عنوان قراردادی:پیشوای هفتم: حضرت امام موسی بن جعفر (عليه السلام). تامیل.
عنوان و نام پديدآور:Imam Musa bin Ja'far al Kazim-peace be upon him\author Dar Rahe Haq Institutetranslated by Madani.
مشخصات نشر:تهران: الهدی، 1386= 2007 م.
مشخصات ظاهری:41 ص.
شابک:9789644392245
وضعیت فهرست نویسی:فیپا
يادداشت:تامیل.
یادداشت:کتابنامه به صورت زیرنویس.
موضوع:موسی بن جعفر (عليه السلام)، امام هفتم، 128-183ق.- سرگذشتنامه.
شناسه افزوده:مدنی، لافر، 1961- م. Madani ،مترجم
شناسه افزوده:موسسه در راه حق
شناسه افزوده:Dar Rahe Haq Institute.
رده بندی کنگره:BP46/پ9049523 1386
رده بندی دیویی:297/956
شماره کتابشناسی ملی:1 0 4 1 9 3 9
اسم الكتاب... الامام الشابع مُوسى بن جعفر الكاظم (علیه السلام )
المؤلف ... لجنة التحرير في طريق الحق
المترجم ... محمد عبدالمنعم الخاقاني
الناشر ... مؤسسة في طريق الحق
عدد النسخ ... 3000
المطبعة... سلمان الفارسي
الطبعة ... الثانية
تاريخ النشر ... 1425 ه- ق - 004 2004م
ISBN: 964 - 6425 - 85 - 2
السعر 500 تومان
محرر الرقمي: سيد أسد الله حسيني
ص: 1
الامام السابع موسى بن جعفر (علیه السلام )
بقلم : لجنة التأليف لمؤسسة في طريق الحق
ترجمه الى اللغة العربية : محمد عبدالمنعم الخاقاني
ص: 2
بسم الله الرحمن الرحيم
في ذلك الوقت... عند غروب الشمس يهب النسيم العليل فيبدأ سعف النخيل يهمس في اذن بعضه البعض ویتناجی بنشيد ملحمة حياتك ايها الامام الفذ، ويرسل مع ذلك النسيم المهاجر رسالة تتضمن كل الوان الظلم التي جرت عليك ..
وفي الربيع عندما ينشق ويتفجّر حزن السماء الكئيبة فتتساقط دموع السحاب، تمثل هذه الدموع هم وحزن اتباعك الذين يتجرعون الوان الظلم على طول التاريخ فيبكون عليك ايها الامام العظيم !
لكن الستائر الغليظة لهذه الدموع لا يمكن ان تحول دون رؤية ملحمتك وصمودك وصبرك وبالتالي شهادتك في سبيل الحق واذا كنا نبكيك فنحن نبكيك واقفين حتى نجل فيك الصمود والوقوف وحتى ينهض التاريخ اجلالاً لبطولتك.
فسلام لك من اروع واسجع نقطة في اعماق قلوبنا دائم-اً ومن غير
انتهاء ...
لقد عاشت قرية أبواء(1) في ذلك اليوم صبحاً (2)يختلف عن بقية
ص: 3
الأیّام، وقد ذهبت الشمس النخيل الشاهقة العملاقة الى الحزام، وألقت النخيل ظلالها الطويلة على الجدران والسطوح الطينية في تلك القرية...
وارتفعت اصوات الجمال والأغنام يتخلّلها احياناً أصوات الرعاة وهي تستعد للذهاب الى الصحراء، فيبعث كلُّ ذلك النشاط الصباحي في القلب ويعزف في الأذن أغنية الحياة...
والى جانب القرية يوجد غدير وبركة ماء قد تجمعت بعض النسوة ليأخذن من مائه الزلال ويمر النسيم الحلو على الماء فيثير فيه امواجاً خفيفة، وتحلّق بعض الطيور الأبابيل النشطة وتتقافزهنا وهناك وتحط على الماء وكأنها تحاول ان تبرد صدرها الذي تخلفت فيه الى الآن حرارة سجيل عام الفيل ... (1)
وعلى بعد قليل منها انعزلت نخلة شاهقة وألقت بظلها على قبر انحنت عليه امرأة في ذلك الصباح تقبله باحترام وتقدير وتبكي بهدوء وتتمتم بكلمات تتحرّك بها شفاهها، وتمرّ النسمات فتحمل كلامها وكأنّها تهمس:
السلام عليك يا آمنة ! يا ام النبي الاكرم (صلی الله علیه وآله وسلم)... اغدق الله عليك رحمته الواسعة كما أماتك بعيداً عن مسقط رأسك ...
انا حميدة زوجة أحد اولادك أحمل في بطني طفلاً من سلالة ابنك العظيم، واعالج الآن آلاماً بدأت معي منذ ليلة امس، واحسب اني اليوم
ص: 4
سوف اضع هذا الطفل المبارك في هذه القرية والى جانب قبرك الطاهر...
آه ايتها المرأة الجليلة الهادئة وسط التراب لقد اخبرني زوجي ان هذا الوليد سوف يكون الخليفة السابع لابنك النبي الكريم... (صلى الله عليه واله وسلم)
سيدتي توسلي الى الله ان اضع ولدي سالماً... وامتدت شمس الصباح من فوق سعف النخلة الفريدة النامية على ذلك القبر الطاهر وسقطت اشعتها على التراب، فنهضت حميدة ثقيلة محتشمة ونفضت ثوبها مما علق به من تراب القبر، واضعة يدها على بطنها وسارت سيراً وئيداً كما تفعل النساء الحوامل - نحو القرية...
وبعد ساعة عندما ارتفعت الشمس في السماء وراحت طيور القرية تغتسل بنورها في سماء «ابواء» شقت الزغاريد هدوء سماء القرية، ويصوّر لي الخيال من جانب البركة ان بعض نساء القرية يسرعن في ازقتها
فرحات مستبشرات ويزور بعضهن البعض مهنئات...
وهناك امرأتان تسرعان نحو البركة وهما تحملان اكوازهن الفخارية لملئها بالماء...
ويتوقف خيالي لينصت الى الخبر الجديد:
.. يقولون ايتها الاخت العزيزة ان الامام الصادق (علیه السلام) عندما سمع بولادة ابنه قال :
«انّه الامام ،بعدي، وقد ولد الآن افضل خلق الله... (1)
ص: 5
- الم تعرفي الاسم الذي وضعوه له؟
- اظن انهم سموه حتى قبل الولادة باسم «موسى».
وتعلّق خيالي براع وراء البركة في الصحراء وهو يهش اغنامه بعصاه دون ان يعلم بشي مما يجري في القرية...
وتخيّلت ان هذا الراعي هو موسى وهذه هي صحراء سيناء، ثم تساءلت عن موسى هذا الوليد الجديد لأي فرعون من فراعنة الزمان قد بعث ؟ !...
ص: 6
كان الامام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام في الرابعة من عمره عندما تهاوت اركان السلطة الأموية المتعسفة الظالمة.
ان السياسة العنصرية التي كان يتبعها الأمويون والظلم والسلب والنهب والأساليب القاسية لحكومتهم مع الايرانيين قد أثارت الناس ولاسيما الايرانيين فاخذوا يطالبون بايجاد الحكومة الاسلامية العادلة التي تتمثل بخلافة امير المؤمنين عليه السلام فثار الناس ضد الامويين، واستغل بعض السياسيين هذه العواطف الجماهيرية وحبّ الناس لآل علي (علیه السلام) فاسقطوا الحكم الأموي بمساعدة ابي مسلم الخراساني بهدف ايصال الحق الى صاحبه، ولكنهم بدل ان يسندوا الخلافة الى الامام السادس جعفر بن محمد الصادق (علیه السلام) اعطوها لابي العباس السفّاح العباسي، وهم في الواقع قد اجلسوه على عرش السلطنة والملكية(1)
ص: 7
وبهذه الصورة بدأت سلسلة من الملكيّة الجديدة ولكن في لباس الخلافة للنبي (صلی الله علیه و آله وسلم)، وذلك عام (132) ه. ق. ولم ينقصها شي من الظلم والنفاق واللادينية التي كان يتميّز بها الأمويون، بل ان الخلفا الجدد قد تقدموا في بعض الجهات على اسلافهم الأمويين. والفرق الوحيد بينهما ان الأمويين لم يستمر واطويلاً بينما العباسيون تسلطوا على الناس وحكموهم بنفس طريقة اسلافهم فترة امتدت (524) عاماً ، فلم يسقط حكمهم الاعام (656) ه . ق .
اجل ان الامام السابع عاصر خلال عمره الشريف خلافة كل من ابي العباس السفاح والمنصور الدوانيقي والهادي والمهدي وهارون الرشيد وتحمّل خلالها الوان الظلم والضغط والارهاب.
وغبار الأنفس الشيطانية لهؤلاء الطغاة كان كافياً لالحاق الكدر والحزن بمرآة روح الامام، فكيف اذا عرفنا ان هؤلاء --- من المنصور والى هارون - قد صبّوا أنواع الظلم على جسمه الطاهر وروحه الكبير، وكلّ ما لم يفعلوه فقد كانوا عاجزين عنه لا أنّهم لم يريدوه .
ومات ابوالعباس السفاح في عام 136 فجلس مكانه اخوه المنصور الدوانيقي، وبنى مدينة بغداد وقتل ابا مسلم الخراساني، ولما استحكمت
ص: 8
خلافته لم يتورع عن قتل وسجن وتعذيب أبناء علي ومصادرة اموالهم، ولم يتوقف عن ذلك لحظة واحدة، وعلى يد هذا الظالم تمت تصفية كبار رجال هذا البيت الكريم، وعلى رأسهم الامام الصادق (علیه السلام)...
ان رجلاً سفاكاً للدماء وغداراً وحسوداً وبخيلاً وغير وفي -- ويظهر عدم وفائه بجلاء في قضيّة ابي مسلم الذي بذل كل جهده طيلة عمره ليوصله الى الخلافة - مثل المنصور يعتبر مضرباً للمثل في التاريخ. وعندما استشهد والد الامام الكاظم عليه السلام كان الامام الكاظم (علیه السلام) في العشرين من عمره، واستمر الامام الى سن الثلاثين يعاني الارهاب والرعب والخوف الذي تصبّه حكومة المنصور وكان يقاومها بصلابة ويدير شؤون شيعته ويواصلهم بخفاء.
ثمّ هلك المنصور عام (158) فانتهت السلطة الى ولده المهدي فاتخذ المهدي العباسي سياسة الخداع للناس واطلق سراح السجناء السياسين، وكان اكثرهم من شيعة الامام الكاظم، إلا قليلاً منهم واعاد الى المطلق سراحهم ما صودر منهم من اموال. لكنه بقي يراقب سلوكهم ويحمل لهم اشدّ العداء في قلبه.
وكان يجزل العطاء للشعراء الذي ينالون آل علي بالهجاء، ومن جملتهم «بشار بن برد حيث اعطاه في احدى المرات سبعين الف درهم و مروان بن ابي حفص»، حيث وصله مرة بمائة الف درهم.
ومما يجدر ذكره في هذا المضمار ان يده كانت مبسوطة جداً في الانفاق من بيت مال المسلمين على مجالس اللهو والطرب وشرب الخمور والزنا. ويذكر انه انفق (50) مليوناً من الدراهم على زواج ابنه
ص: 9
هارون(1)
وخلال خلافة المهدي طارصيت الامام (علیه السلام) ولمع نجمه في سماء الفضيلة والتقوى والعلم والقيادة، فأخذ الناس يتجهون اليه زرافات ووحدانا بصورة خفيّة ويروون عطشهم المعنوي من ذلك المنبع الفياض.
وبدأ جواسيس المهدي ينشطون فكتبوا اليه تقريرين عن هذه النشاطات السرية، فخاف على سلطته وأمر بنقل الامام من المدينة الى بغداد والقائه في السجن.
روي عن ابي خالد الزبالي انه قال :
قدم ابوالحسن موسى (علیه السلام) زبالة ومعه جماعة من اصحاب المهدي بعثهم في اشخاصه اليه قال وامرني بشراء حوائج ونظر الي وانا مغموم فقال: یا ابا خالد مالي اراك مغموماً ؟ قلت: هوذا تصير الى هذا الطاغية ولا آمنك منه قال : ليس علي منه بأس اذا كان يوم كذا فانتظرني في اول الميل . قال : فما كانت لي همّة إلا احصاء الايام حتى اذا كان ذلك اليوم وافيت اول الميل فلم ار أحداً حتى كادت الشمس تجب (أي تغيب فشككت ونظرت بعد الى شخص قد أقبل فانتظرته فاذا هو أبو الحسن موسى (علیه السلام) على بغلة قد تقدم فنظر الي فقال : لا تشكّن، فقلت: قد كان ذلك ، ثم قال: ان لي عودة ولا أتخلّص منهم، فكان كما قال» (2)
ص: 10
اجل وفي هذه السفرة عندما جاء المهدي بالامام الى بغداد وأودعه السجن، فقد رأى في المنام الامام علي بن ابي طالب (علیه السلام) وهو يخاطبه بهذه الآية الكريمة:
«فهل عسيتم ان توليتم ان تفسدوا في الارض وتقطعوا أرحامكم»(1).
يقول الربيع :
ارسل المهدي خلفي في منتصف الليل واحضرني، فأسرعت اليه مستولياً علي الخوف فوجدته يردد هذه الآية: «فهل عسيتم...».
ثمّ قال لي: جئني بموسى بن جعفر من السجن. فذهبت وجئت به فنهض المهدي من مكانه وقبله واجلسه الى جانبه وحكى له منامه .
وبعد ذلك اصدر امره باعادة الامام الى المدينة. يقول الربيع كنت اخشى ان تحدث بعض الموانع فأسرعت في نفس تلك الليله لتوفير مستلزمات سفر الامام، فلم يصبح الصباح حتى كان الامام في طريقه الى المدينة...» (2).
و واصل الامام في المدينة نشاطه في ارشاد الناس وتعليمهم وتهيئة الشيعة على الرغم من وجود الضغوط الشديدة من البلاط العباسي، واستمر هذا الوضع حتى هلك المهدي عام (169)، فأجلس مكانه ابنه الهادي على عرش الملك والسلطنة.
وقد سار الهادي - على العكس من ابيه --- بس-يرة لا تعير للديمقراطية اية اهمية، فشدّد الأمر على ابناء علي بصورة علنية، وحتى
ص: 11
انه قطع تلك الصلات التي عينها لهم ابوه .
وأشنع ما قام به من اعمال هو تنفيذ فاجعة الفخ المؤلمة.
ص: 12
ان الحسين بن علي - وهو احد العلويين في المدينة --- قد انتهى به الغضب الى غاية من سلطة العباسيين وظلمهم الشديد، فاستأذن (1) الامام الكاظم عليه السلام في الثورة ضدّ الهادي، واتجه مع مجموعة يقدر عددها بحوالي ثلاثمائة رجل من المدينة الى مكة.
فتصدى لهم جنود الهادي، وحاصروهم في مكان يسمى ب- «الفخ» وها جموهم فاستشهد الحسين مع رفقائه، وهكذا تكررت فاجعة تشبه فاجعة كربلاء، فقطعت رؤوس جميع الشهداء وجي بها الى المدينة، وراحوا يعرضونها في مجلس يضم ابناء الامام علي عليه السلام ومن جملتهم الامام الكاظم عليه السلام فخيم الصمت على الجميع ولم ينطق احد بكلمة سولى الامام الكاظم عليه السلام فانه لما شاهد رأس الحسين بن علي قائد نهضة الفخ قال :
«انا لله وانا اليه راجعون مضى والله مسلما صالحاً صواماً قواماً آمراً بالمعروف وناهيا عن المنكر ما كان في اهل بيته مثله » (2) .
ص: 13
وبغضّ النظر عن اخلاق الهادي السياسية فقد كان من ناحية الخصال الفردية رجلاً منحطاً شارباً للخمر حاضراً في مجالس اللهو والطرب أيضاً .
ففي احدى المرات منح يوسف الصيقل ما يعادل حمل بعير من الدراهم والدنانير لانه غنّى بعض ابيات من الشعر بصوت جميل عذب (1)
يقول ابن داب النامي : ذهبت الى الهادي يوماً فوجدت عينيه قد احمرتا نتيجةً لشرب الخمر وطول السهر، فطلب مني ان أحكي له قصة في مجال شرب الخمر ، فذكرتها له ضمن ابيات من الشعر، فسجّل الشعر عنده وأعطاني اربعين الف درهم(2).
يقول اسحاق الموصلي الموسيقي العربي الشهير : لو أنّ الهادي قد بقي حيّاً لبنينا جدران بيوتنا بالذهب(3)
اجل لقدمات الهادي في عام (170)، واصبح هارون ملك المسلمين بعده(4).
وفي هذا الزمان كان عمر الامام موسى الكاظم عليه السلام (42) عاماً.
وتعد مرحلة هارون ذروة الاقتدار والتعسّف والسلب والنهب العباسي.
ص: 14
وفي خاتمة الاحتفال بالبيعة اختار هارون يحيى البرمكي -- وهو من الايرانيين الذي صعدوا الى مستوى الوزارة للملك - ليغدو وزيره، وم-ن-ح-ه الصلاحيات المطلقة التامة في ادارة جميع شؤون نصب الأشخاص وعزلهم ، واعطاه خاتمه الخاص حيث كان هذا الأمر في ذلك الزمان يمثل الخلفية لهذه الصلاحيات الواسعة.(1)
وتفرّغ هو للظلم والتبذير من بيت المال على شرب الخمور وملاعبة النساء وشراء الجواهر الثمينة والوان اللهو واللعب.
وقد كان بيت المال يضم مبلغاً ضخماً يناهز خمسمائة مليون ومئتين درهم ، ونستطيع واربعين الف درهم (2)، ونستطيع ان ندرك ضخامة هذا المبلغ اذا اخذنا بعين الاعتبار ان سعر الشاة التي عمرها اربع سنوات هو درهم واحد. وقد اطلق يديه في هذا الدخل العظيم، فأعطى في احدى المرات شاعراً يسمى الاشجع مليون درهم جزاء له على قصيدة مدحه بها (3).
واعطى ابا العتاهية لشاعر وابراهيم الموصلي الموسيقي مائة الف درهم ومائة طقم من الثياب لكل واحد منهما جزاء على عدة ابيات من الشعر وشئ من الأصوات والألحان(4)
واستخدمت في قصر هارون مجموعة كبيرة من النساء الجميلات الصوت والصورة، والعازفات لألوان الالحان، فكانت تتوفّر فيه انواع
ص: 15
الموسيقى المنتشرة في ذلك العصر.(1)
ومن المعروف ان هارون كان يحبّ الجواهر الثمينة حبّاً خارقاً للعادة، فاشترى مرّةً خاتماً ودفع ثمنه الذي يُقدر بمائة الف دينار(2).
وهو ينفق عشرة آلاف درهم يوميّاً على مطبخه، وفي بعض الأحيان يصل عدد انواع الطعام الذي يطبخ له الى ثلاثين لوناً من الطعام(3).
وفي احدى المرات امر هارون ان يطبخوا له طعاماً من لحم الابل، ولما احضروه بين يديه قال جعفر البرمكي :
- أيعلم الخليفة كم انفق على هذا الطعام الذي قدم امامه ؟
- نعم ثلاثة دراهم...
- لا والله لقد أنفق عليه لحد الآن اربعة آلاف درهم لانّهم منذفترة من الزمن يذبحون كل يوم بعيراً حتّى اذا تفجرت في وقتِ رغبةً الخليفة وطلب لحم الأبل كان ذلك حاضراً معداً ! (4)
ولم يمتنع هارون عن لعب القمار وكان يكثر من شرب الخمور، وهو يعاقرها أحياناً مع وجود جميع حضار مجلسه (5)
ومع هذا كله فانّه لا يتورع عن خداع العوام، ولهذا كان يتظاهر ببعض المظاهر الاسلامية، فيحج الى بيت الله مثلاً، ويوصي بعض الوعاظ ان يقدموا له الموعظة وعندئذ يجهش بالبكاء...!
ص: 16
كان هارون يعاني بشدّة من صلابة ومقاومة آل علي في مقابل سلطة العباسيين، ولهذا كان يحاول قمعهم بأية صورة ممكنة، أو يحاول اسقاط هيبتهم في المجتمع، فهو يدفع الأموال الطائلة للشعراء المرتزقين المداحين كي ينظموا الشعر في هجاء آل علي ومن جملة اولئك منصور النمري فقد أنشد مرة قصيدة في النيل من آل علي فأمر هارون جلاوزته ان يأخذوه الى بيت المال وان يفسحوا له المجال ليصيب منه ما شاء (1).
وقد نفى جميع العلويين الذين يسكنون بغداد الى المدينة، وقتل
عدداً كبيراً منهم أو دس له السم (2).
وحتى انه كان يُغاظ بشدّة من اقبال الناس على زيارة قبر الامام الحسين عليه السلام، ومن هنا فقد أصدر أوامره في تهديم القبر الشريف وما يحيط من بيوت مجاورة، وحتى شجرة السدر التي كانت نامية الى
ص: 17
جانب المزار الطاهر أمرها فقطعت(1)
والجدير بالذكر ان الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم قال : لعن الله من قطع شجرة السدر وكررها ثلاث مرات(2).
لاشك ان الامام موسى الكاظم - سلام الله وصلواته عليه دائماً-- لا يمكنه ان يتفق مع سلطة مثل هذا الشخص اللامسلم الظالم وآبائه، ومن هنا كان يبارك نهضة الفخ ، وذلك أيضاً هو السبب في انه كان يتصل بشيعته بصورة خفيّة ويعين لكلّ فرد منهم ما يجب عليه القيام به ضد السلطة الجائرة في ذلك العصر.
وقد أثر عنه عليه السلام قوله لصفوان بن مهران وهو من أصحابه والمقربين اليه:
انك جيد من جميع الجهات، سوى انك تؤجر جمالك لهارون.
فقال صفوان انتي أؤجرها له للسفر الى الحج، وأنا ايضاً لا أرافق تلك الجمال.
فقال الامام : ألا تحبّ -- لهذا السبب - ان يبقى هارون على قيد الحياة حتى العودة من مكة على أقل تقدير، لكيلا تخسر الجمال؟
ولكي يعطيك الأجرة؟
أجاب: نعم.
قال الامام كلّ من يحبّ بقاء الظالمين فهو يعدّ منهم (3).
ص: 18
واذا لاحظنا الامام يجيز للبعض ان يتولى بعض المهام في جهاز سلطة هارون، فقد كان يرى في ذلك مصلحة من الناحية السياسية، فينتدب اشخاصاً ليحتلوا بعض المناصب في حكومة الارهاب والرعب والقتل والظلم لينفعوا الشيعة من ناحية، وليتعرّف عن طريقهم على بعض المكائد التي تحوكها الحكومة الجائرة ضدّ العلويين. ومثال ذلك قصة علي بن يقطين فعندما أراد الاستقالة من منصبه في بلاط هارون فانّ الامام الكاظم (علیه السلام) لم يسمح له بذلك .
اجل انّ الامام لم يتعاون مع الظالمين لحظة واحدة، وحتى عند ما كان واقعاً في قبضتهم:
ففي يوم من ايام سجن الامام ارسل هارون يحيى بن خالد الى السجن ليقول للامام موسى بن جعفر انه اذا طلب منه العفو فسوف يطلق سراحه، لكن الامام (علیه السلام) رفض ذلك(1) .
ولم يتخلّ الامام (علیه السلام) عن كرامته وسلوكه الرفيع وطبعه الرافض للظلم والمساومة حتى في أحلك الظروف وأصعب اللحظات.
لا حظوا هذه الرسالة التي كتبها (علیه السلام) يوماً الى هارون من السجن فسوف تشمون منها رائحة العظمة والصمود والايمان بالعقيدة والهدف .
«...لا يمر عليّ يوم بالصعوبة والعسر الا ويمر عليك بالسهولة والرفاه، فانتظر حتى ننتقل نحن الاثنين الى يوم لا نهاية له، وفي ذلك (2)
ص: 19
اليوم يخسر المجرمون...) (1)
نعم، ان هارون لا يستطيع ان يتحمّل وجود الامام، ومن السذاجة ان نعتقد ان هارون كان يشعر بالحسد للامام من ناحية منزلته المعنوية في قلوب الناس ولهذا أودعه السجن من هذه الجهة فحسب.
بل كان هارون مطلعاً عن طريق جواسيسه على الاتصال المستمر الخفي بين الامام وشيعته وكان على علم ايضا بان الامام اذا سنحت له الفرصة فسوف يثور ضده أو يأمر اتباعه بالثورة عليه ليقوض سلطته، وهو يلاحظ ان تلك الروح الرفيعة ليس فيها اي اثر للرضوخ والمساومة واذا كان الامام واضعاً يداً على يدفي الظاهر لفترة معينة فانّ ذلك لا يعني السكوت وانّما يعني توقفاً تكتيكياً بانتظار الضربة المناسبة، ولهذا فهارون يستبق الاحداث ويستخدم خداع العامة ويقف بوق-اح-ة امام قبر النبي (ص) ويخاطبه دون ان يستحي من غصب الخلافة واستعمال الظلم وأكل اموال الناس وتحويل الخلافة الى الملكية قائلا :
«اعتذر اليك يا رسول الله من القرار الذي اتخذته فيما يتعلق بابنك موسى بن جعفر، فأنا لا أود في اعماقي ان اسجنه، لكني افعل ذلك خوفاً من وقوع الحرب بين امتك فتراق دماء بريئة!!».
وعندئذ يأمر بالقاء القبض على الامام وهو مشغول بالصلاة الى جانب قبر النبي الاكرم (صلی الله علیه وآله وسلم)، فينقل الى البصرة ليسجن فيها .
وقضى الامام (علیه السلام) سنة كاملة في سجن والي البصرة عيسى بن جعفر، وقد أثرت خصال الامام الكريمة في عيسى بن جعفر تأثيراً
ص: 20
عميقا بحيث دفعته لان يكتب كتاباً الى هارون يقول فيه:
ارجو ان تنقله مني الى مكان آخر والا فانني سوف اطلق سراحه.
فأمر هارون بنقل الامام (علیه السلام) الى بغداد وسجن عند الفضل بن الربيع، ثمّ نقل بعد فترة الى سجن الفضل بن يحيى وفي النهاية اودع في سجن السندي بن شاهك.
والسبب في هذه التنقلات المتعاقبة هوان هارون كلّما طلب من المشرفين على سجن الامام ان يقضوا عليه فانّهم كانوا يمتنعون عن هذه الجريمة الشنيعة، حتى انتهى الدور الى هذا السجان الاخير الساقط وهو السندي بن شاهك فدس السم للامام (علیه السلام) بايعاز من هارون، وبعد ان قضى الامام مسموماً احضر مجموعة من الشخصيات المعروفة حتى يشهدوا ان الامام موسى الكاظم مات في السجن بصورة طبيعية وما اغتاله احد وحاول بهذه الحيلة ان يبرء ساحة السلطة العباسية من قتل ذلك الامام الجليل وفي نفس الوقت ليحول دون الثورة المتوقعة من قبل المحبين للامام (علیه السلام)(1).
إلا ان حنكة الامام وعظمته قد فضحت هؤلاء وأخزتهم، لانه بمجرد ان حضر الشهود ونظروا اليه فان الامام بادرهم بالقول وهو على تلك الحال السيئة من الضعف لشدّة التسمم :
لقد سمنّي هؤلاء بتسع تمرات ولهذا فسوف يخضر بدني غداً وسوف افارق الدنيا بعد غداً وسوف افارق الدنیا بعد غد(2)
ص: 21
وقد تحقّق بعد ذلك نفس ما تنبأ به الامام (علیه السلام).
و بعد يومين - اي في الخامس والعشرين من شهر رجب 183 ه . ق (1) - حزنت السماء والارض ونكب اهل الايمان ولا سيّما الشيعة بفقدان قائدهم الحقيقي وامامهم الحبيب.
وبهذه العبارات المتواضعة نخاطب ذلك الامام العظيم:
في ذلك الوقت... عند غروب الشمس يهب النسيم العليل فيبدأ سعف النخيل يهمس في اذن بعضه البعض ويتناجي بنشيد ملحمة حياتك ايها الامام الفذ، ويرسل مع ذلك النسيم المهاجر رسالة تتضمن كل الوان الظلم التي جرت عليك ...
وفي الربيع عندما ينشق ويتفجّر حزن السماء الكئيبة فتتساقط دموع السحاب، تمثل هذه الدموع هم وحزن اتباعك الذين يتجرعون الوان الظلم على طول التاريخ فيبكون عليك ايها الامام العظيم ! لكنّ الستائر الغليظة لهذه الدموع لا يمكن ان تحول دون رؤية ملحمتك وصمودك وصبرك وبالتالي شهادتك في سبيل الحق واذا كنا نبكيك فنحن نبكيك واقفين حتى نجل فيك الصمود والوقوف وحتّى ينهض التاريخ اجلالاً لبطولتك .
فسلام لك من اروع واشجع نقطة في اعماق قلوبنا دائماً ومن غير انتهاء...
ص: 22
ان ائمتنا الكرام عليهم السلام كانوا يتمتعون بعلم الهي ، ولهذا كانوا يجيبون على كل سؤال يقدّم اليهم بجواب صحيح وكامل بحيث يتناسب مع فهم واستيعاب السائل. وكلّ من كان يدخل معهم في نقاش وبحث علمی - وحتى الاعداء - فانه يخرج منهم معترفاً بعجزه وقوة افكارهم وسعة احاطتهم.
فقد استقدم هارون الرشيد الامام الكاظم عليه السلام من المدينة الى بغداد واجتمع به ليحاوره ويناقشه.
هارون: اريد ان اسألك عن امور تختلج في ذهني منذمدة من الزمن ولم اسأل عنها احداً لحد الآن وقد قيل لي انك لا تكذب ابداً، فأحب ان تجيبني بصورة صحيحة وصادقة !
الامام اذا كنت حراً في اظهار عقيدتي فسوف اجيبك على اسئلتك بما اعلم .
هارون: انك حر في اظهار ما شئت فتحدّث كما تحب...
اما سؤالي الاول فهو: لماذا تعتقد ويعتقد الناس معك انكم - انتم ابناء ابي طالب - افضل منا نحن ابناء العباس، مع اننا واياكم نعود
ص: 23
الى شجرة واحدة؟ فأبوطالب والعباس كلاهما عم للنبي الاكرم (صلی الله علیه وآله وسلم)،
فلا فرق بينهما من ناحية القرابة للنبي.
الامام نحن اقرب الى النبي منكم .
هارون: لماذا ؟
الامام لان ابانا ابا طالب شقيق والدرسول الله (صلی الله علیه آله وسلم) (اي انها من اب واجد وام (واحدة بينما العباس ليس شقيقا له (بمعنى انه اخوه من أبيه فحسب).
هارون: هناك سؤال آخر وهو أنكم تدعون كونكم ترثون النبي ايضاً، بينما الكل يعلم انه عندما رحل النبي الى الرفيق الاعلى كان عمه العباس (وهو جدنا) حيّاً، بينما عمه الآخر ابوطالب (وهو جدكم ) كان ميتا، ومن المعروف انه مادام العمّ حيّاً فهو الذي يرث ولا يصل الدور الى ابن العم .
الامام : هل اتمتع بحرية الكلام؟
هارون : لقد قلت لك منذ البدء: لك ذلك
الامام يقول الامام علي بن ابي طالب (علیه السلام): مع وجود الاولاد لا يرث احد سوى الاب والام والزوج والزوجة، فمع وجود الاولاد للمتوفى لم يثبت في القرآن ولا في الروايات ارث للعم. اذن من يزعم ان العم في حكم الأب فقد تبنى شيئا من عند نفسه وليس له اصل ولا اساس اذن) مع وجود الزهراء بضعة رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فان الارث لا يصل الى عمه العباس).
وبالاضافة الى ذلك فقد قال النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) في حق علي - عليه صلوات الله وسلامه - ما نصّه :
ص: 24
«اقضاكم عليّ».
ونقل عن عمر بن الخطاب قوله :
«علي أقضانا».
وتثبت هذه الجملة عنوانا عاماً جامعاً للامام علي لانّ جميع العلوم التي أثنى بها النبي على اصحابه --- من قبيل العلم بالقرآن والعلم بالاحكام ومطلق العلم - كامنة في مفهوم ومعنى القضاء الاسلامي، فاذا قلنا ان عليّاً ارفع من الجميع في القضاء، فمعنى ذلك انه ارفع من الجميع في كل العلوم.
(اذن قول علي - في ان العم لا يرث مع وجود الاولاد --- حجة ولابد من الأخذ به، وطرح القول الزاعم ان العم في حكم الاب، لان النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) يصرّح بكون علي اعرف من الآخرين بأحكام الدين.
هارون: لدي سوأل آخر:
لماذا تجيزون ان ينسبكم الناس الى النبي ليقولوا عنكم انكم اولاد رسول الله بينما انتم اولاد علي ، لان كل انسان ينسب الى ابيه (لا الى امه)، والنبي جدكم من امكم؟
الامام : لو ان النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) عاد الى الحياة وخطب اليك ابنتك أتزوجه ؟
هارون: سبحان الله ولم لا اعطيه بل سوف افتخر بذلك عندئذ على العرب والعجم وقريش.
الامام: لو انّ النبي (صلى الله عليه واله وسلم) عاد الى الحياة فسوف لن يخطب الي ابنتي، وسوف لن اعطيه انا
هارون: لماذا ؟
ص: 25
هي
الامام: لانه ابي (وان كان من ناحية الام ) لكنه ليس اباك .
(اذن استطيع ان اعد نفسي ابن رسول الله ).
هارون: اذن لماذا تعتبرون انفسكم ذرية رسول الله، بينما الذرية التي تنتسب للانسان من جهة الرجل لا من جهة المرأة؟
الامام: ارجوان تعفيني عن الجواب على هذا السؤال.
هارون كلا، لابد ان تجيب ولابد ان تدعم اجابتك بدليل من القرآن
الامام : يقول الله سبحانه: «... ومن ذريته داوود وسليمان وايوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعیسی ...(1)
وهنا اسألك عن عيسى الذي عُدّ في هذه الآية الكريمة من ذرية ابراهیم هل هو منتسب اليه من ناحية الأب ام من ناحية الام؟
هارون: ان عيسى لم يكن له اب بنص القرآن.
الامام: اذن هو منتسب اليه من ناحية الأم ومع ذلك عُدّ من ذريته، فنحن ايضا منتسبون الى الرسول (صلی الله علیه و آله وسلم) من ناحية أمنا فاطمة سلام الله وصلواته عليها .
وهل تحبّ أن اتلولك آية اخرى ؟
هارون - اقرها !
الامام: اقرأ لك آية المباهلة:
«فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع ابناءنا
ص: 26
وابناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين (1)
ولم يدّع احد انه في مباهلة النبي لنصارى نجران كان يوجد احد سوى على وفاطمة والحسن والحسين، اذن مصداق (ابنائنا) الوارد في الآية الكريمة هو الحسن والحسين سلام الله عليهما، مع انهما ينتسبان للنبي من ناحية الام فهما ابنا بنته.
هارون: ألا تطلب منّا شيئا؟
الامام كلاً، واريد العودة الى بيتى.
هارون: لابد ان نفكر في هذا الأمر..... (2)د
ص: 27
انّ المعرفة الخاصة التي كان يتمتع بها الامام الله جلّ وعلا وأنسه الروحي بالخالق العظيم ونور انيته الذاتية - وهي من ميزات الائمة الأطهار كل هذه الأمور كانت تهيؤه للعبادة الخالصة والمناجاة الحارة الله سبحانه وتعالى. فالامام كان يعد العبادة - كما عدّها الله في القرآن الكريم - غاية للخلق، ولا يعادل بها اي شي اثناء الفراغ من الواجبات
الاجتماعية.
ولهذا فانّه عندما أودع السجن بأمر من هارون قال:
«اللهم اني طالما كنت اسألك ان تفرغني لعبادتك وقد استجبت منّي فلك الحمد على ذلك »(1)
ويُفهم ايضا من ثنايا هذه الجملة مدى شدة اشتغاله (عليه السلام) بالنشاطات الاجتماعية خلال الفترة التي لم يكن فيها داخل جدران السجن.
وعندما كان الامام (علیه السلام) محتجزاً في سجن الربيع كان هارون يصعد
ص: 28
احياناً الى السطح المشرف على السجن الذي فيه الامام، وينظر الى داخل السجن. وفي كل مرة كان يرى شيئا كالملابس ملقى في زاوية من زوايا ذلك السجن ولا حركة فيه. وفي احد الأيام سأل: لمن هذه الملابس؟
فقال الربيع ليست هى ،ملابس وانّما هو موسى بن جعفر حيث انه في اغلب الأحيان يقبل الأرض في حالة السجود والعبادة الله.
فقال هارون حقا انه لمن عباد بني هاشم.
فسأله الربيع : اذن لماذا تأمرنا ان نشدد عليه في السجن؟
قال هيهات لامفّرلنا من فعل ذلك !! (1)
وفي يوم من الايام ارسل هارون أمة جميلة جداً - تشبه القمر - بعنوان انها خادمة للامام (علیه السلام) ، وكان يقصد في باطنه التشهير به فيما اذا ابدى رغبته فيها. وعندما جاء وابها اليه قال الامام لمن جاء بتلك الشابة : انكم تهتمون بمثل هذه الهدايا وتتفاخرون بها، الا انني لا حاجة لي بهذه الهدية وأمثالها.
ولمّا سمع هارون بذلك غضب وأمر ذلك الشخص ان يعيد الأمة الى السجن وان يقول للامام أنّنا لم نلقك في السجن حسب رغبتك ومشيئتك اي ان بقاء هذه الأمة ايضا لا يتوقف على موافقتك». ولم تمر فترة طويلة حتى نقل الجواسيس -- الذين انتدبهم هارون لنقل
ص: 29
التقارير عن كيفية العلاقات القائمة بين تلك الأمة والامام (علیه السلام) - لهارون هذا الخبر وهو ان تلك الشابة تقضي معظم اوقاتها في حالة السجود. فقال هارون والله لقد سحرها وخدعها موسى بن جعفر... فطلب احضار تلك الأمة واستنطقها عماجرى، فلم تتحدث تلك الشابة عن الامام إلا خيراً.
وعندئذ اصدر هارون أوامره لأحد عماله ان يحتفظ بتلك الأمة عنده، على ان لا يخبر أحداً بما جرى.
وهكذا امضت تلك الأمة حياتها في العبادة حتى اختارها الله الى جواره قبل وفاة الامام بعدة أيام(1)
ومن الجدير بالذكر ان الامام (علیه السلام) كان كثيراً ما يقرأ هذا الدعاء: «اللهم اني اسألك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب» (2)
وكان عليه السلام يتلو القرآن بصورة رائعة، بحيث ان اي انسان يسمع صوته فانه يبكي خشوعاً .
وقد لقبه اهل المدينة ب- «زين المتهجدين» (3)
ص: 30
ان صبر الامام عليه السلام وعفوه كان بلا نظير، ويعتبر اسوة لغيره في هذا المضمار.
ولقب «الكاظم الذي يقترن باسمه يعكس هذه الخصلة الشريفة فيه ويدل على مدى كماله في كظم الغيظ والعفو والصبر.
في ذلك العصر تسلّط العباسيون على مختلف ارجاء العالم الاسلا وأشاعوا الرعب ونهبوا اموال الناس بحجّة بيت المال وانفقوها على أنسهم ولعبهم وعبثهم، ونشروا الظلم والتمييز، فع-م الف-ق-ر وشاع، وكان اكثر الناس بلا ثقافة ،ولا مال ومن ناحية اخرى فقد اثرت دعايات العباسيين ضد العلويين في الأذهان الساذجة، ولهذا كان يصدر من بعض الناس - عن جهل --- سوء ادب مع الامام الكريم (علیه السّلام) الا ان الامام كان يواجه ذلك بخلق رفيع فيهدء غضبهم ويخجلهم بآدابه وحسن تعامله .
فقد كان رجل من ابناء الخليفة الثاني يعيش في المدينة ويؤذي الامام (علیه السلام) وكلما صادف الامام صبّ عليه الوانا من الاهانة والكلام البذيء.
ص: 31
فاقترح بعض اصحاب الامام عليه ان يقتلوه ، فاستنكر الامام هذا الفعل ومنعهم عنه.
وفي يوم من الأيام سأل الامام الكاظم (علیه السلام) عن مكانه فعرف انه في مزرعة خارج المدينة.
فركب الامام دابة وجاء الى تلك المزرعة فوجده فيها، واندفع الامام الى داخل المزرعة راكباً .دابته فصاح الرجل: لماذا اتلفت زراعتي ؟! فلم يعتن الامام بقوله واستمر في المشي راكباً دابته حتى اقترب منه (1)، فلما وصل اليه ترجل عن دابته واتجه اليه مبتسما مسروراً وسأله كم أنفقت على هذه المزرعة؟
قال: مائة دينار.
فسأله الامام : كم تأمل ان يكون ريحك منها؟
قال : لا اعلم الغيب.
قال: الامام: قلت لك كم تأمل منها؟
اجاب: أأمل منها ربحاً يقدر بمائتي دينار.
فدفع له الامام ثلاثمائة دينار قائلا له: ما زرعته فهو لك ، واسأل الله ان يرزقك منها ما أملت فنهض الرجل وقبل رأس الامام وطلب منه العفو عمّا صدر منه من اهانات وذنوب. فابتسم الامام وعاد من حيث جاء...
وفي اليوم اللاحق كان ذلك الرجل جالساً في المسجد ودخل
ص: 32
الامام (علیه السّلام). وبمجرد ان وقع نظره على الامام قال:
«الله اعلم حيث يجعل رسالته».
(كناية عن انّ الامام موسى بن جعفر لائق للامامة حقاً). فسأله رفقاؤه عن سر هذا التحوّل في موقفه مع انه كان قبل ذلك يقذع في ذمه ؟
فعاد الرجل ودعا للامام خيراً، فاستثير اصدقاؤه واحتدّوا معه... فالتفت الامام الى اصحابه الذين هموا بقتل هذا الرجل قائلاً لهم : أيهما افضل نيتكم ام سلوكي معه بحيث وفرت له سبيل الهداية ؟؟؟ (1)
ص: 33
ص: 34
لم ينظر الامام عليه السلام الى الدنيا قط على انها هدف، ومن هنا فهو اذا جمع مالاً فانه يحب ان يبذله لكي يهدىء روحاً قلقة أو يشبع به جائعاً أو يكسوبه عارياً :
يقول محمد بن عبدالله البكري:
كنت في مسيس الحاجة الى المال، فيممت وجهي نحو المدينة لأقترض مبلغاً يسد لي ،الحاجة، ولكني كلّما طرقت بابا ووجهت بالردّ حتى احسست بالتعب، فقلت مع نفسي لأطرق باب ابي الحسن موسى بن جعفر (سلام الله عليه) واشكو له ما اعيشه من ضائقة.
واخذت اسأل عنه الى ان وجدته في مزرعة في القرى المحيطة بالمدينة وهو مشغول بالعمل فيها .
فاقترب الامام مني ورحب بي وشاركني في تناول الطعام، ولمّا انتهينا من تناول الطعام سألني : هل لك عندي حاجة؟
فبينت له وضعي، وعندئذ نهض الامام الى غرفة مجاورة للمزرعة ثمّ عاد ومعه ثلاثمائة دينار ذهباً فدفعها الي، فركبت دابتي وحققت .
ص: 35
مقصدي وعدت الى اهلي(1).
يقول عيسى بن محمد وقد وصل به العمر الى سنّ التسعين في احدى السنين كنت قد زرعت بطيخا وخياراً وشجراً، وعندما اقترب وقت قطف الثمار هاجم الجراد الثمار واتلفها، فخسرت في هذه الواقعة مائة وعشرين ديناراً.
وخلال هذه الأيام جاءني الامام الكاظم (عليه السلام )(وكأنه كان مراقبا لأوضاعنا نحن الشيعة )وسلّم عليّ وسألني عن أحوالي، فقلت له :
انّ الجراد قد اتلف علي كل المحاصيل.
فسألني : كم خسرت في هذه القضية؟
قلت: كنت غرمت على الزرع وفي ثمن جملين مائة وعشرين ديناراً.
فأعطاني الامام عليه السلام مائة وخمسين ديناراً .
قلت له: ان وجودك مبارك فادخل مزرعتي وادع لي.
فجاء الامام اليها ودعا وقال:
روي عن النبي (صلی الله علیه وآله) انه قال: تمسكوا بما تبقى من الملك والمال الذي حلّت به الخسارة.
وقمت انا بسقي تلك الأرض فبارك الله فيها وانتجت محصولاً اكبر من ذلك عدّة مرّات بحيث بعته بعشرة آلاف(2)
ص: 36
1 - التواضع هو في ان تسير مع الناس بنفس السيرة التي تحب ان يعاملوك بها (1)
2 - ان افضل وسيلة للتقرب الى الله بعد معرفته هي الصلاة، والاحسان للوالدين، وترك الحسد وحب الذات والتفاخر والتعالي (2) .
3 - ان من يرتكب الخيانة ويخفي عيب شي على مسلم، أو يتحايل عليه بطريق آخر ويمكربه ويخدعه فهو مستحق لان تنصب عليه لعنة الله (3)
4 - ان العبد السئ جداً الله هو من كان له وجهان ولسانان, فهو - امام اخيه في الدين يثني عليه وبمجرد ان يغيب عنه يقذع في هجائه، أو اذا منح اخوه المسلم نعمة حسده عليها وان تعرّض لمشكلة تخلى عن نصرته (4)
ص: 37
5- كل من عشق الدنيا فانّ الخوف من الآخرة يغادر قلبه (1)
6 - خير الأمور اوسطها (2)
- حصنوا أموالكم بالزكاة (3)
سلام الله وصلواته عليه لقد كان اماماً حقيقياً، وهو افضل الناس في القيادة والخصال الالهية، فسلام عليه من افواه الشهداء والأحرار مادام الانسان باقياً.
ص: 38
لقد جرت سنّة ائمتّنا الكرام عليهم السلام في تعيين الامام والمرجع العلمي والسياسي والديني بعدهم ان يصرحوا باسمه ومشخصاته، حتى يسدوا الباب في وجه من يحاول ان استغلال هذا الموضوع سياسياً، يسي هذا من جهة، ومن جهة اخرى فانهم يمهدون السبيل للشيعة الحقيقيين لكي يعرفوا الامام والخليفة الواقعي فلا يلتبس عليهم الامر وتطبيقاً لهذه القاعدة فقد صرّح والد الامام الكاظم عليهما السلام في موارد عديدة بامامته من بعده مع سيطرة الحكومة العباسية الرهيبة، ونكتفي في هذه العجالة بذكر بعض النماذج :
1 - يقول علي بن جعفر:
قال والدي الامام الصادق عليه السلام لفريق من اصحابه وخاصته تقبلوا وصيتي بولدي موسى لانه أفضل من جميع اولادي ومن كل من يبقى من اهل بيتي بعدي، فهو خليفتي من بعدي وحجة الله على جميع خلق الله (1)
ص: 39
2 - يقول عمر بن ابان ذكر الامام الصادق (علیه السلام) الائمة بعده.
فسمّيت انا ابنّه اسماعيل ، فقال الامام (علیه السلام): كلا والله ان الأمر ليس بأيدينا وانما هو بيد الله (1)
3 - يقول زرارة ( وهو من ابرز تلامذة الامام الصادق (علیه السلام): ذهبت الى مجلس الامام الصادق (علیه السلام) فلما دخلت عليه وجدت سيد ابنائه موسى عليه السلام جالساً الى جانبه الأيمن، وبين يدي الامام توجد جنازة هي جنازة ولده الآخر اسماعيل.
فالتفت الامام الي قائلاً: اذهب واحضر داوود الرقي وحمران وابا بصير ( وهما ثلاثة من اصحاب الامام) فذهبت وجئت بهم .
والتحق بنا اشخاص آخرون فاكتمل عددنا ثلاثين شخصا امتلأت بنا الغرفة.
فقال الامام لداوود الرقي: اكشف الغطاء من على الجنازه. ففعل داوود ما أمره به الامام. عندئذ قال عليه السلام:
یا داوود! انظر هل ان اسماعيل حي ام ميت؟ قلت : سيدي انّه میّت.
فالتفت الامام لكل واحد من الحاضرين وأراه الجنازه فقال الجميع انه .میّت
قال عليه السلام : اللهم اشهد (لقد بذلت قصارى جهدي لرفع الاشتباه عن الناس) ثم أمر به فغُسّل وحنّط ووضع في كفنه، ولما انتهوا من ذلك امر المفضّل مرّة أخرى بكشف الكفن عن وجهه.
ص: 40
فنفّذ المفضّل ما أمره الامام به.
حينئذ قال الامام أهو حيّ ام ميّت؟
اجاب المفضّل: انّه ميّت .
وسأل جميع الحاضرين عن ذلك فأجابوه بنفس الجواب السابق. فعاد الامام الى القول: اللهم اشهد، ولكنه مع ذلك فسوف تحاول جماعة اطفاء نور الله بطرح موضوع امامة اسماعيل.
وفي هذا الأثناء اشار الى ابنه موسى قائلاً .
سيؤيّد الله نورك ، وان لم تشأذلك جماعة.
وبعد ذلك دفن اسماعيل، فسأل الامام الحاضرين: من الذي دفن هنا ؟ اجاب الجميع
هو ابنك اسماعيل.
فقال الامام : اللهم اشهد ثم امسك بيد ولده موسى قائلاً.
هو الحقّ والحقّ معه ومنه الى ان يرث الله الارض ومن عليها(1)
4 - يقول المنصور بن حازم قلت للامام الصادق: فداك ابي وامّي ان النفوس معرّضة للموت كل صباح ومساء، فاذا عرض لك مثل هذا الأمر فمن هو الامام من بعدك ؟
فوضع الامام يده على الكتف الايمن لولده ابي الحسن موسى وقال اذا حدث لي حادث فهذا ولدي هو الامام عندئذ.
وكان عمر ابي الحسن في ذلك الوقت خمس سنوات، وقد حضر في ذلك المجلس عبدالله وهو من أولاد الامام الصادق ايضا، وقد اعتقد
ص: 41
البعض بامامته فيما بعد.
5 - يقول الشيخ المفيد رحمة الله الواسعة على روحه الطاهرة:
ان مجموعة من كبار اصحاب الامام السادس (علیه السلام)، من قبيل المفضل بن عمر ومعاذ بن كثير وعبدالرحمان بن الحجاج والفيض بن المختار ويعقوب السراج وسليمان بن خالد وصفوان الجمال وآخرين يطول المقام بذكر اسمائهم جميعاً - قد رو وا موضوع خلافة الامام الكاظم عليه السلام، وقد روي الموضوع نفسه ايضا عن اسحاق وعلي وهما من اخوة الامام موسى الكاظم (علیه السلام)، ولا يشكّ احد في فضلهما وورعهما وتقواهما (1)
كل هذه الألوان من التأكيد والتصريح للشيعة ولمن كان متصلاً بالامام السادس (علیه السلام) حيث تبين للجميع بصورة واضحة ان الامام بعد الصادق (علیه السلام) هو ابنه ابوالحسن موسى بن جعفر الكاظم (علیه السلام)، وليس ابنه اسماعيل - الذي توفي في حياة ابيه - ولا هو ابن اسماعيل المسمى بمحمد، ولا هو الابن الآخر للامام الصادق عليه السلام المسمى بعبد الله ، ومع هذا كله فنحن نلاحظ ان مجموعة من الناس -- بعد التحاق الامام الصادق ب-ال-رف-ي-ق الاعلى --- اعتقدت بامامة ابنه اسماعيل أو ابن اسماعيل او عبدالله، فانحرفت عن الاتجاه الواضح والمسيرة الحقة التي رسمها لهم الامام (علیه السلام).
ص: 42
انّ علم الامام وعمله يمثلان علم نبي الاسلام صلى الله عليه وآله وسلم ،وعمله، وكذا الأمر بالنسبة لبقية اجداده الطاهرين.
فالمتعطشون للعلم والكمال ينهلون من نبع مدرسته حتى يرتووا. وكان عليه السلام يمسك بأيدي تلامذته بجدارة ليوصلهم في اقصر فترة الى الدرجات الرفيعة في الايمان والعلم .
ولم يكن عمره الشريف يتجاوز العشرين عاماً حينما فارق والده الكريم الحياة الدنيا ليلتحق بالرفيق الأعلى، فانتقل اغلب تلامذة والده اليه واستمروا معه ما يزيد على الثلاثين عاماً ينالون من كنوزه (1)
والذين تخرجوا في مدرسة الامام الكاظم عليه السلام لا يضارعهم احد في علم الفقه والحديث والكلام والمناظرة. ويعتبرون أنموذج العصر في الاخلاق الحسنة والعمل الصالح والخدمة للمسلمين.
ص: 43
وقد لو حظ على اساتذة علم الكلام انهم يعجزون عن مواصلة النقاش معهم ، وسرعان ما يهزمون امامهم في المناظرات فيعترفون بعجزهم.
ولهذا فقد هيمنت عظمتهم الروحيّة وشخصيّتهم الفذة على الساحة الاجتماعية، فأثار ذلك الخوف في قلوب الاعداء ولا سيما السلطة الحاكمة عندئذ، وكان خوفهم من ان يستغل تلامذة الامام (علیه السلام) هذه المكانة الممتازة وما لهم من حبّ في قلوب الناس للثورة والتمرّد فيتبعهم الناس ويقتفون آثارهم.
ونستعرض فيمايلي شرحاً اجماليا لأحوال بعض تلامذة هذه المدرسة:
1 - ابن ابي عمير: توفي عام (217) .
وقد ادرك مجالس ثلاثة من الائمة (وهم الامام الكاظم والامام الرضا والامام الجواد عليهم سلام الله) ويعد من جملة العلماء المشهورين وكبار اصحاب الائمة الاطهار (علیه السلام). وقد خلف وراءه روايات كثيرة تدور حول المواضيع المختلفة. واصبحت مكانته الرفيعة حديث الشيعة والسنة، ويعتمد عليه عند الطائفتين والدليل على ذلك انّ الجاحظ - وهو من علماء اهل السنة - كتب عنه يقول : كان ابن ابي عمير وحيد زمانه في كل شيئ (1)
يقول الفضل بن شاذان ان بعضهم اخبر السلطة في ذلك العصربان ابن ابي عمير يعرف اسماء الشيعة في العراق عامة، فاستدعته الحكومة
ص: 44
وطلبت منه ان يذكر اسماءهم فامتنع ، فخلعوا عنه ملابسه وعلقوة بين نخلتين وضربوه مائة سوط، وفرضوا عليه خسارة مالية تقدر بمائة الف درهم(1).
يقول ابن بكير:
سجن ابن ابي عمير ولاقى في السجن مصاعب عديدة، وسلبت منه ايضاً كل ثروته (2)
ولعله فَقَد كتبه في الحديث خلال هذه الأحداث في السجن والمصاعب.
قضى ابن ابي عمير سبعة عشر عاماً في السجن ونُهبت امواله. ومن الجدير بالذكر ان شخصاً كان مديناً لابن ابي عمير عشرة آلاف درهم، ولما سمع بفقدان ابن ابي عمير ثروته باع بيته وحمل عشرة آلاف درهم اليه.
فسأله ابن ابي عمير من اين جئت بهذه الأموال؟
هل ورثك أحد ام ظفرت بكنز؟
اجاب بعت بيتي ؟
قال ابن ابي عمير:
قال لي الامام الصادق (عليه السلام)
ان البيت الذي يسكن فيه الانسان مستثنى من القروض والديون، ولهذا فانتي أرفض اخذ هذه الأموال مع انني بحاجة حتّى الى الدرهم
ص: 45
منها(1)
2 - صفوان بن مهران:
كان صفوان من خيرة الرجال وموثقاً، والعلماء الكبار يولون رواياته اهمية قصوى. وقد ارتفع في الاخلاق والسلوك الى منزلة بحيث اصبح اهلاً لتأييد الامام له.
وكما اشرنا سابقاً فانّه لما سم سمع من الامام نهيه عن مساعدة الظالمين كف عن تقديم اي لون من الوان المساعدة اليهم وباع الابل التي استأجرها منه هارون حتى لا يضطر الى تقديم العون لهم من هذا الطريق(2)
3- صفوان بن يحيى :
وهو من كبار اصحاب الامام الكاظم (علیه السلام).
كتب عنه الشيخ الطوسي :
ان صفوان عند اهل الحديث يعد من أوثق الناس في العالم واكثرهم نزاهة (3)
وقد ادرك صفوان الامام الثامن (علیه السلام) ايضاً وكانت له عنده درجة ومنزلة رفيعة(4)
وذكر الامام الجواد عليه السلام صفوان أيضاً بالخير والحسنى فقال :
ص: 46
رضي الله عنه برضاي عنه فهو لم يخالفني ولم يخالف ابي قط (1)
قال الامام الكاظم عليه السلام:
انّ الضرر الذي يلحقه ذئبان مفترسان يهاجمان قطيعاً من الأغنام
ليس فيها راع ليس اكثر من الضرر الذي يلحقه ح-ب ال-رئاسة بدين الانسان المسلم، ثم عقب ذلك بقوله ان صفوان هذا ليس طالباً للرئاسة (2)
4 - علي بن يقطين:
ولد عليّ في الكوفة عام (124) ه- . ق (3) ، وكان ابوه شيعياً، ويحمل امواله الى الامام الصادق (علیه السلام) فطلبه مروان فهرب الى المدينة ورافقه اليها زوجته وابناه علي وعبيد وعندما سقطت الدولة الاموية وظهرت الدولة العباسية عاد الى الكوفة مع زوجته وولديه (4)
وقد أقام علي بن يقطين علاقات وثيقة مع العباسيين، وتولّى في حكومتهم مناصب مهمة. وكان يستغل موقعه الاجتماعي لمساعدة الشيعة ودفع الكوارث عنهم.
واختاره هارون الرشيد للوزارة، فجاء الى الامام الكاظم (علیه السلام) وسأله عن رأيه في المساهمة في اعمال هؤلاء. فأجابه الامام: ان كنت مضطراً فكف يدك عن اموال الشيعة.
ص: 47
يقول الراوي لهذا الحديث ذكر لي علي بن يقطين انه كان يجمع اموال الشيعة في الظاهر، إلا أنه كان يعيدها اليهم في الخفاء (1)
وكتب مرة للامام الكاظم (علیه السلام) : لقد ضاق صدري بالاعمال التي أؤديها للسلطان فان اجزتني - جعلني الله فداك . سحبت نفسي منها . فكتب الامام في جوابه لا اجيز لك ان تستقيل من عملك ، اتق الله ! (2)
وفي مرة اخرى قال له الامام (علیه السلام) : اضمن لي خصلة اضمن لك ثلاثا . فقال علي: جعلت فداك وما الخصلة التي اضمنها لك، وما الثلاث اللواتي تضمنهن لي؟
فقال الامام (علیه السلام) : الثلاث اللواتى اضمنهن لك ان لا يصيبك حرّ الحديد ابداً بقتل، ولا فاقة، ولا سقف سجن. فقال علي وما الخصلة التي اضمنها لك ؟
فقال يا علي واما الخصلة التي تضمن لي ان لا يأتيك ولي ابداً إلا اكرمته. قال فضمن له علي الخصلة وضمن له الامام (علیه السلام) الثلاث (3) يقول عبد الله بن يحيى الكاهلي: كنت عند الامام الكاظم عليه السلام اذاقبل علي بن يقطين، فالتفت الامام الى اصحابه فقال: من سره ان يرى رجلاً من اصحاب رسول الله (صلی الله علیه و
اله وسلم) فلينظر الى هذا المقبل فقال له رجل من القوم هو اذن من اهل الجنة فقال الامام
ص: 48
عليه السلام: اما انا فأشهد انه من اهل الجنة(1)
ولم يكن علي بن يقطين متوانياً ابداً في تنفيذ اوامر الامام (علیه السلام)، فكلّما امره الامام بشيئ نفذه وان لم يعلم السبب في اصدار ذلك الامر.
ففي احدى المرات اهدى اليه هارون الرشيد ثياباً ومن ضمنها جبّة ملكية . فأرسل علي الثياب والجبة مع اموال اخرى الى الامام الكاظم عليه السلام فتقبل الامام جميع الأموال المرسلة عدا تلك الجبة فانه أعادها الى عليّ وامره بالاحتفاظ بها لانه سوف يحتاج اليها في وقت قريب.
ولم يعرف علي السر في اعادة تلك الجبّة ،اليه، ولكنه احتفظ بها كما امره الامام.
ولم يمر وقت طويل حتى ثارت الخلافات بين علي بن يقطين وأحد غلمانه المقربين اليه فطرده
ولمّا كان الغلام مطلعاً على العلاقة القائمة بين علي بن يقطين والامام الكاظم (علیه السلام) وعارفاً بارسال الأموال اليه، فقد ذهب الغلام الى هارون وأفشى له بكل ما يعلم. فغضب هارون و وعده بالتحقيق في ذلك ، فان ظهر ان الامر كما يقول فسوف يقتل عليّاً .
واصدر اوامره على الفور باحضار علي بن يقطين، وسأله عن الجبة التي اهداها اليه اين هي ؟
اجاب علي: لقد عطرتها واحتفظت بها في مكان خاص... فقال له هارون: جئني بها الآن!
ص: 49
فبعث علي بن يقطين واحداً من خدامه وجاء بالجبة فوضعها امام هارون. وعند ذلك هدأ غضبه، والتفت الى علي قائلاً: اع-د الجبة الى مكانها، وعدأنت ايضا بسلام الى اهلك ، ومنذ الآن فصاعداً لن اسمع فيك اية وشاية، ثم أمر بضرب ذلك الغلام الف سوط. إلا ان الاسواط لم تتجاوزالخمسمائة حتى فارق الغلام الحياة (1)
وتوفي علي بن يقطين عام (182) ه- . ق . حيث كان الامام موسى بن جعفر (علیه السلام) في السجن عند ذاك (2)
وخلّف علي بن يقطين كتباً عديدة، ذكر اسماء بعض منها الشيخ المفيد (ره) والشيخ الصدوق (ره) )(3)
5 - مؤمن الطاق (4)
وهو محمد بن علي بن النعمان يكنّى بابي جعفر ويلقب بمؤمن الطاق، وهو من اصحاب الامام الصادق والامام الكاظم عليهما السلام وكانت له منزلة عظيمة عند الامام الصادق (علیه السلام)، وقد ذكره (علیه السلام) في عداد کبار اصحابه وخاصته (5)
ويتميز مؤمن الطاق بهذه الميزة وهي انه كلما دخل في نقاش مع المخالفين هزمهم وتغلب عليهم.
وقد نهى الامام الصادق عليه السلام بعض اصحابه من الخوض في
ص: 50
البحوث الكلامية، بسبب ضعف استعداده-م وعدم قدرتهم على هضمها ، إلا انه اكد على مؤمن الطاق ان يخوض هذه المجالات.
قال الامام الصادق (علیه السلام) في حقه مخاطباً لخالد: ان صاحب الطاق يناقش الناس وينقض على فريسته كالصقر.(1)
وعندما التحق الامام الصادق (علیه السلام) بالرفيق الأعلى قال ابوحنيفة لمؤمن الطاق وهو يسخر به : لقد توفي امامك ، فأجابه مؤمن الطاق بسرعة : ولكن امامك قد أمهل الى يوم الوقت المعلوم (2) بمعنى ان امامك هو الشيطان الذي يقول الله سبحانه فيه: «فانك من المنظرين الى يوم الوقت المعلوم» (3).
6 - هشام بن الحكم:
لا شك في نبوغه في البحث والمناظرة وعلم الكلام، وقد بزّ الآخرين في هذا الفن.
يقول ابن النديم: كان هشام من متكلمي الشيعة ومن الذين اشبعوا موضوع الامامة بحثاً ، فقد كان ماهراً في علم الكلام وحاضر الجواب (4). وخلف هشام وراءه كتباً كثيرة، وكانت له مواقف رائعة ومناقشات ممتازة مع علماء الاديان والمذاهب الأخرى.
فني مرة التفت اليه يحيى بن خالد البرمكي - وهارون الرشيد
حاضر فقال له :
ص: 51
أيمكن ان يكون الحق في اتجاهين متعاكسين؟
اجاب هشام كلاً.
قال يحيى : أليس الواقع هو ان شخصين اذا اختلفا وتنازعا فاما ان يكون كلاهما على حق او يكون كلاهما على باطل أو يكون احدهما على حق والآخر على باطل؟
قال هشام اجل لا يخلو الأمر من هذه الصور الثلاث، إلا ان الصورة الأولى لا يمكن ان تتحقق فليس من الممكن ان يكون كلاهما على حق.
فقال يحيى : ان كنت تعترف ان شخصين اذا اختلفا وتنازعا في حكم من احكام الدين فلا يمكن ان يكون كلاهما على حق، اذن عند ما ذهب على والعباس الى ابي بكر وتنازعا امامه على ميراث رسول الله (ص) فأيهما كان على حقّ؟
أجاب : لم يكن اي واحد منهما مخطئاً، ولهذه القصة نظير ايضاً، ففي القرآن الكريم وردت قصة داوود حيث تنازع ملكان وجاءا الى داوود ليقطع النزاع بينهما، فأي واحد من الملكين كان على حق؟
قال يحيى : كان كلاهما على حق وليس بينهما اي اختلاف، وقد كان نزاعهما شكليّاً، وقد أرادا بهذه القضية ان يلفتا داوود الى فعله (1)
فقال هشام ان النزاع بين علي (علیه السلام) والعباس هو من هذا القبيل فليس بينهما اي اختلاف أو صراع، وانّما هما قاما بهذا الفعل ليلفتا
ص: 52
أبا بكر الى خطئه في زعمه ان احداً لا يرث النبي الأكرم (ص)، فحاولا افهامه ان هذا غير صحيح ونحن ورثته.
فبقي يحيى متحيراً لا يملك جواباً، وعندئذ ابدى هارون الرشيد اعجابه بهشام وأثنى عليه (1)
يقول يونس بن يعقوب : ذهبت مجموعة من أصحاب الامام الصادق (علیه السلام)، ومنهم حمران بن أعين ومؤمن الطاق وهشام بن سالم والطيار وهشام بن الحكم الى الامام (علیه السلام) وكان هشام عندئذ شاباً، فالتفت الامام (علیه السلام) الى هشام قائلاً له : ألا تخبرنا ماذا فعلت مع عمرو بن عبيد وكيف سألته ؟
قال هشام انني لا ستحي منك ، وفي حضورك لا ينطق لساني!
فقال الامام عندما نأمرك بشي لابد لك من تنفيذه!
قال هشام سمعت ان عمرواً بن عبيد يجلس في مسجد البصرة ويتحدث للناس فكبر علي ذلك. فاتجهت الى البصرة ودخلتها يوم الجمعة فقصدت المسجد ولما دخلته رأيت عمرواً بن عبيد جالساً في المسجد وقد تحلّق الناس حوله وهم يسألونه عن شؤون مختلفة. فاخترقت الجمع وجلست قريباً منه وقلت له ايها العالم انني غريب فأذن لي ان اسألك ! فأذن لي. قلت: هل عندك عين؟ فقال ما هذا السؤال ايها الشاب؟ قلت ان اسئلتي هي من هذا القبيل.
فقال سل وان كانت اسئلتك حمقاء.
فأعدت السؤال: ألك عين؟
ص: 53
- نعم .
- ماذا ترى بواسطتها ؟
- الألوان والأشكال.
- ألك انف؟
- نعم .
- ماذا تفعل به؟
- اشم به الروائح .
- ألك فم؟
- اجل.
- ماذا تصنع به ؟
- اذوق به طعم الأغذية.
- هل عندك مخ ومركز احساس؟
- نعم .
- ماذا تفعل به؟
- الامام موسى بن جعفر (علیه السلام)
- أميز وأشخّص به كل ما يرد على جوارحي .
- ألا تغنيك هذه الجوارح عن مركز الاحساس هذا؟
- كلا!
- لماذا؟ والحال ان جميع اعضائك وجوارحك صحيحة وسالمة !
- عندما تشك هذه الجوارح في شيئ فانها ترجع الى المخ ومركز الاحساس ليزيل عنها الشك ويمنحها اليقين.
- فالله اذن قد جعل المخ ومركز الاحساس لا زالة الشك عن هذه الجوارح ؟
ص: 54
- اجل.
- اذن نحن بحاجة قطعاً الى المخ ومركز الاحساس؟
- نعم .
يقول هشام فقلت : ان الله لم يترك جوارحك بدون امام يشخص لها الصحيح من غيره، فكيف ترك هؤلاء الخلق جميعاً في الحيرة والشك والاختلاف من دون امام يرجعون اليه لا زالة الشك ورفع الاختلاف؟!!!
فسكت عمرو بن عبيد ولم ينبس بكلمة، ثم التفت الى... وسألني:
من اي بلد انت؟
قلت: من اهل الكوفة.
قال: انت ،هشام فقربني اليه وأجلسني مكانه، ولم يتحدث بشي بعد ذلك حتى فارقته .
فتبسم الامام الصادق عليه السلام وقال: من الذي علمك هذا الاستدلال ؟
قال هشام یا ابن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)، هكذا جرى على لساني.
فقال الامام : يا هشام والله ان هذا الاستدلال مكتوب في صحف ابراهيم وموسى (1)
ص: 55