المؤلف: عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: 0
الموضوع : الفقه
تاريخ النشر : 1406 ه.ق
الصفحات: 512
المهذب
تأليف: الفقيه الأقدم القاضي
عبدالعزيز بن البراج الطرابلسي
400-481 هج
الجزء الأول
مؤسسة النشر الإسلامي (التابعة)
لجماعة المدرسين المشرفة (ايران)
المحرّر الرقمي: محمّد علي ملک محمّد
ص: 1
بسم الله الرحمن الرحيم
انطلاقاً من أهمية التراث الاسلامي ، ومكانته السامية في حياة الامة و نهضتها الراهنة، أخذت «مؤسسة النشر الإسلامى التابعة لجماعة المدرسين في الحوزة العلمية بقم المقدسة» على عاتقها، القيام بكل جهد ممكن في سبيل احياء التراث الاسلامي المبارك .
فقامت - منذ تأسيسها والى الان - بطبع و نشر عشرات الكتب والمصنفات الاسلامية القيمة التي ألفها القدامى من كبار العلماء و أرباب الفكر في شتى مجالات الفقه والاصول والحديث والتفسير والفلسفة و الكلام ، و غير ذلك من مجالات الثقافة الإسلامية وشعبها ، وذلك بعد تحقيقها على أيدى كبار الأساتذة المحققين في الحوزة العلمية ، و اعدادها اعداداً يناسب متطلبات هذا العصر ، و احتياجات الامة في هذه الفترة الخطيرة من تاريخها .
ولم تكتف هذه المؤسسة باخراج ونشر هذا الصنف من المؤلفات والمصنفات بل و جهت عنايتها واهتمامها أيضاً الى ما الف وكتب في هذا العصر في تبيين مفاهيم الاسلام والثورة الاسلامية المجيدة فطبعت ونشرت مجموعة من الدراسات الاسلامية الحديثة فى مختلف شؤون الفكر الاسلامي .
ولقد وفقت هذه المؤسسة فى هذا السبيل ولقيت ما أخرجته ونشرته من كنوز
ص: 2
الفكر والمعرفة اقبالا و تقديراً كبيرين ، مما شجعها على مواصلة هذا السعى البناء ، وهذا الجهد العلمي المخلص .
غير ان المؤسسة هذه - احساساً منها بجسامة المسؤولية ، وخدمة للفكر الاسلامي - لم تكتف بنشر وبث ما يتم تحقيقه واعداده فيها ، بل عمدت الى تشجيع الجهود العلمية والفكرية التي يقوم بها المحققون فى المؤسسات الأخرى فنشرت ما حققوه من مؤلفات مخطوطة قيمة تغنى المكتبة الفقهية أو الأصولية أو الفلسفية ، أو غيرها
وهذا الكتاب القيم هو أحد تلك المصنفات القيمة التي قامت «مؤسسة النشر الاسلامي» بنشره وتوزيعه، بعد أن حققته ثلة من الفضلاء ، وطبعت « مؤسسة سيدالشهداء العلمية » الجزء الأول منه .
وقد تعهدت « مؤسسة النشر الاسلامي » بنشر هذا الجزء المطبوع ، وطبع بقية أجزائه على نفقتها نظراً لاهمية هذا المؤلف الفقهى ، الذي يطبع لاول مرة .
وترجو أن تكون بذلك قد أسدت خدمة جديرة بالاهتمام إلى الوسط العلمي الله المستعان .
مؤسسة النشر الاسلامي
التابعة لجماعة المدرسين في الحوزة العلمية
بقم المقدسة
22 جمادى الاولى 1406 ه. ق
ص: 3
تقديم : جعفر السبحاني
تطور الفقه عند الشيعة
في القرنين : الرابع والخامس
و
اضواء على حياة المؤلف :
القاضي ابن البراج
ص: 4
* شرف كل علم يشرف موضوعه ، شرف علم الفقه
* اكتمال الشريعة بعامة ابعادها ، دلائل اكمال الشريعة، بماذا تحقق الكمال ؟
* القرآن تبيان لكل شيء
* مكانة السنة في الشريعة الاسلامية
* الواقعيات المتضادة لاكتمال الشريعة
* الخلافات العميقة في الأصول والفروع
* كيف يجتمع الاكتمال مع وجود الخلافات المذهبية العميقة
* توجيه الخلافات بوجهين ، وضعف التوجيه الأول
* ابداع علم الكتاب والاحاطة بالسنة لدى العترة الطاهرة
* در رمضيئة من كلمات الرسول في حق العترة الطاهرة
* تنصيص النبي على عدد العترة الطاهرة
* احاطة العترة بالسنة ، مراحل تطور الفقه عند الامامية ، المرحلة الثالثة والاقطاب الخمسة
* اضواء على حياة القاضى مؤلف المهذب ، اقوال العلماء في حقه وفيه عشرون كلمة
* ميلاده: انه شامي لامصرى، ابن البراج زميل للشيخ لا تلميذه
* مناقشة القاضى آراء الشيخ في كتابيه : المهذب وشرح الجمل
* استمرار الاجتهاد بعد وفاة الشيخ الطوسي ونقد ما افاده سديد الدين الحمصي ومن تبعه
* التحام القاضي مع الشيخ الطوسي
* اساتذته وتلاميذه ومؤلفاته
* تاريخ تأليف هذا الكتاب وكلمة المحققيين فيه
ص: 5
بقلم: جعفر السبحاني
بیم ابتد الرحمن الرحیم
ان شرف كل علم بشرف موضوعه، وشرف ما يبحث فيه عن عوارضه وأحواله.
فكل علم يرتبط بالله سبحانه وأسمائه وصفاته وأفعاله ، أو يرجع الى التعرف على سفرائه وخلفائه وما أوحى اليهم من حقائق وتعاليم ، وأحكام وتكاليف يعد من أشرف العلوم ، وأفضلها ، وأسناها . لارتباطه به تعالى .
وقد أصبح (علم الفقه) ذات مكانة خاصة بين تلك المعارف والعلوم ، لانه الراسم لمناهج الحياة في مختلف مجالاتها ، والمبين للنسك والعبادات ، ومحرم المعاملات ومحللها، ونظام المناكح، والمواريث، وكيفية القضاء، وفصل الخصومات والمنازعات ، وغيرها .
وعلى الجملة : هو المنهاج الوحيد والبرنامج الدقيق لحياة المسلم الفردية ، والاجتماعية ، كيف ويصف على أمير المؤمنين عليه السلام أهمية تلك التعاليم والبرامج ، من خلال الاشارة الى آثارها في حياة الفرد والجماعة اذ يقول :
«فرض الله الايمان تطهيراً من الشرك ، والصلاة تنزيها عن الكبر ، والزكاة تسبيباً للرزق . والصيام ابتلاء لاخلاص الخلق، والحج تقوية للدين : والجهاد عزاً
ص: 6
للاسلام ، والأمر بالمعروف مصلحة للعوام ، والنهي عن المنكر ردعاً للسفهاء وصلة الرحم منماة للعدد ، والقصاص حقناً للدماء ، واقامة الحدود اعظاماً للمحارم ، وترك شرب الخمر تحصيناً للعقل ، ومجانبة السرقة ايجاباً للعفة ، وترك الزنا تحصيناً للنسب ، وترك اللواط تكثيراً للنسل، والشهادات استظهاراً على المجاحدات ، وترك الكذب تشريفاً للصدق، والسلام أماناً من المخاوف ، والامامة نظاماً للامة ، والطاعة تعظيما للامامة»(1)
واذا كان الفقه كفيلا بسعادة الانسان في الدارين ومبيناً لفرائض العباد ووظائفهم فقد اختار الله سبحانه أفضل خلائقه ، وأشرف أنبيائه لابلاغ تلك المهمة الجسيمة، فكان النبى صلی الله عليه وآله فى حياته مرجع المسلمين ، في بيان وظائفهم وما كانوا يحتاجون اليه من أحكام ، كما كان قائدهم في الحكم والسياسة ، ومعلمهم في المعارف والعقائد
فقام صلی الله عليه وآله بتعليم الفرائض والواجبات والعزائم والمنهيات ، والسنن والرخص وما يتكفل سعادة الامة ونجاحها في معترك الحياة، وفوزها ونجاتها في عالم الآخرة .
ان الشريعة التي جاء بها خير الرسل ، وأفضلهم هي آخر الشرائع التي أنزلها الله سبحانه ، لهداية عباده فهو - صلوات الله عليه - خاتم الانبياء ، كما أن كتابه وشريعته خاتمة الشرائع ، وآخر الكتب.
قال سبحانه : «ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ، ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما» (الاحزاب - 40) .
وبما أنه صلی الله عليه وآله خاتم الانبياء ، وشريعته خاتمة الكتب والشرائع، يجب أن تكون شريعته - حتماً - كاملة الجوانب ، جامعة الاطراف لن يفوتها بيان شيء ، وتغنى المجتمع البشرى عن كل تعليم غير سماوى .
ص: 7
ولاجل ذلك نرى أنه سبحانه ينص على ذلك ويصرح بانه زوده بشريعة اكتملت جوانبها يوم قال تعالى : «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا» (المائدة - 3)
وظاهر قوله : «أكملت لكم دينكم» أنه سبحانه اكمل دينه النازل على نبيه الاكرم صلی الله عليه وآله من جميع الجوانب ، وكل الجهات .
فهذا الدين كامل من حيث توضيح المعارف والعقائد ، كامل من حيث بيان الوظائف والاحكام، كامل من جهة عناصر استمراره، وموجبات خلوده ، ومتطلبات بقائه ، على مدى الأيام والدهور.
فلا وجه - اذن - لقصر الاية على الكمال من ناحية دون ناحية، وجانب دون جانب فهى باطلاقها تنبىء عن كمال الشريعة في جميع جوانبها، ومجالاتها من غير اختصاص بالايمان ، أو بالحج ، أو بغيره .
على أن حديث الاكتمال الوارد في هذه الاية، لا يختص باكمال الدين من حيث بيان العقيدة وتبليغ الشريعة، بل يعمّ الاكتمال من جهة بقاء الشريعة واستمرار وجودها طيلة الاعوام والحقب القادمة، اذليس حديث الدين كالمناهج الفلسفية والادبية وما يشبه ذلك ، فان الاكتمال في هذه المناهج يتحقق بمجرد بيان نظامها و توضیح خطوطها الفكرية ، سواء أطبقت على الخارج أم لا، وسواء استمر وجودها في مهب الحوادث أم لا ، بل الدين شريعة الهية انزات للتطبيق على الخارج ابتداء واستمراراً حسب الأجل الذي اريدلها .
فتشريع الدين من دون تنظیم عوامل استمرار وجوده يعد ديناً ناقصاً .
ولاجل ذلك دات السنة على نزول الآية «اليوم أكملت» يوم غدير خم عندما قام النبى (صلى الله عليه و آله) بنصب على (عليه السلام) للولاية والخلافة (1).
ص: 8
والعجب أن ابن جرير أخرج عن ابن جريح ، قال : مكث النبي (صلی الله عليه وآله) بعد مانزلت هذه الآية «اليوم اكملت ... » احدى وثمانين ليلة (1) .
وبما أن الجمهور أطبقوا على أن وفاة النبي صلى الله عليه وآله كانت في الثاني عشر من ربيع الاول، فينطبق أو يقارب يوم نزول هذه الآية على الثامن عشر من شهر ذى الحجة، وهو يوم الغدير الذى قام النبي صلى الله عليه وآله فيه بنصب على عليه السلام للخلافة والولاية .
ولاجل هذه العظمة الموجودة في مفهوم الآية، روى المحدثون عن طارق بن شهاب قال : قالت اليهود للمسلمين : انكم تقرأون آية في كتابكم لو علينا - معشر اليهود - نزلت، لاتخذنا ذلك اليوم عيداً ، قال : وأى آية ؟ قال : «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى» .
أخرج ابن جرير، عن عيسى بن حارثة الانصارى قال : كنا جلوساً في الديوان، فقال لنا نصرانى : ياأهل الاسلام : لقد انزلت عليكم آية ل-و انزلت علينا لاتخذنا ذلك اليوم، وتلك الساعة عيداً ما بقى اثنان، وهي قوله: «اليوم أكملت لكم دينكم» . وكما روى ابن جرير، عن ابن جريح ، عن السدى أنه لم ينزل بعد هذه الآية حرام لاحلال ، ورجع رسول الله (صلی الله عليه وآله) فمات (2) .
* * *
لاشك أن الشريعة الاسلامية من جانب الاحكام والعقائد اكتملت بامرين أحدهما : كتاب الله سبحانه، والأخرسنة نبيه الكريم .
أما الأول فقد عرف سبحانه مكانته، وسعة معارفه بقوله: «ونزلنا عليك الكتاب
ص: 9
تبياناً لكل شيء» (النحل - 89) .
فلاشك أن المراد من لفظة «كل شيء» هو كل شيء انيط بيانه إلى سفرائه و أنبيائه سبحانه من العلوم والمعارف، والمناهج والتعاليم التي لايصل الفكر الانساني الى الصحيح منها، بلغ ما بلغ من الكمال .
فهذه الامور تكفل الكتاب الكريم ببيانها وذكر خصوصياتها ، وأما العلوم التى يصل اليها البشر ،بفكره كالفنون المعمارية، والمعادلات الرياضية والقوانين الفيزياوية والكيماوية ، فهى خارجة عن رسالة ذلك الكتاب ، وليس بيانها من مهامه ووظائفه .
نعم ربما يحتمل أن يكون للاية معنى اوسع ، حتى يكون القرآن الكريم قابلا لتبيان تلك المعارف والعلوم، غير أن هذا الاحتمال - على فرض صحته - لا يصحح أن يكون ( القرآن الكريم ) مصدراً لهذه المعارف ، حتى يرجع اليه كافة العلماء والاختصاصيون في هذه العلوم، وانما يتيسر استخراج هذه العلوم والمعارف لمن له مقدرة علمية الهية غيبية ، حتى يتسنى له له استخراج هذ هذه الحقائق والمعارف من بطون الآيات واشاراتها ، وهو ينحصر في جماعة قليلة .
وأما مكانة السنة فيكفى فيها قوله سبحانه : «وما ينطق عن الهوى» (النجم - 3) وقوله سبحانه : «وما آتاكم الرسول فخذوه ومانها كم عنه فانتهوا» (الحشر - 7) ، وغير ذلك من الايات التي تنص على لزوم اقتفاء أثر النبي ، وتصرح بوجوب اتباعه ، وعدم مخالفته ومعصيته .
وعلى ذلك تكون الشريعة الاسلامية شريعة كاملة الجوانب ، كاملة الجهات والأطراف ، قد بينت معارفها ، وأحكامها بكتاب الله العزيز وسنة نبيه الكريم ، فلم يبق مجال للرجوع الى غير الوحى الالهى والى غير ما صدر عن النبي الكريم .
وهذه الحقيقة التي تكشف عنها الآية - بوضوح - وأن الدين اكتمل في حياة النبي
ص: 10
بفضل كتابه وسنته ، مما أطبقت عليه كلمة العترة الطاهرة بلا خلاف ، ولايقاف القارىء على ملامح كلماتهم فى هذا المقام ، نأتى ببعض ماورد عنهم في ذلك المجال :
لقد صرح أئمة أهل البيت والعترة الطاهرة بأنه ما من شيء في مجالي العقيدة والشريعة الا وله أصل فى الكتاب والسنة وهذا هو ما يظهر من كلماتهم ونصوصهم الوافرة .
روی مرازم ، عن الصادق (عليه السلام) أنه قال : ان الله تبارك وتعالى أنزل في القرآن الكريم تبيان كل شيء حتى والله ماترك الله شيئاً يحتاج العباد اليه الابينه للناس حتى لا يستطيع عبد يقول : لو كان هذا نزل في القرآن الاوقد أنزل الله فيه (1) .
وروى عمر و بن قيس ، عن الامام الباقر (عليه السلام) قال : سمعته يقول : ان الله تبارك وتعالى لم يدع شيئاً تحتاج اليه الامة الى يوم القيامة ، الاأنزله في كتابه وبينه لرسوله ، وجعل لكل شيء حداً وجعل عليه دليلا يدل عليه (2) .
وروی سلیمان بن هارون قال : هارون قال : سمعت أباعبدالله (عليه السلام) يقول : ماخلق الله حلالا
ولا حراماً الاوله حد كحد الدار ، فما كان من الطريق فهو من الطريق وما كان من الدار فهو من الدار ، حتى أرش الخدش فما سواه ، والجلدة ونصف الجلدة (3) .
وروى حماد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سمعته يقول : ما من شيء الاوفيه كتاب أوسنة (4) . وعن المعلى بن خنيس قال ، قال أبو عبد الله (عليه السلام) : ما من أمر يختلف فيه
ص: 11
اثنان الأوله أصل في كتاب الله عز وجل ، ولكن لا تبلغه عقول الرجال (1) .
وعن سماعة ، عن أبى الحسن موسى عليه السلام قال قلت له : أكل شيء في كتاب الله وسنة نبيه صلی الله عليه وآله أو تقولون فيه ؟ قال : بل كل شيء في كتاب الله وسنة نبيه صلی الله عليه وآله (2) .
هذا هو حال الكتاب والسنة عند أئمة العترة الطاهرة ، فلو لم نجد حكم كثير من الموضوعات والحوادث ، فى الكتاب والسنة ولا وقفنا على جملة من المعارف والعقائد فيهما ، فما ذلك الا لاجل قصور فهمنا وقلة بضاعتنا ، لأن في الكتاب رموزاً و اشارات ، وتنبيهات وتلويحات منها تستنبط أحكام الحوادث والموضوعات ، ويهتدى بها الانسان الى المعارف والعقائد وقد اختص علمها بهم دون غيرهم .
كما أن عندهم سنة النبى التى لم تصل كثير منها الى ايدى الناس ، هذه هي حقيقة الحال عن أئمة العترة الطاهرة، وعلى ذلك اقتفت شيعتهم أثرهم في تشييد صرح المعارف والعقائد ، وارساء فقههم ، وفروعهم واصولهم.
ان القارىء الكريم لو راجع الجوامع الحديثية والتفسيرية ، ووقف على كيفية استدلال الائمة الطاهرين، بالايات والسنة النبوية على كثير من المعارف والاحكام يقف على صحة ما قلناه ، وهو أن عندهم علم الكتاب بالمعنى الجامع الوسيع، كما أن عندهم السنة النبوية بعامتها .
وهذا لاينافي أن يكون الكتاب هادياً للامة جمعاء، ويكون طائفة من السنة في أيدى الناس ، غير أن الاكتناه برموز الكتاب واشاراته ، والاحاطة بعامة سننه ، من خصائص العترة الطاهرة .
وقد قام بعض الافاضل من طلاب مدرستنا بجمع الأحاديث ، التي استدل فيها الأئمة الطاهرون بالكتاب والسنة على امور وأحكام ، مما لم تصل اليه أفهام الناس ، وانما خص علم ذلك بهم .
ص: 12
فاذا كان الشارع قد أعلن عن خاتمية الرسالة وكمال الشريعة الاسلامية ، وجب أن تتقارب الخطى والمواقف بين المسلمين، ويقل الخلاف والنقاش بينهم ، ويجتمع الكل على مائدة القرآن والسنة من دون أن يختلفوا في عقائدهم ، ولا أن يتشاجروا في تكاليفهم ووظائفهم.
ولكننا - مع الأسف - نشاهد فى حياة المسلمين أمراً لا يجتمع مع هذا الكمال ، بل يضاده، ويخالفه بل وينادى بظاهره بعدم كماله من حيث الأصول والفروع ، وينادى بأن الرسول صلی الله عليه وآله ما جاء بشريعة كاملة جامعة الاطراف شاملة لكل شيء .
وتلك الحقيقة المضادة لحديث الكمال هی الاختلافات الكبيرة والخلافات العريقة التي حدثت بين المسلمين بعد وفاة رسول الله صلی الله عليه وآله بل قبيلها أيضاً .
فقد صاروا في أبسط المسائل الى معقدها الى اليمين واليسار ، وافترقوا فرقتين أو فرقاً حتى انتهوا الى سبعين فرقة ، بل الى سبع مائة فرقة.
فهذا هو التاريخ يحدثنا أن أول تنازع وقع في مرضه (عليه الصلاة والسلام) هو ما رواه البخارى باسناده عن عبد الله بن عباس ، قال : لما اشتد بالنبي مرضه الذى مات فيه ، قال : ائتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتاباً لاتضلوا بعدى ، فقال عمر (رضي الله عنه) : ان رسول الله صلی الله عليه وآله قد غلبه الوجع ، حسبنا كتاب الله وكثر اللغط فقال النبي صلی الله عليه وآله قوموا عنى لا ينبغي عندى التنازع ، قال ابن عباس : الرزية كل الرزية ماحال بيننا وبين رسول الله (1) .
ولم ينحصر الخلاف في اخريات حياته ، بل ظهر الخلاف في تجهيز جيش
ص: 13
اسامة ، حيث أنه صلی الله عليه وآله أمر اسامة بأن يسير الى النقطة التي سار اليها أبوه من قبل. وجهز له جيشاً وعقد له راية فتناقل أكابر الصحابة عن المسير معه لما رأوا مرض النبي صلی الله عليه وآله وهو يصر على مسيرهم ، حتى أنه خرج معصب الجبين ، وقال جهزوا جيش اسامة ، لعن الله من تخلف عنه (1)
وأما اتساع رقعة الخلاف ، ودائرة الاختلاف بعد لحوقه صلی الله عليه وآله بالرفيق الاعلى فحدث عنه ولاحرج .
فقد اختلفوا في يوم وفاته فى موته (عليه الصلاة والسلام) قال عمر بن الخطاب من قال ان محمداً قدمات قتلته بسیفى هذا، وانما رفع الى السماء كما رفع عيسى عليه السلام
ولما جاء أبو بكر بن أبي قحافة من السلع ، وقرأ قول الله سبحانه : «وما محمد الارسول قدخلت من قبله الرسل، أفان مات أو قتل انقلبتم على اعقابكم ، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزى الله الشاكرين » رجع عمر عن قوله ، وقال كأني ما سمعت هذه الآية حتى قرأها أبو بكر (2) .
وأخطر الخلافات وأعظمها هو الاختلاف في الامامة ، وادارة شؤون الامة الاسلامية ، فمنهم من قال بتعدد الامراء فأمير من الانصار و أمير من المهاجرين ، ومن قائل بلزوم انتخابه من طريق الشورى، ومن قائل ثالث بالتنصيص بالولاية والأمارة فقد أحدث ذلك الخلاف خرقاً عظيماً لايسد بسهولة .
ولاجل ذلك يقول الشهرستاني في «ملله و نحله» : ماسل سيف فى الاسلام على قاعدة دينية مثل ماسل على الامامة فى كل زمان (3).
ص: 14
ولم يقف الخلاف والاختلاف عندهذا الحد، فقد اتسع نطاقه بعد الاختلاف فى الزعامة السياسية ، حتى شمل القيادة الفكريّة ، فحدثت مذاهب واتّجاهات ، ووجدت مناهج متباينة فى المعارف الاعتقاديّة ، التي تشكل أعمدة الدين وأصوله وجذور الاسلام واسسه .
فاختلف المسلمون - في هذا المجال - الى معتزلة وجبريّة، وانقسمت الأولى الى واصليّة ، هذليّة . نظاميّة ، خابطيّة ، بشريّة ، معمريّة ، مرداريّة ، ثماميّة، هشاميّة ، جاحظيّة ، خياطيّة .
كما انقسم منافسوا المعتزلة (أعنى الجبريّة) الى : جهمية ، نجادية ، ضرارية
وقد كان هذا الاختلاف في اطار خاص ، أي في معنى الاسلام والايمان وما يرجع الى فعل الله سبحانه ، واذا أضفنا اليه الاختلاف سائر النواحى ، فنرى أنّهم اختلفوا في صفاته سبحانه الى : أشعرية ، ومشبّهة وكراميّة.
وقد أوجبت هذه الاختلافات والنقاشات الى وقوع حروب دامية ، وصراعات مدمرة اريقت فيها الدماء البريئة - من المسلمين ، وسحقت الكرامات.
غير أن اطار الاختلاف لم يقف عند ذلك ، فقد حدث اختلاف في مصير الانسان ومايؤول اليه بعد موته من البرزخ ومواقفه ، ويوم القيامة وخصوصياته ، الى غيرها من الاختلافات والمنازعات الفكرية العقيدية، التى فرقت شمل المسلمين ، ومزقت وحدتهم وكأنهم نسوا قول الله تعالى : «إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ» (الانبياء 92)
فصارت الأمة الواحدة امماً متعددة ، وأصبحت اليد الواحدة أيدى متشتتة .
ولو أضفنا الى ذلك ما حدث بين المسلمين من الاختلاف في المناهج الفقهية التى أرساها الصحابة والتابعون وتابعوا التابعين ، الى أن وصل الدور الى الائمة الأربعة يقف الانسان على اختلاف واسع مروع ، وعند ذلك يتساءل الانسان ويسأل
ص: 14
المرء نفسه : ترى أى الأمرين أحق وأصح ؟
1 - مانص به القرآن الكريم ، وحدث عنه سيّد المرسلين عن المرسلين عن كمال الدين با صوله وجذوره، وشعبه وفروعه بحيث لم يبق للمسلم حاجة الأرفعها ، ولا حادثة الابين حكمها ، ومقتضى ذلك أن يتقلل الخلاف والنقاش الى أقل حد ممكن .
2 - مانلمسه ونراه بوضوح من الخلاف والتشاجر فى أبسط الأمور و أعمقها من دقيقها وجليلها ، بحيث لم يبق أصل ولافرع الاوفيه رأيان بل آراء .
ان حديث الاختلاف الكبير هذا لا يمكن أن يعد امراً بسيطاً ، كيف والامام علي عليه السلام يعتبره دليلا على نقصان الدين ان كان المختلفون على حق ، والاكان اختلافهم أمراً باطلا، لان كمال الشريعة يستلزم أن يكون كل شيء فيها مبيناً ، فلا مبرر ولا مصحح للاختلاف .
يقول الامام عليه السلام في ذم اختلاف العلماء في الفتيا :
ترد على أحدهم القضية في حكم من الاحكام ، فيحكم فيها برأيه ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلاف قوله، ثم يجتمع القضاة بذلك عند الامام الذي استقضاهم فيصوب آراءهم جميعاً. والههم واحد، ونبيهم واحد، وكتابهم واحد أفأمرهم الله - سبحانه - بالاختلاف فأطاعوه ! أم نهاهم عنه فعصوه ! أم أنزل الله سبحانه ديناً ناقصاً فاستعان بهم على اتمامه ! أم كانوا شركاء له فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى ؟! أم أنزل الله سبحانه ديناً تاماً فقصر الرسول صلی الله عليه وآله عن تبليغه وأدائه، والله سبحانه يقول : « ما فرطنا فى الكتاب من شيء » وفيه تبيان لكل شيء وذكر أن الكتاب يصدق بعضه بعضاً (1)
أترى أنه (صلوات الله عليه) بعد ما يندد بالاختلاف ، يقول أم أنزل الله ديناً ناقصاً فاستعان بهم على اتمامه .
ص: 15
فاكتمال الدين بعامة أبعاده ينفى وجود الثاني ، كما أن وجود الخلاف في عامة المسائل لا يجتمع مع اكمال الدين ، فما هو الحل لهذين الأمرين المتخالفين؟!
ان هناك تحليلين يمكن أن يستند اليها الباحث في حل هذه المعضلة :
الأول : ان النبي الاكرم صلی الله عليه وآله وان أكمل دينه فسى أصوله وفروعه غير ان المسلمين في القرون الغابرة وقفوا أمام النصوص الاسلامية ، فأوجدوا مناهج ومذاهب لا تلائم القرآن الكريم ولا السنة النبوية .
الا ان هذه الاجابة لا تتفق مع الواقع، بل تعتبر قسوة على الحق وأصحابه، لما نعلم من حياة المسلمين فى الصدر الأول وبعده من أن الدين كان عندهم من أعز الاشياء وأنفسها ، فكانوا يضحون بأنفسهم وأموالهم في سبيله .
فعند ذلك كيف يمكن أن ينسب الى هؤلاء الجماعة بأنهم قد وقفوا في وجه النصوص الاسلامية ، وقابلوها بآرائهم، ورجحوا أفكارهم ونظرياتهم على الوحى؟
كيف والقرآن الكريم يصف تلك الثلة بقوله : «محمد رسول الله والذين آمنوا معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجداً يبتغون فضلا من ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الانجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سونه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة واجر عظيماً) (الفتح - 29).
الثاني : أن الشريعة الاسلامية قد جاءت بدقائق الأمور وجلائلها في كتاب الله وسنة نبيه ، غير أن الشارع الحكيم قد أودع علم كتابه والاحاطة بسنة نبيه -- اللذين اكتملت بهما الشريعة ، وتمت بهما النعمة . واستغنت الأمة بهما عن اتخاذ أى شىء في عداد كتاب الله وسنة نبيه - عند أناس متطهرين من الاثم والذنب ، مصونين
ص: 16
عن الزلل والخطأ، قد أحاطوا بمحكم القرآن ومتشابهه ، ومجمله، ومفصله وناسخه و منسوخه ، وعامه وخاصه ، ومطلقه ومقيده ، بل بدلالاته وتنبيهاته ، ورموزه واشاراته التي لا يهتدى اليها الأمن شملته العناية الالهية، وعمته الفيوض الربانية .
كما وأحاطوا بسنّة نبيّهم ، وشوارد أقواله ، ووجوه أفعاله ، وألوان تقريره واقراره .
فالتحق - صلی الله عليه وآله - بالرفيق الأعلى والحال هذه، أى أن العلم بحقائق الكتاب ومتون سنته مخزون عند جماعة خاصة ، قد عرفهم بصفاتهم وخصوصيّاتهم تارة، وأسمائهم وأعدادهم تارة أخرى كما سيوافيك .
ولو أن الامّة الاسلامية رجعوا في مجال العقائد والمعارف ، وموارد الاحكام والوظائف الى هذه الثلّة ، لا وقفوهم على كل غرة لائحة ، وحجّة واضحة ، وقول مبين، وبرهان متين ، واستغنوا بذلك عن كل قول ليس له أصل في كتاب الله وسنة رسوله ، ولمسوا اكتمال الدين في مجالي العقيدة والشريعة بأوضح شكل .
فحديث اكتمال الدين وكمال الشريعة في وكمال الشريعة في جميع مجالا مجالاتها أمر لاغبار عليه ، ولكن الخلاف والنقاش حدث في أسس الاسلام وفروعه لأجل الاستقلال في فهم الذكر الحكيم ، وجمع سنة الرسول من دون أن يرجعوا الى من عنده رموز الكتاب واشاراته ، ودلائله وتنبيهاته ، فهم وراث الكتاب (1) وترجمان السنة ، فافترقوا - لاجل هذا الاعراض - الى فرق كثيرة ومناهج متكثرة .
ان الاستقلال في فهم المعارف والأصول واستنباط الفروع ، ألجأ القوم الى القول بالقياس والاستحسان ، وتشييد قواعد ومقاييس ظنية كسد الذرائع والمصالح المرسلة، وغيرها من الأمور التي ما أنزل الله بها من سلطان ، وذلك لانهم واجهوا من جانب اكتمال الدين من حيث الفروع والأصول ، بحيث لا يمكن انكاره حسب
ص: 17
الآيات والأحاديت، ومن جانب آخروا جهوا الحاجات والحوادث المتجددة التي لم يجدوالها دليلا ، لافى الكتاب ولا في السنة ، فلاذوا الى العمل بهذه المقاييس حتى يسدوا الفراغ، ويبرثوا الشريعة الاسلامية عن وصمة النقص .
قال ابن رشد مستدلا على حجية القياس : ان الوقائع بين أشخاص الأناس غير متناهية ، والنصوص والافعال والاقرارات ( أى تقرير النبي ) متناهية ، ومحال أن يقابل مالا يتناهى بما يتناهى (1) .
وكأنه يريد أن يقول انه لولا القول بحجية القياس لاصبحت الشريعة ناقصة غير متكاملة .
وهذا الجواب (وهو ايداع علم الكتاب عند العترة والاحاطة بالسنة) ممايلوح من الغور فى غضون السنة، ولعل القارىء الكريم يزعم - بادىء بدء - أن هذه الجواب نظرية غير مدعمة بالبرهان، غير أن من راجع السنة يرى النبي الاكرم - صلی الله عليه وآله - يصرح - فى خطبة حجة الوداع بأن عنرته أعدال الكتاب العزيز وقرناؤه ، وهم يصونون الامة عن الانحراف والضلال، ولا يفارقون الكتاب قدر شعرة ، ومع الرجوع اليهم لا يبقى لقائل شك ولا ترديد .
روى الترمذي ، عن جابر قال : رأيت رسول الله (صلی الله عليه وآله) في حجه يوم عرفة ، وهو على ناقته القصوى يخطب فسمعته يقول :
«يا أيها الناس انى قد تركت فيكم ما ان أخذتم به لن تصلوا : كتاب الله وعترتى أهل بيتي» (2) .
وروى مسلم في صحيحه : «أن رسول الله قام خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة ... ثم قال : ألا يا أيها الناس فانما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فاجيب
ص: 18
وانى تارك فيكم ثقلين: أولها كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ... وأهل بيتي»(1) .
وقد روى هذا الحديث أصحاب الصحاح والسنن بعبارات مختلفة ، كما رووا أنه نطق به النبي في حجة الوداع ، وفى غدير خم وقبيل وفاته ،
فدراسة الحديث توقفنا على مكانة أهل البيت النبوى ، وعترة رسول الله (صلی الله عليه وآله) حيث يعدلون القرآن الكريم فى الهداية والنور ، والعصمة والمصونية ، وأن مفارقتهم مفارقة للكتاب ، وبالتالي مفارقة السعادة ، والوقوع في وهاد الضلالة .
ان النبي الاكرم (صلی الله عليه وآله) لم يكتف بالتنصيص بالوصف ، بل أخبر بأن عدد الأئمة الذين يلون من بعده اثناعشر ، وقد رواه أصحاب الصحاح والمسانيد ، فروى مسلم ، عن جابر بن سمرة ، أنه سمع النبي يقول : لايزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة ، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش(2).
وروى البخاري قال : سمعت النبي يقول يقول : يكون اثنا عشر أميراً : فقال كلمة لم اسمعها فقال ابى : قال كلهم من : قريش(3).
وهناك نصوص اخرى لهذا الحديث تصرح بأن عدد الولاة اثنا عشر وأنهم من قريش .
وجاء علي (عليه السلام) يفسر حديث النبى ويوضح ابهامه ويقول : ان الأئمة من قريش في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ولا يصلح الولاة من غيرهم(4)
ص: 19
ما ذكرناه آنفاً من أن العترة الطاهرة أحاطوا بالسنة النبوية ، التي لم تحتفظ بأكثرها الأمة مما تصرح به العترة وتقول : ان كل ما يروون من أحاديث في مجالي العقيدة والشريعة ، كلها رواية عن رسول الله (صلی الله عليه وآله) عن طريق آبائهم .
و قد وردت في هذا الصعيد نصوص لامجال لنقلها برمتها ، بل نكتفى بالقليل من الكثير :
روی حماد بن عثمان وغيره قالوا: وغيره قالوا سمعنا أبا عبد الله عليه السلام يقول : حديثي حديث أبى ، وحديث أبي حديث جدى ، وحديث جدى حديث الحسين ، وحديث الحسين حديث الحسن ، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وحديث أمير المؤمنين حدیث رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وحديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) قول الله عز وجل (1) .
وعن جابر قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : اذا حدثتني بحدیث ، فاسنده لی فقال : حدثني أبي عن جدى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، عن جبرئيل (عليه السلام) ، عن الله عز وجل وكل ما احدثك (فهو) بهذا الاسناد ، وقال : ياجابر لحديث واحد تأخذه عن صادق خير لك من الدنيا وما فيها(2).
ومن كتاب حفص بن البختري ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : نسمع الحديث متك فلا ادرى منك سماعة ، أو من أبيك ، فقال : ما سمعته منى فاروه عن أبى، وما سمعته فاروه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)(3).
وعن يونس ، عن عنبسة قال : سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام عن مسألة فأجابه فيها،
ص: 20
فقال الرجل : ان كان كذا و كذا ما كان القول فيها ، فقال له : مهما أجبتك فيه بشيء فهو عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، لسنا نقول برأينا من شيء (1).
لقد عكفت الشيعة بعد لحوق النبي (صلی الله عليه وآله) بالرفيق الأعلى على دراسة الفقه ، وجمع مسائله وتبويب أبوابه وضم شوارده ، وأقبلوا عليه اقبالا تاماً قل نظيره لدى الطوائف الاسلامية الأخرى ، حتى تخرج من مدرسة أهل البيت وعلى أيدى أئمة الهدى ، عدة من الفقهاء العظام لايستهان بهم ، فبلغوا الذروة في الفقاهة والاجتهاد نظراء. زرارة ابن أعين ، ومحمد بن مسلم الطائفى ، وأبي بصير الأسدى ، ويزيد بن معاوية ، والفضيل بن يسار ، وهؤلاء من افاضل خريجي مدرسة أبي جعفر الباقر وأبي عبد الله (عليه السلام) ، فأجمعت العصابة على تصديق هؤلاء ، وانقادت لهم بالفقه والفقاهة .
ويليهم في الفضل والفقاهة ثلة أخرى، وهم أحداث خريجي مدرسة أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) نظراء : جميل بن دراج ، وعبد الله بن مسكان ، وعبد الله بن بكير ، وحماد بن عثمان ، وحماد بن عيسى ، و ابان بن عثمان ، كما أقرت العصابة على فقاهة ثلة أخرى من تلاميذ أصحاب الامام موسى بن جعفر الكاظم وابنه أبي الحسن الرضا (عليهماالسلام) نظراء : يونس بن عبد الرحمان ، وصفوان بن يحيى ، ومحمد بن أبي عمير، وعبد الله بن المغيرة ، والحسن بن محبوب والحسين بن على بن فضال ، وفضالة بن أيوب(2).
هؤلاء أبطال الشيعة فى الفقه والحديث في القرنين: الأول والثانى من الهجرة ، وقد تخرجوا من مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) وأخذوا منهم الفقه واصول الاجتهاد والاستنباط
ص: 21
نعم لا ينحصر المتخرجون من مدرستهم في هؤلاء الذين ذكرناهم ، فقد تخرج من تلك المدرسة جماعة كثيرة تجاوزت المئات بل الالاف ، وقد ضبطت أسماءهم و خصوصياتهم وكتبهم ، الكتب الرجالية والفهارس العلمية.
ومع أن كتب الرجال والفقه تنص على مكانتهم في الفقاهة ، ومدى استنباطهم الاحكام الشرعية ، غير أن كتبهم فى القرون الثلاثة الاولى كانت مقصورة على نقل الروايات بأسنادها ، والافتاء فى المسائل بهذا الشكل ، مع تمييز الصحيح عن السقيم والمتقن عن الزائف .
وتطلق على كتبهم عناوين الأصل ، الكتاب ، النوادر، الجامع ، المسائل ، أو خصوص باب من أبواب الفقه ، كالطهارة ، والصلاة ، وماشابه ذلك.
هذه الكتب المدونة في القرون الثلاثة بمنزلة «المسانيد» عند العامة ، فكل كتاب من هذه الرواة يعد مسنداً للراوى ، قد جمع فيه مجموع رواياته عن الأمام أو الائمة فى كتابه ، وكان الافتاء بشكل نقل الرواية بعد اعمال النظر ومراعاة ضوابط الفتيا وهكذا مضى القرن الثالث .
وباطلالة أوائل القرن الرابع طلع لون جديد في الكتابة والفتيا ، وهو الافتاء بمتون الروايات مع حذف أسنادها ، والكتابة على هذا النمط مع اعمال النظر والدقة في تمييز الصحيح عن الزائف فخرج الفقه - فى ظاهره - عن صورة نقل الرواية ، واتخذ لنفسه شكل الفتوى المحضة ،
وأول من فتح هذا الباب على وجه الشيعة بمصراعيه هو والد الشيخ الصدوق «على بن الحسين بن موسی بن بابويه» المتوفى عام 329 ه ، فالف کتاب «الشرائع» لولده الصدوق، وقد عكف فيه على نقل متون ونصوص الروايات ، وقدبت الصدوق هذا الكتاب فى متون كتبه : كالفقيه ، والمقنع والهداية ، كما يظهر ذلك من الرجوع اليها .
ص: 22
و لقد استمر التأليف على هذا النمط ، فتبعه ولده الصدوق المتوفى عام 381 ، فألف «المقنع والهداية» ، وتبعه شيخ الامة و فيدها « محمد بن النعمان » المتوفي عام 413 فى « مقنعته » ، وتلميذه شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي المتوفى عام 640 في «نهايته».
ولما كانت متون هذه الكتب والمؤلفات مأخوذة من نفسه الروايات والأصول وقعت متونها موضع القبول من قبل الفقهاء فعاملوها معاملة الكتب الحديثية ، وعولوا عليها عند اعوازهم النصوص على اختلاف مشاربهم وأذواقهم.
و كان سيدنا الاستاذ آية الله البروجردى المتوفى عام (1380 ه) يسمى تلك الكتب ب «المسائل المتلقاة»، وسماها بعض الاجلة ب : «الفقه المنصوص» .
ما تقدم من المرحلتين كان راجعاً الى بيان الفقه من دون حدوث اى تطور عمیق فيه والنمط الثانى (تجريد المنون عن الأسانيد) وان كان نمطاً جديداً ، وثورة على الطريقة القديمة السائدة طيلة قرون، لكنه لم يكن رافعاً للحاجة وسادا للفراغ ، لان هناك حاجات وأحداث لم ترد بعينها في متون الروايات وسنن النبي (صلی الله عليه وآله) ، وان كان يمكن استنباط أحكامها من العمومات والاطلاقات والأصول الواردة في الكتاب والسنة ، فعند ذلك يجب أن تكون هناك ثورة جديدة قوية تسد هذا الفراغ ، وتغنى المجتمع الاسلامى من الرجوع الى غير الكتاب والسنة .
ولذلك قام فى أوائل القرن الرابع لفيف من فقهاء الشيعة بابداع منهج خاص في الفقه ، وهو الخروج عن حدود عبائر النصوص والالفاظ الواردة في الكتاب والسنة، وعرض المسائل على القواعد الكلية الواردة في ذيتك المصدرين ، مع التحفظ على الاصول المرضية عند أئمة الشيعة من نفى القياس والاستحسان ونفي الاعتماد على كل نظر ورأى ليس له دليل في الكتاب والسنة .
ص: 23
وهذا اللون من الفقه وان كان سائداً بين فقهاء العامة ، لكنه كان مبنياً على اسس وقواعد زائفة، كالعمل بالقياس وسائر المصادر الفقهية ، غير المرضية عند أئمة الشيعة .
وأول من فتح هذا الباب بمصراعيه في وجه الأمة ، هو شيخ الشيعة وفقيهها الأجل، الذى يعرفه شيخ الرجاليين، وحجة التاريخ بقوله : الحسن بن على بن أبي عقيل أبو محمد الحذاء : فقيه متكلم ثقة ، له كتب فى الفقه والكلام منها ، كتاب «المتمسك بحبل آل الرسول» ، كتاب مشهور في الطائفة ، وقيل : ماورد الحاج من خراسان الاطلب واشترى منه نسخاً ، وسمعت شيخنا أبا عبد الله (المفيد) رحمه الله يكثر الثناء على هذا الرجل رحمه الله(1).
وهذا شيخ الطائقة الطوسي يعرفه ويعرف كتابه المذكور في فهرسه ، ويقول وهو من جملة المتكلمين ، امامىّ المذهب ، ومن كتبه كتاب «المتمسك بحبل آل الرسول» فى الفقه وغيره ، وهو كتاب كبير حسن(2).
ويقول العلامة : ونحن نقلنا أقواله في كتبنا الفقهية ، وهو من جملة المتكلمين وفضلاء الأمامية .
ويصف كتابه «المتمسك بحبل آل الرسول» بأنه كتاب مشهور عندنا(3) ، وقد نقل آراءه العلامة في «مختلف الشيعة » في جميع أبواب الفقه ، وهذا يكشف عن أن الكتاب المذكور كتب على أساس الاستنباط ، ورد الفروع الى الاصول ،
ص: 24
والخروج عن دائرة ألفاظ الحديث ، عملا بقول الصادق : علينا القاء الاصول اليكم ، وعليكم التفريح(1).
ولعله لاجل هذا قال العلامة بحر العلوم في «فوائده الرجالية» : هو أول من هذب الفقه واستعمل النظر ، وفتق البحث في الأصول والفروع في ابتداء الغيبة الكبرى وبعده الشيخ الفاضل «ابن الجنيد»(2).
وقال صاحب «روضات الجنات» أيضاً : ان هذا الشيخ هو الذي ينسب اليه ابداع اساس النظر فى الادلة ، وطريق الجمع بين مدارك الاحكام بالاجتهاد الصحيح، ولذا يعبر عنه وعن الشيخ أبي على بن الجنيد في كلمات فقهاء أصحابنا . بالقديمين ، وقد بالغ فى الثناء عليه أيضاً صاحب «السرائر» ، وغيره وتعرضوا لبيان خلافاته الكثيرة في مصنفاتهم(3).
والتاريخ وان لم يضبط عام وفاته ، غير أنه من معاصري الشيخ الكلينى المتوفى عام 328 ه ، ومن مشايخ جعفر بن محمد بن قولويه ، المتوفى عام 369 ه ، وقد ترجم له السيد الامين رحمه الله فى اعيان الشيعة ترجمة مبسوطة(4).
والثانى هو محمد بن أحمد بن جنيد ، ابو على الكاتب الاسكافي ، الذي قال النجاشي عنه : وجه في أصحابنا ثقة جليل القدر ، صنف فأكثر ، ثم ذكر فهرس كتبه ومنها : كتاب «تهذيب الشيعة لاحكام الشريعة » ، وكتاب ، « الاحمدى للفقه المحمدي»(5).
ص: 25
ويصف الشيخ الطوسى كتاب «تهذيب الشيعة لاحكام الشريعة» : بأنه كتاب كبير على عشرين مجلداً ، يشتمل على عدة من كتب الفقه على طريق الفقاء(1).
وقوله : على طريقة الفقهاء اشارة الى انه كان كتاباً على نمط الكتب الفقهية الاستدلالية، نظير الكتب الفقهية للعامة .
ولاجل ذلك يقول صاحب «روضات الجنات» : ان هذا الشيخ تبع الحسن بن أبي عقيل العماني فأبدع أساس الاجتهاد في أحكام الشريعة .
ويقول : ونقل عن « ايضاح العلامة » أنه قال : وجدت بخط السيد السعيد محمد بن معد ، ماصورته : وقع الى من هذا الكتاب - أى كتاب «تهذيب الشيعة». مجلد واحد ، وقد ذهب من أوله أوراق ، وهو كتاب النكاح ، فتصفحته ولمحت مضمونه فلم أر لاحد من هذه الطائفة كتاباً أجود منه، ولا أبلغ ولا أحسن عبارة ، ولا أدق معنى ، وقد استوفى منه الفروع والاصول ، وذكر الخلاف في المسائل واستدل بطريق الأمامية وطريق مخالفيهم ، وهذا الكتاب اذا أمعن النظر فيه وحصلت معانيه علم قدره ومرتبته ، وحصل منه شيء كثير ولا يحصل من غيره.
ثم يقول العلامة : قدوقع الى من مصنفات هذا الشيخ المعظم الشان كتاب «الاحمدى فى الفقه المحمدى» ، وهو مختصر هذا الكتاب ، جيديدل على فضل هذا الرجل وكماله ، وبلوغه الغاية القصوى فى الفقه وجودة نظره ، وأنا ذكرت خلافه وأقواله في كتاب «مختلف الشيعة في أحكام الشريعة»(2).
وبذلك يعلم أن استعمال القياس فى فقهه كان لاجل الاستدلال على طريق
ص: 26
المخالفين ، ولعله الى ذلك ينظر الشيخ حيث يقول في «عدته» : لما كان العمل بالقياس محظوراً فى الشريعة عندهم لم يعملوا به أصلا، واذا شذ واحد منهم عمل به في بعض المسائل ، على وجه المحاجة لخصمه ، وان لم يكن اعتقاده ، رووا قوله وأنكروا عليه(1).
الثالث : الشيخ الفقيه المحقق النقاد نابعة العراق ، ونادرة الافاق ، الشيخ المفيد محمد بن النعمان ، المولود عام 338 ه والمتوفى عام 413 .
يقول تلميذه، أبو العباس النجاشى فى فهرسه في حقه : شيخنا و استاذنا رضى الله عنه فضله أشهر من ان يوصف فى الفقه والكلام والرواية والوثاقة والعلم(2).
ويقول عنه تلميذه الاخر الشيخ الطوسي في فهرسه : محمد بن محمد بن النعمان المفيد يكنى أبا عبد الله المعروف بابن المعلم ، من جملة متكلمى الامامية ، أنتهت اليه رئاسة الأمامية فى وقته، وكان مقدماً في العلم وصناعة الكلام، وكان فقيهاً متقدماً فيه ، حسن الخاطر ، دقيق الفطنة ، حاضر الجواب ، وله قريب من مائتي مصنف كبار وصغار (3).
وكفى فى فضل الرجل وتقدمه في الفقه والكلام انه تخرج عليه وتربى في مدرسته العلمان الكبيران: السيد المرتضى ، والشيخ الطوسي قدس الله اسرارهما : (ان آثارنا تدل علينا) .
وقد ذكر النجاشى من اسامى مؤلفاته نحواً من مأة واربع وستين كتاباً .
ص: 27
وقد طبع منه فى الفقه : المقنعة ، (والمسائل الصاغانية « والاعلام » فيما اتفقت عليه الامامية وهو كالذيل لكتاب اوائل المقالات) غير أن رسائله فى الفقه كثيرة معروفة ، يظهر لمن راجع الفهارس.
الرابع : على بن الحسين الملقب ب : «علم الهدى» والمعروف ب : «السيد المرتضى» المولود عام 355 هجرى ، والمتوفى عام 436 هجری .
قال عنه تلميذه الشيخ الطوسي : متوحد فى علوم كثيرة ، مجمع على فضله مقدم في العلوم مثل علم الكلام والفقه وأصول الفقه ، ثم ذكر تصانيفه.
وقال عنه تلميذه الاخر ابو العباس النجاشي : حاز من العلوم مالم يدانه فيه أحد في زمانه وسمع من الحديث فأكثر. وذكر تأليفه(1).
ومن تأليفه فى الفقه : الانتصار فى انفرادات الأمامية ، صنفه للامير الوزير عميد الدين في بيان الفروع التي شنع على الشيعة لانهم خالفوا فيها الاجماع فاثبت ان لهم فيها موافقاً من فقهاء سائر المذاهب ، وإن لهم عليها حجة قاطعة ، من الكتاب والسنة ، وقد طبع الكتاب كراراً .
وكتابه هذا في الفقه ، وكتابه الأخرا عنى «الذريعة في اصول الفقه» يعربان عن أن السيد من الشخصيات البارزة التي يضن بها الدهر الافى فترات قليلة .
الخامس شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن بن على الطوسي ، المولود عام 385ه ، المتوفى 460 ه ، فقيه الشيعة وزعيمهم في القرن الخامس بعد السيد المرتضى الشهير بعلم الهدى ، فقد قام بتأليف كتاب على هذا النمط وأسماه كتاب «المبسوط»، وألفه بعد كتابه المسمى «بالنهاية» الذى كتبه على النمط الأول من التأليف (2).
قال فى مقدمة «المبسوط» : كنت عملت على قديم الوقت كتاب «النهاية» ،
ص: 28
وذكرت جمع مارواه أصحابنا في مصنفاتهم واصولها من المسائل ، وفرقوه في كتبهم ، ورتبته ترتيب الفقه ، وجمعت فيه النظائر ... ولم أتعرض للتفريع على المسائل ولا لتعقيد الأبواب، وترتيب المسائل وتعليقها والجمع بين نظائرها، بل أوردت جميع ذلك أو أكثره بالالفاظ المنقولة ، حتى لا يستوحشوا من ذلك وعملت بآخره مختصر جمل العقود ، وفى العبارات سلكت فيه طريق الايجاز والاختصار ، وعقود الابواب في ما يتعلق بالعبادات ووعدت فيه أن أعمل كتاباً في الفروع خاصة ، يضاف الى كتاب «النهاية» ، ويجتمع مع ما يكون كاملا كافياً في جميع ما يحتاج اليه.
ثم رأيت أن ذلك يكون مبتوراً يصعب فهمه على الناظر فيه، لان الفرع انما يفهمه اذا ضبط الأصل معه ، فعدلت الى عمل كتاب يشتمل على عدد جميع كتب الفقه التي فصلوها الفقهاء ، وهى نحو من ثلاثين كتاباً ، أذكر كل كتاب منه على غاية ما يمكن تلخيصه من الالفاظ ، واقتصرت على مجرد الفقه دون الادعيه والاداب ، وأعقد فيه الأبواب واقسم فيه المسائل ، واجمع بين النظائر واستوفيه غاية الاستيفاء ، وأذكر اكثر الفروع التي ذكرها المخالفون(1).
وقد لخّصنا عبارة الشيخ فى مقدمته ، وقد أوضح فيها طريقته الحديثة ، التي اجتمعت فيه مزية التفريع والتكثير ، والاجابة على الحاجات الجديدة ، وبيان أحكام الحوادث مع عدم الخروج عن حدود الكتاب والسنة ، بل الرجوع اليهما في جميع الأبواب.
وقد نال هذا الكتاب القيم رواجاً خاصاً ، وهو أحد الكتب النفيسة للشيعة الأمامية في الفقة ، وقد طبع في ثمانية أجزاء .
كما ان للشيخ الطوسي كتاباً آخر وهو كتاب «الخلاف» ، سلك فيه مسلك الفقه المقارن .
ص: 29
والحق أن شيخ الطائفة قد اوتى موهبة عظيمة وفائقة ، فخدم الفقه الاسلامي بالوان الخدمة، فتارة كتب كتاب «النهاية» على طريقة «الفقه المنصوص» أو «المسائل المتلقاة» كما كتب «المبسوط» على نهج الفقه التفريعي ، وأثبت أن الشيعة مع نفيهم للقياس والاستحسان، قادرون على تفريع الفروع ، وتكثير المسائل ، وتبيين أحكامها من الكتاب والسنة مع التحفظ على اصولهم بالاجتهاد.
ثم ألف كتاب «الخلاف» على نمط الفقه المقارن ، فأورد فيه آراء الفقهاء فى عصره والعصور الماضية ، وهو من أحسن الكتب و أنفسها ، كما أنه ابتدع نوعاً رابعاً في التأليف ، فأخرج اصول المسائل الفقهية بأبرع العبارات وأقصرها وأدرجها فى فصول وعقود خاصة ، أسماها «الجمل والعقود» ، وقد اشار اليها في مقدمته اذقال وانا مجيب الى ماسال الشيخ الفاضل أدام الله بقاه من املاء مختصر، يشتمل على ذكر كتب العبادات ، وذكر عقود وأبواب وحصر جملها ، وبيان أفعالها ، واقسامها الى الافعال والتروك وما يتنوع من الوجوب والندب ، وأضبطها بالعدد ، ليسهل على من يريد حفظها ، ولا يصعب تناولها و يفزع اليه الحافظ عند تذكره ، والطالب عند تدبره .
فهذه الالوان الأربعة في كتب الشيخ يسد كل منها ناحية من النواحي الفقهية .
* * *
السادس : الشيخ سعد الدين أبو القاسم عبد العزيز بن تحریر (1) بن عبدالعزيز بن براج الطرابلسي ، تلميذ السيد المرتضى ، و زميل الشيخ الطوسي أو تلميذه المعروف بالقاضى تارة وبابن البراج اخرى ، فقيه عصره وقاضی زمانه ، وخليفة الشيخ في الشامات .
وهو أحد الفقهاء الابطال في القرن الخامس بعد شيخيه : المرتضى والطوسى ،
ص: 30
صاحب كتاب «المهذب» فى الفقه وغيره من الاثار الفقهية فهو - قدس سره - اقتفی خطوات شيخ الطائفة من حيث التبويب والتفريع ، ويعد الكتاب من الموسوعات الفقهية البديعة في عصره .
وهذا الكتاب هو الذى يزفه الطبع الى القراء الكرام في العالم الاسلامي ، وسوف تقف على مكانة الكتاب وكيفية التصحيح والتحقيق في آخر هذه المقدمة.
ولاجل ذلك يجب علينا البحث عن المؤلف والكتاب حسبما وقفنا عليه في غضون الكتب ومعاجم التراجم ، وما أوحت الينا مؤلفاته ، وآثاره الواصلة الينا .
وقبل كل شيء نذكر أقوال أئمة الرجال والتراجم في حقه ، فنقول :
1- يقول الشيخ منتجب الدين في الفهرس عنه : القاضي سعد الدين أبو القاسم عبد العزيز بن تحرير بن عبد العزيز بن البراج، وجه الاصحاب ، وفقيههم ، وكان قاضياً بطرابلس ، وله مصنفات منها : «المهذب» و«المعتمد» و«الروضة» و«المقرب» و «عماد المحتاج فى مناسك الحاج» أخبرنا بها الوالد، عن والده ، عنه(1).
2 - ويقول ابن شهر آشوب في «معالم العلماء»(2): أبو القاسم عبدالعزيز بن تحریر بن عبدالعزيز المعروف بابن البراج من غلمان(3) المرتضى رضى الله عنه ، له كتب فى الاصول والفروع، فمن الفروع : الجواهر، المعالم ، المنهاج الكامل ، روضة النفس فى احكام العبادات الخمس ، المقرب، المهذب ، التعريف ، شرح جمل العلم والعمل للمرتضى رحمه الله(4).
ص: 31
3- وقال العلامة الحلى فى اجازته لاولاد زهرة المدرجة في كتاب الاجازات للمجلسى الملحق بآخر أجزاء البحار قال : ومن ذلك جميع كتب الشيخ عبد العزيز بن تحرير البراج(1).
4- وقال الشهيد في بعض مجاميعه في بيان تلامذة السيد المرتضى - : ومنهم . أبو القاسم عبد العزيز بن نحرير بن البراج، وكان قاضي طرابلس ، ولاه القاضي جلال الملك رحمه الله وكان استاذ أبي الفتح الصيداوي ، وابن رزح [كذا ] ، من أصحابنا .
5- وقال ابن فهد في اصطلاحات المهذب : وبالقاضي عبدالعزيز بن البراج تولى قضاء طرابلس عشرين سنة .
وقال فى رموز الكتاب : «وبكتابي القاضى : الى المهذب والكامل(2).
6 - وقال الشيخ على الكركى فى اجازته للشيخ برهان الدين أبي اسحاق ابراهيم بن علي - في حق ابن البراج : الشيخ السعيد، خليفة الشيخ الامام أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسى بالبلاد الشامية ، عز الدين عبد العزيز بن تحرير بن البراج قدس سره(3).
7- وذكره الشهيد الثانى فى اجازته قال : «... وعن السيد المرتضى علم الهدى ، وعن الشيخ سلار والقاضي عبدالعزيز بن البراج، والشيخ ابى الصلاح بجميع ماصنفوه ورووه» .
وقال فى حاشية هذا الموضع : وجدت بخط شيخنا الشهيد ان ابن البراج تولى قضاء طرابلس عشرين سنة اوثلاثين(4)
ص: 32
8 - وقال بعض تلامذة الشيخ على الكركي، في رسالته المعمولة في ذكر أسامى مشائخ الأصحاب : ومنهم الشيخ عبد العزيز بن البراج الطرابلسي ، صنف كتباً نفيسة منها : المهذب ، والكامل ، والموجز، والاشراق ، والجواهر، وهو تلميذ الشيخ محمد بن الحسن الطوسي .
9 - وقال الافندى التبريزى فى الرياض : وقد وجدت منقولا عن خط الشيخ البهائي ، عن خط الشهيد أنه تولى ابن البراج قضاء طرابلس عشرين سنة أو ثلاثين سنة ، وكان للشيخ ابى جعفر الطوسى أيام قرائته على السيد المرتضى كل شهر اثناعشر دينارا ولابن البراج كل شهر ثمانية دنانير ، وكان السيد المرتضى يجرى على تلامذته جميعاً .
10 - ونقل عن بعض الفضلاء أن ابن البراج قرأ على السيد المرتضى في شهور سنة تسع وعشرين وأربع مائة إلى أن مات المرتضى ، وأكمل قراءته على الشيخ الطوسى ، وعاد الى طرابلس فى سنة ثمان وثلاثين وأربع مائة ، وأقام بها الى أن مات ليلة الجمعة لتسع خلون من شعبان سنة احدى وثمانين وأربعمائة وقدنيف على الثمانين(1).
11 - ونقل صاحب الروضات عن «أربعين الشهيد» ، نقلا عن خط صفى الدين المعد الموسوي : ان سيدنا المرتضى - رضي الله عنه - كان يجرى على تلامذته رزقاً فكان للشيخ أبى جعفر الطوسى رحمه الله ايام قراءته عليه كل شهر اثنا عشر ديناراً و للقاضى كل شهر ثمانية دنانير ، وكان وقف قرية على كاغذ الفقهاء (2).
12 - وقال عنه التفريشي في رجاله فقيه الشيعة الملقب بالقاضي وكان قاضيا
ص: 33
بطرابلس(1).
13 - وقال المولى نظام الدين القريشي في نظام الاقوال : عبد العزيز بن البراج ، أبو القاسم ، شيخ من أصحابنا ، قرأ على السيد المرتضى في شهور سنة تسع وعشرين وأربع مائة وكمل قراءته على الشيخ الطوسى ، وعبر عنه بعض - كالشهيد فى الدروس وغيره - بالقاضى ، لانه ولى قضاء طرابلس عشرين سنة أو ثلاثين ، مات ليلة الجمعة لتسع خلون من شعبان سنة احدى وثمانين وأربع مائة(2).
14 - وقال الشيخ الحر العاملي في أمل الأمل ..... وجه الاصحاب وفقيههم ، و كان قاضياً بطرابلس ، وله مصنفات ، ثم ذكر نفس ماذكره منتجب الدين في فهرسه ، و ابن شهر آشوب في معالمه ، والتفريشي في رجاله(3).
15 - وقال المجلسى فى أول البحار : وكتاب المهذب وكتاب الكامل وكتاب جواهر الفقه للشيخ، الحسن المنهاج ، عبد العزيز بن البراج ، وكتب الشيخ الجليل ابن البراج كمؤلفها فى غاية الاعتبار(4).
16 - وفي مجمع البحرين . مادة ( برج ) وابن البراج : أبو القاسم عبد العزيز من فقهاء الامامية وكان قاضياً بطرابلس .
17 - وقال التسترى في مقابيس الانوار : الفاضل الكامل ، المحقق المدقق ، الحائز للمفاخر و المكارم ومحاسن المراسم : الشيخ سعد الدين وعز المؤمنين ، أبو القاسم عبد العزيز بن نحرير بن عبد العزيز بن البراج الطرابلسي الشامي نور الله مرقده السامي، وهو من غلمان المرتضى، وكان خصيصاً بالشيخ وتلمذ عليه وصار خليفته في البلاد الشامية، وروى عنه وعن الحلبى، وربما استظهر تلمذته على الكراجكي وروايته
ص: 34
عنه أيضاً (1) وصنف الشيخ له بعد سؤاله جملة من كتبه معبراً عنه في أوائلها بالشيخ الفاضل ، وهو المقصود به والمعهود، كما صرح به الراوندى فى «حل المعقود» ، وكتب الشيخ أجوبة مسائل له أيضاً ، وكان من مشائخ ابن أبي كامل ، والشيخ حسكا، والشيخ عبد الجبار ، والشيخ محمد بن على بن محسن الحلبي ، وروى عنه ابناه الاستاذان: أبوالقاسم وأبو جعفر اللذان يروى عنهما القطب الراوندی و ابن شهر آشوب
السروى وغيرهم ، وله كتب منها ، المهذب ، والجواهر ، وشرح جمل المرتضى ، والكامل ، وروضة النفس ، والمعالم ، والمقرب ، والمعتمد ، والمنهاج وعماد المحتاج فى مناسك الحاج ، والموجز ، وغيرها ، ولم اقف الا على الثلاثة الأول ، ويعبر عنه كثيراً بابن البراج(2).
18 - وقال المتتبع النورى .... الفقيه العالم الجليل ، القاضي في طرابلس الشام في مدة عشرين سنة ، تلميذ علم الهدى وشيخ الطائفة ، وكان يجرى السيد عليه في كل شهر دينار (الصحيح ثمانية دنانير) ، وهو المراد بالقاضي على الاطلاق فى لسان الفقهاء ، وهو صاحب المهذب والكامل والجواهر وشرح الجمل للسيد والموجز وغيرها ... توفي - رحمه الله - ليلة الجمعة لتسع خلون من شعبان سنة 481ه و كان مولده ومنشأه بمصر(3).
19 - وقال السيد الامين العاملي : وجه الاصحاب ، وكان قاضياً بطرابلس ، وله مصنفات ، ... كتاب في الكلام ، وكان في زمن بني عمار(4).
ص: 35
20 - وقال الحجة السيد حسن الصدر عنه : القاضي ابن البراج ، هو الشيخ أبو القاسم عبد العزيز بن نحرير بن عبد العزيز بن البراج ، وجه الاصحاب وفقيههم امام فى الفقه ، واسع العلم ، كثير التصنيف ، كان من خواص تلامذة السيد المرتضى حضر عالى مجلس السيد فى شهور سنة 429 الى أن توفى السيد.
ثم لازم شيخ الطائفة أبا جعفر الطوسى حتى صار خليفة الشيخ وواحد أهل الفقه ، فولاه جلال الملك قضاء طرابلس سنة 438 ، وأقام بها الى أن مات ليلة الجمعة لتسع خلون من شعبان سنة احدى وثمانين وأربعمائة ، وقد نيف على الثمانين ، وكان مولده بمصر و بها منشأه(1).
الى غير ذلك من الكلمات المشابهة والمترادفة الواردة في كتب التراجم والرجال التي تعرف مكانة الرجل ومرتبته فى الفقه وكونه أحد أعيان الطائفة في عصره ، وقاضياً من قضاتهم في طرابلس.
غير أن من المؤسف أن أرباب التراجم الذين تناولوا ترجمة الرجل عمدوا الى نقل الكلمات حوله آخذين بعضهم من بعضهم من دون تحليل لشخصيته ، ومن دون أن يشيروا الى ناحية من نواحى حياته العلمية والاجتماعية .
ولاجل ذلك نحاول فى هذه المقدمة القصيرة تسليط شيء من الضوء على حياته ، وتحليلها حسبما يسمح لنا الوقت .
ميلاده : لم نقف على مصدر يعين تاريخ ميلاد المترجم له على وجه دقيق ، غير أن كلمة الرجاليين والمترجمين له اتفقت على أنه توفى عام 481 ه وقد نيف على الثمانين ، فعلى هذا فان أغلب الظن أنه - رحمه الله - ولد عام 400 ه أو قبل هذا التاريخ بقليل .
ص: 36
وأما موطنه فقد نقل صاحب «رياض العلماء» عن بعض الفضلاء أنه كان مولده بمصر ، وبها منشأه(1).
وأخذ منه صاحب «المقابيس» والسيد الصدر كما عرفت ، ولكنه بعيد جداً .
والظاهر أنه شامى لامصرى، ولو كان من الديار المصرية لزم عادة أن ينتحل المذهب الاسماعيلي، وينسلك في سلك الاسماعيليين ، لان المذهب الرائج في مصر - يومذاك - كان هو المذهب الاسماعيلى ، وكان الحكام هناك من الفاطميين يروجون لذلك المذهب ، فلو كان المترجم له مصرى المولد والمنشأ فهو بطبع الحال اذا لم يكن سنياً ، يكون اسماعيلياً ، وبما أنه يعد من أبطال فقهاء الشيعة الامامية لزم أن يشتهر انتقاله من مذهب الى مذهب ، ولذاع وبان ، مع انه لم يذكر في حقه شيء من هذا القبيل .
هذا هو القاضي أبو حنيفة النعمان بن محمد التميمي المغربي، الفقيه الفاطمي الاسماعيلى ، مؤلف كتاب «دعائم الاسلام» المتوفى فى القاهرة في جمادى الآخرة عام 363ه قدعاش بين الفاطميين وألف على مذهبهم، ومات عليه، وصلى عليه المعز لدين الله
وترجمه السيد بحر العلوم فى الجزء الرابع ص 145 من فوائده وعلق عليه المعلق تعليقات مفيدة فشكر الله مساعى المؤلف والمعلق فلاحظ .
فالظاهر أن ابن البراج شامی، وقد انتقل بعد تکمیل دراسته في بغدادالی مولده - البلاد الشامية - للقيام بواجباته ، وحفظ الشيعة من الرجوع الى محاكم الاخرين
ص: 37
قد وقفت فى غضون كلمات الرجاليين والمترجمين ان السيد المرتضى كان يجرى الرزق على الشيخ الطوسى اثنى عشر ديناراً وعلى المؤلف ثمانية دنانير ، وهذا يفيد أن المؤلف كان التلميذ الثاني من حيث المرتبة والبراعة بعد الشيخ الطوسي في مجلس درس السيد المرتضى ، كيف وقد اشتغل الشيخ بالدراسة والتعلم قبله بخمسة عشر عاماً ، لانه تولد عام 400 ه أو قبله بقليل وولد الشيخ الطوسى عام 385 ه.
وحتى لو فرض أنهما كانا متساويين في العمر و مدة الدراسة ولكن براعة الشيخ وتوقده و نبوغه مما لا يكاد ينكر ، وعلى كل تقدير فالظاهر أن هذا السلوك من السيد بالنسبة لتلميذيه كان بحسب الدرجة العلمية .
لقد حضر المؤلف درس السيد المرتضى - رحمه الله - عام 429 ه وهو ابن ثلاثين سنة أو ما يقاربه فقد استفاد من بحر علمه وحوزة درسه قرابة ثمان سنين ، حيث أن المرتضى لبّي دعوة ربه الخمس بقين من شهر ربيع الأول سنة 436(1).
فعندما لبى الاستاذ دعوة ربه ، حضر درس الشيخ الى أن نصب قاضياً في طرابلس عام 438 ، وعلى ذلك فقد استفاد من شيخه الثانى قرابة ثلاث سنوات ، ومع ذلك كله فالحق أن القاضى ابن البراج زميل الشيخ فى الحقيقة ، وشريكه في التلمذ على السيد المرتضى ، وأنه بعد ما لبى السيد المرتضى دعوة ربه وانتهت رئاسة الشيعة - في بغداد - الى الشيخ الطوسى ، حضر درس الشيخ الطوسى توحيداً للكلمة ، وتشرفاً و افتخاراً ، اولا ، واستفادة ثانياً كما قبل من جانبه الخلافة والنيابة في البلاد الشامية.
وتدل على أن ابن البراج كان زميلا صغيراً للشيخ لا تلميذاً له امور :
ص: 38
1 - عند ماتوفى أستاذه السيد المرتضى رحمه الله ، كان القاضي ابن البراج قد بلغ مبلغاً كبيراً من العمر ، يبلغ الطالب - فى مثله - مرتبة الاجتهاد ، وهو قرابة الاربعين ، فيبعد أن يكون حضوره في درس الشيخ الطوسى من باب التلمذ المحض بل هو لاجل ما ذكرناه قبل قليل .
2 - ان السيد المرتضى عمل كتاباً باسم «جمل العلم والعمل» فى الكلام والفقه على وجه موجز ، ملقياً فيها الاصول والقواعد في فن الكلام والفقه.
وقد تولى شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسى شرح القسم الكلامي منه وهو ما يعز عنه ب «تمهيد الأصول» وقد طبع الكتاب بهذا الاسم وانتشر .
بينما تولى القاضى ابن البراج - المترجم له - شرح القسم الفقهى ومن هذا يظهر زمالة هذين العلمين، بعضهما البعض في المجالات العلمية ، فكل واحد يشرح قسماً خاصاً من كتاب استاذهما .
3 - ان شيخنا المؤلف ينقل في كتابه «شرح جمل العلم والعمل» عند البحث عن جواز اخراج القيمة من الاجناس الزكوية ماهذا عبارته : «وقد ذكر فى ذلك ما أشار اليه صاحب الكتاب رضى الله عنه من الرواية الواردة، من الدرهم أو الثلثين ، والاحوط اخراجها بقيمة الوقت ، وهذا الذي استقر تحريرنا له مع شيخنا أبي جعفر الطوسي ورأيت من علمائنا من يميل الى ذلك»(1).
وهذه العبارة تفيد زمالتهما فى البحث والتحرير .
3 - نرى أن المؤلف عندما يطرح في كتابه « المهذب » آراء الشيخ يعقبه بنقد بنّاء ومناقشة جريئة ، وهذا يعطى كونه زميلا للشيخ لا تلميذا آخذاً، ونأتى لذلك بنموذجين :
ص: 39
أولا - فهو يكتب في كتاب الايمان من «المهذب» اذا ما حلف الرجل على عدم أكل الحنطة فهل يحلف اذا أكلها دقيقاً أولا ، ماهذا عبارته :
كان الشيخ أبو جعفر الطوسي - رحمه الله - قد قال لى يوماً في الدرس : ان اكلها على جهتها حنث ، وان أكلها دقيقاً أوسويقاً لم يحنث .
فقلت له : ولم ذلك ؟ وعين الدقيق هي عين الحنطة، وانما تغيرت بالتقطيع الذي هو الطحن .
فقال : قد تغيرت عما كانت عليه . وان كانت العين واحدة ، وهو حلف أن لا يأكل ما هو مسمى بحنطة لاما لاما يسمى دقيقاً .
فقلت له : هذا لم يجزفى اليمين ، فلو حلف : لااكلت هذه الحنطة مادامت تسمى حنطة ، كان الأمر على ما ذكرت ، فانما حلف أن لا يأكل هذه الحنطة أو من هذه الحنطة .
فقال : على كل حال قد حلف أن لا يأكلها وهى على صفة ، وقد تغيرت عن تلك الصفة ، فلم يخ يحنث.
فقلت : الجواب هاهنا مثل ما ذكرته أولا ، وذلك : ان كنت تريد أنه حلف أن لا يأكلها وهى على صفة . أنه أراد على تلك الصفة ، فقد تقدم ما فيه ، فان كنت لم ترد ذلك فلاحجة فيه.
ثم يلزم على ما ذكرته أنه لو حلف أن لا يأكل هذا الخيار وهذا التفاح ، ثم قشره وقطعه وأكله لم يحنث ولا شبهة في أنه يحنث .
فقال : من قال فى الحنطة ماتقدم، يقول فى الخيار والتفاح مثله .
فقلت له : اذا قال في هذا مثل ما قاله في الحنطة علم فساد قوله بما ذكرته من أن العين واحدة ، اللهم الا ان شرط في يمينه أن لا يأكل هذا الخيار أو هذا التفاح وهو على ما هو عليه ، فأن الأمر يكون على ما ذكرت، وقد قلنا ان اليمين لم يتناول ذلك .
ص: 40
ثم قلت : ان الاحتياط يتناول ما ذكرته ، فأمسك (1).
ثانيا - ما جاء في كتاب الطهارة ، عند ما إذا اختلط المضاف بالماء المطلق وكانا متساويين في المقدار ، فذهب القاضي إلى أنه لا يجوز استعماله في رفع الحدث ، ولا إزالة النجاسة ، ويجوز في غير ذلك ، ثم قال :
وقد كان الشيخ أبو جعفر الطوسي - رحمه اللّه - قال في يوما في الدرس : هذا الماء يجوز استعماله في الطهارة وازالة النجاسة.
فقلت له ولم أجزت ذلك مع تساويهما؟
فقال : إنما أجزت ذلك لان الأصل الإباحة.
فقلت : له الأصل وان كان هو الإباحة ، فأنت تعلم أن المكلف مأخوذ بأن لا يرفع الحدث ولا يزيل النجاسة عن بدنه أو ثوبه الا بالماء المطلق ، فتقول أنت بأن هذا الماء مطلق؟! فقال : أفتقول أنت بأنه غير مطلق؟.
فقلت له : أنت تعلم أن الواجب أن تجيبني عما سألتك عنه قبل أن تسألني ب- « لا » أو « نعم » ثم تسألني عما أردت ، ثم اننى أقول بأنه غير مطلق.
فقال : ألست تقول فيها إذا اختلطا وكان الأغلب والأكثر المطلق فهما مع التساوي كذلك؟
فقلت له : انما أقول بأنه مطلق إذا كان المطلق هو الأكثر والأغلب ، لأن ما ليس بمطلق لم يؤثر في إطلاق اسم الماء عليه ، ومع التساوي قد أثر في إطلاق هذا الاسم عليه ، فلا أقول فيه بأنه مطلق ، ولهذا لم تقل أنت بأنه مطلق ، وقلت فيه بذلك إذا كان المطلق هو الأكثر والأغلب ، ثم ان دليل الاحتياط تناول ما ذكرته ، فعاد الى الدرس ولم يذكر فيه شيئا (2).
وهذا النمط من البحث والنقاش والأخذ والرد في أثناء الدروس يرشد الى
ص: 1
مكانة القاضي في درس الشيخ الطوسي وان منزلته لم تكن منزلة التلميذ بل كان رجلا مجتهدا ذا رأى ونظر ربما قدر على إقناع أستاذه وإلزامه برأيه.
5 - ان الناظر في ثنايا كتاب « المهذب » يرى بأن المؤلف - المترجم له - يعبر عن أستاذ السيد المرتضى بلفظة « شيخنا » بينما يعبر عن « الشيخ الطوسي « بلفظة الشيخ أبو جعفر الطوسي » لا ب- « شيخنا » والفارق بين التعبيرين واضح وبين.
وهذا وان لم يكن قاعدة مطردة في هذا الكتاب الا انها قاعدة غالبية. نعم عبر في « شرح جمل العلم والعمل » عنه ب- « شيخنا » كما نقلناه.
6 - ينقل هو رأى الشيخ الطوسي - رحمه اللّه - في مواضع كثيرة بلفظ « ذكر » أى قيل ، وقد وجدنا موارده في مبسوط الشيخ - رحمه اللّه - ونهايته.
ولا شك أن هذا التعبير يناسب تعبير الزميل عن الزميل لا حكاية التلميذ عن أستاذه وعلى كل تقدير فرحم اللّه الشيخ والقاضي بما أسديا إلى الأمة من الخدمات العلمية ، ووفقنا للقيام بواجبنا تجاه هذين العلمين ، والطودين الشامخين ، سواء أكانا زميلين أو استاذا وتلميذا.
لقد نقل صاحب المعالم عن والده - الشهيد الثاني - رحمه اللّه بأن أكثر الفقهاء الذين نشأوا بعد الشيخ كانوا يتبعونه في الفتوى تقليدا له لكثرة اعتقادهم فيه وحسن ظنهم به فلما جاء المتأخرون وجدوا أحكاما مشهورة قد عمل بها الشيخ ومتابعوه فحسبوها شهرة بين العلماء ، وما دروا أن مرجعها الى الشيخ وأن الشهرة إنما حصلت بمتابعته.
قال الوالد - قدس اللّه نفسه - : وممن اطلع على هذا الذي تبينته وتحققته من غير تقليد : الشيخ الفاضل المحقق سديد الدين محمود الحمصي ، والسيد رضي الدين ابن طاوس ، وجماعة.
وقال السيد - رحمه اللّه - في كتابه المسمى : ب- « البهجة لثمرة المهجة » : أخبرني
ص: 2
جدي الصالح - قدس اللّه روحه - ورام بن أبي فراس - قدس اللّه روحه - أن الحمصي حدثه أنه لم يبق مفت للإمامية على التحقيق بل كلهم حاك. وقال السيد عقيب ذلك : والان فقد ظهر لي أن الذي يفتي به ويجاب على سبيل ما حفظ من كلام المتقدمين(1)
ولكن هذا الكلام على إطلاقه غير تام ، لما نرى من أن ابن البراج قد عاش بعد الشيخ أزيد من عشرين سنة ، وألف بعض كتبه كالمهذب بعد وفاة الشيخ وناقش آراءه بوضوح ، فعند ذلك لا يستقيم هذا القول على إطلاقه : « لم يبق مفت للإمامية على التحقيق بل كلهم حاك ».
وخلاصة القول أن في الكلام المذكور نوع مبالغة ، لوجود مثل هذا البطل العظيم ، وهذا الفقيه البارع.
قد عرفت مكانة الشيخ ومنزلته العلمية ، فقد كان الشيخ الطوسي ينظر اليه بنظر الإكبار والإجلال ، ولأجل ذلك نرى أن الشيخ ألف بعض كتبه لأجل التماسه وسؤاله
فها هو الشيخ الطوسي يصرح في كتابه « المفصح في إمامة أمير المؤمنين » بأنه ألف هذا الكتاب لأجل سؤال الشيخ ( ابن البراج ) منه فيقول :
سألت أيها الشيخ الفاضل أطال اللّه بقاءك وأدام تأييدك إملاء كلام في صحة إمامة أمير المؤمنين ، على بن أبى طالب ، صلوات اللّه عليه (2)
كما أنه ألف كتابه « الجمل والعقود » بسؤاله أيضا حيث قال : أما بعد فأنا مجيب الى ما سأل الشيخ الفاضل - أدام اللّه بقاءه - ، من إملاء مختصر يشتمل على ذكر كتب العبادات (3).
ونرى أنه ألف كتابه الثالث « الإيجاز في الفرائض والمواريث » بسؤال الشيخ
ص: 3
أيضا فيقول : سألت أيدك اللّه إملاء مختصر في الفرائض والمواريث (1).
ولم يكتف الشيخ بذلك ، فألف رجاله بالتماس هذا الشيخ أيضا إذ يقول : أما بعد فانى قد أجبت الى ما تكرر سؤال الشيخ الفاضل فيه ، من جمع كتاب يشتمل على أسماء الرجال الذين رووا عن النبي صلى اللّه عليه وآله ، وعن الأئمة من بعده الى زمن القائم عليهم السلام ، ثم أذكر من تأخر زمانه عن الأئمة من رواة الحديث (2).
ويقول المحقق الطهراني في مقدمته على « التبيان » عند البحث عن « الجمل والعقود » : قد رأيت منه عدة نسخ في النجف الأشرف ، وفي طهران ، ألفه بطلب من خليفته في البلاد الشامية ، وهو القاضي ابن البراج ، وقد صرح في هامش بعض الكتب القديمة بأن القاضي المذكور هو المراد بالشيخ ، كما ذكرناه في الذريعة ج 5 ص 145 (3)
ويقول المحقق الشيخ محمد واعظ زاده في تقديمه على كتاب « الرسائل العشر » :
وفي هامش النسخة من كتاب « الجمل والعقود » التي كانت بأيدينا ، قد قيد أن الشيخ هو ابن البراج.
وعلى ذلك يحتمل أن يكون المراد من الشيخ الفاضل في هذه الكتب الثلاثة هو الشيخ القاضي ابن البراج ، كما يحتمل أن يكون هو المراد في ما ذكره في أول كتاب الفهرس حيث قال :
ولما تكرر من الشيخ الفاضل - ادام اللّه تأييده - الرغبة في ما يجرى هذا المجرى وتوالى منه الحث على ذلك ، ورأيته حريصا عليه ، عمدت الى كتاب يشتمل على ذكر المصنفات والأصول ولم أفرد أحدهما عن الأخر. ، وألتمس بذلك القربة الى اللّه تعالى ، وجزيل ثوابه ، ووجوب حق الشيخ الفاضل - أدام اللّه تأييده - ، وأرجو أن يقع ذلك موافقا لما طلبه ان شاء اللّه تعالى (4).
ونرى نظير ذلك في كتابه الخامس أعنى « الغيبة » حيث يقول :
ص: 4
فانى مجيب الى ما رسمه الشيخ الجليل أطال اللّه بقاه ، من إملاء كلام في غيبة صاحب الزمان (1). وربما يحتمل أن يكون المراد من الشيخ في الكتاب الخامس ، هو الشيخ المفيد ، ولكنه غير تام لوجهين.
أولا : انه - قدس سره - قد عين تاريخ تأليف الكتاب عند البحث عن طول عمره حيث قال : فان قيل : ادعاؤكم طول عمر صاحبكم أمر خارق للعادات ، مع بقائه - على قولكم - كامل العقل تام القوة والشباب ، لأنه على قولكم في هذا الوقت الذي هو سنة سبع وأربعين وأربع مائة ...
ومن المعلوم ان الشيخ المفيد قد توفي قبل هذه السنة ب 34 عاما.
أضف الى ذلك أنه يصرح في أول كتاب الغيبة بأنه ( رسمه مع ضيق الوقت وشعت الفكر ، وعوائق الزمان ، وطوارق الحدثان ) ، وهو يناسب أخريات اقامة الشيخ في بغداد ، حيث حاقت به كثير من الحوادث المؤسفة المؤلمة ، حتى ألجأت الشيخ الى مغادرة بغداد مهاجرا الى النجف الأشرف ، حيث دخل طغرل بك السلجوقي بغداد عام 447 ، واتفق خروج الشيخ منها بعد ذلك عام 448 ، فقد أحرق ذلك الحاكم الجائر مكتبة الشيخ والكرسي الذي يجلس عليه في الدرس ، وكان ذلك في شهر صفر عام 448 (2)
أضف الى ذلك أن شيخ الطائفة ألف كتابا خاصا باسم « مسائل ابن البراج » نقله شيخنا الطهراني في مقدمة « التبيان » عن فهرس الشيخ (3).
أساتذته :
لا شك أن ابن البراج - رحمه اللّه - أخذ أكثر علومه عن أستاذه السيد المرتضى
ص: 5
- رحمه اللّه - وتخرج على يديه ، قال السيد بحر العلوم الفوائد ج 3ص 13 « وقد تلمذ على السيد المرتضى وأخذ عنه العلم والفقه ، الجم الغفير من فضلاء أصحابنا وأعيان فقهائنا منهم. والقاضي السعيد عبد العزيز بن البراج ». وحضر بحث شيخ الطائفة على النحو الذي سمعت ، غير أننا لم نقف على أنه عمن أخذ أوليات دراساته في الأدب وغيره
وربما يقال أنه تتلمذ على المفيد ، كما في « رياض العلماء » (1) وهو بعيد جدا ، لان المفيد توفي عام 413 ه ، والقاضي بعد لم يبلغ الحلم لأنه من مواليد 400 أو بعام قبله ، ومثله لا يقدر على الاستفادة عادة من بحث عالم نحرير كالمفيد - رحمه اللّه -
وقد ذكر التستري صاحب المقابيس أنه تلمذ على الشيخ أبى الفتح محمد بن على بن عثمان الكراجكي. أحد تلاميذ المفيد ثم السيد، ومؤلف كتاب « كنز الفوائد » وغيره من المؤلفات البالغة ثلاثين تأليفا (2).
وقال في الرياض ناقلا عن المجلسي في فهرس بحاره : ان عبد العزيز بن البراج الطرابلسي من تلاميذ أبى الفتح الكراجكي ، ثم استدرك على المجلسي بان تلميذه هو القاضي عبد العزيز بن أبى كامل الطرابلسي ، لا عبد العزيز بن نحرير (3) غير أن التستري لم يذكر على ما قاله مصدرا ، نعم بحسب طبع الحال فقد أخذ عن مثله.
وربما يقال بتلمذه على ابى يعلى محمد بن الحسن بن حمزة الجعفري ، صهر الشيخ المفيد وخليفته ، والجالس محله الذي وصفة النجاشي في رجاله بقوله : بأنه متكلم فقيه قيم بالأمرين جميعا (4).
ص: 6
ولم نقف على مصدر لهذا القول ، سوى ما ذكره الفاضل المعاصر الشيخ كاظم مدير شانه چى في مقدمة كتاب لشرح ( جمل العلم والعمل ) للقاضي ابن البراج.
وربما عد من مشايخه أبو الصلاح تقى الدين بن نجم الدين المولود عام 347 والمتوفى عام 447 ، عن عمر يناهز المائة ، وهو خليفة الشيخ في الديار الحلبية ، كما كان القاضي خليفته في ناحية طرابلس.
كما يحتمل تلمذه على حمزة بن عبد العزيز الملقب بسلار المتوفى عام 463 ، المدفون بقرية خسروشاه من ضواحي تبريز ، صاحب المراسم ولم نجد لذلك مصدرا وانما هو وما قبله ظنون واحتمالات ، وتقريبات من الشيخ الفاضل المعاصر « مدير شانه چى » وعلى ذلك فقد تلمذ المترجم له على الشيخ أبى عبد اللّه جعفر بن محمد الدوريستى الذي هو « ثقة عين ، عدل ، قرأ على شيخنا المفيد ، والمرتضى علم الهدى » (1)
وقد ذكر الفاضل المعاصر من مشايخه عبد الرحمن الرازي ، والشيخ المقرئ ابن خشاب ، ونقله عن فهرس منتجب الدين ، غير أنا لم نقف على ذلك في فهرس منتجب الدين وانما الوارد فيه غير ذلك. (2)
فقد قال الشيخ منتجب الدين : الشيخ المفيد أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد الحسين النيسابوري الخزاعي ، شيخ الأصحاب بالري ، حافظ ، ثقة ، واعظ ، سافر في البلاد شرقا وغربا ، وسمع الأحاديث عن المؤالف والمخالف ، وقد قرأ على السيدين : علم الهدى المرتضى ، وأخيه الرضى ، والشيخ أبى جعفر الطوسي ، والمشائخ :
ص: 7
سالار ، وابن البراج ، والكراجكي - رحمهم اللّه جميعا - وقال أيضا : الشيخ المفيد عبد الجبار بن عبد اللّه بن على المقرئ الرازي فقيه الأصحاب بالري ، قرأ عليه في زمانه قاطبة المتعلمين من السادة والعلماء ، وقد قرأ على الشيخ أبى جعفر الطوسي جميع تصانيفه وقرأ على الشيخين سالار وابن البراج (1).
قد ذكر القاضي في كتاب الإجارة تاريخ اشتغاله بكتابة باب الإجارة وهو عام 467 (2). فالكتاب حصيلة ممارسة فقهية ، ومزاولة طويلة شغلت عمر المؤلف مدة لا يستهان بها ، وعلى ذلك فهو ألف الكتاب بعد تخلية عن القضاء لأنه اشتغل بالقضاء عام 438 ومارسها بين عشرين وثلاثين عاما ، فعلى الأول كتبها بعد التخلي عنه ، وعلى الثاني اشتغل بالكتابة في أخريات ممارسته للقضاء.
وعلى ذلك فالكتاب يتمتع بأهمية كبرى ، لأنه - رحمه اللّه - وقف في أيام توليه للقضاء على موضوعات ومسائل مطروحة على صعيد القضاء ، فتناولها بالبحث في الكتاب وأوضح أحكامها ، فكم فرق بين كتاب فقهي يؤلف في زوايات المدرسة من غير ممارسة عملية للقضاء ، وكتاب يؤلف بعد الممارسة لها أو خلالها.
ولأجل ذلك يعتبر الكتاب الحاضر « المهذب » من محاسن عصره.
كان شيخنا المترجم له يجاهد على صعيد القضاء بينما هو يؤلف في موضوعات فقهية وكلامية ، وفي نفس الوقت كان مفيدا ومدرسا ، فقد تخرج على يديه عدة من الأعلام نشير الى بعضهم :
ص: 8
1 - الحسن بن عبد العزيز بن المحسن الجبهاني ( الجهيانى ) المعدل بالقاهرة فقيه ، ثقة ، قرأ على الشيخ أبى جعفر الطوسي ، والشيخ ابن البراج - رحمهم اللّه جميعا (1).
2 - الداعي بن زيد بن على بن الحسين بن الحسن الأفطسي الحسيني الاوى ، الذي عمر عمرا طويلا كما ذكره صاحب المعالم في إجازته الكبيرة ، وهو يروى عن المرتضى ، والطوسي ، وسلار ، وابن البراج ، والتقي الحلبي جميع كتبهم وتصانيفهم وجميع ما رووه وأجيز لهم روايته (2).
3 - الشيخ الامام شمس الإسلام الحسن بن الحسين بن بابويه القمي ، نزيل الري المدعو حسكا ، جد الشيخ منتجب الدين الذي يقول نجله في حقه : فقيه ، ثقة ، قرأ على شيخنا الموفق أبى جعفر - قدس اللّه روحه - جميع تصانيفه بالغري - على ساكنه السلام - وقرأ على الشيخين : سلار بن عبد العزيز ، وابن البراج جميع تصانيفهما (3)
4 - الشيخ المفيد أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد بن الحسين النيسابوري الخزاعي
5 - الشيخ المفيد عبد الجبار بن عبد اللّه بن على المقرى الرازي ، وقد توفي بطرابلس ، ودفن في حجرة القاضي ، كما حكى عن خط جد صاحب المدارك ، عن خط الشهيد وكان حيا الى عام 503 (4).
وقد عرفت نص الشيخ منتجب الدين في حق الرجلين.
6 - الشيخ أبو جعفر محمد بن على بن المحسن الحلبي ، فقيه ، صالح ، أدرك الشيخ أبا جعفر الطوسي - رحمه اللّه - (5).
وقال في « الرياض » : انه يظهر من اجازة الشيخ على الكركي للشيخ على الميسي وغيرها من المواضع ، انه يروى عن القاضي عبد العزيز بن البراج -
ص: 9
قدس اللّه روحه - الشيخ أبو جعفر محمد بن محسن الحلي (1) وينقل عنه.
وقال في تلك الإجازة في مدح ابن البراج هكذا : الشيخ السعيد الفقيه ، الحبر العلامة ، عز الدين ، عبد العزيز بن البراج - قدس اللّه سره - (2).
7 - عبد العزيز بن أبى كامل القاضي عز الدين الطرابلسي ، سمى شيخنا المترجم له ، يروى عن المترجم له ، والشيخ الطوسي ، وسلار ، ويروى عنه عبد اللّه بن عمر الطرابلسي كما في « حجة الذاهب » (3).
8 - الشيخ كميح والد أبى جعفر ، يروى عن ابن البراج (4).
9 و 10 - الشيخان الفاضلان الأستاذان ابنا المؤلف : أبو القاسم (5) وأبو جعفر اللذان يروى عنهما الراوندي والسروي وغيرهم (6).
11 و 12 - أبو الفتح الصيداوي وابن رزح ، من أصحابنا (7) هؤلاء من مشاهير تلاميذ القاضي وقفنا عليهم في غضون المعاجم وليست تنحصر فيمن عددناهم.
وقال السيد بحر العلوم : وله كتاب الموجز في الفقه قرأ عليه الفقيه شمس الإسلام الحسن بن الحسين بن بابويه (8) والشيخ الفقيه الحسين بن عبد العزيز (9) وشيخ الأصحاب عبد الرحمن بن أحمد الخزاعي (10) وفقيه الأصحاب عبد الجبار بن
ص: 10
عبد اللّه الرازي (1) وعبيد اللّه (2) بن الحسن بن بابويه (3).
وفي خاتمة المطاف ننبه على أمور :
1 - انه كثيرا ما يشتبه الأستاذ بالتلميذ لأجل المشاركة في الاسم واللقب ، فتعد بعض تصانيف الأستاذ من تآليف التلميذ.
قال في « رياض العلماء » : وعندي أن بعض أحوال القاضي سعد الدين عبد العزيز ابن البراج هذا ، قد اشتبه بأحوال القاضي عز الدين عبد العزيز بن أبى كامل الطرابلسي (4). ويظهر من الشهيد الأول في كتابه « الأربعين » في سند الحديث الثاني والثلاثين ، وسند الحديث الثالث والثلاثين مغايرة الرجلين.
قال الشهيد الأول في سند الحديث الثاني والثلاثين : حدثنا الشيخ الامام قطب الدين أبو الحسين القطب الراوندي ، عن الشيخ أبى جعفر محمد بن على بن المحسن الحلي(5)
قال : حدثنا الشيخ الفقيه الامام سعد الدين أبو القاسم عبد العزيز بن نحرير بن البراج الطرابلسي ، قال : حدثنا السيد الشريف المرتضى علم الهدى أبو القاسم على بن الحسين الموسوي ، الى آخره ، وفي سند الحديث الثالث والثلاثين. حدثنا الشيخ أبو محمد عبد اللّه بن عمر الطرابلسي ، عن القاضي عبد العزيز بن أبى كامل الطرابلسي ، عن الشيخ الفقيه المحقق أبى الصلاح تقى بن نجم الدين الحلبي ، عن السيد الامام المرتضى علم الهدى. الى آخره (6).
ولاحظ الذريعة ج 32 ص 492 فلا شك - كما ذكرنا - فإن القاضي عبد العزيز
ص: 11
ابن أبى كامل تلميذ القاضي بن نحرير.
2 - يظهر من غضون المعاجم أن بعض ما ألفه القاضي في مجالات الفقه كان مركزا للدراسة ، ومحورا للتدريس ، حيث أن الشيخ سعيد بن هبة اللّه بن الحسن الراوندي - الشهير بالقطب الراوندي - كتب بخطه اجازة لولده على كتاب « الجواهر في الفقه » لابن البراج عبد العزيز وهذه صورتها :
قرأه على ولدي نصير الدين أبو عبد اللّه الحسين - أبقاه اللّه ومتعني به - ، قراءة إتقان ، وأجزت له أن يرويه عن الشيخ أبى جعفر محمد بن المحسن الحلبي عن المصنف (1).
ولم تكن الدراسة لتقتصر على كتاب « الجواهر » ، بل كان كتابة الأخر وهو ( الكامل ) كتابا دراسيا أيضا.
ولذلك نرى أن الشيخ أبا محمد عبد الواحد الحبشي ، من تلاميذ القاضي عبد العزيز بن أبى كامل الطرابلسي ، قرأ الكامل عليه.
والكامل من مؤلفات شيخنا المترجم له (2).
3 - نقل صاحب الرياض أنه تولى القضاء في طرابلس ، لدفع الضرر عن نفسه بل عن غيره أيضا ، والتمكن من التصنيف ، وقد عمل أكثر الخلق ببركته بطريق الشيعة ، وقد نصبه على القضاء جلال الملك عام 438 ه (3).
4 - وقال صاحب الروضات : ان من المستفاد من كتاب ( الدرة المنظومة ) لسيدنا العلامة الطباطبائي انه يعبر عن القاضي بالحافى ، ولم نجد له مصدرا قبله.
قال في منظومته :
وسن رفع اليد بالتكبير *** والمكث حتى الرفع للسرير
ص: 12
والخلع للحذاء دون الاحتفاء *** وسن في قضائه الحافي الحفاء (1)
5 - ان طرابلس بلد على ساحل البحر الأبيض المتوسط وهي جزء من لبنان الفعلي ، يقع في شماله ، وهي غير طرابلس عاصمة ليبيا ، والثانية أيضا تقع على البحر الأبيض.
تآليفه
خلف الترجم له ثروة علمية غنية في الفقه والكلام ، تنبئ عن سعة باعه في هذا المجال ، وتضلعه في هذا الفن.
وإليك ما وقفنا عليه من أسمائها في المعاجم :
1 - الجواهر : قال في رياض العلماء : رأيت نسخة منه في بلدة ساري ، من بلاد مازندران ، وهو كتاب لطيف ، وقد رأيت نسخة اخرى منه بأصفهان عند الفاضل الهندي ، وقد أورد - قدس سره فيه المسائل المستحسنة المستغربة والأجوبة الموجزة المنتخبة (2)
2 - شرح جمل العلم والعمل.
3 - المهذب - وهو الكتاب الذي بين يديك.
4 - روضة النفس.
5 - المقرب في الفقه ( الذريعة 22 ص 108 ).
6 - المعالم في الفروع ( الذريعة ج 21 ص 197 ).
7 - المنهاج في الفروع ( الذريعة ج 23 ص 155 ).
8 - الكامل في الفقه ، وينقل عنه المجلسي في بحاره ( الذريعة ج 17 ص 257 ).
9 - المعتمد في الفقه ( الذريعة ج 21 ص 214 ).
10 - الموجز في الفقه ، وربما ينسب الى تلميذه ابن أبى كامل الطرابلسي ( لاحظ الذريعة ج 23 ص 251 ).
ص: 13
11 - عماد المحتاج في مناسك الحاج ( لاحظ الذريعة ج 15 ص 331 ).
ويظهر من الشيخ ابن شهرآشوب في « معالم العلماء » أن كتبه تدور بين الأصول والفروع كما أن له كتابا في علم الكلام.
ولكنه مع الأسف قد ضاعت تلك الثروة العلمية ، وذهبت إدراج الرياح ولم يبق الا الكتب الثلاثة : الجواهر ، المهذب ، شرح جمل العلم والعمل.
ويظهر من ابن شهرآشوب أنه كان معروفا في القرن السادس بابن البراج ، وهذا يفيد بابن البراج كان شخصية من الشخصيات ، حتى أنه نسب القاضي الى هذا البيت.
هذه هي كتبه وقد طبع منها « الجواهر » ضمن « الجوامع الفقهية » على وجه غير نقى عن الغلط ، فينبغي لرواد العلم إخراجه وتحقيق متنه على نحو يلائم العصر.
كما أنه طبع من مؤلفاته « شرح جمل العلم والعمل » بتحقيق الأستاذ كاظم مدير شانه چى.
وها هو « المهذب » نقدمه الى القراء الكرام ، بتحقيق وتصحيح وتعليق ثلة من الفضلاء ستوافيك أسماؤهم.
وقد كان سيدنا الأستاذ آية اللّه العظمى البروجردي - قدس اللّه سره - يحث الطلاب على المراجعة إلى المتون الفقهية المؤلفة بيد الفقهاء القدامى وكان يعتبر الشهرة الفتوائية على وجه لا يقل عن الإجماع المحصل.
وكان من نواياه - قدس سره - طبع بعض الكتب الفقهية الاصيلة منها :
1 - الكافي ، للفقيه أبى الصلاح الحلبي.
2 - الجامع للشرائع ، ليحيى بن سعيد الحلي.
3 - كشف الرموز ، للفقيه عز الدين الحسن بن أبى طالب اليوسفي الابى ، تلميذ المحقق وشارح كتاب « النافع » شرحا حسنا متوسطا وقد أسماه - كما عرفت - ب- « كشف الرموز ».
4 - المهذب ، للقاضي ابن البراج.
ص: 14
وقد طبع الأول - بفضل اللّه - بتحقيق الشيخ الفاضل رضا استادى.
وطبع « الجامع » للحلي وقامت بنشره مؤسسة سيد الشهداء بتحقيق ثلة من الأفاضل مع تقديمنا له.
وأما الثالث فسوف نقوم بتحقيقه وتصحيحه وطبعه بعد جمع مخطوطاته الأصلية من المكتبات ان شاء اللّه.
وها هو « المهذب » وقد حققت نصوصه بعد تحمل المشاق في جمع مخطوطاته الأصلية
وقد قام بهذا الجهد العلمي - الذي لا يعرف مداه سوى من له إلمام بتحقيق الكتب - لفيف من الفضلاء بين مستنسخ ومقابل ومحقق نصوصه ومستخرج أحاديثه الى غير ذلك من الأمور التي يقف عليها القارئ عند المراجعة وإليك أسماء محققي هذا الجزء :
1 - السيد أحمد القدوسي الطهراني ، 2 - السيد محمد الكمارى ، 3 - الشيخ محمد على المظاهري ، فشكر اللّه مساعيهم الجميلة.
وقام بالتعليق عليه وحل بعض معضلاته الأفاضل العظام :
1 - الشيخ على جاويدان.
2 - السيد محمد الكاهاني الخراساني.
3 - السيد على أصغر الموسوي.
فشكر اللّه جهودهم المباركة ولا يقوم بهذه المهمة العلمية الشاقة الا من له ولع بالعلم ، واهتمام بإحياء الآثار العلمية القديمة ولا يقف على مدى هذه الجهود الا من له إلمام بإحياء التراث العلمي.
ومؤسسة « سيد الشهداء عليه السلام العلمية » إذ تعتز بتقديم ثالث منشوراتها الى القراء الكرام وتأمل ان يقع لديهم موقع القبول والرضا.
وصف النسخ التي اعتمدوا عليها
وإليك وصف النسخ التي وقف عليها المحققون وعملوا على ضوئها وهي ثمان نسخ :
1 - نسخة فتوغرافية أخذت عن النسخة المحفوظة في مكتبة المرجع الديني الأعلى السيد آقا حسين الطباطبائي البروجردي - رضوان اللّه تعالى عليه - وهي نسخة
ص: 15
جديدة مصححة كاملة ، جيدة الخط ، وكانت سنة استنساخها 1348 الهجرية القمرية
2 - نسخة جيدة غير مصححة ، وهي تشتمل على كتاب الإقرار الى كتاب المواريث ، وهي في خزانة كتب السيد العلامة الحجة الآية السيد آقا حسين الخادمى الأصفهاني - قدس اللّه سره - وليس فيها ذكر من سنة الاستنساخ.
3 - نسخة غير كاملة ولا مصححة ، جيدة الخط ، من خزانة كتب الحجة الآية الحاج السيد مصطفى الصفائي الخوانسارى دام ظله ، وهي تشتمل على كتاب الطهارة الى كتاب الزكاة ، وليس فيها ذكر من سنة الاستنساخ.
4 - نسخة غير كاملة ولا مصححة ، من خزانة كتب السيد المرجع الديني النجفي المرعشي دام ظله ، وهي تشتمل على كتاب الطهارة الى كتاب الزكاة ، ليس فيها ذكر من سنة الاستنساخ.
5 - نسخة عتيقة غير مصححة ولا كاملة ، من خزانة كتب « جامعة طهران » ليس فيها ذكر من سنة الاستنساخ ، وهي تشتمل على كتاب الطهارة إلى آخر أبواب الصلاة.
6 - نسخة كاملة جديدة جيدة الخط ، غير مصححة ، من مكتبة الخطيب المصقع الشيخ على أصغر مرواريد الخراساني ، وكانت سنة استنساخها 1241 الهجرية القمرية.
7 - نسخة مكتبة « دار القرآن الكريم » في قم المشرفة ، لمؤسسها آية اللّه العظمى الكلبايكاني ، نسخت عام 1256 ، وهي من أول كتاب الإجارة إلى آخر الكتاب.
8 - نسخة مكتبة الروضة المقدسة الرضوية ، وهي نسخة ثمينة عتيقة جدا ، من كتاب الإجارة إلى آخر الكتاب ، وقد نسخت عام 651 الهجرية ، المحفوظة في الخزانة برقم 2598 - 388 ، وعليها علامة وقف حبيب اللّه الواعظ.
قم ساحة الشهداء - مؤسسة الامام الصادق (عليه السلام)
جعفر السبحاني
تحريرا في 17 ربيع الأول 1406
ص: 16
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله الواحد القديم العزيز العليم ، الذي أنعم على عباده المكلفين ، وميزهم به من سائر المخلوقين ، إيثارا منه سبحانه وتعالى لنيلهم منازل الثواب ، والظفر بمراتبه في كريم المئاب ، وجعله وصلة لهم الى ذلك أصلا وفرعا وعقلا وشرعا ، ونصب عليه الدلائل الواضحات ، والحج البينات ، إزاحة لعللهم وغاية في الأنعام عليهم ، حمد المستبصرين الذاكرين ، وله الشكر على نعمة ابدا الآبدين ، وصلى اللّه على سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد والأئمة من آله الطاهرين وسلم تسليما.
اما بعد : فلو ساعدتنى الأقدار وأطاعني الإمكان والاختيار ، لكنت مستسعدا بالزيارة (1) والإيلام (2) ، والقبول والإلهام بالحضرة القضوية التقية الخالصية ادام اللّه أيامها ما دام الجديدان ، وصرف عنها صرف الحدثان ، إذ كانت عضدا للمؤمنين ، وركنا من أركان الدين ومقرا للرئاسة والعدل ومحلا للنفاسة والفضل ، ولما كنت غير قادر على ما قدمته ولا متمكن مما ذكرته ، رأيت وضع كتاب ترتبته (3)
ص: 17
مما يشتمل على أبواب الفقه : في الحلال والحرام والقضايا والأحكام ليكون مجددا لذكري عندها ، وعوضا عن مثوبى بها ، فوضعت هذا الكتاب لذلك وليكون عدة للإخوان ، كثرهم اللّه في الرجوع اليه ، للمعرفة بعباداتهم الشرعية وما عساه تلتبس عليهم في ذلك من المسائل الفقهية ، ومن اللّه سبحانه أستمد المعونة والتأييد والتوفيق والتسديد وهو حسبي ونعم الوكيل.
فصل : اعلم ان الشرعيات على ضربين :
أحدهما : أعم في بلوى المكلف بها والأخر ليس كذلك.
فإما الأعم : فهو الصلاة وحقوق الأموال والصوم والحج والجهاد.
واما ما ليس كذلك فهو ما عدا هذه والجملة منها.
والضرب الأعم أيضا ينقسم الى ما هو أعم في البلوى من باقيه والى ما ليس كذلك وهو ما عداها من هذا الضرب وإذا كانت الشرعيات تنقسم الى ما ذكرناه ، وكان الاولى تقديم ذكر الأعم على ما ليس كذلك وجب ان يقدم ذكر العبادات الخمس على جميع ما سواها من الشرعيات ، وهذا بعينه يقتضي تقديم ذكر الصلاة على حقوق الأموال والصوم والحج والجهاد ، وإذا وجب على ما ذكرناه تقديم ذكر الصلاة على الجميع ، وكان إيقاعها لا يصح الا بالطهارة وجب تقديمها عليها ، ونحن لذلك فاعلون بعون اللّه وحسن توفيقه.
قال اللّه تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ، وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ، وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ
ص: 18
فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) (1).
وقال سبحانه : ( إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) (2).
وقال اللّه تعالى : ( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ، قُمْ فَأَنْذِرْ ، وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ، وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ، وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ) (3).
وإذا شرعنا في ذكر الطهارة فينبغي ان نبتدئ بذكر أشياء ، منها : ما الطهارة ومنها ما به يفعل ، ومنها أقسامها ، ومنها مقدماتها ، ومنها كيفياتها ، ومنها ما يوجب إعادتها ، ومنها ما يتبعها ويلحق بها.
في بيان الطهارة الشرعية :هي استعمال الماء والصعيد على وجه يستباح به الصلاة أو تكون عبادة يختص بغيرها.
الذي يفعل به الطهارة شيئان : أحدهما بالماء ، والأخر بالصعيد ، ولما كان الصعيد انما يستعمل في حال الضرورة وعند عدم الماء أو فقد التمكن من استعماله وكانت الطهارة به بدلا من الطهارة بالماء وجب تقديم ذكر المياه عليه ونحن نقدم ذلك بمشيئة اللّه وعونه.
قال اللّه تبارك وتعالى : ( وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ ) (4)
وقال سبحانه ( وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً ) . (5)
وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وقد سئل عن البحر ، فقال : هو الطهور ماؤه ، الحل
ص: 19
ميتته (1) فكل ماء نزل من السماء ، أو نبع من الأرض وكان مخزونا ، أو ماء بحر أو على اى وجه كان فهو على أصل الطهارة ما لم تعلم فيه نجاسة.
وهو على ضربين : طاهر ليس بمطهر ، وطاهر مطهر ، فاما الطاهر الذي ليس بمطهر فهو جميع المياه المستخرجة والمعتصرة وكل ماء مضاف منها ، مثل ماء الورد والآس والقرنفل (2) والريحان والخلاف (3) والزعفران وكل ما أشبه ذلك وجميع هذه المياه يجوز استعمالها في غير الطهارة فاما في الطهارة فلا يجوز ويلحق به في ذلك كلما خالطه جسم طاهر فسلبه إطلاق اسم الماء.
واما الطاهر المطهر ، فهو كل ما استحق إطلاق اسم الماء ولم يكن نجسا ، وهذا الماء ، هو الذي يجب استعماله في الطهارة ، ورفع الأحداث وازالة النجاسات عن الأبدان والثياب ، ويجوز في غير ذلك من شرب وما سواه ، فكل هذه المياه كما ذكرناه على أصل الطهارة ، والحكم بذلك فيها مستمر حتى تعلم ملاقاة شي ء من النجاسات لها.
وهي على ثلاثة أضرب : جار ، وراكد ليس من مياه الآبار ، ومياه الآبار.
فاما الجاري فمحكوم بطهارته حتى يتغير أحد أوصافه التي : هي الريح واللون والطعم من نجاسة ، فإذا صار كذلك حكم بنجاسته ولم يجز استعماله على وجه من الوجوه إلا في الشرب بمقدار ما يمسك الرمق عند الخوف من تلف النفس
واما الراكد الذي ليس من مياه الآبار فهو على ضربين : أحدهما ان يكون مقداره كرا أو أكثر منه ، والأخر ان يكون أقل من كر.
فاما ما كان مقداره كرا أو أكثر منه فليس ينجس بملاقاة شي ء من ذلك له الا
ص: 20
ان يتغير بذلك أحد أوصافه التي هي الريح واللون والطعم ، فاذا حصل كذلك كان نجسا.
واما ما كان مقداره أقل من كر ، فإنه ينجس بملاقاة ذلك له ، تغير بذلك أحد أوصافه أو لم يتغير.
والكر هو ما كان مقدار الف رطل ومأتي رطل بالعراقي ، أو ثلاثة أشبار ونصف طولا في مثل ذلك عرضا في مثل ذلك عمقا.
واما مياه الآبار فإنها تنجس بما يلاقيها من ذلك ، قليلا كان ماؤها أو كثيرا ، تغير بذلك أحد أوصافها أو لم يتغير ، فاذا حصلت كذلك لم يجز استعمالها الا بعد تطهيرها ، وتطهيرها ان يكون بالنزح منها ، والنزح منها على ثلاثة أضرب :
أوّلها : نزح جميع الماء فان لم يتمكن من ذلك لكثرته وقوة مادته ونبعه تراوح عليه أربعة رجال يستقون منه من أول النهار الى آخره ثم يحكم بطهارته.
وثانيها : نزح كّر.
وثالثها : نزح مقدار بالدلاء.
فاما ما ينزح جميع الماء على ما قدمناه ، فهو وقوع شي ء من الخمر فيها وكل شراب مسكر والفقاع ، والمنى ، ودم الحيض ، والاستحاضة ، والنفاس وعرق الإبل الجلالة وموت البعير فيها ، وكل ما كان جسمه مقدار جسمه (1) أو أكثر. وذكر في ذلك عرق الجنب إذا كان جنبا من حرام وجميع ما كان نجسا ولم يرد في النزح منه مقدار معين.
واما ما ينزح منه كر فهو موت الخيل فيها ، والبغال ، والحمير ، وكلما كان جسمه بمقدار أجسامهم.
ص: 21
واما ما ينزح منه مقادير الدلاء فهو ثمانية اضرب :
أوّلها : سبعون ، وثانيها : خمسون ، وثالثها : أربعون ، ورابعها : عشرة وخامسها : سبع ، وسادسها : خمس ، وسابعها : ثلاث ، وثامنها : دلو واحد
واما السبعون : فينزح من موت الإنسان فيها.
واما الخمسون : فينزح من وقوع الدم المخالف لدم الحيض والاستحاضة والنفاس إذا كان كثيرا فيها ، والعذرة الرطبة والمتقطعة (1)
واما الأربعون : فينزح إذا مات فيها شي ء من الكلاب والخنازير والغنم والأرانب والثعالب والظباء والسنانير وكلما كان جسمه بمقدار أجسامها وبول الإنسان الكبير.
واما العشرة : فينزح من الدم المخالف للدماء الثلاثة المتقدم ذكرها إذا كان قليلا ، أو العذرة اليابسة.
واما السبع : فينزح من موت الحمام فيها ، والدجاج ، وكلما كان جسمه بمقدار اجسامهما والكلب إذا وقع حيا وخرج حيا على ما وردت به الرواية (2) ، والفأرة إذا تفسخت ، والجنب إذا ارتمس فيها ، وبول كل صبي أكل الطعام.
واما الخمسة : فينزح من ذرق الدجاج الجلالة خاصة.
واما الثلاثة : فينزح من موت الحية فيها ، والوزغ ، والعقرب ، والفأرة التي لم تنفسخ.
واما الدلو الواحد : فينزح من موت العصافير فيها ، والقنابر ، والزرازير (3) وكلما كان جسمه بمقدار أجسامهم وبول كل صبي لم يأكل الطعام.
وماء البئر إذا تغير أحد أوصافه من النجاسة ينزح منه حتى يطيب ، كثيرا كان
ص: 22
النزح أو قليلا ، ولا يعتبر فيه هاهنا بمقدار من النهار ولا بمن يستقى منه من الرجال. والماء الذي في الدلو الأخير من دلاء النزح محكوم بنجاسته والباقي بعده من ماء البئر طاهر ، والذي يقطر من الدلو نجس الا انه ما يتنجس به الباقي في البئر من الماء لأنه معفو عنه. والمعتبر في هذا الدلو ، المعتاد ، لا بما ذهب اليه قوم انه من دلاء هجر (1) أو بما يسع أربعين رطلا ، لان الخبر في ذلك لم يرد مقيدا.
واعلم ان مياه الحياض والغدران والقلبان (2) وما جرى مجراها إذا تغير أحد أوصافها الثلاثة بنجاسة حكمنا بنجاستها على ما قدمناه ، فاذا زال هذا التغير بغير الماء الطاهر المطهر من الأجسام الطاهرة التي تختلط به ، أو بتصفيق الرياح له أو ما جرى مجرى ذلك ، لم يحكم بطهارته وكان نجسا.
وإذا كان مقدار الماء أقل من كر وهو نجس فتمم بطاهر حتى صار كرا ، أو كان طاهرا فتمم بنجس ولم يتغير أحد أوصافه التي هي الريح أو اللون أو الطعم ، كان طاهرا ، فان تغير بذلك أحد أوصافه كان نجسا ، وكذلك الحكم فيه إذا كان هذا المقدار نجسا وتمم بنجس فصار كرا بالجميع ، فإنه يحكم بطهارته ما لم يكن أحد أوصافه متغيرا بالنجاسة ، لقولهم صلوات اللّه عليهم : إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا (3)
وقد كان الشيخ أبو جعفر الطوسي «رحمه الله» يذهب إلى نجاسة هذا الماء ، ويقوى القول بما ذكرناه في كثير من الأوقات ، وقد أشرنا إلى الوجه القوى لذلك في كتابنا الموسوم ب- « جواهر الفقه » فمن أراد الوقوف عليه نظره في ذلك الموضع
ص: 23
والماء الطاهر المضاف إذا اختلط بالطاهر المطهر وسلبه إطلاق اسم الماء لم يجز استعماله في رفع الأحداث ولا ازالة النجاسات ، ويجوز استعماله في غير ذلك والماء النجس لا يجوز استعماله على كل حال إلا في الشرب خاصة عند الخوف من تلف النفس فإنه يجوز والحال هذه ان يشرب ما يمسك الرمق كما قدمناه وإذا اعجن به الدقيق وخبز ، لم يجزأ كل شي ء منه.
وإذا اختلط الطاهر المضاف بالطاهر المطهر ولم يسلبه إطلاق اسم الماء جاز استعماله في الطهارة وغيرها وإذا اختلط هذا الماء المضاف بالمطهر - وكان المطهر هو الأغلب والأكثر - جاز استعماله في رفع الأحداث وازالة النجاسات ، وجاز استعماله فيما عدا ذلك.
فان لم يغلب أحدهما على الأخر ، ولا زاد عليه ، وكانا متساويين ، فالأقوى عندي انه لا يجوز استعماله في رفع الحدث ، ولا إزالة النجاسة ، ويجوز في غير ذلك
وقد كان الشيخ أبو جعفر الطوسي (رحمه الله) قال لي يوما في الدرس : هذا الماء يجوز استعماله في الطهارة وازالة النجاسة ، فقلت له : ولم أجزت ذلك مع تساويهما فقال : إنما أجزت ذلك لان الأصل الإباحة.
فقلت : له الأصل وان كان هو الإباحة ، فأنت تعلم ان المكلف مأخوذ بان لا يرفع الحدث ولا يزيل النجاسة عن بدنه أو ثوبه الا بالماء المطلق ، فتقول أنت : بأن هذا الماء مطلق؟ فقال : افتقول أنت بأنه غير مطلق؟
فقلت له : أنت تعلم ان الواجب ان تجيبني عما سألتك عنه قبل ان تسألني ب- « لا » أو « نعم » ثم تسألني عما أردت ، ثم اننى أقول : بأنه غير مطلق.
فقال : الست تقول فيها إذا اختلطا وكان الأغلب والأكثر المطلق ، فهما مع التساوي كذلك؟
فقلت له : انما أقول بأنه مطلق إذا كان المطلق هو الأكثر والأغلب لأن ما
ص: 24
ليس بمطلق لم يؤثر في إطلاق اسم الماء عليه ، ومع التساوي قد أثر في إطلاق هذا الاسم عليه فلا أقول فيه بأنه مطلق ، ولهذا لم تقل أنت بأنه مطلق ، وقلت فيه بذلك إذا كان المطلق هو الأكثر والأغلب ، ثم ان دليل الاحتياط تناول ما ذكرته ، فعاد الى الدرس ولم يذكر في ذلك شيئا.
وأسئار الحيوان هي فضلة ما شربوا منه واستعملوه وماسوه بأجسامهم وهي على ثلاثة أضرب :
أولها : يجوز استعماله على كل حال. وثانيها : مكروه. وثالثها : لا يجوز استعماله على حال.
فإما الأول : فهو سؤر كل ما أكل لحمه من حيوان البر والبحر لا ما كان جلالا وكل ما ليس بنجس من حيوان البر كان مما لا يؤكل لحمه
واما المكروه : فهو سؤر الجنب والحائض والبهائم والسباع الا الكلاب والخنازير ، وسؤر الطيور الا ما كان جلالا أو مما يأكل الجيف ، أو يكون على منقاره اثر الدم ، والسنور ، والفأرة ، والخيل ، والبغال والحمير.
واما الذي لا يجوز استعماله على حال : فهو سؤر كل ما لا يؤكل لحمه من غير الناس والطيور الا ما ذكرناه فيما تقدم وسؤر كل ما كان نجسا من الناس والكلاب والخنازير.
واعلم ان حكم المائعات المخالفة للماء المطلق إذا شرب منها شي ء مما تقدم ذكره أو استعمله أو ماسة بجسمه كالحكم السالف ذكره في الأقسام الثلاثة.
وكلما ذكرناه انه لا يجوز استعمال سؤره إذا ماس جسمه مائعا ثم جمد كالماء الذي
ص: 25
يمسه ثم يصير ثلجا ، أو جليدا (1) فإنه لا يجوز استعماله على حال وان غسل. فإن ماسة وهو ثلج أو جليد لم يجز استعماله الا بعد غسله وكذلك الحكم فيما خالف الماء من المائعات.
وليس ينجس الماء مما يقع فيه من الحيوان الا ان تكون له نفس سائلة ، واما ما يقع فيه مما ليس له نفس سائلة - غير العقرب والوزغ - فإنه لا ينجسه ، فذلك كالخنافس وبنات وردان (2) والجراد وما أشبه ذلك ويجوز استعماله على كل حال الا ان يسلبه إطلاق اسم الماء ، فان سلبه ذلك لم يجز استعماله في الطهارة وجاز استعماله في ما عدا ذلك ، والبول والروث مما يؤكل لحمه إذا وقع في الماء لم ينجسه قليلا كان أو كثيرا ويجوز استعماله على كل حال الا ان يسلبه إطلاق اسم الماء عليه ، فاذا سلبه ذلك لم يجز استعماله في الطهارات وجاز استعماله فيما عداها ، وما يكره أكل لحمه فمكروه استعمال ما وقع فيه بوله أو روثه من الماء ، والكراهة في ذلك تزيد وتنقص بحسب زيادتها ونقصها في أكل لحم ذلك.
مثال ما ذكرناه : ان كراهة أكل لحم الحمار أغلظ من كراهة أكل لحم البغال وكراهة أكل لحم البغال أغلظ من كراهة أكل لحم الفرس ، والكراهة فيما ذكرناه في أكل هذه اللحوم.
وماء المطر إذا كان نازلا من السماء فحكمه حكم ماء الجاري ، يجوز استعماله على كل حال فان انقطع واستقر منه شي ء في موضع من الأرض ولاقته نجاسة اعتبر فيه بالقلة والكثرة والتغيير وكان الحكم فيه بحسب ذلك. وطين المطر محكوم إلى ثلاثة أيام بالطهارة الا ان يعلم ملاقاة شي ء من النجاسة له فإنه يحكم بنجاسته
ص: 26
وماء الحمام حكمه حكم الماء الجاري إذا كانت له مادة ويجوز استعماله على كل حال.
فان انقطعت مادته من المجرى ولم تلاقه نجاسة فاستعماله جائز على كل حال فان لاقته نجاسة كان الاعتبار بالقلة والكثرة والتغير ويحكم فيه بحسب ذلك على ما قدمناه.
والأرض التي فيها البئر إذا كانت سهلة وكانت بالقرب من البئر ، بالوعة وكانت البئر تحت البالوعة فيستحب ان يكون بينهما مقدار سبع اذرع.
وان كانت الأرض حزنة (1) وكانت البئر فوق البالوعة فيستحب ان يكون بينهما خمس اذرع.
وجميع مياه العيون الحمية مكروه استعمالها والتداوي بها ، وكذلك يكره استعمال الماء المسخن بالشمس في الطهارة فاما المسخن بالنار فليس بمكروه
والماء النجس إذا تطهر به مكلف ثم صلى فلا يخلو من ان يكون تقدم له العلم بنجاسته ، أو لم يتقدم له العلم بذلك. فان كان العلم قد تقدم له بذلك كان عليه إعادة الطهارة والصلاة ، ان كان قد صلى بهذه الطهارة سواء كان مع تقدم العلم له بذلك وقد نسيه ثم ذكره أو لم يكن كذلك. فان لم يكن قد تقدم العلم له بذلك فلا يخلو من ان يكون الوقت باقيا أو غير باق ، فان كان باقيا كان عليه إعادة الطهارة والصلاة وان لم يكن باقيا لم يكن عليه شي ء وعليه مع هذه الوجوه غسل ما اصابه هذا الماء من جسده أو ثيابه.
ص: 27
والأواني إذا كانت من خشب أو فخار (1) أو رصاص أو زجاج أو نحاس أو حديد وكانت طاهرة فإنه يجوز استعمالها في الماء للطهارة وغيرها ، وما كان منها ينشف الماء مثل الخشب والفخار الذي لم يقصر وكان آنية لأحد من الكفار فإنه لا يجوز استعماله في الماء غسل أو لم يغسل.
وكذلك ما استعمل منها في الخمر والمسكر وقد ورد جواز استعمال ذلك إذا غسل سبع مرات (2) والاحتياط يتناول ما ذكرناه.
وأواني الذهب والفضة لا يجوز استعمالها في الماء ولا في غيره للطهارة ولا غيرها ، فان تطهر المكلف منها ، أو أكل فيها ، أو شرب منها ، كانت طهارته صحيحة ولم يحرم المأكول والمشروب عليه. لان الحظر انما يتناول استعمالها وذلك لا يتعدى الى ما هو فيها.
والإناء المفضض إذا كان فيه موضع غير مفضض جاز الشرب من ذلك الموضع دون غيره من المفضض.
وكل ما استعمله من الكفار - على اختلافهم في الكفر - من الأواني والأوعية في المائعات إذا كانت مخالفة للاوانى والأوعية التي تقدم ذكر استعمالهم لها ، أو باشروه بأجسامهم فلا يجوز استعمال شي ء منها الى بعد غسله ثلاث مرات.
وإذا شرب الكلب أو الخنزير في شي ء من الأوعية أو الأواني ، فلا يجوز استعمال ذلك حتى يهرق ما فيه من الماء ، ويغسل ثلاث مرات ، الاولى بالتراب.
ص: 28
وليس يعتبر التراب في غسل شي ء مما ذكرناه إلا في ولوغ الكلب والخنزير - لأنه يسمى كلبا.
وإذا ولغ في الإناء من الكلاب أكثر من واحد فلا يجب تكرار الغسل له بعدد ما ولغ فيه منها ، بل يكفى غسله دفعة واحدة ثلاث مرات كما ذكرناه (1). وكذلك الحكم فيه إذا تكرر ولوغ الكلب الواحد.
وإذا غسل الإناء من ولوغ الكلب المرة الاولى والثانية ووقع فيه نجاسة لم يجب استئناف الغسل له من اوله بل يبنى على ما تقدم ويتمم العدد لأن النجاسة بعد حاصلة والمراعى في الحكم بطهارته بالمرة الثالثة.
وإذا وقع الإناء الذي ولغ فيه الكلب في ماء يكون أقل من كر قبل غسله كان الماء الذي وقع فيه ، نجسا ولم يجز استعماله. وإذا أصاب شي ء من الماء الذي يغسل به هذا الإناء جسد الإنسان أو ثوبه فالأحوط غسله.
وإذا وقع الإناء الذي ولغ فيه الكلب في ماء جار وجرى عليه لم يحكم بطهارته لأنه لم يغسل الغسل المحكوم بطهارته معه.
ومن كان معه إناء آن في أحدهما ماء طاهر وفي الأخر ماء النجس ولم يعلم الطاهر منهما لم يجز استعمال واحد منهما على حال الا للشرب في حال الضرورة.
وإذا كان معه إناءان ، في أحدهما ماء طاهر وفي الأخر ماء مستعمل في الطهارة الصغرى ، جاز استعمال اى منهما شاء ، وإذا كان في أحدهما ماء استعمل في الطهارة الصغرى وفي الأخر ماء استعمل في الطهارة الكبرى استعمل في الطهارة أيهما أراد ، وان كان في الواحد منهما ماء مستعمل في الطهارة الكبرى ولم يعلم
ص: 29
المستعمل منهما في الطهارة الكبرى من الأخر فالأحوط أن يستعمل كل واحد منهما
وإذا كان معه إناءان ، يعلم ان ماء أحدهما طاهر وماء الأخر نجس ثم نسي ذلك ولم يتميز له كل واحد منهما من الأخر ، وأخبره عدل بان النجس واحد عينه لم يلزمه القبول منه ولم يجز له استعمال واحد منهما لأن النجاسة في أحدهما متيقنة.
وإذا وجد ماء فأعلمه غيره بأنه نجس لم يلزمه القبول منه وجاز له استعماله لان الماء على أصل الطهارة ما لم يعلم ملاقاة شي ء من النجاسات له.
ومن كان معه إناءان ، يعلم طهارتهما فشهد شاهدان بان واحدا منهما معينا نجس أو كان يعلم نجاستهما فشهد شاهدان بان واحدا منهما معينا طاهر لم يجب عليه القبول منهما ، بل يعمل على الأصل الذي كان متيقنا بحصول الماء عليه.
وإذا كان معه إناء فيه ماء تيقن نجاسته وشك في طهارته ، أو كان تيقن طهارته فشك في نجاسته ، لم يلتفت الى شكه في شي ء منهما وكان عمله على ما كان متيقنا له من ذلك.
وإذا كان معه ثلاثة أواني ، اثنان منها يشتبهان عليه في نجاسة أو طهارة والأخر متيقن طهارته ، كان عليه ان يستعمل الذي يتيقن طهارته دون المشتبه عليه وإذا كان معه إناء كانت فيه نجاسة وشك في تطهيره لم يجز استعماله حتى يطهره.
وإذا حضر عند ماء متغير اللون أو الطعم أو الرائحة وشك في ان هذا التغير من نجاسة أو من أصل الماء ، جاز استعماله ولم يلزمه في شكه شي ء لان الماء على أصل الطهارة حتى يعلم حصول نجاسة فيه.
ولا يجوز استعمال شي ء من جلود الميتة ولا الانتفاع به ، دبغ أم لا ولا فرق في ذلك بين ان يكون مما يؤكل لحمه أو مما لا يؤكل لحمه.
ولا يجوز التصرف في شي ء من ذلك على حال وكل ما ذكي وكان مما
ص: 30
لا يؤكل لحمه وليس هو من الكلاب والخنازير فإنه يجوز الانتفاع بجلده بعد الدباغ
فاما جلود الكلاب والخنازير فإنه لا يجوز ذلك فيها وان ذكيت ودبغت وكذلك لا يجوز الانتفاع بشي ء من شعر ذلك إذا جز في حياته أو بعد موته.
وشعر وصوف الميتة التي ليست كلبا ولا خنزيرا طاهر يجوز استعماله وكذا شعر الإنسان في حياته وبعد موته. وقد ذكر ان ذلك نجس ، والاحتياط يتناول ذلك والدباغ يجب ان يكون بطاهر مثل قشور الرمان والعفص (1) والقرظ (2) وما أشبه ذلك ، ولا يجوز مما يكون نجسا كالحارش (3) فإنه يعمل بخرء الكلاب.
قال اللّه تعالى : ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) (4). الاية.
فالصعيد هي : ما يتصاعد على وجه الأرض من تراب أو غبار وهو على ثلاثة أضرب :
أولها يجوز التيمم به على كل حال والثاني مكروه والثالث ما لا يجوز التيمم به على حال.
فاما الذي يجوز التيمم به على كل حال فهو كل طاهر من هذا الصعيد والأرض الحصية (5) والحجر ، والصخر ، والوحل إذا وضع الإنسان يديه عليه ومسح
ص: 31
إحداهما بالأخرى حتى ينشف وذلك لا يكون الا مع عدم التمكن من التراب أو ما يقوم مقامه.
وكل ما كان من التراب في عوالي الأرض كان استعماله أفضل من استعمال ما كان منه في مهابطها.
ومن لم يتمكن من شي ء مما ذكرناه فلينفض ثوبه ، أو عرف دابته (1) ، أو لبد سرجه ، أو ما جرى مجرى ذلك مما يكون فيه غبار وتيمم به.
واما المكروه فهو تراب الأرض السبخة والرملة.
واما الذي لا يجوز التيمم به فهو كل ما يختص بمعدن من كحل أو زرنيخ أو زاج (2) أو ما يجرى مجرى ذلك ، وكل ما لا يطلق عليه اسم الأرض من دقيق أو أشنان (3) أو سدر وما جرى مجرى ذلك في نعومته أو انسحاقه (4) وكل ما كان نجسا مما قدمنا ذكر جواز التيمم به.
الطهارة على ثلاثة أقسام : وضوء وغسل وتيمم
والوضوء : على قسمين :
واجب ومندوب : فاما الواجب فهو ما يقصد به رفع الحدث لاستباحة الصلاة به ، واما المندوب فهو ما يقصد به مس المصحف أو كتابته أو ما جرى مجرى ذلك
واما الغسل : فهو على ضربين : واجب ومندوب.
ص: 32
فاما الواجب فهو الغسل من خروج المنى على كل حال ، والجماع في الفرج - انزل المجامع أو لم ينزل - والحيض ، والاستحاضة ، والنفاس ، ومس الميت من الناس بعد برده بالموت وقبل غسله ، وغسل الموتى من الناس.
واما المندوب فهو على أربعة أضرب : أو لها يتعلق بازمنة مخصوصة ، وثانيها يتعلق بأمكنة شريفة ، وثالثها يتعلق بعبادة معينة ، ورابعها قسم مفرد عن ذلك.
فاما الأزمنة المخصوصة في يوم الجمعة ، ويوم العرفة ، ويوم العيد فطرأ كان أو أضحى أو غديرا ، وليلة النصف من شعبان ، وأول ليلة من شهر رمضان ، وليلة النصف منه ، وليلة سبع عشرة منه ، وليلة احدى وعشرين منه ، وليلة ثلاث وعشرين منه.
واما الأمكنة الشريفة فهي : الحرم ، والمسجد الحرام ، والكعبة ، ومدينة النبي (صلى اللّه عليه وآله)
واما العبادات المعينة فهي : الإحرام للحج والعمرة ، والزيارات لنبي كانت أو إمام عليه السلام ، أو البيت الحرام ، والمباهلة ، والتوبة ، وصلاة الاستسقاء ، وصلاة الاستخارة وصلاة الحاجة ، وصلاة الشكر ، والإسلام من الكفر ، وقضاء صلاة الكسوف إذا تعمد قاضيها تركها مع احتراق جميع القرص.
واما الضرب المفرد فهو غسل المولود ، وغسل القاصد الى نظر المصلوب بعد ثلاثة أيام.
واما التيمم فهو على ضربين : أحدهما بدل عن الوضوء ، والأخر بدل عن الغسل. فأما الذي هو بدل من الوضوء فهو ضربة واحدة على ما تيمم به المتيمم لوجهه أو (1) يديه.
واما الذي هو بدل من الغسل فهو ضربتان إحداهما للوجه والأخرى لليدين.
ص: 33
الجنابة تكون بأمرين أحدهما : إنزال المنى على كل حال. والأخر : الجماع في الفرج وان لم ينزل المجامع.
التقاء الختانين : غيبوبة الحشفة في الفرج. فاذا صار المكلف جنبا بأحد هذين الأمرين ، كان عليه الغسل - وسنذكر كيفيته في باب كيفيات الطهارة - ولا يدخل المسجد الحرام ، ولا مسجد النبي صلى اللّه عليه وآله جملة ، فاما غير ذلك من المساجد. فيجوز له دخولها عابر سبيل من غير جلوس فيها واستقرار بها ، فان كان له فيها شي ء جاز له أخذه منها ، ولا يضع فيها شيئا ولا يقرء شيئا من العزائم الأربع جملة - وهي سجدة لقمان ، وحم السجدة ، والنجم ، واقراء باسم ربك (1) فاما غير ذلك من القرآن فلا يجوز ان يقرأ منه أكثر من سبع آيات والأفضل ترك ذلك ، ولا يمس كتابة المصحف ، ويجوز ان يمس أطراف الورق والأفضل ان لا يمسه ولا يمس شيئا عليه اسم اللّه تعالى أو أحد الأنبياء والأئمة عليهم السلام مكتوبا ، ولا يطوف بالبيت ، ولا يسجد إذا سمع من يقرء السجدة ، ولا يأكل ولا يشرب ولا ينام حتى يغتسل ويتمضمض ويستنشق ، ولا يختضب حتى يغتسل.
الحيض : هو دم اسود يخرج من المرية بحرارة على وجه يتعلق بظهوره وانقطاعه - على الخلاف في ذلك - انقضاء عدة المطلقات ، وأقل الحيض ثلاثة أيام ، وأكثره عشرة أيام ، وأقل الطهر عشرة أيام وليس لأكثره حد.
فإن رأت الحائض الدم ثلاثة أيام متوالية أو مفترقة (2) في جملة العشرة فهي حائض ، وفي أصحابنا من اعتبر كونها متوالية ، فإن رأت الدم يوما واحدا أو يومين
ص: 34
وانقطع عنها الى آخر اليوم العاشر فليس ذلك حيضا ، وإذا رأته بعد العشرة أيام كان استحاضة.
فإن رأته اليوم الرابع بعد انقضاء هذه العشرة كان حيضا الا ان ترى يوما واحدا أو يومين وينقطع فلا تراه حتى تنقضي العشرة فلا يحكم بأنه حيض وانما قلنا بأنه حيض لأن أقل أيام الطهر وهو عشرة قد انقضت فيكون هذا الدم من الحيضة المستأنفة ، فإن رأت الدم بعد ان يكمل أكثر أيام الحيض ويستمر ذلك بها ولا ترى بين الدمين طهرا فإنه ليس بحيض فيجب الحكم بأنه استحاضة - وسنذكر حكم الاستحاضة في بابها بعون اللّه سبحانه.
والحمرة والصفرة في أيام الحيض حيض ، وفي أيام الطهر غير حيض.
وإذا اختلفت عادة المرية اعتبرت صفات الدم بعد ان يعتبر بين الدمين أقل الطهر وهو عشرة أيام ، فان لم يتميز لها صفات الدم تركت الصوم والصلاة في الشهر الأول أقل أيام الحيض ، وفي الشهر الثاني أكثر أيامه.
وتستقر عادة المرية بأن ترى الدم شهرين متواليين في وقت متفق ، فتعمل حينئذ في عادتها على ذلك.
وإذا التبس على المرية دم الحيض بدم العذرة ، استبرأت نفسها بقطنة ، فإن خرجت مطوقة فهو دم عذرة ، وان خرجت منغمسة فهو حيض.
فان التبس بدم القرح استدخلت المرأة إصبعها ، فإن كان الدم يخرج من الجانب الأيسر فهو دم حيض وان كان يخرج من الأيمن فهو دم قرح.
وإذا انقطع الدم عن المرية وأرادت ان تعلم هل هي بعد ، حائض أو قد طهرت فتستدخل قطنة ، فان خرجت وعليها دم فهي حائض لم تطهر ، وان لم تخرج عليها شي ء فقد طهرت.
وإذا كانت المرأة حائضا فكل ما ذكرناه مما يتعلق بالجنب من الأحكام يتعلق بها ويلحق بذلك ان لا تصوم ولا تصلى وهي كذلك ، وإذا وطأها زوجها كفر عن ذلك
ص: 35
وسنذكر ما يلزمه من الكفارة في باب الكفارات.
فاذا حضر وقت الصلاة توضأت وجلست في مصلاها تذكر اللّه تعالى وتسبحه وتمجده الى ان ينقضي وقت الصلاة.
وإذا اغتسلت قضت الصوم دون الصلاة وإذا رأت الدم وقد دخل وقت الصلاة ومضى من هذا الوقت مقدار ما يمكنها أداء تلك الصلاة ولم تكن صلت كان عليها قضائها. وان رأت الدم قبل ذلك تجب (1) عليها القضاء.
فاذا طهرت وتوانت عن الغسل وكان قد دخل عليها الوقت ولم تغتسل حتى خرج الوقت كان عليها القضاء.
وإذا طهرت عند زوال الشمس ولم تغتسل حتى دخل وقت العصر وجب عليها قضاء الصلاتين.
وإذا طهرت قبل مغيب الشمس بمقدار ما يؤدى فيه خمس ركعات استحب لها قضائهما ، وان كان مقدار ما يؤدى فيه اربع ركعات ، كانت عليها قضاء صلاة العصر وإذا طهرت بعد مغيب الشمس الى نصف الليل وجب عليها قضاء العشائين وإذا طهرت قبل طلوع الفجر بمقدار ما تؤدى خمس ركعات استحب لها قضائهما ، وان لم يكن في الوقت أكثر من ان تصلى فيه اربع ركعات ، كان عليها قضاء العشاء الأخير فقط وكان عليها قضاء الفجر إذا طهرت قبل طلوع الشمس بمقدار ما يؤدى فيه ركعة ، فإن كان أقل من ذلك لم يلزمها شي ء.
فاذا حاضت في يوم تصبح فيه صائمة أفطرت وكان عليها قضاء ذلك اليوم ولو كان قد حاضت قبل مغيب الشمس بلحظة ، وإذا رأت الدم بعد العصر أمسكت بقية يومها عن الإفطار وكان عليها القضاء ، وإذا أصبحت حائضا وطهرت أمسكت باقي النهار وكان عليها القضاء.
وإذا رأت الطهر وجب عليها الغسل - وسنذكر كيفيته في موضع مفرد من
ص: 36
باب كيفية الطهارة ان شاء اللّه تعالى.
والاستحاضة هي استمرار ظهور الدم بالمرئة بعد أكثر أيام الحيض ، والمرأة في ذلك على ضربين : أحدهما ان تكون مبتدئة ، والأخر ان تكون غير مبتدئة.
فاما المبتدئة فينبغي لها ان تعمل على التمييز بصفات الدم ، فإذا رأت الدم الأسود الخارج بحرارة كان عليها ان تعمل ما تعمله الحائض وقد تقدم ذكر جميع ذلك. وإذا رأت الدم الأصفر البارد الرقيق فعلت ما تفعله المستحاضة. فان لم يكن لها تمييز عملت على عادة نسائها ان كان لها نساء ، فان لم يكن لها نساء عملت على عادة أمثالها في السن.
وعليها ان لا تصوم ولا تصلى في الشهر الأول أقل أيام الحيض ، وفي الشهر الثاني أكثر أيامه إذا لم يكن لها تمييز ولا نساء ولا أمثال في السن ثم تصلى وتصوم بعد ذلك.
واما التي ليست مبتدئة فعليها إذا فقدت التمييز واختلفت عليها عادتها ان تترك الصوم والصلاة في كل شهر سبعة أيام ثم تصلى وتصوم بعد ذلك ، ولا يزال هذا فعلها حتى تستقر عادتها وتعلم استقرار عادتها بان يتوالى عليها شهران يظهر بها الدم في أيام متساوية فيهما لا زيادة فيها ولا نقصان.
وعليها مبتدئة كانت أو غير مبتدئة أن تحتشي (1) بقطنة :
وان ظهر عليها دم ولم يرشح كان عليها الوضوء عند كل صلاة.
وان رشح عليها ولم يسل كان عليها غسل واحد عند الفجر وتتوضأ بعد ذلك لكل صلاة من يومها وليلتها وتجدد تغيير الحشو مع ذلك.
وان رشح وسال اغتسلت ثلاثة أغسال : أو لها لصلاة الظهر والعصر تؤخر
ص: 37
الظهر قليلا عن أول وقتها وتجمع بينه وبين العصر ، والثاني تجمع بينه (1) وبين صلاة المغرب والعشاء الآخرة كذلك ، وثالثها لصلاة الليل والفجر تؤخر صلاة الليل قليلا ان كانت ممن تصليها ثم تجمع بينهما به ، وان كانت ممن لا تصلى صلاة الليل صلت به صلاة الفجر وحدها.
وتصوم وتصلى في سائر أيامها إلا الأيام التي تكون حائضا فيها.
وإذا وجبت عليها حد لم يقم عليها حتى ينقطع الدم عنها.
والأفضل لها قبل الوطي ان تغسل فرجها.
وجميع ما يحرم على الحائض فهو حلال لها إلا في الأيام التي تكون فيها حائضا.
واعلم ان المبتدئة إذا رأت دم الحيض - وهو الأسود الخارج بحرارة - ثلاثة أيام ، ودم الاستحاضة (2) - وهو الأصفر الرقيق البارد - ثلاثة أيام ، ثم رأت صفرة أربعة أيام ثم انقطع الجميع كان ذلك كله حيضا.
وان رأت دم الاستحاضة ثلاثة أيام ودم الحيض ثلاثة أيام ثم رأت دم الاستحاضة وجاز عليها العشرة أيام فحكمها في ما رأته من دم الحيض حكم الحائض ، وفي ما رأته من دم الاستحاضة حكم المستحاضة.
فإذا كان الدم متصلا وتوضأت ثم انقطع عنها قبل دخولها في الصلاة كان عليها استئناف الوضوء وان صلت بالوضوء الأول لم تصح صلاتها سواء عاد إليها الدم قبل فراغها من الصلاة أو بعد فراغها منها.
وإذا توضأت بعد دخول وقت الصلاة وصلت عقيب الوضوء كانت صلاتها صحيحة ، فإن توضأت قبل دخول الوقت لم يكن وضوءها صحيحا فان صلت به لم تصح الصلاة أيضا.
ص: 38
وإذا توضأت لصلاة مخصوصة مفروضة جاز لها ان تصلى به من النوافل ما أرادت.
اعلم ان النفساء هي التي ترى الدم عند الولادة ، فإن رأت قبل الولادة لم يكن ذلك نفاسا وان لم تر دما عند الولادة لم يتعلق بها شي ء من أحكام النفاس.
ولا فرق في الولادة بين ان يكون ولادة بسقط أو غير سقط ، وبولد تام أو غير تام.
فإن رأت الدم دفعة واحدة وانقطع عنها ثم عاد قبل تمام عشرة أيام أو الى اليوم العاشر كان جميع ذلك نفاسا ، فإذا رأته بعد تمام العشرة أيام لم يكن نفاسا ، فان مضى عليها بعد العشرة الأولى ، عشرة أيام أخرى ثم رأته فيها ثلاثة أيام متوالية أو متفرقة كان ذلك حيضاً.
فان كانت حاملا باثنين ورأت الدم مع ولادة الأول منهما ومع ولادة الثاني حكمت بالنفاس من الأول وعملت في أكثره على ولادة الثاني.
وأكثر النفاس كأكثر أيام الحيض عشرة أيام ، وليس لقليله حد.
وجميع أحكام النفساء هي أحكام الحائض إلا فيما ذكرناه : انه ليس لأقل النفاس حد.
مقدمات الطهارة هي استنجاء مخرج النجو (1) بالماء أو الأحجار ، وغسل مخرج البول بالماء وحده.
وترك استقبال القبلة واستدبارها في حال البول والغائط ، وتقديم الرجل اليسرى عند دخول الخلاء ، واليمنى عند الخروج منه ، والدعاء عند ذلك ، وتغطية
ص: 39
الرأس عند دخول الخلاء ، والدعاء عند الاستنجاء وعند الفراغ منه ، ولا يستقبل الشمس ولا القمر في حال البول ولا الغائط ، ولا الريح بالبول ، ولا يحدث في الماء الجاري ، ولا الراكد ، ولا في الطريق ، ولا أفنية الدور ، ولا في المشارع ، ولا تحت الأشجار المثمرة ، ولا في مواضع اللعن ، ولا في (1) النزال ، ولا يبول في جحرة الحيوان ، ولا على الأرض الصلبة ، ولا يطمح ببوله في الهواء ، ولا يتكلم في حال البول والغائط ولا يستاك في هذه الحال ، ولا يأكل ولا يشرب وهو كذلك.
الاستنجاء هو تنظيف مخرج النجو بما قدمنا ذكره من الماء أو الأحجار ، والجمع بينهما أفضل من الاقتصار على أحدهما ، والاقتصار على الماء أفضل من الاقتصار على الأحجار.
ويجب على المكلف ان ينظف الموضع على وجه يتيقن معه النظافة.
فاما مخرج البول فليس يجزى فيه الا الماء مع التمكن منه ، وكذلك إذا تعدت النجاسة مخرج النجو فليس يجزى فيه الا الماء.
والأحجار ينبغي ان يكون ثلاثة وغير مستعملة في الاستنجاء وان لم يقدر على ثلاثة أحجار وقدر على حجر له ثلاثة رؤس قام كل رأس منه مقام حجر فاذا استعمل حجرا واحدا ونقى الموضع به فينبغي ان يستعمل آخرين سنة. ولا يجوز ان يستنجى بعظم ولا روث ، ويجوز استعمال الخرق (2) والقطن في ذلك عوضا من الأحجار إذا لم يتمكن منها.
وإذا أراد دخول الخلاء فينبغي ان يدعو فيقول : « بسم اللّه وباللّه أعوذ باللّه من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم »
ص: 40
ويقول عند الاستنجاء « الحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا ، اللّهم حصن فرجي وفروج أوليائي وذريتي وفروج المؤمنين من ارتكاب معاصيك حتى لا نعصيك ابدا ما أبقيتنا انك تعصم من تشاء من عبادك »
ويقول عند الفراغ منه بعد ان يمسح بيده على بطنه : « الحمد لله الذي أماط عني (1) الأذى وهنأني طعامي وشرابي وعافاني من البلوى ، الحمد لله الذي رزقني ما اغتذيت به وعرفني لذته وأبقى في جسدي قوته واخرج عنى أذاه ، يا لها نعمة لا يقدر القادرون قدرها».
وان كان قد بال فينبغي ان يجلب القضيب من أصله الى رأس الحشفة دفعتين أو ثلاثا ويعصرها ويغسله بالماء وأقل ما يجزى في غسله من الماء مثلا ما عليه.
ولا يجوز ان يستنجى باليد اليمنى مع الاختيار ، ولا يستنجى وفي يده خاتم قد نقش على فصه اسم من أسماء اللّه تعالى أو أحد أنبيائه والأئمة عليهم السلام وكذلك ان كان فصه من حجر زمزم.
وإذا كان على حال البول أو الغائط وسمع صوت المؤذن جاز ان يقول في نفسه كما يقوله.
وان ترك الاستنجاء ناسيا أو متعمدا كان عليه إعادته ، فإن كان قد صلى كذلك كان عليه مع إعادته ، إعادة الصلاة.
ترك استقبال القبلة واستدبارها في هذه الحال واجب لا يجوز سواه مع التمكن فان كان الموضع الذي يتخلى المكلف فيه مبنيا على وجه يمكنه معه الانحراف عن استقبالها واستدبارها انحرف ، وان لم يتمكن من ذلك لم يكن عليه شي ء.
ص: 41
فاما الشمس والقمر فالأفضل ان لا يستقبلهما ولا يستدبرهما في هذه الحال ، لأنه ذكر (1) انهما خلقان عظيمان من خلق اللّه تعالى فينبغي ان ينزههما عن ذلك في هذه الحال.
اما استقبال الريح بالبول فذكر (2) ان الوجه في كراهته ان الريح ترده اليه فينجس به.
واما الأحداث في الماء فذكر (3) ان للماء أهلا وأمرنا ان لا نؤذى أهله في ذلك واما الطريق وأفنية الدور والمشارع وتحت الأشجار المثمرة فلان الناس يتأذون بذلك ويلعنون فاعله.
واما جحرة الحيوان فلأنه ربما كان فيه من الدبيب ما يخرج بوقوع البول عليه فيتأذى به.
واما الأرض الصلبة فلان البول إذا سقط عليها تطاير وتراجع عليه
واما طمحه بالبول في الهواء فلانة يراجع عليه.
واما الكلام والسواك والأكل والشرب فذكر انه يورث الخرس أو البخر (4) فالأولى اجتناب ذلك للوجوه المذكورة.
كيفية الطهارة على ثلاثة أضرب : أولها : كيفية الوضوء ، وثانيها : كيفية
ص: 42
الغسل ، وثالثها : كيفية التيمم.
كيفية الوضوء هو ان يبتدء من يريده بوضع الإناء عن يمينه ، ثم يدعو فيقول « الحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا ».
ثم يسمى اللّه تعالى ويغسل يده - لإدخالها الإناء - من حدث البول أو النوم مرة ومن حدث الغائط مرتين ، وينوي رفع الحدث به لوجوبه عليه ، واستباحة الصلاة به على جهة القربة الى اللّه تعالى.
ويأخذ بيمينه كفا من الماء فيتمضمض به ثلاثا ويقول : « اللّهم لقني حجتي يوم ألقاك وأطلق لساني بذكرك ».
ثم يأخذ كفا آخر ويستنشق به ثلاثا ويقول : « اللّهم لا تحرمني من طيبات الجنان واجعلني ممن يشم ريحها وروحها وريحانها ».
ثم يأخذ كفا آخر ويغسل به وجهه من قصاص شعر رأسه الى محادر (1) شعر الذقن طولا وما دارت عليه الإبهام والوسطى عرضا ، فان كان ذا الحية لم يجب عليه إيصال الماء تحتها ، وكذلك ان كانت امرأة ولها لحية لم يلزمها ذلك.
ثم يأخذ كفا فيغسل به وجهه ثانيا كذلك ويقول : « اللّهم بيض وجهي يوم تسود فيه الوجوه ولا تسود وجهي يوم تبيض فيه الوجوه ».
ثم يأخذ كفا ويديره الى كفه الأيسر ويغسل به يديه اليمنى من المرفق إلى أطراف الأصابع ، ويعم (2) المرفق بالغسل ولا يستقبل شعر الذراع (3) ويأخذ كفا ويأخذه ثانيا كذلك وهو يقول : « اللّهم أعطني ، كتابي بيميني ، والخلد في
ص: 43
الجنان بيساري ، وحاسبني حسابا يسيرا واجعلني ممن ينقلب إلى أهله مسرورا » ويأخذ كفين واحدا بعد واحد ويغسل بهما يده اليسرى كما غسل اليمنى ويقول « اللّهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي ».
ويكون ابتداؤه بطرح الماء على ظاهر الذراع ويختم بباطنه ان كان رجلا وان كانت أمرية بدأت في ذلك بباطن ذراعها وختمت بظاهرها.
وان كان مقطوع اليدين من المرفق غسل موضع القطع ، وان كان القطع من المرفق لم يجب عليه غسل الباقي من عضده وان كان القطع من المرفق أو دونه غسل الباقي من ذلك.
وان كان له أصابع زائدة على الخمس ، أو يدا زائدة على ذراع واحد كان عليه غسل ذلك وكذلك يلزمه فيما يكون زائدا على الذراع إذا كان من المرفق وما دون ، فان كان فوق المرفق لم يلزمه في ذلك.
وإذا كان في إصبعه خاتم - أو في يده حلي ان كان أمرية - وجب عليه تحريكه أو نزعه ليصل الماء الى تحته من ظاهر الجسد.
ثم يرفع يده اليمنى ببلل الوضوء من غير أخذ ماء جديد فيمسح بها مقدم رأسه بمقدار ثلاث أصابع مضمومة عرضا ، ولو مسح بإصبع واحدة كان جائزا.
وان مسح غير مقدم الرأس لم يكن مجزيا ، وكذلك ان مسح على عمامته ، أو كانت أمرية فمسحت فوق قناعها فان ذلك لا يكون مجزيا. ثم يقول : « اللّهم غشني برحمتك وبركاتك »
ثم يمسح الأصابع إلى الكعبين وهما النابتان في وسط القدم عند معقد الشراك (1) من غير أخذ ماء جديد لذلك ، فان مسحهما من الكعبين إلى أطراف الأصابع كان جائزا ، والأفضل الأول ، ولا يمسح على خفيه ان كان ذلك عليه ويقول : « اللّهم ثبت قدمي على الصراط يوم تزل فيه الاقدام واجعل سعيي فيما يرضيك
ص: 44
عنى يا ذا الجلال والإكرام ».
ويقول عند (1) فراغه من الوضوء : « الحمد لله رب العالمين اللّهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ».
فاذا كان في أرض جمد أو ثلج ولم يقدر على ما يتوضأ به وضع يديه على الجمد أو الثلج حتى تنتديا (2) ويجرى الماء كالدهن عليها ويتوضأ به إن شاء اللّه تعالى.
والترتيب والموالاة يجبان في الوضوء.
فإن توضأ على خلاف الترتيب المقدم ذكره لم يكن مجزيا له.
وان ترك الموالاة حتى يجف العضو المتقدم لم يجزه أيضا ، اللّهم الا ان يكون الحر شديدا أو الريح يجفف منهما العضو المتقدم بينه وبين طهارة العضو الثاني من غير إهمال لذلك فإنه يكون مجزيا.
* * *
كيفية الغسل هي : ان يبتدأ المريد له ، بغسل يديه قبل إدخالهما الإناء ثلاث مرات.
فان كان على جسده نجاسة أزالها عنه ، ثم يجتهد في الاستبراء بالبول فان لم يجتهد في ذلك ، ووجد بعد الغسل بللا خارجا من الإحليل كان عليه اعادة الغسل فان وجد ذلك بعد الاجتهاد في الاستبراء بالبول لم يجب عليه اعادة الغسل ، الا ان يتحقق انه منى ثم يغسل فرجه ، فان كان أمرية غسلته عرضا.
وينوي به رفع الحدث لوجوبه عليه على جهة القربة الى اللّه سبحانه ويتمضمض
ص: 45
ويستنشق ثلاثا ثلاثا. ولا يتوضأ قبل هذا الغسل ، بل يغسل رأسه الى أصل عنقه بمقدار ثلث أكف من الماء ، فان استعان في إفاضة الماء عليه بإناء كان جائزا ، ويخلل عليه أذنيه ، ويميز شعر رأسه ليصل الماء إلى أصوله ، وان كانت أمرية وشعرها مشدود والماء يصل الى أصوله لم يلزمها حله ، والأفضل لها ان تحله ، وان كان الماء لا يصل الى أصوله وجب عليها حله وإيصال الماء إلى أصول الشعر.
ثم يغسل شقه الأيمن ، من أصل العنق الى تحت القدم بمقدار ثلاث أكف من الماء.
ثم الأيسر كذلك. ويميز شعر جسده ويدير يديه على سائر جسده.
وان كان في يده خاتم أو على جسده سير (1) أو ما أشبه ذلك ، أو كان أمرية وعليها حلي وجب تحريكه أو نزعه ليصل الماء الى ما تحته من الجسد. وان كان الماء يجرى تحت القدم ، والا غسلها.
والأفضل ان يغتسل بمقدار صاع من الماء أو أكثر ، وأقل ما يجزى من ذلك ما يجرى على الجسد بمقدار ما يسمى به غاسلا.
والترتيب واجب في الغسل ، وان كان خالف الترتيب لم يجزه ذلك.
والموالاة غير واجبة فيه ، والأفضل الموالاة.
وينبغي ان يسمى اللّه تعالى ويذكر اللّه تعالى ويسبحه ويحمده ، فاذا فرغ من ذلك قال : « اللّهم طهر قلبي وزك عملي واجعل ما عندك خيرا لي ، اللّهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ».
فاما كيفية غسل الميت من الناس فهو ككيفية غسل الجنب ويختص بأشياء وسيأتي ذكر جميع ذلك في كتاب الجنائز ان شاء اللّه تعالى.
* * *
ص: 46
كيفية التيمم هي ان يقصد من يريده الى ما يجوز التيمم به فان كان على جسده نجاسة ابتدأ بمسحها عنه بالتراب أو بغيره ان تمكن من ذلك. ونوى بفعله استباحة الصلاة به ، لوجوب ذلك عليه على جهة القربة الى اللّه سبحانه.
ويضرب بباطن كفيه جميعا مفرجا من أصابعه - على ما تيمم به - ضربة واحدة.
ثم يرفعهما وينفض (1) إحداهما بالأخرى ويمسح بهما وجهه من قصاص شعر رأسه الى طرف أنفه مرة واحدة.
ثم يمسح ظاهر كفه اليمنى بباطن كفه اليسرى من الزند إلى أطراف الأصابع.
ثم يمسح ظهر كفه اليسرى بباطن كفه اليمنى كذلك.
ويقتصر المتيمم على هذا القدر ان كان تيممه بدلا من الوضوء ، فان كان بدلا من الغسل ضرب ضربة أخرى وجعل الاولى لوجهه والثانية ليديه.
واعلم ان التيمم انما يجب على المكلف بان يكون محدثا ويتضيق عليه وقت الصلاة حتى يصير الباقي منه بمقدار ما يؤدى فيه تلك الصلاة.
ويجتهد في طلب الماء في رحله وفي الأرض الحزنة (2) مقدار رمية سهم وفي السهلة رمية سهمين ، امامه وخلفه ويمينه وشماله.
وإذا لم يجده في رحله أو يفقد التمكن من استعمال الماء ولا فرق في ذلك بين ان يكون فقده من التمكن له بعدم ثمن أو لأنه يكون معه منه مقدار يعده للشرب ويخاف ان توضأ به استضر بذلك في نفسه أو لأنه يكون في موضع يخاف على نفسه أو ماله من عدو أو سبع ان هو مضى اليه ، أو ما جرى مجرى ذلك أو لمرض أو جراح أو غيرهما مما يخاف على نفسه من استعمال الماء عليه أو لتزائد مرض من
ص: 47
استعماله أو لأنه غير موجود جملة فمتى حصلت هذه الوجوه أو بعضها سقط وجوب الوضوء ، وإذا اجتمعت هذه الوجوه وجب التيمم.
فان كان متمكنا من ابتياعه من غير مضرة تلحقه وجب عليه ابتياعه ، وان كان عليه في ابتياعه مضرة يسيرة كان كذلك أيضا.
وإذا خاف على نفسه التلف من البرد الشديد مسافرا كان أو حاضرا كان عليه التيمم بدلا من الوضوء أو من الغسل فاذا صلى وهو على هذه الصفة لم يلزمه إعادة الصلاة التي صلاها وهو كذلك.
وإذا أجنب نفسه مختارا كان عليه الغسل وان لحقته منه مشقة شديدة لا تبلغ الى تلف النفس ، فان خاف على نفسه التلف كان عليه التيمم ويصلى ، فاذا زال الخوف اغتسل وأعاد الصلاة.
وان كان مريضا أو كبيرا أو مجدورا (1) أو به جروح أو قروح يخاف على نفسه لأجلها من استعمال الماء تيمم وصلى ولم يلزمه اعادة ما صلى بتيممه.
ومتى عرضت له جنابة من غير اختياره وكان في المسجد الحرام أو مسجد النبي صلى اللّه عليه وآله فلا يخرج منه حتى يتيمم من مكانه.
وان كان في بعض المساجد في يوم جمعة وانتقض وضوئه فلم يتمكن من الخروج تيمم من موضعه وصلى فاذا خرج توضأ وأعاد الصلاة.
وإذا كان في رحله شي ء من الماء ونسيه ثم تيمم وصلى وعلم بعد ذلك والوقت باق توضأ وأعاد الصلاة ، وان كان الوقت قد انقضى لم يلزمه ذلك.
وإذا دخل في صلاة ثم وجد الماء فان كان قد ركع مضى في صلاته وان لم يكن ركع قطعها وتوضأ ثم استأنف الصلاة ، وقد ذكر انه لا يقطعها وهو الأقوى عندي.
وإذا عرض له بول أو غائط فلا يتيمم حتى يستنجى ويستنشف بالخرق أو ما جرى مجراها ثم يتيمم ، فان كان جنبا استبرء بالبول وتنشف ثم يتيمم بعد ذلك.
ص: 48
وإذا اجتمع ثلاثة من الناس في موضع فمنهم اثنان : أحدهما محدث حدثا يوجب الغسل ، والأخر محدث حدثا يوجب الوضوء ، ومات الذي ليس بمحدث ولم يكن معهم من الماء الا مقدار ما يكفى واحدا منهم ، فينبغي ان يتوضأ به الذي وجب عليه الوضوء.
ويجمع ثم يغتسل به الذي وجب عليه الغسل منهم ويتيمم الميت ويدفن فان كان لا يتمكن من جمع الماء. إذا توضأ به من ذكرناه أو لا - أو لا يبقى منه ما يكون فيه كفاية الطهارة واحد منهما اغتسل به الذي وجب عليه الغسل منهم ويتيمم الذي وجب عليه الوضوء ويتيمم الميت ويدفن.
وكل من تيمم تيمما صحيحا جاز له ان يصلى به ما شاء من الصلوات ما لم يحدث ، أو يتمكن من استعمال الماء.
فاما من ينبغي ان يتيمم من موتى الناس فسنذكر في كتاب الجنائز بمشيئة اللّه وعونه.
* * *
الذي يوجب إعادة الطهارة على ضربين : أحدهما ينقضها والأخر لا ينقضها ، والناقض لها على ضربين : أحدهما ينقض الطهارة الصغرى ويوجبها ، والأخر ينقض الصغرى والكبرى ويوجب الكبرى.
فأما الذي ينقض الصغرى ويوجبها فهو : خروج الريح من الدبر ، والبول ، والغائط والنوم الغالب على السمع والبصر ، وكل ما أزال العقل من مرض وغيره
واما الذي ينقض الصغرى والكبرى ويوجب الكبرى فهو خروج المنى على كل حال.
ص: 49
والجماع في الفرج ، وان لم يكن معه إنزال ، والحيض ، والاستحاضة ، والنفاس ، ومس الميت من الناس بعد برده بالموت وقبل غسله.
واما ما ليس بناقض لها فهو : ان يتطهر المكلف بغير نية ، أو يطهره غيره مع تمكنه من الطهارة بنفسه ، أو يتطهر بما يعلم نجاسته ، أو يتعمد ترك عضو من أعضاء الطهارة ، أو يشك في طهارة عضو ولا يعلمه على التعيين وهو على حال الطهارة (1). أو يشك فلا يدرى ما فعل وهو على حال الطهارة أيضا - لأنه إن شك في ذلك بعد الانصراف لم يكن عليه شي ء - أو شك في الحدث وهو على حال الطهارة ، أو شك في الطهارة وهو متيقن الحدث ، أو تيقن الطهارة والحدث جميعا ولا يعلم المتقدم منهما على الأخر ، أو يخل بالترتيب فيقدم ما يجب تأخيره ويؤخر ما يجب تقديمه ، فعليه ان يطهر ما يجب تقديمه ثم يعيد الطهارة على ما يجب تأخيره.
ومثال هذا في الوضوء ، ان يغسل يده اليمنى قبل وجهه ، فيغسل وجهه ثم يغسل يده اليمنى. أو يغسل يده اليسرى قبل اليمنى فيغسل اليمنى ثم يغسل اليسرى ، أو يمسح رجليه قبل رأسه فيمسح رأسه ثم يمسح رجليه.
ومثال ذلك في الغسل : ان يغسل شقه الأيمن قبل رأسه فيغسل رأسه ثم يغسل شقه الأيمن أو يغسل شقه الأيسر قبل الأيمن فيغسل الأيمن ثم يغسل الأيسر.
ومثال ذلك في التيمم ان يمسح يده اليمنى قبل وجهه ، فيمسح وجهه ثم يمسح يده اليمنى ، أو يمسح يده اليسرى قبل اليمنى فيمسح اليمنى ثم يمسح اليسرى.
وان يتطهر بما يعلم مغصوبا ، أو يخل بالموالاة في الوضوء والتيمم.
ويراعى في إعادة الوضوء وحده مع هذا الإخلال ان لم يجف العضو المقدم على غيره ، فان كان ذلك لعوز (2) الماء وكان ما يجف عضوا من أعضاء المسح مسحه بنداوة يده ، وان لم يكن في يده نداوة أخذ من نداوة حاجبيه أو لحيته ومسح
ص: 50
ذلك ، فان لم يكن في شي ء من ذلك نداوة أعاد على كل حال.
أو تيمم بما لا يجوز التيمم به ، أو تيمم قبل تضيق الوقت أو تيمم وهو متمكن من استعمال الماء ، أو تيمم بنية التيمم للطهارة الصغرى وهو جنب وينسى الجنابة ، فليعد التيمم بنية الطهارة الكبرى
الذي يتبع ذلك ويلحق به هو ازالة النجاسات من الأبدان والثياب ، وغير ذلك مما سيأتي ذكره
والنجاسة على ثلاثة أضرب :
أولها : يجب إزالته قليلا كان أو كثيرا. وثانيها : يجب إزالته إذا بلغ مقدارا معينا ، فان نقص عنه لم يجب إزالته. وثالثها : لا يجب إزالته.
فاما الأول ، فهو : دم الحيض والاستحاضة ، وبول الإنسان كبيرا كان أو صغيرا والغائط ، والمنى من الناس وغيرهم ، والخمر ، وكل شراب مسكر ، والفقاع وبول وروث كل ما لا يؤكل لحمه ، وذرق الدجاج الجلال والإبل الجلالة ، وعرق الجنب من حرام.
وكل ماء غسلت به نجاسة أو ولغ فيها كلب أو خنزير أو ثعلب أو أرنب وما جرى مجرى ذلك ، وكل ماء أو مائع غير الماء لاقته نجاسة أو ماسة جسم نجس وطين المطر إذا مضى عليه ثلاثة أيام.
واما الثاني ، فهو : ما بلغ مقداره مقدار الدرهم المضروب من درهم (1) وثلث ، مجتمعا كان فيما اصابه أو متفرقا فان لم يبلغ ذلك لم يجب إزالته وهو : كل دم كان مخالفا لما قدمناه من الدماء.
واما الثالث ، فهو : بول وذرق جميع الطيور التي لا يؤكل لحمها.
ص: 51
فأما ما عدا ذلك من بول وروث وذرق مما يؤكل لحمه فهو مكروه - الا الدجاج الجلال والإبل إذا كانت كذلك - وجميعه مما لا يجب إزالته ، وانما الأفضل فيه ذلك.
وإذا كانت المرأة تربى طفلا ولم يكن لها من الثياب الا واحد ولا يمكنها التحرز من بوله فعليها غسله في كل يوم مرة واحدة ، وتصلى فيه ان شاءت بعد ذلك
والثوب أو الجسد إذا ماسة جسم محكوم عليه بالكفر وكان رطبا أو كان المماس له رطبا ولم يكن هو كذلك فإنه يجب غسله ، وكان الثوب والجسد يابسا وكان المماس له من جسد الكافر يابسا لم يجب غسله بل يرش الموضع - الذي اصابه - الماء.
والقول في الكلب والخنزير إذا ماسا شيئا كالقول في ذلك وإذا ماس الإنسان شيئا من ذلك بيده وكان يابسا ويده يابسة مسحها بالحائط أو التراب فان غسلها كان أفضل.
وإذا كان الماء المطر جاريا من ميزاب ولاقته نجاسة ولم يتغير بها أحد أوصافه وأصاب شيئا كان طاهرا ، وان تغير بذلك أحد أوصافه وجب غسل ما اصابه.
والنجاسة إذا أصابت موضعا من ثوب أو جسم وعرف موضعه ، غسل الموضع بعينه ، فان لم يعلم ذلك غسل جميعه.
وإذا أصابت النجاسة موضعا من ثوب وقطع ذلك الموضع لم يجب غسله بعد القطع ، فان كان قطع ولم يعلم هل هو الموضع الذي أصابته النجاسة أم لا. وجب غسل الباقي منه.
والحصر والبواري إذا أصابها بول أو نجاسة مايعة وجففتها الشمس فقد طهرت فان لم يجف بذلك وجب غسلها.
وما جففته الشمس من غير البواري والحصر فهو على حال النجاسة ويجب غسله
والفأرة إذا أكل من طعام أو مشى عليه فهو معفو عليه ، والأفضل إزالة ما اصابه
ص: 52
وأكل الباقي. فإن أصاب ذلك وزغ أو عقرب فهو نجس.
والقي ء ، والمذي ، والوذي (1) ليس بنجس والأفضل غسل ما اصابه ذلك
وكل ما لا نفس له سائلة إذا وقع في شي ء من المطعومات والمشروبات ومات فيها فإنه لا ينجسه وهو على حكم الطهارة الا ان يكون ذلك من المياه فيسلبه ذلك إطلاق اسم الماء فإنه حينئذ لا يجوز استعماله في شي ء.
وجلود الميتة كلها نجسة ، دبغت أو لم تدبغ وقد أشرنا إلى طرف من ذلك فيما تقدم.
إذا أردنا بيان أحكام الجنائز ينبغي ان نذكر أشياء :
منها الأحكام المتعلقة بحال الاحتضار ، ومنها ما يغسل من موتى الناس وابعاضهم ، ومنها ما لا يغسل من ذلك ، ومنها كيفية غسل الميت ، ومنها الأكفان والتكفين ، ومنها الصلاة على الجنائز ، ومنها الدفن والقبور.
إذا حضر الإنسان الوفاة فيجب ان يوجه إلى القبلة بأن يجعل على ظهره وباطن رجليه تلقاها ووجهه مستقبلا لها لو وقف لكان متوجها إليها ، كما لو استقبلها للصلاة قائماً لكان كذلك.
ويستحب ان يحضر بالقرآن :
وإذا تصعب عليه خروج نفسه نقل الى المكان الذي كان يصلى فيه.
ويلقن الشهادتين وأسماء الأئمة عليهم السلام وكلمات الفرج وهي : لا إله إلا اللّه
ص: 53
الحليم الكريم لا إله إلا اللّه العلى العظيم سبحان اللّه رب السموات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم ، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
ويغمض عيناه.
فاذا قضى أطبق فوه ، ومدت يداه وساقاه إن أمكن ذلك ، وشد لحيته ، ويغطى بثوب أو ما أشبه ، ويسرج عنده في الليل مصباح ، ويهتم بالأخذ في امره وإنجازه ولا يتشاغل عن ذلك بشي ء ، ويمنع الجنب والحائض من الدخول عليه ، ولا يترك وحده ، ولا يجعل على بطنه شي ء من الحديد.
الموتى من الناس وابعاضهم على ضربين أحدهما : يغسل ، والأخر لا يغسل
والذي يغسل هو : كل من مات منهم حتف انفه ويمكن من غسله بالماء - ولم يمنع مانع من ذلك من علة ، أو ضرورة ، أو برد شديد وما جرى مجرى ذلك.
وكل ميت منهم حدثت بجسده وجلده علة محللة للحمه أو جلده ولم يخف في صب الماء عليه من تخلل ذلك وتقطيعه.
وكل قتيل - الا ان يكون شهيدا مات بين يدي الإمام أو من نصبه الإمام في المعركة ولم ينقل منها وفيه حياة لأنه متى لحق ونقل وفيه حياة وجب غسله -
وكل سقط له أربعة أشهر فصاعدا
وكل مخالف للحق من ملة الإسلام مات مع مؤمن واضطرته التقية إلى غسله - وإذا كانت الحال هذه غسله هذا المؤمن غسل أهل الخلاف -
وكل رجل مات بين نساء مسلمات له فيهن محرم من النساء - هذا يغسله من كان ذا محرم منه ، فان كان معهن رجل مسلم غسله الرجل المسلم ، كذلك الحكم مع المرية إذا ماتت بين رجال مسلمين لها فيهم محرم ، أو معهم امرأة مسلمة.
وكل ولد مات في بطن أمرية وهي حية ، وهذا إذا مات في بطنها ولم يخرج
ص: 54
أدخلت القابلة أو غيرها من النساء يدها في فرجها وأخرجته ، فان لم يخرج صحيحا قطعته وأخرجته قطعا ثم غسل وكفن ودفن ، فان ماتت المرأة والولد في بطنها حي شق جانبها الأيسر واخرج الولد ثم يخاط الموضع وتغسل المرأة بعد ذلك ، وكذلك الولد.
وكل طفل ذكر مات بين نساء وله مدة العمر ثلاث سنين أو دونها وليس معهن رجل ، وهذا يغسله النساء ويجوز لهن غسله مجردا من ثيابه ، فان كان له أكثر من ثلاث سنين غسله من فوق القميص يصب الماء عليه ، وكذلك الحكم في الصبية إذا ماتت بين رجال.
وكل بعض أو قطعة فيها عظم أو كانت موضع الصدر. ولا فرق في ذلك بين ان يكون أكيل السبع أو لا يكون كذلك.
واما من لا يغسل فهو : كل شهيد يقتل بين يدي الإمام العادل أو من نصبه الإمام - في نفس المعركة - ولم يلحق وبه رمق (1) لا شي ء من الحياة ، وهذا يدفن معه كل ما اصابه دمه من لباسه الا الخفين ، وقد ورد (2) انهما إذا أصابهما شي ء من دمه دفنا معه.
وكل كافر من أهل البغي كان أو غيره.
وكل مرجوم أو مقتول قودا وهذان يؤمران بالاغتسال والتحنيط والتكفين
ص: 55
ثم يقام الحد عليهما بعد ذلك ، فإذا أقيم عليهما دفنا من غير غسل ولا تيمم.
وكل سقط له أقل من أربعة أشهر وهذا انما يلف بخرقة ويدفن بدمه.
وكل رجل مات بين نساء مسلمات ليس فيهن له محرم ، ولا يحضرهن رجل مسلم وهذا تدفنه النساء بثيابه ، وكل أمرية مسلمة ماتت بين رجال مسلمين وليس فيهم لها محرم ، ولا معهم امرأة مسلمة وهذه يدفنها الرجال بثيابها.
وكل بعض أو قطعة من إنسان ليس فيها عظم ولا هي موضع الصدر ، ولا فرق بين ان يكون أكيل السبع أو غيره.
وكل مخالف للحق من ملة الإسلام ليس في ترك غسله تقية.
وكل ميت حدث بجسمه شي ء من الآفات التي تحلل جسمه أو جلده ويخاف إذا صب الماء عليه من تخلل ذلك وتقطعه منه ، فان هذا يؤمم (1) ولا يغسل.
وكل ميت لم يتمكن من الماء لغسله أو تمكن منه ومنع من غسله مانع من علة كما قدمنا أو ضرورة أو برد شديد ولم يتمكن من إسخان الماء لغسله.
وإذا كان الميت خنثى وكان موته بعد بلوغه - وقبل تبين حاله في انه هل هو ذكر أو أنثى؟ فيلحق بالرجال أو النساء - لم يغسله رجل ولا امرأة ويؤمم (2) بالصعيد
ويحفر لماء غسله حفيرة ينزل فيها ، ولا يترك ان ينزل في بالوعة أو خلاء مع التمكن من ذلك ، فان لم يتمكن مما ذكرناه كان ترك نزوله في ذلك جائزا.
ويصب ماء الغسل من الأواني النظيفة ما يكون كفاية لذلك.
ولا يغسل بماء مسخن الا ان تدعو الضرورة إليه من برد شديد ، أو لتليين أعضائه وأصابعه.
ولا يجوز غسله بالماء الحارة كما ذكرناه.
فاذا حصل ما تقدم ذكره ابتدأ وليه بغسله ، أو من ينصبه الولي لذلك ، ويكون معه من يعينه في تقلبه وصب الماء عليه.
ويضعه على ساجة تحت سقف مع القدرة على ذلك ، ثم يمل الميت فيضعه عليها ممدودا على ظهره ، وباطن رجليه تلقاء القبلة كما كان في حال الاحتضار
وشق جيب قميصه الذي هو عليه وينزعه عنه بأن يأخذه من جهة رجليه بعد ان يستر عورته بشي ء ولا يقص الغاسل له شيئا من أظفاره ، ولا شيئا من شعره ولا لحيته.
وان سقط في ذلك الغسل من ذلك أو من جسده شي ء جعله في كفنه (1) عند تكفينه له.
ويأخذ السدر فيلقيه على الماء ويضربه في إجابة حتى يرغو وينقل رغوته (2) إلى إناء آخر ، ويقف على جانبه الأيمن ، ولا يتخطاه في شي ء من أحوال الغسل جملة.
ثم يلين أصابعه وأطرافه ويمددها ، فان تصعب عليه من ذلك شي ء تركه على ما هو عليه.
ثم يمسح بطنه مسحا رقيقا فان خرج منه شي ء صب الماء عليه ليزول من تحته فان كان الميت امرأة وكانت حبلى لم يمسح لها بطنا في شي ء من غسلها.
ويعقد الغاسل النية لغسل الميت ثم ينظر ، فان كان على شي ء من جسده
ص: 57
نجاسة أزالها بالماء ، ويأخذ بعد ذلك خرقة لينجيه بها فيلفها على يده من الزند إلى أطراف الأصابع ، ويلقى عليها شي ء من الأشنان وينجيه بذلك ، ويصب الأخر عليه من السدر ثلاث صبات.
ويكون الإناء الذي يصب الماء ، كبيرا مثل الإبريق الحميدي أو غيره مما يجرى مجراه.
ويكون صب الماء متصلا ولا يقطع الى ان يفرغ الإناء ، وإذا أصاب هذا الإناء جسد الميت غسل قبل إنزاله في الماء.
ثم يلقى الغاسل الخرقة عن يده ويغسل يديه من المرفقين إلى أطراف الأصابع ويوضأ الميت كما يتوضأ الحي للصلاة فيغسل وجهه ، ويغسل بعد ذلك يديه من المرفقين إلى أطراف الأصابع ، ويمسح بمقدم رأسه ، وظاهر قدميه.
ثم يتقدم فيقف عند رأسه من الجانب الأيمن ، ويأخذ من رغوة السدر التي كان أعدها ، ويبتدى فيغسل رأسه بها ولحيته من الجانب الأيمن إلى أصل عنقه ثلاث مرات بثلاث صبات من ماء السدر.
ثم يميله على الجانب الأيسر ليبدو له الأيمن ، فيغسله بماء السدر من قرنه الى تحت قدمه ثلاث مرات بثلاث صبات من ماء السدر أيضا ، ويكون صب الماء من غير تقطيع من رأسه الى تحت قدمه.
ويدخل الغاسل يده تحت منكبه كلما غسله ، ويكون وقوفه على جانبه الأيمن ويكثر من قوله : عفوك اللّهم عفوك وذكر اللّه تعالى.
ثم يرده على جانبه الأيمن ليبدو له الجانب الأيسر ، فيغسله على هذه الصفة بماء السدر.
ثم يعود الغاسل عنه ، ويغسل الأواني كلها من ماء السدر غسلا نظيفا ، ويغسل يديه من المرفقين إلى أطراف الأصابع.
ويصب في الأواني ماء أخر ويأخذ شيئا من الكافور ، فيسحقه بيديه ويلقيه في الماء ويضربه به.
ص: 58
ثم يرجع الى الميت فيقف على جانبه الأيمن كما وقف أولا ، ويمسح بطنه مسحا رقيقا ، فان خرج منه شي ء صب الماء عليه ليزول من تحته.
ثم يلف على يده خرقة مثل الاولى وينجيه بها ويغسله بماء الكافور كما غسله بماء السدر سواء.
فاذا فرغ من ذلك تحول عنه ، ثم غسل الأواني من ماء الكافور وملاءها ماء قراحا ، وغسل يديه من المرفقين إلى أطراف الأصابع ، ثم عاد اليه ، فوقف على جانبه الأيمن ، ولا يمسح بطنه في هذه الغسلة جملة. ثم يلف على يده خرقة لينجيه بها ، ويفعل في غسله مثل ما فعله في الغسلتين الأوليين بالماء القراح فقط.
فاذا فرغ من ذلك القى عليه ثوبا نظيفا وينشفه به.
ثم يحول عنه واغتسل ، فان لم يتمكن من الاغتسال توضأ وضوء الصلاة ، ولا يمسه ولا يمس أكفانه شيئا إلا بعد ان يغتسل أو يتوضأ.
فإذا فعل ذلك ، نقله إلى أكفانه ، فوضعه فيها ، موجها إلى القبلة - كما ذكرناه في حال الاحتضار والغسل - ثم يأخذ قطعة من قطن فيحشوا بها دبره حشوا جيدا ، لئلا يخرج منه شي ء بعد الغسل - ومتى خرج ذلك منه وأصاب شيئا من بدنه ، غسل المكان الذي اصابه ، وان أصاب شيئا من كفنه قطع بمقراض فاذا فعل ذلك فقد كمل غسله ويأخذ بعد ذلك في تكفينه ونحن نذكره بمشية اللّه تعالى سبحانه
الثياب التي يجوز التكفين بها ، هي : الثياب القطن البياض - وهذه أفضل ثياب الأكفان -
وثياب الكتان البياض ، وكل ثوب من ذلك مخيط لم يكن خياطته ابتدأت للتكفين ، وثياب الصوف.
ولا يجوز التكفين بشي ء يخالف ما ذكرناه ، ولا بشي ء من جميع الثياب إذا
ص: 59
كان فيه أو في طرازه ذهب ، وجميع الثياب المصبغات. وقد ذكر ان السواد من القطن والكتان مكروه.
والمفروض من الأكفان ثلاث قطع وهي : قميص ، ومئزر ، وإزار ،
والندب ان يزاد على ذلك قطعتان وهما لفافتان - ولا يجوز الزيادة على هذه الخمس قطع ، وما يتبع ذلك فليس هو من جملة الكفن ، لان الكفن هو ما يلف به جسد الميت ، خرقة يشد بها فخذاه وعمامة يعمم بها وان كان أمرية زيدت خرقة يشد بها ثدياها الى صدرها.
وإذا لم يوجد حبرة (1) ولا نمط (2) جاز ان يتخذ بدل كل واحد منهما إزار.
وكفن الميت يجب إخراجه ابتداء من تركته قبل قضاء الديون والوصايا وكل شي ء.
وان كان الميت أمرية كان كفنها على زوجها لا في تركتها ، ولا مالها.
واما التكفين فهو : ان يبتدأ بالحبرة أو ما قام مقامها ، فيفرش على شي ء نظيف وينشر عليها شي ء من القمحة (3) ، ثم يفرش على ذلك الإزار الثاني وينشر القمحة أيضا عليه ويفرش الثالث فوقه وينشر عليه من القمحة شي ء آخر.
ويكتب على الأكفان بتربة سيدنا ابى عبد اللّه الحسين عليه السلام ان تمكن منها ، أو بالإصبع ان لم يجدها : فلان يشهد ان لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له ، وان محمدا عبده ورسوله ، وان أمير المؤمنين على بن ابى طالب صلوات اللّه عليه والأئمة - فلان وفلانا الى آخرهم - أئمته أئمة الهدى الأبرار ثم يلف الكفن.
ص: 60
فاذا فرغ الغاسل من غسل الميت على ما قدمناه ، نقله إلى الأكفان ووضعه فيها مستقبلا به القبلة - كما تقدم ذكره في حال الاحتضار - ثم يأخذ خرقة طولها ثلاثة أذرع ونصف - ، ويجوز ان يكون أطول من ذلك - ويسد دبره بالقطن سدا جيدا ، ويشد اوراكه الى فخذيه بالخرقة بان يلف عليها شدا وثيقا ويخرج طرفها من بين رجليه ، ويغرز (1) طرفها في حاشية الخرقة من الجانب الأيمن. ويسد منافسة (2) بالقطن لئلا يخرج منها شي ء.
وإذا كان الميت أمرية ، شد ثدياها بخرقة إلى صدرها ، ويأخذ المئزر فيشده عليها كما يشد المئزر للحي.
ثم يلبسه القميص ، فان كان له قميص جاز ان يكفن به بعد ان يقطع أزراره الا ان يكون هذا القميص قد ابتدأت خياطته للتكفين ، فإنه لا يجوز تكفينه به.
ويأخذ من الجريد الأخضر جريدتين طول كل واحدة منهما مثل عظم الذراع ، يكتب عليهما مثل ما كتب على الأكفان ، يلفهما في القطن ويجعل الواحدة قائمة مع جانبه الأيمن من ترقوته ملصقة بجلده ، والأخرى من جانبه الأيسر كذلك من فوق القميص ، فان لم يجد جريدة النخل جاز أن يجعل عوضه من الشجر الأخضر مثل السدر أو الخلاف أو غير ذلك.
ثم يعممه بالعمامة بعد ان يكتب عليها مثل ما كتبه على الأكفان بان يضعها على رأسه من وسطها ويحنكه ويعممه بهما مدورا ، ويرسل طرفيها على صدره.
ويأخذ من الكافور - ويكون مما لم تمسه النار ان تمكن من ذلك - وزن ثلاثة عشر درهما وثلث ، وهو السنة الأوفى ، فان لم يقدر على ذلك المبلغ جاز أقل منه أيضا مثل درهم أو ما قدر عليه ، ويسحقه بكفيه ويجعله على مساجده : جبهته ، وطرف انفه ، وباطن كفيه يمسحا إلى أطراف الأصابع ، ويضع منه على
ص: 61
عيني ركبتيه ، وإبهامي رجليه ، فإن بقي بعد ذلك شي ء جعله على صدره.
ثم يأخذ في درجة في أكفانه : فيبدء بالإزار فيرد ما على يساره على يمينه ، وما على يمينه على يساره ، ويفعل باللفافة الأخرى والحبرة أو النمط مثل ذلك ، ويجمع أطراف اللفائف من عند رأسه ورجليه ، ويشق (1) حاشية الظاهرة منها ويعقده عليها ، ويكثر من ذكر اللّه سبحانه. فاذا فرغ من جميع ما اوصفناه صلى عليه وحمله الى حفرته فيدفنه فيها.
فأما الصلاة عليه فسنوردها.
« واما الدفن - فنحن ذاكروه - وما يتعلق به من أحكام القبور »
فإذا أردت دفن الميت فيحمل الى قبره ، وينبغي ان يحمله المشيعون له ، ومن حمله منهم فينبغي ان يبتدئ بحمله من جانب مقدم السرير الأيمن ، ثم يدور الى الجانب الأيسر ويعود الى مقدمه الأيمن.
ومن مشى خلف الجنازة فينبغي ان يمشى عن يمينها أو يسارها.
ويقول المشاهد لها : الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم (2)
فاذا وصل به الى القبر لم يفجأه به دفعة واحدة ، بل يضعه دونه قليلا مما يلي رجليه فيه ، ثم ينقله الى شفيره في ثلاث دفعات. فان كان الميت أمرية وضعت على جانب القبر مما يلي القبلة.
ثم ينزل إليه أولى الناس بالميت ، أو من يأمره الولي بذلك. ويتحفى (3) ويحل أزراره ويكشف رأسه الا ان يكون به ضرورة يمنعه من ذلك فله ان لا يكشفه.
فاذا عاين القبر قال : اللّهم اجعلها روضة من رياض الجنة ولا تجعلها حفرة من حفر النيران.
ص: 62
ثم يأخذ برأس الميت وكتفيه من جهة رجليه من القبر ، ثم يسله (1) من سريره سلا معتدلا ولا ينكس رأسه في القبر عند إنزاله إليه ، فإن كان امرأة أخذها عرضا
ويقول الذي ينزل الميت في قبره : بسم اللّه وباللّه ، وفي سبيل اللّه ، وعلى ملة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، اللّهم ايمانا بك ، وتصديقا بكتابك ، هذا ما وعدنا اللّه ورسوله ، وصدق اللّه ورسوله اللّهم زدنا ايمانا وتسليما.
ثم يضعه على جانبه الأيمن مستقبلا بوجهه القبلة في لحد اوشق واللحد أفضل
ويحل عقد أكفانه ويكشف وجهه ويضع خده على التراب ، وان جعل معه شيئا من تربة سيدنا الحسين بن على عليهما السلام كان أفضل.
ويلقنه الشهادتين وأسماء الأئمة عليهم السلام بان يقول : يا فلان بن فلان اذكر العهد الذي خرجت عليه من دار الدنيا ، شهادة ان لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له ، وان محمدا عبده ورسوله ، وان عليا أمير المؤمنين عليه السلام والحسن والحسين وعلى بن الحسين - ويذكر الأئمة عليهم السلام الى آخرهم - أئمتك أئمة الهدى الأبرار.
ثم يشرج (2) عليه بعد ذلك اللبن أو ما قام مقامه ويقول المتولي لذلك :
اللّهم صل وحدته وآنس وحشته وارحم غربته واسكن إليه من رحمتك رحمة يستغنى بها عن رحمة من سواك واحشره مع من كان يتولاه ثم يخرج من جهة رجلي الميت في القبر ويهل (3) الحاضرون التراب عليه بظهور أكفهم.
وهم يقولون : ( إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) ، ( هذا ما وَعَدَنَا اللّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللّهُ وَرَسُولُهُ ) ، اللّهم زدنا ايمانا وتسليما.
واعلم ان هذا القبر يجب ان يكون مقدار قامة الرجل الى ترقوته ، وعرضه بمقدار ما يتمكن فيه من الجلوس ، فاذا طم القبر على الميت رفع عن وجه الأرض مقدار
ص: 63
شبر أو أربع أصابع ، ويصيب عليه الماء ، بان يبتدئ بذلك من عند رأسه ويدار عليه من اربع جوانبه الى ان يرجع الى الرأس فإن بقي من الماء شي ء صب على وسطه ثم يضع عند رأس القبر حجرا ظاهرا أو لوحا أو ما يجرى مجرى ذلك ، ويضع الحاضرون - بعد تسوية القبر - أيديهم عليه عند رأسه ، ويكونون متوجهين إلى القبلة ، ويغمزوا أصابعهم في ترابه وهم يقولون :
اللّهم ارحم غربته ، وصل وحدته ، وآنس وحشته ، وآمن روعته ، وأسكن إليه من رحمتك رحمة يستغنى بها عن رحمة من سواك ، واحشره مع من كان يتولاه ، ثم يعزى وليه بعد الانصراف ، ثم يتأخر أولى الناس بالميت عن القبر ويجعل وجهه اليه وظهره إلى القبلة وينادى الميت بأعلى صوته - ان لم يكن عليه تقية - : يا فلان بن فلان! اذكر العهد الذي خرجت عليه من دار الدنيا وهي شهادة ان لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله وان أمير المؤمنين على ابن أبي طالب والحسن والحسين - ويذكر الأئمة عليهم السلام الى آخرهم - أئمتك أئمة الهدى الأبرار وأن الموت حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن اللّه يبعث من في القبور ، إذا أتاك الملكان وسألاك فقل : اللّه ربي لا أشرك به شيئا ومحمد نبيي وعلى وصيه (1) والحسن والحسين - ويذكر الأئمة عليهم السلام واحدا بعد واحد الى آخرهم - أئمتي والإسلام ديني والقرآن شعاري والكعبة قبلتي والمسلمون إخواني. ثم ينصرف ، وان كان عليه تقية جاز له ان يقول ذلك سرا.
واعلم ان الميت إذا كان مهدوما عليه ، أو مصعوقا ، أو غريقا ، أو صاحب ذرب (2) أو مدخنا فلا ينبغي ان يدفن الا بعد ثلاثة أيام ، الا ان يظهر أمارات الموت
ص: 64
عليه ، والمصلوب لا يترك على خشبته أكثر من ثلاثة أيام ثم ينزل عنها ويدفن.
ولا يحمل ميتان على جنازة واحدة إلا لضرورة ، ولا ينقل ميت من قبره الى موضع آخر إلا لضرورة أيضا ، وقد ذكر جواز ذلك الى بعض مشاهد الأئمة عليهم السلام
وإذا كان الميت أمرية لم ينزل معها القبر الا زوجها أو ذو رحم منها ، فان لم يتمكن من ذلك ، جاز لبعض المؤمنين النزول.
ولا يهيل الوالد التراب على أحد من أولاده ، ولا الولد على والده ولا يلقى في القبر تراب من غير ترابه ، ولا يسنم بل يعمل مربعا ، ولا يلزم المقام عند القبر ، ولا يجصص ، ولا يدفن ميت في قبر وفيه ميت آخر إلا لضرورة.
وان كان القبر نديا جاز ان يفرش فيه ألواح خشب ، وإذا كان الميت خنثى ودعت الضرورة إلى دفنه في قبر ، فيه ميت آخر جعل خلف الرجل وجعل التراب بينهما ، وان كان الذي في القبر امرأة جعل امام المرية ويجعل التراب بينهما أيضا. وإذا اندرست القبور فلا تجدد بعد ذلك
« تم كتاب الطهارة »
ص: 65
قال اللّه سبحانه ( أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ) (1)
وقال اللّه تعالى ( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ ) (2)
وقال اللّه تعالى ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً ) (3)
وقال عزوجل( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ، إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ الاية ) (4)
وقال تعالى ( حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ ) (5) وإذا أردنا بيان أحكام الصلاة وجب ان نبين أشياء :
منها أقسامها ، ومنها إعدادها ، ومنها أوقاتها ، ومنها ما يجوز فيه من اللباس وما لا يجوز فيه من ذلك ، ومنها ما يجوز عليه من المكان وما لا يجوز عليه من ذلك ، ومنها ستر العورة ، ومنها ذكر القبلة ، ومنها الأذان والإقامة ، ومنها كيفيتها ، ومنها
ص: 66
ما يوجب إعادتها ، ومنها بيان أحكام السهو والشك فيها ، ونحن نذكر كل واحد من ذلك وما يتعلق به من أحكامه في فصل مفرد له بمشيئة اللّه تعالى.
أقسام الصلاة على ضربين : أحدهما صلاة اليوم والليلة ، والأخر ما عدا ذلك
واما صلاة اليوم والليلة : فهي الظهر والعصر والعشائان وصلاة الليل وصلاة الفجر. واما ما عدا ذلك فهو صلاة العيدين وكسوف الشمس والقمر ، وقضاء الفائت من الصلاة ، وصلاة النذر ، وركعتي الطواف ، والصلاة على الموتى ، وصلاة الاستسقاء ، ونوافل شهر رمضان ، وصلاة عيد الغدير ، وصلاة يوم مبعث النبي صلى اللّه عليه وآله وصلاة أمير المؤمنين على ابن ابى طالب وصلاة السيدة فاطمة عليهما السلام ، وصلاة الحبوة (1) وصلاة الاستخارة ، وصلاة الحاجة ، وصلاة ليلة النصف من رجب ، وصلاة ليلة النصف من شعبان ، وصلاة الشكر ، وصلاة الزيارات ، وصلاة ليلة عيد الفطر ، وصلاة الإحرام ، وصلاة تحية المسجد.
أعداد الصلاة على ضربين : أحدهما أعداد ركعات اليوم والليلة ، والأخر أعداد ما عدا ذلك.
وأعداد ركعات اليوم والليلة على ضربين : أحدهما أعداد الحضر ، والأخر أعداد السفر.
فأما أعداد الحضر فعلى ضربين : أحدهما أعداد فرائضه ، والأخر أعداد نوافله ، فاما أعداد فرائض الحضر فهي سبعة عشر ركعة : الظهر اربع ركعات ، والعصر والعشاء الآخرة مثل ذلك ، والمغرب ثلاث ركعات ، والفجر ركعتان.
فاما نوافل الحضر فهي أربع وثلاثون ركعة : ثمان ركعات نافلة الظهر ،
ص: 67
وثمان ركعات نافلة العصر ، واربع ركعات نافلة المغرب ، وركعتان من جلوس بعد العشاء الآخرة ، وثمان صلاة الليل ، وثلاث الشفع والوتر ، وركعتان نافلة الفجر.
فاما أعداد فرائض السفر فهي إحدى عشر ركعة : الظهر ركعتان ، والعصر والعشاء الآخرة كذلك ، والمغرب ثلاث ركعات ، والفجر ركعتان.
واما أعداد نوافل السفر فهي سبع عشرة ركعة : أربع ركعات نافلة المغرب وثمان صلاة الليل وثلاث الشفع والوتر ، وركعتان نافلة الفجر الأول.
فاما أعداد غير صلاة اليوم والليلة من الصلوات - فهي على ضربين : أعداد الفرائض منها. والأخر أعداد النوافل. فأما أعداد الفرائض من ذلك فهي : صلاة العيدين - كل واحدة منهما ركعتان - وصلاة كسوف الشمس والقمر - عشر ركعات بأربع سجدات - وصلاة قضاء الفائت بحسب الفائت - ان كان أربعا فاربعا ، وان كان ثلاثا فثلاثا ، وان كانت الصلاة ثنائية فاثنتان - وصلاة النذر بحسب ما ينذره الناذر ويوجبه من ذلك على نفسه قليلا كان أو كثيرا. وصلاة الطواف ركعتان. وصلاة الموتى خمس تكبيرات.
واما ما عدا ذلك من مندوبات الصلاة وهي : صلاة الاستسقاء - كصلاة العيدين - ونوافل شهر رمضان - ألف ركعة - والزيادة عليها مأة ركعة ليلة النصف منه وصلاة عيد الغدير - ركعتان - وصلاة يوم المبعث - اثنتا عشرة ركعة واربع ركعات صلاة أمير المؤمنين عليه السلام ، وركعتان صلاة سيدتنا فاطمة « سلام اللّه عليها ». واربع ركعات صلاة الحبوة وركعتان صلاة الاستخارة ، وركعتان صلاة الحاجة أيضا ، واثنتا عشرة ركعة صلاة ليلة النصف من شعبان. وركعتان صلاة الشكر. وركعتان صلاة الزيارة - لكل واحد ممن يزار ، (1) وركعتان صلاة يوم عرفة ، وركعتان صلاة ليلة عيد الفطر ، وستة ركعات أو ركعتان صلاة الإحرام.
ص: 68
واربع ركعات الزيادة على نوافل الجمعة ، وركعتان صلاة تحية المسجد.
أوقات الصلاة على ضربين : أوقات الفرائض ، وأوقات النوافل ، فأما أوقات الفرائض فعلى ضربين :
أحدهما : أوقات فرائض اليوم والليلة.
والأخر : أوقات الفرائض لما عدا ذلك.
فاما أوقات فرائض اليوم والليلة فخمسة أوقات :
أولها الظهر وله وقتان : أول وآخر ، فالأول زوال الشمس من وسط السماء إلى جهة المغرب ، والأخر ان يصير ظل كل شي ء مثله.
والثاني العصر وله وقتان : أول وآخر ، فالأول حين الفراغ من فريضة الظهر ، والأخر ان يصير ظل كل شي ء مثليه.
والثالث المغرب وله وقتان : أول وآخر ، فالأول سقوط القرص من أفق المغرب ، والأخر غيبوبة الشفق من جهته - وفي أصحابنا من ذهب الى انه لا وقت له ، الا واحد وهو غروب القرص في أفق المغرب وقد رخص للمسافر الذي يجد به السير ، تأخير ذلك الى ربع الليل.
والرابع العشاء الآخرة وله وقتان : أول وآخر ، فالأول حين الفراغ من فريضة المغرب - وقيل (1) غيبوبة الشفق ، والأخر ثلث الليل ، وقيل نصفه ، والثلث أحوط - وقد ذكر ان الوقت هاهنا للمضطر ممتد الى قبل طلوع الفجر.
والخامس الفجر وله وقتان : أول وآخر ، فالأول ابتداء طلوع الفجر الثاني - المعترض في جهة المشرق - والأخر ابتداء طلوع قرص (2) الشمس.
ص: 69
فاما وقت صلاة العيدين فهو ارتفاع الشمس.
ووقت صلاة الكسوف ابتداء كسوف القرص ، أو وجود الآية العظيمة من زلزلة ، أو ريح سوداء أو ما أشبه ذلك.
ووقت صلاة ركعتي الطواف حين الفراغ من الطواف ووقت صلاة الجنازة حين حضور الجنازة ووقت صلاة النذر حين حضور الزمان الذي علق النذر به ، ووقت صلاة الفائتة إذا كانت منسية ، حين الذكر لها ، فان لم تكن منسية فجميع الأوقات الا ان يكون قد تضيق وقت الحاضرة ، فإنه إذا كان ذلك ، صليت الحاضرة ورجع بعد ذلك الى القضاء.
وأوقات النوافل على ضربين : أحدهما يصح فعلها فيه ابتداء وقضاء ، والأخر مكروه ، واما الأول فهو أوقات نوافل اليوم والليلة وهي ستة أوقات :
أولها : نوافل الظهر ، وهو ما بين زوال الشمس الى ان يبقى من وقت الظهر مقدار ما يؤدى فيه اربع ركعات إلا في يوم الجمعة خاصة ، فإنه يجوز تقديم النوافل قبل الزوال أو تأخيرها الى بعد صلاة فريضة العصر.
وثانيها : وقت نوافل العصر ، وهو ما بين الفراغ من فريضة الظهر الى ان يبقى من وقت العصر مقدار ما يؤدى فيه اربع ركعات إلا في يوم الجمعة أيضا فإنه ينبغي تقديم ذلك أو تأخيره كما ذكرناه من حيث انه لا ينبغي للمصلي أن يفرق بين فريضتي الظهر والعصر فيه.
وثالثها : نوافل المغرب وهو من حين الفراغ من فريضته الى حين زوال الشفق من المغرب.
ورابعها : وقت الوتيرة وهو حين الفراغ من فريضة العشاء الآخرة.
وخامسها : وقت صلاة الليل وهو من انتصافه الى قبل طلوع الفجر.
وسادسها : وقت ركعتي الفجر وهو ما بين الفراغ من صلاة الليل الى طلوع الحمرة من ناحية المشرق.
وأوقات ما عدا نوافل اليوم والليلة وهي : انبساط الشمس وقت صلاة -
ص: 70
الاستسقاء ، فإذا بقي إلى زوال الشمس مقدار ساعة أو دونها وقت صلاة عيد الغدير ، ارتفاع النهار وقت صلاة الشكر و (1) تجدد النعم ، وارتفاعه أيضا وقت صلاة عاشورا على بعض الأقوال.
واما المكروه من الأوقات ، فيختص بالنوافل المبتدأة بها من غير سبب وهي : حين طلوع الشمس ، ووقت قيامها نصف النهار في وسط السماء إلا في يوم الجمعة ، وبعد فريضة العصر ، وحين غروب القرص ، وبعد فريضة الغداة.
وأول الوقت وقت من لا عذر له ، وآخره وقت ذوي الاعذار ، والاعذار : المرض ، والسفر ، والمطر ، والشغل بما يستضر بتركه في الدين أو الدنيا. والضرورة (2) الصبي إذا بلغ ، والحائض إذا طهرت ، والمجنون إذا أفاق ، والمغمى عليه أيضا كذلك ، والكافر إذا أسلم.
وكل من صلى في الوقت كان مؤديا سواء كان في أوله أو في آخره ما لم يخرج الوقت وقد بقي عليه من الصلاة بقية فإن كان كذلك كان قاضيا ومن صلى قبل دخول الوقت لم يكن مؤديا ولا قاضيا وكان عليه الإعادة - لما صلاة - إذا دخل الوقت ، ومن صلى بعد خروج الوقت كان قاضيا وإذا زالت الشمس وصارت بعد الزوال على قدمين ولم يكن المكلف صلى من نوافل الظهر شيئا فينبغي ان يؤخرها ويبدأ بالفريضة ، وهكذا ينبغي ان يفعل في نوافل العصر مع فريضته إذا صار الظل بعد الزوال على أربعة أقدام فإن كان قد صلى شيئا من النوافل وانتهى الظل الى ما ذكرناه تممها على التخفيف وصلى الفرض بعد ذلك. ومن أدركه الفجر ولم يكن صلى شيئا من صلاة الليل فينبغي ان يبتدأ بصلاة الفجر ، ويؤخر صلاة الليل ، فان كان
ص: 71
قد صلى عند الفجر من صلاة الليل اربع ركعات تم صلاتها على التخفيف وصلى الغداة ، وإذا قام إلى صلاة الليل ، وقد قرب طلوع الفجر خفف فيها واقتصر على قراءة الحمد وحدها.
ولا يجوز تقديم صلاة الليل في أوله إلا المسافر يخاف من فوتها ، أو شاب يخاف ان يمنعه من القيام آخر الليل رطوبة رأسه ، ولا ينبغي ان يجعل ذلك ، عادة وقضاء صلاة الليل من الغد أفضل من تقديمها في أول الليل.
ومن أدركه الفجر ولم يكن صلى شيئا من صلاة الليل جاز ان يصلى نافلة الفجر ما بينه وبين طلوع الحمرة من ناحية المشرق ، فاذا طلعت الحمرة كان عليه الابتداء بفريضته.
ومن ابتدأ بالصلاة قبل دخول الوقت ودخل الوقت وهو في شي ء منها وتمم باقيها فيه ، كانت صلاته مجزية ، فاما من صلى قبل دخول الوقت وفرغ من صلاة لم يكن مجزية.
فاما من صلى بعد خروجه فقد تقدم ذكره.
فاذا كنا قد ذكرنا الأوقات فينبغي ان نذكر ما يعرف به زوال الشمس.
* * *
زوال الشمس يعرف بميزانها ، أو بالاسطرلاب وذلك مشهور.
فان لم يتمكن من يريد معرفة ذلك مما ذكرناه أمكن ان يعرفه بالدائرة الهندية (1) وصفة ذلك : ان يقصد لها أرضا مستوية البسطة (2) ، يدير فيها دائرة معتدلة ، ويأخذ عودا معتدلا - يكون طوله مثل نصف دنوها الى جانب الدائرة ويجوز ان
ص: 72
يكون أطول قليلا - ويعمله غليظ الأسفل دقيق الرأس مثل السلة (1) - وينصبه في وسطها ، موضع مركزها وينظر ظله :
فإنه يجده في أول النهار ممتدا خارجا عن محيطها ، وكلما ارتفعت الشمس نقص الظل حتى يصير طرفه على محيطها ، وينبغي ان يرقبه : فاذا صار على محيطها ، أعلم عليه ثم يتركه فإنه لا يزال ينقص حتى يدخل الدائرة ويقصر بعد ذلك الى نصف النهار ثم يعود في الزيادة بعد نصف النهار.
فإنه ينبغي ان يرقبه قبل خروجه - في محيط الدائرة - وإذا صار طرف الظل عليها ، اعلم عليه ، ثم يخط خطا مستقيما من العلامة الاولى الى العلامة الثانية ، فيكون كالوتر لقوس ، ثم يقسم القوس الذي تحته بنصفين ، ويقسم الدائرة بمجموعها من نصف القوس أرباعا يتقاطع بخطين ، فيكون الخط الخارج من نصف القوس إلى أعلى الدائرة هو خط نصف النهار الممتد من الشمال الى الجنوب ، والخط القاطع له عرضا هو الخط الممتد من الشمرق الى المغرب ، وإذا تم ذلك وكان العود منصوبا في وسط هذه الدائرة والقى ظله على الخط الذي ذكرناه انه خط نصف النهار كانت الشمس في وسط السماء ، فإذا ابتدأ طرف رأس الظل يخرج عنه فقد زالت الشمس وذلك وقت الصلاة.
فإذا لم يتأت الإنسان عمل هذه الدائرة فليقصد إلى أرض معتدلة السطح ، فينصب فيها عودا بصفة العود الذي تقدم ذكره ثم يرقب ظله فإنه يكون في ابتداء النهار طويلا - ولما ارتفعت الشمس نقص الى ان تقف الشمس في وسط السماء فيقف الظل ثم يبتدئ في الزيادة - إلى جهة المغرب (2) ، فينبغي ان يرقبه حينئذ وكلما نقص ، اعلم عليه بنقط يضعها على رأس الظل - وكلما نقص فعل ذلك الى
ص: 73
ان تعين له الزيادة (1) على موضع النقطة التي انتهى إليها ، فإذا صار كذلك فقد زالت الشمس.
اللباس على ضربين : أحدهما ، تصح الصلاة فيه والأخر لا تصح ، فالذي تصح فيه على ضربين : أحدهما ، تصح فيه على كل حال والأخر مكروه.
فأما الذي تصح على كل حال : فهو جميع ما أنبته الأرض من أنواع الحشيش والنبات إذا عمل حتى يصح كونه ساترا ، وصوف كل حيوان يؤكل لحمه إذا ذكي ، وشعره ، وجلده ، ووبره ، والخز الخالص ، والثوب إذا كان لحمته قطنا أو كتانا والباقي إبريسم ، والخفان (2)
ولا بد من الاعتبار في جميع ذلك كونه طاهرا ، مع صحة التصرف فيه بملك أو إباحة ، لأنه متى لم يكن كذلك لم يصح فيه الصلاة.
واما المكروه فهو : الرداء إذ اشتمل اشتمال الصماء (3) والمئزر إذا شد فوق القميص ، والثوب إذا كان شفافا ، وثوب المرية للرجل ، ولقباء المشدود. وثوب شارب الخمر ومستحل النجاسات أو شي ء منها وان لم يعلم ان عليه النجاسة ، والنقاب للمرأة ، واللثام للرجل ، والتكة والقلنسوة وما يجرى مجراها مما لا يتم الصلاة به منفردا إذا كان على شي ء من ذلك نجاسة.
والثوب الأسود. والمقدم (4)
واما الذي لا تصح فيه على حال فهو : الإبريسم المحض ، وصوف ما لا يؤكل
ص: 74
لحمه ، وشعره ، ووبره ، وجلده وان ذكي ودبغ ، وجلود الميتة كلها ، ما تصح عليه الزكاة منها وما لا تصح وان دبغت أيضا ، واللباس المغصوب.
وما كان من اللباس مغشوشا بوبر الأرانب وما أشبهها ، والفنك (1) والسمور والسنجاب ، والثوب المدبج (2) بالديباج أو الحرير المحض ، والشمشك (3) ، والنعل السندي.
وما عليه شي ء من النجاسة - إذا كانت الصلاة مما تتم به منفردا - وثوب الإنسان إذا كان عليه سلاح مشهر - مثل السيف أو السكين - وكذلك إذا كان في كمه مفتاح حديد الا ان يلفه بشي ء ، وإذا كان معه دراهم سود الا ان يشدها في شي ء ، والخاتم إذا كان فيه صورة ، وخلاخل النساء إذا كان لها صوت.
المكان على ضربين : أحدهما تجوز عليه الصلاة ، والأخر لا تجوز.
والذي تجوز الصلاة عليه على ضربين : أحدهما تجوز الصلاة عليه على كل حال والأخر مكروه ، فاما ما تجوز الصلاة عليه على كل حال فهو كل ما أطلق عليه اسم الأرض ، وكل ما أنبته إلا ما يؤكل ويلبس ، فان كانت الحال حال ضرورة جاز السجود على ثوب قطن أو كتان ، والاولى ترك ذلك.
ولا بد من الاعتبار - فيما ذكرناه - بصحة التصرف - بالملك ، والإباحة - فمتى لم يكن كذلك لم تكن الصلاة صحيحة.
واما المكروه فهو مرابط الدواب ، والإبل ، والبيت الذي فيه مجوسي أو غيره من الكفار ، والحمام ، وجوف الوادي ، وقرى النمل ، ومرابض الغنم ،
ص: 75
وجواد الطرق (1) وبيوت النيران ، والأرض السبخة ، وبين القبور ، والثلج ، والأجر ، والخشب (2) والحجر مع التمكن من الأرض ، والجص ، والبيع والكنائس وبيت شارب الخمر ، وذات الصلاصل ، ووادي ضجنان ، والبيداء ، ووادي الشقرة (3) والقرطاس المكتوب.
واما ما لا تجوز الصلاة عليه ، فهو ما انطلق (4) عليه اسم الأرض ولم يصح التصرف فيه بملك ولا اباحة.
ويلحق بهذا المكان إذا اذن صاحبه لغيره في المقام فيه ثم نهاه بعد ذلك عن المقام أو أمره بالخروج فلم يخرج واقام ، فإنه إذا كان كذلك ، وصلى والوقت متسع ، لم تصح الصلاة ، وان كان الوقت ضيقا صحت ، وكل ما أنبتته الأرض مما يؤكل ، ويلبس أو مما لا يؤكل ولا يلبس ، ولم يصح التصرف فيه بالملك أو بالإباحة. وان كان طاهرا ، وجلد كل حيوان يصح فيه الذكاة والصلاة ، أو لا يصح ، وشعره ووبره ، وصوفه ، والقير ، والذهب ، والفضة ، والمعادن ، وداخل الكعبة للفرائض وحدها ، لان النوافل يجوز صلاتها فيها.
المساجد أفضل المواضع والأمكنة التي يصلى فيها ، ولما كانت كذلك وجب ذكرها وما يتعلق بها.
ص: 76
قال اللّه سبحانه ( إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) الاية (1) وروى عن النبي صلى اللّه عليه وآله انه قال من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى اللّه له بيتا في الجنة (2) وروى عنه صلى اللّه عليه وآله انه قال من كان القرآن حديثه والمسجد بيته بنى اللّه له بيتا في الجنة (3)
وروى عن الأئمة عليهم السلام ان الصلاة في المسجد الحرام بمأة ألف صلاة (4) والصلاة في مسجد النبي صلى اللّه عليه وآله بعشرة آلاف صلاة (5) والصلاة في بيت المقدس بألف صلاة وفي المسجد الأعظم بمأة صلاة ، وفي مسجد القبيلة بخمس وعشرين صلاة وفي السوق باثنتي عشرة صلاة ، وصلاة الرجل في بيته وحده صلاة واحدة (6) وصلاة الفرائض في المساجد أفضل منها في البيوت ، وصلاة النساء في بيوتهن أفضل منها في غيرها (7) وصلاة النوافل في البيوت أفضل من المسجد ولا سيما صلاة الليل.
بناء المسجد فيه ثواب عظيم ، وفضل جزيل ، وينبغي ان لا يعلى ولا يظلل ، ولا يزخرف ، ولا يشرف ، ومأذنة المسجد ينبغي ان تبنى مع حائطه ولا ترفع عليه ولا يبنى في وسطه ، ولا يجعل المحراب داخلا في بناء الحائط ، ومن أخذ من آلته شيئا من الحصى أو غيره وجب رده اليه أو الى غيره من المساجد ولا تنشد فيه الضالة.
ويجنب البيع والشرى وإنشاد الشعر ، ورفع الأصوات ، ودخول الصبيان والمجانين عليه ، واقامة الحدود فيه وبري ء النبل ، وسل السيوف ، وعمل الصنائع وينبغي للإنسان ان لا ينام فيه ، وإذا أكل شيئا من بصل أو ثوم لم يدخله ، حتى تزول رائحة
ص: 77
ذلك عنه ، وما ينبغي فعله من التيمم لمن أجنب في المسجد الحرام ، ومسجد النبي صلى اللّه عليه وآله قد ذكرناه فيما تقدم (1)
ومن أراد دخول المسجد فليمسح أسفل رجليه ، أو أسفل شمشكه ، أو خفه ، أو نعله ، أو ما يكون فيه ، ويقدم رجله اليمنى عند دخوله ، ويقول : بسم اللّه وباللّه ، اللّهم صل على محمد بن عبد اللّه وعلى آله ، وافتح لنا باب رحمتك واجعلنا من عمار مساجدك جل ثناء وجهك.
وإذا أراد الخروج قدم رجله اليسرى في ذلك ، ويقول : اللّهم صل على محمد وآل محمد ، وافتح لنا باب فضلك. وان أراد ان يبصق فليضع ذلك في أسفل ما يمشى به من شمشك أو غيره ، ولا يبصق في المسجد فان فعل ذلك فليدفنه في التراب ولا يدفن فيه ميت.
وتنظيف المساجد فيه فضل كثير ، وكذلك اسراجها ، ولا يكشف في شي ء منها عورة وإذا بنى الإنسان مسجدا في داره جاز له تغييره ، وتوسيعه وتضييقه ، وإذا استهدم المسجد فصار مما لا يرجى فيه الصلاة بخراب ما حوله وانقطاع الطريق عنه وكان له آلة جاز أن يستعمل فيما عداه من المساجد ، وإذا صار على هذه الصفة لم يعد ملكا على حال.
الاجتماع في الفرائض فيما عدا الجمعة مندوب اليه وفيه فضل كثير ، واما في الجمعة مع اجتماع الشروط فواجب ، وقد روى أن صلاة الرجل جماعة يزيد على صلاة من صلى وحده في الفضل بخمسة وعشرين صلاة (2) والأفضل للإنسان ان لا يترك الجماعة إلا لعذر والعذر على ضربين : أحدهما عام والأخر خاص فاما
ص: 78
العام فهو : المطر ، والوحل ، والريح الشديد ، وما جرى مجرى ذلك ، واما الخاص فهو الخوف والمرض ، ومدافعة الأخبثين ، وفوات الرفاق ، وحضور الطعام مع شدة الحاجة إلى أكله ، أو خبز أو طبيخ يخاف على تلفهما ان تركهما ، أو يكون له عليل ، أو مريض شديد ، أو يغلبه النعاس الكثير يخاف من انتظار الجماعة عليه النوم وانتقاض الطهر فتفوته الصلاة ، أو إباق عبد أو هلاك مال ، أو ما يجرى مجرى ذلك.
وتنعقد الجماعة بشرطين أحدهما العدد ، والأخر الأذان والإقامة ، وأقل ما ينعقد به العدد ثلاثة أحدهم الامام ، وينبغي أن يعدل الصفوف ، ويكون بين كل صفين مربض عنز وما أشبه ذلك ، ولا يمكن أحد من الصبيان والعبيد ، والنساء والمخنثين من الوقوف في الصف الأول ، وإذا امتلأت الصفوف ووقف الإنسان وحده كان جائزا ، وإذا رأى الإنسان خللا في الصف فيستحب ان يسده بنفسه ، ويجوز للإنسان أن يقف بين الأساطين ، وإذا وقف الرجل بحيث يكون بينه وبين الامام ساتر من جدار وما جرى مجراه أو كان خلف المقاصير (1) التي ليست مخرمة (2) لم تكن صلاته جماعة ، وقد رخص للنساء في ذلك ، وأفضل الصفوف الصف الأول وما قرب من الامام ، وكان عن يمينه ، وإذا صلى في المسجد جماعة ، فإنه يكره ان تصلى فيه تلك الصلاة بعينها جماعة.
وان حضر قوم بعد الصلاة وأرادوا أن يصلوا جماعة وكانت الصفوف لم تنقض جاز أن يتقدم واحد منهم ويصلى بهم ، ولا يصلى بهم الذي كان أم الناس ولا يؤذن ولا يقام لها ، لأن الأذان والإقامة المتقدمة كافية في ذلك ، وان كانت الصفوف قد انقضت اذن واقام وصلى بهم.
* * *
ص: 79
لا يجوز لأحد أن يتقدم في الصلاة على الإمام الأعظم ، فاما من عداه فيجوز تقديمه على غير الإمام الأعظم من الناس إذا جمع شروطا ، وهي : كونه حرا بالغا كامل العقل موثوقا بورعه ودينه سليما من العاهات والأسباب التي نذكرها « في من يؤم بمثله » واما من يؤم بمثله ، ولا يؤم بغيره من الأصحاء السليمين ، فهو الأبرص ، والمجذوم ، والمفلوج ، والزمن ، فهؤلاء كما ذكرناه لا يؤم واحد منهم الا بمن كان بمثله ، ولا يؤم بمن يخالفه في الصحة والسلامة ، ولا يؤم العبيد بالاحرار ، الا ان يكونوا ساداتهم إذا كان العبد أقرأهم ، ولا تؤم المرأة الرجال ، ويجوز ان تؤم النساء ولا يؤم الأعرابي المهاجرين ، ويجوز ان يؤم بغيرهم ، ولا يؤم المتيمم بالمتوضين ويجوز أن يؤم المتيممين ولا يؤم المسافر الحاضرين ويؤم المسافرين وقد ذكر أن إمامته للحاضرين جائز الا أنها مكروهة وعلى هذا الوجه ان أم بالحاضرين فينبغي له إذا تمم فرضه سلم وقدم غيره من الحاضرين ليتم الصلاة بهم.
ولا يجوز امامة كل من خالف الحق بمذهب ، أو دين ، ومن يتظاهر بولاية أمير المؤمنين على بن ابى طالب عليه السلام ولا يتبرء من أعدائه ، وولد الزنا والفاسق والمحدود وان كان موافقا في الاعتقاد والأعمى إذا لم يسدده من خلفه ، فان سدده (1) كانت إمامته جائزة ، ومن لم يكن من الصبيان بالغا لم تجز إمامته ، وقد ذكر في ذلك عاق والدية وقاطع رحمه والأغلف.
وإذا حضر الصلاة من نصبه الإمام الأعظم لم يتقدم أحد عليه وإذا حضر رجل من بنى هاشم وهو على الشرائط التي قدمنا ذكرها ، فينبغي تقديمه ، ولا يتقدم أحد على أميره ، ولا على من هو في مسجده ، أو منزله الا أن يقدم ، ويتقدم اقرء الجماعة
ص: 80
فإن استووا فأكبرهم سنا ، فاذا استووا فأصبحهم وجها ويكره لمن يؤم بالناس ان يصلى في محراب داخل في الحائط ، وإذا قامت الصلاة وكانت مما يصلى بإمام لم تجز صلاة النوافل في هذا الحال ، ولا يجوز للإمام أن يصلى بالناس جالسا الا ان يكونوا عراة فإنهم إذا كانوا كذلك صلوا جلوسا وتقدمهم الامام بركبتيه ، ولا يجوز ان يكون موضع وقوف الإمام أعلى من موضع المأمومين بما يعلم تفاوته ، ويجوز ان يكون موضع المأمومين أعلى من موضع الامام.
وإذا حضر لصلاة الجماعة اثنان بغير زيادة عليهما فليقف أحدهما عن يمين الأخر ويصليان ، ومتى أم من يصح تقدمه بغيره في صلاة جهرة وقرء ، فلا يقرء المأموم بل تسمع قراءته فان كان لا يسمع قراءته كان مخيرا بين القراءة وتركها ، وان كانت صلاة أخفاه فيستحب للمأموم أن يقرء فاتحة الكتاب وحدها. ويجوز ان يسبح اللّه تعالى ويحمده.
وإذا أم من لا يجوز الاقتداء به فعلى من خلفه ممن يأتم به القراءة على كل حال جهر الامام بالقراءة أو لم يجهر ، وإذا رأى إنسان رجلين يصليان ونوى الائتمام بواحد منهما غير معين لم تصح صلاته ، وإذا رأى اثنين يصليان ، أحدهما مأموم والأخر امام فنوى الائتمام بالمأموم لم تصح صلاته وإذا صلى رجلان فذكر كل منهما انه امام صحت صلاتهما ، وان ذكر كل واحد منهما أنه مأموم لم تصح صلاتهما ، وكذلك ان شكا ولم يعرف كل واحد منهما أنه مأموم لم تصح صلاتهما أيضا ولا يؤم الأمي بقارئ ، والأمي هو الذي لا يحسن قراءة الحمد ، والأمي يجوز أن يأتم بالأمي ومن صلى خلف من لا يأتم به فعليه أن يقرأ لنفسه ، وأقل ما يجزى الإنسان قراءة الحمد وحدها.
ومن صلى خلف من لا يقتدى به وكان عليه تقية ولم يتمكن من قراءة أكثر منها كان جائزا ويجزيه أيضا ان كان عليه تقية ان يكون قراءته مثل حديث النفس ولا يجوز له ترك القراءة على حال ، وإذا سبق الإمام الذي لا يقتدى به الى الفراغ
ص: 81
من السورة فالأفضل ان يبقى منها آية فإذا وصل الامام إليها تممها هو بذلك معه ، فاذا فرغ منها قبله فينبغي له ان يسبح اللّه تعالى ويحمده الى حين فراغه من القراءة
ومن أدرك تكبيرة الركوع فقد أدرك تلك الركعة ، وان لم يدركها فقد فاتته وإذا سمع تكبيرة الركوع قبل وصوله الى الصف فليركع ويمشى وهو كذلك حتى يصل الى الصف ويتم ركوعه ، وإذا رفع الإمام رأسه من الركوع فليسجد ، فاذا نهض إلى الثانية فيلحق بالصف ، فاذا خاف الإنسان من فوت الركوع أجزأه ان يكبر تكبيرة واحدة للافتتاح والركوع ، وان كان لا يخاف من ذلك كبر تكبيرتين واحدة للافتتاح والأخرى للركوع ومن فاته مع الإمام ركعة أو ركعتان جعل ما يدركه معه أول صلاته ، فاذا سلم الامام قام هو ويتمم ما فاته.
وينبغي للإمام ان يسمع من خلفه الشهادتين ، وإذا اقتدى إنسان بغيره في صلاته لم يجز له ان يرفع رأسه قبل رفع رأسه من ركوع ولا سجود ، فان فعل ذلك ناسيا عاد الى الركوع أو السجود حتى يرفع رأسه مع الامام ، وان تعمد ذلك لم يرجع الى الركوع ولا السجود ، بل يقف حتى يلحقه الامام ، وان كان الامام لا يقتدى به وفعل ذلك معه ، فلا يرجع اليه ، متعمدا كان في ما فعله أو ناسيا ، فان عاد اليه كان قد زاد في صلاته ، وذلك لا يجوز.
ومن لحق الامام وقد رفع رأسه من الركوع سجد معه ولم يعتد بتلك السجدة. ويجوز له ان يقف حتى يقوم الإمام إلى الثانية ومن لحقه وهو في التشهد جلس معه حتى يسلم ، فاذا سلم قام هو واستأنف الصلاة. والامام إذا علم بدخول قوم الى المسجد وهو في الركوع ، أطال فيه حتى يلحقوا به في ذلك.
وإذا سلم الإمام فينبغي ان يسلم تسليمة واحدة تجاه القبلة ، ويشير بمؤخر عينه اليمنى بها الى جهة يمينه. ولا يزول من موضع صلاته حتى يتم من فاته شي ء من الصلاة خلفه (1) ، ما فاته منها ومن لم يكن صلى الظهر ثم دخل مع الإمام في صلاته
ص: 82
العصر لم يجز أن يصليها عصرا ولا أن يقتدى به ، فان نوى انها له ظهر كان جائزا.
ومن كان اماما ثم أحدث في الصلاة حدثا ينقض الطهارة أو يقطعها ، فينبغي ان يقدم غيره ليتم الصلاة بالناس ، ويستحب ان يكون هذا الذي يقدم ممن قد شهد الإقامة للصلاة ، فان لم يكن كذلك جاز تقديمه على كل حال ، وان كان ممن قد فاته من الصلاة ركعة أو ركعتان كان أيضا جائزا غير أنه إذا صلى بهم تمام صلاتهم أومأ بالتسليم لهم إيماء ، أو قدم من يسلم بهم ثم يقوم هو فيتمم الباقي له من الصلاة
والامام إذا مات فجأة أزيل من القبلة وقدم من يتمم الصلاة بالناس.
وإذا دخل إنسان في صلاة نافلة ثم أقيمت الصلاة كان له قطعها ، والدخول في الجماعة ، وإذا كان في فريضة كان له قطعها إذا كان الإمام إمام الأصل وإذا لم يكن الإمام إمام الأصل وكان ممن يقتدى به تمم صلاته التي هو فيها ركعتين على التخفيف ويعدهما نافلة ، وان كان ممن لا يقتدى به بنى على ما هو فيه ، ودخل معه في الصلاة ، فاذا فرغ من صلاته سلم ثم قام مع الامام وصلى ما بقي له معه واعتده أيضا من النافلة وإذا اتفق قيام الإمام في حال تشهده اقتصر فيه على الشهادتين وسلم قائماً.
وإذا كان الامام مخالفا في الاعتقاد وقرأ سورة سجدة ولم يسجد فينبغي ان تومئ أنت بالسجود إيماء ومن اضطر الى التسليم قبل ان يسلم الامام جاز له الخروج
ومن صلى بقوم الى غير القبلة ومن خلفه عالم بذلك كان على الجميع إعادة الصلاة فان لم يكن الذين خلفه عالمين بذلك لم يكن عليهم اعادة وكانت الإعادة على الامام وحده.
سترها في الصلاة على ضربين ، أحدهما عورة الرجال والأخر عورة النساء فأما عورة الرجال فهي من السرة إلى الركبتين وأقل ما يجزى في ستر العورة مئزر وما أشبهه
ص: 83
مما إذا استتربه واسبل (1) به ستر الركبتين ، فقد ذكر أن الواجب ستر القبل والدبر وما عدا ذلك مستحب ، وما ذكرناه هو الأحوط ، فاما عورة النساء فهي جميع أبدانهن إلا رءوس المماليك ومن لم تبلغ من الحرائر : فإن هؤلاء يجوز لهن كشف رءوسهن في الصلاة والأفضل لهن سترها ، وأقل ما يجزى البالغ من الحرائر درع يسترها الى قدميها وخمار ، والمماليك ومن ليس ببالغ درع يستر الى القدمين ، والأفضل التجمل باللباس للصلاة مع القدرة على ذلك والتمكن منه والأفضل للرجال إذا أراد الصلاة ان يرتدي ويلبس العمامة محنكا في صيف كان أو في شتاء.
القبلة هي الكعبة ، والعلم بها واجب مع التمكن للتوجه إليها في فرائض الصلاة وسننها ، واحتضار الموتى من الناس ، وغسلهم ، والصلاة عليهم ، ودفنهم والذبائح.
فكل من شاهد الكعبة وجب عليه التوجه إليها ، فان لم يشاهدها وشاهد المسجد الحرام وجب عليه التوجه الى المسجد الحرام وان لم يشاهد الكعبة ولا المسجد الحرام وجب عليه التوجه الى الحرم سواء كان مشاهدا له أو لم يكن كذلك ، وما قدمناه في معرفة زوال الشمس به ، يعرف به جهة القبلة ، لأن الشمس إذا زالت مالت (2) من بين عيني الإنسان حتى تصير على حاجبه الأيمن كان متوجها إليها ، وإذا كان في الليل كان متوجها إليها بأن يجعل الجدي على منكبه الأيمن ، وان كان عند طلوع الفجر جعله على يده اليسرى.
ص: 84
وإذا تقدمت له المعرفة بجهة القبلة امكنه أيضا ان يعرف زوال الشمس بان يتوجه إليها فيرى الشمس على حاجبه الأيمن. (1)
ويمكن ان يعرف ذلك بان يجعل الإنسان منكبه الأيمن بإزاء المغرب والأيسر بإزاء المشرق ثم ينظر الشمس ، فاذا رآها قد زالت وصارت (2) على حاجبه الأيمن كان متوجها الى القبلة ، فإن كان عارفا بالجهة التي تنتهي الشمس إليها في الصيف ثم ترجع (3). وعارفا بالجهة التي إذا رجعت انتهت ثم عادت ، وكذلك في جهتي انتهائها في المغرب ورجوعها ، ثم تحرى (4) جهة الوسط بان يجعل منكبه بإزاء الوسط من الجهتين المذكورتين في المغرب ومنكبه الأيسر بإزاء الوسط من الجهتين المذكورتين في المشرق. ثم توجه إلى جهة الجنوب ، فإنه إذا وقف كذلك ووجد الشمس قد زالت وصارت على حاجبه الأيمن عرف بذلك الزوال وكان متوجها الى القبلة.
وإذا أطبقت السماء بالغيم ، وحضر وقت الصلاة ، ولم يتمكن المكلف من المعرفة بجهتها ولأغلب في ظنه ذلك ، صلى إلى أربع جهات ، الصلاة بعينها اربع صلوات ، فان لم يتمكن من ذلك لخوف أو غيره من الضرورات ، صلى الى أى جهة أراد والمحبوس إذا كان لا يتمكن من المعرفة بجهة القبلة ، كان حكمه ما قدمناه ومن كان على سطح الكعبة فعليه ان ينزل ويتوجه إليها فان لم يتمكن من ذلك لضرورة استلقى على ظهره ونظر الى السماء وصلى إليها ، وقد ذكر أنه إذا فعل ذلك كان متوجها الى البيت المعمور (5).
ص: 85
وإذا اجتمع قوم غير عارفين بجهة القبلة بشي ء من الوجوه التي ذكرناها وأرادوا أن يصلوا جماعة جاز لهم ذلك بأن يقتدوا بواحد منهم إذا كانت أحوالهم متساوية في التباس القبلة عليهم. فان غلب في ظن بعضهم جهة القبلة وتساوى ظن الباقين كان ذلك أيضا جائزا لهم بان يقتدوا به ، لان فرضهم الصلاة الى الجهات الأربع مع التمكن والى واحدة منها مع الضرورة ، وهذه الجهة واحدة من ذلك
فان اختلف ظنونهم وادي كل واحد منهم اجتهاده إلى القبلة في خلاف الجهة التي ظن الأخر انها بها ، لم يجز ان يقتدى واحد منهم بالآخر. وإذا وجب على قوم منهم الصلاة الى أربع جهات جاز لهم الصلاة جماعة ، ويقتدى كل واحد منهم بصاحبه في الجهات الأربع.
ومن دخل الى غير بلده من البلدان أو المواضع جاز له ان يصلى الى قبلة ذلك البلد أو الموضع الذي دخل إليه ، فإن علم أو غلب على ظنه ان تلك القبلة غير صحيحة لم تجز له الصلاة إليها وكان عليه ان يجتهد في طلب القبلة - بأحد الوجوه التي ذكرناها - ثم يتوجه إليها.
ومن لا يحسن الاعتبار في طلب جهة القبلة بشي ء مما ذكرناه ، وأخبره عدل بأن القبلة في جهة معينة جاز له الرجوع في ذلك الى قوله.
والمسافر إذا كان ماشيا لم يجز له أن يصلى الا وهو مستقبل القبلة ، فإن كان على راحلة لم يجز له مع الاختيار ان يصلى الا كذلك (1) ، فان كان مضطرا أو غير متمكن من النزول عنها جاز ان يصلى عليها بعد ان يستقبل القبلة ويجوز صلاة النوافل في السفر على الراحلة وان كان المسافر مختارا بعد ان يستقبل القبلة ، فان لم يمكنه ذلك استقبلها بتكبيرة الإحرام ثم يصلى كيف ما توجهت به راحلته ، وكذلك الماشي إذا لم يتمكن من استقبالها في جميع صلاته.
ص: 86
ومن كان في سفينة وهو متمكن من ان يدور إلى القبلة - إذا دارت هي في خلاف جهتها - فعل ذلك ، فان لم يتمكن من ذلك صلى الى صدر السفينة بعد ان يستقبلها بتكبيرة الإحرام.
ومن كان في حرب شديد ومسائفة وخوف من ذلك لا يتمكن معه من استقبال القبلة سقط عنه فرض الاستقبال لها وكانت صلاته على ما سنذكره في باب صلاة الخوف ان شاء اللّه تعالى.
ومن كان عالما بدليل القبلة ثم التبس عليه ذلك لم يجز له ان يقلد غيره في الرجوع الى واحدة من الجهات الأربع التي كلف الصلاة إليها مع الالتباس ، فان كان به ضرورة صلى الى اى جهة أراد ، فإن قلد غيره في حال الضرورة دون الاختيار كان جائزا إذا كانت الجهة التي يقلد فيها غير (1) فمخير في الصلاة إليها أو الى غيرها.
ولا يجوز للمكلف قبول قول غير العدل في شي ء من الجهات مسلما كان أو كافرا.
ومن صلى إلى جهة من الجهات ثم بان له انه قد صلى الى غير القبلة ، وكان الوقت باقيا كان عليه إعادة الصلاة. فإن كان قد اقتدى به في هذه الصلاة أعمى أو قبل قوله فيها ولم يقتد به كان عليه أيضا الإعادة ، وان كان الوقت قد انقضى لم يكن عليه إعادة الا ان يكون قد صلى مستدبر القبلة ، فحينئذ تكون عليه الإعادة.
والضرير (2) إذا دخل في صلاة إلى جهة بقول واحد من الناس ثم ذكر له آخر ان القبلة في غير تلك الجهة كان عليه ان يأخذ بقول أعدلهما عنده ، فان تساويا في العدالة مضى في صلاته.
ص: 87
وإذا دخل الأعمى في صلاة إلى جهة بقول بصير ثم أبصر ورأى علامات القبلة وأماراتها صحيحة بنى على صلاته ، فان افتقر - حين أبصر - إلى تأمل كثير وطلب الأمارات ومراعاة لذلك كان عليه استئناف الصلاة ، وهو الأحوط من قول من قال : بأنه يمضي في ذلك. ومن توجه في الصلاة الى جهة وهو بصير ثم عمى عليه كان عليه المضي فيها ، فان انحرف عنها انحرافا لا يمكنه معه الرجوع إليها كان عليه استئنافها من لفظها (1) ويعمل على قول من يسدده إلى جهة القبلة.
الأذان والإقامة على ضربين : واجب ومندوب ، فالواجب هو ما يتعلق منهما بصلاة الجماعة على الرجال ، واما المندوب فهو ما يتعلق منهما بغير صلاة الجماعة على ما ذكرناه.
وفصولهما على ضربين أحدهما فصول الأذان والأخر فصول الإقامة ، فأما فصول الأذان فثمانية عشر فصلا ، وهي اللّه أكبر ، اللّه أكبر ، اللّه أكبر ، اللّه أكبر ، اشهد ان لا إله إلا اللّه ، اشهد ان لا إله إلا اللّه ، اشهد ان محمدا رسول اللّه ، اشهد ان محمدا رسول اللّه ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، حي على خير العمل ، حي على خير العمل ، اللّه أكبر ، اللّه أكبر ، لا إله إلا اللّه ، لا إله إلا اللّه.
واما فصول الإقامة فهي سبعة عشر فصلا وهي مثنى من أولها ، فإذا قلت حي على خير العمل قلت : قد قامت الصلاة مرتين ، فاذا قلت بعد ذلك اللّه أكبر قلت : لا إله إلا اللّه مرة واحدة.
واعلم ان الأذان والإقامة مشدد فيهما على وجه التأكيد على من صلى شيئا
ص: 88
من الصلوات الخمس منفردا ، والإقامة في ذلك أشد تأكيدا من الأذان ، ومن صلى جماعة بغير أذان ولا اقامة كانت صلاته صحيحة غير ان فضل الجماعة ليس بحاصل له وهما أيضا مؤكدتان فيما يجهر فيه المصلى بالقراءة إذا كان منفردا وما يتعلق به صلاتا المغرب والفجر من ذلك آكد من غيرهما على المنفرد.
ولا يجوز الأذان والإقامة للنوافل والأفضل لمن صلى قضاء لشي ء من الصلوات الخمس ان يؤذن كذلك ويقيم - حسب ما كان فعله - في الصلاة التي يقضى عنها وإذا دخل المصلى في صلاة بغير أذان ولا إقامة فالأفضل له الرجوع ، ويؤذن ويقيم ثم يدخل في الصلاة ، فإن كان قد ركع لم يجز له ذلك ، ومضى في صلاته.
والتثويب والترجيع عندنا ليسا بمسنونين في الصلاة ، والترجيع هو التكرار للتكبير والشهادتين في أول الأذان ، والتثويب هو قول : الصلاة خير من النوم.
والترتيب واجب في الأذان والإقامة ، وهو ان يبتدأ بالتكبير ، ثم شهادة ان لا إله إلا اللّه ، ثم شهادة ان محمدا رسول اللّه ، ثم حي على الصلاة ، ثم حي على الفلاح ، ثم حي على خير العمل ، ثم التكبير ، ثم التهليل على ما ذكرناه ، وان كان في الإقامة أتى بعد « حي على خير العمل » بذكر الإقامة ، وبعد ذلك بالتكبير ثم التهليل ومتى اذن أو أقام بغير ترتيب كان عليه اعادة ذلك وان اذن واقام قبل دخول الوقت أعادهما أيضا.
ويجب على المصلى - جماعة - استقبال القبلة في حالهما ، وان يكون قائماً إلا لضرورة تمنعه من ذلك.
وينبغي للمصلي أن يرتل ألفاظ الأذان ويحدر (1) الإقامة ، ويقف على فصولهما ، ولا يعرب شيئا من ذلك ويجوز للنساء أن يؤذن ويقمن من غير ان يسمعن الرجال أصواتهن. ويجوز تقديم الأذان قبل دخول الوقت في صلاة الغداة فإذا دخل الوقت لم يكن بد من إعادته ، وينبغي رفع الصوت في الأذان ولا ينتهي في
ص: 89
ذلك الى حد يبطله ، ويجوز الكلام في حال الأذان ويكره في الإقامة ، وان تكلم بها استحبت له الإعادة وكذلك يستحب له الإعادة إذا عرض له الإغماء أو النوم ثم أفاق أو استيقظ ومن اتى ببعض الأذان ثم ارتد وعاد إلى الإسلام فعليه استئنافه ، ومتى تمم الأذان ثم ارتد بعد ذلك جاز لغيره ان يأتي بالإقامة.
ومن جمع بين صلاتين جاز له ان يؤذن ويقيم للأولى ثم يقيم للثانية ويجوز ان يصلى ما شاء من الصلوات الخمس بالإقامة دون الأذان وان لم يجمع بين اثنين منها. ولا يجوز الأذان والإقامة إلا لصلوات الخمس فاما غير ذلك من سائر الصلوات على اختلافها فلا يجوز الإتيان بهما في ذلك.
وليس على النساء أذان ولا إقامة ، فان اذن وأقمن كان أفضل ولا يسمعن الرجال أصواتهن كما قدمناه.
ويستحب لمن اذن أو أقام أن يقول في نفسه عند حي على خير العمل : آل محمد خير البرية مرتين ، ويقول في نفسه إذا فرغ من (1) قوله حي على الصلاة لا حول ولا قوة إلا باللّه ، وكذلك يقول عند قوله حي على الفلاح ، وإذا قال : قد قامت الصلاة قال اللّهم أقمها وأدمها واجعلني من خير صالحي أهلها عملا ، وإذا فرغ من قوله قد قامت الصلاة قال : اللّهم رب هذه الدعوة التامة ، والصلاة الدائمة (2) أعط محمدا سؤله يوم القيامة ويلغه الدرجة والوسيلة من الجنة وتقبل شفاعته في أمته.
ومن اذن واقام فينبغي ان يفرق بينهما بجلسة يمس فيها بيده الأرض أو بسجدة أو خطوة ، الا ان يكون ذلك لصلاة المغرب ، فإنه لا يفرق بينهما بسجدة ويستحب لمن سمع الأذان والإقامة ان يقول في نفسه كما يسمع منه.
وينبغي (3) ان يكون المؤذن مأمونا عارفا بالأوقات ، ولا يجوز أخذه الأجرة
ص: 90
على ذلك الا ان يكون من بيت المال ، وإذا تشاح الناس على الأذان أقرع بينهم لما روى عن النبي صلى اللّه عليه وآله ثلاثة لو علمت أمتي ما فيها لضرب عليها بالسهام : الأذان ، والغدو إلى الجمعة ، والصف الأول (1).
وإذا دخل قوم الى المسجد وقد صلى الناس جماعة وأرادوا أن يصلوا جماعة لم يكن عليهم أذان ولا اقامة ، هذا إذا لم يكن الناس قد انصرفوا من صلاة الجماعة وان كانوا قد انصرفوا أذنوا وأقاموا وإذا صلى إنسان خلف من لا يقتدى به ، اذن واقام فإن صلى خلف من يأتم به لم يكن عليه أذان ولا اقامة. ومن أحدث في حال الأذان كان عليه اعادة الوضوء والبناء على ما تقدم ، وان كان ذلك منه حال الإقامة أعاد الوضوء واستأنفها. ويكره ان يؤذن الإنسان وهو راكب أو ماش مع الاختيار ، ويجوز ان يؤذن وهو على غير طهارة ، ولا يقيم الا وهو على طهارة.
* * *
كيفية الصلاة على ضربين : أحدهما كيفية صلاة اليوم والليلة والأخر كيفية ما عدا ذلك من الصلوات وكيفية صلاة اليوم والليلة على ضربين : أحدهما كيفية صلاة المختار والأخر كيفية صلاة المضطر.
إذا كان المكلف بالصلاة مختارا ودخل الوقت ، فينبغي ان يتطهر للصلاة ان كان محدثا ، ثم يتوجه إلى القبلة وهو قائم مع تمكنه من ذلك ، ويؤذن فاذا فرغ من ذلك سجد ، وقال في سجوده. لا إله إلا أنت ربي سجدت لك خاضعا خاشعا فصل على محمد وآل محمد ، وارحمني وتب على انك أنت التواب الرحيم ، ويرفع رأسه ويقيم الصلاة فإن فرق هاهنا بين الأذان والإقامة بخطوة أو جلسة كان جائزا الا ان يكون صلاة المغرب فلا يفرق كما قدمناه في باب الأذان فإذا استوى
ص: 91
قائماً فرق بين قدميه بمقدار شبر أو أربع أصابع ، فإن كان المصلي امرأة جمعت بين قدميها ، ولا يلتفت المصلى ، يمينا ولا شمالا ، ويكون على خشوع وخضوع وتذلل لله سبحانه ، ثم يفتتح الصلاة بسبع تكبيرات ، ويعقد النية كذلك في حال الابتداء بالدخول فيها ويبتدئ بالتكبيرة الاولى فيقول : اللّه أكبر ، ويرفع يديه مع التكبير باسطا كفيه مفرجا بين إبهاميه ومسبحتيه حيال شحمتي أذنيه ولا يتجاوز بذلك أطراف أصابعه. ثم يرسلهما - إذا كبر - على فخذيه ثم يرفعهما ، ويكبر ثانية وثالثة كذلك فاذا فرغ من الثالثة دعا فقال « اللّهم أنت الملك الحق المبين ، لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوء وظلمت نفسي فاغفر لي انه لا يغفر الذنوب إلا أنت ثم يكبر تكبيرتين يكمل بهما خمس تكبيرات ، ويفعل فيهما كما فعل في التكبير المتقدم ، ثم يقول : بعد الخامسة : « لبيك وسعديك ، والخير كله في يديك والمهدى من هديت ، عبدك وابن عبديك ، لا ملجأ ولا منجا ولا ملتجأ منك إلا إليك سبحانك وحنانيك ، تباركت وتعاليت سبحانك رب البيت الحرام » وإذا فرغ من ذلك كبر تكبيرتين يكمل بهما سبع تكبيرات ثم يرسل يديه الى فخذيه بعد السابعة وان كان امرأة وضعت أطراف أصابع يدها اليمنى على ثديها الأيمن ، واليسرى على الأيسر وقال : « ( وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً ) مسلما على ملة إبراهيم ودين محمد (صلی الله عليه وآله) ومنهاج على بن ابى طالب ( وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ ) وانا من المسلمين أعوذ باللّه السميع العليم من الشيطان الرجيم ( بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) .
ويقرء الحمد وسورة ويفتحها ب- ( بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) فاذا فرغ من قراءة الحمد ، فلا يقول آمين كما يفعله العامة ويجعل نظره في حال قيامه الى موضع سجوده ولا يضع يمينه على شماله ويخافت بقراءة السورتين في الظهر والعصر الا ببسم اللّه الرحمن الرحيم ، فإنه يجهر بها في كل صلاة ، ويجهر بالقراءة في صلاة العشائين والغداة ، فاذا فرغ من قراءة السورة الثانية رفع يديه بالتكبير للركوع فاذا كبر
ص: 92
ركع ووضع باطن كفيه على عيني ركبتيه مفرجات الأصابع وسوى ظهره ومد عنقه وغمض عينيه ، فان لم يغمضها جعل نظره الى ما بين قدميه وان كان امرأة لم تنحن (1) كثيرا ووضعت يديها على ثدييها.
ويسبح ويقول : سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاثا أو خمسا أو سبعا وما زاد على المرة الواحدة فهو أفضل ، فاذا فرغ من التسبيح استوى قائماً ، وقال سمع اللّه لمن حمده ، الحمد لله رب العالمين أهل الجود والكبرياء والعظمة ، ثم يرفع يديه بالتكبيرة فاذا فرغ أرسل نفسه للسجود وتلقى الأرض بيديه قبل ركبتيه وبسطهما على الأرض ، وجعل أطراف أصابعه مما يلي وجهه جهة القبلة وان كان امرأة جلست قبل السجود. ويسجد معلقا على أعضاء مخصوصة من جسده وهي : جبهته وطرف انفه وكفاه وركبتاه وإبهاما رجليه ، ولا يضع بعض جسده على بعض ولا يلصق بطنه بفخذيه ولا فخذيه بساقية ، ويجعل نظره الى طرف أنفه - فإن كان امرأة سجدت لاطئة بالأرض وضمت ذراعيها الى عضديها وعضديها الى جنبيها وفخذيها الى بطنها.
ثم بقول : « اللّهم لك سجدت ولك خشعت وبك آمنت وعليك توكلت ، ولك أسلمت ، وأنت ربي ، سجد لك وجهي ، وقلبي ، وسمعي ، وبصري ، وجميع جوارحي ، سجد وجهي للذي خلقه وصورة وشق سمعه وبصره »
ويسبح فيقول « سبحان ربي الأعلى وبحمده » مرة واحدة أو ثلاثا وما زاد على ذلك كان أفضل ، فإذا أكمل التسبيح رفع رأسه ثم استوى جالسا.
وقال : اللّه أكبر ، وليكن جلوسه على فخذه الأيسر ، ويضع ظاهر قدمه الأيمن على باطن الأيسر ويجعل نظره الى حجره ، وان كانت امرأة جلست على اليتيها رافعة ساقيها وضمت فخذيها ، وجعلت باطن قدميها على الأرض.
وقال في جلوسه ، « اللّهم اغفر لي وارحمني وادفع عنى وأجرني إني لما
ص: 93
أنزلت الى من خير فقير ، ثم يكبر تكبيرة للسجدة الثانية ، ويرفع يديه جميعا ، ويسجد ويفعل في سجوده كما فعل في السجدة الاولى ويرفع رأسه بالتكبير ويجلس كما جلس أولا فإذا استقر كل عضو منه قام إلى الركعة الثانية بغير تكبير ، بل يقول بحول اللّه وقوته أقوم واقعد.
وان كانت امرأة لم ترفع عجيزتها أو لا بل تنسل انسلالا ، فاذا استوى قائماً افتتح القراءة ببسم اللّه الرحمن الرحيم وقرأ الحمد ، وسورة يفتتحها أيضا ب- « ( بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) » فاذا فرغ من قراءة السورة الثانية رفع يديه بالتكبير وبسطهما ، وجعل باطنهما الى السماء وظاهرهما فيما يلي الأرض.
ويقنت فيقول : « لا إله إلا اللّه الحليم الكريم ، لا إله إلا اللّه العلى العظيم ، سبحان اللّه رب السموات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ، اللّهم صل على محمد وآل محمد وعافني واغفر لي واعف عنى وآتني في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا برحمتك عذاب النار » ثم يدعو بما أراد من حوائج الدنيا والآخرة
فاذا فرغ من القنوت ركع وسجد وفعل في ركوعه وسجوده مثل ما فعل فيما تقدم ، فاذا فرغ من ذلك جلس للتشهد كما جلس بين السجدتين ويضع كفيه على فخذيه ، ويكون أطراف أصابعهما دون عيني ركبتيه ويجعل نظره الى حجره ويتشهد ويقول : بسم اللّه وباللّه والأسماء الحسنى كلها لله اشهد ان لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة اللّهم صل على محمد وآل محمد وتقبل شفاعته في أمته وارفع درجته.
ثم تسلم ان كانت الصلاة ثنائية ، وان كانت ثلاثة ، أو رباعية لم يسلم ونهض بغير تكبير ، بل يقول بحول اللّه وقوته أقوم واقعد ، ويتم ما بقي عليه من الركعات ويفعل فيها كما فعل في الركعتين الأولتين إلا القراءة ، فإنه لا يقرأ في ثالثة ولا رابعة بسورتين بل يقتصر على الحمد وحدها ، أو يسبح ثلاث تسبيحات ، يقول في كل واحدة منها :
ص: 94
سبحان اللّه والحمد لله ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر ، فإذا فعل ذلك جلس للتشهد الأخير وقال : بسم اللّه وباللّه والأسماء الحسنى كلها لله اشهد ان لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدي ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، التحيات لله والصلوات الطيبات الطاهرات الزاكيات الرائحات الناعمات الغاديات (1) المباركات لله ما طاب وطهر وزكى ، وخلص ونمى ، وما خبث فلغير اللّه. اشهد ان لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له ، واشهد ان محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة ، واشهد ان الجنة حق والنار حق وان الساعة آتية لا ريب فيها ، وان اللّه يبعث من في القبور ، اللّهم صل على محمد وآل محمد ، وارحم محمدا وآل محمد كأفضل ما صليت وباركت وترحمت وتحننت على إبراهيم في العالمين انك حميد مجيد السلام عليك أيها النبي ورحمة اللّه وبركاته السلام على جميع أنبياء اللّه وملائكته ورسله السلام على الأئمة الهادين المهديين ، السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين.
فاذا تمم جميع ما ذكرناه ، وكان إماما أو مصليا على جهة الانفراد أو غير مقتد بإمام (2) سلم تسليمة واحدة فقال : السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته وأومأ بها الى تجاه القبلة ، وانحرف بمؤخر عينه اليمنى إلى جهة يمينه ، وان كان مأموما وعلى يساره سلم تسليمة أخرى إلى جهة يساره.
فاذا سلم كما ذكرناه عقب قبل قيامه من مجلس صلاته فقال : اللّه أكبر ثلاث مرات ويرفع يديه مع كل تكبيرة منها إلى شحمتي أذنيه ، ثم يقول بعد التكبير : ( لا إله إلا اللّه إلها واحدا ونحن له مسلمون ، لا إله إلا اللّه لا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون (3) ، لا إله إلا اللّه وحده وحده أنجز وعده ،
ص: 95
ونصر عبده ، وأعز جنده وغلب الأحزاب وحده فله الملك وله الحمد ، يحيى ويميت ، ويميت ويحيى ، وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شي ء قدير ، اللّهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك انك تهدى من تشاء الى صراط مستقيم ).
ثم يسبح تسبيحة الزهراء مولاتنا فاطمة الزهراء عليها أفضل السلام ، وهو اربع وثلاثون تكبيرة ، وثلاث وثلاثون تحميدة وثلاث وثلاثون تسبيحة ، يبتدئ في ذلك بالتكبير ، ثم التحميد ، ثم التسبيح ، ويقول! « اللّهم أنت السلام ومنك السلام ولك السلام وإليك السلام ، وإليك يرجع السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ، السلام على رسول اللّه ، السلام على نبي اللّه ، السلام على محمد بن عبد اللّه خاتم النبيين ، السلام على الأئمة الطاهر الهادين المهديين ، السلام على جبرئيل وميكائيل وإسرافيل ، وعزرائيل ملك الموت وحملة العرش السلام على رضوان خازن الجنان السلام على مالك خازن النار ، السلام على آدم ومحمد ومن بينهما من الأنبياء والأوصياء والشهداء والصلحاء ، السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين ويسلم على الأئمة عليهم السلام واحدا واحدا ويقول بعد ذلك :
« اللّهم انى أسألك من كل خير أحاط به علمك وأعوذ بك من كل شر أحاط به علمك وأسألك عافيتك في أموري كلها ، وأعوذ بك من خزي الدنيا وعذاب الآخرة » ، ثم يقرء اثنتي عشرة مرة قل هو اللّه أحد ويقول بعد ذلك :
« اللّهم انى أسألك باسمك المكنون المخزون ، الطاهر الطهر المبارك ، وأسألك باسمك العظيم وسلطانك القديم ان تصلى على محمد وآل محمد ، يا واهب العطايا ، ويا مطلق الأسارى ، ويا فاك الرقاب من النار ، أسألك ان تصلى على محمد وآل محمد ، وان تعتق رقبتي من النار وتخرجني من الدنيا أمنا ، وتدخلني الجنة سالما ، وان تجعل دعائي أوله فلاحا ، وأوسطه نجاحا وآخره صلاحا انك أنت علام الغيوب ، ثم يسجد سجدتي الشكر ، ويكون لاطئا بالأرض ويقول : فيها شكرا شكرا مائة مرة ، ويجوز ان يقول عفوا عفوا ، فان لم يتمكن من ذلك قال :
ص: 96
شكرا شكرا ثلاث مرات ، فاذا لم يتمكن من التعقيب بما ذكرناه اقتصر على تسبيح السيدة فاطمة عليها السلام وان عقب بما ذكرناه في صلاة الفرائض والنوافل حاز بذلك فضلا عظيما.
* * *
الأحكام المقارنة للصلاة على ضربين : أحدهما واجب والأخر ندب ، فاما الواجب فهو : النية وتكبيرة الإحرام ، ومقارنة النية لأول الصلاة ، واستمرار حكمها الى حين الفراغ منها ، والقيام مع التمكن منه ، أو ما قام مقامه مع العجز عنه ، والتوجه إلى القبلة والتلفظ : ب- « اللّه أكبر » وقراءة الحمد وسورة في الركعتين في حال التمكن والحمد وحدها فيما زاد من الصلاة على الركعتين الأولتين ، أو عشرة تسبيحات مخيرا في ذلك ، والإشارة باليد والاعتقاد بالقلب للتكبير والقراءة إذا كان المصلي أخرس ، وتعلم سورة كاملة ممن لا يحسن من القراءة شيئا ، والقراءة باللسان العربي ، والركوع والطمأنينة والتسبيح فيه والانتصاب فيه ، والسجود الأول والتسبيح فيه ، ورفع الرأس منه والطمأنينة في السجود الأول وفي الانتصاب منه والسجود الثاني والتسبيح فيه ورفع الرأس منه والطمأنينة في السجود الثاني والإخفات فيما يخافت فيه ، والجهر فيما يجهر به ، والجهر ب- ( بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) فيما يجهر أو يخافت ، والتشهد الأول والثاني في كل رباعية وثلاثية : والتشهد الواحد في كل ثنائية ، والصلاة على النبي وآله في كل تشهد ، والسجود على سبعة أعضاء وهي الجبهة وباطن الكفين ، والركبتان وإبهاما الرجلين.
ولا يتكتف ولا يلتفت الى خلفه ، ولا يقرء من السور الطوال ما يفوت وقت الصلاة معه ولا يقول : آمين ولا يفعل فعلا كثيرا من غير أفعال الصلاة ولا يتأوه بحرفين ولا يتكلم بما ليس من الصلاة ، ولا يحدث بما ينقض الطهارة ، ولا يقهقه
ص: 97
ولا يبكي على مصاب أحد من الخلق ، ولا يصلى في شي ء مما لا يجوز الصلاة فيه. ولا في موضع ويجوز السجود عليه ، ولا يتم الصلاة إذا كان مسافرا أو في حكم المسافر ولا يقصرها إذا كان حاضرا أو في حكم الحاضر ، ولا يصلى وبجانبه امرأة تصلى وان كان المصلي امرأة ، فلا تصلى وبجانبها رجل يصلى. ولا يقرأ سورة في ركعة ثالثة ، ولا رابعة.
واما الندب : فهو افتتاح الصلاة بسبع تكبيرات ، منها تكبيرة الإحرام والدعاء بين هذه التكبيرات وان يأتي بالسبع تكبيرات في سبع مواضع : وهي الركعة الاولى من كل فريضة والاولى من ركعتي الزوال ، وأول ركعة من صلاة المغرب وأول ركعة من صلاة الليل ، وأول ركعة من صلاة الوتيرة وفي ركعة الوتر والأول من ركعتي الإحرام ولفظ التوجه (1) وتكبير الركوع والسجود ورفع اليدين مع كل تكبيرة ، وقول « سمع اللّه لمن حمده » عند رفع الرأس من الركوع وما زاد من تسبيح الركوع والسجود على تسبيحة واحدة ، والدعاء في الركوع والسجود والإرغام بالأنف في السجود ، والجلسة بين الركعات الا جلسة التشهد ، والنظر في حال القيام الى موضع السجود وفي حال الركوع الى بين القدمين وفي حال السجود الى طرف الأنف ، وفي حال الجلوس الى الحجر ، وإسبال اليدين على الفخذين محاذية لعيني الركبتين في حال القيام ، ووضعهما في حال الركوع على عيني الركبتين ، وفي حال السجود بحذاء الأذنين ، وفي الجلوس على الفخذين ، وتلقى الأرض باليدين عند الانحطاط للسجود قبل الركبتين ، والاتكاء عليهما عند القيام ، ورفعهما الى حد شحمتي الأذنين (2) مع مد العنق في الركوع ، ورد الرجل اليمنى الى الخلف عند الجلوس ، والقنوت بعد القراءة وقبل الركوع في الثانية ، وإعادته إذا ترك ، وزيادة التحميد والدعاء على الشهادتين ، والصلاة على
ص: 98
النبي وآله صلى اللّه عليه وآله ، والتورك في حال التشهد على الورك الأيسر مع الضم الفخذين ، ووضع ظاهر قدم اليمنى على باطن اليسرى.
وان يتحنك ويرتدي برداء : والتسليم ان كان إماما أو منفردا أو غير مقتد (1) بغيره إلى جهة القبلة ، ويومئ إيماء إلى يمينه بمؤخر عينه ، فان كان مأموما وعلى يساره غيره سلم عن يساره أيضا ، والتعقيب عند الفراغ من الفرائض والنوافل.
ولا يصلى ويداه داخل ثيابه ، ولا يفرق أصابعه ولا يتمطى ولا يتثأب (2) ولا يتنخع ، ولا ينفخ موضع سجوده ، ولا يدافع الأخبثين ، ولا يصلى فيما ذكرنا ان الصلاة مكروهة فيه ، ولا على ما ذكرنا أنها مكروهة عليه ، ولا يصلى ومعه حديد مثل سكين أو سيف وما أشبه ذلك أو شي ء فيه صورة ، ولا يصلى وفي قبلته قرطاس مكتوب. ولا تماثيل ولا نار ولا سلاح مشهور ، ولا يصلى في موضع حائط قبلته ينز (3) من بالوعة مع التمكن من ذلك ، ولا يقعي (4) بين السجدتين ولا يقرء في مصحف ، ولا يصل بين السورتين اللتين (5) يقرأهما في الصلاة بل يفصل بينهما بسكتة.
* * *
روى عن رسول اللّه (صلی الله عليه وآله) قال : أربعة يستأنفون العمل : المريض إذا برء والمشرك إذا أسلم ، والمنصرف من الجمعة إيمانا واحتسابا ، والحاج (6).
ص: 99
وعن الباقر عليه السلام انه قال : ان الأعمال تضاعف بيوم الجمعة فأكثروا من الصلاة والصدقة (1) وعن الرسول صلى اللّه عليه وآله انه قال : أكثروا من الصلاة على يوم الجمعة فإنه يوم تضاعف فيه الأعمال (2).
واعلم ان فرض الجمعة لا يصح كونه فريضة (3) إلا بشروط متى اجتمعت صح كونه فريضة جمعة ووجبت لذلك (4) ومتى لم تجتمع لم تصح ولم يجب كونه كذلك بل يجب كون هذه الصلاة ظهرا ويصليها المصلى بنية كونها ظهرا.
والشروط التي ذكرناها هي : ان يكون المكلف كذلك حرا ، بالغا ، كامل العقل ، سليما من المرض والعرج والعمى والشيخوخة التي لا يمكنه الحركة معها ، وان لا يكون مسافرا ولا في حكم المسافر ، وان يكون بينه وبين موضع الجمعة فرسخان فما دونهما ، ويحضر الامام العادل أو من نصبه أو (5) من جرى مجراه ويجتمع من الناس سبعة نفر : أحدهم الامام ويتمكن من الخطبتين ويكون بين الجمعتين ثلاثة أميال ، فهذه الشروط إذا اجتمعت وجب كون هذه الصلاة فريضة جمعة ، ومتى لم يجتمع سقط كونها فريضة جمعة وصليت ظهرا كما قدمناه.
فان اجتمع من الناس خمسة نفر أحدهم الامام ، وحصل باقي هذه الشروط كانت صلاتها ندبا واستحبابا.
ويسقط فرضها مع حصول الشروط المذكورة عن تسعة نفر وهم الشيخ الكبير والطفل الصغير ، والعبد ، والمرأة ، والأعمى ، والمسافر ، والأعرج ، والمريض
ص: 100
وكل من كان منزله من موضعها على أكثر من فرسخين ، ويجب صلاتها على العقلاء من هؤلاء إذا دخلوا فيها ويجزيهم إذا دخلوا فيها وصلوها عن صلاة الظهر.
فإذا حضر يوم الجمعة فينبغي للمكلف ان يحلق رأسه ويقص أظفاره ، ويأخذ من شاربه وينظف ، ويغتسل ، وأفضل الأوقات لهذا الغسل كلما قرب من الزوال ، ومتى زالت الشمس ولم يكن اغتسل قضاه يوم السبت - وإذا خاف من عدم الماء في يوم الجمعة جاز له تقديمه في يوم الخميس -
وإذا اغتسل ، لبس أفخر ثيابه وتطيب بما قدر عليه ، وتوجه الى المسجد بسكينة ووقار والدعاء في توجهه اليه فقال : « اللّهم من تهيأ وتعبأ وأعد واستعد لوفادة إلى مخلوق رجاء رفده وجوائزه ، ونوافله ، فإليك يا سيدي وفادتى وتهيئتي وإعدادي واستعدادي رجاء وفدك وجوائزك ونوافلك » ثم يصلى ست ركعات بتسليم كل اثنتين عند انبساط الشمس وستا عند ارتفاعها ، وستا قبل الزوال وركعتين حين تزول الشمس - استظهارا للزوال ثم يؤذن ، ويقيم ، ويفتتح الفرض بسبع تكبيرات ويتوجه (1) ثم يقرء الحمد ، وسورة الجمعة ، ويجهر بالقراءة أيضا (2) فإذا قام إلى الثانية قرء الحمد وسورة المنافقين ، ويجهر بالقراءة أيضا.
فاذا فرغ من القراءة ، رفع يديه للقنوت حيال صدره وبسطهما وقنت بما تقدم ذكره في كيفية الصلاة ، ثم يركع ويتشهد ويقوم إلى الثالثة ، ويقرء الحمد وحدها أو يسبح كما ذكرناه فيما مضى ، ويفعل في الرابعة مثل ما ذكرناه ، ثم يسلم ويسبح تسبيح سيدة النساء فاطمة صلوات اللّه عليها ، ويقرء الحمد مرة واحدة ، وسورة الإخلاص سبع مرات ، والمعوذتين وآية الكرسي مرة واحدة ، وآية
ص: 101
السخرة وهي : ان ربكم اللّه الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام (1) الاية ، ويقرء آخر سورة التوبة ( لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلهَ إِلّا هُوَ ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) (2) مرة واحدة ويرفع يديه بالدعاء فيقول :
« اللّهم انى عهدت إليك بحاجتي وأنزلت بك اليوم فقري وفاقتي ومسكنتي فانا لمغفرتك أرجى مني لعملي ورحمتك أوسع من ذنوبي ، فتول قضاء كل حاجة هي لي بقدرتك عليها ويتيسر ذلك عليك ولفقري إليك فإني لم أصب خيرا قط الا منك ولم يصرف عنى أحد سواء قط غيرك ولست أرجو لآخرتي ودنيائى سواك ولا ليوم فقري وتفردي من الناس في حفرتي غيرك ، فصل على محمد وآل محمد ، واجعلني من أهل الجنة التي حشوها البركة وعمارها الملائكة مع نبينا محمد صلى اللّه عليه وآله وأبينا إبراهيم صلوات اللّه عليه فاذا فرغ مما ذكرناه فليؤذن وليقم لصلاة العصر ثم يصليها كما صلى الظهر ، فاذا سلم سبح تسبيح الزهراء عليها السلام واستغفر اللّه تعالى سبعين مرة ويقول في استغفاره : « استغفر اللّه ربي وأتوب اليه » وليصل على محمد وآل محمد سبع مرات.
يقول في كل مرة : « اللّهم صل على محمد وآل محمد الأوصياء المرضيين بأفضل صلواتك وبارك عليهم بأفضل بركاتك ، والسلام عليهم ، وعلى أرواحهم وأجسادهم ورحمة اللّه وبركاته » فاذا كمل ذلك سبع مرات قال : « اللّهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم » مأة مرة ، ثم ادع بما تيسر من الدعاء بعد ذلك ، وانما ذكرنا صلاة أربع ركعات هاهنا لمن صلى لنفسه بغير إمام.
* * *
ص: 102
فاما إذا حضر الامام واجتمعت الشروط التي قدمنا ذكرها فينبغي للإمام ان يلبس العمامة في صيف كان أو في شتاء ، ويرتدي ببرد يمنى ، أو عدني فإذا قرب من الزوال صعد المنبر وأخذ في الخطبة بمقدار ما إذا خطب الخطبتين زالت الشمس ، وينبغي إذا خطب هاتين الخطبتين ان يفرق بينهما بجلسة ويقرء سورة خفيفة ويحمد اللّه في خطبته ويصلى على النبي وآله ويدعو لأئمة المسلمين ويدعو للمؤمنين والمؤمنات ، ويعظ ويزجر ، ويخوف ، وينذر.
فاذا نزل الامام صلى بالناس ركعتين يقرء في الأولى الحمد وسورة الجمعة يجهر فيها بالقراءة ، فاذا فرغ منها رفع يديه للقنوت قبل الركوع ، ثم تمم الركعة فإذا قام إلى الثانية قرء الحمد وسورة المنافقين ، وجهر بها أيضا ويقنت في هذه الركعة بعد الركوع ثم يتمها ويسلم.
ولا يجوز ان يصلى بالناس غير الإمام إذا كان حاضرا في البلد الا لمانع له أو من يأمره بذلك ومن لم يدرك الخطبتين وكان الامام ممن يقتدى به كانت صلاته كاملة ، فإذا أدرك الامام وقد ركع في الثانية فقد فاتته الجمعة وعليه ان يصلى الظهر اربع ركعات ، وعلى من يقتدى بإمام ان يصغي الى قراءته.
ومن صلى لنفسه بغير امام فليقرء السورتين اللتين سلف ذكرهما ، فان سبق إلى سورة غيرهما ثم ذكر ذلك فعليه الرجوع إليها إذا لم يجز نصف السورة التي ابتدأ بها فان تجاوز النصف فالأفضل له ان يتم ويحسبها من النوافل ، ثم يستأنف الصلاة ، بالسورتين اللتين ذكرناهما ، وليس ذلك ما يجب عليه ومن صلى خلف من لا يأتم به تقية ، فينبغي له ان يقدم صلاته ان تمكن من ذلك ، فان لم يتمكن من تقديمها صلى معه ركعتين فاذا سلم قام هو فتمم ركعتين فإذا أدرك الامام وقد صلى ركعة صلى معه الثانية ، فإذا سلم قام هو فصلى ركعة أخرى ، وجهر فيها بالقرائة.
ص: 103
فاذا صلى مع الإمام ركعة وركع فيها ولم يتمكن من السجود فاذا قام الامام من السجود سجد هو ولحق بالإمام فمتى لم يفعل ذلك ووقف حتى ركع الإمام في الثانية فلا يركع معه فاذا سجد الامام سجد هو وجعل سجدتيه للركعة الأولى فإذا سلم قام فأتى بركعة أخرى ، ومتى لم ينو بالسجدتين أنهما للركعة الأولى كان عليه استئناف للصلاة.
وإذا كان الزمان زمان تقية جاز للمؤمنين أن يجمعوا في مكان لا يلحقهم فيه ضرر وليصلوا جماعة بخطبتين فان لم يتمكنوا من الخطبة صلوا جماعة أربع ركعات
ومن صلى فرض الجمعة مع امام يقتدى به فليصل العصر بعد الفراغ من فرض الجمعة ولا يفصل بينهما إلا بالإقامة ، ويجوز للمسافر ان يصلى الجمعة بالمقيمين إذا تمكن من الخطبتين ، واجتمعت الشروط ، فان صلى بهم بغير خطبة كانت ظهرا
وإذا اجتمع (1) النساء لم تنعقد بهن (2) الجمعة ، وكذلك الصبيان إذا لم يبلغوا.
وإذا خطب الامام وحده ثم حضر العدد كان عليه إعادة الخطبة ، فان لم يعدها لم تصح الجمعة ولا (3) كان ما صلاة فريضة جمعة.
ومن وجبت عليه الجمعة ومنعه من حضورها مانع أو كان له عذرا ما في نفسه أو أهله ، أو أخ له في الدين ، مثل ان يكون مريضا فيشتغل بإعانته أو ميت يهتم (4) بتجهيزه ودفنه لم يكن عليه شي ء.
فاذا اجتمعت الشرائط وزالت الشمس وأراد الإنسان السفر لم يجز له ذلك
ص: 104
حتى يصلى ، وإذا كان (1) السفر من يوم الجمعة من بعد طلوع الفجر كان ذلك مكروها ، والأفضل ان يقيم حتى يصلى ويسافر بعد ذلك.
وإذا أحرم الإمام بالجمعة فعرف انه قد صلى في البلد في موضع آخر الجمعة لم تنعقد له جمعة ، ويصلى ظهرا إذا لم يكن بينهما ثلاثة أميال.
وإذا وجبت الجمعة على إنسان وجلس الامام على المنبر حرم عليه البيع والشراء.
* * *
روى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله انه قال : ان اللّه سبحانه اهدى الى أمتي هدية لم يهدها الى أحد من الأمم تكرمة منه عزوجل لنا ، فقيل له وما ذلك يا رسول اللّه؟ فقال صلى اللّه عليه وآله :الإفطار والصلاة في السفر ، فمن لم يفعل ذلك فقد رد على اللّه هديته (2) ، وروى عن الصادق عليه السلام انه قال : أنا بري ء ممن يصلى أربعا في السفر (3) وروى عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال : من قصر الصلاة في السفر وأفطر فقد قبل تحفة لله سبحانه وكملت صلاته (4).
واعلم ان السفر على أربعة أوجه : أولها واجب وثانيها ندب وثالثها مباح ورابعها قبيح ، فاما الواجب فهو مثل سفر من وجب عليه حج أو عمرة واما المندوب فهو مثل سفر القاصد الى الزيارات وما أشبهها.
ص: 105
واما المباح فهو مثل سفر التجارة وطلب الأرباح لذلك وطلب القوت لأنفسهم ولاهليهم ، وأما القبيح فهو مثل سفر متبع السلطان الجائر مختارا ، ومن هو باغ أو عاد ، أو يسعى في قطع الطريق ، وما أشبه ذلك ومن طلب الصيد للهو والبطر
فأما أصحاب الوجوه الثلاثة التي هي الواجب والندب والمباح فعليهم التقصير في الصلاة والصوم ، وأما أصحاب الوجه الرابع وهو القبيح فعليهم الإتمام في الصلاة والصوم ، ومن كان سفره في طلب صيد التجارة لا لقوته وقوت عياله واهله فقد ورد أنه يتم الصلاة ويفطر الصوم (1).
ومن سافر سفرا يلزمه فيه التقصير فلا يجوز له ذلك حتى يخفى عليه أذان مصره أو يتوارى عنه جدران مدينته خرابا كانت أو عامرة ، فإن كان باديا فحتى تجاوز الموضع الذي يستقر فيه منزله ، وان كان مقيما في واد حتى تجاوز أرضه ، وان سار عنه طولا حتى يغيب عن موضع منزله.
ومن مر في طريقه على مال له أو ضيعة يملكها ، أو كان له في طريقه أهل أو من جرى مجراهم ونزل عليهم ولم ينو المقام عندهم عشرة أيام كان عليه التقصير.
والسفر الذي يلزم فيه التقصير هو ما كان مسافته ثمانية فراسخ أو ما زاد على ذلك أو أربعة فراسخ إذا نوى العود من يومه ، وقد ذكر التخيير بين القصر والإتمام لمن كان سفره أربعة فراسخ ولم ينو الرجوع من يومه.
وجميع من كان سفره أكثر من حضره مثل الملاح ، والمكاري ، والجمال والبدوي إذا طلب القطر والنبت ، والرعاة ، والأمراء الذين يدورون في اماراتهم ، والجباة الذين يسعون في جباياتهم ، ومن يدور من سوق الى سوق في تجارته ، فإن الإتمام لازم لهم ولا يجوز لأحد منهم التقصير الا ان يقيم في بلده عشرة أيام ، فإن أقام ذلك قصر ، وان كان مقامه خمسة أيام قصر بالنهار وتمم بالليل والتقصير في
ص: 106
السفر وكذلك الإفطار فيه في شهر رمضان واجبان ، فمن صلى صلاة رباعية على كما لها كان عليه الإعادة ، الا ان يكون لم يقرء الآية (1) في ذلك.
ومن خرج من بلده الى بلد آخر ، ومن قريته إلى قرية أخرى في دون المسافة التي حدت للتقصير ، لم يقصر وان خرج من ذلك البلد أو تلك القرية إلى بلد أخر ونوى المقام فيه عشرة أيام أو أكثر كان عليه الإتمام وان كان بين البلد الثاني وبين بلده الذي خرج منه أولا ، المسافة المحدودة ، وكذلك لو انتقل من مكان الى غيره ولا مكان بينهما الا وهو ينوي المقام فيه عشرة أيام أو أكثر من ذلك. والأماكن ليس بين واحد منها وبين ما يليه المسافة المحدودة لم يجز التقصير في شي ء من ذلك.
فان خرج من بلده الى بلد يقصر الى مثله ، الصلاة ولم يصل الى آخر المسافة المضروبة للتقصير حتى بدا له الرجوع الى بلده كان عليه الإتمام.
وإذا كان للبلد طريقان من موضع خروج الإنسان ، وأحد الطريقين دون المسافة والطريق الأخر فيه المسافة ، أو أكثر منها فسار في أحد الطريقين لغير علة لم يقصر ، فان كان الطريق الذي هو أقل مسافة مخوفا ، أو شاقا أو كان له في الطريق الأبعد حاجة تدعوه الى المسير فيه كان عليه التقصير. ومن سافر الى بلد ونوى أنه ان لقي زيدا اقام عنده عشرة أيام كان عليه التقصير حتى يلقى زيدا ، فاذا لقيه واقام عنده على نية المقام عشرة أيام كان عليه الإتمام.
والمسافر إذا نزل في موضع نوى فيه الإقامة عشرة أيام كان عليه الإتمام فإن نوى المقام أقل من ذلك قصر ، فان لم ينو شيئا أو سوف نفسه بالخروج فقال اليوم أخرج - أو غدا اخرج ، ولم يستقر له نية في مقام ولا مسير كان عليه ان يقصر ما بينه وبين شهر ، فان كمل الشهر كان عليه الإتمام.
ص: 107
وإذا نسي المسافر صلاة وذكرها في الحضر قضاها صلاة مسافر ، وان نسي صلاة في الحضر وذكرها في حال السفر قضاها صلاة حاضر وإذا شك ولم يعلم هل الصلاة التي نسيها ، صلاة حضر أو سفر ، كان عليه ان يصلى صلاة حضر.
والمسافر إذا دخل بلدا ونوى المقام عشرة أيام ثم صلى وبدا له في المقام وكان قد صلى منها ركعة أو ركعتين لم يجز له قصرها ، بل عليه إتمامها لأنه دخل بنية مقيم ونوى السفر قبل إتمامها ، فإذا دخل في صلاة الظهر ونوى المقام قبل ان يصلى ركعتين أو صلى ركعتين ونوى المقام قبل ان يسلم كان عليه إتمامها أربع ركعات وليس عليه استئنافها ، وان سلم في ركعتين ونوى المقام كان عليه الإتمام فيما يستقبل ، فان نوى المقام وهو في صلاة لظهر وسلم من ركعتين كان عليه استئناف الظهر اربع ركعات ، والمسافر إذا أتم الصلاة متعمدا أو ناسيا وكان الوقت باقيا كان عليه الإعادة.
ومن أبق له عبد فخرج في طلبه وقصد بلدا - يقصر في مثله الصلاة - وقال : ان وجدته قبل ذلك البلد رجعت لم يجز له التقصير لأنه لم ينو سفرا يقصر الصلاة فيه ، وان لم يقصد بلدا ونوى انه يطلبه حيث بلغ لم يكن له القصر لأنه شاك في المسافة المحدودة للتقصير وان نوى قصد ذلك البلد سواء وجد عبده قبل الوصول اليه أو لم يجده ، كان عليه التقصير لأنه نوى سفرا يجب التقصير فيه.
فاذا خرج وهذه نيته ثم رجع عن هذه النية وعزم على العود الى وطنه وترك القصد الى تلك البلدة ، يقطع سفره هاهنا وكان في رجوعه مستأنفا للسفر فان كان بين هذا المكان وبين بلده مسافة يقصر فيها الصلاة ، كان عليه التقصير ، وان لم يكن كذلك كان عليه الإتمام.
والمسافر في البر والبحر والأنهار و (1) في جميع أحكام السفر من تقصير وإتمام على حد سواء لا يختلف الحال في ذلك ، وإذا دخل المركب في البحر إلى جزيرة من جزائره أو موضع يقف فيه فالحكم فيه كالحكم في دخوله الى بلد وكل موضع
ص: 108
يجب فيه التقصير أو الإتمام. فإن خرج الى مسافة يقصر في مثلها وردته الريح كان له التقصير لأنه ما رجع ولا نوى مقاما.
فاما صاحب السفينة فإنه يجب عليه التمام لأنه ممن يجب عليه الإتمام مع (1) جملة المسافرين.
ومن سافر إلى مكة حاجا وبينه وبينها مسافة يقصر فيها الصلاة ونوى المقام بها عشرة أيام كان عليه التقصير في الطريق والإتمام إذا وصل إليها.
فإن خرج منها الى عرفات ، ليقضى مناسكه بها - ولا ينوي المقام بمكة عشرة أيام إذا رجع إليها - كان عليه التقصير لأنه قد نقص مقامه بسفر - بينه وبين بلده - قصر في مثله ، وان نوى - إذا قضى مناسكه بعرفات - المقام بمكة عشرا إذا عاد إليها ، كان عليه التمام إذا عاد إليها. فإن كان يريد - إذا قضى مناسكه - المقام عشرة أيام بمكة أو بمنى وعرفة ومكة حتى يخرج من مكة مسافرا فعليه الإتمام بمكة والتقصير في منى وعرفات الى ان ينوي المقام بها عشرا فعليه حينئذ التمام ، وقد ذكر ان عليه التقصير والأحوط ما ذكرناه أولا.
ومن سافر الى موضع فخرج من بلده الى مكان - بينه وبينه مسافة دون المسافة المحدودة للتقصير ، ونوى ان ينتظر فيه والمقام عشرة أيام أو أكثر ، فإذا اجتمعوا سافروا منه سفرا يجب فيه التقصير عليهم - لم يجز له التقصير حتى يسيروا من ذلك المكان الذي يجتمعون فيه ، لأنه لم ينو بالخروج الى هذا المكان سفرا يقتضي التقصير. وان لم ينو المقام عشرة أيام ، وانما خرج بنية انه إذا اجتمعوا ساروا ، كان عليه التقصير ما بينه وبين شهر ، ثم يتم بعد ذلك.
والمسافر إذا صلى خلف المقيم لم يلزمه الإتمام معه ، وإذا أم المسافر بمسافرين ومقيمين وأحدث ثم استخلف مقيما صلى المقيم على التمام ولم يلزم المسافرين ذلك
ص: 109
ومن شيع مؤمنا وكان مسافة سفره معه ثمانية فراسخ - أو أربعة إذا عزم على الرجوع من يومه - كان عليه التقصير. ويجوز للمسافر الجمع بين صلاتي الظهر والعصر ، وبين العشائين ، وليس عليه شي ء من نوافل النهار ، والذي عليه من النوافل قدمناه حين ذكرنا أعداد نوافل السفر في ما تقدم ، وليس يجب على المسافر صلاة الجمعة ولا العيدين.
ويستحب له ان يقول عقيب كل صلاة : سبحان اللّه والحمد لله ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر ، فان في ذلك جبرا لصلاته ، وقد روى انه يستحب له الإتمام في أربعة مواضع : وهي مكة والمدينة ومسجد الكوفة والحائر ، (1) ووردت رواية أخرى انه يستحب الإتمام في حرم اللّه تعالى وحرم رسوله صلى اللّه عليه وآله وحرم أمير المؤمنين عليه السلام وحرم الحسين عليه السلام (2) والتقصير هو الأصل ، والعمل به عندي في هذه المواضع وغيرها أحوط. فأما ما يوجب إعادة صلاة السفر فسنذكره في ما يوجب إعادة الصلاة بعون اللّه ومشيئته.
واما معنى التقصير فهو ان يصلى كل صلاة رباعية ، ركعتين فاما ما عدا الرباعيات من الصلاة فالمسافر يصليها كما يصليها في الحضر سواء.
* * *
إذا اضطر المكلف في صلاته إلى الإخلال بشي ء من أحكامها - التي بينا انها لازمة للمختار - كان عليه الاجتهاد في إيقاعها على غاية ما يمكنه الإيقاع لها عليه ، وكيفية صلاة المضطر تختلف بحسب اختلاف الضرورة ، فمن ذلك صلاة المريض وصلاة الخوف وصلاة العريان وصلاة السابح وصلاة الغريق والموتحل وصلاة
ص: 110
المضطر إلى المشي وصلاة المقيد والمشدود بالرباط وما أشبه ذلك ، والصلاة في السفينة ، ونحن نذكر هذه الفصول واحدا واحدا بمشيئة اللّه وعونه.
* * *
اعلم ان المريض لا يسقط عنه فرض الصلاة ما دام عقله ثابتا الا ان يكون امرأة حائضا ، وانما يتغير صفاتها بحسب اختلاف حاله في المرض ، فاذا كان قادرا على الصلاة قائماً وجبت عليه كذلك ، فان لم يتمكن من ذلك وكان متمكنا من أدائها بأن يعتمد على حائط أو عصا أو ما أشبه ذلك وجبت عليه كذلك أيضا ، فان لم يقدر على ذلك وقدر على أدائها جالسا ، أداها كذلك ، فان لم يقدر عليها جالسا وقدر عليها مضطجعا على جنبه وجبت عليه كذلك ، فان لم يقدر على ذلك وقدر عليها مستلقيا على ظهره صلاها مستلقيا عليه والمريض إذا صلى جالسا كان عليه ان يقرء فإذا أراد الركوع وكان قادرا على القيام فليقم ويركع فان لم يقدر على ذلك ركع وهو جالس فان لم يقدر على السجود رفع بيده شيئا يجوز السجود عليه وسجد عليه فان لم يقدر على الصلاة جالسا جملة صلى على جنبه الأيمن ويسجد ، فان لم يتمكن من السجود أو أومأ به إيماء.
واما إذا لم يقدر على الاضطجاع استلقى على ظهره وصلى إيماء ، وصفة ذلك ان يفتتح الصلاة بالتكبير ويقرء ، فإذا أراد الركوع غمض عينيه فإذا أراد رفع رأسه من الركوع فتحهما فإن أراد السجود غمضهما فإذا أراد رفع رأسه منه فتحهما ، يفعل ذلك الى ان يتم الصلاة. والمريض إذا صلى جالسا فينبغي ان يجلس مربعا في حال القراءة ، فإذا أراد الركوع فليثني رجليه ، فان لم يقدر على ذلك جلس بحسب تمكنه
فان كان مبطونا وأحدث بما ينقض الطهارة فعليه إعادتها والبناء على ما مضى من صلاته ، فان كان به سلس البول جاز له الصلاة بعد ان يستبرء ، ويستحب ان
ص: 111
يلف على ذكره ، خرقة تمنع من تعدى ما يخرج منه الى بدنه وثيابه.
وإذا كان المريض مسافرا وهو راكب جاز له الصلاة على ظهر دابته ويسجد على ما يتمكن من السجود عليه ، وان صلى نافلة جاز له ان يومي بها إيماء وان لم يسجد ، والأحوط ان يسجد ان قدر على ذلك.
وحد المرض المبيح للصلاة جالسا ان يعلم من حال نفسه انه لا يقدر على الصلاة قائماً ولا على الوقوف أو المشي بمقدار زمان الصلاة.
* * *
كل قتال كان واجبا مثل قتال المشركين وأهل البغي ، أو مباحا مثل الدفع عن المال والنفس فإن صلاة الخوف فيه جائزة وتقصيرها صحيح.
وهي ان يصلى كل رباعية ركعتين كما قدمناه في صلاة السفر ، وصلاة الخوف بالتقصير أحق واولى بالقصر من صلاة المسافر لان هذه معها خوف وتلك لا خوف معها فهذه أحق بذلك.
واعلم ان هذه الصلاة لا تجب الا عند شروطها وهي ان يكون العدو في غير جهة القبلة ، ولا يتمكن المقابل (1) له الا بان يستدبر القبلة ، ويكون عن يمينه أو شماله ، أو يخاف من العدو عند اشتغالهم بالصلاة من الغدر بهم والارتكاب لهم (2) والانكباب عليهم ، وان يكون في المسلمين كثرة متى افترقوا طائفتين كان كل طائفة مقاومة للعدو حتى يفرغ الطائفة الأخرى من الصلاة فإذا حصلت هذه الشروط صحت صلاتها جماعة إذا أرادوها كذلك.
وقد يجوز ان يصليها الواحد منفردا ، غير انهم إذا أرادوا صلاتها جماعة
ص: 112
كما ذكرناه كان أقل ما يكون الطائفة معه طائفة ثلاثة (1) وقد ذكر ان هذا الاسم يصح تناوله الواحد. ولا فرق في وجوب التقصير فيها بين ان يكون الخوف من عدو أو سبع أو غير ذلك.
فان كان الأمر على ذلك فهي على ضربين : أحدهما صلاة خوف والأخر صلاة شدة الخوف وهي التي يقول (2) فيها صلاة المطاردة والمسايفة.
فأما الأولى فصفتها ان يفترق الجماعة فرقتين فتقف فرقة بحذاء العدو وتقوم الفرقة الأخرى فتقف خلف الامام فصلى بهم ركعة ، فإذا قام إلى الثانية وقف قائماً وصلوا - هم - (3) الركعة الثانية وتشهدوا ثم سلموا ثم قاموا فوقفوا بحذاء العدو وتقدمت الفرقة الأخرى فوقفت خلف الامام وافتتحوا الصلاة بالتكبير فصلى بهم الإمام الركعة الثانية له وهي لهم اوله ، فاذا جلس للتشهد قاموا - هم - إلى الركعة الثانية لهم فصلوها فاذا فرغوا منها تشهدوا ثم يسلم الامام بهم وقد تمت صلاتهم.
وان كانت الصلاة صلاة المغرب فينبغي ان يفترقوا كما ذكرناه ، ويتقدم فرقة فتقف بحذاء العدو وتتقدم الفرقة الأخرى فتقف خلف الإمام فيصلي بهم ركعة ويقف في الثانية ، ويصلوا هم (4) الركعتين الباقيتين ويخففوا فيها ، فاذا سلموا وقفوا بحذاء العدو وتقدمت الفرقة الأخرى فوقفت خلف الامام وافتتحوا الصلاة بالتكبير وصلى بهم الثانية له وهي لهم اوله فاذا جلس للتشهد جلسوا معه وذكروا اللّه تعالى
ص: 113
فإذا قام إلى الثالثة له قاموا معه وهي لهم ثانية فيصليها ، فاذا جلس للتشهد الثاني جلسوا معه وتشهدوا وهو أول تشهد لهم وخففوا في تشهدهم ثم قاموا الى الثالثة لهم فصلوها فاذا جلسوا للتشهد الثاني وتشهدوا ، سلم الامام بهم وانصرفوا.
ومن كان في حال هذه الحرب راكبا صلى على ظهر دابته بعد ان يستقبل بتكبيرة الإحرام القبلة ، فصلى كيف ما دارت به الدابة ويسجد على قربوس سرجه فان لم يتمكن من السجود صلى إيماء وانحنى للركوع والسجود ، وجعل سجوده اخفض من ركوعه ان تمكن من ذلك.
فاما صفة صلاة شدة الخوف وهي المطاردة والمسايفة وهي إذا كانت الحال ما ذكرناه كبر المصلى لكل ركعة تكبيرة. والتكبيرة أن يقول : « سبحان اللّه والحمد لله ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر ». فاما حكم السهو في هذه الصلاة فسنذكره في باب السهو بمشيئة اللّه سبحانه.
واعلم ان أخذ السلاح يجب على الطائفة ويجب ان يكون خاليا من نجاسة فإن كان على شي ء منه ريش مما لا يؤكل لحمه كالعقاب والنسر لم يكن بأس. فإن كان ثقيلا لم يمكن معه الركوع والسجود مثل الجوشن ، والكواعد (1) والمغافر السابغة (2) وما جرى مجرى ذلك كان مكروها. والذي ينبغي أخذه من ذلك ما كان مثل السكين والسيف والقوس وغيره والرمح إذا لم يتأذ به أهل الصف فان كان عليه نجاسة لم يكن به بأس. فإذا كان على السيف الصيقل نجاسة ومسح بخرقة كانت الصلاة فيه جائزة. وفي أصحابنا من قال بان ذلك جائزة على كل حال
ص: 114
لأنه إذا مسح بالخرقة فقد طهر ، وعندي انه لا يطهر بذلك ، لكن الصلاة فيه جائزة كما قدمناه لأنه مما لا يتم الصلاة فيه منفردا.
ومن صلى مع شدة الخوف ركعة وهو راكب ثم أمن فينبغي ان ينزل عن دابته ويتم ما بقي من صلاته على الأرض فإن كان آمنا وصلى ركعة على الأرض ثم لحقته شدة الخوف فليركب ويتم ما بقي عليه من الصلاة راكبا ، هذا جائز ما لم يستدبر القبلة ، فإن استدبرها كان عليه استئناف الصلاة.
وإذا كان بين المقاتلة حائط أو خندق وخافوا ان ينقب العدو عليهم الحائط أو يطم الخندق إذا تشاغلوا بالصلاة ، جاز لهم ان يصلوا إيماء ، هذا إذا ظنوا ذلك قبل ان يصلوا وان ظنوا انهم لا يفعلون ذلك الا بعد فراغهم من الصلاة لم يجز لهم ان يصلوا صلاة شدة الخوف.
وإذا رأوا سوادا فظنوه عدوا جاز ان يصلوا صلاة شدة الخوف إيماء ، فان لم يكن ما رأوا صحيحا لم يكن عليهم اعادة ، وإذا شاهدوا العدو فصلوا صلاة شدة الخوف ، ثم بان لهم ان بينهم نهرا كبيرا أو خندقا لا يصلون إليهم معه ، فليس عليهم اعادة.
والعدو إذا كان في جهة القبلة والناس في مستو من الأرض لا يسترهم شي ء ولا يمكنهم أمر يخاف منه وكان المسلمون كثيرين لم يجب عليهم صلاة الخوف ولا صلاة شدة الخوف.
وإذا كان المسلمون كثيرين ويصح ان يفترقوا طائفتين وكل طائفة منهما يقوم بالعدو ، جاز للإمام ان يصلى بالطائفة الواحدة ، الركعتين ثم يصلى بالطائفة الأخرى ركعتين آخرتين ، ويكون هاتان الركعتان له نافلة ولهم فريضة.
وإذا كان يوم الجمعة وكان عددهم العدد الذي تنعقد به الجمعة جاز للإمام ان يصلى بهم الركعتين بان يخطب بالطائفة الاولى ويصلى بهم ركعة ، ثم يصلوا - هم - الركعة الأخرى ، ثم يقوم مقام أصحابهم فيصلي بهم الركعة الأخرى على ما قدمناه ، وان لم يبلغوا العدد الذي ذكرناه لم ينعقد لهم هذه الصلاة صلاة جمعة بل يصلوها
ص: 115
ظهرا وان بلغت الطائفة الأولى العدد المذكور وخطب بهم (1) وكان في الطائفة الأخرى العدد أيضا كاملا لم يصح ان يصلى بهم جماعة إلا بعد ان يعيد الخطبة لأن الجمعة لا تنعقد مع تمام العدد إلا بخطبة فإن صلى بالأولى صلاة الجمعة كاملة لم يجز ان يصلى الأخرى صلاة جمعة بل يصلى بهم ظهرا.
وإذا انهزم المشركون وطلبهم المسلمون لم يجز ان يصلوا صلاة الخوف لان الخوف قد ارتفع وليس مشاهدتهم بأمارة لحصول الخوف. ومن فر من الزحف وصلى صلاة شدة الخوف كان عليه الإعادة إذا كان عاصيا بفراره فان كان متحيزا الى فئة أو متحرفا لقتال لم يلزمه الإعادة ، وانما يكون عاصيا بفراره من الزحف إذا فر من اثنين أو أقل منهما فاما ان كان من أكثر من اثنين فإنه لا يكون عاصيا وكانت صلاته جائزة.
* * *
من كان عريانا وليس له لباس يستتر به وتمكن من الاستتار بحشيش أو غيره كان عليه ان يستر عورته به ويصلى قائماً فان لم يقدر على ما يستتر به جملة وكان وحده بحيث لا يراه أحد صلى قائماً وان كان معه إنسان أو كان موضع يخشى فيه ان يراه غيره كان عليه ان يصلى جالسا. وإذا اجتمع عراة ولم يتمكنوا مما يستترون به وأرادوا أن يصلوا جماعة كان عليهم أن يجلسوا صفا واحدا ويجلس إمامهم في وسطهم ولا يتقدمهم الا بركبتيه ثم يصلى بهم وهو ، وهم جلوس ، ويومئ الإمام بركوعه
ص: 116
وسجوده إيماء ويجعل سجوده اخفض من ركوعه ، ويركع الذين خلفه ويسجدون.
وقد ذكر أن العريان يؤخر الصلاة الى أن يتضيق وقتها رجاء أن يجد ما يستتر به فان لم يجد شيئا صلى ، فمن عمل على ذلك كان جائزا.
* * *
السابح والغريق والموتحل إذا دخل عليهم وقت الصلاة ولم يتمكنوا من الحصول في موضع يصلون فيه ، استقبلوا القبلة بتكبيرة الإحرام وصلوا إيماء ، فان لم يتمكنوا من استقبال القبلة صلوا ولم يكن عليهم شي ء ، ويكون ركوعهم وسجودهم إيماء ويجعلون سجودهم اخفض من ركوعهم.
* * *
« وما أشبه ذلك »
إذا اضطر الإنسان إلى المشي ولم يتمكن من الوقوف صلى ماشيا بعد التوجه إلى القبلة ان تمكن من ذلك ويومئ بركوعه وسجوده إيماء.
فاما المقيد والمشدود بالرباط ومن جرى مجرى ذلك فإنه يجب عليه الاجتهاد في أداء الصلاة على غاية ما يتمكن منه ومتى أمكنه أن يبلغ بالصلاة إلى غاية هي نهاية ما يقدر عليه فأوقعها دون ذلك كان عليه استئنافها ، وإذا لم يتمكن واحد مما ذكرناه من أن يصلى الا إيماء صلى كذلك وكانت صلاته مجزية.
* * *
ص: 117
إذا دخل على المكلف وقت الصلاة وهو في سفينة ، وكان متمكنا من الخروج منها الى البركان الأفضل له الخروج والصلاة على الأرض ، فإذا لم يخرج منها وصلى في السفينة كانت صلاته مجزية ومن صلى في السفينة كان عليه ان يصلى قائماً ويستقبل القبلة مع التمكن من ذلك ، فان لم يتمكن من ذلك صلى جالسا متوجها الى القبلة ، وإذا دارت السفينة دار معها كيف ما دارت ، ويستقبل القبلة ، فان لم يتمكن من ذلك استقبل القبلة بتكبيرة الإحرام وصلى كيف ما دارت. فاذا صلى فيها شيئا من النوافل صلى قائماً إلى رأسها إذا لم يتمكن من التوجه إلى القبلة ومتى لم يجد في السفينة ما يسجد عليه ، سجد على خشبتها ، فان كان عليه قير القى عليه شيئا مما يصح السجود عليه ، وسجد عليه ، فان لم يقدر على ذلك سجد على القير وكان صلاته ماضية.
* * *
ما عدا صلاة اليوم والليلة من مفروض الصلوات ست صلوات قد تقدم ذكرها في جملة أعداد الصلوات. وهي صلاة العيدين ، وصلاة كسوف الشمس والقمر والزلازل والرياح السود والآيات العظيمة ، وقضاء الفائت من الصلاة ، وصلاة النذر ، وركعتا الطواف ، والصلاة على الموتى ، ونحن نأتي بذكر كيفية كل واحدة منها بمشيئة اللّه تعالى.
* * *
هذه الصلاة تجب على من تجب عليه صلاة الجمعة وتسقط عن من تسقط
ص: 118
عنه صلاة الجمعة ، وشروطها شروطها ، فاذا كان يوم العيد بعد صلاة الفجر فإنه يستحب للإنسان أن يدعوا بهذا الدعاء فيقول :
« اللّهم انى توجهت إليك بمحمد امامى وعلى من خلفي وأئمتي عن يميني وشمالي ، استتر بهم من عذابك وأتقرب إليك زلفى لا أجد أحدا أقرب إليك منهم فهم أئمتي ، فآمن بهم خوفي من عذابك وسخطك وأدخلني برحمتك الجنة في عبادك الصالحين ، أصبحت باللّه مؤمنا موقنا مخلصا على دين محمد صلى اللّه عليه وآله وسنته وعلى دين الأوصياء وسنتهم آمنت بسرهم وعلانيتهم وارغب الى اللّه فيما رغبوا فيه وأعوذ باللّه من شر ما استعاذوا منه ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلى العظيم توكلت على اللّه حسبي اللّه ، ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللّهَ بالِغُ أَمْرِهِ ) ، اللّهم أريدك فأردني واطلب ما عندك فيسره لي.
اللّهم انك قلت في محكم كتابك المنزل وقولك الحق ووعدك الصدق : شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ، فعظمت شهر رمضان بما أنزلت فيه من القرآن الكريم وخصصته بان جعلت فيه ليلة القدر.
اللّهم وقد انقضت أيامه ولياليه وقد صرت منه يا إلهي الى ما أنت اعلم به مني فأسألك بما سألك به ملائكتك المقربون وأنبياؤك المرسلون وعبادك الصالحون ان تصلى على محمد وآل محمد وان تقبل منى كلما تقربت إليك به وتتفضل على بتضعيف عملي وقبول تقربي وقرباتي واستجابة دعائي وهب لي منك عتق رقبتي من النار والأمن يوم الخوف من كل فزع ومن كل هول أعددته ليوم القيامة أعوذ بحرمة وجهك الكريم وبحرمة نبيك وبحرمة أوصيائه ان يتصرم هذا اليوم ولك قبلي تبعة تريد ان تقتصها منى لم تغفرها لي أسألك بحرمة وجهك الكريم بلا إله إلا أنت ان ترضى عنى وان كنت قد رضيت عنى فزد فيما بقي من عمرى رضا ، وان كنت لم ترض عنى فمن الان فارض عنى يا سيدي ومولاي الساعة الساعة واجعلني في هذه الساعة وفي هذا اليوم وفي هذا المجلس من عتقائك من النار عتقا لا رق معه.
ص: 119
اللّهم إني أسألك بحرمة وجهك الكريم ان تجعل يومي هذا خير يوم عبدتك فيه منذ أسكنتني الأرض وأعظمه أجرا وأعمه نعمة وعافية وأوسعه رزقا وأبتله عتقا من النار وأوجبه مغفرة وأكمله رضوانا وأقربه الى ما تحب وترضى اللّهم لا تجعله آخر زمان صمته لك وارزقني العود فيه حتى ترضى وترضى كل من له قبلي تبعة ، ولا تخرجني من الدنيا الا وأنت عني راض.
اللّهم واجعلني من حجاج بيتك الحرام في هذا العام وفي كل عام المبرور حجهم المشكور سعيهم المغفور ذنبهم المستجاب دعاؤهم المحفوظين في أنفسهم وأديانهم وذراريهم وأموالهم وجميع ما أنعمت به عليهم ، اللّهم اجعل قلبي في مجلسي هذا وفي يومي هذا وفي ساعتي هذه مفلحا منجحا مستجابا دعائي مرحوما موتى ومغفورا ذنبي.
اللّهم واجعل فيما شئت وأردت وقضيت وحتمت وأنفذت ان تطيل عمرى وان تقوى ضعفي وان تغني فقري وان تجبر فاقتي وان ترحم مسكنتي وان تعز ذلي (1) وان تونس وحشتي وان تكثر قلتي وان تدر رزقي في عافية ويسر وخفض وعيش وتكفيني كل ما أهمني من أمر دنياي وآخرتي ولا تكلني الى نفسي طرفة عين فأعجز عنها ولا الى الناس فيرفضوني وعافني في بدني وديني وأهلي ومالي وولدي وأهل مودتي وجيراني وإخواني وان تمن على بالأمن أبدا ما أبقيتني فإنك وليي ومولاي وسيدي والهى وثقتى ورجائي ومعدن مسألتي وموضع شكواي ومنتهى رغبتي فلا تخيبن (2) عليك دعائي يا سيدي ومولاي ولا تبطل ظني ورجائي لديك فقد توجهت إليك بمحمد وآل محمد صلواتك عليهم وقد قدمتهم إليك إمامي وامام حاجتي وطلبتي و (3) تضرعي ومسألتي فاجعلني بهم وجيها في الدنيا والآخرة فإنك
ص: 120
مننت على بمعرفتهم (1) فاختم لي بها السعادة انك على كل شي ء قدير.
اللّهم لا تبطل عملي ، وطمعي ، ورجائي ، يا الهى ومالكي وارحم (2) بالسعادة والسلامة والإسلام ، والأمن ، والايمان ، والمغفرة ، والرضوان ، والشهادة والحفظ ، يا اللّه يا اللّه أنت لكل حاجة ، فتول عاقبتها ، ولا تسلط علينا أحدا من خلقك بشي ء لا طاقة لنا به من أمر الدنيا ، وفرغنا لأمر الآخرة ، يا ذا الجلال والإكرام صل على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد وارحم محمدا وآل محمد ، وسلم على محمد وآل محمد كأفضل ما صليت وباركت وترحمت وسلمت وتحننت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد »
فاذا فرغ من هذا الدعاء ، وأراد الخروج الى المصلى ، فالأفضل له ان لا يخرج الا وهو على غسل ، ووقت هذا الغسل طلوع الفجر ، ويلبس أجمل ثيابه والامام يلبس الرداء والعمامة شاتيا كان أم قائظا ، وان كان عيد الفطر فالأفضل ان لا يخرج من بيته حتى يفطر على شي ء من الحلاوة ، وان كان عيد الأضحى فالأفضل له ان لا يأكل مما يذبحه أو ينحره الا بعد عوده من الصلاة ولا يأكل شيئا قبل خروجه ، فاذا توجه الى المصلى فيستحب له ان يكون ماشيا وعليه سكينة ووقار ، فان كان اماما كان كذلك حافيا وكلما مشى قليلا وقف وكبر حتى يصل اليه.
ويستحب له أيضا ان يدعو في توجهه الى المصلى فيقول : « اللّهم من تهيأ وتعبأ وأعد ، واستعد لوفادة إلى مخلوق رجاء رفده وطلب جوائزه وفواضله ، ونوافله فإليك يا سيدي وفادتى وتهيأتى ، وإعدادي ، واستعدادي ، رجاء رفدك وجوائزك ونوافلك ، فلا تخيب اليوم رجائي ، يا من لا يخيب عليه سائل ، ولا ينقصه نائل ، انى لم آتك اليوم بعمل صالح قدمته ، ولا شفاعة مخلوق رجوته لكنني أتيتك مقرا بالظلم والاسائة ، لا حجة لي ولا عذر فأسألك يا رب ان تعطيني سؤلي ومسئلتي وتقلبني
ص: 121
برغبتي ، ولا تردني مجبوها ، ولا خائبا يا عظيم ، يا عظيم ، يا عظيم أرجوك بالعظيم أسألك يا عظيم ان تغفر لي العظيم ، لا إله إلا أنت صل على محمد وآل محمد وارزقني خير هذا اليوم الذي شرفته وعظمته واغسلني من جميع ذنوبي وخطاياي ، وزدني من فضلك انك أنت الوهاب.
فاذا وصل الى المصلى فالأفضل له ان يجلس على الأرض ، فإذا قام إلى الصلاة برز تحت السماء ولا يؤذن لصلاة العيد ، ولا يقام لها ، بل يقول المؤذن ثلاث مرات الصلاة.
ثم يفتتح الصلاة بتكبيرة ويقرء : الحمد والشمس وضحيها ، فاذا فرغ من القراءة كبر ثانية ورفع بها يديه وقنت فقال : اشهد ان لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له ، واشهد ان محمدا عبده ورسوله ، اللّهم أهل الكبرياء والعظمة وأهل الجود والجبروت وأهل العفو والرحمة ، وأهل التقوى والمغفرة أسألك بحق هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا ولمحمد صلى اللّه عليه وآله ذخرا ومزيدا ان تصلى على محمد وآل محمد كأفضل ما صليت على عبد من عبادك ، وصل على ملائكتك ورسلك واغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات.
اللّهم إني أسألك خير ما سئلك به عبادك المرسلون وأعوذ بك من شر ما عاذ منه عبادك المرسلون ، ثم يكبر الثالثة ويقنت - بهذا القنوت أيضا ، ثم يكبر رابعة ويقنت ، ثم يكبر خامسة ، ويقنت به ثم يكبر سادسة ويقنت ، ثم يكبر سابعة ويركع بها ، ويسجد سجدتين ، فاذا رفع رأسه من السجود قام إلى الركعة الثانية بغير تكبيرة (1) ثم يكبر تكبيرة واحدة ويقرء الحمد وهل أتاك حديث الغاشية ، فاذا فرغ من القراءة كبر ثانية ورفع بها يديه وقنت كما قنت فيما تقدم ثم كبر ثالثة وقنت ثم كبر رابعة وقنت ثم كبر خامسة وركع بها وسجد وتشهد وسلم فيكون جملة هذه الصلاة ركعتين باثنتي عشرة تكبيرة سبع في الاولى ، وخمس في الثانية ، من
ص: 122
جملتها تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الركوع. فاذا فرغ الامام من الصلاة خطب بالناس ويكون قيامه للخطبة على منبر مبني من طين.
ويستحب للإنسان أن يكبر ليلة عيد الفطر عقيب اربع صلوات أولها صلاة المغرب وآخرها صلاة العيد يقول : « اللّه أكبر ، اللّه أكبر لا إله إلا اللّه واللّه أكبر اللّه أكبر ولله الحمد على ما هدانا وله الشكر على ما أولانا » ، ويكبر في عيد الأضحى ان كان بمنى عقيب خمس عشرة صلاة أولها صلاة الظهر من يوم العيد ، وان كان في غير منى من سائر الأمصار كبر عقيب عشر صلوات أولها الظهر أيضا من يوم العيد ويزيد في التكبير بعد قوله : « وله الشكر على ما أولانا ورزقنا من بهيمة الانعام » ولا ينبغي ان يخرج إلى صلاة العيد بسلاح إلا لضرورة تدعو الى ذلك.
ومن أراد الخروج يوم العيد من بلد بعد طلوع الفجر فلا يخرج حتى يحضر صلاة العيد ، فان كان قبل الفجر جاز له الخروج ، ولا يجوز أن يصلى شيئا من النوافل ابتداء ولا قضاء قبل صلاة العيد ولا بعدها حتى تزول الشمس إلا بمدينة الرسول صلى اللّه عليه وآله فإنه إذا كان بها صلى في مسجد النبي صلى اللّه عليه وآله ركعتين قبل صلاة العيد استحبابا ومن صلى صلاة العيد كان مخيرا في استماع الخطبة ، والأفضل له أن يسمعها ، ومن لم يحضر صلاة العيد مع الإمام فالأفضل له أن يقضيها في بيته كما كان يصليها مع الامام ، وليس ذلك بواجب عليه.
وذكر أنه إذا اتفق أن يكون يوم العيد يوم الجمعة كان الذي يصلى صلاة العيد مخيرا بين حضور الجمعة وبين ان لا يحضرها ، والظاهر وجوب حضورها في الصلاتين وانعقادهما مع تكامل الشروط التي ذكر أنها لا تنعقد الا بكمالها.
ومن صلى صلاة العيد قبل طلوع الشمس كان عليه الإعادة لها. ومن خرج الى صلاة العيد في طريق فليرجع في غيرها استحبابا ومن كان لا هيئة لها من النساء من العجائز جاز خروجها لصلاة العيد ومن كان لها منهن هيئة وجمال صلتها في بيتها
* * *
ص: 123
صلاة كسوف الشمس وخسوف القمر والزلازل والرياح السود المظلمة والآيات العظيمة واحدة ، وهي واجبة لا يجوز تركها ، فمن تركها فليس يخلو من ان يكون تركها متعمدا أو ناسيا ، فان تركها متعمدا وكان قرص الشمس أو القمر قد احترق جميعه كان عليه قضاؤها مع الغسل ، وان كان قد احترق بعض القرص كان عليه القضاء دون الغسل ، وان كان ناسيا وكان قد احترق جميع القرص ، كان عليه القضاء ، وان لم يكن قد احترق جميع القرص ، لم يكن عليه شي ء ، وإذا فاتته ولم يكن علم ، فليصلها إذا علم ذلك.
واما وقتها فقد ذكرناه في باب أوقات الصلاة.
ويستحب صلاتها جماعة ، ومن لم يصلها كذلك ، جاز له ان يصليها منفردا.
وجعلتها عشر ركعات بأربع سجدات يبتدء بها بتكبيرة الإحرام ، ثم يتوجه (1) فيقرء الحمد وسورة ، والأفضل أن يقرء فيها من السور الطوال : مثل الكهف والأنبياء وما أشبه ذلك ، فاذا فرغ من القراءة ركع وأطال في ركوعه بمقدار زمان قراءته ، ثم يرفع رأسه بالتكبير ولا يقول « سمع اللّه لمن حمده » ، ويستوي قائماً ثم يقرء الحمد وسورة ، فاذا فرغ منها ركع وأطال في ركوعه مثل زمان قراءته ، ثم يرفع رأسه بالتكبير ولا يقول « سمع اللّه لمن حمده » ويستوي قائماً ثم يقرء الحمد وسورة فاذا فرغ منها ركع وأطال في ركوعه مثل زمان قراءته ، ولا يقول « سمع اللّه لمن حمده » ويستوي قائماً ثم يقرء الحمد وسورة ، فاذا فرغ منها ركع وأطال في ركوعه مثل زمان قراءته ثم يرفع رأسه ويقول في الخامسة مثل ما قدمناه ، ثم يركع الخامسة ويرفع رأسه بغير تكبير ، بل يقول سمع اللّه لمن حمده ، الحمد لله رب العالمين ، ويسجد سجدتين ، ويطيل في كل واحدة منهما
ص: 124
مثل زمان ركوعه ، ثم ينهض ويستوي قائماً ويركع خمس ركعات على الصفة المقدمة ، ويسجد في الخامسة ، ويتشهد ويسلم ، ومن صلى هذه الصلاة وفرغ منها قبل أن ينجلي القرص أو تزول الآية ، فيستحب له إعادتها ، فان لم يعدها جلس في موضعه يذكر اللّه سبحانه الى ان ينجلي القرص أو تزول الآية ومن شك في شي ء من هذه الصلاة ، كان عليه استئنافها.
ومن صلاها لزلزلة فليسجد بعد فراغه منها وليقل في سجوده « يا من ( يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً ) ، يا من ( يُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ ) أمسك عنا السوء ».
ومتى انكسفت الشمس أو خسف القمر أو حدثت آية مما ذكرناه في وقت صلاة حاضرة ، بدء بالحاضرة ، ثم رجع إليها ، وان بدء بصلاتها ودخل وقت فريضة قطعها وصلى الفريضة ورجع إليها وتمم صلاتها ، وان دخل وقت صلاة الليل ، صلى أولا صلاة الكسوف ثم عاد إلى صلاة ، الليل فان فاتت صلاة الليل قضاها بعد ذلك ، ولا يجوز ترك صلاة الكسوف لأجلها على حال من الأحوال.
* * *
اعلم ان جميع الأوقات أوقات لقضاء ما فات من الصلاة إلا ما يعرض فيه شغل لا بد منه مما يقوم بالنفس - على الاقتصاد - (1) أو يتضيق وقت فريضة حاضرة ، وحد تضيق الوقت ان يصير الباقي منه بمقدار ما يؤدى فيه تلك الصلاة.
وكل صلاة واجبة فاتت فأن قضاءها واجب من غير تراخ ، الا ان يكون قد تضيق وقت صلاة حاضرة ، فإنه متى كان ذلك وجب صلاة الحاضرة ثم يقضى
ص: 125
الفائتة بعد ذلك ، فأن صلى الحاضرة والوقت متسع وهو عالم بذلك لم ينعقد وكان عليه قضاء ، الفائتة ثم يصلى الحاضرة ، وان لم يكن عالما وذكرها وهو في الحاضرة نقل نيته إليها ثم صلى الحاضرة.
ويقضى الفائتة ولا يصلى الحاضرة الا ان يتضيق الوقت إذا كان قد فاته صلوات عدة (1) ، فاذا تضيق الوقت صلى الحاضرة ثم عاد الى القضاء.
وإذا نسي شيئا قضاه وقت الذكر له وإذا دخل في صلاة نافلة ثم ذكر ان عليه صلاة أخرى عدل نيته إلى الفائتة ثم يعود الى تلك الصلاة بعد الفراغ من الفائتة ، وهكذا يفعل إذا دخل في صلاة فريضة لم يتضيق وقتها ثم ذكر ان عليه صلاة أخرى ، ومثال ما ذكرناه ان يدخل في صلاة العصر ، ويذكر ان عليه صلاة الظهر فيعدل نيته إليها ، فاذا فرغ منها عاد فصلى العصر ، فان تضيق الوقت كمل صلاة العصر ثم صلى الظهر.
ويجب ان يقضى حتى يغلب في ظنه الوفاء إذا كان قد فاته من الصلاة ما لا يتحقق جملته وكذلك يصلى اثنتين وثلاثا وأربعا إذا فاتته صلاة ولم يعلم ما هي : نوى بالاثنتين الغداة وبالثلاث المغرب وبالأربع الظهر أو العصر أو العشاء الآخرة ، فاذا فاتته صلاة وهو مسافر ولم يعلم ما هي صلى اثنتين وثلاثا ، ويفعل في النية لها مثل ما ذكرناه.
ومن فاتته صلاة معينة دفعات عدة ، ولم يعلم عدد الدفعات صلى من هذه الصلاة بعينها حتى يغلب في ظنه الوفاء.
والمرتد يجب عليه القضاء بجميع ما فاته في أيام ردته ، ومن صلى صلاة نذر على غير الوجه الذي شرطه والشروط التي نذر لإيقاعها ، عليه القضاء لها على ذلك الوجه والشرط.
وإذا بلغ إنسان في وقت يتسع لأداء الصلاة ، وفرط في أدائها حتى خرج الوقت كان عليه القضاء والولي عليه ان يقضى عمن يلي أمره ركعتي الطواف إذا
ص: 126
كان قد نسيها ، ومات قبل ان يقضيها ، والمغمى عليه إذا أفاق في وقت يتسع لأداء الصلاة وفرط في أدائها حتى خرج الوقت كان عليه القضاء.
ومن كان مسافرا ونسي صلاة - وجبت عليه في الحضر - كان عليه (1) قضائها على التمام ، فان كان حاضرا وكان قد نسي صلاة سفر كان عليه قضاؤها على التقصير. وعليه أيضا يقضي الصلاة على التقصير ، إذا كان قد أتمها في السفر وكانت آية التقصير قد تليت عليه ، أو علم وجوب التقصير عليه ، فان لم يكن الآية تليت عليه ولا علم وجوب التقصير لم يكن عليه شي ء. وكل ذلك واجب على المكلف
ومن بلغ الحلم في وقت لا يتسع لأدائها كان عليه القضاء ندبا واستحبابا ، وكذلك من أغمي عليه بجنون أو مرض غير الجنون وأفاق في وقت غير متسع لأداء الصلاة ، وكذلك يقضى جميع ما فاته في حال الإغماء ، فإن كان كثيرا ولم يتمكن من قضاء جميعه قضى صلاة اليوم الذي يفيق فيه ، وكذلك يقضى النوافل - إذا فاته منها صلوات عدة ، ولم يعلم كمية ذلك - الى ان يغلب في ظنه الوفاء ، فان لم يتمكن من ذلك استحب له ان يتصدق عن كل ركعتين بمد من طعام فان لم يقدر على ذلك فعن كل يوم بمد من طعام فان لم يقدر على ذلك لم يكن عليه شي ء وكذلك يقضي النافلة المنسية أي وقت ذكرها ، الا ان يكون قد حضر وقت فريضة فينبغي ان يصلى الفريضة ، ثم يقضى النافلة بعد ذلك إذا أراد ، وكذلك يقضى نوافل الليل بالنهار ، ونوافل النهار بالليل ندبا ، واستحبابا كما قدمناه ، فأما الحائض فقد ذكرنا في باب الحيض ما يتعلق بها من ذلك.
* * *
يجب على الناذر للصلاة أداؤها على الوجه والشرط الذي نذرها عليه ، فان
ص: 127
نذر منها عددا مخصوصا أو شيئا من التسبيح أو قراءة سورة معينة ، أو صلاتها في زمان أو مكان مخصوص أو إيقاعها على وجه مخصوص وجب عليه إيقاعها وأداؤها على العدد ، والوجه والشرط الذي عقد نذره ، فان لم يقض ذلك أو شيئا معه وصلاها كذلك لم يجزه ، وكان عليه قضاؤها مع الكفارة ، وسيأتي ذكر هذه الكفارة في باب الكفارات بعون اللّه تعالى.
* * *
ركعتا الطواف واجبتان كما ذكرناه في قسمة المفروض من الصلوات ، ويجب ان يفعل المكلف فيهما مثل ما يفعله في غيرهما من أحكام الصلاة ومن وجبتا عليه صلاهما عند مقام إبراهيم عليه السلام بان يجعله بين يديه ثم يصلى ، فإن نسي صلاتهما عند هذا المقام كان عليه إعادتهما عنده ، فان لم يذكرهما حتى سار رجع فصلاهما عنده ، فان لم يتمكن من ذلك صلاهما حيث يذكرهما ، والأفضل ان يقرء في الركعة الأولى بعد الحمد سورة الإخلاص وفي الثانية بعد الحمد قل يا ايها الكافرون ، فاما وقتها فقد ذكرناه في بابا أوقات الصلاة.
* * *
إذا أردنا أن نذكر كيفية الصلاة على الموتى من الناس فينبغي ان نبين من يجوز هذه الصلاة عليه ومن لا يجوز.
فأما الذي يجوز عليه فهو كل من كان على ظاهر الايمان من رجل أو أمرية ، حر أو عبد ومن بلغ عمره من هؤلاء الذين ذكرناهم ست سنين أو أكثر ، وقد يصلى هذه الصلاة على جهة الندب والاستحباب على كل طفل يقصر عمره عن ست سنين
ص: 128
من أولاد المسلمين ، وعلى من خالف مذهب أهل الحق مع حصول التقية المرتفعة (1) في ترك ذلك ، فلا يجوز الصلاة على الناصب للعداوة لأهل بيت النبي صلى اللّه عليه وآله إذا كانت التقية مرتفعة في ترك الصلاة عليه ، وكذلك لا يجوز على غير الناصب ممن ظاهره ظاهر الكفر والشرك على حال ، ومن مات ممن ذكرنا جواز الصلاة عليه من الرجل ، والمرية أو الحر ، والعبد كانت الصلاة عليه واجبة.
وينبغي ان يؤذن المؤمنين بذلك ليجتمعوا ، ويكثروا للصلاة (2) عليه ، وهي فرض على الكفاية ، ومتى قام بها بعض المكلفين سقط فرضها عن الباقين ، والأفضل للإنسان ان لا يصليها الا وهو على طهارة ، فان لم يكن على ذلك وفاجأته تيمم وصلى عليها ، فان لم يتمكن من ذلك أيضا جاز ان يصليها على غير طهارة ومن كان من النساء على حال حيض أو جنابة وأرادت الصلاة على الجنازة ، فالأفضل لها ان لا تصليها الا بعد الاغتسال فان لم تتمكن من ذلك جاز لها ذلك بالتيمم فان لم تتمكن من ذلك جاز لها ان تصلى عليها بغير طهارة.
وإذا حضر الناس للصلاة على الجنازة وقفوا صفوفا خلف من يؤم بهم فان حضر معهم نساء وقفن خلف الرجال من غير ان يختلطن بهم ، فان كان فيهن حائض وقفت منفردة منهن ، فان كان الذي حضر للصلاة على الجنازة نساء ليس معهن أحد من الرجال وقفت التي تؤم بهن في وسطهن من الصف ، والباقون عن يمينها وشمالها فان كان جميع من يحضر للصلاة عليها عراة ففعلوا كما ذكرنا فعله للنساء سواء. والجنازة تجعل وقت الصلاة عليها مما يلي القبلة ، فإن حضر معها جنازة أمرية جعلت مما يلي القبلة والرجل مما يلي الامام ، وإذا اجتمع جنازة رجل وأمرية وصبي جعل الصبي مما يلي القبلة ثم المرأة إليه ثم الرجل.
فان اجتمع معهم عبد قدم الصبي أولا إلى القبلة ، ثم المرأة ، ثم العبد ، ثم
ص: 129
الرجل فان اجتمع معهم خنثى جعل الصبي مما يلي القبلة أولا ، ثم المرأة بعده ، ثم الخنثى بعدها ثم العبد ثم الرجل ، وهؤلاء الذين صلى على جميعهم صلاة واحدة ، كانت مجزية ، ولم يحتج المصلون ان يصلوا على كل واحد منهم صلاة على حدة والامام العادل إذا حضر للصلاة على الجنازة كان اولى بالتقدم عليها في ذلك من غيره ، فان لم يكن حاضرا وحضر رجل من بنى هاشم يعتقد الحق كان اولى بذلك إذا اذن له الولي ، فان لم يأذن له لم يجز له التقدم ، والأفضل للولي أن يقدمه والمرأة إذا كان لها زوج كان أولى بالصلاة عليها وإذا كان للميت ابنان مؤمنان كانا مخيرين في التقدم للصلاة ما لم يتنازعا في التقدم ، فان تنازعا في ذلك أقرع بينهما.
والصلاة على الجنازة جائزة في المساجد والأفضل في ذلك ان يصلى عليها في المواضع المخصوصة بها ، فإذا أراد الإمام التقدم للصلاة على الجنازة ، فينبغي ان يتحفي ويكون بينه وبينها عند وقوعه عليها شي ء يسير ، فان كان الميت رجلا وقف محاذيا لوسطه ، وان كان امرأة وقف محاذيا لصدرها.
وليس في هذه الصلاة قراءة ، ولا ركوع ، ولا سجود ، بل دعاء واستغفار وهي خمس تكبيرات يبدأ بها بتكبيرة الإحرام ويقرن النية كذلك بها ، فيرفع المصلى مع هذه التكبيرة يديه ثم يرسلهما ، ويقول : « اشهد ان لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له إلها واحدا أحدا فردا صمدا حيا قيوما لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ، لا إله إلا اللّه الواحد القهار ربنا ورب آبائنا الأولين » والاختصار على الشهادتين في ذلك مجز ، ويكبر « ثانية » ولا يرفع يديه معها.
ويقول : « اللّهم صل على محمد وآل محمد ، وبارك على محمد وآل محمد وارحم محمدا وآل محمد كأفضل ما صليت وباركت ورحمت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد » ويكبر « ثالثة » ولا يرفع يديه معها.
ويقول : « اللّهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم
ص: 130
والأموات ، وادخل على موتاهم رأفتك ، ورحمتك وعلى أحيائهم بركات سماواتك وأرضك ، انك على كل شي ء قدير ، ويكبر « رابعة » ، ولا يرفع يديه معها ، ويقول : اللّهم عبدك وابن عبدك وابن أمتك نزل بك وأنت خير منزول به ، اللّهم انا لا نعلم منه الا خيرا وأنت اعلم به منا ، اللّهم ان كان محسنا فزد في إحسانه ، (1) وان كان مسيئا فتجاوز عنه واغفر له واجعله عندك في عليين ، واخلف على أهله في الغابرين ، وارحمه برحمتك يا ارحم الراحمين.
فان كان الميت أمرية ، قال بعد هذه التكبيرة : اللّهم أمتك وابنة أمتك نزلت بك وأنت خير منزول به ، اللّهم ان تك محسنة فزد في إحسانها ، وان تك مسيئة فاغفر لها وتجاوز عنها وارحمها يا رب العالمين » وان كان الميت طفلا فقل : « اللّهم هذا الطفل كما خلقته قادرا وقبضته ظاهرا ، فاجعله لأبويه فرطا (2) ونورا وارزقنا اجره ولا تفتنا بعده.
وان كان مستضعفا قال : « اللّهم اغفر ( لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ ) .
وان كان غريبا لا يعرف له قولا فقل : « اللّهم هذه النفس أنت أحييتها ، وأنت أمتها تعلم سرها وعلانيتها ، فولها ما تولت واحشرها مع من أحبت » وان كان الميت ناصبا (3) فقل : « عبدك ابن عبديك لا نعلم منه الا شرا فأخذه من عبادك وبلادك وأصله أشد نارك ، اللّهم انه كان يوالي أعدائك ويعادي أولياءك ويبغض أهل بيت نبيك فاحش قبره نارا ومن بين يديه نارا وعن شماله نارا وسلط عليه في قبره الحيات والعقارب » ويكبر الخامسة ، ولا يرفع اليدين معها ، ويقول : عفوك عفوك ، ولا يبرح من موضعه حتى ترى الجنازة قد رفعت على أيدي الرجال والذي ذكرناه في ترك
ص: 131
رفع اليدين مع التكبيرة الأولى مستحب ، ولو رفعها مع جميع التكبيرات لكان جائزا الا ان الأفضل ما قدمناه.
ومن حضر الصلاة على الجنازة وقد فاته شي ء من التكبيرات فليتمه إذا فرغ الامام من الصلاة عليها متتابعا ، وان رفعت كبر عليها ، وهي مرفوعة ، ومن لحق الجنازة عند وصولها الى القبر كان له ان يكبر ما بقي له من ذلك ومن سبق الامام بشي ء من التكبير عليها كان عليه الإعادة لذلك ومن فاتته الصلاة على الجنازة جاز له ان يصليها على القبر بعد دفن الميت ما بينه وبين يوم وليلة ، وليس تجوز الصلاة عليه بعد ذلك على حال.
والصلاة على الجنازة الواحدة دفعتين مكروه ، فاذا حضرت الجنازة في وقت صلاة فريضة ، فالأولى الابتداء بالفريضة ، ثم الرجوع الى الصلاة على الجنازة الا ان يخاف من حدوث أمر بالميت ، فان كان ذلك قدمت الصلاة عليه ، ورجع الى الفريضة.
وإذا كانت الجنازة في وقت الصلاة عليها مقلوبة ، ولم يعلم المصلى عليها ذلك من حالها أديرت عما كانت عليه وهويت (1) وأعاد الصلاة عليها ، فان لم يعلم ذلك حتى دفنت كانت الصلاة ماضية ، وإذا حضرت الجنازة وكبر المصلى عليها تكبيرة أو تكبيرتين ، ثم حضرت جنازة اخرى كان مخيرا بين ان يتم التكبيرات على الاولى ، وبين ان يبتدء بالتكبير من التكبيرة التي انتهى إليها وان كان الميت عريانا ولا كفن عليه فليترك في قبره ويستر عورته ويصلى عليه ويدفن.
* * *
ص: 132
« باب سنن اليوم والليلة »
اعلم ان أول ذلك نوافل الظهر ، وينبغي إذا زالت الشمس ان يصلى ، وهي ثمان ركعات يفتتح الركعتين الأولتين بسبع تكبيرات ، أو خمس أو ثلاث أو واحدة إلا أن الإتيان بأكثر من التكبيرة الواحدة أفضل ، فاذا فرغ من التكبير الذي ذكرناه توجه (1) وقرء في الأولى بعد الحمد ، قل هو اللّه أحد ، وفي الثانية بعد الحمد قل يا ايها الكافرون ويخافت بالقراءة ، فان جهر كان جائزا ، والأفضل الإخفات نوافل النهار والجهر في نوافل الليل ، فاذا فرغ من القراءة فعل في الركوع والسجود والتسبيح مثل ما سلف ذكره في كيفية صلاة المختار ، فاذا سلم من هاتين الركعتين قام ثم اتى بست ركعات يتشهد ويسلم في كل اثنتين ، فاذا تمم الثمان ركعات ، حمد اللّه سبحانه وأثنى عليه وصلى على النبي وآله صلى اللّه عليه وآله ثم يقول : « الحمد لله الواحد الأحد المتوحد في الأمور كلها الرحمن الرحيم الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لو لا ان هدانا اللّه » ويدعو بما شاء ، ثم يؤذن ويقيم ويصلى فريضة الظهر فاذا فرغ منها صلى بعدها نوافل العصر ثماني ركعات وفعل كما فعل في نوافل الظهر ثم يؤذن ويقيم ويصلى فريضة العصر فاذا غربت الشمس وصلى فريضة المغرب صلى بعدها نوافلها وهي أربع ركعات من غير ان يفصل بين هذه النافلة وبين الفريضة بتعفير ولا كلام ، يفتتح الاولى بسبع تكبيرات ، وفعل فيها من القراءة والتسبيح وغيره من أفعال الصلاة مثل ما قدمناه ويتشهد بعد كل ركعتين ، ويسلم ، فاذا فرغ كما ذكرناه سبح ، وعفر ودعا بما أراد ، فإذا غاب الشفق وصلى فريضة العشاء الآخرة ، صلى الوتيرة وهي : ركعتان من جلوس تحسبان بواحدة يقرء فيهما مثل ما قدمناه ، فاذا فرغ من ذلك فيأوى الى فراشه ويضطجع فيه على جانبه الأيمن ، ويقول : بسم اللّه وباللّه
ص: 133
وفي سبيل اللّه وعلى ملة رسول اللّه وخير الأسماء كلها لله ، اللّهم إني أسلمت نفسي إليك ، ووجهت وجهي إليك ، وفوضت أمري إليك رهبة منك ورغبة إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك ، آمنت بكل كتاب أنزلته وبكل رسول أرسلته « ثم يقرء سورة الإخلاص والمعوذتين ، وآية الكرسي ، ويسبح تسبيحة السيدة فاطمة صلوات اللّه عليها وهي ان يكبر أربعا وثلثين تكبيرة ويحمد ثلاثا وثلثين تحميدة ويسبح ثلاثا وثلثين تسبيحة ويقول : لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له ، الملك وله الحمد يحيى ويميت ويميت ويحيى وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شي ء قدير ، أعوذ باللّه بالذي يمسك السماء ان تقع على الأرض الا بإذنه من شر ما خلق ، وذرأ وبرء وأنشأ وصور ، ومن شر الشيطان الرجيم ، أعوذ بكلمات اللّه التامة من شر الدابة (1) والهامة ، واللامة ومن شر الشيطان الرجيم وما ذرأ في الأرض وما اخرج منها ومن شر طوارق الليل والنهار الا طارقا يطرق بخير ، استعنت باللّه وأتوكل على اللّه وحسبي اللّه ونعم الوكيل ».
فاذا انتصف الليل قام إلى صلاة الليل وقال عند قيامه الى ذلك : « الحمد لله الذي رد على روحي لأعبده واحمده اللّهم انه لا يوارى منك ليل داج ولا سماء ذات أبراج ، ولا ارض ذات مهاد ولا ظلمات بعضها فوق بعض ولا بحر لجي ، ( يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ ) غارت النجوم ، ونامت العيون ، وأنت الحي القيوم ، لا تأخذك سنة ولا نوم ، سبحان اللّه رب العالمين » ، ويقرء خمس آيات من آخر سورة آل عمران ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ ) ، إلى قوله ( إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ ) ».
وإذا سمع صوت الديكة قال « سبوح قدوس رب الملائكة والروح سبقت رحمتك غضبك ، سبحانك وبحمدك ، عملت سوء وظلمت نفسي فاغفر لى انه لا يغفر
ص: 134
الذنوب إلا أنت » فاذا فرغ من ذلك استاك ، ثم يتطهر ويفتتح الصلاة بسبع تكبيرات ويتوجه ويقرء الحمد وسورة الإخلاص ثلاثين مرة ، ويقرء في الثانية الحمد وقل يا ايها الكافرون ثلاثين مرة وان قرء ذلك مرة واحدة كان جائزا ، ثم يصلى ست ركعات بما شاء من القرآن ، ويطيل في قراءته وركوعه وسجوده الا ان يخشى من طلوع فحينئذ يخفف ، فاذا فرغ من الثمان ركعات كما ذكرناه صلى الشفع والوتر ثلاث ركعات ، يقرء في الأولى بعد الحمد قل هو اللّه أحد وفي الثانية مثل ذلك ، ويتشهد ويسلم ، ويقوم بعد ذلك الى الثالثة فيتوجه ويقرء بعد الحمد سورة الإخلاص ، فاذا فرغ من القراءة قنت بقنوت الوتر ان شاء ذلك وان شاء ان يقتصر بكلمات الفرج ويدعو بما أحب كان جائزا ، وقنوت الوتر هو : لا إله إلا اللّه الحليم الكريم لا إله إلا اللّه العلى العظيم سبحان اللّه رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
اللّهم لا إله إلا أنت نور السموات والأرض لا إله إلا أنت زين السماوات والأرض لا إله إلا أنت جمال السماوات والأرض لا إله إلا أنت رب العالمين لا إله إلا أنت الغفور الرحيم لا إله إلا أنت الرحمن الرحيم لا اللّه الا أنت مالك يوم الدين لا إله إلا أنت إليك يبتدئ كل شي ء وإليك يعود ، لا إله إلا أنت لم تزل ولا تزال لا إله إلا أنت الملك القدوس لا إله إلا أنت السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر لا إله إلا أنت الكبير والكبرياء ردائك سبحان الذي ليس كمثله شي ء وهو السميع البصير والحمد لله الذي تواضع كل شي ء لعظمته وذلك كل شي ء لعزته واستسلم كل شي ء لقدرته وخضع كل شي ء لملكته واتضع كل شي ء لربوبيته فأنت يا رب صريخ المستصرخين وغياث المستغيثين والمفرج عن المكروبين والمروح عن المغمومين ومجيب دعوة المضطرين وكاشف السوء وكهف المضطهدين وعماد المؤمنين ، إليك ملجأهم ومفزعهم ومنك رجاؤهم وبك استعانتهم وحولهم وقوتهم ، إياك يدعون وإليك يطلبون ويتضرعون ويبتهلون
ص: 135
وبك يلوذون وإليك يفزعون وفيك يرغبون وفي مننك ينقلبون وبعفوك والى رحمتك يسكنون ومنك يخافون ويرهبون ، لك الأمر من قبل ومن بعد حتى لا يحصى نعمك ولا تعد ، أنت جميل العادة والبلاء ومستحق للشكر والثناء ندبت الى فضلك وأمرت بدعائك وضمنت الإجابة لعبادك وأنت صادق الوعد وفي العهد ، قريب الرحمة.
اللّهم انى اشهد على حين غفلة من خلقك انك أنت اللّه الذي لا إله إلا أنت وان محمدا عبدك المرتضى ونبيك المصطفى وأسبغت عليه نعمتك وأتممت له كرامتك ، وفضلت لكرامته منه آله فجعلتهم أئمة الهدى ومصابيح الدجى وأكملت بحبهم وطاعتهم الايمان ، وقبلت بمعرفتهم والإقرار بولايتهم ، الأعمال واستعبدت بالصلاة عليهم عبادك وجعلتهم مفتاحا للدعاء وسببا للإجابة.
اللّهم فصل على محمد وآل محمد أفضل ما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللّهم انهم الفضل والوسيلة وأعطهم من كل كرامة ونعمة وعطاء أفضله حتى لا يكون أحد من خلقك أقرب مجلسا ولا أحظى عندك منزلة ولا أقرب منك وسيلة ولا أعظم شفاعة منهم.
اللّهم واجعلني من أعوانهم وأنصارهم واتباعهم وثبتني على محبتهم وطاعتهم والتسليم لهم والرضا بقضائهم واجعلني بمحبتهم عندك وجيها في الدنيا والآخرة ، ومن المقربين فانى أتقرب إليك بهم وأقدمهم بين يدي حوائجي ومسألتي ، فإن كانت ذنوبي قد أخلقت وجهي عندك وحجبت دعائي عنك فاستجب يا رب بهم دعائي وأعطني بهم سؤلي وتقبل بهم يا رب توبتي واغفر بهم يا رب ذنوبي يا محمد أتقرب بك الى اللّه ربي وربك ليسمع دعائي ويعطيني سؤلي ويغفر ذنبي يا رب أنت أجود من سئل وأكرم من اعطى وارحم من استرحم يا اللّه يا اللّه يا اللّه يا رب يا رب يا رب يا رحمان يا رحمان يا رحمان قلت : ولقد نادينا نوح فلنعم المجيبون نعم واللّه المجيب أنت ولنعم المدعو أنت ولنعم المسئول أنت أسألك بنور وجهك وعز ملكوتك وأسألك باسمك بسم اللّه الرحمن الرحيم وبكل اسم سميت به نفسك وعلمته
ص: 136
أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك ان تغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أعلنت وما أسررت وما أنت اعلم به مني مغفرة لا تغادر صغيرة ولا كبيرة ولا تسألني عن شي ء من ذنوبي بعدها أبدا أبدا وأعطني عصمة لا أعصيك بعدها أبدا أبدا وخذ بناصيتي الى محبتك ورضاك ووفقني لذلك واستعملني به ابدا ما أبقيتني ، واحفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقى ومن تحت قدمي وامنعني من ان يوصل الى بسوء واصرف عنى شر كل شيطان مريد وشر كل جبار عنيد وشر كل ضعيف من خلقك وشديد ومن شر السامة والهامة والعامة ومن شر كل دابة صغيرة أو كبيرة بالليل والنهار ومن شر فساق العرب والعجم ومن شر فسقة الجن والانس.
اللّهم من كان ثقته ورجاؤه غيرك فأنت يا رب ثقتي ورجائي ، أعوذ بدرعك الحصينة ان لا تميتني هرما ولا ردما ولا غرقا ولا عطشا ولا حرقا ولا غما ولا موت الفجأة ولا أكيل السبع ، وأمتني في عافية على فراشي أو في الصف الأول الذين نعتهم في كتابك فقلت ( كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ ) ، مقبلين غير مدبرين على طاعتك وطاعة رسولك اللّهم صل على محمد وآل محمد واهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شر ما قضيت انك تقضى ولا يقضى عليك ، سبحانك وتعاليت سبحانك رب البيت ، أستغفرك وأتوب إليك وأو من بك وأتوكل عليك ، ولا حول ولا قوة إلا بك.
اللّهم تولني وآتني في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، يا اللّه يا اللّه ليس يرد غضبك الا حلمك ولا يجير من نقمتك الا رحمتك ولا ينجيني منك الا التضرع إليك ، فهب لي من لدنك رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك بالقدرة التي أحييت بها جميع من في البلاد وبها تنشر ميت العباد ، ولا تهلكني غما حتى تغفر لي وترحمني وتعرفني الإجابة في دعائي وأذقني طعم العافية إلى منتهى اجلى ، ولا تشمت بي عدوى ولا تملكه رقبتي.
اللّهم ان رفعتني فمن ذا الذي يضعني ، وان وضعتني فمن ذا الذي يرفعني
ص: 137
وان أهلكتني فمن ذا الذي يحول بينك وبيني ، أو يتعرض لك بشي ء من امرى ، وقد علمت انه ليس في حكمك ظلم ولا في نقمتك عجلة ، فإنما يعجل من يخاف الفوت ، وانما يحتاج الى الظلم الضعيف ، وقد تعاليت يا الهى عن ذلك ، فلا تجعلني للبلاء غرضا (1) ، ولا لنقمتك نصبا ، ومهلني ونفسني وأقلني عثرتي فقد ترى ضعفي وقلة حيلتي ، وأنت أحق من أصلح من عبده فاسدا ، وأقوم منه أودا (2).
اللّهم جامع الخلق لليوم العظيم ، اجعل في ذلك اليوم مع أوليائك موقفي وفي أحبائك محشري ، وحوض محمد نبيك صلواتك عليه وآله موردي ومع الملائكة الكرام مصدري ، ثم لقني برهانا افوز بحجته واجعل لي نورا أستضي ء بقبسه ، ثم أعطني كتابي بيميني أقر بحسناته (3) وتبيض بها وجهي ، وترجح بها ميزاني ، وامضى بها في المغفورين لهم من عبادك الى رحمتك ، وامنن على بالجنة برحمتك وأجرني من النار بعفوك.
اللّهم تولني واحفظني اللّهم صل على محمد وآل محمد عبدك ورسولك وعلى آله الطاهرين أفضل ما صليت على أحد من خلقك ، اللّهم صل على أمير المؤمنين ووصى رسول رب العالمين ، اللّهم صل على الحسن والحسين سبطي الرحمة وامامى الهدى ، وصل على الأئمة من ولد الحسين على بن الحسين ومحمد بن على وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلى بن موسى ومحمد بن على وعلى بن محمد والحسن بن على والخلف الحجة عليه السلام.
اللّهم اجعله الامام المنتظر والقائم المهدي اللّهم انصره نصرا عزيزا وافتح له فتحا يسيرا ، واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا.
اللّهم اجعلني من أصحابه وأعوانه وأنصاره والذابين عنه إله الحق (4) آمين رب العالمين.
ص: 138
اللّهم تم نورك فهديت فلك الحمد ربنا وعظم حلمك فعفوت ، فلك الحمد ربنا وبسطت يدك فأعطيت ، فلك الحمد ربنا ، وجهك أكرم الوجوه ، وجهتك أكرم الجهات وعطيتك أفضل العطايا وأهنأها ، « يطاع (1) ربنا ويشكر ويعصى ربنا فيغفر لمن يشاء يجيب المضطر ويكشف الضر ويشف السقيم وينجي من الكرب العظيم » لا يجزى بالائك أحد ولا يحصى بعلمك قول قائل.
اللّهم إليك رفعت الأيدي ونقلت الاقدام ومدت الأعناق ودعيت بالألسن وتقرب إليك بالأعمال ورفعت الأبصار ، ربنا اغفر لنا وارحمنا وافتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين.
اللّهم انا نشكو إليك فقد نبينا وغيبة إمامنا ، وشدة الزمان علينا ، ووقوع الفتن بنا ، وتظاهر أعدائنا وكثرة عددهم وقلة عددنا ، ففرج يا رب ذلك عنا بفتح منك تعجله ونصر منك تعزه وامام حق تظهره إله الحق رب العالمين.
اللّهم اغفر لي ولوالدي وارحمهما كما ربياني صغيرا ، واجزهما بالإحسان إحسانا وبالسيئات غفرانا ، ولإخواننا الذين سبقونا بالايمان ، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤف رحيم.
اللّهم اغفر لفلان - وتسمى من أردت من إخوانك.
اللّهم انى أسألك جميع ما سئلتك لنفسي ولوالدي ولإخواني جميعا من المؤمنين والمؤمنات ، وأسألك اليقين لي ولهم والعفو والعافية في الدنيا والآخرة
اللّهم وقد شملنا زيغ الفتن واستولت علينا غشاوة الخير ، وقارعنا الذل والصغار وحكم علينا غير (2) المأمون على دينك ،
ص: 139
اللّهم وقد بلغ الباطل نهايته واستجمع طريده ووسق (1) وضرب بجرانه (2) اللّهم فأتح (3) له من الحق يدا (4) حاصدة تصرع قائمة وتجد (5) سنامه حتى يظهر الحق بحسن صورته.
اللّهم أسفر لنا عن نهار العدل فأرناه سرمدا (6) لا ليل فيه واهطل (7) علينا بركاته ، وأدل له ممن عاداه وناواه (8) واحى به القلوب الميتة ، واجمع به الأهواء المتفرقة ، وأقم به الحدود المبطلة (9) والأحكام المهملة.
اللّهم لا تدع للجور دعامة الا قصمتها ، ولا كلمة مجتمعة الا فرقتها ، ولا قائمة إلا حفظتها (10).
اللّهم أرنا أنصاره عباديد بعد الألفة وشتى بعد اجتماع الكلمة ومقنعي (11) الرؤس بعد الظهور على الأمة (12).
ص: 140
اللّهم صل على محمد وعلى آل محمد وأغنني بحلالك عن حرامك ، وأوسع على من رزقك وأعذني من الفقر ، رب انى اسأت وظلمت نفسي وبئس ما صنعت فهذه يداي جزاء بما كسبتا ، وهذه رقبتي خاضعة لما أتيت ، وها انا ذا بين يديك ، فخذ لنفسك رغاها من نفسي ، لك العتبي لا أعود فإن عدت فعد على بالمغفرة.
العفو تقولها ثلاث مأة مرة وما استطعت. ثم تقول اللّهم حاجتي التي إن أعطيتنيها لم يضرني ما منعتني وان منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني بعدها فكاك رقبتي من النار ، واستغفر اللّه بجميع ظلمي وجرمي وإسرافي على نفسي في امرى وأتوب إليه - يقولها سبعين مرة - ثم يقول : الحمد لله حق حمده وصلواته على صفوته من خلقه محمد وأهل بيته ».
فإذا أتيت على ذلك فاركع فاذا رفعت رأسك من الركوع استويت قائماً فقل « يا الهى هذا مقام من ، حسناته نعمة منك وشكره قليل وعمله ضعيف وذنبه عظيم وليس لذلك الا عفوك ورحمتك.
اللّهم وقد قلت في كتابك المنزل على نبيك المرسل صلواتك عليه ، ( كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) طال هجوعي وقل قيامي وهذا السحر وأنا أستغفرك لكل ذنب أذنبته استغفار من لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا » ، ثم يخر ساجدا ويسجد السجدتين ويتشهد ويسلم ، ومن فعل ذلك وسلم فليقل « سبحان ذي الملك والملكوت سبحان الملك القدوس » يكررها ثلاثا.
ويصلى ركعتي الغداة يفتتح الاولى منها بالتكبير ويقرء الحمد وقل يا ايها الكافرون ، وفي الثانية الحمد وسورة الإخلاص ، فإذا سلم فيها حمد اللّه واثنى عليه وصلى على محمد وآله صلوات اللّه عليهم وسئل اللّه تعالى من فضله.
ويستحب ان يستغفر اللّه تعالى عقيب صلاة الفجر - سبعين مرة - يقول : « استغفر اللّه الذي لا إله الا هو الحي القيوم الرحمن الرحيم وأتوب اليه » ، ويصلى على محمد وآله - مأة مرة - ، يقول :
ص: 141
اللّهم صل على محمد وآل محمد الأوصياء المرضيين بأفضل صلواتك ، وبارك عليهم بأفضل بركاتك ، والسلام (1) عليه وعليهم وعلى أرواحهم وأجسادهم ورحمة اللّه وبركاته » فان طال ذلك عليه فليقل « اللّهم صل على محمد وعلى آل محمد الطاهرين » يكررها مأة مرة وان طال عليه أيضا لفظ الاستغفار فليقل « استغفر اللّه وأتوب إليه » ثم يخر ساجدا بعد التعقيب من هاتين الركعتين ويقول : في سجوده « يا خير مدعو يا خير مسؤل يا أوسع من اعطى وأفضل من يحبى (2) صل على محمد وآل محمد واغفر لي وارحمني وتب على انك أنت التواب الرحيم ». فاذا رفع رأسه من سجوده.
قال : اللّهم من أصبح وحاجته الى غيرك فإني أصبحت وحاجتي ورغبتي إليك يا ذا الجلال والإكرام » ثم يضطجع على جانبه الأيمن مستقبل القبلة ، ويقول : « استمسكت بعروة اللّه الوثقى التي لا انفصام لها واعتصمت بحبل اللّه المتين وأعوذ باللّه من شر فسقة العرب والعجم ، وأعوذ باللّه من شر فسقة الجن والانس ، توكلت على اللّه وألجأت ظهري الى اللّه ، أطلب حاجتي من اللّه ، ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ، إِنَّ اللّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللّهُ لِكُلِّ شَيْ ءٍ قَدْراً ) ، حسبي اللّه ونعم الوكيل » ويقرء من آخر آل عمران الخمس آيات التي كان قرأها عند قيامه إلى صلاة الليل ، فاذا طلع الفجر قال « سبحان رب الصباح سبحان فالق الإصباح » ثلاث مرات ، ثم يصلى الفريضة ان شاء اللّه.
وإذا خاف المسافر من غلبة النوم عليه ولا يقوم آخر الليل إلى الصلاة جاز ان يقدم صلاتها في أول الليل بعد صلاة العشاء الآخرة ، كذلك يفعل من أراد المسير في آخر الليل ، وإذا ضعف الإنسان عن صلاة الليل قائماً جاز له ان يصليها جالسا.
وإذا أدركه الفجر وكان قد صلى من صلاة الليل اربع ركعات تممها وخفف
ص: 142
في قراءته ودعائه وصلى الفجر بعد ذلك ، فإن أدركه وقد صلى أقل من اربع ركعات قطع على الشفع مما انتهى اليه عن ذلك وصلى الغداة وتمم بعد ذلك صلاة الليل.
وإذا قام في آخر الليل وقد قرب طلوع الفجر وخاف ان ابتدأ هو بصلاة الليل هجم الفجر ، فينبغي ان يبتدء بركعتي الشفع ويوتر بعدهما ويصلى بعد ذلك ركعتي الفجر ، فان طلع الفجر اذن واقام وصلى فريضة ، ثم صلى ثمان ركعات بعد فريضة الفجر ، وان لم يطلع أضاف الى ما صلى ست ركعات ثم أعاد ركعة الوتر وركعتي الغداة ، وان هو قام وقد قرب الفجر أدرج صلاة الليل بالحمد وسورة الإخلاص مرة واحدة وخفف ليفرغ من ذلك قبل طلوع الفجر ، وان قام وقد بقي من الليل شي ء أطال في صلاته على ما تقدم بيانه.
فاما سنن السفر فقد ذكرناها في ما سلف ، واما كيفيتها فهو جار مجرى ما ذكرناه فيما تقدم.
* * *
هذه المسنونات من الصلوات نحن ذاكروها فصلا فصلا الى آخرها بمشيئة اللّه تعالى.
* * *
إذا امتنع القطر وأجدبت البلاد ، يستحب للناس ان يصلوا هذه الصلاة ، ويتقدم الإمام أو من قام مقامه من الناس بالصوم ثلاثة أيام فإذا كان يوم الثالث ، اغتسل من يريد صلاتها ، وينادى بالصلاة جامعة ويخرجون الى الصحراء ، والأفضل ان
ص: 143
يكون ذلك الاثنين (1) ولا يصلى في مسجد الا ان يكونوا بمكة ، ويتقدم المؤذنون كما يفعل في صلاة العيد ، ويخرج الامام على أثرهم بسكينة ووقار حتى ينتهي الى المصلى من الصحراء ، فاذا صار بذلك الموضع ، قام فيصلي بهم ركعتين من غير أذان ولا اقامة يقرء فيهما من السور ما أراد.
وترتيبها مثل ترتيب صلاة العيدين ، اثنتي عشر تكبيرة سبع في الاولى وخمس في الثانية (2) ، والقراءة قبل التكبير فاذا فرغ الامام من صلاتها وسلم صعد المنبر وحمد اللّه سبحانه واثنى عليه وصلى على رسوله صلى اللّه عليه وآله ووعظ الناس وزجر وحذر وأنذر ، فاذا فرغ من الخطبة أدار ردائه فجعل ما على يمينه على يساره ، وما على يساره على يمينه - ثلث مرأة ، ثم استقبل وكبر - مأة تكبيرة - رافعا صوته بها ويكبر الناس معه ، ثم يلتفت على يمينه ويسبح اللّه سبحانه - مأة تسبيحة - رافعا صوته بها ، ويسبح الناس معه كذلك ، ثم يلتفت على يساره فيحمد اللّه سبحانه - مأة تحميدة - رافعا صوته بها ، ويفعل الناس معه ذلك ، ثم يقبل بوجهه الى الناس فيستغفر اللّه تعالى مأة مرة رافعا صوته بها ويفعل الناس معه ذلك ثم يستقبل القبلة بوجهه فيدعو ويدعوا الناس معه ، فيقول : « اللّهم رب الأرباب ومعتق الرقاب ومنشى ء السحاب ومنزل القطر من السماء ومحيي الأرض بعد موتها ، يا فالق الحب والنوى
ص: 144
ويا مخرج الزرع والنبات ومحيي الأموات ، وجامع الشتات ، اللّهم اسقنا غيثا مغيثا غدقا مغدقا هنيئا مريئا ، ينبت به الزرع والنبات ، ويدر به الضرع ويحيى به الأرض بعد موتها ، ويسقى به مما خلقت أنعاما وأناسي كثيرا ».
ويستحب للإمام ان يخطب خطبة أمير المؤمنين عليه السلام المعروفة بخطبة الاستسقاء فان لم يحفظها جاز ان يقتصر على ما قدمناه أو على الدعاء ، ولا ينبغي للناس ان يخرجوا معهم أحدا من أهل الذمة ، ويجوز خروج الكبار والصفار من الرجال والعجائز من النساء وصغارهن ، فاما الشباب ومن لها هيئة منهن فلا ينبغي ان تخرج في ذلك ، فان صلوا ولم يسقوا صلوا ثانيا وثالثا ، فاذا خرج الناس لذلك فسقوا قبل ان يصلوا صلوا شكرا لله سبحانه.
ويجوز ان يصلوا صلاة الاستسقاء إذا قل نبع مياه الآبار ونصبت (1) وكذلك مياه العيون وينبغي لأهل الخصب (2) ان يدعو لأهل الجدب ، حضروا معهم في هذه الصلاة أم لم يحضروا معهم.
* * *
نوافل شهر رمضان ألف ركعة زائدة على نوافله (3) وترتيبها : ان يصلى من يريد صلاتها من أول ليلة من الشهر في كل ليلة عشرين ركعة ثماني منها بعد صلاة المغرب ، واثنتي عشرة ركعة بعد صلاة العشاء الآخرة قبل الوتيرة ، ويصلى الوتيرة بعد ذلك يفعل هذا إلى ليلة تسع عشرة من الشهر ، فاذا حضرت هذه الليلة اغتسل وصلى بعد العشاء الآخرة مأة ركعة ، ثم يعود في ليلة العشرين الى الترتيب الذي
ص: 145
قدمنا ذكره ، فاذا حضرت ليلة احدى وعشرين اغتسل بعد العشاء الآخرة وصلى مأة ركعة ، ويصلى في ليلة اثنتي وعشرين بعد المغرب ثمان ركعات ، وبعد العشاء الآخرة اثنتي وعشرين.
فاذا حضرت ليلة ثلث وعشرين اغتسل وصلى بعد عشاء الآخرة مأة ركعة ، ثم يصلى ليلة أربع وعشرين الى آخر الشهر في كل ليلة بعد صلاة المغرب ثمان ركعات وبعد عشاء الآخرة اثنتي وعشرين ركعة ، فيكون جميع ما ذكرناه تسع مأة وعشرين ركعة ، ويبقى ثمانون ركعة يصلى في يوم جمعة من الشهر عشر ركعات - منها صلاة أمير المؤمنين عليه السلام - وسنذكر كيفيتها في بابها ومنها صلاة السيدة فاطمة ( عليها السلام ) وسنذكرها أيضا فيما بعد في بابها ومنها صلاة جعفر بن ابى طالب عليهما السلام وسنذكرها في بابها ان شاء اللّه تعالى.
ثم يصلى في آخر ليلة جمعة من الشهر عشر ركعة (1) من صلاة أمير المؤمنين (عليه السلام) وفي آخر ليلة سبت منه عشر ركعة من صلاة مولاتنا فاطمة صلوات اللّه عليها ، فيكمل بذلك ألف ركعة. والزيادة على هذه الالف مأة ركعة ينبغي ان يصليها ليلة النصف من هذا الشهر ويقرء في كل ركعة بعد الحمد قل هو اللّه أحد عشر مرات.
* * *
هذا العيد هو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة ، فمن أراد هذه الصلاة فالأفضل له ان يغتسل في هذا اليوم ، ويلبس أجمل ثيابه ، ويمس شيئا من الطيب ويبرز تحت السماء فإذا بقي من النهار الى زوال الشمس مقدار ساعة أو نحو ذلك صلاها ركعتين يقرء في كل واحدة منهما بعد الحمد قل هو اللّه أحد عشر مرات وانا أنزلناه عشر مرات ، وآية الكرسي عشر مرات.
ص: 146
فاذا سلم حمد اللّه واثنى عليه وصلى على النبي وآله صلى اللّه عليه وآله وابتهل الى اللّه سبحانه في لعن ظالمي أهل البيت عليهم السلام وأشياعهم ثم دعا فقال. اللّهم إني أسألك ، بحق محمد نبيك وعلى وليك ، وبالشأن والقدرة التي خصصتهما به دون خلقك ان تصلى عليهما وعلى ذريتهما وان تبدأ بهما في كل خير عاجل ، اللّهم صل على محمد وعلى آل محمد الأئمة القادة والدعاة السادة والنجوم الزاهرة والأعلام الباهرة وساسة العباد وأركان البلاد والناقة المرسلة ، والسفينة الناجية الجارية في اللجج الغامرة ، اللّهم صل على محمد وعلى آل محمد خزان علمك وأركان توحيدك ودعائم دينك ومعادن كرامتك وصفوتك من بريتك وخيرتك من خلقك الأنبياء النجباء الأبرار ، والباب المبتلى به الناس ، من أتاه نجى ومن أباه هوى.
اللّهم صل على محمد وعلى آل محمد أهل الذكر. الذين أمرت بمسألتهم وذوي القربى الذين أمرت بمودتهم وفرضت حقهم وجعلت الجنة جزاء من اقتص آثارهم ، اللّهم صل على محمد وعلى آل محمد كما أمروا بطاعتك ونهوا عن معصيتك ودلوا عبادك على وحدانيتك.
وأسألك بحق محمد نبيك ونجيبك (1) وصفوتك وأمينك ورسولك الى خلقك ، وبحق أمير المؤمنين ويعسوب الدين وقائد الغر المحجلين الولي الوصي الوفي والصديق الأكبر والفاروق الأعظم بين الحق والباطل والشاهد لك والدال عليك والصادع بأمرك والمجاهد في سبيلك لم تأخذه فيك لومة لائم ، ان تصلى على محمد وعلى آل محمد وان تجعلني في هذا الشهر وفي هذا اليوم الذي عقدت فيه العهد لوليك في أعناق خلقك وأكملت لهم الدين من العارفين بحرمته والمقرين بفضله من عتقائك وطلقائك من النار ، ولا تشمت بي حاسد النعم.
اللّهم فكما جعلته عيدك الأكبر وسميته في السماء بيوم العهد والمعهود وفي الأرض يوم الميثاق المأخوذ والجمع المسؤل صل على محمد وعلى آل محمد ، واقرر به
ص: 147
عيوننا واجمع به شملنا ، ولا تضلنا بعد إذ هديتنا ، واجعلنا لأنعمك من الشاكرين يا ارحم الراحمين.
الحمد لله الذي عرفنا فضل هذا اليوم ، وبصرنا حرمته ، وكرمنا به وشرفنا بمعرفته وهدانا بنوره ، يا رسول اللّه يا أمير المؤمنين عليكما وعلى عترتكما وعلى محبيكما منى أفضل السلام ما بقي الليل والنهار ، بكما أتوجه الى اللّه ربي وربكما في نجاح طلبتي وقضاء حوائجي ، وتيسير أموري.
اللّهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد ان تصلى على محمد وآل محمد وان تلعن من جحد حق هذا اليوم وأنكر حرمته ، وصد عن سبيلك لإطفاء نورك فأبى اللّه الا ان يتم نوره ، اللّهم فرج عن أهل بيت نبيك واكشف عنهم وبهم عن (1) المؤمنين الكربات اللّهم إملاء الأرض عدلا كما ملئت ظلما وجورا ، وأنجز لهم ما وعدتهم انك لا تخلف الميعاد.
* * *
هذا اليوم هو الذي بعث اللّه تعالى فيه محمدا صلى اللّه عليه وآله بالرسالة ، وهو اليوم « السابع والعشرون » من رجب ، فمن أراد صلاة هذا اليوم فينبغي ان يفتتح الصلاة بالتكبير ويصلى « باثنتي عشرة ركعة » يقرء في كل ركعة منها بعد فاتحة الكتاب سورة « يس » فاذا فرغ منها جلس في مكانه ، قرء الحمد « اربع مرات » وقل هو اللّه أحد « أربع مرات » ، وكل واحدة من المعوذتين « اربع مرات » ، ثم يقول بعد ذلك : « سبحان اللّه والحمد لله ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا باللّه » اربع مرات ثم يقول اللّه اللّه ربي ولا أشرك به شيئا أربع مرات ويدعو بما شاء لنفسه بغير ذلك.
* * *
ص: 148
وهذه الصلاة أربع ركعات ، بتسليم بعد كل ركعتين ، يقرء في كل ركعة منها الحمد مرة واحدة وقل هو اللّه أحد خمسين مرة.
* * *
هذه الصلاة ركعتان ، يقرء في الأولى فاتحة الكتاب مرة واحدة وانا أنزلناه مأة مرة ، وفي الثانية بعد فاتحة الكتاب سورة الإخلاص مأة مرة.
* * *
هذه الصلاة ، صلاة جعفر الطيار ( عليه السلام ) وتسمى أيضا صلاة التسبيح ، وهي أربع ركعات : يقرء في الأولى الحمد مرة وسورة الزلزلة ، وفي الثانية الحمد مرة وسورة العاديات ، وفي الثالثة الحمد مرة وإذا جاء نصر اللّه والفتح ، وفي الرابعة الحمد وقل هو اللّه أحد ، ويقول في كل ركعة عقيب القراءة وقبل الركوع : سبحان اللّه والحمد لله ولا إله إلا اللّه والا أكبر خمس عشرة مرة ، ثم يقول ذلك في الركوع عشرا ومثل ذلك في انتصابه ، ومثل ذلك في السجدة الاولى وفي الجلسة بين السجدتين وفي السجدة الثانية وإذا رفع رأسه وجلس قبل القيام ، ويفعل ذلك في كل ركعة.
* * *
صلاة الاستخارة ركعتان ، يصليهما من أراد صلاتها كما يصلى غيرهما من النوافل ، فاذا فرغ من القراءة في الركعة الثانية قنت قبل الركوع ثم يركع ويقول
ص: 149
في سجوده : « أستخير اللّه » مأة مرة ، فإذا أكمل المائة قال : « لا إله إلا اللّه الحليم الكريم لا إله إلا اللّه العلى العظيم ، رب بحق محمد وآل محمد ، صل على محمد وآل محمد : وخر لى في كذا وكذا » ويذكر حاجته التي قصد هذه الصلاة لأجلها وقد ورد في صلاة الاستخارة وجوه غير ما ذكرناه ، والوجه الذي ذكرناه - ها هنا - من أحسنها.
* * *
من كان له الى اللّه حاجة ، فينبغي ان يصوم ثلاثة أيام ، ويكون هذه الأيام أربعاء وخميسا وجمعة ، فاذا كان يوم الجمعة اغتسل ولبس ثوبا جديدا ، وصعد الى موضع ، وصلى بهذه الصلاة ركعتين كما يصلى غيرهما من النوافل ، فاذا سلم منها رفع يديه الى السماء.
ثم قال : اللّهم انى اطلب ساحتك لمعرفتي بوحدانيتك وصمدانيتك وانه لا قادر على (1) حاجتي غيرك وقد علمت يا رب انه كل ما تظاهرت نعمتك على اشتدت فاقتي إليك وقد طرقني هم كذا وكذا وأنت تكشفه ، عالم غير معلم ، واسع غير متكلف ، فأسألك باسمك الذي وضعته على السماء فانشقت ووضعته على الجبال فنسفت ، وعلى النجوم فانتثرت (2) وعلى الأرض فسطحت ، وأسألك بالحق الذي جعلته عند محمد وآل محمد ، وعند فلان وفلان ويسمى الأئمة واحدا ان تصلى على محمد وآل محمد وان تقضى حاجتي وتيسر على عسرها ، وتكفيني مهمها ، فان فعلت ذلك فلك الحمد ، وان لم تفعل ذلك فلك الحمد ، غير حائر (3) في حكمك ، ولا متهم
ص: 150
في قضائك ، ولا خائف (1) في عدلك » ويلصق خده الأيمن بالأرض ويقول : « اللّهم ان يونس بن متى عبدك ونبيك دعاك في بطن الحوت فاستجبت له ، وانا أدعوك فاستجب لي كما استجبت له » وقد ورد في صلاة الحاجة وجوه ، أحسنها ما ذكرناه
* * *
صلاة ليلة النصف من رجب اثنتا عشرة ركعة يقرء في كل ركعة « الحمد وسورة » ، فاذا فرغ منها قرء الحمد والمعوذتين وسورة الإخلاص وآية الكرسي أربع مرات ، وقيل : سبع مرات ، ويقول « سبحان اللّه والحمد لله ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر » كذلك (2) ، ويقول « اللّه اللّه ربي ، لا أشرك به شيئا ويقول : « ما شاء اللّه لا قوة إلا باللّه العلى العظيم » سبع مرات.
* * *
هذه الصلاة أربع ركعات ، يقرأ في كل ركعة منها بعد الحمد قل هو اللّه أحد مأة مرة ، فاذا فرغ مصليها منها دعا بما أراد.
* * *
صلاة الشكر ركعتان ، يصليهما من قضى اللّه حاجته أو جدد عليه نعمته ، يقرء في كل واحدة بعد الحمد قل هو اللّه أحد ، وانا أنزلناه في ليلة القدر ، أو غير ذلك من سورة القرآن ، ويقول في ركوعه وسجوده فيهما « الحمد لله شكرا لله وحمدا لله »
ص: 151
ويقول بعد التسليم منهما « الحمد لله الذي قضى حاجتي ، وأعطاني مسألتي ».
* * *
وهي ركعتان لكل واحد من نبي أو امام ، والفعل فيهما من أفعال الصلاة كالفعل في غيرهما من ذلك ، وقيل : ان المصلى لهما ينبغي ان يقرء في الركعة الأولى منهما بعد الحمد ، صورة الرحمن ، وفي الثانية بعد الحمد ، سورة يس ، وانما ندب الزائر لأمير المؤمنين (عليه السلام) الى صلاة ست ركعات ، لان عنده آدم ونوحا عليهما السلام ، فمن زاره فينبغي ان يزورهما ، ويصلى لزيارتهما اربع ركعات ولزيارته هو (عليه السلام) ركعتين ، فتكمل بذلك ست ركعات ، فأما كيفية الزيارة فسيأتي ذكرها في باب الزيارات ان شاء اللّه تعالى.
* * *
هذه الصلاة ركعتان ، الأفعال فيها كالأفعال في غيرها من الصلوات الا القراءة فإنه ينبغي لمن صلاها ان يقرء في الركعة الأولى منهما بعد الحمد ، قل هو اللّه أحد ألف مرة وفي الثانية بعد الحمد قل هو اللّه أحد مرة واحدة.
* * *
وينبغي لمن أحرم بحج أو عمرة ، ان يصلى ست ركعات ، يقرأ في الأولى منهما بعد الحمد ، قل هو اللّه أحد وفي الثانية بعد الحمد قل يا ايها الكافرون.
* * *
ص: 152
هذه الصلاة أربع ركعات ، تزاد على نوافل يوم الجمعة ، فيصير جملتها عشرين ركعة ، فاما أحكامها فهي جارية مجرى أحكام غيرها من نافلة الصلاة.
* * *
هذه الصلاة ركعتان ، ينبغي لمن دخل المسجد ان يصليهما تحية له ، وأحكامها جارية مجرى غيرها من نوافل الصلاة.
* * *
ما يوجب إعادة الصلاة على ضربين : أحدهما يتعلق بعدد الركعات ، والأخر لا يتعلق بذلك ، فأما الذي لا يتعلق بعدد الركعات ، فهو ان يترك المصلى النية عمدا أو سهوا ، أو تكبيرة الإحرام ، أو الركوع حتى يسجد ، أو يترك سجدتين في ركعة ، أو يسهو فحدث ما ينقض الطهارة ولم يتطهر حتى يستدبر القبلة ، أو تكلم لأنه إذا تطهر ولم يتكلم من غير استدبار القبلة كان له البناء على ما تقدم من الصلاة ، أو يصلى بغير طهارة ، أو يشك في الوقت فيصلي قبل دخوله ثم يعلم ذلك بعد الفراغ منها ، أو يصلى الى غير جهة القبلة ، أو يصلى في لباس النجس ، وقد تقدم له العلم به لأنه متى لم يتقدم له العلم ، لم يكن عليه إعادة الا ان يعلم ذلك والوقت باق.
أو يصلى جماعة فيصلي الامام بهم الى غير جهة القبلة ، وهم عالمون بذلك ، لأنهم ان لم يكونوا عالمين كانت الإعادة على الامام دونهم.
أو يصلى جماعة يكون امامهم على غير طهارة وهم عالمون بذلك ، ومتى
ص: 153
لم يكونوا عالمين كانت الإعادة على الامام وحده ، أو يصلى اثنان يعتقد كل واحد منهما انه مأموم والأخر له إمام ، لأنه متى اعتقد كل واحد منهما انه امام الأخر كانت صلاتهما صحيحة.
أو يصلى وعلى جسده نجاسة وهو عالم بها ، وكذلك ان لم يتقدم العلم بها ثم علم والوقت باق ، وان كان الوقت قد خرج لم يكن عليه اعادة.
أو ترك القراءة متعمدا ، أو يقتدى بمن لا يجوز الاقتداء به وهو عالم بذلك ، أو يسجد على شي ء نجس مع تقدم العلم به أو يصلى في ثوب أو مكان مغصوب مختارا مع تقدم علمه بذلك ، أو لا يمس الأرض بجبهته في السجود.
أو يتعمد الجمع بين صورتين بعد الحمد ، أو يتعمد التسليم قبل الفراغ من الصلاة ، أو يصلى عريانا ، وهو متمكن مما يستر به أو يقهقه ، أو يبكي على هلاك أحد ، أو مصيبة ، لأنه ان بكى من خشية اللّه تعالى لم يكن عليه اعادة أو يعبث بلحيته (1) أو ثوبه من غير ضرورة ، أو يحدث ما ينقض الطهارة متعمدا.
أو يتعمد ترك الشهادتين أو الصلاة على النبي وآله صلى اللّه عليه وآله في التشهدين أو في واحد منهما ، أو يتعمد الإتمام في السفر الذي يجب عليه التقصير مع علمه بان ذلك لا يجوز ، أو يتم ساهيا في السفر ويذكر ذلك والوقت باق ، لأنه ان يذكر ذلك بعد خروج الوقت لم يلزمه اعادة.
أو يأتم بقاعد وهو ممن تجب عليه الصلاة قائماً ، أو يأتم بمن بينه وبينه حائط أو ما أشبه ذلك ، أو يكون مكان الامام ارفع من مكانه بما يعلم تفاوته ولم تجر العادة بمثله.
أو يكون في محمل (2) أو ما أشبهه ومعه امرأة فيصليان جميعا في حالة واحدة أو يصلى وهو متيمم قبل تضيق الوقت ، أو يصلى متيمما وهو متمكن من استعمال الماء أو يصلى وقد تطهر بما لا تجوز الطهارة به ، أو تكون امرأة حرة فتصلي مكشوفة
ص: 154
الرأس مع تمكنها من سترة ، أو يصلى فيما لا تجوز الصلاة فيه ، أو يسجد على ما لا يجوز السجود عليه ، الا ان يكون في حال ضرورة وقد ذكر انه يجوز السجود على ثوب قطن أو كتان ، أو يقرء بغير لسان عربي.
* * *
إذا علم المكلف في صلاته امرا من الأمور أو غلب ذلك على ظنه فيجب عليه العمل فيها بما علمه أو غلب على ظنه ومع هذين الوجهين لا يثبت للسهو والشك ، في الصلاة حكم ، وانما يثبت ذلك فيما لا يعلمه ولا يغلب على ظنه ، وذلك انما يكون بتساوي الظن واعتداله ، فاذا كان ما ذكرناه صحيحا ، فالسهو في الصلاة على خمسة أضرب :
أولها يوجب إعادتها ، وثانيها يوجب الاحتياط وثالثها يوجب التلافي ورابعها يوجب الجبران بسجدتي السهو ، وخامسها لا حكم له.
فاما ما يوجب إعادتها ، فهو على ضربين : أحدهما لا يتعلق بأعداد الركعات والأخر يتعلق بذلك ، وما لا يتعلق بأعداد الركعات قد تقدم ذكره فيما يوجب إعادة الصلاة واما ما يتعلق بأعداد الركعات ، فهو ان يشك في الركعتين الأولتين من كل رباعية ، أو يشك في صلاة المغرب أو صلاة الغداة أو صلاة السفر ، أو يشك في صلاته أي صلاة كانت ولا يعلم ، كمن صلى بسهو فيزيد ركعة أو ينقص ركعة أو أكثر ولا يعلم حتى يستدبر القبلة أو يتكلم بما ليس من الصلاة.
واما ما يجب منه الاحتياط ، فهو ان يشك ولا يعلم هل صلى ركعتين أو ثلاثا فليبن على الثلاث ويتم الصلاة ، فإذا سلم صلى ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس أو يشك فلا يعلم هل صلى ثلاثا أو أربعا فليفعل مثل ما فعله في اثنتين أو ثلاث ، أو يشك فلا يعلم صلى اثنتين أو أربعا فليبن على الأربع ويسلم ويصلى ركعتين من قيام أو يشك بين اثنتين وثلاث واربع فليبن على الأربع ويسلم ، ثم يصلى ركعتين من قيام وركعتين من جلوس.
ص: 155
وصلاة النافلة يجوز البناء فيها على الأقل وعلى الأكثر.
فأما ما يوجب التلافي ، فهو ان يسهو عن قراءة الحمد ثم يقرء سورة غيرها فليرجع فيقرء الحمد وسورة بعدها ، أو يسهو عن قراءة السورة التالية للحمد ثم يذكر ذلك قبل الركوع فليقرءها ثم يركع ، أو يسهو عن تسبيح الركوع قبل رفع رأسه منه ، فليسبح ويرفع رأسه ، أو يشك في الركوع وهو في حال القيام فليركع ، فان ذكر في حال هذا الركوع انه كان قد ركع ، أرسل نفسه الى السجود من غير ان يرفع رأسه أو يشك في سجدتين أو واحدة منهما قبل القيام فليسجد ما شك فيه ، أو يشك (1) في التشهد الأول وهو قائم لم يركع (2) فليجلس ويتشهد ، أو يسهو عن السجود ثم يقوم قبل الركوع فليرجع وليسجد.
واما ما يجب فيه الجبران بسجدتي السهو ، فهو ان يسهو عن سجدة ويذكرها بعد الركوع ، فليقضها بعد التسليم ويسجد سجدتي السهو أو يسهو فتكلم ، فعليه سجدتا السهو بعد التسليم ، أو يسهو فيقوم في موضع جلوس أو يجلس في موضع قيام ، فعليه بعد التسليم سجدتا السهو أو يسهو فيسلم في الركعتين الأولتين ثلاثية أو رباعية فعليه أيضا سجدتا السهو ، أو يسهو عن التشهد فليقضه بعد التسليم ، ويسجد سجدتي السهو ، أو يشك هل صلى أربعا أو خمسا ، وتتساوى ظنونه في ذلك ، فليبن على الأربع ويسجد سجدتي السهو واما ما لا حكم له : فهو ان يشك في تكبيرة الإحرام وهو في حال القراءة ، أو يشك في القراءة وهو في حال الركوع أو يشك في التشهد وهو في الثالثة ، أو يسهو في النافلة أو يسهو في سهو أو يتواتر عليه السهو أو يشك في تسبيح الركوع وقد رفع رأسه منه أو يشك في تسبيح السجود وقد رفع رأسه منه.
« تم كتاب الصلاة »
ص: 156
حقوق الأموال التي ذكرنا في أول الكتاب انها من العبادات يحتاج في بيان أحكامها إلى أشياء وهي : الزكاة والخمس وأحكام الأرضين والجزية والغنائم والأنفال ، ونحن نبين أحكام كل واحد منها في باب مفرد بعون اللّه وتوفيقه.
* * *
قال اللّه تعالى ، ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ ، وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ، وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ ) ، « الى قوله » ( يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ ، هُمْ فِيها خالِدُونَ ) (1).
وقال تعالى ، ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى ، وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى ) (2). وروى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله انه قال في الزكاة : انما يعطى أحدكم جزءا مما أعطاه اللّه فليعطه بطيب نفس منه ، ومن أدى زكاة ماله فقد ذهب عنه شره (3)
وروى عن محمد بن على الباقر (عليه السلام) ، انه قال : ما نقصت زكاة من مال قط
ص: 157
ولا هلك مال في بر ، أو بحر أديت زكاته (1).
واعلم ان الزكاة على ضربين ، أحدهما زكاة الأموال ، والأخر زكاة الرؤس ، ويؤدى (2) ذلك الى بيان أشياء ، منها من يجب عليه الزكاة ، ومنها ما الذي يجب فيه الزكاة ، ومنها ما المقدار الذي يجب إخراجه منها ، ومنها من المستحق لها ، ومنها ما المقدار الذي ينبغي دفعه الى مستحقه منها ، ومنها الوقت الذي ينبغي إخراجها فيه.
* * *
الذي يجب عليه الزكاة ، هو كل حر ، كامل العقل ذكرا كان أو أنثى ، مخاطب بشريعة النبي صلى اللّه عليه وآله مالك لنصاب يجب فيه الزكاة.
وانما شرطنا الحرية ، لان من ليس بحر لا يجب عليه الزكاة ، بل ليس يملك ما تجب فيه زكاة عليه.
وشرطنا كمال العقل ، لان من ليس بكامل العقل لا يجب عليه زكاة ولا غيرها ، وذكرنا كون من تجب عليه ذكرا كان أو أنثى لنبين ان وجوبها لا يختص بالذكر دون الأنثى ، ولا بالأنثى دون الذكر ، بل ذلك يعمهما ، وشرطنا كونه مخاطبا بشريعة نبينا محمد صلى اللّه عليه وآله ، لنبين ان وجوبها متعلق بالمسلمين ، والكفار ، لأن الكفار عندنا مخاطبون بالشرائع ، وانما لا يصح منهم أدائها مع المقام على كفرهم ، لأن الإسلام شرط في صحة أدائها ، لا في وجوبها.
وشرطنا كونه مالكا لنصاب يجب فيه الزكاة ، لان من لا يملك ذلك ، لا تجب عليه.
* * *
ص: 158
الذي تجب فيه الزكاة تسعة أشياء وهي ، الذهب ، والفضة ، والإبل ، والغنم ، والبقر ، والحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب.
* * *
ليس تجب الزكاة في الذهب الا ان يجتمع فيه شروط وهي : الملك ، والنصاب ، وكونه مضروبا منقوشا دنانير ، أو (1) كان كذلك فسبك عند دخول وقت الزكاة فرارا بذلك منها ، وحلول الحول على النصاب ، وهو حال (2) فيه من أوله إلى أول يوم من الشهر الثاني عشر.
فاذا اجتمعت هذه الشروط ، وجب فيه الزكاة.
فإذا بلغ الذهب عشرين مثقالا ، كان فيه نصب المثقال وليس فيه بعد ذلك شي ء حتى يبلغ بعد العشرين أربعة مثاقيل ، فاذا بلغ ذلك كان فيه عشر مثقال ، وعلى هذا الحساب بالغا ما بلغ المال ، وإذا لم يبلغ المال عشرين مثقالا لم يجب فيه جملة ، وما لا يجب الزكاة فيه ، يسمى عفوا.
والمعتبر في ما ذكرناه من مثاقيل الذهب ، والدراهم في المائتين ، وفي العشرين (3) ، والأربعين - بالوزن ، لا بالعدد. وسبائك الذهب ، وما كان منه حليا ، أو أواني ، أو مراكب ، أو ما جرى مجرى ذلك ، فإنه ليس في شي ء منه زكاة ، الا ان يكون قد عمل كذلك فرارا منها.
ص: 159
وإذا كان شي ء من المال يبلغ نصابا - دينا - كانت الزكاة عنه واجبة على المستدين ، فان ضمن المدين ذلك لزمه ، ولم يكن على المستدين - من ذلك عليه - شي ء.
ومن كان في مال لا يبلغ النصاب ، وله مال غائب لا يبلغ أيضا ذلك. وهو متمكن منه ، وإذا اجتمعا وكان فيهما نصاب أو أكثر ، وجب عليه جمعهما ، والإخراج عنهما.
فان كان له مال غائب ، وهو متمكن من التصرف فيه ، وكان فيه نصاب ، أو أكثر ، وجب زكاته ، فان لم يكن متمكنا من التصرف فيه لم يكن عليه شي ء.
وحلي الذهب محرم استعماله على الرجال ، وفي الآلات لهم أيضا.
ومن ترك نفقة لعياله ، دنانير ، أو دراهم ، ويبلغ ذلك نصابا تجب فيه الزكاة ، وان كان قد ترك ذلك لهم ، لسنة ، أو لسنتين ، فان كان حاضرا ، وجب عليه في ذلك الزكاة ، وان كان غائبا ، لم يكن في ذلك شي ء.
ومن ورث مالا ، ولم يصل اليه ، ولا يمكن من التصرف فيه الا بعد الحول ، لم يلزمه زكاته من ذلك الحول.
* * *
زكاة الفضة لا تجب الا بشروط ، وهي وشروط الذهب سواء ، فاذا اجتمعت لم يكن فيها شي ء حتى يبلغ مأتي درهم. فاذا بلغت ذلك كان فيها خمسة دراهم ، ثم ليس فيها شي ء بعد ذلك حتى تزيد أربعين درهما ، فيكون فيها درهم واحد ، وعلى هذا الحساب بالغا ما بلغ المال. ولما لا يجب الزكاة فيه من الفضة ، يسمى عفوا أيضا. وما يتعلق منها بدين ، أو غيبة ، فالحكم فيه ما ذكرنا في الذهب.
* * *
ص: 160
ليس تجب زكاة الإبل إلا بشروط ، وهي الملك ، والسوم ، والنصاب ، وحلول الحول ، فاذا اجتمعت هذه الشروط لم يكن فيها شي ء حتى تبلغ خمسا ، فاذا بلغت ذلك كان فيها شاة ، ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ عشرا ، فيكون فيها شاتان ، ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ خمس عشرة ، فيكون فيها ثلاث شياه.
ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ عشرين ، ففيها اربع شياه.
ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ خمسا وعشرين فيكون فيها خمس شياه. فاذا صارت ستا وعشرين كان فيها بنت مخاض أو لبون ذكر.
ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ ستا وثلاثين فيكون فيها بنت لبون.
ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ ستا وأربعين فيكون فيها حقة.
ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ احدى وستين فيكون فيها جذعة.
ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ ستا وسبعين فيكون فيها بنتا لبون.
ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ احدى وتسعين فيكون فيها حقتان.
ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ مائة واحدى وعشرين فيطرح هذا الاعتبار الذي قدمناه ، وتخرج من كل خمسين ، حقة ، ومن كل أربعين ، بنت لبون بالغا ما بلغت.
وبنت المخاض : هي التي مضت لها سنة ودخلت في الثانية وسميت بذلك لأن أمها تكون قد حملت ، وهي تمخض بولدها.
واما ابن اللبون : فهو الذي قد مضى له سنتان ، ودخل في الثالثة ، وسمى بذلك لأن امه قد وضعت وصار لها لبن ، وكذلك بنت اللبون.
واما الحقة ، فهي التي قد مضى لها ثلاث سنين ، ودخلت في الرابعة ، وسميت بذلك لأنها قد استحقت ان يحمل عليها.
واما الجذعة ، فهي التي قد مضى لها اربع سنين ، ودخلت في الخامسة ، ولذلك سميت جذعة.
ص: 161
وما يتعلق به زكاة الإبل منها تسمى فريضة ، وما لا يجب تسمى شنقا (1).
ومن وجبت زكاة الإبل عليه ، ولم يكن عنده عين ما وجب عليه ، وتمكن من دونها ، أخذ منه ذلك ، ودفع معه ما يكون تماما لما وجب عليه. وان كان عنده أزيد مما وجب عليه ، أخذ منه ورد عليه الفاضل له ، مثال ذلك ، ان يجب عليه بنت لبون ، وليس عنده ، ويكون عنده بنت مخاض.
فليأخذ منه ، ويدفع معها شاتين ، أو عشرين درهما جيادا. أو يجب عليه بنت لبون ، وليست عنده ، ويكون عنده حقة ، فليؤخذ منه ، ويرد عليه شاتان ، أو عشرون درهما.
وان وجب عليه بنت مخاض وليست عنده ، وعنده ابن لبون ذكر ، فإنه يؤخذ منه ، ولا يرد عليه شي ء ، ولا يدفع هو أيضا شيئا. لأنه لا فضل بين بنت مخاض وابن لبون الذكر.
وإذا كان عند الإنسان خمس من الإبل ، ومر به ثلاث سنين ، لم يجب عليه في ذلك غير شاة واحدة ، لأن الشاة استحقت بها ، وما يبقى منها أقل من خمس ، فلا يجب عليه غير ما ذكرناه.
فان كان عنده منها ست وعشرون ، ومر ثلاث سنين ، وجب عليه بنت مخاض للسنة الاولى ، ثم ينقص النصاب الذي يجب فيه بنت مخاض ، فيجب عليه خمس شياه للسنة الثانية والسنة الثالثة ينقص عن النصاب الذي فيه خمس شياة.
فيجب عليه اربع شياة ، فيجتمع عليه بنت مخاض ، وتسع شياة.
* * *
ص: 162
الشروط التي يجب الزكاة في البقر باجتماعها هي : الشروط التي ذكرناها في الإبل ، فإذا اجتمعت فليس يجب عليها زكاة حتى يبلغ ثلاثين ، فاذا بلغت ذلك كان فيها تبيع ، أو تبيعة ، وقد ذكر ان التبيع هو الذي له سنتان ، وذكر ان هذا الاسم لا يدل على شي ء ، ذكر ذلك عن ابى عبيد ، وذكر غيره انه انما سمى بهذا الاسم لأنه يتبع امه في المرعى ، وذكر غير من ذكرناه انه الذي يتبع قرنه اذنه.
وإذا لم تستقر من جهة اللغة في حقيقة التبيع ، ما يعتمد عليه في هذا الباب فان المعول على ما ورد في الشرع. وقد ورد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : انه قال تبيع ، أو تبيعة ، جذع ، أو جذعة (1) وفسر ذلك الباقر ، والصادق عليهما السلام بالحول (2).
وليس بعد الثلاثين شي ء حتى يبلغ أربعين ، فيكون فيها مسنة ، وذكر انها التي لها اربع سنين ، وذكر انها التي لها سنتان وهي الثني في اللغة ، وروى عن النبي صلى اللّه عليه وآله انه قال : المسنة هي الثنية فصاعدا (3).
ثم ليس فيها بعد الأربعين شي ء حتى يبلغ ستين ، فيكون فيها تبيعان ، فاذا زادت على ذلك ، اخرج من كل ثلاثين تبيع ، أو تبيعة ، ومن كل أربعين مسنة ، ثم كذلك بالغا ما بلغت.
ومن كان عنده من البقر ثلاثون ، بعضها سوسي (4) أو حبشي ، وبعضها جواميس
ص: 163
وبعضها نبطي ، كان الذي يؤخذ منه تبيع أو تبيعة من أوسط ذلك على قدر المال وما لا يجب الزكاة فيه من البقر يسمى وقصا.
الغنم لا يجب فيها الزكاة الا بشروط ، وهي الشروط التي ذكرناها في الإبل ، والبقر.
فاذا حصلت ، لم يجب فيها شي ء حتى يبلغ أربعين ، فإذا بلغت ، كان فيها شاة وليس فيها بعد ذلك شي ء حتى تبلغ مائة واحدى وعشرين ، فيكون فيها شاتان. وليس فيها بعد ذلك شي ء حتى تبلغ مأتين وواحدة ، فيكون فيها ثلاث شياه وليس فيها بعد ذلك شي ء حتى تبلغ ثلاث مائة وواحدة ، فيكون فيها اربع شياه ، فاذا زادت على ذلك ، تركت هذه العبرة واخرج عن كل مأة شاة ثم على هذا الحساب بالغا ما بلغت.
ومن كان له من المواشي متفرقا في مواضع مختلفة ما إذا اجتمع كان نصابا ، فإن الزكاة واجبة فيه. وان كان لاشتراك جماعة في موضع واحد مقدار نصاب ، أو أكثر منه وكان ما يختص به كل واحد منهم أقل من نصاب ، لم يجب في شي ء من ذلك زكاة.
ومن أنكر حلول الحول على ماشيته ، وشهد شاهدان عدلان على ان الحول قد حال عليها ، قبلت شهادتهما ، وأخذت منه الزكاة.
ومن كان عنده من جنس واحد نصاب ، وهو من أنواع مختلفة مثل ان يكون عنده أربعون شاة ، بعضها ضأن ، وبعضها معز وبعضها شامية ، وبعضها عربية ، وبعضها مكية فليؤخذ منها شاة ، لأن الاسم يتناوله ، ولا ينبغي ان يؤخذ الأجود ، ولا الا دون بل يؤخذ الأوسط ، أو ما يكون قيمته على قدر المال.
ومن كان له في بلدين نصاب واحد ، وجب عليه زكاته ، فان كانت أقل من
ص: 164
نصاب واحد متفرقة في بلدين لم يجب عليه الزكاة في شي ء فان كان له في بلدين أو أكثر منها ثمانون شاة ، أو مأة وعشرون شاة ، لم يجب عليه غير شاة واحدة لأنها في ملك واحد.
فان كان في كل بلد منها نصاب ، وحضره الساعي في طلب الزكاة من المال فقال له المطلوب منه ذلك. هذه عندي وديعة ، قبل قوله ، ولم يطالبه على ذلك بينة وكذلك ان ادعى حلول الحول ، الا ان يثبت عليه ببينة بخلاف ما قاله في الحول ، كما قدمناه.
وإذا كان عنده أربعون شاة فحال الحول عليها وولدت شاة منها ، ثم حال عليها الحول الثاني ، ثم ولدت شاة ثانية ، ثم حال عليها الحول الثالث ، وجب عليها ثلاث شياه ، لان الحول الأول حال عليها ، وهي أربعون فوجبت فيها شاة ، فلما ولدت تمت أربعين فلما حال عليها الحول وجب منها ثلاث شياة.
ومن كان عنده من الغنم أربعون ، ولم يكن ولد منها شي ء ، وحال عليها حول ثان ، وثالث لم يجب عليه فيها غير شاة واحدة.
ومن كان له مأتا شاة وواحدة ، ومرت ثلاث سنين وجب عليه سبع شياه ، لان الواجب عليه في السنة الأولى ثلاث شياه وفي كل سنة شاتان ، لان المال الثاني ، والثالث قد نقص عن المائتين وواحدة فلم يجب غير شاتين.
وهذا على قولنا في ان الزكاة تتعلق بالمال ، فاما من قال بأنها تتعلق بالذمة ، فقوله في ذلك يخالف ما ذكرناه.
ومن كان عنده نصاب فغصب غاصب ذلك النصاب ثم عاد اليه قبل حلول الحول ، لم يجب عليه زكاة ، لأن إمكان التصرف في جميع الحول يراعى في ذلك وكذلك القول في غير هذا الوجه من وجوه الزكاة.
وإذا وقف على إنسان نصاب من الغنم ، وحال عليه الحول لم يجب عليه في ذلك زكاة ، لأنها غير مملوكة.
فان ولدت وحال على أولادها ، وكان الواقف لها لم يشترط كون أولادها
ص: 165
وقفا معها ، كان فيها الزكاة وان كان شرط ذلك ، لم يكن فيها الزكاة.
ومن ابتاع من الغنم نصابا ولم يقبضها حتى حال الحول عليها نظر ، فان كان متمكنا من قبضها كان عليه فيها الزكاة ، وان لم يكن متمكنا من قبضها ، لم يكن عليه فيها زكاة.
وما يجب فيه زكاة الغنم ، يسمى فريضة وما لا يجب فيه يسمى عفوا.
التي هي الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب.
ليس تجب الزكاة في الغلات الا بشرطين ، وهما الملك والنصاب.
فاذا حصل في أحدها هذان الشرطان ، لم يكن فيه زكاة حتى يبلغ خمسة أوسق ، بعد إخراج المؤن ، وحق السلطان من مقاسمة ، وغيرها.
فاذا بلغ ذلك بعد ما ذكرناه ، فان كان سقيه سيحا أو بعلا ، أو عذيا (1) كان فيه العشر ، وان كان سقيه بالقرب ، أو الدوالي. كان فيه نصف العشر.
فان زاد على الأوسق شيئا ، اخرج من الزائد بحساب ذلك.
وما كان سقيه سيحا وغير سيح ، فيجب ان يعتبر في ذلك الأغلب.
فإن كان سقيه سيحا هو الأكثر ، أخرج منه العشر ، وان كان سقيه بالقرب والدوالي أكثر من السيح ، اخرج منه نصف العشر ، وان تساويا ، ولم يغلب أحدهما على الأخر ، اخرج من نصفه بحساب العشر ، ومن نصفه الأخر بحساب نصف العشر.
والوسق : ستون صاعا ، والصاع أربعة أمداد ، والمدر طلان وربع بالعراقي. ووزنه بالدراهم الف مأة وسبعون درهما.
والدرهم ستة دوانيق ، والدانق ثماني حبات من أوسط حبات الشعير ،
ص: 166
وهو تسعة أرطال بالعراقي ، وستة أرطال بالمدني.
وما لا يجب فيه الزكاة من هذه الغلات يسمى عفوا ،
وإذا وقف إنسان على غيره ضيعة ، وبلغت غلتها نصابا. فان كانت وقفا على واحد كان عليه الزكاة في ذلك وان كانت وقفا على جماعة ، وبلغ نصيب كل واحد منهم النصاب ، كان على كل واحد منهم الزكاة.
واعلم ان الاعتبار فيما تخرجه الأرض مما يكال أو يوزن ، مما عدا هذه الغلات الأربع يجري مجرى الاعتبار فيما تقدم مما الزكاة فيه مفروضة. وانما ذكرنا ذلك ، لان هذه الغلات يستحب إخراج الزكاة عنها ، وأردنا أن نبين ، ان الاعتبار فيها كالاعتبار في الغلات الأربع التي الزكاة واجبة فيها.
وأموال التجارة يجرى الاعتبار فيها مجرى الاعتبار في الأموال (1) التي يجب فيها الزكاة ، لأن إخراج ذلك عنها مستحب أيضا.
ويزيد مال التجارة على ذلك ، بان يطلب برأس المال أو الربح.
فاذا اجتمعت الشروط المقدم ذكرها ، وطلب رأس المال أو الربح صح إخراج الزكاة عنها. وان طلب تجارة (2) لم يكن فيها زكاة جملة.
واما الخيل ، ففيها أيضا الزكاة مستحبة ، ولها شروط ، وهي الملك ، والسوم وحلول الحول عليها ، وليس بها نصاب يراعى في ذلك ، فاذا حصلت فيها الشروط التي ذكرناها كان على كل رأس من العتاق منها ديناران ، وكل رأس من البرازين دينار واحد.
والمال الذي يغيب عن صاحبه سنين ، ثم يعود اليه ولم يكن متمكنا في حال غيبته من التصرف فيه ، فإنه يستحب ان بزكى لسنة واحدة.
واما مال الأطفال ، والمجانين الصامت (3) ففيه الزكاة أيضا مندوبة إذا
ص: 167
اتجر الولي به نظرا لهم فعليه إخراجها عنهم.
ويجوز ان يأخذ لنفسه من الربح مقدار ما يحتاج اليه على قدر الكفاية ، والأفضل له ترك ذلك.
فان اتجر لنفسه ، وكان في تلك له ذمة (1) تفي بالمال ، كان عليه ضمانه ، وكان الربح له ، وان كان لا ذمة له تفي بذلك ، وتصرف فيه من غير ولاية ولا وصية ، كان عليه ضمان المال ، ويكون الربح لأصحابه ، وليس له فيه شي ء ، ويخرج الزكاة عنه.
فاما ما عدا أموالهم الصامتة - من المواشي والغلات - فان (2) كان الزكاة واجبة فيها ، وعلى وليهم إخراجها إلى مستحقها.
وسبائك الذهب والفضة ، قد ذكرنا انها متى سبكت فرارا من الزكاة ، كانت الزكاة واجبة عليها ، فان كان لم يسبكها فرارا من ذلك ، فالزكاة مستحبة فيها.
وما كان حليا ، كانت زكاة إعارته.
وكل ما خالف ما ذكرناه « ان الزكاة يتعلق به » من الخضر كالبقول ، وو الباذنجان والبطيخ ، وما أشبه ذلك وليس يتعلق بشي ء من الزكاة.
* * *
المقدار الذي ينبغي إخراجه منها هو ما يجب في النصاب ، وقد تقدم في ما سلف ذكر ذلك.
ص: 168
الذي يستحق الزكاة ، هو من ذكره اللّه تعالى في القرآن (1) من الأصناف الثمانية ، وهم : الفقراء والمساكين ، والعاملون عليها.
والمؤلفة قلوبهم ، ( وَفِي الرِّقابِ ) ، والغارمون ( وَفِي سَبِيلِ اللّهِ ) ، وابن السبيل.
فاما الفقراء فهم الذين لا شي ء لهم ، واما المساكين فهم الذين يكون لهم مقدار من القوت لا يكفيهم ، واما العاملون عليها فهم عمال الصدقات ، والسعادة فيها.
واما المؤلفة قلوبهم الذين يستمالون الى الجهاد ، واما الرقاب فهم العبيد ، والمكاتبون منهم إذا كانوا في ضر وشدة ، فإنه يجوز ابتياعهم من الزكاة ، ويستنقذون ذلك (2) مما يكونون فيه من الضر ، والشدة.
فاما الغارمون فهم الذين قد ركبتهم الديون في غير معصية اللّه تعالى ، لأنه متى كان عليهم دين أنفقوه في ذلك ، فلا يجوز ان يقضى ذلك عنهم من الزكاة.
واما سبيل اللّه فهو الجهاد ، وما فيه صلاح للمسلمين مثل عمارة الجسور ، والقناطر ، وما جرى مجرى ذلك.
فاما ابن السبيل فهو المنقطع به وان كان غنيا في بلده ، وقد ذكر انه الضيف الذي ينزل بالإنسان وان كان أيضا غنيا في بلده.
ويجب ان يعتبر في سائر ما ذكرناه من هؤلاء إلا المؤلفة قلوبهم شروط ثلاثة.
أولها : ان يكونوا من أهل العدالة والايمان المعتقدين له ، لان من لا يكون كذلك بان يكون ليس من أهل الايمان ، والمعرفة به ، ولا من المعتقدين له ، ولا هو على ظاهر العدالة ، والصلاح ، أو كان فاسقا يشرب الخمر أو غيره من أنواع الفسق وهو من أهل الإيمان ، فإنه لا يستحق شيئا من الزكاة. ولا يجزى دفع شي ء منها اليه عمن وجبت عليه.
ص: 169
وثانيها : ان لا يكون من بنى هاشم المستحقين للخمس المتمكنين من أخذه ، لان من يتمكن منهم من أخذه لم يجز له أخذ الزكاة.
وان كانت حالهم حال ضرورة ، وهم غير متمكنين من أخذ ذلك معها ، جاز لهم أخذ الزكاة ، والاستعانة بها على أحوالهم رخصة لهم عند عدمهم لأخذ ما يستحقونه من الأخماس وكانت مجزية عمن أخرجها إليهم ، وهم على هذه الحال. وسيأتي في باب الخمس ذكر من يستحق من بنى هاشم بعون اللّه سبحانه.
وثالثها : ان يكونوا ممن لا يجب على المكلف الإنفاق عليه مثل الوالدين ، والولد ، والجد والجدة ، والزوجة ، والمملوك. فاما من خالف هؤلاء من الأقارب فإنه يجوز دفع الزكاة إليه إذا كان على الشروط التي تقدم ذكرها.
والأفضل ان لا يعدل (1) الإنسان بالزكاة غير هؤلاء بل يفرقها عليهم ، فان جعل لهم قسطا وللأجنبي المستحق بها قسطا كان جائزا.
ومن كان له مملوك يخدمه ودار يسكنها وليس دار غلة ، فإنه يجوز له أخذ الزكاة ، وهكذا إذا كانت دار غلة غير ان غلتها ليست تقوم بحاله وحال عياله ، فإنه يجوز أخذها ، وان كان في غلتها كفاية لذلك لم يجز دفع الزكاة.
ومن كان له صناعة أو معيشة لا تقوم بحاله وحال عياله فإنه يجوز له أخذها. وان كان ما يكسبه منها يقوم بحاله ، أو حالهم ، لم يجز دفعها اليه.
ومن لا يحسن ان يعيش ، ويكسب ما يقوم بحاله ، فإنه يجوز له أخذها ولو كان معه سبع مأة درهم كما ورد الخبر (2) بذلك.
ولو كان معه خمسون درهما ، ويحسن ان يتعيش بها ، ويكسب ما يقوم بحاله ، وحال عياله ، فليس يجوز له أخذها.
ص: 170
ومن كان عليه دين أنفقه في غير معصية كما ذكرناه فيما سلف ، فإنه يجوز قضائه عنه من الزكاة ، وكذلك العبد ، والمكاتب يجوز له ابتياعهما على ما قدمناه من الزكاة والميت إذا كان عليه دين فإنه يجوز ان يحتسب به من الزكاة ، فإن كان على ميت من المؤمنين دين جاز ان يقضى عنه ذلك ، ويجوز للولد قضاء الدين من والديه ، أو ولده من الزكاة إذا كان عليهم شي ء من ذلك.
ويجب حمل الزكاة الى الامام « عليه السلام » إذا كان ظاهرا. ليفرقها على مستحقيها ، وان كان غائبا ، فإنه يجوز لمن وجبت عليه ، ان يفرقها في خمسة أصناف وهم : الفقراء ، والمساكين ، والرقاب ، والغارمون ، وابن السبيل.
ويسقط من الأصناف الثانية - التي ذكرنا انهم يستحقون الزكاة ، ويصح دفعها إليهم - من لا يتم الا مع ظهور الامام « عليه السلام » أو من نصبه ، الثلاثة (1) الأصناف الباقية ، وهم العاملون عليها ، والمؤلفة قلوبهم ، وفي سبيل اللّه ، لان وجودها لا على الوجه الذي معه يستحقون الزكاة.
وإذا عرف الإنسان مستحق الزكاة ، وهو يستحيى من أخذها ، والتعرض لها جاز دفعها اليه ، من غير ان يعلم انها من الزكاة.
وإذا دفع إنسان إلى غيره زكاة ليفرقها في مستحقيها ، وكان الذي دفع اليه من المستحقين لأخذها ، جاز له ان يأخذ منها. مثل ما يدفعه منها الى غيره.
فان عين له على أقوام يدفع ذلك إليهم لم يجز له أخذ شي ء منها ، بل يدفعها إلى الذي عين له دفعها إليهم ، دون غيرهم.
ومن وجب إخراج الزكاة عليه ، أخرجها إلى مستحقها على الفور والبدار دون التراخي.
فإن مطل بإخراجها مع تمكنه من ذلك ، وإيصالها إلى مستحقها وهلكت كان عليه ضمانها ، وإخراجها ثانيا. ومن وجبت عليه الزكاة ، وكان في بلده مستحق
ص: 171
لها ، وهو عالم به ، فلم يدفعها اليه ، وأخرجها إلى مستحقها في بلد آخر ، فهلكت في الطريق ، فعليه ضمانها ، وإخراجها ثانيا أيضا الى مستحقها. وان لم يعلم في بلده مستحقا لها ، وإخراجها الى من يستحقها في بلد آخر ، فهلكت ، لم يكن عليه شي ء.
وكذلك الحكم إذا لم يجد من يستحقها في بلده ، ولا في غيره ، ثم عزلها الى ان يجد لها مستحقها ، أو كان يجد مستحقها في غير بلده ، ولا يقدر على إنفاذها ، إليه ثم هلكت ، فإنه لا شي ء عليه في شي ء من ذلك ، ولا يلزمه ضمانها ولا إخراجها دفعة أخرى.
فإذا لم يجد من وجبت عليه الزكاة مستحقا لها ، وعزلها ، ثم مات ، وهي باقية ، فيجب عليه ان يوصى الى من يثق به ليدفعها الى مستحقها إذا تمكن من ذلك ، فاذا فعل ما ذكرناه ، برأت ذمته منها.
وان حضره مستحق للزكاة قبل دخول وقتها فإنه يجوز ان يدفع إليه بنية القرض ثم يعتبر حاله إذا دخل الوقت.
فان كانت على ما كانت عليه - ولم يتغير ، ولا صار بصفة من لا يستحقها ، ولا يجوز له أخذها - جاز ان يحتسب بها منها وان كانت حاله قد تغيرت ، وصار بصفة من لا يستحقها لم يجز الاحتساب بها ، فان احتسب لم يجز عنه ، ووجب عليه إخراجها ودفعها الى مستحقها.
* * *
أقل ما ينبغي دفعه من الزكاة إلى مستحقها هو ما يجب في نصاب واحد ، ويجوز ان يدفع إليه أكثر من ذلك ، ويجوز أيضا ان يدفع من وجبت عليه الزكاة ، زكاة ماله بمجموعها الى واحد ممن يستحقها ، وينبغي ان يدفع زكاة الذهب والفضة إلى الفقراء المعروفين بأخذ ذلك ، ويدفع زكاة المواشي إلى المتحملين ممن يستحقها ،
ص: 172
الوقت الذي ينبغي إخراج الزكاة فيه ، هو دخول أول يوم من الشهر الثاني عشر ، من السنة التي حالت على المال ، ويتضيق الوجوب في ذلك الى آخره ، فاذا خرج الثاني عشر كان قاضيا لها إذا أخرجها هذا إذا كان المال حاصلا في جميع الحول ، من أوله إلى اليوم الذي ذكرناه ، ولم يكن من الغلات ، لان الغلات لا يراعى فيها الحول على ما قدمناه وانما يراعى فيها الملك وحصول النصاب.
واليوم الذي هو أول يوم من الشهر الثاني عشر ، هو أول وقت الوجوب ثم كلما مضى من الشهر شي ء ازداد تضييق الوجوب الى آخره ، وان لم يخرجها من وجبت عليه الى مستحقها مع تمكنه من ذلك ، أو (1) عزلها من ماله مع عدم تمكنه من إخراجها إليه ، إلى ان ينقضي الشهر الثاني عشر من الحول كان مخطئا وكانت في ذمته الى ان يوصلها الى المستحق لها.
ولا يجوز تقديم إخراجها على وقت الإخراج لها إلا بنية القرض وقد وردت اخبار (2) تتضمن جواز تأخيرها عن وقتها ، وتقديمها عليه ، والوجه في تقديمها ما ذكرناه من الإخراج لها بنية القرض ، واما التأخير لها ، فهو محمول على انتظار من يستحقها.
* * *
زكاة الرؤس هي زكاة الفطرة ، وينبغي ان يبين من يجب عليه ، وما يجب فيه ، ومن يستحقها ، وما أقل ما يدفع عليه منها ، وما الوقت الذي يجب إخراجها فيه
ص: 173
الذي يجب عليه الفطرة هو كل من يجب عليه زكاة أول نصاب من الأموال ومن لا يملك ذلك فليست الفطرة واجبة عليه.
ويستحب له ان يخرجها عن نفسه ، وعمن يعول ان كان له عيال ، فان لم يكن له ذلك أخرجها عن نفسه استحبابا.
فان كان ممن يستحق أخذها ، فليأخذها ويخرجها عن نفسه وعمن يعوله ان كان له ذلك ، وعن نفسه ان لم يكن له عيال.
فان كان محتاجا إليها أدارها على عياله الى ان ينتهي إلى آخرهم ثم يخرج منهم الى غيرهم مما ينبغي إخراجه عن رأس كل واحد.
وإذا كان عند إنسان ضيف ، يفطر عنده في شهر رمضان ، أو كان لزوجه مملوك في عياله أو ولد له فيه مولود ، كان عليه إخراج الفطرة عنه وجوبا.
اللّهم الا ان يكون المولود يولد ليلة الفطر ، أو في يومه التي قبل صلاة العيد ، فيكون إخراج ذلك عنه استحبابا.
والمكاتب إذا لم يكن مشروطا عليه لم يجب على مكاتبه إخراج الفطرة عنه ، فان كان مشروطا عليه كان على سيده إخراجها عنه.
والكافر إذا أسلم في شهر رمضان قبل ليلة الفطر وجب عليه إخراجها ، وان كان أسلم ليلة الفطر ، أو في يومه قبل صلاة العيد لم يجب عليه ذلك ، وكان عليه ان يخرجها استحبابا. وإذا ملك عبد عبدا ، كان على السيد إخراج الفطرة عنهما جميعا.
* * *
تجب في الحنطة ، والشعير على أهل الموصل ، والجزيرة ، والجبال ، وباقي خراسان.
ص: 174
والتمر على أهل مكة ، والمدينة ، واليمن ، واليمامة ، والبحرين ، وأطراف الشام ، والعراقين ، وفارس ، والأهواز وكرمان. والزبيب على أهل أوساط الشام و « مرو » من خراسان ، والري ، والأرز على أهل طبرستان ، والبر على أهل مصر ، والأقط (1) على الاعراب ، وسكان البوادي ، ومن لم يجد منهم الا قط اخرج عنه اللبن والتمر ، والزبيب ، وهو أفضل ما يخرج في الفطرة لمن وجبت عليه.
* * *
الذي يستحق أخذ زكاة الفطرة هو كل من يستحق أخذ زكاة الأموال ، وقد ذكرناه في ما تقدم.
وإذا كان الامام « عليه السلام » ظاهرا وجب على من وجبت عليه الفطرة حملها اليه ليدفعها الى مستحقها ، ولا يتولى هو ذلك بنفسه ، فان لم يكن الامام «ع» ظاهرا كان عليه حملها الى فقهاء الشيعة ، ليضعها في مواضعها ، لأنهم أعرف بذلك ولا يجوز ان يدفع الا الى أهل الايمان ، والمعرفة ، كما ذكرناه فيمن يستحق أخذ زكاة الأموال. ولا يجوز دفعها الى من لا يجوز دفع زكاة الأموال اليه الا في حال التقية ، والأفضل له في هذه الحال ان لا يدفعها الى من ذكرناه ، بل يدفع اليه عن غيرها.
والحكم في حملها من بلد الى آخر ، كالحكم فيما ذكرناه في زكاة الأموال ، وكذلك الحكم في عزلها.
والأفضل لمخرج الفطرة ان لا يتعدى أقاربه إذا كانوا من المستحقين لها. وكذلك الأفضل ان لا يتعدى الى من يستحقها من جيرانه إذا كانوا على الشروط التي قدمنا ذكرها ، فان تعدى بها من ذكرناه من الأقارب ، والجيران ، ودفعها الى
ص: 175
من يستحقها من غيرهم ، لم يكن عليه شي ء ، بل يكون تاركا للأفضل.
فاما أقل ما ينبغي دفعه الى المستحق لها منها فهو ان يدفع الى الواحد ممن ذكرناه ما يجب إخراجه عن رأس واحد.
فاما ما كان أكثر من ذلك فيجوز دفعه اليه.
* * *
هذا الوقت هو من طلوع الفجر من يوم العيد الى قبل صلاة العيد ، وكل ما قرب وقت هذه الصلاة تضيق الوجوب. فمن لم يخرجها حتى قضيت الصلاة كان تاركا لما وجب عليه ، ومخطئا في ذلك ، فإن أخرجها بعد هذه الصلاة لم تكن واجبة ، وجرى مجرى الصدقة المتطوع [ بها ] ، وقد ورد (1) جواز تقديم إخراجها في شهر رمضان ، والأفضل إخراجها في الوقت المضروب لوجوبها.
« تم كتاب الزكاة »
* * *
ص: 176
أحكام الخمس تتبين بذكر أشياء :
منها ما الذي يجب الخمس فيه ، ومنها ما يراعى فيه مقدار ، وما لا يراعى فيه ذلك ، ومنها متى يجب ، ومنها من المستحق له ، ومنها كيفية قسمته.
الخمس يجب في « كنوز » الذهب والفضة والدنانير والدراهم ، « والغنائم الحربية » ، و « جميع المعادن » من الذهب والفضة والحديد والصفر والنحاس والرصاص والزيبق والكحل والزرنيخ والنفط والقير ، « والنوص » والموميا والكبريت والزبرجد والياقوت والفيروزج والبلخش (1) والعنبر والعقيق « وأرباح التجارات والمكاسب كلها » و « المال الحرام إذا اختلط بالحلال ولم يتميز » و « الأرض إذا ابتاعها الذمي من المسلم ».
فاما الكنز إذا وجد فليس يخلو اما في دار الحرب ، أو في دار الإسلام ، فإن كان في دار الحرب ، كان فيه الخمس على كل حال.
فان كان في دار الإسلام ، فلا يخلو من ان يكون وجد في ملك الإنسان أو في أرض ليس لها مالك ، فان كان في ملك الإنسان ، أو في أرض ليس لها مالك ، كان
ص: 177
عليه ان يعرف به ، فان عرف ، كان لمن عرفه.
وان لم يعرفه ، فليس يخلو من ان يكون عليه أثر الإسلام ، مثل سكة الإسلام ، أو لا يكون عليه اثر لذلك ، فان كان عليه أثر الإسلام ، كان بمنزلة اللقطة ، وسيجي ء أحكام اللقطة بعون اللّه سبحانه.
وان لم يكن عليه أثر الإسلام ، فإنه يخرج منه الخمس ، ويكون الباقي لمن وجده.
فأما الغنائم الحربية ، فهي كل ما يغتنمه المسلم في دار الحرب مما يحويه العسكر ، ومما لا يحويه ومما يمكن نقله الى دار (1) الإسلام ، وما لا يمكن ذلك فيه من الأموال ، والأرضين ، والذراري (2) ، والعقار والكراع (3) ، والسلاح ، وغير ذلك مما يصح تملكه ، وكان في يد أهل الحرب على جهة الإباحة أو الملك ، ولم يكن غصبا لمسلم. ففي ذلك كله الخمس في كل شي ء منها.
واما المعادن التي ذكرناها ، فإنه يجب الخمس في كل شي ء منها.
واما الغلات والأرباح والمكاسب ففيها الخمس كما ذكرناه بعد إخراج حق السلطان ، وقوت الرجل لنفسه وعياله على الاقتصاد (4) في ذلك.
ويجب الخمس في العسل الذي يؤخذ من رؤس الجبال ، وكذلك في المعدن إذا كان لمكاتب ، والعامل في المعدن إذا كان مملوكا ، كان فيه الخمس ، لان كسبه لسيده.
واما المال الحرام ، إذا اختلط بالحلال ، فإنه ينبغي ان يحكم فيه بالأغلب. فإن كان الحرام الغالب ، احتاط من هو في يده في إخراج الحرام منه. فان لم يتميز له ذلك اخرج منه الخمس ، ويصح تصرفه في الباقي على وجه الحلال.
ص: 178
ومن ورث من المال ما يعلم ان صاحبه جمعه من وجوه محرمة مثل الربا والمغصوب وغير ذلك - ولم يتحقق مقداره فليخرج منه الخمس ويتصرف في الباقي ، فإن غلب في ظنه أو علم ان الأكثر حرام احتاط في إخراجه قليلا كان أو كثيرا ، أورده الى من هو له ان تميز له ذلك ، فان لم يتميز ذلك له ، تصدق به عنهم.
واما الأرض إذا ابتاعها ذمي من مسلم ، ففيه الخمس. كما ذكرناه.
« باب ذكر ما يراعى فيه مقدار ، وما لا يراعى فيه ذلك »
ما يراعى فيه مقدار : شيئان ، أحدهما يراعى فيه بلوغ النصاب الذي تجب الزكاة فيه ، والأخر يراعى في بلوغه مقدار دينار فصاعدا.
واما الأول فهو في جميع الكنوز ، واما الثاني فهو الغوص ، فليس يراعى مقدار في شي ء يجب الخمس فيه الا في هذين الجنسين.
فاما ما خالفهما ، فلا يراعى فيه ذلك على وجه من الوجوه.
« باب ذكر الوقت الذي يجب إخراج الخمس فيه »
الوقت الذي يجب إخراج الخمس فيه ، هو حين حصول المال من غير مراعاة لحلول الحول عليه ، ولا غير ذلك.
الذي يستحق الخمس ستة ، وهم : اللّه سبحانه وتعالى ، ورسوله صلى اللّه عليه وآله ، وذوو القربى وهو الامام عليه السلام واليتامى والمساكين وابن السبيل ممن ينتهي الى أمير المؤمنين عليه السلام على ابن ابى طالب عليه السلام بالولادة وجعفر وعقيل والعباس بن عبد المطلب عليهم السلام.
* * *
ص: 179
قال اللّه سبحانه ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ، وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى ، وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) . (1)
فعلى هذا يقسم الخمس ستة أسهم ، ثلاثة منها وهي سهم اللّه تعالى ، وسهم رسوله « صلى اللّه عليه وآله » وسهم ذي القربى للإمام « عليه السلام » والثلاثة أسهم الباقية. يفرقها الامام عليه السلام على يتامى آل محمد « صلى اللّه عليه وآله » ومساكينهم وأبناء سبيلهم ، لكل صنف منهم سهم.
وعلى الامام عليه السلام تسليم (2) ذلك على قدر كفايتهم. ومؤنتهم للسنة على جهة الاقتصاد.
فإن فضل من ذلك شي ء كان له ، وان نقص فعليه ان يتمه مما يختصه ، وليس لغير من تقدم ذكره في الخمس حق ، بل هو لمن يحرم عليه الزكاة ذكرا كان أو أنثى ممن ذكرناه فيما تقدم.
وكل ما يختص من الخمس بالمساكين ، أو المناكح ، أو المتاجر فإنه يجوز التصرف فيه في زمان غيبة الإمام (عليه السلام) ، لأن الرخصة قد وردت (3) في ذلك لشيعة آل محمد عليهم السلام ، دون من خالفهم.
واما ما يختص به من غير ذلك فلا يجوز لأحد من الناس كافة التصرف في شي ء منه ، ويجب على من وجب عليه حمله الى الامام (عليه السلام) ليفعل فيه ما يراه ، فان كان (عليه السلام) غائبا ، فينبغي لمن لزمه إخراج الخمس ان يقسمه ستة أسهم على ما بيناه ،
ص: 180
ويدفع منها ثلاثة الى من يستحقه من الأصناف المذكورة فيما سلف.
والثلاثة الأخر للإمام (عليه السلام) ، ويجب عليه ان يحتفظ بها أيام حياته ، فإن أدرك ظهور الامام (عليه السلام) ، دفعها اليه ، وان لم يدرك ذلك ، دفعها الى من يوثق بدينه وأمانته من فقهاء المذهب ووصى (1) بدفع ذلك الى الامام (عليه السلام) ان أدرك ظهوره ، وان لم يدرك ظهوره وصى إلى غيره بذلك ، وقد ذكر بعض أصحابنا ، انه ينبغي ان يدفنه تعويلا في ذلك على الخبر (2) المتضمن ، لأن الأرض تظهر كنوزها عند ظهور الامام (عليه السلام). والأول أحوط ، وأقوى في براءة الذمة من ذلك.
وذكر بعض أصحابنا أيضا ، ان ما يختص بغير المساكن ، والمتاجر ، والمناكح يجوز التصرف فيه ، فإنه يجري مجرى ما يختص بالمساكن ، والمتاجر ، والمناكح وهذا لا يعول عليه ، ولا يعمل به.
الأرضون تنقسم أربعة أقسام ، أولها : قسم يسلم أهلها عليها طوعا ، وثانيها : ارض افتتحت بالسيف عنوة ، وثالثها : كل ارض ، صالح أهلها ، عليها ورابعها : أرض الأنفال ، ونحن نفرد لكل واحد منها بابا ان شاء اللّه تعالى.
الأرض إذا أسلم أهلها عليها طوعا من غير حرب ، تركت في أيديهم ، وكانت ملكا لهم ، يصح لهم التصرف فيها بالبيع والشراء والوصية والهبة وغير ذلك من أنواع التصرف.
ص: 181
وإذا عمروها ، فليس عليهم الا فيما تخرجه ، وهو العشر ونصف العشر بحسب سقيها ، كما ذكرناه في باب الزكاة ، وان تركوا عمارتها حتى صارت خرابا ، كانت حينئذ لكافة المسلمين ، يقبلها الامام عليه السلام ممن يقوم بعمارتها بحسب ما يراه ، من نصف أو ثلث أو ربع وعلى متقبلها بعد إخراج مؤنة الأرض وحق القبالة فيما يبقى في خاصة من عليها إذا بلغ خمسة أوسق ، أو أكثر من ذلك ، العشر أو نصف العشر بحسب سقيها على ما سلف بيانه.
الأرض إذا فتحت عنوة كانت لجميع المسلمين ، للمقاتل منهم وغير المقاتل وارتفاعها (1) يقسم بينهم ، ولا للمقاتل منهم الا بما يكون في العسكر فان ذلك يقسم في المقاتلة دون غيرهم. ولا يصح التصرف فيها بوقف ولا صدقة ولا بيع ولا بغير ذلك من سائر ضروب التمليك.
وللإمام عليه السلام ان يقبلها بما يراه لمن يعمرها ، اما بالنصف أو الثلث ، أو الربع ، وللإمام عليه السلام ان ينقلها من متقبل الى آخر بعد انقضاء مدة زمان التقبل ، وله التصرف في هذه الأرض بحسب ما يراه ، صلاحا للمسلمين ، ويجب على المتقبل فيما يبقى في يده مما تخرجه بعد إخراج المال الذي يقبلها به ، العشر ، أو نصف العشر حسب السقي (2) كما تقدم القول به.
ارض الصلح هي أرض الجزية ، فإذا صالح الامام عليه السلام أهلها عليها وجب عليهم الأداء لما يصالحهم عليه ، من نصف أو ثلث أو ربع. ولا يجب على رؤسهم ، لأن ما وضع على هذه الأرض بالمصالحة ، بدل من جزية رؤسهم فليس يجب على
ص: 182
رؤسهم بعد ذلك ، ومن أسلم من ملاكها سقط عنه ما وضع على أرضه بالصلح ، كما يسقط عنه الجزية التي على رأسه بالإسلام. لأنه بدل من الجزية ، ويكون حكم من أسلم من أربابها فيها ، حكم المسلم (1) عليها طوعا ، وهذه الأرض يصح التصرف فيها بسائر أنواع التصرف. وللإمام عليه السلام الزيادة والنقصان فيما يصالحهم عليه بعد ان يمضي مدة الصلح بحسب ما يراه من الصلاح في ذلك.
كل ارض انجلى أهلها عنها ، وكل ارض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب إذ أسلمها أهلها من غير قتال ، وكل ارض باد أهلها ، ورؤس الجبال ، وبطون الأودية والآجام ، وصوافي الملوك ، وقطائعهم ما لم يكن ذلك غصبا وكل ارض كانت آجاما فاستحدثت مزارع ، أو كانت مواتا فأحييت ، فجميع ذلك من الأنفال ، وهي للإمام عليه السلام خاصة دون غيره من سائر الناس ، وله ان يتصرف فيها بالهبة ، والبيع ، وغير ذلك من سائر أنواع التصرف حسب ما يراه ، وله (عليه السلام) ان يقبلها بما يراه من نصف ، أو ثلث ، أو ربع ، وله بعد انقضاء مدة القبالة أن يقبضها ، وينزعها ممن هي في يده بالقبالة ، ويقبلها لغيره الا ان يكون مما كانت مواتا فأحييت ، فإنها إذا كانت كذلك لم ينتزع من يد من أحياها ، وهو اولى بالتصرف فيها ما دام يتقبلها بما يتقبلها به غيره ، فان لم يتقبلها بذلك جاز للإمام (عليه السلام) ان ينتزعها من يده ويقبلها لغيره كما يراه ، ويجب على المتقبل فيما يبقى في يده بعد إخراج مال القبالة وما لحقه عليها من المؤن ، العشر أو نصف العشر حسب ما (2) يراه الامام (عليه السلام).
* * *
ص: 183
أحكام الجزية تبين بذكر أشياء.
منها ، من يجب أخذ الجزية منه ، ومن لا يجوز أخذها منه.
ومنها ، ما ينبغي أخذه منها.
ومنها ، من المستحق لها.
ونحن نفرد كل واحد من ذلك بابا نذكره فيه ، ان شاء اللّه.
« باب في ذكر من يجب أخذ الجزية منه ، ومن لا يجوز أخذها منه »
الذي يجوز أخذ الجزية منه ، هو كل مكلف ذكر من اليهود والنصارى والمجوس امتنع عن الإسلام ، وأجاب إلى إعطائها. واما الذي لا يجوز أخذها من الكفار ، فهو جميع النساء والأطفال والبله ، والمجانين من اليهود : والنصارى ، والمجوس.
فاما جميع أصناف الكفار المخالفين لليهود والنصارى والمجوس فلا يقبل منهم إلا الإسلام ، أو القتل ، ولا يقبل من أحد منهم جزية على حال.
ومن لم يؤد الجزية من اليهود ، والنصارى ، والمجوس الى ان أسلم (1) فقد أسقطت عنه بالإسلام ولم يجز أخذها منه ، ولا إلزامه بها على وجه من الوجوه وسائر الأحوال ، سواء كان إسلامه حصل قبل حلولها عليه ، أو في وقت حلولها ، أو بعد ذلك.
وقد ذكر جواز أخذها منه ان كان إسلامه حصل ، وقد حلت عليه والصحيح ما قدمناه.
الذي ينبغي أخذه من الجزية ، ليس له مقدار معين ، بل ذلك الى الامام
ص: 184
عليه السلام ، يأخذ من كل واحد ممن يجب عليه أخذها منه ، ويضعها عليه بحسب ما يراه.
وهو مخير بين وضعها على رؤسهم ، أو على أرضيهم ، الا انهم متى وضعها على أرضيهم ، لم يضعها على رؤسهم.
وقد روى عن أمير المؤمنين على ابن ابى طالب « عليه السلام » انه وضع على الأغنياء منهم ثمانية وأربعين درهما ، وعلى أوساطهم أربعة وعشرين درهما ، وعلى الفقراء منهم اثنى عشر درهما (1) وذلك منه عليه السلام بحسب ما يراه في وقته.
وإذا وجبت الجزية على واحد ممن ذكرناه ، ودفعها من ثمن ما يستحله مثل الخمر ، وغيره من المحرمات في شريعة الإسلام كان أخذ ذلك منه جائزا ، والإثم فيه عليه ، ولا اثم على أخذ (2) له منه.
المستحق لأخذ الجزية هو كل من قام مع الامام عليه السلام من المسلمين - في نصرة الإسلام والذب عنه - مقام المهاجرين ، لان المهاجرين في عصر النبي « صلى اللّه عليه وآله » هم الذين كانوا يستحقون أخذها ، فمن كانت صفته ما ذكرنا من المسلمين فهو الذي يستحق أخذها ، واليه يدفع ، دون غيره من الناس.
كل ما يغتنمه المسلمون من الكفار فيجب إخراج الخمس منه ابتداء ويصرف الباقي الى ما يستحقه.
وذلك على ضربين ، أحدهما يختص المقاتلة دون غيرهم من جميع المسلمين. والأخر لا يختص مقاتلا (3) دون غيره بل هو لجميع المسلمين ، المقاتلة منهم وغير المقاتلة
والذي يختص المقاتلة دون غيرهم هو جميع ما حواه العسكر فقط.
ص: 185
وهذا يقسم في المقاتلة فحسب ، ولا يدفع الى أحد ممن عداهم منه شي ء إلا الإمام عليه السلام ، فإنه يجوز ان يأخذ ذلك قبل القسمة ما يختار أخذه من الجارية الحسناء ، والفرس الجواد ، والثوب الرفيع وما جرى مجرى ذلك.
وما لا يختص بمقاتل دون غيره ويكون لجميع المسلمين ، فهو كل ما اغتنمه المسلمون ما لم يحوه العسكر من الأراضي ، والعقارات ، وغير ذلك ، فان جميعه لكافة المسلمين المقاتل منهم وغير المقاتل ، والغائب منهم والحاضر على السواء.
فإن أدرك إنسان المقاتلة لمعونتهم ، بعد ان قاتلوا ، وغنموا ، كان شريكا لهم فيما غنموا.
وينبغي للإمام ان يسوى بين المسلمين في القسمة ، ولا يفضل أحدا منهم على أحد لشرف فيه ، أو زهد ، أو علم على من ليس هو كذلك.
ويعطى للفارس سهمين ، وللراجل سهما واحدا ، فان كان مع الفارس منهم أكثر من فرسين ، لم يسهم الا لفرسين فقط.
وإذا ولد في أرض الجهاد مولود ، دفع اليه كما يدفع الى المقاتل وحكم القسمة في البحر إذا كان مع المقاتلة فرسان ورجالة كحكمهما في البر ، لا يختلف الأمر في شي ء من ذلك.
الأنفال هي كل ارض تقدم ذكرها ، وميراث من لا وارث له ، وجميع المعادن وكل غنيمة غنمها قوم قاتلوا أهل الحرب بغير اذن الامام (عليه السلام) ، أو ممن نصبه ، وما يريده الامام أخذه لنفسه مما تقدم ذكره ، وجميع الأنفال كانت لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في حياته ، وهي بعده للإمام القائم مقامه ، ولا يجوز لأحد من الناس التصرف في شي ء منها الا بإذنه عليه السلام.
« تم كتاب الخمس »
ص: 186
قال اللّه تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) الى قوله ( لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (1).
وروى عن النبي صلى اللّه عليه وآله انه قال في خطبة خطبها في آخر شعبان ايها الناس انه قد أظلكم شهر عظيم ، شهر مبارك ، شهر ، فيه ليلة القدر ، العمل فيها خير من الف شهر ، من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن ادى سبعين فريضة فيما سواه ، وهذا (2) شهر الصبر ، والصبر ثوابه الجنة ، وشهر المواساة ، شهر يزاد فيه رزق المؤمنين ، من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له مثل اجره من غير ان ينقص من اجره شي ء (3) وروى عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال : صوم رمضان جنة من النار. (4) والصوم على ثلاثة أضرب واجب ومندوب ومحرم ، فاما الواجب فهو على ضربين : أحدهما يجب من غير سبب والأخر يجب عند سبب والذي يجب من غير سبب ، هو شهر رمضان والذي يجب عند سبب هو قضاء ما يفوت من شهر رمضان لعذر من مرض أو غيره ،
ص: 187
وصوم النذر والعهد وصوم الكفارة لذلك وصوم الظهار وصوم قتل الخطاء ، وصوم كفارة من أفطر في يوم يقضيه من شهر رمضان ، وصوم اليمين باللّه سبحانه والبراءة وصوم جز المرية شعرها في مصاب ، وصوم أذى حلق الرأس (1) وصوم دم المتعة (2) وصوم جزاء الصيد ، وصوم من فاتته صلاة العشاء الآخرة ، وصوم الاعتكاف.
واما المندوب فهو ضربان : أحدهما مشدد فيه على وجه التأكيد والأخر غير مشدد فيه فاما المشدد فيه فهو صوم رجب كله ، وأول يوم منه ، واليوم السابع والعشرون منه ، وهو يوم المبعث ، والثالث عشر منه مولد أمير المؤمنين عليه السلام ، وشعبان كله ، ويوم النصف منه ويوم السابع عشر من شهر ربيع الأول مولد النبي صلى اللّه عليه وآله ويوم عرفة ، وأول يوم من ذي الحجة مولد إبراهيم عليه السلام ويوم الثامن عشر منه وهو يوم الغدير.
والأيام البيض من كل شهر وهي الثالث عشر ، والرابع عشر ، والخامس عشر وثلاثة أيام من كل شهر ، أربعاء ، وخميسين ، أول خميس في الشهر ، وأول أربعاء يكون في العشر الثاني ، وآخر خميس في الشهر ، ويوم الخامس والعشرين من ذي القعدة وهو يوم دحو الأرض ، وصوم الاذن (3) وصوم التأديب (4) وصوم يوم عاشوراء على جهة الحزن بمصاب أهل البيت عليهم السلام وصوم ثلاثة أيام للاستسقاء وصوم الشكر.
واما ما ليس بمشدد فيه : فهو باقي أيام السنة بعد الذي ذكرناه إلا الأيام المحرمة
ص: 188
- فهو يوم الفطر ، ويوم الأضحى وأيام التشريق بمنى ، ويوم الشك على انه من شهر رمضان ، وصوم الوصال (1) وصوم الدهر كله (2) وصوم النذر المعصية ، وصوم الصمت.
علامة دخول شهر رمضان : رؤية الهلال مع زوال العوارض ، فاذا رأيته فلا تشر اليه بيدك ، واستقبل القبلة وارفع يدك للدعاء وأقصده بكلامك وقل : ربي وربك اللّه رب العالمين : ثم قل : اللّهم اهله علينا وعلى بيوتنا وأشياعنا وإخواننا بأمن وايمان وسلامة وإسلام ، وبر وتقوى وعافية ورزق واسع وحسن وفراغ من الشغل ، واكفنا فيه بالقليل من النوم ، ومسارعة فيما تحب وترضى وثبتنا عليه ، اللّهم بارك لنا في هذا العهد وارزقنا بركته وخيره وعونه وغنمه وفوزه واصرف عنا شره وضره وبلائه وفتنته ، اللّهم ما قسمت فيه من رزق أو خير أو عافية أو فضل أو مغفرة أو رحمة فاجعل نصيبنا فيه الأكبر وحظنا فيه الأوفر انك على كل شي ء قدير.
ثم أصبح صائما من غدير يومك ، فان لم تر الهلال لتركك النظر اليه ، والتصدي لرؤيته ورآه الناس رؤية شائعة في البلد الذي أنت فيه وجب أيضا الصوم من الغد وان لم يره أهل البلد وكان في السماء علة وراه خمسون رجلا وجب أيضا الصوم وإذا لم يره من ذكرناه ورآه واحدا أو اثنان وجب الصوم على من رآه في حق نفسه ولم يجب الصوم على غيره.
وإذا كان في السماء علة ولم يره أحد من أهل البلد ورآه من خارجه شاهدان عدلان وجب الصوم ، ومتى لم يكن في السماء علة وتصدى الناس لرؤيته فلم يروه لم يجب الصوم فان شهد من خارج البلد خمسون رجلا برؤيته وجب الصوم ، وإذا لم يشاهد أحد. الهلال ولا ورد خبر من خارج البلد برؤيته ، عددت بشهر الماضي
ص: 189
ثلاثين يوما وصمت بنية الوجوب فان ثبت بعد ذلك بينة عادلة برؤيته قبل يوم صيامك بنية الوجوب بيوم ، كان عليك قضائه (1).
والأفضل ان تصوم يوم الشك بنية انه من شعبان فان ثبت بعد ذلك ببينة عادلة انه كان من شهر رمضان أجزأك صومه ولم يلزم قضائه ، وان لم تصمه لم يكن عليك شي ء الا ان يكون في حكم المفطر ويثبت انه كان من شهر رمضان ، فيكون عليك صيام يوم بدله وليس بجائز لأحد ان يعمل في الصوم على العدد بالجدول ، ولا غيره.
وإذا غم هلال شهر رمضان فينبغي ان يعد شعبان ثلاثين يوما ثم يصوم بعد ذلك بنية شهر رمضان ، فاذا غم هلال شعبان فيعد رجب ثلاثين يوما ، فان رأى بعد ذلك هلال شوال ليلة تسع وعشرين من شهر رمضان ، قضى يوما لان الشهر لا يكون أقل من تسعة وعشرين يوما ، فاذا غم جميع شهور السنة ولم يحقق المكلف هلال شهر واحد منها ، فينبغي ان يعد من السنة الماضية خمسة أيام ويصوم اليوم الخامس ، لان الشهور لا تخرج جميعا كاملة ، وقد ذكر انه ينبغي ان يعد كل شهر منها ثلاثين يوما ويصوم.
وإذا كانت البلدان متقاربة ولم ير الهلال في البلد ، ورئي (2) من خارجه على ما قدمنا بيانه في الشهادة وجب العمل به ، هذا إذا لم يكن في السماء علة ، وكانت الموانع مرتفعة أو كانت البلدان كما ذكرناه متقاربة حتى لو رئي الهلال في أحدها لرئي في الأخر ، مثل طرابلس وصور ومثل صور والرملة ومثل حلب وطرابلس ومثل واسط وبغداد وواسط والبصرة واما : إذا كانت البلدان متباعدة مثل طرابلس وبغداد وخراسان ومصر وبغداد وفلسطين والقيروان وما جرى هذا المجرى ، فان لكل بلد حكم سقعه (3) ونفسه ، ولا يجب على أهل بلد مما ذكرناه العمل بما رآه أهل البلد الأخر.
ص: 190
والوقت الذي يجب الإمساك فيه عما يفطر من طعام وشراب وجماع وغير ذلك - هو من طلوع الفجر الى ان تغرب الشمس.
وذلك مباح للإنسان في الليل ، فان طلع الفجر وهو على حال أكل وشرب وجب عليه قطعه والإمساك عنه ، وان كان في فمه منه شي ء وجب ان يلفظه ويمتنع بلع شي ء يبقى في فيه منه ، وان أراد الجماع في هذه الحال ، وجب عليه الامتناع منه ، فان طلع الفجر عليه وهو مخالط وجب عليه الإمساك عن الحركة (1) لترك ذلك بنية التخلص منه ، متى لم يفعل ما ذكرنا فقد أخطأ وأفسد صوم يومه ولزمه القضاء والكفارة ، وسنذكر ما يفسد الصوم وما لا يفسده وما يوجب القضاء والكفارة ، وما لا يوجب ذلك فيما بعد ان شاء اللّه تعالى.
وعلامة غروب الشمس ، زوال الحمرة من أفق المشرق. ، وهو وقت الإفطار الذي لا يجوز ذلك قبله ، ومن رأى القرص وقد غاب عن بصره ثم رأى الشمس على رؤس الجبال ، والشفق الذي ذكرناه باقيا لم يزل فليس يجوز له الإفطار.
الذي ينبغي للصائم الإمساك عنه على ضربين : واجب ، ومكروه ، والواجب على ضربين أحدهما يفسده والأخر لا يفسده ، والذي يفسده على ضربين : أحدهما يوجب القضاء والكفارة ، والأخر يوجب القضاء دون الكفارة.
ونحن نذكر جميع ذلك في أبوابه بمشيئة اللّه تعالى.
الذي يفسد الصوم ويوجب القضاء والكفارة : الأكل والشرب في نهاره متعمدا والجماع كذلك وان لم يكن معه إنزال ، واستنزال الماء الدافق في كل حال ،
ص: 191
والكذب على اللّه تعالى ورسوله أو أحد الأئمة عليهم السلام.
وازدراد (1) ما لا يؤكل ولا يشرب ، والبقاء على حال الجنابة متعمدا من غير ضرورة حتى يطلع الفجر ، والنوم على حال الجنابة الى ان يطلع الفجر بعد الانتباه مرتين ، وإيصال الأدوية إلى الجوف من غير مرض يضطر الى ذلك ، والارتماس في الماء على التعمد ، وشم الرائحة الغليظة التي تدخل الى الحلق ، وجلوس النساء الى أو أوساطهن في الماء مع الاختيار لذلك.
الذي يفسد الصوم ويوجب القضاء دون الكفارة ، هو النوم الى الفجر على حال الجنابة بعد الانتباه مرة واحدة ، والحقنة في المرض المحوج إليها ، والسعوط (2) كذلك ، وتعمد القي ء ، وبلع ما يحصل منه في الفم (3) ، ووصول الماء الى الحلق عند المضمضة والاستنشاق للتبرد ، والاقدام على تناول ما يفطر عند طلوع الفجر من غير رصد له ثم يعلم انه كان طالعا وترك الامتناع مما يفطر عند طلوع الفجر ممن أخبره غيره بطلوعه فلم يمتنع ، والتقليد للغير في ان الفجر لم يطلع ثم يعلم انه كان طالعا أو تناول ما يفطر ممن شك في دخول الليل لوجود عارض ، ولا يعلم ولا غلب على ظنه دخوله ، وجلوس النساء الى اواسطهن في الماء من غير تعمد لذلك.
واعلم ان جميع ما عددناه في هذين البابين ، متى وقع من الإنسان شي ء منه سهوا أو نسيانا فإنه لا يجب عليه شي ء ، وعليه المضي في صومه فاما الكفارات عن ذلك فسنذكرها في باب الكفارات فيما بعد ان شاء اللّه تعالى.
ص: 192
الذي يجب الإمساك عنه - بعد ما ذكرناه في البابين المقدم ذكرهما - وان لم يكن مفسدا للصوم ، هو الإصغاء إلى استماع ما لا يحل استماعه من الأغاني ، وأصوات العيدان ، والطنابير ، وغير ذلك من المناهي ، وقول الفحش ، والكلام بما لا يجوز التكلم به ، كالنميمة والكذب وما جرى مجرى ذلك ، ولمس ما لا يحل ملامسته ، والسعي فيما يحرم السعي فيه من القبائح ، والسعي أيضا الى المواضع المنهي عنها وتعمد النظر الى ما لا يحل النظر اليه ، والعزم على القبائح والإرادة لها.
يكره للصائم ترك زمان الصوم خاليا عن قراءة القرآن ، وذكر اللّه تعالى وتمجيده وتسبيحه ، والصلاة على النبي وآله عليهم السلام ، والاجتهاد في العبادة ، وان لا يفضل من قدر عليه من أهل الايمان ، وان لا يبر من يمكن من بره من الاخوان وان لا يصل رحمه ، وترك السحور ، وان يكتحل بشي ء فيه صبر (1) أو ما جرى مجرى ذلك ، وبشم المسك والزعفران والرياحين وآكدها النرجس ، والسواك الرطب ، ومضغ العلك ، والفصد ، والحجامة ، ودخول الحمام على وجه يضعفه ، والاحتقان بالأشياء الجامدة مع الإمكان ، وملاعبة النساء ، ولباس الثوب المبلول للتبرد ، والمضمضة للتبرد بها ، وتقطير الادهان في الاذن.
المسافر في شهر رمضان ومن هو في حكم المسافر ، فرضه الإفطار ولا يجوز له الصيام في شي ء من هذا الشهر. وحد السفر الذي يجب التقصير في الصوم أو الإتمام هو الحد الذي يجب معه التقصير في الصلاة أو إتمامها وقد تقدم بيان ذلك في كتاب الصلاة.
ص: 193
ويكره للإنسان الخروج للسفر في هذا الشهر ، الا ان يضطر الى ذلك فاذا انقضى جميع الشهر وقد ذكر (1) ثلاث وعشرون منه جاز له الخروج على كل حال ، وينبغي للمسافر فيه ان لا يمتلئ من الطعام والشراب ، وان لا يجامع الا عند الضرورة الشديدة اليه ، والأحوط ترك إجماع بالكل.
وإذا كان المسافر عالما بأن الإفطار واجب عليه ، ثم صام لم يجزه صومه وعليه القضاء ، وان لم يكن عالما بذلك لم يكن عليه قضاء ، وكان صيامه مجزيا.
وإذا نوى السفر من الليل وخرج بعد طلوع الفجر اى وقت من النهار ففرضه الإفطار ، وان لم يكن نوى ذلك من الليل ، ثم خرج بعد طلوع الفجر ، فعليه إتمام الصيام ولا قضاء عليه وإذا خرج قبل طلوع الفجر ، كان فرضه الإفطار سواء نوى السفر من الليل أو لم ينو ذلك ، وكان عليه القضاء.
وان نوى السفر من الليل ، ولم يتم له الخروج الا بعد زوال الشمس فعليه الإمساك عن الإفطار باقي النهار ، والقضاء بعد ذلك.
ولا يجوز للمسافر ان يصوم شيئا من الصوم الواجب في سفره إلا الثلاثة أيام في الحج ، التي هي من جملة العشرة المخصوصة بدم المتعة ، والنذر المشروط صيامه في السفر والحضر (2) ، وان لم يكن شرط ذلك ، وكان نذر يوما معينا أو شهرا معينا ، واتفق له ذلك في السفر ، لم يصمه وكان عليه القضاء لذلك.
فاما الصوم التطوع : فمكروه في السفر إلا ثلاثة أيام مخصوصة لصلاة الحاجة عند قبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وهي أربعاء وخميس وجمعة فاما ما عدا ذلك من جميع وجوه الصيام فلا يجوز للمسافر صومه في السفر ، فمن أراد صوم ذلك صبر الى ان يقدم إلى اهله ويصوم
فان نوى المقام في بلد عشرة أيام أو أكثر جاز له ان يصوم.
ومن فاته شي ء من الصوم في السفر وتمكن من القضاء له فلم يقضه ثم مات ، كان على وليه صيام ذلك عنه ، ولا فرق في هذا بين ان يكون من فاته ذلك رجلا أو امرأة
ص: 194
وإذا قدم المسافر على اهله وكان قد أفطر فليمسك باقي النهار عن الإفطار وعليه القضاء ، وان لم يكن أفطر فليمسك عن ذلك باقي النهار ولا قضاء عليه.
وإذا طلع الفجر عليه - في اليوم الذي يصل فيه الى بلده - قبل وصوله اليه فهو مخير بين ان يمسك عن الإفطار ، ثم إذا دخل البلد تمم صوم ذلك اليوم ، ولا قضاء عليه ، وبين ان يفطر فاذا دخل إليه ، أمسك بقية النهار وعليه القضاء.
حد المرض الذي يلزم معه الإفطار هو ان يعلم الإنسان من نفسه ان لا يقدر على الصيام معه ، فإنه ان صام ، زاد ذلك في مضرته ومشقته ، فاذا حصل الإنسان على هذا الحد من المرض أفطر ، كان له ذلك ، لان فرضه حينئذ الإفطار ، وعليه القضاء بعد زوال مرضه ، ومتى صام وهذه حاله لم يجزه صومه ، وكان عليه القضاء بعد برئه من المرض.
وإذا فاته صوم شهر رمضان وبعده لمرض كان به ، واستمر مرض الى شهر رمضان آخر ولم يصح بينهما ، كان عليه ان يصوم الحاضرة ، ويتصدق عن الشهر الأول بمدين من طعام عن كل يوم ، فان لم يتمكن من ذلك ، تصدق عن كل يوم بمد ، فان لم يقدر ، لم يلزمه قضاء ولا غيره ، فان صح بين الشهرين ولم يقض مما فاته ، وكان عازما على القضاء قبل الشهر الثاني ثم مرض ، كان عليه ان يصوم الثاني ويقضى الأول ولا كفارة عليه ، فان ترك ذلك بعد صحته من مرضه توانيا ، كان عليه صوم الشهر الثاني والصدقة عن الأول وقضائه مع ذلك ، وكذلك الحكم فيما زاد عن شهر رمضان
وإذا أفطر المريض في أول النهار وصح في بعضه لزمه الإمساك عن الإفطار بقية النهار وقضاء ذلك اليوم.
وان صح في بعضه وقدر على الصوم ولم يكن أفطر ، تمم صيام ذلك وإذا لم يصح المريض من مرضه الذي أفطر فيه ومات ، فعلى ولده الأكبر من الذكور ان يقضى عنه ما فاته من ذلك ومن الصلاة أيضا ، فان لم يكن له ذكر فالأولى به من
ص: 195
النساء ، وصوم ذلك ندب واستحباب ، فان صح من مرضه ولم يقض ما عليه ، فعلى من ذكرناه ، قضاء ذلك وجوبا.
وان مات ولم يكن له من الأولاد إلا توأمان كانا مخيرين أيهما شاء قضى عنه ، فان تشاحا في ذلك ، أقرع بينهما.
والمريض إذا مات وقد كان وجب عليه صوم شهرين متتابعين صام عنه وليه شهرا وتصدق عن شهر ، ولا فرق فيما ذكرناه بين ان يكون المريض رجلا أو امرأة.
واما من أغمي عليه لجنة (1) أو غيرها ، فإنه ان عرض له ذلك قبل استهلال الشهر ، واستمر به ذلك حتى دخل فيه يوم وأيام ثم أفاق ، فإن عليه القضاء لما فاته وقد ذكر انه لا قضاء عليه وهو مذهب الشيخ ابى جعفر محمد بن الحسن الطوسي رحمه اللّه فان استهل عليه الشهر ونوى صيامه ثم عرض له ذلك واستمر به حتى دخل من الشهر أيضا يوم وأيام ثم أفاق فإنه إذا لا قضاء عليه.
والشيخ والمرأة الكبيرة إذا كبرا وعجزا عن الصيام وأفطرا ، كان ذلك لهما وعليهما ان يتصدقا عن كل يوم بمدين من طعام أو مد إذا لم يقدرا على المدين ، وليس عليهما قضاء.
ومن عرض له عطاش لا يقدر معه على الصوم وأفطر ، كان له ذلك وعليه ان يتصدق عن كل يوم بمدين من طعام أو مد ان لم يقدر ذلك ولا قضاء عليه.
هذا إذا كان العطاش العارض لا يرجى زواله ، فاما ان كان يرجى زواله ، فعليه الصدقة مع القضاء إذا زال عنه وصح منه والمرأة الحامل والمرضعة القليلة اللبن ، إذا خافتا من ان يضر الصوم بولديهما وأفطرتا ، كان لهما ذلك وعليهما الصدقة عن كل يوم بمثل ما ذكرناه متقدما من المدين والمد حسب القدرة على ذلك وعليهما القضاء ، وجميع ما ذكرنا هاهنا جواز الإفطار له لا يجوز له الجماع ولا الشبع من الطعام ، ولا الري من الشراب في نهار الصوم بل يكون أكلهم وشربهم
ص: 196
دون الشبع والري وان كان يسيرا يسيرا فهو أفضل.
إذا أفطرت الحائض في نهار الصوم كان لها ذلك ، ولا ينبغي ان تمتلئ من طعام ولا شراب ، وعليها القضاء.
وإذا طهرت في وسط النهار أمسكت فيما بقي منه عن الأكل والشرب أدبا وعليها القضاء ، ولا فرق في ذلك بين ان يكون قد أفطرت قبل ان تطهر أو لم تفطر.
وإذا ارأت دم الحيض في بعض نهار الصوم ، أمسكت أيضا بقية ذلك اليوم أدبا ، وعليها القضاء لذلك اليوم ولكل ما فاتها من أيام الصوم بحيضها.
ولو رأت الدم قبل سقوط قرص الشمس بلحظة ، كان عليها القضاء.
وإذا فاتها شي ء من الصوم الواجب بالحيض وماتت فليس يجب على أحد القضاء عنها ، الا ان يكون قد تمكنت من الصوم فلم تقض ذلك فإنه يجب على ولدها الأكبر ان يقضى عنها ذلك ، فان لم يكن لها ولد فالأولى بها من النساء وحكم النفساء مثل حكمها.
الكافر إذا أسلم والصبي إذا بلغ الحلم وقد استهل ، عليهما شهر رمضان فإنه يجب عليهما صيامه ، ولا قضاء عليهما لما فرطا فيه فيما سلف - قبل الإسلام والبلوغ.
فإن أسلم الكافر أو بلغ الصبي في بعض أيام الشهر كان عليهما صيام الباقي منه ولا قضاء عليهما لما مضى عليه من أيامه ، فإن حصل الإسلام للكافر أو البلوغ من الصبي في بعض نهار يوم من أيامه ، أمسك باقي نهاره أدبا ، ولا قضاء عليهما لذلك اليوم ، فان حصل ذلك منهما قبل الفجر كان عليهما صوم ذلك اليوم ، فان لم يصوماه وجب عليهما القضاء له.
ص: 197
إذا نذر الإنسان صوم يوم معين مثل يوم جمعة أو سبت أو ما جرى مجرى ذلك من الأيام ، أو شهر مثل شهر رجب أو شعبان أو ما أشبه ذلك من الشهور ، كان عليه صيام ما عينه من ذلك ، الا ان يوافق ما عينه شهر رمضان أو يوما من أيامه أو يوم عيد أو أيام تشريق بمنى فإنه إذا وافق شيئا من ذلك ، لم يجز له صومه ولا قضاء عليه.
وكذلك إذا كان مسافرا ، ولم يكن نذر صيامه في كل حال من حضر أو سفر ، فان كان نذر صيامه في حال الحضر والسفر وشرط ذلك ، كان عليه صومه في السفر.
فان نذر صوما مبهما : مثل ان ينذر صوم حين من الزمان ، فعليه صيام ستة أشهر ، فإن نذر صوم زمان كان عليه صوم خمسة أشهر.
فإن نذر صوم شي ء من الصيام في موضع معين ، مثل مكة أو مدينة النبي صلى اللّه عليه وآله أو بعض المواضع الشريفة والأمكنة المعظمة ، كان عليه الوفاء بذلك في الموضع الذي نذر الصيام فيه وعينه له ، فان حضر في ذلك الموضع وصام بعض ما نذره ، ثم لم يقدر على المقام به الى ان يتم ما عليه من ذلك ، جاز له الخروج الى بلده وقضائه بعد وصوله اليه على التمام.
ومن نذر صوم شهر بالإطلاق فعليه صوم شهر - اى شهر من السنة كان - ، فإن أفطر قبل ان يتم نصفه متعمدا من غير ضرورة كان عليه استئناف الصوم ، فان كان إفطاره لضرورة ، جاز له البناء على ما تقدم ، وان كان إفطاره بعد جواز نصفه تممه ولم يجب عليه استئنافه.
وإذا شرط الناذر في الصوم النذر ، الموالاة ، وجب عليه ذلك ، فان صامه متفرقا لم يجزه وكان عليه الابتداء به متواليا ، فان كان فرق ذلك لضرورة كان له ان يبنى على ما تقدم ولم يكن عليه شي ء.
ومن أفطر في يوم نذر صيامه ، لغير ضرورة فعليه ان يقضى ذلك اليوم. وكفارة من أفطر يوما من شهر رمضان ، وقد ذكر انه كان إفطاره لضرورة يتمكن معها من
ص: 198
الصيام بمشقة ، كان عليه مع القضاء إطعام عشرة مساكين أو صوم ثلاثة أيام ، وإذا لم يتمكن معها من الصيام لم يكن عليه القضاء لم أفطره.
ومن عجز عن صوم ما نذره فليتصدق عن كل يوم بمدين من طعام أو مد.
وصوم العهد يجرى هذا المجرى.
ومن نذر الاعتكاف كان الوفاء عليه بذلك واجبا.
« باب صوم الظهار وصوم كفارة القتل ، وصوم كفارة من أفطر يوما من شهر رمضان ، وصوم كفارة من أفطر في يوم يقضيه عن يوم من شهر رمضان ، وصوم كفارة نقض النذر والعهد وصوم كفارة اليمين بالبراءة ، وصوم كفارة جز المرية شعرها في مصاب ، وصوم كفارة فسخ الاعتكاف »
صوم ما ذكرناه من هذه الكفارات شهران متتابعان يجب صومهما ، فإن أفطر في الأثناء لضرورة جاز له ان يبنى على ما تقدم ، وان كان لغير ضرورة : فاما ان يكون صام من الثاني شيئا ، واما ان لا يكون صام منه شيئا ، فإن كان صام منه شيئا فقد أخطأ وجاز له البناء على ما تقدم ، وان لم يكن صام منه شيئا كان عليه استئناف الصوم من اوله.
ومن وجب عليه صومهما وهو مسافر فلينتظر بذلك وصوله الى بلده ، فاذا وصل ابتدأ بصومهما ولا يبتدء بذلك في السفر ، ولا يبتدء أيضا بصومهما من أول شعبان ، لان شهر رمضان يمنع من المتابعة بين شعبان وبين شهر آخر ، فان قدم على شعبان صوم شي ء من الأيام جاز له ذلك ، لأنه عند آخر شعبان يكون قد زاد على الشهر ، فيكون حينئذ متتابعا بين شهرين ، ثم يبنى على ما تقدم بعد انقضاء شهر رمضان.
ولا يجوز له أيضا الابتداء بصومهما من أول شوال ، لدخول العيد في جملة الشهر وهو مما لا يجوز صومه ، فان ابتدأ بذلك بعده كان جائزا.
ولا الابتداء بصومهما من أول ذي الحجة ، لدخول يوم العيد أيضا في جملة
ص: 199
الشهر ، ولدخول أيام التشريق أيضا فيه على من كان بمنى ، فان ابتدأ بذلك بعد أيام التشريق ان كان بمنى ، أو بعد العيد ان كان في غيرها ، كان جائزا.
فاما صوم كفارة من أفطر في يوم يقضيه عن شهر رمضان ، فان الحكم فيه انه ان كان تعمد الإفطار قبل الزوال فقد أخطأ وليس عليه غير صوم يوم بدله ، وان كان تعمد ذلك بعد الزوال ، كان عليه كفارة من أفطر في يوم من شهر رمضان وفي أصحابنا من أوجب عليه كفارة يمين وقد ذكرنا ذلك فيما سلف (1).
صوم كفارة اليمين هو صوم ثلاثة أيام متوالية ، بعد العجز عما نذكره من هذه الكفارات في باب الكفارات ان شاء اللّه تعالى ، فان فرق إنسان بين صوم هذه الثلاثة أيام لغير ضرورة ، كان عليه استئناف الصوم ، فان كان لضرورة جاز له البناء على ما تقدم.
فاما صوم أذى حلق الرأس ، فهو صوم ثلاثة أيام متوالية أيضا ، يجب صومها كذلك على من كان محرما ويؤذى (2) بشعر رأسه فحلقه.
وان فرق صومها مختارا كان عليه استئناف الصوم ، وان كان ذلك لضرورة جاز له ان يبنى على ما تقدم منه.
هذا الصوم هو عشرة أيام ، يلزم المتمتع بالعمرة إلى الحج إذا لم يقدر على هدى التمتع ، ثلاثة منها في الحج وسبعة إذا رجع الى اهله ، والثلاثة التي في الحج هي يوم قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة ، ويجب صومها متواليا ، فمن فرقها لضرورة جاز له البناء على ما تقدم ، وان كان مختارا كان عليه استئناف صومها.
ومن فاته صوم اليوم الأول منها صام ما يليه ثم صام بدل اليوم الذي فاته يوما
ص: 200
بعد أيام التشريق ، فان صام (1) يوم التروية فلا يصم يوم عرفة ، بل يصوم الثلاثة بعد أيام التشريق يوم الحصبة وهو يوم النفر ويومين بعده ، فان فاته ذلك فليصم في بقية ذي الحجة ، فان لم يصمها حتى دخل الحرم (2) كان عليه دم سنذكره في كتاب الحج من هذا الكتاب ان شاء اللّه تعالى.
وقد رويت رخصة في تقديم صوم هذه الثلاثة الأيام من أول العشر (3) وكذلك في تأخيرها الى بعد أيام التشريق لمن ظن ان صوم يوم التروية ويوم عرفة يضعفه عن القيام للمناسك (4) ، ومن لم يصمها عقيب أيام التشريق ثم خرج الى بلده فليصمها في طريقه فان لم يتمكن من ذلك ، صامها مع السبعة الأيام إذا رجع الى اهله.
والسبعة ينبغي ان تصام متوالية ، وقد ورد جواز تفريقها (5) وما ذكرناه أحوط ، فان لم يعد من وجب عليه صيامها الى بلده واقام بمكة ، فلينظر مضى المدة التي في مثلها يصل الى بلده ثم يصومها.
صوم جزاء الصيد على ضروب : منها ستون يوما - ومنها ثمانية عشر يوما - ومنها ثلاثون يوما - ومنها تسعة أيام - ومنها عشرة أيام - ومنها ثلاثة أيام - ومنها يوم واحد - ومنها ما يتضاعف.
ص: 201
فاما الستون فيجب على من أصاب نعامة ولم يتمكن من الإطعام على ما سنذكره في كتاب الحج ان شاء اللّه تعالى.
واما الثمانية عشر فيجب إذا لم يقدر على صيام هذه الستين يوما.
واما الثلاثون فيجب على من أصاب بقرة وحش أو حمار وحش إذا لم يتمكن من الإطعام على ما يأتي ذكره أيضا في كتاب الحج بعون اللّه سبحانه :
واما التسعة فيجب إذا لم يقدر على صوم هذه الثلثين يوما.
واما العشرة فيجب على من أصاب غزالا وما أشبه مما سنذكره هناك أيضا إذا لم يقدر على الإطعام حسب ما نبينه في موضعه من كتاب الحج.
واما الثلاثة فيجب على من لا يتمكن من صوم هذه العشرة.
واما اليوم الواحد فيجب على كل نصف صاع من البر مما لا مثل له من النعم ، على ما نذكره (1) في كتاب الحج ان شاء اللّه تعالى أيضا.
واما الذي يتضاعف فيجب على المحرم إذا أصاب صيدا في الحرم ، وهذا الصوم لا يلزم فيه التتابع ، بل المكلف مخير بين المتابعة والتفريق والأفضل المتابعة.
فاما صوم من فاتته عشاء الأخيرة فهو صوم اليوم الذي يصبح فيه من فرط في هذه الصلاة حتى جاز النصف الأول من الليل.
إذا فات الإنسان شي ء من صيام شهر رمضان أو غيره من الصوم الواجب ، فإنه يجب عليه قضائه ، فإن صامه جاز له التطوع بالصوم ، ويجب عليه الفور بالقضاء مع التمكن من ذلك ، فإذا اراده فلينو به القضاء.
وان كان فإنه شي ء من شهر رمضان ، جاز له قضائه في أي شهر كان الا ان يكون مسافرا ، فإنه لا يجوز له حينئذ القضاء حتى يرجع الى بلده أو يعزم على المقام في
ص: 202
غيره عشرة أيام أو أكثر ، فإذا عزم على ذلك كان عليه القضاء في ذلك الموضع.
والفائت من الصيام يجوز قضائه متتابعا ومتفرقا والأفضل التتابع ، فان لم يرد قضائه متتابعا وكان عليه عشرة أيام أو أكثر ، فليتابع بين ستة أيام ويفرق الباقي.
وتجديد النية للقضاء ممن يصبح بنية الإفطار يصح الى قبل الزوال ، فاذا زالت لم يجز له تجديدها ، وكذلك الحكم فيمن أراد تجديدها (1) لصوم التطوع ، ومن طلع عليه الفجر وأجنب - متعمدا لذلك أو غير متعمد - لم يجز له صوم ذلك لا على جهة القضاء ولا غيره بل يفرط (2) ثم يصوم يوما غيره قضاء له.
ومن أجنب في شهر رمضان ، ولم يغتسل متعمدا أو غير متعمد ، ثم صام الشهر كله وصلى ، كان عليه الغسل وقضاء الصوم والصلاة.
ومن أفطر من يوم - يقضيه عن يوم من شهر رمضان ، ناسيا - تمم صيامه ولا شي ء عليه ، وان أفطر متعمدا وكان ذلك قبل زوال الشمس لم يكن عليه شي ء غير صوم يوم بدله ، وان كان ذلك بعد زوال الشمس كان عليه مع القضاء الكفارة وهي كفارة يمين وذكر ان عليه كفارة من أفطر من يوم من شهر رمضان ، وهو الذي يقتضيه الاحتياط.
والمستحاضة إذا لم تفعل في أيام استحاضتها مما يجب فعله في الاستحاضة فإن عليها القضاء ، وكذلك يجب عليها إذا فعلت ذلك وصامت ، في الأيام التي كان يعتاد فيها الحيض.
فاما ما يتعلق بالحائض والنفساء فقد تقدم ذكره.
* * *
ص: 203
الاعتكاف في الشرع لبث متطاول في مسجد معين لعبادة معينة ، لا تثبت صحته الا بصوم ، فإذا أراد الإنسان الاعتكاف فينبغي ان يقصد النية كذلك ويصوم ، لأنه لا يصح الا بصوم كما ذكرناه ويجتنب ما يجتنبه المحرم ، ويعتكف في أحد أربعة مساجد وهي : مسجد الحرام ، أو مسجد المدينة ، أو مسجد الكوفة ، أو مسجد البصرة ، ولا يجوز الاعتكاف في غير هذه المساجد.
وأقل الاعتكاف ثلاثة أيام ، فإن اعتكف يومين وأراد ان يفسخ الاعتكاف لم يكن له ذلك وعليه ان يتم ثلاثة أيام ، لأنه إنما يجوز له الفسخ إذا لم يتمم يومين.
ولا يخرج المعتكف من المسجد إلا لضرورة تدعوه الى ذلك ، من عيادة مريض من المؤمنين ، أو تشييع جنازة لهم ، أو ما جرى مجرى ذلك.
ولا يصلى الا في المسجد الذي يعتكف فيه الا ان يكون بمكة خاصة ، فإنه ان كان بها جاز له ذلك في أي موضع شاء منها وإذا عرض له مرض وخرج من المسجد لأجله ، فعليه ان يقضى الاعتكاف والصوم بعد برئه من المرض.
وان كان المعتكف امرأة وحاضت فعليها مثل ذلك بعد طهرها من حيضها.
وإذا وطأ المعتكف ليلا ، كان عليه كفارة من تعمد الإفطار في يوم من شهر رمضان ، ويجب على المرية إذا كانت معتكفة وطاوعته مثل ذلك.
وإذا وطأ نهارا كان عليه كفارتان ، وكذلك يجب على المرية إذا طاوعته الى ذلك وهي معتكفة ، فان لم تطاوعه الى ذلك انقلبت كفارتها اليه ولم يجب عليها شي ء ، فإن وطأها نهارا وهي معتكفة مكرها لها على ذلك ، كان عليه اربع كفارات فإن وطأها على هذا الوجه ليلا كان عليه كفارتان.
ويستحب للمعتكف ان يشترط على اللّه سبحانه ، الرجوع ان عرض له مرض فمتى لم يشترط ذلك وعرض له مرض لم يجز له الرجوع عن الاعتكاف الا ان يكون لم يتمم يومين كما ذكرناه فيما سلف.
وأفضل الاعتكاف ما كان في العشرة الأخيرة من شهر رمضان ، وإذا مات
ص: 204
المعتكف قبل ان يقضى مدة اعتكافه فقد ذكر بعض أصحابنا ان وليه يقضى عنه ذلك أو يخرج من ماله ما يكون فيه كفاية لمن ينوب عنه ، فان عمل على ذلك لم يكن به بأس.
والاعتكاف ينقسم الى الواجب والمندوب ، والمندوب يجب بالدخول فيه ولا يجوز فسخه له كما لا يجوز فسخ الواجب منه ، وقد ذكرنا ان المعتكف لا يجوز ان يخرج من المسجد لغير ضرورة ، فمتى فعل ذلك أفسد الاعتكاف وكان عليه استئنافه ويفسده أيضا السكر ، والارتداد ، وإذا رجع المرتد على حال ارتداده لم يجز له البناء عليه
ولا يصح الاعتكاف ممن عليه ولاية إلا بإذن من يلي أمره ، كالزوجة مع زوجها ، والعبد مع سيده ، والمكاتب قبل حال حريته ، والمدبر ، والضعيف ، والأجير ومن وجب عليه قضاء شي ء من الاعتكاف وجب عليه ذلك على الفور دون التراخي
والمرأة إذا طلقها زوجها وهي معتكفة ، أو مات عنها وهي كذلك فخرجت واعتدت في بيتها ، كان عليها استئناف الاعتكاف ، وإذا أذن الوالي المعتكف بالصلاة. فقال له : الصلاة أيها الأمير وما جرى مجرى هذا اللفظ بطل اعتكافه (1)
ومن كان معتكفا وعليه دين يقدر على قضائه وأخرجه الحاكم لأجله بطل اعتكافه (2). وان كان لا يقدر على ذلك لم يبطل اعتكافه.
والسلطان إذا أخرج المعتكف من المسجد ظلما له لم يبطل اعتكافه ، ومن كان عليه قضاء شي ء من الاعتكاف وجب عليه ذلك على الفور والبدار دون التراخي. واما ما يتعلق به الاعتكاف بالنذر ، فسنذكره فيما يأتي من باب النذر بعون اللّه سبحانه.
« تم كتاب الصوم والاعتكاف »
ص: 205
قال اللّه عزوجل ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ، وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ » (1) وقال تبارك وتعالى « الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ ) (2).
وقال سبحانه ، ( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ ، فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ ، وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضّالِّينَ. ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ ، أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً ) (3). وقال اللّه تعالى ( إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ ) (4) وقال اللّه تعالى
ص: 206
( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ، فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ، وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ، فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ ، تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ، ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (1).
وقال عز اسمه ( وَأَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ فِي أَيّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) (2).
وقال سبحانه ( وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ ، لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَيْها صَوافَّ ، فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (3).
وقال اللّه تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ ) (4).
وروى عن سيدنا ابى عبد اللّه جعفر بن محمد (عليه السلام) انه قال : من مات ولم يحج حجة الإسلام ان لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق فيه الحج أو سلطان يمنعه فليمت يهوديا أو نصرانيا (5).
الحج على ضربين : واجب ومندوب ، فالواجب على ضربين : مطلق ، والأخر غير مطلق والمطلق هو ما يجب منه من غير سبب ، وما ليس بمطلق هو ما يجب منه عند سبب
ص: 207
فالذي يجب من غير سبب هو حجة الإسلام ، ويجب في العمرة مرة واحدة.
وما يجب عند سبب هو ما يتعلق منه بنذر أو ما أشبهه.
واما المندوب ، فهو ما ندب المكلف الى فعله منه بعد حجة الإسلام.
وضروبه ثلاثة ، تمتع بالعمرة إلى الحج ، وقران ، وإفراد وفرائض هذه الضروب على قسمين ، أركان وغير أركان ، والأركان على ضربين ، أركان التمتع والأخر أركان القرآن والإفراد.
فاما أركان التمتع ، فهي النية للتمتع بالعمرة إلى الحج ، والإحرام ، والطواف لها ، والسعي بين الصفا والمروة لها ، والنية للحج ، والإحرام له ، والوقوف بعرفات والوقوف بالمشعر الحرام ، وطواف الحج والسعي له.
واما أركان القران والإفراد فهي النية للحج ، والإحرام والوقوف بعرفات والوقوف بالمشعر الحرام وطواف الحج ، والسعي له.
واما ما ليس بركن ، فهو التلبيات الأربع مع التمكن منها ، أو ما قام مقامها مع العجز عنها وركعتا طواف العمرة ، والتقصير بعد السعي ، والتلبية عند الإحرام بالحج ، أو ما قام مقامها ، والهدى أو ما قام مقامه من الصوم مع العجز عنه وركعتا طواف الزيارة ، وطواف النساء وركعتا طواف النساء.
التمتع بالعمرة إلى الحج فرض كل نأى عن مكة ولم يكن من أهلها وحاضريها ، وينبغي لمن أراد ذلك ان يوفر شعر رأسه ولحيته من أول ذي القعدة الحرام ، ولا يمس شيئا منه ، فاذا وصل الى ميقات أهله أحرم منه بالحج متمتعا ، وعقد نية لذلك في حال الإحرام وعقد إحرامه بالتلبية ، ومضى بعد ذلك الى مكة ، فإذا شاهد بيوتها قطع التلبية ، ثم دخلها ، فاذا وصل الى المسجد الحرام ، دخله من باب نبي شيبة ، فطاف بالكعبة سبعة أشواط للعمرة المتمتع بها. وصلى ركعتين عند فراغه من الطواف خلف مقام إبراهيم (عليه السلام) ، ثم خرج الى الصفا فيسعى بينه وبين المروة
ص: 208
سبعا ، ثم قصر من شعر رأسه ، وقد أحل من كل شي ء أحرم منه الا الصيد ، فإنه في الحرم.
والأفضل له ان يبقى على إحرامه إلى يوم التروية ، وهو اليوم الثامن من ذي الحجة ، فإذا حضر هذا اليوم ، وزالت الشمس صلى الظهر ، وأحرم بعد ذلك بالحج ، ومضى إلى منى ملبيا ، ثم غدا منها الى عرفات ، فاذا كان وقت الزوال من يوم عرفة قطع التلبية ، وجمع بين صلاتي الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين ، ووقف الى غروب الشمس ، فاذا غربت أفاض منها الى المشعر الحرام ، فاذا وصل اليه ، جمع فيه بين العشائين بأذان وإقامتين ، ووقف به تلك الليلة ، فإذا أصبح يوم النحر صلى الغداة ووقف على المشعر الحرام الى طلوع الشمس ، فاذا طلعت أفاض عنه إلى منى فاذا وصلها ، رمى جمرة العقبة بسبع حصاة ، ثم ينحر أو يذبح ، ويلحق بمنى ثم يمضي إلى مكة من يومه ، أو من الغد ولا يؤخر ذلك فيطوف بالبيت سبعة أشواط وهو طواف الحج ، ويسعى بين الصفا والمروة سبعا وهو سعى الحج ، فاذا تمم ذلك فقد أحل من كل شي ء أحرم منه الا النساء والصيد ، واما الصيد فإنه لا يجوز له - فإنه في الحرم - حتى يخرج منه ، واما النساء فلطوافهن الذي بقي عليه ، فاذا طافه حللن له.
ثم يخرج من يومه إلى منى ، فيقيم بها ليالي التشريق ، ويرمى في كل يوم من أيام التشريق ، الجمار الثلاث بإحدى وعشرين حصاة لكل واحدة سبع حصيات ثم ينفر بعد ذلك ، فإذا أوصل ما ذكرناه فقد قضى حجة متمتعا ، وقضى مناسكه كذلك.
فاما القران فهو فرض من كان من أهل مكة وحاضريها وصفة ذلك ان يحرم من يريده من ميقات اهله ، ويعقد نيته لذلك في حال الإحرام ، ويسوق هديه بعد ان يشعره أو يقلده وذلك ان يشق سنامه ويلطخه بالدم ويقلده بنعل ، والأفضل ان يكون قد صلى فيه فان كان معه بدن كثيرة ، صفها صفين ووقف بينها ، وأشعرها عن يمينه
ص: 209
ويساره ، ثم يسوقه من موضع الإحرام إلى منى ، ولا يحمل عليه ، ولا يجحف به بالكد في طريقه ، ويمضى ملبيا ، فاذا وصل الى مكة وأراد دخولها جاز له ذلك الا انه لا تقطع التلبية بها (1) ، ولا يقطعها الى زوال الشمس من يوم عرفة وهو التاسع من ذي الحجة ، وان أراد ان يطوف بالبيت تطوعا جاز له ذلك الا انه كلما طاف جدد التلبية ليعقد بها إحرامه لأنه لو ترك ذلك لدخل في كونه محلا وبطلت حجته ، وصارت عمرة ، ثم يقف بالموقفين ، وينحر هديه بمنى ، فان صد أو أحصر فسيأتي ذكر ذلك « ان شاء اللّه ».
ويرمى الجمار كما يرميها المتمتع سواء ، ويدخل إلى مكة ، ويطوف بالبيت طواف الحج سبعة أشواط ، ويسعى سعيه بين الصفا والمروة سبعة أشواط أيضا. ثم يطوف طواف النساء ، فاذا فعل ذلك فقد تم حجه قارنا ، وقضى مناسكه كذلك ، وعليه بعد هذا العمرة ، وسيأتي ذكرها فيما بعد بمشيئة اللّه تعالى.
والمتمتع لا يجب قضائها لان تمتعه بها الى الحج سقط عنه فرضها. والقارن انما سمى قارنا ، لسياقه الهدى (2).
ومن أراد الحج مفردا فليس عليه هدى ، وعليه ان يفعل مثل ما ذكرناه في صفة القرآن. لان مناسك القرآن والمفرد على حد سواء ، وانما يفصل (3) القارن من المفرد بسياق الهدى ، ويستحب للمفرد تجديد التلبية عند كل طواف.
* * *
ص: 210
العمرة واجبة كالحج ، والمطلق منها كالمطلق منه ، وما ليس بمطلق منها مثل ما ليس بمطلق منه.
وهي على ضربين ، عمرة متمتع بها الى الحج ، والأخر عمرة مفردة منه ، وفرائض ذلك على ضربين ، أركان وغير أركان ، فالاركان هي النية ، والإحرام ، والطواف ، والسعي ، واما ما ليس بركن ، فهي التلبية ، وركعتا الطواف ، والتقصير ، وطواف النساء ، وركعتا هذا الطواف.
والعمرة المتمتع بها لا تصح إلا في أشهر الحج ، والتي لا يتمتع بها يجوز فعلها في شهور الحج وغيرها.
وسيأتي فيما بعد ذكر شهور الحج بعون اللّه سبحانه.
وأفضل العمرة ما كان في رجب ، وقد ورد في شهر رمضان (1) ويستحب للإنسان أن يعتمر في كل شهر ، أو في كل عشر (2) أيام ان تمكن من ذلك.
وصفتها ان يحرم المعتمر من خارج الحرم ، ويعقد إحرامه بالتلبية فإذا دخل الحرم قطعها ، فان كان قد خرج من مكة ليعتمر ، قطعهما إذا شاهد الكعبة ، ثم يطوف بالبيت سبعا ، ويسعى بين الصفا والمروة سبعا ، إذا فعل ذلك فقد أحل من كل شي ء أحرم منه وعليه لحلية النساء طوافهن ، فاذا طافه حللن له.
أحكام الإحرام تتبين بذكر أشياء ، منها ما يجوز الإحرام فيه وما لا يجوز ، ومنها ذكر الزمان الذي يصح الإحرام فيه ، ومنها ما ينعقد الإحرام به ، ومنها كيفيته ، ومنها ما ينبغي للمحرم اجتنابه ، ومنها ذكر ما يلزم المحرم على جناياته من الكفارة.
ص: 211
الذي يجوز فيه الإحرام على كل حال هو الثياب البياض من القطن والكتان المحض إذا لم يكن مختلطا ولا (1) مما لا يجوز الإحرام فيه ، وسيأتي بيان ذلك فيما بعد ذلك ان شاء اللّه ، وكل ما جازت فيه الصلاة على ما سنذكره ، والقطن والبياض أفضل ثياب الإحرام.
واما ما لا يجوز الإحرام فيه ، فهو ما نقص عن ثوبين إلا في حال الضرورة ، فإنه يجوز له في هذه الحال الإحرام في واحد ، والثياب المخيطة الا السراويل فإنه يجوز لبسه للرجال والنساء إذا لم يقدر على غيره ، والثوب المصبوغ بالزعفران أو نسي (2) فيه ذلك : وكل ثوب فيه طيب لم تذهب رائحته ، والعمامة للرجال وما قام مقامها في ستر الرأس ، والطيلسان (3) إذا كان له أزرار ، وزره المحرم على نفسه ، والقبا الا ان لا يكون له غيره فيلبسه مقلوبا ولا يدخل يديه في أكمامه ، والخفان الا ان تدعوه الضرورة إلى لباسها ، والقفازان (4) ، والحلي الذي لم تجر عادة المرأة بلبسه أو جرت بذلك مع القصد به الزينة ، والخاتم إذا لبسه للزينة أيضا ، فإن كان ذلك للسنة كان جائزا.
وقد ذكر جواز لبس المخيط من الثياب للنساء دون الرجال. والأصل ان الذي يحرم لباسه على الرجال في الإحرام يحرم لباسه على النساء الا السراويل كما قدمنا القول به.
وجميع ما لا يجوز فيه الصلاة ، لا يجوز فيه الإحرام.
ص: 212
ويكره في ذلك كل ثوب كان معلما ، (1) أو أسود مقدما ، (2) أو كان من مصبغات النساء (3) لهن ، والطيلسان الذي له أزرار إذا لم يزره على نفسه ، وكل ثوب اصابه طيب وذهبت رائحته الا ان يغسل ، والحلي للمرأة التي لم تجر عادتها بلبسه إذا لم تقصد به الزينة ، وما تكره الصلاة فيه أيضا ،
وكل ما ذكرنا الان انه مكروه فإنه يجوز لباسه غير ان الأفضل ما ذكرناه.
الزمان الذي يصح الإحرام فيه للتمتع بالعمرة إلى الحج ، والقران فيه ، والإفراد له ، هو شهور الحج ، وهي شوال وذو القعدة ، والتسعة الأيام الأول من ذي الحجة.
فأما أحكام ذلك فمفروضة وهي إعادة الحج إذا أحرم في غير هذه الأشهر ، وتجديد الإحرام في هذه الأشهر إذا كان قد أحرم في غيرها ، وان لا يحرم إذا كان متمتعا بالعمرة إلى الحج ، أو قارنا ، أو مفردا إلا في هذه الأشهر.
الأمكنة التي يجب الإحرام فيها هي التي وقتها النبي صلى اللّه عليه وآله ، وهي :
ذو الحليفة وهو مسجد الشجرة ، وذلك ميقات أهل المدينة ، ومن حج على طريقهم.
والجحفة وهي المهيعة ، وذلك ميقات أهل الشام ومن حج على طريقهم.
والعقيق واوله المسلخ وأوسطه الغمرة وآخره ذات عرق ، وذلك ميقات أهل العراق ومن حج على طريقهم.
ويلملم وذلك ميقات أهل اليمن ومن حج على طريقهم.
ص: 213
وقرن المنازل وذلك ميقات أهل الطائف ومن حج على طريقهم.
فاما أحكام ذلك ، فهي أن يحرم من الميقات الذي هو ميقات اهله ، ولا يجوز ان يحرم من غيره الا ما نذكره فيما بعد ، ويجب عليه الرجوع الى الميقات ليحرم منه إذا كان قد ترك ذلك ناسيا ولم يذكر حتى سار من الميقات وان وصل الى مكة
ويجب عليه الإحرام من المكان الذي وصل إليه إذا لم يتمكن من الرجوع الى الميقات ليحرم منه اما للخوف ، أو لضيق الوقت.
وكذلك تجب عليه اعادة الحج إذا ترك الإحرام من الميقات متعمدا ، أو الخروج الى خارج الحرم ليحرم منه إذا كان وصل الى مكة وامكنه الخروج الى ذلك ، لأنه ان لم يتمكن من ذلك ، أحرم من موضعه.
والإحرام من المنزل إذا كان منزله دون ميقات إلى مكة ، وكذلك خروج المجاور بمكة - إذا أراد الحج - الى ميقات اهله ليحرم منه مع التمكن من ذلك.
وكذلك إحرامه من خارج الحرم إذا لم يتمكن من ذلك ، أو من المسجد الحرام إذا لم يتمكن من الخروج الى خارج الحرم.
والإحرام من ولى المريض عنه إذا لم يستطع هو الإحرام وان (1) يجنبه ما يجتنبه المحرم.
ولا يترك الإحرام من الميقات ، ولا يجوز ذات عرق الا وهو محرم ، والأفضل ان يحرم من المسلخ ، فان لم يتم ذلك له فليحرم من غمرة.
الأحكام التي تقارن هذه الحال على ضربين ، واجب ومندوب.
فالواجب هو النية ، واستمرار حكمها الى حين الإحلال ، ولبس ثوبين مع التمكن ، أو واحد مع الضرورة ، وعقد الإحرام بالتلبية ، أو ما قام مقامها من الإيماء
ص: 214
ممن لا يستطيع الكلام ، أو الاشعار والتقليد من القارن والمفرد ، وتجريد الصبيان من فخ (1) إذا أراد أهلوهم (2) الحج بهم.
وان لا يعقد الإحرام بأقل من اربع مرات من التلبية.
ولا يلبس سلاحا في هذه الحال إلا الضرورة.
ولا تصلى المرأة صلاة الإحرام إذا عرض لها الحيض في وقته حتى تطهر ، بل تفعل ما تفعله الحائض ، وتمضى.
ويستحب له توفير شعر الرأس واللحية من أول ذي القعدة ، وتنظيف الجسد من الشعر بالحلق ، والإطلاء ، وأخذ شي ء من الشارب والأظفار دون الرأس ، والغسل ، وصلاة ست ركعات أو ركعتين بعد فريضة ، وأفضل ذلك فريضة الظهر.
والذكر للفظ التمتع ان كان المحرم متمتعا والقران والإفراد ان كان قارنا أو مفردا ، والاشتراط على اللّه سبحانه ان يحله حيث حبسه لأنه ان لم يشترط ذلك وعرض له مرض لم يجز له الإحلال.
وان لا يمس شعر رأسه بعد توفيره من أول ذي القعدة الى هذه الحال.
ولا يمس أيضا شيئا من لحيته الا ما ذكرناه من الأخذ بشي ء من الشارب.
ينعقد بالتلبية أو ما قام مقامها من الإيماء ممن لا يستطيع الكلام والتقليد ، والاشعار.
وهي على ضربين ، واجب ومندوب ، واما الواجب فهو : لبيك ، اللّهم لبيك ، لبيك ، ان الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ، لبيك.
واما المندوب فهو : لبيك ذا المعارج ، لبيك لبيك داعيا الى دار السلام لبيك لبيك غفار الذنوب ، لبيك لبيك مرغوبا ومرهوبا إليك ، لبيك لبيك تبدى والمعاد
ص: 215
إليك ، لبيك لبيك تستغني ويفتقر إليك ، لبيك لبيك أهل التلبية ، لبيك لبيك ذا الجلال والإكرام ، لبيك لبيك له الحق ، لبيك لبيك ذا النعماء والفضل الحسن الجميل ، لبيك لبيك كاشف الكرب العظيم ، لبيك لبيك عبدك وابن عبديك ، لبيك لبيك يا كريم ، لبيك لبيك أتقرب إليك بمحمد وآله ، لبيك لبيك بحجة وعمرة معا ، لبيك لبيك تمامهما وبلاغهما عليك.
فان كان قارنا أو مفردا قال عوض قوله « بحجة وعمرة معا » : لبيك لبيك بحجة ، لبيك لبيك الى آخر التلبية.
فإن كان نائبا من غيره قال : لبيك عن فلان بن فلان ، لبيك لبيك بكذا وكذا لبيك ، ثم يذكر ما هو فيه من تمتع بالعمرة إلى الحج ، أو القران ، أو الإفراد ، ثم يأتي بباقي التلبية.
فاما التقليد والاشعار فقد سلف ذكرهما.
واما أحكام التلبية فهو على ضربين واجب ومندوب ، فالواجب التلفظ بالتلبيات الأربع المفروضة حين عقد الإحرام ، وتحريك اللسان أو الإشارة ممن لا يقدر على الكلام.
وان يقيد المحرم بحجة مفردة إذا كان قد لبى بالتمتع بالعمرة إلى الحج ، ودخل مكة وطاف وسعى ، ثم لبى بالحج متعمدا قبل ان يقصر لان متعته تبطل هذه التلبية ، وان يمضي في حجه متمتعا إذا وقع منه مثل هذه التلبية ناسيا ، لأنه لا شي ء عليه في ذلك.
وان لبى أولياء الصبيان أو من لا يحسن التلبية عنهم إذا أرادوا الحج بهم ، وان يلبى المحرم إذا كان حاجا على طريق المدينة من الموضع الذي فيه يصلى فيه (1) للإحرام ، أو إذا اتى البيداء ، وهذا هو الأفضل.
وان لا يجعل ما هو فيه عمرة إذا كان لبى بحجة مفردة ودخل مكة وطاف ثم
ص: 216
لبى بعد الطواف ، فإنه إنما يجوز له ان يجعل ذلك عمرة إذا قصر بعد السعي ، فإذا لم يكن ذلك ولبى بعد الطواف فلا يصح له ان يجعل ما هو فيه عمرة ، وان لا يترك شيئا من التلبيات الأربع الواجبة ، إذا كان قد أحرم بالحج يوم التروية.
ولا يقطع التلبية حتى يشاهد بيوت مكة ، وحد هذه البيوت من « عقبة المدنيين » إلى « ذي طوى » إذا كان قد لبى متمتعا ، ولا يقطعها إذا كان معتمرا حتى تقع الإبل أخفافها في الحرم ولا يقطعها أيضا إذا كان قد خرج من مكة ليعتمر حتى يشاهد الكعبة.
واما المندوب فهو التلفظ بالمندوب من التلبية والإكثار من قول : لبيك ذا المعارج ، ومن قول : لبيك بحجة وعمرة ان كان متمتعا ورفع الصوت بذلك ان تمكن منه ولم يكن عليه تقية ، فان لم يتمكن نواه في نفسه ، والجهر بالتلبية من الرجال دون النساء ، والإكثار من التلبية في كل حال من الأوقات ، وبالأسحار ، وعند هبوط الأودية ، وصعود التلال (1) ولا يلبى المحرم الا وهو على طهارة.
وهي ان يأخذ من يريده ، ثوبي إحرامه بعد الفراغ من الاغتسال ، فليأتزر كما قدمناه بأحدهما ، ويتشح (2) بالآخر ، فان لحقه برد جاز ، ان يزيده على الذي اتشح به ما يقي نفسه به من البرد.
والأفضل له ان يلبس ثوبي الإحرام بعد صلاة فريضة ، فان لم يتمكن صلى ست ركعات ، أو ركعتين ان لم يتمكن من الست ويقرء في الأولى بعد الحمد « قل هو اللّه أحد » وفي الثانية بعد الحمد أيضا « قل يا ايها الكافرون » وقد تقدم ذكر ذلك في كتاب الصلاة.
فاذا فرغ من صلاته ، حمد اللّه تعالى ، واثنى عليه ، وصلى على النبي صلى اللّه عليه وآله ، وذكر الأئمة عليهم السلام ، وقرء سورة إنا أنزلناه ، ودعا بعدها فقال : « اللّهم انى أسألك أن تجعلني
ص: 217
ممن استجاب لك ، وآمن بوعدك ، واتبع أمرك ، اللّهم انى عبدك ، وفي قبضتك ، لا أوقى الا ما وقيت ولا أخذ إلا ما أعطيت ، وقد عزمت على التمتع بالعمرة إلى الحج ، - ان كان متمتعا ، فان لم يكن متمتعا ذكر ما عزم عليه ان كان قارنا قال : وقد عزمت على الحج قارنا وان كان مفردا ذكر ذلك - ثم يقول : فاسئلك ان تعينني عليه وعلى ما ضعفت عنه ، وتسلم مني مناسكي في يسر منك وعافية ، واجعلني من وفدك الذين رضيتهم ، وارتضيتهم ، وسميتهم وكفيتهم ، اللّهم فتمم لي ما قصدت له - فان كان متمتعا قال عقيب ذلك : اللّهم انى أسألك ، أريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك صلى اللّه عليه وآله ، فان عرض لي عارض يحبسني ، فحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت ، اللّهم ان لم يكن حجة فعمرة ، أحرم لك جسدي وشعري وبشرى من النساء والطيب والثياب ، ابتغى بذلك وجهك والدار الآخرة ، فأعني وتقبل منى.
وان كان قارنا قال بدل قوله « التمتع بالعمرة إلى الحج » : قارنا فسلم لي هديي واعنى على مناسكي ، أحرم لك جسدي ، وشعري وبشرى الى آخر الكلام ».
فان فرغ من ذلك وكان متمتعا ، عقد إحرامه بالتلبيات الواجبة ، وهو جالس في مكانه فيقول عقيب الكلام الذي تقدم ذكره : « لبيك لبيك ، اللّهم لبيك ، ان الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك لبيك » ولا يعلن بها ، ثم يستوي على مركوبه ، ويعلن بالمفروض ، والمندوب من التلبية ، وقد تقدم ذكر ذلك.
فان كان قارنا عقد الإحرام بالتلبية كما ذكرناه ، والاشعار والتقليد ، وقد بيناهما أيضا فيما سلف.
وان كان المحرم امرأة وقد حاضت أو نفست وقت الإحرام ، فعلت ما تفعله الحائض ، وتترك الصلاة والقرآن ، وأحرمت وقضت مناسكها الا الطواف بالبيت ودخول المسجد حتى تطهر ، وتقضى ذلك.
وينبغي للمحرم إذا حصل في ميقات اهله ، ان يتنظف ويقص أظفاره ، ويأخذ
ص: 218
من شاربه ، ولا يمس شعر رأسه ، ويزيل الشعر من جسده ، وان تنظف واطلأ قبل ذلك بيوم إلى خمسة عشر لم يكن به بأس ، والأفضل إعادة ذلك عند الإحرام. وان عدم الماء تيمم ، ولبس ثوبي إحرامه ، يأتزر بأحدهما ، ويتشح بالآخر كما قدمناه ، أو يرتدي به.
ومن اغتسل بالغداة أجزأه ذلك ليومه اى وقت أحرم فيه ، وان اغتسل أول الليل أجزأه ذلك الى آخر الليل ما لم ينم ، فان نام اعاده استحبابا الا ان يكون عقد الإحرام بعد الغسل.
ومن اغتسل وأكل بعد ذلك طعاما - لا يجوز للمحرم أكله - أو لبس ثوبا - لا يجوز للمحرم لبسه - اعاده استحبابا.
ويجوز للمحرم ان يصلى صلاة الإحرام أي وقت كان من ليل أو نهار ما لم يكن وقت فريضة قد تضيق ، فان كان قد تضيق بدء بالفرض الحاضر ، ثم يصلى صلاة الإحرام بعد ذلك ، فان كان أول الوقت بدء بصلاة الإحرام ، ثم صلاة الفرض. ويستحب له ان يشترط ، ان يحله حيث حبسه كما ذكرناه.
ويجوز لمن أحرم ان يأكل لحم الصيد وينال النساء ويشم الطيب ما لم يعقد الإحرام بالتلبية أو بسياق الهدى وإشعاره أو تقليده ، فان عقد بشي ء من ذلك ، عليه سائر ما ذكرنا.
والاشعار : هو ان يشق سنام البعير من الجانب الأيمن - فإن كان له بدن كثيرة جاز ان يدخل بين بدنتين ، فيشعر إحديهما من الجانب الأيمن ، والأخرى من الأيسر - وهي باركة ، وينحرها وهي قائمة والتقليد يكون بنعل قد صلى فيه.
ومن أحرم ولم ينو حجا ولا عمرة ، وكان إحرامه في أشهر الحج ، كان مخيرا بين الحج والعمرة ، أي واحد منهما أراد كان له فعله ، وان كان إحرامه في غير أشهر الحج ، لم ينعقد إحرامه إلا بالعمرة.
* * *
ص: 219
ما ينبغي للمحرم اجتنابه لباس الثياب المخيطة ، والملامسة بشهوة ، والتقبيل بشهوة أيضا.
والجماع ، والاستمتاع ، والتزويج ، وعقد ذلك لنفسه ولغيره ، - فان فعل ذلك كان العقد باطلا - ولا يشهد عقدا ، والمقام على عقد امرأة عقد عليها ، بل يفرق بينهما (1) - ولا تحل له ابدا إذا كان عالما وقت العقد لتحريم ذلك عليه ، فان لم يكن عالما بذلك جاز له الرجوع إليها بعد إحلاله من إحرامه.
والصيد ، والذبح بشي ء منه ، والدلالة عليه ، والإشارة اليه ، وأكل لحم الصيد وان كان من صيد غيره وكسر بيضة ، وذبح فراخ شي ء من الطيور ، والتظليل على نفسه ، أو محمله وتغطية رأسه الا ان يكون امرأة فإنها تغطي رأسها ، وتكشف وجهها.
وقطع شي ء من الحشيش ، والشجر النابت في الحرم - إلا (2) الفاكهة والإذخر - الا ان يكون هو الذي غرس ذلك في ملكه أو نبت - في داره بعد ان بناها ، فإنه ان كان كذلك جاز له قطعه.
وحد الحرم الذي لا يجوز قطع الشجر منه هو بريد في بريد (3) ، والادهان بما فيه طيب ، وكل ما فيه ذلك أيضا ، واستعمال المسك والكافور والعنبر والعود والزعفران ، والقرب من شي ء من هذه الأجناس على ثيابه ، وان كان أصابها ازاله في الحال.
ص: 220
ولباس ما يستر ظاهر القدم مثل الجورب وما أشبهه مع الاختيار ، فاما عند الضرورة فجائز.
والتختم للزينة ، والرفث وهو الجماع ، والفسوق وهو الكذب على اللّه أو على رسوله صلى اللّه عليه وآله أو على أحد الأئمة عليهم السلام ، والجدال وهو قول « لا واللّه وبلى واللّه » وقص شي ء من شعره وأظفاره ، وازالة القمل عن نفسه ، ويجوز نقل ذلك من موضع إلى أخر ، واما إزالته عن نفسه جملة فلا يجوز.
وقتل البراغيث ، والبق ، وما أشبه ذلك إذا كان في الحرم ، فان كان في غيره جاز له ذلك.
وسد انفه من الرائحة الكريهة ، وادماء جسده أو فمه بحك أو سواك ، ودلك رأسه أو وجهه في وضوء أو غسل لئلا يسقط شي ء من شعره.
ولبس السلاح إلا لضرورة ، وقتل جراد أو زنابير مع تمكنه من ان لا يفعل ذلك ، وإخراج حمام الحرم منه ، والإمساك له أيضا ، فإن أخرجه رده اليه ، وإمساك شي ء من الطير أيضا إذا دخل الحرم وهو معه ، بل يخليه يمضى حيث شاء الا ان يكون مقصوص الجناح فليتركه حتى ينبت ريشه ويخليه.
ولا يشم شيئا من الطيب المخالف للخمسة الأجناس المتقدم ذكرها ، ولا يستعمل الحناء للزينة ، والكحل بما فيه طيب.
والنظر في المرأة ، ولا يخرج القماري وما أشبهها من الحرم ، ويجوز إخراج الفهود منه على كل حال ، ولا يستعمل الأدهان الطيبة قبل الإحرام الا ان يكون مما لا تبقى رائحته ، والصلاة بالبيداء وذات الصلاصل ووادي ضجنان ، ووادي الشقرة ، وتأديب الغلام ، فإن أدبه فلا يزيد على عشرة أسواط ، وتلبية من دعاه ، فان كان أراد اجابته فليقل : يا سعد.
واجتناب المحرم لجميع ما ذكرناه على ضربين ، أحدهما واجب والأخر مندوب ، فاما الواجب فهو الاجتناب عن جميع ما ذكرناه من أول الفصل الى قولنا : « الا ان يكون مقصوص الجناح فليتركه حتى ينبت ريشه ويخليه ».
ص: 221
واما المندوب فهو الاجتناب عن كل ما يتلو ذلك من قولنا : « ولا يشم شيئا من الطيب المخالف للخمسة الأجناس » الى آخره ، فليتأمل ذلك ان شاء اللّه.
« باب ما يلزم المحرم على جناياته من الكفارة »
الذي يلزم المحرم على جناياته من الكفارة على ضربين. أحدهما تجب فيه الكفارة بحيوان والأخر بغير حيوان.
فالذي يجب فيه بحيوان ستة أضرب ، « أولها » تجب فيه بدنة ، و « ثانيها » بقرة ، و « ثالثها » شاة ، و « رابعها » كبش ، و « خامسها » حمل ، و « سادسها » جدي.
فاما ما يجب فيه بغير حيوان فهو أربعة أضرب ، أولها يجب فيه مقدار الطعام ، وثانيها القيمة ، وثالثها مقدار من التمر ، ورابعها صدقة غير معينة؟
فاما ما يجب فيه بدنة ، فهو ان يصيب المحرم نعامة أو يصيب شيئا من بيضها ويكون قد تحرك فيه فرخ ، فان لم يكن تحرك فيها فرخ ، أرسل فحولة الإبل في إناثها بعدد البيضة ، فما ينتج كان هديا لبيت اللّه تعالى ، أو يجامع في الفرج متعمدا أو فيما دونه قبل الوقوف بالمزدلفة وعليه زائدا على البدنة ، إعادة الحج من قابل.
وعلى المرأة مثل ذلك إذا كانت محرمة وطاوعته ، فان كان أكرهها على ذلك كان عليه كفارتان ، ولم يكن عليها شي ء ، أو يجامع في الفرج متعمدا بعد الوقوف بالمشعر الحرام ، أو يجامع مملوكة له محرمة باذنه وهو محل ، لأنه ان كان إحرامها بغير اذنه لم يكن عليه شي ء ، أو يجامع قبل طواف الزيارة وهو قادر على البدنة.
وكذلك يلزمه إذا جامع قبل التقصير وهو موسر ، أو جامع بعد المناسك قبل طواف النساء ، أو يجامع وهو محرم بعمرة مبتولة (1) قبل الفراغ من مناسكها وعليه مع ذلك ، المقام بمكة إلى الشهر الداخل ليعيد العمرة. أو يعبث بذكره فيمني وحكمه فيما زاد على البدنة حكم المجامع قبل الوقوف بالمزدلفة أو بعده في اعادة
ص: 222
الحج من قابل ، أو سقوط ذلك عنه.
أو ينظر الى غير أهله فيمني ويكون قادرا على البدنة. أو ينظر إلى أهله بشهوة أو يلاعبهم بشهوة فيمني أيضا ، أو يعقد المحرم على امرأة ويدخل بها المعقود عليها (1) أو يجادل ثلاث مرات كاذبا ، أو ينسى طواف الزيارة ولا يذكره حتى يرجع الى اهله وعليه مع البدنة ، الرجوع ان تمكن ليقضيه بنفسه.
أو يفيض من عرفات إلى المزدلفة قبل غروب الشمس متعمدا وهو جاهل بذلك أو يجامع وهو في طواف ولم يتمه وعليه مع البدنة إعادته ، أو يجامع وهو في طواف النساء ولم يجز نصفه وعليه مع البدنة إعادته أيضا ، فإن كان جاز نصفه بنى على ما تقدم ولم يعده ، أو ينذر الحج ماشيا ويعجز عن المشي فيركب وعليه مع البدنة ان يكون قائماً مواضع العبور (2) ، أو يجامع وقد سعى بعض السعي وعليه مع البدنة إتمامه ، فإن كان قد ظن انه تممه وجامع بعد ذلك ، تمم السعي ولم يلزمه غير ذلك.
واما ما يجب فيه بقرة فهو ان يصيب حمار وحش أو بقرة وحش أو يجادل مرتين كاذبا أو يقلع (3) شيئا من شجر الحرم الذي لم يغرسه هو في ملكه ، ولا نبت في داره بعد بنائه لها ، أو لا يكون قادرا على البدنة - التي تجب عليه في الجماع قبل طواف الزيارة - ، أو (4) يكون قادرا على البدنة أيضا التي تجب عليه - متى نظر الى غير أهله فأمنى - ان (5) لا يكون موسرا.
فأما الذي يجب فيه شاة ، فهو ان يصيب طائرا من حمام الحرم ، أو يخرج شيئا من هذا الحمام منه ، أو ينفر ذلك فيرجع ، فان لم يرجع كان عليه لكل طائر
ص: 223
شاة ، أو يصيب ظبيا أو ما جرى مجراه وهو محرم في الحل ، أو يأكل جرادا كثيرا أو يصيبه وهو يتمكن من ان لا يصيب ، أو يذبح طائرا من الصيد في الحرم وهو محل ، أو يصيب حجلة (1) ، أو حمامة ، أو شيئا من بيضها ويكون قد تحرك فيه الفرخ فان لم يكن تحرك فيها ذلك ، أرسل فحولة الغنم في إناثها بعدد البيض فما ينتج كان هديا لبيت اللّه تعالى ، أو يغلق على حمام الحرم بابا وداخله فراخ ، وبيض فيهلكن ، فيكون عليه عن كل طائر ، شاة.
واما الفراخ ، والبيض فسنذكرهما فيما بعد بمشيئة اللّه سبحانه.
أو يأكل بيضة نعامة اشتراها له غيره فإن أكل أكثر من ذلك والمشترى له غيره كان عليه لكل بيضة شاة ، فاما المشتري فسيأتي ذكر ما يلزمه في ذلك. أو لا يقدر على البقرة التي تجب عليه عند عجزه عن البدنة التي تلزمه على الجماع و (2) قبل طواف الزيارة ، أو لا يقدر على البقرة التي أيضا تجب عليه عند عجزه عن البدنة التي تجب عليه إذا نظر الى غير أهله فأمنى ، أو يجادل ثلاث مرات صادقا ، أو جادل مرة واحدة كاذبا ، أو قبل زوجته من غير شهوة.
فاما تقبيل الولد والوالدة فلا شي ء عليه.
أو قلم أظفار يديه ورجليه في مجلس واحد ، أو قلم أظفار يديه في مجلس واحد ، أو قلم أظفار رجليه في مجلس واحد ، فان قلم شيئا من الأظفار ناسيا ، لم يلزمه على ذلك شي ء ، أو أفتاه غيره بتقليم ظفره فأدمى إصبعه فالشاة على المفتي ، أو يحلق رأسه لأذى ، أو يظلل على نفسه ، أو يستعمل دهنا فيه طيب ، أو يلبس مالا يحل له لبسه ، أو يأكل ما لا يحل له أكله ، أو ينطف (3) إبطيه جميعا ، أو يقلع ضرسا له ، أو يخرج من المشعر قبل طلوع الفجر ، أو يلبس قميصا ، أو يلبس ثيابا جماعة في مجلس واحد
ص: 224
فان لبسها متفرقة كان عليه لكل واحد شاة ، أو يحلق متعمدا قبل يوم النحر أو ينسى التقصير حتى يهل (1) بحج ، أو يقبل زوجته قبل التقصير ، أو يترك الحلق أو التقصير بمنى حتى يزور البيت ، أو يحل عليه المحرم ولم يكن صوم (2) الثلاثة الأيام المتعلقة بدم المتعة ولا عوضها في النفر ويومين بعده ، ولا في بقية ذي الحجة ، أو يبيت ليلة من ليالي التشريق بغير مني ، أو يضرب بطائر الأرض في الحرم فيقتله ، فعليه مع الشاة قيمتان (3) والتعزير لاستصغاره الحرم ، أو يوقد جماعة نارا فيقع فيها طائر فإن كان قصدهم ذلك ، كان على كل واحد منهم الفداء ، وان لم يكن قصدهم ذلك ، كان على جميعهم فداء واحد.
واما ما يجب فيه كبش فهو ان يصيب أسدا لم يرده ، لأنه ان اراده ودفعه عن نفسه فأصابه لم يكن عليه شي ء.
فاما ما يجب فيه حمل : فهو ان يغلق على حمام الحرم بابا ومعها فرخ فيهلك الفرخ فان كان معها من الفراخ أكثر من واحد فهلكن ، كان عليه لكل فرخ حمل ، فاما ما ليس بفرخ فقد تقدم ذكر ما تجب فيه ، أو يصيب قطاة وما أشبهها.
وينبغي ان يكون الحمل - في كل ما ذكرناه - قد فطم ، ورعى من الشجر.
فاما ما يجب فيه مقدار من طعام : فهو ان يصيب عصفورا أو قنبرة ، أو ما جرى مجرى ذلك فعليه الصدقة بمد من طعام أو ينطف (4) إبطه فعليه إطعام ثلاثة مساكين ،
ص: 225
أو يمس رأسه أو لحيته لغير طهارة فيسقط شي ء من شعرهما بذلك ، فعليه كفان من طعام فان كان مسهما لطهارة لم يكن عليه شي ء ، وقد ذكر انه ان سقط ذلك في حال وضوء ، كان عليه كف من طعام ، وان كان كثيرا فدم شاة. أو يصيب زنبورا متعمدا فعليه كف من طعام ، أو يرمي عن نفسه قملة أو يقتلها فعليه كف من طعام ، أو يقلم ظفرا من أظفاره أو أكثر منه ، فعليه مد من طعام الا ان يكون ناسيا فلا يكون عليه شي ء.
واما ما يجب فيه القيمة : فهو ان يصيب بيض حمام وهو محرم في الحل فعليه لكل بيضة درهم. أو يصيب ذلك وهو محل في الحرم فعليه لكل بيضة ربع درهم ، ولا فرق بين ان يكون أهليا أو من حمام الحرم ، الا ان حمام الحرم يشترى لها بذلك علف ، وقيمة بيض الأهلي يتصدق بها على المساكين ، أو يخرج طائر من الحرم فليرده ، فمتى لم يفعل ومات فيه كان عليه القيمة ، أو يشترى محل المحرم (1) بيض نعام فيأكله المحرم ، وقد تقدم ذكر ما عليه (2) في ذلك فيما وجب فيه شاة.
أو يقتل اثنان صيدا أحدهما محرم والأخر محل في الحرم ، فعلى المحل القيمة ، واما المحرم فيتضاعف عليه الجزاء والقيمة ، وسيأتي ذكر ذلك ان شاء اللّه تعالى : أو يفقى عين (3) غزال فعليه قيمته وفي الواحدة منها نصف القيمة ، أو يكسر يديه جميعا فعليه القيمة وفي الواحدة منها نصف القيمة ، وهكذا الحكم في كسر رجليه ، أو يكسر قرنيه جميعا فعليه نصف القيمة ، وفي الواحد منهما ربع القيمة ، وليس في قتله أكثر من قيمة واحدة.
أو يغلق بابا وهو محرم على حمام الحرم حتى هلكت ومعها بيض ، فعليه لكل بيض درهم ، فاما ما عدا البيض فقد سلف ذكره.
ص: 226
وان كان أغلق عليها بابا قبل ان يحرم ، كان عليه لكل طائر درهم ، ولكل فرخ ، نصف درهم ولكل بيضة ربع درهم.
ولو قتل المحل فرخا في الحرم على غير هذا الوجه لوجب عليه نصف درهم.
فاما ما يجب فيه مقدار من تمر فهو ان يصيب جرادة أو يأكلها فعليه تمرة يتصدق بها.
فاما ما يجب فيه صدقة غير معينة فهو ان ينتف ريشة من حمام الحرم فعليه صدقة يتصدق بها باليد التي نتف الريشة بها ، أو يصيب صيدا وهو محل فيما بين البريد (1) الى الحرم بان يكسر قرنه أو يفقى عينه ، فاما ان اصابه على بريد فسنذكر فيما بعد ان شاء اللّه تعالى.
إذا وجبت على إنسان ولم يقدر عليها ، قوم الجزاء وفض ثمنه على البر واطعم ستين مسكينا ، كل مسكين نصف صاع ، فان نقص عن ذلك فقد أجزأه وان زاد عليه لم يجب عليه أكثر من ذلك ، فان لم يقدر على إطعام ستين مسكينا ، صام عن كل نصف صاع يوما ، فان لم يقدر على ذلك ، صام ثمانية عشر يوما.
ومن وجبت عليه بقرة ولم يقدر عليها ، قومها وفض ثمنها على الطعام واطعم ثلاثين مسكينا ، كل مسكين نصف صاع ، فان زاد على ذلك لم يكن عليه أكثر من ذلك ، وان نقص فقد أجزأه ، فان لم يقدر على ذلك صام تسعة أيام ، وإذا وجبت عليه شاة ولم يقدر عليها ، قومها وفض ثمنها على الطعام وأطعم عشرة مساكين كل مسكين ، نصف صاع ، فان زاد على ذلك لم يلزمه غيره وان نقص لم يجب عليه أكثر منه ، فان لم يقدر صام ثلاثة أيام.
وحكم الحمل والجدي يجري هذا المجرى.
وكل من تكرر منها الصيد ناسيا تكررت عليه الكفارة ، فإن تعمد ذلك مرة
ص: 227
لزمته الكفارة مرة واحدة ، فإن تعمد مرتين لم يلزمه كفارة بل ينتقم اللّه منه كما قال اللّه تعالى (1).
وكل محرم أصاب صيدا في الحرم ، وجب عليه الجمع بين الجزاء والقيمة ، الا من ضرب بطائر الأرض فقتله فعليه مع الجزاء قيمتان والتعزير وقد تقدم ذكر ذلك ، فاما ان أصاب وهو محل في الحرم أو هو محرم في الحل فقد بيناه فيما تقدم ذكره ، والمحل إذا قتل صيدا في الحرم كان عليه الفداء وكذلك يجب عليه إذا ذبحه
ومن دل على صيد ، فعليه الفداء ، والجماعة المحرمون إذا قتلوا صيدا وجب على كل واحد منهم الفداء ، والمحرم يلزمه فداء الصيد كما قدمناه فإن أكله كان عليه فداء آخر وان لم يصده هو.
وإذا رمى صيدا بشي ء ومضى الصيد لوجهه ولم يؤثر فيه شيئا لم يكن عليه شي ء ، فإن أثر فيه فأدماه بان كسر يده أو رجله ثم رآه بعد ذلك وقد صلح ، كان عليه ربع ، فان لم يعلم اصابه أم لم يصبه ، فعليه الفداء. وإذا كان محلا أو محرما وأصاب صيدا ماضيا الى الحرم برمي أو غيره ثم دخل الصيد الحرم ومات ، كان عليه الفداء وكان لحم الصيد حراما ، وإذا أصاب صيدا وهو محل فيما بينه وبين الحرم على بريد ، فعليه الفداء ، وكذلك يجب عليه إذا كان في الحرم ورمى صيدا في الحل.
وإذا أحرم الغلام بإذن سيده وأصاب صيدا كان على السيد ، الفداء ، وكذلك يجب عليه إذا أمره بالصيد وهو محرم وان كان الغلام محلا ، ومن يلي أمر صبي فعليه الكفارة فيما يجنيه الصبي إذا كان قد حج به ، صيدا كان ما جناه أو غير صيد ومن رمى طائرا وهو على شجرة أصلها في الحرم وفرعها في الحل ، فعليه الفداء ، ولا فرق بين ان يكون الطير على فرع من فروعها التي في الحل أو في الحرم.
وكل ما يخافه الإنسان مثل السباع والحيات والعقارب وما يجرى مجرى ذلك ، فإنه يجوز للمحرم قتله وان كان في الحرم إلا الأسد إذا لم يرده وقد سلف
ص: 228
ذكره ، ويجوز أيضا قتل القراد (1) ورميه عن نفسه وإزالته عن بعيره ، وكل ما أخذ من السباع مثل الفهود وما يجرى مجراها بابتياع أو غيره ودخل به في الحرم ، فإنه يجوز للمحرم إخراجه منه ولا فرق بين ان يكون الذي دخل الى الحرم ، محرما أو محلا
ومن ربط صيدا خارج الحرم فدخل الحرم ، كان ثمنه ولحمه حراما ولم يجز إخراجه إلا ما قدمنا ذكره من الفهود وما أشبهها وما قدمنا ذكره في باب الكفارات.
من تعمد ووطأ في الفرج أو استمنى قبل الوقوف بمشعر الحرام فذلك لازم له سواء كان الحج الذي فعل ذلك فيه واجبا أو تطوعا ، وقد قيل ان الحجة ، الاولى ، والثانية عقوبة على ما جناه ، وينبغي لمن فعل ذلك إذا عاد الى الحج والمرأة معه ان يفترقا إذا وصلا الى الموضع الذي كان وطأها فيه ، وقد ذكر ان حد الافتراق هو ان لا يخلو بأنفسهما بل يكون معهما غيرهما من الناس.
وكل من تجسس أو استمع على من يجامع من غير ان ينظر إلى الذي يفعل فأمنى فليس عليه شي ء.
وإذا كان أصل شجرة في الحل وفرعها في الحرم ، أو يكون أصلها في الحرم وفرعها في الحل فلا يجوز قلعها الا ما يكون الإنسان أنبته ، وغيره مما ذكرناه فيما مضى ، وقد ذكرنا أيضا فيما تقدم انه لا يجوز قلع الحشيش في الحرم ، وان كان له إبل جاز له تركها لترعى فيه ولم يجز له - هو - قلعه.
وكل ما يجوز للمحل ذبحه أو نحره في الحرم مثل الإبل والبقر والغنم والدجاج الحبشي وغير الحبشي فإنه يجوز أيضا للمحرم. وكل صيد يكون في البحر والبر معا
ص: 229
وهو يبيض ويفرخ في البحر والبر - فلا بأس للمحرم ان يأكل طريه ومملوحه (1) وان كان يبيض ويفرخ في البر لم يجزأ كله ولا صيده.
وإذا ذبح المحرم صيدا في الحل أو الحرم ، كان ميتة لم يجز أكله لأحد ، وكذلك الحكم إذا ذبحه المحل في الحرم. والضعيف (2) عن الفداء والقيمة انما يكون فيما لا يبلغ بدنة ، ويلحق بذلك من شرب لبن ظبية في الحرم ، فعليه دم وقيمة اللبن معا.
وكل ما لا يجب فيه دم مثل العصفور وما جرى مجراه إذا أصابه المحرم في الحرم كان عليه قيمتان ، وفي صغار النعام مثل ما في كبارها ، وقد ذكر أن الصغير منها يجب فيه الصغير من الإبل في ستة ، وكذلك القول في البقر والغنم ، والكبار أفضل ، وفي جميع ما تقدم ذكره من الصيد ، يجب الكفارة متعمدا كان ما يصيبه أو ناسيا أو عالما أو جاهلا.
وإذا اضطر المحرم إلى أكل الميتة وكان قادرا على فداء الصيد ، فليأكل الصيد ويفديه ولا يأكل الميتة ، فان لم يكن قادرا على ذلك جاز له أكل الميتة ، وكل من كان محرما بحج ووجب عليه جزاء صيد اصابه ، وأراد ذبحه أو نحره فليذبحه أو ينحره بمنى ، وان كان معتمرا ، فعل ذلك بمكة أي موضع شاء منها ، والأفضل ان يكون فعله لذلك بالحزورة مقابل الكعبة ، والذي يجب على المحرم بعمرة مفردة - من كفارة ليست من كفارة الصيد - فله يجوز نحرها وذبحها بمنى.
الطواف على ضربين : واجب ومندوب فالواجب ، ثلاثة أطواف وهي :
ص: 230
طواف العمرة وطواف الزيارة وطواف النساء واما المندوب : فهو ما ندب المكلف الى فعله منه ، وقد ذكر في ذلك ثلاث مأة وستون أسبوعا (1) ، أو ثلاث مأة وستون شوطا فان لم يتمكن من ذلك فما تيسر منها.
وأحكام الطواف على ضربين : واجب ومندوب ، فالواجب « إيقاعه على طهارة » و « الابتداء به من الحجر الأسود والختم به » ، « ويكمله سبعة أشواط » و « صلاة ركعتي الطواف عند مقام إبراهيم عليه السلام » و « طواف أسبوعين » (2) إذا نذر الناذر الطواف على اربع.
والطواف على المريض إذا كان غير قادر عليه - وكذلك من جرى مجراه ممن يحج به - فان كان المرض عرض له بعد ان طاف أربعة أشواط ، انتظر به يوم أو يومان فإن صح تمم طوافه لنفسه (3) وان لم يصح ، أمر من يطوف عنه وصلى هو ركعتي الطواف ، وان كان طوافه أقل من أربعة وبرأ من مرضه أعاد الطواف من أوله ، فان لم يصح ولم يبرئ من مرضه أمر من يطوف عنه أسبوعا ، والطواف أيضا إذا كان قادرا على إمساك الطهارة ، فان لم يقدر على ذلك انتظر به صلاحه فاذا صح طاف بنفسه وان لم يصلح ، طيف عنه وصلى هو ركعتي الطواف.
و « إعادته » إذا زاد فيه متعمدا أو جامع متعمدا قبل إتمامه وهو طواف الزيارة ، وكذلك ان كان طواف النساء وجامع قبل نصفه ، فان كان ذلك بعد جواز نصفه جاز له البناء بعد ان يتطهر ، وقد ذكرنا ما يلزم على الجماع في الطواف من الكفارة فيما تقدم.
و « إعادته » إذا حدث ما ينقض الوضوء قبل نصفه ، وان كان بعد النصف جاز له البناء على ما تقدم منه ، أو قطعه - لغرض - قبل نصفه أو طاف وعلى ثوبه نجاسة وهو عالم بها ، فان لم يكن عالما بها قبل الابتداء به وعلم ، أزالها وتمم ما بقي ، أو قطعه
ص: 231
لغرض من دخول البيت أو غيره ، فان كان ذلك بعد نصفه ، بنى على ما تقدم منه.
وان يقطعه إذا حضر وقت صلاة واجبة وليصل ثم يبنى بعد الفراغ من الصلاة على ما مضى ، وان يقطعه إذا كانت امرأة وحاضت بعد جواز نصفه ، وتقضى الباقي بعد السعي والتقصير ، وان تجعل ما هي فيه حجة مفردة إذا حاضت في أقل من نصفه وكذلك يجب عليها إذا حاضت قبله وكان طواف العمرة وعليها بعد الحج قضاء (1) العمرة.
وان يقضى المولى (2) ما فرط فيه وليه ، ويلحق بذلك اعادة الحج من قابل إذا ترك طواف الزيارة متعمدا ، وان كان طواف النساء لم يفسد الحج بتركه. ولا يطوف وهو غير مختتن الا ان تكون امرأة فإنه يجوز لها ذلك ، ولا يطوف الا ما بين المقام والبيت فان خرج عن المقام لم يصح ، ولا يطوف وعلى رأسه برطلة (3) ولا يقرن بين طوافين في فريضة ويجوز له ذلك في التطوع ، ولا يطوف إذا كان متمتعا وأهل بالحج حتى يحضر منى والموقفين الا ان يكون شيخا كبيرا أو امرأة تخاف الحيض فيجوز لها (4) تقديمه على ذلك.
والقارن والمفرد يجوز لهما تقديم الطواف قبل عرفات ، ولا يطوف طواف النساء متمتعا كان أو قارنا أو مفردا الا بعد الرجوع من منى والموقفين ، إلا لضرورة تمنع من ذلك أو يكون شيخا كبيرا أو امرأة تخاف الحيض فيجوز لها التقديم قبل الموقفين.
ولا يقرب النساء إذا ترك طوافهن حتى يقضيه ، ولا يقدم طواف النساء على السعي.
ص: 232
فاما المندوب : فهو الاغتسال إذا أراد الطواف ، والمشي حافيا بسكينة ووقار والدخول لأجله الى المسجد من باب بني شيبة ، والصلاة على النبي صلى اللّه عليه وآله ، ويطيب الفم بالاذخر (1) أو غيره ، واستلام الحجر الأسود في كل شوط والإيماء إليه إذا لم يتمكن من تقبيله والدعاء عند استلامه ، والدعاء أيضا في الطواف ، وذكر اللّه تعالى وقراءة القرآن ، والتزام المستجار ووضع البطن والخد عليه ، والدعاء عند المستجار أيضا.
واستلام الأركان كلها ، والانصراف على وتر ، إذا كان في طواف نافلة وزاد على طواف بان ابتدئ طوافا ثانيا (2) ولا يتكلم في الطواف بغير ذكر اللّه تعالى وقراءة القرآن والدعاء ، ولا يعول على غيره في ضبط عدد الطواف ، فان فعل ذلك وشكا جميعا وجب الإعادة له من اوله.
قد ذكرنا فيما سلف ان المريد للطواف ينبغي ان يكون على الطهارة ، وينبغي ان يبتدأ بالحجر الأسود ويختم به ، وكلما فعل ذلك مرة فقد طاف شوطا ولا يزال كذلك حتى يتم سبعة أشواط ، ويجب ان يكون طوافه بين المقام والبيت ولا يطوف من داخل الحجر (3) بل يطوف من خارجه ، ولا يشتغل عن الدعاء فيه بالنظر الى الناس فإذا ابتدأ به من الحجر الأسود وصار مقابل باب الكعبة دعا فقال : « سائلك ببابك ، مسكينك ببابك ، فقيرك ببابك فتصدق عليه بالجنة ، اللّهم صل على محمد وآل محمد وأدخلني الجنة برحمتك وعافني من السقم وأوسع على من الرزق الحلال وادرء عنى شر فسقة العرب والعجم وشر فسقة الجن والانس » وان كان نائبا من غيره ذكره
ص: 233
ودعا له ومضى حتى يقابل المقام فاذا جاز باب الكعبة وصار محاذيا للمقام قال « السلام عليك يا رسول اللّه وعلى أهل بيتك الطاهرين من الأنام ، السلام على إبراهيم الداعي الى البيت الحرام ومسمع من في الأصلاب والأرحام ، السلام على أنبياء اللّه وملائكته الكرام ».
ثم يقول في طوافه بين كل موضعين - يقف بينهما (1) للدعاء - « اللّهم انى أسألك باسمك الذي يمشى به على طلل الماء (2) كما يمشى به على وجه (3) الأرض وباسمك المخزون المكنون عندك ، وباسمك الأعظم الذي إذا دعيت به ، أجبت وان سئلت به ، أعطيت ان تصلى على محمد وآل محمد وان تفعل بي كذا وكذا ويذكر حوائجه للدنيا والآخرة ».
ويكثر من قراءة سورة « إنا أنزلناه في ليلة القدر » في طوافه حتى يقابل الركن الشامي ، فاذا قابله وصار محاذيا لطرف الحجر قال : السلام عليك غير مقلو (4) ولا مهجور ، اللّهم صل على محمد وآل محمد وافتح لي أبواب رحمتك.
ثم يتقدم حتى يصير محاذيا للميزاب ، فاذا صار محاذيا لذلك من خارج الحجر في ظهره نظر اليه وصلى على النبي صلى اللّه عليه وآله وقال : اللّهم أعتقني من النار وأوسع على من رزقك الحلال الطيب ، وادرء عنى شر فسقة العرب والعجم والجن والانس ، وأدخلني الجنة برحمتك يا ارحم الراحمين.
ويدور حوالي الحجر حتى يسير عند طوافه الأخر محاذيا للركن الغربي ،
ص: 234
فاذا صار محاذيا في ذلك قال : « اللّهم رب إبراهيم وإسماعيل اللذين امرتهما برفع أركان بيتك ، وان يطهراه للطائفين والعاكفين والركع السجود فيما سألاك (1) ان تتقبل منهما ، فتقبل ذلك مني انك أنت السميع العليم » ، ثم يقول بعد ان يجاوز الركن الغربي قبل وصوله الى الركن اليماني « اللّهم اغفر لى وارحمني واهدني وعافني واعف عنى وارزقني ووفقني ».
ثم يتقدم حتى يصل الى المستجار وهو دون الركن اليماني قليلا فاذا صار كذلك فليقل. ( اللّهم هذا مقام من أساء واغترف واستكان واعترف وأقر بالذنوب التي اجترم ، هذا مكان المستغيث المستجير من النار ، مكان من لا يدفع عن نفسه سوء ولا يجر إليها نفعا ، هذا مقام من لاذ ببيتك الحرام ، راغبا وراهبا ، بك أستعيذ من عذاب يوم لا ينفع فيه شفاعة الشافعين الا من أذنت له يا رب العالمين ، اللّهم صل على محمد وآل محمد الطاهرين وسلمني من هول ذلك اليوم برحمتك يا ارحم الراحمين.
ثم يتقدم الى الركن اليماني ، فإذا صار عنده التزمه ووضع خده عليه ، فان لم يتمكن ، مسحه بيده ثم يمسح بها وجهه وقال : يا سيدي الى من يطلب العبد الا الى مولاه ، ولمن يرجو الا سيده ، فاسئلك ان تصلى على محمد نبيك وعلى آله الطاهرين وان تتقبل مناسكي وتنجح حوائجي ، أشهد ان لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له ، واشهد ان محمدا عبده ورسوله ، أمنت بما جاء به واتبعت النور الذي أنزل معه.
ثم يجوز حتى يصير بينه وبين الركن الذي فيه الحجر الأسود ويقول : اللّهم انى حللت بفنائك ، واجعل قراي (2) مغفرتك ، وارض عنى خلقك اللّهم ( آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النّارِ ) ثم ينفد (3) الى الحجر الأسود ، فإذا وصل اليه فقد
ص: 235
تمم شوطا فيستلمه ، فان لم يتمكن أشار إليه بيده فقبلها وقال : « اللّهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم يا رب العالمين ، وأهلك أعدائهم أجمعين ، اللّهم تب على توبة نصوحا واعصمني فيما بقي من عمرى ، وارزقني من رزقك الحلال وأدخلني الجنة برحمتك ، وأعذني من عذاب النار ».
ويتم سبعة أشواط على هذا الترتيب ، ويقف في الشوط السابع عند المستجار ويلصق خده وبطنه عليه ويدعو فيقول : « اللّهم رب البيت العتيق واللطف الرفيق صل على محمد وآل محمد المنتجبين ، وألطف لي في الدين والدنيا بلطف من عندك يا رب العالمين ، اللّهم هذا مقام العائذ بكرمك ، اللائذ ببيتك وحرمك ، رب ان البيت بيتك والعبد عبدك ، فاجعل قراي مغفرتك وهب لي ما بيني و (1) بينك ، وارض عنى خلقك ».
ويتعلق هنا بأستار الكعبة ويقول : « اللّهم بك أستجير فأجرني وبك أستغيث فأغثنى يا رسول اللّه يا أمير المؤمنين يا فاطمة بنت رسول اللّه يا حسن بن على يا حسين بن على - ويذكر الأئمة عليهم السلام واحدا واحدا الى المهدى عليه السلام ، فان لم يتمكن من ذكرهم للتقية أسر ذلك في نفسه - وقال : باللّه ربي أستغيث وبكم اليه تشفعت ، أنتم محمدتى (2) وإياكم اقدكم بين يدي حوائجي ، فكونوا شفعائي الى اللّه تعالى في إجابة دعائي ، وتبليغى في الدين والدنيا مناي ، اللّهم ارحم بهم عبرتي (3) واغفر بشفاعتهم خطيئتي ، واقبل مني مناسكي واغفر لى ولوالدي ، واحفظني في نفسي وأهلي وولدي ، وجميع إخواني ، اشركهم في صالح دعائي انك على كل شي ء قدير ».
ثم يمضي إلى الركن اليماني فإذا صار عنده استلمه والتزمه وسأل حوائجه ،
ص: 236
ثم يكثر من التضرع الى اللّه تعالى في ذلك ويقول : « اللّهم صل على محمد وآل محمد وقنعني بما رزقتني ، وبارك لي فيما آتيتني وارحمني إذا توفيتني ».
ثم يمضي إلى الحجر الأسود فإذا صار في الشوط السابع عنده فقد تم طوافه ، وينبغي ان يفعل في تقبيله كما تقدم القول به ، ثم يقول « اللّهم أعنى على تمام مناسكي ، ووفقني لما يرضيك عنى وتقبل منى صالح عملي ، واغفر لى انه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، وصل على محمد وآله الطاهرين ».
فان كان نائبا عن غيره ذكره في طوافه ، فقال : « اللّهم هذا الطواف عن فلان بن فلان ، فتقبله منى وأجرني على أدائي له وعنه » ، ثم يصلى ركعتي الطواف عند مقام إبراهيم عليه السلام ، ثم يقف متوجها اليه من ورائه حتى تكون الكعبة امامه ، ويكون متوجها اليه ويفتح (1) صلاة ركعتين ويقرء فيهما بما قدمنا ذكره في كتاب الصلاة (2) فإذا سلم منهما رفع يديه وقال : الهى قد مد (3) إليك الخاطى ء المذنب يديه لحسن ظنه بك ، الهى قد جلس المسي ء بين يديك مقرا لك بسوء عمله وراجيا منك الصفح عن زلله ، الهى قد رفع الظالم كفيه إليك راجيا فيما لديك (4) فلا تخيبه برحمتك من فضلك ، الهى قد جثا العائد إلى المعاصي بين يديك خوفا من يوم يجثو فيه الخلائق بين يديك ، الهى قد جائك العبد الخاطى ء فزعا مشفقا ، ورفع إليك طرفه حذرا راجيا ، وفاضت عبرته مستغفرا نادما الهى فصل على محمد وآل محمد واغفر لى برحمتك يا خير الغافرين ويقرأ سورة « إنا أنزلناه ».
وان كان نائبا عن غيره ، قال : « اللّهم ان طوافي هذا وصلاتي هذه من فلان بن فلان ، فاقبل منه وأثبه وإياي في نيابتي عنه في ذلك » ، فاذا فعل ذلك فقد تم
ص: 237
طوافه للتمتع وعليه بعد ذلك الخروج الى الصفا والسعي.
السهو والشك في الطواف على ضربين : أحدهما يوجب إعادته ، والأخر لا يوجب إعادته.
والذي يوجب إعادته أن يسهو في طواف فريضة ويذكر انه طاف أقل من أربعة أشواط ، أو يشك فيه فلا يعلم هل طاف أم لم يطف ، أو يشك في حال الطواف ولا يدرى كم طاف جملة ، أو يشك بين ستة وسبعة وثمانية فلا يدرى كم طاف من ذلك وهو في حال الطواف أيضا ، أو يشك بين ستة وسبعة ولا يدرى كم طاف منهما وهو في حال الطواف.
أو يسهو فيطوف على غير طهارة ثم يذكر ذلك ، أو يسهو فيطوف من خارج المقام حيث هو الان ، أو يزيد فيه متعمدا ، أو يسهو عنه وهو في طواف الزيارة ولا يذكره حتى عاد إلى أهله فيرجع ويقضيه مع التمكن من ذلك ، فان لم يتمكن من الرجوع أمر من يطوف عنه ، أو يتعمد تقديم طواف النساء على السعي فليعده ، أو يستعين بغيره في حصر عدد الأشواط فشكا جميعا في ذلك.
واما الذي لا يوجب إعادته فهو : ان يسهو عن الشوط السابع ثم يذكر بعد الانصراف فعليه ان يعيد شوطا بدله فان لم يكن ذكر ذلك حتى اتى بلده أمر من يطوف عنه ، أو يسهو فيطوف ثمانية أشواط فليضف الى ذلك ستة أشواط أخر ، ويصلى اربع ركعات ، ركعتين فيما بعد الطواف ثم يسعى ويصلى الركعتين الأخيرتين بعد السعي.
أو يسهو ويذكر في الشوط الثامن انه طاف سبعا ، فان ذكر ذلك قبل بلوغه الحجر الأسود قطعه ، وان كان ذكر ذلك بعد ان جاوزه تمم أربعة عشر أشواطا ، أو شك فلا يعلم هل طاف سبعة أو ثمانية فليقطعه ويصلى ركعتين ، أو يسهو فيقطعه ويصلى ركعتين أو يسهو فيقطعه ويمضى إلى السعي ثم يذكر ذلك فان ذكره قبل ان يسعى ستا يتمم الطواف ، وان كان قد سعى ستا (1) قطع السعي وعاد الى الطواف
ص: 238
فتممه ورجع فتمم السعي.
وإتمامه الطواف انما يصح إذا كان قطعه له أزيد من النصف ، فاما ان كان في أقل من النصف أعاد كما قدمناه ، أو يسهو فيقدم طواف النساء على السعي فلا شي ء عليه الا ان يتعمد ذلك فقد تقدم ذكره ، أو يشك بين ستة وسبعة بعد الانصراف من الطواف فلا شي ء عليه ، أو يشك فيما دون السبعة في طواف النافلة ، فليبن فيه على الأقل إذا كان شكه في حال الطواف ، فان ذكر بعد انصرافه لم يكن عليه شي ء.
أحكام السعي على ضربين واجب ، ومندوب فاما الواجب فهو : السعي بين الصفا والمروة سبع مرات ، والابتداء به من الصفا والختم بالمروة ، وقطعه إذا تضيق وقت فريضة حاضرة ، - وذكر (1) انه يقطعه إذا دخل وقتها ويصلى ثم يعود فيتممه - وإتمامه بعد الفراغ من الصلاة التي قطعه لأجلها.
وان يعيد الحج من قابل إذا تركه متعمدا ، ولا يسعى إذا كان متمتعا وأهل بالحج حتى يحضر منى والموقفين ، الا ان يكون شيخا كبيرا أو امرأة تخاف الحيض فيجوز لها (2) تقديمه ، ولا يتمه ، إذا كان فيه وحضر وقت فريضة حاضرة بل يقطعه ويصلى كما قدمنا القول به.
واما المندوب : وهو الطهارة للسعي بغسل ، أو وضوء ، واستلام الحجر الأسود إذا أراد السعي ، والحضور عند بئر زمزم للشرب من مائها والغسل منه والصب منه على الجسد إذا لم يتمكن من الغسل ، وينبغي ان يكون ذلك من الدلو المقابل للحجر الأسود ، والخروج اليه من الباب المقابل للحجر أيضا. والإسراع في موضع
ص: 239
السعي إذا كان الذي يسعى رجلا ماشيا وراكبا ، والدعاء عند الصفا والمروة وفيما بينهما ، والدعاء في حال السعي ، ولا يكون راكبا في حال سعيه مع تمكنه من ذلك ولا يقطعه إذا عرضت له حاجة بل يؤخرها حتى يفرغ منه ان تمكن من تأخيرها ، وإذا قطعه لحاجة ، تممه بعد ذلك.
ينبغي لمن قصد إلى السعي بعد الفراغ من الطواف ان يأتي زمزم فيشرب من مائها ويصب منه على جسده من الدلو المقابل للحجر الأسود كما قدمناه ، ويخرج إلى السعي من « باب الصفا » وعليه السكينة والوقار حتى يأتي « الصفا » فيصعد عليها ويستقبل الكعبة بوجهه ويكبر اللّه تعالى ويحمده ويهلله سبعا سبعا ، ويقول : بعد ذلك « لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شي ء قدير » ثلاث مرات ويصلى على النبي صلى اللّه عليه وآله والأئمة صلوات اللّه عليهم كذلك ، ويقرء سورة إنا أنزلناه ، ويقول بعد ذلك « اللّهم (1) العفو والعافية واليقين في الدنيا والآخرة ( رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النّارِ ) برحمتك ، اللّهم اغفر لي كل ذنب أذنبته وان عدت فعد على بمغفرتك (2) انك أنت الغفور الرحيم ، اللّهم أظلني بظل عرشك يوم لا ظل الا ظلك ، اللّهم استعملني بطاعتك وسنة رسولك صلى اللّه عليه وآله وتوفني على ملته واحشرني في زمرته ، اللّهم انك تكفلت بأرزاقنا ورزق كل دابة فآتنا من فضلك وأوسع علينا من رزقك وبارك لنا في الأهل والمال والولد ، اللّهم ارحم مسيرنا إليك من الفج العميق وارزقنا منك رحمة نستغني بها من رحمة من سواك اللّهم صل على محمد وآل محمد واغفر لى ولوالدي ولجميع المؤمنين ».
ثم ينحدر إلى المروة ويقول في انحداره « يا رب العفو يا من أمر بالعفو واولى
ص: 240
بالعفو ، العفو » ، ثم يمضى حتى يصل الى المنارة ، فإذا وصل إليها هرول كالبا (1) الى حد الهرولة - الأخرى - وهو زقاق العطارين ، ثم يدعو فيقول. « اللّهم اهدني للتي هي أقوم ، واغفر لى وارحم وتجاوز عما تعلم انك أنت الأعز الأكرم » ويكرر هذا القول حتى يصل الى الزقاق.
فاذا وصل اليه قطع الهرولة ومشى إلى المروة ، وقال : « يا ذا المن والطول والكرم والجود صل على محمد وآل محمد ، واغفر لى ذنوبي انه لا يغفر الذنوب إلا أنت يا كريم » ويكرر ذلك حتى يصل الى المروة ، فإذا وصل إليها كبر اللّه سبحانه وحمده وهلله سبعا وصلى على النبي وآله صلى اللّه عليه وآله وسلم ، وقال : « لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شي ء قدير ، اللّهم انى أسألك حسن الظن بك وصدق النية في التوكل عليك ، اللّهم افعل بي ما أنت أهله فإنك ان تفعل بي ما أنا أهله تعذبني ولم تظلمني ».
ويقر بذنوبه ويقرء سورة إنا أنزلناه ، فإذا فعل ذلك فقد تم من السعي شوطا ثم ينحدر من المروة ماضيا الى الصفا ويقول فيما بين المروة والزقاق مثل ما قاله أولا في هذا الموضع ، ويقول أيضا في حال الهرولة من الزقاق إلى المنارة ومن المنارة في حال المشي إلى الصفا مثل ما قاله أولا من دعاء وغيره ، ولا يزال كذلك حتى يتم سبعة أشواط فإذا تمم ذلك قصر ، والتقصير هيهنا هو ان يأخذ من جوانب شعره ورأسه ولحيته ولا يحلق رأسه ويقلم أظفاره والأفضل له ان يبقى منها ما يأخذه عند تقصيره للحج ، فاذا اتى بذلك فقد أحل من كل ما أحرم منه الا الصيد ، وجاز له لبس ثياب المخيطة ، غير ان الأفضل ان يقيم على إحرامه إلى يوم التروية ، فإذا حضر هذا اليوم جدد الإحرام للحج فيه.
ص: 241
السهو والشك في السعي ضربان : أحدهما يجب منه إعادته ، والأخر لا يجب منه ذلك ، فاما الذي يجب منه إعادته فهو : ان يسهو فيقدم (1) على الطواف ، أو يشك وهو فيه فلا يدرى كم سعى ، أو يسعى ثماني مرات ويكون في الثامنة عند المروة أو يزيد فيه متعمدا ، أو يسهو عنه فلا يذكره حتى صار في بلده ، فعليه الرجوع لقضائه فان لم يتمكن من ذلك أمر من يسعى عنه.
واما الذي لا يجب منه إعادته فهو : ان يسهو فيزيد فيه وقد بدء بالصفا ، فليطرح الزيادة ويتم سبعين (2) ان شاء ذلك ، أو يسعى تسع مرات ويكون في التاسع عند المروة فلا شي ء عليه ، أو يسهو فينقص شوطا أو أكثر ثم يذكره فعليه إتمامه ، أو يسهو عن الرمل (3) ويذكر ذلك في حال السعي ، فليعد الى المكان الذي سهى عنه فيه ثم يأتي بالرمل ان شاء اللّه.
إذا فرغ المتمتع من هذا السعي فليقصر ، وذلك ان يأخذ شيئا من شعره وأظفاره ولا يلحق رأسه ، فإذا فعل ذلك فقد أحل من كل شي ء أحرم منه الا الصيد والأفضل له البقاء على إحرامه وترك لبس المخيط من الثياب الى ان يجدد الإحرام بالحج ، فاما ما يلزمه على حلق رأسه هاهنا وما عليه أيضا إذا نسي التقصير حتى أحرم بالحج من الدم ، فقد تقدم ذكره.
* * *
ص: 242
أحكام هذا الإحرام وشروطه ، كأحكام وشروط الإحرام المتقدم ، الا فيما نذكره الان وهو : ان هذا الإحرام ينبغي ان يعقده يوم التروية عند الزوال ، فان لم يتمكن من ذلك ففي الوقت الذي يعلم انه يلحق معه الوقوف.
ويذكر المحرم بالحج في إحرامه الحج فقط ، ويقطع التلبية يوم عرفة عند الزوال فإن نسي وأحرم بالعمرة وقد كان التي بأركان الحج ، أجزأه ذلك بالنية ، فإن نسي الإحرام ولم يذكره حتى صار بعرفات أحرم بها ، فان لم يذكر ذلك حتى قضى مناسكه كلها لم يلزمه شي ء.
والمتمتع بالعمرة إلى مكة ليلة عرفة ، جاز له ان يعقد الإحرام بالحج بعد ان يطوف ويسعى ، فان دخلها يوم عرفة جاز له ذلك أيضا الى زوال الشمس - فاذا زالت فقد فاتته العمرة وبطل كونه متمتعا وكانت حجته مفردة - هذا (1) إذا علم انه يلحق عرفات ، فان لم يعلم ذلك وغلب على ظنه انه لا يلحقها ، لم يجز له ان يحل بل عليه ان يقيم على إحرامه الأول ويجعل حجته مفردة ، لأنه لا يصح مع ما ذكرناه غير ذلك.
* * *
قد ذكرنا فيما تقدم ان يوم التروية (2) هو الثامن من ذي الحجة ، فإذا حضر هذا اليوم ، فينبغي لمن يريد تجديد الإحرام ان يغتسل ويلبس ثوبي إحرامه ، ويمضى
ص: 243
الى المسجد الحرام فيصلي فيه ويعقد إحرامه عند المقام ، فاذا قصد المسجد فيقول « اللّهم انى خرجت إليك راضيا ، ولما قلت مسلما وبمن أرسلت مصدقا ، ولما مننت شاكرا ، وبما أنعمت عارفا فصل على محمد وآل محمد ، واجعل توجهي إليك سببا لكل خير ، وجملني بلباس التقوى ، فارزقني الخضوع والخشوع وجنبني الرياء والسمعة برحمتك ».
ثم يدخل المسجد ، وإذا دخله فليكن دخوله بسكينة ووقار ، فإذا أراد ان يطوف بالبيت تطوعا جاز له ذلك ، ثم يصلى عند المقام ركعتين ويجلس الى زوال الشمس فاذا زالت صلى ست ركعات أو ركعتين كما قدمناه.
ويصلى فريضتي الظهر والعصر ان تمكن من ذلك والا صلى الظهر ، فاذا فرغ دعا اللّه تعالى بما أراد وصلى على النبي وآله صلى اللّه عليهم.
ثم عقد النية للإحرام بالحج وصار الى عند المقام وهو أفضل المواضع التي يعقد الإحرام منها ، فاذا وصل إليها دعا فقال « صدق اللّه الذي لا إله الا هو ، وبلغت رسله الكرام ونحن على ذلك من الشاهدين والحمد لله رب العالمين ، اللّهم صل على محمد وآل محمد واجعلني ممن استجاب لك وآمن بوعدك واتبع كتابك وسنة نبيك ، فإنما أنا عبدك وفي قبضتك ، اللّهم انى أريد ما أمرت به من الحج على كتابك وسنة نبيك صلى اللّه عليه وآله ، فقوني عليه ويسره لي وسلم لي مناسكي في يسر منك وعافية ، واجعلني من وفدك وحجاج بيتك الذي رضيت عنهم وارتضيتهم اللّهم ان عرض على عارض يحبسني فحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت على ، أحرم لك جسدي وشعري وبشرى ولحمي ودمي وعصبي وعظامي من النساء والطيب والثياب ».
ثم يأتي بالتلبيات الأربع المفروضة وقد سلف ذكرها ، ثم يقول « لبيك بحجة تمامها عليك ». ولا يرفع صوته بذلك ، فان كان نائبا عن غيره يقول « اللّهم انى أريد
ص: 244
الحج عن فلان على كتابك وسنة نبيك ، فيسره لي وسهلة على » ، ويقول بعد الإحرام « اللّهم ما أصابني من تعب أو نصب ، فاجر فلانا فيه وأجرني في قضائي عنه » ، وإذا لبى قال في أخر التلبية « لبيك عن فلان بن فلان لبيك » ، ثم يخرج متوجها الى منى.
* * *
إذا أراد الحاج بعد إحرامه - كما قدمنا القول به - الخروج إلى منى ، فالأفضل له ان لا يخرج من مكة إليها ، حتى يصلى الظهر يوم التروية إلا الإمام خاصة فإن عليه ان يصلى الظهر والعصر بمنى ويقيم بها الى طلوع الشمس من يوم عرفة ثم يمضي الى عرفات.
فاذا توجه الحاج من مكة إلى منى فينبغي له ان يقرء سورة إنا أنزلناه ، فإذا بلغ الرقطاء دون الردم (1) وأشرف على الأبطح ، رفع صوته بالتلبيات الأربع المفروضة واتبعها بالمندوبة ، وقد سلف بيان جميع ذلك ، ويقول : « اللّهم إياك أرجو ولك أدعو ، فبلغني أملي وأصلح لي عملي ». حتى يصل الى منى ، فاذا وصل إليها قال : « الحمد لله الذي أقدمنيها صالحا ، وبلغنيها في عافية سالما ، اللّهم هذه منى وهو (2) مما مننت به علينا ، فاسئلك ان تمن على ما مننت به على أنبيائك وأوليائك وأهل طاعتك ، فإنما أنا عبدك وفي قبضتك فصل على محمد وآل
ص: 245
محمد ، واغفر لي ذنوبي واقض حوائجي » ، ثم ينزل ويصلى العشائين والفجر ، فاذا صلى الفجر غدا الى عرفات.
* * *
فاذا غدا الى عرفات ، قال : « اللّهم إليك صمدت وإياك اعتمدت ووجهك أردت ، وأمرك اتبعت وقولك صدقت ، فاسئلك ان تبارك لي في رحلتي ، وان تقضى لي حاجتي وتنجح لي (1) طلبتي ، وان تباهي بي اليوم من هو أفضل مني اللّهم صل على محمد وآل محمد واعنى على تمام مناسكي ، وزك عملي واجعلها خير غدوة غدوتها ، أقربها من رضوانك وأبعدها من سخطك.
ثم يلبى التلبيات كلها يرفع صوته ويقرء إنا أنزلناه ، ولا يزال ملبيا حتى يصل الى عرفات ، فاذا وصل إليها ضرب خباءه بنمرة وهي بطن عرفة ، ولا يقطع التلبية بها الى زوال الشمس من يوم عرفة ، فاذا زالت قطعها واغتسل ودعا عند غسله فقال : « بسم اللّه وباللّه وعلى سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، اللّهم طهرني من الذنوب والخطايا والعيوب ، حتى تتوفاني وأنت عني راض ».
ويكبر اللّه سبحانه ويهلله ، ثم يصلى الظهر والعصر بأذان وإقامتين ، ثم يتوجه الى الموقف فيقف به ، وأفضل مواضع الوقوف بها ميسرة الجبل قريبا من الميل ، ولا يجوز ان يقف بنمرة ولا بثوية ولا ذي المجاز ، ولا يرتفع الى الجبل إلا لضرورة شديدة ، فإذا وقف توجه إلى القبلة ويسبح اللّه تعالى مأة مرة وحمده مأة مرة وهلله مأة مرة وكبره مأة مرة وقال ( ما شاءَ اللّهُ لا قُوَّةَ إِلّا بِاللّهِ ) .
ثم يقول : « لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيى ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شي ء قدير » ، ويقرء عشر آيات من أول سورة البقرة وآية الكرسي وآخر سورة البقرة من قوله : ( لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما
ص: 246
فِي الْأَرْضِ ) إلى آخرها ، ويقرء آية السخرة وهي ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ ، أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ، وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً ، إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) (1).
ويقرء قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ويقول : « اللّهم انى عبدك فلا تجعلني من أخيب وفدك ، وارحم مسيري إليك ، اللّهم رب المشاعر الحرام كلها فك رقبتي من النار وأدخلني الجنة برحمتك وأوسع على من رزقك وادرء عنى شر فسقة الجن والانس ، اللّهم انى أسألك بحولك وقوتك ومجدك وكرمك ومنك وفضلك يا اسمع السامعين ويا أبصر الناظرين ويا أسرع الحاسبين ويا ارحم الراحمين ان تصلى على محمد وآل محمد وان تغفر لي وترحمني وتفعل بي كذا وكذا ويذكر حوائجه للدنيا والآخرة » (2).
ويقر بما يعرفه من ذنوبه (3) ويعترف به ذنبا ذنبا ، ويستغفر اللّه تعالى في جملة لما يعرفه ولا يذكره ، ويرفع يديه الى السماء ويقول : « اللّهم حاجتي - التي إن أعطيتنيها (4) لم يضرني ما منعتني (5) فان منعتنيها لم ينفعنى ما أعطيتني - فكاك رقبتي من النار اللّهم انى عبدك ، ناصيتي بيدك واجلى بعلمك ، أسألك أن توفقني لما
ص: 247
يرضيك عنى وان تسلم لي مناسكي التي أريتها إبراهيم خليلك عليه السلام ، ودللت عليها بنبيك محمد صلى اللّه عليه وآله.
اللّهم اجعلني ممن رضيت عمله ، وأطلت عمره وأحييته بعد الممات حياة طيبة ، الحمد لله على نعمائه التي لا تحصى بعدد ، ولا تكافئ بعمل ، الحمد لله على عفوه بعد قدرته ، الحمد لله على رحمته التي سبقت غضبه ».
ويكثر من الدعاء ويحذر ان يشغله الشيطان عن الدعاء بالنظر الى الناس ، فقد ذكر أنه ليس شي ء أحب إليه من ان يذهل الناس في الموقف عن ذلك ، ويدعو بعد ما ذكرناه بدعاء الموقف ان أراد ذلك.
« لا إله إلا اللّه الحليم الكريم ، لا إله إلا اللّه العلى العظيم ، سبحان اللّه رب السموات السبع ، ورب الأرضين السبع ، وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين ، اللّهم صل على محمد عبدك ورسولك وخيرتك من خلقك ، وعبدك الذي اصطفيته لرسالاتك ، واجعله يا إلهي أول شافع وأول مشفع ، وابرك قائل وأنجح سائل ».
« اللّهم صل على محمد وآل محمد ، أفضل ما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللّهم انك تجيب المضطر إذا دعاك ، وتكشف السوء وتغيث المكروب وتشفي السقيم ، وتغنى الفقير وتجبر الكسير ، وترحم الصغير وتعين الكبير ، وليس فوقك أمير وأنت العلي الكبير ، يا مطلق المكبل (1) والأسير يا رازق الطفل الصغير ، يا عصمة الخائف المستجير يا من لا شريك له ولا وزير ».
« اللّهم إنك أعظم من دعي وأسرع من أجاب ، وأكرم من عفا وخير من اعطى ، وأوسع من سأل ورحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما ، ليس كمثلك شي ء مسئول ولا معط ، دعوتك فأجبتني وسألتك فأعطيني ، وفزعت إليك فرحمتني ، وأسلمت
ص: 248
نفسي إليك فاغفر لي ولوالدي وولدي وكل سبب ونسب في الإسلام لي ولجميع المؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ».
« اللّهم انى أسألك بعظيم ما سألك به أحد من خلقك ، من كريم أسمائك وجميل ثنائك وخاصة آلائك ، ان تصلى على محمد وآل محمد ، وان تجعل عشيتي هذه أعظم عشية مرت على منذ أنزلتني الى الدنيا ، بركة في عصمة من ديني وخاصة نفسي وقضاء حوائجي ، وتشفيعي في مسائلي وإتمام النعمة على وصرف السوء عنى وألبسني ثوب العافية ، وان تجعلني ممن نظرت إليه في هذه العشية برحمتك ، انك جواد كريم ».
« اللّهم صل على محمد وآل محمد ، ولا تجعل هذه العشية آخر العهد منى ، فبلغنيها (1) من قابل مع حجاج بيتك الحرام ، والزوار لقبر نبيك عليه السلام في اعفى عافيتك ، وأعم نعمتك وأوسع رحمتك ، وأجزل قسمك وأسبغ رزقك وأفضل الرجاء ، وانا لك على أحسن الوفاء انك سميع الدعاء ».
« اللّهم صل على محمد وآل محمد ، واسمع دعائي وارحم تضرعي ، وتذللي واستكانتي وتوكلي عليك ، وانا لك سلم لا أرجو نجاحا ولا معافا ولا تشريفا الا بكرمك ، فامنن على بتبليغي هذه العشية من قابل ، وأنا معافا من كل مكروه ومحذور من جميع البوائق ، واعنى على طاعتك وطاعة أوليائك ، الذين اصطفيتهم من خلقك لخلقك ».
« اللّهم صل على محمد وآل محمد ، وسلمني في ديني وامدد لي في أجلي ، وأصلح (2) لي جسمي ، يا من رحمنى وأعطاني سؤلي ، واغفر لى ذنبي انك على كل شي ء قدير ، اللّهم صل على محمد وآل محمد ، وتمم لي نعمتك فيما بقي من عمرى ، حتى تتوفاني وأنت عني راض ، اللّهم صل على محمد وآل محمد ،
ص: 249
ولا تخرجني عن ملة الإسلام ، فإني اعتصمت بحبك ولا تكلني إلى غيرك ، اللّهم صل على محمد وآل محمد ، وعلمني ما ينفعني ، واملا قلبي علما وخوفا من سطواتك ونقماتك ، اللّهم انى أسألك مسئلة المضطر إليك ، المستجير من عذابك ، الخائف من عقوبتك ان تغفر لي بعفوك وتحنن على برحمتك ، وتجود على بمغفرتك وتؤدى عنى فريضتك ، وتغنيني بفضلك عمن سواك من (1) أحد من خلقك ، وان تجيرني من النار برحمتك ، اللّهم صل على محمد وآل محمد ، وافتح لي (2) فتحا يسيرا وانصره نصرا عزيزا ، اللّهم صل على محمد وآل محمد ، وأظهر حجته بوليك واحى سنته بظهوره حتى يستقيم بظهوره جميع عبادك وبلادك ولا يستخفى أحد بشي ء من الحق مخافة أحد من الخلق ».
« اللّهم إني أرغب إليك في دولته الشريفة الكريمة ، التي تعز بها الإسلام واهله ، وتذل بها الشرك واهله ، اللّهم صل على محمد وآل محمد ، واجعلني فيها من الدعاة إلى طاعتك ، والقائدين (3) في سبيلك ، وارزقني كرامة الدنيا والآخرة ، اللّهم ما أنكرناه من الحق فعرفناه ، وما قصرنا عنه فبلغناه ، اللّهم صل على محمد وآل محمد واستجب لنا ما دعوناك وسألناك ، واجعلنا ممن يتذكر فتنفعه الذكرى ، وأعطني اللّهم سؤالى في الدنيا والآخرة ، انك على كل شي ء قدير ».
ثم يجتهد في الدعاء ، فاذا فرغ منه وغربت الشمس ، أفاض من عرفات الى المشعر الحرام.
هذه الأحكام على ضربين : واجب ، ومندوب ، فاما الواجب فهو : الوقوف بالموقف الى غروب الشمس ، والإفاضة منه الى المشعر الحرام عند غروبها ، واعادة
ص: 250
الحج من قابل إذا تركه متعمدا ، فان نسيه اعاده ما بينه وبين طلوع الفجر من يوم النحر ، فان لم يذكر ذلك الا بعد طلوع الفجر ، وكان قد وقف بالمشعر الحرام ، كان حجه ماضيا ولا شي ء عليه.
ولا يخرج أحد من منى الى عرفات الا بعد طلوع الفجر من يوم عرفة ، الا ان يكون مضطرا الى ذلك ، ولا يجوز الحاج منها وادي محسر الا بعد طلوع الشمس من هذا اليوم أيضا ، ولا يرتفع الى الجبل إلا لضرورة ولا يقف تحت الأراك ، ولا في نمرة ولا في ثوية ولا في ذي المجاز.
واما المندوب فهو : الدعاء في التوجه من منى الى عرفات ، والغسل عند زوال الشمس قبل الوقوف بها ، وضرب الخباء بنمرة وهي بطن عرنة ، والجمع في عرفات بين الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين ، وان لا يخرج الامام من منى إليها إلا بعد طلوع الشمس من يوم عرفة ، ومن سواه يجوز له الخروج قبل ذلك.
ينبغي لمن أراد الإفاضة من عرفات الى المشعر الحرام ان لا يفيض منها الى غيرها حتى تغرب الشمس ، فاذا غربت وأفاض منها قال : « اللّهم لا تجعله أخر العهد من هذا الموقف ، وارزقنيه ابدا ما أبقيتني واقلبني مفلحا منجحا مستجابا لي مرحوما مغفورا بأفضل ما ينقلب به أحد من وفدك عليك ، وأعطني أفضل ما أعطيت أحدا منهم من الخير والبر والرحمة والرضوان والمغفرة ، وبارك لي فيما ارجع (1) اليه من مال أو أهل أو قليل ، أو كثير ، وبارك لهم في ».
ويقصد في سيره (2) حتى يصل الى الكثيب الأحمر فإذا وصل اليه وهو عن يمين الطريق ، قال : « اللّهم ارحم موقفي ، وزك عملي ، وسلم ديني ، وتقبل مناسكي »
ص: 251
ثم يمضى حتى يصير عند المأزمين (1) ، فإذا صار عنده قال : اللّه أكبر أربع مرات ، ثم يقول : « اللّهم صل على محمد وآل محمد ، خيرتك من خلقك وآله الطاهرين ، الهى الى هاهنا دعوتني وبما عندك وعدتني ، وقد أجبتك بتوفيقك وفضلك فارحمني وتجاوز عنى بكرمك ».
ثم ينزل المشعر الحرام ، فاذا وصل اليه نزل به ان وجد فيه خللا (2) وان لم يجد ذلك لكثرة الناس نزل قريبا منه ويصلى فيه العشائين بأذان واحد وإقامتين ، ويؤخر نوافل المغرب الى بعد الفراغ من العشاء الآخرة ، ولا يصليها الا فيه ولو مضى ربع الليل أو ثلثه ، فان لم يبلغ إليه إلى ثلث الليل جاز له ان يصلى المغرب في الطريق.
فاذا فرغ من صلاته بالمشعر ، قال : « اللّهم هذه جمع (3) فأسألك ان تصلى على محمد وآل محمد ، وان تجمع لي فيها جوامع الخير الذي جمعت لانبيائك وأهل طاعتك من خلقك ، وقد أمرت عبادك بذكرك عند المشعر الحرام فصل على محمد وآل محمد ، ولا تؤيسني من خيرك ، وعرفني في هذا المكان ما عرفت أوليائك ، ولا تخيبني فيما رجوتك ، وأعتقني ولوالدي ولجميع المؤمنين من النار برحمتك ».
ثم يجتهد في الصلاة والدعاء طول ليلة (4) ان تمكن من ذلك الى الفجر ، فاذا طلع الفجر صلى الفريضة ، وتوقف متوجها الى القبلة ودعا بما نورده الان من دعاء الموقف بالمشعر الحرام ، ويجتهد في ذلك الى طلوع الشمس ، فاذا لم يتمكن من ذلك لضرورة ، فإنه يستحب له ان يطأ المشعر برجله مع التمكن منه.
ص: 252
ينبغي لمن أراد الوقوف بالمشعر الحرام بعد صلاة الفجر ان يقف منه بسفح الجبل متوجها الى القبلة ، ويجوز له ان يقف راكبا ، ثم يكبر اللّه سبحانه ويذكر من آلائه وبلائه ما تمكن منه ، ويتشهد الشهادتين ويصلى على النبي وآله والأئمة عليهم السلام وان ذكر الأئمة واحدا واحدا ودعا لهم وتبرأ من عدوهم كان أفضل.
ويقول بعد ذلك : « اللّهم رب المشعر الحرام ، فك رقبتي من النار ، وأوسع على من الرزق الحلال ، وادرء عنى شر فسقة الجن والانس ، اللّهم أنت خير مطلوب اليه ، وخير مدعو وخير مسئول ، ولكل وافد جائزة ، فاجعل جائزتي في موطني هذا ، ان تقيلني عثرتي وتقبل معذرتي وتجاوز عن خطيئتي ، ثم اجعل التقوى من الدنيا زادي برحمتك. »
ثم يكبر اللّه سبحانه مأة مرة ، ويحمده مأة مرة ، ويسبحه مأة مرة ، ويهلله مأة مرة ، ويصلى على النبي صلى اللّه عليه وآله ويقول : « اللّهم اهدني من الضلالة ، وانقدني من الجهالة ، واجمع لي خير الدنيا والآخرة ، وخذ بناصيتي الى هداك وانقلني الى رضاك ، فقد ترى مقامي بهذا المشعر الذي انخفض لك فرفعته ، وذل لك فأكرمته وجعلته علما للناس ، فبلغني فيه مناي ونيل رجائي ، اللّهم انى أسألك بحق المشعر الحرام ان تحرم شعري وبشرى على النار ، وان ترزقني حياة في طاعتك وبصيرة في دينك وعملا بفرائضك ، وابتاعا لاوامرك وخير الدارين جامعا ، وان تحفظني في نفسي وولدي ولوالدي وأهلي وإخواني وجيراني برحمتك.
ويجتهد في الدعاء والمسئلة والتضرع الى اللّه سبحانه الى حين ابتداء طلوع الشمس ، فاذا طلعت أفاض من المشعر الحرام إلى منى ، ويأخذ حصى الجمار منه ومن الطريق ، ولا يفيض قبل طلوع الشمس ، ويسير بسكينة ووقار ، ويذكر اللّه سبحانه ويصلى على النبي وآله عليهم السلام. ويجتهد في الاستغفار حتى يصل وادى محسر ، فاذا وصل الى هذا الوادي سعى فيه ، فان كان راكبا حرك دابته حتى يجوزه ، وهو يقول :
ص: 253
« اللّهم سلم عهدي ، واقبل توبتي واجب دعوتي واخلفني فيمن تركت بعدي » ثم يمضي إلى منى.
هذه الأحكام على ضربين : واجب ، ومندوب ، فالواجب : هو الوقوف به ، وذكر اللّه سبحانه والصلاة على النبي وإله عليهم السلام ، والرجوع الى منى بعد ذلك ، واعادة الحج من قابل إذا ترك هذا الوقوف متعمدا ، وكذلك يجب عليه إذا أدرك المشعر بعد طلوع الشمس ، فإن أدركه قبل ذلك كان الحج ماضيا ، ولا يرتفع الوقوف بالمشعر الحرام الى الجبل ، إلا لعائق من ضيق أو ما أشبهه.
ولا يخرج أحد من المشعر قبل طلوع الفجر ، ولا يجوز وادي محسر حتى تطلع الشمس أيضا ، ولا يخرج الامام من المشعر الا بعد طلوع الشمس مع التمكن من ذلك.
واما المندوب : فهو الدعاء عند الإفاضة إلى المشعر الحرام ، والاقتصاد في السير اليه ، والدعاء عند الكثيب الأحمر ، والسعي عند وادي محسر حتى يجوزه ، والدعاء عند هذا الوادي ، ويجمع بين العشائين بأذان واحد وإقامتين ، وان لا يصلى بين العشائين نوافل ، بل يؤخر ذلك الى بعد صلاة عشاء الآخرة.
ينبغي للحاج إذا فرغ من الوقوف بالمشعر الحرام الرجوع الى منى ويقضى مناسكه بها ، وهذه المناسك ثلاثة أشياء ، وهي رمى الجمار ، والذبح ، والحلق.
إذا أردنا أن نبين رمى الجمار ، فينبغي ان نبين ما يجوز الرمي به من هذا الحصا ، فهو الذي يأخذ من جمع أو من مني أو من الطريق إذا عاد الحاج من المشعر
ص: 254
الحرام إلى منى ولم يتمكن من أخذها من جمع ولا من منى ، و (1) يجوز أخذها من جميع الحرم الا ما سنذكره.
وينبغي ان يكون برشا (2) منقطة ، كحلية ، ولا يكسرها ، ويكره ان يكون صما ، ولا يأخذ الحصى للرمي من خارج الحرم ، ولا حصى المسجد الحرام ، ولا مسجد الخيف ، وينبغي للعائد من المشعر الحرام إلى منى يوم النحر ان يرمى الجمرة القصوى وحدها بسبع حصيات ، ولا يرمى غيرها في هذا الوقت ، بل يرمى الجمار الثلاث بعد رجوعه من مكة وفراغة من طواف الحج وسعيه في أيام التشريق ، وهي - الثاني والثالث والرابع من يوم النحر ، في كل يوم بإحدى وعشرين حصاة كل واحدة بسبع حصيات ، فتكون جملة الحصى سبعين حصاة ، يرمي منها يوم النحر جمرة العقبة بسبع حصيات ، ويبقى منها ثلاث وستون حصاة ، يرمى في أيام التشريق الجمار الثلاث ، في كل يوم بإحدى وعشرين حصاة ، لكل واحدة سبع حصيات.
فإذا أراد الحاج رمى الجمار بهذه الحصيات ، فينبغي ان يكون على طهر ، ويقف متوجها الى القبلة ، ويجعل الجمرة عن يمينه ، ويكون بينه وبينها مقدار عشرة أذرع إلى خمسة عشر ذراعا من بطن الميل ، ويأخذ الحصاة فيضعها على باطن إبهامه ويدفعها بالمسبحة ، وقيل بل يضعها على ظهر إبهامه ويدفعها بالمسبحة.
ويقول : « اللّهم هذه حصياتي ، فأحصهن لي وارفعهن في عملي ، بسم اللّه وباللّه اللّهم صل على محمد وعلى آل محمد ، اللّه أكبر اللّهم تصديقا بكتابك وعلى سنة نبيك ، اللّهم اجعله حجا مبرورا وسعيا مشكورا ، وعملا مقبولا وذنبا مغفورا » ويقول ذلك مع كل حصاة ، ويجزيه ان يذكر ذلك مع الاولى ، ويكبر مع كل واحدة ، أو يكبر مع الكل ، لكل واحدة تكبيرة ، ويفعل ذلك حتى يتم رمى السبع حصيات ،
ص: 255
فاذا ثم ذلك رجع الى رحله بمنى ، وهو يقول : « اللّهم بك وثقت ، وعليك توكلت فنعم الرب ونعم المولى ونعم النصير »
فان كان نائبا من غيره قال عند رمى الجمرة : « اللّهم ان هذه الحصيات عن فلان بن فلان ، فأحصهن له وارفعهن في عمله ، واجعله له حجا مقبولا وسعيا مشكورا وعملا مبرورا ، وأثبني على أدائي عنه » ويدعو له ولنفسه بما أراد ، ثم يبتاع الهدى
إذا لم يرم الحاج الجمار الى ان غابت الشمس ، لم يجز له الرمي الا من الغد بكرة ، ولا يرمى ليلا إلا لضرورة من خوف أو غيره الا ان يكون امرأة أو عبدا فإنه يجوز لهما ذلك.
وينبغى ان يرمى من (1) يحج به من صبي ومن لا يقدر على ذلك لمرض أو غيره ، فإذا نسي الرمي حتى اتى مكة كان عليه ان يرجع ليقضى ذلك ، وان لم يذكره حتى عاد إلى أهله لم يكن عليه شي ء ، فان عاد حاجا قضاه ، فان لم يحج ، أمر من يقضى عنه ، وإذا بدء بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم الأولى ، أعاد على الوسطى وجمرة العقبة.
فاذا سهى فرمى الجمرة الأولى بثلاث حصيات ، ورمى الجمرتين الأخيرتين على التمام ، أعاد عليها كلها ، فان كان قد رمى الاولى بأربع ، ثم تمم الرمي على الأخيرتين ، أعاد على الاولى بثلاث حصيات ولم يعد على الباقي ، وكذلك إذا رمى الوسطى بأقل من أربع ، أعاد عليها وعلى ما بعدها ، فان كان رماها بأربع تممها ولا اعادة عليه الثالثة.
وإذا علم انه قد نقص حصاة ولم يعلم لأي الجمار هي ، أعاد على كل واحدة منهن بحصاة ، ومن كان عليه رمى يومين ، رماها كلها يوم النفر ، وإذا فاته رمى لأمسه رمى ما فاته من ذلك من الغد بكرة ، وما كان مخصوصا بيومه رماه عند الزوال ،
ص: 256
وإذا رمى جمرة بحصاة فوقعت في محله (1) أعاد مكانها غيرها ، فإن أصابت شيئا (2) ووقعت على الجمرة فلا اعادة عليها.
الهدى لا يكون الا من الإبل أو البقر أو الغنم ، فان كان من الإبل فيجب ان يكون ثنيا من الإناث ، وهو الذي تمت له خمس سنين ودخل في السادسة ، وان كان من البقر ، فيكون ثنيا من الإناث أيضا فما فوق ذلك ، والثني منها هو الذي تمت له سنة ودخل في الثانية ، وان كان من الضأن فجذعا فما فوقه وهو الذي لم يدخل في السنة الثانية.
ويجب ان لا يكون ناقص الخلقة ، ولا أعور بين العور ، ولا أعرج بين العرج ، ولا عجفاء (3) ولا أجذم ، ولا أجذع (4) وهو المقطوع الاذن ، ولا خصيا ، الا ان لا يقدر على غيره ، ولا اعضب وهو المكسور القرن ، الا ان يكون الداخل صحيحا والخارج مقطوعا ، فإنه يجوز إذا كان كذلك ويحضر به عرفات ، ولا يجزى الهدى الواحد عن أكثر من واحد ، إلا في حال الضرورة فإنه يجزى عن أكثر من ذلك.
وإذا ضل الهدى عن صاحبه ، فوجده غيره فذبحه بغير منى ، كان على صاحبه العوض لأنه انما يجزى عنه إذا ذبحه بمنى.
ص: 257
وينبغي لصاحب الهدى ان لا يأكل منه إذا كان قد وجب عليه في نذر أو كفارة ، فإن أكله من غير ضرورة كان عليه الفداء ،
ولا ابتياعه مهزولا (1) - وهو عالم بذلك - وحد الهزال الذي لا يجوز معه ذلك هو ان لا يكون على كليتيه شحم وان اشتراه على انه سمين فخرج مهزولا كان مجزيا ، ولا يجزى المهزول الا بان لا يقدر على غيره.
وينبغي ان يجعل حكم ما ينتج من الهدى حكم امه في وجوب النحر أو الذبح وإذا ضاع الهدى بعد تقليده وإشعاره واشترى عليه ، ثم وجد الأول وأراد ذبح (2) الثاني فعليه ذبح الأول معه ، لأنه إنما يجوز له بيع الثاني إذا اختار ذبح الأول ، فان لم يكن أشعر الأول ولا قلده ، كان مخيرا في ذبح أيهما شاء والأفضل ذبحهما جميعا
ولا ينبغي تأخير الذبح بمنى الى بعد الحلق الا ان يكون ناسيا ، وإذا لم يقدر على ابتياع الهدى ، فينبغي ان يترك ثمنه عند ثقة يشتريه به ويذبحه عنه في العام المقبل ، وإذا لم يقدر المتمتع على هدى التمتع كان عليه صوم عشرة أيام ، سبعة منها إذا رجع الى اهله ، وثلاثة في الحج وهي يوم قبل التروية ، ويوم التروية ، ويوم عرفة ، فان لم يتمكن من ذلك صام ثلاثة أيام بعد التشريق ، فان لم يقدر صام باقي ذي الحجة
فإن دخل عليه المحرم ولم يكن صام من ذلك شيئا كان عليه دم. والسيد إذا أمر عبده بالحج متمتعا ، كان عليه ان يذبح عنه أو يأمره بالصوم ، فإن أعتق العبد قبل الوقوف بالموقفين ، كان عليه الهدى ، والحاج يصوم صوم الهدى عمن يلي أمره إذا مات قبل ان يصومه.
ومن نذر ذبح هدي في مكان معين ، وجب عليه ذبحه في ذلك المكان ، فان ولم يعين ذلك ذبحه بفناء الكعبة (3) وهدي المتعة ينبغي ان يذبح في أيام ذي الحجة
ص: 258
ولا يتجاوز به ذلك ، وان كان أحرم بالحج ذبحه بمنى ، وان كان للعمرة المفردة ذبحه بالحزورة مقابل الكعبة ، وأيام الذبح بمنى أربعة وهي - يوم النحر وثلاثة بعدها وفي سائر الأمصار ثلاثة أيام أولها يوم النحر ويومان بعدها.
ويستحب له ان يتطوع بالهدي ، إذا لم يكن متمتعا ، وإذا صام ثلاثة الأيام بمكة ثم تمكن من الهدى فليهده ، وينبغي ان ينحر ما يجب نحره ، قائماً مربوط اليدين بين الخف والركبة ، ولا يأخذ من جلده شيئا بل يتصدق به ، والذابح ينبغي ان يتولى الذبح بنفسه ، فان لم يستطع ذلك وضع يده مع الذابح
ويسمى بسم اللّه عند الذبح ، ولا يترك التسمية فإنها واجبه ، ومتى تعمد تركها لم يجز أكل ما ينحره أو يذبحه فان كان ناسيا جاز له ذلك ، ويدعو عند الذبح وان جمع بين الهدى والأضحية كان أفضل ، وان كان نائبا عن غيره ذكره عند الذبح
وينبغي ان يقسم ذلك ثلاثة أقسام : يأكل الواحد - الا ان يكون هدى نذرا أو كفارة ، فإنه ان كان كذلك لم يجز أكل شي ء منه - ويهدى قسما آخر ، ويتصدق بالثالث.
فاما الأضحية فهي مندوبة وشروطها شروط ذبح الهدى سواء ، والأيام التي ينبغي نحرها أو ذبحها فيها هي الأيام التي ينبغي نحر الهدى أو ذبحه فيها ، وقد سلف ذكر ذلك.
إذا ذبح الحاج هديه أو نحره اغتسل وقصر من شعره أو حلق ، والتقصير هو الواجب والحلق مندوب ، فان كان الحاج صرورة (1) فقد ذكر انه لا يجزيه الا الحلق ، ومن لم يكن صرورة ، فالتقصير يجزيه الا ان الحلق أفضل.
والحلق يجب ان يكون بمنى ، فإن نسي حتى خرج منها رجع إليها ليقصر أو يحلق بها ، فان لم يتمكن من ذلك حلق في موضع الذكر له وينفذ شعره ليدفن
ص: 259
بها ، وليس على النساء حلق ويجزيهن التقصير وينبغي لمن أراد التقصير أو الحلق ان يغتسل ويستقبل القبلة ، ويقصر من شعر رأسه ولحيته وأظفاره وان شاء حلق ، ويكون الابتداء بالحق من الناصية من القرن الأيمن إلى الأذنين ، فان لم يكن على رأسه شعر أمر الموسى عليه.
ويدعو عند ذلك ويقول : « اللّهم أعطني بكل شعرة نورا يوم القيامة وحسنات مضاعفة » فإن كان نائبا عن غيره قال : « اللّهم هذا عن فلان ، اللّهم حرم شعره وبشره من النار » فاذا فرغ من ذلك فينبغي ان يدخل مكة لزيارة البيت ويرجع الى منى.
من فرغ من التقصير أو الحلق ، فينبغي ان يتوجه إلى مكة من يومه أو من الغدوة (1) ولا يؤخر ذلك ، ليزور البيت بطواف الزيارة وهو طواف الحج ويسعى سعيه ، وينبغي ان يغتسل ان توجه إلى زيارة البيت في اليوم الثاني من يوم النحر ، فان كان توجهه الى ذلك يوم النحر كان الغسل الذي فعله عند الحلق مجزيا له عن ذلك
ويذكر اللّه سبحانه في توجهه إلى مكة ، ويأتي من حمده والثناء عليه بما امكنه ويصلى على النبي وإله عليهم السلام بما أمكن أيضا ، ويدعو فيقول : « اللّهم انى أريد بتوجهي هذا زيارة بيتك الحرام غير راغب عن مشاعرك العظام ، فأسألك أن تعينني على نسكي ولا تجعله آخر العهد منى يا ذا الجلال والإكرام » ويقرء سورة « إنا أنزلناه ».
فإذا وصل الى مكة قال : « الحمد لله رب العالمين ، وصلى اللّه على محمد وآله الطاهرين وسلم تسليما ، اللّهم انى عبدك والبلد بلدك ، والبيت بيتك ، حيث اطلب رحمتك ، متبعا لأمرك راضيا بقدرك ، فأسألك المضطر الخائف المشفق من عذابك ان تلبسني عفوك وتجيرني من النار بحرمتك » (2)
ص: 260
ثم يمضي ، فإذا وصل الى باب المسجد الحرام - وهو باب بني شيبة - وقف على عتبته - وقد ذكرنا انها الصنم الذي يسمى هبلا - ثم يقول « السلام على رسول اللّه وعلى أهل بيته الطاهرين ، السلام على أنبياء اللّه ورسله وملائكته وحججه ، اللّهم صلى على محمد وآله أجمعين وسلم عليهم تسليما ، يا مقيل العثرات يا مكفر السيئات ، أسألك أن تقيلني عثرتي وان ترحم عبرتي وتجاوز عن زلتى ، اللّهم هذا مقام العائذ بك من النار ، فأعذني منها ووالدي وولدي وجميع أهلي وإخواني ، بقدرتك انك على كل شي ء قدير » ويدخل المسجد ويقدم رجله اليمنى ، ويقول : « بسم اللّه وباللّه اللّهم صلى على محمد وآل محمد ».
ثم يمضى حتى يقف عند الحجر الأسود ، فيستلمه ويدعو عنده كما دعا يوم قدم مكة ، ويبتدئ منه بطواف الزيارة - وهو طواف الحج كما ذكرنا - يفعل فيه كما فعل في طواف التمتع ، من الابتداء بالحجر الأسود والختم به والدعاء وغير ذلك ، فاذا فرغ من ذلك مضى الى الصفا وسعى سعى الحج ، يفعل فيه كما فعل في السعي الأول الذي هو سعى التمتع ، فاذا فرغ من سعى الحج طاف طواف النساء ، ويجوز له تأخيره عن هذا اليوم ، الا انه لا تحل له النساء حتى يطوف ، فاذا فرغ مما ذكر رجع الى منى لرمي الجمار الثلاث بها في أيام التشريق ، ويبيت بها ليالي هذه الأيام الثلاث.
إذا فرغ مما قدمنا ذكره من طواف الحج أو سعيه ، خرج عائدا إلى منى ، فاذا وصل إليها بات بها ليالي التشريق ، فان بات بغيرها ليلة من هذه الليالي كان عليه شاة ، ثم يرمى الجمار الثلاث في كل يوم من هذه الأيام الثلاث بإحدى وعشرين حصاة ، ويفعل في حال الرمي مثل ما قدمنا ذكره في رمى الجمرة القصوى يوم النحر ، ويأتي من أحكام الرمي والدعاء بما ذكرناه هناك.
ويكبر في أيام التشريق بمنى عقيب خمس عشرة صلاة - أولها الظهر من يوم
ص: 261
النحر وآخرها صلاة الغداة من يوم الرابع منه - يقول : « اللّه أكبر ، اللّه أكبر ، لا إله إلا اللّه واللّه أكبر ، اللّه أكبر ، ولله الحمد ، اللّه أكبر على ما هدانا ، والحمد لله على ما أولانا ، ورزقنا من بهيمة الأنعام » ثم ينفر من منى بعد ذلك.
النفر نفران - أول وثان - فاما الأول : فيومه يوم الثاني من أيام التشريق وهو الثالث من يوم النحر ، واما الثاني : فيومه يوم الثالث من أيام التشريق وهو الرابع من يوم النحر أول النهار ، واما إذا انتصبت الشمس (1) فمن أراد النفر من منى ، فليصل بمسجد الخيف ست ركعات أو ركعتين عند المنارة ، فاذا فرغ منها دعا فقال : « الحمد لله حقا حقا وقولا وصدقا ، وصلى اللّه على سيدنا محمد رسوله وعلى آله الطاهرين وسلم تسليما ، اللّهم أنت اللّه لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ، ولا مضل لمن هديت ولا هادي لمن أضللت ، ولا معز لمن ذللت ، ولا مذل لمن أعززت ، ولا مقدم لمن أخرت ولا مؤخر لمن قدمت ، وأسألك يا اللّه يا رحمان يا رحيم ، ان تصلى على محمد وآله الطاهرين ، وان تفعل بي كذا وكذا - وتذكر حوائجك للدنيا والآخرة. »
ثم يخرج (2) ما بقي عليه رمى الجمار ، وينفر بعد ذلك ، ثم يمضي إلى مكة.
وكل من أصاب النساء أو شيئا من الصيد فليس له ان ينفر في النفر الأول ، وعليه ان يقيم الى النفر الأخير ، ومن لم يصب ذلك فله ان ينفر في النفر الأول ، والأفضل له ان يقيم الى النفر الأخير.
وإذا أراد ان ينفر في النفر الأول فلا ينفر حتى تزول الشمس ، ومن كانت به ضرورة من خوف وغيره فإنه يجوز له تقديم ذلك قبل الزوال ، وليس له ذلك مع ارتفاع الضرورة عنه ، ومن أراد النفر بعد الزوال في النفر الأول ، فله ان ينفر
ص: 262
بينه وبين غروب الشمس ، فاذا غربت فلم يجز له النفر وعليه ان يبيت بمعنى الى الغد.
فاذا نفر في النفر الأخير فيجوز له ان ينفر من بعد طلوع الشمس اى وقت شاء ، وان لم ينفر وأراد المقام جاز له ذلك ، إلا الإمام وحده فان عليه ان يصلى الظهر بمكة.
ومن نفر من منى وكان قد قضى مناسكه كلها ، جاز له ان لا يدخل مكة ، وان كان قد بقي عليه شي ء من المناسك لم يكن له بد من الرجوع إليها والأفضل دخول مكة على كل حال.
فاذا مضى إلى مكة ووصل الى مسجد الحصا (1) وهو مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فيدخله ويستلقي على ظهره فيه ، فاذا استراح توجه إلى مكة ، فإذا وصل إليها فليغتسل ويدخل بعد ذلك الكعبة ، فإن كان صرورة من الرجال دون النساء لم يجز له ترك ذلك مع الاختيار ، فان لم يتمكن من ذلك لضرورة فلا شي ء عليه.
ومن دخلها فينبغي ان يكون حافيا ، ولا يدخلها بحذاء ولا يمتخط (2) ، ولا يبصق ، ثم يدعو عند دخولها فيقول : « بسم اللّه وباللّه ما شاء اللّه وعلى ملة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله السلام ، السلام على محمد بن عبد اللّه رسول اللّه ، السلام على أمير المؤمنين عليه السلام وصي نبي اللّه - ويسلم على الأئمة عليهم السلام - ويقول : الحمد لله الذي جعلني من وفد بيته وزواره ، اللّهم إني أسألك بلا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك يا أحد يا فرد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، ان تصلى على محمد وآل محمد ، وان تفك رقبتي من النار ، اللّهم انك قلت ومن دخله كان آمنا ، فآمني من عذابك ومن الفتنة في الدنيا والآخرة برحمتك.
ويصلى بين الأسطوانتين على الرخامة الحمراء ركعتين ، يقرء في الأولى الفاتحة وحم السجدة ، وفي الثانية الفاتحة وعدد آيات السجدة ، وان قرء غير ذلك كان جائزا ، ويصلى في كل زاوية من زواياها ركعتين ، بدء بالزاوية التي فيها الدرجة
ص: 263
ثم بالغربية ، ثم التي فيها الركن اليماني ، ثم التي فيها الحجر الأسود.
فاذا فرخ من ذلك دعا ، فقال : « اللّهم من تهيأ أو تعبأ أو أعد واستعد لوفادة إلى مخلوق رجاء رفده وجوائزه ونوافله وفواضله ، فإليك يا سيدي تهيئتي وإعدادي واستعدادي ، رجاء رفدك ونوافلك وفواضلك وجائزتك ، فلا تخيب اليوم رجائي ، يا من لا يخيب عليه سائل ، ولا ينقصه نائل ، فإني لم آتك اليوم بعمل صالح قدمته ، ولا شفاعة مخلوق رجوته ، ولكني أتيتك مقرا بالظلم والاسائة على نفسي ، لا حجة لي ولا عذر ، فأسألك يا من هو كذلك ان تعطيني مسئلتي وتقيلني عثرتي وتقبل رغبتي ، ولا تردني ممنوعا ولا خائبا ، يا عظم يا عظيم أرجوك للعظيم ، أسألك يا عظيم ان تغفر لي الذنب العظيم ، لا إله إلا أنت يا رب العالمين.
وينبغي ان يلتصق بالحائط بين الركن اليماني والغربي ، ويرفع يديه عليه ويجتهد في الدعاء عنده ، ويفعل عند كل ركن مثل ذلك ، ثم يخرج من الكعبة ويمضى إلى بئر زمزم ويشرب من مائها ، فإذا خرج منها قال عند خروجه ثلاث مرات : « اللّهم لا تجهد (1) بلائي ، ولا تشمت بي أعدائي ، ولا تجعل النار مثواي (2).
ويصلى في موضع المقام الذي كان على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ركعتين وان يجعل مقام إبراهيم عليه السلام خلف ظهره ، ويكون قريبا من حائط الكعبة ، فاذا فرغ من الصلاة مضى إلى بئر زمزم ، فاستقى بها بالدلو المقابل للحجر الأسود ان تمكن من ذلك ، وشرب منه وصب على رأسه وبدنه ان قدر على ذلك ، ودعا فقال « اللّهم اجعله علما نافعا ، ورزقا واسعا ، وشفاء من كل داء وسقم » ويقرء إنا أنزلناه وان كان نائبا عن غيره ، ذكره بمثل ذلك.
فإن أراد المسير فليقصد البيت الحرام ليودعه ، ووداعه له هو ان يطوف به بطواف الوداع سبعة أشواط ، ويفعل فيها كما فعل في الطواف يوم قدم مكة ، فإذا
ص: 264
فرغ من ذلك التصق بالحطيم وهو أشرف بقعة على وجه الأرض وهو ما بين الحجر الأسود والباب ، وجعل صدره على الحائط ، ويبسط يده عليه ، حتى يكون اليمنى على جهة الباب ، واليسرى من جهة الحجر الأسود ويحمد اللّه سبحانه ، ويصلى على النبي عليه السلام.
ثم يقول : « اللّهم صل على محمد عبدك ورسولك ، ونبيك وأمينك ، ونجيبك وخيرتك من خلقك ، كما بلغ رسالاتك وجاهد في سبيلك ، وصدع بأمرك وأذى (1) في جنبك وعبد حتى أتاه اليقين ، اللّهم اقلبني مفلحا منجحا مستجابا لي بأفضل ما يرجع به من وفدك (2) من المغفرة والبركة والرحمة والرضوان والعافية اللّهم ان أمتني فاغفر لى ، وان أحييتني فارزقنيه من قابل ، اللّهم لا تجعله آخر العهد من بيتك ، اللّهم انى عبدك وابن أمتك ، حملتني على دابتك وسيرتني في بلادك ، حتى أقدمتني حرمك وأمنك ، وقد كان في حسن ظني بك ان تغفر لي ذنوبي ، فازدد على رضاك وقربني إليك زلفى ، ولا تباعدني من رضاك ، فان كنت تغفر لى فمن الان فاغفر لى قبل تنائى (3) عن بيتك داري ، فهذا أو ان انصرافي إن كنت أذنت لي ، غير راغب عنك ولا عن بيتك (4) ولا مستبدل بك ولا به ».
« اللّهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي حتى تبلغني أهلي فاكفني مؤنة عبادك وعيالي ، فإنك ولي ذلك من خلقك ، وامنى برحمتك ».
ويصلى ركعتين عند المقام لطواف الوداع ، فاذا فرغ منهما رفع يديه للدعاء فقال : « اللّهم انى خرجت من بيتي إلى بيتك الحرام ، قاصدا إليك أريدك لا أريد غيرك ، وأنت الذي رزقتني ذلك ومننت على به ، اللّهم إني أردت اتباع كتابك
ص: 265
وسنة نبيك صلى اللّه عليه وآله وأداء فرضك وقضاء حقك ، وانا عبدك وضيفك وفي حرمك نازل بك ، وعلى كل مأتي حق ، لمن أتاه وزاره ، وأنت أفضل مأتي ، وأكرم مزور ، وخير من طلبت اليه الحاجات ، وأكرم من سئل ، وارحم من استرحم ، وأجود من اعطى ، وارأف من عفى ، واسمع من دعي ، وأكرم من اعتمد عليه ».
« اللّهم وبي فاقة إليك ، وعندي الطلبات أنا مرتهن بها ، قد أثقلت ظهري وأفقرتني الى رحمتك ، اعتمد عليك فيها ، وأسألك مسامحتها وغفرانها قديمها وحديثها ، عمدها وخطأها ، كبيرها وصغيرها ، قليلها وكثيرها ، وكل ذنب أذنبته ، مغفرة عنها يا عظيم ، فإنه لا يغفر الذنب العظيم إلا أنت يا عظيم ، اللّهم إني أسألك رزقا واسعا وعلما نافعا وعيشا هنيئا حاصلا (1) وسرورا جامعا ».
ويجتهد في الدعاء لنفسه ولوالديه واهله وجميع المؤمنين ، ويصلى بعد ذلك عند الأركان كلها ، ويدعو أيضا عند الحطيم بما قدر عليه ، وان قدر على ان يتعلق بحلقة الباب ، فليفعل ويقول : « المسكين ببابك فتصدق عليه بالجنة » ، ثم يشرب من ماء زمزم ، ولا يصب على رأسه منه شيئا ، ثم يخرج بعد ذلك من المسجد ، ويجعل خروجه من باب الحناطين.
فاذا اتى الى هذا الباب وقف قبل خروجه منه ، ثم استقبل الكعبة وخر ساجدا ، وقال : « سجدت لك يا رب تعبدا ورقا ، لا إله إلا أنت ربي حقا حقا ، اللّهم اغفر لى ذنوبي وتقبل حسناتي ، وتب على انك أنت التواب الرحيم » ، ثم يرفع رأسه ويحمد اللّه تعالى ، ويثنى عليه وصلى على النبي وآله عليهم السلام ، ويقول « اللّهم انى انقلب على قول لا إله إلا اللّه ».
فان كان نائبا عن غيره ، قال : « اللّهم أنت العالم بان فلان بن فلان قد ائتمنني على النيابة عنه في هذه الحجة ، اللّهم وقد أديتها وبذلت مجهودي فيها ، ولم أشرك معه غيره فيها ، اللّهم فإني أشهدك وكفى بك شهيدا انها لفلان بن فلان ، واننى
ص: 266
نائب عنه فاجعلها اللّهم مكتوبة له عندك ، وأثبني في أدائي لها وقيامي بها برحمتك ».
ثم يخرج من باب المسجد وهو يقول : « آئبون تائبون عابدون ، لربنا حامدون ، وله شاكرون ، والى ربنا راغبون ، والى ربنا راجعون » ، ثم يشترى بدرهم - أو ما قدر عليه - تمرا ويتصدق به قبضة قبضة ، ويتوجه إلى زيارة النبي صلى اللّه عليه وآله ان لم يكن زاره في توجهه الى الحج ، وسنذكر زيارته صلى اللّه عليه وآله فيما يأتي من الزيارات ان شاء اللّه تعالى.
إذا وجب الحج على المكلف ومنعه من الخروج لأدائه مانع - من سلطان أو مرض أو عدو - على وجه لا يمكنه معه الخروج لذلك بنفسه ، كان عليه إخراج نائب عنه ، فاذا ارتفع المانع وجب عليه الحج بنفسه ، فان لم يرتفع ذلك المانع حتى مات كانت حجة النيابة مجزية عنه.
ومن كان مملوكا أو طفلا فحج به وليه ، لم تجزه هذه الحج عن حجة الإسلام وكان على المملوك إذا انعتق ، والطفل إذا بلغ ، الحج بنفسه ، فان انعتق المملوك قبل الوقوف بأحد الموقفين كان ذلك مجزيا له عن إعادته.
وإذا وجب الحج على الإنسان ومنعه من الخروج بنفسه لأدائه مانع ، ولم يقم نائبا ينوب عنه في ذلك ، أو كان متمكنا من الخروج ولم يخرج ثم مات ، وجب ان يخرج من ماله قبل قسمة ميراثه ، مقدار ، ما يحج به عنه ، فان لم يخلف الا مقدار الحج ، حج عنه بذلك ، وكذلك يجب ان يفعل إذا لم يخلف الا مقدار ما يحج به عنه من بعض المواضع (1).
ومن لم يقدر على الزاد والراحلة ، وكان له ولد له مال ، جاز له ان يأخذ من ماله مقدار ما يحج به على الاقتصاد ، ومن لا يكون متمكنا من الاستطاعة ومكنه بعض
ص: 267
إخوانه من ذلك وجب عليه الحج فإن أيسر بعد ذلك كان عليه اعادة الحج استحبابا.
ومن وجب عليه واقام في النيابة عنه من هو صرورة وهو الذي لم يحج قط ، كانت نيابته عنه صحيحة ، الا انها لا يجزى هذا النائب عن حجة الإسلام ، ويجب عليه إذا تمكن من الاستطاعة ، الحج عن نفسه.
ومن نذر حجة وجب ذلك عليه ، وان كانت حجة الإسلام قد وجبت عليه وجب ان يحجها أيضا ، وليس يجزى احدى هاتين الحجتين ، عن الأخرى.
وإذا كان الإنسان مخالفا للحق واتى بجميع أركان الحج لم يجزه هذه الحجة عن حجة الإسلام ، وعليه الإعادة لذلك إذا صار من أهل الحق ، وقد ذكر أنها مجزية.
ومن أراد ان يحج عن غيره ، لم يجز له ذلك حتى يقضى ما يجب عليه منه ان كان ذلك قد وجب عليه ، ومن لم يكن له مال فإنه يجوز له الحج من غيره ، فاذا تمكن من المال بعد ذلك ، كان عليه ان يحج عن نفسه.
ومن أمر غيره ان يحج عنه متمتعا ، وكان هذا المأمور نائبا بأجرة ، لم يجز له ان يحج عنه الا كذلك ، فان حج عنه قارنا أو مفردا لم يجز له ذلك وكان عليه الحج عنه متمتعا فإن أمره أن يحج عنه قارنا أو مفردا فحج عنه متمتعا ، كان ذلك جائزا ولم يكن عليه شي ء.
فإن أمره أن يحج عنه من طريق بعينه ، جاز له المسير في غيرها ، وان امره أن يحج عنه بنفسه ، لزمه الحج كذلك ولم يجز له ان يستنيب غيره في ذلك ، الا ان يأذن له المستنيب فيه ، فإذا اذن له فيه كان جائزا.
وإذا أخذ إنسان حجة من غيره لم يجز له ان يأخذ حجة أخرى حتى يقضى الاولى ، ومن كان نائبا عن غيره فصد عن بعض الطريق ، فعليه ان يرد من اجرة النيابة بقدر ما بقي عليه الا ان يضمن الحج في المستقبل ، ومن كان نائبا عن غيره ومات قبل الإحرام ودخول الحرم وترك موروثا ، كان على وارثه ان يرد من تركته مقدار
ص: 268
ما بقي عليه من نفقة الطريق الى من استنابه في الحج عنه ، وان كان مات بعد الإحرام ودخل الحرم فقد بري ء من الحج ، ولم يجب على ورثته شي ء ، وكانت حجته مجزية عمن استنابه.
وإذا أخذ إنسان حجة وأنفق على نفسه في طريقه نفقة على وجه الاقتصاد ، ثم فضل له شي ء كان له ، وان لم يفضل له شي ء واحتاج الى زيادة ، يستحب لصاحب الحجة ان يدفع ذلك اليه ، وان لم يدفعه اليه ، لم يجب عليه شي ء ، وإذا تطوع الإنسان بالحج عن ميت ، وقد كان هذا الميت ، وجب الحج عليه ، فقد سقط عنه فرض الحج بحجة التطوع.
وإذا ترك إنسان عند غيره وديعة ثم مات ، فعلى المودع أن يأخذ منها مقدار ما يحج به عنه فيصرفه الى من ينوب عنه في الحج ، هذا من (1) علم أو غلب على ظنه ان وارثه لا يقضى عنه ، فاما ان لم يعلم ولا غلب على ظنه ذلك ، فان الواجب عليه ان لا يتعرض لأخذ شي ء من الوديعة على حال ، وان يعيدها على وارثه على حالها ،
ومن كان مخالفا في الاعتقاد فلا يجوز الحج عنه ، قريبا كان في النسب أو بعيدا إلا الأب خاصة ، فقد ذكر جواز ذلك عنه وان كان مخالفا وذلك عندي لا يصح.
وليس يجوز للمرأة الحج عن غيرها الا ان تكون عارفة وقد حجت حجة الإسلام فان لم تكن كذلك لم يجز لها الحج عن غيرها ، والنائب عن غيره في الحج ، ينبغي ان يذكره في ادعيته ومواقفه وما يتعلق به ، وان لم يذكره واعتقد ذلك في نفسه كان جائزا ، ولم يفسد بترك ذلك حجه.
إذا كان للمرأة زوج وعزمت على الحج ، فينبغي لها ان لا تخرج الا معه ، فان منعها من ذلك لم يجز لها مخالفته ، الا ان يكون الحجة التي تريد الخروج إليها هي حجة الإسلام وقد وجبت عليها فإنه لا يجوز لزوجها منعها من ذلك ، فان منعها
ص: 269
جاز لها مخالفته في ذلك فان كان الحج تطوعا ومنعها من الخروج لم يجز لها مخالفته ، وإذا لم يخرج زوجها معها أو لم يكن لها زوج ، فينبغي لها ان لا تخرج الا مع ذي رحم محرم مثل الأب أو الأخ أو العم أو الخال ، فان لم يكن لها ذلك ، جاز لها الخروج مع من يثق بدينه وأمانته من المؤمنين.
وان كانت المرأة في عدة من طلاق فلها أيضا الخروج فيها - إذا كانت الحجة التي تريد الخروج إليها حجة الإسلام - سواء كان للزوج عليها في العدة رجعة أو لم يكن له عليها ذلك ، فان كان له عليها فيها رجعة وكانت الحجة التي تريد الخروج إليها تطوعا ، لم يجز لها الخروج إلا باذنه ، وان كانت العدة من وفاة ، جاز لها الخروج الى الحج واجبا كان أو تطوعا.
الحاج انما يكون مصدودا بان يمنعه العدو ويصده عن الدخول إلى مكة ، فإذا كان كذلك كان عليه ان يذبح هديه في الموضع الذي صده العدو فيه ، ويحل من جميع ما أحرم منه.
والمحصور هو الذي يلحقه من المرض ما لا يتمكن معه من الوصول إلى مكة ، فإذا لحقه ذلك على هذا الحد فينبغي له ان كان قد ساق هديا ان يبعث به الى مكة ، ثم يجتنب ما يجتنبه المحرم حتى يبلغ الهدى محله ، ومحله منى يوم النحر ان كان حاجا ، أو كان معتمرا فمحله مكة بفناء الكعبة ، وإذا بلغ هديه محله قصر من شعر رأسه وحل له كل شي ء اجتنبه الا النساء.
فان كان صرورة وجب عليه الحج من قابل ، فان لم يكن صرورة لم يكن عليه ذلك ، ويستحب له إعادته ، فان لم يعده فليس عليه شي ء ، ولا يحل له النساء الى ان يحج من قابل ان كان ممن يجب عليه الحج ، أو يأمر من يطوف عنه طواف النساء ان كان متطوعا ، وان وجد من نفسه خفة (1) بعد إنفاذه الهدي ، فعليه ان يلحق
ص: 270
أصحابه ، فإن أدركه مكة قبل ان ينحر ، هديه ، فليقض (1) مناسكه كلها ، وليس عليه حج في القابل ان لحق أحد الموقفين ، وان لم يلحقه كان عليه الحج من قابل.
فان لم يدرك أصحابه الا بعد ان ينحروا هديه ، فقد فاته الحج ووجب عليه إعادته في العام المقبل ، فان كان هذا المحصور لم يسق هديا فليبعث ثمنه مع أصحابه ويواعدهم ان يشتروه في وقت معين ويذبحوه عنه ثم يحل هو بعد ذلك ، وإذا عاد أصحابه ولم يجدوا هديا يشترونه له به ويذبحونه عنه ، وكان قد أحل ، لم يكن عليه شي ء الا إنفاذ الثمن في العام المقبل يشترى به ، ويجتنب ما يجتنبه المحرم الى ان يذبح وينحر عنه.
والمحصور إذا كان معتمرا فعلى ما قدمنا ذكره ، (2) وجب عليه ان يعتمر في الشهر الداخل ان (3) كان اعتمر عمرة مفروضة ، وان كان متطوعا كان عليه ان يتطوع في الشهر الداخل أيضا.
ومن أحصر وكان قد أحرم بالحج قارنا فلا يجوز له ان يحج في المستقبل متمتعا ، بل يجب عليه الدخول في مثل ما خرج عنه ، وإذا أراد ان يبعث هديا تطوعا وأعد أصحابه على يوم معين واجتنب ما يجتنبه المحرم الا انه لا يلبى ، ومتى فعل شيئا مما يحرم على المحرم ، كان عليه الكفارة كما يكون المحرم ، وإذا حضر اليوم الذي واعد أصحابه عليه ، أحرم منه.
وإذا بعث الهدى من بعض الافاق وأعدهم أيضا على يوم معين ليشعروه ويقلدوه وإذا حضر ذلك اليوم اجتنب ما يجتنبه المحرم الى ان يبلغ الهدى محله ، فاذا بلغ ذلك ، أحل من كل شي ء أحرم منه.
إذا حج الإنسان متمتعا بالعمرة إلى الحج سقط فرض العمرة بعد ذلك عنه ،
ص: 271
فان حج قارنا أو مفردا لم يسقط فرضها عنه وكان عليه القضاء (1) لها بعد أيام التشريق وفي استقبال المحرم.
ومن اعتمر عمرة - غير متمتع بها الى الحج - في شهور الحج ثم أقام بمكة إلى ان أدرك يوم التروية كان عليه ان يحرم بالحج ويخرج إلى منى ويفعل ما يفعله الحاج ويصير بعد ذلك متمتعا فان اعتمر في أشهر الحج لم يلزمه ذلك (2).
ومن دخل مكة بعمرة مفردة في غير أشهر الحج لم يجز له التمتع بها الى الحج ، فإن أراد التمتع فعليه تجديدها في أشهر الحج ومن دخل مكة بعمرة مفردة في أشهر الحج جاز له ان يقضيها ويخرج الى اى موضع أراد ، ما لم يدركه يوم التروية ، والأفضل له ان يقيم حتى يحج ويجعلها متعة.
ومن دخل مكة بنية التمتع لم يجز له ان يجعلها مفردة ، ولا ان يخرج من مكة حتى يحج ، لأنه قد صار بذلك مرتبطا بالحج.
فاذا كان الإنسان معتمرا وساق هديا ذبحه أو نحره في الموضع الذي قدمنا ذكره ، وقد قدمنا أيضا ذكر أفضل العمرة (3) والمستحب منها فلا حاجة الى ذكر ذلك هاهنا.
من ظفر في الحرم بلقطة فعليه ان يعرف بها سنة فان ظفر بصاحبها دفعها اليه وان لم يظفر به تصدق بها عنه ، وان حضر صاحبها بعد ذلك ورضي بالصدقة لم يكن عليه شي ء ، فان لم يرض بها ، كان عليه ضمانها.
فاذا دخل إنسان الحرم بسلاح فلا يشهره ولا يحمله ظاهرا بل يستره.
ومن جنى جناية - يجب بها اقامة الحد عليه - وكان خارج الحرم ثم هرب
ص: 272
الى الحرم خوفا من إقامته عليه ، لم يقم عليه الحد حتى يخرج منه وينبغي في مدة مقامه ان لا يبايع ولا يعامل ويضيق عليه في المنع من الطعام والشراب حتى يخرج ، فاذا خرج ، أقيم الحد عليه.
وإذا جنى في الحرم جناية يجب فيها الحد ، أقيم عليه فيه ، وليس يكون حكمه حكم من جنى في غيره.
ومن أراد ان يبنى شيئا بمكة فلا يرفعه فوق الكعبة.
وليس لأحد ان يمنع الحاج موضعا من دور مكة ومنازلها ، لقول اللّه تعالى عزوجل ( سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ ) (1).
واما ما يتعلق بالحرم من أحكام الطير الذي لا يجوز صيده فيه ولا يجوز قتله فيه من السباع والهوام وما يجوز ، وأحكام الشجر النابت فيه وما يجوز فعله (2) وما لا يجوز ، فقد تقدم ذكر جميعه ما يغني عن إعادتها هاهنا.
حد الحرم من جهة المدينة على ثلاثة أميال (3) ، ومن طريق اليمن على سبعة أميال ، ومن طريق العراق على سبعة أميال ، ومن طريق جده على عشرة أميال ومن طريق الطائف على عرفة ، أحد عشر ميلا من بطن نمرة.
وحد مكة من عقبة المدنيين الى عقبة ذي طوى ، وحد عرفة من بطن عرنة وثوية ونمرة إلى ذي المجاز وحد المشعر الحرام هو ما بين المأزمين (4) إلى الحياض إلى وادي محسر.
« تم كتاب الحج »
ص: 273
الحاج إذا لم يكن زار النبي صلى اللّه عليه وآله في مسيره إلى الحج ، كان عليه ان يزوره بعد الفراغ من الحج ، وكذلك من لم يزره وان (1) لم يكن حاجا مع تمكنه من ذلك. فمن توجه الى زيارته صلى اللّه عليه وآله من مكة بعد حجه فينبغي له إذا اتى مسجد الغدير - وهو على يسار المتوجه من مكة إلى المدينة دون الجحفة قليلا ، وقد ذكر ان بينه وبينها ثلاثة أميال - (2) فليدخله ، ويصلى من ميسرته ما تيسر له ، ثم يمضي إلى المدينة ، وإذا اتى في طريقه معرس (3) النبي صلى اللّه عليه وآله فلينزل به ، وان كان وقت صلاة مكتوبة أو نافلة صلاها فيه ، واضطجع به يسيرا ، وان لم يكن وقت صلاة نزل به ولا يترك ذلك ليلا كان أو نهارا ، ثم يمضى حتى يصل الى المدينة ، فإذا قاربها فليغتسل لدخولها. فان لم يتمكن من ذلك اغتسل بعد دخولها ، ثم يجر (4) رجله ويلبس أنظف ثيابه ،
ص: 274
ويدخل ، فاذا وصل اليه دخل من باب جبرئيل عليه السلام ، فاذا صار بالباب وقف به ، ثم قال : « بسم اللّه وباللّه السلام على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، اشهد ان لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له ، واشهد ان محمدا عبده ورسوله » صلى اللّه عليه وآله.
ثم يقدم رجله اليمنى ، ويدخل الى قبره صلى اللّه عليه وآله ، فاذا صار عنده زاره عليه وآله السلام.
إذا صار عند قبره عليه وآله السلام ، وقف عند الاستوانة المقدمة من جانب القبر الأيمن عند زاويته من رأسه ، فيكون منكبه الأيمن مما يلي موضع المنبر ، والأيسر إلى جانب القبر ، فاذا استقر في وقوفه كما ذكرناه ، قال : « اشهد ان لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له ، واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى اللّه عليه وآله ، وأشهد أنك رسول اللّه ، وانك محمد بن عبد اللّه ، وأشهد انك قد بلغت رسالات ربك ، ونصحت لأمتك ، وجاهدت في سبيل اللّه حق جهاده ، داعيا إلى طاعة اللّه ، وزاجرا عن معصيته ، وانك لم تزل بالمؤمنين رؤفا رحيما ، وعلى الكافرين غليظا حتى أتاك اليقين ، فبلغ اللّه بك أشرف محل المكرمين. الحمد لله الذي استنقذنا بك من الشرك والضلال ، اللّهم فاجعل صلواتك وصلاة ملائكتك المقربين وعبادك الصالحين وأنبيائك المرسلين وأهل السماوات والأرضين ممن سبح لك يا رب العالمين من الأولين والآخرين على محمد عبدك ورسولك ونبيك وأمينك ونجيبك وحبيبك وصفيك وخاصتك وصفوتك وخيرتك من خلقك ، اللّهم ابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون ، اللّهم امنحه أشرف محله ومرتبته ، وارفعه إلى أسنى درجة ومنزلة ، وأعطه الوسيلة والفضيلة والرتبة العالية الجليلة كما بلغ ناصحا ، وجاهد في سبيلك ، وصبر على الأذى في جنبك وأوضح دينك ، واقام حججك ، وهدى الى طاعتك ، وأرشد إلى مرضاتك ، اللّهم صل عليه وعلى الأئمة الأبرار من ذريته ، والصفوة الأخيار من عترته ، وسلم عليهم أجمعين تسليما ».
ص: 275
اللّهم انى لا أجد سبيلا إليك سواهم ، ولا ارى شفيعا مقبول الشفاعة عندك غيرهم ، فبهم أتقرب إلى رحمتك ، وبولايتهم أرجو جنتك ، وبالبراءة من أعدائهم آمل الخلاص من عذابك.
اللّهم فاجعلني بهم عندك وجيها في الدنيا والآخرة ، وارحمني يا ارحم الراحمين » ، ثم يستقبل (1) بوجهه النبي صلى اللّه عليه وآله ، ويجعل القبلة خلف ظهره ، والقبر امامه ، ويقول « السلام عليك يا نبي اللّه ورسوله صلى اللّه عليه وآله ، السلام عليك يا صفوة اللّه وخيرته من خلقه ، (2) السلام عليك يا أمين اللّه وحجته ، السلام عليك يا خاتم النبيين وسيد المرسلين ، السلام عليك ايها البشير النذير ، السلام عليك أيها الداعي الى اللّه باذنه والسراج المنير.
السلام عليك وعلى أهل بيتك الذين اذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، أشهد انك يا رسول اللّه آتيت بالحق ، وقلت الصدق ، والحمد لله الذي وفقني للايمان بك والتصديق بنبوتك ، ومن على بطاعتك واتباع سبيلك ، وجعلني اللّه من أمتك والمجيبين لدعوتك ، هداني الى معرفتك ومعرفة الأئمة من ذريتك ، أتقرب الى اللّه بما يرضيك ، وأبرئ الى اللّه مما يسخطك ، مواليا لأوليائك ، معاديا لأعدائك ، جئتك يا رسول اللّه زائرا ، وقصدتك راغبا ، متوسلا الى اللّه سبحانه وأنت صاحب الوسيلة والمنزلة الجليلة والشفاعة المقبولة والدعوة المسموعة ، فاشفع لي الى اللّه تعالى في الغفران والرحمة والتوفيق والعصمة ، فقد غمرت الذنوب ، وشملت العيوب ، وأثقل الظهر ، وتضاعف الوزر ، وقد أخبرتنا - وخبرك الصدق - انه تعالى قال - وقوله الحق - ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوّاباً رَحِيماً ) (3).
وقد جئتك يا رسول اللّه مستغفرا من ذنوبي تائبا من معاصي وسيئاتي ، وإنني
ص: 276
أتوجه بك الى اللّه ربي وربك ، ليغفر لي ذنوبي ، فاشفع لي يا شفيع الأمة ، وأجرني (1) يا نبي الرحمة صلى اللّه عليك وعلى آلك الطاهرين ».
ويجتهد في المسئلة ، ثم يستقبل القبلة بعد ذلك بوجهه وهو في موضعه ، ويجعل القبر من خلفه ، ويقول : اللّهم إليك ألجأت أمري ، والى قبر نبيك ورسولك أسندت ظهري ، والى القبلة التي ارتضيتها استقبلت بوجهي ، اللّهم انى لا أملك لنفسي خير ما أرجو ، ولا ادفع عنها سوء ما أحذر ، والأمور كلها بيدك ، فاسئلك بحق محمد وعترته وقبره الطيب المبارك وحرمته ان تصلى عليه وآله ، وان تغفر لي ما سلف من جرمي وتعصمني من المعاصي في مستقبل عمرى ، وتثبت على الإيمان قلبي ، وتوسع على رزقي ، وتسبغ على النعم ، وتجعل قسمي من العافية أو فر القسم ، وتحفظني في أهلي ومالي وولدي وتكلانى من الأعداء ، وتحسن لي العافية (2) في الدنيا ومنقلبي في الآخرة اللّهم اغفر لى ولوالدي ولجميع المؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات انك على كل شي ء قدير ».
ويقرء سورة « إنا أنزلناه في ليلة القدر » احدى وعشرين مرة. ثم يزور في الروضة مولاتنا السيدة فاطمة صلوات اللّه عليها.
الروضة هي مما بين القبر والمنبر إلى الأساطين التي تلي صحن المسجد ، وليس في الصحن من الروضة شي ء فاذا صار بالروضة فليقل : « السلام على البتول الشهيدة بنت نبي الرحمة ، وزوج الوصي الحجة ، وأم السادة الأئمة ، السلام عليك يا فاطمة الزهراء بنت النبي المصطفى ، السلام عليك وعلى أبيك وبعلك ونبيك ، السلام عليك أيتها الممتحنة ، السلام عليك أيتها المظلومة الصابرة ، لعن اللّه من
ص: 277
منعك حقك ودفعك عن إرثك ، ولعن اللّه من كذبك واغمك (1) وغصك بريقك (2) وادخل بيتك.
ولعن اللّه من رضي بذلك ، وشائع فيه واختاره وأعان عليه ، وألحقهم بدرك الجحيم ، أتقرب الى اللّه سبحانه بولايتكم أهل البيت ، وبالبراءة من أعدائكم من الجن والانس وصلى اللّه على محمد وآله الطاهرين ».
ثم يعود الى المنبر ، ويمسح رمانتيه بيده ، ويمسح بهما وجهه وعينيه ، ويقف مستقبل القبلة - فيحمد اللّه تعالى ويثنى عليه ويصلى على النبي وآله عليهم السلام ويقول « لا إله إلا اللّه الحليم الكريم ، لا إله إلا اللّه العلى العظيم ، سبحان اللّه رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين » ثم يقف عند المقام.
فاذا صار عند مقام النبي صلى اللّه عليه وآله وهو بين القبر والمنبر في الروضة وقف عند الأسطوانة المحلقة (3) التي تلي المنبر وجعله ما بين يديه ، وصلى اربع ركعات ، وان لم يتمكن فركعتين للزيارة ، فإذا سلم منهما قال : « اللّهم هذا مقام نبيك وخيرتك من خلقك ، جعلته روضة من رياض جنتك وشرفته على بقاع أرضك ، وقد أقمتني فيه بلا حول كان منى في ذلك الا رحمتك ، فأسألك في هذا المقام الطاهر ان تصلى على محمد وعلى آل محمد وان تعيذني من النار ، وتمن على بالجنة وترحم موقفي وتغفر زلتى وتزكى عملي ، وتوسع لي رزقي ، وتديم عافيتي ، وتسبغ نعمتك على ، وتحرسني من كل متعد على وظالم لي ، وتطيل عمرى ، وتوفقني لما يرضيك عنى ،
ص: 278
وتعصمني عما يسخطك على ، اللّهم إني أتوسل إليك بنبيك وأهل بيته حججك على خلقك ، (1) وأمنائك في أرضك ان تستجيب دعائي وتبلغني من الدين والدنيا املى ورجائي ، يا سيدي ومولاي قد سألتك فلا تخيبني ، ورجوت فضلك فلا تحرمني وانا الفقير الى رحمتك الذي ليس له غير إحسانك ، وبفضلك أسألك أن تحرم شعري وبشرى على النار ، وتأتيني من الخير ما علمته منه وما لم اعلم ، وادفع عنى من الشر ما علمت منه وما لم اعلم ، اللّهم اغفر لي ولوالدي ولجميع المؤمنين والمؤمنات ثم يقف عند مقام جبرئيل (عليه السلام) ويدعو ويقول : « اى جواد ، اى كريم ، اى قريب اى بعيد أسألك ان تصلى على محمد وآل محمد ، وان توفقني لطاعتك ولا تزيل عنى نعمتك ، وان ترزقني الجنة برحمتك ، وتوسع على من فضلك ، وتغنيني عن شرار خلقك ، وتلهمني شكرك وذكرك ، ولا تخيب يا رب دعائي ولا تقطع رجائي بحق محمد وآل محمد صلى اللّه عليهم أجمعين ».
فإذا أراد المضي إلى البقيع فليغتسل ويزور الأئمة عليهم السلام بزيارة واحدة والذين بالبقيع من الأئمة عليهم السلام هم : أبو محمد الحسن بن على وأبو محمد على بن الحسين زين العابدين وأبو جعفر محمد بن على الباقر وأبو عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق صلوات اللّه عليهم أجمعين.
وجميعهم في موضع واحد وقبر واحد ، وإذا اتى هذا القبر جعله من بين يديه وقال : « السلام عليكم أئمة الهدى ، السلام عليكم ايها الحجج على أهل الدنيا ، السلام عليكم ايها القوامون في البرية بالقسط ، السلام عليكم أهل الصفوة ، السلام عليكم أهل النجوى ، اشهد انكم قد بلغتم ونصحتم وصبرتم في ذات اللّه ، وكذبتم واسيى ء إليكم فغفرتم ، واشهد انكم الأئمة الراشدون المهديون ، وان طاعتكم مفروضة ،
ص: 279
وان قولكم الصدق ، وانكم دعوتم فلم تجابوا ، وأمرتم فلم تطاعوا ، وانكم دعائم الحق وأركان الأرض ، لم تزالوا بعين اللّه عزوجل ينسخكم في أصلاب كل مطهر ، وينقلكم في الأرحام الطاهرات ، لم تدنسكم الجاهلية الجهلاء ، ولم يستوفيكم (1) فتن الأهواء ، طبتم وطهرتم ، فمن اللّه بكم علينا ديان يوم الدين ، فجعلكم ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ) ، وجعل صلواتنا (2) عليكم رحمة لنا وكفارة لذنوبنا ، فاختاركم لنا فطيب خلقنا بما من به علينا من ولايتكم ، وكنا عنده مسلمين ، وهذا مقام من أسرف وأخطأ ، واستكان وأقر بما جنى ، يرجو بمقامه الخلاص ، وان يستنقذه اللّه بكم مستنقذ الهالكين ، فكونوا شفعائي (3) فقد وفدت إليكم إذ رغب مخالفوكم عنكم من أهل الدنيا ، واتخذوا آيات اللّه هزوا ، واستكبروا عنها. يا من هو قائم لا يسهو ، ودائم لا يلهو ومحيط بكل شي ء لك المن بما وفقتني ، وعرفتني بما أعنتني عليه إذ صد عنه عبادك ، وجهلوا معرفتهم ، واستخفوا بحقهم ، ومالوا (4) الى سواهم ، وكانت المنة لك على ومنك الى ، فلك الحمد إذ كنت عندك في مقامي مذكورا مكتوبا ، فلا تحرمني ما رجوت ، ولا تخيبني فيما دعوت » وليدع لنفسه بما أراد ، ثم يزور الشهداء بأحد بعد ذلك.
ينبغي لمن أراد ذلك مع التمكن ان يبتدئ في زيارة الشهداء بأحد بزيارة حمزة (عليه السلام).
إذا اتى قبر حمزة عليه السلام فليقل : « السلام عليك يا عم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله
ص: 280
السلام عليك يا خير الشهداء ، السلام عليك يا أسد اللّه وأسد رسوله أشهد انك قد جاهدت في اللّه عزوجل ، وجدت بنفسك ونصحت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وكنت فيما عند اللّه سبحانه راغبا ، بأبي أنت وأمي أتيتك متقربا الى اللّه عزوجل بزيارتك ، ومتقربا الى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بذلك ، راغبا إليك في الشفاعة وابتغى بزيارتك خلاص نفسي متعوذا بك من نار استحققتها بما جنيت على نفسي هاربا من ذنوبي التي احتطبتها على ظهري فزعا إليك رجاء رحمة ربي ، أتيتك استشفع بك الى مولاي ، وأتقرب به (1) الى الهى ليقضى بك حوائجي ، وأتيتك من شقة بعيدة طالبا فكاك رقبتي من النار ، وقد أوقرت ظهري ذنوبي ، وأتيت ما أسخط ربي ولم أجد أحدا أفزع اليه خيرا لي منكم أهل البيت والرحمة ، وكن لي شفيعا يوم حاجتي وفاقتي ، فقد أتقرب إليك محزونا ، وأتيتك مكروبا ، وزرتك مغموما ، وسكنت عندك باكيا ، وخرجت إليك منفردا ، أنت ممن أمرني اللّه بصلته ، وحثني على بره ، ودلني على فضله ، وهداني بحبه ، ورغبني في الوفادة اليه وألهمني طلب حوائجي عنده ، أنتم أهل البيت لا يشقى من يتولاكم ولا يخيب من أتاكم ، ولا يخسر من يهويكم ، ولا يسعد من عاداكم » ثم يستقبل القبلة ، ولا يجعل القبر بين يديه ، ويصلى ، فاذا فرغ من صلاته فلينكب على القبر ، وليقل : « اللّهم صل على محمد وآل محمد اللّهم انى تعرضت لرحمتك بلزومي لقبر عم نبيك صلى اللّه عليه وآله لتجيرني من نقمتك وسخطك وتقيلني يوم يكثر فيه الأصوات ، ويشتغل فيه كل نفس بما قدمت وتجادل عن نفسها فإن ترحمني اليوم فلا خوف على ولا حزن ولا تعاقب فمولى له القدرة على عبده.
اللّهم فلا تخيبني بعد اليوم ، ولا تصرفني بغير حاجتي فقد لصقت بقبر عم نبيك وتقربت به إليك ابتغاء مرضاتك ورجاء رحمتك ، وتقبل منى ، وعد بحملك على جهلي ، وبرأفتك على جناية نفسي ، فقد عظم جرمي ، وما أخاف ان تظلمني
ص: 281
ولكن أخاف سوء الحساب ، فانظر اليوم تقلبي على قبر عم نبيك عليهما السلام ، فبهما فكني من النار ، ولا تخيب سعيي ولا يهون عليك ابتهالي ولا يحجبني (1) عنك صوتي ولا تقلبني بغير حوائجي يا غياث كل مكروب ومحزون ، يا مفرجا عن الملهوف الحيران الغريق المشرف على الهلكة ، صل على محمد وآل محمد ، وانظر الى نظرة لا أشقى بعدها ابدا ، وارحم تضرعي وعبرتي وانفرادي فقد رجوت رضاك ، وتخيرت الخير الذي لا يعطيه أحد سواك فلا ترد املى.
اللّهم ان تعاقب فمولى (2) له القدرة على عبده ، وجزاء سوء عمله ، (3) فلا أخيبن اليوم ، ولا تصرفني بغير حاجتي ، ولا تخيبن شخوصي ووفادتي فقد أنفدت نفقتي واتبعت بدني وقطعت المفازات وخلفت الأهل والمال وما خولتني ، وأثرت ما عندك على نفسي ولذت بقبر عم نبيك صلى اللّه عليه وآله وتقربت به إليك ابتغاء مرضاتك ، فعد بحلمك على جهلي ، وبرأفتك على ذنبي ، فقد عظم جرمي برحمتك يا كريم ».
إذا اتى قبور الشهداء بأحد : فليقل « السلام عليكم يا أنصار اللّه وأنصار رسوله عليه وآله السلام ، ( سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ ، فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ ) السلام عليكم يا أهل الديار أنتم لنا فرط وانا بكم لاحقون ، اللّهم انفعني بزيارتهم » ، ويقرء سورة إنا أنزلنا
وينبغي ان يصلى في المشاهد المعظمة ان تمكن من ذلك ، ويبتدئ منها بمسجد قباء ، وهو الذي أسس على التقوى فيصلي فيه عند الأسطوانة التي عند المحراب ويدعو اللّه تعالى بما أراد.
ص: 282
ومنها مشربة أم إبراهيم وهي مسكن النبي صلى اللّه عليه وآله.
ومنها مسجد الفضيح ، فقد ذكر انه الذي ردت فيه الشمس لأمير المؤمنين عليه السلام لما نام النبي صلى اللّه عليه وآله في حجره.
ومنها مسجد الأحزاب وهو مسجد الفتح ، فاذا فرغ من الصلاة فيه قال : « يا صريخ المكروبين ويا مجيب دعوة المضطرين يا مغيث المهمومين اكشف همي وكربي وغمي كما كشف ذلك عن نبيك صلواتك عليه وآله في هذا المكان ».
ومنها مسجد أمير المؤمنين عليه السلام المقابل لقبر حمزة والذي عنده مسجد الفتح.
ومنها دار زين العابدين على بن الحسين عليهما السلام.
ومنها مسجد سلمان رضي اللّه عنه ، فإذا أراد المجاورة بالمدينة فليجاور ففي ذلك فضل كثير.
المجاورة بالمدينة مستحبة وبمكة مكروهة فمن جاور بالمدينة واقام بها فينبغي له ان يكثر من الصلاة في مسجد النبي صلى اللّه عليه وآله ، ويعتكف فيه ثلاثة أيام : أربعاء وخميسا وجمعة ، ويصلى ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة وهي أسطوانة التوبة ، ويقعد عندها يوم الأربعاء ، ويصلى ليلة الخميس عند الأسطوانة التي تلي مقام النبي صلى اللّه عليه وآله.
ويزور الأئمة عليهم السلام بالبقيع ويتوجه حيث شاء ان شاء اللّه تعالى ويصلى ليلة الجمعة عند مقام النبي صلى اللّه عليه وآله.
ويودع الأئمة عليهم السلام بالبقيع ويتوجه حيث شاء ان شاء اللّه تعالى.
ومن أراد الخروج من المدينة ووداع النبي صلى اللّه عليه وآله فليغتسل بعد فراغه من حوائجه ، فإن كان نائبا عن غيره ذكر من هو نائب عنه عند غسله ، ودعا له.
ثم يدخل الى قبره عليه السلام ، ويفعل عنده مثل ما فعل عنده لزيارته وليقل « اللّهم لا تجعله آخر العهد منى لزيارة قبر نبيك صلى اللّه عليه وآله فإن توفيتني قبل ذلك
ص: 283
فإني أشهد في مماتي على ما شهدت عليه في حياتي ان لا إله إلا أنت وان محمدا عبدك ورسولك صلى اللّه عليه وآله » وان كان نائبا عن غيره دعا له ، وذكر انه نائب عنه في هذا الوداع.
ومن أراد وداع الأئمة عليهم السلام بالبقيع فليأته وإذا وقف على قبرهم جعله بين يديه وقال : « السلام عليكم أئمة الهدى ورحمة اللّه وبركاته ، أمنت باللّه والرسول وبما جئتم به ودللتم عليه ، اللّهم اكتبنا مع الشاهدين ، اللّهم لا تجعله آخر العهد منى لزيارتهم ، وارزقنيها ابدا ما أحييتني ، فاذا توفيتني فاحشرني معهم وفي زمرتهم ، استودعكم اللّه واقرء عليكم السلام ».
وان كانت له حاجة ذكرها ، وتوجه حيث يشاء.
ومن أراد زيارة أمير المؤمنين عليه السلام فليأت مشهده وهو على غسل ، ويقف على قبره ويستقبله بوجهه ، ويجعل القبلة بين كتفيه كما فعل في زيارة النبي صلى اللّه عليه وآله.
ثم يقول : « السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة اللّه وبركاته ، السلام عليك يا ولى اللّه ، السلام عليك يا صفوة اللّه ، السلام عليك يا حبيب اللّه ، السلام عليك يا حجة اللّه السلام عليك يا سيد الوصيين ، السلام عليك يا خليفة رسول رب العالمين ، أشهد انك قد بلغت عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ما حملك ، وحفظت ما استودعك ، وحللت حلال اللّه وحرمت حرام اللّه ، وتلوت كتاب اللّه ، وصبرت على الأذى في جنب اللّه ، محتسبا حتى أتاك اليقين ، لعن اللّه من خالفك ولعن اللّه من قتلك (1) ولعن اللّه من بلغه ذلك فرضي به انا الى اللّه منهم بري ء » (2).
ثم انكب على القبر فيقبله ويضع خده الأيمن عليه ثم الأيسر ثم يتحول الى
ص: 284
عند الرأس فيقف عليه ويقول : « السلام عليك يا وصى الأوصياء ووارث علم الأنبياء ، أشهد لك يا ولى اللّه بالبلاغ والأداء ، أتيتك زائرا عارفا بحقك ، مستبصرا بشأنك مواليا لأوليائك ، معاديا لأعدائك متقربا الى اللّه تعالى ، بزيارتك في خلاص نفسي وفكاك رقبتي من النار وقضاء حوائجي للدنيا والآخرة ، فاشفع لي عند ربك صلوات اللّه عليك ورحمة اللّه وبركاته ».
ثم يقبل القبر ويضع خده عليه ويرفع رأسه ، ويصلى ست ركعات حسب ما قدمنا ذكره.
فإذا أراد وداعه عليه السلام فليقف على قبره كما وقف أولا ، ثم يقول : « السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة اللّه وبركاته ، استودعك اللّه وأسترعيك اللّه واقرء عليك السلام آمنا باللّه وبالرسول وبما جئت به ودللت عليه ، اللّهم اكتبنا مع الشاهدين ، اللّهم لا تجعله آخر العهد لزيارة وليك ، وارزقني العود إليه أبدا ما أبقيتني ، فاذا توفيتني فاحشرني معه ومع ذريته الأئمة الراشدين عليه وعليهم السلام » ويدعو بعد ذلك بما شاء اللّه.
هذه الزيارة قد تقدم ذكرها في باب زيارة الأئمة عليهم السلام بالبقيع.
من أراد زيارته عليه السلام فليأت مشهده بعد ان يغتسل ويلبس اطهر ثيابه ، فاذا وقف على قبره استقبله بوجهه ، وجعل القبلة بين كتفيه ويقول : « السلام عليك يا بن رسول اللّه ، السلام عليك يا بن أمير المؤمنين ، السلام عليك يا بن الصديقة الطاهرة سيدة نساء العالمين ، السلام عليك يا مولاي يا أبا عبد اللّه ورحمة اللّه وبركاته ».
أشهد انك قد أقمت الصلاة وأتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ، ونهيت عن المنكر ، وتلوت الكتاب حق تلاوته ، وجاهدت في اللّه حق جهاده ، وصبرت
ص: 285
على الأذى في جنبه محتسبا حتى أتاك اليقين.
اشهد ان الذين خالفوك وحاربوك وان الذين خذلوك وان الذين قتلوك ، ملعونون على لسان النبي الأمي ، وقد خاب من افترى ، لعن اللّه الظالمين لكم من الأولين والآخرين وضاعف عليهم العذاب الأليم ، أتيتك يا مولاي يا بن رسول اللّه زائر عارفا بحقك ، مواليا لأوليائك ، معاديا لأعدائك مستبصرا بالهدي الذي أنت عليه ، عارفا بضلالة من خالفك فاشفع لي عند اللّه ربك (1).
ثم ينكب على القبر ويضع خده عليه ويتحول الى عند الرأس ويقول : « السلام عليك يا حجة اللّه في أرضه وسمائه صلى اللّه على روحك الطيب وجسدك الطاهر وعليك يا مولاي ورحمة اللّه وبركاته ».
ثم ينكب على القبر فيقبله ويضع خديه عليه ويتحول الى عند الرأس فيصلي ركعتين للزيارة ، ويصلى بعدهما ما تيسر ، ويتحول الى عند الرجلين فيزور على بن الحسين صلوات اللّه عليهما ويقول : « السلام عليك يا مولاي وابن مولاي ورحمة اللّه وبركاته لعن اللّه من ظلمك ولعن اللّه من قتلك ، وضاعف عليهم العذاب الأليم » ثم يدعو بما أراد. ويزور الشهداء منحرفا من عند الرجلين إلى القبلة ويقول « السلام عليكم ايها الشهداء الصابرون أشهد أنكم جاهدتم في سبيل اللّه وصبرتم على الأذى في جنب اللّه ونصحتم لله ولرسوله ولابن رسوله حتى أتاكم اليقين. اشهد انكم احياء عند ربكم ترزقون ، فجزاكم اللّه عن الإسلام واهله أفضل جزاء المحسنين وجمع بيننا وبينكم في محل النعيم ».
ثم يمضي إلى قبر العباس بن أمير المؤمنين عليهما السلام فإذا أتاه وقف عليه وقال : « السلام عليك يا بن أمير المؤمنين ، السلام عليك ايها العبد الصالح. المطيع لله ولرسوله ، أشهد انك قد جاهدت ونصحت وصبرت حتى أتاك اليقين لعن اللّه الظالمين من الأولين والآخرين وألحقهم بدرك الجحيم ».
ص: 286
ثم يصلى في مسجده تطوعا ما أراد وينصرف فإذا أراد وداع سيدنا ابى عبد اللّه عليه السلام عند انصرافه من مشهده فيقف على قبره كما وقف عليه أولا ويقول : « السلام عليك يا مولاي يا أبا عبد اللّه ، هذا أو ان انصرافي غير راغب عنك ولا مستبدل بك غيرك ، واستودعك اللّه واقرء عليك السلام ، آمنا باللّه وبالرسول وبما جئت به ودللت عليه ، اللّهم فاكتبنا مع الشاهدين ، اللّهم لا تجعل زيارتي هذه آخر العهد من زيارته وارزقني العود إليه أبدا ما أحييتني فاذا توفيتني فاحشرني معه واجمع بيني وبينه في جنات النعيم » ، ويدعو بعد ذلك بما أراد ثم ينصرف.
هذه الزيارة تقدم ذكرها في باب زيارة الأئمة عليهم السلام بالبقيع.
من أراد هذه الزيارة فليغتسل ثم يقف على قبره كما قدمناه ويقول : « السلام عليك يا نور اللّه في ظلمات الأرض ، السلام عليك يا ولى اللّه ، السلام عليك يا حجة اللّه ، السلام عليك يا باب اللّه ، أشهد انك قد أقمت الصلاة وأتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر ، وتلوت الكتاب حق تلاوته ، وجاهدت في اللّه حق جهاده ، وصبرت على الأذى في جنبه ، محتسبا وعبدته مخلصا حتى أتاك اليقين ، ابرأ الى اللّه من أعدائك ، وأتقرب الى اللّه بموالاتك ، أتيتك يا مولاي زائرا عارفا بحقك مواليا لأوليائك معاديا لأعدائك فاشفع لي عند ربك ».
ثم ينكب على القبر فيقبله ويضع خديه عليه ، ويتحول الى عند الرأس ويقف ويقول : « السلام عليك يا بن رسول اللّه ، أشهد أنك صادق صديق أديت ناصحا وقلت أمينا ، ولا تؤثر عمى على هدى ولم تمل من حق الى باطل ، صلى اللّه عليك ورحمة وبركاته ».
ثم يقبل القبر ويصلى ركعتين ، ويصلى بعدهما ما أراد ، ويتحول الى عند
ص: 287
الرجلين ويدعو اللّه بما أراد.
فإذا أحب وداعه عند انصرافه ، وقف على قبره كما وقف عليه أولا ، وقال : « السلام عليك يا مولاي يا أبا إبراهيم ورحمة اللّه وبركاته استودعك واقرء عليك السلام ، آمنا باللّه والرسول وبما جئت به ودللت عليه ، اللّهم اكتبنا مع الشاهدين ».
ومن أراد هذه الزيارة اغتسل ووقف على قبره كما قدمناه ثم يقول : « السلام عليك يا ولى اللّه وابن وليه ، السلام عليك يا حجة اللّه وابن حجته ، السلام عليك يا امام الهدى والعروة الوثقى ورحمة اللّه وبركاته. أشهد أنك مضيت على ما مضى عليه أبوك وأجدادك الطاهرون عليهم السلام ، لم تؤثر عمى على هدى ، ولم تمل من حق الى باطل ، وانك نصحت لله ولرسوله وأديت الامانة ، فجزاك اللّه عن الإسلام واهله خير الجزاء ، أتيتك بأبي أنت وأمي زائرا عارفا بحقك مواليا لأوليائك معاديا لأعدائك فاشفع لي عند ربك عزوجل ».
ثم ينكب على القبر فيقبله ويضع خديه عليه ، ويتحول إلى الرأس ويقول « السلام عليك يا مولاي يا بن رسول اللّه ورحمة اللّه وبركاته. أشهد أنك الامام الهادي والولي المرشد ابرأ الى اللّه من أعدائك وأتقرب الى اللّه بموالاتك صلى اللّه عليك ورحمة اللّه وبركاته ».
ثم يصلى ركعتين ، ويصلى بعدهما ما أحب ، ويتحول الى عند الرجلين ويدعو عندهما بما أحب وشاء.
فإذا أراد وداعه عند الانصراف ، وقف على قبره كوقوفه عليه أولا وقال : « السلام عليك يا مولاي يا أبا الحسن ورحمة اللّه وبركاته استودعك اللّه واقرء عليك السلام ، آمنا باللّه وبالرسول وبما جئت به ودللت عليه اللّهم اكتبنا مع الشاهدين ». ثم ينكب على القبر ويقبله ويضع خديه عليه وينصرف.
ص: 288
إذا زرت جده موسى بن جعفر (عليه السلام) فادخل عليه قبل خروجك واحداثك بشي ء ينقض الطهارة ، وقف على قبره وأنت مستقبل وجهك لوجهه (عليه السلام) وقل : « السلام عليك يا حجة اللّه ، السلام عليك يا ولى اللّه ، السلام عليك يا نور اللّه في ظلمات الأرض ، أشهد انك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة ، وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر وتلوت الكتاب حق تلاوته وجاهدت في اللّه حق جهاده ، وصبرت على الأذى في جنبه حتى أتاك اليقين ، أتيتك زائرا عارفا بحقك ، مواليا لأوليائك ، معاديا لأعدائك فاشفع لي عند ربك ».
ثم قبل القبر ، وضع خديك عليه ، وصل ركعتين ، وصل بعدهما ما تيسر لك وادع اللّه سبحانه.
فإذا أردت وداعه فقف على القبر كما وقفت عليه أولا حين بدأت بزيارته وقل : « السلام عليك يا مولاي يا بن رسول اللّه ورحمة اللّه وبركاته استودعك اللّه » ، واقرء عليك السلام ، أمنا باللّه وبالرسول وبما جئت به ودللت عليه ، اللّهم اكتبنا مع الشاهدين » ، ثم اسئل (1) اللّه سبحانه ان لا يجعله آخر العهد منك ، وادع بما أحببت وقبل القبر وضع خديك عليه ثم انصراف.
وإذا أتيت « سر من رأى » فاغتسل قبل دخول المسجد ، فاذا دخلته فقف على قبريهما واجعل وجهك تلقاء القبلة وقل : « السلام عليكما يا ولى اللّه ، السلام عليكما يا حجتي اللّه ، السلام عليكما يا نوري اللّه في ظلمات الأرض ، السلام عليكما يا أميني اللّه ، أتيتكما زائرا لكما عارفا بحقكما مؤمنا بما آمنتما به ، كافرا بما كفرتما به ،
ص: 289
محققا لما حققتما ، مبطلا لما أبطلتما اسأل اللّه ربي وربكما ان يجعل حظي من زيارتكما مغفرة ذنوبي ، واعطائى مناي ، وان يصلى على محمد وآل محمد ، وان يرزقني شفاعتكما ، ولا يفرق بيني وبينكما في الجنة ، برحمته.
ثم ارفع يديك بالدعاء وقل : « اللّهم ارزقني حب محمد وآل محمد وتوفني على ولايتهم ، اللّهم العن ظالمي أهل بيت نبيك ، وانتقم منهم ، اللّهم عجل فرج وليك وابن وليك واجعل فرجنا مقرونا بفرجهم ».
ثم صل مكانك اربع ركعات وصل بعدها ما أحببت وادع اللّه كثيرا.
وإذا أردت وداعهما عند انصرافك فقف على قبريهما كما وقفت في أول دخولك وقل : « السلام عليكما يا ولى اللّه أستودعكما اللّه واقرء عليكما السلام ، آمنا باللّه وبالرسول وبما جئتما به ودللتما عليه ، اللّهم اكتبنا من الشاهدين ».
ثم اسئل اللّه تعالى العود إليهما وداع بما شئت.
* * *
إذا أردت زيارة واحد من الأئمة عليهم السلام أجزأك ان تقول : « السلام على أولياء اللّه وأصفيائه ، السلام على أنبياء اللّه وأحبائه ، السلام على أنصار اللّه وخلفائه السلام على محال معرفة اللّه ، السلام على معادن حكمة اللّه ، السلام على مساكن ذكر اللّه ، السلام على عباد اللّه المكرمين ، الذين لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون ، السلام على المستقرين في مرضات اللّه ، السلام على الذين من والاهم فقد والى اللّه ، ومن عاداهم فقد عاد اللّه ، ومن عرفهم فقد عرف اللّه ، ومن جهلهم فقد جهل اللّه ».
اشهد اللّه انى حرب لمن حاربكم ، سلم لمن سالمكم ، مؤمن بما آمنتم به ، كافر بما كفرتم به ، محقق لما حققتم ، مبطل لما أبطلتم. مؤمن بسركم وعلانيتكم مفوض في ذلك كله إليكم ، والحمد لله رب العالمين ، لعن اللّه عدوكم من الجن
ص: 290
والانس ، وضاعف عليهم العذاب الأليم ».
ثم يصلى صلاة الزيارة ويدعو بعدها بما أراد ان شاء اللّه.
« باب وداع الأئمة عليهم السلام ».
إذا أردت وداع واحد منهم اجزءك ان تقول : « السلام عليك يا مولاي ورحمة اللّه وبركاته ، استودعك اللّه ، واقرء عليك السلام »
ثم انصرف حيث شئت ان شاء اللّه تم الجزء الأول من المهذب بحمد اللّه ومنه ويتلوه الجزء الثاني في كتاب الجهاد ان شاء اللّه تعالى وحسبنا اللّه ونعم الوكيل وصلى اللّه على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين والأئمة الأخيار والنجباء الأبرار والحمد لله رب العالمين.
« تم كتاب الزيارات »
ص: 291
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
بسم اللّه الرحمن الرحيم قال اللّه تبارك وتعالى ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ) (1) وقال عزوجل ( إِنَّ اللّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (2) وقال جل اسمه ( فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ) الاية (3) وقال سبحانه : - ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ ) (4)
وروى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله انه قال : « ان اللّه وملائكته يصلون على أصحابنا الخيل من اتخذها فاتخذها في سبيل اللّه » (5) وروى عنه صلى اللّه عليه وآله قال :
ص: 292
« ما من قطرة أحب الى اللّه عزوجل من قطرة دم في سبيل اللّه » (1) وروى عن أمير المؤمنين على بن ابى طالب صلوات اللّه عليه انه قال : « الجهاد فرض على جميع المسلمين لقول اللّه تعالى « كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ » (2) وروى عنه صلى اللّه عليه وآله انه قال : « عليكم بالجهاد في سبيل اللّه مع كل امام عادل ، فالجهاد في سبيل اللّه مع كل امام عادل باب من أبواب الجنة » (3) وروى عن ابى عبد اللّه « جعفر بن محمد عليهما السلام » انه قال : « أصل الإسلام الصلاة ، وفرعه الزكاة ، وذروة سنامه الجهاد في سبيل اللّه » (4).
والجهاد فرض على جميع المسلمين على الكفاية ، ومعنى قوله (5) فرض على الكفاية : انه إذا أقام به من يكتفى به فيه من بعض المسلمين ، سقط فرضه عن الباقين ، والذين يمكن حصول الكفاية بهم ، هم الذين يكونون في أطراف بلاد الإسلام ، فإنهم إذا طرقهم العدو وكان فيهم كفاية لهم وقيام بكفهم ودفعهم فالفرض ساقط عن غيرهم.
فان لم يكن فيهم كفاية واحتاجوا الى عدد كان الفرض لازما لمن يليهم وعليهم ان يمدوهم ويعينوهم أولا فأولا ، فان لم ينكف العدو بذلك فاحتيج الى جميع المسلمين ، وجب ذلك على الجميع ، لوجوبه على كل رجل منهم ، حر ، بالغ ، كامل العقل ، سليم من الشيخوخة والمرض والعذر الذي لا يمكنه معه القيام بالحرب ان يكون له عذر يمنعه من ذلك ، ويكون (6) مأمورا به من قبل الامام العادل ، أو من نصبه الامام.
وانما ذكرنا الرجل لان النساء لا يجب عليهن الجهاد ، لما روى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله
ص: 293
من انه سئل هل عليهن جهاد فقال : لا - وانما ذكرنا الحرية - لان العبيد لا يجب عليهم ، لأنهم لا يملكون شيئا ، يوضح ذلك القرآن والخبر.
فاما القرآن فقوله سبحانه ( وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ ) (1) والمملوك داخل في ذلك ، لأنه لا يملك شيئا مما ذكرناه.
واما الخبر : فما روى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله من انه كان إذا أسلم عنده رجل قال له حر أو مملوك؟ فان كان حرا بايعه على الإسلام والجهاد ، وان كان مملوكا بايعه على الإسلام دون الجهاد (2).
وانما ذكرنا البلوغ لأن الصبي لا يجب عليه ، لما روى من ان ابن عمر عرض على النبي صلى اللّه عليه وآله يوم أحد وهو ابن اربع عشر ، سنة فرده ولم يره بالغا ، وانه عرض عليه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة فأجاز في المقاتلة (3).
وانما ذكرنا كمال العقل لان المجانين لا يجب عليهم الجهاد. لأنهم غير مكلفين.
وانما ذكرنا الشيخوخة - التي لا يمكن معها القيام بالحرب ، لان المكلف بالشيى ء انما يكون مكلفا به مع الاستطاعة له وقدرته عليه ، فاما إذا لم يكن مستطيعا له ولا قادرا عليه لم يصح كونه مكلفا به.
وانما ذكرنا المرض - الذي لا يمكن المريض معه القيام بالحرب - لمثل ما تقدم ، ولان المرض اما ان يكون ثقيلا ، أو خفيفا.
فان كان ثقيلا كالحمى اللازمة المطبقة أو البرسام (4) وما أشبه ذلك فلا يجب الجهاد عليه ، لقوله سبحانه ( وَلا عَلَى الْمَرِيضِ ) (5).
ص: 294
فان كان خفيفا ، كالحمى التي ليست لازمة ولا مطبقة ، بل يكون بالنوبة في وقت دون وقت ، أو وجع الفرس والصداع (1).
وما أشبه ذلك ، فذلك لازم له لأنه كالصحيح ، فاما الحمى الثانية (2) فإنما يسقط وجوب ذلك عليه في حال النوبة - ان كان فيها غير قادر ولا يتمكن من القيام بالحرب - فان لم يكن كذلك ، فحاله كحال الصحيح السليم كما قدمنا.
فاما العذر فان كان مرضا أو غيره مما قدمنا ذكره ، فقد مر ما فيه ، وان كان غير ذلك مثل ان يكون معسرا فينبغي تأمل حاله ، فان كان الجهاد وموضع الحرب قريبا من البلد الذي هو فيه وحوله ، فالجهاد واجب عليه ، ولا معتبر في سقوط ذلك عنه باعتباره (3).
وان كان موضع ذلك بعيدا فينبغي النظر في حال هذه المسافة ، فإن كانت مما لا توجب قصر الصلاة فالجهاد واجب عليه ، وان كانت توجب القصر لم يجب عليه جهاده ، لان من شرط ذلك الزاد ونفقة الطريق ونفقة من تجب عليه نفقته الى حين رجوعه وثمن سلاحه ، فان لم يجد ذلك لم يجب الجهاد عليه لقوله سبحانه وتعالى ( وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ ) (4).
فان كانت المسافة أكثر من ذلك فليس يجب الجهاد عليه أيضا ، لأنه يحتاج في ذلك الى ما ليس بقادر عليه ، من زيادة على ما ذكرناه من النفقة والراحلة من الواجد ، لقوله : سبحانه ( وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ ) (5).
ص: 295
ومن كان له أبوان مسلمان وهما مفتقران إليه في القيام بهما أو النفقة عليهما فليس يلزمه الخروج ، وان كان أبواه كافرين كان الخروج واجبا عليه.
وان كان من يجب عليه الجهاد (1) عليه دين حال ولم يكن له من يوفيه عنه ولا يمكنه قضائه ، فلصاحب الدين منعه من الخروج حتى يقضيه دينه ، فان كان في يد صاحب الحق رهن فيه وفاء ، بالدين ، فاذن له صاحب الحق بالخروج ، خرج
فان كان الدين مؤجلا وعليه رهن أو لم يكن عليه رهن ، وكان إذا خرج ترك وفائه (2) فإن له الخروج ، اذن له صاحب الحق أو لم يأذن فيه ، فان لم يترك وفائه فقد ذكر ان له الخروج على كل حال ، وليس لصاحب الدين المؤجل منعه من ذلك ، لأنه بالتأجيل بمنزلة من لا دين عليه.
وإذا أحاط (3) الحرب بالبلد وجب على كل من ذكرناه الخروج. وليس له الامتناع من ذلك بشي ء من الأعذار التي وصفناها ولا غيرها ، ولا يجوز لصاحب الدين ولا غيره المنع عن ذلك على كل حال.
ومن خرج الى الجهاد ولم يكن له عذر ثم تجدد العذر ، بان يكون صاحب الدين اذن له في الخروج ثم بدا له من ذلك ، أو كان أبواه كافرين فأسلما فإن كان ذلك قبل التقاء الجمعين جاز له الرجوع ، فان كان التقى الجمعان لم يجز له الرجوع
ويجوز له الخروج بالصبيان (4) للانتفاع بهم ، والنساء يجوز خروجهن ليعالجن الجرحى والمرضى ، والمرية إذا كان له زوج لم يجز لها الخروج الى الجهاد إلا باذنه.
وانما ذكرنا ان يكون مأمورا بالجهاد من قبل الإمام أو من نصبه ، لأنه متى لم يكن واحدا منهما لم يجز له الخروج الى الجهاد.
ص: 296
فان دهم المسلمين العدو وهجم عليهم في بلدهم جاز لجميع من في البلد قتاله على وجه الدفع عن النفس والمال.
والجهاد مع أئمة الكفر ومع غير إمام أصلي (1) أو من نصبه قبيح ، يستحق فاعله العقاب ، فإن أصاب كان مأثوما ، وان أصيب لم يكن على ذلك أجر.
ومتى غنم المسلمون غنيمة وهذه حالهم ، كان جميع الغنيمة للإمام خاصة وليس يستحقون منها شيئا بالجملة.
ومعاونة المجاهدين فيها فضل كثير ، لأن النبي صلى اللّه عليه وآله قال : من جهز غازيا أو حاجا أو معتمرا أو خلفه في أهله فله مثل اجره (2) ويجوز للإمام ان يستعين بالمشركين على قتال المشركين بان يكون في المسلمين قلة ، أو يكون في المستعان جيد الرأي حسن السياسة.
وإذا عرف الامام من رجل الإرجاف والتحوين (3) ومعاونة المشركين كان له ان يمنعه من الغزو. واما الإرجاف فهو مثل ان يقول : بلغني أن للقوم كمينا ، أو لهم مددا يلحقهم وما جرى هذا المجرى ، واما التحويل فهو ان يقول : ان الصواب ان يرجع عنهم فانا لا نطيق قتالهم ولا يثبت لهم ويضعف أنفسهم بذلك وما أشبهه ، والإعانة ان يرى (4) عينا منهم يطلعهم على عورات المسلمين أو يكاتبهم بأخبارهم ومن كان على واحد من هذه الصفات كان للإمام منعه من الخروج مع المسلمين ، فان لم يمنعه وخرج ، لم يعط من الغنيمة ولم يسهم له سهم منها ، لأنه ليس من المجاهدين بل هو بفعله عاص.
ص: 297
ومن يجب عليه الجهاد على ضربين : أحدهما يجب عليه بنفسه ، والأخر يجب عليه إقامة نائب عنه فيه ، فأما الذي يجب عليه بنفسه فهو كل من وجب عليه وعلم من نفسه القيام والتمكن منه ، واما الذي يجب عليه إقامة نائب عنه فيه ، فهو كل من وجب عليه وعلم من نفسه انه لا يتمكن منه.
ومن وجب عليه الجهاد فلا يجوز له ان يغزو عن غيره ، ومن لم يجب عليه جاز له ذلك ، ويجوز أخذ النائب الأجرة ممن يستنيبه فيه.
من يجب جهاده على ثلاثة أضرب : أحدها ضرب لا يقبل منهم الا الدخول في الإسلام حسب ، فان لم يجيبوا الى الدخول قتلوا وسبى ذراريهم وصار أموالهم غنيمة وثانيها ضرب لا يقبل منهم الا الدخول في الإسلام أو أداء الجزية ( عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ ) والقيام بشرائط الذمة ، فان لم يجيبوا الى ذلك (1) ولم يثبتوا عليه ثم فعلوا شيئا منه خرجوا من الذمة ، وأجريت عليهم الأحكام التي تقدم ذكرها من القتل وغنيمة الأموال وسبى الذراري.
وثالثها على ضربين : أحدهما له فئة يرجع إليها ، والأخر لا فئة له ، والذي له فئة يرجع إليها ، يجاز (2) على جريحهم ويتبع مدبرهم ويقتل أسيرهم ويغنم أموالهم التي يحويها العسكر فقط ، ولا يجوز ، سبى ذراريهم ولا أخذ شي ء من أموالهم التي لا يحويها العسكر.
والذي لا فئة له لا يجاز على جريحهم ولا يتبع مدبرهم ولا يسبى ذراريهم ، بل يغنم أموالهم التي في العسكر دون غيرها.
والضرب الأول - من القسمة المتقدمة - هم جميع من خالف الإسلام وليس لهم كتاب ولا شبهة كتاب ، كعباد الأوثان والكواكب ومن جرى مجراهم ،
ص: 298
والضرب الثاني - هم اليهود والنصارى والمجوس. والضرب الثالث - الذي هو على ضربين ، هو جميع من انتمى الى الإسلام من البغاة ، وهم الذين يبغون على الامام العادل وينكثون بيعته (1) ويفعلون ذلك مع نصبه الامام للنظر في أمور المسلمين ويجرى مجرى أصحاب الجمل وصفين.
إذا عزم المجاهدون على الزحف ، فينبغي لصاحب الجيش ان يعقد الألوية ويسلم الرايات الى من ينبغي تسليمها اليه ممن يختاره ويصلح له ذلك ، ثم يقدم إليهم الانذار والأفضل تقديمه ، ثم يبعث الطوالع (2) والعيون ، ويقرر الشعار بين الناس وأفضل الشعار ما كان فيه اسم اللّه تعالى.
ولا يجوز لأحد ان يفر من الزحف ، ولا يفر من واحد أو اثنين ، ويجوز الفرار من ثلاثة أو أكثر ، ولا يقطع الأشجار المثمرة ولا تحرق الا ان يدعو الى ذلك ضرورة ، ولا يلقى السم في ديارهم ، وقد أجاز ذلك قوم من أصحابنا والأفضل تركه.
ولا ينبغي ان يفارق الإنسان سلاحه عند القتال. ويستحب حفر الخندق عند دعاء الحاجة الى ذلك ، وينبغي ان يبتدء بالقتال بعد الزوال وبعد صلاة الظهر ، ويدعو عند اللقاء بدعاء النبي صلى اللّه عليه وآله ويدعو بدعاء أمير المؤمنين على عليه السلام فاما دعاء النبي صلى اللّه عليه وآله وهو الذي دعا يوم أحد ، وهو : « اللّهم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان » واما دعاء أمير المؤمنين عليه السلام فهو : « اللّهم أنت عصمتي وناصري وبغيتي ، اللّهم بك أصول وبك أقاتل ».
وإذا أراد صاحب الجيش الزحف عبأ الرجالة (3) وقدم الرماة ، ثم الخيل ،
ص: 299
ثم الإبل ، وجعل ذلك كتائب (1) ففرق القبائل وقدم على كل قوم رجلا ، وصف الصفوف وكردس الكراديس (2) وجعل للعسكر ميمنة وميسرة وقلبا - يكون هو فيه - مع العدو (3).
ويزحف ويأمر حينئذ بالدعاء وخفض الأصوات واجتماع النيات وإظهار العدد ، وآلات الحرب وإشهار السيوف ورفع الرماح ، وان يلزم كل قوم مركزهم ومكانهم ، ولا يبادر أحد غيره الا بأمر صاحب الجيش ، ومن حمل فليرجع الى مركزه ومكانه.
ويأمر الرماة بالرمي ، والمقدمة ان يتقدم ، ومن رأى من العدو ، فرصة فينبغي ان ينهزها (4) بعد أحكام مركزه حتى إذا بلغ مراده رجع اليه ، فاذا أرادوا الحملة - فليبدء بذلك صاحب المقدمة - فإن كان ممن معه كفاية في دفع العدو وهزيمته فليثبت الناس في مراكزهم ، وان تضعضعت (5) المقدمة وشقت (6) الرماة وحملت المنجيد (7) وافتقدت (8) الأطراف والأدوية والآكام (9) لئلا يكون في شي ء
ص: 300
من ذلك كمين ، أو مكيدة ، وتقرب الرايات وتقعقع الحجف (1) ويقدم في صدر العدو أصحاب الحديد من التجافيف (2) والدروع والسواعد (3) والجواشن. فان انكسر العدو لم يحمل عليهم الجيش جملة واحدة بل يحملون أولا فأولا ، فإن ثبت العدو فليثبت الناس ، وان انهزموا الهزيمة التي لا تحصل فيها شك ، فليحمل الجيش عليهم جملة واحدة وهم على حال التعانى (4) غير متفرقين.
وينبغي إذا انصرفوا من الحرب ان ينصرفوا على حال التبعية (5) أيضا ولا يتفرقوا ، فان زحف العدو أولا إلى المسلمين ، فينبغي لاميرهم ان يصف الناس على الخندق ويأمرهم بالترجيل وملازمة الأرض ، ويحكموا صفوفهم الى حد لا يكون فيها شي ء من الخلل ، ولا يعتمدوا على شي ء من آلات الحرب الا على السيوف ، فاذا حمل العدو عليهم جثوا (6) على ركبهم ونظروا الى مواضعهم ولا يهولن أحدا عدوهم ، ويستتروا بالجحف ، فاذا أتموا حملتهم وعادوا حمل الناس عليهم بالسيوف.
فان ثبتوا فليثبتوا على حال التعانى فان لم يثبتوا أو استوت (7) الهزيمة عليهم ، فليركبوا الخيل ويجد في طلبهم واستئصالهم.
فان عرض للمسلمين - والعياذ باللّه - هزيمة ، فيجب ان يصيح بعضهم ببعض ويذكروا ما به توعد اللّه تعالى ذكره من فر من الزحف وتعنف بعضهم بعضا وتبكيته (8)
ص: 301
ويسرع من كان مخفا في لحوق المنهزمين ، ويجتهدوا في ردهم ، فاذا اجتمعوا واستقر كل قوم مع صاحبهم المستولي عليهم ، عادوا الى حال التبعية (1) ، ثم يقاتلوا ويستعينوا باللّه سبحانه في النصر على عدوهم ويقاتلونهم بكل ما أمكن قتالهم به من السلاح وغيره الا السم.
فان تحصنوا فصب عليهم المناجيق ، والعرادات (2) وما جرى مجرى ذلك ، وقاتلوا الى ان يفتح اللّه سبحانه ، فان كان فيهم مسلمون ونساء وصبيان وشيوخ وذمي وأسارى ومن لا يجوز قتله وكان المشركون أكثر منهم ، جاز رميهم مع الكراهة لذلك إلا لضرورة ، فإن كان هناك ضرورة جاز رميهم.
وان كان المسلمون أكثر من المشركين لم يجز رميهم ، وإذا تعمد إنسان رمى واحد ممن ذكرناه ، كان عليه القود والكفارة وان كان خطأ كان فيه الدية.
وان كانت الحروب ملتحمة (3) وكان المسلمون أكثر من المشركين وأصيب منهم واحد لم يلزمه فيه شي ء ، غير انه لا يجوز والحال هذه ان يتعمد المسلم ويقصد بالرمي.
وإذا انترس (4) المشركون بأسارى المسلمين وكانت الحرب ملتحمة ، لم يقصد الأسير بالرمي (5) فإن أصيب لم يكن على من رماه شي ء ، وان لم يكن الحرب ملتحمة يجوز رميه ، فان رماه ولم يقصده فإن أصابه ، كان ذلك خطأ وعليه ديته ، وان تعمده كان عليه القود أو الدية.
وإذا كان المسلمون مستظهرين على المشركين ، كره تبييتهم ليلا والإغارة (6)
ص: 302
عليهم ، وان لم يكن في المسلمين قوة عليهم جاز تبييتهم والإغارة عليهم وان كان فيهم النساء ، والصبيان.
وقتال المشركين جائز في جميع الأوقات ، إلا في الأشهر الحرم لمن كان يرى منهم لها حرمة ، فان من يرى ذلك منهم لا يجوز قتاله فيها الا ان يبتدئ هو فيها بالقتال.
فاذا ابتدأ بذلك جاز قتاله فيها ، وان لم يبتدأ لم يجز قتاله حتى ينقضي.
ولا يجوز قتل النساء وان قاتلن مع أهلهن ، الا ان يدعوا الى قتلهن ضرورة ، وان دعت الى ذلك ضرورة لم يكن به بأس.
والمرابطة في حال ظهور الامام عليه السلام فيها فضل كثير ، وحدها من ثلاثة أيام إلى أربعين يوما ، فان زادت على ذلك كان حكم المرابط حكم المجاهد في الثواب.
ومتى نذر إنسان المرابطة والامام ظاهر وجب عليه الوفاء بذلك ، وكذلك وجب عليه الوفاء به (1) ، فان نذر ذلك في حال استتاره صرفه في وجوه البر.
وإذا أخذا إنسان شيئا من غيره لينوب عنه في المرابطة ، وكان الامام عليه السلام مستترا ، كان عليه رد ذلك ، فان لم يجده رده على وارثه ، فان لم يكن له وارث كان عليه الوفاء به فاذا كان أخذه في حال ظهور الامام عليه السلام وجب عليه الوفاء به ، ومن لم يتمكن عن المرابطة بنفسه وأعان المرابطين من ماله بشي ء أو رابط (2) دابة ، كان له في ذلك فضل كثير.
ولا يجوز التمثيل بالعدو ولا الغدر به.
ومن كان من المسلمين في دار العدو فحاربهم غيرهم من الكفار ، جاز له قتاله ويقصد بذلك الدفع عن نفسه دون القصد إلى معونة العدو.
ص: 303
وإذا كان عسكر المسلمين مثل نصف عسكر المشركين ، لم يجز لأحد ان يولى الدبر بل وجب عليه الثبات ، الا ان يكون متحرفا لقتال أو يكون في مضيق فينحرف عنه الى موضع يتسع فيه للقتال أو يعين على مجال (1) فرسه ، أو يكون موضعه معطشا فيتحول الى موضع الماء ، أو يكون الريح والشمس في وجوههم يستدبرونها أو يكون متحيزا الى فئة فيتحيز إليها ، وسواء كانت فئة بعيدة أو قريبة ، أو ما جرى مجرى ذلك ، فاذا انحرف بغير ما ذكرناه كان فارا واستحق العقاب العظيم لقوله سبحانه ( فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ ) (2).
وإذا لقي واحدا من المشركين وعلم أو غلب على ظنه انه يقتله ، فقد ذكر انه يجوز له الانصراف ، والأقوى عندي خلافه ، وتعويل من خالف في ذلك على قوله سبحانه ( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) (3) يصح تناوله لغير هذا الموضع ، لأنه متعبد في جهاد الكفار بالثبات لقوله سبحانه ( إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا ) (4).
فإذا كان عسكر المشركين أكثر من ضعف عسكر المسلمين ، لم يجب الثبات ، أو يغلب في ظنه انه ان ثبت قتل ، فالأفضل له الثبات فان لم يثبت وأراد الانصراف كان له ذلك ، وقد ذكر ان الجيش إذا بلع اثنى عشر ألفا لم يجز لاحد أن يولى.
ومن كانت له دعوة قد بلغته ، وعلم ان النبي صلى اللّه عليه وآله يدعو الى الايمان وشرائع الإسلام ، ولم يقبلوا ذلك مثل الترك والروم والهند والخزر (5) ومن جرى مجراهم فإنه يجوز للإمام أو من نصبه ان ينفذ الجند لقتالهم من غير ان يقدم النذارة (6) إليهم ويجوز ان يغير (7) عليهم.
ص: 304
ومن لم تبلغه الدعوة فلا يجوز له قتاله ، الا بعد الانذار والتعريف بما يتضمنه الدعوة مما قدمنا ذكره ، فاذا علم ما ذكرناه ولم يقبل ذلك قوتلوا وقتلوا ، فان كانوا من أهل الجزية وأجابوا إلى دفعها لم يقاتلوا ولم يقتلوا وقبل ذلك منهم ، وتركوا على ما هم عليه من دينهم ، فان لم يكونوا من أهل الجزية فعل بهم من القتل وغيره ما قدمناه
الأمان جائز في شريعة الإسلام ، لقوله سبحانه وتعالى لرسوله صلى اللّه عليه وآله ( وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللّهِ ) (1) الاية ، ولأنه صلى اللّه عليه وآله فعل ذلك عام الحديبية ، ولأنه صلى اللّه عليه وآله أيضا أمضاه لأم هاني بنت ابى طالب في فتح مكة لما أجارت رجلا ، فقال « عليه وآله السلام أجرنا من أجرت وأمنا من أمنت ».
فإن كان العاقد للأمان الإمام (عليه السلام) جاز ان يعقده لجميع المشركين في سائر الأماكن والأقاليم كلها ، لأن إليه النظر في جميع أمور الدنيا والدين ومصالح الإسلام والمسلمين كافة. وان عقد واحد من خلفائه وولاته على صقع من الأصقاع أو إقليم من الأقاليم ، جاز له مع من (2) يليه من المشركين ، ولا يتجاوز ذلك الى غيره الى ما يلي جهة لم يجعل اليه النظر فيها ولا تدبير مصالحها وسياستها.
فان كان العاقد واحدا من المسلمين ، جاز له ذلك من الواحد والعشرة ، ولا يجوز فعله لذلك مع جميع أهل بلد أو صقع ، لأنه ليس له النظر في ذلك ، فاذا كان ذلك جائزا للواحد من المسلمين ، لا يخلو من ان يكون هذا الواحد كامل العقل أو غير كامل العقل ، فان كان كامل العقل لم يخل من ان يكون رجلا أو أمرية ، فإن كان رجلا لم يخل من ان يكون حرا أو عبدا ، فان كان عبدا جاز له ذلك على خلاف فيه ، وان كان حرا جاز له ذلك بلا خلاف فيه ، وان كانت امرأة ، جاز لها ذلك لما ذكرناها من فعل « أم هاني ».
ص: 305
وان كان غير كامل العقل رجلا أو امرأة ، حرا كان أو عبدا ، فان ذلك لا يجوز له لأنه غير مكلف. والصبي إذا كان كبيرا ولم يبلغ الحلم ، فاغتر به بعض المشركين (1) وأمنه هذا الصبي لم يصح امانه ، ولا يجوز التعرض له بسوء حتى يرد إلى مأمنه ، فإذا حصل إلى مأمنه أو في الموضع الذي يأمن فيه على نفسه بعد ذلك ، صار حربيا لأنه دخل علينا بشبهته ، فلا يجوز مع ذلك الغرر به.
فاذا استذم (2) قوم من المشركين قوما من المسلمين ، فأشار المسلمون إليهم انكم لا أمان لكم عندنا ، فظنوا انهم قد أمنوا لهم فدخلوا إليهم لم يجز التعرض لهم بل يردون إلى مأمنهم فاذا حصلوا به صاروا حربيا.
وإذا كان مسلم في دار الحرب أسيرا أو مطلقا ، فاعطى الأمان لبعض المشركين لم يجز امانه ، وكذلك لو أمن بعض المسلمين بعض المشركين من بعد الهزيمة وفي حال التمكن منهم والظفر بهم ، لم يجز هذا الأمان أيضا.
والأمان جائز بكل لسان - عبارة أو إشارة - إذا فهم المخاطب به معناه ، ولفظ الأمان هو : « أجرتك ، أو أمنتك ، أو ذممت لك » فان قال : لا بأس عليك ، أو لا تخفف أو لا تذهل (3) ، أو ما عليك خوف ، أو ما أشبهه ، أو كلمه (4) أو قال ما معناه بلغة أخرى فإن علم من قصده انه أراد الأمان كان ذلك أمانا ، لأن المراعي هاهنا القصد لا اللفظ ، فان لم يقصد ذلك ودخل اليه لم يجز التعرض له بسوء لأنه دخل على شبهته ، ويجب ان يرد إلى مأمنه ، فإذا حصل به صار حربا كما ذكرنا في غيره فيما تقدم.
وإذا كان بعض المشركين في حصن ، فقال : واحد منهم للمسلمين : أعطوني أمانا على ان افتح لكم الحصن ، فأعطوه الأمان ، فقال لأصحابه : قد أخذت الأمان
ص: 306
لكم ، ففتحوا الحصن ، نظر في أمرهم ، فإن كان المسلمون علموا (1) بما فعل صاحبهم معهم لم يجز لهم ان يفعلوا معهم ما يجوز فعله بهم لو فتحوا الحصن عنوة من سبى وغيره ، وان لم يكونوا علموا ذلك ، فعلوا بهم ما يجوز لهم لو فتحوه عنوة ، لم يكن عليهم شي ء لان ذلك غرر من صاحبهم لا من المسلمين ، الا انه إذا علموا ذلك استحب لهم ان لا يسبوهم ، ويجزونهم في ان يكونوا ذمة في دار الإسلام ، أو يمضوا حيث شاءوا بأنفسهم وذراريهم ، من غير شي ء يستعينون به على قتال المسلمين من سلاح وما أشبهه.
وإذا دخل الحربي دار الإسلام في تجارة ، بأمان رجل من المسلمين على نفسه وجميع أسبابه ، كان أمنا على نفسه وماله وعلى من يكون في صحبة من قرابة وغيرها ، سواء خرجوا مجتمعين في دفعة واحدة أو متفرقين.
وإذا دخل المشرك دار الإسلام بأمان ، ثم خرج الى دار الشرك بغير أمر الامام ولا من نصبه الامام ولا في حاجة ولا في تجارة بل للاستئطان فقط ، انتقض الأمان على نفسه ولم ينتقض عن ماله إذا كان قد ترك ما لا في دار الإسلام ، والأمان قائم في ماله ما دام حيا ، فان مات انتقل ميراثه الى ورثته من أهل الحرب ان لم يكن له وارث مسلم يحجبهم عنه ، وينتقض الأمان في المال لأنه مال كافر ليس بيننا وبينه أمان - لا في نفسه ولا في ماله - ويكون فيئا للإمام خاصة ، لأنه لم يؤخذ بالسيف فهو مثل ميراث من لا وارث له.
وإذا أخذ أمانا لنفسه ودخل دار الإسلام ، ثم مات وترك بها مالا وكان له وارث في دار الحرب فالحكم فيه كالحكم في المسئلة المتقدمة ، وقد ذكر انه يرد الى ورثته الكفار ، وهذا فاسد لأنه حينئذ مال من لا أمان بيننا وبينه لا في نفسه ولا في ماله.
وإذا اعطى المسلمون الأمان لرجل من المشركين في حصن وفتح الحصن ولم يعرف الرجل المذكور بعينه ، نظر في ذلك ، فان كان الجيش الذي فتحوا
ص: 307
الحصن غزوا بغير اذن الامام (عليه السلام) ولا من نصبه ، كان عليهم ان يكفوا عن قتل من في الحصن حتى يخبرهم أميرهم ، اما ان يقرع بينهم - فمن خرج اسمه كان أمنا أو (1) يجرى على الناس الحكم ، فاما (2) ان يؤمن الجميع على نفوسهم ويصيروا ذمية ويستسعى كل واحد منهم في قيمته ، الا قدر واحد معهم من جملتهم قيمة وسطا ، والقرعة أولى.
وإذا حضر (3) المسلمون المشركين ، فائتمن (4) واحد من المشركين لجماعة معينين كان الأمان صحيحا فيهم دون غيرهم ، ولو استأمن لعدد غير معين (5) كان ذلك جائزا في هذا العدد ، دون غيرهم مما زاد عليه فان قال : أعطوني الأمان لألف رجل أو مأة رجل وافعلوا في الباقي ما أردتم ، كان ذلك جائزا ويختار من أراد منهم الالف والمائة فان قال : آمنوا جميع أهل الحصن ولكم منهم ألف أو مأة صح ذلك وتدفع الالف والمائة من رقيقهم أو من احرارهم.
فان كان الجيش غزا بغير اذن الامام أو من نصبه كان للإمام أو من نصبه ان يفعل مع أهل الحصن ما اختار من الوجهين المذكورين ، وإذا انهزم المشركون وادعى بعد ذلك واحد من المسلمين انه كان أمن بعضهم ، لا يقبل ذلك أيضا منه الا ببينة ، ولو ادعى بعد الهزيمة اثنان انهما كانا (6) أمنا رجلا أو أكثر منه لم يقبل ذلك منهما أيضا إلا ببينة. وإذا طلب صاحب جيش المشركين الأمان ، على ان يدخل في جملة الذمة (7) ببلدان
ص: 308
الإسلام على الجزية جاز ولم يكن له الرجوع الى دار الحرب ، فإن أراد ذلك أو هم به لم يكن بحبسه بأس ، ولا يقتل الا ان يحارب ، وان طلب الأمان على ان يقيم بغير جزية لم يجز ذلك.
ويكره تمكين من دخل من دار الحرب الى دار الإسلام - من رسول أو غيره بأمان - من المقام أكثر من أربعة أشهر ، فإن كان الداخل كتابيا واقام سنة كان عليه الجزية أو على من حبسه حتى كمل عليه الحول.
وإذا أراد الإمام أو أحد من خلفائه ، جعل الجعائل لمن يدل على مصلحة أو على حصن أو غيره كان جائزا ، وليس يخلو ذلك من ان يكون ماله أو ملك أهل الحرب ، فان جعله من ملكه وماله لم يصح حتى يكون معلوما موصوفا في الذمة أو معينا مشاهدا ، لأنه عقد في ملكه فلا يجوز ان يكون مجهولا ، فان كان من ملك أهل الحرب ، جاز ان يكون مجهولا ومعلوما وإذا كان كذلك ، صح ان يقول : « من دلنا على كذا فله كذا » على ما ذكرناه من القسمين.
فان قال « من دلنا على القلعة الفلانية فله جارية فيها » وشوهدت القلعة لم يكن له شي ء حتى ينفتح ، فاذا انفتحت فليس يخلو من ان يفتح عنوة أو صلحا ، فان كان عنوة وكانت الجارية على الشرك سلمت اليه ، وان كانت قد أسلمت قبل الظفر بها فهي حرة ، فلا تدفع اليه الا قيمتها ، (1) وان كانت قد أسلمت بعد الظفر نظر الى الدليل ، فان كان مسلما سلمت إليه لأنها عين مملوكة ، وان كان مشركا لم تسلم إليه ، لأن الكافر لا يملك مسلما بل يدفع قيمتها إليه ، فإن ماتت الجارية قبل الظفر بها أو بعده لم يكن له شي ء ، لأن أصل العقد حصل بشرط ان يكون له مع وجودها
وان كانت فتحت صلحا ، وشرط ان لصاحب القلعة اهله وكانت الجارية من اهله ، عرض على الدليل الأخذ لقيمتها ليتم الصلح ، فإن أجاب الى ذلك ، جاز ان
ص: 309
يعرض قيمتها على صاحب القلعة ويسلمها الى الدليل ، فإن أجاب الى ذلك جاز ، وان امتنع كل واحد منهما من ذلك ، قيل لصاحب القلعة « ارجع الى قلعتك بأهلك » ويزول الصلح ، لأنه قد اجتمع هاهنا شيئان متنافيان ، فلا يمكن الجمع بينهما ، وحق الدليل سابق وجب تقديمه ، وإذا كان المشرك ممتنعا وهو أسير فجعل له جعل على ان يدل على المشركين فدل عليهم ، وجب الوفاء بما ضمن له.
ولو جعل له جعل على ان يدل على مأة فدل على خمسين ، أو عشرة فدل على خمسة ، كان النصف مما جعل له ، فان كان أسيرا فجعل له أسيرا يقتل لم يقبل (1) لان القتل لا يتبعض ، فان لم يؤخذ في الموضوع الذي دل عليه أحد ، لم يكن له من الجعل شي ء.
وإذا ضل مسلم عن الطريق ومعه أسير من المشركين ، فجعل له الأمان إن دله على الطريق ، فلما دله عليها (2) ولاح له الجيش خاف المسلم من ان لا يطلقه صاحب الجيش ، كان عليه إطلاقه قبل وصوله الى الجيش ، فإن أدركه المسلمون قبل إطلاقه كان على صاحب الجيش إطلاقه له ، فان اتهمه في ذلك استحلفه عليه ثم أطلقه ، وان لم يفعل صاحب الجيش ذلك ، على المسلم ان يأخذه في سهمه ثم يطلقه بعد ذلك.
وإذا دخل إنسان من المشركين الى دار الإسلام أمنا ، (3) ثم أراد الرجوع الى دار الحرب ، لم يمكن له ان يخرج بشي ء من السلاح وما جرى مجراها مما
ص: 310
يستعان به على قتال المسلمين ، الا ان يكون دخل ومعه شي ء فيجوز تمكينه من ذلك دون ما سواه.
فاذا دخل مسلم دار الحرب بأمان ، ثم أخذ منهم مالا قرضا أو سرقة ثم عاد إلينا ودخل صاحب المال إلينا بأمان ، كان على المسلم رد ماله إليه لأن الأمان يقتضي الكف عن ماله.
وإذا دخلت المرأة إلى دار الإسلام مستأمنة وكان لها زوج مشرك ، انقطعت العصمة (1) بينهما ولم يحتج في ذلك الى طلاق بل يكون ذلك فسخا للنكاح ، وليس لها ان تتزوج حتى تنقضي عدتها ، وإذا خرجت من دار الحرب حاملا و (2) تزوجت ، كان النكاح مفسوخا.
وإذا تزوج الحربي حربية لها زوج ، ثم أسلما وخرجا من دار الحرب لم تحل له الا بنكاح جديد وإذا تزوج الحربي حربية ودخل بها ثم ماتت ، وأسلم زوجها في دار الإسلام وجاء وارثها طالبا لزوجها بمهرها ، لم يجب عليه دفع ذلك إليه لأن الوارث من أهل (3) الحرب ولا أمان له على هذا الوجه ، فان كان لها ورثة مسلمون كان لهم مطالبة الزوج بالمهر ، ولا يحكم من المستأمنين (4) فيما كان بينهم في دار الحرب إذا تحاكموا فيه الى المسلمين ، ويحكم بينهم فيما كان بينهم في دار الإسلام.
والحربي إذا أسلم في دار الحرب عصم بذلك دمه وجميع ماله مما يمكن نقله الى دار الإسلام ، واما أولاده إلا صاغر انه كان له ذلك ، وهذا حكمه إذا أسلم وهو في دار الإسلام ، فأما أولاده البلغ فلهم حكم أنفسهم ، واما أملاكه التي لا يمكن
ص: 311
نقلها الى دار الإسلام مثل العقارات والأرضين فهو غنيمة.
وإذا أسلم وله حمل كان الحمل مسلما ، وإذا غنمت زوجته هذه واسترقت لم يسترق ولده لان إسلامه محكوم به منذ أسلم أبوه وإذ تزوج مسلم حربية فحملت منه بمسلم ثم سبيت وهي حامل واسترقت لم يسترق ولدها أيضا ، وإذا (1) استرقت الزوجة انفسخ النكاح.
وإذا استأجر مسلم دارا في دار الحرب ثم غنمها المسلمون ، فقد ملكوا رقبتها بالغنيمة دون منفعتها ، وعقد الإجارة ثابت لا ينفسخ الى ان ينقضي هذه الإجارة وإذا أعتق المسلم عبدا وثبت له الولاء عليه ، ولحق بدار الحرب ثم حصل في الأسر ، لم يحز استرقاقه لان ولاء مولاه المسلم قد ثبت عليه فلا يجوز إبطاله ، وقد ذكر انه يجوز إبطال الولاء فيه.
وان كان الولاء للذمي ثم لحق المعتق بدار الحرب ، يصح استرقاقه لان مولاه لو لحق بداء الحرب وظفر به لاسترق ، وإذا غلب المشركون على المسلمين وظفروا - والعياذ باللّه - بهم وحازوا أموالهم فليس يملكون منها شيئا ، ولا فرق بين ان يكونوا حازوها (2) الى دار الحرب أو لم يكونوا حازوها إليها ، وآخذها يكون غاصبا لها.
وإذا ظفر به وغنم وعرفه صاحبه ، كان له أخذه واسترجاعه قبل القسمة ، ووجب تسليمه إليه إذا ثبت له البينة ، وان كان بعد القسمة كان ذلك له أيضا ، لكن يدفع الإمام الى من حصل في سهمه قيمته.
وإذا أسلم من هو في يده أخذه بغير قيمة ، وقد ذكر ان صاحبها يكون اولى بها بالقيمة إذا قسمت.
وإذا أخذ مشرك جارية مسلم فوطأها وولدت منه وظفر المسلمون بها ،
ص: 312
كانت هي وأولادها لمالكها ، فإن أسلم الواطى لها لم يزل ملك مالكها عن ذلك بإسلامه ، فإن وطأها بعد إسلامه وهو يظن انها ملكه ثم ولدت منه ، فان ولده أيضا يكون لسيد الجارية الا انه يقوم على الأب ويؤخذ منه قيمته ، ويلزم الواطئ عقرها (1) لسيدها.
قد تقدم القول في أحكام الأرضين (2) ، فلا حاجة الى إعادة بذلك هاهنا ، ونحن نذكر ما يزيد على ذلك مما يجوز ان يغنم وما لا يجوز ذلك فيه.
وإذا أخذ المسلمون من دار الحرب طعاما فأخرجوه الى دار الإسلام أو بعضه ، وجب رده الى الغنيمة قليلا كان أو كثيرا لأن الحاجة قد زالت ، فان كان على قدر الكفاية ، موسرين كانوا أو معسرين ، معهم طعام أو ليس معهم طعام ، لا يلزمهم في ذلك شي ء (3).
والحيوان المأكول إذا احتاج الغانمون الى ذبحه وأكل لحمه ، كان لهم ذلك وليس عليهم ضمان شي ء من ذلك ، فاذا اتخذوا من جلوده ما يكون سقاء (4) أو روايا (5) أو ركوة (6) أو ما أشبه ذلك ، أو أحرزوا الجلود ليعملوا منها ما جرى هذا المجرى وجب عليهم رد ذلك في المغنم.
وإذا أقام ذلك في يده مدة ما ، لم يجب عليه في ذلك اجرة مثله وعليه ضمان
ص: 313
ما نقص منها ، فان زاد بصنعة فيها ، لم يكن له بذلك حق ، لأنه تعدى فيها ، فاما إذا كان في يده ثياب ، فعليه ردها الى المغنم ، فاما لبسها فلا يجوز له ذلك على كل حال
ولا يجوز له أيضا ان يدهن ولا يتداوى لنفسه ولا لدابته بشي ء من ادهان الغنيمة ولا ادويتها ، الا بان يضمن ذلك ، لأنه ليس بقوت ، وكذلك لا يجوز له ان يطعمها (1) بشي ء من الجوارح (2) والبزاة (3) وغيرها ان كان معه شي ء من ذلك ، لأنه ليس ذلك ضرورة فيفعل ذلك لأجلها.
وإذا أقرض بعض الغانمين غيره شيئا من الغنيمة من علف دابة أو غير ذلك كان جائزا ، الا انه لا يكون قرضا في الحقيقة ، من حيث انه لا يملكه فيقرضه ، لان يده عليه فاذا سلمه الى غيره وصارت يد الغير عليه يكون يد الثاني عليه وهو أحق به من الأول ، ولا يجب عليه رده الى الأول ، فإن رد ، كان المردود عليه أحق به ، لثبوت اليد عليه ، فاذا خرج المقرض (4) من دار الحرب ، والطعام أو العلف كان في يده كان عليه رده في المغنم ولا يرده الى المقرض ، لأنه ليس بملك له.
وإذا باع بعض الغانمين لغيره طعاما ، لم يجز له ذلك ولم يكن هذا البيع بيعا صحيحا ، وانما يكون منتقلا من يدل إلى أخرى ، فإذا حصل في يد واحد منهما كان أحق بالتصرف فيه فقط.
وكل ما يؤخذ في المغنم من مصاحف أو كتب فقه أو شي ء من علوم الشريعة (5) أو نحو أو لغة أو شعر أو من كتب الحديث والروايات وما لحق بذلك فهو مما يجوز بيعه وشرائه والجميع يكون غنيمة.
وكل ما يؤخذ من ذلك من كتب الكفر والزندقة والسحر وما أشبه ذلك فهو
ص: 314
مما لا يجوز بيعه ولا شرائه فإن كان له لبد (1) أو ظروف ينتفع بها وجلود كذلك غسلت وكان ذلك غنيمة ، فاما أوراقها فإنها تمزق ولا تحرق لأنه لا شي ء من الكاغذ الأولة قيمة ، وكذلك الحكم فيما نذكر انه من التوراة والإنجيل لأن ذلك قد غير وبدل
وكل ما لا يكون عليه اثر ملك ، كالشجر والحجر والصيد ، فلا يكون ملكا لهم ، فلا يكون غنيمة ، لأنه انما يكون كذلك ما كان ملكا للكفار ، فاما ما لا يكون ملكا لهم فلا يكون غنيمة وإذا كان عليه اثر ملك كالصيد المشدود والحجر المنحوت والخشب المنجور ، فجميع ذلك يكون غنيمة ، وعلى ما أصلناه ينبغي ان يكون الصيد إذا كان في دور المشركين ، أو كان واقعا في حبائلهم واشراكهم (2) وحوائطهم وفخاخهم (3) وما جرى مجرى ذلك فجميعه يكون غنيمة لأن عليه اثر الملك لهم ، وما لم يكن كذلك فلا يكون غنيمة.
وإذا صادهم في بلادهم المسلمون ، كان ذلك لمن أخذه ولا يلزمه رده الى المغنم ، وكذلك الحكم في الشجر والحجر وما جرى مجرى ذلك سواء ، فان وجد ما يجوز ان يكون ملكا للمشركين أو المسلمين ، مثل الخيمة والخرج (4) والأوتاد وما أشبه ذلك ، ولم يعرف له صاحب ، عرف سنة ، فان لم يظفر له بصاحب رد الى المغنم وإذا كان في المغنم بهيمة وأراد المسلمون ذبحها ليأخذوا جلدها ، ليستعملونه في النعال وما أشبهها في السيور (5) والركب (6) لم يجز ذلك ، لان ذبح منهي عنه الا للأكل.
وإذا كان في بيوت المشركين فهودة (7) أو صقورة أو جوارح معلمة أو سنانير
ص: 315
أو كلاب صيد وما أشبه ذلك ، فذلك مما تباع وتشترى وجميعه غنيمة ، وان وجد شي ء منهم في أرضهم وليس عليه اثر ملك ، فاصطاده المسلمون كان ذلك لمن أخذه كما ذكرناه في الصيد كما تقدم ولا يلزم رده في المغنم.
واما الخنازير فينبغي للمسلمين قتلها ، فان اعجلهم المسير ولم يتمكنوا من ذلك لم يكن عليهم شي ء ، والخمور ينبغي ان تراق ، فان كانوا على المسير كسروها ، فان كان المسلمون قد صالحوهم لم يكسروها.
وإذا غنم المسلمون شيئا من خيول المشركين ومواشيهم ، ثم أدركهم المشركون وخافوا ان يأخذوها منهم ، لم يجز لهم عقرها (1) ولا قتلها ، وان كانوا (2) رجالة أو على خيل قد وقفت وكلت (3) وخافوا (4) ان يسترد الخيل فيركبوها ويظفروا بهم ، جاز لهم عقرها وقتلها لمكان الضرورة التي ذكرناها ، وان كانت خيولهم قد كلت ووقفت ، فلا ضرورة حينئذ هاهنا ولم يجز قتلها ولا عقرها ويجوز عقر الخيل التي يقاتلون عليها وقتلها ، والأفضل ترك ذلك مع الظهور (5) عليهم وارتفاع الضرورة الى ذلك.
الأسارى على ضربين : أحدهما ما يجوز استبقائه - والأخر لا يستبقي ، فالذي يجوز استبقائه ، كل أسير أخذ بعد تقضى الحرب والفراغ منها ، والذي لا يستبقي : هو كل أسير أخذ قبل تقضى الحرب والفراغ منها.
والضرب الأول يكون الامام ومن نصبه الامام مخيرا فيهم ، ان شاء قتلهم وان
ص: 316
شاء فاداهم (1) وان شاء من عليهم وان شاء استرقهم ، ويفعل في ذلك ما يراه صلاحا في التدبير (2) والنفع للمسلمين.
واما الضرب الثاني فحكمه الى الامام أو من نصبه أيضا ، وهو مخير في قتلهم بأي نوع اراده من أنواع القتل.
فاذا أسر مسلم مشركا فعجز الأسير عن المشي ولم يكن مع المسلم ما يحمل عليه فان عليه إطلاقه.
ومن كان أسيرا عند الكفار من المسلمين فلم يجز له ان يتزوج إليهم ، فإن كان به ضرورة تزوج يهودية أو نصرانية ، ولا يجوز له التزويج بغير ذلك من المشركين والمشرك إذا أسر وله زوجة كانا على الزوجية ان لم يجز الامام استرقاقه ، فإن فادى به أو من عليه عاد الى زوجته ، فان استرقه انفسخ نكاحه. وإذا كان الأسير صبيا أو امرأة لها زوج ، كان النكاح مفسوخا بنفس الأسر لأنهما صارا رقيقين.
وإذا أسر رجل بالغ كتابيا أو من له شبهة كتاب ، كان الامام مخيرا فيه على ما قدمنا من الوجوه ، فإن أسر وثنيا كان مخيرا فيه بين المن عليه أو المفاداة ، ويسقط هاهنا استرقاقه لأنه ممن لا يقر على الجزية. وإذا فادى رجلا وقبض مال المفاداة كان هذا المال غنيمة.
وإذا أسلموا قبل الأسر كانوا أحرارا وعصموا بذلك دمائهم وأموالهم إلا بحقها (3) ، وسواء احيط بهم في حصن أو في مضيق ، وإذا حدث الرق في الزوجين أو في أحدهما انفسخ النكاح في الحال لأن الزوجة صارت مملوكة بنفس الحيازة ، وإذا كان المسبي الرجل لم ينفسخ النكاح في الحال الا ان يسترقه الامام ، وإذا كان المسبي المرأة ، انفسخ أيضا النكاح في الحال لما ذكرناه فاذا كان الزوجان جميعا
ص: 317
مملوكين لم ينفسخ النكاح لأنه لم يحدث بهما هاهنا رق لأنهما قبل ذلك رقيقان.
وإذا سبيت المرأة وولدها لم يجز للإمام ان يفرق بينهما فيعطى الام لرجل ويعطى ولدها الأخر ، بل ينظر فان كان في الغانمين ، من يبلغ سهمه الام والولد دفعهما اليه وأخذ فضل القيمة ، أو يجعلهما في الخمس ، فان لم يبلغهما باعهما ورد ثمنهما في المغنم (1) والأمة إذا كان لها ولد لم يكن لسيدها ان يفرق بينهما ببيع ولا غيره من وجوه التمليكات.
وإذا بلغ الصبي سبع سنين أو ثماني سنين كان ذلك هو السن الذي يخير بين الأب والام فيجور ان يفرق بينهما فيه ، وقد ذكر ان ذلك لا يصح الا ان يبلغ ، ولا يفرق بينه وبين الجدة من قبل الأم ، لأنها في الحضانة بمنزلة ابنتها - أم الولد - واما الفرقة بين الوالد والولد فجائز لا محالة وان باع كان البيع جائزا. وقد قيل ان البيع فاسد لما روى عن أمير المؤمنين (عليه السلام) : انه فرق بين جارية وولدها فنهاه النبي صلى اللّه عليه وآله عن ذلك ورد البيع (2) ، وهذا هو الأقوى.
ومن خرج عن الإباء وان علوا ، والأبناء وان نزلوا - من الاخوة وأولادهم والأعمام وأولادهم - فإن التفرقة جائزة بينهم. وإذا سبي طفل مع والديه أو أحدهما كان دينه على دينهما ولم يجز بيعه منفردا عن امه ، فان باعهما جميعا من المشركين أو المسلمين جاز ذلك.
وان مات أبواه لم يتغير عن حكم دينه ، ويجوز بيعه إذا مات أبواه من المسلم فان بيع من مشرك كان بيعه مكروها ، وقد حكى عن بعض الناس تحريم بيعه. فإذا سبى الولد منفردا عن أبويه ، كان تابعا للسابي في الإسلام ، فإن بيع من مشرك كان البيع باطلا ، وان بيع من مسلم كان البيع صحيحا.
ص: 318
وإذا جنى الأسير جناية تحيط بنفسه قبل القسمة ، سلم الى مستحق ذلك بنفسه وخرج عن القسمة ، وان كانت الجناية دون النفس بيع في الجناية ، ودفع الى المجني عليه قيمة الجناية وترك الباقي في المغنم.
فان كان الجاني امرأة ومعها ولدها وكانت جنايتها تحيط بنفسها ، بيعت هي وولدها ولم يفرق بينهما في بيع وقسم ثمنهما ، فما أصابها عن نفسها سلم إلى المجني عليه ، وما أصاب من ولدها رد الى المغنم.
والمسلم إذا أسره المشركون ثم أسلموا عليه ، كان حرا على ما كان عليه. وأم الولد والمكاتب والمدبر إذا لم يكن سيده رجع عن تدبيره (1) يكونون على ما هم عليه. وكل ملك لا يجوز فيه البيع فإن أهل الحرب لا يملكونه. وإذا أسر مسلم رجلا فادعى الأسير انه كان مسلما لم يقبل منه ذلك إلا ببينة.
وإذا كان قوم من المسلمين أسارى في دار الحرب ، وقتل بعضهم بعضا أو تجارحوا ثم صاروا الى دار الإسلام ، أقيمت عليهم الأحكام في ذلك. فإذا أسر مشرك امرأة حرة مسلمة ، ووطأها بغير نكاح ثم ظفر المسلمون بها ، لم يسترق أولادها وكانوا مسلمين بإسلامها ، وكذلك الحكم ان كان لها زوج في دار الإسلام ، الا ان أولادها من المشرك لا يلحقون بزوجها المسلم. وانما يلحقون بالمشرك وان كان نكاحها فاسدا ، للشبهة.
والحربي إذا أسلم في دار الإسلام وله زوجة في دار الحرب ، وسبيت وهي حامل منه لم يسترق ما في بطنها ، وإذا ولدته كان مسلما بإسلام أبيه ، واى الوالدين أسلم ، كان الولد تبعا له.
وإذا سبي المسلمون الوثنيات ومن اشبههن لم توطأ واحدة منهن الا بعد إسلامها وان أسر المشركون مسلما وشرطوا عليه ان يكونوا منه في أمان إن أطلقوه ، ثم أطلقوه على هذا الشرط فعليه (2) ان يخرج من عندهم إلينا ولا يلزمه الإقامة بالشرط لأنه
ص: 319
حرام ، وان كانوا قد استرقوه ثم أطلقوه على انه مملوك ، جاز له ان يسرق وينهب ويهرب لان استرقاقه باطل.
وإذا أسر المشركون المسلم وأطلقوه في ديارهم وشرطوا عليه ان لا يخرج منها كان هذا الشرط فاسدا وعليه الخروج منها. ومن أسره المشركون وصار في دار الحرب وكان مستضعفا (1) وهو متمكن من الخروج فعليه الخروج ، وان كان غير متمكن من ذلك ، جاز ان يقيم لأنه مضطر الى ذلك.
وإذا أسر المشركون مسلما وأطلقوه في دار الحرب على انه في أمان منهم وشرطوا عليه المقام بها أو لم يشرطوا ذلك ، كانوا منه في أمان ولم يكن له قتالهم في مال ولا نفس ، والحكم في خروجه من دار الحرب مع تمكنه من ذلك ومقامه بها على ما قدمناه ، فان خرج هاربا فأدركوه كان له الدفاع عن نفسه ، فإن أدى دفعه الى قتل طالبه ، لم يكن عليه شي ء لأنه الذي نقض عهده وزوال امانه (2)
وان أطلقوه بغير أمان ، كان له ان يأخذ من أموالهم وأولادهم ونسائهم وغير ذلك ما يمكن منه ، ويخرج هاربا أو غير هارب لأنهم لم يشترطوا الأمان ، وإذا شرطوا عليه المقام في دار الحرب ولم يحلفوا على ذلك حرم عليه المقام ولم يجب عليه الوفاء بالشرط ، وان حلفوه على ذلك لم يخل من ان يكون مكرها على اليمين أو يكون مختارا ، فان كان مكرها لم ينعقد يمينه لأنه مكره في (3) خروجه ، وان كان مختارا كان له الخروج ولم يلزمه كفارة.
فإن أطلقوه وشرطوا عليه يحمل مالا من دار الإسلام والا رجع إليهم لم يلزمه شي ء من ذلك ، فان قرروا بينهم وبينه فداء ، فان كان مكرها على ذلك لم يلزمه الوفاء به ، وان كان متطوعا لم يلزمه أيضا لأنه عقد عقدا فاسدا.
ص: 320
ولو ان الامام أو من نصبه ، شرط ان يفادي قوما من المسلمين بمال ، لما صح ذلك وكان العقد فاسدا ولم يملك المشركون ما يأخذونه منه ، وان ظهر المسلمون على المشركين وأخذوا منهم هذا المال ، لم يكن غنيمة ووجب رده الى بيت المال.
وإذا غصب مسلم فرسا وغزا عليه وغنم وأسهم له ثلاثة أسهم ، كان الثلاثة أسهم كلها له ، ولم يكن لصاحب الفرس منها شي ء ، فان دخل دار الحرب بفرسه الذي يملكه وغزا ثم غصبه غيره من أهل الصف فرسه وغنم (1) وأسهم للذي غصب الفرس ثلاثة أسهم ، كان له من هذه الثلاثة أسهم ، سهم واحد والسهمان الباقيان لصاحب الفرس وانما اختلف الحكم فيما ذكرناه ، لان الغاصب في المسئلة الاولى هو الحاضر للقتال دون صاحب الفرس وقد اثر حضوره في القتال ، وفي المسئلة الثانية صاحب الفرس حضر القتال فارسا وأثر في القتال ، والغاصب لفرسه ، غصبه بعد ذلك فكان السهم دون الغاصب (2) للفرس.
وإذا اشترى إنسان الأسارى من المسلمين لبعض التجار بإذنهم بان يشتريهم ويكفهم من العرض (3) ، فابتاعهم وأخرجهم من دار الحرب ، كان عليهم ان يؤدوا إليه ما ابتاعهم به ، وان اشتراهم بغير إذنهم ، لم يجب عليهم ان يؤدوا المال اليه ويستحب لهم أداء ذلك ، وان أذنوا له في ابتياعهم وكانوا فقراء فاشتراهم وأخرجهم من دار الحرب ولم يقدروا على تعويضه (4) عوض ذلك من بيت مال المسلمين إذا كان ثمنهم الذي وزنه (5) هو قيمتهم ، فان كان قد دفع فضلا على ذلك ، فان الفاضل في قتاله (6) ، ولم يجب تعويضه على ذلك من بيت مال المسلمين.
ص: 321
فان اشترى صبيانا أو أطفالا أحرارا بإذن أو بغير اذن ، لم يجب على أوليائهم ولا عليهم إذا بلغوا رد عوض المال إليه ، فإن فعلوا ذلك كان حسنا ، وان كان أوليائهم التاجر (1) في ذلك كان عليهم ان يدفعوا ذلك اليه.
وإذا اشترى مكاتبا أو أم ولد بأمرهما له بذلك ، واشتراهما فأخرجهما من دار الحرب لم يكن له عليهما شي ء ، الا ان يعتقا ، فاذا أعتقا ، جاز له مطالبتهما بماله وان كان اشتراهما بغير إذنهما له في ذلك ، لم يستحق عليهما شيئا عتقا أو لم يعتقا.
فان اشترى عبيدا كان لساداتهم ان يأخذوهم بالثمن الذي ابتاعهم به ، اللّهم الا ان يكونوا عند مشرك ، فدفعهم المشرك الى هذا التاجر عوضا عن هدية أو ما أشبهها فيكون قيمته ما اوفى عليه بهم.
قال اللّه تعالى ( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِي ءَ إِلى أَمْرِ اللّهِ ) (2) الاية.
وروى عن أمير المؤمنين على بن ابى طالب (عليه السلام) انه خطب يوما بالكوفة ، فقام اليه رجل من الخوارج فقال ، لا حكم الا لله فسكت (عليه السلام) ثم قام آخر وآخر وآخر فلما أكثروا فقال صلوات اللّه عليه وآله « كلمة حق يراد بها باطل ، لكم عندنا ثلاث خصال ، فلا نمنعكم مساجد اللّه ان تصلوا فيها ، ولا نمنعكم الفي ء ما كانت أيديكم مع أيدينا ، ولا أبتدءكم بحرب حتى تبدءوا ، لقد أخبرني الصادق عن الروح الأمين عن رب العالمين : انه لا يخرج عليكم فئة قلت أو كثرت الى يوم القيامة الا جعل اللّه حتفها على أيدينا ، وان أفضل الجهاد جهادكم وأفضل المجاهدين من قتلكم وأفضل الشهداء من قتلتموه ، فاعملوا ما أنتم عاملون ، فيوم القيامة يخسر المبطلون ولكل
ص: 322
نبأ مستقر فسوف تعلمون ». (1)
وروى عنه عليه السلام انه حرض الناس يوم الجمل على القتال ، فقال ( فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ ) (2) ثم قال : « هذا واللّه ما رمى أهل هذه الاية بسهم قبل اليوم » (3) وروى عنه عليه السلام انه قال يوم الصفين « اقتلوا بقية الأحزاب وأولياء الشيطان ، اقتلوا من يقول : كذب اللّه ورسوله ». (4)
وروى - انه لما أغارت خيل معاوية على الأنبار ، وقتلوا عامله (عليه السلام) وانتهكوا حرم المسلمين ، خرج (عليه السلام) بنفسه غضبان حتى انتهى الى النخيلة ، فمضى الناس فأدركوه فقالوا ارجع يا أمير المؤمنين فنحن نكفيك المؤنة ، فقال : واللّه ما تكفوننى ولا تكفون أنفسكم ، ثم قام فيهم خطيبا فحمد اللّه واثنى عليه ثم قال : « ان الجهاد باب من أبواب الجنة فمن تركه ، ألبسه اللّه تعالى الذلة ولشمله البلاء والصغار
وقد قلت لكم وأمرتكم ان تغزوا هؤلاء القوم قبل ان يغزوكم ، فإنه ما غزى قوم قط في عقر دارهم الا ذلوا ، فجعلتم تتعللون بالعلل وتسوفون ، وهذا عامل معاوية أغار على الأنبار فقتل عاملي عليها ابن حسان (5) وانتهك أصحابه حرمات المسلمين ، لقد بلغني ان الرجل منهم كان يدخل على المرية المسلمة والأخرى المعاهدة فينزع قرطها (6) وخلخالها لا يمتنع منها ثم انصرفوا لم يكلم أحد منهم ، فو اللّه لو ان امرء مسلما مات من هذا أسفا ، ما كان عندي ملوما بل كان عندي جديرا.
يا عجبا عجبت لبث (7) القلوب وتشعب الأحزاب من اجتماع هؤلاء القوم
ص: 323
على باطلهم وفشلكم عن حقكم ، حتى صرتم غرضا تغزون ولا تغزون ويغار عليكم ولا تغيرون ويعصى اللّه وترضون ، إذا قلت لكم اغزوهم في الحر قلتم هذه أيام حارة القيظ (1) امهلنا حتى ينسلخ الحر وإذا قلت لكم اغزوهم في البرد قلتم هذه أيام صر (2) وقر ، وأنتم من الحر والبرد تفرون فأنتم واللّه من السيف أفر.
يا أشباه الرجال ولا رجال ، يا طغام (3) الأحلام ويا عقول ربات الحجال (4) ، قد ملأتم قلبي غيظا بالعصيان والخذلان ، حتى قالت قريش : ان على بن ابى طالب لرجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب ، فمن اعلم بالحرب منى؟ لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين ، وها انا قد عاقبت (5) على الستين ولكن لا رأى لمن لا يطاع ، أبدلني اللّه بكم من هو خير لي منكم وأبدلكم من هو شر لكم مني.
أصبحت واللّه لا أرجو نفعكم ولا أصدق قولكم ، وما سهم من كنتم من سهمه الأسهم الاخيب ، فقام اليه جندب (6) بن عبد اللّه فقال : يا أمير المؤمنين ها انا وأخي أقول كما قال موسى : رب انى لا أملك الا نفسى وأخي ، فمرنا بأمرك ، واللّه لنضربن دونك وان حال دون ما نريده جمر الغضا (7) وشوك القتاد ، فاثنى عليهما وقال : أين تبلغان رحمكما اللّه مما أريد (8).
ص: 324
فقد دل ما أوردناه - من القران والخبر - على ان اللّه سبحانه فرض قتال أهل البغي ، وقد ذكرنا في باب من يجب جهاده من المراد بأهل البغي وقسمتهم ، فاذا اقتتلت طائفتان بكلام أو ما يجرى مجراه ولم يشهروا سلاحا أصلح بينهما بما يدعو إلى الألفة وما يعم النفع به وان بغت إحداهما على الأخرى وشهرت الظالمة السلاح على المظلومة ، وجب قتال الطائفة الباغية حتى تفي ء إلى أمر اللّه سبحانه ، ووجب على المؤمنين إذا دعاهم الإمام الى ذلك واستعان بهم معاونته ومساعدته والخروج معه الى حربهم ، ولم يجز لأحد منهم التأخر عنه في ذلك
ولا فرق في وجوب قتال الباغية بين ان يكون باغية على طائفة من المؤمنين ، وبين ان يكون بغت على الامام اما في خلع طاعته أو منعه مما يجب له التصرف فيه من اقامة حدا وغيره أو ما جرى مجرى ذلك ، فان في كل ذلك يجب قتال هذه الباغية ، ولا يجوز لمن دعاه الإمام الى ذلك واستعان به في حربهم ، التخلف عنه كما قدمناه.
ولا ينبغي ان يبدوا بالحرب حتى يبدوهم بها ، ويجوز ان يدعوا قبل القتال إلى الحق وينذروا ، فان لم يجيبوا قوتلوا وان كانوا عارفين بما يدعوهم الإمام اليه ولم يدخلوا فيه ، جاز قتالهم من غير دعاء ولا إنذار.
ولا يجوز قتالهم الا مع الإمام أو مع من ينصبه لذلك ، وإذا بلغ - بعض خلفاء الامام على بعض المواضع - اجتماع قوم (1) على الخلاف والخروج على شق عصا المؤمنين (2) لا يقاتلهم حتى يطلع الامام على أحوالهم ، وينتظر امره فيهم فمهما أمروا به (3) انتهى اليه.
ويقاتل أهل البغي بكل ما يقاتل به المشركون ، وإذا انهزم عسكرهم وكان لهم فئة يرجعون إليها جاز اتباع مدبرهم وان يجهز على جريحهم ، وتغنم أموالهم التي في العسكر دون غيرها من أموالهم ولا تسبى ذراريهم.
وان لم يكن لهم فئة يرجعون إليها ، لم يتبع مدبرهم ولا يجهز جريهم ، فاما
ص: 325
أموالهم فلا يغنم منها الا ما حواه العسكر دون ما سواه مما لم يحوه ، ولا تسبى ذراريهم ، وقد ذكرنا هذا التفصيل في باب من يجب جهاده عند قسمة أهل البغي.
وإذا أدرك المؤمن الباغي وظهر عليه وغشيه بسلاحه فسئل الأمان وأظهر التوبة والرجوع ، أو أقر بامامة الإمام الحق ، أو أظهر ما يكون بإظهاره مفارقا لما هو عليه ، لم يجز للمؤمن الذي ظهر عليه طعنة ولا ضربه ، وان كان جريحا لم يجهز عليه كما قدمناه.
وإذا عدل أهل البغي عند الظهور عليهم الى رفع المصاحف والدعاء الى حكم اللّه سبحانه وتعالى ، بعد ان كانوا دعوا الى ذلك ولم يجيبوا اليه لم يلتفت الى هذا الفعل منهم ولم يرفع الحرب عنهم الا برجوعهم إلى الحق.
وإذا أعانهم قوم من أهل الذمة على قتال أهل العدل لبرئت الذمة منهم ، ولا فرق في ذلك بين ان يكون لمن أعانوه من أهل البغي فئة وبين ان لا يكون لهم ذلك وقتلوا مقبلين ومدبرين (1) ، فان ادعوا الجهل بما جرى معهم وانهم أكرهوا على ذلك وأظهروا التوبة مما فعلوا ، عفى عنهم ولم يقتل لهم أسير ولا يسبى لهم ذرية.
وان كان ما ادعوه انما هو على وجه المدافعة وعرف منهم خلافه لم يلتفت الى قولهم في ذلك ومن أصاب منهم دم إنسان من أهل العدل أو ماله طولب بذلك ، ولا يجب على واحد من أهل العدل إذا أصاب شيئا من ذلك لأحد منهم.
وإذا كان رجل من أهل البغي قد استحق على رجل من أهل العدل قبل (2) الفرقة ، حقا من قصاص أو أرش وطلب الحكم بينه وبينه من صاحب عسكر أهل العدل ، حكم بينهم في ذلك وامضى ما يجب لكل واحد منهما على الأخر ، فإن كان ما حكم به للباغي على العادل ما لا ينبغي ان يحكم له ولا يسلم اليه ، بل يجس
ص: 326
عنده الى ان يرجع الى الحق ، لئلا ينفقه على حرب أهل العدل.
الغزاة على ضربين : مطوعة وغير مطوعة ، والمطوعة هم الذين يكونون مشغولين بمعاشهم لم ينشطوا للغزو ، فاذا غزوا وعادوا رجعوا الى معاشهم ، والذين هم غير مطوعة ، هم الذين يكونون قد راصدوا (1) نفوسهم للجهاد ووقفوها عليه.
والقسم الأول إذا غنموا في دار الحرب ، شاركوا الغانمين وأسهم لهم ، واما القسم الثاني فيجوز ان يعطوا من الغنيمة ويجوز ان يعطوا من الصدقة من سهم ابن السبيل. والاعراب ليس لهم من الغنيمة شي ء ، ويجوز للإمام ان يرضخ (2) لهم ويعطيهم من الصدقة من سهم ابن السبيل ، لان الاسم يتناولهم.
ومن يعطى من الغنيمة فلا يفضل أحد منهم في كل ذلك على أحد بل يسوى بينهم ، ومن يعطى من سهم ابن السبيل ، يجوز للإمام تفضيل بعضهم في ذلك على بعض على قدر مؤنتهم وكفايتهم بحسب ما يراه.
ولا يجوز لأحد من الغزاة ان يغزو بغير أمر الإمام ، فإن غزا بغير أمر الامام كان مخطئا ، فان غنم ، كان جميع ما يغنمه للإمام دون كل أحد من الناس.
وجميع ما يحتاج اليه من آلات الحرب والكراع (3) من بيت المال من أموال المصالح ، وهكذا أرزاق ولاة الأحداث والحكام والصلاة والأذان وما أشبه ذلك ، فإنهم يعطون من المصالح ، والمصالح تخرج من (4) ارتفاع أراضي ما فتح عنوة ومن سهم سبيل اللّه.
ص: 327
ومن جمله ذلك ، ما يلزم فيما يخصه من الأنفال والفي ء ، وهو جنايات من لا عقل له ، ودية من لا يعرف القاتل له وما جرى مجرى ذلك مما يأتي ذكره في مواضعه.
وإذا أراد الإمام القسمة ، فينبغي ان يبتدئ أولا بقرابة النبي صلى اللّه عليه وآله وبمن هو أقرب فالأقرب ، فإن تساووا في القرابة بدأ ، بمن هو أقدمهم هجرة فان تساووا في ذلك فأقدمهم في السن ، وإذا فرغ من إعطاء أقارب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، بدأ بعد ذلك بالأنصار وأقدمهم على العرب ، فاذا فرغ منهم رجع الى العجم ، ولم يقدم أحدا منهم ممن ذكرنا تأخيره على أحد ممن ذكرنا تقديمه.
« تم كتاب الجهاد »
ص: 328
قد ذكرنا في أول كتاب الجهاد قوله تعالى ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ ) الاية. (1) وروى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله انه قال : « الا ان القوة في الرمي » ثلاث دفعات (2) ، وروى عنه صلى اللّه عليه وآله انه مر بقوم من الأنصار يترامون فقال : « انا مع الحزب الذي فيه ابن الادرع ، فأمسك الحزب الأخر » وقالوا : لن يغلب حزب فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فقال : ارموا فانى أرمي معكم ، فرمى مع كل واحد منهم رشقا فلم يسبق بعضهم بعضا ، فلم يزالوا يترامون وأولادهم وأولاد أولادهم لا يسبق بعضهم بعضا ». (3)
وروى أيضا انه صلى اللّه عليه وآله كان يسابق على ناقته العضباء ، وان أعرابيا جاءه على بكر (4) فسابقه ، فسبقها فاغتم المسلمون ، فقيل يا رسول اللّه سبقت العضباء فقال حق على اللّه ان لا يرفع شيئا في الأرض الا قد وضعه. (5)
وروى عنه صلى اللّه عليه وآله انه قال : « تناصلوا ، واحتفوا ، واخشوا شنواء وتمعددوا » (6)
ص: 329
فقوله : تناصلوا فمعناه تراموا بالنصال (1) وقوله : « احتفوا » معناه امشوا حفاة ، وقوله « اخشوا شنوا » يعنى البسوا الخشن من الثياب ، وقوله : « تمعددوا » يعنى تكلموا بلغة معد بن عدنان فإنها أفصح اللغات وروى - عنه صلى اللّه عليه وآله انه قال « لا سبق إلا في نصل ، أو خف ، أو حافر » (2).
« وما يتعلق بذلك من أحكام النضال »
النصل ضربان : نشابة وهي للعجم ، والأخر سهم وهو للعرب ، والمزاريق (3) وهي الردينيات (4) والسيوف والرماح كل ذلك من النصل ويجوز المسابقة عليه بعوض ، لقوله سبحانه وتعالى ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ ) الاية (5) ، ولقوله (عليه السلام) : « لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر (6) ، وجميع ذلك يتناوله اسم النصل.
واما الخف فضربان : إبل وفيل ، فالإبل تجوز المسابقة عليها لقوله تعالى : ( مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ ) (7) والركاب الإبل ، ولما قدمنا ذكره من انه صلى اللّه عليه وآله كان يسابق بناقته العضباء.
واما الفيل : ففيه خلاف ، والأظهر جواز ذلك فيه ، لعموم الخبر فيما تضمنه من ذكر الخف.
ص: 330
واما المسابقة على الخيل فلا خلاف فيه ولقوله (عليه السلام) أو حافر ، واما البغال والحمير ففيها خلاف ، والأظهر جواز ذلك لعموم الخبر ، فاما ما عدا ما يتناوله الخبر فلا يجوز عندنا المسابقة عليه ، لان الخبر (1) تضمن نفى ذلك فيما لا يتناوله.
فان كانت المسابقة فيما ذكرناه جائزة ، فمن شرط صحتها ان تكون الغاية (2) التي تجري المسابقات إليها ، والانتهاء الذي يجريان اليه معلوما ، لما روى - عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله « سابق الخيل المضمرة من الحفيا الى ثنية الوداع ، وبين التي لم تضمر من ثنية الوداع الى مسجد بنى زريق » (3) ، وان تكون الغاية التي تجريان إليها واحدة لا تختلف الغايتان فتكون إحداهما أبعد من الأخرى.
وأما في المناضلة : فاذا تناضلا على الإصابة جاز ، وان تناضلا على أيهما (4) أصاب ، جاز عندنا ، وعند غيرنا لا يجوز.
فاذا كان كذلك وقيل لاثنين أيكما سبق الى كفين (5) فله عشرة دراهم صح ، لان كل واحد منهما يجتهد في السبق وحده ، فان قال لاثنين فمن سبق فله عشرة دراهم ومن صلى (6) فله مثل ذلك ، فان لم يدخل بينهما ثالث فان ذلك لا يصح لان كل واحد منهما لا يجتهد ولا يكد نفسه ، لأنه ان سبق كانت العشرة له وان صلى فكذلك له العشرة.
ص: 331
فاذا دخل بينهما ثالث ، وقال (1) الثلاثة سبق أو صلى فله عشرون صح ذلك ، لان كل واحد منهما يجتهد ويكد ، خوفا من ان يكون ثالثا غير سابق ولا مصلى ، فان لم يستو بينهما وجعل في العطية فاضلا ، فقال ، للسابق عشرة وللمصلي خمسة جاز ، فان دخل بينهما ثالث صح ، لان كل واحد منهم يخشى من ان يكون ثالثا لا يأخذ شيئا ، فان لم يدخل بينهما ثالث قال قوم لا يصح والصحيح جوازه ، لان كل واحد منهما يكد ويجتهد في تحصيل الأكثر.
هذا إذا كان المسبق (2) غيرهما ، فان كان هو أحدهما فقال : أينا سبق فله عشرة ، ان سبقت أنت فلك عشرة وان سبقت انا فلا شي ء عليك كان جائزا ، وفي الناس من قال : لا يجوز
فإن أخرج كل واحد من المستبقين عشرة ، ويقول : من سبق فله عشرون ، فان لم يدخلا بينهما محللا ، لم يجز ذلك لأنه يكون قمارا ، وان أدخلا بينهما محللا فسبقهما المحلل ، أحرز السبقين ، وان سبق أحدهما الأخر والمحلل ، أحرز سبقه وسبق صاحبه ولم يكن على المحلل شي ء في ماله ، وكذلك لو سبق (3) المحلل وتساوى المستبقان ، رجع إليهما سبقاهما ولم يكن على المحلل أيضا في ماله شي ء.
ولا يجوز ان يدخلا بينهما ، الا ان يكون ليس بمأمون ان يسبق فرسيهما ، فان أدخلا فرسا دون فرسيهما يأمنان عليه ان يسبقهما ، كان ذلك حيلة وقمارا ، وينبغي ان يخط في النهاية خط معترض ، فأي الفرسين أو الأكثر خرج فيها طرف اذنه قبل الأخر ، حكم بالسبق له.
فأما المناضلة في الرمي فلا يصح الا بشروط ، كل واحد منها يجب ان يكون معلوما ، وهي : الرشق ، وعدد الإصابة ، والمسافة ، وقدر العوض والسبق ، وشرط المبادرة والمحاطة.
ص: 332
واما الرشق بكسر الراء فهو عدد الرمي ، واما الرشق بفتحها فهو الرمي ، واما عدد الإصابة : فمثل ان يقال. الرشق عشرون والإصابة خمسة وما جرى هذا المجرى
واما صفة الإصابة : فمثل ان يقال : حوابي ، أو خواصر ، أو خوارق ، أو خواسق ، فالحوابى : ما وضع بين يدي الغرض ، والخواصر : ما كان في جانبي الغرض ، والخوارق : ما أخذ من الغرض ولم يثبت فيه ، والخواسق : ما وقع في الغرض وثبت فيه.
واما المسافة : فهي ما بين الهدفين (1) ، مثل ان يقول : مأتا ذراع أو ثلاث مأة ذراع وما أشبه ذلك.
واما الغرض : فهو الذي ينصب في الهدف ويقصد إصابته بالرمي ، وقد يكون من جلد ، أو قرطاس ، أو ورق ، أو خشب ، أو من شف (2) ، وقيل انه الرقعة (3) ، واما قدر الغرض : فهو مثل ان يقال : شبر في شبر ، أو أربع أصابع في مثل ذلك.
واما السبق : فهو المال الذي يخرج في المناضلة : واما المبادرة : فإن يبادر أحدهما إلى الإصابة مع تساويهما في عدد الرمي. واما المحاطة : فان يبادر أحدهما إلى الإصابة مع تساويهما في عدد الرمي ، بعد إسقاط ما تساويا في الإصابة ، فجميع هذه يجب في كل واحد منهما ان يكون معلوما ، ومتى لم يكن كذلك لم يصح ، والهدف هو التراب الذي يجمع وينصب الغرض فيه ، وقد يجوز ان يعمل من لبن وما أشبهه.
فإن شرط أحد المتناضلين ان يرمى بجنس من القسي (4) ويرمى الأخر بجنس غيره كان جائزا ، ولكل واحد منهما ان يتخير من الجنس ونصاله ما أراد ، فإن رمى
ص: 333
لم يكن له إبداله ، من غير ذلك الجنس.
وينبغي ان ينصب الرماة بينهم عدلا ، يخط لهم خطا في مقام الرمي ، يقفونه دونه.
وللرامي الوقوف حيث أراد من ذلك الخط من مقابلة المسبق أو يمينه أو يساره ولا يجوز لصاحب السبق ان يبتدئ بالرمي ، ولا ان يبتدئ به من يريد هو ان يبتدئ ان لم يشترط ذلك ، فان شرطه جاز ، وان لم يشترطه ووقعت المشاحة في ذلك بين الرماة ، أقرع بينهما فمن أصابه القرعة كان هو المبتدئ بالرمي ، مثل العدد (1) الذي رمى البادي به.
ولا ينبغي للمسبق ان يقطع الرمي الا من عذر يمنع من ذلك لعلة تناله في يده أو بصره أو أمر يضر بالرمي ، أو غير ذلك مما يكون العذر واضحا فيه.
وليس لأحد المتناضلين ان يقول للآخر : اجعل الاختيار الى فيمن أريد من الرماة ان يكون في حزبي ويكون السبق على ، ولا له أيضا ان يقول : ارم (2) انا وأنت ، فأينا نضل صاحبه ، سبقه.
والسبق يلزم الباذل له ، دون من معه في حزبه ، فان دخلوا معه في الضمان لزمهم منه ما يذكره ، ويفض ذلك عليهم على الرؤس.
فان قال أحد المتناضلين لصاحبه : سبقتك عشرة على انك ان نضلتني فلك العشرة ، ولا أرمي شهرا أولا أرمي أبدا لم يجز ذلك ، لأنه شرط (3) ما ندب ورغب فيه ، فان قال : ان نضلتني فلك دينار حال وقفيز من بر بعد شهر ، صح ذلك.
فان قال : ان نضلتني كان ذلك على عشرة وتعطيني قفيزا من بر ، لم يجز ذلك
ص: 334
إذ من حق الناضل ان يأخذوا لا يعطى ، فاذا اشترط ذلك فقد شرط على الناضل ان يعطيه وذلك فاسد.
فان قال : ان نضلتني فلك عشرة إلا أربعا كان صحيحا لان قوله « الا أربعا » استثناء معلوم من جملة معلومة ، فإن قال : ان نضلتني فلك عشرة إلا قفيزا من بر ، كان ذلك فاسدا ، لأن قيمة القفيز مجهولة وإذا حذفت من المعلوم كان مجموعه مجهولا فلم يجز النضال.
فان سبق أحد المتناضلين الأخر وشرط ان يطعم السبق أصحابه ، كانت المناضلة صحيحة وكان مخيرا في أخذه وإطعامه ، وإذا خرج أحد المتناضلين السبق ، كان له ان يبتدئ بالرمي ، وقال : بعض الناس ليس له ذلك الا ان يشترطه ، فان شرطه كان جائزا ، وهذا هو الأقوى لان من النضال ان لا يكون للسبق مزية على الأخر وان كان هو المخرج للعوض.
وينبغي ان لا يقتصر أهل النضال على هدف واحد ، بل يرتبوا لهم هدفين يبدؤن بالرمي من أحدهما ويمشون على الأخر ، فإذا وصلوا اليه وقفوا عنده ، ورموا منه الى الذي بدءوا بالرمي منه ، فاذا بدأ واحد بالرمي من الهدف الأول ، فليس له ان يبتدئ بالرمي من الأخر بل يبدء غيره ، لان موضع المناضلة على المساواة بين أهلها
واعلم ان من عادة الرماة ان يرمى المتناضلان سهما وسهما (1) حتى ينفد الرشق ، فينبغي ان يكون رميهما كذلك ، فان شرطا من عشرة وعشرة (2) رشقا ورشقا كان ذلك جائزا ، وقد ذكرنا فيما تقدم انه ليس لأحدهما إذا بدء بالرمي أن يقطعه الا لعذر واضح ، فان حصل هذا العذر ورمى فأخطأ لم يعد عليه بذلك من الخطاء (3) لان الخطاء ما كان لسوء منه ، وان أصاب وحاله ما ذكرناه لم يعد له بذلك.
ص: 335
وقد ذكرنا فيما تقدم الفرق بين الخاسق والخارق فاذا شرط الإصابة خواسق ورمى فأصاب الغرض ، وثقبه وثبت فيه نصله ، حسب خاسقا لان صفته قد حصلت وهي ما ذكرناه.
فإن أصاب الغرض وخدشه ولم يثقبه وثبت فيه ، لم يحسب إصابة لأنه شرط خواسق وهذا خارق ليس بخاسق ، فان ثقب الغرض ثقبا يصلح للخسق ، الا ان السهم لم يثبت فيه وسقط ، لم يحسب خاسقا لأن صفة الخاسق لم يحصل فيه ، فان شرط الإصابة مطلقة فأصاب الغرض فان خرق أو خرم أو خسق ، أو مرق ، أو حبي (1) كان كل ذلك اصابة ينبغي ان يحتسب بها لأنه شرط الإصابة بالإطلاق.
وإذا كانت الإصابة خواسق ورمى أحدهما فأصاب الغرض وسقط السهم ، ثم ادعى الرامي أنه خسق الا انه سقط ولم يثبت في الغرض لبعض علل فيه ، من حصاة أو غلظ أو ما جرى هذا المجرى ، وأنكر الأخر ذلك ولم يعلم موضع الإصابة كان القول قول المصاب عليه بغير يمين ، فان لم يكن فيه مانع يمنع من الثبات فيه كان القول قول المصاب عليه ، وان كان فيه مانع يمنع من ذلك ولم يكن السهم خرق ، كان القول قول المصاب عليه أيضا.
وان كان فيه شي ء من ذلك كان القول قوله مع يمينه ، لان ما يدعيه الرامي ممكن.
وإذا عرف موضع الإصابة ولم يكن في الغرض ما يمنع السهم من الثبوت كان القول قول المصاب عليه أيضا ، وان كان في الغرض شي ء من ذلك ولم يكن السهم خرق ، كان القول قول المصاب (2) ، لأن الأمر لو كان على ما ذكر الرامي لكان السهم قد خرق ففتح الموضع ، وظهر ما ورائه من المانع.
وان كان السهم قد خرق ما هو في وجه المانع ، وبلغ النصل الى المانع فالأولى ان يعد له فإنه خاسق.
ص: 336
وإذا كانت الإصابة خواسق ورمى أحد المتناضلين ، فوقع السهم في ثقب كان في الغرض ، أو في موضع خلق منه فثقب الموضع وثبت السهم في الهدف ، وكان الغرض ملتصقا بالهدف وكان الهدف قويا لقوة الغرض مثل ان يكون حائطا أو طينا يابسا فهو خاسق ، وان كان الهدف ضعيفا ولم يكن بقوة الغرض مثل الطين الرطب والتراب ، لم يحتسب به - لا له ولا عليه.
وإذا شرط الخواسق فخرم - والخرم هو ان يقع السهم في حاشية الغرض فخرمه - وثبت فيه مثل ان يقطع من حاشيته قطعة ، وثبت فيه ، أو يسبق (1) الحاشية وثبت فيه وكان الغرض محيطا ببعض السهم وغير محيط ببعض آخر منه ، لم يحسب خاسقا لان الخاسق ما ثبت فيه ، ويكون الغرض محيطا يدور السهم وليس ما ذكر في هذا الخرم كذلك.
وان شرط الخواسق ورمى أحدهما فمرق سهمه - والمارق هو ان يصيب الغرض ويثقبه وينفذ السهم من ورائه - حسب خاسقا.
وإذا شرط اصابة الغرض فأصاب الشن (2) أو اليسير المحيط به ، أو العرى (3) حسب ذلك إصابة ، لأنه غرض كله ، فإن أصاب العلاقة لم يكن ذلك اصابة لان العلاقة غير الغرض.
وإذا تناضلا وعقدا ذلك على ان الرشق عشرون والإصابة خمسة ، ثم أراد أحدهما الزيادة في عدد الرشق أو عدد الإصابة ولم يجبه الأخر الى ذلك وكان بعد الابتداء بالرمي ، لم يجز ذلك وان كان قبل ذلك جاز إذا اتفقا عليه.
وإذا قال أحدهما لصاحبه ارم عشرين فان كان اصابتك أكثر من خطاك ، فلك على
ص: 337
دينار صح ذلك ، فان قال له ارم عشرين وناضل نفسك فان كانت اصابتك أكثر فلك على دينار ، لم يجز ذلك لان الإنسان إنما يناضل غيره فاما ان يناضل نفسه فلا يصح.
فاذا رمى أحدهما فأصاب فوق سهم في الغرض وكان السهم الذي في الغرض قد ثبت نصله فيه وثقبه بطوله الى جانب الرمي لم يحتسب له ولا عليه ، لان بينه وبين الغرض مقدار طول السهم فليس يعلم ، ما يكون منه لو لم يقع ، في فوق السهم فان كان السهم الذي في الغرض قد أنفذ الغرض الى فوقه ، فوقع الثاني في فوقه فان كان الشرط في الإصابة حسب ذلك اصابة ، لأنا نعلم انه لو لا الأول أصاب الغرض ، فان كان خواسق لم يحتسب ذلك له ولا عليه ، لأنا لا نعلم هل يخسق أم لا.
فان كان نصل الأول ثبت في الغرض وبقية طوله خارجا منه فأصاب فوقه وسبح (1) عليه فأصاب الغرض حسب ذلك إصابة لأنه إنما أصاب بجودة رميه.
إذا شرطا حوالي (2) على ان ما كان منها الى الشن أقرب ، أسقط الذي كان منه أبعد ، صح ذلك ، فاذا رمى أحدهما سهما ، فوقع في الهدف ويقرب الغرض ورمى الأخر خمسة أسهم ، فوقعت أبعد ، ورمى الأول سهما فوقع أبعد من الخمسة ، سقطت الخمسة بالأول الذي هو أقرب ، وسقط الذي بعد الخمسة ، لأن الخمسة أقرب الى الغرض ، فان رمى أحدهما خمسة الى الهدف بعضها أقرب الى الغرض من بعض ثم رمى الثاني كلها أبعد من الخمسة الأول ، سقطت الخمسة الثانية بالأول لأنها أقرب الى الغرض وبقيت الخمسة الأول لا يسقط (3) ما هو أقرب منها الى الغرض ما كان منها من الغرض أبعد.
فإن رمى أحدهما الغرض ، والأخر الهدف فالذي في الغرض يسقط الذي في الهدف. فإن أصاب أحدهما الغرض وأصاب الأخر العظم وهو الذي في وسط الغرض
ص: 338
لم يسقط الذي في العظم ما هو أبعد منه لان جميع الشن موضع اصابة وقد ذكر بعض الناس انه يسقط بذلك.
وقد بينا فيما سلف معنى المبادرة والمحاطة.
فإذا اشترطا الرشق عشرين ، والإصابة خمسا ، فرمى كل واحد منهما عشرة وأصاب كل واحد منهما خمسة فقد تساويا في عدد الرمي والإصابة ، فلم يفضل أحدهما عن صاحبه ولا يرميان الباقي من الرشق لأنه يخرج عن المبادرة.
فإن رمى أحدهما عشرة فأصاب خمسة ، ورمى الأخر أربعة فقد فضل صاحب الخمسة. فإن رمى كل واحد منهما خمسة عشر ، فأصاب كل واحد منهما خمسة فما فضل أحدهما الأخر ولا يرميان ما بقي ، وان أصاب أحدهما خمسة وصاحبه أربعة فقد فضل صاحب الخمسة وعلى هذا ابدا.
واما المحاطة فأن يكون الرشق عشرين والإصابة خمسة ، ورمى أحدهما عشرة فأصاب خمسة ، ورمى الأخر عشرة فأصاب خمسة فتحاطا خمسة بخمسة ونضل (1) الأخر بكمال الرشق وعلى هذا ابدا. فان بادر أحدهما إلى الإصابة مع تساويهما في عدد الرمي بعد إسقاط ما تساويا فيه من الإصابة ، لم يخل من أحد أمرين اما ان يكون هذا بإكمال الرشق فقد فضل المنفرد بالإصابة. مثال ذلك : رمى كل واحد منهما العشرين فأصاب الواحد كلها ، وأصاب الأخر خمسة عشر تحاطا خمسة عشر وانفرد الواحد بخمسة فقد فضله ، فاما ان حصل ذلك قبل إكمال العشرين بان يبادر أحدهما إلى الإصابة مع تساويهما في عدد الرمي بعد إسقاط ما تساويا فيه من الإصابة ، فطالب صاحب الأقل صاحب الأكثر بتكميل الرشق فليس يخلو صاحب الأقل من ان يكون له فائدة في تكميل الرشق ، أو لا فائدة له فيه ، فان لم يكن له في ذلك فائدة فقد فضله صاحب الأكثر ولا يجب إكمال الرشق ، وان كان له فائدة فقد ذكر جواز ذلك ، وذكر انه لا فائدة فيه.
« تم كتاب السبق والرماية »
ص: 339
واعلم ان من جملة فرائض الإسلام الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وربما كان ذلك فرضا على الكفاية ، وربما تعلق بالأعيان. فاما كونه فرضا على الكفاية فمثل أن يأمر بعض المكلفين بمعروف ، أو ينهى عن منكر فيؤثر أمره ، أو نهيه في ذلك فيقع المعروف ، أو يرتفع المنكر فسقط الوجوب عن الباقين.
فاما ما يتعلق بالأعيان فأن يأمر بمعروف ، أو ينهى عن المنكر ، فلا يؤثر أمره ولا نهيه فيما أمر به ونهى عنه ولا غيره على الوجه الانفراد والوحدة دون الباقين فيكون فرضا على الأعيان فيجب على كل واحد من المكلفين كما يجب على غيره منهم الى ان يحصل المعروف ، أو يرتفع المنكر ، فاذا كان كذلك ، سقط الفرض عن الجميع هذا مع تمكن الجماعة من ذلك ان اختص التمكن ببعض المكلفين دون بعض آخر منهم ، فان فرض ذلك لازم للمتمكنين دون من ليس بمتمكن.
والأمر بالمعروف يصح ان يكون واجبا ، ويكون ندبا ، فاما الواجب فبان يكون أمر المعروف واجبا ، واما الندب فبان يكون أمر بالمعروف ندبا ، لان كل واحد منهما يتبع في كونه ندبا أو واجبا حكم ما هو أمر به منهما.
فان كان واجبا كان الأمر به واجبا ، وان كان ندبا كان الأمر به ندبا كما ذكرنا.
واما النهي عن المنكر فجميعه واجب لان المنكر كله قبيح والنهى عن القبيح
ص: 340
واجب ، وليس ينقسم النهى عن المنكر ، انقسام الأمر بالمعروف لما ذكرناه من قبح المنكر.
واعلم ان الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر يكون باليد واللسان والقلب ، فاما وجوب ذلك على المكلف باليد واللسان فإنما يصح إذا كان متمكنا منهما ، ويعلم أو يغلب في ظنه انه لا ضرر يلحقه في ذلك ولا غيره من الناس ، لا في حال الأمر والنهى ، ولا فيما بعد هذه الحال من مستقبل الأوقات.
فإن علم أو غلب في ظنه لحوق الضرر به أو بغيره سقط وجوب ذلك عنه باليد واللسان ، ووجب ذلك بالقلب وحده ، فيعتقد وجوب الأمر بالمعروف ، أو وجوب الإنكار للمنكر ، واما الأمر بالمعروف باليد فإنما يكون بان يفعل المعروف ويجتنب المنكر على وجه يتأسى الناس به ، واما باللسان فان يكون بالدعاء الى ذلك ، وتعريف من يؤمر وينهى ما له على ذلك من مدح وثواب ، وماله على تركه والإخلال به ان كان واجبا من ذم وعقاب. وقد يكون الأمر بالمعروف باليد أيضا على وجه أخر وهو ان يحمل الناس بالقتل والردع والتأديب والجراح والا لم على فعله الا ان هذا الوجه لا يجوز للمكلف الاقدام عليه الا بأمر الإمام العادل واذنه له في ذلك أو من نصبه الإمام ، فان لم يأذن له الإمام أو من نصبه في ذلك فلا يجوز له فعله. ويجب عليه حينئذ الاقتصار على الوجه الذي قدمنا ذكره.
وهذا الوجه أيضا لا يجوز فعله في إنكار المنكر إلا بإذن الإمام أو من نصبه.
فان لم يحصل ذلك وجب عليه ان يقتصر على الإنكار باللسان والقلب. فاما باللسان فبالوعظ أو الانذار والزجر والتعريف لفاعل المنكر ما يستحقه على فعله من ذم وعقاب ، وما له على الإخلال به من مدح وثواب. وقد يكون إنكار المنكر على وجه آخر بضرب من الفعل وهو الاعراض عن الفاعل له ، وعن تعظيمه ، وان يتعمد هجره والاستخفاف به ويستمر على ذلك ، ويفعل منه ما يرتدع به عن المنكر.
ولا يجوز لأحد من الناس اقامة حد على من وجب عليه الا الإمام العادل أو من
ص: 341
ينصبه لذلك ، وقد رخص في إقامة حد لذلك على ولده واهله دون غيرهم إذا لم يخف من وصول المضرة إليه من ظالم ، فمتى خاف ذلك ، وعلمه أو غلب في ظنه لم يجز له فعله.
إذا استخلف السلطان الجائر إنسانا من المسلمين ، وجعل إليه إقامة الحدود جاز ان يقيمها بعد ان يعتقد (1) انه من قبل الامام العادل في ذلك وانه يفعل ذلك باذنه لا بإذن السلطان الجائر ، ويجب على المؤمنين مساعدته وتمكينه من ذلك ومعاضدته عليه ، هذا إذا لم يتعدى الواجب ، فان كان في ذلك تعد له لم يجز فعله ، ولا مساعدته عليه ، ولا تمكينه منه.
فان حمله هذا السلطان على ذلك جاز له فعله ان لم يبلغ ذلك قتل النفس ، فان بلغ ذلك لم يجز له فعله وان قتل بامتناعه من ذلك.
فاما تولى القضاء والأحكام فسنورده فيما يتعلق بذلك في موضعه ما يكتفى به ، ان شاء اللّه.
« تم كتاب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر »
ص: 342
قال اللّه عزوجل ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللّهِ وَاذْكُرُوا اللّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (1).
وقال سبحانه ( وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ ، وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ مَوْزُونٍ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ ) الاية (2).
وأمر اللّه تعالى بالاكتساب من فضله ، وبين انه قد جعل لعباده (3) من المعيشة ما يتمكنون به من التصرف فيه بما يقوم بهم ويستعينون به على صلاح أحوالهم. وروى عن النبي صلى اللّه عليه وآله انه قال : « إذا أعسر أحدكم فليخرج يضرب في الأرض يبتغى من فضل اللّه ولا يغم نفسه واهله » (4) وروى عنه صلى اللّه عليه وآله انه قال لأصحابه في حجة الوداع : « انى واللّه لا اعلم عملا يقربكم من الجنة الا وقد نبأتكم به ، ولا اعلم عملا يقربكم من النار الا وقد نهيتكم عنه وان الروح الأمين
ص: 343
نفث في روعي : أن نفسا لا تموت حتى تستكمل رزقها فأجملوا في الطلب » (1). وروى عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال : « ما غدوة أحدكم في سبيل اللّه بأعظم من غدوته يطلب لولده وعياله ما يصلحهم (2).
المكاسب على ثلاثة أضرب ، محظور على كل حال ، ومكروه ، ومباح على كل حال فاما المحظور على كل حال فهو كل محرم من المآكل والمشارب - وسنورد ذلك في موضعه من هذا الكتاب بمشيئة اللّه سبحانه وتعالى - وخدمة السلطان الجائر ومعونته وتولى الأمور من جهته ، واتباعه في فعل القبيح وامره (3) بذلك والرضا بشي ء منه مع التمكن من ترك ذلك وارتفاع التقية فيه والإلجاء اليه ، والتعرض لبيع الأحرار ، وأكل أثمانهم ، وكذلك مملوك الغير بغير اذن مالكه ، وآلات الملاهي والزمر مثل النأي وجميع ما جرى مجراه ، والقصيب (4).
والشين (5) وما جرى مجرى ذلك والحبال (6) على اختلاف وجوهه وضروبه وآلاته والغناء وسائر التماثيل مجسمة كانت أو غير مجسمة ، والشطرنج والنرد وجميع ما خالف ذلك من سائر آلات القمار كالأربعة عشر ، وبيوت الروعات وما جرى مجرى ذلك واللعب باللوز والجوز وما جرى مجرى ذلك وأحاديث القصاص وأسباب (7)
ص: 344
الفرح بالأباطيل والنميمة (1) والكذب والسعي في القبيح ، ومدح من يستحق الذم ، وذم من يستحق المدح ، وغيبة المؤمنين ، والتعرض لهجوهم ، والأمر بشي ء من ذلك والنهى عن مدح من يستحق المدح ، أو عن الحسن ، والأمر بمدح من يستحق الذم ، أو بشي ء من القبائح ، والحضور في مجالس المنكر ومواضعه إلا للإنكار وما جرى مجرى ذلك.
واقتناء السباع والحيات وما خالف ذلك من المؤذيات وخصي الحيوان ، وبناء الكنائس والبيع وكل ما يكون معبدا لأهل الضلال والصلبان.
والتطفيف في الوزن والكيل ، والغش في جميع الأشياء وعمل المواشط بالتدليس بان يسمن الخدود ، ويصلن شعر النساء بشعر غيرهن من النساء وما جرى مجرى ذلك مما يلتبس به على الرجال في ذلك.
وعمل السلاح مساعدة ومعونة لأعداء الدين وبيعه (2) لهم والجمع بينهم وبين أهل الفسق والفجور ، والفتيا بالباطل والحكم به ولو مع العلم ، والارتشاء على ذلك ، أو ما يجرى مجرى الارتشاء.
والأذان والإقامة لأجل الأجرة عليهما ، والصلاة بالناس لمثل ذلك ، وتغسيل الموتى وتكفينهم وحملهم والصلاة عليهم ودفنهم والكهانة والشعبدة وما أشبه ذلك من القيافة والسحر والزنا والتلوط.
ونسخ كتب الضلال وحفظه وإيراد الشبهة القادحة وتخليدها في الكتب من غير نقض لها ، وتزويق المساجد وزخرفة المساجد ، وجمع تراب الصياغة لبيعه ، فان جمعه إنسان فعليه ان يتصدق به.
وإيجار العقارات والمساكن لعمل المنكر فيها مع القصد وإيجار السفن وغيرها مما يحمل عليها المحرمات مع العلم بذلك والقصد إليه أيضا.
ص: 345
واحتكار الغلات عند عدم الناس لها وحاجتهم الشديدة إليها وبيع المصاحف إذا كان ذلك في المكتوب وبيع السرقة وابتياعها مع العلم بها ، ونثار الأعراس إذا لم يعلم من صاحبه الإباحة له وسلوك طريق يظهر منها امارة الخوف مع ترك التحرز والكسب من ذلك.
واما المكروه فجميع ما كره من المآكل والمشارب وسنورد ذلك في موضعه أيضا من هذا الكتاب بعون اللّه سبحانه وتعالى ومشيئته وكسب الحجام والأجر على القضاء وتنفيذ الأحكام من قبل الامام العادل ، والأجر على تعليم القرآن ، ونسخ المصاحف مع الشرط في ذلك وأجر المغنيات في الأعراس إذا لم يغنين بالأباطيل والضرب ، وبيع الرقيق والطعام وعظام الفيل وعملها ، والأكفان والحياكة والنساجة والذباحة وكسب الصبيان وركوب البحر للتجارة.
واما المباح على كل حال فهو كل مباح من المآكل والمشارب وكل ما لم يكن من جملة ما ذكرناه في كونه محظورا ومكروها.
السلطان على ضربين : أحدهما سلطان الإسلام العادل والأخر السلطان الجائر ، فاما سلطان الإسلام العادل فهو مندوب الى خدمته ، ومرغب فيها ، وربما وجب ذلك على المكلف طائفة لما فيه من وجوب اتباعه وطاعته في امره ونهيه.
فإذا ولى السلطان إنسانا امارة وحكما أو غير ذلك من الولاة عليه وجب عليه طاعته في ذلك وترك الخلاف له فيه ، وجاز قبول جوائزه وصلاته والتصرف في الجميع على كل حال.
واما السلطان الجائر فلا يجوز لأحد ان يتولى شيئا من الأمور من قبله الا ان يعلم أو يغلب على ظنه انه إذا تولى ولاية من جهته ، تمكن من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وقسمة الأخماس والصدقات على مستحقها ، وصلة الاخوان ، ولا يكون في شي ء من ذلك تاركا لواجب ولا مخلا به ولا فاعلا بشي ء من القبائح فإنه حينئذ
ص: 346
مستحب له التعرض لتولى الأمور من جهته وان علم أو غلب على ظنه انه لا يتمكن من ذلك وانه لا يخلو من تفريط يلحقه في الواجبات ، ويحتاج الى ارتكاب بعض المقبحات ، لم يجز له تولى ذلك.
فإن ألزمه السلطان الجائر بالولاية إلزاما لا يبلغ تركه الإجابة الى ذلك الخوف على النفس وسلب المال وان كان ربما لحقه بعض الضرر ، أو لحقه في ذلك مشقة فالأولى ان يتحمل تلك المشقة ويتكلف مضرتها ، ولا يتعرض للولاية من جهته.
وان خاف على نفسه أو على أحد من أهله ، أو بعض المؤمنين ، أو على ماله جاز له أن يتولى ذلك ، ويجرى على وضع الأمور في مواضعها ، وان لم يتمكن من فعل ذلك ، اجتهد فيما يتمكن منه وان لم يتمكن من فعل ذلك ظاهرا فعله سرا لا سيما حقوق الاخوان والتخفيف عنهم من جور السلاطين الجور من خراج أو غيره.
وإذا لم يتمكن من القيام بحق من الحقوق والحال في التقية على ما ذكرناه جاز له ان يتقى في سائر الأمور والأحكام التي لا يبلغ الى سفك دم محرم ، لان هذا الدم ليس في سفكه تقية. وإذا تولى إنسان من قبل السلطان الجائر ولاية ، جاز له على جهة الرخصة قبول الأرزاق والجوائز منه ، لان له قسطا من بيت مال المسلمين.
وينبغي له ان يجتهد ويحرص في إخراج الخمس من كل ما يحصل له من ذلك ويوصله الى مستحقه ، ويصل إخوانه من الباقي.
ويتصرف هو في منافعه بالبعض الذي يبقى من ذلك ، وليس يجوز لأحد ان يقبل صلات سلاطين الجور وجوائزهم ما يعلم انه بعينه غصب وظلم ، فان لم يتعين جاز له قبوله وان علم ان السلطان المجيز له بذلك ، ظالم ويكون الإثم على الظالم دونه.
وإذا تمكن الإنسان من ترك معاملة الظالمين بالبيع والشراء وغير ذلك فالأولى تركها ولا يتعرض لشي ء منها جملة وان لم يتمكن من ترك ذلك معهم كانت معاملته له في ذلك جائزة الا انه لا يشترى منه شيئا يعلم انه مغصوب ، ولا يقبل منهم ما هو محرم في الشرع.
ص: 347
فان خاف من رد جوائزهم وصلاتهم على نفسه وماله ، جاز له قبولها ، ثم يردها على أصحابها.
ويجوز للإنسان أن يبتاع ما يأخذه السلطان الجور من الصدقات والخراج وان كانوا غير مستحقين لأخذ شي ء من ذلك ، الا ان يتعين له في شي ء منه معين انه غصب فإنه لا يجوز له ان يبتاعه.
وكذلك يجوز له ان يبتاع منهم ما أراد من الغلات على اختلافها وان كان يعلم انهم يغصبون أموال الناس ويأخذون ما لا يستحقون ، الا ان يعلم أيضا في شي ء منه معين انه غصب فلا يجوز له ان يبتاعه منهم.
وإذا غصب الظالم إنسانا وتمكن المظلوم من أخذه أو أخذ عوضه ، كان ذلك جائزا له ، وتركه أفضل.
فإن أودعه الظالم وديعة لم يجز له ان يأخذ منها عوض ماله ولا يتعرض لها بذلك ولغيره ، بل يردها عليه على حالها ولا يخونه فيها.
فإن أودعه وديعة يعلم انها بعينها غصب وعرف صاحبها فلا يجوز له ردها على بذلك ولغيره ، بل يردهما عليه على حالها ولا يخونه فيها. الغاصب لها ، بل يعيدها على صاحبها.
فان علم انها غصب ولم يعرف لها صاحبا أبقاها عنده ، الى ان يعرفه فاذا عرفه ردها عليه ، وان لم يعرفه لم يجز ردها على غاصبها بل ينبغي ان يتصدق بها عمن هي له.
« والولد من مال والده والمرأة من مال زوجها »
إذا كان الوالد مستغنيا عن مال ولده بان يكون له مال ينفق منه على نفسه أو يكون ولده ينفق عليه ، لم يجز له أخذ شي ء من مال ولده الا برضاء الولد.
فان احتاج الوالد إلى أخذ شي ء من مال ولده أخذ منه مقدار حاجته على وجه القصد (1) من غير إسراف في الأخذ.
ص: 348
وإذا لم يكن للوالد مال ، جاز ان يأخذ من مال ولده ما ينفقه على نفسه في حجة الإسلام ، ولا يجوز له ان يأخذ ذلك في حجة التطوع وكذلك ان كان على الوالد دين لم يجز له ان يأخذ من مال ولده ما يقضى به ذلك الدين. وإذا كان للوالد أولاد صغار ، لم يجز له أخذ شي ء من مالهم الأعلى جهة القرض على نفسه دون غيره.
وان كان لولده جارية ولم يكن ولده وطأها أو لامسها بشهوة فإنه يجوز له أخذها ووطأها بعد ان يقومها على نفسه ، ويضمن القيمة لولده.
وإذا كان الولد في منزل أبيه ، وتنازعا في شي ء من متاع البيت لم يكن للولد إلا ببينة ، لأن الظاهر انه للأب ، لأنه في منزله ويده عليه فان ثبت للابن ببينة فإنه سلم اليه ولم يسلم إلى الأب.
ولا يجوز للوالدة أخذ شي ء من مال ولدها الا على جهة القرض لا غير.
ولا يجوز للولد ان يأخذ من مال والده شيئا إلا بإذنه ، أو من ضرورة شديدة يخاف على تلف النفس معها ، فإنه إذا كان ذلك ، جاز ان يأخذ ما يمسك به رمقه كما يتناول من الدم والميتة عند الضرورة التي يخاف فيها من تلف النفس.
ولا يجوز للزوجة أن تأخذ من مال زوجها ولا من بيته شيئا إلا ما يكون أدما ، فإن لها ان تأخذ منه وتطعم من غير إسراف في ذلك أو إضرار بالزوج ، فإن ادى الى ذلك لم يجز لها أخذ شي ء منه الا ما تأكله هي ، دون غيرها.
وان وهبت الزوجة شيئا لزوجها كانت الهبة ماضية فان دفعت إليه شيئا وشرطت له الانتفاع به كان جائزا.
وان ربح كان الربح له ، ويكره له ان يشترى بذلك جارية يطأها لأنها يعود بالغم على الزوجة. فان فعل ذلك بإذنها كان جائزا على كل حال.
« تم كتاب المكاسب »
ص: 349
عقد البيع لا تصح الا بشرط وهي ثبوت الولاية في المبيعين اما بملك ، أو اذن ، أو ما يقوم مقامه ، وإمكان التسليم ورفع الحظر ، وتعيين الأجل فيما يكون مؤجلا والتعيين بالمبلغ ، أو الصفة ، أو هما جميعا. والقول المقتضي للإيجاب من البائع والقبول من المبتاع. والافتراق بالأبدان من مجلس البيع ، ووقوع ذلك على إيثار واختيار المتبايعين ، وحصول ذلك منها أيضا على وجه يحل.
وإذا باع إنسان ما ليس بملك له من غير اذن أو ما يقوم مقام الاذن ، أو ما لا يمكن تسليمه ولا رفع الحظر عنه ، أو باع شيئا الى أجل ولم يعين الأجل ، أو باعه ولم يعينه بالمبلغ ، أو الصفة ، أو بهما جميعا كان جميع ذلك باطلا والبيع فاسدا.
فان باع من غيره شيئا ولم يجر بينهما من القول ما يقتضي الإيجاب والقبول ، « مثل أن يقول البائع للمشتري قد بعتك هذا ويقول المشترى قد اشتريته أو قد قبلت ذلك أو أوجبت على نفسي ، أو يقول المشتري بعتني هذا فيقول البائع قد بعتك إياه » لم يصح البيع وكان فاسدا.
وإذا باع من غيره شيئا ولم يفترقا من المجلس على وجه التراضي لم ينعقد البيع ، لان الخيار بينهما لم يرتفع بكونهما مغيبين عن مجلس العقد ، فإنما يرتفع إذا افترقا على ما ذكرناه ، ومتى لم يفترقا كان لكل واحد منهما الرجوع في البيع.
وإذا باع ، من غيره شيئا على وجه الإكراه لم يصح البيع وكان البيع مفسوخا
ص: 350
لأنه لا بد فيه من الرضا.
ولا يحل لأحد أخذ مال مسلم من غير إيثاره واختياره وإذا باع شيئا على وجه حرام لم يصح ذلك.
والبيع على ثلاثة أقسام.
أولها بيع عين مرئية ، وثانيها بيع عين موصوفة في الذمة وثالثها بيع خيار الرؤية.
فأما بيع الأعيان المرئية فمثل ان يبيع إنسان عبدا حاضرا أو غير ذلك من الأعيان الحاضرة ، فيشاهد البائع والمشترى ذلك فيكون بيعا صحيحا لا شبهة في صحته.
واما بيع الموصوف في الذمة مثل ان يسلم في شي ء موصوف إلى أجل معلوم ويذكر الصفات المقصودة وهذا أيضا بيع صحيح.
وأما بيع خيار الرؤية فهو بيع الأعيان الغائبة ، وهو ان يبيع شيئا لم يره ، مثل أن يقول بعتك هذا الثوب الذي في الصندوق أو في كمي أو ما جرى مجرى ذلك ، فيذكر جنس المبيع ، ويذكر الصفة ،
ولا فرق بين أن يكون البائع رآه والمشترى لم يره ، أو يكون المشترى رآه والبائع لم يره ، أو لم يره ، هذا ولا هذا.
فاذا عقد البيع فرأى المبيع بعد ذلك فوجده على ما وصفه كان البيع ماضيا ، وان وجده بخلاف ذلك. كان له رده وفسخ العقد ولا بد من ذكر الجنس والصفة ، وإذا لم يذكرهما ، أو واحدا منهما كان البيع باطلا.
وإذا شرط البائع خيار الرؤية لنفسه كان ذلك جائزا ، فإذا رآه على الصفة لم يكن له الخيار ، وان كان على غير الصفة كان الخيار له ، هذا ان لم يكن رآه ، فان كان قد رآه لم يكن لشرط الرؤية وجه لأنه عالم قبل ذلك.
وإذا باع عينا بصفة مضمونة مثل ان يقول بعتك هذا الثوب على ان طوله كذا وعرضه كذا ، أو غيره من العقار على أنه متى كان بهذه الصفة ، والا فعلى بدله
ص: 351
على هذه الصفة لم يصح البيع لان العقد وقع على شي ء بعينه فاذا لم يصح فيه كان ثبوته في بدله يفتقر الى استئناف عقد مجدد.
ويجوز ان يبتاع الإنسان شيئا ويشترط تسليمه الى المشتري بعد مدة مثل شهر ، أو أكثر منه.
وإذا باع إنسان عينا حاضرة بعين حاضرة أو بدين في الذمة كان البيع صحيحا
وإذا كان الثوب على آلة النساج وقد نسج بعضه فباعه على ان ينسج ما بقي منه ويدفعه اليه لم يصح بيعه ، لان ما شاهده من المنسوخ ، البيع فيه لازم من غير خيار الرؤية ، وما لم يشاهده مما لم (1) يتمم نسجه يقف الأمر فيه على خيار الرؤية وهذا فاسد لأنه شي ء واحد يجتمع فيه خيار الرؤية وانتفائها وذلك باطل لا شبهة فيه.
وإذا ابتاع إنسان شيئا قد شاهده قبل العقد ولم يره في حال العقد كان ذلك جائزا ، فإن كان هذا المبيع من الأشياء التي لا يسرع التلف والهلاك إليها ولا يتغير في العادة مثل النحاس والصفر والأراضي وما جرى مجرى ذلك كان البيع صحيحا إذا شاهده على صفة لم يتغير عنها ، وان وجده قد تغير عن صفته كان له رده على البائع.
وان اختلفا في ذلك كان القول قول المبتاع مع يمينه.
وان كان مما يسرع اليه التلف مثل الفاكهة والبقول والخضر وما جرى مجرى ذلك فإنه ان كان ابتاعه بعده بزمان يعلم انه قد تلف فيه ، مثل ان يراه ويبتاعه بعد ذلك بشهرين أو ثلاثة ، كان البيع فاسدا ، وان كان ابتاعه بعد مدة - يجوز ان يكون تالفا فيها وغير تالف - كان البيع صحيحا إذا رآه على الصفة لم يتغير عنها ، وكذلك الحكم فيما قد يتلف ولا يتلف مثل الحيوان وما جرى مجرى ذلك.
بيع الخيار ينقسم إلى ثلاثة أقسام ، أولها خيار المجلس وهو ان ينعقد بين
ص: 352
المتبائعين العقد بالإيجاب والقبول فيثبت لهما الخيار ما لم يتفرقا من المكان بأبدانهما فإذا ثبت العقد بينهما وأرادا أن يوجباه ويبطل الخيار ، جاز لهما ان يقول أحدهما ويرضى الأخر به ، أو يتولاه معا : « قد أوجبنا العقد وأبطلنا خيار المجلس » فاذا فعل ذلك بطل هذا الخيار.
وثانيها : ان يشترطا في حال العقد ان لا يثبت بينهما خيار المجلس فيكون ذلك جائزا.
وثالثها : ان يشترطه مدة معينة ، قليلة كانت أو كثيرة (1) ، هذا فيما عدا الحيوان وأما الحيوان فيثبت الخيار فيه ثلاثا للمشتري دون البائع اشترط المشترى ذلك ، أو لم يشترطه ، وان زاد الشرط على ذلك كان بحسب ما يستقر بينهما للواحد منهما أو لجميعهما.
ومتى أوجب البيع بعد أن يشترطا مدة معينة ، ثبت العقد وبطل الشرط الذي تقدم على هذا في العقد.
ومن أراد ان يبتاع من نفسه لولده وأراد الانعقاد ، فينبغي له ان يختار لزوم العقد عند انعقاد العقد ، أو يختار بشرط بطلان الخيار. وقد ذكر انه إذا أراد ذلك انتقل من الموضع الذي ينعقد ، العقد فيه الى غيره ، فيجري ذلك مجرى افتراق المتبائعين ونحن بعد هذا نذكر فيما يدخله الخيار وما لا يدخله فيه من العقود.
إذا كان عقد البيع على عين حاضرة مشاهدة دخله خيار المجلس بحصول العقد مطلقا ، ويدخله خيار المدة بحسب ما استقر الشرط عليه.
وإذا كانت العين حيوانا ، دخل فيه خيار المجلس ، وخيار الثلاث فان زاد على هذه المدة شيئا ، كان بحسب ما استقر الشرط أيضا عليه ، وان كان بيع فيه خيار الرؤية ، دخله خيار المجلس وخيار الشرط وخيار الرؤية إذا رآه ، وان كان
ص: 353
الصرف ، دخله خيار المجلس فقط ، لان خيار الشرط لا يدخله من حيث ان القبض من شرط صحة هذا العقد. وان كان مع السلم ، دخله خيار المجلس ، وخيار الشرط.
واما الرهن : فان كان رهنا بدين ويقول هذا المملوك أو هذا الشي ء رهن به ، ويقبل ذلك ، صح العقد ويكون الخيار الى الراهن بين ان يقبض أو لا يقبض ، فان قبض لزم من جهته وكان جائزا من جهة المرتهن ، ان أراد الإمساك أمسك وان أراد الفسخ فسخ.
وان كان رهنا في بيع مثل ان يقول البائع للمشتري بعتك هذا الدار بمأة دينار على ان ترهن عندي هذا الشي ء ، فان استقر بينهما البيع على هذا الشرط وكان ذلك في مدة خيار المجلس أو الشرط ، فالراهن مخير بين قبض الرهن أو تركه.
فان قبضه لزم من جهة كونه رهنا ، ويكون البيع على حاله في مدة الخيار ، لكل واحد من المتبائعين الفسخ.
فان لزم بالافتراق ، أو ينقضي خيار الشرط ، فالرهن على ما هو عليه من اللزوم وان فسخ البيع أحدهما أو هما جميعا ، بطل الرهن وان لم يقبض الرهن الى ان لزم البيع بالافتراق ، أو تنقضي مدة الخيار ، كان الراهن مخيرا بين ان يقبض ، أو لا يقبض ، وان قبض لزم الرهن من جهة الراهن ، وان لم يقبض لم يجبر عليه ، ويكون البائع المرتهن حينئذ مخيرا بين ان يقيم على البيع ويمضيه بغير رهن وبين فسخه.
واما الصلح فان كان إبراء أو حطيطة (1) مثل ان يقول أحدهما للآخر « لي عندك مأة دينار وقد أبرأتك من خمسين دينارا أو حططتها عندك وادفع الى الباقي » فليس له الخيار فيما أبرأه منه ، أو حطه عنه من ذلك وله المطالبة بالباقي.
وان كان معاوضة مثل ان يقول « أقر له بدين أو عين » ثم يصالحه على ذلك فليس له الرجوع فيما وقع الصلح عليه.
واما الضمان فإنه ان كان له دين على غيره فبدل له ضمان غيره له فهو مخير بين ان يضمن أو لا يضمن ، فان ضمن لزم من جهته دون المضمون عنه.
ص: 354
وان كان في بيع - مثل ان يقول بعتك على ان يضمن لي زيد ، أو تقيم لي ضامنا ، فان استقر ذلك بينهما وكان في مدة الخيار في البيع لزم من جهة الضمان ، فان فسخه أحدهما ، أو جميعهما زال الضمان.
وان لم يضمن حتى لزم البيع كان مخيرا بين ان يضمن أو لا يضمن ، فان ضمن صح على كل حال ، وان لم يضمن كان البائع مخيرا بين إمضائه بغير ضمان وبين فسخه.
وإذا حال الواجد غيره بمال على غيره وقبل الحوالة ، صح دخول خيار الشرط فيه ، فاما خيار المجلس فلا يدخله لأنه مخصوص بالبيع.
واما خيار الشفيع على الفور فان بادر إلى الأخذ لم يكن للمشتري خيار لان المبيع يؤخذ منه بالقهر ، فلا خيار له مع ذلك ، واما الشفيع فقد ملك البيع بالثمن وليس له خيار المجلس لان هذا الخيار كما قدمناه مخصوص بالبيع وهذا انما يؤخذ ذلك بالشفعة لا بغيرها.
واما الإجارة فقد تكون في معين مثل ان يقول الموجر أجرتك داري هذه أو دابتي هذه أو مملوكي هذا ، شهرا أو سنة أو من وقتي هذا أو يومي هذا ، وإذا ذكر هذه المدة المعينة لم يدخل عقد هذه الإجارة خيار المجلس ، فاما خيار الشرط فيجوز فيه.
وان كانت الإجارة ، اجارة في الذمة مثل ان يقول المستأجر لغيره « استأجرتك لتبني لي حائطا أو تخيط لي ثوبا أو ما أشبه ذلك » فيصح دخول خيار الشرط فيه ، فاما خيار المجلس فلا يصح دخوله فيه لأنه ليس ببيع ، لأنه مخصوص بالبيع كما قدمناه
واما المساقاة فيصح دخول خيار الشرط فيها لقول النبي صلى اللّه عليه وآله : المؤمنون عند شروطهم (1) ، فاما خيار المجلس فلا يدخل في ذلك.
واما الوقف فلا يدخله خيار المجلس ، ولا خيار الشرط جملة فاما خيار المجلس لأنه ليس بيعا كما قدمناه ، واما الشرط فلانة متى دخل فيه بطل الوقف ، وأيضا فإن
ص: 355
هذين الخيارين خيار مجلس أو خيار شرط لا يدخلان فيه لان دخول الخيار فيه يبطل كونه وقفا سواء كان الخيار خيار المجلس أو خيار الشرط.
واما عقد النكاح فلا يدخل فيه الخيار جميعا لمثل ما قدمناه ولأن الإجماع حاصل ، (1) فاذا دخل فيه كان على حسب ما يستقر الشرط فيه ، ولا يبطل به عقد النكاح فان تعلق الشرط بالعقد وبالصداق بطل النكاح.
واما الهبة فيدخلها الخيار ان كانت بغير عوض ، أو لم يتصرف الموهوب له فيها ، أو لا يكون لولده الأصاغر ، فان لم يكن لشي ء من ذلك صح دخوله فيها قبل القبض وبعده.
واما الخلع فمثل ان تقول له طلقني طلقة بمأة فيقول لها طلقتك بها طلقة فلا يكون له خيار في قبض المائة ليكون الطلاق رجعيا.
واما الطلاق والعتق فلا يدخل في واحد منهما الخيار.
واما السبق والنضال (2) فيصح دخول خيار الشرط فيهما فاما خيار المجلس فلا يدخلهما على ما قدمناه.
واما القراض فيصح دخول خيارين فيه.
واما العارية والوديعة فيصح دخول ذلك أيضا فيهما.
واما الوكالة والجعالة فيصح أيضا دخوله فيهما.
واما القسمة فيصح دخول خيار الشرط فيها سواء كانت القسمة فيها رد (3) ، أو كانت لأرد فيها ، وسواء كان القاسم الحاكم (4) الشريكين أو غيرهما ،
واما خيار المجلس فلا يدخل فيها على جميع الوجوه التي ذكرناها.
ص: 356
واما الكتابة إذا كانت مشروطة لم يكن للسيد فيها خيار المجلس ، فاما خيار الشرط فيصح في ذلك ، واما العبد فله الخيار ان شاء لأنه متى عجز نفسه كان الفسخ حاصلا.
وان كانت الكتابة مطلقة وادى شيئا من مكاتبته انعتق منه بحساب ذلك ولا خيار لواحد منهما فيها لأنه لا يرد حرفي الرق.
وإذا كنا قد بينا صحة ثبوت خيار المجلس فليس ينقطع الا بتفرق أو خيار (1) فاما التفرق الذي يلزم البيع به ، وينقطع عنده الخيار فهو مفارقة المجلس بخطوة أو أكثر منها.
فإن أقام المتبائعان في مكانهما وثبتا فيه ولو كان زمانا طويلا وبنى بينهما حائط فإن ذلك لا يبطل به خيار المجلس (2). فان كان بعد العقد فمثل ان يقول أحدهما للآخر بعد العقد وقبل ان يفترقا : اختر الإمضاء به ، وان قال الأخر : اخترت إمضاء البيع لزم العقد وانقطع الخيار ، فان سكت ولم يختر الفسخ ولا الإمضاء فخيار الساكت باق بحاله ولم يبطل خيار الأول ، لأنه إذا ثبت الخيار للواحد منهما ثبت الخيار للآخر لان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله جعل الخيار لهما جميعا (3).
وان كان في نفس العقد فمثل ان يقول : بعتك بشرط ان لا يثبت خيار المجلس بيننا فاذا قال المشترى قبلت ثبت العقد ولم يكن لهما خيار على وجه.
فان قال بعتك بشرط ولم يعين مقدار الشرط كان البيع فاسدا.
وإذا ثبت لزوم البيع اما بوقوعه مطلقا أو تنقضي المدة ان كان مشروطا ، أو تصرف المشترى فيه بتمليك أو عتق أو هبة ، أو ما أشبه ذلك ، لزم العقد من جهته ونفذ تصرفه وبطل اختياره ولم يبطل خيار البائع بل هو باق بحاله.
ص: 357
فان تصرف البائع فيه بتمليك أو عتق أو هبة أو ما أشبه ذلك كان هذا التصرف منه فسخا للعقد.
وإذا كان المبيع في يد البائع وهلك في مدة الخيار كان من ماله دون مال المشتري إذا لم يكن المشترى تصرف فيه ، وإذا اختلف البائع والمشترى في حصول إيجاده (1) كان على المشترى البينة بأنها حدثت في مدة الخيار ، وهكذا يلزمه إذا اختلفا في حصول إيجاده في العيب الموجب للرد.
فإن وطأ المشترى في مدة الخيار لزم البيع ولم يجب عليه (2) فان أتت الموطوئة بولد لحق به (3) ان لم يفسخ البائع العقد ، فان فسخه كان عليه قيمته ويلحق به ، وان لم تأت هذه الموطوئة بولد وكانت بكرا وجب عليه عشر قيمتها ، وان لم تكن بكرا فنصف عشر قيمتها ويبطل مع ذلك خياره.
واما خيار البيع فليس يبطل بوطء المشترى كان ذلك بعلمه أو بغير علمه الا ان يثبت رضاه به ، وإذا ثبت ذلك وعلم بطل خياره. وان وطي البائع في مدة الخيار كان ذلك فسخا للبيع ، وقد ذكرنا فيما تقدم ان ما يقع من البائع من التصرف في مدة الخيار ، يكون فسخا للعقد ، وما يقع منه من المشترى يلزم العقد به من جهته ويبطل خياره ، فان رضيا على إمضاء شي ء من ذلك ، أو اتفقا عليه في مدة الخيار مثل بيع المشترى ما اشتراه أو عتقه ان كان مما يصح عتقه ، أو ما جرى مجرى ذلك بطل خيارهما جميعا ومضى البيع والعتق أو ما أشبه ذلك مما يتفقان عليه ، أو يتراضيان به أو يأذن البيع للمشتري فيه.
واعلم : ان خيار المجلس أو الشرط يصح كونهما موروثين ، فان مات المتبائعان
ص: 358
أو واحد منهما كان (1) يتعلق بهما من ذلك موروثا عنه ، ولا فرق في ذلك بين ان يكونان حرين ، أو مملوكين مأذونا لهما في التجارة ، أو أحدهما حرا والأخر مملوكا أو مكاتبا فان وليه أو سيده يقوم مقامه فيه.
فان عرض له جنون أو إغماء أو خرس في مدة الخيار ، وكان الأخرس مما لا يعرف إشارته ولا يحسن شيئا من الكتابة ، قام وليه مقامه وفعل ما يكون له فيه الحظ (2) والصلاح في ذلك.
وان كان ممن يفهم إشارته ، أو يحسن شيئا من الكتابة كان خياره باقيا ، وفعل في ذلك بحسب ما يشير اليه أو يكتب به وإذا تصرف ولى هؤلاء القوم فيما ذكرنا عنهم ، ثم زال المرض العارض لهم عنهم ، لم يجز لهم الاعتراض عليه ، ولا خيار لهم فيه بحال.
وإذا أكره المتبائعان على الافتراق من المجلس ، ومنعا من الخيار والفسخ لم يؤثر ذلك في خيارهما ، ولا يبطله بل يكون ثابتا بحاله ، وإذا زال ذلك عنهما كان الخيار لهما في مجلس زواله إذا لم يفترقا منه. وان لم يمنعا من ذلك ووقع التفرق من غير أن يختار شيئا فقد بطل خيارهما.
وإذا كان الوارث لخيار الشرط حاضرا عند موت صاحبه ، قام مقامه كما قدمناه ، فان كان قد مضى بعض ذلك (3) كان الباقي له. وان كان ولده غائبا وبلغه موت صاحبه بعد انقضاء مدة الخيار بطل خياره.
ومن باع شيئا بشرط الخيار متى أراد ، كان فاسدا ، لأنه كان مجهولا.
إذا تقابض المتبائعان الثمن والمبيع في مدة خيار المجلس وخيار الشرط وخيار الرؤية كان ذلك جائزا ، ويكون الخيار باقيا على حاله.
ص: 359
وإذا باع شيئا معينا وهلك بعد العقد ، فان كان ذلك قبل القبض بطل البيع ، ولا فرق في ذلك بين ان يكون هلاكه في مدة الخيار ، أو بعد تقضيها ، وان كان البائع قد قبض الثمن كان عليه رده ، وان لم يكن قبضه فقد سقط ذلك عن المشترى. وان كان هلاكه بعد القبض لم يبطل البيع في يد المشتري أو البائع مثل ان يكون قبضه المشترى ورده الى البائع وديعة أو عارية.
وإذا لم يبطل البيع بما ذكرناه وكان هلاكه في مدة الخيار لم ينقطع الخيار ، وإذا لم ينقطع الخيار فلا يخلو من ان يكون المتبائعان يجيزان البيع أو يفسخان أو أحدهما ، فإن فسخا سقط الثمن ووجب القيمة على المشترى ، وان اختار (1) إمضاء البيع أو سكتا حتى انقضت مدة الخيار لزمه الثمن دون القيمة ، لأن الثمن المسمى ، لا يسقط مع بقاء العقد.
وان كان هلاكه بعد تقضى مدة الخيار كان ماضيا على المشترى وعقد النكاح ينعقد ويصح بالإيجاب والقبول ، ولا اعتبار في ذلك بتقدم الإيجاب ولا تأخره
فاما البيعان فتصح عقودهما بتقدم الإيجاب ، فلو قال البائع : قد بعتك هذا الشي ء وقال المشترى : قد قبلت. لصح ذلك بغير خلاف ، فاما في التأخير فإذا قال المشتري : بعني هذا الشي ء بمأة وقال البائع : قد بعتك ، فلا يتم انعقاد العقد حتى يقول المشترى بعد ذلك : اشتريت.
فاذا علم بما ذكرنا كيفية انعقاد العقد في البيوع ، فجميع ما يقع من الناس على غير هذا الوجه فليس ببيع في الحقيقة ، ويجوز الرجوع في كل ما وقع منه كذلك ، وانما يكون واقعا منهم على وجه الإباحة والتراضي ، لا على انه بيع في الحقيقة ، ومثال ما ذكرنا ان يدفع الإنسان قطعه الى بقلي فيعطيه بها بقلا ، أو على سقاء فيدفع بها اليه شربة من ماء ، أو يدفع درهما أو أقل منه أو أكثر إلى خباز فيعطيه
ص: 360
بذلك خبزا ، ولا يجزى (1) من واحد منهما قول في إيجاب ولا قبول ، وكل ما جرى هذا المجرى.
ولو ان واحدا منهم أراد الرجوع في ذلك لكان له الرجوع فيه ، لان ذلك ليس ببيع ، وقع على عقد صحيح كما ذكرناه.
ومن ابتاع شيئا وظهر له فيه غبن فلا يخلو ان يكون من أهل الخبرة أو لا يكون كذلك ، فان كان من أهل الخبرة لم يكن له رده ، وان لم يكن من أهل الخبرة وكان مثله (2) لم تجر العادة ، فسخ العقد ان أراد ، وان كانت العادة جرت بمثله لم يكن له خيار. وإذا قال البائع للمشتري بعتك هذا على ان تنقدني الثمن إلى ثلاثة ، فإن نقدتنى والا فلا بيع لك ثم جاء بالثمن في الثلاث كان البيع له وان لم يجي ء فيها كان البيع باطلا ، وروى أصحابنا انه إذا ابتاع شيئا معينا بثمن معلوم وقال أجيئك بالثمن فان جاء به مدة الثلاث كان البيع له ، وان لم يأت به في ذلك بطل البيع (3).
قال اللّه تعالى ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ) (4) وقال تعالى ( يَمْحَقُ اللّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ ) . (5) وقال اللّه جل اسمه ( وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا ) . (6)
وروى عن أمير المؤمنين (عليه السلام) انه قال « طرق طائفة من بنى إسرائيل عذاب
ص: 361
فأصبحوا وقد فقدوا أربعة أصناف من الناس الكيالين ، والمغنين ، والمحتكرين وأكلي الربا (1).
وروى عن الصادق عليه السلام انه قال « درهم ربا أعظم عند اللّه من سبعين زنية كلها بذات محرم » (2).
والربا محرم في شرع الإسلام ، وهو الفاضل من الشيئين إذا كانا من جنس واحد من المكيلات أو الموزونات ، وليس يصح الربا الا فيما كان مكيلا أو موزونا فاما ما كان من غير ذلك فلا يدخل فيه ، ومثال ما ذكرنا دخول الربا فيه من المكيلات والموزونات إذا كان الجنس واحدا هو : بيع مثقال من الذهب بمثقال منه وزيادة عليه ، ومثل بيع درهم من فضة بدرهم منها وزيادة عليه ، وقفيز من حنطة بقفيز منها وزيادة عليه.
وكذلك الحنطة مع الشعير لان جنسهما في الربا عندنا واحد. وفي الزكاة جنسان ، فاذا بيع قفيز من حنطة بقفيزين من شعير أو بالعكس كان ربا لما ذكرناه.
وما ذكرنا دخول الربا فيه مما يكال أو يوزن ، فان ما كان منه رطبا فإنه يجوز بيعه مثلا بمثل والجنس واحد يدا بيد (3) ، ولا يجوز ذلك متفاضلا ، وما كان منه يابسا ، جاز أيضا بيع بعضه ببعض والجنس واحد متماثلا يدا بيد ، ولا يجوز متفاضلا.
واما الا هليلج والبليلج والأملج والسقمونيا وما جرى مجرى ذلك مما يدخل في الأدوية من العقاقير فان الربا يدخل فيه ، لأنه من الموزونات. واما ما يدخل في الأدوية من الطين (4) الأرمني والخراساني فلا يجوز بيعه لأنه حرام ، فلا معنى
ص: 362
لذكر دخول الربا. واما الماء فلا يدخل فيه الربا ، لأنه مما لا يكال ولا يوزن.
واعلم ان المماثلة شرط في الربا ، والمعتبر فيها بعرف العادة فيها بالحجاز على عهد النبي صلى اللّه عليه وآله ، فان كانت العادة فيه الكيل لم يجز له الا كيلا في جميع البلاد وما كان في العرف فيه الوزن لم يجز له الا وزنا في جميع البلاد.
فاما المكيال فمكيال أهل المدينة ، والميزان فميزان أهل مكة بغير خلاف في ذلك ، وما كان مما لا يعرف فيه عادة على عهد النبي صلى اللّه عليه وآله فإنه يحل على عادة البلد الذي هو فيه ، فما عرف منه بالكيل فلا يباع الا كيلا ، وما كان العرف فيه بالوزن فلا يباع الا وزنا.
واما الخبز فيجوز بيع اللين منه باللين ، واليابس باليابس متماثلا غير متفاضل ، فاما بيع لينه بيابسه فلا يجوز لا متماثلا ولا متفاضلا فان كانا من جنسين مثل خبز الحنطة أو الشعير بخبز الأرز (1) فيجوز بيعه متماثلا فيه ومتفاضلا.
واما بيع الحنطة بدقيقها فيجوز متماثلا يدا بيد ، ولا يجوز نسيئة. وقد ذكر ان الاحتياط يقتضي أن يباع بعض ذلك ببعض وزنا مثلا بمثل ، لان الكيل يقتضي التفاضل من حيث ان الدقيق أخف في الوزن من الحنطة ، وهو الصحيح.
وإذا كان الواحد منهما يباع كيلا ، والأخر وزنا مثل الحنطة والخبز فلا يباع أحدهما بالآخر الا وزنا ، ليرتفع التفاضل بينهما ، ويجوز بيع دقيق الحنطة بدقيق الحنطة ، ودقيق الشعير بدقيق الشعير والسويق بالسويق ، ودقيق الحنطة بالسويق ، وخل العنب بخل العنب وخل التمر وخل الزبيب بخل الزبيب وكل ذلك مثلا بمثل ولا يجوز بيعه متفاضلا يدا بيد ، ولا نسيئة. ويجوز بيع الحنطة بالسويق وبالخبز وبالفالوذق المتخذ من النشا مثلا بمثل لا متفاضلا يدا بيد ، ولا يجوز نسيئة ، ويجوز بيع خل العنب والزبيب بخل التمر متفاضلا لأن أصله مختلف.
واما العصير فيجوز بيع بعضه ببعض مثلا بمثل ، ولا يجوز متفاضلا هذا إذا
ص: 363
لم يغل الغليان المحرم ، فاما إذا بلغ ذلك حرم بيعه جملة ، ولم يكن لذكر الربا فيه معنى.
وحد الغليان الذي ذكرناه ان يصير أسفله أعلاه.
واما عصير التفاح والسفرجل والعناب والغضب والرمان فاجناس مختلفة لأن أصولها مختلفة.
فإن بيع بعض جنس ببعض منه جاز متماثلا ولم يجز متفاضلا ، مطبوخا كان أو غير مطبوخ ، فان بيع بعض من ذلك ببعض جنس آخر ، جاز ذلك متماثلا ومتفاضلا ، مطبوخا كان أو غير مطبوخ.
فاما الزيت والشيرج ودهن اللوز الحلو ودهن الجوز والفجل وما أشبه ذلك فيدخل فيه الربا - لأنه اما ان يكون مكيلا أو موزونا - إذا كان الجنس واحدا ، فان بيع بعض جنس ببعض جنس منه ، جاز ذلك مثلا بمثل يدا بيد ، ولا يجوز التفاضل فيه ، فان بيع بعض منه ببعض جنس آخر مخالف له ، جاز ذلك مماثلا ومتفاضلا يدا بيد ولا يجوز نسيئة ، واما دهن البزر والسمك وما أشبههما مما لا يعمل للأكل ولا الطيب يدخل فيه الربا لأنه أيضا اما ان يكون مكيلا ، أو موزونا.
واما دهن الجوز ودهن اللوز المر ، فيدخل فيه الربا لأنه اما ان يكون مكيلا أو موزونا.
واسم العسل إذا أطلق كان المراد به عسل النحل ، ويجوز بيع بعضه ببعض منه متماثلا يدا بيد ، ولا يجوز التفاضل فيه سواء كان فيه شمع أو كان مصفى ، واما ما يتخذ من العنب والسكر وان سمى بعسل فيجوز بيع الجنس منه بعسل النحل أو بغير جنسه متماثلا ، أو متفاضلا يدا بيد.
واما الألبان فيه أجناس مختلفة ، فالبان الغنم الأهلي : الضأن منه والمعز منه - فهو جنس واحد ، واما جنس لبن البري مثل الظبا فهو جنس آخر.
واما ألبان البقر الأهلي جاموسيا كان أو غير جاموسى فهو جنس واحد واما لبن البقر الوحشي فهو جنس آخر.
ص: 364
واما لبن الإبل بخاتيا كان أو غير ذلك فهو جنس واحد.
فما كان من هذه الألبان جنسه واحدا جاز بيع بعضه ببعض آخر منه مثلا بمثل يدا بيد وان كان الجنس مختلفا جاز التفاضل فيه يدا بيد ، ولا يجوز نسيئة ، سواء كان رطبا أو يابسا. وجميع ما يعمل من الألبان مثل السمن والزبد والمصل (1) والأقط وغير ذلك فالحكم فيه كما ذكرنا في اللبن.
ويجوز بيع مد ، من حنطة ودرهم بمدين من حنطة ، أو مدين من شعير ودرهم بمدين من شعير ، ومد من تمر أو مدين من تمر.
ويجوز بيع درهم وثوب بدرهمين ، وبيع دينار وثوب بدرهمين ، وبيع دينار وثوب بدينارين وكل ما جرى هذا المجرى يجوز بيعه على ما ذكرناه.
والحنطة إذا كانت مبلولة لم يجز بيعها بالجائف منها وزنا مثلا بمثل ، لأنه يؤدى الى الربا من حيث ان المبلول ينقص إذا جف فلا سبيل إلى معرفة مقدار ما فيها من الماء. والفواكه والبقول التي تباع مكيلة أو موزونة يجوز بيع بعضها ببعض ويجوز بيع الرطب بالرطب سواء كان مما يصير تمرا أولا يصير كذلك.
والشلجم والفجل المغروس في الأرض والجزر ، يجوز بيع ورقة وأصله بشرط التبقية والقطع. ومن اشترى من غيره سلعة بدنانير معينة أو دراهم معينة لم يجز ان يدفع غير ذلك الا برضاه.
فان اشترى دنانير بدراهم معينة ، ودراهم بدنانير أعيانهما ، ووجد أحدهما الذي قبضه من جنس غير الجنس المعقود عليه ، كان البيع فاسدا مثال ذلك : ان يباع دنانير فتخرج نحاسا ، أو يبتاع دراهم فتخرج رصاصا.
وعلى هذا لو قال بعتك هذا الثوب على انه قز فخرج كتانا ، أو كتانا فخرج
ص: 365
قزا ، أو قال بعتك هذا البغل فخرج حمارا ، أو الفرس فخرج بغلا ، فإنه إذا كان من الجنس الأخر بطل البيع ، فان كان الكل من غير جنسه ، بطل البيع في الجميع وان كان البعض من غير جنسه بطل البيع فيه ولا يبطل في الباقي كما ذكرناه في تبعيض الصفقة ، ويأخذ من الثمن بحصته ويكون مخيرا بين رده وفسخ البيع وبين ان يرضى بحصته من الثمن. هذا إذا كان العيب من غير جنسه ، فاذا كان العيب من جنسه مثل ان يكون فضة خشنة أو ذهبا خشنا ، أو يكون السكة فيه مضطربة ، مخالفة لسكة السلطان فذلك عيب وهو مخير بين الرد واسترجاع الثمن وبين الرضا به ، وليس له المطالبة ببدل ، لان العقد تناول عينه ووقع عليها ولا يجوز له إبداله ، وان كان العيب في الجميع كان مخيرا بين رد الجميع وبين الرضا به.
وان كان العيب في البعض كان له رد الجميع لوجود العيب في الصفقة وليس له رد البعض المعيب وأخذ البعض الأخر.
وإذا باع دنانير بدنانير أو دراهم بدراهم ووجد عيبا في بعضها من جنسها كان للمشتري رد المعيب بالعيب أو يفسخ العقد ، وكل هذا إذا كان قد تبايعا دراهم معينة بدنانير معينة ، فان لم يكونا تبايعا كذلك بل تبايعا في الذمة ، فإنه إذا كان تبايعهما كذلك فاما ان تقع مطلقا مثل ان يبيع دينارا بعشر دراهم ، أو يقع موصوفا مثل ان يبيع دينارا قاسانيا ، بعشر دراهم راضية فإن كانا تبايعا على الوجه الأول المطلق فاما ان يكون نقد البلد الذي تبايعا فيه واحدا غير مختلف ، أو يكون مختلفا ، فان كان واحدا غير مختلف يرجع الإطلاق إليه دون غيره ووجب فيه ذلك ، وان كان النقد مختلفا وليس البعض منه بأغلب من بعض ، كان البيع فاسدا.
وان كان تبايعا على الوجه الثاني الموصوف كان البيع صحيحا. وإذا كان كما ذكرناه صحيحا لم يجز ان يفترقا حتى يتقابضا ، فان تقابضا ووجد أحدهما فيما قبضه عيبا وكان وجوده لذلك قبل التفرق من المجلس ، كان له إبداله سواء كان العيب من جنسه أو من غير جنسه ، لان العقد وقع في الذمة صحيحا بلا عيب فاذا دفع اليه معيبا كان له مطالبته بما في ذمته مما تناوله العقد.
ص: 366
وان كان وجوده لذلك بعد التفرق فاما ان يكون العيب من جنسه أو من غير جنسه فان كانت من غير جنسه كان الصرف باطلا لان المتبائعين تفرقا من غير قبض فيما تناوله العقد ثم ينظر فيه ، فان كان ذلك في الجميع بطل عقد الصرف رأسا ، وان كان في البعض بطل في ذلك البعض دون الباقي كما ذكرناه في تبعض الصفقة.
وان كان العيب من جنسه فاما ان يكون في الجميع أو في البعض ، فان كان في الجميع كان له الرد واسترجاع الثمن ، والرضا لأنه من جنس ما تناوله العقد وان اختار ان يبدله بغير معيب كان له ذلك.
وان كان في البعض فله ابدال ذلك البعض ، أو فسخ العقد في الكل.
يجوز للإنسان ان يبيع عشرين دينارا : عشرة منها جيدة وعشرة ردية بعشرين دينارا وسطا من غير تداخل (1) في ذلك : وكذلك يجوز بيع دينارين أحدهما صحيح والأخر قراضة بدينارين صحيحين أو رديين.
ويجوز أيضا بيع درهمين أحدهما صحيح والأخر مكسور بدرهمين صحيحين أو معا مكسورين ، فان باع دينارا جيدا بدينار روى ، كان ذلك جائزا بغير خلاف.
ولا يجوز بيع السيوف المحلاة واللجم المحلاة وما جرى مجرى ذلك بما يخالطه فيه الفضة من العروض وبالذهب نسيئة.
فإن اشترى شيئا من ذلك بالدراهم نقدا (2) استحب له ان يجعل فيها عرضا فان كان المتبائعان عالمين بمقدار الفضة التي فيه وكانت الدراهم أكثر منها لم يكن بذلك بأس.
فإن جعل المشترى ثمن ما كانت حلية فضة (3) ذهبا ، وما كانت حلية ذهب فضة كان جيدا.
ص: 367
فان كان الشي ء من جنسه وكان أكثر من الحلية ، كان الذهب بالذهب الذي في الحلية والفضة بالفضة سواء والفاضل عن ذلك من الثمن يكون ثمنا للعروض.
وكذلك ان جعل في الثمن عروضا وكان ما في الحلية من الفضة أكثر من الثمن كان الفضة بالفضة والفاضل من الحلية من العروض (1) التي مع الدراهم.
ويجوز ان يبتاع الإنسان (2) فضة بيضاء جيدة بفضة سوداء أكثر منها إذا كان مع السوداء (3) شي ء من الفلوس وما جرى مجراها.
وكذلك الذهب بالذهب ومع أقلها شي ء آخر.
وإذا كان الشي ء من الحلي المذهب فيه لؤلؤ وشي ء من الجوهر ولا يمكن تخليصه الا بضرر يلحق ماله في ذلك ، فاشتراه إنسان آخر منه بدينار وهو لا يعلم ان الدينار أكثر من الذهب ، لم يصح بيعه ، ولا يجوز بيعه بالدراهم نسيئة.
ولا يجوز ابتياع الذهب بالذهب ، ولا الفضة بالفضة مجازفا يدا بيد ولا نسيئة.
ومن اشترى خاتما فضة بفضة وكان الثمن أكثر مما فيه من الفضة كان البيع صحيحا ، فان كان مثله أو أقل كان باطلا.
وإذا كان مع إنسان ألف درهم صحاحا يريد ان يشترى بها أكثر منها مكسرة وزنا فاشترى بالصحاح ذهبا ثم اشترى بالذهب مكسرة أكثر من الصحاح كان جائزا إذا تقابضا وافترقا بالأبدان ، ولا فرق بين ان يكون ذلك مرة أو أكثر منها.
والتفرق بالأبدان لا بد منه ، فان لم يفترقا وخير أحدهما الأخر في إمضاء البيع أو فسخه ، فان اختار الإمضاء لزم البيع وبطل الخيار ، وقام التخاير مقام التفرق الا انه ينبغي ان يكون التخاير بعد التقابض ، فان افترقا قبل التقابض بطل الصرف وان تقابضا ولم يفترقا ولم يتخايرا ثم اشترى منه بالذهب الذي قبضه ، دراهم مكسرة
ص: 368
كان الشراء صحيحا ، لأنهما إنما شرعا في البيع فانقطع خيارهما ، الا ترى انا قد بينا انه إذا تصرف فيه أو أحدث المشتري فيه حدثا ، فقد بطل خياره ، وقد حصل التصرف هاهنا فيها فبطل خيارهما وكان الشراء الثاني صحيحا.
وإذا باعه قبل التخاير أو التصرف من غير بائعه لم يصح ذلك ، لان حق الخيار للبائع ، هذا إذا كان المشترى قد اشترى من البائع دراهم.
فاما إذا لم يكن ذلك ، وأقرضه الصحاح التي معه واقترض (1) منه مكسرة أكثر منهما ، ثم ابرأ كل منهما صاحبه كان ذلك جائزا. وهكذا إذا وهب كل واحد منهما لصاحبه ما معه وأقبضه ، فإنه أيضا يكون جائزا ، وهكذا إذا باع الصحاح بوزنها مكسرة ووهب له الفضل من المكسرة كان جائزا.
وإذا كان للإنسان على غيره خمسة دنانير ، فدفع اليه خمسة عددا فوزنها القابض لها فكانت ستة دنانير. فان الدينار الزائد للقابض مشاعا فيها ، ولا يكون مغصوبا على القابض من أجل أنه أخذه عوضا ، بل يكون بمنزلة الأمانة في يده ، فاذا كان كذلك فإن أراد ، استرجع منه دينارا وان أراد هبة وهبها له ، وان أراد اشترى منه عوضا به ، وان أراد أخذ به دراهم ويكون ذلك صرفا.
ولا يجوز ان يفارقه قبل ان يقبض الدراهم ، فإن أراد ، جعله ثمنا لموصوف في ذمته إلى أجل سلما اثنان ، مع أحدهما دينار قيمته عشرون درهما ، والأخر معه عشرة دراهم ، فإن أراد ان يشترى الدينار منه بعشرين درهما ، فاشترى نصف دينار بعشرة وسلم العشرة اليه وقبض الدينار منه فيكون نصفه عن بيع ونصفه وديعة في يده ، ان تلف لم يضمن. ثم استقرض منه العشرة التي سلمها اليه واشترى منه بها النصف الباقي من الدينار صح ذلك ، ويصير جميع الدينار للمشتري ، والبائع قد استوفى جميع الثمن وله على المشترى عشرة دراهم قرضا.
ص: 369
فان لم يفعل ما ذكرنا واشترى جميع الدينار بعشرين درهما ودفع إليه العشرة التي معه ، ثم استقرضها منه وقضاه بها (1) له من العشرة في ذلك المجلس كان ذلك أيضا جائزا. إذا كان مع إنسان تسعة عشر درهما واشترى دينارا بعشرين درهما ولم يقرضه الأخر فالعمل في ذلك ان يفاسخه الصرف ثم يشترى منه بقدرها (2) فيكون جزء من عشرين جزءا من الدينار في يده مقبوضا عن وديعة ، والباقي عن الصرف وإذا كان هذا ، عمل في الجزء الزائد بمثل ما قدمناه من العمل في الدينار (3) في المسئلة المتقدمة سواء.
فان لم يفاسخه غير انه قبض الدينار ثم فارقه ليوفيه الدرهم الباقي من التسعة عشر ، فان الصرف ينفسخ في قدر الدرهم ولا ينفسخ في الباقي.
وإذا اشترى إنسان من غيره عشرين درهما نقرة بدينار فقال له إنسان أخر : ولني نصفها بنصف الثمن صح ذلك والتولية بيع.
ولو قال له : اشتر عشرين درهما نقرة بدينار لنفسك وولني نصفها بنصف الثمن لما جاز ذلك لأنه إذا ابتاعها لنفسه وولاه ذلك ، كانت التولية بيعا من الغائب وذلك فاسد.
إذا قال إنسان لصائغ صغ لي خاتما من فضة ، وانا أعطيك وزنه فضة ، واجرة صياغتك وعمل الصائغ الخاتم لم يجز ان يفعلا ذلك ، وكان الخاتم باقيا على ملك الصائغ لأنه شراء فضة مجهولة بفضة مجهولة ، وافترقا قبل التقابض وذلك مفسد للبيع ، وإذا أراد بعد صياغة الخاتم ان يشترى اشتراه شراء مستأنفا بغير جنسه كيف أراد ، أو بجنسه مثل وزنه.
فعلى هذا لا يصح إذا اشترى ثوبا أو ما جرى مجراه بمأة دينار الا درهما ، أو
ص: 370
بمأة درهم الا دينارا وكان باطلا ، لان الثمن مجهول من حيث انه لا يعلم كم الدرهم من الدنانير ولا حصة الدينار من الدراهم الا بالتقويم والرجوع الى أهل الخبرة.
فإن استثنى من الجنس فباع بمأة دينار الا دينارا أو مأة درهم الا درهما كان البيع صحيحا ، لان الثمن حينئذ يكون معلوما وهو الباقي بعد الاستثناء.
إذا باع ثوبا بمأة درهم صرف عشرين درهما بدينار كان الشراء باطلا لان الثمن غير معين ولا موصوف بصفة يصير معلوما بها.
وإذا اشترى إنسان من غيره ثوبا بنصف دينار وجب عليه شق دينار ، ولا يلزمه ذلك من دينار صحيح.
وهكذا إذا اشترى منه ثوبا أخر بنصف دينار لزمه نصف أخر مكسور ولا يلزمه دينار صحيح لان نصف دينار يقتضي ذلك مفردا فان دفع اليه دينارا صحيحا كان جائزا لأنه يكون قد زاده جزاء.
فان شرط في البيع الثاني ان يدفع اليه عن البيع الأول والثاني دينارا صحيحا حتى يزيد في ثمن الثوب الأول فيجعل المسكور من دينار صحيح فهذه الزيادة لا تلحق بالأول لثبوته وإبرامه ، ولأن الزيادة مجهولة وإذا لم تلحق بالأول لم تثبت في الثوب الثاني لأن ذلك مجهول فكان باطلا. وان لم يكن البيع الأول قد لزمه ولا انقطع الخيار ، فالخيار باق بينهما فقد بطل الأول ، ولم يصح الثاني لأن زيادة الصفة منفردة عن العين مجهولة لم يصح ولا يلحق بالثمن فلم يثبت وإذا لم يثبت هذه الزيادة معه ولم يرض بان يكون نصف دينار ثمنا للواحد ، حتى يكون هذه الزيادة معه في ثمن الثوب الأخر فكان الثمن مجهولا فلا يصح.
وإذا ابتاع إنسان من غيره ثوبا بعشرين درهما وأحضره عشرين درهما صحاحا وزنها عشرون درهما ونصف ، فقبض وأخذ بنصف درهم فضة ، كان جائزا.
فإن كان قد شرط ذلك في أصل بيع الثوب كان البيع فاسدا ، لأنه شرط عليه
ص: 371
بيع نصف درهم وهذه بيعتان (1) وذلك غير صحيح.
واعلم ان الربا لا ينعقد بين الوالد وولده ، والسيد وعبده ، والحربي والمسلم ، والمرأة وزوجها.
وينعقد بين من خالف هؤلاء ، وعلى ما ذكرنا يجوز أن يعطى كل من ذكرنا من صاحبه الدرهم بدرهمين والدينار بدينارين وكذلك في كل موزون ومكيل.
واللحوم فيها أجناس مختلفة فلحم الغنم - الضأن منها والماعز - فهو جنس واحد ، ولحم البقر الانسى - جواميسها وغير جواميسها - جنس واحد ، ولحم البقر الوحشي جنس واحد. ولحم الإبل - عرابها وبخاتيها وغير ذلك منها - فهو جنس واحد. ولحم القطا جنس واحد ، ولحم الكراكي (2) جنس واحد ، ولحم الحبارى (3) جنس واحد ، ولحم الحمام جنس واحد ، ولحم القماري (4) جنس واحد. ولحم الحجل (5) جنس واحد ، ولحم الدراج جنس واحد ، ولحم الطيهوج (6) جنس واحد ، ولحم الدجاج الحبشي وغير الحبشي جنس واحد ، ولحم العصافير جنس واحد.
واما السمك فكل ما اختص منه باسم فهو جنس واحد.
وكل جنس مما ذكرنا من اللحوم فإنه يجوز بيعه بجنس آخر مثلا بمثل ومتفاضلا رطبين كانا ، أو يابسين ، أو كان أحدهما رطبا والأخر يابسا.
ص: 372
فاما بيع بعض جنس الواحد ببعض الأخر منه فيجوز مثلا بمثل.
ويجوز بيع المطبوخ بعضه ببعض ، وكذلك ما كان مشويا.
ويجوز بيع المشوي بالمطبوخ ، والمطبوخ بالني (1) ، والني بالمشوي.
ولا يجوز بيع اللحم بالحيوان إذا كان الجنس واحدا ، مثل ان باع شاة بلحم شاة ، أو بقرة بلحم بقرة ، أو جملا بلحم جمل أو لحم جمل (2) بلحم شاة أو لحم شاة بلحم غنم وهكذا جميع ما يجرى هذا المجرى لأنه لا يؤمن الربا فيه.
ويجوز بيع دجاجة فيها بيض ببيض ، وبيع سمكة حية بلحم بقرة أو شاة ، أو ما أشبه ذلك.
كل عقد انعقد في نخل من بيع أو إجارة أو نكاح أو مخالعة أو مصالحة وكان النخل قد أبر (3) فإن الثمرة تكون للمالك الأول دون الذي انتقل ملك النخل اليه وان لم يكن ابره كانت الثمرة للذي انتقل ملك النخل اليه دون المالك.
فان انتقل ملك النخل من غير عقد معاوضة ومثاله ان يبتاع الإنسان من غيره نخلة حائلا (4) فتطلع في ملك المشترى ثم تفلس (5) بالثمن ويرجع البائع بالنخلة فليس له الرجوع عليه بالطلع.
وإذا طلعت النخلة في يد زوجة رجل وطلقها قبل الدخول بها رجع إليها بنصف النخلة دون الطلع.
ص: 373
فان رهن إنسان نخلة (1) قبل التأبير لم يدخل الطلع في الرهن لان عقد الرهن لم يتناول الطلع ، وانما يتناول غيره ومن وهب نخلة مطلعة قبل تأبيرها ، وسلمها لم يدخل الطلع في الهبة.
وان وهب نخلة حائلة وكان ممن له الرجوع في هذه الهبة ، واطلعت في يد الموهوب له ورجع الواهب فيها لم يكن له الرجوع في الطلع لأنه حصل في يد الموهوب له.
والنخل إذا كان في بستان وفيه ما قد أبر وفيه ما لم يؤبر وباع المؤبر لإنسان ، والثاني لغير ذلك الإنسان ، كانت ثمرة المؤبر للبائع ، وثمرة ما لم يؤبر للمشتري.
فإذا طلع نخل البستان وأبر منه نخلة واحدة فليس يصير الباقي بذلك في معنى المؤبر ، فإن باع هذه النخلة المؤبرة ، كانت ثمرتها للبائع ، فإن باع غير المؤبرة كانت ثمرتها للمشتري ، ولم يتعد حكم المؤبر الى ما لم يؤبر.
وإذا تشقق طلع النخلة وظهرت الثمرة بالرياح الواقح ، وهو ان يكون فحول النخلة في جهة الصبا في وقت الايار (2) فان الإناث تتأبر بذلك (3).
وإذا باع نخلة من الفحول مطلعة كان طلعها للبائع دون المشترى سواء تشقق أو لم يتشقق.
واعلم ان القطن يختلف ففيه ما يكون له أصل يبقى سنين يحمل في كل سنة ، وذلك يكون بأرض الحجاز والبصرة ، وفيه ما لا يكون كذلك ، فاذا باع إنسان شيئا مما ذكرنا أن أصله يكون ثابتا وكانت جوزقة (4) قد خرجت وتشققت كان القطن للبائع
ص: 374
الا ان يشترط المبتاع ذلك لنفسه ، فان لم يكن جوزقة خرجت ، أو خرجت ولم تتشقق فإنه يكون للمشتري.
واما يكون من القطن زرعا وهو الذي لا يكون له أصل ثابت مثل ما يكون منه بخراسان والعراق وغير ذلك من البلدان المخالفة للحجاز والبصرة ، فإنه إذا باع الأرض وفيها شي ء من هذا القطن وكان زرعا أو جوزقا لم يشد فهو للبائع الا ان يشترطه ، وان كان قد قوى وتشقق وظهر القطن كان للبائع أيضا الا ان يشترطه المشترى فيكون له ، وان كان جوزقا قد قوى واشتد ولم يتشقق ولم يظهر القطن كان للبائع. وكانت الأرض للمشتري. فإن شرط المشترى ان يكون القطن له كان هذا الشرط باطلا.
وكذلك إذا باع أرضا وفيها حنطة قد أخرجت سنابل واشتدت وشرط السنابل للمشتري كان هذا الشرط في الحنطة باطلا ، وغير باطل فيما عداه (1) من الأرض.
فأما ما يخالف النخل والقطن من الأشجار الثابتة التي تحمل في كل سنة ، فمنها ما يخرج ثمرته في غير ورود وأكمام ، وفيها ما يخرج في ذلك ، فاما الأول فهو مثل التين والعنب فان باع إنسان أصل شي ء من ذلك وكانت الثمرة قد خرجت فهي للبائع الا ان يشترطها المشتري فإنها تكون للمشتري فيكون له بالشرط فان كانت لم تخرج وقد خرج في ملك المشترى فإنها تكون للمشتري دون البائع.
فاما ما يخرج ثمرته في ورد ، فان كان باع شيئا من أصول ذلك وقد خرج الورد وتناثر وظهرت الثمرة كانت للبائع الا ان يشترطها المشترى. فان لم يتناثر وردها ولم تظهر الثمرة ولا بعضها فهي للمشتري. واما ما يخرج في كمام مثل الجوز وغيره مما دونه قشر يستره إذا ظهرت ثمرته ، فإن الثمرة للبائع الا ان يشترطها المشتري.
فأما ما يكون وردا بغير ثمرة مثل شجر الياسمن والنسترن والبنفسج والورد والنرجس وما جرى مجرى ذلك مما يبقى أصله في الأرض ويحمل حملا بعد حمل فإنه إذا باع شيئا من أصله وكان ورده قد تفتح كان للبائع ، وان لم يكن قد تفتح فهو للمشتري.
ص: 375
وإذا باع شيئا من شجر التوت وكان ورقه قد خرج فهو للمشتري ولا شي ء للبائع لأن الورق يجرى مجرى الأغصان.
ومن باع أرضا وكان فيها زرع له عروق يبقى ، ويجز مرة بعد مرة ، نظر فيه فان كان مجزوزا كان للمشتري وما ينبت (1) في ملكه ، وان لم يكن مجزوزا وكان ظاهرا كانت الجزة الأولى للبائع والثانية للمشتري لأنها نبتت في ملكه.
وإذا عطشت أصول الشجرة كان للمشتري سقيها ومؤنة السقي عليه ولا يجوز للبائع لهذه الشجرة منعه من ذلك.
فان عطشت الثمرة على ملك البائع كان له سقيها ، ومؤنة السقي عليه دون المشترى وليس للمشتري منعه من ذلك.
فان كان سقي الأصول يضر بالثمرة ، أو سقى الثمرة يضر بالأصول ووقعت المشاحة بينهما في ذلك ، فسخ العقد بينهما وقد ذكر ان الممتنع من ذلك يجبر عليه.
ومن باع أرضا وفيها شجر وبناء وقال للمشتري بعتك هذه الأرض بحقوقها دخل البناء والشجر في البيع. وان لم يقل بحقوقها لم يدخل ذلك في البيع.
وقولنا « بستان » بالإطلاق اسم للأرض والشجر ، فان قال بعتك هذا البستان دخل في ذلك الشجر مع الأرض.
وقولنا « قرية » اسم يقع على البيوت دون مزارعها. فان قال بعتك هذه القرية بحقوقها لم يدخل المزارع في البيع إلا بالتسمية مثل ان يقول : ومزارعها ، فان لم يقل ذلك لم يدخل المزارع في البيع.
فان كان في بيوت القرية شجر وقال بعتك هذه القرية بحقوقها دخلت الأشجار التي من البيوت في البيع لأنها من حقوق القرية.
ص: 376
وقولنا « دار » اسم للأرض والبنيان ، فمن باع دارا قال بعتك هذه الدار بحقوقها وكان فيها شجر ، كان الشجر داخلا في البيع لان الشجر من حقوقها.
فاما البنيان فيدخل في البيع جميع ما كان من الحيطان والسقوف والدرج المعقودة والأبواب المنصوبة.
وما كان فيها من سلم ينقل من مكان الى آخر لم يدخل في البيع وان كان مسمرا (1) دخل فيه.
وإذا كان فيها خوابي (2) مدفونة دخلت في البيع لأنها تجري مجرى الخزائن
فإن كان فيها من الحجارة أو الأجر أو اللبن ما هو مدفون ويخرج للبناء لم يدخل في البيع ، والأغلاق والمفاتيح والبئر وما فيها من الحجر والأجر (3) يدخلا في البيع
والبئر والماء الذي فيها مملوكان الا ان هذا الماء وان كان مملوكا فإنه لا يصح بيعه ، وإذا لم يصح بيعه لم يدخل في البيع وان كان مملوكا.
والمياه التي تجري في الأنهار مثل النيل والفرات والدجلة وما جرى مجرى ذلك غير مملوكة ولا يصح بيع شي ء منها الا بالحيازة فإذا حاز الإنسان منها شيئا جاز وصح بيعه ، واما قبل الحيازة فلا يصح ذلك وهكذا الحكم فيما يجرى منها الى ملك الإنسان في انه لا يملكه إلا بالحيازة.
وما كان من معادن الذهب ، أو الفضة أو ما جرى مجرى ذلك فان الجامد من اجزاء الأرض المملوكة ، مملوك ويصح بيعه معها ، والنخل إذا لم يؤبر وباع مالكه منه شيئا فقد قلنا فيما تقدم ان ثمرته للمشتري ، فإن هلكت هذه في يد البائع قبل التسليم كان المشترى مخيرا بين فسخ البيع لهلاك المبيع وبين إمضائه في الأصول
ص: 377
بجميع الثمن أو بجنسه (1).
وإذا باع السيد عبده وقطعت يد العبد قبل تسليمه وقبض المشترى له ، كان المشترى مخيرا بين فسخ البيع لنقصان المبيع وبين إمضائه بجميع الثمن لان الثمن لا يصح انقسامه على هذه الأطراف.
وإذا باع إنسان أرضا وفيها زرع ظاهر بيعا مطلقا وكان الزرع مما يحصد مرة واحدة مثل الحنطة والشعير وما جرى مجرى ذلك فقد ذكرنا ان الزرع يكون للبائع ، فإذا كان كذلك فله ان يبقيه في الأرض إلى أو ان الحصاد ، ولا يلزمه اجرة المثل للمشتري ، فإن حصده قصيلا (2) وأراد ان ينتفع بالأرض الى أو ان الحصاد لم يكن له ذلك.
فان كان له فيها زرع من غير الحنطة وحصده في أوان الحصاد وكان له عروق يضر بقائها بالأرض ، وجب عليه نقلها ، فان نقلها وصارت الأرض بذلك حفرا وجب عليه إصلاحها وتعديلها ، وان لم يبق له عروق يضر بها لم يلزمه ذلك.
ومن باع دارا وله فيها رحل أو متاع أو قماش وجب عليه نقله منها وتفريغها له من ذلك ، فان كان فيها ما لا يخرج من بابها مثل الخابية والحب وما أشبه ذلك فإنه يجب عليه هدم الباب وإخراجه وبناء الباب كما كان ، ولا يلزم المشترى في ذلك شي ء. فان غصب غيره بهيمة صغيرا أو فصيلا (3) وادخله داره وبقي فيها حتى كبر وطلبه مالكه ولم يخرج من بابها وجب عليه هدم الباب وإخراجه ، ولم يلزم مالك البهيمة ولا الفصيل في ذلك شي ء لأنه متعد.
فان لم يكن البيع مطلقا أو باع الأرض مع الزرع وكان الزرع لم يسنبل ، ويشتد ، فهما في المبيع سواء ، والشرط في ذلك صحيح ، ويكون الأرض والزرع جميعا للمشتري.
ص: 378
وان كان الزرع قد سنبل واشتد الحب جاز بيعه منفردا.
وإذا كان الزرع مما لا يحصد مرة واحدة ، بل هو مما يحصد مرة بعد اخرى مثل الكرفس (1) والهندباء (2) والنعناع وما أشبه ذلك من البقول وكان قد جز جزة اولى ، كانت العروق داخلة في بيع الأرض لأنها من حقوقها ، وان كانت لم تجز الجزة الأولى كانت هذه الجزة للبائع ، والباقي للمشتري. وإذا كانت الجزة الأولى للبائع وجب عليه جزها في وقت البيع ، وليس له تركها الى ان يبلغ أو ان الجزاز لان ذلك يؤدى الى اختلاط حق البائع بحق المشتري لأن الزيادة التي تحصل للمشتري تنبت مع أصوله التي ملكها بالبيع.
فان باع أرضا قد غرس فيها غرسا ، أو بذر فيها بذرا لما يبقى أصوله حملا بعد حمل - مثل نوى الشجر وبذر القت ، (3) وما جرى مجرى ذلك مما يجز دفعة بعد اخرى كان ذلك داخلا في البيع لأنه من حقوقه.
فان باع الأرض بيعا مطلقا وفيها بذر لما يحصد مرة واحدة مثل الحنطة والشعير لم يدخل ذلك في البيع وإذا لم يدخل في البيع وكان المشترى عالما بهذا البذر ، كان البيع ماضيا عليه ولم يكن له خيار فيه لأنه قد رضي بضرره ، ووجب عليه تركه الى وقت الحصاد ، وإذا لم يكن عالما به كان مخيرا بين فسخ البيع وبين إمضائه بجميع الثمن لان النقص الذي في الأرض - بترك الزرع الى أو ان الحصاد - ليس مما يتقسط الثمن عليه ، وانما هو عيب محض فله الخيار فيما ذكرناه.
وان شرط البائع نقل ذلك في مدة يسيرة لم يكن للمشتري خيار في ذلك لزوال العيب بهذا النقل.
وان لم يبع الأرض بيعا صحيحا مطلقا وباعها مع البذر كان البيع صحيحا.
ص: 379
* * *
بيع الثمرة على ضربين ، اما ان يكون بيعا لسنة واحدة ، أو سنتين فصاعدا ، فان كان لسنة واحدة فهو على ثلاثة أضرب ، اما ان يكون لما بدا صلاحه ، أو لما بدا صلاح بعضه ، أو لما لم يبد صلاح شي ء منه جملة ، فإن كان لما بدا (1) بعضه أيضا كان البيع صحيحا ، وان كان لما لم يبد صلاح شي ء منه جملة فاما ان يكون المبيع يضم مع الثمرة غيرها من الخضر من تلك الأرض أو غيرها ، أو لا يكون يضم مع ذلك شي ء ، فان كان يضم معها غيرها كان البيع صحيحا فان كان لم يضم مع ذلك شيئا كان البيع فاسدا.
وان كان البيع لسنتين أو أكثر فهو على ثلاثة أضرب اما ان يكون بدا صلاح ذلك ، أو بدا صلاح بعضه ، أو لم يبد صلاح شي ء منه وعلى الثلاثة الأضرب يكون البيع صحيحا. بخلاف البيع في السنة الواحدة لأنها إن خاست (2) في سنة زكت في الأخرى على الأكثر في مجرى العادة.
وحد بدو صلاح الثمرة في النخل احمرار (3) البسر ، أو تغيره وفي الفاكهة انعقادها بعد شموط (4) وردها عنه.
ص: 380
وفي الكرم (1) انعقاد الحصرم ، وفي البطيخ حصول النضج فيه. وفي القثاء والخيار ان ينتهي كبر بعضه.
وان كانت الثمار مختلفة أو غير مختلفة وهي في بستان واحد وبدا صلاح بعضها يصح بيع الجميع. وان كانت أجناسا مختلفة.
وإذا كانت في بساتين وظهر صلاحها في البستان الواحد ولم يظهر في الأخر لم يصح بيع شي ء من ثمار البستان الذي لم يبد صلاح شي ء من ثمرته ، ولا يضم مع ثمار البستان الأخر لأن لكل بستان حكم نفسه.
والأرض إذا كان فيها أصول القثاء والبطيخ والخيار والباذنجان وقد حملت وباع شيئا من ذلك فعلى ضربين اما ان يكون باع الحمل الظاهر منفردا أو يكون باعه مع الأصول ، وان كان باع الحمل الظاهر دون الأصول وكان قبل بدو صلاحه لم يجز بيعه الا بشرط القطع فاما مطلقا ، أو بشرط التبقية الى أو ان اللقاط والبلوغ فلا يصح ، فان كان قد بدا صلاحه جاز بيعه بشرط القطع والتبقية الى أو ان اللقاط والبلوغ ويجوز أيضا بيعه مطلقا من غير شرط.
وإذا كان قد اشتراه ولقطه فقد استوفى حقه ، فان تركه حتى اختلط بحمل حادث بعده وكان الحملان يتميزان ، كان الأول للمشتري والثاني للبائع. وان لم يكن ذلك متميزا قيل للبائع : سلم الجميع إلى المشترى ، فان فعل أجبر المشترى على قبوله ومضى البيع لأنه زيادة ، وان امتنع البائع من ذلك وفسخ البائع (2) من ذلك فسخ البيع.
وإذا باع إنسان ثمرة بستان واستثنى من ذلك نخلات معينة ، أو أرطالا معلومة كان البيع صحيحا وان استثنى ما لم يعينه لم يصح البيع : فان قال للمشتري : بعتك هذه الصبرة إلا مكوكا (3) كان البيع صحيحا لان ذلك معلوم وان قال بعتك هذا
ص: 381
الثوب بدينار الا درهما لم يصح البيع لان الدرهم ليس من جنس الدينار ولا معلوم كم هو منه في حال انعقاد البيع فان قال بعتك هذه الثمرة بأربعة الاف الا (1) ما يخص ألفا منها كان البيع صحيحا ، ويكون المبيع منها نصفها وربعها لأن الذي يخص ألفا منها ربعها.
وان قال بعتكها بأربعة الاف الا ما يساوي ألفا منها بسعر اليوم لم يصح ذلك ، لان ما يساوي ألف درهم من الثمرة لا يعلم قدره فيكون مجهولا.
فان باع ثمرتها على رؤس النخل بعد بدو الصلاح بشرط القطع ولم يقطعها وأصابتها جائحة (2) نظر فيها ، فان كان قبل التسليم فان هلك الجميع بطل البيع ووجب على البائع رد الثمن على المشترى ، فان هلك البعض انفسخ البيع في الهالك دون الباقي ويأخذ بحصته من الثمرة.
وان كانت الهلاكة بعد التسليم لم ينفسخ البيع.
وإذا باع شاة واستثنى جلدها أو رأسها أو كارعها (3) في سفر كان أو حضر لم يصح البيع وان فعل ذلك كان له مقدار الجلد والرأس وما يستثنيه من أطرافها.
وإذا هلك المبيع قبل القبض وكان ثمرة مجذوذة مقطوعة على الأرض - فإن القبض فيها ، النقل لأنها مما ينقل ويحول - فان فيها الأربعة الأقسام التي سلف ذكرها.
وان كانت على رؤس الشجرة - والقبض فيها التخلية بينها وبين المشتري - فإذا هلك قبل ذلك ، فيها أيضا الأربعة الأقسام السالف ذكرها وان كان هلاكه بعد التخلية قبل الحصاد كانت من مال المشتري لأن بالتخلية تكون مقبوضة وهلاك المبيع بعد القبض غير مؤثر في صحة البيع بغير خلاف في ذلك.
وان كان المبيع غير ثمرة بل مثل الحيوان ، أو العقار والعروض وما جرى
ص: 382
مجرى ذلك فهلاكه لا يخلو من ان يكون بأمر سماوي أو بإهلاك البائع ، أو أجنبي ، أو المشترى.
فان كان سماويا انفسخ البيع لأن الإقباض فيه غير متمكن ، فان كان المشترى قد سلم الثمن إلى البائع وجب رده عليه وان لم يكن سلمه إليه فقد برء منه ولم يلزمه منه شي ء على كل حال.
وان كان البائع أهلكه انفسخ البيع أيضا لمثل ما قدمناه من ان الإقباض فيه غير ممكن.
وان كان الأجنبي أهلكه كان المشترى مخيرا بين فسخه واسترجاع الثمن ان كان قد سلمه وبين إمضاء البيع والرجوع عليه بالقيمة ، لأن الأجنبي يصح الرجوع بذلك عليه.
فان كان المشتري أهلكه لم ينفسخ البيع وكان ماضيا ولازما له ويكون إهلاكه كذلك بمنزلة قبضه له.
ولا يجوز بيع المحاقلة - وهو بيع السنابل التي قد انعقد الحب فيها واشتد ، بحب من ذلك السنبل وقد ورد في بعض الاخبار جواز بيعه بحب من جنسه (1) والأحوط ما ذكرناه لأنه ان بيع بحب من جنسه كان مؤديا إلى الربا وذلك باطل.
ولا يجوز بيع المزابنة وهو بيع الثمرة على رؤس الشجر بثمر منه ، وقد ذكر جواز بيعه بثمر موضوع على الأرض ، والأحوط ما ذكرناه لمثل ما تقدم ذكره في السنبل من كونه مؤديا إلى الربا.
وإذا تبايع اثنان بطيخا أو قثاء مجموعا فقال أحدهما للآخر : عد بطيخك
ص: 383
أو قثائك المجموع فان نقص عن مأة كان على تمامه ، وان زاد فهو لي ، أو قال له : اطحن حنطتك هذا فما زاد على كذا ، فلي وما نقص كان على تمامه لم يجز ذلك وكان باطلا.
وإذا قال له : أنا أضمن لك صبرتك هذه بخمسين صاعا فما زاد على ذلك فلي ، وما نقص فعلى إتمامها ، لم يجز ذلك.
ويجوز بيع العرايا بخرصها تمرا ، والعرايا جمع عرية وهي النخلة تكون للرجل في بستان غيره يشق عليه الدخول إليها فإن كان له نخل متفرق ، في كل بستان منه نخلة جاز بيعها واحدة واحدة بخرصهما تمرا سواء بلغ الأوساق أو لم يبلغ ، فان كان له نخلتان عليهما ثمرة فخرصاهما تمرا ، فان كانا عريتين صح بيعهما وان لم يكونا عريتين لم يجز ذلك.
ولا يجوز بيع الرطب في رؤس النخل خرصا برطب على الأرض كيلا لأنه من المزابنة.
والتقابض قبل التفرق من شرط صحة البيع لان ما فيه الربا لا يجوز التفرق فيه قبل التقابض.
والقبض في التمر الموضوع على الأرض ، النقل ، وفي الرطب التخلية بين المشترى وبينه كما قدمناه ، و (1) من شرطه ان يحضره التمر موضع النخل ، لان المتبائعين إذا تعاقدا وخلي البائع بين الثمرة وبين المشترى ، جاز ان يمضيا الى موضع التمر ويستوفي لأن التفرق انما هو بالبدن وذلك لا يحصل (2) إذا انتقلا جميعا من مجلس البيع الى مكان أخر ، وبالجملة : فإن المراعى شرطان أحدهما المماثلة من طريق الخرص ، والأخر التقابض قبل التفرق بالبدن. والعرية لا تكون إلا في النخل دون غيرها من الشجر.
ص: 384
ومن باع غيره صبرة من طعام بصبرة من جنسها وكانا قد اكتالا ذلك ، وعرفا تساويهما في المقدار كان البيع جائزا وان جهلا تساويهما ولم يشترطا التساوي لم يجز ذلك لان ما يجرى فيه الربا ، لا يجوز بيعه (1) ببعض جزافا.
ولو قال : بعتك هذه الصبرة بهذه الصبرة كيلا بكيل سواء بسواء فقال المشترى اشتريت ، فإنهما يكالان ، فان كانا متساويين كان البيع صحيحا ، وان كان أحدهما أكثر من الأخر كان البيع فاسدا لأنه ربا.
فان كانت الصبرتان من جنسين مختلفين فان لم يشترطا كيلا بكيل سواء بسواء كان البيع صحيحا لان الجنسين المختلفين يجوز التفاضل فيهما ، فان شرطا كيلا بكيل ، وخرجا متساويين في ذلك كان البيع جائزا ، وان خرجت الواحدة أكثر من الأخرى وتبرع صاحب الصبرة الزائدة ، بالزيادة كان جائزا ، وان لم يتبرع صاحب الصبرة بذلك ورضي صاحب الصبرة الناقصة بأخذها بقدرها من الصبرة الزائدة ، كان البيع أيضا جائزا ، وان لم يتبرع صاحب الزيادة بها ولا رضي المشترى بأخذ الأخرى (2) وتمانعا في ذلك كان البيع مفسوخا ، ولم يكن فسخه لأجل الربا لكن لان كل واحد منهما باع صبرته بجميع صبرة الأخر (3) على انهما متساويان في المقدار فاذا تفاضلا وتمانعا كان فسخ البيع بينهما هو الواجب.
من اشترى طعاما وأراد بيعه قبل القبض ، لم يجز ذلك. فاما ما عدا الطعام من الأموال فإنه يجوز بيعه قبل القبض.
فاما بيان كيفية القبض : فهو ان كان المبيع من الدنانير والدراهم والجواهر وما جرى مجرى ذلك مما ينقل ويحول ويتناول باليد ، فقبضه هو التناول.
ص: 385
وان كان من الأرضين والعقارات وما جرى مجرى ذلك مما لا ينقل ولا يحول فقبضه التخلية بينه وبين المشترى ، وان كان من الحيوان كالعبيد والمماليك فقبضهم ان يقيمهم من مكانهم الى موضع آخر.
وان كان من البهائم فقبضه منه ان يمشى به من موضعه الى موضع أخر فإن كان اشتراه جزافا ، فقبضه نقله من موضعه فان كان اشتراه مكائلة فقبضه ان يكيله.
فاما القبض الصحيح فعلى وجهين : أحدهما ان يسلم المبيع باختيار ، فيصح قبضه. والأخر ان يكون الثمن حالا أو مؤجلا. فإن قبضه المشترى من غير اختيار البائع لم يصح القبض ، وكان البائع مطالبا برد المبيع الى يده ، لان له حبس الحق والتوثق به حتى يستوفي الثمن.
فإما إجارته قبل القبض فإنه يصح الا فيما لا يصح بيعه قبل القبض ، لأن الإجارة ضرب من البيوع.
وكذا الكتابة يصح أيضا فيها لأنها ضرب من البيع الا فيما استثناه.
واما الرهن فيصح على كل حال لأنه ملكه فيصح منه التصرف. ويجوز تزويج الأمة قبل قبضها أيضا ، ويكون وطأ المشتري (1) ، أو الزوج قبضا صحيحا.
واما الصداق فيجوز من المرأة المستحقة له بيعه قبل قبضه. وكذلك يجوز للرجل بيع مال المخالعة قبل القبض أيضا.
واما الثمن فاذا كان معينا ، جاز بيعه قبل قبضه ، وكذلك ان كان في الذمة. فاما ان كان صرفا فليس يجوز بيعه قبل القبض.
فاذا ورث إنسان طعاما ، أو وصى له به ، ومات الموصى وقبل الوصية ، أو اغتنمه ، أو تعين عليه ملكه ، فإنه يجوز بيعه قبل قبضه.
فإن أسلم في طعام معلوم واستسلف من أخر مثله ، فلما حل الطعام عليه قال لمن أسلم إليه : احضر لي عند من أسلمت إليه فإن لي قفيزا من الطعام حل عليه حتى أكتاله
ص: 386
لك فإنه يجوز ان يكتاله لنفسه ويقبضه إياه بكيله إذا شاهده.
وان امره أن يكال له عن ذلك الغير ووكله فيه فاذا قبضه احتسب به عنه ، كان جائزا.
فإن أسلم في طعام وباعه من أخر ، لم يصح ذلك الا ان يجعله وكيله في قبضه وإذا قبض عنه كان القبض حينئذ قبضا فان اكتال هو لنفسه منه ووثق به ذلك الغير الذي له عليه ، كان جائزا.
وان قال له : امض اليه واكتل لنفسك ، لم يكن صحيحا لأنه يكون باع طعاما قبل ان يكتاله ، ويحتاج ان يرد من أخذه على صاحبه ثم يكتاله اما عن الذي أمره بقبضه ، أو يكتاله الآمر فيصح له قبضه منه اما بكيل مجدد ، أو يصدقه فيه ، فان كاله الآمر ثم كاله المشترى منه كان صحيحا والأول (1) أحوط إذا حل على إنسان طعام لعقد السلم فدفع الى المسلم دراهم وقال له : خذها بدل الطعام لم يصح ذلك لان بيع المسلم قبل قبضه لا يصح سواء ، باعه من المسلم اليه ، أو من أجنبي بغير خلاف.
فان دفع اليه الدراهم وقال له : اشتر الطعام بها لنفسك لم يصح أيضا لأن الدراهم باقية على ملك المسلم فلا يصح ان يبتاع بها لنفسه طعاما.
فان ابتاع الطعام وكان ابتياعه له بعينها لم يصح البيع ، وان كان ابتياعه في الذمة ، ملك الطعام وضمن الدراهم التي عليه لأنها مضمونة عليه فيكون للمسلم إليه في ذمته دراهم ، وعليه له الطعام الذي كان له في ذمته.
وان قال له : اشتر لي الطعام ثم أقبضه لنفسك صح الابتياع ، لأنه وكله في ابتياع الطعام ، وإذا قبضه لنفسه فهل يصح أم لا فهو على ما تقدم ذكره في المسئلة المتقدمة.
وإذا قال : اشتر لي بها طعاما وأقبضه لي ثم أقبضه لنفسك من نفسك لم يجز قبضه من نفسه لنفسه ، لأنه لا يجوز ان يكون وكيلا لغيره في قبض حق نفسه من نفسه.
وإذا كان للإنسان قفيز من الطعام على غيره مسلما ، والذي عليه هذا الطعام له على غيره طعام قرضا ، فأحاله على من له عليه من جهة القرض كان جائزا.
ص: 387
فان كان الطعام الذي له (1) قرضا والذي عليه (2) سلما جاز أيضا ، فإن كان هذان الطعامان سلمين لم يجز ذلك لان بيع السلم (3) قبل القبض لا يجوز بغير خلاف.
وان كان هذان الطعامان قرضين كان جائزا بغير خلاف أيضا ومن كان له على إنسان طعام بكيل معين منه فقبضه من غير كيل ، كان هذا القبض فاسدا ، فان قال الإنسان الذي عليه هذا الطعام : قد كلته وهو كذا وكذا وذكر قفيزة معلومة فقبل صاحب الحق قوله صح القبض.
فان كاله بعد ذلك فوجده ناقصا عن حقه كان له مطالبته بإتمامه ، وان كان أكثر من حقه ، أعاد الزيادة اليه ، وان كان قد استهلكه ، كان القول قوله مع يمينه في مقداره.
فان باع الطعام - الذي قبضه من غير كيل - مضى البيع فيما تحقق انه حقه ، ولم يمض في الزيادة ، وان كان أقل من حقه أو هو حقه كان البيع صحيحا.
ومن كان له على غيره طعاما قرضا فدفع اليه طعاما من جنسه كان جائزا.
فإن كان الذي دفعه اليه من غير جنسه ، فاما ان يكون ما دفعه اليه طعاما مثل الأرز والذرة وما جرى مجرى ذلك ، واما ان يكون من غير هذا الطعام مثل الدنانير أو الدراهم ، أو غيرهما من العروض أو الحيوان ، فان كان طعاما مثل الأرز والذرة وما جرى مجرى ذلك فاما ان يكون في الذمة أو عينا ، فان كان في الذمة وعينه قبل التفرق وقبضه ، كان جائزا.
وان فارقه قبل القبض وتعيينه لم يجز لأنه يكون حينئذ بيع دين بدين وقد نهى (4)
ص: 388
عن بيع الكالي بالكالي (1) وهو الدين بالدين ، وان كان مثل الدنانير والدراهم وغيرهما من العروض أو الحيوان ، كان جائزا.
فإن كان في الذمة ثم قبضه جاز في المجلس ، فان كان في الذمة وفارقه قبل القبض ، لم يجز لأنه يكون بيع دين بدين ، وان كان معينا ثم فارقه قبل القبض ، كان جائزا وجرى مجرى بيع طعام ضمن في الذمة ، ويفترق قبل القبض فإنه يصح.
ومن كان له في ذمة غيره طعام فباع منه طعاما معينا ليقبضه من الطعام الذي له في ذمته لم يصح ، لأنه شرط ان يقبض الدين الذي في ذمته من هذا الطعام بعينه وهذا غير لازم له ، ولا يجوز ان يجب عليه.
وإذا كان كذلك كان الشرط فاسدا وفسد البيع لان الشرط إذا كان فاسدا واقترن بالبيع فسد البيع. وقد ذكر جواز ذلك ، والأحوط ما ذكرناه.
وان اشترى إنسان من غيره نخلة حائلة ، وتركها في يد البائع حتى أبرت ، كانت الثمرة للمشتري. فإن هلكت الثمرة في يد البائع وسلمت الأصول لم يجب عليه ضمان في هلاكها.
وان هلكت النخيل دون الثمرة انفسخ البيع ، وسقط الثمن عن المشترى ، وكانت الثمرة له ، لأنه ملكها بغير عوض.
وهكذا إذا كان المبيع في يد البائع واستفاد مالا ، أو وجد كنزا ، أو لقطة ، أو وهب له ، أو اوصى له بشي ء (2) فان ذلك كله للمشتري. ومن ابتاع شقصا من أرض أو دار بمملوك وقبض الشقص ولم يسلم المملوك كان للشفيع (3) أن يأخذ منه بقيمة المملوك ، وان قبض وهلك المملوك في يده بطل البيع ولم تبطل الشفعة في الشقص ، ووجب عليه ان يدفع الى البائع قيمة الشقص حين قبضه ووجب على الشفيع للمشتري
ص: 389
قيمة المملوك حين وقع البيع عليه لان ثمن الشقص إذا كان لا مثل له ، وجبت قيمته حين البيع.
ومن ابتاع من غيره عبدا بثوب وقبض العبد ولم يسلم الثوب ، وباع العبد صح بيعه لأنه قبضه وانتقل ضمانه اليه وان اشترى (1) العبد وتسلمه (2) ثم هلك الثوب الذي في يد البائع (3) انفسخ البيع (4) ولزمه قيمة العبد لبائعه لأنه غير قادر على رده بعينه فهو بمنزلة المستهلك.
فان اشترى العبد ولم يسلمه البائع حتى هلك العبد والثوب جميعا في يده لم يصح واحد من البيعين وبطلا جميعا. فاذا اشترى إنسان من غيره صبرة من طعام فوجدها مصبوبة على نشو (5) من الأرض ، أو ربوة (6) أو صخرة ، أو دكة كان البيع باطلا لان بيع ما يكال أو يوزن جزافا لا يصح.
ومن أقرض غيره بمصر طعاما ثم اجتمعا بمكة وطالبه المقرض بالطعام لم يلزمه دفعه اليه ، ولا ان يجبره الحاكم على ذلك لان قيمته تختلف.
فان طالبه المقترض بقبضه لم يجبر المقرض أيضا على ذلك لأنه يلزمه في حمله مؤنة.
فإن تراضيا على ذلك كان جائزا ، وان طالبه المقرض بقيمة الطعام ، جاز ذلك وصح ان يجبر على دفعها اليه.
ومن غصب من غيره طعاما وأتلفه كان الحكم فيه مثل ما ذكرنا.
ص: 390
فإن أسلم إلى غيره كان الحكم فيه أيضا مثل ذلك القرض (1) لان بيع المسلم فيه قبل قبضه لا يجوز.
ومن كان له على غيره طعام فباعه طعاما بخمسة دراهم على ان يقبضه الطعام الذي له عليه أجود منه ، لم يجز ذلك ، لان الجودة بانفرادها لا يجوز ان يكون ثمنا.
وان قضاه أجود منه ليبيعه طعاما بخمسة دراهم لم يجز أيضا.
إذا باع طعاما بخمسة دراهم مؤجل وحل الأجل فأخذ بها (2) طعاما مثل ما أعطاه كان جائزا ، وان أخذ أكثر من ذلك لم يجز.
المصراة هي الناقة ، أو البقرة ، أو الشاة يجمع لبنها في ضرعها يوما ، أو أكثر من ذلك. فاذا عرضت للبيع رآها من يريد ابتياعه كبيرة الضرع يوما ، فظن انها تحلب في كل يوم مثل ما هو في ضرعها من اللبن ، فاذا حلبت نقص لبنها ورجعت الى عادتها فقد دلس بجمع اللبن في ضرعها على من يريد ابتياعها ، وذلك لا يجوز.
وانما سمى بهذا الاسم لجمع اللبن في ضرعها ، ولا فرق في تناول ذلك بما ذكرناه بين ناقة أو بقرة أو شاة ، فأما ما عدا ذلك من الحيوان فمختلف فيه ، وليس في صحة أجرته عليه دليل فيقال به. ومدة الخيار في بيع ذلك ثلاثة أيام كسائر الحيوان
فمن ابتاع مصراة وهو عالم بالتصرية لم يكن له خيار في ردها ، فان ابتاعها وهو غير عالم بذلك من حالها فدر لبنها وصار لبن العادة بتغيير المرعى ثم علم بأنها كانت وقت البيع مصراة ، وأراد ردها لم يكن له ذلك لان العيب قد زال عنها.
فان حلبها ورضي بها ثم وجد بها عيبا جاز له الرد بالعيب لا بالتصرية.
وإذا ابتاعها وأراد ردها وكان قد حلبها ردها مع صاع من تمر أو صاع من بر
ص: 391
فان كان لبنها باقيا وأراد رده معها ، لم يجبر البائع لها على أخذه ، فان لم يرض بأخذ اللبن كان له الصاع الذي ذكرناه من التمر ، أو البر. فان لم يجد ذلك كان عليه القيمة ولو بلغت فيه القيمة قيمة الشاة.
وإذا اشتراها غير مصراة ثم حلبها يوما ، أو أكثر منه ووجد بها عيبا وأراد ردها وكانت وقت ابتياعها محلوبة ليس في ضرعها لبن ، كان له ردها ، وكان ما في ضرعها من اللبن له ، ولم يلزمه شي ء لان ذلك حدث في ملكه ، وان كانت وقت ابتياعها غير محلوبة وفي ضرعها لبن فان استهلك لم يكن له الرد لان بعض المبيع قد هلك ولم يكن له المطالبة بالأرش ، وان كان قائماً لم يستهلك كان له الرد.
لا يجوز لأحد ان يبع غيره شيئا معيبا حتى يبين العيب للمشتري ، ويطلعه عليه وقد ذكرنا في كتابنا « الكامل » انه إذا تبرأ البائع إلى المشترى من جميع العيوب لم يكن له الرد ، فكان ذلك كافيا ومغنيا عن ذكر العيوب على التفصيل ، والذي ذكرناه هاهنا من تبيين العيب للمشتري واطلاعه عليه على التفصيل أحوط والذي ينبغي ان يكون العمل عليه.
وعلى هذا إذا باع إنسان غيره سلعة أو بهيمة وقال له : برأت إليك من جميع العيوب لم يبرأ من ذلك حتى يخبر بالعيب الذي تبرأ منه ، ولا تصح البراءة من عيب غير معلوم للمشتري.
والتبري من العيب انما يكون عند عقد البيع ، وما كان قبل ذلك فان علم المشترى بالعيب ثم اشترى وأحدث في المبيع حدثا لزمه البيع ، و (1) ان لم يحدث شيئا ثم وجد به عيبا لم يخبر به البائع كان مخيرا بين الرضا به وبين رده واسترجاع الثمن ان كان قد قبضه.
ص: 392
فان اختلفا فقال البائع للمشتري : هذا العيب حدث عندك وقال المشترى للبائع : لم يحدث عندي بل بعتنيه معيبا ولم يكن لواحد منهما بينة كان على البائع اليمين بأنه باعه سالما. فان حلف لم يكن للمشتري عليه سبيل. وان لم يحلف كان الدرك عليه في ذلك.
ومن اشترى جارية ووطأها ووجد بها عيبا لزمته وله قيمة العيب ، وكذلك الحكم لو زوجها. فان كان لها زوج عند البائع وأقره المشترى على النكاح ، ووطأها زوجها عند المشترى كان له ردها بالعيب ، وان كانت بكرا ولم يكن دخل بها عند البائع ودخل بها عند المشترى ثم وجد بها عيبا لم يكن له ردها.
فان اشترى بهيمة حائلا ثم حملت عند المشترى وولدت ، ووجد بها عيبا - كان عند البائع - لم يكن له ردها ، وكان له أرش العيب فان ابتاعها حاملا ثم ولدت ووجد بها عيبا - كان عند البائع - فله ردها ويرد الولد معها لان الولد له قسطا من الثمن.
فان اشترى جارية ووطأها ثم بان له فيها بعد وطئه لها عيب لم يكن له ردها وكان له الأرش سواء كان ثيبا ، أو بكرا فان غصب جارية وافتضها ، كان عليه ما نقص من قيمتها.
إذا عفى الشفيع عند الشفعة بعوض يشترط على المشترى كان جائزا ، وقد ذكر انه لا يملك العوض وان قبضه ، والاولى ما قلناه لأن الشفعة حق الشفيع وإذا عفى عن حقه وأسقطه سقط.
وإذا اشترى اثنان مملوكا صفقة واحدة ، ووجدا به عيبا كانا مخيرين بين رده وبين إمساكه ، فإن أراد أحدهما رده وأراد الأخر إمساكه ، لم يكن للذي أراد الرد ان يرده حتى يتفقا. فان كان أحدهما اشترى نصفه بعقد ، واشترى الأخر النصف الأخر بعقد ، ووجدا به عيبا كان لكل واحد منهما رد نصيبه بالعيب بغير خلاف.
فان ابتاع عبدين صفقة واحدة ووجد فيهما عيبا وأراد الرد ، ردهما جميعا ، وليس له رد المعيب وإمساك الصحيح.
وإذا قال رجل لرجلين : بعتكما هذا العبد ، فقال الواحد منهما قبلت نصفه
ص: 393
بنصف ما قال من الثمن لم ينعقد البيع لأنه ليس مطابقا لا يجابه ، فان قال : بعتكما هذين العبدين بألف فقبل (1) أحد العبدين بخمس مأة لم يجز بغير خلاف وفي الناس من خالف في المسئلة الاولى ، والفرق بينهما انه إذا قال بعتكما هذين العبدين فإنما أوجب لكل واحد منها نصف كل واحد من العبدين ، وإذا قبل أحد العبدين فقد قبل ما لم يوجبه وبثمن لا يقتضيه إيجابه لأن الثمن ينقسم على قدر قيمة العبدين ، ولا يقابل بنصف الثمن أحدهما (2).
فإن قال قبلت نصف كل واحد منهما بنصف الثمن كان مثل المسئلة الأولى فإن قال قبلت نصف أحد العبدين بحصة من الثمن لم يصح أيضا لأن حصته مجهولة
وإذا قال واحد لاثنين : بعتكما هذين العبدين بألف درهم ، هذا العبد منك وهذا العبد منك فقبله أحدهما بخمس مأة لم يصح لأنه قبله بالثمن الذي لم يوجب لأن الألف مقسومة على قدر القيمتين لأعلى عددهما إجماعا.
وان قال لرجل : بعتك هذين بألف درهم فقال قبلت البيع صح وان جهل ما يقابل كل واحد من العبدين من الألف لأن ذلك صفقة واحدة والثمن معلوم في الجملة فإن باعهما لاثنين كان ذلك صفقتين ويجب ان يكون الثمن معلوما في كل واحد منهما.
فان قال : بعتكما هذين العبدين هذا العبد منك بخمس مأة وهذا الأخر منك بخمس مأة كان البيع صحيحا لان الثمن على كل واحد منهما قد حصل معلوما ، فان قال : بعتك هذين العبدين بألف فقال : قبلت نصفي هذين العبدين بخمس مأة لم يصح ذلك لمثل ما قدمناه.
وإذا وكل اثنان إنسانا في ابتياع عبد فاشتراه من رجل وكان هذا المشترى قد بين للبائع انه يشترى العبد لموكليه ، صح الشراء لهما ، وانتقل الملك إليهما ولم يجز
ص: 394
للواحد منهما رد نصيبه منه كما قدمناه في الاثنين إذا ابتاعا عبدا.
وان كان اشترى العبد مطلقا ولم يبين للبائع ما ذكرناه ووجد به عيبا وأراد واحد منهما رد نصيبه ، لم يجز له ذلك بغير خلاف لان الظاهر انه اشتراه له صفقة واحدة ، وقوله لا يقبل بعد البيع بأنه اشتراه لهما.
وإذا ابتاع إنسان جارية جعدة (1) فخرجت سبطة كان له الرد إذا اختار ذلك فاذا ابتاعها سبطة وخرجت جعدة لم يكن له الرد لأنها خير مما شرط ، وقد ذكر انه له الرد لأنها خلاف ما شرط والأول أقوى لما ذكرناه.
وان اشتراها وقد بيض وجهها بطلاء (2) ثم أسمر ، أو أحمر خدها بالكلكون ثم اصفر ، كان مخيرا بين ردها وإمساكها.
فإن أسلم في جارية سبطة فسلم اليه جعدة فعلى ما قدمناه. وإذا اشترى جارية ولم يشترط انها بكرا وثيب فخرجت ثيبا أو بكرا لم يكن له خيار ، (3) وكان له الأرش
ومن ابتاع عبدا مطلقا فخرج مسلما ، أو كافرا لم يكن له خيار ، لأنه لم يشترط واحدا من الأمرين ، فإن شرط كونه مسلما فخرج كافرا كان له الخيار لأنه بخلاف ما شرط.
وان شرط كافرا فخرج مسلما لم يكن له خيار ، وقال بعض الناس له الخيار لأنه بخلاف ما شرط.
والذي ذكرناه أصح لقول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : الإسلام يعلو ولا يعلى عليه.
فان ابتاع عبدا مطلقا فخرج فحلا (4) لم يكن له خيار ، وان خرج خصيا كان له الخيار لان مطلق العبد يتضمن سلامة الأعضاء ، وان شرط كونه خصيا فخرج فحلا
ص: 395
كان له الخيار فان خرج العبد مخنثا كان له الخيار ، وكذلك له الخيار إذا خرج آبقا ، أو سارقا.
وإذا اشترى عبدا وجارية مطلقا فخرجا غير مختونين لم يكن له خيار ، فان شرط كونهما مختونين فلم يكونا كذلك كان له الخيار. فان اشترى عبدا أو جارية فظهر بهما جذام أو برص أو جنون ، كان مخيرا في الرد إلى سنة.
ومن اشترى من غيره وباعه ثم وجد به عيبا فان كان عالما بالعيب قبل بيعه ، كان ذلك رضي منه بالعيب لأنه تصرف فيه ، والعلقة فيه بينه وبين من ابتاعه منه منقطعة لا سبيل له عليه بوجه من الوجوه ، وان كان المشتري الثاني علم بالعيب ورده عليه لم يكن له رده على الذي اشتراه فان حدث عنده عيب ورجع بأرش المعيب عليه ، لم يكن له رجوع على بائعه بأرش العيب لأنه قد رضي به.
فان كان لم يعلم بالعيب الا بعد بيعه له ، لم يكن له رده لان ملكه قد زال ولم يجب له الأرش أيضا لأنه لم ييأس من الرد (1) على البائع.
فإن كان كذلك لم يخل المشتري الثاني من ان يرده بالعيب على المشترى الأول ، أو يجد من عنده عيب ويرجع بأرشه على المشترى الأول فإن رده ، رده هذا أيضا (2) على الذي ابتاعه منه ويسترجع منه الثمن ، وان رجع عليه بأرش العيب رجع هذا على بائعه بأرش العيب ، وان رضي بالعيب سقط رده والرجوع بأرش.
واما المشتري الأول فإنه لا يرجع بأرش العيب إجماعا (3) ثم لا يخلو المبيع من ان يرجع الى المشتري الأول بإرث أو بيع أو هبة أو لا يرجع اليه بذلك بل يعرض فيه ما يسقط الرد بالعيب فان رجع إليه بأحد الوجوه التي ذكرناه كان له الرد على بائعه. فإن عرض ما يسقط الرد وهو ان يهلك في يد المشتري الثاني أو يحدث به
ص: 396
عيب ، أو يعتقه ان كان مملوكا ، أو يوقفه ان كان مما يصح ان يوقف ، فإنه يرجع بأرش العيب لأنه آيس من الرد ، هذا إذا باعه.
فاما ان وهبه ثم علم بالعيب فليس له الرجوع (1) لأنه مما لم ييأس من الرد لأنه يمكن رجوعه فيه فيرده على بائعه.
وإذا ابتاع إنسان من غيره عبدا ، فأبق منه ، فان كان الإباق كان به قبل البيع فهو عيب يوجب الرد الا ان يكون المشترى لا يمكنه رد العبد ما دام آبقا ، وليس له الرجوع أيضا مع هذه الحال بأرش العيب لأنه لم ييأس من الرد ، فان رجع الآبق رده على بائعه. وان لم يرجع وهلك في الإباق كان له الرجوع عليه بأرش العيب. وإذا لم يكن الإباق ثابتا قبل البيع فهو حادث عند المشترى فلا يجب له الرد ، ولا الرجوع بالأرش.
وان اشترى عبدا ثم وجد به عيبا مثل برص ، أو جذام أو غير ذلك ثم أبق العبد قبل ان يرده ، فان كان الإباق عند البائع فرده غير ممكن في الحال ، ولا يرجع بأرش العيب ، وان كان الإباق حادثا فقد حدث به عيب عنده فلا يجوز له رده ، وله ان يرجع بأرش العيب في الحال.
ومن اشترى شيئا وقبضه ثم وجد به عيبا كان عند البائع ، وحدث به عنده عيب أخر ، لم يجز له الرد الا برضاء البائع ، فإن رضي ورده لم يكن له مطالبته بالأرش.
فإن ابتاع عبدا وأعتقه أو قتله أو مات حتف أنفه أو وقف ثم وجد به عيبا كان له الرجوع بأرش العيب على البائع وكذلك الحكم إذا ابتاع طعاما فأكله ثم علم انه كان به عيب في ان له الرجوع بالأرش. وكذلك الحكم إذا ابتاع ثوبا فصبغه ، أو قطعه ثم وجد به عيبا فان له الرجوع بالأرش.
فإن اشترى دابة ، أو ثوبا فركب الدابة. أو لبس الثوب بعد علمه بالعيب لزمه فان ركب الدابة لسقيها أو ليردها لم يلزمه على ذلك الركوب شي ء.
ص: 397
وإذا اشترى إنسان جارية وولدت عنده ، أو وطأها وباعها ولم يعلم الذي اشتراه منه بذلك ، لم يكن عيبا الا ان تنقصها الولادة أو الوطأ. ومن ابتاع نعلين ، أو زوجي خف ، أو مصراعي باب ثم وجد بأحدهما عيبا ، فله ردهما جميعا ، لأنهما يجريان مجرى الشي ء الواحد ، وليس له رد المعيب منهما وإمساك ما لا عيب فيه منهما.
فان كان قد باع السالم من العيب لم يكن له رد الباقي ، ولا الرجوع بشي ء من الأرش.
وكذلك إذا اشترى كرين (1) من طعام ، أو سائر ما يتساوى.
وإذا ابتاع عبدا ورده على بائعه بعيب من غير حكم الحاكم لم يكن له رده على الأول لأن ذلك بمنزلة الصلح.
ومن اشترى ناقة أو بقرة أو شاة فحلبها وشرب لبنها لم يكن له ردها بعيب يظهر فيها وله الأرش إلا بالتصرية وقد تقدم ذكرها. فان اشترى عبدا فوجده مخنثا أو كافرا أو سارقا كان ذلك عيبا وله الرد به ، فان وجده ولد الزنا ، أو شارب خمر لم يكن ذلك عيبا يوجب ردا ولا غيره. فان اشترى جارية فوجدها زانية كانت ذلك عيبا ، وله ان يردها بذلك.
وإذا اشترى جارية ، أو عبدا ووجد بأحدهما من الثآليل (2) ما ينقص الثمن كان ذلك عيبا ، وان كان لا ينقص الثمن فليس بعيب.
والأدرة (3) عيب والسمط والبخر والعشا (4) والسن السوداء والسن الساقطة والضرس الساقط كل ذلك عيب.
ص: 398
والظفر الأسود القبيح إذا كان ينقص الثمن عيب ، وكذلك القرن وكل ما ينقص من الرقيق فهو عيب ، والسلع (1) والفتق عيب ، والكي (2) والقروح والقرع (3) والفحج والقدم (4) عيوب كلها ، وكذلك الشتر (5) في الرقيق والحول والخرس والظفر والشعرة في العين والجرب (6) فيها وفي غيرها من الجسم ، والماء في العين والسبل (7) والاستحاضة والسعال القديم ، وكل ما ينقص الايمان من العيوب ، والعيوب التي في الدواب والإبل والبقر والغنم تجري مجرى العيوب التي في الرقيق ، والحبل في الجارية عيب. وليس كذلك في البهائم وعيوب البهائم مثل الخنف (8) والصدف(9) والصكك (10) والشدق(11) والحدس(12) والجرد والنطح والزوائد
ص: 399
والمشش (1) والقمع والجمع والخرق ومنع السرج واللجام ، وحل الرسن وبل (2) المخلاة والقعاص (3) والانتشار (4) ، وما يعرفه النخاسون (5) عيبا زائدة على ما ذكرناه وينقص من أثمان البهائم ، فإن اشترى جارية محرمة لم يكن ذلك عيبا لان له ان يحللها. فان اشترى عبدا وعليه دين لم يعلم به ثم علم كان له رده الا ان يقضى عنه بائعه الدين.
وإذا ابتاع عبدا وقطع عنده طرف من بعض أطرافه وظهر له فيه عيب - كان عند البائع - سقط حكم الرد وكان له الأرش.
وإذا اشترى إنسان بيضا أو جوزا ، أو بطيخا ، أو ما جرى مجرى ذلك من الفواكه فوجد جميعه فاسدا وقد كسره ، كان له رده ، وأخذ جميع الثمن ، ولم يكن للبائع مطالبة المشتري برد ذلك كما كان لأنه سلطه على ذلك فان اشترى عبدا قد حل دمه لقصاص أو ردة وهو غير عالم بذلك فقتل عند المشترى كان له الرجوع على البائع بجميع الثمن.
وإذا اشترى إنسان من غيره إبريق فضة بمأة درهم فوزنه بمأة درهم فظهر به عيب ثم حدث به عنده عيب آخر لم يجز له رده لحدوث العيب عنده ، ولم يجز له أيضا الرجوع بالأرش لأنه ينقص الثمن عند وزنه فيصير ربا (6) وإسقاط حكم العيب لا يجوز ، وإذا كان كذلك فقد ذكر ان البيع ينفسخ ، ويغرم المشتري قيمة الإبريق
ص: 400
من الذهب (1) ، ولا يجوز رده على البائع لحدوث العيب عنده ، ويكون جاريا مجرى التالف ، وذكر أيضا ان البيع ينفسخ ورد الإبريق على البائع مع أرش النقصان الذي حصل في يد المبتاع ، ويكون ذلك جاريا مجرى المأخوذ على طريق السوم وإذا حدث النقص فيه فإنه يجب رده مع أرش النقصان وان كان الإبريق تالفا فسخ البيع ، ورد قيمته من الذهب وتلفه غير مانع من فسخ البيع.
وإذا اختلف المتبائعان في العيب وكان مما يمكن حدوثه عند البائع وعند المشترى ، كان على المشترى البينة ، فان لم يكن بينة كان القول قول البائع مع يمينه لأن الأصل السلامة ، من العيب ، والأصل لزوم العقد ، والمشترى يدعي حدوث العيب في يد البائع ، ويدعى ما يفسخ البيع به فيكون البينة عليه. وان كان العيب مما لا يجوز ان يكون حادثا في يد المشترى مثل ان يكون إصبعا زائدة ، أو قطع إصبع قد اندمل موضعه وقد ابتاعه من يومه أو من أمسه (2) ولا يكون الجراحة تبرأ في مثله فيكون القول قول المشترى من غير يمين ، فان كانت الجراحة طرية وقد اشتراه من سنة ولا يجوز ان تكون الجراحة من سنة فان القول قول البائع من غير يمين.
وإذا ابتاع ثوبا فنشرة فظهر له فيه عيب وكان النشر لا ينقصه من الثمن كان له رده بالعيب ، وان كان ينقصه مثل ما ينطوى على طاقين ويلتصق أحدهما بالآخر فيكسره بالنشر فيه الأرش ولا يجوز رده بالعيب.
وإذا جنى العبد جناية توجب القصاص وباعه سيده من غير اذن المجني عليه كان البيع باطلا ، وان كانت الجناية توجب الأرش كان البيع صحيحا إذا تطوع السيد بالتزام أمر الجناية فإن كان العبد مرهونا وجنى العبد بيع في الجناية فإن كانت موجبة للأرش يبطل الرهن وينتقل ما على الرهن إلى الذمة وإذا بطل بيعه في القصاص على ما ذكرناه فإنه يرد ، ويسترجع الثمن ويصير الحكومة بين سيده وبين المجني عليه
ص: 401
وان كانت الجناية عمدا توجب القصاص اقتص منه وقد استوفى حقه ، وان عفى على مال ، أو كانت الجناية توجب مالا كان المال متعلقا برقبة العبد ، ويكون السيد مخيرا بين ان يسلمه وان يفديه من ماله ، فإن سلمه فبيع وكان الثمن مثل أرش الجناية دفع الى المجني عليه ، وان كان أقل منه لم يلزم سيده غيره لان الأرش لم يثبت في ذمة السيد ولا يتعلق بماله ، ولو كان أكثر من الأرش كان الفاضل مردود الى السيد ، وان أراد يفديه فان كانت الجناية أقل من قيمته لزمه أرش الجناية ، وان كانت أكثر من رقبته لم يلزمه الزائد على ذلك.
فان غصب غيره عبدا فجنى العبد في يد الغاصب جناية توجب قصاصا ، ثم رد الغاصب العبد على سيده فقتل قصاصا كان لسيده الرجوع بقيمة العبد على الغاصب لأنه قتل بجناية حدثت في يده.
وإذا ابتاع جارية حاملا ولم يعلم بذلك وكان بها عيب فماتت في الطلق (1) كان له الرجوع بأرش العيب على البائع لأنها ماتت من آلام الطلق وهي حادثة في يد المشترى.
والعبد إذا كان مرتدا فقتل بردته رجع على البائع لأنه قتل بردة كانت عند البائع هذا إذا كان غير عالم بالخيار بعد الشراء ، فان كان عالما قبل الشراء لم يكن له رده لان ذلك رضا منه.
وإذا ابتاع عبدا وقد استحق قطع يده - في يد البائع - كان ، بالخيار ، ان شاء رده وفسخ البيع لان القطع وجب في ملكه ، فان علم بذلك قبل الشراء لم يكن له الرجوع على البائع بشي ء لأنه رضا بالعيب.
والعبد لا يملك شيئا فإن ملكه سيده مالا لم يملك رقبته وانما يملك التصرف فيه فان باعه وله مال والسيد عالم به كان المال للمشتري وان لم يكن عالما به كان المال للسيد.
ص: 402
فان شرط المشترى ان يكون المال له كان له ، فان لم يشترط ذلك كان للسيد.
وإذا ابتاع إنسان عبدا له مال بشرط ان يكون المال للمبتاع فقبضه وظهر به عيب فان كان علم بالعيب بعد ان حدث به عنده نقص وعيب لم يكن له الرد وكان له الأرش الذي يرجع به هاهنا وهو ان يقوم عبد ذو مال لا عيب فيه وعبد ذو مال به العيب الأول (1)
« تم كتاب المكاسب »
ص: 403
إذا أقر الحر البالغ الكامل العقل الذي ليس بمولى عليه ، المطلق التصرف على نفسه بشي ء ، كان إقراره ماضيا وحكم عليه به فان لم يكن مطلق التصرف كالمحجور عليه فنحن نبين حكمه : ان أقر وهو محجور عليه لسفه بمال لم يصح وان أقر بحد صح وان أقر بخلع أو طلاق صح
وان كان محجورا عليه للرق وأقر على نفسه بشي ء كان حكمه حكم المحجور عليه للسفه إلا في موضع واحد وهو ان إقرار العبد لازم له في ذمته ، فإذا أعتق صحت مطالبته بما أقر به فإن أقر بحد لم يقبل إقراره به ، لأن في ذلك إتلاف مال الغير الذي هو مولاه.
وان كان محجورا عليه لتفليس كان إقراره مقبولا عليه على كل حال
وان كان محجورا عليه لمرض كان إقراره مقبولا على ما نبينه في موضعه في ما بعد بمشيئة اللّه تعالى فهذه جملة القول في من كان تصرفه غير مطلق
وإذا أقر إنسان لغيره بشي ء إقرارا مصرحا غير مبهم مثل ان يقول « له على مأة دينار أو مأة درهم أو دينار أو درهم أو ما أشبه ذلك » كان إقراره بذلك صحيحا وحكم عليه للمقر له بما أقر له به
ص: 404
فإن أقربه إقرارا مبهما مثل ان يقول : « له على (1) شي ء » كان إقراره أيضا بذلك صحيحا ثم يرجع في تفسير الذي أقربه إليه دون المقر له. فان فسره بما يصح تملكه ويتمول في العادة مثل دينار أو درهم أو أقل من ذلك أو أكثر أو بجنس غير ذلك مما يتمول ، كان تفسيره مقبولا فان صدقه المقر له على تفسيره وجب عليه الخروج اليه منه ، وان كذبه وكان تكذيبه له في الجنس مثل ان يكون المقر قد فسر ما أقربه بثوب أو كتاب أو درهم أو دراهم فيقول المقر له : « لي عليه دنانير » فإذا جرى الأمر بينهما على هذا بطل إقرار المقر بالثياب أو الدراهم لأنه يكون قد أقر بما لم يدعه عليه خصمه وهو مدع للدنانير عليه فيكون القول قوله مع يمينه فان حلف سقطت الدعوى وان نكل ردت اليمين على المدعى فإذا حلف استحق ما ادعاه
وان كان تكذيبه له في المقدار مثل ان يفسر بدرهم فيقول المقر له : « لي عليه درهمان أو أكثر من ذلك » فيكون مدعيا لما زاد على الدرهم ، فاذا كان ذلك كان القول قول المقر مع يمينه فاذا حلف سقطت دعوى خصمه وان لم يحلف ردت اليمين على المقر له ، فاذا حلف وجب له ما ادعاه.
فان فسر المقر إقراره بما لا يتملك مثل الخمر أو لحم الخنزير أو ما أشبه ذلك لم يقبل منه هذا التفسير لأنه مما لا يتملك ولا ينتفع به ، ولفظ الإقرار لفظ الالتزام والخمر وما أشبهه غير لازم لأحد
وإذا أقر إنسان لغيره فقال : « له على مال » قبل إقراره ورجع إليه في التفسير لذلك فان فسره بقليل من المال أو كثير سمع منه ذلك وان فسره بجلد ميتة أو سرجين أو ما جرى مجرى ذلك لم يلتفت الى هذا التفسير ولم يقبل منه شي ء من ذلك ، لأنه لا يسمى مالا ولا يجرى مجرى ذلك الإقرار بشي ء لان الشي ء يتناول المال وغيره والمال اسم لما يتمول دون ما لا يتمول.
فإن أقر لغيره فقال : « له على مال كثير » حكم عليه بثمانين فان قال : « له على
ص: 405
مال خطير أو عظيم أو ما جرى مجرى ذلك » لم يكن لذلك مقدار يقال به فأي شي ء فسره به قبل ذلك منه.
فان قال : « له على مال أكثر من مال زيد » لزمه مثل مال زيد » ويرجع إليه في تفسير الزائد على ذلك فما فسره به قبل ذلك منه قليلا كان أو كثيرا وإذا أقر بأنه غصب زيدا شيئا وفسره بما يتمول ، لزمه ذلك وان فسره بما لا يتمول ، لم يقبل ذلك منه.
فإن أقر بمأة وخمسين درهما لزمه ، لان قوله « درهما » يميز العددين جميعا (1)
فان قال : « له على الف دينار أو درهم أو ما أشبه ذلك » لزمه القيام بما أقربه. فإن قال : « له على الف (2) ودينار » وجب عليه دينار ورجع إليه في تفسير الألف فبأي شي ء فسره سمع ذلك منه وهكذا الحكم سواء إذا قال : « له على الف ودرهم أو ألف وثوب أو ألف ودابة ، أو ألف ودور ، أو ألف وعبد ، وما أشبه ذلك »
وإذا (3) حملنا الاستثناء على حقيقته وأقر بأن لزيد عنده مأة درهم الا درهما ، كان صحيحا ويكون مقرا بتسعة وتسعين درهما ويلزمه ذلك فان استثنى مجهولا من معلوم مثل ان يقول : « له عندي مأة درهم الا ثوبا » أو يقول : « له عندي مأة دينار الا سيفا » فإنه تلزم المائة درهم أو المائة دينار وعليه تفسير الثوب والسيف بالقيمة فإن قوم ذلك بما يبقى بعده من المائة شي ء قبل ذلك منه وان قومه بما يستغرق المائة لم يقبل منه ذلك ، لأنه يكون كمن أقر بشي ء واستثنى جميعه وذلك لا يصح
ص: 406
فان استثنى مرتين وعطف الثاني على الأول بواو العطف فإنهما يكونان جميعا من الجملة الأولى المستثنى منها وان لم يعطف الثاني على الأول بواو العطف كان الاستثناء الثاني عائدا الى ما يليه من الاستثناء. فاما ما يكون بينهما واو العطف فمثل ان يقول : « له على عشرة إلا ثلاثة والا اثنين » فيكون ذلك استثناء الخمسة من العشرة ، فان لم يعطف الثاني على الأول فمثل ان يقول « له على عشرة الا خمسة إلا اثنين » فإنه يكون استثناء الاثنين من الخمسة فبقي ثلاثة فيكون قد استثنى ثلاثة من العشرة فيلزمه سبعة.
فإذا أقر فقال : « لزيد هذه الدار الا هذا البيت منها » كان ذلك استثناء البيت وكذلك استثناء الفص من الخاتم ، وذلك صحيح فان قال : هذه الدار لزيد وهذا البيت منها لي » أو قال : « هذا الخاتم له والفص منه لي » فإن ذلك يكون بمنزلة الاستثناء ، لأنه في معناه وأوضح منه لأنه صرح بمعنى الاستثناء هذا إذا وصل الاستثناء.
فاما ان فصل بينهما بسكتة طويلة فإن الاستثناء لا يصح ويكون جميع الدار والخاتم مع فصه للمقر له.
وإذا قال : « له على مأة الا درهمين » كان مقرا بثمانية وتسعين درهما. فان قال : « عندي مأة الا درهمان » كان مقرا بمأة ، لان المعنى عندي مأة غير درهمين. وهكذا لو قال : « له على مأة مثل درهمين » جاز ان يكون المعنى المائة مثل درهمين. وهكذا « له على مأة مثل ألف » كان عليه ألف لأن غيرا نقض (1) مثلا.
وإذا قلت : « ماله عندي مأة الا درهمين » وأردت أن تقر بما بعد الا ، رفعته لأنك إذا قلت : ماله عندي مأة الا درهمان ، فإنما رفعت درهمين بان جعلته بدلا من مأة فكأنك قلت : « ما له عندي إلا درهمان ». وإذا نصبت فقلت : « ما له عندي مأة الا درهمين » فما أقررت بشي ء لان « عندي » لم ترفع شيئا فثبت له عندك ، وكأنك
ص: 407
قلت ماله عندي ثمانية وتسعون درهما.
وإذا قال : « له ثوب في منديل » أو قال : « له عندي تمر في جراب (1) أو حنطة في غرارة (2) ، أو عسل في مكة » (3) أو ما أشبه ذلك ، لم يلزمه الا اليقين وهو الثوب أو التمر أو الحنطة أو العسل فاما المنديل أو الجراب أو الغرارة أو العكة فلا يلزمه شي ء من ذلك لما قلناه من انه لما يلزمه (4) اليقين ، ويطرح الشك لأن الأصل براءة الذمة.
وإذا قال : « له عندي عبد عليه عمامة دخلت العمامة في الإقرار. ولو قال : له عندي دابة عليها سرج » لم يدخل السرج في الإقرار ، والفرق بين ذلك ان يد العبد تثبت على ما هو عليه فيكون لسيده المقر له ، والدابة لا يثبت لها يد على ما عليها فلا يكون ما عليها لصاحبها إلا بالإقرار ، وقوله عليها سرج ليس إقرارا بالسرج.
ومن كان صحيحا من المرض وأقر بدين أخر ، نظر في ماله ، فان كان فيه وفاء بجميع الدينين استوفى منه (5) ، وان لم يكن فيه وفاء لجميعهما قسم الحاصل منه على قدر الدينين.
وإذا كان لرجل جارية ولها ولد ، فأقر بان ذلك الولد ، ولده منها كان إقراره صحيحا بين كيفية الاستيلاء منها أو لم يبين ذلك.
وإذا أقر الإنسان لحمل بدين في ذمته أو غيره في يده وبين لذلك سببا صحيحا
ص: 408
مثل ان يقول : « لحمل هذه المرية على دين من جهة وصية أو ميراث » كان إقراره صحيحا. وان بين له سببا غير صحيح ، فغير صحيح مثل ان يقول : « له ذلك على من جناية جنيتها عليه من قلع عين أو ما جرى مجراها ، أو « هو له على من معاملته » كان ذلك باطلا.
فإن أطلق الإقرار ولم يبين شيئا مما ذكرناه كان صحيحا فان بينه بعد ذلك بشي ء مما ذكرناه فالقول فيه على ما تقدم. وان كان حكم الإقرار للحمل صحيحا على ما قدمناه فيجب ان ينظر فيه ، فان انفصل من حين الإقرار حيا لأقل من ستة أشهر كان الإقرار صحيحا ، لان وجوده حين الإقرار كان متيقنا ، فصح بذلك انه إقرار لموجود وان انفصل لأكثر من تسعة أشهر لم يصح الإقرار لأنا نتيقن بذلك انه لم يكن موجودا والإقرار انما يصح لموجود فاما المعدوم فلا يصح الإقرار له. فان انفصل لستة أشهر وأكثر وتسعة أشهر وأقل نظر في حال المرية فإن كان لها زوج يطؤها أو مولى كان الإقرار باطلا ، لأنه يجوز ان يكون حدث بعد الإقرار له فلا يلزمه الإقرار وإذا احتمل لم يلزمه شي ء بالشك. وان لم يكن لها زوج يطؤها ولا مولى كان الإقرار صحيحا لأنا نعلم بذلك ان الولد من ذلك الوقت.
ثم ينظر في الحمل فان كان واحدا وانفصل حيا فالاقرار له صحيح كما قدمناه وان كان اثنين أحدهما ذكر والأخر أنثى وكان الإقرار عن وصية تساويا في قسمته بينهما وان كان عن ميراث كان للذكر مثل حظ الأنثيين وان كان الحمل الذكرين أو الأنثيين كان ذلك بينهما بالسوية. فإن كان ذكرا وأنثى ولدي أم (1) كان بينهما أيضا بالسوية لأن كلالة الأم تساوى في الميراث. وهذا الحكم في الحمل إذا انفصل حيا ، فان انفصل ميتا كان الإقرار له باطلا لأنه انما يكون له حكم إذا انفصل حيا ، فان انفصل ميتا فإنه يكون في معنى المعدوم وذلك مما لا يصح الإقرار له.
ص: 409
وإذا كان عند إنسان عشرة من العبيد فأقر لغيره بهم فقال : « هؤلاء العبيد لزيد الا واحدا » كان الإقرار صحيحا ويرجع في تبين الواحد إليه. فإن بين التسعة المقر بهم كان كافيا في بيان الواحد ، وان بين الواحد كان كافيا في ذلك لأنه إذا بين أحد الوجهين وعينه تبين الأخر وتعين. فاذا اختلفا في الواحد فكذب المقر له للمقر كان القول قول المقر مع يمينه ، لأنه اعلم بما أقربه وبما استثناه ، ولأنه أيضا في يده.
وإذا أقر إنسان بغصب فقال : ( غصبت هذه الدار من زيد وملكها لعمرو ) لزمه الإقرار وكان عليه تسليم الدار الى زيد الذي أقرانه غصبه إياها ، لأنه أقر له باليد وقد تكون في يده بإجارة أو رهن. فاما إقراره بأنها ملك لعمرو فلا يصح الإقرار بما هو في يد غيره ، ويجرى ذلك مجرى قوله : « الدار التي في يد فلان لفلان » فان ذلك لا يصح وشهادته بذلك لا يقبل ، لأنه غاصب ، وإذا كان كذلك وجب عليه تسليم الدار الى زيد وتكون الخصومة فيها بين زيد وبين عمرو الذي أقر بأنها ملكه ، وليس على هذا الغاصب ضمان في الدار لعمرو بإقراره بأنها ملكه ، لأنه ما أقر له بشي ء ثم حال بينه وبينه وانما أقر لواحد منهما باليد وللآخر بالملك ، وقد يجوز ان يكون في يد أحدهما بإجارة أو رهن كما قدمناه ويكون ملكا للآخر.
وإذا قال إنسان : « هذه الدار لزيد ، لإبل لعمر » أو قال : « غصبتها من زيد لإبل من عمرو » فإن إقراره بها للأول لازم وعليه غرامتها للثاني ، لأنه حال بينه وبين ما أقربه له ويجرى ذلك مجرى ان يتلف له ما لا ثم يقر به لغيره في لزوم غرامته له.
وإذا كان العبد مأذونا له في التجارة وأقر بما يوجب حقا على سيده (1) لم يقبل إقراره وان أقر بما يوجب مالا وكان ذلك لا تعلق له بما اذن له فيه من التجارة مثل ان يقول : « أهلكت مال زيد » أو « غصبته مالا » لم يقبل إقراره بذلك.
ص: 410
فان قال : « اقترضت منه مالا » كان ذلك في ذمته الى ان يعتق ويطالب به. وان كان إقراره بما يتعلق بمال التجارة مثل أرش المعيب أو ثمن مبيع أو ما جرى مجرى ذلك فإن إقراره بذلك مقبول ، لان المالك لشي ء يملك الإقرار به فان كان الإقرار بقدر ما في يده من مال التجارة قبل وقضى منه ، وان كان أكثر من ذلك كان الفاضل (1) في يده يطالب به إذا أعتق.
وإذا قال رجل : « لزيد عندي ألف درهم وديعة شرط على ضمانها » ثبت إقراره بالوديعة ولم يجب عليه ضمانها (2).
وإذا قال : « لزيد على الف درهم في ذمتي » ثم جاء بألف وقال : « كان الألف الذي أقررت به لك وديعة عندي وهذا بدلها » كان ذلك جائزا لأنه يجوز ان يكون قد هلكت بتفريط منه فاحضرا العوض عنها.
وإذا قال زيد لعمرو : لك على الف درهم » ثم قال : « كانت لك عندي وديعة وكان عندي انها باقية فأقررت بها لك فاذا بها تالفة في ذلك الوقت (3) لم يقبل ذلك منه ، لأنه تكذيب إقراره بعده ، ولو ادعى هلاكها بعد الإقرار قبل منه لأنه ما فسره إقرار بوديعة ولم يكذب إقراره وانما ادعى هلاك ما أقربه بعد ثبوته بإقراره.
فإذا كان في يد إنسان عبد فأقر انه لزيد وصدقه العبد وعلى ذلك صح إقرار السيد ولم يصح إقرار العبد ، لان يد السيد ثابتة على العبد لأنه يملكه ويد العبد غير ثابتة على نفسه لأنه لا يملكها ، ولأن إقرار العبد أيضا إقرار بمال السيد عليه وانما يقبل إقراره في الجنايات التي تتعلق برقبته أو إتلاف المال فان كذب (4) السيد في إقراره فالصحيح ان العبد ينعتق ، لأن الذي كان في يده أقر بأنه ليس له والذي أقر له به
ص: 411
أنكره وإقرار العبد لم يصح فلم يثبت (1) عليه لأحد ملك فينبغي ان ينعتق كما قدمناه
وإذا التقط إنسان لقيطا ورباه ثم أقر الملتقط بأنه عبد لزيد لم يقبل إقراره ، لأن الظاهر في اللقيط الحرية.
وإذا ادعى إنسان على غيره انه مملوكه وأنكر العبد ذلك كان القول قول المدعى عليه مع يمينه لان الظاهر من الحال ، الحرية. فان لم ينكر دعواه وأقر بما ادعاه من الرق ثم ادعى انه أعتقه وأنكر سيده ذلك كان القول قول السيد. لأن الأصل هي نفى العتق.
وإذا أقر فقال : « لزيد عندي درهم ودرهم » لزمه درهمان وكذلك لو قال : « لزيد عندي درهم ودرهم ودرهم » لزمه ثلاثة دراهم ، وكذلك إذا عطف درهما على درهم بلفظ « ثم » فان قال : « له عندي درهم فدرهم » لزمه درهمان ، لان الفاء من حروف العطف فهي وان أفادت التعقيب فليس له هاهنا فائدة.
وإذا أقر فقال : « لفلان عندي قفيز لإبل قفيزان » لزمه قفيزان وكذلك لو قال : « درهم لإبل درهمان » لان « بل » للإضراب عن الأول والاقتصار على الثاني. فإن قال : درهم لإبل أكثر منه لزمه درهم وزيادة عليه فان قال « له على قفيز حنطة لإبل قفيز شعير » لزمه قفيز حنطة وقفيز شعير لأنه أقر بجنس آخر فلا يقبل منه النفي للأول.
وإذا قال إنسان يوم الخميس : « لزيد على درهم » ثم قال يوم الجمعة : « له على درهم » وجب عليه درهم واحد ويرجع في التفسير إليه. فإن قال يوم الخميس : « لزيد على درهم من ثمن مملوك » وقال يوم الجمعة : « له على درهم من ثمن ثوب » وجب عليه درهمان ، لان ثمن المملوك غير ثمن الثوب وكذلك الحكم في كل إقرارين أضيف كل واحد منهما الى سبب غير السبب الذي يضاف الأخر اليه.
وإذا قال : « لزيد على درهم لإبل درهم » وجب عليه درهم واحد ، لأنه أمسك ليستدرك ولم يذكر فليس عليه غير ذلك. ولو قال : « لزيد على عشرة لا بل تسعة »
ص: 412
وجب عليه عشرة لأنه نفى درهما من العشرة على غير وجه الاستثناء فلم يقبل منه ولا يجرى ذلك مجرى قوله : « له على عشرة إلا درهم » في انه يقبل ذلك منه ، لأن للتسعة عبارتين : الواحدة بلفظ التسعة ، والأخرى بلفظ العشرة واستثناء الواحد فبأيهما اتى فقد اتى بعبارة التسعة ، فليس كذلك قوله : « على عشرة لا بل تسعة » لأنه أقر بالعشرة ورجع عن بعضها فلم يصح رجوعه.
وإذا أقر رجل لميت بحق وقال : « هذه امرأته وهذا ابنه ولا وارث له غيرهما » وجب عليه دفع المال إليهما ، لأنه أقر بأنه لا يستحق المال غيرهما. فان قال : « هذا المال لزيد الميت » أو قال : « لزيد الميت على مال وهذا الصبي ولده وهذا وصيه » لم يجب عليه دفع المال إلى الوصي : لأنه لا يأمن من ان يبلغ الصبي فينكر وصية الوصي وإذا أنكر سمع ذلك منه. ويجوز تسليم المال الى الحاكم ، لان له على الصبي ولاية ولا يتمكن من إنكارها ولا تثبت ولاية للطفل إلا ببينة.
وإذا ادعى إنسان على غيره مالا في مجلس الحاكم فقال المدعى عليه : « لا أقر ولا أنكر » ألزمه الحاكم أن يأتي بجواب صحيح ويقول : « هذا ليس بجواب صحيح ، فإن أجبت بصحيح والا جعلتك ناكلا ورددت اليمين على خصمك » فان لم يأت بجواب صحيح استحب للحاكم ان يكرر ذلك عليه ثلاث مرات فان لم يجب بجواب صحيح جعله ناكلا ورد اليمين على خصمه. فان قال : « لا أدرى ما يقول » لم يكن جوابا صحيحا مع علمه بما يقول.
فان قال : « انا مقر أو منكر » لم يكن أيضا جوابا صحيحا. فاذا قال : « انا مقر بما يدعيه ومنكر لما يدعيه » كان ذلك جوابا صحيحا وحكم الحاكم عليه (1). وإذا قال إنسان : « لزيد على الف درهم » وسكت ثم قال : « من ثمن مبيع لم أقبضه » وجب عليه الالف ولم يسمع منه ما ادعاه من المبيع ، لأنه أقر بالألف ثم فسره بما يسقط ولا يقبل إقراره به. فان قال : لزيد على ألف درهم وسكت ثم قال قد قبضها كان جاريا مجرى
ص: 413
الأول ، فإن قال « لزيد على ألف درهم من ثمن مبيع » وسكت ثم قال : « لم أقبضه » سمع منه ذلك لان قوله بعد سكوته لم أقبضه غير مناف لإقراره المتقدم لأنه يجوز أن يكون عليه ألف درهم ثمنا ولا يجب عليه تسليمها حتى يقبض المبيع ، وأيضا فإن الأصل أن لا قبض.
فان قال « لزيد على ألف درهم مؤجلا إلى الوقت الفلاني » وجب عليه ذلك في الأجل المذكور.
وإذا شهد شهود على إنسان بإقراره ولم يقولوا « وهو صحيح العقل » كانت الشهادة صحيحة بذلك الإقرار ، لأن الظاهر أن الشهود لا يتحملون الشهادة على من ليس بعاقل ولان الظاهر صحة إقراره أيضا. فإن شهدوا وقالوا : « وهو صحيح العقل » كان ذلك منهم تأكيدا وإذا كان الأمر في الشهادة بالإقرار على ما ذكرناه وادعى المشهود عليه انه أقر وهو مجنون وأنكر المقر له ذلك كان القول قوله مع يمينه ، لأن الأصل فقد الجنون وعدمه.
فان ادعى أنه أكره على الإقرار لم يسمع منه ذلك لان الأصل فقد الإكراه. فإن أتيت بينة على أنه كان مقيدا أو محبوسا وادعى الإكراه قبل ذلك منه ، لان الظاهر من حال المقيد والمحبوس انه كان مكرها على التصرف والإقرار.
وإذا قال إنسان : « لزيد على دينار في عشرة ، أو درهم في عشرة » وكان يريد بذلك ضرب الحساب ، وجب عليه عشرة دنانير أو عشرة دراهم ، لان الواحد في عشرة ، عشرة. وان لم يرد ضرب الحساب وجب عليه دينار واحد أو درهم واحد ، لأنه يكون المعنى فيه « له دينار في عشرة لي » ويجرى ذلك مجرى القول بان له على عمامة في صندوق ، أو قميص في منديل ، وما أشبه ذلك.
وإذا ادعى إنسان على صبي البلوغ وقال الصبي : « لم أبلغ » كان على المدعى البينة فيما ادعاه من بلوغ الصبي : اما بان (1) شهد شهود بأنه ولد في سنة معينة ثم
ص: 414
ينظر فيه من هذه السنة إلى السنة التي ادعى عليه فيها البلوغ فيكون خمسة عشرة سنة أو يقر الصبي بالبلوغ ، أو شاهد (1) منه الإنزال ، فإن عدم المدعي البينة على ما ادعاه من ذلك وطلب يمين الصبي على انه لم يبلغ ، لم يجب له ذلك ، وكان القول قول الصبي بغير يمين ، لأن إثبات يمينه يقتضي إبطالها ونفيها ، لأن الصبي إذا حلف على انه صبي وحكمنا بصباه أبطلنا يمينه لان يمين الصبي غير صحيحة.
فإن أقر الصبي بالبلوغ ووجد لم يبلغ القدر الذي يمكن البلوغ فيه لم يلتفت الى إقراره. وان كان قد بلغ ذلك القدر كان إقراره صحيحا وحكم عليه بالبلوغ ، لأنه أقر بما يمكن كونه صادقا فيه ولا يجوز المطالبة له بيمين على ما أقر به ، لأنه لا يتعلق بذلك حق لغيره وانما يتعلق به حق لنفسه.
والصبية إذا أقرت بأنها قد حاضت كان الحكم فيما أقرت به من ذلك كالحكم الذي ذكرناه في إقرار الصبي بالبلوغ.
وإذا قال إنسان : « لزيد على درهم ودرهمان ، أو دينار وديناران » وجب عليه ثلاثة دراهم أو ثلاثة دنانير لأنه عطف الدرهمين على الدرهم ، وكذلك الدينارين على الدينار والمعطوف غير المعطوف عليه.
وإذا قال الإنسان : « تملكت هذه الدار من زيد » كان ذلك إقرارا منه بالدار لزيد وفيه الدعوى منه بان ملك زيد قد زال عنها وملكها هو ، فاذا كان كذلك وخالفه زيد في ذلك كان القول قول زيد المقر له مع يمينه. فان قال : « هذه الدار قبضتها من يد زيد فإنه يكون مقرا لزيد باليد ويجب عليه تسليم الدار اليه وعليه البينة فيما ادعاه من سقوط حق اليد وانتقاله إليه ، فان لم يكن له بينة كان القول قول المقر له مع يمينه.
فان قال : « هذه الدار قبضتها على يد زيد ، أو ملكتها على يد زيد » لم يكن ذلك إقرارا بيده ولا ملكه لان ظاهر هذا اللفظ انه قبضها أو ابتاعها بوساطته أو معونته.
ص: 415
وإذا قال إنسان : « على لبهيمة زيد مأة درهم ، أو عشرة دنانير ، أو ما أشبه ذلك كان هذا الإقرار باطلا ، لأن البهيمة لا يثبت لها مال. ولو قال : « على بسبب هذه البهيمة مأة درهم » وما أشبه ذلك كان هذا الإقرار صحيحا لان معنى السبب ان يكون ذلك المال ثبت عليه من اجرة منافعها أو من جناية عليها أو ما جرى مجرى ذلك. فان قال : « لعبد زيد على مال » كان ذلك صحيحا ويكون إقرارا لسيد العبد لان العبد يصح له ان يثبت له مال من اكتساب أو غيره فاذا ثبت له ذلك ثبت لسيده.
وإذا أقر إنسان بأن غيره والده أو والدته وصدقه ذلك الغير فيما أقربه كان إقراره مقبولا وتوارثا ، فان لم يصدقه في ذلك كان إقراره باطلا.
فإن أقر بأن غيره ولده وكان المقر به مشهورا بالنسبة الى غير المقر به كان إقراره أيضا باطلا وان لم يكن مشهورا بذلك قبل إقراره والحق الوالد (1) به سواء صدقه الولد في ذلك أو لم يصدقه وتوارث (2).
فإن أقر بزوجة وصدقته في ذلك قبل إقراره وتوارث ، وان لم تصدقه كان إقراره باطلا.
فإن أثبت بينة بما أقربه حكم له بها ، وان لم يثبت له بينة بذلك لم يلتفت الى إقراره فإن أقرت المرأة بزوج كان الحكم فيها كالحكم في الرجل سواء.
فإن أقر بولد أو أخ أو أخت أو غير ذلك من ذوي الأرحام قريبا كان أو بعيدا وكان للمقر ورثة مشهوري النسب لم يقبل إقراره إلا ببينة ولم يتوارثا ، سواء صدقه المقر به أو لم يصدقه. وان لم يكن له ورثة غير الذي أقربه وصدقه في ذلك ، قبل إقراره وتوارثا. وان لم يصدقه كان إقراره باطلا.
فان هلك إنسان وخلف وارثا فأقر بعضهم بوارث آخر وكان المقر به اولى من المقر بالميراث سلم اليه المقر جميع ما حصل في يده من الميراث. وان كان مثله دفع
ص: 416
اليه مقدار ما كان نصيبه من سهمه بغير زيادة ولا نقص.
فإن أقر بوارث جماعة كان الحكم فيهم مثل ما تقدم. فإن أقر بوارثين هما جميعا اولى منه بالميراث والواحد منهما اولى من الأخر بذلك ، دفع المقر إلى الأولى منهما ما في يده من الميراث ولم يكن للآخر شي ء. فان أقر بأكثر من وارث وكان المقر لهم متساوين في الميراث وتناكروهم فيما بينهم ذلك النسب لم يلتفت الى إنكارهم وقبل إقراره لهم ، فإذا أنكروا إقراره لم يكن لهم من الميراث شي ء وان أقروا له بمثل ما أقر لهم به توارثوا (1) بينهم ان كان المقر له (2) والدا أو ولدا فان كان غيرهما من ذوي الأرحام لم يتوارثوهم وان صدق بعضهم بعضا ولا يتعدى الحكم (3) فيه الى مال الميت.
فإن أقر بوارث هو اولى منه بالميراث كان عليه ان يدفع المال اليه كما قدمناه. فإن أقر بوارث - بعد ذلك - هو اولى منهما كان عليه ان يغرم للثاني مثل الذي دفعه الى الأول وهكذا يجب عليه ان أقر بوارث ثالث أو رابع أو خامس أو أكثر من ذلك بالغا ما بلغ إقراره به. فإن أقر بوارث اولى منه بالميراث وسلم اليه ما في يده منه (4) ثم أقر بعد ذلك بوارث مسا وللمقر له في الميراث كان عليه ان يغرم له مثل ما كان يستحقه من أصل الميراث.
فإن أقر بوارث يساويه في الميراث وقاسمه إياه ثم أقر بوارث هو اولى منهما وجب عليه ان يغرم له مثل جميع المال. فان كانت الميت امرأة وأقر هذا المقر بزوج لها ، وجب عليه ان يدفع الى الزوج ما كان نصيبه من سهمه وان أقر بزوج آخر كان إقراره باطلا. فإن أكذب نفسه في الإقرار بالزوج الأول وجب عليه ان يغرم للزوج الثاني ما يستحقه من الميراث ، ولم يكن له على الأول سبيل.
ص: 417
فإن كان المقر ولدا فأقر بزوجة للميت وجب عليه ان يدفع الى الزوجة ثمن ما كان في يده من الميراث فإن أقر بزوجة ثالثة دفع إليها ثلث ثمن ما في يده من الميراث أيضا. فإن أقر برابعة دفع إليها (1) ثمن ذلك ، فإن أقر بخامسة ، وقال بأن واحدة ممن كان أقر منهن ليست زوجة ، لم يلتفت الى نفيه لها ووجب عليه ان يغرم للتي أقربها قبل ذلك (2) فان لم ينكر واحدة من الأربع لم يلتفت الى إقراره بالخامسة. فإن أقر في دفعة واحدة للأربع نسوة لم يكن لهن أكثر من الثمن يقسم بينهن بالسوية.
فإن أقر اثنان من الوراث بوارث وكانا مرضيي العدالة قبلت شهادتهما للمقر له والحق بنسب الميت وقاسم (3) الوارث الا ان يكون مشهورا بالنسب للآخر فإنه حينئذ لا يلتفت الى شهادتهما. فان لم يكونا مرضيي العدالة لم يثبت له النسب ولم يلحق بالميت ولزمهما في نصيبهما مقدار ما كان نصيبه من سهمهما من غير زيادة ولا نقص في ذلك. فان خلف الميت زوجة وأخا وأقرت الزوجة بابن للأخ (4) وأنكره الأخ لم يثبت نسبه الا انه يقاسمها والمرأة تدعى ان لها الثمن ، لان لمورثها ابنا فان كان في يدها لم يأخذ الأخ إلا ثلاثة أرباعه لأنه هو القدر الذي يدعيه فيقول « لها الربع » لأنه ليس لمورثها ابن فبقي في يدها الربع وهي تدعي نصفه فيكون لها والباقي ترده على الابن.
فان ترك الميت ابنين أحدهما عاقل ، والأخر مجنون فإن أقر العاقل بنسب أخ لم يثبت النسب بإقراره ، لأنه واحد فإن أفاق المجنون ووافق أخاه على إقراره بالأخ الأخر ثبت النسب والميراث وان خالفه في ذلك لم يثبت نسبه وشاركه في مقدار ما يخصه فان مات وهو مجنون فان ورثه المقر جميع ماله قاسم المقر به فان ترك الميت ابنين أحدهما كافر والأخر مسلم فأقر أحدهما بأخ وكان الميت كافرا ، فميراثه للمسلم
ص: 418
فإن أقر بنسب قاسم المقر به ان كان مسلما وان لم يكن مسلما أخذ بجميع الميراث ولم يكن لجحود الكافر لذلك اعتبار ، لأنه لا يرث شيئا وجميع المال للمسلم.
وإذا خلف الميت ابنين أحدهما قاتل كان المال كله للذي ليس بقاتل وان أقر بنسب أخ شاركه في الميراث وان أقر القاتل لم يثبت له لأنه ليس يستحق شيئا من الميراث.
وإذا أقر الإنسان وهو مريض - وكان في حال إقراره كامل العقل موثقا بعدالته مأمونا غير متهم - للوارث أو الأجنبي بشي ء ، كان إقراره ماضيا ويكون ما أقربه من أصل ماله فان كان متهما وغير موثق به ، طولب للمقر له ببينة تشهد له بذلك فإن أثبت بينة به سلم اليه ذلك من أصل المال وان لم تكن له بينة دفع ذلك اليه من الثلث ان بلغ ذلك ، فان لم يبلغه لم يدفع إليه أكثر منه.
وإذا كان على إنسان دين فأقر بأن جميع ما يملكه لبعض وراثه لم يقبل منه ذلك إلا ببينة تثبت للمقر له بذلك فان لم تكن له بينة به دفع الى صاحب الدين ماله وكان الباقي ميراثا بين وارثه.
وإذا أقر بشي ء وقال لوصيه ادفعه الى زيد فهو له ، وطالب الوارث الوصي بذلك فان كان المقر عنده مرضيا مأمونا جاز له ان ينكر ذلك ويحلف عليه ويسلمه الى المقر له وان كان عنده غير مرضى ولا مأمون لم يجز له ذلك ويجب عليه إظهاره ويلزم المقر له إثباته ببينة فإن أثبت له بينة سلم اليه ، وان لم تثبت له بينة كان ميراثا
وإذا قال « لفلان ولفلان أحدهما على مأة دينار » طولبا بالبينة على ذلك فمن ثبت له البينة سلمت المائة اليه وان لم تثبت لأحدهما بينة قسمت بينهما نصفين
وإذا أقر بعض الوارث على الميت بدين كان إقراره جائزا على نفسه ولزمه من ذلك بمقدار ما يخصه من الميراث بغير زيادة على ذلك. فإن أقر بالدين اثنان من الوارث وكانا مرضيي العدالة موثوقا بهما قبلت شهادتهما وأمضيت على باقي الوراث وان لم يكونا مرضيين وجب عليهما من الدين الذي اقرا به بمقدار ما يصيبهما من الميراث.
ص: 419
فان كان على الميت دين وترك مالا دون الدين قضى به الدين ولم يكن هناك وصية ولا ميراث وتقسم ما تركه على أصحاب الدين بحسب حصصهم ان كانوا أكثر من واحد وان كان واحدا سلم اليه ذلك فان وجد متاع بعض أصحاب الدين بعينه وكان فيما بقي من التركة وفاء لدين الباقي من الديان سلم المتاع الى صاحبه وقضى دين الباقين مما بقي من التركة.
وان لم يترك الميت غير ذلك المتاع كان صاحبه وغيره من الديان فيه سواء ، يقتسمونه فيما بينهم على حسب حصصهم.
وإذا أقر المريض بان بعض مماليكه ولده ولم يعينه ولا ميزه من غيره بصفة ومات اخرج منهم واحد بالقرعة والحق به وورث ماله.
وإذا أقر إنسان بان عليه زكاة لعدة سنين وأمر بإخراجها عنه ، وجب إخراجها من أصل المال لأنها بمنزلة الدين ويكون الباقي ميراثا. فان كان عليه شي ء من الزكاة وكانت حجة الإسلام قد وجبت عليه وفرط فيها وخلف دون ما يقضى به الحجة والزكاة حج عنه من أقرب المواضع وصرف ما بقي في أرباب الزكاة.
ومن قتل وعليه دين وجب على وليه ان يقضى دينه من ديته سواء كان قتله عمدا أو خطأ فإن كان قتله عمدا وأراد أوليائه القود أو العفو ، لم يجز لهم ذلك الا بعد ان يرضوا أصحاب الدين فان ارضوهم كان لهم بعد ذلك القود أو العفو.
وإذا وهب المريض في حال مرضه شيئا وأقبضه كانت الهبة صحيحة ولم يكن للوارث الرجوع فيها. وان لم يكن قبضها ومات ، كانت ميراثا وكذلك حكم ما يتصدق به في حال حياته.
وبيعه في حال مرضه صحيح إذا كان ثابت العقل مالكا لرأيه فان كان المرض قد غلب على عقله كان ذلك باطلا.
وإذا تلفظ الموصى بالوصية وكان ثابت العقل كانت وصيته ماضية فان اعتقل
ص: 420
لسانه وكان ممن يحسن الكتابة كتبها وأمضيت بحسب ذلك فان لم يقدر على الكتابة وأومى بها وفهم مراده من ذلك ، أمضيت أيضا على حسب ما يومئ به ويفهم منه. فان قال له إنسان « تقول كذا وكذا وتأمر بكذا وكذا » فأشار برأسه كما يفيد إشارته به « نعم » كان ذلك جائزا بشرط ثبوت عقله كما قدمناه.
وأول ما يبدء به من التركة الكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الميراث وإذا لم يترك الميت الا مقدار الكفن كفن به ولم يقض به دين فان تبرع إنسان بتكفينه صرف ما تركه في الدين.
وإذا غاب رجل عن اهله وترك لهم نفقة سنة ومات بعد شهر وجب على اهله رد ما فضل عن نفقة الشهر الى الميراث وكان من جملته.
« تم كتاب الإقرار »
ص: 421
قال اللّه سبحانه ( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ) (1)
وقال اللّه تعالى ( فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ ) (2)
وروى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله انه قال : « أد الأمانة الى من ائتمنك ولا تخن من خانك » (3)
وروى انه صلى اللّه عليه وآله لما أراد الهجرة كانت عنده ودائع أودعها أم أيمن وأمر أمير - المؤمنين عليه السلام بردها على مستحقها (4)
فجواز الوديعة لا خلاف في صحتها وهي أمانة ، فمن كانت عنده وديعة فطلبها صاحبها وجب ردها عليه وليس عليه فيها ضمان الا بتفريط
وإذا أراد المقيم ان يؤدى الوديعة ردها على صاحبها أو وكيله فاذا فعل ذلك لم يكن عليه شي ء فان كان متمكنا من ردها على صاحبها أو وكيله ثم ردها على الحاكم أو ثقة الحاكم كان ضامنا لها وإذا لم يقدر على المودع (5) ولا وكيله وردها على الحاكم أو ثقة من غير عذر كان
ص: 422
عليه ضمانها فان كان ذلك عن عذر مثل حريق أو نهب لم يكن عليه ضمان.
ولا يجوز للمودع (1) السفر بالوديعة على حال الا ان يكون في البلد الذي هو فيه خوف من نهب أو حريق ويخاف من ذلك فيجوز له حينئذ السفر بها ومتى أراد السفر ردها على صاحبها أو وكيله ، فان لم يتمكن منهما وردها الى الحاكم أو ثقته فلا ضمان عليه فيها ، فان كان متمكنا من ردها الى صاحبها أو وكيله فردها الى الحاكم أو ثقته كان عليه ضمانها.
فإن أراد المودع السفر فدفنها كان عليه أيضا ضمانها ، لأنه تعدى بها وإذا تعدى المودع في الوديعة كان عليه ضمانها ، فإن أعادها إلى حرزها لم يزل ضمانها عنه الا ان يردها على صاحبها أو وكيله.
وإذا طولب المودع برد الوديعة فلم يردها مع تمكنه من الرد كان عليه ضمانها وكذلك ان جحدها فان اعترف بها بعد ذلك لم يزل الضمان ، وكذلك خلطها بغيرها
وإذا أودع إنسان غيره وديعة وشرط عليه ضمانها لم يصح الشرط وكانت غير مضمونة.
وإذا تعدى المودع في الوديعة فأخرجها من حرزها فقد قلنا ان عليه ضمانها. فان ردها الى صاحبها ثم أعادها صاحبها اليه على وجه الوديعة فقد زال ضمانها عنه فان عزم المودع على التعدي في الوديعة ولم يتعد فيها فلا ضمان عليه بذلك العزم ، لان الضمان يلزم بالتعدي لا بالعزم عليه والتعدي في ذلك لم يحصل.
وإذا كان عنده وديعة مشدود عليها في خرقة أو ما جرى مجراها أو كانت في كيس مختوم عليها فقطع خيطه أو حله أو كسر الختم كان عليه ضمانها لأنه قد هتك الحرز وان خرق الكيس فوق الشد والختم لم يكن عليه ضمان وعليه أرش ما نقص بالتخريق من الكيس وان كان التخريق - شق أو بط - (2) من تحت الشد أو من تحت الكيس فان عليه
ص: 423
ضمانها سواء أخذها أو لم يأخذها فإن كانت الوديعة في غير حرز مثل ان يكون دنانير أو دراهم مصبوبة في شي ء فيأخذ المودع منها دينارا أو درهما لم يكن عليه الا ضمان ما أخذه دون الباقي لأنه هو الذي تعدى فيه ، وغيره على ما كان عليه فان رد ما أخذه بعينه سواء تميز من الباقي أو لم يتميز منه فإنه لا ضمان عليه.
فان لم يرد ذلك بعينه بل رد بدله فان كان هذا البدل يتميز من الباقي كان عليه ضمان ما أخذه دون الباقي ، وان كان لا يتميز من ذلك كان عليه ضمان الجميع ، لأنه خلط مال صاحب الوديعة بمال غيره من غير اذن مالكه له في ذلك.
وإذا كانت الوديعة حيوانا وامره صاحبها بعلفها وسقيها لزمه ذلك فان لم يفعل حتى هلكت من تركه لذلك كان عليه ضمانها. فان سقاها بنفسه في بيته كان ذلك منه غاية في حفظه لها ولا ضمان عليه وكذلك إذا أمر غلامه بسقيها في بيته لأن العادة جارية بأن يأمر الإنسان غلامه بذلك ولا يتولاه بنفسه.
فان كان في داره نهر أو بئر تسقى دوابه منه ويمكنه سقى الوديعة منه فأخرجها إلى بئر ليسقيها كان عليه الضمان لأنه أخرجها من غير حاجة الى إخراجها ولا عذر له في ذلك وان لم يكن في داره بئر ولا نهر فأخرجها إلى موضع جرت العادة في بلده بإخراج الدواب اليه ليسقي منه من بئر أو نهر فحدث بها حادث لم يكن عليه ضمان.
فان كان المودع أطلق الأمر ولم يذكر للمودع سقيا ولا علفا لزمه ذلك ، لان العادة جارية بأن السقي والعلف لا بد منه. فإن أمره بان لا يعلفها ولا يسقيها فهلكت من تركه لذلك لم يكن عليه ضمانها ، وان كان هو آثما في تركه القيام بها وقبول أمر صاحبها بترك ذلك ، ويجرى ذلك مجرى امره له بأن يقتل عبده فقتله في انه يكون آثما بقبول امره بقتله وسقوط ضمانه له.
وإذا كانت الوديعة من الإبل والبقر والغنم أو غير ذلك من الحيوان وصاحبها غائب ، فأنفق المستودع بغير أمر الحاكم كان ، متطوعا فان رفع امره الى الحاكم واثبت عنده ان الوديعة وديعة لزيد الغائب ، أمره الحاكم بالنفقة عليها فتكون هذه
ص: 424
النفقة دينا له على صاحب الوديعة ويجوز له مطالبته ، فاذا حضر وطالب ، الزمه الحاكم الخروج اليه منها.
فان اجتمع عنده من ألبانها شي ء وخاف فساده ، أو كانت نخلا فاجتمع عنده من ثمرها شي ء فباع ذلك بغير أمر صاحب الوديعة وهو في البلد كان ذلك ضامنا لذلك وان باع بأمر الحاكم وهلك الثمن لم يكن عليه ضمان.
وإذا ادعى المستودع أنه أنفق الوديعة على أهل المودع بامره وصدقه أهله في ذلك وأنكر صاحب الوديعة ذلك وقال : « لم آمرك بإنفاقها على عيالي » كان القول قول صاحب الوديعة مع يمينه. وكذلك الحكم إذا ادعى المستودع ان صاحب الوديعة امره بالصدقة.
وإذا أودع إنسان عند غيره وديعة وشرط عليه ان لا يخرجها من موضع عينه ، ولا فرق في ان يكون الموضع مكانا أو بلدا أو قرية ، فنقلها من ذلك الموضع فان كان نقلها لضرورة مثل الخوف عليها من حريق أو نهب أو غرق ، لم يكن عليه ضمانها. وان كان نقلها لغير ضرورة كان عليه ضمانها. فان نقلها وادعى انه لم ينقلها إلا لأجل الخوف من النهب والحريق لم يقبل قوله الا ببينة تشهد له بذلك
فان ادعى هلاكها - بسرقة أو غصب أو إتلاف - من يده كان القول قوله مع يمينه من غير بينة والفرق بين الموضعين ان الحريق والنهب والغرق لا يخفى ويمكن إقامة البينة عليها.
وإذا أودع وديعة وادعى المودع ردها على صاحبها وأنكر المودع ذلك كان القول قول المودع مع يمينه لأنه أمينه.
وإذا ادعى إنسان وديعة فقال المودع « ما أودعتني » كان القول قول المودع مع يمينه ، لان اليمين على المنكر والبينة على المدعى. وإذا قال : « أمرتني بان ادفعها الى زيد ودفعتها إليه » فأنكر وقال : « ما أمرتك بذلك » كان القول قول صاحبها مع يمينه لأن الأصل ان لا دفع.
ص: 425
وإذا أودعها في كيس فأخرجها منه كان ضامنا لها لأنه هتك حرز صاحبها ، ويجرى ذلك مجرى إيداعها في صندوق فيخرجها منه ، في انه يلزمه ضمانها لأنه هتك الحرز.
وإذا أودعها صاحبها وهي في كيس فتركها المودع مع مال له في صندوق فيحرق الكيس لم يلزمه ضمان فان هلك منه شي ء هلك من مالهما جميعا على مقدار ما كان لكل واحد منهما وإذا أودعه صندوقا وشرط ان لا يرقد عليه فرقد أو نام أو زاده قفلا آخر لم يكن عليه ضمان ويجرى ذلك مجرى ان يقول له : « اتركها في صحن دارك » فيدخلها بيتا ويغلقه عليها في انه لا ضمان عليه لأنه زاده حرزا ، ولا يصح قول من يقول بأنه بالزيادة قد نبه على ان فيه مالا وبضاعة فيلزم لذلك الضمان ، لأنه لو قال بان فيه مالا لا يضمن فبالتنبيه اولى.
وإذا أودعه خاتما وامره أن يجعله في إصبعه البنصر (1) فجعله في الخنصر كان عليه ضمانه لان البنصر أقوى في الحرز من الخنصر. فإن أمره بأن يجعله في الخنصر فجعله في البنصر لم يكن عليه ضمان لأنه بجعله في زاده حرزا فإن أمره بأن يجعله في الخنصر فجعله في البنصر فانكسر كان عليه ضمان الأرش ، لأنه تحامل عليه وتعدى فيه فيلزمه ضمان الأرش لذلك.
وإذا أودع إنسان وديعة وقال للمودع : اجعلها في كمك فجعلها في يده كان ضامنا لها لأنه خالف صاحبها فيما شرط عليه وليس لأحد ان يسقط ضمانه لها بان اليد أحرز من الحكم لأنه يعلم ذلك ومع علمه به فقد شرط عليه جعلها في كمه ولا يمتنع ان يكون له غرض في ذلك ليس بحاصل في جعلها في اليد.
وإذا أودعه شيئا وقال له اجعله في جيبك فطرحه في كمه كان عليه الضمان فان قال له : « اربطه في كمك » فطرحه في جيبه لم يكن عليه ضمان لان الجيب أحرز من الكم فان قال له « اجعله في جيبك » فجعله في فمه كان عليه الضمان ، لأنه جعله فيما هو دون ما
ص: 426
أمره بأن يجعله فيه لأنه ربما سقط من فيه أو بلعه لان الجيب لا يسقط منه شي ء الا ان يبط (1)
وإذا أودعه شيئا وهو في طريق أو سوق وقال له : « اجعله في بيتك » وجب عليه حمله الى بيته في الحال فإن أخر ذلك لغير ضرورة كان عليه الضمان ولذلك يلزمه ان يمضي في الحال الى بيته فقصر في المشي (2) عادته فان مشى على عادته ووصل الى بابه ووقف يدق مقدار ما جرت العادة بأنه يفتح فيه فهلكت الوديعة لم يكن عليه شي ء
وإذا أودع رجل عند صبي وديعة فهلكت لم يلزم فيها ضمان فإن أودع صبي عند رجل وديعة وجب على الرجل ضمانها لأن إيداع الصبي وان لم يكن له حكم فقد أخذها الرجل ممن ليس له الأخذ منه فان ردها على الصبي لم يزل الضمان ، لأن بالأخذ لها قد وجب عليه ذلك فليس يسقط بهذا الرد ، لأنه رد على من ليس له ان يرد عليه فان ردها على ولى الصبي زال الضمان عنه بذلك.
وإذا مات إنسان ووجد في « روزنامجة » مكتوب « لزيد عندي كذا وكذا » أو وجد في خزانته شي ء مكتوب عليه « لفلان بن فلان » لم يجب على الورثة رد ذلك الى من وجد اسمه مكتوبا عليه لأنه يجوز ان يكون الميت رد عليه ذلك ولم تزل الكتابة التي باسمه ولأضرب عليها ويجوز ان يكون (3) عنده وديعة فابتاعها من صاحبها ولم يزل اسمه ولأضرب عليه.
وإذا كان عنده دراهم جيادا فخلطها بدراهم سود أو كان عنده دنانير فخلطها
ص: 427
بدراهم فخلص بعضها من بعض واحتفظ (1) به لم يكن عليه ضمان فان كانت الوديعة التي خلطها مما لا يتميز بعد الخلط بعض ذلك من بعض كان عليه الضمان. وإذا كانت الوديعة دنانير أو دراهم فأنفقها ثم ورد (2) في موضعها غيرها لم يزل الضمان عنه بذلك
وإذ كانت الوديعة عند إنسان فادعاها اثنان كل واحد منهما يدعيها لنفسه فقال المودع « هي لأحدكما ولست أدري أيكما هو » طولبا بالبينة فإن أثبتا بينة أو لم يثبتاها (3) استحلفا ، فان حلفا أقرع بينهما فيها ، فمن خرجت القرعة له دفعت اليه وان اصطلحا عليها كان جائزا وان أراد استحلاف المودع على انه لا يدرى من صاحب الوديعة منهما كان لهما ذلك فإن أثبت أحدهما البينة بأنها له دون الأخر دفعت اليه ، وكذلك ان حلف أحدهما على انها له ونكل الأخر عن اليمين كانت للذي حلف عليها ولم يكن للناكل عن اليمين فيها شي ء.
وإذا اختلف اثنان في مال فقال أحدهما : « هو وديعة لك عندي » وقال الأخر « هو دين لي عليك » كان القول في ذلك قول صاحب المال مع يمينه ، وكان على الذي عنده المال البينة بأنه وديعة ، فان لم يكن له بينة وجب عليه اعادة المال الى صاحبه فإن أراد اليمين من صاحب المال بأنه لم يودعه ذلك المال كان له ذلك.
وإذا كانت عند إنسان وديعة فأودعها الذي هي عنده عند أخر بغير أمر صاحبها كان عليه ضمانها.
وإذا كانت عنده وديعة وغاب صاحبها ولم يعلم هل هو حي أو ميت وجب عليه إمساكها وحفظها ابدا حتى يحقق حاله فان كان مفقودا كان سبيلها كسبيل سائر أمواله.
« تم كتاب الوديعة »
ص: 428
قال اللّه تعالى « وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى » (1)
والعارية من البر ولا خلاف بين الأمة في جوازها. وروى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله انه قال في خطبة حجة الوداع : العارية مؤداة والمنحة (2) مردودة ، والدين مقضي والزعيم غارم (3)
وروى انه صلى اللّه عليه وآله استعار من صفوان بن أمية يوم خيبر درعا ، فقال اغصبا يا محمد فقال بل عارية مضمونة مؤداة (4)
فاذا كان جوازها في الشريعة ثابتا فهي أمانة غير مضمونة مؤداة ، الا ان يشترط صاحبها ضمانها ، فان شرط ذلك ثبت ضمانها وان لم يشترط ذلك كانت غير مضمونة على ما ذكرناه.
ص: 429
فاذا استعار إنسان شيئا وقبضه كان له الانتفاع به بمقدار ما اباحه المعير الانتفاع به ، فان تعدى أو شرط عليه الضمان لما ينقص من الاجزاء ، لزمه ذلك.
ومن استعار منشفة (1) فذهب حملها باستعماله لها لم يكن عليه في ذلك ضمان لأن إذن المعير للمستعير في استعمالها اذن في ذلك بمجرى العادة ، وكذلك حكم جميع الثياب التي تذهب جدتها (2) بالاستعمال في انه ليس على مستعيرها في ذلك ضمان الا ان يكون متعديا في ذلك فيلزمه الضمان
والعارية على ضربين : مضمونة وغير مضمونة فاما المضمونة فهي ما كانت ذهبا أو فضة واما التي ليست مضمونة فكل ما عدا ذلك ، الا ان يشترط الضمان فيها على ما قدمناه.
وإذا كان عند إنسان عارية وردها الى صاحبها أو وكيله برأ من ضمانها ، فان ردها الى ملكه مثل ان يكون دابة فيردها إلى إصطبل صاحبها ويشدها فيه لم يبرأ من ضمانها.
وإذا اختلف صاحب دابة وراكبها فقال صاحبها « أكريتكها » وقال الراكب « أعرتنيها مضمونة » كان القول قول الراكب مع يمينه وعلى صاحبها البينة لأنه يدعي أجرة الركوب. وكذلك الحكم في الأرض المستعارة للزراعة إذا اختلف صاحبها والزارع ، فادعى الزارع العارية وادعى صاحب الأرض الإيجار ، فإن القول قول الزارع مع يمينه.
وإذا استعار دابة إلى موضع معين فجاوزه كان عليه الضمان وكذلك إذا استعارها يوما أو شهرا فزاد على ذلك.
وإذا استعار إنسان من غيره أرضا لبناء أو غرس واذن له في ذلك كان جائزا
ص: 430
فاذا كان المعير اذن له في البناء والغرس فزرع كان جائزا ، لأن ضرر الزرع أقل من ضرر البناء والغرس ، فان اذن له في الزرع فبنى أو غرس لم يجز ذلك ، لان ضرر البناء والغرس أعظم ، وليس يكون الاذن في القليل إذنا في الكثير ، فان اذن له في زرع الحنطة فزرع ذرة (1) أو ما جرى مجراها لم يجز ذلك ، لان ضرر الذرة أعظم من ضرر الحنطة. فان اذن له في البناء فغرس أو في الغرس فبنى لم يجز له ذلك لان ضرر أحدهما مخالف لضرر الأخر
واعلم انه ليس من شرط العارية تقدير المدة. فإن قدر ذلك كان جائزا فإن أطلق له واذن في البناء والغرس كان له ذلك ما لم يمنعه فان منعه لم يكن له بعد المنع فعل شي ء من ذلك فاذا منعه سقط الإذن فإن كانت المدة مقدرة كان له البناء والغرس ما لم ينقض المدة ، فإذا انقضت لم يكن له احداث شي ء بعد ذلك فان غرس أو بنى أو انتفع بشي ء من وجوه الانتفاع الذي ليس له ، كان متعديا وله المطالبة بقلعه من غير شي ء يضمنه فاذا كان له (2) قلعها فان عليه (3) اجرة المثل ان كان تعدى بذلك فاذا قلعها كان عليه تعديل الأرض وتسوية الحفر وطمها ، لأنه أحدثها من غير اذن صاحب الأرض ولا رضاه.
وإذا استعار إنسان من غيره أرضا على ان يبنى فيها دارا أو يغرس فيها نخلا فاذن له في ذلك ثم بدا له في إخراجه كان عليه للمستعير قيمة البناء ، والغرس بعد ذلك (4) فان قال له أعيرك هذه الأرض عشر سنين تبنى فيها وتغرس وعليك عند انقضاء المدة إن تقلع بناك وغرسك وتسلم إلى ارضى كما أخذتها ، فأجابها الى ذلك ، وجب عليه
ص: 431
عند انقضاء المدة رد أرضه اليه ونقض ما بناه وقلع ما غرسه. فان أعاره الأرض وقتا معلوما للزرع فزرعها فلما قارب حصاده أراد إخراجه وقد انقضى الأجل ، لم يخرج حتى يستحصد الزرع ويكون له أجر مثل الأرض في زيادة الأجل.
فان أعاره أرضا على ان يبنى فيها ويسكن ما بدا له فإذا أراد ان يخرج كان البناء لصاحب الأرض ، لم يجز ذلك وهذا يجرى مجرى الإجارة الفاسدة وعلى الساكن اجرة مثل الأرض فيما سكن له والبناء له.
وإذا أنفذ إنسان رسولا الى غيره يستعير منه دابة يركبها إلى قرية - سماها له شرقي البلد - فمضى الرسول الى صاحب الدابة فقال : له « فلان يقول لك أعرني دابتك أركبها إلى قرية » - سماها غربي البلد بموضع غير الذي ذكره المرسل له - فدفع الدابة اليه فركبها المستعير الى الموضع الذي ذكره الرسول لأمر عرض له وليس يعلم بما كان من رسوله فهلكت الدابة لم يكن عليه ضمان ، لان صاحبها أعاره الى ذلك المكان ولو ركبها الى المكان الذي ذكره لرسوله فهلكت ، كان عليه ضمانها ، لان صاحبها لم يعرها الى ذلك المكان ولا يرجع على الرسول في ذلك شي ء
وإذا استعار إنسان دابة واستأجرها أيضا فنزل عنها في بعض السكك في المدينة ودخل مسجدا يصلى فيه وخلي عنها فهلكت كان ضامنا لها
وإذا استعار من غيره سلاحا ليجاهد به عارية غير مضمونة فضرب بالسيف أو طعن بالرمح فانكسر السيف أو الرمح لم يكن عليه شي ء.
وإذا استعار أرضا من غيره واذن له المعير في غرس شجرة فيها فغرسها ثم قلعها كان له ان يعيد غيرها ان كان الاذن من المعير قائماً ، فإن رجع عن ذلك لم يكن له اعادة غيرها وكذلك الحكم إذا أعاره حائطا يضع عليه جذعا فوضعه عليه ثم انكسر ، فإنه ليس له اعادة غيره الا ان يكون الاذن في المعير قائماً فإن رجع عن ذلك لم يجز له اعادة غيره مكانه
وإذا كان لإنسان حبوب فجرها السيل إلى أرض إنسان آخر ونبتت فيها ، كان
ص: 432
الزرع لصاحب الحب ، لأنه عين ماله فاذا كان كذلك لم يجز لصاحب الأرض مطالبته بقلعه ، لأنه لم يتعد في ذلك.
ويجوز اعارة الفحل ، واعارة المملوك للخدمة. فإن كان امرأة لها هيئة كره ذلك فيها ، وان كانت عجوزا لم يكن فيه كراهة ولا تجوز إعارتها للاستمتاع بها ، لان البضع لا يستباح بالعارية. ويكره استعارة الأبوين للخدمة لأن استخدامهما من ولديهما مكروه له.
فان استعارهما ليخفف عنهما ويرفههما من خدمتهما سيدهما كان ذلك حسنا وفيه فضل.
والعارية لا تجوز إعارتها ولا إجارتها أيضا ، لأن المستعير لها لا يملك منافعها فلا يصح منه إعارتها ولا عقد إجارتها.
وإذا كان مع رجل محل ، صيد لم يجز للمحرم ان يستعيره منه ، لأنه لا يجوز له إمساكه. فإن استعاره منه بشرط الضمان ضمنه. فان تلف في يده لزمه قيمته لصاحبه والجزاء لله سبحانه. وإذا استعار المحل من المحرم مثل ذلك مثل ان يحرم وفي يده صيد فإذا أخذه منه كان ذلك له. فان تلف لم يلزمه ضمانه ، لان ملك المحرم له قد زال عنه وتخليته له عند إحرامه واجبة عليه فاذا أخذه المحل وتلف من يده لم يلزمه شي ء ، لأنه ليس بملك له أخذه منه ولا استعارة.
ص: 433
وتحريم ذلك معلوم من جهة العقل والشرع. فاما من جهة العقل فهو معلوم من استحقاق الذم لمن غصب مال غيره وتصرف فيه بغير اذنه وتعدى عليه فيه. وهذا (1) وغيره مما يدل على ذلك ، قد تضمنه كتب الأصول ولا معنى لا يراد كل ذلك هاهنا ، لان ذكره في كتب الأصول أولى من ذكره في كتاب من كتب الفروع
واما من جهة الشرع فإجماع المسلمين منعقد على حظره وتحريمه. وقول اللّه سبحانه :
( لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) (2) والغصب لا يكون عن تراض من صاحب المال المغصوب منه والغاصب له.
وروى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله انه قال : لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفس منه (3) وروى أيضا عنه صلى اللّه عليه وآله قال : حرمة مال المسلم كحرمة دمه (4) وروى
ص: 434
أيضا عنه صلى اللّه عليه وآله انه قال : من أخذ شبرا من الأرض بغير حقه ، طوقه اللّه يوم القيمة من سبع أرضين. (1)
فإذا كان حظر ذلك وتحريمه ثابتا بما ذكرناه فكل من كان له مال فهو أحق به وبالتصرف فيه من غيره ، ولا يحل لغيره ان يأخذ منه الا ما أعطاه صاحبه عن طيب نفس منه ومن أخذ مال غيره بغير طيب نفس منه وجب رده عليه ان كان باقيا. فان كان تالفا كان عليه عوضه أو قيمته على ما يأتي تفصيله.
فان لم يعرف صاحبه أودعه في بيت مال المسلمين الى ان يحضر صاحبه أو وارثه ويأخذه. فإن كان زمانه زمان سلاطين الجور وولاته ، تصدق به عنه ، وكان عليه القيام لصاحبه بالعوض ان حضر ولم يرض بالصدقة ، وعليه مع ذلك النقل اليه من جنسه لذلك عنه (2) والتوبة الى اللّه سبحانه منه.
فاما تفصيل أحكام ذلك فعلى ما نذكره : إذا غصب إنسان غيره شيئا من الادهان والاقطان والتمور والحبوب والثمار والجلود التي ليس فيها ماء وما يجرى مجرى ذلك وجب عليه رده على صاحبه ان كان باقيا على ما قدمناه. وان كان تالفا وجب عليه المثل لان ذلك مما له مثل. فإن أعوز المثل ولم يقدر عليه كان عليه القيمة ، فان لم يقبض القيمة حتى مضت مدة اختلف القيمة فيها - كان له القيمة في وقت القبض لا وقت الإعواز.
فان لم تكن العين تالفة - فيحكم فيها بما ذكرناه وكانت موجودة - فجنى عليها جناية نقصت منها شيئا ، أو غصب تمرا أو طعاما فتسوس (3) وجب عليه أرش ما نقص ، وليس يجب عليه هاهنا مثل. لان ما نقص ليس له مثل وكان الضمان عليه بالأرش دون غيره فان غصب ما لا مثل له وكان من جنس الأثمان ولا صنعة فيه ، مثل
ص: 435
النقرة (1) ، كان عليه قيمة ما أتلف من غالب نقد المصر ، ثم نقد المصر اما ان يكون من جنسه أو من غير جنسه وان كان من غير جنسه وذلك مثل ان يتلف فضة وغالب نقد المصر دنانير أو يتلف ذهبا وغالب النقد دراهم ، فعليه قيمته من غالب النقد ، فان كان غالب النقد من جنسه ، وذلك مثل ان يتلف فضة وغالب النقد دراهم.
فان كان الوزن والقيمة سواء ، أخذ وزنها من غالب. وان اختلفا وكانت القيمة أكثر من وزنها من غالب نقد المصر أو أقل من وزنها كان له قيمتها ، الا انه لا يتمكن من أخذ ذلك من غالب نقد المصر ، لأنه ربا ، لكن يقوم بغير جنسه ويأخذ قيمته ليسلم من ذلك ويأخذ تمام حقه.
وان كان فيه صنعة وكان مما استعماله مباح مثل حلي النساء والخواتيم الفضة للرجال ، وما أشبه ذلك وكان وزنها مثلا مأة وقيمتها لأجل الصنعة مأة وعشرون فان كان نقد المصر من غير جنسها قومت به ، لأنه لا ربا فيه. وان كان غالب هذا النقد من جنسها مثل ان يكون ذهبا وغالب النقد نصف قيمتها ، قومت بغير جنسها ليسلم من الربا فيكون الوزن بحد الوزن والفضل في مقابلة الصنعة لأن للصنعة قيمة الا ترى انه يصح الاستئجار على تحصيلها ، ولأنه لو كسره إنسان فعادت قيمته الى مأة كان عليه أرش النقص.
وان كان مما استعماله حرام مثل أواني الذهب والفضة ، فإن الصنعة تسقط وتكون كالتي لا صنعة فيها وقد تقدم ذكر ذلك.
وان كان من غير جنس الأثمان كالثياب والحديد والرصاص والخشب والعقار وما جرى مجرى ذلك من الأواني كالصحاف (2) وغيرها كان ذلك مضمونا بالقيمة. فإن أتلف شيئا من ذلك كان عليه قيمته. فإن تراخى وقت القبض لم يجب عليه الا القيمة
ص: 436
التي تثبت في ذمته في حال الإتلاف اختلف القيمة أم لم تختلف ، وسواء كان اختلافها متساويا (1) أو متباينا ، فان جنى على شي ء من ذلك جناية أتلفت بعضه مثل ان يكون آنية كسرها أو ثوبا خرقه كان عليه القيمة فيما نقص لا غير.
وإذا غصب حيوانا فاما ان يكون آدميا أو غير آدمي ، فإن كان غير آدمي فهو كالدواب ومالا مثل له. فإن أتلفها فكمال القيمة. وان جنى عليها ففيه قيمة ما نقص بعد اندمالها فيكون عليه قيمة ما بين قيمته صحيحا قبل الاندمال وجريحا بعد الاندمال. وهو جار مجرى الثياب سواء إلا في ان الجناية على الثوب لا تسرى الى ما فيه والجناية على البهيمة تسرى الى نفسها.
وان كان الحيوان آدميا وكان حرا فقتله كان عليه ديته. وان جنى عليه جناية وكان فيها مقدر فذلك المقدر. وان لم يكن فيها مقدر كان فيها حكومة وهي ان يقوم لو كان عبدا ليس به جناية ، ثم يقوم وبه جناية فيلزمه بحساب ذلك.
وان كان عبدا فقتله كان عليه قيمته. فان زادت هذه القيمة على دية الحر لم يجب عليه هذه الزيادة. فإن مثل به كان عليه قيمته وانعتق عليه. وان جنى عليه جناية دون التمثيل وكان لهذه الجناية في الحر أرش مقدر كالأطراف والعينين والموضحة (2) وما أشبه ذلك ففيه مقدار أيضا من أصل قيمته بحساب قيمته كما تضمن من الحر ديته. فاما الحارصة (3) والباضعة (4) ففيها بحساب ذلك من دية الحر أيضا ، لأن هذه عندنا في الحر مقدرة.
وان لم يكن لها في الحر أرش مقدر كان فيه أرش غير مقدر ، وهو الفصل بين قيمته صحيحا من غير جناية وقيمته بعد الجناية واندمالها.
ص: 437
وإذا جنى إنسان على عبد غيره جناية يحيط أرشها بقيمته مثل ان يقطع يديه أو رجليه أو يقلع عينيه أو ما جرى مجرى ذلك كان سيده مخيرا بين ان يمسكه ولا شي ء له ، وبين ان يسلمه ويأخذ قيمته على كمالها فان جنى عليه جناية لا تبلغ قيمته كان لسيده المطالبة بالأرش مقدرا كان أو غير مقدر - وقد تقدم ذكر ذلك - وتمسكه (1) فان غصب جارية وزادت في يده بصنعة أو قرآن أو علم أو سمن أو ما أشبه ذلك وزاد لذلك ثمنها ثم ذهب ذلك عنها في يده وعادت الى صفتها التي كانت عليها في وقت غصبها ، وجب عليه ضمان ما نقص في يده. وكذلك عليه ضمان ما ينقص منها لو غصبها وهي حامل ، أو هي غير حامل ثم حملت في يده ، أو أسقطت فنقص بذلك ثمنها.
وإذا غصب جارية قيمتها مأة فزادت زيادة السوق وبلغت ألفا ثم رجعت الى مأة لم يكن عليه ضمان هذا النقص ، لأن زيادة السوق غير مضمونة بلا خلاف. وإذا غصبها وقيمتها مأة فسمنت وبغلت ألفا ثم هزلت حتى رجعت الى المائة كان عليه ردها مع ما نقصت وهو تسع مأة ، لأن الزيادة حدثت مضمونة. وكذلك لو غصبها وقيمتها مأة فتعلمت القرآن وبلغت ألفا ثم نسيته ورجعت الى مأة كان عليه ردها وتسع مأة ، لأن الزيادة حصلت مضمونة. فان هلكت في يده كان عليه ضمانها.
وإذا غصب جارية سمينة مفرطه السمن ، قيمتها لذلك مأة فهزلت وحسنت فصارت قيمتها ألفا أو لم ينقص من قيمتها شي ء كان عليه ردها ولا شي ء عليه وكذلك لو غصبها وقيمتها الف فسمنت وعادت الى مأة ثم هزلت فرجعت الى ألف ردها ولم يكن عليه شي ء لأنه ما نقص منها ماله قيمة فلم يلزمه ضمان. فاذا غصب عبدا قيمته مأة فخصاه فبلغ مأتين كان عليه رده وقيمة الخصيتين ، لان ضمان ذلك مقدر وإذا غصب إنسان غيره جارية وباعها من آخر فحدث بها عند المشترى لها عيب وحضر المغصوب فاستحقها (2) أخذها وكان بالخيار في أخذ ما نقصها من
ص: 438
العيب الحادث في يد المشترى ، من الغاصب ، فإن أخذه منه لم يرجع على المشترى بشي ء إذا كان ذلك العيب ليس من فعله. وان رجع على المشترى بالعيب وأخذ ما نقصها منه رجع المشترى بذلك على الغاصب. فان كان العيب بجناية المشترى عليها كان ما نقصها عليه. وان كان بجناية أجنبي كان ذلك على الجاني ، وان شاء ، على الغاصب فان رجع على الغاصب رجع الغاصب على الجاني ، وان شاء رجع على المشترى ويرجع المشترى على الجاني.
وإذا غصب غيره جارية وباعها من آخر ثم حضر سيد الجارية فأجاز بيعها بالثمن كان ذلك جائزا وهو بمنزلة بيع مجدد ويستحق سيد الجارية الثمن. فان كان الغاصب قبضه رجع به عليه. وان كان لم يقبضه كان لمالك الجارية في ذمة المشترى وكل ما حدث - بعد اجازة البيع - عند المشتري للجارية من ولد أو أرش جناية أو كسب ، كان ذلك للمشتري. لأن صاحبها قد سلم المبيع اليه. وان كان لم يسلم ذلك كان جميع ما حدث بها - من ولد ، أو كسب ، أو أرش ، أو وهب لها أو تصدق عليها به - للمغصوب منه.
فان كانت الجارية ماتت ثم سلم مالكها المبيع لم يجز. فان لم تمت ولم يسلم مالكها المبيع ، الا ان الغاصب اشتراها منه ، لم يجز البيع الأول (1) وهكذا لو وهبها سيدها له ، أو تصدق عليه بها أو مات فورثها منه.
وكل منفعة تضمن بعقد الإجارة فإنها تضمن بالغصب مثل منافع الثياب والعبيد والدور والدواب.
وكل مقبوض عن بيع فاسد لا يملك بالبيع الفاسد ولا ينقل به الملك بالعقد فان وقع القبض لم يملك أيضا به ، وإذا لم يملك كان مضمونا فاذا كان كذلك وكان المبيع قائماً وجب رده. فان كان تالفا رد بدله ان كان له مثل ، وان لم يكن له مثل رد قيمته إلى البائع ، لأن البائع دخل على ان سلم له الثمن المسمى في مقابلة ملكه ،
ص: 439
فإذا لم يسلم له المسمى وجب الرجوع الى عين ماله ، فان هلكت كان له بدلها. وهكذا عقد النكاح إذا كان فاسدا يضمن مع الدخول المهر. وكذلك الإجارة الفاسدة. فإذا كان الأمر على ما ذكرناه فالكلام في الأجرة والزيادة في العين.
فاما الأجرة ، فإن المبيع إذا لم يكن له منافع تستباح بالإجارة مثل الأشجار والطيور والغنم ، لم يضمن الأجرة ، لأنه ليس لها منافع. وان كان له منافع تستباح بالإجارة مثل الثياب والعقار والحيوان وما أشبه ذلك كان عليه اجرة المثل مدة بقائها عنده ، لأن المشتري دخل على ان يكون له ملك الرقبة ، والمنافع حادثة في ملكه بغير عوض. فاذا كان العقد فاسدا كانت المنافع حادثة في ملك البائع ، لأن المشتري لم يملك الرقبة فإذا كانت في ملك البائع والمشترى فقد استوفاها بغير اذن المالك لها بغير حق ، كان ضامنا لها.
واما الزيادة فمثل تعليم القرآن والصنعة والسمن ، وتلك يضمنها القابض. والحكم فيها كالحكم في الغصب وقد تقدم ذكر جملة منه كافية في هذا الباب.
من غصب جارية حاملا كان ضامنا لها ولحملها وكذلك الحكم في ولد المشتراة شراء فاسدا ، فاذا غصب جارية ووطأها وهما جميعا غير عالمين بالتحريم اما لبعد دارهما من دار الإسلام ، أو لأن عهدهما بالإسلام قريب وهما يعتقد ان الملك بالغصب فان الوطأ ليس حراما ولا يجب عليهما فيه حد ، لأنه وطأ شبهة.
فان كانت الموطوئة ثيبا لم يلزمه شي ء غير المهر ، وان كانت بكرا كان عليه عشر قيمتها وهو أرش البكارة عندنا. وكذلك يلزمه ان اذهب بكارتها بإصبعه. فإن جمع بينهما وجبا معا وعليه اجرة مثلها من حين القبض الى حين الرد ، لان المنافع كما قدمناه تضمن بالغصب. فإن أحبلها كان الحكم في المهر والحد والأرش على ما سلف ذكره. فاما الولد فهو حر ولا حق بالواطى ء لأنه أحبلها بوطء شبهة. فان وضعت كان ضامنا لما نقصت بالوضع ، لأنها مضمونة باليد الغاصبة ، ولان سبب النقص منه فوجب عليه لذلك الضمان. فان وضعته حيا كان عليه قيمته ، لان من حقه ان يكون مملوكا لمولاها فان حررناه لزمه قيمته. ووقت التقويم يوم وضعته حيا
ص: 440
لأنه الوقت الذي حال بين سيدها وبين التصرف فيه ، لأنه قبل ذلك غير مالك للتصرف فيه.
وان وضعته ميتا لم يلزمه ضمان له ، لأنه لم يثبت لنا حياة (1) ولا علمناها قبل ذلك وأيضا فإنه ما حال بينه وبين السيد في وقت التصرف. فان كانا عالمين بالتحريم كان الحد عليهما واجبا ، لان الوطء منهما زنا. فان كانت الموطوءة بكرا كان عليه أرش البكارة وقد ذكرناه فيما تقدم. وعليه اجرة مثلها من وقت القبض الى وقت الرد. وعليه المهر إذا كان أكرهها. وان لم يكن أكرهها لم يلزمه ذلك ، لأنها إذا طاوعته في ذلك كانت زانية والزانية لا مهر لها.
فإن أحبلها لم يلحق النسب به لأنه عاهر ويكون الحمل مملوكا ، لأنها علقت من الزنا فاذا وضعته كان عليه ما نقصت بالولادة. فإن وضعته حيا فهو مملوك مغصوب في يده مضمون عليه. فان كان قائماً رده وان كان تالفا عليه قيمته أكثر ما كانت قيمته من وقت الوضع الى وقت التلف. وان وضعته ميتا لم يلزمه قيمته ولا غيرها لأنا لا نعلم له حياة كما قدمناه.
فان كانت المرأة عالمة بالتحريم والرجل غير عالم به وكانت مكرهة فالحكم فيها كالحكم فيما ذكرناه إذا كانا غير عالمين بالتحريم. وان كانت مطاوعة له في ذلك ، فالحكم فيهما أيضا كالحكم فيهما إذا كانا غير عالمين إلا في الحد عليها. فان كان الرجل عالما والمرأة غير عالمة بذلك فالحكم فيه كالحكم إذا كانا عالمين إلا في وجوب المهر عليه وسقوط الحد عنها. اما (2) وجوب الحد عليها فلأنها عالمة بالتحريم واما سقوط المهر عنه فلأنها زانية ولا مهر لزانية.
وإذا غصب إنسان من غيره دارا وسكنها أو لم يسكنها ومضت مدة يستحق لمثلها الأجرة كان ذلك واجبا عليه. وإذا اغصبه دابة وركبها أو لم يركبها حمل عليها
ص: 441
أو لم يحمل كان الحكم في أجرتها كما ذكرناه في الدار سواء وإذا غصب خفين قيمتهما عشرة دراهم فتلف أحدهما وكانت قيمة الباقي ثلاثة فعليه رد الباقي ويرد معه بسبعة : خمسة منها قيمة التالف ودرهمان للنقص بالتفرقة ، لأن التفرقة جناية منه فوجب لذلك ما ذكرناه.
وإذا غصب غيره حملا فصار كبشا رده بعينه ولا يجب عليه بدل الحمل. وإذا غصب عصيرا فصار خمرا كان عليه قيمة العصير. فإن بقي الخمر عنده حتى صار خلا رد الخل ولم يجب عليه بدل العصير لان هذا الخل عين ماله.
ومن غصب عقارا ، كان بيع المالك له لا يصح ، لان يده ليست عليه. فان كان مالكه محبوسا وباعه كان البيع صحيحا لان حبسه لا يزيل يده عنه ، وإذا هجم على دار غيره وليس فيها صاحبها كان غاصبا وعليه الضمان. وان كان صاحبها فيها كان عليه ضمان نصفها ولا يملك شيئا منها ، لان يد صاحبها لم تزل عنها.
وإذا مد إنسان زمام ناقة من موضع الى موضع ولم يكن صاحبها عليها كان عليه ضمانها. وان كان صاحبها عليها لم يلزمه ضمانها. لان يد مالكها لم تزل عنها.
وإذا غصب إنسان دارا فزوقها (1) أو جصصها كان لصاحبها نقله منها لأنه شغل ملك غيره بملكه. وان لم يطالب بذلك فأراد هذا الغاصب النقل كان ذلك له ، لان ذلك عين ماله وضعها في ملك غيره فجاز له نقلها منه فان قلع الغاصب ذلك بمطالبته أو غير مطالبة ولم تنقص الدار عما كانت قبل التزويق والتجصيص عليها كان عليه اجرة المثل من وقت الغصب الى وقت الرد. وان نقصت وجب عليه أرش النقص والأجرة جميعا فان طالب مالك الدار بالنقل فقال الغاصب قد وهبت مالي فيها - من تزويق وما أشبه ذلك - لك لم يلزم صاحبها قبول ذلك منه لأن الأصل براءة الذمة من وجوب قبوله.
وإذا اختلف اثنان فقال أحدهما غصبتنى عبدا وقال الأخر غصبتك ثوبا كان
ص: 442
القول قول الغاصب لان الغاصب معترف بثوب ، والمدعى لا يدعيه بل يدعى عبدا والمدعى عليه ينكر ذلك فكان القول قول المدعى عليه مع يمينه.
وإذا اختلف اثنان في جارية فقال الغاصب : كانت برصاء ، أو جذماء ، أو ما أشبه ذلك وأنكر الأخر ذلك ، كان القول قول صاحبها مع يمينه ، لأن الأصل السلامة والغاصب يدعى خلاف الأصل.
وان اختلفا فقال صاحبها : كانت تقرء القرآن أو هي صانعة فأنكر الغاصب ذلك كان القول قول الغاصب ، لأن الأصل ان لا قراءة ولا صنعة.
وإذا غصب إنسان من غيره مالا بمصر ، فاجتمع به في مكة فطالبه به ولم يكن في نقله مؤنة مثل الأثمان كان له المطالبة سواء كان الصرف في البلدين متفقا أو مختلفا لأنه لا مؤنة في نقله في العادة. وان كان لنقله مؤنة وكان له مثل كالأدهان والحبوب فان كانت القيمتان في البلدين متساوية كان له المطالبة بالنقل لأنه لا مضرة في ذلك عليه. وان كانت القيمتان مختلفين فالحكم له فيما له مثل وفيما لا مثل له سواء فللمغصوب منه ، اما ان يأخذ من الغاصب بمكة ، القيمة بمصر ، واما ان يترك حتى يقبض منه بمصر لأن في النقل مؤنة والقيمة مختلفة.
فإن كان الحق وجب له عن سلم (1) لم يجز له مطالبته به بمكة ، لأن عليه ان يوفيه في مكان العقد ، ولا له مطالبته بالبدل سواء كان لنقله مؤنة أو لا يكون لنقله ذلك.
وإذا ادعى اثنان على ميت ثوبا فأقام أحدهما بينة بأنه ثوبه اغتصبه الميت إياه واقام الأخر بينة بأنه له استودعه الميت وعدلت البنتان ، أحلفا فإن حلفا جميعا أقرع بينهما فيه فمن خرجت له القرعة دفع الثوب اليه.
وإذا اختلف اثنان في جبة ، فقال أحدهما للآخر : غصبتنى هذه الجبة المحشوة فقال الغاصب : انما غصبتك الظهارة (2) لا غير ، كان القول قول الغاصب مع يمينه
ص: 443
فإن قال غصبتك الجبة ثم قال بعد ذلك : البطانة والحشولى ، لم يلتفت الى قوله. وكذلك لو قال : غصبتك هذه الدار وهذه الأرض ثم قال بعد ذلك : لي فيها جدار أو باب أو في الأرض شجر أو نهر ، لم يلتفت الى قوله.
فان غصب نصراني من نصراني خمرا واستهلكها كان عليه مثلها. فإن أسلما جميعا لم يجب عليه شي ء. فإذا أسلم أحدهما بعد الحكم له بخمر مثلها أو قبل ان يحكم له بها فان كان الذي أسلم هو الغاصب كان عليه قيمتها. وان كان المغصوب هو الذي أسلم بطلت
فان استهلك مسلم خمر ذمي كان عليه قيمة ذلك عند أهل الذمة.
وإذا غصب إنسان غيره ثوبا وصبغه فان كان الصبغ لصاحب الثوب ولم يزد ولم ينقص ، أخذ صاحب الثوب ثوبه. فان زاد بالصبغ كانت الزيادة له وان نقص كان ضمان ما نقص على الغاصب ، لأنه نقص بجنايته ، وان كان الثوب لواحد والصبغ للآخر لم يزد ولم ينقص كانا فيه شريكين ، وان زادت كانت الزيادة لهما وان نقص وكان النقص من ناحية الصبغ كان لصاحب الصبغ مطالبة الغاصب بما نقص دون صاحب الثوب وان كان النقص من ناحية الثوب كان لصاحبه المطالبة بالنقص دون صاحب الصبغ وان كان صاحب الصبغ الغاصب ولم يزد ولم ينقص مثل ان تكون قيمته عشرة وقيمة الصبغ عشرة وهو بعد الصبغ تساوى عشرين فإنهما يكونان شريكين فيه ، لان لكل واحد منهما عينا قائمة. وان زاد مثل ان يكون قيمة الثوب عشرة وقيمة الصبغ عشرة ويساوى بعد الصبغ ثلاثين فان كانت الزيادة لزيادة الثوب والصبغ ، كان الحكم في ذلك مثل الحكم فيما لو كانت قيمة الثوب عشرة وقيمة الصبغ عشرة فصبغه لم يزد ولم ينقص وان يكونا شريكين فيه فان كانت الزيادة لزيادة السوق مثل ان غلت الثياب فبلغت قيمة الثوب عشرين وبقي الصبغ بحاله ، أو غلا الصبغ فبلغ عشرين وقيمة الثوب بحالها كانت الزيادة لمن غلت عين ماله وحده لا يشاركه الأخر فيه
فان نقص فصار بعد الصبغ يساوي خمسة عشر قد نقص خمسة فتكون من صاحب الصبغ وحده ، لأنه ان كان النقص عاد الى الثوب فقد حدث بجنايته عليه.
ص: 444
وان كان النقص عاد الى الصبغ فهو الجاني على صبغ نفسه فيكونان شريكين فيه ، لصاحب الثوب ثلثاه ، ولصاحب الصبغ الثلث. فان نقص فصار يساوى عشرة فالنقص أيضا على صاحب الصبغ ولا شركة له فيه.
وإذا غصب إنسان غيره طعاما ثم أطعمه إياه والمغصوب منه عالم بأنه طعامه لم يكن على الغاصب شي ء ، وان كان لا يعلم انه طعامه كان عليه مثل الطعام أو قيمته لأنه بإطعامه له متطوع بذلك.
فان اختلفا فقال المغصوب منه أكلته وانا غير عالم بأنه طعامي فلي عليك مثله أو قيمته وقال الغاصب : بل أكلته وأنت عالم بأنه طعامك فلا شي ء لك على فيه ، كان القول قول المغصوب منه مع يمينه.
وإذا غصب إنسان غيره دابة وشعيرا وأطعم الدابة الشعير كان عليه رد الدابة ومثل الشعير ، لأنه متطوع بما فعله.
وإذا غصب غيره زيتا فخلطه بزيت هو أجود منه أو مثله قيل للغاصب : ان شئت فادفع اليه زيتا مثل زيته أو ادفع اليه من هذا الزيت مقدار حقه. وان كان خلطه بزيت هو شر منه ، ضمن الغاصب له مثل زيته لأنه قد أتلفه بخلطه له بما هو شر منه. فإن خلطه بغير زيت مثل ان يكون خلطه بسمن أو عسل أو غير ذلك من الأدهان المخالفة للزيت ، كان ضامنا له مثل زيته. فان غصبه زيتا وأغلاه على النار فنقص بذلك شيئا كان ضامنا لما نقص بذلك.
وإذا غصب من إنسان حنطة ومن آخر شعيرا وخلطهما ضمن لكل واحد منهما مثل ماله من ذلك. وإذا كان عند إنسان كر (1) حنطة لرجل وكر شعير لآخر وكان جميع ذلك وديعة فعدا عليها إنسان فخلطهما وهرب فلم يقدر عليه فان ذلك يباع ويقسم الثمن على قيمة الحنطة والشعير ويدفع الى صاحب الحنطة قسط الحنطة والى صاحب الشعير قسط الشعير. فان كان يمكن تميز أحدهما من الأخر ميز ذلك وأخذ كل واحد
ص: 445
منهما ماله. فان عرض في ذلك نقص لم يكن على المستودع منه شي ء. فان باعا الحنطة والشعير مجازفة واختلفا في كل (1) ذلك وكان المشترى لهما قد استهلكهما كان القول في الحنطة قول صاحب الشعير مع يمينه وفي الشعير قول صاحب الحنطة مع يمينه (2) ويقسم الثمن بينهما.
وإذا غصب غيره دقيقا فخلطه بدقيق آخر فالحكم فيه كما ذكرناه في الزيت. وإذا غصب غيره « عسلا » و « شيرجا (3) أو سمنا » و « دقيقا » ثم عصده (4) كان المغصوب منه مخيرا بين ان يأخذه بحاله من غير ان يعتبر التقويم ، فليأخذه ، فإن زاد أو نقص كان له. وان اختار التقويم قوم كل واحد من الثلاثة منفردا. فان لم تزد القيمة بالعمل أخذه ولا شي ء له ، وان كان أقل كان له أرش ما نقص. وان زاد بالعمل كان له
وإذا غصب إنسان حنطة فطحنها أو نقرة فضربها دراهم كان عليه رد ذلك. فان نقصت النقرة حين ضربها دراهم وكان النقص نقصا في الوزن دون القيمة كان ضامنا لما نقص من الوزن ، لأنه أتلف جزء منها. وليس عليه شي ء مما زاد بالضرب لأنها آثار (5) وان كان النقص في القيمة دون الوزن مثل ان ضربها ضربا وحشا (6) كان عليه ما بين قيمتها غير مضروبة وبينها مضروبة. فان نقص الأمران جميعا كان عليه ضمانها.
وإذا غصب غيره خشبة ونشرها ألواحا كان عليه ردها الى صاحبها. فان زادت كان ذلك للمالك ، وان نقصت كان ضامنا لما نقص. فإن الف الألواح أبوابا وسمرها بمسامير للمالك ، أو من نفس (7) الخشب ، أو جعل منها. أواني قصاعا وما أشبهها كان عليه رد ما عمل منها وان كان قد زاد في قيمته - لأن الزيادة آثار - فان كان سمرها
ص: 446
بمسامير من عنده كان له قلعها لأنها عين ماله وكان عليه رد الأبواب. فإن نقصت بقلع المسامير كان ضامنا لذلك النقص.
وإذا غصب ساجة (1) فبنا عليها ، أو لوحا فأدخله في سفينة كان عليه رده سواء كان فيه قلع ما بنى عليه في ملكه أو لم يكن فيه قلع ذلك. فان خاف على حائط من السقوط فلا خلاف في انه يجوز ان يأخذ جذع غيره بغير امره فيسده به.
وإذا كان عليه رد ذلك كما قدمناه كان عليه اجرة مثلها من حين الغصب الى حين الرد.
فان كانت الساجة قد نقصت كان عليه أرش النقص ، لأنه أدخل النقص بفعله فان عطفت (2) في البناء وإذا أخرجها لم ينتفع بها كان عليه قيمتها ولم يجب عليه ردها ، لأنها بذلك مستهلكة.
واما اللوح إذا أدخله في السفينة في البر أو في البحر قريبة من البر كان الحكم فيه كالحكم الذي ذكرناه في الساجة والبناء سواء وان كانت السفينة في لجة البحر وكان اللوح في أعلاها ، أو في مكان لا يخاف عليها من الغرق بقلعه كان عليه قلعه ورده الى صاحبه. وان كان في مكان منها إذا قلع غرقت وكان فيها حيوان له حرمة وان كان قويا (3) لم يقلع لأنه ان كانت حرمته سقطت في حقه فلم تسقط حرمة الحيوان في نفسه. وان رضي بإتلاف نفسه لم يقلع ، لأنه لا يملك إدخال الضرر على نفسه.
وان لم يكن فيها حيوان وكان فيها مال لغيره لم يقلع أيضا لأنه لا يملك إدخال الضرر على غير الغاصب. وان كان المال للغاصب أو لم يكن له فيها متاع الا انه يخاف ان قلع غرقت السفينة ، لم يقلع لأنه يمكن ازالة الضرر عن كل واحد منهما : عن الغاصب بالتأخير حتى تقرب من البر ، وعن المالك بان يصبر حتى يصل اليه عين
ص: 447
ماله فلا وجه لإسقاط أحدهما مع القدرة على حفظهما
وإذا غصب غيره حطبا وقال لصاحبه : اسجر (1) به التنور واخبز كان ضامنا له ولم يزل عنه الضمان بامره له ، أو فعله هو بالحطب (2) ما امره الغاصب به.
وإذا فتح قفصا فيه طيور ، أو حل دابة من مربطها ونفر كل واحد منهما حتى ذهب كان عليه ضمانه بغير خلاف. وأيضا فإنه سبب يلزم الضمان به ويجرى مجرى ان يحفر بئرا ثم يدفع فيها بهيمة أو إنسانا في انه يكون عليه عندنا ضمانه على كل حال
وإذا احبس إنسان عبده في بيت وأغلقه عليه وجاء إنسان ففتح الباب وذهب العبد عقيب الفتح كان عليه ضمانه.
وإذا فتح مراح (3) الغنم فخرجت فدخلت زرع إنسان فافسدته كان ضامنا للزرع.
وإذا حل رأس رواية أو زق (4) فخرج ما في ذلك وكان مائعا مثل الأدهان أو الخل أو ما أشبه ذلك وكان خروجه لحله مثل ان كان مطروحا على الأرض ليس يمسكه غير شد رأسه كان عليه الضمان ، لأنه خرج بفعله. وان جرى بعد حله بسبب كان منه مثل ان يكون مستندا فلما حله جرى بعضه وخف جانب وثقل آخر فدفع واندفق ، أو نزل ما جرى أولا إلى تحته وبل الأرض فلانت (5) ومال الزق ، فوقع واندفق ما كان فيه ، كان عليه الضمان لان ذلك كان بسبب منه.
فان اندفق ما فيه بفعل ، حدث بعد حله مثل ان كان مستندا فحله وبقي مستندا محمولا على ما هو عليه ثم حدث بعد ذلك ما حركه من زلزلة أو ريح أو ما جرى مجرى ذلك
ص: 448
فسقط واندفق ، فان السبب يسقط حكمه لأنه قد حصلت (1) مباشرة وسبب غير ملج (2) فسقط حكمه بغير خلاف.
فان كان ما في الزق جامدا كالسمن أو العسل أو الدقيق أو ما أشبه ذلك وكان على صفة لو كان ما فيها مائعا لم يخرج وبقي بحاله ، ثم ذاب فاندفع بسبب آخر فلا ضمان عليه. وان كان على صفة لو كان ما فيها مائعا خرج ثم ذاب بحر الشمس أو الضرب وخرج ، كان عليه الضمان لان خروجه بسبب كان عنه ، لأنه حل الزق ولم يحدث بعد حله مباشرة من غيره ، وانما ذاب بحر الشمس فاذا لم يحدث بعد الحل فعل كان ذهابه بسراية فعله.
وإذا غصب شاة فأنزى (3) عليها فحلا لنفسه فاتت بولد ، كان الولد لصاحب الشاة دون الغاصب ، لان الولد يتبع الأم. فإن كان الفحل قد نقص بذلك ، لم يكن على صاحب الشاة ضمان ، لأن التعدي من صاحبه فلا يرجع به على غيره. فان كان غصب فحلا فأنزاه على شاة نفسه كان الولد لصاحب الشاة. واما أجرة الفحل فلا تلزم الغاصب لان كسب الفحل منهي عنه.
وان كان الفحل قد نقص بالضراب (4) كان على الغاصب الضمان لأنه متعد فيه
وإذا غصب أرضا فزرعها بحب نفسه كان الزرع له دون مالك الأرض ، لأنه عين ماله زاد ونما وعليه اجرة مثلها من وقت الغصب الى وقت الرد ، لان هذه المنافع مضمونة على الغاصب كما هي مضمونة بالبيع. فان نقصت الأرض كان عليه أرش النقص. وان لم يزرعها كان عليه اجرة المثل من وقت الغصب الى وقت الرد
وإذا غصب شجرة فأثمرت كالنخل وما أشبهها كان الثمر لمالك الشجر ، لأنه عين ماله زاد ونما. فان كان رطبا رده بحاله وان تلف رطبا فعليه قيمته لان كل رطب
ص: 449
من الثمار كالرطب والعنب والتفاح وما جرى مجرى ذلك انما يضمن بالقيمة. فإن كان رطبا فشمسه كان عليه رده ان كان قائماً ، ومثله ان كان تالفا لان الثمر له مثل ، فاذا رد مثله ان كان تالفا ، أو رد المشمس بحاله ان كان قائماً ، وكانت قيمته زادت بالشمس أو لم تزد ولم تنقص عن قيمة الرطب ، لم يكن على الغاصب شي ء.
وان نقصت بالتشميس كان ضامنا لما نقص. فاما الشجر فان كان نقص عنده كان عليه أرش النقص. واما الأجرة فليس عليه ضمانها. والفرق بين الأرض والشجر ان منافع الشجر ثمرها وتربيتها (1) الى وقت إدراكها وهذه المنافع قد رجعت الى مالكها بكون نماها له ، فلهذا لم يضمنها الغاصب كمنافع الغنم ، ومنافع الأرض عادت الى الغاصب ، فلهذا كان عليه ضمان أجرتها.
فإن كان الغصب ماشية فنتجت نتاجا كان النتاج لمالكها مثل الثمرة سواء. فان كان النتاج قائماً كان عليه رده وان كان تالفا كان عليه رد قيمته ، واما اللبن فعليه مثله ، لأنه يضمن بالمثلية كالأدهان والحبوب.
واما الشعر والوبر والصوف فعليه مثلها ان كان لها مثل أو القيمة ان لم يكن لها مثل.
وإذا كان الخمر والخنزير في يد مسلم فأتلفه متلف لم يكن عليه ضمان ، مسلما كان المتلف أو كافرا. فان كان ذلك في يد ذمي فأتلفه متلف كان عليه الضمان عندنا ، مسلما كان المتلف أو كافرا. والضمان هو قيمة الخمر والخنزير عند مستحليه ولا يضمن ذلك بالمثلية على حال.
وإذا غصب إنسان بمصر طعاما ونقله إلى مكة فاجتمع به صاحبه بمكة كان له مطالبته برده الى مصر ، لأنه نقله بغير حق ، ولان رده يجرى مجرى ضمان
ص: 450
المثل (1) فان قال له صاحبه : اتركه بمكة ولا ترده ، لم يجز للغاصب رده لأنه قد خفف عنه مؤنة نقله.
فان قال للغاصب : عليك الرد إلا اننى لا أكلفك ذلك ، أعطني اجرة رده الى مصر ، لم يلزم الغاصب ذلك لان الواجب عليه هو المنفعة فلا يملك مطالبته بالبدن ، لان مع القدرة على المثل لا يضمن القيمة.
وإذا غصب إنسان شيئا من الفواكه التي لا تبقى ، مثل الموز والتفاح والكمثرى (2) وما أشبه ذلك ، فتلف ذلك في يده وتأخرت المطالبة بقيمته ، كان عليه أكثر ما كانت قيمته من وقت الغصب الى وقت التلف. فاذا كان الغصب مما يجرى فيه الربا كالأثمان والمكيل والموزون فجنى عليه جناية ، استقر ارشها ، مثل ان كان الغصب دنانير ثم سبكها أو طعاما فبله فاستقر نقصه كان عليه رده بعينه وعليه ضمان ما نقص.
وإذا غصب إنسان عبدا فرده وهو أعور ، واختلفا فقال سيده : عور عندك ، وقال الغاصب : بل عندك ، كان القول قول الغاصب مع يمينه ، لأنه غارم. فان اختلفا في ذلك بعد موت العبد ودفنه كان القول قول السيد : بأنه ما كان أعور. والفرق بينهما انه إذا مات ودفن فالأصل السلامة حتى يعرف عيب فكان القول قول سيده ، وليس كذلك إذا كان حيا لان العور موجود مشاهد والظاهر انه لم يزل (3) حتى يعلم انه حدث عند الغاصب.
وإذا غصب إنسان جارية فولدت ولدا مملوكا كان عليه رده. فان كانت قيمتها نقصت بالولادة كان عليه مع رد الولد أرش ما نقصت. فان كان الولد قائماً رده وان كان تالفا رد قيمته.
ص: 451
فان غصب مملوكا أمرد فنبت لحيته ونقص ثمنه. أو جارية ناهدا (1) فسقطت ثدياها ، أو رجلا شابا فابيضت لحيته كان عليه ما نقص من ذلك.
وإذا غصب حبا فزرعه ، أو بيضة فأحضنها (2) دجاجة ، كان الزرع والفرخ للغاصب وعليه قيمة الحب والبيض ، لان عين الغصب تالفة لم يجب إلا القيمة.
وإذا تعدى إنسان على ما لا يحل كسبه فأتلفه ، لم يكن عليه شي ء. ومن كسر شيئا من الملاهي كالبربط (3) والطنابير (4) أو آلات الزمر (5) أو ما جرى مجرى ذلك لم يكن عليه شي ء. ونهى (6) عن القمار والنثار (7) الذي يؤخذ اختطافا (8) وانتهابا ويأخذه من لم يدع اليه ولا أبيح له أخذه. ونهى (9) عن ان يأكل الإنسان طعاما لم يدع اليه ونهى (10) عن إخراج الجدران في طريق المسلمين ، فمن فعل شيئا من ذلك كان عليه رده الى موضعه (11).
« تم كتاب الغصب »
ص: 452
روى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله انه قال : « الشفعة فيما لم تقسم ، فاذا وقعت الحدود فلا شفعة » (1).
وروى عنه صلى اللّه عليه وآله انه قال : « الشفعة في كل مشترك ، ربع (2) أو حائط ، ولا يحل له ان يبيعه حتى يعرضه على شريكه ، فان باعه فشريكه أحق به » (3).
وروى عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال. « لا شفعة فيما وقعت عليه الحدود (4) وليس للجار شفعة وله حق وحرمة » (5)
واعلم ان الشفعة لا تثبت الا لشريك مخالط ، وتثبت للغائب كما تثبت للحاضر وإذا كان اثنان شريكين في دار وليس فيها شريك غيرهما وباع أحدهما نصيبه منها كان لشريكه الشفعة. وفي أصحابنا من ذهب الى ان الاشتراك معها إذا زادوا على اثنين كانت الشفعة بينهم بالحصص ، والذي ذكرنا هو الظاهر من مذهبنا.
وإذا اقتسما الشريكان الدار وتميز نصيب كل واحد منهما من نصيب الأخر
ص: 453
لم يثبت لأحدهما في ذلك شفعة. والشفعة تثبت بالاشتراك في الطريق ، مثال ذلك : زقاق (1) مشترك بين اثنين داراهما فيه ، فاذا باع أحدهما داره كانت الشفعة له في ذلك فإن أفرد بيع الدار عن الممر المشترك بان يحول الباب الى زقاق آخر أو دار اخرى بطلت الشفعة.
وان كانت الدور أكثر من دارين والشركاء أكثر من اثنين بطلت الشفعة عند أكثر أصحابنا على ما قدمناه.
وإذا اشترى إنسان دارا والطريق إليها من شارع أو درب (2) نافذ ، لم يكن في الطريق شفعة لأنه غير مملوك ، واما الدار فليس فيها شفعة لأن الشفعة لا تثبت بالجوار كما قدمناه.
فان كان الطريق مملوكا مثل الدرب - الذي لا ينفذ - المشترك بين اهله وطريقهم الى دورهم فمتى اشترى إنسان منه دارا وكان الشركاء أكثر من واحد لم يثبت فيها شفعة وان كان واحدا فله شفعة ، الا ان يكون المشترى يحول باب الدار الى درب آخر فلا يثبت الشفعة حينئذ في الدار ، وهذا الدرب يثبت به الشفعة عندنا.
والشفعة واجبة للمولى عليه. ولوليه أخذ ذلك له. والمولى عليه : المجنون والصبي ، والمحجور عليه لسفه والولي لهؤلاء : الأب ، والجد أو الوصي من قبل واحد منهما ، أو أمين القاضي ان لم يكن هناك أب ، ولا جد. ولوليه أن يأخذ ذلك له من غير انتظار لبلوغه ورشاده إذا كان له غبطة (3) في ذلك ، فإذا أخذ له لذلك لم يكن للصبي - إذا بلغ أو غيره إذا علم رشده - رد ذلك على المشترى. فان ترك الأخذ له لم تبطل حق الصبي فإذا بلغ ورشد كان مخيرا بين المطالبة بذلك وأخذه ، وبين تركه.
ص: 454
وإذا باع إنسان شقصا بشرط الخيار وكان الخيار للبائع ، أو للبائع والمشترى لم يكن للشفيع شفعة ، لأن الشفعة انما تجب إذا انتقل الملك اليه. وان كان الخيار للمشتري وجبت الشفعة للشفيع ، لان الملك ثبت للمشتري بنفس العقد.
وإذا باع شقصا بشرط الخيار فعلم الشفيع بذلك فباع نصيبه بعد العلم بذلك بطلت شفعته لأنه انما يستحق الشفعة بالملك وملكه الذي يستحق الشفعة به قد زال فبطلت شفعته. وإذا استحق الشفيع الشفعة ووجبت له على المشترى وكان المشترى قد قبض الشقص ، قبضه الشفيع منه ودفع الثمن اليه وكان ضمان الدرك على المشترى لا على البائع. وان كان قبل ان يقبضه المشترى كان الشفيع يستحقها على المشترى أيضا ويدفع اليه الثمن ويقبض الشفيع الشقص من يد البائع ويكون هذا القبض بمنزلة قبض المشترى من البائع ثم قبض المشترى من المشترى.
فان أراد الشفيع فسخ البيع والأخذ من البائع لم يكن له ذلك. وإذا أخذها من يد البائع لم يكن الأخذ منه فسخا للبيع. فان باع المشترى الشقص كان الشفيع مخيرا بين ان يفسخ العقد الثاني ويأخذ بالشفعة في العقد الأول وبين ان يطالب بالشفعة في الأخذ (1) الثاني.
وان تقابل البيعان كان للشفيع دفع الإقالة ورد الملك إلى المشترى والأخذ منه. فان ادعى البائع البيع وأنكره المشترى وحلف ، كان للشفيع أن يأخذ من البائع وتكون العهدة عليه.
وإذا كان الشفيع وكيلا في بيع الشقص الذي يستحقه بالشفعة لم تسقط بذلك شفعته ولا فرق في ذلك بين ان يكون وكيلا للبائع في البيع أو المشترى في الشرى لأنه لا مانع من وكالته لهما ، ولا دليل يدل على سقوط حقه من الشفعة بذلك.
وبيع الشقص من الدار والأرض بالبراءة من العيوب جائز علم المشترى بالعيب أو لم يعلم. فاذا بيع الشقص كذلك وأخذه الشفيع بالشفعة وظهر به عيب ، لم
ص: 455
يخل من ان يكون المشترى والشفيع غير عالمين بالعيب ، أو يكونا عالمين به ، أو يكون المشترى غير عالم والشفيع عالما ، أو يكون الشفيع غير عالم والمشترى عالما
فان كانا غير عالمين كان للشفيع رده على المشترى. وان كانا عالمين به استقر الشراء والأخذ بالشفعة معا ، لان كل واحد منهما دخل مع العلم بالعيب. وان كان المشترى غير عالم والشفيع عالما سقط رد البيع ، لأنه دخل مع العلم بالعيب. وان كان الشفيع غير عالم والمشترى عالما كان للشفيع رده على المشترى لأنه اشتراه مع العلم بالعيب فلم يكن له رده.
وإذا كانت يد اثنين على دار فادعى أحدهما على شريكه فقال : ملكي فيها قديم وقد اشتريت ما في يديك الان وانا استحقه عليك بالشفعة ، فأنكر المدعى عليه كان القول قوله مع يمينه ، لأنه مدعى عليه. فان حلف (1) على انه لا يستحقه عليه بالشفعة حلف على ما أجاب ولم يكلف ان يحلف على انه ما اشترى ، لأنه قد يكون اشتراه ثم سقطت الشفعة بعد الشراء بعقد أو غير عقد. فان نكل عن اليمين رددناها على الشفيع فان حلف حكمنا له بالشقص ويكون الشفيع معترفا بالثمن للمشتري والمشترى لا يدعيه فاذا كان كذلك قيل له اما ان يقبض أو يتبرع ، فان لم يفعل وضع في بيت المال حتى إذا اعترف المشترى به سلم إليه ، لأنه حكم عليه بتسليم الشقص ، والاعتراف قد حصل بان الثمن بدل عنه فمتى طلبه دفع اليه.
وإذا كانت دار بين اثنين نصفين ، فادعى كل واحد منهما على الأخر ان النصف الذي في يده يستحقه عليه بالشفعة ، رجعنا إليهما في وقت الملك فان قالا جميعا ، ملكناها جميعا في وقت واحد بالشراء من رجل واحد ، أو من رجلين لم يكن لأحدهما على الأخر شفعة ، لأن ملك كل واحد منهما لم يتقدم ملك الأخر. وان قال كل واحد منهما : ملكي متقدم وأنت ملكت بعدي فلي الشفعة فان لم يكن مع أحدهما بينة في ذلك فكل واحد منهما مدع ومدعى عليه. فان سبق أحدهما بالدعوى على الأخر
ص: 456
قلنا له : أجب عن الدعوى. فان قال : ملكي هو المتقدم ، قلنا له : ليس هذا جواب الدعوى ، بل ادعيت كما ادعى ، فأجب عن الدعوى. فان قال : لا يستحق الشفعة على ، كان القول قوله مع يمينه.
وان نكل عن اليمين رددناها على المدعى فإذا حلف حكم له بالشفعة وسقطت دعوى الأخر ، لأنه لم يبق له ملك يدعي الشفعة به بعد ذلك. وان حلف سقطت دعوى صاحبه وقبل له الدعوى بعد هذا ، فاذا ادعى بعد ذلك على صاحبه فان نكل حلف هو واستحق الشفعة. وان لم ينكل وحلف سقطت الدعوى وبقيت الدار بينهما جميعا كما كانت قبل المنازعة.
فإن كان مع أحدهما بينة وشهدت له بالتأريخ فقالت : نشهد انه ملكها منذ سنة أو في الشهر الفلاني ، قلنا ليس في هذا التأريخ فائدة لأنا لا نعلم وقت ملك الأخر.
فإن قالت : نشهد بأنه ملك قبل الأخر حكم له بالبينة والشفعة ، لأن البينة متقدمة على دعوى صاحبه.
فان كان مع كل واحد منهما بينة وكانتا غير متعارضتين وهو ان تكونا مؤرختين بتاريخين مختلفين حكمنا بالشفعة للذي تقدم ملكه. فان كانتا مؤرختين تاريخا واحدا لم يكن لواحد منهما شفعة وان كانتا متعارضتين وهو ان يشهد كل واحدة منهما ان هذا سبق الأخر بالملك ، استعملنا القرعة فمن خرج اسمه حكمنا له به مع يمينه.
وإذا اشترى إنسان شقصا ثم وجد به عيبا كان له رده فان منعه الشفيع من رده كان ذلك له ، لان حق الشفيع أسبق لأنه وجب بالعقد ، وحق الرد بالعيب بعده ، لأنه وجب حين العلم. فان لم يعلم الشفيع بذلك حتى رد بالعيب كان له دفع الفسخ وإبطال الرد ، لأنه تصرف فيما فيه إبطال الشفعة كما لو تقايلا ثم علم بالعيب كان له رد الإقالة وإعادته إلى المشترى.
وإذا كانت الدار بين شريكين نصفين فوكل أحدهما شريكه فيها في بيع نصف نصيبه وهو الربع وقال له : ان شئت ان تبيع نصف نصيبك مع نصيبي صفقة واحدة
ص: 457
فافعل ، فباع الوكيل نصفها : الربع بحق الوكالة والربع بحق الملك ، كان البيع في الكل صحيحا لأن حصة كل واحد منهما من الثمن معلومة وقت العقد ، فاذا كان كذلك فقد صح البيع في نصف (1) الوكيل وهو الربع وفي نصف الموكل فهو الربع فاما الموكل فله ان يأخذ نصيب الوكيل بالشفعة ، لأنه ليس فيه أكثر من رضا الموكل بالبيع وإسقاط شفعته قبل البيع ، وهذا لا يسقط به الشفعة ، ولأنه لا شفيع سواه. واما الوكيل فليس له الأخذ بها لأنه لو أراد ان يشترى من نفسه هذا (2) المبيع لما صح ذلك له وأيضا فلو جعل له أخذه بالشفعة لكان متهما في تقليل الثمن.
وإذا كانت الدار بين شريكين فباع أحدهما منها نصيبهى ، ولم يعلم الشفيع بذلك حتى باع هو ملكه منها ثم علم بعد ذلك ، كانت الشفعة واجبة له ، لأنها وجبت له بالملك الموجود حين الوجوب ، وكان مالكا له وقت الوجوب والرد (3)
وجميع ما هو من ضياع أو متاع أو عقار أو حيوان فإن الشفعة تصح فيه وهو الأظهر في المذهب.
وإذا تميزت الحقوق وتحددت بالقسمة لم يصح فيها شفعة. وكذلك لا شفعة في الأرحية ولا الحمامات ولا ما لا تصح فيه القسمة ، ولا شفعة للكافر على المسلم. وتثبت الشفعة للمسلم على الكافر.
وإذا طالب إنسان بشفعة فوجبت له ، كان عليه من الثمن للمشتري مثل ما وزنه كما قدمناه. فان كان البيع بالنقد وجب عليه نقدا ، وان كان بنسيئة كان عليه نسيئة ان كان مليا (4) به. فان لم يكن مليا به كان عليه ان يقيم به كفيلا.
ومن وجبت له الشفعة فطولب بإحضار المال ، فمطل به ودافع أو كان عاجزا
ص: 458
عنه ، بطلت شفعته ، فان ادعى غيبة المال ضرب له أجل ثلاثة أيام ، فإن أحضره والا بطلت شفعته. فان ذكر ان المال في بلد آخر ضرب له أجل بمقدار ما يصح وصوله اليه فيه ، إذا لم يكن ذلك مؤديا إلى دخوله ضررا على البائع (1) فإن ادى الى ذلك بطلت شفعته.
والشفعة لا تكون موروثة كما تورث الأموال. فمن كانت له المطالبة بشفعة فمات قبل المطالبة بها ، ثم حضر وارثه ليطالب بما كان يستحقه الميت من المطالبة بها ، لم يكن له ذلك وكذلك ان طالب بها ولم يحضر المال ومات ، ثم حضر وارثه ليطالب بها عن الميت ويحضر المال لم يجز له أيضا ذلك.
وإذا اختلف البائع والمشترى والشفيع في ثمن المبيع الذي وجبت فيه الشفعة كان القول قول المشترى مع يمينه في ذلك.
والشفعة لا تثبت في معاوضة ولا هبة ولا إقرار بتمليك ولا صدقة ولا ما يكون مهرا وانما تثبت فيما يكون مبيعا بثمن معين.
ومن باع شيئا تجب فيه الشفعة نسيئة ، واحضر صاحب الشفعة المال في الحال كان الذي وجبت عليه الشفعة مخيرا بين قبضه وبين تأخيره إلى حلول الأجل.
تم كتاب الشفعة
ص: 459
المضاربة والمقارضة بمعنى واحد. وهو ان يدفع إنسان إلى غيره مالا ليتجر فيه ، على ان ما رزق اللّه سبحانه كان ما بينهما على ما يشترطانه. وهما لغتان : فالمضاربة لغة أهل العراق ، والقراض لغة أهل الحجاز.
والقراض من العقود الجائزة في الشريعة بغير خلاف ، وليس يجوز القراض إلا بالأثمان من الدنانير والدراهم ولا يجوز بغيرهما. ولا يصح بالنقرة لأنها معتبرة (1) بالقيمة كالحيوان والثياب.
وان دفع إنسان إلى حائك (2) غزلا وامره بأن ينسجه ثوبا ، على ان يكون الفضل بينهما كان ذلك قراضا باطلا ، لان القراض انما يصح ، بان يتصرف العامل في رقبة المال ويقلبها ويتجر فيها ، فاذا كان غزلا كان ذلك نفس المال وعينه ، ويكون ذلك لصاحب المال وللعامل اجرة مثله.
وإذا دفع إنسان إلى غيره ثوبا وقال له بعد فاذا حصل ثمنه فقد قارضتك عليه
ص: 460
كان باطلا ، لان القراض لا يصح بمال مجهول وهذا قراض بمال مجهول لا تعرف قيمته وقت العقد ، وللعامل اجرة مثله.
وإذا دفع إنسان إلى صياد شبكة وقال له اصطد بها فما رزق اللّه سبحانه من صيد فهو بيننا ، كان باطلا. فان اصطاد شيئا كان له ، دون صاحب الشبكة ، لأنه صيده ويكون لصاحب الشبكة أجرة مثله.
وإذا قال : قارضتك على الف سنة ، فان انتهت فلا تبع ولا تشتر ، كان باطلا.
لان من مقتضى القراض تصرف العامل في المال الى ان يؤخذ منه نضا (1).
وإذا قال له : قارضتك سنة على ان البيع والشراء لك ولا أملك منعك منهما كان باطلا ، لأنه من العقود الجائزة كما قدمناه ، فاذا شرط فيه اللزوم بطل كالوكالة والشركة.
وإذا قال له قارضتك سنة على انه إذا انقضت امتنع من الشراء ، دون البيع كان صحيحا. لأنه شرط هو من موجب العقد ومقتضاه ، لان لصاحب المال منع العامل من الشراء اى وقت أراد ، فإذا عقد على ذلك كان شرطا من مقتضى العقد وموجبه فلم يبطل ذلك.
فاذا دفع إليه ألفا مضاربة وقال له : على ان ما رزق اللّه سبحانه من ربح ، كان لي الثلث ولك الثلث ولغلامي الثلث ، والغلام مملوك لصاحب المال كان صحيحا ، ولا فرق في ذلك بين ان يشترط عملا للغلام أو لا يشترط ذلك ، لأنه إذا شرط ما ذكرناه فقد شرط ضم مال الى ماله وعبده ماله فصح ذلك. وإذا شرط الثلث لغير الغلام المملوك ولم يشترط عمله لم يصح القراض ، فان شرط ذلك كان صحيحا.
وإذا دفع إنسان إلى غيره ألفين منفردين قراضا وقال له : خذها على ان يكون الربح من هذا الألف لي والربح من الأخر لك ، كان باطلا ، لان موضع القراض على ان يكون ربح كل جزء من المال بينهما ، فان خلطهما وقال : ما رزق اللّه سبحانه
ص: 461
من فضل كان لي ربح الف ولك ربح الف كان صحيحا ، لأنه شرط له نصف الربح ولأن الألف الذي شرط ربحها غير متميزة.
وإذا دفع إنسان إلى غيره مالا قراضا على ان ما رزق اللّه سبحانه من الربح كان بينهما نصفين ، فقارض هذا العامل عاملا آخر. فان كان فعل ذلك بإذن صاحب المال كان ذلك صحيحا ، ويكون وكيلا في عقد القراض عنه. فان كان العامل الأول قال للثاني : على ان ما رزق اللّه سبحانه من ربح كان بينك وبين صاحب المال نصفين صح ذلك ، ولا يكون للعامل الأول في ذلك شي ء. وان قال له : على ان يكون الربح بيننا أثلاثا : ثلث لك ، وثلث لي ، وثلث لصاحب المال. كان ذلك فاسدا لان العامل الأول شرط لنفسه قسطا من الربح بغير زيادة ولا عمل ، والربح في المضاربة لا يستحق الا بمال أو عمل وليس للعامل الأول واحد منهما ، فاذا كان كذلك كان جميع الربح لصاحب المال ، ويكون للعامل الثاني أجرة المثل ، لأنه عمل في مضاربة فاسدة. وان كان العامل الأول قارض عاملا آخر بغير اذن صاحب المال ، وقال له : خذه قراضا على ان ما رزق اللّه سبحانه من ربح كان بيننا نصفين ، كان ذلك فاسدا ، لأنه تصرف في مال الغير بغير إذنه.
فإذا دفع الى غيره مالا قراضا وقال له : خذه على ان ما رزق اللّه سبحانه من ربح كان لك منه قدر ما شرطه زيد لعامله ، فان كانا عالمين بمبلغ ذلك كان صحيحا ، وان لم يكونا عالمين به أو أحدهما ، كان فاسدا ، لأنه لا يصح حتى يكون نصيب كل واحد منهما من الربح معلوما عندهما.
وإذا اشترى العامل عبدا واختلف هو وصاحب المال ، فقال العامل : اشتريته لنفسي ، وقال صاحب المال : بل للقراض ، - والعادة ان هذا الاختلاف يقع بينهما إذا كان في العبد رغبة وفيه ربح - كان القول قول العامل لان العبد في يده ، وظاهر ما في يده انه ملكه فلا يقبل في إزالة ملكه عنه قول غيره.
فان اختلفا فقال صاحب المال : اشتريته لنفسك ، وقال العامل : للقراض ،
ص: 462
والعادة في هذا إذا لم تكن في العبد رغبة ، كان القول قول العامل أيضا لأنه أمين.
وإذا دفع إليه ألفا للقراض بالنصف ، فذكر العامل انه ربح ألفا ثم قال بعد ذلك غلطت ، لأني رجعت الى حسابي فلم أجد ربحا ، أو قال : خفت ان ينتزع منى فرجوت فيه الربح ، كان إقراره لازما له لأنه إذا اعترف بربح فقد اعترف بخمس مأة وإذا ثبت حق الآدمي بالإقرار لم يسقط بالرجوع كسائر الإقرارات.
فإن قال خسرت وتلف الربح كان القول قوله مع يمينه ، لأنه لم يكذب نفسه ولا رجع فيما أقربه وانما أخبر بتلف الأمانة في يده.
وإذا دفع إنسان إلى اثنين ألفا وقال لهما : على ان لكما من الربح النصف وسكت (1).
كان لهما النصف والباقي لصاحب المال ، لان عقد الواحد مع الاثنين في حكم العقدين المنفردين ، فكأن صاحب المال عقد مع الواحد منهما قراضا بخمس مأة على ان له من الربح النصف ، ومع الأخر على خمس مأة أيضا على ان له من ربحها النصف وذلك جائز.
فإن قال لهما : على ان لكما نصف الربح : الثلثان منه لهذا والثلث منه لهذا كان صحيحا أيضا ، لأنه يكون أحد العاملين كان عقد معه على الانفراد على خمس مأة على ان له من الربح الثلث ، وعقد مع الأخر على الانفراد على خمس مأة على ان له من الربح السدس. ولو عقدا منفردين كذلك لكان جائزا.
وإذا دفع اثنان الى رجل ألفا قراضا ، وشرط ان ماله من الربح النصف ، وسكتا ولم يذكرا مالهما من ذلك ، كان صحيحا ، لأنهما إذا سكتا عن ذكر ما لهما من ذلك كان الباقي وهو النصف بينهما نصفين ، لأنهما مستحقان وهما في المال متساويان ، فوجب ان يكون في الربح متساويين.
فان قالا له : على ان لك النصف ولنا النصف ، والثلث من النصف لي ، والثلثين
ص: 463
لشريكي كان فاسدا ، لأنهما شرطا التفاضل في الربح مع التساوي في المال وذلك لا يجوز.
وإذا كان له عند إنسان ألف وديعة ، فقال له : قارضتك على الألف التي في يدك ، كان القراض صحيحا لان يد المودع (1) كيد المودع. وان كان له في يد غيره الف غصبا ، فقارض به صاحب المال الغاصب عليه كان صحيحا ، لان المال وان كان قبل ان يتقارضا غصبا ومضمونا وغير امانة ، فقد صار بالقراض امانة فاما الضمان فليس يزول عنه الا بأن يدفع المال في ثمن مبيع القراض ، لأنه يكون قد صرف المال في دين صاحبه بإذنه ، فبرئت ذمته منه بذلك.
وإذا دفع الى غيره ألفا مضاربة بالنصف ، واشترى بها شيئا للتجارة ، ثم هلك الالف قبل ان ينقده المضارب للبائع ، كان للمضارب ان يرجع على صاحب المال بمثله فيدفعه إلى البائع ، فإن قبض الثاني من صاحب المال ، وضاع قبل دفعه أيضا الى البائع ، رجع أيضا على صاحب المال بمثله كذلك ، الى ان يدفع الى البائع الألف التي له.
وإذا دفع إنسان إلى غيره الف درهم مضاربة بالنصف ، فاشترى بها عبدا يساوي ألفين وقبضه وباعه بألفين ، ثم اشترى بألفين جارية ولم ينقد الألفين حتى ضاعا ، رجع المضارب على صاحب المال بألف وخمس مأة ، وكان عليه في ماله الباقي يدفعه إلى البائع مع الالف وخمس مأة التي رجع بها على صاحب المال وإذا قبض الجارية وباعها بخمسة آلاف ، أخذ المضارب ربعها له ، والثلاثة أرباع ، لمال المضاربة يأخذ منه صاحب المال رأس ماله ألفين وخمس مأة ، والباقي ربح بينهما على ما اشترطا.
وإذا دفع إنسان إلى غيره مالا قراضا بالنصف أو بأكثر أو أقل : فعمل به في مصره أو في أهله ، لم يكن له على صاحب المال ولا في مال المضاربة نفقة. فإن سافر به الى بلد آخر ليتجر فيه. كانت نفقته في طريقه وفي البلد الذي خرج إليه
ص: 464
في طعامه وكسوته وغسل ثيابه وركوبه في سفره ، ولما لا بد له منه ، من مال القراض بالمعروف على قدر نفقة مثله ، فان زاد على ذلك ، حسب له منه قدر نفقة مثله ، وكان الباقي عليه في ماله. وإذا رجع الى بلده وقد بقي معه من النفقة طعام أو ثياب أو غير ذلك كان عليه رده الى المضاربة.
وإذا استأجر أجيرا يطبخ له ويخبز ويغسل ثيابه ويعمل ما لا بد له منه احتسب ذلك من مال القراض ، وما كان من جارية لوطء أو خدمة أو دواء أو كحل أو ما أشبه ذلك ، كان جميعه من مال المضارب خاصة. وإذا كان معه غلمان يعملون في المال جروا مجراه ، ونفقتهم على مال القراض وكذلك ان كان معه دواب تحمل أمتعة المضاربة الى بعض البلدان كان علفها على مال المضاربة ما دامت في المعاملة.
وإذا دفع اليه مالا قراضا فخرج به الى السواد (1) يشترى به غلات ، ومسيرة ذلك يوم أو يومان فأقام في ذلك الموضع يشترى ويبيع كانت نفقته في طريقه ومقامه من مال المضاربة. ولو انه في بلد فيه أهله الا ان ذلك البلد عظيم ، أهله في ناحية منه وهو مقيم في ناحية أخرى ، يتجر وبينه وبين اهله بعد ، وكان يقيم بحيث يتجر ولا يرجع الى أهله لم يكن له نفقة في المضاربة.
ولو كان له أهل بالبصرة وأهل بالكوفة ووطنه فيهما جميعا ، فخرج بالمال من أحد البلدين إلى الأخر ليتجر فيه ، كانت نفقته في طريقه من مال المضاربة ، فإذا دخل البلد كانت نفقته على نفسه ما دام به ، فاذا خرج منه عائدا إلى البلد الأخر ، أنفق في طريقه من مال المضاربة. فإن كان أهل المضارب بالكوفة وأهل صاحب المال بالبصرة فخرج بالمال إلى البصرة مع صاحب المال ليتجر به ، كانت نفقته في طريقه بالبصرة وفي عوده الى بلده من مال المضاربة.
وإذا دفع إنسان إلى غيره مالا فضاربه بمصر وليس لهما موطن (2) ، لم ينفق
ص: 465
المضارب على نفسه من مال المضاربة شيئا ما دام بمصر ، فان خرج منها الى وطنه أو الى بعض الاسفار في متجره وعاد إليها في تجارته في المضاربة ، أنفق في مقامه فيها من باب المضاربة. وإذا أنفق المضارب في المضاربة الصحيحة في سفره من مال المضاربة ، فلما انتهى الى البلد الذي قصد اليه لم يتمكن من ابتياع شي ء ثم عاد بالباقي من المال ، كان لصاحب المال أخذه ولم يكن على المضارب ضمان ما أنفقه
وإذا مات صاحب المال ومال المضاربة في يد المضارب وهو معه في بلده ، فسافر به المضارب بعد موته ، كان عليه ضمانه علم بموته أو لم يعلم. وان كان صاحب المال مات والمضارب في بلد غير بلد صاحب المال ، لم يكن عليه ضمان وكانت النفقة له الى ان يبلغ بلد صاحب المال. وهكذا لو خرج المضارب بالمتاع من ذلك البلد قبل موت صاحب المال فسافر به ثم مات صاحب المال ، لم يكن عليه ضمان وكانت نفقته في سفره من مال المضاربة الى ان يصل الى البلد.
وإذا دفع الى غيره ألفا مضاربة بالنصف (1) بأن يأخذ منه ألفا بضاعة وان يتجر له فيها بغير جعل ولا قسط من الربح ، لم يصح ذلك وكان الشرط فاسدا ، لان العامل في المضاربة لا يعمل عملا لا يستحق في مقابله عوضا فبطل الشرط ، فاذا بطل الشرط بطلت المضاربة ، لأن قسط العامل يكون مجهولا فيه من حيث ان صاحب المال ما قارض بالنصف حتى شرط العامل له عملا بغير جعل ، والشرط قد بطل ، فاذا بطل ذهب من نصيب العامل وهو النصف قدر ما زيد لأجل البضاعة ، وذلك القدر مجهول وإذا ذهب من المعلوم مجهول كان الباقي مجهولا فبطلت المضاربة لذلك.
فان دفع إليه ألفا مضاربة بالنصف وقال له أريد أن تأخذ ألفا بضاعة تعاوننى فيه كان ذلك جائزا ، لأن البضاعة ما أخذت بشرط وانما تطوع بالعمل له فيها من غير
ص: 466
شرط فلم تفسد المضاربة لذلك. وهذه المسئلة مفارقة للأولى لأنه شرط أخذ البضاعة وفرق بين الارتفاق (1) بالشرط وبين الشرط ، بيان ذلك :
انه لو باع دار بشرط ان يدفع إليه المشتري عبدا يخدمه شهرا ، كان البيع باطلا ولو قال له : ادفع الى عبدك ايها المشترى يخدمني شهرا من غير شرط كان البيع صحيحا والفرق بينهما ما قدمناه.
وإذا أعطاه ألفا مضاربة وقال له : أضف الى هذا الالف من عندك ألفا آخر واتجر بهما ، على ان الربح بيننا ، لك منه الثلثان ولى الثلث ، أو قال : لك منه الثلث والثلثان لي ، كان ذلك فاسدا سواء كان الفضل لصاحب المال أو العامل ، لأنه ان كان لصاحب المال كان ظاهر الفساد ، لان له نصف المال من غير عمل ، وللعامل بهذا المال (2) والعمل معا ، فاذا شرط الثلثين لنفسه من الربح ، أخذ من ربح الف العامل قسطا بغير مال فيه ولا عمل وذلك لا يجوز. فان شرط لنفسه الأقل كان فاسدا أيضا ، لأن المال شركة بينهما والربح في الشركة يكون على قدر المالين ولا يفضل أحدهما فيه على الأخر فإذا شرط الفضل لأحدهما بطل ، وإذا بطل كان العقد مضاربة فاسدا لأنه دفعه اليه بلفظ المضاربة.
فإذا دفع إليه ألفين وقال له : أضف إليهما من عندك ألفا يكون الفان من كل المال شركة بيننا والالف الثالث قراضا بالنصف كان صحيحا ، لان المال إذا خلط فهو شركة مشاع كله ، فقد أقر ألفين على الشركة وقارضه على الف مشاع فكان صحيحا لان القراض على المشاع جائز.
وإذا خلط العامل مال المضاربة بمال نفسه خلطا لا يتميز معه كان عليه ضمانه ، لأنه جعله كالتالف ، الا ترى انه لا يقدر على رده بعينه على صاحبه ، وإذا لم يقدر على ذلك كان ضامنا له.
ص: 467
وإذا أعطاه غيره ثوبا وقال له : بعه فاذا قبضت ثمنه فقد قارضتك عليه لم يصح ذلك ، لأنه قراض بصفة (1) ولأن رأس المال مجهول ، والعامل له اجرة مثله ، فله اجرة المثل على بيع الثوب ، واجرة مثله على عمل القراض ، واجرة بيعه لازم على بيع الثوب سواء كان في المال ربح أو لم يكن فيه ذلك ، وسواء تصرف فيه بعد بيعه أو لم يتصرف.
وإذا كان المضارب واحدا وصاحب المال اثنين ، فدفع كل واحد منهما إليه ألفا قراضا بالنصف ، فاشترى العامل لأحدهما جارية بألف ، وللآخر جارية أخرى بألف ، ثم اختلطا فلم يعلم جارية أحدهما من الأخر ، فينبغي ان يباعا في القراض ويدفع الى كل واحد منهما نصف المال إذا لم يكن فيه فضل ، وان كان فيه فضل ، أخذ كل واحد منهما رأس ماله واقتسما (2) الربح على الشرط.
وان كان في المال خسران كان الضمان على البائع لأنه فرط في اختلاط (3) المال وقد قال الشيخ أبو جعفر الطوسي (رحمه الله) : لو استعملنا القرعة في ذلك لكان أقوى من هذا ، وذلك غير صحيح ، لأن القرعة إنما تستعمل فيما يلتبس مما ليس عليه نص ، وهذا الموضع منصوص (4) عليه عند أصحابنا فلا وجه مع ذلك لاستعمال القرعة فيه.
وإذا دفع الى غيره مالا قراضا فأخذه ، وهو يعلم من نفسه انه لا يقدر على ان يتجر بمثله ، لكثرته أو لضعفه عن ذلك مع قلته ، كان عليه الضمان ، لأنه يكون مفرطا بقبضه له مع علمه من نفسه بما ذكرناه.
وإذا اشترى العامل جارية من مال المضاربة لم يجز له وطؤها ، لأنه ان كان
ص: 468
في المال فضل فهو شريك ، وان لم يكن فيه فضل كان الكل لصاحب المال. وكذلك لا يجوز لصاحب المال وطؤها ، لأنه ان كان في المال فضل فهو شريك ، وان لم يكن فيه فضل لم يجز له ان يتصرف في السلعة المشتراة للقراض بما يضر بها ، فإن أراد أحدهما ان يزوجها واتفقا على ذلك كان جائزا ، لأن الحق لهما جميعا.
وإذا اشترى العامل عبدا من مال المضاربة وأراد ان يكاتبه لم يجز له ولا لصاحب المال أيضا (1) ان يكاتبه لأنه نقصان. فان اتفقا على ذلك كان جائزا لأنه حقهما وليس لغيرهما فيه حق يمنع من ذلك. فان اتفقا وكاتباه وأدركه ، عتق وكان المال ليس فيه فضل كان الولاء لصاحب المال. وان كان فيه فضل كان الولاء بينهما على ما شرطاه بالحصة ان كانا شرطا عليه الولاء. فان لم يكونا شرطا عليه ذلك لم يكن لواحد منهما عليه ولاء.
وإذا أحضر صاحب المال لغيره الف دينار والف درهم ، وقال له : خذ أيهما شئت قراضا بالنصف ، لم يصح ذلك لأنه لم يعين رأس المال.
تم كتاب المضاربة
ص: 469
روى عن النبي صلى اللّه عليه وآله انه قال « ملعون من منع أجيرا أجرته » (1)
وعنه عليه السلام انه زوج امرأة رجلا من أصحابه على تعليم سورة من القرآن (2) وبالجملة فلا خلاف بين المسلمين في جواز الإجارة وإذا كان كذلك فان آجر الإنسان نفسه ، أو بعض ما يملكه ، أو يلي عليه ، من عبد أو دابة أو سفينة أو آلة أو دار أو أرض أو ما خالف ذلك ، مما يحل كسبه ويجوز استعماله والانتفاع به كان ذلك جائزا إذا عقدها بمدة معلومة أو أجل مفهوم يعرفه المتواجرون (3) ولا يجوز ذلك فيما لا يحل كسبه ولا العمل فيه ولا الانتفاع به مثل ان يغتصب عبدا فيوجره ، أو يستأجر عبدا يعلمه مغصوبا أو دابة أو غيرها ، أو يتخذ شيئا من الملاهي ، أو ما لا يحل تملكه فإنه لا يجوز إيجاره ولا استئجاره.
وكذلك لا يجوز ان يوجر نفسه ولا دابته ولا عبده ولا سفينته ولا آلته ولا داره ولا شيئا مما يجوز له إجارته ممن يستعمل ذلك فيما لا يجوز ولا يحل مثل ان يوجر
ص: 470
شيئا من ذلك في حمل خمر ، أو عملها أو يوجر داره لمن يبيع الخمر فيها أو يفعل فيها أو يؤدى إليها منكرا مع علمه من المستأجر بذلك.
وهي على ضربين : أحدهما : ان تكون المدة معلومة والعمل مجهولا ، والأخر ان تكون المدة مجهولة والعمل معلوما.
فالذي تكون المدة معلومة والعمل مجهولا فهو مثل ان يقول زيد ، لعمرو آجرتك شهرا لتبني أو تخيط فهذه مدة معلومة والعمل مجهول.
وما تكون المدة مجهولة والعمل معلوما فمثل ان يقول آجرتك لتخيط ثوبي أو تبنى هذه الدار فالمدة مجهولة والعمل معلوم فاذا كانت المدة معلومة والعمل معلوما لم يصح ، لأنه إذا قال استأجرتك اليوم لتخيط ثوبي هذا ، كانت الإجارة فاسدة لأنه ربما يخيطه قبل مضى النهار فيبقى بعض المدة بلا عمل وربما لا يفرغ منه في يوم ويحتاج إلى مدة أخرى ويحصل العمل بغير مدة.
وهي من جملة عقود المعاوضات فاذا آجر الإنسان ما يجوز إيجاره لزم العقد واستحق المستأجر المنفعة والموجر الأجرة ولم يكن لأحدهما فسخ هذا العقد على حال وهي كالبيع في باب الفسخ لان من ابتاع شيئا ملك البائع الفسخ إذا وجد عيبا في الثمن وكذلك المشتري إذا وجد عيبا في المبيع ولا يملك بغير العيب.
وكذلك المؤجر إنما يملك الفسخ إذا تعذر استيفاء الأجرة منه اما لإفلاس أو غيره (1) وكذلك المستأجر إنما يملك ذلك إذا وجد عيبا بالمنافع مثل غرق الدار واستهدامها وما أشبه ذلك. وليس لواحد منهما الفسخ لغير عذر.
وإذا استأجر إنسان غيره ليقلع ضرسه ثم رجع عن ذلك فان كان رجوعه عن ذلك مع بقاء الألم لم يكن له فسخ الإجارة لأنه قد استأجره لاستيفاء منفعة وهو متمكن مع بقاء الألم من استيفائها فاما ان يستوفيها والا لزمته الأجرة إذا مضى من المدة ما يمكنه قلع الضرس فيه.
ص: 471
وكذلك إذا استأجر دابة ليركبها الى بعض المواضع ويسلمها اليه ولم يركبها وهو متمكن من استيفاء المنفعة التي هي الركوب فاذا لم يفعل ذلك ومضى من الزمان مدة يمكنه فيها استيفائها كانت الأجرة مستقرة عليه.
وهكذا إذا استأجر دارا وتسلمها ولم يسكنها ومضى من الزمان مدة يمكنه فيها استيفاء المنفعة بالسكنى فإن الأجرة مستقرة عليه.
فان كان الم صاحب الضرس قد زال فان استيفاء المنفعة قد تعذر من جهة اللّه تعالى شرعا لأنه لو أراد ان يقلع الضرس لما جاز ذلك لان الشرع يمنع من قلع الضرس الصحيح فاذا رجع عن ذلك وبدا له في الاستئجار كان له ذلك وانفسخت الإجارة بذلك كالدار إذا غرقت أو احترقت أو استهدمت نعني بذلك ان وجع الضرس لو عاد بعد ذلك الدفعة لافتقر في قلعه الى استئناف عقد لتلك الإجارة. فما ملك الفسخ الا لتعذر المعقود عليه.
فان استأجر عبدا فأبق انفسخت الإجارة لتعذر استيفاء المنفعة المعقود عليها مثل الدار إذا انهدمت والقول في العبد إذا رجع قبل انقضاء المدة كالقول في الدار إذا انعمرت قبل ذلك وسيأتي ذكر ذلك فيما بعد ان شاء اللّه تعالى.
والمستأجر يملك من المستأجر (1) المنفعة التي في العبد والدار والدابة إلى المدة التي استقر الشرط عليها ، حتى يكون اولى وأحق بها من المالك لها ، والموجر يملك الأجرة بنفس عقد الإجارة ، فإن استقر الشرط في تأجيل الأجرة إلى شهر أو سنة وما أشبه ذلك ، لم يلزم تسليمها الا عند حضور الأجل ، وان اشترط فيها التعجيل أو لم يشترط فيها تأجيلا ولا تعجيلا استحقت عاجلة.
وإذا عقد إنسان اجارة ثم أسقط المؤجر مال الإجارة وابرأ صاحبه منها سقط ذلك فإن أسقط المستأجر المنافع المعقود عليها لم يسقط.
وإذا استأجر إنسان دارا وشرط ان لا يسكنها غيره لم يجز له ان يسكن فيها غيره
ص: 472
فان شرط ان لا يسكنها الا هو وعياله لم يجز ان يسكنها غيرهم ، فإن أطلق ذلك ولم يشترط شيئا جاز له ان يسكنها هو ، وان يسكنها غيره ، ويفعل فيه ما يراه من ترك البضائع (1) والأمتعة فيها وان يعمل ما شاء من الأعمال الا ان يكون محرما أو عائدا على الدار بالفساد والمضرة كالقصار والحداد والطواحين وما جرى مجرى ذلك وان يوقد فيها نارا دائمة يسودها ، أو لا يؤمن احتراقها معها ، أو يجعل فيها من المياه الكثيرة ما يضر باساسها وحيطانها ، ومتى فعل شيئا من ذلك جاز لمالكها نقله منها ، فان تلف منها شي ء بفعله كان ضامنا لذلك.
وإذا استأجر دارا وقال « كل شهر بكذا » أو « كل يوم بكذا » أو ذكر سنة أو عشرة أو أقل أو أكثر من ذلك كان جائزا. فإن استأجرها ليسكنها شهرا بكذا كان لكل واحد من المتواجرين ترك الإجارة عند انسلاخ الشهر.
فان كان عقد الإجارة مشاهرة (2) فيسكن المستأجر من الشهر يوما أو يومين أو أياما لم يكن لواحد منهما ترك الإجارة الى ان يكمل الشهر الا لعذر أو يتفقا عليه ويجوز حينئذ ذلك لهما. وإذا استأجر إنسان بيتا ليجلس فيه قصارا فأراد أن يجلس فيه حدادا كان ذلك جائزا الا ان يكون المضرة بالحداد أكثر من القصار فلا يجوز ذلك وكذلك الطواحين وما أشبهها وإذا استأجر دارا سنة على انه ان سكن يوما لزمته أجرة السنة كان ذلك جائزا ولزمته أجرة السنة فان لم يسكنها في السنة وأراد ان يسكنها غيره جاز له ذلك.
وإذا استأجر دارا على أن يجعل أجرتها سكنى دار اخرى كان ذلك جائزا ويجوز استئجار الدار بالعين والعروض ، فإذا استأجر دارا فانهدمت أو بعضها وتعطلت بيوتها ، أو رث (3) بعضها فأراد المستأجر من مالكها عمارتها لم يجبر على ذلك ،
ص: 473
وللمستأجر إذا كان ذلك يضربه فسخ الإجارة على ما قدمناه ، وعليه الأجرة لما سكن قبل انهدامها : وان لم يكن عليه في ذلك ضرر لم يجز له الفسخ.
وإذا اختلف المتواجران في مبلغ الأجرة فادعى المستأجر الأقل ، وادعى المؤجر الأكثر ، وكان مع أحدهما بينة حكم له بها ، فان لم يكن معه بينة تحالفا فان نكل أحدهما عن اليمين ، كان القول قول الأخر مع يمينه ، فان حلفا جميعا أو نكلا جميعا عن اليمين انفسخ العقد في المستقبل ، وكان القول قول مالك الدار مع يمينه فيما مضى : فان لم يحلف كان له اجرة مثلها عن ما سكنه المستأجر.
وإذا سكن إنسان دار غيره واختلفا ، وقال الساكن سكنتها بغير اجرة وقال المالك بل استأجرتها منى ، ولم يكن لأحدهما بينة على ما ادعاه كان القول قول صاحبها مع يمينه.
وإذا استأجر إنسان دارا وأنفق فيها نفقة ، وادعى ان مالكها أمره بذلك فأنكر المالك لها ذلك كانت البينة على المدعى وعلى صاحب الدار اليمين بأنه لم يأمره بذلك ، فاذا حلف كان للمستأجر أخذ النقض (1).
وإذا استأجر دارا وفعل فيها فعلا من غير اذن مالكها له في ذلك ، فعطب كان عليه ضمان ما عطب منها ، فان كان ما فعله كفعل غيره من السكان لم يكن عليه ضمان فان آجر بعضها بمثل ما استأجرها به وسكن في البعض كان جائزا.
وإذا استأجرها وفيها متاع لصاحبها ، وضمن له صاحبها تفريغها وتثاقل عن ذلك فلم يفرغها لم يكن له من الأجرة إلا بمقدار ما سكن المستأجر فيها.
وإذا استأجرها بدينار ثم آجرها بعشرين درهما أو أكثر من ذلك من الدراهم كان جائزا وكذلك حكم ما يستأجره من عبد أو بعير أو سفينة ، أو ما جرى مجرى ذلك
ص: 474
إذا كان لعمل معروف أو حمل معروف.
ولو استأجر أرضا بدينار جاز له أن يزارعها بالنصف أو بأكثر أو أقل.
وإذا استأجر دارا فأظهر فيها فسقا أو اجتماعا على خمر ، أو دعارة (1) نهى عن ذلك فان انتهى والا نقل منها.
وإذا استأجر دارا سنة ولم يسلمها مالكها إليه الى أن مضى شهر فطلب المستأجر منه تسليمها أو لم يطلب ذلك ، ثم تحاكما
لم يكن للمستأجر الامتناع من قبضها في باقي السنة ، ولا للموجر المنع من تسليمها.
فان سلمها اليه الا بيتا واحدا مشغولا له بمتاع فيه واتفقا على بقاء المتاع فيه حط عنه من الأجرة بحساب ذلك.
وإذا استأجر دارا بعبد معين فأعتقه مالك الدار قبل أن يتقابضا لم يصح عتقه فإن أعتقه بعد تسليمه المستأجر اليه وقبل أن يتسلم الدار كان العتق جائزا. فإن احترقت الدار أو انهدمت ، أو غرقت ، أو استحقت ، أو مات أحد هذين المتواجرين كان على المعتق قيمة العبد ، فان لم يقبض العبد حتى سكن شهرا واحدا ثم أعتقا جميعا العبد وهو بيد المستأجر فإنه يجوز فيه عتق صاحب الدار بقدر اجرة شهر ويجوز عتق المستأجر فيما بقي منه وينفسخ الإجارة. وإذا استأجر دارا بثوب معين وقبضه ، ثم حضر صاحب الدار مريدا لرده بعيب ، فقال المستأجر لم يكن هذا العيب فيه كان القول قول المستأجر مع يمينه في ذلك ، فإن أثبت صاحب الدار بينة بالعيب حكم له بها ، وكان على المستأجر أجرة مثل الدار.
وإذا استأجر إنسان دارا ، فانسدت البالوعة ، وامتلأ الخلاء ، كان عليه تنظيفه دون صاحبها ، لان ذلك حصل بسبب من جهته.
وإذا خرج المستأجر من الدار وفيها شي ء من تراب ، أو رماد أو كناسة كان على المستأجر إزالته منها ، وتنظيفها منه.
ص: 475
فان اختلف المتواجران في التراب والرماد والكناسة وما أشبهها كان القول قول المستأجر مع يمينه في انه استأجرها وهو فيها.
وإذا استأجر دارا فقال الموجر وهو مثلا في رجب آجرتك هذه الدار في شهر رمضانة ، أو كان في مثل هذه السنة ، وهي سنة سبع وستين وأربع مأة فقال : آجرتك هذه الدار سنة ثمان وستين واربع مأة ، قال بعض الناس لا يجوز ، وعندنا هو جائز لأنه ليس عندنا : ان من شرط صحة الإجارة تسليم المعقود عليه في حال عقد الإجارة ، ولا كون المنفعة متصلة به ، وانما يلزم التسليم في أول المدة التي انعقدت عليها الإجارة. وكذلك المنفعة ان تكون متصلة بهذا الوقت.
وإذا استأجر إنسان من غيره حانوتا فباع فيها مدة ما ، ثم خرج منها ، واختلفا فيما فيها من الدفوف (1) والخشب التي بنى عليها ، فقال المستأجر أنا أحدثتها وهي لي ، وقال مالك الحانوت ، كانت في حانوتي حين آجرتك إياها ، كان القول قول المستأجر مع يمينه وكذلك الحكم في الطحان وآلاته والقصار والحداد وآلاتهما وما يجرى مجرى ذلك من الأدوات والأوعية التي تكون للصناع.
وإذا استأجر إنسان أرضا ليطبخ الأجر والفخار فيها بأجرة مسمى كان جائزا فإن اختلفا في الأتون (2) فقال صاحب الأرض أنا بنيته وقال الأخر بل أنا بنيته كان القول قول المستأجر مع يمينه لأن العادة جارية بأن المستأجر هو الذي يبنى ذلك. وقد يجوز أن يكون في بعض البلدان من شأن أصحاب الاملاك اتخاذ شي ء من الآلات التي للصناع في أملاكهم وفي غيره من البلدان لم تجر العادة بذلك ، فاذا كان كذلك كان القول فيما يدعيه مدع من ذلك قول من جرى الرسم باتخاذه (3) له ، دون
ص: 476
من لم تجر العادة في تلك البلدة باتخاذه إياه والبينة فيه بينة المدعى.
وإذا استأجر إنسان من غيره دارا على ان يجعل أجرتها أن يكسوه ثلاثة أثوابكان ذلك فاسدا ، وعليه اجرة مثلها فيما سكن.
وإذا استأجر دارا من غيره واختلفا ، فقال صاحبها استأجرتها سنة ، وقال المستأجر استأجرتها شهرا واحدا ، كان القول قوله مع يمينه ، وعلى صاحب الدار البينة. فإن استأجرها شهرا واقام صاحبها معه فيها الى آخر الشهر ، وقال المستأجر لست أدفع إليك اجرة لأنك لم تخل بيني وبين الدار ، كان عليه من الأجرة بحساب ما كان في يده من الدار.
وإذا استأجر إنسان دارا من اثنين شريكين فيها ، ثم مات أحد الشريكين انفسخت الإجارة في حصته ، فإن رضي الوارث - وهو كبير - ان يكون حصته على الإجارة ورضي المستأجر بذلك كان جائزا.
وإذا استأجر أرضا فاصابتها آفة من غرق أو جفاف عين أو انقطاع نهر كان يسقيها ، فإن أراد المستأجران ينفق على ذلك من اجرة سنته أنفق ويلزم النفقة مالك الأرض والا كان عليه بقدر ما انتفع بالأرض من الأجرة وينفسخ الإجارة فيما بعد ذلك
وإذا استأجر إنسان دارا بثوب معين وكفل به رجل فهو ضامن ، فاذا استكمل السكنى وتلف الثوب عند صاحبه برأ الكفيل لأنه ليس على المستأجر قيمة الثوب وانما عليه اجرة مثل الدار.
وإذا استأجر إنسان من غيره محملا أو زاملة (1) وكفل له رجل بالحمولة(2) كان ضامنا ويؤخذ بالحمولة كما يؤخذ الموجر بها ، وهكذا القول إذا استأجر إبلا غير معينة يحمل عليها متاعا الى بلد معين وكفل له رجل بالحمولة ، فإن استأجر إبلا
ص: 477
معينة يحمل عليها متاعا وكفا له رجل بالحمولة لم تصح الكفالة ، وكذلك لو استأجر دارا ليسكنها أو أرضا ليزرعها فكفل له رجل بالسكنى والوفاء والزراعة لم يصح ذلك لأنه لا يمكن الاستيفاء من الكفيل وكذلك ان استأجر إنسانا للخدمة وكفل رجل بخدمته.
وإذا عجل الأجر (1) في الإجارة الصحيحة وكفل له إنسان بالأجر ان لم يوفه الخدمة أو السكنى كان جائزا.
وإذا دفع إنسان ثوبا الى خياط يخيطه له بأجر مسمى ، وأخذ منه كفيلا بالخياطة كان ذلك جائزا ، ويكون الكفيل ضامنا لخياطة الثوب فان خاطه الكفيل رجع على المكفول عنه بأجرة مثل ذلك الثوب بالغا ما بلغ فان كان صاحب الثوب اشترط على الخياط ان يخيطه هو بيده دون غيره كانت الكفالة باطلة ، وهكذا جميع الأعمال.
وإذا استأجر إنسان من غيره حماما مدة معلومة بأجرة مسماة كان جائزا وكانت عمارة الحمام ، ومسيل مائه ، وإصلاح قدوره وصار وجه على مالك الحمام ، ومتى اشترط مالك الحمام على المستأجر ذلك ، كانت الإجارة فاسدة لأن ذلك مجهول
وإذا شرط صاحب الحمام على المستأجر عشرة دراهم كل شهر للمرمة زائدة على الأجرة وأمره بأن ينفقها عليه كان جائزا.
وإذا قال المستأجر قد أنفقتها لم يصدق وكان القول قول صاحب الحمام مع يمينه.
وإذا أراد مالك الحمام أن ينصب له أمينا مع المستأجر لقبض الغلة في كل يوم لم تكن له ذلك لأنه لا شي ء له في الغلة ، وإذا انقضت مدة إجارة الحمام وفيه رماد وسرقين وادعاه كل واحد منهما كان للمستأجر وعليه نقله فإن أنكر المستأجر ان يكون الرماد من عمله كان القول قوله مع يمينه.
وإذا استأجر حمامين صفقة واحدة وانهدم أحدهما قبل قبضهما كان له ترك
ص: 478
الباقي ، وان كان انهدامه بعد القبض كان الباقي لازما له بحصته من الأجرة.
فإن استأجر حماما واحدا فانهدم منه بيت واحد كان له تركه ولا فرق بين ان يكون ذلك قبل القبض أو بعده. فإن استأجر حماما وعبدا وقبضهما ثم مات العبد لزمه الحمام بحصته.
فإذا استأجر إنسان راعيا يرعى له غنما بأجرة معلومة كان جائزا فإن شرط عليه ان لا يرعى مع غنمه غنما لغيره صح ذلك ولم يجز للراعي رعى غنم لغيره مع غنمه. وإذا مات من جملة الغنم شاة لم يلزم الراعي ضمانها الا ان يكون موتها بتعد منه عليها ، ولا يجوز لصاحب الغنم ان ينقص الراعي شيئا من أجرته لأجل موت الشاة.
وإذا ضرب الراعي شاة فقلع عينها كان ضامنا لذلك فإن سقي الغنم من نهر فغرق منها شي ء لم يكن عليه ضمان لذلك وكذلك الحكم لو عطب منها شاة في الرعي أو أكله الذئب. والقول فيما يهلك من الغنم قول الراعي مع يمينه فاذا هلك نصف الغنم أو أكثر كان للراعي أجرته على كمالها ولا ينقص منها شي ء لأجل ذلك ما دام يرعاها وحدها (1).
وإذا أراد صاحب الغنم ان يزيد في عدد الغنم وكان قد شرط على الراعي انه إذا شاء زاد وان شاء نقص كان له ذلك.
وإذا استأجره ليرعى له عدة معينة ، لم يكن له ان يدفع إليه أكثر منها ، الا ان يدفع اليه بحساب ذلك (2) أجرة الزائد ، وكذلك لو شارطه ان ما ينقص منها نقصه من الأجرة بحساب ذلك ، ثم هلك منها شي ء كان له ان ينقصه بحساب ذلك وإذا شرط مالك الغنم على الراعي ضمان ما يموت منها لم يصح ذلك ، وكانت الإجارة فاسدة.
فإن شرط عليه ضمان ما يهلك من فعله لم يفسد الإجارة بذلك.
وإذا استأجر راعيا يرعى له غنما شهرا ، ولم يذكر شيئا غير ذلك ، ثم
ص: 479
أراد الراعي أن يرعى لغيره بأجرة كان للذي استأجره شهرا ، ان يمنعه من ذلك لأنه استأجره لنفسه شهرا ، فان لم يعلم حتى رعى لغيره لم ينقصه من الأجرة شيئا إذا كان قد قام ما شرط عليه من رعى غنمه.
وإذا كان الراعي مشتركا في رعي الغنم ، واتى بها الى أهلها ، وأكل السبع منها شيئا وهي في مرابضها عند أهلها لم يلزمه ضمان ذلك ، وكذلك ليس عليه ضمان لو سرق منها شي ء.
وإذا سلم إنسان غنمه الى راع ليرعاها له بدرهم في الشهر كان ذلك جائزا وله ان يرعى لغيره ، وهذا أجير مشترك ان رعى لغيره أو لم يرع.
وإذا دفع إنسان غنمه الى راع على أن أجرتها أصوافها وألبانها واشترط عليه مع ذلك سمنا معينا وجبنا معروفا ، كانت الإجارة فاسدة ، والراعي ضامن لما أصاب من ذلك وله اجرة مثله.
وإذا كان الراعي مشتركا فخلط غنم الناس بعضها ببعض فلم يعرفها أهلها ما لكل واحد؟ كان القول قوله مع يمينه ، فان قال لا أعرفها ، كان ضامنا لقيمتها كلها لأهلها ويكون جميع الغنم له ، والقول في قيمتها يوم خلطها قوله ، فان ادعى واحد منهم غنما معينة ، كان القول قول الراعي أيضا مع يمينه ، فان نكل عن اليمين سلم ذلك ، وإذا كان الراعي يرعى في الجبال وشرط عليه صاحب الغنم انه إذا مات منها شي ء كان عليه ان يأتي بسمته والا كان عليه الضمان لم يلزمه هذا الضمان ، وإذا لم يأت بالسمة لم يفسد شرط الإجارة ، ويكون البينة فيما يهلك عليه ، ولا يجوز للراعي ان يسقى أحدا شيئا من البان الغنم ، ولا يبيعه ولا يقرضه ولا يأكل هو منه ، فان فعل شيئا من ذلك كان عليه ضمانه.
وإذا اختلف الراعي وصاحب الغنم في العدد الذي تسلمه الراعي منه ، كان على صاحبها البينة ، وكان القول قول الراعي مع يمينه في ذلك.
ولا يجوز للراعي أن ينزى بعض فحول الغنم على شي ء منها بغير أمر صاحبها
ص: 480
فان فعل ذلك وعطب منها شي ء كان على ضمانه ، وان كان بأمر صاحبها لم يكن عليه ضمان.
وإذا نه (1) من الغنم رأس ، وخاف الراعي إن تبعه ليرده ضاع الباقي ، كان عليه البينة بذلك ، فان لم يكن له بينة ، كان عليه الضمان.
فإن استأجر من يجي ء بالواحد الذي نه من الغنم ، لم يلزم صاحبها من ذلك شي ء به ، وكان الراعي بذلك متطوعا.
وإذا استأجر إنسان ظئرا لترضع له طفلا سنتين بأجر معلوم كان جائزا ويكون طعامها وكسوتها على نفسها ، وان شرطت طعامها وكسوتها ودراهم عند فطام الصبي كان جائزا ، وإذا استأجرها بما ذكرناه لم يجز لها ان تؤاجر نفسها لرضاع صبي غير هذا ، ولا تسقى من لبنها الا له ، أو لولدها.
وإذا شرط المستأجر عليها ان ترضع الصبي في منزله لزمها ذلك ، وان شرط رضاعه في منزلها جاز ذلك ، ولا يجوز لها ان ترضعه من غير لبنها على حال الا ان ينقص لبنها فتدفعه بأمر أهله إلى خادمها ، أو تستأجر له ظئرا أخرى فيكون ذلك جائزا.
وإذا وقع الصبي فمات ، أو ضاع من يدها ، أو سرق شي ء من حلية أو ثيابه بغير تفريط منها ، لم تضمنه ، وان كان بتفريط منها ، كان عليها الضمان.
وإذا شرط عليها رضاع الطفل فقط لم يلزمها غيره ، وان شرط عليها مع ذلك تمريخه (2) وغسل ثيابه وما جرى مجرى ذلك ، كان عليها القيام بذلك ، ولا يجوز لأهل الطفل إخراج الظئر قبل الأجل إلا لعذر مثل ان يكون الطفل لا يقبل لبنها ، أو تحمل فيخافوا عليه من ذلك أو تكون فاجرة أو سارقة أو ما أشبه ذلك وما لا يجوز لها أيضا ان تخرج من عندهم الا لعذر ، مثل ان يكون زوجها لم يرض بالإجارة ، أو يكون أهل
ص: 481
الطفل يعتمدون أذيتها (1) أو ما أشبه ذلك.
وإذ كان العبد تاجرا ، جاز ان يستأجر ظئرا لصبي له وكذلك الأمة التاجرة يجوز لها ان تؤاجر نفسها ظئرا ، وكذلك المكاتب يجوز ان يستأجر ظئرا لصبي له.
وإذا استأجر إنسان لرضاع ولده ظئرين فماتت واحدة بقيت الأخرى على الرضاع بحصتها.
فإن استأجر ظئرا واحدة لرضاع طفلين ومات أحدهما جاز ان ينقص من الأجرة بحساب ذلك.
وإذا استأجر الرجل امرئته لترضع ولده منها لم يصح ذلك ولم يكن لها اجرة عليه وكذلك لو استأجر خادمها. فان كان له ولد من غيرها جاز له ان يستأجرها على رضاعه وتستحق عليه الأجر بذلك. وإذا استأجر مطلقته البائنة في ذلك كان جائزا ولها الأجرة عليه ، وكذلك ان استأجر خادمها ، ولا فرق في ذلك بين ان يكون هذا الولد ولد هذا المستأجر من هذه المطلقة أو يكون من غيرها.
وإذا استأجر ظئرا وكانت تسقى الطفل وتغذوه بلبن الغنم ، وأهله لا يعلمون ذلك لم تستحق عليهم أجرة ، فإن قالت قد أرضعته كان القول قولها مع يمينها ، فإن أقام أهل الصبي بينة بأنها تغذوه بلبن الغنم حكم لهم ببينتهم ولم يكن لها عليهم اجرة.
وإذا استأجر إنسان ثوبا ليلبسه يوما كاملا من أوله الى آخره بأجرة معينة كان جائزا فإذا استأجره على هذا الوجه لم يجز له ان يدفعه الى غيره ليلبسه فان فعل ذلك كان ضامنا لما ينقص منه ، فان لما ينقص منه شيئا كان الأجر مستحقا. فإن استأجره للبس يوم كامل ولم يعين الذي يلبسه جاز ان يلبسه المستأجر أو غيره فان لبسه هو أو غيره ثم هلك لم يكن عليه ضمان. فان اختصما قبل ان يلبسه أحد فسدت الإجارة وكذلك الحكم في سائر الثياب.
وإذا استأجر قميصا ليلبسه يوما كاملا فلم يلبسه ذلك اليوم كانت الأجرة مستحقة
ص: 482
عليه ولم يجز له ان يلبسه يوما بدل ذلك اليوم فان لم يلبسه واتزر به فخرق كان ضامنا له ، وان لم يخرق وجبت الأجرة عليه كاملا.
وإذا استأجر خيمة يستظل بها ، جاز له ان يدخلها غيره ، فان اتخذها مطبخا وصارت سوداء من الدخان ، كان عليه الضمان.
وإذا استأجر إنسان دابة معينة ليركبها الى موضع معين بأجر مسمى كان جائزا ، وإذا استأجرها كذلك لم يجز ان يحمل عليها سواه ، فان فعل ذلك وعطبت كان عليه ضمانها ، وإذا استأجر دابة ليتلقى عليها إنسانا ، أو ليشيعه لم يصح ذلك ، فان عين موضعا ينتهى اليه كان جائزا.
وإذا استأجر سفينة معينة ، أو دابة معلومة إلى مكان معين ، فعطبت في بعض الطريق ، انفسخت الإجارة فيما بقي من الطريق وكان عليه الأجر. بما قطعه من طريقه وإذا
استأجر على الإبلاغ ولم يذكر سفينة بعينها ولا دابة بعينها ، كان على المكاري البلاغ به وله الأجر على كماله.
وإذا استأجر دابة ليطحن عليها ، أو يعمل عملا ، أو يسافر سفرا ، ولم يبين مقدار ما يطحنه عليها ، أو يسير عليها كل يوم كان جائزا ، وله ان يستعمل الدابة فيما استأجرها بقدر ما يستعمل فيه مثلها ، فان تعدى في ذلك كان عليه ضمانها وكذلك الحكم في السفينة إذا استأجرها على ذلك الوجه. وإذا استأجر شيئا من ذلك فاتفق هو والمكاري على ان يحمل عليها خمرا ، أو خنزيرا ، أو غير ذلك من المحرمات كان ذلك باطلا ، فإن استأجرها لذلك ولم يعلم المكاري به كان له الأجرة والإثم على المستأجر ، فإن كان المتواجران ذميين جاز ذلك بينهما.
وإذا استأجر دابة إلى مكان عينه ، ثم تجاوزه فهلكت الدابة ، كان ضامنا لها ولا اجرة عليه فيما زاد بعد المكان الذي عينه ، فان تجاوز بالدابة المكان الذي حده وسلمت كان صاحبها مخيرا بين ان يأخذ منه اجرة المثل ، وبين ان يضمنه قيمة ما نقص وإذا استأجر دابة يوما واحدا ثم أمسكها عنده أياما كان صاحبها مخيرا بين ان يأخذ قيمة ما نقصت ، وبين ان يأخذ أجرة المثل فيما زاد على اليوم.
ص: 483
وإذا اختلف المتوجران في المسافة فادعى المستأجر موضعا بعيدا وادعى صاحب الدابة أقرب منه وهما يتفقان على مبلغ الأجرة كانت البينة على المستأجر لأنه يدعي الأكثر وعلى المؤجر اليمين.
وكذلك ان اتفقا على الموضع واختلفا في الطريق فإن البينة على المدعى بما يدعيه من زيادة المسافة من الطريق واليمين على المنكر لذلك. فان تساوى الطريقان واختلفا في العقد على أيهما كان وأراد كل واحد منهما القصد الى المكان الذي ذكره فان كان ذلك منهما قبل أن يركب أو كان ركب شيئا يسيرا ، تحالفا وتفاسخا ان لم يكن لهما بينة ومن نكل منهما عن اليمين لزمته دعوى الأخر.
فإن كان قد ركب ونقد المكاري الأجر كان القول قول المكاري مع يمينه والمكترى مدع.
وإذا استأجر إلى خراسان أو العراق أو الشام أو ما جرى مجرى ذلك وأراد المكاري إنزال المكتري في أول عمل ذلك البلد (1) ، وأراد المكترى الوصول الى آخره ، ولم يسميا مكانا معينا وقت عقد الإجارة كان على المكاري أن يوصله إلى أشهر المواضع المعروفة من تلك البلاد والمدينة التي هي أم تلك الكورة ، المقصود إليها والمشهور ذكرها واسمها فيها.
فاذا وصل المكاري إلى مكان فادعى انه قد زاد على الموضع الذي كان هو والمكترى اتفقا عليه ، فطلب بذلك فضل الأجر ما بين الموضعين ، كان القول قول المكترى مع يمينه ، وعلى المكاري البينة بما يدعيه من ذلك الفضل والزيادة.
وإذا استأجر دابة على حمل معين فحمل عليها حملا أخف منه وعطبت لم يلزمه ضمانها.
ولا يجوز الإجارة على الأعيان المحمولة الا بأن يشاهدها المكاري أو يوصف
ص: 484
له أو برأها (1) لان ضرب (2) المحمولات مختلف على الدابة وان كان وزنها متفقا مثل القطن والحديد والرصاص والصوف والنحاس.
فاذا هرب المكاري واحتاج المكترى إلى النفقة على الدابة فينبغي ان يرفع خبره بذلك الى الحاكم في ذلك الموضع أو القافلة ، وينفق بعد أعلامه ذلك.
وان دفع النفقة الى بعض الثقات وأنفق على الدابة كان جائزا.
وإذا أراد الإنفاق عليها بنفسه وأنفق كان القول في ذلك قوله مع يمينه إذا أتى بما يشتبه (3) ، ويرجع به على المكاري ، وكذلك القول في أجرته على القيام بذلك إذا طلبها.
وإذا مات البعير أو الدابة فاستأجر المكترى لذلك - مكان الذي مات - غيره كانت هذه الإجارة لازمة للمكاري الأول فيما بقي من المسافة التي اشترطا البلوغ إليها وقت العقد. فان اشترى دابة أو بعيرا لم يلزم المكاري ذلك وكان عليه أجر الحمل من موضع الشرى الى المكان الذي اتفقا على البلوغ اليه.
ويجوز للاثنين أن يستأجرا ما يتعاقبان عليه فاذا اتفقا فيما بينهما على كيفية التعاقب من ليل أو نهار أو ما أشبه ذلك كان جائزا.
فإذا استأجر دابة ليركبها الى موضع معلوم فتجاوزه بها ورجع ، فعطبت في رجوعه كان عليه ضمانها ، فان لم يتجاوز بها الموضع الذي عينه الا انه ضربها ، أو فعل بها ما لم تجربة عادة الناس في حثهم الدواب على المشي من ضرب أو كبح (4) لجام كان ضامنا لها.
وإذا استأجر دابة إلى مكان على أن يركبها بسرج فحمل عليها عوضا من
ص: 485
السرج اكافا (1) كان عليه ضمانها ، فان كان حمارا فنزع عنه سرجه أو أسرجه بسرج فرس أو برذون لا يسرج بمثله الحمر كان ضامنا له. فان أسرجه بسرج أخف من سرجه لم يلزمه ضمان.
وإذا استأجر دابة بدينار وآجرها بقفيز حنطة وعشرين درهما كان جائزا.
وإذا استأجرها إلى مكان معين فآجرها لمثل ذلك كان أيضا جائزا.
وإذا حدثت حادثة في البحر واحتاج الملاح معها الى طرح بعض المتاع في البحر أو الى فعل ما يتلف به بعض ذلك ، كان عليه ضمان ذلك الا أن يأمره صاحب المتاع بطرحه في البحر فلا يلزمه شي ء.
وإذا استأجر دابة فقال له صاحبها استأجر على غلاما يتبعك ويتبع الدابة واجره على وأدفع اليه نفقة ينفقها على الدابة ففعل المستأجر ذلك وسرقت النفقة من الغلام أقام المستأجر البينة بأنه استأجر الغلام ودفع النفقة اليه أو أقر الغلام بقبضها منه كانت لازمة للمكاري. وكذلك الحكم لو لم يسرق ولم يضع (2).
وإذا استأجر إنسان دابة إلى بلد معين بدراهم مسماة فرده عليه المكاري عند البلوغ الى ذلك البلد بعض تلك الدراهم وذكر انها زيوف أو ستوق (3) كان القول قول صاحب الدابة مع يمينه في ذلك.
وإذا استأجر دابة إلى موضع معين ، وأراد صاحب الدابة ان يحمل على الدابة رحل إنسان آخر بأجرة ، كان للمستأجر منعه من ذلك ، فان حمله عليها ، ووصل الى الموضع المعين ، لم يكن للمستأجر ان يمنعه شيئا من الأجر ، لأجل (4) ما حمله عليها لغيره.
ص: 486
وإذا استأجر دابة ، ومات صاحب الدابة في الطريق ، ثم استأجر المستأجر إنسانا يقوم على الدابة كان بذلك متطوعا ولا شي ء له من ذلك ، على المستحق للدابة.
وإذا اختلف المتكاريان في مبلغ الأجر ، كان القول في ذلك قول المستأجر مع يمينه ، فان كان لأحدهما بينة على ما يدعيه حكم له بها.
وإذا استأجر دابة معينة إلى بلد معين فوجدها عثورا (1) أو جموحا (2) أو لا يبصر بالليل ، كان له الخيار منها ويدفع الى صاحبها من الأجر بحساب ما قطعه من الطريق في سفره. وان كانت الدابة غير معينة ، كان على صاحبها إيصاله إلى البلد المعين على دابة غيرها.
وإذا استأجر دابة إلى قرية ، فسمى قرية أخرى باسمها وبينهما مسافة ما ، ولم يبين (3) الى أى القريتين يقصد ، فركب الدابة إلى أحدهما ، كان عليه اجرة مثل ذلك.
وإذا استأجر دابة إلى موضع معين على انه ان بلغه في يومين ، كان لصاحب الدابة اجرة عشرة دراهم ، وان زاد على ذلك كان له خمسة ، كان له أجر مثلها فان قال له ان زدت على اليومين ، لم يكن لك أجر ، لم يجز ذلك وكان له أجر مثلها لا يجاوز به عشرة دراهم.
وإذا استأجر دابة من بلد الى بلد آخر بدينار أو درهم كان عليه نقد البلد الذي استأجر منه.
وإذا استأجر دابة إلى موضع معين على انه إذا بلغه كان عليه رضا المكاري فلما بلغه ، قال المكاري رضاي عشرون درهما ، كان له أجر مثلها ، الا ان يكون أكثر من عشرين درهما ، فلا يزاد على ذلك ، فإن استأجر الدابة بمثل ما استأجر أصحابه
ص: 487
أو بمثل ما يستأجر الناس ، كان عليه أجر مثلها.
وإذا استأجر دابة معينة إلى بلد ، فمرض أو خاف في طريقه من لصوص أو ما أشبه ذلك ، أو تغيرت الدابة أو لحقها ما لا يستطيع معه أن يركبها ، أو لا تحمل ، انفسخت الإجارة.
وإذا استأجر إنسان حانوتا في سوق يبيع فيها ويشترى فلحقه فيها دين أو أفلس فقام من السوق ، انتقضت الإجارة. وإذا استأجر دابة وعرض لصاحبها أمر لا يستطيع معه النهوض معها ، لم يكن له نقض الإجارة وعليه ان يبعث معها من يتبعها ويقوم عليها. وان عطبت الدابة انتقضت الإجارة ان كانت معينة ، فان لم تكن معينة ، كان على الموجر ان يحمله على دابة غيرها.
وإذا استأجر إنسان شيئا من الإبل إلى مكة ، ومات في بعض الطريق ، كان عليه من الأجر بحساب ما سار ، وتنفسخ الإجارة عنه فيما بقي ، فان مات صاحب الإبل في بعض الطريق ، كان للمستأجر ركوبها. على ، حاله (1) والمسير بها الى ان يصل مكة ولا ضمان عليه ، وعليه الأجر إليها.
وإذا استأجر إنسان أرضا ، فلحقها أمر لا يقدر معه على زرعها ، أو غلب الماء عليها ، كان ذلك عذرا في نقض الإجارة. وكذلك لو افتقر الزراع حتى لا يقدر على الزرع ، أو مرض مرضا لا يتمكن معه من ذلك وكان المستأجر هو الذي يعمل بنفسه ، فان كان لا يعمل بنفسه وله اجراء يعملون ، أو يكون هو قادرا على استئجار
ص: 488
اجراء يعملون عنه ، فإن الإجارة لا تنتقض ، بل هي بحالها.
وإذا كان ليتيم ارض ، فآجرها وصيه قبل بلوغه ، ثم بلغ اليتيم قبل انقضاء مدة الإجارة لم يكن له فسخها.
وإذا استأجر عبدا ليخدمه ، أو ليعمل له عملا ، فمرض ، كان للمستأجر فسخ الإجارة ، ولو أراد سيد العبد فسخها لم يكن له ذلك ، فان لم يفسخها واحد منهما حتى عوفي العبد ، كانت الإجارة باقية على حالها ، ويطرح من الأجر بحساب ما بطل فيه بالمرض وكذلك القول فيه لو أبق.
وإذا كان المستأجر اثنين ومات أحدهما ، انفسخت الإجارة في حصته ، وكذلك ان كان الموجر اثنين ، فمات منهما واحد أو ارتد ولحق بدار الحرب انفسخت الإجارة فان لم يختصما (1) حتى عاد المرتد إلى الإسلام ، كانت الإجارة لازمة بحالها ان كان قد بقي من مدتها شي ء.
وإذا دفع إنسان إلى قصار ثوبا ، أو متاعا ليقصره (2) بأجرة ، فجعل عليه النورة ، فاحترق ، أو دقة أو عصره ، أو شمسه فزاد عليه ، (3) فتخرق أو تمزق (4) شي ء من ذلك ، كان عليه ضمانه ، لان ذلك من جناية يده ، ولا فرق في ذلك بين ان يكون متعمدا لها ، أو غير متعمد ، إذا كان بأجر كما قدمناه (5).
فان ادعى القصار انه عمل بغير أجر وقال صاحب الثوب أو المتاع بل عمل بأجر ، كان القول ، قول صاحب الثوب أو المتاع مع يمينه وعلى القصار البينة. فإن
ص: 489
سرق المتاع ، أو هلك بغير تفريط منه ، لم يلزمه شي ء بعد ان يحلف في ذلك ، وكذلك القول في سائر أصحاب الأعمال.
وإذا كان عند القصار ثوب وديعة ، فوطأه (1) فتخرق وكان مما يوطئ ، كان عليه ضمانه ان لم يكن صاحبه امره ببسطه (2) ، وكذلك غير القصار.
وإذا دفع إنسان ثوبا الى صباغ ليصبغه اصفر ، فصبغه أحمر أو غير ذلك ، واختلفا كان القول ، قول صاحب الثوب مع يمينه. فان نقص بالصبغ شيئا ، كان له مطالبته بقيمة ما نقص ، ان شاء ذلك ، وان شاء أخذ الثوب من غير المطالبة له بذلك.
وإذا أخذ الملاح أجر السفينة وغرقت بشي ء ليس من فعله ولا جناية يده ، لم يكن عليه شي ء ، فان كان بتفريط من قبله (3) كان ضامنا لما يهلك فيها.
والختان والبيطار (4) والحجام (5) إذا فعلوا بإنسان شيئا من غير أمر وليه وأخذ البراءة كان عليهم الضمان ، ولا فرق في ذلك بين ان يكون المجني عليه حرا أو عبدا ، وإذا حمل أجير القصار الثياب فعثر أو سقط فيخرق منها شي ء ، كان على القصار ضمان ذلك.
وإذا أمر إنسان حجاما بقلع سن له فقلعها واختلفا فقال : صاحب السن ليست هذه هي التي أمرتك بقلعها ، وقال الحجام : بل هي التي أمرتني بقلعها كان القول ، قول صاحب السن وعلى الحجام الضمان.
وإذا استوجر إنسان على عمل شي ء فأفسده كان عليه ضمانه.
ص: 490
وإذا دفع إنسان إلى حائك غزلا ، وامره بأن ينسجه طول ثماني أذرع في أربع ، فنسجه أكثر من ذلك أو أقل ، كان صاحبه مخيرا بين أخذه ودفع الأجر اليه ، الا في وجه النقصان فإنه يعطيه الأجر بحساب ذلك ، ولا يتجاوز به ما سمى له ، وبين ان يضمنه مثل غزله ، ويدفع الثوب إليه ، فإن شرط عليه ان ينسجه صفيقا (1) فنسجه رقيقا ، أو رقيقا فنسجه صفيقا ، كان له مثل اجره ، ولا يتجاوز به ما سمى له.
فإن أمر بأن يزيد في الغزل رطلا واختلفا فقال النساج قد زدته ، وقال : صاحب الغزل لم تزده ، كان على النساج البينة ، فان لم تكن له بينة كان القول قول صاحب الغزل مع يمينه ، فإن أقام النساج البينة كان له أخذ مثل غزله (2) من صاحب الغزل.
وإذا دفع إنسان إلى طحان حنطة ، وشرط عليه ان يعطى من الدقيق زيادة معينة على كيل الحنطة لم يجز ذلك ، وانما له الأجر وعليه أداء الامانة.
وإذا دفع إنسان إلى غيره سمسما ، وقال له قشره وربه بالبنفسج ، ولك أجر درهم ، كان ذلك فاسدا ، لأنه لا يعرف ما شرط من البنفسج ، فان قال على ان تربيه بمد من بنفسج ، كان جائزا ، وان كان البنفسج الذي يدخل في مثل ذلك السمسم معروفا عند التجار. كان جائزا ، وكذلك الحكم في جميع الادهان.
والاستئجار جائز في أواني الخشب والزجاج والحديد وكذلك السكاكين (3) والقسي (4) والجعاب والنبل ونصول السيف والدرق (5) والرماح وأوعية الأدم والجرب (6) وحمائل السيوف وما أشبه ذلك ، فان ضرب لذلك (7) أجلا كان
ص: 491
جائزا وان قدم الثمن كان سلفا.
وإذا دفع إنسان إلى إسكاف (1) خفا ينعله فانعله بنعل لا ينعل الخفاف بمثله كان صاحب الخف مخيرا بين ان يضمنه قيمة خفه بغير نعله ، وبين أخذه وان يدفع إليه أجر مثله وقيمة النعل ، لا يجاوز به ما سماه.
وان كان النعل مما ينعل الخفاف بمثله كان جائزا وان لم يكن جيدا في الغاية. فإن شرطه عليه ان يكون النعل جيدا ، فانعله بغير جيد ، كان مخيرا بين ان يضمنه قيمة الخف ، وبين أخذه وان يعطيه أجر مثله.
وإذا قال صاحب الخف لهذا العامل عملته لي بغير شي ء ، وقال العامل عملته بدرهم ، ولم يكن لأحدهما بينة ، كان على صاحب الخف اليمين بأنه ما شارطه على درهم ، ويغرم قيمة النعل (2).
وإذا عمل الخف على ما وصف له صاحبه ، واختلفا في الأجرة. وأقاما البينة ، كان البينة بينة العامل دون المستعمل.
وإذا دفع إنسان ، إلى صباغ ثوبا ليصبغه احمر ، فصبغه كذلك واختلفا ، فقال صاحب الثوب ، صبغته بنصف درهم ، وقال الصباغ بل صبغته بدرهم ، فان كان الثوب قد زاد بالصبغ وكانت الزيادة درهما أو أكثر ، كان للصباغ درهم - بعد يمينه على انه ما صبغه بنصف درهم - ، وان كان الزيادة أقل من نصف درهم دفع اليد نصف درهم ، فان كان الصبغ نقص الثوب ولم يزد فيه شيئا ، كان للصباغ قيمة صبغه.
وإذا دفع إنسان إلى صباغ ثوبا على ان يصبغه بنصف رطل عصفر (3) فصبغه برطل ، وصاحب الثوب مقر له بذلك ، كان مخيرا ان شاء ضمنه قيمة الثوب ، وان
ص: 492
شاء أخذه ودفع إليه قيمة زيادة العصفر في الثوب مع الأجر.
فإن اختلفا ، فقال صاحب الثوب ما صبغته الا بنصف رطل عصفر ، وكان مثل ذلك الصبغ يكون بنصف رطل عصفر ، كان القول ، قوله مع يمينه الا ان يقوم للآخر بينة ، وان كان مثل ذلك الصبغ لا يكون بنصف رطل عصفر ، كان القول قول الصباغ مع يمينه.
وإذا شارط إنسان قصارا على أن يقصر له خمسة أثواب بدرهم ، ولم يشاهد الثياب ولا عرفها كان فاسدا : وكذلك إذا شارطه في الغسل لها على هذا الوجه ، لان الثياب تتفاضل وتختلف : وكذلك ما جرى هذا المجرى.
فان شاهد القصار ، أو الغسال الثياب ، أو سمى صاحبها له جنسها ووصفها كان ذلك جائزا.
وإذا رد القصار على صاحب الثوب غير ثوبه عمدا أو خطأ وقطعه وخاطه وحضر صاحبه كان مخيرا بين أن يضمن القصار قيمة ثوبه ، ويرجع القصار بتلك القيمة على القاطع للثوب ، وبين أن يضمن القاطع ويرجع القاطع بثوبه على القصار وهكذا يجرى الأمر في كل صانع.
وإذا دفع إنسان إلى خياط ثوبا على أن يخيطه قميصا بدرهم ، فخاطه قباءا ، فكان لصاحب الثوب أن يضمنه قيمته ، فإن أراد أخذ القباء وان يدفع إليه أجر مثله كان له ذلك ، ولا يتجاوز ما سمى له.
فان اختلفا فقال صاحب الثوب أمرتك بأن تقطعه قميصا ، وقال الخياط بل أمرتني بأن أقطعه قباءا ، فان كان لأحدهما بينة حكم له بها والا كان القول قول صاحب الثوب مع يمينه لان الثوب له ، والخياط مدع للإذن في قطعه قباءا فعليه البينة
وإذا سلم إنسان إلى خياط ثوبا ، وأمره بأن يقطعه قباءا وقال له بطنه من عندك واحشه ولك من الأجر كذا وكذا كان باطلا (1) ، وكان البطانة والحشو للخياط
ص: 493
وله اجرة مثله.
فان قال بطنه بثوب فلاني وسط واحشه برطل قطن وسط وخطه (1) فلك من الأجر كذا وكذا ، كان ذلك صحيحا وإذا سلم اليه ثوبا وقطنا وبطانة وأمره بأن يقطعه جبة ويحشوها ويندف القطن عليها ، وسمى له اجرا معينا كان جائزا.
وإذا شرط إنسان على خياط خياطة خمسة أثواب أو عشرة بخمسة دراهم أو عشرة دراهم ، ولا يذكر قدرها ولا جنسها لم يصح ذلك ، فان وصفها فقال هي مروية (2) ومقدارها مقدار هذا الشي ء أو مقدار كذا عن شي ء معروفا كان صحيحا.
وإذا استأجر إنسان بناءا ليبنى داره وشرط أن يكون الآجر والجص من عند البناء كان فاسدا وكذلك كل ما جرى هذا المجرى ، فان عمله على هذا الوجه كان العمل للمستأجر وكان للعامل أجر مثله مع قيمة ما زاد في ذلك.
وإذا استأجر إنسان غيره ليحمل له شيئا على ظهره ، أو في سفينة ، أو على دابة بدراهم وسار ، كان كل ما سار شيئا من طريقه استحق من الأجر بقسط ذلك فان عجل له الأجر كان جائزا ، فإن باعه بالأجر متاعا ودفعه اليه كان جائزا ، فان لم يوفه العمل كان له الرجوع عليه بالدراهم دون المتاع ، لأنه باعه ذلك بشي ء عليه ، فان باعه بالدراهم دينارا ، ودفعه اليه قبل ان يحمل له ذلك ثم حمله ووفاه ما شرطه كان جائزا (3).
فان مات قبل أن يوفيه العمل ، وقد حمله بعض الطريق رد عليه من الدراهم بمقدار ما بقي من العمل ، فان كان هذا المستأجر ، استأجر على البلاغ الى مكان معين لم يجب له من الأجر حتى يبلغ المكان فاذا بلغه استحق الأجر تاما.
ص: 494
إذا استأجر إنسان طاحون ماء مع البيت الذي هي فيه وآلتها بأجر معين كان جائزا ، فإن انقطع عنها الماء فلم يعمل ، وضع عنه من الأجر بحساب ما تعطلت وله أيضا نقض الإجارة ، فان لم ينقضها حتى عاد الماء الى ما كان عليه ، كانت الإجارة لازمة له فيما بقي من المدة.
فإن استأجرها يوما واحدا وانقطع عنها الماء في ذلك اليوم (1) ، لم يكن له نقضها ، بل يرفع عنه من الأجر بحساب ذلك. فان اختلفا في ذلك كان القول ، قول المستأجر مع يمينه ، فان قال الموجر لم ينقطع الماء وكان الماء منقطعا يوم اختصما ، كان القول قول المستأجر مع يمينه وان كان جاريا كان القول قول الموجر مع يمينه.
وإذا استأجر من غيره مكانا على نهر ، ليبنى عليه بيتا ، ويعمل فيه طاحونا ويكون البناء والحجارة والحديد والخشب من عند هذا المستأجر كان جائزا ، فإن انقطع ماء النهر وبطلت الرحى ، فلم يعمل ، كانت الإجارة لازمة للمستأجر ولم يكن له على المؤجر شي ء.
وإذا استأجر إنسان رحى بآلتها ومتاعها وقل الماء الى أن أضر ذلك بالطحن وهو يطحن على ذلك نظرت في الضرر ، فان كان ضررا فاحشا كان له ترك الإجارة وان كان غير فاحش كانت الإجارة لازمة له.
وإذا خشي صاحب الرحى من انقطاع الماء ففسخ الإجارة ، وآجر البيت والحجر والآلات ، كان جائزا.
فإن انقطع الماء كان للمستأجر ترك الإجارة. وجرى هذا مجرى طحان استأجر رحى يطحن عليها بدابته فنفقت (2) الدابة ولم يكن معه ما يبتاع به دابة أخرى في ان له ترك الإجارة.
ص: 495
وإذا استأجر إنسان رحى للماء بآلتها ، فانكسر أحد الحجرين أو الدوارة ، كان له فسخ الإجارة. فإن عمل (1) صاحب الرحى ما انكسر من ذلك أو فسد قبل الفسخ ، لم يكن له بعد ذلك ، الفسخ. ولكن يرفع عنه من الأجر بحساب ذلك ، فان اختلفا في مبلغ العطلة (2) ، كان القول قول المستأجر ، الا ان يذكر الموجر ذلك
وإذا استأجر إنسان جملين من بلد معين إلى مكة يحمل على أحدهما محملا (3) يكون فيه اثنان ، وما يحتاجان اليه من الرحل وغيره ، وشاهد الجمال هذا والرحل الذي يحتاجان اليه ، والأخر يكون زاملة يحمل عليه الدقيق ، وما يحتاج إليه أيضا ، من قوت (4) وأدم وما أشبه ذلك ، كان جائزا.
ولهذين الرجلين ان يحملا على الجملين مثل ما يحمل الناس في هذا الطريق فان اشترطا في ذلك وزنا معلوما في الذهاب والعودة ، كان أحوط.
وإذا استأجر من غيره محملا وزاملة وشرط عليه حملا معلوما على الزاملة ، فما أكل من ذلك الحمل ، أو نقص من الوزن أو الكيل ، كان له ان يتم ذلك في كل منزل ذاهبا وعائدا ، فإن خرج بهما يقودهما ولم يحمل عليهما شيئا ماضيا وراجعا ، كان عليه الأجر تاما ولا يلزم الجمال نقص شي ء من الأجر لذلك ، فان مات المستأجر بعد ان قضى المناسك ، وعاد إلى مكة ، كان عليه من الأجر بحساب ذلك ، وهكذا ان كان مسيره في البدأة على مدينة النبي صلى اللّه عليه وآله أو في الرجعة ، حوسب بقدر ما قطع من الطريق وبقي بمقامه (5) معه في أيام المناسك ، وكذلك أيضا لو مات في بعض الطريق ماضيا أو عائدا.
ص: 496
وإذا استأجر جمل كنيسة (1) فأراد ان يحمل أكبر من ذلك ، لم يجز له ، وان أراد ان يجعل أصغر منها كان جائزا.
وان استأجر جمل محمل وأراد ان يبدله بمحمل غيره ولم يكن فيه ضرر ، كان جائزا وان كان فيه ضرر ، لم يجز له ذلك.
وإذا استأجر من جمال محملا من بلد معين إلى مكة ، وشرط عليه سيرا معينا في كل يوم ، كان جائزا ان لم يعقه عائق ، فان لم يشترط له فالمراحل المعلومة أو سار بسير الرفقة. ان كان مع رفقة ، أو بسير السلطان ان كان معه سلطان يسير بالناس ، فان لم يكن معه رفقة ، ولا سلطان وأراد المستأجر مجاوزة (2) المراحل ، وأراد الجمال التقصير ، أو أراد التقصير وأراد الجمال مجاوزتها ، لم يكن لهما ذلك ، الا ان يتراضيا عليه.
وإذا استأجر جماعة مشاة بعيرا وشرطوا على الجمال ان يحمل من أعيا (3) منهم ، أو مرض كان فاسدا ، فان شرطوا عليه لكل واحد منهم عقبة (4) كان صحيحا.
وإذا استأجر لغلامه عقبة وأراد الجمال من الغلام ان يركب النهار ويمشى الليل ، أو يركب الليل ويمشى النهار لم يكن له ذلك ، وكذلك لو أراد المستأجر ذلك لم يجز ، وانما له من العقب ما يتعارفه الناس لا توالى المشي فيستضر ولا الركوب فيضر بالبعير ، فان تشارطا على ان يكون الركوب ليلا دون النهار وفي النهار دون الليل كان ذلك
ص: 497
على ما استقر الشرط عليه.
وإذا استأجر إنسان خبازا ليخبز له في بيته خبزا معلوما فخبزه ، ثم سرق بعد ذلك كان للخباز ، الأجر كاملا ، وان سرق قبل فراغه منه كان له من الأجر بقدر ما عمل منه ، وان خبزه في بيت الخباز لم يكن له من الأجر شي ء ولا يلزم ضمان ما سرق ، وإذا احترق الخبز في التنور قبل إخراجه منه كان الخباز ضامنا له. لأنه من عمله وتفريطه فان ضمنه قيمته مخبوزا كان له الأجر كاملا ، وان ضمنه الدقيق لم يكن له أجر.
وإذا عمل الصانع - من صباغ أو خياط أو ما جرى مجراهما من الصناع - في بيت المستأجر لهم كانوا ضامنين لما جنته أيديهم كما يضمنون ذلك إذا عملوا في بيوتهم.
وإذا استأجر إنسان خياطا ليخيط له في بيته قميصا فخاط بعضه وسرق القميص ، كان للخياط من الأجر بقدر ما خاط منه ، وان استأجره ليخيط له ذلك في بيت الأجير فسرق لم يكن للخياط من الأجر شي ء.
وإذا استأجر إنسانا يحمل له شيئا على ظهره أو يعمل له عملا في بيته أو غير بيته وهو أو وكيله حاضر لماله حافظ له فهلك من غير جناية من الصانع أو الأجير لم يكن على الصانع ضمانه وان جنى عليه غيره كان الضمان على الجاني.
وإذا استأجر إنسان طباخا يطبخ له طعاما في وليمة فأفسده كان عليه ضمانه فان تلف بجناية غيره لم يلزمه ضمانه.
وإذا جنى إنسان على ما في يد الصانع كان صاحبه مخيرا بين ان يضمنه الصانع ويرجع الصانع على الجاني وبين ان يضمنه الجاني وللصانع الرجوع على الجاني (1) ، كما ذكرناه ، وليس للجاني الرجوع على الصانع.
وإذا استأجر إنسان الف درهم كل شهر بدرهم يعمل بها ، كان ذلك فاسدا
ص: 498
وليس له أجر على ذلك (1) ، وعليه ضمان الدراهم.
فإن استأجرها ليزن (2) بها يوما الى الليل بأجر مسمى كان مكروها. وإذا استأجر حنطة مسماة يعتبر (3) بها المكاييل يوما الى الليل ، كان ضامنا لذلك ، لأنه عمل يعمله في غير العين المستأجرة.
وإذا استأجر إنسان إنسانا ليقتل رجلا لم يجز له ذلك ولا أجر له ، وكذلك كل اجارة في ظلم أو تعد.
وإذا استأجر إنسان كحالا يكحل عينه شهرا بدراهم مسماة كان جائزا وكذلك المعالجة في جميع الأدواء.
وإذا استأجر فحلا ينزيه لم يجز ، وقد ذكر انه مكروه والاحتياط يقتضي ما ذكرناه.
وإذا استأجر دابة معينة على انه ان بلغه موضع كذا ، كان له عشرة دراهم ، وان لم يبلغه ولم يكن له شي ء كان فاسدا وعليه اجرة المثل.
وإذا استأجر دابة إلى بلد معلوم ، على انه ، ان رزقه اللّه تعالى من زيد شيئا ، دفع اليه من ذلك كذا ، كان فاسدا وله أجر مثلها.
وإذا دفع إنسان إلى عصار سمسما أو الى طحان حنطة وشرط في ذلك كيلا
ص: 499
معينا يؤديه اليه على أجر يجعله له لم يجز ذلك وكان للعصار والطحان مثل أجر عملهما ولصاحب السمسم والحنطة ما أخرجا.
وإذا استأجر إنسان رجلا ليحفر له بئرا ، ولم يصفها له ، ولا عين كم يكون عمقها ذراعا ، ولا دورها ، لم يجز ذلك. فان قال عشرة أذرع عمقا ، وكذا وكذا ذراعا دورها بأجر مسمى كان صحيحا.
فان حفر منه ثلاث اذرع فخرج عليه جبلا داهية (1) أشد عملا ، فأراد تركه لم يكن له ذلك ، إذا كان يطيق عمله. فان شرط عليه كل ذراع في طين ، أو سهل ، بأجرة معينة ، وكل ذراع في جبل ، بأجرة معينة ، وكل ذراع في الماء بأجرة معينة ، وسمى طولها ودورها ، كان جائزا على ما اشترطاه. وإذا استأجره ليحفر له نهرا في جبل عين له طوله عشرة أذرع في عرض عينه ، فحفير منه شيئا ثم ظهر عليه جبل أصم ، فإن كان يطيق حفره كان حفره لازما له ، وان كان مثله لا يطاق كان له ترك الإجارة ويكون له من الأجر بحساب ما حفر منه.
وإذا استأجر إنسانا ليحفر له قبراً فحفره ثم دفن إنسان آخر قبل ان يأتي المستأجر بميتة لم يكن على المستأجر أجر ، فإن حفر المستأجر وخلي الأجير بينه وبين القبر ثم انهار (2) بعد ذلك أو دفن فيه إنسان أخر ، كان للأجير عليه الأجر تاما
وإذا أمر إنسان حفارا بان يحفر له قبراً وكان هذا المستأجر في ناحية من نواحي البلد الذي هو فيه ولم يبين له المكان وحفر له في الناحية التي جرت عادة أهل تلك القبيلة بدفن موتاهم فيها من تلك المدينة كان له الأجر على الذي استأجره ، وان حفر في غير تلك الناحية لم يكن له أجر ، الا ان يدفنوا ميتهم في حفرته ، فان فعلوا ذلك كان له الأجر.
وإذا استأجره على ان يحفر له قبراً ولم يسم له لحدا ولا شقا كان الاعتبار في ذلك
ص: 500
بعادة أهل الموضع فان كان معظم عملهم في ذلك اللحد كان عليه حفره بلحد ، وان كان شقا كان عليه حفره كذلك.
وإذا استأجر إنسانا على ان يحفر له بئرا عشرة أذرع طولا في دور معين بدينار وسلمه اليه ، وقال له الحفار : انما دفعت الى الدينار على ان احفر به خمسة أذرع طولا ولم يكن عمل بعد شيئا ، وأنكر المستأجر ذلك ، تحالفا وتفاسخا الإجارة ، وان كان قد حفر خمس اذرع طولا كان القول ، قول المستأجر مع يمينه ويدفع اليه من الأجر بحساب ذلك ويحلف.
وإذا استأجر إنسان غيره على ان يبنى له بالجص والأجر يوما كاملا ، كان عليه ان يبنى له من حين صلاة الفجر الى حين غروب الشمس ، لأنه استأجره يوما ، واليوم هو ما ذكرناه ، فاما الذين يعملون الى العصر وينصرفون فليس لهم ذلك الا ان يشترطوه أو يكون عادتهم جارية بذلك وهو معلوم من حالهم ، وانه رسم لهم فان كان كذلك كان بمنزلة الشرط.
وإذا استأجر إنسان عبدا شهرين ، شهرا بخمسة ، وشهرا بستة ، كان الشهر الأول بخمسة والشهر الثاني بستة ، فإن شرط الأول بستة كان جائزا ، وإذا استأجره ليخدمه في بلده لم يجز له السفر به ، فان سافر به كان ضامنا له ولا يكون عليه أجر الا ان يسلم (1) ، وليس له ان يضرب العبد إلا بإذن سيده ، فإن ضربه فعطب كان عليه الضمان وإذا دفع الأجر عند انسلاخ الشهر الى العبد وكان السيد هو الذي آجره لم تبرأ ذمته من الأجر ، وان كان العبد هو الذي آجر نفسه فقد بري ء من ذلك.
والموت يفسخ الإجارة ولا فرق في ذلك بين ان يكون الميت هو المستأجر أو المؤجر ، وعمل الأكثر من أصحابنا على ان موت المستأجر هو الذي يفسخها ،
ص: 501
لا موت الموجر. وقد كان شيخنا المرتضى رضي اللّه عنه سوى بينهما في ذلك ، فإنه بين ان الوجه فيهما واحد وليس هذا موضع ذكر ذلك فنذكره.
وإذا كان للإنسان صبرة واحدة مشاهدة ، يتيقن المستأجر ان فيها عشرة أقفزة وشك في الزيادة ، فقال لغيره استأجرتك لحمل عشرة أقفزة من هذه الصبرة كل قفيز بدرهم وما زاد فبحسابه صح العقد في عشرة أقفزة ، لأنها معلومة ، وبطل فيما زاد ، لان وجود ذلك مشكوك فيه لأنه لا يعلم هل يزيد على عشرة أقفزة أو لا يزيد على ذلك ، والعقد على ما لا يتحقق وجوده ، عقد على غرر ، وذلك لا يجوز.
وإذا استأجر من غيره كلبا لحراسة الماشية ، أو الزرع ، أو استأجره للصيد ، كان جائزا ، لأنه لا مانع يمنع من ذلك ، ولان بيع هذه الكلاب يصح وما صح بيعه صح الاستئجار له.
وإذا استأجر من غيره سنورا لصيد الفأر كان جائزا.
وإذا استأجر غيره ليسلخ له ذكيا ، على ان يكون جلده له ، كان جائزا.
وإذا استأجر على ان ينقل له ميتة ، على ان يكون جلدها له ، لم يجز ذلك ، لان بيع جلود الميتة لا يجوز.
وإذا تقبل إنسان من غيره عملا بأجر معين ، وأراد ان يقبله غيره بأقل من ذلك ، فان كان قد أحدث فيه حدثا كان جائزا ، وان لم يكن أحدث فيه شيئا لم يجز ذلك له.
وإذا استأجر دارا بأجر معين ، وأجرها بأكثر من ذلك ، وكان قد أحدث فيها حدثا ، كان ذلك جائزا والزيادة له ، وان كان لم يحدث فيها حدثا ، لم يجز له ذلك ، وكانت الزيادة لمالكها إذا كان قد آجرها بذلك. وإذا دفع إنسان إلى الأجير قبل فراقه من العمل طعاما ، أو متاعا على أجرته ولم يعين (1) سعره كان عليه سعر الوقت الذي
ص: 502
دفع اليه فيه ذلك ، والأجر يستحقه المستأجر (1) عند الفراغ من العمل ولا يجوز تأخيره عنه في هذه الحال ، ويجوز تقديمه له.
تم كتاب الإجارة
تم تصحيح وتحقيق الجزء الأول من كتاب « المهذب »
للشيخ الأقدم عبد العزيز بن البراج في صبيحة
يوم الرابع عشر ( يوم الأربعاء ) من شهر
ربيع الأول من شهور عام الف
واربع مأة وست من الهجرة
النبوية على هاجرها
آلاف الثناء والتحية
ويليه الجزء الثاني
يبتدأ بكتاب المزارعة
لجنة التصحيح والتحقيق
ص: 503
الصفحة / العنوان
الصفحة / العنوان
1 - تطور الفقه عند الشيعة الامامية وحياة المؤلف بقلم جعفر السبحاني
(1) كتاب الطهارة
19 - باب المياه واحكامها
20 - الماء الجاري
20 - الماء الراكد
21 - الماء الكر
21 - مياه الآبار
22 - منزوحات البئر
23 - تغير الماء بأحد أوصافه الثلاثة
23 - تتميم الماء النجس كراً
24 - الماء المضاف
25 - أسئار الحيوان
26 - ماء المطر
27 - ماء الحمام
27 - البئر القريب من البالوعة
28 - الأواني وفروعها
29 - التعفير
30 - احكام الجلود
31 - باب ما يجوز التيمم به
32 - باب أقسام الطهارة
32 - باب الغسل
33 - باب التيمم
34 - باب الجنابة
34 - باب الحيض
37 - باب الاستحاضة
39 - باب النفاس
40 - باب الاستنجاء
41 - ترك الاستقبال والاستدبار
42 - مكروهات النخلي
42 - باب كيفية الطهارة
ص: 504
الصفحة / العنوان
الصفحة / العنوان
43 - باب كيفية الوضوء
45 - باب كيفية الغسل
47 - باب كيفية التيمم
49 - نواقض الطهارة وما يوجب اعادتها
51 - باب إزالة النجاسة من البدن والثياب
52 - بعض احكام النجاسات
53 - طهارة المذي والوذي
(2) كتاب الجنائز باب
الاحكام المتعلقة بحال الاحتضار
54 - باب من يغسل من موتى الناس
55 - من لا يغسل من موتى الناس
56 - كيفية غسل الميت
59 - باب الأكفان والتكفين
60 - التكفين
62 - الدفن وما يتعلق به من احكام القبور
64 - الدعاء بعد الدفن
65 - حكم نقل الميت من قبره
(3) كتاب الصلاة
67 - باب أقسام الصلاة
67 - باب اعداد الصلاة
69 - باب أوقات الصلاة
72 - باب ما يعرف به زوال الشمس
74 - باب ما يجوز الصلاة فيه ومالا يجوز
75 - باب ما تجوز عليه الصلاة من المكان ومالا تجوز
76 - باب المساجد وما يتعلق بها
78 - باب الجماعة واحكامها
80 - باب الإمامة وما يتعلق بها
83 - باب ستر العورة
84 - باب القبلة
86 - الصلاة على الراحلة وما يلحق بها
88 - باب الاذان والإقامة واحكامهما
91 - كيفية الصلاة
94 - بعض المستحبات في الصلاة
96 - تعقيبات الصلاة
99 - صلاة الجمعة
101 - آداب الجمعة
103 - كيفية صلاة الجمعة
105 - باب صلاة السفر
110 - باب صلاة المضطر
111 - باب صلاة المريض
112 - باب صلاة الخوف والمطاردة والمسايفة
ص: 505
الصفحة / العنوان
الصفحة / العنوان
113 - كيفية صلاة الخوف
114 - صلاة المطاردة
116 - باب صلاة العراة
117 - باب صلاة السابح والغريق والموتحل
117 - باب صلاة المضطر إلى المشي والمقيد والمشدود بالرباط وما أشبه ذلك
118 - باب الصلاة في السفينة
118 - باب كيفية الصلاة ما عدا صلاة اليوم والليلة
118 - باب كيفية صلاة العيدين
124 - باب كيفية صلاة الكسوف
125 - باب قضاء الفائت من الصلاة
127 - باب كيفية صلاة النذر
128 - باب الصلاة على الموتى
130 - كيفية الصلاة على الميت
133 - باب المندوب من الصلوات
133 - باب سنن اليوم والليلة
143 - باب ما عدا سنن اليوم والليلة من سنن الصلاة
143 - باب كيفية صلاة الاستسقاء
145 - باب نوافل شهر رمضان
146 - باب صلاة يوم الغدير
148 - باب صلاة يوم المبعث
149 - باب صلاة أمير المؤمنين عليه السلام
149 - باب صلاة مولاتنا فاطمة عليها السلام
149 - باب صلاة الحبوة
149 - باب صلاة الاستخارة
150 - باب صلاة الحاجة
151 - باب صلاة ليلة النصف من رجب
151 - باب صلاة ليلة النصف من شعبان
151 - باب صلاة الشكر
152 - باب صلاة الزيارات
152 - باب صلاة ليلة عيد الفطر
152 - باب صلاة الاحرام
153 - باب صلاة النوافل الزائدة على نوافل يوم الجمعة
153 - باب تحية المسجد
153 - باب ما يوجب إعادة الصلاة
155 - باب السهو في الصلاة
(4) كتاب حقوق الأموال
158 - باب من يجب عليه الزكاة
159 - باب ما تجب فيه الزكاة
ص: 506
الصفحة / العنوان
الصفحة / العنوان
159 - باب زكاة الذهب
160 - باب زكاة الفضة
161 - باب زكاة الإبل
163 - باب زكاة البقر
164 - باب زكاة الغنم
166 - باب زكاة الغلات الأربع
168 - باب المقدار الذي ينبغي اخراجه من الزكاة
169 - في « بيان مستحق الزكاة »
172 - باب المقدار الذي ينبغي اخراجه
173 - باب الوقت الذي ينبغي اخراج الزكاة فيه
173 - باب زكاة الرؤوس
174 - باب فيمن يجب عليه زكاة الفطرة
174 - باب ما تجب فيه الفطرة
175 - باب في بيان مستحق الفطرة
176 - باب في ذكر الوقت الذي يجب اخراج الفطرة فيه
(5) كتاب الخمس واحكامه
177 - باب في ذكر ما يجب الخمس فيه
179 - باب ذكر ما يراعى فيه مقدار وما لا يراعى فيه ذلك
179 - باب ذكر الوقت الذي يجب اخراج الخمس فيه
179 - باب ذكر مستحق الخمس
180 - باب في قسمة الخمس
181 - باب احكام الأرضين
181 - باب ذكر الأرض التي يسلم عليها طوعاً
182 - باب الأراضي المفتحة بالسيف عنوة
182 - باب أراضي الصلح
183 - باب أراضي الأنفال
184 - باب الجزية
184 - باب في ذكر من يجب أخذ الجزية منه ومن لا يجوز أخذها منه
184 - في بيان ما ينبغي أخذه من الجزية
185 - في بيان المستحق للجزية
185 - باب الغنائم
186 - باب ذكر الأنفال
(6) كتاب الصيام
189 - باب صوم شهر رمضان وعلامة دخوله
191 - باب في ذكر ما ينبغي للصائم الامساك عنه
ص: 507
الصفحة / العنوان
الصفحة / العنوان
191 - باب ما يفسد الصوم ويوجب القضاء والكفارة
192 - باب ما يفسد الصوم ويوجب القضاء دون الكفارة
193 - باب ما يجب الامساك عنه مما لا يفسد الصوم
193 - باب ما يكره للصائم الامساك عنه
193 - باب حكم المسافر في الصوم
195 - باب المريض والعاجز عن الصيام
197 - باب حكم الحائض والنفساء في الصوم
197 - باب حكم الكافر إذا أسلم في الصوم والصبي إذا بلغ فيه
198 - باب صوم النذر
199 - باب صوم الظهار وبعض الصيام الذي يكون كفارة
200 - باب صوم كفارة اليمين وأذى حلق الرأس
200 - باب صوم دم المتعة
201 - باب صوم جزاء الصيد ومن فاتته صلاة العشاء الآخرة
202 - باب قضاء الفائت من الصيام لمرض أو غير مرض
204 - باب الاعتكاف وصيامه
(7) كتاب الحج
207 - باب ضروب الحج وأقسامه
208 - باب صفة التمتع بالعمرة إلى الحج
209 - باب صفة القران في الحج
210 - في صفة الافراد
211 - في ضروب العمرة وصفتها
211 - في الاحرام واحكامه
212 - في ما يجوز الاحرام فيه على كل حال ومالا يجوز
213 - في الزمان الذي يصح الاحرام فيه
213 - في المكان الذي يصح الاحرام منه
214 - في ما يقارن حال الاحرام من الاحكام
215 - في ما ينعقد به الاحرام
217 - في كيفية الاحرام
220 - في ما ينبغي للمحرم اجتنابه
222 - في ما يلزم المحرم على جناياته من الكفارة
227 - ما يتعلق بالبدنة
230 - باب الطواف وما يتعلق به من الاحكام
233 - في كيفية الطواف
ص: 508
الصفحة / العنوان
الصفحة / العنوان
238 - في السهو والشك في الطواف
239 - في السعي واحكامه
240 - في كيفية السعي
242 - في السهو والشك في السعي
242 - في التقصير بعد سعى العمرة المتمتع بها إلى الحج
243 - في تجديد الاحرام بالحج في يوم التروية
243 - في كيفية هذا الاحرام
245 - في الخروج إلى منى بعد الاحرام بالحج
246 - في الغدو إلى عرفات والوقوف بها
248 - في دعاء الموقف
250 - في احكام الوقوف بعرفات
251 - في الإفاضة من عرفات إلى المشعر الحرام
253 - في الدعاء في الموقف بالمشعر الحرام
254 - في احكام الوقوف بالمشعر الحرام
254 - في الرجوع من المشعر الحرام إلى منى
254 - في رمى الجمار
256 - في السهو في رمى الجمار وغيره
257 - في احكام الهدى وذبحه أو نحره
259 - في الحلق
260 - في الدخول إلى مكة من منى لزيارة البيت والرجوع إلى منى
261 - الرجوع من مكة إلى منى لرمى الجمار الثلاثة بها وغير ذلك
262 - باب النفر
267 - ما يفعله من وجب عليه الحج ولم يتمكن من أدائه لمانع أو يفعله عنه
268 - ما يتعلق بمن حج عن غيره على وجه النيابة وغير ذلك
269 - ما يتعلق بالنساء في الحج
270 - الصد والاحصار
271 - ما يتعلق بالعمرة
272 - احكام الحرم
273 - حد الحرم ومكة وعرفات والمشعر الحرام
(8) كتاب الزيارات
275 - باب كيفية زيارة النبي عليه السلام وسلم
277 - باب زيارة مولاتنا السيدة فاطمة صلوات اللّه عليها
ص: 509
الصفحة / العنوان
الصفحة / العنوان
278 - في الوقوف عند مقام النبي صلى اللّه عليه وآله وما يفعل ويقال فيه
279 - زيارة الأئمة عليهم السلام بالبقيع
280 - زيارة الشهداء بأحد
280 - زيارة قبر حمزة عليه السلام
282 - زيارة قبور الشهداء بأحد بعد حمزة
282 - ذكر المشاهد الشريفة
283 - المجاورة بالمدينة
283 - وداع النبي صلى اللّه عليه وآله
284 - وداع الأئمة عليهم السلام بالبقيع
284 - زيارة أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه
285 - زيارة أبى محمد الحسن بن على صلوات اللّه عليهما
285 - زيارة سيدنا أبى عبد اللّه الحسين بن على عليهما السلام
287 - زيارة أبى الحسن على بن الحسين زين العابدين وأبى جعفر محمد بن على الباقر وأبى عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق صلوات اللّه عليهم
288 - زيارة أبى الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام
288 - باب زيارة أبى الحسن على بن موسى عليهما السلام
289 - زيارة أبى جعفر محمد بن على بن موسى عليهم السلام
289 - زيارة أبى الحسن على بن محمد بن على بن موسى وأبى محمد الحسن بن على عليهم السلام
290 - زيارة جامعة لسائر المشاهد
291 - وداع الأئمة عليهم السلام
(9) كتاب الجهاد
298 - فيمن يجب جهاده
299 - سيرة الحرب وما يفعل قبل القتال وبعده
305 - الأمان واحكامه
313 - ما يجوز ان يغنم وما لا يجوز ذلك فيه
316 - الأسارى
322 - قتال أهل البغى
327 - أقسام الغزاة
(10) كتاب السبق والرماية
330 - ما يجوز المسابقة عليه ومالا يجوز وما يتعلق بذلك من احكام النضال
ص: 510
الصفحة / العنوان
الصفحة / العنوان
(11) كتاب الامر بالمعروف
والنهى عن المنكر
(12) كتاب المكاسب
344 - في ضروب المكاسب
346 - حكم خدمة السلطان واخذ جوائزه
348 - باب ما يجوز للوالد اخذه من مال ولده والولد من مال والده والمرأة من مال زوجها
(13) كتاب البيوع وعقودها واحكامها
352 - باب خيار المتبايعين وما يدخل فيه الخيار ومالا يدخل من العقود
358 - في ارث خياري المجلس والشرط
361 - في خيار الغبن
361 - باب الربا وما يصح فيه ذلك ومالا يصح
365 - في خيار العيب
373 - باب احكام العقود
380 - باب بيع الثمار
383 - بيع المحاقلة والمزابنة
384 - بيع العرية
385 - باب بيع مالم يقبض
391 - باب بيع المصراة واحكامها
392 - باب بيع المعيوب
(14) كتاب الاقرار في الاقرار
المصرح والمبهم وتفسيره
406 - الاستثناء من الجمل وأقسامه
407 - الاستثناء من الاستثناء
408 - الاقرار بالمظروف ليس اقراراً بالظرف
408 - الاقرار بالحمل
410 - الاعراض بعد الاقرار
420 - في منجزات المريض
(15) كتاب الوديعة
427 - الخلط في الوديعة
428 - دعوى الشخصين في الوديعة
428 - ايداع الوديعة عند الغير
(16) كتاب العارية
430 - التعدي في العارية
431 - فروع في إعارة الأرض
432 - عارية الدابة
433 - اجارة العارية واعارتها
ص: 511
الصفحة / العنوان
الصفحة / العنوان
(17) كتاب حظر
الغصب والتعدي
(18) كتاب الشفعة
(19) كتاب المضاربة
(20)كتاب الإجارات
481 - الاستيجار للرضاع
482 - إذا استأجر ثوباً
483 - إذا استأجر سفينة أو دابة
483 - إذا استأجر دابة إلى موضع معين
485 - إذا هرب المكارى واحتاج المكترى إلى النفقة على الدابة
486 - إذا حدثت حادثة في البحر
486 - إذا استأجر دابة
488 - إذا استأجر انسان حانوطا
489 - إذا دفع انسان إلى قصار ثوباً
491 - إذا دفع انسان إلى حائك غزلا
492 - إذا دفع انسان إلى صباغ ثوباً
493 - إذا سلم انسان إلى خياط ثوباً
495 - إذا استأجر انسان رحى
496 - إذا استأجر من غيره محملا
497 - إذا استأجر جماعة مشاة بعيراً
498 - إذا استأجر انسان خياطاً
499 - إذا دفع انسان إلى عصار سمسما
500 - إذا استأجر انساناً للحفر
501 - في انفساخ الإجارة بالموت
502 - في تقبيل مورد الإجارة بأجرة زائدة
ص: 512
المؤلف: عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: 0
الموضوع : الفقه
تاريخ النشر : 1406 ه.ق
الصفحات: 607
المكتبة الإسلامية
المهذب
تأليف: الفقيه الأقدم القاضي
عبدالعزيز بن البراج الطرابلسي
400-481 هج
الجزء الثاني
مؤسسة النشر الإسلامي (التابعة)
لجماعة المدرسين المشرفة (ايران)
المحرّر الرقمي: محمّد علي ملک محمّد
ص: 1
ص: 2
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رزقنا الله الاجتهاد
الذي هو اشد من طول الجهاد
هذه الكلمة المباركة التي افتتحنابه المقال قد سمعناها من بطل الفقه والاجتهاد ، الامام المغفور له: السيد حسين البروجردي (1) وقد نقلها عن الشيخ الأعظم الانصارى، في درسه الشريف ثم اضاف :
هذه الكلمة الصادرة عن شخصية لامعة في سماء العلم والفضيلة وعن بطل كبير في مجالي الفقه والاصول من الذين لا يسمح بهم الدهر الا في فترات بسيرة ويضن بهم الأفي الفينة بعد الفينة .
هذه الكلمة، توقفنا على مكانة الاجتهاد من العظمة والصعوبة وان الوصول اليه
ص: 3
لأيتم الا باقتحام عقبات وطی مسافات بعيدة ، اشد من العقبات التي يقتحمها المجاهد المناضل لفتح الجبال والقلل ، والامصار والبلدان ، الى درجة ان الشيخ الأعظم - وهو استاذ الفقهاء والمجتهدين وقد عكف على كتبه العلماء واستضاء بنور علمه الفضلاء - يتمناه ويطلب منه سبحانه ان يرزقه.
فاذا كان هذا هو حال الشيخ الأعظم وهو يطلب الاجتهاد ويدعو الله سبحانه ان يرزقه، فماظنك بغيره خصوصاً الطبقة الجدد الذين لم يمارسوا الاجتهاد والاستنباط الا في ابواب ومسائل بسيرة و...
هذا كلامه قدس سره نقلناه بتصرف يسير فنقول :
ان استفراغ الوسع واستنفاد الجهد في استنباط احكام الله سبحانه يتوقف على تحصیل علوم و احراز صلاحيات ذكرها الفقهاء في ابحاث القضاء والاجتهاد والتقليد تحت عنوان «مبادىء الاستنباط» ونحن في غنى عن تكريرها للقارىء الكريم في هذا المقام مع ضيق المجال غير انا نحب التركيز على أمرين مهمين كان يحث عليهما سيدنا الراحل آية الله البروجردى وكان عليهما نظام دراسته الفقهية .
لاشك ان للايات اسباب نزول يعبر عنها احيانا بشأن النزول وهي تلعب دوراً كبيرا في ايضاح مفاد الآيات وتبيين اهدافها وتلقى ضوءاً على مضامينها ولا منتدح للباحث من الرجوع اليها اذا صحت اسنادها ووصلت اليه بطرق صحيحة .
نقول : كما ان للايات هذه الحال ، فكذا للروايات المأثورة عن ائمة اهل البيت مثل هذا فانه لاتظهر اهدافها الا بالمراجعة الى الموجبات والاسباب التي بعثت الأئمة الى القائها ، فالمسائل المعنونة فى احاديثهم والاسئلة التي طرحت عليهم ، والاجوبة التي اجابوا بها عنها ، كانت مطروحة في مجتمعهم وبيئتهم اذ كان للصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم من الفقهاء وجلسوا منصة الفتيا، فيها آراء ونظريات واقوال، فلم يكن للائمة المعصومين عندئذ بدّ عن ابداء النظر في هذه المسائل اما ابتداء او
ص: 4
بعد السؤال عنهم - من جانب اصحابهم وتلاميذهم - فكانت بين آراء اولئك الفقهاء في تلك المسائل وما قال به الائمة، صلة وثيقة ورابطة خاصة بحيث تعد تلك الاراء قرينة منفصلة لكلماتهم واحاديثهم وعند ذلك لاغنى للفقيه الباحث ، عن الوقوف على تلك الاراء والنظريات التي كان يتبناها فقهاء عصرهم حتى تكون على بصيرة كاملة منها ثم يرجع في كل مسألة الى ما اثر عن ائمة اهل البيت ويستوضح اهدافها على ضوء تلك الآراء المطروحة فى تلك الأوساط العلمية. فعند ذلك يتجلى لهذه المأثورات معنى خاص لم يكن مفهوما قبل الرجوع الى تلك الملابسات والظروف ، ولنأت بمثال وان كان ضيق المجال لا يسمح بذلك .
روى الصدوق فى الخصال في حديث شرائع الدين عن الامام الباقر عليه السلام انه قال:
«و الاجهار ببسم الله الرحمن الرحيم واجب»(1).
فاذا نظر الانسان الى هذه الكلمة ( واجب ) يتحير فى مفاد الرواية وانها الى ماذا تهدف ، فهل المراد وجوب الجهر في الصلوات التي تجهر فيها بالقراءة ، فهذا توضيح للواضح وان كان المراد وجوب الجهر بها في الصلوات الاخفائية ، فهذا لم يقل به احد وتكون الرواية معرضا عنها لعدم الافتاء بمضمونها ، غير انه اذارجع
الى الاقوال المطروحة حول البسملة في زمن الامام عليه السلام من جانب الفقهاء يقف على مضمون الرواية فان فقهاء عصر الامام (عليه السلام) كانوا :
بين قائل بترك البسملة فى القراءة لحديث انس وحديث ابن عبدالله المغفل قال : سمعنى ابي فانا اقول : بسم الله الرحمن الرحيم فقال اى بنى! محدث، اياك والحدث قال : ولم ار واحداً من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله كان ابغض اليه الحدث في الاسلام - يعنى منه - فاني صليت مع النبي (صلى الله عليه وآله) ومع ابي بكر وعمر وعثمان فلم اسمع احدا منهم يقولها فلا تقلها اذا صليت فقل الحمد لله رب العالمين ، اخرجه الترمذي وقال: حديث حسن وافتى بها مالك والأوزاعي وقالا لايقرؤها في اول الفاتحة لحديث انس .
ص: 5
وعن عائشة : ان النبي (صلى الله عليه وآله) كان يفتح الصلاة بالتكبير والقراءة ب «الحمد لله رب العالمين .
وبين قائل بانه يقرأ بها سراً ولا يجهر بها ولا تختلف الرواية عن احمد : ان الجهر بها غير مسنون قال الترمذى : وعليه العمل عند اكثر اهل العلم من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) ومن بعدهم من التابعين وبه يقول الحكم وحماد والأوزاعي والثورى وابن المبارك واصحاب الرأى .
نعم يروى عن عطاء وطاوس ومجاهد وسعيد بن جبير، الجهربها وهو مذهب الشافعي»(1).
وفى هذا الجو المزدحم بأقاويل حول نفس البسملة في الصلوات كلها، والجهر بها في خصوص الجهرية منها ، يقول الامام «و الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم واجب» ولا يريد منه الا الجهر في الصلوات الجهرية دون الاخفائية ولا يظهر هذا المعنى الابالرجوع الى آرائهم المطروحة حول البسملة ولاجل ذلك يقول الامام ابو عبد الله الصادق عليه السلام : كتموا بسم الله الرحمن الرحيم فنعم والله الأسماء كتموها (2).
ويقول الامام امير المؤمنين عليه السلام في في خطبة طويلة حول الاحداث التي ظهرت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعارضها الامام: والزمت الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم(3)
بهذا البيان يتجلى لزوم دراسة الفقه الاسلامى بشكل مقارن وبعرض المناهج والمدارس الفقهية بعضها على بعض والقضاء حولها بالكتاب والسنة وسائر الادلة الاجتهادية حسب ما فعله شيخ الطائفة الطوسى فى خلافه والعلامة في تذكرته ومنتهاه ، فان لتلك الدراسة مزايا ومعطيات خاصة لاتوجد في الدراسة على اساس مذهب واحد
ص: 6
اضف اليه ان فى المقارنة تتجلى قوة منطق اهل البيت وصلابته كما يظهر ركونهم في بيان الاحكام قبل كل شيء إلى الكتاب والسنة ويتبين ان كثيرا من الفتاوى التي يتبناها غيرهم فتاوى شاذة عن الكتاب والسنة .
هذا وفى ضوء هذه الدراسة تنحل مشكله التقريب وترتفع موانعها اذ تظهر بوضوح ان الفقه الامامي يتفق غالباً مع احد آراء ائمة المذاهب الأربعة أو آراء من تقدمهم من الصحابة والتابعين والفقهاء الذين جاؤا بعدهم وعند ذلك يظهر انه لا اشكال في ان يعتنق ذلك المذهب كل من اراد ويعمل به علی قرار عمله بسائر المذاهب وان تتخذه الحكومات الاسلامية مذهبا رسمياً للمملكة من دون لزوم التقيد باطار خاص في المذاهب الفقهية .
هذا هو الأمر الثانى الذى نريد ان نركز عليه في هذا التقديم ونقول انه غير خفى على الباحث النابه ان الشهرة على اقسام ثلاثة :
1 - الشهرة الروائية
2 - الشهرة العملية .
3 - الشهرة الفتوائية
والمراد من الأولى هو اشتهار الرواية بين نقلة الاحاديث من دون افتاء على مضمونها وهذه الشهرة لاتسمن ولا تغنى من جوع بل هى موهنة للرواية لان نقل الرواية من دون الافتاء بمضمونها يورث الشك فيها اذلو كانت الرواية خالية عن الاشكال لما اعرض نقلتها عن مضمونها .
وعلى الجملة لو كانت الرواية مما يتعلق بالاحكام والافتاء بمضمونها فاعراض النقلة وشيوخ المحدثين والمفتين من بينهم ، يفيد انهم وقفوا على وجود خلل في جهة صدورها او غيرها من الجهات فلم يروها صالحة للاستناد فاعرضوا عنه، والرواية التى هذا شأنها خارجة عن حريم أدلة الحجية لان القدر المتيقن هو الخبر الموثوق
ص: 7
بصدوره وجهة صدورة والخبر المشكوك من بعض هذه الجهات غير مشمولة الادلة الحجية.
والمراد من الثانية هى الرواية المشهورة التى تضافرت على نقلها والافتاء بمضمونها، نقلة الاثار واصحاب الفتيا، فلاشك ان مثل هذه الشهرة يورث الاطمئنان وتسكن اليه النفس ، وهى التى يقول الامام فى حقها فى مقبولة عمر بن حنظلة «ينظر الى ما كان من روايتهما عنا في ذلك الذي حكما به ، المجمع عليه بين اصحابك فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذ النادر الذى ليس بمشهور عند اصحابك فان المجمع عليه لاريب فيه ...... وانما الأمور ثلاثه : امر بین رشد ه فيتبع، وامر بين غيه فيجتنب ، وامر مشکل برد علمه الى الله ورسوله»(1)
وتوضيح الدلالة يتوقف على بيان امور اربعة :
1 - ان المراد من «المجمع عليه» ليس ما اتفق الكل على روايته بل المراد ماهو المشهور بين الاصحاب في مقابل ماليس بمشهور ويوضح ذلك قول الامام عليه السلام «ويترك الشاذ النادر الذى ليس بمشهور عند اصحابك».
2 - ان المراد من اجماع الأصحاب واشتهارها بينهم هو نقل الرواية مع الافتاء بمضمونه اذ هو الذي يمكن ان يكون مصداقاً لاريب فيه . والا فيكون مما فيه ريب كله والشك اجمعه .
3 - ان المراد من قوله «مما لا ريب فيه» هو نفى الريب على وجه الاطلاق لان النكرة في سياق النفى يفيد العموم فالرواية المشهورة اذا افتى على مضمونها الاصحاب يكون مصداقا لما ليس فيه أى ريب وشك، وما ربما يتصور من ان المراد من قوله «لا ريب فيه» هو نفى الريب النسبى بالاضافة الى الريب الموجود في مقابلها لاريب خلاف الظاهر و خلاف القاعدة المسلمة بين الادباء في مدخول «لا» النافية حيث اتفقوا
ص: 8
على انه يفيد العموم والاستغراق : مثل قوله « لا رجل في الدار ».
4 - ان هذا البيان يثبت ان الخبر المشهور المفتي به داخل في القسم الأول من التثليث الوارد في كلامه عليه السلام كما ان الخبر الشاذ داخل في القسم الثاني منه أخذا بحكم المقابلة لأنه إذا تبين صحة طرف واحد وصار مما لا ريب في صحته ، يصير الطرف المقابل ، مما لا ريب في بطلانه ، لا مما « فيه ريب ما وشك » إجمالا ، لأنه إذا صح كون زيد عادلا على وجه لا ريب في صحته ، يكون نقيضه مما لا ريب في بطلانه لا مما فيه ريب إجمالا بحيث يحتمل صحته وبطلانه.
ويترتب على ذلك أمران وان أشرنا إلى واحد منهما في طي البيان السابق :
الأول : ان وزان الشهرة العملية وزان بين الرشد ووزان الرواية الشاذة وزان بين الغي وان الامام عليه السلام لم يذكر التثليث في كلامه الا لتبيين تلك الجهة فلاحظ التثليث الذي نقلناه.
الثاني : ان الشهرة العملية من مميزات الحجة عن اللاحجة وليست من المرجحات فان المراد من المرجح هو ما يوجب تقديم احدى الحجتين على الأخرى مع كون المتعارضين حجتين في أنفسهما ككون احدى الروايتين مخالفة للعامة. وقد عرفت ان نسبة المشهور الى الشاذ ، نسبة بين الرشد الى بين الغي ومثل ذلك لا يعد من تعارض الحجة مع الحجة بل من قبيل مقابلة ما لا ريب في صحته مع ما لا ريب في بطلانه.
الشهرة الفتوائية المجردة من الرواية
الشهرة الفتوائية في مسألة مجردة من كل رواية وخبر ، هي التي طرحها الأصوليون عند البحث عن حجية الظنون ولكنهم مع الأسف لم يعطوا غالبا (1).
ص: 1
للبحث حقه وقد استوفينا الكلام في البحث عنها في ابحاثنا الأصولية ونأت بمجمل ما حققناه في محله.
ان المسائل التي تتحقق فيها الشهرة على قسمين :
1 - ان تكون المسألة من المسائل التفريعية التي استنبطها العلماء من القواعد والضوابط الواردة في الكتاب والسنة من دون ورود نص خاص عليها وهذا ما سماه بعض الأجلة بالفقه المستنبط ، والشهرة في هذا القسم لا قيمة لها لأنه إذا علم مصدر الفتوى ومدركها ، فأصحاب الشهرة وغيرهم في ذاك المجال سواسية ، فان تمت الدلالة فهو والا فترفض بلا اكتراث ولأجل ذلك ترى ان الشيخ الأعظم ومن بعدهم لا يعبأون بالإجماع حتى المحصل منه إذا تبين مصدر حكم المجمعين ومدركهم.
2 - ان تكون المسألة من المسائل المتلقاة عن الأئمة الذي يعبر عنه « بالفقه المنصوص » وقد عرفت في تقديمنا للجزء الأول من هذا الكتاب انه ظهر في أوائل القرن الرابع لون جديد من كتابة الفقه والفتيا وهو الإفتاء بمضمون الرواية مع حذف إسنادها وقد تعرفت على الذين كتبوا على هذا النمط وتعرفت على الكتب الموجودة بين أيدينا وان الصدوقين وشيخ الأمة : المفيد ، وتلميذه الأكبر شيخ الطائفة الطوسي يعدون من تلك الطبقة الفاضلة فأفردوا كتبا في ذلك المجال بتجريد الروايات من الأسانيد والإفتاء بمتونها.
فإذا رأينا اتفاق كلمة تلك الطبقة على مسألة من المسائل كشفنا عن وجود نص صريح وصل إليهم وأفتوا بمضمونه وان النص كان بمرحلة من التمامية من حيث السند والدلالة حتى دعاهم إلى الإفتاء بمضمونه قاطبة.
وعندئذ تدخل الشهرة الفتوائية المجردة في القسم الثاني من أقسام الشهرة اعنى الشهرة العملية لأنها إذا كانت العملية عبارة عن شهرة الرواية مع العمل والإفتاء بمضمونها ، تكون الشهرة الفتوائية في المسائل المتلقاة عن الأئمة ، نظيرة لها فإن إفتاء تلك الطبقة بشي ء قاطبة تلازم كلا الأمرين : وجود الرواية الواصل إليهم وان لم تصل إلينا ، والإفتاء بمضمونها.
ص: 2
فعند ذلك تشملها المقبولة بلفظها أو بمناطها.
نعم ربما يقال ان اتفاقهم على الإفتاء بمضمون الرواية يكشف عن كمالها من حيث السند والدلالة عندهم لا عندنا إذ من المحتمل انه لو كانت وصلت الرواية إلينا لم تكن تامة عندنا من كلتا الجهتين. ولكنه احتمال ضعيف فان مكانتهم العلمية وقرب عهدهم بزمن المعصومين عليهم السلام وتعرفهم على رجال الحديث ، يورث الاطمئنان بصدور الحديث أولا وتمامية دلالته ثانيا ولا يكون الاطمئنان الحاصل في ذاك المورد بأقل من الحاصل من خبر الثقة أو الخبر الموثوق بصدوره أو بصدقه.
ولو سلمنا ذاك الاحتمال ولكن الشهرة على هذا النمط ، يصد الفقيه المتورع عن الإفتاء على خلاف الشهرة المحققة عند القدماء على البيان الذي عرفته.
كان سيدنا آية اللّه البروجردي أعلى اللّه مقامه يقيم وزنا كبيرا للشهرة الفتوائية ويرى مخالفتها امرا خاطئا غير جائز وكان يقول ان في الفقه الإمامي فتاوى مسلمة تلقاها الأصحاب قديما وحديثا بالقبول ينوف عددها على تسعين مسألة ليس لها دليل إلا الشهرة الفتوائية بحيث لو حذفنا الشهرة عن عداد الأدلة لأصبحت تلك المسائل فتاوى فارغة مجردة عن الدليل.
ومن المؤسف جدا انه رضوان اللّه عليه لم يعين موارد هذه الفتاوى ولم يسمها غير ان المظنون ان قسما وافرا منها يرجع الى باب المواريث والفرائض ففي ذاك الباب فتاوى ليس لها دليل إلا الشهرة.
ومما يؤيد المقصود ما يستفاد من بعض الروايات من أن بعض أصحابهم عليهم السلام كان يرجح ويقدم الفتوى المشهورة عند أصحاب الأئمة « الذين كانوا بطانة علومهم وخزانة أسرارهم » على نفس النص الذي كان سمعه من نفس الامام وقد أقرها الامام على ذلك التقديم بعد ما اطلع عليه من دون اعتراض وهذا
ص: 3
ان دل على شي ء ، فإنما يدل قبل كل شي ء على ان الفتوى المشهورة بين خيار صحابتهم ( الذين استأمنهم الأئمة على غامض أسرارهم وأخذهم خزنة لعلومهم ) كانت حجة بلا كلام أولا ومقدمة على النص الذي القوة على السائل ثانيا وما هذا الا لتعرفهم على الحكم الواقعي الاولى وتميزه عن الحكم الثانوي وان شئت قلت : كانوا يعرفون جهات الصدور والحكم الجدي الصادر لبيان الواقع عن الحكم الصادر لغيره.
وعندئذ يمكن تسرية الحكم من خيار صحابتهم إلى الطبقة التي تليهم من مقاربي عصرهم وعهدهم ولأجل أن يقف القارئ على متون هذه النصوص نأتي ببعضها :
روى سلمة بن محرز قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : ان رجلا مات واوصى الى بتركته وترك ابنته قال : فقال لي : أعطها النصف قال : فأخبرت زرارة بذلك فقال لي اتقاك انما المال لها ، قال : فدخلت بعد ، فقلت : أصلحك اللّه ان أصحابنا زعموا أنك اتقيتني فقال : لا واللّه ما اتقيتك ولكني اتقيت عليك ان تضمن فهل علم بذلك أحد؟ قلت : لا قال : فأعطها ما بقي (1).
ويظهر من روايته الأخرى انه لم يلق زرارة وحده بل لقي عدة من أصحاب الإمام القاطنين في الكوفة حيث يقول : فرجعت فقال أصحابنا : لا واللّه. (2).
ترى ان الشهرة الفتوائية بلغت من حيث القدر والمنزلة عند الراوي إلى درجة منعته عن العمل بنفس الكلام الذي سمعه من الامام فتوقف حتى رجع الى الامام ثانيا. بل كانوا لا يتوقفون ويقدمون الفتوى المشهورة على المسموع من نفس الامام شخصيا
روى عبد اللّه بن محرز بياع القلانص قال : اوصى الى رجل وترك خمس مائة درهم اوست مائة درهم وترك ابنته وقال لي عصبة بالشام فسألت أبا عبد اللّه عن ذلك فقال : أعط الابنة النصف والعصبة النصف الأخر ، فلما قدمت الكوفة أخبرت أصحابنا فقالوا : اتقاك فأعطيت ابنته ، النصف الأخر ثم حججت فلقيت أبا عبد اللّه فأخبرته بما قال
ص: 4
أصحابنا وأخبرته انى دفعت النصف الأخر للابن فقال : أحسنت إنما أفتيتك مخافة العصبة عليك (1).
وهذه الأحاديث تعرف مكانه الشهرة الفتوائية عند أصحاب الأئمة ومعه لا يصح لفقيه ، الاعراض عن الشهرة والإفتاء بالأصل أو الرواية الشاذة.
فتبين ان الشهرة الفتوائية في المسائل المتلقاة داخلة في مفاد المقبولة أو مناطها وان سيرة أصحاب الأئمة جرت على الاعتناء بها فمثل هذه الشهرة ان لم تكن مصدرا للفتيا فلا محالة تكون موجبا للاحتياط وعدم الإفتاء بشي ء أو الإفتاء بالاحتياط.
ثم انه يترتب على ما ذكرناه أمران :
1 - كون الشهرة الفتوائية جابرة لضعف الرواية.
2 - إعراض المشهور موهن مسقط لحجيتها.
ولكن لبعض المحققين من الأعاظم نظرية أخرى في كلا المقامين نأتي به في الموردين.
قال : إذا كان الخبر الضعيف غير حجة في نفسه على الفرض وكذلك فتوى المشهور غير حجة على الفرض يكون المقام من قبيل انضمام غير الحجة الى غير الحجة فلا يوجب الحجية فان انضمام العدم الى العدم لا ينتج الا العدم.
ودعوى ان عمل المشهور بخبر ضعيف توثيق عملي للمخبر به فيثبت به كونه ثقة ، فيدخل في موضوع الحجية ، مدفوعة بأن العمل مجمل لا يعلم وجهه فيحتمل ان يكون عملهم به لما ظهر لهم من صدق الخبر ومطابقته للواقع بحسب نظرهم واجتهادهم لا لكون المخبر ثقة عندهم فالعمل بخبر ضعيف لا يدل على توثيق المخبر به ولا سيما انها لم يعملوا بخبر آخر لنفس هذا المخبر.
هذا كله من حيث الكبرى ، واما الصغرى وهي استناد المشهور الى الخبر
ص: 5
الضعيف في مقام العمل والفتوى فإثباتها أشكل من إثبات الكبرى لان مراد القائلين بالانجبار هو الانجبار بعمل قدماء الأصحاب باعتبار قرب عهدهم بزمان المعصوم. والقدماء لم يتعرضوا للاستدلال في كتبهم ليعلم استنادهم الى الخبر الضعيف وانما المذكور في كتبهم مجرد الفتوى والمتعرض للاستدلال انما هو الشيخ الطوسي دون من تقدمه فمن أين يستكشف عمل قدماء الأصحاب بخبر ضعيف ومجرد المطابقة لا يدل على انهم استندوا في هذه الفتوى الى هذا الخبر إذ يحتمل كون الدليل عندهم غيره فانجبار الخبر الضعيف بعمل المشهور غير تام صغرى وكبرى (1).
أما أولا : فلان ما هو الحجة من الخبر حسب بناء العقلاء الذي هو الدليل الوحيد في المقام هو الخبر الموثوق بصدوره أو الموثوق بصدقه ، وحجية قول الثقة لأجل كون وثاقته امارة على صدوره من الامام وصدقه في كلامه ، وعلى ذلك فلو كان عمل الأصحاب مورثا للوثوق الشخصي بالصدور ، وان لم يكن مورثا لوثاقة المخبر كفى في كون الخبر حجة ، اللّهم الا ان يمنع من كونه مورثا للاطمئنان به وهو كما ترى هذا حول ما ذكر من منع الكبرى.
واما ثانيا : فلان ما ذكره من منع الصغرى قائلاً بأن إثبات استناد المشهور الى الخبر الضعيف أمر مشكل من إثبات الكبرى ، فغير تام لما عرفت من ان للقدماء من الفقهاء لونين من التأليف أحدهما بصورة الفقه المنصوص والأخر بصورة الفقه المستنبط ، وكان أساس الأول هو تجريد الأسانيد والأخذ بنفس المتون ( لا المضامين ) فاذا تضافرت فتاوى تلك الطبقة في مسألة ، على عبارة موجودة في الخبر الضعيف يستكشف اعتمادهم في مقام الإفتاء على ذاك الحديث واحتمال كون الدليل عندهم غيره مع وحدة التعابير ، ومع العلم بعدم خروجهم في مقام التأليف عن اطار النصوص كما ترى
* * *
ص: 6
ثم : ان له دام ظله كلاما في كون إعراض المشهور موهنا قال : إذا كان الخبر الصحيح أو الموثق موردا لقيام السيرة ومشمولا لإطلاق الأدلة ، فلا وجه لرفع اليد عنه لإعراض المشهور عنه. نعم : إذا تسالم جميع الفقهاء على حكم مخالف للخبر الصحيح أو الموثق في نفسه يحصل العلم أو الاطمئنان بسبب ذلك بان هذا الخبر لم يصدر من المعصوم أو صدر عن تقية فيسقط الخبر المذكور عن الحجية.
واما إذا اختلف العلماء على قولين وذهب المشهور منهم الى ما يخالف الخبر الصحيح أو الموثق وأعرضوا عنه واختار غير المشهور منهم ما هو مطابق للخبر المذكور فلا وجه لرفع اليد عن الخبر الذي يكون حجة في نفسه لمجرد أعراض المشهور عنه (1).
ان القائل بكون الاعراض موهنا ومسقطا للحجية إنما يستند الى قوله عليه السلام في مقبولة عمر بن حنظلة : « فإن المجمع عليه لا ريب » ولا ينطبق ذلك الا على ما إذا بلغت الشهرة إلى حد جعل الخبر المشهور مما لا ريب في صحته ، والخبر الشاذ مما لا ريب في بطلانه ، ولا ينطبق ذلك الأعلى القسم الأول المذكور في كلامه لا القسم الثاني ، فيصير النزاع لفظيا.
كل ذلك يوجب سعى الفضلاء الى الحصول على آثار القدماء ومآثرهم ورسائلهم وكتبهم سواء ألفت على نمط الفقه المنصوص أو على نمط الفقه المستنبط ولهذه الغاية قامت مؤسسة سيد الشهداء بتحقيق كتاب الجامع للشرائع للفقيه يحيى بن سعيد الحلي ( 600 - 681 ) كما قامت بتحقيق كتاب المهذب للفقيه الأقدم عبد العزيز بن البراج.
وهذا الجزء الذي يزفه الطبع الى القراء الكرام هو الجزء الثاني منه
ص: 7
وقد تعرفت على المؤلف في التقديم الذي قدمناه للجزء الأول منه ، وقد تصدى نسخه وتصحيحه ومقابلته مع النسخ التي المحنا إليه في مقدمة الجزء الأول لفيف من الفضلاء وثلة من رواد العلم والحقيقة أعني بهم أصحاب الفضيلة :
1 - الشيخ أحمد خدائى
2 - الشيخ إبراهيم بهادرى
3 - الشيخ حسين الأميني
4 - السيد محمد على الرجائي الأصفهاني
5 - الشيخ محمد الرضائي الأصفهاني
شكر اللّه جهودهم المباركة حيث قاموا بهذه المهمة العلمية الشاقة.
ثم قام بعدهم العلامة الحجة المحقق السيد عبد الرسول الجهرمى الشيرازي بتحقيق نصوص الكتاب والتعليق عليه وتخريج مصادره ورفع معضلاته فشكر اللّه مساعيه الجميلة.
وقد اتخذ نسخة المكتبة الرضوية أصلا في التصحيح والتعليق ورمز إليها بعلامة « ألف » كما رمز الى نسخة مكتبة آية اللّه البروجردي بعلامة « ب » والى نسخة مكتبة آية اللّه الخادمى بعلامة « خ ».
ونضيف في خاتمة المطاف : انه كان للسيد المحقق تعاليق على كتاب الإجارة وقد فاتنا طبعها في محلها ونعتذر اليه والعذر عند كرام الناس مقبول.
وآخر دعوانا عن الحمد اللّه رب العالمين
جعفر السبحاني
في 20 جمادى الآخرة من شهور عام 1406 ه. ق
ص: 8
قولنا « مزارعة » اسم لعقد واحد ، وهو استئجار الأرض ببعض ما يخرج منها ، (1) وهي جائزة بالنصف أو الثلث ، أو أقل من ذلك أو أكثر ، ولا يجوز ان يجعل لأحد المتزارعين شي ء معين ولا يكون مشاعا ، مثل ان يكون لأحدهما ما بذره (2) أولا وللآخر ما يتأخر ، أو يكون لأحدهما ما ينبت على الجداول والماذيانات ، (3) وللآخر ما على الأبواب أو يكون لأحدهما الصيفي ، وللآخر الشتوي ، فجميع ذلك لا يجوز عقد المزارعة عليه لأنه قد ينمي أحدهما ، ويهلك
ص: 9
الأخر ، ولا يجوز لصاحب الأرض ان يأخذ المزارع الا بما تخرجه الأرض المعقود عليها ، ولا يجوز على كيل معين (1) من جنس ما زرع الأرض ، مثل ان يستأجر بحنطة ، ويزرع فيها حنطة ، ويجوز ان يشترك في المعاملة على ذلك الشركاء على ان يجعل كل واحد منهم من عنده في ذلك شيئا معلوما ، (2) ولا يجوز ان يجعل للبقر نصيب ولا للبذر نصيب ، (3) ويجوز استئجار الأرض بالدنانير والدراهم وغير ذلك من المعروض مدة معلومة.
وهي على ما تشترطه المتزارعون من العمل والقيام بالحرث والبقر وما ينفقون عليه ، كانت الأرض لهم أو لواحد منهم جائزة.
وإذا شرط مالك الأرض على المزارع نصف غلتها ، أو أقل من ذلك أو أكثر وجب له ذلك ان سلمت الغلة من الهلاك ، فان لم يسلم من ذلك ، وكان هلاكها بشي ء من الآفات السماوية أو الأرضية لم يجب له شي ء.
ص: 10
فإن جعل المالك للمزارع أجرة معينة اما من العين أو الرزق (1) أو المكيل أو الموزون من غير غلتها. كان له ذلك إذا وفى بما شرط عليه المالك في العقد ، هلكت الغلة أو لم تهلك فان خالف في شي ء مما شرط عليه بطل ما شرطه له ، وكان له اجرة المثل ، ان كان فيما خالف فيه صلاح ، فان كان فيه فساد كان عليه ضمان ما فسد بتعديه.
ويفتقر في صحة المزارعة إلى تعيين المدة والوصف لما هي متعلقة به.
فاذا زارع رجل أرضا على ان يتولى زراعتها بنفسه وجب عليه ذلك ، ولم يجز له ان يعطيها غيره ، وان شرط عليه زراعة شي ء بعينه ، وجب ذلك أيضا عليه.
وإذا شارك المزارع غيره من الناس ، كان له ذلك ولم يكن لصاحب الأرض خلافه في ذلك.
وإذا استأجر الأرض وأراد ان يقيم نائبا عنه فيها كان له ذلك. وإذا استأجر الأرض بالثلث أو الربع أو بأقل من ذلك أو بأكثر ، جاز له ان يوجرها بأكثر من ذلك أو أقل.
فإن استأجر بعين أو ورق ، (2) وأراد ان يوجرها بأكثر من ذلك ، وكان
ص: 11
قد أحدث فيها حدثا ، مثل كرى نهر ، أو حفر ساقية ، أو ما أشبه ذلك كان جائزا ، وان لم يكن أحدث فيها حدثا ، لم يجز له ذلك. فان كان استأجرها بغير العين والورق من حنطة أو شعير أو غيرهما ، كان له ان يوجرها بأكثر من ذلك إذا اختلف النوع.
وإذا شرط صاحب الأرض على المزارع ان يكون عليه جميع مؤنة الأرض ، من كرى نهر أو حفر ساقية وبذر وغير ذلك من العمارة ، كان ذلك لازما له ويكون المقاسمة على ما يتفقان عليه فان شرط المزارع على صاحب الأرض أخذ البذر قبل القسمة ، كان له ذلك ، وان لم يشرطه كان البذر عليه (1) على ما شرط ، وإذا شرط عليه خراج الأرض ومؤنة السلطان كان ذلك عليه دون المالك ، فان شرط ذلك وكان مقدارا معينا وزاد السلطان المؤنة على الأرض ، كانت هذه الزيادة على صاحب الأرض دون المزارع ، وإذا شرط المزارع على صاحب الأرض جميع المؤنة من حفر ساقية وبذر وكرى نهر وغير ذلك من العمارة ، ويقوم المزارع بالأرض ومزارعتها وعمارتها كان ذلك على ما شرط ولم يلزمه من خراج الأرض شي ء ، ولا من مؤنة السلطان ولا غير ذلك ، وتجري المقاسمة بينهما على ما يتفقان عليه.
وإذا استأجر رجل أرضا مدة معينة ، كانت له المدة المعينة وعليه مال الإجارة زرع فيها أو لم يزرع ، فان منعه المالك منها وانقضت المدة لم يلزمه شي ء ، وان منعه منها ظالم ، لم يكن على المالك شي ء. (2)
ص: 12
وإذا استأجر أرضا مدة معلومة ، وغرقت وكان قد تصرف فيها بعض المدة كان عليه من مال الإجارة بمقدار ما تصرف فيه ، ولم يلزمه الباقي ، وان كان لم يتمكن من التصرف فيها لم يكن عليه شي ء.
وإذا غصب إنسان غيره أرضا ، وبنى فيها ، أو زرع بغير اذنه ، كان لصاحب الأرض قلع زرعه ان لم يكن بلغ ، وهدم بنائه ، وأخذ أرضه فإن كان الزرع قد بلغ كان له ، وكان للمالك طسق الأرض.
وإذا استأجر إنسان دارا ليسكنها ، وفيها بستان فزرع فيها ، وغرس ، ثم أراد النقلة منها وكان قد فعل ذلك بأمر صاحبها ، كان على صاحبها ان يقوم ما فيها من ذلك (1) ويدفع اليه قيمته ، وان كان فعل ذلك بغير امره ، كان لصاحب الدار قلع ذلك ، وتسليمه اليه.
وإذا مات المستأجر أو المؤجر بطلت الإجارة بينهما في الحال.
وان هلكت الغلة ببعض الآفات السماوية ، كان مال الإجارة لازما للمستأجر.
وإذا استأجر رجل أرضا وباعها مالكها بعد ذلك ، لم يفسخ البيع الإجارة وان كان ذلك بحضرة المستأجر ، كان على المشترى الصبر الى ان تنقضي مدة الإجارة ،
ص: 13
فان مات المشترى لها ولم تكن مدة الإجارة انقضت لم تبطل الإجارة أيضا بموته ، ووجب على وارثه الصبر الى ان تنقضي مدة الإجارة.
وإذا زارع إنسان في أرض على ثلث أو ربع وبلغت الغلة جاز للمالك ان يخرص الغلة على المزارع ثمرة كانت أو غير ثمرة ، فإن رضي المزارع بذلك الخرص أخذها ، وكان عليه حصة المالك ، سواء زاد الخرص ، أو نقص ، وكان الباقي له ، فان هلكت الغلة بإحدى الآفات السماوية لم يجب للمالك على المزارع شي ء.
وإذا اشترك اثنان في ضيعة ، وزرعاها ونبت الزرع ، ومات الواحد منهما بعد ذلك ، فقام أخر مقامه في الزرع ومراعاته ، فلما بلغ الحصار حضر وارث الميت وادعى ان السهم من الزرع له ، دون القيم المراعى له ، ودفعه عنه نظر في ذلك فان كان الزرع ، زرع ببذر الشريكين ، كان ذلك السهم للوارث الذي طلبه ، وللذي قام بمراعاته اجرة المثل.
وإذا زارع إنسان غيره في أرضه على ان يزرعها ببذره ، ويقوم عليها بنفسه بسهم معلوم ، فزرعها ولم تنبت الأرض الا في العام المقبل ، فلما بلغ الزرع الحصاد قال المزارع انا شريكك في الغلة ، وقال صاحب الأرض بل هي لي دونك ، كانت الغلة للمزارع ان كان البذر له ، وعليه للأرض أجرة المثل ، وان كان البذر لصاحب الأرض كانت الغلة له وعليه اجرة المثل للمزارع.
ص: 14
والمساقاة في النخل والشجر كرما أو غير كرم بالنصف أو الثلث أو بأقل من ذلك ، لو أكثر جائزة. وتكون المئونة فيها على المساقى دون صاحب الأرض ، فإن ساقى الإنسان غيره على نخل أو شجر ، فلم يذكر ما له من القسمة ، كانت المساقاة فاسدة ، وكان لصاحب النخل والشجر ما يخرج من الثمرة ، وعليه اجرة المثل للمساقي.
ويكره لصاحب الأرض ان يشترط على المساقى مع المقاسمة شيئا من العين أو الورق ، فإن جرى ذلك بينهما ، وكان الشرط فيه على المساقي ، أو على المالك كان جائزا ، والأحوط تركه.
فان هلكت الثمرة ببعض الآفات السماوية لم يلزمه شي ء من ذلك ، وخراج الثمرة على صاحب الأرض ، فإن شرط ذلك على المساقى ، لزمه ذلك دون المالك.
وإذا أخذ إنسان أرضا ميتا (1) ولها مالك معروف فشرط المالك عليه إحيائها ويكون له ارتفاعها (2) مدة من الزمان ثم يعيدها الى مالكها كان جائزا.
ص: 15
ومن أخذ أرضا ميتا فأحياها ، ولم يعرف لها مالك ، كان اولى بالتصرف فيها من سائر الناس ، وكان عليه للسلطان طسقها. ومن أخذ أرضا ميتا ولها صاحب معروف ، وشرط عليه صاحبها أحياها وله ارتفاعها ، وشرط المحيى لها على صاحبها ان يكون مؤنة السلطان عليه كان جائزا ، ولصاحب الأرض أخذها متى شاء ذلك (1).
وإذا استأجر إنسان أرضا بأجرة معلومة ، وأراد ان يوجر بعضها بأكثر مال الإجارة ويتصرف هو في الباقي بما يبقى كان جائزا ، ويكره له ان يوجرها بأكثر مما استأجرها به ، الا ان يكون قد أحدث فيها حدثا ، وقد تقدم ذكر ذلك (2).
وإذا ابتاع إنسان مراعى بثمن معلوم ، جاز له ان يبيع بعضها بأكثر الثمن ، ويرعى هو الباقي بما يبقى ، وليس له ان يبيع ذلك (3) بمثل ما اشترى أو أكثر
ص: 16
ويرعى مع المشترى منه الا بعد ان يكون قد أحدث في ذلك حدثا ، ويكون ذلك برضا صاحب الأرض أيضا فان لم يرض المالك ببيعه من غيره ، لم يجز له ذلك وليس له ان يرعى الا وحده.
وإذا دفع إنسان إلى غيره نخلا معلومة هذه السنة بالنصف ، وقال له اعمل فيه برأيك أو لم يقل ذلك ، فدفعه العامل الى آخر معاملة بعشرين وسقا مما يخرج من الثمرة ، فعمل على هذا ، كان الخارج بين الأول ومالك النخل نصفين وللآخر على الأول أجر مثله ولو كان الشرط في المعاملة الأولى عشرين وسقا لأحدهما بعينه ، وفي الثانية النصف كان الخارج لمالك النخل وللآخر على الأول أجرة عمله وللأول على صاحب النخل اجرة ما عمل الأخر ، ولا ضمان عليه في ذلك ، وكذلك (1) إذا دفع الى غيره أرضا بالنصف أو الثلث ثم ارتد مالكها ، وخرج الزرع. فإن أسلم كان ذلك بينهما (2) على ما اشترطاه وان هلك على ردته وكان في الأرض نقصان كان النقصان (3) عليه والخارج بين العامل ووارث المرتد على الشرط ، وهكذا لو كان العامل هو المرتد ولو كانا جميعا مرتدين كان الخارج بينهما على الشرط في جميع ذلك فان قتلا أو لحقا بدار الحرب قام ورثتهما مقامهما فإن أسلما فهما على ما كانا عليه ولو عقدا المعاملة والمزارعة فيما ذكرناه
ص: 17
وهما مسلمان ثم ارتد أحدهما وقتل على الردة أو لحق بدار الحرب فالخارج على الشرط بينهما ولم يبطل العقل بردته.
فان كان من أهل الحرب ودخل دار الإسلام بأمان فدفع إليه إنسان أرضا وبذرا مزارعة هذه السنة بالنصف كان جائزا ، وما يخرج يكون بينهما على ما اشترطاه وليس ينبغي للوالي أن يتركه في دار الإسلام هذه المدة.
وإذا ابتاع الحربي المستأمن أرضا عشرية ، أو خراجية فسلمها الى مسلم مزارعة كان جائزا ، ويكون ما يخرج بينهما على ما اشترطاه ، ويوضع عليه الخراج في أرضه ، ويجعل ذميا (1) ، ولا يمكن من الرجوع الى دار الحرب. وإذا دخل مسلم دار الحرب بأمان واشترى أرضا من أراضي الحرب ودفعها الى حربي مزارعة كان ما يخرج بينهما على ما يشترطانه ، وهكذا القول ان أخذ مسلم ارض حربي بالنصف. والمزارعة بين التاجرين المسلمين في دار الحرب بمنزلتها في دار الإسلام ، وهكذا هي بين مسلم تاجر ، وبين حربي أسلم هناك.
وإذا ابتاع مسلم تاجر في دار الحرب أرضا ودفعها الى حربي مزارعة بالنصف فزرعها فلما استحصد الزرع لم يحصد حتى ظفر المسلمون بدار الحرب فافتتحوها عنوة فإن الأرض والزرع لمن افتتحها ، (2) وان كان الزرع حصد ولم يحمل من
ص: 18
الأرض حتى افتتح المسلمون الأرض ، كانت الأرض ونصيب الحربي فيئا للمسلمين ، وكان للمسلم نصيب من الزرع ولا فرق في البذر من أيهما كان ، وإذا كان مالك الأرض والمزارع مستأمنين في أرض الحرب وظهر المسلمون على الأرض ، والزرع قائم لم يحصد كانت الأرض والزرع فيئا للمسلمين ، وإذا كان قد حصد ، كانت الأرض فيئا والزرع بينهما على ما اشترطاه.
وإذا دفعها مسلم إلى حربي مزارعة هذه السنة بالنصف ، والبذر من أحدهما بعينه والعمل عليهما جميعا فعملا وأخرجت الأرض الزرع ثم أسلم أهل تلك الدار وقد استحصد ذلك الزرع ولم يحصل (1) كان فاسدا ، وما يخرج فهو لصاحب البذر وللآخر الأجر ، فان لم يسلم أهل تلك الدار ، وظهر المسلمون عليها كانت الأرض وما فيها فيئا ولم يكن لأحدهما على الأرض (2) شي ء من اجرة ولا غيرها.
ومزارعة الصبي والعبد المأذون لهما في التجارة ، بمنزلة الحر في المزارعة فاذا زارع العبد إنسانا فلم يزرع حتى حجر عليه سيده فنظر فيه بحيث ما كان (3)
ص: 19
للحران يمنع من المضي على المزارع ، كان للسيد ان يمنع عبده منه ويحجر عليه ، وحيث ما لم يكن للحر ذلك ، لم يكن لسيد العبد منع العبد منه ، ولا يبطل مزارعة العبد بحجر السيد عليه وكذلك الصبي بحجر أبيه عليه أو وصيه بعد إذنهما له ، وكذلك المعاملة في الشجر.
وإذا اشترى الصبي التاجر أرضا ، وحجر أبوه عليه فدفعها مزارعة بالنصف الى غيره يزرعها ببذره وعمله فعمل على ذلك ، كان الخارج للعامل وعليه نقصان الأرض ، فان لم يكن في الأرض نقصان كان الخارج بينهما على شرطهما ، فان كان البذر من جهة الدافع كان الخارج بينهما (1) وله عليه عوض البذر في جميع الوجهين ويغرم نقصان الأرض ، وهكذا لو لم يخرج الأرض شيئا.
وإذا دفع الحر الى العبد المحجور عليه أو الصبي الحر المحجور عليه أرضا وبذرا مزارعة بالنصف هذه السنة فزرعها وخرج الزرع وسلم العامل كان ما خرج بينهما على ما اشترطاه ، فان مات العبد وهو في عمل الزرع بعد ما استحصد الزرع كان صاحب الأرض ضامنا لقيمته ، والزرع كله له ، فان مات الصبي في عمل ذلك بعد استحصاد الزرع كان الزرع بينهما على شرطهما ، وعلى عاقلة صاحب الأرض دية الصبي ، وهكذا الحكم في المعاملة في الشجر.
وإذا دفع العبد المحجور عليه أرضا في يديه الى إنسان يزرعها ببذره وعمله هذه السنة ، فما خرج منها كان بينهما نصفين ، فزرعها العامل فأخرجت طعاما
ص: 20
كثيرا كان سيد العبد مخيرا بين ان يضمن الزارع أجرة أرضه ، وبين ان يأخذ نصف ما أخرجته ، ولا يضمن العامل شيئا.
وإذا كفل إنسان لصاحب الأرض بحصته مما تخرج الأرض ، والبذر من عند صاحب الأرض أو من العامل ، كان ذلك باطلا ، وليس على المزارع ضمان فيما هلك من الزرع ، وكذلك هذا الضمان (1) في المساقاة.
وإذا كانت المزارعة فاسدة والبذر من العامل وضمن إنسان لصاحب الأرض حصته مما تخرج ، كان الضمان باطلا ، ولا يجوز أخذ الكفيل بالأجر لأنه لم يضمنه ،
وإذا كان الشرط بعض الخارج في المزارعة والمعاملة (2) فاستحصد الزرع أو بعضه أو بلغ الثمر أو بعضه ، ثم باع أحدهما حصته قبل ان يقبضها كان بيعه جائزا ، فإن هلك لم يكن على واحد منهما ضمان ، وكذلك إذا لم يبلغ شي ء من الثمر وباعه مع مبيع آخر عنه حاضر (3) كان جائزا.
وإذا وكل إنسان غيره بأرض له على ان يدفعها مزارعة هذه السنة ، فدفعها مزارعة بالثلث أو أقل أو أكثر من ذلك كان جائزا ، الا ان يدفعها بشي ء يعلم محاباته فيه مما لا يتغابن الناس بمثله ، فان كان كذلك لم يجز ، فان زرعها الزارع ذلك فخرج الزرع ، كان بين المزارع والوكيل على ما اشترطا ولا شي ء لصاحب
ص: 21
الأرض منه الا انه يضمن المزارع نقصان الأرض ، (1) ويرجع به على الوكيل ، وان أراد صاحب الأرض ضمن الوكيل ، وان كان ترك (2) فيه ما يتغابن الناس بمثله فالخارج بين المزارع وصاحب الأرض على ما اشترطا عليه. والوكيل هو الذي يلي قبض نصيب الموكل ، وليس لصاحب الأرض ان يقبضه الا بوكالة ، ولو كان صاحب الأرض أمر الوكيل ، بان يدفعها مزارعة ويعمل برأيه فيها ولم يسم له سنة ولا غيرها ، جاز للوكيل ان يدفعها أقل من سنة (3) وأكثر من ذلك أو بعد هذه السنة وان لم يدفع هذه السنة ما لم يعزله عن الوكالة.
وان كان البذر من قبل صاحب الأرض فدفعها الوكيل بما لا يتغابن الناس بمثله وحابى فيها ، كان ما يخرج بين الوكيل والزارع على الشرط ، ويضمن الوكيل البذر لصاحب الأرض ، ويضمن نقصان الأرض أيهما شاء ، فان ضمن الزارع رجع به على الوكيل (4).
وإذا دفع إنسان إلى غيره نخلا ووكله بان يدفعه معاملة هذه السنة ، ولم يسم له وقتا وهو على أول سنة ، فان دفعه بما لا يتغابن الناس فيه ، كان الخارج لصاحب النخل وللعامل أجر مثله.
وإذا وكله على ان يأخذ له نخلا معينا معاملة فأخذه بما يتغابن الناس بمثله ، كان جائزا على الشرط ، وصاحب المعاملة هو الذي يقبض نصيبه ، وان أخذ بما لا يتغابن
ص: 22
الناس فيه لم يلزم الوكيل (1) الا ان يريد ، فان عمله وقد علم بنصيبه ولم يعلم ، كان له ما شرطه.
وإذا أمره بأن يأخذ له نخلا معاملة أو أرضا مزارعة ، أو ان يأخذ له أرضا وبذرا مزارعة (2) الى إنسان غير معينة كان جائزا.
وإذا وكل غيره بان يدفع نخله هذا معاملة بالثلث ، فدفعه على ان الثلثين للعامل لم يلزم ذلك صاحب النخل ، فان وكله بأن يأخذ نخل زيد هذه السنة معاملة بالثلث وأخذه على ان للعامل الثلث (3) كان جائزا عليه.
وإذا وكل إنسان غيره بان يأخذ له أرضا مزارعة بالنصف أو الثلث ، فأخذها بكر حنطة أو بدراهم أو بشي ء من العروض لم يجز ذلك ، وكذلك لو أمره بأن يأخذ له هذا النخل معاملة على الثلث فأخذه بشي ء مما تقدم ذكره لم يجز الا ان يريد العامل.
وإذا تزوج الرجل المرية بزراعة أرضه هذه السنة على ان تزرعها ببذرها
ص: 23
وعملها فما أخرجت ، كان بينهما نصفين ، كان النكاح جائزا والمزارعة فاسدة ، (1) وكان صداقها مثل نصف أجر الأرض ، فإن طلقها قبل الدخول بها كان لها ربع أجر الأرض.
فإن زرعت المرأة الأرض ، وأخرجت زرعا أو لم تخرج ، ولم يطلقها كان الخارج للمرأة ، وعليها نصف أجر مثل الأرض ، ولم يكن لها صداق على الزوج (2) والمرية في الخلع بمنزلة الزرع (3) في النكاح ، وكذلك الحكم في المساقاة.
وإذا دفع إنسان إلى غيره نخلا معاملة على ان يلقحه ، فما خرج كان بينهما نصفين ، ولم يشترط صاحب النخل على العامل من العمل والحفظ ، شيئا غير ذلك نظر فان كان النخل يحتاج إلى السقي والحفظ ، كانت المعاملة فاسدة ، فإن لقحه العامل كان له أجر مثله ، وقيمة ما لقحه به.
وان كان لا يحتاج الى حفظ ولا سقى ولا عمل غير التلقيح ، كانت المعاملة جائزة فإن كان إذا سقي ، كان أجود لثمره الا ان تركه ، ليس بمضرة كانت المعاملة أيضا جائزة ، وان كان ترك السقي يضره ، وينقصه ويفسده بعضه ولا يفسد جميعه فالمعاملة فاسدة ، ولو كان ترك اشتراط التلقيح عليه ، واشترط ما عداه ، لما جاز لان تركه مضرة ،
ص: 24
فقد بقي بعض العمل على صاحب النخل ، وهكذا كل عمل لا يصلح النخل الا به ولم يشترطه على العامل ، (1) وان كان النخل غير محتاج الى التلقيح ويعقد بغير تلقيح ، الا ان التلقيح أجود له ، فالمعاملة جائزة.
فإن دفع اليه النخل ملقحا ، (2) واشترط التلقيح على صاحب النخل لم يجز ، الا ان يشترط ان يلقحه في هذا الشهر على ان العامل يقوم عليه ويحفظه من أول الشهر الداخل فيكون جائزا.
وإذا مات صاحب الأرض أو المزارع أو ماتا جميعا ، واختلف ورثتهما أو اختلفا في حياتهما في شرط الأنصباء ، كان القول : قول صاحب البذر أو ورثته مع ايمانهم ، والبينة بينة الأخر ، وان اختلفوا في صاحب البذر كان القول قول المزارع وورثته لأنه في يديه ، والبينة بينة صاحب الأرض.
وإذا رهن إنسان عند غيره أرضا ونخلا بدين له عليه ، فلما قبضه المرتهن
ص: 25
قال له الراهن اسقه واحفظه والقحه ، فمهما خرج فهو بيننا نصفان ففعل ذلك ، كان الخارج لصاحب النخل والمعاملة فاسدة ، (1) وكان للمرتهن أجر مثله في التلقيح والسقي ، دون الحفظ لان ذلك يلزمه في حق كونه رهنا ، وهكذا القول لو كان الرهن أرضا مزروعة قد صار الزرع فيها بقلا ، ولو كان الرهن أرضا بيضاء فزارعه الراهن عليها بالنصف والبذر من المرتهن كان جائزا ، ويكون ما يخرج على ما اشترطاه ، ويخرج من الرهن ولم يكن للراهن إعارتها رهنا.
فان مات الراهن وعليه دين ، لم يكن هذا المرتهن أحق بها من باقي الغرماء (2) قبل انقضاء المزارعة وبعدها.
ص: 26
والأخر بلاد الشرك فبلاد الإسلام ضربان عامر وغامر فالعامر ملك لأهله لا يجوز لأحد التصرف فيه الا بإذن صاحبه ومرافقها التي لا بد لها منها مثل الطرق والقنى ومسيل الماء هي في معنى العامر من حيث ان صاحب العامر أحق به من كل أحد ولا يجوز لأحد التصرف فيه الا باذنه وكذلك إذا حفر بئرا في موات ملكها وكان أحق بها وبحريمها الذي هو من مرافقها على حسب الحاجة فإن أراد إنسان أن يحفر بئرا تحت هذا البئر ليسوق مائها منها لم يجز ذلك له.
والغامر ضربان غامر لم يجر عليه ملك لمسلم وهو الموات الذي قصد به الأحياء (1) وغامر جرى عليه ملك مسلم فهو مثل قرى أهل الإسلام التي خربت وتعطلت فان كان لشي ء منها صاحب معين أو لصاحبه عقب معين كان صاحبه المعين أو عقبه أحق به من كل أحد وان لم يكن له صاحب ولا عقب لصاحبه معين صح ان يملك بالاحياء وذلك يكون بأمر الإمام عليه السلام.
واما بلاد الشرك فضربان أيضا عامر وغامر فالعامر ملك لأهله وكذلك جميع ما يكون به صلاح العامر من الغامر فان صاحب العامرا حق به من غيره والغامر ضربان أحدهما لم يجر عليه ملك لأحد والأخر جرى عليه ملكه فاما ما لم يجر عليه ملك لأحد فهو للإمام واما ما جرى عليه ملك وصاحبه معين فهو له ولا يملك بالاحياء وان لم يكن له صاحب معين كان للإمام.
ص: 28
فأما الأرضون الموات (1) فهي للإمام أيضا لا يملكها أحد إلا بالاحياء باذنه.
واحياء الأرض يكون للدار والحظيرة والزراعة فاما إحيائها للدار فهو ان يحوط عليها حائطا ويسقف عليه فاذا فعل ذلك فقد أحياها وملكها ملكا مستقرا ويجوز ان يكون هذا الحائط مبنيا بآجر أو حجر أو لبن أو طين أو خشب أو جص فاما ان أخذها للحظيرة فاحيائه لها كذلك ان يحوطها بحائط من آجر أو حجر أو طين أو لبن
ص: 29
أو خشب وليس من شرط الحظيرة أن يجعل لها سقف ويغلق (1) عليها باب كالدور.
فاما الإحياء للزراعة فهو ان يجمع حولها ترابا وهو الذي سمى ميرزا (2) وان يرتب لها الماء اما بساقية يحفرها ويسوق الماء إليها فيها أو بقناة يحفرها أو بئر أو عين يستنبطها فهذه الثلاثة (3) شرط في صحة الإحياء للزراعة.
وإذا أحيا الإنسان الأرض على ما ذكرناه وملكها فإنه يملك مرافقها التي لا يصلح الأرض الا بها.
وإذا حفر بئرا أو شق ساقية أو نهرا فإنه يملك حريمها وجملة ذلك ان ما لا بد منه في استيفاء الماء ومطرح الطين إذا نضب الماء وكريت الساقية والنهر فان ذلك يكون على حسب الحاجة إليه قليلا كان أو كثيرا وروى أصحابنا (4) ان حد بئر
ص: 30
الناضح أربعون ذراعا ووردت الرواية عن النبي صلى اللّه عليه وآله (1) بما يوافق ذلك وهو انه قال حريم البئر أربعون ذراعا وروى ان حد القناة في الأرض السهلة ألف ذراع وفي الحزنة خمس مأة ذراع (2)
وإذا حفر إنسان بئرا في موات وملكها ثم أراد غيره ان يحفر الى جانبها بئرا يسوق الماء منها بذلك لم يجز ذلك وكان له منعه من حفرها بغير خلاف وكذلك القول في العين الا ان يكون بينها وبين ما يريد غيره حفره ، الحد الذي ذكرناه متقدما
وان أراد حفر بئر في ملكه أو داره ثم أراد جاره حفر بئر لنفسه (3) بقرب تلك البئر لم يجز منعه من ذلك وان نقص ماء البئر الأول لأن الإنسان مسلط على ملكه والفرق بين الملك والموات فيما ذكرناه : ان الموات يملك بالاحياء فمن سبق الى حفر بئر ملك حريمه وكان أحق به من غيره وليس كذلك الملك لان ملك كل واحد من المالكين مستقر ثابت وللمالك ان يفعل ما شاء في ملكه بغير اعتراض عليه.
وإذا حفر بئرا في داره وأراد جاره حفر بالوعة أو خلاء بقرب هذا البئر لم يكن له أيضا منعه (4) من ذلك وان ادى الى تغيير ماء البئر أو كان صاحب البئر يستقذر
ص: 31
ماء بئره لقرب البالوعة والخلاء منها لان له التصرف في ملكه كيف شاء وأراد.
وإذا أحيا أرضا ليغرس فيها بجنب ارض فيها غراس لغيره بحيث يلتف أغصان الغراسين ويلتقي عروقهما كان للأول منعه من ذلك.
وإذا اقطع السلطان إنسانا قطعة من الموات كان أحق بها من غيره وكذلك إذا تحجر من الموات أرضا والتحجر أن يؤثر فيها أثرا لم يبلغ به حد الأحياء مثل ان يحوط عليها حائطا أو ما جرى مجرى ذلك من آثار الإحياء فإنه أحق بها من غيره وأقطاع السلطان بمنزلة التحجر.
وإذا أخر الأحياء وقال له السلطان اما ان تحييها أو تخلي عنها ليحييها غيرك فان ذكر في ذلك عذرا منعه من الأحياء مثل ان الأكارين والعمال الذين معه هربوا وان آلاته التي للعمل عابت أو ما أشبه ذلك وسأل التأجيل في ذلك السلطان وان لم يكن له عذر وخيره السلطان بين الأمرين فلم يفعل شيئا أخرجها من يده فان وثب عليها غيره وأحياها قبل ان يخرجها السلطان من يده ، لم يملكها بذلك الأحياء.
وإذا تحجر إنسان أرضا وباعها لم يصح بيعها لأن رقبة الأرض لا يملك بالإحياء (1)
ص: 32
وانما يملك التصرف فيها بشرط ان يؤدى ما يلزمه عليها الى الامام.
وما لا يملكه أحد (1) ولا يملكه الا بما يستحدث فيه وذلك مثل الموات من الأرض وقد سلف ذكر ذلك فإنما يملك بالاحياء التصرف فيه بإذن الامام وانه أحق به من غيره بحق ويجوز للإمام ان يقطعه من غير احياء ولا تحجير لان الموات ملكه فله ان يقطعه من غير خلاف وما كان من المعادن ظاهرا مثل الماء (2) والكبريت والملح والنفط والقير والمومياء وما جرى مجرى ذلك فإنه لا يملك بالاحياء ولا يصير الإنسان بالتحجير به أحق من غيره وليس للإمام ان يقطعه بل جميع الناس فيه سواء يأخذ كل أحد منهم حاجته ويجب عليه قيمة الخمس (3) ولا يجوز للإمام ان يقطع مشارع الماء فيجعل المقطع أحق بها من غيره.
وإذا سبق الى بعض المعادن الظاهرة رجلان ولم يتقدم أحدهما الأخر ، أقرع الإمام أو من نصبه الامام بينهما في ذلك.
وإذا كان في الساحل موضع إذا حفر وانساق اليه الماء ظهر له ملح كان ذلك في حكم الموات لأنه لا ينتفع به الا باستحداث شي ء فيه فيملك بالاحياء ويصير بالتحجر عليه اولى به وللإمام ان يقطعه فاذا حصل لو أحد منهما (4) كان أحق به من غيره.
والقطائع ضربان أحدهما يملك بالاحياء وهو الموات وقد تقدم ذكر ذلك
ص: 33
والأخر الإرفاق (1) وهو ما يجلس الإنسان فيه إذا كان في المواضع الواسعة من رحاب الجوامع والطرقات وليس للإمام ان يقطع أحدا من ذلك وقد قيل بان له ذلك والأظهر انه ليس له ذلك لان الناس فيه شرع سواء.
واما المعادن التي ليست ظاهرة مثل الذهب والفضة والرصاص والنحاس وما جرى مجرى ذلك مما يكون في بطن الأرض والجبال ولا يظهر الا بالعمل فيها والمؤنة عليها فإنها يملك عندنا بالاحياء ويجوز للإمام إقطاعه لأنه يملكه ومن أحياه فهو أحق به وبمرافقه التي لا بد له منها على حسب الحاجة اليه ان كان يخرج ما يخرج منه بالأيدي (2) وان كان يخرج بالأعمال فكما ذكرناه في الموات.
وإذا تحجر المعدن بالحفر وأراد غيره إحيائه قال الامام له اما ان تحييه أو تخلي بينه وبين غيرك فان طلب منه التأجيل اجله حسب ما قدمناه في إحياء الموات سواء
وإذا أحيا إنسان مواتا من الأرض وظهر فيه معدن ملكه بالاحياء وملك المعدن لان المعدن مخلوق بخلفة الأرض فهو جزء من اجزائها وهكذا إذا ابتاع دارا فوجد فيها معدنا كان للمشتري دون البائع فإن ظهر فيها كنز مدفون وكان من دفن الجاهلية ملكه بالإصابة له والظهور عليه وحكمه حكم الكنوز وان كان من دفن أهل الإسلام
ص: 34
فهو لقطة وان كان ذلك في أرض ابتاعها لم يدخل الكنز في المبيع لأنه مودع فيه.
وإذا كان الموات فيما غنم من بلاد الشرك قد عمل جاهلي في معدن فيه لم يكن غنيمة ولا يملكه الغانمون بل يكون على الإباحة لأنه لا يدرى هل من أظهره قصد التملك أم لا (1) فلا يدرى انه كان ملكه فيغنم فالأصل انه على الإباحة كما ذكرناه.
وبلاد الإسلام ضربان أحدهما أسلم أهلها عليها والأخر افتتحت فأما التي أسلم أهلها عليها فمثل مدينة النبي صلى اللّه عليه وآله فان العامر لأهله بغير خلاف في ذلك واما الموات فجار مجرى الموات الذي قدمنا ذكره.
واما الذي افتتح فإنه ان كان افتتح عنوة وكان عامرا كان غنيمة وقد تقدم ذكر من يستحق ذلك عندنا وهو جميع المسلمين (2) فاما الموات فما لم يقاتلوا عنه فان حكمه حكم موات دار الإسلام واما ما قاتلوا عنه من الموات فهو للإمام (3)
واما إذا فتح صلحا على ان يكون الدار لهم بشي ء يبذلونه صح ذلك ويكون الدار لهم والعامر ملكهم والموات على ما كان عليه (4) ومن أحيى شيئا منه بإذن الامام كان أحق به من غيره وان أحيا المسلم شيئا منه بإذن الامام كان أحق به أيضا (5) فإن كان الصلح على ان يكون الدار لنا صح ذلك وكان الحكم في ذلك
ص: 35
حكم دار الإسلام لأن ذلك صار للمسلمين بالمصالحة فحكم عامرة ومواته حكم عامر بلاد الإسلام ومواتها على ما تقدم ذكره وما يصلح (1) بالمصالحة فهو في ء وحكمه حكم الفي ء في أربعة أخماسه وخمسه وقد سلف ذكر ذلك أيضا ومن يستحق الخمس (2) فان حصل الصلح على عامرها ومواتها كان العامر للمسلمين والموات للإمام على ما سلف بيانه.
وإذا ملك إنسان معدنا في أرض أحياها أو ابتاعها فظهر فيها ثم عمل فيها رجل فاخرج منه قطعا فان كان بغير اذنه كان متعديا في عمله ولم يكن له اجرة ويكون ما أخرجه لصاحب المعدن وان كان باذنه وكان قد شرط ان يكون ما يخرجه لنفسه دون المالك لم يصح لان ذلك بينة (3) مجهولة والمجهولة لا يصح تملكه وجميع ما يخرجه يكون لصاحب المعدن الا ان يستأنف له بينة بعد الإخراج ويقبضه ذلك ولا اجرة للعامل لأنه عمل لنفسه وانما يثبت الأجرة له إذا عمل لغيره بإجارة صحيحة أو فاسدة وإذا كان العامل عمل على ان ما يخرجه فهو للمالك وله (4) اجرة المثل.
والقول المتعلق بهذا الباب في المياه يقع في ملكها والسقي منهاوالمباح من ذلك والمملوك فاذا كان لإنسان بئرا وقناة أو عين أو مصنعة (5) احتفر ذلك في
ص: 36
ملكه أو داره اليه بوجه من وجوه الاملاك (1) فهي ملكه ويجوز له بيعه لمن يستقى منه النخل والشجر والأرض والزرع وما جرى مجرى ذلك وهو مال من الأموال المتملكة وكذلك ما تخرجه ارض الإنسان من كلاء أو عشب (2) أو ما يعانيه من عشب إذا قطعه أو نفاه من مكان الى مكان.
فان ثبت (3) في الصحارى والقفار والأرض الموات أو بحيث لا ملك لأحد عليه أو ما كان من الماء مسيلا في الأودية من الأمطار والأنهار الكبار الذي لا يعرف ابتدائها ولا ملك لأحد على منابعها ومجاريها وما استقر منه في وجه الأرض أو المصانع الجاهلية التي ليس لأحد عليها ملك فالناس في ذلك شرع واحد ومن سبق إلى شي ء منه فهو أحق به اما لشربه (4) أو سقى زروعه أو سقى ماشيته وكذلك الحكم فيما كان من العشب النابت في البراري.
ص: 37
ومن وقع ملكه على بعض المياه مثل العين والبئر والقناة والمصنعة وما جرى مجرى ذلك فيستحب له ان لا يمنع ابن السبيل من الشرب منه (1) وسقى دابته وجمله وماشيته وان يتطوع بما يفضل عنه من ذلك ولا يجوز لأحد ان يسقى أرضه ولا زرعه ولا شجره من بئر هذا الإنسان أو قناته أو العين أو المصنعة التي له الا باذنه.
ولو كان له نهر خاص فأراد بيع جزء من مائه أو جميعه كان جائزا وكذلك لو كان النهر مشتركا وأراد بيع حصته من غيره أو هبته أو الوصية به أو الإجارة له كان جائزا.
فإن باع الإنسان أرضه دون شربها كان أيضا جائزا ويكون مالكا للشرب يفعل فيه ما أراد.
وإذا اشترى إنسان أرضا مع شرب مائها أو استأجرها مع شربها كان جائزا وإذا اشتراها بكل حق هو لها كان الشرب ومسيل الماء لها.
وإذا كان نهر بين قوم لهم عليه أرضون لا يعرف كيف كان أصله بينهم ثم اختلفوا فيه واختصموا في الشرب كان الشرب بينهم على قدر أراضيهم فإن كان الأعلى منهم لا يشرب حتى يسكر (2) النهر لم يجز أن يسكره على الأسفل ولكن يشرب بحصته
ص: 38
فان تراضوا على ان يسكره الأعلى على الأسفل حتى يشرب كان ذلك جائزا (1) ويجوز ان يصطلحوا على شرب كل واحد منهم في يومه فان اختلفوا لم يجز لأحد منهم ان يسكره على آخر وإذا أراد واحد منهم ان يكري نهرا لم يكن ذلك له الا برضاء أصحابه وكذلك لو أراد واحد منهم ان ينصب عليه رحى لم يجز له ذلك أيضا إلا برضا الباقين اللّهم الا ان يكون النهر أو الماء لا يستضر بالرحى فإنه يجوز ذلك.
وإذا احتاج هذا النهر الى كرى وتنقية ونظافة وإصلاح كانت تنقيته على الجميع من أعلاه إلى مفتتح الماء إلى أقرب الأراضي الى الفوهة (2) فإذا جاوز ذلك رفعت النفقة عن صاحب تلك الأرض وكانت النفقة على من بعده حتى ينتهي الى من يليه فترفع عند حصته من النفقة مع الشركاء من أهل الأسافل وهكذا ابدا كلما انتهى العمل الى حق أحدهم كانت النفقة على من بعده دونه.
والأنهار الكبار مثل دجلة والفرات والنيل وسيحان وجيحون وما أشبه ذلك فجميع المسلمين فيها شرع واحد وكل واحد منهم له شرب أرضه وزرعه ونخله وشجره وسائر منافعه لا يحبس الماء عن أحد دون أحد ولا لإنسان أن يمنع منه غيره.
وإذا أراد إنسان أن يكري منه نهرا في أرضه أو في أرض موات قد اذن له في إحيائها ولا ضرر على غيره فيها ، كان له ذلك الا ان يكون ما يحدثه مما ذكرناه فيه ضرر على النهر الأعظم فإن الإمام يمنعه من ذلك وكذلك الحكم لو أراد ان يعمل مصنعة لشرب السابلة أو الحيوان ويجرى الماء إليها من النهر الأعظم في أرض يملكها أو موات قد اذن له فيها سواء.
ص: 39
وإذا احتاج النهر الأعظم إلى عمل مسناته (1) ان حصل خوف من الغرق منه أو الى ان يغلب (2) مائه فينصرف الى بعض الجهات التي تستضر بانصرافه إليها ، كان على السلطان كريه وعمل جنابه ومسناته وكذلك ما كان من الأنهار الصغار التي تؤخذ من النهر الأعظم لسقي أرض الخراج من البلاد المفتحة عنوة وكان الوالي يأخذ خراجها فان حفر هذه الأنهار وعمل جميع ما يحتاج اليد وإصلاحه على السلطان فان كانت الأراضي التي على جانب أحد هذه الأنهار بعضها خراجية وبعضها مملوكة عشرية (3) كانت النفقة بين الوالي ومالك تلك الأراضي يسقط كل واحد مما يلزمه فيها ولا يجرى (4) ذلك مجرى نهر خاص لقوم ليس لأحد ان يدخل عليهم فيه ولهم منع من أراد ان يسقى من نهرهم أرضه ونخله وشجره لأن ذلك عليهم.
وإذا كان النهر عظيما فاذا انتهى الى مكان معين كان قسمة بين اهله بالحصص لكل قوم منهم كوة (5) معروفة فاتخذ إنسان أرضا كانت مواتا ولم يكن لها شرب من ذلك النهر وكوالها (6) نهرا من فوق موضع القسمة في مكان ليس لأحد فيه ملك ، فساق الماء إلى أرضه من ذلك النهر في ذلك الموضع فان كان النهر المحدث يضر بأهل النهر الأعظم في مائهم ضررا بينا ، لم يجز له ذلك وكان للسلطان منعه منه وان كان لا يضرهم كان جائزا.
ص: 40
وإذا كان لإنسان من ذلك النهر الأعظم ، كوة معروفة وأراد الزيادة عليها بكوة أو كوتين وكانت هذه الزيادة غير مضرة بأهل النهر الأعظم كان له ذلك وجرى ذلك مجرى الأول (1) وان كانت الكواء في نهر مخصوص يأخذ من هذا النهر الأعظم لم يكن لأحد من ذلك النهر ان يزيد كوة وان كان ذلك لا يضرهم إلا بإذنهم. (2)
وإذا أراد بعض الشركاء في النهر ان يعمل عليه جسرا أو يعقد قنطرة أو ما أشبه ذلك لم يجز له ذلك الا برضاء شركائه.
وإذا كان نهر بين رجلين له خمس كواء من هذا النهر الأعظم وارض أحد الرجلين في أعلى هذا النهر وارض الأخر في أسفل النهر فقال صاحب الأعلى أريد أن أسد بعض هذه الكواء لان ماء النهر يفيض في ارضى ويكثر عليها لم يكن له ذلك الا برضى الأخر فإن قال اجعل لي نصف الشهر ولك نصفه فاذا كان في حصتي سددت ما أردت سده من ذلك وتراضيا على ذلك كان جائزا.
وإذا قال أهل أسفل النهر نريد ان نوسع رأس النهر أو نزيد في كواته وقال أهل أعلاه إذا فعلتم ذلك زاد الماء على أرضنا وفاض فوقها فأفسد عليها (3) لم يكن لأهل أسفله ان يوسعوا فيه شيئا ولا ان يزيد وافى شي ء من كوائه.
وإذا كان لجماعة أراضي وشربها من نهر يأخذ من النهر الأعظم لا يعلم قسط كل واحد منهم أو كل قرية شربها منه ، فاختصموا في الشرب كان ماؤه بينهم بمقدار حصصهم من الأراضي ومساحتها ولم يكن لأحد منهم ان يأخذ من مائه أكثر من قدر ري (4) أرضه ولا يغير ما يتقرر بينهم في ذلك إلا بإذن الباقي من شركائه.
ص: 41
وإذا كانت فوهة النهر تجري في أرض إنسان ثم يصير جاريا بين أراض مشتركة فقال الذي فوهة النهر وأوله في أرضه ، هذا النهر لي وانما أرسله إليكم تبرعا وليس لكم حق في مائه وانا أريد سده عنكم وقال الذي يجري النهر بين أراضيهم : النهر لنا وليس لك أنت فيه شي ء وانما الأرض لك على حسبه (1) دونه ولم يكن لأحدهم بينة على ما ادعاه لم يجز له قطع الماء على الشاربة منه ولو اقام بينة على ان رسمه جرى بسده (2) على أرضه أوقاتا معلومة لم يكن له قطعه على أهل أسفله بالكلية ولا ان يتجاوز بسده الأوقات التي جرى رسمه بمثلها.
وإذا كان نهر بين جماعة يأخذ من النهر الأعظم له (3) فيه كواء مسماة ولكل واحد منهم نهر صغير من هذا النهر أو كو وكان نهر أحدهم في أسفل أرضه فإذا أراد ان يحول نهره فيجعله في أعلى أرضه لم يكن له ذلك لان النهر يذهب من الماء حينئذ بأكثر مما كان يذهب قبل ذلك ويضر بأصحابه فإن أراد صاحب النهر ان يكري نهره فيسفله عن موضعه وان كان متى فعل ذلك أخذ من الماء أكثر كان ذلك له وكان له أيضا ان يرفع الكو ان كانت مستقلة ليكون الماء أقل في أرضه.
وإذا سقي إنسان أرضه أو شجره وسال الماء في مسيله على أرض لإنسان آخر فغرقت به لم يلزمه ضمان ذلك. (4)
ص: 42
قال اللّه تعالى « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ » الى قوله « فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ » (1).
وروى عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم - : انه رهن درعه عند يهودي على شعير أخذه لأهله (2).
والإجماع حاصل على جواز الرهن ، فاذا كان كذلك ، فالرهن الشرعي (3) :
ص: 43
« هو جعل المال عند صاحب الدين وثيقة له على ماله ».
ويفتقر في صفة الرهن إلى الإيجاب والقبول، ولا يصح الرهن قبل ثبوت الحق ، والوقت الذي يجوز أخذ الرهن فيه ، هو بعد اللزوم الحق ، أو مع لزومه أيضا ، فاما قبل ذلك فلا يصح كما ذكرناه.
ويجوز عقد الرهن في الحضر والسفر ، ويجوز أخذه في كل دين ثابت في الذمة ، مثل القرض ، والأجرة ، والمهور ، وعوض الخلع ، وقيم المتلفات ، وأروش الجنايات.
ويجوز أخذ الرهن على مال الجعالة ، وعلى الدية على العاقلة بعد سنة ، ويجوز أخذه بالثمن في مدة الخيار المتفق عليها ، ويجوز أخذه على الباقي في مال الكتابة ، من المكاتب الذي ليس بمشروط عليه ، إذا تحرر منه جزء ، لأنه بعد ان يتحرر منه جزء ، لا يجوز رده في الرق ، فيجوز أخذ الرهن على ما ذكرناه.
واما مال الكتابة المشروطة ، فلا يجوز أخذ الرهن عليه ، لان للعبد المشروط عليه إسقاط ذلك من نفسه اى وقت أراد إسقاطه ، فهو غير ثابت في ذمته ، وأيضا فإنه متى امتنع من مال الكتابة ، كان لسيده رده في الرق ، فلا يحتاج مع ذلك الى الرهن.
وإذا استأجر إنسان غيره اجارة يتعلق بعينه ، مثل ان يستأجره ليخدمه ، أو يستأجره في عمل يعمله بنفسه ، لم يصح أخذ الرهن منه ، لأنه إنما يجوز أخذه على حق ثابت في الذمة ، وليس ذلك ثابتا في ذمة الأجير ، فلا يجوز أخذ الرهن منه عليه :
فان استأجره على عمل في ذمته ، مثل ان يجعل (1) له عملا من خياطة ، أو غير ذلك جاز أخذ الرهن عليه ، لان ذلك ثابت في ذمة الأجير ، وغير متعلق بعين (2) ، وللأجير ان يعمله بنفسه ، أو بغيره ، وان هرب هذا الأجير ، جاز بيع الرهن واستيجار
ص: 44
غيره به ، ليحصل العمل ، وقد ذكرنا فيما تقدم ان أخذ الرهن لا يجوز الا بعد ثبوت الحق في الذمة ، أو في حال لزومه ، فاذا كان كذلك وقال أحد المتعاقدين لصاحبه (1) « بعتك هذا الشي ء بكذا على ان ترهن كذا بالثمن » وقال المشترى : « اشتريته على هذا » صح شرط الرهن ، وأخذه بعد عقد البيع وتسليمه اليه.
وإذا قال « بعتك هذا الشي ء بمأة ، أو رهنت (2) منك كذا بالثمن » وقال المشترى « اشتريته منك بمأة ورهنتك هذا الشي ء » صح حصول (3) عقد البيع وعقد الرهن ، فاما قبل ذلك فقد قلنا انه لا يجوز وذلك مثل ان يقول : « رهنتك هذا الشي ء على دينار أو درهم تقرضينه في غد » فاذا دفع ذلك إليه في غد لم ينعقد الرهن على ذلك.
ومما يصح الحاقة بذلك (4) ان يقول الإنسان لغيره « أعتق عبدك وعلى الف » في ان ذلك يصح ، فإن أعتق العبد وجب عليه الالف.
وكذلك إذا قال : « طلق امرأتك وعلى الف » ففعل ، لزمه الألف ، لأنه يجوز من هذا الباذل للمال ان يعلم انه على فرج حرام مقيم فيستنزله عنه بما يبذله من المال
ص: 45
فإذا طلق كان عليه الف له ، وكذلك لو قال : له وهو في سفينة البحر « الق متاعك في البحر وعلى ضمان قيمته » صح ، إذا كان غرضه تخفيف السفينة وخلاص النفوس من الغرق ، فاذا فعل ذلك كان عليه قيمة المتاع لصاحبه.
وإذا عقد الرهن أو سلمه من ليس بكامل العقل ، أو هو محجور عليه لم يصح عقده ، ولا تسليمه ، لان ذلك انما يصح ممن هو كامل العقل غير محجور عليه.
وكل ما جاز بيعه من مشاع أو غيره فإنه يجوز رهنه ، فان اختلف المرتهن والشريك فقال المرتهن لست أرضى بأن يكون الرهن في يد الشريك ، وقال الشريك لا ارضى بكونه في يد المرتهن ، ولم يتفقا على من يجعلانه في يده من عدل ، أو ممن يرضيانه لذلك أخذه الحاكم وآجره ، وجعل لكل واحد من الشريكين قسطا من الأجرة ، ويكون إيجاره له الى حين محل الدين ، ليمكن بيعه في حق المرتهن.
وإذا اذن الراهن للمرتهن في قبض الرهن، ثم رجع عن الاذن في ذلك ، ومنعه من قبضه لم يجز له ذلك ، لان بالإيجاب والقبول أوجب قبض الرهن (1) ، فليس له بعد ذلك الرجوع فيه ، ولا منعه منه.
وإذا رهن شيئا ثم جن ، أو أغمي عليه كان للمرتهن قبضه ، لان ذلك قد لزم بالإيجاب والقبول (2).
ص: 46
وإذا رهن إنسان شيئا ، ثم خرس، فان كان يحسن الإشارة أو الكتابة فأشار ، أو كتب بالإذن في القبض ، كان جائزا ، وقام ذلك منه مقام الكلام ، وان كان لا يحسن الكتابة ، ولا يعقل الإشارة ، لم يجز للمرتهن قبض الرهن ، لأنه يفتقر الى رضاه وكان على وليه تسليمه إليه لأنه بالعقد قد وجب ذلك الرهن.
وإذا قبض المرتهن الرهن بإذن صاحبه، فقد لزم بغير خلاف (1) ولم يجز للراهن فسخه ، لما قدمناه من أنه وثيقة المرتهن على الراهن فلا يجوز له إسقاطه ويجوز للمرتهن إسقاطه وفسخ الرهن لأنه حقه ، ولا حق للراهن فيه ، فاذا كان كذلك وأسقطه أو فسخه بان يقول : « فسخت الرهن ، أو أبطلته ، أو أقلته فيه ، أو ما جرى مجرى ذلك » كان جائزا ، فإن أبرأه من الدين ، أو افترقا (2) سقط الدين وبطل الرهن ، لأنه يتبع الدين فاذا سقط الدين سقط الرهن.
فإن أبرأه من بعض الدين ، أو قضاه بعضه ، لم ينفك الرهن ، فكان باقيا بحاله الى ان لا يبقى من الدين شي ء ، لأنه وثيقة المرتهن على جميع ماله من الدين (3) الى ان لا يبقى منه قليل ولا كثير.
ص: 47
وإذا آجر المرتهن الرهن من صاحبه، أو أعاره لم ينفسخ ، ولا فرق في ذلك بين ان يكون إيجاره له ، أو إعارته قبل القبض ، أو بعده ، لأن استدامة القبض ليست شرطا فيه ، وان كان إعارته له وإيجاره غير جائز ، لأنه ليس للمرتهن التصرف فيه ، واجرة الرهن للراهن دون المرتهن :
وإذا استأجر شيئا ، وارتهن الرقبة ، (1) ثم آجره أو أعاره من الراهن ، أو اوصى (2) بمنفعة عين من الأعيان ، ثم ارتهن الرقبة من صاحبها ، ثم آجر منفعتها منه ، أو أعاره ، كان الإيجار والإعارة جائزين ، ولا يقتضي ذلك فسخ الرهن.
وإذا كان لإنسان في يد غيره وديعة ، أو إجارة ، أو عارية ، أو غصب فجعله رهنا عنده على دين له عليه ، كان جائزا (3) ويكون ذلك قبضا ، لأنه في يده ولا يفتقر الى نقله إذا كان قد اذن له الراهن في قبضه عن الرهن.
وإذا أقر المرتهن والراهن بقبض الرهن في وقت يمكن صدقهما فيه، صح الإقرار ولزم الرهن ، وان كان لا يصح صدقهما في الوقت الذي ذكرا ، ان القبض وقع فيه ، كان الإقرار باطلا ، مثال ذلك ان يقول للشاهدين « اشهدا على بأنني قد رهنته اليوم داري التي بمكة » أو ما أشبه ذلك ، وأقبضته إياها ، ويتصادقان على ذلك ، فإنه يكون باطلا ، لأنه لا يمكنه قبض الرهن من يومه.
وإذا أقر الراهن والمرتهن بقبض الرهن ، ثم ادعى (4) بعد ذلك انه لم يكن
ص: 48
قبضه ، لم يحلف : لان دعواه تكذيب لنفسه فلا يسمع منه ، ولا يمين على المرتهن ، فان كان إقراره بقبض الشي ء الغائب عنه ، على الظاهر بكتاب ورده من وكيل له ، أو بخبر من يأنس إلى قوله ، ويركن اليه ، ثم قال تبينت (1) انه لم يكن قبضه ، وان من أخبرني كذب ، أو أخطأ ، وأراد يمين المرتهن ، كان له ذلك ، لأنه لا يكذب بيمينه الإقرار في الحقيقة ، لأنه أخبره بقبضه على الظاهر ، ثم بين ان الباطل بخلاف ذلك.
وإذا شهد شاهدان على مشاهدة القبض من المرتهن لم يسمع دعوى الراهن بأنه لم يقبضه ، ولا يحلف المرتهن ، لأنه تكذيب للشاهدين ، وهكذا إذا شهدا على إقراره بالقبض ، فقال : « ما أقررت بقبضه » لم يسمع منه ذلك ، لأنه تكذيب للشاهدين اللذين شهدا عليه بذلك.
وجميع ما يكون قبضا في الشرع (2) ، يكون قبضا في الرهن ، والهبات ، والصدقات ، لا يختلف ، وجملة القول ان المرهون إذا كان خفيفا يمكن تناوله باليد ، كان القبض فيه التناول بها ، وان كان ثقيلا مثل دابة أو عبد ، كان القبض فيه نقله من موضعه الى غيره ، وان كان طعاما معينا وارتهن منه مكيالا معينا (3) ، كان قبضها نقلها من موضعها الى موضع آخر ، وان كان مما لا ينقل ولا يحول من ارض ودار عليها باب مغلق ، فقبض ذلك ان يخلى صاحبها بينها وبين المرتهن ، ويفتح بابها ،
ص: 49
أو يسلم مفتاحها اليه ، وان لم يكن عليها باب فقبضها ان يخلى بينها وبينه من غير حائل.
فإن كان بينهما مشاعا وكان مما لا ينقل ، خلي بينه وبينه ، سواء حضر الشريك فيه أو لم يحضر ، وان كان مما ينقل ويحول ، مثل الشقص من سيف ، أو جوهر ، أو ما أشبه ذلك ، فلا يجوز تسليمه الى المرتهن الا بحضرة الشريك فيه ، لأنه يريد نقل نصيبه ونصيب شريكه الى يده ، فاذا حضر وسلمه اليه ورضيا بان يكون الجميع على يد المرتهن كان ذلك جائزا وان رضيا ان يكون الجميع في يد الشريك كان أيضا جائزا وان رضيا ان يكون على يد عدل كان جائزا فإن اختلفا أو تشاحا في ذلك فقد تقدم القول فيه
وإذا رهن إنسان عند غيره شيئا بدين الى شهر، على انه ان لم يقبض ذلك الى محله ، كان الرهن مبيعا بالدين الذي عليه ، لم يصح الرهن ، ولا البيع بغير خلاف ، لان الرهن موقت ، والبيع قد علق بزمان مستقبل ، فان هلك هذا الرهن في يده في الشهر ، لم يكن مضمونا عليه ، لان صحيح الرهن غير مضمون ، فكيف الرهن الفاسد ، وبعد الأجل فهو مضمون عليه ، لأنه في يده ببيع فاسد ، والبيع الصحيح والفاسد مضمون عليه بغير خلاف.
وإذا غصب إنسان من غيره عينا من الأعيان، وجعلها المغصوب منه رهنا في يد الغاصب بدين له عليه قبل ان يقبضها منه ، صح كونها مرهونة في يده ، وعليه ضمان الغصب (1) ، فان باعها منه ، زال الضمان.
ومن أعار غيره شيئا ، ثم رهنه، كان الرهن صحيحا ، ويخرج بذلك عن حد العارية ، ولا يجوز للمرتهن الانتفاع به كما كان ينتفع به قبل ان يصير رهنا عنده.
وإذا رهن دارين ، أو سلعة ، (2) وبطلت إحداهما ، وكان ذلك قبل القبض ، والرهن مما ينقل ويحول ، فإنه ينفسخ في التالف ، ولا ينفسخ في الباقي ، ويكون
ص: 50
رهنا لجميع المال ، فان كان الرهن شرطا في البيع ، كان البائع مخيرا بان يرضى بإحدى الوثيقتين ، ويجيز البيع ، وبين ان يفسخ ، لهلاك احدى الوثيقتين ، فإن أجاز البيع ، كان الباقي رهنا بجميع الثمن ، لان الرهن كله وكل جزء من اجزائه مرهون بجميع الدين وبكل جزء من اجزائه.
وان كان مما لا ينقل ولا يحول ، مثل دارين احترقت إحداهما ، قد تلف خشبها ، وذلك يأخذ قسطا من الثمن ، ويكون الحكم في ذلك مثل ما ذكرناه في ما ينقل ويحول.
فان انهدمت ولم يتلف منها الا التأليف (1) فذلك لا يقابله بالثمن ، والذي يقابله الثمن من الأعيان باقية ، الا ان قيمتها بالانهدام نقصت ، وإذا كان كذلك لم ينفسخ من الرهن شي ء ، والبائع مخير ، ان كان الرهن شرطا في عقدة البيع ، لنقصان قيمة الرهن في يد الراهن قبل تسليم الرهن ، فان شاء فسخ البيع ، وان شاء اجازه ، ورضي بالدار المنهدمة رهنا ، فيكون العرصة والنقض (2) كلها رهنا.
واما ان كان التلف والانهدام بعد القبض ، فان الرهن لا ينفسخ في الباقي ، ولا يثبت له (3) الخيار للمرتهن البائع ، وليس له ان يطالب ببدله. لان العقد تناوله بعينه.
وإذا رهن جارية قد أقر بوطأها، كان الرهن صحيحا ، فان لم يظهر بها حمل فقد استقر الرهن بغير خلاف ، وان ظهر بها حمل ، وولدت ، لأقل من ستة أشهر
ص: 51
من وقت الوطأ ، فان المملوك (1) لا يلحق به ، لأنه لا يجوز ان يكون من الوطأ الذي أقربه ، ونسب ولد الجارية لا يثبت ، الا من وطأ أقربه بغير خلاف ، وان ولدت لستة أشهر فصاعدا الى تمام تسعة أشهر ، كان الولد حرا ، ويثبت نسبه منه ، ولا تخرج الجارية من الرهن عندنا.
وإذا رهن الجارية ، وقبضها المرتهن ، لم يجز للراهن وطأها (2) بغير خلاف لان الوطأ ربما أحبلها ، فينقص قيمتها ، وربما هلكت بالولادة.
واما سكنى الدار المرهونة ، وزراعة الأرض المرهونة ، واستخدام العبد المرهون ، وركوب الدابة المرهونة ، فإن جميع ذلك لا يجوز عندنا ، وان وطأها لم يجب عليه الحد.
وإذا وطأها الراهن بإذن المرتهن ، لم ينفسخ الرهن ، سواء حملت أو لم تحمل فان باعها باذنه ، انفسخ الرهن ، ولا يجب عليه قيمته (3) ، لأنه أتلفه بإذنه ، فإن فعل ذلك بغير اذنه ، فمات كانت قيمته عليه.
وإذا اذن المرتهن للراهن في العتق ، أو الوطأ ، ثم رجع عن الإذن ، فان
ص: 52
كان رجوعه بعد إيقاع المأذون فيه الفعل ، لم ينفعه الرجوع ، ولا يكون له تأثير ، وان كان الرجوع قبل الإيقاع ، وعلم الراهن برجوعه ، فقد بطل اذنه ، ولم يجز له الوطأ ، ولا العتق ، فان لم يكن عالما بالرجوع كان ما فعله ماضيا ، وليس عليه شي ء
وإذا وطأ الراهن أو أعتق ، واختلف هو والمرتهن ، فقال الراهن فعلته بإذن المرتهن ، وقال المرتهن فعليه بغير امرى ، كان القول قول المرتهن مع يمينه ، لأن الأصل عدم الاذن ، والراهن مدع لذلك ، فعله البينة على ما ادعاه ، فاذا حلف المرتهن ، كان بمنزلة ما لو فعله الراهن بغير اذنه ، (1) وان نكل عن اليمين ، ردت اليمين على الراهن ، فاذا حلف صار كأنه فعله بإذن المرتهن ، فان نكل الراهن أيضا لم يلزم الجارية المرهونة يمين.
وإذا حلف الراهن والمرتهن ، حلف على القطع والبتات.
وان كان هذا الاختلاف بين ورثتهما ، فان وارث المرتهن يحلف على العلم فيقول : « واللّه لا اعلم ان مورثي فلانا ابن فلان اذن لك في كذا » لأنه ينفي فعل الغير واليمين على نفى فعل الغير يكون على العلم ، وان نكل عن اليمين ، فردت على وارث الراهن حلف على القطع (2) والبتات.
وإذا أقر المرتهن بأربعة أشياء : بالاذن للراهن في للراهن في الوطأ ، وبأنه وطأ ، وبان الجارية ولدت منه (3) وبمدة الحمل ، مثل ان يقر بأنها ولدت من وقت الوطأ لسنة
ص: 53
أشهر فصاعدا ، ثم ادعى هذا المرتهن المقر بما ذكرناه ، بان الولد من غيره ، لم يصدق ، وكانت الجارية أم ولد للراهن ، والولد حر لا حق بالراهن ، ثابت النسب منه ، وليس على الراهن يمين هاهنا ، لان المرتهن قد اقر بما يقتضي إلحاق الولد بالراهن ، وانها أم ولده ، لأنه أقر بوطئها ، وانها ولدت لستة أشهر من وقت ذلك الوطأ ومع ذلك (1) لا يقال بان الولد من غيره.
فان اختلفا في شي ء من هذه الشروط الأربعة ، كان القول قول المرتهن مع يمينه بأنه لم يأذن فيه ، فان اتفقا على الاذن واختلفا في فعل الوطأ ، كان القول أيضا قول المرتهن مع يمينه ، انه لم يطأها.
فإن اختلفا في ولادتها ، فقال المرتهن انما لم تلده ، وانها التقطته ، أو استعارته ، وقال الراهن بل ولدته ، كان القول قول المرتهن ، وكذلك إذا قال - المرتهن ولدته من وقت الوطأ لما دون ستة أشهر كان القول قوله مع يمينه ، فاذا حلف في هذه المسائل ، كان (2) حرا ، وكان نسبه لا حق بالراهن ، لإقراره بذلك ، وحق المرتهن
ص: 54
لا يتعلق به ، ولا تصير الجارية في حقه أم ولد ، ويباع في دينه ، فاذا عادت الى الراهن كانت أم ولده :
وكذلك لو قال الراهن : أعتقتها بإذنك ، وقال المرتهن : ما أذنت لك في ذلك ، وحلف وبيعت في دينه ، ثم ملكها الراهن ، - عتقت عليه ، لأنه أقر بأنهاحرة
فاما المرتهن فلا خلاف في انه لا يجوز له وطؤ الجارية المرهونة ، فإن خالف ووطأ ، وكان وطؤه بغير اذن الراهن ، كان زانيا ولم يكن عقد الرهن شبهة فيه ، وكان عليه الحد ، وان ادعى الجهالة لم يقبل منه ذلك إلا في الموضع الذي يقبل الدعوى لذلك بتحريم الزنا ، وهو ان يكون نشأ في موضع بعيد عن بلاد الإسلام يجوز ان يخفى عليه ذلك ، أو يكون نشأ في بلاد الكفر ، وكان قريب العهد بالإسلام لا يعرف ذلك ، فاما إذا كان بخلاف ما ذكرناه ، فإنه لا يقبل منه الدعوى للجهالة ويجب عليه الحد.
فاما المهر فلا يجب عليه ذلك لسيدها إذا طاوعته ، لان مهر البغي منهي عنه ، وإذا طاوعته الجارية ، وكانت عالمة بتحريم الزنا ، كان عليها الحد ، وان كانت جاهلة وأمكن ذلك ، أو كانت مكرهة ، لم يجب عليها حد ، فإن أحبلها كان الولد رقا ، (1) هذا إذا لم يدع الجهالة بتحريمه ، أو ادعاها وكان ممن لا تقبل دعواه.
وان ادعى الجهالة وكان ممن تقبل دعواه ، لم يجب عليه حد ، واما المهر فإنه ان كان أكرهها ، أو كانت نائمة وجب ، وان طاوعته وهي لا تدعي الجهالة (2) وهي ممن يقبل منها ذلك ، وجب المهر.
ويكون الاعتبار في وجوب المهر بها (3) ، والحد ، ولحوق الولد ، وحريته ،
ص: 55
فإنه يعتبر ، فاذا قبل دعواه الجهالة أسقط عنه الحد ، والحق به الولد ، وكان حرا ، وعليه قيمته يوم يسقط حيا.
فان كان وطأها بإذن الراهن وكانت (1) ممن تدعى الجهالة بتحريم الوطأ ، قبل منها وأسقط الحد عنها ، ويلحق النسب ، ويكون الولد حرا بغير خلاف.
وان كانت ممن لا تدعي الجهالة بتحريم الوطأ فهو زنا ، والحكم فيه على ما تقدم ، (2) واما المهر فقد اختلف في وجوبه ، والأحوط انه لا يجب ، لأنه ليس على وجوبه دليل ، والأصل براءة الذمة ، واما الولد فإنه يكون حرا ، ولا يجب عليه قيمته.
وإذا كان الرهن في دين إلى أجل، واذن المرتهن للراهن في بيعه إذنا مطلقا فقال له قبل حلول الحق بع الرهن ، فباعه نفذ البيع وبطل الرهن ، وكان ثمنه للراهن دون المرتهن ، ولم يجب على الراهن ان يجعل موضوعه رهنا غيره ، فان كان اذنه مشروطا بان يكون ثمنه رهنا عوضه كان الشرط جائزا ، ويكون ثمنه رهنا عوضه ، فان قال المرتهن أذنت في البيع مطلقا لفظا وكان في نيتي واعتقادي
ص: 56
ان يجعل الثمن لي قبل محل الحق ، لم يلتفت الى هذه الدعوى منه ولم يكن بنيته اعتبار في ذلك ولا يفسد اذنه المطلق بما نواه واعتقده ، فان شرط ان يجعل ثمنه في ذمته (1) قبل محله فباع الرهن كان البيع ماضيا ، ويكون الثمن رهنا الى وقت الاستحقاق.
فان اختلفا فقال الراهن أذنت مطلقا فالرهن باطل ، والبيع نافذ ، وقال المرتهن أذنت لك بشرط تعجيل الحق من ثمنه كان القول قول المرتهن لأنهما لو اختلفا في أصل الاذن لكان القول قوله مع يمينه فكذلك إذا اختلفا في صفته.
فان اذن له مطلقا بعد محل الحق في البيع فباع ، صح البيع ، وكان الثمن رهنا مكانه ، حتى يقضى ما عليه منه أو من غيره ، لان عقد الرهن يقتضي بيعه عند محله عند امتناع من عليه الدين من بذله (2).
ارض الوقف وارض الخراج ، وهي كل ارض افتتحت عنوة وهي لكافة
ص: 57
المسلمين ، لا يجوز رهن شي ء من ذلك فان رهن منه شي ء كان باطلا ، فان كان في أرض الوقف بناء من ترابها كان وقفا ، وان كان من غير ترابها كان طلقا وكانت الأرض وقفا ، وكذلك القول في الشجر إذا غرست فيها ، فإنه يكون طلقا ، فان رهنها دون البناء والشجر كان باطلا ، وان رهنها جميعا بطل ذلك في الأرض وصح في البناء والشجر ، فان رهن البناء والشجر دونها كان جائزا.
وإذا رهن إنسان أرضا من ارض الخراج (1) أو آجرها ، كان الخراج على المكري والراهن ، لأنها في يده ، فإن أدى المرتهن الخراج أو المكتري لم يرجع به على المكري ولا الراهن.
ومن ابتاع عبدا بشرط الخيار له وحده دون البائع، ورهنه في مدة الخيار ، كان الرهن صحيحا وسقط الخيار ، لأنه تصرف فيه والخيار له وحده ، فان لم يكن الخيار له وحده وكان لهما جميعا ورهنه واحد منهما ، وكان هذا الراهن هو البائع ، كان هذا التصرف منه فسخا للبيع وانقطع خيار المشترى ، وان كان الراهن هو المشترى لم يصح تصرفه ، لأن في إنفاذه إبطال حق البائع من الخيار وذلك لا يجوز ، وإذا بطل تصرفه انقطع الخيار من جهته (2).
وإذا رهن إنسان عبدا وأقبضه وهلك بعد القبض، ثم علم بعيب كان به ، لم يكن فيه خيار ولا أرش.
فإن رهنه عبدا وأقبضه إياه ، فقطع بسرقة وقعت منه ، قبل القبض كان له
ص: 58
الخيار ، فان كان العبد جنى جناية ثم رهن كان باطلا ، سواء كانت الجناية عمدا أو خطئا لأنها ان كانت عمدا كان عليه القصاص ، وان كانت خطأ كان على سيده تسليمه الى المجني عليه ، فان فداه سيده سقط ما على رقبته من الأرش وبقي رهنا ، وان بيع في الجناية وكانت الجناية تستغرق الثمن بيع فيه كله وسقط الرهن ، وان كان لا يستغرق الثمن بيع منه بقدرها وكان الباقي رهنا.
وإذا اقترض إنسان من غيره ألفا ، ورهن بها عبدا، ثم زاده بالحق رهنا آخر ، وهو ان رهن عنده عبدا آخر ، ليكون العبدان رهنا بالألف كان صحيحا بلا خلاف ، فان لم يرهن عنده رهنا آخر ، الا انه اقترض منه ألفا آخر على ان يكون الرهن الأول رهنا به ، وبالألف الثاني كان ذلك أيضا جائزا ، ويتعلق بالرهن الألفان معا.
وإذا دبر إنسان عبده ، ثم رهنه بعد ذلك سقط التدبير ، لان التدبير وصية ، ورهنه رجوع منها.
إذا رهن إنسان غيره عصيرا كان الرهن صحيحا، لأنه مملوك ، فان استحال عين عصيره فصار الى ما لا يخرج به عن الملك ، مثل ان يصير خلا أو مزا (1) أو شي ء لا يسكر كثيره كان الرهن بحاله وان استحال الى ما يخرجه عن الملك مثل الخمر فإنه يزول ملك الراهن وينفسخ الرهن ، لان الخمر لا يصح ان يملكها مسلم بغير خلاف ، فان عادت الخمر بعد ذلك خلا عاد ملك الراهن كما كان ، وإذا عاد ملكه عاد الرهن بحاله لأنه تابع للملك .
ومن كان عنده خمر ، فاراقها ، فجمعها إنسان آخر، فاستحالت في يده خلا ، أو كان عنده خمر فرهنها من إنسان آخر فاستحالت في يد المرتهن خلا ، كانت ملكا لمن انقلبت في يده ، لأن الإراقة أزالت يده عنها (2).
ص: 59
وإذا اختلف المتراهنان في الخمر ، فقال أحدهما : أقبضته عصيرا ، وقال المرتهن : أقبضتني خمرا ، كان القول : قول المرتهن مع يمينه إذا لم يكن للراهن بينة.
وإذا رهن الذمي عند الذمي خمرا فصارت خلا فهي رهن على ما كانت عليه ، وكذا القول : إذا رهنه عصيرا فصار خمرا.
وإذا ارتهن إنسان حيوانا وقبضه كان جائزا ، وطعام الرقيق واجرة الراعي على الراهن.
وإذا كان لإنسان جارية ، ولها ولد مملوك صغير، فأراد أن يرهن الجارية دون ولدها كان ذلك جائزا ، لأن الرهن لا يزيل الملك ولا يمنع من الرضاع ، فاذا حل الدين وقضاه الراهن انفكت من الرهن وان لم يقضه من غيرها ، وكان الولد قد بلغ سبع سنين أو أكثر بيعت الجارية دون الولد ، لان التفريق بينهما إذا انتهى الولد الى هذا السن جائز.
وإذا كان الولد لم يبلغ الى ذلك السن لم يجز التفريق بينهما وبيعا معا ، فما قابل قيمة الجارية كان رهنا يكون المرتهن أحق به من سائر الغرماء ، وما قابل الولد لم يدخل في الرهن ، ويكون الجميع فيه سواء ، هذا إذا علم المرتهن ان لها ولدا فاما إذا لم يعلم ذلك ثم علم كان له ردها وفسخ البيع ، لان ذلك نقص في الرهن فان بيعها مفردة أكثر لثمنها وذلك غير جائز هاهنا لأن التفرقة بينها وبين الولد في البيع لا يجوز ، إذا كان الولد دون سبع سنين.
وإذا رهن جارية لا ولد لها ، ثم ولدت في يد المرتهن ، فإنهما يباعان ، ويكون للمرتهن مقدار ثمن الجارية إذا بيعت ، ولا ولد لها ، لأنه يستحق بيعها غير ذات ولد.
وإذا رهن إنسان نخلا مثمرا وشرط المرتهن دخول الثمر في الرهن كان جائزا وكان الجميع رهنا ، وان لم يشترط ذلك لم يدخل في الرهن وان كانت النخل مطلعة لم يدخل الطلع في الرهن ، وإذا رهن أرضا وفيها نخل وشجر أو بناء فإنها لا تدخل في الرهن الا بشرط ، ويكون الأرض وحدها رهنا.
وإذا هلك الرهن في يد المرتهن صحيحا كان أو فاسدا لم يكن على المرتهن ضمان
ص: 60
الا ان يفرط فيه فيضمن حينئذ ذلك.
وإذا رهن ما يسرع اليه التلف ، مثل : البقول ، والبطيخ ، وما أشبه ذلك ، فان رهنه الى محل قريب لا يفسد اليه ، كان رهنه صحيحا ، لأنه يمكن بيعه ، واستيفاء الحق من ثمنه في محله ، وان كان المحل يتأخر عن مدة فساده ، وشرط المرتهن على الراهن بيعه إذا خيف فساده ، (1) كان رهنه باطلا ، لان المرتهن لا ينتفع به ، فإن أطلقا ذلك لم يجز الرهن لأنه لا يجبر على بيعه فلا ينتفع المرتهن به.
وإذا رهن إنسان أرضا بيضاء ، وسلمها الى المرتهن ونبت فيها بعد ذلك نخل أو شجر بإنبات الراهن ، أو حمل السيل إليها نوى فنبت فيها ، لم يدخل ذلك في الرهن ولا يجبر الراهن على قلعه في الحال ، لان تركه في الأرض انتفاع بها ، والراهن لا يمنع من الانتفاع بالرهن ، لان منفعته له ، فاذا حل الدين ، فان قضى دينه من غيرها انفكت الأرض من الرهن.
فان لم يقض الدين من غيرها ، وكان أرش الأرض إذا بيعت وحدها يفي بالدين ، بيعت من غير نخل وشجر. وترك النخل والشجر على ملك الراهن ، فان كان لا يفي بدين المرتهن الا ان الغرس الذي فيها لم ينقص ثمنها وان لم يكن فيها غرس لكان ثمنها مثل ثمنها مع الغرس (2) يبيعها لأجل المرتهن ، فان كان ما فيها من الغرس من نخل وشجر نقص ثمن الأرض ، لكثرة النخل والشجر ، فان الراهن
ص: 61
مخير بين ان يبيعها جميعا ، وبين ان يقلع الغرس ، ويسلم الأرض بيضاء معدلة من الخضر (1) لتباع للمرتهن ، هذا إذا لم يكن هناك غرماء ، وان كان هناك غرماء وقد فلس بدين لهم فإنه لا يجوز قلعه ، لأنه ينقص قيمته ، ولكن يباعان جميعا ويدفع الى المرتهن ما قابل أرضا بيضاء لم يكن فيها نخل ولا شجر. ويكون الباقي خارجا من الرهن ، لان المرتهن استحق بيع الأرض منفردة عن النخل والشجر ، فوجب جبران النقص الداخل في ثمنها.
فان رهنه أرضا وفيها نخل وشرط دخولها في الرهن ثم اختلفا في بعض النخل الذي في الأرض ، فقال الراهن : هذا نبت بعد الرهن ولم يدخل في الرهن ، وقال المرتهن : بل كان موجودا في حال الرهن ، وقد دخل فيه ، فان كانت كبارا لا يمكن حدوثها بعد الرهن ، كان القول : قول المرتهن من غير يمين ، لأنا نعلم كذب الراهن في ذلك ، وان كانت صغارا لا يمكن وجودها في حال عقد الرهن ، كان القول : قول الراهن من غير يمين لأنا نعلم كذب المرتهن في ذلك ، فان كان ما ذكره كل واحد منهما ممكنا ، كان القول : قول الراهن مع يمينه ، لأن الأصل ان لا رهن والمرتهن يدعى الرهن فعليه البينة.
وإذا رهن إنسان عند غيره شيئا ، وشرط الراهن للمرتهن إذا حل الأجل ان يبيعه كان الشرط صحيحا ، ويجوز توكيل المرتهن في بيع الرهن ، سواء كان ذلك بحضرة الراهن أو غيبته.
وإذا شرط المتراهنان ، ان يكون الرهن على يد عدل صح ذلك ، وان شرطا ان يبيعه العدل ، صح ذلك أيضا ، فإذا حل أجل الدين لم يجز للعدل بيعه إلا بإذن المرتهن لان البيع في الدين حق له ، فاذا لم يطالب به ، لم يجز بيعه ، ولا يحتاج إلى اذن الراهن وإذا أراد العدل بيع الرهن عند حلول الحق بإذن المرتهن والراهن ، واتفقا
ص: 62
على مبلغ الثمن وجنسه ، باعه بما اتفقا عليه ، ولم يجز له مخالفتهما في ذلك ، لان الحق لهما ، وليس له فيه حق ، فإن أطلقا الإذن له بالبيع ، لم يجز له بيعه الا بثمن مثله : ويكون الثمن حالا ، ومن نقد البلد ، فان خالف الوكيل وباعه نسيئة ، أو باع بغير نقد البلد ، لم يصح البيع ، ونظر فان كان المبيع باقيا في يد المشترى ، استرجع منه ، وان كان هلك فالراهن بالخيار ، ان شاء رجع على المشترى بجميع القيمة ، وان شاء رجع على العدل ، وكان له الرجوع على العدل لتفريطه ، وعلى المشترى لأنه قبض ماله بغير حق ، فان رجع على العدل ، رجع العدل على المشترى ، وان رجع على المشترى لم يرجع على العدل ، لان المبيع هلك في يد المشترى ، فيستقر عليه الضمان.
فان كان باع بأقل مما يسوى ، (1) وكان ذلك نقصانا كبيرا ، لا يتغابن أهل البصيرة بمثله ، مثل ان يكون الرهن يساوى مأة ، ويتغابن الناس فيه بخمسة ، وباعه العدل بثمانين ، كان البيع باطلا ، فان كان المبيع باقيا ، استرجع ، وان كان هالكا ، كان للراهن الرجوع على من أراد منهما ، فان رجع على المشترى رجع بجميع قيمته ، ولا يرجع المشترى على العدل ، وان رجع على العدل ، رجع عليه بجميع قيمته ، لأنه لم يجز له إخراج الرهن بأقل من قيمته ، فهو مفرط في حقه ، ولزمه جميع قيمته.
فان باعه بما يتغابن الناس بمثله ، مثل ان يكون الرهن يساوى مأة ويتغابن الناس فيه بخمسة ، فباع بخمسة وتسعين ، كان البيع صحيحا ، لان هذا القدر لا يمكن الاحتراز منه ، وهو يقع لأهل الخبرة والبصيرة ، والمرجع في ذلك الى أهل الخبرة.
فإن باعه بثمن مثله ، أو بنقصان يتغابن الناس بمثله ، كان البيع صحيحا ، فان حضر من يزيد في ثمنه وكان ذلك بعد لزوم البيع وانقطاع الخيار بينهما ،
ص: 63
لم يلتفت الى ذلك ، ولا يجوز قبول هذه الزيادة ، ولا يملك فسخ البيع في هذه الحال وان كان ذلك في زمن الخيار مثل ان يكون قبل التفرق من المجلس أو في زمان خيار الشرط كان قبول الزيادة وفسخ العقد جائزا ، فان لم يقبل الزيادة لم ينفسخ العقد (1).
والعدل إذا باع الرهن وقبض ثمنه ، كان من ضمان الراهن حتى يقبضه المرتهن.
وإذا كان الرهن على يد عدل ، ومات الراهن انفسخت وكالة العدل ، ولزم الوارث قضاء الدين ، اما بان يبيع الرهن ويقضى ذلك من ثمنه أو يقضيه من غير ذلك ، فان امتنع ولم يقضه من الثمن ولا من غيره اقام الحاكم عدلا يبيع الرهن ويقضى الدين من ثمنه.
وإذا باع العدل الرهن ، وهلك ثمنه من يده ، واستحق الرهن من يد المشتري (2) أمر الحاكم المشترى بتسليم الرهن الى مستحقه ، ويرجع المشترى بالثمن على تركة الراهن ، وليس على العدل في ذلك شي ء (3) ، ويكون المشترى كغيره ، من الغرماء ، وله أسوة بهم ، ولا يقدم عليهم ، لأنهم قد استووا في ثبوت حقوقهم في الذمة ، هذا إذا كان العدل بائعا للرهن بأمر الحاكم.
فان كان الرهن (4) باقيا وباعه العدل بتوكيل الراهن وقبض الثمن ثم هلك في يده واستحق المبيع في يد المشتري ، فإنه يرجع على الراهن ، وكذلك : كل وكيل باع شيئا فاستحق وهلك الثمن في يد الوكيل ، فإن المشتري يرجع على الموكل دون الوكيل.
ص: 64
وإذا باع العدل الرهن وقبض ثمنه وهلك ذلك من يده ، لم يلزمه ضمانه ، لأنه أمين والأمين لا يضمن اليه بالتفريط.
وإذا ادعى هلاكه كان القول قوله مع يمينه ، ولا يجب عليه اقامة بينة على ذلك ، فان حلف انه هلك من يده بغير تفريط برأ منه ، وان لم يحلف ردت اليمين على الراهن ، فان حلف انه في يده ، لزمه ذلك وكان له حبسه ، حتى يخرج اليه منه.
وإذا ادعى العدل دفع ثمن الرهن الى المرتهن ، وأنكر المرتهن ، ذلك ، كان القول قول المرتهن مع يمينه.
وإذا كان العدل وكيلا في بيع الرهن ، فقال له الراهن بعه بدنانير ، وقال له المرتهن بعه بدراهم لم يجز له تقديم قول أحدهما على صاحبه ، لان لكل واحد منهما حقا في بيعه (1) وكان على الحاكم ، ان يأمره ببيعه بنقد البلد ، لان نقد البلد هو الذي يقتضيه عقد الوكالة.
فإن كان حق المرتهن من جنسه ، قضى عنه ، وان كان من غير جنسه ، صرفه في ذلك الجنس وقضى منه دينه ، وان كانا جميعا نقدى البلد ، باع بأكثرهما وأغلبهما استعمالا ، فان استويا ، باع باوفاهما حظا ، فان استويا وكان أحدهما من جنس الحق باع به ، وان كان الحق من غير جنسهما ، باع بالذي يكون تحصيل جنس الحق به أسهل ، فإن استويا ، عمل الحاكم على تقديم أحدهما بما يراه صلاحا.
وإذا باع العدل الرهن بدين ، كان عليه الضمان ، لأنه بذلك مفرط ، وإذا فسق العدل ، نقل الرهن من يده ، لأنه غير مأمون عليه ، وإذا حدثت عداوة بينه وبين الراهن ، أو المرتهن وأراد (2) نقله ، نقل ، لأنه ليس من أهل الأمانة في حق عدوه ،
ص: 65
وإذا تغيرت حال العدل بمرض ، أو كبر حتى صار غير متمكن من حفظ الرهن ، ولا القيام به فإنه ينقل من يده ، لأنه يخشى هلاكه.
وإذا اختلف الراهن والمرتهن فيمن ينقل إليه ، فأراد أحدهما غير ما أراده الأخر ، كان على الحاكم ان يجتهد في ذلك ، وينقله إلى أمين ثقة.
فإن اختلفا في تغير العدل ، فقال أحدهما : تغير ، وقال الأخر : لم يتغير ، كشف الحاكم عنه ، فان كان لم يتغير أقر الرهن عنده بحاله ، فإن كان قد تغير ، نقله من يده ، وكذلك الحكم إذا كان الرهن في يد المرتهن وادعى الراهن تغيره سواء.
وإذا مات المرتهن وصار الرهن في يد وارثه ، أو وصيه ، وطالب الراهن بنقله من يد الذي صار اليه ، كان له ذلك ، لأنه لم يرض بان يكون في يد الوارث أو الوصي وينبغي للحاكم ، ان ينقله الى يد ثقة أمين وكذلك الحكم سواء ، إذا كان في يد العدل ومات.
وإذا لم يتغير حال العدل ، واتفق المتراهنان على نقله من يده ، كان ذلك جائزا لأن الحق لهما ، فان اختلفا : فأراد أحدهما نقله من يده ، ولم يرده الأخر ، لم ينقل من يده لأنهما قد رضيا بأمانته ونيابته عنهما في حفظه ، فليس لأحدهما الانفراد بنقله وإخراجه عن يده.
وإذا كان الرهن على يد العدل وأراد رده على المتراهنين ، وكانا حاضرين ، كان له ذلك ، وإذا رده عليهما وقبضاه ، فقد برأ العدل من حفظه ، فان امتنعا من قبضه ، ألزمهما الحاكم قبضه ، أو قبضه عنهما ، ويبرأ العدل من حفظه أيضا.
فإن سلم العدل الى الحاكم ، قبل امتناعهما من قبضه ، لم يجز له ذلك ، لأنه لا يجوز للعدل دفع الرهن الى غير المتراهنين مع حضورهما ، وإمكان إيصاله إليهما ، ولا يجوز للحاكم أيضا قبضه منه قبل امتناعهما من قبضه ، لأنه لا يثبت له ولاية عليهما إلا إذا امتنعا من القبض ، وتعذر إيصاله إليهما ، وكذلك : إذا دفعه الى ثقة عدل ضمنا جميعا ، لأنه لا يجوز ان يخرجه من يده الى غير المتراهنين ، واما العدل الذي قبضه ، فإنه قبضه بغير حق ، فعليه ضمانه ، فإن سلمه الى أحد المتراهنين ، كان
ص: 66
عليهما أيضا ضمانه ، لأنه وكيل لهما في حفظه ، فلم يجز له دفعه الى أحدهما دون الأخر
فإن كان المتراهنان غائبين ، وكان للعدل عذر ، من سفر أو مرض مخوف ، فان الحاكم يقبضه منه عنهما ، ولا يجوز له دفعه مع وجود الحاكم الى غيره ، فان لم يقدر على حاكم ودفعه الى ثقة عدل ، لم يلزم ضمانه ، وان لم يكن له عذر ، لم يجز له دفعه الى الحاكم.
وإذا كان أحد المتراهنين حاضرا ، والأخر غائبا لم يجز للعدل تسليم الرهن الى الحاضر ، لأنه نائب في حفظه عنهما جميعا ، فإن سلمه الى الحاضر ، كان عليه ضمانه ولا يقوم الحاكم هيهنا مقام الغائب (1) ، كما قام مقام الغائبين ، على ما قدمناه.
وإذا تراضى المتراهنان على ان يكون الرهن على يد عدلين ، وأراد أحدهما ان يسلم (2) الأخر حتى ينفرد بحفظه ، لم يجز له ذلك ، لان الراهن لم يرض بامانة أحدهما ، وانما رضي بامانتهما جميعا ، فلا يجوز لأحدهما الانفراد بحفظه على حال.
وإذا جنى إنسان على الرهن ، فأتلفه وهو على يد العدل ، كان على الجاني قيمته ، ويكون على يد العدل رهنا عوضا عن الأول ، وليس يجوز للعدل ، بيع هذه القيمة عند محل الدين ، لان الراهن انما وكله في بيع الرهن دون غيره (3).
وإذا كان عند إنسان رهن ، لم يجز له ان يسافر به ، فان فعل ذلك ، كان عليه
ص: 67
ضمانه ، فان رجع به الى بلده ، لم يزل عنه الضمان ، لان الاستئمان قد بطل ولا يعود الأمانة الا بان يرجع الى صاحبه ، ثم يعيده اليه ، أو الى وكيله.
وإذا وكل المتراهنان عبدا بغير اذن سيده في حفظ الرهن وبيعه عند محل الحق بجعل ، أو غير جعل ، لم يجز ذلك ، لان منفعته لسيده ، فان اذن في ذلك كان جائزا.
وإذا وكلا في ذلك مكاتبا بغير جعل ، لم يجز ذلك لأنه ليس له ان يتبرع لتعلق حق سيده بمنافعه ، وإذا كان ذلك بجعل ، كان جائزا ، لأن للمكاتب ان يوجر نفسه من غير اذن سيده.
وإذا اقترض الذمي من مسلم مالا ، ورهن عنه به خمرا ، ليكون على يد ذمي آخر يبيعها عند محل الدين فباعها ، واحضر الثمن الى صاحب المال جاز له أخذه (1) ولا يجبر على ذلك (2) ، فان شرط ان يكون الخمر على يد مسلم ، وان يبيعها هذا المسلم عند محل الحق فباعها وقبض ثمنها ، لم يصح ذلك ولم يكن لبيع المسلم
ص: 68
الخمر ولا قبضه لثمنها حكم ، ولم يجز للمسلم الذي هو صاحب الدين قبضه دينه من ذلك.
وإذا أرسل إنسان رسولا الى غيره مع عبد له ، ليقترض له منه دنانير ، ويرهن العبد عنده بها ، ففعل الرسول ذلك ، ثم اختلف الراهن والمرتهن ، فقال المرتهن : أرسلت رسولك ليرهن العبد بعشرين دينارا. وقد فعل ذلك ، وقال الراهن : ما أذنت له الا في عشرة دنانير ، كان القول قول الراهن مع يمينه ، لأن الأصل انه لم يرهن (1) فان شهد الرسول للراهن أو للمرتهن ، لم يسمع شهادته (2) ، لأنه شهد على فعل نفسه وذلك مما لا تقبل فيه شهادته.
وإذا أرسل الى غيره عبدا وثوبا ثم اختلفا ، فقال الراهن : العبد هو الرهن والثوب وديعة وانا مطالب لك بالثوب ، وقال المرتهن : الثوب رهن والعبد وديعة فليس لك مطالبتي بالثوب كان العبد قد خرج من الرهن بإنكار المرتهن كونه رهنا ، (3) فاما الثوب فهو مدع بأنه رهن وصاحبه ينكر ذلك ، فالقول حينئذ ، قول الراهن مع يمينه ، لأن الأصل انه ليس برهن وعلى المرتهن البينة على انه رهن.
وإذا كان في يد إنسان ثوب ، فقال لصاحبه هو الرهن في يدي رهنتنيه، أو رهنه عبدي (4) بإذنك ، فقال صاحبه : لم أرهنه ولا أذنت في رهنه ، وانما رهنت
ص: 69
أو أذنت في رهن عبدي وقد فعلته ، (1) وانا مطالب لك بقيمته ، كان القول قول الراهن في الثوب والقول قول المرتهن في العبد مع يمينه ، لأن الأصل في الثوب انه غير رهن ، والقول قول المرتهن في قيمة العبد ، لأن الأصل براءة ذمته من ذلك.
وإذا رهن إنسان عبده عند غيره ، فجنى هذا العبد على سيده ، فان كانت جنايته مما دون النفس ، مثل قطع اليد أو قلع العين ، أو قطع الاذن وما أشبه ذلك من الجراح التي فيها القصاص كان لسيده ، ان يقتص منه ، ويبقى بعد القصاص رهنا كما كان ، وان لم يقتص منه وعفى على مال لم يصح ذلك ، لأنه لا يجوز ان يثبت له على عبده استحقاق في مال ابتداء ، وعلى هذا ينبغي ان يكون الجناية هدرا ، وإذا كانت خطأ فكما ذكرناه من انه لا يصح ان يثبت له على عبده مال ابتداء فاذا كان كذلك بقي العبد رهنا ، ولا يؤثر فيه جناية الخطأ ولا العمد بعد العفو فان القصاص سقط والمال لا يثبت.
وان كان الجناية على نفس السيد ، كان للوارث قتل العبد ، فان فعل ذلك بطل الرهن وان عفى على مال لم يصح ، لأنه لا يجوز ان يستحق على ماله مالا ، وهذا العبد فهو للورثة فلم يجز ذلك لما ذكرناه.
وإذا رهن إنسان عبده عند غيره ، فقتل هذا العبد عبدا آخر لسيده فان كان المقتول ليس برهن كان لسيده ان يقتص منه لان العبد كفو للعبد ، وان أراد ان يعفو على مال ليبيع العبد المرهون ويقبض ثمنه ، لم يجز له ذلك لأنه ليس للسيد ان يعفو عن جناية عبده على مال لنفسه من حيث انه لا يثبت له على عبده مال الا أن يكون قائماً مقام غيره فيما يثبت له ، وان كانت الجناية خطأ لم يثبت المال وكانت هدرا على ما قلناه.
وإذا كان الرهن جارية حبلى فجنى عليها فان ضربها إنسان فألقت جنينا ميتا ،
ص: 70
كان على الجاني عشر قيمتها ولا يجب ما نقص من قيمة الأم ، لأن ذلك داخل في دية الجنين ، ويدفع ذلك الى الراهن ، لان ولد المرهونة لا يدخل في الرهن ، وكذلك بدل نفسه ، وليس للمرتهن فيه شي ء ، ولا يتعلق به حق له على حال فان كان دابة حاملا فضربها فألقت جنينا ميتا كان على ضاربها ما نقص من قيمة الأم ، ولا يجب بدل الجنين الميت من البهيمة ، ويكون داخلا في الرهن لأنه بدل ما نقص من اجزاء الرهن فإن ألقت جنينا حيا ثم مات كان عليه قيمة الولد ولا يلزمه غير ذلك ، ويدخل نقصان الأم في ذلك ويكون ذلك للراهن دون المرتهن.
وإذا جنى عليه (1) وكذبه أحد المتراهنين وصدقه الأخر ، فإن كان المكذب له هو الراهن ، والمصدق له هو المرتهن ، ثبت إقراره في حق المرتهن وأخذ منه أرشا ويكون رهنا ، فإن أبرأ المرتهن الراهن من دين المرتهن رجع الأرش إلى المقر ، ولم يستحقه الراهن ، لأنه أقر بأنه لا يستحقه فلزمه إقراره ، فان صدقه الراهن وكذبه المرتهن ، كان الأرش واجبا للراهن ، وليس للمرتهن فيه حق.
وإذا رهن مسلم عند كافر عبدا مسلما أو رهن عنده مصحفا وشيئا من أحاديث النبي صلى اللّه عليه وآله أو الأئمة عليهم السلام كان ذلك جائزا ويودع هذا الرهن على يد مسلم.
وإذا باع إنسان من غيره شيئا بثمن معلوم إلى أجل معلوم ، وشرط فيه ان يرهنه بالثمن رهنا معلوما ، كان ذلك صحيحا ، ويصير الرهن معلوما بالمشاهدة أو بالصفة ، فإذا كان ذلك صحيحا كما ذكرناه وسلم المشترى ما شرط من الرهن ، فقد وفى ووجب العقد ، فان لم يسلم ذلك ، اجبر عليه ، أو يتفاسخان العقد.
وإذا باع شيئا بثمن معين إلى أجل معلوم وشرط ان يضمن إنسان الثمن جاز ذلك ويجب ان يكون من يضمنه معلوما ، إما بالإشارة ، أو بالتسمية والنسب واما بالوصف بان يقول يضمنه رجل غنى ثقة فان لم يجب الى ضمان ذلك ، كان
ص: 71
القول في انه يجبر على ذلك ، أو يتفاسخان العقد كما ذكرناه فيما تقدم.
وإذا اتفقا ان يضمن ذلك إنسان معين ، أو اتفقا على رهن معين ، فاحضر الراهن غير الرجل المعين ، أو الرهن المعين لم يلزم المرتهن ان يقبل ذلك منه ، ويكون الحكم فيه ، مثل ما قدمناه أيضا.
وإذا وجد المرتهن في الرهن عيبا، ولم يختلفا في انه حدث في يد المرتهن ، لم يكن له رده ، لأنه حدث بعد القبض ، وان كان في يد الراهن وهو به كان له رده ، فاذا رده كان مخيرا في فسخ البيع ، أو في إجازته بغير رهن ، فان اختلفا في حدوثه وكان حدوثه لا يمكن في يد المرتهن ، كان القول قوله بغير يمين ، لأنه أمين ، (1) وان كان لا يمكن حدوثه في يد الراهن كان القول قوله من غير يمين ، وان كان حدوثه يمكن في يد كل واحد منهما كان القول قول الراهن مع يمينه ، لان الظاهر بقاء عقد الرهن وفقد الخيار.
وإذا كان في الرهن عيب ودلس به الراهن على المرتهن كان المرتهن مخيرا بين رده بالعيب ، وبين الرضا به معيبا ، فان رده بالعيب ، كان مخيرا في فسخ البيع أو إجازته بغير رهن.
وإذا رهن إنسان عبدين وسلم الى المرتهن واحدا منهما ، فمات في يده وامتنع من تسليم الأخر اليه ، لم يكن للمرتهن خيار في فسخ البيع لان الخيار في فسخه انما يثبت له إذا رد الرهن وليس يمكنه رد ما قبضه ، وهكذا الحكم إذا قبض أحد العبدين وحدث به عيب في يده وامتنع الراهن من تسليم الأخر إليه في انه لا خيار له في فسخ البيع لأنه لا يجوز له رد المعيب للعيب الحادث في يده.
ومتى لم يكن الرهن شرطا في عقد البيع فتطوع المشترى فرهن بالثمن ثوبا أو عبدا أو غير ذلك مما يجوز رهنه وسلمه الى البائع ، كان الرهن صحيحا ولزم ، لان كل وثيقة صحت مع الحق فهي صحيحة بعده ، وإذا كان ذلك صحيحا لم يكن للراهن
ص: 72
انفكاكه الا بعد الوفاء بجميع الحق ، وليس له انفكاكه وقد بقي منه شي ء قليلا كان الباقي (1) أو كثيرا فان رهنه ولم يسلمه لم يكن له ذلك واجبر على تسليمه (2) ولم يكن للبائع خيار في فسخ البيع ، لأنه قد رضي به منه من غير رهن ، وانما يكون له الخيار إذا لم يرض به منه وشرط الرهن في عقد البيع ، فاذا امتنع من تسليم الرهن كان قد امتنع من الوفاء بموجب العقد ، وكان مخيرا في فسخه.
فان باع شيئا من غيره وشرط ان يكون المبيع رهنا في يد البائع، كان البيع غير صحيح لان شرطه ان يكون رهنا لا يصح لأنه شرط ان يرهن ما لا يملك والمشترى لا يملك البيع قبل تمام العقد ، وإذا بطل الرهن بطل البيع لان البيع يقتضي إيفاء الثمن من ثمن المبيع (3) وذلك متناقض من وجه آخر ، ان الرهن يقتضي ان يكون امانة في يد البائع ، والبيع يقتضي ان يكون المبيع مضمونا عليه وذلك متناقض أيضا.
فإن شرط البائع تسليم المبيع إلى المشترى « ثم يرده الى يده رهنا بالثمن ، فان الرهن والبيع يكونان فاسدين ، مثل ما ذكرناه متقدما ، وإذا اختلف الراهن والمرتهن. فقال المرتهن : رهنتني عبدين وقال الراهن : رهنتك أحدهما. كان القول قول الراهن مع يمينه ، لأن الأصل انه لم يرهنه العبد الأخر ، وان اتفقا على الرهن ، واختلفا في مقدار الحق الذي رهناه ، كان القول قول الراهن مع يمينه ، لأن الأصل انه
ص: 73
لم يرهن فيما زاد على ما أقربه.
وإذا كان لإنسان على غيره ألفا درهم ، الف واحد برهن ، والألف الأخر بغير رهن ، فقضاه ألفا ، واختلفا ، فقال القاضي : هو الألف الذي ب « رهن » فطالب برد الرهن الذي على هذا الالف ، وقال الذي قبض الالف : هو الذي بغير رهن ، والذي بالرهن باق ، والرهن لازم ، كان القول قول القاضي للألف مع يمينه ، لأنهما لو اختلفا في أصل القضاء كان القول قوله مع يمينه (1).
وان اتفقا على انه قضاه ألفا ، ولم يلفظ بشي ء منه ، ولم يدع نيته وقال القاضي : لم انو شيئا ، كان له ان يصرف إلى أيهما شاء ، وكذلك إذا أبرأه من الف ، واختلفا في لفظه أو نيته ، أو اتفقا على انه أطلقه كان بمنزلة قضائه.
وإذا كان له على اثنين الف درهم ، على كل واحد منهما خمس مائة وكان لهما عبد مشترك بينهما ، فادعى صاحب الدين انهما رهناه العبد الذي بينهما بالألف الذي هو عليهما ، فإن أنكراه ، كان القول قولهما مع يمينهما ، لأن الأصل انهما لم يرهنا ، وكان عليه البينة بذلك ، وان صدقاه صار رهنا ، وكان نصيب كل واحد منهما رهنا. بما عليه من الدين ، فاذا قضاه ، انفك من الرهن ، وان كان دين الأخر باقيا ، فان صدقه أحدهما ، وكذبه الأخر ، كان القول قول المكذب مع يمينه ، ويكون نصيب المصدق رهنا بما عليه من الدين ، فان شهد المصدق منهما على المكذب ، سمعت شهادته ، لأنه شهد على شريكه بأنه رهن نصيبه ، فاذا شهد عليه ، وقبلت شهادته ، كان لصاحب الدين ان يحلف مع شاهده ، ويحكم له بذلك ، فإن أنكراه
ص: 74
وشهد كل واحد منهما على الأخرى بأنه رهنه حصته وأقبضه ، قبلت شهادتهما وكان عليه اليمين لكل واحد منهما فاذا حلف حكم له برهن جميعه.
وإذا كان لإنسان على غيره دين فرهنه داره وصارت الدار في يد المرتهن ، فاختلفا فقال الراهن : ما سلمتها إليك رهنا ، انما اعرتكها أو غصبتها مني ، أو ستأجرها إنسان وأسكنك فيها ، كان القول ، قول الراهن مع يمينه ، لأن الأصل عدم الاذن والرضا بستليمه رهنا (1).
واعلم ان الرهن لا يجوز لمالكه التصرف فيه على حال، فان آجره كان الأجرة له فان زوج الراهن عبده المرهون ، كان تزويجه جائزا ، الا انه لا يجوز تسليم الجارية إلى الزوج الا بعد ان يفكها من الرهن ، والنفقة على الرهن واجبة على الراهن ، حيوانا كان أو غير حيوان وكل زيادة لا يتميز من الرهن فهي رهن معه ، مثل ان يكون جارية فتكبر أو ثمرة فتدرك.
وإذا رهن ماشية فإن الراهن إذا أراد الضراب للنتاج ، كان له ذلك سواء كان المرهون فحلا أو أنثى ، فإن كان فحلا وأراد ان ينزئه على ماشيته أو أراد ان يعيره غيره لذلك لم يكن للمرتهن منعه ، لأنه مصلحة للراهن وليس على المرتهن فيه مضرة ، وان كان الماشية المرهونة إناثا وأراد ان ينزى عليها فحولة ليست مرهونة وكان محل الدين يتأخر عن الولادة ، كان ذلك للراهن وان كان محل الدين لا يتأخر عن ذلك. لم يكن له ذلك ، وقد ذكر انه له ، والأظهر انه له ان لم يكن فيه ضرر يدخل على الراهن والمرتهن في ذلك ، وللراهن رعي الماشية نهارا فاذا كان بالليل اتى بها الى المرتهن.
ص: 75
وإذا أراد الراهن ان ينتجع بها من موضعها ، وكانت الأرض محضبة ، فيها ما يكفي الماشية ، لم يكن له ذلك الا برضا المرتهن ، وإذا أجدبت الأرض ولم يكن فيها ما يتماسك الماشية ويكتفى برعيه ، كان للراهن الانتجاع بها ، ولم يجز للمرتهن منعه من ذلك ، لكن يوضع على يدي عدل يأوي إليه بالليل ويكون في حفظه ومراعاته ، وان لم ينتجع الراهن وانتجع المرتهن كان له الانتجاع بها ولم يكن للراهن منعه منها لان للرهن فيه صلاحا ، فإن أراد المتراهنان جميعا ان ينتجعا الى موضعين مختلفين سلم الى الراهن ، لان حقه أقوى من حق المرتهن لأنه يملك الرقبة ويحفظ (1) الماشية على يد عدل ثقة.
وإذا كان الرهن طفلا ذكرا أو أنثى ، لم يمنع الراهن من ان يعذرهما (2) وقد ذكر ان ذلك مسنون ، وذكر وجوبه ، والقول بالوجوب أظهر ، فإن مرض هذا الرهن ، واحتاج الى دواء وامتنع الراهن منه لم يجبر عليه ، لأنه قد يبرء من غير دواء ، وان أراد المرتهن ان يداويه ، لم يجز للراهن منعه من ذلك ، إذا لم يكن من الأدوية المخوفة التي يخالطها السموم ، ويخشى عاقبتها وان كانت المداواة بالفصد ، أو ما يجرى مجراه من فتح العروق فان ذلك جائز للراهن والمرتهن ، من اراده منهما لم يكن للآخر منعه عنه ، إذا إشارة الثقات من أهل الصنعة بفعله ، وانه لا يخاف منه ، وانه متى لم يفصد لم يؤمن التلف ، أو حدوث مرض يخشى عاقبته ، فان ذكر أهل الصنعة انه ينفع وربما ادى الى ضرر ، وخشي منه التلف ، كان للمرتهن منع الراهن منه.
فان كان به إصبع زائدة أو سلعة (3) لم يكن للراهن قطعها ، لان تركها
ص: 76
يضر (1) وقطعها يخشى منه ، فان كانت قطعة لحم ميتة يخشى من تركها ، ولا يخاف من قطعها ، جاز قطعها من كل واحد منهما ، ولم يكن لأحدهما منع الأخر من ذلك وان كان الرهن شيئا من الدواب وعرض له ما يحتاج الى علاج البياطرة من توديح (2) وتبزيغ (3) وتعريب (4) وأشار أهل هذه الصنعة بذلك ، جاز لكل واحد منهما فعله ، ولم يجز لواحد منهما منع الأخر من ذلك.
وان كان الرهن نخلا فأطلعت النخلة، وأراد الراهن تأبيرها ، لم يكن للمرتهن منعه من ذلك ، لان فيه مصلحة لما له ، ولا مضرة للمرتهن ، وما يحصل من النخل من كرب يابس ، وليف وعرجون فهو للراهن دون المرتهن ، لان الرهن لم يتناول ذلك.
وإذا رهن اثنان عند غيرهما عبدا بمائة له عليهما، وسلماه الى المرتهن ، جرى ذلك مجرى عقدين ، فان افتك أحدهما نصيبه صح ذلك في نصيبه ، ولم يكن له مطالبة المرتهن بالقسمة ، لأن القسمة للشريك المالك ، فان قاسمه المرتهن بإذن الراهن الأخر ، كانت القسمة صحيحة فإن كان ذلك بغير اذن الراهن لم يصح ، وإذا كان الراهن للعبد ، واحدا والمرتهن اثنين ، صح الرهن وجرى مجرى عقدين ، وكان نصف العبد رهنا عند أحدهما بحصته من الدين ، والنصف الأخر عند الأخر بحصته أيضا من الدين فاذا قضى لواحد منهما ما عليه أو أبرأه هو منه ، خرج منه
ص: 77
نصفه من الرهن (1).
وإذا رهن إنسان عند اثنين عبدا ، وادعى كل واحد منهما (2) فصدق الراهن ، كان القول : قول الراهن بغير يمين فان كان مع واحد منهما بينة حكم له ببينته ، وان كان مع كل واحد منهما بينة وكان البنتان متساويتين ، أقرع في ذلك بينهما ، فإن أقر لأحدهما بالسبق (3) وكان الرهن في يد عدل أجنبي. دفع الى المقر له لأنه انفرد بمزية الإقرار ، فوجب تقديم دعواه على دعوى صاحبه ويحلف مع ذلك ، وقيل انه لا يحلف والأحوط الأول فإن نكل عن اليمين كان عليه قيمة الرهن الأخر (4) وردت اليمين على المدعى وحلف وان كان الرهن في يد المقر له ، كان أحق به من الأخر لمزية الإقرار ، وان كان في يد الأخر ، كان المقر له ، أولى للإقرار أيضا ، وان كان في أيديهما جميعا ، فان نصفه في يد المقر له فقد اجتمع له فيه يد وإقرار فهو اولى به وفي النصف الأخر له إقرار وللآخر يد ، والإقرار مقدم على اليد.
فان رهن أرضا وفيها شجر أو بناء ، لم يدخل ذلك في الرهن ، فان قال بحقوقها ، دخل ذلك في الرهن ، وإذا رهن شجرا وبين الشجر ارض لم يدخل في الرهن كما لا يدخل في البيع ، لان الاسم لم يتناوله ، ولا يدخل فيه قرار الأرض.
وإذا رهن نخلا مؤبرة ، لم يدخل الثمرة في الرهن الا ان يشترط ذلك ، وان
ص: 78
كانت غير مؤبرة ثم أبرت ، فالأظهر انها لا تدخل في الرهن ، لان الاسم لا يتناولها.
وإذا رهن إنسان غنما عليها صوف ، لم يدخل الصوف في الرهن، وله ان يجزه ويتصرف فيه كيف أراد.
وإذا رهن الأصل مع الثمرة صح ذلك ولا فرق بين ان يكون الثمرة مؤبرة أو غير مؤبرة بدا منها صلاح أو لم يبد ، فان كان رهنها بدين حال ، صح العقد وبيعا معا واستوفى الثمن من ذلك ، وان كان بدين مؤجل ، يحل قبل إدراكها ومعه كان صحيحا أيضا ، وان كان يحل بعد إدراكها ولا يبقى اليه الرطب ، فان كان مما يصير تمرا صح الرهن ، واجبر الراهن على تجفيفه ، وكانت المؤنة واجبة عليه ، لان ذلك يتعلق ببقاء الرهن ، وان كان مما لا يصير تمرا بطل الرهن في الثمرة ، ولم يبطل في الأصل ، والحكم في جميع الثمار والحبوب مثل ما ذكرناه في الرطب سواء (1).
وإذا رهن إنسان ثمرة ، يخرج بطنا بعد بطن مثل الباذنجان والتين والبطيخ وما جرى مجرى ذلك فان كان بدين حال جاز ، وان كان بمؤجل يحل قبل حدوث البطن الثاني ، أو يحل بعد حدوثه أو معه وهو متميز عنه ، كان الرهن جائزا ، وان كان لا يحل حتى يحدث الحمل الثاني ويختلط بالأول اختلاطا لا يتميز عنه ، كان الرهن باطلا الا ان يشترطا قطعه إذا حدث البطن الثاني ، لأنه لا يتميز عند محل الدين عما ليس برهن.
ولا يجوز رهن المجهول، وكذلك الزرع الذي لا يستخلف (2) لا يجوز ان يرهن النابت الا بشرط القطع ، لأنه يحصل فيه زيادة لم يدخل في الرهن فيختلط
ص: 79
به ، وإذا كان المحل يتقدم على حدوث البطن الثاني كان الرهن صحيحا.
وإذا حل الدين فتوانيا في بيع ذلك حتى حدث البطن الثاني ، لم يفسد الرهن بالاختلاط بينهما فان اختلطا « قبل الرهن بري ء » (1) بالمسامحة بما اختلط فإن أجاب الى ذلك كان الجميع رهنا وإذا حل الحق بيع الجميع فيه ، فان لم يجب إلى المسامحة ، كان القول : قول الراهن مع يمينه في مقدار ما كان رهنا سواء كان الرهن في يد المرتهن أو الراهن.
وإذا كان الرهن أرضا فغرس المرتهن فيها غرسا فان كان غرس في مدة الرهن أمر بقلعه ، لأنه لم يؤذن له في غرسه ، وان كان غرسه في مدة البيع بإذن الراهن فهو له (2) وان أراد المرتهن قلعه ونقله كان له ، لأنه عين ماله ، وان امتنع من قلعه كان الراهن مخيرا بين أن يقره في أرضه فيكون الأرض للراهن ، والغرس للمرتهن ، وبين أن يدفع اليه ثمن الغرس فيكون الجميع للراهن ، وبين ان يطالبه بقلعه على ان يضمن له ما نقص الغرس بالقلع وكذلك البناء لا فرق بينهما فيما ذكرناه ، وإذا أقرض غيره الف درهم على أن يرهنه بالألف داره ويكون منفعة الدار للمرتهن ، لم يصح القرض ، لأنه قرض يجر منفعة ولا يصح الرهن لأنه تابع له.
وإذا كان لإنسان على غيره الف درهم قرضا ، فقال الذي عليه الألف ، للذي
ص: 80
له الألف أقرضني ألفا ، على ان أرهنك به ، وبالألف الذي لك عندي بغير رهن هذه الدار ، ففعل ذلك كان جائزا لأنه لا مانع يمنع من ذلك.
وإذا شرط المرتهن شرطا لنفسه فاما أن يكون شرط نماء الرهن ومنفعته لنفسه ، أو شرط ان يكون نماؤه داخلا في الرهن ، فان شرط لنفسه ذلك ، فاما ان يكون ذلك في دين مستقر في ذمته ، أو في دين مستأنف ، فإن كان في دين مستقر في ذمته فرهنه به رهنا وشرط له نماؤه ، كان الشرط باطلا والرهن صحيح ، وان كان في دين مستأنف فاما ان يكون في قرض أو بيع ، فان كان في قرض مثل ان يقول أقرضتك هذا الالف على أن ترهن دارك به وتكون منفعتها لي أو دابتك ويكون نتاجها لى ، لم يجز ذلك ، لأنه قرض يجر منفعة ، ويكون القرض باطلا والرهن صحيحا (1)
فان كان في بيع فاما أن يكون المنافع معلومة أو مجهولة ، فإن كانت معلومة مثل أن يقول بعتك هذا العبد بألف على ان ترهن دارك به ويكون منفعتها لى سنة كان هذا بيعا واجارة ، وذلك صحيح ، ويكون منافع الدار للمرتهن سنة ويكون كأنه اشترى عبدا بألف ومنافع الدار سنة ، وان كان المنافع مجهولة كان البيع فاسدا لان الثمن مجهول ، وإذا بطل البيع بطل الرهن ، لأنه فرع عليه.
هذا إذا شرط منفعة الرهن للمرتهن ، فاما ان شرط ان يدخل بها في الرهن ، فان كان ذلك في دين مستقر في ذمته بطل الشرط ولم يدخل في الرهن.
وإذا رهن نخلا على أن ما أثمرت يكون رهنا مع النخل أو رهن ماشية على ان ما نتجت يكون النتاج داخلا في الرهن ، كان ذلك جائزا (2) وإذا قال رهنتك هذا
ص: 81
الحق (1) بما فيه ، لم يصح الرهن بما فيه للجهل به ، ويصح في الحق ، وإذا قال رهنتك الحق ، دون ما فيه صح ذلك بغير خلاف ، والحكم في الجراب والصندوق والخريطة مثل ما ذكرناه في الحق على حد واحد.
وإذا شرط على المرتهن ان يكون الرهن مضمونا كان الشرط باطلا وإذا تلف الرهن ، كان للمرتهن الرجوع بدينه على الراهن ، سواء كان دينه أكثر من قيمة الرهن أو أقل ، لأنه امانة ، وسواء كان هلاكه بأمر ظاهر مثل الحريق أو النهب أو الغرق أو بأمر خفي مثل السرقة والتلصص الخفية أو الضياع ، فان اتهم المرتهن كان القول : قوله مع يمينه إذا لم يثبت بينة على بطلان قوله ، فان فرط في حفظه أو استعمله كان ضامنا له.
وإذا قضى الراهن دين المرتهن وطالبه به والرهن عليه (2) فأخره ثم تلف ، فان كان تأخيره لغير عذر كان ضامنا له ، وان كان لعذر لا يتمكن معه من دفعه إليه في الحال بشي ء من الموانع مثل درب مغلق أو تضيق وقت صلاة فريضة ، أو طريق مخوف أو جوع شديد يخشى منه على نفسه فإذا أخره لشي ء من هذه الأعذار أو ما جرى مجراها لم يلزمه الضمان.
وإذا ادعى المرتهن رد الرهن على الراهن لم يقبل قوله الا ببينة، وكذلك المستأجر إذا ادعى رد العين المستأجرة على صاحبها لم يقبل قوله الا ببينة ، ويخالف الوديعة لأن المودع (3) إذا ادعى رد الوديعة على صاحبها قبل قوله مع يمينه ، لأنه أخذها لمنفعة المودع.
والوكيل إذا ادعى الرد على الموكل فان لم يكن له جعل ، كان بمنزلة المودع ، وان كان له جعل أو كان العامل في القراض إذا ادعى الرد ، وكذلك
ص: 82
الأجير المشترك لا يقبل قوله الا ببينة.
وإذا أسلم إنسان إلى غيره في طعام وأخذ به رهنا صح الرهن ، فان تقايلا وفسخا عقد السلم سقط الطعام عنه ، وبرئت ذمته منه وانفك الرهن ، لأنه تابع للدين ، فاذا سقط بطل الرهن.
وإذا باع العدل بإذن الراهن والمرتهن وسلم الثمن الى المرتهن ثم وجد المشترى بالرهن عيبا فأراد رده لم يكن له رده على المرتهن ، ولم يكن له مطالبته بالثمن الذي قبضه ، لان المرتهن ملكه بتصرف حادث بعد البيع ، كما ان من باع ثوبا بعبد وقبض العبد وباعه ثم وجد المشترى بالثوب عيبا ، كان له رده على البائع ولم يكن له مطالبة المشتري بالعبد الذي ملكه بالشراء من البائع وكذلك إذا رهنه أو أعتقه.
فإذا كان كذلك فان كان العدل قرر في حال البيع ان المبيع للراهن وانه وكيل فيه ، لم يتعلق به من أحكامه شي ء ، ولم يكن للمشتري رده عليه ، ومطالبته بالثمن ، وكانت الخصومة بينه وبين الموكل في البيع ، وهو الراهن وينظر فيه ، فان صدقه على ان العيب كان في يده ، رده عليه ، وكان عليه مثل الثمن الذي قبضه منه وكيله ، فان لم يبين العدل حين باعه انه وكيل ، تعلق حكم العقد به في حق المشترى ، فان أقر العدل والراهن بان العيب كان قبل قبض المشترى رده على العدل ورجع عليه بالثمن ، ورجع العدل على الراهن ، وان لم يقرا بذلك ، وكان للمشتري بينة فهو كذلك. وان لم يكن له بينة ، كان القول قول العدل مع يمينه ، فان نكل عن اليمين ، ردت على المشترى ، فان حلف رد المبيع على العدل ، واسترجع منه مثل الثمن الذي دفعه ، ولا يرجع العدل هاهنا على الراهن ، لأنه مقربان العيب حادث في يد المشترى ، وانه لا يستحق الرد ، وانه ظالم بما رجع عليه من الثمن فلم يجز ان يرجع الظلم الأعلى ظالم.
فاما إذا استحق الرهن من يد المشترى ، وجب على المشترى رده على
ص: 83
مستحقه ، وكان له الرجوع على المرتهن بما قبضه من الثمن ، لان ذلك عين ماله لم يملكه الراهن ولا المرتهن ، لان البيع وقع ثابتا (1) في الأصل.
فإن كان الرهن قد تلف في يد المشترى ، كان للمستحق ان يرجع بقيمته على من شاء من المشترى أو الراهن ، أو العدل.
أما المشتري فلأنه قبض ماله بغير اذنه ، وكذلك العدل.
واما الراهن فلانة غاصب ، ويستقر الضمان على المشترى ، لأنه تلف في يده ويرجع هو بما دفع من الثمن على المرتهن ، ان كان باقيا في يده وان شاء رجع على العدل ، وان كان قد مات ، وخلف تركة ووارثا وعليه دين ، يستغرق جميع التركة ، فرهن الوارث بعضها ، أو باعه ، لم يصح ذلك ، لتعلق الضمان بالتركة.
« تم كتاب الرهن »
ص: 84
روى عن أمير المؤمنين عليه السلام ، انه قال : تصدقت يوما بدينار ، فقال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : يا على اما علمت ان صدقة المؤمن لا تخرج من يده حتى يفك عنها لحى سبعين شيطانا (1).
وعنه ان النبي صلى اللّه عليه وآله قال : ان صدقة السر تطفئ غضب الرب ، فاذا تصدق أحدكم بيمينه فليخفها من شماله. (2).
ص: 85
وعن الباقر - عليه السلام - انه قال : اصطناع المعروف يدفع مصارع السوء وكل معروف صدقة ، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة ، وأول من يدخل الجنة أهل المعروف. (1)
وعن الصادق - عليه السلام - ارغبوا في الصدقة ، وبكروا فيها ، فما من مؤمن ولا مؤمنة يتصدق بصدقة حين يصبح ، يريد بها ما عند اللّه ، الا دفع اللّه بها عنه من شر ما ينزل من السماء في ذلك اليوم. (2)
وعن الباقر عليه السلام : ان الصدقة يضاعف في يوم الجمعة. (3)
وعن على عليه السلام : الصدقة والحبس ذخيرتان ، فدعوهما ليومهما. (4)
« الوقف في الأصل ، صدقة » ويثبت صحته بأمرين : أحدهما : صحة التصرف فيما يقفه الإنسان ، إما بملك ، أو اذن ، والأخر : ان يقبضه ، ويخرجه عن يده الى من هو وقف عليه ، أو لمن يتولى عنه ذلك ، أو يقوم مقامه في قبضه ، فاذا وقف على خلاف ذلك ، كان باطلا ، فان مات الواقف والحال فيما وقفه وحبسه على ما ذكرناه ، كان ميراثا لورثته ، وليس يجوز الوقف الا فيما يحصل به الانتفاع على الاستمرار
ص: 86
وعينه قائمة ، أو فيما يكون له أصل ثابت ، وان لم يستمر الانتفاع به الا في أوقات مخصوصة ، فاما الأول : فهو كالدور ، والمساكن ، والضياع ، والأراضي ، والرقيق والحلي ، وكتب العلوم ، والمصاحف ، وما جرى مجرى ذلك ، وآلات الحرب. إذا وقف ذلك في الجهاد ، مثل السيوف ، والدروع ، والخيل ، وما جرى هذا المجرى.
واما الثاني : فهو كالنخل ، لأنه يصح وقف ثمرته (1) ، والأصل ثابت ، وكذلك جميع ما جرى هذا المجرى ، ولا يجوز وقف ما لا ينتفع به ، الا باستهلاك عينه ، كالدنانير والدراهم ، وما يؤكل ، ويشرب ، وما أشبه ذلك.
والصدقة ضربان : مطلقة وغير مطلقة ، فالمطلقة : هي كل صدقة حصلت عارية من جميع الشروط ، والذي ليس بمطلق منها ضربان : مشروط ومؤبد ، والمشروط : كل صدقة علق الانتفاع بها بشرط لا يفيد التأبيد ، واما المؤبد : فهو كل صدقة شرط إيصال (2) الانتفاع بها الى ان يرث اللّه تعالى الأرض ومن عليها ، والصدقة المطلقة يقتضي التمليك لرقبة الملك المتصدق به ، ويصح من المتصدق عليه به التصرف في ذلك بالبيع ، والهبة وغير ذلك من وجوه التصرف.
واما الصدقة المشروطة : فإنها إذا وقعت كذلك ، اقتضت تمليك الانتفاع بمنافعها دون رقبة الملك ، ولا يصح تصرف المتصدق عليه بها في رقبة الملك ، بل له التصرف في المنافع بحسب ما يقتضيه الشرط الحاصل فيها.
واما المؤبد ، فإذا وقعت الصدقة عليه كانت وقفا وحبسا ، واقتضت صحة التصرف في منافعها من الموقوف عليه الى حين انقراضه ، ثم ينتقل ذلك الى من شرط رجوع ذلك اليه من بعده.
فان وقف إنسان وقفا ، فيجب ان يذكر الموقوف عليه ، ويقصد به وجه اللّه تعالى ، فان وقفه ولم يذكر الموقوف عليه ، ولا قصد به وجه اللّه ، لم يصح الوقف ، وليس
ص: 87
يجوز ان يقف الا ما يملكه ، فان وقف ما لا يملكه ، كان باطلا.
وإذا وقف وقفا ، ولم يخرجه من يده ، ولم يقبضه الموقوف عليه أو من يتولى عنه ذلك ، كان باطلا أيضا ، فان مات المالك والحال فيما وقفه على ما ذكرناه ، كان ميراثا.
وإذا كان لإنسان أولاد صغار ، أو كبار ووقف على الكبار ، لم يكن بد من ان يقبضهم ما وقفه عليهم ، وان لم يقبضهم ذلك لم يصح الوقف ، وجروا في ذلك مجرى الأجنبي ، في انه إذا وقف عليه ولم يقبضه ، كان الوقف باطلا ، فان وقف على الصغار ، كان وقفه صحيحا ، وان لم يصح منهم القبض لذلك في حال صغرهم ، لأنه هو الذي يتولى عنهم ذلك ، وتوليه لهم يقوم مقام قبضهم له (1).
وإذا وقف الإنسان شيئا ، ثم أخرجه من يده وملكه ، لم يجز له تغيير شي ء من شروطه ، ولا الرجوع فيه ، ولا في شي ء منه ، ولا نقله عن وجوهه ولا عن شي ء منها وإذا وقف شيئا ، فينبغي ان ينوي به وجه اللّه ، فان لم يفعل ذلك كان باطلا ، كما قدمناه ، وإذا لم يقصد بالصدقة التي ليست وقفا ذلك أيضا لم تصح الصدقة.
وقف المفتوحة عنوة
ولا يجوز ان يقف شيئا مما افتتحه المسلمون عنوة ، الا ان يصطفي الإمام شيئا منه لنفسه ، ثم يملكه ذلك ، أو يقطعه إياه ، وليس يجوز ان يقف الإنسان شيئا على من لم يوجد بعد ، وليس معه موجود ، فان فعل ذلك كان الوقف باطلا ولا يجوز لمسلم ان يقف وقفا على أحد من الكفار ، فان وقف ذلك كان باطلا ، وقد ذكر جواز ذلك في الأبوين ، إذا كانا كافرين ، والظاهر ما ذكرناه.
والوقف يجب ان يجرى على ما يقفه الواقف ، ويشترط فيه ، ولا يجوز لأحد
ص: 88
تغيير شي ء من سائر شروطه ، اللّهم الا ان يكون شرطا يتعلق بوجه قبح ، فإنه يجب تغييره لذلك.
وإذا وقف إنسان على ولد له موجود ، وهو صغير ، ثم ولد له بعده غيره ، وأراد ان يدخله في الوقف مع الأول ، كان جائزا ، (1) الا ان يكون قد خص الولد الموجود بذلك وقصره عليه ، وشرط انه له دون غيره ممن عسى ان يرزقه اللّه من الأولاد ، فإنه لا يجوز ان يدخل غيره في ذلك.
وإذا وقف إنسان على ولده ، وكان منهم ذكور وإناث وشرط تفضيل البعض منهم على البعض ، كان جائزا ، واجرى على حسب ما شرطه ، وان لم يشترط ذلك كان الذكر والأنثى فيه سواء من ولده وولد ولده ، لان الاسم يتناول جميعهم.
وان شرط ان يكون الوقف بينهم على كتاب اللّه ، أو قال على فرائض اللّه ، كان بينهم ( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) ، وان وقف شيئا على أبويه ، كان الحكم فيهما أيضا على مثل ما قدمناه ، وإذا وقف إنسان شيئا على المسلمين كان ذلك لجميع من أقر بالشهادتين ، وأركان الشريعة ، من الصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج ، والجهاد.
فان وقفه على المؤمنين ، كان ذلك لمجتنبي الكبائر من أهل الحق والمعرفة بالإمامة دون غيرهم ، ودون الفساق منهم ، فان وقفه على الشيعة ، ولم يعين منهم فرقة دون اخرى ، ولا قوما دون قوم ، كان ذلك جاريا على الشيعة الإمامية ، والجارودية وجميع فرق الشيعة ، من الكيسانية ، والناووسية ، والفطحية ، والواقفية ، والاثني
ص: 89
عشرية ، الا البترية (1) ، فإنهم لا يدخلون معهم جملة.
فإن وقفه على الإمامية ، كان جاريا على القائلين بإمامة الاثني عشر ، فان وقفه على الزيدية ، كان جاريا على القائلين بإمامة زيد بن على ، وامامة كل من خرج بالسيف من ولد فاطمة عليها السلام.
« تقسيم الوقف حسب الموقوف عليه »
وان وقفه على الهاشميين ، كان جاريا على ولد هاشم ابن عبد مناف ، وولد ولده الذكور منهم والإناث.
فإن وقفه على الطالبيين ، كان جاريا على أولاد أبي طالب ، وولد ولده من الذكور والإناث.
فإن وقفه على العلويين ، كان جاريا على ولد على عليه السلام من الحسنيين ، والحسينيين ، والعباسيين ، والمحمديين ، والعمريين ، وولد ولدهم الذكور والإناث.
فإن وقفه على ولد فاطمة ، كان جاريا على ولد الحسن ، والحسين عليهما السلام : الذكور والإناث.
فإن وقفه على الحسنيين ، لم يكن للحسينيين معهم في ذلك شي ء ، وكان
ص: 90
جاريا على أولاد الحسن الذكور منهم والإناث.
فإن وقفه على الحسينية ، لم يكن للحسنية معهم شي ء على حال. فان وقفه على الموسويين ، كان جاريا على أولاد موسى بن جعفر عليهما السلام : الذكور والإناث.
فإن وقفه على جيرانه ، ولم يذكرهم بأسمائهم ، ولا عينهم بصفاتهم ، كان جاريا على من بين داره وبين دارهم أربعون ذراعا ، من اربع جوانبها ، ولم يكن لمن خرج عن هذا التحديد من الجيران في ذلك شي ء. فان وقف ذلك على قومه ، ولم يذكر أسمائهم ، كان ذلك جاريا على أهل لغتهم من الذكور دون الإناث فإن وقفه على عشيرته ، كان جار يا على الخاص من قومه الذين هم أقرب إليه في نفسه.
وان وقفه على مستحق الخمس ، كان جاريا على ولد أمير المؤمنين عليه السلام وولد جعفر ، وعقيل ، والعباس.
فان وقفه على مستحق الزكاة ، كان جاريا على الثمانية الأصناف الذين تقدم ذكرهم في باب الزكاة.
فإن وقفه على أحد الأجناس الذين ذكرناهم وكانوا كثيرين في البلاد ومتفرقين فيها : كان ذلك جاريا على من يكون حاضرا في البلد الذي فيه الوقف ، دون ما عداه من البلد.
فان وقفه على وجه من الوجوه في البر ، أو على (1) قوم معينين ولم يشرط رجوعه على شي ء معين بعد انقراض من ذكره ، ثم انقرض الموقوف عليه ، كان راجعا إلى ذرية الواقف.
فان وقفه على المساجد ، أو الكعبة ، أو المشاهدة ، أو ما جرى مجرى ذلك من مواضع العبادات التي يتقرب فيها المسلمون الى اللّه تعالى ، أو وقفه على شي ء
ص: 91
من مصالحها ، أو سكانها والمقيمين بها ، أو أحوالهم وأحوالها (1) كان جاريا على ذلك
« تقسيم الوقف حسب الواقف »
فان وقف المسلم شيئا على البيع ، والكنائس ، أو شي ء من بيوت عبادات الكفار على اختلافهم ، كان باطلا.
فان وقفها الكافر على ذلك ، كان ماضيا صحيحا. فان وقف الكافر أيضا شيئا على الفقراء ، كان جاريا على فقراء أهل ملته ، دون من عداهم من فقراء الملل المخالفة لملته.
وإذا كان الشي ء وقفا على قوم ، ومن بعدهم على غيرهم ، وكان الواقف قد اشترط رجوعه الى غير ذلك ، الى ان يرث اللّه تعالى الأرض ومن عليها ، لم يجز بيعه على وجه من الوجوه.
وان كان وقفا على قوم مخصوصين ، وليس فيه شرط يقتضي رجوعه الى غيرهم حسب ما قدمناه ، وحصل الخوف من هلاكه وإفساده ، أو كان بأربابه حاجة ضرورية يكون بيعه أصلح لهم من بقائه عليهم ، أو يخاف من وقوع خلاف ، بينهم ، يؤدى الى فساد ، فإنه يجوز حينئذ بيعه ، وصرف ثمنه في مصالحهم على حسب استحقاقهم فان لم يحصل شي ء من ذلك لم يجز بيعه أيضا على وجه من الوجوه.
ولا يجوز هبة الوقف ، ولا الصدقة به أيضا.
وإذ وقف إنسان شيئا على مصلحة ، فانقرضت ، أو بطل رسمها جعلت منافعها
ص: 92
على وجه من وجوه البر ، وإذا ذكر شيئا على وجه من وجوه البر ، ولم يذكره على التعيين ، كان جاريا على الفقراء ، والمساكين ، ومصالح المسلمين.
ومن وقف شيئا لم يجز له ان يأكل منه ولا ان يسكن فيه فان أكل منه شيئا كان عليه قيمته ، وان سكن كان عليه أجرته ، هذا إذا كان قد وقفه على قوم معينين من ولده ، أو غيرهم ، فان لم يكن وقفه على قوم مخصوصين ، بل وقفه عاما ، وكان ذلك مسجدا ، أو ساقية ، كان له الصلاة في المسجد ، والشرب من الساقية ، وكذلك لجميع الفقراء ، والأغنياء ، وان كان ثمرة ملك ، أو غلة ، وافتقر حتى احتاج الى ذلك ، وكان الوقف عاما ، كان حكمه كحكم غيره من الفقراء والمساكين ، وان لم يكن عاما ، وكان مخصوصا بقوم معينين لم يجز له ذلك ، وان كان ما وقفه دارا ، أو منزلا ، وكان وقفه كذلك عاما في سائر الناس ، مثل الدور التي ينزلها الحاج ، والخانات جاز له النزول فيها ، وان لم يكن كذلك ، لم يجز له ، ومن وقف شيئا ، وشرط انه متى احتاج اليه كان له بيعه ، أو كان أحق به ، كان ذلك ما شرطه ، فان مات كان ميراثا لورثته ، ولم يثبت كونه وقفا ساريا بعد موته.
والوقف والصدقة التي ليست وقفا ، يصحان في المشاع ، كما يصحان فيما ليس بمشاع ، كما ذكرناه وإذا كان المشاع بين شريكين ، أو أكثر جاز لكل واحد ان يقف بما يملكه منه ، أو يتصدق به على من شاء على اى وجه اختاره.
ومن تصدق بصدقة لم يجز له استرجاعها ببيع ، ولا غيره ، فان رجعت اليه بالميراث ، كان جائزا ، وصح التصرف فيها بالملك.
وإذا حبس إنسان مملوكه في خدمة البيت ، أو معونة الحاج ، والزوار ، أو فرسه في الجهاد ، أو دابته في سبيل اللّه ، وعجز المملوك عن ذلك ، لمرض ، أو غيره ، أو عجزت الدابة ، أو دبرت ، أو مرضت ، سقط عن المملوك فرض القيام بما حبس فيه ، فان عاد كل واحد من ذلك الى الصحة كان الشرط فيه قائماً الى
ص: 93
ان يموت المملوك ، أو ينفق الدابة.
وإذا كان على رجل مهر لزوجته ، لها أولاد صغار ، وله أولاد ، فتصدق بجميع ما يملكه على أولاده فرارا من المهر ، كانت الصدقة ماضية ، والمهر في ذمته يجب عليه الوفاء به ، والمطالبة حتى يبرأ ذمته ، وإذا تصدقت الزوجة على زوجها بصداقها ، أو ببعضه ، كان ذلك جائزا.
وإذا وقف إنسان حصته من ارض ، كان صحيحا ، كما قدمناه ولم يثبت لشريكه في ذلك شفعة ، لأن الوقف ليس ببيع ، والشفعة انما تثبت في البيع.
فان وقف حصته من عبد ، كان جائزا ، فإن أعتقه الواقف بعد ذلك لم يصح عتقه ، لان ملكه بالوقف قد زال عنه وإذا جنى العبد الموقوف جناية عمد ، وكانت قتلا ، قتل ، وبطل الوقف ، وان كان قطعا قطع ، وبقي الباقي وقفا كما كان ، فان كانت الجناية خطأ ، يوجب المال كان ذلك في ماله ، ولم يتعلق المال برقبته ، لأنه انما يتعلق برقبة من يباع فيه ، وهذا لا يصح بيعه ، فان جنى عليه فقتل ، وجبت قيمته ، لأنه يضمن بالغصب.
وإذا وقف جارية ، صح تزويجها ، لان ذلك عقد معاوضة على منفعتها ، وجرى ذلك مجرى إجارتها في الصحة ، لما ذكرناه وعلى هذا يكون المهر لمن هو وقف عليه ، لأنه من كسبها ، فإن أتت بولد كان حرا ، إذا زوجت بحر ، وان كان مملوكا كان بينهما.
الهبة ضربان : أحدهما يجوز للواهب الرجوع فيه ، والأخر لا يجوز له الرجوع فيه ، والذي يجوز له الرجوع فيه هو كل هبة وهبها الإنسان لا جنبي ، وكانت قائمة العين ، ولم يتعوض عنها عوضا ، وان كانت قد قبضت ، فان كان قد تعوض عنها شي ء قليلا كان أو كثيرا ، لم يجز له الرجوع في شي ء منها ، وكل هبة كانت لذي رحم منه ، ولم يقبضها الموهوب له ، والذي لا يجوز له الرجوع
ص: 94
فيه من ذلك كل هبة وهبها لأولاده الأصاغر ، لأن قبضه قبضهم ، فلا يجوز له الرجوع في ذلك ، وكل هبة كانت لذي رحمه أولادا كانوا أو غير أولاد ، وكانت قد قبضت ، فان لم يكن قبضت. كان الرجوع فيها جائزا ، والأفضل له ان لا يرجع فيها ، وان مات قبل قبضها كان ميراثا.
وإذا وهب الإنسان لصغير من ذوي أرحامه الذي ليسوا بولد له ، وقبضه وليه ، لم يجز له الرجوع فيه ، وإذا لم يتعوض الواهب من الهبة وهلك ، أو تصرف الموهوب له فيها ، لم يجز للواهب الرجوع فيها ، ولا في شي ء منها.
« الهبة عقد جائز »
وإذ وهب الإنسان هبة صحيحة ، وباعها قبل القبض ، كان البيع ماضيا ، وانفسخت الهبة ، وان كان بعد القبض ، كان البيع باطلا : فان كانت الهبة فاسدة ، وباعها قبل القبض كان البيع صحيحا ، وان كان البيع بعد القبض ، وكان يعتقد انها صحيحة ، وان الموهوب له قد ملكها صحت (1) ولم يصح بيعها لان ذلك صار ملكه.
وإذا كانت الهبة انما يلزم بالقبض ، وقبضها الموهوب له بإذن الواهب صحت ، وثبت له الملك من حين القبض ، فان قبضها بغير اذن الواهب له في قبضها كان القبض فاسدا ، ووجب عليه ردها.
وإذا وهب شيئا ، وقبل الموهوب له الهبة ومات الواهب قبل القبض لم يبطل العقد بموته ، وقام الوارث مقامه في ذلك.
وإذا وهب لغيره هبة ، وقبل الموهوب له ذلك واذن الواهب له في قبضها ، ثم رجع عن ذلك قبل القبض ، لم يجز للموهوب له قبضها ، فان قبضها بعد الرجوع ،
ص: 95
لم يكن قبضه لها صحيحا ، وان رجع الواهب بعد القبض كان الهبة صحيحة ، ولزم العقد ، ولم ينفعه رجوعه بعد ذلك.
وإذا قال وهبت لك هذا الشي ء ، وقبل الهبة وأقبضته إياها ، كان العقد صحيحا ولزم بإقراره ، ولا فرق في ذلك بين ان تكون الهبة في يد الواهب ، أو في يد الموهوب له ، لان كونه في يد الواهب لا يدل على انه ما أقبضه ، من حيث انه يجوز ان يكون أقبضه ، ثم رجع اليه بسبب آخر ، فان قال بعد ذلك ما كنت أقبضته إياها ، وانما كنت ، وعدته بالقبض ، لم يقبل رجوعه عن إقراره. لأنه يكذب نفسه فيما تقدم من إقراره ، فإن أراد يمينه على انه كان أقبضه كان له ذلك.
وإذا قال وهبت له هذا الشي ء وخرجت اليه منه ، لم يكن ذلك صريحا في القبض ، فان كان في يد الموهوب له ، كان ذلك جائزا : وإقرارا بالقبض ، ويكون ذلك امارة على انه أراد به القبض ، وان كان في يد الواهب لم يلزمه الإقرار بالقبض ، ويكون معنى قوله « خرجت اليه منه » انه اذن له في القبض ، ولم يقبض ذلك بعد ، وإذا قال الموهوب له « وهبت لي هذا الشي ء وأقبضتنيه وملكته » فقال له الواهب « نعم » كان ذلك إقرارا بلزوم الهبة ، فكأنه قال وهبت لك ، واقبضتكه ، وملكته ، لان لفظة نعم يرجع الى جميع ذلك على وجه التصديق ، ولهذا لو قال إنسان « لي عليك الف درهم » فقال « نعم » يلزمه الف درهم.
وإذا وهب إنسان شيئا لاثنين فقبلا ذلك ، وقبضاه تمت الهبة في الجميع ، وان قبل أحدهما وقبض ، تمت الهبة في حقه دون صاحبه ، لأنه بمنزلة العقدين ، لان العقد الواحد مع الاثنين بمنزلة العقدين والصفقتين إذا انفردتا.
واما النحلة فهي العطية وهي للولد وذوي الرحم والقرابة أفضل ، ويستحب إذا اعطى الإنسان ولده ان يقسم بينهم ، ويسوى بين جميعهم ، ولا يفضل بعضهم على بعض ، سواء كانوا ذكورا أو إناثا أو ذكورا وإناثا ، فإن خالف ذلك وفضل
ص: 96
بعضهم على بعض ، أو اعطى بعضا منهم وحرم بعضا ، كان جائرا (1) ويكون تاركا للأفضل ، وصدقة التطوع عندنا بمنزلة الهبة في جميع الأحكام ، ومن شرطها القبول والإيجاب ، ولا يلزم الا بالقبض ومن له الرجوع في الهبة له الرجوع في الصدقة (2).
وروى عن النبي صلى اللّه عليه وآله انه قال : تصافحوا وتهادوا فإن المصافحة تزيد في المودة والهدية تذهب الغل.
وعن على (عليه السلام) انه قال : خصوا بالطافكم خواصكم وإخوانكم.
وقال : إذا أكرم أحدكم أخاه بالكرامة ، فليقبلها ، فان كان ذا حاجة ، صرفها في حاجته ، وان لم يكن محتاجا وضعها في موضع حاجة صاحبها ، ومن كان عنده جزاء فليجزه ، ومن لم يكن عنده جزاء فثناء حسن.
وعنه (عليه السلام) : ان النبي صلى اللّه عليه وآله قال : لو دعيت الى ذراع شاة لأجبت ولو دعيت الى كراع (1) لقبلت.
والهدية ثلاثة أضرب أولها : ان يكون السبب الداعي إليها الولاية. والدين فيقصد بها ذلك قربة الى اللّه تعالى ، فاذا فعلت لذلك وجب قبولها ، ولم يجز الرجوع منها ، ولا التعويض عنها ، وبالقبول لها يخرج من ملك المهدى ، وإذا لم يقبلها من أهديت اليه ، كان مخالفا للسنة ، وجاز لصاحبها التصرف فيها ، وليست تجري مجرى الصدقة.
وثانيها : ان يكون السبب الذي دعا إليها ، المودة في الدنيا ، والتكرم ، فاذا فعل ذلك ، وكانت عارية من وجوه القبح ، حسن قبولها ، وإذا قبلت ، خرجت بذلك
ص: 98
من ملك المهدى أيضا ، وله الرجوع فيها ما لم يكن المهدى اليه قد تصرف فيها ، والأفضل ترك الرجوع فيها ، والمكافاة عليها غير واجبة وان كافأ عنها من أهديت اليه كان أفضل.
وثالثها : ان يكون السبب الداعي إليها الإيثار للتعويض عنها ، وإذا فعلت لذلك كان المهدى اليه مخيرا بين قبولها وردها ، فان قبلها كان عليها العوض عنها مثلها والزيادة على ذلك أفضل ، ولا يجوز للمهدي إليه التصرف فيها إذا كانت هدية على هذا الوجه الا بعد ان يعوض عنها أو يعزم على ذلك ، وإذا عوض عنها ، وقبل المهدى العوض ، سواء كان أقل منها أو أكثر ، لم يجز له الرجوع فيها ، وإذا لم يقبل ذلك المهدى العوض ، وكانت عين الهدية قائمة ، كان له الرجوع فيها ، وان دفع إليه أكثر منها ، فان تصرف فيها المهدى اليه والحال هذه كان عليه القيمة.
« تم كتاب الوقوف والصدقات والعطايا والهبات »
ص: 99
هذه الثلاثة بمنزلة واحدة ، وانما يتميز بعضها من بعض بشروط نذكرها ليفهم معناها.
اما السكنى : فهي إسكان الإنسان غيره داره ، أو ما يجرى مجراها ، أو ضيعته ، أو عقاره مدة معينة ، اباحة بغير عوض.
واما العمرى : فهي أن يقول الإنسان لغيره : أعمرتك هذه الدار ، أو جعلتها لك عمرك ، أو هي لك ، ما حييت ، أو بقيت ، أو عشت ، وما أشبه بذلك مما يكون هذا معناه.
واما الرقبى فهو ان يقول الإنسان لغيره : « أرقبتك هذه الدار مدة حياتك أو مدة حياتي » وذهب بعض أصحابنا في الرقبى إلى انها هي قول الإنسان لغيره « جعلت لك خدمة هذا العبد مدة حياتك ، أو مدة حياتي » وذلك مأخوذ من رقبة العبد ، والأول مأخوذ من رقبة الملك ، والذي ذكرناه أولا هو الظاهر من المذهب ، والمعول عليه.
والعمرى يفتقر صحتها إلى الإيجاب والقبول ، ولزومها يفتقر الى القبض كغيره من الهبات ، وذلك عقد جائز ، فإذا قال لغيره : هذه الدار لك عمرك ولعقبك من بعدك ، كان جائزا ، لما روى عن النبي صلى اللّه عليه وآله انه قال : أيما رجل أعمر عمرى له
ص: 100
ولعقبه ، فإنما هي للذي يعطاها ، لا يرجع الى الذي أعطاها ، فإنه أعطى عطاءا وقعت فيه المواريث. (1)
فإن أطلق القول فقال : هذه الدار لك عمرك ، فاذا مت رجعت الى ، ولم يذكر فيه عقبا ، كان للعمر ما دام حيا ، فاذا مات رجعت الى المعمر ، أو الى وارثه ان كان مات ، ويفتقر الرقبى أيضا في صحتها إلى الإيجاب والقبول كالعمرى ، ويلزم مدة حياة من علقها به ، ويرجع ملكها بعد موته على ما يشرطه.
« وحدة المعنى في الثلاثة »
وقد قلنا ان المعنى في السكنى والعمرى والرقبى واحد ، ولا فرق عندنا بين العمرى والرقبى ، وما يفرق به بعض الناس بينهما ، ليس بمذهب لنا. فإذا اسكن الإنسان غيره رقبى ، وشرط في ذلك موت أحدهما ، كان جائزا ، وإذا مات الواحد منهما ، رجع الموضع الى أهل المسكن ، وإذا أسكن غيره مدة من الزمان ، كان صحيحا ، ولم يجز للمسكن نقل الساكن من ذلك ، الا بعد انقضاء مدته التي وقع التعيين عليها ، فإن أسكنه كذلك ، وأراد بيع المكان ، لم يجز له بيعه الا بعد ان تنقضي المدة ، أو يشترط على المشترى بقاء الساكن الى ان يستوفي مدته ، وإذا مات المسكن والساكن على هذه الحال لم يجز لورثته نقله حتى تنقضي مدته.
ص: 101
ومن اسكن غيره شيئا مما ذكرناه مدة عمره ، كان ذلك ماضيا في زمان حياته وان كان (1) لورثته نقل الساكن من المكان ، فان مات الساكن ، وله ورثة ، كان ذلك لورثته الى ان يموت المسكن ، فان جعل السكنى مدة حياة الساكن ، كان ذلك ماضيا الى ان يموت ، فاذا مات رجع اليه ، أو الى وارثه ان كان قد مات ، فإن أسكنه بشرط انه ان مات أحدهما (2) بطل السكنى ، كان جائزا ، فمتى مات أحدهما ، رجع المنزل إلى اهله ، ومن اسكن غيره ما ذكرناه ولم يذكر شيئا (3) من ذلك ، لم يجز للساكن ان يسكن معه غيره فيه ، الا ان يكون ولده واهله ، فأما غيرهم ، فلا يجوز له إسكانه معه وكذلك لا يجوز له ان يوجر لغيره ، ولا ان ينتقل عنه ويسكنه لغيره (4) بغير أجرة ، الا ان يكون المالك قد اذن له في ذلك.
« تمت أحكام السكنى والعمرى والرقبى »
ص: 102
« باب الأمر بالوصية ، والحث عليها الوصية جائزة »
قال اللّه تعالى ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ) الآية (1).
وقال ، تعالى « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ الاية » (2).
وكرر ذكر الوصية فقال : ولامه السدس من بعد وصية يوصى بها أو دين وقال : ولهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين وقال :
فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصى بها أو دين (3).
وروى عن النبي صلى اللّه عليه وآله انه قال : من مات بغير وصية مات ميتة جاهلية (4).
ص: 103
وقال:ما ينبغي لامرئ مسلم ان يبيت ليلة - وذكر ليلتين - الا ووصيته تحت رأسه (1).
وروى عن الصادق (عليه السلام) انه قال : ما من ميت تحضره الوفاة إلا رد اللّه عليه من سمعه وبصره وعقله للوصية ترك الوصية ، أو فعل ، لأن الوصية حق على كل مسلم (2).
وعنه ، قال النبي صلى اللّه عليه وآله : الوصية تمام ما نقص من الزكاة (3).
وقال : من اوصى ولم يحف ولم يضار ، كان كمن تصدق به في حياته. (4)
وقال : قال النبي صلى اللّه عليه وآله : من لم يحسن وصيته عند الموت ، كان نقصا في مروءته وعقله. (5).
وقال على عليه السلام : ينبغي لمن أحس بالموت ، ان يعهد عهده ويجدد وصيته. (6).
وعن عامر بن سعد عن أبيه : انه مرض بمكة مرضا ، أشفى فيه ، فعاده رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فقال : يا رسول اللّه ليس يرثني إلا البنت ، افاوصى بثلثي مالي؟
فقال : لا فقال : أفاوصى بنصف مالي؟ فقال لا ، فقال : أفاوصى بثلث مالي؟
فقال : الثلث ، والثلث كثير ، وقال عليه السلام : ان تدع أولادهم أغنياء خير لهم من ان تدعهم
ص: 104
عالة يتكففون الناس. (1)
وروى أبو قتادة ان النبي صلى اللّه عليه وآله : لما قدم المدينة ، سأل عن البراء بن معرور فقيل له : يا رسول اللّه انه هلك وقد اوصى لك بثلث ماله ، فقبل رسول اللّه ذلك ثم رده على ورثته. (2)
الوصية بالخمس أو الربع أفضل من الوصية بالثلث ، لا سيما ان كان الموصى قليل المال ، لأنه إذا كان كذلك ، كان توفيره لماله على ورثته اولى من ان ينقصه عليهم بالوصية ، والوصية بالخمس أفضل من الوصية بالربع ، والوصية بالثلث غاية فيما يوصى به الإنسان من ماله ، فمن أوصى بأكثر من الثلث لم يصح ذلك ، الا ان يجيزه الورثة.
وإذا اوصى بجميع ماله أو بما يكون أكثر من الثلث ، امضى من ذلك الثلث ، ولم يمض ما زاد عليه ، وإذا اوصى بوصية كان له ان يغير شروطها ، ويرجع فيها ، وينقلها من إنسان إلى أخر ، ومن وجه الى وجه غيره.
ص: 105
فإذا أوصى بوصية ، ثم أوصى بوصية أخرى ، وكان العمل بهما ممكنا ، عمل بهما جميعا ، وان كان العمل بهما جميعا غير ممكن ، كان العمل بالأخيرة أولى (1).
وإذا دبر إنسان مملوكه ، كان له الرجوع في تدبيره ، لأنه يجري مجرى الوصية ، فان لم يرجع في ذلك ، كان من الثلث ، فإن أعتقه في الحال ، كان عتقه ماضيا ، ولم يكن لأحد عليه سبيل.
وإذا وصى إنسان بوصية ، لم يكن لأحد مخالفته فيما اوصى به ، ولا تغيير شي ء من شروط وصيته ، الا ان يكون قد أوصى بإنفاق ماله فيما لا يرضى اللّه تعالى ، أو شي ء من المعاصي ، مثل قتل نفس ، أو إنفاقه على مواضع قرب الكفار. أو في مصالح بيوت عباداتهم ، مثل الكنائس وبيوت النيران ، فإنه متى فعل ذلك كان على الوصي مخالفته في ذلك ، ورد الوصية إلى الحق.
وإذا اوصى إنسان لأبويه ، أو لواحد منهما ، أو لبعض أقاربه ، بوصية ، كانت صحيحة ، وذكر (2) انه ، ان وصى لبعض أقاربه ، وكان الموصى له كافرا ، كانت الوصية ماضية ، والصحيح انه لا يوصى لكافر.
ص: 106
وإذا اوصى بإخراج بعض الورثة من الميراث ، وكان قد أقربه قبل ذلك ، أو كان قد ولد على فراشه ، ولم يكن انتفى منه في حال الحياة ، كانت وصيته بإخراجه باطلة.
وإذا وصى بالثلث للوارث ، كان ذلك جائزا ، إذا لم يكن بأكثر منه ، فان زادت على ذلك ، ردت الى الثلث كما قدمناه.
وإذا جرح إنسان نفسه بما يكون منه هلاكه ، واوصى بعد ذلك بشي ء ، كانت وصيته باطلة ، فإن أوصى ثم قتل نفسه كانت وصيته ماضية (1) في ثلث ماله ، أو ثلث ديته ، فان جرحه غيره ثم وصى بعد ذلك كانت وصيته في ثلث ماله وثلث ما يستحقه من أرش الجراح ماضية.
وإذا اوصى إنسان لمملوك غيره ، أو وصى لمكاتب مشروط عليه ، كانت وصيته باطلة ، فإن وصى لمكاتب غير مشروط عليه ، كانت الوصية جائزة بمقدار ما ادى من كتابته وإذا اوصى لمملوكه بثلث ماله ، وكانت قيمة هذا المملوك أقل من الثلث أعتق ودفع إليه الباقي (2) وان كانت قيمته أكثر من الثلث بمقدار السدس ، أو الربع أو الثلث ، أعتق بمقدار ذلك ، واستسعى في الباقي للوارث ، فان كان قيمته على الضعف من الثلث ، كانت الوصية باطلة (3).
ص: 107
وإذا اوصى بعتق مملوكه وكان عليه دين ، وكانت قيمة المملوك ضعفي الدين ، استسعى في خمسة أسداس قيمته لأصحاب الدين ثلاثة أسهم ، وللورثة سهمان وله سهم ، فان كانت قيمته أقل من ذلك ، كانت الوصية باطلة.
وإذا اوصى بثلث ماله لأجنبي ، وبثلث أخر للوارث ، كان العمل على الأول منهما ، فان التبست الحال في ذلك استعملت القرعة ، فإن أجاز الورثة جميعها كان ذلك صحيحا ، وعمل بهما جميعا.
وإذا اوصى إنسان لغيره ، فقال ان مت قبل موته ، أوصيت له بثلث مالي ، وان مت بعد موته فلزيد ، فان مات قبل موته فالوصية للأول ، وان مات بعد موته كانت لزيد.
وإذا اوصى لذكر ، كان ما وصى به للذكر وكذلك الحكم ان اوصى لأنثى فإن وصى لذكر واثنى كان بينهما بالسوية.
وإذا اوصى لحمل امرأة فقال : ان كان في بطنها ذكر ، فله ديناران ، وان كان أنثى ، فله دينار ، فان وضعت ذكرا كان له ديناران ، وان وضعت أنثى كان لها دينار وان وضعت ذكرا وأنثى كان لهما ثلاثة دنانير.
وإذا اوصى فقال : ان كان الذي في بطنها ذكرا ، فله ديناران ، وان كان أنثى فله دينار ، فوضعت ذكرا كان له ديناران ، وان وضعت أنثى كان لها دينار ، وان وضعت ذكرا وأنثى لم يكن لهما شي ء ، والفصل بين هذه المسئلة والتي تقدمتها انه قال ان كان في بطنها ذكر ، فله ديناران ، وان كان أنثى فلها دينار ، وقد كان ذكر وأنثى ، وليس في المسألة الثانية كذلك ، لأنه قال ان كان الذي في بطنها ذكرا ، فله ديناران ، أراد أن كان كل الذي في بطنها ذكرا ، وكل الذي في بطنها أنثى ، وما وجدت هذه الصفة ، بل كان ذكرا وأنثى ،
وإذا اوصى لعبد نفسه ، أو لعبد ورثته ، كان ذلك صحيحا ، لأن الوصية للوارث
ص: 108
عندنا تصح (1) وكذلك ان اوصى لمكاتبه أو لمكاتب ورثته كانت الوصية صحيحة وكذلك إذا وصى لأم الولد ، صحت الوصية أيضا.
وإذا اوصى لعبد الأجنبي لم تصح الوصية ، لما ورد الخبر في ذلك (2) وإذا قال : « أوصيت لما تحمل هذه الجارية » لم تصح الوصية ، لأن الحمل ليس بموجود في الحال.
وإذا قال « أوصيت لزيد بما تحمل هذه الجارية ، أو هذه الشجرة » كانت الوصية صحيحة ، والفرق بين هذه المسألة والمتقدمة انه إذا اوصى لما تحمل هذه الجارية ان المملك معدوم غير موجود ، وفي هذه المسألة المملك موجود غير معدوم ، وهو الموصى له ولا ضرر في الشي ء الموصى به له إذا كان معدوما (3) لان الاعتبار بوجود المملك.
وإذا اوصى إنسان بثمرة نخل لغيره ، واحتاج ذلك الى السقي ، لم يجب ذلك على واحد منهما ، لان الموصى له يقول : ليست الرقبة لي فلا يجب على سقيها ولا للورثة لأنها تقول : المنفعة للغير ولا أملك الثمرة فلأي وجه يلزمني السقي ، فإن تطوع أحدهما بالسقي كان له ذلك.
وإذا قال « أعطوا زيدا من رقيقي رأسا » كان ذلك وصية صحيحة ، والوارث
ص: 109
مخيرون في أي رأس يدفعونه إليه ، أقل ما يقع عليه اسم الرقيق سواء كان معيبا أو صحيحا ، كبيرا أو صغيرا ، فان هلكت الرقيق إلا رأسا واحدا دفع ذلك العبد ، لأنه اوصى له برأس لا يعينه (1) وعلقه بصفة غير موجودة (2) ، ويجرى ذلك مجرى وصيته له بدار وليس له دار.
وإذا اوصى بشاة من غنمه كانت الوصية صحيحة ، وللورثة ان يعطوا اى شاة يقع عليها اسم الشاة ، سواء كانت كبيرة أو صغيرة ، ضائنة أو ما عزة ، سليمة أو معيبة فإن قال « أعطوه شاة من مالي » وكان له ماشية ، أعطي منها شاة كما قدمناه ، (3) وللورثة ان يشتروا من ماله شاة ويدفع اليه.
وإذا قال « ادفعوا له جملا » كان ذلك ذكرا (4) ، وان قال « بقرة » كان أنثى ، وان قال « بقرا » كان ذكرا ، فان قال « أعطوه عشر أنيق أو عشر بقرات » اعطى الإناث دون الذكور ، لأنه اسم للإناث.
وان قال « أعطوه عشرة من الإبل » اعطى ذكورا ، لان الهاء لا تدخل الأعلى عدد
ص: 110
المذكر ، فان قال « أعطوه دابة من دوابي » أعطوه فرسا ، وقيل يعطونه ما أراد (1) من الخيل ذكرا كان أو أنثى ، أو من البغال والحمير ، ولا يعطى من الإبل والبقر بغير خلاف ، لان ذلك في العرف لا يسمى دابة فإن كان في لفظه ما يدل على انه (2) حمل عليه مثل قوله « أعطوه دابة ليغزو عليها » فإنه يحمل على الخيل لا غير ، فان قال « دابة لينتفع بظهرها ونسلها » اعطى من الخيل والحمير ، ولا يعطى من البغال ، لأنه لا نسل لها ، فان قال « لينتفع بظهرها ودرها » اعطى من الخيل ، لان الحمير لا در لها (3).
فان قال « أعطوه كلبا من كلابي » كانت الوصية باطلة ، الا ان يكون له كلاب صيد أو حائط ، فإنه تصح فيها ويعطى منها ، وإذا اوصى بان يعطى جرة خمر ، وطبلا من طبوله ، أو عودا من عيدانه ، وكانت الجرة فيها خمر ، والطبل والعود هما اللذان للعب واللّهو كانت الوصية باطلة ، فان لم يكن في الجرة خمر ، وكانت الطبول ، طبول الحرب والعود من الأخشاب التي نستعمل في تسقيف البيوت ، أو ما جرى مجراها صحت الوصية.
وإذا اوصى فقال « اجعلوا ثلث مالي في الرقاب » كان جائزا ، وصرف في المكاتبين والعبيد بان يشتروا به.
وإذا اوصى بعتق عبد بثمن معين ، فوجد بأقل منه ، أعطي الباقي وأعتق ،
ص: 111
ولا فرق في ذلك بين ان يكون صغيرا أو كبيرا ، أو شابا أو شيخا.
وإذا قال : « أعتقوا بثلث مالي رقابا » وجب ان يبتاع بذلك ثلاثة أعبد ، ويعتقون ، لان ذلك أقل الجمع ، فان وجد بالثلث ، أربعة الى ما زاد على ذلك ، اشترى الأكثر وأعتق ، فان لم يبلغ الثلث ثمن أربعة ، وكان يزيد على ثلاثة ، جعل ثمن الاثنين للأكثر ، (1) ولا يفضل شيئا.
وإذا اوصى بأن يحج عنه ، ولم يكن حج حجة الإسلام ، فإنه يبتدء بالحج على جميع الوصايا ان كان معه وصية غيره من الوصايا ، وكذلك يفعل في الواجبات ، من الكفارات ، وغيرها ، فان فضل من الثلث فضل ، كان فيما بقي.
وإذا اوصى بأن يحج عنه ، ولم يكن حج حجة الإسلام ، أخرج عنه ذلك من رأس المال ، وكذلك ان كان عليه زكاة أو شي ء واجب ، فان كان تطوعا ، اخرج من الثلث (2) من تركته حيث بلغ.
ص: 112
وإذا اوصى ان يحج عنه ، فالأفضل أن يحج عنه من كان قد حج وان حج عنه صرورة ، كان جائزا.
وإذا اوصى بالحج ، فإنه يحج عنه من بلده إذا كان في النفقة فضل لذلك ، فان خرج حاجا ، فمات في الطريق واوصى ان يحج عنه ، فإنه يحج من الموضع الذي مات فيه ، فان كان له أوطان مختلفة ، ومات في السفر ، واوصى بأن يحج عنه ، فإنه يحج عنه من أقرب أوطانه إلى مكة ، فان لم يكن له وطن بان يكون من أهل البادية ، أو من الركاظة (1) منه ، والذين لا يستوطنون موضعا ، فإنه يحج عنه من حيث مات.
وإذا اوصى بالحج وعين له شيئا ، لا يكفى من يحج عنه من بلده ، حج عنه من بعض المواقيت ، أو من مكة ، وإذا اوصى بأن يحج عنه بمائة درهم من ثلث ماله ، واوصى بما بقي من الثلث لرجل معين ، واوصى لإنسان آخر بثلث ماله ، كانت الوصية الاولى والثانية صحيحة ، والأخيرة باطلة ، فإن حصل في ذلك اشتباه ، استعملت القرعة ، وإذا اوصى بثلث ماله لزيد وعمرو ، ثم ان زيدا لم يقبل الوصية ، فإنها تعود إلى الورثة ، ولا يستحق عمرو أكثر من نصف الثلث ، لأنه إذا اوصى لهما بالثلث فكأنه أوصى لكل واحد منهما بنصفه على الانفراد ، فاذا رد الواحد منهما نصيبه ، رجع الى الوارث.
ص: 113
وإذا اوصى فقال : « أعطوا ثلث مالي لقرابتي ، أو لاقربائى ، أو الذي رحمي » كان حكم الكل (1) واحدا ، ودخل في ذلك جميع من يعرف بالعادة انه من قرابته ، وارثا كان ، أو غير وارث ، وذكر بعض أصحابنا (2) انه يصرف بمن يقرب منه الى آخر أب وأم له في الإسلام ، والذي قدمناه هو الأظهر ، وليس على المذهب الذي حكيناه دليل ولا نص ولا شاهد يعضده.
وإذا اوصى فقال : « أعطوا ثلث مالي أقرب أقاربي ، وأقرب اقربائى ، أو الى أقربهم بي رحما ، فان لم يكن له والد ، ولا أم ، كان أقرب القرابة إليه ولده ، ذكرا كان أو أنثى ، ثم ولده (3) وولد ولده وان سفل ، وارثا كان أو غير وارث ، فان لم يكن له ولد ، وله ولد ولد (4) ، كان أحق بها ، لأنه أقرب الناس الى ولده ، فان اجتمع الوالد والولد كانا في ذلك سواء ، لان كل واحد منهما يدلي نفسه (5) وليس
ص: 114
بينهما واسطة ، وعلى هذا يكون الأب أولى من ولد الولد ، فان لم يكن والد ، ولا ولد كان الجد اولى مع عدم الإخوة ، لأنه أقرب إليه ، فان لم يكن جد وكان له أخ ، كان الأخ أولى ، لأنه أقرب ثم يكون الأخ من الأب والام أولى من الأخ للأب أو للأم ، لأنه يدنى بسببين ، والأخ للأب والأخ للأم واحد ، لان كل واحد منهما كالآخر في القرابة ، والأخ للأب أولى من ابن الأخ للأب والام ، فمتى تساويا في الدرجة كان من يدنى اليه بأبيه وامه أولى ، فإن اختلفا في الدرجة كان الأقرب أولى ، فإن اجتمع الجد والأخ كانا متساويين كما نقوله في الميراث ، فان لم يكن جد ولا اخوة ولا أولاد إخوة فالأعمام ، ثم بنوا الأعمام ، وعلى هذا فمتى تساووا في الدرجة كان ولد الأب والام أحق واولى ، وان اختلفوا في الدرجة كان الأقرب أحق واولى.
وإذا اوصى بثلث ماله لجماعة من أقربائه (1) وكان قد أوصى لثلاثة أنفس من أقربائه ، فإن كان هناك ثلاثة في درجة واحدة ، مثل ثلاثة بنين أو ثلاث بنات ، أو ثلاثة اخوة ، صرف ذلك إليهم ، فإن كان في الدرجة الأولى اثنان ، وفي الثانية واحد مثل ابنين وابن ابن ، دفع الى كل واحد من الأولين ثلث الثلث ، والى من في
ص: 115
الدرجة الثانية باقي الثلث ، لأنه أوصى لجماعة ولا يعطى بعضهم ذلك. (1)
إذا أراد الإنسان الوصية ، فليوص الى رجل مسلم عاقل مأمون حكيم ، ويجوز ان يوصى إلى المرية الحرة العاقلة المأمونة ، والأفضل ان يوصى الى ولده واهله دون الأجنبي ، ولا يجوز الوصية إلى سفيه ، ولا كافر ، ولا فاسق. ولا عبد وان كان عدلا ، لأنه لا يملك شيئا مع سيده ، ويجوز وصية الكفار بعضهم لبعض والى بعض.
ويجوز ان يوصى الرجل الى اثنين ، فان كانا بالغين وجعل إليهما ان لا يمضيا الوصية الا بان يكونا مجتمعين ، لم يكن لكل واحد منهما ان يمضي شيئا حتى يجتمع مع الأخر ، وإذا تشاح هذان الوصيان في الاجتماع في الوصية ، لم ينفذ منهما شي ء إلا ما يعود بمصلحة الورثة ، وكسوتهم ومأكولهم ، وعلى الحاكم ان يحملهما على الاجتماع على تنفيذ الوصية ، أو الاستبدل بهما ان رأى ذلك صلاحا ، وان وصى إلى اثنين بالغين ولم يجعل لهما (2) تنفيذ الوصية على الاجتماع منهما ، ولا شرط
ص: 116
ذلك عليهما ، لكان لكل واحد منهما الاستبداد بما يصيبه ، ومطالبة الأخر بقسمة الوصية.
فإن اوصى الى اثنين ، أحدهما : رجل ، والأخر : صبي ، وجعل الى الرجل النظر في الحال ، وللصبي إذا بلغ ، كان جائزا ، فإن بلغ الصبي فكان فاسد العقل ، أو مات ، كان للرجل تنفيذ الوصية ، وإذا نفذ الرجل الوصية وبلغ الصبي ولم يرض بذلك لم يلتفت اليه ، وكان فعل الرجل ماضيا ، ومتى خالف الرجل شرط الوصية ، لم يصح ما فعله.
ويجوز ان يوصى الرجل الى زوجته ، فإن اوصى الى اهله ، وكان منهم كبار وصغار كان للكبار تنفيذ الوصية من غير انتظار لبلوغ الصغار ، وان كان الموصى قد شرط تأخير ذلك الى حين بلوغ الصغار ، ولم يجز للكبار تنفيذ شي ء منها الى حين بلوغهم.
ومن اوصى الى غيره وكان هذا الوصي حاضرا كان مخيرا بين قبول الوصية وردها ، وان كان غائبا وكان قد بلغ اليه خبر الوصية والموصى حي ، كان مخيرا بين قبولها وردها ما دام الموصى حيا ، وان كان ذلك بلغ اليه بعد موت الموصى ، لم يكن له ردها والامتناع منها ، وكذلك ان كان موصى حيا ، وامتنع الوصي منها ، ولم يبلغ خبر الامتناع منها الى الموصى إلا بعد موته ، لم يكن أيضا للوصي الامتناع منها ، ووجب عليه القيام بها على كل حال.
ومن كان وصيا لغيره وحضرته الوفاة وأراد ان يوصى الى غيره جاز له ان يوصى اليه بما كان متصرفا فيه من الوصية ، ويجب على الموصى إليه القيام بذلك.
وللموصى الاستبدال بالوصي ما دام حيا ، فاذا مات لم يجز لأحد تغيير وصيته ، ولا الاستبدال باوصيائه ، فان ظهر من الموصى بعده جناية ، (1) كان على الناظر
ص: 117
في أمر المسلمين عزله ، واقامة أمين مقامه ، وان لم يظهر منه جناية الا انه بان منه عجز وضعف عن القيام بالوصية ، كان للناظر في أمور المسلمين ان ينصب معه أمينا يعينه على تنفيذ الوصية ، ولم يجز له ان يعزله لأجل ضعفه.
وإذا مات إنسان عن غير وصية ، كان على الناظر في أمر المسلمين ان يقيم من ينظر في مصالح ورثته ، فان لم يكن السلطان الذي يتولى ذلك ، أو من يأمر به جاز لبعض المؤمنين ان ينظر في ذلك ويعتمد فيه الامانة ، ويؤديها من غير إضرار بالوارث ، وما فعله كان ماضيا.
وإذا أمر الإنسان وصيه بان يتصرف في تركته لورثته ، ويتجر لهم بها ، وله على ذلك نصف الربح ، كان جائزا.
وإذا كان إنسان وصيا لغيره ، ومات الموصى ، وللوصي عليه مال ، لم يجز له ان يأخذ من ماله شيئا من تحت يده ، ولا يجوز ان يأخذ إلا ما تقوم له البينة به ، وإذا باع الوصي شيئا من التركة التي هو وصى به عليها لمصلحة الورثة ، وأراد ان يشتريها لنفسه ، كان جائزا ، إذا أخذها بالقيمة العدل من غير نقصان من ذلك ، فان باع الوصي من هذا واشترى لنفسه بنقص ، أو زيادة (1) ، لم يجز له ذلك وإذا خالف الوصي ما أمر به ، أو شرط عليه فيما هو وصى عليه من المال ، كان عليه ضمان ذلك.
وإذا نسي الوصي جميع أبواب الوصية ، ولم يكن له مال يرجع اليه ويستضي ء به في ذلك ، بطلت الوصية (2).
ص: 118
وإذا قال الموصى لوصيه : « اقض عني ديني » وجب عليه الابتداء بذلك من أصل تركته قبل الميراث ، فان تمكن من قضائه ولم يقضه ، وهلك المال ، كان ضامنا له ، ولم يكن لصاحب الدين على الوراث سبيل. وان كان قد عزل ذلك من أصل تركته ، ولم يتمكن من دفعه الى صاحب الدين ، وهلك من غير تفريط من جهته ، كان (1) مطالبة الورثة بالدين من جهة الميراث الذي انتقل إليهم عن ميتهم الذي كان الدين عليه.
الوصية لا تصح من أحد حتى يكون حرا ، كامل العقل ، فان كان صغيرا وكان سنه قد بلغ عشر سنين ولم يكمل عقله ، وكان ممن يضع الشي ء في موضعه ، كانت وصيته ماضية في المعروف من وجوه البر ، وغير ماضية فيما سوى ذلك ، وان كان سنه دون ذلك لم يجز وصيته في شي ء.
وصدقة الصبي إذا بلغ عشر سنين ، وهبته ، وعتقه إذا كان بالمعروف ، وفي وجوه البر ، على ما قدمناه جائز ، فإن كان في القبيح لم يجز.
وحد بلوغ الغلام احتلامه ، أو كمال عقله ، أو ان يشعر ، وحد بلوغ المرية
ص: 119
تسع سنين ، فاذا حصل الغلام على أحد هذه الوجوه ، فقد حصل في حد الكمال ، ووجب على وليه تسليم ماله اليه ، وتمكينه منه ، ومن التصرف فيه ، الا ان يكون ناقص العقل ، أو به سفه ، فإنه لا يدفع ذلك اليه ، ولا يمكنه من التصرف فيه.
وإذا بلغت المرأة تسع سنين جاز تصرفها في مالها ، وكان أمرها فيه ماضيا على سائر (1) الوجوه ، الا ان تكون أيضا ناقصة العقل ، أو سفيهة ، فإنها لا تمكن من ذلك.
والاشهاد على الوصية من شروطها ، فإن وصى إنسان بوصية فيشهد عليها شاهدين عدلين ، فان لم يفعل ذلك وكان الوصي قادرا على تنفيذ الوصية ، كان له تنفيذها في وجوهها التي تضمنتها الوصية ، ويجوز شهادة النساء فيها مع فقد الرجال وعدم التمكن منهم ، وشهادة الواحدة منهن جائزة في ربع الوصية ، وشهادة اثنتين منهن جائزة في نصفها ، وشهادة الثلاث منهن جائزة في نصفها وربعها ، وعلى هذا الحساب.
ومن كان له عبدان وجارية حاملة ، فاشهد العبدين على ان حمل الجارية منه ، ثم أعتقها (2) وشهدا عند وراثه بذلك ، فلم يقبلوا شهادتهما ، واسترقوهما ، وبيعا ، وعتقا بعد ذلك ، وشهدا للمولود بالنسب ، قبلت شهادتهما على الوارث ، ولا يسترقهما الولد الذي شهدا له على حال.
وكل من لم يكن على ظاهر الإسلام من سائر الأديان ، فإنه لا يجوز قبول شهادته في الوصية ، الا ان يكون ذميا ، ويكون الموصى في حال ضرورة لا يتمكن
ص: 120
فيها من مسلم يشهده على ذلك ، فإنه إذا كانت الحال ما ذكرناه ، واشهد رجلين من أهل الذمة ممن هو على ظاهر الامانة عند أهل ملته على الوصية ، قبلت شهادتهما ، وان لم يكن الحال حال ضرورة على ما قدمناه ، وأشهدهما على ذلك لم يجز قبول شهادتهما ، ولا سماعها (1) وكانت باطلة.
وإذا شهد من الورثة اثنان عدلان في الوصية ، أمضيت ولزم باقي الورثة إنفاذها ، فإن أثبتا لأنفسهما فيها حقا أو تبرءا من حق لم يجز شهادتهما.
وإذا شهد وصيان بان الميت اوصى الى ثالث منهما ، (2) فان ادعى الثالث ذلك ، وصدقهما في ذلك ، كان شريكا لهما ، وإذا أنكر ذلك لم يجز لهما ان ينفردا بها ، لأنهما قد اعترفا بان الميت لم يرض بهما الا مع ثالث.
« تم كتاب الوصية »
ص: 121
قال اللّه تعالى ( يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ ) الآيات (1).
وروى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله انه قال : تعلموا الفرائض فإنها من دينكم ، وهي نصف العلم (2).
وقال أول علم ينتزع من أمتي الفرائض (3).
وقال : تعلموا الفرائض وعلموها الناس ، وانى امرؤ مقبوض ، وسيقبض العلم ، ويظهر الفتن حتى يختلف الرجلان في فريضة لا يجدان من يفصل بينهما (4).
وروى عن الأئمة عليهم السلام : أمران لا يقومان الا بالسيف ، الفرائض ، والطلاق (5).
ص: 122
واعلم ان الجاهلية قبل الإسلام كان يتوارث بالحلف والنصرة ، وأقاموا على ذلك في صدر الإسلام مدة يبين ذلك قوله تعالى ( وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ) (1) ثم نسخ بعد ذلك بما تضمنته سورة الأنفال من قوله تعالى ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) (2).
وكانوا يتوارثون بالإسلام والهجرة ، وكان صلى اللّه عليه وآله لما قدم المدينة آخى بين المهاجرين والأنصار ، وكان المهاجر يرث من الأنصاري ، والأنصاري من المهاجر ، ولا يرث وارثه الذي كان له بمكة ، وان كان مسلما يبين ذلك قوله تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْ ءٍ حَتّى يُهاجِرُوا ) الاية (3).
ونسخت هذه الآية بالقرابة ، والرحم ، والنسب ، والأسباب ، يبين ذلك قوله تعالى ، ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً ) (4) فبين ان اولى الأرحام أولى من المهاجرين ، الا ان تكون وصية.
وأحكام المواريث تبين بذكر وجوه منها : الأسباب الذي يستحق الإرث بها ، ومنها : الوجوه المانعة من الإرث ، ومنها : سهام الفرائض المسماة ، ومن يستحقها ، ومنها : مراتب الوراث ، ومنها : كيفية التوريث ، ومنها : بيان استخراج سهام الوراث بالقسمة ، ونحن نورد ذلك بابا بابا بمشيئة اللّه تعالى.
الميراث يستحق بأمرين : أحدهما : نسب ، والأخر : سبب ، والنسب ضربان :
ص: 123
أحدهما : نسب الوالدين ومن يتقرب بهما ، والأخر : نسب ولد الصلب ومن يتقرب به.
والسبب ضربان : أحدهما : الزوجية ، والأخر : الولاء ، والميراث بالزوجية مع وجود من يستحق ميراث الميت ، ومع فقده ولا ميت قط (1) في حال الا ان يمنع من ذلك فيه ما يمنع من الإرث بما سنذكره بعد هذا الفصل.
فاما الولاء فثلاثة اضرب : ولاء العتق ، وولاء تضمن الجريرة ، وولاء الإمامة.
« باب ما يمنع من الإرث ».
المانع من الإرث ثلاثة أشياء : الكفر ، ارتدادا كان أو أصليا ، والقتل ، عمدا بغير حق ولا طاعة ، (2) والرق على بعض الوجوه.
سهام الفرائض المسماة ستة :
وهي النصف ، والربع ، والثمن ، والثلثان ، والثلث ، والسدس.
فاما النصف فهو سهم أربعة : البنت ، والأخت من قبل الأب والام ، والأخت من قبل الأب مع عدم الأخت من قبل الأب والام ، والزوج مع عدم الولد وولد الولد وان سفلوا.
واما الربع : فهو سهم اثنين ، وهما الزوج مع وجود الولد ، أو ولد الولد وان سفلوا ، والزوجة مع عدم الولد أو ولد الولد وان سفلوا.
واما الثمن : فسهم الزوجة مع وجود الولد أو ولد الولد ، ذكرا كان أو أنثى وان سفلوا
ص: 124
واما الثلثان : فسهم ثلاثة وهم البنتان وما زاد عليهما من البنات ، والأختان وما زاد عليهما من الأخوات من قبل الأب والام. والأختان وما زاد عليهما من جهة الأب مع فقد الأخوات من قبل الأب والام.
واما الثلث : فسهم اثنين ، وهما الام مع فقد الولد وولد الولد وان نزلوا ، ومن يحجبها (1) من أخوين ، أو أخ وأختين ، أو أربع أخوات من جهة الأب والام أو من جهة الأب فقط ، وسهم الاثنين وما زاد عليها من كلالة الأم.
واما السدس : فهو سهم أربعة : الأب والام مع وجود الولد وولد الولد وان نزلوا ، والام مع فقد الولد ولد الولد وان سفلوا ، مع وجود من يحجبها من الاخوة والأخوات المقدم ذكرهم ، والواحد من كلالة الأم ذكرا كان أو أنثى.
هي مرتبة الوالدين ، والولد ، والاخوة ، والأخوات ، وأولادهم ، والأجداد ، والجدات ، والأزواج (2) والعمومة ، والعمات ، والأخوال ، والخالات والمولى ، وامام المسلمين.
نبين ذلك بما نذكره في أبواب مستحقي الميراث ، وهي المراتب التي سلف ذكرها ، وربما ينبغي ان نلحق بذلك شيئا ، فأولها مرتبة الوالدين ونحن نبدأ بها.
ليس يرث مع الوالدين ولا مع واحد منهما أحد غير الولد ، أو ولد الولد وان نزلوا ، إذا لم يكن ولد الصلب ، والزوج ، والزوجة ، ولا يرث معهما ولا مع
ص: 125
أحدهما غير من ذكرناه.
فاذا خلف الميت أبويه ولم يخلف غيرهما من ذوي نسب أو سبب ، كان ما خلفه لهما ، للأب الثلثان ، وللام الثلث ، فان خلف واحد منهما ولم يخلف غيره ، كان جميع ما خلفه له ، فان خلف أبويه وأولادا ذكورا وإناثا ، كان للأبوين السدسان ، وما بقي فللأولاد ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، فإن خلف معهما بنتا واحدة ، كان للأبوين السدسان ، وللبنت النصف ، والباقي سهم يرد على الأبوين والبنت على قدر سهامهم.
فان ترك أبويه وبنتين ، كان للأبوين السدسان ، وللبنتين الباقي ، وهو الثلثان بينهما بالسوية.
فإن ترك أبويه وبنات جماعة ، كان الحكم فيهن كالحكم في الأبوين والبنتين سواء.
فان خلف أبويه وولدا ذكرا ، كان للأبوين السدسان ، والباقي للولد الذكر.
فان ترك أبويه وأولادا ذكورا ، كان للأبوين السدسان ، والباقي للأولاد الذكور بينهم بالسوية.
فإن ترك أحد أبويه وولدا ذكرا ، كان لأحد الأبوين السدس ، والباقي للولد الذكر.
فان ترك أحد أبويه وأولادا ذكورا ، كان لأحد الأبوين السدس ، والباقي للأولاد الذكور بينهم بالسوية.
فإن ترك أحد أبويه وبنتا ، كان لأحد الأبوين السدس ، وللبنت النصف ، والباقي يرد على أحد الأبوين والبنت ، على قدر سهامهما.
فان خلف أحد أبويه وبنتين ، كان لأحد الأبوين السدس ، وللبنتين الثلثان ، والباقي يرد عليهم على قدر سهامهم. (1)
ص: 126
فان خلف أحد أبويه وبنات جماعة كان الحكم في أحد الأبوين والبنتين سواء.
فان ترك أحد أبويه (1) وزوجة ، كان للزوجة الربع ، وللام الثلث ، والباقي للأب.
فإن ترك أباه وزوجة ، كان الربع للزوجة ، والباقي للأب.
فإن ترك اما وزوجة ، كان للزوجة الربع ، وللام الثلث ، والباقي يرد على الام ولا يرد على الزوجة شي ء.
فان خلف أبويه وزوجة وأولادا ذكورا وإناثا ، كان للزوجة الثمن ، وللأبوين السدسان ، والباقي للأولاد بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين.
فإن خلف أبويه وزوجة وبنتا ، كان للأبوين السدسان ، وللزوجة الثمن ، وللبنت النصف ، والباقي يرد على الأبوين والبنت على قدر سهامهم ، ولا يرد على الزوجة شي ء.
فان خلف أبويه وزوجة وبنتين ، أو أكثر منهما من البنات ، كان للأبوين السدسان ، وللزوجة الثمن ، والباقي للبنتين أو البنات بينهن بالسوية.
فإن هلكت امرأة ، وخلفت أبويها وزوجها ، ولم يخلف غيرهم ، كان للزوج النصف ، وللام الثلث ، والباقي للأب.
فإن تركت أحد أبويها وزوجها ، كان للزوج النصف ، وما يبقى فلأحد الأبوين ، فإن كانت اما أعطيت الثلث بالتسمية ، والباقي يرد عليها. (2)
ص: 127
فإن خلفت أبويها وزوجها وبنتا ، أو بنتين ، أو أكثر من ذلك من البنات ، كان للأبوين السدسان ، وللزوج الربع ، والباقي للبنت أو البنات بينهن بالسوية.
فإن خلفت أحد أبويها ، أبا كان أو اما ، وزوجها وبنتا ، كان لأحد الأبوين السدس ، وللزوج الربع ، وللبنت النصف ، والباقي يرد على أحد الأبوين والبنت ولا يرد على الزوج شي ء.
فان خلفت أحد أبويها ، وزوجها وبنتين ، أو أكثر منهما من البنات ، كان لأحد الأبوين السدس ، وللزوج الربع ، والباقي للبنتين ، أو البنات بينهن بالسوية.
فان مات إنسان ، رجلا كان أو امرأة ، وخلف أبويه ولم يترك معهما زوجا ولا زوجة ، (1) وترك معهما أخوين ، أو أخا وأختين ، أو أربع أخوات من الأب والام ، أو من جهة الأب ، حجبوا الام عن الثلث الى السدس ، فيكون للام السدس والباقي للأب ، فإن كان الاخوة والأخوات (2) من جهة الأب أو من جهة الأب والام كفارا ، لم يحجبوها عن الثلث أيضا ، وكذلك الحمل لا يحجبها عن الثلث أيضا ، وانما يحجب ما ولد واستهل.
ص: 128
فإن خلف أبويه ، وأولادا ، واخوة ، وأخوات كان للأبوين السدسان ، والباقي للأولاد ، ولا تحجب الاخوة والأخوات هاهنا الام عن شي ء ، لأنهم إنما يحجبونها في الموضع الذي يكون لها فيه الثلث ، أو ما زاد على السدس بالرد ، (1) وليس هاهنا ثلث ، ولا تأثير للحجب هاهنا لأنهما لا يجوز ان ينقص عن السدس شيئا.
وان خلف أبويه وبنتين ، أو أكثر منهما من البنات واخوة وأخوات ، كان الحكم فيهم مثل ما تقدم ، للأبوين السدسان ، أو البنات (2) ، ولا تأثير للحجب هنا أيضا.
فإن خلف أبويه وبنتا واخوة وأخوات ، كان للأبوين السدسان ، وللبنت النصف والباقي يرد على الأب والبنت (3) دون الأم ، لأن الاخوة والأخوات حجبوها عن الرد.
فان ترك أبويه (4) وزوجا وبنتا أو بنات ، كان للأبوين السدسان ، وللزوج الربع ، والباقي للبنت.
فان ترك الميت امه واخوة وأخوات ، لم يحجبوا الام عن الثلث ، وانما يحجبونها إذا كان الأب موجودا ، حتى يتوفر عليه ما يمنع منها (5) ، وليس هاهنا أب ولا تأثير للحجب.
وولد الولد يقوم مقام الولد للصلب ، فولد الابن ذكرا كان أو أنثى ، يأخذ
ص: 129
مع الأبوين نصيب أبيه ، وولد البنت ذكرا كان أو أنثى ، يأخذ مع الأبوين نصيب امه ، وحكم ولد الولد مع الأبوين والزوج والزوجة إذا اجتمعوا أيضا ، كحكم الولد على السواء.
فإن ترك الميت أبويه ، وجدا أو جدة من قبل الأب ، كان ما تركه للأبوين ، للأب الثلثان ، وللام الثلث ، ويؤخذ (1) من نصيب الأب سدس ، فيدفع الجد أو الجدة على جهة الطعمة لا على انه ميراث.
فان حضر عوض الجد أو الجدة من قبل الأب ، جد أو جدة من قبل الأم ، أخذ من نصيب الام سدس ، فيدفع الى الجد أو الجدة على جهة الطعمة أيضا لا على انه ميراث.
فان حضرا في حال لا يستحق كل واحد من الأبوين فيها أكثر من السدس ،
ص: 130
لم يكن لهما طعمه ، لأن الطعمة انما يثبت إذا زاد ما يستحقه كل واحد من الأبوين على السدس ، ولا طعمة للجد والجدة من قبل الأب إذا كان أبو الميت ميتا ، ويكون جميع التركة للأم ، وكذلك لا يكون لهما طعمة إذا كانا من جهة الأم ، وكانت الأم ميتة ، ويكون جميع المال للأب.
فإن خلفت المرأة أبويها ، وزوجها ، وجدها ، أو جدتها من قبل أبيها ، وجدها أو جدتها من قبل أمها ، كان للزوج النصف ، وللام الثلث ، وللأب السدس ، وأخذ من ثلث الام سدس أصل المال ، فيدفع الى الجد أو الجدة من جهتها ، ويسقط الجد والجدة من قبل الأب.
فإن خلف الميت أبويه ، واخوة ، وأخوات من جهة الأب ، وجدا أو جدة من جهته ، وجدا أو جدة من جهة الأم ، كان للام السدس ، والباقي للأب ، ويؤخذ من نصيب الأب سدس أصل المال ، فيدفع الى الجد أو الجدة من جهة الأب ، ويقسط الجد والجدة من جهة الأم.
وان اجتمع جد وجدة من جهة الأب ، أو من جهة الأم في حال ، يستحق فيها الطعمة ، قسم السدس بينهما نصفين.
ليس يرث مع الولد أحد إلا الوالدين والزوج والزوجة ، ولا يرث معهم من عداهم ، لا من ولد الولد ولا غيرهم من جميع القرابات وذوي الأرحام.
فان مات إنسان وخلف ولدا ذكرا ولم يخلف غيره ، كان ما خلفه ، له ، فان خلف ابنين ولم يخلف غيرهما ، كان ما خلفه بينهما نصفين ، فان ترك أولادا ذكورا وإناثا ، ولم يترك غيرهم ، كان المال كله لهم ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، فإن ترك بنتا ولم يترك غيرها ، كان لها النصف بالتسمية ، والباقي يرد عليها بالرحم ، فان ترك بنتين أو أكثر منهما ، كان للبنتين أو البنات الثلثان بالتسمية ، والباقي يرد على البنتين أو البنات.
ص: 131
فان خلف الميت مع الولد زوجا أو زوجة ، كان للزوج الربع ، أو للزوجة الثمن ، والباقي للولد.
فان ترك ولدين ذكرين ، أحدهما أكبر من الأخر ، دفع الى الأكبر منهما ثياب بدنه ، وخاتمه الذي كان يلبسه ، ومصحفه وسيفه ، وعلى هذا الأكبر ان يقضى ما فاته من صلاة أو صوم ، وكذلك الحكم ان كان الأولاد جماعة ، فان كان الأكبر أنثى ، لم تعط سيفا (1) ودفع ذلك الى الأكبر من الذكور ، فان كانوا سواء في السن ، لم يخص منهم أحد بذلك (2) وقسم على جميعهم ما يخلفه الميت ، فان لم يخلف شيئا غير ذلك لم يخص أحد منهم به ، وكان ميراثا بين جميعهم ، وولد الولد يقوم مقام الولد (3) إذا لم يكن ولد الصلب ، وكل واحد منهم يقوم مقام من يتقرب به فان خلف الميت ابن بنت ، وبنت ابن ، كان لابن البنت الثلث ، ولبنت الابن الثلثان
وان خلف أولاد ابن ، وأولاد بنت ، ذكورا وإناثا ، كان لأولاد الابن الثلثان ،
ص: 132
بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين ، ولأولاد البنت الثلث ، الذكر والأنثى فيه سواء (1).
فان خلف بنت ابن ولم يترك غيرها ، كان المال كله لها ، وان ترك أكثر منها كان جميع المال لهن.
فان ترك بنت بنت ، ولم يترك غيرها ، كان لها النصف تسمية أمها ، والباقي يرد عليها وكذلك ان ترك بنتي بنت (2).
فان ترك بنتي بنتين ، كان لهما الثلثان نصيب أمهما ، والباقي يرد عليهما.
وميراث ولد الولد قلوا أم كثروا يجرى على هذه الوجه ، يأخذ كل واحد منهم نصيب من يتقرب به ، وكل من يأخذ الميراث مع ولد الصلب فإنه يأخذ مع ولد الولد ، ولا يرث مع ولد الولد ، ولد ولد الولد ، كما يرث مع الولد للصلب ولد الولد.
* * *
لا يرث أحد من أولاد الاخوة والأخوات معهم ، ولا غيرهم الا الجد والجدة على ما نبينه فيما بعد ، والزوج والزوجة.
فإذا مات إنسان ، وترك أخا لأبيه وامه ، أو لأبيه ، ولم يخلف غيره ، كان المال كله له.
فان خلف أخوين لأب وأم ، أو لأب ، ولم يخلف غيرهما ، كان المال بينهما
ص: 133
نصفين ، فان ترك ثلاثة اخوة ، أو أكثر لأب وأم ، أو لأب ، ولم يترك غيرهم ، كان المال بينهم بالسوية.
فإن ترك اخوة وأخوات لأب وأم ، أو لأب ، ولم يخلف غيرهم ، كان المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين.
فإن ترك أخوين أحدهما لأب وأم ، والأخر لأب ، كان المال للأخ من جهة الأب والام ولا شي ء للأخ من جهة الأب.
فإن ترك أخا لأب وأم ، واخوة وأخوات من أب ، كان المال للأخ من جهة الأب والام ، ولا شي ء للاخوة والأخوات من جهة الأب.
فإن ترك أختا لأب وأم ، وأختا لأب ، أو أختين له ، أو أكثر منهما ، أو أختا لأب (1) واخوة له ، كان المال للأخت من قبل الأب والام ، دون الاخوة والأخوات من قبل الأب ، النصف لها بالتسمية ، والباقي بالرد.
وكذلك ان كانت أختين (2) مع الاخوة والأخوات من جهة الأب.
فإن ترك أخا لامه ، ولم يترك غيره ، وكان المال كله له ، السدس بالتسمية ، والباقي بالرد.
فان ترك أخوين لأمه ، أو أكثر منهما ، ولم يترك غيرهما ، كان المال لهما ، الثلث بالتسمية ، والباقي بالرد.
فان خلف اخوة وأخوات من جهة الأم ، كان المال لهم ، الثلث بالتسمية ، والباقي بالرد ، الذكر منهم والأنثى فيه سواء.
فان ترك أخا من جهة الأخ والام ، وأخا من جهة الأم ، كان للأخ من جهة الأم السدس ، والباقي للأخ من الأب والام.
فإن ترك اخوة من قبل الأب والام. واخوة من قبل الام ، كان للاخوة من قبل الام الثلث ، والباقي للإخوة من قبل الأب والام.
ص: 134
فان ترك اخوة وأخوات من قبل الأب والام ، (1) كان للاخوة والأخوات من قبل الام الثلث بينهم بالسوية ، والباقي للاخوة والأخوات من قبل الأب والام ، النصف بالتسمية ، والباقي بالرد (2) للذكر مثل حظ الأنثيين.
فإن ترك أختا لأم وأختا لأب وأم كان للأخت من قبل الام السدس ، والباقي للأخت من قبل الأب والام ، النصف بالتسمية ، والباقي بالرد.
وان ترك أختين أو أكثر منهما من الأخوات من قبل الام ، وأختين أو أكثر منهما من الأخوات من قبل الأب والام ، كان للأختين أو الأخوات من قبل الام الثلث ، والباقي للأختين من قبل الأب والام ، فإن اجتمع معهم الزوج والزوجة ، كان له النصف ان كان زوجا ، أو الربع ان كانت زوجة ، والثلث للاخوة أو الأختين أو الأخوات من قبل الام ، والباقي للأختين أو الأخوات من قبل الأب والام.
فإن ترك أخا أو أختا من قبل الام ، وأختا لأب (3) ، كان للأخ أو للأخت من قبل الام السدس ، والباقي للأخ من قبل الأب.
فإن ترك اخوة وأخوات من قبل الام ، واخوة وأخوات من قبل الأب ، كان للاخوة والأخوات من قبل الام الثلث بينهم بالسوية ، والباقي للاخوة والأخوات من قبل الأب ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، فان كان قد اجتمع في هذه الفريضة زوج أو زوجة ، كان له النصف ان كان زوجا ، أو الربع ان كانت زوجة ، والثلث
ص: 135
للاخوة والأخوات من قبل الام ، والباقي للاخوة والأخوات من قبل الأب.
فإن خلف أخا أو أختا أو اخوة أو أخوات من قبل الام ، وأختا من قبل الأب كان للأخ أو للأخت أو الأخوة أو الأخوات من قبل الام سهمهم ، السدس أو الثلث وللأخت من قبل الأب الباقي ، النصف بالتسمية ، والباقي بالرد (1).
فان ترك أختين أو اخوة وأخوات من قبل الام ، وأختين وأخوات من قبل الأب ، كان للاخوة والأخوات من قبل الام الثلث بالسوية بينهم ، والباقي للأختين أو الأخوات من قبل الأب ، وان كان في هذه الفريضة زوج أو زوجة ، كان له سهمه النصف ان كان زوجا ، أو الربع ان كانت زوجة ، والثلث للاخوة والأخوات من قبل الام ، والباقي للأختين والأخوات من قبل الأب.
فإن خلف ثلاثة اخوة متفرقين ، كان للأخ من الام السدس ، والباقي للأخ من قبل الأب والام ، وسقط الأخ للأب.
فإن ترك اخوة وأخوات من قبل الأب والام (2) ، واخوة وأخوات من قبل الأب ، كان للاخوة والأخوات من قبل الام الثلث بينهم بالسوية ، والباقي للاخوة والأخوات من قبل الأب والام ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، وسقط الاخوة والأخوات من قبل الأب.
ص: 136
فان ترك ثلاث أخوات متفرقات ، كان للأخت من الام السدس ، والباقي للأخت من قبل الأب والام ، وسقط الأخت للأب ، فإن حصل في هذه الفريضة زوج أو زوجة ، كان له النصف ان كان زوجا ، أو الربع ان كانت زوجة ، والسدس للأخت من قبل الام والباقي للأخت من قبل الأب والام ، ولا شي ء للأخت من قبل الأب.
أولاد الاخوة والأخوات لا يرث أحد معهم من أولادهم ، ولا أولاد أولادهم ، ولا غيرهم ، الا الجد والجدة على ما يأتي بيانه ، والزوج والزوجة وأولاد الاخوة يقومون مقام آبائهم ، ذكورا كانوا أو إناثا ، واحدا كان أو أكثر ، إذا لم يكن هناك اخوة ولا أخوات.
فإن خلف الميت أولاد أخ لأب ولم يترك غيرهم ، كان المال لهم للذكر مثل حظ الأنثيين.
فإن خلف أولاد أخ لأب وأم ، وأولاد أخ لأب ، كان المال لأولاد الأخ من جهة الأب والام ، دون الأولاد للأخ من جهة الأب.
فإن خلف أولاد أخت لأب وأم ، وأولاد أخت لأب ، (1) ولم يترك غيرهم ، كان المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين.
فإن خلف أولاد أخ أو أخت لأم ، ولم يترك غيرهم ، كان المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثى بالسوية.
ص: 137
فإن خلف معهم أولاد أخ لأب ، أو لأب وأم ، وأولاد أخت لأب ، أو أولاد أخت لأب وأم ، كان لأولاد الأخ أو الأخت من جهة الأم السدس ، الذكر والأنثى فيه سواء ، والباقي لأولاد الأخ للأب (1) أو للأب والام ، للذكر مثل حظ الأنثيين فإن حصل في هذه الفريضة زوج أو زوجة ، كان له النصف ان كان زوجا ، أو الربع ان كانت زوجة ، ولأولاد الأخ أو الأخت من قبل الام السدس ، والباقي لأولاد الأخ أو الأخت من جهة الأب ، أو من جهة الأب والام.
فإن ترك أولاد أخ ، أو أولاد أخت من أم ، وأولاد أخ أو أخت من أب ، وأولاد أخ أو أولاد أخت من قبل أب وأم ، كان لأولاد الأخ أو الأخت من جهة الأم السدس بينهم بالسوية ، والباقي لأولاد الأخ أو الأخت من جهة الأب والام (2).
فإن خلف أولاد أخ لأب وأم ، وأولاد أخت لهما أيضا ، ولم يترك غيرهم ، كان لأولاد الأخ من الأب والام الثلثان ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، ولأولاد الأخت من الأب والام الباقي للذكر مثل حظ الأنثيين ، وكذلك ان كانوا أولاد أخ لأب ، وأولاد أخت من أب ، ولم يكن معهم غيرهم ، كان الحكم في الميراث مثل ذلك سواء.
فان خلف أولاد أخ لأب وأم ، وأولاد أخت لهما ، وأولاد أخ لأم ، وأولاد أخت لها ، كان لأولاد الأخ وأولاد الأخت من الام ، الثلث لأولاد الأخ من ذلك السدس بينهم بالسوية ، والسدس الباقي لأولاد الأخت ، الذكر فيه أيضا والأنثى سواء (3)
ص: 138
ويبقى الثلثان ، يكون لأولاد الأخ من قبل الأب والام الثلثان (1) ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، والثلث الباقي وهو ثلث الثلثين لأولاد الأخت من جهة الأب والام ، للذكر أيضا مثل حظ الأنثيين وسهم الزوج والزوجة ثابت مع من ذكرناه على كل حال.
قد مضى القول في سهام الفرائض بأن للزوج ، النصف مع عدم الولد أو ولد الولد ، والربع مع وجود الولد أو ولد الولد ، وللزوجة الربع مع عدم الولد وولد الولد ، والثمن مع وجود الولد وولد الولد ، لا ينقص الزوج شيئا من النصف أو الربع ولا يزاد على ذلك ، وكذلك الزوجة لا تنقص من الربع ، أو الثمن ، ولا تزاد على ذلك ، فان كانت الزوجة أكثر من واحدة ، بأن تكون زوجتين ، أو ثلاثا ، أو أربعا ، فإن الثمن ينقسم عليهن ، فان كان للرجل أربع نسوة ، فطلق منهن واحدة وتزوج اخرى ، ثم مات ولم تتميز المطلقة من غيرها من الزوجات ، جعل ربع الثمن
ص: 139
للتي تزوجها أخيرا ، وثلاثة أرباع الثمن بين أربع نسوة اللاتي طلق واحدة منهن ولم تتميز.
فان طلق رجل زوجته طلقة رجعية ، ومات ، ورثته ما دامت في العدة ، ويرثها هو أيضا إذا ماتت وهي في العدة ، فإن كانت الطلقة بائنة ، لم يكن بينهما توارث ، وإذا لم يدخل الرجل بزوجته وطلقها ، انقطعت العصمة بينهما ، ولم يكن بينهما أيضا توارث ، وكذلك الحكم فيمن لم يبلغ المحيض ، ومثلها لا تحيض ، والآئسة من المحيض ، وليس في سنها من تحيض.
فان مات رجل قبل دخوله بزوجته ، ورثته كما ترثه المدخول بها ، وعليها العدة على كمالها.
وان زوج الصبيين أبواهما ، ومات واحد منهما قبل البلوغ ، ورثه الأخر ، فإن عقد عليهما غير أبويهما ، لم يكن بينهما توارث الا ان يبلغا ، ويرضيا بالعقد ، فان ماتت الصبية قبل البلوغ ، وكان الصبي قد بلغ ورضي بالعقد ، لم يرثها ، لان لها الخيار إذا بلغت ، وقد ماتت دون البلوغ ، وان مات الصبي وكانت الصبية قد بلغت ورضيت بالعقد ، ولم يكن الصبي بلغ ، فإنها لا ترثه. لان له الخيار إذا بلغ وقد مات دون البلوغ ، وإذا بلغ الصبي ورضي بالعقد ، (1) ولم يدفع الى الصبية منه الى ان تبلغ ، فاذا بلغت ورضيت بالعقد ، وحلفت باللّه تعالى انه لم يدعها الى الرضا بالعقد ، الرغبة في ميراثه ، دفع ذلك إليها ، وكذلك الحكم في الصبي سواء.
والمرأة إذا لم يكن لها ولد من زوجها ، ومات عنها ، لم يورث من الأرضين ،
ص: 140
والرباع (1) والدور والمنازل والقرى شيئا بل يقوم الأخشاب والطوب (2) ، وجميع آلات ذلك ، ويدفع إليها بحقها منه ، ولا يدفع إليها من نفس ذلك شي ء ، وذهب بعض أصحابنا (3) الى ان ذلك يختص بالمنازل والدور ، دون الأراضي وغيرها ، والظاهر الأول ، فإن كان لها منه ولد دفع إليها حقها من نفس ذلك ، ولم يمنع من شي ء منه.
فان ماتت امرأة وتركت زوجها ، ولم تخلف غيره ، فكان له النصف بالتسمية ، والباقي يرد عليه.
فان مات رجل وخلف زوجته ولم يخلف غيرها ، كان لها الربع بالتسمية ، والباقي للإمام. وقد روى ان الباقي يرد عليها مثل الزوج (4) ، والظاهر ما ذكرناه ، وذكر بعض أصحابنا (5) الجمع بين الخبرين انه مخصوص بحال الغيبة ، فاما إذا كان الامام ظاهرا ، فليس للمرأة أكثر من الربع والباقي له ، ذكر أبو جعفر الطوسي : (6)
ص: 141
ان هذا الوجه قريب في جواز العمل به ، الأولى عندي ان لا يدفع إليها إلا الربع بغير زيادة عليه والباقي للإمام (عليه السلام) لأنا إذا عملنا به كما ذكره كنا قد عولنا في العمل به على خبر واحد لا يعضده قرينة ، وهذا لا يجوز ، وينبغي ان يفعل فيه في حال الغيبة مثل ما يفعل في غيره فيما يختص به من دفن ، أو وصية ، والوصية أحوط على كل حال. (1)
لا يرث مع الأجداد والجدات أحد ، غير الاخوة والأخوات أو أولادهم والزوج والزوجة ، ولا يرث الأعلى مع الأدنى منهم.
فاذا مات إنسان وخلف جده أو جدته من قبل أبيه ، ولم يترك مع واحد منهما غيره ، كان المال كله له ، فان ترك جده وجدته من قبل أبيه ولم يترك غيرهما ، كان المال لهما ، للجد الثلثان ، وللجدة الثلث ، فان ترك جده أو جدته من قبل امه ، ولم يترك مع واحد منهما غيره كان المال كله له.
فان ترك جده وجدته من قبل امه ، ولم يترك معهما غيرهما كان المال بينهما بالسوية. فإن ترك جده وجدته من قبل أبيه ، وجده وجدته من قبل امه ، كان للجد والجدة من قبل الأب الثلثان ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، وللجد والجدة من قبل الام الثلث بينهما بالسوية ، فإن حصل في هذه الفريضة زوج أو زوجة ، كان للزوج النصف أو للزوجة الربع وللجد والجدة من قبل الام الثلث (2) بينهما بالسوية ، والباقي للجد
ص: 142
والجدة من قبل الأب ، للذكر مثل حظ الأنثيين.
فان ترك جده وجدته من قبل أبيه ، وجده أو جدته من قبل امه ، كان للجد والجدة من قبل أبيه ، الثلثان بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين ، والثلث الباقي للجد أو الجدة من قبل الأم.
فإن ترك جده أو جدته من قبل أبيه ، وجده وجدته من قبل امه ، كان للجد أو الجدة من قبل الأب الثلثان ، وللجد والجدة من قبل الام الثلث بينهما نصفين ، وجد ابى الميت وجدته وجد أم الميت وجدتها يتقاسمون الميراث ، كما يتقاسمه جد الميت وجدته من قبل أبيه ، وجده وجدته من قبل أمه إذا لم يكن هناك جد الميت ولا جدته من قبل أبيه أو امه.
فان اجتمع جد ابى الميت وجدته من قبل أبيه وجد أبيه وجدته من قبل امه ، وجد أم الميت وجدتها من قبل أبيها ، وجدها وجدتها من قبل أمها ، كان لأجداد الأب الثلثان ، فيكون ثلثا الثلثين للجد والجدة من قبل أبيه ، للذكر مثل حظ الأنثيين والثلث الباقي وهو ثلث الثلثين ، للجد والجدة من قبل امه ، بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين والثلث الباقي من أصل المال للجدين والجدتين من قبل الام ، النصف منه وهو السدس من أصل المال للجد والجدة من قبل أبيها ، بينهما بالسوية ، والباقي للجد والجدة من قبل الام ، بينهما بالسوية أيضا.
والجد من قبل الأب يقاسم الاخوة من الأب والام ، والأخوات منهما ، ويكون مثل واحد منهم ، ويستحق مثل ما يستحقه الأخ منهم ان كان واحدا قاسمه المال نصفين ،
ص: 143
وان كان أكثر من ذلك جرى الحكم فيهم على هذا الوجه بالغا ما بلغوا ، فان كانت أختا كان لها الثلث ، وللجد الثلثان ، وان كن أخوات كان هو مثل أخ معين (1) ، يكون المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين ، وكذلك يقاسم الاخوة والأخوات (2) من قبل الأب والام ، ويكون مثل واحد منهم على ما بيناه.
فان اجتمع جد وأخ أو أخت ، أو اخوة وأخوات من قبل أب وأم واخوة وأخوات من قبل الام (3) ، كان المال للجد مع الأخ أو الأخت أو الاخوة والأخوات من قبل الأب (4) ، والجدة من قبل الأب بمنزلة الأخت من قبل الأب والام ، أو من قبل الأب تقاسم الاخوة والأخوات من قبل الأب والام ، كما تقاسم الأخت منهما فان اجتمعت مع اخوة وأخوات من قبل الأب لا غير ، قاسمتهم كما تقاسم الأخت منه.
والجد والجدة (5) من قبل الام مثل الأخ من قبل الام يقاسم من قاسمه الأخ من قبلها ، ويسقط في الموضع الذي يسقط ، وكذلك الجدة من قبل الام ، وتكون مثل الأخت من قبلها تقاسم من تقاسمه ، وتسقط في الموضع الذي تسقط.
ص: 144
فاذا اجتمعا كانا بمنزلة أخ وأخت من قبل الام ، يقاسمان من يقاسمه الاخوة من قبل الام ، ويسقطان في الموضع الذي يسقطون فيه ، فان اجتمعا أو واحد منهما مع أخ أو أخت أو اخوة أو أخوات من قبل الام ، مع أخ أو أخت أو اخوة أو أخوات من قبل الأب والام ، أو من قبل الأب ، وجد أو جدة من قبل أب ، كان للجد والجدة من قبل الام مع الاخوة والأخوات من قبلها الثلث ، يقتسمونه بينهم بالسوية ، والباقي للأخ أو الأخت أو الأخوة أو الأخوات مع الجد والجدة من قبل الأب ، للذكر مثل حظ الأنثيين على ما سلف بيانه.
وأولاد الاخوة والأخوات وان نزلوا من قبل أب كانوا أو من قبل أب وأم أو من قبل أم ، يقومون مقام الاخوة والأخوات في مقاسمة الجد والجدة ، إذا لم يكن هناك اخوة ولا أخوات ويأخذون نصيب من يتقربون به اليه من أخ أو أخت على حد واحد ، ولا يسقط منهم أحد ، (1) وان نزلوا ببطون كثيرة.
والجد والجدة وان عليا من قبل الأب كانا أو من قبل الام يقاسمان الاخوة والأخوات وأولادهم على ما سلف بيانه.
وان اجتمع جد ابى الميت وجدته ، وجد أم الميت وجدتها ، مع جد الميت وجدته من قبل أبيه ، وجده وجدته من قبل امه ، كان الذي يقاسم الاخوة والأخوات جد الميت وجدته من قبل أبيه ومن قبل امه ، ويسقط جد الأب والام وجدتهما ، وعلى هذا الترتيب يمنع الأدنى الأبعد. إذا كان موجودا ، فان كان معدوما قام الا بعد في مقاسمة الاخوة والأخوات مقامه على ما قدمناه.
العمومة والعمات لا يرث مع واحد منهم أولادهم إلا في موضع واحد ، وهو ان ابن العم للأب والام إذا اجتمع مع العم للأب ، كان اولى بالميراث من العم
ص: 145
للأب ، ولا يرث مع أولاد العمومة والعمات ، أولادهم ولا غيرهم (1) الا الزوج والزوجة ، فان سهم كل واحد منهما ثابت معهم ، وثابت أيضا مع الخؤولة والخالات أو أحدهم ، ومع أولادهم إذا لم يكن هناك عمومة ولا عمات ، ولا خؤولة وخالات ، النصف ان كان زوجا ، أو الربع ان كانت زوجة.
ولا يرث مع الخؤولة والخالات أولادهم ، ولا أولاد العمومة والعمات ، ولا يرث مع العمومة والعمات أولاد الخؤولة والخالات ، ولا أولاد العمومة والعمات ولا يرث عم الأب ولا عمته ولا خال الأب ولا خالته ولا عم الام ولا عمتها ولا خالها ولا خالتها مع عم الميت وعماته وخاله وخالاته ، لأنهم أقرب بدرجة.
وميراث العمومة والعمات مثل ميراث الاخوة والأخوات من قبل الأب ، وميراث الخؤولة والخالات مثل ميراث الاخوة والأخوات من قبل الام (2) للخؤولة والخالات ، الثلث نصيب الام وللعمومة والعمات الثلثان ، إلا في المسألة التي ذكرناها فان خلف الميت عما أو عمة أو عمومه أو عمات ، ولم يخلف غيرهم ، كان المال (3) بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين ، وكذلك الحكم ان خلف عمومة وعمات ،
ص: 146
في انه يكون المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين.
فإن ترك الميت عمين أحدهما لأب وأم والأخر لأب ، كان المال للعم من قبل الأب والام وسقط العم من الأب.
فإن ترك عمين أحدهما لأب وأم ، أو لأب ، والأخر لأم ، كان للعم من جهة الأم السدس ، والباقي للعم من قبل الأب والام ، أو من قبل الأب.
فإن ترك عمة ، ولم يترك غيرها ، كان المال لها.
فان ترك عمتين لكان المال بينهما نصفين.
فان ترك عمة أب ولم يترك غيرها ، كان المال لها ، فان ترك عمتين له ، كان المال بينهما نصفين ، فان ترك عمة لأب وأم ، وعما أو عمة أو عمومه أو عمات من قبل الأب كان المال للعمة من قبل الأب والام ، وسقط العمومة والعمات من قبل الأب.
فإن ترك عمة من قبل الام ، وعمة أو عما أو عمومه وعمات من قبل الأب ، أو من قبل الأب والام ، كان للعمة من قبل الام السدس ، والباقي لمن هو من قبل الأب والام ، أو من قبل الأب.
فإن خلف عمومة وعمات مفترقين ، كان للعمومة والعمات من قبل الام ، الثلث بينهم بالسوية ، والباقي للعمومة والعمات من قبل الأب والام ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، ويسقط العمومة والعمات من قبل الأب.
فإن خلف خالا أو خالة ، ولم يخلف غيره ، كان المال كله له ، فان تركهما كان المال بينهما نصفين.
فان ترك خؤولة وخالات كان الحكم فيهما مثل ذلك يكون الميراث بينهم بالسوية.
فإن خلف خالين ، أحدهما لأب وأم ، والأخر لأب ، كان المال للخال من
ص: 147
قبل الأب والام ، وسقط الخال من قبل الأب.
فإن خلف خالين أحدهما من قبل الام ، والأخر اما من قبل الأب والام ، أو من قبل الأب ، كان للخال من قبل الام السدس ، والباقي للخال من قبل الأب والام ، أو من قبل الأب.
فإن ترك ثلاثة أخوال مفترقين ، كان للخال من جهة الأم السدس ، والباقي للخال من جهة الأب والام وسقط الخال من جهة الأب.
فإن ترك خالين أو خالتين أو أكثر من قبل الام ، وخالا أو خالة أو أكثر من قبل الأب والام ، أو من قبل الأب ، كان للخالين أو الخالتين من قبل الام الثلث ، بينهما بالسوية ، والباقي للخال أو الخالة أو الخؤولة والخالات من قبل الأب كانوا ، أو من قبل الأب والام ، بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين (1).
فإن خلف خالا أو خالة أو أكثر من قبل الأب ، أو من قبل الأب والام ، مع خالة من قبل الام ، كان للخالة من قبل الام السدس ، والباقي للخال أو الخالة أو الخؤولة والخالات من قبل الأب ، أو من قبل الأب والام بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين.
ص: 148
فان ترك عما أو عمة ، أو عمومه ، أو عمات ، أو عمومه وعمات مختلفين ، أو متفقين (1) مع خال أو خالة ، أو خالات ، أو خؤولة وخالات ، كان لمن يتقرب بالأب من العمومة (2) والعمات الثلثان ، يقسم بينهم على ما تقدم بيانه ، والثلث لمن يتقرب بالأم ، واحدا كان أو أكثر يقسم بينهم أيضا على ما بيناه فيما تقدم.
ولا يرث مع الأجداد والجدات وان علوا ، أحد من العمومة والعمات ، ولا أولادهم ، ولا أحد من الخؤولة والخالات ، ولا يرث عم الأب ولا عمته ، ولا خاله ولا خالته ولا عم الام ولا عمتها ، ولا خالها ولا خالتها مع عم الميت وعمته وخاله وخالته.
فان خلف عم الأب وعمته وخاله وخالته ، وعم الام وعمتها وخالها وخالتها كان لعم الأب وعمته وخاله وخالته الثلثان ، يكون ثلثا الثلثين لعم الأب وعمته ،
ص: 149
بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين ، وثلث الثلثين لخال الأب وخالته بينهما بالسوية (1) والثلث من أصل المال لعم الام وعمتها ولخالها وخالتها يكون النصف من ذلك وهو السدس من أصل المال لعم الام وعمتها ، بينهما بالسوية ، والنصف الأخر وهو السدس أيضا من أصل المال لخال الام وخالتها أيضا بينهما بالسوية.
وأولاد العم والعمة وان نزلوا اولى بالميراث من عم الأب وعمته وخاله وخالته كما ان أولاد الاخوة أولى بالميراث من الأعمام والعمات ، وأولاد الخؤولة والخالات وان نزلوا اولى بالميراث من عم الأب وعمته وخاله وخالته ، (2) لأنهم يقومون مقام من يتقربون اليه والذي يتقربون به واما (3) العم ، واما العمة ، واما الخال ، واما الخالة : وهؤلاء أولى بالميراث من عمومة الأب وعماته وأخواله وخالاته ، لأنهم أقرب بدرجة.
وأولاد العمومة والعمات يقومون مقام العمومة والعمات ، إذا لم يكن عمومة ولا عمات ، ويحجبون من يحجبهم العمومة والعمات الا ان يكون هناك من هو أقرب منهم. (4)
فان خلف الميت أولاد عمومة متفرقين ، كان لأولاد العم من قبل الام السدس
ص: 150
بينهم بالسوية ، (1) والباقي لأولاد العم من قبل الأب والام ، أو من قبل الأب ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، ويسقط أولاد العم للأب إذا اجتمعوا مع أولاد العم من الأب والام.
فإن خلف أولاد خؤولة متفرقين ، كان لأولاد الخال من قبل الام ، السدس ، بينهم بالسوية ، والباقي لأولاد الخال من قبل الأب والام ، للذكر أيضا مثل حظ الأنثيين (2) ، وسقط أولاد الخال من قبل الأب.
فإن ترك أولاد عمات متفرقين ، أو أولاد خالات مفترقين كان الحكم في أولاد العمات مثل ما ذكرناه في أولاد العمومة المفترقين (3).
فان ترك ابنى عم. أحدهما أخ لأم (4) ، كان الميراث للأخ من الام من جهة الاخوة ، لا لأنه ابن عم ، ويسقط ابن العم الأخر.
فإن ماتت امرأة وخلفت ابني عم ، أحدهما زوجها ، كان لزوجها النصف والربع ، النصف من ذلك بالزوجية والربع بالميراث ، والربع الباقي لابن العم الأخر ، لأن النصف الباقي بعد نصف الزوج يقسم بينهما نصفين ، فيكون للواحد
ص: 151
النصف والربع ، كما ذكرناه وللآخر الربع الباقي.
فإن خلف ابني خالة ، أحدها أخ لأب (1) كان الميراث للذي هو أخ ، من جهة الاخوة لا لأنه ابن خالته ، وسقط ابن الخالة الأخر.
فإن خلف ابنتي عم ، إحداهما زوجته ، كان للزوجة منهما الربع ، من جهة الزوجية ، والباقي بينهما نصفين.
فان هلكت امرأة ، وخلفت زوجا ، وخالا ، أو خالة ، وعما أو عمة ، كان للزوج النصف ، والثلث (2) للخال أو الخالة أو لهما ، ان اجتمعا ، والباقي للعم أو العمة.
فان مات رجل أو امرأة وترك زوجا أو زوجة ، وأولاد خال أو أولاد خالة ، وأولاد عم وأولاد عمة ، كان للزوج النصف ، أو للزوجة الربع ، ولأولاد الخال أو الخالة الثلث ، والباقي لأولاد العم أو العمة.
فان مات رجل أو امراة (3) ، وترك زوجا أو زوجة ، وجدا أو جدة ، أو جدا وجدة من قبل الأب ، أو جدا وجدة ، من قبل الام ، كان للزوج النصف ، أو للزوجة الربع ، والثلث للجد أو الجدة من قبل الأم ، أو لهما ان اجتمعا ، والباقي للجد أو الجدة من قبل الأب ، أو لهما ان اجتمعا.
فان هلك إنسان ، وترك عمتين لأب ، الواحدة منهما خالة لأم وخالة لأب وأم ، كان للعمتين الثلثان من أصل المال ، بينهما نصفين ، والثلث الباقي للخالة من الأم التي هي عمة ، والخالة من الأب والام تكون للام التي هي عمة ، سدس الثلث ،
ص: 152
والباقي للخالة من قبل الأب والام. (1)
إذا مات إنسان معتق ، وخلف ذا رحم مسلما قريبا كان ، أو بعيدا ، مع مولاه الذي أعتقه ، كان الميراث لذي رحمه دون مولاه ، فان لم يترك ذا رحم ، وكان سائبة (2) ولم يتوال الى أحد يضمن جريرته وحدثه ، كان ميراثه لبيت المال ، (3) وان كان توالى الى أحد يضمن جريرته وحدثه ، كان ميراثه لمن توالى اليه وان
ص: 153
لم يكن سائبة ، كان ميراثه لمولاه الذي أعتقه ، رجلا كان الذي أعتقه ، أو امرأة ، فإن كان الذي أعتقه مات قبله ، وترك ولدا وكان الأولاد ذكورا ، كان ميراث المعتق لهم ، وان كانوا ذكورا وإناثا ، كان ميراثه للذكور دون الإناث ، وان كانوا إناثا ، وكان قد ترك معهم عصبة ، كان الميراث للعصبة ، دون الأولاد الإناث ، وان لم يكن ترك معهن عصبة ، كان الميراث لبيت المال ، وان لم يكن ترك أولادا ، وكان قد ترك عصبة ، كان الميراث للعصبة ، فان لم يكن ترك عصبة ، كان الميراث لبيت المال ، فان كان الذي أعتقه امرأة ، وهي حية ، فميراثه لها ، وان لم تكن حية وكان لها عصبة ، كان ميراثه لعصبتها ، سواء كان لها أولاد ، أولا ، يكون لها ذلك.
وإذا تولى هذا المعتق الى من يضمن جريرته وحدثه ثم مات وكان قد ترك ذا رحم قريبا كان أو بعيدا ، كان ميراثه لذي رحمه ، (1) وان لم يكن له ذو رحم قريبا ولا بعيدا ، ولا أحد توالى اليه ، كان ميراثه لإمام المسلمين ، لأنه ميراث من لا وارث له (2) ، وذلك من الأنفال.
والميت إذا لم يكن له وارث ، وترك مالا ولم يتمكن من إيصاله الى الامام قسم في الفقراء والمساكين ، ولم يدفع منه الى سلطان الجور شي ء ، هذا ان أمكن ذلك ، وكانت التقية مرتفعة ، فإن كان الخوف والتقية حاصلين ، ويغلب عليه ، جاز حينئذ تسليمه اليه ، ولم يكن على الذي سلمه إليه شي ء.
وإذا مات إنسان وترك وراثا ، بعضهم غائب وبعض الأخر حاضر ، والغائب أحق بالميراث من الحاضر ، واولى به منه ، فينبغي ان يوقف الميراث الى حين حضور الغائب ، ويدفع إليه ، فان لم يحضر وتطاولت المدة قسم على الحاضر ، وكان ضامنا له الى حين حضور الغائب ، فإذا حضر سلمه اليه ، وان مات الغائب بعد
ص: 154
ان تسلم الحاضر الميراث ، وكان للغائب وارث ، كان على الحاضر تسليم الميراث إلى ورثة الغائب ، وان لم يكن له ورثة كان الميراث للحاضر.
إذا مات الحر المسلم وخلف ذا رحم مملوكا قريبا كان أو بعيدا مستقر الملك وكان قد ترك مع المملوك ذا رحم حرا ، قريبا كان أو بعيدا ، كان ميراثه لذي رحمه الحر ، دون المملوك لان المملوك لا يجوز ان يرث الحر ، إذا كان معه وارث حر فان لم يكن ترك مع ذي رحمه المملوك ذا رحم حرا ، وكان الميراث ينقص عن قيمة المملوك ، لم يجب ابتياعه ، وكان الميراث لبيت المال ، وذهب بعض أصحابنا إلى انه يشترى من التركة ويعتق ، ويستسعى في الباقي ، وهذا ضعيف جدا ، لأنه لم يرد به رواية ، ولا ثبت عليه دليل وان كان الميراث يفي بقيمة المملوك ، أو يزيد عليه ، وجب ابتياعه من التركة ، وعتقه ويدفع إليه الباقي ، ان كان هناك ما يبقى.
فان ترك هذا الحر أبويه وهما مملوكان ، أو ولدين له كذلك ، أو ما جرى هذا المجرى ، وكان الميراث يفي بقيمة الاثنين ، اشتريا وأعتقا وان كان ينقص عن قيمتهما لم يجب ابتياع واحد منهما ولا جميعهما ، وان كان فيه ما يفي بقيمة أحدهما ، أو يزيد على ذلك. وإذا خلف الحر وراثا أحرارا وذا رحم مملوكا ، كان المال للاحرار.
فإن أعتق المملوك قبل قسمة المال وكان أقرب منهم ، أخذ المال ، وان كان ممن يقاسمهم ، قاسمهم ذلك ، وان انعتق بعد قسمة المال ، لم يكن له شي ء وأم الولد يجعل في نصيب ولدها ، وأعتقت ولا يورث شيئا ، وسهم الزوج والزوجة ثابت مع من تقدم ذكره على كل حال.
ص: 155
الكافر لا يرث المسلم بغير خلاف ، والمسلم عندنا يرث الكافر ، سواء كان الكافر حربيا أو ذميا ، أو مرتدا ، أو على اى حال كان من الكفر ، ويجوز المسلم المال قريبا كان أو بعيدا ، ذا سهم كان أو قرابة ، من جهة الأب كان ، أو من جهة الأم.
فإذا ترك المسلم ولدا كافرا ولم يترك غيره من المسلمين من زوج ، ولا زوجة ولا غير ذلك من ذي رحمه قريبا ، ولا بعيدا ، كان ميراثه لبيت المال.
فان ترك ولدين أحدهما كافر ، والأخر مسلم ، كان الميراث للمسلم ، ذكرا كان أو أنثى ، ولم يكن للكافر شي ء.
فان خلف ثلاثة أولاد وأكثر من ذلك أحدهم كافر ، كان المال للاثنين المسلمين دون الكافر ، فإن أسلم قبل قسمة الميراث كان له حقه منه ، وان أسلم بعد القسمة لم يكن له شي ء.
فان ترك ولدين ، أحدهما مسلم ، والآخر كافر ، كان الميراث للمسلم ، دون الكفر فإن أسلم الكافر ، لم يكن له شي ء ، لأن المسلم قد استحق المال في حال موت من يرثه ، والقسمة انما يثبت للكافر إذا أسلم ، وكان الميراث بين اثنين قبل إسلامه ، أو أكثر منهما ولم يقسم.
فان خلف أولادا مسلمين وو الدين كافرين ، كان المال للأولاد المسلمين ولم يكن للوالدين الكافرين فيه شي ء.
فان أسلم الوالدان ، أو أحدهما قبل القسمة في الميراث كان له حقه منه ، وان أسلما أو أحدهما بعد القسمة ، لم يكن له شي ء.
فان خلف أبوين مسلمين وولدا كافرا ، كان المال للأبوين المسلمين دون الولد الكافر ، فإن أسلم الولد قبل قسمة الميراث ، كان له حقه منه ، فإن أسلم بعد القسمة ، لم يكن له شي ء.
فان خلف أحد أبويه مسلما ، وولدا كافرا ، كان المال لأحد الأبوين ، فإن أسلم
ص: 156
الولد لم يكن له شي ء.
فان ترك ولدا كافرا ، وو الدين كافرين ، أو أحدهما وهو كافر ، وابن ابن ابن عم أو عمة ، أو ابن ابن ابن خال أو خالة ، أو من يكون أبعد منهم ، وكان مسلما كان المال للمسلم البعيد ، دون الولد أو الوالدين أو أحدهما الكفار ، فإن أسلم أحدهم أو جميعهم قبل قسمة الميراث ، وكان المال لهم ، أو لمن أسلم منهم دون ذوي الأرحام ، وان أسلموا أو أحدهم بعد القسمة ، لم يكن لهم شي ء.
وإذا ماتت امرأة وتركت زوجها وهو مسلم ، وولدا أو والدا ، أو ذوي أرحام كفارا ، كان المال كله للزوج ، ولم يكن للولد ولا للوالدين ولا لذوي أرحامه شي ء ، فان أسلموا رد عليهم الفاضل عن سهم الزوج (1).
فان مات رجل وخلف زوجة مسلمة ، ولم يخلف غيرها من المسلمين ، وترك وراثا كفارا كان ربع المال للزوجة ، والباقي لإمام المسلمين ، فإن أسلموا قبل
ص: 157
قسمة الميراث ، رد عليهم الفاضل عن سهم الزوجة (1) وان أسلموا بعد ذلك لم يكن لهم شي ء.
وان خلف الكافر وارثا مسلما ، قريبا كان أو بعيدا ، ذكرا كان أو أنثى ، زوجا أو زوجة (2) ولم يترك غيره ، كان المال كله له ، فان ترك مع المسلم كائنا
ص: 158
من كان ، وارثا كافرا ، قريبا كان أو بعيدا ، أو زوجا أو زوجة ، كان المال للمسلم دون الكافر ، فإن أسلم قبل قسمة الميراث ، كان له حقه منه ، وان أسلم بعد ذلك لم يكن له شي ء.
وإذا مات كافر ، وترك أولادا (1) واخوة وأخوات من قبل الأب ، وأخوات
ص: 159
من قبل الام مسلمين ، وأولادا صغارا كان للاخوة والأخوات من قبل الام ، الثلث ، وللاخوة والأخوات من قبل الأب ، الثلثان ، وينفق الاخوة والأخوات من قبل الام على هؤلاء الأولاد الصغار ثلث النفقة ، وينفق الاخوة والأخوات من قبل الأب عليهم ثلثي النفقة حتى يبلغوا ، فاذا بلغوا وأسلموا سلم الاخوة إليهم ما بقي في أيديهم بعد النفقة ، وان لم يسلموا واختاروا الكفر ، لم يدفعوا إليهم شيئا ، وتصرفوا في الباقي ، فإن كان أحد أبوي الأولاد الصغار مسلما ، وترك اخوة وأخوات من قبل (1) الام ، كان المال للأولاد الصغار ، فاذا بلغوا قهروا على الإسلام ، فان لم يسلموا كان حكمهم حكم المرتدين ، واجرى عليهم ما يجرى على المرتدين.
فان هلك وترك أولادا وقرابة كفارا ، ومولى نعمة مسلما ، كان الميراث لمولى النعمة المسلم ، ولم يكن للأولاد والقرابة الكفار بشي ء.
والمسلمون يرث بعضهم بعضا وان اختلفوا في المذاهب والآراء لان الموارثة تثبت بإظهار الشهادتين ، والإقرار بأركان الشريعة ، من صلاة ، وصيام ، وزكاة ، وحج ، دون الإيمان الذي يستحق به الثواب.
والكفار يرث بعضهم بعضا على اختلافهم في الديانات لان الكفر عندنا كالملة الواحدة.
عنها زوجها ، ويقسم ميراثه بين مستحقيه من وراثه ، ويقتل من غير ان يستتاب ، فان لحق بدار الحرب ومات (1) وكان له أولاد كفار وليس له وارث مسلم ، كان ماله للإمام ، ومن كان كافرا ثم أسلم وارتد بعد إسلامه ، فإن يعرض عليه السلام (2) فان عاد اليه ، والا قتل ، فان لحق بدار الحرب كان على زوجته ان تعتد منه عدة المطلقة ، ثم يقسم ميراثه بين المستحقين له من وراثه ، (3) فإن عاد إلى الإسلام قبل انقضاء
ص: 161
عدتها ، كان أملك بها ، وان عاد بعد انقضاء العدة لم يكن له عليها سبيل ، وكانت قد ملكت نفسها ، فان مات وهو كافر ولم يكن له وارث مسلم ، لان ميراثه لبيت المال.
القاتل على ضربين : قاتل عمد ، وقاتل خطأ. فاما قاتل العمد فليس يرث شيئا من ميراث المقتول ، ولا من ديته ان قبل أولياؤه الدية ، ولدا كان ، أو والدا قريبا كان ، أو بعيدا ، زوجا كان أو زوجة ، ويكون ميراث المقتول وديته لمن عدا القاتل من ورثته ، قريبا كان ، أو بعيدا فان لم يخلف المقتول أحدا من الوراث إلا الذي قتله ، كان ميراثه لبيت المال ، ولا يعطى القاتل شيئا منه على حال.
وإذا قتل رجل ابنه ، لم يرثه ، فان كان للقاتل أب وابن ، كان الميراث للأب والابن دون القاتل ، يكون ذلك بينهما نصفين ، لأن الأب جد المقتول والابن اخوة فان قتل رجل أباه ، لم يرثه ، فان كان للأب أولاد غير القاتل ، كان الميراث لهم وان لم يكن له ولد غير القاتل وكان للولد القاتل ، ولد ، كان الميراث لهذا الولد دون أبيه القاتل.
واما القاتل خطأ فإنه يرث المقتول من ميراثه ، ولا يرث من ديته ولدا كان ، أو والدا ، أو ذا رحم ، أو زوجا ، أو زوجة.
ومن قتل وليس له من الوراث الا وارث كافر ، كان ميراثه لبيت المال ، فإن أسلم الكافر كان الميراث له ، وكان له أيضا المطالبة بالدم فان لم يسلم وكان المقتول عمدا ، كان الامام وليه ، وهو مخير بين ان يقيد به القاتل ، وبين أخذ الدية ليجعلها في بيت المال ، وليس له العفو عنه ، لأنه ليس بحق له ، وانما هو حق المسلمين (1).
ص: 162
فاذا كان على المقتول دين ، قضى عنه من ديته ، كما يقضى عنه من ميراثه ، سواء كان المقتول مقتولا عمدا ، أو خطأ ، وقاتل العمد إذا كان مطيعا بالقتل ، لم يجز ان يمنع ميراث المقتول ، وذلك مثل ان يقتل الإنسان غيره بأمر الإمام ، أو يقتل أباه أو ولده أو أخاه وهو كافر ، أو من البغاة على الامام.
الذي يرث دية المقتول هو من كان يستحق ان يرث الميراث ، إلا الاخوة والأخوات من جهة الأم ، ومن يتقرب بها ، ويرث معها (1) الزوج والزوجة ، ولا يرث منها من يتقرب بالأب من الإناث (2) واما الذكور فإنهم يرثون منها على كل حال ، فان لم يكن هناك الا من يتقرب بالأم ، أو من يتقرب بالأب من الإناث ، كان الميراث لبيت المال ، والزوج والزوجة يرث كل واحد منهما صاحبه ، من الدية ، كما يرث من التركة ، الا ان يقتل أحدهما الأخر ، فإنه إذا كان ذلك لم يرث من الدية ولا من التركة أيضا ، والمطلقة طلاقا رجعيا إذا قتلت ، ورث زوجها من تركتها ومن ديتها ، وان قتل الزوج ورثته أيضا مثل ذلك ، ما لم تنقض عدتها ، وعدتها هي
ص: 163
عدة المتوفى عنها زوجها ، فان انقضت عدتها لم يكن لها ميراث.
وان كان طلاقها طلاقا لا يملك فيه الرجعة ، لم يرث كل واحد منهما الأخر على وجه.
لا يرث ولد الملاعنة أباه ، ولا الأب يرثه ، ولا يرث أحدا من قرابة أبيه ، وهو يرث امه ، وكل من كان من أقاربها. وترثه امه ، ومن يتقرب إليه بالأم ، فإن أقر الأب به بعد اللعان ، ورث أباه ، ولم يرثه الأب على حال.
فان مات ولد الملاعنة ، وخلف أخوين أو أختين ، أو أخا وأختين (1) أحدهما أخا كان أو أختا من قبل الأب والام ، والأخر من قبل الام ، كان ميراث بينهما نصفين لان نسبه من قبل الأب غير معتبر ، وانما الاعتبار بما كان من قبل الأم.
فإن ترك ابن أخيه لامه ، وابنة أخيه (2) لها ، كان الميراث بينهما نصفين.
فان ترك بنت أخيه لامه ، وابن أخته لها ، كان الميراث بينهما نصفين ، لان كل واحد منهما يأخذ نصيب من يتقرب به ، والذي يتقربون به من الأخ والأخت يتساوون في القسمة ، وكذلك ان ترك أخا وأختا (3) وابن أخ وابن أخت وجد أو جدة ، كان الميراث بينهم أثلاثا متساوية ، كمثل ما قدمناه ، (4) وعلى هذا الترتيب
ص: 164
يجرى ميراث ولد الملاعنة ، فيتأمل ذلك.
يختلف في ميراث ولد الزنا ، فمنهم من يقول : ولد الزنا لا يرث أباه ، ولا امه ولا يرثه أبوه ولا امه ، ومنهم من يقول : يرث امه ومن يتقرب بها ، وترثه امه ، ومن يتقرب بها ، والأقوى عندي هو الأول ، لأن توريث الولد من الوالد يتبع صحة إلحاق الولد به شرعا ، فلما لم يجز هاهنا الحاقة به كذلك (1) من حيث حصل عن وطأ بغير عقد ولا شبهة عقد ، وكان ذلك قائماً (2) كان الأقوى ما ذكرناه ، فأما انه لا يرث أباه ولا يرثه أبوه. فلا يختلفون فيه ، فلذلك قصرنا هاهنا الكلام في ميراث امه ، فاما ولد ولد الزنا ، فإنه يرث أباه ، ويرثه أبوه وكذلك زوجه أو زوجته.
« والمفقود ، واللقيط. والمشكوك فيه »
الحميل هو الذي يجلب من بلاد الشرك ، ويتعارف منهم قوم بسبب (3) يقتضي الموارثة ، فإنهم إذا كانوا كذلك ، قبل قولهم في ذلك من غير بينة ، وورثوا ، ويجرى هذا المجرى سائر من حصل في بلاد ، وهو غريب منه ، ومعه من يعترف بأنه والده أو ولده ، أو اخوه ، أو ما جرى هذا المجرى ، فإنه يقبل قولهم ، ويورثون عليه.
واما الأسير : فإذا كان أسيرا في بلاد الشرك أيضا ، (4) ولم يعلم موته ، فإنه
ص: 165
يورث ويوقف نصيبه الى حين حضوره ، أو يعلم موته (1) ، أو يمضى من الزمان مدة لا يعيش مثله إليها ، فان مات في هذه المدة من يرثه هذا المفقود ، فينبغي ان يوقف نصيبه منه حتى يعلم حاله ، ويسلم الباقي الى الباقين من الوراث.
فاما اللقيط : فان كان توالى الى أحد يضمن جريرته وحدثه ، كان ميراثه له وحدثه عليه ، وان لم يكن توالى الى أحد ، كان ميراثه لبيت المال ، وليس لمن التقطه ورباه من ميراثه شي ء ، فان طلب الذي رباه ما أنفقه عليه ، كان له ذلك ، ويأخذه من أصل تركته ، ويكون الباقي لبيت المال.
واما المشكوك فيه : فهو ان يطأ الرجل زوجته ، أو مملوكته ، ثم يطأها غيره في هذه الحال (2) ، وتأتي بولد ، فإنه إذا كان كذلك ، لم يلحقه بنفسه لحوقا صحيحا ، بل يربيه وينفق عليه ، فاذا حضرته الوفاة ، عزل له من ماله ما يستعين به على حاله ، فان مات هذا الولد لم يكن له من ميراثه شي ء وكان جميعه لبيت المال ان لم يترك ولدا ولا زوجا ولا زوجة.
وإذا وطأ رجلان جارية مشتركة بينهما ، وجاءت بولد ، أقرع بينهما ، فمن خرج اسمه ، الحق الولد به ، وضمن للباقي من شركائه حصتهم ، وتوارثا.
فان وطأ اثنان في طهر واحد بعد انتقال الملك من الواحد منهما إلى الأخر ،
ص: 166
كان الولد لا حقا بالذي هي عنده ، ويرثه ويرث (1) الأب ، والولد أيضا يرثه.
وإذا تبرأ إنسان من جريرة ولده عند إنسان ، (2) ومن ميراثه ، ومات الولد ، كان ميراثه لعصبة أبيه (3) ولم يكن لأبيه شي ء في ذلك على حال.
المملوك لا يملك شيئا يستحقه وراثه الأحرار لأن المال الذي يكون معه ، مال لمولاه ، وكذلك المدبر.
فاما المكاتب : فإنه ان كان مشروطا عليه ، كان حكمه حكم المملوك سواء وان لم يكن مشروطا عليه فإنه يرث ويورث بقدر ما ادى من مكاتبته من غير زيادة ولا نقص ، فان اشترط المكاتب على الذي كاتبه ان يكون ولاؤه له ، كان شرطه صحيحا ، (4) فان شرط ان يكون ميراثه له دون ورثته ، لم يجز ذلك.
ص: 167
وإذا كان العبد بين شريكين ، فأعتق أحدهما نصيبه فيه ، ومات وترك مالا ، كان نصفه للذي لم يعتق منه نصيبه ، والنصف الأخر لورثته ، فان لم يترك وارثا ، كان ذلك لمولاه الذي أعتقه على ما تقدم (1).
إذا غرق جماعة من الناس في وقت واحد ، أو انهدم عليهم موضع ، فمات جميعهم ، ويكونون يتوارثون ، ولا يعلم من الذي مات منهم قبل الأخر ، فالحكم في توريثهم ان يورث بعضهم من بعض من نفس تركته ، لا مما يرثه من الأخر ، يقدم الأضعف في استحقاق الميراث ، ويؤخر الأقوى في ذلك ، مثال ما ذكرناه ان نفرض انه غرق زوج وزوجة ، فنفرض موت الزوج أولا ، وتورث الزوجة منه ، لان سهمها في الاستحقاق أقل من سهم الزوج ، وذلك لان أكثر ما تستحقه الزوجة الربع ، وأكثر ما يستحقه الزوج النصف ، فهو أقوى حظا منها فيعطي الزوجة حقها منه ، والباقي لورثته ثم نفرض ان الزوجة ماتت ، فيورث الزوج منها ، فيدفع اليه حقه من نفس تركتها ، دون ما ورثته منه ، ويعطى وراثها الباقي.
ومثال ذلك (2) ، أب وابن ، فنفرض موت الابن أولا ، ويورث الأب منه ، لان سهمه السدس مع الولد ، (3) ، والباقي للابن ، فهو أضعف منه. ويعطى ورثته الباقي من المال ، ثم نفرض أن الأب مات ، فيعطى الابن حقه ، والباقي لورثته ، فان فرضنا في هذه المسألة ان للأب وارثا ، الا ان هذا الولد اولى منه ، وفرضنا ان للولد وارثا ، الا ان الأب أولى منه ، فإنه يصير ميراث الابن لورثة الأب ، وميراث الأب لورثة الابن ، لأنا لو فرضنا موت الابن أو لا صارت تركته لأبيه ولو فرضنا موت
ص: 168
الأب (1) لصارت تركته لورثة الابن.
فان مات اثنان ، وخلف أحدهما ميراثا ، ولم يخلف الأخر شيئا ، فالذي خلف ميراثا يرثه الأخر ، وينتقل منه الى ورثته ، دون ورثة الذي خلف الميراث ، مثال ذلك أب وابن ، فإنا إن فرضنا ان الابن لم يترك شيئا ، فالأب ليس له منه حظ فاذا فرضنا بعد ذلك موت الأب ، ورثه الابن ، فصارت تركة الأب لورثة الابن ، وكذلك لو فرضنا ان للابن مالا وليس للأب شي ء ، فإنه إذا فرضنا موت الابن ، انتقلت تركته إلى الأب فإن فرضنا موت الأب بعد ذلك ، لم يكن له شي ء ، ينتقل الى الابن ، لأن الذي ورثه الابن (2) لا يرث الابن منه ، على ما قدمناه ، فيصير ما ورثه من أبيه (3) لورثته خاصة.
فإن غرق اثنان ليس لكل واحد منهما وارث إلا الأخر ، فإن ميراثهما لبيت المال (4) فان كان لأحدهما وارث من ذي رحم (5) أو مولى نعمة ، أو ضامن جريرة
ص: 169
أو زوج ، أو زوجة ، فإن ميراث الذي له وارث لمن ليس له وارث ، وينتقل منه الى بيت المال.
وإذا غرق اثنان في حال واحدة ، يرث الواحد الأخر ، والأخر لا يرثه ، فإنه لا يورث بعضهما من بعض ، ويكون ميراث كل واحد لورثته ، مثال ذلك : اخوان غرقا ، ولأحدهما أولاد ، وليس للآخر ولد ، ولا والدان ، فإنه إذا كان كذلك ، بطل هذا الحكم ، لأنه انما جعل ذلك بان يفرض توريث بعض من بعض (1) فاذا لم يصح ذلك فيه ، فالحكم ساقط.
فان مات اثنان حتف أنفهما ، لم يورث بعضهما من بعض ، ويكون ميراث كل واحد منهما لوارثه الحي ، لأن هذا الحكم جعل في الموضع الذي جوز فيه تقدم كل واحد منهما على الأخر (2).
المجوس يرثون بالأنساب والأسباب صحيحة كانت في شرع الإسلام ، أو غير صحيحة ، مثال ذلك : مجوسي مات ، وخلف زوجته وهي أخته ، فإنها يورث منه بالاخوة ، والزوجية ، فيكون تقدير ذلك في التوريث ان لها من المال الربع بالزوجية
ص: 170
والباقي بالاخوة ، ومثال أخر أيضا : مجوسية ماتت وخلف أخوين الواحد منهما زوجها فإن الأخ الذي ليس بزوج يورث بالاخوة ، والأخر يورث بالاخوة والزوجية ، فيكون تقدير ذلك بالتوريث ان له النصف بالزوجية ، والنصف الأخر يقسم بينه وبين الأخ الأخر.
وقال قوم من أصحابنا : بأن المجوس يورثون بالأنساب ، ولا يورثون بالأسباب إلا بما هو جائز في شرع الإسلام ، وقال الآخرون منهم بما ذكرناه أولا من انهم يورثون من الجهتين معا ، سواء كان ذلك مما هو جائز في شريعة الإسلام ، أو غير جائز فيها ، وهو الظاهر من المذهب.
إذا كان لإنسان ما للرجال وما للنساء ، اعتبرت حاله في هل هو ذكر أو أنثى ببوله ، فان خرج البول مما هو للرجال ، ورث ميراث الذكور ، وان خرج مما هو للنساء ، ورث ميراث الإناث ، فإن خرج البول منهما جميعا (1) ، ولم يسبق أحدهما الأخر ، كان الاعتبار في ذلك بانقطاعه فأيهما انقطع منه قبل الأخر كان التوريث بحسبه فان انقطعا جميعا في حال واحدة ، ورث ميراث الرجال والنساء ، بان يعطى نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى ، فإن دعت الحاجة الى من ينظر الحال في البول من مجيئه وانقطاعه ، فليحضر قوم عدول ويقف الخنثى خلفهم ، ويأخذ كل واحد منهم مرآة فيستقبله بها وينظر الشبح الذي فيها ، فمهما ادى نظره اليه كان الحكم له ، والتوريث بحسبه ، وقد ورد انه يعد أضلاعه (2) ، فمن عمل به كان
ص: 171
جائزا ، فإن كان ممسوحا ، ليس له ما للرجال ، ولا ما للنساء ، فإنه يورث بالقرعة ، ويكتب على سهم عبد اللّه ، وعلى سهم امة اللّه ، فأيهما خرج ورث بحسبه ، والخنثى إذا تزوج من خنثى على ان الواحد منهما رجل ، والأخر امرأة ، من قبل ان يبين أمرهما أوقف النكاح الى ان يتبين ، فان مات أحدهما قبل بيان أمرهما لم يتوارثا.
وإذا كان له ما للرجال وما للنساء ، ودعت الحاجة الى ان يختن قبل ان يبين امره ، لم يجز ان يختنه رجل ولا امراة ، وينبغي ان يشترى له جارية من ماله تختنه ، فان لم يكن له مال اشترى ذلك له من بيت المال ، فاذا ختنته بيعت بعد ذلك ، وأعيد ثمنها الى بيت المال ، والخنثى إذا كان مملوكا ، وقال سيده ، « كل عبد لي وامة أحرار ، وكل مملوك لي حر » فإنه ينعتق بذلك من غير ان يعتبر له حال ، هل هو ذكر أو أنثى ، فإن قال : « كل عبد لي حر » لم ينعتق حتى يعتبر حاله في ذلك.
فان تبين انه رجل انعتق ، فان تبين أنه امرأة لم ينعتق ، فان قال : « كل امة لي حرة » لم ينعتق حتى يعتبر حاله ، فإن بان أنه امرأة أعتق ، وان بان انه رجل لم ينعتق ، فان مات من ذكرنا حاله ، كان ميراثه بالولاية على حسب ما تبين من حاله.
وإذا اوصى إنسان لحمل ، فقال ان كان ذكرا كان له مأة دينار ، وان كان أنثى ، كان له خمسون دينارا ، فولد خنثى ، أوقف الحكم فيه الى ان يبين امره فمهما بان منه كان الحكم بحسبه.
وإذا سرق الخنثى ، أو قذف ، أقيم عليه الحد ، فان قطع إنسان يده أو رجله أو فقأ عينه أوقفت الجناية حتى يبين أمره ، فإن بان انه رجل ، كان على الجاني نصف دية رجل ، وان كان امرأة ، كان عليه نصف دية امرأة.
وإذا ادعى الخنثى انه رجل أو انه امرأة لم يلتفت الى قوله في ذلك ووجب اعتبار حاله ، فمهما بان من امره كان العمل فيه بحسبه.
إذا كان لشخص واحد رأسان على حقو واحد ، كان الاعتبار في هل هو حي
ص: 172
واحد ، أو حيان بان يترك حتى ينام ، ثم ينبه أحدهما ، فإن أنبته أحدهما ، ولم ينتبه الأخر ، ورث ميراث شخصين ، وان انتبها جميعا ، ورث ميراث شخص واحد.
الأصل في ذلك سهام الفرائض ، وقد ذكرنا فيما تقدم انها ستة ، وهي : النصف والربع ، والثمن ، والثلثان ، والثلث ، والسدس ، وبينا فيما تقدم من المستحق لهذه السهام مفصلا ، فإذا أردنا أن نذكر حساب الفرائض فينبغي ان تبين مخرج كل سهم منها ، لأنها كما قدمناه ، الأصل في ذلك ، فنقول : ان مخرج النصف من اثنين ومخرج الربع من أربعة ، ومخرج الثمن من ثمانية ، ومخرج الثلثين والثلث من ثلاثة ، ومخرج السدس من ستة.
فإن كان في الفريضة مع النصف ثلث أو سدس ، كان من ستة ، وان اجتمع معه ثمن أو ربع ، فهي من ثمانية ، فإن اجتمع ثلثان وثلث ، كان من ثلاثة ، فإن كان فيها ربع وما يبقى ، أو ربع ونصف ، وما يبقى ، فهي من أربعة ، فإن كان فيها ثمن وما يبقى أو ثمن ونصف وما يبقى. فهي من ثمانية ، وان كان مع الربع ثلث أو سدس ، فهي من اثنى عشر ، وان كان مع الثمن ثلثان أو سدس ، كانت من أربعة وعشرين ، وإذا أردت إخراج السهام وقسمتها صحاحا ، فانظر الفريضة.
فإن كان فيها فرض مسمى ، إذا خرجته لمستحقه ، كان الباقي وفقا لباقي الوارث ، فاقسمه عليهم ، وليست هاهنا يحتاج الى ضرب السهام بعضها في بعض مثال ذلك : إنسان مات وخلف أباه وخمسة بنين فهذه من ستة ، لأن أقل عدد يخرج منه سدس صحيح هو ستة ، للأب السدس من ذلك سهم واحد ، ويبقى خمسة أسهم يقسم على البنين الخمسة ، لكل واحد منهم سهم ، ومثال أخر : امرأة ماتت وخلفت زوجها وثلاثة بنين فهذه من أربعة ، لأن أقل عدد يخرج منه ربع صحيح ، هو أربعة للزوج من ذلك الربع سهم ، ويبقى ثلاثة أسهم ، يقسم على البنين الثلاثة ، لكل واحد منهم سهم.
ص: 173
فان لم تجد السهام وفقا على ما ذكرناه ، ووجدتها منكسرة ، إذ قسمتها فهي ضربان : أحدهما ان يكون فيها فرض مسمى ، وما بقي لمن يبقى ، والباقي ان يكون فيها فرض مسمى ، والباقي يرد على أهل تلك التسمية فإن كان ما يجده ينكسر وفيه فرض مسمى ، والباقي لمن يبقى ، وهو الضرب الأول فاخرج الفرض الأول لمستحقه.
فاذا وجدت الباقي ينكسر على من يبقى من الوراث ، فاضرب رءوسهم في أصل الفريضة ، ثم اقسم ذلك ، تجد السهام صحيحة ، مثال ذلك إنسان مات ، وترك أباه ، وثلاثة بنين ، فهذه من ستة ، لأن أقل عدد يخرج منه سدس صحيح هو ستة ، كما قدمناه ، يكون للأب من ذلك السدس سهم واحد ، ويبقى خمسة أسهم ، لا ينقسم على البنين الثلاثة على الصحة ، فالوجه في ذلك ان تضرب رءوسهم وهي ثلاثة في أصل الفريضة ، وهي ستة فيكون ثمانية عشر سهما للأب منها السدس ثلاثة أسهم ، ويبقى خمسة عشر سهما للبنين الثلاثة ، لكل واحد منهم خمسة أسهم.
ومثال آخر إنسان مات وترك أباه وأربعة بنين ، فهذه أيضا من ستة ، لأن فيها سدسا ، وهو سهم للأب ، تبقى خمسة أسهم ، لا تنقسم على الأربعة البنين ، فالوجه في ذلك ان تضرب رؤسهم وهي أربعة في ستة ، وهي أصل الفريضة ، يكون أربعة وعشرين سهما ، فللأب منها السدس أربعة أسهم ، ويبقى عشرون سهما للبنين الأربعة ، لكل واحد منهم خمسة أسهم فإن حصل في شي ء من ذلك زوج أو زوجة فليفرض ذلك ، كان رجلا مات وخلف زوجته وابنين ، فهذه من ثمانية ، للزوجة الثمن سهم واحد ، يبقى سبعة أسهم ، لا ينقسم على الابنين.
فالوجه في ذلك ان تضرب رؤسهما ، وهي اثنان في أصل الفريضة ، وهي ثمانية فيكون ستة عشر سهما ، للزوجة منها الثمن سهمان ، ويبقى أربعة عشر سهما للابنين ، لكل واحد منهما سبعة أسهم.
ومثال أخر : امرأة مات وتركت زوجها وابنين ، فهذه من أربعة للزوج الربع سهم واحد ، ويبقى ثلاثة أسهم ، لا تنقسم على الاثنين على الصحة ، فالوجه
ص: 174
في ذلك ان تضرب رؤسهما ، وهي اثنان في أصل الفريضة ، وهي أربعة ، يكون ثمانية أسهم للزوج منها الربع سهمان ، ويبقى ستة أسهم للابنين ، لكل واحد منهما ثلاثة
فإن فرضنا حصول زوج أو زوجة مع الأولاد والأبوين ، أو أحدهما ، كان العمل على ما نذكره ، نفرض ان رجلا مات وترك أبويه وزوجته وابنين ، فهذه من أربعة وعشرين ، لان ذلك أقل عدد يخرج منه سدسان صحيحان ، وثمن صحيح ، يكون للزوجة منها الثمن ثلاثة أسهم ، وللأبوين السدسان ثمانية أسهم ، يبقى ثلاثة عشر سهما ، لا تنقسم على الصحة على الابنين.
فالوجه في ذلك ان تضرب رؤسهما وهي اثنان في أصل الفريضة ، وهي أربعة وعشرون ، فيكون ثمانية وأربعين سهما للزوجة من ذلك ستة أسهم ، وهي الثمن ، وللأبوين السدسان ، ستة عشر سهما ، يبقى ستة وعشرون سهما للابنين ، لكل واحد منهما ثلاثة عشر سهما ، فان حصل في الفريضة مع البنين بنات فاجعل للابن بنتين.
مثال ذلك : رجل مات وترك أبويه وزوجة وثلاثة بنين وبنتا فالفريضة من أربعة وعشرين ، فصح منها سهام الوالدين والزوجة ، وتنكسر سهام الأولاد ، فتضرب عددهم وهو سبعة ، لأن بنتا وثلاثة بنين بمنزلة سبع بنات في أصل الفريضة ، فيصير مائة وثمانية وستين ، منها سهم الزوجة أحد وعشرون ، وسهم الأب ثمانية وعشرون ، وكذا سهم الام ، فيبقى أحد وتسعون ، يكون لكل ابن أربعة أسهم ، وللبنت سهمان.
ثم اضرب ذلك على ما بيناه ، واما الضرب الأخر : وهو ان يكون في الفريضة فرض مسمى ، والباقي رد على أهل تلك التسمية ، فمثاله ان نفرض ان إنسانا هلك وخلف أبويه وبنتا ، فهذه من ستة ، لأن فيها نصفا وسدسا للأبوين منها السدسان ، وللبنت النصف ثلاثة أسهم ، ويبقى سهم يرد على الأبوين منها والبنت بحسب سهامهم ، وهي خمسة ، فان شئت جعلتها من خمسة ، واستغنيت عن الضرب ، فيكون للأبوين منها سهمان وللبنت ثلاثة أسهم ، وهذا اولى وأقرب من الضرب.
فإن أردت ان تضرب ذلك ، فاضرب سهامهم ، وهي خمسة ، في أصل الفريضة وهي ستة ، يكون ثلاثين سهما ، للأبوين منها سدسان عشرة أسهم ، وللبنت النصف
ص: 175
خمسة عشر سهما ، ويبقى خمسة أسهم يرد على الأبوين والبنت بحسب سهامهم ، فيكون للأبوين منهما سهمان ، لكل واحد منهما سهم ، وللبنت ثلاثة أسهم.
ومثال آخر : إنسان أخر مات ، وترك أباه وبنتين ، فهذه من ستة ، للأب منها السدس سهم واحد ، وللبنتين الثلثان أربعة أسهم ، ويبقى سهم واحد يرد على الأب والبنتين بحسب سهامهم ، وهي خمسة ، فان شئت جعلتها من خمسة أسهم ، وهو الاولى من الضرب ، والأقرب يكون للأب سهم واحد ، وللبنتين أربعة أسهم لكل واحد منهما سهمان ، وان أردت ضرب ذلك ، فاضرب سهامهم ، وهي خمسة في أصل الفريضة وهي ستة ، فيكون ثلاثين سهما للأب السدس خمسة أسهم لكل واحدة منهما سهمان.
فان اجتمع مع أصحاب الرد زوج أو زوجة ، لم يرد على الزوج والزوجة شي ء ، بل يدفع الى كل واحد منهما فرضه المسمى بغير زيادة عليه ، والباقي لمن يبقى من الوراث ، مثال ذلك : رجل هلك وترك أباه وزوجته وبنتا ، فهذه من أربعة وعشرين ، للزوجة منها الثمن ثلاثة أسهم ، وللأب السدس أربعة أسهم ، وللبنت النصف اثنا عشر سهما ، يبقى خمسة ، يرد على الأب والبنت بحسب سهامهم دون الزوجة ، فتنكسر على الأب والبنت.
فالوجه في ذلك ان تضرب سهامهما وهي أربعة من ستة ، يحق النصف والسدس في أصل الفريضة ، وهي أربعة وعشرون سهما ، فيكون ستة وتسعين سهما ، للزوجة من ذلك الثمن اثنا عشر سهما ، وللأب السدس ستة عشر سهما ، وللبنت النصف ثمانية وأربعون سهما ، يبقى عشرون سهما ، للأب منها خمسة أسهم ، وللبنت خمسة عشر سهما
ومثال آخر : امراة ماتت ، وتركت زوجها وأباها وبنتا ، فهذه من اثنى عشر للزوج الربع ثلاثة أسهم ، وللأب السدس سهمان ، وللبنت النصف ستة أسهم ، ويبقى سهم يرد على الأب والبنت بحسب سهامهما دون الزوج ، فينكسر عليهما ، فالوجه في ذلك ان تضرب سهامهما وهي أربعة ، يحق النصف والسدس من ستة في أصل الفريضة وهي اثنا عشر ، فيكون ثمانية وأربعين سهما ، للزوج منها الربع
ص: 176
اثنا عشر سهما ، وللأب السدس ثمانية أسهم ، وللبنت النصف أربعة وعشرون سهما ، يبقى أربعة أسهم ، للأب سهم واحد ، وللبنت ثلاثة أسهم.
فهذه جملة موجزة ، ولا نوضح عن الأصل في حساب الفرائض فليتأمل ، فإنها تكشف عن الغرض في ذلك بمشية اللّه تعالى.
فاما الناسخات فنحن نورد منها ما ينكشف به المراد منها ، فنقول : الأصل في ذلك ان تصحيح مسألة الميت الأول فإذا صححتها ، صححت مسئلة الميت الثاني ، ثم تقسم ما تختص بالميت الثاني من المسئلة الاولى على سهام مسئلته ، فان انقسمت فقد صحت المسئلتان جميعا مما صحت منه المسئلة في الميت الأول ، مثال ذلك : رجل مات وترك أبوين وابنين فهذه من ستة ، للأبوين السدسان سهمان ، وللابنين أربعة ، لكل واحد منهما سهمان.
فاذا مات أحد الابنين وخلف ابنين ، كان لكل واحد منهما سهم من هذين السهمين ، فقد صحت المسئلتان من المسئلة الأولى.
فان لم ينقسم المسئلة الثانية من المسئلة الاولى ، نظر في سهام المستحق للمسئلة الثانية ، واجمعها وأضربها في سهام المسئلة الاولى ، وقد صحت المسئلتان جميعا ، مثال ذلك المسئلة المقدم ذكرها ، فنفرض ان أحد الابنين مات ، وخلف ابنا وبنتا ، وكان له سهمان من ستة ، لا ينقسم على الصحة على الابن والبنت ، فاضرب سهم الابن وهو اثنان ، وسهم البنت وهو الواحد في أصل الفريضة للمسئلة الاولى وهي ستة ، فيكون ثمانية عشر ، يكون الأبوين منهما السدسان ، ستة أسهم ، ولكل واحد من الابنين ستة أسهم.
فإن هلك الابن وترك ابنا وبنتا ، كان للابن من ذلك أربعة أسهم ، وللبنت سهمان ، وكذلك ان مات ثالثا أو أكثر من ذلك ، في أنك تصحح مسئلة كل ميت ثم اقسم ماله من مسائل الذين هلكوا قبله من السهام على سهام مسئلته ، فان انقسمت فقد صحت المسائل كلها ، وان لم يصح ، ضربت جميع مسئلته فيما صحت منه الذين ماتوا قبله فمهما اجتمع ، فقد صحت منه جميع المسائل.
ص: 177
قال اللّه تعالى ( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ) (1) وقال : ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم أزواجا الآية (2) وقال : ( وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ ) الايتان (3) وقال : ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً ) (4) وقال : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) (5).
وروى عن النبي صلى اللّه عليه وآله انه قال : تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم حتى بالسقط. (6)
وقال : ومن أحب ان يكون على فطرتي فليستن بسنتي ، وان سنتي النكاح (7).
وعن الصادق (عليه السلام) : ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : من أحب ان يلقى اللّه تعالى طاهرا مطهرا ، فليستعفف بزوجة. (8)
واجمع المسلمون على ان التزويج مندوب اليه ، ومرغب فيه ، وان اختلفوا في وجوبه.
ص: 178
النكاح على ثلاثة أضرب :
نكاح غبطة مستدام غير مؤجل ، ونكاح متعة ، ونكاح بملك اليمين. فاما نكاح الغبطة المستدام غير المؤجل ، فهو نكاح لا يكون مؤجلا بمدة معلومة من أيام أو شهود أو سنين ويجب في ذلك النفقة ، ويلحق فيه الأولاد بالإباء ظاهرا ويستحب فيه عند العقد الاشهاد ، والإعلان ، وإذا ثبت لم ينفسخ الا بطلاق أو ما يقوم مقامه من أنواع الفرقة.
واما نكاح المتعة : فهو نكاح ينعقد بأجل معين ومهر معلوم ، وبذلك : يبين من النكاح المستدام ، فان عين فيه المهر ولم يذكر فيه الأجل ، وان سمى متعة لحق بالأول ، وكان نكاحا دائما ، وان ذكر الأجل ولم يذكر المهر كان فاسدا ، وان لم يذكر مهرا ولا أجلا كان باطلا أيضا ويشترك هو والنكاح المستدام في إلحاق الأولاد بابائهم ، واما نكاح ملك اليمين فيختص بوطي الإماء ممن يملكهن ، وأحكام جميع ذلك نبين فيما بعد.
الأحرار من المؤمنين يتكافئون في النكاح وان تفاضلوا في النسب والشرف ، كما يتكافئون في الدماء وان تفاضلوا في الشرف والأنساب ، فمن كان منهم عاقلا قادرا على نفقات الزوجات بحسب الحاجة مستطيعا للنكاح مأمونا على النفس والمال ليس بمرتكب للفجور والفواحش وليس به سفه من ( في - خ ل ) رأى وان كان حقيرا في نسبه وطلب الى غيره التزويج ورغب إليه فينبغي ان يزوجه فان لم يفعل كان عاصيا
ص: 179
مخالفا للسنة والاخبار (1) يمنع من ذلك لأجل نسبه ، كما روى عن الصادق (عليه السلام) ان النبي صلى اللّه عليه وآله زوج امراة من بنى هاشم بن عبد مناف بن تميم الداري ، (2) وزوج المقداد ضباعة بنت الزبير من عبد المطلب ، وقال : انما زوجها للمقداد ليتواضع النكاح ، فليتأسوا برسول اللّه ، وليعلموا ان أكرمكم عند اللّه أتقاكم (3).
ومن كان له ابنة فإنه يكره له تزويجها ممن كان متظاهرا بشرب الخمور أو غيرها من الفسق ، فان زوجها منه كان النكاح جائزا ويكون بذلك تاركا للأفضل وإذا أراد الإنسان التزويج ، فينبغي ان يطلب ذات الدين والأبوة والأصل الكريم ، ولا ينبغي ان يتزوج المرأة لمالها أو لجمالها إذا لم يكن اعتقادها مرضيا ولم تكن كاملة العقل سديدة الرأي ، وقال النبي (صلی الله عليه وآله) صلى اللّه عليه وآله : مالها يطغيها وجمالها يرديها (4).
وقال الصادق عليه السلام من تزوج امرأة لجمالها أو مالها حرمه اللّه مالها وجمالها (5).
ولا يتزوج امرأة مخالفة في الاعتقاد ، فان فعل ذلك كان النكاح ماضيا ، ويكون تاركا للأفضل ، وان كانت المرأة مستضعفة لا يعرف فيها نصبا ولا انحرافا عن الحق
ص: 180
جاز له تزويجها ، ولا يجوز لإنسان أن يزوج ابنته لمخالف له في ذلك مع الاختيار
وإذا وجد الرجل امرأة فقيرة ولها أصل ودين فلا ينبغي ان يمتنع من نكاحها لما عليه من ذلك والأفضل للرجال ان يختار والولود من النساء ، وان كانت شوهاء قبيحة المنظر ويجتنب العقيم منهن وان كانت حسناء ويستحب التزويج بالأبكار لما روى عن النبي صلى اللّه عليه وآله ، انه قال : إنهن أطيب شي ء أفواها ، وأدر شي ء أخلاقا وأحسن شي ء أخلاقا وافتح شي ء أرحاما (1) ويكره التزويج بالسودان من الزنج وغيرهم إلا النوبة.
ويكره التزويج بالاكراد وكذلك التزويج بالمجنونة.
ويجوز الوطي بملك اليمين من غير ان يطلب منها الولد ، ويجوز ان يتزوج الرجل امراة يعلم منها ارتكاب الفجور إذا تابت منه ، وإذا عقد على امراة كانت قد زنت ولم يعلم ذلك ثم علم به بعد العقد وكان قد دخل بها ، كان عليه المهر بما استحل من فرجها ، ثم ان أراد ان يمسكها أمسكها وان أراد طلاقها ، طلقها وان كان لم يدخل بها ، كان له الرجوع بالمهر على وليها.
ونكاح الحمقاء مكروه وقد روى ان صحبتها بلاء ، وولدها ضياع (2)
ص: 181
وينبغي لمن أراد التزويج ، ان يتزوج للدين والسنة ، ولا يتزوج للرياء والسمعة وإذا أراد التزويج استخار اللّه في ذلك يقول : « اللّهم انى أريد النكاح فسهل لي من النساء أحسنهن خلقا وخلقا وأعفهن فرجا وأحفظهن لنفسها ودينها وأمانتي عندها » ثم يفعل ما يريد منه.
المحرمات من النساء على ضربين :
أحدهما : يحرم بالنسب ، والأخر : يحرم بالسبب ، فالذي يحرم بالنسب الام وان علت والبنت وان نزلت وبنات الأخ وان نزلن وبنات الأخت وان نزلن أيضا والعمة والخالة وان علتا (1).
واما الذي يحرم بالسبب فعلى ضربين :
أحدهما : يحرم العقد عليه على كل حال ، والأخر يحرم عليه في حال دون حال والذي يحرم العقد عليه على كل حال هو كل من جرى في الرضاع مجرى من ذكرنا تحريمه بالنسب.
ويلحق بذلك أيضا كل امراة عقد عليها الأب أو الابن ومملوكة الأب أو الابن إذا جامعاها أو قبلاها بشهوة أو نظرا منها الى ما يحرم على غير مالكها النظر اليه ، وأم الزوجة سواء دخل بابنتها أو لم يدخل وبنت المدخول بها ، فان عقد عليها ولم يدخل بها جاز العقد على البنت (2) وهذا الحكم أيضا ثابت في المتعة.
ص: 182
فاما ملك اليمين فإنه إذا وطئ الرجل مملوكة (1) له حرم عليه وطؤ بناتها بالملك والعقد أيضا فان لم يطأ الام جاز له وطؤ البنت وان كانت أمها باقية في ملكه ، والمعقود عليها ليست كذلك ، لأنه إذا لم يدخل بالأم لم يجز له العقد على البنت الا بعد مفارقتها.
والمرأة المزني بها يحرم على أب الزاني بها وعلى ابنه ، العقد عليها ، فان كان زنى بها بعد ان عقد الأب أو الابن عليها ، فإنه لا يبطل العقد.
وإذا ملك الرجل جارية ووطئها ثم وطئها ابنه بعد وطي الأب لها لم يحرم بذلك على الأب وطؤها ، فإن كان ابنه وطئها قبل وطي الأب لها حرم وطؤها على الأب.
وإذا كان للمرأة زوج ، أو كانت في عدة من زوج له عليها رجعة ، وفجر بها رجل في شي ء من ذلك حرم على الذي فجر بها العقد عليها ابدا.
وإذا طلق رجل زوجته تسع تطليقات للعدة وقد تزوجت فيما بينها بزوجين حرمت عليه ابدا.
وإذا لا عن رجل امرأته فرق بينهما ، ولم تحل له بعد ذلك ابدا.
وإذا عقد المحرم على امرأة وهو عالم بتحريم ذلك فرق بينهما ولم تحل له ابدا فان لم يكن عالما بهذا التحريم فرق بينهما وجاز له العقد عليها بعد الإحلال.
وإذا قذف رجل امرأته وهي صماء أو خرساء فرق بينهما ولم تحل له ابدا.
ومن فجر بغلام فأوقب حرم عليه العقد على امه وابنته وأخته.
وإذا عقد الرجل على امرأة في عدتها وهو عالم بذلك فرق بينهما ولم تحل له ابدا وان لم يكن دخل بها ، ولا فرق بين ان يكون العدة عدة الطلاق ، أو عدة الوفاة وان لم يكن عالما بذلك فرق بينهما ، وإذا انقضت العدة ، جاز له بعد ذلك العقد عليها ان لم يكن دخل بها وإذا كانت المرأة عالمة بذلك حرم عليه الرجوع
ص: 183
الى هذا الزوج تعقد آخر وإذا لم يكن عالما بذلك وكان قد دفع إليها المهر كان له الرجوع عليها به ، وان عقد عليها وهي في عدة ودخل بها فرق بينهما ولم تحل له ابدا ، سواء كان عالما بذلك أم لم يكن عالما به ، وكان لها المهر (1) بما استحل من فرجها وعليها عدتان إحداهما : تمام العدة من الزوج الأول ، والعدة الأخرى : من الزوج الثاني.
وإذا جاءت بولد لأقل من ستة أشهر ، كان لاحقا بالزوج الأول ، وان كان لستة أشهر أو أكثر كان للثاني.
واما من يحرم العقد عليه في حال دون حال فهو كل امرأة لها زوج ، فإنه يحرم على الرجل العقد عليها وهي في حباله ، فان طلقها الزوج ، أو مات عنها جاز له العقد عليها ، فان كان من ذوات العدد ، فبعد خروجها من العدة التي لزمتها.
وكل أختين من الحرائر ، فإنه يحرم الجمع بينهما في عقد نكاح غبطة أو متعة في زمان واحد ، فان تزوج بهما بلفظ واحد في وقت واحد ، كان مخيرا في إمساك الواحدة منهما (2) وتخلية الأخرى ، فإن عقد على واحدة منهما ، ثم عقد على الأخرى بعد ذلك ، كان عقده على الثانية باطلا ، فان وطئ الثانية فرق بينهما ، وحرم عليه الرجوع الى الأولى حتى تخرج التي وطئها من عدتها منه.
فان عقد الرجل على امرأة ثم عقد على أمها أو أختها (3) جاهلا بذلك فرق
ص: 184
بينهما ، فان جاءت بولد لحق به ، وحرم عليه الرجوع الى الأولى حتى تقضى التي وطأها عدتها منه ، ومن طلق زوجة له طلاقا رجعيا حرم عليه العقد على أختها حتى تنقضي عدتها ، وإذا انقضى أجل الزوجة المتمع بها جاز العقد على أختها في الحال وقبل انقضاء عدتها ، وقد روى (1) ان ذلك لا يجوز حتى تقضى العدة وهو الأحوط ، ويجوز العقد على أخت زوجته في حال موت هذه الزوجة.
ويحرم عليه الجمع بين الأختين المملوكتين في الوطأ ، فاما في الملك فهو جائز ، لأن حكم الجمع بينهما في الوطأ حكم الجمع بينهما في العقد ، فان ملكها ووطأ واحدة منهما ، حرم عليه وطؤ الأخرى حتى تخرج الموطوئة عن ملكه بهبة أو بيع أو غير ذلك ، فإن وطأ الأخرى بعد وطئه لتلك وكان عالما بذلك وتحريمه عليه ، حرمت الاولى عليه حتى تموت الثانية.
فإن أخرج الثانية عن ملكه ، وقصد بإخراجها الرجوع الى الأولى لم يجز له ذلك ، فإن أخرجها لغير ذلك جاز له الرجوع الى الاولى ، وان لم يكن عالما بتحريم ذلك عليه ، كان له الرجوع الى الأولى إذا أخرج الثانية من ملكه.
ويحرم على الرجل إذا كان حرا ان يجمع في العقد بين أكثر من أربع حرائر ، أو أمتين ، ويجوز له الجمع في العقد بين حرتين وأمتين أو حرة وأمتين ، ويجوز له الجمع ما شاء بملك اليمين مع العقد على اربع حرائر.
فإذا كان عند رجل ثلاث زوجات وعقد على اثنتين في حال ، كان مخيرا في
ص: 185
إمساك إحداهما وتخلية الأخرى ، فإن عقد عليهما بلفظ واحد ثم دخل بواحدة منهما ، كان عقد المدخول بها ثابتا ، (1) وعقد التي لم يدخل بها باطلا ، فان عقد عليهما بلفظ قدم فيه ذكر اسم الواحدة منهما على الاسم الأخرى ودخل بالتي قدم اسمها ، كان عقدها ثابتا ، (2) كان نكاحها باطلا ، وكان عليها العدة لأجل الدخول بها.
وإذا كان عند رجل اربع زوجات وطلق واحدة منهن طلاقا يملك فيه الرجعة ، حرم عليه العقد على اخرى حتى تنقضي عدة المطلقة فإن كان الطلاق بائنا جاز له العقد على أخرى في الحال.
وان كان ذميا وكان عنده أكثر من اربع زوجات فأسلم فعليه ان يختار منهن أربعا فيمسكهن ان أراد ذلك وخلي سبيل ما زاد على الأربع ، والرجل إذا كان مملوكا حرم عليه الجمع في العقد بين أكثر من حرتين أو أربع إماء ويجوز له العقد على حرة وأمتين ولا يجوز له العقد على حرتين وامة.
واما ما يحرم من الرضاع فقد ذكرنا فيما تقدم ، انه يحرم منه ما يحرم بالنسب وإذا عقد الرجل على طفلة رضيعة وله زوجة ، فأرضعت هذه الطفلة حرمت عليه الطفلة الرضيعة وامرأته التي أرضعتها.
وإذا كان لرجل زوجتان فارضعتا هذه الطفلة ، حرمت عليه الطفلة والزوجة
ص: 186
التي ارضعتها أولا ، ولم تحرم التي أرضعتها ثانيا.
ومن عقد على طفلتين رضيعتين ، وكان له زوجتان ، فأرضعت الزوجة الواحدة الطفلتين ، حرمت الطفلتان عليه والتي أرضعتها ، فإن أرضعت الزوجتان الطفلتين حرم عليه الجميع (1).
ولا يجوز للمسلم العقد على مشركة ، عابدة وثن كانت ، أو يهودية أو نصرانية أو مجوسية أو غير ذلك على اختلافهم في الشرك ، لان ذلك محرم عليه الا في حال الضرورة الشديدة فإنه إذا كان ذلك جاز له العقد على اليهودية والنصرانية ، ولم يجز له العقد على الباقيات في حال من الأحوال ، ومن عقد على يهودية أو نصرانية فليمنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير.
ويجوز وطؤ اليهودية والنصرانية بملك اليمين (2) ، وقد ذكر جواز وطئ المجوسية بالملك أيضا وقيل انه مكروه وترك ذلك أحوط.
وإذا كان الرجل يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا (3) وله زوجة فأسلم ولم تسلم زوجته فإمساكها ووطؤها جائزا له بالعقد الأول ، فإن أسلمت الزوجة ولم يسلم الرجل
ص: 187
لم يكن له عليها سبيل وتعتد منه ، فإن أسلم قبل ان تنقضي العدة كان أملك بها ، وان أسلم بعد انقضاء ، العدة لم يكن له عليها سبيل ، وكذلك الحكم في جميع الكفار فإن أسلم واحد منهم بعد انقضاء عدة زوجته وأراد العقد عليها ، كان كغيره من الخطاب وإذا كانت مخيرة في العقد عليها منه ، أو الامتناع من ذلك.
ويحرم العقد على الناصبة المعروفة بالنصب ، ويجوز العقد على من لا يعرف منها ذلك ، ويحرم تزويج المؤمنة بالمخالف لها في الاعتقاد ولا يجوز تزويجها إلا بمؤمن مثلها.
وإذا لم يكن للمرأة زوج وفجر بها رجل حرم العقد عليها ما دامت مصرة على الفجور فان أظهرت له التوبة من ذلك والإقلاع عنه جاز له العقد عليها ويعتبر اقلاعها عن ذلك ، بان تدعوها الى الفجور فتمتنع منه.
وإذا فجر رجل بامرئة حرم عليه العقد على أمها وبنتها من النسب والرضاع على كل حال فان قبلها أو لامسها من غير جماع أو ما جرى مجرى ذلك ، جاز له العقد على الأم أو البنت ومن فجر بأم زوجته أو ابنتها ، لم تحرم عليه بذلك زوجته.
ولا يجوز لرجل العقد على امرأة تكون زوجته عمتها أو خالتها من جهة النسب أو الرضاع الا برضاهما فان رضيتا ذلك كان جائزا ، وان لم ترضيا ولم يفسخ الزوج العقد ، كان لهما اعتزاله ، فاذا اعتزلته كل واحدة منهما واعتدت ثلاثة أقراء ، كان ذلك فراقا بينهما ، واغنى عن الطلاق.
ولا يجوز لرجل العقد على امة وعنده زوجة حرة إلا برضاها فان عقد على الأمة من غير رضا زوجته الحرة ، كان العقد فاسدا ، وان امضته الحرة كان ماضيا ولم يكن لها بعد ذلك خيار ، وان لم ترض بذلك كان لها اعتزال الزوج فاذا اعتزلته واعتدت أيضا ثلاثة أقراء كان ذلك فراقا بينهما واغنى عن الطلاق.
ومن عقد على حرة وامة في حال واحدة كان العقد على الأمة باطلا ، وكان عقد الحرة ماضيا وان عقد على حرة وعنده امة هي زوجة ، ولم تعلم الحرة بذلك
ص: 188
كانت مخيرة بين الصبر عليها وبين الاعتزال وينتظر بها مدة العدة ، فإذا انقضت عدتها ، كان ذلك فراقا بينهما ، فان رضيت لم تكن لها بعد ذلك خيار.
وإذا وجد الرجل الطول الى العقد على الحرة ، كره له العقد على الأمة (1) فان لم يجد الطول الى ذلك ، جاز له العقد على الأمة ، ولم يكن ذلك مكروها فان عقد عليها مع وجود الطول. كان تاركا للأفضل ، وكان العقد ماضيا.
ويكره للرجل العقد على القابلة ، وعلى بنتها ، ويكره للرجل الجمع بين أمرية قد عقد عليها وبين أمرية أبيها ، أو وليدته ، إذا لم تكن أمها.
ويكره ان يزوج ابنه ابنة أمرية كانت زوجته ، قد دخل بها إذا كانت البنت قد رزقت بعد مفارقتها له ، وليس ذلك بمحظور ، وان كانت البنت رزقت قبل عقد الرجل عليها ، كان جائزا على كل حال.
ويجوز للرجل ان يتزوج وهو مريض ، فان دخل بالزوجة ، ومات ، كان العقد ماضيا ، وصح التوارث بينهما ، وان مات قبل الدخول بها ، كان العقد باطلا ، ولم يصح بينهما توارث على حال.
وإذا أقام رجل بينة على العقد على أمرية ، وأثبت أخت تلك المرية بينة بأنها امرأة الرجل ، كانت البينة ، بينة الرجل ، (2) أو يكون مع بينتها قد دخل بها ، فان ثبت لها أحد هذين الأمرين ، بطلت بينة الرجل.
ويكره للرجل تزويج ضرة أمه التي كانت مع غير أبيه ، وإذا عقد رجل على أمرية وحضر رجل آخر فادعى انها زوجته ، لم يلتفت الى دعواه ، الا ان تثبت بذلك بينة.
ص: 189
« وما لا يحرم به ، وما يتعلق بذلك »
الرضاع يحرم معه النكاح ، هو كل رضاع أنبت اللحم وشد العظم ، فان لم يعلم ذلك اعتبر بعشر رضعات متواليات لا يفصل بينهن برضاع أمرية أخرى.
فان لم ينضبط العدد في ذلك كان الاعتبار فيه برضاع يوم وليلة ، لا يرضع المولود فيها امرأة أخرى ، وان يكون الرضاع في مدة الحولين ، وكل رضاع اختلفت فيه هذه الشروط مثل ان يكون مما لا ينبت لحما ولا يشد عظما ، أو يكون أقل من عشر رضعات. أو يحصل العشر رضعات ويكون قد فصل بينهن برضاع امرأة أخرى ، أو يكون يوما وليلة وقد أرضعت المولود في شي ء منهما امرأة أخرى ، أو يكون أقل من يوم وليلة لمن لا يراعى العدد ، أو يكون الرضاع حصل بعد انقضاء الحولين ، سواء قد فطم الطفل أو لم يفطم أو يكون الرضاع بلبن غير الفحل أو يكون بلبن در أو غير ذلك مما يخالف ما ذكرناه (1) فإنه لا يحرم النكاح معه.
ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، والمعنى في ذلك : ان المرأة إذا أرضعت بلبن بعل لها ، صبية ، حرمت عليه وعلى امه (2) وأجداده من جهة أبيه وامه وان علوا ، وفي بنيه وبنى بنيه وان سفلوا وان أرضعت هذه المرأة غلاما ، حرمت هي عليه وأولادها المنتسبون إليها بالولادة دون الرضاع وأولاد البعل الذي رضع بلبنه المنتسبون اليه بالولادة والرضاع من هذه المرية وغيرها ولا يتزوج الرجل بابنته من الرضاعة ولا بنات ابنه ولان سفلوا. ولا بأخته من الرضاعة ولا بعماته وخالاته من الرضاعة ، ولا يجمع بين أختين له من الرضاع.
ويجوز ان يتزوج الرجل بالمرئة التي أرضعت ابنه وكذلك يزوجها من بنيه غير الذي أرضعت ، لأنها ليست اما لهم ، وانما هي أم أخيهم الذي أرضعته ، ولا تحرم
ص: 190
عليهم لأنها ليست زوجة لأبيهم ، (1) وانما حرم اللّه نساء الإباء وهذه المرأة ليست من الأب بسبيل ، وهكذا يجوز ان يتزوجوا بنتها التي هي رضيع أخيهم وولدها وولد ولدها وكذلك يتزوج الرجل بنات المرية التي أرضعت ولده وبناتهن أيضا ، لأنهن لم يرضعن من لبنه ولا بينه وبينهن قرابة من رضاع ولا غيره ، وانما يحرم نكاحهن على المرضع.
ويجوز للرجل ان يتزوج بنت عمه وابنة عمته من الرضاع وكذلك : يجوز له ان يتزوج بنت خاله وابنة خالته من ذلك أيضا ، لأنهن مباحات من النسب ، وإذا كن مباحات من ذلك ، كن مباحات من الرضاع ، ويجوز ان يتزوج بكل من أبيح نكاحه من النسب.
وإذا أرضعت المرأة طفلين ولكل واحد منهما اخوة وأخوات ولادة أو رضاعا من غير الذي رضعا بلبنه ، فإنه يجوز ان يزوج اخوة وأخوات الواحد منهما إلى اخوة وأخوات الأخر على ما قدمناه (2) ، ولا يجوز التناكح بينهما بأنفسهما (3) ولا بين
ص: 191
إخوتهما وأخواتهما من الجهة التي (1) رضعا بلبنه كما قدمناه.
وإذا ادعت امرأة انها أرضعت طفلا لم يلتفت الى دعواها في ذلك إلا ببينة يقيمها عليه.
وإذا ربت المرأة بلبنها جديا كره لحمه ولحم ما يكون من نسله وليس ذلك بمحرم كما هو في الناس (2).
« ومن لا يجوز له ذلك »
النكاح بغير ولى ولا شهود عندنا جائز ، ولا خلاف في ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله تزوج أم سلمة ، فزوجها منه ابنها عمر ، (3) ، ولا خلاف أيضا في ان الابن لا ولاية له على الأم ، فكأنه عليه السلم تزوجها بغير ولى ، وأيضا فإنه عليه السلام أعتق صفية وتزوجها وجعل عتقها صداقها ، (4) والمعتق لا يكون وليا في حق نفسه.
ص: 192
فاذا كان الأمر على ما ذكرناه وكانت الحرة رشيدة ملكت كل عقد من نكاح وغيره.
وقد ذهب بعض أصحابنا الى ان البكر لا يجوز لها العقد على نفسها إلا بإذن أبيها وهو الأظهر في الروايات والأكثر في العمل به (1) وإذا تزوج من ذكرناه كان العقد صحيحا ماضيا ومتى طلق كان الطلاق واقعا.
والنسوان على ضربين أحدهما ثيبات ، والأخر أبكار ، فاما الثيب فإنها إذا كانت كبيرة رشيدة فإنها لا تجبر على النكاح ولا تزوج إلا بإذنها واختيارها ، فان كانت صغيرة (2) كان لوليها تزويجها.
واما الأبكار فان كانت الواحدة منهن صغيرة كان لأبيها وجدها ابى أبيها وان علا تزويجها ، وان كانت كبيرة لم يجز لأحد ان يتولى العقد عليها إلا أبوها أو جدها أبو أبيها الا ان يعضلاها فان عضلاها جاز لها ان يعقد على نفسها اى نكاح شاءت وتولى العقد عليها من أرادت من الرجال المسلمين وان كره أبوها أو جدها ذلك إذا عضلاها لم يلتفت الى كراهتهما له ، وعضلها هو ان لا يزوجاها بالأكفاء إذا خطبوها.
ص: 193
وإذا كان الرجل فاسقا جاز ان يكون وليا للمرأة في النكاح ، سواء كان ممن له الإجبار كالأب والجد في حق البكر أو لم يكن له ذلك ، وليس من شرط صحة انعقاد عقد النكاح ، الشاهدان عندنا ، بل يصح ثبوته من دونهما ، وانما هو مستحب.
وذهب بعض أصحابنا إلى جواز عقد النكاح للمسلم على الكافرة ، وعلى هذا إذا عقد الذمي نكاح ابنته الكافرة على مسلم بمحضر من كافرين ، كان العقد صحيحا وولاية أصحاب الصنائع الدنية كالحجام والكناس والحراس ومن جرى مجراهم إذا كانوا عدولا ، صحيحة ، ويصح ولاية الضرير في النكاح ، لأنه ليس من شرط صحة عقده ، المشاهدة ، وإذا كان الأمر على ما ذكرناه في ترتيب النساء على الأولياء وأردت ترتيب الأولياء على النساء كان هذا الأولياء : أبا ، وجدا ، وأخا ، وعما ، وابن عم ، ومولى نعمة وحاكما.
فان كان أب وجد ، وكانت المرأة مجنونة أجبرها صغيرة وله تزويجها بإذنها إذا كانت كبيرة ، وان كان لها أخ ، أو ابن أخ ، أو عم ، أو ابن عم ، أو مولى نعمة لم يجبرها أحد منهم صغيرة كانت أو كبيرة (1) وإذا كانت عاقلة فهو كالعم.
إذا أوجب الولي عقد النكاح للزوج ، ثم زال عقله بجنون أو إغماء أو مرض بطل إيجابه ولم يجز للزوج القبول وكذلك لو استدعى الزوج النكاح فقدم القبول ، وقال زوجنيها ثم لحقه مثل ما قدمناه في الولي ، بطل القبول ولم يجز للولي الإيجاب.
وإذا لم يكن للمرأة الكبيرة أب ولا جد جاز لها العقد على نفسها ، وان كان لها ذلك فتستحب له ان لا يعقد عليها حتى يستأذنها ، فإن كانت بكرا ، وضحكت أو سكتت أو بكت كان ذلك رضي منها بالتزويج.
فان عقد عليها من غير ان يستأذنها كان عقده ماضيا ولم يجز لها خلافه ، ولا يجوز
ص: 194
لها إذا كانت بكرا ان يعقد على نفسها نكاح دوام ولا متعة إلا بإذن أبيها ورضاه فان فعلت ذلك ، كان العقد موقوفا على رضاه فان لم يرضه كان مفسوخا الا فيما قدمناه إذا عضلها.
وإذا كان لها أب وجد ، كان لكل واحد منهما العقد عليها ، والجد اولى بالتقدم في ذلك ، إذا حضرا جميعا له ، فان عقدا عليها في وقتين مختلفين ، كان العقد الأول هو الثابت والمتأخر باطلا وان عقدا عليها في وقت واحد ، كان الثابت عقد الجد دون عقد الأب ، وإذا اختاره أبوها رجلا واختار الجد غيره ، كان الثابت ما اختاره الجد دون الذي اختاره الأب.
وإذا كان الجد الذي هو أبو أبيها حيا ، وكان أبوها ميتا ، لم يجز له العقد عليها إلا بإذنها وتوكيلها له في ذلك ، لأنه مع فقد أبيه يجري مجرى غيره ممن لا ولاية له عليها إلا بإذنها وتوكيلها له وإذا كان لها جد وأخ ، فالأفضل لها إذا أرادت التوكيل في ذلك الا تعدل به عنهما ، ويستحب لها ان تجعل أمرها إلى الجد ولا تخالفه ، فإن أراد خلافها ، وكرهت هي ما اراده ، كان العمل على ما تريده هي دون ما يريده الجد.
وينبغي لها ان لا توكل في العقد عليها أباها أو غيره إذا كان كافرا وإذا كان لها اخوان فوكلتهما في العقد عليها ، فعقد الأكبر لرجل وعقد الأصغر لآخر ، كان الثابت ما عقده الأكبر ، وبطل عقد الأصغر ، فإن كان الذي عقد عليه الأصغر قد دخل بها ، كان نكاحه ماضيا ولم يكن للأكبر اعتراض عليه مع الدخول ، وان كان الأكبر سبق بالعقد ، كان لها المهر بما استحل من فرجها ، وترد إلى الذي عقد له الأكبر عليها بعد العدة ، فإن جاءت بولد من الذي كان دخل بها ، كان لا حقا بأبيه.
وإذا كانت البالغة ثيبا ، وهي مالكة لأمرها ، جائزة التصرف في جميع أحوالها ، غير مولى عليها ، وكان أبوها حيا أو ميتا ، كان لها ان تعقد على نفسها
ص: 195
على من شاءت من الأكفاء. فإن كان أبوها حيا ، كان الأفضل لها ان لا تعدل عن رأيه ، ولا تعقد على نفسها لأحد إلا باذنه.
وإذا وكلت المرأة إنسانا في العقد عليها من رجل معين. لم يجز له العقد لغيره ، فان عقد عليها لغيره ، كان ذلك باطلا ، وإذا عقدت المرأة على نفسها ، وهي سكرى كان العقد باطلا ، فإن أفاقت ورضيت ، كان ماضيا وان لم ترضه كان باطلا فان دخل الرجل بها وهي في حال السكر : ثم أفاقت وأقرته على النكاح ، كان ماضيا.
وإذا كان لرجل عدة بنات ، فعقد على واحدة منهن لرجل ولم يسمها له ولا للشهود. وكان الزوج قد رأى جميعهن ، كان القول في ذلك قول الأب ، ووجب عليه تسليم التي نوى العقد عليها عند عقد النكاح الى الرجل ، فان كان لم يرهن كلهن كان العقد باطلا.
وحد المرية التي يجوز لها العقد على نفسها ، (1) هو بلوغها تسع سنين أو أكثر من ذلك ، والذي بيده عقدة النكاح من الأب أو غيره ممن تجعل اليه المرأة ذلك وتوليه إياها ، يجوز له العفو عن بعض المهر ، ولا يجوز له العفو عن جميعه.
وإذا عقدت الام لابنها على المرأة ، كان مخيرا بين قبول العقد فسخه فان قبله كان ماضيا ، ووجب المهر عليه ، وان لم يقبله كان المهر على امه (2)
ص: 196
وان كانت المرأة غير بالغ لم يجز لأحد العقد عليها إلا الأب أو الجد أبو الأب في حياة أبيه ، فإن لكل واحد منهما ان يتولى العقد عليها من غير استئذان لها ، وليس لها إذا بلغت بعد ذلك اختيار ، وان كرهت لم يلتفت الى كراهتها ، وان تولى العقد عليها غير الأب أو الجد كان العقد باطلا (1) فان بلغت ورضيته كان ماضيا ، وان كرهت كان مفسوخا ، فإن ولى واحد منهما غيرهما العقد عليها كان جائزا.
وان عقد الأب عليها (2) وكان كافرا أو الجد وهو كذلك كان العقد باطلا وان عقد عليها غير أبيها أو جدها بغير اذن من واحد منهما ، كان العقد موقوفا على رضاها إذا بلغت ، فان رضيته كان ماضيا ، وان لم ترضه كان مفسوخا.
وإذا عقد الأبوان على ولديهما ، وهما صغيران ، ثم ماتا قبل البلوغ فإنهما يتوارثان ، يرث الصبي الصبية ، وترث الصبية الصبي وان عقد عليهما غير أبويهما ان لم يكن لهما أبوان وكان (3) لهما ذلك فلم يستأذنا في العقد وماتا قبل البلوغ ، لم يكن بينهما توارث.
فان مات الصبي بعد البلوغ والرضا بالعقد ، وترك مالا ، عزل عنه مقدار ما ترثه الصبية الى ان تبلغ ، فاذا بلغت ، عرض عليها العقد ، فان رضيت به استحلفت باللّه انه لم يدعها الى الرضا به الطمع في الميراث ، فان لم تحلف ، لم تعط شيئا وان حلفت ، دفع إليها ذلك.
وإذا عقد رجل لابن له غير بالغ على جارية ، كان الخيار للابن إذا بلغ ، وإذا عقد الأب لابن له صغير نكاحا وسمى له مهرا ، ثم مات الأب ، وجب أخذ المهر من أصل تركته قبل القسمة الا ان يكون لابنه مال في وقت العقد ، فان المهر يؤخذ منه ، ولا يؤخذ من مال الأب شي ء على حال.
ص: 197
. قال اللّه تعالى ( وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً ) (1).
وقال تعالى ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (2) وقال ( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ ) (3).
وقال النبي (4) صلى اللّه عليه وآله : أدوا العلائق قيل : يا رسول اللّه وما العلائق؟ قال : ما تراضى عليه الأهلون فجواز المهر ثابت بما ذكرناه والإجماع أيضا منعقد عليه وهو عندنا غير مقدر ، وسائر (5) ما يجوز ان يكون ثمنا لمبيع أو اجرة لمكترى يصح ان يكون صداقا قليلا كان ، أو كثيرا.
ويستحب عندنا ان لا يتجاوز فيه السنة المحمدية خمس مائة درهم جيادا ويجوز ان يكون منافع الحر مهرا ، مثل ان يخدمها شهرا ، أو على خياطة ثوب ، أو على ان يخيط لها شهرا ، وكذلك البناء وما أشبهه ، وكذلك تعليم القرآن والمباح من الشعر.
ص: 198
وروى أصحابنا ان الإجارة مدة لا يصح ان يكون صداقا ، لان ذلك مخصوص بموسى عليه السلام (1).
وإذا أصدق الرجل المرأة شيئا من تعليم القرآن فيجب ان يكون ذلك معينا ، وإذ أصدقها تعليم سورة عين عليها وكذلك : ان كان تعليم آيات منها ، لان ذلك يختلف ، فاما التعليم بالحرف الفلاني أو قراءة (2) فلان فغير معتبر به عندنا.
فإن أصدقها تعليم سورة بعينها وهو لا يحفظها فان قال على ان أحصل لك ذلك كان صحيحا ، لأنه أوجبه على نفسه في ذمته ، وان قال على ان القنك انا إياها صح ذلك لأنه وجب في ذمته ، فليس يلزمه ، ان يكون مالكا وذكر انه لا يصح وهو الأحوط.
وإذا جعل صداقها إن يجيئها بعبدها الآبق فالأحوط انه لا يصح ، فإنه يجوز ان يجده ويجوز ان لا يجده ولها هاهنا مهر المثل.
وإذا أصدقها خياطة ثوب بعينه فهلك الثوب بطل الصداق ، وكان لها عليه مثل أجره خياطة ذلك الثوب ، وكذلك القول في كل مهر معين إذا هلك ، في انه يجب قيمته دون مهر المثل ، فان كان المهر فاسدا وجب مهر المثل ، ويستقر جميعه بالدخول ونصفه بالطلاق قبل الدخول :
ص: 199
فان زمن الخياط أو تعطل ، وكان قد شرط لها خياطة ثوب لم يبطل الصداق وان كان شرط ان يخيطه هو بنفسه ، كان الصداق باطلا ، الا (1) انه علقة بشي ء معين وان كان الثوب والرجل سالمين فالحكم في ذلك على ما قدمناه. (2)
وإذا أصدقها الرجل صداقا ملكت جميعه بالعقد وكان من ضمان الزوج ، فان هلك في يده قبل القبض ، كان من ضمانه ، وإذا قبضته كان من ضمانها ، وان كان له نماء وزيادة ، كان ذلك لها من حين ملكته بالعقد حتى دخل بها ، أو يطلقها.
ولا يصح المهر الا ان يكون مما يتملكه المسلمون مثل الدنانير ، والدراهم وماله قيمة من فضة ، أو ذهب ، أو دار ، أو عقار ، أو حيوان رقيقا كان ، أو غير رقيق أو ما جرى مجرى ذلك مما تقدم ذكره أو ما أشبهه فإذا قرر المتزوجان بينهما شيئا من ذلك ورضيا به مهرا ، كان مهرا صحيحا ، واما مالا يصح للمسلمين تملكه مثل الميتة ، ولحم الخنزير والخمر ، والشراب المسكر ، وما أشبه ذلك ، فلا يجوز ان يجعل مهرا ، ولا اجرا (3) في النكاح ، فان عقر على شي ء منه كان باطلا (4) فان تزوج ذمي يستحل ذلك بذمية على شي ء منه وأسلم قبل ان تقبضه الزوجة لم يجز له دفع ذلك إليها ، وكان عليه لها قيمته عند مستحيلة.
ولا يجوز نكاح الشغار ، وهو ان يزوج الرجل ابنته أو أخته لرجل على ان يزوجه الرجل ابنته أو أخته من غير صداق يستقر بينهما سوى ذلك ، ولا يجوز النكاح
ص: 200
بهبة المرأة نفسها ، لان ذلك انما كان لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله خاصا يوضح ذلك قوله تعالى ( خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) (1) وذلك : ان فاطمة بنت شريح وهبت نفسها له عليه السلام فاباحه اللّه تعالى ذلك دون غيره من سائر الناس.
ولا يجوز النكاح أيضا بالعارية ولا بلفظ الإباحة والتحليل ، ولا يجوز أيضا على اجارة ، مثل ان يعقد الرجل على المرأة ان يعمل لها ولوليها أياما معينة أو سنين معلومة ، ومن خطب على غيره وكان كفؤا وبذل مهر السنة فلم يزوجه ، كان عاصيا لله تعالى.
وإذا عقد إنسان نكاحا على أكثر من مهر السنة ، كان عليه الوفاء به على كماله ومن عقد على امرأة كان الأفضل له ، ان لا يدخل بها حتى يقدم لها من مهرها شيئا ، ويكون الباقي دينا عليه ، فان لم يقدم لها منه شيئا فليكن من غيره على سبيل الهدية ليطيب له ( ليطلب - خ ل ) بذلك الاستباحة لها ، فان لم يفعل وجعل المهر في ذمة ودخل بها من غير تقديم شي ء من ذلك كان جائزا ، الا ان الأفضل ما قدمناه.
ص: 201
وإذا سمى الزوج المهر ودخل بالزوجة قبل ان يدفع إليها منه شيئا (1) كان عليه مهر المثل ولا يتجاوز بذلك السنة المحمدية.
وإذا دخل الرجل بامرأته وادعت عليه المهر بعد الدخول (2) وكانت تدعي أنها جعلت دينا عليه ، كان عليها البينة ، فان لم يكن لها بينة كان عليه اليمين ، فان لم تدع ذلك لم يلتفت الى قولها.
ومن تزوج امرأة على كتاب اللّه وسنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ولم يسم مهرا ، كان مهرها مهر السنة بغير زيادة ولا نقص ، فان تزوج على حكمها فحكمت بدرهم أو بأكثر منه ، الى ان يبلغ خمس مائة درهم ، كان حكمها ماضيا ، فان حكمت بأكثر من خمس مائة درهم لم يجز حكمها وردت الى الخمس مائة.
فان تزوجها على حكمه ، كان ماضيا في أي شي ء ذكره قليلا كان أو كثيرا ، ولم يجر حكمه إذا جاوز مهر السنة مجرى حكمها إذا جاوزت ذلك ، لأنها لما حكمته كان عليه ان لا تمنعه نفسها إذا أتاها بشي ء ما ، ولم يكن لها إذا حكمها ان يتجاوز
ص: 202
مهر السنة ، وهذا مما فسره الباقر عليه السلام (1).
وإذا عقد رجل على امرأة نكاحا وسمى لها مهرا ولأبيها شيئا أخر ، لم يلزمه ما سماه لأبيها ، وما سماه لها من المهر كان لازما له.
وإذا أطلق زوجته قبل الدخول بها بعد قبض الصداق وكان الصداق تالفا وكان له مثل ، كالأسمان ( كالأثمار - خ ل ) والادهان والحبوب وما أشبه ذلك كان له نصف المثل ، وان كان لا مثل له كالعبد والثوب وما أشبههما ، كان له نصف القيمة.
فإن كان الصداق قائم العين ، لم يلحقه زيادة ولا نقص ، كان له نصفه ، وان كان نقص نقصان قيمة مثل ان يكون بصيرا فعمي (2) أو سليما فزمن ( فمرض - خ ل ) أو ما أشبه ذلك ، كان مخيرا بين أخذ نصفه أو أخذ نصف القيمة ، وان لم يكن النقصان نقصان قيمة كان له نصفها.
ص: 203
وإذا أصدقها شيئا من الحيوان وطلقها قبل الدخول بها ، وكان الحيوان وقت تسليمه إليها حاملا ، كان له الرجوع إليها بنصف ما أعطاها ونصف الحمل ، وان كان حمل عندها كان له نصف ما أعطاها دون الحمل.
فان وهبت الزوجة لزومها الصداق قبل طلاقه ، كان له إذا طلقها الرجوع عليها بنصف ذلك.
وإذا طلقها قبل الدخول بها ولم يكن سمى لها مهرا ، كان عليه ان يمتعها بمملوك أو دابة أو ما جرى مجرى ذلك ان كان موسرا ، وان كان فقيرا فبخاتم أو ما جرى مجراه ، وان كان متوسطا فبثوب أو ما أشبهه.
وإذا عقد على امرأة وخلي بها وارخى الستر فلم يدخل بها حكم عليه لها بجميع المهر على ظاهر الأمر ، ولم يكن للمرأة ان تأخذ منه الا نصف المهر ، فإن أمكنه إقامة البينة على انه لم يدخل بها ، مثل ان يكون بكرا فتنظر فتوجد كذلك ، لم يحكم عليه الا بنصف المهر.
وإذا مات الرجل قبل الدخول بها ، كان على وارثه ان يدفع الى الزوجة من التركة المهر على كماله. والأفضل للزوجة ان لا تأخذ الا نصفه ، فان لم تفعل وأخذته على كماله كان جائزا.
وإذا ماتت المرأة قبل الدخول بها ، كان لأوليائها نصف المهر ، (1) وان
ص: 204
ماتت المرأة بعد الدخول ولم تكن قبضت المهر من زوجها ولا طالبته به ، جاز لورثتها المطالبة به وأخذه وترك ذلك أفضل.
وإذا كان له امة فتزوج بها ، على ان جعل عتقها صداقها ، ثم طلقها قبل الدخول بها. لم يكن لها عليه شي ء (1) وذكر ان لها عليه نصف قيمتها والاولى ما ذكرناه.
وإذا اختلفت المرأة وزوجها في مبلغ المهر ولم يكن لأحدهما بينة ، كان القول : قول الزوج مع يمينه.
وإذا تزوج امرأة على حكمها ، وطلقها قبل الدخول بها ، كان لها نصف ما
ص: 205
حكمت به ما لم يتعد ذلك مهر السنة كما قدمناه ، وان كان تزوجها على حكمه وطلقها قبل الدخول بها كان لها نصف ما حكم به كائنا ما كان ، فان مات الزوج أو الزوجة قبل ان يحكما ، لم يثبت مهر وكان للزوجة المتعة.
وإذا عقد الرجل على دار أو خادم ولم يعين كل واحد منهما ، كان للزوجة دار ، وسط من الدور وكذلك الخادم ، وان عقد على مهر مسمى واعطى الزوجة به عبدا آبقا ومعه شي ء آخر ورضيت بذلك وطلقها قبل ان يدخل بها ، كان عليها ان يرد عليه نصف المهر ويكون العبد لها ، وان لم يكن دفع إليها شيئا سوى العبد لم يكن ذلك صحيحا ، وكان عليه نصف المهر.
وإذا تزوج امرأة وجعل مهرها جارية مدبرة ، ورضيت الزوجة بذلك وطلقها قبل الدخول بها ، كان لها من خدمتها يوم ، وله من خدمتها يوم فاذا مات المدبر انعتقت المدبرة ولم يكن للزوجة عليها سبيل.
وإذا أمر إنسان غيره بان يعقد له على امرأة ومات الآمر وكان عقد عليها قبل موته ، كان لها المهر والميراث وكان عليها العدة منه وان كان عقد عليها بعد موته ، كان العقد باطلا.
وإذا عقد رجل على أمرية وجعل المهر مملوكا وسلمه إليها فزاد في ثمنه (1) وطلقها قبل الدخول بها ، كان له الرجوع عليها بنصف ثمن المملوك في اليوم الذي تسلمته فيه ولم يكن له شي ء فيما زاد من ثمنه.
وإذا عقد الرجل نكاحا وشرط للزوجة في الحال شرطا يخالف الكتاب والسنة ،
ص: 206
مثل ان لا يتزوج عليها ولا يتسرى ولا يتزوج بعد موتها أو ما أشبه ذلك ، كان الشرط باطلا ، والنكاح ماضيا ، وكان له ان يتزوج ويتسرى ، فان شرط لها ان يكون الوطئ بيدها لم يصح ذلك ، وذكر (1) انها ان شرطت عليه ان لا يقتضها لم يكن له ذلك إلا بأمرها والاولى ما ذكرناه.
وإذا عقد على امرأة وأصدقها نخلا قد اطلع ولقح وطلقها قبل الدخول بها ، كان لها نصف الأصل ونصف الثمن ، (2) وان كان سلمه إليها قبل ان يلقح ، فلقحته وحمل عندها وطلقها قبل ان يدخل بها ، لم يكن له الا نصف قيمته يوم دفع إليها ، وان كانت الزيادات قد هلكت كلها ، كان له ان يأخذ نصف ما دفعه إليها.
وإذا حصلت الماشية عند الزوجة وتوالدت ونقصت ، (3) ثم طلقها قبل الدخول بها ، كان مخيرا بين ان يأخذ نصفها على ما هي عليه ، وبين أخذ نصف قيمتها يوم دفعها اليه (4).
ص: 207
ومتى حدث بالمهر عند الزوج عيب من غير فعله وطلقها قبل الدخول بها ، كانت مخيرة بين أخذ نصفه ناقصا وبين أخذ نصف قيمته يوم تزوجها به ، وان كان الذي حدث به من فعله كانت مخيرة بين ان تأخذ نصفه ناقصا وتضمينه نصف النقصان وبين تركه وتضمينه نصف القيمة ، وان كان ذلك من فعل أجنبي فهي بالخيار أيضا ، ان أرادت أخذت نصفه ناقصا واتبعت الجاني بنصف النقصان ، وان أرادت أخذت من الزوج نصف القيمة.
فإن كان المهر مقبوضا فأصابه هذا العيب عندها من فعلها ، أو بأمر سماوي قبل طلاقها كان الزوج مخيرا بين أخذ نصفه ناقصا وبين تضمينها نصف القيمة يوم قبضته ، وان كان العيب من فعل أجنبي لم يكن له سبيل على المهر (1) وتضمينها نصف القيمة يوم قبضته.
وإذا دفع إليها بالمهر شيئين فتلف أحدهما دون الأخر فإن كان شابههما بقيمة ، كان له نصف القيمة ، وان كان المهر غير الشيئين وكان دفعهما إليها على وجه الرهن فتلف أحدهما من غير جناية منها عليه ، كان من ماله وعليه نصف ما فرض لها.
وإذا قبضت الزوجة المهر وطلقها زوجها قبل الدخول بها ، فزاد المهر في يدها أو نقص كان لها زيادته وعليها نقصانه كما قدمناه ، وترد نصف ما قبضته يوم قبضته الا ان تريد ان زاد في يدها ان تعطيه النصف زائدا ، أو يريد زوجها ان يأخذ النصف ناقصا ويتراضيان على ذلك فيكون جائزا : ولا فرق في ذلك بين ان يكون المهر عبدا أو امة أو شاة أو غير ذلك من الحيوان.
ص: 208
وإذا كان المهر جارية وكانت في يد الزوج فأعتقها لم يصح عتقه لها فان طلقها بعد ذلك ، كان له نصفها ولم يصح عتقه كما ذكرناه ، وان كانت المرأة هي التي أعتقتها جاز عتقها فيها فان طلقها قبل الدخول كان له الرجوع عليها بنصف قيمتها.
وإذا أصدقها نخلا أو شجرا ولم يسلم ذلك إليها حتى أثمرت في يده فجعل الثمر في « برانى » (1) أو « جرار » أو « حوب » أو « قرب » أو « جلال » أو ما جرى مجرى ذلك كان لها أخذه ، وكان له نزعه من تلك الأوعية ان كان نزعه لا يضر بالثمر فان كان إذا نزع نقص الثمر ، كان لها ان تأخذه وتنزع عنه الأوعية وتأخذ ما نقص لأنه تعدى ما فيه الا ان يتطوع بتلك الأوعية فلا تأخذ منه غير ذلك.
وإذا عقد الرجل نكاح المرأة في السر ثم عقداه في العلانية بمهر يخالف الأول ، كان الثابت هو الأول ، وإذا اتفقا على مهر وتواعدا به من غير عقد ، فقالت له المرأة حملتني في حال العقد بذكر ما هو أكثر منه فذكر ذلك لزمه ما عقد به العقد ولم يلتفت الى ما تواعدا به لان العقد وقع صحيحا سرا كان أو علانية.
وإذا تزوج أربع نسوة بعقد واحد بألف ، كان العقد والمهر الصحيحين ، وكان لكل واحدة منهن ربع الالف.
وإذا عقد لولده على أمرية وأصدقها صداقا ، فان كان الولد موسرا كان المهر في ذمته دون والده ، لان النكاح له ، وان كان الولد معسرا كان ذلك لازما للوالد.
وإذا طلقها الولد قبل الدخول بها ، فاما ان يكون الصداق مقبوضا عنه من الوالد أو غير مقبوض فان كان مقبوضا عاد نصفه الى الولد دون الوالد ، لان الوالد لما ضمن عنه هذا الصداق وقضاه عنه كان بمنزلة هبته له وقبضه له من نفسه ، ثم قضى ما لزم ولده من الصداق بمال الولد فكأن الولد أصدق واقبض فإذا طلقها عاد
ص: 209
اليه نصفه دون والده ولم يجز لوالده ان يسترجعه من الولد ، وإذا لم يكن الوالد أقبضها شيئا وطلقها الولد قبل دخوله بها ، فان الولد (1) قد برئت ذمته من نصف الصداق وبقي عليه نصفه.
فإن أصدقها الوالد عينا قائمة مثل العبد ، فقال تزوج ابني بنتك بهذا العبد من مالي ففعل ، كان ذلك صحيحا ، فان طلقها الولد قبل دخوله بها ، عاد نصفه الى الولد ولم يكن لوالده ان يرجع عليه به.
فان كان الولد كبيرا فتزوج وأصدق لنفسه لزم المهر في ذمته ، فتبرع (2) الوالد وقضاه عنه ، ثم طلقها الولد قبل دخوله بها ، عاد نصف الصداق الى الولد ، ولم يجز لوالده الرجوع عليه به.
وإذا تزوج المولى عليه كالمحجور عليه لسفه أو مجنون أو مراهق كان النكاح باطلا ، فان كان قبل الدخول لم يكن عليه شي ء ، وان كان بعد الدخول وكانت عالمة بحاله ، لم يكن لها شي ء ، لأنها رضيت بتسليم نفسها مع علمها بحاله فقد أتلفت بضعها على نفسها بذلك وان لم تكن عالمة بحاله كان عليه لها مهر المثل.
والمعتبر في مهر المثل بنساء المرية هو من كان منهن من عصبتها كالأخت من جهة الأب أو من جهة الأب والام وبناتها والعمة وبناتها وما أشبه ، فأما الأم وما هو من جهتها فلا معتبر به في ذلك ، وقد كان : أبو جعفر الطوسي (3) من أصحابنا يعتبر ذلك والأقوى عندي ما ذكرته ، لأن المرأة أم الولد يكون من عرض المسلمين تحت الرجل
ص: 210
الشريف النسب ، مثل الرجل يكون من ولد الحسن أو الحسين عليهما السلام فيتزوج بالمرئة من العامة ليس لها نسب ولا حسب.
فالمعتبر في نسائها من كان من عصبتها لما ذكرناه ولا يتجاوز بالمهر معها خمس مائة درهم فان زاد عليها لم يجز أكثر من ذلك ويعتبر أيضا في ذلك النساء اللواتي في بلدها ، وبمن هو في سنها أيضا لأن المهر يختلف باختلاف السن ويعتبر أيضا بعقلها وحمقها لاختلاف المهر أيضا بذلك ويعتبر أيضا بجمالها وقبحها وبيسارها وإعسارها وبادبها والبكارة والثيبوبة وبكل ما يختلف المهر لأجله.
والاعتبار في النساء بما ذكرناه ينبغي ان يكون بالأقرب منهن إلى المرية المستحقة لمهر المثل لأنهن أشبه بها ، فان فقدت العصبة اعتبر بذوي الأرحام ، فإن فقد ذلك اعتبر بنساء أقرب البلدان الى بلده ، فان كان الذي يجب عليه مهر المثل من عشيرتها خفف عنه ، فان لم يكن من عشيرتها ثقل عليه ، لان الاعتبار يكون هكذا.
وإذا تزوج رجل امرأة وأصدقها ألفا ودفع إليها ألفا وثوبا (1) أو عبدا ، ويختلفان فتقول المرأة : دفعته الى هدية ، ويقول الرجل بل دفعته إليك مهرا ، كان القول قوله بغير يمين هذا إذا كانا متفقين على القبض بالإطلاق ، مثل ان يدفعه إليها فتقبضه وهما شاكان (2) لأنه لم ينطق بمهر ولا هدية وان اختلفا فقالت المرأة قلت لي خذي هذا هدية أو قالت هبة ، وقال بل قلت خذيه مهرا كان القول قوله على كل حال. (3)
ص: 211
وإذا زوج الرجل ابنته وهي رشيدة وأراد قبض مهرها ، فان كانت ثيبا ، لم يكن له ذلك إلا بإذنها ، وان كانت بكرا كان له قبضه إذا لم تنهه عن قبضه فان نهته عن ذلك لم يجز له القبض ، وان كانت مولى عليها لصغر أو سفه مع الكبر أو جنون كان له قبض ذلك.
وإذا شرط الرجل في النكاح خيار الثلاث (1) وكان ذلك في أصل العقد كان النكاح باطلا لأنه عقد يلزم نفسه ، ولا يصح فيه خيار الشرط ، وان كان الشرط في المهر مثل ان يقول أصدقتك هذه الدار على ان لك الخيار في المهر ثلاثا كان العقد صحيحا والمهر لازما ، والخيار ثابتا لقول النبي عليه السلام المؤمنون عند شروطهم. (2)
وإذا عقد الرجل على النكاح على أمرية وضمن أبوه لها النفقة عليها سنين لم يصح ذلك لان النفقة لا يجب عندنا بالعقد ، وانما يجب يوما بيوم ، ولا يصح هذا الضمان لأنه ضمان لما لم يجب.
وإذا عقد على أمرية نكاحا وسمى فيه مهرا إلى أجل معين وشرط انه ان أحضره في الأجل والا كان العقد باطلا ، كان العقد ثابتا والمهر في ذمته وان تأخر عن الوقت الذي ذكره والنفقة واجبة عليه.
وإذا عقد على أمرية وشرط لها في حال العقد ان لا يخرجها من بلدها ، كان الشرط صحيحا ، ولم يجز له إخراجها الى بلده ، وان شرط انه ان أخرجها الى بلده
ص: 212
كان مهرها عليه مائة دينار وان لم يخرجها كان المهر خمسين دينارا ثم أراد إخراجها الى بلده ، وكان بلده في ديار الإسلام ، كان الشرط صحيحا ، وان كان في ديار الشرك لم يلزمها الخروج اليه ، وكان عليه المهر كاملا.
وإذا أعتق إنسان عبده وشرط عليه في حال العتق ان يزوجه جاريته ، فان تزوج عليها أو تسرى ، كان له عليه شي ء معين (1) ، فتزوج العبد أو تسرى ، كان ما شرط لسيده لازما.
وإذا عقد الرجل نكاحا على أمرية وشرط ان لا نفقة لها عليه وكان النكاح : نكاح دوام كان النكاح صحيحا والشرط باطلا وكانت النفقة واجبة عليه وان كان نكاح متعة : كان العقد والشرط صحيحين ولم يكن للمرأة عليه نفقة.
. وإذا تزوج امرأة على انها بكر فوجدها ثيبا ، جاز ان ينتقص من مهرها شيئا وليس ذلك بواجب.
ولا يجوز للرجل ان يتصرف في شي ء من مهر ابنته ولا أكل شي ء منه الا بإذنها.
وإذا مكنت المرأة الرجل من نفسها وسلمتها اليه وجبت نفقتها ، فان لم تمكنه من نفسها ولا سلمتها اليه ، فلا نفقة لها عليه.
وإذا ادعت المرأة على زوجها انه لا ينفق عليها ولم يكن معسرا ، ألزم النفقة عليها وان كان معسرا لم يلزم شيئا من ذلك ولم يحبس وترك الى ان يوسع اللّه عليه.
وإذا لم ينفق الرجل على زوجته ولا يكسوها ، وكان ذلك لفقر ، أو لأنه
ص: 213
لا يمكنه ذلك انظر حتى يوسع اللّه عليه ويتمكن منه ، وان كان لغير فقر وهو متمكن منه وقادر عليه ، الزمه الحاكم النفقة عليها أو طلاقها.
وإذا ادعى الزوج انه دفع المهر الى زوجته وأنكرت ذلك ، كان عليه البينة فان لم يكن له بينة ، كان عليها اليمين بأنه لم يدفعها إليه (1).
ولا يجوز للمرأة الامتناع من زوجها إذا قبضت مهرها ، فان كانت لم تقبضه كان بها الامتناع منه ، فان امتنعت منه بعد قبضه كانت ناشزا ، ولم يلزمه عليه ما دامت على النشوز.
ولا يجوز لولي المرأة العفو عن شي ء من المهر بعد دخولها بالزوج ، لأنه قد استقر لها بالدخول ، فإن أذنت له في ذلك كان جائزا ، ويجوز له العفو عن بعضه قبل الدخول بها.
وإذا أراد الرجل نقل المرأة من بلدها الى غيره ، كان لها الامتناع من ذلك حتى تستوفى مهرها ، وإذا أرادت المرأة ان تبرئ الزوج من مهرها كان ذلك جائزا فإن فعلته في صحتها كان ماضيا ، وان ابرأته منه في مرضها الذي تموت كان من الثلث وإذا كانت المرأة مريضة وليس لها شي ء غير مهرها ، لم يجز لها ان تبرئ زوجها في حال مرضها من جميعه ، فان فعلت ذلك سقط عنه الثلث وكان الباقي لورثتها.
ومن تزوج وهو مريض ودخل بالزوجة في حال مرضه كان العقد صحيحا ووجب المهر عليه فان لم يدخل بها كان العقد فاسدا ، وإذا مكنت المرأة زوجها من نفسها ودخل بها ، كان لها المطالبة بالمهر على كماله ، وليس يجوز لها ان تمنعه
ص: 214
من نفسها بعد ذلك (1).
قال اللّه تعالى ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ ) الاية (2).
فأباح تعالى : من تضمنت الآية ذكره بشرطين ، وهما عدم الطول لنكاح الحرام ، والأخر : ان يخشى العنت ، وذكر ان العنت هو الزنا ، وروى عن على عليه السلام : انه قال لا يحل نكاح الإماء إلا لمن خشي العنت. (3)
وعن الصادق عليه السلام انه قال : لا يتزوج الحر الأمة حتى يجتمع فيه الشرطان العنت وعدم الطول ، وإذا كان لإنسان امة لم يجز لغيره ان ينكحها الا بان لا يجد الطول الى نكاح الحرة أو يخشى العنت ، فان تزوج بامة وهو يجد الطول الى نكاح الحرة فقد خالف أمر اللّه وما شرط عليه ، (4) ولا يبطل عقده على الأمة بل يكون عقده ماضيا ، وإذا لم يجد طولا لنكاح حرة وخشي العنت وأراد العقد على امة غيره فلا يعقد النكاح عليها إلا بإذن سيدها ، ويدفع الصداق الذي يتراضيان عليه اليه.
فاذا عقد عليها وجاءت بولد ، كان الولد حرا لا سبيل لأحد عليه ، فان شرط سيدها في حال العقد ان يكون الولد مملوكا له ، كان الشرط صحيحا ويكون الولد
ص: 215
مملوكا له ولا يكون لأب الولد عليه سبيل.
وإذا عقد رجل على امة غيره بغير اذنه كان العقد باطلا ، فإن رضي به السيد بعد ذلك وأمضاه كان ماضيا وجرى في استباحة النكاح به مجرى عقد مستأنف.
وإذا استقر العقد على الأمة على ما قدمناه لم ينفسخ الا بطلاق الزوج لها أو عتق سيدها لها أو بيعها ، فإن أعتقها السيد والزوج مقيم على نكاحها ، كانت مخيرة بين إقراره على ذلك ، وبين فسخه ، سواء كان حرا أو عبدا ، فإن أقرته عليه لم يكن لها بعد ذلك خيار ، فان فسخته كان مفسوخا ، وان باعها سيدها والزوج أيضا مقيم على النكاح كان المشترى لها مخيرا بين إقراره على العقد وبين فسخه فإن أقره عليه لم يكن له بعد ذلك خيار وان فسخه كان مفسوخا.
وإذا عقد الرجل على امة غيره وهو عالم بذلك من حالها بغير اذن سيدها وجاءت بولد كان الولد مملوكا لسيدها ولم يكن للأب عليه سبيل.
وان عقد عليها على ظاهر الأمر ولم يثبت له بينة بأنها حرة ، وجاءت بولد كان الولد رقا لسيدها ، وعلى سيدها تسليم الولد إلى أبيه بالقيمة وعلى الأب ان يدفع الى سيدها قيمته ، فان لم يكن له مال استسعى في ذلك وان امتنع من ذلك دفعه الإمام (1) إلى سيد الأمة من سهم الرقاب ولا يسترق ولد حر ، وان كان الزوج قد دفع إليها مهرا لم يكن له (2) عليها سبيل وكان له الرجوع
ص: 216
بالمهر على وليها.
فان كانت بكرا ، كان لسيدها عشر قيمتها وان كانت ثيبا كان عليه نصف عشر قيمتها ، وان كان عقد عليها على ظاهر الأمر بشهادة شاهدين لها بالحرية وجاءت بولد كان الولد حرا ولم يكن لأحد عليه سبيل.
وإذا عقد حر على أمرية وظن أنها حرة بتدليس المتولي للعقد عليها ثم بان انها امة ، كان له الرجوع بالمهر على وليها ، فان جاء بولد كان حرا.
وإذا كانت المرأة حرة لم يجز لها ان تعقد على نفسها لعبد إلا بإذن سيده ، فان تزوجت به بإذن سيده وجاءت بولد كان حرا ، فان شرط السيد عليها ان يكون الولد رقا له كان الشرط صحيحا وكان الولد مملوكا لسيده ولم يكن لها عليه سبيل.
وإذا استقر عقد الحرة على العبد لم يبطل الا بطلاق العبد لها دون سيده أو ببيعه فان طلقها العبد كان طلاقه واقعا وان باعه كان المشترى له مخيرا بين إقراره على العقد وبين فسخه فإن أقره عليه لم يكن له بعد ذلك خيار ، فإن أعتقه سيده لم ينفسخ العقد وكان ثابتا ، ولم يكن للزوجة اختيار لأنها قد رضيت به وهو عبد وقد صار حرا فهي بالرضا به ، وهو كذلك أولى.
وإذا تزوج العبد بحرة بغير اذن سيده ، كان العقد موقوفا على رضا سيده فان فسخه كان مفسوخا وان أمضاه كان ماضيا ، ولم يكن له بعد ذلك فسخه ولا ينفسخ الا بطلاق العبد لها أو بيعه فان طلقها العبد وقع طلاقه ، ولم يكن لسيده عليه اختيار وان باعه سيده كان الأمر فيه على ما قدمناه ، وان جاءت بولد منه وكانت عالمة بأن سيده لم يأذن له في التزويج ، كان ولدها مملوكا لسيد العبد ، وان لم تكن عالمة بذلك كان ولدها حرا.
وإذا تزوجت الأمة بغير اذن سيدها بعبد ، وكان العبد مأذونا له في التزويج وجاءت بولد ، كان الولد رقا للسيد (1) وان لم يكن مأذونا له في التزويج ، كان الولد
ص: 217
رقا لسيد الأمة وسيد العبد ، بينهما بالسوية.
ويجوز ان يزوج الإنسان عبده بجاريته ، فان زوجهما كان عليه ان يدفع إليهما شيئا من ماله يكون مهرا لها ، والفراق بينهما بيد سيدهما متى شاء فرق بينهما ، وليس للزوج طلاقها ، هنا على وجه من الوجوه ، فإذا أراد السيد ان يفرق بينهما امره باعتزالها ، وأمرها باعتزاله ويقول لها قد فرقت بينكما ويكون ذلك فراقا صحيحا.
فان كان العبد قد وطأها استبرأها بحيضة أو بخمسة وأربعين يوما ثم يطأها ان أراد وطأها ، وان لم يكن للعبد وطؤها ، جاز له ان يطأها في الحال من غير استبراء فان باعهما كان المشترى لهما مخيرا بين إقرارهما على العقد وبين فسخه ، فإن أقرهما عليه كان حكمه كحكم السيد الأول في ذلك ، وان فسخه كان مفسوخا.
فان باع السيد أحدهما كان ذلك فراقا بينهما ، ولا يثبت العقد الا بان يريد هو ثباته على الواحد الذي بقي عنده ، ويريد المشترى ثباته على الأخر الذي اشتراه ، فان لم يرد واحد من السيدين ثبات ذلك ، لم يثبت العقد بينهما ، فان جاء بينهما ولد كان رقا لسيد الأمة ، (1) وان أعتقهما جميعا كانت الزوجة مخيرة بين الرضا بالعقد الأول وبين فسخه ، فان رضيته كان ماضيا وان لم ترض كان مفسوخا.
وإذا عقد إنسان لعبده على امة لغيره باذنه كان ذلك جائزا وكان طلاقها بيد العبد ، فان طلقها كان طلاقه جائزا كما قدمناه ولم يكن لسيده ان يطلق زوجته ، فإن
ص: 218
باعه كان ذلك فراقا بينهما الا ان يختار المشتري إقراره على العقد ويريد ذلك أيضا سيد الجارية ، فان لم يرد واحد منهما ذلك كان العقد مفسوخا. وكذلك الحكم إذا باع سيد الجارية ، جاريته فإنه يكون فراقا بينهما ولا يثبت الا برضا سيدها ورضا سيد العبد ، فان لم يرض ذلك واحد منهما كان مفسوخا.
وإذا أعتق الإنسان جاريته كانت مخيرة بين الرضا بالعقد وبين فسخه حسب ما قدمناه وان أعتق السيد عبده لم يكن لسيد الجارية عليه خيار ولا يبطل العقد الا بعتقها أو بيعها فان جاء بينهما ولد ، كان على حسب ما يحصل الشرط بينهما فيه ، فان شرط سيد الجارية ان يكون الولد رقا له كان ذلك وان اشترط سيد العبد ذلك كان صحيحا ويكون الحكم منه على ما يستقر الشرط بينهما ، فان لم يكن جرى بينهما شرط في ذلك ، كان الولد بينهما بالسوية كما قدمناه (1).
وإذا كانت الأمة بين شريكين وكان أحدهما غائبا والأخر حاضرا ، فعقد الحاضر عليها النكاح لرجل ، كان ذلك باطلا فان رضيه الغائب كان ماضيا.
وإذا تزوج رجل امة بين شريكين ثم اشترى نصيب أحدهما حرمت عليه الا ان يبتاع النصف الأخر أو يرضى الشريك (2) بالعقد فتحل له ، ويكون رضي الشريك
ص: 219
بالعقد ، عقدا مبتدءا ، وإذا كان أحد الزوجين مملوكا ومات واحد منهما ، لم يكن بينهما توارث لا يرث الرجل المرأة ولا المرأة الرجل.
وإذا زوج إنسان جاريته من رجل وفرض عليه مهرا (1) وباعها قبل ان يقبض المهر سقط المهر عن الزوج ، لان بيعها طلاقها ، وبذلك يزول ملك الزوج لبضعها وفساد العقد لم يكن من جهته ، وانما يكون من جهة غيره وهو سيد الجارية.
وإذا اذن السيد لعبده في نكاح حرة فنكح امة ، أو في نكاح امة فنكح حرة أو في نكاح امرأة معينة فنكح غيرها ، أو ان ينكح في بلد معين فنكح في غيره ، كان النكاح في جميع ما ذكرناه موقوفا على رضا سيده واذنه ، فمهما اذن فيه كان ماضيا ، وما لم يأذن فيه كان باطلا.
وإذا أطلق السيد الاذن لعبده في التزويج فقال : له تزوج بمن شئت كان صحيحا فاذا تزوج في بلده لم يكن لسيده منعه ممن تزوج به ، فان تزوج من بلد آخر كان له منعه من السفر ولا يجوز ان يسافر إلا بإذن سيده.
وإذا تزوج العبد بإذن سيده بحرة وأمهرها ألفا ، كان المهر في ذمة العبد يستوفي من كسبه ، فان ضمن السيد عنه ذلك صح الضمان ، وكان المال في ذمة السيد ولم يكن للنفقة مطالبة العبد بشي ء منه.
« باب ما ينبغي فعله عند العقد على النساء والدخول بهن »
إذا أراد الرجل عقد النكاح لنفسه فينبغي له ان يستخير اللّه تعالى ، بان يصلى ركعتين ويحمده تعالى ثم يدعو ، فيقول : اللّهم انى أريد النكاح فسهل الى آخره (2)
ص: 220
ولا يعقد النكاح والقمر في العقرب ويستحب الاشهاد والإعلان بذلك والفرح والمسرة والوليمة أيضا وسنذكرها فيما بعد.
ويجوز للرجل النظر الى وجه المرية التي يريد العقد عليها والى محاسنها وجسمها من فوق ثيابها ، فان لم يكن مريدا للعقد عليها لم يجز له شي ء من ذلك وكذلك يجوز له في الأمة التي يريد ابتياعها فان لم يرد ابتياعها لم يجز له شي ء من ذلك أيضا.
وإذا زفت المرأة الى الرجل ودخل عليها فيستحب له ان يكون على وضوء ويصلى ركعتين وكذلك يستحب لها أيضا ان تفعل مثل ذلك ثم يضع يده على ناصيتها ويمسحها ويدعو فيقول : اللّهم ارزقني إلفها وودها ورضائها لي وارزقها ذلك منى واجمع بيننا على أحسن اجتماع وأيمن ائتلاف فإنك تحب الحلال وتكره الحرام والخلاف.
فإذا أراد الجماع فيسمى اللّه تعالى ويدعو بما قدر عليه ويقول : اللّهم على كتابك تزوجتها وفي أمانك أخذتها وبكلماتك استحللت فرجها فان قضيت في رحمها شيئا فاجعله مسلما سويا ولا تجعله شرك شيطان ، وأفضل أوقات الزفاف والدخول بالزوجة ، الليل وأفضلها للاطعام النهار.
ويكره للرجل ان يجامع زوجته في ليلة خسوف القمر ويوم كسوف الشمس وفيما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس وفيما بين غروبها الى مغيب الشفق ووقت الريح السوداء والصفراء والزلازل وأول ليلة من الشهر ، الأشهر رمضان وفي محاق الشهر ، فقد روى عن الباقر (1) عليه السلام انه قال : والذي بعث محمدا (صلی الله عليه وآله) بالنبوة واختصه بالرسالة واصطفاه بالكرامة ، لا يجامع أحد منكم في وقت من هذه الأوقات
ص: 221
فيرزق ذرية فيرى فيها قرة عين.
ولا يجوز لرجل ان يدخل بزوجته قبل بلوغها تسع سنين ، فان فعل ذلك وعابت ، كان عليه ضمان عيبها ويفرق بينهما ولا تحل له ابدا.
ويكره للرجل ان يجامع مستقبل القبلة أو مستدبرها أو يجامع وهو عريان أو هو في سفينة وإذا كان مسافرا وقدم على زوجته فإنه يكره له ان يجامعها ليلا حتى يصبح ، ويكره للرجل إذا احتلم ان يجامع زوجته حتى يغتسل فان لم يفعل ذلك توضأ وضوء الصلاة.
ويكره للرجل النظر الى فرج امرأته وكذلك يكره للرجل أيضا الجماع في بيت يكون فيه صبي ينظر اليه أو غير صبي ، ويكره له النظر إلى المجامعة فقد روى عن على (عليه السلام) انه يورث العمى. (1)
ويكره الكلام عند الجماع فقد روى عن الباقر (عليه السلام) انه يورث الخرس ، (2) ويكره إتيان النساء في احشاشهن. (3)
ص: 222
ولا يجوز للرجل ان يترك وطأ زوجته أكثر من أربعة أشهر ، ويكره له العزل عن زوجته الحرة إلا بإذنها ، فإن أذنت له فيه لم يكن به بأس ، فأما الأمة : فإنه يجوز العزل عنها على كل حال ، وإذا لم يتمكن الرجل من ماء ليغتسل به فإنه يكره له الجماع فان خاف على نفسه فعله.
واما الوليمة التي وعدنا ذكرها فهي وليمة العرس ، وانما سميت بذلك لان فيها اجتماع الزوجين ، وحكى عن ثعلب ان الوليمة طعام العرس وهي عندنا مستحبة وذكر بعض الناس انها واجبة وحضورها مستحب ، فان كانت وليمة لذمي فقد ذكر انها لا يجوز للمسلم حضورها ، وقال بعضهم يجوز ذلك والأول أحوط.
وإذا حضرها إنسان وكان صائما تطوعا فيستحب له الإفطار ، وان كان صومه واجبا لم يجز له الإفطار.
ص: 223
وإذا كان في الدعوة شي ء من الملاهي والمناكير أو شرب خمر على المائدة أو ضرب البرابط والمزامير وغير ذلك الا الدف إذا لم يقل عليه هجو (1) ، وعلم المدعو ذلك لم يجز له حضورها فاذا علم انه إذا حضر (2) قدر على ازالة ذلك ، استحب له الحضور ليجمع بين الإجابة إلى الحضور وبين ازالة المنكر ، فان لم يعلم ذلك الا بعد حضوره وامكنه إزالته فعل ذلك وان لم يمكنه ذلك وجب عليه الخروج من موضع ذلك ، فان لم يمكنه الخروج جلس وليس عليه شي ء في سماع ذلك إذا لم يتعمد الاستماع له.
وإذا رأى صورة ذات أرواح في الموضع منصوبة ، فلا يدخله ، وان كانت توطأ لم يكن بدخوله بأس ، وان كانت صورة شجر لم يكن بذلك بأس ، وكذلك صورة كل ما ليس له روح ، فاما نثار السكر واللوز في ذلك فهو جائز ولا يجوز لأحد ان يأخذ منه شيئا إلا بإذن صاحبه أو بان يعلم منه ذلك بشاهد وانه اباحه ، وترك أخذه أولى على كل حال ومن أخذ منه شيئا مع العلم بإذن صاحبه في أخذه أو إباحته لذلك ، فقد ملكه بالأخذ له والحيازة كما يملك الطعام.
* * *
ص: 224
قال اللّه تعالى « قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ » (1) يعنى من الحقوق التي لهن على الأزواج من الكسوة والنفقة والمهر وغير ذلك : وقال « الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ » (2) يعني أنهم قوامون بحقوق النساء التي لهن على الأزواج.
وقال « وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ » (3) وقال « وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ » (4) يعنى ان لكل واحد منهما ما عليه لصاحبه يجمع بينهما من حيث الوجوب ، ولم يرد بذلك ان للزوجات على الأزواج مثل الذي للأزواج على الزوجات من الحقوق ، لان الحقوق مختلفة فحقوق الزوجات الكسوة والإنفاق عليهن والسكنى والمهر ، وليس يجب شي ء من ذلك للأزواج على الزوجات ، وحقوق الأزواج على الزوجات ، التمكين من الاستمتاع وهذا مخالف للآخر كما تراه فليس المراد الا ما ذكرناه.
وإذا كان عند الرجل من الأزواج أكثر من واحدة فالأفضل له ان يعدل بينهن فيبيت عند كل واحدة بينهن ليلة ولا يجب عليه مجامعتها في تلك الليلة بل يجوز له ترك ذلك ، فان لم يرد العدل بينهما وكان له زوجتان لم يجز له ان يبيت عند الواحدة منهما أكثر من ثلاث ليال ويبيت عند الأخرى ليلة واحدة.
وان كان عنده ثلاث نسوة ، كان له ان يبيت عند واحدة منهن ليلتين ويبيت عند كل واحدة من الاثنين ليلة ، ليلة ، فإن كان عنده أربع نسوة لم يجز له المبيت عند كل واحدة أكثر من ليلة ليلة ، ويسوى بينهن في ذلك فان اختارت واحدة منهن ترك ليلتها لأخرى ، كان ذلك جائزا.
وإذا عقد رجل على أمرية كانت بكرا جاز له ان يفضلها بالمبيت عندها سبع
ص: 225
ليال ، ثم يعود إلى التسوية بين جميع أزواجه بعد ذلك ، (1) فان كان عنده زوجتان إحداهما حرة : والأخرى امة : كان للحرة ليلتان وللأمة ليلة واحدة ، وان كانت عنده امة بملك يمين مع حرة لم يكن لها مع الحرائر قسمة ، وكذلك اليهودية والنصرانية مع الزوجات المسلمات ، (2) لان الحكم كل واحد منهما حكم الأمة.
ويجوز للرجل ان يفضل بعض أزواجه على بعض في النفقة والكسوة ، والعدل بينهن والتسوية في ذلك أفضل على كل حال ، والصحيح والمريض في القسمة سواء وإذا أراد المريض ان يقيم عند بعض أزواجه لم يكن له ذلك الا ان يأذن له فيه ولا فرق بين المسلم والذمي في ما قدمناه.
وإذا سافر الرجل مع بعض الزوجات ثم قدم وسئله الباقيات ان يقيم عند كل واحدة منهن أيام سفره ، لم يكن لهن ذلك ، ولا يحتسبن بأيام سفره عليه ، بل يستقبل العدل بينهن ويبتدء بمن لها الحق ، وكذلك إذا لم يسافر بإحداهن معه وجب إذا انصرف ان يبتدء بصاحبة الحق ، وإذا أراد الرجل السفر ببعض أزواجه واذن (3) له في واحدة بعينها كان جائزا ، وان لم يأذن له أقرع بينهن فمن أصابها منهن السهم خرج بها معه.
وإذا نكح في سفره زوجة غير الزوجة التي سافر بها معه ، كان لها ما للتي يتزوج بها في الحضر ان كانت بكرا أو ثيبا ، ولا تحتسب التي (4) سافر بها من ذلك بشي ء.
ص: 226
وإذا كان لرجل زوجتان أو أكثر إلى أربع فأقام عند إحداهن شهرا وهن ممسكات عنه ثم خاصمنه في ذلك ، كان عليه ان يستقبل العدل بينهن ، وما فات كان هدرا وهو فيما فعل من ذلك آثم ، وعلى الحاكم نهيه عن ذلك وان يأمره بالعدل ، وان عاد الى ذلك ورأى أدبه كان له ذلك.
وإذا لم يكن للرجل إلا زوجة واحدة ، كان عليه المبيت عندها ليلة واحدة من اربع ليال ، وله ان يفعل في الثلاث الأخر ما شاء فيما كان مباحا له ، فان كان له زوجتان كان له ان يخص الواحدة منهما في ثلاث الليالي ، ويقسم للأخرى ليلتها وكذلك الحكم : إذا كان له ثلاث نسوة قسم لكل واحدة منهن ليلتها ، واختص بالرابعة من أراد منهن اختصاصا بها ، فان كانت أزواجه أربعا لم يجز له ان يفضل واحدة منهن على الأخرى.
وإذا كان عنده أكثر من زوجة كان له ان يغشى بعضهن دون بعض ، وليس عليه الا المبيت عند كل واحدة منهن في ليلتها ويقيل عندها ، فان لم ينشط للجماع لم يكن عليه شي ء ، فان وجه نشاطا للجماع فلا ينبغي له ان يدعها ويخص نفسها لغيرها.
وإذا كان عنده زوجة الى ثلاث وتزوج بكرا اقام عندها سبع ليال وان كان ثيبا فثلاث ليال ثم يستقبل القسمة بعد ذلك والتسوية بينهن فيها.
وإذا دخل عليه بكران في ليلة واحدة أو ثيبان أو بكر وثيب أقرع بينهما ، فأيهن خرج سهمها بدأ بها وأوفاها أيامها ولياليها ثم رجع الى الأخرى ولا يستحب له إذا أقام عند بكر أو ثيب ان يقعد عن صلاة الجماعة ، ولا بر كان يفعله ، ولا إجابة دعوة المؤمن ولا شهود الجنازة.
وإذا كان له زوجة أمة فأقام عندها يوما ثم أعتقت لم يقم عند الحرة الأخرى إلا يوما واحدا وان أقام عند الحرة يوما واحدا ثم أعتقت الأمة يحول عنها إلى المعتقة
وإذا كان عنده زوجة واحدة وكان يصوم النهار ويقوم الليل ولا يجعل لها
ص: 227
حظا ، فاستعدت عليه ، فإنه يؤمر بان يبيت عندها ليلة من اربع ليال أو ان ينظر لها (1)
وإذا تزوج امرأتين على ان يقيم عند الواحدة منهما يوما وعند الأخرى يومين ثم طلبت التي لها اليوم ان تعدل عليها ، كان لها ذلك ولم يلزمها الشرط الذي شرطته الا ان يكون الرجل يعجز عن زوجتين أو تكون ذميمة الخلق فيميل عليها ويريد طلاقها أو تكره (2) هي ذلك فتصالحه على ان يأتيها وقتا بعد وقت أو يوما في أيام أو على ان يترك لها حظها من ذلك فيكون جائزا.
ويجوز للرجل ان يترك بعض القسم للمرأة أو كله إذا طابت نفسها بذلك ، فان رجعت فيه كان عليه العدل عليها أو فراقها وكذلك إذا وهبت له ذلك فأقام عند غيرها أياما ثم بدا لها أن يستأنف العدل من يوم علم ، وإذا قال لا أفارقها ولا اعدل عليها اجبر على العدل عليها ولم يجبر على فراقها.
وإذا أعطاها مالا على ان تترك له يومها لم يجز ذلك ، لأنه بمنزلة البيع وليس هاهنا عين مملوكة يتناولها البيع ولا يقع عليها ولا هو اجارة على عقد يقابله عوض ، وان حللته فوهب لها شيئا من غير شرط ، كان ذلك جائزا.
ولا يجوز للرجل الدخول في الليل على غير صاحبة القسم ، لان الليل هو القسم ، (3) ويجوز ان يدخل على غيرها بالنهار وللحاجة (4) ولا يفعل عندها فان
ص: 228
أراد ان يأوي في النهار إلى منزله أوى إلى منزل صاحبة القسم ، ولا يستحب له ان يجامع زوجته في غير يومها ، فان فعل ذلك فعل مكروها ولم يجب عليه كفارة. (1)
وإذا مرض بعض الزوجات جاز ان يعودها نهارا فان فاتت (2) لم يكن بأس بمقامه عندها حتى يواريها ثم يعود بعد ذلك الى صاحبة القسم وان ثقلت بالمرض لم يكن بمقامه عندها بأس حتى تخف أو تموت ثم توفي من بقي من أزواجه مثل ما اقام عندها.
وإذا عرض له شغل يمنعه من المبيت عند أزواجه ابتدأ عند فراغه بصاحبة القسم حتى يبتدء (3) به عند عودته من السفر.
وإذا كان عند بعض أزواجه مريض أو متداو أو كانت الزوجة مريضة أو حائضا أو نفساء فذلك قسم ، يحتسب عليه به ، وإذا كان محبوسا وكان الزوجات يصلن اليه فعليه ان يعدل بينهن كما تكون ذلك عليه إذا لم يكن محبوسا.
وإذا أراد ان يكون له منزل لنفسه ثم ينفذ الى كل واحدة منهن فتأتيه يومها
ص: 229
وليلتها كان ذلك له ، وعليهن ان تاتينه ومن امتنع منهن من ذلك كانت عاصية لبعلها تاركة لحقه ، ولم يجب عليه في ترك القسم شي ء ما دامت ممتنعة ، وكذلك : إذا كانت في منزله تسكنه فغلقت الباب أو امتنعت منه إذا حضر عندها أو هربت منه أو ادعت عليه طلاقا كاذبة فإنه يحل له تركها والقسم لغيرها وترك النفقة عليها الى ان تعود إلى التخلية بينه وبين نفسها وهذه ناشز وكذلك : إذا كانت المرأة أمة فمنعته نفسها أو منعه منها أهلها لم يكن لها قسم ولا نفقة حتى ترجع عن ذلك.
وإذا سافر سيد الأمة بها بغير اذن زوجها أو بإذنه سقطت عنه النفقة ، وإذا سافرت الحرة بإذن زوجها أو بغير اذنه لم يكن لها نفقة الا ان يكون هو الذي أشخصها وإذا كانت الزوجة رتقاء لا يقدر الرجل عليها قسم لها كما يقسم للحائض ، لان القسم على المسكن لا الجماع.
والخصى والعنين والمجنون ومن لا يقدر على الجماع الا بعنت شديد (1) أو لا يقدر عليه جملة لعلة أو لغير ذلك يجرى مجرى الصحيح القوى في ذلك ، وإذا كان رجل عند واحدة من نسائه ليلا فعرض له جنون في بعض الليل فخرج من عندها فعليه ان يوفيها إذا أفاق أو يستحلها فان جنت الزوجة وخرجت في بعض الليل لم يجب عليه ان يوفيها شيئا.
وإذا قسم الرجل من نسائه يومين أو ثلاثة لكل واحدة منهن ثم طلق منهن واحدة قد ترك لها القسم طلاقا بائنا فعليه ان يستحلها من قسمها ، فان كان طلاقا رجعيا وفاها ما فاتها ويقسم للمرأة التي قد اتى (2) منها وكذلك المحرمة بأمره ولا يقربها. كذلك يفعل مع نسائه المحرمات (3).
ص: 230
وإذا خافت المرأة من بعلها نشوزا وكان كارها لها وأراد طلاقها وهي كارهة للطلاق ، فقالت له أمسكني ولا تطلقني واترك لك مالي عليك من الصداق أو الأجر وأهب لك من مالي كذا وكذا ، وأحللتك من يومي وليلتي ونفقتي فما فعله من ذلك برضاها ، كان له جائزا إذا أخذه هبة منها من غير شرط يشرطه لها ، لان طلاقها مباح له متى اراده.
وإذا نشزت المرأة على زوجها جاز له ان يهجرها في المضاجع وفي الكلام ويضربها ولا يبلغ بضربها حدا ولا يكون ضربا مبرحا ويتوقى وجهها ولا يهجرها بترك الكلام أكثر من ثلاثة أيام ويهجرها في المضجع الى ان ترجع عن النشوز قلت مدته أو كثرت ، فاذا عادت عن ذلك ورجعت الى ما يجب له عليها كف عنها وعادت الى حقها. (1)
عقد النكاح ينفسخ بعيوب : منها ما يختص الرجل. ومنها : ما يختص المرأة ومنها : ما يصح اشتراك الرجل والمرأة فيه.
فاما ما يختص الرجل فهو الجب والعنت واما ما يختص المرأة فهو الرتق والقرن والإفضاء وكونها محدودة في الزنا.
واما ما يصح اشتراك الرجل والمرأة فيه فهو الجنون والجذام والبرص والعمى (2) ، فاما الجذام والبرص فقد يظهر كل واحد منهما ظهورا لا يخفى على
ص: 231
أحد ، وقد يكون يسيرا ويقع الخلف فيه بين انه جذام وبرص وبين انه بياض ليس كذلك ، فاما الذي لا يختلف فيه فليس فيه كلام.
واما المختلف فيه فيفتقر في المعرفة فيه الى شاهدين من المسلمين من أهل الطب ، فان نظراه وأخبرا بأنه جذام أو برص حكم فيه بالرد وان أخبرا بأنه ليس كذلك ، لم يحكم فيه بالرد فاذا صح الجذام والبرص على ما ذكرناه من الظاهر الذي لا يختلف فيه ومن المختلف فيه كان للذي إليه الرد ، ان يرد.
فإن أراد المقام على العقد والصبر ، كان ذلك جائزا له ، وان لم يرد ذلك واختار الفسخ كان ذلك له ، وفي الناس من قال لا يفسخ عليه الا الحاكم وعندنا ان ذلك جائز ويجوز أيضا ان يفسخ الرجل ذلك بنفسه ، وكذلك المرأة.
فإن اختلف المتزوجان فقال أحدهما : هذا جذام أو برص ، وقال الأخر : هو مرار كان القول : قول الزوج مع يمينه ان كان ذلك به ، أو القول : قول الزوجة مع يمينها ان كان ذلك بها حتى تقوم البينة بشاهدين من أهل الطب بأنه جذام أو برص ثم يكون الخيار بعد ذلك في الفسخ أو الرضا والصبر عليه.
واما الجنون فضربان : أحدهما يخنق ، والأخر : يغلب على العقل من غير حدوث مرض ، وهذا أكثر من الذي يخنق ، وأيهما كان حاصلا بأحد الزوجين ، كان للآخر خيار بين الفسخ والرضاء به والصبر عليه ، والقول : في الفسخ هل يكون بالحاكم أو بغيره ، يجرى على ما قدمناه في الجذام والبرص.
فاما ان غلب على العقل مرض غير ذلك فليس فيه خيار ، لا سيما إذا برء من مرضه وزال الإغماء ، فان زال المرض ولم يزل الإغماء ، كان ذلك كالجنون ،
ص: 232
ولصاحبه الخيار بين الفسخ أو الرضا به ، وعندنا ان الجنون بالرجل إذا كان يعقل معه أوقات الصلوات فليس يتعلق به خيار.
فاما الجب : فمنه ما يمنع من الجماع ومنه : مالا يمنع منه فالأول : مثل ان جب جميعه أو بقي منه شي ء لا يجامع بمثله فللزوجة : هاهنا الخيار بين الفسخ أو الرضا به واما الأخر : فإن يبقى منه شي ء يمكن الإيلاج به في الفرج بمقدار غيبوبة حشفة الذكر فيه فهذه لا خيار لها معه ، لان جميع الأحكام الوطأ متعلقة بذلك واما العنين : فهو الذي لا يأتي النساء وسنذكر حكمه فيما بعد ،
فإن بان ان الزوج خصي : وهو مسلول الخصيتين فلا خيار لها في ذلك ، لان الخصى أكبر (1) من الفحل وانما لا ينزل ، وقد قيل : ان لها الخيار ، لان عليها فيه نقيصة وهو الأظهر ، لأن عقدها عليه عقد تناول رجلا سالما من العيب في هذا الشأن. (2)
فإن بان أنه خنثى : وهو الذي له ما للرجل وما للمرأة فلا خيار لها مع ذلك إذا بان انه رجل لأنه يجامع كما جامع الرجل ، وانما في خلقته ما هو زائد ، ويجرى مجرى الإصبع الزائدة في انه لا تأثير له في شي ء من ذلك.
فان ظهر انه عقيم وهو انه لا يولد له فليس لها خيار أيضا ، لأنه يجامع كما يجامع غيره ، وفقد الولد غير متعلق به لان ذلك من فعل اللّه تعالى.
واما الرتقاء فهي المرأة المسدودة الفرج ، فان كان مع ذلك يمكن دخول الذكر ولا يمنع منه فليس له خيار ، وان كان يمنع من ذلك كان له الخيار ، فإن أراد الزوج فتق ذلك كان لها منعه منه ، لان ذلك جراحة ، فإن أرادت هي إصلاح نفسها
ص: 233
بذلك لا تمنع منه ، لأنه مما يداوي ويصلح بالدواء ، فان عالجت نفسها وزال عنها ذلك سقط خيار الزوج معه لان الحكم إذا تعلق بعلة وزالت العلة ، زال حكمها بزوالها.
واما القرن فذكر انه عظم في الفرج يمنع من الجماع وذكر (1) ان العظم لا يكون في الفرج ولكن يلحق المرأة عند الولادة حال تنبت اللحم في فرجها ، وهو الذي يسمى العفل (2) يكون كالرتق سواء ، فان لم يمنع من الجماع فلا خيار للزوج وان منع منه كان له الخيار.
وإذا كان في كل واحد من الزوجين عيب وكان العيبان مختلفين ، مثل ان يكون في أحدهما برص أو جذام ، وفي الأخر جنون أو غير ذلك ، أو كان العيبان متفقين مثل ان يكون في أحدهما جنون وفي الأخر مثله أو يكون فيه جذام وفي الأخر مثله أو ما أشبه ذلك : كان لكل واحد منهما الخيار في الرد ، لأن في المردود عيبا يقتضي الرد.
إذا كان الذي به العيب هو الزوجة وأراد الرجل ردها ، وكان ذلك قبل الدخول بها سقط صداقها ، لان الفسخ من جهتها قبل الدخول وان كان ذلك بعد الدخول بها كان لها المهر بما استحل من فرجها ، فان كان لها ولى عقد نكاحها وكان عالما بذلك من حالها ، كان للزوج الرجوع عليه بذلك ، وان لم يكن عالما لم يلزمه شي ء.
فإن كان الرجل قبل دخوله بها دفع الصداق إليها كان له الرجوع عليها به ، وان لم يكن دفعه إليها لم يكن عليه شي ء.
وإذا حدث بالرجل أو المرية شي ء من هذه العيوب بعد ثبوت العقد واستقراره
ص: 234
ولم يكن حاصلا قبل العقد لم يجب (1) الرد منه الا ما ذكره أصحابنا من الجنون الذي لا يعقل معه صاحبه أوقات الصلوات ، والجب والخصى والعنت (2) وقد قلنا فيما تقدم ان ذكرها سيأتي فيما بعد.
وإذا عقد الزوجان النكاح ، وفي أحدهما عيب علم به الأخر في حال العقد ورضي به ، لم يكن له بعد ذلك خيار في الرد على حال :
وليس يوجب الرد من العيوب شي ء غير ما ذكرناه ، ولا يرد العوراء ولا الزانية قبل العقد ، ولا المرأة إذا تزوجت على انها بكر فوجدت بخلاف ذلك (3).
وإذا تزوجت المرأة رجلا على انه سليم فوجدته مجنونا ، كانت مخيرة بين المقام معه والصبر عليه وبين مفارقته ، فان حدث به جنون يعقل معه أوقات الصلوات لم يكن لها خيار ، فان كان لا يعقل ذلك ، كانت مخيرة بين المقام معه وبين فراقه ، فان اختارت فراقه ، كان على وليه ان يطلقها عنه (4).
وان تزوجت المرأة رجلا على انه صحيح فوجدته خصيا ، كانت بالخيار بين المقام معه وبين مفارقته ، فان اختارت المقام معه لم يكن لها بعد ذلك خيار ، وان اختارت فراقه وكان قد خلا بها ، كان عليه المهر ، وعلى الامام ان يعزره على ذلك لئلا يعود الى مثله.
ص: 235
وإذا تزوجت المرأة رجلا فوجدته عنينا انتظر به سنة واحدة ، فإن وطئ المرأة في السنة ولو مرة واحدة لم يكن لها خيار ، فان لم يصل إليها بوطأ في جميع السنة كان لها الخيار بين المقام معه وبين مفارقته ، فان اختارت المقام معه لم يكن لها بعد ذلك خيار ، وان اختارت مفارقته فارقته ، وكان لها نصف الصداق ولم يكن عليها عدة.
فان تزوجت المرأة بالرجل ووصل إليها بالوطأ ثم حدثت به العنت بعد ذلك لم يكن لها خيار ، وإذا لم يقدر الرجل على وطأ المرية وقدر على وطأ غيرها ، لم يكن لها عليه خيار.
بأن ادعى الرجل انه قد وصل الى المرية وأنكرت ذلك وكانت بكرا أمر من النساء الثقات من تنظر إليها فإن وجدت كذلك بطلت دعوى الرجل وان لم يكن كذلك بطلت دعواها ، وان كانت ثيبا كان القول قول الرجل مع يمينه ، وقد روى (1) ان المرأة إذا اختلف مع زوجها في ذلك وكانت ثيبا أمرت بان تحشو قبلها خلوقا ثم يؤمر الرجل بجماعها ، فان جامعها فظهر على ذكره اثر ذلك صدق ، وكذبت فان لم يظهر ذلك على ذكره ، صدقت المرأة ، وكذب الرجل.
وإذا تزوج رجل بامرأة على انها حرة فبان انها امة فان كان قد دخل بها وكانت هي المتولية لنكاحها منه ، كان له ردها ولها المهر بما استحل من فرجها ، (2) وان كان غيرها هو الذي تولى العقد عليها وكان عالما بذلك ، كان له الرجوع عليه بالمهر فان لم يكن عالما بذلك لم يلزمه شي ء.
ص: 236
فان لم يكن الزوج دخل بها وكان قد دفع المهر إليها ، كان له مع ردها الرجوع بذلك على من دفعه اليه ، سواء كانت هي المدفوع إليها ذلك أو غيرها ، وان كان لم يدفع إليها شيئا من ذلك ، كان له ردها ولم يكن لها عليه مهر ولا غيره ، وإذا رد الرجل المرأة لما ذكرناه كان رده لها فراقه بينه وبينها ولا يفتقر مع ذلك الى طلاق.
وإذا تزوجت المرأة رجلا على انه حر فبان انه عبد ، كانت مخيرة بين إقراره على العقد وبين اعتزاله ، فان اختارت إقراره على ذلك لم يكن لها بعد ذلك خيار ، وان اعتزلته كان ذلك فراقا بينهما ، ثم انه اما ان يكون قد دخل بها أو لا يكون دخل بها ، فان كان قد دخل بها كان لها المهر بما استحل من فرجها ، وان لم يكن دخل بها لم يكن لها شي ء.
وإذا زوج ابنته على انها بنت مهيرة فوجدها بنت امة كان مخيرا بين ردها وبين إقرارها على العقد فان ردها وكان قد دخل بها كان عليه المهر ، (1) وان لم يكن دخل بها لم يكن عليه شي ء وقد ذكر (2) ان المهر يجب لها على أبيها إذا لم يدخل الرجل بها والاولى ان ذلك غير واجب ، فإن أقرها على العقد لم يكن له بعد ذلك خيار.
وإذا كان له ابنتان إحديهما : بنت مهيرة والأخرى : بنت امة ، فزوج رجلا بنت الحرة
ص: 237
ثم ادخل الصداق عليه بنت الأمة كان للرجل (1) ردها عليه وان كان قد دخل بها ودفع إليها الصداق كان ذلك لها (2) بما استحل من فرجها ، وان لم يكن دخل بها ولا دفع إليها صداقها (3) لم يكن لها شي ء وكان على الأب ان يدفع الى الرجل البنت التي من الحرة وهي التي كان عقد له عليها ، وان كان الرجل قد دفع الصداق إلى الأولى لم يكن لهذه شي ء ووجب على أبيها في ماله صداقها دون الزوج ، وان كان الزوج لم يدفع الصداق إلى الأولى كان عليه دفعه الى بنت الحرة التي عقد له عليها ،
وإذا تزوج رجلان بامرأتين وأدخلت كل واحدة منهما على الذي ليس هو زوجها وعلما بذلك فيما بعد وجب رد كل واحدة منهما الى زوجها ان لم يكن الزوجان دخلا بهما ، وان كانا دخلا بهما كان لكل واحدة منهما المهر فان كان لهما ولى تعمد ذلك اغرم المهر (4) ولا يدخل كل واحد من الزوجين بزوجته حتى
ص: 238
تقضى العدة ممن كان دخل بها.
وقد روى ان (1) الرجل إذا ادعى انه من قبيلة معينة وعقد له على امرأة على انه من تلك القبيلة ثم ظهر انه من غيرها ان عقده فاسد.
وإذا ارتدت المرأة لم ينعقد عليها نكاح لأحد من مسلم ولا كافر ولا مرتد مثلها لأنها لا تقر على ذلك ، وإذا وكل رجل غيره على ان يزوجه امرأة معينة فزوجها الوكيل من وليها فحضر الموكل فأنكر وحلف بطل النكاح (2).
قال اللّه تعالى ( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلّا ما مَلَكَتْ ) الى قوله : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) الآية (3).
وعن الأئمة عليهم السلام : لا ينبغي للمؤمن ان يخرج من الدنيا حتى يستعمل ذلك ولو مرة واحدة (4) وعنهم عليهم السلام قالوا من استعمل ذلك لإحياء الحق وازالة دواعي الشيطان الى الفجور كتب اللّه له بذلك حسنات.
وإذا اغتسل منه خلق اللّه تعالى من كل قطرة يقطر من غسله ، ملكا يستغفر اللّه له الى يوم القيامة.
وصفة نكاح المتعة وشروطه على ضربين أحدهما : يجب ذكره في حال العقد والأخر : لا يجب والأفضل ذكره.
ص: 239
فأما الواجب فهو تعيين الأجر والأجل ، واما ما لا يجب ، وان كان الأفضل ذكره؟ فهو سؤال المرية هل لها زوج أو هي في عدة منه أو معها حمل أم ليس معها ذلك وان له ان يضع الماء حيث يشاء ، وانه لا نفقة لها ولا سكنى وان عليها العدة.
فأما نفى التوارث فلا يثبت بينهما ولو اشترط (1) واما الولد فلا يجوز للرجل ان يشترط انه لا يلحق به على كل حال (2) ولو اشترط لكان باطلا.
فمن أراد هذا العقد فينبغي ان يطلب امرأة صحيحة الولاية على نفسها عفيفة مؤمنة معتقدة للحق ، فاذا وجدها عرض عليها ذلك فقال : لها تمتعيني نفسك على كتاب اللّه تعالى وسنة نبيه محمد المصطفى صلى اللّه عليه وآله كذا وكذا يوما أو شهرا أو سنة بكذا وكذا من دراهم أو دنانير أو غيرها مما يتعين فيه قيمة ، على ان لي ان أضع الماء حيث شئت وانه لا نفقة لك على ولا سكنى وعليك العدة إذا انقضت المدة.
فإذا أجابت الى ذلك أعاد عليها القول ، فقال : متعيني نفسك على كتاب اللّه تعالى وسنة نبيه كذا وكذا يوما أو شهرا أو سنة ويعيد باقي الكلام ، فاذا اتى على آخره كما قدمناه ، وقالت : قد قبلت أو رضيت أو أجبتك الى ذلك قال : هو قد قبلت ورضيت.
فان قالت المرأة قد متعتك نفسي كذا وكذا بكذا وكذا وذكرت الشروط ،
ص: 240
وقال الرجل : قد قبلت ورضيت كان اولى والوجه في تكرار الكلام والشروط في ذلك ان الأول خطبة : والثاني : يكون عقدا.
« فيما إذا نسي الأجل »
فإن ذكر الأجر ولم يذكر الأجل ، كان النكاح دائما وبطل كونه متعة وان ذكر الأجل ولم يذكر الأجر كان باطلا وان لم يذكرهما جميعا كان العقد أيضا باطلا (1) وإذا انعقد نكاح المتعة على ما بيناه وجب على الرجل تسليم الأجر إلى المرأة فإن أخر بعضه برضاء المتمتع بها كان جائزا وإذا تسلمت منه ذلك استحق بعضها (2) على الشروط التي استقرت بينهما.
وإذا لم يجد امرأة على الصفة التي قدمنا ذكرها ووجد مستضعفة جاز له ان يعقد عليها ، ويجوز عقد المتعة على اليهودية والنصرانية ، ومن عقد على واحدة من هؤلاء فليمنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير.
وليس الاشهاد والإعلان من شرائط المتعة ، فإن خاف الإنسان على نفسه من السلطان وان يتهمه بالزنا ، فليشهد في ذلك شاهدين فان لم يفعل فليترك هذا العقد.
ويجوز العقد على المرية البكر والدخول بها إذا لم يكن لها أب ، فإن كان لها أب ، جاز العقد عليها باذنه والأحوط ان لا يعقد عليها إذا لم يأذن في ذلك ، ولا يعقد متعة على فاجرة الا ان يمنعها من الفجور ، فان لم تمتنع فلا يعقد عليها.
ويجوز العقد على الأمة بإذن سيدها ، وقد ذكر (3) جواز العقد على امة امرأة
ص: 241
وان لم تأذن سيدتها في ذلك والأحوط خلافه وان لا يعقد عليها إلا بإذنها.
وإذا كان عنده زوجة حرة فلا يعقد على امرأة (1) متعة إلا برضاه والحكم في ذلك مثل ما ذكرناه فيما سلف من نكاح الدوام.
إذا عقد على أمرية متعة ثم اختار فراقها قبل الدخول بها ، كان لها نصف المهر ويهب لها أيامها وان كان قد سلم إليها جميع المهر كان له الرجوع عليها بنصفه ، فان كانت قد وهبت له المهر قبل ان يفارقها كان له الرجوع عليها بنصفه إذا فارقها.
وإذا أسلم إليها من مهرها شيئا ودخل بها ووقت له بالمدة ، وجب ان يدفع إليها ما بقي منه ، فإن أخلت بشي ء من المدة كان له ان ينقضها من المهر بحساب ذلك فان دفع إليها المهر أو بعضه ودخل بها ثم ظهر له بعد الدخول ان لها زوجا ، كان لها ما أخذت ولا يجب عليه ان يدفع إليها الباقي.
والمهر ما يتراضيان عليه مما له قيمة قليلا كان أو كثيرا ويجوز على كف من حنطة أو شعير وما جرى مجرى ذلك من غيرهما ، والأجل أيضا ما يتراضيان عليه مما ذكرناه من أيام معينة أو شهر معين أو سنة معينة ، ولا يجوز اشتراط المرة والمرتين (2) وان كان روى جواز ذلك فالأحوط ما ذكرناه من الأيام المعينة والشهور المعلومة والسنين المذكورة فإن ذكر المرة مبهمة (3) ولم يقرن بها ذكر وقت معين كان النكاح دائما.
ص: 242
ومتى شرط ان يأتيها ليلا أو نهارا أو يوما معينا أو مرة في أسبوع كان ذلك جائزا ، وقد ذكرنا فيما سلف ، ان نفى التوارث لا يصح اشتراطه ، فاما ان شرط التوارث ثبت ذلك عنها (1) وإذا عقد عليها شهرا ، ومضى عليها شهر فان كان عينه كان له الشهر الذي عينه ، وان لم يكن عينه ، لم يكن له عليها سبيل (2).
والعزل جائز ، للرجل وان لم يشترطه ، وإذا جاءت المرأة بولد كان لا حقا بالزوج عزل عنها أو لم يعزل ، ولا يجوز للمتزوج متعة ان يزيد على اربع من النساء (3) وقد ذكر ان له ان يتزوج ما شاء والأحوط ما ذكرناه.
والمتمتع بها إذا انقضى أجلها جاز ان يعقد عليها الرجل عقدا جديدا في الحال ومتى أراد الزيادة في الأجل قبل انقضائه لم يجز ذلك ، فان اراده فليهب لها ما بقي من الأيام ، ويعقد عليها بعد ذلك ما شاء من الأيام ويجوز للرجل ان يعقد على المرأة الواحدة مرات كثيرة مرة بعد اخرى.
والمتمتع بها إذا بانت من زوجها بانقضاء الأجل (4) كان عليها العدة؟ وهي
ص: 243
حيضتان أو خمسة وأربعون يوما ، (1) وان كان ذلك بموت الرجل كان عليها العدة؟وهي أربعة أشهر وعشرة أيام مثل عدة الموت في نكاح الدوام للحرة غير حبلى (2).
وإذا شرط الرجل ان لا يطأ المرأة في الفرج لم يكن له الوطؤ فيه الا بإذن الزوجة له في ذلك وما يجوز اشتراطه في عقد المتعة انما يثبت إذا ذكر بعد العقد فان ذكر قبل العقد لم يكن له تأثير.
وإذا اختلف الزوجان بعد اتفاقهما على العقد! فادعى أحدهما : انه متعة كان على مدعى المتعة بينة وعلى المنكر اليمين ، لان الزوج ان ادعى المتعة كان مدعيا لما نفى عنه (3) حقوقا من نفقة وميراث وغير ذلك ، وان ادعت المرأة ذلك كانت مدعية لما تملك نفسها معه بغير طلاق أو ما أشبهه.
ص: 244
الوطأ لواحد من هؤلاء لا يجوز الا بعقد أو بملك يمين ، ولا فرق في ملكهن بين حصوله بابتياع أو بغير ذلك من وجوه التمليكات ، من ميراث أو هبة أو صدقة أو غنيمة أو سبي ، فاما إذا ملك الرجل واحدة منهن بأحد وجوه التمليكات لم يجز له ان يطأها حتى يستبرأها بحيضة ان كانت ممن تحيض ، وان لم تكن ممن تحيض استبرأها بخمسة وأربعين يوما ، وان كانت آيسة من المحيض أو كانت لم تبلغ المحيض لم يكن عليها استبراء.
ومن أراد بيع جارية يطأها فينبغي له ان يستبرأها بما ذكرناه ، وإذا أخبر بائعها لمشتريها بأنه قد استبرأها وكان في قوله ثقة جاز لمشتريها وطؤها ، والأفضل له ان لا يطأها إلا بعد ان يستبرأها ، والجارية إذا كانت لامرأة وباعتها لرجل جاز له وطؤها من غير استبراء والأفضل والأحوط له ان يستبرأها إذا أراد ان يطأها.
وإذا ابتاع رجل جارية ثم أعتقها من قبل ان يستبرأها ، وأراد العقد عليها جاز له ذلك ، ومن كان له ان يطأها (1) فالأفضل له ان لا يطأها إلا بعد ان يستبرأها ، وإذا أعتقها وكان قد وطأها جاز له ان يعقد عليها ، وكان له وطؤها أيضا ولم يكن عليه استبراء فإن أراد غيره ان يعقد عليها النكاح لم يجز له ذلك الا بعد خروجها من العدة؟ وهي ثلاثة أشهر (2).
ص: 245
وإذا اشترى رجل جارية حائضا لم يجز له ان يطأها إلا بعد الطهر ، فاذا طهرت جاز له وطؤها من غير استبراء ، فان اشتراها وهي حامل لم يجز له ان يطأها في الفرج حتى تضع حملها ، فان مضى لها (1) أربعة أشهر وعشرة أيام ، جاز له ان يطأها في الفرج ، والأفضل له ان لا يفعل ذلك فان فعل ولم يعزل عنها لم يجز له ان يبيع ولدها ، والأفضل له ان يوصى له بشي ء من ماله إذا حضرته الوفاة.
وإذا اشترى رجل جارية وأراد وطأها قبل الاستبراء لم يجز له ذلك الا فيما دون الفرج ، وترك ذلك أفضل.
ويجوز للرجل ان يجمع بين ما أراد من النساء بملك لليمين ، ولا يجوز للرجل ان يجمع بين الأختين ، ولا بين الام وبنتها في الوطأ ، ويجوز له الجمع بينهن في الملك والاستخدام فان وطأ البنت لم يجز له وطؤ الأم ، وان وطأ الأم لم يجز له وطؤ البنت.
وإذا كان لرجل جارية فوطأها أو قبلها بشهوة أو نظر منها الى ما يحرم على غيره النظر اليه ، لم يجز لابنه ان يطأها ويجوز له ان يملكها ، وكذلك الحكم في الأب إذا وطأ ابنه جارية أو قبلها أو نظر الى ما يحرم على غير مالكها النظر اليه ، ويجوز له ان يملكها من غير وطأ وجميع ما ذكرناه من المحرمات بالنسب والسبب والعقد لا يجوز وطؤهن بملك اليمين.
ص: 246
وإذا زوج الرجل مملوكة له لم يجز له وطؤها حتى يفارقها زوجها وتخرج من عدتها وكذلك لا يجوز له تقبيلها ولا النظر إليها مكشوفة ولا عارية من ثيابها حتى يفارقها زوجها ، وإذا كان لرجل شريك في جارية لم يجز له وطؤها إلا بعقد (1) أو بانتقال جميعها اليه.
وإذا اشترى رجل جارية كان لها زوج زوجها سيدها به ، ولم يرض المشترى لها إقرار الزوج على العقد بينهما لم يجز له وطؤها حتى تنقضي مدة الاستبراء ، فإن رضي بالعقد لم يجز له وطؤها إلا بعد مفارقة الزوج لها بموت أو طلاق.
ويجوز للرجل ان يشترى من لها زوج في دار الحرب ويجوز له ان يشترى السبايا المستحق للسبي وان سباهم أهل الضلال ، وكانوا ممن يستحق السبي جاز أيضا ابتياعهم منهم.
وإذا كان لرجل جارية وأراد ان يجعل عتقها صداقها كان جائزا ، وينبغي إذا أراد فعل ذلك ان يقدم لفظ التزويج على لفظ العتق ، فيقول تزوجتك وجعلت مهرك عتقك ، فان لم يفعل ذلك وقدم لفظ العتق على لفظ التزويج مثل ان يقول أعتقتك وتزوجتك وجعلت مهرك عتقك كان العتق ماضيا وكانت مخيرة بين الرضا بعقد النكاح (2) وبين الامتناع منه.
ص: 247
فإن طلقها قبل الدخول بها كان لها عليه (1) مثل نصف قيمتها ، وقد ذكر (2) انه يرجع نصفها رقا وتستسعى في ذلك النصف فان لم تسع في ذلك كان له منها يوم في الخدمة ولها يوم وان كان لها ولد وله مال ألزم ان يؤدى عنها النصف الباقي - وتنعتق ، والذي ذكرناه أولا أولى وأحوط.
وإذا أعتق جارية وجعل عتقها مهرها ولم يكن ادى ثمنها ومات عنها ، فان ترك من المال ما يحيط بثمن رقبتها كان العتق والتزويج ماضيين ، وان لم يترك شيئا غيرها كان العتق باطلا ويبطل العقد أيضا (3) وترد الى سيدها الأول ، فإن كانت قد جاءت بولد كان حكمه حكمها في انه يكون رقا لمولاها.
وإذا كان للمرأة الحرة زوج مملوك فملكته بأحد وجوه التمليكات حرمت عليه ولم يجز له وطؤها ، فإن اختارت ذلك كان عليها ان تعتقه وتتزوج به ان شاءت ذلك.
ص: 248
وإذا كان لرجل عبد اوامة وكان للعبد أو الأمة مملوكة (1) وأراد وطؤ هذه المملوكة كان له ذلك جائزا لأن ما يملكه عبده أو أمته فهو ملكه ، وليس يملكان هما شيئا.
وإذا كان لولده جارية وأراد وطأها ، فإن كان الولد كبيرا وقد وطأها (2) أو نظر منها الى ما يحرم على غير مالكها النظر اليه ، لم يجز للأب وطؤها على حال ، وان لم يكن وطأها ولا نظر إليها على الوجه الذي ذكرناه لم يجز للأب وطؤها إلا بإذن ابنه في العقد عليها له أو تملكه إياها.
وان كان الابن صغيرا لم يجز له وطؤها حتى يقومها على نفسه ، ويكون الثمن في ذمته لابنه.
وإذا كان العبد بين شريكين ، فاذن له أحدهما في التزويج وعلم الشريك الأخر بذلك ، كان مخيرا بين إمضاء العقد وفسخه.
وإذا كان لإنسان عبد فاذن له في التزويج فتزوج ثم أبق بعد ذلك ، لم يكن لزوجته على سيده نفقة وكان عليها العدة منه (3) ، فان عاد قبل انقضاء العدة كان
ص: 249
أملك بها ، وان كانت عدتها قد انقضت لم يكن له عليها سبيل.
وإذا كان له مملوكة فأخبره فالأفضل له ان لا يطأها ولا يطلب منها ولدا فان فعل ذلك فليعزل عنها.
وإذا زوج مملوكته لرجل وسمى لها صداقا معينا وقدم الزوج شيئا من مهرها ثم باعها سيدها (1) لم يجز له المطالبة بباقي الصداق ، ولا الذي اشتراها الا ان يرضى بالعقد ويقره على نكاحها.
وإذا كان له عبد فزوجه بحرة ، كان المهر لازما له دون العبد ، فان باعه قبل الدخول بالزوجة كان على سيده نصف المهر.
وإذا زوج الرجل مملوكته برجل حر ثم أعتقها ، فان مات الزوج ورثته وكان عليها عدة الحرة المتوفى عنها زوجها وان علق عتقها بموت زوجها ثم مات الزوج لم ترثه (2) ، ووجب عليها ان تعتد عدة المتوفى عنها زوجها.
ولا يجوز بيع أم الولد إلا في ثمن رقبتها إذا لم يكن لسيدها مال غيرها ، فان مات وخلف مالا غيرها جعلت من نصيب ولدها فاذا فعل ذلك انعتقت في الحال.
إذا كان : للمشرك أكثر من اربع زوجات وهن كتابيات من النصارى واليهود أو منهما جميعا فأسلم دونهن ، كان عليه ان يختار منهن أربعا وكذلك ان أسلمن معه ويفارق الباقي منهن وكذلك ان كن مجوسيات أو وثنيات أو منهما جميعا فأسلمن معه ، فان لم يسلمن وأقمن على الشرك لم يجز له ان يختار منهن واحدة ، لأن المسلم لا ينكح مجوسية ولا وثنية.
ص: 250
وإذا كان الزوجان كتابيين يهوديين أو نصرانيين ، أو يهوديا ونصرانية ، أو نصرانيا ويهودية فأسلم الزوج فهما على النكاح وكذلك ان كان الذي أسلم وثنيا أو مجوسيا والزوجة يهودية أو نصرانية ، وان كان الذي أسلم هي الزوجة فسنذكر حكمها فيما بعد (1).
وان كانا وثنيين أو مجوسيين أو أحدهما مجوسي والأخر وثني ، فمن أسلم منهما (2) وكان إسلامه قبل الدخول ، وقع الفسخ على كل حال ، وان كان بعد الدخول وقف ذلك على انقضاء العدة ، فإن اجتمعا على النكاح (3) قبل انقضائها فهما على النكاح والا كان ذلك مفسوخا وكذلك إذا كانا كتابيين فأسلمت الزوجة لأن الكتابي لا يتمسك بعصمة مسلمة أبدا ، سواء كانا في دار الحرب أو دار الإسلام ، وقد ذكر بعض أصحابنا (4) ان نكاحها لا ينفسخ بإسلامها ، لكن لا يمكن الرجل من الخلو بها.
وإذا تزوج وهو مشرك بالأم وبنتها في عقد واحد أو في عقدين ثم أسلم ولم يكن دخل بواحدة منهن كان له ان يختار منهما من أراد ويفارق الأخرى ، فإن كان
ص: 251
دخل بكل واحدة منهما حرمت البنت على التأبيد ، لأنها بنت مدخول بها ، والام حرمت عليه مؤبدا أيضا للعقد على البنت والدخول بها. (1)
وان كان دخل بالبنت دون الام حرمت الام على التأبيد لمثل ما قدمناه ، فان كان دخل بالأم دون البنت حرمت البنت على التأبيد.
وإذا نكح امرأة وعمتها أو امرأة وخالتها ثم أسلم كان له ان يختار أيهما شاء ، ويفارق الأخرى ، (2) دخل بها أو لم يدخل بها فان رضيت العمة أو الخالة بالمقام معها كان له الجمع بينهما.
وإذا كان يملك اما وبنتها فأسلم وأسلمن (3) معه فان لم يكن وطأ واحدة منهما كان له وطؤ واحدة منهما دون الأخرى ، فإذا وطئ منهما واحدة حرمت الأخرى على التأبيد (4) ، لأن الدخول بالمرأة يحرم أمها وبنتها على التأبيد ، والموطوءة تكون له حلالا.
ص: 252
وإذا أسلم وعنده من الإماء أربع زوجات وأسلمن معه فان كان ممن يجوز له نكاح امة من عدم الطول وخوف العنت ، كان له ان يختار منهن اثنتين ، لأنه لو أراد استئناف نكاحهما كان له ذلك إذا كان حرا وإذا كان كذلك جاز له ما ذكرناه.
وان كان ممن لا يجوز له نكاح امة لوجود الطول وانه لا يخاف العنت ، كان له أيضا ان يختار منهن اثنتين عندنا ، لأنه مستديم للعقد وليس مبتدئا به ، ويجوز في الاستدامة ما لا يجوز في الابتداء الا ترى انه ليس له ان يعقد على الكتابية مع ان له استدامة عقدها.
وإذا كان عنده اربع زوجات حرة وثلاث إماء فأسلم ، وأسلم جميعهن معه كان الأمر في ذلك (1) موقوفا على رضا الحرة ، فإن رضيت ثبت نكاحها.
وإذا تزوج العبد وهو مشترك بستة : أمتين وكتابيتين ووثنيتين فأسلم وأسلمن معه فليس للأمتين خيار في فراقه ، لأنه مملوك وهما مملوكتان فلا مزية لهما عليه ، واما الحرائر فالخيار لهن في فراقه ، فان اخترن ذلك بقي عنده أمتان وله امساكهما ، لأنه يجوز للعبد عندنا ان يتزوج بأربع إماء (2)
ص: 253
وإذا تزوج العبد وهو مشرك بأربع حرائر فأسلم ، وأسلم معه اثنتان منهن وأعتق ثم أسلمت الحرائر (1) بعد ذلك ، أو أسلمن كلهن معه ثم أعتق كان له ان يختار منهن اثنتين بغير زيادة عليهما ، لان الاعتبار بثبوت حال الاختيار ، والاختيار ثبت له وهو عبد فإذا أعتق لم يتعين (2) قدر ما ثبت له بعتقه ، فاذا كان كذلك وكان له ان يختار اثنتين ، قيل له ان شئت بعد ذلك ان تتزوج باثنتين غيرهما ليصير عندك أربع نسوة فافعل لأنك حر كامل وكذلك : استئناف العقد على اربع نسوة.
وإذا عقد العبد وهو مشرك على اربع حرائر فأسلم وأعتق ثم أسلمن ، أو أسلمن
ص: 254
أولا ثم أعتق ثم أسلم هو ، ثبت نكاح الأربع بغير اختياره ، لأنه في وقت ثبوت الاختيار حر ، وهن حرائر وثبت نكاح الأربع كما ذكرناه ، وانما ينفسخ نكاح من زاد على العدد الذي يجوز استدامته والزيادة هاهنا مرتفعة.
وإذا أسلم الحر وعنده أربع حرائر وأسلمن معه ثبت نكاحهن بغير اختيار ، فان قال بعد ذلك فسخت نكاحهن لم يجز له ذلك نوى الطلاق بذلك أو لم ينوه ، لان الطلاق عندنا لا يقع الا بحصول شرائط من جملتها صريح اللفظ.
وإذا كان عند الحر المشرك خمس حرائر فأسلم ، وأسلمن بعده واحدة بعد واحدة ، وكلما أسلمت واحدة قال لها اخترتك ثبت نكاح اربع ووقع الفسخ بالخامسة.
وإذا كان الحر مشركا وله زوجة كذلك فأسلمت الزوجة وأسلم بعدها فان كان إسلامه قبل انقضاء عدتها فهما على النكاح وان كان بعد انقضاء العدة كان خاطبا من الخطاب.
وإذا أسلم المشرك وعنده اختان حرتان أو أكثر (1) من أربع حرائر ، كان
ص: 255
له ان يترك عنده التي نكح أولا من الأختين مع تمام أربع حرائر ، ويفارق الأخت الثانية وما زاد على الأربع الحرائر.
وإذا أسلمت الذمية قبل الدخول بها ملكت نفسها ولم يكن عليها عدة ، فان أسلم زوجها في حال إسلامها فهما على النكاح ، وان تأخر إسلامه عن إسلامها كان خاطبا من الخطاب.
وإذا خرج الحربي إلى دار الإسلام فأسلم ثم لحقته زوجته فهما على النكاح (1) وإذا خرجت امرأة من أهل الحرب الى دار الإسلام مستأمنة (2) ولها زوج قد تخلف في دار الحرب لم يكن له عليها سبيل ، ولها ان تتزوج بعد ان تستبرئ رحمها فان جاء زوجها بعد ذلك (3) مستأمنا كان خاطبا من الخطاب.
فاذا سبيت المرأة قبل زوجها أو هو قبلها ثم مكثا في الغنيمة ما شاء (4) ان
ص: 256
يمكثا في دار الحرب ، كانا على النكاح فإن أدخل أحدهما دون صاحبه بطل النكاح بينهما ، وإذا سبيت المرأة وزوجها من أهل الحرب كان لمن يملكها ان يفرق بينهما كما يكون له ذلك في عبيده ، الا ان يكون أهل الحرب ألقوا بأيديهم حتى سبوا على ان لا يفرق بين الزوج منهم وزوجته فصولحوا على ذلك وعقد لهم ، فليس يجوز التفرقة بينهم.
وإذا ارتد الرجل بانت منه زوجته فان تاب (1) كان خاطبا من الخطاب.
وإذا أسلم المشرك أو الذمي وعنده من لا يحل نكاحها في الإسلام انفسخ النكاح ، وإذا تزوج الذمي الذمية من محارمه وهو في دينهم جائز ، فرفعت الزوجة خبرها الى الحاكم وسألته إمضاء حكم الإسلام بينهما والزوج كاره لذلك لم ينظر بينهما ، فان تراضيا بحكمه امضى عليهما حكم الإسلام ، وفرق بينهما فيما أوجب الحكم تفريقه.
وإذا تزوج النصراني النصرانية ثم تمجست كانا على نكاحهما ، فإن أسلم الزوج عرض عليها الإسلام فإن أسلمت (2) والا فرق بينهما ، فان عادت الى النصرانية أو اليهودية كانت على النكاح ، فان تمجست بعد إسلام الزوج فسد النكاح ، (3)
ص: 257
وإذا أسلم النصراني وزوجته نصرانية ، فرجعت الى اليهودية فهي زوجته.
وإذا اغتصب الحربي حربية على نفسها أو طاوعته وأقاما على ذلك معا بغير عقد لم يقرا عليه ان أسلما وهما على هذه الصفة لأنهما لا يعتقدان ذلك نكاحا.
وإذا أسلم الزوج وعنده زوجة ثم ارتد بعد إسلامه قبل انقضاء عدتها ، فإن أقامت على الشرك حتى انقضت عدتها من حين أسلم انفسخ النكاح ، وان أسلمت (1) وهو مرتد زال باختلاف الدين بإسلامه ، فإن أقام على الردة حتى انقضت عدتها بانت من حين ردته ، وان رجع بينا (2) انه لم تزل زوجيته ولم يكن لها نفقة قبل إسلامها (3) ، فإن - أسلمت وهو مرتد كان نفقتها عليه لان التفريط منه.
وإذا تزوج مشرك بمشركة وطلقها ثلاثا ، لم تحل له الا بعد زوج ، فان تزوجت بمشرك ودخل بها ، أباحها للأول وكذلك لو تزوج مسلم كتابية ثم طلقها
ص: 258
ثلاثا فتزوجت في حال الشرك (1) ودخل الزوج بها ، أباحها لزوجها المسلم.
وانكحة الكفار عندنا صحيحة ، ومهور نسائهم تابعة لذلك في الصحة ، والمعتبر فيها بالقيمة إذا كانت مما لا تحل للمسلم تملكه وحكمنا بينهم فيها.
إذا ضرب المرأة المخاض فينبغي للنساء ان ينفردن بها ليتولوا معونتها وأمرها في الولادة ، ولا يحضرها أحد من الرجال إلا في الحال الذي يعدم فيها النساء ، فاذا وضعت ولدها أخذته القابلة ان كان لها القابلة ، ومسحته من الدم ثم تغسله ، ويؤذن في اذنه اليمنى ، ويقام في اذنه اليسرى ويحنك بماء الفرات والأفضل فيما يؤخذ من هذا الماء ان يؤخذ من موضع يتشعب إلى انهار شتى مثل نهر الكوفة وكربلاء فان لم يتمكن من ذلك فليحنك بماء عذب ، فان لم يتمكن من ذلك ، ولم يقدر الا على ماء ملح فينبغي ان يلقى فيه شي ء من عسل أو تمر ليحلو ثم يحنك به وينبغي ان يستعمل في تحكنه مع الماء ، شي ء من تربة الحسين عليه السلام ان وجد ذلك.
فاذا كان في اليوم السابع من ولادته فينبغي ان يختار له اسم يسمى به ، ويعق عنه ويختن في ذلك اليوم ، وأفضل الأسماء ، أسماء الأنبياء والأئمة عليهم السلام ، وأفضل ذلك محمد وعلى والحسن والحسين وما عدا ذلك من أسماء أئمتنا عليهم السلام ، وكذلك الكنى (2) ، ويكره ان يكنى الإنسان (3) ولده حكما أو حكيما أو خالدا أو حارثا أو مالكا وكذلك ويكره ان يكنيه بابى عيسى وابى الحكم وابى خالد.
ص: 259
فإذا كان اليوم السابع من ولادته كما ذكرناه حلق رأسه وتصدق بوزن شعره ذهبا أو فضة ، ويكون ذلك مع العقيقة في وقت واحد ويكره ان يترك للصبي إذا حلق رأسه قنزعة ، (1) وكذلك : يكره ان يحلق بعض رأسه ويترك بعضه ويعق عنه ان كان ذكرا بكبش ، وان كان أنثى بشاة مع التمكن من ذلك فان لم يتمكن من كبش ولا بشاة ووجد دون ذلك كان جائزا.
والأفضل ان يعق عن الذكر بالذكر وعن الأنثى بالأنثى كما قدمناه فان لم يقدر على ذلك وقدر على حمل كبير جاز ان يعق به وما يجري في الأضحية من ذلك يجوز العقيقة به فاذا ذبحت العقيقة فينبغي ان يدفع الى القابلة ربعها المؤخر (2) فإن كانت القابلة ذمية لم يدفع إليها ذلك ، ودفع إليها ثمن ذلك وان كانت القابلة أم والد المولود ومن هو في عياله ، لم يدفع إليها شي ء من العقيقة ، ودفع الربع إلى أم المولود لتتصدق به.
وينبغي ان يفصل العقيقة ولا يكسر لها عظم ويتصدق بها على الفقراء والمساكين وان طبخ لحمها ودعي عليه قوم من المؤمنين ليأكلوه كان أفضل ، ولا يأكل أحد من
ص: 260
أبوي المولود شيئا من العقيقة ، وقد روى جواز ذلك (1) والأحوط ما قدمناه.
وينبغي ان يختن المولود في اليوم السابع كما ذكرناه فإن أخر ذلك عن هذا اليوم كان جائزا ، الا ان الأفضل ذلك ، والقول في خفض الجواري مثل ذلك ، (2) وإذا تأخر ختان أحد ممن ذكرناه الى وقت بلوغه وجب ان يفعل به ذلك عند البلوغ وكذلك : من أسلم وهو بالغ غير مختتن ، فليختتن وان كان شيخا.
وإذا مات المولود في اليوم السابع من ولادته ، وكان موته قبل الظهر من ذلك لم يعق عنه ، وان كان موته بعد الظهر ، استحب ان يعق عنه.
وينبغي ان يرضع الصبي حولين كاملين على ما ثبت به السنة في ذلك ، والزيادة عليه جائزة وكذلك : النقص منه ، فاما الزيادة : فلا يجوز ان يكون أكثر من شهرين ، واما النقص : فلا يجوز ان يكون أكثر من ثلاثة أشهر ، فإن فعله ذلك ، كان جورا عليه ، ونقص الثلاثة الأشهر مكروه.
وأفضل ما يرضع به الصبي من الألبان لبن امه ، والام ان كانت حرة وأرادت رضاعه كان لها ذلك ، وان لم ترده لم تجبر عليه ، وان كانت امة كان إلزامها ذلك جائزا.
ص: 261
وإذا أرضعته الحرة وتطلب اجرة الرضاع كان ذلك (1) واجبا على والد الصبي ، وان كان والده ميتا ، كان ذلك في مال الصبي ، وان كان لها مملوكة فأرضعته كان لها أجر رضاع مملوكتها وهو اجرة المثل.
وإذا وجد والد الصبي من يرضع ولده بأجرة تكون أقل من الأجرة التي تأخذها امه ورضيت الام بها كانت أحق به من غيرها ، وان لم ترض بها كان لوالده أخذه منها ودفعه الى من يرضعه بالأقل.
وإذا كان الولد ذكرا فوالدته أحق به من أبيه (2) مدة الرضاع ، فاذا انقضت هذه المدة كان والده أحق به منها ، وإذا كان أنثى فوالدته أحق به من أبيه إلى سبع سنين ، فان تزوجت فيما دون سبع سنين ، كان والده اولى به منها. فان مات والده كانت والدته أحق بولدها من وصى أبيه ذكرا كان الولد أو أنثى الى ان يبلغ.
فاذا كان والد الصبي عبدا ووالدته حرة. كانت والدته أحق به واولى من أبيه على كل حال فان انعتق كان اولى به على ما تقدم ذكره.
وإذا أراد الرجل من يرضع والده ، فينبغي ان يختار لذلك امرأة ، مسلمة.
عاقلة جميلة الوجه عفيفة. ولا يجوز له ان يسترضع امرأة كافرة إلا عند الضرورة
ص: 262
الى ذلك فإنه يجوز حينئذ ان يسترضع يهودية أو نصرانية دون غيرها من سائر الكفار
وإذا لم يجد في هذه الحال يهودية ولا نصرانية ووجد مجوسية ، جاز ان يسترضعها ، ولا يجوز له ذلك مع وجود اليهودية أو النصرانية على حال فاذا استرضع اليهودية أو النصرانية فليقرها عنده في منزله ، ولا يدفع الولد إليها لتمضي به الى منزلها وينبغي ان يمنعها أيضا من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير.
ولا يجوز ان يسترضع ناصبية ولا امرأة قد ولدت من الزنا ، أو كانت مولودة من ذلك إلا في حال الضرورة وعدم من يجوز استرضاعه ممن قدمنا ذكره.
والمرضعة تستحق اجرة الرضاع في حولين كاملين فان زاد على الحولين لم تستحق على ذلك اجرة ومن دفع ولده الى ظئر ، فمضت به ولم تحضره الا بعد الفطام ، لم يجز له إنكاره ولا يكذبها في قولها بأنه ولده لأنها مأمونة.
وإذا دفعت الظئر ولد إنسان إلى ظئر اخرى كان عليها ضمانه ، فان لم تحضره كأن عليها ديته ، واسترضاع الإماء جائز فمن أراد أن يسترضعهن فليسترضع المسلمة منهن حسب ما وصفناه فيمن يجوز استرضاعه من غيرهن.
قال اللّه واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن (1) فعلق تعالى : هذه الأحكام بالنشوز إذا ظهرت اماراته ودلائله وذلك يظهر بقول أو فعل.
اما القول : فمثل ان تكون المرأة تلبي الرجل إذا دعاها وتخضع له بالقول إذا كلمها ثم تمنع عن ذلك وعن القول الجميل عند مخاطبته.
واما الفعل : فمثل ان كانت تقوم إليه إذا دخل عليها وتسارع الى فراشه إذا دعاها اليه ، ثم تترك ذلك فتصير لا تقوم ولا تسارع الى فراشه ، بل إذا دعاها الى ذلك صارت إليه بكراهة ودمدمة وأمثال ذلك ، فاذا ظهر ما ذكرناه أو ما جرى مجراه
ص: 263
وعظها بما يأتي ذكره لقوله تعالى الذي قدمناه.
واما ان نشزت فامتنعت عليه وأقامت على ذلك وتكرر منها جاز له ضربها فان نشزت أول مرة جاز له ان يهجرها في المضجع ويضربها أيضا. فإما الموعظة : بان يخوفها باللّه تعالى ويعرفها ان عليها طاعة زوجها ، ويقول اتقي اللّه وراقبيه واطيعينى ولا تمنعينى حقي عليك.
والهجران في المضجع : هو ان يحول ظهره إليها ، وقال بعض الناس ترك كلامها الا انه لا يقيم عليه أكثر من ثلاثة أيام.
واما الضرب : فهو ضرب تأديب كما يضرب الصبيان على الذنب ، ولا يضربها ضربا مبرحا (1) ولا مزمنا ولا مدميا ويفرقه على بدنها ويتقى وجهها ، وإذا ضربها كذلك فليكن بالمسواك (2) وذكر بعض الناس (3) انه يكون بمنديل ملفوف اودرة ولا يكون بخشب ولا سوط.
* * *
ص: 264
إذا ظهر بين الزوجين الشقاق ، وكان النشوز منها فقد تقدم ما فيه ، وان كان من الزوج فلا يخلو من ان يكون منه النشوز أو دلائله فإن كان النشوز منه : وهو ان يمنعها حقها من كسوة ونفقة ونحو ذلك ، فان الحاكم يلزمه ان يضم الزوجين الى جانب عدل يتفقد أحوالهما ويكشف أمورهما ، وان ظهرت أمارات النشوز : وهو ان كان يستدعيها الى فراشه ثم امتنع وكان مقبلا عليها ثم اعرض عنها وظهر منه دليل الزهد فيها ، فلا بأس ان تطيب المرأة نفسه بان تترك بعض حقها من كسوة ونفقة ونحو ذلك ، وان يترك القسم ، لقوله تعالى ( فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ) (1).
فإن أشكل الأمر فادعى كل واحد منهما النشوز ولم يعلم الناشز منهما أسكنهما الحاكم الى جانب ثقة يشرف عليهما ويعلم الناشز منهما لان الحاكم لا يمكنه ان يتولى ذلك بنفسه ، فإن أخبره بنشوز واحد منهما حكم بينهما فيه بالواجب ، وان علم النشوز من كل واحد منهما على صاحبه وانتهى الأمر بينهما إلى المضاربة والمشاتمة وتخريق الثياب والى ما لا يجوز من قول أو فعل ولم يفعل الزوج الصفح ولا الفرقة فهذا هو الموضع الذي تناوله ، قوله تعالى ( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها ) . (2)
فإذا كان كذلك : بعث الحاكم حكمين ليحكما على ما يؤدى إليه اجتهادهما ، ولم يلتفت الى رضا الزوجين بذلك ، وقال لهما ان رأيتما الإصلاح فاصلحا ، وان رأيتما الفراق فبطلاق أو خلع فافعلا.
فان كانت المصلحة في الصلح فلا بد من اجتماع الحكمين عليه لان الصلح من جهة كل واحد منهما.
ص: 265
فان كانت المصلحة في الخلع فلا بد أيضا ان يجتمعا لأنه عقد معاوضة يبذل أحدهما عنها ويقبل الأخر للزوج ، وان كانت المصلحة في الطلاق فليس يفتقر الى اجتماعهما ، لأن الذي من جهتها لا صنع له في الطلاق.
ويستحب ان يكون حكم الزوج من اهله وحكم المرأة من أهلها للظاهر (1) فان بعث من غير أهلها كان جائزا وينبغي ان يكون الحكمان ذكرين حرين عدلين ، ولهما الإصلاح من غير استئذان ، وليس لهما الفرقة بالطلاق وغيره الا بعد ان يستأذنا هما ، وقد ذكرنا في كتابنا « الكامل في الفقه » في هذا الموضع ، انه على طريق التوكيل ، والصحيح انه على طريق الحكم لأنه لو كان توكيلا لكان تابعا للوكالة وبحسب شرطها وإذا فوضا أمر الخلع والفرقة إلى الحكمين والأخذ لكل واحد منهما من صاحبه كان عليهما الاجتهاد فيما يريانه هذا فيما يتعلق بالشقاق أو الفراق.
واما فيما عدا هذا النوع من الحقوق مثل إثبات دين ، على صاحبه واستيفاء حقه منه وقبض ديونه ، فهذا توكيل لا مدخل للحكم فيه ، لأنه لا مدخل له في الشقاق بينهما ، وإذا غاب أحد الزوجين لم يكن للحكمين ان يفعلا شيئا ، لأنا وان أجزنا القضاء على الغائب فإنما يقضى عليه واما يقضى له فلا ، وهاهنا : لكل واحد منهما حق له ، وعليه فلم يجز.
وإذا غلب على عقل الزوجين أو أحدهما ، لم يكن لهما إمضاء شي ء ، لأن زوال العقل يزيل حكم الشقاق ولو كان ذلك وكالة لأزاله أيضا.
وإذا شرط الحكمان شرطا كان مما يصلح في الشرع لزومه لزم ، وان كان مما لا يلزم مثل ان شرطا عليها ترك بعض النفقة أو القسم ، أو شرطا عليه ان لا يسافر بها
ص: 266
فكل ذلك لا يلزم الوفاء به ، وان اختار الزوجان المقام على ما فعله الحكمان كان جميلا ، وان اختارا ، تركه كان ذلك لهما.
الخلع جائز في الشريعة لقول اللّه : ولا يحل لكم ان تأخذوا مما آتيتموهن شيئا الا ان يخافا الا يقيما حدود اللّه فان خفتم الا يقيما حدود اللّه فلا جناح عليهما فيما افتدت به (1) يتضمن ذلك : رفع الجناح في أخذ الفدية منها عند خوف التقصير في إقامة الحدود المحدودة في حق الزوجية ، فدل ذلك على جواز ما ذكرناه ، والخلع منه ما هو محظور ، ومنه ما هو مباح.
فاما المحظور فهو ان يكره المرأة ويعضلها بغير حق لتفتدى نفسها منه ، وقبلها يكون الحال بينهما عامرة والأخلاق ملتئمة ويتفقا على الخلع فتبذل له شيئا على طلاقها.
واما المباح : فان يخافا الا يقيما حدود اللّه ، مثل ان تكره المرأة زوجها ، اما لخلقه أو دينه أو ما جرى مجرى ذلك مما في نفسها من كراهتها له فاذا كانت في نفسها على هذه الصفة خافت الا يقيم حدود اللّه عليها في حقه ، وهو ان تكره الإجابة له فيما هو حق له عليها فيحل لها ان تفتدي نفسها بغير خلاف وذلك : لقوله تعالى هاهنا « فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّا يُقِيما حُدُودَ اللّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ » (2).
ويجوز الخلع عند المضاربة والقتال ، ولا يجوز في حال الحيض ولا في طهر قاربها فيه بجماع ولا يقع أيضا بمجرده ، فلا بد من التلفظ فيه بالطلاق ، فان كان الخلع بصريح الطلاق كان طلاقا ، وان كان بغير صريح الطلاق مثل ان تقول لزوجها خالعني أو فاسخنى أو فارقنى بكذا وكذا وأجابها لم يصح ذلك ولم يقع ،
ص: 267
والبذل في الخلع غير مقدر ان شاءا اختلعا بقدر المهر أو بأكثر منه أو أقل فجميع ذلك جائز وإذا أوقع كما ذكرناه صحيحا وقعت الفرقة ، وإذا طلقها طلقة بدينار على ان له الرجعة لم يصح الطلاق.
وإذا شرطت المرأة انها متى أرادت الرجوع فيما بذلته كان لها وتثبت الرجعة كان صحيحا ، وقد قدمنا القول بان الخلع لا بد فيه من لفظ الطلاق فليس يقع صحيحا الا كذلك ، وإذا حصل كذلك لم يمكن ان يلحقها طلاق آخر ما دامت في العدة ، لأن الرجعة غير ممكنة فيها.
وإذا قال لزوجته أنت طالق ثلاثا في كل سنة واحدة ، لم يقع من ذلك شي ء لأنه طلاق بشرط وكل طلاق بشرط لا يصح عندنا على وجه ، فكل ما جرى هذا المجرى من المسائل في هذا الباب فهو عندنا غير صحيح.
وإذا قالت لزوجها طلقني ثلاثا بألف درهم فقالا طلقتك ثلاثا بألف درهم لم يصح ذلك ولا يقع منه طلاق ، لان الطلاق الثلاث عندنا لا يقع بلفظ واحد ولا يصح وإذا قلنا (1) بذلك ان نقول انها تقع واحدة لأنها انما بذلت العوض في الثلاث فاذا لم يصح الثلاث وجب ان يبطل من أصله.
وإذا قالت الزوجة اخلعني على الف درهم راضية (2) فقال خالعتك بها صح ذلك ولزم المسمى وإذا ذكر القدر والجنس دون النقد ، فقالت خالعني بألف درهم فقال خالعتك بها صح ذلك وكان عليها الف درهم من غالب نقد البلد.
ص: 268
وإذا ذكر القدر دون الجنس والنقد ، فقالت خالعني بألف ، فقال خالعتك بألف فإن اتفقا على الإرادة وانهما أرادا الدراهم أو الدنانير لزم الالف من غالب نقد البلد ، فان اتفقا على انهما أرادا معا بالألف ، ألف درهم راضية وجب ما اتفقت إرادتهما عليه ، اما مطلقا : فيجب من غالب نقد البلد أو معينا : فيجب ما عيناه ، وإذا اتفقا على انهما ، ما أراد جنسا من الأجناس ، ولا كان لهما ارادة فيه ، كان الخلع فاسدا.
وإذا اختلفا في النقد واتفقا في القدر والجنس كان القول : قولها مع يمينها ، وعلى الرجل البينة فيما يدعيه لأنه مدع ، وإذا اختلفا فقال أحدهما : ذكرنا النقد وهي راضية ، وقال الأخر ، بل أطلقنا ، ولها غالب نقد البلد كانت هذه المسألة مثل المسألة المتقدمة عليها. وإذا اختلفا في المسألة الثالثة : وهي إذا لم تذكر جنسا ولا نقدا واختلفا في الإرادة لم يصح الخلع أصلا.
وإذا قال الرجل خالعتك على الف في ذمتك ، فقالت : خالعتني على الف ضمنها لك غيري ، كان عليها الألف ، لأنها قد أقرت بالألف وادعت الضمان.
وإذا قال خالعتك على الف في ذمتك ، فقالت خالعتني على الف يزنها لك والدي أو أخي ، كان عليها الالف لمثل ما قدمناه ، وإذا قال خالعتك على الف في ذمتك فقالت بل خالعتني على الف في ذمة زيد ، كان عليه البينة وعليها اليمين لمثل ما قدمناه. (1)
ص: 269
وإذا قالت : له طلقني على الف ، فقال أنت طالق إن شئت ، أو قال لها ان ضمنت لي ألفا فأنت طالق أو قال فإن أعطيتني فأنت طالق أو ما يجرى هذا المجرى من المسائل فإنه لا يصح ولا يقع به خلع ولا طلاق ، لان الطلاق عندنا لا يصح بشرط وذلك كله بشرط (1) فلا يصح.
فان خالعها على الف درهم من غير شرط اقتضى ذلك ما قدمناه من الف درهم فضة غالب نقد البلد ، وان كانت ردية كان له المطالبة ببدلها ، وإذا قالت له طلقني طلقة بألف ، فقال لها أنت طالق بألف وطالق وطالق وقعت الأولى بائنة ، لأن العوض جعل في مقابلتها ولم يقع الثانية ولا الثالثة ، لأنه طلقها بعد ان بانت منه بالأولى وذلك لا يصح.
وإذا خالعها على ثوب موصوف في الذمة مثل ان خالعها على ثوب مروي وصفه وضبطه بالصفات. كان الخلع صحيحا ولزم العوض ، لأنه عوض معلوم ، والعوض إذا كان معلوما في الخلع لزم ووجب عليها ان تسلم اليه ما وجب له في ذمتها على الصفة ، فاذا سلمته اليه وكان سليما على الصفة لزمه ، وان كان معيبا كان مخيرا بين إمساكه وبين رده ، فإن أراد إمساكه فذلك اليه ، وان أراد رده كان له الرجوع عليها بالذي خالعها به ، لأن الذي وجب له في ذمتها ما كان سليما من العيوب فاذا رده كان له المطالبة ببدله.
وإذا خالعها على ثوب بعينه على انه مروي فكان كتانا كان الخلع صحيحا لأنه خلع بعوض (2) عين فبان غيرها ، لان اختلاف الأجناس كاختلاف الأعيان
ص: 270
فاذا رده كان مستحقا للقيمة لا غيرها.
وإذا خالعها على ان ترضع ولده سنتين صح ذلك ، فان عاش الولد حتى ارتضع السنتين فقد استوفى حقه ، وان انقطع لبنها وجف بطل البذل وكان له الرجوع عليها بأجرة المثل في رضاع مثله.
وإذا قال له أبو زوجته طلقها وأنت بري ء من مهرها ، فطلقها ، طلقت ولم يبرأ من مهرها ، لأنها ان كانت رشيدة لم يملك أبوها التصرف في مالها بغير اذنها ، وان كان يلي عليها لصغر أو جنون أو سفه لم يصح ، لأنه إنما ملك التصرف فيما فيه نظر لها وحظ ولا نظر لها في ذلك كما لو كان لها دين فأسقطه فإذا كان ما ذكرناه صحيحا ولم يبرأ من مهرها لم يلزم أباها ضمان ذلك ، لأنه لم يضمن على نفسه شيئا ويقع الطلاق رجعيا ، لان العوض لم يسلم.
وإذا اختلف المتخالعان في جنس العوض أو قدره أو تعجيله أو تأجيله أو في عدد الطلاق ، كان القول : قول المرأة لأنهما قد اتفقا على البينونة ، وانما اختلفا فيما لزمها ، فالرجل مدع بالزيادة فعليه البينة إلا في عدد الطلاق فان القول فيه : قول الرجل مع يمينه.
وإذا قال لزوجته طلقتك بألف وضمنت ذلك ، وأنكرت ، كان القول : قولها مع يمينها ، لأنه يدعي عليها عقد معاوضة والأصل ان لا عقد غير انه يحكم بالبينونة لاعترافه بذلك.
وإذا اختلعت الأمة نفسها بعوض وكان ذلك بإذن سيدها صح ، لأنه وكلها ويقتضي أن تخلع نفسها بمهر مثلها ، فان فعلت بذلك أو بأقل منه وكانت مأذونا لها في التجارة دفعت ذلك مما في يدها ، وان لم يكن مأذونا لها في ذلك دفعته من كسبها فان لم يكن لها كسب ، كان ذلك في ذمتها ، يستوفي منها إذا أعتقت ، وان اختلعت نفسها بأكثر من مهر مثلها كان جائزا (1).
ص: 271
وان كان الخلع بغير اذن سيدها فاما ان يكون : منجزا أو معلقا بصفة؟! فإن كان منجزا : فاما ان يكون بدين أو بمعين؟! فان كان بدين في الذمة ، ثبت ذلك في ذمتها تطالب به إذا أعتقت! وان خالعها بشي ء بعينه كالعبد المعين كان الخلع صحيحا والطلاق بائنا (1)! وان كان [ معلقا ] بصفة لم يصح الخلع.
وإذا اختلعت المكاتبة بإذن سيدها؟ كان الحكم فيها كالحكم في الأمة ، فإن كان ذلك بغير اذنه صح ذلك لان الحق لها.
وإذا كان للرجل امرأتان فخالعهما على الف درهم؟! قسمت الالف بينهما على قدر ما تزوجهما به من المهر؟! فإن تراضى الزوجان بينهما على شي ء كان جائزا؟! وإذا خالعها على عبد وجب القتل عليه وقتل العبد بذلك كان للرجل الرجوع عليها بقيمته.
وإذا خالعها على عبد معين فاذا هو نصراني أو هو معروف بالإباق؟ لم يكن له رجوع عليها به ، وإذا وكلت المرأة في الخلع وكيلها؟ فاما ان تطلق أو تقدر البذل ، فإن أطلقت وخلعها بمهر مثلها نقدا بنقد البلد فقد حصل ما أقرته به ، وان كان بأقل من مهر مثلها نقدا أو بمهر مثلها إلى أجل كان أيضا جائزا (2).
ص: 272
وكذلك : إذا اختلعها بأكثر من مهر مثلها وقد قدرت البذل وفعل بذلك القدر؟ كان صحيحا ، وان كان بأكثر مما قدرته لم يصح الخلع لأنه أوقع الخلع على ما لم تأذن له فيه فاما الرجل : إذا وكل وكيلا في الخلع فالحكم فيه كما ذكرناه في وكيل المرية ،.
والخلع في المرض يصح لأنه عقد معاوضة فهو جار مجرى البيع ، فان كان الزوج هو المريض؟! فخالع زوجته على ما هو قدر مهر مثلها ، كان ذلك جائزا وان كان أكثر من مهر مثلها ، كان أيضا جائزا ، وان كان المريض هو المرأة! فاختلعت نفسها بمهر مثلها ، كان من صلب مالها ، وان كان أقل من مهر مثلها ، كان أيضا جائزا (1).
وإذا اختلعت نفسها بعبد قيمته مائة فخرج نصفه مستحقا : كان ذلك باطلا.
واعلم : ان الشروط التي تقع الخلع معها هي شروط الطلاق وسيأتي ذكرها فيما بعد.
واما المبارأة : فهو ضرب من الخلع؟! الا ان الكراهة تكون من كل واحد من الزوجين للآخر فاذا عرف كل واحد منهما ذلك من الأخر ، أو قالت المرأة لزوجها انى قد كرهت المقام معك وقد كرهت أيضا أنت المقام معى فبارئنى؟! أو
ص: 273
يقول الزوج لها مثل ذلك ثم يقول على ان تسقط عنى بعض المهر أو تعطيني كذا وكذا؟! وكان أقل من المهر الذي أعطاها ولا يكون أكثر منه فإذا اجابته الى ذلك وبذلت له من نفسها ما اراده منها طلقها طلقة واحدة للسنة؟ وسيأتي ذكر طلاق السنة فيما بعد ، ويكون الطلقة بائنة لا سبيل له عليها الا ان ترجع هي في شي ء مما بذلته؟! وان فعلت ذلك كان له الرجوع أيضا في بعضها ان لم تكن خرجت من عدتها! فان كانت قد خرجت من العدة لم يجز لها الرجوع في ذلك ولم يكن للزوج أيضا عليها سبيل الا بعقد ومهر جديدين ان أراد المراجعة واما النشوز فقد تقدم ذكره (1)
« تم كتاب النكاح
وما يلحق به من أحكام النشوز
والشقاق والحكمين والخلع (2) والمبارأة »
ص: 274
قال اللّه تعالى ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) الاية (1).
فجعل تعالى الطلاق بيد الرجل دون النساء ، وأباحهم ذلك ، فاذا اختار الرجل طلاق زوجته ، كان له ذلك ، بسبب وبغير سبب ، لأنه مباح له الا ان طلاق الزوجة بغير سبب مكروه ، فان فعل ذلك كان تاركا للأفضل ، ولم يكن عليه شي ء.
ويفتقر في صحة الطلاق الشرعي إلى شروط متى حصلت ثبت حكمه ، ومتى لم يحصل ، أو اختل بعضها ، لم يقع الطلاق.
وهذه الشروط على ضربين :
أحدهما عام في جميع أنواع الطلاق ، والأخر يختص بنوع واحد.
فاما العام : فهو كون المطلق كامل العقل ، ومن يصح تصرفه ، وكونه قاصدا اليه ، وان ينوي الفرقة والبينونة به ، والتلفظ بلفظ الطلاق المخصوص به مع التمكن من ذلك ، دون كناياته ، أو ما قام مقام اللفظ المخصوص به عند عدم التمكن من ذلك ، وتعيين الزوجة التي في عقد نكاحه ، وشهادة شاهدين مجتمعين في مجلس واحد ، وإيقاعه متعريا من الشروط.
واما المخصوص بنوع واحد من أنواعه له فهو إيقاعه له بالمدخول بها وهي طاهرة ، في طهر لم يقربها فيه بجماع ، وهو حاضر غير غائب عنها.
ص: 275
« وما لا يقع من صريح لفظ ، أو كناية أو شرط ، أو استثناء »
« أو صفة ، وغير ذلك »
صريح الطلاق لفظة واحدة ، وهي قول الرجل لزوجته : « أنت طالق » أو « فلانة طالق » أو « هي طالق » ، وكل واحد من ذلك جائز ، يقع الطلاق به إذا قارنه نية الفرقة والبينونة ، فإن تجرد من النية لم يقع الطلاق.
فاما كنايات الطلاق فلا يقع بشي ء منها طلاق عندنا ، وهي قوله « سرحتك » أو « أنت مسرحة ، أو مطلقة ، أو خلية ، أو برية ، أو بائن ، أو بتلة ، أو حرام ، أو اعتدى ، أو استبرء رحمك ، أو اذهبي ، أو الحقي بأهلك ، أو حبلك على غاربك » وكل ما جرى مجرى ذلك لا يقع به طلاق ، حصل معه نية ، أو لم تحصل ، ولسنا نحتاج فيما ذكرناه مع قولنا بان الطلاق لا يقع بشي ء منه الى ذكر المسائل التي تورد في ذلك ، وتبنى عليه ، أو يتفرع منها ، لان ذلك عندنا يعزل مع ما ذكرناه. (1)
وإذا قال لها : « أنت طالق ان دخلت الدار ، أو أنت طالق ان قدم زيد أو ان حضر عمرو ، أو إذا جاء رأس الشهر ، أو ان أكل زيد » لم يقع به طلاق ، ولا بكل ما يكون شرطا مما لم نذكره.
وإذا قال لها : « أنت طالق » فهو صريح في الطلاق كما قدمناه ، ولا يصح ان ينوي به أكثر من طلقة واحدة ، فإن نوى أكثر من ذلك وقعت واحدة ولم يقع أكثر منها.
وإذا قال لها « أنت طالق طلاقا » أو « أنت الطلاق » أو « أنت طلاق » لم يقع الطلاق بشي ء من ذلك الا بقوله « أنت طالق طلاقا » إذا نوى ، ويكون قوله طلاقا تأكيدا.
ص: 276
وإذا كتب بطلاقها ولم يتلفظ به ولم ينوه لم يقع طلاق ، فان تلفظ به وكتبه ، وقع باللفظ إذا كان معه النية للفرقة ، فإن كتب ونوى ولم يتلفظ بذلك : لم يقع به طلاق هذا إذا كان قادرا على اللفظ ، فان لم يكن قادرا على ذلك ونوى الطلاق ، وقع طلقة واحدة بغير زيادة عليها.
فان خيرها في الطلاق مثل ان يقول لها : « جعلت أمرك إليك » أو « أمرك بيدك » أو « طلقي نفسك » لم يقع به طلاق.
والوكالة في الطلاق جائزة مع الغيبة دون الحضور ، فاذا وكل في ذلك ، جاز للوكيل ان يطلق في الحال ، ويجوز له ان يؤخر ذلك.
وإذا قال لزوجته قبل دخوله بها : « أنت طالق ثلاثا » وقع من ذلك واحدة بائنة فإن قال لها وهي غير مدخول بها : « أنت طالق ، أنت طالق ، أنت طالق » فإنها تطلق بالأولى فتبين بها ، ولا يلحقها طلقة ثانية ، ولا ثالثة بغير خلاف.
وإذا قال لها : « أنت طالق غرة شهر رمضان ، أو رأس الهلال ، أو نصف الشهر ، أو في انسلاخه » أو ما جرى مجرى ذلك ، لم يقع به طلاق.
وإذا قال لها : « كلما طلقتك فأنت طالق » ثم قال لها : « أنت طالق » طلقت طلقة واحدة بقوله أنت طالق بالمباشرة ، (1) ولم يقع بالصفة شي ء آخر.
وإذا قال لها : « كلما وقع عليك طلاقى ، فأنت طالق » ثم قال لها : أنت طالق » فإنها تطلق واحدة بالمباشرة لا غير.
وإذا قال لغير المدخول بها « أنت طالق طلقة بعدها طلقة » طلقت طلقة بائنة. ولا يقع بها طلقة أخرى ، لأنها بانت بالأولى. فإن قال : « أنت طالق طلقة قبلها طلقة » وقعت طلقة واحدة (2) بالمباشرة ، ولا تقع التي قبلها.
ص: 277
وإذا قال : « أنت طالق ، أنت طالق » ونوى الإيقاع ، وقعت واحدة ، ولم يقع ما زاد عليها سواء كان مدخولا بها ، أو غير مدخول بها ، الا انها تكون بائنة في غير مدخول بها كما قدمناه ، ولم يقع بها بعد ذلك شي ء ، وان كانت مدخولا بها ، فالأولى طلقة ، ويسأل عن الثانية والثالثة ، فإن قال أردت تأكيد الأولى بها ، قبل ذلك منه ، ولم تقع الا طلقة كما ذكرناه ، لان الكلام يؤكد بالتكرار ، وان قال غير ذلك ، لم يلتفت اليه ولم يقع غير واحدة.
وإذا أكره الرجل على الطلاق فتلفظ به ، ليدفع به المكروه عن نفسه ، لم يقع طلاقه.
وإذا زال عقله بمرض أو جنون أو سكر ببنج ، أو شي ء من الأدوية ، أو شي ء من المسكرات ، أو ما أشبه ذلك ، لم يقع طلاقه.
وإذا قال له إنسان : « فارقت زوجتك » فقال « نعم » لزمه طلقة واحدة بإقراره لإيقاعها ، فان قال : أردت بقولي « نعم » إقرارا منى بطلاق كان منى قبل هذه الزوجية فان صدقته الزوجة ، كان الأمر على ما حكاه ، وان كذبته ، كان عليه البينة ، فان لم يكن له بينة ، كان القول قوله مع يمينه (1).
وإذا قيل له : « خليت امرأتك » (2) أو قيل له « ألك زوجة » فقال : « لا » لم يكن ذلك طلاقا ، وإذا قال لها : « أنت طالق هكذا » مشيرا بإصبع ، فطلقت طلقة واحدة ، فإن أشار إليها بإصبعين ، أو أكثر كان مثل إصبع واحدة سواء.
وإذا قال لها : « أنت طالق واحدة في اثنتين » (3) وقصد الإيقاع ، وقعت واحدة ،
ص: 278
سواء كان من أهل الحساب أو لم يكن.
وإذا قال لها : « أنت طالق واحدة لا يقع عليك » لم يقع بها طلقة لفقد النية للإيقاع.
وإذا قال لها : « أنت طالق أولا؟ » لم يقع به طلاق بغير خلاف ، لأنه استفهام.
وإذا قال لها : « أنت طالق اثنين » (1) وقعت طلقة في الحال ، بقوله أنت طالق إذا نوى الفرقة ، وما عدا ذلك لغو.
وإذا قال لها : « أنت طالق نصف تطليقة أو ثلث تطليقة » لم يقع طلاق جملة ، وكذلك إذا قال : « أنت طالق نصف طلقة أو ثلث طلقة أو سدس طلقة » وما جرى مجرى ذلك ، لم يقع منه طلاق ، وإذا قال : « أنت طالق وطالق وطالق » وقعت الأولى إذا نوى الإيقاع ، ولم يقع ما زاد على ذلك.
وإذا كان له اربع زوجات ، فقال لهن : « أوقعت منكن (2) طلقة واحدة » لم يقع شي ء ، فان قال لهن. أوقعت منكن طلقة واحدة واحدة ، لم يقع أيضا شي ء ، فان قال لهن : أوقعت بينكن اربع تطليقات ، ونوى طلقة كل واحدة منهن ، طلقت (3) كل واحدة منهن.
وإذا قال أنت طالق ثلاثا الا طلقة ، أو قال الا طلقتين. أو قال أنت طالق ثلاثا الا اثنتين ، أو قال أنت طالق ثلاثا الا اثنتين إلا واحدة إذا نوى الفرقة أو لم ينو لم يقع شي ء ، (4) وكذلك إذا قال « أنت طالق خمسا الا اثنتين » وكل ما جرى مجرى
ص: 279
ذلك ، فإنه لا يقع إلا واحدة مع النية.
والاستثناء (1) إذا دخل معه في الطلاق ، لم يقع معه طلاق ، ولو كان شرطا لم يقع ذلك معه ، كما قدمناه لكنه (2) انما يرد لايقاف الكلام عن النفوذ ، ولو كان شرطا لوجب ، وإذا (3) قال : « أنت طالق ان لم يشاء اللّه ان تطلق » لأنا نعلم انه تعالى لا يشاء الطلاق ، لأنه مباح. وهو تعالى لا يريد المباح عند أكثر مخالفينا ، فدل ذلك على ما ذكرناه من انه ليس بشرط ، وانما هو لإيقاف الكلام عن النفوذ.
« ولواحقه ، وما يتعلق بذلك »
الطلاق ضربان : أحدهما طلاق السنة ، والأخر طلاق العدة ، وينقسم ذلك أقساما : وهو طلاق المدخول بها وهي ممن تحيض ، وطلاق التي لم يدخل بها وهي
ص: 280
ممن تحيض ، والمدخول بها ولم تبلغ المحيض ، ولا في سنها من تحيض ، وطلاق التي لم تبلغ المحيض ، وفي سنها من تحيض ، والحامل المستبين حملها ، والآئسة من المحيض (1) وليس في سنها من تحيض والغائب عنها زوجها ، وطلاق الغلام وطلاق المماليك ، وطلاق المريض.
واما لو أحق الطلاق فضربان : أحدهما له مدخل في بعض ضروب الطلاق ويقتضي الفرقة والبينونة والأخر لا مدخل له في ذلك ، وان اقتضى الفرقة والبينونة أو كان كالسبب في ذلك ، فاما الأول من هذين الضربين فهو النشوز ، والخلع ، والمباراة ، والشقاق ، وقد سلف ذكر ذلك ، واما الثاني : فهو الظهار ، والإيلاء واللعان والارتداد ، وسيأتي بيان جميع ذلك فيما بعد.
طلاق السنة : هو : ان يطلق الرجل زوجته وهو غير غائب عنها ، على الشروط التي سلف ذكرها من كونها غير حائض ، وكونها طاهرا في طهر لم يقربها فيه بجماع.
وغير ذلك مما قدمنا ذكره ، طلقة واحدة ، ويتركها حتى تخرج من عدتها فاذا خرجت منها ملكت نفسها ، ولم يكن له عليها بعد ذلك سبيل ، وكان خاطبا من الخطاب ومتى لم تخرج من عدتها كان أملك برجعتها وله ردها وإذا خرجت من العدة ، وأراد تزويجها لم يجز له ذلك الا بعقد جديد ، ومهر جديد ، فاذا تزوجها كذلك ودخل بها ثم أراد طلاقها ، فعل بها مثل ما فعله في الطلقة الاولى من استيفاء الشروط ، ويطلقها طلقة ثانية ، ويتركها حتى تنقضي عدتها ، فاذا خرجت منها كانت أملك بنفسها ، ولم يكن له عليها سبيل. فإن أراد بعد ذلك العقد عليها ، عقد عليها عقدا
ص: 281
جديدا بمهر جديد ، فإن أراد طلاقها بعد ذلك ، فعل بها كما فعل في الطلقتين الأوليين من استيفاء الشروط ، وطلقها ، فاذا طلقها الثالثة ، لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره
فان تزوجت بين الطلقة الاولى والثانية ، أو بين الثانية والثالثة ، زوجا بالغا تزويج دوام ، ودخل بها ، هدم هذا التزويج ما تقدم من الطلاق ، وكذلك إذا تزوجت على هذه الصفة بعد الطلقة الثالثة ، فإنه يهدم التطليقات الثلاث ، ويجوز لها الرجوع الى الزوج الأول بعقد جديد ومهر جديد ابدا.
طلاق العدة مخصوص بمن ترى دم الحيض ، وصفته ان يطلقها على الشروط السالف ذكرها ، فاذا طلقها كذلك ، راجعها قبل انقضاء عدتها ولو بيوم أو يومين ، فإذا أراد ان يطلقها طلقة ثانية ، جامعها ثم استبرأها بحيضة ، وطلقها الثانية ، كما طلقها الاولى على الشروط التي ذكرناها ، فاذا طلقها ، استرجعها قبل ان تنقضي عدتها ، فإذا أراد طلاقها جامعها ، ثم استبرأها بحيضة ، وطلقها طلقة ثالثة على الشروط التي تقدم ذكرها ، فاذا طلقها الثالثة ، فقد بانت منه في الحال ولم تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، ولا يجوز لها ان تتزوج غيره أيضا حتى تنقضي عدتها ، فاذا قضتها ، وتزوجت زوجا بالغا تزوج دوام ، ودخل بها ، ثم طلقها ، أو مات عنها ، جاز لها الرجوع الى الأول بعقد جديد ومهر جديد ، فان راجعها كذلك وطلقها ثلاث تطليقات أخر ، كما قدمناه لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، فاذا تزوجت به على الصفة المقدم ذكرها ، وطلقها أو مات عنها ، جاز لها الرجوع اليه بعقد جديد ومهر جديد ، فان طلقها بعد ذلك ثلاث تطليقات أخر ، يكمل بها مع ما تقدم ذكره تسع تطليقات ، لم تحل له ابدا.
والزوج الذي يحلل رجوع المرية إلى الأول ، هو ان يكون بالغا حرا كان أو عبدا ، ويكون تزويجه بها تزويج الدوام ، ويدخل بها ، فان اختل شي ء من ذلك بان يكون غير بالغ ، أو كان بالغا ولا يدخل ، أو يكون بالغا وقد دخل بها ويكون التزويج
ص: 282
متعة ، فإنه لا يجوز لها الرجوع الى الأول ، مع ذلك
واما المراجعة فأقل ما تحصل به ان يقبلها ، أو يلامسها ، أو ينكر طلاقها عند انقضاء عدتها ، فأي شي ء فعل من ذلك كان رجعة ، وان أراد المراجعة من غير هذا الوجوه ، بان يختار ذلك ويتلفظ بها كان أيضا رجعة ، والأفضل له ان يشهد على المراجعة شاهدين فان لم يشهد على ذلك كان جائزا ، الا ان الأفضل له.
والأحوط ما ذكرناه ، لأنه متى لم يشهد على ذلك ، وأنكرته المرأة وشهد له شاهدان بالطلاق حكم به لها ، وثبت عليه الطلاق ، ولم يكن له عليها سبيل ، وإذا راجعها وأراد ان يطلقها طلقة اخرى للعدة لم يجز له ذلك حتى يجامعها ، ويستبرئها بحيضة كما ذكرناه ، فان لم يجامعها أو عجز عن ذلك لم يجز له طلاقها للعدة ، فإن أراد طلاقها وهو كذلك ، طلقها للسنة.
« وهي ممن تحيض »
هذا الطلاق قد تقدم بيانه فيما ذكرناه ، من صفة طلاق السنة والعدة ، ولا حاجة الى إعادته.
« وهي ممن تحيض »
إذا أراد الرجل طلاق هذه الزوجة طلقها واحدة أي وقت أراد على الشروط التي قدمناه ذكرها الا الحيض فإنه يجوز ان يطلقها وهي حائض أو غير حائض فإذا طلقها فقد بانت منه في الحال فان كان بعد ذلك (1) كان خاطبا من الخطاب ، وجاز لها ان
ص: 283
تتزوج (1) بعد حال الطلاق ، وليس عليها عدة ، فإذا أراد مراجعتها لم يجز له ذلك الا بعقد جديد ، ومهر جديد ، فان راجعها (2) وطلقها قبل الدخول بها ، فقد بانت منه أيضا بتطليقتين ، وهو بعد ذلك خاطب من الخطاب.
فإن أراد مراجعتها كان بعقد جديد ، ومهر جديد ، فان طلقها (3) قبل الدخول بها ، طلقة ثالثة ، لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره على الشرط الذي تقدم ذكره.
ومن طلق زوجته قبل الدخول بها ، فعلى ضربين اما ان يكون سمى لها مهرا أو لا يكون سمى لها مهرا ، فان كان الأول وجب لها عليه نصفه ، (4) وان كان الثاني كان عليه ان يمتعها على قدر حاله ، فان كان موسرا ، كان ذلك جارية ، أو دابة ، أو ثوبا قيمته خمسة دنانير ، أو ما زاد على ذلك وان كان متوسط الحال ، فمن ثلاثة دنانير أو ما زاد عليها ، وان كان معسرا فدينار ، أو خاتم ، أو ما جرى مجرى ذلك.
ويعتبر في المتعة ما جرت العادة به من حال المرية والرجل.
« ولا في سنها من تحيض »
إذا أراد الرجل طلاق زوجة له مدخول بها ، وهي لم تبلغ المحيض ، ولا في سنها من تحيض ، وحد ذلك تسع سنين (5). فليطلقها اى وقت أراد طلاقها ، فإذا
ص: 284
طلقها بانت منه ، وصار عند ذلك خاطبا من الخطاب ، فان كان سمى لها مهرا ، وجب ذلك لها عليه على كماله ، وان لم يكن سمى لها مهرا ، كان لها مهر مثل نسائها ، ولا يتجاوز بذلك مهر السنة خمس مائة درهم ، فان كان لها تسع سنين وزائدا على ذلك ، ولم يكن حاضت بعد ، وأراد طلاقها ، فينبغي (1) له ان يصبر عليها ثلاثة أشهر ثم يطلقها بعد ذلك.
« وفي سنها من تحيض »
إذا كان للرجل زوجة لم تبلغ المحيض وفي سنها من تحيض ، وأراد طلاقها ، فينبغي له ان يستبرئها بثلاثة أشهر ، فإذا فعل ذلك ، طلقها ، ان اختار طلاقها.
طلاق هذه المرية إذا أراد زوجها طلقها (2) اى وقت شاء ، فاذا طلقها واحدة ، فهو أملك برجعتها ، ما لم تضع حملها ، فاذا استرجعها على هذا الوجه ، ثم أراد ان يطلقها طلاق السنة لم يجز له ذلك ، حتى تضع حملها ، فإن أراد ان يطلقها للعدة الطلقة التي قدمنا ذكرها جاز له ذلك ، وينبغي (3) له إذا أراد ذلك ان يواقعها ، ثم
ص: 285
يطلقها ، فاذا فعل ذلك بانت منه بتطليقة (1) ، وهو أملك برجعتها ، فان استرجعها وأراد ان يطلقها ، واقعها ثم يطلقها بعد المواقعة ، فإذا فعل ذلك بانت منه بتطليقتين ، وهو أملك برجعتها ، فان استرجعها ثم أراد ان يطلقها الثالثة ، واقعها ثم طلقها ، فاذا طلقها الثالثة لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، وليس لها ان تتزوج حتى تضع حملها ، فان كانت حاملا باثنين ، فهي تبين من بعلها بوضعها الأول ، الا انه لا تحل لها ان تتزوج حتى تضع الباقي من حملها.
إذا كانت المرأة آيسة من المحيض وفي سنها من تحيض وأراد زوجها طلاقها فينبغي له أن يستبرئها بثلاثة أشهر فإذا استبرئها بذلك طلقها إن شاء وحد من كانت كذلك ان ينقص سنها عن خمسين سنة فإن أراد طلاقها من غير استبراء بما ذكرناه لم يجز له ذلك.
إذا كانت المرأة آيسة من المحيض وليس في سنها من تحيض وحد ذلك ان يكون سنها خمسين سنة ، أو أكثر من ذلك ، وأراد زوجها طلاقها ، طلقها اى وقت شاء ، فاذا طلقها بانت منه في الحال ، وكان بعد ذلك خاطبا من الخطاب.
الرجل الغائب عن زوجته ، إذا أراد طلاقها ، فان كان لما خرج عنها كانت
ص: 286
طاهرة في طهر ، لم يقربها فيه ، بجماع ، طلقها اى وقت شاء.
وان كانت طاهرة طهرا ، قد قربها فيه بجماع ، وأراد طلاقها لم يجز له ذلك حتى يمضى لها ما بين شهر إلى ثلاثة أشهر (1) ثم يطلقها بعد ذلك ، اى وقت شاء ، وإذا أراد طلاقها طلقها ، طلقة واحدة ، فإذا فعل ذلك كان أملك برجعتها ما لم تخرج من عدتها ، وهي ثلاثة أشهر ، ان كانت ممن تحيض ، فاذا راجعها فينبغي له ان يشهد على المراجعة ، فان لم يشهد على ذلك ، وبلغ الزوجة الطلاق ، ثم اعتدت وكملت عدتها ، لم يكن له عليها سبيل ، تزوجت ، أو لم تتزوج الا بعقد جديد ، ومهر جديد فان طلقها واشهد على طلاقها ، ثم قدم من غيبته ، ودخل بها ، واقام معها وجاءت بولد ، ثم ادعى انه كان طلقها ، لم يقبل دعواه في ذلك ، إلا ببينة (2) وان أحضر بينة كان الولد لاحقا به.
وإذا كان له أربع نسوة ، وغاب عنهن ، ثم طلق واحدة منهن ، وأراد ان يتزوج غيرها ، لم يجز له ذلك حتى يمضي التي طلقها تسعة أشهر ، لأن في ذلك مدة الأجلين : وضع الحمل وفساد الحيض.
وإذا كان لرجل زوجة ، وهي معه في البلد ، غير انه ، لا يصل إليها بالجملة ، كان حكمه حكم الغائب عن زوجته إذا أراد طلاقها : في انه ، يصبر الى ان يمضي ما بين شهر إلى ثلاثة أشهر ، ثم يطلقها اى وقت أراد طلاقها.
ص: 287
الغلام إذا كان يحسن الطلاق ، وكان سنه عشر سنين ، أو أكثر من ذلك ، وأراد الطلاق ، كان ذلك جائزا ، وكذلك يجوز صدقته ، وعتقه ووصيته ، وان كان سنه أقل من عشر سنين ، أو يكون ممن لا يحسن الطلاق ، لم يحز طلاقه ، ولم يجز أيضا لوليه ان كان له ولي أن يطلق عنه الا ان يكون قد بلغ ، وهو مع ذلك فاسد العقل ، فإنه إذا كان كذلك جاز لوليه ان يطلق عنه.
إذا كان للعبد زوجة حرة فطلاقها ثلاث تطليقات ، فان كانت الزوجة مملوكة ، كان طلاقها طلقتين ، فان طلقها واحدة ، ثم عتقا جميعا بقيت معه على تطليقة واحدة ، (1) فإن عتقا قبل ان يطلقها شيئا ، كان حكمها في الطلاق ، كحكم الحرة في ان طلاقها ثلاث تطليقات ، وان كانت للحر زوجة مملوكة ، فطلاقها تطليقتان ، فاذا طلقها كذلك لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره فإن وطأها سيدها؟ لم تحل للزوج بذلك ، ولا تحل له (2) الا بان يدخل بها ، ويطلقها ، أو يموت عنها ، فاذا كان كذلك
ص: 288
حل له وطؤها بالملك ، فان طلقها واحدة ثم أعتقت بقيت معه على طلقة واحدة ، وان تزوجها بعد ذلك ، وطلقها طلقة ثانية ، لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره.
لا يجوز طلاق المريض ، فان طلق كان طلاقه واقعا ، وورثته الزوجة ما بينه وبين سنة ، ان لم يبرأ من مرضه ولا تتزوج (1) المرأة ، فإن برأ المريض ، ثم مرض بعد ذلك ، ومات لم ترثه المرأة ، وكذلك ان تزوجت المرأة بعد خروجها من عدتها ، لم يكن لها منه ميراث ، فان لم تتزوج ، ومضى لها سنة ويوم ، لم يكن لها بعد ذلك ميراث ، وهو يرث المرأة ما دامت في العدة ، فإن خرجت منها لم يكن له ميراث ، ولا فرق في ذلك (2) بين ان يكون التطليقة أوله ، أو ثانية ، أو ثالثة.
وإذا أعتقت الأمة تحت عبد وهي مريضة ، فاكتسبت مالا ، وأعتق العبد كان لها الخيار ، فان اختارت الفسخ بطلت الزوجية ، وان ماتت لم يرثها (3) ولم ترثه هي أيضا ، والصغيرة إذا زوجها أخوها ، أو عمها ، ثم بلغت مريضة ، واختارت الفسخ ، لم يرث واحد منها الأخر.
ص: 289
« قال اللّه تعالى ( وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ ) » (1) أراد بذلك رجعتهن ، والرد هو الرجعة ، ( وقال تعالى ( الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) » (2) فبين بذلك ان الطلاق مرتان ومعناه طلقتان ، ثم قال تعالى ( فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ ) بان يراجعها لأن الإمساك هاهنا هو الرجعة.
وقال تعالى ( فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ) (3).
وقال في موضع آخر ( أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ) (4) ) فخير بين الإمساك الذي هو الرجعة ، وبين المفارقة.
وقال تعالى ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ) الى قوله لعل اللّه يحدث بعد ذلك أمرا (5) يعني الرجعة ، فالرجعة معلوم جوازها من الشرع على كل حال ، فاذا كان كذلك فالاعتبار في الطلاق بالزوجة ان كانت حرة فثلاث تطليقات ، وان كانت امة فتطليقتان ، سواء كانت تحت حر ، أو عبد ، وعدة المرأة تكون بالأقراء ، أو بالحمل أو بالشهور ، فاذا كانت عدتها بالأقراء ، أو بالحمل ، قبل قولها في انقضاء عدتها ، فاذا قالت : قد خرجت من العدة ، قبل قولها في ذلك مع يمينها ، لأنها مؤتمنة على فرجها ، لقوله تعالى ( وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ ) (6) ).
يريد الحيض ، والحمل ، كذلك جاء في التفسير ، (7) فان ادعت ما يمكن
ص: 290
صدقها قبل قولها مع يمينها ، (1) وان ادعت ما لا يمكن صدقها فيه ، لم يقبل قولها ، لان كذبها قد علم وتحقق ، فاما كيفية ما يمكن كونها صادقة فيه ، فجملته انه لا يخلو من ان تكون من ذوات الأقراء ، أو من ذوات الحمل ، فان كانت من ذوات الأقراء ، فاما ان تكون حرة أو امة ، فان كانت حرة فطلقها في حال طهرها ، فإن أقل ما يمكن فيه انقضاء عدتها ستة وعشرون يوما ولحظتان ، تبيين ذلك : انه ربما طلقها في آخر جزء من طهرها ، فاذا مضى جزء وراث الدم ثلاثة أيام وعشرة أيام طهرا ، وثلاثة أيام بعد ذلك دما ، فيكون قد حصل لها قرءان في ستة عشر يوما ولحظة ، فإذا رأت بعد ذلك عشرة أيام طهرا ، ثم رأت بعد ذلك لحظة دما ، فقد خرجت من العدة ، فتكون الجميع ستة وعشرين يوما ولحظتين. وأقل ما يمكن ان تنقضي به عدة الأمة ثلاثة عشر يوما ولحظتان ، (2) فاذا ادعت المرأة انقضاء عدتها في أقل من المدة التي ذكرناها ، لم يقبل قولها ، لان ذلك لا يمكن بمجرى العادة وان كانت عدتها بالوضع فأقل ما يمكن ان تضع فيه ثمانون يوما ، لأنه يحتمل ان يتزوجها الرجل ، فيدخل بها ، وتحبل فتبقى النطفة أربعين يوما ، ثم تصير علقة أربعين يوما ثم تصير مضغة ، فإن وضعت ما يتصور فيه خلقة آدمي يومين (3) المضغة ، لأنها مبتدء خلق البشر ، فان
ص: 291
ادعت وضع الحمل دون ذلك كله. لم يقبل قولها ، لأنه غير ممكن ، وهذا وان كان قولا للمخالفين ، فالاحتياط يقتضي أن نقول به ، لأنها تخرج من العدة بذلك إجماعا ، ولأنه ليس لنا في ذلك نص معين ، فنقول بما يتضمنه فيه.
وإذا قالت وضعت الحمل وسرق ، أو مات ، صدقت في ذلك ، لأنها مؤتمنة عليه ، ولا تطالب بإظهار الولد.
وانما يقبل قولها في انقضاء العدة بالحمل ، فاما في إلحاق النسب والاستيلاد والطلاق إذا علق به (1) ، فلا يقبل قولها فيه ، بل يرجع ذلك الى الزوج ، فاذا قال هي ولدته وليس منى فإنه يلحقه نسبه لأجل الفراش الا ان ينفيه باللعان ، فان قال ما ولدته هي بل استوهبته ، أو سرقته ، أو التقطته ، أو أسرته (2) لم يقبل قولها ، ويكون القول قوله مع يمينه ، لأن إقامتها البينة على انها ولدته ممكن لها ، فاذا لم تقمها كان القول قوله مع يمينه.
ص: 292
واما الأمة إذا أتت بولد وادعت انه من سيدها ، رجع الى السيد في ذلك ، فان قال هي ولدته وليس مني ، أو استوهبته أو التقطته أو سرقته أو ما أشبه ذلك كان القول قوله على كل حال ، لأنها ليست فراشا (1).
وإذا كانت معتدة بالشهور فطلقت كانت عدتها ثلاثة أشهر من وقت الطلاق فان كانت ممن توفي عنها زوجها ، فأربعة أشهر وعشر من وقت الوفاة ، لا يرجع في ذلك الى قبول القول ، لأنه مشاهد ، الا ان يختلفا ، فيقول الرجل طلقتك في شعبان ، تقول المرأة في رجب ، فيكون القول قوله مع يمينه ، لأن الأصل عدم الطلاق (2) فان كان ذلك بالعكس ، فقال الزوج طلقتك في رجب ، وقالت المرأة بل في شعبان ، كان القول قولها ، لأنها تطول على نفسها العدة ، غير انه تسقط النفقة عن الزوج فيما (3) زاد على ما أقربه الا ان تثبت بينة ، كما إذا اختلفا فقال الزوج طلقتك
ص: 293
قبل الدخول ، وتقول هي بعد الدخول ، فإنما يقبل قول الزوج في سقوط نصف المهر ، فيسقط عنه ، ويقبل قول الزوجة في وجوب العدة لأنه نصيبها ( يضرها خ ل ).
والمطلقة طلقة رجعية لا يحرم تقبيلها ولا وطؤها ، فمتى فعل زوجها ذلك ، كان رجعة ، وليس من شرط صحة الرجعة الاشهاد ، وانما هو احتياط ، واستحباب.
وإذا قال الرجل لامرأته ، راجعتك إن شئت لم يصح ، لأنه لا اعتبار هاهنا بمشيئتها.
وإذا كانت الزوجة أمة ، فطلقها طلقة رجعية ، وادعى انه كان راجعها وكذبته ، كان القول قوله فان صدقته فالقول قولها ويحكم بصحة الرجعة ، فان قال السيد كذبت هي ، وان الزوج ، ما راجعها لم يقبل ، لأن الرجعة استباحة بضع ، يتعلق بالزوجين ، وليس بزوج فلا يقبل ذلك منه.
وإذا طلقها طلقة رجعية ، واختلفا في الإصابة ، فقال الزوج طلقتك بعد ان أصبتك ولى عليك الرجعة ، ولك كمال المهر ، وعليك العدة ، وقالت المرأة طلقتني قبل ان تصيبني ، فليس على عدة ولا لك على رجعة ولى عليك نصف المهر كان القول قولها مع يمينها لان الطلاق إذا كان عن نكاح لا يعلم الإصابة به فيه ، فالظاهر وقوع الفرقة وحصول البينونة ، فإن ادعى الرجل الإصابة ، كان مدعيا لأمر باطن يريد ان يدفع به الظاهر ، فاذا حلفت سقطت دعواه ، وليس له عليها رجعة ، ولا تجب عليها العدة والسكنى ، والنفقة ، لا تجب عليه وان كان مقرا به ، لأنه ليس يقبل هذا الإقرار ، فلا حكم له ، وإذا كان المهر في يده كان لها عليه نصفه ، لأنها لا تدعي أكثر منه ، وان كان في يدها لم يجز للزوج ان يسترجع فيه النصف ، لأنه أقر بأن جميع المهر لها ، ولا يمكنه ان يسترجع شيئا لا يدعيه.
هذا إذا كان الزوج هو المدعى للإصابة ، وأنكرت الزوجة ذلك ، فاما ان
ص: 294
ان ادعت الزوجة الإصابة ، وأنكر الزوج ذلك ، مثل ان تقول طلقتني بعد الإصابة ويقول الزوج : طلقتك قبل الإصابة ، فهي معترفة بثبوت الرجعة والعدة ، وتدعى كمال المهر ، والزوج معترف بأنه لا رجعة له عليها ، ولا يجب له عليها عدة ، ولها عليه نصف المهر ، فان القول قوله مع يمينه ، لأن الأصل عدم الإصابة ، والظاهر ان الفرقة قد وقعت والبينونة حصلت ، وعليها البينة فيما تدعيه ، فان حلف سقطت دعواها ، وكان عليها العدة ، لأنها أقرت بوجوبها عليها ، ولا يجب لها سكنى ، ولا نفقة ، لأنها أقرت بأنها لا تستحقه (1) والمهر يجب نصفه ، سواء كان في يده ، أو في يدها ، لأنه حلف انه طلقها قبل الدخول ، فليس لها الا النصف ، فان كان دفع الجميع استرجع النصف ، فان تعلق (2) في ذلك بالخلوة ، وان لها تأثيرا في ذلك لم يلتفت إليه ، لأن الخلوة لا تأثير لها هاهنا.
وإذا طلق الرجل زوجته ثلاثا مفترقات مشروعة ، لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، ويصيبها ، ثم يطلقها ، أو يموت عنها ، وتعتد منه ، فتحل للأول حينئذ.
والخصى على ضربين : مسلوب (3) ومجبوب ، فالمسلوب هو الذي سلب بيضتاه وبقي ذكره ، وهذا إذا تزوجت به ووطأها حلت للأزواج (4) لأنه أولج ، وان كان لا ينزل ، والانزال غير معتبر به ( معتد به - خ ل ) في باب الإباحة ، لأنه لو التقى الختانان من السالم الصحيح ، ثم أكسل حلت للأول.
ص: 295
واما المجبوب فان لم يبق من ذكره شي ء ، كان الوطأ معدوما ، ولم يتعلق به اباحة ، فإن بقي مالا يتبين ، فليس يبيحها للأول ، لأنه لا يغيب ولا يدخل ، وان بقي قدر ما يغيب منه ، إذا أولج ويلتقي معه الختانان ، فان ذلك يبيحها للأول ، ولا فرق في ذلك بين ان يكون الزوج حرا والمرأة امة ، أو المرأة حرا والزوج عبدا ، أو كانا مملوكين ، أو حرين ، أو كانت ذمية.
الطلاق بالنساء (1) فان كانت امة فطلقتان ، وان كانت حرة فثلاث تطليقات ، سواء كان الزوج حرا أو عبدا ، فالحر إذا طلق زوجته الأمة طلقتين ، ثم ملكها لم تحل له الا بعد زوج يصيبها ، ولا يجوز له وطؤها بملك اليمين ، الا بعد ذلك أيضا.
وإذا قيل لرجل أطلقت امرأتك؟ فقال : نعم بمحضر عدلين لزمه الطلاق في الظاهر ، لان معنى قوله نعم ، اى نعم طلقتها ، فان كان صادقا لزمه الطلاق ظاهرا وباطنا ، وان كان كاذبا لزمه في الحكم ، ولم بلزمه فيما بينه وبين اللّه.
وإذا رجع زوجته بلفظ النكاح ، مثل ان يقول لها تزوجتك أو نكحتك ، كان رجعة ، إذا قصد ذلك.
وإذا تزوجت المطلقة ثلاثا بزوج ، فوجدها على فراشه ، فظن أنها أجنبية ، فوطأها حلت للأول ، لأن شرط الإباحة قد حصل وهو الوطؤ في نكاح صحيح ، والمطلقة ثلاثا إذا وجدها رجل على فراشه فظن أنها أمته أو زوجته ، فوطأها لم تحل للأول لأنه لم يطأها في عقد ، وإذا تزوجها الزوج الثاني إلى مدة ، كان ذلك متعة ، ولم يحل مع ذلك للأول.
ص: 296
قال اللّه تعالى :
« ( وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا ) (1) ».
وعن الصادق عليه السلام :
قال جاء رجل الى النبي صلى اللّه عليه وآله فقال يا رسول اللّه ظاهرت من امرأتي ، قال اذهب فأعتق رقبة ، قال ليس عندي ، قال فصم شهرين ، قال لا أستطيع ، قال اذهب فأطعم ستين مسكينا ، فقال : والذي بعثك بالحق لا اعرف بين لابتيها أحدا أحوج إليه مني ومن عيالي ، قال اذهب وكل واطعم عيالك ». (2)
فالظهار محرم في الشريعة.
الا ترى قوله تعالى :
( الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللّائِي وَلَدْنَهُمْ ) الى قوله تعالى ( فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ) (3) فبين في ذلك حكمه وذكر تحريمه بأنه قول منكر وزور ، ثم ذكر الكفارة فأوجب فيها عتق رقبة ثم صوم شهرين متتابعين ، ثم إطعام ستين مسكينا ، فان ذلك مرتب ، فثبت بذلك ، ان للظهار حكما في الشريعة ، وان الكفارة تتعلق بها فالظهار الحقيقي الذي ورد به الشرع هو ان يشبه الرجل جملة زوجته ، بظهر امه أو إحدى المحرمات عليه ، فيقول : أنت على كظهر أمي أو بنتي ، أو يذكر غيرهما من المحرمات عليه
ص: 297
كالأخت ، أو ابنتها ، أو العمة ، أو الخالة ، وما جرى مجرى ذلك ، فليس يصح حتى ينوي الرجل به التحريم ، ويشهد عليه شاهدين في مجلس واحد ، وتكون الزوجة طاهرا طهرا لم يقربها فيه بجماع ، فان اختل مما ذكرناه شي ء ، لم يصح الظهار ، وكذلك لا يقع صحيحا إذا كان مشروطا ، ولا يقع أيضا صحيحا ، إذا كانت المرأة حائضا ، ولا يقع إلا بزوجة مدخول بها ، حرة كانت أو امة.
فان كانت ملك يمين لم يقع بها ظهار ، وكذلك لا يقع بالتي لم يدخل بها ، ويقع بالزوجة إذا كانت حاملا ، فان قال لها أنت مني كظهر أمي ، أو أنت معي أو عندي أو ما جرى مجرى ذلك ، كان مظاهرا ، لان حروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض ، وكذلك إذا قال نفسك على كظهر أمي ، أو جسمك أو بدنك أو ما جرى مجرى ذلك كان ظهارا فان شبه زوجته بعضو من أعضاء الأم غير الظهر ، مثل ان يقول أنت على كبطن أمي ، أو كفرج أمي ، أو كرأس أمي ، أو شبه عضوا من أعضاء زوجته بظهر امه ، مثل ان يقول فرجك أو رجلاك أو رأسك ، وما جرى مجرى ذلك ، وكذلك قوله رجلك على كرجل أمي أو بطنك على كبطن أمي ، أو فرجك على كفرج أمي ، وما أشبه ذلك ، ونوى الظهار كان بجميع ذلك مظاهرا.
فان قال لها أنت على كأمي ، أو مثل أمي ، كان ذلك كناية ، يحتمل مثل أمي في الكرامة ، ويحتمل مثلها في التحريم فالتحريم يرجع إليه ، فإن قال مثلها في الكرامة لم يكن ظهارا وان قال أردت مثلها في التحريم ، كان ظهارا ، وان أطلق لم يكن ظهارا ، لأنها كناية ، لم يتعلق الحكم بمجردها ، إلا ببينة.
فإن قال لها أنت على كظهر ابى ، لم يكن ظهارا ، نوى أو لم ينو ، فان شبه زوجته بإحدى جداته من قبل أبيه ، أو من قبل امه ، قريبة كانت أو بعيدة ، كان بذلك مظاهرا ، لأن الأم يطلق عليها حقيقة ومجازا ، وان كان في ذلك خلاف الا ان الظاهر عندنا ما ذكرناه ، فان شبهها بامرأة تحل له لكنها محرمة في الحال ، مثل المطلقة
ص: 298
ثلاثا ، أو أخت امرأته أو عمتها أو خالتها (1) فإنه لا يكون مظاهرا ، فان شبهها بامرئة محرمة عليه على التأبيد غير الأمهات ، مثل البنات وبنات الأولاد من البنين ، والبنات والأخوات وبناتهن والعمات والخالات ، فعندنا انهن يجرين مجرى الأمهات.
فأما النساء المحرمات عليه بالرضاع والمصاهرة ، فالظاهر انه لا يكون بهن مظاهرا.
فاذا قال لزوجته ما ذكرنا ان الظاهر يقع به ، ويثبت معه التحريم مع الشروط التي بيناها في ذلك ، حرم عليه وطؤها ، ولم يحل له ذلك منها حتى يكفر ، فان واقعها مرة واحدة قبل ان يكفر ، كان عليه كفارة أخرى ، فإن واقعها أكثر من مرة ، كان عليه لكل مرة كفارة.
وإذا كان للرجل من الزوجات أكثر من واحدة ، فظاهر منهن في حال واحدة ، كان عليه لكل واحدة منهن كفارة ، وقد روى (2) ان عليه كفارة واحدة ، والاحتياط يقتضي ما ذكرناه أولا.
وإذا ظاهر الرجل من زوجته مرة بعد اخرى ، كان عليه لكل مرة كفارة.
والكفارة الواجبة في الظهار ما تضمنته الآية ، وهو عتق رقبة فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فان لم يستطع ، فإطعام ستين مسكينا.
ولا يجزى للمظاهر الصوم الا بعد العجز عن العتق ، ولا يجزيه إطعام إلا بعد العجز عن الصوم ، فان كفر بواحدة ، وهو قادر على ان يكفر بما قبلها ، كان عليه ان يكفر بالكفارة المتقدمة ، دون ما يليها ، فان لم يكفر بواحدة من الثلاث الكفارات ، لم يجز له وطؤها ، وكان له القيام معها ، فان طلبت فراقه ورافعته الى الحاكم ، اجله ثلاثة
ص: 299
أشهر فإن كفر ، والا ألزمه طلاقها ، فان كان غير قادر على الكفارة ، لم يلزمه الطلاق (1).
وإذا أراد المظاهر الصوم ، فعليه ان يصوم شهرين متتابعين ، فان صام شهرا وصام من الثاني شيئا (2) وأفطر ، كان له ان يبتدأ الصوم من أوله ، فإن أفطر قبل ان يتم صوم الشهر الأول لمرض ، جاز له البناء على ما تقدم.
وإذا دخل المظاهر في الصوم ، وقدر على الرقبة ، كان له المضي في صومه ، والأفضل له ان يعدل إلى الرقبة ، وإذا عجز عن الإطعام ، صام ثمانية عشر يوما ، فان عجز عن ذلك أيضا لم يجز له وطؤ زوجته التي ظاهر منها ، وبقي على ذلك الى ان يكفر ، والإطعام نصف صاع لكل رجل ( واحد - خ ل ).
وإذا طلق المظاهر زوجته قبل ان يكفر ، سقطت الكفارة عنه ، فان راجعها قبل ان تنقضي عدتها لم يجز له وطؤها حتى يكفر ، فان خرجت من عدتها وعقد عليها بعد ذلك عقدا جديدا لم يلزمه كفارة ، وجاز له وطؤها.
وإذا ظاهر العبد من زوجته ، كان ظهاره واقعا وكان عليه الكفارة ، والكفارة الواجبة عليه في ذلك صوم شهر واحد لا غير.
وإذا حلف الرجل بالظهار لم يلزمه حكمه ، ولا يقع الظهار الا مع الاختيار ، ولا يقع مع الإكراه ، ولا للغضب ، ولا السكر ولا في إضرار.
وإذا قال لزوجته أنت طالق كظهر أمي لم يقع بذلك ظهار ، نوى ذلك أو لم ينوه ، وكذلك لو قال أنت حرام كظهر أمي لم يكن ظهارا ، وإذا كان له زوجتان ،
ص: 300
فقال لإحداهما أنت على كظهر أمي ، ثم قال للأخرى شركتك معها ، لم يكن قوله للثانية ظهارا ، وإذا قال لزوجته أنت على كظهر أمي ان شاء زيد ، لم يكن ظهارا ، وقد ذكر بعض أصحابنا ان ذلك ظهار ، والظاهر من المذهب الأول.
وإذا قال لها أنت على كظهر أمي ان شاء اللّه لم ينعقد بذلك ظهار.
وإذا قال لها أنت على كظهر أمي يوما أو يومين ، أو شهرا أو شهرين ، أو سنة أو سنتين ، لم يكن بذلك مظاهرا.
قال اللّه تعالى ( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ) (1) الاية.
والإيلاء معلوم من دين الإسلام ، وهو في اللغة عبارة عن اليمين عن كل شي ء (2) ، فاما في الشرع فمخصوص بيمين الرجل على ان لا يطأ زوجته ، ومذهبنا ان يحلف على ان لا يطأها أكثر من أربعة أشهر ، فإن حلف على أربعة أو ما دونها ، لم يكن موليا وانما قلنا ذلك لقوله تعالى ( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ) (3).
فأضاف إليهم بلفظ الملك (4) مدة الأربعة ، فثبت ان ما بعدها ليس له ، وأيضا فلو لا انه نزلت (5) بالفئة ما يقتضي الغفران لما أخبر عن الغفران عنه.
ص: 301
وصفته ، ان يحلف الرجل باللّه تعالى ، ان لا يجامع زوجته ، ويقيم على يمينه فان فعل ذلك كانت الزوجة مخيرة بين المقام معه ، والصبر عليه؟ وبين مخاصمته ، ومرافعته الى الحاكم ، فان استعدت عليه أنظره الحاكم بعد مرافعتها إليه أربعة أشهر ليراجع نفسه ويرتئى في امره ، فإن كفر عن يمينه وراجع زوجته ، فلا حق لها عليه وان أقام على الامتناع من مجامعتها خيره الحاكم بين ان يكفر ، ويرجع الى زوجته أو يطلقها ، فان امتنع من الرجوع إليها ، والطلاق جميعا ، وثبت على الإضرار بها ضيق الحاكم عليه في المطعم والمشرب ، وذكر (1) انه يحبسه في حظيرة من قصب حتى يفي ء إلى أمر اللّه تعالى ، ويراجع زوجته ، أو يطلق ، فان طلقها فهو أملك بردها ما لم تخرج من عدتها ، فان خرجت من عدتها لم يكن له عليها سبيل ، ولا يقع الإيلاء بالزوجة إلا بعد الدخول بها ، فان آلى الرجل قبل الدخول بها لم يلزمه الإيلاء ولا يكون الإيلاء إلا باسم اللّه تعالى ، فان آلى بغير اسم اللّه أو حلف بالطلاق أو العتاق لم يكن بذلك إيلاء ، ويراجع زوجته ، ولا شي ء عليه.
وإذا ادعت الزوجة على الرجل انه لا يقربها وأنكر هو ذلك ، وذكر انه يقربها ، كان عليه اليمين : بان الأمر على ما ادعاه ، ولم يكن عليه شي ء ،
وإذا كانت المرأة متمتعا بها ، لم يقع بها إيلاء ، وإذا حلف ان لا يجامع زوجته وهي مرضعة ، خوفا من انقطاع لبنها ، فيستضر بذلك ولدها ، لم يكن عليه
ص: 302
شي ء لأنه حلف في صلاح.
وإذا هجر الرجل زوجته سنة ، أو أكثر ، أو أقل ، لم يكن ذلك إيلاء ، ويراجع زوجته. وليس عليه شي ء.
فاما ألفاظ الإيلاء ، فمثل قوله : واللّه لا أتيك (1) واللّه لا أدخل ذكري في فرجك ، واللّه لا أغيب ذكري في فرجك ، واللّه لا أوطئك ، لا أصبتك ، لا باشرتك لا جامعتك ، لا لامستك ، لا باضعتك ، وما جرى مجرى ذلك ، فجميعه محتمل عندنا (2) فان نوى به الجماع في الفرج ، كان إيلاء ، وان لم ينو ذلك لم يكن إيلاء ولا يثبت به حكم الإيلاء جملة.
فاذا قال : ان وطأتك فأنت طالق ثلاثا ، كان ذلك باطلا ، ولا حكم له عندنا.
وإذا قال لها : أنت على حرام ، لم يتعلق بذلك حكم عندنا ، لا طلاق ، ولا ظهار ، ولا عتاق ، (3) ولا يمين في إيلاء ، ولا غيره ، نوى ذلك أو لم ينو.
وإذا قال لها : ان أصبتك فعبدي حر عن ظهاري إن تظاهرت (4) لم يتعلق
ص: 303
بذلك حكم ، لا عتاق ، ولا ظهار لأنه مشروط ، وهما لا يتعلقان بشروط ، ولا يتعلق به إيلاء لأنه ليس بيمين باللّه تعالى ، وإذا قال لها : واللّه لا أصبتك ، ثم قال لزوجة له اخرى ، قد أشركتك معها في الإيلاء ، لم تكن شريكتها في ذلك ، وكان موليا في الأولى ، دون الثانية ، لأن اليمين باللّه تعالى ينعقد لأجل حرمة اللفظ ، وهو ان يحلف باللّه تعالى ، أو بشي ء من صفات ذاته ، وقوله قد أشركتك معها في الإيلاء لفظ ، لا حرمة له ، واليمين باللّه بالكنايات ، لا ينعقد ، فسقط ذلك في حق الزوجة الثانية ، وثبت في الاولى.
وإذا آلى منها بالطلاق ، فقال لها أنت طالق إن أصبتك ، ثم قال لأخرى قد أشركتك معها ، لم يكن موليا من واحدة منهما ، لأنه لم يحلف باللّه تعالى.
وإذا آلى من امرأته تربص أربعة أشهر ، ثم وقف لها ، فان اختلفا في المدة ، فقالت قد انقضت ، وقال الرجل ما انقضت ، كان القول قوله مع يمينه ، لأن الأصل انها ما انقضت ، فان اختلفا في ابتداء المدة ، كان القول أيضا قول الرجل مع يمينه ، لأن الأصل ان لا يمين.
وإذا آلى من الرجعية صح الإيلاء ، لأنها في حكم الزوجات ، فاذا كان كذلك فإن المدة تحسب عليه ما دامت في العدة من وقت اليمين ، (1) لأنها مباحة الوطأ
وإذا ادعى الإصابة ، وأنكرت المرأة ذلك كان القول قوله مع يمينه (2) فإن
ص: 304
كانت بكرا لم يجر الحكم فيها بمثل ذلك لان الإيلاء لا يصح الا بعد الدخول وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم.
وإذا آلى من زوجته ، ثم ارتدا ، أو أحدهما ، لم تحسب المدة عليه ، لأنها انما تحسب إذا كان المانع من الجماع ، اليمين ، وهاهنا المانع اختلاف الدين ، وأيضا فإنه لا يمكنه الفئة بعد التربص ، ولا الطلاق. (1)
وإذا آلى من زوجته وهو صحيح ثم جن ، فالمدة محسوبة عليه ، لان العذر من جهته في زوجته تامة (2) فإذا انقضت المدة وهو مجنون ، لم يكن عليه مطالبة لأنه غير مكلف :
وإذا آلى منها ثم جنت هي ، فإن فرت منه ولم تقم في يده ، لم تحسب المدة عليه. لان العذر من جهتها ، فان كانت في يده كانت المدة محسوبة عليه ، لأنه متمكن من وطأها ، فإن انقضت المدة وهي مجنونة لم يوقف ولا مطالبة عليه في حقها لأن الحق يختص بها وليست من أهل المطالبة به لكن يقال له اتق اللّه ووفها حقها بطلاق أو وطأ ، فإن طلق فلا كلام ، وان وفاها حقها بالوطى ء حنث هاهنا ، لأنه عاقل قاصد إلى المخالفة.
الذمي يصح منه الإيلاء كما يصح من المسلم ، فاذا ترافعا ذميان الى حاكم المسلمين في ذلك ، كان مخيرا بين ان يحكم بينهما أو يعرض عنهما ويتركهما مع أهل ملتهما في ذلك.
ص: 305
قال اللّه تعالى ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللّهِ ) (1) الآيات فبين في ذلك اللعان ، وترتيبه ، وكيفيته.
وروى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله « انه أتاه عويم العجلاني ، فقال : يا رسول اللّه أرأيت الرجل يجد مع امرأته رجلا ، أيقتله فيقتلونه ، أم كيف يصنع ، فقال : عليه السلام قد انزل اللّه فيك وفي صاحبتك فأت بها فجاء بها فتلاعنا. (2)
واللعان معلوم من دين الإسلام بغير اشكال ، وصفته : ان يجلس الحاكم مستدبر القبلة ويقف الرجل بين يديه ، والمرية عن يمينه ، ولا يقعدهما ، ثم يقول الرجل : اشهد باللّه اننى لمن الصادقين فيما ذكرت عن هذه المرية من الفجور ، فاذا قال ذلك مرة ، قالا له اشهد باللّه ثانية ، فإذا شهد ثانية قال له أشهد ثالثة ، فاذا شهد ثالثة ، قال اشهد رابعة ، فإذا شهد اربع مرات ، انه لمن الصادقين ، قال له اتق اللّه تعالى ، واعلم ان لعنة اللّه شديدة ، وعقابه اليم ، فان كان حملك على ما قلت غيرة ، أو سبب من الأسباب ، فراجع التوبة ، فإن عقاب الدنيا أهون من عقاب الآخرة ، فان رجع عن قوله جلده حد المفتري ثمانين جلدة ، ورد عليه زوجته وان لم يرجع عن ذلك ، واقام على ما ادعاه ، قال له : قل ان لعنة اللّه على ان كنت من الكاذبين.
فاذا قال ذلك ، قال للمرأة. ما تقولين فيما رماك به هذا الرجل ، فان اعترفت به رجمها حتى تموت ، فان لم تعترف وأنكرته ، قال لها اشهدي باللّه انه لمن الكاذبين فيما قذفك به من الفجور ، فاذا شهدت مرة وقالت اشهد باللّه انه لمن الكاذبين فيما قذفني به ، طالبها بان تشهد ثانية ، فإذا شهدت بذلك طالبها بها ثالثة ، فاذا شهدت طالبها بها رابعة ، فإذا شهدت ذلك ، وعظها كما وعظ الرجل ، ثم قال لها : اتقى اللّه فان غضب اللّه شديد ، فان كنت قد افتريت ما قذفك به ، فتوبى الى اللّه ، فان عقاب
ص: 306
الدنيا أهون من عقاب الآخرة فان اعترفت بالفجور رجمها ، وان أقامت على تكذيب الرجل ، قال لها : قولي ان غضب اللّه على ان كان من الصادقين ، فاذا قالت ذلك فرق بينهما ، ولم تحل له ابدا (1) وقضت العدة منه منذ لعانها له ، فان نكل الرجل أو المرية عن اللعان قبل ان تكمل الشهادات ، كان على الذي نكل منهما الحد ، ان كان الرجل ، وان كانت المرأة عليها الرجم.
وإذا كان له زوجة حرة ، فقذفها بالفجور ، وادعى عليها المشاهدة لرجل يطأها في الفرج ، وكان له بينة تشهد بذلك وشهدت به البينة ، ثبت اللعان بينهما (2) لأن البينة إنما أسقطت الحد دون اللعان.
وإذا أنكر الرجل ولد زوجته ، وهي في حباله ، أو بعد فراقها بمدة الحمل (3) ان لم تكن نكحت زوجا غيره ، وأنكر (4) ولدها لأقل من ستة أشهر من فراقه لها فان كانت (5) قد نكحت زوجا غيره ولم يدعه الثاني
ص: 307
لاعنها (1) بدعوى مشاهدته بفجورها ، فان كان قذفها بغير نفى الولد ، بغير (2) طلاقه لها وبعد انقضاء عدتها ، لم يكن بينه وبينها لعان ، وجلد حد المفتري.
وإذا أكذب الرجل نفسه بعد اللعان ، لم يكن عليه شي ء ، ولا ترجع زوجته اليه ، وقد روى ان عليه الحد ، (3) والظاهر انه ليس عليه ذلك ، وإذا اعترف بالولد قبل انقضاء اللعان ، الحق به وتوارثا وكان عليه الحد ، وان اعترف به بعد اللعان الحق به ، ولم يرث الابن ، والابن يرثه ، ويكون ميراث الابن لامه ، ولمن يتقرب اليه منها ، دون أبيه ومن يتقرب اليه به ، وان اعترفت المرأة بالفجور بعد تقضى اللعان ، لم يكن عليها شي ء الا ان تقر على نفسها بالفجور اربع مرات ، فإن أقرت كذلك بأنها زنت ، وهي محصنة ، كان عليها الرجم ، وان كانت غير محصنة ، كان عليها الحد ، مأة جلدة.
وإذا قال الرجل : للمرأة يا زانية ، أو قد زنيت ، ولم يقم لم بينة بذلك أربعة شهود ، كان عليه حد المفتري ، وان قذفها ولم يدع المشاهدة مثل الميل في المكحلة لم يكن بينهما لعان ، وكان عليه أيضا حد المفتري وإذا قال : وجدت معها رجلا في إزار ، ولم اعلم ما كان بينهما ، عزر ولم يفرق بينهما.
وإذا قذفها بما يجب فيه اللعان ، وكانت صماء أو خرساء فرق بينهما ، ولم يكن بينهما لعان ، لان اللعان انما يكون باللسان ، ولم تحل له ابدا ، وعليه حد المفتري
ص: 308
ان قامت بينة القذف عليه ، وان لم يقم عليه بذلك بينة لم يكن عليه شي ء. (1)
وإذا قذفها قبل الدخول بها لم يكن لعان لان اللعان انما يثبت بعد الدخول (2) وكان عليه الحد.
ولا لعان بين الرجل ومملوكته ولا بينه وبين زوجته المتمتع بها وان كانت له امرأة يهودية ، أو نصرانية ثبت اللعان بينهما ، وقد ذكر (3) انه لا لعان بينهما ، والصحيح ثبوته بينهما.
وإذا انتفى من ولد أمرية وهي حامل ، صحت الملاعنة بينهما ، فان نكلت عن ذلك قبل استكمال الشهادات ، لم يقم عليها الحد حتى تضع حملها ، وإذا ولدت زوجة الرجل توأمين ، وأنكر واحدا منهما ، واعترف بالآخر ، لم يجز له ذلك لان الحمل واحد.
وإذا طلق زوجته قبل الدخول بها ، وادعت انها حامل منه ، وأنكر الولد ، فان قامت لها بينة بذلك بأنه خلا بها وارخى الستر ثبت اللعان بينهما ، وكان عليه المهر على كماله ، وان لم تقم بينة بذلك ، كان عليه نصف المهر. وكان عليها الحد (4) بعد ان يحلف باللّه تعالى انه لم يدخل بها.
ص: 309
وإذا قذف زوجته وادعى المشاهدة مثل الميل في المكحلة ، وهي في عصمته أو يكون قد طلقها طلاقا يملك فيه رجعتها ، ثبت اللعان بينهما ، وان قذفها بعد انقضاء عدتها ، أو في عدة لا رجعة له عليها فيها لم يكن بينهما لعان (1) ، وكان عليه حد الفرية.
وإذا قذف زوجته وترافعا الى الحاكم ، وماتت الزوجة قبل الملاعنة ، وقام من أهلها رجل مقامها ولا عنها (2) لم يكن له منها ميراث ، وان لم يقم من أوليائها أحد مقامها في الملاعنة ، كان للزوج ميراثه منها ، وعليه الحد ثمانون جلدة ، وإذا قذف زوجته بعد اللعان ، كان ، عليه حد القاذف ثمانون جلدة.
فإن قال لها لم أجدك عذراء كان عليه التعزير ، ولم يجب حدا كاملا.
وإذا قذفت (3) الأمة ووجب بقذفها التعزير. ثم ماتت كان لسيدها المطالبة به ، لأنها كانت ملكه ، وهو اولى الناس بها.
وإذا ادعت الزوجة عليه انه قال يا زانية ، فأنكر ذلك ، وقال ليست بزانية ، ثم قامت البينة - عليه بأنه قال لها ذلك ، وانه يكذب نفسه يلزمه الحد لقيام البينة ، وليس له ان يلاعن ، لأنه قد تقدم الإقرار منه بأنها ليست بزانية ، فليس له ان يحقق كونها زانية بلعانها مع تقدم إنكاره (4).
وإذا قال الصبي لزوجته : يا زانية ، لم يكن ذلك قذفا ، ولا يلزمه به الحد بغير خلاف ، لان القلم مرفوع عن الصبي حتى يبلغ فاذا بلغ وأراد ان يلاعن ، لم
ص: 310
يجز له ذلك ، لان اللعان انما يكون لتحقيق (1) القذف وقد ذكرنا انه لا قذف له.
والمطلقة طلاقا رجعيا إذا قذفها زوجها في حال عدتها ، كان عليه الحد ، وله إسقاطه باللعان ، لأنها في حكم الزوجات فلو أبانها أو خلع أو فسخ ثم قذفها بزنا اضافه الى حال الزوجية ، كان الحد لازما. فان كان هناك نسب ، كان له إسقاطه باللعان وان لم يكن هناك نسب ، لم يكن له ان يلاعن ، وإذا كان له ان يلاعن وينفى النسب وكان الولد قد انفصل ، كان له ان يلاعن لنفسه (2) وان لم يكن انفصل وكان حملا وأراد تأخير اللعان الى ان ينفصل ، كان له ذلك ، وان أراد اللعان في الحال ، كان له ذلك أيضا.
وإذا قذف زوجته بإصابة رجل لها في دبرها ، كان عليه الحد ، وله إسقاطه باللعان ، فان قذف أجنبيا أو أجنبية بذلك ، كان عليه حد القذف.
وإذا قال لزوجته : يا زانية بنت الزانية ، كان قاذفا لها ولأمها بالزنا ، وعليه الحد ، لكل واحدة منها حد كامل ، وله إسقاط حد الأم بالبينة حسب ، لأنها أجنبية ، وله إسقاط حد البنت بالبينة وباللعان ، لأنها زوجة ، وإذا أعفى واحدة منهما عن حقه لم يسقط حق الأخر ، ومن طالب منهما بذلك قبل صاحبه ، كان له ذلك ، فان اتفقا في حال المطالبة ، كان ذلك من باب التخيير ، وقد بينا فيما سلف كيفية اللعان.
فاما مكانه : فينبغي ان يلاعن بينهما في أشرف المواضع ، فان كان بمكة فبين الركن والمقام ، وان كان بمدينة ففي مسجد النبي صلى اللّه عليه وآله عند المنبر : وان كانت ببيت المقدس ففي المسجد عند الصخرة ، وان كان في غير ذلك من البلاد ففي المسجد الجامع.
واما وقت ذلك : فبعد العصر ، واما الجمع : فيعتبر لقوله تعالى :
ص: 311
( وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) . (1)
ومن شرط صحة اللعان الترتيب ، فيبدأ بلعان الزوج ، وبعده لعان المرية ، فإن خالف الحاكم ذلك وبدأ بلعان المرأة ، لم يعتد به ، وان حكم لم ينفذ حكم به
وإذا كانت المرأة حائضا وأرادت اللعان ، لم تدخل المسجد لذلك بل يلاعن على بابه ، ويخرج الحاكم إليها يستوفي (2) اللعان عليها.
وإذا قذف الرجل زوجته ومات أحدهما فإن كان الميت هي الزوجة ، وكان موتها قبل اللعان ، فقد ماتت على حكم الزوجية ، يرثها الزوج (3) وليس له ان يلاعن لنفي الزوجية ، لأنها قد زالت بالموت ، وان كان موتها بعد اللعان ، فقد ماتت بعد ثبوت أحكام اللعان ، ولا يؤثر موتها شيئا أكثر من سقوط الحد عنها بلعان الزوج لا بموتها ، فان مات الزوج قبل اللعان ، فقد مات على حكم الزوجية ، وورثته المرأة لبقاء الزوجية.
وإذا قال لزوجته : أنت أزنى الناس ، لم يكن قاذفا بظاهره ، لأنه يتحقق انها لا تكون ازنى الناس كلهم ، لان الناس لا يكون كلهم زناة فإن قال أردت أنها أزنى من الناس كلهم ، قيل له قد فسرت كلامك بمحال ، ويسقط حكمه. وان قال : أردت أنها أزنى الناس من زناة الناس كان قاذفا لها ولجماعة غير معينين (4) وإذا لم يعين المقذوف ، لم يكن عليه شي ء.
وإذا قال لزوجته زنيت وأنت صغيرة ، فان فسر ذلك بما لا يحتمل القذف ،
ص: 312
مثل ان يقول زنيت ولك سنتان أو ثلاث سنين ، علم كذبه لان ذلك لا يتأتى فيها ، ولا يجب عليه حد ، ولا تعزير قذف ، بل تعزير سب وشتم ، ولا يكون له إسقاط ذلك باللعان ، وان فسر ذلك بما يحتمل القذف مثل ان يقول زنيت ولك تسع سنين أو عشر سنين ، فهذه يتأتى فيها الزنا ، وقد قذفها به الا انه لا حد عليه ، لأن الصغيرة ناقصة ، لا يجب الحد برميها ، لكن تعزير قذف ، وله إسقاطه باللعان.
وإذا قذف زوجته وهي أمة عمرو ، فله إسقاطه باللعان.
وإذا قال رجل لزوجته : يا زانية ، فقالت بل أنت زان ، كان كل واحد منهما قاذفا للآخر ، ولا حد على واحد منهما وعليهما التعزير.
وإذا قال لزوجته ولأجنبية : زنيتما أو أنتما زانيتان ، كان قاذفا لهما ، ووجب عليه الحد ، ويخرج عن حد الأجنبية بالبينة حسب ، وعن حد الزوجة بالبينة ، أو باللعان.
وإذا قذف اربع زوجات ، كان عليه الحد ، وله إسقاطه باللعان ، وينبغي ان يلاعن كل واحدة لعانا منفردا ، لأنه يمين واليمين لا يتداخل في حق الجماعة بغير خلاف ، فان تراضين باللعان بمن يبدء بلعانها بدء بها ، وان تشاححن في ذلك ، أقرع بينهن ، وبدء بمن خرجت لها القرعة.
وإذا قذف زوجته ، وادعى عليها أنها أقرت بالزنا ، وأنكرت واقام شاهدين فشهدا عليها أنها أقرت بالزنا ، لم يثبت ذلك عليها الا ان يشهد عليها بذلك أربعة شهود عدول (1).
وإذا قذف امرأة ، ثم اختلفا ، فقال : قذفتها وهي صغيرة ، فعلى الرجل التعزير ،
ص: 313
وقالت بل قذفني وانا كبيرة ، فعليه الحد ، ولم يكن لأحدهما بينة ، كان القول قوله مع يمينه ، لأن الأصل الصغر ، فاذا حلف عزر ، ولم يجب عليه حد.
والمرتد عن دين الإسلام على ضربين : أحدهما : ان يكون مولودا على فطرة الإسلام ، والأخر يكون قد أسلم بعد كفر ثم ارتد بعد هذا الإسلام ، فإن كان مسلما مولودا على فطرة الإسلام ، ثم ارتد فقد بانت منه زوجته في الحال ، وقسم ماله بين ورثته وقتل من غير ان يستتاب ، وكان على زوجته ان تعتد عدة المتوفى عنها زوجها.
وان كان ممن أسلم بعد كفر ، ثم ارتد استنيب ، فان عاد إلى الإسلام كان العقد بينه وبين زوجته ثابتا ، وان لم يعد إلى الإسلام قتل ، فان لحق بدار الحرب ، ثم عاد إلى الإسلام قبل خروج زوجته من عدتها (1) لم يكن له عليها سبيل ، فاذا مات المرتد قبل انقضاء العدة ، ورثته الزوجة ، واعتدت منه عدة المتوفى عنها زوجها ، وان ماتت الزوجة وهو مرتد لم يرث منها شيئا على حال.
« باب العدد والاستبراء »
قال اللّه تعالى ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ) الآية (2).
وقال تعالى ( وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ) (3).
وقال ( ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها ) (4)
وقال ( وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) (5).
وقال ( وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللّهَ رَبَّكُمْ ) الاية (6).
ص: 314
والعدة ضربان : أحدهما : عدة طلاق ، والأخر : عدة وفاة.
فعدة الطلاق ضربان : عدة طلاق الحرة ، وعدة طلاق الأمة ، فعدة طلاق الحرة ضربان : طلاق التي ترى المحيض ، وطلاق اليائسة من المحيض وفي سنها من تحيض.
فاما عدة التي ترى الحيض فثلاثة أقراء ، وهي الأطهار سواء كان الذي طلقها حرا أو عبدا واما عدة اليائسة من المحيض وفي سنها من تحيض فثلاثة أشهر ، سواء كان الذي طلقها حرا أو عبدا أيضا.
واما عدة طلاق الأمة فضربان : عدة التي ترى المحيض ، وعدة اليائسة من المحيض وفي سنها من تحيض ، فاما عدة التي ترى المحيض فهي قرءان ، سواء كان الذي طلقها حرا أو عبدا ، واما عدة اليائسة من المحيض وفي سنها من تحيض فخمسة وأربعون يوما.
وعدة المتمتع بها إذا انقضى أجلها وكان الرجل حيا ، مثل عدة الأمة المطلقة سواء.
واما عدة الوفاة فضربان : عدة الحرة المتوفى عنها زوجها ، وعدة الأمة المتوفى عنها زوجها وليست أم ولد.
فاما عدة الحرة المتوفى عنها زوجها : فأربعة أشهر وعشرة أيام سواء كانت زوجة دوام أو متمتعا بها ، وسواء كان الزوج حرا أو عبدا واما عدة الأمة من وفاة زوجها وليست أم ولد ، فهي شهران وخمسة أيام سواء كان زوجها حرا أو عبدا ، وسواء كانت زوجة دوام أو متعة.
وإذا طلق الرجل زوجته ولم يكن دخل بها ، فلا عدة عليها ، وان كان دخل بها ولم تبلغ المحيض ولا في سنها من تحيض فلا عدة عليها ولها (1) ان تعقد النكاح
ص: 315
على نفسها في الحال سواء كانت حرة أو امة.
وإذا طلق الرجل زوجته وهي آيسة من المحيض وليس في سنها من تحيض وقد تقدم (1) ذكر حد ذلك فلا عدة أيضا عليها ، ولها ان تعقد النكاح على نفسها في الحال سواء كانت أيضا حرة أو امة.
وعدة الحامل المطلقة. ان تضع حملها ولو كان بعد الطلاق بغير فصل وتحل للأزواج ، سواء كان ما وضعته تاما أو غير تام ، سقطا أو غير سقط ، فان كانت حاملا باثنين فوضعت أحدهما ، فقد ملكت نفسها الا انه لا يجوز لها العقد على نفسها لرجل حتى تضع ما في بطنها ، وقد تقدم (2) ذكر ذلك ، وإذا وضعت جميع ما في بطنها ، جاز لها العقد على نفسها ، فان ارتابت بالحمل بعد الطلاق أو ادعت ذلك ، صبر عليها تسعة أشهر ثم تعتد بعد ذلك بثلاثة أشهر ، فإذا فعلت ذلك ، بانت من الزوج.
وإذا كانت لرجل زوجة مملوكة وهي أم ولد منه(3) ومات عنها ، كان عليها ان تعتد منه مثل عدة الحرة أربعة أشهر وعشرا ، وان لم تكن أم ولد ، كانت عدتها شهرين وخمسة أيام كما قدمناه ، فان طلقها طلاقا رجعيا وكانت أم ولد لسيدها ثم مات عنها كانت عدتها أربعة أشهر وعشرا كما تقدم ذكره ، وان لم تكن أم ولد ، كانت عدتها شهرين وخمسة أيام. وان لم يكن الطلاق رجعيا ، كانت عدتها عدة الطلاق (4)
ص: 316
وإذا كان للحر زوجة مملوكة وطلقها طلقة رجعية، ثم أعتقت ، كان عليها مثل عدة الحرة ، وان كانت الطلقة بائنة ، كانت عدتها عدة الأمة. فإن طلقها ومات عنها ثم أعتقت ، كانت عدتها مثل عدة الحرة (1) وكذلك ان كانت مملوكة له وهو يطأها بملك اليمين وأعتقها بعد موته. فإن أعتقها في حال حياته اعتدت بثلاثة أقراء ، أو بثلاثة أشهر على ما تقدم ذكره.
وإذا طلق زوجة له حرة طلاقا يملك فيه الرجعة، ومات عنها ، كانت (2) عدتها أبعد الأجلين أيضا ، فإن وضعت حملها قبل انقضاء أربعة أشهر ، وعشرة أيام كان عليها ان تكمل ذلك ، وان قضت أربعة أشهر وعشرة أيام ولم تضع حملها ، كانت عدتها ان تضع حملها.
وان كان غائبا عن زوجته وطلقها ، اعتدت بثلاثة أشهر من يوم يبلغها الخبر بذلك ، فان ثبت لها بينة مقبولة بتعيين اليوم الذي كان طلقها فيه ، كان لها ان تبنى عدتها عليه ، فان كانت المدة قد انقضت قبل وصول الخبر إليها بالطلاق ، جاز لها العقد على نفسها ، وان لم تقم لها بينة بذلك ، وجب عليها ان تعتد من يوم وصول الخبر إليها بالطلاق على كل حال.
ص: 317
وإذا طلق زوجته وهي مستحاضة، وكانت عارفة بأيام حيضها ، كان عليها ان تعتد بالأقراء ، فان لم تكن عارفة بذلك ، اعتبرت صفات الدم على ما قدمناه في باب الحيض ، واعتدت أيضا بالأقراء ، فان لم يتميز لها ذلك والتبس عليها دم الحيض بدم الاستحاضة ، اعتبرت عادة نسائها في الحيض ، واعتدت على عادتهن بالأقراء. وان كانت نسائها مختلفات العادة ، أو لم تكن لها نساء ، كان عليها ان تعتد بالشهور.
وإذا طلق زوجته طلاقا رجعيا، لم يجز له ان يخرجها من بيته ، ولا تخرج هي أيضا ، الا بان تأتي بفاحشة مبينة ، والفاحشة ان تفعل ما يجب عليها به الحد ، فاذا فعلت ذلك أخرجت وأقيم عليها الحد ، وقد روى (1) ان أقل ما يجوز إخراجها معه ان تؤذي أهل زوجها ، فان فعلت ذلك جاز إخراجها.
وإذا ادعت المرأة الضرورة إلى الخروج، أو أرادت قضاء حق ، فلتخرج بعد ان يمضي نصف الليل وتعود الى بيتها قبل الفجر وإذا أرادت الحج وكان ما تريده من ذلك حجة الإسلام ، جاز لها الخروج فيها من غير اذن زوجها ، فان كانت حجة التطوع ، لم يجر لها ان تخرج الا بعد ان تنقضي عدتها ، أو يأذن لها الزوج في ذلك.
وإذا كان الطلاق لا يملك فيه الزوج الرجعة، فإنه يجوز له إخراج المرية في الحال ، ولا تكون لها عليه نفقة الا ان تكون حاملا وله عليها رجعة (2) فإن النفقة تجب لها عليه ، فان انقطعت العصمة بينهما لم تكن لها نفقة.
ص: 318
وإذا مات الرجل عن زوجته، اعتدت كما قدمناه ولم تكن لها نفقة من تركة زوجها ، فان كانت حاملا أنفق عليها من نصيب ولدها التي هي حامل به ويجوز للمتوفى عنها زوجها. المبيت في غير الدار التي توفي فيها زوجها. وعليها الحداد ان كانت حرة فإن كانت مملوكة لم يكن عليها حداد. والحداد : هو ترك الزينة والطيب وأكل ما فيه الرائحة الطيبة. (1)
وإذا مات الرجل وهو غائب، اعتدت زوجته من يوم يبلغها الخبر ، لان عليها الحداد ولم يجر في العدة من اليوم الذي مات فيه مجرى المطلقة في أنها تعتد من يوم طلقها ، لأجل ما ذكرناه من الحداد ، وليس على المطلقة ذلك فجاز لها ما لا يجوز للمتوفى عنها زوجها.
ومن ذلك من قد تزوج بيهودية أو نصرانية ثم مات عنها ، كانت عدتها مثل عدة الحرة المسلمة : أربعة أشهر وعشرة أيام.
وقد ذكرنا ان المطلقة إذا كانت من ذوات الحيض كانت عدتها ثلاثة أقراء وهي الأطهار ، فإذا كان كذلك وطلقها في طهر ، فإنها تعتد ببقية ذلك الطهر وان بلحظة ، فإذا دخلت في الحيض حصل لها قرء ، فاذا طهرت دخلت في القرء الثاني فإذا حاضت حصل قرءان ، فاذا طهرت دخلت في القرء الثالث ، فاذا حصل لها ثلاثة أقراء ، انقضت عدتها ، وإذا طلقها في آخر طهر ، وبقي بعد التلفظ بالطلاق جزء ، وقع منه الطلاق ، وهو مباح ، وتعتد بالجزء الذي بقي طهرا ، إذا كان طهرا ، لا يجامعها فيها فيه.
ص: 319
وإذا اختلفا : فقالت المرأة طلقتني ، وقد بقي من الطهر جزء فاعتد بذلك قرءا ، وقال الرجل لم يبق شي ء تعتدين به كان القول قول المرأة ، لأن قولها مقبول في الحيض والطهر.
وإذا كانت المرأة معتدة بالشهور، فلا يحتاج ان يرجع الى قولها ، لان قدر الشهر معلوم ، وهو ثلاثة أشهر ان كانت مطلقة ، وأربعة أشهر وعشرا ، ان كان زوجها قد توفي عنها الا ان يختلفا في وقت الطلاق ، فيكون القول قول الزوج ، كما لو اختلفا في أصل الطلاق ، لأن الأصل ان لا طلاق.
وإذا كانت المرأة معتدة بوضع الحمل فادعت ان عدتها قد انقضت بإسقاط كان القول قولها وتبين بوضع أي شي ء وضعته.
وإذا كانت المرأة ممن تحيض وتطهر وتعتد بالأقراء، وانقطع ( إذا انقطع - خ ل ) عنها الدم لعارض من مرض أو رضاع ، لم تعتد بالشهور ، بل تتربص حتى تأتي بثلاثة أقراء ، وان طالت مدتها (1) وان انقطع لغير عارض ومضى لها ثلاثة أشهر بيض لم ترفيها دما ، فقد انقضت عدتها ، وان رأت الدم قبل ذلك ، ثم ارتفع حيضها لغير عذر (2) أضافت إليها شهرين ، وان كان لعذر صبرت تمام تسعة أشهر ثم اعتدت بعدها بثلاثة أشهر ، فإن ارتفع الدم الثالث لعذر صبرت تمام سنة ، ثم اعتدت ثلاثة أشهر بعد ذلك (3).
ص: 320
وإذا تزوج صبي صغير امرأة ، فمات عنها ، كان عليها عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا ، سواء كانت حاملا (1) أو غير حامل ، وسواء ظهر بها حمل بعد وفاة الزوج أو كان موجودا مع حال وفاته ، فان لم تعتد عنه ، وكان الحمل لا حقا بإنسان وطأ شبهة ، أو رجل تزوجها تزويجا فاسدا ، كان النسب يلحقه. وتكون معتدة عن ذلك الوطأ بوضع الحمل ، وتنقطع العدة بالشهور (2) ، لأنه لا يصح ان يكون معتدة عن رجلين في حالة واحدة ، فإذا انقضت العدة بوضع الحمل اعتدت حينئذ بالشهور فان كان الحمل من زنا لم يقطع الاعتداد بالشهور في حال الحمل ، والزناء لا يقطع حكم العدة ، لأنه لا عدة له.
وإذا كان الباقي من ذكر المجبوب قدر الحشفة من ذكر السليم في تمكنه إيلاجه ، كان حكمه حكم السليم ، يلحقه النسب وتعذر زوجته بالأقراء ، وبوضع الحمل فان كان جميع ذكره مقطوعا يلحقه النسب ، لان الخصيتين إذا كانتا باقيتين فالانزال ممكن ، ويمكنه ان يساحق وينزل ، فان حملت عنه اعتدت بالوضع ، وان لم تكن حاملا اعتدت بالشهور ، ولا يمكن ان تعتد بالأقراء ، لان عدة الأقراء انما تكون عن طلاق بعد دخول (3) والدخول متعذر من جهته.
فاما الخصي الذي قطعت خصيتاه وبقي ذكره ، فان حكمه حكم الفحل ، يلحقه
ص: 321
النسب وتعتد منه المرأة بالأقراء والحمل ، لأنه لا يصح منه استيلاد بمجرى العادة. (1)
وإذا كانت المرأة آيسة من المحيض ومثلها لا تحيض ، لم يكن عليها عدة مثل الصغيرة التي لا تحيض مثلها ، لم تكن عليها عدة.
وإذا تزوج عبد امة وطلقها بعد الدخول طلقة ، ثبت له عليها الرجعة ، لأنه قد بقي لها طلقة. فإن أعتقت في أثناء العدة ، ثبت لها خيار الفسخ كما سلف لأنها في معنى الزوجات ، فان اختارت الفسخ انقطع حق الزوج من الرجعة ، وكان لها ان تبنى على عدتها عدة الحرة لا عدة امة ، ولا يجب عليها استئناف هذه العدة.
وإذا طلق الرجل زوجته طلقة رجعية ، وجرت في عدتها ، ثم راجعها ، انقطعت عدتها بالرجعة ، لأنها تصير فراشا ، فان طلقها بعد ذلك بعد الدخول بها ، كان عليها استئناف العدة ، وان لم يكن دخل بها استأنفتها أيضا ، فإن خالعها ، ثم تزوجها ، ثم طلقها ، استأنفت أيضا العدة (2) ولم يجز لها ان تبنى على ما تقدم.
ص: 322
وإذا كان لرجل زوجتان ، أو أكثر منهما، وطلق منهما واحدة غير معينة ، ثم مات قبل التعيين للمطلقة ، فإن كانتا غير مدخول بهما ، وجب على كل واحدة منهما ان تعتد أربعة أشهر وعشرا احتياطا ، وان كانتا مدخولا بهما ، وكانتا حاملين اعتدت كل واحدة منهما أبعد الأجلين ، وان كانتا غير حاملين ، وكان الطلاق رجعيا كان على كل واحدة منهما عدة أربعة أشهر وعشرا ، وان كان الطلاق بائنا ، وهو معين ، ولم يكن مضى بعد مدة ، وطلق ومات عقيب الطلاق ، كان على كل واحدة منهما ان تعتد ما يقارب من ثلاثة أقراء ، أو أربعة أشهر وعشرا ، للاحتياط ، وان كان قد مضى بعض العدة ، بأن يكون قد حاضت كل واحدة منهما حيضة ، ثم توفي عنها زوجها ، كان على كل واحدة منهما أن تأتي بأطول الأمرين غير معين (1) ، فان طلق واحدة غير معينة ، فيقال. افرض الطلاق في أيهما شئت ، فإذا فرض في إحداهما طلقت ، والأخرى على الزوجية ، وعليها ابتداء العدة في وقت الطلاق ، كما لو كان الطلاق معينا ، فان اختلفت حال الزوجتين ، وكانت الواحدة منهما مدخولا بها ، والأخرى ليست كذلك ، أو الواحدة منهما حاملا ، والأخرى ليست كذلك ، اعنى غير حامل ، أو إحداهما رجعية ، والأخرى بائنة ، كان على كل واحدة منهما ان تأتي بالعدة ، كما يجب عليها ان يأتي بها لو كانت على صفة صاحبتها.
وإذا طلق الرجل زوجته ، واستحقت السكنى في منزله ، وباع الزوج هذا المنزل ، فان كانت تعتد بالأقراء أو بالحمل لا يصح البيع ، لأن مدة استحقاق البائع مجهولة ، واستثناء مدة مجهولة في البيع غير جائز ، وان كانت تعتد بالشهور ، كان
ص: 323
البيع صحيحا ، فان استحقت المرأة السكنى في منزله وحجر عليه ، كانت هي أحق بالسكنى من الغرماء ، لان السكنى يختص بعين الدار ، وحقوقهم غير مختصة بها ، فان كان قد حجر عليه ، ثم طلقت المرأة ، واستحقت السكنى ، كانت هي أسوة الغرماء ، لان حقهم متقدم على حقها فلم يجز تقديمها عليهم لكن يسوى بينها وبينهم
وإذا طلقت المرأة وهي في منزل لا يملكه زوجها، اما بان يكون مستعارا أو مستأجرا ويتضيق انقضاء مدة الإجارة عند حال الطلاق ، فإن رضي صاحب المنزل بإقرارها فيه كان على الزوج إسكانها فيه ، وان لم يرض بذلك أو طلب أكثر من اجرة مثله ، لم يلزم الزوج ان يسكنها فيه وسقط حق الزوجة من سكنى الدار بعينها ، وثبت حقها من السكنى في ذمة زوجها. فان كان موسرا كان عليه ان يستأجر لها موضعا بقدر سكنى مثلها في أقرب المواضع من الموضع الذي كانت فيه ان تمكن من ذلك وان كان معسرا وعليه ديون ، كانت الزوجة تستحق السكنى في ذمته والغرماء أيضا يستحقون ديونهم في ذمته ، فان كان طلقها بعد الحجر ، ضربت مع الغرماء بقدر حقها من السكنى ، وان كان الطلاق قبل الحجر ثم حجر عليه ، فان المرأة تضرب مع الغرماء في حقها ، لان حقها وحقهم متساو في الثبوت في الذمة.
وإذا أمر الرجل زوجته بالانتقال من المنزل الذي هي ساكنة فيه الى منزل آخر فانتقلت ببدنها ولم تنقل مالها وعيالها ثم طلقها ، كان عليها العدة في المنزل الثاني دون الأول ، والاعتبار بالمنزل الذي تكون مقيمة فيه لا بالمال والعيال (1).
وإذا أمرها بالانتقال من منزلها الى منزل آخر ، فخرجت من المنزل الأول الى الثاني وعادت الى الأول لنقل مالها أو بعض حوائجها ثم طلقها ، فإنها تعتد في المنزل الثاني الذي انتقلت إليه ، لأنه قد صار منزلا لها ورجوعها إلى الأول انما كان لحاجة فاذا أمرها بالانتقال من منزلها الذي تسكنه الى منزل آخر فخرجت من الأول ولم
ص: 324
تصل الى الثاني حتى طلقها وهي بين المنزلين ، كان عليها ان تعتد في الثاني لأنها مأمورة بالانتقال اليه.
وإذا أمرها بالخروج من بلدها الى بلد آخر ثم طلقها ، فان كان طلاقه لها حصل قبل خروجها من منزلها ، اعتدت في منزلها ، لان الطلاق صادفها وهي مقيمة فيه. وان كان طلقها بعد فراقها لمنزلها ولم تفارق بنيان البلد ، كان عليها الرجوع الى منزلها الأول وتعتد فيه ، لأنها لم تفارق البلد.
وان كان خروجها لأنه اذن لها في الحج أو الزيارة أو النزهة ولم يأذن في إقامة مدة مقدرة ففارقت البلد وطلقها ، لم يلزمها الرجوع الى منزلها ، لأنه ربما كان الطريق مخوفا وتنقطع عن الرفاق. فإذا أرادت الرجوع كان لها ان تعتد في منزلها. وان تعذر في وجهها (1) وكان اذن لها في النزهة أو الزيارة ، كان لها ان تقيم ثلاثة أيام (2) فإذا قضتها أو قضت الحج ، ولم تجد رفقة (3) وكان الطريق أمنا وعلمت من حالها انها إذا رجعت الى البلد أمكنها ان تقضى ما بقي من عدتها ، وجب ذلك عليها ، وان كانت لا تتمكن من ذلك (4) لزمها الرجوع ، لأنها مأمورة وليست مأمورة بالإقامة.
فإن كان أمرها بالإقامة في البلد الأخر مدة معينة أو شهرا معينا ، أو شهرين معينين ، ففارقت بلدها وطلقها ، فإنه ان كان طلقها قبل وصولها الى البلد الأخر ، كان حكمها كما ذكرناه في طلاقه لها بين المنزلين. وان كان طلقها بعد وصولها اليه ، جاز لها ان تقيم فيه المدة التي أذن لها بالمقام فيها.
ص: 325
وإذا أحرمت المرأة وطلقها الزوج ، وجبت العدة عليها، فان كان الوقت ضيقا تخاف من فوات الحج ان أقامت العدة ، كان عليها ان تخرج وتقضى حجها ثم ترجع لتقضى ما بقي عليها من العدة ان كان بقي عليها منها شي ء. فان لم يكن الوقت ضيقا وكان واسعا ، أو كانت محرمة بعمرة ، فليس تقيم وتقضى العمرة (1) ثم تحج وتعتمر.
فان طلقها ولزمتها العدة ثم أحرمت ، كان عليها ملازمة المنزل لقضاء العدة لأن وجوب العدة سابق ومتقدم لا حرامها ، وهي مفرطه في إدخال الإحرام عليها. فاذا قضت ما عليها من العدة وكانت محرمة بعمرة ، فإنها لا تفوت فتأتي بها ، فان كانت محرمة بحج فان لم تكن فاتها أتت به ، وان كان قد فات ، كان عليها ان تتحلل بعمرة وكان عليها القضاء (2) من قابل.
وإذا أذن الرجل لزوجته في الخروج الى بلد وأطلق ذلك فخرجت ثم طلقها واختلفا فقالت الزوجة نقلتني ، وقال الرجل لم انقلك ، كان القول قول الرجل وعليها الرجوع الى المنزل وتعتد فيه ، لأنه اختلاف في نية الزوج وهو اعلم بما أراد ، فان مات واختلفت الزوجة مع ورثته ، كان القول قولها ، لأنهم استووا في الجهل بما أراد ، وظاهر قوله موافق لدعوى المرية لأن ظاهر امره لها بالخروج الى موضع كذا ، وظاهره النقلة (3).
ص: 326
وإذا طلقت البدوية أو مات عنها زوجها وكان لها السكنى (1) وجب عليها العدة في بيتها الذي تسكنه ، فان ارتحل جميع الحي ارتحلت معهم واعتدت في المكان الذي يرتحلون اليه ، لأنها لا يمكنها المقام بعدهم وحدها في الموضع الذي ارتحلوا منه. فان ارتحل الحي إلا أهلها وكان في أهلها منعة ، لم يجز لها ان ترتحل وكان عليها الإقامة معهم وتعتد ، لأنه يمكنها مع ذلك المقام في بيتها من غير ضرر يلحقها في مقامها لذلك. فان انتقل أهلها وبقي من الحي قوم فيهم منعة ، كانت مخيرة بين المقام وتعتد في بيتها وبين الخروج مع أهلها وتعتد حيث يرتحلون إليه لأن في تأخرها عليها ضررا باستيحاشها من أهلها. فان مات أهلها وبقي من الحي قوم فيهم منعة ، كان عليها المقام وتعتد.
وإذا طلق الرجل زوجته وهي في منزل تخاف من انهدامه واحتراقه أو وصول اللصوص اليه أو الدعار ، وأرادت الانتقال منه ، كان لها ذلك لان ما جاء فيه ( ما خافته فيه - خ ل ) عذر يبيحها ذلك.
وإذا وجب على المطلقة حق وكان يمكن استئفاءه من غير خروجها من منزلها لم يجز إخراجها لذلك ، لأنه يمكن استئفاءه مع مقامها في منزلها. فان كان عليها حق تجحده وكانت بارزة (2) تدخل وتخرج. فإنها تخرج ويقام عليها (3) ان وجب
ص: 327
عليها ويستوفي ما عليها من حق. وان كانت غير بارزة لا تدخل ولا تخرج فان الحاكم يقيم عليها الحد في منزلها ويبعث من ينظر بينها وبين خصمها في بيتها.
وإذا طلق الرجل زوجته فاستحقت السكنى ولم يكن للرجل ذلك ، وجب عليه ان يستأجر لها منزلا. فان كان غائبا ، استأجر الحاكم من ماله لأنها استحقت السكنى فوجب ان يوفى ما تستحقه كالدين. فان لم يكن له مال ورأى الحاكم ان يقترض عليه ويستأجر لها ، فعل ذلك وكان دينا في ذمته ، فإن استأجرت ذلك بغير أمر الحاكم لها فيه مع القدرة على استئذانه ، كانت مطوعة ( متطوعة - خ ل ) ولم يكن لها الرجوع على الزوج بشي ء. فان لم تقدر على استئذان الحاكم جاز لها ذلك.
وإذا طلق زوجته وهي في منزلها (1) وأقامت فيه حتى كملت عدتها ولم تطالبه بأجرة ثم طلقها (2) ، لم يلزمه ذلك ، لان الظاهر من سكونها (3) التطوع بالمقام في منزلها فلم يجز لها المطالبة بالبدل.
فان استأجرت دارا وسكنتها ولم تطالبه بالأجرة حتى انقضت عدتها ثم طالبته بعد ذلك بها ، لم يلزمه ذلك ، لأنها انما تستحق اجرة السكنى على الزوج إذا سكنت حيث يسكنها ، فاما إذا سكنت هي حيث شاءت ، لم يكن لها عليه شي ء ، فان استأجرت منزلا أو سكنت في منزلها بعض العدة ولم تطالب ثم طالبت ، كان لها اجرة السكنى من وقت المطالبة ، ولا شي ء لها على ما تقدم من سكناها ، لأنها فيما تقدم ، سكنت حيث أرادت فلم تستحقق اجرة ذلك ، وفي المستقبل يسكنها زوجها حيث شاء فاستحقت الأجرة عليه.
وإذا اتفق السفر لرجل مع زوجته في سفينة وطلقها وكان له منزل غير السفينة يأوي اليه ، كان لها الخيار في الرجوع الى المنزل وتعتد فيه. وان لم يكن له منزل
ص: 328
يأوي إليه غير السفينة كان حكمها حكم الدار ، وإذا كان لها (1) بيوت منفرد كل بيت منها بباب وغلق ، اعتدت في بيت منها. فان كانت كبيرة أو صغيرة وليس فيها بيوت وكان معها محرم ، فإنه (2) يخرج من السفينة ويترك المرأة في بيتها حتى تعتد ، وان لم يكن معها محرم ، خرجت من السفينة واعتدت في أقرب المواضع إليها مثل الدار.
والمعتدة التي تستحق السكنى تلازم البيت ، وليس لها ان تخرج منه بغير حاجة ، فإن اضطرت الى الخروج بأن تخاف من غرق أو حرق أو هدم ، كان لها الخروج ، سواء كانت معتدة عن طلاق أو وفاة ، فان لم تكن مضطرة إلى الخروج لكن تريده لحاجة من ابتياع قطن أو بيع غزل ، جاز لها الخروج لذلك نهارا ولا يجوز لها ليلا (3).
وعلى المعتدة من الوفاة الحداد وهو : تجنبها لكل ما يدعو الى أن تشتهي وتميل النفس اليه من مثل الطيب ولبس المطيب والخضاب وغير ذلك. فاذا تجنبت ذلك فقد حدت. فاما غير هذه المعتدة من المعتدات فلا يلزمها ذلك. والادهان على ضربين : طيب ، وغير طيب.
فاما الطيب فهو كدهن البنفسج والبان والورد ، وما جرى مجرى ذلك. وهذا لا يجوز للمعتدة استعماله في شعرها ولا بدنها.
ص: 329
واما الضرب الأخر : وهو ما ليس بطيب ، فهو كالشيرج والزيت ، وهذا لا يجوز استعمالها له في شعرها ، لان يرجله ويحسنه ، ويجوز ان تستعمله في بدنها لأنه ليس فيه طيب ولا زينة لها. فان كان لها لحية لم يجز لها ان تدهنها.
فاما الكحل الأسود الذي هو الإثمد فلا يجوز لها ان تكتحل به ولا ان تختضب حاجبيها ، لأنه زينة. فان احتاجت الى الكحل اكتحلت ليلا ومسحته نهارا. واما الأبيض الذي هو التوتيا فلها ان تكتحل به في الليل والنهار وعلى كل حال. واما الصبر فان النساء يكتحلن به لأنه يحسن العين ويطري الأجفان : والمعتدة ينبغي لها ان تجتنبه. واما الكلكون فلا يجوز لها استعماله لأنه زينة. وكذلك جميع ما يحسن به وجوه النساء من اسفيذاج وما جرى مجراه.
واما لبس الحلي فهي ممنوعة منه ، لأنه من الزينة. واما الثياب ففيها زينتان إحداهما تحصل بحسب ( بنفس - خ ل ) الثوب وهو ستر العورة وجميع البدن ، قال اللّه تعالى ( خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) (1).
والزينة الأخرى تكون بصبغ الثوب وغيره ، وإذا أطلق كان المراد ، الثاني والأول هي غير ممنوعة منه. وما يحصل به الزينة من الصبغ على ضروب : منها ما يدخل على الثوب لنفى الوسخ عنه مثل السوداء والكحلى ، وهذا لا تمنع المعتدة منه. ومنها ما يدخل على الثوب لتزئينه مثل الحمرة والصفرة وغيرهما ، فالمعتدة ممنوعة من ذلك ، لأنه زينة. ومنها ما يدخل على الثوب ويكون مترددا بين الزينة وغيرها مثل صبغة أزرق واخضر ، فان كان ذلك مشبعا يضرب الى السواد ، لم تمنع المعتدة منه. وان كانت صافية يضرب إلى الحمرة فهي ممنوعة منه.
واما الملبوس من الثياب فان كان منه مرتفعا فاخرا مثل الديبقي والقصب والسابوري وغير ذلك مما يعمل من القطن والكتان والصوف والوبر ، فالمعتدة
ص: 330
غير ممنوعة منه أيضا (1).
والحداد يلزم المرأة الحرة الكبيرة المسلمة ، والأمة إذا كانت زوجة ، والكافرة إذا مات زوجها ، سواء كان الزوج مسلما أو كافرا ، والصغيرة إذا مات زوجها عنها يأخذها وليها بذلك.
وإذا طلق الرجل زوجته ودخلت في العدة ، لم يجز لها ان تتزوج حتى تنقضي عدتها ، فان نكحت قبل ذلك بطل النكاح وليس تنقطع عدتها بنفس النكاح ما لم يدخل الثاني بها. لان الفراش لا يثبت بالنكاح الفاسد. فان فرق بينهما قبل الدخول ، لم يكن عليها للثاني عدة ، وعليها ان تمضى في عدتها عن الأول الى ان تكملها ثم يتأمل حالهما ، فان كانا عالمين بتحريم النكاح كان عليهما التعزير ، وان لم يكونا عالمين لم يكن عليها تعزير.
وان كان أحدهما عالما بذلك عزر دون الأخر ، فإن دخل الثاني بها وكانا عالمين ، كانا زانيين. وان كانا غير عالمين بتحريم النكاح أو الوطأ. فان الوطأ وطؤ شبهة لا يجب الحدية ويثبت به الفراش (2). ويلحق النسب ، وتجب به العدة ،
ص: 331
وتنقطع عدة الأول لأنها صارت فراشا للثاني ولا يجوز ان تكون معتدة عن الأول وهي فراش للثاني. ويجب عليها ان تأتي بكل واحدة من العدتين على الانفراد ولا يدخل إحداهما في الأخرى.
وان كان إحداهما عالما والأخر غير عالم ، فان كان الذي هو غير عالم هو الرجل ، والمرأة عالمة ، فهو وطؤ شبهة لأحد عليه. والمرأة تصير فراشا له ويلحقه النسب ، وتجب عليها العدة ، والمرأة زانية ، عليها الحد ولا مهر لها. وان كانت هي التي ليست عالمة والرجل هو العالم ، فالمرأة غير زانية ولا حد عليها ولها المهر ، والرجل زان يجب عليها الحد ولا يلحقه النسب ، ولا تجب له العدة.
وإذا اجتمع على أمرية عدتان وكانت (1) هي والزوج جاهلين ، أو كان الزوج جاهلا وكانت غير حامل تعتد بالأقراء أو بالشهور ، فإنها تكمل عدة الأول ثم تعتد عن الثاني. وإذا لم تكن اعتدت عن الأول بشي ء ، اعتدت منه بثلاثة أقراء ، أو ثلاثة أشهر. فإن كانت اعتدت عنه ببعض العدة ، فإنها تتم ذلك وتعتد عن الثاني عدة كاملة ، وانما قدمت العدة عن الأول لأنها سابقة.
فان كانت المرأة معتدة بالحمل فإنه إن لحق الحمل بالأول دون الثاني ، اعتدت منه عن الأول ، فإذا وضعت استأنفت عدة الثاني. وان لحق الحمل بالثاني دون الأول ، اعتدت به عن الثاني ثم تأتي بالعدة عن الأول ، أو باقيها ان كانت قد أتت ببعضها. فإن أمكن ان يكون الحمل من كل واحد منهما (2) أقرع بينهما فمن
ص: 332
خرج اسمه الحق به واعتدت به عنه ثم استأنفت العدة من الأخر.
وإذا وطئ الرجل زوجته في العدة كانت ذلك منه رجعة وحكمنا بالمراجعة ، ويكون وطؤها بعد ذلك وطيا في الزوجية وينقطع حكم العدة.
وإذا كانت الزوجة مدخولا بها وخالعها زوجها ولزمتها العدة ثم تزوجها في عدتها ، انقطعت العدة.
وإذا طلقت الأمة ودخلت في العدة وباعها سيدها وهي معتدة ، كان البيع صحيحا. فان كان المشترى لها لم يعلم بذلك من حالها ، كان له الخيار ، لان ذلك نقص ، ويفوت الاستمتاع مدة العدة. فإن فسخ استرجع الثمن وردها على سيدها ، وان لم يفسخ لزمه البيع ولم يجز له وطؤها حتى تنقضي عدتها ، وإذا انقضت لم تحل له حتى يستبرأها. وكذلك الحكم إذا كان عالما بذلك من حالها. ولا يدخل الاستبراء في العدة لأنهما حقان مقصودان لآدميين.
وإذا نامت امرأة على فراش رجل فظن أنها أمته ووطأها ثم ظهر انها امرأة حرة أجنبية ، كان هذا الوطؤ وطأ شبهة ليس فيه حد ، ويلحق النسب ويكون الولد حرا ويثبت مهر المثل. وعلى هذه الحرة ان تعتد عدة الحرة.
وإذا وجد رجل امرأة على فراشه وظن انها زوجته ثم ظهر انها امة لغيره وكان قد وطأها ، لم يجب في ذلك حد ، فاما المهر فيجب مهر المثل ويلحق النسب ، لأنه وطؤ شبهة ويكون الولد حرا لاعتقاده حريته ، ويكون عليه قيمته لسيد الأمة ، وتعتبر القيمة بحال الوضع لأنها حال الإتلاف ، وعليها عدة أمة لأنها امة وجوب العدة.
ويجب الاستبراء للأمة المشتراة ، وكذلك المسبية ، وتستبرئ كل واحدة
ص: 333
منهما بقرء ، وكذلك المدبرة إذا مات سيدها فإنها تنعتق وتستبرئ بقرء (1) ، وكذلك أم الولد إذا مات عنها سيدها ، فإنها تعتد عنه عدة وفاة : أربعة أشهر وعشرا وان أعتقها في حياته اعتدت بثلاثة أقراء.
وإذا زوج أم الولد سيدها غيره حرم وطؤها على السيد. وإذا مات السيد وهي زوجة لم يجب عليها عنه استبراء ، وان لم يمت السيد أولا ومات الزوج ، كان عليها عدة وفاة مثل عدة الحرة : أربعة أشهر وعشرا. فان مات سيدها قبل انقضاء عدتها لم يجب عليها عنه عدة واستبراء ، وإذا انقضت عدتها عن الزوج قبل موت السيد ، عادت الى سيدها وليس عليه ان يستبرئها ، فان مات سيدها بعد انقضاء عدتها من الزوج ، لزمها الاستبراء عنه (2).
وإذا مات سيدها وزوجها ولم يعلم الميت منهما أولا ، اعتدت أربعة أشهر وعشرا لأنه ان كان سيدها مات أولا ، فليس عليها منه عدة لأنها تحت زوج فاذا مات زوجها بعد ذلك ، كان عليها ان تعتد منه عدة الحرة للوفاة (3) فإذا انقضت عدتها لم يكن عليها من السيد استبراء. هذا ان كان بين موتهما أقل من أربعة أشهر وعشر
ص: 334
فان كان بين موتهما أكثر من ذلك كان كما ذكرناه (1) وتعتد من وقت موت الثاني (2) عدة الحرة احتياطا كما قدمناه.
وإذا ملك أحد أمة بابتياع وكان البائع قد وطأها لم يجز للمشتري وطؤها إلا بعد ان يستبرئها ، وكذلك ان أراد المشتري تزويجها لم يجز له وطؤها (3) إلا بعد ان يستبرئها وكذلك ان أراد ان يعتقها ويتزوجها قبل الاستبراء لم يكن له ذلك وكذلك إذا اشتراها (4) ووطأها وأراد تزويجها قبل الاستبراء لم يجز له ذلك.
وإذا ملك رجل أمة بهبة أو ابتياع أو إرث أو من غنيمة لم يجز له وطؤها حتى يستبرئها ، كبيرة كانت أو صغيرة بكرا أو ثيبا ، تحبل أو لا تحبل الا ان تكون صغيرة لا تحيض مثلها أو كبيرة كذلك ، فإنه ليس على هاتين استبراء.
وإذا باع إنسان أمة لا مرية وقبضتها المرأة ثم إعادتها إليه بإقالة كان الأحوط له ان لا يطأها حتى يستبرئها ، وان لم تكن قبضتها لم يكن عليه استبراء.
وإذا اشترى رجل امة فاستبرأت قبل ان يقبضها بحيضة ، ثم قبضها بعد ذلك لم يعتد بذلك الاستبراء ، فان وصاله بجارية وقبل الوصية بها ، ملكها بنفس القبول ، فإن استبرأت قبل ان يقبضها لم يعتد بذلك الاستبراء. فان ورث امة واستبرأها قبل القبض جاز له ان يعتد بذلك الاستبراء ، لان الموروث في حكم المقبوض (5).
وإذا اشترى امة حاملا كان استبراؤها بوضع الحمل ، فان وضعت بعد لزوم
ص: 335
العقد وانقضاء الخيار ، وقع به الاستبراء (1).
وإذا عجزت المكاتبة وفسخ سيدها الكتابة ورجعت الى ملكه ، لم يحل له وطؤها حتى يستبرئها ، وكذلك إذا زوج أمته ثم طلقت (2) وكذلك إذا ارتد السيد أو الأمة فإنها تحرم عليه فاذا عاد المرتد إلى الإسلام لم تحل له حتى يستبرئها.
وإذا اشترى مجوسية فاستبرأت وأسلمت لم تعتد بذلك الاستبراء لأنه لم تقع به استباحة الوطأ (3) وكذلك ان اشترى مجوسية وكاتبها وأسلمت واستبرأت وهي مسلمة مكاتبة ثم عجزت نفسها ، لم تعتد بذلك الاستبراء لأنه لم تقع به استباحة الوطأ.
وكل جنس تعتد الحرة به فإن الأمة تعتد به الا أنهما تختلفان في مقداره ولا تتساويان في وضع الحمل (4) واما الأقراء فالحرة تعتد بثلاثة أقراء ، والأمة تعتد بقرئين ، والأمة المسبية والمشتراة بقرء (5) ، فاما المشهور فالمطلقة الحرة تعتد بثلاثة أشهر ، والأمة بخمسة وأربعين يوما ، واما المسبية والمشتراة فإنها تعتد بشهر. فان
ص: 336
انقطع دمها لعارض (1) استبرأت بخمسة وأربعين يوما.
ومن اشترى امة وادعى انها حامل وانه يستحق ردها فإنها تعرض على القوابل فان شهدن بأنها حامل كان له الرد ، فان صدق المشتري البائع في ان الحمل كان حاصلا في حال البيع كان له الرد على كل حال. فان اختلفا في ذلك ووضعت الحمل لأكثر من أقصى مدة من وقت العقد فيعلم انه من المشترى ويتحقق حدوثه بعد البيع فلا يملك به الرد ، وان أتت به لأقل من ستة أشهر من وقت البيع فيتحقق انه من البائع ويعلم انه كان في حال البيع فيكون له الرد. فإن أمكن ان تأتي به لأكثر من ستة أشهر دون أقصى مدة الحمل كان القول قول البائع مع يمينه لأن الأصل ان لا عيب.
وإذا باع رجل امة فظهر بها حمل فادعى البائع انه منه وانها أم ولده كان مضمون هذا الإقرار ، ان نسب الولد لا حق به وانها أم ولده وان البيع باطل ، فان صدقه المشترى في ذلك ثبت أنها أم ولده وانفسخ البيع ، وان كذبه فان لم يكن اقر فى حال البيع انه قد وطأها لم يقبل إقراره في هذه الحال ، لان الملك قد انتقل الى المبتاع في الظاهر فإقراره لا يقبل في ملك الغير. فإن أقر البائع في حال البيع انه وطأها فإذا أتت بالولد بعد الاستبراء لأقل من ستة أشهر فإن نسبه يلحق البائع بالإقرار المتقدم ويصير أم ولده وينفسخ البيع. فإن أتت به لأكثر من ستة أشهر من وقت الاستبراء لم يلحق البائع.
إذا خرج رجل الى بلد وعلم انه مقيم فيه وانه حي فالزوجية بينه وبين زوجته باقية ولا يجوز لها ان تتزوج حتى يحصل لها العلم اليقين ( اليقيني - خ ل )
ص: 337
بموته. فان فقد ولم يعلم خبره ولا هل هو حي أو ميت لم يزل ملكه عن ماله ، فاما زوجته فإنها ما دامت ساكنة فأمرها إليها. فإن رفعت أمرها إلى السلطان أجلها من يوم رفعت خبرها إليه إلى أربع سنين ويبعث في الافاق من يبحث عن خبره ، فان عرف له خبر كان عليها ان تصبر ابدا. وان لم يعرف له خبر وانقضت اربع سنين وكان لهذا الغائب ولي ينفق عليها ، كان عليها الصبر ابدا. وان لم يكن له ولى فرق الحاكم بينهما فاعتدت عدة الوفاة ، فإن قدم الغائب في زمان العدة كان أملك بها وان قدم بعد انقضاء العدة لم يكن له عليها سبيل. فان قدم الغائب بعد موتها وكانت قد خرجت من العدة أو تزوجت لم يرثها على حال.
إذا دخل رجل بزوجته وأتت بولد تام على فراشه لستة أشهر من اليوم الذي وطأها فيه ، كان عليه الإقرار به ولم يجز له إنكاره ولا نفيه عن نفسه. وان أتت به لأقل من ستة أشهر جاز له إنكاره (1) ونفيه عن نفسه ، فان نفاه عن نفسه ورافعته زوجته الى الحاكم ، كان عليه ملاعنتها (2) فإن أقر الرجل به ثم نفاه بعد ذلك عن نفسه لم يكن لهذا النفي تأثر وكان الولد لازما له ولا حقا به.
وإذا كان هذا الولد من زوجة متمتع بها كان عليه أيضا الإقرار به ولم يجز له نفيه وإذا كانت الزوجة غير مدخول بها ، وأو دخل بها الزوج وغاب عنها غيبة تزيد على مدة الحمل ، وجاءت بولد لم يكن والدا له وكان له نفيه عن نفسه. وان كانت له جارية لم يطأها ، أو كان قد وطأها ثم غاب عنها غيبة تزيد على مدة الحمل وجاءت بولد ،
ص: 338
لم يكن والدا له ووجب نفيه عن نفسه.
وإذا كان لرجل زوجة أو جارية وكان يطأهما ويعزل عنهما وجاءت واحدة منهما بولد ، وجب عليه الإقرار به ولم يجز له نفيه عن نفسه.
وإذا اشترك رجلان أو أكثر منهما في مملوكة ووطأها جميعهم في طهر واحد ثم جاءت بولد ، أقرع الحاكم بينهم فمن خرج اسمه كان الولد لاحقا به.
وإذا وطأ رجل مملوكة له وباعها من قبل ان يستبرئها ، ثم وطأها المشترى لها قبل ان يستبرئها أيضا ، وباعها هذا الثاني للآخر فوطأها أيضا قبل ان يستبرئها ثم جاءت بولد ، كان لاحقا بالذي عنده المملوكة.
وإذا طلق رجل زوجته ثم تزوجت (1) وجاءت بولد لأقل من ستة أشهر ، كان لاحقا بالزوج الأول. وان كان لستة أشهر كان لاحقا بالزوج الثاني.
وإذا باع رجل مملوكته ووطأها المشترى وجاءت بولد لأقل من ستة أشهر ، كان لاحقا بالمولى الأول. وان كان لستة أشهر كان لاحقا بالمولى الذي هي عنده.
وإذا وصل الخبر إلى المرية بطلاق زوجها لها أو بموته ثم اعتدت وتزوجت وجاءت بولد ثم جاء زوجها وأنكر الطلاق وعلم ان شهادة الذين شهدوا بطلاقه أو بموته كانت شهادة زور ، فرق بينها وبين الزوج الثاني ثم تعتد منه (2) وتعود إلى الأول بالعقد المتقدم دون عقد جديد ويكون الولد لاحقا بالزوج الذي جاء منه ، وفرق بين المرأة وبينه (3)
ص: 339
وإذا وطأ رجل امرأة فجورا فحملت منه ثم تزوجها ، لم يجز له إلحاق الولد بنفسه (1) وكذلك ان وطأ مملوكة لغيره فحملت منه ثم ابتاعها منه لم يجز له أيضا إلحاق الولد بنفسه.
وإذا وطأ رجل جاريته ووطأها بعده بلا فصل رجل آخر فجورا وجاءت بولد واشتبه الأمر عليه فيه كان لاحقا به. فان غلب على ظنه بشي ء من الأمارات انه ليس منه لم يجز له الحاقة بنفسه ولم يجز له أيضا بيعه. فان حضرته الوفاة ، وصى له بشي ء من ماله ولا يورثه ميراث الأولاد.
وإذا ابتاع رجل جارية حاملا ثم وطأها قبل ان يمضي لها أربعة أشهر وعشرة أيام ، لم يجز له بيع الولد لأنه غذاه بنطفته وعليه ان يدفع إليه شيئا من ماله ويعتقه. وان وطأها بعد مضى أربعة أشهر وعشرة أيام (2) وكان يعزل عنها فإنه يجوز له بيع الولد أيضا.
وإذا كان لرجل زوجة أو جارية يتهمها بفجور وجاءت بولد لم يجز له نفى الولد وكان عليه الإقرار وانما يجوز له مع العلم بأنه ليس منه. وإذا كانت له مملوكة لم يطأها وجاءت بولد ، كان له بيعه على كل حال.
واعلم ان أقل الحمل (3) أربعون يوما ، وهو مدة انعقاد النطفة وأقله بخروج
ص: 340
الولد حيا ستة أشهر كما قدمناه لأن النطفة تبقى في الرحم أربعين يوما ثم تصير علقة أربعين يوما ثم تصير مضغة أربعين يوما ، ثم تصير عظاما أربعين يوما ثم تكتسي لحما ويتصور وتلجها الزوج الى عشرين يوما ، فذلك ستة أشهر ، وأكثر الحمل تسعة أشهر ولا يكون حمل على التمام لأقل من ستة أشهر قال اللّه تعالى « حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ) (1) والفصال من الرضاع في أربعة وعشرين شهرا فيكون الحمل الباقي من ثلاثين شهرا وهو ستة أشهر ، ولا يكون مدة الحمل على ما ذكرناه أكثر من تسعة أشهر.
وإذا افتقر الحاكم في الحكم إلى القرعة فيمن تقدم ذكره من الولد الذي يحكم بين الرجلين فيه بذلك ، فينبغي ان يقصد الى سهم أو قرطاس فيكتب عليه ، اسم الرجل الواحد واسم الولد ، ويكتب على سهم أو قرطاس اسم الرجل الأخر واسم الولد ويخلط ذلك في سهام أو قرأ طيس متشابهة ثم يقول المقرع :
اللّهم أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، بين لنا أمر هذا المولود لنقضى فيه بحكمك.
ثم يخلط السهام بيده ويأخذ منها واحدا واحدا فمن خرج اسمه لحق به الولد.
لم تكن النفقة واجبة والمؤنة لازمة ما حذر من كثرتها.
وقال تعالى ( الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ ) (1).
وقال ( قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ ) (2) يريد النفقة.
وقال اللّه تعالى ( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (3) والمولود له هو الزوج ، فاذا كان في ذلك دليل على وجوب النفقة فوجب ان ينفق الزوج على زوجته وعلى ولده على ما تضمنته لآية.
واعلم : انه يجوز للرجل ان يتزوج من النساء أربعا ، ويستحب له الاقتصار على واحدة (4) ، وقد نقدم القول بان على الزوج ، النفقة على زوجته فاما ان يخدمها خادما وينفق عليه فالقول فيه انه ان كان مثلها مخدوما فعليه ذلك وعليه نفقة خادمها وان كانت ممن لا تخدم مثلها لم يجب عليه إخدامها. والمرجع فيمن يخدم ومن لا يخدم الى العرف والعادة ، فإن كانت من أهل بيت كبير ولها نسب وشرف ومال وثروة ومثلها لا تخدم منزله في طبخ ولا عجين ولا غسل ثياب ولا كنس المنزل وما أشبه ذلك ، كان عليه إخدامها.
ص: 342
وان كانت من إدناء ( افناء - خ ) الناس مثلا نساء الحمالين والأكارين ومن جرى مجراهم لم يجب عليه إخدامها. وإذا كان المرجع في ذلك الى العرف فإنما يرجع إليه في مثلها ولا يرجع الى ما ترتب به (1) نفسها ، فاذا كانت من ذوي الأقدار فتواضعت وانبسطت في الخدمة كان عليه إخدامها ، فان لم تكن كذلك وتعظمت وتكبرت وترفعت عن الخدمة لم تستحق الخدمة بذلك لان المرجع فيه الى قدرها لا الى الموجود منها في الحال. هذا إذا كانت صحيحة ، فإن مرضت واحتاجت الى من يخدمها لزمه إخدامها وان كان مثلها لا يخدم في حال الصحة ، لأن المعتبر في ذلك بالعرف ومن العرف ان تحتاج الى خادم كما ان العرف في الجليلة يقتضي أن تفتقر الى خادم ، فصارت في حال المرض مثل الجليلة في حال الصحة.
وإذا كان على الزوج كما قلناه ان يخدم زوجته فليس يجب عليه أكثر من خادم واحد ولو كانت أجل الناس ، لأن الذي عليه من الخدمة ، الكفاية ، والكفاية تحصل بواحدة
وان كان للزوجة رباع ومال وجهاز تحتاج فيه الى خدمة ومراعاة ، لم يلزم زوجها غير الخادم الواحد. وإذا كان ليس يلزمه الا الخادم الواحد فهو مخير بين ان يبتاع خادما ، أو يستأجره أو يكون لها خادم ينفق عليها بأمرها ، أو يخدمها بنفسه فيكفيها ما يكفى فيه الخادم ، لان الواجب عليه تحصيل الخدمة لها وليس لها ان ان تتخير عليه الوجوه التي يحصل منها ذلك.
فإن أرادت منه ان تخدم نفسها وتأخذ ما يأخذ الخادم من النفقة ، لم يكن لها ذلك لان الخدمة للدعة والترفه ، فاذا لم تختر ذلك وأراد الخدمة لم يلزمه دفع عوض إليها عن ذلك.
وإذا كاتب (2) إنسان عبده كان له ان يبتاع الرقيق لان له تنمية المال. فان
ص: 343
اشترى جارية لم يجز له وطؤها لأن في ذلك تعزيرا بمال سيده ، فان اذن له في ذلك كان جائزا فإن وطأها بإذن سيده أو بغير اذنه فليس فيه حد لان هناك شبهة ، والنسب لاحق لأنه وطؤ سقط فيه الحد عن الواطء فان الحق نسبه فإنه مملوك لأنه من بين مملوكين ، ويكون مملوكا لأبيه لأنه ولد مملوكته ولا يعتق عليه لأنه ناقص الملك ولا يجوز له بيعه لان الشرع منع من بيع الإباء والأولاد (1) ولا يملك عتقه لان فيه إتلاف مال سيده. وعليه النفقة على ولده. فاما نفقة ولده من زوجته فغير واجبة عليه سواء كانت حرة أو مملوكة أو أم ولد لغيره أو مكاتبة ، لأنها ان كانت حرة فلا نفقة عليه لأنها تجب باليسار وهو غير موسر لان ما في يده لسيده.
وان كانت مملوكة لم تجب عليه نفقة لأنه مملوك لسيد المملوكة ، وليس يجب عليه نفقة مملوك غيره ، ويفارق ولده من أمته لأنه مملوكه فلهذا أنفق عليه كسائر مماليكه. وان كانت أم ولد للغير فلا نفقة عليها (2) لما تقدم ذكره وان كانت مكاتبة للغير فكذلك.
فاذا كان لا نفقة عليه كما ذكرنا ، وقيل لنا : فعلى من تكون نفقته؟ قلنا : إذا كانت زوجته حرة كانت النفقة عليها ، لأنه إذا لم يكن الأب من أهل الإنفاق ، أنفقت الأم. وان كانت امة للغير ، كان على سيدها نفقة هذا الولد لأنه مملوكه وان كانت مكاتبة كان موقوفا مع امه يعتق بعضها (3) وعلى هذا نفقته على امه كما تنفق على نفسها مما في يدها
ص: 344
وان كانت زوجته مكاتبة لسيده فلا نفقة عليه (1) ، والنفقة على ما قدمناه تفصيله ، فإن أراد هذا المكاتب ان ينفق على ولده منها كان جائزا لأنه ليس في ذلك تغرير بمال السيد ، فان عجز (2) وعاد الى الرق فالنفقة كانت على مال سيده. فإن أدى وعتق فقد أنفق على مال سيده.
واما ولد العبد (3) من زوجته فالحكم فيه كالحكم في ولد المكاتب من زوجته لا يجب عليه (4) الإنفاق لما تقدم ذكره.
واعلم ان نفقات الزوجات تعتبر بحال الزوج ولا تعتبر بحال الزوجة ، وقد ذكر في ذلك انه ان كان موسرا ، كان عليه في كل يوم مدان ، وان كان متوسطا متجملا فمد ونصف ، وان كان معسرا فقدر المد. ويعتبر الغالب في قوت أهل البلد والغالب من قوته ، وليس عليه ان يدفع إليها إلا الحب ، فان طلبت منه غيره لم يلزمه لأنها تكون مطالبة بغير حقها وغير ما يجب لها عليه. فان أراد هو ان يدفع إليها غير ذلك لم يلزمها قبوله لأنه يكون دافعا إليها غير حقها وغير ما يجب لها. فان اصطلحا على أخذ البدل من ذلك ، دنانير أو دراهم كان ذلك جائزا.
فاما الخادمة فقد ذكرنا فيما تقدم ان نفقتها تجب عليه إذا كانت ممن يخدم مثلها ، فان كان موسرا كان عليه لها مد وثلث ، لأنه أقل من نفقة الموسر والمتوسط وارفع من نفقة المعسر ، وان كان معسرا الزم نفقة مد لأنه ليس يمكن أقل منه من حيث ان البدن لا يقوم بأقل منه. ومذهبنا يقتضي الرجوع الى اعتبار العادة في ذلك.
واما الأدم فعليه ان يدفع الى الزوجة مع الطعام أدما والمرجع في جنسه الى
ص: 345
غالب أدم البلد من زيت أو شيرج أو سمن. ومقداره يرجع الى العادة فما كان أدما للمد في العادة أوجب ذلك عليه ، ويفرض لخادمها الأدم أيضا ، ويفرض لها عليه اللحم في كل أسبوع دفعة واحدة. ويكون ذلك في يوم الجمعة لأنه عرف عام ، ويرجع الى العرف في مقداره وكذلك القول في الخادم.
ولا يجب لها عليه اجرة الحجام ، ولا فاصد ، ولا ثمن دواء. واما الدهن الذي تدهن شعرها به وترجله والمشط فإنه على الزوج لأنه من كمال النفقة.
ويجب عليه كسوتها. والمرجع في قدر ذلك (1) وجنسه الى عرف العادة واما العدد فللزوجة أربعة أشياء : قميص ومقنعة (2) وخف ، هذه كسوة الصيف. فاما في الشتاء فإنه يزيده جبة محشوة بالقطن ، وكذلك الخادم. وعليه أيضا لها الفراش والوسادة واللحاف وما ينام عليه بحسب العرف والعادة فيه.
وإذا دفع إليها الكسوة لمدة يلبس في مثلها ستة أشهر تقديرا فاخلقت وبليت فان لحقها ذلك في وقتها (3) كان عليه عوضها ، وان كان ذلك قبل وقتها لشهرين أو ثلاثة أشهر لم يلزمه العوض عنها. وان كان بعد وقتها كان عليها عوضها (4).
فأما البدوية فإنها في وجوب النفقة لها على زوجها تجري مجرى ما قدمناه في الحضرية ، وتفترقان في غير وجوب ذلك على الزوج ، وذلك ان قوت البادية بخلاف قوت الحاضرة لأنهم يقتاتون بالأقط والبلوط ، فعلى زوجها نفقتها من غالب قوت
ص: 346
البادية كما قدمناه في غالب قوت البلد.
وليس يجب على الزوج ان يضحى عنها ، ولا ان يؤدى عنها كفارة اليمين ، وعليه زكاة الفطرة عنها.
فاما السبب الذي تجب النفقة على الزوج عنده فهو التمكين المستحق إذا كانا كبيرين. والتمكين الناقص هو التخلية والتمكين الكامل هو تسليم نفسها اليه وتمكينه منها على الإطلاق ومن غير اعتراض عليه في موضع مسكنها ونقلها اليه ، فاذا حصل التمكين على ما ذكرناه وجب تسليم النفقة في كل يوم من أوله ، فإن توانى في ذلك حتى مضت مدة استقرت عليه النفقة. فان لم تسلم نفسها اليه ولا تمكنه التمكين الكامل مثل ان تقول له : أسلم نفسي إليك في بيت أبي أو بيتي أو بيت الفلاني أو المحلة الفلانية ، فلا نفقة لها لان التمكين الكامل ما وجد ، فان حصل التمكين الكامل وكان الزوج حاضرا كان عليه النفقة لأن سبب الاستحقاق لها قد حصل.
وان كان غائبا فحضرت عند الحاكم وأعلمته أنها مسلمة نفسها الى زوجها على الإطلاق لم يحكم لها بالنفقة حتى يكتب الى حاكم البلد الذي الزوج مقيم فيه ويعرفه ذلك من حالها ، ثم يحضره ذلك الحاكم ويعلمه بما ذكرته زوجته ، فان سار لوقته أو وكل من ينوب عنه في القبض والتسليم ، وحضر وقبض كان ذلك الوقت هو وقت ابتداء النفقة. وان لم يسر ولا وكل ضرب المدة التي لو سافر فيها يوصل إليها ثم يكون عليه نفقتها عند آخر هذه المدة ، لأن التمكين الكامل وجد منها وقدر على القبض فلم يفعل. وكذلك الحكم إذا كان الزوج كبير أو الزوجة مراهقة تصلح للوطء.
وإذا كان الزوج كبيرا والزوجة صغيرة لا يجامع مثلها فليس لها نفقة. وان كان الزوج صغيرا والزوجة كبيرة لم يكن لها أيضا النفقة. فإن كانا صغيرين فلا نفقة لها أيضا. وإذا مرضت الزوجة لم تسقط نفقتها لأجل مرضها ، لأنها من أهل الاستمتاع بها ، ولأنه يألفها ويسكن إليها وتفارق الصغيرة بهذين الوجهين.
وان كان بها عيب في الفرج يمنع من الوطأ ويوجب الرد ، فان اختار إمساكها
ص: 347
لزمته النفقة ، وله ان يستمتع بها فيما دون الفرج ، وان اختار ردها كان ذلك له.
وإذا أعسر الزوج ولا يقدر على النفقة على زوجته بوجه من الوجوه ، كان عليها الصبر الى ان يوسع اللّه عليه ولا يفسخ عليه الحاكم وان طالبته المرأة بذلك.
وإذا كان موسرا بالنفقة فمنعها مع القدرة ، ألزمه الحاكم لا إنفاق عليها. فان لم يفعل أجبره على ذلك فان ابى ذلك حبسه ابدا حتى ينفق عليها.
وإذا كانت الزوجة مطلقة طلاقا رجعيا كان لها النفقة لأنها في معنى الزوجات وان كان طلاقا بائنا لم تكن لها نفقة. فإن أبانها وكانت حاملا وجبت النفقة للحمل فلما وجب ذلك بوجوده وسقط بعدمه ، ثبت ان النفقة له ، (1) ولأنه إذا كان للحمل مال أنفق عليها فيه فدل ذلك على انه لا يجب لها ، فاذا لم تكن النفقة لها لأجل الحمل وكان للحمل على ما بيناه ، فعلى ذلك ينبغي ان يقال في الحر إذا تزوج بامة وأبانها وهي حامل ، فإن النفقة على سيد الأمة (2) فإن تزوج عبد بامة وأبانها وهي حامل كانت النفقة على سيد الولد دون والده ، لان العبد لا يجب عليه نفقة أقاربه (3)
فإن تزوج عبد بحرة فأبانها وهي حامل كانت النفقة على الزوجة ، لأنه ولد حرة وأبوه مملوك. وان كان النكاح فاسدا (4) وكان الزوج حرا كانت النفقة عليه لأنها
ص: 348
نفقة ولده ، ولا فرق في باب لحوق النسب وثبوته بين النكاح الصحيح والفاسد.
ويستحق الولد النفقة على والده إذا كان الولد على صفة ووالده على صفة (1) فاما صفة الولد الذي يستحق النفقة وصفة الوالد الذي يستحق عليه ذلك فهي ان يكون الولد معسرا ثم ناقص الخلقة أو ناقص الأحكام ، أو ناقص الخلقة والأحكام. فناقص الخلقة : الضرير والزمن ، وناقص الأحكام : الولد الصغير لأنه لا حكم لكلامه والقلم لا يجرى عليه ، واما ناقص الخلقة والأحكام : فالكبير الضرير المجنون فإنه ناقص الأمرين معا.
واما صفة والده الذي يستحق عليه النفقة فهو القادر على النفقة على ولده في الفاضل عن قوت يومه ، فاذا قدر على ذلك لمال في يده أو قدرة على كسب كان عليه الإنفاق. فإذا كان الأمر في الولد والوالد على ما ذكرناه.
فاما الترتيب في ذلك فجملته ان نفقة الولد على والده ان كان موسرا كما ذكرناه ، فان لم يكن له والد أو كان له والد الا انه معسر فعلى جده. فان لم يكن له جد ، أو كان له وكان معسرا فعلى والد الجد ثم على هذا الترتيب ابدا.
فان لم يكن له أب ولا جد أو كانا إلا أنهما معسران فنفقته على امه وكل جدة ، وان علت فهي كالأم إذا لم تكن دونها جدة أو كانت لكنها معسرة مثل ما ذكرناه في الأب هذا إذا لم يكن من شق الأم إلا هؤلاء ، فإن كان في شق الام غير هؤلاء وهو أب الأم وأم أب الأم ومن جرى هذا المجرى فهم من أهل الإنفاق في الجملة ، لأن النفقة تلزم بالقرابة على من يقع عليه اسم الأب حقيقة أو مجازا ، أو على من وقع عليه اسم الجد حقيقة أو مجازا.
وإذا كان له أب وأم فالنفقة على الأب دون الأم فإن كان له أم وجد أبو أب وان علا فالنفقة على الجد دون الأم. فإن اجتمع أبو أم وأم أم فهما سواء لتساويهما في الدرجة
ص: 349
أيضا (1).
فإما النفقة على الوالد فعلى الولد ان ينفق على والده في الجملة وعلى جده وان علا ، وينفق على امه وأمهاتها وان علون. والذي تجب النفقة عليه فإنها تجب في الفاضل عن قوت يومه وليلته. وصفة من تجب له فان يكون فقيرا ناقص الأحكام أو الخلقة أو هما ، وناقص الأحكام : المجنون ، والخلقة الزمانة ، وهما : ان يكون مجنونا زمنا ، فمن كان على هذه الصفة لزمت ولده النفقة عليه. وان كان كامل الخلقة والأحكام الا انه فقير فعلى ولده الإنفاق عليه ، وإذا كان الولد كامل الخلقة والأحكام وكان معسرا وجب نفقته عليه (2).
وإذا كان موسرا وكان أبواه معسرين ، فان كان معه ما ينفق عليهما فعليه ذلك وان لم يفضل عن كفايته الا نفقة أحدهما كان هذا الفاضل بينهما.
وإذا كان الابن موسرا وله أب وجد أبو الأب وهما معسران ، وابن وابن ابن معسران أيضا ، فإن فضل ما يكفى الكل أنفق عليهم ، وان فضل ما يكفى واحدا منهم
ص: 350
كان الابن اولى ، وكذلك الأب مع الجد (1) فان كان معسرا وله أب وابن موسران كان نفقته عليهما سواء تساويهما في القرابة والتعصيب (2) والرحم.
وان كان موسرا وله زوجة ومن ذوي الأرحام من تجب عليه نفقته. فان فضل ما يكفى الكل أنفق على الكل. وان فضل ما يكفي أحدهم كانت الزوجة أحق بها ، لان نفقتها على سبيل المعاوضة ونفقة ذوي الأرحام مواساة ، والمعاوضة أقوى لأنها تستحق مع إعسارها ويسارها ، والوالد إذا كان موسرا لا نفقة له ، وتستحق مع يسار الزوج وإعساره. والولد لا نفقة له على أب معسر.
وتستحق المطلقة المرضعة النفقة وهي الأجر على الرضاع لقوله تعالى :
( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (3).
فإن طلبت اجرة مثلها وليس هناك غيرها أو يوجد غيرها بهذه الأجرة فهي أحق ، وان طلبت أكثر من ذلك (4) والزوج يجد بأجرة المثل كان له نقله عنها لقوله تعالى :
( وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى ) (5) ولقوله تعالى.
( وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ ) (6)
ص: 351
واما نفقة المملوك فتجب على سيده وهو على ضربين : مكتسب ، وغير مكتسب فان كان غير مكتسب لصغر أو كبر أو زمانة أو مرض فان نفقته على سيده ، وان كان مكتسبا كان سيده مخيرا بين ان يجعلها في كسبه وبين ان ينفق عليه من عنده لان كسبه وماله له. فإن أنفق عليه من ماله كان جميع كسبه له ، وان جعل نفقته في كسبه وكان وفقا لنفقته لم يكن من سيده غير ذلك ، وان زاد كسبه على ذلك كان الفاضل لسيده. وان كان نقص من ذلك كان على سيده تمامه. والمراعى في مقدار نفقته ما يكفيه لقوته وغير ما (1) يكفيه بحسب العادة.
وإذا بانت المرأة من زوجها بطلاق أو خلع أو غير ذلك وله معها ( منها - خ ل ) ولد طفل لا يعقل ولا يميز ، كانت هي أولى بحضانته من أبيه. وان كان بالغا عاقلا كان مخيرا بين ان يكون مع أبيه أو امه. وان كان صغيرا وقد ميز ولم يبلغ وكان ذكرا كان (2) اولى به الى سبع سنين من عمره ، وان كان أنثى كانت الأم أولى بها الى تسع سنين ، وقيل الى بلوغها (3) ما لم تتزوج فان تزوجت كان الأب أحق
ص: 352
بولده ذكرا كان أو أنثى ، طفلا غير مميز ولا عاقل أو طفلا مميزا.
فان كان لم يبلغ سبع سنين أو أكثر منها فان تزوجت وكان لها أم ، كانت أمها أحق به ان لم يكن لها زوج وهو جد الطفل (1). وان كان غير جده كان الأب أحق له. فان كان لجد الطفل (2) كانت اولى به من الأب وكذلك الحكم فيما زاد على ما ذكرناه من الإباء والأمهات.
فان لم تكن أمهات الأم على ما ذكرناه كان الأب أحق به من كل أحد ثم أمهاته وآباؤه ، ويجرون في كونهم أحق به مجرى أحقهم بميراثه ، فمن كان منهم أحق بميراثه كان أحق بحضانته. وان كان من يستحق ميراثه أكثر من واحد ، وتنازعوا في حضانته ، أقرع بينهم فمن خرج اسمه كان اولى به. وكذلك القول في اخوته وأخواته إذا لم يكن أب ولا أم ولا أحد ممن تقدم ذكره.
وإذا كان له ولد من كافرة وهو مسلم كان المسلم أحق بولده على كل حال.
فإن أسلمت الكافرة كان كما لو كانت في الأصل مسلمة. وكذلك لو كانت مسلمة وزوجها كافر كانت أحق به من الكافر فلو أسلم الكافر كما كان لو كان في الأصل مسلما.
وإذا كان أحد أبوي الطفل مملوكا لم يكن له حق في الحضانة فإن أعتق ثبت حقه ، وتكون أمة أحق به الى سبع سنين من عمره ثم يكون أبوه أحق به من ذلك وان كان الولد أنثى كانت امه أحق بها الى ان تبلغ.
ص: 353
وإذا تزوجت الأم أو فسقت سقط حقها من الحضانة. فإن كان لها أم كانت أحق به على ما قدمناه.
وإذا ملك إنسان بهيمة كانت مما يؤكل لحمه أولا يؤكل ، طيرا كان أو غير ذلك ، مما يؤكل لحمه أيضا أولا يؤكل ، كان على مالكه النفقة عليه. وان كانت البهيمة في البلد كانت نفقته عليه بالقيام بها بالعلف وبما يصلح حالها ، وان كانت في البادية أطلقها للرعي ، فان لم يكن لها ما يرعاه فالعلف.
والمالك لما يؤكل لحمه من ذلك مخير فيه بين البيع والذبح والعلف.
وان كانت مما لا يؤكل لحمه كان مخيرا بين علفها وبين بيعها ولا يجوز له حبس شي ء من ذلك من غير ان يعلفه ولا يقوم به ولا يطلقه للرعي وما أشبه ذلك. فان فعل ذلك أجبره الحاكم على أحد ما ذكرنا انه مخير فيه.
ص: 354
قال اللّه تعالى « فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ. وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ. فَكُّ رَقَبَةٍ » (1) الاية.
وعن النبي - صلى اللّه عليه وآله - قال : من أعتق رقبة مؤمنة أو مسلمة في اللّه ، أعتق اللّه بكل عضو منها عضوا منه من النار.
وعن زين العابدين - عليه السلام قال ، ما من مؤمن يعتق نسمة مؤمنة ، إلا أعتق اللّه تعالى بكل عضو منها عضوا من النار حتى الفرج بالفرج.
وعن الصادق - عليه السلام - : اربع من أراد اللّه بواحدة منهن وجبت له الجنة ، من سقى هامة صادئة ( صادمة - خ ل ) ، أو أطعم كبدا جائعة ، أو كسا جلدا عاريا ، أو أعتق رقبة مؤمنة (2).
وإذا كان العتق لا يصح الا فيما يملك ، فينبغي ان يذكر ما يصح تملكه ، وما لا يصح
« باب ذكر من يصح تملكه ومن لا يصح ».
إذا كان الإنسان بالغا كامل العقل ، وأقر على نفسه بالعبودية ، كان رقا ، وكذلك
ص: 355
ان لم يكن بالغا فيثبت عليه بينة بذلك ، كان رقا كذلك ، وإذا ثبت رق من ذكرناه ، صح التصرف فيه بالعتق وغيره ، من هبة أو بيع أو ما أشبهه ، وذلك (1) مما يجوز في شرع الإسلام ، ومن لا يثبت عليه ما ذكرناه من الإقرار أو البينة فإنه لا يجوز استرقاقه. والكفار على ضربين :
أحدهما يسترق ، والأخر لا يسترق والذي يسترق هو جميع من خالف اليهود والنصارى والمجوس من الكفار ، وكل يهودي ونصراني ومجوسي امتنع من إعطاء الجزية. واما الذي لا يسترق منهم فهو كل من اعطى الجزية ، من يهودي أو نصراني أو مجوسي ، وهؤلاء إذا أعطوا الجزية لم يسترقوا وأقروا على أديانهم وأحكامهم ، وكل من عداهم من الكفار لا يجوز أخذ الجزية منهم كما قدمناه ، بل يعرض الإسلام عليهم فإن أسلموا والا قوتلوا وغنمت أموالهم ، وسبيت ذراريهم ، وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم مفصلا.
ويجوز استرقاق الكفار وان سباهم أهل الضلال والفسق.
ويجوز ان يبتاع الإنسان ما يسبيه بعض الكفار من بعض ، ما لم يكن المسبي مسلما ، وإذا كان للكافر أولاد وزوجة ، أو غير ذلك من أقاربه ، فأراد بيع شي ء منهم ، جاز ابتياعه منه واسترقاقه ، ويصح التصرف فيه بالبيع وما جرى مجراه من وجوه التصرف.
وإذا كان المملوك من أهل الإيمان ، فإنه يستحب لسيده عتقه ، وإذا بقي في ملكه سبع سنين فلا يسترقه أكثر من ذلك.
وإذا ملك إنسان أحد أبويه ، أو بعض من يحرم عليه نكاحه من أقاربه ، انعتق عليه في الحال الذي يملكه فيه ، ولا يثبت له استرقاق ، وكذلك ان ملك مثل المحرمات عليه من الرضاع ، فإنه ينعتق عليه أيضا في الحال.
ص: 356
ويجوز للإنسان أن يملك من عدا أبويه (1) من ذوي أرحامه ، والأفضل لمن ملك ذلك ان لا يسترقه بل يعتقه.
وإذا عمى المملوك ، أو أجذم ، أو أقعد أو مثل به سيده ، أو نكل به ، (2) انعتق في الحال ، وإذا كان العبد يباع في السوق المسلمين ، جاز ابتياعه ، وان ادعى الحرية ، لم يقبل قوله الا ببينة عادلة ، فإن ثبت له ذلك خلي سبيله ، فان لم يثبت ذلك فهو عبد يصح بيعه كما قد مناه.
صحة العتق تفتقر الى شروط :
وهي ان يكون المعتق كامل العقل ، وبنوى العتق ، ويقصد اليه دون غيره ، ويكون مالكا لما يعتقه ، ويتلفظ فيه بالحرية ، وهو ان يقول : « فلان عبدي ، أو فلانة أمتي ، أو يشير الى ذلك فيقول : أنت أو هذه حر أو حرة لوجه اللّه تعالى » ، ويكون متقربا بذلك اليه تعالى.
فإذا أعتق عبدا ، وهو غير كامل العقل ، أو لا يتلفظ باللفظ الذي قدمنا ذكره ، أو لا يتقرب بالعتق اليه تعالى ، لم يقع عتقه ، وكان باطلا.
ويستحب عتق من كان من أهل الحق ، ويجوز عتق المستضعف ، ويكره عتق من خالف الحق ، وإذا قال : « كل عبد أملكه في المستقبل فهو حر لم يقع العتق وان ملك في المستقبل عبدا أو عبيدا ، الا ان يكون نذر ذلك ، فيلزمه العتق لأجل النذر دون غيره.
وإذا أعتق مملوكا لغير اللّه ، أو لم يرد به وجه اللّه تعالى ، أو أعتقه وهو مكره ،
ص: 357
أو ناقص العقل ، أو سكران ، أو ساه ، أو غضبان ، أو حلف بالعتق ، لم يقع العتق.
وإذا كان المعتق أخرس فكتب العتق بيده ، أو أشار اليه ، وفهم من قصده ذلك ، كان عتقه ماضيا.
ومن أعتق مملوكا لا يقدر على الاكتساب ، أو يكون (1) فيه ما يغني نفسه ، كان جائزا ، الا أن الأفضل ان لا يعتق الا من يكون قادرا على اكتساب ما يحتاج اليه أو يغني نفسه ومن أعتق من هذه صفته ، أو كان صبيا ، أو عاجزا عن النهضة فيما يحتاج اليه ويقوم بأوده (2) ، فالأفضل أن يجعل له شيئا من ماله يستعين به على معيشته.
وإذا كان عبد بين شريكين ، وأعتق أحدهما نصيبه إضرارا بشريكه الأخر ، وكان موسرا كان عليه ان يبتاع ما بقي من العبد ، ويعتقه ، وان كان معسرا لا يملك الا ما أعتقه ، كان العتق باطلا ، وان لم يكن قصده بما أعتقه من نصيبه ، الإضرار بشريكه ، وانما قصد بذلك وجه اللّه ، لم يجب عليه ابتياع نصيب شريكه ولا عتقه ، بل يستحب له ذلك ، فان لم يفعله استسعى العبد في الباقي من ثمنه ، ولم يكن لصاحبه الذي يملك منه ، ولا عليه ضرر به (3) ، بل له ان يستسعيه في الباقي من ثمنه ، فان امتنع العبد من السعي في فك رقبته ، كان له من نفسه قدر ما أعتق ولمولاه الباقي.
ص: 358
وإذا كان لإنسان مملوك ، فأعتق منه بعضه ، نصفه أو ربعه أو أقل من ذلك أو أكثر ، انعتق جميعه عليه.
وإذا كان له مملوك فأعتقه وشرط عليه انه متى خالفه في فعل من الأفعال كان ردا في الرق ، أو كان عليه مال معلوم ، كان الشرط صحيحا ، وكذلك ان شرط عليه خدمته سنة أو أكثر من ذلك ، كان الشرط أيضا صحيحا ولزمه ذلك ، فان مات المعتق كانت خدمته لورثته ، وان أبق المملوك ولم تؤخذ ( ولم يوجد - خ ل ) حتى انقضت المدة المضروبة لخدمته ، لم يكن للوارث عليه سبيل.
وإذا كان له عبد فأعتقه وكان مع العبد مال ، وكان سيده عالما به كان ذلك المال للعبد المعتق دون سيده ، وان لم يكن السيد عالما به ، كان المال للسيد دون العبد
وإذا كان للعبد مال. وأراد سيده عتقه واستثنى المال ، جاز له ذلك الا انه لا يبتدئ بتحريره أولا بل يبتدئ فيقول : « مالك لي وأنت حر لوجه اللّه تعالى » فان بدأ بالحرية فقال : « أنت حر لوجه اللّه ولى مالك » مضى العتق ولم يكن لسيده سبيل على المال (1).
المملوك لا يملك من الأموال شيئا ما دام مملوكا ، فان ملكه سيده شيئا من ذلك ملك التصرف فيه ، وكذلك إذا جعل عليه ضريبة يؤديها اليه ، وما يبقى بعد ذلك يكون له فإنه إذا أدى الضريبة إلى سيده ، كان له التصرف فيه (2) ، وليس له ان يملك رقبة المال. فان تزوج أو تسرى أو ابتاع مملوكا من هذا المال وأعتق المملوك كان جميع ذلك جائزا ، الا ان هذا المملوك الذي يعتقه ، كان سائبة (3) لا ولاء
ص: 359
لأحد عليه ، ولا يجوز له ان يتوالى الى العبد الذي أعتقه ، لأن العبد لا يملك جريرة غيره فان توالى الى غيره كان جائزا.
وإذا كان لإنسان من العبد أكثر من ثلاثة ، فأعتق منهم ثلاثة ، وقيل له : « أعتقت مماليكك » فقال : « نعم » لم ينعتق منهم إلا الثلاثة الذين كان أعتقهم ، وان كان قد أجابهم بلفظ العموم بقوله « نعم » وكذلك لو أعتق أربعة أو خمسة أو أكثر من ذلك.
وإذا نذر عتق أول مملوك يملكه ، فملك جماعة من المماليك في حال واحدة أقرع بينهم ، فمن خرج اسمه انعتق (1) وإذا كانت له مملوكة فنذر انه ان وطأها كانت معتقة ، فوطأها قبل خروجها من ملكه ، انعتقت ، وان أخرجها من ملكه ثم اشتراها ووطأها بعد ذلك ، لم ينعتق بما كان نذره أولا.
وإذا نذر عتق مملوك معين ، كان عليه عتقه بعينه دون غيره ، فإن أعتق غيره ، لم يكن ذلك مجزيا له.
وإذا قال : « كل مملوك لي قديم فهو حر » ، انعتق من مماليكه كل من كان له في ملكه ستة أشهر.
وإذا زوج مملوكة له ، وشرط عتق أول ولده تلده فولدت توأما ، كانا جميعا معتقين (2)
ص: 360
وإذا ابتاع مملوكة ولم يسلم ثمنها إلى البائع ، ثم أعتقها وتزوجها ، ومات عنها ، ولم يترك موروثا من المال غيرها ، ردت في الرق لبائعها ، فإن كانت قد حملت ، كان الحمل رقا له ، وكان عتقه ونكاحه كلاهما باطلا. وان كان قد ترك موروثا يحيط بثمن رقبتها ، كان على الوارث دفع ثمنها إلى بائعها وكان عتقه ونكاحه صحيحين ، ولم يكن لأحد عليها سبيل ، فان كانت حاملا ، كان الحمل حرا لا سبيل لأحد عليه.
وإذا أعتق عبده عند موته ، وعليه دين ، وكان ثمن العبد ضعفي ما عليه من الدين ، كان عتقه ماضيا ، وإذا استسعى العبد في قضاء ما على سيده من الدين. وان كان ثمن العبد أقل من ضعفي الدين كان العتق باطلا.
وإذا كان له من المماليك جماعة ، فأعتق منهم الثلث ولم يعين ذلك ، استخرج بالقرعة ، فمن خرج اسمه كان حرا.
وإذا أعتق مملوكة له حاملا من غيره ، كان حملها معتقا ، فان استثناه من الحرية لم يثبت له رق مع مضى الحرية في امه.
وإذا مات وترك مملوكا ، وشهد بعض الوراث ان سيده الميت أعتقه ، نظر فان كان مرضيا وشهد معه غيره بما شهد به ، انعتق المملوك ، ولم يكن لأحد عليه سبيل ، وان لم يكن مرضيا ، مضى العتق في حصة منه ، واستسعى المملوك فيما بقي منه.
وإذا نذر عتق رقبة مؤمنة. ثم أراد عتق صبي غير بالغ ، كان ذلك جائزا.
وإذا أبق المملوك وأراد سيده عتقه في الكفارة ، كان جائزا إذا لم يعلم بموته.
وإذا مات العبد وعليه دين نظر فان كان سيده اذن له في الاستدانة ، كان عليه قضاءه ، وان لم يكن اذن له في ذلك ، لم يجب عليه القضاء.
ص: 361
وإذا أعتق عبده عن دين (1) وكان عليه عتق رقبة واجبة لم يكن مجزئا عنه.
وإذا بلغ الغلام عشر سنين ، جاز عتقه وصدقة إذا كان على وجه المعروف.
وإذا كان له مملوك ، وكان يقوم بأحواله ويحسن اليه ، فأراد البيع ، (2) كان سيده مخيرا في ذلك ، ولم يجب عليه بيعه.
وإذا اوصى بعتق رقبة غير معينة ، جاز له ان يعتق رقبة ، ذكرا كان أو أنثى.
وإذا كان عبد بين ثلاثة : لواحد منهم نصفه ، والأخر سدسه ، فأعتق صاحب النصف وصاحب السدس ملكيهما معا في وقت واحد ، اشتريا نصيب الثالث ، وكان عليهما قيمة الثلث بينهما ، (3) لقول النبي صلى اللّه عليه وآله - (4) من أعتق شركا له من عبد وكان له مال يبلغ ثمن العبد ، قوم العبد قيمة العدل ، فاعطى شركائه حصصهم ، وعتق العبد ، فعلق الضمان بأن أعتق شركا له من عبد ، وقد اشتركا (5) في هذا المعنى ، فكانا سواء في الضمان.
وقد ذكرنا فيما تقدم ان من ملك أحد أبويه أو من لا يجوز عليه نكاحه من أقاربه انعتق عليه في الحال ، ولم يلحق بذلك ما يتعلق به (6) ، لان ذلك الموضع اقتضى
ص: 362
إيراده على الجملة التي ذكرناها.
ونحن نذكر الان ما يتعلق بذلك ، ومن (1) إذا ملك مما ذكرناه وانعتق عليه فلا يخلو من ان يملك جميعه أو بعضه فاذا كان ملك جميعه ينعتق عليه وكذلك إذا ملك بعضه انعتق بعضه لأن الذي يقتضي عتق الجميع ، يقتضي عتق البعض ، فاذا ملك بعضه ، عتق عليه ذلك البعض ، فاذا صح عتقه نظر فان كان معسرا ، لم يقوم عليه نصيب شريكه ، وان كان موسرا وكان قد ملكه باختياره ، قوم عليه ذلك لأنه يملكه مع العلم بأنه يعتق عليه وان ملكه بغير اختياره مثل ان ورث ذلك البعض ، فإنه لا يقوم عليه الباقي ، لأن القدر الذي عتق عليه ، لم يقصد به إدخال الضرر على شريكه (2).
وإذا أعتق بعضه بغير قصد مالكه الى الضرر لم يقوم عليه كما لو اوصى بعتق نصف مملوك ، فإنه ينعتق بعضه بعد وفاته ، ولا يقوم على الوارث الباقي من الرق ، لأنه لا صنع له في عتق الذي انعتق منه.
وإذا اوصى لصبي أو مجنون لكل واحد منهما بمن يعتق عليه ، مثل ان اوصى لأحدهما بأحد آبائه ، وللآخر (3) بأحد أبنائه ، فهل يجب على وليه القبول لذلك أم لا يجب ذلك عليه ، فإنه ينظر فيه فان كان في الموضع الذي لا يقوم عليه ، (4)
ص: 363
قبل الولي له ذلك ، وان كان في الموضع الذي يقوم عليه ، لم يقبل ذلك له.
انما يثبت الولاء لسبب ، والسبب ضربان :
أحدهما : العتق ، والأخر : تضمن الجريرة :
فأما ما سببه العتق فهو ولاء كل من أعتق تطوعا لوجه اللّه فمن أعتق لذلك ، كان ولاءه لمن أعتقه وجريرته عليه ، فان كان سيده في حال عتقه قد تبرأ من جريرته ، واشهد على ذلك شاهدين ، وجعلها سائبة ، فإنه لا يكون ولاءه له ، ولا ضمان جريرته عليه.
وولاء أولاد المعتق (1) وان سفلوا لمن أعتق آبائهم إذا كانوا أحرارا في الأصل فإن كانوا معتقين (2) ، كان ولاءهم لمن أعتقهم دون الذي أعتق آبائهم.
وإذا مات المعتق (3) ورث ولاء مواليه أولاده الذكور دون الإناث ، فان لم يكن له أولاد ذكور ، وكان له بنات ، كان ولاء مواليه لعصبته دون غيرهم ، لأنهم هم الضامنون لجريرته.
وإذا كان المعتق امرأة (4) ، ولها موال وعصبة وأولاد ذكور وإناث. كان ولاء مواليها لعصبتها دون أولادها ، وإذا كان للمعتق أخ لأبيه ، أو لأبيه وامه وعصبة ، كان ميراثه لأخيه ، وكذلك ان كان له أبوان ، فإن ولاء مواليه لأبويه دون عصبته ،
ص: 364
لأن العصبة انما يأخذ الميراث إذا لم يكن غيرهم ، أو يكون الذي خلفهم الميت إناثا (1).
واما ما سببه تضمن الجريرة : فهو ولاء كل معتق كان سائبة ، وتوالى الى غيره تضمن جريرته ، والمعتق انما يكون سائبة بأن يعتق في شي ء من الكفارات الواجبة ، أو يتبرأ معتقه من جريرته ، فاذا كان كذلك ، كان سائبة لا ولاء لأحد عليه ، الا ان يتوالى هو الى من يضمن جريرته ، فيكون ولاءه له. فان لم يتوال الى إنسان حتى مات ، وخلف موروثا ، كان لبيت المال ، ولا يصح هبة الولاء على وجه من الوجوه ، وكذلك بيعه لا يصح على حال من الأحوال. (2)
الشروط التي يصح التدبير معها هي شروط العتق ، وقد تقدم ذكرها. واما صفته فهو ان يقول الإنسان لمملوكه : « أنت رق في حياتي وحر لوجه اللّه بعد وفاتي » فإذا قال كذلك ، صح التدبير ، سواء كان هذا القول في صحة أو مرض. وكذلك ، صح التدبير ، سواء كان هذا القول في صحة أو مرض.
وكذلك لو قال : « أنت حر لوجه اللّه إذا مت ، أو ان مت ، أو ان حدث بي حدث
ص: 365
الموت ، أو أنت محرر أو أنت عتيق بعد موتي ، أو أنت مدبر » ويريد بذلك عتقه بعد موته ، أو ما أشبه ذلك من الألفاظ ، كان جاريا مجرى الأول.
وإذا دبر مملوكه على ما ذكرناه فهو مملوك ما دام السيد حيا ، وللسيد الرجوع في تدبيره وبيعه وهبته وغير ذلك ، أو يجعله صداقا ، والتدبير جار مجرى الوصية ، فإن بدا له تغييرها ( فان بدلها بغيرها - خ ل ) قبل موته ، بطل منها ما رجع فيه ، وان تركها حتى مات ، كانت ماضية من الثلث ، فان مات السيد ولم يرجع عن التدبير ، كان من الثلث ، فان زاد عليه ، استسعى المدبر في ما يبقى ، فان نقص عن ذلك كان معتقا.
ويستحب لمن دبر مملوكه ان يشهد على تدبيره له ، وكذلك ان رجع في تدبيره ، وليس ذلك بواجب عليه ، ويجوز لسيد المدبر ان يبيع خدمته ، وإذا ثبت (1) على تدبيره ولم يرجع عنه ، فيشترى المشترى كذلك ، فيخدمه أيام حياته الذي دبره : فاذا مات ، عتق من الثلث.
وإذا كان له جارية مدبرة ، جاز له وطؤها ، وولد المدبرة الذي تأتي به (2)
ص: 366
في حال كونها مدبرة ، كهيئتها ، ويجرون مجراها يعتقون بعتقها ، ويكونون رقا برقها ما تمادى السيد في التدبير ، وله ان يرجع عن تدبيرها دونهم ، ولا يجوز له نقض تدبير الأولاد ، وانما له نقض تدبير الام دونهم.
وإذا اشترى المدبر جارية بإذن سيده فولدت منه أولادا ، ثم مات المدبر قبل سيده ، كان ما خلفه من مال ومتاع وأم ولده لسيده ، فاذا مات السيد انعتق الأولاد بعد ذلك.
وإذا دبر ما في بطن أمته دون الام ثم مات ، كان الولد مدبرا إذا وضعته قبل ان يمضي ستة أشهر من وقت التدبير ، فاذا وضعته بعد ان يمضي ستة أشهر ، (1) لم يجبر الورثة على عتقه ، ويستحب لهم ان لا يبطلوا العتق عما وضعته الأمة ، إلا إذا جاوز تسعة أشهر.
وإذا باع السيد أمته التي دبرها (2) في بطنها من غير ان يستثني ولدها ، كان بيعه لها رجوعا عن تدبير ما في بطنها.
وإذا دبر أمته وهو لا يعلم انها حامل ، ولم يذكر في تدبيره ما في بطنها كان التدبير لهما ، (3) وكذلك : ان حدث الحمل بعد التدبير ، كانا جميعا مدبرين ويعتقان معا من الثلث فان كان قيمتهما أكثر من الثلث ولم يجز الورثة ذلك سعيا في الزيادة.
ص: 367
ويجوز له تدبير حصته من مملوكه (1) فان مات الذي دبر حصته في مملوك كان بمنزلة الذي يعتق الحصة في العبد (2).
وإذا قال لمملوكه أنت حر ان حدث بي موت في مرضى هذا أو في سفري هذا ، لم يكن ذلك تدبيرا إذا صح أو قدم؟! وكذلك : ان قال له أنت حر بعد موت زيد ، فان مات السيد قبل موت زيد ، كان للوارث بيع المملوك.
وإذا قال كل مملوك لي حر بعد وفاتي كان جميع ما في ملكه في حال هذا القول منه مدبرا ، وما يملكه بعد ذلك لا يدخل في التدبير.
وإذا قال له أنت حر إذا جاءت سنة كذا أو شهر كذا أو يوم كذا ، فحضر الوقت الذي ذكره وهو في ملكه ، كان حرا وله ان يرجع في ذلك كله بان يخرجه من ملكه ببيع أو هبة أو غير ذلك كما له الرجوع في تدبيره.
وإذا قال له متى ما قدم زيد فأنت حر ، ومتى ما صح عمرو من مرضه فأنت حر كان له بيعه قبل قدوم زيد أو ان يبرء عمرو ، فان قدم هذا أو برأ هذا من مرضه وهو في ملكه عتق عليه.
وإذا قال كل عبد لي حر بعد وفاتي وكان له شقص في عبد لم يدخل الشقص في التدبير الا ان يكون إرادة فان اراده دخل في ذلك ، وان قال العبد المدبر لسيده عجل لي العتق ولك الف درهم فقال نعم وأعتقه ، كان ذلك عتقا على مال وهو حر وعليه الالف وبطل التدبير.
وإذا كان على سيد المدبر دين ، يحيط بجميع ماله جاز بيع المدبر في ذلك الا انه لا يباع فيه الا بعد ان لا يوجد له قضاء الا ببيعه؟! أو يقول السيد أبطلت التدبير.
وإذا ارتد المدبر ولحق بدار الحرب ثم عاد الى سيده بالملك الأول فتاب
ص: 368
كان تدبيره ثابتا (1) ، ولو أخذ أسيرا فأخذه سيده قبل القسم أو بعده كان على تدبيره؟! فان ارتد سيده ولحق بدار الحرب وعاد تائبا قبل ان يحكم الحاكم بقسمة ماله كان على تدبيره ، لان ذلك جار مجرى موته (2).
وإذا دبر أمته ووطأها وولدت ، كانت أم ولد وتنعتق بموته.
وإذا قال لعبده المدبر إذا أديت الى ألف درهم الى سنة ، فأنت حر لم يبطل التدبير بذلك؟! فإن أدى المال في الأجل عتق ، وان مات السيد قبل ان يؤديه عتق بالتدبير.
وإذا دبر عبده ثم خرس فلم يتكلم حتى مات كان على تدبيره فإن أشار بإشارة يفهم منها رجوعه عن تدبيره (3) في حال الغلبة على عقله لم يصح رجوعه؟! وكان المملوك باقيا على تدبيره.
وإذا دبره وهو مغلوب على عقله ، ثم تاب ( آب - خ ل ) اليه عقله ، ولم يجدد له تدبيرا كان تدبيره باطلا.
وإذا أثبت المملوك على سيده شاهدين بأنه دبره ، والسيد ينكر ذلك ، قيل له ان أردت فارجع عن تدبيره (4) ، كان عليهم البينة بما ادعوه! ولا يجوز في ذلك
ص: 369
شاهد واحد ، ويمين المدعى للوارث (1) ولا للملوك؟! فإن أنكر الورثة التدبير ولم يكن للمملوك بينة حلف الورثة ما علموا (2) أن أباهم دبره فاذا حلفوا كان رقيقا؟فان نكلوا عن اليمين عتق من الثلث ولهم استحلافه إن أرادوا منه ذلك ، فان حلف بعض الورثة ونكل بعض عتق منه نصيب من نكل عن اليمين ولم يعتق نصيب من حلف.
وإذا كاتب السيد مدبره لم يبطل التدبير بالمكاتبة فإن أدى الكتابة قبل موت سيده عتق وبطل التدبير ، وان مات سيده قبل وكان يخرج من الثلث عتق وبطلت منه السعاية؟! وان لم يخرج من الثلث عتق منه ما خرج منه ويبطل عنه من مال الكتابة بقدر ما عتق منه ويسعى ما بقي؟! وان مات السيد وليس له من المال غيره ولم يكن ادى من الكتابة شيئا عتق منه الثلث وسعى في ثلثي القيمة ان شاء أو ثلثي الكتابة.
وإذا دبر مكاتبه كان المكاتب مخيرا بين نقض الكتابة ويبقى مدبرا وبين المضي على الكتابة؟! فان مات وليس له مال غيره ، سعى في الأقل من ثلثي المكاتبة ( القيمة والكتابة - خ ل ).
وإذا كان له عبدان فكاتبهما مكاتبة واحدة على الف درهم وكل واحد منهما كفيل عن صاحبه ثم دبر أحدهما ومات السيد عتق المدبر ورفعت حصته من المكاتبة وأخذ الوارث بحصة الأخر أيهما شاءوا فإن أخذ بها المدبر رجع بها على صاحبه.
وإذا كان العبد بين اثنين فدبر أحدهما نصيبه كان نصيبه مدبرا وليس عليه
ص: 370
لشريكه قيمة فان مات فعتق نصف العبد كانت بقية القيمة من الثلث ، فان لم يكن في الثلث فضل كان مخيرا بين ان يعتق وبين ان يستسعى (1).
وليس للمدبر ولا لام الولد مال وما يكون معهم من ذلك فهو لساداتهم حتى يعتقوا.
وإذا دبر ذمي مملوكه فأسلم المملوك قيل له ان أردت الرجوع في التدبير بعناه عليك وان لم ترده حيل بينك وبينه وادى خراجه إليك حتى تموت فيعتق أو تستسعيه ان اتفق معك على ذلك أو ترجع فنبيعه (2).
والحربي إذا دخل دار الإسلام بأمان فدبر عبدا له كان جائزا؟! فإن أراد الرجوع الى دار الحرب لم يمتنعا ( لم يمنعا - خ ل ) من ذلك؟! فإن أسلم المدبر قيل للحربي إن رجعت في التدبير بيع عليك ولم يمنع من ذلك وان لم ترجع خارجناه لك (3) ومنعناك خدمته فإن أردت العودة الى بلدك وكلت بخراجه إن شئت من يقبضه فاذا مت كان حرا وان اتفقت معه على السعاية سعى لك في قيمته ، فان كان التدبير حصل في دار الحرب وخرج مستأمنا والعبد معه فأسلم العبد بيع عليه على كل حال.
وإذا دبر المرتد مملوكه وتاب قبل ان يحكم الحاكم في ماله جاز تدبيره ،
ص: 371
وان لحق بدار الحرب أو قتل أو قسم ماله كان تدبيره باطلا.
وإذا مات سيد المدبر وفي يده مال افاده قبل موت سيده كان ميراثا لورثة سيده ، فان قال أفدته بعد موت سيدي كان القول قوله مع يمينه وعلى الوارث البينة بأنه أفاد ذلك المال قبل موت سيده ، فان قامت البينة على المال أو بعضه أخذ واما ما قامت البينة عليه (1) ، فان قال المدبر كان في يدي في حياة سيدي لغيري وانما ملكته بعد وفاة سيدي ، كان القول قوله مع يمينه الا ان تثبت البينة بأنه كان في يده في حياة سيده يملك سيده.
وإذا كان المملوك بين شريكين فيه قد أعتق أحدهما نصيبه ودبر الأخر بعده نصيبه ، فان كان المعتق موسرا ضمن الذي (2) دبر قيمة حصته ، والعبد حر وولاؤه له ، وان كان معسرا كان الذي دبر نصيبه مخيرا بين ان يعتق أو يستسعى العبد في قيمة حصتة
وإذا مات السيد وخلف امة مدبرة ومعها ولد (3) ، فقال الوارث ولدته قبل التدبير وقالت هي ولدته بعد التدبير فالقول قول الوارث لأنها تدعي إخراج شي ء من ملكهم ، فإن أقامت المدبرة البينة ، بأن الولد ولدته بعد التدبير كان حرا.
وإذا دبر إنسان في حال صحته رقيقا بعضهم قبل بعض وفي مرضه آخرين كذلك واوصى بعتق آخرين بأعيانهم ، ابتدأ بالوصية الاولى (4) الى ان يستغرق الثلث ، فان اشتبه عليه الأمر في ذلك استعمل القرعة.
وإذا دبر امة فولدت أولادا بعد التدبير ثم مات فعجز الثلث عن قيمتهم عتق
ص: 372
من كل واحد ما يحتمله الثلث من جميعهم ، ويستسعى في قسطه من الزيادة لأنهم كلهم بمنزلة عتقه واحدا من جملة الثلث ولا يجرون مجرى الذين ذكروا في باب القرعة (1)
وإذا دبر ما في بطن جاريته من الحمل كان جائزا؟! فإذا كانت الأمة بين شريكين فدبر أحدهما ما في بطنها فان ولدته لأكثر من ستة أشهر لم يحكم بتدبيره؟! وان ولدته لأقل من ستة أشهر حكم بذلك.
وإذا قال أحدهما ما في بطنك حر بعد وفاتي وقال الأخر للأمة أنت حرة بعد وفاتي فولدت لأقل من ستة أشهر ، كان الولد مدبرا بينهما وحصة الذي دبر الام مدبرة مع الام والولد؟! فان ثبت على ذلك ومات رجع شريكه بقيمة نصف الأم في ثلثه ان كان فيه فضل أو ما كان فيه واستسعى الأم في باقي نصف قيمتها؟! فان ماتا جميعا ثابتين على تدبيرهما لم يكن لأحد من الورثتين رجوع على الآخرين في نصف قيمة الام (2) ان كان في ثلثه فضل لذلك ولا استسعوا الأم في نصف قيمتها.
ولا يجوز عتق المدبر في شي ء من الكفارات الواجب فيها العتق الا بعد ان ينقض تدبيره وإذا أبق المدبر بطل تدبيره؟! فان رزق ولدا في حال إباقه أو مالا ثم مات سيده كان جميع ما خلفه من مال وولد لوارث المدبر له وإذا حصل للمدبر مال كان ذلك لسيده يفعل فيه ما شاء فان باعه كان له أخذ ما معه من ذلك.
وإذا جعل السيد خدمة عبده لغيره وشرط انه إذا مات المستخدم له كان حرا كان جائزا؟! فان مات المستخدم له كان حرا؟! فإن أبق هذا المملوك ولم يعد الا بعد موت من جعلت خدمته له ، لم يكن لأحد عليه سبيل؟ فان جعل سيده خدمته لنفسه مدة
ص: 373
من الزمان ثم يكون حرا بعد ذلك كان جائزا ، فإن أبق المملوك قبل انقضاء العدة انتقض التدبير (1) فان وجده ذلك كان مملوكا له يفعل به ما يشاء.
إذا جنى المدبر كان كالعبد ان شاء سيده تطوع عنه بإخراج أرش الجناية فإن فعل بعد (2) ذلك لم ينقض التدبير فان لم يفعل كان عليه تسليمه وذلك رجوع عن تدبيره. فان كانت الجناية تستغرق رقبته بيع فيها ويدفع الى المجني عليه أرش جنايته ، فان نقص ثمنه عن الجناية لم يلزم سيده إتمام ذلك؟! فان كانت الجناية قليلة وثمن المدبر كثيرا قيل لسيده ان أردت أن تباع جميعه فيدفع الى المجني عليه أرش الجناية ويدفع إليك الباقي من الثمن فعلنا ، لأنه قد كان له بيعه من غير جناية منه ، وان أردت افتديته بما وجب في عتقه (3) من الجناية ، وان أردت بيع منه بقدر أرش الجناية وكان ما بقي مدبرا بمنزلة العبد ما دام سيده حيا.
وإذا جنى على المدبر بتلفه أو بتلف بعضه فأخذ سيده قيمته أو أرش ما أصيب منه ، كان مالا من ماله ان اختار جعله في مثله ، وان اختار فعل فيه ما شاء فان كان الذي جنى عليه عبدا يسلم اليه والمدبر حي فهو على تدبيره ، والقول في العبد المسلم في جرح المدبر الى سيد المدبر كالقول فيما أخذ من أرش الجناية عليه من عين أو ورق فان شاء جعله مدبرا معه ، وان شاء باعه أو فعل به ما أراد.
وإذا جنى المدبر أو الجارية المدبرة جنايات يبلغ أرشها مأة من الإبل ، ولم
ص: 374
يكن قيمة الجاني خمسا من الإبل ، وللمدبر مال وولد فما له لسيده وليس للمجنى عليه فيه حق.
وإذا ضرب إنسان بطن امرأة مدبرة فألقت جنينها ميتا وماتت؟! كان في الجنين عشر قيمة امه يوم جنى عليها وفي الأم قيمتها وكان جميع ذلك للسيد يفعل فيه ما أراد؟فإن ألقت جنينا حيا ثم ماتت ومات كان فيها قيمتها وفي الجنين قيمته لأنه إذا كان حيا فحكمه حكم نفسه ، وإذا كان ميتا فحكمه حكم امه.
المكاتبة جائزة في شرع الإسلام؟ بدليل قوله تعالى ( فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً ) (1) وعن النبي صلى اللّه عليه وآله انه قال : « من أعان غارما أو غازيا أو مكاتبا في كتابته اظله اللّه يوم لا ظل الأظلة » (2) فإذا كانت المكاتبة جائزة كما ذكرناه فكاتب إنسان مملوكه ذكرا كان أو أنثى على مبلغ معين من المال يؤديه إليه في نجوم معلومة كان جائزا؟ وهي ضربان أحدهما : مطلق والأخر : مشروط ، فاما المطلق : فهو ان يكاتب عبده أو أمته على مال معين في نجوم معلومة ولا يشرط عليه انه متى عجز كان ردا في الرق والمشروط ، هو ان يشرط على عبده أو أمته في حال المكاتبة انه ان عجز عن أداء ذلك كان ردا في الرق؟ وله جميع ما أخذ منه.
فاذا كاتب إنسان مملوكه مكاتبة مطلقة على ما بيناه ، وادى شيئا من مكاتبته ، انعتق منه بحساب ذلك ، ولم يكن لسيده عليه ، سبيل ، فان مات المكاتب وترك مالا وولدا ورث سيده منه بمقدار ما بقي له من العبودية ، وكان الباقي لولده إذا كانوا أحرارا؟ فإن كان المكاتب قد رزق ولدا بعد المكاتبة من مملوكة له كان حكم ولده كحكمه
ص: 375
في انه يسترق مولى أبيه منه بقدر ما بقي على الأب ، فإن أدى الابن ما كان بقي على أبيه صار حرا ولم يكن لسيده عليه سبيل فان لم يكن له مال استسعاه سيد أبيه مما بقي على الأب فإذا أدى ذلك صار حرا وإذا أدى هذا المكاتب بعض مكاتبته كان ممن يرث ويورث بحساب ما عتق منه ، ويمنع الميراث بقدر ما بقي من الرق وكذلك : إذا اوصى له كانت الوصية ماضية بقدر ما تحرر منه ويمنع بقدر ما بقي من رقه.
وإذا كان المكاتب عليه مشروطا على ما تقدم ذكره وعجز عن أداء ثمنه؟ وحد عجزه أن يؤخر نجما الى نجم أو يعلم من حاله انه لا يقدر على فك رقبته ، كان ردا في الرق ، وان كان قد أدى شيئا من مكاتبته كان لسيده.
ويستحب لسيده إذا عجز بتأخيره نجما الى نجم ( أو يعلم من حاله انه لا يقدر على فك رقبته ) (1) ان لا يرده الى الرق بل يصبر حتى يوفيه.
وإذا مات هذا المكاتب وخلف مالا وولدا؟ كان ما خلفه لسيده وكان ولده مملوكا له ، ( لسيده - خ ل ) وليس يجوز لهذا المكاتب التصرف في نفسه بتزويج ولا هبة مال ولا بعتق ما دام يبقى عليه شي ء من مكاتبته؟ وانما يجوز له التصرف في ماله بالبيع والشراء إذا اذن له سيده في ذلك.
وإذا كان مأذونا له في الاستدانة وحصل عليه دين كان على سيده ضمان ذلك؟
وإذا كان المكاتب مملوكة وكانت قد أدت من مكاتبتها شيئا حرم على مولاها وطؤها بملك اليمين ، لان بعضها قد تحرر ، ولا يجوز له العقد عليها لان بعضها ملك له ، فإن وطأها بعد ان أدت من مكاتبتها شيئا أقيم الحد عليه بقدر ما عتق منها ودرأ عنه بحساب ما بقي ويجب عليها مثل ذلك ان كانت طاوعته في ذلك ، فإن أكرهها على ذلك لم يكن عليها شي ء.
ص: 376
فاذا فعل المكاتب (1) ما يجب عليه الحد به ، أقيم ذلك عليه بقدر ما انعتق منه حد الحرية وبقدر ما بقي منه رقا حد العبودية؟ وكل شرط يشرطه سيد المكاتب عليه فإنه يكون صحيحا ، الا ان يكون شرطا يخالف الكتاب والسنة ، فإنه يكون باطلا ، كما ان جميع ما يشرطه عليه إذا أعتقه؟ فإذا شرط ان ولائه له كان له ذلك دون غيره من سائر الناس.
وإذا أحضر المكاتب الى مولاه جميع ما كاتبه وقال له خذ منى جميع ذلك في دفعة واحدة كان مخيرا ان شاء أخذه وان شاء تركه؟ وإذا لم يكن المكاتب مشروطا عليه ثم عجز عن الوفاء كان على الامام عليه السلام ان يفك رقبته من سهم الرقاب.
وإذا كان المكاتب امة وتزوجت بغير اذن سيدها ، كان نكاحها باطلا ، وان كان باذنه وكانت قد أدت من مكاتبتها شيئا وجاءت بولد كان حكم ولدها كحكمها يعتق منه بحساب ما عتق منها ، ويسترق منه بحساب ما بقي من مكاتبتها إذا كان تزويجها بمملوك ، وإذا كان بحر كان ولدها حرا.
ويستحب للإنسان أن يكاتب مملوكه إذا علم ان له قدرة على أداء ثمنه ، اما من صناعة في يده أو غير ذلك؟ فان طلب المملوك المكاتبة ، (2) يستحب لسيده أيضا ان يعينه على فك رقبته بشي ء من ماله من سهم الرقاب.
وإذا كاتب عبده فيستحب له ان لا يزيد في مكاتبته على القدر الذي هو ثمن له ، ومهما فعله معه من المعونة على فك رقبته كان له فيه ثواب جزيل (3).
ص: 377
وإذا تزوج وكاتب (1) بمعتقه لقوم وأولدها كان الولد تبعا لامه وعليه الولاء لمولى امه؟ لان عليها الولاء فإن أدى المكاتب وعتق ، جر الولاء الذي على ولده لمولى امه ، الى مولى نفسه ، وان عجز ورق استقر لمولى امه.
فان مات المكاتب واختلف سيده وسيد الام فقال : سيد المكاتب قد ادى وعتق وجر الولاء الذي على ولده وقال سيد الام : بل مات عبدا فلم يجر شيئا كان القول قول سيد الام والأصل بقاء الولاء ، والأصل بقاء المكاتبة والأصل انه لا عتق في المكاتب فلهذا كان القول قول سيد الأم فاما قبل وفاة المكاتب فان اعترف السيد بعتق المكاتب والأداء فيجر الولاء ويزول الاختلاف. وإذا كان لإنسان مكاتبان كاتبهما بعقد واحد أو بعقدين كل واحد منهما على الف ، فأدى أحدهما ألفا وعتق ثم أشكل عليه عتق المؤدى (2) منهما لزمه ان يكرر ألفا (3) لعله يذكر ذلك طول حياته وليس له فرض القبض في أحدهما بل عليه التذكر فقط؟ فان قال قد ذكرت ان هذا هو المؤدى منهما ، حكم بعتقه وبقي الأخر على الكتابة ، فان صدقه الأخر صح ذلك وان ادعى عليه انه هو الذي ادى اليه كان القول قول السيد ، لأن الأصل ان لا قبض (4) وعليه اليمين لأنه يمكن صدق المدعى فيما يدعيه ويمينه على الثبات (5) لأنها على فعل نفسه وان كانت على النفي فإنه لم يبين (6) حتى مات قبل الثبات ، أقرع بينهما.
وان كاتب السيد عبده على مال ، ثم ان السيد باع المال الذي في ذمة
ص: 378
المكاتب لم يصح البيع ، لأن النهي ورد عن بيع ما لم يقبض وهذا بيع لما لم يقبض فلم يصح.
وإذا اشترى المكاتب من يعتق عليه بحق القرابة كالآباء ، والأمهات أو غيرهم بإذن سيده صح ذلك؟ وان كان بغير اذن سيده كان الشراء باطلا لأن في ابتياع من ذكرناه إتلافا للمال ، لأنه يخرج من يده شيئا ينتفع به ويمكنه التصرف فيه ويستبدل به مالا ينتفع به ولا يمكنه التصرف فيه وما كان كذلك كان إتلافا في الحقيقة.
ويجوز كتابة الذمي : للذمي؟ فإن كاتب نصراني : نصرانيا كانت كتابته صحيحة جائزة بما يجوز به كتابة المسلم للمسلم ، ويرد على الوجه الذي يرد عليه كتابة المسلم فاذا كاتب من ذكرناه عبدا وترافعا الى حاكم المسلمين حكم بينهما بحكم الإسلام فإن كانت الكتابة تجوز بين المسلمين أمضاها وان كانت لا يجوز ردها؟! لان الحاكم انما يجوز له ان يحكم بما يجوز له في دينه ، فاذا حكم بينهما وكانت الكتابة صحيحة أقرهما عليها وأمضاها؟ وان كانت فاسدة بأن يكونا عقداها على خمر ، أو خنزير ، أو شرط فاسد وكانا قد عقدا ذلك في حال كفرهما وتقابضا العوض وأسلما وترافعا الى حاكم المسلمين فإنه يقرهما على ذلك؟ لا بمعنى انه يحكم بصحته لكن لا يتعرض له ، ويجرى مجرى المتزوجة على مهر فاسد وتقابضا العوض في حال كفرهما وأسلما
فإن عقد الكتابة على خمر أو خنزير في حال الشرك ثم أسلما وتقابضا العوض بعد الإسلام فالحاكم يبطل ذلك ويرده؟! لان قبض الخمر والخنزير لا يجوز في حال الإسلام ، ويلزم في ذلك قيمة ما وقع عليه العقد عند مستحليه ، فان كان عقد الكتابة في حال الكفر ثم أسلما وترافعا قبل التقابض أو بعد قبض البعض كان القول في ذلك ما قلناه في المسئلة المتقدمة.
وإذا كان للكافر عقد مكاتبة ثم أسلم لم يقع عليه؟ لان العقد رفع سلطانه عنه وقد حصل فاما ان يسلم ثم كاتبه لم يصح ذلك (1).
ص: 379
وإذا كاتب الحربي عبده في دار الحرب ثم دخلا دار الإسلام بأمان أو مستأمنين (1) ثم كاتبه ، فما داما لا يترافعان الى الحاكم ويتحاكمان اليه؟ فلا ينبغي ان يعرض لهما بل يقرهما على ما فعلاه؟ فان ترافعا اليه حكم بينهما بحكم الإسلام ونظر في الكتابة ، فإن كانت صحيحة في الشرع أعلمهما صحتها وأقرهما عليها؟ وان كانت فاسدة أعلمهما فسادها وانه لا يجوز الإقرار عليها.
فان قهر العبد سيده على نفسه في دار الحرب ودخل دار الإسلام بأمان والسيد معه فقد ملك السيد وانفسخت الكتابة فيه وملك سيده بقهره إياه ويقر على ذلك لان دار الحرب دار قهر وغلبة ، من غلب وقهر فيها على شي ء ملكه ، فاما إذا دخلا دار الإسلام ثم قهر سيده على نفسه فإنه لا يقر على ذلك لان دار الإسلام دار انصاف وحق وليست دار قهر وغلبة.
وإذا كان للمسلم عبد فارتد العبد ثم كاتبه السيد ، جاز ذلك لأنه عقد معاوضة ويصح ذلك من المرتد؟ فإن أدى المال الى سيده عتق وصار حرا مرتدا؟ ويجب ان يستتاب ، فان تاب والا قتل فان عجز نفسه استرقه سيده ورده الى ملكه ، فإن أسلم والا قتل ، ويكون ماله لسيده ، وان قتل على الردة قبل ان يؤدى ، وقبل ان يعجز انفسخت الكتابة بقتله ويكون المال الذي في يده لسيده لأنه لما انفسخت الكتابة عاد الى ملكه.
ص: 380
إذا كان لإنسان مملوكان فكاتبهما مكاتبة واحدة على الف درهم وكل واحد منهما كفيل عن صاحبه كان جائزا ، فإن أدى أحدهما جميع المال ( الالف - خ ل ) عتقا جميعا ورجع بحصته على صاحبه؟ فان كانت قيمتهما سواء فأدى أحدهما شيئا - عاد بنصفه على الأخر وان كانت قيمتهما مختلفة عاد على صاحبه بقسط ما ادى من قيمته.
وإذا كاتب العبد سيده على نفسه وعلى عبد للسيد غائب ، بألف درهم كان جائزا فإن أدى المال عتقا ولا يرجع على الغائب بشي ء لأنه لم يأمره بذلك وانما تطوع بفعل ذلك ، ولو أراد السيد بيع الغائب لم يكن له ذلك.
وإذا كان لاثنين مملوكان فكاتباهما معا بمائة دينار فكل واحد منهما مكاتب بحصته لصاحبه؟ وإذا كاتب عبدين مكاتبة واحدة فعجز أحدهما فقدمه الى الحاكم فرده الحاكم في الرق والحاكم غير العالم بمكاتبة الأخر معه ثم ان الأخر أدى جميع المكاتبة في أوقات لا يعجز فيها؟ فان العبدين يعتقان ، لان عجز الأول كان باطلا ولا يكون الا عجزهما معا؟ لأن المكاتبة واحدة.
وإذا كاتب إنسان حر على عبد لغيره فادى المكاتبة ولم يأمره العبد بذلك فهو متطوع وليس له رجوع بالمال على سيد العبد ولا على العبد.
وإذا كاتب اثنان عبدا لهما مكاتبة واحدة وغاب أحدهما وقدم الأخر العبد الى الحاكم وقد عجز لم يرده في الرق حتى يجتمع السيدان.
وإذا كاتب (1) إنسان عبدين كتابة واحدة ، فمات أحدهما قيل للثاني : اما ان تختار ان تؤدى باقي الكتابة عنك وعن صاحبك ، واما ان تكاتب عن نفسك كتابة
ص: 381
جديدة فأيهما اختار كان له ذلك وان كان المتروك (1) مالا فيه وفاء بقسطه من الكتابة أخذه السيد من الكتابة وكان على الباقي (2) ما بقي من قسطه منها؟ وكذلك : إذا ارتد أحدهما ولحق بدار الحرب فحكم بلحاقه أو قتل على ردته ، وان كان ما ترك الميت فيه وفاء بجميع الكتابة فإن السيد يأخذ من ذلك جميع الكتابة ويعتقان معا وترجع ورثته على الحي بحصته وبقية ذلك ميراث لهم فان كسب مالا في دار الحرب وظهر المسلمون عليه لم يرجع المؤدي (3) في ذلك بشي ء لأنه في ء.
وإذا كاتب الشريكان في العبد ، عبدهما ثم أعتق أحدهما نصيبه ومات وليس له وارث من ذوي أرحامه كان المال بينهما نصفين وان كاتباه ولم يشترطا عليه ان يكون أداء الكتابة لهما جميعا (4) جاز له ان يدفع جزء (5) كل واحد منهما الى صاحبه على الانفراد ، وكان لكل واحد منهما ما أخذ منه ولا يشركه فيه غيره؟ فان عجز عن نجومه وقد كاتبه كل واحد منهما مكاتبة على حدة في حصته فأراد أحد الشريكين تعجيزه ورده في الرق وقد شرط عليه ذلك وأراد الأخر إنظاره كان كل واحد منهما محكما في حقه.
وإذا كاتب العبد سيده عن نفسه وعن أولاد له صغار وقد شرط السيد عليه انه
ص: 382
ان عجز رد في الرق ، فعجز قبل بلوغ الأولاد أو بعد رد في الرق وكان ذلك ردا للولد ، فان قالوا بعد ذلك نحن نسعى في المكاتبة كان ذلك الى سيدهم ان أراد إجابتهم الى ذلك أجابهم وان لم يرد إجابتهم كان ذلك اليه.
إذا كاتب مريض عبده ، في حال مرضه مكاتبة مثله ، وأقر باستيفائه في حال المرض لم يصدق فيما جاوز الثلث؟ ولو كان عليه دين يحيط بماله لم يصدق في شي ء الا ان العبد يعتق ويؤخذ بالكتابة ، فإن ثبت للعبد بينة بأنه قد وفاه الكتابة في مرضه ، عتق.
وكذلك : إذا أقر المريض في حال مرضه انه قد كان كاتبه في [ صحته ] واستوفاها منه لم يصدق فيما جاوز الثلث بعد الدين الا ان يثبت للعبد بينة على ذلك فان كاتبه في صحته وعلم ذلك ثم أقر في مرضه بالاستئفاء صدق.
وإذا اوصى فقال كاتبوا على عبدي على كذا مبلغ عينه الى أجل كذا ان أنا مت وذلك كتابة مثله جاز ان خرج من الثلث فان لم يكن له مال غيره قيل له ان شئت تعجل الثلثين وتؤخر الثلث فذاك؟ وكذلك : ان حط عنه من المكاتبة شيئا يكون أكثر من الثلث وإذا لم يعجل ثلثي الكتابة وليس للميت مال غيره بطلت الكتابة عن الثلثين وصحت في الثلث بالقسط في النجوم.
فان كانت الكتابة على دون القيمة مما يتجاوز قدر الثلث شيئا وفي خمس مأة مأة (1) فكاتبه على مأتين ، فإن أدى ثلثي قيمته معجلة عتق والا عتق ثلثه واسترق ثلثاه.
وإذا اوصى بأن يوضع كتابة عبده الذي كاتبه فهي كوصية بعتقه يعتق ان كان
ص: 383
الثلث يحتملها أو ما احتمل منها ويسعى فيما بقي عليه.
وإذا كاتب عبده وقد حضره الموت وكان الثلث يحتمله ، واوصى بوصايا وليس في الثلث فضل عن قيمة العبد بدء بالكتابة ثم جعلت في الوصايا بالقسط الا ان يختار الورثة ان يؤدوا الوصايا ويكون مال الكتابة لهم ، فان اختاروا تسليم العبد بالوصايا كان ذلك لهم فان مات العبد لم يكن لأصحاب الوصايا رجوع على الوارث بشي ء.
وإذا اوصى للعبد بنجم من نجومه غير معين كان للورثة ان يختاروا اى نجم شاءوا ويعتق منه بقدره ان لم يكن اشترط رقه فان جعل الاختيار في ذلك الى العبد كان له ان يختار اى نجم شاء.
وإذا اوصى فقال ضعوا عنه ثلث كتابته وضع عنه ثلث الأصل لا ثلث الباقي؟فإن امتنع العبد من قبول الوصية بذلك لم يجز ، لأنه بمنزلة العتق له أو لبعضه الذي ليس للعبد فيه اختيار على سيده.
وإذا اوصى بمكاتبة الذي يأخذ (1) من نجومه شيئا لرجل وحصل الثلث قدره صار رقا للموصى له به ان كان الرجوع مشروطا عليه في الرق ، فان كانت الوصية بمال الكتابة دون رقبته فعجز ، كان رقه للوارث دون الموصى له به ، فان قال كتابته لزيد فان عجز فرقبته لعمرو جاز ذلك.
وإذا مات السيد لم يبطل موته الكتابة ما كان المكاتب ساعيا في نجومه وادى ذلك الى الورثة ويعتق بالوفاء.
ص: 384
وإذا مات السيد وابنته (1) تحت النكاح الذي شرط عليه الرق عند عجزه فإنه يمنع من وطأها فإن أدى كانا على النكاح ، وإذا كان على الميت دين يحيط بالكتابة فأخذ المكاتب مال الكتابة وقسمه على الغرماء ودفع الى كل ذي حق حقه منه كان جائزا.
وإذا كان له عبد فكاتبه في حال صحته ثم أعتقه في المرض وليس له مال سواه سعى ان شاء في ثلثي قيمته وان شاء في ثلثي ما عليه.
إذا كان لإنسان مملوك فكاتبه على ثوب لم يعين جنسه ، أو دار غير معلومة أو على قيمته (2) دون غيرها كانت المكاتبة فاسدة فإن ادى الى سيده ثوبا ما ، لم يعتق وكذلك في الدار.
وان ادى قيمته فقد ذكر انه يعتق ، لان ذلك معين وان كانت المكاتبة في الأصل غير جائزة (3) وليس يجرى ذلك مجرى الثوب وما جرى مجراه ، وإذا كاتب جاريته على الف درهم وشرط عليها ان يطأها ما دامت في كتابته كانت المكاتبة جائزة والشرط باطلا.
ص: 385
وإذا كاتبها على ان كل ولد تلده فهو له أو على ان تخدمه بعد العتق كان ذلك فاسدا.
وإذا كاتبها على الف وهي قيمتها على انها إذا أدت عتقت ، كان عليها الف آخر كان جائزا ، وإذا كاتبها على عبد لرجل لم يجز ذلك وكذلك كل ما عينه من مال غيره من عرض أو حيوان أو موزون أو مكيل أو ما أشبه ذلك.
وإذا كاتبها وهي حامل واستثنى ما في بطنها لم يجز ذلك ، فان كاتبته عما في بطنها دونها لم يجز أيضا.
وإذا كاتب عبده وشرط عليه انه ان ادى مال الكتابة ومات ، ورثه هو وولده؟أو شرط عليه شرطا يزيل عنه بعض أحكام الأحرار ويلحق به أحكام العبيد. كان ذلك باطلا.
وإذا كاتبه على نجوم معلومة وشرط عليه انه إذا أداها كان حرا بعد موت سيده كان ذلك باطلا :
« الواقعة من المكاتب بغيره أو من غيره به »
إذا جنى المكاتب على غيره فلا يخلو الغير من ان يكون هو سيده أو غير سيده فان كان هو سيده ، فلا يخلو من ان يكون الجناية على طرفه أو على نفسه ، فان كانت على طرفه فخصمه في ذلك السيد ، فان كانت عمدا كان له ان يقتص ، وان كانت خطأ كان له أخذ الدية؟.
فإن كانت على نفسه الوارث (1) وان كانت عمدا كان له المطالبة بالقصاص وان كانت خطأ كان له الدية؟ وان كانت عمدا واختار القصاص واقتص اما في الطرف أو النفس فقد استوفى حقه؟ وان كانت خطأ أو عمدا فعفا عن القود منها وجب الأرش
ص: 386
ويتعلق برقبته وإذا تعلق الأرش برقبته فللمكاتب ان يفدى نفسه؟ لان ذلك يتعلق بمصلحته ، وإذا أراد ان يفدى نفسه فداها بأقل الأمرين من الأرض أو القيمة.
فإن كان في يده مال كان له ان يدفع ذلك منه ، لأنه من مصلحته ، وله صرف المال الذي في يده فيما يتعلق بمصلحته فاذا قبض السيد أو وليه منه أرش الجناية وبقي معه ما يؤديه من مال المكاتبة أداة في ذلك وعتق؟ وان لم يبق معه شي ء كان له ان يعجزه؟ فان لم يكن معه مال فقد اجتمع عليه حقان مال الكتابة وأرش الجناية فإن كان في يده ما يتم لهما دفعه وعتق ، وان لم يكن في يده ما يتم لهما كان للسيد تعجيزه فاذا عجزه انفسخت الكتابة ورجع الى مالكه وسقط الحقان معه ، لأنه لا يثبت للسيد على مملوكه مال.
وإذا كانت الجناية على غير سيده وكانت عمدا وجب القصاص؟ فان عفا وجبت الدية ، فان جنى خطأ وجب الأرش فإن اختار القصاص (1) كان له ذلك وان عفا تعلق (2) برقبته ، والحكم في ذلك وفي جناياته خطأ واحد ، وله ان يفدى نفسه من الجناية بأقل الأمرين على ما قدمناه بغير زيادة على ذلك.
فان لم يكن معه ما يدفعه اليه كان للمجنى عليه ان يعجزه ويتبعه في الجناية؟لأنه قد تعلق برقبته حق وكان له بيع الرقبة في الجناية الا ان يريد السيد ان يفديه ويقره على الكتابة فيكون له ذلك؟ فاما ما يفديه به فقد تقدم ذكره. (3)
وإذا جنى العبد المشاع (4) للتجارة على أجنبي حر أو عبد وكانت الجناية
ص: 387
عمدا كان عليه القصاص؟ فان عفا عنه فعليه الدية ، فإن كانت خطاء فالأرش فإن اختار السيد (1) ان يفديه كان له ذلك.
وإذا كاتب عبدا واجتمعت عليه حقوق من دين أو ثمن مبيع أو أرش جناية وما أشبه ذلك وكان في يده مال ، فاما ان لا يكون محجورا عليه أو يكون قد حجر عليه فان لم يكن حجر عليه وكانت الحقوق كلها حالة كان له ان يقدم ما شاء منها؟ لأنه مطلق التصرف وله ان يفعل ذلك؟ وان كان بعضها حالا وبعضها مؤجلا ، فأرش الجناية لا يكون الا حالا. وقد يكون مال الكتابة حالا : ويكون مؤجلا؟ فإن أراد الابتداء بقضاء الدين الحال ، جاز ويبقى المؤجل عليه؟ وان أراد تعجيل المؤجل (2) لم يكن له ذلك : فإن أراد تعجيل مال الكتابة جاز لان ذلك يكون هو (3) من سيده.
فان كان قد حجر على المكاتب وكان المال الذي في يده يعجز عن ديونه فاجتمعوا غرماؤه وسألوا الحاكم ان يحكم بالحجر عليه ، فان تصرفه بذلك ينقطع ويكون الأمر إلى الحاكم ويقسط ماله على قدر ما عليه من الحقوق فان لم يرضوا بذلك : وتشاحوا قدم صاحب الدين على المجني عليه وعلى السيد ، لان حقه يختص بالمال الذي في يده ، فاذا لم يدفع حقه اليه منه لم يرجع منه إليه شي ء آخر ، والسيد والمجني عليه يرجعان من حقهما إلى الرقبة؟ فإذا دفع الى صاحب الدين حقه ، وبقي
ص: 388
معه شي ء دفع الى المجني عليه وقدم على السيد ، لأنه يأخذ دينه بحق الجناية والسيد يأخذ حقه بالملك وحق الجناية مقدم على الملك؟ فاذا دفع حق المجني عليه وبقي شي ء دفعه الى السيد؟ فان لم يبق شي ء كان له تعجيزه واسترقاقه.
فان لم يبق بعد قضاء الدين مع المكاتب بشي ء ، كان للسيد والمجني عليه تعجيزه لان حق كل واحد منهما يتعلق بالرقبة وقد تعذر ذلك (1) فان اختار التعجيز انفسخت الكتابة وبري ء المكاتب مما عليه من المال وبقي حق المجني عليه متعلقا برقبته ويكون له بيعه في الجناية الا ان يختار سيده ان يفديه فيكون ذلك له.
وإذا مات المكاتب ومعه من المال مالا يفي بما عليه من الحقوق انفسخت الكتابة بموته وسقط حق السيد من المال ويعود رقبته الى ملكه ، ويسقط أيضا حق المجني عليه من الأرش ، لأنه كان متعلقا رقبته وقد فاتت وبقي الدين للمقر (2).
واما البائع فيدفع ذلك المال الذي كان في يده فإن بقي منه شي ء كان للسيد لأنه كسب عبده.
فان لم يكن (3) في يده مال وأنظره أصحاب الحقوق بحقوقهم حتى يكتسب ويدفع إليهم كان جائزا ، وليس ذلك بواجب عليهم ولهم الرجوع فيه متى أرادوا.
ص: 389
فان لم ينظروه وطالبوه بحقوقهم لم يكن لصاحب الدين تعجيزه ، لان حقه قبل التعجيز وبعده ثابت في ذمته؟ فاذن لم يكن له في تعجيزه فائدة ، فاما السيد والمجني عليه فلهما تعجيزه لأنهما يستفيدان بذلك فائدة وهي ان المجني عليه يبيع الرقبة في حقه والسيد يستردها الى ملكه فان عجزاه انفسخت الكتابة ويباع في الجناية ويقدم حق المجني عليه على حق السيد كما قدمناه.
وإذا وجب على المكاتب أروش عدة من جناياته على جماعة ، وكان في يده مال يفي بذلك ، دفع الأرش منه وبقي الحكم بينه وبين السيد ان ادى اليه مال الكتابة أعتق وان لم يرد ( يؤد - خ ل ) ذلك اليه كان له استرقاقه؟ وان لم يكن في يده مال كان للمجنى عليهم ان يعجزوه ويفسخوا المكاتبة ليعود الى الرق وبيع في حقوقهم ، فان كان ثمنه يفي بحقوقهم دفع الى كل واحد منهم قدر ما يصيبه منه ولا فرق في ذلك بين ان يكون قد جنى على جميعهم دفعة واحدة أو على واحد منهم بعد آخر وبعضهم قبل التعجيز وبعضهم بعده ، لان محل هذه اجمع الرقبة.
وإذا قطع المكاتب يد سيده عمدا وجب له القصاص؟ فان اختار ذلك كان له استيفاؤه في الحال؟ وان عفا على أرش وكانت (1) الجناية خطأ يوجب بها الأرش لم يكن له المطالبة به الى حال اندمال الجرح.
وإذا كان للمكاتب عبيد فجنى بعضهم على بعض؟ فان كانت الجناية - موجبة للمال ، بان يكون خطاء أو شبيه عمد فإنها تهدر ، وان كانت موجبة للقصاص كان له ان يقتص من الجاني ، لأن في ذلك مصلحة لملكه؟ وذلك : بان يؤثر (2)
ص: 390
بعض عبيده على بعض ، فان اقتص جاز وان عفا سقط القصاص؟ الا انه لا يجب له مال لان السيد لا يستحق مالا على عبيده.
وإذا كاتب عبدا وجنى المكاتب جناية خطأ أو جناية عمد وعفى عن القصاص فيها ، كان الأرش متعلقا برقبته لأنه بمنزلة العبد القن في حكم الجناية؟ وإذا كان في يده مال جاز ان يدفع منه الأرش الذي عليه ويفدى نفسه لان ذلك من مصلحته؟.
فإن أعتقه السيد مضى عتقه وكان على السيد ضمان أرش الجناية لأنه أتلف محل الأرش ومنعه من بيعه في الجناية فكان ضمان الأرش لازما؟ فإن أدى العبد مال الكتابة وعتق كان عليه ضمان الأرش لأنه أوقع العتق باختياره وقد كان يتمكن من تعجيز نفسه والامتناع من الأداء وعليه أقل الأمرين من أرش الجناية أو القيمة.
وإذا جنى المكاتب جنايات تعلق أرشها برقبته فأعتقه سيده فلزمه ضمان الجنايات أو أدى المكاتب المال فعتق فلزم ضمانها ، كان اللازم له من ذلك الأقل من أروش الجنايات كلها أو القيمة لأن الاروش كلها تعلقت برقبته ، فلما أعتقه سيده منع من بيعه في الجنايات كلها للذي (1) وجد منه ، وكذلك (2) : الإعتاق حصل دفعة واحدة يلزمه (3) الأقل من أروش الجنايات كلها أو القيمة.
وإذا جنى المكاتب جنايات عدة وعجزه سيده واعاده إلى الرق ، كان بمنزلة العبد القن وسيده مخير بين تسليمه ليباع في الجنايات أو يفديه فان اختار الفداء فداه بالأقل من قيمته أو أروش الجناية.
وإذا ابتاع المكاتب عبدا للتجارة فجنى هذا العبد على المكاتب جناية خطأ أو عمد وعفا عن القصاص كانت الجناية هدرا ولا يجب له الأرش على العبد لان العبد ملكه؟ والسيد لا يستحق على رقبة مملوكه مالا على وجه من الوجوه ويجرى مجرى الحر
ص: 391
وإذا كان له عبد فأتلف عليه مالا فان ضمانه لا يثبت في ذمته؟
وإذا جنى على المكاتب وكانت الجناية على نفسه انفسخت الكتابة سواء كانت من سيده أو من غيره؟ فان كان القائل له غير سيده كان عليه القيمة لسيده والكفارة لله تعالى (1) فان كان القاتل ، السيد لم يكن عليه قيمة لأنه قد عاد الى ملكه بفسخ الكتابة (2) والكفارة واجبة عليه ، وما يكون في يده من مال فهو لسيده إذا قتله السيد أو غير السيد لأنه ملكه ، وكان له ماله بحق الملك لا بالإرث.
فإن كانت الجناية على طرفه (3) وكان حرا لم يجب عليه القصاص ، لان الحر لا يقتل بالعبد؟ (4) وان كان عبدا كان عليه القصاص ، فاذا وجب الأرش في جناية الخطإ أو في جناية العمد إذا عفا عن القصاص فيها فإن الأرش للمكاتب لأنه من جملة الكسب وليس له المطالبة بالأرش إلا بعد اندمال الجرح؟ فان سرت الجناية إلى نفسه انفسخت الكتابة وعاد الى ملك سيده وما يكون في يده من مال فهو للسيد.
* * *
ص: 392
إذا كان للمريض عبد فكاتبه في حال مرضه كانت المكاتبة صحيحة لأنه ملكه؟ فإن برأ من المرض لزمته الكتابة في جميع العبد لأن الكتابة تصرف منجز؟ وإذا تصرف فيه المريض وبرأ من مرضه لزمته؟ وان مات اعتبر ذلك : من الثلث فان احتمل ثلثه قيمة جميع العبد ، نفذ جميع المكاتبة في جميعه ، فإن أدى المال إلى الورثة عتق وان لم يحتمل الثلث جميعه فان لم يخلف الميت غيره ، فإن الكتابة تلزم في ثلثه ويبقى ثلثاه موقوفا على اجازة الورثة فإن أجازوه ، نفذت الكتابة في جميعه؟ وان لم يجيزوه بطلت في ثلثيه وبقيت في الثلث فإذا أدى إليهم ثلث المال عتق (1).
وإذا كان له عبد فكاتبه في صحته ثم مرض وأقرانه قبض مال الكتابة صح إقراره وعتق العبد ، لان المريض يملك القبض ويملك الإقرار به مثل الصحيح.
وإذا كان له عبد فكاتبه على دراهم ، ثم أبرأه عن دنانير أو كاتبه على دنانير ثم أبرأه عن دراهم كان ذلك باطلا لأن الذي يستحق عليه الدراهم فإذا أبرأه عن دنانير فقد أبرأه عما لا يستحقه ، فصار كما لو كان له على زيد حق فابرأ عمرا منه ، فإن أبرأه عن الف درهم وله عليه دنانير ، وقال أردت به دنانير قيمتها الف درهم (2) الا قفيز حنطة ثم قال أردت إلا دراهم بقفيز حنطة ، فإنه يقبل فيكون قد استثنى قيمة القفيز من الألف فإن أبرأه عن الدراهم وله عليه دنانير ثم اختلفا فقال : سيده أردت به الدراهم على الإطلاق فقال المكاتب : بل أردت عن قيمة الدراهم من الدنانير كان القول ، قول السيد لأنه اختلاف في نيته وإرادته وهو اعلم بذلك من غيره.
ص: 393
فان مات السيد واختلف المكاتب وورثته فيما ذكرناه كان القول قول الورثة لأنهم يقومون مقامه؟ وإذا قال السيد استوفيت آخر كتابة هذا العبد لم يبرأ العبد بهذا اللفظ من الإقرار على الإطلاق لأنه يحتمل استوفيت آخر ما بقي من مال الكتابة ويحتمل آخر ما حل عليه ويحتمل آخر نجومه؟ فاما إذا كان محتملا لم يقع البراءة بالشك لكن يرجع الى السيد فيستفسر عما أراده فبأي شي ء فسره قبل منه.
فان اختلف المكاتب وسيده؟ فقال سيده أردت اننى استوفيت آخر ما حل عليك؟ فقال المكاتب : بل آخر مال الكتابة كان القول قول السيد لأنه اعلم بما نواه وكذلك : ان مات السيد واختلف المكاتب وورثته؟ كان القول ، قول الورثة كمثل ما قدمناه.
فان قال استوفيت آخر كتابتك (1) ان شاء زيد لم يكن ذلك : إقرارا؟ ولا يتعلق به حكم لأنه علقه بصفة والإقرار لا يتعلق بالصفات كما لو قال لزيد على مأة درهم ان شاء زيد فإنه لا يتعلق به حكم.
وإذا كان له عبد فاوصى بكتابته كانت الوصية صحيحة؟ لأنها تتضمن القربة وهي العتق ويعتبر قيمة العبد الموصى بكتابته من الثلث؟ فان كان لم يوص لا بالكتابة فقط كان الثلث مصروفا إليها؟ وان كان اوصى بالكتابة وبغيرها من هبة ووصية بمال ومحاباة وعتق ، قدم العتق على غيره؟ وان اوصى بكتابة وغيرها من دون عتق قدمت الكتابة على غيرها.
وإذا كانت الكتابة مقدمة على غيرها فان الثلث يتوفر عليها وان احتمل قيمة العبد كوتب والزم الورثة بذلك؟ فان لم يجز العبد الكتابة لم يجبر عليها. فان رجع بعد ذلك وطلبها لم يجب إليها لأن حقه قد سقط بامتناعه ، وان اختارها وطلبها وكان الموصى أطلق الوصية ولم يقدر ما يكاتب عليه ، فإنه يكاتب على ما جرت العادة به
ص: 394
في كتابة مثله؟ وان كان قدر ما يكاتب عليه فإنه يكاتب على ذلك القدر من غير زيادة عليه. فاذا كوتب وادي مال الكتابة كان المال غير محسوب من جملة التركة؟ بل يكون حقا خالصا للوارث ، هذا إذا كان قيمته يخرج من الثلث؟ فان لم يخرج ، فإنه يكاتب القدر الذي يحتمله الثلث.
وإذا كان له عدة من العبيد فاوصى بان قال كاتبوا عبدا من عبيدي ، كان للوارث ان يكاتب اى عبد اراده؟ ولا يجوز ان يكاتب امة لان اسم العبد لا يجرى عليها؟ فاذا قال كاتب امة من إمائي كان له ان يكاتب اى امة أراد ، ولا يجوز ان يكاتب عبدا لان اسم الأمة لا يجرى عليه.
وإذا قال كاتب عبدا من عبيدي وقد كان له خنثى قد حكم عليه بأنه رجل ، جاز ان يكاتبه؟ فان كان له خنثى قد حكم فيها بأنها أنثى ، فقال كاتب امة من إمائي جاز ان يكاتبها وإذا قال كاتب واحدا من رقيقي جاز ان يكاتب عبدا أو امة؟ لان اسم الرقيق يجرى عليهما فان كان له خنثى مشكل لم يكاتبها حتى يبين أمرها. (1)
وإذا كان له عبد فكاتبه ومات السيد ، لم ينفسخ الكتابة بموته لأنها لازمة من جهته ، فان كان مال الكتابة ينصرف الى ورثته وكانوا رشيدين بالغين عقلا ، والمال لهم وكانوا واحدا ، أسلم المكاتب اليه المال؟ وان كانوا جماعة دفع الى كل واحد منهم حقه؟ فان دفع البعض الى بعض منهم لم يعتق (2) ، فان سلم المال إلى الوصي لم يعتق لأن الورثة لا يولى عليهم لأنهم من أهل الرشد والوصية لا تصح في حقوقهم
وان كانوا غير رشيدين أو كانوا أطفالا أو مجانين وكان لهم جد ، كان هو الناظر في أمورهم ، فلا تصح معه الوصية فإذا دفع المال اليه عتق؟ وان لم يكن جد
ص: 395
ووصى أبوهم الى من ينظر في أمورهم صح ذلك ويجب على المكاتب ان يدفع ذلك الى الوصي ان كان واحدا وان كانا اثنين وقد أوصى إليهما والى كل واحد منهما على الانفراد ، كان للمكاتب ان يدفع ذلك إليهما والى كل واحد منهما وان كان اوصى إليهما ولم يوص الى كل واحد منهما على الانفراد ، لم يجز ان يدفع الى أحدهما ولكن يدفع إليهما ، فإن دفع الى أحدهما لم يعتق لان الموصى إنما أوصى باجتهادهما ولم يوص باجتهاد واحد منهما وحده.
فان كان الورثة بعضهم صغارا وبعضهم كبارا ، قبض الكبار حقوقهم واما الصغار : فان الحاكم ينصب لهم أمينا فيدفع المكاتب اليه ذلك.
وإذا كان مال الكتابة ينصرف الى موصى له به وكان هذا الواحد (1) معينا كان الحق له؟ وان كان اوصى به لأقوام غير معينين مثل الفقراء والمساكين ، لم يجز للمكاتب ان يوصل المال إليهم بنفسه ، وعليه ان يسلمه إلى الوصي لأن الميت لم يرض باجتهاد المكاتب ، وانما يرضى باجتهاد الوصي.
فإن كان مال الكتابة ينصرف الى غرماء وقضاء ديون ، وكان السيد قد أوصى بأن يقتضي من مال الكتابة جاز للمكاتب تسليمه الى أصحاب الديون ويجوز ان يسلمه إلى الوصي وليس للوارث حقها هنا فيه؟ وان لم يكن قد وصى ، كان الحق للوارث والوصي معا فلا يجوز للمكاتب ان يدفعه الا بحضرتهما ورضاهما ، لأن للورثة حقا فيه وهو أخذهم المال ويقضوا الدين من عندهم.
وإذا كان له عبد فكاتبه على مال وكان مشروطا عليه وأراد سيده فسخ الكتابة ولم يكن قد حل على المكاتب نجم ، لم يجز له الفسخ ، وكذلك : ان كان قد حل عليه نجم ومعه ما يؤدى ولم يمتنع من الأداء.
فإن كان قد حل عليه المال ولم يكن معه ما يؤدى أو كان ذلك معه وامتنع من أدائه ، كان لسيده فسخ الكتابة فإن كان العبد حاضرا كان للسيد فسخ ذلك بنفسه
ص: 396
من غير حاجة الى الحاكم فان كان غائبا لم يكن لسيده فسخها بنفسه بل يرفع ذلك الى الحاكم ويثبت عنده ان له مالا على المكاتب وقد تعذر الأداء اليه فاذا فعل ذلك استحلفه الحاكم مع بينته وحكم له بالفسخ.
وإذا كاتب عبدا وحل عليه نجم فأظهر أنه عاجز عن أدائه فانظره سيده بذلك صح الانظار ولا يجبر على اختيار الفسخ فان رجع بعد ذلك الى المطالبة بالمال كان له ذلك ولم يجب عليه الفاضل (1) الذي بذله.
وإذا ادعى المكاتب على سيده انه ادى اليه مال الكتابة وأنكر السيد ذلك فشهد للمكاتب شاهد واحد ، فإنه يحلف ويحكم له بأدائه المال لأن الذي يثبت بهذه الشهادة قضاء المال ودفعه ، وذلك يثبت بشاهد ويمين.
وإذا كاتب عبده على عوض (2) صح ذلك لان العوض يصح ان يكون في الذمة عن سلم ، فصح ان يكون ثمنا فإن أدى العوض على الصفة التي شرطت عليه ، وقع العتق في الظاهر؟ فان استحق العوض السيد ، (3) استقر العتق للعبد وان خرج العوض مستحقا سلم الى صاحبه ويرتفع العتق لأن الكتابة عقد معاوضة فإذا دفع عوضا مستحقا كان ذلك الدفع لا تأثير له ووجوده كعدمه (4).
فان قال لعبده إذا أعطيتني ثوبا من صفته كذا وكذا فأنت حر؟ فدفع اليه ثوبا
ص: 397
على هذه الصفة وكان مستحقا فإنه لا يعتق لان تقرير (1) قوله ان أعطيتني ثوبا من صفته كذا وكذا يعني أملكه وانتفع به والمستحق لا يملكه ولا ينتفع به ، وهكذا : لو قال له ان أعطيتني هذا الثوب فأنت حر فغصبه وأعطاه فإنه لا يعتق بمثل ذلك.
وإذا اوصى بما في ذمة مكاتبه لإنسان ولآخر برقبته إذا عجز كانت الوصيتان صحيحتين فإن أدى مال الكتابة عتق ، ويكون ذلك المال للموصى له به فيبطل وصيته لآخر ، فان عجز نفسه واسترق ، سلمت الرقبة الى الموصى له بها ويطلب الأخر بالمال (2) وإذا كاتب عبده كتابة فاسدة ثم اوصى بما في ذمته بطلت الوصية ، لأنه لا يملك شيئا في ذمته؟ فان قال إذا قبضت مال الكتابة فقد أوصيت لك به ، كانت الوصية صحيحة لأنه إذا قبض المال ملكه (3) ، وما يأخذه من ذلك يملكه لأنه كسب عبده.
وإذا اوصى لإنسان فقال : أوصيت لك بما يعجله مكاتبى من مال الكتابة كانت الوصية صحيحة؟ فإن عجل مما عليه شيئا دفع ذلك الى الموصى له ، وان لم يعجل شيئا بل ادى المال كرها (4) بطلت الوصية.
وإذا كان له عبد فكاتبه كتابة فاسدة ثم اوصى برقبته كانت الوصية صحيحة لأن ملكه لم يزل عن رقبته بالكتابة الفاسدة؟.
وإذا اوصى إنسان فقال ضعوا عن مكاتبى أكثر ما بقي عليه من مال الكتابة ، كان قد اوصى بوضع نصف ما عليه وزيادة لأن أكثر الشي ء ما زاد على نصفه ، فيلزم الوارث ان يضع عنه نصف مال الكتابة (5) وزيادة على ذلك ما أراد من غير تحديد ومقدار.
ص: 398
فإن أوصى فقال ضعوا عنه أكثر ما بقي عليه من مال الكتابة وقبل (1) نصفها ، كان اوصى بأن يوضع عنه ثلاثة أرباع مال الكتابة وزيادة على ذلك لان أكثر ما بقي عليه هو النصف وزيادة عليه فنصف ذلك الربع وزيادة عليه.
وإذا اوصى فقال : ضعوا عن مكاتبى ما شاء ، لم يجز ان شاء جميع ما عليه بل يبقى منه جزء وان قل.
وإذا اوصى فقال (2) : ضعوا عنه الأوسط من نجومه فإن الأوسط يقع على الأوسط في العدد والأوسط في الأجل والأوسط في القدر ، فالأوسط في العدد : ان يكون النجم ثلاثة فيكون الثاني أوسطها؟ وفي الأجل ان يكاتبه على نجم الى شهر ونجم الى شهرين ونجم إلى ثلاثة أشهر ، فيكون أوسطها هو الذي إلى شهرين؟ والأوسط في القدر ان يكاتبه على نجم الى مأة ونجم الى مأتين ونجم الى ثلاث مأة ، فالذي الى مأتين أوسطها ، فإذا كان كذلك وكان في نجومه أوسط في القدر وأوسط في الأجل وأوسط في العدد استعملت القرعة في ذلك.
وإذا كاتب عبده على نجوم مخصوصة في أوقات مخصوصة (3) فإذا أدى شيئا من النجوم أعتق بحسابه ، ولم يجز رده في الرق فان عجز فيما بعد عن مال الكتابة كان على الامام عليه السلام ان يؤدي عنه ما بقي عليه من سهم الرقاب؟ فاذا مات هذا المكاتب وخلف أولادا ومالا ، ورثه سيده بقدر ما بقي له من العبودية؟ وكان الباقي لولده ان كانوا أحرارا.
وان كان المكاتب رزق الولد بعد الكتابة من امة له ، كان حكم ولده حكمه
ص: 399
في انه يسترق منه مولى أبيه بقدر ما بقي على أبيه فإن أدى الابن ما كان بقي على أبيه صار حرا ولم يكن للسيد سبيل عليه؟ فان لم يكن له مال استسعاه سيد أبيه فيما بقي على أبيه ، فإذا أداه صار حرا؟ وهذا المكاتب إذا أدى بعض مال الكتابة يرث ويورث بحساب ما عتق منه ويمنع الميراث ويحرم بقدر ما بقي من الرق.
وإذا فعل المكاتب ما يجب عليه الحد أقيم عليه بقدر ما عتق حد الحرية وما بقي منه رقا حد العبودية؟
وإذا جنى على غيره جناية عمد وكان المجني عليه حرا اقتص منه ، وان كان عبدا لم يقتص منه لان بعضه حر ولا قصاص بين الحر والعبد ، وان كان مكاتبا مثله فان كان تحرر منه مثل ما تحرر من الأخر أو أكثر جاز ان يقتص منه وان كان تحرر أقل مما تحرر من الأخر لم يقتص منه وان كانت الجناية خطأ فإنه يتعلق الأرش بمقدار ما تحرر منه بذمته ، ان كان المجني عليه حرا أو عبدا وبمقدار ما بقي منه رقا يتعلق برقبته ولسيده ان يفديه على ما تقدم ذكره.
وإذا جنى على هذا المكاتب وكانت الجناية عمدا والجاني حرا لم يقتص منه ، لان بعضه رق ولا يقتص لعبد من حر وان كان الجاني عبدا اقتص منه فان كان مكاتبا مثله وكان قد تحرر منه مثل ما تحرر من هذا أو دونه اقتص منه؟ وان كان قد تحرر من الجاني أكثر منه لم يقتص منه كما تقدم ذكره.
فان كانت الجناية خطأ كان فيها الأرش بمقدار ما تحرر منه من دية الحر وبمقدار ما بقي رقادية العبد.
وإذا كان الجاني حرا لزمه ذلك أو عاقلته ، وان كان عبدا تعلق ذلك برقبته ولسيده ان يفديه فان كان مكاتبا قد تحرر منه البعض تعلق بذمته مقدار ما تحرر منه وبمقدار ما بقي رقا برقبته.
وكل مكان ذكرنا انه يتعلق بذمته؟ فان كان في جناية عمد (1) فإنه يكون في ذمته ( رقبته - خ ل ) يطالب به من كسبه الذي بصيبه ، وان كان عن جناية خطأ
ص: 400
كان ذلك على الإمام لأنه عاقلته ، فان كان سيده شرط عليه ان يكون له ولاؤه كان على السيد ما يتعلق بذمته.
وإذا اوصى هذا المكاتب كانت وصيته ماضية بمقدار ما تحرر منه في ثلثه وباقي ذلك لورثته ومردودة بمقدار ما بقي منه رقا ، وإذا ركبه دين تعلق بذمته بمقدار ما تحرر منه يطالب به إذا أعتق أو من الذي يكسبه في اليوم الذي يختص به أو بمقدار ما تحرر منه فاما بمقدار ما بقي منه رقا فإن استدانه بإذن مولاه فعلى مولاه قضاؤه عنه وله ان يقضى ذلك من كسبه الذي يصيبه بمقدار الرق وان كان استدانه بغير اذن مولاه تعلق بكسبه جميعه ويقضى منه دين الغرماء ويكون ما يبقى بينه وبين سيده على حساب الحرية والرق.
وإذا كاتب مملوكة وتحرر بعضها منها لم يجز له وطؤها ، (1) فإن وطأها كان عليه الحد بمقدار ما تحرر منها ودرى عنه بمقدار ما بقي ، وعليها مثل ذلك : فإن أكرهها لم يكن عليها شي ء ، وهذه المكاتبة (2) لا يجوز لها ان تتزوج إلا بإذن سيدها ، فان تزوجت بغير اذنه كان النكاح باطلا. فان تزوجت باذنه وأدت شيئا من مكاتبتها ورزقت أولادا ، كان حكم ولدها حكمها (3) يسترق منهم بحساب ما بقي من ثمنها ويعتق بحساب ما انعتق؟ وهذا المكاتب لا يجوز على سيده زكاة الفطرة عنه ، فان كان مشروطا عليه لزمه ذلك.
« تم كتاب العتق والتدبير »
ص: 401
قال اللّه تعالى ( لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ ) (1) وقال ( إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ ) (2) وقال تعالى ( وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها ) (3) وقال ( فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ) (4).
وروى عن النبي صلى اللّه عليه وآله قال بئس القوم يجعلون ايمانهم دون طاعة اللّه (5) وعنه صلى اللّه عليه وآله لا تحلفوا بابائكم ولا بالأنداد « بالأجداد - خ ل » ولا تحلفوا الا باللّه ولا تحلفوا باللّه الا وأنتم صادقون (6).
وعن على عليه السلام انه قال اتقوا اليمين الكاذبة فإنها منفقة للسلعة ، ممحقة للبركة
ص: 402
ومن حلف يمينا كاذبة فقد اجترأ على اللّه فلينتظر عقوبته (1).
فاليمين الشرعية عند أهل البيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لا تكون الا باللّه أو بأحد أسمائه الحسنى؟ وكل يمين كانت بغير ما ذكرناه فليست يمينا صحيحة ، ولا يستقر لها حكم في حنث ولا كفارة فلو حلف بالنبي أو بالكعبة أو بما أشبه ذلك من المخلوقات كلها أو بالبراء ( بالبرء خ - ل ) من اللّه تعالى أو من النبي أو الأئمة أو أحدهم عليهم السلام أو من القرآن أو ما جرى مجرى ذلك : لم يكن يمينا صحيحة.
اليمين ضربان : أحدهما : يجب الكفارة عليها ، والأخر لا يجب عليها ذلك : فاما الأول : فمثل ان يحلف ان لا يخل بواجب أو لا يرتكب قبيحا ثم يخل بالواجب أو يرتكب القبيح فيجب عليه الكفارة ، أو يحلف ان يفعل ما وجب فعله أو ما الاولى فعله في دينه أو دنياه ثم لا يفعل ما حلف على ان يفعله مما وجب عليه أو أخل بما الاولى ( به - خ ل ) فعله فعليه الكفارة ، أو يحلف ان لا يفعل شيئا بتساوي فعله وتركه ثم يفعله فعليه الكفارة.
فإن حلف ان لا يأكل ولا يشرب من لحم أو لبن شاة أو غيرها لم يجز له ان يأكل من لحمها ولا يشرب من لبنها وكذلك : لا يأكل ولا يشرب من لحم أولادها أو ألبانهن ، فإن أكل من ذلك أو شرب وهو غير محتاج اليه (2) كان عليه الكفارة
فإن حلف على ان لا يفعل (3) شيئا من المحرمات مثل قتل إنسان غير مستحق للقتل أو غصب ماله أو ظلمه أو يؤذى مؤمنا أو غير ذلك مما يحرم عليه فعله فليترك جميع ذلك ولا كفارة عليه؟ أو يحلف ان يفعل شيئا لا ينفعه في دينه أو دنياه مثل ان يبيع شيئا الاولى ان يمسكه أو يمضي في شي ء الاولى ان لا يمضى فيه أو يطالب بحق هو له على غيره الاولى ان لا يطالبه فليترك جميع ذلك وليس عليه كفارة ، أو
ص: 403
يحلف ان لا يفعل ما يجب عليه فعله مثل ان لا يقضى دينا أو لا يرد وديعة أو لا يشكر منعما أولا ينصف من نفسه أولا يصلى ولا يصوم أولا يزكى ماله أو لا يحج فليفعل ذلك ولا كفارة عليه.
أو ان يحلف ان لا يفعل ما الاولى فعله في دينه أو دنياه مثل ان لا يحسن الى أحد أولا يصلى نافلة أو لا يصوم تطوعا أولا يصل أحدا من الإخوان أولا يسعى في شي ء من حوائجهم أولا يعينهم ولا يساعدهم أولا يتجر لمعيشته مع حاجته الى ذلك أولا يبتاع لأهله شيئا في ابتياعه مصلحة لهم أولا يسكن دارا وبه حاجة الى سكناها أو لا يبنيها وهو مضطر إلى بنائها أو ما جرى مجرى ذلك ، فليفعله ولا كفارة عليه.
ومن كان عنده وديعة فطالبه بها ظالم فلينكرها وليحلف عليها ويورى في نفسه ما يخرج به من كونه كاذبا ، ولا يلزمه كفارة بل يكون مثابا على ذلك؟ فان حلف على ما ذكرناه ولم يكن ممن يحسن التورية وكانت نيته حفظ الامانة فليس عليه كفارة
وإذا حلف على ماض مثل ان يقول واللّه ما فعلت كذا وكان قد فعل ذلك فليس عليه كفارة وهو مستحق للعقاب ويجب عليه ان يستغفر اللّه تعالى ولا يعود الى مثل ذلك
وليس للولد يمين مع والده ولا للمملوك مع سيده ولا لزوجة رجل معه ، فان حلف واحد من هؤلاء على شي ء مما ليس بواجب ولا قبيح ، جاز للأب حمل ابنه على خلافه ، ولا كفارة عليه وكذلك : القول في العبد وسيده والمرأة مع زوجها.
وإذا حلف على ما يدفع به ضررا أو أذية عن نفسه أو عن بعض المؤمنين لم يلزمه على ذلك كفارة بل يكون مثابا عليه؟ وإذا استحلف السلطان الجائر أصحابه وأعوانه على ظلم المؤمنين وحلفوا له على ذلك وجب عليهم ترك الظلم وترك الوفاء بما استحلفوا عليه ولا كفارة عليهم في ذلك.
وإذا حلف على غيره (1) ان يبتاع له شيئا أو يمضى معه الى بعض المواضع أو يأكل منه أو يشرب أو يسير معه في طريق أو ما جرى مجرى ذلك فلم يفعل له ذلك
ص: 404
لم يجب عليه كفارة؟ فإن حلف عليه ان يركب له دابة أو يقطع معه شجرا أو يحمل معه حملا فلم يفعل لم يجب عليه كفارة.
وإذا وهب له أحد أبويه شيئا ثم مات الواهب وطالبه الوارث به ، جاز له ان يحلف بأنه كان ابتاعه منه ودفع اليه ثمنه ولم يكن عليه كفارة ولا اثم.
وإذا كان عليه دين فطالبه به صاحب الدين فلم يقدر على قضائه لإعساره ودافعه عنه وأحضره إلى الحاكم وخاف من الإقرار له به لئلا يحبسه (1) عليه فيضر ذلك به وبأهله ، جاز له ان يحلف عليه ويورى في يمينه ويعزم على قضائه إذا أيسر ، ولا يلزمه كفارة على ذلك ولا اثم؟ فان لم ينو قضاه كان مأثوما.
وإذا علم صاحب الدين حالة من ذكرناه من العجز ، لم يجز له استحلافه ولا حبسه؟ فان علم بعجزه عن أداء ما عليه من ذلك ، واستحلفه أو حبسه كان مأثوما؟
وإذا حلف ان لا يبتاع لأهله شيئا بنفسه جاز له ان يبتاعه ، وليس عليه كفارة ولا اثم؟ وإذا حلف على ان مملوكه حر خوفا من ان يأخذه منه ظالم لم ينعتق بذلك ولم يجب عليه كفارة.
وإذا حلف لزوجته ان لا يتزوج عليها ولا يشترى مملوكة يطأها أو يتسرى بها لا في حياتها ولا بعد وفاتها ، جاز له ان يتزوج ويشتري الجارية ويتسرى بها ولا كفارة عليه في ذلك ولا اثم.
وإذا حلفت المرأة لزوجها ان لا تتزوج بعد طلاقه لها وبينونتها منه أو بعد موته كان لها ان تتزوج ، ولم تكن عليها كفارة ولا اثم في ذلك.
وإذا كان عليه دين فحلف لصاحبه ان لا يخرج من البلد الا بعلمه ، وكان لا يقدر على قضاء دينه وخاف من مطالبته له ان أقام في البلد ، وان أعلمه بخروجه اعتقله أو حبسه واستضر هو واهله بذلك جاز له الخروج من غير أعلامه بذلك وليس عليه كفارة ولا اثم في ذلك.
ص: 405
وإذا حلف ان لا يأكل ولا يشرب من لحم أو لبن شاة أو غيرها ، فأكل أو شرب من ذلك وهو محتاج اليه لم يكن عليه كفارة؟ وإذا حلف ان يؤدب مملوكه بضرب ، جاز ان لا يضربه وليس عليه كفارة.
وإذا حلف ان يقتطع مال غيره فلا كفارة عليه وان كان مأثوما بذلك ، وانما كفارته إيصال ذلك الى مستحقه؟ وإذا حلف ان لا يمس جارية غيره ابدا ثم ابتاعها لنفسه جاز له ان يطأها لأنه إنما حلف ان لا يمسها حراما.
وإذا أودع عند غيره مالا أو متاعا وأعلمه انه لإنسان معين ومات وطالبه الوارث به ، فان كان الموصى بذلك عنده ثقة جاز له ان يحلف على انه ليس عنده ويدفع ذلك الى صاحبه ولا كفارة عليه؟ فان لم يكن عنده ثقة ، دفع ذلك الى الوارث.
وإذا حلف وقال : واللّه لأقتلن زيدا وزياد قد مات أو قال : واللّه لأصعدن إلى سماء : وما أشبه ذلك لم يحنث بذلك ولا يلزمه كفارة ، وإذا حلف الإنسان باللّه تعالى وهو كافر صحت يمينه ولم يصح منه الكفارة إذا حنث ، لأنها تفتقر إلى نية القربة والقربة لا تصح من الكافر لأنه لا يعرف اللّه تعالى وإذا لم يعرفه لم يصح ان يتقرب اليه بذلك :
وقد ذكر فيما تقدم ان اليمين لا يكون يمينا صحيحة الا بان يكون باللّه تعالى أو بأحد أسمائه الحسنى فعلى هذا إذا حلف باللّه كان يمينا.
وكذلك : إذا حلف بالرحمن الرحيم وأطلق وأراد اليمين بذلك كان يمينا؟ وكذلك : رب العالمين وجميع ما يشاركه (1) فيه غيره مثل رب وخالق ورازق وما أشبه ذلك ، وإذا حلف حالف به وأطلق ذلك ولم يقيد وأراد اليمين كما قدمناه كان
ص: 406
يمينا؟ فان قيده برب الدار وخالق الحركة أو رازق الجند وما أشبه ذلك لم يكن يمينا على حال مثل ان يكون رب الدار وخالق الحركات ورازق الجند.
وإذا قال وعزة اللّه وجلال اللّه أو عظمة اللّه وأراد اليمين كان ذلك يمينا؟ فان قال وعلم اللّه وقدرة اللّه وأراد كونه عالما أو كونه قادرا وأراد بذلك اليمين كان يمينا؟ وان أراد المعنى الذي يكون العالم والقادر به عالما وقادرا لم يكن ذلك يمينا لأنه تعالى عالم لنفسه وقادر لنفسه.
فاذا قال أقسمت باللّه وأراد بذلك اليمين كان يمينا؟ وان أطلق ذلك لم يكن يمينا لان قوله « أقسمت باللّه » يحتمل ان يكون خبرا والخبر عن أنه اقسم متقدما لا يكون يمينا؟ فان لم يرد بذلك الخبر ونوى اليمين كان يمينا صحيحة.
وإذا قال لعمر اللّه ونوى اليمين بذلك كان يمينا (1) وإذا أطلق ولم ينو اليمين لم يكن يمينا؟ وإذا قال اعزم باللّه لم يكن يمينا نوى بذلك اليمين أو لم ينو ، لان ذلك ليس من ألفاظ اليمين وإذا قال أسألك باللّه أو قال اقسم عليك باللّه لتفعلن كذا لم يكن يمينا.
وإذا قال والذي نفسي بيده ونوى اليمين كان ذلك يمينا لأنه روى ان النبي صلى اللّه عليه وآله كان يقسم بذلك كثيرا فيقول تارة « واللّه الذي نفسي بيده وتارة والذي نفس محمد بيده ».
وإذا قال والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ونوى اليمين كان ذلك يمينا لأنه روى ان أمير المؤمنين على بن أبي طالب (عليه السلام) كان يقسم بذلك فيقول : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة وتردى بالعظمة.
وإذا حلف في النفي أو الإثبات واستثنى فقال : ان شاء اللّه سقط حكم اليمين بذلك ولم يثبت لها حنث ، وانما سقط ذلك بهذا الاستثناء إذا كان متصلا غير منفصل
ص: 407
وذلك ان يأتي به نسقا من غير قطع الكلام ، أو يأتي به في معنى الموصول وهو ان يكون الكلام انقطع لانقطاع النفس أو الصوت اوعى (1) أو تذكر ، فاذا اتى به على هذا الوجه صح. وان فصل بينه وبين اليمين فصلا طويلا على غير ما ذكرناه ثم استثنى أو تشاغل بحديث آخر حين فراغه من اليمين سقط بحكم الاستثناء؟
فاذا كان الاستثناء بالمشية لا يصح في اليمين الا ان يكون موصولا كما ذكرناه فلا يصح أيضا الا ان يكون نطقا وقولا فان كان نية أو اعتقادا لم يصح وإذا اتى به قولا ونطقا لم يصح الا ان يقصد به الاستثناء وينوي ذلك ويعتقده ، فان لم يكن كذلك لم يصح؟
وإذا أراد ان يقول لا واللّه فسبق لسانه فقال بلى واللّه وهو غير منوي بذلك اليمين كان ما سبق به لسانه لغوا لا حكم له ولم يكن يمينا ، ولا يلزمه على ذلك شي ء وكذلك : ما جرى هذا المجرى من اللغو.
فاذا حلف وحنث لزمه الكفارة وهي متعلقة بالحنث ، فان قدم الكفارة على الحنث لم يجزئه ( لم يجزه - خ ل ) وكان عليه إعادتها.
إذا قال إنسان ان كان كذا فلله على كذا ثم ذكر صلاة أو صوما أو صدقة أو غير ذلك من أفعال البر ، كان ذلك نذرا صحيحا ووجب عليه الوفاء بما نذر فيه ولم يجز له الإخلال به ، ويفتقر في صحة ذلك الى النية؟ وكذلك : العهد فان تجرد واحد منهما من النية لم يكن لذلك حكم.
وان قال ان كان كذا فعلى كذا ولم يذكر اللّه تعالى لم يكن ذلك نذرا ، وكان مخيرا بين الوفاء به وبين تركه والأفضل الوفاء بذلك؟
ص: 408
وليس ينعقد النذر على معصية ، فإذا نذر في شي ء من ذلك كان النذر باطلا.
وإذا لم يتلفظ بالنذر واعتقد انه ان كان كذا فلله على كذا (1) وان اعتقد انه إذا كان شي ء كان عليه كذا ولم يعتقد ذلك لله تعالى كان مخيرا بين الوفاء به وبين تركه والأفضل الوفاء به.
وإذا قال ان كان كذا فلله على المشي إلى بيته الحرام أو اهدى إليه بدنة أو احمل اليه كسوة أو ما أشبه ذلك ، فاذا حصل ذلك الشي ء كان عليه الوفاء بذلك.
وإذا قال ان كان كذا فلله على ان اهدى الى بيته طعاما لم يجب عليه الوفاء به لأن الهدى لا يكون الا من الإبل أو البقر أو الغنم؟
وإذا نذر ان يهدى الى البيت هديا ولم يسمه كان عليه ان يهدى ان من الإبل أو البقر أو الغنم لأن الهدى لا يكون الأمن ذلك كما قدمناه.
وإذا نذر لله تعالى انه متى كان كذا فعليه شي ء ولم يعين ذلك الشي ء كان مخيرا بين الصلاة والصوم أو الصدقة أو غير ذلك من أنواع القرب.
فاما المعاهدة فهو قول الإنسان عاهدت اللّه تعالى ان كان كذا فعلى كذا ويعتقد (2) مثل ذلك؟ فان قال ذلك أو اعتقد وحصل الذي عاهد عليه كان عليه الوفاء بذلك عند حصول ما ذكره.
وإذا قال انا محرم بحجة أو عمرة ان كان كذا وكذا كان ذلك لغوا ولم يثبت له حكم.
ص: 409
والنذر ضربان أحدهما : يجب الوفاء به والأخر : لا يجب الوفاء به ، فالذي يجب الوفاء به هو ان ينذر الإنسان انه متى فعل شيئا من الواجبات أو المندوبات أو المباحات كان عليه شي ء معين من صوم أو صلاة أو حج أو صدقة أو غير ذلك من أفعال البر فإنه متى فعل ذلك كان عليه الوفاء به.
وإذا نذر ان عوفي من مرضه أو عاد من سفره أو ربح في تجارته أو كفى سطوة ظالم أو تخلص من يده أو ما أشبه ذلك وحصل الشي ء الذي نذر فيه كان عليه الوفاء بما نذر ولم يجز له ان يخل به.
وإذا نذر عن ولد له غائب وهو مريض انه ان عوفي من مرضه كان عليه كذا وبلغه برؤه ، فإن كان برؤه حصل بعد النذر كان عليه الوفاء به ، وان كان حصل قبل النذر لم يلزمه الوفاء به.
وإذا وجب عليه نذر وكان قد علقه بشرط أو وقت معين كان عليه الوفاء به عند حصول الشرط أو الوقت المعين ، فان خالف في ذلك كان عليه الكفارة؟ وان لم يكن علفه بشرط ولا وقت معين كان ذلك ثابتا في ذمته الى ان يفي به.
وإذا نذر صوم شهر أو سنة أو أقل من ذلك أو أكثر ، وكان قد علق ذلك بوقت معين ولم يصمه فيه وجب عليه القضاء والكفارة؟ فان لم يكن علقه بوقت معين كان عليه الوفاء به اى وقت شاء الا ان الأحوط فعله على الفور والبدار دون التراخي فإن أخره لم يكن عليه كفارة.
وإذا كان عليه صوم نذر فمرض أو سافر ، فان كان النذر نذر الصوم على كل حال وجب عليه الصوم في السفر والمرض (1) وان لم يكن نذره على كل حال أفطر وكان عليه القضاء بغير كفارة.
ص: 410
وقد ذكرنا فيما تقدم ان النذر لا ينعقد على معصية فإن نذر صوم يوم العيدين أو صوم يوم (1) فوافق ان يكون ذلك ، يوم العيدين وجب عليه إفطاره وليس عليه قضاء ولا كفارة.
وإذا نذر عتق رقبة معينة أعتقها على كل حال سواء كانت مؤمنة أو كافرة؟فإن كانت غير معينة أعتق أي رقبة شاء بعد ان لا تكون كافرة.
وإذا نذر صوم حين من الدهر ولم يعين شيئا وجب صوم ستة أشهر فإن نذر صوم زمان ولم يعين شيئا كان عليه صوم خمسة أشهر.
وإذا نذر عتق كل مملوك قديم في ملكه ولم يعين شيئا أعتق كل عبد مضى عليه في ملكه ستة أشهر.
وإذا نذر صدقة مال كثير ولم يسم شيئا معينا كان عليه ان يتصدق بثمانين درهما أو ما زاد على ذلك.
وإذا نذر إخراج شي ء في وجه من وجوه البر ولم يذكر شيئا معينا ، كان مخيرا بين الصدقة على فقراء المسلمين المؤمنين وبين إخراجه في حج أو زيارة أو غير ذلك من وجوه البر؟
وإذا نذر الحج ماشيا أو زيارة مشهد من المشاهد الشريفة كذلك ، ثم عجز عن المشي كان له ان يركب ، ولا كفارة عليه ، فان ركب من غير عجز وجب عليه اعادة الحج أو الزيادة بأن يمشي ما ركب ويركب ما مشى ، وإذا اتى إلى نهر وأراد العبور فيه في زورق فينبغي ان يكون فيه قائماً ولا يجلس حتى يخرج الى البر
وإذا جعل دابته أو ثوبه أو مملوكه هديا للكعبة أو لبعض المشاهد كان عليه ان يبيع الدابة أو الثوب أو المملوك ويصرف ثمنه في بعض مصالح الكعبة أو المشهد وفي معونة الحاج والزوار؟
ص: 411
وإذا نذر صدقة بدنانير أو دراهم على فقراء معينين أو في موضع معين وجب عليه فعل ذلك على ما عينه؟ ولم يجز له العدول عنه الى غيره؟! فان عدل الى غير ذلك كان عليه الإعادة على الوجه الذي عينه.
وإذا نذر صلاة معينة تطوعا في وقت معين كان عليه الوفاء بذلك في الوقت الذي عينه مسافرا كان أو حاضرا.
وإذا نذر الحج ان رزقه اللّه ولدا ورزق الولد ومات قبل ان يحج للولد (1) أو غيره عنه من صلب ماله.
وإذا نذر ولم يعين شيئا ، كان مخيرا بين صلاة ركعتين وبين صوم يوم واحد أو صدقة بدرهم أو أقل من ذلك أو أكثر؟
وإذا نذر في طاعة الصدقة بجميع ما يملكه كان عليه الوفاء بذلك ، فان خاف المضرة بخروجه من جميع ما يملكه قوم ذلك على نفسه وتصدق به شيئا بعد شي ء ويثبت ما يتصدق به الى ان يعلم الوفاء بذلك؟ فاذا علم برأت ذمته مما كان نذره. وإذا كان له عبد فنذر ان لا يبيعه ابدا ، لم يجز له بيعه احتاج الى ذلك أو لم يحتج اليه.
وإذا نذر الإحرام بحجة أو عمرة من مكان معين ، وجب عليه الوفاء بذلك وان كان المكان الذي عينه لا حرامه دون الميقات.
وإذا نذر الحج ولم يكن له مال له يحج به ، ثم حج من غيره ، كانت حجته مجزية عن ذلك الغير ، وعليه الحج إذا تمكن منه؟! وقد ذكر (2) ان ذلك يجزأه
ص: 412
عن حجة النذر ، والصحيح ما ذكرناه.
وإذا نذر نذرا وعجز عن الوفاء به لم يكن عليه شي ء؟ وإذا كانت المرأة صائمة صوم نذر فحاضت فيه كان عليها ان تفطر ثم تقضى ذلك ولا شي ء عليها بعد القضاء.
واما ما لا يجب الوفاء به من النذر فهو ان ينذر انه متى فعل شيئا من القبيح كان عليه كذا شكرا لله تعالى : ثم فعل ذلك القبيح لم يجب عليه الوفاء بذلك؟ لأنه نذر في معصية وقد ذكرنا فيما تقدم : ان النذر لا ينعقد على معصية.
وإذا نذر انه متى لم يترك واجبا أو ندبا كان عليه كذا؟ وكذا : فليفعل الواجب أو الندب ولا شي ء عليه (1).
وإذا نذر انه ان فعل واجبا أو ندبا أو ربح في تجارة أو برء من مرضه ان برء مريض له أو تخلص من ظلم ظالم أو قدم من سفر وما أشبه ذلك فعل قبيحا ، مثل ان يقتل مؤمنا أو يترك واجبا أو يغصب مالا لغيره أو يفجر بامرأة أو ما جرى هذا المجرى كان عليه ان يترك ولا كفارة عليه.
واما المعاهدة : فإن الإنسان إذا عاهد اللّه تعالى : على ان يفعل (2) ما الاولى ان يفعله في دينه أو دنياه أو لا يفعل ما الاولى ان يفعله ، فليفعل ما الاولى فعله ويترك ما الاولى تركه ولا كفارة.
وإذا عاهد اللّه : تعالى على ان لا يفعل قبيحا ولا يترك واجبا أو ندبا وفعل القبيح أو ترك الواجب أو الندب كان عليه الكفارة.
ص: 413
الكفارات على ضروب : منها كفارة اليمين ومنها كفارة نقض النذور والعهود (1) ومنها : كفارة الحلف بالبراءة من اللّه تعالى أو رسوله أو أحد الأئمة عليهم السلام.
ومنها كفارة من أفطر في يوم من شهر رمضان متعمدا ومنها كفارة من أفطر بعد الزوال في يوم يقضيه عن يوم من شهر رمضان. ومنها كفارة قتل العمد ومنها كفارة قتل الخطاء ومنها كفارة وطء الزوجة أو الأمة في الحيض ، ومنها كفارة العجز عن صيام شهرين؟ومنها : كفارة من تزوج امرأة وهي في العدة؟ ومنها : كفارة من نام عن صلاة العشاء الأخيرة حتى صار نصف الليل ومنها كفارة من ترك صلاة الكسوف؟ ومنها : كفارة النظر الى المصلوب بعد ثلاثة أيام ومنها : كفارة من شق ثوبه في موت ولده أو أخيه؟ومنها كفارة لطم المرية وجهها في مصاب أو خدشة أو جزها لشعرها في ذلك.
ومنها : كفارة قتل السيد مملوكه أو كفارة ضربه له بما يزيده على الحد.
كفارة اليمين : عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم؟ وهذه الكفارات واجبة على وجه التخيير دون الترتيب ، والحانث مخير في أي شي ء منها فعل كان مجزيا
وإذا أراد عتق الرقبة فينبغي ان يعتق من يكون على ظاهر الإسلام أو من يكون بحكم ذلك ذكرا كان : أو أنثى : صغيرا كان : أو كبيرا؟ ولا يجوز له عتق مدبر الا بعد ان ينقض تدبيره؟ ولا يجوز له أيضا ان يعتق مكاتبا قد أدى شيئا من مكاتبته.
ص: 414
ويجوز له ان يعتق المملوك الآبق إذا لم يعلم موته؟ ويجوز له أيضا عتق الأعور والأعرج والأشل ، ولا يجوز عتق مقعد ولا مجذوم ولا أعمى.
ولا ينبغي للحانث ان يعتق أم ولده في الكفارة أيضا ، وقد ذكر : (1) جواز ذلك والأحوط ما ذكرناه.
وإذا أراد إطعام عشرة مساكين فليطعم كل واحد منهم شبعه في يوم ، فان لم يقدر أطعمه مدا من طعام ويجوز جمعهم في موضع واحد وإطعامهم ذلك الطعام. ولا يجوز ان يكون جميع العشرة صغارا؟ وقد ذكر (2) انه إذا لم يجد الا الصغار جعل كل اثنين منهم بواحد.
ولا يجوز ان يكونوا الا من فقراء المؤمنين أو من هو بحكمهم؟ فان لم يجد أحدا من هؤلاء بقي ذلك في ذمته الى ان يجدهم فيطعمهم وقد ذكر (3) انه إذا لم يجدهم اطعم المستضعفين من المخالفين والأول أحوط.
وإذا لم يجد تمام العدد من المؤمنين ووجد بعضهم كرر على الموجودين حتى يستكمل العدد؟ وإذا لم يجد الا واحدا أطعمه في عشرة أيام يوما بعد يوم في كل يوم طعام واحد حتى يستكمل العدد ولا يجوز ان يطعم الناصبي شيئا من ذلك على حال
وأعلى ما يطعم الخبز واللحم وأوسطه الخبز والخل والزيت وأدناه الخبز والملح؟وان تمكن من إطعام ما هو ارفع من ذلك وفعل ، كان أفضل.
وإذا أراد كسوتهم دفع الى كل واحد منهم ثوبين إذا قدر على ذلك فان لم يمكنه وقدر على ان يكسو كل واحد ثوبا واحدا اقتصر على ذلك ، فان لم يقدر على شي ء من هذه الكفارات الثلاث صام ثلاث أيام متتابعات فان لم يقدر على الصوم استغفر اللّه ولا يعود الى اليمين.
والكفارة ( وكفارة اليمين خ - ل ) لا تجب الا بعد الحنث؟ فان كفر الحالف قبل
ص: 415
الحنث لم يكن ذلك مجزيا له ووجب عليه إعادتها بعد الحنث؟ وإذا وجبت عليه الكفارة لم يجز له صرفها الا الى من لا يلزمه نفقته فاما من يلزمه نفقته فلا يجوز صرفها اليه.
واما الكفارة (1) إلى مسكين كان المستحب له ان لا يشترى ذلك منه؟
وإذا وجب على العبد كفارة كان فرضه فيها الصوم ولا فرق في ذلك بين ان تكون الكفارة مخيرا فيها مثل كفارة اليمين وبين ان تكون مرتبة مثل كفارة الظهار والقتل.
وإذا أراد العبد هذا الصوم وكان قد حلف وحنث بإذن سيده ، فإن أراد سيده منعه من ذلك لم يجز له منعه ، لأنه صوم لزمه باذنه؟ وان كان الحلف (2) والحنث باذنه فليس له أيضا منعه منه.
وكذلك لو كان الحلف بإذن سيده والحنث بغير إذنه فإذا لزمه الصوم على ما ذكرناه وان اراده في وقت يضعف فيه بدنه منه كان لسيده منعه منه ، وان لم يكن كذلك لم يكن ( لم يجز - خ ل ) له منعه منه.
وإذا أعتقه سيده بعد اليمين وقبل الحنث فهو في الكفارة كالحر ، لان المعتبر بحال وجوب الكفارة وحال الوجوب عقيب الحنث وذلك قد حصل وهو حر؟ وإذا كان نصفه حرا ونصفه مملوكا وحلف ثم حنث ، فان كان معسرا بما فيه من الحرية
ص: 416
كان فرضه في الكفارة ، الصيام ، وان كان موسرا بما فيه من الحرية صح منه العتق والإطعام والكسوة في ذلك ولا يصح منه فيه الصوم.
وإذا حلف إنسان لا ادخل هذه الدار ثم دخلها أو شيئا منها أو غرفة منها حنث؟ولا فرق في ذلك بين ان يدخلها من الباب أو ينزل إليها من السطح ، فان كان سطحها محجرا ورقي عليه (1) لم يحنث وكذلك ان وقف على بدن ( برز - خ ل ) الحائط لم يحنث.
وإذا حلف لا أدخلنها فجلس في سفينة أو على شي ء فحمله الماء فادخله إليها أو القى نفسه في الماء فحمله فادخله إليها حنث؟ لأنه دخلها باختياره ، وإذا حلف لا دخلت هذه الدار وكان خارجا منها فابتدأ ودخلها حنث ولو كان فيها فاستدام المقام فيها لم يحنث.
وإذا حلف لا دخلت بيتا فدخل بيتا من أدم أو شعر أو وبر أو طين أو مدر فان كان بدويا ودخل ذلك حنث سواء دخل بيوت البادية أو الحاضرة. وان كان قرويا فدخل بيوت البلدان حنث وان دخل بيوت البادية (2) وكان يعرفها حنث وان لم يعرفها لم يحنث.
وإذا حلف ان لا يأكل من طعام يشتريه زيد فاشترى زيد طعاما واشترى عمرو طعاما وخلطاه فأكل منه (3) حنث لأنه لا يقطع (4) على انه لم يأكل من طعام زيد
ص: 417
وقد ذكر (1) انه لا يحنث والأحوط ما قدمناه.
وإذا حلف ان لا يدخل دار زيد هذه فدخلها حنث سواء كان ملك زيد قد زال عنها أو لم يزل وإذا حلف ان لا يدخل دار زيد ولم يقل هذه فدخل دارا يملكها زيد حنث ، فلو ان ملك زيد زال عنها وصارت ملكا لغيره ودخلها لم يحنث.
وإذا حلف ان لا يلبس هذا الثوب وهو رداء فلبسه وهو رداء حنث وان لبسه ثوبا غير رداء لم يحنث.
فان حلف لا لبست هذا الثوب وأطلق فلبسه وهو رداء حنث وكذلك لو عمله ثوبا ولبسه يحنث أيضا.
وإذا حلف لا يدخل هذه الدار مطلقا فدخلها من بابها أو من غيره أو نزل إليها من السطح حنث لأنه دخلها فان حلف لا يدخلها من هذا الباب فدخلها منه حنث ، ولو غير بابها وجعلها من جهة أخرى ودخلها منه لم يحنث؟
وإذا حلف لا يدخل دار زيد فدخل دارا يملكها زيد حنث ، فان دخل دارا يسكنها زيد وهي غير ملك له لم يحنث.
وإذا حلف الا يدخل على زيد بيتا فدخل بيت عمرو وزيد فيه وهو عالم بذلك حنث ، فان كان غير عالم بذلك أو كان مكرها على دخوله لم يحنث.
وإذا حلف لا يسلم على زيد فسلم على جماعة فيهم زيد فان كان عالما به ولم يستثنه بقلبه حنث وان استثناه بقلبه لم يحنث؟ فان لم يكن عالما به لم يحنث ، ولا فرق في ذلك بين ان يكون جاهلا به أو كان عالما به ثم نسيه حين السلام عليهم.
وإذا حلف ليأكلن هذا الطعام غدا ولم يأكله في غد حتى غربت الشمس من غد حنث وكذلك : ان أكل بعضه اليوم أو بعضه غدا حنث.
وإذا حلف انه يقضيه دينه غدا فلم يقضه ذلك حتى غربت الشمس من غد
ص: 418
حنث ما لم يكن قد مات أو أكره على تأخيره فان قضى بعضه اليوم وبعضه غدا حنث.
وإذا حلف لا أكلت هذين الرغيفين أو لا لبست هذين الثوبين ، فأكل أحد الرغيفين أو لبس أحد الثوبين لم يحنث؟ فإن أكلهما أو لبسهما حنث ، فان حلف ليأكلن هذين الرغيفين أو ليلبسن هذين الثوبين فأكلهما أو لبسهما لم يحنث؟ وان أكل أو لبس أحدهما ولم يأكل ولا لبس الأخر حنث.
وإذا حلف لا كلمت زيدا وعمرا فكلم أحدهما حنث والفرق بين ما ذكرناه هاهنا وبين ما ذكرناه في الرغيفين والثوبين ان هناك : يمينا واحدا وهنا يمينان لان تقدير ذلك لا كلمت زيدا ولا كلمت عمرا ، وانما دخلت الواو نائبه مناب تكرير الفعل كأنه أراد ان يقول لا كلمت زيدا ولا كلمت عمرا فقال وعمرا.
وإذا حلف لا يأكل سمنا وكان السمن جامدا فأكله وحده أو مع الخبز حنث؟وان كان مائعا فأكله مع الخبز أيضا حنث وان شربه لم يحنث لأنه حلف ان لا يأكله فاذا شربه لم يحنث؟ فان كان الخبيص (1) معمولا بسمن فأكله وكان السمن ظاهرا فيه حنث وان كان مستهلكا لم يحنث.
وكذلك إذا حلف لا يأكل خلا فأكل مرقة (2) فيها خل ظاهر فإنه يحنث وان كان مستهلكا لم يحنث.
وإذا حلف لا يأكل هذه الثمرة فوقعت في ثمرة فأكل جميعه إلا واحدة فإن تيقن انه قد أكل التي حلف عليها حنث. وان تيقن انه لم يأكلها لم يحنث وان أشكل عليه الأمر فيها لم يحنث لأن الأصل انه ما حنث ولا يحنث بالشك؟
وإذا حلف لا آكل هذه الحنطة أو من هذه الحنطة فأكلها على جهتها أو بعد ان طحنها وصارت دقيقا حنث لان العين الذي تعلقت اليمين بها واحدة.
وكان الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه اللّه قد قال : لي يوما في الدرس أن أكلها
ص: 419
على جهتها حنث؟ وان أكلها دقيقا أو سويقا لم يحنث؟! فقلت له ولم ذلك وعين الدقيق هي عين الحنطة وانما تغيرت بالتقطيع الذي هو الطحن؟ فقال : قد تغيرت عما كانت عليه وان كانت العين واحدة وهو حلف ان لا يأكل ما هو مسمى بحنطة لا ما يسمى دقيقا؟ فقلت : له هذا لم يجز في اليمين : فلو حلف لا أكلت هذه الحنطة ما دامت تسمى حنطة كان الأمر على ما ذكرت فإنما حلف ان لا يأكل هذه الحنطة أو من هذه الحنطة فقال على كل حال قد حلف ان لا يأكلها وهي على صفة وقد تغيرت عن تلك الصفة فلم يحنث فقلت الجواب هاهنا مثل ما ذكرته أولا وذلك : ان كنت تريد انه حلف ان لا يأكلها وهي على صفة انه أراد وهي على تلك الصفة فقد تقدم ما فيه فان كنت لم ترد ذلك فلا حجة فيه ، ثم يلزم على ما ذكرته انه لو حلف ان لا يأكل هذا الخيار أو هذا التفاح ثم قشره وقطعه وأكله إلا يحنث ولا شبهة في انه يحنث فقال :من قال : في الحنطة ما تقدم يقول في الخيار والتفاح مثله فقلت له إذا قال في هذا مثل ما قاله في الحنطة علم فساد قوله بما ذكرته : من ان العين واحدة اللّهم الا ان شرط في يمينه انه لا يأكل هذا الخيار أو هذا التفاح وهو على ما هو عليه فان الأمر يكون على ما ذكرته؟ وقد قلنا ان اليمين لم يتناول ذلك ثم قلت له : على ان الاحتياط يتناول ما ذكرته فأمسك (1).
فإذا حلف لا يأكل شحما فأكل ما يجرى عليه اسم شحم حنث ، وإذا حلف الا يأكل (2) رطبا فأكل من النصف (3) فان كان أكل منه البسر لم يحنث وان أكله بجملته حنث لأنه أكل الرطب.
ص: 420
وإذا حلف لا يأكل لبنا فأكل سمنا لم يحنث فإن أكل زبدا وكان في الزبد لبن ظاهر حنث؟ وان لم يكن فيه لبن أو كان مستهلكا لم يحنث.
. كفارة نقض النذر والعهد عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا؟ وهذه الكفارة يجب على وجه التخيير أي شي ء فعله المكفر منها كان مجزيا له فان عجز عن جميع ذلك كان عليه صوم ثمانية عشر يوما؟ فان لم يقدر على ذلك أطعم عشرة مساكين أو كساهم؟ فان لم يقدر على ذلك تصدق بما قدر عليه ، فان لم يقدر على شي ء على وجه من الوجوه استغفر اللّه تعالى ولا يعود الى مثل ذلك.
هذه الكفارة عتق رقبة ، فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فان لم يقدر على ذلك اطعم ستين مسكينا؟ وهي واجبة على الترتيب فلا يجوز للمكفر أن يعدل عن العتق الى الصوم الا بعد العجز عن العتق ، ولا يجوز له العدول عن الصوم إلى الإطعام الا بعد العجز عن ذلك ، فان عدل عن العتق الى الصوم أو عدل عن الصوم إلى الإطعام من غير عجز عن ذلك لم يجزأه وكان عليه ان يكفر بما وجب عليه أولا فأولا على الترتيب الذي ذكرناه دون التخيير.
فان جامع المظاهر قبل التكفير كان عليه كفارة أخرى (1) الى ان يكفر؟واما كفارة الإيلاء فهي كفارة اليمين وقد سلف ذكرها.
هذه الكفارة مثل كفارة الظهار؟ فان لم يقدر على كفارة الظهار كان عليه كفارة يمين.
ص: 421
« أو أفطر بعد الزوال في يوم يقضيه عن يوم من شهر رمضان »
كفارة من أفطر متعمدا في يوم من شهر رمضان ، عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا؟ وهذه الكفارة تجب على وجه التخيير ، ايها فعل المكفر كان ذلك مجزيا له.
فأما كفارة من أفطر بعد الزوال في يوم يقضيه عن يوم من شهر رمضان فهي كفارة من أفطر في يوم من شهر رمضان وقد ذكر (1) ان كفارة ذلك كفارة يمين.
وروى انه ليس عليه شي ء؟ (2) والذي قدمناه أحوط على كل حال ، فإن أفطر في هذا اليوم قبل الزوال لم يكن عليه شي ء.
كفارة قتل العمد هي عتق رقبة وإطعام ستين مسكينا وصوم شهرين متتابعين بعد عفو أولياء الدم عن القود ورضاهم بأخذ الدية.
وهذه الكفارة تجب على الجمع ولا يجوز الاقتصار على واحد منها ، فان اقتصر المكفر على واحدة منهما لم يجزئه ذلك ولم يكن مكفرا.
واما كفارة قتل الخطاء فهي عتق رقبة فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين فان لم يقدر على ذلك فإطعام ستين مسكينا؟ وهذه الكفارة تجب على الترتيب الذي ذكرناه ولا يجوز على وجه التخيير.
ص: 422
إذا وطأ رجل زوجته في أول الحيض كانت كفارته عن ذلك دينارا واحدا قيمته عشرة دراهم جيادا ، وان وطأها في وسط الحيض كفر عن ذلك بنصف دينار ، وان وطأها في آخره كفر عن ذلك بربع دينار وقد سلف ذكر ذلك.
واما كفارة وطء الأمة في الحيض فهي ثلاثة أمداد من طعام يدفعها المكفر إلى ثلاثة مساكين لكل واحد منهم مد واحد.
كفارة من عجز عن ذلك ، صوم ثمانية عشر يوما ، فان لم يستطع ذلك تصدق عن كل يوم بمد من طعام ، فان لم يقدر على ذلك استغفر اللّه تعالى ولم يكن عليه شي ء بعد ذلك.
كفارة هذا المتزوج في العدة خمسة أصوع من دقيق بعد ان يفارقها. (1)
إذا نام الإنسان عن صلاة العشاء الأخيرة حتى جاز نصف الليل كانت كفارته عن ذلك صوم اليوم الذي يصبح من تلك الليلة فيه.
كفارة من ترك هذه الصلاة هي الاغتسال وقضاء الصلاة بعد ذلك؟! وهذه الكفارة انما يثبت بشرط العمد لترك هذه الصلاة مع احتراق جميع القرص.
ص: 423
كفارة النظر الى المصلوب هي استغفار اللّه تعالى من ذلك والاغتسال ، وهذه الكفارة إنما تفعل إذا مضى الإنسان إلى المصلوب متعمدا وقاصدا الى ذلك وقد مضى له مصلوبا ثلاثة أيام ، فإن نظر اليه على خلاف ما ذكرناه لم يكن عليه شي ء.
هذه الكفارة هي كفارة يمين ، فان شق ذلك في موت والد أو والدة أو أخ وما أشبه ذلك لم يكن عليه شي ء.
الكفارة على هذا الفعل هي كفارة يمين وليس يلزم الا بشرط : وهو ان تلطم المرأة وجهها في مصاب وتخدشه حتى تدميه ، فان لم ينته الى هذا الحد فلا كفارة عليها.
فان جزت شعرها في ذلك ، كانت الكفارة فيه عتق رقبة أو إطعام ستين مسكينا أو صوم شهرين متتابعين.
كفارة هذا القاتل لمملوكه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا مخيرا في ذلك (1) وعليه مع ذلك التوبة فاما كفارة ضربه له فوق الحد فهي عتقه له إذا فعل ذلك.
ص: 424
إذا وجب على المكفر صيام شهرين متتابعين في شي ء من الكفارات فصام الشهر الأول ومن الشهر الثاني ، شيئا آخر ثم أفطر لغير علة كان مخطئا (1) وجاز له ان يبنى على ذلك ويتمم الشهر وان كان صام الأول ولم يصم من الثاني شيئا وأفطر ، كان عليه استئناف الصوم من اوله؟! وكذلك : يجب عليه إذا أفطر في بعض أيام الشهر الأول وان أفطر قبل ان يصوم من الشهر الثاني شيئا (2) لعلة كان له ان يبنى على ما مضى
ومن وجبت عليه كفارة مرتبة وعجز عن العتق ثم انتقل الى الصوم فصام شيئا ثم قدر على عتق الرقبة جاز له إتمام الصوم ولم يلزمه الرجوع الى العتق؟ فان رجع الى العتق وعدل عن الصوم كان أفضل.
فأما ما يلزم المحرم من الكفارات على جناياته فقد سلف ذكره في كتاب الحج فمن احتاج الى المعرفة بذلك نظره في الموضع الذي ذكرناه.
ص: 425
قال اللّه تعالى « إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً » الآيات (1)
وروى عن النبي (صلی الله عليه وآله) انه قال : من أهون أهل النار عذابا ابن جذعان فقيل له ولم ذلك يا رسول اللّه قال : كان يطعم الطعام (2).
وعنه (عليه السلام) : ان أعرابيا قال له يا رسول اللّه علمني عملا أدخل به الجنة ، فقال له : اطعم الطعام وأفش السلام وصل بالليل والناس نيام؟ قال : لا أطيق ذلك قال :فهل لك إبل قال : نعم قال : فانظر بعيرا منها فاسق عليه أهل بيت لا يشربون الماء الا غبا (3) فلعلك لا ينفق (4) بعيرك ولا يتحرق (5) سقاؤك حتى يجب لك الجنة.
ص: 426
وقال (صلی الله عليه وآله) : لا يضيف الضيف الا كل مؤمن ومن مكارم الأخلاق قرى الضيف وحد الضيافة ثلاثة أيام فما كان أكثر من ذلك فهو صدقة.
وقال : من أكل طعاما لم يدع إليه فإنما يأكل في جوفه شعلة من نار.
وقال الصادق (عليه السلام) لبعض أصحابه ما يمنعك ان تعتق كل يوم رقبة قال لا يحتمل ذلك مالي جعلت فداك قال : فأطعم كل يوم رجلا مؤمنا ، موسرا كان أو معسرا؟ ان الموسر قد يشتهي الطعام وذكر باقي الحديث (1).
الأطعمة ضربان :حيوان وغير حيوان - والحيوان على ثلاثة أضرب : مباح ومحرم ومكروه.
فالمباح هو كل ما كان ذكيا من الإبل والبقر والغنم والطير الحلال أكله ويتميز ذلك بذكرنا ما لم يحرم اكله (2) وسيأتي ذكر ذلك بمشيئة اللّه تعالى ومن ذلك (3) ما كان جلالا واستبرأ بعد ذلك الجلال من الإبل بأربعين يوما ، والبقر بعشرين يوما ، والحمل والشاة بعشرة أيام ، وكل ما شرب من هذه الأجناس خمرا ثم ذبح غسل بالماء (4)؟
ص: 427
وكل ما شرب من ذلك يسيرا من لبن امرأة ولم يشتد بذلك (1) وكل ما كان من الطير جلالا يأكل العذرة وحدها أو يأكلها مع غيرها ، واستبرأ البط وما جرى مجراه بخمسة أيام والدجاج وما يجرى مجراه بثلاثة أيام.
واما المحرم : فهو الميتة وكل ما لم يتحرك منه شي ء بعد الذبح وان سال منه الدم وكل ما لم يسل منه دم (2) والمنخنقة والمتردية والموقوذة بحجر أو غيره والنطيحة وكل ما كانت الذكاة ممكنة منه فضرب أو طعن فمات من ذلك وما اكله السبع وما قتله غير كلب المسلم المعلم من الكلاب وكل ما ذكاه كافر وكل ما ذكي في غير موضع الذكاة وما قطع من الحيوان قبل الذكاة وما قطع من ذكي الحيوان قبل ان يبرد بالموت وكل ما كان في بطن ما شرب خمرا من ذلك ، غسل بعد الذكاة أو لم يغسل وكل ما وطأه إنسان من الأجناس الثلاثة السالف ذكرها وينبغي إحراقها بالنار وكل ما شرب من لبن خنزيرة واشتد بذلك وكل ما كان من نسل ذلك وأولاده أبدا ما تناسلت وتوالدت.
والفيل والثعلب والأرنب والسبع والنمر والفهد والكلب والخنزير والدب والقرد والسنور والسلحفاة والضب واليربوع والفار والحيات والعقارب والخنافس والنمل والسرطان وبنات وردان والزنابير وفراخها والنحل والسنجاب والفنك والسمور والقنفذ وكل ذي ناب ومخلب من الوحوش وكل ما يصف من الطير وكل ما كان صفيفه أكثر من دفيفه ان كان مما يصف ، ويدف والنسر والعقاب والحدأة والرخمة وكل ما كان له مخلب من الطير وكل ما ليس له حوصلة من ذلك ولا قانصة
ص: 428
والخطاف (1) والخفاش والطواويس.
واما المكروهة : فهو كل ما شرب من الأجناس الثلاثة لبن خنزيرة دفعة واستبرأ سبعة أيام (2) ويطعم فيها العلف ان كان يأكله أو يسقى اللبن ان كان يشربه والخيل والبغال والحمير أهلية كانت أو وحشية. والحبارى والهدهد والصرد والقنابر والصوام والشقراق والغراب وكل ما كان جلالا يأكل العذرة وحدها أو يأكلها مع غيرها ثم استبرأ بعد ذلك الانعام والبط والدجاج بما تقدم ذكره وغير ذلك من الطير بيوم وليلة.
واما ما ليس بحيوان فيما ( مما - خ ل ) تقدم ذكره فعلى ثلاثة أضرب : محرم ، ومكروه ، ومباح.
فاما المحرم : فهو السمايم القاتلة اجمع والنجاسات كلها وكل طعام وقع فيه دم الا ان يكون يسيرا فيقع في قدر فإنه ينبغي ان يهراق ما فيها ويغسل ثم يغسل اللحم ويعاد طبخه بغير ما كان معه من المرق أو غيره ، وكل طعام أو دهن مائع وقع فيه شي ء من ميتة ذوات الأنفس السائلة أو وقع فيه وزغ أو عقرب الا ان يكون جامدا فيلقى ما حول ذلك ويستعمل الباقي منه.
ومؤاكلة الطعام مع الكفار وكل طعام مائع باشره كافر أو جعل في إناء كان يستعمله كافر في طعام أو غيره من غير ان يغسل ، وكل طعام جعل في شي ء من أواني الخمر قبل ان يغسل الإناء ثلاث مرات ويجف بعد الغسل ، وكل طعام في آنية ذهب أو فضة حتى يزال من ذلك الى غيره ، والطين إلا تربة الحسين عليه السلام فإنه يجوز
ص: 429
استعمال اليسير منه للشفاء من الأمراض ، وكل عجين عجن بماء نجس وكل خبز يخبز من ذلك العجين ، وبيض ولبن ما لا يحل أكل لحمه ، وكل ما استوى طرفاه من البيض (1).
واما المكروه من ذلك : فهو كل طعام باشره جنب أو حائض إذا كانا ممن لا يؤمن منه بعد ( ترك - خ ل ) التحفظ من النجاسة وكل ما أكل الفجار ( الفار - خ ل ) منه وأكل البصل والثوم مطبوخا ونيا لمن يريد دخول المساجد ، وكل بيض يوجد في بطن ميتة كان يجوز أكل لحمها ، وكل لبن يوجد في ضرعها وحرير البقل (2) وطعام اللحاط ( الفجأة - خ ل ) وكل طعام لم يدع الإنسان اليه (3) وطعام الولائم القبائح (4) والخبز المقطع بالسكين.
واما المباح فضربان : حبوب وغير حبوب وجميعها هو كل ما عدا ما ذكرناه من محرم ومكروه.
هي على ثلاثة أضرب : محرم ، ومكروه ، ومباح ، فالمحرم هو الخمر بعينها
ص: 430
والمسكر من كل شراب وان اختلفت ضروبه وأنواعه ، من عنب كان أو زبيب أو تمر أو عسل أو حنطة أو شعير أو غير ذلك.
والفقاع وكل مائع من النجاسات مثل الأبوال وغيرها ، وكل ما كان من المائعات الطاهرة فنجس ببعض النجاسات ، والشرب فيما لا يجوز الأكل منه من أواني الذهب والفضة وغيرهما وقد تقدم ذكر ذلك والعامرة ( والمعاقرة - خ ل ) (1) بما كان من الأشربة الحلال مثل الماء وشرب الجلاب والورد وما أشبه ذلك من الأشربة الحلال.
واما المكروه فهو شرب الماء في الليل قائماً والعب والنهل في نفس واحد والشرب من كسر الكوز ومما يلي اذنه ، والشرب في حال الاتكاء وشرب الماء المالح وشرب المياه الكبريتية والماء الآجن وكل ما تغير لونه أو طعمه أو رائحته بغير نجاسة واما المباح فهو كل ما عدا ما ذكرناه.
إذا كانت قدر على نار وهي تغلي فوقع فيها خمر وكان قليلا فإنه يهراق ما فيها ويجوز غسل اللحم وأكله بعد ذلك وان كان كثيرا فإنه يهراق ما فيها ولا يؤكل شي ء منه والأحوط في الوجهين جميعا ان لا يؤكل من ذلك شي ء على وجه.
فان وقع فيها دم ، وكان قليلا وغلى جاز أكل ما فيها بعد ان تغلي (2) وان
ص: 431
كان كثيرا لم يجز أكل شي ء منها وقيل ان هذا انما جاز في الدم بغير غسل اللحم لان النار تحمل (1) الدم ولان اللحم لا يكاد يعرى منه وقد جاز اكله بعد الغسل مع انه كذلك : والأحوط عندي في الوجهين جميعا ان لا يؤكل من ذلك شي ء.
وإذا وقع شي ء من ذوات الأنفس (2) السائلة في شي ء نجسة فإن كان ما وقع فيه مائعا مثل الزيت والشيرج وما أشبه ذلك من الادهان لم يجز استعماله في أكل ولا غيره (3) الا في الاستصباح به تحت السماء ، ولا يجوز الاستصباح به تحت السقف ولا ما يستظل به الإنسان فإن كان جامدا مثل السمن والزبد وما أشبه ذلك القى ما يكون حول الميتة وجاز أكل الباقي بعد ذلك.
وإذا مات مالا نفس له سائلة مثل الجراد وبنات وردان والخنافس وما أشبه ذلك في شي ء من الأطعمة والأشربة أو غيرها جامدا كان ما وقع فيه ذلك أو مائعا فإنه لا ينجس به على ما ذكرناه فيما تقدم ، ويجوز استعماله في الأكل والشرب وغير ذلك
ولا يجوز الأكل والشرب مع الكفار ولا استعمال آنيتهم الا على ما قدمناه ، ويجوز استعمال ما باشروه بأيديهم من الحبوب وما جرى مجراها مما لا يقبل النجاسات.
وأواني من يشرب الخمر والمسكر لا يجوز استعمال شي ء منها حتى يغسل ثلاث مرات بالماء ويجفف
وإذا مات شي ء من ذوات الأنفس السائلة في قدر وهي تغلي أهريق ما فيها وكان الحكم في اللحم مثل ما ذكرناه في الدم من الغسل والأكل؟ وكل طعام أكل
ص: 432
منه سنور فجائزا كله وكذلك : ما شرب منه الا ان يكون في أكله أو شربه كان فيه اثر دم من حيوان اكله.
وإذا نجس الماء بوقوع شي ء من النجاسات فيه ثم عجن به عجين وخبز لم يجز أكله إلا في حال الضرورة الشديدة التي تخاف معها على تلف النفس ، فإنه يجوز ان يؤكل منه مقدار ما يمسك الرمق فاما في غير ذلك فلا يجوز أكل شي ء منه ، وقد وردت رواية بجواز اكله (1) وذكر فيها ان النار قد طهرته والأحوط ما قدمناه.
ويجوز شرب أبوال الإبل للتداوي بذلك وكذلك شرب ألبانها على كل حال وكذلك ألبان الأتن وأكل ما يعمل من ألبانها أيضا على كل حال.
وكل عصير لم يغل فإنه حلال استعماله ، فان غلى لم يجز استعماله على حال والغليان الذي معه لا يجوز استعماله هو ان يصير أسفله أعلاه بالغليان فان صار بعد ذلك خلا جاز استعماله وقد تقدم ذكر ذلك
فاذا طبخ العصير على النار وغلى ولم يذهب ثلثاه لم يجز استعماله؟ فان ذهب ثلثاه وبقي ثلثه جاز استعماله؟ وحد ذلك ان يصير حلوا يخضب الإناء ، ومن كان يستحل شرب العصير إذا طبخ فلم يذهب منه الثلثان فلا يجوز ان يؤتمن على طبخه ولا يسمع قوله فيه.
ومن خاف على نفسه من العطش جاز له ان يشرب من الخمر أو المسكر مقدار ما يمسك رمقه وإذا كان في الدواء شي ء من المسكر لم يجز التداوي به الا ان لا يكون له عنه مندوحة والأحوط تركه
ولا يجوز ان يسقى بشي ء من البهائم والأطفال شيئا من الخمر والمسكر ويجوز شرب النبيذ الذي لا يسكر مثل ان يلقى التمر أو الزبيب في الماء المر أو المالح وينقع فيه الى ان يحلو فان تغير لم يجز شربه.
ص: 433
وما يستعمل من الأواني في الخمر وهو خشب ، فلا يجوز استعماله في شي ء من المائعات ، وما كان مثل الجرار من النحاس والصفر أو الفخار أو الكيزان (1) التي تجري هذا المجرى فإنه يجوز استعماله بعد غسله بالماء ثلاث مرات.
يستحب لمن أراد الأكل والشرب ان يغسل يديه قبل الأكل والشرب ويسمى اللّه تعالى عند ابتداء الأكل والشرب ويحمده عند الفراغ منهما ، فان كان ممن ينقل إليه ألوان كثيرة فيستحب له ان يسمى عند ابتدائه في أول كل لون منها فان قال في أول ذلك بسم اللّه على اوله وآخره أجزأ وإذا كان مع الإنسان غيره وسمى على المائدة واحد منهم أجزأ ذلك أيضا فالأول أفضل.
ولا يحضر الإنسان (2) على مائدة يشرب عليها شي ء من الخمر أو المسكر أو الفقاع ولا يكثر من الأكل ولا يزيد على شبعه.
وإذا أراد شرب الماء فليشربه مقطعا في ثلاثة أنفاس ويسمى اللّه في أول كل دفعة من ذلك وعند الفراغ منها (3) وينبغي ان يبتدئ صاحب الطعام بالأكل وهو آخر من يرفع يده منه ولا يأكل ولا يشرب بيساره إلا لضرورة ولا من كسر الكوز ولا من عند عروته وقد تقدم ذكر ذلك أيضا.
فإذا حضر الطعام في وقت صلاة فينبغي ان يبتدأ بالصلاة فإن حضر عند صاحبه قوم ينتظرون ذلك فينبغي الابتداء بالطعام فان كان وقت صلاة قد تضيق وجب الابتداء
ص: 434
بالصلاة على كل حال؟ ومن شرب ماء فليصمه ولا يعبه ، ومن شرب لبنا فليعبه ولا يتجرعه.
وإذا شرب الماء قال الحمد لله الذي سقانا عذبا زلالا برحمته ولا يسقينا ملحا أجاجا بذنوبنا. (1)
وإذا شرب اللبن قال : اللّهم بارك لنا فيه وزدنا منه ، وإذا أكل سمكا قال :اللّهم بارك لنا فيه وأبدلنا به خيرا منه (2)
قال اللّه تعالى « أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً » (3)
وقال اللّه تعالى « أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ » (4)
وقال تعالى « وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا » (5) وقال تعالى « يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ ) الى قوله ( فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ) » (6)
فأباح تعالى : صيد البحر لكل واحد وأباح صيد البر الا لمن كان محرما ، واستفيد من ذلك جواز الاصطياد وأكل الصيد وجواز تعليم الجوارح للصيد
ص: 435
والاصطياد وأكل ما يصيد ويقتل إذا كان كلبا معلما. (1)
والصيد ضربان : صيد البر؟ وصيد البحر؟ فاما صيد البر فعلى ثلاثة أضرب أولها : حلال اكله على كل حال ، وثانيها : محرم ، وثالثها : مكروه ، فاما الحلال اكله على كل حال فهو كل صيد أخذ بشبكة أو حبالات أو ما أشبه ذلك من آلات الصيد وأدركت ذكاته ، وكل صيد أخذه كلب معلم أو غير معلم أو فهد وكان المرسل له قد سمى اللّه تعالى (2) عند إرساله وأدركت ذكاته.
وكل ما قتله كلب معلم وان لم يدرك ذكاته إذا كان المرسل له قد سمى اللّه تعالى عند إرساله ، وكلما أخذه أيضا كلب معلم سمى المرسل له عند إرساله (3) فأكل منه وكان ذلك منه شاذا وهو غير معتاد لا كل الصيد.
وكل ما اشترك في قتله من الكلاب المعلمة اثنان أو أكثر ولم يدرك ذكاته إذا كان صاحب كل كلب منها قد سمى عند إرساله ، وكل صيد ضرب بالسيف أو طعن برمح فقتله بذلك الضارب له أو الطاعن وكان قد سمى عند ضربه أو طعنة ، وكذلك ان ضربه أو طعنة فقطعه بنصفين وتحرك كل واحد منهما وخرج منه دم فان تحرك أحدهما وخرج منه دم دون الأخر فالمتحرك هو الحلال اكله دون الذي لم يتحرك ولم يخرج منه دم وكل صيد انقطعت ( قطعت - خ ل ) منه قطعة وأدركت ذكاة الباقي منه وكل ما اصابه سهم وان كان الرامي قصد غيره إذا سمى عند الرمي بسهم وكل صيد أخذ وتناهبه جماعة
ص: 436
فأخذوه قطعا (1) وكل ما أخذ بباز أو ما جرى مجراه من الجوارح وأدركت ذكاته مع التسمية عند الإرسال وكل جراد أخذ حيا.
واما المحرم اكله من ذلك : فهو كل صيد أخذ بأي نوع من آلات الصيد كان ولم يدرك ذكاته أو قتله سهم ولم يكن الرامي له سمى عند رميه.
وكل صيد أخذ بالبندق أو الحجارة أو الخشب أو المعاريض أو ما جرى مجرى ذلك ومات فيه وكل فرخ اصابه سهم ولم ينهض بالطيران وان كان صاحب السهم قد سمى عند رميه ، وكل ما يصيده البازي أو غيره من الجوارح ولم يدرك ذكاته.
وكل صيد اصابه سهم ليس فيه حديدة فقتله وكل صيد رمى بأكبر منه فقتله وكل صيد قتله كلب غير معلم وكل صيد أكل منه كلب معلم وهو معتاد لأكل الصيد وكل ما اشترك في قتله غير واحد من الكلاب المعلمة وان كان صاحب أحدهم قد سمى عند إرساله ولم يسم صاحب الأخر عند إرساله وكل صيد قتله فهد ولم يدرك ذكاته وكل صيد انقلب ( انفلت - خ ل ) عليه كلب معلم من غير ان يرسله صاحبه عليه فقتله ، وكل صيد لم يسم الصائد عند إرساله ما يصيده به أو عند ذكاته ، وكل صيد أرسل عليه كلب فقتله وسمى عليه غير المرسل له ، وكل صيد غاب عن عين صاحبه ثم وجده بعد ذلك مقتولا ، وكل صيد رمى بسهم فسقط من موضع عال من جبل أو غيره أو وقع في الماء ومات ، وكل صيد ضرب بسيف فانقطع بنصفين ولم يتحرك واحد منهما ولا خرج منه دم ، فان تحرك أحدهما فقد تقدم ذكره ، وكل ما قطع من الصيد وهو حي وكل جراد وقع في الماء فمات فيه أو مات في الصحراء قبل أخذه أو كان في موضع فوقع فيه نار فاحترق ، وكل طائر ( صيد - خ ل ) مالك لجناحه
ص: 437
يعرف صاحبه ، وكل طائر مخصوص الجناح (1) وصيد المحرم على المحل والمحرم وصيد المحل على المحرم ، وكل صيد لم يسم الصائد له عند أخذه ولا الإرسال عليه إذا كان لا يعتقد وجوب التسمية ناسيا كان أو غير ناس.
واما المكروه : فهو كل صيد لم يسم الصائد له عند أخذه والإرسال عليه ناسيا إذا كان يرى وجوب التسمية ، وكل صيد أكل منه كلب معلم ولم يكن معتادا لا كل الصيد وكل جراد لم يسم الصائد له عند أخذه.
واما صيد البحر فعلى ثلاثة أضرب؟ أولها : يحل أكله على كل حال؟ وثانيها : محرم؟ وثالثها : مكروه؟ فاما الحلال أكله على كل حال فهو كل سمك له فلس أخذه مسلم وأخرجه من الماء حيا أو أخرجه كافر وشاهد مسلم إخراجه له كذلك ، أو أخذ مجتمعا في حظيرة أو شبكة أو ما جرى مجرى ذلك واقام في الماء يوما وليلة وكان فيه ما قد مات في الماء ولم يجد السبيل الى تمييز ما مات منه فيه مما لم يمت.
وكل ما وجد منه على ساحل البحر والقى في الماء فرسب أصله ولم يطف عليه وكل ما كان منه جلالا واستبرأ ، واستبراؤه هو ان يجعل في ماء طاهر يوما كاملا ويطعم شيئا طاهرا.
واما المحرم : فهو كل سمك لا فلس له وكل سمك أخذه كافر ولم يشاهد مسلم إخراجه من الماء حيا ، وكل ما مات منه في الماء سواء كان موته فيه ابتداء أو اخرج منه وجعل في شي ء وأعيد إلى الماء فمات فيه ، وكل ما خالف ماله فلس من جميع الحيوان في الماء.
واما المكروه فهو كل ما (2) في الماء ولم يتميز الميت منه في الماء مما لم يمت فيه لأنه ان تميز من ذلك لحق بباب المحرم وكل ما كان صيده في يوم الجمعة وكل
ص: 438
ما لم يسم الصائد له عنده ، والمارماهي والزهو والزمار والكنعت والربيثا والطمر والايلامى والطيراني.
لا يجوز ان يتولى الذبح الا من كان مسلما من أهل الحق فإن تولاه غير من ذكرناه من الكفار المخالفين لدين الإسلام أو من كفار أهل الملة على اختلافهم في جهات كفرهم لم يصح ذكاته ولم يؤكل ذبيحته وكذلك : ان تولاها من أهل الحق من تعمد ترك التسمية عند الذبح لم يصح ذكاته ولم يؤكل ذبيحته الا ان يكون في حال تقية.
وإذا أحسن الصبي أو المرأة الذبح وقويا عليه جاز أكل ذبيحتهما ، فان لم يحسناه لم يؤكل ذبيحتهما؟! والتسمية واجبة في الذبح فمن تعمد تركها كما ذكرناه لم يؤكل ذبيحته فإن أخل بها ناسيا جاز أكل ذبيحته وكيفية التسمية أن يقول الذابح بسم اللّه واللّه أكبر؟ ويجوز ان يقتصر على التسمية والأول أفضل.
واستقبال القبلة بالذبيحة أيضا واجب؟ فمن تعمد ترك ذلك لم يؤكل ذبيحته؟فان تركها ناسيا لم يكن بها بأس؟ والذباحة لا يجوز الا بالحديد ، فمن خاف من موت الذبيحة ولم يقدر على الحديد جاز ان يذبح بشي ء له حدة مثل الزجاجة والحجر الحاد أو القصب؟ والحديد أفضل واولى من جميع ذلك.
وذكاة ما يريد الإنسان ذكاته ( ذبحه خ ل ) لا يجوز إلا في الحلق ، فان ذبح في غير الحلق كان ذلك حراما ولم يؤكل ذبيحته؟ فان كان في حال لا يقدر فيها على ذبح ما يريد ذبحه مثل ان يكون عنده ثور قد استعصى عليه أو وقع في بئر أو ما أشبه ذلك أو جاموس قد ند وحمى نفسه من الوصول اليه ، جاز ان يذبح في غير الحلق ويؤخذ الثور والجاموس بالسيوف والحراب فاذا الحق وفيه حياة زكى على كل حال
ص: 439
وما كان مما ينحر فإنه يجب ان ينحر في اللبة؟ فإن نحر في غيرها لم يجز أكله الا ان يكون قد استعصى فيجري حكمه مجرى ما تقدم ذكره في الثور والجاموس وكل ما نحر وكان مما يجب ذبحه أو ذبح وكان مما يجب نحره ، لم يؤكل الا ان يكون على الوجه الذي قدمناه.
وكل ما ذبح في حال الضرورة وكان مما ينبغي نحره أو نحر فيها وكان مما ينبغي ذبحه ، إذا أدرك وفيه حياة وجب تذكيته على كل حال فان تركت تذكيته حتى مات لم يجزأ كله.
ومن أراد الذباحة فلا يجوز ان يقلب السكين ويذبح بها الى فوق بل يبتدى بالذبح من فوق إلى أسفل ، ولا يجوز للذابح ان ينخع البهيمة حتى يبرد بالموت وذلك ان لا يفصل رأسها من جسدها ويقطع نخاعها وهو عظم في العنق ، فان سبقه السكين فابانت الرأس من الجسد لم يكن بأكل ذلك بأس؟ وإذا أراد ان ينحر من الإبل شيئا فينبغي ان يشد أخفافه إلى بطنه ( إبطيه خ ل ) ويطلق رجليه ثم ينحره ، وان أراد ان يذبح شيئا من البقر فينبغي ان يعقل يديه ورجليه ويطلق ذنبه
وان أراد ذبح شي ء من الغنم فينبغي ان يعقل يديه وفرد رجليه ويطلق رجله الأخرى ويمسك على صوفه أو شعره حتى يبرد ولا يمسك شيئا من أعضائه؟
وإذا أراد ذبح شي ء من الطير فينبغي ان يذبحه ويرسله ولا يعقله ولا يمسكه ، فان انفلت منه جاز ان يرميه بسهم ويكون حكمه حكم الصيد فاذا لحقه حياة ذكاه وإذا ذبحت ذبيحة ولم يتحرك منها شي ء لم يجز أكلها ، فإن تحرك شي ء منها مثل يدها أو رجلها أو ذنبها أو خفيها أو اذنها جاز أكلها
ومن ذبح بهيمة لم يجز ان يسلخها الا بعد ان تبرد بالموت فان سلخها قبل ذلك أو سلخ منها شيئا لم يجز أكلها ومن ذبح شاة أو غيرها ووجد في بطنها جنينا قد أشعر وأوبر ولم تنشش (1) فيه الروح فذكاته ذكاة امه وان لم يكن كذلك أو لم
ص: 440
يكن تاما لم يجز اكله
وكل جنين كان قد أشعر وأوبر وولجته الروح وأدرك كذلك لم يكن بد من ذكاته؟ فان لم يدرك لم يجز اكله على كل حال.
والذبح في الليل مكروه إلا لضرورة أو للخوف من فوت الذبيحة ويكره أيضا الذبح في نهار يوم الجمعة قبل الصلاة إلا لضرورة.
وكل ما كان من الإبل أو البقر أو الغنم مذكى أو غير ذلك مما يجوز أكله فإنه يحرم منه الطحال - والمشيمة ، والفرث ، والقضيب ، والمرارة ، والنخاع (1) والأنثيان والفرج ظاهره وباطنه والعلباء (2) والغدد ، وذوات الأشاجع ، (3) والحدق ، والخزرة (4) تكون في الدماغ ويكره الكليتان.
ويحل من الميتة الشعر والوبر والصوف والريش إذا جز وما لا يجز من ذلك ويقلع منها ليس بحلال ويحل منها أيضا السن والظفر والظلف والعظم والقرن والناب والانفحة واللبن والبيض إذا كان قد اكتسى الجلد الفوقاني؟ فان لم يكن اكتسى ذلك فلا يحل أكله.
فإذا اختلط لحم ذكي بميتة ولم يمكن تمييزه لم يحل أكل شي ء منه وقد قيل (5)
ص: 441
انه يجوز بيعه على مستحلي الميتة والأحوط ترك بيعه.
وإذا جعل طحال في سفود (1) مع لحم وجعل في تنور فان كان اللحم تحته لم يجز أكل ذلك اللحم وما تحته ان كان تحته شي ء فان كان الطحال تحت اللحم أكل اللحم ، ولم يؤكل ما تحته من لحم أو غيره.
ولا يحل أكل شي ء من الميتة إلا عند الضرورة التي يخاف معها من تلف النفس فإنه يجوز ان يؤكل منها عند ذلك ما يمسك الرمق ، ما لم يكن هذا المضطر عاديا وهو الذي يخرج لقطع الطريق ولا باغيا وهو الذي يبغى الصيد على وجه اللّهو والبطر فإن هؤلاء لا يجوز لهم ان يأكلوا منها شيئا على حال.
ويجوز ان يؤكل من البيض ما كان مما يؤكل لحمه فان وجد بيض ولا يعرف هل هو بيض ما يؤكل لحمه أو غير ذلك ، فإنه يعتبر باختلاف طرفيه فما كان مختلف الطرفين جاز أكله لأنه من بيض ما يؤكل لحمه؟ وما استوى طرفاه فلا يجوز اكله
واما الجلود فان كان مما يؤكل لحمه وكان مذكى فإنه يجوز استعماله في اللباس والصلاة وغير ذلك قبل الدباغ وبعده إذا لم يكن عليه نجاسة ولا اثردم؟فان كان ميتة ولم يكن مذكى لم يجز استعماله على وجه من الوجوه لا قبل الدباغ ولا بعده.
وان كان مما لا يؤكل لحمه ، فان كان كلبا أو خنزيرا فلا يجوز استعماله لا قبل الذكاة ولا بعدها ، دبغ أو لم يدبغ على كل حال وان كان جلد فهد أو نمر أو ذئب أو أرنب أو سبع أو ثعلب أو سنجاب أو سمور أو غير ذلك من السباع والبهائم ، فإنه يجوز استعماله إذا كان مذكى ودبغ إلا في الصلاة فإنه لا يجوز استعماله فيها فان استعمله (2)
ص: 442
إنسان نجست يده وما يصيبه من بدنه ويجب عليه غسل ذلك.
وشعر الخنزير لا يجوز استعماله مع الاختيار ، فان اضطر إنسان إلى استعماله فلا يستعمل منه الا مالا يكون قد بقي فيه شي ء من الدسم؟ وإذا حضر وقت الصلاة وجب عليه غسل يديه منه
ومن ربي شيئا من الغنم فأراد ذبحه فإنه يكره له ان يتولى ذلك بنفسه وليس ذلك بمحظور والأفضل ان يجعل غيره يتولى ذلك. ولا يجوز عمل دلو من جلود الميتة ولا استعماله في الماء. وقد ذكر (1) جواز ذلك فيما عدا الشرب والطهارة والأحوط ترك استعماله في ذلك وفي غيره.
وإذا قطع إنسان شيئا من أليات الغنم وهي أحياء لم يجز أكل شي ء منها ولا ان يستصبح بشي ء من دهن ذلك؟ لأنه ميتة وذلك مما لا يجوز استعماله على حال
ص: 443
قد ورد الأمر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بالتداوي فقال تداووا فما انزل اللّه داء الا انزل معه دواء الا السام ، فإنه لا دواء له يعنى الموت.
ويجب على الطبيب ان يتقى اللّه فيما يفعله بالمريض وينصح فيه ، ولا بأس بمداواة اليهودي والنصراني للمسلمين؟ وإذا أصاب المرأة علة في جسدها واضطرت إلى مداواة الرجل كان جائزا وإذا كان بالإنسان رمد كره له أكل التمر ، فإن اكله وكان الرمد بعينه اليسرى اكله بضرسه الأيمن وان كان الرمد بعينه اليمنى ، اكله بضرسه الأيسر.
ومن كان يستضر جسده بترك العشاء فالأفضل له ان لا يتركه ولا يبيت الا وجوفه مملوء من الطعام. وإذا كان لإنسان مرض فلا ينبغي ان يكره على تناول الطعام والشراب بل يلطف به ( له - خ ل ) في ذلك فان امتنع لم يكره عليه.
وأكل اللحم واللبن ينبت اللحم ويشد العظم واللحم يزيد في السمع والبصر ، وأكل اللحم بالبيض يزيد في الباه.
وماء الكماة فيه شفاء العين ، ووصف زيد بن على بن الحسين (عليه السلام) ذلك وقال ينبغي ان يؤخذ الكماة فيغسل حتى ينقى ويعصر بخرقة ويؤخذ ماؤها فيرفع على النار حتى ينعقد ويلقى فيه قيراط من المسك ثم يجعل في قارورة ويكتحل به لاوجاع العين كلها ، فاذا جف سحق بماء السماء أو غيره ويكتحل منه لاوجاع العين.
ص: 444
ويكره ان يحتجم الإنسان في يوم أربعاء أو سبت فإنه ذكر انه يحدث منه الوضح (1) والحجامة في الرأس فيه شفاء من كل داء وأفضل الدواء في أربعة أشياء الحجامة والحقنة والنورة والقي ء. فان نبع الدم (2) بإنسان فينبغي ان يحتجم في أي الأيام كان ويقرء آية الكرسي ويستخير اللّه ويصلى على النبي وآله.
وإذا عرضت الحمى لإنسان فينبغي ان يداويها بصب الماء عليه فان لم يسهل عليه فليحضر له إناء فيه ماء بارد ويدخل يده فيه؟ وروى ان النبي صلى اللّه عليه وآله كان يفعل ذلك والاكتحال بالإثمد عند النوم يذهب بالقذى ويصفي البصر. فاذا لدغت العقرب إنسانا فليأخذ شيئا من الملح ويضعه على موضع اللدغة ثم يعصر بإبهامه حتى يذوب وأكل العجوة يشفي من السم. وصفة ذلك ان يؤخذ تمر العجوة فينزع نواه ثم يدق دقا جيدا ويعجن بسمن بقر عتيق ويرفع ، فاذا احتيج إليه أكل للسم ، هكذا وصفه زيد بن على بن الحسين عليهما السلام.
وأفضل ما استشفت به النفساء أكل الرطب ومن اشتد وجعه فينبغي ان يستدعي بقدح فيه ماء ويقرأ عليه الحمد أربعين مرة ثم يصبه على نفسه ، (3) وأكل الزبيب المنزوع العجم على الريق ، فيه منافع عظيمة فمن أكل منه كل يوم على الريق احدى وعشرين زبيبة منزوعة العجم قل مرضه؟ وقيل انه لا يمرض الا المرض الذي يموت فيه
ص: 445
ومن أكل عند نومه سبع تمرات عوفي من القولنج وقتل دود البطن ، وأكل الحبة السوداء فيه شفاء من كل داء الا الموت؟ وأكل التفاح يكفى الحرارة (1) ويبرد الجوف وينفع من الحمى.
وفي شراب العسل منافع كثيرة فمن استعمله انتفع به ما لم يكن به مرض حار. ومن اشتد به مرض فيسأل امرأته ان تهب له من مهرها درهما ويشترى به عسلا ويشربه بماء السماء فإنه ينتفع بذلك.
وفي شرب لبن البقر منافع فمن تمكن منه فليشربه وفي الحبة السوداء شفاء من كثير من الأمراض وأكل السمن نافع للأحشاء وهو في الصيف خير منه في الشتاء
ومن وطأ برجله على رمضاء فأحرقته ، فيطأ على بقلة البصلة (2) فان ذلك يزول بوطأه لها؟ وأكل القرع يزيد في العقل وينفع الدماغ؟ ويستحب أكل الهندباء وذكر انه ليس فيه ورقة الا وفيها من ماء الجنة.
وعن الصادق عليه السلام قال : إذا دخلتم أرضا فكلوا من بصلها فإنه يذهب عنكم وبائها.
وعنه (عليه السلام) ان رجلا من أصحابه شكى اليه اختلاف البطن فأمره أن يتخذ من الأرز سويقا ويشربه ففعل فعوفي له وقال : مرضت سنتين أو أكثر فألهمني اللّه تعالى الأرز ، فأمرت به فغسل وجفف ثم مس النار وطحن وجعلت بعضه سويقا وبعضه حساء واستعملته فبرأت.
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) ما من شجرة حرمل (3) الا ومعها ملائكة يحرسونها
ص: 446
حتى تصل الى من وصلت وفي أصل الحرمل لشره (1) وفي فرعها شفاء من اثنين وسبعين داء.
قال النبي عليه السلام : إياكم والشبره (2) فإنه حار بارد وعليكم بالسناء فتداووا به فلو دفع شي ء الموت لدفعه السناء ، وتداووا بالحلبة (3) فلو يعلم أمتي مالها في الحلبة لتداووا بها ولو بوزنها ذهبا.
وقال الصادق (عليه السلام) : المحموم يغسل له السويق (4) ثلاث مرات ويعطاه فإنه يذهب الحمى وينشف المرة والبلغم ويقوى الساقين.
وقال السويق ينبت اللحم ويشد العظم ، ونهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله عن شرب الماء الحميم وهو الشديد الحرارة.
وقال : إدمان أكل السمك الطري يذيب الجسد وقال الصادق (عليه السلام) أكل التمر بعد السمك الطري يذهب أذاه وقال : لرجل شكى اليه وجع الخاصرة : عليك بما يسقط من الحيوان (5) فكله ففعل فبرأ
ص: 447
وقال : الريح الطيبة يشد العقل ويزيد في الباه ونهى النبي عليه السلام عن أكل الطفل والطين (1) والفحم وقال من أكل الطين أعان على نفسه ، ومن اكله فمات لم يصل عليه وأكل الطين يورث النفاق ، وقال (عليه السلام) : فضلنا أهل البيت على الناس كفضل دهن البنفسج على سائر الأدهان
وقال : أمير المؤمنين (عليه السلام) (2) الخل يسكن المراء ويحيى القلوب ويقتل دود البطن ويشد الفم.
فهذه جملة مقنعة اختصرناها من جملة ما ورد عن الأئمة عليهم السلام (3) في الاستشفاء بفعل الخير والبر والتعوذ والرقى فنحن نورد أيضا من جملة ما ورد عنهم في ذلك جملة مقنعة.
وقال الصادق (عليه السلام) ثلاثة يذهبن النسيان ويحددن (4) الفكر قراءة القرآن والسواك والصيام وقال لبعض أهل بيته قد ذكر له انه عليل : ادع مكيلا (5) فاجعل فيه برا واجعله بين يديه (6) وأمر غلمانك إذا جاء سائل أن يدخلوه اليه فتناوله منه بيده ويأمر أن يدعوا
ص: 448
له ، قال افلا اعطى الدنانير والدراهم قال : اصنع ما أمرتك به وكذلك رويناه ففعل فرزق العافية.
وقال ارغبوا في الصدقة وبكروا فيها فما من مؤمن تصدق بصدقة حين يصبح يريد بها ما عند اللّه الا دفع اللّه بها عنه شر ما ينزل من السماء ذلك اليوم ثم قال لا تستخفوا بدعاء المساكين للمرضى منكم فإنه يستجاب لهم فيكم ولايستجاب لهم في أنفسهم
وروى عنه(عليه السلام) ان رجلا من أصحابه شكى اليه وضحا اصابه بين عينيه وقال : بلغ منى يا بن رسول اللّه مبلغا شديدا فقال : عليك بالدعاء وأنت ساجد ففعل فبرأ منه
وقال : إذا أصابك سقم ( هم - خ ل ) فامسح يدك على موضع سجودك (1) ثم أمر يدك على وجهك من جانب خدك الأيسر وعلى جبينك الى جانب خدك الأيمن ثم قل بسم اللّه الذي لا إله الا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم اللّهم أذهب عني الهم والحزن ثلاثا (2)
وقال : على (عليه السلام) شكوت الى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله تفلت القرآن منى فقال يا على سأعلمك كلمات تثبت القرآن في قلبك قل : اللّهم ارحمني بترك معاصيك وارزقني حسن الظن (3) فيما يرضيك عنى والزم قلبي حفظ كتابك كما علمتني وان أتلوه على النحو الذي يرضيك عنى اللّهم نور بكتابك بصري واشرح به صدري واستعمل به بدني واعنى عليه انه لا يعين إلا أنت فدعوت بهن فثبت اللّه القرآن في صدري.
ص: 449
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) ضمنت لمن سمى اللّه على طعامه ان لا يشتكي منه قال ابن الكواء قد أكلت البارحة طعاما وسميت عليه ثم أصبحت وقد آذاني فقال له لعلك أكلت ألوانا فسميت على بعضها ولم تسم على بعض؟ فقال قد كان ذلك قال فمن ذلك أتيت يا لكع (1)
وقال الصادق (عليه السلام) في المستحاضة تغتسل عند كل صلاة احتسابا فإنه لم تفعله امرأة إلا عوفيت من ذلك.
وقال من قال كل يوم ثلاثين مرة بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين تبارك اللّه أحسن الخالقين ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلى العظيم دفع اللّه عنه سبعة وسبعين نوعا من البلاء أهونها الجذام (2)
وقال على (عليه السلام) مرضت فعادني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وانا لا انقلب (3) على فراشي فقال (عليه السلام) يا على : أشد الناس بلاء النبيون ثم الأوصياء ثم الذين يلونهم أبشر فإنها حظك من عذاب اللّه مع ما لك من الثواب ثم قال : أتحب ان يكشف اللّه ما بك قلت بلى يا رسول اللّه قال قل اللّهم ارحم جلدي الرقيق وعظمي الدقيق واعوذ بك من فورة الحريق يا أم ملدم (4) ان كنت آمنت باللّه فلا تأكلي اللحم ولا تشربي الدم ولا تفوري من الفم
ص: 450
وانتقلي الى من يزعم ان مع اللّه إلها آخر فانا اشهد ان لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله قال ففعلتها فعوفيت من ساعتي قال جعفر بن محمد عليهما السلام ما فزعت اليه قط الا وجدته وكنا نعلمه النساء والصبيان (1)
وقال الصادق (عليه السلام) : كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يجلس الحسن على فخذه اليمنى والحسين على فخذه اليسرى ثم يقول أعيذ كما بكلمات اللّه التامات ( كلها - خ ) من شر كل شيطان وهامة ومن عين لامة ثم يقول هكذا كان إبراهيم (عليه السلام) يعوذ ابنيه إسماعيل وإسحاق وعنه (عليه السلام) إذا أردت أن تعوذ فضم كفيك واقرء فيهما فاتحة الكتاب وقل هو اللّه أحد ثلاث مرات ثم اجعلهما على المكان الذي تجد (2) ثم ضمهما واقرأ فاتحة الكتاب وقل أعوذ برب الناس ثلاث مرات ثم ضعهما على المكان (3)
وقال الصادق (عليه السلام) : إذا أردت ان ترقى الجراح (4) فضع يدك عليه وقل بسم اللّه أرقيك واللّه يشفيك بسم اللّه الأكبر من الحديد والحجر والباب الاسم (5) والغرق (6) فلا يفتر والعين فلا يسهر تردده ثلاث مرات
ص: 451
وقال على (عليه السلام) من ساء خلقه فأذنوا في اذنه وعن النبي صلى اللّه عليه وآله انه نهى عن السحر والنمائم فلا يجوز استعمال شي ء من ذلك على حال (1)
ص: 452
قال اللّه تعالى « وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلّا بِالْحَقِّ ، وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً » (1)
وقال تعالى « وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ » (2)
وقال سبحانه « وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ ، وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلّا بِالْحَقِّ » (3)
وقال « وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها ، وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً » (4)
وقال « لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ، إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ، إِنَّ اللّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً ، وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً » (5)
وعن ( وروى عن سيدنا ابى عبد اللّه جعفر بن محمد - خ ل ) الصادق عن آبائه عليهم السلام
ص: 453
عن النبي صلى اللّه عليه وآله انه قال : ان في جهنم وأديا يقال له : سعير إذا فتح ذلك الوادي ضجت النيران منه ، أعده اللّه تعالى للقاتلين (1)
وقال : ( وروى عنه صلى اللّه عليه وآله انه قال خ ل ) اعيى (2) الناس على اللّه من قتل غير قاتله ، أو ضرب غير ضاربه ، أو تولى غير مواليه ، أو ادعى الى غير أبيه
وروى عنه انه صلى اللّه عليه وآله ، خطب الناس يوم النحر بمنى فقال : ايها الناس لا ترجعوا بعدي كفارا ، يضرب بعضكم رقاب بعض ، وانما أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللّه ، فاذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دمائهم وأموالهم إلى يوم يلقون ربهم ، فيحاسبهم.
الا ، هل بلغت؟
قالوا : نعم.
فقال : اللّهم اشهد (3)
ص: 454
وروى عنه صلى اللّه عليه وآله انه اتى بقتيل وجد بين دور الأنصار ، فقال : هل يعرف؟
قالوا : نعم يا رسول اللّه! قال : لو ان الأمة اجتمعت على قتل مؤمن أكبرها اللّه في نار جهنم (1).
وروى عن أمير المؤمنين على بن ابى طالب (عليه السلام) انه قال : من الكبائر ، قتل المؤمن عمدا ، والفرار من الزحف ، وأكل الربا بعد البينة ، وأكل مال اليتيم ظلما والتعرب بعد الهجرة ، ورمى المحصنات الغافلات المؤمنات (2)
وروى عن النبي صلى اللّه عليه وآله انه مر بقتيل ، فقال من هذا (3) فلم يذكر له أحد ، فغضب ثم قال : واللّه الذي نفسي بيده لو اشترك فيه أهل السماء والأرض لأكبهم اللّه في النار
وروى عن النبي (صلی الله عليه وآله) انه قال : دماؤكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا وفي بلدكم هذا (4)
* * *
ص: 455
« وتفصيل ما فيه من الدية وأحكام ذلك »
القتل على ثلاثة أضرب : عمد محض ، وخطأ محض ، وخطأ شبيه العمد.
فاما العمد المحض : فان يكون القاتل عامدا في قتل المقتول ، بآلة تقتل غالبا مثل السكين والسيف ، والحجر الثقيل ، واللت (1) ، وما أشبه ذلك ، عامدا في قصده وهو ان يقصد بذلك قتله. فاذا كان عامدا في قصده ، عامدا في فعله ، كان القتل عمدا محضا.
واما الخطاء المحض ، فهو القتل الذي لا يشبه شيئا من العمد بان يكون مخطئا في فعله ، مخطئا في قصده ، مثل ان يرمى طائرا فيصيب إنسانا ، فقد أخطأ في الأمرين جميعا.
واما ما يشبه العمد ، وهو عمد الخطاء ، فهو ان يكون عامدا في فعله مخطئا في قصده ، فاما عمدة في فعله فهو ان يعمد إلى ضربه بآلة لا تقتل غالبا ، مثل عصا الخفيفة ، والسوط ، وما أشبه ذلك ، واما الخطاء فإنه يكون قصده تأديبه وتعليمه وزجره فيموت بذلك. فهو عامد في فعله ، مخطى ء في قصده.
فاما القتل العمد ، ففيه القود ، أو الدية ، وقبول الدية اولى عن الهاشمي (2)
ص: 456
فدية العمد المحض : إذا كان القاتل من أصحاب الذهب ، الف دينار جياد. وان كان من أصحاب الفضة ، فعشرة آلاف درهم جياد. وان كان من أصحاب الإبل فمائة مسنة. قيمة كل واحدة منها عشرة دنانير. أو ماتا مسنة من البقر ، ان كان من أصحاب البقر. قيمة كل واحدة منها خمسة دنانير. أو ألف شاة ، ان كان من أصحاب الغنم. قيمة كل واحد منها دينار واحد. أو مأتا حلة ، ان كان من أصحاب البز (1) قيمة كل حلة خمسة دنانير.
فهذه دية الحر المسلم ، صغيرا كان أو كبيرا ، ودية المرأة الحرة المسلمة ، النصف من ذلك ، صغيرة كانت أو كبيرة. فأما غير من ذكرناه من العبد ، والذمي وغيرهما فسيأتي ذكرها ان شاء اللّه تعالى.
ودية العمد تجب في مال القاتل ، دون غيره من جميع الناس ، فان لم يكن له مال ، لم يكن لأولياء الدم الا نفسه ، فاما ان يقيدوا بصاحبهم ، واما ان يعفوا عنه ، أو ينظروه حتى يوسع اللّه تعالى عليه فان تبرع إنسان عنه بالدية ، كان جائزا.
وان هرب القاتل ولم يقدر عليه حتى مات ، وكان له مال. أخذت الدية من ماله ، فان لم يكن له مال ، أخذت من الأقرب فالأقرب من أوليائه المستحقين لميراث ديته ، ولا يجوز ان يؤخذ هؤلاء بالدية مع وجود القاتل.
وقاتل العمد تجب عليه التوبة ، وليس يصح منه الا بعد ان يسلم نفسه إلى أولياء المقتول ، ويعترف بالقتل فان شاءوا بعد ذلك أقادوه بصاحبهم ، وان شاءوا عفوا عنه ، وقبلوا منه الدية ، أو صالحوه على ما يرضون. فان لم يقيدوه بصاحبهم كان عليه بعد التوبة ، الكفارة وهي. عتق رقبة ، وصوم شهرين متتابعين ، وإطعام ستين مسكينا على الجمع.
واما دية قتل الخطاء فواجبة على عاقلة القاتل ، الذين يرثون ديته ، ولا يجب
ص: 457
على من لا يرثها شي ء. وذكر بعض أصحابنا (1) ان لهذه العاقلة الرجوع بها على مال القاتل ان كان له مال ، فان لم يكن له مال لم يكن لهم عليه شي ء ، وان كان للقاتل مال ولم يكن للعاقلة مال كانت الدية في مال القاتل فاذا لم يكن للقاتل خطئا مال ، ولا عاقلة ، ولا ضامن جريرة من مولى نعمة ، أو مولى تضمن جريرة ، كانت الدية على بيت المال.
ولا يجب على العاقلة من دية الخطاء الا ما قامت البينة به ، فاما ما يقر القاتل به أو يصالح عليه ، فليس عليهم منه شي ء.
واما الدية في قتل الخطاء ، فهي ألف دينار ، أو عشرة آلاف درهم ، أو مأة من الإبل. عشرون منها بنت مخاض ، وعشرون ابن لبون ذكر ، وثلاثون بنت لبون ، وثلاثون حقة. وروى (2) ان فيها خمسة وعشرين بنت مخاض ، وخمسا وعشرين بنت لبون ، وخمسا وعشرين حقة ، وخمسا وعشرين جذعة ، أو مأتان من البقر ، ألف شاة ، أو مأتا حلة ، كما سلف ذكره في قتل العمد.
ودية العمد تستأدى في سنة واحدة ، ودية الخطاء ، تستأدى في ثلاث سنين.
ودية قتل الخطاء شبيه العمد تجب على القاتل في ماله ، فان لم يكن له مال استسعى فيها ، أو يبقى في ذمته حتى يوسع اللّه عليه ، فان هرب القاتل أو مات وكان له من الأولياء من يرث ديته ، أخذت منه ، فان لم يكن منهم أحد حيا ، كانت واجبة في بيت مال المسلمين.
والدية في ذلك مغلظة (3) ، ألف دينار ، أو عشرة آلاف درهم ، أو مأة من
ص: 458
الإبل : ثلاث وثلاثون بنت لبون ، وثلاث وثلاثون حقة ، واربع وثلاثون خلفة (1) كلها يتمخض من أولادها ، أو مائتان من البقر « أثلاثا أيضا » أو ألف شاة مثل ذلك ، أو مأتا حلة. وقد ذكر بعض أصحابنا (2) ان هذه الدية تستأدى في سنتين.
ويجب على قاتل الخطاء محضا كان أو شبيه العمد ، الكفارة وهي : عتق رقبة مؤمنة ، فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين. فان لم يستطع فإطعام ستين مسكينا فان لم يقدر على ذلك أيضا يتصدق بما يتمكن منه ، أو صيام ( صام - خ ل ) ما يقدر على صيامه.
وإذا قتل الابن أباه عمدا ، قتل به ، وان قتله خطأ كانت الدية على عاقلته ، وليس له (3) منها شي ء.
وإذا قتل الأب ابنه عمدا ، لم يقتل به ، وكان عليه الدية في ماله ، ويكون الدية لورثته خاصة ، فان لم يكن وارث غير أبيه القاتل ، كانت الدية لبيت المال. وان كان قتله خطأ محضا ، كانت الدية على عاقلته ، يأخذها الورثة منهم ، وليس للقاتل منها شي ء ، فان لم يكن له وارث إلا أبوه القاتل وحده ، فإنه لا دية على العاقلة ، فيسقط هاهنا على كل حال.
واما ان كان قتله خطأ شبيه العمد ، فإن الدية تكون في ماله خاصة وتكون
ص: 459
لورثته خاصة ، وليس للقاتل منها شي ء ، فان لم يكن له وارث إلا الأب القاتل وحده ، كانت الدية عليه لبيت المال.
وإذا قتل الإنسان عمدا ولم يكن له ولى ، كان الامام عليه السلام ولى دمه. ان أراد أقاد القاتل بالمقتول. وان أراد أخذ منه الدية ، فجعلها في بيت المال ، وليس له العفو عنه على حال ، لان ديته لبيت المال كما ان ديته عليه (1) فاذا قتل خطأ أو شبيه العمد ، ولم يكن له أحد ، كان للإمام عليه السلام أخذ ديته ، وليس له غير ذلك.
وإذا اعفى ولى الدم عن الدم ، لم يكن له المطالبة بعد ذلك به. فان قتل القاتل بعد ذلك كان ظالما ، وكذلك ان قبل الدية ثم قتله بعد ذلك عمدا كان ظالما له ووجب القود عليه.
وإذا تكافأت دماء اثنين واستوت حرمتهما ، جاز قتل أحدهما بالآخر ، فيقتل الحر بالحر ، والحرة بالحرة ، والحرة بالحر ، والحر بالحرة إذا ردوا فاضل الدية. ويقتل العبد بالعبد ، والأمة بالأمة ، والأمة بالعبد ، والعبد بالأمة (2) ، والنصراني باليهودي ، واليهودي بالنصراني ، والمجوسي بالنصراني واليهودي ، والنصراني أو اليهودي بالمجوسي. والشرك كله ملة واحدة.
ص: 460
وإذا قتل المسلم كافرا ، لم يقتل المسلم به. وإذا قتل الكافر كافرا وأسلم القاتل ، لم يقتل بالمقتول. وإذا قتل الحر عبدا ، لم يقتل به ، سواء كان عبد نفسه أو عبد غيره ، فان كان عبده ، كان عليه التعزير والكفارة. (1). وإذا كان عبد غيره ، كان عليه مع التعزير والكفارة ، قيمة العبد لسيده.
وإذا قتل عبد عبدا ، كان لسيد المقتول ، القود وهو مخير بين ذلك وبين العفو ، فان قتل فقد استوفى حقه ، وان عفى على مال ، تعلقت قيمة المقتول برقبة القاتل ، وسيده مخير بين ان يفديه وبين تسليمه للبيع ، فان فداه فقد أخذ سيد المقتول حقه ، وان سلمه للبيع وبيع بما يكون وفقا لقيمة المقتول وأخذه سيده فذاك حقه ، وان بيع بأقل من قيمة المقتول ، لم يكن على سيده غير ذلك. وان بيع بأكثر كان الفاضل لسيده. وإذا كانت قيمته أكثر وأراد سيده ان يفديه ، كان له ذلك. وان أراد تسليمه للبيع كان ذلك له أيضا ، فإن فداه جاز ذلك. وان سلمه للبيع وأمكن ان يباع منه بقدر ما تعلق برقبته كان الباقي لسيده. وان لم يكن الا ببيع جميعه ، بيع جميع ذلك وأخذ من قيمة أرش الجناية ويكون الباقي لسيده.
وإذا قتل عبد عبدين لاثنين ، لكل واحد منهما عبد : فان عفوا على مال ، تعلق برقبته قيمة كل واحد منهما ، ويكون سيده مخيرا على ما تقدم ذكره.
ودية العبد قيمته ما لم يزد على دية الحر ، فان زادت قيمة أحدهما على ذلك ردت إلى دية الحر.
وإذا تداعى رجلان لقيطا لم نلحقه بواحد منهما إلا بالقرعة ، فإذا أقرعنا بينهما ألحقناه بمن خرجت القرعة له. وان قتلاه قبل إلحاقه بأحدهما ، لم يكن على واحد منهما قود ، لان كل واحد منهما يجوز ان يكون هو أباه. فإن رجعا عن الاعتراف به.
ص: 461
لم يقبل رجوعهما ، لأنه قد حكم بأن أحدهما أبوه فلا يقبل رجوعه. فان رجع أحدهما واقام الأخر على اعترافه ثبت نسبه من المعترف وانتفى عن المنكر ، لأنهما قد اتفقا على ان هذا أبوه ، فحكمنا بقولهما : ان أحدهما أبوه باعترافهما وسقط الأخر. فاما أبوه فلا قود عليه ، وعليه لوارث الولد نصف الدية. واما الأخر ، فهو أجنبي شارك الأب في قتل ولده ، فعليه القود بعد ان يرد على ورثته نصف الدية ، فان عفى عنه سقط عنه القود وكان عليه نصف الدية. وعلى كل واحد منهما ، الكفارة ، لأنهما اشتركا في قتله.
وإذا كان لرجل زوجة وله منها ولد فقتل هذا الرجل هذه الزوجة ، ورثها ولده ، ولم يرثها هو لأنه القاتل لها ، ولم يرث الولد ، القصاص من أبيه ، لأنه لو قتله أبواه (1) لم يملك القصاص عليه. فان كانت هذه الزوجة ، لها مع ولدها منه ولد من غيره ، فقتلها ، ورث ولدها منه وولدها من غيره التركة دون الزوج ، ويسقط عن الزوج القصاص ، لأن أحد ورثتها ولده ولا يرث القصاص عليه ، وله (2) القصاص بعد ان يرد نصيب ولدها منه ، واما الدية فواجبة عليه للولدين ، لولده منها النصف ، وللآخر النصف. فان كانت هذه الزوجة لا ولد لها منه ، ولها ولد من غيره ، وقتلها ، لم يرثها وورثها ولدها من غيرها ، وورث القصاص على زوج امه (3) ، لان زوج امه لو قتله قتل به.
وإذا قتل جماعة واحدا كان لولي الدم قتلهم به ، إذا رد فاضل الدية ، فإن أراد واحدا منهم دون الباقين ، كان له ذلك ، ورد الباقون على أولياء المقاد منه ما يصيبهم من الدية.
ص: 462
وإذا جرح واحد. غيره مأة جراحة ، وجرحه آخر جراحة واحدة. فمات المجروح ، كانا جميعا قاتلين له ، وكان عليهما القود. والولي مخير بين قتلهما جميعا وبين العفو عنهما ويأخذ من كل واحد منهما نصف الدية فيرد على أولياء المقاد منه
وإذا قطع إنسان يد غيره ، وقطع آخر رجله ، وأوضحه ثالث (1) ، فسرى الى نفسه ، كان جميعهم قاتلة ( قتلة له خ ل ) وكان وليه مخيرا بين ان يقتص أو يعفو عنه. فان اقتص كان له ان يقتص في الجرح ، ( الجراح - خ ل ) ، فيقطع القاطع ثم يقطعه (2) ويوضح الذي أوضحه ثم يقتله. فان عفى عن الجميع. أخذ الدية أثلاثا ، وان عفى عن كل واحد (3) على ثلث الدية ، كان له قتل الآخرين إذا رد فاضل الدية.
وإذا قتل الصبي والمجنون إنسانا لم يكن عليهما قود ، فان اختلف ولى المقتول والصبي بعد بلوغه. فقال وليه : قتلته وأنت بالغ وعليك القود ، وقال الصبي : بل قتلته وانا صبي ، فليس على الصبي قود ، كان القول قول الجاني ، لأن الأصل الصغر حتى يعلم زواله. فان اختلف هو والمجنون ، فان كان يعرف له حال جنون ، كان القول قول الجاني مع يمينه ، لأنه أعلم بوقته. وان لم يعرف له حال جنون ، كان القول قول الولي ، لأن الأصل صحته وسلامته حتى يعلم انه مجنون
ص: 463
وإذا أضرم إنسان نارا ، والقى فيها إنسانا ، ولم يمكنه الخروج منها حتى مات ، كان عليه القود. فان كان يمكنه الخروج والتخلص منها ، فلم يخرج ولا خلص نفسه منها حتى مات ، لم يجب على الملقى له فيها قود ، لأنه أعان على نفسه.
فإن ألقاه في لجة بحر ، فمات ، كان عليه القود (1).
فإن ألقاه في لجة ، فالتقمه حوت قبل وصوله الى الماء ، كان عليه القود ، لأنه أهلكه بنفس الإلقاء ، لأنه لو لم يأخذه الحوت ، كان هلاكه فيه ، فكان الحوت أهلكه ( ابتلعه خ ل ) بعد ان حصل ما فيه هلاكه. وقول من يقول : انه ما أهلك بالإلقاء ، وانما هلك بشي ء آخر ، وهو التقام الحوت قبل هلاكه له : غير صحيح ، لأنه لو كان ذلك صحيحا ، لكان إذا وصل الى ماء ، ثم التقمه الحوت قبل هلاكه ، ان يكون ما هلك بالإلقاء وانما هلك بالتقام الحوت له صحيحا ، ولا يحكم عليه بقود ، فقد علم خلاف ذلك (2).
وإذا جنى إنسان على غيره جناية جعله بها في حكم المذبوح ، مثل ان قطع حلقومه ومرية (3) أو ابان خيشومه وامعاه ، وجاء أخر فقده بنصفين أو ذبحه ، كان الأول هو القاتل ، وعليه القود. والثاني غير قاتل ، وعليه التعزير ، لأن الأول جعله في حكم المذبوح ، لأن الحياة التي فيه غير مستقرة. والثاني يلزمه دية ميت. (4)
وإذا قطع الصبي يد بالغ ، وبلغ الصبي ، وسرى القطع الى نفس البالغ لم يكن على الصبي قود. وكذلك الحكم إذا قطع مسلم يد نصراني له ذمة ، ثم
ص: 464
أسلم ، وسرت الجناية إلى نفسه وهو مسلم ، فمات. أو قطع حر يد عبد ، ثم أعتق العبد ، وسرت الجناية إلى نفسه ، سواء في انه لا قود في ذلك ، لان التكافؤ إذا لم يكن حاصلا في وقت القطع وكان موجودا في وقت السراية ، لم يثبت القود في القطع ولا السراية. فإذا كان كذلك ، ولم يلزم فيما ذكرناه قود ، كان فيه الدية ، لأن الجناية إذا وقعت مضمونة ، كان الاعتبار بأرشها في حال الاستقرار. يدل على ما ذكرناه انه لو قطع يدي مسلم ورجليه ، كان فيه ديتان ، فان سرى ذلك الى نفسه كان فيه دية واحدة. ولو قطع إصبعا واحدة كان فيه عشر الدية ، فإن صارت نفسا. كان فيه الدية ، اعتبارا بحال الاستقرار ، كما قدمناه.
وإذا قطع يد مرتد ، ثم أسلم ومات ، أو حربي فأسلم ثم مات ، وكان القطع في حال كفره ، والسراية في حال إسلامه ، لم يجب هاهنا قود ، لما تقدم ذكره ، فالدية لا تجب هاهنا ، لأن الجناية إذا لم تكن مضمونة ، لم تكن سرايتها مضمونة.
وإذا رمى مسلم عبدا بسهم ، فأعتق ، ثم اصابه السهم فقتله. ( أو نصرانيا ، فأسلم ، ثم اصابه السهم فقتله. أو مرتدا ، فأسلم ، ثم اصابه السهم فقتله ) (1) لم يجب في شي ء من ذلك قود ، لما تقدم ذكره ، ولان الاعتبار بالقصد الى تناول نفس مكافئة حين الجناية ، وحين الجناية هو الإرسال للسهم فالتكافؤ غير موجود حينئذ ، فلا قصاص في ذلك ، وفيه دية مسلم ، لأن الإصابة حصلت وهو محقون الدية (2) ، فكان مضمونا بالدية.
فإن رمى حربيا بسهم ، فأسلم ، ثم اصابه السهم فقتله ، لم يكن عليه قود ، وعليه الدية ، وليس بينه وبين ذلك في المرتد فرق ، لأن الإصابة صادفته وهو محقون الدم ، فكان عليه لذلك الدية.
وإذا قطع المسلم يد مسلم ، وارتد المقطوع وسرت الجناية إلى نفسه فمات ،
ص: 465
فإن عاد إلى الإسلام قبل ان يحصل السراية (1) ، كان عليه القود ، لأن الجناية وكل السراية قد حصلت في حال التكافؤ ، وان عاد إلى الإسلام بعد ان أقام على الردة مدة سرت الجناية فيها ، لم يكن فيه قود ، لان القصاص انما يجب بالقطع وكل السراية يبين ذلك انه لو قطع مسلم يد مسلم ، فارتد المقطوع ، ثم مات وهو على ردته لم يكن عليه قود ، ولو قطع يد مرتد فأسلم المرتد ومات وهو مسلم لم يكن فيه قود أيضا
ولو قطع يده خطأ ، ثم ارتد ، وعاد إلى الإسلام ومات ، فان كان إسلامه حصل قبل ان يحصل للجناية سراية في حال الردة ، كان عليه الدية ، لأنها جناية مضمونة سرت الى النفس وهي مضمونة ، واعتبار الدية بحال الاستقرار ، وهو في حال الاستقرار مسلم. وان أقام على الردة مدة تحصل فيها السراية وأسلم ، كان عليه الدية ، لأن الجناية إذا كانت مضمونة ، كان الاعتبار فيها بحال الاستقرار ، وحال الاستقرار هو حي مسلم ، فكانت الدية لازمة ، لأنه قد وجد الكمال في الطرفين. فان كانت هذه الجناية وقعت على مرتد ، ومات وهو مرتد ، لم يلزم في ذلك قود ، ولا دية ، ولا كفارة.
فاما المسلم الذي ارتد ، ثم عاد إلى الإسلام ، ومات وهو مسلم ، فإن الكفارة تجب على القاطع له ، سواء اقام على ردته مدة سرت فيها الجناية إلى نفسه ، أو لم يقم ذلك ، لان الكفارة تلزم بقتل النفس التي لها حرمة ، والقاتل قد قتل نفسا لها حرمة ، لأن الحرمة موجودة في الطرفين ، حال الجناية ، وحال السراية.
وإذا أمر الإمام غيره بقتل إنسان ، لم يكن على القاتل المأمور بالقتل قود ، ولا اثم ، ولا غير ذلك. لان الإمام لا يأمر بقتل إنسان وهو غير مستحق ( الا وهو مستحق - خ ل ) للقتل.
فإن أمر خليفة الإمام غيره بقتل إنسان لغير استحقاق ، وكان المأمور عالما بذلك
ص: 466
لم يجز له قتله ، لقول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. (1) فان خالف وقبل منه في قتل المأمور بقتله ، كان على هذا القاتل ، القود والكفارة ، ولا قود على الأمر له بذلك ولا كفارة ، وهو آثم بما فعل من الأمر.
فإن كان المأمور يعتقد ان قتله حق ، وان الامام وخليفته لا يقتل الا بالحق. وان طاعته فيما امره به واجبة. كان عليه أيضا القود ، لأنه هو المباشر للقتل ، دون الآمر (2)
فإن أكرهه فقال له : ان قتلته والا قتلتك ، لم يجز له قتله وان كان خائفا ، لأن قتل المؤمن لا يجوز استباحته بالإكراه على قتله ، فان خالف وقتل ، فقد آثم بقتل نفس يحرم قتلها ، وكان عليه القود.
وإذا جرح المسلم نصرانيا ، ثم ارتد المسلم ، ثم سرت الجناية إلى نفسه فمات ، لم يكن على المرتد قود ، لفقد التكافؤ في حال الجناية.
* * *
إذا قتل اثنان أو أكثر واحدا عمدا ، كان ولى الدم مخيرا بين ان يقتل
منهم واحدا ، ويرد الباقون على وارثه مقدار ما كان نصيبهم ، لو طولبوا بالدية وبين ان يقتلهما جميعا ، بعد ان يؤدى الى ورثة المقادين ما يفضل عن دية صاحبهم
ص: 467
يتقاسمونه بينهم بالسوية.
وإذا قتل اثنان واحدا بسيفين أو ضربتين مختلفين ، فيكون القتل حادثا عن ضربهما ، كان الحكم فيهما ما تقدم سواء. فان كان قتلهما خطأ ، كانت الدية على عاقلتهما بالسوية.
وإذا اشترك اثنان في قتل إنسان ، فقتله واحد منهما ، وأمسكه الأخر ، قتل القاتل ، وحبس الممسك في السجن حتى يموت ، ويضرب في كل سنة خمسين سوطا وان كان معهما من ينظر إليهما سملت عيناه.
فان قتلت امرأتان رجلا عمدا ، قتلتا به جميعا ، فان قتله منهن أكثر منهما ، كان لولي الدم قتلهن كلهن ، ويؤدى ما يفضل عن دية صاحبه ، إلى أوليائهن يقتسمونه بينهن بالحصص. فان كان قتلهن له خطأ كانت الدية على عاقلتهن بالسوية.
فإن قتل رجل وامرأة رجلا ، كان لأولياء الدم قتلهما جميعا ، ويردوا إلى أولياء الرجل نصف ديته. ( فان اختاروا قتل المرأة ، كان لهم ذلك ، ويأخذون نصف الدية. وان اختاروا قتل الرجل ، كان لهم ذلك ، وترد المرأة على أولياء الرجل نصف ديتها ) (1) فإن أراد أولياء الدم الدية ، كان نصفها على الرجل ، ونصفها على المرأة وإذا كان قتلهما خطأ كانت الدية على عاقلتهما نصفين بالسوية.
وإذا قتل رجل حر ومملوك رجلا حرا عمدا ، (2) كان أولياء المقتول مخيرين
ص: 468
بين ان يقتلوهما ويؤدوا إلى سيد المملوك ثمنه ، وبين ان يقتلوا الحر ، ويؤدى سيد المملوك الى ورثته نصف الدية ، أو يسلم المملوك إليهم ، فإن اختاروا استرقاقه ، استرقوه ، وان اختاروا قتله ، قتلوه. وليس لسيد المملوك على الحر سبيل. فان اختاروا الدية ، كانت على الحر وعلى سيد العبد نصفين ، أو يسلم السيد المملوك إليهم ، فيكون رقا لهم ، ويؤخذ من الحر نصف الدية ، فإن كان قتلهما له خطأ ، كان نصف الدية على عاقلة الرجل ، والنصف الأخر على سيد المملوك ، أو يسلمه إلى أولياء الدم يسترقونه ، ولا يجوز لهم قتله.
وإذا قتلت امرأة ومملوك رجلا حرا ، واختار أولياء الدم قتلهما جميعا ، كان لهم ذلك ، فان كانت قيمة المملوك أكثر من خمسة آلاف درهم ، كان لهم ان يردوا على سيد المملوك الفاضل عن خمسة آلاف درهم. فان اختاروا ان يقتلوا المرأة ويأخذوا المملوك كان لهم ذلك الا ان تكون قيمة المملوك أكثر من خمسة آلاف درهم فعليهم ان يردوا على سيد المملوك ، الفاضل من خمسة آلاف درهم ، ويأخذوا المملوك ويفتديه (1) سيده ، فان كان قيمة المملوك أقل من خمسة آلاف درهم ، لم يكن لهم غير نفسه. فان طلبوا الدية ، كان لهم ذلك ، ويكون على المرأة نصفها ، وعلى سيد المملوك ، النصف الأخر ، أو يسلمه إليهم.
فإن اشترك جماعة من الممالك في قتل رجل حر عمدا ، كان لأولياء الدم قتلهم جميعا ، وعليهم رد ما يفضل عن دية صاحبهم ، فان نقص ثمنهم عن ديته ، لم يكن لهم سبيل على مواليهم. فان اختاروا الدية ، كانت على مواليهم بالحصص ، أو يسلموا المماليك إليهم. فإن كان قتلهم خطأ ، كانت الدية على ساداتهم ، أو يسلموا المماليك إليهم يسترقونهم ، ولا يجوز لهم قتل واحد منهم.
وإذا قتل رجل عمدا ، رجلين أو أكثر منهما ، واختار أولياء الدم ، القود ، لم يكن لهم غير نفس القاتل ، ولم يكن لهم سبيل على شي ء من ماله ، ولا وارثه ، ولا عاقلته
ص: 469
وان اختاروا الدية ، (1) كان لهم عن كل مقتول دية كاملة. وان كان قتله لهم خطأ كان على عاقلته ديات الجميع على كمالها.
وإذا قتل رجل رجلا وامرأة ، أو رجالا ونساء أو امرأتين ونساء ، كان الحكم فيه وفيهم مثل ما تقدم.
وإذا اشترك قوم في قتل إنسان ، فطلب منهم أولياء الدم الدية ، وأخذوها منهم كان على كل واحد منهم الكفارة - وقد سلف ذكر ذلك - رجلا كان أو امرأة ، إلا المملوك ، فإنه لا يجب عليه أكثر من صوم شهرين ، فاما العتق أو الطعام ، فان ذلك لا يلزمه منه شي ء.
* * *
قد تقدم القول فيما تعلق بالنفس من القصاص ، فاما دون النفس ، فنحن نذكر منه جملة مقنعة ، بمشيئة اللّه :
قال اللّه تعالى ( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ، وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ، وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ ) (2) الاية. ففصل الأعضاء - كما ترى - ثم عم بالقول الجميع ، فقال : والجروح قصاص (3)
ولا خلاف في جواز القصاص في الشريعة ، وليس يصح الا بشروط وهي : التساوي في الحرية ، بأن يكون المقتص والمقتص منه حرين مسلمين ، أو يكون المجني عليه أكمل.
ص: 470
وان يحصل ( يكون خ ل ) الاشتراك في الخاص ، يمين بيمين ، ويسار بيسار. لأنه لا يقطع يسار بيمين ، ولا يمين بيسار.
وان تكون السلامة حاصلة ، لأنه لا يقطع اليد الصحيحة باليد الشلاء.
فاما ما كان في الرأس والوجه من الجراح ، فليس يجب فيها القصاص الا بشرط وهو : التكافؤ في الحرية ، أو يكون المجني عليه أكمل.
وجملة القول من ذلك ، انا ننظر الى طول الشجة وعرضها ، فيعتبر بمساحة طولها وعرضها.
واما الأطراف ، فلا يعتبر فيها بكبر ولا صغر ، يؤخذ اليد السمينة بالهزيلة ، والغليظة بالرقيقة. ولا يعتبر في ذلك ، المساحة ، وانما يعتبر الاسم مع السلامة ، مع التكافؤ في الحرية ، كما قال تعالى ( وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها ، أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ، وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ، وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ ، وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ ، وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ ) (1). فاعتبر الاسم فقط.
فاذا كان كذلك ، فالقصاص في الموضحة جائز بعد الاندمال ، لأنها ربما صارت نفسا ، وأول العمل في ذلك ، ان يجعل على موضع الشجة مقيسا من خيط أو عود ، فاذا علم قدرها ، حلق في مثل ذلك في الموضع بعينه من رأس الشجاج (2) لان الشعر ان كان قائماً لا يؤمن ان يؤخذه أكثر من الحق - فإذا حلق الموضع ، جعل عليه المقياس ، وخط على الطرفين خطأ يكون مغيرا اما من سواد أو غيره ، حتى لا يزيد على مقدار الحق ، ثم يضبط المقتص منه ، لئلا يتحرك فيجني عليه بأكثر من ذلك - ويكون الزيادة هدرا ، لأنه هو الذي يجنى على نفسه - فاذا ضبط ، وضع الحديدة (3) من عند
ص: 471
العلامة ، ثم أوضحه إلى العلامة الأخرى :
ثم ان رأس المجني عليه ، (1) اما ان يتفقا في القدر والمساحة ، أو يختلفا ، ويكون رأس المجني عليه أصغر أو أكبر. فإن كانا متساويين ، وكانت الشجة في بعض الرأس أو في كله ، استوفى حسب ما قدمناه. وان كان رأس المجني عليه أكبر ، مثل ان يكون من جبهته الى قفاه نصف شبر وشبر ، والجاني شبر فقط ، وكانت الموضحة في بعض رأس المجني عليه ، وذلك القدر جميع رأس الجاني ، فإنه يستوفي جميع رأس لا مثله (2) في المساحة ، وان كانت في جميع رأس المجني عليه ، فإنه يستوفي جميع رأسه ، من أوله الى آخره ، ولا يترك من الرأس إلا الجبهة (3) ، لأن الجبهة عضو آخر ، ولا عن رأسه أيضا الى قفاه ، لان القفا عضو آخر ، ولا يوضح مكانا آخر ، لئلا يصير موضحتين بموضحة واحدة.
فإن كان رأس المجني عليه أصغر من رأس الجاني ، أخذ قدر مساحتها (4) من رأس الجاني ، ان أراد بدء من الجبهة لأنه منتهى (5) المساحة ، وان أراد بدء من القفا الى منتهاها أيضا ، لأن السمت (6) محل الاقتصاص ، الا انه بقدر الجناية ، من غير زيادة عليها ، ولو أراد ان يأخذ من وسط الرأس بقدر المساحة ، جاز ، لان هذا
ص: 472
السمت محل الاقتصاص.
فإن أخذ قدر المساحة بغير زيادة عليها ، فقد استوفى الحق ، وان زاد على ذلك ، وكان متعمدا ، فالزيادة موضحة يجب القود فيها ، لأنه ابتداء إيضاح على وجه العمد. فاذا ثبت أنها موضحة منفردة لم يكن (1) أخذ القصاص فيها من رأسه ، لأن محلها ما اندمل ، لكنه يصبر الى ان يندمل ، فاذا كان ذلك ، أخذ القصاص فيها في محل الاندمال. هذا إذا قال : عمدت. فان قال : أخطأت ، كان القول قوله ، لأنه الجاني ، فهو اعلم بحال الجناية ، فإذا حلف ، لزمه أرش الموضحة كاملة.
وإذا شجه دون الموضحة ، مثل ان شجه متلاحمة ، كان فيها القود.
* * *
فيجري القصاص فيها من المفاصل ، في اليدين ، والرجلين ، والعينين ، والأذنين ، والأنف ، والأسنان ، واللسان ، والذكر. للاية.
ويجب ذلك بشروط وهي :
الاتفاق في الحرية ، والسلامة ، والاشتراك في الاسم الخاص - يمين بيمين ، ويسار بيسار - ولا يعتبر القدر والمساحة ، بل تؤخذ اليد السمينة بالهزيلة ، والغليظة بالرقيقة. للاية.
وإذا كان كذلك ، وقطع يده من مفصل الكوع.(2) فيقطع يده من المفصل المذكور بعينه ، ويكون المجني عليه مخيرا بين أخذ القصاص ، وبين العفو على مال ، فان عفى على مال. كان فيها نصف الدية ، خمسون من الإبل.
فإن قطع يده من بعض الذراع ، لم يكن فيها قصاص من بعض الذراع ، لان نصف
ص: 473
الذراع ليس يمكن قطعه ، خوفا من إتلافه ، أو أخذ أكثر من الحق ، فيكون المجني عليه مخيرا بين العفو على مال ، وله دية يد وحكومة في ما زاد عليها من الذراع. وبين القصاص ، فيقتص اليد من الكوع ، ويأخذ حكومة فيما بقي من الذراع.
فان قطع من مفصل المرفق ، فله القصاص من هذا المفصل بعينه ، والمجني عليه ، مخير بين العفو ويأخذ دية اليد ، خمسين من الإبل ، وحكومة في الساعد (1) وبين ان يقتص من المرفق. فان قال : انا اقتص من الكوع ، وآخذ من الذراع حكومة ، لم يجز له ذلك ، لأنه إذا أمكنه ان يستوفي حقه اجمع قودا ، لم يكن له استيفاء بعضه وأخذ حكومة فيما بقي. وهذا يفارق المسئلة المتقدمة ، حيث كان له القصاص في الكوع وأخذ الحكومة فيما بقي من الذراع ، لأنه لا يمكنه استيفاء جميع حقه قصاصا ، لان نصف الذراع لا ينفصل له.
وكذلك إذا قطع يده من مفصل المنكب ، على هذا التفصيل. فان خلع كتفه واقتلع العظم الذي هو المشط من ظهره ، سأل أهل الخبرة عن ذلك ، فان قالوا : ان استيفاء ذلك يمكن قصاصا ، ولا يخاف عليه الجائفة (2) ، ( استوفى قصاصا ، لان له حدا ينتهى اليه ، فإن قالوا : ليس يؤمن عليه الجائفة ) ، (3) كان المجني عليه مخيرا بين العفو وأخذ دية اليد - خمسين من الإبل - وفيما يزيد على ذلك حكومة (4) ، وبين ان يأخذه القصاص من المنكب ، وفيما يزيد عليه حكومة.
فإن قطع يدا كاملة الأصابع ويده ناقصة الإصبع ، كان المجني عليه مخيرا
ص: 474
بين العفو على مال ، وله دية اليد - خمسون من الإبل - وبين ان يقتص فيأخذ يدا ناقصة إصبعا قصاصا.
وان كانت يده شلاء ، فقطع صحيحة ، سئل أهل الخبرة ، فإن قالوا : ان الشلاء إذا قطعت ، بقيت أفواه العروق لا ينضم ولا ينحسم ولا يبرأ ولا يؤمن التلف بقطعها ، لم تقطع ، لأنه لا يجوز ان يؤخذ نفس بيد. وان قالوا : انها ينحسم ويبرأ في المقادة (1) أخذنا بها ( أخذ به - خ ل ) ، لأنه قد رضي بأخذ ما هو أقل من حقه ، فهو كالضعيفة بالقوية.
وإذا قطع يدا شلاء ، ويده صحيحة ، لم يكن فيها قود ، ويكون فيها ثلث دية اليد الصحيحة.
وإذا قطع إصبع غيره ، فسرت الى كفه ، فذهب كفه ثم اندملت ، كان عليه بالإصبع والسراية جميعا ، القصاص.
وإذا قطع أطراف غيره ، مثل ان يكون قطع يديه ، ورجليه ، وأذنيه ، فله ان يأخذ دية النفس دون ما زاد عليها ، وليس له ان يأخذ ثلاث ديات.
وإذا ذهب ضوء العين عن ( من - خ ل ) الموضحة بالسراية ، كان في ذلك ، القصاص وإذا كان فيه القصاص ، فالمجني عليه مخير بين العفو وبين استيفاء القود ، فان عفى وجبت له دية موضحة في الضوء (2) ، الدية ، فإن أراد القصاص ، اقتص في الموضحة ثم يصبر ، فان سرى القصاص الى ضوء العين ، كان القصاص واقعا موقعه ، وان لم يسر الى ضوء العين ، كان فيه القصاص ، فإن أمكنه أن يقتص الضوء (3) ، كان ذلك له ، وان لم يمكنه ذلك الا بذهاب الحدقة ، لم يكن له القصاص فيه ، لأن الذي يستحقه
ص: 475
هو الضوء ، فلا يجوز ان يأخذ معه عضوا آخر (1).
وإذا لطم غيره ، فذهب ضوء عينه ، لطم مثلها. فان ذهب بذلك ضوء عينه ، فقد استوفى القصاص ، وان لم يذهب الضوء ، استوفى بما يمكن استيفاء ذلك بمثله من حديدة قد احمى في النار (2) ، أو كافور ، أو دواء يذر فيها.
فان لطم غيره ، وذهب ضوء عينه ، وابيضت وشخصت ، لطم مثلها ، فان ذهب الضوء وحصل البياض والشخوص فيها ، فقد استوفى الحق ، وان ذهب الضوء ، ولم يحصل البياض والشخوص ، وأمكن ان يعالج بما حصل به ذلك ، كان له فعله ، فان لم يتمكن ذلك لم يكن فيه شي ء (3).
وإذا ذهب شعر الرأس ، فلم يعد ، كان فيه الدية كاملة. وكذلك شعر اللحية فاما شعر الحاجبين ، فمضمون بنصف الدية ، وكذلك شعر أشفار العينين. وما عدا ذلك من الشعر ، ففيه حكومة.
وإذا جرح غيره ، ثم ان المجروح قطع من مكان الجرح لحما ، وسرى ذلك الى نفسه ، ( فان كان اللحم الذي قطعه حيا ، كان على الجاني القود ، لأنه هلك من عمل بين أحدهما مضمون والأخر هدر ) (4). فان كان اللحم المقطوع ميتا ، كان قطع هذا اللحم لا تأثير له ، لأنه لا سراية فيه ، وكان على الجاني ، القود.
ص: 476
وإذا قطع يد رجل ، وفي اليد إصبعان شلا وان ، وثلاث أصابع سليمة ليس فيها شي ء من الشلل ، لم يلزم القاطع قود ، لان الاعتبار في لزوم ذلك في الأطراف انما يكون بالتكافؤ فيها ، واليد الشلاء لا تكافؤ الصحيحة ، فإذا لم يلزم هذا القاطع قود لما ذكرناه. ورضي الجاني بأن يقطع يده بتلك اليد ، لم يجز ذلك ، لان القود إذا لم يجب في الأصل لم يجز استيفاؤه بالبدل (1). وهذا يبين بالحر إذا قتل عبدا ، وقال الحر : قد رضيت بان يقتله ( يقتلني - ظ ) سيده ، في انه لا يجوز قتله ، ولا يعتبر رضاه في ذلك ، وللمجنى عليه القصاص في الأصابع الثلاثة السليمة ، ويكون مخيرا بين العفو والاستيفاء ، فان عفى عن القصاص ، أخذ في السليمة ثلاثين من الإبل ، ويأخذ في الشلاوين ثلث ديتهما صحيحتين.
إذا قطع أنملة من إصبع ، وكانت الأنملة هي العليا ، ثم يقطع المجني عليه الأنملة التي تحتها ، وسرى ذلك الى نفسه ، كان عليه القود ، ولا فرق بين ان يكون المجني عليه قطع لحما حيا أو ميتا ، كما ذكرناه فيما تقدم (2).
وإذا قطع يدا كاملة الأصابع ، ويده ناقصة إصبعين ، كان المجني عليه مخيرا ( فان اختار القصاص أخذ الموجود ودية المفقود ، فيأخذ دية إصبعين - عشرون من الإبل - ) (3) فإن اختار القصاص ، لم يكن له أخذ المال. وكذلك القول إذا كان ذلك خلقة ، أو ذهب بآفة من اللّه تعالى. وان كان قد أخذ ديتها أو استحقها على غيره ، كان عليه رد المال.
ص: 477
وإذا كانت له إصبع زائدة ، فقطع يدا، فان كانت مثل يده في الزيادة ، وكانت الزيادة من المقطوع في محل الزيادة من القاطع ، مثل ان يكون مع الإبهامين ، أو مع الخنصرين منهما ، قطعت يده بيده ، لأنهما متساويتان في الخلقة والزيادة. وان كانت المقطوعة ذات خمس أصابع ، وللقاطع إصبع زائدة ، فإن كانت الزائدة على ساعد القاطع ، قطعت يده بذلك ، لأنا نأخذ ليد مثل يد ، والزيادة تسلم للقاطع. وان كانت الزيادة على كف القاطع لم يقطع يده بيده ، لأنها تزيد إصبعا ، فلا يقطع بما هي ناقصة إصبعا (1) فإذا كانت لا تقطع على ما ذكرناه فالزيادة ، إما تكون منفردة - كإحدى الأصابع - أو يكون ملصقة بواحدة منها ، أو يكون على إصبع من الأصابع ، فإن كانت منفردة كإحدى الأصابع ، كان مخيرا بين العفو وله أخذ دية كاملة وبين ان يقتص فيأخذ خمس أصابع قصاصا ويترك الزائدة. وان كانت ملصقة بإحدى الأصابع ، كان مخيرا بين العفو وله ان يأخذ دية كاملة وبين ان يقتص فيأخذ أربع أصابع قودا ، وليس له أخذ الخامسة ، لأنها ملصقة بالزائدة وله ديتها ، عشرة من الإبل. وان كانت الزائدة على إصبع من الأصابع ، وكانت نابتة على الأنملة العليا ، كان الحكم فيها ، كالحكم فيها إذا كانت ملصقة بالزائدة ، وقد تقدم ذلك. وان كانت نابتة على الأنملة الثانية كان القصاص في ثلاث (2) أصابع ، وفي الأنملة العليا ودية الأنملتين الباقيتين. وان كانت على السفلى ، كان له القصاص في أربع أصابع والأنملتين العليا والوسطى ودية الأنملة السفلى التي عليها الإصبع الزائدة.
ص: 478
فان كانت يد القاطع ذات خمس أصابع ، ويد المقطوع ذات ست أصابع ، كان للمقطوع ، القصاص ، لأنه يأخذ ناقصا بكامل ، ويكون مخيرا بين العفو والاستيفاء. فان عفى على مال ، كان له بيده يد كاملة ، وفي الإصبع الزائدة حكومة ، ولا تبلغ الحكومة في ذلك دية الإصبع الأصلية ، لأنا نأخذ (1) في الخلقة الزائدة ما نأخذه في الأصلية ، فإذا كان كذلك (2) فكان لا فرق بين قطعها وحدها أو مع اليد. فان اندملت كان فيها الأرش - ثلث الإصبع الصحيحة - كان بها سير (3) بعد الاندمال ، أو لم يكن بها كذلك.
وإذا قطع من غيره أنملة لها طرفان ، وكان للقاطع مثلها في تلك الإصبع ، كان عليه القصاص ، لتساويهما في ذلك ، وان لم يكن له مثلها ، أخذ القصاص في الموجودة ، وحكومة في المفقودة.
وان كانت أنملة القاطع ، لها طرفان ، وللمقطوعة طرف واحد ، فلا قصاص على الجاني ، لأنا نأخذ زائدة بنا قصة ، وله دية أنملة - ثلث دية الإصبع - ثلاث وثلث من الإبل.
وإذا قطع رجل يمين رجل ، وكان لهذا القاطع يمين ، قطعت بها. وان لم يكن له يمين ، وكان له يسار ، قطعت يده اليسرى به (4). وكذلك الحكم ، إذا قطع يسرى غيره ، ولم يكن له يسرى ، وله يمين ، فإنه يقطع يمينه باليسرى. فان لم يكن له يدان
ص: 479
وكانت له رجلان ، قطعت رجله اليمنى باليمنى. فان لم يكن له رجل يمنى ، وكانت له يسرى ، قطعت رجله اليسرى بذلك ، فان لم يكن له يدان ، ولا رجلان ، كان له الدية ، وسقط القصاص هاهنا.
وإذا قطع اذن رجل ، فأبانها ، ثم ألصقها المجني عليه في الحال ، فالتصقت كان على الجاني القصاص ، لان القصاص يجب بالإبانة. فإن قال الجاني : أزيلوا اذنه ، واقتصوا منى ، كان له ذلك ، لأنه ألصق بها ميتة. فإن كان ذلك ، ثم ألصقها الجاني فالتصقت ، وقع القصاص موقعه. فان قال المجني عليه : قد التصقت اذنه بعد إبانتها ، أزيلوها عنه ، وجب إزالتها.
وإذا صلى الذي ألصق المقطوع باذنه ، فالتصق ، لم تصح صلاته ، لأنه حامل النجاسة في غير موضعها لغير ضرورة. فاما إذا أجبر عظمه بعظم ميتة ، فلا تمنع صحة الصلاة عندنا معه ، لان العظم ليس بنجس ، لأنه لا تحله الحياة ، والميتة انما تكون ميتة بان يفنى عنها الحياة التي تكون حياته فيها ، والعظم لا تحله الحياة كما قدمناه. وقد ذكر : ان العظم إذا كان عظم ما هو نجس العين ، مثل الكلب والخنزير ، لم تجز الصلاة فيه ، والاحتياط يقتضي ذلك (1).
وإذا قطع اذن رجل وبقيت معلقة لم تبن من باقيها ، كان في ذلك القصاص ، لأنها قد انتهت الى حد يمكن فيها المماثلة ، وكذلك القول في قطع اليد ، فاذا كان كذلك وأراد القصاص ، اقتص منه الى الجلدة التي هي متعلقة بها. وإذا قطع ذكر رجل قطع ذكره ، ويقطع ذكر الشاب بذكر الشاب ، وذكر الشاب بذكر الشيخ ، وذكر الشيخ بذكر الشاب ، وكذلك ذكر الصبي ، بغيره مما ذكرناه. ويقطع ذكر الفحل بذكر الخصى. فان قطع ذكر أشل أو به شلل - وهو الذي قد استرسل ولا ينتشر ولا يقوم ولا ينبسط ولا ينقبض ، صار مثل الحرمة - (2) لم يكن في قطع قود ، مثل اليد السليمة
ص: 480
بالشلاء ، لا يقطع بها. فان قطع أغلف ، ذكر مختون ، قطع ذكر الأغلف بالمختون.
وإذا قطع خصيتى رجل ، كان على القاطع القود. فان قطع واحدة منهما ، سئل أهل الخبرة عن الباقية (1) فإن قالوا : لا يخاف عليها في هذا الموضع ، قطعنا بها وان قالوا : انها لا يؤمن عليها من ذهاب منافعها ، لم يكن من ذلك قود هاهنا ، لان ذلك يؤدى الى أخذ عضوين بعضو واحد. فان عفى على مال ، كان له نصف الدية ان كانت المقطوعة هي اليمنى ، وان كانت هي اليسرى ، كان فيها ثلثا الدية ، لأن منها يكون الولد (2).
ويقتص من الأنف بالأنف والاعتبار في ذلك لا بصغر ولا كبر ، ولا بغلظ ولا دقة ، ولا بأنه أفطس أو أقنى. لتساويهما في الاسم ، وهو المراعى في هذا الموضع وما أشبهه. فإن قطع رجل أنف مجذوم ، ولم يكن سقط منه شي ء بالجذام. قطع الأنف الصحيح به ، لأنه يجوز عندنا أخذ الصحيح بالعليل. وان كان قد ذهب بعضه وتناثر الجذام ، كان المجني عليه مخيرا بين ان يأخذ بقدره من الدية فيما بقي ، وبين ان يقتص فيما بقي ، ان كان الذي ذهب مما يمكن القصاص فيه ، وهو ان يكون ذهب جانبه بالجذام. فان كان الذاهب منه طرفه ، لم يكن فيه الا الدية فيما بقي.
ويؤخذ الأنف الشام ( السالم خ ل ) بالأنف الأخشم. (3) والذي يؤخذ قودا ، وتجب فيه دية كاملة ، من الأنف ، هو المارن والمارن ، هو ما لان منه ، وهو ما نزل من قصبة الخياشم - التي هي العظم - لان له حدا ينتهى اليه ، فهو من قصبة الأنف ، وهو
ص: 481
مثل (1) اليد من الساعد ، والرجل من الساق فان قطع جميعه ، كان المجني عليه مخيرا بين القود والدية بكمالها ، لأن في الأنف الدية. فإن قطعه مع قصبة الأنف كان كقطع اليد من الساعد - المجني عليه مخير بين العفو وتكون له دية كاملة في المارن وحكومة في القصبة - كما لو قطع يده من نصف الساعد ، فان له العفو ويأخذ دية كاملة ، ويكون كحكومة في الساعد - وان أراد أخذ القصاص في المارن ، وحكومة في القصب ، مثل الساعد ، سواء.
فان قطع بعض المارن ، رجع الى قدر ذلك بالأجزاء ، فإن كان ثلثا أو عشرا عرف ذلك وأخذ بحسابه من أنف القاطع. ولا يؤخذ بالمساحة (2). لأنه قد يكون نصف المقطوع مثل جميع أنف القاطع ، فيفضي ذلك الى ان يأخذ أنفا بنصف ، وذلك لا يجوز.
فان قطع واحدا من المنخرين ، كان له القصاص في ذلك ، لان له حدا ينتهى اليه هو ، مثل احدى الاصبعين. لان بينهما حاجزا.
وإذا قطع رجل اذن رجل، كان في ذلك القصاص ، ولا اعتبار في ذلك بصغر ولا كبر ، ولا بسمن ولا دقة ، ولا بسميعة ولا صماء ، ولا بما جرى مجرى ذلك لان الاسم يتناول ذلك ، ولا اعتبار هاهنا به (3) فان قطع الاذن كلها ، كان مخيرا بين قطع أذن الجاني ، وبين أخذ كمال دية اذن.
( وان قطع بعض الاذن ، علم هل ذلك ربع أو ثلث أو عشر؟ فيؤخذ هذا الطرف من اذن الجاني ، ويقطع الأذن التي لا ثقب فيها بالمثقوبة. ) (4)
ص: 482
وإذا قطع يدا لا أظافير لها جملة ، لم يكن في ذلك قود ، لأنه نقصان خلقة ، وليس يؤخذ الكامل بالناقص. وله دية كاملة.
وفي الأسنان ، القصاص. فان قلع سنا وكان سن متغير (1) ، لم يكن فيها قصاص في الحال ، ولا دية لأنها مما يرجى رجوعه. وينبغي للمجنى عليه ان يصبر حتى يسقط أسنانه التي هي إنسان اللبن ويعود ، فاذا سقطت وعادت ولم تعد المقلوعة سئل أهل الخبرة ، فإن ذكروا انها لا يؤيس من رجوعها الى وقت كذا وكذا ، فينبغي ان يصبر الى ذلك الوقت ، فان لم تعد ، علم انه قد أعدم إنباتها ، وآيس من عودها وكان المجني عليه حينئذ مخيرا بين القصاص وبين العفو على مال ، ويأخذ دية سن كما لو قلع سن مثغر (2) والمثغر هو الذي قد سقطت وأسنان اللبن متى ثغرة (3) ونبت موضعها غيرها - فان عادت السن في الوقت الذي ذكره أهل الخبرة أو مع عودة الإنسان ، وكانت متغيرة ، سوداء أو خضراء أو صفراء فالظاهر انه من فعله ، فيكون عليه حكومة. وان رجعت كما كانت سالمة من التغير والنقصان ، لم يكن فيها قصاص ولا دية. (4).
فان مات قبل الإياس من رجوعها ، لم يكن فيها قصاص ، لان الحدود تدرء
ص: 483
بالشبهات ، والشبهة هاهنا : انا لا نعلم رجوعها. فاما الدية فلازمة ، لان القلع قد علم والقود متوهم ، ولا يسقط حقه بأمر متوهم.
وإذا قلع سن مثغر ، سئل أهل الخبرة ، فإن ذكروا : انها لا تعود ابدا ، كان المجني عليه مخيرا بين القصاص والعفو. فان قالوا : لا يرجى (1) رجوعها الى كذا وكذا. فان عادت ، والا فلا يعود ، لم يكن فيها قصاص ولا دية إلى الحد الذي ذكره أهل الخبرة. فإذا كان ذلك ولم يعد ، كان المجني عليه مخيرا بين القصاص أو الدية ، وان عادت وكان عودها قبل الإياس من عودها. فهي مثل سن المثغر (2) وقد تقدم ذكر ذلك. وان كان عودها بعد الإياس من ذلك - اما بعد المدة المحدودة أو قبلها وقد ذكروا انها لا تعود ابدا - فان كان المجني عليه قد أخذ الدية كان عليه ردها ، لان السن التي أخذ الدية عنها قد عادت وان كان قد اقتص ، كان عليه دية سن الجاني التي أخذها قصاصا وليس عليه قصاص في ذلك. وقد ذكر (3) خلاف قولنا هذا ، والاحتياط يتناول ما ذكرناه.
والسن الزائدة - هي التي تكون خارجة من صف الأسنان ، وعن سمتها. اما من خارج أو داخل الفم - فاذا جنى إنسان على ما هذه صفته ، ولم يكن له سن زائد ، فليس في ذلك قصاص ، وعليه ثلث الدية للسن الأعلى (4) فإن كان له سن زائدة في غير محل المقلوعة ، فليس في ذلك أيضا قصاص ، لأنا لا نأخذ عضوا في محل بعوض في محل آخر. ولا نأخذ الإصبع السبابة بالإصبع الوسطى. وعليه ثلث دية
ص: 484
السن الأصلي كما قدمناه فان كان للجاني سن زائدة في محلها ، كان المجني عليه مخيرا بين القصاص وبين العفو على مال ، فإن أراد القصاص ، فلا فرق بين ان يكونا سواء وبين ان يكون الواحد منهما أكثر (1) من الأخرى.
وإذا وجب لإنسان على غيره قود ، في طرف أو نفس ، لم يجز ان يستوفيه بنفسه، لان ذلك من فروض الأئمة عليهم السلام ، وعليه التعزير.
وإذا وجب قصاص على رجل في يمينه ، فقال له المجني عليه : اخرج يمينك لأقتصها ، فأخرج يساره فقطعها. فان كان المقتص جاهل بأنها يساره ، لم يكن عليه قود ، لأنه قطعها معتقدا أنه يستوفي حقه بها ، وكان شبهة ( شبهته - خ ل ) في سقوط القود فيها ، ولأنه قطعها ببذل مالكها ، فلا قود عليه في ذلك. فاما ديتها فلازمة له (2) لأنه بذلها عن يمينه ، وكان البذل على سبيل المعاوضة ، فإذا لم يصح كان على القابض الرد ، فاذا عدمت ، كان عليه بدلها. وان كان المقتص عالما بأنها يساره ، فقطعها. فان هذا القطع مضمون ، لأنه إنما بذلها بعوض ، فلم يسلم له ، فكان على القابض الضمان ، فاذا كان ذلك مضمونا فالضمان في اليد بالدية ، لأنه بذلها للقطع ، فكان شبهة في سقوط القود عنه ، وسقوط القود (3) انما يثبت ، لأنه مضمون بالدية.
وإذا كان الأمر في اليسار على ما ذكرناه ، فالقصاص باق في يمينه وله دية يساره. وليس للمقتص قطع اليمين ، حتى ينظر ما يكون من قطع اليسار ، فاما ان تندمل
ص: 485
أو يسري ، فإن اندملت فقد استقر على المقتص دية اليسار ، وله قطع اليمين. فان استوفاها قصاصا كان عليه دفع دية اليسار. وان عدل (1) عن اليمين وجبت له دية اليمين ، وكان عليه دية اليسار ، فليتقاصان ، فان سرى قطع اليسار الى النفس ، كان عليه ضمان النفس ، لأنه سراية عن قطع مضمون سرى الى النفس. وهي مضمونة ، فكانت ديتها عليه ، فعليه دية نفس بغير زيادة على ذلك.
وإذا قطع يدي رجل ورجليه ، كان عليه ديتان ، دية في اليدين ، ودية في الرجلين. فان مات بعد الاندمال ، استقرت الديتان على الجاني. وان سرى القطع الى النفس ، كان عليه دية واحدة ، لأن أرش الجناية يدخل في بدل النفس.
وإذا قطع يد عبد ، كان عليه نصف قيمته. ويمسكه سيده. فان قطع يدي عبد أو رجليه ، كان عليه قيمته كاملة يتسلم العبد. (2)
وإذا قطع رجل ، يد عبد ، وآخر يده الأخرى ، كان عليهما قيمة كاملة ، على كل واحد منهما نصفها ، ويمسكه سيده.
ودية الكافر ، ثمان مأة درهم. فاذا جنى عليه جناية لها أرش مقدر ، كان التقدير في ديته ، ففي يده اربع مأة درهم ، وفي موضحته أربعون درهما ، وفي إصبعه ثمانون درهما. والمرأة الكافرة على النصف من ذلك.
ودية المسلم مأة من الإبل ، وقد ذكرنا ذلك مفصلا فيما تقدم ، وفي يده خمسون من الإبل ، وفي إصبعه عشرون ، وفي موضحته نصف عشر الدية - خمس من الإبل. والمسلمة خمسون من الإبل ، وفي يدها خمس وعشرون. وتعادل الرجل الى ثلث الدية ، فيكون في إصبعها عشر من الإبل ، وفي ثلاث أصابع
ص: 486
ثلاثون ، وفي أربع ، عشرون.
وكل جناية لها في الحر أرش مقدر من ديته ، لها من العبد مقدر من قيمته ، ففي أنف الحر ولسانه وذكره ، ديته. وفي كل واحد منها في العبد ، قيمته. في يده نصف قيمته ، وفي إصبعه عشر قيمته ، وفي موضحته نصف عشر قيمته. فاذا كان كذلك ، وكان قدر الجناية في العبد قيمته ، مثل الأنف ، واللسان ، والذكر ، واليدين ، والرجلين ، وجب ذلك على الجاني ويسلم العبد.
وإذا قتل حر عبدا ، وجبت قيمته في ذمته، وكذلك ان قطع (1) أو قتله عمد الخطاء فان قتله خطأ محضا. فالقيمة على عاقلته. وكذلك في أطرافه.
وإذا كان إنسان على جانب حائطه أو خافة نهر، أو شفير بئر ، فصاح به غيره صحيحة شديدة ، فسقط فمات ، فان كان رجلا عاقلا لم يكن على الصائح شي ء ، لأنه ما سقط من صيحته ، وانما وافق وقوعه صيحته. وان كان الذي سقط صبيا أو مجنونا ، كان على الصائح الدية والكفارة ، لأن مثل هذا يسقط من الصيحة الشديدة والدية على عاقلته. وكذلك لو كان جالسا في غفلة واغتفله الصائح ، فصاح به مفزعا له ، فسقط فمات ، كانت الدية على عاقلته ، والكفارة في ماله.
وإذا شهر رجل سيفه ، وطلب رجلا، ففر المطلوب من بين يديه ، والقى نفسه في نار أو بئر ، أو من سطح ، أو جبل ، فمات ، لم يكن على طالبه ضمان لأنه إنما ألجأه إلى الهرب ، ولم يلجئه إلى الوقوع ، بل المطلوب القى نفسه باختياره في مهلكة ، فالطالب صاحب سبب ، والواقع مباشر ، وإذا اجتمعت مباشرة مع سبب غير ملجى ء ، لم يكن على صاحب السبب - مثل الدافع ، والحافر - فان الضمان على الدافع وليس على الحافر ضمان. فان كان المطلوب أعمى ، فوقع كذلك ، كان ضمانه على الطالب ، لأنه سبب ملجى ء ، فإن الأعمى لم يعلم ذلك ، ولا أراد ان يلقى نفسه في مهلكة ، والسبب إذا كان ملجئا ، كان الضمان على صاحب السبب.
ص: 487
مثل ان يحفر بئرا ، فيقع فيها أعمى ، فإن ضمانه على حافر البئر ، لأنه ألجأه إلى الوقوع فيها. ويفارق إذا كان بصيرا ، لأنه ما ألجأه إلى الوقوع.
وإذا طلب بصيرا فهرب بين يديه ، فاعترضه أسد ، فقتله ، لم يلزم الطالب ضمانه ، سواء كان المطلوب أعمى أو بصيرا ، لان الأسد له قصد واختيار ، وكان من الطالب سبب غير ملجى ء ، ومن الأسد المباشرة ، فلا ضمان عليه مثل الدافع والحافر فان اضطره مع الأسد إلى مضيق فقتله الأسد ، كان عليه الضمان ، لأن الأسد يفترس في المضيق غالبا.
وإذا جنت أم الولد جناية ، كان على سيدها أرش جنايتها.
وإذا اصطدم فارسان فهلكا ، كان على عاقلة كل واحد منهما ، ونصف دية الأخر ، ويكون الباقي هدرا.
وإذا اجلس إنسان في طريق ، فعثر به غيره عثرة يقتل مثلها ، فهلكا معا ، كان على عاقلة كل واحد منهما كمال الدية. والفرق بينهما (1) ان كل واحد منهما هلك بسبب انفرد به صاحبه ، لان العاثر قتل الجالس مباشرة ، والعاثر مات بسبب كان من الجالس. فذلك [ فلذلك : ظ ] على عاقلة كل واحد منهما كمال دية الأخر. كما لو حفر بئرا ، في غير ملكه ، ثم جاء رجل ، فخرج الحافر (2) وسقط الخارج في البئر. فإن الخارج قتل الحافر بمباشرة ، والحافر قتل الخارج بسبب
وكذلك لو نصب سكينا في غير ملكه ، وحفر آخر بئرا في غير ملكه ، فوقع الحافر على السكين فمات ووقع الناصب في البئر فمات ، فان على عاقلة كل واحد منهما كمال دية الأخر ، لأنه مات بفعل انفرد به صاحبه ، وليس كذلك مسئلة الصدمة ، لأن كل واحد من المتصادمين مات بفعل اشتركا فيه ، فلم يلزم عاقلة كل واحد بصير منهما كمال دية الأخر. ولا فرق بين ان يكونا بصيرين ، أو ضريرين ، أو أحدهما
ص: 488
بصير والأخر ضرير ، لأنه ان كانا ضريرين كان القتل خطأ من كل واحد منهما ، فعلى عاقلة كل واحد منهما نصف دية الأخر مخففة. وان كانا بصيرين وكان ذلك خطأ كانا كالضريرين. وان كان كل واحد منهما على وجه العمد والقصد ، كان عمدا محضا ، يوجب القود ، فيكون في تركة كل واحد منهما نصف دية الأخر حالة مغلظة.
وإذا مات ما تحت المصطدمين من المركوب ، كان على كل واحد منهما نصف قيمة دابة الأخر. فإن كان قيمتهما متساويين تقاصا. وان كانت مختلفين ، فإنهما يتقاصان ويترادان الفضل. ولا يكون ضمان القيمة على العاقلة. لأن العاقلة لا يعقل البهائم. ولا فرق بين ان يكون مركوبهما فرسين ، أو حمارين ، أو بغلين ، أو جملين ، أو أحدهما مخالف للآخر ، لأنهما اشتركا في الجنايتين ، فكانا متساويين في الضمان كما لو جرح ، أحدهما غيره مأة جرح وجرح نفسه أو غيره جرحا واحدا كانا متساويين في الضمان ، وان اختلفا. هذا حكم المصطدمين إذا كانا حرين كبيرين.
فان كانا صغيرين ، وكان المركوب (1) منهما ، كان على عاقلة كل واحد منهما نصف دية الأخر. فإن كان ولياهما ، اللذان اركباهما ، كان الحكم فيهما كما لو كانا بأنفسهما ، لان على وليهما تعليمهما ، لأنه من الأدب. وان كان أركبهما أجنبيان ، كان على عاقلة كل واحد من المركبين لهما نصف دية الصغيرين معا ، لأنه فعل ما ليس له فعله ، ولا يهدر شي ء من دمهما. ولا فرق بين ان يكون الصغيران مسلمين أو كافرين ، أو أحدهما مسلما والأخر كافرا ، لأنه ان كانت الديتان كاملتين أو ناقصتين ، فان على عاقلة كل واحد منهما نصف الديتين ، وان كانت إحداهما ناقصة والأخرى كاملة فكذلك أيضا ، لأن عاقلة كل واحد منهما يعقل نصف دية كاملة ونصف دية ناقصة.
فإن كان المصطدمان امرأتين ، غير حاملتين ، فالحكم فيهما كالحكم في
ص: 489
الرجلين. وان كانتا حاملتين ، فأسقطت كل واحدة منهما جنينا ميتا ، كان دية الجنين عليهما خاصة ، فعلى هذا يجبر ( يجب على - خ ل ) كل واحدة منهما نصف دية الجنين في مالها.
فان كانا المصطدمان عبدين ، كانت قيمة كل واحد منهما هدرا ، لأنه مات من فعله وفعل الأخر ، فما قابل فعله هدر. وما قابل فعل غيره مضمون - وهو نصف القيمة - غير ان محل تعلق نصف القيمة رقبة الجاني ، والرقبة قد هلكت ، فبطل محل تعلق القيمة. كما لو قتل العبد عبدا تعلقت قيمته برقبته ، فان هلكت سقطت القيمة لفوت محلها.
فان كان أحدهما حرا والأخر عبدا وماتا جميعا ، وجب نصف قيمة العبد في تركة الحر ، ووجب بموت الحر نصف ديته ، وكان من حقها ان تكون متعلقة بتركته (1) برقبة العبد ، الا انها تحولت الى قيمته. لان العبد إذا جنى تعلق أرش الجناية برقبته ، فان قتله قاتل تحول الأرش إلى قيمته ، فكذلك هاهنا : قد قتل الحر فوجب ان يتعلق نصف الدية بنصف قيمته لورثة الحر ، فوجب لسيد العبد نصف قيمة عبده ، ووجب لورثة الحر ، نصف الدية المتعلقة بنصف قيمة العبد : فان تساويا تقاصا. وان كان نصف القيمة أقل من نصف الدية ، كان القدر الذي يقابل من ذلك نصف قيمة العبد ، الحكم فيه كما لو كان نصف القيمة ونصف الدية سواء. والفاضل من نصف الدية على نصف القيمة ، يكون هدرا ، لأنه لم يبق محل يتعلق به. وان كان نصف القيمة أكثر من نصف الدية ،لم يكن بالزيادة اعتبار(2).
فان مات العبد أولا ، وجب نصف قيمته ، لأنه هلك من فعله وفعل غيره ، فكان
ص: 490
ما قابل فعل نفسه هدرا. فان مات الحر أولا ، وجب بموته نصف ديته كما ذكرناه ، وكان هذا النصف متعلقا برقبة العبد ، يباع فيها : فان كانت قيمة العبد متساوية لنصف الدية استوفى ذلك من ثمنه ، فان كانت أقل من نصف الدية لم يكن لمن وجب له نصف الدية إلا قيمة العبد ، والزائد على ذلك يكون هدرا. وان كانت قيمة العبد أكثر من نصف الدية ، بيع منه بقدر نصف الدية ، وكان الفاضل لسيده.
فان مات العبد حتف انفه ، سقط ما كان متعلقا برقبته الى غير بدل ، فان كان قد قتله قاتل ، كانت قيمته واجبة على القاتل ، ويحول ما كان متعلقا برقبته الى قيمته يستوفي من الذي يجب القيمة عليه.
وإذا رمى عشرة بحجر منجنيق، وأصاب واحدا منهم فمات ، كان موته بجنايته على نفسه ، وجناية التسعة عليه ، فما قابل جنايته على نفسه كان هدرا ، وما قابل جناية التسعة ، كان مضمونا ، فيكون على عاقلة كل واحد من التسعة عشر ديته ، فيكون لوارثه تسعة أعشار الدية. فإن قتل الحجر واحدا من غيرهم ، فقد اشتركوا في قتله فان كان الرمي خطأ ، كان على كل واحد (1) منهم عشر الدية مخففة ، فإن كان عمدا كان في ذلك القود. وما ذكرناه من هذا الضمان لازم لمن جر الحبال (2) ورمى بالحجر. فإن أمسك الخشب إنسان ، أو وضع الحجر في كفة المنجنيق غير ما ذكرناه لم يلزمه ذلك ، لان المباشرة في الرمي منهم دون غيرهم. فاما من أمسك الخشب أو وضع الحجر في الكفة إذا كان غير الذي يجر السهم (3) ويرمى عنه ، فلا يلزمه ذلك
ص: 491
وإذا تصادمت سفينتان - من غير قصد ممن فيهما الى ذلك ، ولا تفريط - وهلك بعض ما في إحداهما ، لم يكن عليهم شي ء. وان كان بقصد منهما الى ذلك ، كان على ملاحى السفينة التي لم يهلك منها شي ء ، ضمان ما هلك من الأخرى.
وإذا كانت سفينة مشدودة على شاطئ البحر غير سائرة ، فوافقت سفينة سائرة فصدمتها وكسرتها وهلك ما فيها فان كان القيم الذي بها غير مفرط فليس عليه ضمان واما السفينة الصادمة فان كان القيم الذي بها مفرطا ، كان عليه الضمان ، وان لم يكن مفرطا لم يلزمه ضمان.
وان كان في السفينة جماعة ، فثقلت وخافوا الهلاك والغرق ، فالقى بعضهم متاع نفسه ، لم يكن على أحد ممن فيها ضمان لشي ء من ذلك ، سلموا أو لم يسلموا لأنه اختار إتلاف ماله لغرض. فإن أخذ مال غيره فألقاه في البحر بغير اذن صاحبه كان عليه ضمان ذلك ، سلموا أو لم يسلموا ، لأنه أتلف مال غيره بغير اذنه. فان قال واحد منهم لبعض أصحاب المال : الق متاعك في البحر ليخفف عنا ما نحن فيه ، فقبل منه ، فلا ضمان عليه من ماله ، سلموا أو هلكوا ( أو لم يسلموا خ ل ) فان قال : الق متاعك في البحر وعلى ضمانه ، فألقاه ، كان عليه ضمانه. فان لم يخافوا الغرق ، وقال لغيره الق متاعك في البحر ، ففعل ، لم يلزمه ضمان. وإذا قال : الق متاعك في البحر على انى وركاب السفينة ضامنون ذلك (1)
« والضمان ضربان : ضمان اشتراك ، وضمان اشتراك وانفراد، فاما ضمان الاشتراك ، فمثل ان يقول جماعة لغيرهم : ضمنا لك الألف الذي لك على زيد ، فيكون جميعهم ضامنون لذلك ، وكل واحد منهم ضامن لعشر الالف (2) ، فله ان يطالبهم معا
ص: 492
بالألف ، ويطالب كل واحد منهم بعشر الالف.
واما ضمان الاشتراك والانفراد ، فمثل ان يقولوا : ضمنا لك وكل واحد منا الألف الذي لك على زيد ، فيكون الجميع ضامنين لكله ، وكل واحد ضامن لكله فان قال واحد منهم : ضمنت لك انا وأصحابي مالك على زيد. وسكت أصحابه ولم يكونوا وكلوه في ذلك كان عليه ضمان العشر من الألف ، لأنه لم يضمن الكل وانما يضمن بالحصة.
فإذا كان الضمان على ما بيناه ، كان إلقاء المتاع في البحر على ذلك ، فان كان الضمان فيه ضمان اشتراك وانفراد ، ضمن كل واحد منهم جميع المتاع. فان قال : ألقه على انى وركبان السفينة ضمناء ، فسكتوا ، ضمن بالحصة أيضا. فإن قال : على انى وكل واحد منهم ضامن ، ضمن الكل. فان قال : على انى وهم ضمناء ، وقد ضمنت بإذنهم ، فانكروه ، كان عليه الضمان (1) دونهم. فان قال : على أني أؤدي لك من مالهم ، كان عليه الضمان دونهم. فان قال : انا ألقيه ، ثم ألقاه كان عليه ضمان الجميع.
وإذا خرق السفينة ، فغرق ما فيها، وكان الذي فيها مالا ومتاعا وما جرى مجراه كان عليه ضمان جميعه ، ولا فرق في ذلك بين ان يكون عمدا أو خطئا أو شبيه العمد فان كان فيها أحرارا ، وكان خرقه لها عمدا - مثل ان قلع منها لوحا ، وتكون في لجة البحر بعيدا من الشط - فهو عمد محض وعليه القود. وان كان خطأ محضا - مثل ان يكون في يده حجر أو فأس ، فسقط منها ، فخرقها - كان على عاقلته الدية ، والكفارة في ماله. وان كان عمد الخطاء - مثل ان قلع لوحا ، ليدخل غيره عوضا منه أو يصلح مسمارا ، فانخرقت ، فذلك عمد الخطاء - فعليه في ماله. الدية مغلظة ، والكفارة في ماله أيضا.
ص: 493
وإذا تجارح اثنان ، فجرح كل واحد منهما الأخر، وادعى واحد منهما انه جرح صاحبه دفعا عن نفسه. وأنكر الأخر ذلك ، كان القول قول المنكر مع يمينه ( لان الظاهر حصول الجناية ، وهو يدعي الإسقاط ، كان القول قوله مع يمينه ) (1) لما ذكرناه.
وإذا سلم ابنه الى السابح ، ليعلمه السباحة ، فغرق. فان كان كبيرا بالغا ، لم يكن على المعلم ضمان ، لان البالغ العاقل. إذا غرق في تعلم السباحة ، كان هو الذي ترك الاحتياط في حق نفسه ، فليس على غيره ضمان. وان كان المتعلم غير بالغ ، كان على معلمه السابح ضمانه ، لأنه أتلفه بالتعليم ، كما لو ضرب معلم صبيا على التعليم فمات ، ولأنه فرط فيه ، وكان يجب عليه الاحتياط في حفظه ، وملازمة رجليه فاذا لم يفعل ، كان مفرطا وجب الضمان عليه. وذلك عمد الخطأ ، فعليه الدية في ماله مغلظة مؤجلة ، على ما قدمناه.
وإذا غشيت الدابة إنسانا ، فزجرها لئلا تطأه، فجنت عند زجره لها جناية على راكبها أو على غيره ، ( لم يكن عليه شي ء ، فإذا نفرها إنسان فرمت راكبها أو جنت على غيره ) (2) كان ضمان ما أصاب راكبها أو غيره ، على الذي نفرها.
وإذا ركبها إنسان وساقها ، فوطأت إنسانا أو كسرت شيئا ، كان ضامنا لما يصيبه بيديها ، ولم يكن عليه شي ء فيما يصيبه برجليها.
وإذا ضربها فرمحت (3) فأصابت شيئا ، كان عليه ضمان ما اصابته بيديها أو رجليها وإذا ساق دابة ، فوطأت شيئا بيديها ، أو رجليها ، كان عليه ضمان ذلك. فان
ص: 494
كان يقودها ، كان عليه ضمان ما يصيبه بيديها ، دون ما يصيبه برجليها ، الا ان يضربها فترمح برجلها فتصيب شيئا ، فإنه يكون ضامنا له.
وإذا آجر إنسان دابته لغيره فركبها وساقها ، فوطأت شيئا، كان ضمانه على مالك الدابة دون راكبها. هذا إذا كان مالكها معها. فان لم يكن معها وكان الراكب هو الذي يدبرها ويراعيها ، لم يكن على مالك شي ء وكان على راكبها الضمان.
وإذا رمت الدابة راكبها لم يكن على الموجر لها شي ء كان معها أو لم يكن معها ، الا ان يكون نفرها ، فيكون ضامنا لما يحدث منها من الجناية.
وحكم الدابة في كل ما ذكرناه ، وحكم ما يركب من الدواب والجمال ، على حد واحد لا يختلف.
وإذا حمل إنسان على رأسه متاعا بأجرة ، فكسره ، أو أصاب به إنسان ، كان ضامنا له. فان دفعه دافع ، كان ضمان ذلك على الدافع له.
وإذا قال إنسان لغيره : أعطني أو أعرني ولدك يطلع لي نخلة ، فدفعه اليه ، فصعد الولد النخلة ، فسقط منها فهلك ، لم يكن عليه شي ء ، لأنه قد بين له انه يصعد النخلة ولو لم يكن بين له ، كان عليه ضمانه.
وإذا قتل إنسان مجنونا عمدا ، كان عليه ديته، ولم يكن فيه قود. فان كان المجنون اراده فدفعه عن نفسه ، فقتله ، لم يكن عليه شي ء ، ويكون دم المجنون هدرا وان كان قتله خطأ. كانت الدية على عاقلته. فان قتل المجنون إنسانا كان عمده وخطأه واحدا ، تجب الدية فيه على عاقلته ، فان لم يكن له عاقلة كانت على بيت المال وإذا قتل إنسان غيره ، وعقله سليم ، ثم جن ، قتل به.
وإذا قتل إنسان غيره وهو أعمى ، كان عمده وخطأه واحدا (1) تجب الدية فيه
ص: 495
على عاقلته ، وقد تقدم طرف من ذلك.
وإذا ضرب إنسان غيره ضربة ، سالت عيناه منها ، فضرب المضروب الضارب فقتله ، كان على عاقلة القاتل دية المقتول ، ولم يكن عليه قود ، لأنه حين ضربه فقتله كان أعمى ، وقد قدمنا القول ، بان عمد الأعمى وخطأه سواء. فان لم يكن له عاقلة كانت الدية في ماله خاصة ، يؤديها في ثلاث سنين ، ويرجع بدية عينيه على وارث الذي ضربه ، فيأخذ ذلك من تركته.
وإذا وطأ رجل زوجته ، ولم تبلغ تسع سنين، فأفضاها ، كان عليه ديتها ، والنفقة عليها الى حين موتها ، لأنه قد جعلها بحيث لا يصلح للرجل (1) فإن وطأها بعد تسع سنين ، فأفضاها ، لم يكن عليه شي ء.
وإذا رمى إنسان نارا في دار غيره متعمدا، فاحترقت الدار وما فيها ، كان عليه ضمان جميع ما هلك بالنار من نفس ومتاع ، ويجب عليه القتل بعد ذلك (2) فإن أشعل نارا في داره أو شي ء من ملكه ، وحملته الريح الى موضع آخر فاحترق ، لم يكن عليه شي ء.
وإذا أحدث إنسان حدثا في طريق المسلمين، ليس هو بحق ، أو أحدثه في ملك غيره بغير اذن المالك ، مثل حفر بئر ، أو بناء جدار ، أو نصب خشبة ،
ص: 496
أو إخراج ميزاب ، أو كنيف ، أو ما أشبه ذلك ، فوقع فيه إنسان ، أو زلق به ، أو لحقه منه شي ء من هلاك ، أو تلف شي ء من الأعضاء ، أو كسر شي ء من الأمتعة ، كان عليه ضمان ما يصيبه. فإن أحدث في الطريق ، ما له احداثه ، لم يكن عليه شي ء.
وإذا اغتلم (1)البعير ، كان على صاحبه حبسه وحفظه. فان جنى جناية قبل ان يعلم به ، لم يلزمه شي ء. فان علم به وفرط في حفظه ، كان عليه ضمان جميع ما يصيبه من قتل نفس أو غير ذلك ، فان كان الذي جنى البعير عليه ، ضرب البعير ، فجرحه أو قتله ، كان عليه مقدار ما جنى عليه مما ينقص من ثمنه ، يطرح من دية ما كان جنى عليه البعير.
وإذا هجمت دابة على أخرى في موضعها ، فجرحتها أو قتلتها ، كان على مالكها ضمان ذلك. وان دخلت الدابة عليها في موضعها ، فأصابها شي ء لم يلزم فيها ضمان شي ء من ذلك.
فإذا أصاب إنسان خنزير ذمي ، فقتله ، كان عليه قيمته ، فان جرحه كان عليه ما نقص من ثمنه عند أصحابه.
وإذا ركب اثنان دابة فجنت جناية ، كان أرش ذلك عليهما بالسوية.
وإذا وطأ امرأة في دبرها ، فألح عليها ، فماتت من ذلك ، كان ضامنا لديتها.
وإذا انفلتت دابة ، فرمحت (2) إنسانا فقتله ، أو أتلف شيئا ، أو كسرت عضو إنسان ، لم يكن على صاحبها شي ء.
وإذا دخل إنسان دار قوم بإذنهم ، فعقره كلبهم ، كان عليهم ضمان ذلك. فان دخل بغير إذنهم لم يجب عليهم شي ء.
وإذا أركب إنسان عبدا له دابة ، فجنت الدابة جناية ، كان ضمان ذلك على سيد العبد.
ص: 497
وإذا عبر الراعي بالغنم على قنطرة (1) أو جسر ، فازدحمت عليه ، فوقع منها شي ء فهلك. فان كان ضربها أو صرخ بها بخلاف العادة ، كان عليه ضمان ذلك. وان لم يكن فعل ذلك لم يكن عليه شي ء. هذا إذا كان ذلك طريقه ، فاما ان كان مضى بها فيما ليس هو طريقه ، وأصابها على القنطرة أو الجسر ذلك كان عليه الضمان
وإذا استأجر عبدا بغير اذن سيده ، أو صبيا بغير اذن والده أو وليه ، فأصابهما شي ء ، كان عليه الضمان.
وإذا استسقى رجل من قوم ، فلم يسقوه وهم متمكنون مما يسقونه منه ، وتركوه حتى مات ، كان عليهم ديته.
وإذا وقف جماعة على زبية (2) أسد ، أو شفير واد، أو نهر جزار (3) فزلت رجل أحدهم فسقط وتعلق بآخر ، وتعلق الثاني بثالث ، وتعلق الثالث برابع ، وهلك جميعهم ، كان على الأول ثلث دية الثاني ، وعلى الثاني ثلث (4) دية الثالث ، وعلى الثالث دية الرابع كاملة ، وليس على الرابع شي ء ، لأنهم بمنزلة المشتركين في قتل الرابع ، والرابع لم يجن على واحد منهم. وكذلك الحكم لو كانوا أكثر من أربعة ، في انه يكون نقص دية الأخير (5) منهم على جميعهم.
ص: 498
وإذا دخل ستة غلمان الماء ، فغرق واحد منهم ، فشهد اثنان منهم على الثلاثة بأنهم غرقوه ، وشهد الثلاثة على الاثنين : انهما غرقاه ، فيجب ان تفرض الدية أخماسا : على الاثنين ثلاثة أخماس الدية ، وعلى الثلاثة ، خمسا الدية.
وإذا شرب أربعة نفر خمرا ، فتباعجوا (1) بالسكاكين أو غيرها ، فمات منهم اثنان ، وجرح اثنان ، فالحكم فيهم ، ان يضرب المجروحان كل واحد منهما ثمانين جلدة ، ويكون عليهما دية المقتولين ، ثم تقاس جراحتهما وترفع من الدية. وان مات واحد من المجروحين ، لم يكن على أولياء المقتولين شي ء.
وإذا ركبت جارية جارية ، فنخستها اخرى ، فقمصت المركوبة ، فصرعت الراكبة ، فماتت ، كانت الدية على الناخسة ، والقامصة نصفين. وروى (2) ان عليهما ثلثي الدية وسقط الثلث الباقي لركوب الميتة عليها ، والأول أظهر.
وإذا قطع الختان حشفة غلام ، كان عليه ضمان ذلك.
وإذا تطبب إنسان ، أو تبيطر ، فليأخذ البراءة ، والا كان ضامنا لما يحدثه من جناية.
القتل يثبت بأمرين : بينة ، أو إقرار.
فاما البينة ، فهي شهادة شاهدين ، عدلين ، بان المدعى عليه قتل المقتول. واما الإقرار. فهو إقرار القاتل على نفسه بأنه قتل المقتول. ولا فصل في هذين الوجهين بين ان يكون القتل عمدا أو خطئا في ان الحكم يثبت بكل واحد منهما.
فان لم يكن لأولياء الدم شاهدان ، يشهدان لهم على القاتل بأنه قتل صاحبهم
ص: 499
كان عليهم القسامة ، وهي ضربان : أحدهما ، قسامة قتل العمد. والأخر ، قسامة قتل الخطاء.
وقسامة قتل العمد ، خمسون رجلا من أولياء المقتول ، يقسم كل واحد منهم باللّه تعالى ، ان زيد المدعى عليه ، قتل عمرا صاحبهم. واما قتل الخطاء فقسامته ، خمسة وعشرون رجلا يحلفون كذلك. فاذا ثبتت البينة أو القسامة بالقتل ، وجب على المدعى عليه القود. ان كان القتل عمدا ، أو الدية إن رضي أولياء الدم بها. وان كان القتل خطأ محضا أو شبيه العمد ، وجب على المدعى عليه أو على عصبته الدية على ما تقدم ذكره.
وإذا قامت بينة بالقتل على ما بيناه ، فلا قسامة. والقسامة انما تكون مع التهمة الظاهرة ، مثل ان يكون الذي يسند القتل اليه أو قبيلته أعداء للمقتول ، بشر ( بسبب خ ل ) متقدم بينهم وبين المقتول ، أو بينه وبين بعض أهله ، أو يشهد على المدعى عليه بالقتل ، من لا تقبل شهادته ، كالنساء ، وغيرهن من ( ممن - ظ ) ليس هو من أهل العدالة. أو يشهد عدل واحد بذلك. أو قال المقتول (1) فلان هو القاتل. أو شي ء مما أشبه ذلك مع اللطخ (2) فاذا كان الأمر على ما ذكرناه ، وكان المقتول مسلما ، وجبت القسامة على أولياء الدم ، فاذا وجبت عليهم ، فينبغي ان يقسم (3) على ان فلانا قتل المقتول ، ان كان واحدا ، وان كان القاتل اثنين ، اقسموا على ان فلانا وفلانا قتلا صاحبنا فلانا ، وكذلك. ان كان أكثر من ذلك ، ذكروه في القسامة.
ص: 500
وإذا لم يكن لأولياء الدم بينة تشهد لهم ، بان المدعى عليه هو القاتل لصاحبهم ولا لهم أيضا قسامة منهم (1) كان على المدعى عليه إحضار خمسين رجلا يحلفون عنه ، انه بري ء مما ادعى عليه ( من القتل ، فاذا حلفوا كذلك برأ ذمته مما ادعى عليه ) (2) من ذلك ، فان لم يكن له ذلك ردت الايمان عليه حتى يستكمل خمسين يمينا - أنه بري ء من ذلك. فان حضر أقل من عدة ( عدد - خ ل ) القسامة استحلف الحاضرون منهم. وكررت عليهم الايمان حتى يستكمل خمسين يمينا.
فإن أقسم القوم القسامة كلها ، بان فلانا هو القاتل لصاحبهم ، وثبتت بينة عادلة قبل ان يحكم في المدعى عليه « ان القاتل لصاحبهم غيره » حكم بالبينة وبطلت القسامة ولم يكن لهم على من اقسموا سبيل.
وإذا وجبت القسامة لقوم ، ولم يرفعوا الى الحاكم أمرهم ، ولا قطع بها حكم حتى مات القوم ، أو مات بعضهم ، كان لورثته مثل ما لهم من ذلك.
والبينة في الأعضاء ، مثل البينة في النفس. وكل ما تجب الدية فيه من أعضاء الإنسان ، مثل العينين والسمع واليدين جميعا ، فإن القسامة فيه ، وهي : ستة رجال يقسمون ان المدعى عليه فعل ما ادعوه بصاحبهم ، فان لم يكن للمدعي قسامة ، كررت عليه ستة أيمان ، فان لم يحلف ، أو لا يكون له من يحلف ، طولب المدعى عليه بقسامة ستة رجال ، يقسمون على انه بري ء مما ادعوه عليه.
وفيما نقص من الأعضاء ، القسامة على قدر ذلك ، ان كان سدس العضو فرجل واحد يقسم بذلك. وان كانت ثلث العضو ، فرجلان يقسمان به. وان كان النصف ، فثلاثة رجال ، وعلى هذا الحساب. فان لم يكن له من يقسم ، كان عليه بعد ذلك ، الايمان ، ان كان السدس فيمين واحدة ، وان كان ثلثا فيمينان ، وعلى هذا الحساب،
ص: 501
كما تقدم ذكره. فان لم يكن للمدعي من يحلف عنه ، وامتنع هو من اليمين ، طولب المدعى عليه ، اما بمن يحلف عنه ، أو بتكرير الايمان عليه ، كما يلزم المدعى على ما تقدم ذكره.
واما الإقرار ، فالمراعى ان يقر القاتل - « وهو حر كامل العقل ، غير مجبر ، ولا مكره » - على نفسه بالقتل مرتين. فإن أقر وهو مملوك ، أو ناقص العقل ، أو مجبر أو مكره ، لم يكن لإقراره تأثير ، ولا يقبل على وجه.
وإذا كان القتل عمدا ، وشهد شاهدان على إنسان بأنه قتل المقتول ، وشهد شاهدان بان القاتل غيره ، سقط القود هاهنا ، وجبت الدية على الاثنين ، المشهود عليهما ، نصفين.
وإذا كان القتل شبيه العمد ، كان الحكم فيه كذلك. وان كان خطأ محضا ، كانت الدية فيه على عاقلتهما نصفين.
وإذا اتهم رجل بأنه قتل رجلا ، وأقر هو بذلك ، ثم أقر آخر بأنه هو القاتل له دون الأول ، ورجع الأول عن إقراره ، درأ عنهما جميعا القود والدية أيضا ، ودفعت الدية إلى أولياء الدم من بيت المال.
وإذا قامت بينة على إنسان بأنه قتل غيره عمدا ، وأقر آخر بأنه هو القاتل لذلك الإنسان بعينه عمدا ، كان أولياء الدم مخيرين في ان يقتلوا من أرادوا منهما ، الا انه متى أرادوا قتل المشهود عليه ، لم يكن لهم على المقر سبيل ، ويرجع أولياء المشهود عليه على المقر بنصف الدية. وان قتلوا المقر لم يكن لهم على المشهود عليه سبيل ولا لأولياء المقر عليه أيضا سبيل. وان أرادوا قتلهما جميعا ، قتلوهما وردوا على أولياء المشهود عليه نصف الدية بغير زيادة على ذلك. فان يطلبوا الدية ، كان ذلك على المشهود عليه وعلى المقر نصفين.
وإذا قتل رجل رجلا ، وادعى القاتل انه وجده مع زوجته ، كان عليه القود الا ان يقيم البينة بما ادعاه.
ص: 502
وإذا أقر اثنان بأنهما قتلا إنسانا ، فاختلفا ، فقال الواحد منهما : قتلته عمدا ، وقال الأخر : قتلته خطأ ، كان أولياء الدم مخيرين فيهما. فان عملوا على قول المقر بالعمد ، لم يكن لهم على المقر بالخطاء سبيل. وان عملوا على قول المقر بالخطاء لم يكن لهم على المقر بالعمد سبيل.
وإذا اتهم إنسان بالقتل ، وجب ان يحبس ستة أيام ، فإن أحضر المدعى بينة تشهد له بما ادعاه أو فصل الحكم فيه ، والا أطلق من الحبس ، ولم يكن للمدعي سبيل عليه.
* * *
الإجماع منعقد على ان العاقلة تحمل دية الخطاء ، إلا الأصم (1) وخلافه غير قادح فيما انعقد عليه الإجماع.
والعاقلة التي تحمل ذلك ، هم كل عصبة خرجت عن الوالدين والمولودين ، وهم الآخرة (2) وأبناؤهم ، والأعمام وأبناؤهم ، وأعمام الأب وأبناؤهم. والموالي. فإذا كانت العاقلة هي من ذكرناه فينبغي ان يبدأ فيها بالأقرب فالأقرب على ترتيب الميراث ، ولا يلزم ولدأب (3) وهناك من هو أقرب منه ، فالأقرب الاخوة وأبناؤهم ،
ص: 503
ثم الأعمام ثم أبنائهم ، ثم أعمام الأب ثم أبنائهم ، فإذا لم يبق أحد من العصبات فالمولى ، فان لم يكن مولى فبيت المال.
وأكثر ما يحمله كل رجل من العاقلة نصف دينار ان كان موسرا ، فان لم يكن موسرا فربع دينار. فاذا كان له أخ والعقل دينار ، كان عليه نصف دينار ، والباقي على بيت المال ، وان كان له اخوان كان على كل واحد منهما نصفه. فان كان العقل دينارين وله أخ وابن أخ وعم وابن عم ، كان على كل واحد نصف دينار فان كان العقل خمسة دنانير وله عشرة اخوة ، فعلى كل واحد منهم نصف دينار. وعلى هذا يجري الأمر في ذلك ابدا.
فان اجتمع له اخوان وكانا لأب ، أو لأب وأم كانا في ذلك سواء. فان كان أحدهما لأب والأخر لأب وأم ، كان على الاولى بالميراث وهو الأخ من الأب والام وليس على النساء ولا الصبيان ولا المجانين عقل (1).
والذي يتحمل العقل عن القاتل من العاقلة من كان غنيا أو متجملا (2) وليس على الفقير ان يتحمل منها شيئا. ويعتبر الغنى والفقر وقت المطالبة والاستيفاء ، وهو عند حلول الحول ، ولا يعتبر ذلك قبل المطالبة. فمن كان غنيا عند دخول الحول طولب بذلك وان كان فقيرا فيما تقدم ، ومن كان فقيرا ترك. وكذلك يفعل عند دخول كل حول.
وإذا حال الحول على موسر وجبت عليه المطالبة ، فان مات بعد ذلك لم تسقط عنه ، وكان ما وجب عليه ثابتا في تركته. وقد ذكرنا في ما تقدم ان دية الخطاء تستأدى في ثلاث سنين في كل سنة نجم.
ص: 504
وإذا جنى إنسان على نفسه جناية فيها تلف نفسه ، أو قطع عضو منها ، عمدا كان ذلك منه أو خطاء ، كان هدرا.
واما المولى ، فان كان من فوق - وهو المعتق المنعم - فإنه يعقل عن المولى من أسفل - وهو المعتق المنعم عليه - لان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب ولا يورث (1) فشبهه بالنسب ، وبالنسب يتحمل العقل ، فكذلك بالولاء ، فان الولاء لا يعقل (2) وانما يعقل إذا لم يكن للقاتل عصبة ، أو كان له عصبة لا يتسع حالها لتحمل الدية ، فإذا كان انما يعقل بعد العصبات ووجبت الدية وحال الحول فرق الثلث (3) على العصبات ، على الاخوة وأبنائهم ، ثم الأعمام وأبنائهم ثم أعمام الأب وأبنائهم. على هذا الترتيب أبدا. فإذا لم يبق له عصبة مناسب تحمل المولى ما بقي. فإن اتسعوا لما بقي ، والا فعلى عصبة المولى ثم على مولى الموالي ( المولى - خ ل ) فان لم يتسعوا فعلى عصبتهم على ترتيب الميراث ، فان لم يتسعوا وفضل فضل فمن بيت المال. (4) يؤخر بيت المال عن الموالي كما يؤخر عنهم في
ص: 505
الميراث. فان كان بيت المال ليس فيه مال ، تأخرت حتى يحدث من يحملها (1) من بيت المال.
فاما المولى من أسفل ، فليس يعقل المولى من فوق.
وإذا وضع إنسان حجرا في طريق المسلمين ، أو في ملك غيره ، فتعقل به إنسان (2) ، فوقع فمات. أو نصب مكان الحجر سكينا فوقع على إنسان (3) فمات أو وضع حجرا في هذا الموضع ، ونصب قريبا منه سكينا ، فتعقل بالحجر فوقع على السكين فمات. كان على فاعل ذلك ، الدية في ماله ، لأنه معتمد (4) وهو في ذلك بمنزلة الدافع للذي مات.
فان كان ذلك من اثنين ، مثل ان وضع أحدهما في هذا الموضع حجرا ، ونصب الأخر سكينا قريبا منه ، فتعقل إنسان بالحجر فوقع على السكين فمات ، كانت الدية على واضح الحجر وحده ، لأنه كالدافع له على السكين. وكذلك لو وضع أحدهما حجرا وحفر الأخر قريبا منه بئرا ، فتعقل إنسان بالحجر فسقط في البئر ، كان على واضع الحجر الضمان ، كما إذا دفعه في البئر. فإن كان هذا الواضع في ملكه ، فوضع فيه حجرا أو نصب سكينا ، أو وضع الحجر ونصب السكين ، فتعقل إنسان بالحجر فوقع على السكين ، أو وقع (5) فمات ، لم يكن عليه ضمان ، لأنه فعل ما
ص: 506
له فعله ، والتعدي كان من الهالك ، لأنه فرط بدخوله غير ملكه ، فهدر دمه.
فان كان ذلك من اثنين ، وضع المالك الحجر ، ونصب الأجنبي سكينا ، فتعقل إنسان بالحجر فوقع على السكين فمات. كان على صاحب السكين الضمان ، دون الواضع للحجر ، لان الناصب هو المتعدى دون صاحب الحجر ، وكذلك لو ان المالك نصب السكين ثم وضع الحجر أجنبي. كان الضمان على واضع الحجر الأجنبي ، لأن المتعدى هو.
وإذا حفر بئرا فسقط فيها إنسان أو بهيمة فهلك ، وكان ذلك في ملكه ، لم يكن عليه شي ء ، لان له ان يفعل في ملكه ما أراد. وكذلك الحكم إذا حفرها في موات ليملكها به ، لأنه لا فرق بين ذلك وبين ان يفعله في ملكه.
فان حفر البئر في غير ملكه بغير اذن المالك ، كان ضمان ما يتلف. بذلك على الحافر للبئر ، لأنه تعدى بحفرها. فإن أبرأه المالك وقال : قد رضيت بحفرك وأقره عليه ، زال الضمان عنه.
وإذا حفر بئرا في طريق المسلمين ، وكان الطريق ضيقا ، كان عليه الضمان ، سواء حفرها بإذن الإمام أو بغير إذنه ، لأنه لا يملك الاذن فيما يضيق على المسلمين ويلحقهم بذلك الضرر.
وإذا بنى إنسان في ملكه حائطا مستويا فسقط دفعة واحدة ، فأتلف شيئا من الأنفس والأموال ، لم يكن عليه شي ء ، لأن له ان يصنع في ملكه ما أراد من غير تفريط. وكذلك الحكم إذا بناه في ملكه مائلا إلى ملكه. وكذلك إذا بناه في ملكه فمال بنفسه الى ملكه ، أو بناه (1) مائلا في الأصل.
فإن بناه في ملكه مستويا ، فمال الى الطريق ، أو الى دار جاره ، وطالبه جاره
ص: 507
بنقضه ، واشهد عليه أو لم يشهد (1) فوقع فأتلف نفسا أو غيرها ، فان كان ذلك قبل المطالبة بنقضه وقبل الاشهاد ، لم يكن عليه الضمان وان كان بعد ذلك ، كان عليه الضمان إذا كان قادرا ومتمكنا من نقضه فلم يفعل ، فان لم يكن قادرا ولا متمكنا من ذلك لم يكن عليه شي ء
وإذا أخرج جناحا الى طريق المسلمين ، فوقع على إنسان فقتله ، أو أصاب بوقوعه شيئا فأتلفه ، كان عليه الضمان.
وإذا كان الحائط بين دارين فتشقق وتقطع ، وخيف من سقوطه ، ولم يمل الى دار أحدهما ، لم يكن لأحدهما مطالبة شريكه بنقضه ، (2) لأنه إذا مال الى هواء دار الجار فقد حصل في ملكه وكان له المطالبة بإزالته. كما لو عين (3) غصنا من شجرته الى دار جاره ، فان له المطالبة بإزالته بقطع أو غيره.
وإذا أراد إخراج جناح الى شارع المسلمين. أو الى درب نافذ أو غير نافذ وبابه فيه ، أو أراد عمل ساباط ، فكان قد عمل ذلك على وجه يستضربه المجتازون والعابرون ، منع منه وان لم يكن كذلك لم يمنع منه.
وإذا مشى إنسان بين الرماة والهدف ، فأصابه سهم من الرماة ، كان ذلك خطأ لأن الرامي لم يقصده وانما قصد الهدف. فان كان معه صبي فقربه الى طريق السهم فوقع السهم فيه فقتله ، كان على الذي قربه الضمان دون الرامي ، لأن الرامي ما
ص: 508
قصده ، والذي قربه عرضه لذلك.
وإذا بالت دابته في الطريق فزلق به إنسان فمات ، كانت الدية عليه ، سواء كان راكبا أو قائدا أو سائقا ، لأن يده عليها ، كما لو بال هو في هذا المكان.
وإذا أكل شيئا فرمى بقشره في الطريق ، مثل الخيار والبطيخ والقثاء (1) كان الحكم إذا زلق به إنسان مثل ما تقدم. وكذلك إذا رش في طريق ماءا ، فزلق به إنسان فهلك ، فان عليه الضمان في كل ذلك.
* * *
« إذا قطع رأسه أو بعض أعضائه »
دية الجنين تلزم بحسب ما تلقيه امه ، وذلك على وجوه ، منها ان يضرب إنسان بطن امرأة حامل ، أو يضربها بحيث تلقى ما في بطنها ، فتلقى ذلك نطفة ، ففيه عشرون دينارا. فإن ألقته علقة ، كان عليه فيه أربعون دينارا. فإن ألقته مضغة ، كان فيه ستون دينارا. فإن ألقته وفيه عظم ، كان فيه ثمانون دينارا. فإن ألقته وقد اكتسى لحما وكمل خلقه ولم ينشأ فيه الروح ، كان فيه مأة دينار. فإن ألقته فيما بين شي ء من هذه الوجوه الخمسة ، كان فيه بحساب ذلك. (2)
وإذا ألقت المرأة جنينا وادعت حياته ، وأنكر الجاني ذلك ، كان عليها البينة
ص: 509
والقول قول الجاني مع يمينه بأنه كان ميتا.
وإذا ضرب رجل امرأة ، فادعت أنها ألقت جنينا ، وأنكر الجاني ذلك ، كان القول قوله مع يمينه. فان ثبت لها بذلك بينة حكم لها بها.
وإذا قتلت امرأة وهي حامل ، ومات الولد في بطنها ، ولم يعلم هل هو ذكر أو أنثى ، كان على الجاني دية امرأة كاملة ، وفي ولدها نصف دية رجل ونصف دية امرأة ، تكون جملة ذلك اثنى عشر الف درهم وخمس مأة درهم. (1)
وإذا قطع شي ء من جوارح الجنين الذي ليس بحي وأعضائه ، كان فيه الدية من حساب جوارح الجنين الذي ليس بحي ، وهي مأة دينار.
وإذا شربت امرأة دواء لتلقى ما في بطنها وألقتها ، كان عليها الدية بحساب ما قدمنا ذكره ، لوارث المولود ، دونها.
ودية الجنين (2) الذمي عشر دية أبيه ، وما يكون من أعضائه بحساب ذلك.
ودية جنين الأمة إذا كانت حاملا من مملوك عشر قيمتها ، وما كان منه (3) فبحسابه وفي جنين البهيمة عشر قيمتها ، وفيما كان بين (4) ذلك فبحسابه.
وإذا أفزع إنسان رجلا وهو يجامع فعزل عن المرأة ، كان عليه لضياع النطفة عشر دية الجنين وهو عشرة دنانير. فان عزل الرجل عن زوجته الحرة غير المجنونة
ص: 510
بغير اذنها ، كان عليه مثل ما تقدم من دية ضياع النطفة عشرة دنانير (1). فان عزل عن الأمة ، لم يكن عليه شي ء.
وحكم الميت حكم الجنين ، وديته كديته سواء. فاذا فعل إنسان بميت فعلا لو فعله بالحي لكان فيه تلف نفسه ، كان عليه مأة دينار. وفيما يفعل به من قلع عين أو قطع يد أو كسرها أو جراحة فبحساب ديته. ودية الحي يستحقها وارثه ، ودية الميت لا يستحقها منهم أحد ، بل هي له يتصدق بها عنه.
وإذا ضرب رجل امة أو ذمية ، فأعتقت الأمة أو أسلمت الذمية قبل ان تلقى جنينها ، ثم ألقته بعد ذلك ، كان حكمه حكم امه في وقت الولادة.
* * *
متى أتلف حيوانا لغيره ، وكان الحيوان مما لا يقع عليه الذكاة من الفهود والصقور وما أشبه ذلك مما يجوز للمسلم تملكه (2). كان عليه قيمته يوم أتلفه فإن أتلف عليه شيئا مما لا يحل للمسلم تملكه ، لم يكن عليه شي ء ، وان أتلف شيئا من ذلك على ذمي ، كان عليه قيمته.
فإن أتلف عليه شيئا مما يقع الذكاة عليه ، على وجه يمنعه من الانتفاع به ،
ص: 511
كان حكمه أيضا حكم مالا يقع عليه الذكاة في انه يجب عليه قيمته في يوم إتلافه فإن أتلفه على وجه يمكنه الانتفاع به ، كان لصاحبه الخيار بين ان يلزمه قيمته يوم أتلفه ويسلم اليه ذلك الشي ء ، أو يطالبه بقيمة ما بين كونه متلفا وكونه حيا.
ودية الكلب السلوقي أربعون درهما ، ودية كلب الحائط والماشية عشرون درهما وفي كلب الزرع قفيز من طعام ، وليس في غير ما ذكرناه من الكلاب شي ء.
وجراح البهائم ، وقطع أعضائها ، يجرى على حسب ما قدمناه وان ( فان - ظ ) كان الحيوان مما يتملك ، كان فيه أرش ما بين قيمته صحيحا ومعيبا ، وان كان مما لا يتملك ، فحكم جراحه وكسره ، حكم إتلاف نفسه.
فاذا كسر إنسان عظم بعير أو بقرة أو شاة أو ما أشبه ذلك ، كان عليه أرشه كما قدمناه. وليس له خيار في أخذ قيمته وتسليمه الى الجاني عليه.
وإذا كان البعير بين أربعة نفر ، فعقل واحد منهم يده ، فتخطى إلى بئر فوقع فيها فاندق ، كان على الشركاء الثلاثة للذي عقله ربع قيمته ، لأنه حفظ وضيع عليه الباقون بترك عقالهم إياه. (1) وإذا فقأ عين بهيمة ، كان عليه ربع قيمتها.
وإذا جنت بهيمة إنسان على غيره جناية أو على بهيمة ، فإن كانت الجناية بتفريط وقع منه في حفظها ، أو تعد في استعمالها ، كان عليه ضمان جنايتها ، كائنا ما كان. وان كان بغير ذلك لم يكن عليه شي ء. فمن ذلك ، جناية غنم الإنسان على زرع ، فإنه ان كان ترك حفظها ليلا حتى دخلته وأكلته وأفسدته ، كان عليه ضمان ذلك ، وان كان إفسادها كذلك نهارا من غير سبب لم يكن عليه شي ء.
وإذا أتلف إنسان على مسلم شيئا من الملاهي ، التي لا يجوز له تملكها ، مثل العيدان والطنابير وآلات الزمر وما أشبه ذلك لم يكن عليه شي ء. فإن أتلف من ذلك
ص: 512
شيئا على ذمي في حرزه ، كان عليه ضمانه.
* * *
« ومن لا يعرف قاتله ، والقاتل في الحرم والأشهر الحرم »
إذا قصد إنسان غيره يريد نفسه أو ماله ، فدفعه المقصود اليه عن نفسه ، فادى الدفع له الى قتله ، كان دمه هدرا.
ومن مات في زحام على جسر ، أو على عبور موضع ، أو في يوم عرفة أو يوم جمعة ، أو ما أشبه ذلك من المواضع التي يزدحم الناس عليها ، ( فيها - خ ل ) ولا يعرف له قاتل وكان له ولى يطلب ديته ، كان ديته ، على بيت المال ، فان لم يكن له ولى فلا دية له.
وإذا وجد قتيل في قرية ، أو قبيلة ، أو وجد على باب دار قوم ، ولا يعرف له قاتل ويكونون متهمين بقتله ، ويمتنعون من القسامة ، كانت ديته على أهل تلك القرية أو القبيلة أو الدار. فان لم يكونوا متهمين ، أو أجابوا إلى القسامة ، لم يكن عليهم شي ء ، وكانت ديته على بيت المال.
وإذا وجد قتيل بين القريتين ، كانت ديته على أهل أقرب القريتين إليه ، فإن كانت القريتان في المسافة متساويتين ، كانت الدية على أهلهما جميعا بالسوية.
وإذا وجد قتيل بين عسكرين نازلين (1) ، كان الحكم فيه مثل ما تقدم في القريتين.
وإذا رمى مسلم في حرب كافرا بسهم ، فأسلم الكافر قبل وصول السهم اليه ، لم يكن له دية.
وإذا وجد قتيل مقطعا في مواضع متفرقة ، كانت ديته على أهل المواضع التي يكون فيها قلبه وصدره ، ولا شي ء على الباقين ، الا ان يتهم قوم آخرون بقتله ، فيحكم
ص: 513
فيهم بإقامة البينة أو القسامة.
وإذا وقفت قرعة الليل (1) ووجد مجروح أو قتيل بين الناس لم يكن فيه أرش ولا قصاص ، وكانت ديته على بيت المال.
وإذا دخل صبي دار قوم ، فوقع في بئرهم فمات. وكان دخوله بإذنهم ، وهم متهمون بعداوة بينهم وبين اهله ، كانت الدية عليهم ، وان كانوا مأمونين غير متهمين لم يكن عليهم شي ء.
وإذا وجد قتيل في صحراء ، أو أرض فلاة لم يكن فيها أحد ، كانت ديته على بيت المال.
وإذا وجد قتيل في معسكر أو سوق ، ولم يعرف له قاتل ، كانت ديته على بيت المال.
وإذا أراد إنسان غلاما ، أو امرأة على فجور فدفعاه عن أنفسهما فمات ، كان دمه هدرا.
وإذا مات إنسان في قصاص ، أو حد ، لم يكن فيه دية ولا قود.
وإذا اطلع إنسان على قوم في دارهم أو دخل عليهم دارهم بغير إذنهم ، فزجروه فلم ينزجر ، فرموه فقتلوه أو فقئوا عينه ، لم يكن عليهم شي ء ، وكان دمه هدرا
وإذا قصد مجنون إنسانا بخشبة أو حجر أو سيف أو ما جرى مجرى ذلك ،
ص: 514
فدفعه عن نفسه فقتله ، كان دمه هدرا.
وإذا لعب الصبيان فرمى أحدهم غيره بخطره (1) فدق رباعيته ، أو ما أشبه ذلك وكان قد قال : حذار ، لم يكن عليه قصاص.
وقد روى (2) في امرأة أدخلت صديقها في حجلتها ليلة دخول زوجها بها وانه لما خلي الزوج بها ثار الصديق اليه واقتتلا ، فقتل الزوج الصديق ، ثم ان المرأة ضربت زوجها ضربة فقتلته ، ثم ان (3) المرأة تضمن دية الصديق وتقتل هي بزوجها.
وروى (4) أيضا في لص دخل على امرأة ، فجمع الثياب ، ثم حملته نفسه على وطأ المرأة ، فلما وطأها ثار ابنها اليه فقتله اللص ، وان المرأة حملت عليه بفأس فقتله ، وجاء أوليائه من الغد يطلبون بدمه ، فان ضمان دية الغلام على أوليائه الذين طلبوا بدمه (5) ، ويضمن السارق فيما ترك أربعة آلاف درهم ، لمكابرة المرأة على فرجها لأنه زان ، وهو في ماله غرامة ، وليس على المرأة في قتله شي ء لأنه سارق.
ص: 515
وإذا قتل إنسان غيره في الحرم ، أو في أحد الأشهر الحرم ، طلبت منه الدية (1) للقتل ، والثلث لانتهاكه حرمة الحرم ، والأشهر الحرم. وان اختار أولياء المقتول القود ، كان لهم ذلك.
وإذا قتل إنسان غيره في غير الحرم ، ثم التجأ إلى الحرم وتحرم به ، لم يقتل فيه ، بل يضيق عليه في المطعم والمشرب ويمنع من مبايعته ومعاملته حتى يخرج منه ، فيقام الحد عليه ، وكذلك الحكم فيمن التجأ في مثل ذلك الى مشهد من مشاهد الأئمة عليهم السلام (2).
تم كتاب الديات
* * *
ص: 516
قال اللّه تعالى ( الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ ، وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ ، إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) . (1).
وقال اللّه تعالى ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً ، وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) . (2).
وقال اللّه تعالى ( وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللّهِ ، وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) . (3)
وروى عن النبي صلى اللّه عليه وآله : انه نهى عن تعطيل الحدود ، وقال : انما هلك بنوا إسرائيل لأنهم كانوا يقيمون الحدود على الوضيع دون الشريف (4).
وعن أمير المؤمنين على بن ابى طالب عليه السلام انه قال لبعض أصحابه ممن وصاه بإقامة الحدود : عليك بإقامة الحدود على القريب والبعيد ، والحكم بكتاب اللّه في الرضا
ص: 517
والسخط ، والقسم بالعدل بين الأحمر والأسود. (1)
وروى عنه عليه السلام انه كتب الى رفاعة : أقم الحدود على القريب يجتنبها البعيد ولا تطل الدماء (2) ، ولا تعطل الحدود.
وليس يقيم الحدود إلا الأئمة عليهم السلام ، أو من ينصبونه لذلك ، أو يأمرونه به ، الا ما ورد في جواز إقامة أحدنا ذلك على بعض اهله ، وسيأتي ذكره فيما بعد بمشيئة اللّه تعالى ولا يجوز تضييع شي ء من الحدود الواجبة ولا النقص منها ولا الزيادة عليها ، ولا الشفاعة فيها أيضا. فإن كانت الحدود من حقوق الآدميين جازت الشفاعة فيها قبل رفعها الى الامام عليه السلام ، أو الى المنصوب من قبله ، فان رفعت اليه لم تجز الشفاعة بعد ذلك فيها ، وظهر المؤمن حمى الأمن حد يجب عليه ، ومن عفى عن حد ، وجب له ، لم يجز له الرجوع فيه بعد ذلك.
* * *
الزنا معلوم من دين الإسلام تحريمه بغير خلاف ، وهو وطؤ البالغ الكامل لمن حرم اللّه تعالى وطأه من غير عقد ، ولا شبهة عقد ، في الفرج ، وقد تقدم ذكر المحرمات وما يصح الوطأ من عقد أو ملك في كتاب النكاح ، فلا وجه لإعادته هنا.
فاما شبهة العقد فهو ان يعقد الرجل على ذي محرم - من بنت أوام ، أو أخت أو ما أشبه ذلك - وهو لا يعرفها ، أو يعقد على امرأة لها بعل وهو لا يعلم ذلك ، أو يعقد عليها وهي في عدة - اما من طلاق رجعي أو بائن ، أو متوفى عنها زوجها - وهو غير عالم بحالها ، أو يعقد عليها وهي محرمة ، أو يعقد وهو محرم ناسيا ، ثم يعلم شيئا من ذلك ، فإنه يدرء الحد عنه : ولا يحكم عليه بالزنا. فان عقد على أحد ممن ذكرنا متعمدا ، (3) وهو عالم بذلك ، ووطئها ، كان حكمها حكم الزنا.
ص: 518
فاما الزناة ، فينقسمون خمسة أقسام.
أولها : يجب الحد فيه بالقتل على كل حال.
وثانيها : يجب الجلد فيه ، ثم الرجم.
وثالثها : يجب الرجم فيه دون الجلد.
ورابعها : يجب فيه الجلد ثم النفي.
وخامسها : يجب فيه الجلد فقط.
واما ما يجب فيه القتل على كل حال ، فهو وطؤ من وطأ ذات محرم منه ، من أم ، أو بنت ، أو أخت ، أو ابنتها ، أو بنت أخ ، أو عمة ، أو خالة ، حرا كان أو عبدا ، مسلما كان أو كافرا ، شيخا كان أو شابا ، محصنا كان أو غير محصن. أو كان ذميا فزنى بمسلمة. فإنه يقتل على كل حال وان أسلم ، وعلى المرأة الحد على ما يستحقه ، من جلد أو رجم. وكل من غصب امرأة فرجها ، محصنا أو غير محصن وكل من زنى بامرأة أبيه ، محصنا أو غير محصن.
واما الذي يجب فيه الرجم بعد الجلد ، فهو وطؤ الشيخ والشيخة إذا زنيا وكانا محصنين.
واما الذي يجب فيه الرجم دون الجلد ، فهو وطؤ كل محصن أو محصنة ليسا بشيخين.
واما الذي يجب فيه الجلد ثم النفي ، فهو البكر والبكرة ، والكبر هو الذي أملك على امرأة ولم يكن دخل بها.
واما الذي يجب فيه الجلد فقط ، فهو كل من زنى وهو غير محصن ولا بكر ، رجلا كان أو امرأة.
وحد الإحصان في الرجل ، ان يكون له فرج يتمكن من وطئه ، ويكون مالكا له بعقد أو ملك يمين. والعقد يكون دائما غير مؤجل ، لأن المتعة لا تحصن ، ولا فرق بين ان يكون العقد الدائم عقدا على حرة أو امة ، أو عقدا على امرأة يهودية
ص: 519
أو نصرانية فإن ذلك كله تحصن ، وملك اليمين أيضا يحصن. ومن كان غائبا عن زوجته غيبة لا يتمكن معها من الوصول إليها ، أو يكون حاضرا غير متمكن من وطئها بان يكون محبوسا ، أو ما جرى مجرى ذلك ، أو لا يكون دخل بها بعد ، فإنه لا يكون محصنا.
واما الإحصان في المرية ، فهو ان يكون لها زوج يغدو إليها ويروح ، يخلى بينه وبينها ، غير غائب عنها ، وقد دخل بها ، حرا كان أو عبدا.
والبكر الذي ذكرناه ، انه هو الذي أملك بالمرأة ولم يدخل بها ، يجب عليه مع الجلد جز شعره ، والنفي عن بلده (1) سنة. وإذا كان امرأة لم يجب عليها شي ء من ذلك ، ولا يجب عليها غير الحد.
والذي يجب عليه الجلد وليس عليه أكثر من ذلك ، فهو وطؤ كل من زنى وليس بمحصن ولا بكر ، فإنه يجب عليه الجلد ، رجلا كان أو امرأة.
وإذا زنى ثم جلد ، ثم زنى ثانية ثم جلد ، ثم زنى ثالثة وجلد ، ثم زنى رابعة ، كان عليه القتل. فان زنى اربع مرات أو أكثر من ذلك ولم يقم عليه حد لم يجب عليه أكثر من مأة جلدة.
وجميع هذه الأحكام خاصة في الحر والحرة ، إلا الأول - الذي هو القتل - فإنه يشترك فيه الحر والعبد. واما ما عدا ذلك فحكم المملوك غير حكم الحر ونحن نبين ذلك ، فنقول :
العبد والأمة إذا زنيا ، كان على كل واحد منهما خمسون جلدة ، ولا فرق في ذلك بين ان يكون الزنا بحر أو حرة ، أو مملوك أو مملوكة ، شيخين كانا أو شابين ، محصنين أو غير محصنين ، بكرين أو غير بكرين ، لا يختلف الحكم في انه يجب عليهم خمسون جلدة مع هذه الوجوه كلها. فان زنيا ثماني مرات وأقيم عليهما الحد في ذلك ، ثم زنيا التاسعة ، وجب عليهما القتل. فان لم يقم عليهما
ص: 520
حد في شي ء من ذلك و (1) كانا قد زنيا أكثر من ثماني مرات ، فإنه لا يجب على كل واحد منهما (2) أكثر من خمسين جلدة.
وزنا الحر والحرة. والمسلم والأمة المسلمة (3) التي لغيره سواء كانت لزوجته أو لوالده أو لغيرهما من الأجنبيين على حد واحد لا يختلف فيه الحكم.
وكذلك المرأة لا فرق بين ان تزني بحر ، أو عبد مملوك لها ، أو لغيرها ، فان الحكم أيضا لا يختلف في ذلك.
وإذا زنى بصبية لم تبلغ فليس مثلها قد بلغ (4) فليس عليه الا الجلد ، ولا رجم عليه في ذلك. فإن أفضاها أو عابها ، كان عليه ضمان عيبها ، وقد سلف ذكر ذلك.
وإذا زنت امرأة بصبي لم يبلغ ، لم يكن عليها غير جلد مأة ، ولا رجم عليها ، والصبي والصبية عليهما تأديب.
فإن زنى رجل بمجنونة ، كان عليه الحد جلد مأة وليس عليه رجم ، وليس على المجنونة شي ء. وإذا زنى مجنون بامرئة ، كان عليها جلد مأة أو الرجم.
وإذا زنى إنسان ، وتاب قبل قيام البينة عليه بالزنا ، ادرأت التوبة عنه الحد. فان تاب بعد قيام البينة عليه ، كان عليه الحد ، ولم يجز للإمام عليه السلام ان يعفو عنه فان كان أقر على نفسه عند الامام عليه السلام ، ثم أظهر التوبة ، كان الامام بالخيار في إقامة الحد عليه أو العفو عنه ، بحسب ما يراه من المصلحة في ذلك ، وان لم يتب لم يجز للإمام العفو عنه.
ص: 521
وإذا زنى نصراني أو يهودي بمن هو من أهل ملته ، فالإمام مخير بين اقامة الحد عليه بما يقتضيه شرع الإسلام ، وبين تسليمه الى أهل ملته وأهل ملة المرأة ليقيموا عليه (1) الحد بحسب ما يعتقدونه في ملتهم.
وإذا عقد رجل على امرأة في عدتها ، ودخل بها وهو عالم بذلك ، كان عليه الحد. فان كانت عدتها عدة طلاق رجعي ، كان عليه الرجم. وان كانت عدة طلاق بائن ، أو متوفى عنها زوجها ، كان عليه مأة جلدة فقط. فان ادعيا انهما لم يعلما ان ذلك لا يجوز في شريعة الإسلام ، لم يصدقا فيه ، وأقيم عليهما الحد.
وإذا زنى مكاتب مشروط عليه ، وقد ادى من مكاتبته شيئا ، كان حده حد المماليك ، وقد تقدم ذكر ذلك. فان كان غير مشروط عليه ، وقد ادى من مكاتبته شيئا جلد بحساب ما ادى حد الحر - من مأة جلدة - وبحساب ما بقي من حد المملوك من خمسين جلدة - ولم يجب عليه رجم على حال ولا على وجه ، الا بعد ان ينقضي مكاتبته ويطأ زوجته بعد ذلك وهو حر ، فاذا زنى بعد ذلك كان عليه الرجم. وكذلك المملوك المحض.
وإذا أعتق وزنى ، فان كان قد وطأ امرأة بعد العتق وقبل الزنا ، كان عليه الرجم. وان كان لم يطأها بعد العتق ، كان عليه مأة جلدة ، لأنه في حكم من لم يدخل بزوجته.
وإذا وطأ رجل جارية من المغنم قبل القسمة ، قومت عليه وأسقط عنه من قيمتها بمقدار ما يصيبه منها ، والباقي بين المسلمين ، ويقام عليه الحد ويدرأ عنه بمقدار ما كان له منها.
وإذا كان لرجل مملوكة ، له فيها شريك ، فوطأها ، كان عليه من الحد بحساب ما لا يملك منها ويدرأ عنه بحساب ما يملكه منها.
وإذا زنت امرأة وحملت من الزنا ، وشربت دواء فألقت الجنين سقطا ، كان
ص: 522
عليها الحد للزنا والتعزير لفعلها.
وإذا زنى إنسان في شهر رمضان نهارا ، أقيم عليه الحد وعوقب زائدا على ذلك ، لانتهاكه حرمة الشهر ، وكان عليه الكفارة للإفطار. فإن كان زنى بالليل ، كان عليه الحد والتعزير ، ولم يجب عليه كفارة.
وإذا زنى في حرم اللّه أو حرم رسوله أو أحد الأئمة عليهم السلام ، كان عليه الحد للزنا ، والتعزير لانتهاكه حرمة حرم اللّه وحرم رسوله وحرم الأئمة عليهم السلام وكذلك ان فعل ما يوجب الحد أو التعزير في مسجد أو موضع عبادة ، فإنه يجب عليه مع الحد ، التعزير ، وفيما يوجب التعزير العقوبة مغلظة.
وإذا زنى في يوم عيد فطر أو أضحى ، أو في غير ذلك من الليالي الشريفة مثل ليلة الجمعة ، أو ليلة النصف من شعبان ، أو ليلة أحد العيدين ، أو في يوم السابع والعشرين من رجب ، أو ليلة سبع عشر من شهر ربيع الأول ، أو خمسة وعشرين من ذي القعدة ، أو ليلة عاشورا أو يومه ، أو يوم الغدير أو ليلته ، فإنه يغلظ العقوبة.
وإذا أقر على نفسه بالزنا ، كان عليه الحد ، وسيأتي ذكر ذلك الإقرار الذي يوجب الحد « بمشيئة اللّه ».
فإن أقر أنه زنى بامرئة معينة ، كان عليه حدان ، أحدهما حد الزنا ، والأخر حد القذف وهكذا حكم المرأة إذا قالت زنى بي فلان ، سواء.
وإذا افتض إنسان بكرا بإصبعه ، كان عليه عشر قيمتها ، وجلد - من ثلاثين سوطا إلى تسعة وسبعين سوطا - عقوبة على جنايته. فان كانت البكر المجني عليه حرة ، كان عليه أيضا مهر مثل نسائها بغير نقص فيه. فان كان قد زنى بها فذهب بعذرتها ، لم يكن لها عليه مهر على حال (1).
وإذا زوج رجل جارية (2) لرجل ، ثم وطأها بعد ذلك ، كان عليه الحد.
ص: 523
وإذا زنى إنسان وهو سكران ، عليه حدان حد للزنا وحد للسكر ولم يسقط عنه الحد لسكره وزوال عقله. وإذا زنى وهو أعمى وجب الحد عليه كما يكون على البصير ، ولم يسقط الحد عنه لعماه فان ادعى ان الأمر اشتبه عليه : وظن ان الامرأة التي وطأها كانت زوجته أو جاريته ، لم يصدق في ذلك ، ووجب ان يقام عليه الحد ، وإذا ادعى الزوجية لم يحد الا ان تقوم البينة عليه بخلاف ما ادعاه. ولأحد أيضا مع إكراه وإلجاء ، ولا يصح الا مع الاختيار.
وإذا تشابهت امرأة لرجل (1) بجاريته ونامت على مرقده ليلا ، فظن انها جاريته فوطأها من غير تحرز ، كان عليه الحد سرا وعلى المرية جهرا.
* * *
« ويوجب اقامة الحد على الزاني »
الذي يثبت به الزنا ويجب معه اقامة الحدود على الزنا شيئان ، أحدهما ، الإقرار ، والأخر البينة.
فأما الإقرار ، فهو إقرار الإنسان الكامل العقل ، المختار على نفسه اربع مرات دفعة بعد اخرى بالوطأ في الفرج على وجه الزنا ، فإنه يحكم عليه بذلك ، ويجب عليه ما يجب على فاعله. فإن أقر أقل من اربع مرات ، أو أقر أربع مرات بالوطأ فيما دون الفرج. لم يحكم عليه بالزنا ، وكان عليه التعزير حسب ما يراه الإمام.
فأما البينة ، فهي شهادة أربعة من العدول على الرجل بأنه وطأ امرأة - ليس بينه وبينها عقد ولا شبهة عقد - في الفرج. فاذا شهدوا بذلك ، فادعوا المشاهدة للفعل كالميل في المكحلة ، قبلت شهادتهم ، وحكم عليه بالزنا ، ووجب على المشهود عليه الحد.
ص: 524
فان شهد هؤلاء الأربعة بالزنا ، ولم يشهدوا بالمعاينة على الوجه الذي قدمناه كان على كل واحد منهم حد القذف. فان شهد أقل من أربعة ، واحدا كان أو اثنين أو ثلاثة ، وادعى مشاهدة الوطأ في الفرج كان على جميعهم حد الفرية.
فإن شهد الأربعة واختلفوا في شهاداتهم فشهد بعضهم بالمعاينة وشهد البعض الأخر بغير ذلك كان عليهم أيضا حد الفرية.
فإن شهد الأربعة باجتماع الرجل والمرية في إزار (1) واحد مجردين من ثيابهما ، أو شهدوا بالوطأ فيما دون الفرج ، ولم يشهدوا بالزنا ، سمعت شهادتهم وكان على الفاعل لذلك التعزير. فان شهدوا بالوطأ في الدبر ، كان حكمه حكم الوطأ في القبل سواء. وكذلك الحكم في الإقرار بذلك ، سواء.
فان شهد الشهود على امرأة بالزنا ، وادعت المرية أنها بكر ، نظرت إليها النساء فان وجدتها بكرا لم يجب عليها حد ، وان لم يكن كذلك وجب الحد عليها.
وإذا شهد أربعة نفر على أمرية بالزنا ، وأحد هؤلاء الشهود زوج المرية ، كان عليها الحد ، وقد ذكرنا ان الثلاثة يحدون حد المفتري ، ويلاعنها زوجها.
وذكر بعض أصحابنا ان هذه الرواية (2) محمولة على انه إذا لم يعدل الشهود و (3) اختلفوا في إقامة الشهادة ، وقد ذكرت في كتابي « الكامل » ان الأقوى في نفسي في ذلك : انهم يحدون ، ولا يجب على المرأة حد. لان زوجها في حكم الخصم لها ، وشهادة الخصم على خصمه في الأمر الذي هو خصمه فيه ليست بمقبولة ، وإذا كان الأمر على ذلك. لم يبق غير ثلاثة ، فيجب عليهم حد الفرية.
ومن شرط صحة شهادة الشهود بالزنا ، ان يوقعوا شهاداتهم بذلك في وقت واحد ، ومكان واحد ، في مجلس واحد ومقام واحد. فان شهد بعضهم من غير حضور
ص: 525
الباقي من الشهود وقال : الساعة يحضرون ، كان عليه حد الفرية لأنه لا تأخير في ذلك ولا يجوز شهادة النساء على الانفراد في الزنا ، ووجب على كل واحدة منهن حد الفرية.
فإن شهد أربعة نفر - ثلاثة رجال. وامرأتان - قبلت شهادتهم في ذلك ، ووجب بشهادتهم ، الرجم. فان شهد رجلان واربع نساء ، لم يجب الرجم بهذه الشهادة ، ويجب بها الحد الذي هو الجلد. فان شهد رجل وست نساء أو أقل أو أكثر ، لم تقبل هذه الشهادة في الزنا ، ووجب على كل واحد منهم حد الفرية.
فإن شهد أربعة نفر بالزنا على رجلين وامرأتين ، أو أكثر من ذلك ، قبلت شهادتهم ووجب اقامة الحد على المشهود عليهم ، ويجوز تفريق الشهود ، إذا رأى الامام في ذلك صلاحا.
وإذا وجد رجل وامرأة على حال الزنا وادعى الزوجية ، درأ عنهما الحدود. وإذا شاهد الإمام إنسانا على حال الزنا أو شرب الخمر ، كان عليه اقامة الحد على من شاهده كذلك ، ولا ينتظر مع مشاهدته له على ذلك قيام البينة على ما شاهده عليه ولا إقراره بذلك أيضا ، وهذا مخصوص بالإمام دون غيره من سائر الناس ، لان غيره إذا شاهد ذلك فلا يجوز له اقامة الحد مع مشاهدته الا مع قيام البينة بذلك.
واما القتل ، والسرقة ، والقذف ، وما يجب فيه حق للمسلمين ، من حد أو تعزير فليس للإمام إقامة الحد على ذلك ، الا بعد مطالبة صاحب الحق بذلك ولا يكفى مشهادته له على هذه الحال. فاذا طلب صاحب الحق ذلك من الامام ، أقام الحد فيه ، ولا ينتظر أيضا مع علمه بذلك إقراره أو قيام البينة به.
وإذا أقر رجل بالزنا اربع مرات بأنه زنى بهذه المرية ، واكذبته المرأة ، أو قالت : أكرهني ، كان عليه الحد دونها. فإن أقرت المرأة أربع مرات بان هذا الرجل زنى بها ، وأكذبها الرجل ، كان عليها الحد دونه ، وكذلك الحكم لو صدقها مرة واحدة.
* * *
ص: 526
إذا كان الإنسان محصنا يجب عليه الجلد والرجم ، جلد أولا الحد ولم يرجم حتى يبرأ جلده ، فإذا برأ رجم.
وإذا أراد الامام ان يرجمه ، وكانت البينة قد قامت عليه بالزنا ، أمر بأن يحفر له حفيرة ويدفن فيها الى حقويه ، ثم يرجم بعد ذلك. وكذلك يفعل بالمرئة الا انها تقعد في الحفيرة إلى صدرها ثم يرجم.
فاذا فر واحد منهما من الحفيرة ، رد إليها حتى يستوفي منه الحد بالرجم.
فان كان الرجم وجب عليهما بإقرارهما على أنفسهما ، فعل بهما مثل ما تقدم ذكره ، الا انه إذا أصاب واحد منهما الرجم وفر من الحفيرة ، لم يرد إليها ، وترك حتى يمضى حيث شاء وأراد. فإن كان فراره قبل ان يصيبه شي ء من الرجم ، رد إلى الحفيرة على كل حال.
والذي يجب الرجم عليه ، إذا كانت البينة قد قامت عليه ، كان أول من يرجمه الشهود ، ثم الامام ، ثم الناس. وان كان الرجم وجب عليه ، بإقراره على نفسه ، كان أول من يرجمه ، الامام ، ثم الناس.
وينبغي ان تكون حجارة الرجم صغارا ، ولا تكون كبارا. ويكون الرجم من خلف المرجوم ، لئلا يصيب وجهه شي ء منه.
واما الذي يجب عليه الجلد دون الرجم ، يجب ان يجلد قائماً مأة جلدة من أشد ما يكون من الضرب ، ويجلد على الحال التي يوجد (1) عليها ، فان وجد عريانا جلد عريانا ، وان كان عليه ثياب جلد وهي عليه. ويضرب جميع جسده إلا رأسه ووجهه وفرجه ، فان مات لم يكن له قود ولا دية.
وإذا أريد جلد المرية جلدت كما يجلد الرجل ، وضربت كما يضرب ، الا انها
ص: 527
تكون جالسة ولا تكون قائمة في هذه الحال ، وتضرب وعليها ثيابها مربوطة ، لئلا يهتك عورتها.
وإذا فر من يقام الحد عليه بالجلد ، أعيد حتى ليستوفى الحد منه ، سواء كان ممن وجب عليه الحد بإقراره أو ببينة.
وإذا أريد إقامة الحد على الزاني بالجلد أو الرجم ، فينبغي ان يعلم الناس بالحضور ، ثم يحد بمحضر منهم لينزجروا من مثل ذلك. ولا يحضر عند اقامة الحد على الزاني الأخيار الناس ، وأقل من يحضر لذلك من الناس واحد فصاعدا ، ولا يرميه الا من ليس لله تعالى في جنبه حد.
وإذا وجب اقامة الحد على الزاني بالرجم ، أقيم بذلك عليه صحيحا كان أو مريضا. والذي يجب عليه الجلد إذا كان مريضا ، لم يقم الحد عليه حتى يبرأ ، وإذا برأ أقيم الحد عليه ، فاذا اقتضت المصلحة تقديم الحد ، أخذ العرجون فيه مأة شمراخ أو ما يقوم مقامه ، ويضرب به ضربة واحدة.
وإذا زنت امرأة وهي حامل ، لم يقم عليها حد بجلد ولا رجم وهي كذلك ، فاذا وضعت ولدها ، وخرجت من نفاسها ، وأرضعتها ، جلدت أو رجمت.
فاذا اجتمع على إنسان حدود منها قتل ، ابتدأ أولا بحده بما لا يكون قتلا ، ثم يقتل بعد ذلك مثال ما ذكرناه ، ان يقتل ويسرق ويزني وهو غير محصن ، فإنه يجلد أولا للزنا ، ثم يقطع للسرقة ، ثم يقتل.
وإذا وجب على رجل ، الحد وهو صحيح العقل ، ثم اختلط عقله بعد ذلك ، وكانت البينة قد قامت عليه بذلك ، أقيم الحد عليه على كل حال.
ومن يجب عليه النفي بالزنا ، يجب نفيه عن البلد الذي زنا فيه الى بلد آخر سنة.
وإذا أقر على نفسه بحد. ثم أنكر ذلك ، لم يلتفت الى إنكاره. إلا الرجم ، فإنه إذا أقر على نفسه بما يوجب الحد (1) ثم جحد بعد ذلك قبل ان يرجم خلي
ص: 528
سبيله. وإذا أقر على نفسه بحد ولم يبينه ، ضرب حتى يبينه (1) هو عن نفسه الحد.
وإذا كانت المرأة مستحاضة ، لم يقم عليها الحد حتى ينقطع الدم عنه ، وقد تقدم ذكر ذلك.
وإذا وجب على إنسان حد ، لم يقم عليه في الأوقات الشديدة الحر ، ولا الشديدة البرد ، بل يقام عليه ذلك في الأوقات المعتدلة.
وإذا فرق من رجم المرجوم ، دفن في الحال ، ولم يترك على وجه الأرض. ولا يقام الحد أيضا في أرض العدو ، لئلا يحمل المحدود الحمية والغضب ، على اللحوق بأعداء الدين. وإذا التجأ إلى حرم اللّه أو حرم رسوله أو أحد الأئمة عليهم السلام ، لم يقم الحد عليه فيه ، بل يضيق عليه في المطعم والمشرب ، ويمنع من المعاملة ببيع أو شراء حتى يخرج منه ، فاذا خرج أقيم عليه الحد. وإذا أحدث وهو في الحرم ما يوجب اقامة الحد عليه ، أقيم ذلك عليه ، وقد تقدم ذكر ذلك أيضا.
* * *
« ووطأ البهائم والميتة ، والاستمناء باليد »
اللواط هو الفجور بالذكران ، وهو ضربان ، أحدهما إيقاع الفعل في الدبر بالإيقاب ، كالميل في المكحلة. والأخر بإيقاع الفعل فيما عدا ذلك من الفخذين ، أو ما لا يكون بالإيقاب في الدبر. ويثبت ذلك على فاعله بأمرين.
أحدهما : إقراره على نفسه بذاك اربع مرات كما قدمناه في باب حد الزنا - سواء كان فاعلا أو مفعولا. فان اقر دون ذلك ، لم يجب عليه الحد ، وكان على الحاكم تعزيره ، لإقراره على نفسه بالفسق.
والثاني : البينة وهي أربعة شهود يشهدون بذلك - كما ذكرناه في شهادتهم
ص: 529
بالزنا - ويذكرون المشاهدة للفعل كالميل في المكحلة. فان لم يشهدوا كذلك ، كان عليهم حد الفرية ، الا ان يشهدوا بإيقاع الفعل فيما دون الدبر ، فيقبل شهادتهم ويجب الحد بها. وإذا شاهد الامام بعض الناس على هذا الفعل ، كان له اقامة الحد عليه به.
وإذا ثبت على اللائط حكم اللواط بالإيقاب ، كان حده ان يرمى من حائط عال ، أو يرمي عليه جدار ، أو يدهده (1) من جبل ، أو يضرب عنقه ، أو يرجمه الامام والناس أو يحرق بالنار. والامام مخير في ذلك أي شي ء إذا أراد فعله منه ، كان ذلك له بحسب ما يراه صلاحا. فإن أقام عليه حدا بغير النار ، كان له إحراقه بعد ذلك.
والفاعل (2) لما يخالف الإيقاب فاعلا كان أو مفعولا به على ضربين ، أحدهما ، ان يكون محصنا. والأخر ، غير محصن. فان كان محصنا ، كان عليه الرجم. وان كان غير محصن ، كان عليه الحد - مأة جلدة - سواء كان فاعلا أو مفعولا ، حرا كان أو عبدا ، مسلما كان أو كافرا.
وإذا تلوط رجل بصبي لم يبلغ ، كان عليه الحد كاملا وعلى الصبي التعزير لأجل تمكينه من نفسه وإذا كان الصبي هو الفاعل بالرجل كان على الصبي التعزير وعلى الرجل المفعول به ، الحد كاملا.
وإذا تلوط صبي بصبي مثله ، أدبا جميعا ، ولم يجب على واحد منهما حد وإذا كان لرجل عبد ولاطه ، كان عليه وعلى العبد جميعا الحد. فان ادعى العبد على سيده :أنه أكرهه على ذلك ، درأ عنه الحد ، وأقيم الحد على سيده.
وإذا تلوط رجل بمجنون ، أقيم الحد عليه ، ولم يكن على المجنون شي ء.
فان لاط المجنون بغيره كان عليه الحد كاملا.
وإذا لاط كافر بمسلم قتل على كل حال. وان لاط بكافر مثله ، كان الامام مخيرا
ص: 530
بين ان يقيم الحد عليه بما يوجبه شرع الإسلام ، وبين تسليمه الى أهل ملته ، ليقيموا الحد عليه بما يقتضيه دينهم.
وإذا وجد رجلان ، أو رجل وغلام في إزار واحد ، مجردين من ثيابهما ، أو قامت بينة بذلك ، أو اقرا به ، كان على كل واحد منهما التعزير من ثلاثين سوطا إلى تسعة وتسعين (1) سوطا بحسب ما يراه الإمام. فإن عادا الى ذلك ضربا مثل ذلك ، فان عادا أقيم عليهما الحد كاملا ، مأة جلدة.
وإذا قبل إنسان غلاما ليس بمحرم منه ، كان عليه التعزير. فان قبل وهو محرم ، غلظ التأديب لينزجر عن مثله.
وإذا لاط إنسان ثلاث مرات ويقام عليه الحد في كل مرة ، قتل في الرابعة.
وإذا لاط رجل ثم تاب قبل قيام البينة عليه بذلك لم يجب عليه حد. فان قامت البينة عليه بعد ذلك لم يكن للإمام ان يقيم عليه الحد. فان تاب بعد قيام البينة عليه بالفعل ، كان للإمام إقامته عليه ، ولم يسقط عنه الحد ، ولا يجوز للإمام العفو عنه.
وان كان الرجل اللائط أقر على نفسه ثم تاب ، وعلم منه الامام ذلك ، كان له العفو عنه ، أو إقامة الحد عليه بحسب ما يراه. فان لم يظهر منه التوبة ، لم يجز له العفو عنه على حال.
وإذا تلوط رجل بميت ، كان الحكم فيه حكم التلوط بالحي سواء. ويغلظ عقوبته لانتهاكه (2) حرمة الموتى.
وإذا تساحقت امرأة لامرأة اخرى ، وقامت عليهما البينة بذلك ، وكانتا محصنتين كان على كل واحدة منهما الرجم. وان كانتا غير محصنتين ، كان على كل واحدة منهما
ص: 531
الحد - مأة جلدة - ويثبت ذلك بالبينة أو الإقرار.
فأما البينة : فهي شهادة أربعة عدول ، كما قدمناه. واما الإقرار. فإقرار المرية على نفسها اربع مرات بذلك ، كما سلف ذكره في الزنا.
وإذا كان لامرأة جارية فساحقتها ، وجب على كل واحدة منهما الحد. فان ادعت الجارية : أن سيدتها أكرهتها على ذلك ، درأ الحد عنها ، وأقيم ذلك على سيدتها كاملا.
وإذا تساحقت المسلمة كافرة ، أقيم الحد على كل واحدة منهما ، وكان الإمام في الكافرة بالخيار بين أن يقيم الحد عليها ، وبين أن يسلمها الى أهل ملتها ليقيموا عليها ذلك بحسب ما يقتضيه دينهم.
فان ساحقت امرأة صبية لم تبلغ ، كان على المرأة الحد ، وأدبت الصبية. فان تساحقت صبيتان ، أدبتا ، ولم يقم على كل واحدة منهما الحد كاملا.
وإذا وطأ رجل زوجته ، وقامت الزوجة فساحقت جارية بكرا ، وألقت ماء الرجل في رحمها وحملت الجارية ، كان على المرية الرجم ، وعلى الجارية إذا وضعت ما في بطنها مأة جلدة ، والحق الولد بالرجل ، وكان على المرية المهر للجارية ، لأجل ذهاب عذرتها بالولد. وهذه قضاء سيدنا أبى محمد الحسن بن على عليهما السلام (1).
وإذا تابت المتساحقة قبل رفع خبرها الى الامام ، لم يلزمها حد. فان قامت عليها بينة بعد ذلك لم يقم عليها حد. فان قامت البينة عليها قبل توبتها ، ثم تابت بعد ذلك ، أقيم الحد عليها. فان كانت أقرت بالفعل عند الإمام أو من ينوب عنه ، ثم أظهرت التوبة ، كان للإمام العفو عنها ، واقامة الحد عليها بحسب ما يراه صلاحا في ذلك.
وإذا افتضت امرأة جارية بإصبعها فذهبت بعذرتها ، كان عليها مهرها والتعزير مغلظا.
ص: 532
وإذا وجدت امرأتان في إزار واحد مجردتين من ثيابهما وليس بينهما رحم ، ولا دعتهما ضرورة من برد وما أشبهه الى ذلك ، كان على كل واحدة منهما التعزير من ثلاثين سوطا إلى تسعة وتسعين سوطا بحسب ما يراه الإمام أو النائب عنه. فان عادتا الى ذلك ، نهيتا وأدبتا. فإن عادتا ثالثة ، أقيم الحد عليهما مأة جلدة. فان عادتا الى ذلك رابعة ، قتلتا.
وإذا وطأ رجل بهيمة ، كان عليه التعزير. فان كانت ملكه ، لم يكن عليها أكثر من ذلك ، وان كانت ملكا لغيره ، كان عليه أن يغرم ثمنها لصاحبها ، فان كانت مما يصح الذكاة عليه ، ذبحت وأحرقت ، لان لحمها قد حرم ، وكذلك جميع ما يكون من نسلها.
وإذا اختلطت بهيمة موطوئة بغيرها من البهائم ، ولم يتميز من غيرها ، فيجب أن يقسم القطيع الذي فيه تلك البهيمة ، نصفين ويقرع بينهما ، فمهما وقعت القرعة عليه قسم أيضا نصفين وأقرع بينهما ، ولا يزال يفعل ذلك حتى لا يبقى إلا واحدة ، فإذا بقيت واحدة ذبحت وأحرقت.
وان كانت مما لا يصح الذكاة عليه ، أخرجت من البلد الذي فعل بها ذلك الى بلد آخر وبيعت هناك ، لئلا تعرف فيعير بها صاحبها.
وإذا تكرر من واطئ البهيمة هذا الفعل وكان قد أدب وحد ، كان عليه القتل في الرابعة. ويثبت الحكم الذي ذكرناه في وطء البهيمة بشهادة شاهدين عدلين مرضيين ، أو إقرار الفاعل على نفسه بذلك مرتين.
وإذا وطأ ميتة ، كان حكمه حكم من وطأها حية. فان كانت زوجته ، كان عليه التعزير بحسب ما يراه الإمام. فان لم تكن زوجته وكان محصنا ، كان عليه الرجم وان كان غير محصن ، كان عليه الحد.
ص: 533
ويثبت الحكم بذلك ، بشهادة شاهدين عدلين ، وإقرار الفاعل لذلك على نفسه مرتين.
وإذا استمنى بيده وانزل ، كان عليه التعزير ، وليس عليه حد في ذلك. والتعزير والتأديب في ذلك هو بحسب ما يراه الامام. وعن أمير المؤمنين عليه السلام ، انه ضرب يد من فعل ذلك حتى احمرت ، واستتابه وزوجه من بيت المال (1).
* * *
« وكل مسكر من الشراب والفقاع وغير ذلك من الأشربة والمئاكل المحظورة »
إذا جمع إنسان بين الرجال والنساء ، أو الرجال والغلمان للفجور ، كان عليه خمس وسبعون جلدة - وذلك ثلاثة أرباع حد الزاني - ويحلق رأسه ، ويشهر في البلد الذي يفعل ذلك فيه ، وينفى منه الى بلد أخر.
ويثبت الحكم بذلك بشهادة شاهدين عدلين ، أو إقرار الفاعل على نفسه بذلك مرتين. وإذا فعلت امرأة ذلك ، كان عليها مثل ما ذكرنا انه يفعل بالرجل ، الا حلق الرأس والإشهار والنفي ، فإنه لا يفعل بها شي ء من ذلك.
وإذا رمى إنسان غيره بالفساد ، كان عليه التعزير بما دون حد الفرية ، حتى لا يعود إلى أذى المسلمين بذلك.
وإذا شرب إنسان خمرا ، ونبيذا أو مزرا (2) أو نقيعا ، أو غير ذلك - من الأشربة التي
ص: 534
يسكر - قليلها أو كثيرها ، وجب الحد ثمانون جلدة ، حرا كان أو عبدا ، مسلما كان أو كافرا ، الا ان المسلم يقام عليه ذلك على كل حال شربه عليها ، والكافر لا يحد الإبان يظهر شرب ذلك بين المسلمين ، أو يخرج بينهم سكران. فان استتر بذلك - فشربه في بيته ، أو كنيسته أو بيعته - لم يجز ان يحد.
والحد يقام على شارب الخمر ، وكل مسكر من الشراب ، قليلا كان أو كثيرا ، لان القليل منه يوجب الحد كما يوجبه الكثير ، لا يختلف الحكم في ذلك.
ويثبت الحكم في ما ذكرناه بشهادة شاهدين عدلين : أو بالإقرار بذلك. فان شهد أحد الشاهدين بالشرب ، والأخر بالقي ء ، قبلت شهادتهما ، ووجب بها الحد. أو يقر على نفسه بشرب ذلك مرتين.
ولا يجوز ان يقبل شهادة على شهادة في الحدود. ولا يجوز أيضا ان يكفل من وجب عليه الحد ، بل يجب ان يقام ذلك عليه على الفور والبدار. ولا يجوز أيضا الشفاعة في إسقاط شي ء من الحدود ، لا عند الامام ولا عند غيره من جميع الناس.
وإذا استحل إنسان شرب شي ء من الخمر ، حل دمه. وكان على الامام عليه السلام ان يستتيبه ، فان تاب ، اقام عليه الحد ان كان شربه ، وان لم يتب قتله. وإذا استحل شرب شي ء من المسكر المخالف للخمر لم يحل دمه ، وللإمام ان يعزره ، ان رأى ذلك ويجلد شارب الخمر وغيره من الأشربة المسكرة على ظهره وكتفه عريانا ، ولا يضرب على وجهه وفرجه.
وإذا أكل إنسان شيئا من الأطعمة وفيه شي ء من الخمر ، أو اصطنع به ، أو استعمل دواء فيه منه ، وهو عالم به ، كان عليه الحد - ثمانون جلدة - فان لم يكن عالما به ، لم يكن عليه شي ء.
ولا يجوز مجالسة شراب الخمر وكل مسكر ، ولا الجلوس على مائدة يشرب عليها شي ء من ذلك خمرا كان أو غيره ، وكذلك حكم الفقاع. ومن فعل ذلك وجب عليه التأديب بحسب ما يراه الامام.
ص: 535
وإذا كان شارب المسكر سكران ، لم يقم الحد عليه حتى يفيق ، ثم يقام عليه ذلك وإذا أقيم عليه الحد مرتين وعاد الى شربه بالثالثة ، كان عليه القتل.
وإذا باع إنسان الخمر أو غيره من الشراب المسكر ، أو اشتراه ، كان عليه التأديب فان فعل ذلك وهو مستحل له ، استتيب ، فان تاب ، والأوجب عليه القتل مثل ما يجب على المرتد.
والحكم في شرب الفقاع في وجوب الحد عليه ، وتأديب من يتجر فيه ، وتعزير من يستعمله ، حكم الخمر سواء.
وإذا شرب إنسان خمرا أو غيرها ، مما يوجب الحد والتأديب ، ثم تاب قبل قيام البينة عليه بذلك ، سقط الحد عنه. وان تاب بعد قيام البينة عليه به ، أقيم الحد عليه فان أقر على نفسه وتاب بعد الإقرار ، جاز للإمام عليه السلام ان يعفو عنه ، وكان مخيرا بين ذلك وبين اقامة الحد عليه.
فان شرب المسكر في شهر رمضان ، أو في مكان شريف ، مثل حرم اللّه تعالى وحرم رسوله أو أحد الأئمة عليهم السلام ، أقيم عليه الحد ، وأدب زائدا على ذلك ، لانتهاكه حرمة الحرم الذي ذكرناه.
وإذا كان الإنسان مولودا على فطرة الإسلام ، واستحل شيئا من الدم والميتة ، أو لحم الخنزير ، كان مرتدا ، ووجب عليه القتل. وإذا تناول منه شيئا وهو محرم له ، كان عليه التعزير ، فان عاد الى ذلك أدب وغلظت عقوبته ، وان تكرر منه ذلك دفعات وجب عليه القتل.
وإذا قامت البينة على الإنسان بتحريم الربا واكله عوقب حتى يتوب ، فان استحل ذلك ، وجب عليه القتل ، فإن أدب مرتين وعاد الى ذلك ثالثة ، كان عليه القتل وإذا اتجر إنسان في السموم القاتلة ، كان عليه العقاب والتأديب ، وان استمر على ذلك ولم ينته عنه ، وجب عليه القتل.
وإذا أكل لحم السمك المحرم كالمارماهي ، والجري ، ومسوخ السمك كلها
ص: 536
ومسوخ البر ، والطحال ، وسباع الطير ، وما جرى مجرى ذلك من المحرمات ، وجب عليه التعزير ، فاذا عاد أدب ثانية. فان استحل شيئا مما ذكرناه ، وجب القتل عليه.
* * *
الحد الذي يقطع يد السارق فيه ، ربع دينار أو أكثر منه أو ما قيمته ذلك ، من اى جنس فان كان من ذهب مضروب منقوش ، قطع به. وان كان تبرأ (1) من ذهب المعادن وتحتاج الى سك وعلاج ، لم يجب القطع به. وان كان ذهبا خالصا غير مضروب ، جاز القطع به.
والقطع انما يجب بما ذكرنا ذلك ، إذا سرق من حرز ، والحرز هو كل موضع لم يكن لغير المتصرف الدخول فيه واليه الا بإذنه ، أو يكون مقفلا عليه ، أو مدفونا وكل موضع يطرقه الناس اجمع ، ولا يختص واحدا منهم ، فليس ذلك بحرز وهو مثل الخانات ، والحمامات ، والأرحية ، والمساجد ، وما أشبه ذلك.
فاذا سرق بالغ كامل العقل ، وكانت الشبهة غير (2) مرتفعة ، وجب عليه القطع ، حرا كان أو عبدا ، مسلما كان أو كافرا.
فان سرق من غير حرز ، لم يجب عليه قطع. وإذا كان الشي ء في الخانات ونحوها مما ليس بحرز ، مدفونا أو مقفلا عليه ، فسرقه إنسان ، كان عليه القطع ، لان صاحبه قد أحرزه بالدفن والقفل ، وقد ذكرنا ان الحرز هو كل موضع لم يكن لغير المتصرف فيه ، الدخول اليه الا بإذنه.
فإن كان هذا الموضع مفتوحا غير مغلق ولا مقفل ، كالدار وما أشبهها ، وفيها بيوت مغلقة ، وفي قاعتها (3) شي ء ، لم يكن ذلك في حرز ، وما يكون داخل البيوت
ص: 537
المغلقة ، في حرز. فان سرق سارق مما في هذه الدار المفتوح بابها مما هو في قاعتها وخارج عن بيوتها المقفلة ، لم يكن سارقا من حرز. فان كان بابها مغلقا عليها ، كان ما في قاعتها وبيوتها في حرز ولو كانت أبواب بيوتها وخزائنها مفتوحة ، فإن كان بابها مفتوحا وأبواب بيوتها وخزائنها مفتوحة : لم يكن ذلك حرزا. وان كان صاحبها فيها وكانت أبوابها مفتوحة ، فليس شي ء منها بحرز. الا ما كان يراعيه ببصره دون غيره ، وكذلك ما جرى مجرى الدار من المنازل وما أشبهها.
واما باب الدار ، فاذا نصب ودار في مكانه ، كان في حرز ، سواء كان مغلقا أو مفتوحا. واما أبواب البيوت والخزائن التي دخلها ، فهي كالمتاع في الدار ، فان كانت هذه الأبواب مغلقة ، فهي في حرز ، وان كان باب الدار مغلقا فهي في حرز.
واما حلقة الدار ان كانت قد سمرت (1) فيه ، فهي في حرز ، لأن العادة جارية في الاحتراز عليها بسمرها في الباب ، فان قلعها إنسان وكانت قيمتها نصابا ، كان عليه القطع. واما حائط الدار والذي فيه مبني (2) ، من آجر أو حجر أو خشب ، فهو في حرز ، لان ما كان حرزا لغيره في نفسه حرز. فان هدم إنسان شيئا من الحائط وأخذ منه ما قيمته النصاب ، كان عليه القطع.
وإذا أخرج السارق متاعا من بيت في الدار الى صحنها ، وكان باب البيت مفتوحا ، وكذلك باب الدار ، لم يكن عليه قطع ، لأنه لم يخرجه من حرز. فان كان باب الدار مفتوحا وباب البيت مغلقا على المتاع ، كان عليه القطع ، لأنه قد أخرجه من حرز الى غير حرز ، لان باب الدار إذا كان مفتوحا ، لم يكن صحنها حرزا. وان كان باب الدار مغلقا ، وباب البيت مفتوحا ، واخرج المتاع منه الى الصحن ، لم يجب عليه القطع ، لان البيت إذا كان مفتوحا لم يكن حرزا ، فإذا أخرجه إلى الصحن ، كان قد أخرجه من غير حرز الى ما هو حرز ، فلا قطع عليه. وان كان
ص: 538
باب البيت مغلقا وباب الدار مغلقا ، واخرج المتاع من البيت الى الصحن لم يكن عليه القطع (1) ، لأنه أخرجه من حرز الى حرز.
فان كان الموضع من الخانات التي فيها بيوت ، ولكل إنسان بيت مقفل والصحن مشترك بين الجماعة التي فيه ، كان كل بيت مقفل فيه حرزا لما فيه. فان نقبه إنسان أو كسر قفله ، واخرج منه ما قيمته ، نصاب الى صحن الخان ، كان عليه القطع ، لأنه أخرج ذلك من حرز الى غير حرز. فان الخان يجرى مجرى الدرب الذي فيه حجرتان ، الحجرة حرز لما فيها.
فإذا أخرج السارق من الحجرة شيئا الى الدرب فقد أخرجه من حرز الى غير حرز ، وكذلك الخان مع بيوته ، ولا فرق في ذلك بين ان يكون باب الخان مغلقا أو مفتوحا ، بخلاف ما ذكرناه في الدار ، لان صحنه مشترك بين الناس. وليس صحن الدار التي ينفرد بها واحد جاريا هذا المجرى.
وإذا نقب اثنان موضعا ، ودخل أحدهما ، فأخذ المتاع ووضعه في موضع النقب وأخذه الخارج منه ، لم يجب على واحد منهما ، لأنه لم يخرجه من كمال الحرز ، ويجرى مجرى ان يضعه في بعض البيت ، ويجتاز مجتاز فيأخذه من النقب ، فإنه لا قطع على واحد منها. وإذا نقب واحد منهما ودخل الأخر فاخرج نصابا ، لم يكن عليهما قطع.
وإذا كان في الحرز ماء يجرى ، فأخذ المتاع فوضعه على الماء ، فأخرجه الماء من الحرز ثم أخذه ، كان عليه القطع ، لأنه أخرج المتاع بآلة ، كما لو أخرجه بخشبة أو جرة بحبل أو ما أشبه ذلك. وكذلك لو وضعه على دابة وساقها فخرجت به الدابة ، كان عليه القطع ، لأنه خرج بفعله. وكذلك لو وضعه عليها ولم يسقها.
فان كان في الحرز ماء راكد ، فوضع المتاع فيه ، فانفجر وخرج المتاع معه ،
ص: 539
لم يكن عليه القطع لأنه خرج بغير قصد. فإن أخذ المتاع ورمى به خارج الحرز فطيرته الريح وإعانته على إخراجه ولو لا الريح لما خرج ، كان عليه القطع ، لان الاعتبار بابتداء فعله لا بمعاونة الريح على نقله ، ويجرى مجرى رميه منها في الغرض (1) فإنه إذا رماه وأطارته الريح فأصاب الغرض ، كان له اصابة في ان الاعتبار بابتداء فعله ، لا بمعاونة الريح له.
وإذا دخل حرزا فأخذ منه جوهرة فبلعها ، فخرج منها وهي باقية في جوفه ، كان عليه القطع ، لأنه أخرجها في وعاء ، كما لو جعلها في جراب (2) أو ما أشبه ذلك وقد ذكر : انه لا قطع عليه. وما ذكرناه أظهر.
وإذا كان في الحرز شاة فذبحها ، وكانت قيمتها قبل الذبح ربع دينار ونقصت عن ذلك بعد الذبح ، وأخرجها بعد ذلك ، لم يجب عليه القطع ، لان ذلك انما يجب عليه إذا اخرج من الحرز نصابا كاملا ، وهذه الشاة بعد ذبحها ليست كذلك.
وإذا اشترك ثلاثة نفر في إخراج نصاب من الحرز ، قطع جميعهم ، وان كان أقل من نصاب لم يقطعوا.
وإذا نقب اثنان موضعا. ودخله الواحد منهما ، فأخذ السرقة واخرج يده من الحرز والسرقة فيها ، فأخذها الخارج من الحرز ، أو رمى بها الى خارج الحرز فأخذها الخارج ، كان له (3) القطع على الذي أخرج يده وهو فيها والذي رمى بها ، وليس على الخارج من الحرز قطع.
وإذا نقبا موضعا فدخل الواحد منهما فحمل السرقة ووضعها قريبا من البيت ، فادخل الخارج يده الى الحرز فأخذها ، كان عليه القطع ، دون الذي هو داخل الحرز
وإذا نقب إنسان حرزا وهتكه ومضى عنه ولم يخرج منه شيئا ، واجتاز آخر
ص: 540
فوجد الحرز مهتوكا بالنقب فدخل واخرج السرقة منه ، لم يجب على واحد منهما قطع ، لأن الأول نقب ولم يأخذ شيئا ولا أخرجه والثاني أخرجه من حرز مهتوك.
وإذا نقب إنسان وحده موضعا ودخله واخرج منه ثمن دينار ، ثم جاء الليلة الثانية فأخرج منه ثمن دينار ، كان عليه القطع ، وقال بعض الناس : ليس عليه قطع. وما ذكرناه هو الصحيح ، لأنه أخرج نصابا من حرز هتكه هو. وكذلك القول لو اخرج ثمن دينار ثم عاد من ليلته واخرج ثمن دينار آخر في ان عليه القطع.
وإذا نقب ودخل الحرز فذبح شاة ، كان عليه ما بين قيمتها حية ومذبوحة. فإن أخرجها بعد الذبح وكان قيمتها نصابا ، كان عليه القطع : وان كان قيمتها أقل من نصاب لم يجب عليه القطع.
وإذا كانت المسألة بحالها ، فأخذ ثوبا فشقه ، كان عليه ما نقص بالتخريق. فإن أخرجه من الحرز وقيمته نصاب ، كان عليه القطع ، وان كانت أقل من نصاب لم يكن عليه قطع.
وإذا سرق إنسان شيئا يجب فيه القطع ولم يقطع حتى ملكه بابتياع أو هبة أو ما أشبه ذلك ، لم يسقط القطع عنه سواء ملكه قبل الترافع الى الحاكم أو بعده ، الا انه إذا ملكه قبل الترافع الى الحاكم لم يقطع ، لا لان القطع سقط عنه ، لكن لأنه لا مطالبة له بذلك ، ولا قطع بغيره مطالبة السرقة.
وإذا نقب حرزا ومعه صبي صغير ليس له تميز ، ثم امره بدخول الحرز ، فدخله واخرج السرقة فأخذها هو ، كان عليه القطع ، لقوله تعالى (1) ( وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما ) ، ولم يفرق وإذا سرق حرا صغيرا وكان عليه حلي كان عليه القطع.
وإذا ثبت بينة على إنسان : بأنه سرق من حرز رجل نصابا ، فقال السارق : المال لي. كان القول قول صاحب الحرز : ان المال له ، لأنه قد ثبت أنه أخذه منه فاذا حلف لم يلزم السارق قطع ، لأنه صار حقا وصار شبهة ، لوقوع التنازع في المال. والحد
ص: 541
لا يجب مع الشبهة.
وإذا سرق إنسان من ستارة الكعبة وهي محيطة عليها ما قيمته ربع دينار ، كان عليه القطع ، لأن الرواية (1) عندنا تضمنت : ان القائم عليه السلام إذا ظهر قطع أيدي بني شيبة ، وقال : هؤلاء سراق اللّه. وذلك يدل على ان في ذلك قطعا (2).
وإذا استعار إنسان من غيره بيتا ، فجعل متاعه فيه ، فنقب المعير له وسرق المتاع ، كان عليه القطع.
وإذا سرق الضيف من حرز مضيفه نصابا ، لم يجب عليه القطع.
وإذا أخرج النباش الكفن من القبر الى وجه الأرض ، كان عليه القطع.
فإن أخرجه من اللحد الى بعض القبر ، لم يجب عليه القطع.
وإذا سرق إنسان من الغنيمة وكان ممن له فيها نصيب ، وكان ما سرقه أكثر.من نصيبه مما يكون بعده نصابا يجب فيه القطع أو أكثر من ذلك ، كان عليه القطع وإذا كان أقل من ذلك ، لم يجب عليه قطع. وان كانت السارق ممن ليس له نصيب في الغنيمة وكان من أصحاب الخمس ، كان حكمه فيما يسرقه مثل ما قدمناه ممن له نصيب من الغنيمة في انه ان كان ما سرقه أكثر من سهمه بمقدار نصاب ، يجب فيه القطع وان كان أقل من ذلك لم يقطع. وان سرق واحد من هؤلاء ما يكون مقداره مقدار ما يصيب من الغنائم ، أو سهمه من الخمس ان لم يكن من أصحاب الغنيمة لم يكن عليه قطع. وان كان السارق من غير الغانمين وغير أصحاب الخمس ، فسرق (3) وأحد من الغانمين من الأربعة الأخماس ، وليس هو من أصحاب الخمس ، كان عليه القطع على كل حال.
ص: 542
قد سلف قولنا : بان الحامل والنفساء والمستحاضة ، لا يقام عليهن حد وهن (1) كذلك. وذكرنا أيضا انه لا يقام الحد على من وجب عليه في الحر الشديد ، ولا في البرد الشديد ، وكيف يقام عليهن. وكذلك ما يتعلق بالمريض. فلا وجه لا عادته.
فان دخل إنسان حماما فسرق ثيابه ، فان كان دفعها الى الحمامي وامره بحفظها ، كان الحمامي مودعا ، فان راعاها مراعاة جيدة بان لم يترك النظر إليها احتياطا في حفظها ، فسرقت بحيث لا يعلم ، لم يكن عليه شي ء ، وكان على السارق ضمانها والقطع فان توانى الحمامي في مراعاتها ، أو نام في حفظها ، أو اشتغل بالحديث أو غيره ، أو أعرض عنها ، أو وضع الثياب خلفه فسرقت ، كان على الحمامي ضمانها لأنه مفرط في حفظها ، وكان على السارق غرمها ولم يكن عليه قطع ، لأنه لم يسرقها من حرز.
فان دخل الحمام وجعل ثيابه على حصير أو علقها على وتد بحسب ما جرت العادة به ، ولم يدفعها إلى الحمامي ولا استحفظه إياها ، فليس الحمامي مودعا لذلك وهذه الثياب في غير حرز ، فان سرقت ، لم يجب على سارقها قطع لأنه سرقها من غير حرز كما قدمناه ، ولان المكان مأذون في الدخول اليه واستطراقه ، فما جعل فيه كان في غير حرز.
وإذا شرب الذمي الخمر من غير ان يتظاهر بذلك بين المسلمين ، فقد ذكرنا انه لأحد عليه. وإذا كان الذمي مجوسيا فنكح امه غير متظاهر بذلك ، لم يكن عليه حد ، لأنه بذل الجزية على مقامه على دينه واعتقاده ، فاذا كان هذا النكاح مما يقتضيه دينه ، لم يجز الاعتراض عليه فيه.
وإذا سرق من نماء الوقف وهو من اهله ، لم يقطع ، لان له فيه حقا ، كما لو سرق من بيت المال.
ص: 543
وإذا سرق وله يمين كاملة ، أو ناقصة وقد ذهب أصابعها إلا واحدة ، قطعت هذه اليمين. فان لم يكن فيه إصبع فإنما يكفى (1) الكف وحدها أو بعض الكف ، لم يقطع ، لان القطع لا يتعلق عندنا إلا بالأصابع ، فمن لم يكن له أصابع ، لم يجب عليه قطع غيرها الا بدليل.
فان كانت شلاء ، فذكر أهل الخبرة بالطب : انها ان قطعت بقيت أفواه العروق مفتحة ، كانت كالمعدومة. فان ذكروا : انها تندمل ، قطعت الشلاء.
فان سرق ويمينه كاملة ، ثم ذهبت قبل ان يقطع بالسرقة لمرض أو آكلة أو آفة ، سقط عنه القطع.
وإذا سرق وليس له يمين ، قطعت رجله اليسرى. وذكر انه قطع يساره ، والأول أظهر.
وإذا سرق من غير حرز ، لم يقطع في شي ء من ذلك.
وإذا سرق العبد من مال سيده ، لم يقطع.
وإذا سرق أحد الزوجين من مال الأخر من غير حرز ، لم يقطع.
وإذا سرق من مال ابنه ابنته وأولادهما وان نزلوا ، لم يقطع.
وإذا سرق من بيت المال أو الغنيمة مقدار ما له فيه من العطاء والاستحقاق ، لم يقطع.
وليس في الكلب والخنزير قطع لأنهما حرام ، وكذلك ثمنهما.
وإذا ترك الجمال ، الجمال والأحمال في مكان ومضى لحاجة ، كان كل ما معها من متاع وغيره في غير حرز ، لا قطع في شي ء من ذلك.
وإذا أقر بالسرقة مختارا ورجع عن ذلك ، سقط عنه القطع ، وكان عليه رد السرقة.
وإذا تاب من السرقة قبل قيام البينة عليه بذلك ، ثم قامت عليه بعد ذلك ،
ص: 544
لم يجب عليه قطع ، وكان عليه رد السرقة.
وإذا سرق مأكولا في عام مجاعة ، لم يكن عليه قطع.
وإذا سرق شيئا من جيب إنسان أو كمه وكانا ظاهرين ، لم يكن عليه قطع وكان عليه التأديب ، فان كانا باطنين ، كان عليه القطع.
وإذا سرق شيئا من الفواكه وهي في الشجرة ، لم يكن عليه قطع ، وكان عليه التأديب.
وما زاد على ذلك فقد تقدم ذكره ، فلا وجه لا عادته.
* * *
إذا وجب على إنسان قطع يده في السرقة ، قطعت يده اليمنى من أصول الأصابع فإن سرق ثانيا ، قطعت رجله اليسرى من أصل الساق عند معقد الشراك (1) من ظهر القدم ، وترك له ما يعتمد عليه. فان سرق ثالثا ، خلد الحبس. فان سرق رابعا ، قتل
فاذا قدم لقطع يده ، فينبغي ان يجلس ، لا يقطع وهو قائم. ويضبط ضبطا جيدا ، لئلا يضطرب ويتحرك فيجني على نفسه. وتشد يده بحبل ، ويمد حتى يبين المفاصل من أصابعه ، ويوضع يده على لوح أو غيره مما يسهل ويعجل قطعه. ويوضع على المفصل سكين حاد ، ويدق من فوقها دقة واحدة ، حتى ينقطع ذلك باعجل ما يمكن ، ان أمكن ذلك ، أو يوضع على ذلك شي ء حاد ويمد عليه مدة واحدة. ولا يكرر القطع فيعذب المقطوع بذلك. لان الغرض اقامة الحد عليه من غير تعذيب له. فان علم القاطع ما هو اعجل من ذلك في القطع قطع به.
وإذا قطعت اليد حسمت ، والحسم أن يغلي الزيت ، فاذا قطعت جعل موضع القطع في الزيت المغلي حتى يسد أفواه العروق وينحسم خروج الدم منها. فان
ص: 545
لم يفعل الامام ذلك ، لم يكن عليه شي ء ، لأن الذي عليه اقامة الحد ، ليس عليه مداواة المحدود. فان شاء المقطوع مداواة نفسه ، كان له ذلك. وإذا حسمت اليد ، علقت في عنقه ساعة ، لأن ذلك أزجر وأردع (1) ، ولان ذلك من السنة لأنه مروي ان النبي صلى اللّه عليه وآله فعله (2).
* * *
إذا كان الإنسان بالغا كامل العقل ، رجلا كان أو امرأة ، حرا كان أو عبدا ، مسلما كان أو كافرا ، وافترى على غيره من الأحرار البالغين المسلمين. بان قذفه بالزنا أو باللواط أو بأنه منكوح أو بما جرى مجرى ذلك ، أو ما هو في معناه ، بأي لغة كانت ، وكان عارفا بموضع اللغة وفائدتها ، وجب عليه حد القاذف وهو ثمانون جلدة ، حرا كان أو عبدا.
فان قال له شيئا مما ذكرناه ، وهو غير عالم بفائدة تلك اللغة ولا موضع لفظها لم يجب عليه حد ولا غيره. ويجب ان يراعى في المقذوف شرائط ، إذا تكاملت فيه وجب حد القاذف له ، وإذا اختل جميعها أو بعضها لم يجب حده ، وهي : ان يكون بالغا عاقلا ، حرا ، مسلما ، عفيفا عن الزنا.
وإذا افترى على امرأة ، فقذفها بأنها زانية ، أو قد زنت ، وجب الحد عليه ، كما يجب عليه ذلك إذا قذف الرجل بشي ء من ذلك ، سواء. وإذا قال شيئا من ذلك وهو غير بالغ ، لم يكن عليه حد ، وكان عليه التأديب ، وكذلك ان قاله لمن هو غير بالغ.
فان قال ذلك لعبد أو امة ، أو كافر أو كافرة ، وجب عليه التعزير ، ولم يجب
ص: 546
عليه حد لئلا يؤذى المماليك وأهل الذمة.
وإذا قال لغيره : يا بن الزاني ، أو يا بن الزانية ، أو قد زنت بك أمك ، أو ولدت من الزنا ، وجب عليه الحد. وكانت المطالبة بذلك إلى أولياء المقول له ذلك. فان عفت عنه كان جائزا.
فإن كانت ميتة ولم يكن لها ولد الا المقذوف ، كان له المطالبة بذلك أو العفو عنه. فان كان لها من الأولياء أكثر من واحد وعفى بعضهم دون بعض ، كان لمن ( لم ) يعف (1) عنهم المطالبة بإقامة الحد عليه على كماله. وان قال لغيره : يا بن الزاني ، أو زنا بك أبوك أو لاط ، وجب عليه الحد لأبيه. ويجرى الحكم في العفو هاهنا أو المطالبة بذلك ، ان كان الأب حيا أو ميتا ، مجرى ما تقدم ذكره في الأم سواء
ومن عفى عن الحد من الأولياء ، مع كون من قذف حيا ، لم يجز عفوه ، وانما يجوز له ذلك إذا كان ميتا ، ومن عفى عن شي ء من الحدود ، لم يجز له ان يطالبه ما عفى عنه بعد ذلك ، ولا الرجوع فيه.
وإذا قال له : يا بن الزانيين ، أو زنا بك أبواك ، أو أبواك زانيان ، كان عليه حدان ، أحدهما للأب والأخر للام. فان كان الأبوان حيين ، كان لهما المطالبة بذلك أو العفو عنه. وان كانا ميتين ، كان ذلك لأوليائهما ، كما قدمناه.
وحكم العم والعمة ، والخال والخالة ، وغيرهم من ذوي الأرحام ، حكم الأخ والأخت في أن الولي ، الأولى بهم ، يقوم بمطالبتهم الحد ، وله العفو عنه أيضا عن ذلك على ما تقدم بيانه.
وإذا قال : ابنتك زانية ، أو قد زنت ، أو ابنك زان أو لاط ، وجب الحد عليه وللمقذوف المطالبة بذلك أو العفو عنه ، سواء كان الابن والبنت حيين أو ميتين ، فان سبقه الابن أو البنت الى العفو ، كان ذلك ماضيا.
وإذا قال لغيره : يا زاني ، وأقيم عليه الحد. ثم قال ذلك ثانيا ، كان عليه
ص: 547
الحد أيضا ثانيا. فان قال له ذلك ثالثا ، كان عليه أيضا الحد ثالثا. فان قال له :الذي قلته لك كان صحيحا ، كان عليه التعزير ولم يجب عليه حد. وإذا قال له دفعات كثيرة ، واحدة بعد اخرى : يا زاني ، ولم يقم عليه في شي ء منها حد ، لم يكن عليه غير حد واحد وإذا أقيم على إنسان حد ثلاث مرات ، وجب عليه القتل في الرابعة.
وإذا قال لجماعة من الرجال أو النساء ، أو الرجال والنساء : يا زناة ، أو قد زنيتم ، أو زنوا - وجاؤا به مجتمعين - ، وجب لهم عليه حد واحد ، وان جاؤا به مفترقين ، كان عليه لكل واحد منهم حد واحد.
وإذا قال لغيره : قد زنيت بفلانة. وكانت المرأة ممن يجب الحد لها ، كان عليه حدان ، حد للرجل وحد للمرأة. وإذا قال له قد لطت بفلان ، كان عليه من الحد أيضا مثل ذلك.
فان كان الرجل أو المرأة غير بالغة ، أو كانا (1) بالغين ولم يكونا حرين ، أو لم يكونا مسلمين ، كان عليه الحد لقذفه إياه (2) ، والتعزير لأنه نسبه الى المذكورين.
وإذا قال لرجل : يا زوج الزانية ، أو زنت زوجتك ، وجب الحد للزوجة ، وكان لها المطالبة بذلك أو العفو ان كانت حية. فإن كانت ميتة ، كان ذلك لأوليائها وليس للزوج شي ء في الحد.
وإذا قال لمملوك أو كافر : يا بن الزانية ، أو يا بن الزاني ، وكان أبواه حرين مسلمين ، كان عليه الحد ، لان الحد لمن يواجهه بالقذف. فكان له الحد كاملا. وإذا قال لمسلم : يا بن الزانية ، أو أمك زانية ، وكانت الأم كافرة أو مملوكة ، كان عليه الحد لحرمة ولدها الحر المسلم.
وإذا تقاذف بعض أهل الذمة بعضا ، كان عليهم التعزير ولا حد عليهم. وكذلك الحكم في العبيد والصبيان.
ص: 548
وإذا قال لابن الملاعنة : يا بن الزانية ، أو قد زنت بك أمك ، كان عليه الحد لأمه.
إذا كانت أم ولد الزنا قد أقيم عليها (1) وقال له إنسان : زنت بك أمك ، أو قال له : يا بن الزانية ، كان عليه التعزير ، ولم يجب عليه حد. وإذا قال له ذلك وكانت قد تابت وأظهرت التوبة ، وجب الحد عليه.
وإذا قذف محصنا أو محصنة ، لم تقبل شهادته بعد ذلك ، الا ان يتوب أو يرجع ، وليس يصح توبته من ذلك الا بان يكذب نفسه في ملاء من الناس في المكان الذي قذف فيه.
ويثبت الحد بالقذف بشهادة شاهدين عدلين ، أو إقرار القاذف على نفسه بذلك مرتين.
وإذا ثبت ذلك ، أقيم الحد عليه. ولا يكون الحد في القذف مثل الجلد في الزنا في القوة والشدة ، بل يكون دون ذلك ، ويجلد القاذف فوق الثياب ولا ينزع عنه
ولا يجوز للإمام عليه السلام العفو عن القاذف ، لان ذلك الى المقذوف دون غيره من سائر الناس ، ولا فرق في ذلك بين ان يكون الحد يثبت على القاذف ببينة أو إقرار ، أو تاب أو لم يتب. فان العفو في جميع ذلك الى المقذوف كما ذكرناه فيما سلف. وإذا قذف إنسان مكاتبا ضرب بحساب ما عتق منه حد الحر ، ويعزر بما يبقى فيه من الرق.
وإذا قال لامرأة (2) : يا زانية ، أنا زنيت بك ، وجب عليه حد القاذف لقذفه ولم يجب عليه شي ء فيما ذكرناه عن نفسه من الزنا الا ان يقرا ربع مرات ، فيجب حينئذ عليه حد الزنا.
وإذا قال لولده : قد زنيت ، أو يا زانى ، لم يجب عليه حد. فان قال له :
ص: 549
يا بن الزانية ولم ينتف منه ، كان عليه الحد لزوجته - أم المقذوف - ان كانت حية وان كانت ميتة وكان وليها ولده لم يكن له المطالبة بالحد. فان كان لها أولاد من غيره أو قرابة ، كان المطالبة بالحد. فان انتفى من ولده ، كان عليه ان يلاعن امه ، وقد سلف ذكر كيفية اللعان.
فان انتفى منه بعد إقراره به ، كان عليه الحد. وان كان قذفها بعد اللعان كان عليه الحد أيضا.
وإذا تقاذف اثنان بما يجب الحد فيه ، لم يجب على واحد منهما حد لصاحبه وكان عليهما التعزير.
وإذا قال لغيره : يا كشحان ، أو يا قرنان (1) أو يا ديوث ، وكان متكلما باللغة التي يفيد فيها بهذا اللفظ ، رميه بأخت أو زوجة ، وكان عالما بفائدة اللفظة عارفا بها كان عليه الحد فان لم يكن عارفا بفائدة اللفظ ، لم يكن عليه حد القذف ، وينظر في عادته واستعماله هذه اللفظة ، فإن كان قبيحا غير انه لا يفيد القذف ، أدب وعزر ، فإن أفاد غير ذلك في عادته ، لم يجب عليه شي ء.
وإذا قال لغيره : يا فاسق ، أو يا خائن ، أو يا شارب الخمر ، وهو على ظاهر العدالة ، لم يجب عليه حد قاذف وكان عليه التأديب.
وإذا قال : حملت بك أمك في حيضها ، أو أنت ولد حرام ، كان عليه التعزير ولم يجب عليه حد القذف.
وإذا قال للمسلم : أنت وضيع ، أو رفيع (2) ، أو مسخ ، أو خسيس ، أو خنزير أو ما أشبه ذلك ، كان عليه التعزير. فان كان المقول له كافرا يستحق الاستخفاف
ص: 550
والإهانة ، لم يجب عليه شي ء.
وإذا قال لغيره : يا كافر وهو على ظاهر الإسلام ، ضرب ضربا وجيعا. فان كان المقول له يجحد فريضة عامة معلومة في شرع الإسلام ، لم يجب عليه شي ء.
وإذا وجه غيره بكلام محتمل للسب وغيره ، أدب وعزر حتى لا يعرض بأهل الايمان. وإذا عيره بشي ء من بلاء اللّه تعالى مثل البرص والجذام والعمى والجنون وما أشبه ذلك ، أو أظهر عنه ما هو مستور من بلاء اللّه تعالى ، كان عليه التأديب ، الا ان يكون المعير به ضالا كافرا.
وكل لفظ يؤذى به الإنسان غيره من المسلمين ، فإنه يجب على المتكلم به التعزير.
وإذا نبز (1) إنسان مسلما أو اغتابه ويثبت عليه بينة بذلك وجب عليه التأديب.
وإذا قال لزوجته بعد دخوله بها : لم أجدك عذراء ، كان عليه التعزير.
وإذا سب إنسان النبي صلى اللّه عليه وآله أو أحدا من الأئمة عليهم السلام كان عليه القتل وحل لمن سمعه قتله ان لم يخف على نفسه أو على غيره ، فان خاف على شي ء من ذلك ، أو خاف ضررا يدخل على بعض المؤمنين في الحال أو في المستقبل ، فلا يتعرض لقتله ، ويتركه.
وإذا هجا إنسان مسلما وجب عليه التأديب. فأن هجا أهل الضلال لم يلزمه شي ء وإذا ادعى رجل انه نبي ، كان عليه القتل وحل دمه.
وإذا قال إنسان : لا أدرى النبي صادق أم كاذب ، وانا شاك في ذلك ، وجب قتله الا ان يقربه (2).
وإذا أفطر المسلم في شهر رمضان متعمدا من غير عذر يبيحه ذلك ، كان عليه التعزير والعقوبة الموجعة. وان أفطر ثلاثة أيام ، سئل : هل عليك في ذلك
ص: 551
شي ء (1) أم لا؟ فان قال : لا ، كان عليه القتل ، وان قال : نعم ، كان عليه من العقوبة ما يردعه عن مثل ذلك. فان لم يرتدع ، كان عليه القتل.
وإذا قامت البينة على إنسان من المسلمين بالسحر كان عليه القتل. وان كان كافرا وجب تأديبه وعقوبته.
وإذا أخطأ مملوك أو صبي أدب بخمس ضربات الى ست ، ولا يزاد على ذلك.
وإذا ضرب إنسان عبده بما هو حد ، كان عليه عتقه كفارة لذلك.
وإذا كان المرتد مولودا على فطرة الإسلام وجب قتله من غير استتابة ، فإن تاب لم يكن لأحد عليه سبيل ، وان لم يتب قتل على كل حال. والمرتدة عن الإسلام لا يجب عليها قتل بل تستاب ، فان لم تتب تحبس ابدا وتضرب في أوقات الصلاة ويضيق عليها في المطعم والمشرب.
وإذا وطأ الرجل زوجته في حيضها وجب ضربه خمسة وعشرون سوطا. فإن وطأها في شهر رمضان متعمدا كان عليه خمسة وعشرون سوطا ، فان كانت المرأة قد طاوعته في ذلك ، كان عليها مثل ذلك ، فإن أكرهها كان عليه خمسون سوطا. واما الكفارة التي تلزمها ، فقد تقدم ذكرها.
وشاهدا الزور يجب ان يؤدبا في قومهما أو في قبيلتهما ، ويغرما ما أتلفاه بشهادتهما ان كانا أتلفا شيئا بذلك.
* * *
ص: 552
« والخناق ، والنباش ، والمختلس ، والمحتال ، والمبنج (1) »
من كان من أهل الريبة وجرد سلاحا في بر أو بحر ، أو في بلد أو في غير بلد في ديار الإسلام أو في ديار الشرك ، ليلا أو نهارا كان محاربا ، فان قتل ولم يأخذ مالا كان عليه القتل ، ولا يجوز لأولياء المقتول ، العفو عنه على حال ، فان عفوا عنه كان على الامام قتله. فان قتل وأخذ مالا كان عليه رد المال أولا ، ثم يقطع بالسرقة ، ثم يقتل بعد ذلك ويصلب. فإن أخذ المال ولم يقتل أحدا ولا جرحه كان عليه القطع ثم النفي من البلد الذي هو فيه. وان جرح ولم يأخذ مالا ولا قتل أحدا كان عليه القصاص والنفي بعد ذلك من البلد الذي فعل فيه ذلك الى غيره. وان لم يجرح ولا أخذ مالا كان عليه النفي كما قدمناه ، ويكتب الى البلد الذي ينفى إليه : بأنه منفي محارب فلا يجالس ولا يبابع ولا يؤاكل ولا يشارب ، فان انتقل الى بلد آخر غير البلد الذي نفى اليه ، كوتب إليه أيضا بذلك ، ولا يزال يفعل به ما ذكرناه الى ان يتوب ، فان قصد بلاد الشرك منع من الدخول إليها ، فإن مكنوه من ذلك قوتلوا عليه.
واللص محارب : فان دخل على إنسان ، كان له ان يدافعه عن نفسه ويقاتله ، فإن أدى ذلك الى قتله ، لم يكن عليه شي ء وكان دمه هدرا.
وإذا قطع الطريق جماعة وأقروا بذلك كان حكمهم ما قدمناه. فان لم يقروا وقامت البينة عليهم بذلك كان حكمهم كما تقدم أيضا.
وإذا شهد شاهدان على ان هؤلاء قطعوا الطريق علينا وعلى القافلة وأخذوا متاعا لم يلتفت الى هذه الشهادة ولم يقبل في حق أنفسهما ، لأنهما شهدا لأنفسهما - ولم يقبل شهادة الإنسان لنفسه - ولا يقبل شهادتهما للقافلة أيضا لأنهما قد أبانا عن العداوة ، وشهادة العدو غير مقبولة على عدوه.
وإذا شهد بعض اللصوص على بعض ، لم يقبل شهادتهم ، وكذلك ان شهد
ص: 553
الذين أخذت أموالهم بعض منهم لبعض ، لم تقبل شهادتهم ، وشهادة غيرهم مقبولة في ذلك
واما الخناق : فان عليه القتل بعد ان يسترجع منه ما أخذه ويرد على صاحبه فان لم يوجد ذلك الشي ء بعينه غرم قيمته أو أرش ما عيناه (1) نقص من ثمنه ، الا ان يعفو عنه صاحبه.
واما النباش ، فإنه إذا نبش القبر وأخذ كفن الميت ، كان عليه القطع كما يكون على السارق سواء. فان نبش القبر ولم يأخذ منه شيئا أدب وغلظت عقوبته ولم يكن عليه قطع على حال. فان تكرر الفعل منه ولم يؤدبه الامام ، كان له قتله ليرتدع غيره في المستقبل عن مثل ذلك.
واما المختلس ، (2) فهو الذي يستلب الشي ء من الطرق والشوارع ظاهرا. فاذا فعل شيئا من ذلك ، وجب ان يعاقب عقوبة يرتدعه عن مثل ما فعله ، وذلك يكون بحسب ما يراه الإمام أصلح وأردع ، ولا يجب عليه قطع في ذلك على وجه من الوجوه
واما المحتال ، فهو الذي يتحيل على أخذ أموال الناس بالخديعة والمكر ، وشهادات الزور ، وتزوير الكتب في الرسائل الكاذبة ، وما جرى مجرى ذلك. فاذا فعل شيئا من ذلك ، كان عليه التأديب ، وينبغي للإمام ان يعاقبه عقوبة تردعه عن فعل مثل ذلك في المستقبل ، ويغرم ما أخذه على كماله.
واما المبنج : فإنه متى بنج غيره بشي ء سقاه أو أطعمه حتى سكر منه وأخذ ماله وجب ان يعاقبه الامام بحسب ما يراه ، ويسترجع منه ما أخذه. فان جنى الإسكار والبنج على ذلك الإنسان جناية ، كان عليه ضمان ما جناه.
« تم كتاب القصاص والحدود »
* * *
ص: 554
قال اللّه تعالى « وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ ، فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ » (1).
وقال تعالى « وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ » الاية (2).
وتوعد على كتمانها ، فقال « وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ » (3) فلو لم تكن حجة لما توعد على كتمانها.
وقال « وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ ، فَاجْلِدُوهُمْ » الاية (4)
وقال تعالى « إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ) - الى قوله - ( وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ) » (5)
وعن النبي صلى اللّه عليه وآله ، انه قال : « من سئل عن علم يعلمه فكتمه ، ألجمه اللّه يوم القيامة بلجام من النار » (6).
وروى عن على عليه السلام ، عن النبي صلى اللّه عليه وآله ، انه قال : « ان ملك الموت إذا نزل بقبض روح الفاجر نزل معه بسفود من نار ، فقلت : يا رسول اللّه فهل يصيب ذلك
ص: 555
أحدا من أمتك؟ قال. نعم حاكما جائرا ، وأكل مال اليتيم ، وشاهد الزور » (1).
وعن على عليه السلام ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : « يبعث شاهد الزور يوم القيامة يولغ (2) لسانه في النار كما يولغ الكلب لسانه في الإناء » (3).
وقال صلى اللّه عليه وآله : « يقوم القيامة على قوم يشهدون من غير ان يستشهدوا » (4).
فالعدالة معتبرة في صحة الشهادة على المسلم ، وتثبت في الإنسان بشروط وهي البلوغ ، وكمال العقل ، والحصول على ظاهر الايمان ، والستر والعفاف ، واجتناب القبائح ، ونفى الظنة والحسد والتهمة والعداوة. ولا فرق في صحة من كان على هذه الشرائط ووجوب قبولها ، بين ان يكون الشاهد لها رجلا أو امرأة ، قريبا أو أجنبيا ، حرا أو عبدا.
وهي على ثلاثة أضرب ، شهادة الرجال ، وشهادة النساء ، وشهادة الصبيان.
فاما شهادة الرجال ، فضربان ، صحيحة وغير صحيحة فالصحيحة ، هي شهادة من جمع الشروط التي ذكرناها. وشهادة القاذف بعد توبته والمعرفة بذلك منه. وشهادة الشريك لشريكه فيما ليس هو شريكا فيه. وشهادة الأجير على مستأجره ، سواء كان مقيما معه أو كان قد فارقه. وشهادته له بعد مفارقته. وشهادة الوصي لمن هو وصى له ، وشهادته عليه ، إذا كان معه غيره من أهل العدالة ، و (5) استحلف المشهود له. وشهادة الأعمى إذا كان يثبت الشهادة ، وكانت مما لا تفتقر فيه الى الرؤية ، أو كان شهد بذلك قبل العمى. وشهادة الأصم ، ويؤخذ بأول قوله ولا يؤخذ بثانيه. وشهادة ذوي العاهات
ص: 556
والآفات. والشهادة التي يؤديها في حال عدالته من كان قد شهد بها وهو في حال فسقه وشهادة لاعب الحمام. وشهادة المراهن في الخف والحافر ، والريش. وشهادة الوالد لولده ، وشهادته عليه مع غيره من أهل العدالة. وشهادة الولد لوالده. وشهادة الأخ لأخيه وعليه مع غيره من أهل العدالة. وشهادة الزوج لزوجته وعليها مع غيره من أهل العدالة. وشهادة العبيد لساداتهم لا عليهم ، ولغير ساداتهم وعليهم. وشهادة المكاتبين والمدبرين على غير ساداتهم ولهم. وشهادتهم لساداتهم بمقدار ما عتق منهم.
ومن كان له عبدان ، وأشهدهما على نفسه بالإقرار بوارث ، وردت شهادتهما لأجل الميراث ، وجازه (1) غير المقر له ، وأعتقهما ، وشهدا للمقر له ، كان شهادتهما مقبولة ، ويرجع الميراث الى من شهدا له بالإقرار ويعودان رقا له. فان شهدا بان مولاهما كان أعتقهما في الحال التي كان أشهدهما على نفسه بالإقرار ، قبلت هذه الشهادة أيضا ، ولم يسترقهما الذي شهدا له ، لأنهما قد أحييا حقه بشهادتهما له.
واما الشهادة التي هي غير صحيحة ، فشهادة من خالف الإسلام من الكفار - على اختلافهم - على أحد من المسلمين في حال الاختيار ، فان كانت حال ضرورة ، قبلت شهادتهم في الوصية دون غيرها على ما قدمناه. ولا يجوز شهادة أهل الملل المختلفة بعضها على بعض ، بل يقبل شهادة أهل الملة الواحدة بعضهم على بعض الا المسلمون فان شهادتهم مقبولة على الجميع.
وقد ذكر : ان شهادة الكافر على مثله وعلى غيره غير مقبولة ، وهو الأقوى ، لأن العدالة معتبرة في الشهادة ، والكافر غير عدل. ولا يجوز قبول شهادة مبطل على محق وان كان على ظاهر الإسلام. وكذلك شهادة ولد الزنا. ولا يجوز شهادة الفساق ومرتكبي القبائح من شرب الخمر والزنا واللواط واللعب بالشطرنج أو النرد أو ما يجرى مجرى ذلك من آلات القمار ، والارتشاء في الأحكام وغير ذلك من جميع القبائح
ص: 557
وضروب الفسق على اختلافه ، الا على أنفسهم دون غيرهم. ولا يجوز قبول شهادة الظنين والمتهم ، والخصم ، والأجير لمستأجره مع مقامه معه في الاستئجار ، ولا شهادة المجان (1) ولا شهادة من أخذ الأجر على الأذان ولا شهادة من أخذه على الصلاة. ولا شهادة السائلين في الأسواق ولا على أبواب الدور. ولا شهادة الشريك لشريكه فيما هو شريك فيه. ولا شهادة اللصوص ، الا ان يقروا على أنفسهم بشي ء ، ولا يقبل شهادة من يشهد بها قبل ان يسأل عنها. ولا شهادة الولد على الوالد ، ولا العبد على سيده ، الا ان يكون ذلك بعد عتقه. فاذا شهد شهود على إنسان بأنه قال : اشهدوا على بان ملكي أو داري أو ما جرى مجرى ذلك لفلان ، ولم يذكر صدقة ولا هبة ولا غيرها ، كانت هذه الشهادة باطلة ، وقوله غير صحيح لأنه يتناقض من حيث ان ملكه لا يكون ملكا لغيره ، وينبغي ان يستفسر عن ذلك ، فان كان (2) ملكي ، كان إقرارا ، وان ذكر هبة ، اعتبرت شرطها.
ولا يجوز شهادة واحد في الهلال ، ولا الطلاق ، ولا الحدود ، وما أشبه ذلك
واما شهادة النساء ، فعلى ثلاثة أضرب ، أولها : لا يجوز قبولها على حال ، وثانيها : يجوز ذلك فيها إذا كان معهن غيرهن من الرجال ، وثالثها : يجوز ذلك أيضا فيها. ولا يجوز ان يكون معهن أحد من الرجال.
فاما الأول ، فرؤية الهلال ، والطلاق ، والحدود الا الزنا ، وقد تقدم ذكره.
واما الثاني ، فرجم المحصن ، بان يشهد ثلاثة رجال وامرأتان ، فيقبل شهادتهم ويرجم المشهود عليه بذلك. وان شهد رجلان واربع نسوة ، أو رجل وست نساء بالزنا لم يقبل شهادتهم ، وحدوا حد الفرية. ويقبل شهادتهن في القتل والقصاص ، ولا يقاد بها ولا يقتص ، وانما يجب الدية وحدها بان شهد رجل وامرأتان على إنسان بالقتل أو الجراح وتقبل شهادتهن في الديون مع الرجال وعلى الانفراد بان يشهد رجل وامرأتان على
ص: 558
إنسان بدين لرجل فتقبل شهادتهم ، وان شهدت امرأتان قبلت شهادتهما ، وكانت كشهادة رجل واحد يجب معها اليمين على المشهود له.
واما الثالث ، فهو الذي يجوز قبول شهادتهن فيه ولا يجوز ان يكون معهن أحد من الرجال ، فهو جميع مالا يجوز للرجال النظر اليه ، مثل العذرة ، والأمور الباطنة في النساء. وشهادة القابلة وحدها في استهلال الصبي في ربع ميراثه. وشهادة امرأة واحدة في ربع الوصية ، وشهادة امرأتين في نصف ميراث المستهل ونصف الوصية ، وعلى هذا الحساب. وذلك لا يجوز التعويل عليه والحكم به الا مع عدم الرجال. وشهادة الزوجة على زوجها فيما يجوز قبول شهادتها فيه إذا كان معها غيرها من أهل العدالة.
فاما شهادة الصبيان ، فهي ضربان جائز وغير جائز فالجائز : شهادة كل صبي بلغ عشر سنين الى ان يبلغ ، في الشجاج والقصاص ، ويؤخذ بأول كلامهم في ذلك ولا يؤخذ بأخرة ، ويفرق بينهم في الشهادة ، فإن اختلفوا لم يحكم بشي ء من أقوالهم.
ومن شهد منهم في حال الصبا وبلغ ثم ادى شهادته تلك ، بعد البلوغ وكان على ظاهر العدالة قبلت شهادته.
واما التي ليست بجائزة : فهي شهادتهم في كل ما عدا ما ذكرناه ، فإنه لا يجوز قبولها في شي ء منه على حال.
* * *
قال اللّه تعالى « وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا » (1).
وعن الصادق عليه السلام في قوله تعالى « وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا » قال : حين
ص: 559
يدعوا قبل الكتاب (1) لا ينبغي لأحد إذا دعي إلى شهادة أن يقول : لا اشهد لكم » (2).
لا يجوز لأحد الامتناع من الشهادة إذ ادعى إليها ، إذا كان من أهل الشهادة والعدالة ، الا ان يكون في حضوره لذلك وشهادته ضرر لشي ء يتعلق بالدين ، أو فيه مضرة لأحد المؤمنين.
ومن حضر الشهادة على إنسان فليس يجوز ان يشهد الأعلى من هو عارف به ، ويجوز ان يشهد على من لا يعرفه بتعريف رجلين من المسلمين الثقات. وإذا أقام هذا هذه الشهادة ، فلا يقيمها الا كما شهد بها.
وإذا شهد على أمرية وهو عارف بعينها ، جاز له الشهادة عليها. فان لم يروجهها فان شك فيها لم يجز ان يشهد عليها حتى تسفر عن وجهها ويعرفها بعينها.
وإذا أراد ان يشهد على أخرس (3) لم يجز له ذلك الا بعد ان يعرف من إشارته الإقرار بما يريد الاشهاد به. وإذا أراد الشهادة عليه لم يقمها إلا بأنه عرف من إشارته ، الإقرار بما شهد عليه به ، ولا يجوز ان يقيمها بمجرد الإقرار ، لأنه ان فعل ذلك كان كاذبا.
* * *
وإذا أراد الشهادة على شهادة ، فينبغي ان يشهد رجلين على رجل واحد ، لان الرجلين في الشهادة على الشهادة يقومان مقام شاهد واحد. فان شهد واحد لم يقم مقام الواحد الذي يريد الشهادة على شهادته ، ولا يكون لذلك تأثير.
ولا يجوز الشهادة على شهادة الا في العقود والديون والاملاك. فاما الحدود فلا يجوز ذلك فيها.
ص: 560
ولا يجوز شهادة على شهادة في شي ء من الأشياء على حال.
وإذا شهد إنسان على شهادة أخر ، وأنكر الشهادة الشاهد الأول ، قبلت شهادة أعدلهما ، فإن تساووا في العدالة طرحت شهادة الثاني. ويجوز الشهادة على شهادة وان كان الشاهد الأول حاضرا غير غائب ، إذا منعه مانع من إقامته الشهادة من مرض أو غيره.
ويجوز شهادة الإنسان على مبيع لم يعرفه ولا يعرف حدوده ولا مكانه إذا عرف بايعه ومشتريه وإذا رأى إنسان في يد غيره شيئا وهو متصرف فيه تصرف الملاك جاز ان يشهد بأنه ملكه ، كما يجوز ان يشتريه على انه ملكه.
وروى انه يكره للمؤمن ان يشهد لمخالف له في الاعتقاد ، لئلا يلزمه إقامتها وربما ردت شهادته فيكون ممن قد أذل نفسه ، فمن عمل بذلك كان جائزا.
وإذا أراد إقامة شهادة ، لم يجز له إقامتها الأعلى ما يعلم ، ولا يعتمد على خطه ان (1) لم يكن ذاكرا للشهادة ، فان لم يذكرها وشهد معه أخر ، جاز ان يقيمها ، والأحوط الأول. وإذا علم شيئا ولم يكن قد اشهد عليه ثم دعي إلى الشهادة بذلك ، كان مخيرا بين ان يقيمها وبين ان لا يقيمها ، فان علم انه متى لم يقمها بطل حق مؤمن وجب عليه إقامتها.
ولا يجوز لإنسان ان يشهد قبل ان يسأل عن الشهادة ، كما لا يجوز له كتمانها وقد دعي إلى إقامتها ، الا ان يكون في شهادته إبطال حق قد علمه فيما بينه وبين اللّه تعالى ، أو يكون مؤدية الى ضرر على المشهود عليه لا يستحقه ، فإنه لا يجوز له ان يقيم الشهادة التي دعي إلى إقامتها.
والشهادة من فروض الكفايات إذا كان هناك خلق قد عرفوا الحق وصاروا به شاهدين. فاذا قام به اثنان سقط الفرض عن الباقين. وقد يتعين الفرض فيه ، وهو إذا لم يتحمل الشهادة إلا اثنان ، أو يتحملها خلق ولم يبق منهم غير اثنين.
* * *
ص: 561
الحكم بالشاهد الواحد مع يمين المدعى صحيح ، والترتيب في ذلك مراعى بان يشهد للمدعي شاهده ثم يحلف. فليس يصح ان يحلف ، ثم يشهد له شاهده بعد ذلك.
فاذا كان ذلك صحيحا ، فالشاهد واليمين انما يحكم بهما فيما يكون ما لا أو ما يكون المقصود به المال. فاما المال فالقرض ، والغصب ، والدين ، وقضاء الدين ، وأداء مال الكتابة. واما المقصود منه المال فعقود المعاوضات اجمع كالبيع ، والسلم ، والصرف ، والإجارة ، والصلح ، والقراض ، والمساقاة ، والهبة ، والوصية ، والجناية الموجبة للمال ، كالخطاء وعمد الخطاء ، وعمد يوجب المال - كما لو قتل ولده ، أو عبد غيره.
واما الوقف فيصح فيه ذلك بشاهد ويمين ، لأنه عندنا ينتفل الى الموقوف عليه. واما اليمين التي هي القسامة فليست تثبت إلا في الدماء خاصة ، وقد بينا ما يتعلق بها في باب الديات فيما سلف.
* * *
قال اللّه تعالى « وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ، حُنَفاءَ لِلّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ » (1) فقرن اللّه تعالى شهادة الزور بالشرك.
وروى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله انه قال : يبعث شاهد الزور يوم القيامة ، يولغ (2) لسانه في النار كما يولغ الكلب لسانه في الإناء (3) وقد تقدم هذا ونحوه.
ص: 562
وعن الصادق عليه السلام قال : شاهد الزور لا تزول قدماه حتى يجب له النار (1).
فليس يجوز لأحد ان يشهد بشهادة زور على أحد من سائر الناس موافقا كان أو مخالفا ، فلا يشهد بما لا يعلمه ، ولا ينكر بما يعلمه مما استشهد فيه. فان علم شيئا ولم يستشهد فيه ، كان مخيرا بين اقامة شهادته وبين ان لا يقيمها ، الا ان يكون في تركه لذلك تضيع حق لبعض المؤمنين أو خوف (2) على أحد منهم ، فإنه لا يجوز له التوقف عن إقامة الشهادة ، وقد تقدم ذكر طرف من ذلك.
فان شهد أربعة رجال على رجل بالزنا وكان محصنا ، فرجم ورجع واحد منهم بعد رجمه عما كان شهد به ، فاما ان يقول : تعمدت ، أو يقول : غلطت أو توهمت قال في رجوعه عن ذلك : تعمدت ، كان عليه القتل ويؤدى الى ورثته ثلاثة أرباع الدية. وان قال : غلطت أو توهمت كان عليه ربع الدية وان رجع بعد رجمه منهم اثنان فاما ان يقولا : بالعمد أو بالغلط والتوهم. فان قالا بالعمد وأراد أولياء المقتول بالرجم ، قتلهما قتلوهما ، وأدوا إلى ورثتهما دية كاملة يتقاسمونها بالسوية ، ويؤدى الشاهدان الآخران الى ورثتهما أيضا نصف الدية يتقاسمونها بالسوية. وان اختار أولياء المقتول قتل واحد منهما ادى (3) الأخر مع الباقي من الشهود إلى ورثة المقتول الثاني ثلاثة أرباع ديته فان قالا بالغلط والتوهم ، كان عليهما نصف الدية. وان رجع الجميع عن شهادتهم ، كان حكمهم حكم الاثنين سواء.
وإذا شهد اثنان على إنسان بطلاق زوجته ، ثم اعتدت وتزوجت ودخل الزوج بها ، ثم رجعا عن شهادتهما بذلك وجب الحد عليهما ، وضمان المهر للزوج الثاني وتعاد المرأة إلى زوجها الأول بعد الاستبراء من الثاني.
وإذا شهد رجلان على رجل بسرقة ، فقطع المشهود عليه ، ثم رجعا عن الشهادة ،
ص: 563
فاما ان يكونا قالا تعمدنا أو غلطنا أو توهمنا ، فان قالا : تعمدنا قطعت يد واحد منهما وادى الأخر نصف دية اليد. وان أراد المقطوع الأول (1) قطعهما ، كان له ذلك ، ويؤدى إليهما دية واحدة يتقاسمانها بينهما بالسوية. وان قالا : غلطنا أو وهمنا ، وجب عليهما دية يد المقطوع الأول. فإن رجع الواحد منهما ، كان عليه نصف دية اليد. وان شهد رجلان على رجل بدين ، ثم رجعا ، كان عليهما مقدار ما شهدا به. فان رجح أحدهما دون الأخر ، كان عليه ما يصيبه ، وهو النصف.
وإذا شهد اثنان على رجل ، ثم رجعا عن ذلك قبل ان يحكم الحاكم فيما شهدا به ، طرحت شهادتهما ولم يلتفت إليها ، ولا يجب عليهما في ذلك شي ء. فإن رجعا عن ذلك بعد ان حكم الحاكم بشهادتهما ، وكان ما شهدا به قائم العين ، وجب رده على صاحبه ، ولم يكن عليهما شي ء وان لم يكن قائم العين ، كان عليهما غرم ذلك
فان شهد اثنان على إنسان بسرقة فقطع ، ثم أحضرا بعد ذلك رجلا غيره وقالا هذا هو السارق ، وانما غلطنا وتوهمنا ، كان عليهما دية اليد ، ولم يقبل شهادتهما على الرجل الذي احضراه.
وعلى الامام تعزيز الشهود بالزور ، ويشهرهم في محالهم ليرتدع غيرهم بذلك
* * *
التغليظ في اليمين يكون بالمكان الذي يستحلف فيه ، وكذلك الزمان ، والعدد واللفظ. فاذا كان كذلك ، فإنها يغلظ في كل بلد في أشرف موضع فيه. فان كان بمكة فبين الركن والمقام ، فان كان عليه يمين ثان لا يحلف الأبين ذلك أو في الحجر فان كان عليه يمين في ان لا يحلف فيه حلف بالقرب من البيت في غير الحجر.
فان كان بمدينة النبي صلى اللّه عليه وآله ، فعلى منبره وان كان ببيت المقدس فعند الصخرة
ص: 564
وان كان بغير هذه المواضع من البلاد ، ففي أشرف بقعة فيه. وأشرف بقاع البلاد :الجوامع والمشاهد.
واما التغليظ بالزمان ، فبعد صلاة الظهر وقبل صلاة العصر.
فاذا صح تغليظها بالمكان والزمان ، وكان الحق مالا أو ما يقصد به المال ، لم يغلظ الا بالقدر الذي يجب الزكاة فيه. فان كان الحق غير مال ولا ما يقصد به المال فإنها تغلظ فيه قليلا أو كثيرا.
واما التغليظ بالعدد ، وفي القسامة يحلف خمسين يمينا ، ويغلظ بالعدد في اللعان. فاما اللفظ فيغلظ بان يقول : « واللّه الذي لا إله الا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية » أو ما جرى مجرى ذلك.
فان كان الحالف رجلا مسلما كانت اليمين في ما ذكرناه. وان كانت امرأة وهي مخدرة استخلف الحاكم من يحكم بينها وبين خصمها في بيتها ، فاذا توجهت اليمين عليها ، حلفها كالبارزة في التغليظ بالمكان ، ان كانت طاهرا استحلفها فيه ، وان كانت حائضا في باب المسجد.
وان لم تكن مخدرة وهي التي تبرز في حوائجها ، فإن كانت طاهرا استحلفها في المكان الشريف كالرجل ، وان كانت حائضا فعلى باب المسجد ، فإنه لا يجوز للحائض دخول المسجد.
وإذا ادعى المملوك على سيده العتق ، كان القول قول سيده مع يمينه. فان كانت قيمة العبد القدر الذي تغلظ بالمكان ، غلظ به. وان كانت أقل ، لم تغلظ ، لأنه استحلاف على مال ، لأنه يحلف على استيفاء ملكه بالرق ، وذلك مال بغير إشكال فإن حلف السيد سقطت دعوى المملوك. وان نكل عن اليمين ، ردت على العبد ، فيغلظ عليه في المكان ، قلت قيمته أو كثرت ، لأنه حلف على العتق والحرية ، وتلك يمين على غير مال ولا المقصود به المال.
وإذا توجهت اليمين على كافر ، وكان يهوديا. غلظ باللفظ فيقول : « واللّه
ص: 565
الذي أنزل التوراة على موسى بن عمران » ويغلظ عليه بالمكان فيستحلف في المكان الشريف عنده وهو الكنيسة ، لأنه يعظمها كما يعظم المسلم المسجد ، وان كان نصرانيا حلف وقال : « واللّه الذي أنزل الإنجيل على عيسى » فاذا قلت (1) الذي أنزل الإنجيل على عيسى ، لم يمكنه من الاعتقاد ما ذكرناه. واما المكان ، فالبيعة ، لأنه يعظمها. وان كان مجوسيا ، حلف فقال : « والذي خلقني ورزقني » لئلا يشارك اللّه وحده « النور » ، فإنه يعتقد النور إلها ، فإذا قال خلقني ورزقني ، ارتفع الاحتمال والإبهام فيما ذكرناه ، فاما المكان ، فان المجوس يعظم النار ، فان كانوا يعظمون بيتها حلف فيه.
فان كان الحالف وثنيا معطلا أو ملحدا لا يقر بالتوحيد ، لم يغلظ عليه باللفظ ويقتصر معه على قول « واللّه » لأنه وان لم يكن معتقدا فإنه يزداد إثما ويستحق العقوبة ان كذب في ذلك.
« تم كتاب الشهادة »
* * *
ص: 566
اللقطة ضربان : أحدهما يجوز التقاطه ولا يجب تعريفه ولا ضمانه على الملتقط له وتركه أفضل. والأخر لا يجوز التقاطه فان التقطه ملتقط وجب عليه حفظه وتعريفه.
فاما ما يجوز التقاطه ولا يجب تعريفه ولا ضمانه على المتلقط له فهو كل ما كان أقل من درهم ، أو يكون وجده في مكان خرب ، قد دثر (1) وباد اهله.
واما مالا يجوز التقاطه ، فان التقطه ملتقط وجب عليه حفظه وتعريفه ، فهو ضربان :
أحدهما ، ما يوجد في الحرم ، فإنه يجب على ملتقطة حفظه وتعريفه سنة في المواقف والمواسم ، فان حضر صاحبه أعاده اليه. وان لم يحضر بعد السنة تصدق به عنه ، ولا يلزم منه بعد ذلك شي ء. فان حضر صاحبه بعد ذلك ، لم يجز له المطالبة به. فإن أراد الملتقط ان يخيره في ان يغرمه له ويكون ثواب الصدقة له دونه ، وان اختار صاحب المال ذلك كان جائزا ، وليس ذلك مما يجب على واحد منهما ، بل موقوف على اختياره ان شاء فعل ذلك ، وان شاء لم يفعل.
فاما ما يوجد في غير الحرم ، فإنه يجب على ملتقطة حفظه وتعريفه سنة. فان حضر صاحبه دفعه اليه. وان لم يحضره ، كان له التصرف فيه ، وعليه ضمانه ، ان حضر صاحبه كان عليه دفعه اليه. وان كان قد تصدق به عنه ، كان عليه الضمان لقيمته
ص: 567
يوم تصدق به. أو دفعه الى صاحبه ان حضر بعد ذلك ، فان اختار صاحبها ان لا يأخذ ذلك ويكون له الأجر كان جائزا.
وإذا هلكت اللقطة من عند الملتقط لها في زمان التعريف بتفريط منه كان عليه قيمتها يوم هلكت ، وكذلك يجب عليه ان يتصرف فيها في زمان التعريف ، وان كان ذلك بغير تفريط ، لم يلزم الملتقط منها شي ء.
وإذا تصرف إنسان في مال اللقطة وربح فيه ربحا قبل كمال السنة ، كان الربح لصاحبها دونه ، وان كان ذلك بعد السنة ، كان الربح له ، وعليه ضمان مال اللقطة لصاحبها.
وإذا التقط مالا ، واشترى به جارية ، وحضر بعد ذلك صاحب المال فوجد الجارية ابنته ، فإن أجاز له ابتياعها ، انعتقت في الحال ، ولم يكن له مطالبة الملتقط بشي ء من ذلك. وان لم يجز البيع ، كان له مطالبته بالمال ، وكان على الملتقط إعادته ، ولا يجب على صاحب المال إدخال ابنته في ملكه من غير اختياره لذلك لأنها تنعتق عليه ويذهب ماله.
وإذا وجد كنزا في دار ، وكانت الدار منتقلة إليه بميراث عن اهله كان ما وجده من الكنز بينه وبين شركائه في الميراث ان كان له شركاء ، وان لم يكن له شركاء كان ذلك له دون كل أحد وان كانت الدار انتقلت اليه بابتياع كان عليه ان يعرف البائع لها ، فان عرف ذلك رده اليه ، وان لم يعرفه كان ذلك له دون بائعها ، وكان عليه إخراج الخمس منه ويتصرف في الباقي ان شاء.
وإذ وجد شيئا في دار أو صندوق ، وكان غيره يتصرف في الدار والصندوق ، كان الحكم فيه على الوجه الذي يوجد ذلك الشي ء عليه كالحكم في اللقطة التي يجري مجراه. وان كان لا يتصرف في ذلك غيره ، كان ذلك له.
وإذا ابتاع شيئا من الإبل أو البقر أو الغنم ، فذبحه فوجد في جوفه مالا أو ماله قيمة ، فعليه ان يعرفه للبائع ، فإن عرفه دفعه اليه ، وان لم يعرفه ، كان عليه إخراج الخمس منه
ص: 568
ثم يتصرف في الباقي فهو له ، وإذا ابتاع سمكة فوجد في جوفها سبيكة أو صرة (1) أو ما أشبه ذلك ، اخرج من ذلك ، الخمس ، وكان الباقي له. وإذا وجد طعاما في مفازة فليأخذه وليقومه على نفسه ويأكله ، فإن حضر صاحبه دفع اليه ثمنه.
وإذا وجد لقيطا فهو حر ، وجب على من وجده ان يرفع خبره الى سلطان الإسلام لينفق عليه من بيت المال ، فان لم يتمكن من السلطان لينفق عليه استعان على ذلك بالمسلمين. فان لم يعنه أحد أنفق هو عليه ، فاذا بلغ كان له مطالبته بما أنفقه عليه ان كان له مال ، اللّهم الا ان يكون تبرع بالنفقة عليه ، فإنه لا يرجع عليه بها ، ولا يجوز له مطالبته بها على حال. وليس لمن وجد اللقيط عليه ولاء ، وكذلك ليس لأحد من الناس عليه ذلك ، الا ان يبلغ ، فاذا بلغ وتولى إنسانا كان ولاؤه لمن يتولاه ، ولا فرق في ذلك في ان يكون الذي يتولاه هو الذي وجده أو غيره من المسلمين وان لم يوال أحدا الى ان مات ، كان ولاؤه للمسلمين ، فان خلف تركة وكان له ولد كان ما خلفه لولده المسلم. وان لم يخلف ولدا مسلما ، كان ماله لبيت المال.
وإذا كان البعير في مكان يرعى فيه مطلقا ، ولم يكن معه من يحفظه ، لم يجز لأحد أخذه. فإن أخذه رده الى صاحبه. وسبيل الثور والجاموس والدابة إذا كانت مسرحة في أرض السواد بحيث يجد المرعى ، سبيل الإبل. فإن وجد هذه الدواب بعيدة عن السواد فان كانت غنما ، فينبغي ان يؤخذ ويحفظ بها لأصحابها.
وينفق على الضوال من البهائم بأمر الحاكم ، ويرجع على أربابها بذلك.
وإذا وجد إنسان ضالة ، فينبغي له ان يأتي بها الى امام المسلمين فيسلمها اليه وعلى الامام ان ينفق عليها من بيت المال ما رآه بعد ان يحفظ مبلغ النفقة. وإذا وجد ضالة وهو في زمان سلطان الجور ، حبس الضالة واحتسب بنفقتها على صاحبها ، وليس له من ذلك الأوسط (2) من نفقة مثلها.
ص: 569
وإذا التقط لقطة أو وجد ضالة ، أو عبدا آبقا ، أو صبيا حرا ضالا فرده على اهله لم يكن له في شي ء من ذلك جعل ، فان عوضه صاحبه بشي ء على وجه البر ، كان جائزا
وإذا وجد شاة فينبغي ان يحبسها عنده ثلاثة أيام ، فإن حضر صاحبها سلمها اليه وان لم يحضر تصدق بها عنه. وإذا وجد ماله قيمة يسيرة مثل الحبل والوتد والشظاظ. (1)والعقال وما أشبه ذلك ، جاز له أخذه. والأفضل تركه في موضعه وان لا يأخذه.
وأخذ الجعل على ما يجده الإنسان جائز ، فإذا وجد شيئا من ذلك وكان مستأجرا فيه وقد جرت بينه وبين صاحب الضالة موافقة ، كان لمن يجد ذلك ما اتفقا عليه. فان لم يكن جرى بينهما في ذلك موافقة وكان ما وجده عبدا أو بعيرا وكان قد وجد ذلك في البلد ، كان جعله عليه دينارا واحدا قيمته عشرة دراهم جيادا ، فان كان ما وجده خارج البلد كان جعله أربعة دنانير قيمتها أربعون درهما جيادا ، وان كان غير عبد ولا بعير رجع فيه الى العادة في مثله ، فدفع اليه ذلك.
وان كان من وجد العبد أو الضالة غير مستأجر لم يكن له شي ء ، لأن المسلم يرد على المسلم (2). وان وجد إنسان عبدا آبقا فأخذه ليرده على صاحبه ، فأبق منه ، لم يكن عليه شي ء.
وإذا كان له عبدان آبقان ، فقال للآخر : ان جئتني بعبدي الفلاني فلك كذا ، فجاء بأحد العبدين ، فاختلفا ، فقال الجاعل : ما شارطتك في هذا بل شارطتك على الأخر ، وقال المجعول له : بل شارطتني على هذا ، كان القول ، قول الجاعل مع يمينه ، لان المجعول له يدعي احداث شرط. والأصل ان لا شرط.
وإذا قال : ان جئتني بعبدي الآبق كان لك كذا فجاء به ثم اختلفا ، فقال المجعول له : شارطتني على دينار ، وقال الجاعل : شارطتك على نصف دينار. كان ذلك خلافا في قدر الأجرة ، فتكون له اجرة المثل مع يمين الجاعل لأنه المدعى عليه.
ص: 570
وإذا قال : من جاء بعبدي الآبق كان له دينار ، فجاء به واحد ، فإنه يستحق دينارا ، فان جاء به اثنان استحقا الدينار ، فان جاء ثلاثة أو أكثر كان لكل واحد ما يصيبه وإذا قال : من دخل داري كان له دينار ، فدخلها اثنان أو أكثر ، كان لكل واحد منهما دينار. والفرق بين المسألتين ، ان من قال : من دخل داري فله كذا. علق الاستحقاق بالدخول ، وقد وجد من كل واحد منهم ذلك فاستحقه ، فليس كذلك الرد ، لأنه علق الاستحقاق برده ولم يكن يرده كل واحد منهم ، وانما جاء به جميعهم ، فبجميعهم حصل المفقود ، فلهم كلهم الأجرة ، لأن السبب وجد من جميعهم ولم يوجد من كل واحد منهم على انفراده.
وإذا قال : من جاء بعبدي الآبق كان له ثوب أو دابة ، فجاء به اثنان ، كانا مستحقين لاجرة المثل ، لان العقد فاسد ، لأن الأجرة مجهولة ، فإن جاء به ثلاثة ، كان لكل واحد منهم ثلث اجرة المثل.
وإذا قال لواحد : ان جئتني بعبدي الآبق فلك ثلاثون ، فجاؤا به ، كان لكل واحد منهم ثلث ما سماه به.
وإذا قال : من جائني بعبد آبق من البصرة كان له دينار ، فجاء به من واسط ، فإنه يستحق نصف دينار ، لأنه عمل نصف العمل. وإذا قال : ان جئتني بعبدي فلك كذا ، فجاء به الى باب البلد ثم هرب ، فإنه لا يستحق شيئا ، لأنه ما جاء به ، لان المقصود من المجي ء به التسليم ، ولم يحصل.
وإذا أقر ببعض اللقطة وأنكر بعضها ، كان القول قوله مع يمينه فيما أقربه ، وما أنكره.
إذا اتهمه بلقطة وأنكرها ، كان القول قوله مع يمينه ، وعلى المدعى عليه ذلك ، البينة.
وإذا مات اللقيط وترك مالا ، وادعى إنسان أنه ابنه ، لم يصدق في ذلك إلا ببينة. وإذا بلغ اللقيط وتزوج بامرأة ودخل بها ، وادعت انه ابنها لم تصدق إلا ببينة
ص: 571
وإذا التقط عبد لقيطا ولم يعرف ذلك الا بقوله ، وقال سيد العبد : كذب بل هو عبدي ، كان القول قول السيد مع يمينه (1).
وإذا التقط إنسان لقيطا ، فجاء آخر فأخذه من يده ، واختصما ، وجب رده الى الأول. وإذا وجد طعاما رطبا لا يبقى ، كان مخيرا بين ان يقومه على نفسه ، ويضمن ثمنه لصاحبه إذا جاء وطلبه ، وبين ان يبيعه ويحفظه على صاحبه ، أو يتصدق به على ما قدمناه من شرط الضمان.
« تم كتاب اللقطة »
* * *
ص: 572
روى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله انه قال : لا ضرر ولا ضرار(1) فكل ما كان مشتركا وهو مما يصح قسمته من غير ضرر يتعلق بأحد الشراك فطلب بعضهم أو جميعهم القسمة قسم ذلك بينهم وأخذ كل واحد منهم بحقه منه وكل مالا يتجزى بانصباء الشركاء فلا قسمة فيه.
وإذا كانت دار بين شريكين ، فاقتسماها ، فصار السفل لأحدهما ، والعلو للآخر كان ذلك جائزا إذا لم يكن في ذلك ظلم ولا غبن ، فان كان فيها ذلك وكان الشريكان قد علما ذلك ورضيا به ، كانت القسمة ماضية ، وان كانا لم يعلما ذلك ولا رضيا ، كانت القسمة باطلة ووجب فسخها.
وإذا اقتسم قوم دارا أو أرضا وشرطوا ان لا يكون لواحد منهم طريق الى ذلك كان الشرط باطلا. فان اقتسموا ذلك وله طريق ، فجعلوا الطريق في نصيب أحدهم وللباقين المرور بأرجلهم في تلك الطريق وتراضوا بذلك. كان صحيحا ماضيا.
وإذا اقتسموا دارا فرضي أحدهم بشي ء منها أقل من حقه وترك الباقي لمن بقي يقتسمونه وتراضوا به ، كان ذلك جائزا. وان كان بين جماعة من الناس دور ، فقال أحدهم : أريد أن آخذ حقي في ذلك في كل دار (2) وقال بعض آخر منهم بجمع
ص: 573
كل واحد نصيبه في موضع واحد وكانت الدور معتدلة في بقاعها وأحوالها ورغبة الناس فيها ، قسم لكل إنسان حقه في مكان واحد. وان كانت مختلفة اختلافا بينا ، قسمت لكل دار منها ناحية ، وأخذ كل واحد منهم حقه منها.
وإذا كان قوم شركاء في حوائط أرض في نواح متفرقة ، وبعض ذلك قريب من بعض ، وأراد كل واحد منهم أخذ نصيبه في ناحية واحدة بقيمة عادلة كان ذلك جائزا. فإن كان كل شي ء من ذلك لا ينقسم على الأنصباء - وإذا قسم كان فيه ضرر يلحق بعض الشركاء ، وكان حقه منه ما لا يكاد ينتفع به على الانفراد - وجب ان يجمع حصة كل واحد منهم في ناحية بقيمة عادلة.
وإذا كان النخل بين قوم وأرادوا قسمته ، لم يصح ذلك الا ببيعه وقسمة ثمنه بينهم ، أو بان يقلع من الأرض ويقسمونه كما قسم مثله ، أو يكون مما يمكن قسمته بالعدل فيقسم.
وإذا كانت أرض موروثة بين قوم ولها شرب ، وأرادوا قسمتها ، قسموها وكان لكل ذي حظ منها من الشرب بقدر حصته.
وإذا كان بين قوم دار وهي غائبة عنهم وقد عرفها جميعهم ، جاز ان يقسموها على الصفة التي عرفوها ، ويصير لكل واحد منهم حقه منها بحسب ما عرفه. فان لم يعرفها جميعهم أو عرفها بعضهم ولم يعرفها بعض آخر ، لم يصح قسمتها الا بعد ان يحضروها ويحضروا قسمتها ، أو يحضر ذلك من يقوم مقامهم وينوب منابهم فيه. وكذلك الشجر والأرض.
وإذا كانت بين قوم ساحة وبيوت جاز ان يقسموا البيوت بالقيمة ، والساحة بالذراع ويترك من الساحة طريق لأصحاب البيوت.
وإذا قسم العلو والسفل قوم ، كان سقف السفل على صاحب السفل ، ويكون كالأرض لصاحب العلو. ولا يجوز لصاحب السفل هدمه وإلزام صاحب العلو تسقيفه بل إذا استهدمه ولم يكن صاحب العلو قد جنى عليه ، كان عمله لازما لصاحب السفل.
* * *
ص: 574
إذا كان الحائط بين دارين وكان ملكا لصاحب الدار الواحدة ، فانهدم وامتنع مالكه من بنائه وطلبه مالك الدار الأخرى بنيانه وقال له : قد كشفت أهلي فاستر بيني وبينك ، كان عليه ان يستر بينهما اما ببناء أو غيره مما لا يتم معه كشف أهل صاحب الدار الأخرى. فان لم يكن الحائط بينهما ، ولم يكن ملكا لأحدهما (1) ، وطلب أحدهما من الأخر ان يبنيه وامتنع من ذلك ، فان كان مما ينقسم ، قسم بينهما وبنى كل واحد منهما ما يختص به منه ، أو تركه ان لم يكن في ذلك ضرر على الأخر. فإن كان مما لا ينقسم ، لزم البناء أو البيع أو تسليمه الى الأخر ليبنيه ، ويكون له دونه ان رضي بذلك ، فان تراضيا على ان يبنيه الطالب (2) وينتفع به ، فإن أراد الأخر الانتفاع به معه دفع اليه نصف نفقته ، كان ذلك جائزا.
وإذا أراد إنسان رفع داره ان يعلى بناها حتى يمنع جارها الشمس ، كان له رفعها ما أراد ان لم يكن فيها منظر ينظر اليه منه.
وإذا كانت له دار وأراد ان يفتح كوة (3) من حائط ، فإن كان ينظر منها داخل دار جاره ، لم يجز له ذلك. وان كان يفتحها للضوء جاز له فتحها ، إذا كانت بحيث لا ينظر منها داخل دار جاره.
وإذا كانت له دار وأراد تحويل بابها عن المكان الذي هو فيه ، أو أراد فتح باب أخر مع بابها في شارك مسلوك نافذ ، كان ذلك له جائزا الا ان يكون له ضرر وان كان في رائعة (4) غير نافذة ، لم يكن له فتح باب منها ولا تحويل بابها عن مكانه الا بعد ان يرضى أهل تلك الرائعة.
ص: 575
والطريق السابل لا يجوز لا حد تغييره عما هو عليه. وان كان لقوم معينين واتفقوا على نقله الى مكان وليس فيه ضرر على أحد ، كان جائزا. وكذلك ان أرادوا أن يحفروا الطريق ويجعلوا لها علقا (1) كان ذلك لهم إذا تراضوا به. ولا يجوز لأحد ان يفعل ذلك بالسابلة.
وإذا كان لإنسان طريق في بستان لآخر وأراد ان يجعل عليه بابا لم يجز له ذلك الا ان يأذن له فيه صاحب الطريق.
وإذا اختصم اثنان في خص (2) كان للذي إليه القمط منه. والقمط هو الحبل ، والخص هو الطي الذي يكون بين الدور في السواد ، فكان الذي إليه الحبل اولى من الأخر.
« تم كتاب القسمة والبنيان »
ص: 576
يجب على المدعى البينة في الأموال ، ويجب على المنكر اليمين. فإن أراد الحاكم الاحتياط في قبول الشهادة ، كان له تفريق الشهود واستدعائهم واحدا بعد واحد ، ويسمع شهادته ويثبتها ثم يقيمها ويحضر أخر ويفعل به مثل ما فعل أولا ويقابل بين الشهادات ، فان وجدها متفقة كان عليه الحكم بها ، وان وجدها مختلفة أبطلها ولم يحكم بشي ء منها.
والحكم بتفريق الشهود على الوجه الذي ذكرناه جائز في جميع الأحكام والديون والعقود والاملاك والدماء والفروج والقصاص والشجاج وسائر الحقوق.
فان لم يفرق الحاكم الشهود وشهدوا مجتمعين في مقام واحد ، جاز سماع شهاداتهم ، وان كان تفريقهم أقوى في الاحتياط لسماع شهاداتهم.
فان شهد عند الحاكم شاهدان عدلان في مقام واحد على وجه واحد ووافقت شهادتهما الدعوى ، كان عليه الحكم بشهادتهما.
فان شهد عنده اثنان لا يعرفهما بعدالة ولا جرح ، سمع شهادتهما وأثبتهما عنده.ثم كشف عن أحوالهما فإن وجدهما ممن يرضى قوله ويجوز شهادته حكم بشهادتهما وان وجدهما بخلاف ذلك طرح شهادتهما ولم يلتفت إليهما.
وإذا شهد عنده من يتعتع (1) في شهادته ، لم يجز له ان يسدده ولا يمكن أحدا
ص: 577
من تلقينه بل يتمهل عليه حتى يفرغ ثم ينظر في شهادته ، فان كانت توافق الدعوى سمعها وقبلها ، وان كانت لا توافقها طرحها ولم يلتفت إليها.
وإذا شهد عنده شاهدان على ان الحق لزيد ، وشهد شاهدان غيرهما على ان الحق لغير المشهود له أولا ، فإن كان أيديهما خارجتين من ذلك الشي ء ، كان على الحاكم ان يحكم لأعدلهما شهودا فان تساووا في العدالة ، حكم لأكثرهما في العدد مع يمينه باللّه تعالى بأن الحق له. فان تساووا في العدد ، أقرع بينهما ، فمن خرج اسمه استحلف وكان الحكم له ، فان امتنع من خرج اسمه في القرعة من اليمين استحلف الأخر. فإن حلف كان الحكم له ، فان امتنعا من اليمين قسم الحق بينهما نصفين. فان كان مع أحدهما يد متصرفة نظر في ذلك ، فان كانت البينة تشهد بأن الحق ملك له فقط ، وتشهد بالملك الأخر أيضا ، أخذ الحق من اليد المتصرفة وسلم إلى الذي يده خارجة عنه. فان شهدت البينة لليد المتصرفة بسبب الملك من مفاوضة أو بيع أو هبة أو ما جرى مجرى ذلك كانت الاولى من اليد الخارجة.
وإذا شهد شاهدان على امرأة بأنها زوجة لزيد ، وشهد شاهدان غيرهما بأنها زوجة عمرو ، حكم لأعدلهما شهودا ، فان تساووا في العدالة أقرع بينهما ، فمن خرج اسمه حكم بأن المرأة زوجته دون الأخر.
وإذا هلك إنسان وترك أولادا ، وحضر إنسان وادعى عليه بأنه ابتاع منه موضعا معينا ، وحضر آخر وادعى عليه انه ابتاع منه ذلك الموضع بعينه ، وأظهر كل واحد منهما كتابا بذلك ، وتساوت بينة الكاتبين في العدالة والعدد ، أقرع بينهما ، فمن خرج اسمه استحلف مع ذلك وكان الحكم له.
وإذا كان رجل وامرأة مجتمعين ومعهما جارية. فادعى الرجل انها مملوكته وادعت المرأة أنها بنتها وانها حرة ، وأنكرت الجارية الدعويين جميعا ، كان على الرجل البينة بأنها مملوكة لم يبعها ولم يعتقها ، وإذا أثبت بينة بذلك سلمت اليه. وان لم يثبت ذلك ، ولا تكون هي بالغة أو تكون بالغة الا انها لا تقر ، أخذت من يده
ص: 578
فإن أقامت المرأة البينة بأنها بنتها دفعت إليها. فان لم تكن لها بينة أطلقت الجارية لتمضي حيث شاءت ، ولم يكن لواحد منهما عليها سبيل.
وإذا كان في موضع جماعة من الناس جلوسا ، وفي وسطهم كيس فيه مال ، فادعاه واحد منهم ، وسئل الباقون عنه فقالوا : ليس هو لنا ، كان الكيس للذي ادعاه
وإذا طلق رجل زوجته وفي بيتها ما للرجال وما للنساء ، ولم يكن لأحدهما بينة على شي ء منه كان بينهما نصفين فان طلقها وادعى ان متاع البيت له وادعت المرأة أنه لها دونه حكم للرجل بما للرجال وللمرأة بما للنساء.
وإذا دخل إنسان الحمام ، وادعى ان ثيابه ضاعت في الحمام ، لم يلزم الحمامي شي ء وان ذكر المدعى ان الحمامي أخذ الجعل لأنه انما يأخذ ذلك على الحمام لا على ضمان الثياب. وقد استوفينا ما يتعلق بالتالف في الحمام فيما تقدم.
وإذا كان قوم مشتركين في جارية فوطأها جميعهم في طهر واحد وحملت وولدت وادعى كل واحد منهم ان الولد له أقرع بينهم فمن خرج اسمه كان الولد لاحقا به دون غيره ، وغرم لمن يبقى قيمة الولد بحسب ما لهم من الجارية ، وكان عليه ان يرد مع ذلك أيضا ثمن الجارية (1) يكون بينهم على قدر حصصهم.
وإذا نذر إنسان ان أول مملوك يملكه فهو حر ، وملك اثنين أو أكثر منهما في وقت واحد أقرع بينهما فمن خرج اسمه كان حرا.
وإذا سقط موضع على جماعة فماتوا ، وبقي منهم صبيان ، أحدهما حر والأخر مملوك وهذا المملوك عبد لهذا الحر ولم يتميز أحدهما من الأخر أقرع بينهما ، فمن خرج اسمه كان حرا ، وكان الأخر مملوكا له.
وإذا اوصى بعتق ثلث عبيده ولم يعينهم ولا ميزهم بذكر ولا صفة ، أقرع بينهم فمن خرج اسمه أعتق.
وإذا ولد مولود له ما للرجال وما للنساء أقرع بينهم ، فان خرج سهم رجل ،
ص: 579
الحق بالرجال ، وان خرج سهم امرأة ورث بحسب ذلك.
وكل أمر مشكل فاستعمال القرعة فيه هو الواجب.
* * *
إذا حضر عند الحاكم خصمان ، كان عليه ان يسوى بينهما في الدخول عليه ، والجلوس بين يديه والنظر إليهما ، والاستماع لما يذكر انه ، والإنصات الى ذلك والعدل بينهما حتى في لحظة وإشارته ومقعده ولا يرفع صوته على أحدهما كمالا يرفع على الأخر ، ويساوى بينهما في الأفعال الظاهرة ولا يميل بقلبه إلى أحدهما دون الأخر هذا كله إذا كانا متساويين في الدين مسلمين كانا أو كافرين فان كان أحدهما مسلما والأخر كافرا فلا ينبغي ان يساوي بينهما في المجلس.
وإذا جلس الخصمان بين يديه لم يجز له تلقين واحد منهما بما فيه ضرر على الأخر ، ولا يهديه اليه مثل ان يقصد إلى الإقرار فيلقنه الإنكار أو يقصد اليمين ولا يجعل أحدهما أقرب إليه في الجلوس من الأخر وهكذا في الشهادة ، ان أحس من الشاهد التوقف فيها لم يكن له ان يشير عليه بالاقدام عليها وان أحس منه الاقدام عليها لم يلقنه التوقف عنها فاذا لقن واحدا منهما فقد ظلم الأخر وأفضى إلى إيقاف حقه هذا فيما يتعلق بحقوق الآدميين فاما ما يتعلق بحقوق اللّه تعالى فإنه يجوز التلقين فيها والتنبيه على ما يسقطها.
وإذا جلسا بين يديه جاز ان يقول : تكلما ، يريد بذلك يتكلم المدعى منكما أو يصرح بهذا ، يقول يتكلم المدعى منكما أو يسكت الحاكم ليقول القائم على رأسه لهما ذلك ، لأنهما قد نهانا به (1) عن الابتداء بالكلام حتى يأذن لهما وان سكت ولم يقل لهما شيئا الى ان يبتدء بالكلام كان جائزا.
ص: 580
ولا يقول لواحد منهما تكلم ، لأنه إذا أفرده بالخطاب ، كسر قلب الأخر. وإذا ابتدأ أحدهما بالكلام وجعل يدعى على خصمه ، منع الأخير من مداخلته ، لأنه يفسد عليه نظام الدعوى.
وأقل ما على الحاكم ، ان يمنع كل واحد من ان يقال من عرض صاحبه ، لأنه جلس للفصل والانفصال بين الناس ، وأقل ما عليه ان لا يمكن أحدهما من ظلم الأخر ولا من الحيف عليه. ولا يجوز له ان يضيف أحد الخصمين دون صاحبه ، اما ان يضيفهما معا أو يتركهما معا.
ولا يجوز له ان يرتشي في الأحكام ، لان الراشي والمرتشي ملعونان ، وذلك حرام على المرتشي على كل حال ووجه ، فان كان الراشي قد رشاه على تغيير (1) حكم أو إيقافه فهو حرام على ما قدمناه ، وان كان لإجرائه على رسم له أو واجبة ، لم يحرم عليه ذلك.
واما الهدية ، فإن من لم يكن له بمهاداته عادة حرم عليه قبولها ، فان كان من جرت له بمهاداته عادة كالصديق والملاطف والقريب ، فأهدى إليه هدية تتعلق بحكومة بينه وبين غيره ، أو أحسن بأنه قدمها بالحكومة بين يديه ، حرم ذلك عليه كالرشوة ، وان لم يكن شي ء من ذلك جاز قبولها والأفضل له ان ينزه عن أخذها.
وإذا حضر مسافرون ومقيمون وكان الذي سبق هم المسافرون ، قدمهم ، لأنه ينبغي ان يقدم السابق فالسابق من أهل البلد وكذلك المسافر ، بل هو اولى. وان وافدا معا أو تأخر المسافرون فان كان بهم قلة من حيث لا يضر تقدمهم بأهل البلد ، كان مخيرا بين تقديمهم وبين ان يفرد يوما يفرغ فيه من حكوماتهم ، لان المسافر على شرف السفر والرجل يكثر شغله ويزدحم حوائجه ، فلهذا قدم. وان كانوا مثل المقيمين أو أكثر كأيام الموسم في مكة والمدينة كانوا هم والمقيمين سواء ، لأن في تقديمهم إضرارا بأهل البلد وفي تأخيرهم إضرارا بهم ، فكانوا سواء.
ص: 581
وينبغي للحاكم ان يجلس في مكان بارز للناس مثل الصحراء ، أو رحبة (1) أو مكان واسع الا من ضرورة من مطر أو غيره فيجلس في بيته أو في المسجد وتتقدم إلى ثقة ليحفظ من جاء أولا ويضبط : قد جاء فلان أولا ، ثم فلان ، ثم فلان ، على هذا أبدا.
فإذا حكم (2) الحاكم قدم الأول فالأول ، فإن كان عددهم قليلا يمكن الإقراع بينهم ، أقرع بينهم ، فمن خرج قرعته قدمه ، وان كثرت وتعذرت القرعة كتب الحاكم أسماءهم في رقاع وجعلها بين يديه ومد يده وأخذ رقعة بعد رقعة أخرى كما سبق.
فاذا قدم إنسانا بالسبق أو بالقرعة أو بالرقعة ، فحكم بينه وبين خصمه ، وفرغ منهما أمرهما بالقيام ، وقدم غيرهما. فان قال الأول : لي حكومة أخرى لم يلتفت اليه وقال له : قد حكمت بينك وبين خصمك بحكمك فاما ان تنصرف أو تصبر حتى افرغ من الناس فإنه لو قضى بينه وبين من يخاصمه ادى ذلك الى ان يستغرق المجلس لنفسه ، فلذلك لا يزاد على واحدة.
فإذا تقدم غيره فادعى فان شاء ادعى على المدعى عليه أولا وان شاء ادعى على المدعى الأول وان شاء ادعى المدعى عليه أولا على المدعى الأول ، فإنه يحكم بينهما لأنا إنما نعتبر الأول فالأول في المدعى واما في المدعى عليه فلا فاذا فرغ وبقي واحد حكم عليه وبين خصمه ، فان كان له من الحكومات أكثر من الواحد حكم في جميعها ، لأنه لا مزاحم له فيها ، اللّهم الا ان يكون الأول قد جلس حتى يفرغ الناس فاذا حكم بين الأخير وخصمه حكومة قدم الأول ، لأنه لهذا جلس.
وإذا حضر اثنان فادعى أحدهما على الأخر ، فقال المدعى عليه : انا المدعى وهذا المدعى عليه ، لم يلتفت الحاكم الى ذلك ، وقال له : أجب عن دعواه ، فاذا
ص: 582
فرغ من حكومتك وكان لك كلام أو دعوى فاذكره. فان حضرا وادعيا جميعا كل واحد منهما على الأخر في حال واحد ، لم يسبق أحدهما صاحبه ، قدم الذي يكون على يمين صاحبه.
وإذا كان لجماعة حقوق على واحد من جنس واحد أو أجناس مختلفة ووكلوا من ينوب عنهم في الخصومة فادعى الوكيل الحقوق فان اعترف الزم ذلك وان أنكر وكان هناك بينة حكم بها عليه ، وان لم يكن بينة كان القول قوله مع يمينه. وإذا أراد كل واحد من هذه الجماعة ان يستحلفه على الانفراد كان ذلك له ، لان اليمين حق له فكان له ان ينفرد بها ، فان رضيت الجماعة منه بيمين عن الكل كان ذلك جائزا لأن اليمين حق لهم فاذا رضوا بيمين واحدة صح ذلك واكتفى بها عن جميعهم.
وإذا حضر عند الحاكم إنسان واستعدى (1) على إنسان ، وكان المستعدى عليه حاضرا ، أعدى عليه وأحضره ، وليس في ذلك ابتذال (2) لأهل الصيانات ان كان المستعدى عليه من أهلها ومن أهل المروات ، لأن أمير المؤمنين عليه السلام حضر عند شريح مع يهودي ، وحضر عمر مع ابى بن زيد عند ابن ثابت ليحكم بينهما ، وحضر أبو الدوانيق - في حجة - مع الجمالين مجلس الحكم بخلاف (3) جرى بينهما.
فاذا كان إحضار من ذكرناه صحيحا جائزا ، فينبغي ان يكون عند الحاكم في ديوان حكمه ختوم من طين مطبوخة (4) بخاتمه ينفذ منها شيئا مع الخصم إليه فإن حضر ، والا بعث بعض أعوانه إليه. فإن حضر ، والا أنفذ شاهدين يشهدان على امتناعه فان حضر ، والا استعان بصاحب الحرب وهو صاحب الشرطة.
ص: 583
فان كان المستعدى عليه غائبا في ولاية هذا الحاكم ، مثل ان يكون غائبا إلى موضع ، والموضع موضع نظر هذا الحاكم وولايته ، وكان في موضع غيبته خليفة له ، كتب إليه رقعة وأنفذ بخصمه اليه ليحكم بينهما وان لم يكن هناك خليفة ، وكان فيه من يصلح ان يحكم بينهما ، كتب إليه رقعة وجعل النظر بينهما إليه فان لم يكن له ذلك في الموضع ولاوال فيه ، قال لخصمه : حرر دعواك عليه ، فاذا حررها أعدى عليه (1) وان كان غائبا في غير ولايته ، مثل ان يكون الحاكم ببغداد فغاب الى بصرة والبصرة في غير ولايته ، فإنه يقضى على غائب.
وان كانت امرأة وكانت بارزة فهي كالرجل ، فان كانت مخدرة بعث إليها من يقضى بينها وبين خصمها في منزلها والبارزة هي التي تبرز لقضاء حوائجها بنفسها ، والمخدرة هي التي لا تخرج لذلك.
فاذا حضر قيل له ادع الان ، فان ادعى لم يسمع الدعوى إلا محررة. فاما ان قال : لي عنده فرش أو ثوب أو حق لم يسمع دعواه ، لان الدعوى لها جواب ، فربما كان ب « نعم » وليس على الحاكم ان يقضى به عليه لأنه مجهول فاذا كان كذلك فلا بد من تجديد الدعوى ، كانت من الأثمان أو من جنس غيرها صحت مع تحريره لها ان يذكر الجنس والمقدار أو النوع أو ما أشبه ذلك مما يخرجها عن ان تكون مجهولة ، فإذا كان كذلك لم يكن للحاكم المطالبة بالجواب من غير مسألة المدعى ، لان الجواب حق للمدعي فليس للحاكم مطالبته به من غير مسألة كنفس الحق فإذا طالبه بالجواب بالمسألة كان ذلك بان يقول له : ما تقول فيما يدعيه؟
فإن أقر عند ذلك بالحق ، الزمه القيام لخصمه به لأنه لو قامت عليه بينة بذلك الزمه ، فبان يلزمه باعترافه اولى وإلزامه القيام به يكون بان يقول : ألزمتك ذلك أو قضيت به عليك أو اخرج له منه فاذا قال ذلك له كان حكما بالحق. فإن سأله المدعى ان يكتب له محضرا حجة له في يده بحقه فعل ذلك.
ص: 584
وان لم يقر بالحق وأنكرها فقال : لا حق لك قبلي ، كان هذا موضع البينة فإن كان المدعى لا يعرف له موضع البينة ، كان للحاكم ان يقول له : ألك بينة فان كان عارفا بأنه وقت البينة ، فالحاكم مخير بين ان يسكت أو يقول له ألك بينة ، فاذا قال ألك بينة ، فان لم يكن له بينة ، عرفه الحاكم بان لك يمينه ، فاذا عرف ذلك لم يكن للحاكم ان يستحلفه بغير مسألة المدعي اليمين حق له فليس له ان يستوفيه الى (1) مطالبته مثل نفس الحق فان لم يسأله واستحلفه من غير مسألة لم يعتد بهذه اليمين لأنه اتى بها في غير وقتها ، فان لم يعتد بها أعادها عليه بمسألة المدعي.
فإذا عرض عليه اليمين ، فإن أجاب إليها وحلف ، أسقط الدعوى ولم يكن لخصمه ان يستحلفه مرة أخرى ، لا في هذا المجلس ولا في غيره فإن سأله الحالف ان يكتب له بما جرى محضرا لئلا يدعيه مرة أخرى ، فعليه ان يكتب له ذلك يكون حجة في يده.
فان لم يحلف قال له الحاكم : ان حلفت ، والا جعلتك ناكلا ورددت اليمين على خصمك فيحلف فيستحق عليك ، يقول هذا ثلاثا ، فان سأل الحاكم ان يكتب له محضرا بما جرى فعل ذلك هذا إذا لم يكن بينة.
فان كانت بينة فكانت حاضرة ، لم يقل الحاكم : أحضرها ، لأنه حق له فله ان يفعل ما يرى ، فاذا حضرا لم يسأل الحاكم عما عندهما حتى يسأله المدعي ذلك لأنه حق له فلا يتصرف فيه بغير أمره ، فإذا كان لا بد من سؤال المدعي للاستماع منهما لم يقل الحاكم لهما : اشهدا ، لأنه أمر ، والحاكم لا يأمرهما ، الا انه يقول : تكلما إن شئتما ، من كان عنده كلام فليذكره ان شاء ، فاذا قالا ما عندهما. فاما ان يكون ما اقاماه من الشهادة فاسدا أو صحيحا ، فان كان فاسدا مثل ان قالا : بلغنا ان له عليه ألفا ، أو قالا ، سمعنا بذلك ، قال له الحاكم : زدني في شهودك فيرد شهادتهما بذلك.
فان شهدا عنده بالحق شهادة صحيحة ، لم يحكم له الحاكم حتى يسأل الحاكم
ص: 585
بها ، فإذا سأله بحث عن حال الشهود ، فان كانوا فساقا وقف الأمر حتى يأتي بالبينة ، وان كانوا عدولا قال الحاكم للمدعي عليه : قد عدلا عندي ، هل لك جرح؟ فان قال : نعم ، أنظره - حتى يجرح الشهود - ثلاثا ، فان لم يأت بجرح أو قال : لا جرح عندي. لم يحكم حتى يسأل المدعى ان يحكم له بذلك.
فإن سأله فيستحب للحاكم ان يقول للمدعي عليه : ( قد ادعى كذا عليك وشهد عليك بكذا وأنظرتك جرح الشهود فلم تفعل ، وهو (1) إذا أحكم عليك ) ليبين له انه حكم بحق ، فاذا قال هذا حكم عليه بالبينة ، ولم يستحلف المدعى مع بينته.
هذا إذا كانت البينة حاضرة ، فان كانت غائبة ، قال الحاكم له (2) : ليس لك ملازمته ولا مطالبته بكفيل ، ولك يمينه أو تتركه حتى تحضر البينة ، وذكر :ان له ملازمته ومطالبته بكفيل حتى تحضر البينة ، وما ذكرناه أولا هو الأظهر والأصح والثاني أحوط لصاحب الحق ولا بأس به.
فان سكت أو قال : لا أقر ولا أنكر ، قال الحاكم له : ان أجبت عن الدعوى والا جعلتك ناكلا ورددت اليمين على خصمك ، وذكر انه يحبسه حتى يجيب إما بإقرار أو بإنكار ولا يجعله ناكلا. وما ذكرناه أولا هو الظاهر من مذهبنا ، ولا بأس بالعمل بالثاني.
ولا ينبغي له ان يأخذ الرزق على القضاء. وقد ذكر جواز ذلك وأخذه من بيت المال.
وإذا ترافع خصمان الى الحاكم ، فادعى أحدهما على الأخر حقا ، فأنكر ، وعلم الحاكم صدق المدعى فيما طالبه ، مثل ان يكون ما عليه يعلمه الحاكم أو قصاص وما أشبه ذلك ، كان له ان يحكم بعلمه.
فاما مخالفونا فلا خلاف بينهم في انه يحكم في الجرح بعلمه ، ويقولون :
ص: 586
لو علم الجرح وشهدوا عنده بالتعديل ، ترك الشهادة وعمل بعلمه ولأنه لو لم يقض بعلمه أفضى إلى إيقاف الحكم أو فسق الحكام ، لأنه إذا طلق الرجل زوجته بحضرته ثلاثا ، ثم جحد الطلاق ، كان القول قوله مع يمينه ، فان حكم بغير علمه - وهو استحلاف الزوج - وتسليمها اليه فسق وان لم يحكم له وقف الحاكم (1). وهكذا إذا أعتق الرجل عبده بحضرته ثم جحد. وإذا غصب من رجل ماله ، ثم جحد يفضي الى ما قلناه ، فهذا قولهم ، ثم يعيبوننا إذا قلنا بمثله.
لا يجوز عندنا العمل على كتاب قاضٍ الى قاضٍ في الأحكام ، ولا قبوله في ذلك. ومخالفونا مجيزون (2) ذلك فيعملون عليه في الأحكام ، وكذلك يقولون في كتابه إلى الأمير (3) ، وكتاب الأمير إلى القاضي أو الأمير على ما تضمنته الآية من قصة سليمان عليه السلام وبلقيس من قوله تعالى :
« يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ ، إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ ، وَإِنَّهُ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » (4) فكتب إليها سليمان فدعاها إلى الإسلام والايمان.
وما رواه عبد اللّه بن حكيم قال : أتانا كتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قبل وفاته بشهر ان لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب. (5)
وما روى عن ضحاك بن سفيان من انه قال : أمرني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله على قوم من العرب وكتب معى كتابا وأمرني فيه ان أورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها
ص: 587
فعمل به عمر وكان لا يورث المرءة من دية زوجها ، حتى روى الضحاك له ذلك فعمل به (1)
وما روى من أنه صلى اللّه عليه وآله جهز جيشا ، وأمر عليهم عبد اللّه بن رواحة ، وأعطاه كتابا مختوما وقال : لا تفضه حتى تبلغ موضع كذا وكذا ، فاذا بلغت ففضه ، واعمل بما فيه قال : ففضضته وعملت بما فيه (2).
وما كتب به عليه السلام الى الأكاسرة والقياصرة.
فكتب الى قيصر ملك الروم ، « بسم اللّه الرحمن الرحيم ، من محمد بن عبد اللّه الى عظيم الروم ، ( يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ ) » الاية فلما وصل الكتاب اليه قام قائماً ووضعه على رأسه واستدعى مسكا فوضعه فيه ، فبلغ ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فقال : ثبت ملكه (3).
وما كتب به الى ملك الفرس ، فإنه كتب الى كسرى بن هرمزان بسم اللّه الرحمن الرحيم. من محمد بن عبد اللّه الى كسرى بن هرمزان أسلموا تسلموا والسلام. فلما وصل الكتاب إليه أخذه ومزقه ، فبلغ ذلك النبي صلى اللّه عليه وآله فقال تمزق ملكه (4).
وما يدعونه من الإجماع على ذلك في جميع الأعصار ، قالوا : لأن الصحابة لم تزل كذلك ، والتابعون من بعدهم ، فكتب بعضهم الى بعض. ولان للناس إليه حاجة
وجميع ما ذكروه لا حجة لهم فيه اما ما ذكروه من كتب النبي صلى اللّه عليه وآله ، فإنه (5) عمل عليها لأنها كانت معلومة وهي حجة ، لأن قوله عليه السلام حجة ، وليس الخلاف في ذلك ، وانما الخلاف فيمن ليس بمعصوم ، وهل هو كتابه أم لا؟
واما ما كتبه الى كسرى وقيصر ، فإنه دعاهم فيها الى اللّه تعالى ، والإقرار بنبوته ، وذلك عليه دليل غير الكتاب ، ولا خلاف في انه لا يقبل فيه كتاب قاضٍ الى قاضٍ.
واما الإجماع فنحن نخالفهم فيه أشد الخلاف ، وليس هذا الكتاب موضوعا
ص: 588
للحجاج فنستقصى الكلام عليهم فيه ، وهو مستوفى في كتب أصحابنا الموضوعة في ذلك فمن أراد الوقوف عليه نظره من هناك.
إذا توجهت اليمين على أحد الخصمين وأراد الحاكم استحلاف من توجهت عليه ، فينبغي ان يخوفه باللّه تعالى ويذكره العقاب الذي يستحق على اليمين الكاذبة والوعيد عليها فان راجع الحق حكم عليه بما يقتضي الحال حسب ما توجبه الشريعة وان لم يراجع ذلك ، واستمر على الإنكار ، استحلفه باللّه الذي لا إله الا هو أو بشي ء من أسمائه.
ولا يجوز استحلافه بغير ذلك من الكتب المنزلة والأمكنة الشريفة ، ولا بالأنبياء ولا بالرسل ، ولا بالبراءة من اللّه تعالى ، ولا من رسله ولا من أحد من الأئمة ولا بطلاق ولا بعتق ولا بكفر.
فاذا استحلف الحاكم الخصم ، فينبغي ان يقول له :
قل « واللّه الذي لا إله الا هو الرحمن الرحيم الطالب الغالب ، الضار النافع ، المدرك المهلك ، الذي يعلم من السر ما يعلمه من العلانية ، ما لهذا المدعى على ما ادعاه ولا له قبلي حق بدعواه ».
فاذا حلف بذلك برئت ذمته مما ادعى خصمه عليه به.
وان قال له : قل « واللّه ماله قبلي حق » كان مجزيا الا أن الأول أقوى في الترتيب والردع على من تقدم باليمين.
واما استحلاف أهل الكتاب فينبغي ان يكون أيضا باللّه تعالى أو بشي ء من أسمائه ، ويجوز ان يستحلفوا بما يذهبون هم الى الاستحلاف به وذلك الى الحاكم ، فإنه يستحلف بما يراه أردع لهم وأعظم عليهم وقد ذكرنا فيما سلف طرفا من كيفية استحلافهم ، فان استحلفهم كذلك ، كان جائزا.
فإن كان الذي توجهت عليه اليمين أخرس فإنه يستحلفه بالإشارة والإيماء
ص: 589
إلى أسماء اللّه تعالى ويوضع يده على اسم اللّه تعالى في المصحف ويعرف يمينه على الإنكار كما يعرف إقراره وأنظره (1) فان لم يحضر مصحفا كتب اسم اللّه ووضع يده عليه. وينبغي ان يحضر استحلافه من كان معتادا لفهم أغراضه وإشاراته وإيمائه
وان كتب نسخة اليمين في لوح ثم غسل اللوح وجمع الماء وأمر بشربه كان جائزا وكان حالفا إذا شربه ، وان امتنع من شربه الزم القيام بالحق.
وإذا أراد الحاكم استحلاف الخصم ، فينبغي ان لا يستحلفه إلا في مجلس الحكم. فإن أراد استحلاف من توجهت اليمين عليه ومنعه من حضور مجلسه مانع من عجز أو مرض أو ما جرى مجرى ذلك أنفذ الحاكم اليه من ينوب عنه في استحلافه.
فاذا وجبت اليمين على امرأة. فينبغي ان يستحلفها أيضا في مجلس الحكم ويعظم الايمان عليها وقد ذكرنا فيما سلف حكمها في البروز أو غيره فلا وجه لإعادته فإن امتنعت بعد اليمين من الخروج من الحق كان له حبسها ، كما له حبس الرجل وقد تقدم أيضا في ذلك مالا طائل في إعادته.
فاما مواضع الاستحلاف فقد قدمنا ذكرها ، فمن أراد الوقوف عليه نظر في موضعه ان شاء اللّه تعالى.
قال اللّه تعالى لرسوله صلى اللّه عليه وآله ( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ ) (2)
وقال تعالى ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ ) (3).
وقال تعالى ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ ) (4).
وقال تعالى ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ ) (5).
وقال تعالى : ( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ
ص: 590
النّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ) (1).
وقال النبي صلى اللّه عليه وآله : من حكم في قيمة عشرة دراهم فأخطأ حكم اللّه جاء يوم القيامة مغلولة يديه (2) ومن افتى بغير علم لعنته ملائكة السماء والأرض (3).
وقال على عليه السلام كل حاكم حكم بغير قولنا أهل البيت فهو طاغوت. وقرء « يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً ) (4).
ثم قال : واللّه لقد فعلوا ، تحاكموا الى الطاغوت وأضلهم الشيطان ضلالا بعيدا ، فلم ينج ، من هذه الأمة (5) إلا نحن وشيعتنا وقد هلك غيرهم ، فمن لم يعرفهم فعليه لعنة اللّه (6).
وقال الصادق عليه السلام الحكم حكمان ، حكم اللّه عزوجل وحكم الجاهلية ، فمن أخطأ حكم اللّه فحكم الجاهلية (7).
وروى ان القضاة أربعة : ثلاثة في النار وواحد في الجنة ، فاما الثلاثة التي في النار : فقاض قضى بالباطل وهو يعلم انه الباطل ، وقاضٍ قضى بالباطل وهو يظن انه حق وقاضٍ قضى بشي ء وهو لا يعلم انه حق أو باطل ، واما الذي في الجنة فقاض قضى بالحق وهو يعلم انه حق (8).
ص: 591
وقال النبي صلى اللّه عليه وآله : إذا جلس القاضي للحكم ، بعث اللّه اليه ملكين يسدد أنه فان عدل أقاما ، وان جار عرجا وتركاه (1).
وقال : من طلب حقا حتى يناله ، فان غلب عدله جوره فله الجنة ، وان غلب جوره عدله فله النار (2) وروى عنه انه صلى اللّه عليه وآله قال : اللّه تعالى مع الحاكم ما لم يجر فاذا جار بري ء منه ولزمه الشيطان (3).
فجواز القضاء معلوم من دين الإسلام على وجه لا يعترضه شك وهو من فروض الكفائات وإذا قام به قوم سقط عن الباقين ، فإن أطبق أهل بلد على تركه وامتنعوا منه ، خرجوا ، وجاز للإمام عليه السلام قتالهم عليه ، لما روى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله انه قال ان اللّه لا يقدس امة ليس فيهم من يأخذ للضعيف حقه (4) ولأنه من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
فإذا أراد الحاكم ان يحكم بين الناس فيستحب له ان يجلس لذلك في موضع بارز للناس ، مثل فضاء واسع أو رحبة أو ما أشبه ذلك : ليصل من كانت له حاجة من غير مزاحمة ، فيكون في ذلك رفق بهم ويستحب أيضا ان يكون هذا الموضع في وسط البلد ، لأنه أقرب ما يكون إلى المساواة بين الناس ، فان جلس في طرف البلد أو حكم في بيته أو في موضع ضيق كان جائزا.
ويستحب ان يصل إليه في مجلس حكمه كل أحد ، ولا يتخذ صاحبا يجب الناس عن الوصول اليه ويجوز ان يتخذ الحاجب لغير ذلك لما روى عنه صلى اللّه عليه وآله انه قال : من ولي شيئا من أمور الناس فاحتجب دون حاجتهم وفاقتهم ، احتجب اللّه دون حاجته وفاقته وفقره (5) فاما جلوسه للحكومة في المساجد فجائز وقد روى ان أمير المؤمنين عليه السلام كان يقضى في مسجد الكوفة (6) ودكة القضاء فيه معروفة الى هذا
ص: 592
الوقت لا يختلف أحد فيها واما إقامة الحدود فمكروهة فيها بغير خلاف.
ولا ينبغي للحاكم ان يحكم وهو غضبان ، ويستحب له إذا غضب ترك الحكم الى ان يزول عنه الغضب ثم يقضى بين الناس بعد ذلك لما روى عنه صلى اللّه عليه وآله انه قال : لا يقضى القاضي ولا يحكم الحكم (1) بين اثنين وهو غضبان وكل أمر يكون معه في معنى الغضبان فحكمه حكم الغضبان في تركه الحكم حتى يزول عنه ذلك مثل الجوع الشديد والعطش الشديد والغم الشديد والفرح الشديد ، والوجع الشديد ، ومدافعة الأخبثين ، والنعاس الغامر للقلب ، كل ذلك سواء فيما ذكرناه لما روى عنه صلى اللّه عليه وآله انه قال : لا يقضى القاضي وهو غضبان مهموم ولا مصاب محزون ، ولا يقضى وهو جائع (2) فإن خالف وقضى بين الناس وهو على الصفة التي ذكرناها فوافق الحق نفذ حكمه ، ولا ينقض حكمه.
ويكره تولى البيع والشراء بنفسه ، لما روى عنه صلى اللّه عليه وآله انه قال : ما عدل وال اتجر في رعيته ابدا (3).
ولا ينظر في ضيعته ونفقة عياله بل يوكل من ينوب عنه في ذلك ، لان جميع ذلك ما يشغله من القضاء ويستحب ان يكون وكيله مجهولا لأنه إذا عرف خون (4) لأجل الحكم وكان وكيله جار مجراه ، فان ( خالف في هذا فباع ) (5) واشترى بنفسه كان التصرف صحيحا نافذا ، لأنه [ ليس بمحرم وانما ] هو مكروه لأجل الحكم.
ويستحب للحاكم إذا ادعى الى وليمة [ أن يحضرها لما ] روى عنه صلى اللّه عليه وآله من قوله لو دعيت الى ذراع لأجبت ولو اهدى الى ذراع لقبلت (6).
ص: 593
فان كثرت الولائم تخلف عن الأكل (1) لأن [ قبول ] ذلك مستحب والقضاء مقدم عليها. ويعود المرضى ، ويشهد الجنائز ، ويأتي مقام الغائب لأنها قربة وطاعة. فإن كثر ذلك ، فازدحم ، عليه ، حضر الكل ، لأنه حق يسهل قضاؤه بحضور لحظة.
ويتصرف إذا حضر بلد ولايته ، فأول ما يبتدى به ان ينفذ الى الحاكم المعزول ، فيأخذ ديوان الحكم اليه ، وهو ما عنده ، وثائق الناس وحججهم ، المحاضر والسجلات ، لان من عادة القضاة إذا حكموا بشي ء ان يكون ذلك في سجل على نسختين ، نسخة في يد المحكوم له ونسخة في ديوان الحكم احتياطا ، فمتى ضاعت حجة ، رجع الى ما في ديوان الحكم. ويكون فيه كتب الوقف ، فإن العادة جارية عند القضاة بتجديدهم كتب الوقف كلما أخلقت ومات شهودها. ويكون فيه ودائع الناس أيضا ، فإن من الناس من يودع كتبه ووثائقه في ديوان ، لأنه أحفظ لها وأحوط عليها.
فاذا حصل الديوان عنده خرج الى المجلس الذي يجلس فيه للحكم بين الناس راكبا ان كان له مركبا ، أو ماشيا ان لم يكن له ذلك ، فاذا مر بقوم سلم عليهم عن يمينه وشماله ، لما روى عنه صلى اللّه عليه وآله يسلم الراكب على الماشي ، والقائم على القاعد ، والقليل على الكثير (2). فاذا وصل الى مجلسه سلم على من سبق اليه من الوكلاء والخصوم.
فان كان مجلسه في المسجد صلى حين يدخله ركعتين تحية المسجد لما روى من قوله صلى اللّه عليه وآله : إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلى ركعتين (3) ، وان لم يكن [ المكان مسجدا كان بالخيار بين ان يصلى ركعتين ] ان كان وقتا تجوز النافلة فيه و [ بين ان يترك ، ويفرش له ما يجلس عليه وحده من حصير أو بساط ] أو
ص: 594
غير ذلك ولا [ يجلس على التراب ولا على بارية المسجد لأنه أهيب له ] عند الخصوم [ وأنفذ لأمره ، ويجلس عليه وحده ليتميز من غيره عند تقدم الخصم ] اليه. ويكون متوجها الى القبلة لما روى عنه صلى اللّه عليه وآله من قوله : خير المجالس ما استقبل به القبلة (1) وقد ذكر انه يكون ظهره إليها ، ليكون وجوه الخصوم في الاستحلاف إليها. فالأول أظهر.
فإذا جلس ، وقف على رأسه ثقة ترتب الناس ، فتقدم السابق فالسابق ، والأول فالأول ، ولا يقدم من تأخر ، ولا يؤخر من تقدم ، لان السابق أحق من غيره ، ثم ينظر في ذلك فان كان يكتب لنفسه كتب ما يحتاج إليه ، فان لم يكتب لنفسه اتخذ كاتبا ثقة حافظا ، ويجلس بين يديه قريبا منه بحيث يشاهد ما يكتبه.
وينبغي ان يكون في مجلسه أهل العلم من أهل الحق ، ليكون متى حدثت حادثة تحتاج فيها إلى سؤالهم عنها ليذكر الجواب فيها ، والدليل عليها ، فان كانوا بالقرب منهم ، ذاكرهم وان كانوا بعيدين عنه استدعائهم لذلك. فاذا حكم بحكم وكان موافقا للحق لم يكن لأحد معارضته فيه ، وان أخطأ وجب عليهم ان ينهوه وليس عندنا في الشرع قياس ، ولا اجتهاد ، ولا كل مجتهد عندنا مصيب ، فيوجب عليهم تنبيهه من هذه الوجوه.
وينبغي ان يحضر عنده شهود البلد ، يستوفي بهم الحقوق ويثبت لهم الحجج والسجلات والمحاضر واما مكان جلوسهم : فان كان الحاكم من يحكم بعلمه فان [ شاء استدناهم وان ] أراد ، باعدهم عنه لأنه ان كان يقضى بعلمه [ فمتى أقر عنده مقر بحق ثم رجع ] عنه حكم عليه بعلمه ، ولا يحتاج إلى [ الشهادة على إقراره ، وان كان ممن لا يقضى ] الحكم بعلمه ، استدعاهم اليه بحيث يسمعون [ كلام الخصمين كيلا يقر منهم مقر ] ثم يرجع عنه وإذا رجع عنه شهد به عنده شاهدان وحكم عليه بالبينة لا بعلمه فاذا جلس للحكم كان أول ما ينظر فيه حال المحبسين. لان الحبس عذاب ،
ص: 595
فيخلصهم منه ، ولأنه قد يكون فيهم من تم عليه الحبس بغير حق. ثم ينظر بعد الفراغ منهم في حال الأوصياء ، والأمناء ، واللقطة ، والضوال ، وما ينفق بعد ذلك الحكم فيه هذا الذي ينبغي ان يبتدئ بالنظر فيه إذا جلس للقضاء في ابتداء ولايته.
إذا حضر عند الحاكم خصمان ان يكون أحدهما أكبر من الأخر ، وقد تعلم اللدد (1) وهي الالتواء والعنت من وجوه ، منها ان يقدم الإنسان خصمه الى الحاكم فيتحاكمه ، فتوجه اليمين [ فاذا بدء باليمين قطعها ] عليه وقال لي عليه بينة ، فاذا فعل ذلك أول مرة ، نهاه عن ذلك ومنعه منه وأعلمه « ان ذلك لا يحل ، ان لم يكن لك بينة » فان عاد الى ذلك ، زبره ونهاه وأغلظ له في النهى ، وصاح عليه ولا يعجل عليه بالتعزير ، لئلا يكون جاهلا بذلك. فان عاد ثالثا فقد فعل ما يستحق به التأديب والتعزير. فان كان قويا لا يكفه [ الا ] التعزير عزره ، وان كان ضعيفا لا يحتمل الضرب حبسه وأدبه بالحبس دون الضرب وان رأى أن المصلحة في ترك ذلك كله فعل.
وإذا أغلظ للحاكم في القول ، فقال [ حكمت على بغير حق نهاه ] فان عاد وقد استحق [ التعزير - ظ ] على ما يراه [ الحاكم ].
وينبغي للحاكم ان لا يكون ضعيفا مهينا لأنه لا يهاب ، فربما جرت بالمشاتمة وينبغي ان يكون فيه شدة من غير عنف ، ولين من غير ضعف فهو اولى وأحق بالمقصود
فان حدثت حادثة وأراد الحكم فيها ، فان كان عليها دليل من نص كتاب أو سنة أو إجماع عمل في الحكم فيها عليه ، وان لم يكن عليها دليل على جملة أو تفصيل ولا غير ذلك من الحجج وكانت يبقاه على الأصل ، رجع في ذلك اليه.
ولا يجوز ان يقلد غيره في حكم [ و ] لا يشاور فيه ولا يستفتي غيره ثم يحكم بتلك الفتيا ، لان الحاكم ينبغي ان يكون عالما بما وليه فان اشتبه عليه بعض الأحكام ذاكر أهل العلم لتفقهه في ذلك على الدليل.
ص: 596
والقضاء لا ينعقد للقاضي الا بان يكون من أهل العلم والعدالة والكمال ، وكونه عالما : بان يكون عارفا بالكتاب والسنة ، والإجماع ، والاختلاف ، ولسان العرب واما القياس فلسنا نعتبره ، لان استعماله في الشريعة عندنا باطل.
فاما الكتاب ، فيفتقر في تعرفه إلى المعرفة بأشياء وهي : العام والخاص ، والمحكم والمتشابه ، والمفسر ، والمطلق والمقيد ، والناسخ والمنسوخ فاما العموم والخصوص لئلا يتعلق بعموم قد دخله الخصوص مثل قوله سبحانه « وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ » (1) هذا عام في كل مشركة ، حرة كانت أو امة وقوله تعالى « وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ » (2) خاص في الحرائر فلو تمسك بالعموم غلط وكذلك قوله « فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ » (3) عام وقوله « مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ » (4) خاص في أهل الكتاب.
واما المحكم والمتشابه ليقضى بالحكم وبالمفسر كقوله « أَقِيمُوا الصَّلاةَ » (5) وهذا غير مفسر وقوله « وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ » (6) و ( حِينَ تُمْسُونَ ) - يعنى المغرب والعشاء والآخرة - وحين تصبحون.
واما المطلق والمقيد ليبنى المطلق على المقيد مثل قوله سبحانه « وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ » (7) فهذا مطلق في العدل والفاسق وقوله « وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ » (8) مقيدا بالعدالة فيبني المطلق عليه.
واما الناسخ والمنسوخ يقضى بالناسخ دون المنسوخ ، كآية العدة بالحول (9) والآية التي تضمنت العدة بالأشهر (10)
ص: 597
واما السنة فيحتاج ان يعرف منها شيئا : المتواتر والآحاد - ليعمل بالمتواتر دون الآحاد - والخاص والعام والناسخ والمنسوخ لما تقدم في نص القرآن ، ولما كان في السنة مجمل ومفسر ومطلق ومقيد - كما في الكتاب - احتاج الى ان يعرف جميع ذلك لما تقدم ذكره.
ويعرف الإجماع والاختلاف ، لأن الإجماع حجة لئلا يقضي بخلافه
ويعرف الاختلاف ليعلم هل هو موافق لبعض الفقهاء أم لا؟ وهذا عندنا يضعف إدخاله في هذا الموضع ، والمعمول على ما تقدم :
واما لسان العرب فيحتاج الى معرفته ، لان صاحب الشرع عليه وآله السلام خاطبنا به.
وقد ذكر انه لا يلزمه ان يكون عارفا بجميع الكتاب ، بل يكفي في ذلك معرفته بالآيات المحكمة وذكر : ان جميع ذلك خمس مأة آية وذلك يمكن معرفته.
والسنة تكفى ان يتعلق بالأحكام من سننه دون آثاره واخباره ، فان جميع ذلك لا يحيط به أحد علما ، وما قبلها مدون في الكتب في أحاديث مخصوصة.
واما الخلاف ، فهو متداول بين الفقهاء يعرفه أصاغرهم.
واما لغة العرب ، فيكفي أن يعرف شيئا ذكرناه دون ان يكون عارفا بجميع اللغات - وهذه الجمل الأخيرة غير بعيدة من الصواب ، بل الظاهر ان القاضي إذا كان علمها كانت كافية له فيما هو عليه.
واما كونه عدلا ثقة فلا بد منه ، لأنه ان كان فاسقا لم ينعقد له القضاء بالإجماع الأخلاف الأصم (1) لأنه أجاز ان يكون فاسقا وخلافه غير مؤثر في الإجماع.
واما كونه كاملا ، والمراد به كامل الخلقة والأحكام.
اما كامل الخلقة ، ان يكون بصيرا ، لأنه ان كان أعمى لا ينعقد له القضاء ، لأنه يحتاج إلى معرفة المقر من المنكر ، والمدعى من المدعى عليه ، وما يكتبه كاتبه بين
ص: 598
يديه. وان كان ضريرا (1) لم يعرف ذلك ، وإذا لم يعرفه لم ينعقد القضاء له كما ذكرناه
واما كمال الأحكام ، بان يكون بالغا ، حرا ، ذكرا ، لأن المرأة لا تنعقد لها القضاء على حال. ولا يجوز له الحكم بالاستحسان ولا بالقياس.
وإذا حكم بشي ء ثم بان له انه خطأ ، أو بان له ان الحاكم قبله حكم بشي ء وأخطأ فيه ، كان عليه نقض ما أخطأ هو فيه ، وكذلك ما أخطأ فيه غيره من الحكام المتقدمين عليه ، وحكم بما يعلمه من الحق.
وليس يجب عليه إذا ولى القضاء ان يتبع حكم من كان قبله ، ولو تبعه لكان جائزا لكن ليس عليه ذلك. لكن عليه ان ينقض ما يتفق ظهوره له ، فان الحكم فيه وقع بخلاف الحق. وإذا حضر مجلس حكمه خصمان لا يعرف لسانهما ، أو شهد عنده شاهد بشي ء لا يعرف ، لم يكن بد من مترجم يترجم عنه ، ليعرف الحاكم ما يقوله. والأظهر أن الترجمة شهادة ويفتقر الى العدد والعدالة والحرية ولفظ الشهادة ، وقد ذكر خلاف ذلك ، وما ذكرناه هو الأحوط والأظهر من حيث انه مجمع على العمل به.
وقد تقدم في باب الشهادات من يجوز قبول شهادته ومن لا يجوز ، فلا حاجة الى أن نذكر تصفحه بحال من يحضر مجلسه في شهادة ، وهل هو عدل فيحكم بشهادته أو غير عدل فيردها ، اللّهم الا ان يكون لم يتقدم له المعرفة بمن يحضر ليشهد ، فإنه لا بد أن يكشف عن حاله فيحكم بشهادة من يثبت عنده عدالته ، ويطرح شهادة من لا يكون كذلك. وقد تقدم أيضا طرف من كيفية السماع لشهادتهم وتعريفهم في ذلك ، وغيره ما يغني معرفته هناك من إعادته هاهنا.
ولا يجوز للحاكم ان يرتب له شهودا يسمع شهاداتهم دون غيرهم من سائر الناس [ بل يدع الناس ] وكل من شهد عنده وعرفه والا سأل عنه ، لأنه إذا رتب قوما فإنما يفعل ذلك بمن هو عدل عنده ، وغير من رتبه لذلك ، وقد يكون مثله أو أعدل منه. فاذا كان الكل سواء ، لم يجز ان يختص بعضهم بالقبول دون بعض ولان
ص: 599
فيه مشقة على الناس لشدة حاجتهم إلى الشهادة بالحقوق في كل وقت ، من نكاح وغصب ومعاملة وقتل وغير ذلك. وإذا لم يقبل الا قوما دون قوم شق ذلك على الناس ، ولان فيه ضررا عليهم. فان الشاهد إذا علم انه لا يقبل قول غيره ربما تقاعد حتى يأخذ الرشوة عليها. ولان فيه إبطال الحقوق ، فان كل من له حق ، لا يقدر على إقامة البينة به من كان مقبول الشهادة راتبا لها دون غيره ، فاذا كان كذلك لم يجز له ترتيبهم. فان رتب قوما قد عرف عدالتهم وسكن إليهم في استماع أقوالهم وتقبل شهادتهم ، فاذا شهد عنده بالحق غيرهم ، بحث عن أحوالهم ، فاذا زكوا حكم ان(1) شهادتهم ، لم يكن بذلك بأس
وينبغي أن يكون له كاتب يكتب بين يديه ، يكتب عنده الإقرار والإنكار وغير ذلك ، وصفة ذلك الكاتب ان يكون عدلا ، فقيها ، عاقلا ، نزها عن الطمع. وانما اعتبرت العدالة لأنها موضع امانة. واعتبر العقل لئلا يخدع. وكونه فقيها ، ليعرف الألفاظ التي تتعلق الأحكام بها - ولا بغيرها - لان غير الفقيه لا يفرق بين واجب وجائز ، وليكون أخف على القاضي ، لأنه يفوض اليه ذلك ، ولا يحتاج الى مراعاته فيما يكتبه ويكون نزها بريا من الطمع ، لئلا يرتشي فيغير. ويجوز ان يتخذ لذلك عبدا لأنه قد يجوز ان يكون عدلا ، ولا يتخذ كافرا بغير خلاف.
وفي آخر نسخة المكتبة الرضوية
تم كتاب المهذب في الفقيه للقاضي أبي القاسم بن البراج نور اللّه ضريحه
وفرغ من تحريره العبد الضعيف الفقير المحتاج إلى رحمة اللّه
تعالى أبو طالب على بن محمد بن على يوم الثلاثاء الرابع عشر
من صفر سنة احدى وخمسين وست مأة وهجرية
حامدا لله مصليا على نبيه محمد وعترته
الأطهرين وقد كتب هذا الكتاب مصنفه
في سنة سبع وستين وأربع مأة
ص: 600
الصفحة / العنوان
الصفحة / العنوان
21 - كتاب المزارعة
9 - تعريف المزارعة
10 - شرائط المزارعة
12 - حكم ما اذا استأجر رجل ارضا مدة معينة
13 - حكم ما اذا استأجر رجل ارضا وباعها مالكها بعد ذلك
22 - كتاب المساقاة
15 - موارد المساقاة
15 - حكم ما لو هلكت الثمرة ببعض الآفات السماوية
16 - اذا استأجر انسان ارضا باجرة معلومة واراد أن يوجر بعضها باكثر
17 - اذا رفع انسان إلى غيره نخلا معلومة هذه السنة بالنصف
18 - جواز جعل الارض بعنوان المزارعة بيد الحربى الذى دخل دار الاسلام
19 - مزارعة الصبى والعبد المأذون لهما في التجارة
21 - بطلان ما اذا تكفل انسان لصاحب الارض بحصته مما تخرج الارض
21 - اذا وكل انسان غيره بارض له على ان يدفعها مزارعة هذه السنة
23 - اذا تزوج الرجل المرأة بزراعة ارض هذه السنة
24 - اذا دفع انسان إلى غيره نخلا معاملة على ان يلقحه
25 - اذا مات صاحب الارض والمزارع اوماتا جميعا
25 - اذا رهن انسان عند غيره ارضا ونخلا بدين له عليه
ص: 601
الصفحة / العنوان
الصفحة / العنوان
23 - كتاب احياء الموات
27 - بيان الاخبار
28 - بيان اقسام البلاد
29 - اراضى الموات تكون للامام
29 - حكم احياء الاراضى
30 - اذا حفر بئرا او ساقية او نهرا يملك حريمها
31 - اذا حفر بئرا في داره واراد جاره حفر بالوعة او خلاء بقرب هذا البئر
33 - اذا سبق إلى بعض المعادن الظاهرة رجلان
34 - حكم المعادن التى ليست ظاهرة
35 - حكم البلد الذى افتتح عنوة والبلد الذى افتتح صلحا
36 - اذا ملك انسان معدنا في ارض احياها ثم عمل فيها رجل فاخرج منه قطعا
38 - جواز شراء الانسان ارضا مع شرب مائها
39 - جميع المسلمين في انهار الكبار شرع سواء
24 - كتاب الرهن
43 - ادلة جواز الرهن
44 - احتياج الرهن إلى الايجاب والقبول
44 - ما يتعلق بالرهن
46 - اذا اذن الراهن للمرتهن في قبض الرهن ثم رجع عن الاذن
47 - اذا قبض المرتهن والرهن باذن صاحبه
48 - اذا اقر المرتهن والرهن بقبض الرهن في وقت
50 - من اعار غيره شيئا ثم رهنه
52 - اذا اذن المرتهن للراهن في العتق او الوطأ ثم رجع عن الاذن
54 - ما اذا اختلفا الراهن والمرتهن في شيئ من الشروط
59 - اذا اقترض انسان من غيره الفا « ورهن بها عبدا »
60 - اذا اختلف المتراهنان في الخمر
61 - اذا رهن ما يسرع اليه التلف
62 - اذا شرط المتراهنان ان يكون الرهن على يد عدل
63 - فروع الرهن
67 - حكم ما اذا كان المتراهنان غائبين
68 - حكم ما اذا وكل المتراهنان عبدا بغير اذن سيده
ص: 602
الصفحة / العنوان
الصفحة / العنوان
69 - في بقية ما يتعلق بالرهن
73 - اذا باع شيئا « من غيره وشرط ان يكون المبيع رهنا » في يد البائع
75 - عدم جواز تصرف المالك في الرهن
25 - كتاب الوقوف والصدقات
85 - بيان الروايات
86 - ما يتوقف عليه صحة الوقف
88 - وقف المفتوح عنوة
90 - تقسيم الوقف حسب الموقوف عليه
92 - تقسيم الوقف حسب الواقف
93 - في الوقف المشاع
94 - باب النحلة والهبة
95 - الهبة عقد جائز
97 - باب الهدية
98 - اقسام الهدية
100 - باب السكنى والعمرى والرقبى
26 - كتاب الوصايا
103 - ادلة الوصية
105 - باب ما صح من الوصايا وما لا يصح
108 - الوصية للحمل
112 - الايصاء للحج
114 - حكم الايصاء للاقرباء
116 - باب الاوصياء
117 - الايصاء للحاضر والغائب
119 - باب شروط الايصاء
120 - الاشهاد إلى الوصية
27 - كتاب الفرائض
122 - ادلة لزوم تعلم الفرائض
123 - باب الاسباب التى يستحق الارث بها
124 - باب ما يمنع من الارث
124 - باب سهام الارث
125 - باب مراتب المواريث
125 - باب ميراث الوالدين
130 - طعمة الجد والجدة
131 - باب ميراث الولد وولد الولد
133 - باب ميراث الاخوة والاخوات
137 - باب ميراث اولاد الاخوة والاخوات
139 - باب ميراث الازواج والزوجات
142 - باب ميراث الاجداد والجدات
145 - باب ميراث ذوى الارحام
153 - باب ميراث المولى وذوى الارحام
156 - باب توارث اهل ملتين
160 - في ارث المرتد
ص: 603
الصفحة / العنوان
الصفحة / العنوان
162 - باب ميراث القاتل
163 - باب من يستحق دية المقتول
164 - باب ميراث ولد الملاعنة
165 - باب ميراث الحميل والاسير
167 - باب ميراث المماليك والمكاتبين
170 - باب ميراث المجوس
171 - باب ميراث الخنثى
173 - باب احتصار حساب الفرائض
28 - كتاب النكاح
178 - بيان الايات والاخبار الواردة في باب النكاح
179 - باب اقسام النكاح وباب ذكر الكفاءة فيه
182 - باب ذكر من يحرم نكاحه
190 - باب ما يحرم من النكاح بالرضاع
192 - باب من يجوز له العقد في النكاح ومن لا يجوز
202 - باب ما اذا لم يسم بالمهر
205 - اذا اختلفت المرأة وزوجها في مبلغ المهر
208 - اذا قبضت الزوجة المهر وطلقها زوجها قبل الدخول بها
210 - في تزويج المحجور عليه
213 - فيما اذا بانت الزوجة ثيبا
214 - عدم جواز امتناع الزوجة من زوجها
215 - باب نكاح الاماء والعبيد وما يتعلق بذلك
217 - في تزويج العبد بحرة بغير اذن سيده
220 - باب ما ينبغى فعله عند العقد
221 - في آداب الغشيان
225 - باب القسمة على الازواج
231 - باب التدليس في النكاح
239 - باب نكاح المتعة
250 - باب نكاح المشركين
259 - باب احكام الولادة والعقيقة والرضاع
263 - باب النشوز
265 - باب الشقاق والحكمين
267 - باب الخلع
273 - في شروط الخلع
29 - كتاب الطلاق
275 - شروط الطلاق
276 - باب ما يقع به الطلاق ومالا يقع
280 - باب اقسام الطلاق
ص: 604
الصفحة / العنوان
الصفحة / العنوان
281 - باب صفة طلاق السنة
282 - باب طلاق العدة
283 - باب طلاق المدخول بها وغير المدخول بها
285 - باب طلاق الحامل
286 - باب طلاق الآئسة والغائب
288 - باب طلاق الغلام والمماليك
289 - باب طلاق المريض
290 - باب الرجعة
297 - باب الظهار
301 - باب الايلاء
30 - كتاب اللعان والارتداد
306 - بيان الايات والاخبار
314 - باب العدد والاستبراء
337 - باب المفقود وعدة زوجته
338 - باب الحاق الاولاد بالاباء واحكام ذلك
341 - باب النفقات
31 - كتاب العتق
355 - بيان الايات والاخبار وذكر من يصح تملكه ومن لا يصح
357 - شرائط صحة العتق
364 - باب الولاء
365 - باب التدبير
374 - باب جناية المدبر والجناية عليه
375 - باب المكاتبة
383 - باب مكاتبة المريض
385 - باب المكاتبة الفاسدة
386 - باب احكام الجنايات الواقعة من المكاتب بغيره او من غيره به
393 - مسائل في المكاتبة
32 - كتاب الايمان
402 - بيان الايات والاخبار
403 - اقسام اليمين
405 - اذا حلفت المرأة لزوجها ان لا تتزوج بعد طلاقه لها
408 - باب النذور والعهود
33 - كتاب الكفارات
414 - باب كفارة اليمين
421 - باب كفارة الظهار والايلاء وكفارة الحلف بالبرائة من اللّه ورسوله
ص: 605
الصفحة / العنوان
الصفحة / العنوان
422 - باب كفارة من افطر في يوم رمضان متعمدا وكفارة قتل العمد والخطأ
423 - كفارة من وطأ زوجته أو أمته في الحيض
424 - كفارة من نظر إلى المصلوب
424 - كفارة لطم المرأة وجهها في مصاب وقتل السيد مملوكه
425 - باب ما يلحق بها
34 - كتاب الاطعمة والاشربة
426 - الايات والاخبار
427 - باب اقسام الاطعمة والاشربة
430 - باب الاشربة
431 - باب ما يتعلق بالاطعمة والاشربة
434 - باب آداب الاكل والشرب
435 - باب الصيد والذبائح
439 - باب ما يحل من الذبائح وما يحرم منها
35 - كتاب الطب والاستشفاء الاستشفاء بالبر وفعل الخير
36 - كتاب الدية والقصاص
453 - باب تحريم القتل بغير حق
456 - باب اقسام القتل
457 - الدية واحكامها
458 - انقسام الدية إلى اقسام
467 - باب قتل الاثنين او اكثر منهما بواحد
470 - باب القصاص والشجاج
473 - قصاص الاطراف
499 - باب البينات على القتل والقسامة
503 - باب العاقلة
509 - باب دية الجنين والميت
511 - باب الجناية على الحيوان
513 - باب ما لا دية فيه ولا قود
37 - كتاب الحدود
518 - باب الزناء واقسامه
524 - باب ما به يثبت حكم الزناء
527 - باب كيفية اقامة الحد
529 - باب الحد في اللواط والسحق
531 - المساحقة
533 - نكاح البهائم
534 - حد الاستمناء
534 - باب الحد في القيادة وشرب الخمر
537 - باب الحد في السرقة
538 - باب شروط القطع في السرقة
ص: 606
الصفحة / العنوان
الصفحة / العنوان
543 - باب ذكر من لايقام عليه الحد
545 - باب صفة قطع اليد والرجل في السرقة
546 - باب الحد في الفرية وما يوجب التعزير
553 - باب حدود المحارم
554 - احكام الخناق والنباش والمختلس والمحتال والمنبج
38 - كتاب الشهادة
556 - اقسام الشهادة
559 - باب كيفية الشهاده واقامتها
560 - الشهادة على الشهادة
562 - باب شهادة الزور
564 - باب التغليظ في اليمين
39 - كتاب اللقطة والضوال
569 - احكام اللقيط والابق
40 - كتاب القسمة والبنيان
574 - اذا كان العلو لشخص والسفل لشخص آخر
575 - اذا كان الحائط بين دارين
41 - كتاب الدعوى والبينات
580 - باب ما على الحاكم بالخصوم والشهود
585 - احكام الاقرار والانكار
587 - باب كتاب قاض إلى قاض
589 - باب الاستحلاف
590 - باب آداب القضاء
597 - شرائط القاضى
597 - العلوم التى يجب ان يتعلمها القاضي
600 - ما في آخر نسخه المكتبة الرضوية
601 - فهرس ما في هذا الجزء
ص: 607