي الكوفيّ :

لأنتم على الأعراف أعرف عارف *** بسيما الّذي يهواكم و الّذي يشنا(5)

أئمّتنا أنتم سندعى بكم غدا *** إذا ما إلى ربّ العباد معا قمنا

البيت الأوّل إشارة إلى قوله تعالى في سورة الأعراف(6): وَ عَلَى اَلْأَعْرٰافِ

ص: 66


1- - الذخائر: 19.
2- - الفردوس بمأثور الخطاب [255/3، ح 4754]؛ و انظر الصواعق المحرقة: 88 [ص 148].
3- - المعجم الأوسط [408/1، ح 725].
4- - انظر ص 49-54 من كتابنا هذا.
5- - [يشنأ: يبغض].
6- - الآية: 46.

رِجٰالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمٰاهُمْ و ما ورد فيه.

أخرج الحاكم ابن الحذّاء الحسكاني(1)، بإسناده عن أصبغ بن نباتة، قال: كنت جالسا عند عليّ فأتاه ابن الكوّا فسأله عن قوله تعالى: وَ عَلَى اَلْأَعْرٰافِ رِجٰالٌ .... فقال: «ويحك يا ابن الكوّا! نحن نوقف يوم القيامة بين الجنّة و النار، فمن نصرنا عرفناه بسيماه فأدخلناه الجنّة، و من أبغضنا عرفناه بسيماه فأدخلناه النار».

و البيت الثاني إشارة إلى قوله تعالى: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنٰاسٍ بِإِمٰامِهِمْ (2).

و أئمّة الشيعة هم العترة الطاهرة يدعون بهم و يحشرون معهم؛ إذ «المرء مع من أحبّ »(3). و «من أحبّ قوما حشر معهم»(4). و «من أحبّ قوما حشره اللّه في زمرتهم»(5).

4 - هم عليهم السّلام المحسودون:

قال تعالى: أَمْ يَحْسُدُونَ اَلنّٰاسَ عَلىٰ مٰا آتٰاهُمُ اَللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ (6). و قد ورد فيها: أنّهم الأئمّة من آل محمّد.

قال ابن أبي الحديد في شرح النهج(7):

إنّها نزلت في عليّ عليه السّلام و ما خصّ به من العلم.

ص: 67


1- - شواهد التنزيل [263/1، ح 256].
2- - الإسراء: 71.
3- - أخرجه البخاري [صحيح البخاري 2283/5، ح 5816]؛ أبو داود [سنن أبي داود 333/4، ح 5127].
4- - أخرجه الحاكم في المستدرك [426/4، ح 8161].
5- - أخرجه الطبراني [في المعجم الكبير 19/3، ح 2519].
6- - النساء: 54.
7- - شرح نهج البلاغة 236:2[220/7، خطبة 108].

و أخرج ابن حجر في الصواعق(1) عن الباقر عليه السّلام أنّه قال في هذه الآية:

«نحن الناس و اللّه».

و أخرج الفقيه ابن المغازلي في المناقب(2)، عن ابن عبّاس: إنّ الآية نزلت في النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و عليّ رضى اللّه عنه.

5 - إطعامهم عليهم السّلام الطعام مسكينا و يتيما و أسيرا:

اشارة

قال ابن حزم:

لسنا من كذب الرافضة في تأويلهم: وَ يُطْعِمُونَ اَلطَّعٰامَ عَلىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً(3)، و أنّ المراد بذلك عليّ رضى اللّه عنه بل هذا لا يصحّ ، بل الآية على عمومها و ظاهرها لكلّ من فعل ذلك(4).

الجواب: إنّ الواقف على هذه الاضحوكة يعرف موقع الرجل من التدجيل، لحسبانه أنّ في مجرّد عزو هذا التأويل إلى الرافضة فحسب، و قذفهم بالكذب، حطّا في كرامة الحديث الوارد في الآية الشريفة، و هو يعلم أنّ امّة كبيرة من أئمّة التفسير و الحديث يروون ذلك، و يثبتونه مسندا في مدوّناتهم. و إن كان لا يدري فتلك مصيبة.

و هذا الحافظ أبو محمّد العاصمي أفرد ذلك كتابا في مجلّدين أسماه:

«زين الفتى في تفسير سورة هل أتى».

أو يزعم المغفّل أنّ أولئك أيضا من الرافضة ؟ أو يحسبهم جهلاء بشرائط صحّة الحديث ؟ أم أنّه لا يعتدّ بكلّ ما وافق الرافضة و إن كان مخرجا بأصحّ الأسانيد؟

ص: 68


1- - الصواعق المحرقة: 91 [ص 152].
2- - مناقب أمير المؤمنين عليه السّلام لابن المغازلي [ص 267، ح 314].
3- - الإنسان: 8.
4- - الفصل 146:4.

و كيف ما كان فممّن رواه:

1 - أبو جعفر الإسكافي، المتوفّى (240)(1).

2 - الحكيم أبو عبد اللّه محمّد بن عليّ الترمذي، كان حيّا في سنة (285).

ذكره في نوادر الاصول(2).

3 - الحافظ محمّد بن جرير الطبري، أبو جعفر، المتوفّى (310)(3).

4 - أبو القاسم الزمخشري، المتوفّى (538)(4).

5 - أبو عبد اللّه فخر الدين الرازي، المتوفّى (606)(5).

6 - عزّ الدين عبد الحميد الشهير بابن أبي الحديد المعتزليّ ، المتوفّى (655)(6).

7 - القاضي ناصر الدين البيضاوي، المتوفّى (685)(7).

8 - الحافظ ابن حجر، المتوفّى (852)(8).

9 - الحافظ جلال الدين السيوطي، المتوفّى (911)(9).

لفظ الحديث:

قال ابن عبّاس رضى اللّه عنه: إنّ الحسن و الحسين مرضا فعادهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في ناس معه، فقالوا: يا أبا الحسن! لو نذرت على ولديك. فنذر عليّ ، و فاطمة و فضّة - جارية لهما - إن برئا ممّا بهما أن يصوموا ثلاثة أيّام. فشفيا و ما معهم شيء. فاستقرض عليّ من شمعون الخيبريّ اليهوديّ ثلاثة أصوع من شعير،

ص: 69


1- - نقض العثمانيّة [ص 318].
2- - نوادر الاصول: 64 [154/1، الأصل 44].
3- - كفاية الطالب [ص 345، باب 97].
4- - تفسير الكشّاف 511:2[670/4].
5- - التفسير الكبير 276:8[244/30].
6- - شرح نهج البلاغة [276/13، خطبة 238].
7- - تفسير البيضاوي [552/2].
8- - الإصابة 384:4.
9- - الدرّ المنثور [371/8].

فطحنت فاطمة صاعا، و اختبزت خمسة أقراص على عددهم، فوضعوها بين أيديهم ليفطروا، فوقف عليهم سائل فقال: السّلام عليكم أهل بيت محمّد!، مسكين من مساكين المسلمين أطعموني، أطعمكم اللّه من موائد الجنّة، فآثروه و باتوا لم يذوقوا إلاّ الماء و أصبحوا صيّاما.

فلمّا أمسوا و وضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه. و وقف عليهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك. فلمّا أصبحوا أخذ عليّ رضى اللّه عنه بيد الحسن و الحسين و أقبلوا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فلمّا أبصرهم - و هم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع - قال: «ما أشدّ ما يسوؤني ما أرى بكم!»، و قام فانطلق معهم، فرأى فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها، و غارت عيناها، فساءه ذلك فنزل جبريل و قال: خذها يا محمّد! هنّأك اللّه في أهل بيتك، فأقرأه السورة.

هذا لفظ جمع من الأعلام المذكورين.

6 - هم عليهم السّلام الصراط المستقيم:

و هم الصراط فمستقيم *** فوقه ناج و ناكب

أخرج الثعلبي في الكشف و البيان(1) في قوله تعالى: اِهْدِنَا اَلصِّرٰاطَ اَلْمُسْتَقِيمَ قال مسلم بن حيّان: سمعت أبا بريدة يقول: «صراط محمّد و آله».

و أخرج الحمّوئي في الفرائد(2) بإسناده عن أصبغ بن نباتة عن عليّ عليه السّلام في قوله تعالى: وَ إِنَّ اَلَّذِينَ لاٰ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ اَلصِّرٰاطِ لَنٰاكِبُونَ (3) قال:

«الصراط ولايتنا أهل البيت».

و أخرج الخوارزمي في المناقب: «الصراط صراطان: صراط في الدنيا،

ص: 70


1- - الكشف و البيان [الورقة 9، سورة الحمد: 6].
2- - فرائد السمطين [300/2، ح 556].
3- - المؤمنون: 74.

و صراط في الآخرة؛ فأمّا صراط الدنيا فهو عليّ بن أبي طالب، و أمّا صراط الآخرة فهو جسر جهنّم. من عرف صراط الدنيا جاز على صراط الآخرة».

و يوضح معنى هذا الحديث ما أخرجه ابن عدي(1) و الديلمي كما في الصواعق(2) عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: «أثبتكم على الصراط أشدّكم حبّا لأهل بيتي و لأصحابي».

ص: 71


1- - الكامل في ضعفاء الرجال [302/6، رقم 1791].
2- - الصواعق المحرقة: 111 [ص 187].

ص: 72

رابعا علم عليّ بن أبي طالب بالقرآن

اشارة

ص: 73

ص: 74

1 - أخرج أبو نعيم في الحلية(1) عن ابن مسعود قال: «إنّ القرآن انزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلاّ و له ظهر و بطن، و إنّ عليّ بن أبي طالب عنده منه الظاهر و الباطن».

2 - أخرج(2) أيضا من طريق أبي بكر بن عيّاش، عن نصير بن سليمان الأحمسي، عن أبيه، عن عليّ عليه السّلام قال: «و اللّه ما نزلت آية إلاّ و قد علمت فيم انزلت و أين انزلت، إنّ ربّي وهب لي قلبا عقولا و لسانا سؤولا»(3).

3 - قال حسّان بن ثابت:

أ لست أخاه في الهدى و وصيّه *** و أعلم فهر بالكتاب و بالسنن

قوله: «و أعلم فهر بالكتاب و بالسنن»: أراد به ما ورد في علم عليّ أمير المؤمنين بالكتاب و السنّة. و أخرج الحفّاظ عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في حديث فاطمة عليها السّلام:

«زوّجتك خير أهلي، أعلمهم علما، و أفضلهم حلما، و أوّلهم إسلاما».

و في حديث آخر: «أعلم امّتي من بعدي عليّ بن أبي طالب».

و في ثالث: «أعلم الناس باللّه و بالناس».

و في حديث: «يا عليّ ! لك سبع خصال»، و عدّ منها: «و أعلمهم بالقضيّة»(4).

و أخرج محبّ الدين الطبري في رياضه(5) عن عائشة: «أنّه أعلم الناس

ص: 75


1- - حلية الأولياء [65/1].
2- - حلية الأولياء [67/1-68].
3- - حلية الأولياء 67:1 [رقم 4]؛ كنز العمّال 396:6[128/13، ح 36404].
4- - حلية الأولياء 66:1 [رقم 4]؛ كنز العمّال 153:6 و 156 و 398 [605/11، ح 32926؛ و ص 617، ح 32995؛ 135/13، ح 36423].
5- - الرياض النضرة 193:2[141/3].

بالسنّة».

و في كفاية الكنجي(1) عن أبي أمامة، عنه صلّى اللّه عليه و آله: «أعلم امّتي بالسنّة و القضاء بعدي عليّ بن أبي طالب».

و أخرج الخوارزمي في المناقب(2) عن سلمان، عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «أعلم امّتي من بعدي عليّ بن أبي طالب».

و أخرج الحفّاظ عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال: «و اللّه ما نزلت آية إلاّ و قد علمت فيم نزلت و على من نزلت، إنّ ربّي وهب لي قلبا عقولا و لسانا ناطقا»(3).

و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «قسمت الحكمة عشرة أجزاء، فاعطي عليّ تسعة أجزاء، و الناس جزءا واحدا»(4).

و قال عليه السّلام: «لا تسألوني عن آية في كتاب اللّه تعالى و لا سنّة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلاّ أنبأتكم بذلك»(5).

و قال عليه السّلام: «سلوني، و اللّه لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلاّ أخبرتكم، و سلوني عن كتاب اللّه، فو اللّه ما من آية إلاّ و أنا أعلم أ بليل نزلت أم بنهار، في سهل أم في جبل»(6).

و قال عليه السّلام: «ألا رجل يسأل فينتفع و ينفع جلساءه»(7).

ص: 76


1- - كفاية الطالب: 190 [332، باب 94].
2- - المناقب: 49 [ص 82، ح 67].
3- - حلية الأولياء 67:1 [رقم 4]؛ كنز العمّال 396:6[128/13، ح 36404].
4- - حلية الأولياء 65:1 [رقم 4].
5- - أخرجه ابن كثير في تفسيره 231:4 من طريقين و قال: «ثبت أيضا من غير وجه».
6- - جامع بيان العلم لأبي عمر 114:1 [ص 137، ح 673]؛ الرياض النضرة للمحبّ الطبري 198:2[147/3].
7- - أخرجه أبو عمر في جامع بيان العلم 114:1 [ص 137، ح 671]؛ [مختصر جامع بيان العلم/ 104، رقم 82].

و قال عليه السّلام: «و اللّه ما نزلت آية إلاّ و قد علمت فيم انزلت، و أين انزلت، إنّ ربّي وهب لي قلبا عقولا و لسانا سؤولا»(1).

و قال عليه السّلام: «سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني عن كتاب اللّه، و ما من آية إلاّ و أنا أعلم حيث انزلت بحضيض جبل أو سهل أرض، و سلوني عن الفتن فما من فتنة إلاّ و قد علمت من كسبها و من يقتل فيها».

أخرجه إمام الحنابلة أحمد و قال: روي عنه نحو هذا كثيرا(2).

و قال أبو الطفيل:

شهدت عليّا يخطب و هو يقول: «سلوني(3) من كتاب اللّه، فو اللّه ما من آية إلاّ و أنا أعلم أ بليل نزلت أم بنهار، أم في سهل أم في جبل، و لو شئت أو قرت سبعين بعيرا من تفسير فاتحة الكتاب».

و قال ابن عبّاس رضى اللّه عنه: «علم رسول اللّه من علم اللّه تبارك و تعالى، و علم عليّ رضى اللّه عنه من علم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و علمي من علم عليّ رضى اللّه عنه. و ما علمي و علم أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و آله في علم عليّ رضى اللّه عنه إلاّ كقطرة في سبعة أبحر».

و يقال: إنّ عبد اللّه بن عبّاس أكثر البكاء على عليّ رضى اللّه عنه حتّى ذهب بصره، و كان عمر بن الخطّاب يتعوّذ من معظلة ليس فيها أبو الحسن(4).

و عليّ هو الّذي ورث علم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و قد ثبت عنه بعدّة طرق قوله صلّى اللّه عليه و آله: إنّه وصيّه و وارثه. و فيه(5): قال عليّ : «و ما أرث منك يا نبيّ اللّه ؟! قال: ما ورّث الأنبياء من قبلي. قال: و ما ورّث الأنبياء من قبلك ؟ قال: كتاب اللّه و سنّة نبيّهم».

ص: 77


1- - أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 68:1؛ و ذكر في مفتاح السعادة 400:1.
2- - ينابيع المودّة: 274 [72/1، باب 14].
3- - في الإصابة 509:2 [رقم 5688]: «سلوني سلوني سلوني عن كتاب اللّه».
4- - أخرجه كثير من الحفّاظ و أئمّة الحديث [منهم: أحمد في المناقب/ 155، ح 122].
5- - [أي: في حديث وراثته النبيّ ].

قال الحافظ جلال الدين السيوطي في الإتقان(1):

إشتهر بالتفسير من الصحابة عشرة: الخلفاء الأربعة، و ابن مسعود، و ابن عبّاس، و ابيّ بن كعب، و زيد بن ثابت، و أبو موسى الأشعري، و عبد اللّه بن الزبير. أمّا الخلفاء فأكثر من روي عنه منهم عليّ بن أبي طالب.

و الرواية عن الثلاثة نزرة جدّا، و كان السبب في ذلك تقدّم وفاتهم، كما أنّ ذلك هو السبب في قلّة رواية أبي بكر رضى اللّه عنه للحديث، و لا أحفظ عن أبي بكر رضى اللّه عنه في التفسير إلاّ آثارا قليلة جدّا لا تكاد تجاوز العشرة.

و أمّا عليّ فروي عنه الكثير؛ و قد روى معمر، عن وهب بن عبد اللّه، عن أبي الطفيل قال: شهدت عليّا يخطب و هو يقول: «سلوني فو اللّه لا تسألون عن شيء إلاّ أخبرتكم، و سلوني عن كتاب اللّه، فو اللّه ما من آية إلاّ و أنا أعلم أ بليل نزلت أم بنهار، أم في سهل أم في جبل».

و أخرج أبو نعيم في الحلية(2) عن ابن مسعود قال: إنّ القرآن انزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلاّ و له ظهر و بطن، و إنّ عليّ بن أبي طالب عنده منه الظاهر و الباطن.

الأحمسي، عن أبيه، عن عليّ عليه السّلام قال: «و اللّه ما نزلت آية إلاّ و قد علمت فيم انزلت و أين انزلت، إنّ ربّي وهب لي قلبا عقولا و لسانا سؤولا»،».

قال الأميني: ما هذا التهافت في كلام السيوطي هذا؟! ألا مسائل الرجل عن أنّ الّذي لم يجد له هو نفسه - و هو ذلك المتتبّع الضليع - عشرة أحاديث في علم التفسير، كيف عدّه ممّن اشتهر بالتفسير من الصحابة ؟! نعم راقه ألاّ يفرّق بينه و بين مولانا أمير المؤمنين و قد روى فيه ما روى، ذاهلا عن قوله تعالى: هَلْ يَسْتَوِي اَلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ اَلَّذِينَ لاٰ يَعْلَمُونَ (3).

ص: 78


1- - الإتقان في علوم القرآن 328:2[204/4].
2- - حلية الأولياء [65/1].
3- - الزمر: 9.

4 - عرّف النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مولانا أمير المؤمنين بقوله: «إنّ فيكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله». قال أبو بكر: أنا هو يا رسول اللّه ؟! قال:

«لا». قال عمر: أنا هو يا رسول اللّه ؟! قال: «لا، و لكن خاصف النعل»، و كان أعطى عليّا نعله يخصفها(1).

و هم و خرافة: علم الامّة بالقرآن أكثر و أكمل من علم عليّ عليه السّلام!!

قال موسى جار اللّه في كتابه الوشيعة في نقد عقائد الشيعة:

الامّة معصومة عصمة نبيّها، معصومة في تحمّلها و حفظها، و في تبليغها و أدائها، حفظت كلّ ما بلّغه النبيّ مثل حفظ النبيّ ، و بلّغت كلّ ما بلّغه النبيّ مثل تبليغ النبيّ ، حفظت كلّيات الدين و جزئيّات الدين أصلا و فرعا، و بلّغت كلّيات الدين و جزئيّات الدين أصلا و فرعا.

فالامّة بالقرآن و السنّة أعلم من جميع الأئمّة. و علم الامّة بالقرآن و سنن النبيّ اليوم أكثر و أكمل من علم عليّ و من علوم كلّ أولاد عليّ .

و من عظيم فضل اللّه على نبيّه، ثمّ من عموم و عميم فضل اللّه على الامّة أن جعل في الامّة من أبناء الامّة كثيرا هم أعلم بكثير من الأئمّة و من صحابة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

و كلّ حادثة إذا وقعت فالامّة لا تخلو من حكم حقّ و صواب و جواب يريه اللّه الواحد من الامّة الّتي ورثت نبيّها و صارت رشيدة ببركة الرسالة، و ختمها أرشد إلى الهداية و إلى الحقّ من كلّ إمام، و الامّة مثل نبيّها معصومة ببركة الرسالة و كتابها، و معصومة بعقلها العاصم.

ص: 79


1- - أخرجه جمع من الحفّاظ و صحّحه الحاكم و الذهبي [في المستدرك على الصحيحين 132/3، ح 4621؛ و كذا في تلخيصه]، الهيثمي [في مجمع الزوائد 133/9]. و انظر ص 189-190 من كتابنا تلخيص الغدير.

الامّة بلغت و صارت رشيدة لا تحتاج إلى الإمام، رشدها و عقلها يغنيها عن كلّ إمام.

أنا لا انكر على الشيعة عقيدتها أنّ الأئمّة معصومة، و إنّما انكر عليها عقيدتها أنّ امّة محمّد لم تزل قاصرة و لن تزال قاصرة، تحتاج إلى وصاية إمام معصوم إلى يوم القيامة، و الامّة أقرب إلى العصمة و الاهتداء من كلّ إمام معصوم، و أهدى إلى الصواب و الحقّ من كلّ إمام معصوم؛ لأنّ عصمة الإمام دعوى، أمّا عصمة الامّة فبداهة و ضرورة بشهادة القرآن.

الامّة بعقلها و كمالها و رشدها بعد ختم النبوّة أكرم و أعزّ و أرفع من أن تكون تحت وصاية وصيّ تبقى قاصرة إلى الأبد.

الجواب: كنت أودّ أن لا احدث لهذا الكتاب ذكرا، و أن لا يسمع أحد منه ركزا؛ فإنّه في الفضائح أكثر منه في عداد المؤلّفات، لكنّ طبع الكتاب و انتشاره حداني إلى أن اوقف المجتمع على مقدار الرجل، و على انموذج ممّا سوّد به صحائفه، و كلّ صحيفة منه عار على الامّة و على قومه أشدّ شنارا.

لست أدري ما أكتب عن كتاب رجل نبذ كتاب اللّه و سنّة نبيّه وراءه ظهريّا، فجاء يحكم و ينقد، و يتحكّم و يفنّد، و ينبر و ينبز، و يعبث بكتاب اللّه و يفسّره برأيه الضئيل و عقليّته السقيمة كيف شاء و أراد؛ فكأنّ القرآن قد نزل اليوم و لم يسبقه إلى معرفته أحد، و لم يأت في آية قول، و لم يدوّن في تفسيره كتاب، و لم يرد في بيانه حديث، و كأنّ الرجل قد أتى بشرع جديد، و رأي حديث، و دين مخترع، و مذهب مبتدع، لا يساعده أيّ مبدأ من مبادئ الإسلام، و لا شيء من الكتاب أو السنّة.

ما قيمة مغفّل و كتابه و هو يرى الامّة شريكة لنبيّها في كلّ ما كان له، و في كلّ فضيلة و كمال تستوجبها الرسالة، و شريكة لنبيّها في أخصّ خصائص النبوّة، و يرى رسالة الامّة متّصلة تمام الاتّصال برسالة نبيّها، و يحسب سورة

ص: 80

القدر سورة رسالة الامّة متّصلة بسورة رسالة النبيّ من غير فصل، و يستدلّ على رسالة الامّة بقوله تعالى: لَقَدْ جٰاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ (1)؛ و بقوله:

مُحَمَّدٌ رَسُولُ اَللّٰهِ وَ اَلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدّٰاءُ عَلَى اَلْكُفّٰارِ رُحَمٰاءُ بَيْنَهُمْ (2) .

و قد أغرق نزعا في تفنيد أباطيله العلاّمة المبرور الشيخ مهدي الحجّار النجفي نزيل المعقل(3).

و لو لم يكن للرجل في طيّ كتابه إلاّ أساطيره الراجعة إلى الامّة لكفاه جهلا و سوأة.

هذه سلسلة أوهام و حلقة خرافات تبعد عن ساحة أيّ متعلّم متفقّه فضلا عمّن يرى نفسه فقيها، فكأنّ الرجل يتكلّم في الطيف في عالم الأضغاث و الأحلام.

ألا من يسائله عن أنّ الامّة إذا كانت معصومة حافظة لكلّيات الدين و جزئيّاته أصلا و فرعا، و مبلّغة جميع ذلك كافّة عن كافّة و عصرا بعد عصر، و لم يوجد هناك شيء منسيّ أو مغفول عنه، فما معنى أعلميّتها من جميع الأئمّة ؟! و أقربيّة اهتدائها من اهتدائهم ؟! أ يراهم خارجين عن الامّة غير حافظين و لا مهتدين، في جانب عن الدين الّذي حفظته الامّة، لا تشملهم عصمتها و لا حفظها و لا اهتداؤها و لا تبليغها؟!

و على ما يهم الرجل يجب أن لا يوجد في الامّة جاهل، و لا يقع بينها خلاف في أمر دينيّ أو حكم شرعيّ ، و هؤلاء جهلاء الامّة الّذين سدّوا كلّ فراغ بين المشرق و المغرب، و تشهد عليهم أعمالهم و أقوالهم بأنّهم جاهلون - و في مقدّمهم هو نفسه - و ما شجر بين الامّة من الخلاف منذ عهد الصحابة و إلى

ص: 81


1- - التوبة: 128.
2- - الفتح: 29.
3- - أحد شعراء الغدير في القرن الرابع عشر، يأتي هناك شعره و ترجمته.

يومنا الحاضر ممّا لا يكاد يخفى على عاقل. و هل يتصوّر الخلاف إلاّ بجهل أحد الفريقين بالحقيقة الناصعة ؟! لأنّها وحدانيّة لا تقبل التجزئة. أ يرى من الدين الّذي حفظته الامّة و بلّغته جهل عليّ و أولاده من بينهم بالقرآن و السنن ؟! أم يراهم أنّهم ليسوا من الامّة ؟! فيقول: «إنّ علم الامّة بالقرآن و سنن النبيّ اليوم أكثر و أكمل من علم عليّ و من علوم كلّ أولاد عليّ ».

و متى أحاط هو بعلم عليّ و أولاده عليهم السّلام و بعلم الامّة جمعاء، حتّى يسعه هذا التحكّم الباتّ و الفتوى المجرّدة ؟!

و لعلّي يسعني أن أقول: بأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان أبصر و أعرف بامّته من صاحب هذه الفتاوى المجرّدة، و أعلم بمقادير علومهم و بصائرهم؛ فهو بعد ذلك كلّه خلّف لهداية امّته من بعده الثقلين: كتاب اللّه و عترته - و يريد الأئمّة منهم - و قال: «ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي، و إنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض»؛ فحصر الهداية بالتمسّك بهما و اقتصاص آثارهما إلى غاية الأمد يفيدنا أنّ عندهما من العلوم و المعارف ما تقصر عنها الامّة، و أنّه ليس في حيّز الإمكان أن تبلغ الامّة - و هي غير معصومة من الخطأ و لم تكشف لها حجب الغيب - مبلغا يستغنى به عمّن يرشدها في مواقف الحيرة.

فأئمّة العترة أعدال الكتاب في العلم و الهداية بهذا النصّ الأغرّ، و هم مفسّروه و الواقفون على مغازيه و رموزه. و لو كانت الامّة أو أنّ فيها من يضاهيهم في العلم و البصيرة - فضلا عن أن يكون أعلم بكثير منهم - لكان هذا النصّ الصريح مجازفة في القول.

و لو كان علم الامّة اليوم بالقرآن و السنن أكثر و أكمل من علم عليّ و من علوم كلّ أولاد عليّ - كما زعمه المسكين - فكيف خفي ذلك على رسول اللّه،

ص: 82

فقال و كأنّه لم يعرف امّته: «أعلم امّتي من بعدي عليّ بن أبي طالب»(1)؟!

و كيف اتّخذه وعاء علمه و بابه الّذي يؤتى منه ؟!

و كيف حكم الحافظ النيسابوري بإجماع الامّة على أن عليّا ورث العلم من النبيّ دون الناس ؟!

و على هذه كلّها فلازم كون الامّة أعلم من عليّ كونها أعلم من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؛ لأنّه ورث علمه كلّه.

ثمّ ، كيف كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يأمر امّته بالاقتداء بأهل بيته من بعده، و يعرّفهم بأنّهم «خلقوا من طينتي، و رزقوا فهمي و علمي»؟!

و الامّة إن كانت غير قاصرة لا تحتاج إلى وصاية أمام معصوم إلى يوم القيامة كما زعمه المغفّل، و لا يتصوّر عقله احتياجها إلى إمام معصوم، فلما ذا أخّرت الامّة تجهيز نبيّها صلّى اللّه عليه و آله و دفنه ثلاثة أيّام ؟! و هذه كتب القوم تنصّ على أنّ ذلك إنّما كان لاشتغالهم بالواجب الأهمّ ، ألا و هو أمر الخلافة و تعيين الخليفة(2).

فكيف يتصوّر عندئذ عقل الرجل مسيس حاجة الامّة يوم ذلك إلى إمام غير معصوم، و هي لا تحتاج إلى إمام معصوم قطّ إلى يوم القيامة ؟!

العجب العجاب: عمر أقرأ الصحابة و أفقههم!

إذا عرفت أنّ عليّا عليه السّلام أعلم الناس بكتاب اللّه، فعجب قول من قال: «عمر أقرأ الصحابة و أفقههم».

عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «امرت أن أقرأ القرآن على عمر»(3).

ص: 83


1- - انظر ص 75-77 من كتابنا هذا.
2- - انظر الصواعق المحرقة: 5 [ص 7].
3- - ذكره الحكيم الترمذي في نوادر الاصول: 58 [142/1، الأصل 43].

و عن ابن مسعود رضى اللّه عنه أنّه قال: «كان عمر أتقانا للربّ ، و أقرأنا لكتاب اللّه»(1).

و ذكر المحبّ الطبري نقلا عن عليّ بن حرب الطائي من طريق ابن مسعود أنّه قال لزيد بن وهب: «إقرأ بما أقرأكه عمر؛ إنّ عمر أعلمنا بكتاب اللّه و أفقهنا في دين اللّه»(2).

هذه مراسيل مقطوعة عن الإسناد. و أحسب أنّ بطلان هذه الروايات في غنى عن إبطال إسنادها؛ فإنّ العناية الإلهيّة لو شملت الخليفة بحيث أمر نبيّه صلّى اللّه عليه و آله بقراءة القرآن عليه، لا بدّ و أن تشمله بالتمكّن من تلقّيه و ضبطه و حفظه و فقهه و الوقوف على مغازيه و العمل به، و أن يكون أقرأكما في رواية الحاكم، أو أعلم و أفقه كما في رواية الطائي؛ إذن فما تلكم الجهود المتعبة في تعلّم سورة البقرة فحسب طيلة اثنتي عشر سنة ؟!(3).

و ما هاتيك الأحكام الشاذّة عن موارد من القرآن الكريم ؟!:

1 - كحكمه للجنب الفاقد للماء بترك الصلاة؛ ذاهلا عن قوله تعالى في سورة النساء(4)، و في سورة المائدة(5).

2 - و حكمه على امرأة ولدت لستّة أشهر بالرجم، و نصب عينه الآية الكريمة: وَ حَمْلُهُ وَ فِصٰالُهُ ثَلاٰثُونَ شَهْراً(6)، و قوله تعالى: وَ اَلْوٰالِدٰاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاٰدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كٰامِلَيْنِ (7).

3 - و نهيه عن المغالاة في مهور النساء و بين يديه قوله تعالى: وَ آتَيْتُمْ إِحْدٰاهُنَّ قِنْطٰاراً(8).

ص: 84


1- - المستدرك على الصحيحين 86:3[92/3، ح 4498].
2- - الرياض النضرة 8:2[274/2].
3- - انظر ص 568-569 من كتابنا تلخيص الغدير.
4- - النساء: 43.
5- - المائدة: 6.
6- - الأحقاف: 15.
7- - البقرة: 233.
8- - النساء: 20.

4 - و جهله بمعنى الأبّ و هو يتلو: مَتٰاعاً لَكُمْ وَ لِأَنْعٰامِكُمْ (1).

5 - و حسبانه أنّ الحجر الأسعد لا يضرّ و لا ينفع جهلا بمغزى قوله تعالى:

وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ... (2) .

6 - و نهيه عن الطيّبات في الحياة الدنيا تمسّكا بقوله تعالى: أَذْهَبْتُمْ طَيِّبٰاتِكُمْ فِي حَيٰاتِكُمُ اَلدُّنْيٰا(3) ذاهلا عمّا قبله، غير ملتفت إلى الآية الاخرى:

قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اَللّٰهِ اَلَّتِي أَخْرَجَ لِعِبٰادِهِ وَ اَلطَّيِّبٰاتِ مِنَ اَلرِّزْقِ ... (4) .

7 - و جهله بمعاريض الكلم المتّخذة من الكتاب.

8 - و أمره برجم الزانية المضطرّة، و في الذكر الحكيم: فَمَنِ اُضْطُرَّ غَيْرَ بٰاغٍ وَ لاٰ عٰادٍ فَلاٰ إِثْمَ عَلَيْهِ (5).

9 - و تجسّسه عن صوت ارتاب به، فتسلّق الحائط و دخل البيت و لم يسلّم، غير مكترث لآيات ثلاث: وَ لاٰ تَجَسَّسُوا(6)، وَ أْتُوا اَلْبُيُوتَ مِنْ أَبْوٰابِهٰا(7)، فَإِذٰا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا(8).

10 - و جهله بالكلالة، و بمسمع منه آية الصيف.

11 - و قوله بتعذيب الميّت ببكاء الحيّ كأنّه لم يقرأ قوله تعالى: وَ لاٰ تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ (9).

12 - و قوله الشاذّ في الطلاق قصورا منه عن فهم قوله تعالى: اَلطَّلاٰقُ مَرَّتٰانِ (10).

ص: 85


1- - النازعات: 33.
2- - الأعراف: 172.
3- - الأحقاف: 20.
4- - الأعراف: 32.
5- - البقرة: 173.
6- - الحجرات: 12.
7- - البقرة: 189.
8- - النور: 61.
9- - الأنعام: 164.
10- البقرة: 229.

13 - و نهيه عن متعة الحجّ و هو يتلو قوله تعالى: وَ أَتِمُّوا اَلْحَجَّ وَ اَلْعُمْرَةَ لِلّٰهِ (1).

14 - و تحريمه متعة النساء ذهولا منه عن قوله تعالى: فَمَا اِسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ...(2).

تجد تفاصيل هذه الجمل في نوادر الأثر من كتابنا تخليص الغدير(3).

و هناك موارد كثيرة من القرآن، لم يهتد إليها، و تجد جملة منها في طيّات كتابنا هذا.

فهل من السائغ في شريعة الحجى أن يكون الأقرأ و الأعلم و الأفقه بهذه المثابة من الابتعاد عن الآي الشريفة، و مراميها الكريمة ؟!

و لو كان كما زعموه فما قوله في خطبته الصحيحة الثابتة له بإسناد صحيح رجاله كلّهم ثقات: «من أراد أن يسأل عن القرآن فليأت ابيّ بن كعب، و من أراد أن يسأل عن الحلال و الحرام فليأت معاذ بن جبل، و من أراد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت»(4)؟

قصر باع الخليفة في علوم الكتاب و السنّة:

1 - أنّى يسوغ للخليفة أن تثقله أعباء الخلافة، و تعييه معضلات المسائل و يتترّس بمثل قوله: «أيّ سماء تظلّني...»، أو قوله: «سأقول فيها برأيي...»؟!

أو يخطب بعد أيّام قلائل من خلافته و قد أحرجته المواقف، و يتطلّب الفوز منها بقوله: «لوددت أنّ هذا كفانيه غيري، و لئن أخذتموني بسنّة نبيّكم صلّى اللّه عليه و آله لا اطيقها، إن كان لمعصوما من الشيطان، و إن كان لينزل عليه الوحي

ص: 86


1- - البقرة: 196.
2- - النساء: 24.
3- - انظر تلخيص الغدير/ 532-608.
4- - راجع ص 92 من كتابنا هذا.

من السماء(1)».

أو بقوله: «أما و اللّه ما أنا بخيركم، و لقد كنت لمقامي هذا كارها، و لوددت أنّ فيكم من يكفيني، أفتظنّون أنّي أعمل فيكم بسنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ؟ إذن لا أقوم بها. إنّ رسول اللّه كان يعصم بالوحي، و كان معه ملك، و إنّ لي شيطانا يعتريني، فإذا غضبت فاجتنبوني أن لا اؤثّر في أشعاركم و أبشاركم، ألا فراعوني فإن استقمت فأعينوني و إن زغت فقوّموني»(2).

و قد فتح الخليفة لقصر باعه في علوم الكتاب و السنّة باب القول بالرأي بمصراعيه بعد ما سدّه النبيّ الأعظم على امّته، و لم تكن عند الخليفة مندوحة سواه.

قال ابن سعد في الطبقات(3)، و أبو عمر في كتاب العلم(4)، و ابن القيّم في أعلام الموقّعين(5):

إنّ أبا بكر نزلت به قضيّة فلم يجد في كتاب اللّه منها أصلا، و لا في السنّة أثرا، فاجتهد رأيه ثمّ قال: هذا رأيي فإن يكن صوابا فمن اللّه، و إن يكن خطأ فمنّي و أستغفر اللّه.

2 - أخرج الحافظ عبد الرزّاق(6) و عبد بن حميد و ابن المنذر بإسنادهم

ص: 87


1- - مسند أحمد 14:1[24/1، ح 81]؛ الرياض النضرة 177:1[219/2]؛ كنز العمّال 3: 126 [588/5، ح 14046].
2- - طبقات ابن سعد 151:3[212/3]؛ الإمامة و السياسة 16:1[22/1]؛ تاريخ الطبري 3: 210 [224/3، حوادث سنة 11 ه]؛ صفة الصفوة 99:1[261/1، رقم 2]؛ شرح نهج البلاغة 8:3؛ و 167:4[20/6، خطبة 66؛ و 156/17، كتاب 62]؛ كنز العمّال 126:3 [589/5، ح 14050].
3- - الطبقات الكبرى [178/3]؛ تاريخ الخلفاء للسيوطي: 71 [ص 98].
4- - جامع بيان العلم 51:2 [ص 270، ح 1398].
5- - أعلام الموقّعين: 19 [54/1].
6- - المصنّف [350/7، ح 13444].

عن الدؤلي قال: رفع إلى عمر امرأة ولدت لستّة أشهر فأراد عمر أن يرجمها.

فجاءت اختها إلى عليّ بن أبي طالب فقالت: إنّ عمر يرجم اختي، فأنشدك اللّه إن كنت تعلم أنّ لها عذرا لمّا أخبرتني به. فقال عليّ : «إنّ لها عذرا». فكبّرت تكبيرة سمعها عمر و من عنده؛ فانطلقت إلى عمر فقالت: إنّ عليّا زعم أنّ لاختي عذرا. فأرسل عمر إلى عليّ ما عذرها؟ قال: «إنّ اللّه يقول:

وَ اَلْوٰالِدٰاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاٰدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كٰامِلَيْنِ (1) . و قال: وَ حَمْلُهُ وَ فِصٰالُهُ ثَلاٰثُونَ شَهْراً(2). و قال: وَ فِصٰالُهُ فِي عٰامَيْنِ (3) و كان الحمل هنا ستّة أشهر». فتركها عمر. قال: ثمّ بلغنا أنّها ولدت آخر لستّة أشهر.

و أخرج الحفّاظ عن بعجة(4) بن عبد اللّه الجهني قال: تزوّج رجل منّا امرأة من جهينة فولدت له تماما لستّة أشهر، فانطلق زوجها إلى عثمان فأمر بها أن ترجم. فبلغ ذلك عليّا رضى اللّه عنه فأتاه فقال: «ما تصنع ؟! ليس ذلك عليها قال اللّه تبارك و تعالى: وَ حَمْلُهُ وَ فِصٰالُهُ ثَلاٰثُونَ شَهْراً. و قال: وَ اَلْوٰالِدٰاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاٰدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كٰامِلَيْنِ ؛ فالرضاعة أربعة و عشرون شهرا و الحمل ستّة أشهر». فقال عثمان: و اللّه ما فطنت لهذا، فأمر بها عثمان أن تردّ فوجدت قد رجمت، و كان من قولها لاختها: يا اخيّة! لا تحزني فو اللّه ما كشف فرجي أحد قطّ غيره. قال: فشبّ الغلام بعد فاعترف الرجل به و كان أشبه الناس به. قال: فرأيت الرجل بعد و يتساقط عضوا عضوا على فراشه(5).

أ ليس عارا أن يشغل فراغ النبيّ الأعظم اناس هذا شأنهم في القضاء؟! أمن العدل أن يسلّط على الأنفس و الأعراض و الدماء رجال هذا مبلغهم من

ص: 88


1- - البقرة: 233.
2- - الأحقاف: 15.
3- - لقمان: 14.
4- - [في تفسير ابن كثير: «عن معمر»].
5- - أخرجه مالك في الموطأ 176:2[825/2، ح 11]؛ و البيهقي في السنن الكبرى 7: 442؛ و ابن كثير في تفسيره 157:4؛ و السيوطي في الدرّ المنثور 40:6[441/7].

العلم ؟! أمن الإنصاف أن تفوّض النواميس الإسلاميّة و طقوس الامّة و ربقة المسلمين إلى يد خلائف هذه سيرتهم ؟! لا ها اللّه. وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ مٰا يَشٰاءُ وَ يَخْتٰارُ مٰا كٰانَ لَهُمُ اَلْخِيَرَةُ سُبْحٰانَ اَللّٰهِ وَ تَعٰالىٰ عَمّٰا يُشْرِكُونَ (1). وَ مٰا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَ هُمْ يَمْكُرُونَ (2). فَذٰاقُوا وَبٰالَ أَمْرِهِمْ وَ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ (3).

إن تعجب فعجب أنّ إمام المسلمين لا يفطن لما في كتاب اللّه العزيز ممّا تكثر حاجته إليه في شتّى الأحوال، ثمّ يكون من جرّاء هذا الجهل أن تودي بريئة مؤمنة، و تتّهم بالفاحشة، و يهتك ناموسها بين الملأ الدينيّ و على رؤوس الأشهاد!

و هلاّ كان حين عزب عنه فقه المسألة قد استشار أحدا من الصحابة يعلم ما جهله فلا يبوء بإثم القتل و الفضيحة ؟! و هلاّ تذكّر لدة هذه القضيّة و قد وقعت غير مرّة على عهد عمر؟! حين أراد أن يرجم نساء ولدن ستّة أشهر فحال دونها أمير المؤمنين كما مرّت(4) و ابن عبّاس(5)؟!

ثمّ هب أنّه ذهل عن الآيتين الكريمتين، و نسي ما سبق في العهد العمريّ ، فما ذا كان مدرك حكمه برجم تلك المسكينة ؟ أ هو الكتاب ؟ فأنّى هو؟ أو السنّة ؟ فمن ذا الّذي رواها؟ أو الرأي و القياس ؟ فأين مدرك الرأي ؟ و ما ترتيب القياس ؟

و إن كانت فتوى مجرّدة فحيّا اللّه المفتي، و زه بالفتيا، و مرحبا بالخلافة و الخليفة.

ص: 89


1- - القصص: 68.
2- - يوسف: 102.
3- - التغابن: 5.
4- - في ص 88 من الكتاب.
5- - انظر الدرّ المنثور 40:6[442/7].

نعم، لا يربّي بيت اميّة أربى من هذا البشر، و لا يجتنى من تلك الشجرة أشهى من هذا الثمر.

3 - أخرج البيهقي في سننه الكبرى(1)، عن الشعبي قال: خطب عمر ابن الخطّاب رضى اللّه عنه الناس فحمد اللّه و أثنى عليه و قال: ألا لا تغالوا في صداق النساء فإنّه لا يبلغني عن أحد ساق أكثر من شيء ساقه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أو سبق إليه إلاّ جعلت فضل ذلك في بيت المال. ثمّ نزل، فعرضت له امرأة من قريش فقالت: يا أمير المؤمنين! أ كتاب اللّه تعالى أحقّ أن يتّبع أو قولك ؟ قال: بل كتاب اللّه تعالى، فما ذاك ؟ قالت: نهيت الناس آنفا أن يغالوا في صداق النساء و اللّه تعالى يقول في كتابه: وَ آتَيْتُمْ إِحْدٰاهُنَّ قِنْطٰاراً فَلاٰ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً(2)؛ فقال عمر رضى اللّه عنه: كلّ أحد أفقه من عمر - مرّتين أو ثلاثا -...

و في لفظ: كلّ الناس أفقه من عمر حتّى ربّات الحجال، ألا تعجبون من إمام أخطأ و امرأة أصابت ؟!(3).

و في لفظ الخازن: «إمرأة أصابت و أمير أخطأ(4)».

و في لفظ الرازي في أربعينه(5): «كلّ الناس أفقه من عمر حتّى المخدّرات في البيوت».

4 - عن أنس بن مالك قال: إنّ عمر قرأ على المنبر: فَأَنْبَتْنٰا فِيهٰا حَبًّا * وَ عِنَباً وَ قَضْباً * وَ زَيْتُوناً وَ نَخْلاً * وَ حَدٰائِقَ غُلْباً * وَ فٰاكِهَةً وَ أَبًّا(6)؛ قال: كلّ هذا عرفناه، فما الأبّ؟ ثمّ رفض عصا كانت في يده فقال: هذا لعمر اللّه هو التكلّف،

ص: 90


1- - السنن الكبرى 233:7؛ كنز العمّال 298:8[536/16، ح 45796].
2- - النساء: 20.
3- - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 61:1؛ و 96:3[182/1، خطبة 3؛ 17/12].
4- - تفسير الخازن 353:1[339/1].
5- - الأربعين للرازي: 467.
6- - عبس: 27-31.

فما عليك أن لا تدري ما الأبّ؟ اتّبعوا ما بيّن لكم هداه من الكتاب فاعملوا به و ما لم تعرفوه فكلوه إلى ربّه.

و عن ثابت: إنّ رجلا سأل عمر بن الخطّاب عن قوله: وَ فٰاكِهَةً وَ أَبًّا، ما الأبّ؟ فقال عمر: نهينا عن التعمّق و التكلّف. و فيها ألفاظ اخر(1).

قال ابن حجر في فتح الباري(2):

قيل: إنّ الأبّ ليس بعربيّ . و يؤيّده خفاؤه على مثل أبي بكر و عمر.

قال الأميني: كيف خفي هذا القيل الّذي جاء به ابن حجر على أئمّة اللغة العربيّة جمعاء فأدخلت الأبّ في معاجمها من دون أيّ إيعاز إلى كونه دخيلا؟!

هب، أنّ الأبّ غير عربيّ فهل قوله تعالى في تفسيره و ما قبله: مَتٰاعاً لَكُمْ وَ لِأَنْعٰامِكُمْ (3) ليس بعربيّ أيضا؟! فما عذر الشيخين عندئذ في خفائه عليهما؟! و كيف يؤيّد به قول القائل ؟!

نعم، يروق ابن حجر أن يدافع عنهما و لو بالتحكّم على لغة العرب و نفي كلمتها عنها.

لفت نظر:

هذا الحديث أخرجه البخاري في صحيحه(4)؛ غير أنّه سترا على جهل الخليفة بالأبّ حذف صدر الحديث و أخرج ذيله. و تكلّف بعد النهي عن التكلّف، و لا يهمّه جهل الامّة عندئذ بمغزى قول عمر؛ قال: عن أنس قال:

ص: 91


1- - هذه الأحاديث أخرجها إلى كم في المستدرك على الصحيحين 514:2[559/2، ح 3897]؛ و الزمخشري في الكشّاف 253:3[704/4]؛ و السيوطي في الدرّ المنثور 6: 317 [421/8]؛ و في كنز العمّال 227:1[328/2، ح 4154].
2- - فتح الباري 230:13[270/13-272].
3- - النازعات: 33.
4- - في كتاب الاعتصام باب ما يكره من كثرة السؤال و تكلّف ما لا يعنيه [2659/6، ح 6863].

كنّا عند عمر فقال: نهينا عن التكلّف.

و كم و كم في صحيح البخاري من أحاديث لعبت بها يد تحريفه!

5 - قول عمر: «من أراد أن يسأل عن القرآن فليأت ابيّ بن كعب».

خطبة الخليفة في الجابية:

عن عليّ بن رباح اللخمي، قال: إنّ عمر بن الخطّاب رضى اللّه عنه خطب الناس فقال: «من أراد أن يسأل عن القرآن فليأت ابيّ بن كعب، و من أراد أن يسأل عن الحلال و الحرام فليأت معاذ بن جبل، و من أراد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت، و من أراد أن يسأل عن المال فليأتني فإنّي له خازن. و في لفظ: فإنّ اللّه تعالى جعلني خازنا و قاسما»(1).

في هذه الخطبة الثابتة المرويّة عن الخليفة بطرق صحيحة - كلّ رجالها ثقات، و صحّحها الحاكم و الذهبي - اعتراف بأنّ المنتهى إليه في العلوم الثلاثة اولئك النفر المذكورون فحسب، و ليس للخليفة إلاّ أنّه خازن مال اللّه. و هل ترى من المعقول أن يكون خليفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على امّته في شرعه و دينه و كتابه و سنّته و فرائضه فاقدا لهاتيك العلوم، و يكون مرجعه فيها لفيفا من الناس كما تنبئ عنه سيرته ؟!

و شتّان بين هذا القائل و بين من لم يزل يعرض نفسه لعويصات المسائل و مشكلات العلوم فيحلّها عند السؤال عنها من فوره، و يرفع عقيرته على صهوات المنابر بقوله سلام اللّه عليه: «سلوني قبل أن لا تسألوني، و لن تسألوا بعدي مثلي»(2).

ص: 92


1- - كتاب الأموال لأبي عبيد (المتوفّى 224):223 [ص 285، ح 548]، بإسناد رجاله كلّهم ثقات؛ المستدرك على الصحيحين 271:3 و 272 [305/3، ح 5187؛ و 306، ح 5191].
2- - انظر ص 76-77 من كتابنا هذا.

خامسا الإجتهاد في مقابل القرآن

اشارة

ص: 93

ص: 94

1 - اجتهاد الخليفة في الطلاق الثلاث:

عن ابن عبّاس، قال: كان الطلاق على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أبي بكر و سنتين - و سنين - من خلافة عمر رضى اللّه عنه طلاق الثلاث واحدة؛ فقال عمر رضى اللّه عنه: إنّ الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم؛ فأمضاه عليهم(1).

قال الأميني: إنّ من العجب أن يكون استعجال الناس مسوّغا لأن يتّخذ الإنسان كتاب اللّه وراءه ظهريّا و يلزمه بما رأوا. هذا الذكر الحكيم يقول بكلّ صراحة: اَلطَّلاٰقُ مَرَّتٰانِ فَإِمْسٰاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسٰانٍ إلى قوله تعالى:

فَإِنْ طَلَّقَهٰا فَلاٰ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّٰى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ (2) ؛ فقد أوجب سبحانه تحقيق المرّتين و التحريم بعد الثالث، و ذلك لا يجامع جمع التطليقات بكلمة - ثلاثا - و لا بتكرار صيغة الطلاق ثلاثا متعاقبة بلا تخلّل عقدة النكاح بينها.

أمّا الأوّل: فلأنّه طلاق واحد، و قول «ثلاثا» لا يكرّره؛ ألا ترى أنّ الوحدة المأخوذة في الفاتحة في ركعات الصلاة لا تكرّر لو شفّعها المصلّي بقوله: «خمسا» أو «عشرا»، و لا يقال: إنّه كرّر السورة و قرأها غير مرّة.

و كذلك كلّ حكم اعتبر فيه العدد؛ كرمي الجمرات السبع فلا يجزي عنه رمي الحصيات مرّة واحدة، و كالشهادات الأربع في اللعان لا تجزي عنها شهادة واحدة مشفوعة بقوله: «أربعا».

ص: 95


1- - مسند أحمد 314:1[516/1، ح 2870]؛ صحيح مسلم 574:1[276/3، ح 15، كتاب الطلاق].
2- - البقرة: 229-230.

و كفصول الأذان المأخوذة فيها التثنية لا يتأتّى التكرار فيها بقراءة واحدة و إردافها بقول: «مرّتين».

و كتكبيرات صلاة العيدين الخمس أو السبع المتوالية - عند القوم - قبل القراءة(1) لا تتأتّى بتكبيرة واحدة بعدها قول المصلّي خمسا أو سبعا.

و كصلاة التسبيح(2)؛ و قد اخذ في تسبيحاتها العدد عشرا و خمسة عشر؛ فلا تجزي عنها تسبيحة واحدة مردوفة بقوله: عشرا أو خمسة عشر. و هذه كلّها ممّا لا خلاف فيه.

و أمّا الثاني: فإنّ الطلاق يحصل باللّفظ الأوّل، و تقع به البينونة، و تسرّح به المعقودة بالنكاح، و لا يبقى ما بعده إلاّ لغوا؛ فإنّ المطلّقة لا تطلّق، و المسرّحة لا تسرّح؛ فلا يحصل به العدد المأخوذ في موضوع الحكم، بل تعدّد الطلاق يستلزم تخلّل عقدة الزواج بين الطلاقين و لو بالرجوع، و مهما لم تتخلّل يقع الطلاق الثاني لغوا و يبطله قوله صلّى اللّه عليه و آله: «لا طلاق إلاّ بعد نكاح»، و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «لا طلاق قبل نكاح»، و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «لا طلاق لمن لا يملك»(3).

و قال الجصّاص في أحكام القرآن(4):

و الدليل على أنّ المقصد في قوله: اَلطَّلاٰقُ مَرَّتٰانِ الأمر بتفريق الطلاق و بيان حكم ما يتعلّق بإيقاع ما دون الثلاث من الرجعة، أنّه قال(5): اَلطَّلاٰقُ مَرَّتٰانِ ، و ذلك يقتضي التفريق لا محالة؛ لأنّه لو طلّق

ص: 96


1- - السنن الكبرى للنسائي 285:3-291 [ص 554، ح 1804].
2- - صلاة التسبيح هي المسمّاة بصلاة جعفر عند أصحابنا، و لا خلاف بين الفريقين في فضلها و كمّها و كيفها؛ غير أنّ أئمّة القوم أخرجوها في الصحاح و المسانيد عن ابن عبّاس.
3- - سنن الدارمي 161:2؛ سنن أبي داود 342:1[258/2، ح 2190].
4- - أحكام القرآن 447:1[378/1].
5- - [المصدر المؤوّل خبر لقوله المتقدم: «و الدليل على...»].

اثنتين معا لما جاز أن يقال طلّقها مرّتين. و كذلك لو دفع رجل إلى آخر درهمين لم يجز أن يقال: أعطاه مرّتين حتّى يفرّق الدفع فحينئذ يطلق عليه...

هذا ما نطق به القرآن الكريم. و ليس الرأي تجاه كتاب اللّه إلاّ تلاعبا به؛ كما نصّ عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في صحيحة أخرجها النسائي في السنن(1)، عن محمود بن لبيد؛ قال: أخبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن رجل طلّق امرأته ثلاث تطليقات جميعا؛ فقام غضبان ثمّ قال: «أ يلعب بكتاب اللّه و أنا بين أظهركم ؟!». حتّى قام رجل و قال: يا رسول اللّه! ألا أقتله ؟

و لبعض أعلام القوم في المسألة كلمات تشدّق بها، و أعجب ما رأيت فيها كلمة العيني؛ قال في عمدة القاري(2):

إنّ الطلاق الوارد في الكتاب منسوخ.

فإن قلت: ما وجه هذا النسخ و عمر رضى اللّه عنه لا ينسخ ؟ و كيف يكون النسخ بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ؟

قلت: لمّا خاطب عمر الصحابة بذلك فلم يقع إنكار صار إجماعا. و النسخ بالإجماع جوّزه بعض مشايخنا بطريق أنّ الإجماع موجب علم اليقين كالنصّ فيجوز النسخ به...

فإن قلت: هذا إجماع على النسخ من تلقاء أنفسهم فلا يجوز ذلك في حقّهم.

قلت: يحتمل أن يكون ظهر لهم نصّ أوجب النسخ و لم ينقل إلينا ذلك.

لم تسمع الآذان نبأ هذا النسخ في القرون السالفة إلى أن جاد الدهر بالعينيّ فجاء يدّعي ما لم يقل به أحد، و يخبط خبط عشواء، و يلعب بكتاب اللّه،

ص: 97


1- - السنن الكبرى 142:6[349/3، ح 5594]؛ الدرّ المنثور 283:1[676/1].
2- - عمدة القاري 233:20.

و لا يرى له و لا لسنّة اللّه قيمة و لا كرامة.

إن كان نسخ بالإجماع فكيف ذهب أبو حنيفة و مالك و الأوزاعى و الليث إلى أنّ الجمع بين الثلاث طلاق بدعة ؟! و قال الشافعي و أحمد و أبو ثور ليس بحرام لكنّ الأولى التفريق ؟! و قال السندي: ظاهر الحديث التحريم(1)؟!

و احتمال استناد إجماع الصحابة إلى نصّ لم ينقل إلينا خرافة تكذّبه نصوص الخليفة و غيره من الصحابة. على أنّ ما ذهب إليه الخليفة لم يكن إلاّ مجرّد رأي و سياسة محضة.

و ما أحسن كلمة الشيخ صالح بن محمّد العمري الفلاني المتوفّى (1298) في كتابه إيقاظ همم اولي الأبصار(2)؛ حيث قال:

إنّ المعروف عند الصحابة و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين و عند سائر العلماء المسلمين أنّ حكم الحاكم المجتهد إذا خالف نصّ كتاب اللّه تعالى أو سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وجب نقضه و منع نفوذه.

و لا يعارض نصّ الكتاب و السنّة بالاحتمالات العقليّة و الخيالات النفسانيّة و العصبيّة الشيطانيّة؛ بأن يقال: لعلّ هذا المجتهد قد اطّلع على هذا النصّ و تركه لعلّة ظهرت له، أو أنّه اطّلع على دليل آخر، و نحو هذا ممّا لهج به فرق الفقهاء المتعصّبين و أطبق عليه جهلة المقلّدين.

2 - المتعة في الكتاب:

اشارة

قال تعالى: فَمَا اِسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَ لاٰ جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ فِيمٰا تَرٰاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ اَلْفَرِيضَةِ إِنَّ اَللّٰهَ كٰانَ عَلِيماً حَكِيماً(3).

يرى موسى الوشيعة:

أنّ القول بنزول الآية من دعاوي الشيعة فحسب، و لا يوجد في غير

ص: 98


1- - راجع حاشية الإمام السندي على سنن النسائي 143:6.
2- - إيقاظ همم اولي الأبصار: 9.
3- - النساء: 24.

كتبهم قول به لأحد، و القول به لا يكون إلاّ من جاهل يدّعي و لا يعي.

ثمّ ذكر شيخنا العلاّمة رحمه اللّه في الغدير(1) (19) ممّا في كتب قومه حتّى يعلم القارئ إلى من توجّه قوارص هذا الرجل الجاهل الفاحش المتفحّش؛ منها:

1 - أخرج أحمد إمام الحنابلة في مسنده(2) بإسناد رجاله كلّهم ثقات، عن عمران بن حصين، قال: «نزلت آية المتعة في كتاب اللّه تبارك و تعالى و عملنا بها مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؛ فلم تنزل آية تنسخها و لم ينه عنها النبيّ صلّى اللّه عليه و آله حتّى مات».

2 - أخرج أبو جعفر الطبري المتوفّى (310) في تفسيره(3) بإسناده عن أبي نضرة: قال: سألت ابن عبّاس عن متعة النساء. قال: أما تقرأ سورة النساء؟ قال: قلت: بلى. قال: فما تقرأ فيها: «فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى»؟ قلت له: لو قرأتها هكذا ما سألتك. قال: فإنّها كذا.

و في حديث: قال ابن عبّاس: و اللّه لأنزلها اللّه كذلك ثلاث مرّات.

و أخرج عن قتادة في قراءة ابيّ بن كعب: «فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى».

3 - أخرج الحافظ أبو بكر البيهقي المتوفّى (458) بإسناده في السنن الكبرى(4)، عن محمّد بن كعب، عن ابن عبّاس رضى اللّه عنه، قال: «كانت المتعة في أوّل الإسلام و كانوا يقرأون هذه الآية: فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى...».

4 - قال أبو القاسم جار اللّه الزمخشري المعتزلي المتوفّى (538) في الكشّاف(5):

قيل: نزلت - الآية - في المتعة. و عن ابن عبّاس هي محكمة يعني

ص: 99


1- - [راجع الغدير 323/6-332].
2- - مسند أحمد 436:4[603/5، ح 19406].
3- - جامع البيان 9:5 [مج 4 /ج 12/5-13].
4- - السنن الكبرى 205:7.
5- - الكشّاف 360:1[498/1].

لم تنسخ، و كان يقرأ: فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى.

5 - قال أبو بكر يحيى بن سعدون القرطبي(1) المتوفّى (567) في تفسيره(2)عند بيان الاختلاف في معنى الآية:

قال الجمهور: إنّ المراد نكاح المتعة الّذي كان في صدر الإسلام. و قرأ ابن عبّاس و ابيّ و سعيد بن جبير: فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى فآتوهنّ اجورهنّ .

6 - ذكر أبو عبد اللّه فخر الدين الرازي الشافعي المتوفّى (606) في تفسيره الكبير(3) قولين في الآية، و قال:

أحدهما: قول أكثر العلماء. و القول الثاني: إنّ المراد بهذه الآية حكم المتعة... و اتّفقوا على أنّها كانت مباحة في ابتداء الإسلام و اختلفوا في أنّها هل نسخت أم لا؟.

7 - قال الحافظ جلال الدين السيوطي المتوفّى (911) في الدرّ المنثور(4):

أخرج الطبراني(5) و البيهقي في سننه(6) عن ابن عبّاس قال: كانت المتعة في أوّل الإسلام و كانوا يقرؤون هذه الآية: فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى...

هلمّ معي:

هلمّ معي أيّها القارئ نسائل الرجل - موسى جار اللّه - عن هذه الكتب أليست هي مراجع أهل السنّة في علم القرآن ؟! أ ليس هؤلاء أعلامهم و أئمّتهم في التفسير؟! أ ليس من واجب الباحث أن يراجع تلكم الكتب ثمّ ينقض

ص: 100


1- - القرطبي صاحب التفسير هو أبو عبد اللّه محمّد بن أحمد الأنصاري المتوفّى سنة 671.
2- - الجامع لأحكام القرآن 130:5[88/5].
3- - التفسير الكبير 200:3[49/10 و 51 و 53].
4- - الدرّ المنثور 140:2[484/2].
5- - المعجم الكبير [320/10، ح 10782].
6- - السنن الكبرى [205/7].

و يبرم، و يزن و يرجّح ؟! أيوجّه قوارصه إلى مثل ابن عبّاس ترجمان القرآن، و ابيّ بن كعب أقرأ الصحابة عندهم، و عبد اللّه بن مسعود عالم الكتاب و السنّة، و عمران بن حصين، و الحكم، و حبيب بن أبي ثابت، و سعيد بن جبير، و قتادة، و مجاهد؟! أ يرى كلاّ منهم جاهلا يدّعي و لا يعي ؟! أ ليس هذا سبّ الصحابة و السلف الصالح الّذي تتّهم به الشيعة عند قومه ؟!

أم يرى رجالات قومه من الشيعة و يسلقهم(1) بألسنة حداد؟! فإن لم تكن عنده قيمة لمثل البخاري، و مسلم، و أحمد، و الطبري، و محمّد بن كعب، و عبد ابن حميد، و أبي داود، و ابن جريج، و الجصّاص، و ابن الأنباري، و البيهقي، و الحاكم، و البغوي، و الزمخشري، و الاندلسي، و القرطبي، و الفخر الرازي، و النووي، و البيضاوي، و الخازن، و ابن جزّي، و أبي حيّان، و ابن كثير، و أبي السعود، و السيوطي، و الشوكاني، و الآلوسي، فمن قدوته و اسوته في العلم و الدين ؟!

نعم، لا يفوتنا أنّ أكاذيب الرجل و أساطيره المسطّرة و عز و القول بنزول الآية إلى الشيعة فحسب كلّها تقدمة لسبّ الإمامين الطاهرين الباقر و الصادق عليهما السّلام، و هو يعلم و كلّ ذي نصفة يدري أنّ أئمّة قومه الأربعة عائلة الإمامين في علمهما؛ فإن يوجد عندهم شيء من العلم فمن ذلك النمير العذب.

و الباقران هما الباقران، و موسى الوشيعة هو موسى الوشيعة، و اللّه هو الحكم العدل، و إلى اللّه المشتكى.

و هلمّ نسائل الرجل عن أدب البيان الّذي شعر به هو و خفي على هؤلاء الأعلام في القرون الخالية، و عن الاختلال الّذي عرفه هو و جهله أئمّة القوم على تقدير القول بنزول الآية في المتعة ما هو؟! و أين كان ؟! و عمّن يؤثر؟! و من

ص: 101


1- - [سلقه بالكلام: آذاه].

الّذي قال به ؟! و ما الحجّة عليه ؟! و ممّن أخذه ؟! و لم كتمه الأوّلون و الآخرون حتّى انتهت النوبة إليه ؟! لا أحسب أنّه يحير جوابا يشفي الغليل، و لعلّه يعيد سبابه المقذع إلى اناس آخرين.

3 - رأي الخليفة في الجدّتين:

عن القاسم بن محمّد أنّه قال:

إنّ جدّتين أتتا أبا بكر الصدّيق رضى اللّه عنه امّ الامّ و امّ الأب، فأعطى الميراث امّ الامّ دون امّ الأب. فقال له عبد الرحمن بن سهيل - سهل - أخو بني حارثة:

يا خليفة رسول اللّه! لقد أعطيت الّتي لو أنّها ماتت لم يرثها. فجعله أبو بكر بينهما؛ يعني السدس(1).

قال الأميني: أو لا تعجب عن جهل الرجل بحكم إرث الجدّتين، و سرعة انقلابه عمّا ارتآه أوّلا بنقد رجل من الأنصار أو أخي بني حارثة ؟!

و كان ذلك النقد يستدعي حرمان الجدّة من قبل الامّ لكنّه شركهما في الميراث و اتّخذته الفقهاء مصدرا لحكمهم، و أصل الحكم مأخوذ من رواية المغيرة المخصوصة بالجدّة الواحدة!

و أمّا رأي الرجل الأنصاري في الجدّة الّذي زحزح الخليفة عن حكمه فلم يكن أخذا بالكتاب و السنّة بل كان مخالفا لهما وفقا لقول الشاعر:

بنونا بنو أبنائنا و بناتنا *** بنوهنّ أبناء الرجال الأباعد

فخصّ القوم به قول اللّه تعالى: يُوصِيكُمُ اَللّٰهُ فِي أَوْلاٰدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ

ص: 102


1- - موطّأ مالك 335:1[513/2، ح 5]؛ سنن البيهقي 235:6؛ بداية المجتهد 344:2 [348/2]؛ الاستيعاب 400:2؛ الإصابة 402:2، و قال: رجاله ثقات؛ [836/2، رقم 1424]؛ كنز العمّال 6:6[22/11، ح 30466].

اَلْأُنْثَيَيْنِ (1) لعقب الأبناء دون من عقبته البنات، و ذهبوا إلى عدم شمول أحكام الأولاد في الفروض و غيرها على وليد بنت الرجل محتجّين بقول الشاعر.

قال البغدادي في خزانة الأدب(2):

هذا البيت لا يعرف قائله مع شهرته في كتب النحاة و غيرهم.

سبحانك اللّهمّ ما أجرأهم على هذا الرأي السياسيّ في دين اللّه لإخراج آل اللّه عن بنوّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله!

ما قيمة قول الشاعر تجاه قول اللّه تعالى: فَقُلْ تَعٰالَوْا نَدْعُ أَبْنٰاءَنٰا وَ أَبْنٰاءَكُمْ وَ نِسٰاءَنٰا وَ نِسٰاءَكُمْ (3)؟! فهو نصّ صريح على أنّ الحسنين السبطين ابني النبيّ الأقدس.

و قد سمّى اللّه سبحانه أسباط نوح ذريّة له، و ليست الذريّة إلاّ ولد الرجل كما في القاموس(4)؛ فقال سبحانه: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ دٰاوُدَ وَ سُلَيْمٰانَ ... وَ يَحْيىٰ وَ عِيسىٰ (5) فعدّ عيسى من ذرّيّة نوح و هو ابن بنته مريم.

قال الرازي في تفسيره(6):

هذه الآية - يعني آية قل تعالوا - دالّة على أنّ الحسن و الحسين عليهما السّلام كانا ابني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، وعد أن يدعو أبناءه، فدعا الحسن و الحسين، فوجب أن يكونا ابنيه. و ممّا يؤكّد هذه قوله تعالى في سورة الأنعام: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ دٰاوُدَ وَ سُلَيْمٰانَ إلى قوله: وَ زَكَرِيّٰا وَ يَحْيىٰ وَ عِيسىٰ ، و معلوم أنّ عيسى عليه السّلام إنّما انتسب إلى إبراهيم عليه السّلام بالامّ لا الأب، فثبت أنّ

ص: 103


1- - النساء: 11.
2- - خزانة الأدب 300:1[445/1].
3- - آل عمران: 61.
4- - القاموس المحيط 34:2 [ص 507].
5- - الأنعام: 84 و 85.
6- - التفسير الكبير 488:2[81/8]؛ و انظر أيضا الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 104:4؛ و 31:7[67/4؛ و 22/7-23].

ابن البنت قد يسمّى ابنا؛ و اللّه أعلم.

فبعد كون ذريّة الرجل ولده على الإطلاق و دخل فيهم أولاد البنات لا ينبغي التفكيك في الأحكام عندئذ بين الذرّيّة و الأولاد، و لا يسع لأيّ أحد أن يرى أبناء البنات أبناء الرجال الأباعد خارجين عن ولد الرجل على الحقيقة، و يصحّ له مع ذلك عدّهم عن ذريّته و ليست إلاّ ولد الرجل.

و يشهد على لغة القرآن المجيد، و أنّ ولد البنت ابن أبيها على الحقيقة، قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

1 - «أخبرني جبريل: أنّ ابني هذا - يعني الحسين - يقتل». و في لفظ: «إنّ امّتي ستقتل ابني هذا»(1).

2 - و قوله للحسن السبط: «ابني هذا سيّد»(2).

3 - و قوله لعليّ : «أنت أخي و أبو ولدي»(3).

4 - و قوله: «إنّ جبريل أخبرني أنّ اللّه عزّ و جلّ قتل بدم يحيى بن زكريّا سبعين ألفا و هو قاتل بدم ولدك الحسين سبعين ألفا»(4).

5 - و قوله: «المهدي من ولدي وجهه كالكوكب الدرّيّ »(5).

6 - و قوله: «هذان ابناي من أحبّهما فقد أحبّني»(6) الحسن و الحسين.

ص: 104


1- - [ترجمة الإمام الحسين من طبقات ابن سعد غير المطبوع: 44، ح 268]؛ المستدرك على الصحيحين 177:3[194/3، ح 4818]؛ أعلام النبوّة للماوردي: 83 [ص 137]؛ الصواعق المحرقة: 115 [ص 192].
2- - المستدرك على الصحيحين 175:3[191/3، ح 4809]؛ أعلام النبوّة للماوردي: 83 [ص 137]؛ تفسير ابن كثير 155:2.
3- - ذخائر العقبى: 66.
4- - المصدر السابق: 150.
5- - المصدر السابق: 136.
6- - المستدرك على الصحيحين 166:3[181/3، ح 4776]؛ تاريخ مدينة دمشق 204:4 [199/13، رقم 1383؛ و في مختصر تاريخ دمشق 12/7]؛ كنز العمّال 221:6 [120/12، ح 34286].

7 - و قوله: «ادعوا إبني»؛ فأتى الحسن بن عليّ (1).

8 - و قوله: «أللّهمّ إنّ هذا إبني - الحسن - و أنا احبّه فأحبّه و أحبّ من يحبّه»(2).

9 - و قوله لعليّ : «أيّ شيء سمّيت إبني ؟ قال: ما كنت لأسبقك بذلك.

فقال: و ما أنا السابق ربّي فهبط جبريل فقال: يا محمّد! إنّ ربّك يقرئك السّلام و يقول لك: عليّ منك بمنزلة هارون من موسى لكن لا نبيّ بعدك، فسمّ ابنك هذا باسم ولد هارون»(3).

10 - و قوله: «اطلبوا ابنيّ » لمّا ضلّ الحسن و الحسين(4).

11 - و قوله: «إنّ إبنيّ هذين ريحانتاي من الدنيا»(5)؛ يعني الحسنين.

12 - و قوله: «سمّيت إبنيّ هذين باسم ابني هارون شبّر و شبير»(6).

13 - و قوله: «لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتّى يبعث رجلا من ولدي إسمه كاسمي».

فقال سلمان: من أيّ ولدك يا رسول اللّه ؟! قال: «من ولدي هذا، و ضرب بيده على الحسين»(7).

14 - و قول الحسن السبط عليه السّلام لأبي بكر و هو في منبر جدّه الأقدس: «إنزل عن مجلس أبي». فقال أبو بكر: صدقت إنّه مجلس أبيك.

ص: 105


1- - ذخائر العقبى: 122.
2- - تاريخ مدينة دمشق 203:4[197/13، رقم 1383؛ و في مختصر تاريخ دمشق 10/7].
3- - ذخائر العقبى: 120.
4- - كنز العمّال 108:5[662/13، ح 37685].
5- - الصواعق المحرقة: 114 [ص 191]؛ كنز العمّال 220:6؛ 109:7[113/12، ح 34252؛ و 667/13، ح 37699].
6- - الصواعق المحرقة: 115 [ص 192]؛ كنز العمّال 222:6[118/12، ح 34275].
7- - ذخائر العقبى: 136.

و في لفظ: «إنزل عن منبر أبي». فقال أبو بكر: منبر أبيك لا منبر أبي(1).

15 - و قوله في وصيّته: «ادفنوني عند أبي»؛ يعني المصطفى(2).

16 - و قول الحسين السبط عليه السّلام لعمر: «إنزل عن منبر أبي». فقال عمر: منبر أبيك لا منبر أبي، من أمرك بهذا(3)؟

17 - و قول الإمام السبط الحسن الزكيّ كما في الإتحاف للشبراوي(4):

خيرة اللّه من الخلق أبي *** بعد جدّي و أنا ابن الخيرتين

فضّة قد صيغت من ذهب *** فأنا الفضّة إبن الذهبين

18 - و قوله كما في الإتحاف(5):

أنا ابن الّذي قد تعلمون مكانه *** و ليس على الحقّ المبين طحاء

أ ليس رسول اللّه جدّي و والدي *** أنا البدر إن حلّ النجوم خفاء

19 - و قول الناشئ:

بني أحمد قلبي بكم يتقطّع *** بمثل مصابي فيكم ليس يسمع

20 - و قول الصاحب بن عبّاد:

أيجزّ رأس ابن النبيّ و في الورى *** حيّ أمام ركابه لم يقتل

فما المبرّر عندئذ للخليفة في صفحه عمّا في كتاب اللّه و سنّة نبيّه و تلقّيه بالقبول قول الأنصاريّ الشاذّ عن الكتاب و السنّة ؟!

ص: 106


1- - الرياض النضرة 139:1[175/1]؛ شرح نهج البلاغة 17:2[42/6، خطبة 66]؛ الصواعق المحرقة: 108 [ص 177]؛ تاريخ الخلفاء للسيوطي: 54 [ص 75]؛ كنز العمّال 132:3[616/5، ح 14084 و 14085].
2- - الإتحاف بحبّ الأشراف للشبراوي: 11 [ص 38].
3- - تاريخ مدينة دمشق 321:4[175/14، رقم 1566؛ و في مختصر تاريخ دمشق 127/7].
4- - الإتحاف بحبّ الأشراف: 49 [ص 136].
5- - المصدر السابق: 57 [ص 193].

و ما عذر فقيه أو حافظ اتّخذ رأي الأنصاري دينا محتجّا بقول شاعر لم يعرف بعد، و بين يديه القرآن و الحديث و الأدب ؟!

4 - رأي الخليفة في الأموال و الصدقات:

لم تكن فدك ببدع من سائر الأموال من الفيء و الغنائم و الصدقات عند الخليفة بل كان له رأي حرّ فيها و في مستحقّيها، كان يرى المال مال اللّه، و يحسب نفسه وليّ المسلمين، فيضعه حيث يشاء و يفعل فيه ما يريد؛ فقام كما قال مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام: «نافجا حضنيه بين نثيله و معتلفه، و قام معه بنو أبيه يخضمون مال اللّه خضمة الإبل نبتة الربيع»(1).

كان يصل رحمه بمال يستوي فيه المسلمون كلّهم، و لكلّ فرد من الملأ الدينيّ منه حقّ معلوم للسائل و المحروم، لا يسوغ في شرعة الحقّ و ناموس الإسلام المقدّس حرمان أحد من نصيبه و إعطاء حقّه لغيره من دون مرضاته.

جاء عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الغنائم: «للّه خمسة و أربعة أخماس للجيش، و ما أحد أولى به من أحد، و لا السهم تستخرجه من جنبك، ليس أنت أحقّ به من أخيك المسلم»(2).

و كان صلّى اللّه عليه و آله إذا جاءه فيء قسّمه من يومه فأعطى ذا الأهل حظّين، و أعطى العزب حظّا(3).

و السنّة الثابتة في الصدقات أنّ أهل كلّ بيئة أحقّ بصدقتهم ما دام فيهم ذو حاجة. و ليس الولاية على الصدقات للجباية و حملها إلى عاصمة الخلافة و إنّما هي للأخذ من الأغنياء و الصرف في فقراء محالّها.

ص: 107


1- - نهج البلاغة 35:1 [ص 49، خطبة 3].
2- - سنن البيهقي [324/6 و 336].
3- - سنن أبي داود 25:2[136/3، ح 2953]؛ مسند أحمد 29:6[45/7، ح 23484]؛ سنن البيهقي 346:6.

و قد ورد في وصيّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله معاذا حين بعثه إلى اليمن يدعوهم إلى الإسلام و الصلاة أنّه قال: «فإذا أقرّوا لك بذلك فقل لهم: إنّ اللّه قد فرض عليكم صدقة أموالكم تؤخذ من أغنيائكم فتردّ في فقرائكم»(1).

و من كتاب لمولانا أمير المؤمنين إلى قثم بن العبّاس يوم كان عامله على مكّة: «و انظر إلى ما اجتمع عندك من مال اللّه فاصرفه إلى من قبلك من ذوي العيال و المجاعة مصيبا به مواضع الفاقة و الخلاّت، و ما فضل عن ذلك فاحمله إلينا لنقسّمه فيمن قبلنا»(2).

و قال عليه السّلام لعبد اللّه بن زمعة لمّا قدم عليه في خلافته يطلب منه مالا: «إنّ هذا المال ليس لي و لا لك، و إنّما هو في للمسلمين و جلب أسيافهم؛ فإن شركتهم في حربهم كان لك مثل حظّهم، و إلاّ فجناة(3) أيديهم لا تكون لغير أفواههم»(4).

و أتى عليّا أمير المؤمنين مال من إصبهان فقسّمه بسبعة أسباع ففضل رغيف فكسره بسبع [كسر](5) فوضع على كلّ جزء كسرة ثمّ أقرع بين الناس أيّهم يأخذ أوّل(6).

و قبل هذه كلّها سنّة اللّه في الذكر الحكيم حول الأموال مثل قوله تعالى:

1 - وَ اِعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي اَلْقُرْبىٰ وَ اَلْيَتٰامىٰ وَ اَلْمَسٰاكِينِ وَ اِبْنِ اَلسَّبِيلِ (7).

2 - إِنَّمَا اَلصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ اَلْمَسٰاكِينِ وَ اَلْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا وَ اَلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي

ص: 108


1- - صحيح البخاري 215:3[505/2، ح 1331].
2- - نهج البلاغة 128:2 [ص 457، كتاب 67].
3- - [«الجناة»: ما يجنى من الشجر، أي يقطف].
4- - نهج البلاغة 461:1 [ص 353، رقم 232].
5- - من المصدر.
6- - سنن البيهقي [348/6].
7- - الأنفال: 41.

اَلرِّقٰابِ وَ اَلْغٰارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ وَ اِبْنِ اَلسَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اَللّٰهِ وَ اَللّٰهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (1) .

3 - وَ مٰا أَفٰاءَ اَللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمٰا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لاٰ رِكٰابٍ وَ لٰكِنَّ اَللّٰهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلىٰ مَنْ يَشٰاءُ وَ اَللّٰهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ * مٰا أَفٰاءَ اَللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ اَلْقُرىٰ فَلِلّٰهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي اَلْقُرْبىٰ وَ اَلْيَتٰامىٰ وَ اَلْمَسٰاكِينِ وَ اِبْنِ اَلسَّبِيلِ (2).

هذه سنّة اللّه و سنّة نبيّه غير أنّ الخليفة عثمان نسي ما في الكتاب العزيز، و شذّ عمّا جاء به النبيّ الأقدس في الأموال، و خالف سيرة من سبقه، و تزحزح عن العدل و النصفة، و قدّم أبناء بيته الساقط، أثمار الشجرة الملعونة في كتاب اللّه، رجال العيث و العبث، و الخمور و الفجور، من فاسق إلى لعين، إلى حلاّف مهين همّاز مشّاء بنميم(3)، و فضّلهم على أعضاء الصحابة و عظماء الامّة الصالحين، و كان يهب من مال المسلمين لأحد من قرابته قناطير(4) مقنطرة من الذهب و الفضّة من دون أيّ كيل و وزن، و يؤثرهم على من سواهم كائنا من كان من ذي قربى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و غيرهم!

و لم يكن يجرؤ أحد عليه بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لما كان يرى سيرته الخشنة مع اولئك القائمين بذلك الواجب، و يشاهد فيهم من الهتك و التغريب و الضرب بدرّة كانت أشدّ من الدرّة العمريّة(5) مشفوعة بالسوط و العصا(6).

ص: 109


1- - التوبة: 60.
2- - الحشر: 6 و 7.
3- - [قال اللّه تعالى: وَ لاٰ تُطِعْ كُلَّ حَلاّٰفٍ مَهِينٍ * هَمّٰازٍ مَشّٰاءٍ بِنَمِيمٍ ؛ قلم 10-11].
4- - [«القنطار»: وزن كانوا يزنون به، و هو يختلف باختلاف الأزمنة، و أيضا يعني المال الكثير].
5- - راجع محاضرة الأوائل للسكتواري: 169.
6- - و للوقوف على نبذة من سيرة الخليفة في الأموال انظر تلخيص الغدير/ 819-845، و سلسلة الغدير الموضوعيّة، رقم 13: المجلّد الثاني من كتاب عليّ و الخلفاء: ص 49-83.

5 - معاوية يأكل الربا:

1 - أخرج مالك و النسائي و غيرهما من طريق عطاء بن يسار: «أنّ معاوية رضى اللّه عنه باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها. فقال له أبو الدرداء رضى اللّه عنه: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله [ينهى](1) عن مثل هذا إلاّ مثلا بمثل؛ فقال معاوية: ما أرى بهذا بأسا. فقال له أبو الدرداء رضى اللّه عنه: من يعذرني من معاوية ؟! أنا اخبره عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو يخبرني عن رأيه، لا أساكنك بأرض أنت بها.

ثمّ قدم أبو الدرداء رضى اللّه عنه على عمر بن الخطّاب رضى اللّه عنه فذكر له ذلك؛ فكتب عمر إلى معاوية: أن لا تبع ذلك إلاّ مثلا بمثل، وزنا بوزن»(2).

2 - و أخرج البيهقي و غيره من طريق حكيم بن جابر عن عبادة بن الصامت رضى اللّه عنه: قال: «سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: الذهب الكفّة بالكفّة، و الفضّة الكفّة بالكفّة حتّى خصّ أن [قال:](3) الملح بالملح. فقال معاوية: إنّ هذا لا يقول شيئا. فقال عبادة رضى اللّه عنه: أشهد أنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول ذلك».

و زاد النسائي: قال عبادة: «إنّي و اللّه ما ابالي أن لا أكون بأرض يكون بها معاوية». و في لفظ ابن عساكر: «إنّي و اللّه ما ابالي [إلاّ](4) أن أكون بأرضكم هذه»(5).

قال الأميني: إنّ من ضروريّات الدين الحنيف الثابتة كتابا و سنّة و إجماعا

ص: 110


1- - [الزيادة من المصادر].
2- - راجع موطّأ مالك 59:2[634/2، ح 33]؛ السنن الكبرى للنسائي 279:7[30/4، ح 6164].
3- - [من سنن البيهقي].
4- - [من المصدر].
5- - راجع: مسند أحمد 319:5[436/6، ح 22217]؛ السنن الكبرى للنسائي 277:7 [29/4، ح 6159]؛ تاريخ مدينة دمشق 206:7[176/26، رقم 3071؛ و في مختصر تاريخ دمشق 302/11].

حرمة الربا، و أنّه من أكبر الكبائر؛ قال اللّه تعالى: اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ اَلرِّبٰا لاٰ يَقُومُونَ إِلاّٰ كَمٰا يَقُومُ اَلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ اَلشَّيْطٰانُ مِنَ اَلْمَسِّ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قٰالُوا إِنَّمَا اَلْبَيْعُ مِثْلُ اَلرِّبٰا وَ أَحَلَّ اَللّٰهُ اَلْبَيْعَ وَ حَرَّمَ اَلرِّبٰا(1).

و قال عزّ و جلّ : يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اَللّٰهَ وَ ذَرُوا مٰا بَقِيَ مِنَ اَلرِّبٰا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اَللّٰهِ وَ رَسُولِهِ (2).

و تواترت السنّة الشريفة في المسألة و بلغت حدّا لا يسع لأيّ مسلم و لو كان قرويّا أن يدّعي الجهل به، فضلا عمّن يدّعي إمرة المؤمنين؛ و منها:

1 - جاء من غير طريق أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لعن آكل الربا، و مؤكله(3)، و شاهديه، و كاتبه(4).

2 - أخرج الحاكم(5) بإسناد صحيح، عن أبي هريرة مرفوعا: «أربعة، حقّ على اللّه أن لا يدخلهم الجنّة و لا يذيقهم نعيمها: مدمن الخمر، و آكل الربا، و آكل مال اليتيم بغير حقّ ، و العاقّ لوالديه».

3 - أخرج البزّار(6) بإسناد صحيح مرفوعا: «الربا بضع و سبعون بابا، و الشرك مثل ذلك».

4 - أخرج البيهقي(7) بإسناد لا بأس به من طريق أبي هريرة مرفوعا:

«الربا سبعون بابا، أدناها كالّذي يقع على امّه».

ص: 111


1- - البقرة: 275.
2- - البقرة: 278-279.
3- - [المراد من مؤكله الّذي أعطى الربا؛ لأنّه ما تحصل الربا إلاّ منه].
4- - صحيح مسلم 50:5[407/3، ح 105 و 106]؛ سنن أبي داود 83:2[244/3، ح 3333].
5- - المستدرك على الصحيحين [43/2، ح 2260].
6- - مسند البزّاز (البحر الزخّار) [318/5، ح 1935].
7- - شعب الإيمان [394/4، ح 5520].

5 - أخرج ابن أبي الدنيا و البيهقي(1) من طريق أنس بن مالك، قال:

خطبنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فذكر أمر الربا و عظّم شأنه و قال: «إنّ الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند اللّه في الخطيئة من ستّ و ثلاثين زنية يزنيها الرجل».

هذه جملة من أحاديث الباب جمعها و غيرها الحافظ المنذري في الترغيب و الترهيب(2).

6 - و روى أئمّة الحديث و اللفظ لمسلم عن أبي سعيد الخدري مرفوعا:

«الذهب بالذهب، و الفضّة بالفضّة، و البرّ بالبرّ، و الشعير بالشعير، و التمر بالتمر، و الملح بالملح مثلا بمثل، يدا بيد؛ فمن زاد و استزاد فقد أربى(3)، و الآخذ و المطعي فيه سواء»(4).

7 - و من طريق أبي سعيد مرفوعا: «لا تبيعوا الذهب بالذهب إلاّ مثلا بمثل، و لا تشفوا(5) بعضها على بعض، و لا تبيعوا الورق بالورق إلاّ مثلا بمثل...»(6).

و على هذه السنّة الثابتة جرت الفتاوى:

في الفقه على المذاهب الأربعة(7):

لا خلاف بين أئمّة المسلمين في تحريم ربا النسيئة(8)؛ فهو كبيرة من

ص: 112


1- - شعب الإيمان [395/4، ح 5523].
2- - الترغيب و الترهيب 247:2-251[3/3-14].
3- - [أي: فعل الربا].
4- - راجع: صحيح مسلم 44:5[399/3، ح 82، كتاب المساقاة]؛ السنن الكبرى 277:7 - 278 [28/4 و 29، ح 6158، 6157].
5- - [«لا تشفوا»: لا تفضّلوا].
6- - صحيح مسلم 42:5[395/3، ح 75]؛ صحيح البخاري 288:3[762/2، ح 2068].
7- - الفقه على المذاهب الأربعة 245:2.
8- - [الربا قسمان: ربا النسيئة، و ربا الفضل. و النسيئة: التأجيل و التأخير؛ أي الربا الّذي يكون بسبب التأجيل. و ربا النسيئة: كلّ زيادة مشروطة أو في حكم المشروطة يتقاضاها المقرض من المستقرض مقابل تاخير الوفاء].

الكبائر بلا نزاع، و قد ثبت [ذلك](1) بكتاب اللّه تعالى، و سنّة رسوله، و إجماع المسلمين...

و فيه أيضا:

أمّا ربا الفضل و هو أن يبيع أحد الجنسين بمثله بدون تأخير في القبض، فهو حرام في المذاهب الأربعة.

هذا ما عند اللّه و عند رسوله و عند المسلمين أجمع، لكن معاوية بلغت به الرفعة مكانا يقول فيه: «قال اللّه و رسوله و قلت». هما يحرّمان الربا بأشدّ التحريم، و يستحلّه معاوية، و ينهى عن رواية سنّة جاءت فيه، و يشدّد النكير عليها و على من رواها، حتّى يغادر الصحابيّ الصالح من جرّائه عقر داره؛ فما ذا للقائل أن يقول فيمن يحادّ اللّه و رسوله، و يستحلّ ما حرّماه، و يتعدّى حدودهما؟! أو يقول فيمن يسمع آيات اللّه تتلى عليه ثمّ يصرّ مستكبرا كأن لم يسمعها؟!

و لئن صحّ للجاحظ إكفار معاوية لمحض مخالفته للسنّة الثابتة باستلحاق زياد(2)، فهو بما ذكرناه هنا و في غير واحد من موارده و مصادره أكفر كافر.

6 - قتال ابن هند عليّا أمير المؤمنين عليه السّلام:

اشارة

نحن مهما غضضنا الطرف عن شيء في الباب، فلا يسعنا أن نتغاضى عن أنّ مولانا أمير المؤمنين هو ذلك المسلم الأوحديّ الّذي يحرم إيذاؤه و قتاله؛ وَ اَلَّذِينَ يُؤْذُونَ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ اَلْمُؤْمِنٰاتِ بِغَيْرِ مَا اِكْتَسَبُوا فَقَدِ اِحْتَمَلُوا بُهْتٰاناً وَ إِثْماً مُبِيناً(3). و من المتسالم عليه عند امّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله قوله: «سباب المسلم - المؤمن -

ص: 113


1- - [من المصدر].
2- - انظر ص 1074 من كتابنا تلخيص الغدير.
3- - الأحزاب: 58.

فسوق، و قتاله كفر»(1). و قد اقترف معاوية الإثمين معا، فسبّ و قاتل سيّد المسلمين جميعا، و آذى أوّل من أسلم من الامّة المرحومة، و آذى فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؛ وَ اَلَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اَللّٰهِ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ (2). و من آذى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقد آذى اللّه؛ إِنَّ اَلَّذِينَ يُؤْذُونَ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اَللّٰهُ فِي اَلدُّنْيٰا وَ اَلْآخِرَةِ (3).

على أنّه - سلام اللّه عليه - كان خليفة الوقت يومئذ كيفما قلنا أو تمحّلنا في أمر الخلافة، و كان تصدّيه لها بالنصّ ، و إجماع أهل الحلّ و العقد، و بيعة المهاجرين و الأنصار، و رضى الصحابة جمعاء، خلا نفر يسير شذّوا عن الطريقة المثلى لا يفتّون في عضد جماعة، و لا يؤثّرون على انعقاد طاعة، بعثت بعضهم الضغائن، وحدت آخر المطامع، و اندفع ثالث إلى نوايا خاصّة رغب فيها لشخصيّاته.

و كيفما كانت الحالة فأمير المؤمنين عليه السّلام وقتئذ الخليفة حقّا، و إنّ من ناوأه و خرج عليه يجب قتله، و إنّما خلع ربقة الإسلام من عنقه، و أهان سلطان اللّه، و يلقى اللّه و لا حجّة له، و قد جاء في النصّ الجليّ قوله صلّى اللّه عليه و آله: «ستكون هنات و هنات، فمن أراد أن يفرّق أمر هذه الامّة و هم جميع فاضربوا رأسه بالسيف كائنا من كان».

و في لفظ: «فمن رأيتموه يمشي إلى امّة محمّد فيفرّق جماعتهم فاقتلوه».

و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «من أتاكم و أمركم جمع على رجل واحد يريد أن يشقّ عصاكم أو يفرّق جماعتكم، فاقتلوه»(4).

ص: 114


1- - انظر صحيح البخاري [27/1، ح 48]؛ صحيح مسلم [114/1، ح 116، كتاب الايمان].
2- - التوبة: 61.
3- - الأحزاب: 57.
4- - راجع صحيح مسلم 23/6[127/4، ح 60، كتاب الإجارة].

و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «من خرج من الطاعة و فارق الجماعة فمات، مات ميتة الجاهليّة»(1).

و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «من أهان سلطان اللّه في الأرض أهانه اللّه»(2).

و قوله صلّى اللّه عليه و آله من طريق معاوية نفسه: «من فارق الجماعة شبرا دخل النار»(3).

و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «اسمعوا و أطيعوا و إن استعمل عليكم عبد حبشيّ كأنّ رأسه زبيبة»(4).

النصوص النبويّة تأبى إلاّ أن يكون الرجل على رأس البغاة، كما كان على رأس الأحزاب يوم كان وثنيّا، و ما أشبه آخره بأوّله؛ و لذلك أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمير المؤمنين بقتاله، و أنّ من يقتل عمّارا هي الفئة الباغية، و لم يختلف اثنان في أنّ أصحاب معاوية هم الّذين قتلوه، غير أنّ معاوية نفسه لم يتأثّر بتلك الشية، و لم تثنه عن بغيه تلكم القتلة و أمثالها من الصلحاء الأبرار، الّذين ولغ في دمائهم.

أضف إلى ذلك أنّ معاوية هو الخليفة الأخير ببيعة طغام الشام و طغاتهم، إن كانت لبيعتهم الشاذّة قيمة في الشريعة، و قد حتّم الإسلام قتل خليفة مثله، بقول نبيّه الأعظم صلّى اللّه عليه و آله: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما».

و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «ستكون خلفاء فتكثر». قالوا: فما تأمرنا؟! قال: «فوا ببيعة

ص: 115


1- - تيسير الوصول 39:2[47/2] نقلا عن الشيخين.
2- - صحيح الترمذي 69:9[435/4، ح 2224]؛ تيسير الوصول 39:2[47/2].
3- - مستدرك الحاكم 118:1[205/1، ح 407].
4- - صحيح البخاري، باب السمع و الطاعة [2612/6، ح 6723]؛ صحيح مسلم 15:6 [116/4، ح 37، كتاب الإمارة]. و اللفظ للبخاري.

الأوّل فالأوّل، و أعطوهم حقّهم».

و هذه الأحاديث الصحيحة الثابتة(1)، هي الّتي تصحّح الحديث الوارد في معاوية نفسه، و إن ضعف إسناده عند القوم، من قوله صلّى اللّه عليه و آله: «إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه»(2). و هو المعتضد بما ذكره المناوي في كنوز الدقائق(3)من قوله صلّى اللّه عليه و آله: «من قاتل عليّا على الخلافة فاقتلوه كائنا من كان».

و بعد أن تراءت الفئتان أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام و طغمة معاوية حكم فيهم كتاب اللّه تعالى بقوله: وَ إِنْ طٰائِفَتٰانِ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ اِقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمٰا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدٰاهُمٰا عَلَى اَلْأُخْرىٰ فَقٰاتِلُوا اَلَّتِي تَبْغِي حَتّٰى تَفِيءَ إِلىٰ أَمْرِ اَللّٰهِ (4).

و بها استدلّ أئمّة الفقه كالشافعيّ على قتال أهل البغي(5). و أصحاب معاوية هم الفئة الباغية بنصّ من الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله.

و قال محمّد بن الحسن الشيباني الحنفي المتوفّى (187)(6):

لو لم يقاتل معاوية عليّا ظالما له، متعدّيا باغيا، كنّا لا نهتدي لقتال أهل البغي.

قال القرطبي في تفسيره(7):

في هذه الآية دليل على وجوب قتال الفئة الباغية، المعلوم بغيها على الإمام أو على أحد من المسلمين.

و قال الزيلعي في نصب الراية:

ص: 116


1- - راجع ص 993 من كتابنا تخليص الغدير.
2- - راجع: ص 1041-1042 و 1101 من تخليص الغدير.
3- - كنوز الدقائق: 145 [114/2].
4- - الحجرات: 9.
5- - سنن البيهقي 171:8.
6- - الجواهر المضيئة 26:2.
7- - الجامع لأحكام القرآن 317:16[208/16].

و أمّا أنّ الحقّ كان بيد عليّ في نوبته، فالدليل عليه قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لعمّار:

«تقتلك الفئة الباغية»، و لا خلاف أنّه كان مع عليّ و قتله أصحاب معاوية. قال إمام الحرمين في كتاب الإرشاد: و عليّ رضى اللّه عنه كان إماما حقّا في ولايته، و مقاتلوه بغاة، و حسن الظنّ بهم يقتضي أن يظنّ بهم قصد الخير و إن أخطأوه، و أجمعوا على أنّ عليّا كان مصيبا في قتال أهل الجمل، و هم طلحة، و الزبير، و عائشة، و من معهم، و أهل صفّين، و هم معاوية و عسكره، و قد أظهرت عائشة الندم(1).

و حقّا قالت عائشة: ما رأيت مثل ما رغبت عنه هذه الامّة من هذه الآية:

وَ إِنْ طٰائِفَتٰانِ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ اِقْتَتَلُوا... (2) . و امّ المؤمنين هي أوّل من رغبت عن هذه الآية، و ضيّعت حكمها، و خالفها و خرجت من عقر دارها، و تركت خدرها، و تبرّجت تبرّج الجاهليّة الاولى،(3) و حاربت إمام زمانها، و لعلّها ندمت و بكت حتّى بلّت خمارها، و لمّا...

و من هنا و هناك كان مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام يوجب قتال أهل الشام، و يقول: «لم أجد بدّا من قتالهم، أو الكفر بما انزل على محمّد صلّى اللّه عليه و آله»(4).

و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يأمر وجوه أصحابه كأمير المؤمنين، و أبي أيّوب الأنصاري و عمّار بن ياسر، بقتال الناكثين و القاسطين و المارقين. و قد مرّت

ص: 117


1- - هكذا حكاه الزيلعي عن الإرشاد و أنت تجده محرّفا عند الطبع؛ راجع الإرشاد: 433 [ص 365].
2- - السنن الكبرى للبيهقي 172:8؛ مستدرك الحاكم 156:2[168/2، ح 2664].
3- - [و قال اللّه تعالى مخاطبا نساء النبي صلّى اللّه عليه و آله: وَ لاٰ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ اَلْجٰاهِلِيَّةِ اَلْأُولىٰ الأحزاب/ 33].
4- - نهج البلاغة 94:1 [ص 84، خطبة 43]؛ كتاب الصفّين: 542 [ص 474]؛ مستدرك الحاكم 115:3[124/3، ح 4597]؛ شرح ابن أبي الحديد 183:1[208/2، خطبة 35].

أحاديثه(1). و كان من المتّفق عليه عند السلف أنّ القاسطين هم أصحاب معاوية.

فبأيّ حجّة و لو كانت داحضة، كان معاوية الّذي يجب قتله و قتاله يستسيغ محاربة عليّ أمير المؤمنين، و بين يديه كتاب اللّه و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله إن كان ممّن يقتصّ أثرهما؟! و في الذكر الحكيم قوله سبحانه: فَإِنْ تَنٰازَعْتُمْ فِي شَيْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اَللّٰهِ وَ اَلرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ اَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ(2). وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اَللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ اَلْكٰافِرُونَ (3). وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اَللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ اَلظّٰالِمُونَ (4). وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اَللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ اَلْفٰاسِقُونَ (5).

فلم يكن القتال أوّل فاصل لنزاع الامّة قبل الرجوع إلى محكمات الكتاب، و ما فيه فصل الخطاب من السنّة المباركة؛ و لذلك كان مولانا أمير المؤمنين يتمّ عليهم الحجّة بكتابه و خطابه، منذ بدء الأمر برفع الخصومة إلى الكتاب الكريم و هو عدله، و كان يخاطب وفد معاوية و يقول: «ألا إنّي أدعوكم إلى كتاب اللّه عزّ و جلّ و سنّة نبيّه»(6).

و من كتاب له عليه السّلام إلى معاوية و من قبله من قريش قوله: «ألا و إنّي أدعوكم إلى كتاب اللّه و سنّة نبيّه، و حقن دماء هذه الامّة»(7).

فلم يعبأوا به إلاّ بعد ما اضطرّوا إلى التترّس به. و قد أخبر بذلك الإمام قبل وقوع الواقعة، فيما كتب إلى معاوية: «و كأنّي بك غدا و أنت تضجّ من

ص: 118


1- - في ص 292-294 من كتابنا تلخيص الغدير.
2- - النساء: 59.
3- - المائدة: 44.
4- - المائدة: 45.
5- - المائدة: 47.
6- - تاريخ الامم و الملوك 4:6[8/5، حوادث سنة 37 ه].
7- - شرح نهج البلاغة 19:1[210/3، خطبة 48].

الحرب ضجيج الجمال من الأثقال، و ستدعوني أنت و أصحابي إلى كتاب تعظّمونه بألسنتكم، و تجحدونه بقلوبكم»(1).

فقد صدّق الخبر الخبر و اتّخذوه جنّة مكرا و خداعا يوم رفعت المصاحف، و كانوا كما قال مولانا أمير المؤمنين يومئذ: «عباد اللّه! إنّي أحقّ من أجاب إلى كتاب اللّه، و لكن معاوية، و عمرو بن العاص، و ابن أبي معيط، و حبيب بن مسلمة، و ابن أبي سرح، ليسوا بأصحاب دين و لا قرآن، إنّي أعرف بهم منكم، صحبتهم أطفالا، و صحبتهم رجالا، فكانوا شرّ أطفال و شرّ رجال، إنّها كلمة حقّ يراد بها الباطل. إنّهم و اللّه ما رفعوها أنّهم يعرفونها و يعملون بها، و لكنّها الخديعة و الوهن و المكيدة»(2).

و لم يأل الرسول الكريم صلّى اللّه عليه و آله جهدا في تحذير المسلمين عن التورّط في هذه الفتنة العمياء بخصوصها، و يعرّفهم مكانة أمير المؤمنين، و يكرّههم مسّه بشيء من الأذى من قتال، أو سبّ ، أو لعن، أو بغض، أو تقاعد عن نصرته، و يحثّهم على ولائه و اتّباعه و اقتصاص أثره، و الكون معه بعد ما قرن اللّه ولايته بولايته و ولاية الرسول، و طاعته بطاعتهما؛ فقال: إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اَللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا اَلَّذِينَ يُقِيمُونَ اَلصَّلاٰةَ وَ يُؤْتُونَ اَلزَّكٰاةَ وَ هُمْ رٰاكِعُونَ (3). و قوله تعالى(4): يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اَللّٰهَ وَ أَطِيعُوا

ص: 119


1- - المصدر السابق 411:3؛ 50:4[83/15، كتاب 10؛ 134/16، كتاب 32].
2- - راجع ما ذكرناه من كلمات الإمام عليه السّلام [ص 1043-1046 من كتابنا تلخيص الغدير]؛ ففيها المقنع لطالب الحقّ .
3- - المائدة: 54. راجع ما فصّلناه في ص 37-47 من كتابنا هذا.
4- - النساء: 59.

اَلرَّسُولَ وَ أُولِي اَلْأَمْرِ مِنْكُمْ (1) .

لكن معاوية لم يقنعه الكتاب و السنّة فباء بتلكم الآثام كلّها، و جانب هاتيك الأحكام الواجبة جمعاء، فكان من القاسطين و هو يرأسهم؛ وَ أَمَّا اَلْقٰاسِطُونَ فَكٰانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً(2).

تحكيم كتاب اللّه:

إنّ آخر بذرة بذرها ابن النابغة لخلافة معاوية المرومة منذ بدأ الأمر، و إن تستّر بها آونة على الأغبياء، و تترّس بطلب دم عثمان دون نيل الامنية بين القوم آونة اخرى، حين سوّلت له نفسه أن يستحوذ على إمرة المسلمين بالدسائس؛ فأوّل تلكم البذرة أو القنطرة الاولى الطلب بدم عثمان، و في آخر الحيل الدعوة إلى تحكيم كتاب اللّه و استقضائه في الواقعة بعد ما نبذوه وراء ظهورهم. و كان مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام يدعوهم - منذ أوّل ظهور الخلاف بينه و بين ابن هند، و منذ نشوب الحرب الطاحنة - إلى التحكيم الصحيح الّذي لا يعدو محكمات القرآن و نصوصه، لو لا أنّ ابن النابغة و صاحبه يسيّران على الامّة غدرا و مكرا، و على إمام الحقّ خيانة و ظلما غير ما يتظاهران به من تحكيم الكتاب، فوقع هنالك ما وقع من لوائح الفتنة، و مظاهر العدوان، بين دهاء ابن العاص و حماريّة الأشعري، بين قول أبي موسى لابن العاصي:

«لا وفّقك اللّه غدرت و فجرت، إنّما مثلك كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث»، و بين قول ابن العاصي لأبي موسى: «و إنّما مثلك مثل الحمار

ص: 120


1- - صحيح البخاري، باب التفسير [1674/4، ح 4308]؛ كتاب الأحكام [2611/6، ح 6718]؛ صحيح مسلم 13:6[114/4، ح 31، كتاب الإمارة].
2- - الجنّ : 15.

يحمل أسفارا»(1)؛ فوئد الحقّ ، و اودي بالحقيقة، بين شيطان و غبيّ ؛ فكان من المتسالم عليه بين الفريقين أنّ الخلافة هي المتوخّاة لكلّ منهما، و لذلك انعقد التحكيم، و به كان يلهج خطباء العراق و أمراؤهم عند النصح للأشعري، و زبانية الشام المنحازة عن ضوء الحقّ ، و بلج الإصلاح. فمن قول ابن عبّاس للأشعري:

«إنّه قد ضمّ إليك داهية العرب، و ليس في معاوية خلّة يستحقّ بها الخلافة، فإن تقذف بحقّك على باطله تدرك حاجتك منه، و إن يطمع باطله في حقّك يدرك حاجته منك. و اعلم يا أبا موسى! أنّ معاوية طليق الإسلام، و أنّ أباه رأس الأحزاب، و أنّه يدّعي الخلافة من غير مشورة و لا بيعة، فإن زعم لك أنّ عمر و عثمان استعملاه فلقد صدق، استعمله عمر و هو الوالي عليه بمنزلة الطبيب يحميه ما يشتهي، و يوجره(2) ما يكره، ثمّ استعمله عثمان برأي عمر، و ما أكثر من استعملا ممّن لم يدّع الخلافة. و اعلم أنّ لعمرو مع كلّ شيء يسرّك خبأ يسوؤك، و مهما نسيت فلا تنس أنّ عليّا بايعه القوم الّذين بايعوا أبا بكر و عمر و عثمان، و أنّها بيعة هدى، و أنّه لم يقاتل إلاّ العاصين و الناكثين»(3).

و من قول الأحنف بن قيس له: «ادع القوم إلى طاعة عليّ ، فإن أبوا

ص: 121


1- - الإمامة و السياسة 115:1[118/1]؛ كتاب صفّين: 628، طبعة مصر [ص 546]؛ العقد الفريد 291:2[146/4]؛ تاريخ الطبري 40:6[71/5، حوادث سنة 37 ه]؛ مروج الذهب 22:2[417/2 و 418]؛ كامل ابن الأثير 144:3[397/2، حوادث سنة 37 ه]؛ شرح ابن أبي الحديد 198:1[255/2-256، خطبة 35].
2- - «و جره الدواء أو جره إيّاه»: جعله في فيه. «أوجره الرمح»: طعنه. و «وجره»: أسمعه ما يكره.
3- - شرح نهج البلاغة 195:1[246/2، خطبة 35].

فادعهم أن يختار أهل الشام من قريش العراق من أحبّوا، و يختار من قريش الشام من أحبّوا»(1).

ص: 122


1- - الإمامة و السياسة 99:1، و في طبعة: ص 112 [116/1]؛ نهاية الإرب 239:7؛ شرح ابن أبي الحديد 196:1[249/2، خطبة 35].

سادسا أعداء القرآن

اشارة

ص: 123

ص: 124

1 - من كتاب لعليّ عليه السّلام إلى الرجل لمّا دعاه إلى التحكيم: «ثمّ إنّك قد دعوتني إلى حكم القرآن(1)، و لقد علمت أنّك لست من أهل القرآن و لا حكمه تريد، و اللّه المستعان»(2).

2 - بنو اميّة هم الّذين اتّخذوا عباد اللّه خولا، و مال اللّه نحلا، و كتاب اللّه دغلا(3)، كما أخبر به النبيّ الصادق الأمين(4).

و قال صلّى اللّه عليه و آله من طريق أبي ذرّ: «إذا بلغت بنو اميّة أربعين اتّخذوا عباد اللّه خولا، و مال اللّه نحلا(5)، و كتاب اللّه دغلا»(6).

و قال صلّى اللّه عليه و آله من طريق أبي ذرّ: «إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا اتّخذوا مال اللّه دولا، و عباد اللّه خولا، و دين اللّه دغلا». قال حلام بن جفال(7):

فانكر على أبي ذرّ؛ فشهد عليّ بن أبي طالب رضى اللّه عنه: «إنّي سمعت رسول اللّه يقول:

ما أظلّت الخضراء و لا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ، و أشهد أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قاله».

ص: 125


1- - [عند ما توسّعت الحرب بين جيش الإمام علي عليه السّلام و معاوية، و أوشك جيش الامام عليه السّلام أن يهزم معاوية حيث حاول الأخير الفرار، أمر عمرو العاص رفع المصاحف على رؤوس الرماح ليمنع أهل الكوفة من الزحف، و بذلك نجى معاوية من الموت].
2- - وقعة صفّين: 556 [ص 494]؛ نهج البلاغة 56:2 [ص 423، كتاب 48]؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 118:1[226/2، خطبة 35].
3- - [أي: يخدعون الناس، من قولهم: أدغلت في الأمر إذا أدخلت فيه ما يخالطه و يفسده].
4- - النزاع و التخاصم: 52 و 54 [ص 81]؛ الخصائص الكبرى 118:2[200/2].
5- - [في كنز العمّال: «دخلا»].
6- - مستدرك الحاكم 479:4[526/4، ح 8476]؛ و أخرجه ابن عساكر كما في كنز العمّال 39:6[165/11، ح 31058].
7- - [في المستدرك: «حلام بن جذل»، و في شرح النهج 257/8: «جلاّم بن جندل»].

أخرجه الحاكم من عدّة طرق و صحّحه هو و الذهبي كما في المستدرك(1).

و ذكر ابن حجر في تطهير الجنان(2) هامش الصواعق بسند حسّنه:

«أنّ مروان دخل على معاوية في حاجة و قال: إنّ مؤنتي عظيمة أصبحت أبا عشرة، و أخا عشرة، و عمّ عشرة، ثمّ ذهب. فقال معاوية لابن عبّاس و كان جالسا معه على سريره: انشدك باللّه يابن عبّاس! أما تعلم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: «إذا بلغ بنو أبي الحكم ثلاثين رجلا اتّخذوا آيات اللّه بينهم دولا، و عباد اللّه خولا، و كتابه دخلا؛ فإذا بلغوا سبعة و أربعمئة كان هلاكهم أسرع من كذا»؟ قال: أللّهم نعم».

3 - من خطبة لعمّار خطبها يوم صفّين قال: «امضوا معي عباد اللّه إلى قوم يطلبون فيما يزعمون بدم الظالم لنفسه، الحاكم على عباد اللّه بغير ما في كتاب اللّه، إنّما قتله الصالحون المنكرون للعدوان...».

4 - كتاب المهاجرين إلى مصر:

بسم اللّه الرحمن الرحيم

من المهاجرين الأوّلين و بقيّة الشورى إلى من بمصر من الصحابة و التابعين:

أمّا بعد، أن تعالوا إلينا و تداركوا خلافة رسول اللّه قبل أن يسلبها أهلها؛ فإنّ كتاب اللّه قد بدّل، و سنّة رسول اللّه قد غيّرت، و أحكام الخليفتين قد بدّلت... و كانت الخلافة بعد نبيّنا خلافة نبوّة و رحمة، و هي اليوم ملك عضوض من غلب على شيء أكله»(3).

عهد الخليفة على نفسه أن يعمل بالكتاب و السنّة و ذلك في سنة (35 ه):

أخرج البلاذري من رواية أبي مخنف في الأنساب(4): إنّ المصريّين وردوا المدينة فأحاطوا و غيرهم بدار عثمان في المرّة الاولى... و أتى المغيرة بن شعبة [عثمان](5) فقال له: دعني آت القوم فأنظر ما يريدون. فمضى نحوهم، فلمّا دنا

ص: 126


1- - المستدرك على الصحيحين 480:4[527/4، ح 8478].
2- - تطهير الجنان: 147 [ص 64. و فيه: «دغلا»، بدلا من: «دخلا»].
3- - الإمامة و السياسة 32:1[37/1].
4- - أنساب الأشراف 62:5[179/6].
5- - [الزيادة من المصدر].

منهم صاحوا به: يا أعور! وراءك، يا فاجر! وراءك، يا فاسق! وراءك؛ فرجع.

و دعا عثمان عمرو بن العاص فقال له: ائت القوم فادعهم إلى كتاب اللّه و العتبى ممّا ساءهم. فلمّا دنا منهم سلّم فقالوا: لا سلّم اللّه عليك، ارجع يا عدوّ اللّه! راجع يابن النابغة! فلست عندنا بأمين و لا مأمون. فقال له ابن عمر و غيره:

ليس لهم إلاّ عليّ بن أبي طالب. [فبعث عثمان إلى عليّ ](1) فلمّا أتاه قال: يا أبا الحسن! ائت هؤلاء القوم فادعهم إلى كتاب اللّه و سنّة نبيّه. قال: «نعم، إن أعطيتني عهد اللّه و ميثاقه على أنّك تفي لهم بكلّ ما أضمنه عنك». قال: «نعم».

فأخذ عليّ عليه عهد اللّه و ميثاقه على أوكد ما يكون و أغلظ، و خرج إلى القوم فقالوا: وراءك. قال: «لا، بل أمامي، تعطون كتاب اللّه و تعتبون من كلّ ما سخطتم»، فعرض عليهم ما بذل عثمان؛ فقالوا: أ تضمن ذلك عنه ؟! قال:

«نعم». قالوا: رضينا. و أقبل وجوههم و أشرافهم مع عليّ حتّى دخلوا على عثمان و عاتبوه فأعتبهم من كلّ شيء فقالوا: اكتب بهذا كتابا؛ فكتب:

بسم اللّه الرحمن الرحيم

هذا كتاب من عبد اللّه عثمان أمير المؤمنين لمن نقم عليه من المؤمنين و المسلمين. إنّ لكم أن أعمل فيكم بكتاب اللّه و سنّة نبيّه، يعطى المحروم، و يؤمن الخائف، و يردّ المنفيّ ، و لا تجمّر(2) البعوث، و يوفّر الفيء، و عليّ بن أبي طالب ضمين المؤمنين و المسلمين على عثمان بالوفاء [بما](3) في هذا الكتاب.

و كتب في ذي العقدة سنة خمس و ثلاثين.

فأخذ كلّ قوم كتابا فانصرفوا.

و قال عليّ بن أبي طالب عليه السّلام لعثمان: «اخرج فتكلّم كلاما يسمعه الناس و يحملونه عنك و أشهد اللّه ما في قلبك؛ فإنّ البلاد قد تمخّضت عليك، و لا تأمن

ص: 127


1- - أنساب الأشراف [179/6].
2- - «تجمّر الجيش»: تحبّس في أرض العدوّ و لم يقفل.
3- - [الزيادة من المصدر].

أن يأتي ركب آخر من الكوفة أو من البصرة أو من مصر فتقول: يا عليّ ! اركب إليهم. فإن لم أفعل قلت: قطع رحمي، و استخفّ بحقّي»؛ فخرج عثمان فخطب الناس فأقرّ بما فعل و استغفر اللّه منه، و قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: «من زلّ فلينب»؛ فأنا أوّل من اتّعظ؛ فإذا نزلت فليأتني أشرافكم فليردّوني برأيهم، فو اللّه لو ردّني إلى الحقّ عبد لاتّبعته و ما عن اللّه مذهب إلاّ إليه؛ فسرّ الناس بخطبته و اجتمعوا إلى بابه مبتهجين بما كان منه.

5 - من خطبة له عليه السّلام حين أمر أصحابه بالمسير إلى حرب معاوية قال:

«سيروا إلى أعداء اللّه، سيروا إلى أعداء السنن و القرآن، سيروا إلى بقيّة الأحزاب، قتلة المهاجرين و الأنصار»(1).

6 - من خطبة له عليه السّلام لمّا رفع أهل الشام المصاحف على الرماح: «عباد اللّه! إنّي أحقّ من أجاب إلى كتاب اللّه، و لكن معاوية، و عمرو بن العاص، و ابن أبي معيط، و حبيب بن مسلمة، و ابن أبي سرح، ليسوا بأصحاب دين و لا قرآن، إنّي أعرف بهم منكم، صحبتهم أطفالا، و صحبتهم رجالا، فكانوا شرّ أطفال و شرّ رجال، إنّها كلمة حقّ يراد بها الباطل. أنّهم و اللّه ما رفعوها أنّهم يعرفونها و يعملون بها، و لكنّها الخديعة و الوهن و المكيدة، أعيروني سواعدكم و جماجمكم ساعة واحدة، فقد بلغ الحقّ مقطعه، و لم يبق إلاّ أن يقطع دابر الّذين ظلموا»(2).

7 - كان ابن هند في الأمر كما كتب إليه الإمام عليه السّلام: «لست تقول فيه بأمر بيّن يعرف له أثر، و لا عليك منه شاهد، و لست متعلّقا بآية من كتاب اللّه، و لا عهد من رسول اللّه»(3).

ص: 128


1- - وقعة صفّين: 105 [ص 113]؛ جمهرة خطب العرب 314:1، خطبة 199 [142/1].
2- - وقعة صفّين: 179 [ص 489]؛ تاريخ الامم و الملوك 27:6[48/5]؛ الكامل في التاريخ لابن الأثير 136:2[386/2، حوادث سنة 37 ه].
3- - كتاب صفّين لابن مزاحم: 122 [ص 109]؛ شرح ابن أبي الحديد 412:3[86/15].

سابعا نهي الخليفة عن تفسير القرآن و السّؤال عن مشكلاته

اشارة

ص: 129

ص: 130

إجتهاد الخليفة في السؤال عن مشكلات القرآن:

1 - عن أنس: «إنّ عمر بن الخطّاب جلد صبيغا الكوفي في مسألة عن حرف من القرآن حتّى اضطربت الدماء في ظهره».

و عن الزهري: «إنّ عمر جلد صبيغا لكثرة مساءلته عن حروف القرآن حتّى اضطربت الدماء في ظهره»(1).

قال الغزالي في الإحياء(2): «و عمر هو الّذي سدّ باب الكلام و الجدل و ضرب صبيغا بالدرّة لمّا أورد عليه سؤالا في تعارض آيتين في كتاب اللّه و هجره و أمر الناس بهجره».

2 - عن عبد الرحمن بن يزيد: أنّ رجلا سأل عمر عن وَ فٰاكِهَةً وَ أَبًّا فلمّا رآهم يقولون أقبل عليهم بالدرّة(3).

قال الأميني: أحسب أنّ في مقول العراجين، و لسان المخصرة، و منطق الدرّة الجواب الفاصل عن كلّ ما لا يعلمه الإنسان؛ و إليه يوعز قول الخليفة: نهينا عن التكلّف، في الجواب عن أبسط سؤال يعلمه كلّ عربيّ صميم؛ ألا و هو معنى الأبّ المفسّر في نفس الكتاب المبين بقوله تعالى: مَتٰاعاً لَكُمْ وَ لِأَنْعٰامِكُمْ (4).

ص: 131


1- - سنن الدارمي 54:1 و 55؛ تاريخ ابن عساكر 384:6[411/23، رقم 2846؛ و في مختصر تاريخ دمشق 46/11]، سيرة عمر لابن الجوزي: 109 [ص 117]؛ الدرّ المنثور 111:6[614/7].
2- - إحياء علوم الدين 30:1[28/1].
3- - فتح الباري 230:13[271/13]؛ الدرّ المنثور 317:6[422/8].
4- - عبس: 32.

و أنا لا أعلم أنّ السائلين بما ذا استحقّوا الإدماء و الإيجاع بمحض السؤال عمّا لا يعلمونه من مشكل القرآن أو ما غاب عنهم من لغته ؟! و ليس في ذلك شيء ممّا يوجب الإلحاد. لكنّ القصص جرت على ما ترى.

ثمّ ما ذنب المجيبين بعلم عن السؤال عن الأبّ؟! و لما ذا أقبل عليهم الخليفة بالدرّة ؟! و هل تبقى قائمة لاصول التعليم و التعلّم و الحالة هذه ؟!

و لعلّ الامّة قد حرمت ببركة تلك الدرّة عن التقدّم و الرقيّ في العلم بعد أن آل أمرها إلى أن هاب مثل ابن عبّاس أن يسأل الخليفة عن قوله تعالى:

وَ إِنْ تَظٰاهَرٰا عَلَيْهِ (1) و قال: مكثت سنتين اريد أن أسأل عمر بن الخطّاب عن حديث ما منعني منه إلاّ هيبته(2). و قال: مكثت سنة و أنا اريد أن أسأل عمر بن الخطّاب رضوان اللّه عليه عن آية فلا أستطيع أن أسأله هيبة(3).

قال عمر: «جرّدوا القرآن و لا تفسّروه»:

و أردف الحادث في مشكل القرآن، بحادث أفظع؛ و هو نهي الخليفة عن الحديث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أو عن إكثاره، و ضربه و حبسه وجوه الصحابة بذلك.

في لفظ الطبري(4): كان عمر يقول: «جرّدوا القرآن و لا تفسّروه، و أقلّوا

ص: 132


1- - التحريم: 4؛ انظر مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي 8:5 [نقل الإمام أبو إسحاق الثعلبي يرفعه بسنده في تفسيره 348/9 إلى أسماء بنت عميس قالت: وَ إِنْ تَظٰاهَرٰا عَلَيْهِ فَإِنَّ اَللّٰهَ هُوَ مَوْلاٰهُ وَ جِبْرِيلُ وَ صٰالِحُ اَلْمُؤْمِنِينَ سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: «صالح المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام»؛ انظر الغدير/ 684].
2- - كتاب العلم لأبي عمر: 56 [ص 135، ح 664].
3- - سيرة عمر بن الخطّاب لابن الجوزي: 118 [ص 126].
4- - تاريخ الامم و الملوك [204/4، حوادث سنة 23 ه].

الرواية عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أنا شريككم(1)».

و أخرج الطبراني عن إبراهيم بن عبد الرحمن: «إنّ عمر حبس ثلاثة:

ابن مسعود، و أبا الدرداء، و أبا مسعود الأنصاري؛ فقال: قد أكثرتم الحديث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، حبسهم بالمدينة حتّى استشهد(2)».

و أخرج الذهبي في التذكرة(3) عن أبي سلمة، قال: «قلت لأبي هريرة:

أ كنت تحدّث في زمان عمر هكذا؟ فقال: لو كنت احدّث في زمان عمر مثل ما احدّثكم لضربني بمخفقته».

و قال أبو هريرة: «ما كنّا نستطيع أن نقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتّى قبض عمر»(4).

قال الأميني: هل خفي على الخليفة أنّ ظاهر الكتاب لا يغني الامّة عن السنّة، و هي لا تفارقه حتّى يردا على النبيّ الحوض، و حاجة الامّة إلى السنّة لا تقصر عن حاجتها إلى ظاهر الكتاب ؟! و الكتاب كما قال الأوزاعي و مكحول: أحوج إلى السنّة من السنّة إلى الكتاب(5).

و بعد نهي الامّة المسلمة عن علم القرآن، و إبعادها عمّا في كتابها من المعاني الفخمة و الدروس العالية من ناحية العلم و الأدب و الدين و الاجتماع و السياسة و الأخلاق و التاريخ، و سدّ باب التعلّم و الأخذ بالأحكام و الطقوس ما لم يتحقّق و يقع موضوعها، و التجافي عن التهيّؤ للعمل بدين اللّه قبل وقوع

ص: 133


1- - شرح ابن أبي الحديد 120:3[93/12، الخطبة 223].
2- - تذكرة الحفّاظ 7:1 [رقم 2]؛ مجمع الزوائد 149:1. و صحّحه محشّي الكتاب؛ فقال: «هذا صحيح عن عمر من وجوه كثيرة، و كان عمر شديدا في الحديث».
3- - تذكرة الحفّاظ 7:1.
4- - البداية و النهاية 107:8[115/8، حوادث سنة 59 ه].
5- - جامع بيان العلم 191:2 [ص 429، ح 2071 و 2073].

الواقعة، و منعها عن معالم السنّة الشريفة و الحجز عن نشرها في الملأ، فبأيّ علم ناجع، و بأيّ حكم و حكم تترفّع و تتقدّم الامّة المسكينة على الامم ؟! و بأيّ كتاب و بأيّة سنّة نتأتّى لها سيادة العالم الّتي أسّسها لها صاحب الرسالة الخاتمة ؟! فسيرة الخليفة هذه ضربة قاضية على الإسلام و على امّته و تعاليمها و شرفها و تقدّمها و تعاليها علم بها هو أو لم يعلم.

حديث كتابة السنن:

عن عروة: أنّ عمر بن الخطّاب أراد أن يكتب السنن، فاستفتى أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في ذلك، فأشاروا عليه أن يكتبها، فطفق عمر يستخير اللّه فيها شهرا، ثمّ أصبح يوما و قد عزم اللّه له فقال: إنّي كنت اريد أن أكتب السنن، و إنّي ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتابا فأكبّوا عليها و تركوا كتاب اللّه، و إنّي و اللّه لا أشوب كتاب اللّه بشيء أبدا(1).

و قد اقتفى أثر الخليفة جمع و ذهبوا إلى المنع عن كتابة السنن خلافا للسنّة الثابتة عن الصادع الكريم(2).

ص: 134


1- - طبقات ابن سعد 206:3[287/3]؛ مختصر جامع بيان العلم: 33 [ص 62، ح 58].
2- - راجع سنن الدارمي 125:1؛ مستدرك الحاكم 104:1-106[186/1-187، ح 357 - 359]؛ مختصر جامع العلم: 36 و 37 [ص 68-72، ح 61-63].

ثامنا حول قول الرّجل: «حسبنا كتاب اللّه»

ص: 135

ص: 136

أخرج الحاكم(1) عن عبد الرحمن بن أبي بكر، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:

ائتني بدواة و كتف(2) أكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعده أبدا. ثمّ قال: يأبى اللّه و المؤمنون إلاّ أبا بكر.

عن عائشة قالت: قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في مرضه الّذي مات فيه: ادعي لي أباك و أخاك أكتب كتابا، فإنّي أخاف أن يتمنّى متمنّ و يقول قائل: أنا أولى، و يأبى اللّه و المؤمنون إلاّ أبا بكر(3).

أخرجه(4) مسلم و أحمد و غيره من طرق عنها، و في بعضها: قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في مرضه الّذي مات فيه: ادعي لي عبد الرحمن بن أبي بكر، أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه أحد. ثمّ قال: دعيه معاذ اللّه أن يختلف المؤمنون في أبي بكر.

و عن عائشة مرفوعا: «لقد هممت أن أرسل إلى أبي بكر و ابنه (أراد به عبد الرحمن) و أعهد (أي: أوصي أبا بكر بالخلافة بعدي)، أن يقول القائلون (أي: كراهة أن يقول قائل: أنا أحقّ منه بالخلافة) أو يتمنّى المتمنّون (أي: أو يتمنّى أحد أن يكون الخليفة غيره) ثمّ قلت: يأبى اللّه و يدفع المؤمنون (يعني تركت الإيصاء اعتمادا على أنّ اللّه تعالى يأبى عن كون غيره خليفة، و أن يدفع المؤمنون غيره) أو: يدفع اللّه و يأبى المؤمنون».

ص: 137


1- - مستدرك الحاكم [542/3، ح 6016].
2- - [المراد من الكتف: عظم الكتف، كانوا يكتبون عليه قديما].
3- - كنز العمّال 139:6[550/11، ح 32583].
4- - صحيح مسلم [10/5، ح 11، كتاب فضائل الصحابة؛ مسند أحمد 153/7، ح 24230]؛ الصواعق المحرقة: 22 [ص 13].

أخرجه الصغاني في مشارق الأنوار عن البخاري(1)، و في هامشه: لم نجده في صحيح البخاري فليراجع. و شرحه ابن الملك بما جعلناه بين القوسين في شرحه. و ذكره ابن حزم في الفصل(2) فقال:

فهذا نصّ جليّ على استخلافه - عليه الصلاة و السّلام - أبا بكر على ولاية الامّة بعده.

هذه صورة ممسوخة من حديث الكتف و الدواة و المرويّ بأسانيد جمّة في الصحاح و المسانيد، و في مقدّمها الصحيحان. حوّلوه إلى هذه الصورة لمّا رأوا الصورة الصحيحة من الحديث لا تتمّ بصالحهم، لكنّها الرزيّة كلّ الرزيّة كما قاله ابن عبّاس في الصحيح؛ فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله منع في وقته عن كتابة ما رامه من الإيصاء بما لا تضلّ الامّة بعده، و كثر هناك اللغط، و رمي صلّى اللّه عليه و آله بما لا يوصف به، أو قال قائلهم: إنّ الرجل ليهجر، أو: إنّ الرجل غلبه الوجع. و بعد وفاته صلّى اللّه عليه و آله قلبوا ذلك التاريخ الصحيح إلى هذا المفتعل وراء أمر دبّر بليل.

قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة(3):

وضعوه في مقابلة الحديث المرويّ عنه في مرضه: «ائتوني بدواة و بياض أكتب لكم ما لا تضلّون بعده أبدا» فاختلفوا عنده، و قال قوم منهم: لقد غلبه الوجع، حسبنا كتاب اللّه.

قال الأميني: لا تخلو هذه الاستعاذة(4) إمّا أن تكون في حيّز الإخبار عن عدم الاختلاف، أو في مقام النهي عنه.

و على الأوّل: يلزم منه الكذب؛ لوقوع الاختلاف - و أيّ اختلاف - بالضرورة من أمير المؤمنين و بني هاشم و من التفّ بهم من صدور الصحابة، و من سيّد الخزرج سعد بن عبادة(5) و بقيّة الأنصار. و إن أخضعت الظروف

ص: 138


1- - صحيح البخاري [2145/5، ح 5342].
2- - الفصل 108:4.
3- - شرح نهج البلاغة 17:3[49/11، الخطبة 203].
4- - في قوله صلّى اللّه عليه و آله: «معاذ اللّه أن يختلف المؤمنون».
5- - [سعد بن عبادة لم يبايع أبا بكر، و لم يبايع بعد وفاة أبي بكر عمر أيضا، حتى قتل بأمر -

و الأحوال اولئك المتخلّفين عن البيعة للخلافة المنتخبة بعد برهة، فقد كان في القلوب ما فيها إلى آخر أعمارهم، و في قلوب شيعتهم و أتباعهم إلى يوم لقاء اللّه، و كان لأمير المؤمنين عليه السّلام و آله و شيعته في كلّ فجوة من الوقت و فرصة من الزمن نبرات و تنهّدات، ينبئ فيها عن الحقّ المغتصب و الخليفة المهتضم.

و على الثاني: يلزم تفسيق امّة كبيرة من أعيان الصحابة؛ لمخالفتهم نهي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بما شجر بينهم و بين القوم من الخلاف المستعاذ منه باللّه في أمر الخلافة، و هذا لا يلتئم مع حكمهم بعدالة الصحابة أجمعين، إلاّ أن يخصّوها بغير أمير المؤمنين و من انضوى إليه، و كلّ هذا يؤدّي إلى بطلان الرواية.

و هلمّ معي إلى امّ المؤمنين الراوية لها نسائلها عن أنّها لم لم تنبس يوم التنازع عمّا روته ببنت شفة، فتجابه من ينازع أباها بنصّ الرسول الأمين و أخّرت البيان عن وقت الحاجة ؟! و لعلّها تجيب بأنّها لم تسمع قطّ من بعلها الكريم شيئا ممّا الصق بها، لكن رواة السوء بعد وفاتها لم ترع لها كرامة فصعّدت و صوّبت. و شاهد هذا الجواب ما ورد عنها(1) بطريق صحيح ما ينافي الاستخلاف.

وَ لَئِنِ اِتَّبَعْتَ أَهْوٰاءَهُمْ بَعْدَ مٰا جٰاءَكَ مِنَ اَلْعِلْمِ مٰا لَكَ مِنَ اَللّٰهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لاٰ وٰاقٍ (2) .

نهى عمر بقوله: «حسبنا كتاب اللّه» عن تفسير القرآن و الحديث عن رسول اللّه و كتابة الحديث كما مرّ(3)، و أمر أيضا بإعدام الكتب و إحراقها رأي الخليفة في الكتب:

أضف إلى الحوادث السابقة - حادث مشكلات القرآن، و حادث الحديث

ص: 139


1- - انظر تلخيص الغدير/ 493-494.
2- - الرعد: 37.
3- - في ص 131-134 من كتابنا هذا.

عن رسول اللّه - رأي الخليفة و اجتهاده حول الكتب و المؤلّفات.

أتى رجل من المسلمين إلى عمر فقال: إنّا لمّا فتحنا المدائن أصبنا كتابا فيه علم من علوم الفرس و كلام معجب؛ فدعا بالدرّة فجعل يضربه بها ثمّ قرأ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ اَلْقَصَصِ (1) و يقول: ويلك أقصص أحسن من كتاب اللّه ؟ إنّما هلك من كان قبلكم، لأنّهم أقبلوا على كتب علمائهم و أساقفتهم و تركوا التوراة و الإنجيل حتّى درسا و ذهب ما فيهما من العلم(2).

و جاء في تاريخ مختصر الدول(3) لأبي الفرج الملطي المتوفّى (684) من طبعة بوك في اوكسونيا سنة (1663 م) ما نصّه:

و عاش - يحيى الغراماطيقي - إلى أن فتح عمرو بن العاص مدينة الإسكندريّة و دخل على عمرو و قد عرف موضعه من العلوم فأكرمه عمرو و سمع من ألفاظه الفلسفيّة الّتي لم تكن للعرب بها انسة ما هاله، ففتن به و كان عاقلا، حسن الاستماع، صحيح الفكر، فلازمه و كان لا يفارقه.

ثمّ قال له يحيى يوما: إنّك قد أحطت بحواصل الإسكندريّة و ختمت على كلّ الأصناف الموجودة بها، فما لك به انتفاع فلا نعارضك فيه، و ما لا انتفاع لك به فنحن أولى به. فقال له عمرو: ما الّذي تحتاج إليه ؟ قال:

كتب الحكمة الّتي في الخزائن الملوكيّة. فقال عمرو: هذا ما لا يمكنني أن آمر فيه إلاّ بعد استئذان أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب. فكتب إلى عمر و عرّفه قول يحيى. فورد عليه كتاب عمر يقول فيه: و أمّا الكتب الّتي ذكرتها، فإن كان فيها ما وافق كتاب اللّه، ففي كتاب اللّه عنه غنى،

ص: 140


1- - يوسف: 3.
2- - تاريخ عمر بن الخطّاب لابن الجوزي: 107 [ص 116]؛ شرح نهج البلاغة 122:3 [101/12، خطبة 223]؛ كنز العمّال 95:1[374/1، ح 1632].
3- - تاريخ مختصر الدول: 180 [ص 103].

و إن كان فيها ما يخالف كتاب اللّه فلا حاجه إليه؛ فتقدّم بإعدامها. فشرع عمرو بن العاص في تفريقها على حمّامات الإسكندريّة و إحراقها في مواقدها فاستنفدت في مدّة ستّة أشهر. فاسمع ما جرى و اعجب.

هذه الجملة من كلام الملطي ذكرها جرجي زيدان في تاريخ التمدّن الإسلاميّ (1) برمّتها، فقال في التعليق عليها:

النسخة المطبوعة في مطبعة الآباء اليسوعيين في بيروت قد حذفت منها هذه الجملة كلّها لسبب لا نعلمه.

و قال عبد اللطيف البغدادي المتوفّى (629) هجري في الإفادة و الاعتبار(2):

رأيت أيضا حول عمود السواري(3) من هذه الأعمدة بقايا صالحة بعضها صحيح و بعضها مكسور، و يظهر من حالها أنّها كانت مسقوفة و الأعمدة تحمل السقف و عمود السواري عليه قبّة هو حاملها. و أرى أنّه الرواق الّذي كان يدرس فيه أرسطوطاليس و شيعته من بعده، و أنّه دار المعلّم الّتي بناها الإسكندر حين بنى مدينته، و فيها كانت خزانة الكتب الّتي أحرقها عمرو بن العاص بإذن عمر رضى اللّه عنه.

و كان رأي الخليفة هذا عامّا على جميع الكتب في الأقطار الّتي فتحتها يد الإسلام. قال صاحب كشف الظنون(4):

إنّ المسلمين لمّا فتحوا بلاد فارس و أصابوا من كتبهم، كتب سعد بن أبي

ص: 141


1- - تاريخ التمدّن الإسلاميّ 40:3 [مؤلّفات جرجي زيدان الكاملة، تاريخ التمدّن الإسلامي/مج 635/11].
2- - الإفادة و الاعتبار: 28 [ص 132].
3- - [هو من جملة الأعمدة الموجودة في الرواق الّذي كان أرسطو يلقي فيه درس الحكمة، حيث كان هذا العمود يحمل السقف].
4- - كشف الظنون 446:1[679/1].

وقّاص إلى عمر بن الخطّاب يستأذنه في شأنها و تنقيلها للمسلمين.

فكتب إليه عمر رضى اللّه عنه: أن اطرحوها في الماء؛ فإن يكن ما فيها هدى فقد هدانا اللّه تعالى بأهدى منه، و إن يكن ضلالا فقد كفانا اللّه تعالى.

فطرحوها في الماء أو في النار فذهبت علوم الفرس فيها.

و قال(1) في أثناء كلامه عن أهل الإسلام و علومهم:

إنّهم أحرقوا ما وجدوا من الكتب في فتوحات البلاد.

و قال ابن خلدون في تاريخه(2):

فالعلوم كثيرة و الحكماء في امم النوع الإنسانيّ متعدّدون، و ما لم يصل إلينا من العلوم أكثر ممّا وصل؛ فأين علوم الفرس الّتي أمر عمر رضى اللّه عنه بمحوها عند الفتح ؟!

قال الأميني: ليس النظر في كتب الأوّلين على إطلاقه محظورا و لا سيّما إذا كانت كتبا علميّة أو صناعيّة أو حكميّة أو أخلاقيّة أو طبّيّة أو فلكيّة أو رياضيّة إلى أمثالها، و أخصّ منها ما كان معزوّا إلى نبيّ من الأنبياء عليهم السّلام كدانيال إن صحّت النسبة و لم يطرقه التحريف.

نعم، إذا كان كتاب ضلال من دعاية إلى مبدء باطل، أو دين منسوخ، أو شبهة موجّهة إلى مبادئ الإسلام، يحرم النظر فيه للبسطاء القاصرين عن الجواب و النقد، و أمّا من له منّة الدفع أو مقدرة الحجاج فإنّ نظره فيه لإبطال الباطل و تعريف الناس بالحقّ الصراح من أفضل الطاعات.

و لا منافاة بين كون القرآن أحسن القصص و بين أن يكون في الكتب علم ناجع، أو حكمة بالغة، أو صناعة تفيد المجتمع، أو علوم يستفيد بها البشر، و إن كان ما في القرآن أبعد من ذلك مغزى، و أعمق منتهى، و أحكم صنعا، غير

ص: 142


1- - المصدر السابق 25:1 [ص 33 في المقدّمة].
2- - تاريخ ابن خلدون 32:1[50/1].

أنّ قصر الأفهام عن مغازي القرآن الكريم ترك الناس لا يستنبطون تلك العلوم، مع إخباتهم إلى أنّه لا يغادر صغيرة و لا كبيرة إلاّ أحصاها، و لا رطب و لا يابس إلاّ في كتاب مبين؛ فالمنع عن النظر في تلك الكتب جناية على المجتمع و إبعاد عن العلوم، و تعزير الناظر فيها لا يساعده قانون الإسلام العامّ كتابا و سنّة.

و اللّه يعلم ما خسره المسلمون بإبادة تلك الثروة العلميّة في الإسكندريّة و تشتيت ما في بلاد الفرس من حضارة راقية، و صنائع مستطرفة لا ترتبطان بهدى أو ضلال كما حسبه الخليفة في كتب الفرس، و لا تناطان بموافقة الكتاب أو مخالفته كما زعمه في أمر مكتبة الإسكندريّة العامرة. و ما كان يضرّ المسلمين لو حصلوا على ذلك الثراء العلميّ .

نعم، أعقب ذلك العمل الممقوت تقهقرا في العلوم، و فقرا في الدنيا، و سمعة سيّئة لحقت العروبة و الإسلام؛ و في النقّاد من يحسبه توحّشا، و فيهم من يعدّه من عمل الجاهلين. و نحن نكل الحكم فيه إلى العقل السليم، و المنطق الصحيح.

على أنّ الخليفة كان يسعه أن ينتقي من هذه الكتب ما أوعزنا إليه ممّا ينجع المجتمع البشريّ ، و يتلف ما فيه الإلحاد و الضلال، لكنّه لم يفعل و مضى التاريخ كما وقعت القصّة.

ص: 143

ص: 144

تاسعا تفسير القرآن بالرّأى

اشارة

ص: 145

ص: 146

1 - الآيات النازلة في أبي بكر

قال العبيدي المالكي في عمدة التحقيق(1) عن الشيخ زين العابدين البكري:

لمّا قرأت عليه قصيدة جدّه محمّد البكري و منها:

لئن كان مدح الأوّلين صحائفا *** فإنّا لآيات الكتاب فواتح

قال: المراد بأوّل الكتاب: الم * ذٰلِكَ اَلْكِتٰابُ ؛ فالألف أبو بكر، و اللام للّه، و الميم محمّد.

و ذكر البغوي(2):

أنّ المراد من قوله تعالى: وَ اِتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنٰابَ إِلَيَّ (3) هو أبو بكر.

و ذكر أهل التفسير في قوله تعالى: وَ لاٰ يَأْتَلِ أُولُوا اَلْفَضْلِ مِنْكُمْ وَ اَلسَّعَةِ (4)أنّه الصدّيق؛ قال الشيخ محمّد زين العابدين:

كان للصدّيق ثلاثمئة كرسيّ و ستّون كرسيّا على كلّ كرسيّ حلّة بألف دينار.

قال الأميني: لا يسعنا الولوج في الكلام حول الآيات الّتي تقوّل القوم نزولها فيه، و قد حرّفوا آيا كثيرة، و قالوا في كتاب اللّه ما سوّلت لهم الميول و الشهوات، وراقهم الغلوّ في الفضائل لدة ما سمعت من المخازي.

كما لا نفيض القول في الغلوّ الفاحش فيه بالقريض؛ مثل قول الشاعر

ص: 147


1- - عمدة التحقيق: 134 [ص 228].
2- - تفسير البغوي [492/3].
3- - لقمان: 15.
4- - النور: 22.

العلاّمة الملاّ حسن أفندي البزّاز الموصلي في ديوانه(1).

نعم، لنا حقّ النظر في ثروة أبي بكر الّتي منحوه إيّاها، فكانت من جرّائها له المنن على رسول اللّه و على الدين و المسلمين، تلك الثروة الطائلة الّتي هيّأت له ألف ألف أوقية؛ كما جاء فيما أخرجه النسائي(2) عن عائشة قالت: فخرت بمال أبي في الجاهليّة و كان ألف ألف أوقية(3).

و نضّدت له ثلاثمئة و ستّين كرسيّا في داره، و أسدلت على كلّ كرسيّ حلّة بألف دينار؛ كما عن الشيخ محمّد زين العابدين البكري.

و أنت تعلم ما يستتبع هذا التجمّل من لوازم و آثار، و أثاث و رياش، و مناضد و أواني و فرش، لا تقصر عنها في القيمة، و ما يلزم من خدم و حشم، و قصور شاهقة، و غرف مشيّدة، و ما يلازم هذه البسطة في المال من خيل و ركاب و أغنام و مواشي و ضيعة و عقار، إلى غيرها من توابع الجاه و المال.

أنا لا أدري أيّ باحة كانت تقلّ ذلك كلّه و لم يفز بمثلها يومئذ أحد من ملوك الدنيا؟!

و هل كانت الكراسيّ المذكورة منضّدة في غرفة واحدة ؟! فما أكبرها من غرفة! تضاهي ميادين القتال، و مفازات البراري! و ما أكبر الدار الّتي هي إحدى غرفها! و أيّ يوم كان يوم قبول أبي بكر، تزدلف إليه فيه الرجال فتجلس على تلكم الكراسي ؟!

و لم لا نسمع من السير و التواريخ عن ذلك اليوم ركزا؟! أ كان في أفواه الجالسين عليها أوكية عن نقل شيء من حديثه ؟! و طبع الحال يقضي أن يكون

ص: 148


1- - ديوان الملاّ حسن أفندي: 42.
2- - ميزان الاعتدال 341:2[375/3، رقم 6823]؛ تهذيب التهذيب 325:8[291/8].
3- - «الأوقية»: أربعون درهما.

في ذلك المحتشد العظيم المتكرّر في كلّ أسبوع، و على الأقلّ في كلّ شهر، و أقلّ منه في كلّ سنة، و لا أقلّ من انعقاده في العمر مرّة، من الأنباء ما لا يلهو التاريخ عن ذكره، و لا يستسهل المورّخ تركه، لكنّك بالرغم من ذلك كلّه لا تجد عنه إلاّ همسا يتخافت به العبيدي بعد لأي من عمر الدهر.

و من أيّ حرفة أو مهنة أو صنعة أو ضياع حصل الرجل على مليون أوقية من النقود؟! و كان يومئذ يوم فاقة لقريش، و كانوا كما وصفتهم الصدّيقة الطاهرة في خطبتها مخاطبة أبا بكر و القوم معه: «كنتم تشربون الطّرق(1)، و تقتاتون الورق، أذلّة خاشعين تخافون أن يتخطّفكم الناس من حولكم فأنقذكم اللّه برسوله»(2).

و لعلّ في ذلك اليوم كان ما رواه الماوردي في أعلام النبوّة(3) من طريق مالك بن أنس: «أنّه بلغه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله دخل المسجد فوجد أبا بكر و عمر رضي اللّه عنهما فسألهما فقال: ما أخرجكما؟ فقالا: أخرجنا الجوع. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: و أنا أخرجني الجوع؛ فذهبوا إلى أبي الهيثم بن التيّهان فأمر له بحنطة أو شعير عنده يعمل...».

ثمّ متى أدركت عائشة العهد الجاهليّ و قد ولدت بعد المبعث بأربع أو خمس سنين(4)؟ و هل كانت تفخر في دور الإسلام بثروة بائدة في الجاهليّة و صاحبها جائع في الحال الحاضر؟!

و لست أدري ما الّذي قضى على تلكم الآلاف المؤلّفة ؟! و ما الّذي أفناها

ص: 149


1- - «الطرق» بفتح المهملة: الماء المجتمع الّذي خيض فيه و بيل و بعر فكدر؛ لسان العرب [151/8].
2- - بلاغات النساء: 13 [ص 24]؛ أعلام النساء 1208:3[117/4].
3- - أعلام النبوّة: 146 [ص 220، باب 20].
4- - الإصابة 359:4 [رقم 704]؛ و تاريخ ابن عساكر 304:1[197/3].

و أبادها و أفقر صاحبها، حتّى أصبح و لا يملك شيئا؟

و لو كان أنفق أيّ أحد عشر معشار ذلك المال لدوّخ العالم صيته، و كان يومئذ يعدّ في الرعيل الأوّل من أجواد الدنيا، و لم يوجد في صحيفة التاريخ ذكر من تلكم الآلاف و الكراسي و الحلل.

هب، أنّ الذهبي قال في حديث عائشة: «ألف الثانية باطلة قطعا؛ فإنّ ذلك لا يتهيّأ لسلطان العصر».

و أقرّ ابن حجر تعقيبه في تهذيب التهذيب(1)؛ فأين قصّة ألف أوقية الصحيحة في صحائف التاريخ ؟!

و إن صحّت الأحلام، و صدّقت هذه القصص الوهميّة، و كان لأبي بكر ذلك المال الطائل الخياليّ ، لما افتقر أبو قحافة والده لأن يكون أجير عبد اللّه بن جدعان للنداء على طعامه، و لم يكن يقتني بتلك الخسّة لماظة من العيش؛ كما قاله الكلبي في المثالب.

و لقد روي كما يأتي(2): أنّ الّذي استصحبه أبو بكر من المال - يوم هاجر من المدينة - و هو كلّ ما يملكه، أربعة أو خمسة أو ستّة آلاف درهم؛ فأين هذا من الألف ألف أوقية، و الكراسي المذكورة، و حللها المقوّمة بثلاثمئة و ستّين ألف دينار و ما يتبعها؟! و أيّ نسبة بين صاحب تلك الثروة و بين ما لا يملك إلاّ هذه الدراهم المعدودة ؟!

و أيّ نسبة بينها و بين أيّامه و أيّام أبيه بمكّة و بين ما كان يحترف به في المدينة من بيع الأبراد و الأقمشة على عنقه و على ساعده، حرفة ضئيلة يدور بها في الأزقّة و الأسواق من دون أن يستقرّ في متجر أو حانوت ؟!

ص: 150


1- - ميزان الاعتدال للذهبي 341:2[375/3، رقم 6823]؛ تهذيب التهذيب 325:8 [291/8].
2- - في ص 152 من كتابنا هذا.

أخرج ابن سعد من طريق عطاء قال: «لمّا استخلف أبو بكر أصبح غاديا إلى السوق و على رقبته أثواب يتّجر بها فلقيه عمر بن الخطّاب و أبو عبيدة الجرّاح؛ فقالا له: أين تريد يا خليفة رسول اللّه ؟! قال: السوق. قالا: تصنع ما ذا و قد ولّيت أمر المسلمين ؟! قال: فمن أين أطعم عيالي ؟ قالا له: انطلق حتّى نفرض لك شيئا؛ فانطلق معهما ففرضوا له كلّ يوم شطر شاة و ما كسوه في الرأس و البطن».

و روى من طريق عمير بن إسحاق: «إنّ رجلا رأى على عنق أبي بكر الصدّيق عباءة فقال: ما هذا؟ هاتها أكفيكها. فقال: إليك عنّي لا تغرّني أنت و ابن الخطّاب من عيالي».

و في لفظ آخر لابن سعد أيضا: «إنّ أبا بكر لمّا استخلف راح إلى السوق يحمل أبرادا له و قال: لا تغرّوني من عيالي».

و في لفظ الحلبي. «لمّا بويع أبو بكر بالخلافة أصبح رضى اللّه عنه على ساعده قماش و هو ذاهب إلى السوق، فقال له عمر: أين تريد؟ إلى آخره(1)».

ثمّ متى كان إنفاقه لثروته الطائلة على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و في مناجحه و مصالحه، حتّى كان به أمنّ الناس عليه بماله ؟! و كيف أنفق و لم يره أحد و لا رواه أيّ ابن انثى ؟! و لم لم يذكر التاريخ موردا من موارد نفقاته، و قد حفظ له تقديم راحلة واحدة للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله مع ردّه إيّاها و أخذه ثمنها(2)، كما حفظ لكلّ من أنفق شيئا في مهمّات الرسول صلّى اللّه عليه و آله و غزواته و مصالح الإسلام و المسلمين ؟!

و لم يكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يحتاجه في شخصيّاته و ما يتعلّق بها بمكّة قبل

ص: 151


1- - راجع طبقات ابن سعد طبع ليدن 130:3-131[184/3 و 185]؛ صفة الصفوة لابن الجوزي 97:1[257/1]؛ السيرة الحلبيّة 388:2[359/3].
2- - صحيح البخاري 47:6[1419/3، ح 3692]؛ تاريخ الطبري 245:2[376/2].

الهجرة؛ فإنّ عمّه أبا طالب سلام اللّه عليه كان متكفّلا لذلك كلّه قبل زواجه بخديجة، و بعده كان مال خديجة تحت يده و هي في طوعه، و إنّما وقعت الحاجة بعد الهجرة لتوسّع نطاق الإسلام، و تمطّط أمره فكان يحتاج إلى تجهيز الجيوش و قيادة العساكر، و هؤلاء رجال بني سالم بن عوف، و رجال بني بياضة، و رجال بني ساعدة و في مقدّمهم سعد بن عبادة، و رجال بني الحرث بن الخزرج، و رجال بني عديّ أخوال رسول اللّه الأكرمين، كلّ منهم رفع عقيرته يوم دخوله صلّى اللّه عليه و آله المدينة بقوله: هلمّ إلينا إلى العدد و العدّة و المنعة(1).

و لم يكن عند أبي بكر يومئذ من المال غير ما جاء به من مكّة أربعة أو خمسة أو ستّة آلاف درهم - إن كان جاء به و أنّى لك بإثباته ؟ - و ما عساها أن تجدي نفعا لو أنفقها كلّها؟! و ما هي و ما قيمتها تجاه ذلك السلطان العظيم ؟!

لكنّا مع غضّ النظر عن ذلك نسائل أيضا مدّعي الإنفاق أنّه متى أنفقها؟! و في أيّ مصرف أدرّها؟! و في أيّ أمر بذلها؟! و لأيّ حاجة سمح بها؟! و لم خفي ذلك على خلق اللّه من اولئك الصحابة ؟! و لما ذا عزب عن المورّخين ؟! فلم يسطروها في صحائف التاريخ و لا ذكروها في فضائل الخليفة. و هل قام عمود الإسلام و تمّ أمره بهذه الدريهمات المجهول مصرفها؟! و عاد أبو بكر أمنّ الناس على رسول اللّه بماله ؟!

و العجب كلّ العجب أنّ أمير المؤمنين عليّا عليه السّلام كانت له أربعة دراهم فتصدّق بدرهم ليلا، و بدرهم نهارا، و بدرهم سرّا، و بدرهم جهرا؛ فأنزل اللّه فيه القرآن فقال: اَلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوٰالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَ اَلنَّهٰارِ سِرًّا وَ عَلاٰنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ

ص: 152


1- - راجع السيرة النبويّة لابن هشام 31:2-114[63/2-141]؛ تاريخ الامم و الملوك 2: 233-249[352/2-383].

عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لاٰ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لاٰ هُمْ يَحْزَنُونَ (1).(2) .

و هو سلام اللّه عليه تصدّق بخاتمه للسائل فذكره تعالى في كتابه العزيز بقوله: إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اَللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا اَلَّذِينَ يُقِيمُونَ اَلصَّلاٰةَ وَ يُؤْتُونَ اَلزَّكٰاةَ وَ هُمْ رٰاكِعُونَ (3).(4).

و أطعم هو و أهله مسكينا و يتيما و أسيرا؛ فأنزل اللّه فيهم قوله: وَ يُطْعِمُونَ اَلطَّعٰامَ عَلىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً... سورة هل أتى(5).

و أمّا أبو بكر فينفق جميع ماله في سبيل اللّه و يراه النبيّ الأعظم أمنّ الناس عليه في صحبته و ماله، و لم يوجد له مع ذلك كلّه ذكر في الكتاب العزيز!! هذا لما ذا؟! أنت تدري.

و الأعجب: أنّ أبا بكر غدا أمنّ الناس على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بإنفاق أربعة أو خمسة أو ستّة آلاف درهما - إن كانت له - و لم يكن عثمان كذلك و قد أنفق أضعاف ما أنفقه أبو بكر، و بعث إلى رسول اللّه في غزوة بعشرة آلاف دينار كما جاء في مكذوبة أبي يعلى(6) فوضعها بين يديه فجعل صلّى اللّه عليه و آله يقلّبها و يدعو له

ص: 153


1- - البقرة: 274.
2- أخرجه عبد الرزّاق و عبد بن حميد و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و الطبراني [في المعجم الكبير 80/11، ح 11164] و ابن عساكر [في ترجمة الإمام عليّ بن أبي طالب: رقم 918 و 919؛ و في مختصر تاريخ دمشق 9/18] و ابن جرير؛ راجع تفسير القرطبي 3: 347 [225/3]؛ تفسير البيضاوي 185:1[141/1]؛ تفسير الزمخشري 286:1 [319/1]؛ تفسير الرازي 369:2[83/7]؛ تفسير ابن كثير 326:1؛ تفسير الدرّ المنثور 363:1[100/2-101]؛ تفسير الخازن 208:1[201/1]؛ تفسير الشوكاني 265:1 [294/1]؛ تفسير الآلوسي 48:3.
3- - المائدة: 55.
4- - راجع ص 37-47 من كتابنا هذا.
5- - راجع ص 68-70 من كتابنا هذا.
6- - أخرجه بإسناد واه، و ذكره ابن كثير في تاريخه 212:7[238/7، حوادث سنة 35 ه].

بقوله: غفر اللّه لك يا عثمان! ما أسررت و ما أعلنت و ما أخفيت و ما هو كائن إلى يوم القيامة(1)، ما يبالي عثمان ما فعل بعدها!

و إنّي أرى الأنجح للمدّعي أن يسحب كلامه و يقول: لا أعلم بشيء من ذلك، و لا اثبت شيئا منه، و إنّما اختلقه الغلوّ في الفضائل.

و لعلّ الباحث يقف على ما جاء به البيضاوي و الزمخشري، فيقع ذلك منه موقعا حسنا و يطالبني المخرج منه.

فقد ذكر البيضاوي في تفسيره(2)، و الزمخشري في الكشّاف(3): «أنّ قوله تعالى: اَلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوٰالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَ اَلنَّهٰارِ سِرًّا وَ عَلاٰنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ...(4) نزلت في أبي بكر حين تصدّق بأربعين ألف دينار؛ عشرة بالليل، و عشرة بالنهار، و عشرة بالسرّ، و عشرة بالعلانية».

هذه المرسلة الّتي لم أعرف قائلها من الصحابة و التابعين، و لم أقف على عزوها إلى أحد من السلف في كتب القوم إلاّ سعيد بن المسيّب المعروف بانحرافه عن أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام، اختلقتها يد الوضع تجاه ما أخرجه الحفّاظ من نزولها في عليّ أمير المؤمنين، و منحت فيها لأبي بكر أربعين ألف دينار لتقريب نزول الآية فيمن أنفق كمّيّة كبيرة كهذه إلى فهم بسطاء الامّة دون منفق أربعة دراهم، ذاهلا عمّا هو المتسالم عليه عند القوم من أخذ أبي بكر يوم هجرته إلى المدينة أربعة أو خمسة أو ستّة آلاف درهم، و هي جميع ما كان يملكه.

و الآية المذكورة في سورة البقرة، و قد أصفقت أئمّة الحديث و التفسير على نزولها بالمدينة في اوليات الهجرة(5)؛ قال ابن كثير في تفسيره: «هكذا قال غير

ص: 154


1- - هذه الجملة توهن متن الرواية، و تعرب عن أنّها مكذوبة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
2- - تفسير البيضاوي 185:1[141/1].
3- - الكشّاف 286:1[319/1].
4- - البقرة: 274.
5- - تفسير القرطبي 132:1[107/1]؛ تفسير ابن كثير 35:1؛ تفسير الخازن 91:1[19/1].

واحد من الأئمّة و العلماء و المفسّرين، و لا خلاف فيه».

فأنّي لأبي بكر عند نزول الآية الأربعون ألف دينارا تصدّق بها أم لم يتصدّق ؟! و لم يكن يملك إلاّ دريهمات إن صحّ حديثها أيضا.

و تعقّب السيوطي(1) هذه المرسلة بقوله: «خبر أنّ الآية نزلت فيه لم أقف عليه».

و جاء مختلق آخر(2) فروى عن سعيد بن المسيّب مرسلا من الطرفين: «أنّ الآية المذكورة نزلت في عثمان بن عفّان و عبد الرحمن بن عوف في نفقتهم في جيش العسرة(3) يوم غزوة تبوك».

و قد أعمى الحبّ بصائر القوم، فحرّفوا الكلم عن مواضعه، و قالوا في كتاب اللّه ما زيّن لهم الشيطان، خفي على المغفّلين أنّ الآيتين من سورة البقرة آية (262 و 274)، و هي أوّل سورة نزلت بالمدينة المشرّفة كما قاله المفسّرون(4)، و قد نزلت قبل غزوة تبوك و جيشها - جيش العسرة الواقعة في شهر رجب سنة تسع - بعدّة سنين، فلا يصحّ نزول أيّ من الآيتين في عثمان.

وَ لَقَدْ وَصَّلْنٰا لَهُمُ اَلْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ .

وَ إِذٰا سَمِعُوا اَللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَ قٰالُوا لَنٰا أَعْمٰالُنٰا وَ لَكُمْ أَعْمٰالُكُمْ سَلاٰمٌ عَلَيْكُمْ لاٰ نَبْتَغِي اَلْجٰاهِلِينَ (5) .

ص: 155


1- - الدرّ المنثور [101/2].
2- - راجع تفسير الشوكاني 265:1[294/1]؛ تفسير الآلوسي 48:3؛ و التفسير الكبير 7: 45.
3- - [انظر ص 58 من كتابنا هذا].
4- - راجع تفسير القرطبي 132:1[107/1]؛ تفسير الخازن 19:1؛ تفسير الشوكاني 16:1 [27/1].
5- - القصص: 51 و 55.

2 - آية تدلّ على شجاعة الخليفة

الغريق يتشبّث بكلّ حشيش:

أعيت القوم شجاعة الخليفة، و أضلّتهم عن المذاهب، و جعلتهم في الرّونة(1)، و أركبتهم على الزحلوقة تسفّ بهم تارة و تعلّيهم اخرى، فلم يجدوا مهيعا يوصلهم إلى ما يرومون من إثباتها له مهما وجدوا غضون التاريخ خالية عن كلّ عين و أثر يسعهم الركون إليه في الحجاج لها، فتشبّثوا بالتفلسف فيها؛ فهذا يبني فلسفة العريش، و الآخر ينسج نسج العناكيب و يعدّ ثباته في موت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و عدم تضعضعه في تلك الهائلة دليلا على كمال شجاعته.

قال القرطبي في تفسيره(2) عند قوله تعالى: وَ مٰا مُحَمَّدٌ إِلاّٰ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ اَلرُّسُلُ أَ فَإِنْ مٰاتَ أَوْ قُتِلَ اِنْقَلَبْتُمْ عَلىٰ أَعْقٰابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلىٰ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اَللّٰهَ شَيْئاً(3):

هذه الآية أدلّ دليل على شجاعة الصدّيق و جرأته؛ فإنّ الشجاعة و الجرأة حدّهما ثبوت القلب عند حلول المصائب، و لا مصيبة أعظم من موت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله؛ فظهرت عنده شجاعته و علمه. و قال الناس: لم يمت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله منهم عمر، و خرس عثمان، و استخفى عليّ ، و اضطرب الأمر فكشفه الصدّيق بهذه الآية حين قدومه من مسكنه بالسّنح(4).

قال الأميني: يوهم القرطبي أنّ في كتاب اللّه العزيز ما يدلّ على شجاعة الخليفة و علمه، و ليس فيما جاء به أكثر من أنّه استدلّ بالآية الشريفة يوم ذاك

ص: 156


1- - [«الرّونة»: الشدّة].
2- - الجامع لأحكام القرآن 222:4[143/4].
3- - آل عمران: 144.
4- - بضمّ أوّله و سكون النون و قد تضمّ : موضع خارج المدينة بينها و بين منزل النبيّ ميل [في معجم البلدان 265/3: أنّها إحدى محالّ المدينة].

على موت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؛ فأيّ صلة لها إلى شجاعة الرجل ؟! و أيّ قسم فيها من أنحاء الدلالة الثلاثة فضلا عن أن تكون أدلّ دليل ؟! فإن يكن هناك شيء من الدلالة - و أين و أنّى - فهو في ثبات جأشه و تمسّكه بالآية الكريمة لا في الآية نفسها.

ثمّ كيف خفي على الرجل و على من تبعه الفرق بين ملكتي الشجاعة و القسوة ؟! و أنّ هذا النسج الّذي أوهن من بيت العنكبوت إنّما نسجته يد السياسة لدفع مشكلات هناك؛ فخبّلوا عمر بن الخطّاب - و حاشاه الخبل - تصحيحا لإنكاره موت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أنّه كان من ذلك القلق(1)، و أقعدوا عليّا لإيهام العذر في تخلّفه عن البيعة، و أخرسوا عثمان لأنّه لم ينبس في ذلك الموقف ببنت شفة.

على أنّ ما جاء به القرطبي من ميزان الشجاعة يستلزم كون الخليفة أشجع من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أيضا؛ إذ لم يرو عن أبي بكر في رزيّة النبيّ الأعظم أكثر من أنّه كشف عن وجه النبيّ و قبّله و هو يبكي و قال: طبت حيّا و ميتا(2).

و قد فعل صلّى اللّه عليه و آله أكثر و أكثر من هذا في موت عثمان بن مظعون؛ فإنّه صلّى اللّه عليه و آله إنكبّ عليه ثلاث مرّات مرّة بعد اخرى و قبّله باكيا عليه و عيناه تذرفان و الدموع تسيل على و جنتيه و له شهيق(3)، و شتّان بين عثمان بن مظعون و بين سيّد البشر روح الخليقة و علّة العوالم كلّها، و شتّان بين المصيبتين.

ص: 157


1- - انظر 684-685 من كتابنا تلخيص الغدير؛ و سلسلة الغدير الموضوعيّة، رقم 13: المجلّد الأوّل من كتاب علي عليه السّلام و الخلفاء: ص 82-83.
2- - صحيح البخاري 281:6[1618/4، ح 4187] كتاب المغازي؛ سيرة ابن هشام 334:4 [306/4].
3- - سنن البيهقي 407:3؛ حلية الأولياء 105:1؛ الاستيعاب 495:2 [القسم الثالث/ 1055، رقم 1779].

كما يستدعي مقياس الرجل كون عمر بن الخطّاب أشجع من النبيّ الأقدس؛ لحزنه العظيم في موت زينب و بكائه عليها، و عمر كان يوم ذاك يضرب النسوة الباكيات عليها بالسوط - كما ذكرنا(1) - فضلا عن عدم تأثّره بتلك الرزيّة.

و قبل هذه كلّها ما ذكره أعلام القوم في موت أبي بكر من طريق ابن عمر من قوله: «كان سبب موت أبي بكر موت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؛ ما زال جسمه يجري حتّى مات». و في لفظ القرماني: «ما زال جسمه ينقص حتّى مات»(2).

كأنّ هذا الحديث عزب عن القرطبي و الحلبي، فأخذا بهذا مشفوعا بكلامهما المذكور في شجاعة أبي بكر يكون هو شاكلة عبد اللّه بن أنيس في موتهما كمدا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و لم ينبّئ قطّ خبير بموت أحد من الصحابة غيرهما بموته صلّى اللّه عليه و آله؛ و هذا دليل على ضعف قلبهما عند حلول المصائب؛ فهما أجبن الصحابة على الإطلاق إذا وزنا بميزان القرطبي و فيه عين.

و وراء هذه المغالاة في شجاعة الخليفة و عدّه أشجع الصحابة ما عزاه القوم إلى ابن مسعود من أنّه قال: «أوّل من أظهر الإسلام بسيفه محمّد صلّى اللّه عليه و آله و أبو بكر و الزبير بن العوّام رضي اللّه عنهما»(3). و ما يعزى إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من أنّه قال:

«لو لا أبو بكر الصدّيق لذهب الإسلام»(4).

قال الأميني: لقد كانت على الأبصار غشاوة عن رؤية هذا السيف الّذي كان بيد الخليفة!

و أنا لا أدري بأيّ خصلة في الخليفة نيط بقاء الإسلام؛ أ بشجاعته هذه ؟!

ص: 158


1- - انظر ص 553 من كتابنا هذا؛ و سلسلة الغدير الموضوعيّة، رقم 13: المجلّد الأوّل من كتاب علي عليه السّلام و الخلفاء: ص 251-254.
2- - راجع المستدرك على الصحيحين 63:3[66/3، ح 4410]؛ تاريخ الخلفاء للسيوطي: 55 [ص 76].
3- - نزهة المجالس للصفوري 182:2.
4- - نور الأبصار للشبلنجي: 54 [ص 113].

أم بعلمه الّذي عرفت كميّته ؟! أم بماذا؟! فظنّ خيرا و لا تسأل عن الخبر.

3 - أبو طالب عليه السّلام في الذكر الحكيم

اشارة

لقد أغرق القوم نزعا في الوقيعة و التحامل على بطل الإسلام و المسلم الأوّل بعد ولده البارّ، و ناصر دين اللّه الوحيد؛ فلم يقنعهم ما اختلقوه من الأقاصيص حتّى عمدوا إلى كتاب اللّه فحرّفوا الكلم عن مواضعه؛ فافتعلوا في آيات ثلاث أقاويل نأت عن الصدق، و بعدت عن الحقيقة بعد المشرقين؛ و هي عمدة ما استند إليه القوم في عدم تسليم إيمان أبي طالب؛ فإليك البيان:

الآية الأولى:

قوله تعالى: وَ هُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَ يَنْأَوْنَ عَنْهُ وَ إِنْ يُهْلِكُونَ إِلاّٰ أَنْفُسَهُمْ وَ مٰا يَشْعُرُونَ (1).

أخرج الطبري و غيره من طريق سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عمّن سمع ابن عبّاس أنّه قال: إنّها نزلت في أبي طالب، ينهى عن أذى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يؤذى، و ينأى أن يدخل في الإسلام(2).

قال الأميني: نزول هذه الآية في أبي طالب باطل لا يصحّ من شتّى النواحي:

1 - إرسال حديثه بمن بين حبيب بن أبي ثابت و ابن عبّاس. و كم و كم غير ثقة في اناس رووا عن ابن عبّاس، و لعلّ هذا المجهول أحدهم.

2 - إنّ حبيب بن أبي ثابت انفرد به و لم يروه أحد غيره، و لا يمكن المتابعة على ما يرويه و لو فرضناه ثقة في نفسه، بعد قول ابن حبّان(3): إنّه كان مدلّسا،

ص: 159


1- - الأنعام: 26.
2- - طبقات ابن سعد 105:1[123/1]؛ تاريخ الطبري 110:7 [مج 5 /ج 173/7]؛ تفسير ابن كثير 127:2؛ الكشّاف 448:1[14/2].
3- - الثقات 137:4.

و قول العقيلي(1): غمزه ابن عون، و له عن عطاء أحاديث لا يتابع عليها.

و نحن لا نناقش في السند بمكان سفيان الثوري، و لا نؤاخذه بقول من قال:

«إنّه يدلّس و يكتب عن الكذّابين»(2).

3 - إنّ الثابت عن ابن عبّاس بعدّة طرق مسندة يضادّ هذه المزعمة؛ ففيما رواه الطبري و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و ابن مردويه من طريق عليّ بن أبي طلحة و طريق العوفي عنه أنّها في المشركين الّذين كانوا ينهون الناس عن محمّد أن يؤمنوا به، و ينأون عنه يتباعدون عنه(3).

و ليس في هذه الروايات أيّ ذكر لأبي طالب.

4 - إنّ المستفاد من سياق الآية الكريمة أنّه تعالى يريد ذمّ اناس أحياء ينهون عن اتّباع نبيّه و يتباعدون عنه، و إنّ ذلك سيرتهم السيّئة الّتي كاشفوا بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و هم متلبّسون بها عند نزول الآية.

لكن نظرا إلى ما يأتي عن الصحيحين فيما زعموه من أنّ قوله تعالى في سورة القصص: إِنَّكَ لاٰ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لٰكِنَّ اَللّٰهَ يَهْدِي مَنْ يَشٰاءُ (4) نزلت في أبي طالب بعد وفاته، لا يتمّ نزول آية وَ هُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَ يَنْأَوْنَ النازلة في اناس أحياء، في أبي طالب؛ فإنّ سورة الأنعام الّتي فيها الآية المبحوثة عنها نزلت جملة واحدة(5) بعد سورة القصص بخمس سور كما في الإتقان(6) فكيف يمكن تطبيقها على أبي طالب و هو رهن أطباق الثرى، و قد توفّي قبل نزول

ص: 160


1- - الضعفاء الكبير [263/1، رقم 322].
2- - ميزان الاعتدال 396:1[169/2، رقم 3322].
3- - تفسير الطبري 109:7 [مج 5، ج 172/7]؛ الدرّ المنثور 8:3[260/3-261].
4- - القصص: 56.
5- - أخرجه أبو عبيد و ابن المنذر و الطبراني [في المعجم الكبير 166/12، ح 12930]. راجع الدرّ المنثور 2:3[245/3].
6- - الإتقان في علوم القرآن 17:1[24/1 و 27].

الآية ببرهة طويلة ؟!

5 - إنّ سياق الآيات الكريمة هكذا: وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَ جَعَلْنٰا عَلىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَ فِي آذٰانِهِمْ وَقْراً وَ إِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لاٰ يُؤْمِنُوا بِهٰا حَتّٰى إِذٰا جٰاؤُكَ يُجٰادِلُونَكَ يَقُولُ اَلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هٰذٰا إِلاّٰ أَسٰاطِيرُ اَلْأَوَّلِينَ * وَ هُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَ يَنْأَوْنَ عَنْهُ وَ إِنْ يُهْلِكُونَ إِلاّٰ أَنْفُسَهُمْ وَ مٰا يَشْعُرُونَ (1).

و هو كما ترى صريح بأنّ المراد بالآيات كفّار جاؤوا النبيّ فجادلوه و قذفوا كتابه المبين بأنّه من أساطير الأوّلين، و هؤلاء الّذين نهوا عنه صلّى اللّه عليه و آله و عن كتابه الكريم، و نأوا و باعدوا عنه؛ فأين هذه كلّها عن أبي طالب الّذي لم يفعل كلّ ذلك طيلة حياته، و كان إذا جاءه فلكلاءته و الذبّ عنه بمثل قوله:

و اللّه لن يصلوا إليك بجمعهم *** حتّى اوسّد في التراب دفينا

و إن لهج بذكره نوّه برسالته عنه بمثل قوله:

ألم تعلموا أنّا وجدنا محمّدا *** رسولا كموسى خطّ في أوّل الكتب

و إن قال عن كتابه هتف بقوله:

أو يؤمنوا بكتاب منزل عجب *** على نبيّ كموسى أو كذي النون

و قد عرف ذلك المفسّرون فلم يقيموا للقول بنزولها في أبي طالب وزنا؛ فمنهم من عزاه إلى القيل، و جعل آخرون خلافه أظهر، و رأى غير واحد خلافه أشبه. و إليك جملة من نصوصهم:

ذكر الرازي في تفسيره(2) قولين: نزولها في المشركين الّذين كانوا ينهون الناس عن اتّباع النبيّ و الإقرار برسالته، و نزولها في أبي طالب خاصّة؛ فقال:

«و القول الأوّل أشبه؛ لوجهين...».

ص: 161


1- - الأنعام: 25-26.
2- - التفسير الكبير 28:4[189/12].

و ذكر الزمخشري في الكشّاف(1)، و الشوكاني في تفسيره(2)، و غيرهما، القول الأوّل، و عزوا القول الثاني إلى القيل.

الآية الثانية و الثالثة:

1 - قوله تعالى: مٰا كٰانَ لِلنَّبِيِّ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَ لَوْ كٰانُوا أُولِي قُرْبىٰ مِنْ بَعْدِ مٰا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحٰابُ اَلْجَحِيمِ (3).

2 - قوله تعالى: إِنَّكَ لاٰ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لٰكِنَّ اَللّٰهَ يَهْدِي مَنْ يَشٰاءُ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (4).

أخرج البخاري في الصحيح في كتاب التفسير في القصص(5)، قال: حدّثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيّب عن أبيه قال: لمّا حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فوجد عنده أبا جهل و عبد اللّه بن أبي اميّة بن المغيرة فقال: أي عمّ قل: لا إله إلاّ اللّه، كلمة أحاجّ لك بها عند اللّه. فقال أبو جهل و عبد اللّه بن أبي اميّة: أ ترغب عن ملّة عبد المطّلب ؟ فلم يزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يعرضها عليه و يعيدانه بتلك المقالة، حتّى قال أبو طالب آخر ما تكلّم(6): على ملّة عبد المطّلب، و أبى أن يقول: لا إله إلاّ اللّه. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: و اللّه لأستغفرنّ لك ما لم انه عنك؛ فأنزل اللّه: مٰا كٰانَ لِلنَّبِيِّ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ . و أنزل اللّه في أبي طالب فقال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إِنَّكَ لاٰ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لٰكِنَّ اَللّٰهَ يَهْدِي مَنْ يَشٰاءُ .

و أخرجه مسلم في صحيحه(7) من طريق سعيد بن المسيّب. و تبع

ص: 162


1- - الكشّاف 448:1[14/2].
2- - فتح القدير 103:2[108/2].
3- - البراءة: 113.
4- - القصص: 56.
5- - صحيح البخاري 184:7[1788/4، ح 4494].
6- - في المصدر: «آخر ما كلّمهم».
7- - صحيح مسلم [82/1، ح 39، كتاب الإيمان].

الشيخين جلّ المفسّرين لحسن ظنّهم بهما و بالصحيحين.

مواقع النظر في هذه الرواية:

1 - إنّ سعيدا الّذي انفرد بنقل هذه الرواية كان ممّن ينصب العداء لأمير المؤمنين عليّ عليه السّلام؛ فلا يحتجّ بما يقوله أو يتقوّله فيه و في أبيه و في آله و ذويه؛ فإنّ الوقيعة فيهم أشهى مأكلة له(1).

و يعرّفك سعيد بن المسيّب و مبلغه من الحيطة في دين اللّه ما ذكره ابن حزم في المحلّى(2) عن قتادة قال: قلت لسعيد: أ نصلّي خلف الحجّاج ؟ قال: إنّا لنصلّي خلف من هو شرّ منه.

2 - إنّ ظاهر رواية البخاري كغيرها تعاقب نزول الآيتين عند وفاة أبي طالب عليه السّلام، كما أنّ صريح ما ورد في كلّ واحدة من الآيتين نزولها عند ذاك.

و لا يصحّ ذلك؛ لأنّ الآية الثانية منهما مكّيّة و الاولى مدنيّة نزلت بعد الفتح بالاتّفاق و هي في سورة البراءة المدنيّة الّتي هي آخر ما نزل من القرآن(3)؛ فبين نزول الآيتين ما يقرب من عشر سنين أو يربو عليها.

3 - إنّ آية الاستغفار نزلت بالمدينة بعد موت أبي طالب بعدّة سنين تربو على ثمانية أعوام، فهل كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله خلال هذه المدّة يستغفر لأبي طالب عليه السّلام أخذا بقوله صلّى اللّه عليه و آله: و اللّه لأستغفرنّ لك ما لم انه عنك ؟! و كيف كان يستغفر له، و كان هو صلّى اللّه عليه و آله و المؤمنون ممنوعين عن موادّة المشركين و المنافقين و موالاتهم و الاستغفار لهم - الّذي هو من أظهر مصاديق الموادّة و التحابب - منذ دهر

ص: 163


1- - انظر شرح نهج البلاغة 370:1[101/4، الأصل 56].
2- - المحلّى 214:4.
3- - صحيح البخاري 67:7، في آخر سورة النساء [1681/4، ح 4329]؛ الكشّاف 49:2 [315/2].

طويل بقوله تعالى: لاٰ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ اَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ يُوٰادُّونَ مَنْ حَادَّ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كٰانُوا آبٰاءَهُمْ أَوْ أَبْنٰاءَهُمْ أَوْ إِخْوٰانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ اَلْإِيمٰانَ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ...(1)؟!

هذه آية (22) من سورة المجادلة المدنيّة النازلة قبل سورة البراءة الّتي فيها آية الاستغفار بسبع سور كما في الإتقان(2).

و أخرج(3) ابن أبي حاتم، و الطبراني، و الحاكم، و أبو نعيم، و البيهقي، و ابن كثير كما في تفسيره(4)، و تفسير الشوكاني(5)، و تفسير الآلوسي(6): أنّ هذه الآية نزلت يوم بدر و كانت في السنة الثانية من الهجرة الشريفة، أو نزلت على ما في بعض التفاسير في احد و كانت في السنة الثالثة باتّفاق الجمهور كما قاله الحلبي في السيرة(7)؛ فعلى هذه كلّها نزلت هذه الآية قبل آية الاستغفار بعدّة سنين.

و بقوله تعالى في النساء، 144 و 139؛ و آل عمران، 28؛ و المنافقون، 6؛ و التوبة، 23 و 81.

أترى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مع هذه الآيات النازلة قبل آية الاستغفار كان يستغفر لعمّه طيلة مدّة سنين و قد مات كافرا - العياذ باللّه - و هو ينظر إليه من كثب ؟! لا ها اللّه، حاشا نبيّ العظمة.

و لعلّ لهذه كلّها استبعد الحسين بن الفضل نزولها في أبي طالب و قال: «هذا بعيد؛ لأنّ السورة من آخر ما نزل من القرآن، و مات أبو طالب في عنفوان

ص: 164


1- - المجادلة: 22.
2- - الإتقان في علوم القرآن 17:1[27/1].
3- - المعجم الكبير [154/1، ح، 360]؛ المستدرك على الصحيحين [296/3، ح 5152]؛ حلية الأولياء [101/1، رقم 10]؛ السنن الكبرى للبيهقي [27/9]؛ فتح القدير [194/5].
4- - تفسير ابن كثير 329:4.
5- - تفسير الشوكاني 189:5.
6- - تفسير الآلوسي 37:28.
7- - السيرة الحلبيّة [216/2].

الإسلام و النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بمكّة». و ذكره القرطبي و أقرّه في تفسيره(1).

4 - إنّ هناك روايات تضادّ هذه الرواية في مورد نزول آية الاستغفار من سورة براءة؛ منها:

ما أخرجه(2) - في سبب نزول آية الاستغفار - مسلم في صحيحه، و أحمد في مسنده، و أبو داود في سننه، و النسائي، و ابن ماجة عن أبي هريرة رضى اللّه عنه: «أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أتى قبر امّه فبكى و أبكى من حوله. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

استأذنت ربّي في أن أستغفر لها فلم يأذن لي، و استأذنته أن أزور قبرها فأذن لي؛ فزوروا القبور فإنّها تذكرة الآخرة»(3).

و روى الزمخشري في الكشّاف(4) حديث نزول الآية في أبي طالب، ثمّ ذكر هذا الحديث في سبب نزولها و أردفها بقوله:

و هذا أصحّ ؛ لأنّ موت أبي طالب كان قبل الهجرة و هذا آخر ما نزل بالمدينة.

و قال القسطلاني في إرشاد الساري(5):

قد ثبت أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أتى قبر امّه لمّا اعتمر فاستأذن ربّه أن يستغفر لها فنزلت هذه الآية. رواه الحاكم(6) و ابن أبي حاتم عن ابن مسعود،

ص: 165


1- - الجامع لأحكام القرآن 273:8[173/8].
2- - صحيح مسلم [365/2، ح 106، كتاب الجنائز]؛ مسند أحمد [186/3، ح 9395]؛ سنن أبي داود [218/3، ح 3234]؛ السنن الكبرى [654/1، ح 2161]؛ سنن ابن ماجة [501/1، ح 1572].
3- - إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري 151:7[314/10، ح 4675].
4- - الكشّاف 49:2[315/2].
5- - إرشاد الساري 270:7[560/10-561، ح 4772].
6- - المستدرك على الصحيحين [366/2، ح 3292].

و الطبراني(1) عن ابن عبّاس. و في ذلك دلالة على تأخّر نزول الآية عن وفاة أبي طالب، و الأصل عدم تكرار النزول.

قال الأميني: هلاّ كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يعلم إلى يوم تبوك بعد تلكم الآيات النازلة الّتي أسلفناها، أنّه غير مسوغ له و للمؤمنين الاستغفار للمشركين و الشفاعة لهم، فجاء يستأذن ربّه أن يستغفر لامّه و يشفع لها؟! أو كان يحسب أنّ لامّه حسابا آخر دون سائر البشر؟! أو أنّ الرواية مختلقة تمسّ كرامة النبيّ الأقدس، و تدنّس ذيل قداسة امّه الطاهرة عن الشرك ؟!

و أنت تعرف بعد هذه كلّها قيمة قول الزجّاج:

أجمع المسلمون على أنّها نزلت في أبي طالب.

و ما عقّبه به القرطبي من قوله:

و الصواب أن يقال: أجمع جلّ المفسّرين على أنّها نزلت في شأن أبي طالب(2).

اُنْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اَللّٰهِ اَلْكَذِبَ وَ كَفىٰ بِهِ إِثْماً مُبِيناً (3) .

ص: 166


1- - المعجم الكبير [296/11، ح 12049].
2- - تفسير القرطبي 299:13[198/13].
3- - النساء: 50.

عاشرا مباحث أخرى حول القرآن

اشارة

ص: 167

ص: 168

- 1 - القرآن أحد الطرق إلى معرفة أحكام الشرائع

قال ابن رشد في مقدّمة المدوّنة الكبرى(1):

فصل في الطريق إلى معرفة أحكام الشرائع. و أحكام شرائع الدين تدرك من أربعة أوجه:

أحدها: كتاب اللّه عزّ و جلّ ، الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد.

و الثاني: سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله الّذي قرن اللّه طاعته بطاعته، و أمرنا باتّباع سنّته؛ فقال عزّ و جلّ : وَ أَطِيعُوا اَللّٰهَ وَ اَلرَّسُولَ (2). و قال: مَنْ يُطِعِ اَلرَّسُولَ فَقَدْ أَطٰاعَ اَللّٰهَ (3). و قال: وَ مٰا آتٰاكُمُ اَلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مٰا نَهٰاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا(4). و قال: وَ اُذْكُرْنَ مٰا يُتْلىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيٰاتِ اَللّٰهِ وَ اَلْحِكْمَةِ (5) و الحكمة: السنّة. و قال: لَقَدْ كٰانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اَللّٰهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ (6).

و الثالث:...

- 2 - القول بأنّ القرآن يدعو إلى النصرانيّة!!

نعرات الجاهليّة الاولى:

إِنَّ اَلَّذِينَ اِرْتَدُّوا عَلىٰ أَدْبٰارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مٰا تَبَيَّنَ لَهُمُ اَلْهُدَى اَلشَّيْطٰانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَ أَمْلىٰ لَهُمْ (7)

ص: 169


1- - المدوّنة الكبرى: 8.
2- - آل عمران: 132.
3- - النساء: 80.
4- - الحشر: 7.
5- - الأحزاب: 34.
6- - الأحزاب: 21.
7- - محمّد: 25.

ربّما يجد الباحث في بعض تآليف المستشرقين في التاريخ الإسلاميّ رمزا من النزاهة في الكتابة و الأمانة في النقل، و خلوّ كلّ محكيّ عن أيّ مصدر - هبه غير وثيق - من التحريف و التصرّف فيه، و تجرّده عن سوء صنيع الكتبة.

غير أنّ في القوم من ألّف و سخف؛ فَمٰا أَغْنىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَ لاٰ أَبْصٰارُهُمْ وَ لاٰ أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْ ءٍ إِذْ كٰانُوا يَجْحَدُونَ بِآيٰاتِ اَللّٰهِ وَ حٰاقَ بِهِمْ مٰا كٰانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (1). فكأنّ الجهل لم يمت بعد و قد مات أبو جهل، و لهب الضلال لم يخمد بعد و قد اتّقد أبو لهب في درك الجحيم، و كأنّ الدنيا ترجع إلى ورائها القهقرى، و عاد الإسلام كشمس كادت تكون صلاء(2).

جاء من القوم بعد لأي من الدهر من يدعو الناس إلى الجاهليّة الاولى، و إلى حميّتها البائدة، و لا بقيا للحميّة بعد الحرائم(3). نهض يبشّر عن مسيح مركّب من طبيعتين: إلهيّة و بشريّة. و يحسب نفسه قد أبهر في تأليفه و أتى بأمر جديد.

ألا و هو الاستاذ إميل در منغم، مؤلّف كتاب «حياة محمّد».

إنّ الرجل لمّا شاهد أنّ الإسلام علا هتافه اليوم، و دوّخ أرجاء العالم صيته، و أطلّت(4) سماؤه على الأرض كلّها شرقا و غربا، عزّ عليه كما عزّ على سلفه الغوغاء أن يشاهد هذا السلطان العالميّ العظيم.

عزّ عليه أن يرى في بيئته الغربيّة بزوغ الإسلام الشرقيّ ، و تنوّر أفكار

ص: 170


1- - الأحقاف: 26.
2- - [«الصلاء»: النار. و هو مثل يضرب في فقير ينتفع بحرارة الشمس بدلا من النار، و يضرب أيضا في قلّة الانتفاع بالشيء؛ انظر مجمع الأمثال 50/3، رقم 3124].
3- - «الحريمة»: ما فات من كلّ مطموع فيه [مجمع الأمثال 194/3، رقم 3620].
4- - [«الإطلال»: الإشراف على الشيء].

المثقّفين من قومه بلمعات القرآن العربيّ المجيد، و انتشار معارف الإسلام الخالدة في عواصم أوروبّا.

عزّ عليه أن يسمع باذنيه من قلب العالم الأوربيّ بألسنة فلا سفتها نداء: أنّ محمّدا قاوم الوثنيّة بعزم واحد طول الحياة و لم يتردّد لحظة واحدة بينها و بين عبادة الواحد الأحد(1).

أو أن يسمع عن آخر منهم و هو ينادي: إنّ القرآن هو القانون العامّ لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، فهو صالح لكلّ مكان و زمان(2).

أو أن يسمع عن ثالث من قومه، و قد ملأ الدنيا صوته، و هو يقول:

استقرّت قواعد الإسلام على أساس مكين من الآيات البيّنات الّتي انزلت تباعا و كان ختامها: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ اَلْإِسْلاٰمَ دِيناً(3).

أو أن يسمع باذنيه القرآن العزيز و هو يتلى في الإذاعات كلّ يوم بكرة و عشيّا، و تقرع آيه مسامع خلق الدنيا دون كتاب قومه و كتاب أيّ ملّة.

و نادى لسان الكون في الأرض رافعا *** عقيرته في الخافقين و منشدا

أ عبّاد عيسى إنّ عيسى و حزبه *** و موسى جميعا يخدمون محمّدا(4)

فهناك تعصّب الرجل و تشزّر، و شزر إلى الإسلام و كتابه و نبيّه، و نظر إليها بصدر عينه(5) و تشذّر(6) للدفاع عن نحلته، و الذبّ عن مبدئه الباطل؛ فعلا نحيمه(7) بصدر واغر على الحقّ ، و هو يشوب

ص: 171


1- - كلمات الكونت هنري دي كاستري.
2- - كلمة مسيو سنايس.
3- - كلمة الدكتور نجيب الأرمنازي.
4- - من أبيات للشاعر المفلق أبي الوفاء راجح الحلّي، المتوفّى (627).
5- - مثل مشهور يضرب.
6- - [«تشذّر»: تشمّر و تهيّأ للحملة].
7- - [«النحيم»: الزحير و التنحنح؛ و هو صوت يخرج من الجوف].

و لا يروب(1)، و شرع يدعو إلى النصرانيّة باسم الإسلام و حياة محمّد(2)، و يرى النبيّ محمّدا جاء بكتاب عربيّ كما لو كان نصرانيّا، ذاكرا أنّه واحد من الأنبياء.

و يرى للنصرانيّة أثرا في محمّد، و يزعم أنّ النصارى قد أيقظت شعور النبيّ الدينيّ قبل بعثه، و يجد في القرآن اصول النصرانيّة.

و يرى تأييد روح القدس لعيسى ذاتيّا دون موسى و محمّد.

و يعتقد لعيسى من العصمة ما لم تكن لمحمّد، و يراه قد جاء في القرآن(3).

و يرى النصرانيّة تشمل الإسلام و تضيف إليه بعض الشيء.

و يرى المسيح ابن اللّه الوحيد بمعنى عرفانيّ يلائم الذوق الخرافيّ .

و يرى القرآن يدعو إلى النصرانيّة الصحيحة، و هو القول بالوهيته و بشريّته، و كون الطبيعتين في شخص واحد.

و يعزو آراءه السخيفة جلّها إلى القرآن المقدّس، و يرى القرآن لم يحط بكلّ ما هو حقّ في الأمر.

و يرى آخر مصحف اعتمد عليه صنع الحجّاج بن يوسف الثقفي، و إمكان تلاوة المصحف الشريف على غير ما هو عليه.

و يرى علماء التوحيد قائلين بالوهيّة المسيح.

و يرى الهوّة(4) بين المسلمين و النصارى نتيجة سوء التفاهم.

و يرى التباعد بين الملّتين من فكرة مفسّري القرآن و علماء الإسلام.

و يرى العقل و التاريخ يستغربان عدم صلب المسيح.

ص: 172


1- - «الشوب»: الخلط. و «الروب»: الإصلاح. مثل يضرب [لمن يخلط الماء باللبن أي: الصدق بالكذب، و لا يروب أي: لا يريد الإصلاح لأنّ اللبن إذا خلط بالماء لا يصلح اللبن؛ مجمع الأمثال 495/3، رقم 4586].
2- - حياة محمّد لإميل در منغم: 100-118 [ص 124-143].
3- - ليته دلّنا على الآية الدالّة عليه.
4- - [«الهوّة»: البئر؛ الحفرة البعيدة القعر].

و يرى اعتقاد المسلمين بعدم صلب المسيح باطلا، و الآية الدالّة عليه غامضة.

و يؤوّل قوله تعالى: وَ مٰا قَتَلُوهُ وَ مٰا صَلَبُوهُ وَ لٰكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ (1) بما يلائم تعاليم النصرانيّة.

و يعدّ من ضلال جزيرة العرب إنكار الوهيّة المسيح و القول ببشريّته فحسب، و يرى النبيّ قد وضع نفسه فوق جميع المعتقدات ما دام على غير علم بالنصرانيّة الصحيحة.

و يعبّر عن النبيّ الأعظم بالبدوي الحمس(2)!.

فهذه جملة من خرافاته الراجعة إلى التبشير و الدعوة إلى النصرانيّة؛ إِنَّمٰا يَفْتَرِي اَلْكَذِبَ اَلَّذِينَ لاٰ يُؤْمِنُونَ بِآيٰاتِ اَللّٰهِ وَ أُولٰئِكَ هُمُ اَلْكٰاذِبُونَ (3).

و لو أردت الوقوف على الحقيقة في كلّ ما لفّقه الرجل من إفك شائن، فعليك بكتاب الهدى إلى دين المصطفى، و كتاب الرحلة المدرسيّة و غيرهما، من تأليف شيخنا العلم المجاهد الحجّة الشيخ محمّد جواد البلاغي النجفي، و ما ألّفه غيره من أعلام الامّة.

- 3 - فرية على الشيعة: «إنّ القرآن مبدّل»!

قال ابن حزم:

من قول الإماميّة كلّها قديما و حديثا: إنّ القرآن مبدّل؛ زيد فيه ما ليس منه، و نقص منه كثير، و بدّل منه كثير. حاشا عليّ بن الحسن(4) بن

ص: 173


1- - النساء: 157.
2- - [«الحمس»: الشديد المتعصّب].
3- - النحل: 105.
4- - كذا في الفصل [182/4] و المحكيّ عنه في كتب العامّة. و الصحيح: عليّ بن الحسين؛ و هو الشريف علم الهدى المرتضى.

موسى بن محمّد، و كان إماميّا يظاهر بالاعتزال مع ذلك؛ فإنّه كان ينكر هذا القول و يكفّر من قاله.

الجواب: ليت هذا المجترئ أشار إلى مصدر فريته من كتاب للشيعة موثوق به!

لكنّ القارئ إذا فحص و نقّب لا يجد في طليعة الإماميّة إلاّ نفاة هذه الفرية؛ كالشيخ الصدوق في عقايده(1)، و الشيخ المفيد(2)، و علم الهدى الشريف المرتضى(3) - الّذي اعترف له الرجل بنفسه بذلك، و ليس بمتفرّد عن قومه في رأيه كما حسبه المغفّل - و شيخ الطائفة الطوسي في التبيان(4)، و أمين الإسلام الطبرسي في مجمع البيان(5) و غيرهم.

و ذكر السيّد محمّد رشيد رضا صاحب المنار في كتابه السنّة و الشيعة(6) عدّة من عقائد الشيعة، جملة منها مكذوبة عليهم:

كشتمهم جمهور أصحاب رسول اللّه، و حكمهم بارتدادهم إلاّ العدد اليسير، و قولهم: بأنّ الأئمّة يوحى إليهم(7)، و أنّ موت الأئمّة باختيارهم، و أنّهم اعتقدوا بتحريف القرآن و نقصانه، و أنّهم يقولون: بأنّ الحجّة المنتظر إذا ذكر في مجلس حضر فيقومون له(8)، و إنكارهم كثيرا من ضروريّات الدين.

ص: 174


1- - الاعتقادات في دين الإماميّة [ص 59، باب 33].
2- - أوائل المقالات [ص 93-95].
3- - أمالي السيّد المرتضى [84/2].
4- - التبيان في تفسير القرآن [3/1، المقدّمة].
5- - مجمع البيان [508/6].
6- - السنّة و الشيعة: 64 و 65.
7- - انظر البحث عن هذا و ما يليه في ص 433-443 من كتابنا تلخيص الغدير.
8- - قيام الشيعة عند ذكر الإمام ليس لحضوره كما زعمه الآلوسي، و إنّما هو لما جاء عن الإمامين الصادق و الرضا عليهما السّلام من قيامهما عند ذكره و هو لم يولد بعد، و ليس هو إلاّ تعظيما له كالقيام عند ذكر رسول اللّه المندوب عند أهل السنّة كما في السيرة الحلبيّة 1: 90 [84/1].

قال الأميني: نعم؛ الشيعة لا يحكمون بعدالة الصحابة أجمع، و لا يقولون إلاّ بما جاء فيهم في الكتاب و السنّة(1). و أمّا بقيّة المذكورات فكلّها تحامل و مكابرة بالإفك.

و لم يقصد صاحب هذه الرسالة نقدا نزيها أو حجاجا صحيحا، و إن كان قد صبغها بصبغة الردّ على العلاّمة الحجّة في علويّة الشيعة السيّد محسن الأمين العاملي - حيّاه اللّه و بيّاه - لكنّه لم يتهجّم على حصونه المنيعة إلاّ بسباب مقذع، أو إهانة قبيحة، أو تنابز بالألقاب، أو هتك شائن.

- 4 - القرآن مخلوق

قال ابن تيميّة:

اصول الدين عند الإماميّة أربعة: التوحيد، و العدل، و النبوّة، و الإمامة هي آخر المراتب، و التوحيد و العدل و النبوّة قبل ذلك. و هم يدخلون في التوحيد نفي الصفات و القول بأنّ القرآن مخلوق، و أنّ اللّه لا يرى في الآخرة. و يدخلون في العدل التكذيب بالقدرة، و أنّ اللّه لا يقدر أن يهدي من يشاء، و لا يقدر أن يضلّ من يشاء، و أنّه قد يشاء ما لا يكون و يكون ما لا يشاء، و غير ذلك؛ فلا يقولون: إنّه خالق كلّ شيء، و لا إنّه على كلّ شيء قدير، و لا إنّه ما شاء اللّه كان و ما لم يشأ لم يكن(2).

الجواب: بلغ من جهل الرجل أنّه لم يفرّق بين اصول الدين و اصول المذهب؛ فيعدّ الإمامة الّتي هي من تالي القسمين في الأوّل. و أنّه لا يعرف عقائد قوم هو يبحث عنها؛ و لذلك أسقط المعاد من اصول الدين، و لا يختلف

ص: 175


1- - للوقوف على تفصيله انظر كتاب تلخيص الغدير: 330.
2- - منهاج السنّة 23:1.

من الشيعة اثنان في عدّه منها.

على أنّ أحدا لو عدّ الإمامة من اصول الدين فليس بذلك البعيد عن مقاييس البرهنة، بعد أن قرن اللّه سبحانه ولاية مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام بولايته و ولاية الرسول صلّى اللّه عليه و آله بقوله: إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اَللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا...(1)، و خصّ المؤمنين بعليّ عليه السّلام؛ كما مرّ تفصيله(2).

و في آية كريمة اخرى جعل المولى سبحانه بولايته كمال الدين، بقوله:

اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ اَلْإِسْلاٰمَ دِيناً (3) . و لا معنى لذلك إلاّ كونها أصلا من اصول الدين لولاها بقي الدين مخدجا(4)، و نعم اللّه على عباده ناقصة، و بها تمام الإسلام الّذي رضيه ربّ المسلمين لهم دينا.

و جعل هذه الولاية بحيث إذا لم تبلّغ كان الرسول صلّى اللّه عليه و آله ما بلّغ رسالته؛ فقال:

يٰا أَيُّهَا اَلرَّسُولُ بَلِّغْ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمٰا بَلَّغْتَ رِسٰالَتَهُ وَ اَللّٰهُ يَعْصِمُكَ مِنَ اَلنّٰاسِ (5) .

و بمقربة من هذه كلّها ما ورد(6) من إناطة الأعمال كلّها بصحّة الولاية، و قد اخذت شرطا فيها، و هذا هو معنى الأصل، كما أنّه كذلك بالنسبة إلى التوحيد و النبوّة، و ليس في فروع الدين حكم هو هكذا.

و لعلّ هذا الّذي ذكرناه كان مسلّما عند الصحابة الأوّلين؛ و لذلك يقول عمر بن الخطّاب لمّا جاءه رجلان يتخاصمان عنده: هذا مولاي و مولى كلّ

ص: 176


1- - المائدة: 55.
2- - في ص 37-47 من الكتاب.
3- - المائدة: 3.
4- - [«مخدج»: ناقص].
5- - المائدة: 67.
6- - في ص 178 و 179 من كتابنا تلخيص الغدير.

مؤمن، و من لم يكن مولاه فليس بمؤمن(1).

و دلّت(2) الأحاديث المستفيضة على أنّ بغضه - صلوات اللّه عليه - سمة النفاق و شارة الإلحاد، و لولاه عليه السّلام لما عرف المؤمنون بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و لا يبغضه أحد إلاّ و هو خارج من الإيمان؛ فهي تدلّ على تنكّب الحائد عن الولاية عن سويّ الصراط كمن حاد عن التوحيد و النبوّة؛ فلترتّب كثير من أحكام الأصلين على الولاية يقرب عدّها من الاصول. و لا ينافي ذلك شذوذها عن بعض أحكامهما لما هنالك من الحكم و المصالح الاجتماعيّة كما لا يخفى.

و أمّا نفي الصفات: فإن كان بالمعنى الّذي تحاوله الشيعة من نفيها زائدة على الذات بل هي عينها فهو عين التوحيد. و إن كان بالمعني الّذي ترمي إليه المعطّلة(3) فالشيعة منه برآء.

و كذلك القول بأنّ القرآن مخلوق؛ فإنّه ليس مع اللّه سبحانه أزليّ يضاهيه في القدم، كما أثبتته البرهنة الصادقة المفصّلة في كتب العقائد.

و أمّا نفي الرؤية فلنفي الجسميّة عنه، و المنطق الصحيح معتضدا بالكتاب

ص: 177


1- - انظر الرياض النضرة 170:2[115/3]؛ ذخائر العقبى للمحبّ الطبري: 68؛ مناقب الخوارزمي: 97 [ص 160، ح 191]؛ الصواعق المحرقة: 107 [ص 179]. و في الفتوحات الإسلاميّة 307:3: «حكم عليّ مرّة على أعرابيّ بحكم، فلم يرض بحكمه، فتلبّبه عمر بن الخطّاب، و قال له: ويلك إنّه مولاك و مولى كلّ مؤمن و مؤمنة»؛ راجع ص 89 من كتابنا تلخيص الغدير.
2- - انظر ص 289-292 من كتابنا تلخيص الغدير.
3- - [«المعطّلة»: في مصطلح الأشاعرة هم المعتزلة؛ لتعطيلهم الذات عن التوصيف بالصفات. و أيضا اطلق على الّذين عطّلوا العقول عن المعارف بحجّة أنّ البشر اعطي العقل لإقامة العبوديّة لا لإدراك الربوبيّة؛ فمن شغل ما اعطي لإقامة العبوديّة بإدراك الربوبيّة فاتته العبوديّة و لم يدرك الربوبيّة؛ انظر رسائل و مقالات للمحقّق السبحاني/ 265].

و السنّة يشهد بذلك. و أمّا بقيّة ما عزاه إليهم فهي أكاذيب محضة، لا تشكّ الشيعة قديما و حديثا في ضلالة القائل بها.

- 5 - مشكلة ختم القرآن

صلاة ألف ركعة:

قد تضافر النقل بأنّ كلاّ من مولانا أمير المؤمنين، و الإمام السبط الشهيد الحسين، و ولده الطاهر عليّ زين العابدين كان يصلّي في اليوم و الليلة ألف ركعة(1). و لم تزل العقائد متطامنة على ذلك، و العلماء متسالمين عليه، حتّى جاء ابن تيميّة بهوسه و هياجه؛ فحسب تارة كراهة هذا العمل البارّ، و أنّه ليس بفضيلة، و أنّ القول بأنّها فضيلة يدلّ على جهل قائله؛ لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان لا يزيد في الليل على ثلاث عشرة ركعة، و في النهار على عدّة ركعات معيّنة، و أنّه صلّى اللّه عليه و آله كان لا يقوم تمام الليل، كما كان لا يصوم كلّ يوم؛ فقال:

فالمداومة على قيام جميع الليل ليس بمستحبّ بل مكروه، و ليس من سنّة النبيّ الثابتة عنه صلّى اللّه عليه و آله، و هكذا مداومة صيام النهار.

و زعم تارة أنّه خارج عن نطاق الإمكان؛ فقال:

و عليّ رضى اللّه عنه أعلم بسنّته صلّى اللّه عليه و آله و أتبع لهديه، و أبعد من أن يخالف هذه المخالفة، لو كان ذلك ممكنا فكيف و صلاة ألف ركعة في اليوم و الليلة

ص: 178


1- - العقد الفريد 309:2؛ و 39:3[258/2 و 171/4]؛ تاريخ ابن خلّكان 350:1[274/3، رقم 425]؛ صفة الصفوة لابن الجوزي 56:2[100/2، رقم 165]؛ طبقات الذهبي 1: 71 [75/1، رقم 71] نقلا عن الإمام مالك؛ تهذيب التهذيب لابن حجر 306:7 [269/7] نقلا عن مالك؛ طبقات الشعراني 37:1[32/1، رقم 37]؛ روض الرياحين لليافعي: 55 [116، رقم 71]؛ مشارق الأنوار للحمزاوي: 94 [201/1]؛ إسعاف الراغبين لابن الصبّان في هامش المشارق: 196 [ص 218]، و غيرها.

مع القيام بسائر الواجبات غير ممكن؛ فإنّه لا بدّ من أكل و نوم...

و يرى آونة أنّ طبع عمل مثله، مبنيّ على المسارعة و الاستعجال، يستدعي أن يكون عريّا عن الخضوع، نقرا كنقر الغراب، فلا يكون فيه كثير جدوى.

ثمّ ختم كلامه بقوله:

ثمّ إحياء الليل بالتهجّد و قراءة القرآن في ركعة هو ثابت عن عثمان رضى اللّه عنه؛ فتهجّده و تلاوته القرآن أظهر من غيره(1).

الجواب: أمّا حسبان كراهة ذلك العمل و مخالفته السنّة النبويّة و خروجه بذلك عن الفضيلة، فيعرب عن جهله المطبق بشؤون العبادات وفقه السنّة، و تمويهه على الحقائق الراهنة جهلا أو عنادا؛ فإنّ صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثلاث عشرة ركعة، و كذلك صلاة نهاره، و إنّما هي صلاة الليل و الشفع و الوتر و نافلة الصبح و نافلة الصلوات اليوميّة، كما فصّل في غير واحد من الأخبار، و هي النوافل المرتّبة المعيّنة في الليل و النهار، لا ترتبط باستحباب مطلق الصلاة و مطلوبيّة نفسها، و لا تنافي ما صحّ عنه صلّى اللّه عليه و آله من قوله: «الصلاة خير موضوع، استكثر أو استقلّ »(2).

و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «الصلاة خير موضوع، فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر»(3).

و صحّ عن البخاري(4) و مسلم: أنّه صلّى اللّه عليه و آله كان يقوم من الليل حتّى تنفطر قدماه.

و قد جرت السنّة المطّردة بين العاملين في النسك و العبادات من الصلاة و الصوم و الحجّ و قراءة القرآن و غيرها ممّا يقرّب إلى اللّه زلفى، أن يأتي كلّ منهم

ص: 179


1- - راجع منهاج السنّة 119:2.
2- - أخرجه الحافظ أبو نعيم في الحلية 166:1، بستّة طرق.
3- - أخرجه الطبراني في الأوسط [183/1، ح 245] كما في الترغيب و الترهيب 109:1 [250/1، ح 9].
4- - صحيح البخاري [380/1، ح 1078].

بما تيسّر له منها غير مقتصر بما أتى به النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و الناس متفاوتون في القدر.

و اللّه تعالى يقول: فَاتَّقُوا اَللّٰهَ مَا اِسْتَطَعْتُمْ (1) و لاٰ يُكَلِّفُ اَللّٰهُ نَفْساً إِلاّٰ وُسْعَهٰا(2)؛ فترى هذا يصلّي كلّ يوم مئة ركعة(3). و الآخر يصلّي مائتي ركعة مثل القاضي الفقيه أبي يوسف الكوفي المتوفّى (182)(4).

و منهم من كان يصلّي ثلاثمئة ركعة؛ نظير: إمام الحنابلة أحمد بن حنبل المتوفّى (241)(5).

و منهم من كان يصلّي أربعمئة ركعة؛ نظير: إمام الحنفيّة أبي حنيفة نعمان المتوفّى (150)(6).

و قد ذكروا في ترجمة غير واحد من رجال أهل السنّة، و عدوّا من فضائلهم أنّهم كانوا يصلّون في اليوم و الليلة - أو في اليوم فقط - ألف ركعة؛ منهم:

1 - عبد الرحمن بن أبان بن عثمان بن عفّان؛ كان يصلّي في كلّ يوم ألف ركعة(7).

2 - أبو حنيفة إمام الحنفيّة؛ كان يصلّي في كلّ ليلة ثلاثمئة ركعة.

و مرّ يوما في بعض الطرق، فقالت امرأة لامرأة: هذا الرجل يصلّي في كلّ ليلة خمسمئة ركعة؛ فسمع الإمام ذلك فجعل يصلّي بعد ذلك في كلّ ليلة خمسمئة ركعة.

ص: 180


1- - التغابن: 16.
2- - البقرة: 286.
3- - راجع مناقب أبي حنيفة للقاري في هامش الجواهر المضيّة 523:2؛ تاريخ بغداد 14: 6 [رقم 7447]؛ البداية و النهاية 214:10[233/10، حوادث سنة 193 ه].
4- - تذكرة الحفّاظ 270:1[292/1، رقم 273]؛ شذرات الذهب 298:1[367/2، حوادث سنة 182 ه].
5- - البداية و النهاية 39:13[47/13، حوادث سنة 600 ه].
6- - مناقب أبي حنيفة للخوارزمي 247:1؛ مناقب الكردي 246:1.
7- - أنساب البلاذري 120:5؛ رسائل الجاحظ: 98 [ص 441، الرسائل السياسيّة].

و مرّ يوما على جمع من الصبيان قال بعضهم لبعض: هذا يصلّي في كلّ ليلة ألف ركعة و لا ينام بالليل؛ فقال أبو حنيفة: نويت أن اصلّي في كلّ ليلة ألف ركعة و أن لا أنام بالليل(1).

و المداومة على قيام جميع الليل إن لم تكن مستحبّا و كانت من المكروه المخالف للسنّة الثابتة عنه صلّى اللّه عليه و آله كما زعمه ابن تيميّة، فكيف تعدّ في طيّات الكتب فضيلة لأعلام قومه؛ منهم:

1 - الحسن البصري التابعي المتوفّى (110)؛ صلّى الغداة بوضوء العتمة أربعين سنة(2).

2 - إمام الحنفيّة نعمان: صلّى أربعين سنة صلاة الغداة على طهارة العشاء(3).

3 - أبو الحسن الأشعري: مكث عشرين سنة يصلّي الصبح بوضوء العشاء(4).

على أنّ ثبوت السنّة عند القوم لا يستلزم فعل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فحسب، بل هي تثبت بفعل أيّ أحد سنّ سنّة من أفراد الامّة؛ فليكن أمير المؤمنين عليه السّلام أوّل من سنّ صلاة ألف ركعة في اليوم و الليلة؛ كما نصّ الباجي و السيوطي و السكتواري و غيرهم.

على أنّ أوّل من سنّ التراويح عمر بن الخطّاب سنة أربع عشرة(5)، و على أنّ أوّل من جمع الناس على التراويح عمر(6)، و على أنّ إقامة النوافل

ص: 181


1- - إقامة الحجّة للشيخ محمّد عبد الحيّ الحنفي: 90 [ص 80].
2- - روضة الناظرين: 21.
3- - مناقب أبي حنيفة للخوارزمي 236:1-240.
4- - الطبقات الكبرى 172:2[190/2، رقم 87].
5- - محاضرات الأوائل: 149، طبع سنة (1311)؛ ص 98، طبع سنة (1300).
6- - محاظرات الأوائل: 98، طبع سنة (1300) [ص 149]؛ شرح المواهب للزرقاني 7: 149.

بالجماعات في شهر رمضان من محدثات عمر، و أنّها بدعة حسنة(1)، و على أنّ أوّل من جلد في الخمر ثمانين عمر(2). و أمثال ذلك بكثير ممّا سنّه عمر بن الخطّاب و صيّر بدعة حسنة، و سنّة متّبعة.

و كما اخذت سنّة التبريك في الأعياد من عمر بن عبد العزيز؛ كما قاله الحافظ ابن عساكر في تاريخه(3).

و هلاّ صحّ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من قوله: «عليكم بسنّتي و سنّة الخلفاء الراشدين المهديّين»(4)؟! أو صحّ ذلك غير أنّ بينه و بين عليّ أمير المؤمنين حجزا و حددا يخصّانه بغيره ؟!

و لدفع مزعمة ابن تيميّة هذه و من لفّ لفّه، ألّف الشيخ محمّد عبد الحيّ الحنفي رسالة أسماها ب «إقامة الحجّة على أنّ الإكثار في التعبّد ليس ببدعة»، و ذكر جماعة من الصحابة و التابعين الّذين اجتهدوا في العبادة و صرفوا فيها أعمارهم. و الرسالة فيها فوائد جمّة لا يستهان بها، طبعت بالهند سنة (1311). قال(5):

خلاصة المرام في هذا المقام، و هو الّذي أختاره تبعا للعلماء الكرام: أنّ قيام الليل كلّه، و قراءة القرآن في يوم و ليلة مرّة أو مرّات، و أداء ألف ركعة أو أزيد من ذلك، و نحو ذلك من المجاهدات و الرياضات ليس ببدعة، و ليس بمنهيّ عنه في الشرع، بل هو أمر حسن مرغوب إليه...

و أمّا دعوى عدم الإمكان فمنشؤها تثاقل الطبع و الكسل عن الإكثار من

ص: 182


1- - راجع طرح التثريب 92:3.
2- - محاضرات الأوائل: 111، طبع سنة (1300) [ص 169].
3- - تاريخ مدينة دمشق 365:2[467/7، رقم 581].
4- - مستدرك الحاكم 96:1[175/1، ح 329].
5- - رسالة إقامة الحجّة على أنّ الإكثار في التعبّد ليس ببدعة: 18.

العبادة؛ فإنّ من لم يتنشّط في كلّ عمره لأمثال ذلك، البعيد عن عمل العاملين و عادات العبّاد، يحسب خروج ذلك عن حيّز الإمكان، لكن من تذوّق حلاوة الطاعة و لذّة العبادة يرى أمثال هذه من العاديّات المطّردة.

مشكلة الأوراد و الختمات:

يجد الباحث في طيّات الكتب و المعاجم أعمالا كبيرة باهظة تستوعب من الوقت أكثر من ألف ركعة صلاة، معزوّة إلى اناس عاديّين لم ينكرها عليهم و لا على رواتها أحد لا ابن تيميّة و لا غيره؛ لأنّ بواعث الإنكار على أئمّة أهل البيت عليهم السّلام لا توجد هنالك؛ و إليك نبذا من تلك الأعمال:

1 - كان أبو هريرة الدوسي الصحابيّ المتوفّى (59، 58، 57) يسبّح كلّ ليلة اثنتي عشر ألف تسبيحة قبل أن ينام، و يستغفر اللّه و يتوب إليه كلّ يوم اثنتي عشرة ألف مرة(1).

2 - كان أبو حنيفة إمام الحنفيّة المتوفّى (150) يأتي إلى الجمعة و يصلّي قبل صلاتها عشرين ركعة يختم فيهنّ القرآن(2).

و أنت تعلم أنّ ألف ركعة صلاة تكون ثلاثة و ثمانين ألف كلمة تربو على كلمات القرآن الشريف بخمسة آلاف و سبع و خمسين كلمة؛ فقس الأعمال المذكورة إلى هذه تجدها تزيد عليها بكثير. لكنّ الولاء لصاحب الأوراد المذكورة يمكّنه منها، و البغضاء لصاحب الصلاة من العترة الطاهرة تقعد به عن العمل.

و أمّا ما ختم به ابن تيميّة كلامه من قراءة عثمان القرآن في ركعة واحدة فهو خارج عن موضوع البحث، غير أنّه راقه أن يقابل تلك المأثرة بفضيلة لعثمان ذاهلا عن أنّ ما أورده على صلاة الأئمّة من الإشكال وارد فيها؛ فهي تخالف

ص: 183


1- - البداية و النهاية 110:8-112[120/8، حوادث سنة 59 ه].
2- - مناقب أبي حنيفة للخوارزمي 240:1.

السنّة على زعمه أوّلا؛ إذ لم يثبت عن رسول اللّه قراءة القرآن في ركعة واحدة.

و إنّها خارجة عن نطاق الإمكان ثانيا؛ إذ كلمات القرآن سبعة و سبعون ألف و تسعمئة و أربع و ثلاثون كلمة، و في قول عطاء بن يسار سبعة و سبعون ألف و أربعمئة و تسع و ثلاثون كلمة(1)، و تلك الركعة الواحدة لا بدّ إمّا أن تقع بين المغرب و العشاء، و إمّا بعد العشاء الآخرة إلى صلاة الصبح، فإتيانها على كلّ حال في ركعة غير ممكن الوقوع.

على أنّ الشيخين - البخاري و مسلما - قد أخرجا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال لعبد اللّه بن عمر: «و اقرأ في سبع و لا تزد على ذلك». و صحّ عنه صلّى اللّه عليه و آله: «من قرأ القرآن في أقلّ من ثلاث لم يفقه».

ثمّ إنّ عثمان عدّ ممّن كان يختم في كلّ أسبوع من الصحابة(2).

و مشكلة الختمة في كتب القوم جاءت باذني عناق(3)، أثقل من شمام(4)، تنتهي إلى شجنة(5) من العته؛ فذكروا أنّ :

منهم من كان يختم القرآن في ركعة ما بين الظهر و العصر، أو بين المغرب و العشاء، أو في غيرهما؛ و عدّ من اولئك:

1 - عثمان بن عفّان الاموي؛ كان يختم في ركعة ليلا(6).

2 - أبو حنيفة النعمان بن ثابت - إمام المذهب -: كان يحيي الليل بقراءة القرآن ثلاثين سنة في ركعة(7).

ص: 184


1- - تفسير القرطبي 57:1[47/1]؛ الإتقان للسيوطي 120:1[197/1].
2- - التذكار للقرطبي: 76؛ إحياء العلوم 261:1[246/1]؛ خزينة الأسرار: 77 [ص 55].
3- - مثل يضرب لمن جاء بالكذب الفاحش. و «العناق»: الداهية، و هو هنا الكذب و الباطل؛ مجمع الأمثال [290/1، رقم 851].
4- - [«شمام»: جبل له رأسان].
5- - [أي: شعبة من الضلال و الحمق].
6- - حلية الأولياء 57:1.
7- - مناقب أبي حنيفة للقاري: 494.

و منهم من كان يختم في كلّ يوم ختمة؛ و عدّ من اولئك:

1 - أحمد بن حنبل إمام مذهبه، المتوفّى (241)(1).

2 - البخاري صاحب الصحيح، المتوفّى (256)(2).

3 - الشافعي إمام الشافعيّة، المتوفّى (204)، في غير شهر رمضان(3).

و منهم من كان يختمه في الليلة مرّة؛ و من اولئك:

1 - البخاري صاحب الصحيح، المتوفّى (256)؛ كان له ذلك في شهر رمضان(4).

2 - الشافعي إمام الشافعيّة؛ كان له ذلك في غير شهر رمضان(5).

و منهم من كان يختم في الليل و النهار ختمتين؛ مثل:

1 - أبي حنيفة إمام الحنفيّة؛ كان له ذلك في شهر رمضان(6).

2 - الشافعي إمام الشافعيّة؛ كان له ذلك في شهر رمضان، ما منها إلاّ في الصلاة(7).

و في صفة الصفوة(8): «كان يختم في رمضان ستّين ختمة سوى ما يقرأه في الصلاة».

و منهم من كان يختم في الليلة ختمتين.

و منهم من يختم في اليوم و الليلة ثلاث ختمات.

و منهم من كان يختم في اليوم أربع ختمات.

و منهم من ختم بين المغرب و العشاء خمس ختمات.

ص: 185


1- - مناقب أحمد لابن الجوزي: 287 [ص 384].
2- - تاريخ بغداد 12:2.
3- - الطبقات الكبرى 33:1[51/1، رقم 91].
4- - البداية و النهاية 26:11[32/11، حوادث سنة 256 ه].
5- - تاريخ بغداد 63:2.
6- - مناقب أبي حنيفة للقاري: 493-494.
7- - المواهب اللدنّيّة [201/4].
8- - صفة الصفوة 145:2[255/2، رقم 220].

و منهم من كان يختم في اليوم و الليلة ثمان ختمات أو أكثر.

و قال النازلي في خزينة الأسرار(1):

و قد روي عن الشيخ موسى السدراني من أصحاب الشيخ أبي مدين المغربي أنّه كان يختم في الليل و النهار سبعين ألف ختمة. و نقل عنه:

أنّه ابتدأ بعد تقبيل الحجر، و ختم في محاذاة الباب بحيث أنّه سمعه بعض الأصحاب حرفا حرفا؛ كذا ذكره في الإحياء، و عليّ القاري في شرح المشكاة(2).

و أخرج البخاري في صحيحه(3) عن أبي هريرة يرفعه قال: قال صلّى اللّه عليه و آله:

«خفّف على داود القرآن فكان يأمر بدابّته فتسرج فيقرأ القرآن قبل أن تسرج».

و قال القسطلاني في شرح هذا الحديث(4):

و فيه أنّ البركة قد تقع في الزمن اليسير حتّى يقع فيه العمل الكثير.

و قال: قد دلّ هذا الحديث على أنّ اللّه تعالى يطوي الزمان(5) لمن شاء من عباده كما يطوي المكان لهم.

قال الأميني: إن هي إلاّ أساطير الأوّلين و خزعبلات السلف كتبتها يد الأوهام الباطلة. و لو كان يعلم ابن تيميّة أنّ نظّارة التنقيب تعرب عن هذه الخزايات بعد لأي من عمر الدهر لكان يختار لنفسه السكوت، و كفّ مدّته عن صلاة أمير المؤمنين و ولده الإمام السبط و السيّد السجّاد عليهم السّلام، و ما كان يحوم حومة العار إن عقل صالحه.

ص: 186


1- - خزينة الأسرار: 78 [ص 55].
2- - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح [702/4، ح 2201].
3- - صحيح البخاري 101:1[1256/3، ح 3235] في كتاب التفسير في باب قوله تعالى: وَ آتَيْنٰا دٰاوُدَ زَبُوراً و 164:2[1747/4، ح 4436] في أحاديث الأنبياء.
4- - إرشاد الساري 398:8[412/10، ح 4713].
5- - كان حقّ المقام أن يقول: يطوي اللسان، أو يقول: يبسط الزمان.

وَ لَوْ أَنَّهُمْ قٰالُوا سَمِعْنٰا وَ أَطَعْنٰا وَ اِسْمَعْ وَ اُنْظُرْنٰا لَكٰانَ خَيْراً لَهُمْ وَ أَقْوَمَ (1) .

دأب أبي حنيفة على قراءة نصف القرآن الأوّل على رجله اليمنى، و نصفه الآخر على رجله اليسرى!

و في غضون ما ألّفه الموفّق بن أحمد، و الحافظ الكردري في مناقب أبي حنيفة، و ما ذكره بعض الحنفيّة في معاجم التراجم لدى ترجمته خرافات و سفاسف جمّة تشوّه سمعة الإسلام المقدّس، و لا يسوّغه العقل و المنطق إن لم يشفعهما الغلوّ في الفضائل. و من أعجب ما رأيت ما ذكره الإمام أبو الحسين الهمداني في آخر خزانة المفتين من:

أنّ الإمام أبو حنيفة لمّا حجّ حجّة الوداع أعطى لسدنة الكعبة مالا عظيما حتّى أخلوا له البيت، فدخل و شرع للصلاة، و افتتح القراءة كما هو دأبه على رجله اليمنى حتّى قرأ نصف القرآن، ثمّ ركع، و قام في الثانية على رجله اليسرى حتّى ختم القرآن. ثمّ قال: إلهي عرفتك حقّ المعرفة لكن ما قمت بكمال الطاعة، فهب نقصان الخدمة بكمال المعرفة. فنودي من زاوية البيت: عرفت فأحسنت المعرفة، و خدمت فأخلصت الخدمة، غفرنا لك و لمن اتّبعك، و لمن كان على مذهبك إلى قيام الساعة(2).

قال الأميني: ليت شعري أيّ كمّيّة من الزمن استوعبها الإمام حتّى ختم الكتاب العزيز في ركعتيه، و قد اخلي له البيت في يوم من أيّام الموسم و الناس عندئذ مزدلفون حول البيت، يتحرّون التبرّك بالدخول فيه ؟!

و كيف وسع السدنة منع اولئك الجماهير عن قصدهم، و كبح رغباتهم الأكيدة طيلة تلك البرهة الطويلة ؟!

ص: 187


1- - النساء: 46.
2- - مفتاح السعادة 82:2[192/2].

ثمّ ما هذا الدأب من الإمام على قراءة نصف القرآن الأوّل على رجله اليمنى، و نصفه الآخر على رجله اليسرى ؟! أ هو حكم متّخذ من كتاب ؟! أم سنّة متّبعة صدع بها النبيّ الأعظم ؟! أم بدعة لم نسمعها من غير الإمام ؟! و هل في الألعاب الرياضيّة المجعولة لحفظ الصحّة و الإبقاء على قوّة البدن و نشاطه مثل ذلك ؟! أنا لا أدري.

ثمّ كيف وسعت الإمام تلك الدعوى الباهظة العظيمة أمام ربّ العالمين سبحانه، و هو الواقف على السرائر و الضمائر؟! و ما أجرأه على دعوى لم يدّعها نبيّ من الأنبياء حتّى خاتمهم صلّى اللّه عليه و آله و عليهم، على سعة معرفتهم ؟! و لا شكّ أنّ معرفته صلّى اللّه عليه و آله أوسع، و قد أغرق فيها نزعا، و مع ذلك لم يؤثر عنه صلّى اللّه عليه و آله تقحّم الإمام في مناجات أو دعاء. و لا يصدر مثل هذا إلاّ عن إنسان معجب بنفسه، مغترّ بعلمه، غير عارف باللّه حقّ المعرفة.

و المغفّل صاحب الرواية يحسب أنّ الإمام ادّعاها في عالم الشهود فصدّقه عليها هاتف عالم الغيب، و ليس هذا الهتاف المنسوج بيد الاختلاق الأثيمة إلاّ دعاية على الإمام و على مذهبه الّذي هو أتفه المذاهب الإسلاميّة فقها. و لو كانت الامّة تصدّق هذه البشارة لمعتنقي ذلك المذهب، و تراها من ربّ البيت لا من الأساطير المزوّرة، لوجب عليها أن يكونوا حنفيّين جمعاء، غير أنّ الامّة لا تصفق على صحّتها، رضي بذلك الإمام أم لم يرض.

و أعجب من هذا ما ذكره العلاّمة البرزنجي قال:

ذهب بعض الحنفيّة إلى أنّ كلاّ من عيسى و المهدي يقلّدان مذهب الإمام أبي حنيفة رضى اللّه عنه... و حكى الشيخ عليّ القاري عن بعضهم أنّه قال: إعلم أنّ اللّه قد خصّ أبا حنيفة بالشريعة و الكرامة. و من كراماته: أنّ الخضر عليه السّلام كان يجيء إليه كلّ يوم وقت الصبح و يتعلّم منه أحكام الشريعة إلى خمس

ص: 188

سنين، فلمّا توفّي أبو حنيفة ناجى الخضر ربّه قال: إلهي إن كان لي عندك منزلة فائذن لأبي حنيفة حتّى يعلّمني من القبر على حسب عادته حتّى أعلم شرع محمّد صلّى اللّه عليه و آله على الكمال لتحصل لي الطريقة و الحقيقة؛ فنودي:

أن اذهب إلى قبره و تعلّم منه ما شئت. فجاء الخضر و تعلّم منه ما شاء كذلك إلى خمس و عشرين سنة اخرى حتّى أتمّ الدلائل و الأقاويل...(1).

إقرأ و ابك على امّة محمّد المرحومة بأيّ اناس بليت، و بأيّ خلق منيت ؟! ما حيلة الجاهل الغرّ و ما ينجيه من هذه السخائف و الأساطير(2)؟!

- 6 - وضع حديث فضائل القرآن، و أحاديث فضل سور القرآن

نوح بن أبي مريم يزيد أبو عصمة المتوفّى (173)، شيخ كذّاب، كان يضع الحديث كما يضع معلّى بن هلال، وضع حديث فضائل القرآن الطويل. قال الحاكم: هو الّذي وضع أحاديث فضائل القرآن، و أحاديث فضل سور القرآن مئة و أربعة عشر كلّها كذب(3).

- 7 - أوّل من جهر بالقرآن بمكّة

كان ابن مسعود أوّل من جهر بالقرآن بمكّة(4).

ص: 189


1- - الإشاعة لأشراط الساعة، تأليف السيّد محمّد البرزنجي المدني: 221-225[236 - 239].
2- - الكتب المؤلّفة في فضائل أبي حنيفة حوت بين دفّتيها لدة هذه الترّهات و الأكاذيب المزخرفة و ما أكثرها! و لو لم يكن الباطل الّذي لا أصل له مأخوذا به فيها إذا لم تلق منها باقية.
3- - ميزان الاعتدال 187:3[279/4، رقم 9143]؛ أسنى المطالب: 20 و 110 [ص 47 و 213، ح 56 و 675].
4- - انظر سيرة ابن هشام 337:1[336/1].

- 8 - جزئيّة البسملة من سور القرآن

أخرج الطبراني - و في شرح الموطّأ: الطبري - عن أبي هريرة: «أنّ أوّل من ترك التكبير معاوية. و روى أبو عبيد: أنّ أوّل من تركه زياد».

قال ابن حجر في فتح الباري(1):

هذا لا ينافي الّذي قبله؛ لأنّ زيادا تركه بترك معاوية، و كان معاوية تركه بترك عثمان(2). و قد حمل ذلك جماعة من أهل العلم على الإخفاء.

و في الوسائل إلى مسامرة الأوائل(3):

أوّل من نقص التكبير معاوية؛ كان إذا قال: سمع اللّه لمن حمده، انحطّ إلى السجود فلم يكبّر.

و أخرج الشافعي في كتاب الامّ (4) من طريق عبيد بن رفاعة: أنّ معاوية قدم المدينة فصلّى بهم فلم يقرأ ببسم اللّه الرحمن الرحيم، و لم يكبّر إذا خفض و إذا رفع؛ فناداه المهاجرون حين سلّم و الأنصار: أن يا معاوية! سرقت صلاتك، أين بسم اللّه الرحمن الرحيم ؟! و أين التكبير إذا خفضت و إذا رفعت ؟! فصلّى بهم صلاة اخرى؛ فقال ذلك فيما الّذي عابوا عليه.

قال الأميني: تنمّ هذه الأحاديث عن أنّ البسملة لم تزل جزءا من السورة منذ نزول القرآن الكريم، و على ذلك تمرّنت الامّة، و انطوت الضمائر، و تطامنت(5) العقائد؛ و لذلك قال المهاجرون و الأنصار لمّا تركها معاوية: إنّه سرق. و لم يتسنّ لمعاوية أن يعتذر لهم بعدم الجزئيّة، حتّى التجأ إلى إعادة

ص: 190


1- - فتح الباري 215:2.
2- - أخرج حديثه أحمد في مسنده [597/5، ح 19380] من طريق عمران.
3- - الوسائل إلى مسامرة الأوائل: 15.
4- - كتاب الامّ 94:1[108/1].
5- - [«تطامن»: خضع].

الصلاة مكلّلة سورتها بالبسملة، أو أنّه التزم بها في بقيّة صلواته. و لو كان هناك يومئذ قول بتجرّد السورة عنها لاحتجّ به معاوية، لكنّه قول حادث ابتدعوه لتبرير عمل معاوية و نظرائه من الامويّين الّذين اتّبعوه بعد تبيّن الرشد من الغيّ .

- 9 - اللعنات و الطعون المتوجّهة في القرآن إلى اناس

أخرج أحمد(1) و مسلم و الحاكم و غيرهم من طريق ابن عبّاس، قال: كنت ألعب مع الغلمان فإذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد جاء فقلت: ما جاء إلاّ إليّ ، فاختبأت على باب فجاءني فخطاني خطاة أو خطاتين(2) ثمّ قال: «اذهب فادع لي معاوية». قال: فذهبت فدعوته له فقيل: إنّه يأكل. فأتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقلت: إنّه يأكل؛ فقال: «إذهب فادعه». فأتيته الثانية فقيل: إنّه يأكل فأخبرته. فقال في الثالثة: «لا أشبع اللّه بطنه». قال: فما شبع بعدها(3).

هذا الحديث ذكره ابن كثير في عدّ مناقب معاوية فقال:

قد انتفع معاوية بهذه الدعوة في دنياه و اخراه:

أمّا في دنياه: فإنّه لمّا صار إلى الشام أميرا، كان يأكل في اليوم سبع مرّات يجاء بقصعة فيها لحم كثير و بصل فيأكل منها، و يأكل في اليوم سبع أكلات بلحم، و من الحلوى و الفاكهة شيئا كثيرا و يقول: و اللّه ما أشبع و إنّما أعيا، و هذه نعمة و معدة يرغب فيها كلّ الملوك.

ص: 191


1- - مسند أحمد [551/1، رقم 3094].
2- - [في صحيح مسلم و مسند أحمد: «فحطاني حطأة»؛ و الحطأ هو الضرب باليد مبسوطة بين الكتفين].
3- - صحيح مسلم 27:8[172/5، ح 96-97، كتاب البرّ و الصلة و الآداب]؛ تاريخ ابن كثير 119:8[127/8-128، حوادث سنة 60 ه].

و أمّا في الآخرة: فقد أتبع مسلم هذا الحديث بالحديث الّذي رواه البخاري(1) و غيرهما من غير وجه عن جماعة من الصحابة؛ أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: أللّهمّ إنّما أنا بشر فأيّما عبد سببته أو جلدته أو دعوت عليه و ليس لذلك أهلا فاجعل ذلك كفّارة و قربة تقرّبه بها عندك يوم القيامة. فركّب مسلم من الحديث الأوّل و هذا الحديث فضيلة لمعاوية، و لم يورد له غير ذلك(2).

قال الأميني: هنا يرتج عليّ القول في مسائلة هذا المدافع عن ابن هند و الناحت له فضيلة مركّبة من رذيلة ثابتة لمعاوية، و أفيكة مفتراة على قدس صاحب الرسالة، أنّه هل عرف النافع من الضارّ، فحكم بانتفاع معاوية بالدعوة المذكورة في دنياه و اخراه ؟! و إنّه هل عرف حدود الإنسانيّة و كمال النفس ؟!

و لا أظنّه، و إلاّ لما حكم بأنّ الّذي كان يرغب فيه معاوية و حسب أنّه يرغب فيه الملوك من كثرة الأكل و قوّة المعدة إلى ذلك الحدّ الممقوت المساوق حدّ البهائم نعمة من نعم اللّه أتت ابن آكلة الأكباد ببركة دعوة النبيّ المعصوم صلّى اللّه عليه و آله، و لم يعرف من سعادة الحياة إلاّ أن يملأ أكراشا جوفا و أجربة سغبا، و ما ملأ آدميّ وعاء شرّا من بطنه، يحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، و ثلث لشرابه، و ثلث لنفسه(3).

ثمّ إنّ الّذي يتبيّن من تضاعيف الروايات و خصوصيّات المقام: أنّ المورد

ص: 192


1- - صحيح البخاري [2339/5، ح 6000].
2- - البداية و النهاية [127/8-128، حوادث سنة 60 ه].
3- - من قولنا: «و ما ملأ آدمي...» إلى آخره، أخرجه أحمد [في المسند 117/5، ح 16735]؛ و الترمذي [في السنن 509/4، ح 2380]؛ و ابن ماجة [في السنن 1111/2، ح 3349]؛ و الحاكم [في المستدرك على الصحيحين 367/4، ح 7945] مرفوعا، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كما في الجامع الصغير [526/2، ح 8117].

مورد نقمة لا مورد رحمة، و إنّما الدعاء عليه لا له كيفما تمحّل ابن كثير؛ فقد طعن على الرجل أبو ذرّ الغفاري بقوله: «لعنك رسول اللّه و دعا عليك مرّات أن لا تشبع»(1). و اشتهرت عنه هذه المنقصة حتّى جرت مجرى المثل و قيل فيها:

و صاحب لي بطنه كالهاويه *** كأنّ في أحشائه معاويه

و حديث مسلم(2) الّذي يلوح عليه لوائح الافتعال إنّما اختلق لمثل هذه الغاية و تأويل ما إليها ممّا صدر عن النبيّ الأقدس صلّى اللّه عليه و آله من طعن و لعن و سبّ و جلد و دعوة على من يستحقّ كلّها. و للدفاع عن أولياء الشيطان و في الطليعة منهم ابن أبي سفيان، و المنع عن الوقيعة فيهم و غمزهم تأسّيا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، لفّقوا مكابرات عجيبة في دلالة الألفاظ و النصوص، و أنّ ذلك صدر منه صلّى اللّه عليه و آله لا عن قصد، أو أنّه صدر عن نزعات نفسيّة تقتضيها فطرة البشر. و قد ذهب

ص: 193


1- - راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد [255/8، خطبة 130].
2- - «أللّهمّ إنّما أنا بشر فأيّما رجل من المسلمين سببته أو لعنته أو جلدته فاجعلها له زكاة و رحمة. أللّهمّ إنّي اتّخذ عندك عهدا لن تخلفنيه، فإنّما أنا بشر فأيّ المؤمنين آذيته، شتمته، لعنته، جلدته فاجعلها له صلاة و زكاة و قربة تقرّبه بها إليك يوم القيامة. أللّهمّ إنّ محمّدا بشر يغضب كما يغضب البشر و إنّي قد اتّخذت عندك عهدا لن تخلفنيه، فأيّما مؤمن آذيته أو سببته أو جلدته فاجعلها له كفّارة و قربة تقرّبه بها إليك يوم القيامة. إنّما أنا بشر و إنّي اشترطت على ربّي عزّ و جلّ أيّ عبد من المسلمين سببته أو شتمته أن يكون ذلك له زكاة و أجرا. إنّي اشترطت على ربّي فقلت: إنّما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر، و أغضب كما يغضب البشر، فإيّما أحد دعوت عليه من امّتي بدعوة ليس لها بأهل أن يجعلها له طهورا و زكاة و قربة يقرّبه بها منه يوم القيامة». هذه ألفاظ حديث مسلم في صحيحه 8: 24-27[168/5-170، ح 88-95].

على المغفّلين أنّه صلّى اللّه عليه و آله لا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى، و أنّه لعلى خلق عظيم، و أنّ في كتابه الّذي جاء به من ربّه قوله تعالى: وَ اَلَّذِينَ يُؤْذُونَ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ اَلْمُؤْمِنٰاتِ بِغَيْرِ مَا اِكْتَسَبُوا فَقَدِ اِحْتَمَلُوا بُهْتٰاناً وَ إِثْماً مُبِيناً(1).

و قد صحّ عنه قوله صلّى اللّه عليه و آله: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده»(2).

و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «المؤمن لا يكون لعّانا»(3).

و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «سباب المسلم فسوق»(4).

و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «إنّي لم ابعث لعّانا و إنّما بعثت رحمة»(5).

و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «من ذكر امرأ بشيء ليس فيه ليعيبه به حبسه اللّه في نار جهنّم حتّى يأتي بنفاد ما قال فيه»(6).

هل هؤلاء القوم يصفون نبيّا صحّ عندهم من حديث مسلم: أنّه غضبت عائشة رضي اللّه عنها مرّة، فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: مالك جاءك شيطانك ؟! فقالت: و مالك شيطان ؟ قال: بلى و لكنّي دعوت اللّه فأعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلاّ بخير(7).

ص: 194


1- - الأحزاب: 58.
2- - أخرجه البخاري [في الصحيح 13/1، ح 10]؛ و مسلم [في الصحيح 96/1، ح 41، كتاب الإيمان]؛ و أحمد [في مسنده 396/2، ح 6767]؛ و الترمذي [في السنن 570/4، ح 2504].
3- - مستدرك الحاكم 12:1 و 47 [57/1، ح 29؛ و ص 110، ح 145].
4- - متّفق عليه؛ أخرجه البخاري [في صحيحه 27/1، ح 48] و مسلم [في صحيحه 114/1، ح 116، كتاب الايمان] و الترمذي [في السنن 311/4، ح 1983] و النسائي [في السنن الكبرى 313/2، ح 3567-3578] و ابن ماجة [في السنن 1299/2، ح 3939-3941] و الطبري [في المعجم الكبير 145/1، ح 325]، و الحاكم، و الدارقطني.
5- - صحيح مسلم 24:8[168/5، ح 87].
6- - الترغيب و الترهيب 197:3[515/3، ح 32]، رواه الطبراني بإسناد جيّد.
7- - إحياء العلوم 167:3[164/3].

و هل يتكلّمون عن نبيّ قال لعبد اللّه بن عمرو بن العاص: «اكتب عنّي في الغضب و الرضا، فو الّذي بعثني بالحقّ نبيّا ما يخرج منه إلاّ حقّ »، و أشار إلى لسانه(1)؟

و قال عبد اللّه بن عمرو: أكتب كلّ شيء أسمعه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اريد حفظه فنهتني قريش و قالوا: تكتب كلّ شيء سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بشر يتكلّم في الغضب و الرضا؟! فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأومأ بإصبعه إلى فيه و قال: «اكتب، فو الّذي نفسي بيده ما خرج منه إلاّ حقّ »(2).

و كان صلّى اللّه عليه و آله كما وصفه أمير المؤمنين عليه السّلام: «لا يغضب للدنيا فإذا أغضبه الحقّ لم يعرفه أحد، و لم يقم لغضبه شيء حتّى ينتصر له»(3).

و هل يشوّهون بهذا العزو المختلق - لتبرير ذيل أمثال ابن هند - سمعة قداسة نبيّ كان يؤدّب امّته بآداب اللّه، و ينهى أصحابه عن لعن كلّ شيء حتّى الدوابّ و البهائم و الديك و البرغوث و الريح ؟! و كان يقول: «من لعن شيئا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه»(4). و قال لرجل كان يسير معه فلعن بعيره: «يا عبد اللّه! لا تسر معنا على بعير ملعون»(5). و كان صلّى اللّه عليه و آله يبالغ في الأمر و يحذّر الناس عنه حتّى قال سلمة بن الأكوع: كنّا إذا رأينا الرجل يلعن أخاه رأينا أن قد أتى بابا من الكبائر(6).

ص: 195


1- - إحياء العلوم 167:3[164/3]؛ أخرجه أبو داود [في مسنده 318:3، ح 3646].
2- - سنن الدارمي 125:1.
3- - أخرجه الترمذي في الشمائل [ص 113، ح 225 و فيه: عن الحسن بن عليّ عليه السّلام].
4- - الترغيب و الترهيب 197:3 و صحّحه [474/3-475، ح 21-26].
5- - الترغيب و الترهيب 196:3 فقال: إسناده جيّد [474/3، ح 19].
6- - الترغيب و الترهيب 195:3 قال: سند جيّد [472/3، ح 15].

دع الأباطيل و لا تشطط في القول؛ فمن لعنه صلّى اللّه عليه و آله فهو ملعون، و من سبّه فهو مستأهل لذلك، و من جلده فإنّ ذلك من شرعه المبين، و من دعا عليه أخذته الدعوة. و هل يجد ذو خبرة مصداقا لتلك المزعمة المخزية و يسع له أن يستشهد بسبّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أحدا من صلحاء امّته كائنا من كان ممّن لا يستحقّ السبّ أو بلعنه و جلده إيّاه و دعوته عليه ؟! حاشا النبيّ المبعوث لتتميم مكارم الأخلاق من هذه الفرية الشائنة.

و إن صحّت هذه المزعمة لتطرّق الوهن في أفعاله و أقواله و في قضائه و حدوده، فلا يعلم الإنسان أنّها بحافز إلهيّ ، أو اندفاع إلى شهوة و إطفاء ثورة الغضب ؟! و أيّ نبيّ معصوم هذا؟! و كيف تتّبع سنّته ؟! و يقتفى أثره عندئذ؟! و في أيّ من حالتيه هو مقتدى البشر و حجّة الخلق و قدوة الامم ؟! و ما المائز بينه و بين امّته و كلّ يستحوذ عليه الغضب، و يقوده الهوى ؟! و كان لأيّ أحد اسوة برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يقول مثل ذلك حين يقع في المسلمين بالسباب و ينال منهم باللعن فتنقلب المعصية بتلك الدعوة اللاحقة طاعة و برّا و كفّارة و قربة.

و من هنا بلغت القحّة و الصلف من ابن حجر إلى أن تمسّك بذيل حديث مسلم المثبت ما لا يقبله العقل و المنطق و تأباه الاصول الدينيّة المسلّمة، فمنع بذلك عن لعن الحكم لعين رسول اللّه و طريده و ابنه الوزغ بن الوزغ(1)!

و للقوم في هذا المقام تصعيدات و تصويبات، أو قل: خرافات و مخاز؛ مثل ما حكي عن بعضهم(2): أنّ ظاهر هذا الحديث يعطينا إباحة تلكم المحظورات للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله فحسب. و عدّ السيوطي(3) من خصائص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: باب

ص: 196


1- - الصواعق المحرقة: 108 [ص 181].
2- - الخصائص الكبرى للسيوطي 244:2[425/2]؛ المواهب اللدنيّة 395:1[625/2].
3- - راجع الخصائص الكبرى 244:2[425/2].

اختصاصه صلّى اللّه عليه و آله بجواز لعن من شاء بغير سبب. و قال القسطلاني(1):

كان له صلّى اللّه عليه و آله أن يقتل بعد الأمان، و أن يلعن من شاء بغير سبب، و جعل اللّه شتمه و لعنه قربة للمشتوم و الملعون لدعائه صلّى اللّه عليه و آله.

ألا يضحك ضاحك على عقليّة هذا الأرعن ؟! و أنّه كيف يكون ذلك و قد فرض أنّ مصبّ هاتيك الطعون مستوجب للرحمة و الحنان بالدعوة اللاحقة إيّاها؟ فما المجوّز لنبيّ الرحمة هتك ستار اولئك و فضحهم على ملأ(2)من الأشهاد من غير استحقاق على مرّ الدهور؟! و هل الدعاء الأخير يرفع عنهم شية العار الملحقة بهم من الدعوة الاولى ؟! و هل لإباحة تلكم الفواحش الّتي هي بذاتها فاحشة و قبائح عقليّة لا تقبل التخصيص لصاحب الرسالة معنى معقول ؟! و هل هتك حرمات المؤمنين مع حفظ الوصف لهم و المبدأ فيهم ممّا يستباح لأحد نبيّا كان أو غيره ؟!

أمّا أنا فلا أعرفه، و أحسب أنّ من ذهب إلى ذلك أيضا مثلي في الجهل.

و هلاّ كان لرسول اللّه و الحالة هذه أن ينصّ بعد ما سبّ من لا يستحقّ أو لعنه أو جلده أو دعا عليه، و بعد ما هدأت ثورة غضبه و أطفأ نيران سخطه على أنّ ذلك وقع في غير محلّه، حتّى لا يدنّس ساحة الأبرياء طيلة حياتهم بشية العار و وسمة الشنار، و لا يشوّه سمعة اناس نزهين في الملأ الدينيّ أبد الدهر؟!

و هلاّ كان للصحابة أن يستفهموا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جليّة الحال في كلّ تلكم الموارد ليعرفوا وجه ما أتى به من الهتيكة: هل وقع في أهله و محلّه ؟ حتّى لا يتّخذوا فعله مدركا مطّردا في الوقيعة و التحامل، و لا يزري أحد أحدا جهلا منه بالموضوع اقتفاء لأثره صلّى اللّه عليه و آله.

ص: 197


1- - المواهب اللدنيّة 625:2.
2- - [في بعض النسخ: «و تفضيحهم بملأ»].

و هلاّ كان لمثل أبي سفيان و معاوية و الحكم و مروان و بقيّة ثمرات الشجرة الملعونة في القرآن و نظرائهم الملعونين بلسان النبيّ الأقدس أن يحتجّوا برواية مسلم على من يعيّرهم بلعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إيّاهم كعائشة امّ المؤمنين و أمير المؤمنين و أبي ذرّ و وجوه الصحابة غيرهم ؟!

و ها هنا دقيقة اخرى و هي: أنّ اللعنات و الطعون المتوجّهة في القرآن الكريم إلى اناس عناهم الذكر الحكيم و نوّه بذلك(1) الصادع الكريم صلّى اللّه عليه و آله هل هي من اللّه تعالى كما زعموه في النبيّ الأقدس و مؤوّلة بمدائح و رحمات و قرب ؟! فهي إلى جلالة اولئك القوم و قداستهم أدلّ من كونهم ملعونين مطرودين من ساحة رحمة اللّه تعالى.

و هل اللّه سبحانه أعطى عهدا بذلك و آلى على نفسه أن يجعلها رحمة و زكاة و قربة ؟! أم أنّها باقية على مداليلها الّتي هي ناصّة عليها؟!

لا أدري ما ذا يقول القوم ؟! هل يسلبون الحقائق عن الألفاظ القرآنيّة كما سلبوها عن الألفاظ النبويّة ؟! و في ذلك ارتاج لباب التفاهم و سدّ لطريق المحاورة، غير أنّ أحمال الكلام لم تراقبها دائرة المكوس، فللمتحذلق أن يقول:

ما شاء، و للثرثار أن يلهج بما حبّذه الهوى و لا يكترث. نعوذ باللّه من التقوّل بلا تعقّل.

ص: 198


1- - [«نوّه بفلان»: دعاه برفع الصوت].

الفهارس الفنّيّة

اشارة

فهرس المحتوى

مصادر التّحقيق

ص: 199

ص: 200

فهرس المحتوى

أوّلا - وصايا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حول الثقل الأكبر القرآن الكريم

1 - الثقل الأكبر القرآن في حديث الغدير:

واقعة الغدير:

1 - يطلق على حجّة الوداع: حجّة الإسلام، حجّة البلاغ، حجّة الكمال، و حجّة التمام 5

2 - أخرج صلّى اللّه عليه و آله معه نسائه كلّهنّ ، و سار معه أهل بيته، و عامّة المهاجرين و الأنصار 5

3 - خرج معه صلّى اللّه عليه و آله تسعون ألفا، و الّذين حجّوا معه فأكثر من ذلك 6

4 - لمّا قضى مناسكه صلّى اللّه عليه و آله، وصل إلى غدير خمّ في الجحفة و ذلك يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجّة، نزل إليه جبرئيل عن اللّه بقوله: يٰا أَيُّهَا اَلرَّسُولُ بَلِّغْ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ...

و أمره أن يقيم عليّا علما للنّاس 6

5 - أمر رسول اللّه أن يردّ من تقدّم و يحبس من تأخّر 6

6 - صلّى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله صلاة الظهر بالناس 7

7 - لمّا انصرف صلّى اللّه عليه و آله من صلاته، قام خطيبا وسط القوم على أقتاب الإبل 7

8 - قال صلّى اللّه عليه و آله: «أيّها الناس! قد نبّأني اللطيف الخبير: أنّه لم يعمّر نبيّ إلاّ مثل نصف عمر الّذي قبله» 7

9 - قال صلّى اللّه عليه و آله: «فإنّي فرط على الحوض و أنتم واردون عليّ الحوض» 8

10 - قال صلّى اللّه عليه و آله: «انظروا كيف تخلفوني في الثقلين» 8

11 - قال صلّى اللّه عليه و آله: «الثقل الأكبر كتاب اللّه و الآخر الأصغر عترتي... فلا تقدموهما فتهلكوا، و لا تقصروا عنهما فتهلكوا» 8

12 - أخذ صلّى اللّه عليه و آله بيد علىّ فرفعها حتّى رؤي بياض آباطهما و عرفه القوم أجمعون 9

13 - قال صلّى اللّه عليه و آله: «إنّ اللّه مولاي، و أنا مولى المؤمنين، و أنا أولى بهم من أنفسهم؛ فمن كنت مولاه فعليّ مولاه» 9

14 - يقولها: ثلاث مرّات، و قيل: أربع مرّات 9

ص: 201

15 - لم يتفرّقوا حتّى نزل جبرئيل: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي... فقال رسول اللّه: «اللّه اكبر على إكمال الدين، و إتمام النعمة، و رضا الربّ برسالتي، و الولاية لعليّ من بعدي» (9)

16 - طفق القوم يهنّئون أمير المؤمنين عليه السّلام؛ و ممّن هنّأه الشيخان 9

17 - الشيخان كلّ يقول: «بخّ بخّ لك يابن أبي طالب! أصبحت و أمسيت مولاي و مولى كلّ مؤمن و مؤمنة» 9

18 - قال ابن عباس: «وجبت في أعناق القوم» 9

2 - قال صلّى اللّه عليه و آله: «إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي» 10

3 - قال صلّى اللّه عليه و آله: «عليّ مع القرآن و القرآن معه لا يفترقان حتّى يردا عليّ الحوض» 10

4 - صحّ عنه صلّى اللّه عليه و آله: «من قرأ القرآن في أقلّ من ثلاث لم يفقه» 10

5 - رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يعرّف الخوارج بالمروق من الدين بقوله: «يخرج قوم من امّتي يقرؤون القرآن ليست قراءتكم إلى قراءتهم بشيء، و لا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، و لا صيامكم إلى صيامهم بشيء، يقرؤون القرآن يحسبون أنّه لهم، و هو عليهم...» 10

6 - قال النبيّ الأعظم صلّى اللّه عليه و آله: «من تولّى من أمر المسلمين شيئا فاستعمل عليهم رجلا و هو يعلم أنّ فيهم من هو أولى بذلك و أعلم منه بكتاب اللّه و سنّة رسوله فقد خان اللّه و رسوله و جميع المؤمنين»؟! 10

7 - قد جاء في الصحيح مرفوعا: «تكثر لكم الأحاديث من بعدي فإذا روي لكم حديث فأعرضوه على كتاب اللّه تعالى فما وافق كتاب اللّه فاقبلوه و ما خالفه فردّوه» 10

8 - قال صلّى اللّه عليه و آله: «يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب اللّه، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنّة، فإن كانوا في السنّة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما» 11

ثانيا - عليّ عليه السّلام في القرآن 1 - آية التبليغ

أخرج الطبري بإسناده عن زيد بن أرقم، قال: لمّا نزل النبيّ بغدير خم في رجوعه من حجّة الوداع فخطب بالغة ثمّ قال:

1 - عليّ بن أبي طالب أخي و وصيّي و خليفتي و الإمام بعدي 16

2 - إنّ اللّه قد نصبه لكم وليّا و اماما و فرض طاعته على كلّ أحد 16

3 - إنّ اللّه مولاكم و عليّ إمامكم ثمّ الإمامة في ولدي من صلبه إلى القيامة 16

ص: 202

4 - ما من علم إلاّ و قد أحصاه اللّه فيّ و نقلته إليه، فلا تضلّوا عنه، و لا تستنكفوا منه 16-17

5 - عليّ هو الّذي يهدي إلى الحقّ و يعمل به، لن يتوب اللّه على أحد أنكره، و لن يغفر له، حتما على اللّه أن يفعل ذلك أن يعذّبه عذابا نكرا أبد الآبدين 17

6 - عليّ أفضل الناس بعدي 17

7 - لا تحلّ إمرة المؤمنين بعدي لأحد غيره 17

8 - أللّهمّ وال من والاه و عاد من عاداه و العن من أنكره و اغضب على من جحد حقّه 17

9 - من لم يأتمّ بعليّ و بمن كان من ولدي من صلبه إلى القيامة، فاولئك حبطت أعمالهم و في النّار هم خالدون 17

10 - إنّ إبليس أخرج آدم عليه السّلام من الجنّة مع كونه صفوة اللّه، بالحسد؛ فلا تحسدوا فتحبط أعمالكم و تزلّ أقدامكم 17

11 - في عليّ نزلت سورة وَ اَلْعَصْرِ * إِنَّ اَلْإِنْسٰانَ لَفِي خُسْرٍ 1(7)

12 - معاشر الناس! آمنوا باللّه و رسوله و النور الّذي أنزل معه. النور من اللّه فيّ ، ثمّ في عليّ ، ثمّ في النسل منه إلى القائم المهديّ 18

القول الفصل:

1 - ذكر المتوسّعون في النقل وجوها اخر لنزول آية التبليغ 19

2 - هذه الوجوه غير ناهضة لمجابهة الأحاديث المعتبرة 19

ذيل في المقام:

الفرية على الشيعة: «قالت الشيعة: إنّه صلّى اللّه عليه و آله قد كتم أشياء على سبيل التقيّة» 20

2 - آية الإكمال [إكمال الدين بالولاية]

ردّ كلام الآلوسي 23

3 - آية العذاب الواقع

نظرة في الحديث [حديث نزول آية العذاب الواقع]:

ابن تيميّة - الدائب على إنكار الضروريّات، و المتجرّئ على الوقيعة في المسلمين - قد ذكر وجوها في ابطال الحديث، و نحن نذكرها مختصرة و نجيب عنها 25-31

4 و 5 - آية شرح الصدر و آية الامتحان

ورد في قوله تعالى: أَ فَمَنْ شَرَحَ اَللّٰهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلاٰمِ ، أنّها نزلت في عليّ عليه السّلام و حمزة 3(1)

في النبويّ الوارد في أمير المؤمنين عليه السّلام: «إنّه امتحن اللّه قلبه بالإيمان» 32

ص: 203

الإشارة إلى حديثي الإخاء و الوصيّة، و هما من الشهرة و التواتر بمكان عظيم 32

الإشارة إلى ما ورد في علم عليّ عليه السّلام بالكتاب و السنّة 32

عن ابن عبّاس: «ما علمي و علم أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و آله في علم عليّ إلاّ كقطرة في سبعة أبحر».

33

يقال: إنّ عبد اللّه بن عبّاس أكثر البكاء على عليّ حتّى ذهب بصره 33

6-16 - آية شراء النفس، و الآيات العشرة النازلة في عليّ عليه السّلام الّتي سمّي فيها مؤمنا

الإيعاز إلى مأثرة تصدّقه عليه السّلام بخاتمه للسائل راكعا 34

الإشارة إلى حديث أصفقت الامّة عليه من: أنّ عليّا لبس برد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله الحضرمي الأخضر، و نام على فراشه ليلة هرب النبيّ من المشركين إلى الغار، و فداه بنفسه، و نزلت فيه: وَ مِنَ اَلنّٰاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغٰاءَ مَرْضٰاتِ اَللّٰهِ 3(4)

قال الإسكافي: «حديث الفراش قد ثبت بالتواتر؛ فلا يجحده إلاّ مجنون أو غير مخالط لأهل الملّة» 34

الإشارة إلى الآيات العشرة النازلة في أمير المؤمنين الّتي سمّي فيها مؤمنا؛ و هي:

1 - أَ فَمَنْ كٰانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كٰانَ فٰاسِقاً لاٰ يَسْتَوُونَ 3(5)

2 - هُوَ اَلَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَ بِالْمُؤْمِنِينَ 3(6)

عن عليّ عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إنّي رأيت اسمك مقرونا بإسمي في أربعة مواطن...» 36

3 - يٰا أَيُّهَا اَلنَّبِيُّ حَسْبُكَ اَللّٰهُ وَ مَنِ اِتَّبَعَكَ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ 3(6)

4 - مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ رِجٰالٌ صَدَقُوا مٰا عٰاهَدُوا اَللّٰهَ عَلَيْهِ ... 3(6)

عن عليّ عليه السّلام: «أمّا أنا فأنتظر أشقاها، يخضب هذه من هذه - و أشار إلى لحيته و رأسه -...» 37

5 - إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اَللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا اَلَّذِينَ يُقِيمُونَ اَلصَّلاٰةَ ... 3(7)

تكذيب ابن تيميّة نزول قوله تعالى: إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اَللّٰهُ وَ رَسُولُهُ في عليّ ، و جوابه 38-3(9)

من أراد المناقشة في هذا الحديث من المتكلّمين، قصرها على الدلالة فحسب من دون أيّ غمز في السند 39

أسماء جمع ممّن أخرج الحديث أو أخبت إليه 40-41

ص: 204

كيف صحّ أن يكون لعليّ رضى اللّه عنه و اللفظ لفظ جماعة ؟ 40

لفظ الحديث 41

اشكال مزيّف: قال الآلوسي: «إنّ الآية ليس نزولها في حقّ عليّ خاصّة...؛ فإنّ قوله:

اَلَّذِينَ صيغة جمع...» 4(2)

الرجل يضرب في قوله هذا على وتر ابن كثير حيث قال: «لم ينزل في عليّ شيء من القرآن بخصوصيّته» 42

الجواب عن هذا الإشكال 42-48

إصدار الحكم على الجهة العامّة ثمّ تقييد الموضوع بما يخصّصه بفرد معيّن حسب الانطباق الخارجيّ ، أبلغ و آكد في صدق القضيّة من توجيهه إلى ذلك الفرد رأسا 42

6 - أَ جَعَلْتُمْ سِقٰايَةَ اَلْحٰاجِّ وَ عِمٰارَةَ اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرٰامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّٰهِ ... 4(5)

7 - إِنَّ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّٰالِحٰاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ اَلرَّحْمٰنُ وُدًّا 4(6)

8 - أَمْ حَسِبَ اَلَّذِينَ اِجْتَرَحُوا اَلسَّيِّئٰاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا... 4(6)

9 - إِنَّ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّٰالِحٰاتِ أُولٰئِكَ هُمْ خَيْرُ اَلْبَرِيَّةِ ... 4(6)

روايات حول شيعة عليّ عليه السّلام 46-47

قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في قوله تعالى: أُولٰئِكَ هُمْ خَيْرُ اَلْبَرِيَّةِ : «أنت يا عليّ ! و شيعتك» 4(7)

كان أصحاب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إذا أقبل عليّ قالوا: جاء خير البريّة 47

10 - وَ اَلْعَصْرِ * إِنَّ اَلْإِنْسٰانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّٰالِحٰاتِ 4(7)

إِنَّ اَلْإِنْسٰانَ لَفِي خُسْرٍ يعني أبا جهل بن هشام إِلاَّ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّٰالِحٰاتِ ذكر عليّا و سلمان 47-4(8)

17-21 آية وَ كُونُوا مَعَ اَلصّٰادِقِينَ ، و آية وَ اَلسّٰابِقُونَ اَلسّٰابِقُونَ ، و آية المودّة، و آية وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ، و آية الصراط

روي في قوله تعالى: يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اَللّٰهَ وَ كُونُوا مَعَ اَلصّٰادِقِينَ : أي: كونوا مع عليّ ابن أبي طالب 4(8)

ورد في قوله تعالى: وَ اَلسّٰابِقُونَ اَلسّٰابِقُونَ * أُولٰئِكَ اَلْمُقَرَّبُونَ : أنّها نزلت في عليّ بن أبي طالب 48-4(9)

أحاديث حول الآية الشريفة: قُلْ لاٰ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ اَلْمَوَدَّةَ فِي اَلْقُرْبىٰ وَ مَنْ يَقْتَرِفْ

ص: 205

حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهٰا حُسْناً 49-5(2)

خطبة الإمام حسن بن عليّ عليهما السّلام: «أنا ابن البشير، أنا ابن النذير،...» 51

قال ابن حجر: «روي في قوله تعالى: وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ : أي: ولاية عليّ و أهل البيت» 51-5(2)

تزييف ابن تيميّة إيجاب مودّة أهل البيت بآية: قُلْ لاٰ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً، و جوابه 52-5(3)

أصفق المسلمون على نزول الآية في عليّ و فاطمة و ابنيهما و إيجاب مودّتهم بها إلاّ شذّاذا من حملة الروح الامويّة نظراء ابن تيميّة و ابن كثير 53

شعر الإمام الشافعي في ذلك 54

ليس من شرط ثبوت الحكم بملاك عامّ يشمل الحاضر و الغابر وجود موضوعه الفعليّ 54

أخرج الثعلبي في قوله تعالى: اِهْدِنَا اَلصِّرٰاطَ اَلْمُسْتَقِيمَ : «صراط محمّد و آله» 5(4)

ورد في قوله تعالى: وَ إِنَّ اَلَّذِينَ لاٰ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ اَلصِّرٰاطِ لَنٰاكِبُونَ قال: «الصراط ولايتنا أهل البيت» 5(5)

عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: «أثبتكم على الصراط أشدّكم حبّا لأهل بيتي و لأصحابي» 55

22 - الاستغفار لعليّ في القرآن

عن ابن عبّاس: «فرض اللّه تعالى الاستغفار لعليّ في القرآن على كلّ مسلم» 55

23 - آية أُذُنٌ وٰاعِيَةٌ

عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «يا عليّ ! إنّ اللّه عزّ و جلّ أمرني أن ادنيك و اعلّمك لتعي - و انزلت هذه الآية: وَ تَعِيَهٰا أُذُنٌ وٰاعِيَةٌ - فأنت اذن واعية لعلمي» 55-5(6)

24 - آية الإنفاق سرّا و علانية

إنّ أمير المؤمنين عليّا عليه السّلام كانت له أربعة دراهم فتصدّق بدرهم ليلا و بدرهم نهارا و... فأنزل اللّه فيه القرآن 56

ذكر بعض نزول قوله تعالى: اَلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوٰالَهُمْ بِاللَّيْلِ ... في أبي بكر حين تصدّق بأربعين ألف دينار، تجاه ما أخرجه الحفّاظ من نزولها في عليّ أمير المؤمنين 56-5(7)

خاتمة: إذا عرفت بعض ما نزل من القرآن في عليّ عليه السّلام فعجب قول من قال:

«هل يستطيع أن يجيء [الشيعيّ ] بحرف واحد من القرآن يدلّ على قول الشيعة بتناسخ الأرواح، و حلول اللّه في أشخاص أئمّتهم، و قولهم بالرجعة، و عصمة الأئمّة، و تقديم عليّ على أبي بكر و عمر و عثمان ؟ أو يدلّ على وجود عليّ في السحاب، و أنّ البرق تبسّمه و الرعد صوته ؟» 58

ص: 206

التتويج يوم الغدير:

1 - كانت التيجان المكلّلة بالذهب المرصّعة بالجواهر من شناشن ملوك الفرس، و لم يكن للعرب منها بدل إلاّ العمائم 59

2 - لذلك جاء عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «العمائم تيجان العرب» 59

3 - على هذا الأساس عمّمه رسول اللّه هذا اليوم بهيئة خاصّة تعرب عن العظمة و الجلال، و توّجه بيده الكريمة بعمامته - السحاب - في ذلك المحتشد العظيم 60

قول الإماميّة بالرجعة نطق به القرآن 60

آية التطهير ناطقة بعصمة جمع ممّن تقول الإماميّة بعصمتهم، و في البقيّة بوحدة الملاك و النصوص الثابتة 60

كيف لم يقدّم القرآن عليّا على غيره، و قد قرن اللّه ولايته بولايته و ولاية نبيّه بقوله العزيز:

إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اَللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا اَلَّذِينَ يُقِيمُونَ اَلصَّلاٰةَ ...؟! و قد أطبق الفقهاء و المحدّثين و المتكلّمين على نزولها في عليّ أمير المؤمنين 6(1)

هل يستطيع أن يجيء القصيميّ و قومه بحرف واحد من القرآن يدلّ على تقديم أبي بكر و عمر و عثمان على وليّ الطاهر أمير المؤمنين عليه السّلام ؟! 61

ما عشت أراك الدهر عجبا: تكذيب نزول آيات في عليّ عليه السّلام بخصوصيّته، و جوابه 61-62

ثالثا - أهل البيت عليه السّلام في القرآن

1 - الصلاة عليهم عليهم السّلام مأمور بها:

الإشارة إلى الأخبار الصحيحة الواردة في أنّ الصلاة على أهل البيت عليهم السّلام مأمور بها في الصلاة 65

قال ابن حجر: «الأمر بالصلاة على أهل بيته و بقيّة آله مراد من هذه الآية [إِنَّ اَللّٰهَ وَ مَلاٰئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى اَلنَّبِيِّ ...]» 6(5)

النهي عن الصلاة البتراء و هي أن تقولون: أللّهمّ صلّ على محمّد و تمسكون، بل قولوا:

أللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد 65

عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «الدعاء محجوب حتّى يصلّى على محمّد و أهل بيته» 66

2 - مودّتهم عليهم السّلام و ولايتهم واجبان 66

3 - ناصرهم عليهم السّلام يدخل الجنّة و مبغضهم يدخل النار:

عن عليّ عليه السّلام في قوله تعالى: وَ عَلَى اَلْأَعْرٰافِ رِجٰالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمٰاهُمْ : «نحن نوقف يوم القيامة بين الجنّة و النار، فمن نصرنا عرفناه بسيماه فأدخلناه الجنّة...» 6(7)

ص: 207

الإشارة إلى قوله تعالى: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنٰاسٍ بِإِمٰامِهِمْ ، و أنّ أئمّة الشيعة هم العترة الطاهرة يدعون بهم و يحشرون معهم 6(7)

«المرء مع من أحبّ »، و «من أحبّ قوما حشر معهم» 67

4 - هم عليهم السّلام المحسودون.

الإشارة إلى أنّ في قوله تعالى: أَمْ يَحْسُدُونَ اَلنّٰاسَ عَلىٰ مٰا آتٰاهُمُ اَللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ ، ورد أنّهم الأئمّة من آل محمّد عليهم السّلام 6(7)

5 - إطعامهم عليهم السّلام الطعام مسكينا و يتيما و أسيرا.

قال ابن حزم: «لسنا من كذب الرافضة في تأويلهم وَ يُطْعِمُونَ اَلطَّعٰامَ عَلىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً، و أنّ المراد بذلك عليّ ...»، و الجواب عنه 6(8)

امّة ممّن رووا هذا التأويل في الآية الشريفة 69

لفظ الحديث 69

6 - هم عليهم السّلام الصراط المستقيم.

أخرج الثعلبي في قوله تعالى: اِهْدِنَا اَلصِّرٰاطَ اَلْمُسْتَقِيمَ : «صراط محمّد و آله» 7(0)

ورد في قوله تعالى: وَ إِنَّ اَلَّذِينَ لاٰ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ اَلصِّرٰاطِ لَنٰاكِبُونَ قال: «الصراط ولايتنا أهل البيت» 7(0)

عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: «أثبتكم على الصراط أشدّكم حبّا لأهل بيتي و لأصحابي» 71

رابعا - علم عليّ بن أبي طالب عليه السّلام بالقرآن

1 - عن ابن مسعود قال: «إنّ القرآن انزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلاّ و له ظهر و بطن، و إنّ عليّ بن أبي طالب عنده منه الظاهر و الباطن» 75

2 - عن عليّ عليه السّلام قال: «و اللّه ما نزلت آية إلاّ و قد علمت فيم انزلت و أين انزلت، إنّ ربّي وهب لي قلبا عقولا و لسانا سؤولا» 75

3 - الإشارة إلى ما ورد في علم عليّ عليه السّلام بالكتاب و السنّة 75-77

عن ابن عبّاس: «ما علمي و علم أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و آله في علم عليّ إلاّ كقطرة في سبعة أبحر» 77

يقال: إنّ عبد اللّه بن عبّاس أكثر البكاء على عليّ حتّى ذهب بصره 77

قال السيوطي: «أمّا الخلفاء فأكثر من روي عنه منهم عليّ بن أبي طالب، و الرواية عن الثلاثة نزرة جدّا و كان السبب في ذلك تقدّم وفاتهم...» 78

ص: 208

إنّ الّذي لم يجد السيوطي له عشرة أحاديث في علم التفسير، كيف عدّه ممّن اشتهر بالتفسير؟! 78

4 - عرّف النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مولانا أمير المؤمنين بقوله: «إنّ فيكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله». قال أبو بكر: أنا هو يا رسول اللّه ؟! قال: «لا». قال عمر: أنا هو يا رسول اللّه ؟! قال: «لا، و لكن خاصف النعل»، و كان أعطى عليّا نعله يخصفها 79

وهم و خرافة: علم الامّة بالقرآن أكثر و أكمل من علم عليّ عليه السّلام!!

قال موسى جار اللّه: «الامّة معصومة عصمة نبيّها، معصومة في تحمّلها و حفظها و في تبليغها و أدائها...»، و جوابه 79

قال: «الامّة بالقرآن و السنّة أعلم من جميع الأئمّة، و علم الامّة بالقرآن و سنن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله اليوم أكثر و أكمل من علم عليّ عليه السّلام و من علوم كلّ أولاد عليّ عليه السّلام» 79

قال: «الامّة بلغت و صارت رشيدة لا تحتاج إلى الإمام» 80

خلّف صلّى اللّه عليه و آله لهداية امّته من بعده الثقلين، و حصر الهداية بالتمسّك بهما إلى غاية الأمر يفيدنا أنّ عندهما من العلوم و المعارف ما تقصر عنها الامّة 82

أئمّة العترة أعدال الكتاب في العلم و الهداية 82

عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «أعلم امّتي من بعدي عليّ بن أبي طالب» 83

حكم الحاكم النيسابوري بإجماع الامّة على أنّ عليّا ورث العلم من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله دون الناس 83

العجب العجاب: عمر أقرأ الصحابة و أفقههم!

نبذة من أحكامه الشاذّة عن موارد من القرآن الكريم 84-85

هل من السائغ في شريعة الحجى أن يكون الأقرأ و الأعلم و الأفقه بهذه المثابة من الابتعاد عن الآي الشريفة و مراميها الكريمة ؟! 86

قصر باع الخليفة في علوم الكتاب و السنّة:

1 - أنّى يسوغ للخليفة أن تثقله أعباء الخلافة و تعييه معضلات المسائل و يتترّس بمثل قوله:

«أيّ سماء تظلّني...»، أو قوله: «سأقول فيها برأيي»؟! 86

أو يقول: «لوددت أنّ هذا كفانيه غيري...» 86

أو يقول: «أما و اللّه ما أنا بخيركم... إنّ لي شيطانا يعتريني، فإذا غضبت فاجتنبوني...» 87

قد فتح الخليفة لقصر باعه في علوم الكتاب و السنّة باب القول بالرأي بمصراعيه بعد ما سدّه

ص: 209

النبيّ الأعظم على امّته 87

قال أبو بكر: «... هذا رأيي فإن يكن ثوابا فمن اللّه، و إن يكن خطأ فمنّي...» 87

2 - حكم عمر و عثمان برجم امرأة ولدت لستّة أشهر 88-89

لا يربّي بيت اميّة أربى من هذا البشر، و لا يجتنى من تلك الشجرة أشهى من هذا الثمر 90

3 - نهى عمر الناس أن يغالوا في صداق النساء، و اللّه تعالى يقول في كتابه: وَ آتَيْتُمْ إِحْدٰاهُنَّ قِنْطٰاراً فَلاٰ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً 9(0)

4 - جهل الخليفة بمعنى الأبّ 91

قال عمر: «اتّبعوا ما بيّن لكم هداه من الكتاب فاعملوا به و ما لم تعرفوه فكلوه إلى ربّه» 91

و أيضا قال: «نهينا عن التعمّق و التكلّف» 91

قال ابن حجر: «قيل: إنّ الأبّ ليس بعربيّ . و يؤيّده خفاؤه على مثل أبي بكر و عمر»! 91

البخاري سترا على جهل الخليفة بالأبّ حذف صدر الحديث و أخرج ذيله 91-92

5 - قول عمر: «من أراد أن يسأل عن القرآن فليأت ابيّ بن كعب» 92

خطبة الخليفة في الجابية: «من أراد أن يسأل عن القرآن فليأت ابيّ بن كعب... و من أراد أن يسأل عن المال فليأتني فإنّي له خازن» 92

هل ترى من المعقول أن يكون خليفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على امّته فاقدا لهاتيك العلوم، و يكون مرجعه فيها لفيفا من الناس ؟! 92

شتّان بين هذا القائل و بين من يرفع عقيرته على صهوات المنابر بقوله: «سلوني قبل أن لا تسألوني...» 92

خامسا - الإجتهاد في مقابل القرآن

1 - اجتهاد الخليفة في الطلاق الثلاث:

قال عمر: إنّ الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم؛ فأمضيناه عليهم 95

بيان أنّ الطلاق الثلاث لا يتحقّق بجمع التطليقات بكلمة - ثلاثا - و لا بتكرار صيغة ثلاثا متعاقبة بلا تخلّل عقد النكاح بينها 95

عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «أيلعب بكتاب اللّه و أنا بين أظهركم ؟» 97

لبعض أعلام القوم في المسألة كلمات تشدّق بها، و أعجب ما رأيت فيها كلمة العيني 97

قال الشيخ صالح بن محمّد العمري: «أنّ حكم الحاكم المجتهد إذا خالف نصّ كتاب اللّه

ص: 210

تعالى أو سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، وجب نقضه و منع نفوذه» 98

2 - المتعة في الكتاب:

نعرات القرن العشرين لصحابها موسى الوشيعة: «القول بنزول الآية من دعاوي الشيعة فحسب...» 98

ذكر جمع من أعلام أهل السنّة صرّحوا بنزول الآية في المتعة 99-100

أكاذيب الرجل و عزو القول بنزول الآية إلى الشيعة فحسب كلّها تقدمة لسبّ الإمامين الطاهرين الباقر و الصادق عليهما السّلام، و هو يعلم و كلّ ذي نصفة يدري أنّ أئمّة قومه الأربعة عائلة الإمامين في علمهما 101

3 - رأي الخليفة في الجدّتين:

ذهب القوم إلى عدم شمول أحكام الأولاد في الفروض و غيرها على وليد بنت الرجل؛ محتجّين بقول الشاعر: «بنونا بنو أبنائنا...» 102-103

ما أجرأهم على هذا الرأي السياسيّ في دين اللّه لإخراج آل اللّه عن بنوّة رسول اللّه! 103

ما قيمة قول الشاعر تجاه قول اللّه: فَقُلْ تَعٰالَوْا نَدْعُ أَبْنٰاءَنٰا...؟! 10(3)

قال الرازي: «هذه الآية دالّة على أنّ الحسن و الحسين عليهما السّلام كانا ابني رسول اللّه...» 103

يشهد على لغة القرآن المجيد، و أنّ ولد البنت ابن أبيها على الحقيقة، قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

1 - «أخبرني جبريل: أنّ ابني هذا - يعني الحسين - يقتل» 104

2 - قوله صلّى اللّه عليه و آله للحسن السبط: «إبني هذا سيّد» 104

3 - «إنّ جبريل أخبرني أنّ اللّه عزّ و جلّ قتل بدم يحيى بن زكريّا سبعين ألفا و هو قاتل بدم ولدك الحسين سبعين ألفا» 104

4 - «المهديّ من ولدي وجهه كالكوكب الدرّيّ » 104

5 - «أللّهمّ إنّ هذا ابني - الحسن - و أنا احبّه فأحبّه و أحبّ من يحبّه» 105

6 - «لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتّى يبعث رجلا من ولدي اسمه كاسمي» 105

4 - رأي الخليفة في الأموال و الصدقات:

كان له رأي حرّ فيها و في مستحقّيها، كان يرى المال مال اللّه، و يحسب نفسه وليّ المسلمين، فيضعه حيث يشاء، و يفعل فيه ما يريد 107

كان صلّى اللّه عليه و آله إذا جاءه فيء قسّمه من يومه فأعطى ذا الأهل حظّين، و أعطى العزب حظّا 107

ص: 211

السنّة الثابتة في الصدقات أنّ كلّ بيئة أحقّ بصدقتهم ما دام فيهم ذو حاجة 107

أتى عليّا مال من إصبهان فقسّمه بسبعة أسباع ففضل رغيف فكسره بسبع كسر 108

عثمان قدّم ابناء بيته الساقط، أثمار الشجرة الملعونة في القرآن، و فضّلهم على أعضاء الصحابة و عظماء الامّة الصالحين 109

كان يهب من مال المسلمين لأحد من قرابته قناطير مقنطرة من الذهب و الفضّة دون أيّ كيل و وزن 109

لم يكن يجرؤ أحد عليه بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر 109

يشاهد فيهم من الهتك و التغريب و الضرب بدرّة كانت أشدّ من الدرّة العمريّة مشفوعة بالسوط و العصا 109

5 - معاوية يأكل الربا:

روايات في الربا 110-112

6 - قتال ابن هند عليّا أمير المؤمنين عليه السّلام:

عنه صلّى اللّه عليه و آله: «من أراد أن يفرّق أمر هذه الامّة و هم جميع فاضربه رأسه بالسيف...» 114

النصوص النبويّة تأبى إلاّ أن يكون الرجل على رأس البغاة، كما كان على رأس الأحزاب يوم كان وثنيّا، و ما أشبه آخره بأوّله 115

قال الشيباني الحنفي: «لو لم يقاتل معاوية عليّا ظالما له، متعدّيا باغيا، كنّا لا نهتدي لقتال أهل البغي» 116

قال إمام الحرمين: «عليّ رضي اللّه عنه كان اماما حقّا في ولايته، و مقاتلوه بخاه...» 117

قالت عائشة: «ما رأيت مثل ما رغبت عنه هذه الامّة من هذه الآية: وَ إِنْ طٰائِفَتٰانِ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ اِقْتَتَلُوا...» 11(7)

امّ المؤمنين هي أوّل من رغبت عن هذه الآية و ضيّعت حكمها 117

كان مولانا امير المؤمنين يوجب قتال أهل الشام و يقول: «لم أجد بدّا من قتالهم، أو الكفر بما انزل على محمّد صلّى اللّه عليه و آله» 117

من كتاب له عليه السّلام إلى معاوية: «ألا و إنّي أدعوكم إلى كتاب اللّه و سنّة نبيّه و حق دماء هذه الامّة» 118

قال مولانا أمير المؤمنين يوم رفعت المصاحف: «عباد اللّه! إنّي أحقّ من أجاب إلى كتاب اللّه، و كلّ معاوية و عمرو بن العاص و...» 119

ص: 212

لم يقنع معاوية الكتاب و السنّة فباء بتلكم الآثام، فكان من القاسطين و هو رأسهم 120

تحكيم كتاب اللّه:

إنّ آخر بذرة بذرها ابن النابغة لخلافة معاوية الدعوة إلى تحكيم كتاب اللّه 120

انظر إلى دهاء ابن العاص و حماريّة الأشعري: قال أبو موسى لابن العاصي: «لا وفّقك اللّه عذرت و فجرت، إنّما مثلك كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث»، و قال ابن العاصي لأبي موسى: «و إنّما مثلك كمثل الحمار يحمل أسفارا» 120

سادسا - أعداء القرآن

1 - من كتاب لعليّ عليه السّلام إلى الرجل لمّا دعاه إلى التحكيم: «ثمّ إنّك قد دعوتني إلى حكم القرآن، و لقد علمت أنّك لست من أهل القرآن و لا حكمه تريد، و اللّه المستعان» 125

2 - بنو اميّة هم الّذين اتّخذوا عباد اللّه خولا، و مال اللّه نحلا، و كتاب اللّه دغلا، كما أخبر به النبيّ الصادق الأمين 125

و قال صلّى اللّه عليه و آله من طريق أبي ذرّ: «إذا بلغت بنو اميّة أربعين اتّخذوا عباد اللّه خولا، و مال اللّه نحلا، و كتاب اللّه دغلا» 125

و قال صلّى اللّه عليه و آله من طريق أبي ذرّ: «إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا اتّخذوا مال اللّه دولا، و عباد اللّه خولا، و دين اللّه دغلا». قال حلام بن جفال: فانكر على أبي ذرّ؛ فشهد عليّ بن أبي طالب رضى اللّه عنه: «إنّي سمعت رسول اللّه يقول: ما أظلّت الخضراء و لا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ، و أشهد أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قاله» 125

3 - من خطبة لعمّار خطبها يوم صفّين قال: «امضوا معي عباد اللّه إلى قوم يطلبون فيما يزعمون بدم الظالم لنفسه، الحاكم على عباد اللّه بغير ما في كتاب اللّه، إنّما قتله الصالحون المنكرون للعدوان...» 126

4 - كتاب المهاجرين إلى مصر: «كتاب اللّه قد بدّل، و سنّة رسول اللّه قد غيّرت، و أحكام الخليفتين قد بدّلت... و كانت الخلافة بعد نبيّنا خلافة نبوّة و رحمة، و هي اليوم ملك عضوض من غلب على شيء أكله» 126

عهد الخليفة على نفسه أن يعمل بالكتاب و السنّة و ذلك في سنة (35 ه) 126

5 - من خطبة له عليه السّلام حين أمر أصحابه بالمسير إلى حرب معاوية قال: «سيروا إلى أعداء اللّه، سيروا إلى أعداء السنن و القرآن، سيروا إلى بقيّة الأحزاب، قتلة المهاجرين و الأنصار» 128

ص: 213

6 - من خطبة له عليه السّلام لمّا رفع أهل الشام المصاحف على الرماح: «عباد اللّه! إنّي أحقّ من أجاب إلى كتاب اللّه، و لكنّ معاوية، و عمرو بن العاص، و ابن أبي معيط، و حبيب بن مسلمة، و ابن أبي سرح، ليسوا بأصحاب دين و لا قرآن،...» 128

7 - كان ابن هند في الأمر كما كتب إليه الإمام عليه السّلام: «لست تقول فيه بأمر بيّن يعرف له أثر، و لا عليك منه شاهد، و لست متعلّقا بآية من كتاب اللّه، و لا عهد من رسول اللّه» 128

سابعا - نهي الخليفة عن تفسير القرآن و السؤال عن مشكلاته

إجتهاد الخليفة في السؤال عن مشكلات القرآن 131

قال الغزالي: «عمر هو الّذي سدّ باب الكلام و الجدل و ضرب صبيغا بالدرّة لما أورد عليه سؤالا في تعارض آيتين في كتاب اللّه» 131

هل تبقى قائمة لاصول التعليم و التعلّم و الحالة هذه ؟! 132

الامّة حرمت ببركة تلك الدرّة عن التقدّم و الرقيّ في العلم 132

هاب مثل ابن عبّاس أن يسأل الخليفة 132

قال عمر: «جرّدوا القرآن و لا تفسّروه»:

أردف الحادث في مشكل القرآن بحادث أفظع و هو نهي الخليفة عن الحديث عن رسول اللّه 132

إنّ عمر حبس ثلاثة: ابن مسعود، أبا الدرداء، و أبا مسعود الأنصاريّ لإكثارهم الحديث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله 133

هل خفي على الخليفة أنّ الكتاب أحوج إلى السنّة من السنّة إلى الكتاب ؟ 133

سيرة الخليفة هذه ضربة قاضية على الإسلام و على امّته 134

ثامنا - حول قول الرجل: «حسبنا كتاب اللّه»

صورة ممسوخة من حديث الكتف و الدواة، حوّلوه إلى هذه الصورة لمّا رأوا الصورة الصحيحة من الحديث لا تتمّ بصالحهم 138

قال قائلهم: إنّ الرجل ليهجر، أو إنّ الرجل غلبه الوجع 138

بيان بطلان الرواية [... «معاذ اللّه أن يختلف المؤمنون»] 138

نهى عمر بقوله: «حسبنا كتاب اللّه» عن تفسير القرآن و كتابة الحديث كما مرّ، و أمر أيضا بإعدام الكتب و إحراقها 139

ص: 214

رأي الخليفة في الكتب:

أضف إلى الحوادث السابقة رأي الخليفة و اجتهاده حول الكتب و المؤلّفات 139-140

عن عمر: «أمّا الكتب الّتي ذكرتها، فإن كان فيها ما وافق كتاب اللّه، ففي كتاب اللّه غنى، و إن كان فيها ما يخالف كتاب اللّه فلا حاجة إليه» 140-141

بعد أمر عمر، شرع عمرو بن العاص في تفريق الكتب على حمّامات الإسكندريّة و إحراقها في مواقدها فاستنفدت في مدّة ستّة أشهر 141

أمر عمر بإعدام الكتب في فتوحات البلاد؛ فطرحوها في الماء أو في النار فذهبت العلوم 142

أعقب ذلك العمل الممقوت تقهقرا في العلوم، و فقرا في الدنيا، و سمعة سيّئة لحقت العروبة و الإسلام 143

تاسعا - تفسير القرآن بالرأي 1 - الآيات النازلة في أبي بكر

حقّ النظر في ثروة أبي بكر: 148

1 - عن عائشة: «فخرت بمال أبي في الجاهليّة و كان ألف ألف أوقية» 148

2 - أنت تعلم ما يستتبع هذا التجمّل من لوازم و آثار 148

3 - من أيّ حرفة حصل الرجل على مليون أوقية من النقود؟! و كان يومئذ يوم فاقة قريش 149

4 - و كانوا كما وصفتهم الصدّيقة الطاهرة في خطبتها مخاطبة أبا بكر و القوم معه: «كنتم تشربون الطرق، و تقتاتون الورق، أذلّة خاشعين تخافون أن يتخطّفكم الناس من حولكم فأنقذكم اللّه برسوله» 149

5 - إنّ رسول اللّه دخل المسجد فوجد أبا بكر و عمر فسألهما فقال ما أخرجكما؟ فقالا:

أخرجنا الجوع 149

6 - لم يوجد في صحيفة التاريخ ذكر من تلكم الآلاف و الكراسي و الحلل 150

7 - لو كان لأبي بكر ذلك المال الخياليّ لما افتقر أبو قحافة والده لأن يكون أجير عبد اللّه بن جدعان للنداء على طعامه 150

8 - إنّ الّذي استصحبه أبو بكر من المال - يوم هاجر من المدينة - و هو كلّ ما يملكه، أربعة أو خمسة أو ستّة آلاف درهم 150

ص: 215

9 - يحترف أبو بكر في المدينة ببيع الأبراد و الأقمشة على عنقه و على ساعده، حرفة ضئيلة يدور بها في الأزقّة و الأسواق من دون أن يستقرّ في متجر أو حانوت 150

10 - متى كان إنفاقه لثروته الطائلة على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، حتّى كان به أمنّ الناس عليه بماله ؟! 151

11 - هل قام عمود الإسلام و تمّ أمره بهذه الدريهمات المجهول مصرفها؟! و عاد أبو بكر أمنّ الناس على رسول اللّه بماله ؟! 152

12 - العجب أنّ أمير المؤمنين عليّا عليه السّلام كانت له أربعة دراهم فتصدّق بدرهم ليلا و بدرهم نهارا و... فأنزل اللّه فيه القرآن... و أمّا أبو بكر ينفق جميع ماله في سبيل اللّه و لم يوجد به مع ذلك ذكر في الكتاب العزيز!! 152-153

13 - الأعجب: أنّ أبا بكر غدا أمنّ على رسول اللّه بإنفاق أربعة أو خمسة أو ستّة آلاف درهما، و لم يكن عثمان كذلك و قد أنفق أضعاف ما أنفقه أبو بكر! 153

14 - جاء في مكذوبة أبي يعلى: بعث عثمان إلى رسول اللّه في غزوة بعشرة آلاف دينار فوضعها بين يديه فجعل صلّى اللّه عليه و آله يقلّبها و يدعو بقوله: غفر اللّه لك يا عثمان! ما أسررت و ما أعلنت و ما أخفيت و ما هو كائن إلى يوم القيامة، ما يبالي عثمان ما فعل بعدها! 153-154

15 - ذكر بعض نزول قوله تعالى: اَلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوٰالَهُمْ بِاللَّيْلِ ... في أبي بكر حين تصدّق بأربعين ألف دينار، تجاه ما أخرجه الحفّاظ من نزولها في عليّ أمير المؤمنين عليه السّلام 15(4)

2 - آية تدلّ على شجاعة الخليفة

الغريق يتشبّث بكلّ حشيش:

هذا يبني فلسفة العريش، و الآخر ينسج نسج العناكيب و يعدّ ثباته في موت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و عدم تضعضعه في تلك الهائلة دليلا على كمال شجاعته 156

قول القرطبي: «هذه الآية [وَ مٰا مُحَمَّدٌ إِلاّٰ رَسُولٌ ...] أدلّ دليل على شجاعة الصدّيق و جرأته، و الجواب عنه 15(6)

ما جاء به القرطبي من ميزان الشجاعة يستلزم كون الخليفة أشجع من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله 157

لم يرو عن أبي بكر في رزيّة النبيّ الأعظم أكثر من أنّه كشف عن وجه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و قبّله و هو يبكي و قال: طبت حيّا و ميّتا، و فعل صلّى اللّه عليه و آله أكثر و أكثر من هذا في موت عثمان بن مظعون 157

كما يستدعي مقياس الرجل كون عمر بن الخطّاب أشجع من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله 157

ص: 216

عن ابن عمر: «كان سبب موت أبي بكر موت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؛ ما زال جسمه يجري حتّى مات» 158

يعزى إلى رسول اللّه: «لو لا أبو بكر الصدّيق لذهب الإسلام» 158

3 - أبو طالب في الذكر الحكيم

القوم افتعلوا في آيات ثلاث أقاويل نأت عن الصدق؛ و هي عمدة ما استند إليه القوم في عدم تسليم إيمان أبي طالب:

الآية الاولى: وَ هُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَ يَنْأَوْنَ عَنْهُ ...، و الجواب عنها 15(9)

الآية الثانية: مٰا كٰانَ لِلنَّبِيِّ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ... 16(2)

الآية الثالثة: إِنَّكَ لاٰ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ... 16(2)

مواقع النظر في هذه الرواية 163

عاشرا - مباحث اخرى حول القرآن 1 - القرآن أحد الطرق إلى معرفة أحكام الشرائع

أحكام شرائع الدين تدرك من أربعة أوجه 169

2 - القول بأنّ القرآن يدعو إلى النصرانيّة.

نعرات الجاهليّة الاولى:

في القوم من ألّف و سخف؛ فكأنّ الجهل لم يمت بعد و قد مات أبو جهل، و لهب الضلال لم يخمد بعد و قد اتّقد أبو لهب في درك الجحيم 170

نقد إميل در منغم مؤلّف كتاب «حياة محمّد»: 170

كلمات فلاسفة أروبا في وصف محمّد صلّى اللّه عليه و آله و القرآن و الإسلام 171

تعصّب الرجل و تشزّر، و شزر إلى الإسلام و كتابه و نبيّه 171

يعبّر عن النبيّ الأعظم بالبدويّ الحمس! 173

3 - فرية على الشيعة: «إنّ القرآن مبدّل»

القارئ إذا فحص و نقّب لا يجد في طليعة الإماميّة إلاّ نفاة هذه الفرية 174

ذكر السيّد محمّد رشيد رضا صاحب المنار في كتابه السنّة و الشيعة عدّة من عقائد الشيعة، جملة منها مكذوبة عليهم 174

4 - القرآن مخلوق

قول ابن تيميّة: «اصول الدين عند الإماميّة أربعة...»، و جوابه 175

ص: 217

بيان أنّ الإمامة أصل من اصول الدين 176

معنى نفي الصفات 177

القرآن مخلوق 177

المنطق الصحيح يشهد بنفي الرؤية 177-178

5 - مشكلة ختم القرآن

صلاة ألف ركعة:

ابن تيميّة أنكر هذه المكرمة؛ فحسب تارة كراهة هذا العمل و أنّه ليس بفضيلة، و زعم تارة أنّه خارج عن نطاق الإمكان، و يرى آونة أنّ طبع عمل مثله، مبنيّ على المسارعة، يستدعي أن يكون عريّا عن الخضوع 178-179

الجواب عن إنكار ابن تيميّة 179

عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «الصلاة خير موضوع، فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر» 179

قد ذكروا في ترجمة غير واحد من رجال أهل السنّة و عدّوا من فضائلهم أنّهم كانوا يصلّون في اليوم و الليلة - أو في اليوم فقط - ألف ركعة 180

كثرة صلاة أبي حنيفة 180

ثبوت السنّة عند القوم لا يستلزم فعل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فحسب، بل هي تثبت بفعل أيّ أحد سنّ سنّة من أفراد الامّة؛ فليكن أمير المؤمنين عليه السّلام أوّل من سنّ صلاة ألف ركعة في اليوم و الليلة كما أنّ أوّل من سنّ التراويح عمر بن الخطّاب، و إقامة النوافل بالجماعات في شهر رمضان من محدثات عمر، و أوّل من جلد في الخمر ثمانين عمر 181-182

اخذ سنّة التبريك في الأعياد من عمر بن عبد العزيز 182

لدفع مزعمة ابن تيميّة، ألّف الشيخ محمّد عبد الحيّ الحنفي رسالة أسماها ب «إقامة الحجّة على أنّ الإكثار في التعبّد ليس ببدعة» 182

مشكلة الأوراد و الختمات 183

نبذ من الأعمال الّتي تستوعب من الوقت أكثر من ألف ركعة صلاة، معزوّة إلى اناس عاديّين لم ينكرها عليهم و لا على رواتها أحد 183

من يختم القرآن في ركعة 184

من كان يختم في كلّ يوم ختمة 185

من كان يختم في الليلة مرّة 185

ص: 218

من كان يختم في الليل و النهار ختمتين و 185

قال القسطلاني: «أنّ البركة قد تقع في الزمن اليسير حتّى يقع فيه العمل الكثير...» 186

دأب أبي حنيفة على قراءة نصف القرآن الأوّل على رجله اليمنى، و نصفه الآخر على رجله اليسرى!

من أعجب ما رأيت أنّه قيل: «إنّ الإمام أبا حنيفة افتتح القراءة كما هو دأبه على رجله اليمني حتّى قرأ نصف القرآن،...» 187

و أعجب من هذا ما ذكره العلاّمة البرزنجي: «ذهب بعض الحنفيّة إلى أنّ كلاّ من عيسى و المهديّ يقلّدان مذهب الإمام أبي حنيفة...» 188

6 - وضع حديث فضائل القرآن، و أحاديث فضل سور القرآن

أحاديث فضل سور القرآن مئة و أربعة عشر كلّها كذب 189

7 - أوّل من جهر بالقرآن بمكّة

كان ابن مسعود أوّل من جهر بالقرآن بمكّة 189

8 - جزئيّة البسملة من سور القرآن

أوّل من ترك التكبير معاوية 190

معاوية قدم المدينة فصلّى بهم فلم يقرأ ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم 190

البسملة لم تزل جزءا من السورة منذ نزول القرآن الكريم 190

9 - اللعنات و الطعون المتوجّهة في القرآن إلى اناس

قال ابن كثير: «قد انتفع معاوية بهذه الدعوة [لا أشبع اللّه بطنه] في دنياه و اخراه...»! 191

حول حديث: «لا أشبع اللّه بطنه» 192

اشتهرت هذه المنقصة حتّى جرت مجرى المثل 193

للدفاع عن أولياء الشيطان و في الطليعة منهم ابن أبي سفيان، و المنع عن الوقيعة فيهم تأسّيا برسول اللّه، لفّقوا مكابرات عجيبة في دلالة الألفاظ و النصوص، و أنّ ذلك صدر منه لا عن قصد، أو أنّه صدر عن نزعات نفسيّة تقتضيها فطرة البشر 193

أومأ صلّى اللّه عليه و آله إلى فيه و قال: «اكتب، فو الّذي نفسي بيده ما خرج منه إلاّ الحقّ » 195

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «من لعن شيئا ليس له بأهل رجعت اللعنة إليه» 195

منع ابن حجر عن لعن الحكم لعين رسول اللّه و طريده 196

للقوم في هذا المقام تصعيدات و تصويبات، أو قل: خرافات و مخاز 196

ص: 219

عدّ السيوطي من خصائص النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: باب اختصاصه صلّى اللّه عليه و آله بجواز لعن من شاء بغير سبب! 196-197

هنا دقيقة اخرى حول اللعنات و الطعون المتوجّهة في القرآن إلى اناس عناهم الذكر الحكيم 198

ص: 220

مصادر التّحقيق

حرف الألف

1 - الإتحاف بحبّ الأشراف: الشيخ عبد اللّه بن محمّد بن عامر الشبراوي الشافعي (ت/ 1171 ه)، المطبعة الأدبية بمصر، افست دار الذخائر للمطبوعات - قم.

2 - الإتقان في علوم القرآن: جلال الدين عبد الرحمن السيوطي (ت/ 911 ه)، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصريّة - صيدا - بيروت 1408 ه، (4) مجلّدات.

* و طبعة اخرى بالتحقيق السابق، الطبعة الثانية 1367 ه. شمسي، افست عن الطبعة السابقة، منشورات الشريف الرضي - قم، مجلّدان في (4) أجزاء.

3 - أحكام القرآن: أحمد بن علي الرازي الجصّاص (ت/ 370 ه)، دار الكتاب العربي - بيروت.

4 - أحكام القرآن: عماد الدين محمّد الطبري المعروف بالكيا الهراسي (ت/ 504 ه)، الطبعة الثانية 1405 ه، دار الكتب العلميّة - بيروت.

5 - إحياء علوم الدين: أبو حامد محمّد بن محمّد الغزالي (ت/ 505 ه)، صحّح بإشراف عبد العزيز السيرواني، الطبعة الثالثة، دار القلم - بيروت.

6 - اختلاف الحديث: محمّد بن ادريس الشافعي (ت/ 204 ه)، المطبوع ضمن كتاب الامّ ، دار المعرفة - بيروت.

7 - الأربعين في اصول الدين: أبو عبد اللّه فخر الدين محمّد بن عمر الرازي (ت/ 606 ه)، الطبعة الاولى 1353 ه، مجلس دائرة المعارف العثمانيّة - حيدرآباد الدكن.

8 - إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري: أبو العبّاس شهاب الدين أحمد بن محمّد بن أبي بكر القسطلاّني (ت/ 923 ه)، الطبعة الاولى 1410 ه/ 1990 م، دار الفكر - بيروت.

9 - أسباب النزول: أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري (ت/ 468 ه)، منشورات الشريف الرضي - قم 1368 ه.

ص: 221

10 - الإستيعاب في معرفة الأصحاب: أبو عمر يوسف بن عبد اللّه بن محمّد بن عبد البرّ النمري القرطبي (ت 463 ه)، تحقيق عليّ بن محمّد البجاوي، مطبعة نهضة مصر - القاهرة.

11 - إسعاف الراغبين في سيرة المصطفى و فضائل أهل بيته الطاهرين: الشيخ أبو العرفان محمّد بن علي الصبّان (ت/ 1206 ه)، المطبوع في هامش كتاب نور الأبصار للشبلنجي، دار الكتب العلميّة و دار إحياء التراث العربي - بيروت.

12 - الإشاعة لأشراط الساعة للسيّد محمّد البرزنجي المدني.

13 - الإصابة في تمييز الصحابة: أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني (ت/ 852 ه)، الطبعة الاولى 1328 ه، دار إحياء التراث العربي - بيروت.

14 - الإعتقادات في دين الإمامية: الشيخ محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القميّ الصدوق (ت/ 381 ه)، تحقيق غلام رضا المازندراني، المطبعة العلميّة - قم 1412 ه.

15 - أعلام الموقعين عن ربّ العالمين: أبو عبد اللّه شمس الدين محمّد بن أبي بكر المعروف بابن قيّم الجوزية (ت/ 751 ه)، تحقيق طه عبد الرؤوف سعد، دار الجيل - بيروت.

16 - أعلام النبوّة: أبو الحسن علي بن محمّد الماوردي الشافعي (ت/ 450 ه)، تحقيق سعيد محمّد اللحام، الطبعة الاولى 1409 ه/ 1989 م، دار مكتبة الهلال - بيروت.

17 - أعلام النساء في عالمي العرب و الإسلام: عمر رضا كحّالة الدمشقي (ت/ 1408 ه - 1987 م)، الطبعة الخامسة 1404 ه/ 1984 م، مؤسّسة الرسالة - بيروت.

18 - أعيان الشيعة: السيد محسن بن عبد الكريم الأمين الحسيني العاملي الدمشقي (ت/ 1952 م)، دار التعارف للمطبوعات - بيروت 1403 ه/ 1983 م.

19 - الإفادة و الاعتبار في الامور المشاهدة و الحوادث المعاينة: أبو محمّد موفّق الدين عبد اللطيف بن يوسف الموصلي البغدادي ابن اللباد و يعرف أيضا بابن نقطة (ت/ 629 ه).

20 - إقامة الحجّة على أنّ الإكثار في التعبّد ليس ببدعة: أبو الحسنات محمّد عبد الحي اللكهنوي الهندي (ت/ 1304 ه)، حقّقه عبد الفتاح أبو غدّة، مكتب المطبوعات الإسلاميّة - حلب 1386 ه/ 1966 م.

21 - الامّ : محمّد بن إدريس الشافعي (ت/ 204 ه)، أشرف على طبعه و تصحيحه محمّد زهري النجار، دار المعرفة - بيروت.

ص: 222

22 - أمالي المرتضى: أبو القاسم عليّ بن الحسين بن موسى الموسوي الشريف المرتضى (ت/ 436 ه)، الطبعة الاولى 1373 ه/ 1954 م، افست دار إحياء الكتب العربيّة.

23 - الإمامة و السياسة: أبو محمّد عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت/ 276 ه)، دار المعرفة - بيروت.

24 - إمتاع الأسماع: أبو العبّاس تقي الدين أحمد بن علي الحسيني العبيدي المقريزي (ت/ 845 ه)، مطبعة لجنة التأليف و الترجمة و النشر - القاهرة 1941 م.

25 - الأموال: أبو عبيد القاسم بن سلاّم (ت/ 224 ه)، تحقيق محمّد خليل هراس، الطبعة الثانية 1408 ه/ 1988 م، دار الفكر - بيروت.

26 - أنساب الأشراف: أحمد بن يحيي بن جابر البلاذري (ت/ 279 ه)، تحقيق الشيخ محمّد باقر المحمودي، مؤسّسة الأعلمي - بيروت.

* و طبعة اخرى لمكتبة المثنى - بغداد.

27 - أوائل المقالات: أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (ت/ 413 ه)، مكتبة الداوري - قم.

28 - إيقاظ همم اولي الأبصار: صالح بن محمّد بن نوح العمري الفلاّتي (ت/ 1218 ه)، دار المعرفة - بيروت.

حرف الباء

29 - بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي (ت/ 1111 ه)، الطبعة الثالثة 1403 ه/ 1983 م، دار إحياء التراث العربي - بيروت.

30 - البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار: أحمد بن يحيي بن المرتضى (ت/ 840 ه)، دار الكتاب الإسلاميّ - القاهرة.

31 - بداية المجتهد و نهاية المقتصد: أبو الوليد محمّد بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن رشد القرطبي الأندلسي (ت/ 595 ه) افست منشورات الرضي - قم 1412 ه.

32 - البداية و النهاية: أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير (ت/ 774 ه)، دار إحياء التراث العربي - بيروت 1413 ه/ 1993 م.

ص: 223

33 - البدر الطالع: محمّد بن علي الشوكاني (ت/ 1250 ه)، الطبعة الاولى 1348 ه، مطبعة السعادة - القاهرة.

34 - بلاغات النساء: أحمد بن أبي طاهر طيفور (ت/ 280 ه)، منشورات الشريف الرضي - قم.

حرف التاء

35 - تاريخ ابن خلدون: عبد الرحمن بن خلدون (ت/ 808 ه)، مراجعة الدكتور سهيل زكّار، الطبعة الثانية 1408 ه/ 1988 م، دار الفكر - بيروت.

36 - تاريخ ابن خلّكان: - وفيات الأعيان.

37 - تاريخ الامم و الملوك (تاريخ الطبري): أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري (ت/ 310 ه)، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة الثانية 1387 ه/ 1967 م، دار التراث - بيروت.

38 - تاريخ التمدّن الإسلامي: جرجي بن حبيب زيدان (ت/ 1914 م)، المطبوع ضمن مؤلّفات جرجي زيدان الكاملة، دار الجيل - بيروت 1402 ه/ 1982 م.

39 - تاريخ الثقات: أبو الحسن أحمد بن عبد اللّه بن صالح العجلي (ت/ 261 ه)، بترتيب نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي (ت/ 807 ه)، و تضمينات ابن حجر العسقلاني، الطبعة الاولى 1405 ه/ 1984 م، دار الكتب العلميّة - بيروت.

40 - تاريخ الخلفاء: جلال الدين عبد الرحمن السيوطي (ت/ 911 ه)، دار الفكر - بيروت.

41 - تاريخ اليعقوبي: أحمد بن أبي يعقوب إسحاق بن جعفر بن وهب بن واضح المعروف باليعقوبي (ت/بعد 292 ه)، دار صادر - بيروت.

42 - تاريخ بغداد: أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي (ت/ 463 ه)، دار الكتب العلميّة - بيروت.

43 - تاريخ عمر بن الخطّاب (سيرة عمر): أبو الفرج جمال الدين عبد الرحمن بن عليّ بن الجوزي (ت/ 597 ه)، الطبعة الثانية 1405 ه/ 1985 م، دار الرائد العربي - بيروت.

44 - تاريخ مختصر الدول لأبي الفرج الملطي.

45 - تاريخ مدينة دمشق (تاريخ ابن عساكر): أبو القاسم عليّ بن الحسين بن هبة اللّه الشافعي

ص: 224

المعروف بابن عساكر (ت/ 573 ه)، مصوّرة من نسخة المكتبة الظاهريّة بدمشق، جمع الشيخ محمّد بن رزق الطرهوني، دار البشير - دمشق.

* و طبعة اخرى بتحقيق علي شيري، الطبعة الاولى 1415-1417 ه، دار الفكر - بيروت.

46 - التبيان في تفسير القرآن: أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت/ 460 ه)، دار إحياء التراث العربي - بيروت.

47 - التذكار في أفضل الأذكار: محمّد بن أحمد القرطبي (ت/ 671 ه)، تحقيق السيد أحمد بن محمّد بن الصديق الغماري، الطبعة الاولى 1355، الناشر محمّد أمين الخانجي.

48 - تذكرة الحفّاظ: شمس الدين محمّد بن أحمد الذهبي (ت/ 748 ه)، افست دار الكتب العلمية - بيروت عن طبعة مكتبة الحرم المكّي - مكّة 1374 ه.

49 - تذكرة الخواصّ : سبط بن الجوزي يوسف قزأو غلي بن عبد اللّه بن فيروز البغدادي (ت/ 654 ه)، إصدار مكتبة نينوى الحديثة - طهران.

50 - الترغيب و الترهيب من الحديث الشريف: زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري (ت/ 656 ه)، دار الفكر للطباعة - بيروت 1408 ه/ 1988 م.

51 - تطهير الجنان و اللسان: شهاب الدين أحمد بن محمّد بن حجر الهيتمي المكّي (ت/ 974 ه)، تحقيق عبد الوهّاب عبد اللطيف، الطبعة الثانية 1358 ه/ 1965 م، شركة الطباعة الفنّيّة المتّحدة، مكتبة القاهرة - مصر.

52 - تفسير الآلوسي: - روح المعاني.

53 - تفسير ابن كثير: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي (ت/ 774 ه)، دار الفكر للطباعة - بيروت 1407 ه/ 1986 م.

54 - تفسير البغوي (معالم التنزيل): الحسين بن مسعود الفراء البغوي (ت/ 516 ه)، الطبعة الثالثة 1413 ه/ 1992 م، دار المعرفة - بيروت.

55 - تفسير البيضاوي: ناصر الدين عبد اللّه بن عمر بن محمّد الشيرازي البيضاوي (ت/ 685 ه)، الطبعة الاولى 1408 ه/ 1988 م، دار الكتب العلميّة - بيروت.

56 - تفسير الخازن (لباب التأويل في معاني التنزيل): علاء الدين علي بن محمّد بن إبراهيم الشيحي

ص: 225

البغدادي الخازن (ت/ 741 ه)، دار المعرفة - بيروت.

57 - تفسير الشوكاني: - فتح القدير.

58 - تفسير القرطبي: - الجامع لأحكام القرآن.

59 - التفسير الكبير: أبو عبد اللّه فخر الدين محمّد بن عمر بن حسين القرشي الرازي (ت/ 606 ه)، الطبعة الثالثة، دار إحياء التراث العربي - بيروت.

60 - تفسير المنار للشيخ محمّد عبده (المتوفّى 1323 ه): محمّد رشيد رضا (ت/ 1345 ه)، دار المعرفة - بيروت.

61 - تفسير النسفي: عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفي (ت/ 710 ه)، دار الفكر - بيروت.

62 - تقريب التهذيب: أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني (ت/ 852 ه)، تحقيق عبد الوهّاب عبد اللّه اللطيف، دار المعرفة - بيروت 1380 ه.

63 - تلخيص الغدير: العلاّمة الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي، تلخيص و تحقيق محمّد حسن الشفيعي الشاهرودي، الاولى 1427 ه ق، سنابل - قم.

64 - تهذيب التهذيب: شهاب الدين أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني (ت/ 852 ه)، الطبعة الاولى 1404 ه/ 1984 م، مطبعة دار الفكر - بيروت.

* و طبعة اخرى هي الطبعة الاولى 1327 ه، مجلس دائرة المعارف النظاميّة - حيدرآباد.

65 - تيسير الوصول إلى جامع الاصول: عبد الرحمن بن عليّ المعروف بابن الديبع (ت/ 944 ه)، دار الفكر - بيروت.

حرف الثاء

66 - الثقات: أبو حاتم محمّد بن حبّان بن أحمد بن حبّان التميمي البستي (ت/ 354 ه)، الطبعة الاولى 1393 ه/ 1973 م، دار الفكر - بيروت، افست عن طبعة مجلس دائرة المعارف العثمانيّة، - حيدرآباد الدكن - الهند.

67 - ثمار القلوب في المضاف و المنسوب: أبو منصور عبد الملك بن محمّد بن إسماعيل الثعالبي النيسابوري (ت/ 429 ه)، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف - القاهرة.

ص: 226

حرف الجيم

68 - جامع بيان العلم و فضله: أبو عمر يوسف بن عبد اللّه ابن عبد البرّ القرطبي (ت/ 463 ه)، قدّم له و علّق عليه محمّد عبد القادر أحمد عطا، الطبعة الاولى 1415 ه/ 1995 م، مؤسّسة الكتب الثقافيّة - بيروت.

69 - جامع البيان عن تأويل آي القرآن: أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري (ت/ 310 ه)، دار الفكر - بيروت 1408 ه/ 1988 م.

70 - الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير: جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت/ 911 ه)، الطبعة الاولى 1401 ه/ 1991 م، دار الفكر - بيروت.

71 - الجامع لأحكام القرآن: أبو عبد اللّه محمّد بن أحمد الأنصاري القرطبي (ت/ 671 ه)، الطبعة الاولى 1408 ه/ 1988 م، دار الكتب العلميّة - بيروت.

72 - جمهرة خطب العرب: أحمد زكي صفوت، الطبعة الاولى 1352 ه/ 1933 م، المكتبة العلميّة - بيروت.

73 - الجواهر المضيّة في طبقات الحنفيّة: أبو محمّد محيي الدين عبد القادر بن محمّد بن نصر اللّه القرشي الحنفي (ت/ 775 ه)، تحقيق الدكتور عبد الفتّاح محمّد الحلو، مكتبة الإيمان - القاهرة، 1398 ه/ 1978 م.

حرف الحاء

74 - حاشية السندي (شرح سنن النسائي): محمّد بن عبد الهادي السندي الحنفي أبو الحسن الكبير (ت/ 1138 ه)، دار الكتاب العربي - بيروت.

75 - حلية الأولياء و طبقات الأصفياء: أبو نعيم أحمد بن عبد اللّه الإصفهاني (ت/ 430 ه)، الطبعة الخامسة 1407 ه/ 1987 م، دار الكتاب العربي - بيروت.

76 - حياة محمّد: أميل درمنغم، نقله إلى العربية عادل زعيتر، الطبعة الثانية 1368 ه/ 1949 م، مطبعة دار إحياء الكتب العربيّة، عيسى البابي - القاهرة.

77 - حياة محمّد: محمّد حسين هيكل (ت/ 1956 ه)، الطبعة الخامسة.

ص: 227

حرف الخاء

78 - خزانة الأدب و لبّ لباب لسان العرب: عبد القادر بن عمر البغدادي (ت/ 1093 ه)، الطبعة الثالثة 1409 ه/ 1989 م، مكتبة الخانچي - القاهرة.

79 - خزينة الأسرار: محمّد حقي النازلي، من لواء آيدين كوز لحصار (ت/ 1301 ه)، دار الجيل - بيروت.

80 - الخصائص الكبرى: جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت/ 911 ه)، الطبعة الاولى 1405 ه/ 1985 م، دار الكتب العلمية - بيروت.

81 - خصائص أمير المؤمنين: أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي (ت/ 303 ه)، تحقيق أحمد ميرين البلوشي - الكويت.

حرف الدال

82 - الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور: عبد الرحمن جلال الدين السيوطي (ت/ 911 ه)، الطبعة الاولى 1403 ه/ 1983 م، دار الفكر - بيروت.

83 - دلائل النبوّة: أبو نعيم أحمد بن عبد اللّه بن أحمد الإصفهاني (ت/ 430 ه)، المكتبة العربية - حلب 1390 ه/ 1970 م.

84 - الديات: أبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الضحّاك (ت/ 287 ه)، تحقيق محمّد بدر الدين أبي فراس النعساني الحلبي الأزهري، مطبعة التقدّم - مصر 1323 ه.

85 - ديوان الشريف الرضي: أبو الحسن محمّد بن حسين بن موسى الموسوي (ت/ 406 ه)، الطبعة الاولى 1406 ه، مطبعة وزارة الإرشاد الإسلامي - إيران.

86 - ديوان الملاّ حسن الأفندي.

حرف الذال

87 - ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: محبّ الدين أحمد بن عبد اللّه الطبري (ت/ 694 ه)، مكتبة القدسي - القاهرة 1356 ه.

ص: 228

حرف الراء

88 - ربيع الأبرار و نصوص الأخبار: أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري (ت/ 538 ه)، تحقيق الدكتور سليم النعيمي، منشورات الشريف الرضي - قم 1410 ه.

89 - رسائل الجاحظ: أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الملقّب بالجاحظ (ت/ 255 ه)، قدّم لها الدكتور عليّ أبو ملحم، الطبعة الثانية 1991 م، مكتبة الهلال - بيروت.

90 - رسائل و مقالات: للمحقّق السبحاني.

91 - روح المعاني في تفسير القرآن العظيم و السبع المثاني: أبو الثناء شهاب الدين محمود بن عبد اللّه الحسيني الآلوسي البغدادي (ت/ 1270 ه)، الطبعة الرابعة 1405 ه/ 1985 م، دار إحياء التراث العربي - بيروت.

92 - روض الرياحين في حكايات الصالحين: عبد اللّه بن أسعد بن عليّ اليافعي المكّي (ت/ 768 ه)، مؤسّسة عماد الدين - قبرص.

93 - روضة الناظرين في شرح من لا يحضره الفقيه: المولى محمّد تقي المجلسي (ت/ 1070 ه)، تعليق السيد حسين الموسوي الكرماني و الشيخ علي بناه الاشتهاردي، الطبعة الاولى 1393 ه - قم.

94 - الرياض النضرة في مناقب العشرة المبشّرين بالجنّة: أبو جعفر أحمد بن عبد اللّه المحبّ الطبري (ت / 694 ه)، الطبعة الاولى 1408 ه/ 1988 م، دار الندوة الجديدة - بيروت.

حرف السين

95 - سنن ابن ماجه: أبو عبد اللّه محمّد بن يزيد القزويني (ت/ 275 ه)، تحقيق محمّد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر - بيروت.

96 - سنن أبي داود: أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي (ت/ 275 ه)، تحقيق محمّد محيي الدين عبد الحميد، دار إحياء التراث العربي - بيروت.

97 - سنن الترمذي: أبو عيسى محمّد بن عيسى بن سورة السلمي البوغي الترمذي (ت/ 279 ه)، تحقيق أحمد محمّد شاكر، دار الفكر - بيروت.

ص: 229

98 - سنن الدارقطني.

99 - سنن الدارمي: أبو محمّد عبد اللّه بن عبد الرحمن بن بهرام التميمي السمرقندي الدارمي (ت/ 255 ه)، دار الفكر - القاهرة 1398 ه/ 1978 م.

100 - السنن الكبرى: أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (ت/ 458 ه)، دار الفكر - بيروت.

101 - السنّة و الشيعة: السيّد محمّد رشيد صاحب المنار.

102 - السيرة الحلبيّة: أبو الفرج نور الدين عليّ بن إبراهيم بن أحمد الحلبي الشافعي (ت/ 1044 ه)، المكتبة الإسلامية - بيروت.

103 - سيرة عمر: - تاريخ عمر.

104 - السيرة النبويّة (سيرة ابن هشام): عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعروف بابن هشام (ت/ 218 ه)، تحقيق مصطفى السقا، إبراهيم الأبياري عبد الحفيظ شبلي، دار إحياء التراث العربي - بيروت.

حرف الشين

105 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب: أبو الفلاح شهاب الدين عبد الحي بن أحمد بن محمّد العكري الدمشقي المعروف بابن العماد الحنبلي (ت/ 1089 ه)، الطبعة الاولى 1406 ه/ 1986 م، دار ابن كثير - بيروت - دمشق.

106 - شرح الزرقاني على المواهب اللدنيّة: أبو عبد اللّه محمّد بن عبد الباقي الزرقاني المالكي (ت/ 1112 ه)، دار المعرفة - بيروت 1414 ه/ 1993 م.

107 - شرح ديوان أمير المؤمنين: حسين بن معين الدين الميبذي المعروف بقاضي مير (ت/ 910 ه)، نسخة مخطوطة.

108 - شرح نهج البلاغة: أبو حامد عزّ الدين عبد الحميد بن هبة اللّه بن محمّد بن أبي الحديد المدائني المعتزلي (ت/ 656 ه)، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة الاولى 1378 ه/ 1959 م، دار إحياء الكتب العربيّة - القاهرة.

ص: 230

109 - شعب الإيمان: أبو بكر أحمد بن الحسين بن عليّ بن موسى البيهقي النيسابوري (ت/ 458 ه)، تحقيق أبو هاجر محمّد السعيد بن بسيوني زغلول، الطبعة الاولى 1410 ه/ 1990 م، دار الكتب العلميّة - بيروت.

110 - الشمائل المحمّديّة: أبو عيسى محمّد بن عيسى بن سورة الترمذي (ت/ 279 ه)، تحقيق عزّت عبيد الدعاس، مكتبة الشرف الجديد - بغداد 1988 م.

111 - شواهد التنزيل لقواعد التفضيل: عبيد اللّه بن عبد اللّه بن أحمد المعروف بالحاكم الحسكاني الحذّاء الحنفي النيسابوري (ت/بعد 490 ه)، تحقيق الشيخ محمّد باقر المحمودي الطبعة الاولى 1411 ه/ 1990 م، وزارة الثقافة و الإرشاد الإسلامي، مجمع إحياء الثقافة الإسلاميّة - طهران.

حرف الصاد

112 - الصحاح: إسماعيل بن حمّاد الجوهري (ت/ 393 ه)، تحقيق أحمد عبد الغفور عطّار، الطبعة الرابعة 1407 ه/ 1987 م، دار العلم للملايين - بيروت.

113 - صحيح البخاري: محمّد بن إسماعيل البخاري الجعفي (ت/ 256 ه)، ضبطه و شرحه الدكتور مصطفى ديب البغا، مطبعة الهندي - دمشق 1379 ه/ 1976 م.

114 - صحيح مسلم: مسلم بن الحجّاج القشيري النيسابوري (ت/ 261 ه)، تحقيق و تعليق الدكتور موسى شاهين لاشين و الدكتور أحمد عمر هاشم، الطبعة الاولى 1407 ه/ 1987 م، مؤسّسة عزّ الدين - بيروت.

115 - صحيح مسلم: مسلم بن الحجّاج القشيري النيسابوري (ت/ 261 ه)، مع شرحيه: إكمال إكمال المعلّم للإمام محمّد بن خلفة بن عمر الوشتاني الأبّي المالكي (ت/ 827 ه)، و مكمّل إكمال الإكمال للإمام محمّد بن محمّد بن يوسف السنوسي الحسني (ت/ 895 ه)، ضبط و تصحيح محمّد سالم هاشم، الطبعة الاولى 1415 ه/ 1994 م، دار الكتب العلميّة - بيروت.

1116 - الصراع بين الإسلام و الوثنيّة: عبد اللّه علي القصيمي، المطبعة السلفيّة - القاهرة 1956 م.

117 - صفة الصفوة: أبو الفرج جمال الدين عبد الرحمن بن عليّ القرشيّ بن الجوزي (ت/ 597 ه)، تحقيق محمود فاخوري، خرّج أحاديثه الدكتور محمّد روّاس قلعه جي، الطبعة الرابعة 1406 ه/ 1986 م، دار المعرفة - بيروت.

ص: 231

118 - الصواعق المحرقة في الردّ على أهل البدع و الزندقة: شهاب الدين أحمد بن محمّد بن حجر الهيتمي المكّي (ت/ 974 ه)، تعليق عبد الوهاب عبد اللطيف، الطبعة الثانية 1385 ه/ 1965 م، مكتبة القاهرة - مصر.

حرف الضاد

119 - الضعفاء الكبير: أبو جعفر محمّد بن عمرو بن موسى العقيلي (ت/ 322 ه)، تحقيق الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي، الطبعة الاولى 1404 ه/ 1984 م، دار الكتب العلميّة - بيروت.

حرف الطاء

120 - الطبقات الكبرى: محمّد بن سعد بن منيع البصري المعروف بابن سعد (ت 230 ه)، دار صادر - بيروت.

121 - الطبقات الكبرى (لواقح الأنوار في طبقات الأخيار): عبد الوهّاب بن علي الأنصاري الشعراني (ت/ 973 ه)، دار العلم للجميع - القاهرة 1374 ه/ 1954 م.

122 - طرح التثريب في شرح التقريب: أبو زرعة العراقي أحمد بن عبد الرحيم (ت/ 826 ه)، دار المعارف - حلب.

حرف العين

123 - العقد الفريد: أحمد بن محمّد بن عبد ربّه القرطبي (ت/ 328 ه)، الطبعة الاولى 1986 م، دار و مكتبة الهلال - بيروت.

124 - كتاب العلم لأبي عمر.

125 - عمدة التحقيق في بشائر آل الصدّيق: إبراهيم بن عامر بن عليّ العبيدي (ت/ 1091 ه)، مطبوع في حاشية روض الرياحين، مؤسسة عماد الدين - قبرص.

126 - عمدة القاري شرح صحيح البخاري: محمود بن أحمد العيني (ت/ 855 ه)، دار إحياء التراث العربي - بيروت.

ص: 232

حرف الغين

127 - غرائب القرآن (تفسير النيسابوري): نظام الدين الحسن بن محمّد الحسين القمّي النيسابوري (كان حيا إلى سنة 730 ه)، المطبوع بهامش تفسير الطبري، الطبعة الاولى 1329 ه، المطبعة الكبرى الأميريّة - بولاق - مصر.

حرف الفاء

128 - فتح الباري في شرح صحيح البخاري: شهاب الدين أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني (ت/ 852 ه)، تحقيق محمّد فؤاد عبد الباقي و محبّ الدين الخطيب و عبد العزيز بن عبد اللّه بن باز، دار المعرفة - بيروت.

129 - فتح القدير (تفسير الشوكاني): محمّد بن عليّ بن محمّد الشوكاني (ت/ 1250 ه)، عالم الكتب - بيروت.

130 - الفتوحات الإسلاميّة: أحمد زيني دحلان (ت/ 1304 ه)، المطبعة الحسينيّة المصريّة.

131 - فرائد السمطين في فضائل المرتضى و البتول و السبطين و الأئمّة من ذرّيّتهم عليهم السّلام: إبراهيم بن محمّد بن المؤيّد الحمّوئي الجويني (ت/ 722 ه)، تحقيق محمّد باقر المحمودي، الطبعة الاولى 1398 ه / 1978 م للجزء الأول، و 1400 ه/ 1980 م للجزء الثاني، مؤسّسة المحمودي - بيروت.

132 - الفردوس بمأثور الخطاب: شيرويه بن شهردار بن شيرويه الهمداني الملقّب ب (إلكيا) (ت/ 509 ه)، تحقيق السعيد بن بسيوني زغلول، الطبعة الاولى 1406 ه/ 1986 م، دار الكتب العلميّة - بيروت.

* و طبعة اخرى بتحقيق فواز أحمد الزمولي و محمّد المعتصم باللّه البغدادي، الطبعة الاولى 1407 ه/ 1987 م، دار الكتاب العربي - بيروت.

133 - الفصل في الملل و الأهواء و النحل: أبو محمّد عليّ بن أحمد بن حزم الأندلسي الظاهري (ت/ 456 ه)، مكتبة المثنى - بغداد.

ص: 233

134 - الفصول المهمّة في معرفة أحوال الأئمّة عليهم السّلام: عليّ بن محمّد بن أحمد الشهير بابن الصباغ المالكي (ت/ 855 ه)، الطبعة الاولى 1408 ه/ 1988 م، مؤسسة الأعلمي - بيروت.

135 - فضائل الصحابة: أحمد بن محمّد بن حنبل (ت/ 241 ه)، تحقيق وصي اللّه بن محمّد بن عبّاس، الطبعة الاولى 1403 ه/ 1983 م، مؤسّسة الرسالة - مكّة المكرّمة.

136 - الفقه على المذاهب الأربعة: عبد الرحمن بن محمّد عوض الجزيري (ت/ 1360 ه)، الطبعة السابعة، دار إحياء التراث العربي - بيروت 1406 ه/ 1986 م.

حرف القاف

137 - القاموس المحيط: محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي (ت/ 817 ه)، تحقيق مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة، مؤسّسة الرسالة - بيروت 1407 ه/ 1987 م.

حرف الكاف

138 - الكامل في التاريخ (تاريخ ابن الأثير): عزّ الدين عليّ بن أبي الكرم الشيباني المعروف بابن الأثير (ت/ 630 ه)، تحقيق علي شيري، دار إحياء التراث العربي - بيروت.

* و طبعة اخرى دار صادر - بيروت 1399 ه/ 1979 م.

139 - الكامل في ضعفاء الرجال: عبد اللّه بن عدي الجرجاني (ت/ 365 ه)، الطبعة الاولى 1984 م، و الطبعة الثالثة 1988 م، دار الفكر - بيروت.

140 - الكشّاف عن حقائق غوامض التنزيل: جار اللّه محمود بن عمر الزمخشري (ت/ 538 ه)، دار الكتاب العربي - بيروت 1366 ه/ 1947 م.

141 - كشف الظنون عن أسامي الكتب و الفنون: مصطفى بن عبد اللّه الشهير بحاجي خليفة و بكاتب چلبي (ت/ 1067 ه)، دار إحياء التراث العربي - بيروت.

142 - الكشف و البيان (تفسير الثعلبي): أبو إسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم النيسابوري المعروف بالثعلبي (ت/ 427 ه)، نسخة مخطوطة في مكتبة المرعشي النجفي - قم.

143 - كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب: أبو عبد اللّه محمّد بن يوسف بن محمّد القرشي الكنجي

ص: 234

الشافعي (المقتول/ 658 ه)، تحقيق محمّد هادي الأميني، الطبعة الثالثة 1404 ه، دار إحياء تراث أهل البيت - طهران.

144 - كنز العمّال: علاء الدين عليّ بن حسام الدين الهندي البرهان فوري المعروف بالمتّقي الهندي (ت/ 975 ه)، مؤسّسة الرسالة - بيروت 1409 ه.

145 - كنوز الدقائق لزين الدين المناوي.

حرف اللام

146 - لسان العرب: ابن منظور جمال الدين أبي الفضل محمّد بن مكرم بن علي الإفريقي المصري (ت/ 711 ه)، تحقيق علي شيري، الطبعة الاولى 1408 ه، دار إحياء التراث العربي - بيروت.

حرف الميم

147 - مجمع الأمثال: أحمد بن محمّد بن أحمد الميداني (ت/ 518 ه)، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة الثانية 1407 ه/ 1987 م، دار الجيل - بيروت.

148 - مجمع البيان في تفسير القرآن: أبو علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي الطوسي (ت/ 548 ه)، الطبعة الاولى 1406 ه/ 1986 م، دار المعرفة - بيروت.

149 - مجمع الزوائد و منبع الفوائد: علي بن أبي بكر الهيثمي (ت/ 807 ه)، دار الكتب العلمية - بيروت 1408 ه/ 1988 م.

150 - محاضرة الأوائل و مسامرة الأواخر: علاء الدين علي دده بن مصطفى السكتواري (ت/ 1007 ه)، الطبعة الاولى 1311 ه، المطبعة العامرة الشرقيّة - مصر.

151 - المحلّى: أبو محمّد عليّ بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري الأندلسي (ت/ 456 ه)، تحقيق لجنة إحياء التراث العربي في دار الآفاق الجديدة - بيروت.

152 - مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر: محمّد بن مكرّم المعروف بابن منظور (ت/ 711 ه)، تحقيق رياض عبد الحميد و روحية النحّاس و محمّد مطيع، الطبعة الاولى 1404 ه/ 1984 م، دار الفكر - دمشق.

ص: 235

153 - مختصر جامع بيان العلم: أحمد بن عمر المحمصاني البيروني (ت/بعد 1349 ه)، تحقيق حسن إسماعيل مروة، الطبعة الاولى 1413 ه/ 1992 م، دار الخير - دمشق.

154 - مختصر كتاب العلم.

155 - المدوّنة الكبرى: مالك بن أنس الأصبحي (ت/ 179 ه)، الطبعة الاولى، دار إحياء التراث العربي - بيروت.

156 - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: الملاّ علي القاري (ت/ 1014 ه)، تحقيق صدقي محمّد جميل العطار، الطبعة الاولى 1412 ه، دار الفكر - بيروت.

157 - مروج الذهب: علي بن الحسين بن علي المسعودي (ت/ 346 ه)، تحقيق عبد الأمير مهنّا، الطبعة الاولى 1411 ه/ 1991 م، مؤسّسة الأعلمي - بيروت.

158 - المستدرك على الصحيحين: محمّد بن عبد اللّه الحاكم النيسابوري (ت/ 405 ه)، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، الطبعة الاولى 1411 ه/ 1990 م، دار الكتب العلميّة - بيروت.

* و طبعة اخرى دار المعرفة، نشر مكتبة المطبوعات الإسلاميّة - حلب، و محمّد أمين - بيروت.

159 - مسند أحمد بن حنبل: أبو عبد اللّه أحمد بن محمّد بن حنبل الشيباني (ت/ 241 ه)، الطبعة الاولى 1412 ه/ 1991 م، دار إحياء التراث العربي - بيروت.

160 - مسند البزّار (البحر الزخّار): أبو بكر أحمد بن عمرو العتكي البزّار (ت/ 292 ه)، تحقيق الدكتور محفوظ الرحمن زين اللّه، مكتبة العلوم و الحكم - المدينة المنوّرة، الطبعة الاولى 1409 ه/ 1988 م.

161 - مشارق الأنوار على صحاح الآثار: أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي (ت/ 544 ه).

162 - مشارق الأنوار في فوز أهل الاعتبار: حسن العدوي الحمزاوي (ت/ 1303 ه)، الطبعة الثالثة، المطبعة الكستلية بالمحروسة.

163 - المصنّف: عبد الرزاق بن همّام الصنعاني (ت/ 211 ه)، تحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، منشورات المجلس العلمي - الهند 1390 ه.

ص: 236

164 - المعجم الأوسط: أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (ت/ 360 ه)، تحقيق الدكتور محمود الطحان، الطبعة الاولى 1405 ه/ 1985 م، مكتبة المعارف - الرياض.

165 - معجم البلدان: أبو عبد اللّه شهاب الدين ياقوت بن عبد اللّه الحموي الروي (ت/ 626 ه)، دار إحياء التراث العربي - بيروت 1399 ه/ 1979 م.

166 - المعجم الكبير: أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (ت/ 360 ه)، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، الطبعة الثانية 1404 ه/ 1983 م، دار إحياء التراث العربي - بيروت.

167 - مفتاح السعادة و مصباح السيادة: أبو الخير عصام الدين أحمد بن مصطفى الشهير بطاشكبري زاده (ت/ 968 ه)، دار الكتب العلمية - بيروت.

168 - مقاتل الطالبيّين: أبو الفرج علي بن الحسين بن محمّد الإصفهاني (ت/ 356 ه)، تحقيق أحمد الصقر، الطبعة الثانية 1408 ه/ 1987 م، مؤسّسة الأعلمي - بيروت.

169 - المناقب: الموفّق بن أحمد بن محمّد الخوارزمي (ت/ 568 ه)، تحقيق مالك المحمودي، الطبعة الثانية 1411 ه، مؤسّسة النشر الإسلاميّ ، جماعة المدرّسين - قم.

170 - مناقب أبي حنيفة (المناقب الكردرية): محمّد بن محمّد بن شهاب الكردري الشهير بالبزّازي (ت/ 827 ه)، الطبعة الاولى 1321 ه، مجلس دائرة المعارف النظامية - حيدرآباد الدكن - الهند.

171 - مناقب أبي حنيفة: للقاري، المطبوع في هامش الجواهر المضيّة.

172 - مناقب أحمد بن حنبل: أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي (ت/ 597) تحقيق عبد اللّه بن عبد المحسن التركي، الطبعة الثانية 1409 ه/ 1988 م، دار هجر - الجيزة - مصر.

173 - مناقب علي بن أبي طالب: عليّ بن محمّد بن محمّد الشهير بابن المغازلي (ت/ 483 ه)، المكتبة الإسلاميّة - طهران 1394 ه.

174 - مناقب علي بن أبي طالب و ما نزل من القرآن في عليّ : أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه إصفهاني، 1422 ه، انتشارات دار الحديث - قم.

175 - منهاج السنّة النبويّة: أبو العبّاس أحمد بن عبد الحليم ابن تيميّة الحرّاني (ت/ 728 ه)، دار الكتب العلميّة - بيروت، افست عن طبعة المطبعة الكبرى الأميريّة - مصر 1322 ه.

ص: 237

176 - المواقف في علم الكلام: عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفّار الإيجي (ت/ 756 ه)، عالم الكتب - بيروت.

177 - المواهب اللدنّيّة: أحمد بن محمّد القسطلاّني (ت/ 923 ه)، تحقيق صالح أحمد الشامي، الطبعة الاولى 1412 ه/ 1991 م المكتب الإسلامي - بيروت.

178 - الموطّأ: مالك بن أنس (ت/ 179 ه)، تحقيق محمّد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي - بيروت 1406 ه/ 1985 م.

179 - ميزان الاعتدال في نقد الرجال: أبو عبد اللّه شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت/ 748 ه)، تحقيق عليّ محمّد البجاوي، دار الفكر - بيروت.

حرف النون

180 - نثر اللآلي على نظم الأمالي: السيّد حميد الدين عبد الحميد الآلوسي.

181 - النزاع و التخاصم فيما بين بني امية و بني هاشم: أبو العبّاس تقي الدين أحمد بن عليّ الحسيني العبيدي المقريزي (ت/ 845 ه)، تحقيق د. حسين مؤنس، منشورات الشريف الرضي - قم.

182 - نزهة المجالس و منتخب النفائس: عبد الرحمن الصفوري (ت/ 894 ه)، دار الإيمان - دمشق.

183 - نقض العثمانيّة: أبو جعفر الإسكافي.

184 - نوادر الاصول: محمّد بن عليّ بن الحسن الحكيم الترمذي (ت/نحو 320 ه)، الطبعة الاولى 1413 ه/ 1992 م، دار الكتب العلميّة - بيروت.

185 - نور الأبصار: الشيخ مؤمن بن حسن بن مؤمن الشبلنجي (ت/بعد 1308 ه)، دار الجيل - بيروت 1409 ه/ 1989 م.

186 - نهاية الأرب في فنون الأدب: أحمد بن عبد الوهاب النويري (ت/ 733 ه)، المؤسّسة المصريّة العامّة، وزارة الثقافة و الإرشاد القومي - مصر.

187 - النهاية في غريب الحديث و الأثر: ابن الأثير المبارك بن محمّد الجزري (ت/ 606 ه)، الطبعة الرابعة 1965 م - القاهرة.

ص: 238

188 - نهج البلاغة: حقّقه و ضبط نصّه الدكتور صبحي الصالح، بيروت 1387 ه.

حرف الواو

189 - الوسائل إلى مسامرة الأوائل.

190 - وفيات الأعيان: أبو العبّاس شمس الدين أحمد بن محمّد ابن خلّكان البرمكي الإربلي (ت/ 681 ه)، تحقيق إحسان عبّاس، دار الثقافة - بيروت 1970 م، افست عن طبعة دار صادر.

191 - وقعة صفّين: نصر بن مزاحم المنقري (ت/ 212 ه)، تحقيق عبد السّلام هارون، الطبعة الثانية 1382 ه، المؤسّسة العربيّة الحديثة - القاهرة.

192 - كتاب الولاية: الحافظ أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري.

حرف الياء

193 - ينابيع المودّة: الشيخ سليمان بن إبراهيم الحسيني البلخي القندوزي الحنفيّ (ت/ 1294 ه)، الطبعة الأولى، منشورات مؤسّسة الأعلمي - بيروت.

ص: 239

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.