عنوان و نام پديدآور:پیشوای اول: امیرمومنان علی(عليه السلام)/ نویسنده هیئت تحریریه موسسه در راه حق
وضعيت ويراست:[ویرایش 2؟]
مشخصات نشر:قم: موسسه در راه حق، 1369.
مشخصات ظاهری:ص 30
شابک:بها:1800ریال
وضعیت فهرست نویسی:فهرستنویسی قبلی
يادداشت:عنوان روی جلد: پیشوای اول: حضرت امیرمومنان علی(عليه السلام).
عنوان روی جلد:پیشوای اول: حضرت امیرمومنان علی(عليه السلام).
موضوع:علی بن ابی طالب(عليه السلام)، امام اول، 23 قبل از هجرت - ق 40
شناسه افزوده:موسسه در راه حق
رده بندی کنگره:BP37/پ 9 1369
رده بندی دیویی:297/951
شماره کتابشناسی ملی:م 69-1404
اسم الكتاب... الامام الاول أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (علیه السلام)
المؤلف ...لجنة التحرير في طريق الحق
المترجم ... محمد عبد المنعم الخاقاني
الناشر ...مؤسسة في طريق الحق
عدد النسخ ...3000
المطبعة...سلمان الفارسي
الطبعة ...الثانية
تاريخ النشر ... 1425 ه- ق - 2004م
ISBN: 964 - 6425 - 79 - 8
السعر ...250 تومان
محرر الرقمي: سيد أسدالله حسیني
ص: 1
بسم الله الرحمن الرحيم
ص: 2
بسم الله الرّحمن الرحيم
أمير المؤمنين علىّ عليه السّلام
و مرّة أخرى، نتحدّث عن إنسان فذّ.
إنسان يعجز القلم عن وصفه، و نحن نقول ذلك ، لا بالتعبير الشعري، بل بلغة الواقع.
هو فوق الوصف أسمى من الفكر، و أعلى من جوهر الكلام، ولد بصورة مذهلة، وعاش بمعايير أخرى، وبقي بصورة أخرى، ومضى بحالة أرفع .. إنسان بشموخ الجبل وثباته، بنعومة الماء وصفائه، بثوريّة الصاعقة، بحرارة الشمس بسعة البحار، بغموض وهيمنة الغابات المترامية، ببساطة الصحراء ونقاوتها بطهارة ملكوت الله، كان يضمّ الجميع في وجوده.
ولد بصورة مذهلة، وعاش بصورة مدهشة، وودع الدنيا بصورة مدهشة.
و نلقي نظرة موجزة على كل هذه الحياة المدهشة .
قال يزيد بن قعنب كنت جالساً مع العباس بن عبدالمطّلب
ص: 3
وفريق من عبد العزّى بإزاء بيت الله الحرام، إذ أقبلت فاطمة أسد بنت أمّ أمير المؤمنين عليه السّلام وكانت حاملة به لتسعة أشهر، وقد أخذها الطّلق، فقالت: «ربّ إنّي مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل و كتب، وإنّي مصدقة بكلام جدي إبراهيم الخليل، وإنّه بنى البيت العتيق، فبحق الذي بنى هذا البيت وبحق المولود الذي في بطني لمّا يسّرت عليّ ولادتي.
قال يزيد بن قعنب فرأينا البيت وقد إنفتح عن ظهره، و دخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا، والتزق الحائط، فرمنا أن ينفتح لنا قفل الباب فلم ينفتح، فعلمنا أنّ ذلك أمر من أمر الله عزّوجل.
ثم خرجت بعد الرابع ، وبيدها أمير المؤمنين عليه السّلام، ثم قالت: ... فلما أردت أن أخرج هتف بي هاتف، يا فاطمة سميّه علياً .....(1) و قد ولد بمكة في البيت الحرام يوم الجمعة الثّالث عشر من شهر رجب سنة ثلاثين من عام الفيل (23) عاماً قبل الهجرة)(2).
ويتحدّث الإمام عليه السّلام نفسه عن أيام طفولته (وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّم بِالْقَرابَةِ الْقَريبَةِ وَالْمَنزِلَةِ الخصيصة، وَضَعَني في حِجْرِه وَأَنَا وَلِيدٌ يَضُمُّني إلى صَدْرِهِ وَيَكنُفُني في فِراشِه وَيُمِسُّنِي جَسَدَهُ، وَيُشِمُّي عَرْفَهُ وَكَانَ يَمْضَعُ الشَّيَّ ثُمَّ يُلَقِمُنِيهِ، وَمَا وَجَدَ لي كِذبَةً فِي قَوْلِ، وَلَا خَطْلَةً في فِعْلٍ، وَلَقَدْ قَرَنَ اللهُ بِه صَلَّى اللهُ
ص: 4
عَلَيْهِ وَآلِه مِنْ لَدُنْ أنْ كانَ فَطما أَعْظَمَ مَلَك مِنْ مَلائِكَتِه، يَسْلُكُ طريق المكارم وَمَحَاسِنَ أَخْلاقِ العَالَم لَيْلَهُ وَنَهارَهُ، وَلَقَدْ كُنتُ أتبعه إتباع الفَصيل اثراتِه، يَرْفَعُ لي في كُلّ يَوْمٍ مِنْ أخلاقه عَلَماً وَيَا مُرُني بالإفْتِداء به، وَلَقَدْ كانَ يُجاوِرُ في كلّ سَنَةٍ بحراءَ، فَأَراهُ وَلا يراه غَيري وَلَمْ يَجْمَعُ بَيْتُ واحِدُ يَوْمَئِذٍ في الإسلام غَيْرَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَخديجَةَ، وَأَنَا ثَالِتُهُما ، أراى نُورَ الْوَحْيِ وَالرّسالَةِ وَأَشم ريح النُّبّوه) (1)
و لم يؤمر الرّسول صلّى الله عليه و آله و سلّم بإعلان رسالته حتّى ثلاث سنوات بعد البعثة، ولم يؤمن به خلال هذه الفترة إلا القليل (و كان أوّل ذكر من الناس آمن برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم و صلى معه وصدق بما جاءه من الله تعالى علي بن أبي طالب (2).
و لمّا نزلت هذه الآية على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم (وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربينَ)، دعا عليّ عليه السّلام بأمر النّبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم أربعين شخصاً من أقربائه منهم أبولهب، والعباس وحمزة، و أعدّ طعاماً لا يكفي إلا لشخص واحد، ولكن شبع الجميع بهذا الطعام بإرادة الله، دون أن ينقص منه شي ، وحين أراد النّبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم دعوتهم للإسلام قال أبولهب (لقد سحركم محمّد) وقد أدى هذا الكلام لتفرّق الجميع.
ص: 5
و اضطرّ النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لدعوتهم في يوم آخر، و بعد تناول الطعام، تكلّم الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال يابني عبدالمطّلب : إني والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم اليه فأيكم يوازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي و وصيي وخليفتي فيكم، قال فأحجم القوم عنها جميعاً إلا عليّاً عليه السّلام، فإنّه ،نهض مستجيب-اً لنداء النّبيّ صلى الله عليه وآله و سلّم، وقد كرّر النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ذلك ثلاث مرّات، و في كل مرّة لم ينهض أحد إلا علي عليه السلام، وبعد ذلك قال النبي صلى الله عليه و آله «إِنَّ هذا أخي وَوَصتِّي وَخَليفَتي فيكُمْ، فَاسْمَعُوا لَهُ وأطيعوا»(1).
و بعد إظهار الإسلام والجهر به رأت قريش في النبي صلى الله عليه وآله وسلّم خطراً يهدد وجودها .
و اجتمع زعماء قريش في دار النّدوة وتشاوروا حول قتل النّبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم و اتخذوا القرار التالي: بأن يختاروا من كلّ قبيلة رجلاً، ليقتحموا دار النّبي صلّى الله عليه و آله و سلّم ليلاً، ليقتلوه جميعاً.
و اطّلع النبي صلى الله عليه و آله و سلّم على هذا القرار بوحي من الله ، وأمر بأن لا ينام تلك الليلة في داره، و ليهاجر ليلاً(2).
ص: 6
و أعلم النبّي صلى الله عليه و آله و سلّم عليّاً عليه السّلام بالأمر الإلهي، و أمره بالمبيت في فراشه بصورة لا يعلم بذلك أحد، وبات على فراشه و بذلك ، حافظ عليّ بتضحيته الفذة على حياة النّبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم و تقبل كل الأخطار المحدقة بهذا الموقف الخطير، و كم كان هذا الموقف عظيماً ، بحيث أنزل الله تعالى في حقه الآية الشريفة «وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضاةِ اللهِ، وَاللهُ رؤوف بالعباد».
حان الليل وافترشت الظلمة كلّ مكان، وأحاط القتلة بدار النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم وخرج النبي صلى الله عليه و آله من الدار وهو يقرأ آيات من سورة (يس) ومضى الى غار (ثور) خارج مكّة. و حمل القتلة بسيوف مجرّدة على فراش النبي صلى الله عليه و آله و سلّم، وقا وقام علي عليه السّلام عن فراشه فلما دنوا منه عرفوه، فقالوا له: أين صاحبك ، قال لا أدري أورقيباً كنت عليه أمرتموه بالخروج فخرج، فانتهروه و ضربوه وأخرجوه الى المسجد فحبسوه ساعة ثمّ تركوه (1).
كان النّبي صلّى الله عليه و آله نفسه أمينا لقريش، و كان يحفظ الجميع أماناتهم لديه و حين اضطر للهجرة الى المدينة، ولم يجد أفضل من علي عليه السّلام أمانة في أهل بيته وعشيرته، لذلك عيّنه محله، ليردّ
ص: 7
أمانات النّاس لأصحابها، وليسدّد قروضه و ديونه، و أن يحمل بناته وزوجاته الى المدينه .
و بعد أن قام عليه السّلام بهذه الأعمال، إتجه للمدينة، مصطحباً لفاطمة (أمّه) و فاطمة (إبنة النّبيّ صلّى الله عليه و آله) و فاطمة (إبنة الزبير)، و قد دفع خلال ذلك هجوماً قام به ثمانية من كفار مكة، سدوا عليه الطريق، محاولين منعه من الهجرة وحين وصل المدينة ذهب به النبّيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم الى داره.
الإسلام دين الأخاء والحياة، يرفض قتل البشر، وقد عيّن عذاباً خالداً أبديّاً لكل من يقتل إنساناً متعمداً .
ولكنّ مع ذلك ، فإنّ الإسلام بسبب شموليته، و عمومیته، دین عالميّ، يجب على الجميع الإنتماء اليه و إعتناقه، والإلتزام به، لذلك يحتاج لدعوة الآخرين، وإرشادهم وتوجيههم للإسلام.
و كان من الواضح أن يندفع منذ البداية، لمعارضة الإسلام، أولئك الذين يتهدّد تقبل الإسلام أو إتساعه، مصالحهم الشخصية، و من هنا شرع الإسلام الجهاد المقدّس للقضاء على أولئك الذين يتّخذون موقف العناد من الإسلام.
و كذلك يكون الجهاد ضروريّاً بحكم العقل، فيما لوشن الأعداء الهجوم على المسلمين، ومن هنا كان الدفاع لمواجهة هجوم الأعداء من أنواع الجهاد الإسلامي، ويحكم بمشروعيته العقل والفطرة والإنصاف. و أكثر حروب النبي صلى الله عليه و آله و سلّم وربّما كانت كلها من قسم الدفاع، وكان علي عليه السّلام يشارك في كل المعارك ،
ص: 8
ولم يخش من شي إلاّ الله، وكان في جهاده صامداً جريئاً وحيداً، قائداً، وحاملاً للّواء.
كان يزأر كالأسد، وكالعاصفة يلف حشود العدو وايطويها، و يبيدها، ولم يكن درعه واسعاً ليستر ظهره، و ذلك لأنه لم يهرب من الميدان أبداً، ولم يولّ ظهره للعدّو.
كانت ضربة سيفه القوي الموت المحتم، ولاتحتاج ضربته للإلحاق بضربة أخرى، وحين يهبط سيفه، لم يرتفع، إلا مع روح العدو... و نستعرض مع التاريخ بعض أعماله ومواقفه البطولية الجهاديّة.
إتحد أعداء الإسلام من مختلف الأحزاب والجماعات ليهجموا يداً واحدة على المدينة مستهدفين القضاء على الإسلام.
و أمر النبّيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم بإقتراح سلمان الفارسي بحفر خندق حول المدينة.
و تقابل الجيشان.
كان عمرو بن عبدود - المقاتل المشهور عند العرب، والذي يبلغ الثمانين من عمره في صف العدو، وكان يرتجز، ويجول زافراً متوعداً، ويطلب البراز.
و تقدّم علي عليه السّلام فقال له عمرو: إرجع، فما أحب أن أقتلك ، فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام قد كنت عاهدت الله لا يدعوك رجل من قريش الى إحدى خصلتين إلا اخترتها منه؟ قال: أجل فما ذاك قال: إني أدعوك الى الله و رسوله والإسلام، قال: لاحاجة الى ذلك ، قال: فإني أدعوك الى النزال، فقال: إرجع فقد كان بيني و بين أبيك
ص: 9
خلّة وما أحب أن أقتلك : فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام، لكنّني والله أحبّ أن أقتلك مادمت أبياً للحق فحمى عمرو عند ذلك وقال اتقتلنی و نزل عن فرسه فعقرها و ضرب وجهه حتى نفر، و أقبل عليّ عليه السّلام مصلتاً سيفه و بدره بالسيف فنشب سيفه في ترس عليّ عليه السّلام فضربه أمير المؤمنين عليه السّلام ضربة فقتله، وحين رأي الجميع ذلك ، إنهزموا أمام عليّ عليه السلام(1).
و رجع عليّ عليه السّلام منتصراً ظافراً، قال له النّبيّ صلّى الله عليه و آله: «أبشريا عليّ، فلووزن اليوم عملك بعمل أمّة محمد لرجح عملك بعملهم، وذلك إنّه لم يبق بيت من بيوت المشركين إلا وقد دخله وهن بقتل عمرو، ولم يبق بيت من بيوت المسلمين إلا وقد دخله عزّ بقتل عمرو»(2).
مضى النّبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم الى خيبر مقرّ اليهود وكان عليّ عليه السّلام عاجزاً عن المشاركة في هذه المعركة، بسبب وجع في عينه، ودعا النبي صلى الله عليه و آله بأبي بكر وسلّمه اللواء، ومضى أبوبكر مع جماعة من المهاجرين للمعركة، ولكن لم ينتصر، ورجع، وفي الغد، ذهب ،عمر و رجع خائباً، وهو يبت الخوف والرعب بين المسلمين....
ص: 10
فقال النّبي صلّى الله عليه و آله و سلّم : ليست هذه الرّاية لمن حملها، جيئوني بعلي بن أبي طالب؟ فقيل إنّه أرمد، قال: أرونيه ترونه رجلاً يحبّ الله و رسوله ويحبّه الله و رسوله يأخذها بحقها ليس بفرار فجائوا بعلي عليه السّلام الى رسول الله صلّى الله عليه و آله فقال له النبي صلى الله عليه و آله ماتشتكي يا علي ؟ قال: رمد ما ابصر معه و صداع برأسي فقال له اجلس وضع راسك على فخذى ففعل عليٌ (علیه السلام) ذلك فدعا النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم) فتفل في يده فمسح بها على عينه ورأسه فانفتحت عيناه وسكن ما كان يجده من الصداع، وقال في دعائه اللهم قه الحرّ والبرد و اعطاه الراية و كانت راية بيضاء وقال له خذ الراية وامض بها، فجبرئيل معك والنصر أمامك والرعب مبثوث في صدور القوم، واعلم يا علي إنّهم يجدون في كتابهم إنّ الذي يدمّر عليهم إسمه إيليا، فإذا لقيتهم فقل : أنا عليّ، فإنّهم يخذلون إن شاء الله تعالى .
و اندفع عليّ عليه السّلام لميدان المعركة و تقابل، في البداية، مع كبير اليهود (مرحب) و دار حديث بينهما، ثمّ صرعه بحد بسيفه، فالتجأ اليهود الى داخل القلعة، وأغلقوا الباب، وأتى علي عليه السّلام، و اقتلع لوحده تلك الباب التي كان لا يستطيع على إغلاقها إلا عشرون شخصاً واقتحم المسلمون قلعة اليهود، وانتصروا علىّ أعدائهم (1)
نقل إبن عبّاس عن النّبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم «علي إبن أبي طالب، أعلم أمتي وأقضاهم فيما اختلفوا فيه من بعدي».
ص: 11
وعنه أيضاً قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول أنا مدينة العلم وعليّ بابها فمن أراد العلم فليقتبسه من عليّ عليه السّلام». و عن عبدالله بن مسعود قال إستدعى رسول الله صلى اله عليه وآنه وسلّم عليّاً عليه السّلام فخلابه ، فلما خرج إلينا سألناه ما الذي عهد الیک، فقال: علّمني ألف باب من العلم فتح لي من كل باب ألف باب».
و في يوم مّا قال أمير المؤمنين عليه السّلام وهو على المنبر يا معشر الناس سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني، فإنّ عندي علم الأولين والآخرين، أما والله لوثنّى لى الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم وبين أهل الزبور بزبورهم وبين أهل الفرقان بفرقانهم... والله إنّي لأعلم بالقرآن وتأويله من كلّ مدّع علمه ....» ثم قال: سلوني قبل أن تفقدوني فوالذي فلق الحبة وبريء النسمة لو سئلتموني عن آية آية لأخبرتكم بوقت نزولها وفيم نزلت و أنبأتكم بناسخها من منسوخها و خاصها من عامّها ومحكمها من متشابهها ومكتها من مدنيها ... » (1) . مدنيها...».
و على أساس هذه الفضائل التي كان يتميز بها علي عليه السّلام كان النّبي صلّى الله عليه و آله وسلّم مأموراً من قبل الله أن يؤكد في مختلف المناسبات على وصاية عليّ عليه السّلام و خلافته و منها في يوم الغدير، حيث أجمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم الخروج الى الحجّ في سنة عشرة هجريّة وقد خرج معه جمع كبير، قدره البعض ب- (120) الفاً، ولمّا قضى مناسكه ، وانصرف راجعاً الى المدينة، ومعه
ص: 12
من كان من الجموع الغفيرة، وصل الى غدير خم من الجحفة وذلك اليوم في الثّامن عشر من ذي الحجة، حتّى إذا نودي بالصلاة، واجتمع الناس للصلاة، فصلى بهم، ولما انصرف(صلّی الله علیه و آله وسلّم) من صلاته، قام خطيباً وسط القوم على أقتاب الإبل ، و أسمع الجميع رافعاً عقيرته، و بعد حمد الله قال :
... وإنّي مسؤل، و أنتم مسؤلون، فماذا أنتم قائلون؟
:قالوا نشهد أنك قد بلغت و نصحت و جهدت فجزاك الله خيراً . قال: ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، و أنّ جنّته حق و ناره حق و أنّ الموت حق و أنّ الساعة آتية لا ريب فيها ، و أنّ الله يبعث من في القبور؟
قالوا: بلى، نشهد بذلك .
قال: اللهم اشهد.
ثمّ قال: أيها الناس ألا تسمعون؟
قالوا: نعم.
قال: فانّي فرط على الحوض و أنتم واردون عليّ الحوض....
فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين.
فنادى مناد: و ما الثقلان يا رسول الله ؟
قال : الثقل الأكبر كتاب الله طرف بيد الله عزّوجلّ، وطرف بأيديكم فتمسكوا به لا تضلوا، والآخر الأصغر عترتي، وإنّ اللطيف الخبير نبأني أنّهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض، فسألت ذلك لهما ربي، فلا تقد موهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ثمّ أخذ بيد علي علیه السّلام فرفعها حتى رؤي بياض آباطهما، وعرفه القوم أجمعون،
ص: 13
فقال:
أيّها النّاس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟
قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: إنّ الله ،مولاي و أنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فعلي مولاه يقولها ثلاث مرّات، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه وأحبّ من أحبّه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، و اخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار.
ألا فليبلّغ الشاهد الغائب.
ثم لم يتفرقوا حتى نزل أمين وحي الله بقوله: «اليَومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلام ديناً » (1) .
لمّا ولّي عليّ عليه السّلام - الخلافة - صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما إني والله ما ارزاكم من فيتكم هذا درهماً ما قام لي عذق بيثرب، فلتصدقكم أنفسكم، أفتروني مانعاً نفسي ومعطيكم؟ قال: فقام إليه عقيل، فقال: فتجعلني و أسود في المدينة سواء؟ فقال: إجلس ماكان ههنا أحد يتكلّم غيرك وما فضلك عليه إلا بسابقة أو تقوی» (2).
وقال له بعض أصحابه «أتى أمير المؤمنين عليه السّلام رهط من الشيعة فقالوا: يا أمير المؤمنين لوأ خرجت هذه الأموال ففرقتها في هؤلاء
ص: 14
الرؤساء والأشراف وفضلتهم علينا حتّى إذا استوثقت الأمور عدت الى أفضل ما عودل الله من القسم بالسوية والعدل في الرعية فقال أمير المؤمنين عليه السلام أتأمروني ويحكم أن أطلب النصر بالظلم والجور فيمن وليت عليه من أهل الإسلام لا والله لا يكون ذلك ماسمر السمير وما رأيت في السماء نجماً، والله لو كانت أموالهم ملكي لساويت بينهم، فكيف وإنماهي أموالهم »(1)
بعد استشهاد الإمام عليه السّلام في يوم ما وفدت سودة بنت عمارة من قبيلة هَمْدان على معاوية، فجعل يؤنبها على تحريضها عليه أيّام صفيّن و على نشاطاتها وجهودها الّتي بذلتها في هذا المجال) الى أن قال ما حاجتك ؟
قالت: إنّ الله مسائلك عن أمرنا، و ما افترض عليك من حقّنا ولايزال يقدم علينا من قبلك من يسمو بمکانک، ويبطش بقوة سلطانك، فيحصدنا حصد السنبل و يدوسنا دوس الحرمل، ويسومنا الخسف، ويذيقنا الحتف هذا بسر بن أرطأة قدم علينا، فقتل رجالنا، و أخذ أموالنا ولولا الطاعة لكان فينا عزّ و منعة فإن عزلته شكرناك وإلا كفرناك
فقال معاوية : إياي تهددين بقومك ياسودة لقد هممت أن أحملك على قتب أشوس فاردّك اليه فينفذ فيك حكمه.
فأ طرقت سودة ساعة، ثم قالت:
ص: 15
صلّى الإله على روح تضمّنها قبر فأصبح فيه العدل مدفونا
قد حالف الحق لا يبغي به بدلاً فصار بالحق والإيمان مقرونا
فقال معاوية من هذا يا سودة؟
: قالت: هو والله أمير المؤمنين على بن أبي طالب، والله لقد جئته في رجل كان قد ولاه صدقاتنا فجار علينا، فصادفته قائماً يصلّي فلما رآني إنفتل من صلاته، ثمّ أقبل عليّ برحمة و رفق و رافة و تعطف، و قال : ألك حاجة، قلت: نعم، فأخبرته الخبر، فبكى، ثم قال: اللهم أنت الشاهد عليّ و عليهم ، و إني لم آمرهم بظلم خلقك ، ثمّ أخرج قطعة جلد فكتب: بسم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَدْ جَاءَكُمْ بَيْنَهُ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْميزانَ وَلَا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إصلاحها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنينَ. فإذا قرأت كتابي هذا فاحتفظ بما في يدك من عملنا حتى يقدم عليك من يقبضه منك والسّلام، ثمّ دفع الرقعة إليّ ، فوالله ما ختمها بطين ولا خرمها، فجئت بالرقعة الى صاحبها، فانصرف عنا معزولاً.
فقال معاوية : أكتبوا لها كما تريد(1)
حين أطفأ النّبي صلّى الله عليه و آله و سلّم عينيه الحانيتين عن الحياة، وغربت الشمس وجوده المشعة عن افق عيون الناس، اجتمع البعض من ذوي القلوب المظلمة في سقيفة بني ساعدة وبالرّغم من النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم عين الإمام علياً عليه السلام خليفة
ص: 16
من بعده بأمر من الله ، ولكن هؤلاء في ذلك اليوم نصبوا أبا بكر بن أبي قحافة خليفة، وبعده عمر، وبعده عثمان أجلسوهم على مسند الخلافة، مستخدمين في ذلك مختلف المؤامرات والمخططات المتشابهة و بذلك استولوا على الحكم خلال (25) عاماً بعد وفاة النبي صلى الله عليه و آله و سلّم، وخلال هذه الفترة الطويلة، كان الإمام عليه السّلام جليس البيت صابراً محتسباً و هو أحق ، و أفضلهم، في حكومة الدولة الإسلامية، وخلافة النّبي صلّى الله عليه وآله . و هذه من أفجع حوادث التاريخ البشري على الإطلاق،... بل يتألم و يأسف لمثل هذا الظلم الذي لحق مصير الأمة الإسلامية حتى أتباع الأديان الأخرى، بل حتى أولئك الذين لا يعتنقون أي دين مع تعرفهم و علمهم بالماضي العظيم المشرف، لخدمات الإمام عليه السّلام وجهوده الهائلة التي بذلها في سبيل الإسلام و لنزاهته و طهارته و شجاعته، وقوّة فكره وإتساع علمه، وإنصافه وعدله، فكيف بالمسلم المنصف، فضلاً عن الشيعي ... آها، وأسفاً، لهذه الحادثة المفجعة المؤلمة. أجل تولّى الخلافة أبو بكر في السنة العاشرة للهجرة ومات في السنة الثالثة عشر من الهجرة و عمره (63) عاماً ، أي بعد سنتين وثلاثة أشهر و عشرة أيام من خلافته (1) .
و بعده تولّى عمر بن الخطاب الخلافة، وقتل على يدي أبي لؤلؤة في أواخر ذي الحجة عام (23) هجرية، وكانت مدة خلافته عشره سنين و ستة أشهر و أربع ليال (2) .
ص: 17
و قد أوصى عمر، في تعيين الخليفة من بعده أن يشكّل مجلس شوری، و نتيجة أن عيّن عثمان بن عفّان خليفة، وهذا تسلّم الخلافة بعد عمر، وتشكيل الشّورى في أوائل محرم عام (24) هجرية، وقد قتل بأيدي بعض المسلمين، نتيجة لعدم عدالته، و كانت خلافته اثنتي عشرة سنة الاثمانية ايام (1) .
و بعد وفاة النّبي صلّى الله عليه و آله و سلّم ثبت علي عليه السّلام أمام الجائرين الذين إغتصبوا حقه، واستنكر أعمالهم، و في حد إمكانه و مقدوره و فيما إذا فرضت ذلك المصالح الإسلامية العليا، كان، يوضح القضايا خلال أقواله، ومناظراته، ويفهم النّاس بأنّ هؤلاء قد إغتصبوا حق الخلافة، وكانت سيدة النّساء العظيمة فاطمة الزهراء عليها السّلام ،تعاونه وتشاركه في هذه المهمة، والمجال، وكانت تؤكّد عمليّاً، بأنّ حكومة أبي بكر غير قانونية.
و قد إعترض على النظام الحاكم لأبي بكر، جماعة من كبار صحابة النّبيّ صلى الله عليه و آله أمثال أبي ذر والمقداد و عمار بن ياسر بخطاباتهم الثائرة، وكانوا يلمحون باغتصابه الخلافة، وأحقية الإمام عليّ عليه السّلام في خلافة النّبيّ صلّى الله عليه و آله و لكن بسب المصالح الإسلاميّة، و أنّ الإسلام لازال في بداياته، ولم يبلغ النضج الكافي، لم يستخدم السيف، وامتنع عن إشعال الحرب الداخلية، التي ستسي بالطبع ،بالإسلام وربّما أدت الى ضياع الجهود التي بذلها النبي صلى الله عليه و آله، بل ربما لم يمتنع في بعض المجالات والحالات
ص: 18
اللازمة، عن إبداء توجيهاته وتعليماته من أجل الحفاظ على كرامة الإسلام، كما ذكر ذلك الخليفة الثاني مراراً لولا عليّ لهلك عمر (1)
و كانت تصيبهم الدهشة والذهول من توجيهاته المثمرة الفاعلة، سواء في القضايا الدينية، أو في القضايا السياسية، الى الحد الذي يدفعهم الى الإعتراف و بدون إرادة منهم، بشموخ هذا الإمام الطاهر و علمه .
و روي إنّ بعض الأحبار جاء الى أبي بكر فقال له: أنت خليفة هذه الأمة ؟ فقال نعم قال فإنّا نجد في التوراة إن خلفاء الأنبياء : أعلم ،أممهم، فخبرني عن الله أين هو أفي السماء أم في الأرض؟ فقال له أبو بكر: في السماء على العرش، قال اليهودي : فأرى الأرض خالية منه، و أراه على هذا القول في مكان دون مكان.
فقال أبو بكر: هذا كلام الزنادقة إعزب عنّي ، وإلا قتلتك . فولى الرّجل متعجباً يستهزئ بالإسلام، فاستقبله أمير المؤمنين عليه السّلام فقال له يا يهودي قد عرفت ما سألت عنه، وما أجبت به،
: و إنا نقول : إنّ الله عزّوجلّ أين الأين فلا أين له و جلّ عن أن يحويه مكان، و هو في كل مكان بغير مماسة ولا مجاورة، يحيط علماً بها، ولا يخلق شي إلا من تدبيره تعالى ...
فقال اليهودي: أشهد أنّ هذا هو الحق المبين، وإنك أحق بمقام نبيك
ممّن استولى عليه(2) .
ص: 19
شرب رجل يدعى قدامة بن مظعون الخمر، فأراد عمر إجراء الحد الشرعي عليه فقال له قدامة: إنّه لا يجب عليّ الحد، لأنّ الله تعالى قال: «لَيْسَ عَلَى الدين آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فيما طَعِمُوا إذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ فدرأ عمر عنه الحد.
فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السّلام، فمشى الى عمر، فقال له: لم تركت إقامة الحد على قدامة في شرب الخمر، فقال: إنّه تلا عليّ الآية، و تلاها ،عمر فقال أمير المؤمنين عليه السّلام. ليس قدامة من أهل هذه الآية، ولا من سلك سبيله في ارتكاب ما حرم الله تعالى «إنّ الذين آمنوا و عملوا الصالحات لايستحلون حراماً، فاردد قدامة، واستتبه مما قال، فإن تاب فأقم عليه الحد، وإن لم يتب فاقتله، فقد خرج عن الملة لإنكاره حرمة شرب الخمر في الإسلام. فاستيقظ عمر لذلك ، وعرف قدامة الخبر، فأظهر التوبة والإقلاع ، فدر عمر عنه القتل، ولم يدر كيف يحده، فقال لأمير المؤمنين عليه السّلام، أشر عليَّ في حده فقال حده ثمانين . . . » (1).
نقل الشّيخ المجلسي عن الكشاف والثعلبي و أربعين ،الخطيب هذه الحكاية: «إنّه أتي بإمرأة قد ولدت لستة أشهر فهم برجمها، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: إن خاصمتك بكتاب الله خصمتك ، إنّ الله تعالى يقول و حمله وفصاله ثلاثون شهراً ثمّ قال والوالدات يرضعن
ص: 20
أولادهنّ حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرّضاعة فحولين مدة الرضاع وستة أشهر مدة الحمل، فقال عثمان ردّوها فعلى الأمهات أن يرضعن أولادهن سنتين كاملتين أي (24) شهراً ، إذن فمدة الرضاع (24) شهراً، فيكون الحد الأقل لمدة الحمل ستة أشهر وفق الآية الأولى التي تحدد مدة الحمل والرضاع بثلاثين شهراً، إذن فلم ترتكب هذه المرأة مخالفة، و معصية، بحكم القرآن (1)، و من هنا تعرّف العلماء والفقهاء إستناداً لهاتين الآيتين، بأنّ الحد الأقل لمدة الحمل ، ستة أشهر، أي إنّهم حكموا، بأنّه من الممكن أن يولد الطفل بعد ستة أشهر من حمله، وقد انعقدت نطفته من أبيه الشرعي، ولكن لا يمكن أقل من ذلك ، والإمام عليه السّلام، يستهدف هذا المعنى .
اجتمع بعض الخوارج في مكة في عام أربعين هجرية، وخططوا لمؤامرة، تستهدف قتل أمير المؤمنين علي عليه السّلام في الكوفة، ومعاوية في الشام، وعمرو بن العاص في مصر، في وقت معين، وعينوا ليلة التاسع عشر من شهر رمضان المبارك للقيام بعملية الإغتيال، وعين المنفّذون لهذه العملية، وهم عبد الرحمن بن ملجم لقتل الإمام علي عليه السّلام، والحجاج بن عبدالله الصريمي لقتل معاوية، وعمرو بن بكر التميمي لقتل عمرو بن العاص .
و لتنفيذ هذا المخطط، جاء إبن ملجم الى الكوفة، ولكن لم يطلع أحداً بما يضمره من غاية خبيثة سوداء، إلى أن تلاقى يوماً ما في دار أحد
ص: 21
الخوارج ب-(قطامة) وهي إمرأة جميلة وفاتنة جداً، شغف بها حبّاً، وفكر في الزواج منها ، وحين طلب يدها قالت له قطامة: إنّ المهر والصداق ثلاثة آلاف درهم و وصيفاً و خادماً، وقتل عليّ بن أبي طالب علیه السّلام، و كانت قطامة تضمر الحقد والعداء للإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، بسبب، قتل أبيها و أخيها في معركة النهروان بيد الإمام علي عليه السّلام، و كانت تحاول الإنتقام، وقد كشف لها إبن ملجم الخطة التي جاء من أجلها فقال لها : ما أقد مني هذا المصر إلا ما سألتني من قتل على إبن أبي طالب وبذلك أصبح إبن ملجم أكثر إصراراً على ما صمم عليه .
و حان الليل المشؤم البشع.
و بات ابن ملجم، مع شخصين من معاونيه في مسجد الكوفة، في ليلة التاسع عشر من شهر رمضان و هم يفكرون بهذه الخطة القذرة (1).
و قبل ثلاثة وثلاثين عاماً، من تلك الليلة السوداء، سمع الإمام علي عليه السّلام من النّبي صلّى الله عليه و آله و سلّم إنّه سيقتل في شهر رمضان.
و لنسمع الحكاية من لسان الإمام علي عليه السلام نفسه: حين خطب النّبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم خطبته المشهورة عن رمضان، قام له الإمام علي عليه السّلام فسأله : يا رسول الله ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟ فقال : يا أبا الحسين أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله عزّوجل، ثم بكى ، فقلت يا رسول الله ما يبكيك ؟ فأخبره عن
ص: 22
شهادته في هذا الشهر (1).
و كان واضحاً في أعماله و أقواله إنّه كان عالماً بإستشهاده في هذا الشهر، و في هذا السنة قال :
و لمّا دخل شهر رمضان ... كان لايزيد في إفطاره على ثلاث لقم، فقيل له ليلة من تلك الليالي في ذلك ، فقال : يأتى أمر الله وأنا خميص (2)
و في حديث آخر «إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قد سهر تلك الليلة فأكثر الخروج والنظر الى السماء و هو يقول، والله ما كذبت ولا كذبت و إنها الليلة التي وعدت بها»(3)
و هكذا، في سحر تلك الليلة، وبعد دخوله المسجد، و في خلال أدائه لصلاة الصبح هبط السيف المسموم الحاقد لأبشع الناس و أقذرهم إبن ملجم و خضب الشمس في محراب الحق.
وغرب، بعد يومين في ليلة الحادي والعشرون من شهر رمضان، في سنة الأربعين هجرية(4).
و أودع جسده الطاهر في تراب النجف المقدسة، التي هي اليوم قبلة لقلوب المسلمين وخاصة الشّيعة.
و كما عاش الإمام، خلال عمره بذكر الله، ودع الحياة بذكر الله، في لحظة الفاجعة.
ص: 23
و حين طعنه سيف إبن ملجم من الخلف، و فلق جبهته المشرفه، كانت أوّل جملة نطق بها فزت و ربّ الكعبة).
و أخذوه الى داره و هو سابح بدمه الظاهر.
و في خلال اليومين و هو طريح في فراش الشهادة، كان يفكر، في كل اللحظات بإصلاح النّاس وسعادتهم ... و بالرغم من أن قضية إمامة الحسن عليه السّلام و إمامة الحسين عليه السّلام وأبنائه البررة حتى الإمام الثاني عشر عليهم السلام، قد أكد عليها النبي صلى الله علیه و آله و سلّم والإمام علي عليه السلام كثيراً، ومع ذلك ، ولأجل إتمام الحجة، أكد عليها في اللحظات الأخيرة من عمره الشريف (1).
وقد أوصى أبناءه و أقرباءه ومواليه في اللحظات الأخيرة من حياته الشريفة بهذه الوصية :
أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومَنْ بَلَغَهُ كِتابي، بتقوى الله و نَظْمِ أَمْرِكُمْ وَصَلاحٍ ذَاتِ بَيْنِكُمْ... الله الله في الأيتام... والله الله فى جيرانكُمْ... والله الله في القُرْآنِ لا يَسْقُكُمْ بالعمل به غيْرُكُمْ.... والله الله في الصّلاةِ، فَإنَّها عَمُودُ دينكم ... والله والله في الجهاد بأمْوالِكُمْ وأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ في سَبيلِ اللهِ، وَعَلَيْكُمْ بِالتَّواصل والتبادل وإيَّاكُم والتدابُرَ والتَّقاطع، لا تشركوا الأمر بالمعروف والنهي عَن الْمُنْكَر فَيُولّى عَلَيْكُمْ أَشْرَارُكُمْ ثم تَدْعُونَ فَلا يُسْتَجَابُ لكم (2).
و سلام الله وأوليائه الصالحين على هذا الإمام العظيم الظاهر الذي ولد بصورة مدهشة وعاش بصورة مذهلة، و فارق الحياة بصورة مدهشة .
ص: 24