اسم الكتاب... الامام العاشر علي بن محمد الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ)
المؤلف... لجنة التحرير في طريق الحق
المترجم... محمد عبدالمنعم الخاقاني
الناشر... مؤسسة في طريق الحق
عدد النسخ... 3000
المطبعة.. سلمان الفارسي
الطبعة... الثانية
تاريخ النشر... 1425 ه- ق - 2004م
ISBN: 964 - 6425 - 88-7
السعر 250 تومان
ص: 1
على بن محمد الهادى (عَلَيهِ السَّلَامُ)
ص: 2
بسم الله الرّحمن الرّحيم
يعدّ الامام ابوالحسن علي الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) الامام العاشر للشيعة، وقد ولد في منتصف شهر ذي الحجّة سنة (212) هجريّة (1) في محل واقع في أطراف المدينة يسمّى «صريا » (2)، وأبوه هو الامام التاسع الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأمّه هي السيدة الجليلة «سمانة» وكانت أمة ذات فضيلة و تقوى (3).
وأشهر القاب الامام العاشر هو «الهادي» و «النقي». ويُسمى أيضاً ب_ «ابي الحسن الثالث» (4). (في اصطلاح رواة الشيعة ابوالحسن الأول هو الامام السابع موسى بن جعفر وابوالحسن الثّاني هو الامام الثّامن علي بن موسى الرضا عليهم السلام).
وقد استلم الامام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) منصب الامامة سنة
ص: 3
(220) هجريّة وذلك بعد استشهاد والده الكريم وقد كان عمره الشريف آنذاك ثمّ انية أعوام. واستمرّبت فترة امامته ثلاثاً وثلاثين سنة، وعمّر واحداً واربعين عاماً وعدة شهور وفي سنة (245) هجريّة استشهد سلام الله عليه.
وقد نقل من شاهد الامام (عَلَيهِ السَّلَامُ): انّه كان متوسّط القامة وذاوجه ابيض اللون مشرّباً بحمرة وذاعيون كبيرة وحواجب واسعة، واسارير وجهه تبعث على الفرح والسرور (1).
وقد عاصر خلال حياته سبع حكومات من الخلفاء العبّاسيّين، فكان قبل امامته معاصراً للمأمون والمعتصم اخ المأمون، وفي أثناء امامته عاصر ما تبقّى من حكومة المعتصم، وحكومة الواثق ابن المعتصم، والمُتوكّل اخ الواثق، والمنتصر ابن المُتوكّل، والمستعين ابن عمّ المنتصر، والمُعتزّ وهو الابن الآخر للمتوكّل. ثمّ استشهد في عصر المُعتزّ (2).
وفي اثناء حكم المُتوكّل جاء وابالامام - بأمر من هذا الطّاغية - من المدينة الى سامِرّاء الّتي كانت آنذاك مركز حكم العبّاسيّين، وأقام فيها الامام الى آخر عمره الشريف (3).
وابناء الامام (عَلَيهِ السَّلَامُ) هم: الامام الحادي عشر الحسن العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) والحسين و محمد و جعفر وبنت واحدة
ص: 4
تُسمى «علية» (1).
انّ استمرار النضال والمعارضة من اهل بيت النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ) للخلفاء الغاصبين الظالمين يعتبر من الصفحات الدّمويّة المليئة بالفخر والاعتزاز من تاريخ الاسلام و التشيّع. فأئمّتنا الكرام عليهم الصّلاة والسّلام كانوا مغضبين للحكّام المستبدّين واذنابهم الظالمين بما يتميّزون به من مواقف صُلبة غير متخاذلة ازاء الظّلم، ومن مواقف شجاعة في الدفاع عن الحقّ والعدالة، ولمّا كان الخلفاء الغاصبون يعلمون انّ أئمّة الشّيعة ينتهزون كل فرصة لهداية النّاس واحقاق الحق والدفاع عن المظلوم والوقوف في وجه الظلم والفساد فانّهم كانوا يشعرون بالخطر الجسيم يهدّدهم من جانب هذه الجماعة الّتي كرست كلّ جهودها للهداية والارشاد والصمود.
والخلفاء العبّاسيّون - الّذينَ حلّوا محلّ الخلفاء الأمويّين الظّلمة بالتآمر والخداع وحكموا النّاس باسم الخلافة الاسلاميّة - هم كأسلافهم الغاصبين لم يدخروا جهداً لقمع اهل بيت النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ) وتلويث سمعتهم، وحاولوا بكل ما أوتوا من قوة ان يشوّهوا الصورة النّقيّة لقادة المسلمين الحقيقيين ويسقطوهم عن منزلتهم الرّاقية، واستعملوا الدسائس المختلفة لابعاد اولئك الكرام
ص: 5
عن مقام قيادة الناس ومحوحبّ الأمة لهم...
وحيّل المأمون العباسيّ للوصول الى هذا الهدف وخططه الجهنّمية لاظهار حكومة بمظهر الشّرعيّة والقانونية واستلام منصب القيادة واخفاء شمس الامامة، ليست مخفية على المطّلعين على تاریخ الأئمة (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) والخلفاء، وقد أشرنا الى بعض جوانب هذا الموضوع خلال دراستنا لحياة الامام الثّامن والامام التاسع (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)
فبعد المأمون استمرّ المعتصم العبّاسيّ في نفس تلك الخطط والمؤامرات الّتي كان ينفذها سلفه في اهل بيت النّبوّة والامامة ومن هنا فقد استقدم الامام الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ) من المدينة الى بغداد وجعله تحت المراقبة الشّديدة ثمّ بالتالي أدّى به الى القتل، وسجن أيضاً بعض العلويّينَ بذريعة انّهم لم يرتدوا الملابس السوداء (وهي الملابس الرّسميّة للعبّاسیّين) حتّى ماتوا في السّجن (أو قتلهم) (1).
وقد مات المعتصم في سامِرّاء عام (227) هجري (2)، فحلّ محلّه في الحكم ابنه الواثق، واقتفى اثر ابيه المعتصم وعمّه المأمون.
وكان الواثق مثل سائر الخلفاء المتظاهرين بالاسلام مرفهاً
ص: 6
وشراباً للخمر، وكان مفرطاً في هذه المجالات بحيث كان يلجأ لتناول بعض العقاقير الخاصة لتوفّر له امكانية الاستمرار في لذّاته، وكانت هذه العقاقير هي الّتي أدت به في نهاية الأمر الى الموت (1) فمات في سامِرّاء سنة (232) هجريّة.
وسلوك الواثق مع العلويّينَ لم يكن قاسياً ولهذا السبب تقاطر العلويّون وآل ابي طالب على سامِرّاء في زمانه واجتمعوا فيها وقد عاشوا في رفاه نسبي خلال تلك الفترة، ولكنهم تفرقوا خلال حكم المُتوكّل (2).
و بعد الواثق جاء اخوه المُتوكّل وأصبح خليفة، ويعتبر من اكثر الحكّام العبّاسيّين انحطاطاً وسقوطاً وأشدّهم جريمة، وقد عاصر الامام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) المُتوكّل اكثر من سائر الخلفاء العبّاسيّين، واستمرت فترة معاصرته له اكثر من اربعة عشر عاماً كانت هذه الفترة الطّويلة من أصعب وأقسى السّنين في حياة هذا الامام الكريم واتباعه المخلصين، وذلك لانّ المُتوكّل كان من اكثر خلفاء بني العبّاس كفراً وكان رجلاً خبيثاً وساقطاً، وكان قلبه مملوءاً بالحقد والعداوة لأمير المؤمنين علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) واهل بيته الكرام وشيعته، وقد واجه العلويّون في ظلّ حكومته القتل أودسّ السّم أوانّهم فرّوا وتواروا عن الأنظار(3).
ص: 7
وكان المُتوكّل يحثّ الناس - بواسطة نقل احلام له ورؤى كاذبة - على اّتباع «محمد بن ادريس الشّافعي» الّذي كان ميّتاً في زمانه. (1) وكان هدفه من هذا هو صرف النّاس عن اتّباع الأئمّة (عَلَيهِمَا السَّلَامُ).
وفي سنة (236) هجريّة أمر بهدم قبر سيّد الشهداء الامام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهدم ما حوله من الدّور وان يعمل مزارع، ومنع النّاس من زيارته، وخُرّب وبقي صحراء. (2)
وكان خائفاً من ان يغدو قبر الامام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قاعدة ضدّه، ومن ان يصبح نضاله واستشهاده (عَلَيهِ السَّلَامُ) ملهماً لتحرك ونهوضٍ شعبيّ في مقابل ظلم خلافته، إلا انُ الشُيعة ومحبي سيّد الشهداء لم يكفّوا اطلاقاً وتحت ايّ ظرف من الظُروف عن زيارة تلك البقعة الطاهرة، حتّى انّه قد نُقل انّ المُتوكّل قد هدم ذلك القبر الشريف سبع عشرة مرة وهدّد الزائرين بمختلف التّهديدات وجعل مخفرين للمراقبة في اطراف القبر، ومع كلّ هذه الجرائم فانّه لم يفلح في صرف النّاس عن زيارة سيّدالشّهداء، فقد تحمّل الزائرون مختلف اصناف التّعذيب والايذاء و واصلوا الزيارة. (3) و بعد قتل المُتوكّل عاد الشّيعة بالتعاون مع العلويّينَ لتعمير واعادة بناء قبر
ص: 8
الامام الحسين عليه السلام. (1)
وقد أغضب المسلمين هدم قبر الامام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فراح أهل بغداد يكتبون الشّعارات المضادّة للمتوكّل على الجدران وفي المساجد، ويهجونه بواسطة الشّعر. وهذه الأبيات من الشّعر من جملة الهجاء الّذي قيل في ذلك الطّاغية المستبدّ:
بالله ان كانت أمية قد أتت *** قتل ابن بنت نبيّها مظلوما
فلقد أتاه بنو أبيه بمثله ***هذا لعمري قبره مهدوما
أسفوا على ان لا يكونوا شاركوا ***في قتله فتتبعوه رمیما» (2)
أجل ان الناس الّذينَ لا تمتّد أيديهم الى وسائل اعلام عصرهم ويرون المنابر والمساجد والاجتماعات والخطب في أيدي عملاء السّلطة العبّاسيّة يعبّرون عن غضبهم واعتراضهم بهذه الصّورة.
وقد استغلّ الشّعراء الملتزمون الّذينَ يشعرون بالمسؤولية مالديهم من فنّ وقريحة فأنشدوا قصائد ضدّ المُتوكّل ونبهوا النّاس على جرائم بني العبّاس، وفي المقابل فانّ المُتوكّل لم يتورّع عن ارتكاب ايّ جريمة في سبيل اسكات الأصوات المعترضة والمخالفة، وكان يقمع بعنف
ص: 9
العلماء والشعراء وسائر الفئات الّتي عجز عن تطويعها واخضاعها للتّعاون معه والاستسلام له وكان يعرّضها للقتل بأفجع الصور.
فمثلاً يعقوب بن السّكّيت - وهو شاعر وادیب شیعی مشهور بحيثُ يطلق عليه انّه الامام في العربية ندبه المُتوكّل الى تعليم ولديه: «المعتز» و «المؤيد»، فنظر المُتوكّل يوماً الى ولديه وقال لابن السّكّيت: من احبّ اليك هما أو الحسن والحسين؟ فقال ابن السكيت: قنبر یعنی مولی امیر المؤمنين علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) - خير منهما !
فأمر الأتراك فداسوا بطنه حتّى مات، وقيل أمر بسل لسانه فمات. (1) (رضوان الله تعالى عليه).
وقد اطلق المُتوكّل يديه في نهب بيت مال المسلمين كسائر الخلفاء، وكان مسرفاً كما كتب المؤرّخون في تاريخ حياته، حيث بنى القصور المتعدّدة والمتنوّعة، وأنفق على «برج المُتوكّل » - الّذي لايزال قائماً اليوم في سامِرّاء - مليوناً وسبعائة الف دينار من الذهب !... (2)
ومن المؤلم حقاً انّه الى جانب هذا الاسراف والتبذير يعيش العلويّون وأهل بيت النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ) في ضيق وعسر بحيث انّ «طائفة من النّساء العلويات في المدينة ماكن يملكن
ص: 10
ملابس كاملة تتيسّر فيها اقامة الصّلاة وانّما كان لديهنّ ثوب رثّ بال يتعاقبن عليه اثناء اداء الصّلاة ويعتمدن في امرار المعاش على الخياطة، واستمرت هذه الصعوبة والضيق معهنّ حتّى مات المُتوكّل». (1) وحقد المُتوكّل وعداؤه لأمير المومنين علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد دفعه الى سقوط ورذالة لا تُصدّق، حيث كان المُتوكّل يأنس الى النواصب واعداء أهل البيت وقد أصدر أوامره لأحد المضحكين والمثرثرين ان يسخر ويستهزأ في مجلسه بأمير المؤمنين (عليه السلام) بصورة مخجلة، والمُتوكّل يتفرّج على طريقة ادائه واطواره ويشرب الخمر ويقهقه قهقهة السّكارى ! (2)
وصدور مثل هذه الأعمال من المُتوكّل ليس بالأمر العجيب وانّما الغريب والمؤلم هو وضع الّذينَ ينصّبون أمثال هذه الخنازير المنحطة الوسخة حكاماً ويعدونهم خلفاء للنّبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ) ومن جملة اولي الأمر للمسلمين، ويشيحون بوجوههم عن الاسلام الحقيقي واهل بيت نبيّه الطّاهرين ويتّبعون أمثال هؤلاء الخلفاء! أسفاً على الانسان كيف ينحدر في الضّلال الى هذه المستويات.
أجل انّ جنون المُتوكّل في الايذاء والجريمة قد بلغ الذّروة حتّى انّه في بعض الأحيان كان هو بنفسه يعترف بذلك !
يقول الفتح بن خاقان - وهو وزيره-:
ص: 11
دخلت يوماً على المُتوكّل فرأيته مطرقاً متفكّراً فقلت: يا امير المؤمنين ما هذا الفكر؟ فوالله ما على ظهر الأرض أطيب منك عيشاً ولا أنعم منك بالاً. فقال: يا فتح أطيب عيشاً منّي رجل له دار واسعة وزوجة صالحة ومعيشة حاضرة لا يعرفنا فنؤذيه ولا يحتاج الينا فنزدريه... ! ! (1)
وقد بلغ ايذاء المُتوكّل وتعذيبه لأهل بيت النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ) الى الحد الّذي كان يعذّب فيه الناس ويعاقبهم بذنب المحبّة والاتباع للأئمة الكرام ولهذا فقد أصبح الأمر صعباً جداً على اهل بيت الطهارة.
وعييّن المُتوكّل عمر بن فرح الرخجي والياً على مكّة والمدينة وكان يكف الناس عن الاحسان الى آل ابي طالب ويتشدّد كثيراً في هذا الأمر فامتنع النّاس خوفاً على أنفسهم عن بذل الرّعاية والحماية للعلوييّن وأمست الحياة صعبة جداً على أهل بيت أمير المؤمنين علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)... (2)
كان الخلفاء الظالمون يشعرون بالخوف من نفوذ الأئمّة (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) في المجتمع واهتمام وحبّ الناس لهم، ومن البديهي
ص: 12
عندئذٍ ان لا يكفّوا أيديهم عن الأئمة الكرام وان لا يتركوهم لحالهم، وبالنسبة للمتوكل فانّه علاوة على هذا الخوف المستبدّ بجميع المتقدمين عليه كان يشعر بحقد مرير وعداوة مضاعفة لأهل بيت أمير المؤمنين على (عَلَيهِ السَّلَامُ) ممّا كان يدفعه للمزيد من التشدد والتضييق عليهم، ومن هنا فقد عقد العزم على نقل الامام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) من المدينة الى مكان قريب منه حتّى يراقبه عن كثب.
وهكذا أبعد المُتوكّل الامام في عام (234) هجريه من المدينه الى سامِرّاء بصورة محترمة، وأسكنه في بيت مجاور لمعسكره، وأقام الامام في هذا البيت حتّى آخر عمره الشريف، اي الى سنة (254) هجريّة، وقد احتفظ بالامام دائماً تحت مراقبته الشديدة، وسار على منهجه هذا الخلفاء الّذينَ جاءوا من بعده، فكلّ واحد منهم كان يراقب الامام بصورة شديدة حتّى استشهاده (عَلَيهِ السَّلَامُ). (1)
وكان سبب شخوص ابي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) من المدينة الى سرّ من رأى ان عبد الله بن محمد كان يتولى الحرب و الصّلاة في مدينة الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ) فسعى بأبي الحسن الى المُتوكّل، وكان يقصده بالأذى، وبلغ ابا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) سعایته به فكتب الى المُتوكّل يذكر تحامل عبدالله بن محمّد عليه وكذبه فيما سعی به، فتقدم المُتوكّل باجابته عن كتابه ودعائه فيه الى حضور
ص: 13
العسكر على جميل من الفعل والقول فخرجت نسخة الكتاب وهي:
«بسم الله الرّحمن الرّحيم أما بعد، فان امير المؤمنين! عارف بقدرك راع لقرابتك موجب لحقّك، مؤثر من الأمور فيك وفي اهل بيتك ما يصلح الله به حالك وحالهم ويثبت به عزّك وعزّهم ويدخل الأمن عليك وعليهم يبتغي بذلك رضا ربّه واداء ما فرض عليه فيك وفيهم.
فقد رأى امير المؤمنين صرف عبدالله بن محمّد عمّا كان يتولى من الحرب والصّلاة بمدينة الرّسول، اذ كان على ما ذكرت من جهالته بحقّك واستخفافه بقدرك، وعندما قرفك به ونسبك اليه من الأمر الّذي قد علم امير المؤمنين براءتك منه وصدّق نيّتك في برّك وقولك وأنّك لم تؤهل نفسك لما قرفت بطلبه، وقد ولى اميرالمؤمنين ما كان يلي من ذلك محمّد بن الفضل وأمره باكرامك وتبجيلك والانتهاء الى امرك ورأيك، والتقرب الى الله والى امير المؤمنين بذلك، وامير المؤمنين مشتاق اليك، يحبّ احداث العهد بك والنظر الى وجهك.
فان نشطت لزيارته والمقام قبله ما احببت، شخصت ومن اخترت من اهل بيتك ومواليك وحشمك على مهلة وطمأنينة ترحل اذا شئت وتنزل اذا شئت وتسير كيف شئت، فان احببت ان يكون يحيى بن هرثَمة مولى امير المؤمنين! ومن معه من الجند يرحلون برحيلك، يسيرون بمسيرك، فالامر في ذلك اليك وقد تقدّمنا اليه بطاعتك.
ص: 14
فاستخر الله حتّى توافي اميرالموامنين ! فما احد من اخوته وولده واهل بيته وخاصته الطف منه منزلة ولا احمد له اثرة ولا هو لهم أنظر وعليهم اشفق وبهم أبر واليهم اسكن أبر واليهم اسكن منه اليك والسّلام عليك ورحمة الله وبركاته» (1).
ولا شكّ في انّ الامام (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان مطّلعاً على سوء نية المُتوكّل ولكنّه لم يكن له بدّ من الرّحيل الى سامِرّاء، وذلك لانّ امتناعه عن تلبية دعوة المُتوكّل يغدو وثيقة بيدالسّاعين يثيرون المُتوكّل بها ويصبح ذريعة مناسبة له، والشاهد على انّ الامام (عليه السلام) كان عالماً بنيّة المُتوكّل وقد اضطر للسّفر هو ما كان يقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيما بعد في سامِرّاء: «أخرجت الى سرّ من رأى كرهاً» (2).
فلمّا وصل الكتاب الى ابي الحسن (عليه السلام) تجهّز للّرحيل وخرج معه يحيى بن هرثَمة حتّى وصل سرّ من رأي، فلمّا وصل اليها تقدّم المُتوكّل بان يُحجب عنه في يومه، فنزل في خان يقاله له خان الصّعاليك (وهو مكان معدّ للمستجدين والفقراء) وأقام به يومه، ثمّ تقدّم المُتوكّل بافراد دار له فانتقل اليها. واحترمه في الظّاهر ولكنّه في الخفاء حاول تشويه سمعة الامام الا انّه لم ينجح في ذلك. (3)
ص: 15
يقول صالح بن سعيد:
دخلت على ابي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) يوم و روده فقلت له: جعلت فداك في كل الامور ارادوا اطفاء نورك والتقصير بك، حتّى انزلوك هذا المكان الأشنع خان الصّعاليك. فقال: هاهنا انت يا ابن سعيد؟ ثمّ أومأ بيده فاذا أنا بروضات أنيقات، وأنهار جاريات، وجنّات فيها خيرات عطرات، وولدان كأنّهنّ اللّؤلؤ المكنون، فحار بصري وكثر عجبي فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) لي حيث كنّا فهذا لنا يا ابن سعيدّ السنافي خان الصّعاليك (1).
وقد لقي الامام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) اشدّ العناء والعذاب خلال فترة اقامته في سامِرّاء، ولا سيّما من المُتوكّل حيث كان يتعرّض باستمرار للتّهديد والايذاء منه ويواجه الخطر الجسيم والنماذج الّتي تذكرها لاحقاً تدل على الوضع الخطير للامام في سامِرّاء وتصلح شاهداً على مدى تحمّله وصبره ومقاومته في مقابل الطّواغيت الظَّالمين. يقول الصقر بن ابي دلف الكرخي:
لمّا حمل المُتوكّل سيدنا ابا الحسن العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) جئت اسأل عن خبره، قال فنظر الى الزّرافي - وكان حاجباً للمتوكل - فأمر ان ادخل اليه فأدخلت اليه، فقال: ياصقر ما شأنك؟ فقلت: خير أيّها الأستاذ، فقال: اقعد فأخذني ما تقدّم وما تأخّر، وقلت: اخطأت في المجي.
ص: 16
قال: فوحى الناس عنه ثمّ قال لي: ما شأنك وفيم جئت؟
قلت لخيرما، فقال: لعلّك تسأل عن خبر مولاك؟ فقلت له: ومن مولاي؟ مولاي امير المؤمنين!، فقال: اسكت مولاك هو الحق فلا تحتشمني فاني على مذهبك، فقلت: الحمد لله.
قال: أتحبّ ان تراه؟ قلت نعم، قال: اجلس حتّى يخرج صاحب البريد من عنده.
قال: فجلست فلمّا خرج قال لغلام له: خذ بيد الصّقر وأدخله الى الحجرة الّتي فيها العلويّ المحبوس، وخلّ بينه و بينه، قال: فأدخلني الى الحجرة وأومأ الى بيت فدخلت فاذا هو جالس على صدر حصير و بحذاه قبر محفور، قال: فسلّمت عليه فردّ عليّ ثمّ أمرني بالجلوس ثمّ قال لي: ياصقر ما أتى بك؟ قلت: سَيّدي جئت اتعرّف خبرك؟ قال: «ثمّ نظرت الى القبر فبكيت فنظر اليّ فقال ياصقر لا عليك لن يصلوا الينا بسوء الآن، فقلت: الحمد لله.
«ثمّ سألته عن حديث مرويّ عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ) فأجانبي ثمّ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): ودع واخرج فلا آمن عليك. (1)
قال المسعودي في مروج الذّهب:
سعي الى المُتوكّل بعليّ بن محمد الجواد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) انّ في منزله كتباً وسلاحاً من شيعته من أهل قم، وانّه عازم على الوثوب بالدّولة فبعث اليه جماعة من الاتراك، فهجموا داره ليلاً فلم يجدوا
ص: 17
فيها شيئاً ووجدوه في بيت مغلق عليه، وعليه مدرعة من صوف، وهو جالس على الرّمل والحصا وهو متوجه الى الله تعالى يتلو آيات من القرآن.
فحمل على حاله تلك الى المُتوكّل وقالوا له: لم يجد في بيته شيئاً ووجدناه يقرأ القرآن مستقبل القبلة، وكان المُتوكّل جالساً في مجلس الشّرب فدخل عليه والكأس في يد المُتوكّل، فلمّا رآه ها به وعظّمه وأجلسه إلى جانبه وناوله الكأس الّتي كانت في يده، فقال: والله ما يخامر لحمي ودمي قطّ، فاعفني فأعفاه، فقال: أنشدني شعراً، فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): انّي قليل الرّواية للشّعر، فقال: لابّد، فأنشده (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو جالس عنده:
باتوا على قلل الأجبال تحرسه ***غلب الرجال فلم تنفعهم القلل
واستنزلوا بعد عزّ من معاقل ***وأسكنوا حفراً يا بئس ما نزلوا
ناداهم صارخ من بعد دفنهم ***أين الأساور والّتيجان والحلل
اين الوجوه الّتي كانت منعمة ***من دونها تضرب الأستار والكل
فأفصح القبر عنهم حين سائل ***تلك الوجوه عليها الدود تقتتل
قد طال ما اكلوا دهراً وقد شربوا ***وأصبحوا اليوم بعد الأكل قد أكلوا
قال فبكى المُتوكّل حتّى بلت لحيته دموع عينيه، وبكى
ص: 18
الحاضرون ودفع الى علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) اربعة آلاف دينار، ثمّ ردّه الى منزله مكرّماً. (1)
ومرّة اخرى هاجموا دارالامام: فقد مرض المُتوكّل مرضاً اشرف منه على التّلف، فوصف له الامام (عَلَيهِ السَّلَامُ) دواء لعلاجه، وعوفي بسبب تناوله ذلك الدّواء. وبشرت امّ المُتوكّل بعافيته فحملت الى ابي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) عشرة آلاف دينار تحت ختمها.
فلمّا كان بعد أيام سعى البطحائي بأبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) الى المُتوكّل فقال: عنده سلاح وأموال، فتقدّم المُتوكّل الى سعيد الحاجب ان يهجم ليلاً عليه ويأخذ ما يجد عنده من الأموال والسلاح ويحمل اليه.
فقال ابراهيم بن محمد: قال لي سعيد الحاجب: صرت الى دار ابي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالّليل، ومعي سلّم فصعدت منه الى السطح، ونزلت من الدّرجة الى بعضها في الظّلمة، فلم ادر كيف اصل الى الدار فناداني ابوالحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) من الدار: يا سعيد مكانك حتّى يأتوك بشمعة، فلم ألبث أن آتوني بشمعة فنزلت فوجدت عليه جبّة من صوف وقلنسوة منها وسجّادته على حصير بين يديه وهو مقبل على القبلة فقال لي دونك بالبيوت.
فدخلتها وفتشتها فلم أجد فيها شيئاً، ووجدت البدرة مختومة بخاتم ام المُتوكّل وكيسا مختوماً معها، فقال ابوالحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ):
ص: 19
دونك المصلى فرفعت فوجدت سيفا في جفن غير ملبوس، فأخذت ذلك وصرت اليه.
فلما نظر الى خاتم امه على البدرة بعث اليها، فخرجت اليه، فسألها عن البدرة، فأخبرني بعض خدم الخاصّة انّها قالت له: كنت نذرت في علّتك ان عوفيت ان احمل اليه من مالي عشرة آلاف دينار فحمّلتها اليه وهذا خاتمك على الكيس ماحرّكها. وفتح الكيس الآخر وكان فيه اربع مائة دينار، فأمر ان يضمّ الى البدرة بدرة أخرى وقال لي: احمل ذلك الى ابي الحسن واردد عليه السّيف والكيس بما فيه، فحملت ذلك اليه واستحييت منه، وقلت يا سَيّدي عزّ عليّ بدخول دارك بغير اذنك، ولكنّي مأمور به، فقال لي:
«وَسَيَعْلَمُ الدِّينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ» (1).
* * * *
واخيراً فقد انتهت الحكومة الغاشمة للمتوكّل، فبتحريض من ابنه «المنتصر» قامت مجموعة من الاتراك المسلّحين بقتله وقتل وزيره الفتح بن خاقان بينما كانا منهمكين في شرب الخمر واللهو. (2) وبذلك تطهرت الأرض من وجوده المنحطّ.
واستلم المنتصر في صبيحة تلك الّليلة الّتي قتل فيها المُتوكّل
ص: 20
مقاليد الخلافة وأمر بهدم بعض قصور ابيه. (1) ولم يؤذ العلويّينَ وانما اظهر الرّأفة والعطف عليهم وأجاز زيارة قبر الامام الحسين عليه السلام، وابدى للزائرين الخير والاحسان. (2) وأصدر امره باعادة »فدك» الى اولاد الامام الحسن والامام الحسين (عَلَيهِمَ السَّلَامُ)، ورفع الحظر عن الأوقاف العائدة الى آل ابي طالب، (3) وكانت فترة خلافة المنتصر قصيرة فقد امتدّت ستة اشهر فحسب، وتوفّى في عام (248) هجري. (4)
وانتقلت الخلافة من بعده الى ابن عمّه «المستعين» وهو حفيد المعتصم، وقد سلك طريقة الخلفاء السابقين، وفي اثناء حكمه نهضت مجموعة من العلويّينَ وانتهى بها الأمر الى القتل.
ولم يستطع المستعين الصّمود في وجه تمرّد الأتراك من جيشه، فأستخرج المتمرّدون المُعتزّ من السّجن وبايعوه. وبذلك ارتفع نجم المُعتزّ واضطرّ المستعين اليبدي استعداده للصّلح معه وصالحه المُعتزّ بحسب الظّاهر واستدعاه الى سامِرّاء ولكنه في وسط الطريق أمر به فقتل.(5)
وقد جرت سيرة المستعين على اطلاق ايدي بعض المقرّبين اليه
ص: 21
وزعماء الأتراك في نهب بيت المال والعبث به حسب ما تقتضيه اهواؤهم (1)، ولكنّه كان يسلك مع ائمّتنا المعصومين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) سلوكاً مُشينا جدّاً وقاسيا، وبناءً على بعض الروايات فانّه قد تعرّض للّعن من قبل الامام الحسن العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) وانتهت حياته. (2)
وبعد المستعين استلم الخلافة «المُعتزّ» وهو ابن المُتوكّل واخ المنتصر. وكان موقفه من العلويّينَ سيّئاً جداً. وخلال حكمه تعرّضَت طائفة من العلويّينَ للقتل أودُسَّ اليها السُّم. وفي زمانه أيضاً استشهد الامام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
واخيراً فقد واجه المُعتزّ تمرّداً اشترك فيه زعماء الأتراك وآخرون وعزلوه عن الحكم وضُرب وجُرح على ايديهم ثمّ القوابه في سرداب واغلقوا عليه بابه حتّى هلك في داخله (3).
انّ كلّ باحث عند ما يتأمّل في حياة الامام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يدرك انّ هذا الامام الجليل قد عاش حياته كلّها تحت الضغط والحصار المروّع، ومن الواضح ان هذا الوضع لم يكن مقصوراً على هذا الزمان وانّما كان الأمر على هذا المنوال طيلة مرحلة بني أميّة
ص: 22
وبني العبّاس سوى فترات محدودة، فقد كان الخلفاء الغاصبون يدوسون بأقدامهم على المجتمع ولا يهتمون بمصالحه ويتخذون الناس وسيلة لتحقيق مصالحهم الشخصيّة ومنا فعهم الذّاتية. وفي أثناء تسلّط الخلفاء الظّالمين كان الرعب والفزع مسيطراً بحيث لم يجرؤ الناس على القيام ضد الطّغاة، والانتفاع بقيادة الأئمة المعصومين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) وايجاد الحكومة الاسلامية الحقيقية، ومن هنا فقد كانت علاقة الأمة بالامام محدودة جداً، وكما مرّ علينا فانّ حكومة ذلك أجبرت الامام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) على الرحيل من المدينة الى تحت مركز الخلافة حينذاك، اي سامِرّاء، وجعلته (عَلَيهِ السَّلَامُ) الرقابة الشديدة، ومع كلّ الضغوط المسلّطة عليه فانّ الامام (عَلَيهِ السَّلَامُ) تحمّل الآلام والمحدوديات المفروضة عليه ولم يستسلم لرغبات الظالمين، ومن البديهي ان شخصيّة الامام القويّة ومركزه الاجتماعى الرفيع ونضاله السلبي وعدم تعاونه مع الخلفاء _ كلّ هذه الامور كانت مرعبة للطواغيت ومُرّة المذاق، وكان بنو العباس يعانون من هذا الأمر كثيراً وباستمرار، وبالتالي فقد توصّلوا الى الحيلة الوحيدة لمعالجته وهو اطفاء نور الله وقتل ذلك الامام الجليل.
وهكذا فان الامام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) - مثل آبائه الكرام - لم يرحل عن الدنيا بواسطة الموت الطبيعي، وانّما قدسُمّ في خلافة المُعتزّ العبّاسي (1)، وفي الثَّالث من شهر رجب سنة (254) هجريّة ارتحل
ص: 23
الى الرّفيق الأعلى ودفن في داره الواقعة في سامِرّاء. (1)
وقد حاول المُعتزّ وبطانته اظهار انفسهم بمظهر المحبّين والمخلصين للامام فاشتركوا في مراسم الصّلاة على الامام ودفنه ليستغّلوا هذا الأمر لأغراضهم الوضيعة ويخدعوا العوام ويغطّوا على جريمتهم النّكراء، لكنّنا نحن الشّيعة نعتقد ان جثمان الامام لابدّ ان يصلّي علیه امام معصوم، ولهذا فانّه قبل اخراج الجثمان الظاهر للامام فقد قام بالصّلاة عليه ابنه الامام الحسن العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) (2)، ثمّ بعد ان اخرجت الجنازة أمر المُعتزّ اخاه احمد بن المُتوكّل باقامة الصّلاة على جثمان الامام (عَلَيهِ السَّلَامُ) في شارع «ابي احمد». وهبّ النّاس للمشاركة في تشييع الامام وازدحمت بهم الشّوارع وارتفع البكاء والنّحيب، وبعد انتهاء المراسم اعيدت الجنازة الى بيت الامام (عَلَيهِ السَّلَامُ) ودفن فيه جثمانه (3)، سلام الله وصلواته عليه وعلى آبائه الظاهرين.
كما ذكرنا في الكراسات السّابقة فانّ الأئمة (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)يتميّزون بارتباط خاص بالله تعالى وعالم الغيب بسبب مقام العصمة
ص: 24
والامامة، ولهم - مثل الأنبياء - معاجز و کرامات تؤيّد ارتباطهم بالله وكونهم أئمّة، وتظهر على أيديهم في المجالات المناسبة نماذج من العلم والقدرة الالهية، بحيث تؤدي الى اطمئنان النّفس وتربية الأتباع، وتعدّ أيضاً دليلاً وحجّة على ان ما يدعونه هو الحق.
وقد شوهدت من الامام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) معاجز وكرامات كثيرة سّجلتها كتب التاريخ والحديث، ونقلها جميعاً يحتاج الى کتاب مستقل، ونقتصر هنا على ذكر بعض النّماذج منها رعاية للاختصار: -
كما اشرنا من قبل فالامام الهادي (عليه السلام) قد اسند اليه منصب الامامة بعد استشهاد والده الكريم وهو في سنّ الثّامنة من عمره الشّريف، وهذا هو بنفسه من اوضح الكرامات والمعجزات، وذلك لان التصدّي لمثل هذا المقام الخطير والمسؤولية الضّخمة الالهية ليس فقط لا تتيسّر من الأطفال وانّما حتّى من الرّجال العقلاء البالغين، وبما انّ علماء الشيعة ومحدّثيهم يرجعون الى الامام اللاحق بعد استشهاد أو وفاة الامام السابق ويسألونه عن مسائلهم المختلفة، بل وحتّى انهم يختبرونه احياناً، وكذا الشّخصيّات الكبيرة من العلويّينَ واقارب الامام الّذينَ وصلوا الى سن الكمال كانوا يتردّدون على بيت الامام (عَلَيهِ السَّلَامُ) ويعاشرونه، فمن المستحيل ان يستطيع طفل - من دون تأييد الله وارادته والارتباط بالعلم والقدرة
ص: 25
الالهية - التصدّي لمثل هذا المقام الخطير واعطاء الأجوبة الصحيحة على كل تلك الأسئلة والقيادة الناجحة في كل تلك المتعرّجات، ومن البديهيّ أنّه حتّى النّاس العادّيون ايضاً يميّزون بين الطفل الصّغير العادي، والامام الواعي القائد.
ومثل هذه الظّروف قد مرّت أيضاً على الامام الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ونحن قد اوضحنا خلال شرحنا لحياة ذلك الامام الكريم انّه لا علاقة لمنصب الامامة السّماوي - مثل النبوّة تماماً - بالسنّ والعمر اطلاقاً، لانّه يتمّ بامر الله وارادته.
يقول خيران الأسباطي:
قدمت على ابي الحسن عليّ بن محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) المدينة فقال لي ما خبر الواثق عندك؟
قلت جعلت فداك خلفته في عافية، أنا من اقرب الناس عهداً، به، عهدي به منذ عشرة ايام. قال فقال لي ان اهل المدينة يقولون انه قدمات. فلمّا قال لي ان النّاس يقولون، علمت انه يعني نفسه، ثمّ قال لي: ما فعل جعفر؟ قلت تركته اسوء الناس حالاً في السجن. قال فقال لي أما أنّه صاحب الأمر. ثمّ قال: ما فعل ابن الزيات؟ قلت النّاس معه والأمر امره، فقال اما انّه شوم عليه. قال ثمّ انه سكت وقال لي لابدّ ان تجري مقادير الله واحكامه یا خیران مات الواثق وقد قعد جعفر المُتوكّل وقد قتل ابن الزّيّات. قلت متى جعلت
ص: 26
فداك؟ فقال بعد خروجك بستة ايام.(1)
ولم يمرّ سوى عدة ايام حتّى جاء الى المدينة مبعوث المُتوكّل وشرح الأحداث فكانت كما نقلها الامام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ). (2)
روى ابوهاشم الجعفري انّه كنت بالمدينة حين مرّتها (بغاء) ايّام الواثق في طلب الاعراب فقال ابوالحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ): اخرجوا بنا حتّى ننظر الى تعبية هذا التّركي، فخرجنا فوقفنا فمرّت بنا تعبيته، فمرّبنا تركي فكلّمه ابوالحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالتّركية، فنزل عن فرسه فقبل حافر دابّته، قال: فحلّفت التركيّ وقلت له ما قال لك الرّجل؟ قال: هذا نبيّ؟ قلت ليس هذا بنبيّ، قال: دعاني باسم سمّيت به في صغري في بلاد التّرك ما علمه احد الى السّاعة. (3)
نقل الشيخ سليمان البلخي القندروزي في كتابه «ينابيع المودّة» - وهو احد علماء السنة -:
ذكر المسعودي ان المُتوكّل امر بثلاثة من السباع فجي بها في
ص: 27
صحن قصره ثمّ دعا الامام عليّ الهادي فلمّا دخل اغلق باب القصر فدارت السّباع حوله وخضعت له وهو يمسحها بكمه ثمّ صعد الى المُتوكّل ويحدّث معه ساعة ثمّ نزل ففعلت السّباع معه كفعلها الأوّل حتّى خرج فأتبعه المُتوكّل بجائزة عظيمة فقيل للمتوكلّ انّ ابن عمّك يفعل بالسّباع ما رأيت فافعل بها ما فعل ابن عمّك، قال: انتم تريدون قتلي ثمّ امرهم ان لا يفشوا ذلك. (1)
روى محمد بن الحسن الأشتر العلويّ قال: كنت مع ابي على باب المُتوكّل وناصبيّ في جمع من الناس ما بين طالبيّ الى عبّاسيّ وجعفريّ، ونحن وقوف اذ جاء ابوالحسن (الامام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ترجّل الناس كلّهم حتّى دخل، فقال بعضهم لبعض: لم نترجّل لهذا الغلام وما هو بأشرفنا ولا بأكبرنا ولا بأستنا، والله لا ترجلنا له.
فقال ابوهاشم الجعفري - وكان حاضراً هناك حينذاك-: والله لتترجّلنّ له صغرة اذا رأيتموه، فما هو الّا ان اقبل وبصروا به حتّى ترجّل له النّاس كلّهم، فقال لهم ابوهاشم الجعفري: أليس زعمتم انّكم لا ترجلون له؟ فقالوا له: والله ما ملكنا أنفسنا حتّى ترجلنا. (2)
ص: 28
كان باصفهان رجل يقال له عبد الرّحمان وكان شيعيّاً، قيل له: ما السّبب الّذي اوجب عليك القول بامامة عليّ الهادي دون غيره من اهل الزمان؟ قال: شاهدت ما أوجب علىّ، وذلك انّي كنت رجلاً فقيراً وكان لي لسان وجرأة، فأخرجنى اهل اصفهان سنة من السّنن، مع قوم آخرین الى باب المُتوكّل متظّلمين. فكنّا بباب المُتوكّل يوماً اذا خرج الأمر باحضار عليّ بن محمد بن الرضا (عَلَيهِم السَّلَامُ)، فقلت لبعض من حضر: من هذا الرجل الّذي قد أمر باحضاره؟ فقيل: هذا رجل علويّ تقول الرّافضة بامامته، ثمّ قال: ويقدرّ انّ المُتوكّل يحضره للقتل فقلت: لا ابرح من هاهنا حتّى أنظر الى هذا الرّجل ايّ رجل هو؟ قال: فأقبل راكبا على فرس، وقد قام الناس يمنة الطّريق ويسرتها صفّين ينظرون اليه، فلمّا رأيته وقع حبّه في قلبي فجعلت ادعو في نفسي بأن يدفع الله عنه شرّ المُتوكّل، فأقبل يسير بين النّاس وهو ينظر الى عرف دابّته لا ينظر يمنة ولا يسرة، وانا دائم الدّعاء، فلما صار الّتي أقبل بوجهه اليّ وقال: استجاب الله دعاءك، وطوّل عمرك، وكثر مالك وولدك، قال: فارتعدت و وقعت بين اصحابي، فسألوني وهم يقولون: ما شأنك؟ فقلت خير ولم أخبر بذلك.
فانصرفنا بعد ذلك الى اصفهان، ففتح الله على وجوهاً من المال، حتّى انا اليوم أغلق بابي على ما قيمته ألف ألف درهم، سوى مالي خارج داري، ورزقت عشرة من الأولاد، وقد بلغت الآن من
ص: 29
عمري نيفاً وسبعين سنة وأنا أقول بامامة هذا الرجل على الّذي علم ما في قلبي، واستجاب الله دعاءه فيّ ولي. (1)
كان في الموضع مجاور الامام من اهل الصنايع صنوف من الناس، وكان الموضع كالقرية وكان يونس النقّاش يغشى سيّدنا الامام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ)ويخدمه.
فجاء يوماً يرعد فقال: يا سَيّدي اوصيك بأهلي خيرا، قال: وما الخبر؟ قال عزمت على الرّحيل قال ولم يا يونس وهو؟
(عَلَيهِ السَّلَامُ) متبسّم قال: قال: موسى بن بغاوجّه الي بفصّ ليس له قيمة اقبلت ان انقشه فكسرته باثنين وموعده غداً، وهو موسى بن بغا، امّا الف سوط أو القتل، قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): امض الى منزلك الى غد فما يكون إلّا خَيرا.
فلمّا كان من الغدوافى بكرة يرعد فقال: قد جاء الرسول يلتمس الفصّ، قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) امض اليه فما ترى الّا خيرا، قال: وما أقول له يا سَيّدي؟ قال فتبسّم وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): امض اليه واسمع ما يخبرك به فلن يكون إلّا خيراً.
قال: فمضى وعاد يضحك، قال قال لي يا سَيّدي: الجواري اختصمن فيمكنك ان تجعله فصّين حتّى نغنيك؟ فقال سيّدنا
ص: 30
الامام (عَلَيهِ السَّلَامُ): اللّهمّ لك الحمد اذ جعلتنا ممّن يحمدك حقاً، فأيش (وهو مخفّف اي شي) قلت له؟ قال: قلت له: أمهلني حتّى أتأمّل امره كيف أعمله؟ فقال: أصبت. (1)
قال ابوهاشم الجعفري: اصابتني ضيقة شديدة فصرت الى ابي الحسن عليّ بن محمّد (الهادي) (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فأذن لي فلمّا جلست قال: يا أبا هاشم اي نعم الله عزّوجل عليك تريد ان تؤدى شكرها؟ قال ابوهاشم: فوجمت فلم ادرما اقول له، فابتدأ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال: رزقك الايمان فحرم بدنك على النار، ورزقك العافيه فأعانتك على الطّاعة، ورزقك القنوع فصانك عن التّبذّل، يا أباهاشم انّما ابتدأتك بهذا لأنّي ظننت أنّك تريد ان تشكو من فعل بك هذا، وقد أمرت لك بمائة دينار فخذها. (2)
انّ كلّ واحد من أئمتّنا الاثني عشر- صلوات الله على انوارهم المقدسة - لا يقتصر على كونه قائداً للأمة ومبيناً لأحكام الاسلام والقرآن، وانّما الامام المعصوم في الثّقافة الشّيعيّة هو نور الله في
ص: 31
الأرض، والحجّة التامة للحق على جميع العالمين، ومحور كائنات الوجود، وواسطة الفيض بين الخالق والمخلوقين والمرآة النورانية لكمالات العوالم العليا، وأرفع قمّة للفضائل الانسانية، والجامع لكلّ الخيرات والمحاسن ومحل تجلّى علم الله تعالى وقدرته والنموذج الكامل للانسان الواصل إلى الله، والمعصوم من السهو والنسيان والخطأ، والمرتبط بملكوت الوجود و عالم الغيب والملائكة، والعالم بما كان وما يكون في الدنيا والآخرة، وكنز الأسرار الالهية ووارث جميع كمالات الأنبياء. أجل انّ الوجود المبارك محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم وآل محمد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) هو مركز فرجال الوجود وهيمنة ولايتهم الكريمة فوق ولاية الأنبياء والمرسلين، وهي رفيعة الى الحد الّذي لا تكون فيه قابلة للادراك بغيرهم، وهي بجعل من الله سبحانه مختصة بالنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ) واهل بيته المعصومين ولا يمكن ان يطمع فيها اتي طامع... وما ذكرناه من منزلة الأئمة المعصومين ومقامهم الواقعي بل - واكثر من ذلك - يمكننا اثباته بنصوص من كتاب الله والروايات الصحيحة الواردة عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ) والأئمة عليهم الصّلاة والسلام، وهي مذكورة ومدروسة في الكتب المتنوّعة العلماء الشيعة وشخصيّاتها، وهذه الدراسة المختصرة ليست مجالاً للتطويل ولا لذكر الدليل.
ومولانا المكرّم - وهو عاشر كوكب من كواكب سماء الامامة - الامام ابوالحسن الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد منّ علينا - نحن الشيعة -
ص: 32
واكرمنا بكلامه العميق الثريّ الوارد في زيارة يطلق عليها اسم «الزيارة الجامعة» تضّم كلاما فريداً ثريّاً بالمعارف الالهيّة الرّاقية وبحراً من العلوم الغزيرة الّتي تنهمر أمطاراً من الدّر والجواهر على مفارق المحبّين الحقيقيّين للأئمة (عَلَيهِم السَّلَامُ)، وهي على مستوى عقولنا ولا تتناسب مع حقيقة الامامة، يحكي فيها بعض الطّرائف من بستان اللهّ ويعرفنا - ارواحنا فداه -- نحن الأرضيّين بسماء العظمة الالهيّة والجلال الالهيّ بواسطة الأشعة النافذه لكلامه، ويسقينا - نحن المتعطّشين الى ولاء هؤلاء الكرام- من كوثر جنّة الله.
اجل انّ الامام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يعلّم احد شيعته ومحبّيه -بطلب منه - كلمات لزيارة الأئمة المعصومين (عَلَيهِمَ السَّلَامُ)، ونجد من الخسارة ان لا نذكرها في هذا المقال المخصّص لحياة هذا الامام الكريم، لانّها تشتمل على فهرست لمعرفة الامام.
وبعض العلماء الكبار اعتبر هذه الزّيارة افضل الزّيارات الجامعة، وقد نقلها كثير من الشّخصيات العلميّة المرموقة، كالمرحوم الشيخ الصدوق المتوفى سنة (381) هجريّة في كتاب «من لا يحضره الفقيه» (1) وكتاب «عيون أخبار الرّضا» (2)، والشيخ الطوسي
ص: 33
المتوفى سنة (460) هجريّة في كتاب تهذیب الاحکام» (1). (2)
ونفس جذابيّة الكلام وثراء المضمون وما يحفل به من علم ومعرفة هو شاهد صادق على أصالة هذه الزّيارة ودال على تمتّع قائله بالعلم الالهيّ الرّفيع، ونحن ننقل هنا هذا الكلام الشريف آملين ان لا يغفل التّابعون للأئمة (عَلَيهِمَ السَّلَامُ) عن هذه الجوهرة الثّمينة من كنز المعارف الشّيعيّة، وان يواظبوا على زيارة الأئمة الطّاهرين بهذه الكلمات المضيئة، سواء أكانت زيارتهم من بُعد ام في حرم كلّ واحد من الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين.
روى الصدوق في الفقيه والعيون عن موسى بن عبدالله النخعي
ص: 34
انّه قال للامام علي الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) علّمني يا ابن رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ) قولاً أقوله بليغاً كاملاً اذا زرت واحداً منكم، فقال اذا صرت الى الباب فقف واشهد الشّهادتين، اي قل: «اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وأشهد ان محمّداً صلّى الله عليه وآله عبده ورسوله» وانت على غسل فاذا دخلت ورأيت القبر فقف وقل: «الله اكبر» ثلاثين مرة، ثمّ امش قليلاً وعليك السّكينة والوقار وقارب بين خطاك ثمّ قف وكبّر الله عزّ وجلّ ثلاثين مرة ثمّ اذن من القبر وكبّر الله اربعين مرة تمام مائة تكبيرة. ثمّ قل:
«السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا أَهْلَ بَيْتِ النُّبُوَّةِ وَمَوْضِعَ الرِسالَةِ وَمُخْتَلَف المَلائِكَةِ وَمَهْبِطَ الْوَحْيِ وَمَعْدِنَ الرَّحْمَةِ وَخُزَانَ الْعِلْمِ وَمُنْتَهَى الْحِلْم وَأصُولَ الْكَرَمِ وَقادَةَ الأمُمِ وَأَوْلياءَ النِّعَمِ وَعَناصِرَ الاَبْرارِ وَدَعائِمَ الأخيارِ وَساسَةَ الْعِبادِ وَأَرْكَانَ الْبِلادِ وَآبْوابَ الايمانِ وَأَمَناءَ الرَّحْمَنِ وَسُلالَةَ النَّبيِّينَ وَصَفْوَةَ الْمُرْسَلِينَ وَعِشْرَةَ خِيَرَةِ رَبِّ الْعالَمينَ وَرَحْمَةُ اللهِ وبركاته.
السَّلَامُ عَلَى أَئِمَّةِ الْهُدَى وَمَصابيحِ الدُّجى وَأَعْلامِ التَّقَى وَذَوِى النُّهى وَاولى الحِجى وَكَهْف الوَرى وَوَرَثَةِ الأَنْبِياءِ وَالْمَثَلِ الْأَعْلَى وَالدَّعْوَةِ الْحُسْنَى وَحُجَجِ اللَّهِ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَالأولى وَرَحْمَهُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ.
ص: 35
اَلسَّلامُ عَلَى مَحالِّ مَعْرِفَةِ اللهِ وَمَساكِنِ بَرَكَةِ الله وَمَعادِنِ حِكْمَةِ الله وَحَفَظَةِ سِرّ الله وَحَمَلَةِ كِتاب الله وَاَوْصِياءِ نَبِيِّ اللَّهِ وَذُرِيَّةِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكاتُهُ.
اَلسَّلامُ عَلَى الدُّعَاةِ إِلَى الله والاَدِلَّاءِ عَلى مَرْضاتِ الله وَالْمُسْتَقرّينَ فى أَمْرِ الله وَالتَّامِّينَ فى مَحَبَّةِ اللَّهِ وَالْمُخْلِصِينَ فِي تَوْحِيدِ الله وَالْمُظْهِرينَ لأَمْرِ الله وَنَهْيِهِ وَعِبادِهِ الْمُكْرَمِينَ الّذينَ لا يَسْقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِه يَعْمَلُونَ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكاتُهُ.
اَلسَّلامُ عَلَى الأَئِمَّةِ الدُّعاةِ وَالْقادَةِ الْهُداةِ وَالسَادَةِ الْوُلاةِ وَالذّادَةِ الْحُماةِ وَأَهْلِ الذِّكْرِ وَأُولى الأمْروبَريَّةِ الله وَخِيَرَتَه وَحِزبه وَعَيْبَهِ عِلْمِهِ وَحُجَّتِهِ وَصِراطِهِ وَنُوره وَبُرْهانِه وَرَحْمَهُ الله وَبَرَكاتُهُ.
اَشْهَدُ اَنْ لا إله إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ كَما شَهدَ اللهُ لِنَفْسِه وَشَهِدَتْ لَهُ مَلائِكَتُهُ وَأُولُوا الْعِلْمِ مِنْ خَلْقِه لا إلهَ إلاّ هُوَ الْعَزِيزُ الحكيمُ وَاَشْهَدُ اَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ الْمُنْتَجِبُ وَرَسُولُهُ الْمُرْتَضَى اَرْسَلَهُ بالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ.
وَاشْهَدُ اَنَّكُمُ الأَئِمَّةُ الرّاشِدُونَ الْمَهْدِيُّونَ الْمَعْصُومُونَ المُكَرَّمُونَ الْمُقَرَّبُونَ الْمُتَّقُونَ الصَّادِقُونَ الْمُصْطَفَوْنَ الْمُطِيعُونَ لِلَّهِ الْقَوَّامُونَ باَمْرِهِ الْعَامِلُونَ بارادَتِهِ الْفائِزونَ بِكَرامَتِهِ اصْطَفاكُمْ بعلمه وَارْتَضاكُمْ لِغَيْبِه وَاخْتارَكُمْ لِسِرَه وَاجْتَبيكُمْ بِقُدْرَتِه وأَعَزَّكُمْ بهداهُ وَخَصَّكُمْ بِبُرْهانِه وَانْتَجَبَكُمْ لِنُورِهِ وَأَيَّدَ كُمْ بِرُوحِه وَرَضِيَكُمْ خُلَفَاءَ في أَرْضِهِ وَحُجَجاً عَلى بَرِيَّتِه وأنصاراً لِدِينِهِ وَحَفَظَةٌ لِسِرَه وَخَزَنَةٌ لِعِلْمِه وَمُسْتَوْدَعاً لِحِكْمَتِه وَتَرَاحِمَةٌ لِوَحْيه وأركاناً لِتَوْحِيدِهِ وَشُهَدَاءَ عَلَى خَلْقِهِ
ص: 36
وأعلاماً لِعِبادِه ومَناراً فى بلاده وادِلّاءَ عَلى صِراطِه عَصَمَكُمُ اللهُ مِنَ الزَّلَلِ وَآمَنَكُمْ مِنَ الْفِتَنِ وَطَهَّرَكُمْ مِنَ الدَّنَسِ وَاذْهَبَ عَنْكُمُ الرّجْسَ وَطَهَّرَكُمْ تَطهيراً.
فَعَظَّمْتُمْ جَلالَهُ وَاَكْبَرَتُمْ شَأنَهُ وَمَجَّدْتُمْ كَرَمَهُ وَآدَمْتُمْ ذِكْرَهُ وَوَكَدْتُمْ مِيثَاقَهُ وأَحْكَمْتُمْ عَقْدَ طاعَتِه ونَصَحْتُمْ لَهُ في السَرِ وَالْعَلانِيَةِ وَدَعَوْتُمْ إِلى سَبيلِه بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَبَذَلْتُمْ أَنْفُسَكُمْ في مَرْضاتِهِ وَصَبَرْتُمْ عَلى ما أَصابَكُمْ فى جَنْبِه وأَقَمْتُمُ الصَّلوةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكوةَ وَأَمَرْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَيْتُمْ عَن الْمُنْكَر وَجَاهَدْتُمْ في الله حَقٌّ جهادِه حتّى أَعْلَنْتُمْ دَعْوَتَهُ وَبَيَّنْتُمْ فَرائِضَهُ وَأَقَمْتُمْ حُدُودَهُ وَنَشَرتُمْ شرايعَ اَحْكامِه وَسَنَنْتُمْ سُنَتَهُ وَصِرْتُمْ فى ذلِكَ مِنْهُ إِلَى الرّضا وَسَلَّمْتُمْ لَهُ الْقَضاءَ وَصَدَّقْتُمْ مِنْ رُسُلِهِ مَنْ مَضى.
فَالرّاغِبُ عَنْكُمْ مارقٌ وَاللازمُ لَكُمْ لاحِقٌّ وَالْمُفَصِرُ فى حَقِكُمْ زَاهِقٌ وَالْحَقُّ مَعَكُمْ وَفِيكُمْ وَمِنكُمْ وَالَيْكُمْ وَأَنْتُمْ اَهْلُهُ وَمَعْدِنُهُ وَميراتُ النُّبُوَّةِ عِنْدَكُمْ وَايَابُ الْخَلْقِ اِلَيْكُمْ وَحِسابُهُمْ عَلَيْكُمْ وَفَضْلُ الْخِطابِ عِنْدَكُمْ وَآيَاتُ الله لَدَيْكُمْ وَعَزائِمُهُ فيكُمْ ونُورُهُ وَبُرْهانُهُ عِنْدَكُمْ وَأَمْرُهُ إِلَيْكُمْ مَنْ والاكُمْ فَقَدْ والى الله وَمَنْ عاداكُمْ فَقَدْ عَادَ الله وَمَنْ أَحَبَّكُمْ فَقَدْ اَحَبَّ الله وَمَنْ أَبْغَضَكُمْ فَقَدْ اَبْغَضَ الله وَمَنِ اعْتَصَمَ بِكُمْ فَقَدِ اعْتَصَمَ بِالله.
أنْتُمُ الصِّراطُ الأقومُ وَشُهَداءُ دار الْفَناءِ وَشُفَعاءُ دار البَقاءِ وَالرَّحْمَةُ الْمَوْصولَهُ وَالآيَةُ الْمَخْرُونَهُ وَالاَمانَةُ الْمَحْفُوظَةُ وَالْبابُ المُبتلى بِهِ النَّاسُ مَنْ أَتيكُمْ نَجى وَمَنْ لَمْ يَأْتِكُمْ هَلَكَ، إِلَى الله تَدْعُونَ وَعَلَيْهِ
ص: 37
تَدُلّونَ وَبه تُؤْمِنُونَ وَلَهُ تُسَلّمون وبامره تَعْمَلُونَ وَإِلى سَبِيلِهِ تُرْشِدُونَ وَبِقُوْله تَحْكُمُونَ سَعَدَ مَنْ والاكُمْ وَهَلَكَ مَنْ عَادَاكُمْ وَخَابَ مَنْ جَحَدَكُمْ وَضَلَّ مَنْ فَارَقَكُمْ وَفَازَ مَنْ تَمَسَّكَ بِكُمْ وَآمِنَ مَنْ لَجَأَ إلَيْكُمْ وَسَلِمَ مَنْ صَدَّقَكُمْ وَهُدِى مَنِ اعْتَصَمَ بِكُمْ مَنِ اتَّبَعَكُمْ فَالْجَنَّهُ مَاوِيهُ وَمَنْ خَالَفَكُمْ فَالنَّارُ مَثوبهُ وَمَنْ جَحَدَكُمْ كَافِرٌ وَمَنْ حارَبَكُمْ مُشْرِكٌ وَمَنْ رَدَّ عَلَيْكُمْ فِي أَسْفَلِ دَرَكَ مِنَ الْجَحِيمِ.
اَشْهَدُ اَنَّ هذا سابِقٌ لَكُمْ فيما مضى وجارٍ لَكُمْ فيما بَقِيَ وَانَّ اَروَاحَكُمْ وَنُورَكُمْ وَطَينَتَكُمْ واحِدَةٌ طَابَتْ وَطَهُرَتْ بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ خَلَقَكُمُ الله اَنْوَاراً فَجَعَلَكُمْ بِعَرْشِه مُحْدِقِينَ حتّى مَنَّ عَلَيْنَا بِكُمْ فَجَعَلَكُمْ فِي بُيُوتِ اَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَجَعَلَ صَلوتُنا عَلَيْكُمْ وَمَا خَصَّنا به مِنْ ولایَتِكُمْ طيباً لِخَلْقِنا وَطَهَارَةً لِأَنْفُسِنَا وَتَزْكِيَةً لَنَا وَكَفَارَةً لِذُنُوبَنَا فَكُنا عِنْدَهُ مُسَلَّمِينَ بِفَضْلِكُمْ وَمَعْرُوفِينَ بتَصْدِيقِنا اِيَّاكُمْ فَبَلَغَ اللَّهُ بِكُمْ أَشْرَفَ مَحَلِ الْمُكَرَّمِينَ وَاَعْلَى مَنازِلِ المُقَرَّبِينَ وارْفَعَ دَرَجاتِ الْمُرْسَلِينَ حَيْثُ لا يَلْحَقُهُ لا حِقٌّ وَلَا يَفُوقَهُ فَائِقٌ وَلَا يَسْبقُهُ سابق وَلَا يَطْمَعُ فى إدراكِهِ طامِع حَتّى لا يَبْقَى مَلَكُ مُقَرَّبٌ ولا مَتى مُرْسَلٌ وَلا صِدِّيقَ وَلا شَهِيدٌ وَلا عالِمٌ وَلا جاهِلُ وَلَا دَنِى وَلَا فَاضِل ولا مُؤمِنٌ صالِحٍ وَلا فَاجِرٌ طالِحٍ وَلا جَبَارٌ عَنيدٌ وَلَا شَيْطَانٌ مَرِيدٌ وَلَا خَلْقٌ فيما بَيْنَ ذالِكَ شَهِيدٌ إِلا عَرَّفَهُمْ جَلالَةَ أَمْرِكُمْ وَعِظَمَ خَطَرِكُمْ وَكِبَرَ شَأْنِكُمْ وَتَمامَ نُورِكُمْ وَصِدْقَ مَقاعِدِكُمْ وَثَباتَ مَقامِكُمْ وَشَرَفَ مَحَلِكُمْ وَمَنْزِلَتِكُمْ عِنْدَهُ وَكَرامَتَكُمْ عَلَيْهِ وَخاصَّتَكُمْ لَدَيْهِ وَقَرُبَ مَنْزِلَتِكُمْ مِنْهُ بِأَبِى أَنْتُمْ وَأَمَى وَأَهْلي وَمالى وأسْرَى أشْهِدُ الله وأَشْهِدُكُمْ أنّى
ص: 38
مُؤْمِنْ بِكُمْ وَبِمَا آمَنْتُمْ به كافِرٌ بِعَدُوّكُمْ وَبِمَا كَفَرْتُمْ بِهِ مُسْتَبْصِرٌ بِشَأْنِكُمْ وَبِضَلالَةِ مَنْ خَالَفَكُمْ مُوالٍ لَكُمْ وَلاَوْليائِكُمْ مُبْغِضٌ لأعْدائِكُمْ وَمُعاد لَهُمْ سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ مُحَقِّقُ لِما حَقَّقْتُمْ مُبْطِلٌ لِما أَبْطَلْتُمْ مُطيعٌ لَكُمْ عَارِف بحقّكمْ مُقِرٌ بِفَضْلِكُمْ مُحْتَمِلٌ لِعِلْمِكُمْ مُحْتَجِبٌ بذِمَّتِكُمْ مُعْتَرفٌ بكُمْ مُؤْمِنٌ باباً بكُمْ مُصَدِّق برَجْعَتِكُمْ مُنْتَظِرٌ لأَمْرِكُمْ مُرتَقِبٌ لِدوْلَتِكُمْ آخِذُ بِقَولِكُمْ عَامِلٌ بِأَمْرِكُمْ مُسْتَجِيرٌ بِكُمْ زَائِرٌ لَكُمْ عَائِدٌ بِقُبُورِكُمْ مُسْتَشْفِعٌ إِلَى الله عَزَّوَجَلَّ بِكُمْ ومُتَقَرِّبٌ بِكُمْ إِلَيْهِ وَمُقَدِمُكُمْ أَمَامَ طَلِبَتي وَحَوائِجِي واِرادَتي في كُلِّ أَحوَالي وأمُورى مُؤْمِنٌ بِسِرِّكُمْ وَعَلانِيَتِكُمْ وَشَاهِدِكُمْ وَغائِبِكُمْ وَأَوَّلِكُمْ وَآخِرِكُمْ وَمُفَوّضٌ فى ذالِكَ كُلِهِ إِلَيْكُمْ وَمُسَلَّمٌ فِيهِ مَعَكُمْ وَقَلْبِي لَكُمْ مُسَلَّمٌ وَرَأیى لَكُمْ تَبَعٌ وَنُصْرَتى لَكُمْ مُعَدَّةٌ حتّى يُحْيِيَ الله تعالى دينَهُ بِكُمْ وَيَرُدَّكُمْ فى آيَامِه وَيُظْهِرَكُمْ لِعَدْلِه وَيُمَكِّنكُمْ في اَرضِهِ. فَمَعَكُمْ مَعَكُمْ لا مَعَ غَيْرِكُمْ آمَنْتُ بِكُمْ وَتَوَلَّيْتُ آخِرَكُمْ بِما تَوَلَّيْتُ بِهِ أَوَّلَكُمْ وَبَرِئْتُ إِلَى اللَّه عَزَّوَجَلَّ مِنْ أَعْدائِكُمْ وَمِنَ الْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَالشَّياطين وَحِزْبِهِمُ الظَّالِمينَ لَكُمُ الْجاحِدينَ لِحَقِّكُمْ والمارقين من ولايتِكُمْ وَالغَاصِبينَ لارثِكُمُ الشَاكَّينَ فِيكُمُ المُنْحَرفِينَ عَنْكُمْ وَمِنْ كُلّ وَليجَةٍ دُونَكُمْ وَكُلّ مُطاع سواكُمْ وَمِنَ الائِمةِ الّذينَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ فَتَبَّتَنِي اللهُ أَبَداً ما حَیيتُ عَلَى موالا تكُِمْ وَمَحَبَّتِكُمْ وَدِينِكُمْ وَوَفَقَنى لِطاعَتِكُمْ وَرَزَقَنى شَفَاعَتَكُمْ وَجَعَلَنى مِنْ خِيارِ مَواليكُمُ التَّابِعِينَ لِما دَعَوْتُمْ إِلَيْهِ وَجَعَلَنِي مِمَّنْ يَقْتَصُّ
ص: 39
آثارَكُمْ وَيَسْلُكُ سَبيلَكُمْ وَيَهْتَدى بهدايكُمْ وَيُحْشَرُ في زُمْرَتِكُمْ وَيُكَّر فى رَجْعَتِكُمْ وَيُمَلِّكُ في دَوْلَتِكُمْ وَيُشَرَّفُ في عافِيَتِكُمْ وَيُمَكِّنُ في آيَامِكُمْ وَتَقَرُّ عَيْنُهُ غَداً برُؤيَتِكُمْ.
باَبى أَنْتُمْ وَأمّى ونفسى واهلى ومالى مَنْ اَرَادَ اللهَ بَدَءَ بِكُمْ وَمَنْ وَحَّدَهُ قَبلَ عَنْكُمْ وَمَنْ قَصَدَهُ تَوَجَّهَ بِكُمْ مَوَالِيَّ لَا أَحْصى ثَنائكُمْ وَلَا اَبْلُغُ مِنَ الْمَدْحَ كُنْهَكُمْ وَمِنَ الْوَصْفِ قَدْرَكُمْ وَأَنْتُمْ نُورُ الآخيارِ وَهُداهُ الابْرارِ وَحُجَجُ الْجَبَّارِ بِكُمْ فَتَحَ الله وَبِكُمْ يَخْتِمُ وَبِكُمْ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ وبِكُمْ يُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْاَرْضِ إِلاّ بِاِذْنِهِ وَبِكُمْ يُنَفِّسُ الْهَمَّ ويَكْشِفُ الضُّرَّ وَعِنْدَكُمْ ما نَزَلَتْ به رُسُلُهُ وَهَبَطَتْ به مَلائِكَتُهُ وَالى جَدِكُمْ (وَفي زِيارَةِ اَميرِ الْمُؤْمِنينَ قُلْ: وَالى أخيكَ) بُعِثَ الرُّوحُ الأمينَ آتَاكُمُ الله ما لَمْ يُؤْتِ اَحَداً مِنَ الْعالَمينَ طَاطاً كُلُّ شَريف لِشَرَفِكُمْ وَبَخَعَ كُلُّ مُتَكَبّرِ لِطَاعَتِكُمْ وَخَضَعَ كُلُّ جَبّارٍ لِفَضْلِكُمْ وَذَلَّ كُلُّ شَيْءٍ لَكُمْ وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بنُوركُمْ وَفازَ الْفَائِزُونَ بولايتكُمْ بكُمْ يُسْلَكُ إِلَى الرِضْوانِ وَعَلَى مَنْ جَحَدَ وِلايَتِكُمْ غَضَبُ الرَّحْمَنِ.
بِاَبى أَنْتُمْ وأمّى ونفسى واهلى ومالى ذِكْرُكُمْ فِي الذَّاكِرين وَاَسْماؤُكُمْ في الأَسْمَاءِ وَاجْسادُكُمْ فِى الأَجْسادِ وَاَرْواحُكُمْ فى الارواح وَانْفُسُكُمْ فِى النُّفُوسِ وَآثَارُكُمْ فى الآثارِ وَقَبُورُكُمْ فِى الْقُبُورِ فَما اَحْلى اَسْمائِكُمْ وَاَكْرَمَ انْفُسَكُمْ وَاَعْظَمَ شَأنَكُمْ وَآجَلَّ خَطَرَكُمْ وَاَوْفِى عَهْدَكُمْ وَأَصْدَقَ وَعْدَكُمْ كَلامُكُمْ نُورٌ وَاَمْرُكُمْ رُشد وَوَصِيَّتُكُمُ التَّقْوى وَفِعْلُكُمْ الْخَيْرُ وَعادَتُكُمْ الاِحْسانُ وَسَجيَّتُكُمُ الكَرَمُ وَشَأنُكُمُ الحَقِّ وَالصِّدْقِ وَالرّفْق وَقَوْلُكُمْ حُكْمٌ وَحَتُمٌ
ص: 40
وَرَأيُكُمْ عِلْمٌ وَحِلْمٌ وَحَزْمٌ إِنْ ذُكِرَ الْخَيْرُ كُنتُمْ أَوَّلَهُ وَأَصْلَهُ وَفَرْعَهُ وَمَعْدِنَهُ وَمَأويهُ وَمُنْتَهاهُ.
بابى أنْتُمْ وَأمّى وَنَفسى كَيْفَ أَصِفُ حُسْنَ تَنائِكُمْ وَأحْصى جَميلَ بَلائِكُمْ وَبِكُمْ اَخْرَجَنَا اللهُ مِنَ الذُلِّ وَفَرَّجَ عَنا غَمَرَاتِ الكرُوُبِ وانْقَذَنَا مِنْ شَفا جُرُفِ الْهَلَكَاتِ وَمِنَ النَّارِبِاَبى أَنْتُمْ وَأمّى وَنَفْسى بمُوالاتِكُمْ عَلَّمَنَا الله مَعالِمَ دينِنا وَأَصْلَحَ ما كانَ فَسَدَ مِنْ دنيانا وَبِمُوالاتِكُمْ تَمَّتِ الْكَلِمَهُ وَعَظُمَتِ النِّعْمَةُ وَائتَلَفَتِ الْفُرْقَةُ وبمُوالاتِكُمْ تُقْبَلُ الطاعَةُ الْمُفْتَرَضَهُ ولَكُمُ الْمَوَدَّةُ الواجبة والدرجاتّ الرَّفِيعَةُ وَالْمَقامُ الْمَحْمُودُ وَالْمَكَانُ الْمَعْلُومُ عِنْدَ الله عَزَّ وَجَلَّ وَالْجَاهُ العظيمُ وَالشَّأنُ الْكَبِيرُ والشَّفاعَةُ الْمَقْبُولَهُ. رَبَّنَا آمَنَا بما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ اذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ سُبْحانَ رَبَّنا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبَّنَا لَمَفْعُولاً.
يا وَلِى الله اِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَ الله عَزَّوَجَلَّ ذُنُوباً لا يَائِي عَلَيْها إلّا رضاكُمْ فَبِحَقِّ مَنِ ائتَمَنَكُمْ عَلى سِرِهِ وَاسْتَرْعاكُمْ أَمْرَ خَلْقِهِ وَقَرَنَ طاعَتَكُمْ بِطَاعَتِهِ لَمَّا اسْتَوْهَبْتُمْ ذُنُوبى وَكُنْتُمْ شُفَعائى فَإِنّى لَكُمْ مُطيعٌ مَنْ أطاعَكُمْ فَقَدْ اَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عَصاكُمْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ اَحَبَّكُمْ فَقَدْ اَحَبَّ اللَّهَ وَمَنْ أَبْغَضَكُمْ فَقَدْ أَبْغَضَ الله.
اللهُمَّ إِنِّى لَوْ وَجَدْتُ شُفَعَاءَ أَقرَبَ إِلَيْكَ مِنْ مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ الاَخيارِ الأَئِمَّةِ الأبْرارِ لَجَعَلْتُهُمْ شُفَعائى فَبِحَقِهِمُ الَّذى اَوْجَبْتَ لَهُمْ عَلَيْكَ أَسْأَلُكَ اَنْ تُدْخِلَنى فى جُمْلَةِ الْعَارِفِينَ بِهِمْ وَبِحَقِّهِمْ وَفِى زُمْرَةِ
ص: 41
الْمَرْحُومينَ بِشَفاعَتِهِمْ إِنَّكَ أَرْحَمُ الرّاحِمينَ وَصَلَّى الله عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الظّاهِرينَ وَسَلَّمَ كَثيراً وَحَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الْوَكيلُ».
إنّ جَوّ الاضطهاد والظّلم الّذي عاشه الامام (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد جعل امكانيّة الانتفاع من الامام محدودة جدّاً، ولكنّه مع ذلك استطاع بعض المشتاقين لمعارف القرآن واهل البيت (عَلَيهِ السَّلَامُ) ان يكسبوا من فيض الامام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) بمقدار سعة وجودهم، وان يرتفعوا الى الدرجات الرّاقية من الأيمان والمعرفة. وقد سمّى الشيخ الطوسي (185) شخصاً من الّذينَ رووا عن الامام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ونلاحظ بينهم شخصيات لامعة، ونحن هنا نتعرّض لذكر بعضهم باختصار:
1 - عبد العظيم الحسني: كان من كبار الرواة والعلماء، وله مقام عبدالعظيم رفيع في الزهد والتقوى، وقد ادرك بعض الأصحاب الكبار للامام السّادس والامام السابع والامام الثّامن (عَلَيهِم السَّلَامُ)، وهو يُعدّ من أنجب تلامذة الامامين الجواد والهادي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) ومن اشهر الرّواة عنهما.
يقول الصاحب بن عبّاد: كان عبد العظيم الحسني عارفاً بشؤون الدّين ومطلعاً تماماً على المسائل الدينية واحكام القرآن (1).
ص: 42
ويقول ابوحماد الرّازي: ذهبت الى مجلس الامام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وسألته عن بعض المسائل، ولمّا اردت الانصراف قال لي الامام: كلّما حدثت لك مشكلة فاسأل عنها عبدالعظيم الحسني وابلغه سلامي. (1)
وقد ارتفع في مدارج الايمان والمعرفة الى الحدّ الّذي قال له الامام الهادي (عليه السلام): «انت ولينا حقاً». (2)
قال عبد العظيم بن عبد الله الحسني: «دخلت على سَيّدي علي بن محمّد (الهادي) بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب (عَلَيهِم السَّلَامُ) فلمّا بصرني قال لي: مرحباً بك يا ابا القاسم انت وليّنا حقاً، قال: فقلت له: يابن رسول الله انّى اريد ان اعرض عليك ديني فان كان مرضيّاً ثبت عليه حتّى القى الله عزّوجلّ، فقال: هات یا ابا القاسم، فقلت: إنّي اقول: إن الله تعالى واحد ليس كمثله شي خارج من الحدّين حدّ الابطال وحدّ التشبيه، وانّه ليس بجسم ولا صورة ولا عرض ولا جوهر، بل هو مجسم الأجسام ومصوّر الصور وخالق الأعراض والجواهر وربّ كلّ شي ومالكه وجاعله ومحدثه، وانّ محمداً عبده ورسوله خاتم النبيين، فلا نبيّ بعده الى يوم القيامة وان شريعته خاتمة الشّرائع فلا شريعة
ص: 43
بعدها الى يوم القيامة، واقول انّ الامام والخليفة ووليّ الأمر بعده أمير المؤمنين على بن ابي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثمّ الحسن ثمّ الحسين ثمّ عليّ بن الحسين ثمّ محمد بن عليّ ثمّ جعفر بن محمّد ثمّ موسى بن جعفر ثمّ علي بن موسى ثمّ محمّد بن علي ثمّ انت يا مولاي، فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ومن بعد الحسن ابني فكيف للنّاس بالخلف من بعده؟ قال: فقلت: وكيف ذاك يا مولاى؟ قال لانّه لا يرى شخصه ولا يحّل ذكره باسمه حتّى يخرج فيملأ الارض قسطاً وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، قال فقلت: اقررت واقول انّ وليّ الله وعدوّهم عدو الله وطاعتهم طاعة الله ومعصيتهم معصية الله، واقول انّ المعراج حقّ والمسألة في القبر حق واَن الجنّة حقّ والنّار حقّ والصّراط حقّ والميزان حقّ وانّ الساعة آتية لا ريب فيها وانّ الله يبعث من في القبور، واقول انّ الفرائض الواجبة بعد الولاية الصّلاة والزكاة والصّوم والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فقال عليّ بن محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا ابا القاسم هذا والله دين الله الّذي ارتضاه لعباده فاثبت عليه أثبتك الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة». (1)
وكما يبد ومن التاريخ والرّوايات فانّ عبدالعظيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد تعرّض لمطاردة حكومة زمانه ففرّ الى ايران ليصون نفسه من الخطر واختفى في مدينة الرّي، ونقرأ في تاريخ حياته:
ص: 44
«كان عبد العظيم ورد الرّيّ هارباً من السّلطان وسكن سَرَباً في دار رجل من الشّيعة في سكّة الموالي وكان يعبد الله في ذلك السّرب (حفيرة تحت الأرض) ويصوم نهاره ويقوم ليله وكان يخرج مستتراً فيزور القبر المقابل قبره وبينهما الطريق ويقول هو قبر رجل من ولد موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) فلم يزل يأوي الى ذلك السّرب ويقع خبره الى واحد بعد واحد من شيعة آل محمّد (عَلَيهِمَ السَّلَامُ)حتّى عرفه اكثرهم، فرأى رجل من الشّيعة في المنام رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ ) قال له ان رجلا من ولدي يحمل من سكّة الموالي ويدفن عند شجرة التّفاح في باغ عبد الجّبار بن عبدالوهاب، واشار الى المكان الّذي دفن فيه فذهب الرّجل ليشتري الشجرة والمكان من صاحبها، فقال لأيّ شي تطلب الشجرة ومكانها؟ فأخبره الرّؤيا، فذكر صاحب الشجرة انّه كان رأى مثل هذه الرؤيا وانّه قد جعل موضع الشجرة مع جميع الباغ وقفاً على الشريف والشيعة يدفنون فيه.
فمرض عبد العظيم ومات رحمة الله فلمّا جرّد ليغسل وجد في جيبه رقعة فيها ذكر نسبه.. (1)
وقد حدثت وفاة عبد العظيم في مرحلة امامة الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ويمكننا ان نتعرّف على علوّ شخصيّته الالهيّة من خلال هذه الرّواية الّتي ينقلها محمّد بن يحيى العطّار:
سأل الامام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) رجلاً من أهالي مدينة الري
ص: 45
جاءه زائراً فقال له: این کنت؟
قال كنت ذاهباً الى زيارة قبر الامام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ). فقال له الامام: كن على علم بأنّك لوزرت قبر عبد العظيم الموجود في مدينتكم لكنت كمن زار قبر الامام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ). (1)
ويُعدّ عبد العظيم من أوثق علماء الشّيعة ورواتهم في زمان الأئمّة (عَلَيهِمَ السَّلَامُ)، وقد كان من جملة المؤلّفين أيضا، ونُقل انه ألف كتابا حول خطب اميرالمومنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكتاباً آخر يُسمى ب_ «اليوم والليلة». (2)
2- الحسين بن سعيد الأهوازي:
وهو من اصحاب الامام الرّضا والامام الجواد والامام الهادي (عَلَيهِم السَّلَامُ)، وقد نقل الأحاديث عن جميع هؤلاء الكرام، وهو في الأصل من اهالي الكوفة، ولكنّه انتقل مع اخيه الى الأهواز ثمّ جاء من هناك الى قم، وفي قم رحل عن هذا العالم.
والمعروف ان الحسين بن سعيد ألف ثلاثين كتاباً في الفقه والآداب والأخلاق، وكتبه مشهورة متداولة بين العلماء، وكما يقول المرحوم المجلسي الأوّل: يلاحظ اتفاق العلماء على وثاقته والعمل برواياته. ويقول في حقّه المرحوم العلّامة: أنّه محل وثوق وهو من
ص: 46
اعيان العلماء وكان جليل القدر.
يقول المرحوم الشيخ الطوسي:
ان الحسين بن سعيد علاوة على مقامه العلميّ قد كان يبذل غاية جهده في ارشاد النّاس وهدايتهم، ولهذا فقد أوصل اسحاق بن ابراهيم الحضيني وعليّ بن ريّان الى الامام الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فكان السّبب في تعّرفهم على المذهب الحق وهو التّشيّع. وكانوا يسمعون منه الاحاديث وقد اطّلعوا على المعارف بسبب خدماته. واوصل عبدالله بن محمد الحضيني وغيره ايضاً الى الامام الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ)فكان هذا فاتحة خير لهم حيث اطّلعوا على المعارف الاسلاميّة ووصلوا الى مقامات رفيعة وادّوا خدمات اسلامية جليلة. (1)
الفضل بن شاذان النّيشابوري:
كان رجلاً عظيماً ومورداً للاعتماد وفقيها كبيراً ومتكلّماً متضلّعاً. وقد ادرك مجموعة من كبار أصحاب الأئمة، من قبيل محمّد بن ابي عمير وصفوان بن يحيى، وعاشرهم ما يناهز الخمسين عاماً، وانتفع بمعاشرتهم كما يقول هو: عندما توفّي هشام بن الحكم اصبح خليفته يونس بن عبدالرّحمان، وعندما توفّي هذا اصبح خليفته
ص: 47
في ردّ المخالفين السكاك، وأما الآن فأنا خليفتهم. (1)
ويعدّه المرحوم الشيخ الطوسي من جملة اصحاب الامام الهادي والامام العسكري (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، وقد عده بعض علماء الرجال من جملة اصحاب الامام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) مع انّهم اعتبروه ضمن اتباع الامام الجواد والامام العسكري (عَلَيهِمَ السَّلَامُ) ايضاً. (2)
وقد ألّف الفضل بن شاذان كتباً كثيرة بحيث قال البعض انها تصل الى مائة و ثمّ انين كتابا، ومن جملتها كتاب «الايضاح» الّذي هو في علم الكلام وتحليل عقائد اصحاب الحديث، وقد طبعته جامعة طهران في عام (1392) هجري قمري.
واهتّم العلماء الكبار بأقوال وآثار الفضل بن شاذان، وكان العلماء يكتفون بقوله في ردّ أو قبول الرواة. وأولى المرحوم الكليني عناية خاصّة لبعض كلماته وآرائه في كتاب الكافي. واهتّم بها كثيراً المرحوم الصدوق والشيخ الطوسي كذلك.
يقول مؤلف كتاب »جامع الرواة»: -
«فانّه» رئيس طائفتنا (نحن الشيعة) اجلّ اصحابنا الفقهاء والمتكلمين وله جلالة في هذه الطائفة وهو في قدره اشهر من ان نصفه. متكلّم فقيه جليل القدر له كتب ومصنّفات، روى الكشّي عن الملقّب بتورا من اهل بوزجان من نيشابور ان ابا محمّد الفضل
ص: 48
بن شاذان كان وجهه الى العراق فذكر انه دخل على ابي محمّد (الامام الحادي عشر) (عَلَيهِ السَّلَامُ) فلما اراد ان يخرج سقط عنه كتاب، وكان من تصنيف الفضل، فتناوله ابو محمد (عَلَيهِ السَّلَامُ) ونظر فترحّم عليه وذكر انه قال اغبط اهل خراسان بمكان الفضل بن شاذان وكونه بين أظهركم. (1)
وفي رواية اخرى ان كتاب «اليوم والليلة» - وهو احد كتبه – «عرض على أبي محمد العسكري (عليه السلام) فترحم عليه ثلاثاً وقال: انّه صحيح ينبغي ان يعمل به». (2)
ويقول الشهيد الكبير القاضي نور الله الشوشتري فيما يتعلق بالفضل بن شاذان:
كان من اكبر المتكلّمين وافضل المفسّرين والمحدّثين واعظم واشرف الفقهاء والمجتهدين واعيان القراء والنّحاة واللغويين... (3)
كان الفضل بن شاذان يعيش في نيشابور ثمّ نفاه منها الى بيهق امیر خراسان عبدالله بن طاهر بذنب التشيّع.
وعندما هاج الخوارج في خراسان فقد اضطر الفضل للخروج منها صوناً للنّفس، واتعبه الطّريق فألَم به المرض وفارق الحياة الدّنيا في أيام امامة الامام العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) ودفن في نيشابور القديمة،
ص: 49
ويقع قبره حاليّاً على بعد فرسخ واحد من نيشابور الفعليّة، وهو مزار للشيعة يتبركون بقبره. (1)
وفي خاتمة المطاف نتبرّك بنقل كلمات من هذا الامام العظيم للتمسك بولايته وتهذيب النفس بأحاديثه: -
1- ينقل الامام (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن آبائه الكرام انّ رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال:
«...الايمان ما وفرته القلوب وصدقته الأعمال، والاسلام ماجرى به الّلسان وحلّت به المناكحة». (2)
2- «من رضي عن نفسه كثر الساخطون عليه». (3)
3 - «الهَزْلُ فكاهة السّفهاء وصناعة الجهال». (4)
4 - «من جمع لك وده ورأيه فاجمع له طاعتك». (5)
5 - «من هانت عليه نفسه فلا تأمن شرّه». (6)
6 - «الدنيا سوق ربح فيها قوم وخسر آخرون» (7).
7 - «من اتقى الله يُتقى، ومن اطاع الله يطاع، ومن اطاع الخالق
ص: 50
لم يبال سخط المخلوقين». (1)
8- «انّ الظالم الحالم يكاد ان يُعفى على ظلمه بجلمه». (2)
9- «انّ المحق السفيه يكاد ان يطفئ نور حقه بسفهه». (3)
ص: 51