سرشناسه:موسسه در راه حق
عنوان و نام پديدآور:پیشوای هشتم: حضرت امام علی بن موسی الرضا (عليهماالسلام)/ از هیئت تحریریه موسسه اصول دین
وضعيت ويراست:[ویرایش ]2
مشخصات نشر:قم: موسسه در راه حق، [ 136؟].
مشخصات ظاهری:ص 69
فروست:(موسسه در راه حق 18)
شابک:بها:45ریال
وضعیت فهرست نویسی:فهرستنویسی قبلی
یادداشت:کتابنامه به صورت زیرنویس
موضوع:علی بن موسی (عليهماالسلام)، امام هشتم، 203 - 153ق. -- سرگذشتنامه
رده بندی کنگره:BP47/م 8پ 9 1361
رده بندی دیویی:297/957
شماره کتابشناسی ملی:م 64-2264
اسم الكتاب ...الامامُ الثَّامِن عَليّ بن مُوسَى الرّضا(علیهما السلام)
المؤلف ... لجنة التحرير في طريق الحق
المترجم ... محمد عبدالمنعم الخاقاني
الناشر ... مؤسسة في طريق الحق
عدد النسخ... 3000
المطبعة... سلمان الفارسي
الطبعة ... الثانية
تاريخ النشر ... 1425 ه- ق - 2004م
ISBN: 964 - 6425 - 86 - 0.
السعر 500 تومان
محرر الرقمي: سيد أسد الله حسيني
ص: 1
الامام الثامن
عليّ بن موسى الرّضا عليه السّلام
المؤلّف: لجنة التحرير في طريق الحق
ص: 1
في اليوم الحادي عشر من شهر ذي القعدة عام (148) هجرية وفي بيت الامام موسى بن جعفر في المدينة ولد له ولدا، تولّى (1) بعد والده صياغة تاريخ الايمان والعلم والامامة. وقد سُمّي ب- (عليّ) وعُرف بين الناس ب- «الرّضا».
وتُسمّى أمه ب- (نجمة» (2)، وقد كانت من افضل النساء في العقل والايمان والتقوى، واساساً فانّ أئمتنا الطاهرين جميعاً كانوا من نسل افضل الآباء وقد تربوا في احضان أكرم الأمهات وأشرفهن. وقد تسلّم الامام الرّضا عليه السّلام عام (183) هجرية - وبعد استشهاد الامام الكاظم (عليه السّلام) في سجن هارون -- المنصب الالهي للامامة وهو فى سن الخامسة والثلاثين واصبح قائداً لمسيرة
ص: 2
مقدمة
... ان لشمس الامامة تجليا خاصاً في كل واحد من البروج الاثني عشرة، لكنّ الشمس هي الشمس من اي افق اشرقت فنورها وشعاعها يعشي العيون وحرارتها واشراقها يمنح الحياة ويبنيها، فمن اشواك شجيرات الصحراء الى الأشجار العالية في البستان كلّها محتاجة اليها، وأية ورقة لا تستطيع ان تعيش من دون لمس اصابع شعاعها واي غصن لا يمكن ان يثمر بدون الاستمداد من ضيائها الحاني... أجل أنّها الشمس، ولولا الشمس فانّ عالمنا الحي محكوم عليه بالفناء.
ودور امامة ائمتنا المعصومين في نظام العالم المعنوي ولاستمرار وتقدم حياة الاسلام والمسلمين يشبه دور الشمس وضيائها وحرارتها في العالم المادي، فكل واحد من هؤلاء الكرام قد اشرق واضاء وهدى في الظروف الخاصة التي عاشها وفي جميع الأبعاد التي تقتضيها الضرورات وتحتّمها مرحلته الزمنيّته، فاستمر في تربية اتباعه
ص: 3
وصياغتهم بالشكل المطلوب، وقد تجلّى كل واحد منهم من خلال ميزات ،عصره، فبعض منهم قد صاغ ملحمته في ميدان القتال وكتب رسالته للعالم بدمه الطاهر، وبعض منهم امتطى منبر التدريس وكرس كل جهده لنشر العلوم والمعارف والبعض الآخر اخذ على عاتقه عبئ النضال ضد الطاغوت، وتحمّل في سبيل ذلك الوان التعذيب والسجون، و... وعلى كل حال كانوا شمس المجتمع وقد انهمكوا في ايقاظ المسلمين الحقيقيين وتربيتهم، واذا لا حظنا بعض الاختلافات في سيرتهم رعاية للضرورات فانّه لا شك لدى الواعين بكونهم متحدين في الهدف والهدف هو الله وسبيله واشاعة دينه ونشر كتابه وتربية عباده...
أجل إنّ ائمتنا - صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين - لمّا كانوا متميّزين بمنصب العصمة والامامة، مما هو مختص بهم، وبالحكمة والعلم اللازمين للإمامة وهما من المنح الالهية وبتأييد خاص من الله تعالى، فقد كانوا اعلم من اي شخص آخر بخصائص عصورهم والضرورات السائدة فيها وبأسلوب القيادة في كل مرحلة من المراحل، وتعتبر هذه الحقيقة واضحة جداً لدى المعتقدين بالاسلام الواقعي المنزّه من الانحراف، والمؤمنين بتعيين الامام بأمر الله وابلاغ الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم في الحادثة التاريخية الغدير خم، وهو امر لا يرتفع اليك الشك، وتاريخ حياة ائمتنا الطاهرين ملئ بالوقائع والحوادث التي تنبئ عن وجود مثل هذا العلم والرؤية الالهية لدى هؤلاء المكرمين.
ص: 4
وهذا العلم المحيط للامام بجميع ابعاد المجتمع وجوانب عصره وعلمه واحاطته بجميع حقائق الوجود وما يقع من حوادث حتى يوم البعث هو الذي جعل المعصومين يتعاملون مع مسائل عصرهم بدقة رائعة ويستخدمون افضل الاساليب في سبيل تقدم الأهداف الالهية، وكمثال رائع على ما قلناه نذكر الامام عل-ى بن موسى الرّضا عليه السّلام فهو قد تسلّم منصب الامامة بعد والده الكريم اثناء خلافة هارون الرشيد وبدأ ينشر موضوع امامته من دون تحرّج، بينما كان اصحابه المقربون خائفين عليه. وقد واجههم بصراحة قائلاً لهم : لوانّ أبا جهل استطاع ان ينقص شعرة من رأس النبي (صلّىّ الله عليه وآله وسلّم) فان هارون ايضاً يستطيع ان يلحق بي ضرراً»، وهذا يعني ان الامام كان على علم يقيني بأن شهادته لن تكون على يد هارون القذرة، وكان يعلم ايضاً ان عمره الشريف سوف يمتد الى سنين لا حقة. والالتفات الى هذا العلم هو بنفسه عامل مهم في فهم اساليب عمل هؤلاء القادة الحقيقييّن.
وقد عاش ثامن المعصومين الامام علي بن موسى الرضا عليهما السّلام في عصر وصلت فيه خلافة العباسيين المتعسفة الى ذروة قدرتها، وذلك لانّ بني العباس ليس فيهم ملك اعظم واقوى من هارون والمأمون، ومن ناحية اخرى فقد شُيدت سياسة بني العباس مع الأئمة الطاهرين (عليهم السّلام) وبالخصوص منذ زمان الامام الرّضا عليه السّلام فما بعد على المكر والخداع والنفاق والتظاهر، فمع انهم كانوا متعطشين لدماء اهل البيت الظاهرة إلاّ
ص: 5
انّهم كانوا يبذلون قصارى جهدهم ليظهروا ان لهم علاقات حميمة مع اهل بيت امير المؤمنين علي عليه السلام، وذلك ليطمئنّوا انٞ العلويين سوف لن يثوروا عليهم وليكسبوا قلوب الشيعة والايرانيّين وبهذا فهم يؤمنون لأنفسهم وضعاً قانونياً مشروعاً، ويمكننا ملاحظة اوّج هذه السّياسة الخداعة في حكومة المأمون...
وقد اتّخذ الامام الرّضا عليه السّلام في مقابل هذه الطريقة الخداعة للمأمون اسلوبا يتسم بالدقة العملية المنقطعة النظير بحيث تحرم المأمون من اهدافه وتقرب المسلمين الم-ن-تش-ري-ن في الأرجاء الواسعة للبلاد الاسلامية الى الحق في نفس الوقت بحيث يدركون أنّ الخلافة الاسلامية الحقيقية قد جعلت من قبل الله تعالى والنبى (صلى الله عليه وآله وسلم) على عاتق الأئمة الطاهرين عليهم السّلام، وليس هناك غيرهم من هو اهل لهذا المنصب الرفيع. ولودققنا النظر كما قلنا في دراستنا لحياة سائر الائمة (علیهم السّلام) - لوجدنا ان الخلفاء الامويين والعباسيين كانوا يراقبون بدقة وضع الأئمة عليهم السّلام ويتعقبونهم ويحولون دون اتصال الناس بهم ويسعون لئلا يتعرّف عليهم الناس وليكونوا خاملي الذكر، ولهذا السبب فانّ اي واحد من الأئمة الكرام عليهم السلام بمجرد ان يطير اسمه في البلاد الاسلامية فانّه يُقتل أو يُدس اليه السمّ من قبل الخلفاء، ومع ان قبول ولاية العهد كان بالاجبار، هذا من ناحية ومن ناحية اخرى فقد كان قبول الامام مرهوناً بتحقق عدة شروط بحيث يغدو بمثابة عدم القبول، لكنه في نفس الوقت قد
ص: 6
ذاع هذا الامر في البلاد الاسلامية القريبة والبعيدة، وعرف الناس انّ المأمون قد اعترف بانّ الامام الرّضا (عليه السلام) قدوة للأمة وأهل للخلافة، وان المأمون قد طلب منه (علیه السّلام) ان يقبل الخلافة فرفضها وأصرّ عليه بولاية العهد فقبلها ضمن شروط، وهذا نفسه يعد انتصاراً كبيراً لصالح منهج الامام وهزيمة قاصمة لسياسة خلفاء الجور...
ومن المناسب ان نقارن هذه الحادثة الى واقعة الشّورى الّتي فرضها الخليفة الثاني عمر بن الخطاب وأشرك فيها امير المؤمنين ّعليّاً عليه السّلام، ومن الغريب ان الامام الرضا عليه السّلام قد اشار الى ما بين هاتين الحادثتين من تشابه.
فقد أمر عمر بن الخطاب قبل موته بتشكيل شورى بعد موته يشترك فيها عثمان وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن ابي وقاص والزبير وأمير المؤمنين علي (علیه السّلام)، وذلك ليختار هؤلاء الستة خليفة من بينهم، ثمّ أوصى بقتل كلّ من يخالف قرار الشورى، وقد اعدت القضية بحيث يبقى علي (عليه السّلام) محروماً من الخلافة، ولمّا كانوا على علم بانّ الخلافة حقه، فقد تنبأوا بانه سوف يخالف عندما ينتخب غيره للخلافة وسينفذ فيه القتل، ويصبح قتله مشروعاً وجائزاً !! وقد سأل الامام امير المؤمنين بعض المقربين اليه: لماذا وافقت على الاشتراك في هذه الشورى مع انك كنت تعلم بانّ الخلافة سوف لن تُعطى لك ؟
فأجاب : لقد أعلن عمر بعد النّبي (بواسطة جعل حديث انّ
ص: 7
النّبي (صلّی الله علیه وآله وسلّم) قال:
«إنّ النبوة والإمامة لا تجتمعان في بيت واحد». (بمعنى انه يزعم بأنه قد أبعدني عن الخلافة ولم يرني اهلاً لها امتثالاً للنبي (صلّی الله علیه وآله وسلّم) !) ، وهذا هو عمر نفسه يقترح علي ان اشترك في هذه الشورى ويراني اهلاً للخلافة، فأنا اشترك في هذه الشورى لأثبت انّ تصرّف عمر لا ينسجم مع تلك الرواية.
أجل فمن نتائج قبول الإمام الرضا (عليه السلام) لولاية العهد ان المجتمع الإسلامي الواسع قد عرف من هو الأحق بالولاية، فالمأمون بعمله هذا قد اعترف بحقيقة ضخمة، وفي هذه الأثناء ايضا قدمرّ الامام (علیه السّلام) - خلال سفره من المدينة الى مرو بمدن كثيرة من البلاد الاسلامية وواجه أناساً كثيرين، وقد كان النّاس في تلك الحقبة التاريخيّة محرومين من كثير من المعلومات بسبب فقدان وسائل الاعلام وبذلك فقد تحقق لهم لقاء الامام ومشاهدة الحق عن كثب، وقد كانت لذلك آثار ايجابية كثيرة تستحق الذكر والدراسة، ويمكننا ملاحظة نموذج ذلك في نيشابور وهجوم النّاس المشتاقين عليه، وفي صلاة العيد في مدينة مرو، و... وفي هذا المضمار نستطيع ذكر تعرّف كثير من المفكرين والعلماء على الامام واشتراكهم معه في جلسة مناظرة ومباحثة بحيث تجلت لهم عظمة الإمام العلميّة، وانهزم المأمون وتحطمت مؤامراته لاهانة الامام عليه السلام كلّ هذه الأمور لابد من عدها من جملة الآثار الايجابية لسياسة الإمام (عليه السّلام)، وهي تحتاج الى دراسة
ص: 8
مبسوطه:
وعلى كلّ حال ففي دراسة حياة ايّ واحد من الأئمة عليهم السّلام لابد من الأخذ بعين الاعتبار الابعاد المختلفة لوجودهم المبارك ، وكما ان تاريخ حياة الأنبياء - الذين كانت اعمالهم نابعة من منبع الوحي - لا يمكن دراسته بالمعايير التي يُدرس بها تاريخ الملوك والسّاسة والمستبدين ، فكذا تاريخ حياة الأوصياء والأئمة (عليهم السّلام) فانّه لا تتيسّر دراسته بمعايير حياة الناس العاديين وذلك لانّ الأوصياء والائمة كالأنبياء (عليهم السّلام) يتميزون بخاصة مقصورة عليهم وهي الارتباط المعين بخالق الكون.
لجنة التحرير في طريق الحق
ص: 9
في اليوم الحادي عشر من شهر ذي القعدة عام (148) هجرية وفي بيت الامام موسى بن جعفر في المدينة ولد له ولدا (1)، تولّى بعد والده صياغة تاريخ الايمان والعلم والامامة. وقد سُمّي ب- «علي» وعُرف بين النّاس ب- «الرّضا» .
وتُسمّى أمه ب- «نجمة» (2)، وقد كانت من افضل النساء في العقل والايمان والتقوى واساساً فانّ أئمتنا الظاهرين جميعاً كانوا من نسل افضل الآباء وقد تربوا في أحضان أكرم الأمهات وأشرفَهنّ.
وقد تسلّم الإمام الرّضا عليه السّلام عام (183) هجرية - وبعد استشهاد الامام الكاظم ( عليه السّلام) في سجن هارون --المنصب الالهي للامامة وهو في سن الخامسة والثلاثين، واصبح قائداً لمسيرة
ص: 10
الأمه. وقد كانت امامته بتعيين وتصريح من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، شأنه في ذلك شأن سائر الأئمة المعصومين عليهم السّلام، وقد أعلنها والده الامام الكاظم عليه السّلام) فعندما القى القبض على الامام الكاظم عليه السلام واودع السجن قام بتعيين ثامن أئمّة الحق وحجّة الله بعده في الأرض، حتى ينتشل اتباعه والطالبين للحق من الظلام ويحفظهم من الانحراف والضّلال. يقول (المخزومي):
لقد أحضرنا الامام موسى بن جعفر عليهما السّلام عنده وقال:
- أتعرفون لماذا أحضرتكم؟
- كلا!
- احببت ان تشهدوا على انّ إبني هذا (1) واشار الى الامام الرّضا عليه السّلام) - هو وصي وخليفتي...(علیهم السلام)
يقول يزيد بن سليط»:
كنّا ذاهبين الى مكة لأداء العمرة، فواجهنا الامام الكاظم في اثناء الطريق، فقلت له (علیه السلام):
أتعرف هذا الموضع ؟
قال: بلى. وهل تعرفه أنت؟
قلت: بلى. انا ووالدي لقيناكم انت ووالدك الكريم الامام (2)
ص: 11
الصّادق عليه السّلام في هذا المكان وقد كان يرافقكما سائر اخوتك ايضاً ، فقال ابي للامام الصّادق:
فداك أبي وأمي انتم جميعاً ائمتنا الظاهرون ولا يسلم احد من الموت فقل لي شيئاً انقله للآخرين حتى لا يضلوا. فقال له الامام الصادق (عليه السّلام)
یا ابا عمارة هؤلاء اولادي وهذا اكبرهم - واشار اليك وقد اجتمع فيه الحكم والفهم والسّخاء، وهو عالم بكل ما يحتاج اليه الناس، ومطلع على جميع الشؤون الدينية والدنيوية التي يختلف فيها الناس، وهو يتمتع بأخلاق رفيعة ويُعدّ باباً من ابواب الله...
وعندئذ قلت للامام الكاظم ( عليه السلام فداك أبي وأمي علمني انت أيضاً كأبيك (بمعنى عرفني على الامام الذي يليك).
وبعد ان قام الامام بتوضيح للامامة وانّها امر الهي وانّ الامام يتم تعيينه من قبل الله تعالى والنّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قال (عليه السّلام): «الأمر الى ابنى على سَمِي على وعلي». وهو يقصد ان اسم هذا الوالد يشبه اسم علي بن ابي طالب واسم عليّ بن الحسين عليهما السّلام
ولمّا كان الاضطهاد سائداً في المجتمع الاسلامي في ذلك الزمان فقد أكد الامام الكاظم ( عليه السّلام) في خاتمة كلامه على يزيد بن سليط» بقوله يا يزيد احتفظ بما قلته لك فهذه امانة ولا تكشفها الا لمن تعرف صدقه وتطمئن الى ايمانه.
ص: 12
يقول يزيد بن سليط ذهبت الى الامام الرضا (عليه السلام) بعد استشهاد والده الامام موسى بن جعفر (عليهما السّلام)، وقبل ان اتحدّث بشي ابتدأني الامام بقوله:
يا يزيد أتذهب معى الى العمرة؟
قلت فداك ابي وامي انّ الأمر اليك ، لكنني لا املك نفقات السّفر. فقال انا اتحمل نفقات سفر.
فقال: انا اتحمّل نفقات سفرک.
فرافقناه عليه السّلام في الطريق الى مكة، ولما وصلنا الى ذلك المكان الذي لقينا فيه الامام الصادق والامام الكاظم سابقا قمت بشرح قصة لقائنا للامام موسى بن جعفر وما سمعته منه للامام الرّضا (علیه السلام)... (1)
لقد عاش ائمّتنا الظاهرون ( عليهم السّلام) بين الناس ومعهم،وقد علموا الناس عمليّاً درس الحياة والطهارة والفضيلة، وكانوا قدوة وأسوة للآخرين، ومع ان مقام الامامة الرفيع كان يميزهم من الآخرين، فهم الذين اصطفاهم الله وحججه في الأرض لكنهم في نفس الوقت لم يبتعدوا عن الأفق الاجتماعي ولم ينفصلوا عن الناس
ص: 13
ولم يختصّوا انفسهم بشي كما يفعل الجبّارون والمتسلطون ولم يدفعوا الناس اطلاقاً للعبوديّة والانحطاط ولم يشعروهم بالحقارة...
يقول «ابراهيم بن العباس»:
ما رأيت الامام الرضا عليه السّلام ابداً وهو يجفو في الحديث مع أحد، ولم اشاهده اطلاقاً يقطع حديث أحد قبل ان يتم كلامه، وما كان يردّ محتاجاً اذا كان يستطيع قضاء حاجته، ولم يمد رجله بحضور الآخرين، ولم اره اطلاقا يقسو في الكلام مع خدمه وغلمنه، ولا يضحك قهقهةً وانما بصورة تبسّم واذا فُرشت مائدة الطعام فهو يدعو اليها جميع افراد البيت وحتى الحارس والمشرف على الحيوانات فهؤلاء جميعاً كانوا يتناولون الطعام مع الامام. وكان لاينام في الليل إلا قليلاً، وأمّا اغلب الليل فقد كان مستيقظاً فيه، وكثير من الليالي يحييها حتى الصباح ويقضيها في العبادة، وكان يصوم كثيراً ولا يترك صيام الايام الثلاثة من كل شهر (1)، وكثيراً ما يقوم بأفعال الخير والانفاق بصورة سرّيّة، وفي الغالب كان يساعد الفقراء خفية في الليالي الحالكة الظلام (2).
يقول «محمد بن ابي عباد»:
كان فراشه عليه السّلام حصيراً في الصيف وقطعة من السجاد
ص: 14
الصوفّي في الشتاء، واما ملابسه فقد كانت غليظة وخشنة -- في داخل البيت ، وعندما كان يساهم في المجالس العامة فانّه يجمّل نفسه ويلبس الملابس الجيّدة والمتعارفة)(1) .
وفي احدى الليالي نزل عنده ضيف، وفي اثناء الحديث طر أخلل على المصباح الذي كانوا يستضيئون به فمدّ الضّيف يده لكي يصلح المصباح فلم يدعه الامام وانّما قام هو بالمهمة قائلاً: نحن أناس لا نستخدم ضيوفنا(2) .
وفي احدى المرّات استعان شخص بالامام في الحمام --- وهو لا يعرفه - في ازالة الاوساخ عن جسمه، فاستجاب الامام عليه السّلام وبدأ ينظف ذلك الرّجل، فجاء الآخرون اليه وبينوا له ان هذا هو الامام، فأخذ الرجل يعتذر اليه وقد استولى عليه الخجل، إلا أنّ الامام مضى في مهمته غير ملتفت الى اعتذاره وكان يسليه بانه لم يحدث اي شي(3) .
وجاء شخص للامام قائلاً له : والله ليس هناك على الأرض من يصل اليكم في الفضيلة وشرف الآباء. فردّ الامام انّ التقوى شرفتهم وطاعة الله سبحانه كرمتهم (4).
يقول رجل من اهل بلخ:
ص: 15
كنت مرافقاً للامام الرضا خلال سفره الى خراسان، وفي احد الأيام جاءوا بالمائدة فدعا الامام عليه السلام اليها جميع الخدم والغلمان وحتى ذوي البشرة السوداء ليشاركوه في الطعام.
فقلت للامام فداك نفسي، أليس من الأفضل ان يجلس هؤلاء الى مائدة منفصلة . فقال لي: الزم السكوت قرب الجميع واحد وابونا واحد وأمنا واحدة والثواب ايضا يكون على الأعمال(1).
يقول ياسر» وهو خادم للامام:
لقد أوصانا الامام الرّضا عليه السلام بأنني اذا وقفت علىرؤوسكم ودعوتكم لعمل من (الاعمال) وكنتم مشغولين بتناول الطعام فلا تنهضوا حتى تتموا طعامكم. ولهذا فكثيرا ما كان يصادف ان ينادينا الامام فنجيبه بأننا مشغولون بتناول الطعام (2) فيقول عليه السّلام دعوهم حتى ينتهوا من طعامهم (3) وفي احد الأيام جاء الى الامام غريب فسلم عليه وقال: أنا من محبّيك ومحبّي آبائك واجدادك ، وقدعدت من حج بيت الله الحرام ونفدت اموالي التي كنت احملها معي، فان كنت راغباً فتلطف علي بمبلغ من المال يوصلني الى وطني، فاذا وصلت فسوف اتصدق على الفقراء بما يعادله بالنيابة عنك ، لأنّني لست فقيراً في بلادي وقد المّت بي الحاجة في السفر.
ص: 16
فنهض الامام وذهب الى غرفة اخرى وجاء بمائتي دينار واخرج يده من فوق الباب ونادى ذلك الشخص قائلاً له : خذ هذه المائتين من الدنانير واجعلها زاد سفرك وتبرك بها، وليس من الضروري ان تتصدّق بما يعادلها...
فأخذها الرجل وانصرف وخرج الامام من تلك الغرفة وعاد الى مكانه الأوّل، ولمّا سُئل الامام لماذا تصرفت بهذه الصورة بحيث لا يراك الرّجل أثناء أخذه الدنانير؟
اجاب (عليه السلام ) حتى لا ارى في وجهه ذل السؤال (1). فأئمتنا المعصومون لم يكتفوا بالقول في مجال تربية اتباعهم وهدايتهم ، وانما كانوا يهتمون بهم في مجال اعمالهم ويراقبونهم بصورة خاصة، وينبهونهم على أخطائهم خلال مسيرة الحياة حتى يكفّوا من الانحراف ويعودوا الى الرشد، وحتّى يتعلم الآخرون والمستقبليون أيضاً.
يقول سليمان الجعفري وهو من أصحاب الامام الرضا (عليه السّلام) :
كنت عند الامام لبعض الشّؤون، ولما انتهى غرضي اردت ان استأذن فقال لي الامام كن معنا هذه اللّيلة.
فذهبت مع الامام الى البيت، وكان وقت الغروب، فوجدنا غلمان الامام منهمكين في البناء ولاحظ الامام بينهم شخصاً غريباً
ص: 17
فسأل: من هو الرجل؟
فقيل له: جئنابه ليساعدنا وسوف ندفع اليه شيئا. فقال (عليه السّلام): هل عينتم اجره ؟
قالوا : كلاً! انه يرضى بأي شي نعطيه .
فغضب الامام وتألم. واتجهت الى الامام وقلتُ له: فداك روحي لا تؤذ نفسك ...
قال : لقد نبهتهم عدّة مرّات على ان لا يأتوا بأحد لعمل الا اذا كانوا قد عينوا أجره من قبل واتفقوا معه على شي محدد. فمن ينجز عملاً بدون اتفاق سابق وأجر معين فحتى لواعطيته ثلاثة اضعاف اجره فهو يتخيل انك اعطيته أقل من اجرته، لكنك اذا اتفقت معه على شي فان اعطيته ذلك المقدار المعين فسوف يكون راضياً منك لانك قد نفذت الاتفاقية، وان زدت في العطاء على المقدار المعين - وان كان الزائد شيئا بسيطاً وقليلاً - فسوف يعرف انك قد زدته فيغدو شاكراً (1)
ينقل احمد بن ابي نصر البزنطي - وهو يُعدمن كبار اصحاب الامام الرّضا (عليه السّلام) :-
لقد ذهبنا الى الامام انا وثلاثة آخرون من اصحابه، وجلسنا عنده ،ساعة، ولمّا اردنا العودة قال لي الامام:
یا احمد! اجلس انت فذهب رفقائي وبقيت انا عند الامام ،
ص: 18
وكانت لديّ بعض الأسئلة فانتهزت الفرصة وسألته عنها فأجابني، وقد انقضى شطر من الليل، فأردت ان استأذن منه، فقال لي: أتذهب، ام تبقى عندنا ؟
فقلت كما تأمرني ان احببت ان ابقى بقيت، وان امرتني بالمغادرة غادرت.
قال: ابق هنا، وهذا هو فراشك واشار الى لحاف موجود هناك ) . وعندئذ نهض الامام وذهب الى غرفته. فسجدت انا من شدة الشوق وقلت : الحمد لله على انّ حجّة الله في الارض ووارث علوم الأنبياء قد اختصني بهذا المقدار من الحب واللطف من بين هؤلاء أشخاص الذين جاء والزيارته.
وكنتُ في اثناء السجود فعرفت ان الامام قدعاد الى الغرفة التي انا فيها فنهضت وامسك الامام بيدي وضَغط عليها قائلاً :
یا احمد! ان امير المؤمنين عليه السّلام ذهب الى عيادة «صعصعة بن صوحان (وهو من اصحابه المقربين، ولما اراد الانصراف قال له :
«یا صعصعة! لا تفخر على اخوانك بانّني قد جئت الى عيادتك - اي ان عيادتي لك لا ينبغي ان تدفعك لتعد نفسك افضل منهم - ولا تنس الخوف من الله وكن تقيّاً وَرِعاً وتواضع الله وعندئذ يمن عليك الله بالرفعة والعلوّ » (1)
ص: 19
فالامام (عليه السّلام) بهذا التصرّف وهذا الكلام قد حذره بان اي عامل لا يمكن ان يحلّ محلّ صياغة الذات وتربية النّفس والعمل الصالح ، ولا ينبغي للانسان ان يستولي عليه الغرور بسبب اي امتياز يكسبه، وحتّى القرب من الامام وعنايته وحبه لا ينبغي ان يصبح وسيلة للتفاخر والمباهاة والاحساس بالعلو والارتفاع على الآخرين.
عاصر الامام علي بن موسى الرّضا عليهما السّلام خلال فترة امامته خلافة هارون الرشيد وولديه «الأمين» و «المأمون»، كانت عشر سنوات منها مقارنة للسنين الاخيرة من سلطة هارون، وخمس سنوات مع حكومة الأمين وخمس سنوات مع حكومة المأمون.
تجاهر الامام الرّضا عليه السّلام بامامته بعد استشهاد والده الامام الكاظم واظهر دعوته وأعلن من دون خشية انه قائد للأمة. وقد كان جوّ المجتمع السّياسيّ في زمان هارون يتميز بالاضطهاد والضّغط بحيث خاف على مصير الامام اقرب اصحابه من هذه الصراحة والجرأة.
يقول صفوان بن يحيى»:
لقد تحدّث الامام الرّضا عليه السّلام بعد استشهاد والده بحديث خفنا منه منه عل- على روحه فقلنا له انك اظهرت امراً كبيراً ونحن خائفون
ص: 20
عليك من هذا الطاغوت (هارون).
قال (علیه السّلام): «مهما اراد فليحاول فانه لا سبيل له عليّ »(1)
يقول «محمد بن سنان»: قلت للامام الرضا عليه السّلام في عصر هارون :
انّك شهرت نفسك بهذا الامر - الامامة - وجلست في مكان ابيك ، بينما سيف هارون يقطر دماً !
فقال : انّ الذي جرّاني على هذا الفعل هو قول الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم):
«لو استطاع ابوجهل ان ينقص شعرة من رأسي فاشهدوا بأنتى لستُ نبيّاً»، وانا اقول: «لوا استطاع هارون ان ينقص شعرة من رأسي فاشهدوا بأننى لستُ اماماً » (2)
وقد تحقق ما تنبأ به الامام فهارون لم تسنح له الفرصة لتهديد حياة الامام بالخطر، وبسبب حدوث اضطرابات في شرق ايران فقد اضطرّ هارون ليقود جيوشه نحو خراسان وقد ألم به المرض في اثناء الطريق ومات في طوس عام 193 هجرية، وبذلك فقد تخلّص 193 الاسلام والمسلمون من هذا الرّجل المنحط وأمنوا من فتكه .
وبعد موت هارون حدث صراع شديد على الخلافة بين الأمين
ص: 21
والمأمون، فقد عيّن هارون الأمين خليفة من بعده، وانتزع منه عهداً على ان يكون المأمون خليفة بعده ، واشترط عليه ان يسند للمأمون حكومة ولاية خراسان في زمان خلافة الأمين، الا ان الامين بعد موت هارون وفي عام (194) هجرية عزل المأمون عن ولاية عهده ورشّح لها ابنه موسى.(1)
و بعد صراعات دموية حدثت بين الامين والمأمون، فقد قُتل الأمين عام (198) هجرية وتسلّم المأمون بعده مقاليد الخلافة.
واستغل الامام الرّضا عليه السّلام هذه الاوضاع طيلة فترة الصراع القائم في بلاط الخلافة وانشغالهم فيما بينهم، وبراحة بال واطمئنان خاطر انصرف الى ارشاد اتباعه وتعليمهم وتربيتهم.
يعتبر المأمون بين خلفاء بني العباس اعلمهم واكثرهم مكراً وخداعاً، فقد كان متعلماً ومطلعاً على الفقه وبعض العلوم الأخرى، كما انه قد شارك في بعض جلسات البحث والمناظرة مع بعض العلماء، ومن الواضح ان احاطته بعلوم عصره كانت وسيلة لتنفيذ سياساته اللاانسانية، وإلا فانه لم يكن مقيداً بالدين الاسلامي الحنيف ولم يقل عن سائر الخلفاء في مجال اللهو والفسق والفجور وسائر الأفعال الشنيعة، غاية الأمر انه كان اشدّ احتياطاً في
ص: 22
سلوكه من سائر الخلفاء، ويتوسل بمختلف الحيل والرياء لخداع عامة الناس، ولكي تستحكم أسس سلطته فانّه كان يجالس الفقهاء في بعض الأحيان ويحاورهم في المسائل والبحوث الدينية.
ومجالسة المأمون وصداقته الحميمة مع «القاضي يحيى بن أكثم» وهو رجل ساقط منحط فاجر - تعتبر افضل شاهد على فسق المأمون وانحطاطه وعدم تقيده بالدين. فيحيى بن أكثم كان مشهوراً في المجتمع بأفظع الاعمال التي يستحي القلم من بيانها، ومثل هذا الشخص يقرّبه المأمون اليه بحيث يصبح رفيق المسجد والحمّام والبستان، والأعظم من هذا - وهو ما يدعو للأسف الشديد -- انّه قد عيّنه قاضيا للقضاة للأمة الاسلامية ويشاوره الرأى في شؤون الدولة المهمة !! (1)
وعلى أيّة حال ففي عصر المأمون كان يتم ترويج العلم والمعرفة بحسب الظاهر، وكان العلماء يُدعون الى مركز الخلافة، ويبذل المأمون الهبات والمشجّعات للباحثين وذلك لاعداد الارضيّة لانجذابهم نحوه، وكان يعقد مجالس الدرس والمباحثة والمناظرة، وبذلك راجت سوق الدراسة العلمية وارتفع نجمها .
وعلاوة على هذا فقد حاول المأمون جذبَ الشّيعة واتباع الامام اليه من خلال القيام ببعض الاعمال، فمثلاً كان يتحدث عن
ص: 23
انّ عليّاً عليه السّلام اكثر أهليّة وأولى بان يصبح خليفة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وقد جعل لعن معاوية وسبه امراً رسمياً، وأعاد للعلويين ما غُصب من حق فاطمة الزهراء عليها السلام في «فدك »، واظهر تعاطفاً مع العلويين وحباً لهم(1).
واساساً فانّ المأمون من خلال التفاته الى سلوك هارون وجرائمه والآثار السيّئة التي تركتها في نفوس الناس كان يحاول القضاء على ارضيّة الثّورة والتمرّد، ويبذل قصارى جهده لارضاء الناس حتى يستطيع بسهولة الاستقرار على مركب الخلافة، ومن هنا لابدّ من القول ان الوضع العام في ذلك الزمان كان يستوجب ان يهتم برفع النقائص وما يؤذي النّاس، وان يظهر بانّه في صدد اصلاح الأمور وهو يختلف عن الخلفاء الآخرين...
انّ المأمون بعدما تخلّص من اخيه الأمين واستقر على كرسى الحكم كان يواجه ظروفاً حسّاسة لان مكانته في بغداد --- التي هي مركز السلطة العبّاسيّة ولا سيّما بين اتباع العباسيين الذين يريدون الأمين ولا يرون حكومة المأمون التي مركزها في «مَرُو» منسجمة مع مصالحهم - كانت متزلزلة جداً، ومن ناحية اخراى فانّ ثورة
ص: 24
العلويين كانت تشكل تهديداً جدياً الحكومة المأمون، وذلك لانه في عام (199) هجريّة نهض «محمد بن ابراهيم طباطبا» وهو من العلويّين المحبوبين والعظام، وأعانه في نهضته «ابوالسرايا»، وحدثت نهضات اخرى في العراق والحجاز قامت بها مجموعات اخرى من العلويين، واستغل هؤلاء الضعف الحاصل في بني العباس نتيجة للصراع بين المأمون والأمين وما ترتب على ذلك من تبعثر النظام فتسلطوا على بعض المدن والمنطقة الواقعة بين الكوفة واليمن كانت كلها تقريباً تعيش حالة الاضطراب والتمرد، ولم يستطع المأمون التغلب على هذه الاضطرابات الا بعد جهد عسير... (1)
وكان من المحتمل ايضاً ان ينهض الايرانيون بمساعدة العلويين وذلك لانّ الايرانيين كانوا يعتقدون بالحق الشرعي لأهل بيت امير المؤمنين علي عليه السّلام وفي بداية نشاط بني العباس استغلّ الدعاة العباسيون حبّ الايرانيين هذا لأهل بيت النبي وامير المؤمنين لاسقاط الحكم الأموي.
والمأمون رجل ذكيّ ومكار، ولهذا فكر في اسناد الخلافة أو ولاية العهد الى شخص كالامام الرّضا عليه السّلام حتى يساعده على تثبيت اسس حكومته المتزلزلة، فقد كان يأمل من وراء هذه المبادرة ان يستطيع التصدّي لنهضة العلويين ويوفّر لهم ما يرضي.
ص: 25
طموحاتهم، وبذلك فهو يُعدّ الايرانيين لقبول خلافته .
ومن الواضح ان اسناد الخلافة أو ولاية العهد للامام كان تكتيكاً سياسياً مدروساً، وإلا فانّ من يقتل اخاه من اجل التسلّط ويعيش حالة الفسق والفجور في حياته الخاصة لا يمكن ان يتحوّل فجأة الى متديّن زاهد بحيث يتنازل حتى عن الخلافة والسلطان، وافضل شاهد على كون المأمون مكاراً وخداعاً هو عدم قبول الامام ذلك العرض منه . ولو كان المأمون صادقاً في قوله وعمله لما رفض الامام اطلاقاً استلام زمام الخلافة، وذلك لانه لا يوجد من هو أنسب من الامام لها .
وهناك شواهد تاريخية اخرى تكشف بوضوح سوء نية المأمون، ونشير هنا الى بعض الموارد بعنوان انها نموذج فحسب:
عيّن المأمون بعض الجواسيس على الامام حتى يراقبوا جميع الأمور وينقلوها اليه بواسطة التقارير ، وهذا بنفسه دليل على عداوة المأمون للامام و عدم ايمانه به وعدم حسن نيته معه ونلاحظ في الرّوايات الاسلامية هذا النّص:
«کان هشام بن ابراهيم الراشي من اقرب الناس عند الامام الرّضا (عليه السلام) بحيث انه يسير امور الامام، لكنه لما جي بالامام الى مرو اتصل هشام ب- «الفضل بن سهل ذي الرّياستين» وزير المأمون - وبالمأمون نفسه، وتوطدت العلاقات بينهما الى الحد الذي لم يُخف عنه شيئاً، فعيّنه المأمون حاجباً للامام (وهو) الذي يتولى تنظيم الدخول عليه واللقاء به، ولم يكن هشام يسمح
ص: 26
الأحد بالدّخول على الامام الا لمن يرغب، وكان يتشدّد مع الامام ويضيق عليه. حتّى ان اصحاب الامام واتباعه المخلصين ما كانوا قادرين على لقائه، وكلّ ما يتحدّث به الامام في بيته كان هشام ينقله الى المأمون والفضل بن سهل ..... »(1)
يقول «ابو الصلت» في مجال عداوة المأمون للامام:
كان الامام عليه السّلام يناظر العلماء ويتغلب عليهم، فيقول النّاس : والله انه أولى بالخلافة من المأمون، فيتلقف الجواسيس هذا الأمر وينقلونه الى المأمون...) (2) .
ونلاحظ ايضا انّ (جعفر بن محمد بن الأشعث» كان يرسل الى الامام بعض الرسائل ايام كان الامام في خراسان وعند المأمون، ويوصي الامام ان يحرقها بعد الاطلاع عليها حتى لا تقع بيد الآخرين والامام يطمئنه ويقول: اننّي احرق رس-ائله بعد قراءتها ... (3) ونلاحظ أيضاً انّ الامام عليه السّلام في تلك الايام التي كان فيها عند المأمون ويعدّ في الظاهر ولياً للعهد يكتب في جواب «احمد بن محمد البنرنطي» :
ص: 27
... وامّا انّك طلبت الاذن في لقائي فانّ مجيئك الي صعب عسير، فهم يتشد دون معي كثيراً، وهذا الأمر ليس ميسوراً لي حالياً، وسوف يسهل اللقاء ان شاء الله قريباً... (1)
والأوضح من الجميع ان المأمون نفسه كان في بعض الأحيان يعترف لبعض المقربين اليه والمرتبطين به بأهدافه الواقعية لمواقفه مع الامام ويكشف بصراحة نياته الخبيثة:
قول المأمون في جوابه «حميد بن مهران » وهو أحد افراد بلاطه - وجماعة من العباسيين الذين جاءوا اليه معترضين عليه موضوع اسناد ولاية العهد للامام الرّضا :
«... انّ هذا الرجل كان مخفيّاً وبعيداً عنا، وكان يدعو لنفسه، ونحن اردنا ان نجعله ولي عهدنا حتى تصبح دعوته لنا، ويعترف بسلطاننا وخلافتنا، وحتى يدرك المعجبون به ان ما يدعيه لنفسه ليس فيه، وانّ هذا الأمر - وهو الخلافة - مختص بنا وليس له فيه نصيب .
وكنّا خائفين اننا اذا تركناه وحاله ان يحدث اضطراباً في البلاد بحيث لا نستطيع الوقوف في وجهه، فيوجد وضعا نعجز عن مقابلته ... (2)
ص: 28
وبناءً على هذا فالمأمون لم يكن ذانية حسنة في اسناد الخلافة او ولاية العهد للامام وانما كان يهدف الى اشياء أخرى من وراء هذه اللعبة السّياسيّة، فهو من ناحية كان يقصد ان يجعل الامام بلونه ويلوّث تقواه وقدسيته، ومن ناحية أخرى لوان الامام وافق على اتي واحد من اقتراحيه - الخلافة وولاية العهد - كما اراد المأمون فانّ الامر كان ينتهي لصالح المأمون، وذلك لانه لو قبل الامام الخلافة فسيصبح المأمون ولي عهده - كما اشترط هو ذلك -- وبهذا يؤمن لسلطته الشرعية والقانونية، ثمّ يتآمر في الخفاء ويقضي على الامام ولو قبل الامام ولاية العهد فانّه اعتراف بسلطة المأمون وابقاء لها على ما هي عليه...
وقد اختار الامام حلاً ثالثاً، فمع انه قبل ولاية العهد بالضغط والاجبار لكنه تصرّف بأسلوبه الخاص بحيث حرم المأمون من تحقيق اهدافه في التقرب للامام واكتساب الشرعيّة، وفضح للمجتمع هذه الحكومة طاغوت وليست حكومة اسلامية...
كما ذكرنا فالمأمون قد عزم على ان يأتي بالامام الرضا عليه السّلام الى مرو لتحقيق اهدافه السياسية وارضاء العلويين الذين كان بينهم دائماً رجال شجعان وعلماء وزهاد، وتملّق عواطف اعضاء المجتمع ولا سيّما المجتمع الايراني الذي كان يعشق اهل البيت واظهر المأمون انه محب للعلويين عموماً وللامام
ص: 29
عليه السّلام بصورة خاصة، وقد تصرّف المأمون بمهارة فائقة بحيث انطلى الأمر حتى على بعض الأفراد من الشيعة الذين يتمتعون بقلوب طاهرة سليمة، ولهذا فان الامام الرضا عليه السّلام نبه بعض اصحابه ممن يحتمل ان يتأثر بتظاهر المأمون وريائه بقوله :
«لا تغتروا بقوله فما يقتلني والله غيره، ولكنه لابد لي من الصبر حتى يبلغ الكتاب اجله»» (1)
اجل، لقد أمر المأمون - فيما يتعلق بتنصيب الامام ولياً للعهد - عام (200) هجرية بحمل الامام الرضا عليه السلام من المدينة الى مَرْو. (2)
يقول رجاء بن ابي الضّحاك ، وهو المبعوث الخاص للمأمون : بعثني المأمون في اشخاص علي بن موسى الرضا عليه السلام من المدينة وأمرني ان أخذ به على طريق البصرة والأهواز وفارس، ولا أخذ به على طريق قم وأمرني ان احفظه بنفسي بالليل والنهار حتى اقدم به عليه فكنت معه من المدينة الى مرو، فوالله ما رأيت رجلاً كان أتفى الله منه ولا اكثر ذكراً له في جميع اوقاته منه، ولا اشدّ خوفاً الله عزّ وجل ...(3)
ويقول ايضاً عندما سرنا من المدينة الى مَرْو لم نمر بمدينة إلا خف اهلها اليه واستفتوه عن شؤونهم الدينية، وكان عليه السّلام .
ص: 30
يجيبهم بأجوبة شافية كافية، ويحدثهم بكثرة مستنداً الى آبائه الكرام ومنتهياً الى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم...(1)
يقول ابوهاشم الجعفريّ -
لمّا بعث المأمون رجاء بن ابي الضّحاك لحمل ابي الحسن على بن موسى الرضا (عليهما السلام) على طريق الأهواز، لم يمر على طريق الكوفة، فبقي به اهلها وكنت بالشرقي من أبيدج- موضع - فلما سمعت به سرت اليه بالأهواز وانتسبت له وكان أول لقائى له ، وكان مريضاً، وكان زمن القيظ فقال : ابغني طبيباً. فأتيته بطبيب فنعت له بقلة فقال الطبيب: لا اعرف احداً على وجه الأرض يعرف اسمها غيرك ، فمن اين عرفتها الا انها ليست في هذا الأوان ولا هذا الزمان، قال له : فابغ لي قصب السكر، فقال الطبيب وهذه أدهى من الأولى ما هذا بزمان قصب السكر ، فقال الرّضا (عليه السّلام): هما في أرضكم هذه وزمانكم هذا، وهذا معك فامضيا الى شاذروان الماء واعبراه فيرفع لكم جوخان - أي بيدر --- فاقص-داه فستجدان رجلاً هناك اسود في جوخانه فقولا له أين منبت قصب السكر واين منابت الحشيشة الفلانية - ذهب على ابي هاشم اسمها - فقال يا اباهاشم دونك القوم فقمت واذا الجوخان والرجل الاسود قال : فسألناه فأومأ الى ظهره فاذا قصب السكر فأخذنا منه حاجتنا ورجعنا الى الجوخان فلم نرصاحبه فيه، فرجعنا الى الرّضا
ص: 31
عليه السّلام فحمد الله .
فقال لي المتطبّب : ابن من هذا ؟
قلت: ابن سيّد الانبياء.
قال : فعنده من اقاليد النّبوة شي؟
قلت نعم، وقد شهدت بعضها وليس بنبي.
قال : وصي نبي؟
قلت: اما هذا فنعم .
فبلغ ذلك رجاء بن ابي الضحاك فقال لأصحابه لئن اقام بعد هذا يمدن اليه الرقاب فارتحل به (1)
تقول السّيّدة التي نزل الامام عليه السلام في دار جدها في نیشابور :
جاء الامام الرضا عليه السّلام الى نيشابور ونزل في دار جدي «پسنده» الواقعة في المحلة الغربية في الناحية المعروفة ب- «لا شاباد»، وقد سمي جدي بهذا الاسم لانّ الامام احبّه ونزل في بيته.
وقد زرع الامام بيده المباركة شجرة لوز في زاوية من بيتنا، ومن بركات الامام انها اصبحت شجرة واثمرت خلال فترة عام واحد، واخذ الناس يطلبون الشّفاء بواسطة لوز هذه الشجرة، وكلّ مريض
ص: 32
تناول منه شيئاً بقصد الشّفاء فانه تحسنت صحته...... (1)
يقول ابو الصلت الهروي وهو من اصحاب الامام المقرّبين: كنت برفقة الامام علي بن موسى الرضا عندما اراد الخروج من نيشابور وكان راكباً على بغلة رمادية اللون وقد اجتمع حوله مجموعة من العلماء منهم محمد بن رافع و «احمد بن الحرث» و (يحيى بن يحيى و اسحاق بن راهويه» وقد امسكوا بعنان بغلة الامام وهم يقولون : نقسم عليك بحق آبائك الطاهرين إلا ما حدثتنا بحديث سمعته من والدك.
فأخرج الامام رأسه من المحمل وقال:
«حدثنا ابي العبد الصالح موسى بن جعفر قال حدثني ابي الصادق جعفر بن محمد، قال حدثني ابي ابو جعفر بن على باقر علوم الانبياء، قال حدثني ابي علي بن الحسين سيد العابدين، قال حدثني ابي سيد شباب اهل الجنّة الحسين، قال حدثني ابي علي بن ابي طالب عليهم السّلام، قال سمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقول سمعت جبرئيل يقول قال الله جل جلاله: اني انا الله لا اله إلا انا فاعبدوني من جاء منكم بشهادة ان لا اله إلا الله بالاخلاص دخل في حصني ومن دخل في حصني أمن من عذابي»(2)
وفي رواية اخرى يقول اسحاق بن راهويه وهو احد
ص: 33
الحاضرين ضمن هذه المجموعة :
انّ الامام بعد ما ذكر ان الله تعالى قال:
لا اله إلا الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي».
سار قليلاً وهو راكب ثم قال لنا :
بشروطها وانا من شروطها »(1)
اي ان الايمان بوحدانية الله - الذي يوجب النّجاة من العذاب الالهي - مشروط بشروط مشروط بشروط من جملتها ولاية وامامة الأئمّة عليهم السّلام.
وهناك كتب تاريخية اخرى تنقل انّ الامام عندما كان يقرأ هذا الحديث ازدحم النّاس في نيشابور -- التي كانت آنذاك من مدن خراسان الكبيرة ومكتظة بالسكان ومعمورة لكنها قد تم تخريبها في هجوم المغول - وكانوا بين صارخ وباك وممزق ثوبه ومتمرّغ في التراب ومقبل خرام بغلته ومطوّل عنقه الى مظلة المهد الى ان انتصف النهار وجرت الدموع كالأنهار وسكنت الأصوات وصاحت الأئمّة والقضاة: معاشر الناس اسمعوا وعوا ولا تؤذوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) في عترته وانصتوا فأملى صلوات الله عليه هذا الحديث وعد من المحابر اربع وعشرون الفاً سوى الدّاوى (2)
ص: 34
يقول «الهروي»:
لمّا خرج الرّضا بن موسى (عليهما السّلام) من نيشابور الى المأمون فبلغ قرب القرية الحمراء(1) ، قيل له يا ابن رسول الله قد زالت الشمس أفلا تصلّى فنزل (علیه السّلام) فقال ائتوني بماء فقيل ما معنا ماء فبحث (علیه السّلام) بيده الأرض فنبع من الماء ما توضأ به هو ومن معه واثره باق الى اليوم (2)
فلما دخل سناباد اسند الى الجبل الذي ينحت منه القدور فقال: «اللهم انفع به وبارك فيا يجعل فيما ينحت منه ثم أمر (علیه السّلام) فنحت له قدور من الجبل، وقال لا يطبخ ما آكله الا فيها» (3)، وكان علیه السّلام) خفيف الأكل قليل الطعم (4)
ثم دخل دار حميد بن قحطبة الطائي ودخل القبة التي فيها هارون الرشيد" (5)ثمّ خط بيده الى جانبه ثم قال :
«هذه تربتىوفيها ادفن وسيجعل الله هذا المكان مختلف شيعتي واهل محبّتي... (6)
ص: 35
واخيراً فقد وصل الامام الى مَرْو وأنزله المأمون في دار خاصّة معزولة عن الآخرين وبالغ في احترامه..... (1)
ارسل المأمون رسالة الى الامام بعد دخوله الى مرو يعلمه فيها انه يريد التخلي عن الخلافة واسنادها الى الامام، ويطلب منه ابداء وجهة نظره.
فرفض الامام، فأعاد المأمون الكرة وارسل رسالة اخرى يقول له فيها لما كنت قد رفضت اقتراحي الأول فلابد لك من قبول ولاية عهدي. وتوقف الامام تماماً من قبول هذا الاقتراح أيضاً، فأحضر المأمونُ الامام عنده وخلي به في مجلس خاص وكان «الفضل بن سهل ذوالرياستين» حاضراً في هذا الاجتماع. قال المأمون: لقد استقر رأيى على ان اسند اليك الخلافة وشؤون المسلمين. فلم يقبل الامام وعندئذ كرّر المأمون اقتراحه بولاية العهد فلم يوافق عليه الامام ايضاً.
قال المأمون : لقد عيّن عمر بن الخطاب» للخلافة من بعده شورى تضم ستة اعضاء وكان جدّك علي بن ابي طالب واحداً منهم، وقد أمر عمر بأن تُضرب عنق كلّ من يخالف منهم، فلا مفرّ لك من قبول ما اردته منك ، لأنّني لا اجد سبيلاً آخر ولا علاجاً آخر.
ص: 36
وبهذه الطريقة فقد لوّح المأمون للامام بالموت، فاضطرّ الامام لقبول ولاية العهد بالاكراه والاجبار قائلاً:
«أنّني اقبل ولاية العهد بشرط ان لا اكون آمراً ولا ناهيا ولا مفتيا ولا قاضيا وان لا اعزل ولا انصب احداً وان لا اغير شيئا ولا ابدله».
ووافق المأمون على كل هذه الشروط (1)
وهكذا فُرضت ولاية العهد على الامام، والغرض من وراء هذه المؤامرة هو ان يجعل الامام تحت المراقبة حتى يتعذر عليه دعوة النّاس الى نفسه والهدف الآخر هو تهدئة العلويين والشيعة حتى تستقر أسس حكومته .
يقول ريان بن الصلت»:
ذهبت الى الامام الرضا عليه السلام وقلت له يا ابن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) يقول البعض انك قبلت ولاية عهد المأمون مع انّك تظهر الزهد في الدنيا وتدعي عدم الرغبة فيها!
قال: «يشهد الله انّ هذا الأمر لم يسعدني، لكنني وجدت نفسي بين قبول ولاية العهد والقتل فاضطررت للقبول... ألا تعرف انّ يوسف» كان نبي الله ولما اضطر قبل ان يكون اميناً على خزائن عزیز مصر وهاهنا ايضاً اقتضت الضرورة ان اقبل انا ولاية العهد بالاكراه والاجبار وعلاوة على هذا فانالم ادخل في هذا الامر الا كمن هو خارج عنه بمعنى انني بسبب تلك الشروط التي
ص: 37
اشترطتها اكون كمن لم يتدخل في الحكومة)، اشكوامرى إلى الله تعالى واطلب منه العون (1)
يقول محمّد بن عرفة : قلت للامام عليه السّلام يا ابن رسول الله ! لماذا قبلت ولاية العهد؟
قال: « لنفس السبب الذي دعا جدي عليا عليه السّلام للاشتراك في تلك «الشورى»(2)
يقول «ياسر الخادم» لقيت الامام عليه السلام بعد قبوله لولاية العهد وهو رافع يديه نحو السماء قائلاً :
«الهي انّك تعلم انني قبلت بالاكراه والاجبار، فلا تؤاخذني كما لم تؤاخذ عبدك ونبيك يوسف عندما قبل ولاية مصر»(3) وفي مرّة قال الامام لأحد خواصه عندما لا حظ عليه السّرور بسبب قبول الامام ولاية العهد:
« لا تفرح انّ هذا الأمر لن يتم وسوف لن يبقى على هذا الوضع »(4)
فالامام حسب الظاهر وفي مجال القول قد قبل ولاية العهد،
ص: 38
لكنّه لم يقبلها عملياً وفي واقع الأمر، لأنه قد اشترط ان لا تُناط به أية مسؤولية وان لا يتدخل في الأمور.
وقد قبل المأمون شروطه إلا أنّه في بعض الأحيان كان يحاول فرض بعض الأمور على الامام ليجعله وسيلة لتحقيق مآربه، لكنّ الامام كان يقاومه بصلابة ولا يتعاون معه اطلاقاً.
يقول «معمر بن خلاد» نقل لي الامام الرّضا عليه السّلام انّ المأمون قال لي سم لي بعض الأفراد الذين تعتمد عليهم حتى اسند اليهم ولاية المدن الثَّائرة عليّ . فقلت له: «اذا وفيت بالشروط التي قبلتها فسوف افي انا بعهدي فأنا قبلت هذا الأمر بشرط ان لا اكون آمراً ولا ناهياً وان لا اعزل ولا انصب وان لا اكون مستشاراً حتى يتوفاني الله قبلك ، والله ما كنت افكر في الخلافة، وعند ما كنت في المدينة كنت اركب على مطيّتي واستخدمها في الذهاب والاياب وكان اهل المدينة يعرضون علي حوائجهم فأقضيها لهم، وكنت معهم كالأعمام اي) اننا كالاقارب يحب بعضنا بعضاً ويأنس اليه وكانت رسائلي مقبولة ومحترمة في سائر البلاد، وانت لم تزد على النعمة التي انعم الله بها علي وكل نعمة تريد اضافتها فهي ، ايضاً من الله تُمنح لي»، فقال المأمون انّي وفي للعهد الذي عاهدتك به(1)
بعد ان قبل الامام عليه السّلام منصب ولى العهد بالشّكل
ص: 39
المذكور سلفاً اقام المأمون حفلاً بهذه المناسبة لاعلام الناس والاستفادة من ذلك سياسيا والتظاهر بانه فرح جداً ومسرور، فعقد اجتماعاً في يوم الخميس مع حاشيته واعضاء بلاطه، ثم خرج الفضل بن سهل واعلن للناس رأي المأمون بالنسبة للامام الرضا وولاية عهده، وابلغهم بأمر المأمون بان يلبسوا الملابس الخضر (وهي الملابس المتعارفة (للعلويين ويحضروا في يوم الخميس القادم لمبايعة الامام ...
وفي اليوم المحدد حضر الناس بمختلف طبقاتهم اعم من اعضاء البلاط وقادة الجيش والقضاة وغيرهم وهم يرتدون الملابس الخضراء، وقد جلس المأمون، واعدوا للامام منصة خاصة كان يجلس عليها وهو مرتد للملابس الخضراء وعلى رأسه عمامة ويحمل معه سيفا، فأمر المأمون ابنه العباس بن المأمون ان يكون أوّل رجل يبايع الامام ففعل، ورفع الامام يده بحيث كان وجه كفّه نحو وجهه وباطن كفّه نحو المبايع.
فقال المأمون : مد يدك للبيعة.
قال الامام: هكذا كان يبايع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم).
وعندئذ بايع النّاس الامام، بينما يده كانت فوق الايدي، وقد قسمت في هذا الحفل أكياس من الأموال، وتحدث الخطباء وانشد الشعراء ما طاب لهم في مجال ذكر فضائل الامام وفي مورد العمل الذي انجزه المأمون...
ص: 40
ثم قال المأمون للامام : انت ايضا تحدث واخطب الناس. فقام الامام وحمد الله واثنى عليه ثم خاطب الحاضرين: «انّ لنا حقاً عليكم من ناحية النّبي صلى الله عليه وآله وسلّم) وانتم ايضا لكم حق علينا من اجل النّبي( صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والآن بعد ان أديتم لنا حقنا فعلينا ايضاً ان نحترم حقكم»، ولم يضف شيئاً آخر في ذلك المجلس.
وأمر المأمون بسك الدراهم وضربها باسم «الرّضا »(1)
في احد الاعياد الاسلامية كعيد الفطر او عيد الاضحى وكان قد عقد للرّضا عليه السّلام الأمر بولاية العهد بعث المأمون اليه في الركوب الى العيد والصلاة بالنّاس والخطبة لهم فبعث اليه الرّضا عليه السّلام قد علمت ما كان بيني وبينك من الشروط في دخول الامر فاعفني من الصلاة بالنّاس فقال له المأمون انما اريد بذلك ان نظمئن قلوب النّاس ويعرفوا فضلك ولم تزل الرّسل يتردد بينهما في ذلك فلما الح عليه المأمون ارسل اليه ان اعفيتني فهوا حبّ اليّ وان لم تعفني خرجت كما خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وامير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام فقال له المأمون اخرج كيف شئت وامر القوّاد والحجاب والناس ان يبكروا الى باب
ص: 41
الرّضا عليه السّلام قال فقعد النّاس لابي الحسن عليه السّلام في الطرقات والسطوح واجتمع النساء والصبيان ينتظرون خروجه وصار جميع القواد والجند الى بابه فوقفوا على دوابهم حتى طلعت الشمس فاغتسل ابوالحسن عليه السّلام ولبس ثيابه وتعمّم بعمامة بيضاء من قطن القى طرفا منها على صدره وطرفا بين كتفه ومس شيئا من الطيب واخذ بيده عكازة وقال لمواليه افعلوا مثل ما فعلت فخرجوا بين يديه وهو حاف قد شمّر سراويله الى نصف الساق وعليه ثياب مشمّرة فمشى قليلا ورفع رأسه الى السماء وكبر وكبر مواليه معه ثمّ مشى حتى وقف على الباب فلمّا رآه القوّاد والجند على تلك الصورة سقطوا كلّهم عن الدواب الى الأرض وكان احسنهم حالاً من كان معه سكين قطع بها نعله وتحفّى وكبّر الرضا عليه السلام على الباب وكبّر النّاس معه فخيّل الينا انّ السماء والحيطان تجاوبه وتزعزعت مرو بالبكاء والضجيج لما رأوا ابا الحسن عليه السلام وسمعوا تكبيره وبلغ المأمون ذلك فقال ل-ه ال-ف-ضل بن سهل ذوالرياستين يا امير المؤمنين ان بلغ الرّضا المصلّى على هذا السبيل افتتن به الناس وخفنا كلنا على دمائنا فانفذ اليه ان يرجع فبعث اليه المأمون قد كلفناك شططا واتعبناك ولسنا نحب ان تلحقك مشقة فارجع وليصل بالناس من كان يصلي بهم على رسمه، فدعى ابوالحسن عليه السّلام بخفّه فلبسه وركب ورجع واختلف امر النّاس في ذلك اليوم (1)
ص: 42
وعرف النّاس نفاق المأمون وخداعه للعامة وادركوا ان ما كان يفعله مع الامام هو مجرد تظاهر، وليس له من هدف سوى الوصول الى اغراضه السياسية...
كان المأمون قد دبّر مؤامرة اخرى في سياسة المنافقة مع الامام، فقد فقد كان يتعذب من عظمة الامام المعنوية في المجتمع ويحاول جاهداً ان يلحق به الهزيمة من خلال مواجهته للعلماء وبحجّة البحث والمناقشة العلميّة والانتفاع بعلم الامام لعله بهذه الطريقة يخفض من حبّه في قلوب الناس ويقلّل من أهميته في أعينهم، إلا ان هذه المؤامرة والمكر والخدعة لم تؤد إلا الى تجلي عظمة الامام للناس وفضيحة المأمون عندهم ، واشرقت شمس العلم الالهي للامام في المجالس العلميّة بحيث دفعت خفّاشا خداعاً كالمأمون الى عمى اشدّ بالتهاب نار الحسد في قلبه .
ينقل الشيخ الصدوق، وهو من اكبر فقهاء الشيعة ومحدثيهم وقد عاش قبل الف عام من الآن: «ان المأمون جمع من متكلّمي الفئات المختلفة والمنحرفة افراداً وكان حريصاً على ان يحرزوا الغلبة على الامام، وذلك بسبب ما كان يشعر به من حسد وغيظ في قلبه بالنسبة للامام الا ان الامام عليه السّلام لم يجلس مع احد للنقاش والحوار الا واعترف في نهاية
ص: 43
الامر بفضيلة الامام وانصاع لقوّة استدلاله.... (1)
يقول «التوفلي»: أمر المأمون العبّاسي «الفضل بن سهل» ان يجمع رؤساء المذاهب المختلفة مثل «الجاثليق» و «رأس الجالوت» ورؤساء «الصابئين» و «الهربذ الاكبر واصحاب زردشت و قسطاس الرومي والمتكلمين، ليسمع كلامه وكلامهم، فجمعهم الفضل بن سهل...
وطلب المأمون من الامام الرّضا عليه السّلام -- بواسطة «ياسر» الذي كان يتولى شؤون الامام ان يناقشهم ان احب ذلك .
فأجاب الامام بانه سوف يأتيهم غداً.
ولمّا عاد ياسر» قال الامام للنوفلي :
يا نوفلي انت عراقي ورقة العراقي غير غليظة، فما عندك في جمع ابن عمّك اي (المأمون علينا اهل الشّرك واصحاب المقالات؟ :فقلت جعلت فداك يريد الامتحان ويحبّ أن يعرف ما عندك ، ولقد بنى على اساس غير وثيق البنيان وبئس والله ما بنى . فقال لي: وما بناؤه في هذا الباب؟ قلت ان اصحاب البدع والكلام خلاف العلماء وذلك ان العالم لا ينكر غير المنكر، واصحاب المقالات والمتكلمون واهل الشرك اصحاب انكار ومباهتة وان احتججت عليهم انّ الله واحد قالوا: صحّح وحدانيته، وان قلت: ان محمداً رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قالوا اثبت رسالته
ص: 44
ثم يباهتون الرِّجل وهو يبطل عليهم بحجته، ويغالطونه حتّى يترك قوله فاحذرهم - فداك، قال فتبسّم عليه السّلام ثم قال يا أتخاف ان يقطعوا عليّ حجّتي؟ قلت: لا والله ما خفت عليك قط وانّي لأرجو ان يظفرك الله بهم ان شاء الله، فقال لي: يا نوفلي اتحب ان تعلم متى يندم المأمون؟ قلت نعم قال : اذا سمع احتجاجي على اهل التّوراة بتوراتهم وعلى اهل الانجيل بانجيلهم وعلى اهل الزبور بزبورهم وعلى الصابئين بعبرانيتهم وعلى الهرابذة بفارسيتهم وعلى اهل الرّوم بروميتهم وعلى اصحاب المقالات ،بلغاتهم، فاذا قطعت كل صنف ودحضت حجّته وترك مقالته ورجع الى قولي علم المأمون ان الموضع الذي هو بسبيله ليس هو بمستحق له، فعند ذلك تكون الندامة منه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم....
وفي صباح يوم آخر جاء الامام الى مجلس هؤلاء والتفت (علیه السلام) الى رأس الجالوت ( وهو عالم يهودي) فقال له: تسألني او اسألك ؟ :قال بل اسألك ، ولست اقبل منك حجّة إلا من التوراة او من الانجيل او من زبور داوود او ممّا في صحف ابراهيم وموسى ، فقال الرّضا ( عليه السّلام) لا تقبل منّى حجة الا بما تنطق به التّوراة على لسان موسى بن عمران والانجيل على لسان عيسى بن مريم والزبور على لسان داوود، واستدل الامام (علیه السلام) بالتفصيل على نبوة نبي الاسلام الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلّم)، فصدق كلامه، وناقش الآخرين حتى اسكتهم. وبعد ان انسدّت الابواب في وجوههم قال
ص: 45
الامام (عليه السّلام يا قوم ان كان فيكم احد يخالف الاسلام واراد ان يسأل فليسأل غير محتشم ».
فقام اليه عمران الصابئ وكان واحداً من المتكلمين فقال : يا عالم الناس لولا انك دعوت الي مسألتك لم اقدم عليك بالمسائل، ولقد دخلت الكوفة والشام والجزيرة ولقيت المتكلمين فلم اقع على احد يثبت لي واحداً ليس غيره قائماً بوحدانيته أفتأذن لي ان اسألك ؟... فشرح له الامام برهانا مبسوطاً يثبت ان الله واحد (1)، واقتنع عمران وقال : يا سيدي قد فهمت وأشهد ان الله على ما وصفته ووحدته، وانّ محمداً عبده المبعوث بالهدى ودين الحق، ثمّ خرّ ساجداً نحو القبلة واسلم.
قال النوفلي : فلما نظر المتكلمون الى كلام عمران الصابئ وكان جدلاً لم يقطعه عن حجته احد قط لم يدنُ من الرضا (علیه السلام) احد منهم ولم يسألوه عن شي، وامسينا فنهض المأمون والرّضا ( عليه السّلام) فدخلا وانصرف النّاس (2).
واخيراً فقد عزم المأمون على قتل الامام، وذلك بعد ان تيقن انّه
ص: 46
لا يستطيع اطلاقاً ان يطوعه لأغراضه ، وقد لاحظ ان عظمة الامام في تزايد وان التفات المجتمع اليها يتسع يوماً بعد آخر، وكلما حاول المأمون توجيه ضربة الى شخصيّة الامام الاجتماعية فان شخصيته واحترامه يتضاعف باستمرار، وادرك المأمون انه كلما مر الزمن فان أحقية الامام تظهر اكثر وتزوير المأمون ينفضح اكثر، ومن ناحية اخرى فانّ العباسيين وأتباعهم لم يكونوا راضين باسناد ولاية العهد للامام، وحتى انهم اقدموا على مبايعة «ابراهيم بن المهدي العباسي» في بغداد بعنوان المعارضة للمأمون في ذلك، وبهذه الصورة فقد اصبحت حكومة المأمون مهددة بالاخطار من جهات مختلفة ولهذا فقد اتخذ قراراً بالتخلّص من الامام ودس اليه السم حتى يستريج من الامام من ناحية ويجذب اليه بني العباس واتباعهم من ناحية اخرى، وبعد استشهاد الامام كتب الى بني العباس: كنتم تنتقد ونني على اسنادي ولاية العهد لعلي بن موسى الرّضا، فاعلموا انه قدمات اذن عليكم ان ترضخوا للطاعة لي. (1)وبذل المأمون قصارى جهده لكي لا يطلع اتباع الامام الرضا ومحبوه على استشهاد الامام عليه السّلام، وحاول اخفاء جريمته النكراء بالتظاهر وخداع العامة واراد ان يوهم الناس ان الامام قد تُوفّي بصورة طبيعيّة، إلا ان الحقيقة قد تجلت وعرف اصحاب
ص: 47
الامام والمتعلقون به واقع ما حدث.
وننقل هنا حديثاً لأبي الصلت الهروي - وهو من الأصحاب المقرّبين للامام الرضا عليه السّلام - يشرح فيه كيفية تطور الأوضاع بين المأمون والامام بحيث انتهت بالتالي الى قتل الامام عليه السلام: عن احمد بن علي الانصاري قال: سألت ابا الصلت الهروي فقلت له كيف طابت نفس المأمون بقتل الرّضا (عليه السّلام) مع اكرامه ومحبته له وما جعل له من ولاية العهد بعده؟ فقال ان المأمون انما كان يكرمه ويحبّه لمعرفته بفضله وجعل له ولاية العهد من بعده ليرى الناس انه راغب في الدنيا فيسقط محله من نفوسهم، فلمّا لم يظهر منه في ذلك للنّاس إلا ما ازداد به فضلاً عندهم ومحلاً في نفوسهم جلب عليه المتكلمين من البلدان طمعاً في ان يقطعه واحد منهم فيسقط محله عند العلماء. وبسببهم يشتهر نقصه عند العامة فكان لا يكلّمه خصم من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين والبراهمة والملحدين والدهريّة ولا خصم من فرق المسلمين المخالفين إلا قطعه والزمه الحجّة وكان النّاس يقولون : والله انه اولى بالخلافة المأمون، وكان اصحاب الأخبار يرفعون ذلك اليه فيغتاظ من ذلك ويشتد حسده له، وكان الرّضا (عليه السلام) لا يحابي المأمون من حق وكان يجيبه بما يكره في اكثر احواله فيغيظه ذلك ويحقده عليه ولا يظهره له فلما اعيته الحيلة في امره اغتاله فقتله بالسّم (1)
ص: 48
ويقول ايضاً ابو الصلت - وقد كان مرافقاً للامام ومساهماً في دفنه : في طريق العودة من مرو الى بغداد دسّ المأمون السمّ للامام بواسطة العنب في طوس بحيث أدّى الى قتله (1)
وتم دفن الجسد الطاهر للامام في نفس تلك البقعة التي كان هارون مدفوناً فيها، وبالضبط أمام قبر هارون.
وقد حدثت فاجعة استشهاد الامام الرّضا عليه السّلام في آخر يوممن ايام شهر صفر عام (203) هجرية، وقد كان عمره الشريف آنذاك يناهز الخامسة والخمسين عاماً... صلوات الله والانبياء والملائكة والأولياء على روحه المقدسة.
أجل انّ سكوت كتب التاريخ وتحريفها أدى لئلا تتضح جميع أبعاد جرائم بعض الظالمين ومن جملتهم المأمون العباسي لأبناء المستقبل، والمأمون بانحطاطه وحيلته لم يكتف بدس السم للامام عليه السّلام وقتله، وانّما قضى على كثير من المرتبطين بالامام والعلويين الكرام والشيعة المخلصين للامام أوش-رده-م في الديار والوديان والجبال وضيق عليهم بحيث اضطروا للتخفّي والهروب الى اماكن يعيشون فيها خاملي الذكر، وبالتالي فقد استشهد ،بعضهم وعاش البعض الآخر بعيداً عن الأضواء، وليس في ايدينا اليوم اي شئ عن كثير منهم ، وهناك أخبار متناثرة مبعثرة عن
ص: 49
بعضهم قد سجّلها وحفظها الشّيعة...
نذكر بعض اقوال الامام (عليه السّلام) للتبرك والانتفاع بعلمه الغزير:
1 - «المرء مخبوء تحت لسانه» (1)
2 - «التّدبير قبل العمل يؤمنك من النّدم»(2).
3- مجالسة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار». (3)
4 -« بئس الزاد الى المعاد العدوان على العباد».
5 - «ما هلك امرؤ عرف قدره
6 - «الهدية تذهب الضغائن من الصدور».
7- «أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم خلقا وخيركم لأهله».
8-« ليس منا من خان مسلماً».
9 - «المؤمن اذا غضب لم يخرجه غضبه عن حق» .
10 - «انّ الله يبغض القيل والقال واضاعة المال وكثرة السؤال».
11 - «التودّد الى الناس نصف العقل».
ص: 50
12 - «اشدّ الأعمال ثلاثة اعطاء الحق من نفسك، وذكر الله على كل حال، ومواساة الآخ فى المال».
13 - «السّخي يأكل من طعام الناس ليأكلوا من طعامه»(1)
14 - «القرآن كلام الله لا تتجاوزوه، لا تطلبوا الهدى في غيره فتضلّوا »(2)
سألوه : كيف يكون الله واين هو؟
فأجاب الامام : ان هذا التصور خطأ من أساسه، وذلك لان الله خلق المكان ولم يكن له مكان وكيف الكيف ولم يكن له كيف ولا) ترکیب فالله اذن لا يعرف بالكيفيّة والمكان ولا يدرك بالحسّ ولا يقاس الى شئ ولا يشبه بشئ .
متى وجد الله؟
الامام اخبرني متى لم يكن فأخبرك متى كان.
- ما الدليل على حدوث العالم (بمعنى ان العالم لم يكن موجوداً
من قبل ثم خلق؟
الامام: انت لم تكن ثمّ كنت وقد علمت أنك لم تكوّن نفسك ولا كونك من هو مثلك .
ص: 51
أيمكنك ان تصف لنا الله؟
الامام - ان من يصف الله بالقياس فهو ضال مخطئ دائماً، وما يقوله غير سليم، وأما انا فاعرف الله وأصفه بما عرف هو به نفسه من دون ان تكون له صورة في ذهني فهو لا يُدرك بالحواس ولا يُقاس بالناس معروف بغير تشبيه، وهو قريب للجميع على علومقامه، من دون ان نستطيع ذكر مثل له، ولا يُمثل ل-ه بمخلوقاته، ولا يجور في قضيّته... ويُعرف بالآيات والعلامات (1)
- أيمكن ان تخلوا الأرض من الحجة والامام؟
الامام : لو خليت الأرض من حجّة الله والامام ولو للخطة واحدة لساخ اهل الأرض فيها.
- الا توضّح لنا قليلاً الفرج فرج امام العصر عجل الله تعالى فرجه)؟
الامام أولست تعلم ان انتظار الفرج منلیه الفرج؟
- كلاً لا ادري إلا ان تعلمني!
الامام نعم انتظار الفرج من الفرج (2)
وسئل الامام عن الايمان والاسلام، فقال: قال الامام الباقر (علیه السلام) انما هو الاسلام والايمان فوقه بدرجة والتقوى فوق الايمان بدرجة واليقين فوق التقوى بدرجة، ولم يُقسم بين الناس شي
ص: 52
اقل من اليقين. (1)
قال : قلت فأي شئ اليقين؟ قال: التوكل على الله والتسليم لله والرّضا بقضاء الله والتفويض الى الله (وطلب الاصلح منه). (2)
وسئل الامام عن العجب الذي يفسد العمل، فقال (عليه السلام):
العجب درجات منها ان يزيّن للعبد سوء عمله فيراه حسناً فيعجبه ويحسب انه يحسن صنعا، ومنها ان يؤمن العبد برته، فمن على الله والله المنّة عليه فيه (3)
وسئل الامام عن قول الله لابراهيم (علیه السلام): «أو لم تؤمن؟ قال: بلى ولكن ليطمئن قلبى»، كان في قلبه شك ؟ قال : لا ، كان على ،يقين ولكنّه اراد من الله الزيادة في يقينه .(4)
وسئل الامام الرّضا عن امير المؤمنين (علیه السلام) كيف مال النّاس عنه الى غيره وقد عرفوا فضله وسابقته ومكانه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)؟
فقال : انّما مالوا عنه الى غيره وقد عرفوا فضله لانه كان قد قتل من آبائهم واجدادهم واخوانهم واعمامهم واخوالهم واقربائهم
ص: 53