الامام الرابع: علي بن الحُسَين زين العابدين (علیه السلام)

هوية الكتاب

اسم الكتاب... الامام الرّابع علي بن الحُسَين زين العابدين عليه السّلام

المؤلف ... لجنة التحرير في طريق الحق

المترجم ... محمد عبدالمنعم الخاقاني

الناشر ... مؤسسة في طريق الحق

عدد النسخ ... 3000

المطبعة... سلمان الفارسي

الطبعة ... الثانية

تاريخ النشر... 1425 ه- ق - 2004م

ISBN: 964 - 6425 - 82 - 8

السعر 400 تومان

محرر الرقمي: محمد مهدي فصيحي

ص: 1

اشارة

اسم الكتاب... الامام الرّابع علي بن الحُسَين زين العابدين عليه السّلام

المؤلف ... لجنة التحرير في طريق الحق

المترجم ... محمد عبدالمنعم الخاقاني

الناشر ... مؤسسة في طريق الحق

عدد النسخ ... 3000

المطبعة... سلمان الفارسي

الطبعة ... الثانية

تاريخ النشر... 1425 ه- ق - 2004م

ISBN: 964 - 6425 - 82 - 8

السعر 400 تومان

مولده

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وكان يحمل الخبز في الليالي متخفيا الى بؤساء المدينة وفقرائها، فلما مات عرفوا ان الذي كان يحمل اليهم الخبز هو الامام علي بن الحسين السجاد (عليه السّلام).

مولده :

اسمه المبارك ( على ) أشهر القابه (السجاد و زين العابدين).

أبصرت عيناه النور في المدينة في النصف من شهر جمادى الاولىٰ سنة ثمان وثلاثين من الهجرة النبوية الشريفة (1)، أبوه سيد الشهداء الامام الحسين (عليه السّلام) ، و أمه الجليلة (شهربانو ) (2).

خصائصه الخُلقية :

لقيه أحد أرحامه في جمع من أصحابه فتهّجم عليه وقال فيه ما لا يُليق وانصرف ،فقال الامام (عليه السّلام) لمن حوله : قد سمعتم ما قال،

ص: 3


1- مسار الشيعه للشيخ المفيد ص 34 سنه الطبع 1315 ه-. ق.
2- الاصول من الكافي ج 1 ص 467 طبعة الاخوندى.

فاني أرغب أن تأتوا معي الساعه لتسمعوا جوابي عليه.

قالوا : نأتى معك ، ولو كنا رددنا عليه ما قال حينما قال لكان أفضل .

فقام الامام (عليه السّلام) معهم الى بيت ذلك المتهجم، وفي الطريق راح الامام يردد الاية الكريمة من سورة آل عمران والتي تصف حال بعض المؤمنين :

«والْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ»(1).

فأدرك أصحابه انه غير ذاهب ليجازيه علىٰ ما بدر منه كما هو ظنهم أول الامر. فلما بلغوا دار ذلك الرجل ناداه الامام وقال : قولوا له علي بن الحسين (عليه السّلام) جاء، فظن الرجل ان الامام جاء ليجازيه علىٰ ما كان منه ، فخرج متأهباً للعراك ، فقال الامام (علیه السّلام): يا اخی ان كنت قلت ما فىَّ فاستغفر الله منه، وان كنت قلت ما ليس

فيَّ يغفر الله لك .

فخجل الرجل من لطف الامام (عليه السّلام)، وتقدّم نحوه وقبّل ما بين عينيه وقال :( بل قلتُ ما ليس فيك وأنا أحق به)(2).

* كان في المدينة رجل مُهرج يُضحك الناس بافعاله، وكان نفسه يقول:

اني لم أستطع ان أضحك علي بن الحسين (عليه السّلام).

وفي يوم كان الامام (عليه السلام) ماراً اذا أخذ عبائته من علىٰ كتفيه وانصرف! فلم يعبأ به الامام (عليه السّلام) ثم جاء بها أصحابه فسألهم الامام (عليه السلام) من كان الرجل؟

ص: 4


1- سورة آل عمران
2- الارشاد للشيخ المفيد ص 240 طبعة الاخوندى.

قالوا: مُهرج يُضحك الناس.

قال: قولوا له «إِنَّ لِلّهِ يَوْماً يَخْسَرُ فِيهِ الْمُبْطِلُونَ».(1)

*وزار الامام السجاد (عليه السّلام) - زيد بن أسامه - وهو يحتضر علىٰ سرير الموت فجلس عند رأسه وزيد يبكي فسأله الامام (عليه السّلام) ما يبكيك ؟ قال : يبكيني ان عَلَىَّ خمسة عشر ألف دينار، ولم أترك لها وفاءً . فقال الامام (عليه السّلام) لا تبك فهي عليَّ وانت منها بري، فقضاها عنه كما وعده (2).

*وكان يحمل الخبز في الليالي متخفياً الى بؤساء المدينة وفقرائها ويساعدهم بالمال، فلما مات عرفوا ان الذي كان يحمل اليهم الخبز هو الامام علي بن الحسين السجاد (عليه السّلام)، وعلم بعد وفاته انه كان يتكفّل معاش مئه من عوائل المدينة الفقيرة ولا يعلم به أحد . (3)

* يقول ابن اخت له: ان أمي كانت توصيني بان أصحب خالي علي بن الحسين (عليه السّلام)، فما جلست اليه قط الاقمت من عنده بخير أفدته اما خشيه الله تحدث الله في قلبي لما أرىٰ من خشيته، أو علم أستفدته منه .(4)

*و كان الامام الباقر (عليه السّلام) يقول: و كان قيامه

ص: 5


1- أمالي الشيخ الصدوق ص 133 الطبعة القديمة.
2- الارشاد للشيخ المفيد ص 243 - طبعة آخوندي.
3- تذكرة الخواص لابن الجوزى ص 184 – طبعة فرهاد ميرزا .
4- الارشاد للشيخ المفيد ص 238 – طبعة آخوندي .

(يريد أباه السجاد) في صلاته قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل، وكانت أعضاؤه ترتعد من خشية الله عزوجل، ويتبدل لونه وكان يصلّي صلاة مودع يرىٰ أن لا يصلى بعدها أبدا. (1)

مكانته العظيمة:

قدم هشام بن عبدالمك مكة حاجّاً فلمّا أراد أن يطوف منعه اشتغال الناس به من استلام الحجر الاسود، فانتحى ناحية حتى يفرغ الناس من طوافهم. فبينما هو جالس ينتظر اذ أقبل الامام زين العابدين (عليه السّلام) الى المسجد الحرام يطوف به، فلمّا رآه الناس شقّوا له طريقاً فيهم، فمضى بهدوء حتى قارب الحجر فأخذه، فكبر ذلك علىٰ هشام ،وكان الى جانبه رجلٌ من أهل الشام فالتفت نحوه وقال: من الرجل الذي قام له الناس؟

فخشي هشام ان يميل اليه أهل الشام وينصرفوا اليه ان هو أباح له باسمه، فقال: لست اعرفه .

وكان الفرزدق الشاعر الحُر المعروف حاضر الموقف فقال : بل أنا أعرفه ، وأنشد قصيدة طويله في مدحه (عليه السّلام).

فكانت أبياته من الروعة والبيان بمكانه جعل هشاماً يخور كالحيوان الجريح، وأمر بالفرزدق ليحمل الى السجن.

فلمّا علم الامام (عليه السّلام) بخبره بعث له بصلة فاعاد الفرزدق الدراهم باخلاص وأرسل له اني ما انشدت هذه الاشعار الا لله

ص: 6


1- الخصال للشيخ الصدوق ص 517 . مطبعة غفاري.

والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فصدق الامام (عليه السّلام) اخلاصه وامانته واقسم عليه ليقبل وله أجره في الاخرة وبعث له بالمال ثانية وقال: قولوا له ان من سجيتنا الاحسان ولا نأخذ ما أعطينا ... فقبل الفرزدق الصلة مسروراً.(1)

الامام يوقظ المسلمين :

ما من شك ان أخذ آل علي والحسين (عليهما السلام) سبايا الى الشام، كان له أبلغ الأثر في بلوغ ثورة الحسين (عليه السلام) أهدافها.

فلو لم يرووا حوادث الفاجعة (فاجعة كربلاء) على الناس في هذا السفر، ولم يشهد الناس حالهم عن قرب ،ما بلغ مقتل الامام هذا المبلغ من الشهرة وذيوع الصيت، وما افتضح بنو أمية ويزيد هذه الفضيحة المنكرة.

فقد دأب آل الحسين (عليه السّلام) وأهل بيته على الحديث - خلافاً لما يتوهمه أهل عصرهم ويظهره السبي من الخذلان والصغار- عن انتصارهم وخذلان عدوهم يزيد واعوانه .

وكان فيمن بقي حيّا بعد الفاجعة وترك أعظم الأثر في ايقاظ الناس وتوعيتهم امامنا

العظيم( زين العابدين عليه السّلام) وعمته الجليلة زينب الكبرىٰ (عليها السلام).

فلم يكن المرض الذي نزل به أيام مقتل أبيه - عليه السّلام -

ص: 7


1- عن امالى السيد المرتضى ج 1 ص 69 مطبوع سنه 1387 . اذا اردت القصيدة فهي في آخر الكتاب فراجع.

(وآثاره ما زالت في جسده الشريف قطعاً)، والاسىٰ الذي حل به لمقتل أبيه ومقتل اخوته والانصار بالذي يحول دون ان ينجز الامام مهامه و واجباته، فكان لا يدع فرصة سنحت له إلا استغلها لارائة الناس حقائق الامور.

فبينما كان أهل الكوفة يضجون بالبكاء والنحيب خجلاً من كلمات العقيلة زينب (عليها السّلام) النارية وخطب اختها وفاطمة الصغرىٰ بحقهم أشار اليهم الامام (عليه السلام) ليسكتوا فسكت الناس، فقام فحمد الله وأثنىٰ عليه وصلىٰ علىٰ النبي (صلى الله عليه وآله) وقال :

أيها الناس... أنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أنا ابن من نُهب ماله وسُى عياله ، أنا ابن من قتل مظلوماً عند شط الفرات ،بلادم أراق ،ولا حق أضاع.

أيها الناس: بالله عليكم أما كتبتم الىٰ أبي تدعونه ليجي الكوفه فلما جاءكم قتلتموه؟ أيها الناس : كيف بكم اذا رأيتم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم القيامه يقول لكم قتلتم أهل بيتي ولم ترقبوا حرمتي فلستم من أمتى؟

فاضطرب أهل الكوفه لسماعهم كلمات الامام (عليه السّلام) وها جوا وماجوا ،يبكون ويتلاومون ان هلكتم وأنتم لا تعلمون .(1)

وهكذا نبّه الامام (عليه السّلام) الضمائر الغافية من رقدتها، وصوّر

ص: 8


1- الاحتجاج ؛ الطبرسى ص 166 طبعه النجف عام 1350 ه-.ق.

عظمة الفاجعة وأفهم أهل الكوفة ضخامة فعلهم.

وحُملت حرم الأمام الحسين (عليه السلام) الىٰ قصر ابن زياد وما أن رأىٰ ابن زياد الامام حتى قال : من هذا؟

قالوا : علي بن الحسين.

قال: أولم يقتل الله عليّا؟

فقال الامام (عليه السّلام): كان لي أخ اسمه علىّ قتله الناس .

قال ابن زیاد: بل قتله الله .

قال الامام (عليه السّلام): اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِها . (1)

فقال ابن زياد :أما زالت فيك جرأة ترد بها عليَّ ؟ وأمر بقتله مغروراً، فاعترضت طريقه زينب الكبرىٰ (سلام الله عليها) وهي تقول: ما أبقيت لنا من أحد فان عزمت علىٰ قتله فاقتلني معه .

فقال لها الامام (عليه السّلام): لا تقولي له شيئا. أنا أكلمه.

ثم التفت الىٰ ابن زیاد وقال: يا ابن زياد! أبالموت تهددني وتخوفني؟

ألم تعلم ان الموت لنا عادة، وكرامتنا من الله الشهاده ؟(2)

في بلاد الشام :

وجئ ببعض السبايا الىٰ يزيد بن معاويه بالشام فادخلوهم عليه

ص: 9


1- سورة الزمر، الآية 42 .
2- اللهوف؛ لابن طاووس ص 144 طبعة عام 1317 ه-. ق.

وهم مقيدون بحبل واحد، فالتفت الامام بجرأة وإباء الى يزيد وقال:

«ما ظَنُّكَ برَسُولِ اللهِ لَوْرَآنَا مُوثَقِينَ فِي الحِبال».

فاثارت عبارته القاطعة علىٰ اختصارها شجون الحاضرين وجعلتهم يبكون . (1)

روىٰ البعض: كنت في الشام حين جي بسبايا آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان في سوق الشام مسجد تحفظ فيه الاسرىٰ، فتقدم شيخ من أهل البلاد منهم وقال : الحمد لله الذي أهلككم وأطفأ الفتنة -واكثر من الكلام البذئ. فلما فرغ من كلامه قال له الامام زین العابدين (عليه السّلام).

سمعت مقالتك وابنتَ لي عن العداء والضغن الذي في قلبك فاسمع مني كما سمعت منك .

قال: قل.

قال ( عليه السّلام) :فهل قرأت القرآن ؟

قال: قد قرأت.

قال (عليه السلام): فهل قرأت (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى )(2)

قال : قرأتها .

قال (عليه السّلام ): فنحن القُربىٰ يا شيخ.

ثم قال (عليه السّلام) : فهل قرأت (آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) (3) .

ص: 10


1- تذكرة الخواص، ص 149 ، طبعة فرهاد ميرزا.
2- سورة الشورى، الآية 23.
3- سورة الاسراء، الآية 26

قال الشيخ: بلى قرأتها .

قال (عليه السلام): فنحن ذو والقربىٰ، الذين أمر الله نبيه بايتائهم حقهم.

فقال الرجل: أ أنتم هم؟

قال الامام (علیه السّلام) بلی. فهل قرأت آية الخمس «وَاعْلَمُوا أَنَّ ما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبىٰ » (1)

قال: بليٰ قرأتها .

قال (عليه السّلام) :فنحن هم .فهل قرأت آية التطهير «إِنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُظهركُمْ تظهيراً » (2)

فرفع الشيخ يديه نحو السماء وقال: رباه تبتُ اليك ... قالها ثلاثاً ، الهي تبت اليك من عداء آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأبرأ اليك من قتلتهم، قد قرأت القرآن من قبل فما علمت ذلك . (3)

الامام (عليه السّلام) في مسجد الشام :

أمر يزيد يوماً أحد الخطباء ليرقىٰ المنبر ويسبَّ علياً وابنه الحسين (عليهما السّلام) وينال منها، فرقىٰ الرجل المنبر، وأطلق لسانه فيهما يسبهما شر سباب وينعتهما باقبح النعوت ويثني علىٰ يزيد ومعاويه.

وكان الامام (عليه السلام) حاضراً فصاح: الويل لك أيها الرجل اشتريت رضىٰ المخلوق بسخط الخالق، فتبوّأ مقعدك من النار.

ص: 11


1- سورة الانفال الاية 40.
2- سورة الاحزاب الاية 33.
3- الاحتجاج للطبرسي ص 167 ، طبعة النجف عام 1350 ه-.ق.

ثم التفت الى يزيد وقال : دعني أرتقي هذه الأعواد فاقول ما يرضي الله وينال به الأجر والثواب.

فامتنع يزيد بادئ الأمر، وأصرّ عليه النّاس ليقبل فقال : انه ان ارتقاه فلن ينزل منه الا بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان.

فقالوا له: وما ذا بوسعه ان يقول ؟

قال: انه من أهل بيت زقوا العلم زقّا وارتضعوه ارتضاعاً.

فأصر الناس علىٰ يزيد أكثر فقبل، وارتقىٰ الامام (عليه السلام) المنبر فحمد الله واثنىٰ عليه وصلىٰ على النبي (صلى الله عليه وآله) وقال: الحمد لله القديم الباقي، الاول الذي لا أول قبله، والاخر الذي لا آخر بعده، الباقي بعد فناء كل شئ. (1)

أيها الناس... ان الله أعطانا العلم والحلم والصبر والسخاء والفصاحة والشجاعة والمحبة في قلوب المؤمنين...

منا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصدّيق هذه الامه أمير المؤمنين علي (عليه السّلام)، ومنّا جعفر الطيّار، ومنا حمزة سيّد الشهداء، ومنّا الحسن والحسين ابنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومنا مهديها .(2)

... انا ابن مكة ومنىٰ .

انا ابن زمزم والصفا.

انا ابن من حمل الحجر (الاسود) باطراف الردا . (3)

ص: 12


1- الكامل للشيخ البهائى ج 2 ص 300.
2- نفس المهموم للمحدّث القمى ص 284. المطبعة الاسلامية.
3- اشارة الى قصة وضع الحجر الاسود بيد النبي (ص) فى العام الخامس والثلاثين بعد عام الفيل.

انا أبن خير من أحرم وطاف وحجّ وسعىٰ .

انا ابن من أسري به ليلاً من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى . (1)

انا ابن من أوحىٰ الله له ما أوحىٰ.

انا ابن الحسين المقتول بكربلا.

انا ابن محمد المصطفى .

انا ابن فاطمة الزهراء.

انا ابن خديجة الكبرىٰ.

انا ابن المضرج بالدما . (2)

وكان الامام (عليه السّلام) يتكلم والناس ينظرون اليه، وهو يظهر في كل جملة عظمة البيت الذي ينتسب اليه، وعمق شهادة أبيه الحسين (عليه السّلام). و اغرورقت العيون بالدموع واحتبست اصوات البكاء والنحيب في الحناجر، ثم سمعت أصوات بكاء محتبس من كل ناحية، فذعر يزيد ذعراً شديداً، وأمر المؤذن ليرفع صوته بالاذان فيهدأ الناس و يقطع كلام الامام.

فقال المؤذن : الله اكبر.

قال الامام (عليه السّلام) :من على ظهر المنبر: الله اكبر وأعلىٰ وأجل وأرفع مما أخافُ وأخذر.

فقال المؤذن: أشهد أن لا اله الّا الله .

فقال الامام (عليه السلام ):أجل أشهد بكل شهاده أن لا إله إلّا هو.

ص: 13


1- اشارة الى قصة المعراج.
2- الكامل للبهائى ج 2 ص 300 .

فقال المؤذن: أشهد أن محمداً رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

(وكانت الرؤوس مطأطأة الى الارض تنصت بتأمل الىٰ صوت المؤذن وجواب الامام، فلما ذكر اسم محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) صعّد الناس بانظارهم نحو الامام (عليه السّلام) وفي أعينهم حجاب الدموع کانهم يرون فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

فرفع الامام العمامة من رأسه وصاح : عليك بمحمد هذا إلّا ما تريثت ... (فسكت المؤذن، وأنصت الناس... وتحيّر يزيد، وتغيّر لونه، فحتىٰ الأذان لم يسكت الامام).

والتفت الامام (عليه السلام) الى يزيد وقال:

... یا يزيد! أهذا جدي أم جدك ؟ فان قلت جدك ، كذبك الناس، وان قلت جدّي فلم قتلت أبي ونهبت ماله وسبيت حرمه؟!

... يا يزيد... الا زلت تصدق أن محمداً رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتقف الى القبلة تصلي ؟... الويل لك ... سيكون جدَّي وأبي خصيميك يوم القيامة.

فأمر يزيد المؤذن ليقيم، هذا والناس منزعجون، وغادر بعض المسجد ولم يحضر الجماعة . (1)

ويحدثنا التاريخ نفسه - والتاريخ خير محدّث - عن مدىٰ التأثير الذي تركته أقوال الامام وخطاباته فى سفره هذا، فقد أرجع يزيد الامام السجاد (عليه السّلام) ومعه جميع أهل البيت معززين مكرمين الى

ص: 14


1- الكامل للبهائى ج 2 ص 302300 باختصار.

المدينة، وكان قد أضمر ليقتلنّه. ولم يمض وقت طويل حتّى ارتفعت رايات الثورة ضد النظام الاموي في العراق والحجاز، وثار الالاف من الناس يطالبون بالثأر لدماء سيد الشهداء الامام الحسين (عليه السّلام) ،ولانزاع في ان سبي حرم الحسين (عليه السّلام) وأهل بيته الكرام، وخطاباتهم واحاديثهم مع الناس، وبالاخص خطب الامام السجاد (عليه السّلام) الرنانه في الفرص المواتية خير متمم ومبلغ الاهداف المرجوة من ثورة سيدالشهداء الامام الحسين (عليه السّلام).

الامام العليل :

يطلق كثير من العامة علىٰ الامام الرابع اسم (علي العليل)، وقد يظنون ان ذلك العظيم قضىٰ عمره مريضاً متشكياً، ولذا كان البعض يتخيل الامام (عليه السّلام) باهت اللون خائر النفس.

لكن الواقع خلاف ذلك وانه (عليه السلام) قضىٰ عمره صحيحاً سليم الجسم ، لم يزره المرض الامدّة قصيرة بكربلاء أيام مصرع أبيه، وكان له وقاء من الموت، وقاه الله به ومنعه من أن تصل اليه أيدي أعوان يزيد فلا تنقطع بموته سلسلة الامامة ويتعرض مستقبل الاسلام للخطر.

وفيما يلي بعض الروايات الوارده في مرضه :

روىٰ الشيخ المفيد في الارشاد :أقبل الشمر في جماعة من الجند الىٰ الخيام، وفيها علي بن الحسين (عليه السّلام) وهو مريض طريح الفراش .(1)

ص: 15


1- الارشاد للشيخ المفيد ص 226.

وكتب مؤلف تذكرة الخواص يقول: ولم يقتلوا على بن الحسين (علیه السّلام )لانه كان مريضاً . (1)

وجاء في الطبقات: ان الشمر جاء علي بن الحسين (عليه السّلام) بعد شهادة أبيه الحسين (عليه السّلام) وكان مريضاً، فقال لمن حوله اقتلوه، فقال رجل من حوله، سبحان الله أنقتل الفتىٰ وهو مريض ولم يسهم بقتال؟! .

فاقبل - عمر بن سعد - وقال لا تمسوا النساء وهذا المريض. (2)

وكتب البعض ان مرضه أو بقاياه لم يزل به حتىٰ قدم الكوفه .(3)

ثم لم يرى الامام بعدها مريضاً أبداً بل دلت القرائن التي في أيدينا انه (علیه السّلام) كان يتمتع بصحة تامة شأنه شأن سائر الائمة لم يصب في حياته إلا في بعض الاوقات (4) ، وكان يؤدي واجبات الامامة بصورة رتيبة.

الامام السّجاد ( عليه السّلام) وولاة عصره:

ولي الحكم في عهد إمامة السجّاد (عليه السلام) العديد من ولاة الجور والحكام الظلمة منهم يزيد بن معاويه، وعبدالله بن الزبير، ومروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان، والوليد بن عبدالملك ، وقد حكم كل

ص: 16


1- تذكرة الخواص ص 183 طبعة. فرهاد ميرزا .
2- الطبقات ج 5 ص 157 طبعة ليدن.
3- اللهوف لابن طاووس ص 128 طبع سنه 1317 ه-.ق
4- الكافي ج 7 ص 56 .

منهم المسلمين ردحاً من الزمن، ونذكر فيما يلي جوانب من جرائمهم للتعرف علىٰ أحوال ذلك الزمان.

في العام الثاني والستين من الهجرة وبعد مقتل سيدالشهداء الامام الحسين (عليه السّلام)، خرج جمع من أهل المدينة الىٰ الشام فدخلوها وشاهدوا يزيد عن قرب يشرب الخمر ويلهو مع الكلاب ويقضى ليله في اللهو واللعب والفجور، فعادوا وحدثوا الناس بالخبر وكان مقتل الامام الحسين (عليه السّلام) قد أحزن أهالي المدينة فرفعوا لواء الثورة (1)، فبعث يزيد جيشاً بقيادة شخص ساقط ومنحط يدعىٰ - مسلم بن عقبة -لقمع الخارجين عليه فاغار الجيش علىٰ المدينة ثلاثة أيام ونهبوا الدور وأباحوا الدماء وقتلوا عشرة الآلاف رجل، ولم يتورعوا عن ارتكاب أقبح الجرائم وأشنعها . (2)

و بعد موت يزيد فى العام الرابع والستين من الهجرة، استوىٰ علىٰ مقعد الحكم بعده ابنه معاوية، لكنه بعد مدة قصيرة - أربعين يوماً أو ثلاثة أشهر - عاد فارتقىٰ المنبر وأعلن استقالته وتنازله عن الحكم. (3)

وكان عبد الله بن الزبير طامعاً في الخلافة منذ أمد غير قصير، فأعلن الثورة بموته، وبايعه عليها أهل الحجاز واليمن والعراق وخراسان، وتصدّىٰ لمخالفته مروان بن الحكم الذي كان قد احتال للاستيلاء على الحكم، فتمكن بشتىٰ الحَيل من اخضاع الشام ومصر الشام ومصر لسلطانه وادخالهما تحت

ص: 17


1- الكامل لابن الاثيرج 4 ص 103.
2- البداية والنهاية لابن كثير ج 8 ص 221 الطبعة الاولى.
3- الكامل لابن الاثيرج 4 ص 130.

نفوذه، ولم يلبث حتى مات ،فخلفه من بعده ابنه عبدالملك . (1)

تولىٰ عبدالملك بن مروان الحكم في العام الخامس والستين من الهجرة، وبعد تثبيت أقدامه حاصر عبدالله بن الزبير في مكّة في العام الثالث والسبعين الهجري فاعتقله ثم أمر به فقتل . (2)

كان عبدالملك رجلاً قاسي القلب بخيلاً ظالماً، قال يوماً - لسعيد بن المسيب -صرتُ لا أحب الخير ولا أبغض القبيح فقال له سعيد: فقدمات قلبك اذن .

قال في خطبة خطبها بعد مقتل عبد الله بن الزبير : مادعاني أحد الى التقوىٰ الا ضربت عنقه . (3)

من عظيم جناياته انه أسند الىٰ - الحجّاج بن يوسف -ولاية البصرة والكوفة، والحجاج من أبطش رجال بني امية وأعظمهم سفكاً للدماء كان يعشق القتل والظلم فكان يعذّب الناس وينكّل بهم و يقتلهم خصوصاً شيعة علي (عليه السّلام) وقد قتل في فترة ولايته ما يقرب من مئة وعشرين الف رجل . (4)

كان عبدالملك شديد المراقبة للامام (عليه السلام) وجهد ليظفر منه ما يتمسك به ذريعة للنّيل منه .

تزوج الإمام السجّاد (عليه السّلام) جارية له كان قد اعتقها نفسه

ص: 18


1- تاريخ الخلفاء للسيوطى ص 212 طبعة عام 1383 ه-. ق.
2- الكامل لابن الاثيرج 4 ص 348 وما بعدها .
3- الكامل لابن الاثير ج 4 ص 522521.
4- الكامل لابن الاثيرج 4 ص 587 .

فعلم عبد الملك الخبر فكتب له كتابا يعرّض به فقال :

«بلغني تزويجك مولاتك وقد علمت انه كان في اكفائك من قريش من تمجّد به في الصهر وتستنجبه في الولد فلا لنفسك نظرت ولا علىٰ ولدك أبقيت والسلام».

فكتب اليه الامام جواباً على ما جاء في كتابه:

«أما بعد فقد بلغني كتابك تعنفني بتزويجي مولاتي وتزعم انه كان في نساء قريش من أتمجد به في الصهر واستنجبه في الولد وانه ليس فوق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مرتقىٰ في مجد ولا مستزاد في كرم انما كانت ملك يميني خرجت حتىٰ أراد الله عزوجل منى بأمر التمس به ثوابه ثم ارتجعتها علىٰ سنة، ومن كان زكيّا في دين الله فليس يخل به شي من أمره وقد رفع الله بالاسلام الخسيسة وتمم به النقيصة» .(1)

أراد عبدالملك تحقير الامام (عليه السّلام) وادخال الرعب في قلوب الناس والحيلوله دون أي نشاط فبعث وراءه من يأتي به بعنف، فجئ به ثم أعاده الىٰ المدينه. (2)

و بعد موت عبد الملك في العام السادس والثمانين الهجري خلفه ابنه- الوليد -وكان رجلاً ظالماً جبّاراً، كتب جلال الدين السيوطي عنه يقول : -كان الوليد جباراً ظالماً -. (3)

قال في أول خطبة خطبها في الناس : ايّما أحد تطاول قتلناه ومن

ص: 19


1- الكافي ج 5 ص 344
2- تذكرة الخواص ص 183.
3- تاريخ الخلفاء ص 224 .

يسكت قتله سكوته» . (1)

كان الوليد كغيره من الولاة الظلمة يخشىٰ الامام (عليه السّلام) و ذيوع صيته في الناس وينزعج لعظم مقامه وعلوّ منزلته، وكان يحذر ان يلتف الناس حوله ويهدّدوا سلطانه، فلم يطق تحمل وجوده في جماعة المسلمين فكاد له حتىٰ دس له السم وقضىٰ مسموماً . (2)

و بالتأمل في اوضاع الفترة التي قضاها الامام السجاد (عليه السّلام) إماماً حيث الازمات الاجتماعية، والتيارات المتضاربه ،وولاة الجور الظلمة، والمراقبة الشديدة له، وفقدان الموالين المخلصين المضحين يتضح لنا انه ما كان له سبيل سوى الصراع السلبي وتربية الموالين والتلامذة المخلصين ونشر مسائل العلم والاخلاق.

رآه أحدهم في طريق مكة حاجاً فقال له: تركت سبيل الجهاد و وعورته وأخذت طريف الحج؟

فقال (عليه السّلام): لو وجدنا اتباعاً مضحين لكان الجهاد خيراً منه .(3)

يروي ابوعمر النهدي عن الإمام السجّاد انه كان يقول : ليس لنا في مكة والمدينة عشرون رجلاً . (4)

ص: 20


1- تاريخ الطبري ج 8 ص 1178
2- المناقب لابن شهر آشوب ج 3 ص 311
3- الاحتجاج للطبرى ص 171 طبعة النجف سنة الطبع 1350 ه-.ق
4- شرح نهج البلاغه لابن ابي الحديد ج 4 ص 104 طبعة 20 جلدى.

الامام (عليه السّلام) وتربية المسلمين :

من جملة نشاطاته (عليه السّلام) بعد واقعة كربلا، وعودته الىٰ المدينة، نشر الاحاديث والعلوم الاسلامية بواسطة عدة من المسلمين وتربيتهم .

فقد ذكر الشيخ الطوسي في رجاله اثنين وسبعين رجلاً من أصحاب الامام (عليه السلام) أو ممن يروي عنه باسمائهم (1)، نورد فيما يلي أسماء ثلاثه منهم:

1 - سعيد بن المسّيب : قال عنه الامام (علیه السّلام) نفسه، سعید بن المسّيب - أعلم الناس بما تقدمه من الآثار، وأفهمهم في زمانه). (2)

2 - ابو حمزة الثمالي: قال فيه الامام الثامن -علي بن موسي الرضا - (علیه السّلام) ،ابو حمزه سلمان زمانه . (3)

3 -- سعيد بن جبير : كان كثير العلم حتىٰ قيل عنه :

«ليس علىٰ وجه الارض من هو مستغن عن علم ابن جبير » .(4)

إعتقله رجال الحجاج يوماً، وجاءوا به عنده، فقال الحجاج: انت شقي بن كسير لا سعيد بن جبير. (5)

فقال سعيد: ان أمي اعلم حينما سمتنى سعيداً .

فقال الحجاج :فما ترىٰ في أبي بكر وعمر أفي الجنة هما أم في النار؟

ص: 21


1- رجال الشيخ الطوسي ص 81 وما بعدها
2- رجال الكشي ص 119 طبعة جامعة مشهد.
3- رجال الكشي ص 485 .
4- المناقب لابن شهر آشوب ج 3 ص 311.
5- يُريد تحقيره.

( يريد أن يقول سعيد شيئاً يقتله به).

فقال سعي: اذا دخلت الجنة ورأيت أهلها فسوف أعلم من هم أهلها ،وان وردت النار ورايت اهلها فسوف اعرفهم.

فقال الحجاج :ما ترىٰ في الخلفاء؟

قال سعيد : لستُ موكلا بهم.

الحجاج : فأيهم تحبه اكثر من غيره.

سعيد :من كان ارضاهم لله.

الحجاج : فأيهم ارضاهم له.

سعید: الله العالم بالخفايا والاسرار يعلم ذلك .(1)

الحجاج : لم لا تضحك ؟

سعيد :كيف يضحك من خلق من تراب وقد تحرقه النار.

الحجاج : فلما ذا نضحك نحن؟

سعيد: قلوب الناس ليست سواء.

فأمر الحجاج ليؤتىٰ بالمجوهرات وتوضع أمام سعيد.

فقال سعيد : ان إدخرت هذه لتنجوبها من عذاب القيامه فلا بأس عليك و إلا فاعلم انها تذهل كل مرضعة عما أرضعت، فلا خير في ادخار الثروة الا ما كان زكيّا خالصاً.

فأمر الحجاج ليؤتىٰ بآلات اللهو والطرب فبكى سعيد.

قال الحجاج :كيف تريدان تقتل؟

قال سعيد: كما تحب ،والله ما قتلتني قتلة إلا قتلكَ الله مثلها يوم القيامة.

ص: 22


1- رجال الكشي ص 119.

قال الحجاج : أترغب أن أعفو عنك .

قال سعيد: ان كان هناك عفو فهو من عندالله ولن اطلب صفحاً منك أبداً.

فأمر الحجاج ليمد بساط القتل فقال سعيد، (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ الَّذِي فَطَرَ السَّمواتِ وَالأَرْضَ حَنيفاً وَ ما أنا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ). (1)

فقال الحجاج: حوّلوا وجهه عن القبله.

قال سعيد :فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ . (2)

فقال الحجاج: اجعلوا وجهه الى الارض.

قال سعيد: مِنْها خَلَقْناكُمُ وفيها نُعِيدكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تارَةً أخرى . (3)

فقال الحجاج :افصلوا رأسه.

قال سعيد : أَشْهَدُ أَنْ لا إله إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. (صلى الله عليه وآله وسلم).

ثم دعا فقال : اللهم لا تسلّطه علىٰ أحدٍ من بعدي.

ولم تمض سوى لحظات قليله حتىٰ كان دم سعيد بن جبير الطاهر يجري بأمر من الحجّاج. (4)

كان سعيد بن جبير من صحابة الامام (عليه السّلام) وشيعته، وكان

ص: 23


1- سورة الانعام، الآية 79.
2- سورة البقرة، الآية 115.
3- سورة طه الآية 55 . سورة طه الآية 55 .
4- روضات الجنّات - الطبعة الثانيه (قديمه) - ص 310 باختصار.

الامام (عليه السّلام) يجله كثيراً ، ولم يكن له ذنب يؤاخذ عليه الاقربه منه . (1)

الصحيفة السجادية:

لا يخفىٰ ان القصد الى الدعاء والاستعانة بالله ودعوته عند التعرض للمشكلات والصعوبات دافع فطري، فلذا نجد المرء اذا قصرت يده عن بلوغ الاسباب ،واغلقت في وجهه جميع السبل، يمديد العون بلا ارادة وشعور الى قدرة الله العظيمة ورحمته الواسعة ليدعوه ويطلب منه ،فيحصل له من ذلك اطمئنان وسكينة عند ما تعصف المشاكل به ،ويقل اضطرابه ويموت قلقه ويقدم على معالجة الأمور بنفس مطمئنه

راسخة.

يعلم علماء النفس واصحاب الرياضات الروحية ان الدعاء خير علاج للروح العليلة ومنعش للنفوس التي استولىٰ عليها الملل فهو يسكن الاوجاع الباطنه ويقلل من ضغط المصائب.

وقد استثمر الاسلام هذا الاحساس الفطري لما فيه هداية البشر وتعليمهم وتربيتهم ، فعلَّم الائمة (عليهم السلام) بالادعية المختلفة والتوسلات والمناجاة التي خلّفوها لأتباعهم وشيعتهم كثيراً من المعارف والعقائد الحقّه، ونبهوهم الىٰ معالجة كثير من الامراض والعقد النفسيه.

كتب أحد العلماء بهذا الصدد يقول:

ان من أعظم ذخائر الاسلام العلمية والتربوية الادعية التي خلّفها

ص: 24


1- رجال الكشي ص 119.

الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته أئمة الهدىٰ (علیهم السّلام)، فمسائل التوحيد والالهيات، والنبوة والامامة ونظام الحكومة والرئاسة والاخلاق والحقوق المدنية، والاحكام والأداب المختلفه جميعها وردت في ادعيتهم حتىٰ أنه يمكن القول بان اورادهم وحدها تشكل مدرسة عظيمة الأثر .في نمو الفكر ورقيّ المسلمين روحياً واجتماعياً، فما لم يتعرف المسلمون علىٰ معالم هذه المدرسة لن يتمكنوا من معرفة شخصيتهم الاسلامية بصورة دقيقة.

وتبدو الصحيفة السجادية من بين الادعية المأثورة عن أئمتنا (عليهم السلام) ساطعة كالشمس.

واطّلع عليها كبير من علماء أهل السنة (صاحب تفسير الجواهر) كان قد بعثت له الحوزة العلمية في -قم المقدسة - بنسخة من هذا الكتاب فكتب عنها مايلي:

«تسلمت كتابكم بيد التبجيل فوجدته فريداً من نوعه يشتمل علىٰ علوم ومعارف وحكم لا توجد في غيره، وانه لمن سوء الحظ لم نعثر على هذا الاثر القيم الخالد الباقي من ميراث النبوه وأهل البيت ( عليهم السّلام) الى الآن. وأني كلما طالعته وامعنت النظر فيه وجدته فوق كلام المخلوق دون كلام الخالق وانه لكتاب كريم حقاً، أجركم الله على هديتكم أفضل الأجر وايدّكم و وفقكم» . (1)

وللاحاطه بهذا الكتاب الجليل نذكر فيما يلى فهرس الادعية الواردة فيه ثم نعرض بعضاً من هذه الادعية.

ص: 25


1- يراجع ما جاء فى خاتمة الصحيفة السجادية طبعة آخوندي.

1 - التحميد الله عزوجل.

2 - الصلاة علىٰ محمد وآله (عليهم السّلام).

3- الصلاة علىٰ حملة العرش.

4 - طلب الرحمة لمصدقي الرسل.

5 - دعاؤه لنفسه وخاصته.

6 -دعاؤه عند الصباح والمساء.

7- دعاؤه في المهمّات.

8 -دعاؤه في الاستعاذه.

9 - دعاؤه في الاشتياق.

10 - دعاؤه في اللجوء الىٰ الله تعالى.

11 - دعاؤه بخواتم الخير.

12 - دعاؤه في الاعتراف.

13 - دعاؤه في طلب الحوائج.

14 - دعاؤه في الظلامات.

15 - دعاؤه عند المرض.

16 - دعاؤه في الاستقالة.

17 - دعاؤه علىٰ الشيطان والاستعاذة منه ومن عداوته وكيده.

18 - دعاؤه في المحذورات.

19 - دعاؤه في الاستسقاء.

20 - دعاؤه في مكارم الاخلاق.

21 -دعاؤه اذا أحزنه أمر.

22 - دعاؤه عند الشدّة .

ص: 26

23 - دعاؤه بالعافيه .

24 - دعاؤه لأبويه.

25 - دعاؤه لولده .

26 - دعاؤه لجيرانه .

27 - دعاؤه لأهل الثغور.

28 - دعاؤه في التفزّع.

29 - دعاؤه اذا قتّر عليه.

30 - دعاؤه في المعونه علىٰ قضاء الدين.

31 - دعاؤه بالتوبة.

32 - دعاؤه في صلاة الليل.

33 - دعاؤه في الاستخارة.

34 -- دعاؤه اذا ابتلي ورأىٰ مبتلىٰ بفضيحة بذنب.

35 - دعاؤه في الرضا بالقضاء.

36 -- دعاؤه عند سماع الرعد.

37 - دعاؤه في الشكر.

38 - دعاؤه في الاعتذار.

39 - دعاؤه في طلب العفو.

40 - دعاؤه عند ذكر الموت.

41 - دعاؤه في طلب الستر والوقاية.

42 - دعاؤه عند ختمه القرآن.

43 - دعاؤه اذا نظر الى الهلال.

44 - دعاؤه لدخول شهر رمضان.

ص: 27

45 - دعاؤه لوداع شهر رمضان.

46 - دعاؤه للعيدين والجمعه .

47 - دعاؤه لعرفة .

48 - دعاؤه للاضحىٰ والجمعه.

49 - دعاؤه في دفع كيد الاعداء.

50 - دعاؤه في الرهبة.

51 - دعاؤه في التضرع والاستكانه.

52 -دعاؤه في الالحاح.

53 - دعاؤه في التذلل.

54 -دعاؤه في استكشاف الهموم.

وقد كتبت للصحيفة السجّادية شروح كثيرة باللغتين العربية والفارسية، أوصلها العلامة الشيخ آغا بزرگ الطهراني في كتابه العظيم الذريعة . (1)الى ما يقرب من سبعين شرحاً طبع منها شرح (السيد علي خان الكبير ) (2)ومختصرة (تلخيص الرياض) وهما الآن في متناول اليد، كما ترجمها قدامىٰ علماء الشيعه الى اللغات المختلفة وبترجمات متعددة الا ان أيا منها لم يطبع الى الآن.

وترجمها بعض المعاصرين في الاعوام الاخيرة الى اللغة الفارسية نذكر بعض من طبع منها :

1 - ترجمة المرحوم الشيخ أبي الحسن الشعراني.

ص: 28


1- الذريعة ج 13 ص 345 وما بعدها .
2- من علماء القرن الحادى عشر الهجري.

2 - ترجمة المرحوم الشيخ مهدى الهي القمشه اى.

3 - ترجمة فيض الاسلام

4 - ترجمة جواد فاضل.

ه - ترجمة صدر البلاغي .

ونحن نستعرض هنا بعض أدعية الصحيفة السجادية:

يقول الامام عليه السّلام في الدعاء الثامن «اللهمّ انّي اعوذ بك من هيجان الحرص، وسورة الغضب ،وغلبة الحسد، وضعف الصّبر، وقلّة القناعة، وشكاسة الخُلُق، والحاج الشّهوة، وملكة الحمية، ومتابعة الهَوىٰ، ومُخالَفَة الهُدىٰ، وسِنَةِ الغَفلة ، وتعاطي الكلفة، وايثار الباطل علىّ الحق، والاصرار علىٰ المآتم واستصغار المعصية واستكبار الطّاعة، ومباهاة المكثرين والازراء بالمُقلّين، وسُوء الولاية لِمَن تحت أيدينا، وتَرْكِ الشكر لمن اصطنع العارفة عندنا، أو أن نعضُدّ ظالِماً، أو نَخْذُل ملهوفاً، أو نَروم ما ليس لنا بحق، أو نقول في العلم بغير علم . ونعوذُ بكَ أن تنطوي علىٰ غش أحدٍ و آن نُعجب باعمالنا ونَمُدَّ في امالنا . ونَعوذُ بك من سوء السريرة، واحتقار الصغيرة، وأن يستحوذ علينا الشيطان أو ينكبنا الزمان أو يتهضّمنا السُلطان، ونعوذ بك من تناول الاسراف ومن فقدان الكفاف، ونعوذ بك من شماتة الأعداء، ومن الفقر الىٰ الأكفاء، ومن معيشة في شدّة ، وميتةٍ علىٰ غيرُ عدّة، ونعوذُ بك من الحسرة العظمىٰ، والمصيبة الكبرىٰ، وأشقىٰ الشّقاء، وسُوء المآب، وحرمان الثواب ،وحلول العقاب، اللهمّ صل على محمّد وآله وأعذني من كُلّ ذلك برحمتك وجميع المؤمنين والمؤمنات برحمتك يا أرحم الراحمين».

ص: 29

و يقول في الدّعاء العشرين وهو المعروف بدعاء مكارم الأخلاق «اللهمّ صلّ علىٰ محمد وآله، وبلّغ بايماني أكمل الايمان، واجعل يقيني أفضل اليقين، وانْتَهِ بنيتي الى أحسن النيّات، وبعملي الىٰ أحسن الأعمال.

اللهمّ وفّر بلطفك نيّتي، وصحح بما عندك يقيني، واستصلح بقدرتك ما فسد منّي . اللهمّ صل علىٰ محمّد وآله ،وأكفني ما يشغلني الإهتمام به، وأستعملني بما تسألني غداً عنه، وأستفرغ أيامي فيما خلقتني له، وأغنني وأوسع عليَّ رزقك ولا تفتني بالنّظر، وأعزّني، ولا تبتلني بالكبر، وعبدني لك ، ولا تُفسد عبادتي بالعجب، وأجر للناس علىٰ يدي الخير ولا تمحقه بالمنّ، وهب لى معالي الأخلاق، وأعصمني من الفخر.

اللهمّ صلّ على محمّد وآله، ولا ترفعني في الناس درجة الا حططتني عند نفسى مثلها ، ولا تُحدث لي عزاً ظاهراً الا أحدثت لي ذلّة باطنة عند نفسي مثلها.

اللهمّ صلّ علىٰ محمّد وآل محمّد و متعني بهدىٰ صالح لا أستبدل به وطريقة حق لا أزيغُ عنها ، ونيّة رُشد لا أشك فيها، وعمرني ما كان عُمري بذلةً في طاعتك، فاذا كان عمري مرتعاً للشيطان فاقبضني اليك قبل أن يسبق مقتكَ اليّ ويستحكم غضبك عليَّ .

اللهمّ لا تَدَعْ خصلَةً تُعَابُ منّي إلّا أصلحتها، ولا عائبة اؤنب بها الا احسنتها، ولا أكُرُومةً فيَّ ناقصةً الا اتممتها.

اللهمّ صلّ علىٰ محمّد وآل محمّد وأبدلني من بغضة أهل الشنآن المحبّة ،ومن حسد أهل البغي المودّة، ومن ظنّة أهل الصلاح الثقة، ومن

ص: 30

عداوة الادنين الولاية، ومن عقوق ذوي الأرحام المَبَرَّة، ومن خذلان الأقربين النصرة، ومن حُبّ المدارين تصحيح المقة، ومن ردّ الملابسين كرم العشرة ، ومن مرارة خوف الظالمين حلاوة الأمنة.

اللهمّ صلّ علىٰ محمّد وآله واجعل لي يداً علىٰ من ظلمنى، ولساناً علىٰ من خاصمني، وظفراً بمن عاندني، وهب لي مكراً علىٰ من كايدني، وقدرة علىٰ من اضطهدني، وتكذيباً لمن قَصَبَني، وسلامة علىٰ من توّعدني، ووفقني لطاعة من سدَّدَني، ومتابعة من أرشدني.

اللهمّ صلّ علىٰ محمد وآله وسدّدني لأن أعارض من غشّني بالنصح، وأجزي من هجرني بالبرّ، وأثيب من حرمني بالبذل، وأكافي من قطعني مَنْ بالصلة، وأخالف من اغتابني الىٰ حُسن الذّكر، وأن أشكر الحسنة وأغضي عن السيئة.

اللهمّ صلّ علىٰ محمد وآله وحَلّني بحلية الصالحين، وألبسني زينة المتّقين في بسط العدل وكظم الغيظ، واطفاء النائرة، وضمّ أهل الفرقة، واصلاح ذات البين، وافشاء العارفة، وستر العائبة، ولين العريكة ،وخفض الجناح، وحسن السيرة، وسكون الريح، وطيب المخالفة، والسبق الى الفضيلة ،وايثار التفضّل ،وترك التعيير، والافضال علىٰ غير المُستحق، والقول بالحق وإن عَزَّ، واستقلال الخير وإِن كَثُرَ من قولي وفعلي، واستكثار الشرّ وان قَلَّ من قولي وفعلي، وأكمل ذلك لي بدوام الطّاعة ولُزُوم الجماعة ورفض أهل البدع ومستعمل الرّأي المخترع.

رسالة الحقوق:

ومن آثاره (عليه السّلام )العظيمة رسالة الحقوق التي دأب علماء

ص: 31

الشيعة علىٰ نقلها في كتبهم القديمة، وقد نقلت بكاملها في كتاب «تحف العقول» و «الخصال »(1) والامالي.

ننقل في مايلي القسم الاعظم منها :

حق الله : فأمّا حق الله الأكبر فانّك تعبده ولا تشرك به شيئاً، فإذا فعلت ذلك بالاخلاص جعل لك علىٰ نفسه ان يكفيك أمرّ الدنيا والآخرة، ويحفظ لك ما تحبّ منهما.

حق النفس : حقّ نفسك عليك ان تستعملها بطاعة الله عزوجل.

وحقّ اللسان :اكرامه عن الخنا وتعويده الخير وترك الفضول التي لا فائدة لها والبرّ بالناس وحسن للقول فيهم .

وحقّ السمع تنزيهه عن سماع الغيبة وسماع مالا يحلّ سماعه.

وحق البصر : ان تغضّه عمّا لا يحل لك وتعتبر بالنظر به.

وحقّ يدك : ان لا تبسطها الىٰ مالا يحل لك .

وحق رجليك ان لا تمشي بهما الىٰ ما لا يحل لك فيهما تقف علىٰ الصراط فانظر أن لا تزل بك فتردىٰ في النار.

وحقّ بطنك : ان لا تجعله وعاءاً للحرام ولا تزيد علىٰ الشبع.

وحقّ فرجك : ان تحصنه عن الزّنا وتحفظه من ان ينظر إليه.

وحق الصلاة: ان تعلم أنّها وفادة الىٰ الله عزّوجلّ وانك فيها قائم

ص: 32


1- تحف العقول ص 255 ، تأليف ابن شعبة، من علماء القرن الرابع الهجري؛ ومن لا - يحضره الفقيه، ج 2، ص 618 والخصال، ص 564؛ والأمالي، ص221؛ وهذه الكتب الثلاثة من مؤلّفات الشيخ الصدوق المتوفي سنة 381.

بين يدي الله فاذا علمت ذلك قمت مقام العبد الذّليل الحقير الراغب الراهب الراجي الخائف المستكين المتضرّع المعظم لمن كان بين يديه بالسكون والوقار وتقبل عليها بقلبك وتقيمها بحدودها وحقوقها.

وحق الصوم: أن تعلم انه حجاب ضربه الله عزّوّجل علىٰ لسانك وسمعك وبصرك وبطنك وفرجك ليسترك به من النار فإن تركت الصوم خرقت ستر الله عليك.

وحقّ الصدقة : ان تعلم أنّها ذخرك عند ربك ووديعتك التي لا تحتاج الىٰ الاشهاد عليها وكنت بما تستودعه سراً أوثق منك مما تستودعه علانية وتعلم انها تدفع البلايا والأسقام عنك في الدنيا، وتدفع النار في الآخرة.

وحقّ الحجّ: ان تعلم انه وفادة الىٰ ربك وفرار اليه من ذنوبك وفيه قبول توبتك وقضاء الفرض الذي أوجبه الله عليك .

وحقّ الهدي: أن تريد به الله عزّوّجل ولا تريد به خلقه و تريد به الا التعرّض لرحمة الله ونجاة روحك يوم تلقاه .

وحق سائسك بالعلم (المعلم): التعظيم له والتوقير لمجلسه وحسن الإستماع اليه والاقبال عليه وأن لا ترفع عليه صوتك ولا تجيب أحداً يسأله عن شي حتىٰ يكون هو الذي يجيب ولا تحدث في مجلسه أحداً ولا تغتاب عنده أحداً وأن تدفع عنه اذا ذكر عندك بسوء وأن تستر عيوبه وتظهر مناقبه ولا تجالس له عدوّاً ولا تعادي له وليّاً فاذا فعلت ذلك شهدت لك ملائكة الله بأنّك قصدته وتعلمت علمه لله جلّ إسمه لا للنّاس.

وأما حق رعيّتك بالعلم (الطلّاب): فأن تعلم أن الله عزّوّجل انّها

ص: 33

جعلك قيّماً لهم فيما آتاك من العلم وفتح لك من خزائنه الحكمة فان أحسنت في تعليم الناس ولم تخرق بهم ولم تضجر عليهم زادك الله من فضله وإن أنت منعت الناس علمك أو خرقت بهم عند طلبهم العلم منك كان حقاً علىٰ الله عزّوجلّ أن يسلبك العلم وبهاءه ويسقط من القلوب محلّك .

واما حقّ الزّوجة : فان تعلم ان الله عزّوجّل جعلها لك سكناً وانساً فتعلم ان ذلك نعمة من الله عليك فتكرمها وترفق بها وان كان حقك عليها أوجب فانّ لها عليك أن ترحمها لأنها أسيرك وتطعمها وتكسوها واذا جهلت عفوت عنها .

واما حق أمّك : أن تعلم أنّها حملتك حيث لا يحتمل أحد أحداً وأعطتك من ثمرة قلبها مالا يعطي أحد أحداً ، ووقّتك بجميع جوارحها ولم تبال أن تجوع وتطعمك ، وتعطش وتسقيك ، وتعرىٰ وتكسوك ، وتضحي وتظلك ، وتهجر النّوم لأجلك ووقتك الحرَّ والبرد لتكون لها وانّك لا تطيق شكرها الا بعون الله وتوفيقه.

واما حقّ أبيك : فأن تعلم انه أصلك وانك لولاه لم تكن، فهما رأيت في نفسك مما يعجبك فاعلم ان اباك أصل النعمة عليك فيه فاحمد الله واشكره علىٰ قدر ذلك ولا قوة الا بالله.

واما حقّ ولدك : فأن تعلم انه منك ومضاف اليك في عاجل الدنيا بخيره وشره وانّك مسؤول عمّا وليته به من حسن الادب والدلالة علىٰ ربه عزوجل والمعونة له علىٰ طاعته، فاعمل في أمره عمل من يعلم انه مثاب علىٰ الاحسان اليه معاقب علىٰ الإساءة إليه.

واما حق أخيك : فان تعلم انه يدك وعزّك وقوّتك فلا تتخذه

ص: 34

سلاحاً علىٰ معصية الله ولا عدَّة للظلم لخلق الله، ولا تدع نصرته علىٰ عدوّه والنصحية له، فان أطاع الله والّا فليكن الله أكرم عليك منه ولا قوة إلا بالله .

واما حقّ ذي المعروف عليك : فأن تشكره وتذكر معروفه وتكسبه المقالة الحسنة وتخلص له الدعاء فيما بينك وبين الله عزّوجلّ، فاذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سراً وعلانيّة، ثمّ إن قدرت علىٰ مكافأته يوماً كافيته.

وحقّ امامك في صلاتك : فان تعلم أنّه تقلد السفارة فيما بينك وبين ربك عزوجل وتكلّم عنك ولم تتكلم عنه، ودعا لك ولم تدع له، وكفاك هول المقام بين يدي الله عزّوجلّ، فان كان نقص كان به دونك وان كان تماماً كنت شريكه، ولم يكن له عليك فضل فوقىٰ نفسك بنفسه وصلاتك بصلاته فتشكر له علىٰ قدر ذلك .

واما حقّ جليسك : فأن تلين له جانبك وتنصفه في مجاراة اللفظ ولا تقوم من مجلسك الا باذنه، ومن يجلس اليك يجوز له القيام عنك بغير اذنك وتنسىٰ زلاته وتحفظ خيراته ولا تُسمعه الا خيراً .

واما حقّ جارك : فاحفظه غائباً واكرمه شاهداً، ونصرته اذا كان مظلوماً ولا تتبع له عورة فان علمت عليه سوءاً سترته عليه، فان علمت انه يقبل نصيحتك نصحته فيما بينك وبينه ولا تسلّمه عند شديدة و تقبل عثرته وتغفر ذنبه وتعاشره معاشرة كريمة.

واما حق الصاحب (الصديق) :فان تصحبه بالتفضّل والانصاف وتكرمه كما يكرمك ، ولا تدعه يسبق الىٰ مكرمة وان سبق كافيته وتوده كما يودّك وتزجره عمّايهمّ به من معصيته وكن عليه رحمة ولا تكن عليه

ص: 35

عذاباً.

واما حقّ الشريك : فان غاب كفيته ،وان حضر رعيته، ولا تحكم دون حكمه، ولا تعمل برأيك دون مناظرته، تحفظ عليه ماله ، ولا تخونه فيما عزّ اوهان من امره فانّ يد الله عزوجل علىٰ الشريكين مالم يتخاونا.

واما حقّ مالك : فأن لا تأخذه الا من حلّه ولا تنفقه الا في وجهه، ولا تؤثر علىٰ نفسك من لا يحمدك ، فاعمل فيه بطاعة ربّك ، ولا تبخل به فتبؤ بالحسرة والندامة مع السعة.

واما حقّ غريمك الذي يطالبك : فان كنت موسرا أعطيته، وان كنت معسرا أرضيته ،بحسن القول ورددته عن نفسك رداً لطيفاً.

وحقّ الخليط: ان لا تغرّه ولا تغشه ولا تخدعه وتتقي الله في أمره.

وحقّ الخصم ( المدّعي عليك ) : فان كان ما يدعي عليك حقاً كنت شاهده علىٰ نفسك ولم تظلمه وأوفيته حقّه، وان كان ما يدعي باطلاً رفقت به، ولم تأت في أمره غير الرّفق، ولم تسخط ربّك في أمره.

وحقّ خصمك الذي تدّعي عليه : ان كنت محقّاً في دعواك اجملت مقاولته، ولم تجحد حقه وان كنت مبطلاً في دعواك اتقيت الله وتبت اليه وتركت الدّعوىٰ.

وحقّ المستشير : ان علمت له رأياً حسناً أشرت عليه وان لم تعلم أرشدته الىٰ من يعلم .

وحقّ المشير عليك : ان لا تتهمه فيما لا يوافقك من رأيه وان وافقك حمدت الله عزوجل.

وحقّ المستنصح : ان تؤدي اليه النّصحية وليكن مذهبك الرحمة له والرفق به.

ص: 36

وحقّ الناصح : ان تلين له جناحك وتصغي اليه بسمعك فان أتىٰ بالصواب حمدت الله عزّوجلّ وان لم يوفّق رحمته ولم تتّهمه.

وحقّ الكبير: توقيره لسنه واجلاله لتقدّمه في الاسلام قبلك وترك مقابلته عند الخصام ولا تسبقه الى طريق ولا تتقدمه ولا تستجهله، وإن جهل عليك احتملته وأكرمته لحق الاسلام وحرمته.

وحقّ الصغير :رحمته وتعليمه والعفو عنه والستر عليه والرفق به والمعونة له .

وحقّ السائل : اعطاؤه على قدر حاجته .

وحقّ المسؤول : إن اعطىٰ فاقبل منه بالشكر والمعرفة بفضله، وان منع فاقبل عذره.

وحقّ من سرّك الله : ان تحمد الله أولاً ثمّ تشكره.

وحقّ من سائك : أن تعفو عنه وان علمت أنّ العفويضرّه انتصرت قال الله عزّوجل «وَ لَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ مَا عَلَيْهِم مِن سَبيل» (1)

وحقّ أهل ملّتك : اضمار السّلامه لهم والرّحمة بهم والرفق بمسيئهم وتألّفهم واستصلاحهم وشكر محسنهم وكف الأذىٰ عنهم وتحب ما تحب لنفسك وتكره لهم ما تكره لنفسك وان يكون شيوخهم بمنزلة أبيك وشبابهم بمنزلة اخوتك وعجائزهم بمنزلة أمك وصغارهم بمنزلة أولادك .

وحقّ الذمّة : ان تقبل منهم ما قبل الله منهم ولا تظلمهم ما وفوالله عزّوجل بعهده.

ص: 37


1- سورة الشورى، الآية 41 .

قضىٰ الامام العظيم زين العابدين (عليه السلام) في الخامس والعشرين في الشهر محرم سنه خمس وتسعين للهجرة علىٰ المشهور عن عمر يناهز السابعة والخمسين مسموماً بأمر من الظالم الاموي - الوليد بن عبدالملك - علي يد هشام بن عبدالملك بعد عُمرِ ملئ بالعذاب والصراع والتحمل (1)، وقبره اليوم الواقع في مقبرة البقيع الى جوار قبر الامام الثاني الحسن المجتبى مزار للشيعة في العالم.

القصيدة الكاملة للفرزدق

1 - يا سائلى اَيْنَ حَلَّ الْجُودُ وَالْكَرم*** عِندى بيان إذا طُلابُهُ قَدِمُوا

2 - هُذَا الَّذى تَعْرِفُ الْبَطْحاء وطأته*** وَالبَيْتُ بَعْرفُهُ وَالحِلُّ والحَرَمُ

3 - هذَا ابْنُ خَيْرِ عِبادِ اللهِ كُلّهمُ*** هذَا التَّقِيُّ النَّقِيُّ الطاهِرُ العلم

4 - هذَا الَّذى أَحْمَدُ الْمُخْتارُ والده*** صَلَّى عَلَيْهِ الهى ما جَرَى الْقَلَمُ

5 - لَوْيَعْلَمُ الرُّكْنُ مَنْ دَاجَاءَ يَلْثمهِ*** لَخَرَّيَلْيمُ مِنْهُ ما وَطَى الْقَدَمُ

6 - هذَا عَلِيٌّ رَسُولُ اللَّهِ والده*** أمْسَتْ بنُور هداه تهتَدى الأُمَمُ

7 - هذَا أَذى عَمُّهُ الطَّيارُ وَالْمَقْتُول*** حَمْزَةُ لَيْتٌ حُبُّهُ قَسَمٌ

8 - هذَا ابْنُ سَيّدَةِ النِّسْوانِ فاطِمَةَ*** وَابْنُ الْوَصِيّ الَّذِي فِي سَيفه سَقَمٌ

9 - إِذا رَأَتْهُ فَرَيْش قال قائلها *** إلى مكارم هذا بنتَهى الكَرَمُ

10 - يُنمى إلى ذَرْوَةِ العِرَ الَّتى قَصُرت*** عَنْ نَبْلِها عَرَبُ الإِسْلامِ وَالعَجَمُ

12 - يُغضى حياءً ويُعْصَى مِنْ مَهابَته*** فَما يُكَلَّمُ إِلا حينَ يَبْتَسِمُ

ص: 38


1- مناقب شهر أشوب ج 3 ص 311.

13 - يَنْشَقَ ثَوْبُ الدُّجى عَنْ نُورِغرَته*** كَالشَّمْس تَنْجَابُ عَنْ إِشْرافِهَا الظلم

14 - ما قال لا فظ إلا في تشهده*** لوْلاَ النَّشَهدُ كانَتْ لاوهُ نِعَم

15 - مُشْتَقَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ نَبْعَتُهُ*** طابَتْ مَغارِسُه وَالخِيْمُ والشَّيَمُ

16 - حَمَالُ أَثْقَالِ أَقْوامِ إِذا فَدَحُوا*** حُلو الشَّمائِل تخلُو عِندَهُ نِعَمُ

17 - إِنْ قالَ قَالَ بِمَا تَهْوى جَميعُهُمُ *** وَإِنْ تَكَلَّمَ يَوْماً زانَهُ الْكَلِمُ

18 - هذَا ابْنُ فَاطِمَةَ إِنْ كُنْتَ جَاهِله*** بِجَدِه اَنْبِياءُ اللهِ قَدْ خُتِمُوا

19 - اَللَّهُ شَرَّفَهُ قِدْماً وَعَظَمَهُ *** جَرى بذاكَ لَهُ فى لَوْحِهِ الْقَلَمُ

20 - مَنْ جَدُّه دانَ فَضْلُ الأَنْبِياءِ لَه *** وَفَضْلُ أميه دانَتْ لَهُ الأممُ

21 - عم البَرِيَّةَ بِالإحْسانِ وَانْفَشَعَت *** عَنْهَا العماية والإقلاق والظلم

22 - كِلْتَا يَدَيْهِ غِياتٌ عَمَّ نَفْعُهُما *** تَسْتَوْكِفانِ وَلا يَعْرُوهُما عَدَمٌ

23 - سَهْلُ الْخَليفَةِ لا تُخْشى بوادره*** يَزينُهُ خَصْلَتَانِ الْحِلْمُ وَالكَرَمُ

24 - لا يُخْلِفُ الْوَعْدَ مَيْمُونٌ نَقِيبَتُهُ*** رَحْبُ الْفِناءِ آريبٌ حينَ يَعْتَرِمُ

25 - مِنْ مَعْشَرٍ حَبُّهُمْ دين وبُعْضُهُم *** كُفْرٌ، وقربهم منجى ومُعْتَصَمُ وَقَرْبُهُمُ

26 - يُسْتَدْفَعُ السُّوء والبلوى بحبهم*** وَيُسْتَزادُ به الإحسان والتعمُ وَالنِّعَمُ

27 - مُقَدَّمُ بَعْدَ ذِكْرِ اللهِ ذِكْرُهُمُ *** ف كل بدْءٍ وَمَحْتُومٌ بِهِ الكَلِمُ

28 - اِنْ عُدَّ أَهْلُ التَّقى كانُوا المتهم*** أو قيلَ مَنْ خَيْرُ أَهْل الأَرضِ ؟ قبلَ هُمُ

29 - لا يَسْتَطيعُ جَوادٌ بَعْدَ جُودِهِمُ *** ولا يدانيهمُ قَوْمٌ وَإِنْ كَرُمُوا

30 - هُمُ الْغُيُوتُ إِذا ما أَزْمَةٌ آزمت *** اَزِمَت والأشد أشد الشرى والبَاسُ مُخدَم

31 - يَأبى لَهُمْ أَنْ يَحِلَّ الدَّمُ سَاحَتهم *** خِيمٌ كَريمٌ وَأَيْد بالنَّدى دِيَمٌ

32 - لا يقبضُ العُسْرتسْطاً من أكفهم *** سيّانَ ذلِكَ إِنْ الرُوا وَإِنْ عَدِمُوا

32 - أيُّ الْقَبَائِلِ لَيْسَتْ في رِقَابِهِمُ *** لاَ وَّلِيَّةِ هذا اولَهُ نِعَمٌ

34 - مَنْ يَعْرِفُ اللَّهَ يَعْرِفُ أَوَّلِيَّتَهُ*** فَالدِّينُ مِنْ بَيْتِ هذا ناله الأمم

ص: 39

35 - بُيُوتُهُمْ فى فَرَيْشِ يُسْتَضاءُ بِها *** في التائباتِ وَعِنْدَ الْحُكْمِ إِنْ حَكَموا

36 - فَجَدُهُ مِنْ قُرَيْشِ في أرُومَتِها*** مُحَمَّدٌ وَعَلِيٌّ بَعْدَهُ عَلَمٌ

37 - بَدْرُلَهُ شَاهِدٌ وَالشِعْبُ مِنْ أَحَدٍ *** وَالْخَنْدَقَانِ وَيَوْمُ الْفَتْحِ قَدْ عَلِمُوا

38 - وَخَيْبَرٌ وَحُنَيْنٌ يَشْهَدانِ لَهُ *** وفى قريْظَةِ يَوْمٌ صِبْلَمٌ قَتِمٌ

ص: 40

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.