اسم الكتاب ... الامامُ الحادي عشر الحسن بن علي العسكري(علیه السّلام)
المؤلف... لجنة التحرير في طريق الحق
المترجم... محمّد عبدالمنعم الخاقاني
الناشر... مؤسسة في طريق الحق
عدد النسخ...3000
المطبعة...سلمان الفارسي
الطبعة...الثانیه
تاريخ النشر... 1425 ه- ق - 2004م
ISBN: 964 - 6425 - 89 - 5
السعر 200 تومان
محرر الرقمي: علي کهن کار
ص: 1
الامام الحادي عشر
الحسن العسكري عليه السّلام
تأليف: شورى المؤلّفين لمؤسّسة في طريق الحقّ
ص: 2
بسم الله الرّحمن الرّحيم
انّ الامام ابا محمد الحسن بن علي العسكري عليه السّلام هو الامام الحادي عشر للمسلمين بعد النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم وقد ولد في سنة (232) هجريّة قمريّة في مدينة «سامرّاء». ووالده الكريم هو الامام العاشر الهادي عليه السّلام، وامّه الجليلة هي السّيّدة التقيّة الكريمة «حُديثة» وتُسّمّى أيضا ب«سوسن».
وكان الامام عليه السّلام يسكن في مدينة سامرّاء في محلّة تُسمّى ب- «العسكر»(1)، ولهذا فقد اشتهر ب-«العسكريّ»، وأشهر القابه الأخرى «الزكيّ» و «النقّي»، وكنيته «ابومحمّد».
وقد بلغ عمره (22) عاماً حينما استشهد الامام العاشر عليه السّلام. وامتدّت فترة امامته بعد والده ستّ سنوات، ومجموع عمره الشّريف هو (28) عاماً، واستشهد وهو في هذا العمر سنة (260) هجرية، وله ولد واحد هو آخر امام من الأئمّة الاثني عشر
ص: 3
وهو صاحب الزّمان الحجّة بن الحسن المهدي، ارواحنا لتراب مقدمه الفداء، وليّ أمرنا وامام زماننا، الذي سترت شمس وجوده وراء سحاب غيبته، ومتى ما شاء الله فانه سوف يظهر وينهض ويطهّر الأرض من وجود الظّالمين ويملؤها بالعدل والقسط .
ويقول الذين شاهدوا الامام العسكري عليه السّلام انه كان حنطيّ اللون كبير العينين حسن الصورة رشيق القدّ وبهيبة وجلال.
وقد عاصر الامام الحادي عشر ( عليه السّلام) خلال حياته خلافة ستّة من الخلفاء العبّاسييّن وهم: المتوكّل والمنتصر والمستعين والمعتزّ والمهتدي والمعتمد، واخيراً استشهد الامام في زمان المعتمد.(1)
ص: 4
انّ كل واحد من أئمّتنا المعصومين عليهم السّلام لم يكتف بالرّوايات الأئمة من اولهم الى الامام الثاني عشر في تنصيب الامام الذي يأتي بعده، وانّما كان يعلن للشّيعة والخواصّ من اصحابه اسم الامام الّذي يخلفه بصراحة تامّة حتى يؤكد الموضوع ويرفع ايّ ابهام أولبس. وبالنّسبة للامام العسكريّ فقد وردت روايات كثيرة في هذا المضمار نشير هنا الى بعضها:
1 - يقول ابوهاشم الجعفري، وهو من اكبر رواة الشّيعة الموثّقين ومن أصحاب الأئمّة (عليهم السّلام) المقرّبين:
سمعت ابا الحسن صاحب العسكر عليه السّلام يقول: الخلف من بعدي ابني الحسن فكيف لکم بالخلف من بعدالخلف؟ فقلت : ولِمَ جعلني الله فداك؟ فقال: لانّكم لا ترون شخصه ولا يحلّ لكم ذکره باسمه. قلت فكيف نذكره؟ قال: قولوا: الحّجة من آل محمّد
ص: 5
صلّى الله عليه وآله وسلّم. (1)(2)
2 - يقول الصقر بن ابي دلف:
«سمعت الامام الهادي عليه السّلام يقول: «ان الامام بعدي الحسن ابني وبعد الحسن ابنه القائم الّذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً». *(3)
3 - يقول النّوفليّ:
«كنت مع ابي الحسن (الامام الهادي) عليه السّلام في صحن داره فمّر بنا محمّد ابنه، فقلت له جعلت فداك هذا صاحبنا (امامنا ) بعدك ؟ فقال: «لا ، صاحبكم من بعدي الحسن». *(4)
4 - ويقول يحيى بن يسار القنبري:
«اوصی ابوالحسن (الامام الهادي) عليه السّلام: الى ابنه الحسن قبل مضيّ وفاته باربعة اشهر واشاراليه بالامر (الامامة
ص: 6
والخلافة) من بعده، واشهرني على ذلك وجماعة من الموالي»(1)
5-ويقول ابوبكر الفهفكي: «كتب اليّ ابوالحسن الامام الهادي (عليه السّلام): ابو محمّد ابنى (الامام العسكري عليه السّلام) اصحّ آل محمّد غريزة واوثقهم حجّة وهو الأكبر من ولدي وهو الخلف واليه تنتهى عرى الامامة واحكامنا، فما كنت سائلي عنه فاسأله عنه فعنده ما تحتاج اليه».(2)
لقد عاصر الامام خلال فترة امامته القصيرة -ستّ سنوات - حكومة ثلاثة خلفاء هم المعتزّ والمهتدي والمعتمد.
فالمعتزّ العبّاسي حلّ محلّ ابن عمّه المستعين، واستشهد الامام الهادي عليه السّلام أثناء حكم المعتزّ، واستشهد أو سُمّ مجموعة من العلويّين أيضاً في ظلّ خلافة هذا الخليفة الظّالم. وفي احدى المّرات ألقى المعتزّ بأخيه المؤيّد الى غياهب السّجن وأمر بضربه أربعين سوطاً، ولم يطلق سراحه من السّجن حتّى خلع نفسه من ولاية العهد، ومرّة اخرى أدخله السّجن ولمّا سمع انّ فريقاً من الأتراك يخطّط لانقاذ المؤيّد من السّجن فقد أمر بقتله، وبناءً على ذلك فقد لُفّ في
ص: 7
لحاف مسموم واغُلق طرفاه حتّى لَفَظَ انفاسه، وعندئذ استدعوا الفقهاء والقضاة التّابعين للبلاط الى مشاهدة جسده ليتعرّفوا على انّه ليس فيه أثر تعذيب وليظهروا للنّاس انّه مات بصورة طبيعيّة!(1)
وفي غضون حكم المعتزّ أسر اكثر من سبعين شخصاً من العلويّين وآل جعفر الطّيّار وآل عقيل بن ابي طالب الّذين ثاروا في الحجاز وجاءوا بهم الى سامّراء(2)، وكان المحبّون للامام العسكري عليه السّلام يعيشون الضّيق والعذاب في زمان هذا الخليفة المجرم، وبعضهم كتب رسالة الى الامام عليه السّلام يشكوفيها من الأوضاع، فأجابهم الامام: بعد ثلاثة أيّام يحصل الفرج والخلاص(3)، وقد تحقّق ما تنبّأ به الامام حيث ثار الجنود الأتراك الموجودون في البلاط العبّاسي على المعتزّلانّهم رأوه لا يحقق لهم مصالحهم واضطّروه الى خلع نفسه من الخلافة ثمّ ألقوه في سرداب وأحكموا اغلاق بابه حتى هلك في داخله.(4)
وبعد المعتزّ استلم المهتدي زمام الخلافة، وسار هذا الظّالم سيرة النّفاق، فكان يتظاهر بالزّهد ويجتنب البذخ في الظّاهر كما انّه قام بنفي النّساء المغّنيات ومنع المنكرات الأخرى وتظاهر باعادة الحقوق العادلة للمظلومين، لكنّه احتفظ بالامام العسكري عليه السّلام مدّة
ص: 8
من الزّمن في السّجن، بل وحتّى اتّخذ قراراً بقتله إلّا انّ الأجل لم يمهله فأهلكه الله تعالى. وأثناء خلافة المهتدي ثارت طائفة من العلويّين سيق بعضهم الى السّجن وهناك لفظوا آخر أنفاسهم .
يقول احمد بن محمّد:
«كتبت على ابي محمّد (الامام العسكري) عليه السّلام، حين اخذ المهتدي في قتل الموالي: يا سيّدي الحمد لله الّذي شغله عنّا، فقد بلغني انّه يتهدّدك ويقول والله لأجلينّهم عن جديد الأرض، فوقّع ابو محمّد عليه السّلام بخطّه: ذلك اقصر لعمره، عدّ من يومك هذا خمسة ايام ويقتل في اليوم السّادس بعد هوان واستخفاف يمرّبه فكان كما قال عليه السّلام»(1) .
فقتل المهتدي في تمرّد للاتراك من جيشه وحلّ محلّه المعتمد.(2)
ولم يكن للمعتمد -كسائر اسلافه- من مهمة سوى البذخ والاسراف والظّلم وكان مفرطاً في اللّهو واللّعب بحيث تسلّط تدريجاً أخوه الموفّق على شؤون الدّولة وأصبحت كلّ الأمور بيده وصار المعتمد عاطلاً من النّاحية العمليّة وهو خليفة بالاسم فحسب، وبعد موت الموفّق سيطر ابنه المعتضد على شؤون عمّه المعتمد، وأخيراً مات المعتمد عام (279) هجري واستلم الخلافة رسميّاً من بعده المعتضد.(3)
ص: 9
وخلال حكم المعتمد استشهد الامام العسكري عليه السّلام، وقُتلت أيضاً مجموعة من العلويّين، وبعضهم تمّ قتله بأفجع صورة، وحتّى بعد القتل فقد مثّلوا * بأجسادهم.(1)
وقال بعض المؤرّخين انه قد جرت معارك وصراعات عديدة في حكومة المعتمد حتّى ناهز عدد القتلى نصف مليون قتيل.(2)
وعلى كلّ حال فاهتمام المجتمع بالأئمّة المعصومين وعدم تنازلهم عليهم السّلام للخلفاء الظَّالمين قد أدّى الى نموّ الأحقاد في انفس الظَّالمين وقسوتهم على الأئمّة المعصومين، وكان الامام العسكري عليه السّلام - مثل آبائه الكرام - يواجه باستمرار اضطهاد الحكومة ورقابتها، وفي احدى المرات أرسل الامام الى سجن صالح بن وصيف اثناء حكومة المهتدي، فقالوا له ضيّق عليه ولا توسّع، فقال لهم صالح: ما اصنع به وقد وكلّت به رجلين شرّ من قدرت عليه فقد صارا من العبادة والصّلاة والصّيام الى امر عظيم، ثمّ أمر باحضار الموكّلين فقال لهما: ويحكما ما شأنكما في امر هذا الرّجل؟ فقالا: ما نقول في رجل يصوم النَّهار ويقوم الّليل كلّه لا يتكلم ولا يتشاغل بغير العبادة، فاذا نظر الينا ارتعدت فرائصنا وداخلنا ما لا نملكه من انفسنا.(3)
. التمثيل : هو قطع اعضاء بدن الميت كاليد والرجل والأذن والأنف وفصلها عنه.
ص: 10
وفي مرّة اخرى سُلّم ابو محمّد عليه السّلام الى تحرير (وهو سجان آخر) وكان يضيّق عليه ويؤذيه، فقالت له امرأته: اتّق الله فانك لا تدري من في منزلك وذكرت له صلاحه وعبادته وقالت له انّي اخاف عليك منه، فقال: والله لأرمينّه بين السّباع ثمّ استأذن في ذلك فأذن له فرمى به اليها ولم يشكّوا في أكلها له، فنظروا الى الموضع ليعرفوا الحال فوجدوه عليه السّلام قائماً يصلّي وهى حوله فأمر باخراجه الى داره.(1)
وقد سجن الامام العسكري عليه السّلام مع اخيه جعفر في زمان المعتمد على يدي على جرين وكان المعتمد يسأل عليّا عن اخباره في كلّ وقت فيخبره انه يصوم النّهار ويصلّي الّليل فسأله يوماً من الأيّام عن خبره فأخبره بمثل ذلك فقال له امض السّاعة اليه واقرأه مني السّلام وقل له انصرف الى منزلك مصاحباً. قال على جرين: فجئت الى باب الحبس فوجدت حماراً مسرجاً فدخلت عليه فوجدته جالساً وقد لبس خفّه وطيلسانه وشاشه فلمّا رآني نهض فأديّت اليه الرّسالة فركب فلمّا استوى على الحمار وقف، فقلت له ما وقوفك يا سيّدي ؟ فقال لي: حتى يجي جعفر، فقلت: انّما امرني باطلاقك ،دونه فقال لي ترجع اليه فتقول له خرجنا من دار واحدة جميعا فاذا رجعت وليس هو معي كان في ذلك مالاخفاء به علیک، فیضی وعاد فقال: يقول لك: قد اطلقت جعفراً لك لانّي جسته بجنايته على
ص: 11
نفسه وعليك وما يتكلّم به، وخلّى سبيله فصار معه الى داره.(1)
****
ممّا شرحناه بصور مجملة ومضغوطة من سيرة حكومة الخلفاء وسلوكها مع الامام يظهر انّ الامام العسكري عليه السّلام كان يعيش فترة صعبة ومليئة بالاضطهاد، وكانت الحكومات دائماً تراقب الامام مراقبة شديدة، وقد اودعته السّجن مرآت عديدة، ويشهد التّاريخ انّه حتى في الفترات الّتي لم يكن الامام فيها داخل السّجن فقد كان الذّهاب والمجئ اليه مراقباً، والشّيعة والمحبّون لا يستطيعون التردّد عليه والاتّصال به بسهولة وكان بعض الشّيعة يصل احياناً الى دار الامام بمساعدة بعض العلويّين، وننقل هذا النّص من كتاب «كشف الغمّة»:
قال ابوقاسم: خرج رجل من العلويّين من سرّ من رأى في ايّام ابي محمد (الامام العسكري) عليه السّلام الى الجبل (القسم الجبليّ من غرب ایران الى همدان و قزوين) يطلب الفضل فتلقّاه رجل بحلوان (پل ذهاب)، فقال من این اقبلت؟ قال: من سرّ من رأى، قال هل تعرف درب كذا وموضع كذا؟ قال: نعم، فقال: عندك من اخبار الحسن بن علي شي؟ قال: لا، قال: فما اقدمك الجبل؟ قال طلب الفضل، قال: فلك عندي خمسون ديناراً فاقبضها وانصرف معي الى سرّ من رأي حتى توصلني الى الحسن بن علي،
ص: 12
فقال: نعم، فأعطاه خمسين ديناراً وعاد العلويّ معه الى سرّ من رأى فا ستأذنا على الامام فأذن لهما فدخلا...(1)
ويمكننا ان نفهم من هذا النّصّ مكانة الامام خارج السّجن ماذا كانت؟ والى ايّ حد كان مراقباً من قبل السّلطة، بحيث لا يستطيع محبّوه ان يتصلوا به بسهولة وانّما كانوا يصلون اليه بالتّخطيط والاحتياط، وحتّى العلويّون والاقارب ما كانوا يستطيعون التّردّد عليه كثيراً.
انّ الفضائل الخلقيّة والكمالات المعنويّة للامام عليه السّلام كانت راقية بحيث اضطّر الاعداء - فضلاً عن الاصدقاء - للاعتراف بعظمة الامام وعلوّ شخصيّته فقد روى الحسن بن محمّد الاشعري ومحمّد بن يحيى وغيرهما قالوا: كان احمد بن عبيدالله بن الخاقان على الضّياع والخراج بقم فجرى في مجلسه يوماً ذكر العلويّة ومذاهبهم وكان شديد النّصب (2) والانحراف عن اهل البيت عليهم السّلام فقال:
ما رأيت ولا عرفت بسرّ من رأى رجلاً من العلويّة مثل الحسن بن علي بن محمّد بن علي الرّضا في هديه وسكونه وعفافه ونبله وكبرته
ص: 13
عند اهل بيته وبني هاشم کافّة وتقديمهم ايّاه على ذوي السِّنّ منهم والخطر وكذلك كانت حاله عندا القوّاد والوزراء وعامّة الناس فأذكر انيّ كنت يوماً قائماً على رأس ابي(1) وهو يوم مجلسه للنّاس اذ دخل حجابّه فقالوا ابو محمّد بن الرّضا (الامام العسكري عليه السّلام) ،بالباب فقال بصوت عال ائذنوا له، فتعجّبت مما سمعت منهم ومن جسارتهم ان يكنّوا رجلاً بحضرة ابي ولم يكن يكنّى عنده اِلّا. خليفة او ولىّ عهد أو من امر السّلطان ان يكنَّى(2)، فدخل رجل اسمر حسن القامة جميل الوجه جيد البدن حديث السنٌ له جلالة وهيئة حسنة، فلما نظر اليه ابي قام فمشى اليه خطاً ولا اعلمه فعل هذا بأحد من بني هاشم والقواّد، فلّما دنى منه عانقه وقبّل وجهه وصدره وأخذ بيده واجلسه على مصّلاه الذي كان عليه وجلس الى جنبه مقبلاً عليه بوجهه وجعل يكلّمه ويفديه بنفسه وانا متعجّب ممّا ارى منه، اذ دخل الحاجب فقال : الموفّق قد جاء، وكان الموفّق اذا دخل على ابي تقدّمه حجابّه وخاصّة قوّاده فقاموا بين مجلس ابي وبين باب الدار سماطين الى ان يدخل ويخرج، فلم يزل ابي مقبلا على ابي محمّد عليه السّلام يحدّثه حتّى نظر الى غلمان الخاصّة فقال حينئذ له اذا شئت(3) جعلني الله فداك ثمّ قال الحجّابه: خذوا به خلف السّماطين
ص: 14
لا يراه هذا، يعني الموفّق، فقام وقام ابي فعانقه ومضى، فقلت لحجّاب ابي وغلمانه: ويحكم من هذا الّذي كنيتموه بحضرة ابي وفعل به ابي هذا الفعل؟ فقالوا: هذا علويّ يقال نه الحسن بن علي يعرف بابن الرّضا، فازددت تعجّباً ولم ازل يومي ذلك قلقا متفكّراً في امره وامر ابي وما رأيته منه حتّى كان الّليل، وكانت عادته ان يصلّي العتمة (اي العشاء الآخرة) ثمّ يجلس فينظر فيما يحتاج اليه من المؤمرات
وما يرفعه الى السلطان. فلمّا
صلّى وجلس جئت وجلست بين يديه وليس عنده احد، فقال لي يا احمد ألك حاجة ؟ فقلت نعم يا أبت فان أذنت سألتك عنها، فقال: قد أذنت. قلت يا ابت: من الرّجل الذي رأيتك بالغداة فعلت به ما فعلت من الاجلال والكرامة والتّبجيل وفديته بنفسك وابويك؟ فقال: يا بني ذاك امام الرّافضة (1) الحسن بن علي المعروف يابن الرّضا(2)، ثمّ سكت ساعة وانا ساكت ثمّ قال: يابنيّ لوزالت الامامة عن خلفائنا بني العبّاس ما استحقّها احد من بني هاشم غيره الفضله وعفافه وصيانته وزهده وعبادته وجميل اخلاقه وصلاحه ولو رأيت اباه رأيت رجلاً جزلاً نبيلاً فاضلاً، فازددت قلقا وتفكّراً وغيظاً على ابي وما سمعته منه فيه ورأيت من فعله به، فلم تكن لي
ص: 15
همّة بعد ذلك إلا السُؤال عن خبره والبحث عن امره فما سألت احداً من بني هاشم والقوّاد والكتّاب والقضاة والفقهاء وساير الناس اِلاّ وجدته عندهم في غاية الاجلال والاعظام والمحل الرّفيع والقول الجميل والتّقديم له على جميع اهل بيته ومشايخه فعظم قدره عندي اذ لم أر له وليّاً ولا عدوّاً إلّا وهو يحسن القول فيه والثّناء عليه.(1)
يقول كامل بن ابراهيم المدني:
فلما دخلت على سيّدي ابي محمّد (الامام العسكري عليه السّلام) نظرت الى ثياب بياض ناعمة عليه، فقلت في نفسي: وليّ الله وحجّته يلبس النّاعم من الثّياب ويأمرنا نحن بمواساة الاخوان وينهانا عن لبس مثله؟ فقال متبسّماً يا كامل وحسر ذراعيه فاذا اسود خشن على جلده، فقال: هذا الله وهذا لكم.(2)
يقول محمّد بن عليّ بن ابراهيم بن موسى بن جعفر:
ضاق بنا الأمر فقال لي ابي: امض بنا حتّى نصير الى هذا الرّجل يعني ابا محمّد ( العسكري علیه السّلام) فانّه قد وصف عنه سماحة،
ص: 16
فقلت: تعرفه؟ قال: ما اعرفه ولا رأيته قط، قال: فقصدناه فقال ني ابي وهو في طريقه: ما أحوجنا الى ان يأمر لنا بخمسمائة درهم مائتا درهم للكسوة ومائتا درهم للدّين ومائة للنفّقة، فقلت في نفسي: ليته امر لي بثلا ثمائة درهم مائة اشتري بها حماراً ومائة للنّفقة ومائة للكسوة واخرج الى الجبل (وهو قسم من جبال غرب ایران الى همدان وقزوين)، قال: فلمّا وافينا الباب خرج الينا غلامه فقال: يدخل علي بن ابراهيم ومحمّد ابنه، فلما دخلنا عليه وسلّمنا، قال لابي: يا علي ما خلّفك عنا الى هذا الوقت؟ فقال يا سيّدي استحييت ان القاك على هذه الحال، فلمّا خرجنا من عنده جاءنا غلامه فناول ابي صرة فقال: هذه خمسمائة درهم مائتان للكسوة ومائتان للدّين ومائة للنّفقة، واعطاني صرّة فقال: هذه ثلاثمائه درهم اجعل مائة في ثمن حمار ومائة للكسوة ومائة للنّفقة ولا تخرج الى الجبل وصرالى سوراء (وهو مكان في العراق)...(1)
انّ الامام العسكريّ عليه السّلام كآبائه الكرام كان أنموذجا في الاهتمام بعبادة الله، فعندما يحين وقت الصلاة فانّه يعطّل كل عمل في يده ولا يقدّم على الصّلاة شيئا، يقول ابوهاشم الجعفري:
دخلت على ابي محمّد (الامام العسكري) عليه السّلام وكان
ص: 17
يكتب كتابا فحان وقت الصّلاة الاولى فوضع الكتاب من يده وقام عليه السّلام الى الصّلاة...(1)
ونفس كيفيّة عبادة الامام كانت تحمل الآخرين على ذكر الله، واحياناً كانت تغيّر وضع بعض الأفراد المنحرفين وتدلّهم على الطّريق الصّحيح، وقد نقلنا ما حدث من امر الامام وعبادته في سجن صالح بن وصيف (2).
روى بعض علماء اهل السنة ومن جملتهم ابن الصّبّاغ المالكي عن ابي هاشم الجعفري قوله:
ثمّ لم تطل مدّة ابي محمد الحسن (العسكري علیه السّلام) في الحبس اِلّا ان قحط النّاس بسرّ من رأى قحطاً شديداً فأمر الخليفة المعتمد على الله ابن المتوكل بخروج النّاس الى الاستسقاء فخرجوا ثلاثة ايام يستسقون ويدعون فلم يسقوا، فخرج الجاثليق (كبير الاساقفة) في اليوم الرّابع الى الصّحراء وخرج معه النّصارى والرّهبان وكان فيهم راهب كلمّا مدّيده الى السّماء ورفعها هطلت بالمطر، ثمّ خرجوا في اليوم الثّاني وفعلوا كفعلهم أوّل يوم فهطلت السّماء بالمطر وسقواسقياً شديداً حتى استعفوا، فعجب الناس من ذلك وداخلهم الشّك وصفا بعضهم الى دين النّصرانيّة فشق ذلك على الخليفة فأنفذ الى صالح
ص: 18
بن وصيف ان اخرج ابا محمّد الحسن بن علي من السّجن وائتني به، فلمّا حضر ابو محمّد الحسن عند الخليفة قال له: أدرك امّة محمّد فيا لحق بعضهم في هذه النّازلة فقال ابومحمّد: دعهم يخرجوا غداً اليوم الثَّالث، قال: قد استعفى النّاس من المطر واستكفوا فما فايدة خروجهم؟ قال: لأزيل الشّك عن النّاس وما وقعوا فيه من هذه الورطة التي افسدو فيها عقولاً ضعيفة، فأمر الخليفة الجاثليق والرّهبان ان يخرجوا ايضاً في اليوم الثّالث على جاري عادتهم وان يخرجوا النّاس، فخرج النّصارى وخرج لهم ابو محمّد الحسن ومعه خلق كثير، فوقف النّصارى على جاري عادتهم يستسقون إلا ذلك الرّاهب مدّیدیه رافعاً لهما الى السّماء، ورفعت النصارى والرهبان ايديهم على جاري عادتهم فغيمت السّماء في الوقت ونزل المطر فأمر ابو محمّد الحسن القبض على يد الرّاهب وأخذ ما فيها فاذا بين اصابعه عظم آدمي فأخذه ابو محمد الحسن ولفّه في خرقة وقال استسق، فانكشف السّحاب وانقشع الغيم وطلعت الشّمس فعجب النّاس من ذلك، وقال الخليفة: ما هذا يا ابا محمّد؟ فقال: عظم نبي من انبياء الله عزّوجل ظفر به هؤلاء من بعض قبور الأنبياء وما كشف عظم نبي تحت السّماء إلاّ هطلت بالمطر، واستحسنوا ذلك فامتحنوه فوجدوه كما قال، فرجع ابو محمّد الحسن الى داره بسرّ من رأى وقد ازال عن النّاس هذه الشّبهة...(1)
ص: 19
ان اسحاق الكندي كان فيلسوف العراق في زمانه اخذ في تأليف كتاب تخيّل انه يستطيع ان يثبت فيه وجود تناقض في القرآن وشغل نفسه بذلك وتفرّد به في منزله وأن بعض تلامذته دخل يوماً على الامام الحسن العسكري فقال له ابومحمّد عليه السّلام: أما فيكم رجل رشيد يردع استاذكم الكندي عمّا اخذ فيه من تشاغله بالقرآن فقال التّلميذ: نحن من تلامذته كيف يجوزمنّا الاعتراض عليه في هذا أو في غيره، فقال له ابو محمد أتؤدّي اليه ما القيه اليك؟ قال: نعم،قال : فصر اليه وتلطّف في مؤانسته ومعونته على ماهو بسبيله فاذا وقعت الانسة في ذلك فقل قد حضرتني مسالة اسألك عنها فانه يستدعي ذلك منك فقل له: ان اتاك هذا المتكلّم بهذا القرآن هل يجوز ان يكون مراده بما تكلم منه غير المعاني التي قد ظننتها انك ذهبت اليها؟ فانّه سيقول لك انه من الجائز لانّه رجل يفهم اذا سمع، فاذا أوجب ذلك فقل له:
فما يدريك لعلّه قد اراد غير الّذي ذهبت انت اليه فيكون واضعاً لغير معانيه. فصار الرّجل الى الكندي وتلطف الى ان القى عليه هذه المسألة فقال له: اعد عليّ، فأعاد عليه فتفكّر في نفسه ورأى ذلك محتملاً في اللّغة وسائغاً في النّظر، فقال: اقسمت عليك اِلاّ اخبرتني من اين لك ؟ فقال: انه شي عرض بقلبي فأوردته عليك ، فقال: كلّا ما مثلك من اهتدي الى هذا ولا من بلغ هذه المنزلة فعرفني من اين لك هذا؟ فقال: امرني به ابو محمّد فقال: الآن جئت به
ص: 20
وما كان ليخرج هذا إلا من ذلك البيت، ثمّ انه دعا بالنّار وأحرق جميع ما كان ألفّه.(1)
أ - يقول ابوهاشم الجعفري:
سأل الفهفكي ابا محمد (الامام العسكري عليه السّلام) ما بال المرأة المسكينة تأخذ سهماً واحداً ويأخذ الرّجل سهمين؟ فقال: انّ المرأة ليس عليها جهاد ولا نفقة ولا معقلة(2) ، انما ذلك على الرجال، فقلت في نفسي: قد كان قيل لي ان ابن ابي العوجاء سأل ابا عبدالله (الامام الصادق عليه السّلام) عن هذه المسألة فأجابه بمثل هذا الجواب، فأقبل ابو محمد (الامام العسكري عليه السّلام) فقال: نعم هذه مسألة ابن ابي العوجاء والجواب منّا واحد اذا كان معنى المسألة واحداً جرى لآخرنا ما جرى لأوّلنا، وأوّلنا وآخرنا في العلم والأمر سواء، ولرسول الله وامير المؤمنين صلوات الله عليهما فضلهما.(3)
ب - قال الحسن بن ظريف: كتبت الى ابي محمّد (الامام العسكري عليه السّلام) اسأله ما معنى قول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لأمير المؤمنين عليه السّلام:«من كنت مولاه فهذا علي
ص: 21
22
مولاه»؟
قال: اراد بذلك ان يجعله علماً يعرف به حزب الله عند الفرقة.(1)
ج - يقول القاسم الهروي: خرج توقيع من ابي محمّد (الامام العسكري عليه السّلام) الى بعض بني اسباط قال كتبت اليه اخبره عن اختلاف الموالي وأسأله اظهار دليل (معجزة) فكتب اليّ:
وانّما خاطب الله عزّوجلّ العاقل وليس احد يأتي بآية ويظهر دليلاً اكثر ممّا جاء به خاتم النبييّن وسيّد المرسلين، فقالوا ساحرو كاهن وكذَّاب، وهدى الله من اهتدى، غير انّ الأدلة يسكن اليها كثير من النّاس.
وذلك انّ الله عزّوجلّ يأذن لنا فنتكّلم ويمنع فنصمت، ولو أحبّ أن لا يظهر حقّاً ما بعث النبييّن مبشّرين ومنذرين يصدعون بالحقّ في حال الضعف والقوة وينطقون في أوقات ليقضي الله أمره وينفذ حكمه النّاس في طبقات شتّى المستبصر على سبيل نجاة متمسّك بالحق متعلّق بفرع واصل غير شاكّ ولا مرتاب لا يجد عنه ملجأ. وطبقة لم تأخذ الحقّ من اهله فهم كراكب البحر يموج عند موجه ويسكن عنه سكونه، وطبقة استحوذ عليهم الشّيطان شأنهم الرّدّ على اهل الحقّ ودفع الحقّ بالباطل حسداً من عند انفسهم، فدع من ذهب يذهب يميناً وشمالاً فالرّاعي اذا اراد ان يجمع غنمه
ص: 22
جمعها في اهون السّعي .
ذكرت ما اختلف فيه مواليّ فاذا كانت الرّفعة والكبر فلاريب، ومن جلس مجالس الحكم ( يعني الامام المعصوم) فهو اولى بالحكم، احسن رعاية من استرعيت، وايّاك والاذاعة وطلب الرّياسة فانّهما يدعو ان الى الهلكة.
ذكرت شخوصك الى فارس فاشخص خار الله لك وتدخل مصر ان شاء الله آمناً واقرأ من تثق به من مواليّ السلام ومرهم بتقوى الله العظيم واداء الأمانة واعلمهم انّ المذيع علينا حرب لنا.
قال: فلما قرأت «وتدخل مصر ان شاء الله آمنا» لم اعرف معنى ذلك، فقدمت بغداد وعزيمتي الخروج الى فارس فلم يتهيّأ ذلك فخرجت الى مصر.(1)
د - ويقول محمّد بن الحسن بن ميمون:
كتبت اليه (اي الى الامام العسكري عليه السّلام) اشكو الفقر، ثمّ قلت في نفسي: أليس قد قال ابوعبدالله (الامام الصّادق علیه السّلام) الفقر معنا خير من الغنى مع غيرنا، والقتل معنا خير من الحياة مع عدوّنا، فرجع الجواب: ان الله عزوجل محصّ اولياءنا اذا تكاثفت ذنوهم بالفقر، وقد يعفو عن كثير منهم كما حدثتك نفسك الفقر معنا خير من الغنى مع غيرنا والقتل معنا خير من الحياة مع عدوّنا، ونحن كهف لمن التجأ الينا ونور لمن استبصر بنا وعصمة
ص: 23
لمن اعتصم بنا، من احبّنا كان معنا في السّنام الأعلى ومن انحرف عنّا فالى النار.(1)
رسالة الامام الى واحد من كبار علماء الشيعة في قم: - ومن جملة مكاتبات الامام عليه السّلام مع اصحابه هذه الرّسالة التي وجهّها عليه السّلام الى الشّيخ الجليل علي بن الحسين بن بابويه القمي وهو من اكبر فقهاء الشّيعة، وهذا هو نصّها:
«بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والجنة للموحدين والنار للملحدين ولا عدوان إلا على الظّالمين ولا اله إلا الله احسن الخالقين والصّلاة على خير خلقه محمّد وعترته الطّاهرين. أما بعد اوصيك يا شيخي ومعتمدي وفقيهي ابا الحسن علي بن الحسين القمّي وفّقك الله لمرضاته وجعل من صلبك اولاداً صالحين برحمته بتقوى الله واقام الصلاة وإيتاء الزكاة فانّه لا تقبل الصلاة من مانع الزكاة واوصيك بمغفرة الذّنب وكظم الغيظ وصلة الرحم ومواساة الاخوان والسّعي في حوائجهم في العسر واليسر والحلم عند الجهل والتفقّه في الدين والتثبّت في الأمور والتّعاهد للقرآن وحسن الخلق والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال الله تعالى: «لا خير في كثير من نجواهم اِلآ من امر بصدقة او معروف او اصلاح بين النّاس» واجتناب الفواحش كلّها، وعليك بصلاة الليل...ومن استخّف بصلاة
ص: 24
اللّيل فليس منّا فاعمل بوصيّتي وأمر جميع شيعتي بما امرتك به حتّى يعملوا عليه وعليك بالصّبر وانتظار الفرج فان النّبي صلّى الله عليه وآله قال افضل اعمال امّتي الفرج، ولا تزال شيعتنا في حزن حتى يظهر ولدي الّذي بشّر به النّبي صلّى الله عليه وآله انّه يملأ الأرض قسطا وعدلاً كما ملئت ظلما وجوراً (وهو الامام القائم عليه السّلام) (1) فاصبريا شيخي ومعتمدي ابا الحسن وأمر جميع شيعتي بالصّبر فانّ الأرض الله يورثها من عباده من يشاء والعاقبة للمتّقين والسّلام عليك وعلى جميع شيعتنا ورحمة الله وبركاته وحسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النّصير». (2)
انّ الامام العسكري عليه السّلام - كآبائه الكرام - يتمتّع بارتباط خاصّ بالله تعالى والملائكة وعالم الغيب وله علوم تتعلّق بما وراء هذا العالم وإحاطة هي من لوازم الولاية الّتي هي من شؤون الامامة. وقد ذكرت الكتب وروايات العلماء موارد كثيرة من المعاجز والاخبار الغيبيّ التي صدرت من الامام عليه السّلام،
ص: 25
واستعراضها جميعاً يحتاج الى كتاب مستقلّ، ونحن هنا في هذه الدراسة المضغوطة نكتفي بذكر عدة أمثلة من هذا الباب:
1 - يقول ابوهاشم الجعفري:
دخلت على ابي محمّد ( الامام العسكري عليه السّلام) يوماً وأنا أريد أن أسأله ما أصوغ به خاتماً أتبرّك، به فجلست وانُسيت ما جئت له، فلمّا ودعّت ونهضت رمى الیّ بالخاتم فقال: أردت فضّة فأعطيناك خاتماً، ريحت الفصّ والكرا، هنّاك الله يا اباهاشم. فقلت: يا سيّدي اشهد انّك وليّ الله وامامي الذي ادين الله بطاعته، فقال: غفر الله لك يا ابا هاشم.(1)
2 - يقول ابوهاشم داوود بن القاسم:
كنت في الحبس المعروف بحبس صالح بن وصيف الأحمر، انا والحسن بن محمّد العقيقي ومحمّد بن ابراهيم العمري وفلان وفلان، اذ ورد علينا ابو محمّد الحسن (عليه السّلام) واخوه جعفر، فخففنا الى خدمته وكان المتولّي لحبسه صالح بن وصيف، وكان معنا في الحبس رجل جميحى يقول: انه علويّ. قال: فالتفت ابو محمّد (عليه السّلام) فقال: لولا انّ فيكم من ليس منكم لأعلمتكم متى يفرج عنكم، وأومأ الى الجميحى ان يخرج فخرج، فقال ابو محمّد (عليه السّلام): هذا الرّجل ليس منكم فاحذروه فانّ في ثيابه قصّة قد كتبها الى السّلطان يخبره بما تقولون فيه، فقام بعضهم ففتّش ثيابه فوجد فيها
ص: 26
القصّة يذكرنا فيها بكلّ عظيمة ...(1)
3-ويقول محمد بن الربيع الشيباني:
ناظرت رجلاً من الثنويّة (الّذين يؤمنون بالهين) بالأهواز ثمّ قدمت سرّ من رأى وقد علق بقلبي شئ من مقالته، فانّي لجالس على باب احمد بن الخضيب إذ أقبل ابو محمّد من دار العامّة الموكب فنظر الي واشار بسبّابته: أحد أحد فوَحِده، فسقطت مغشيّاً علىّ.(2)
4 - يقول اسماعيل بن محمّد:
قعدت لابي محمّد الحسن (العسكري عليه السّلام) على باب داره حتّى خرج فقمت في وجهه وشكوت اليه الحاجة والضّرورة وأقسمت انّي لا املك الدّرهم فما فوقه، فقال: تقسم وقد دفنت مأتي دينار، وليس قولي هذا دفعاً لك عن العطيّة اعطه يا غلام مامعك، فأعطاني الغلام مأة دينار، فشكرت الله تعالى ووليّت، فقال (عليه السّلام): ما اخوفني ان تفقد مأتي دينار احوج ما تكون اليها. فذهبت اليها فافتقدتها فاذا هي في مكانها فنقلتها الى موضع آخر ودفنتها من حيث لا يطّلع احد ثمّ قعدت مدّة طويلة فاضطررت اليها فجئت اطلبها في مكانها فلم اجدها فجئت وشقّ ذلك عليّ فوجدت
ص: 27
ابناً لي قد عرف مكانها واخذها وابعدها ولم يحصل لي شي فكان كما قال.(1)
5 - يقول محمد بن عيّاش:
تذاكرنا آیات الامام (معاجز الامام العسكري (عليه السّلام) فقال ناصبي: ان اجاب عن كتاب بلامداد (اي حبر) علمت انه حقّ، فكتبنا مسائل وكتب الرّجل بلامداد على ورق وجعل في الكتب وبعثنا اليه، فأجاب عن مسائلنا، وكتب على ورقه (ورقة النّاصبي) اسمه واسم ابويه، فدهش الرّجل فلما افاق اعتقد الحقّ. (2)
6 - ويقول عمر بن ابي مسلم :
كان سميع المسمعي يؤذيني كثيراً ويبلغني عنه ما اكره، وكان ملاصقاً لداري، فكتبت الى ابي محمّد (الامام العسكري عليه السّلام) اسأله الدّعاء بالفرج منه، فرجع الجواب ابشر بالفرج سريعاً وأنت مالك داره، فمات بعد شهر واشتریت داره فوصلتها بداري ببركته.(3)
7 - يقول ابوحمزة نصير الخادم:
سمعت ابا محمد (الامام العسكري) عليه السّلام غير مرّة يكلّم غلمانه بلغاتهم وفيهم ترك وروم وصقالبة، فتعجّبت من ذلك وقلت
ص: 28
هذا ولد بالمدينة ولم يظهر لأحد حتى مضى ابوالحسن عليه السّلام ولا رأه احد فكيف هذا احدّث نفسي بذلك، فأقبل عليّ فقال: ان الله عزّوجلّ أبان حجّته من ساير خلقه واعطاه معرفة كلّ شي فهو يعرف الّلغات والأنساب والحوادث، ولولا ذلك لم يكن بين الحجّة والمحجوج فرق.(1)
1 - علیک بالاقتصاد وايّاك والاسراف.(2)
2 - وقع البهلول معه (اي مع الحسن بن علي عليهما السّلام) انّه رأي وهو صبيّ يبكي والصّبيان يلعبون، فظنّ أنّه يتحسّر على ما في ايديهم، فقال: اشتري لك ما تلعب به؟ فقال (علیه السّلام):
يا قليل العقل ما للّعب خلقنا، فقال له: فلماذا خلقنا؟ قال عليه السّلام للعلم والعبادة، فقال له: من اين لك ذلك؟ قال: من قول الله عزّوجلّ: «أفحسبتم أنها خلقناكم عبثا وانكم الينا لا ترجعون».(3)
3- لا تمار فيذهب بهاؤك ولا تمازح فيُجترىُ عليك .(4)
4 - من التّواضع السّلام على كلّ من تمرّبه والجلوس دون شرف
ص: 29
المجلس.(1)
5 - اذا نشطت القلوب فأودعوها واذا نفرت فودّعوها.(2)
6 - ليس من الأدب اظهار الفرح عند المحزون.(3)
7- التواضع نعمة لا يحسد عليها.(4)
8 - من وعظ أخاه سرّاً فقد زانه ومن وعظه علانيةً فقد شانه.(5)
9 - كفاك أدبا لنفسك تجنّبك ما تكره من غيرك.(6)
10 - حسن الصورة جمال ظاهر وحسن العقل جمال باطن.(7)
11 - انّ الوصول الى الله عزّوجلّ سفر لا يدرك إلا بامتطاء الّليل.(8)
12 - جُعلت الخبائث في بيت والكذب مفاتيحها.(9)
13 - انّ للجود مقداراً فاذا زاد عليه فهو سرف.(10)
14 - وانّ للحزم مقداراً فاذا زاد عليه فهو جبن.(11)
بعض اصحاب الامام (علیه السلام) : -
صحيح انّ الاصحاب المقرّبين للامام العسكري (عليه السّلام) لم يكونوا كثيرين بسبب ما كان يعيشه الامام من محدودّيات وما كان يعيشه المجتمع من اضطهاد، اِلّا انّ هؤلاء الافراد القليلين الّذين فازوا بمرافقة الامام والانتفاع به يعتبرون من جملة كبار رجال الله
ص: 30
ومن ابرز العلماء المتقين، ونذكرهنا باختصار بعضاً من هؤلاء:
1 - احمد بن اسحاق الأشعريّ القمي: وهو من الأصحاب المقرّبين وعمّال الامام العسكري عليه السّلام، ويعدّ كبير القميّين، وكان يحمل مسائل اهل قم الى الامام ويستلم منه الجواب عليها، وقد ادرك ايضاً زمان الامام الجواد والامام الهادي عليهما السّلام وروى عنها كذلك.(1)
وكتب احمد بن اسحاق رسالة الى الحسين بن روح القميّ- النّائب الثالث للامام في عصر الغيبة الصّغرى - يستأذنه في الحجّ، فأذن له وبعث اليه بثوب، فقال احمد بن اسحاق: نعى اليّ
نفسي ، فانصرف من الحج فمات بحلوان(2).
يقول سعد بن عبدالله فيما يتعلّق بوفاة احمد بن اسحاق:
اصابته الحمّى في مكان يبعد ثلاثة فراسخ عن حلوان (پل ذهاب) ومرض مرضا شديداً بحيث يئسنا منه، ولمّا وصلنا الى حلوان أقمنا في خان فقال احمد: اتر كوني اللّيلة وحدي واذهبوا الى أما كنكم، فذهب كلّ واحد منّا الى مكانه الخاصّ، وقريب الصّباح فكرّت فيه وقلقت عليه، وبمجرّد ان فتحت عيني شاهدت كافوراً خادم مولاي الامام العسكري عليه السّلام وهو يقول :
«احسن الله بالخير عزاءكم وجبر بالمحبوب رزيّتكم».
ص: 31
ثمّ اضاف: لقدتمّ تغسيل وتكفين مرافقكم احمد، فانهضوا لدفنه، انّه بسبب قربه الى الله تعالى كان اكرم منكم جميعاً عند مولاكم. ثم غاب عن أنظارنا.(1)
2 - ابوهاشم داوود بن القاسم الجعفري: -
وهو من أحفاد جعفر الطّيار عليه السّلام(2) ومن اعظم رجال اهل بيته واهل بغداد، وكانت له منزلة رفيعة ومقام محمود عند الأئمة عليهم السّلام، وقد ادرك الامام الجواد والامام الهادي والامام العسكري عليهم السّلام، وكان من جملة الوكلاء والعمّال للامام صاحب العصر والزمان عليه السّلام في أوائل الغيبة الصّغرى.
وكان ابوهاشم مقرّباً جدّاً عند الأئمّة عليهم السّلام ويعدّ من محبّيهّم الواقعيّين وأصحابهم الخاصّين، وقد نقل عدداً كبيراً من الرّوايات عنهم عليهم السّلام وألّف كتاباً أيضاً، وهناك طائفة كبيرة من أبرز رجال الشّيعة تروي عن كتابه هذا.(3)
وكان ابوهاشم رجلاً متحرّراً شجاعاً غير مبال، فعندما جاءوا برأس يحيى بن عمر الزّيدي(4) الى محمّد بن عبد الله بن طاهر والي
ص: 32
بغداد بارك له البعض هذا النّصر وهنّأوه عليه، فذهب ابوهاشم الى هذا الوالي وخاطبه من دون تحفّظ: ايها الأمير جئتك لأبارك لك شيئا لو كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حياً لأقام العزاء عليه !
وسكت الوالي ولم يقل شيئا في جواب ابي هاشم.(1)
3-عبدالله بن جعفر الحميري:
وهو من ابرز رجال ق-م ومن جملة الأصحاب المقرّبين للامام العسكريّ عليه السّلام، وقد ألف كتباً كثيرة، منها كتاب «قرب الاسناد» الّذي كان ولايزال مورد اهتمام كبار علماء الشّيعة
وفقهائها.
وبعد عام (290) بقليل رحل الى الكوفة واقتبس منه اهل الكوفة الحديث.(2)
4 - ابو عمرو عثمان بن سعيد العمري: -
وهو النّائب الأوّل للامام القائم عجل الله تعالى فرجه الشّريف أثناء الغيبة الصّغرى، وكان رجلاً شريفاً وموثّقا ومن كبار أصحاب ووكلاء الامام الهادي والامام العسكري والامام المهدي عليهم السّلام، وقد نشأ وشبّ منذ سنّ الحادية عشرة في خدمة الامام الهادي عليه السّلام وكان الرّابط والواسطة بين النّاس والامام الهادي
ص: 33
والامام العسكري والامام الغائب عليهم السّلام، وكانت تظهر على يديه أحيانا بعض الكرامات.
وكما اشرنا من قبل فقد كان أوّل نائب من النّواب الخاصّين لامام العصر (عجل الله تعالی فرجة الشریف)، وقبل ذلك كان الامام الهادي والامام العسكري عليهما السّلام يرجعان النّاس اليه ليتعلّموا منه المسائل والأحكام. وكلّ واحد من الامام الهادي والامام العسكري (علیها السّلام) كان يقول في حقّه: ابوعمرو (عثمان بن سعيد) ثقتي وأميني، وما ينقله فهو ينقل عنّي، وما يوصله اليك-م فهو يوصله من قبلي.(1)
كان خلفاء بني العبّاس وعمّال حكومتهم قد سمعوا انّ عدد أئمّة اهل البيت عليهم السّلام هو اثنا عشر اماماً وانّ الثّاني عشر منهم سوف يظهر بعد غيبته ويطوي سجلّ الظّالمين ويقضي حكومات الباطل ويملأ العالم بالقسط والعدل.
والعلم بهذا الموضوع ولا سيّما في هذه الأواخر (زمان الامام الهادي والامام العسكري) كان يؤدّي الى اضطراب الخلفاء، ولهذا كانوا يراقبون الامام العسكري بشدّة، ويحبّون كثيراً ان لا يولد للامام مولود، وجميع شؤون الامام كانت مراقبة بطرق مختلفة، وحتى
ص: 34
انّهم سجنوا الامام عدّة مرّات، واخيراً لمّا رأى المعتمد العبّاسيّ انّ اهتمام النّاس واقبالهم على الامام يزداد يوماً بعد يوم وانّ السّجن والاضطهاد والرّقابة قد أدّت الى تأثير معكوس فهو لم يتحمّل ذلك واتّخذ قراراً بقتله فدسّ السّم الى الامام خُفيةً واستشهد صلوات الله عليه وعلى آبائه الطّاهرين في الثّامن من ربيع الأول سنة (260) هجرية.
ومدى نفوذ الامام في المجتمع والخوف من تمرّد الشّيعة والعلويّين قد اشاع الاضطراب في قلب المعتمد العبّاسي من احتمال انكشاف قضيّة دسّ السّم للامام، ومن هنا فانّه كان يحاول اخفاء هذه الجريمة بأيّة طريقة، ينقل ابن صباغ المالكي في كتابه «الفصول المهمّة» عن عبدالله بن خاقان، وهو احد اعضاء البلاط العبّاسيّ، قوله:
لقد ورد على الخليفة المعتمد على الله احمد بن المتوكّل في وقت وفاة ابي محمد الحسن بن عليّ العسكري ما تعجبنا منه ولا ظننا انّ مثله يكون من مثله، وذلك أنّه لما اعتلّ ابو محمّد ركب خمسة من دار الخليفة من خدّامه وثقاته وخاصّته، كلّ منهم تحرير فقه وامرهم بلزوم دار ابي الحسن وتعرّف خبره ومشاركتهم له بحاله وجميع ما يحدث له في مرضه، وبعث اليه من خدام المتطبّبين وامرهم بالاختلاف اليه وتعهدّه صباحاً ومساءً فلمّا كان بعد ذلك بيومين او ثلاثاً اخبروا الخليفة بانّ قوتّه قد سقطت وحركته قد ضعفت وبعيد ان يجيٌ منه شئ فأمر المتطبّبين بملازمته وبعث الخليفة الى القاضي بن بختيار ان يختار عشرة ممّن يثق بهم وبدينهم وامانتهم يأمرهم الى
ص: 35
دار ابي محمّد الحسن وبملازمته ليلاً ونهاراً فلم يزالوا هناك الى ان توفّي بعد ايّام قلايل، ولما رفع خبر وفاته ارتجت سرّ من رأى وقامت ضجّة واحدة وعطلت الأسواق وغلقت ابواب الدّكاكين وركب بنوهاشم والكّتاب والقواد والقضاة والمعدلون وساير الناس الى ان حضروا الى جنازته، فكانت سرّ من رأى في ذلك شبيها بالقيامة، فلمّا فرغوا من تجهيزه بعث الخليفة الى عيسى بن المتوكل اخيه بالصّلاة عليه، فلما وضعت الجنازة للصّلاة دنى عيسى منه وكشف عن وجهه وعرضه على بني هاشم من العلويّة والعبّاسيّة وعلى القضاة والكتاب والمعدلين فقال: هذا ابو محمّد العسكري مات حتف انفه على فراشه وحضره من خدّام امير المؤمنين فلان وفلان ثمّ غطّى وجهه وصلّى عليه وأمر بحمله ودفنه، وكانت وفاة ابي محمّد الحسن بن علي بسرّ من رأى في يوم الجمعة لثمان خلون من شهر ربيع الاوّل سنّة ستّين ومائتين للهجرة، ودفن في البيت الّذي دفن فيه ابوه بدارهما من سرّ من رأى وله يومئذ من العمر ثمان وعشرون سنة.(1)
ممّا نقلناه يتضّح مدى ما كان للامام من مكانة رفيعة في المجتمع، ولماذا كانت الحكومة خائفة منه، ويُعرف ايضاً لماذا كان الخليفة خائفاً من انكشاف قضية دسّ السّم للامام وقتله ولماذا كان يعدّ الأرضيّة من قبل ليصّور شهادة الامام بصورة انّه موت طبيعيّ.
ص: 36
اجل إنّ الظّالمين يرون وجود الأئمّة المعصومين خطراً على سلطانهم ويبذلون اقصى جهودهم لاطفاء نور هؤلاء القادة الحقيقييّن، ولهذا يفرضون عليهم رقابة شديدة ويحاولون ما امكنهم ان يفصلوهم عن المجتمع وبالتّالي يقدمون على قتلهم.
وبعد شهادة الامام العسكري عليه السلام أقدم - في الظّاهر - المعتمد العبّاسي على تقسيم ميراث الامام بين امّ الامام واخيه جعفر ليوحي للنّاس انّ الامام العسكريّ لم يخلّف وراءه ولداً حتّى ييأس الشّيعة من وجود الامام اللّاحق، وامّا في الباطن فقد وظف جواسيسه ليبحثوا ويدقّقوا واذا ظفروا بولد له فليلقوا القبض عليه، وراح موظّفو الخليفة يسلّطون الضّغوط الشّديدة على اقارب الامام ولكنّهم فشلوا في الظّفر بالامام القائم عليه السّلام، والله سبحانه وتعالى قد حفظه وجعله في امان من كيد الظّالمين، وصحيح ان الامام الحجّة بن الحسن المهدي عليه السّلام قد كفّ عن الاتصال الواضح بالنّاس والحضور المعلن في المجتمع واختار الغيبة بأمر الله لكي يأمن من شرّ الظّالمين، إلاّ انّ الشّيعة وخواصّ الامام العسكري-الّذين طالما شاهدوا الامام القائم في صغره - كانوا مطمئنّين بوجوده، وعند وفاة الامام العسكري عليه السّلام ظهر الامام القائم أيضاً في ساحة دار والده وقام بتنحية عمّه جعفر الّذي كان يريد الصّلاة على جثمان الامام العسكري وأدّى هو بنفسه الصّلاة على جنازة والده الكريم(1)، وخلال فترة الغيبة الصّغرى كان الشّيعة،
ص: 37
متّصلين بالامام عن طريق نواّبه الخاصّين، وكان الامام يجيب على اسئلة شيعته بواسطة اولئك النّواّب، وقد جرت كرامات ومعاجز كثيرة على أيدي هؤلاء النّواّب ساهمت في تقوية عقيدة المحبّبين وزيادة اطمئنانهم، وسوف نبيّن جانباً منها في الكراّسة اللاحقة التي تتضّمن شرح حياة الامام الثّاني عشر ان شاء الله تعالى .
والحمدلله ربّ العالمين.
ص: 38