الإمام الثالث: الإمام الحسين (عليه السّلام)

هوية الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

«الإمام الثالث»

«الإمام الحسين عليه السّلام»

محرر الرقمي: علي کهن کار

عنوان و نام پديدآور:الإمام الثالث:الإمام الحسين (عليه السّلام)/ نویسنده هیئت تحریریه موسسه در راه حق

وضعيت ويراست:[ویرایش 2؟]

مشخصات نشر:قم: موسسه در راه حق، 1369.

اشارة

في اليوم الثّالث من شعبان من السّنة الرّابع للهجرة(1)، ولد المولود الثّاني لعليّ وفاطمة عليهما السّلام، في بيت الوحي والولاية.

وحين بلغ نبأ ولادته للنّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، جاء إلى بيت عليّ وفاطمة عليهما السّلام، وطلب من أسماء(2)، أن تأتي بإبنه، فلفّته أسماء بملاءة بيضاء، وجاءت به للنّبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم، فأذن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى.(3)

وفي الأيام الأولى من ولادته المباركة أو اليوم السّابع منها، هبط

ص: 1


1- (1) هناك أقوال أخرى حول السّنة أو الشهرا واليوم الّذي ولد فيه الإمام الحسين عليه السّلام، ونحن قد ذكرنا القول المشهور بين الشيعة، يراجع كتاب أعلام الورى للطّبرسي، ص 213 .
2- (2) يحتمل المراد من أسماء هي إبنة يزيد بن سكن الأنصارى، يراجع أعيان الشّيعة، ج 11، ص 167 .
3- (3) أمالى الشيخ الطوسي، ج 1، ص 377.

الأمين جبرئيل وقال: «إنّ الله - عزّوجلّ ذكره - يقرئك السّلام ويقول لك، إنّ عليّاً منك بمنزلة هارون من موسى فسمّه بإسم ابن هارون، قال: ما كان اسمه؟ قال: شبير،(1) قال: لساني عربّي، قال: سمّه الحسين، فسماه الحسين.(2)

وعقت فاطمة عليها السّلام عن ابنيها وحلقت رؤوسهما في اليوم السّابع(3)، وتصدقت بوزن الشعّر ورقا.(4)

الحسين عليه السّلام والنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم:

كان الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم يؤكّد على محبته وحنانه للإمام الحسين عليه السّلام في مناسبات عديدة، منذ ولادته في السنة الرّابعة للهجرة، حتّى يوم وفاته صلّى الله عليه وآله وسلّم، الّتي تمتد ستّة سنوات وعدّة أشهر، ويعرف النّاس بمقام الإمام الثالث وسموّه.

يقول سلمان الفارسي :«كان الحسين على فخذ رسول الله صلّى

ص: 2


1- (4) شبر على وزن حسن، وشبير كحسين، ومشبر كمحسن، أبناء هارون، وقد سمّى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم بأسمائهم أولاده الحسن والحسين ومحسن، يراجع تاج العروس، ج 3، ص 389؛ وشبر وشبير ومشبر، هم أولاد هارون على نبيّنا وعليه الصلاة والسلام ومعناها بالعربية حسن وحسين ومحسن قال وبها سمى عليّ عليه السّلام أولاده شبر وشبير ومشبر، يعني حسناً وحسيناً ومحسناً، لسان العرب، ج 6 ، ص 60 .
2- (5) معاني الأخبار، ص 57 .
3- (6) قد أكد في النصوص الإسلامية كثيراً على العقيقة لسلامة الأبناء والحفاظ عليهم، وسائل الشيعة، ج 15، ص 143 .
4- (7) الكافي، ج 6، ص 33 .

الله عليه وآله وسلّم وهو يقبله ويقول: أنت السيد وإبن السّيد أبو السّادة، أنت الإمام وابن الإمام أبو الأئمّة، أنت الحجّة أبو الحجج، تسعة من صلبك وتاسعهم قائمهم».(1)

عن أنس بن مالك، قال سئل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم أتي أهل بيتك أحبّ إليك قال الحسن والحسين(2)، وكان يقول لفاطمة: أدعي لي إبنيَّ، فيشّمهما ويضمّهما إليه.(3)

عن أبى هريرة: قال خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ومعه الحسن والحسين هذا على عاتقه وهذا على عاتقه، وهو يلثم مرّة، وهذا مرّة حتى انتهى إلينا، فقال: من أحبّهما فقد أحبّني، ومن أبغضهما فقد أبغضني.(4)

وعن مدى العلاقة المعنويّة الملكوتيّة بين النبيّ والحسين، بما تملكه من سموّ وإنشداد وتعبير، يمكن التعرّف عليها بهذه الجملة الموجزة المعبّرة التّي نطق بها الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم «حسين منّي وأنا من

حسين».(5)

ص: 3


1- (8) مقتل الخوارزمي ، ج 1، ص 146 و كمال الدين للصدوق، ص 152.
2- (9) سنن الترمذي، ج 5 ، ص 323.
3- (10) ذخائر العقبی ، ص 122 .
4- (11) الإصابة، ج 1، ص 330.
5- (12) سنن الترمذي، ج 5 ص 324؛ وقد نقلنا هنا بعض الروايات من كتب اهل السنة لتكون معتبرة ونافذة عليهم.

الحسين مع أبيه :

أمضى الحسين عليه السّلام ستّة أعوام من عمره مع النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وحين ودع الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم هذه الحياة، عاش مع أبيه ثلاثين عاماً، ذلك الأب الذي لم يحكم إلا بالعدل والإنصاف، ولم يعش إلا بالطّهارة والعبودية، ولم ير إلا الله، ولم يطلب، ولم يشهد إلّا الله ذلك الأب الذي لم توفّر له الظروف الصّعبة، القاسية التي عاشها خلال خلافته الهدؤ والإستقرار، كما آذوه حين إغتصاب خلافته .

والإمام الحسين عليه السّلام خلال هذه المدة الطّويلة الصّعبة، كان مطيعاً بقلبه وروحه لأوامر أبيه وتوجيهاته ، وفي السّنوات الّتي تولّى بها الإمام عليّ عليه السّلام الخلافة الظاهريّة الصوريّة كان الحسين عليه السّلام جنديّاً مقاتلاً فدائياًّ كأخيه، وبذل أقصى جهوده في سبيل تحقيق الأهداف الإسلامية، وساهم في معارك الجمل وصفّين والنّهروان.(1)

وبذلك كان مدافعاً عن أبيه أمير المؤمنين عليه السلام، وكان أحياناً، يندّد أمام الرّأي العام بمغتصبي الخلافة.

وأبان خلافة عمر، دخل الإمام الحسين عليه السّلام يوماً المسجد، فرأى الخليفة الثاني على منبر الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم يخطب وبلا تردّد، إرتقى الإمام الحسين عليه السّلام المنبر، وهتف: «إنزل عن

ص: 4


1- (13) الاصابة، ج 1، ص 333.

منبر أبی...»(1).

الإمام الحسين عليه السّلام مع أخيه:

بعد شهادة الإمام عليّ عليه السّلام إنتقلت إمامة الشيعة للإمام الحسن عليه السّلام، إتباعاً لأمر النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ووصية أمير المؤمنين عليه السّلام، ووجب على جميع النّاس الإستجابة لتوجيهات الإمام الحسن عليه السّلام وإرشاداته، وكان الإمام الحسين عليه السّلام الذي نشأ في أحضان الوحي المحمّدي، والولاية العلويّة، مشاركاً لأخيه ومعيناً.

وحين أرغم الإمام الحسن عليه السّلام على الصّلح مع معاوية حفاظاً على مصالح الإسلام العليا، والأمة الإسلاميّة، وتحمل كلّ المتاعب والتّحدّيات في هذا السّبيل، كان الإمام الحسين عليه السّلام شريكاً لأخيه في أوجاعه ومحنه، ولأنّه كان يعلم بأنّ هذا الصّلح في صالح الإسلام والمسلمين، لذلك لم يعترض على أخيه، وحتى أنه في يوم من الأيام، تحدّث معاوية بكلام بذي عن الإمام الحسن وأبيه عليهما السّلام، وكان الإمام الحسن والحسين عليهما السلام، حاضرين في المجلس، ولمّا اندفع الإمام الحسين عليه السّلام للردّ على معاوية، دعاه الإمام الحسن عليه السّلام إلى الصّمت والهدؤ، فاستجاب الإمام

ص: 5


1- (14) تذكرة الخواص لابن الجوزي، ص 234؛ الإصابة، ج 1، ص 333، وكما ذكر المؤرخون بأنّ هذه الواقعة حدثت وكان عمر الإمام عليه السّلام عشر سنوات.

الامام الحسين عليه السّلام لطلب أخيه، وجلس، وبعد ذلك ، تصدّى الإمام الحسن عليه السّلام نفسه للرّدّ على معاوية، وأسكته ببيان بليغ قويّ.(1)

الإمام الحسين عليه السّلام في زمان معاوية :

حينما فارق الإمام الحسن عليه السّلام الحياة إنتقلت إمامة الشيعة، لأخيه الإمام الحسين عليه السّلام إتباعاً لنصّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ووصيّة أمير المؤمنين عليه السّلام وعيّن من قبل الله، قائداً وإماماً للأمّة.

ورأى الإمام الحسين عليه السلام معاوية، مستولياً على زمام الخلافة الإسلاميّة، معتمداً في ذلك على القوة الكامنة في الإسلام، وهو يبذل أقصى جهوده الجهنّميّة، وبشتّى الأساليب العدوانيّة، في هدم أسس الأمّة الإسلاميّة، والتّعاليم الإلهيّة، وكانت هذه الدولة الهدّامة الجوفاء تغيض الإمام الحسين عليه السّلام، وتؤلمه بشدّة، ولكن لم يتمكّن من مواجهتها بالقوة، وتحشيد القوى الضربها ، وعزل معاوية عن مسند الخلافة الإسلاميّة، كما عاش أخوه الإمام الحسن عليه السّلام ظروفاً مشابهة لما يعيشه.

كان الإمام الحسين عليه السّلام على علم بأنه لو أظهر نواياه وطموحاته، وعمل على تجميع القوى وتحشيدها، والسّعي في خرب الدّولة الأمويّة، فإنّه سوف يقتل، قبل القيام بأيّة إنتفاضة أو تحرّك

ص: 6


1- (15) الإرشاد للشيخ المفيد، ص 173.

فاعل، لذلك إضطرّ للسّكوت والصّبر على مضيض، متألماً من واقعه الموجع، وأنه لو تحرّك سوف يقتل، دون أن يؤدي قتله إلى أية نتيجة فاعلة، ومن هنا عاش كما عاش أخوه خلال حياة معاوية، ولم يرفع لواء المعارضة الواسعة الشديدة بوجه حكم معاوية، سوى بعض الإعتراضات التي كان كان يوجهها لبيئة معاوية الفاسدة، وأعماله وممارساته المنحرفة، ويبعث الأمل بين الجماهير في مستقبل قريب، وأنه سيقوم بعمل مثمر فاعل، وخلال المدّة التي كان معاوية يطالب فيها النّاس بالبيعة ليزيد، كان الإمام الحسين عليه السّلام يقف موقف المعارضة الصّارمة، ولم يستسلم لبيعة يزيد أبداً، ورفض ولاية عهده، وأحياناً كان يوجه لمعاوية خطاباً شديد اللّهجةّ، أو يبعث إليه رسالة ثائرة.

ولم يصرّ معاوية على مطالبته بالبيعة ليزيد، وبقي الإمام الحسين عليه السّلام كذلك ، إلى أن مات معاوية.(1)

الثورة الحسينية:

بعد أن تولّى يزيد الحكومة الإسلاميّة، ونصب نفسه أميراً للمؤمنين، ولأجل أن يثبّت دعائم سلطته الجائرة الباطلة، صمّم على أن يرسل بياناً للشخصيّات الإسلامية المعروفة، يدعوهم فيه إلى مبايعته، ولأجل ذلك، كتب كتاباً إلى عامله في المدينة، أكّد فيه على أخذ البيعة من الحسين عليه السّلام، وإذا رفض فعليه ان يقنله، وقد بلغ

ص: 7


1- (16) رجال الكشي، ص 50 ، كشف الغمة، ج 2، ص 206.

العامل هذا النداء الى الإمام الحسين عليه السّلام وطالبه بالجواب، فقال الإمام الحسين عليه السّلام «إنّا لله وإنّا إليه راجعون، وعلى الإسلام السّلام، إذا بُليت الأمّة براع مثل يزيد».(1)

فاذا ابتلت الأمّة بحاكم كيزيد، وهو شارب الخمر، ولاعب القمار والمنحرف الفاجر، الّذى لم يلتزم بالإسلام حتى بالظّاهر، فعلى الإسلام السّلام، وذلك لأنّ أمثال هؤلاء الحكّام، الّذين يحكمون بإسم الإسلام وبقوّة الإسلام سوف يبيدون كيان الإسلام.

وحين رفض الإمام الحسين عليه السّلام الإعتراف بشرعيّة حكومة يزيد علم بأنّ بقاءه في المدينة سيؤدّي الى قتله، ولذلك خرج ليلاً بأمر الله تعالى سرّاً الى مكّة، وحين وصل مكّة شاع خبر وصوله ورفضه للبيعة، بين النّاس في مكّة والمدينة، حتى وصلت أصداؤها للكوفة، وقد دعا الكوفيّون الإمام الحسين عليه السّلام التحرّك إليهم ليمسك بزمام أمورهم، ومن هنا بعث الإمام عليه السّلام إبن عمّه مسلم بن عقيل عليه السّلام الى الكوفة ليطلع عن كثب على التّحرك والوعي الإجتماعي في الكوفة ثمّ يكتب للإمام عليه السّلام في ذلك. ووصل مسلم الكوفة، وإستقبل بحفاوة منقطعة النّظير وبايعه الآلاف كنائب للإمام عليه السّلام، وكتب مسلم للإمام الحسين عليه السّلام في هذا الإستقبال الجماهيريّ، وألزمه بالتحرك السّريع.

ومع أنّ الإمام الحسين عليه السّلام كان يعرف أهل الكوفة جيّداً،

ص: 8


1- (17) مقتل الخوارزمي ، ج 1، ص 184 ، اللهوف، ص 24 .

ويتذكّر خياناتهم وإنحرافاتهم خلال خلافة أبيه وأخيه، ويعلم بأنّه لا يمكنه الإعتماد على وعودهم وعهودهم، ومبايعتهم المسلم، ولكنّه صمّم على التّحرك للكوفة، من أجل إلقاء الحجة وتنفيذاً لأمر الله.

ولذلك عزم على الذّهاب الى الكوفة في الثّامن من ذي الحجّة، أي في ذلك اليوم الّذي يعزم فيه الحجيج الذّهاب الى منى (1)، وكل من لم يصل مكّة بعد كان يسرع الخطى من أجل الوصول اليها، ولكن الإمام عليه السّلام بقي في مكّة، وفي مثل ذلك اليوم خرج مع أهل بيته وأصحابه من مكّة متّجهاً الى العراق، وبعمله هذا كما عمل بوظيفته الدينية، كذلك أراد أن يطلع كل المسلمين في العالم بأنه لم يعترف بشرعيّة يزيد ولم يبايعه، بل إنّه ثائر ضدّه.

وحين بلغ يزيد نبأ مسلم عليه السّلام ووصوله الى الكوفة، ومبايعة الكوفيّين له بعث إبن زياد الى الكوفة وهو من أقذر أتباع يزيد، ومن أبشع أنصار الدّولة الأمويّة وأكثرهم إجراماً.

وقد إستغلّ إبن زياد خوف الكوفييّن، وضعف إيمانهم ونفاقهم، واستفاد من هذه الطّبيعة المنهارة المنحرفة في تنفيذ مآربه ومخطّطاته، ففرّقهم عن مسلم بالإرهاب والرّعب، وهكذا بقي مسلم وحده يقاتل جلاوزة بني زياد،واستشهد أخيراً، بعد قتال شجاع مثير، سلام الله عليه. وأخذ إبن زياد يحرّض مجتمع الكوفة الخائن المنافق المنحرف ضدّ

ص: 9


1- (18) يستحب في اليوم الثّامن لذي الحجة، أن يذهب الحجيج الى منى، وكان المسلمون في ذلك الزّمان يعملون بهذا الحكم المستحبّ، ولكن المتعارف في زماننا أن يذهب الحجّاج في اليوم الثّامن الى عرفات بصورة مباشرة.

الإمام الحسين عليه السّلام حتّى وصل الأمر أن تعبّأ لقتال الإمام الحسين عليه السّلام بعض الّذين كتبوا إليه يطالبونه بالمجيء الى الكوفة، وهكذا ضلّوا منتظرين ليأتي الإمام الحسين عليه السّلام ويقتلوه.

والإمام الحسين عليه السّلام من اللّيلة التي خرج فيها من المدينة وخلال مدة إقامته في مكّة ومسيره من مكة الى كربلاء حتّى يوم إستشهاده، كان يؤكّد على هذه الحقيقة بإيماء أو صراحة؛ بأن هدفه من التحرّك هو إسقاط القناع المزيف عن دولة يزيد المعادية للدّين، وليس له هدف إلّا إقامة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، ومواجهة الظّلم والجور، وليس إلّا الحفاظ على القرآن الكريم، وإحياء الدين المحمّديّ.

وهذه هي المهمّة التي وضعها الله تعالى على عاتقه، حتى لو أدّى ذلك الى قتله وقتل أصحابه وأبنائه وأسر أهل بيته.

وقد أكّد الرّسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم وأمير المؤمنين عليه السّلام والحسن بن علي عليه السّلام مراراً على شهادة الإمام الحسين عليه السّلام و لهج النّبيّ باستشهاد الإمام الحسين عليه السلام حين ولادته،(1) وكان الإمام الحسين عليه السّلام نفسه يعلم بعلم الإمامة بأنّ الشّهادة هي مصير هذه الرّحلة، ولكن الإمام الحسين عليه السّلام لم يكن من أولئك الّذين يبخلون بأنفسهم في سبيل الله وإطاعة أمر السّماء، أو كان يخشى في ذلك من أسر أهل بيته؛ إنّه كان يرى البلاء كرامة والشّهادة سعادة، سلام الله الدائم عليه .

ص: 10


1- (19) كامل الزيارات، ص 68؛ مثير الأحزان، ص 9.

وشهادة الإمام الحسين عليه السّلام في كربلاء كانت من الأحاديث الشّائعة في الأمة الإسلامية، حيث كانوا يتداولونها فيما بينهم، لذلك كان عامّة النّاس على علم بنهاية هذه الرّحلة، لأنهم سمعوها من قريب أو بعيد من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وأمير المؤمنين عليه السّلام والإمام الحسن عليه السّلام وكبار صدر الإسلام.

ومن هنا كان تحرّك الإمام الحسين عليه السّلام، بالرّغم من تلك التّحدّيات والمصاعب، قد ضاعف من احتمال شهادته في أذهان الجماهير، وخاصة أنّه كان يردّد دائماً خلال مسيره «مَنْ كانَ باذِلاً فينا مُهْجَتَهُ وَمُوَطِناً على لِقاءِ اللَّهِ نَفْسَهُ فَلْيَرْجِلْ مَعَنَا »(1).

ولذلك خطر في أذهان البعض من محبيّه، أن يصرفه عن المسير والتّحرّك .

وقد غفل هذا البعض، أنّ ابن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام إمام وخليفةّ النّبيّ، وهو عالم بوظيفته أكثر من غيره ولن يتوانى أبداً عن المهمة الّتي عهد بها الله إليه.

أجل ... إنّ الإمام الحسين عليه السّلام واصل مسيره وتحرّكه، بالرّغم من كلّ هذه النّظرّيات والآراء الّتي تدور حوله، ولم يضعف إصراره أبداً.

وهكذا ... ذهب واحتضن الشهادة، ليس وحده بل مع أصحابه وأبنائه، وكلّ واحد منهم كان كوكباً لامعاً مضيئاً في سماء الإسلام؛ ذهبوا كلّهم وقتلوا واستشهدوا وعانقوا بدمائهم الطّاهرة رمال كربلاء

ص: 11


1- (20) اللّهوف، ص 61 .

الملتهبه، لتعلم الأمة الإسلاميّة بأنّ يزيد (وريث العائله الأمويّة القذرة) ليس خليفة لرسول الله، وأنّ الإسلام في أساسه ليس يزيد، ويزيد لا يمثل الإسلام.

حقّاً ... هل فكّرتم أنّه لو لم تحدث شهادة الإمام الحسين عليه السّلام المفجعة والمثيرة، والباعثة على الثّورة والتّحرّك، ويبقى الناس معتقدين بأنّ يزيد خليفة النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، ولكن بين حين وآخر، كانت تطرق أسماعهم حكايات بلاط يزيد والأعمال العابثة المنحرفة، والشّائنة ليزيد وعمّاله، فإنّ مثل ذلك كان يدفعهم الى النّفور والإستياء من الإسلام نفسه، فإنّ مثل هذا الإسلام الّذي يمثّل يزيد خليفه لنبيّه، ممّا يستوجب حقاً مثل هذا النّفرة والإستياء منه.

وأسر أيضاً أهل بيته الأطهار لتصل الرّساله الأخيرة لهذه الشّهادة الى أسماع النّاس، وقد سمعنا وقرأنا أنّ هؤلاء الأسرى في كلّ مكان في المدن والأسواق والمساجد وفي البلاط المتعفّن لابن زياد ويزيد كانوا يهتفون ويردّدون بأعلى صوت ويخطبون ليسقطوا القناع النّاعم المزيف، عن الوجه البغيض المجرم الجلاوزة بنى أميّة، وقد أثبت هؤلاء الأسرى للجميع بأنّ يزيد اللاعب بالكلاب والشّارب للخمر لا يصلح أبداً للخلافة الإسلاميّة، وأنّ هذا المسند الّذي نصب نفسه عليه ليس مكانه، لقد أكملت خطاباتهم ونداءاتهم رسالة الشّهادة الحسينيّة، فجّروا زلزالاً في القلوب، ليبقى إسم يزيد والى الأبد مثالاً لكلّ قذارة ورذيلة ودنائة، وبذلك تحطّمت كلّ أحلامه الذهبيّة ومطامعه الشّيطانيّة، أجل، لابدّ من رؤية عميقة يمكن لنا التّوصل لكلّ جوانب

ص: 12

هذه الشّهادة العظيمة الفاعلة وأبعادها.

ومنذ بداية إستشهاده وحتّى يومنا هذا، يحيى هذه الذّكرى المقدّسة، كلّ محبيّه ومواليه وشيعته وكلّ أولئك الّذين يقدرون كرامة الإنسان وعظمته شوموخه، ففي كلّ عام يحيون بإرتدائهم الثّياب السّوداء ذكراه السّنوية، ذكرى تخضّبه بالدّماء، ذكرى ثورته وشهادته، ويعبّرون عن إخلاصهم ببكائهم على المصائب والمآسي الأليمة الّتي تعرّض لها، وكان أئمتنا المعصومون عليهم السّلام بنظرهم البعيد ورؤيتهم الوسيعة يؤلون أهميّة خاصة لواقعة كربلاء وإحيائها، بالإضافة الى توجّههم وذهابهم لزيارة حرمه الشّريف، وإقامة مآتم العزاء، وهناك أحاديث كثيرة منقولة عنهم في فضيلة إقامة المآتم، والحزن على الإمام الحسين عليه السّلام.

عن أبي عمارة المنشد عن أبي عبدالله عليه السّلام، قال: قال لي: يا أبا عمارة أنشدني للعبدي في الحسين عليه السّلام، قال فأنشدته فبكى ثمّ أنشدته فبكى ثمّ أنشدته فبكى ثمّ أنشدته فبكى، قال: فوالله مازلت أنشده ويبكي حتّى سمعت البكاء من الدّار، ثمّ ذكر له الإمام عليه السّلام الثّواب والأجر لمن أنشد الشّعر في الحسين عليه السّلام .(1)

وعن الإمام الصّادق عليه السّلام: «أنّ البكاء والجزع مكروه للعبد في كلِّ ما جزع ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن عليّ عليهما السّلام، فإنّه فيه مأجور»(2) ..

ص: 13


1- (21) كامل الزيارات، ص 1050.
2- (22) كامل الزيارات، ص 100 .

وقال الإمام الباقر علیه السّلام لمحمّد بن مسلم «مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين عليه السّلام فإن إتيانه مفترض على كلّ مؤمن يقرّ للحسين عليه السّلام بالإمامة من الله عزّوجلّ»(1)

يقول الإمام الصادق عليه السّلام: «إنّ زيارة الحسين عليه السّلام أفضل ما يكون من الأعمال »(2).

وذلك ،لأنّ هذه الزّيارة، في الواقع، مدرسة كبيرة، تعلّم البشريّة، دروس الإيمان والعمل الصّالح، لتحلّق الرّوح الى ملكوت الفضائل والتّضحيات.

وإقامة المآتم والبكاء على مصائب الإمام الحسين عليه السّلام، والتشرف لزيارة ضريحه الشّريف، وتمثّل تاريخ كربلاء الثائر العظيم، وتجسيده ،وإستعراضه، وإن كان لهذه الممارسات، قيمها ومعاييرها السّامية، ولكن علينا أن نعلم، بأنه يجب أن لا نكتفي بهذه الزّيارات والدّموع والأحزان، بل إنّ كلّ هذه المظاهر تستهدف أن تذكّرنا بفلسفة الإلتزام بالدّين والتّضحية والدّفاع عن التعاليم السّماوية، وليس لها هدف إلّا هذا؛ ونحن نحتاج وبإلحاح لتلك العطاءات الحسينّية، أن تعلّمنا الإنسانيّة، وإفراغ القلب من كلّ شيء غير الله، وإلّا فإنّنا لو اقتصرنا على المظاهر فحسب، فسوف ينسى الهدف الحسينيّ المقدس.

ص: 14


1- (23) كامل الزيارات، ص 121 .
2- (24) كامل الزيارات، ص 147 .

خُلق الإمام الحسين عليه السّلام وسلوكه:

إذا القينا نظرة عابرة على(56) عاماً من احياة المستسلمة لرّضا الله الدّاعية له تعالى، الّتي عاشها الإمام الحسين عليه السّلام، لرأيناها

حافلة بالنّزاهة والعبوديّة ونشر الرّسالة المحمّديّة والمفاهيم العميقة، الّتی يعجز الفكر عن التوصّل إلى كنهها.

والآن نمرّ بإيجاز على جوانب من حياته الكريمة:

كان متعلقاً بشدّة بالصّلاة، والمناجاة مع الله، وقراءة القرآن الكريم، والدّعاء والإستغفار، وربّما صلّى في اليوم الواحد مئات الرّكعات (1)، وحتّى في الليلة الأخيرة من حياته لم يترك الدّعاء والمناجاة، وقد ذكر،إنّه طلب من أعدائه أن يمهلوه ليمكنه أن يخلو مع ربّه، ويتضرّع إليه، وقال عليه السّلام «لعلّنا نصلّي لربّنا الليلة وندعوه، ونستغفره فهو يعلم أنّي قد كنت أحبّ الصّلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدّعاء والإستغفار»(2)

وقد حجّ عدّة مرّات ماشياً الى بيت الله الحرام، وأدّى مناسك حجّه كذلك(3) ، وروى بشر وبشير إبنا ،غالب، قالا: كنّا مع الحسين بن عليّ عليه السّلام عشيّة عرفة، فخرج عليه السّلام من فسطاطه متذلّلاً خاشعاً، فجعل يمشي هوناً هوناً، حتى وقف هو وجماعة من أهل بيته و ولده ومواليه في ميسرة الجبل، مستقبل البيت، ثمّ رفع يديه تلقاء

ص: 15


1- (25) العقد الفريد، ج 3، ص 143 .
2- (26) الإرشاد للمفيد، ص 214 .
3- (27) المناقب لابن شهر أشوب، ج 3، ص 224؛ أسد الغابة، ج 2، ص 20.

وجهه، كإستطعام المسكين، ثمّ قال:

«الْحَمْدُ لِلهِ الَّذي لَيْسَ لِقَضائه دافِعٌ، وَلا لِعَطائِه مانِعٌ، وَلَا كَصُنْعِه صُنعُ صانع، وَهُوَ الْجَوادُ الْواسِعُ، فَطَرَ أَجْنَاسَ البَدائِعِ، وأتقنَ بِحِكْمَتِهِ الصَّنائع، لا تخفى عَلَيْهِ الطَّلائِعُ، وَلَا تَضيعُ عِنْدَهُ الْوَدائِعُ جازى كُلّ صانع ورأيسُ كُلّ قانع و راحِمُ كُلِ ضارعٍ وَمُنْزِلُ الْمَنافِعِ وَالْكِتابِ الْجامِعِ بِالنُّورِ السّاطِعِ وَهُوَ لِلدَّعَواتِ سَامِعٌ وَلِلْكُرْبَاتِ دافِعٌ وَللِدَّرَجاتِ رافِعٌ وَالْجَبَابِرَةِ قامِعٌ فَلَا إِلَهَ غَيْرُهُ وَلَا شَيْءَ يَعْدِلُهُ وَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ اللطَّيفُ (1) الْخَبيرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

اللهُمَّ إنّى أَرْغَبُ إلَيْكَ، وَأَشْهَدُ لَكَ بالرُّبُوبِيَّةِ مُقراً بأنَّكَ رَبِّي وَإِلَيْكَ مَردي، إبْتدأ تَني بِنِعْمَتِكَ قَبْلَ أَنْ أَكُونَ شَيْئاً مَذْكُوراً، خَلَقْتَى مِن التُّرابِ، ثُمَّ أسْكَنْتَنِي الأَصْلابَ ، أمِناً لِرَيْب المنونِ، وَاخْتِلاف الدهور والسنين، ... ثُمَّ أَخْرَجْتَني لِلَّذِي سَبَقَ لي مِنَ الهُدى إلى الدُّنْيا تاماً سوياً وَحَفِظْتَنِي في الْمَهْدِ طِفْلاً صَبيّاً، وَرَزَقْتَنِي مِنَ الْعَذَاءِ لَبَناً مَرتاً، وَعَلَفْتَ عَلَى قُلُوبَ الحَواضِنِ، وَكَفَلْتَني الأُمَّهَاتِ الرَّواحِم ، وَكَلَا تَنِي مِنْ طوارق الجانِ، وَسَلَّمَتَني مِنَ الزِيادَةِ وَالتَّقْصانِ، فَتَعالَيْتَ يا رحيم يا رَحْمَانُ، حَتَّى إِذَا اسْتَهْلَلتُ ناطقاً بِالْكَلَامِ، اَلْمَمْتَ عَلَيَّ سَوابِغَ الْإِنْعَامِ،

ص: 16


1- (28) يذكر الصدوق حول تفسير اللطيف - 1 انه لطيف في تدبيره وفعله وقد روي في الخبر أنّ معنى اللطّيف هو أنّه الخالق للخلق اللّطيف كما أنه سمّي العظيم لأنه الخالق للخلق العظيم. - 2 - إنّه لطيف بعباده فهو لطيف بهم بارِّبهم منعم عليهم (التوحيد للصدوق، ص 217).

وَرَتَيتَني زايداً في كُلّ عامٍ، حَتَّى إذا اكْتَمَلَتْ فِطرتي، وَاعْتَدَلَتْ مِرَّتي أوْجَبْتَ عَلَيَّ حُجَّتَكَ، بِأَنْ أَلْهَمْتَني مَعْرِفَتَكَ، وَرَوَّعْتَني بِعَجائِبِ حِكْمَتِكَ، وأيقظتنى لِما ذَرَاتَ في سَمائِكَ وَأَرضِكَ ، مِن بَدائِعِ خَلْقِكَ، وَ نبهتني لِشُكْرِكَ وَذِكْرِكَ ، وَأوْجَبْتَ عَلَى طَاعَتَكَ وَعِبادَتكَ، وَفَهَمْتَنى ما جاءَتْ بهِ رُسُلُكَ، وَبَسَّرَتَ لي تَقَبلَ مَرْضاتِكَ، وَمَنَنْتَ عَلَيَّ في جميع ذلِكَ بعَوْنكَ وَلُطفِكَ .

ثُمّ إذْ خَلَقْتَني مِنْ خَيْرِ النَّرى، لَمْ تَرْضَ لي يا إلهي نِعْمَةٌ دُونَ أَخْرى، وَرَزَقْتَني مِن أنواعِ الْمَعَاشِ وَصُنُوفِ الرّياشِ.

حتّى إذا أَتْمَمْتَ عَلَي جَميعَ النِّعَمِ، وَصَرَفْتَ عَنِّي كُلَّ النقم، لَمْ يَمْنَعُكَ جَهْلي وَجُرْأَتَى عَلَيْكَ، أنْ دَلَلْتَني إلى ما يُقَرِّبُني إِلَيْكَ، ووفقتَنِي لما يُزْلِقُنِي لَدَيْكَ .....

فَأَيَّ نِعَمِكَ يا إلهي أحْصي عدداً وذكراً، أم أي عطاياك أقوم بها شُكراً، وَهيَ يا رَبِّ أَكْثَرُ مِنْ أنْ يُحْصِيَهَا العَادُّونَ، أو يَبْلُغَ عِلْماً بِها الحافِظُونَ، ثُمَّ ما صَرَفْتَ وَدَرَأتَ عَنِي اللَّهُمَّ مِنَ الضُّرِ وَالضَّرَاءِ أَكْثَرُ مِمّا ظَهَرَ لي مِنَ الْعَافِيَةِ وَالسَّرَاءِ.

«وأنا أشهد يا إلهي بِحَقيقَةِ إيماني وَ ... أن لو حاوَلتُ وَاجْتَهَدْتُ مَدى الأغصارِ والأحقابِ لَوْ عُمّرِتُها أن أؤدِّي شُكْرَ واحِدَةٍ مِنْ أَنْعُمِكَ مَا اسْتَطَعْتُ ذَلِكَ إِلَّا بِمَتِّكَ الْمُوجِبِ عَلَيَّ بِهِ شُكْرُكَ أَبَداً جَدِيداً وَثَناءً طارفاً عتيداً ......

اَللّهُمَّ اجْعَلْني أخشاكَ كَانّي أراكَ، وَأَسْعِدني بتقواكَ، وَلَا تُشْقِني بِمَعْصِيَتِكَ ....

ص: 17

اللّهُمَ إجْعَلُ غِنايَ في نَفْسى، وَاليَقِينَ في فَلْي، والإخلاص في عَمَى، وَالنُّورَ في بَصَرِي، وَالْبَصِيْرَةَ في دِيني، ومَتِّعْني بِجَوارحي......

وَإِنْ أعُدْ نِعَمَكَ وَمِنَنَكَ وَكَرائِمَ مِنَحِكَ لا أَحْصيها يا مولاي.

أنْتَ الّذي مَنَنْتَ.

أنْتَ الّذي أَنْعَمْتَ.

أنْتَ الَّذي أَحْسَنْتَ.

أنتَ الذي أجْمَلْتَ.

أنتَ الّذي أفْضَلْتَ.

أنْتَ الّذي أكْمَلْتَ.

أنتَ الّذي رَزَقْتَ.

أنْتَ الّذي وَفَقْتَ.

أنْتَ الّذي أَعْطَيْتَ.

أنْتَ الّذي أغْنَيْتَ.

أنت الذي أقنَيت.

أنْتَ الّذي آوَيْتَ.

أنْتَ الّذي كَفَيْتَ.

أنْتَ الّذي هَدَيْتَ.

أنْتَ الَّذي عَصَمْتَ.

أنت الذي سترت.

أنتَ الّذي غَفَرْتَ.

أنْتَ الّذي أقَلْتَ.

ص: 18

أنتَ الّذي مَكّنتَ.

أنْتَ الَّذي أَعْزَزْتَ.

أنْتَ الّذي أعنْتَ.

أنْتَ الّذى عَصَدْتَ.

أنْتَ الّذى أبدت.

أنْتَ الّذى نَصَرْتَ.

أنْتَ الّذي شَفَيْتَ.

أنت الذي عافيت.

أنت الذى أكرمت

تَبارَكْتَ رَبِّي وَتَعَالَيْتَ، فَلَكَ الْحَمْدُ دائماً ولك الشكر واصِباً، ثُمَّ أنا يا إلهي الْمُعْتَرَفُ بذُنُوبِي فَاغْفِرْها لي»(1). [الى آخر الدعاء]

وقد أثر دعاء الإمام الحسين عليه السّلام تأثيراً قوياً بين النّاس في ذلك اليوم، وشدّهم بالله بحيث ضجّوا بالبكاء والنحيب، وأخذوا يرددون الدّعاء مع إمامهم.

وذكر إبن الأثير في كتابه أسد الغابة «كان الحسين رضي الله عنه، فاضلاً كثير الصوم والصلاة والحج والصدقة وأفعال الخير جميعها » (2).

ومما يدلّ على سموّ شخصيّة الإمام الحسين عليه السّلام وإحترامه

ص: 19


1- (29) ذكر هذا الدعاء السيد ابن طاووس في الإقبال، ص 339-350، والكفعمي في البلد الأمين ص 251-258 ، والمجلسي في البحار، ج 98، ص 213؛ والقمي في مفاتيح الجنان وغيرها من الكتب، ويمكن للقارئ أن يراجع مفاتيح الجنان، وهو في متناول أيدي الجميع.
2- (30) أسد الغابة، ج 2، ص 20.

وإكباره أنّه حين كان يحجّ ماشياً مع أخيه الإمام الحسن عليه السّلام، يترجّل كلّ الكبار، والشّخصيّات الإسلامية آنذاك إحتراماً لهم، ويسيرون معهم(1).

إنّ تقدير الأمة للإمام الحسين عليه السّلام وإحترامها إنّما نشأ من أنّ الإمام الحسين عليه السّلام كان يعيش بين الناس، ولم يعتزل النّاس، كان متلاحماً مع روح المجتمع، ويشعر كالآخرين، بآلامهم وآمالهم، والأسمى من ذلك، أنّ إيمانه القوي بالله الذي لم يضعف أبداً، كان يجعله دائماً مشاركاً لأوجاع النّاس وآلامهم .

وإلا فإنّه عليه السّلام لم يكن يمتلك القصور الشّاهقة الفخمة، ولا الجنود والعبيد المحافظين عليه، ولم يكن كالجبّارين يقطعون الطرق على النّاس، ويفرغون لهم مسجد الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم.

والرّواية الثّالية تعبّر عن مثال لأخلاقه الإجتماعيّة «مَرّ الحسين بن عليّ عليه السّلام بمساكين قد بسطوا كسائاً لهم فألقوا عليه كسراً، فقالوا: هلم يابن رسول الله ، فثنى وركه فأكل معهم، ثم تلا (إنَّهُ لا يُحِبُّ المُسْتَكبرين» (2) ، ثمّ قال: قد أجبتكم فأجيبوني؟ قالوا: نعم ، پابن رسول الله ، فقاموا معه حتّى أتوا منزله، فقال للجارية: أخرجي ما كنت تدّخرين. (3)

ص: 20


1- (31) ذكرى الحسين (علیه السّلام) ، ج 1، ص 102 ، نقلاً عن رياض الجنان، ط بمبي، ص أنساب الأشراف.
2- (32) سورة النّحل، آية 22.
3- (33) بحار الانوار، ج 44 ، ص 189 .

شعیب ابن عبدالرّحمن الخزاعي قال: وجد على ظهر الحسين بن عليّ عليه السّلام يوم الطّف أثر، فسألوا زين العابدين عليه السّلام عن ذلك ، فقال: هذا ممّا كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل واليتامى والمساكين. (1)

ويمكن أن نتعرف على مدى إهتمام الإمام الحسين عليه السّلام بالدّفاع عن المظلومين وحمايته للمحرومين، من خلال حكاية أرينب وزوجها عبدالله بن سلام، ونستعرضها هنا بإيجاز:

إنّ كل وسائل وموائد الرّفاه والتّرف والفجور، أمثال المال والمنصب والجواري والفتيات وغيرها، كلّها كانت متوفّرة ليزيد، ولكن بالرّغم من كلّ ذلك كانت عينه الوقحة الفاجرة تلاحق أعراض الآخرين، ويحاول التعدّي على زوجاتهم العفيفة.

وبدلاً من أن يضرب أبوه معاوية على يد إبنه المجرمة، ويمنعه من تصرّفاته الشائنة الدّنيئة، فإنّه كان يمهد له طرق ووسائل التّجاوز والتعدي المشين، بمختلف أساليب المكر والكذب والخداع، ومن هنا فرّق بين إمرأة مسلمة عفيفة وزوجها وأخرجها من بيت الزّوجية ليلقيها في أحضان إبنه الموحّلة القذرة، ويربطها بهذا الشّاب النزق الفاجر، وقد إطّلع الإمام الحسين عليه السّلام على الحادثة، وواجهه بشدّة هذه المحاولة الشّائنة، وأبطل المخطّط الجهنّمي، وأعاد الزّوجة الى زوجها عبدالله بن سلام اعتماداً على بعض الأحكام الإسلاميّة، ومنع أيدي التّعدي والتّجاوز أن تمتد إلى البيوت المسلمة الظاهرة، وقد أظهر بعمله المقدّس

ص: 21


1- (34) المناقب، ج 2، ص 222.

هذا - أما الرّأي العامّ - مدى غيرة الهاشمييّن، ومدى إهتمامهم الدّائب المشدّد بالحفاظ على نواميس الأمة الإسلاميّة، وقد بقيت وستبقى هذه الحكاية، وموقف الإمام الحسين عليه السّلام في سجلّ التاريخ، وإلى الأبد، من مفاخر آل عليّ، ومن جرائم ورذائل بني أمية . (1)

يقول العلائلي في كتابه (سموّ المعنى في سموّ الذّات):

«فقد عرّفنا العظيم في ثوب الشّجاع، وعرّفنا العظيم في ثوب البطل، وعرّفنا العظيم في ثوب الضحيّة الشّهيد، وعرّفنا العظيم في ثوب الزّاهد، وعرّفنا العظيم في ثوب العالم، وأمّا العظمة في كلّ ثوب، والعظمة في كلّ مظهر، حتى كأنها تآزحت من أقطارها فكانت شخصاً مائلاً للنّاس يقرأونه ويعتبرون به، فهذا ما نجده في الحسين عليه السّلام وحده، وهذا مانلمسه فيه فقط، حيث هو من نفسه وحيث هو من نسبه، فلقد يكون أبوه مثله ، ولكن لا يجد له أباً كمثل نفسه».(2)

فرجل كيفمها سموت به من أيّ جهاته إنتهى بك الى عظيم، فهو ملتقى عظمات ومجمع أفذاذ، فإنّ من ينبثق من عظمة النّبوّة (محمّد) وعظمة الرّجولة (عليّ)، وعظمة الفضيلة (فاطمة)، يكون أمثولة عظمة الإنسان، وآية الآيات البيّنات، فلم تكن ذكراه ذكرى رجل، بل ذكرى الإنسانيّة الخالدة، ولم تكن أخباره أخبار بطل بل خبر البطولة الفذّة.

ص: 22


1- (35) يراجع الإمامة والسّياسة ، ج 1، ص 253 .
2- (36) سموّ المعنى، ص 90.

فالحسين عليه السّلام رجل، ولكن فيه آية الرّجال، وعظيم ولكن فيه حقيقة العظمة، فرعياً لذكراه ورعياً للعِظَة به.

ومن ثمّ كان جديراً بنا أن نستوحيه على الدّوام كمصدر إلهاميّ إنبثق وهَاجاً قويّاً، وامتدّ بأنواره أجيالاً وأجيالاً، ولا يزال يسطع كذلك حتّى ينتظم اللاّنهايات، وينفذ إلى ما وراء الأرض والسّماوات، وهل لنور الله حد يقف عنده، أو مَعلَم ينتهي إليه.

وكذلك يجد من تدّبر نهايته، أعظم بها نهاية، وأعظم بها تضحية وأعظم بها مثلاً، وذكرى نادرة، حتى كان يدالله خطّت بها على الأبدية سطراً أحمر قانياً.

فلتسمع الأجيال ولتستيقظ الإنسانيّة، على الصّوت الرجّاف الّذي ينبعث من أعماق الرجم ومن وراء القبور، حياً جياشاً ينفذ الى الأعماق فتستعرله الضمائر، وينثال الى مواطن الشّعور فيحيا به الوجدان.

وعلى نيّرات مثل هذا الصّوت فقط يتبانى للإنسانية أن تغسل آثامها وتخلص من أدرانها، وتتطهر من أرجاسها .

ولنستمع لبعض أحاديثه وأقواله التي تهزّ المشاعر وتجذب القلوب:

«انَ النَّاسَ عَبيدُ الدُّنْيا والدّينُ لَعْقَ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ يَحُوظُونَه مَا دَرَّتْ مَعايِشُهُمْ فَإذا مُحِصُوا بِالبَلاء فَلَّ الدَّيَانُونَ »(1).

ويخاطب الإمام الحسين عليه السّلام ابنه زين العابدين عليه السّلام :

ص: 23


1- (37) تحف العقول، ص 250 .

«أي بُنَيَّ إِيَّاكَ وَظُلْمَ مَنْ لا يَجدُ عَلَيْكَ نَاصِراً إِلَّا الله جَلَّ وَعَزَّ» (1) .

وطلب رجل من الإمام الحسين عليه السّلام أن يكتب له خير الدُّنيا والآخرة، فكتب له عليه السّلام: «بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: - أمّا بَعْدُ فَإِنَّ مَنْ طَلَبَ رِضَى اللهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللهُ أمورَ النَّاسِ، وَمَنْ طَلَبَ رِضَى النَّاسِ بِسَخَطِ اللهِ وَكَلَهُ اللهُ الىَ النّاسِ والسَّلامُ » . (2)

«وروى أنّ الحسين بن علي عليه السّلام جاءه رجل، وقال: أنا رجل عاص ولا أصبر عن المعصية فعظني بموعظة.

فَقالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: إِفْعَلْ خَمْسَةَ أَشْيَاءَ وَاذْنِبْ ما شِئْتَ: فَأَوَّلُ ذلِكَ، لا تَاكُل رِزْقَ اللهِ وَاذْيب ما شِئتَ.

والثاني: اخْرُجْ مِنْ وَلَايَةِ اللهِ، وَاذْنِبُ ما شِئْتَ.

والثَّالِث: أطْلُبْ مَوْضِعاً لا يراك الله وَاذْنب ما شِئْتَ.

والرّابع: إذا جاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ لِيَقْبِضَ رُوحَكَ فَادْفَعْهُ عَنْ نَفْسِكَ، وَاذْنَبْ ما شِئْتَ.

وَالخَامِسُ: إِذَا أَدْخَلَكَ مالِكُ في النّار، فَلا تَدْخُلْ فِي النّارِ، وَاذْنِبُ ما شِئتَ.».(3)

ص: 24


1- (38) تحف العقول، ص 251 .
2- (39)البحار، ج 78، ص 126 .
3- (40)البحار، ج 78، ص 126 .

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.