العدالة في فقه أهل البيت (علیهم السلام)

هوية الكتاب

العدالة في فقه أهل البيت (علیهم السلام)

تقريراً لبحث سماحة آية اللَّه

الحاج الشيخ مسلم الداوري (دام ظلّه)

بقلم

حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ

محمّد علي علي صالح المعلّم (ره)

تحقيق

الشيخ حسن العبودي

محرر رقمي:محمد المنصوري

ص: 1

اشارة

عکس

ص: 2

ص: 3

ص: 4

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ اَلْرَحیمْ

ص: 5

ص: 6

عکس

ص: 7

ص: 8

تقديم

(يَا أيُّهَا العَزِيزُ مَسَّنَا وَأهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأوْفِ لَنَا

الكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إنَّ اللَّهَ يَجْزِي المُتَصَدِّقِينَ). (يوسف : 88)

يا سيدي يا من هو مظهر العدل الإلهي في أرضه

يا من ادّخره الإله لإظهار دينه

يا محقّق حلم الأنبياء والأوصياء

يا من نادت به البشرية جمعاء

العدل بانتظارك

والعالم والمستضعفين ودماء الشهداء بانتظارك

مولاي هل ترى نحفُّ بك وأنت تأمُّ الملأ

وأذقت أعداءكَ هواناً وعذاباً

عندها تحقّق الحق

وتقطع دابر المتكبّرين والظالمين والمنافقين

ونحن نقول الحمد للَّه ربّ العالمين

ص: 9

ص: 10

کلمة سماحة الشيخ الأستاذ

عکس

ص: 11

ص: 12

مقدمة التحقيق

ص: 13

ص: 14

العدالة الاجتماعية:

اشارة

هي طموح الفطرة الإنسانية الّتي يحقّق بها تحصيل كمالها المنشود ؛ لأنّها أدركت أنّ طريق تحصيل ذلك الكمال منحصر بمبدأ العدل، فسعت إليه بكلِّ ما تملك من قوىً روحية وجسدية، ولكن يبقى هذا الطموح شعاراً لم يتحوَّل إلى واقع، وذلك لعدم إدراكها لآلية تحويل العدل - والّذي يعني: الاعتدال والتوسّط - إلى واقع قادر على تحريك عجلة الحياة نحو الكمال، لذلك كان هذا السؤال مسرحاً لصراع المدارس الفلسفية والتربوية عبر تاريخ الإنسانية الطويل، من دون أن تصل إلى حقيقة تركن إليها النفس الإنسانية.

وجاء الإسلام ليثبت أنّه النموذج الأكمل الصادر من عالم غيب السموات والأرض، فانطلق من عقيدة التوحيد الّتي تعني تحرّر الإنسان من سيطرة الشيطان والطاغوت، فكانت تلك أوّل بذرة للعدل في طريق الكمال.

ثمّ اتّخذ من العدالة الّتي تعني الاعتدال والتوسط المبدأ الأساس الّذي منه ينطلق لبناء مسيرته، فاعتبر الوسطية الركن الأساس لتحقيق حالة التوازن في المجتمع الإسلامي، فالإنسان الكامل فرد نادر لا يجود به الزمان إلاّ بعد حين، ويبقى ذلك الفرد يمثل القدوة والأسوة في المجتمعات، وهو الأمل الّذي تطلعت إليه عبر تأريخها الطويل، فكانت تشير إليه بالمنقذ، والمصلح، والمنتظر، وصاحب

ص: 15

الأمر، والحجة، والإمام المهدي - روحي وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء - ، فهو الكمال الإنساني الّذي ادّخره اللَّه تعالى ليشيد على يديه المباركتين صرح العدالة.

والفرد الداني عنصر تتنفر منه الفطرة السليمة لما يحمله من صفات الخسّة والرذيلة، فيبقى في زاوية الشذوذ، فلا دور له في مسيرة الحياة التكاملية المنشودة، ولكنّه يبقى شرارة خطر تهدّد المجتمعات والشعوب بالانتكاس والسقوط.

فيبقى الدور للحالة الوسطية في الاجتماع الإنساني، فعلى عاتقها تقع مسؤوليّة إكمال المسيرة الإنسانية الهادفة إلى الكمال عبر ما تحمله من مبادى ء الوسطية والاعتدال الّذي تتميّز به وتحاول أن تقوّم كلّ شي ء على أساسه، وبهذا يتحوّل عنوان العدالة من شعار إلى شعور، حيث إنّه بذلك يشغل كلّ مفاصل الحياة الإنسانية، فيتمثّل في:

1 - العدالة في الاقتصاد.

2 - العدالة في الاجتماع والفكر.

3 - العدالة في السياسة.

فهذه المحاور الثلاثة بتفصيلاتها تشغل مجمل الحياة الإنسانية، وبهذا يكون الإسلام قد وضع دستور الحياة المتكامل والقابل للتكيّف مع جميع المجتمعات وعلى مختلف مراحلها التأريخية، وبكلّ مستوياتها الفكرية والعلمية.

هذه التربية والضوابط الّتي وضعها ودعا لها الإسلام، لم تكن ضرباً من آراء المدينة الفاضلة، بل هي واقعية تدركها الذات الإنسانية.

ولكي تأخذ هذه النظرية مكانها من الواقع الإنساني، كان لابدّ لها أن تبدأ من

ص: 16

الفرد، فإذا تلبّس بالعدل وانعكس على سلوكه وعمله كان هو الميزان في هذه المسيرة، وبذلك تشيع ظاهرة الاعتدال بين الأفراد، قال تعالى: «هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم» (1).

وهكذا تنتقل حالة الاعتدال إلى جميع مفاصل الحياة من دون إفراط أو تفريط، فالاعتدال والمساواة في الحقوق العامّة يعني: تساوي الجميع في الحقوق الفردية، فالجميع له حقُّ التعلّم، وحقّ العمل، وحقّ الانتخاب، وحقّ التملّك... .

ويبقى ميدان الحقوق الشرعية، موضوعها الإنسان نفسه مع قطع النظر عن علمه وتدينه فالجميع متساوون أمام مولاهم سبحانه وتعالى وأمام نظامهم الاجتماعي الإلهي فيما يتعلّق بالحقوق والواجبات.

ولكن تبقى حالة التفاضل العادلة لها دورها في هذه المعادلة حيث إنّها تأخذ بنظر الاعتبار قابليات الأفراد الإبداعية، وإلاّ تقع في مستنقع الظلم وتبتعد عن صرح العدالة.

بهذا تتّضح مقوّمات المجتمع المدني الّذي يسوده العدل والإحسان والّذي دعا إليه القرآن الكريم، وهكذا نكون قد استثمرنا عنصري العدل والانتظار وحقّقنا شرط الظهور الموكول إلى الأمّة تحقيقه، في الوقت الّذي تلوح في الأفق علائم ذلك الظهور المبارك حيث انتشار الظلم والاضطهاد والفساد وما يرافقها من أحداث في عالمنا المعاصر.

لهذا تعدّدت مظاهر العدل، وتنوع البحث فيه فدخل في الكلام الإسلامي، والفلسفة الإسلامية، وهكذا في الاجتماع، والاقتصاد، والسياسة فبُحث العدل

ص: 17


1- سورة النحل، الآية 76

الاجتماعي من الناحية العملية ودراسة الحقوق والواجبات، كما كانت هناك دراسات ايديولوجية مقارنة بين العدل في الفكر المادي والعدل في الفكر الإسلامي.

ولكن يبقى السؤال المهم: ما هي آلية تحقيق هذا العدل في الحياة الإنسانية، بعبارة أخرى: كيف ينمو عنصر العدل في النفس الإنسانية حتى تكون مستعدّة لتحويله إلى واقع عملي في حياتها؟

والجواب يتّضح من خلال تتّبع علاقة العدل بمراحل حياة الإنسان الفكرية والّتي نحاول أن نشير إليها بنحو الإجمال:

العدل والتوحيد:

تدبر الإنسان بما يحيط به، وربطه بين الموجود والموجد، بين النظام والمنظم،...، يهديه إلى إدراك وجود خالق مدبّر لا شريك له وراء ما يحيط به من عالم لا متناهي، ولكن يبقى الاختيار منوط بالإنسان نفسه «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» (1)، هكذا يحدد الإنسان رؤيته الكونية، وعلى أساسها يتحدّد سلوكه.

فبإدراكه لحقيقة الخلق، والتعرف على الحق تبارك وتعالى، والإيمان به، يرتبط الإنسان بالغيب، ويدرك مبدأ العدل الإلهي، وأنّه لم يخلق عبثاً، فتظهر على النفس علائم الاستقرار، والوثوق بالحكمة الإلهية.

قال تعالى: «ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتّقين * الّذين يؤمنون

ص: 18


1- سورة الكهف، الآية: 29

بالغيب ويقيمون الصّلاة وممّا رزقناهم ينفقون» (1) ترسم الآيات المباركة الصورة التكاملية للإنسان والمتمثلة بالتقوى، وهي حصيلة الفعل العبادي المستند إلى الإيمان بالغيب والعدل في مرحلة التوحيد، وهما عنصرا بناء الشخصيّة الإسلاميّة المتّصفة بالتوازن والاستقرار، والقادرة على تفعيل ما يناط بها من تكاليف إلى واقع عملي، فتنطلق بثقة لبناء الحياة، وخلق حضارتها، لتتكامل شخصيّتها في نهاية المطاف بما يتلائم وطبيعة الاستخلاف.

فيكون الإنسان قادراً على التعرف على مبدأ الخير ومبدأ الشرّ من خلال العقل والميزان في ذلك العدل المستند إلى الفطرة (وهديناه

النجدين) (2).

فبالعقل يدرك وجود الصانع، وبالعقل يدرك أنّ الظلم قبيح، وبالعقل كتب المولى تبارك وتعالى على نفسه العدل، وهكذا، بالعدل خلق السماوات والأرض، وبالعدل يحكم بين الخلق، وبالعدل سيّر نظام التكوين، وبالعدل أنزل التشريع، وبالعدل كان بعث الأنبياء ضرورة.

العدل والنبوة:

إدراك الإنسان لوجوده بين عالم الغيب وعالم الشهادة هيّأ له الانطلاق من عالم الغيب لتكوين رؤيته الكونية، الّتي تترتّب عليها سلوكيته الحضارية بما ينسجم وتلك الرؤية الكونية، بتقنين النظام والتشريع الّذي يحدد هذه السلوكية من قبل عالم الغيب والشهادة؛ فكانت ضرورة بعثة الأنبياء مطلباً عقلياً، ومن مقتضيات العدل الّذي كتبه تعالى على نفسه لسدّ حاجة الإنسان تلك، وغلق باب

ص: 19


1- سورة البقرة، الآية: 2 - 3
2- سورة البلد، الآية: 10

الحجّة للناس على اللَّه تعالى: «يا أيّها الّذين آمنوا استجيبوا للَّه وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم» (1).

ولخطورة الدور الّذي يطلع به النبي من كونه الواسطة بين الخالق والمخلوق، كان لابدّ من اتصافه بصفات تأهله للاطلاع بهذا الدور الخطير

الّذي ينطوي وراءه سرّ الخليقة «وما خلقت الجنّ والإنس إلاّ ليعبدون» (2) فكان من أبرز تلك الصفات والمؤهّلات لتحمل الرسالة هو العدل: فهو ضرورة لصيرورته قدوة صالحة ونموذجاً كاملاً.

فقوام الحركة العملية للبناء الحضاري، النبي، والإنسان - على مستوى الفرد أم الجماعة - والعدل محور هذه الحركة، لأنّه الضمانة في انسجام الحركة الحضارية مع العدل الإلهي الّذي بني عالم الوجود على أساسه.

هذا ما يكشف عنه الحديث الشريف: «عدل ساعة خير من عبادة سبعين سنة، قيام ليلها، وصيام نهارها» (3).

ولو أردنا أن نستنطق النصّ الشريف، لوجدنا أن السبعين سنة فيها إيحاء إلى متوسط عمر الإنسان. فلو استثمر الإنسان هذه المساحة الزمنية من عمره بالعبادة المتقوّمة بالصّلاة والصوم، فقيام الليل بالصّلاة يبعد الإنسان عن المعصية في ظرفه، وصيام النهار كذلك يبعده عن المعصية في ظرفه، فيكون قد استوعب الليل والنهار طوال حياته بالعبادة، وبعيداً عن المعصية، ولكنه مع ذلك لم يحقق

ص: 20


1- سورة الأنفال، الآية: 24
2- سورة الذّاريات، الآية: 56
3- مستدرك الوسائل: 11 : 317 / 13142، وبحار الأنوار: 72 : 352 ب 81 من أبواب كتاب العشرة، ح 61

الكمال المنشود الّذي يتأتى له عن طريق الفعل الحضاري المتقوّم بالعدل، والّذي يحقق حالة الانسجام بين الفعل الكوني، والفعل الحضاري.

لكن فاعلية الدين لم تتوقف عند مرحلة النبوة، فلابدّ للشريعة الخاتمة

من الاستمرارية في تفعيل الواقع الاجتماعي أو الإنساني، فكان وجود الوصي ضرورة.

العدل والإمامة:

مقولة إغفال السماء، أو النبي صلى الله عليه وآله لما بعد النبوة، تكشف عن عدم وعي قائلها لحقيقة الرّسالة الإسلاميّة، لتنافيها وأصل العدل الإلهي، وعدم انسجامها ودعوى خاتميّة الرّسالة، خصوصاً مع عدم وقوف المسلمين على جميع خصائص ومفردات التشريع المودع بين دفتي القرآن الكريم.

فضرورة وجود قيّم يعلم تأويل القرآن، وظاهره وباطنه، ومحكمه ومتشابهه...، ليكون القرآن الناطق في خلقه؛ من مدركات العقل السليم، ولم يجرأ أحد على ادعاء هذه القيّوميّة، ولكنهم اعترفوا لعلي (علیه السلام) بذلك، وكلّ ما قال في القرآن فهو حقّ، وكان الحجة عليهم، والامتداد لخطّ الرسالة، وبهذا أُلْزِمَ المسلمون بنصّ النبي صلى الله عليه وآله في حديث الثقلين. فكانت الإمامة من مقتضيات الحكمة الإلهية في إتمام الحجة على الناس وأن لا يتركهم سداً وهذا ما أثبتته آية البلاغ.

وهكذا مثّلت سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) عدل اللَّه في أرضه، فهو القدوة والميزان، به يعرف الحق، وبه يكتمل الإيمان، وبعدله أشاد الحكم، وقوّم الناس، فكانت منهاجاً لبناء الشخصيّة الإسلاميّة المتقوّمة بالعدل.

ص: 21

وهكذا كانت دولة العدل الّتي أدار رحاها علي (علیه السلام) طموح طلاّب

دولة العدل في عصر الغيبة، ولكن غياب الدولة الإسلامية العادلة وعلى امتداد التأريخ الإسلامي لا يعني انزواء الرّسالة عن الحياة، وتركها للاجتماع الإسلامي يعيش حالة الفوضى، أو الانصهار في الدولة المنحرفة، لتنافيه وأصل الرّسالة وخاتميّتها.

فكان لمقولة المجتمع المدني، أو المجتمع الديني المتقوّم بالعدل دوره في حفظ الاجتماع ومواصلة البناء الحضاري، وإيصال الأمانة الملقاة على عاتق الاجتماع الإسلامي إلى الأجيال اللاّحقة.

العدل والمجتمع المدني:

دخل مفهوم المجتمع المدني في نقاش وتطوّرات ابتدأت من أرسطو، وتبلورت بما بعد الحداثة في أوربا، حتى تحول إلى واقع في الاجتماع الأوربي الليبرالي المعاصر.

لا نريد أن ندخل في تحديد مفهوم المجتمع المدني ودلالاته، «عموماً يشير المجتمع المدني عادة إلى نوع من الحياة الاجتماعية والاقتصادية بمعزل عن وصايا وهيمنة الدولة المباشرة» (1).

يتناول هذا المفهوم تطور تاريخي غربي أُسقط على ثقافتنا، كغيره من المصطلحات في الفكر الغربي الّتي صدّرت إلى المجتمعات الإسلامية وأريد منها أن تكون بدلاً عن الدين، والمجتمع الإسلامي، بل مناهضةً للدولة الإسلامية.

لقد أتاح التطور العلمي والتكنلوجي للإعلام الغربي التسلل بثقافته وفكره

ص: 22


1- الإسلام والانثروبولوجيا: 163

إلى داخل البيت الإسلامي، بل سخَّر مصطلحاته تلك من ديمقراطية وعولمة وغيرها لتحقيق نزعة الهيمنة والتسلّط الّتي تمتلك العقل الغربي.

دخل الفكر الإسلامي والعربي المعاصر مرحلة جديدة من المواجهة الفعلية، فكان لمفهوم المجتمع المدني الحظ الأوفر من هذه المعادلة، فتعدّدت القراءات فيه، فهي ما بين رافض ومؤيّد، وثالث داعٍ إلى أسلمة المفهوم.

إنّ ردّ الفعل المباشر بالرفض ومحاولة غلق الأبواب أمام هذا المفهوم لا يمثل واقعية عقلائية وعملية في ظلّ الظرف الراهن - خصوصاً بعد سحب الخيار والمبادرة من يد المسلم المعاصر لما عرفت من دخول الفكر الآخر إلى واقعنا بكل قواه وثقله، ولامتلاكه وسائل الإعلام المؤثر في الواقع الاجتماعي الإسلامي المعاصر - ما لم يستند هذا الرفض إلى تأصيل علمي للمفهوم، ودراسة جدّية للواقع الاجتماعي الإسلامي، وتفعيل خطاب معاصر قادر على المواجهة والتأسيس.

كما أن أسلمة كلّ قادم هو ضربٌ من الإفراط المبالغ فيه، خصوصاً مع ملاحظة حالة التناقض والتنافر الفكري والحضاري بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية، لا نريد أن نتبنى السلبية المطلقة، فتبادل العلوم وتلاقح الحضارات، وانتقال مظاهر التمدن والرقي، أمر مطلوب شريطة أن لا يكون على حساب ثوابتنا الدينية، وأصولنا الفكرية، وقيمنا الحضارية.

كما أنّ مقولة أن الفكر الإسلامي التقليدي ركّز أساساً على مسألة الدولة، على إطلاقه مغالطة واضحة، فالمتتبع للحركة الفكرية الإسلامية يجد لمفهوم المدنيّة والتمدن عمقاً تاريخياً؛ وأريد به: المجتمع الديني الّذي احتلّ مساحة واسعة داخل الدولة الإسلامية الّتي تحرّكت باسم الدين من العصر الأموي وغيره

ص: 23

إلى يومنا الحاضر!!!

إنّ خطأ التطبيق من قبل الدولة الإسلامية المتسلّطة باسم الدين لا يعني انزواء الدين عن واقع الحياة بسبب هذا الإقصاء. فالدين الإسلامي يمثل منظومة فكرية وتشريعية متكاملة له آلياته المتحركة في الواقع الاجتماعي الإسلامي بما يتلائم وخاتميّته، دفعت بالمسلم على مستوى الفرد والجماعة نحو بناء حضارته المتقوّمة بالعدل في داخل إطار الدولة الإسلامية تلك، كما أنّه يمثل عنصر قوة وضمانة للدولة الإسلامية المطلوبة.

تبرز معالم هذا التصور أكثر عندما نتتبع الحركة الاجتماعية في داخل الإطار الإسلامي الشيعي - والّذي يمثّل الامتداد الطبيعي للرسالة الإسلامية - من خلال الهيكلية الّتي اعتمدها في بناء الشخصية الإسلامية المتقوّمة بالعدل، وذلك ببيان الحقوق لهم، والّتي يمكن حصرها رغم تشعّبها وكثرتها بأصول ثلاث:

الأوّل: الحقوق الّتي بينه وبين نفسه.

الثاني: الحقوق الّتي بينه وبين خالقه.

الثالث: الحقوق الّتي بينه وبين المخلوق.

استكمالاً للفائدة المتوخّاة من البحث نشير إلى جذور هذه الأصول والضابطة فيها من النصوص الشريفة:

ضابطة الأصل الأوّل: قال تعالى: (وأمّا من خاف مقام ربّه ونهى النفس عن الهوى فإنّ الجنّة هي المأوى) (1).

ص: 24


1- سورة النازعات، الآية: 40

وعن أمير المؤمنين (علیه السلام) أنّه قال: «أوّل عدله نفي الهوى عن نفسه» (1).

ضابطة الأصل الثاني: قال أمير المؤمنين علي (علیه السلام) في وصيته إلى مالك الأشتر: «أمره بتقوى اللَّه، وإيثار طاعته، واتِّباع ما أمر به في كتابه: من فرائضه وسننه الّتي لا يسعد أحدٌ إلاّ باتّباعها، ولا يشقى إلاّ مع جحودها وإضاعتها، وأن ينصر اللَّه سبحانه بقلبه ويده ولسانه، فإنّه جلّ اسمه، قد تكفّل بنصر من نصره، وإعزاز من أعزّه» (2).

ضابطة الأصل الثالث: وهي ما أشار إليه أمير المؤمنين (علیه السلام) بقوله: «يا بُنيّ اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك، فأحبب لغيرك ما تحبُّ لنفسك، واكره له ما تكره لها، ولا تظلم كما لا تحبّ أن تُظلم، وأحسن كما تحبُّ أن يُحسن إليك، واستقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك، وارض من الناس بما ترضاه من نفسك».

إلى أن قال (علیه السلام): «وحفظ ما في يدك أحبّ إليّ من طلب ما في يدي غيرك، ومرارة اليأس خير من الطلب إلى الناس، والحرفة مع العفّة خير من الغنى مع الفجور،...، قارن أهل الخير تكن منهم، وباين أهل الشرّ تبِن عنهم، بئس الطّعام الحرام».

إلى أن قال (علیه السلام): «لا خير في معين مهين، ولا في صديق ضنين،...، احمل نفسك من أخيك عند صرمه على الصلة، وعند صدوده على اللطف والمقاربة، وعند جموده على البذل، وعند تباعده على الدّنوِّ، وعند شدّته على اللِّين، وعند جُرمه على العذر، حتّى كأنّك له عبد، وكأنّه ذو نعمة

ص: 25


1- نهج البلاغة: 119 / 87 خطب أمير المؤمنين (علیه السلام)
2- نهج البلاغة: 426 / 52 رسائل أمير المؤمنين (علیه السلام)

عليك، وإيّاك أن تصنع ذلك في غير موضعه، أو أن تفعله بغير أهله» (1).

هذه المجموعة من الحقوق كونت سلسلة المنظومة الاجتماعية المترابطة والمتقوّمة بالعدل، مع مراعاة وجود المقنِّن والمصحح لحركة البناء الحضاري للمجتمع في عصر الغيبة. فكان للمرجعية هذا الدور لأنّها تمثل الامتداد للمعصوم(علیه السلام) بنيابتها العامّة عنه، واشترط فيها صفات عالية أهمّها العدالة لأنّها الضمانة لتحقيق العدل، وتوفير الأرضية لقبول ما يصدر عنها.

هذا بالإضافة إلى ظاهرة التولّي والتبرّي - والّتي احتلّت مساحة واسعة من المنظومة الفكرية الشيعية - مساهمة فاعلة في بلورة الاجتماع الديني الرافض لكلّ أنواع الظلم، والمتولّي للعدل وأهله.

كما كان للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والّذي قوامه العدل أيضاً آلياته في حفض حالة التوازن في ذلك الاجتماع.

هكذا يكون لدينا مجتمعنا المدني الإسلامي والّذي يعتمد على مباني وأصول عقدية وفلسفية وقيمية، في قبال المجتمع المدني في الفكر الغربي، ولكلّ منهما أهدافه ومشخصاته؛ فالأوّل يعتمد العدل في حركته، والثاني يعتمد الانفلات القيمي والخلقي في حركته.

لكن يبقى الكلام في مسؤولية صياغة الخطاب المعاصر لفكرنا وطروحاتنا، وآليات تسويقه بما ينسجم وطبيعة المواجهة!!!

هنا يصل المجتمع الإسلامي إلى مرحلة تسليم الأمانة الّتي تحمّلها في مسيرته، والإعداد لمرحلة التكامل، وذلك بالإعداد لرجل العدل الكامل، وناشره

ص: 26


1- نهج البلاغة: 397 / 31 رسائل أمير المؤمنين (علیه السلام)

على أرضه، عبر تفعيل العدل من خلال مبدأ الانتظار.

العدل والانتظار

العدل والانتظار(1):

شخصيّة الإمام المهدي (علیه السلام) حقيقة إسلامية، والعقيدة به عقيدة نطقت بها الحقيقة المحمدية، فالإيمان به إيمان بصاحب الرسالة لتواترها، فالمهدي المبشّر به على لسان النبي الصادق الأمين صلى الله عليه وآله إنّما يخرج لتطبيق ما جاء به الرسول الخاتم صلى الله عليه وآله، وعلى يديه يتمّ الوعد الإلهي بإظهار الدين كلّه.

والتطبيق إنّما يتمّ بعد إعداد وتهيئة، ومن مستلزمات الإعداد الاختبار والامتحان والبلاء، ولو كان الإعداد قسرياً لبطل التكليف. فالكلام في الحقيقة المهدوية ليس في ظهور الإمام المهدي - عجّل اللَّه تعالى فرجه - ولا ينحصر بالعلامات وإن كان لها دور في تحريك الوجدان عند المُنْتَظِر، بقدر ما هو فيمن يظهر له.

بعبارة أخرى: إنّ مسؤولية الظهور منوطة بالمكلَّف نفسه في تحقيق شرط الظهور، وصدق عنوان المُمَهِّدِ عليه.

ويمكن إجمال شرط الظهور بوجود القاعدة القادرة على النصرة وتحمّل مهام الدعوة الجديدة. وهذا ما يكشف عنه النصّ الشريف: «أفضل أعمال أمّتي انتظار الفرج» (2)، لما يظهر من آثار تربوية لعقيدة المهدوية يمكن الوقوف عليها

ص: 27


1- المادة المطروحة هي خلاصة حوار شارك فيه كاتب السطور حول موضوع (المهدي والمهدوية، التاريخ، العقل، النقل) لبعض العامّة في موقع هجر الثقافي على شبكة الانترنيت بتاريخ 18 / 10 / 2000 م
2- بحار الأنوار: 50 : 317 باب 38 من أبواب تاريخ الإمام أبي محمّد الحسن العسكري (علیه السلام). ح 14 ، وانظر: عيون أخبار الرّضا (علیه السلام): 2 : 36 / 87

من خلال مفهوم الانتظار؛ فالانتظار يحدد الرؤية الصحيحة والواقعيّة لمسيرة الإنسان والهدف منها، فكان المائز للمعتقد بالإمام المهدي (علیه السلام).

الانتظار: هو الترقّب.. هو التهيّؤ.. هو الأمل المنشود.

فهو ممارسة عبادية، وشعور وجداني، وحركة حضارية، وتهيّؤ نفسي وعقلي للتغيير والتطلّع له، محورها الغيب والعدل: «إنّ اللَّه لا يغيّر ما بقومٍ حتّى يغيّروا ما بأنفسهم» (1).

وهذا التغيير يتّخذ بُعدين في الحياة الإنسانية:

الأوّل: التهيّؤ والاستعداد على مستوى الفرد.

الثاني: التهيّؤ والاستعداد على مستوى الجماعة.

وركائز هذا التغيير في ظلّ الانتظار تكمن في:

أوّلاً: الولاء:

قال تعالى: «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصّلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون اللَّه ورسوله أولئك سيرحمهم اللَّه إنّ اللَّه عزيز حكيم» (2).

ثانياً: الصبر:

قال تعالى: «يا أيّها الذين آمنوا استعينوا بالصّبر والصّلاة إنّ اللَّه مع

ص: 28


1- سورة الرّعد، الآية: 11
2- سورة التوبة، الآية: 71

الصّابرين» (1).

ثالثاً: الأمل:

قال تعالى: «ونريد أن نمنّ على الّذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمّة ونجعلهم الوارثين» (2).

رابعاً: البراءة:

قال تعالى: «لا تجد قوماً يؤمنون باللَّه واليوم الآخر يوادّون من حادّ اللَّه ورسوله» (3).

وعن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: «... أوثق عُرى الإيمان الحبّ في اللَّه، والبغض في اللَّه، وتوالي أولياء اللَّه، والتبرّي من أعداء اللَّه» (4).

هكذا يستكمل العدل دوره في بناء الشخصية المُمَهِّدَةِ القادرة على تفعيل العدل في صياغة الواقع الحاضر المستقبل والمشمولة لقول النبي صلى الله عليه وآله: «طوبى للصابرين في غيبته، طوبى للمقيمين على محبّته، أولئك الّذين وصفهم اللَّه في كتابه «هدىً للمتّقين × الّذين يؤمنون بالغيب» » (5).

هذا ما أردنا الإشارة إليه في المقام، والوقوف على تفاصيل ذلك موكولإلى دراسة مستقلّة إن شاء اللَّه تعالى.

وبالإضافة إلى محورية العدالة في الفكر الإسلامي بل الإنساني، ودورها في

ص: 29


1- سورة البقرة، الآية: 153
2- سورة القصص، الآية: 5
3- سورة المجادلة، الآية: 22
4- الوسائل: 16 : 177 ، باب 17 من أبواب الأمر والنهي ، ح 4
5- ينابيع المودّة: 3 : 285 ، وانظر كفاية الأثر: 60، وبحار الأنوار: 36 : 305

مسيرة الإنسان التكاملية، قد احتلّت مسألة العدالة مساحة واسعة في الفقه الإسلامي لكثرة الموارد الّتي تُشترط فيها (1) فكانت محطة عناية الفقهاء الأعلام، فكثر حولها البحث والتحقيق ومنه البحث الّذي بين أيدينا والّذي تناول مسألة العدالة من جانبها الفقهي، وهو حصيلة دروس عالية في الفقه، لأحد الأعلام البارزين في ميدان البحث والتحقيق في احدى حواضر العلم والفقاهة، الحوزة العلمية في قم المقدّسة.

وهو سماحة آية اللَّه الأستاذ الشيخ مسلم الداوري «أدام اللَّه أيام إفاضاته».

وكان ذلك في شهر رمضان من عام 1416 ه ، وقد أسماها سماحته ب »مباحث تمهيدية لاستنباط أحكام العدالة«، وهي دروس استدلالية عالية في الفقه الإمامي امتازت بعمق الفكرة، وشمولية الأدلّة، وسلاسة العبارة.

وقد شملت هذه الدراسة ما يلي:

1 - تحديد مفهوم العدالة، ومناقشة الأقوال الواردة فيها.

2 - تحقيق ما يقدح بالعدالة من الكبائر، والإصرار على الصغائر، وترك ما خالف المروءة.

3 - بحث في التوبة، وهل أنّ العدالة تعود بتحقّقها.

4 - بحث في الطرق الّتي تثبت بها العدالة.

وممّن دوّن تلك البحوث العالية أحد المؤلّفين المجدّين في التحصيل والتحقيق من حضّار درس سماحة شيخنا الأستاذ - دام ظلّه - ، وهو العلاّمة حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ محمّد علي المعلّم رحمه الله.

ص: 30


1- راجع ص 39

ولجودة ما كتبه فقيدنا الغالي اتقاناً وأسلوباً ارتأى سماحة شيخنا الأستاذ إظهار ما كتبه من تقريرات تلك الدروس إلى عالم النور، وقد لبّيت أمر شيخنا الأستاذ، وتمثّلت مهمّتنا في التحقيق بما يأتي:

1 - استخراج الآيات والروايات الواردة في المتن.

2 - إرجاع الأقوال والنصوص الفقهية إلى مصادرها ومنابعها.

3 - تقويم النص والإخراج وفق الطرق المتّبعة في التحقيق.

4 - وضع الفهارس التفصيلية العامة للكتاب كفهارس: الآيات، والروايات، والمصادر، ومحتويات الكتاب.

وأخيراً أسأل اللَّه تبارك وتعالى أن يتقبّل عملنا هذا بأحسن القبول وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، ويديم علينا نعمته لخدمة دينه الحنيف، واتّباع سيرة نبيّه وآله عليه وعليهم أفضل الصلاة وأتمّ التسليم، وما توفيقي إلاّ باللَّه عليه توكّلت وإليه أُنيب.

وآخر دعوانا أن الحمد للَّه ربّ العالمين

حسن عبد الحسين العبودي

قم المقدّسة

5 جمادى الأولى 1425 ه-

ذكرى ميلاد الحوراء زينب (علیها السلام)

ص: 31

ص: 32

التمهيد:

عکس

ص: 33

ص: 34

لاشكّ أنّ العدالة من المسائل المهمة في الشريعة المقدسة، وقد أولاها عناية خاصة بوضع ضوابطها، وحدودها، وما يترتب عليها من آثار.

ويتجلى فيها الجانب الأخلاقي، وإن كان هذا أمراً ملحوظاً في جميع ما شرعه الدين من أحكام وتعاليم، فلا ترى حكماً من الأحكام، أو تكليفاً من التكاليف، إلاّ وإلى جانبه أمراً أخلاقياً، وهل تعاليم الإسلام بأكملها إلاّ التركيز على هذا الأمر والنهوض بالإنسان إلى مستوى الكمال البشري الممكن، وهل الهدف منها إلاّ تزكية النفس الإنسانية وهدايتها إلى جادة الحق والصراط المستقيم، مصداقاً لما قاله النبي صلى الله عليه وآله: «إنّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» (1)، ولما فعله النبي الأعظم صلى الله عليه وآله على ما حكته عنه سيرته المعطاءة، وهكذا الحال بالنسبة إلى ذريته وعترته صلوات اللَّه عليهم أجمعين. إلاّ أنّ هذا الجانب في مسألة العدالة يتجلى بصورة أوضح وأتم، ومرد ذلك إلى أنّ العدالة تعود إلى سلوك الإنسان وسيرته وكيفية تعامله مع مختلف الشؤون.

ولمّا كان هذا البحث يتناول العدالة من جانبها الشرعي، فسنقتصر فيه على ما يتعلق بها من هذا الجانب، ومقدمة نذكر أمرين تمهيداً للدخول في موضوع البحث، فنقول:

ص: 35


1- مستدرك الوسائل : 11 : 187 ، الباب 6 من كتاب الجهاد ، ح 1

الأمر الأوّل: أنّ العدالة أمر مرغوب ومندوب إليها شرعاً وعقلاً بالأدلة الأربعة

ونتيمن بذكر بعض الآيات والروايات الّتي يستفاد منها الحث على العدل والعدالة. فمن الآيات، قوله تعالى: »يا أيّها الّذين آمنوا كونوا قوّامين للَّه شهداء بالقسط ولا يجرمنّكم شنآن قوم على ألّا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتّقوا اللَّه إنّ اللَّه خبير بما تعملون« (1).

وقوله تعالى: «إنّ اللَّه يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلّكم تذكّرون» (2)

وقوله تعالى: «إنّ اللَّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين النّاس أن تحكموا بالعدل إنّ اللَّه نعمّا يعظكم به إنّ اللَّه كان سميعاً بصيراً» (3)

وغيرها من الآيات الواردة في هذا المعنى.

ص: 36


1- سورة المائدة، الآية 8
2- سورة النحل، الآية 90
3- سورة النساء، الآية 58

وأمّا الروايات فهي كثيرة جداً منها:

صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) قال: «العدل أحلى من الماء يصيبه الظمآن، ما أوسع العدل إذا عدل فيه وإن قلّ» (1).

ومنها: صحيحة معاوية بن وهب، عن أبي عبد اللَّه(علیه السلام) قال: «العدل أحلى من الشهد وألين من الزبد وأطيب ريحاً من المسك»(2).

وغيرهما من الروايات الكثيرة في الحث على العدل، وقد ذكر صاحب الغرر ثلاثين رواية في الترغيب في العدل والحث عليه.

كما ورد في ذم تارك العدل عدّة روايات منها:

صحيحة ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) قال: «إنّ من أعظم النّاس حسرة يوم القيامة من وصف عدلاً ثمّ خالفه إلى غيره» (3).

وفي رواية أخرى، عن أبي عبد اللَّه(علیه السلام) قال: «إنّ من أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة من وصف عدلاً وعمل بغيره» (4).

ومن المناسب هنا أن نورد رواية جليلة وإن لم يرد فيها كلمة العدل أو أحد مشتقاتها، إلاّ أنّها مصداق حقيقي للعدالة، وتتضمن معارف راقية ومطالب مهمة، وهي ما رواه الكليني في الأصول بسنده، عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد اللَّه (علیه السلام) يقول: «كان أمير المؤمنين (علیه السلام) يقول: يا طالب العلم إنّ العلم ذو فضائل كثيرة: فرأسه التواضع، وعينه البراءة من الحسد، وأذنه الفهم، ولسانه

ص: 37


1- الوسائل: 15 : 293، الباب 37 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ح 2
2- نفس المصدر: ح 3
3- الوسائل: 15 : 295 ، الباب 38 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، ح 1
4- الوسائل: 15 : 296 ، الباب 38 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، ح 3

الصدق، وحفظه الفحص، وقلبه حسن النية، وعقله معرفة الأشياء والأمور، ويده الرّحمة، ورجله زيارة العلماء، وهمته السّلامة، وحكمته الورع، ومستقرّه النجاة، وقائده العافية، ومركبه الوفاء، وسلاحه لين الكلمة، وسيفه الرّضا، وقوسه المداراة، وجيشه محاورة العلماء، وماله الأدب، وذخيرته اجتناب الذّنوب، وزاده المعروف، وماؤه الموادعة، ودليله الهدى، ورفيقه محبة الأخيار» (1).

ولو تجسدت هذه الأوصاف في شخص خارجي لكان مصداقاً حقيقياً واقعياً للعدالة، والرواية من حيث السند وإن كان فيه كلام، إلاّ أنّها لمّا كانت في مقام بيان جانب من الجوانب الأخلاقية وليست في مقام بيان حكم شرعي فلا بأس بالاستشهاد بها.

ص: 38


1- أصول الكافي: 1 : 98 ، كتاب فضل العلم، باب النوادر ، ح 2

الأمر الثاني: في الموارد المشروطة بالعدالة

اشارة

ذكرنا أنّ العدالة أمر مرغوب شرعاً، وعقلاً، ولكن لابدّ من اعتبارها في عدّة موارد منها:

1 - إمام الأصل وهو ولي أمر المسلمين.

2 - المفتي ومن يقلّد ويرجع إليه في الفتيا .

3 - القاضي ومن يحكم بين المسلمين في المرافعات.

4 - إمام الجمعة والجماعة .

5 - الشاهد في الحقوق الإلهية كالحدود.

6 - الشاهد في الموضوعات كالهلال.

7 - الشاهد في المرافعات وحقوق الناس.

8 - في القيّم على القصّر والأمور الحسبية.

9 - في الجباة.

10 - الراوي والمخبر.

وغيرها من الموارد.

ص: 39

ثمّ الكلام في العدالة، والبحث فيها يقع في مقامات أربعة:

الأوّل: في مفهوم العدالة لغة، وعرفاً، وشرعاً، وتحديد معناها الشرعي.

الثاني: في شرائط العدالة من اجتناب الكبائر، وعدم الإصرار على الصغائر، وترك ما خالف المروءة.

الثالث: في التوبة، وتجدد العدالة بعد ارتفاعها.

الرابع: في الطرق الّتي تثبت بها العدالة.

ص: 40

المقام الأوّل:تحديد مفهوم العدالة

اشارة

وفيه :

* العدالة : لغة ، عرفاً ، شرعاً .

* الأقوال في تحديد العدالة شرعاً

* استبعاد القول بأنّ العدالة هي الإسلام مع عدم

ظهور الفسق والقدح في وجود القائل به.

* تنقيح القول بأنّها حسن الظاهر والمناقشة في أدلّته.

* أدلة القول بأنّها الملكة وتنقيحها.

* دليل القول بأنّها الاستقامة في جادّة الحق.

* التعرّض لحديث ابن أبي يعفور وبيان صحّة

سنده ودلالته.

ص: 41

ص: 42

مفهوم العدالة لغة، وعرفاً، وشرعاً

العدالة لغةً:

العَدْلُ: القصد في الأمور، وهو خلاف الجَوْرِ (1) وهو التَسْوِيَةُ بين الشيئين (2) والتعادل: التساوي، وعدلته تعديلاً فاعتدل سوّيته فاستوى، وعدّلت الشاهد نسبته إلى العدالة ووصفته بها (3)

وتأتي بمعنى الاستقامة (4) يقال: عدل في أمره أي استقام، ويقال هذا عدل، أي مستقيم.

ويطلق العدل على الواحد وغيره بلفظ واحد وجاز أن يطابق في التثنية والجمع فيجمع على عدول.

قال ابن الأنباري وأنشدنا أبو العباس:

وتعاقدا العقد الوثيق وأشهدا *** من كلّ قوم مسلمين عدولا (5)

ص: 43


1- المصباح المنير: 2 : 396 ، مادة (عدل)، ومجمع البحرين: 2 : 1175
2- مجمع البحرين: 2 : 1175 ، مادة (عدل)
3- المصباح المنير: 2 : 396
4- لسان العرب: 11 : 430 ، مادة (عدل)
5- المصباح المنير: 2 : 397

ومن هذه الشواهد استدل الأعلام على أنّ العدالة لغةً «الاستواء» كما في المبسوط (1) والسرائر (2) أو «الاستقامة» كما في جامع المقاصد (3) أو «الاستواء والاستقامة» كما عن روض الجنان (4) والمدارك (5) وكشف اللثام (6) أو أنّها من العدل وهو القصد في الأمور ضد الجور، كما احتمله صاحب الجواهر (7)

والمتحصل من جميع ذلك أنّ العدالة لغة هي: القصد في الأمور وهو خلاف الجور، والتسوية بين الشيئين والاستقامة.

العدالة عرفاً :

فهي في العرف العام بمعانيها اللغوية ولم تنقل إلى معنى آخر عندهم. نعم هي في العرف الخاص تختلف باختلاف جهة النظر.

فعند المتكلمين: هي تنزيه ذات الباري عن فعل القبيح والاخلال بالواجب (8)

وعند الفلاسفة وعلماء الأخلاق، هي: الهيئة الحاصلة للإنسان من تعادل القوى الثلاث العقلية والشهوية والغضبية، وذلك: أنّ كلاً من هذه القوى لها ثلاث

ص: 44


1- المبسوط: 8 : 217
2- السرائر: 2 : 117
3- جامع المقاصد: 2 : 372
4- روض الجنان: 2 : 767
5- مدارك الأحكام: 4 : 67
6- كشف اللثام: 2 : 370
7- جواهر الكلام: 13 : 280
8- الرسائل العشر: 101 رسالة في الاعتقادات

حالات، إفراط وتفريط وتوسط بينهما، فالقوّة العقلية وهي الّتي تهدي إلى الخير والسعادة وتزجر عن الشر والشقاء وهي الحاكمة في ذلك إن لازمت وسط الاعتدال فاشتغلت بما ينبغي كما ينبغي سميت حكمة وإن خرجت إلى حدّ الإفراط سميت جربزة أو إلى حدّ التفريط سميت غباوة.

وهكذا بالنسبة إلى القوة الشهوية فإنّها إن لازمت الاعتدال بفعل ما يبنغي كما ينبغي سميت عفة وإن انحرفت إلى حد الافراط سميت شرهاً وإن نزلت إلى التفريط سميت خموداً، وكذلك الحال بالنسبة القوة الغضبية فلها اعتدال يسمى شجاعة وطرفا إفراط يسمى تهوراً وتفريط يسمى جبناً .

فالهيئة الحاصلة من اجتماع الملكات الثلاث إذا اعتدلت سميت عدالة، وذلك بمعونة العقل العملي الّذي هو الهيئة الحاصلة للنفس بها تعمل النفس أفاعيلها الجزئية كما في تعديل المزاج على ما قرروه في محله (1).

والحاصل أنّ العدالة صفة يقتدر بها العقل العملي بحسب العقل النظري على تعديل هذه القوى الثلاث.

ص: 45


1- أنظر الاقتصاد والعدالة: 209، وجامع السعادات: 1 : 87

العدالة شرعاً:

اختلفت كلمة الفقهاء في بيان المراد منها شرعاً على أقوال ستة:

الأوّل: العدالة: هي الإسلام وعدم ظهور الفسق. وهو المحكي عن

ابن الجنيد (1)، والمفيد في كتاب الاشراف (2)، وظاهر الشيخ في الخلاف مدعياً عليه الإجماع (3).

الثاني: إنّها: حسن الظاهر. نسبه الشهيد الأوّل إلى بعض الأصحاب (4)، ومال إليه المحقّق الهمداني ونسبه إلى المشهور (5)، وإلى الطبقة الثانية صاحب المستند (6).

الثالث: إنّ العدالة: ملكة، أو هيئة راسخة أو كيفية باعثة نحو الإطاعة بالإتيان بالواجبات وترك المعاصي والمحرّمات.

أمّا الملكة: نسبها في كنز العرفان إلى الفقهاء (7)، وفي مجمع الفائدة والبرهان إلى مشهور العامّة والخاصّة في الأصول والفروع في موضعين (8)، وفي

ص: 46


1- مختلف الشيعة: 2 : 513
2- مفتاح الكرامة: 3 : 80
3- الخلاف: 6 : 217
4- ذكرى الشيعة: 4 : 392
5- مصباح الفقيه: 2 : 672 ، كتاب الصلاة
6- مستند الشيعة: 8 : 31
7- كنز العرفان في فقه القرآن: 2 : 384
8- مجمع الفائدة والبرهان: 2 : 351 ، و 12 : 311

محكي النجيبية إلى العلماء (1)، وفي الرياض إلى المشهور بين الأصحاب (2)، وكذا عن مصابيح

الظلام(3).

والهيئة الراسخة: كما في الارشاد (4)، وفي الذكرى ادعى عليه إجماع الأصحاب (5)، والدروس (6)، ومجمع الفائدة والبرهان (7)، وفي المدارك نسبه إلى المتأخرين (8).

وأمّا الحالة: كما في كلام بعض (نسب الحالة النفسية) إلى المشهور (9).

وأمّا الكيفية: كما في المختلف (10)، والقواعد (11)، وإيضاح الفوائد (12)، وجامع المقاصد (13)، وغاية المرام (14).

الرابع: إنّها عبارة عن الإتيان بالواجبات وترك المحرّمات من دون اعتبار الملكة، أي أن النظر إلى المقتضى لا إلى المقتضي، كما في القول السابق. وهو

ص: 47


1- حكاه العاملي في مفتاح الكرامة: 3 : 80
2- رياض المسائل: 4 : 245
3- حكاه العاملي في مفتاح الكرامة: 3 : 80 ، والنجفي في جواهر الكلام: 13 : 394
4- إرشاد الأذهان: 2 : 156
5- ذكرى الشيعة: 4 : 101
6- الدروس الشرعية: 2 : 125
7- مجمع الفائدة والبرهان: 12 : 311
8- مدارك الأحكام: 4 : 97
9- مجمع الفائدة والبرهان: 2 : 351
10- مختلف الشيعة: 8 : 501
11- قواعد الأحكام: 3 : 494
12- إيضاح الفوائد: 4 : 419
13- جامع المقاصد: 2 : 372
14- غاية المرام: 4 : 277

ظاهر السرائر (1)، ومحكي الوسيلة (2)، ومن المحدّث المجلسي (3)، والمحقّق السبزواري أنّه الأشهر (4)، وذهب إليه المحقّق الاصفهاني (5)، والسيّد الأستاذ(قدس سره) (6).

الخامس: اعتبار كلا الأمرين المقتضي والمقتضى، بمعنى أنّ العدالة، هي: الاتيان بالواجبات وترك المحرّمات عن ملكة. ونسب إلى جماعة منهم الشيخ الصدوق ووالده (7)، وهو ظاهر من كلام الشيخ المفيد في المقنعة (8)، وصاحب الوسائل (9)، والسيّد الطباطبائي (10).

السادس: التفصيل في الموارد، فالإمام والمفتي يعتبر فيهما الملكة،

وما عداهما كإمام الجماعة والشاهد فالمعتبر هو حسن الظاهر، وإليه ذهبصاحب الحدائق (11)، ونسب إلى غيره.

هذه هي الأقوال الّتي عثرنا عليها في المقام والفرق بين كلّ منها واضح فإنّ كلّ قول أعمّ من لاحقه والقول الأوّل هو أعمّ الأقوال .

ص: 48


1- السرائر: 1 : 280، وحكاه عنه النراقي في مستند الشيعة: 2 : 618
2- حكاه العاملي في مفتاح الكرامة: 3 : 81
3- بحار الأنوار: 88 : 25
4- ذخيرة المعاد: 304
5- بحوث في الأصول - الاجتهاد والتقليد - : 88
6- التنقيح في شرح العروة - الاجتهاد والتقليد - : 1 : 213
7- نسبه الشيخ الأنصاري إلى الظاهر من كلام والد الصدوق في رسالته إليه، الفقيه: 1 : 352 ذيل ح 118، ومن كلام الصدوق في الهداية: 147 ، رسالة في العدالة: 7
8- المقنعة، الشيخ المفيد (مصنفات الشيخ المفيد 14) : 725
9- وسائل الشيعة: 27 : 391 ، كتاب الشهادات ، باب 41 باب ما يعتبر في الشاهد من العدالة
10- العروة الوثقى: 1 : 27 المسألة 23
11- الحدائق الناضرة: 10 : 58 و 65

وقد أوردت عليه عدّة إشكالات:

أهمّها ما أورده شيخنا الأنصاري (1) على القول الثالث، وتبعه السيّد الأستاذ (2) على ذلك وحاصله:

أنّ القول الثالث يرجع إلى القول الخامس وكلاهما يشكّلان قولاً واحداً، وذلك لأنّ المراد من الملكة - كما هو القول الثالث - الباعثة على نحو الفعلية لا على نحو المقتضي فقط وهذا هو عين القول الخامس، وإلاّ فلو قلنا إنّهما قولان يكون مرتكب الكبيرة بناء على القول الثالث عادلاً وعلى القول الخامس فاسقاً، إذ ارتكابه للكبيرة مع تحقق الملكة فيه لا يضرّ بعدالته، والحال أنّه بارتكابه للكبيرة يصبح فاسقاً بلا إشكال فيكون فاسقاً وعادلاً في آن واحد، فلابدّ أن يكون المراد هي الملكة الباعثة على فعل الواجبات وترك المحرّمات على نحو الفعلية فيرجع إلى القول الخامس لا أنّه قول في مقابله.

ولكن الظاهر أنّ الإشكال في غير محلّه وذلك لأنّ هذا اللازم لا يأتي حتى بناء على القول الثالث، لأنّ القائل به يشترط عدم ارتكاب الكبيرة وإذا ارتكبها خرج عن كونه عادلاً بغض النظر عن وجود الملكة وعدمها، مضافاً إلى ما ذكرنا من أنّ القول الثالث أعمّ من الخامس وأعمّيته من وجهين:

الأوّل: أنّه بناء على كون العدالة هي الملكة المقتضية للاتيان بالواجبات وترك المحرّمات فلو كان ترك المحرّمات متحقق لكن لا بداعي الملكة بل بداع آخر فهو متصف بالعدالة لوجود الملكة، بخلاف القول الخامس فإنّ الاتيان بالواجبات وترك المحرّمات لابدّ أن يكون بداعي الملكة، فبناء عليه لو أتى

ص: 49


1- رسالة في العدالة: 10
2- التنقيح في شرح العروة - الاجتهاد والتقليد - : 1 : 211

بالواجبات وترك المحرّمات لا عن ملكة فلا يوصف بالعدالة.

الثاني: إذا كانت الملكة متحققة في الشخص ولكن لم يكن هناك اقتضاء للاتيان بالواجبات وترك للمحرّمات، كما إذا كان في أوّل البلوغ مثلاً، أو كان نائماً أو ساهياً، فبناء على القول الثالث هو عادل، وأمّا على القول الخامس فلا يوصف بالعدالة، لأنّ الشرط هو صدور الفعل عن ملكة، أي ملاحظة المقتضي والمقتضى معاً، وعليه فالفرق بين القولين واضح والقول الثالث أعمّ من وجهين.

وأمّا بقية الاشكالات فلا داعي لذكرها بعد ذكرنا لأهمّها.

ص: 50

أدلة الأقوال ومناقشتها

القول الأوّل:
اشارة

فقد استدل له بأمور:

الأوّل: أصالة الصحة في أفعال المسلمين، ولازمه الحكم بعدم وقوع ما يوجب الفسق.

وبعبارة أخرى: أنّا إذا حملنا فعل المسلم على الصحة فمعناه عدم ارتكابه ما يوجب الفسق وسقوط العدالة فلابدّ من الحكم بعدالته لعدم الواسطة بينهما وفي كلام الشيخ في الخلاف ما يشعر بأنّ الأصل في الإسلام العدالة والفسق طارى ء عليه ويحتاج إلى دليل.

الثاني: إجماع الفرقة على ذلك كما في الخلاف (1).

الثالث: الروايات، وهي عدّة ذكر صاحب الجواهر(قدس سره) (2) عشراً منها، وسيأتي الكلام حولها مفصلاً إن شاء اللَّه تعالى.

هذا وقد أيّد هذا القول بتأييدات أربعة:

أوّلاً: أنا لو لم نعتبر العدالة بهذا المعنى فلا يكاد ينتظم لحاكم حكمه ولا

ص: 51


1- الخلاف: 6 : 217 ، آداب القضاء، المسألة 10
2- جواهر الكلام: 13 : 281

سيّما في البلاد الكبيرة والقاضي القادم إليها، بل يوجب ذلك تعطيل كثير من الأحكام في الخصومات والمرافعات وفي ذلك عسر وحرج كما لا يخفى.

ثانياً: أنّ ما ورد من الروايات في الحث على الجماعة والترغيب فيها يشعر بتيسر إمام الجماعة في كلّ زمان ومكان، ولو كان لابدّ من إحراز العدالة فلا يكاد يتيسر ذلك.

ثالثاً: أنّ ظاهر الآية الكريمة: «واستشهدوا شهيدين من رجالكم» (1) هو الإطلاق، وقوله تعالى: «وأشهدوا ذوي عدل منكم» (2) هو التقييد، وبعد حمل المطلق على المقيد تكون النتيجة هو اشتراط عدالة الشاهد، والقدر المتيقن منها هو الإسلام مع عدم ظهور الفسق.

رابعاً: أنّه من المستبعد، بل من الممتنع عادة أنّ النبي صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين(علیه السلام) وغيرهما من القضاة والحكام مع كثرة المرافعات والمراجعات كانوا يفحصون عن عدالة الأشخاص والمتيقن من سيرتهم أنّهم كانوا يكتفون بإسلام الشخص وعدم ظهور فسق منه ويرتبون على ذلك آثار العدالة. بل - كما في الخلاف - أنّ تتبع أحوال الشخص أمر حادث والّذي أحدثه شريك بن عبد اللَّه القاضي وإلاّ فالأصل هو الاكتفاء بالإسلام وعدم ظهور الفسق (3).

هذا غاية ما يقال في الاستدلال لهذا القول والتأييد له.

ص: 52


1- سورة البقرة، الآية 282
2- سورة الطلاق، الآية 2
3- الخلاف: 6 : 217 ، آداب القضاء، المسألة 10
مناقشة القول الأوّل:
اشارة

والنظر في هذا القول يقتضي الكلام في جهتين:

الأولى: في ثبوت هذا القول والقائل به.

الثانية: في تمامية الأدلة وعدمها.

الجهة الأولى:

فقد يناقش بأمرين:

الأوّل: عدم معقولية هذا القول في نفسه.

الثاني: أنّه لا قائل به، بل لا يعرف له قائل لا تصريحاً ولا تلويحاً.

الأمر الأوّل: فلازم الالتزام بهذا القول محاذير ثلاثة، ذكر الأولين منهما شيخنا الأنصاري في رسالته وحاصلهما:

أوّلاً: أنّه بناء على هذا القول تكون العدالة بوجودها الواقعي ووجودها الذهني شيئاً واحداً والحال أنّ الفسق أمر واقعي وهو ضد العدالة فيلزم أن يكون الشخص إذا كان مستور الظاهر وفي الواقع كان مرتكباً للكبائر عادلاً وفاسقاً واقعاً وهذا واضح البطلان.

ثانياً: أنّ لازم هذا القول أن يكون الشخص الّذي يتبين فسقه صيرورته فاسقاً بانكشاف فسقه.

وبعبارة أخرى: أنّه إذا كان الشخص مستوراً وغير مظهر للفسق إلى مدّة ثمّ

ص: 53

انكشف أنّه كان مرتكباً للكبائر فهل يقال إنّه الآن صار فاسقاً، أو يقال إنّه تبيّن فسقه؟

لا إشكال في أنّه يقال: تبيّن فسقه مع أنّ لازم هذا القول هو الأوّل وهذا باطل.

ثالثاً: ما ذكره المحقّق الاصفهاني رحمه الله (1) وحاصله: انتفاء أن تكون هناك ضابطة للعدالة لأنّها حينئذ تكون أمراً اضافياً تختلف باختلاف الأشخاص بل في شخص واحد، فقد يكون بالنسبة إلى أهل بلده مستور الحال بينما بالنسبة إلى محلته ليس مستوراً، أو في محلته مستوراً بينما في بيته مكشوفاً وهكذا، فشخص واحد يختلف حاله باختلاف ارتباطه بغيره وعلى هذا فلا ضابطة للعدالة يرجع إليها وتكون مقياساً في المقام.

وهذا الإيراد كما يرد على هذا القول يرد على القول الثاني كما سيأتي.

وقد أجاب المحقّق الاصفهاني (2) عن هذه المحاذير الثلاثة:

أمّا عن المحذور الأوّل: فلا يلزم من ذلك اجتماع الفسق والعدالة وذلك لأنّا إذا قلنا: إنّ عدم الفسق عدالة واقعية والفسق أمر واقعي فالإشكال في محلّه، أمّا إذا قلنا - كما هو مراد القائل - أنّ العدالة هي عدم ظهور الفسق، وعدم العدالة هو ظهور الفسق لا واقع الفسق، فعلى كلا الطرفين يكون الظهور وعدم الظهور هو المناط، والظهور وعدمه أمر واقعي ولا مانع من أن يكون الظهور هو موضوع الأحكام الشرعية، وحينئذ فلا يلزم المحذور ولا يرد الإشكال لأنّ عدم الفسق هو العدالة الواقعية، وظهور الفسق هو عدم العدالةوهو أمر واقعي وهو موضوع للأحكام

ص: 54


1- بحوث في الأصول - الاجتهاد والتقليد - : 74
2- بحوث في الأصول - الاجتهاد والتقليد - : 73

المترتبة من قبول الشهادة وإمامة الجماعة ونحو ذلك.

وأمّا المحذور الثاني: فيندفع بهذا أيضاً وذلك لأنّ الفسق الّذي يكون موضوع الحكم الشرعي هو من حين التبين لا الّذي كان قبل ذلك.

وأمّا المحذور الثالث: فيقال في جوابه ليكن الأمر كذلك ولتكن الأحكام مختلفة باختلاف الأشخاص والأمر في ذلك يرجع إلى المكلف بحسب تشخيصه، فإن عرف أنّه فاسق رتّب عليه أحكام الفسق، وإن لم يَعرِف أنّه فاسق حكم عليه بالعدالة، وهذا أمر واقع خارجاً فإمام الجماعة قد يكون عند زيد فاسقاً وهو عند عمرو عادلاً ولا ضير في ذلك.

وأمّا انتفاء ضابطة العدالة فقد تقدّم أنّ المناط هو ظهور الفسق وعدمه وهذا يصلح أن يكون ضابطة للعدالة ولا إشكال في ذلك.

وبناء على هذا فما أورده الشيخ في رسالته على عدم معقولية هذا القول (1)، غير تام.

وأمّا الأمر الثاني: وهو هل لهذا القول قائل أو لا. فقد أنكر شيخنا الأنصاري أن يكون لهذا القول قائل قال: لم يصرّح أحد من القدماء بهذا القول ولا ظاهر من كلامهم ولا مومى إليه وإن دارت حكايتهم عنه في ألسنة بعض المتأخرين ونقل كلمات القدماء في المقام (2).

ولابدّ لتحقيق الأمر من ذكر كلماتهم لنرى ما إذا كان بالإمكان معرفةالقائل به من عدمه.

ص: 55


1- رسالة في العدالة: 10 و 35
2- أنظر رسالة في العدالة: 35

قال الشيخ في الخلاف: مسألة: إذا شهد عند الحاكم شاهدان يعرف إسلامهما، ولا يعرف فيهما جرح، حكم بشهادتهما، ولا يقف على البحث إلاّ أن يجرح المحكوم عليه فيهما، بأن يقول: هما فاسقان، فحينئذ يجب عليه البحث.

وقال أبو حنيفة: إن كانت شهادتهما في الأموال، والنكاح، والطلاق، والنسب كما قلناه، وإن كانت في قصاص، أو حدّ لا يحكم حتى يبحث عن عدالتهما.

وقال أبو يوسف، ومحمد، والشافعي: لا يجوز له أن يحكم حتى يبحث عنهما فإذا عرفهما عدلين حكم، وإلاّ توقف في جميع الأشياء، ولم يخصوا به شيئاً دون شي.

دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم.

وأيضاً الأصل في الإسلام العدالة، والفسق طار عليه يحتاج إلى دليل.

وأيضاً نحن نعلم أنّه ما كان البحث في أيّام النبي صلى الله عليه وآله، ولا أيّام الصحابة، ولا أيّام التابعين، وإنّما هو شي ء أحدثه شريك بن عبد اللَّه القاضي، فلو كان شرطاً ما أجمع أهل الأعصار على تركه (1).

وقال في النهاية: العدلُ الّذي يجوز قبول شهادته للمسلمين وعليهم، هو أن يكون ظاهره ظاهر الإيمان، ثمّ يعرف بالستر والصلاح والعفاف والكفّ عن البطن والفرج واليد واللسان، ويعرف باجتناب الكبائر الّتي أوعد اللَّه تعالى عليها النّار - من شرب الخمر، والزنا، والربا، وعقوق الوالدين، والفرار منالزحف، وغير ذلك - الساتر لجميع عيوبه، ويكون متعاهداً للصلوات الخمس، مواظباً عليهنَّ،

ص: 56


1- الخلاف: 6 : 217 ، آداب القضاء المسألة 10

حافظاً لمواقيتهنَّ، متوفِّراً على حضور جماعة المسلمين، غير متخلِّف عنه إلاّ لمرض أو علَّة أو عُذر (1).

وقال في المبسوط: العدل في اللغة أن يكون الإنسان متعادل الأحوال متساوياً، وأمّا في الشريعة: هو مَنْ كان عدلاً في دينه، عدلاً في مروَّته، عدلاً في أحكامه.

فالعدل في الدين: أن يكون مسلماً ولا يُعرف منه شي ء من أسباب الفسوق، وفي المروة: أن يكون مجتنباً للأُمور الّتي تسقط المروّة (2).

وقال الشيخ المفيد في المقنعة: والعدل: من كان معروفاً بالدين والورع عن محارم اللَّه عزّوجلّ (3).

وأمّا عبارته في كتاب الاشراف المطبوع قال في باب عدد ما يجب به الاجتماع في صلاة الجمعة: ووجود أربعة نفر بما يأتي ذكره من هذه الصفات، ووجود خامس يؤمّهم له صفات يختص بها على الايجاب: ظاهر الإيمان والعدالة (4).

ولكنّ السيّد العاملي نقل في مفتاح الكرامة قول الشيخ المفيدرحمه الله أنّه يكفي في قبول الشهادة ظاهر الإسلام مع عدم ظهور ما يقدح فيالعدالة (5).

وقال أبو الصلاح: العدالة شرط في قبول الشهادة على المسلم. ويثبت

ص: 57


1- النهاية ونكتها: 2 : 52 ، كتاب الشهادات
2- المبسوط: 8 : 217
3- المقنعة (مصنفات الشيخ المفيد 14): 725
4- كتاب الاشراف (مصنفات الشيخ المفيد 9) : 25 ، والكتاب المطبوع اعتمد على نسخة تحتوي على قسم العبادات، وإلى نهاية كتاب الحجّ فقط والباقي مفقود، وللأسف
5- مفتاح الكرامة: 3 : 80

حكمها بالبلوغ وكمال العقل والإيمان واجتناب القبائح أجمع، وانتفاء الظنّة بالعداوة أو الحسد أو المنافسة أو المملكة أو الشركة (1).

وقال ابن الجنيد: إذا كان الشاهد حُرّاً بالغاً مؤمناً بصيراً معروف النسب مرضيّاً غير مشهور بكذب في شهادة، ولا بارتكاب كبيرة، ولا مقام على صغيرة، حسن التيقّظ، عالماً بمعالي الأقوال، عارفاً بأحكام الشهادة، غير معروف بحيف على معامل، ولا تهاون بواجب من علم أو عمل، ولا معروف بمعاشرة أهل الباطل، ولا الدخول في جملتهم، ولا بالحرص على الدنيا، ولا بساقط المروءة، بريئاً عن أهواء أهل البِدَع الّتي توجب على المؤمنين البراءة من أهلها، فهو من أهل العدالة المقبول شهادتهم (2).

وكلام صاحب السرائر قريب ممّا في المبسوط حيث قال: العدلُ: من كان عدلاً في دينه، عدلاً في مروّته، عدلاً في أحكامه، فالعدل في الدين أن لا يخل بواجب، ولا يرتكب قبيحاً، وقيل: أن لا يُعرف بشي ء من أسباب

الفسق، وهذا قريب أيضاً، وفي المروّة أن يكون مجتنباً للأمور الّتي تسقط المروّة، مثل الأكل في الطرقات، ولبس ثياب المصبغات للنساء، وما أشبه ذلك. والعدل في الأحكام أن يكون بالغاً عاقلاً (3).هذه هي كلمات القدماء الّذين ينسب إليهم هذا القول.

والتحقيق: أنّ عبارة الشيخ المفيد لا دلالة فيها على القول بأنّ العدالة هي الإسلام مع عدم ظهور الفسق، فإنّ قوله: من كان معروفاً...، معناه لابدّ أن يكون

ص: 58


1- حكاه العلّامة في مختلف الشيعة: 8 : 499
2- نفس المصدر والصفحة
3- السرائر: 2 : 117

ذلك محرزاً فعبارته على العكس أدل.

وهكذا بالنسبة إلى أبي الصلاح، وابن الجنيد، وابن إدريس، فإنّ كلماتهم لا دلالة فيها على ذلك.

نعم الكلام في عبارة الشيخ في الخلاف، وأمّا عبارتا المبسوط والنهاية، فهما مطابقتان لما في الروايات، وحينئذ يقع التنافي بين كلام الشيخ في الخلاف وبين كلامه في المبسوط والنهاية، ويمكن أن يوجه كلامه بأحد وجهين:

الأوّل: أنّهما متعارضان فيتساقطان، ويرجع إلى ما تقدّم من عدم إحراز القائل وهذا هو الظاهر من صاحب الحدائق (1).

ولكنّ تمامية هذا القول تتوقف على عدم معلومية المتقدّم والمتأخر من قولي الشيخ(قدس سره).

الثاني: الجمع بينهما، بأن يقال إنّ مراده في الخلاف ظهور عدم

الفسق لا مجرد عدم الظهور، بمعنى أن يكون حال الشخص معلوماً، وحينئذ لا يحتاج إلى الفحص والتفتيش عن باطنه، وليس أنّه مجهول من جميع الأحوال. فأصالة كونه عادلاً معناها أنّه معروف الحال عند الحاكم وظاهره عدم الفسق ولا حاجة معه إلى التدقيق في حاله والتفتيش عن باطنه وبهذايمكن الجمع بين كلماته ويرتفع التنافي.

وممّا يؤيد هذا الجمع ما يستظهر من عبارات الشيخ في عدّة موارد من الخلاف:

منها قوله: مسألة: إذا حضر الغرباء في بلد عند الحاكم، فشهد عنده اثنان،

ص: 59


1- الحدائق الناضرة: 10 : 22

فإن عُرفا بعدالة حَكَم، وإن عُرفا بالفسق وَقَف، وإن لم يعرف عدالةً ولا فسقاً بحث عنهما، وسواء كان لهما السيماء الحسنة والمنظر الجميل وظاهر الصدق، وبه قال الشافعي.

وقال مالك: إن كان المنظر الحسن توسم فيهما العدالة، حكم بشهادتهما.

دليلنا: قوله تعالى: «فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممّن ترضون من الشّهداء» (1) وهذا ما رضي بهما (2).

يستفاد من هذه العبارة أنّه لابدّ من البحث إذا كان غريباً، وأمّا إذا لم يكن كذلك فلا حاجة إلى البحث عن حاله لأنّه معلوم الحال.

ومنها قوله: مسألة: إذا سمّيا شاهد الأصل ولم يعدلا، سمعهما الحاكم وبحث عن عدالة الأصل، فإن وجده عدلاً حكم به، وإلاّ توقف فيه. وبه قال الشافعي.

وقال أبو يوسف، والثوري: لا تُسمع هذه الشهادة، لأنّهما لم يتركا تزكية الأصل إلاّ لريبة .دليلنا أنّهما إنّما يشهدان بما يعلمان، وقد يعلمان شهادة الأصل، فإن لم يعلما كونهما عدلين فلا يجوز لهما أن يشهدا بذلك، وعلى الحاكم أن يبحث عن عدالة الأصل، وليس لا يتركان ذلك إلاّ لريبة بل لما قلناه (3).

وغيرها من الموارد.

ص: 60


1- سورة البقرة، الآية 282
2- الخلاف: 6 : 221 ، كتاب آداب القضاء، المسألة 15
3- الخلاف: 6 : 317 ، كتاب الشهادات، المسألة 68

والحاصل: أنّ القول بأنّ العدالة: هي الإسلام مع عدم ظهور الفسق. إمّا أن يكون ساقطاً، وإمّا أن يكون محمولاً على ما في النهاية والمبسوط.

والنتيجة: عدم ظهور القائل بهذا القول.

بقي أمران لابدّ من الإشارة إليهما:

الأوّل: بناء على ضعف هذا القول يرد هنا تساؤل وهو كيف بنى السيّد الأستاذ(قدس سره) في رجاله، أنّ تصحيح القدماء لرواية أو طريق لا يكون دليلاً على اعتبار الوثاقة لأنّ بناءهم كان على أصالة العدالة وعدم ظهور الفسق (1). وناقش (قدس سره) في تصحيحات الكليني والصدوق للروايات والطرق مع أنّ المنسوب إلى الصدوق هو القول الخامس.

ونحن وإن كنا قد عالجنا هذه النقطة بما لا مزيد عليه في أبحاثنا

الرجالية (2)، إلاّ أنّنا نشير هنا إلى عدم ثبوت هذا القول في نفسه أصلاً فضلاً عن نسبته إلى القدماء.

الثاني: على فرض التسليم بوجود القائل ولا أقل من احتمال أنّ الشيخقائل به فهل يضر ذلك بتوثيقات الشيخ وأضرابه وتصحيحاتهم للروايات والطرق أو لا يضر؟

الظاهر أنّه لا يضر أصلاً وذلك - مع قطع النظر عن ضعف القول في نفسه كما تقدّم - لأنّ الّذي يظهر من الشيخ في مواضع من كتاب العدّة، أنّ باب الخبر باب مستقل عن الشهادة وأنّه إذا كان يكتفى في الشهادة بالظنّ ففي الخبر لا يكتفى

ص: 61


1- أنظر، معجم رجال الحديث: 1 : 70
2- اصول علم الرجال: 64 و 77

به بل لابدّ من إحراز العدالة والوثاقة (1). ومن ذلك ما ذكره(قدس سره) في باب حجية الخبر راداً على من قال: »لا خلاف في أنّه يجب على المستفتي الرجوع إلى المفتي مع تجويزه الغلط عليه، فكذلك يجب الرجوع إلى خبر الواحد وإن جوّز على المخبر الغلط« بقوله: »لا يصحّ الاستدلال به لأنّ لأصحابنا في هذه المسألة مذهبين.

أحدهما: أنّه لا يجوز للمستفتي القبول من المفتي، بل يلزمه طلب الدليل كما لزم المفتي، فعلى هذا سقط السؤال.

والمذهب الآخر أنّه يجوز ذلك.

والجواب عنه على هذا المذهب - الثاني - أنّ هذا قياس، ولا خلاف أنّ هذه المسألة لا تثبت بالقياس لأنّ طريقها العلم... إلى أن قال: وقد استدلّوا بأشياء تجري مجرى ما ذكرنا، مثل حملهم ذلك على الشهادة وغير ذلك« (2).

والجملة الّتي ذكرناها تنبه على طريقة الكلام على جميع ذلك فلا فائدة في التطويل.ومنها غير ذلك وفي ما أوردناه كفاية.

والحاصل: أنّ الشيخ يفرّق في المقامين وعلى فرض ثبوت نسبة القول إليه ولا أقل من احتمال عبارته في الخلاف إلاّ أنّ ذلك في الشهادة وأمثالها لا في الخبر وتفصيل الكلام في محلّه.

ص: 62


1- العدّة: 1 : 109
2- العدّة: 1 : 123
الجهة الثانية:
اشارة

وهي تمامية الأدلة والمؤيدات لهذا القول وعدمها، ومجمل الكلام أنّها قابلة للمناقشة وبيان ذلك:

الدليل الأوّل:

وهو الأصل فيمكن تقريبه بوجهين:

الأوّل: أنّ المراد من أصالة العدالة أي استصحاب عدم الفسق، بمعنى أنّا إذا شككنا أنّ هذا الشخص مثلاً صدر منه فسق أم لا نستصحب العدم، ولعلّ هذا هو مراد الشيخ من قوله في الخلاف: الأصل في الإسلام

العدالة والفسق طار عليه يحتاج إلى دليل (1).

وفيه: أنّا إذا قلنا إنّ العدالة شرط معتبر في هذه الموارد فهي ليست أمراً عدمياً حتى يمكن استصحابها بعدم صدور الفسق، بل هي أمر وجودي، والعدالة مركبة من شيئين أحدهما الإتيان بالواجبات والآخر ترك المحرّمات، لا أنّ العدالة هي ترك المحرّمات فقط لنستصحب العدم عند الشك، فاستصحابعدم ارتكاب الحرام لا يُثبت العدالة لكون الشق الآخر من المركب أمراً وجودياً وهو الاتيان بالواجبات وليس هو أمراً طارياً وله حالة سابقة حتى يمكن الاستصحاب، بل الأصل عدم العدالة.

الثاني: أن يكون المراد من الأصل هو صحة فعل المسلم وحمل فعله على

ص: 63


1- الخلاف: 6 : 217 ، آداب القضاء، المسألة 10

الحسن كما ذكره في الجواهر (1)

وفيه: أنّ حمل فعل المسلم على الصحة إن كان المراد به أنّ ما يأتي به المسلم من قول أو فعل محمول على الصحة بمعنى أنّه إذا أتى الشخص بفعل أو صدر منه قول وكان لذلك وجوه ومحتملات فلابدّ من حمل قوله أو فعله على الوجه الصحيح فهذا وإن كان لا إشكال فيه إلاّ أنّه خلاف ظاهر ما نحن فيه ولا تثبت به العدالة وغاية ما يثبت بذلك أنّ ما صدر عنه صحيح، أمّا أنّه يدلّ على أنّه عادل فلا، فحمل فعله وقوله على الصحة شي ء وكونه عادلاً شي ء آخر، مضافاً إلى أنّه أخص من المدعى وذلك لأنّ بعض الموارد لا يمكن فيها الحمل على الصحة كما في من تقدم للإمامة في صلاة الجماعة.

وإن كان المراد كليّ فعله، أي كلّ ما يفعله الشخص لا خصوص

المورد المعين - كما هو الظاهر - فليس لنا دليل على أصالة الصحة بهذه الكيفية في فعل المسلم.

وإن كان المراد هو أنّ المسلم لا يخل بواجب ولا يأتي بمحرّم فهذا أيضاً ممّا لا دليل عليه.

نعم في بعض الموارد قام الدليل الخاص على ذلك، كما في قاعدة الحيلولة، كما إذا شك بعد خروج الوقت أنّه أتى بالواجب، أو أخلّ به، أمّا أنّهعلى نحو كلّي فلا.

والحاصل: أنّ ما يفيد في المقام لا دليل عليه، وما قام الدليل عليه لا يفيد.

فالأصل بكلا تقريبيه وبجميع وجوهه مورد للإشكال.

ص: 64


1- جواهر الكلام: 13 : 281

هذا مضافاً إلى أنّ الأصل إنّما يتمسك به عند فقدان الدليل اللفظي ومع وجود الروايات فلا يبقى مجال للتمسّك به ولا تصل النوبة إليه.

الدليل الثاني:

وهو الإجماع، فقد تبيّن ممّا تقدّم - من ضعف القول في نفسه، أو عدم ثبوته أصلاً، أو بإرجاعه إلى بقية الأقوال - أنّ دعوى الإجماع غير تامة، لاختلاف الأقوال في المسألة، مضافاً إلى الروايات الواردة في المقام، فلا يكون الإجماع كاشفاً عن قول المعصوم(علیه السلام).

الدليل الثالث:

وهو الروايات الواردة في المقام، فقد أشرنا فيما تقدّم إلى أنّ صاحب الجواهر(قدس سره) أورد عشر روايات، وهذه الروايات بإضافة رواية أخرى يمكن تقسيمها إلى قسمين:

الأوّل: ما ورد في من تقبل شهادته ومن ترد، وهي خمس روايات.

الثاني: ما ورد في إمام الجماعة وهي ثلاث روايات، وما ورد في الشهادة على الإطلاق وهي روايتان، وما ورد في اللعب بالحمام وهي روايةواحدة.

فيقع الكلام في هذين القسمين، ونبدأ بروايات القسم الثاني فنقول:

أمّا روايات إمام الجماعة فهي:

الأولى: رواية عبد الرّحمن القصير قال: سمعت أبا جعفر(علیه السلام) يقول: إذا

ص: 65

كان الرجل لا تعرفه يؤمّ الناس فيقرأ القرآن فلا تقرأ واعتد بقراءته (1).

المستفاد من ظاهرها عدم الحاجة إلى الفحص عن حال الإمام ويكتفى بظاهره ويعتد بالصلاة خلفه.

الثانية: مرسلة ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللَّه(علیه السلام) في قوم خرجوا من خراسان أو بعض الجبال وكان يؤمّهم رجل، فلمّا صاروا إلى الكوفة علموا أنّه يهودي، قال: لا يعيدون (2).

ودلالة الرواية على المدعى واضحة، فإذا كان إمام الجماعة يهودياً ومع ذلك حكم الإمام(علیه السلام) بعدم الإعادة، فكيف بغيره إذا كان مسلماً ولم يظهر منه فسق.

الثالثة: رواية عمر بن يزيد أنّه سأل أبا عبد اللَّه(علیه السلام) عن إمام لا بأس به في جميع أموره عارف، غير أنّه يُسمع أبويه الكلام الغليظ الّذي يغيظهما، أقرأ خلفه؟ قال: لا تقرأ خلفه ما لم يكن عاقاً قاطعاً (3).

وظاهر الرواية هو صحة الإئتمام بمن هذه صفته.فهذه الروايات يمكن الاستدلال بها على أنّ من كان مسلماً ولم يظهر منه فسق يعامل معاملة العدالة.

ولكن الظاهر أنّ شيئاً من هذه الروايات لا يصلح للاستدلال به على المدعى وذلك :

ص: 66


1- الوسائل: 8 : 319 ، الباب 12 من أبواب صلاة الجماعة ، ح 4
2- الوسائل: 8 : 374 ، الباب 37 من أبواب صلاة الجماعة ، ح 1
3- الوسائل: 8 : 313 ، الباب 11 من أبواب صلاة الجماعة ، ح 1

أمّا الرواية الأولى: فهي وإن كانت من حيث السند معتبرة لأنّ عبد الرحمن القصير واقع في أسناد تفسير القمي فيمكن الاعتماد على روايته، إلاّ أنّها من حيث الدلالة غير تامة، لأنّ لفظ الناس الوارد في الرواية إمّا أن يراد به المؤمنون، أو يراد به المخالفون، فإن أريد به المؤمنون فيمكن أن يحصل الاطمئنان من إئتمام عدّة من المؤمنين بإمام فيكون ذلك كالتعديل له، وإن أريد به المخالفون - كما ورد في بعض الروايات التعبير عن المخالفين بالناس - فالرواية محمولة على التقية، فلابد من حمل الرواية على أحد الوجهين، وبذلك يحصل الجمع بينها وبين ما ورد من الروايات الدالة على

اشتراط إحراز العدالة في إمام الجماعة، فالرواية لا دلالة فيها على كفاية الإسلام مع عدم ظهور الفسق في الحكم بالعدالة.

وأمّا الرواية الثانية: فهي وإن كانت مرسلة، إلاّ أنّ مراسيل ابن أبي عمير معتبرة كما حققناه في محلّه (1)، فلا إشكال فيها من هذه الناحية، وإنّما الإشكال في دلالتها إذ الظاهر أنّ الإمام(علیه السلام) في مقام بيان حكم الإعادة وعدمها، وليس في مقام بيان كيفية الإقتداء، سواء كان الإمام عادلاً أم لا. بل يمكن القول أنّ المسألة فرضية لا واقعية، وأنّ الحكم فيها كالحكم في كون الإمام عادلاً، وافتراض كون إمام الجماعة يهودياً إنّما هو لبيان أسوأالاحتمالات في إمام الجماعة، ومع ذلك ففي صورة انكشاف الواقع لا حاجة إلى الإعادة.

نعم قد يحتمل أنّ المراد من اليهودي ما هو بمنزلته من أهل النحل الباطلة والمذاهب الفاسدة من المخالفين لا أنّ المراد يهودي الديانة.

والحاصل: أنّ الرواية لا ربط لها بمسألة العدالة وإنّما هي ناظرة إلى حكم إعادة الصلاة في صورة انكشاف الخلاف.

ص: 67


1- أصول علم الرجال: 424

وأمّا الرواية الثالثة: فهي من حيث السند لا بأس بها، إلاّ أنّها من جهة الدلالة غير تامة، وذلك:

أوّلاً: كيف يجوز الائتمام بمثل هذا الشخص المؤذي لأبويه وقد نهي عن إيذائهما بنص القرآن، إلاّ أن يحمل ذلك على قوله الحق لهما وإن كان فيه إيذاء، أو على عدم الإصرار، وذلك غير مضر بالعدالة.

وثانياً: على فرض التسليم فالاستدلال بالرواية غير تام، لأنّ ظاهر الرواية: أنّه لا بأس به في جميع أموره، يعني أنّه معروف بالعدالة فهذه الرواية أجنبية عن محل الكلام.

وأمّا ما ورد في الإشهاد على الطلاق، فهما روايتان:

الأولى: صحيحة عبد اللَّه بن المغيرة قال: قلت لأبي الحسن الرّضا(علیه السلام) رجل طلّق امرأته وأشهد شاهدين ناصبيّين، قال: كلّ من ولد على الفطرة وعُرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته (1).

الثانية: صحيحة البزنطي، قال: سألت أبا الحسن(علیه السلام) عن رجل طلّقامرأته بعدما غشيها بشهادة عدلين، قال: ليس هذا طلاقاً، قلت: فكيف طلاق السنّة؟ فقال: يطلّقها إذا طهرت من حيضها قبل أن يغشيها بشاهدين عدلين، كما قال اللَّه عزّوجلّ في كتابه، فإن خالف ذلك ردّ إلى كتاب اللَّه، قلت: فإن طلّق على طهر من غير جماع بشاهد وامرأتين، قال: لا تجوز شهادة النساء في الطلاق، وقد تجوز شهادتهنّ مع غيرهنّ في الدم إذا حضرنه، قلت: فإن أشهد رجلين ناصبيّين على الطلاق، أيكون طلاقاً؟ فقال: من ولد على الفطرة

ص: 68


1- الوسائل: 27 : 393 ، الباب 41 من كتاب الشهادات ، ح 5

أُجيزت شهادته على الطلاق، بعد أن يُعرف منه خير (1).

وكلتا الروايتين في محل الكلام بمضمون واحد، وقد استدل بهما على أنّ من ولد على الفطرة ولم يُعرف منه فسق فهو عادل وتصح شهادته.

ولكن وإن كانت الروايتان من حيث السند لا إشكال فيهما، إلاّ أنّهما من حيث الدلالة غير تامتين، وذلك:

أوّلاً: أنّ ظاهر الروايتين أنّ السؤال عن شهادة الناصبي وجواز إشهاده، وهذا غير صحيح لما ورد في كثير من الروايات من أنّ الناصبي لا تقبل شهادته لأنّه فاسق، بل كافر نجس العين، فلا يمكن الأخذ بظاهرهما.

ثانياً: أنّ ذيل الروايتين يدل على كون الشاهد معروفاً بالصلاح، ففي الرواية الأولى »وعُرف بالصلاح في نفسه«. وفي الرواية الثانية »بعد أن يُعرف منه خير«. وهذا مساوق للعدالة، لا أنّه لم يظهر منه فسق، فيعلم من ذلك أنّ الروايتين تدلان على خلاف ما ادعي.

ثالثاً: أنّ الإمام(علیه السلام) لم يجب صراحة عن السؤال بل أجاب بأمر كلّيعام، ولعلّ عدم تصريحه ببطلان شهادة الناصبي للتقيّة، وذلك ممّا يشعر به ذيل كلّ من الروايتين.

وأمّا رواية اللاعب بالحمام: وهي:

رواية العلاء بن سيّابة، قال: سألت أبا عبد اللَّه(علیه السلام) عن شهادة من يلعب بالحمام؟ قال: لا بأس إذا كان لا يُعرف بفسق... الحديث (2).

ص: 69


1- الوسائل: 22 : 26 ، الباب 10 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ، ح 4
2- الوسائل: 27 : 394 ، الباب 41 من كتاب الشهادات ، ح 6

وقد استدل بهذه الرواية بكفاية عدم ظهور الفسق في الحكم بالعدالة.

ولكن هذه الرواية وإن كانت من حيث السند لا إشكال فيها، إلاّ أنّ دلالتها محل إشكال، وذلك لأنّ هذه الرواية وإن اشتملت على عبارة »إذا كان لا يُعرف بفسق« وسيأتي الكلام حول هذه الجملة، إلاّ أنّ عين هذه الرواية وردت مذيلة بما يرفع الإشكال عن شهادة اللاعب بالحمام من حيث هو لاعب به، وهي: ما رواه الصدوق في الفقيه بسنده عن العلاء بن سيّابة

قال: سألت أبا عبد اللَّه(علیه السلام) عن شهادة من يلعب بالحمام؟ قال: لا بأس إذا كان لا يُعرف بفسق، قلت: فإنّ من قبلنا يقولون: قال عمر: هو شيطان، فقال: سبحان اللَّه، أما علمت أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال: إنَّ الملائكة لتنفر عند «عن» الرهان، وتلعن صاحبه ما خلا الحافر والخفّ والريش والنصل، فإنّها تحضره الملائكة، وقد سابق رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أُسامة بن زيد، وأجرى الخيل (1).

فبقرينة الذيل يستفاد أنّ اللاعب بالحمام من حيث هو لا بأس به وشهادته مقبولة ما لم يكن فاسقاً من جهة أخرى غير جهة اللعب، والروايةليست في مقام بيان أمر كلّي، بل في مقام بيان أنّ اللعب بالحمام لايعدّ فسقاً.

وعليه فلا تصلح دليلاً على المدعى.

أمّا روايات القسم الأوّل فقد قلنا إنّها خمس روايات، وهي:

الأولى: صحيحة حريز، عن أبي عبد اللَّه(علیه السلام) في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا، فعدل منهم اثنان ولم يعدل الآخران، فقال: إذا كانوا أربعة من المسلمين ليس يعرفون بشهادة الزور أُجيزت شهادتهم جميعاً،

ص: 70


1- الوسائل: 27 : 413 ، الباب 54 من كتاب الشهادات ، ح 3

وأُقيم الحدّ على الّذي شهدوا عليه، إنَّما عليهم أن يشهدوا بما أبصروا وعلموا، وعلى الوالي أن يجيز شهادتهم، إلاّ أن يكونوا معروفين بالفسق (1).

وظاهر الرواية يدل على أنّ من لم يُعرف بفسق فشهادته مقبولة.

الثانية: رواية صالح بن عقبة، عن علقمة، قال: قال الصادق(علیه السلام) وقد

قلت له: يابن رسول اللَّه أخبرني عمّن تقبل شهادته ومن لا تقبل؟ فقال: يا علقمة، كلّ من كان على فطرة الإسلام جازت شهادته، قال: قلت له: تقبل شهادة مقترف بالذنوب؟ فقال: يا علقمة لو لم تقبل شهادة المقترفين للذنوب لما قبلت إلاّ شهادة الأنبياء والأوصياء(علیه السلام)، لأنّهم المعصومون دون سائر الخلق، فمن لم تره بعينك يرتكب ذنباً أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان، فهو من أهل العدالة والستر، وشهادته مقبولة وإن كان في نفسه مذنباً، ومن اغتابه بما فيه فهو خارج من ولاية اللَّه، داخل في ولاية الشيطان (2).

ودلالة الرواية على المدعى واضحة.الثالثة: رواية يونس بن عبد الرّحمن، عن بعض رجاله، عن أبي عبد اللَّه(علیه السلام) قال: سألته عن البيّنة إذا أُقيمت على الحق، أيحلّ للقاضي أن يقضي بقول البيّنة؟ فقال: خمسة أشياء يجب على الناس الأخذ فيها بظاهر الحكم: الولايات، والمناكح، والذبائح، والشهادات، والأنساب، فإذا كان ظاهر الرجل ظاهراً مأموناً، جازت شهادته، ولا يسأل عن باطنه (3).

الرابعة: صحيحة أبي بصير، قال: سألت أبا عبد اللَّه(علیه السلام) - وقد سأله عمّا

ص: 71


1- الوسائل: 27 : 397 ، الباب 41 من كتاب الشهادات ، ح 18
2- الوسائل: 27 : 395 ، الباب 41 من كتاب الشهادات ، ح 13
3- الوسائل: 27 : 392 ، الباب 41 من كتاب الشهادات ، ح 3

يردّ من الشهود - قال: الظنين، والمتّهم، والخصم (1).

وقد ورد بهذا المضمون روايات أخرى منها: صحيحة عبد اللَّه بن سنان (2)، وصحيحة سليمان بن خالد (3)، وغيرهما.

الخامسة: ما ذكره صاحب الوسائل قال: وقد سبق في حديث سلمة بن كهيل، عن أمير المؤمنين(علیه السلام) أنّه قال: واعلم أنّ المسلمين عدول بعضهم على بعض إلاّ مجلوداً في حدّ لم يتب منه، أو معروف بشهادة الزور، أو ظنين (4).

ومراده بقوله: وقد سبق في حديث، هو الحديث الأوّل من الباب الأوّل من أبواب آداب القاضي، فقد أورد هناك رواية مفصلة وفيها هذه الفقرة.

هذه هي الروايات الّتي استدل بها على المدعى، وبغض النظر عن ضعف أسناد بعضها، كالرواية الثانية والثالثة والخامسة، إلاّ أنّها بأجمعها قابلةللمناقشة وذلك بأمرين:

الأوّل: أنّ جملة »إذا كان لم يُعرف بفسق« ونحوها - ممّا ورد في هذه الروايات الّتي ظاهرها الاكتفاء بها في الحكم بالعدالة وترتيب آثارها - منصرفة إلى من كان معروفاً بالستر والعفاف الّذي لا يرتكب المحرّمات، أو يتهاون بالواجبات، وهذا المعنى مساوق للعدالة بلا إشكال، وليست منصرفة إلى المجهول من جميع الجهات، وإلاّ فكيف يستشهد ويتخذ شاهداً في مثل هذه القضايا الّتي ذكرت في هذه الروايات، فبمقتضى المناسبة بين الحكم والموضوع

ص: 72


1- الوسائل: 27 : 373 ، الباب 30 من كتاب الشهادات ، ح 3
2- الوسائل: 27 : 373 ، الباب 30 من كتاب الشهادات ، ح 1
3- الوسائل: 27 : 373 ، الباب 30 من كتاب الشهادات ، ح2
4- الوسائل: 27 : 399 ، الباب 41 من كتاب الشهادات ، ذيل ح 23

انصراف الظهور إلى معلوم الحال وظاهره الصلاح، نعم الفحص عن حاله والتفتيش عن باطنه أمر لا حاجة إليه ولا ملزم له، وإلى ما ذكرنا تشير فقرات بعض الروايات.

والحاصل: أنّ الروايات المذكورة تتحدّث عن أشخاص ليسوا بغرباء حتى يتصور الجهل بحالهم من جميع الجهات.

الثاني: على فرض التسليم بأنّ عدم المعروفية أعم من كونه مجهول الحال من جميع الجهات أو من بعض الوجوه، فكلاهما يصدق عليهما أنّه لم يُعرف بفسق، فتكون الروايات حينئذ مطلقة، وإذا ثبت الإطلاق فتحمل على ما ورد من الروايات الدالة على اشتراط كونه معروفاً بالستر والعفاف والعدالة فلابد من رفع اليد عن إطلاقها وتقييدها بما دلّ على الاشتراط.

لا يقال: إنّ لازم التقييد الانحصار في الفرد النادر.

لأنّا نقول: إنّ العشرة أو المخالطة توجب المعروفية وظهور الحال من الالتزام بأحكام الشرع وعدمه.

والحاصل: أنّ هذا القسم من الروايات بعضها من جهة السند، وجميعهامن جهة الدلالة لا يمكن التمسك بها في الاستدلال على المدعى.

هذا بالنسبة إلى الأدلة الثلاثة، وأمّا بالنسبة إلى المؤيدات فهي أيضاً غير تامة، وذلك:

أمّا المؤيد الأوّل: وهو أنّ الفحص والاختبار يوجب تعطيل الأحكام وإخلال النظام.

فجوابه: بالعكس إذ أنّ تصديق كلّ من يدلي بشهادته وترتيب الآثار عليها

ص: 73

هو الموجب لإخلال النظام وزعزعته وحدوث الهرج والمرج وتضييع الحقوق ومخالفة الواقع، كيف والمعلوم من طريقة الشارع الإنصاف والعدل وإحقاق الحق وما إلى ذلك، فهذا التأييد غير وجيه.

وأمّا المؤيد الثاني: وهو ما ذكر من أمر الجماعة والترغيب فيها

والحث عليها، وعند الفحص يلزم عدم التيسر فيقع التنافي بين الأمرين.

فجوابه: أنّه لا تنافي في المقام إذ الاطمئنان بإمام الجماعة قد يحصل بعلائم، منها اقتداء المؤمنين به، أو رؤية عادلين يقتديان به، وليس ذلك من المعسور تحققه.

وأمّا المؤيد الثالث: وهو أنّ ظاهر الآية الإطلاق، ويكتفى في التقييد بالقدر المتيقن من الإسلام وعدم ظهور الفسق.

فجوابه: من الآية نفسها فإنّها ليست مطلقة كما يتراءى من أوّل وهلة، والآية هي قوله تعالى: »واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجلٌ وامرأتان ممّن ترضون من الشُّهداء« (1).وموضع الشاهد قوله تعالى: »ممّن ترضون من الشُّهداء« فهو قيد لما قبله.

وقد أورد صاحب الوسائل نقلاً عن تفسير العسكري، عن أمير المؤمنين(علیه السلام) في قوله تعالى: »ممّن ترضون من الشُّهداء« قال: ممّن ترضون دينه وأمانته وصلاحه وعفّته وتيقّظه فيما يشهد به وتحصيله وتمييزه، فما كلّ

ص: 74


1- سورة البقرة، الآية 282

صالح مميّزاً، ولا محصّلاً، ولا كلّ محصّل مميّز صالح (1).

ونحن وإن لم يسعفنا الدليل على اعتبار التفسير المنسوب

للإمام(علیه السلام) (2) إلاّ أنّ ما نورده منه تأييد في مقابل تأييد.

والحاصل: أنّ هذا التأييد غير تام.

وأمّا المؤيد الرابع: وهو أنّ سيرة النبي صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين(علیه السلام) والأصحاب لم تكن على هذا الأمر وإنّما هو شي ء أحدثه شريح القاضي.

فجوابه: أنّ الفحص إن كان المراد به التفتيش عن الباطن، فهذا صحيح، وهو موضع وفاق. وإن كان المراد به أصل الفحص عن الشاهد، وأنّ النبي صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين(علیه السلام) والأصحاب، يحكمون من دون معرفة الشاهد، فهذا لا دليل عليه. بل يجلّ عنه مقام النبوّة والإمامة لما فيه من الفساد في الدين.ويؤيد ذلك، ما ورد في تفسير الإمام الحسن العسكري(علیه السلام) ولا بأس بإيرادها بطولها لما تتضمن من آداب القضاء في هذا الجانب وبيان بعض أخلاق النبي صلى الله عليه وآله:

فعن الحسن بن علي العسكري(علیه السلام) في تفسيره عن آبائه، عن أمير المؤمنين(علیه السلام) قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إذا تخاصم إليه رجلان قال للمدّعي: ألك حجّة؟ فإن أقام بيّنة يرضاها ويعرفها، أنفذ الحكم على المدّعى عليه، وإن لم يكن له بيّنة حلف المدّعى عليه باللَّه، ما لهذا قبله ذلك الّذي ادّعاه، ولا شي ء منه. وإذا جاء بشهود لا يعرفهم بخير ولا شرّ، قال للشهود: أين

ص: 75


1- الوسائل: 27 : 399 ، الباب 41 من كتاب الشهادات ، ح 23
2- أصول علم الرجال: 283

قبائلكما؟ فيصفان أين سوقكما؟ فيصفان، أين منزلكما؟ فيصفان، ثمّ يقيم الخصوم والشهود بين يديه، ثمّ يأمر «فيكتب أسامي المدّعي والمدّعى عليه والشهود ويصف ما شهدوا» به، ثمّ يدفع ذلك إلى رجل من أصحابه الخيار، ثمّ مثل ذلك إلى رجل آخر من خيار أصحابه، ثمّ يقول: ليذهب كلّ واحد منكما من حيث لا يشعر الآخر إلى قبائلهما وأسواقهما ومحالّهما والربض الّذي ينزلانه، فيسأل عنهما، فيذهبان ويسألان، فإن أتوا خيراً وذكروا فضلاً رجعوا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فأخبراه، أحضر القوم الّذي أثنوا عليهما، وأحضر الشهود، فقال للقوم المثنين عليهما: هذا فلان بن فلان، وهذا فلان بن فلان، أتعرفونهما؟ فيقولون: نعم، فيقول: إنّ فلاناً وفلاناً جاءني عنكم فيما بيننا بجميل وذكر صالح أفكما قالا، فإن قالوا: نعم قضى حينئذ بشهادتهما على المدّعى عليه، فإن رجعا بخبر سيّى ء وثناء قبيح دعاهم، فيقول: أتعرفون فلاناً وفلاناً؟ فيقولون: نعم، فيقول: اقعدوا حتّى يحضرا، فيقعدون فيحضرهما، فيقول للقوم: أهما هما؟ فيقولون: نعم، فإذا ثبت عنده ذلك لم يهتك «ستر الشاهدين»، ولا عابهما ولا وبّخهما، ولكن يدعو الخصومإلى الصلح، فلا يزال بهم حتى يصطلحوا لئلّا يفتضح الشهود، ويستر عليهم. وكان رؤوفاً رحيماً عطوفاً على أُمّته، فإن كان الشهود من أخلاط الناس، غرباء لا يعرفون، ولا قبيلة لهما، ولا سوق، ولا دار، أقبل على المدّعى عليه فقال: ما تقول فيهما؟ فإن قال: «ماعرفنا» إلاّ خيراً، غير أنّهما قد غلطا فيما شهدا عليّ، أنفذ شهادتهما، وإن جرحهما وطعن عليهما أصلح بين الخصم وخصمه، وأحلف المدّعى عليه، وقطع الخصومة بينهما (1).

ص: 76


1- الوسائل: 27 : 239 ، الباب 6 من أبواب كيفية الحكم، وأحكام الدعوى ، ح 1

والحاصل: أنّ هذه المؤيدات الأربعة غير تامة.

القول الثاني:
اشارة

وهو أنّ العدالة هي حسن الظاهر. فيقع الكلام فيه في جهتين:

الأولى: في تنقيح هذا القول والقائل به.

الثانية: في الأدلة الّتي أقيمت عليه.

الجهة الأولى: تنقيح القول والقائل به:

فقد نسب إلى جماعة من القدماء كالمفيد في المقنعة (1) والشيخ في النهاية (2) والقاضي والتقي وابن حمزة وسلار كما في الجواهر (3)، وعن المصابيح نسبته إلى القدماء وهو المشهور بين القدماء، بل نسب إلى أكثر الفقهاء (4).

والفرق بينه وبين القول الأوّل واضح فإنّه أخص من الأوّل، لأنّ هذا القول يحتاج إلى المخالطة والمعاشرة حتى يتحقق حسن الظن بالظاهر، وأمّا القول الأوّل فليس بحاجة إلى شي ء من ذلك.

وأمّا الفرق بينه وبين سائر الأقوال الآتية من القول بالملكة، أو الاستقامة على جادة الشرع والإتيان بالواجبات وترك المحرّمات، أو كليهما، فلابدّ من بيان

ص: 77


1- المقنعة (مصنفات الشيخ المفيد 14) : 725
2- النهاية ونكتها: 2 : 52
3- جواهر الكلام: 13 : 290
4- أنظر مفتاح الكرامة: 3 : 83

المراد من هذا القول .

وقد ذكر شيخنا الأنصاري (1) أنّ المحتملات في هذا القول ثلاثة:

الأوّل: أن يكون المراد من العدالة هي: حسن الظاهر، وليست هي شيئاً وراءه، وذلك لأنّ بعض الأدلة تضمنت اعتبار العدالة، وبعضها اعتبار حسن الظاهر، ومن المعلوم عدم التعدد فالشرط واحد ومقتضى ذلك اتحادهما، بمعنى أنّ العدالة هي حسن الظاهر وهو نفس العدالة.

وبناء على هذا فالملكة أو الاستواء في جميع الأمور على جادة الشرع غير معتبر في تحقق العدالة، بل هي عبارة عن حسن الظاهر سواء كانت هناك ملكة، أو لم تكن، بل حتى وإن أحرز عدم الملكة، ولا معنى حينئذ لكشف الخلاف.

الثاني: أن يكون حسن الظاهر طريقاً تعبدياً للعدالة وليس هو نفس العدالة، بل العدالة هي الملكة، أو الاستواء في جميع الأمور على جادة الشارع، والشارع جعل حسن الظاهر طريقاً إلى العدالة، وتكون جميع أحكام العدالة مترتبة على وجود هذا الطريق والأمر يدور مدار هذا الطريق، نظير مستصحب العدالة.

فمثلاً إذا كان الشخص عادلاً، ثمّ شكّ في عدالته استصحبت العدالة وترتبت جميع آثارها، والمقام من هذا القبيل.

وبناء على هذا فلا يعتبر هنا أيضاً إحراز العدالة، أو الملكة، وإنّما تكون العدالة ثبوتاً ونفياً دائرة مدار هذا الطريق، ولكن إذا أحرز عدم الملكة فترتيب آثار العدالة وأحكامها بناء على الطريقية مشكل.

ص: 78


1- رسالة في العدالة: 39 وما بعدها

الثالث: أن يكون المراد بحسن الظاهر طريقاً وجدانياً، كسائر الطرق الوجدانية الّتي تكون إلى شي ء من الأشياء، فإن أفاد الظن أو الوثوق والاطمئنان فهو معتبر وترتبت عليه آثار العدالة، وإلاّ فلا.

وبناء على هذا الاحتمال يرجع حسن الظاهر في معناه إلى بقية الأقوال الآتية فلا يكون قولاً مستقلاً .

نعم بناء على أحد الاحتمالين الأولين فهو قول مستقل مقابل بقية الأقوال، فعلى الوجهين الأوّلين تكون العدالة على هذا القول أعم وأمّا على الوجه الآخر فلا فرق في البين.

ثمّ إنّ ما تقدّم في بيان معقولية القول الأوّل في نفسه بغض النظر عن القائل به، يرد في المقام والكلام فيه هو الكلام. وقد ذكرنا أنّ شيخنا الأنصاري ناقش في معقولية القول الأوّل، وتبعه السيّد الأستاذ(قدس سره) وذكرنا أيضاً أنّ المحقّق الاصفهاني أجاب عن تلك المحاذير وما ورد هناك يرد هنا حرفاً بحرف.

نعم أضاف صاحب الجواهر(قدس سره) (1) محاذير أخرى وأجاب عنها بنفسه، ولا بأس بالإشارة إليها.

منها: أنّه بناء على هذا القول يلزم أن لا يقدح في عدالة من ارتكب الكبيرة مستتراً وذلك لأنّ موضوع العدالة متحقق وهو حسن الظاهر، وما صدر منه من ارتكاب الكبيرة لا يضر بعدالته ولا يجوز لمن اطلع عليه أن يعلن ذلك ويظهره لأنّه يدخل في الإفشاء وإشاعة الفحشاء والغيبة وذلك منهي عنه بنصّ الكتاب والسنة والإجماع، بل عليه - أي المطّلع - أن يرتب آثار العدالة لتحقق موضوعها

ص: 79


1- جواهر الكلام: 13 : 298

وهو حسن الظاهر فضلاً عن غيره.

ومنها: أنّ المشهور عندهم في علم الدراية تقديم الجارح على المعدّل (1)، ولكن بناء على هذا القول يلزم عدم ثبوت جرح أبداً، وإن ثبت الجرح انتفى حسن الظاهر، وحينئذ يكون من باب التعارض بينه وبين المعدّل، فلا معنى لتقديم قوله على قول المعدّل.

ومنها: أنّهم قرروا أنّ العدالة تعود بالتوبة والإقلاع عن المعصية، ولكن بناء على هذا القول يلزم عدم عودتها إلاّ بعد مدة طويلة جداً.

وقد أجاب صاحب الجواهر(قدس سره) (2) بنفسه عن هذه المحاذير بأنّها غير واردة وذلك لأنّا إذا قلنا إنّ العدالة هي حسن الظاهر، أو أنّ حسن الظاهر طريق تعبدي، فذلك مشروط بعدم ارتكاب الكبيرة ولو سراً، فإذا علم ولو سراً بارتكابه لها سقط شرط العدالة، وحينئذ فقول الجارح مقدّم على المعدّل ولا تترتب عليه آثار العدالة، وعدم جواز الإفشاء مسألة أخرى وفيها تفصيل وهو أنّ مقام الجرح والتزكية خارجة عن حرمة الإفشاء والإشاعة وغيرها من عناوين المحرّمات. وأمّا رجوع العدالة فهو أمر تعبدي قام الدليل الخاص عليه.

والحاصل: أنّ هذا القول في نفسه معقول ولا إشكال عليه من هذه الناحية.

ص: 80


1- مفتاح الكرامة: 3 : 85 ، ونهاية الدراية، الكاظمي: 379
2- جواهر الكلام: 13 : 299
الجهة الثانية: الأدلة على هذا القول:
اشارة

فقد استدل عليه بأمور:

الأوّل: دعوى الإجماع كما نقل عن الأستاذ الأكبر في حاشيته على المعالم (1)، وفي شرح المفاتيح (2) لم يستحضر الخلاف - في هذا - إلاّ من ابن الجنيد. ويمكن استفادة ذلك من المعتبر حيث ادعى أنّ ظهور العدالة شرط لا نفس العدالة إذا كان مراده من الظهور هو حسن الظاهر.

الثاني: دعوى أنّه إذا كانت العدالة هي الملكة الباعثة على الاتيان بالواجبات وصعوبة صدور المعصية وارتكاب المحرّمات لزم من ذلك عدم وجود هذه الصفة الحميدة إلاّ في الأوحدي من الناس الّذي لا يسمح الدهر بمثله إلاّ نادراً، لأنّ العدالة على هذا النحو تحتاج إلى مجاهدة شاقة وتأييد ربّاني والحال أنّ الناس بحاجة إليها من كلّ فرقة من سكان البر والبحر وتعم بها البلوى وتكثر الحاجة إليها في العبادات والمعاملات والإيقاعات والأحكام، فاشتراط الملكة يوجب العسر والحرج والإخلال بالنظام مضافاً إلى أنّه لم ينهض دليل ظني على اعتبار الملكة فضلاً عن الدليل القطعي.

الثالث: - وهو العمدة في المقام - الروايات الواردة الّتي يستفاد منها أنّ العدالة هي حسن الظاهر وهي طائفتان:

ص: 81


1- مفتاح الكرامة: 3 : 83
2- جواهر الكلام: 13 : 288
الطائفة الأولى:

ما ورد في صلاة الجماعة وأنّه لابدّ أن يكون الإمام عادلاً ثقة ورعاً، وما ورد أنّه إذا تبين فسق الإمام أو كفره فالصلاة صحيحة، ومقتضى الجمع بينها أنّ العدالة هي حسن الظاهر، وإلاّ فلا وجه للحكم بصحة الصلاة إذا تبين فسق الإمام. وقد تقدّم ذكر الروايات عند التحقيق حول القول الأوّل.

الطائفة الثانية:

ما ورد في الشهادة، وهي على قسمين فبعضها دلّ على أنّ العدالة صفة نفسانية، كصحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه(علیه السلام) قال: لا بأس بشهادة الضيف إذا كان عفيفاً صائناً... الحديث (1).

وصحيحة عبد اللَّه بن أبي يعفور، قال: قلت لأبي عبد اللَّه(علیه السلام): بم تُعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم؟ فقال: أن تعرفوه بالستر والعفاف، وكفِّ البطن والفرج واليد واللسان، ويُعرف باجتناب الكبائر الّتي أوعد اللَّه عليها النار من شرب الخمر، والزنا، والربا، وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف، وغير ذلك، والدلالة على ذلك كلّه أن يكون ساتراً لجميع عيوبه، حتى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه وتفتيش ما وراء ذلك، ويجب عليهم تزكيته وإظهار عدالته في الناس، ويكون منه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب عليهنّ، وحفظ مواقيتهنّ بحضور

ص: 82


1- الوسائل: 27 : 395 ، الباب 41 من كتاب الشهادات ، ح 10

جماعة من المسلمين، وأن لا يتخلّف عن جماعتهم في مصلاّهم إلاّ من علّة، فإذا كان كذلك لازماً لمصلاّه عند حضور الصلوات الخمس، فإذا سئل عنه في قبيلته ومحلّته قالوا: ما رأينا منه إلاّ خيراً، مواظباً على الصلوات، متعاهداً لأوقاتها في مصلاّه، فإنّ ذلك يجيز شهادته وعدالته بين المسلمين، وذلك أنَّ الصلاة ستر وكفّارة للذنوب، وليس يمكن الشهادة على الرجل بأنّه يصلّي إذا كان لا يحضر مصلاّه ويتعاهد جماعة المسلمين، وإنّما جعل الجماعة والاجتماع إلى الصلاة لكي يعرف من يصلّي ممّن لا يصلّي، ومن يحفظ مواقيت الصلاة ممّن يضيع، ولولا ذلك لم يمكن أحد أن يشهد على آخر بصلاح، لأنَّ من لا يصلّي لا صلاح له بين المسلمين، فإنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله همَّ بأن يحرق قوماً في منازلهم لتركهم الحضور لجماعة المسلمين، وقد كان فيهم من يصلّي في بيته فلم يقبل منه ذلك وكيف يقبل شهادة أو عدالة بين المسلمين ممّن جرى الحكم من اللَّه عزّوجلّ ومن رسوله صلى الله عليه وآله فيه الحرق في جوف بيته بالنار، وقد كان يقول: لا صلاة لمن لا يصلّي في المسجد مع المسلمين إلاّ من علّته (1).

وموضع الشاهد هو صدر الرواية حيث جعل العدالة صفة نفسانية، وما ذكره(علیه السلام) من الأوصاف علائم عليها.

ويؤيد ذلك رواية جابر، عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: شهادة القابلة جائزة على أنّه استهلَّ أو برز ميّتاً، إذا سئل عنها فعدلت (2).

كما يؤيده أيضاً ما تقدّم من الرواية الواردة في تفسير العسكري(علیه السلام) في

ص: 83


1- الوسائل: 27 : 391 ، الباب 41 من كتاب الشهادات ، ح 1
2- الوسائل: 27 : 362 ، الباب 24 من كتاب الشهادات ، ح 38

تفسير قوله تعالى: «ممّن ترضون من الشُّهداء» (1).

وبعضها دلّ على أنّ العدالة هي حسن الظاهر، كمعتبرة العلاء بن سيّابة، عن أبي عبد اللَّه(علیه السلام) أنّ أبا جعفر(علیه السلام) قال: لا تقبل شهادة سابق الحاجّ، لأنّه قتل راحلته، وأفنى زاده، وأتعب نفسه، واستخفَّ بصلاته، قلت: فالمكاري والجمّال والملاّح؟ فقال: وما بأس بهم تقبل شهادتهم إذا كانوا صلحاء (2).

وكمعتبرة إبراهيم بن زياد الكرخي، عن الصادق جعفر بن محمّد(علیه السلام) قال: من صلّى خمس صلوات في اليوم والليلة في جماعة فظنّوا به خيراً وأجيزوا شهادته (3).

وكصحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: لو كان الأمر إلينا لأجزنا شهادة الرجل إذا علم منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس... الحديث (4).

ويمكن الاستدلال أيضاً بذيل صحيحة ابن أبي يعفور (5) المتقدّمة.

فهذا القسم من الروايات يدل أنّ العدالة هي حسن الظاهر، ومقتضى الجمع بين القسمين، هو أن يكون موضوع الأحكام هو حسن الظاهر إذ ليسفي المقام شرطان، بل هما متحدان ومع الاتحاد فلابدّ من القول بأنّ العدالة هي حسن الظاهر.

ص: 84


1- سورة البقرة، الآية 282
2- الوسائل: 27 : 381 ، الباب 34 من كتاب الشهادات ، ح 1
3- الوسائل: 27 : 395 ، الباب 41 من كتاب الشهادات ، ح 12
4- الوسائل: 27 : 394 ، الباب 41 من كتاب الشهادات ، ح 8
5- الوسائل: 27 : 391 ، الباب 41 من كتاب الشهادات ، ح 1

هذا غاية ما يمكن الاستدلال به على هذا القول.

ولكن في كلّ من هذه الأدلة مواقع للنظر:

أمّا الدليل الأوّل: فالمناقشة فيه واضحة لأنّ دعوى الإجماع فيه غير تامة .

أمّا على المعنيين الأوّل والثاني، فواضح لاختلاف الآراء وورود الروايات في المقام، فلا يمكن أن يتحقق الإجماع الكاشف عن قول المعصوم(علیه السلام).

وأمّا على المعنى الثالث: وهو أن يكون حسن الظاهر طريقاً وجدانياً، فدعوى الإجماع وإن كانت ليست بعيدة، للتسالم بين الفقهاء على أنّ كلّ من يقول بأنّ العدالة هي الملكة يقول أنّ حسن الظاهر طريقٌ إليها إلاّ أنّه لا يمكن الجزم بذلك.

وأمّا الدليل الثاني: وهو أنّ القول بأنّ العدالة هي الملكة ولازم ذلك اختلال النظام مضافاً إلى أنّ ذلك لا يتحقق إلاّ في الأوحدي من الناس. فالجواب عنه يتطلب ذكر الوجوه الداعية لترك المعصية تبعاً لما ذكره الشيخ في رسالته ولكن بإضافة وجوهٍ أخرى وبيان آخر.

فنقول: إنّ ترك المعصية يختلف باختلاف الدواعي عند الإنسان ويترتب على ذلك وصفه بالعدالة وعدمها، والصور المحتملة ثمان صور وإن كان هناك صور أخرى ولكن نكتفي بهذا المقدار:

الأولى: أن يكون الترك لعدم المقتضي، كما إذا لم يكن للمكلف قوةشهوية أو غضبية تدفعه لارتكاب الحرام.

وهذه الصورة وإن كانت نادرة التحقق ولكن إذا اتفق حصولها لشخص وأنّه لم يرتكب المعصية لعدم المقتضي، وحينئذ فهذه الصورة خارجة عن محلّ

ص: 85

الكلام إذ لا يوصف بعدالة أو فسق إذ لا مقتضي لارتكاب المعصية كما أنّه ليس خارجاً عن جادة الشارع.

الثانية: أنّ المقتضي موجود إلاّ أنّ المعصية ليست مورداً للابتلاء.

وحكم هذه الصورة حكم الصورة الأولى.

الثالثة: أنّ المقتضي موجود والابتلاء كذلك إلاّ أنّ الترك بداعي الرياء كمن يريد إظهار نفسه للناس بأنّه لا يرتكب المحرّم.

وهذه الصورة لا يحكم بها بالعدالة بل صاحبها فاسق، لأنّ الرياء شرك مبغوض فمن ترك القبيح رياءً فهو فاسق.

الرابعة: نفس الصورة السابقة إلاّ أنّ الترك كان بداعي الحياء من الناس والخوف على وجاهته ومكانته الاجتماعية.

وحكم هذه الصورة أنّ صاحبها لا يوصف بعدالة أو فسق لأنّ عدم ارتكابه للمعصية لم يكن لجهة شرعية، كما أنّه ليس بفاسق لعدم خروجه عن جادة الشرع.

الخامسة: نفس الصورة السابقة إلاّ أنّ الداعي لترك الحرام هو محبة اللَّه تعالى، ويكون من قبيل غلبة العقل النظري على العقل العملي. وقد نقل عن بعض الأبدال أنّه لم يرتكب المباح وجاء في أحوال السيّد الشريف الرضي ذلك، وكان إنّما يفعل الواجب والمستحب سواء.

السادسة: نفس الصورة السابقة إلاّ أنّ الداعي لترك المعصية هو الخوف من اللَّه تعالى والخشية منه، إلاّ أنّ الترك للمعصية أمر اتفاقي لا لحالة مستمرة في نفسه ففي كلّ مرّة يواجه فيها المعصية يحتاج إلى الخوف والخشية.

ص: 86

السابعة: نفس الصورة السابقة إلاّ أنّ الداعي لترك المعصية هو الخوف من اللَّه تعالى ورجاء ثوابه، ويكون صاحبها مسيطراً على نفسه قاهراً لها على نحو الدوام والاستمرار لا على نحو الاتفاق كما في الصورة السابقة إلاّ أنّه مع ذلك لا يأمن على نفسه الوقوع في المعصية كما نقل عن المقدس الأردبيلي (1) من أنّه سئل عن نفسه إذا ابتليت بامرأة مع استجماع جميع ما له دخل في رغبة النفس إلى الزنا فلم يجب(قدس سره) بعدم الفعل بل قال: أسأل اللَّه أن لا يبتليني بذلك.

الثامنة: نفس الصورة السابقة مع كون الداعي لترك المعصية هو الخوف من اللَّه تعالى، ولكنّه الخوف العادي، أي بحسب العادة يمتنع من ارتكاب الحرام وإذا فاجأته المعصية يرتدع لأوّل وهلة، ولكن يمكن أن تغلبه نفسه وشهوته ويرتكب الحرام.

وحكم الصور الأربع الأخيرة أنّ صاحبها يوصف بالعدالة وهي من أقسام الملكة، باستثناء الصورة الثانية، وتتفاوت قوة وضعفاً، وأنّ الصورة الأولى هي الأقوى بل هي تالية للعصمة، كما أنّ الصورة الثالثة أقوى من الصورة الرابعة فإنّها لا تتحقق إلاّ في الأوحدي من الناس، وأمّا الصورة الثانية فليست من الملكة في شي ء وإنّما ذكرناها لأنّ صاحبها قد يوصف

بالعدالةعلى بعض الأقوال.

إذا تبين هذا فنقول: إنّ المناط في العدالة هو القسم الرابع، وهو المراد من الملكة الّتي هي موضوع الأحكام وهي المستفادة من الروايات، وهذه المرتبة ليست نادرة التحقق واشتراطها لا يوجب الاخلال بالأحكام الشرعية. ويمكن التعرّف على حصول العدالة في الإنسان بما يراه الإنسان في منامه من ارتكابه للمعصية واصابته بالغم والألم لذلك، ثمّ بعد أن ينتبه يرى أنّ ذلك كان حلماً

ص: 87


1- جواهر الكلام: 13 : 296

وخيالاً فيفرح ويحمد اللَّه تعالى على ذلك. فمثل هذا الشخص يوصف بالعدالة، وعلامة ذلك فرحه بعدم ارتكابه للمعصية حقيقة. وحصول هذه المرتبة ليس نادراً عند الناس ولا يوجب اشتراطها تعطيل الأحكام بل كما يقول شيخنا الأنصاري رحمه الله: «الإنصاف أنّ الاقتصار على ما دون هذه المرتبة يوجب تضييع حقوق اللَّه تعالى وحقوق الناس وكيف يحصل الوثوق في الاقدام على ما أناطه الشارع بالعدالة لمن لا يظنّ فيه ملكة ترك الكذب والخيانة، فيمضى قوله في دين الخلق ودنياهم من الأنفس والأموال والأعراض، ويمضى فعله على الأيتام والغيّب والفقراء والسادة.

قال بعض السادة: إنّ الشريعة المنيعة الّتي منعت من إجراء الحدّ على من أقرّ على نفسه بالزنا مرّةً بل ثلاثاً كيف يحكم بقتل النفوس واهراقهم وقطع أياديهم وحبسهم وأخذ أموالهم وأرواحهم بمجرّد شهادة من يُجهل حاله من دون اختبار» (1).

وبناء على ما تقرر فما ذكر من جعل العدالة هي الملكة يوجب

الإخلال وأنّه لم ينهض دليل ظني على اعتبار الملكة، فضلاً عن الدليلالقطعي لا يرجع إلى محصل.

وأمّا الدليل الثالث: وهو الروايات فقد قلنا إنّها على طائفتين:

أمّا الأولى: فهي ما ورد في صلاة الجماعة وقلنا إنّ بعضها يدل على اعتبار الوثاقة، وبعضها يدل على صحة الصلاة إذا تبين فسق الإمام، ومقتضى الجمع هو حسن الظاهر.

ص: 88


1- رسالة في العدالة: 28

ولكن يمكن مناقشة هذه الطائفة بأنّ الحكم بصحة الصلاة ليس لازماً مساوياً لحسن الظاهر، بل هو لازم أعم، وذلك:

أوّلاً: أنّ الحكم بالصحة محل خلاف فذهب بعضهم إلى القول بعدم الصحة كما نسب ذلك إلى السيّد المرتضى (1).

ثانياً: أنّ من المتقرر عندهم أنّ قاعدة لا تعاد الصلاة إلاّ من خمس، تقتضي عدم لزوم إعادة الصلاة في غير الموارد الخمسة، بناء على عدم اختصاص القاعدة بالناسي. وما نحن فيه ليس من موارد الإعادة، ومن أجل ذلك حكم بصحة الصلاة، وليس المناط هو حسن الظاهر.

ثالثاً: أنّ العدالة في إمام الجماعة شرط علمي لا شرط واقعي، فإذا علم أنّه عادل كفى في الائتمام به وإن كان في الواقع غير عادل. وقد يظهر ذلك من المعتبر حيث قال: ولنا: انّ ظهور العدالة شرط (2) - أي في صلاة الجماعة - وظاهر العبارة أنّها شرط علمي لا واقعي، وبناء على ذلك فهذه

الطائفة لا يمكن الاستدلال بها على المدعى.وأمّا الطائفة الثانية: فهي ما ورد في الشاهد، وقلنا: إنّها على قسمين:

الأوّل: يدل على أنّ المعتبر هو العدالة بما هي صفة نفسانيّة.

والثاني: يدل على أنّ المعتبر هو حسن الظاهر.

ومقتضى الجمع بينهما هو اعتبار حسن الظاهر.

ولكن يمكن مناقشة هذه الطائفة أيضاً، وذلك:

ص: 89


1- الدروس الشرعية: 1 : 219
2- المعتبر في شرح المختصر: 2 : 307

أوّلاً: أن يقال أنّ روايات القسم الثاني من هذه الطائفة واردة مورد الغالب، لأنّ الغالب في من يتصف بالأوصاف المذكورة في الروايات أن يكون عادلاً وعدالته عن ملكة، فإنّ قوله(علیه السلام): «إذا كانوا صلحاء» وقوله: «فظنّوا به خيراً وأجيزوا شهادته» وقوله: «إذا علم منه خير» ونحو ذلك، يدل على أنّ من تحققت فيه هذه الأوصاف فهو من أهل العدالة ويوجب الاطمئنان بحصول الملكة له ويشذ أن تكون هذه الأوصاف متحققة في شخص لا عن ملكة.

ويشهد لذلك ما ذكرنا من قوله(علیه السلام): «من صلّى خمس صلوات في اليوم والليلة في جماعة فظنوا به خيراً وأجيزوا شهادته». فقوله: فظنوا به خيراً، يكشف على أنّه في الواقع خيّراً، وأهل لأن يظن به الخير، وأنّ محافظته على صلواته طريق إلى معرفة الخير في نفسه ويوجب الاطمئنان لذلك ولهذا فرع(علیه السلام) جواز شهادته.

وبناء على هذا فهذه الروايات لا يمكن الاستدلال بها على استقلالية هذا الشرط. وعلى فرض الاحتمال والشكّ في أنّه شرط مستقل، أو أنّه وارد مورد الغالب، فمع ذلك لا يمكن الاستدلال به وجعله شرطاً في مقابل

العدالة. على أنّ هذه الأوصاف متعددة وجاءت بتعابير مختلفة، فالجامع بينها هو أنّما ذكر في هذه الروايات وارد مورد الغالب، وبمجموعها يطمأن إلى وجود الملكة.

وثانياً: سلّمنا أنّ هذه الروايات تدل على حسن الظاهر، ولكنّها معارضة بما هو أخص منها، وهي ما تدل على اعتبار الأمانة والوثاقة والعفة والورع في الشاهد، كما في قوله تعالى: «ممّن ترضون من الشُّهداء» (1)، وهكذا صحيحة أبي

ص: 90


1- سورة البقرة، الآية 282

بصير (1)، وصدر صحيحة ابن أبي يعفور (2)، وغيرها، ومقتضى الصناعة لابدّ من تقديم الأخص، وبناء عليه فلا يمكن الاستدلال بهذه الطائفة على المدعى أيضاً.

هذا كله بناء على الاحتمال الأوّل، وهو أن يكون حسن الظاهر متحداً مع العدالة.

وأمّا بناء على الاحتمال الثالث: وهو أن يكون حسن الظاهر طريقاً وجدانياً، فلا محذور فيه، فإنّ القائلين بأنّ العدالة هي الملكة يذهبون إلى أنّ الروايات واردة على هذا المعنى.

وأمّا بناء على الاحتمال الثاني: وهو أن يكون حسن الظاهر طريقاً تعبدياً، فهو محل الكلام، وقد أشرنا إلى ذلك سابقاً، وان قال به جماعة من المحققين كصاحب الجواهر (3).

هذا تمام الكلام حول القول الثاني والنتيجة أنّ هذا القول غير تام.

ص: 91


1- الوسائل: 27 : 395 ، الباب 41 من كتاب الشهادات ، ح 10
2- الوسائل: 27 : 391 ، الباب 41 من كتاب الشهادات ، ح 1
3- جواهر الكلام: 13 : 299
القول الثالث :
اشارة

العدالة هي الملكة والصفة الباعثة للإنسان على فعل الواجبات وترك المحرمات. فالكلام يقع فيه في جهتين:

الأولى: في تنقيح هذا القول.

الثانية: في الدليل عليه.

الجهة الأولى: تنقيح القول :

فقد نسب إلى المشهور بين الأصحاب كما في مصابيح الظلام (1)، وفي مجمع البرهان (2) أنّه مشهور بين العامة والخاصة، وفي رسالة الشيخ (3): عليه الاتفاق المنقول المعتضد بالشهرة المحقّقة، بل عدم الخلاف، بناءً على ارجاع كلام الحلّي إلى المشهور.

وأمّا عن صحة القول في نفسه فقد نوقش - كما في القولين السابقين - بأربعة أمور:

الأمر الأوّل: ما تقدّم في القول السابق من أنا إذا اعتبرنا أنّ الملكة هي عبارة عن صعوبة صدور المعصية، فهو أمر نادر التحقق ويلزم منه الحرج وتعطيل الأحكام والإخلال بالنظام.

ص: 92


1- حكاه العاملي في مفتاح الكرامة: 3 : 80
2- مجمع الفائدة والبرهان، ذكره في موضعين: 2 : 351 و12 : 311
3- رسالة في العدالة: 11

وقد تقدّم الجواب عن ذلك وشرحنا كيفية منشأ ترك الحرام، وخلاصته: أنّ الملكة لها مراتب متفاوتة من حيث الشدّة والضعف، والمراد منها عند الفقهاء ليست هي الملكة الأخلاقية المتوسطة بين الملكات الثلاث، كما أنّها ليست هي المقصودة بتعسر وجود الحرام، بل المراد منها هي الملكة المتعارفة بين الناس وهي الحالة المستمرة الحاصلة من خشية اللَّه لا الاتفاقية، وهذه الملكة هي المعبر عنها في بعض الروايات بالاستحياء من الخالق، والخلق، الموجبة للاستقامة على جادة الشرع. وهذا أمر سهل متيسر للغاية وليس نادر التحقق ولا يلزم من اعتباره عسراً أو حرج أو تعطيل للأحكام أو إخلال بالنظام.

الأمر الثاني: أنّ تفسير العدالة بالملكة لا يجتمع مع القول بزوال العدالة بارتكاب الكبيرة ورجوعها بالتوبة، لأنّ الملكة هيئة راسخة في النفس فهي إمّا أن لا تزول أو إذا زالت لا ترجع.

لا يقال: إنّ هذا - أي زوالها وعودتها - أمر تعبدي لا واقعي، بمعنى أنّ حكمه يزول بالارتكاب، وحكمها يعود بالتوبة.

لأنّه يقال: إنّ هذا خلاف ظاهر كلام القائل بها.

والجواب :

أوّلاً: أنّ هذا ليس قولاً لجميع الفقهاء، بل على ما في مفتاح الكرامة (1) أنّ في التوبة ثلاثة مذاهب:

الأوّل: أنّ الملكة تعود بتكرار التوبة.

الثاني: أنّ عودتها مشروط بالعمل الصالح ليكون شاهداً على الرجوع ولا

ص: 93


1- مفتاح الكرامة: 3 : 85

يكفي مجرد الندم.

الثالث: أنّه لا يكتفى بمجرد التوبة والعمل الصالح، بل لابدّ من الاختبار مدة يغلب معه الظن بأنّه أصلح سريرته. والأخير هو الأشهر عندهم.

ثانياً: على فرض التسليم، ولكن يمكن أن يقال: إنّ الملكة تزول بارتكاب الكبيرة وأمّا عودها فهو أمر تعبدي لا أنّها تعود واقعاً.

أو يقال: إنّ الملكة تزول واقعاً وتعود واقعاً، لأنّه بارتكابه للكبيرة هتك ستره، وانحط مقامه، وخرج عن جادة الاستقامة. فإذا ندم وتاب عاد إلى حاله الأولى، فإنّ التائب من ذنبه كمن لا ذنب له، وتكون الندامة علامة على الرجوع، فهي دليل إنّي على عودة الملكة، ولا محذور في ذلك.

والحاصل: أنّ هذا الاشكال غير وارد.

الأمر الثالث: أنّه قد اشتهر عندهم تقديم الجارح على المعدّل وهذا لا يتناسب مع القول بأنّ العدالة هي الملكة للتنافي بينهما، نعم يتناسب ذلك مع القول بأنّ العدالة هي حسن الظاهر.

الأمر الرابع: ما ذكره في مفتاح الكرامة (1) من إطباق الأصحاب، إلاّ السيّد، والإسكافي، على صحة صلاة من صلى خلف إمام ثمّ تبين فسقه أو كفره، وقد نطقت به الروايات، وهذا لا يجتمع مع القول بأنّ العدالة هي الملكة.

وقد تقدّم الجواب عن هذين الإيرادين فيما سبق فلا نعيد.هذا بالنسبة إلى المقام الأوّل.

والمتحصل: أنّ هذا القول معقول في نفسه، بالإضافة إلى عدم تمامية ما

ص: 94


1- أنظر، مفتاح الكرامة: 3 : 85

أورد عليه.

الجهة الثانية: أدلة القول :
اشارة

الأدلة عليه، وهي أربعة:

الدليل الأوّل :

ما نقله صاحب الجواهر (1) وحاصله: أنّ العدالة لغة وعرفاً هي الاستواء، والاستقامة، وعدم الانحراف إلى جانب ما، وفي مقابلها الفسق وهو الميل عن الحق والطريق المستقيم، وهذا اللفظ - أي العدالة - قد ينسب إلى الأمور المحسوسة، كما يقال الطريق عدل أو الجدار عدل، ونحو ذلك، ومعناه أنّه ليس به انحراف. وقد ينسب إلى الأمور المعنوية كما يقال فلان في عقيدته أو في أخلاقه عدل، أي ليس فيها اعوجاج. وقد ينسب إلى الذات فيقال: زيد عدل. والنسبة تارة تكون على نحو الإطلاق، ومعناه أنّه عدل في جميع أموره، وأخرى تكون مقيدة بجهة معينة، كما يقال: فلان عدل في رعيته، أو في أولاده، أو كما مثلنا بالعقيدة والأخلاق، ومعناه أنّه مستقيم الطريقة بالنسبة إلى المتعلق، فإن لم يكن هناك قرينة على التقييد، أو انصراف إلى جهة معينة فمفاده الاستقامة والاستواء في جميع الأمور.

هذا بالنسبة إلى المعنى اللغوي والعرفي، وحيث إنّ الشارع لم يستعمل معنى العدالة في معنى آخر غير المعنى العرفي، وليس للشارع وضع آخر لتثبت

ص: 95


1- جواهر الكلام: 13 : 294

بذلك حقيقة شرعية، أو متشرعية لمعناها، فلابدّ من حمل ما ورد في كلام الشارع على هذا المعنى، هذا من جهة.

ومن جهة أُخرى أنّ الوصف بالاستقامة، أو العدالة، إنّما يصح في ما فيه مقتض لذلك لا مجرد عدم الانحراف، فإنّ الجدار مثلاً لا يوصف بالاستقامة إلاّ إذا كان بحسب طبعه مستقيماً، لا أنّه يوصف بذلك حتى لو كان بقسر قاسر. وبناءً على هذا فإذا قيل: زيد عدل أو عادل فلابدّ أن يكون مقتضي الاستقامة والعدالة فيه متحققاً، بالإضافة إلى عدم الانحراف، وهذا هو المعبر عنه بالملكة، لا أنّ وصفه بها لمجرد عدم الانحراف فقط.

وحينئذ تكون العدالة هي عبارة عن الملكة. وقد تقدّم المعنى المراد منها، مضافاً إلى أنّ كون الشخص على جادة الحق أمر واقعي كسائر الأمور الواقعية من المعاني والصفات، كالشجاعة والعلم وغير ذلك، فإذا صار ذلك موضوعاً للحكم فلابدّ من إحرازه إمّا بعلم أو بعلمي، ولا يتم إحرازه إلاّ بالاختبار، والمعاشرة، بحيث يحصل من ملاحظة حاله الوثوق والاطمئنان من استقامته، وعدم ميله عن الجادة، وهذا هو معنى الملكة الّتي هي الهيئة الراسخة في النفس.

وعليه فلا يمكن الحكم بعدالة شخص حتى يعلم، أو يطمأن إلى تحقق الملكة فيه، وبها يعسر عليه مخالفة الحق وارتكاب المعاصي والإخلال بالواجبات.

والحاصل: أنّ الدليل مركب من مقدمتين:إحداهما: أنّ المعنى العرفي هو الدائر مدار الأحكام.

والأخرى: أنّه لابدّ من إحرازه، إمّا بنفس الملكة، أو إحراز ما يلازم كونه ملكة.

ص: 96

الدليل الثاني :

ويظهر من الشيخ في رسالته (1) وهكذا بقية الأدلة، وحاصله: أنّ الأصل يقتضي أنّ العدالة هي الملكة، وذلك لأنّا إذا شككنا في أنّ موضوع الأحكام هو العدالة بمعناها الموسع، أو بمعناها المضيق .

وبعبارة أخرى: هل العدالة هي الاستواء، وعدم الانحراف، وهو معنى التوسعة، أو أنّها أخصّ من ذلك، أي بإضافة الملكة، وهو معنى التضييق؟

ومع دوران الأمر بينهما فالأصل يقتضي الأخذ بالقدر المتيقن وهو في المقام المعنى الأخص، ومثاله الائتمام في الصلاة خلف زيد، أو عمرو، وكانت عدالة زيد عبارة عن استقامة ظاهرية، وأمّا عدالة عمرو فهي استقامة ظاهرية عن ملكة، فلا إشكال أنّ القدر المتيقن هو الائتمام بعمرو دون زيد.

الدليل الثالث :

ما يظهر من كلامه من دعوى الاتفاق، حيث قال: ويدل عليه مضافاً إلى الأصل الاتفاق المنقول المعتضد بالشهرة المحقّقة، بل عدم الخلاف، بناءًعلى أنّه لا يبعد إرجاع كلام الحلّي (2) إلى المشهور كما لا يخفى (3). وقد تقدّم ذكر هذا الدليل.

ص: 97


1- رسالة في العدالة: 11
2- هو ابن إدريس الحلّي(قدس سره) في السرائر: 1 : 280
3- رسالة في العدالة: 11
الدليل الرابع :
اشارة

الأخبار الواردة في المقام، وهي على ثلاثة أقسام:

القسم الأوّل: ما ورد في صلاة الجماعة، وأنّه يشترط في إمام الجماعة الوثوق بدينه وورعه. مع أنّ الوثوق لا يحصل بمجرد تركه المعاصي، والاستقامة العملية في جميع ما مضى من عمره ما لم يعلم، أو يظن بأنّه لا يرتكب بعد ذلك، وهذا لا يتأتّى إلاّ بثبوت الملكة، فإن أُحرزت حصل العلم، أو الظن، والوثوق به وبدينه وورعه، وإلاّ فلا. هذا وقد تقدّم ذكر الروايات الدالة على ذلك فلا نعيد.

القسم الثاني: الروايات الواردة في الشاهد، وقد تقدّم ذكرها أيضاً، ومفادها أنّه يعتبر في الشاهد أوصاف لا تتحقق إلاّ بالملكة، مثل المأمونية والعفة والصيانة والصلاح، وغيرها من الصفات النفسانية ممّا لا تنطبق إلاّ على الملكة.

القسم الثالث: وهو العمدة في المقام، صحيحة ابن أبي يعفور، وقد أوردناها بطولها فيما تقدّم (1) وحاصل ما استدلّ به الشيخ في رسالته، فيدلالة هذه الصحيحة على اعتبار الملكة في العدالة: أنّ ابن أبي يعفور، سأل الإمام(علیه السلام) بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتّى تقبل شهادته لهم وعليهم؟ وأجابه الإمام(علیه السلام): «أن تعرفوه بالستر والعفاف ... الخ».

وفي جواب الإمام(علیه السلام) احتمالان:

الاحتمال الأوّل: أنّ المراد من المعرفة هي المعرفة الحقيقية المنطقية، أي حقيقة العدالة.

ص: 98


1- الوسائل: 27 : 391 ، الباب 41 من كتاب الشهادات ، ح 1

الاحتمال الثاني: أن يكون المراد بالمعرفة، هي المعرفة الجعلية الأصولية، أي الكاشفية، كالتعريف باللازم عن الملزوم.

وعليه فالسؤال الوارد هل هو عن المعنى الأوّل، أو المعنى الثاني، فإنّ الأمر دائر بين هذين الاحتمالين؟

والظاهر أنّ المراد هو الاحتمال الأوّل، أي أنّ المراد هو التعريف الحقيقي المنطقي، وذلك لأمور:

ألف: أنّ الجواب اشتمل على ذكر الصفات النفسانية، من الستر والعفاف والكف والاجتناب، وحينئذ فالسؤال إنّما هو عن حقيقة العدالة وواقعها، إذ من البعيد أن تكون هذه الأوصاف تجعل طريقاً إلى ترك المعاصي، لأنّا إذا فرضنا أنّ معنى العدالة واضح عند السائل فمراده من السؤال هو الكاشف عن العدالة، وهذه الأوصاف طريق إليها، وهذا بعيد إذ

كاشفية الأوصاف عن الواقع واضحة وبديهيّة عند كلّ أحد، فلا جهل حينئذ حتى يسأل، فإنّ من كانت فيه ملكة الشجاعة فهو شجاع وشجاعته ظاهرة ولا يحتاج إلى سؤال عن وجودها فيه، أو عن الطريق إليها فيه.

فالصحيح: هو إرادة بيان حقيقة العدالة لا الكاشف عنها.

باء: أنّه قد ورد في ذيل الصحيحة قوله(علیه السلام): »والدلالة على ذلك كله أن يكون ساتراً لجميع عيوبه ... الخ« فإذا كان السؤال عن الكاشف - كما هو الاحتمال الثاني - فقوله(علیه السلام) »والدلالة على ذلك...«، كاشف ثانٍ ويصبح للعدالة كاشفان وهذا بعيد، لأنّ الكاشف الثاني أعم من الأوّل ومع وجود الثاني لا حاجة إلى الأوّل، بل يستلزم لغويته واستهجان الكلام. مثل أن يقال: إنّ أمارة العدالة الإيمان، ثمّ يقال والإسلام أيضاً أمارة، والحال أنّ الإسلام أعم من الإيمان .

ص: 99

نعم لو كان الأمر بالعكس لكان ذلك وجيهاً، والمقام من قبيل الأول، أي تقديم الأخص على الأعم، وبناء على لزوم هذا المحذور فالصحيح أنّ السؤال عن حقيقة العدالة لا الكاشفية.

جيم: وقد جعله الشيخ في رسالته مؤيداً وهو الأهم في المقام، وحاصله: أنّ الضمير في قوله(علیه السلام): »ويعرف باجتناب الكبائر « يحتمل عوده إلى العدالة، ويحتمل أن يكون عائداً إلى الرجل، كما يحتمل أن يكون عائداً إلى الأمور المذكورة.

فعلى الاحتمال الأوّل: يكون قوله(علیه السلام): »ويعرف باجتناب الكبائر« معرّفاً ثانياً للعدالة.

وعلى الاحتمال الثاني: يكون قوله(علیه السلام) متمماً للمعرّف، والمعنى أنّه

يُعرف بهذه الأشياء، وباجتناب الكبائر.

وعلى الاحتمال الثالث: يكون قوله(علیه السلام) معرفاً للمعرّف.

وبغض النظر عن كون الاحتمال الثاني هو الأرجح، إلاّ أنّ هذه الاحتمالات الثلاثة تلتئم مع إرادة التعريف الحقيقي المنطقي، لا الجعليالأصولي، فهنا دعويان:

الأولى: أنّ هذه الاحتمالات الثلاثة تتناسب مع إرادة التعريف الحقيقي.

الثانية: أنّ الأظهر من هذه الاحتمالات الثلاثة هو الثاني.

أمّا الدعوى الأولى فبيانها: أنّ الاحتمال الأوّل وهو أن يكون معرفاً ثانياً، لا يتناسب مع إرادة التعريف الجعلي، إذ أنّ ذكر الكاشفية عن العدالة ثمّ تعقيبه بتعريف العدالة ممّا لا وجه لها، لأنّ المفروض بناء على الكاشفية أنّ العدالة

ص: 100

معلومة، فما معنى التعقيب بذكر المعرف للعدالة؟ فالصحيح حمله على تأييد التعريف المنطقي الحقيقي ويكون المعنى تعقيب المعرف بمعرف آخر ولا مانع منه.

وأمّا على الاحتمال الثاني: وهو أن يكون متمماً للتعريف، فلا يناسب إرادة الكاشفية، لأنّها حسب الفرض أمارة ولا معنى لتتميم الأمارية، فإنّ الاجتناب إذا كان هو نفس العدالة فكيف يكون متمماً للأمارية؟ فالصحيح حمله على تأييد التعريف الحقيقي المنطقي ويكون المعنى تعقيب المعرّف بمتمم له.

وأمّا على الاحتمال الثالث: وهو أن يكون معرّفاً للمعرّف، فواضح إذ لا معنى لجعله أمارة على أمارته، أي أن يجعل نفس العدالة دليلاً على أمارة

العدالة. فالأنسب حمله على تأييد التعريف الحقيقي المنطقي، ويكون المعنى تعقيب المعرّف بما يوضح معناه.

هذا بالنسبة إلى الدعوى الأولى.

وأمّا الدعوى الثانية: وهي أنّ الأظهر من الاحتمالات الثلاثة هو الثاني، أي كونه متمماً للتعريف لا أنّه معرّف مستقل ولا أنّه معرّف للمعرّف.فبيان ذلك:

أمّا الاحتمال الأوّل: فبعيد، وذلك لأنّه إن أريد به كونه معرّفاً منطقياً فبعده من وجهين:

الأوّل: أن يراد من الاجتناب هو الاجتناب عن ملكة.

ويرد عليه حينئذ عدم مغايرته للمعرّف الأوّل بل هو نفسه، ولازم ذلك اللغوية والتكرار.

الثاني: أن يراد من الاجتناب هو الاجتناب لا عن ملكة.

ص: 101

ويرد عليه حينئذ التغاير بين المعرّفين والشارحين لمفهوم واحد وهذا غير صحيح.

والنتيجة: أنّ كون هذا الاحتمال هو المراد غير تام، للزوم اللغوية، أو عدم الصحة، هذا إذا أريد منه التعريف المنطقي.

وإن أُريد به كونه معرفاً جعلياً، فبعده من وجهين أيضاً:

الوجه الأوّل: أن يكون الاجتناب طريقاً إلى الملكة تسهيلاً.

ويرد عليه: أنّ كون الاجتناب طريقاً ليس بأسهل من نفس الملكة، فإنّ وجدانها في الشخص أسهل من وجدان الاجتناب الواقعي.

الوجه الثاني: يلزم من ذلك اللغوية، لأنّه إذا كان الاجتناب أمارة على العدالة، فذيل الصحيحة أمارة على العدالة أيضاً، فيلزم اجتماع أمارتين، والثانية أعم من الأولى، فإنّ الاجتناب أخص من الستر، ومع وجود الأعم يكون ذكر الأخص سابقاً عليه لغواً كما تقدّم.

وبناء على هذا فكون هذه الجملة معرّفاً منطقياً، أو معرّفاً جعلياً غيرصحيح.

وأمّا الاحتمال الثالث: وهو أن يكون معرّفاً للمعرّف فهو أبعد الاحتمالات، وذلك لأنّه لا يخلو إمّا أن يكون معرّفاً منطقياً، أو معرّفاً جعلياً، وعلى كلا التقديرين يكون اجتناب الكبائر مساوياً للمعرّف الأوّل والحال أنّهما غير متساويين عرفاً، ومعه فلا يصلح جعله معرّفاً منطقياً، أو شرعياً، فهذا الاحتمال ساقط.

وحيث تبين عدم صلاحية كلّ من الاحتمالين الأوّل والثالث، فيبقى

ص: 102

الاحتمال الثاني، وهو كونه متمماً للمعرّف الأوّل، بمعنى أن تكون العدالة هي الستر والعفة والصيانة والكف ويتممه اجتناب الكبائر. وهذا هو الأقوى، بل المتعين من بين الاحتمالات الثلاثة، ويكون من قبيل التخصيص بعد التعميم، والتقييد بعد الإطلاق، وهذا ممّا لا إشكال فيه.

والمتحصل: أنّ الجملة الأولى اشتملت على ذكر الصفات النفسانية وأنّها تعريف حقيقي للعدالة، وأنّها عبارة عن هيئة راسخة في النفس تقتضي الإتيان بالواجبات واجتناب المحرّمات وذلك هو المعبر عنه بالملكة.

هذا حاصل ما ذكره الشيخ (1) في رسالته عن ملكة العدالة تعريفاً واستدلالاً.

إلاّ أنّ جميع ما استدل به عليها مورد للمناقشة:

أمّا الدليل الأوّل: وهو ما نقله في الجواهر (2) فقد ذكرنا أنّه مركب منمقدمتين:

الأولى: أنّ العدالة لغةً وعرفاً بمعنى الاستواء وليس للشارع وضع جديد.

والثانية: أنّ الاستواء لابدّ له من مقتضٍ والمقتضي هو وجود الملكة.

أمّا المقدمة الأولى: فلا إشكال فيها، وإنّما الإشكال في المقدمة الثانية: فقد ناقش فيها السيّد الأستاذ(قدس سره) (3)وحاصل ما أفاده: أنّ وجود المقتضي معلوم التحقق كما تقدّم حيث ذكرنا صوراً محتملة وخلاصة ما مرّ:

أنّ عدم ارتكاب المعاصي إمّا أن يكون لداعٍ إلهي، أو غير إلهي.

ص: 103


1- رسالة في العدالة: 12 وما بعدها
2- جواهر الكلام: 13 : 294
3- التنقيح في شرح العروة الوثقى - الاجتهاد والتقليد - : 1 : 213

وأنّ الداعي الإلهي تارة يكون هو المحبة للَّه تعالى، وأخرى يكون هو الخوف والخشية منه تعالى مع رجاء الثواب. والخوف تارة يكون على نحو الدوام والاستمرار، وأخرى يكون على نحو الاتفاق.

وأمّا الداعي غير الإلهي فتارة يكون بداعي الرياء والسمعة، وأخرى يكون بنحو الوجاهة الدنيوية، وقد بيّنا ذلك مفصلاً فيما تقدّم.

وهنا نقول إنّ المناط في العدالة هو أن يكون الداعي هو الخوف والخشية من اللَّه تعالى على نحو الدوام والاستمرار بحسب المتعارف عند الناس، فإذا كان هذا المقتضي موجوداً في الإنسان فحينئذ يصدق على المتلبّس به عنوان الاستقامة على جادة الشرع ومعه لا حاجة إلى شي ء آخر، بمعنى أنّه يكون مصداقاً للعدالة وإن لم يكن هناك هيئة راسخة.

نعم إذا كان على نحو الاتفاق فلا يكون مصداقاً للاستقامة، ولعلالقائل بالملكة خلط بين الأمرين أي بين الاستمرار والدوام، وبين الاتفاق. والنافع في المقام هو الأوّل فإنّ استمرار الخوف كافٍ في صدق الاستقامة ولا حاجة معه إلى الملكة إذ لا دليل عليها.

وأمّا ما ورد في الدليل من أنّ الاستقامة والكون على جادة الشرع أمر واقعي كسائر المعاني الواقعية، وهو لا يتحقق إحرازه إلاّ بالاختبار والمعاشرة وهذا يقتضي أن يكون عن ملكة إذ لولاها لما حصل الاطمئنان بهذا الأمر الواقعي. فقد أجاب عنه المحقّق الاصفهاني (1) بما حاصله:

أنّه لا يلزم احراز الاستقامة عن ملكة بالاختبار والمعاشرة بل يكفي أن يراه

ص: 104


1- بحوث في الأصول - الاجتهاد والتقليد - : 75

لا يرتكب المعصية في مدّة من الزمن أو فيما مضى من عمره، إذ بذلك يحصل الوثوق قهراً باستقامته ومنه يحصل الاطمئنان بأنّه مستقيم حتى فيما يستقبل من عمره لنفس الداعي السابق .

هذا، مضافاً إلى أنّ الاستقامة ظاهرة في الاستقامة الفعلية، أمّا بالنسبة إلى الزمان المستقبل فليس إحرازه شرطاً في العدالة.

وعلى فرض أن تكون الاستقامة المستقبلية شرطاً في العدالة، فيمكن إحرازها بالاستصحاب، بأن يقال إنّ ما مضى من عمره حيث لم يرتكب فيه معصية أمر متيقن فمع الشك في بقائه مستقبلاً يستصحب اليقين السابق.

هذا ما أورد به على هذا الدليل، وما ذكره السيّد الأستاذ(قدس سره) فهو تام.

وأمّا ما ذكره المحقّق الأصفهاني فلنا ملاحظة على بعض ما ذكره،وهي أنّ المفهوم من كلام المحقّق أنّ الزمان المستقبل ليس له دخل في المقام وهذا غير تام، وذلك لأنّا إذا علمنا عن شخص أنّه يرتكب الحرام في المستقبل فلا يمكن ترتيب آثار العدالة عليه، فقوله إنّ الإحراز في المستقبل لا دخل له، لا يتمّ على إطلاقه.

نعم لو لم نعلم أنّه يرتكب الحرام أولا فهذا لا ضير فيه.

وأمّا ما ذكره عن الاستصحاب الاستقبالي فهو وإن كان جواباً مبنائياً إلاّ أنّ جريانه بالنسبة إلى الإتيان بالواجبات باعتبارها أمور وجودية لا معنى له، نعم بالنسبة إلى ترك المحرّمات لا مانع من جريانه باعتبارها أمور عدمية، نعم إذا أريد من ذلك الحالة الّتي هو عليها وهي ليست مركبة من وجود وعدم أمكن إجراء الاستصحاب بلا مانع ما لم يرجع ذلك إلى القول بالملكة.

ص: 105

والحاصل: أنّ الدليل الأوّل مخدوش ولا يمكن المساعدة عليه.

وأمّا الدليل الثاني: وهو الأصل. فقد أجاب عنه السيّد

الأستاذ(قدس سره) (1) بوجهين:

الأوّل: أنّ العدالة ليست من المفاهيم المجملة المرددة بين السعة والضيق لتصل النوبة إلى الأخذ بالقدر المتيقن، بل العدالة ظاهرة المفهوم بمعنى الاستواء والاستقامة على جادة الشرع وهذا هو المأخوذ في موضوعات الأحكام، ومع الشك في تقييده بالملكة فالأصل يقتضي عدم التقييد والبراءة من الزائد.

وبعبارة أخرى أنّ هذا اللفظ ظاهر في المعنى الموسع والظاهر حجة مالم تقم قرينة على خلافه وحيث لم تحرز القرينة فلابدّ من الأخذ بالظاهر.

الثاني: على فرض التسليم بأنّ مفهوم العدالة مجمل مردد فأيضاً لا يتم الاستدلال بالأصل في جميع الموارد ولابدّ من التفصيل، ففي الموارد الّتي تكون العدالة معتبرة في الأحكام وكانت بدليل متصل فهنا يلزم ما ذكر كقوله تعالى: «وأشهدوا ذوي عدلٍ منكم» (2)، فإنّ ذوي عدلٍ قرينة متصلة على اشتراط العدالة فالقدر المتيقن من الشهادة هو شهادة المتصف بالملكة وحينئذ تجري أصالة عدم ترتيب الآثار إلاّ مع الملكة، وأمّا إذا كانت القرينة منفصلة كما في باب الفتوى والقضاء حيث إنّ أدلة حجيّة الفتوى والقضاء هي السيرة وغيرها من المطلقات وإنّما قيدت بالعدالة بدليل منفصل، كالضرورة، ورواية الإحتجاج وغيرها، وحسب الفرض أنّ مفهوم العدالة مجمل مردد بين الموسع والمضيق فالأصل يقتضي خلاف ما ذكر، وذلك لأنّ العمل هنا يقتضي رفع اليد عن

ص: 106


1- التنقيح في شرح العروة الوثقى - الاجتهاد والتقليد - : 1 : 217
2- سورة الطلاق، الآية 2

المطلقات بالمقدار المتيقن من المخصص، أو المقيد وهو أن يكون مجتنباً عن الكبائر، وأمّا أن يكون عن ملكة فلا، فمفاد الأصل في هذه الموارد هو الأخذ بالمطلقات، أي على عكس المدعى.

والحاصل: أنّ هذا الدليل غير تام في جميع الموارد، بل هو أخص، بل مفاده في بعض الموارد على العكس.

ونقول: إنّ ما أورده أوّلاً - بناء على أنّ العدالة بمعنى الاستواء - متين والإيراد في محله، وأمّا ما أورده ثانياً، فهو وارد بناء على مذهب المشهور من أنّ القيد إذا كان منفصلاً وكان مجملاً لا يسري إجماله إلى المطلق.

وأمّا بناء على القول بِسراية الإجمال فلا يتم الإيراد، ولا يبعد أن يكونالشيخ قد أشار إلى ذلك بقول: فتأمل.

وأمّا الدليل الثالث: وهو دعوى الاتفاق فلا يخفى ما فيها إذ بعدما تقدّم من الأقوال في المسألة لا يمكن الاعتماد عليها، مضافاً إلى عدم كاشفيتها عن قول المعصوم(علیه السلام) لكونها منقولة.

وأمّا الدليل الرابع: وهو الروايات، فقد قلنا إنّها على ثلاثة أقسام:

القسم الأوّل: الروايات الواردة في إمام الجماعة، فالوارد فيها هو اعتبار الوثاقة والورع في إمام الجماعة وذلك يقتضي الملكة.

وجوابه: أمّا بالنسبة إلى الوثاقة، فقد وردت في ثلاث روايات:

الأولى: رواية أبي علي بن راشد (1) قال: قلت لأبي جعفر(علیه السلام): إنّ مواليك قد اختلفوا فأصلّي خلفهم جميعاً؟ فقال: لا تصلِّ إلاّ خلف من تثق

ص: 107


1- الوسائل: 8 : 309 ، الباب 10 من أبواب صلاة الجماعة ، ح 2

بدينه. هكذا في الكافي (1).

ورواها الشيخ بزيادة: وأمانته (2).

الثانية: رواية يزيد بن حمّاد، عن أبي الحسن(علیه السلام)، قال: قلت له: أصلّي خلف من لا أعرف؟ فقال: لا تصلّ إلاّ خلف من تثق بدينه ... الحديث (3).

الثالثة: رواية إبراهيم بن علي المرافقي، وعمرو بن الربيع البصري، عنجعفر بن محمّد(علیه السلام) أنّه سئل عن القراءة خلف الإمام فقال: إذا كنت خلف الإمام تولاّه (إمام تتولّاه) وتثق به فإنّه يجزيك قراءته، وإن أحببت أن تقرأ فاقرأ فيما تخافت فيه، فإذا جهر فأنصت، قال اللَّه تعالى: «وأنصتوا لعلّكم ترحمون» (4)... الحديث (5).

والرواية الأولى وإن كان في سندها سهل بن زياد في كلا الطريقين إلاّ أنّها معتبرة لأنّها تنتهي إلى علي بن مهزيار وللشيخ طريق صحيح إلى جميع كتبه ورواياته (6).

وأمّا الروايتان الأخيرتان فهما ضعيفتان فتصلحا للتأييد.

وأمّا لفظ الورع فلم نعثر عليها في رواية نعم وردت اللفظة في رسالة والد

ص: 108


1- الكافي: 3 : 375 ، الباب 50 الصلاة خلف من لا يقتدى به ، ح 5
2- تهذيب الأحكام: 3 : 236 / 755
3- الوسائل: 8 : 319 ، الباب 12 من أبواب صلاة الجماعة ، ح 1
4- سورة الأعراف، الآية: 204
5- الوسائل: 8 : 359 ، الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة ، ح 15
6- فهرست الشيخ: 265 / 379

الصدوق (1)، وفقه الرّضا (2) ولم يثبت لنا اعتبارهما، فلا يمكن الاعتماد عليهما وقد حققنا ذلك في مباحثنا الرجالية فراجع (3).

فمحل الكلام هو ما ورد في رواية علي بن راشد من اعتبار الوثاقة فهلالوثاقة ملازمة للملكة أم لا؟ ولاسيما أنّ الرواية معتبرة كما ذكرنا.

قد يقال:

أوّلاً: أنّ المراد من الوثاقة هو الوثاقة في العقيدة لا في العمل وذلك بمناسبة السؤال وهو قوله إنّ مواليك قد اختلفوا فأجابه الإمام(علیه السلام): »لا تصل إلاّ خلف من تثق بدينه « ومعناه أنّهم اختلفوا في العقيدة ولهذا ذهب بعضهم إلى القول بالتجسيم، وبعضهم قال بالقدر ونحو ذلك على ما ذكر في كتب الكلام، فلعلّ المراد هو الوثاقة في العقيدة ويؤيده أنّ الإمام(علیه السلام) قال في جوابه: »لا تصل إلاّ خلف من تثق بدينه«.

ثانياً: على فرض أنّ المقصود مطلق الثقة الشامل للعقيدة والعمل، وحينئذ يرد ما تقدّم من المناقشة في الوجه الأوّل من أنّ الوثاقة لا تستلزم الملكة كما ذكره المحقّق الاصفهاني (4) إذ قد يطمأن لشخص لم يرتكب المعصية فيما مضى من عمره من دون أن يكون عن ملكة وهذا المقدار كاف، وعليه فإنّ الاستدلال بهذا القسم من الروايات غير تام.

ص: 109


1- من لا يحضره الفقيه: 1 : 352 ، ذيل الحديث 1118
2- الفقه الرضوي: 144، باب 12 باب صلاة الجماعة وفضلها
3- أصول علم الرجال: 191، و 365. إلّا أن يقال: بأنّ رسالة والد الصدوق معتبرة من جهة شهادة الصدوق (ره) في أوّل الفقيه بأنّها من الكتب المشهورة المعوّل عليها
4- بحوث في الأصول - الاجتهاد والتقليد - : 75

وأمّا القسم الثاني: وهو ما ورد في الشاهد، وهو أنّ الشاهد لابدّ أن يكون صائناً لنفسه عفيفاً خيراً صالحاً، وفي بعضها مرضياً، وهذا يدل على اشتراط الملكة في الشاهد. فالجواب عن ذلك أنّه سيأتي عند الكلام حول القسم الثالث الآتي.

وأمّا القسم الثالث: وهو العمدة في المقام، وهو صحيحة ابن أبي يعفور (1).والكلام فيها في جهتين:

الأولى: من جهة السند، فقد ناقش فيه سيّدنا الأستاذ(قدس سره) (2).

الثانية: من جهة الدلالة في ثلاثة مواضع:

الأوّل: في الفقرة الأولى.

الثاني: في الفقرة الثانية.

الثالث: في الفقرة الثالثة.

وما يترتب على هذه الفقرات من الأحكام وهل يستفاد منها أنّ عدم

خلاف المروءة شرط في العدالة أم لا؟ وأنّ التخلف عن حضور الجماعة مخل بالعدالة أمْ لا؟

وبعبارة أخرى: أنّ هذه الرواية تضمنت أموراً أربعة وهي:

1 - الستر والعفاف.

ص: 110


1- الوسائل: 27 : 391 ، الباب 41 من كتاب الشهادات ، ح 1
2- التنقيح في شرح العروة الوثقى - الاجتهاد والتقليد - : 1 : 220

2 - اجتناب الكبائر الّتي أوعد اللَّه عليها النار.

3 - الستر لجميع العيوب.

4 - التعاهد بالحضور في الصلوات الخمس في جماعة المسلمين.

وقد اختلف في الجملة الرابعة: هل هي كاشف مستقل عن العدالة، أو أنّها متممة للجملة الثالثة؟ أمّا الثالثة فالمشهور أنّها كاشفة.وعين هذا الكلام يرد في الجملتين الأولى والثانية بمعنى أنّه هل كل منهما كاشف مستقل، أو أنّ الأولى هي الكاشفة، والثانية متممة لها؟

فالاحتمالات أربعة وهي: أن تكون كل جملة كاشفة. أو أن يكون الكاشف هو الجملة الأولى والثالثة وأمّا الثانية والرابعة فهما متممتان للكاشفية. أو أن تكون الجملة الثانية متممة فقط والأولى والثالثة والرابعة كواشف. أو أن تكون الرابعة هي المتممة والباقي كواشف.

الجهة الأولى:

فقد عبر عن هذه الرواية بالصحيحة، كما في كلام صاحب الجواهر (1)، والشيخ في رسالته (2) وغيرهما، إلاّ أنّ السيّد الأستاذ(قدس سره) وصفها بالضعف كما في التنقيح (3) وذلك لأنّ للرواية طريقين أحدهما طريق الصدوق (4) باسناده، عن ابن أبي يعفور، وفيه أحمد بن محمّد بن يحيى العطار، وهو لم يرد فيه توثيق.

ص: 111


1- جواهر الكلام: 13 : 287
2- رسالة في العدالة: 11
3- التنقيح في شرح العروة الوثقى - الاجتهاد والتقليد - : 1 : 220
4- مشيخة الفقيه: 4 : 365

والآخر طريق الشيخ (1)، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن محمّد بن موسى، عن الحسن بن علي عن أبيه، إلى أن ينتهي السند إلى ابن أبييعفور.

وفي هذا الطريق محمّد بن موسى وهو الهمداني، وقد استثناه ابن الوليد من كتاب نوادر الحكمة (2)، وقد تقرر في محلّه (3) أنّ كلّ من استثني فهو محكوم بالضعف.

مضافاً إلى تصريح ابن الوليد: بأنّ محمّد بن موسى كان يضع الحديث (4). وهذه شهادة في حق محمّد بن موسى بأنّه ضعيف وهي شهادة مطلقة، فيكون الطريق إلى الرواية غير تام.

نعم لو كان الاستثناء لجهة ما نسب إليه بأنّه الواضع لأصلي زيد النرسي، والرزاز، لما كان ذلك دليلاً على الضعف، بل هو محض توهم من ابن الوليد، لأنّ الأصلين رواهما ابن أبي عمير (5) بطريق آخر غير طريق محمّد بن موسى.

وأمّا وقوع محمّد بن موسى في أسناد كامل الزيارات فبعد عدول السيّد الأستاذ(قدس سره) عن رأيه في أسناد كامل الزيارات واختصاص التوثيق بمشايخ ابن قولويه فلا ينفع في الحكم بوثاقته، وعلى فرض عدم عدوله عن رأيه يكون محمّد بن موسى عنده بحكم المجهول لتضعيف ابن الوليد إياه.

وهناك وجه آخر يمكن جعله سبباً لضعف محمّد بن موسى، وهو ماذكره

ص: 112


1- تهذيب الأحكام: 6 : 208 ، باب 91 البينات ، ح 1، والاستبصار: 3 : 25 ، باب 9 باب العدالة المعتبرة في الشهادة ، ح 1
2- رجال النجاشي: 348 / 939
3- أصول علم الرجال: 129
4- رجال النجاشي: 338 / 904
5- رجال النجاشي: 174 / 461 – 460

الصدوق (1) في كتاب المنتخبات حيث قال: إنّه يروي جميعها إلاّ ما كان من طريق محمّد بن موسى الهمداني، لأنّ شيخه ابن الوليد قال عنه: إنّه كان على غير الوثاقة. وقد ارتضى الصدوق ذلك وحكم بضعفه.

ولكن يمكن القول: إنّ منشأ تضعيف محمّد بن موسى هو نسبته إلى وضع الأصلين المشار إليهما، وحيث ثبت عدم صحة هذه النسبة فلا يبقى مجال للحكم عليه بالضعف، إلاّ أنّه من جانب آخر لا يمكن الحكم عليه بالوثاقة، لعدم ورود التوثيق في حقه، وبناء عليه فهو محكوم بالجهالة ويكون الطريق إلى الرواية غير معتبر.

هذا والتحقيق: أنّه بالإمكان تصحيح كلا الطريقين:

أمّا طريق الصدوق فيقال:

أوّلاً: أنّ أحمد بن محمّد بن يحيى هو من مشايخ الصدوق وقد ترضى عنه كثيراً، إلاّ في مورد واحد ترحم عليه ، وقد قررنا في محله أنّ الترضي إحدى علامات التوثيق، ولنا بحث حول أحمد بن محمّد بن يحيى ذكرناه في مباحثنا الرجالية فراجع (2).

ثانياً: على فرض الإغماض عن ذلك إلاّ أنّ الّذي يقع في السند بعد أحمد بن محمّد هو سعد بن عبد اللَّه، وللشيخ الصدوق طريق صحيح إلى جميع روايات سعد وكتبه (3)، وهذه الرواية داخلة في روايات سعد فيصبح الطريق بذلك معتبراً.

وهكذا بالنسبة إلى أحمد بن أبي عبد اللَّه البرقي الواقع في السند بعد سعد

ص: 113


1- أنظر الفهرست: 215 / 316
2- أصول علم الرجال: 498
3- الفهرست: 215 / 316

بن عبد اللَّه، فإنّ للشيخ الصدوق طريقاً معتبراً إلى جميع رواياته وكتبه (1).

وكذا الحال بالنسبة إلى محمّد بن أبي عمير الواقع في السند بعد البرقي فإنّ للصدوق طريقاً معتبراً إلى جميع رواياته وكتبه بواسطة ابن الوليد وسعد (2).

والحاصل: أنّه يمكن تصحيح طريق الصدوق للرواية بجهات متعددة.

وأمّا طريق الشيخ: فإنّ الواقع بعد محمّد بن موسى هو الحسن بن علي عن أبيه، عن علي بن عقبة، عن موسى بن أكيل النميري، ولا إشكال في وثاقة علي بن عقبة (3)، وموسى بن أُكيل (4). وإنّما الكلام في الحسن بن علي، عن أبيه، فإنّ المذكور في جميع النسخ حتى الوافي والوسائل هو الحسن بن علي عن أبيه. ولكن بعد التحقيق وجدنا أنّ في السند حذفاً وقد أوضحنا ذلك في تصحيحاتنا لمعجم رجال الحديث (5).

والصحيح هو أحمد بن الحسن بن علي عن أبيه، والمراد به ابن فضال لتكرر السند في الكتب الأربعة بهذه الصورة، وأنّ الراوي لكتاب علي بن عقبةهو الحسن بن علي بن فضال، وللشيخ طريق صحيح إلى جميع روايات الحسن بن علي بن فضال (6)، ومنها هذه الرواية فالرواية بطريق الشيخ معتبرة كما هي معتبرة بطريق الصدوق.

ص: 114


1- راجع وسائل الشيعة: 30 : 26 ، الفائدة الأولى من الخاتمة، والفهرست: 442 / 709 ، ونفس المصدر: 215 / 316
2- الفهرست: 404 / 618
3- وثقه النجاشي في رجاله: 271 / 710 ، قال: كوفيّ، ثقة ثقة
4- وثقه النجاشي في رجاله: 408 / 1086 ، قال: كوفيّ، ثقة
5- معجم رجال الحديث: 13 : 102 / 8334
6- الفهرست: 123 / 164

مضافاً إلى أنّه بناء على ما حققناه في محلّه من مباحثنا الرجالية (1) أنّ طرق الصدوق تكون طرقاً للشيخ، وقد تقدّم آنفاً اعتبار طريق الصدوق إلى الرواية.

هذا وقد روى الصدوق هذه الرواية في العلل بطريق آخر، وهو عن الحسين بن أحمد بن إدريس، عن أبيه، عن محمّد بن علي بن محبوب، عن محمّد بن الحسين، عن ذبيان بن حكيم، عن موسى النميري، عن ابن أبي يعفور (2).

وهذا الطريق فيه ذبيان بن حكيم ولم يرد فيه توثيق (3).

هذا بالنسبة إلى الجهة الأولى.

الجهة الثانية :

وهي دلالة الرواية: فقد ذكرنا أنّ الكلام يقع فيها في ثلاثة مواضع:

الأوّل: في دلالة الجملة الأولى: وهي قوله: بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم؟ فقال(علیه السلام): »أن تعرفوه بالستر والعفاف وكف البطن والفرج واليد واللسان«.

ذهب جماعة منهم الشيخ في رسالته (4) والمحقّق النائيني (5) والسيّد

ص: 115


1- أصول علم الرجال: 111
2- علل الشرايع: 2 : 19 ، باب 18 علّة الجماعة، ح 1
3- هذا كله بناءً على لزوم ملاحظة السند والطريق، ولكن بناءً على ما يظهر من النجاشي: بأنّ كتاب عبد اللَّه بن أبي يعفور رواه عدّة من أصحابنا وكان مشهوراً، فإذا كانت الرواية عن الكتاب فلا يحتاج إلى ملاحظة الطريق
4- رسالة في العدالة: 11 وما بعدها
5- كتاب الصلاة، الشيخ النائيني: 2 : 381 ، في شرائط إمام الجماعة

البروجردي (1)قدس سرهم إلى أنّ المستفاد من هذه الجملة أنّ العدالة هي الملكة، وقد تقدّم ذلك في كلام شيخنا الأنصاري وأشرنا إلى أنّ هذه الدعوى تبتني على أمرين:

الأوّل: أنّ ما ذكر من الستر والعفاف والكف أوصاف نفسانية لا أنّها أفعال خارجية.

الثاني: أنّ التعريف حقيقي منطقي لا أنّه جعلي أصولي.

فإن تمّ هذان الأمران كانت الدعوى تامة، وإلاّ فهي غير تامة.

وقد نوقش في كلا الأمرين معاً:

أمّا الأمر الأوّل: فقد ناقشه المحقّق الاصفهاني (2) وتبعه السيّد الأستاذ (3) »قدس سرهما«، بأنّ العناوين المذكورة في هذه الرواية بل في سائر الروايات كلّها عناوين للأفعال الخارجية لا أنّها أوصاف نفسانية، وبيان ذلك:أنّه ورد في مجموع الروايات عدّة عناوين وهي المأمونية وكونه مرضياً وصالحاً وخيراً وصائناً والستر والعفاف والكف.

أمّا عنوان المأمونية فهو وصف للغير ومعناه أنّ الغير في أمن من هذا الشخص ولا ربط لها به لتكون صفة له، وهذا نظير الموثوق به فأنّه وصف للغير أي للواثق لا للشخص الموثوق به فإذا رأى منه مدة من الزمن الاجتناب عن المعاصي حصل له الأمن منه والوثوق به.

ص: 116


1- نهاية التقرير: 271
2- بحوث في الأصول - الاجتهاد والتقليد - : 78
3- التنقيح في شرح العروة - الاجتهاد والتقليد - : 1 : 219

وهكذا كونه مرضياً فهي صفة للغير الراضي فإنّه يرضى أعماله إذا لم يرتكب المعاصي وهكذا كونه صالحاً ومثله أن يكون خيراً أو يعمل أعمال الخير وكذا كونه صائناً بمعنى محافظته على جوارحه من ارتكاب المعاصي.

فهذه العناوين لا ترتبط بنفس الشخص بل بملاحظة غيره له بما يفعله من أفعال خارجية بحيث يتحقق عند الغير عنوان المأمونية والرضا والصلاح والخيارة والصيانة ونطبق هذه العناوين على هذا الشخص.

وبعبارة موجزة أنّ هذه الأوصاف للغير لا للشخص. هذا بالنسبة إلى ما ورد في غير الرواية «موضوع البحث».

وأمّا ما ورد في هذه الرواية من الستر والعفاف والكف فيقال في بيانها:

أنّ الستر بمعنى الغطاء والحجز عن القبائح والمعاصي يعني عدم ظهور الرذائل من فعليتها في النفس أو عدم ظهور مقتضاها في الخارج فالستر أمر منتزع من أحدهما وليس هو من الصفات النفسانية ولا يعد من الفضائل الأخلاقية.

وأمّا العفاف فمعناه الاصطلاحي اعتدال القوة البهيمية المتوسطة بينالشره والخمود المقتضية لفعل ما ينبغي من المشتهيات (1) وهو بهذا المعنى ليس مراداً قطعاً وذلك لأنّ جميع المعاصي لا ترتبط بالقوة الشهوية فقط فلابدّ أن يكون المراد هو معنى عرفي آخر وهذا المعنى هو الصون والمنع والإباء وما يساوي ذلك كما ورد في الدعاء: »اللّهم حصّن فرجي وأعفّه « (2)أي صنه واحفظه وامنعه عن الحرام، وورد في بعض الروايات: «من عفّ بطنه وفرجه ...» (3)فالعفة بمعنى

ص: 117


1- راجع الاقتصاد والعدالة: 210، وشرح مائة كلمة: 225
2- مصباح المتهجّد: 23
3- الوسائل: 15 : 251 ، الباب 22 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ح 13

المنع ولاشكّ أنّ هذا من الأفعال الخارجية.

وأمّا كف البطن والفرج فهو المنع عن فعل الحرام وهو فعل خارجي لا نفساني، فهذه الأوصاف الواردة في هذه الرواية ليست أوصافاً نفسانية فضلاً عن أن تكون ملكات.

وبالجملة فما ذكره الشيخ ومن تبعه من أنّ هذه الأوصاف نفسانية وأنّها عبارة أخرى عن الملكات غير ثابت.

ومع أنّ بين المذهبين تضارباً حيث يذهب الشيخ ومن تبعه إلى القول بأنّ الأوصاف نفسانية، ويذهب المحقّق الاصفهاني والسيّد الأستاذ إلى القول بأنّها أفعال خارجية، إلاّ أنّ بين المذهبين وجهاً مشتركاً، فإنّهم جميعاً يقولون إنّ العدالة لا تتحقق في الإنسان إلاّ أن تكون حالة راسخة في النفس بحيث تصبح طبيعة ثانوية يمتنع من خلالها عن ارتكاب الحرام بداعٍ إلهي وأقلّه الخوف والخشية من اللَّه تعالى على نحو الاستمرار والدوام لا على نحو الاتفاق وإلاّ لم يعد الشخص مستقيماً وذا عدالة.والفرق أنّ المذهب الأوّل استفاده من الأوصاف وأنّها ملكات، بينما المذهب الثاني استفاده من أمر خارج هو الاستقامة.

وحيث إنّ البحث وصل بنا إلى هذا الحد فلابدّ من توضيح المسألة بصورة أخرى:

فنقول: بالرجوع إلى عدة من المعاجم اللغويّة كمجمع البحرين (1)

ص: 118


1- مجمع البحرين: 3 : 815 ، مادة ستر

والمصباح المنير (1) ولسان العرب (2) والقاموس (3) والمعجم الوسيط (4) وبعد تتبع موارد الاستعمال يظهر أنّ الستر يطلق على معان:

أ - الستار والغطاء.

ب - الحياء.

ج - الخوف أو العقل أو العمل.

ومن المعلوم أنّ الأنسب لمورد الرواية هو المعنى الثاني وهو الحياء، يقال ما له ستر ولا حجر أي لا حياء له ولا عقل. وسيأتي بيانه.

وأمّا العفة والعفاف والعفيف فقد جاء في مجمع البحرين (5) بمعنى كف النفس عن المحرّمات وعن سؤال الناس.وفي المصباح المنير (6) بمعنى الامتناع.

وفي القاموس (7) ولسان العرب (8) عفّ بمعنى الكف عمّا لا يحل

ولا يجمل وزاد الثاني عفّ عن المحارم والأطماع الدنيئة فهو عفيف أي كفّ.

وفي المعجم (9) كما في اللسان أي كفّ عمّا لا يحل ولا يجمل من قول أو

ص: 119


1- المصباح المنير: 1 : 266 ، مادة ست
2- لسان العرب: 4 : 343 ، مادة ستر
3- القاموس المحيط: 404
4- المعجم الوسيط: 1 : 416 ، مادة ستره
5- مجمع البحرين: 3 : 1238 ، مادة عفف
6- المصباح المنير: 2 : 418 ، مادة عفّ
7- القاموس المحيط: 838، مادة عفّ
8- لسان العرب: 9 : 253 ، مادة عفف
9- المعجم الوسيط: 2 : 611 ، مادة عفّ

فعل والعفة ترك الشهوات من كلّ شي ء وغلب في حفظ الفرج عمّا لا يحل.

والمستفاد من هذه الموارد وغيرها أنّ العفاف ليس من الصفات النفسانية بل هو من الأفعال الخارجية بمعنى الامتناع وهو يرادف الكف بعده في الحديث وليس بينهما فرق إلاّ من جهة الإجمال والتفصيل.

وممّا يؤيد هذا ما ورد في الروايات الكثيرة منها: «ما عبد اللَّه بشي ء أفضل من عفة بطن وفرج » (1). والعبادة فعل خارجي.

ومنها: «أفضل العبادة العفاف» (2).

نعم جاء في المفردات للراغب: أنّ العفة حصول حالة للإنسان يمنع بها عن غلبة الشهوة (3)، فهو يفسر العفاف بالحالة ولم نر هذا التفسير عنغيره إلاّ علماء الأخلاق ولعلّه أخذ التعريف منهم.

والحاصل: أنّ جعل العفة من الصفات النفسانية لا يمكن المساعدة عليه.

وأمّا الستر فقد قلنا إنّه بمعنى الحياء وعند ملاحظة موارد الاستعمال للفظ الحياء نرى أنّه يستعمل بمعنى الصفة النفسانية، ففي جميع ما ذكرنا من كتب اللغة فسر الحياء بأنّه انقباض النفس عن القبائح وتركها لذلك وفسره بعضهم بالاحتشام (4) ويقال: استحي من فلان أي خجل وقد صرّح بذلك في البحار، قال: الحياء ملكة للنفس توجب انقباضها عن القبيح، وانزجارها عن خلاف الآداب

ص: 120


1- الوسائل: 15 : 249 ، الباب 22 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ح 3
2- الوسائل: 15 : 250 ، الباب 22 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ح 7
3- المفردات في غريب القرآن: 342، مادة عفّ
4- تاج العروس: 19 : 359 ، مادة حيى

خوفاً من اللوم (1).

وممّا يؤيد ذلك ما ورد في الآية الشريفة: »تمشي على استحياء« (2) وفي بعض الروايات: «الحياء والإيمان مقرونان في قرن ، فإذا ذهب أحدهما تبعه صاحبه» (3). وورد أيضاً: «لا إيمان لمن لا حياء له» (4). وغيرها من الروايات الكثيرة.

ومن ذلك كلّه لا يبعد استظهار ما ذهب إليه الشيخ في رسالته (5) وأنّ الستر بما ذكرنا له من التفسير يكون من الصفات النفسانية وأنّه من الملكات.

والشيخ وإن ذكر في كتاب الصلاة العفاف كما أشار إلى ذلك المحقّق

الاصفهاني (6)، إلاّ أنّ مقتضى ما في رسالته في العدالة واستناده إلى صحيحة ابن أبي يعفور، يحمل ما ذكره في كتاب الصلاة على المثال لا الحصر.

ثمّ إنّه على فرض الشك وعدم وضوح هذا المعنى، يقال إنّ الحالة الراسخة والاستمرار عليها مستفاد من نفس هذه العناوين فإذا وصف شخص بأنّه من أهل الستر والعفاف فالمراد به من كانت له هذه الحالة، وكذا ممّا ورد في الرواية بقوله(علیه السلام): »أن تعرفوه بالستر والعفاف ...« يعني أنّه لا يعرف إلاّ إذا كانت له هذه الحالة الراسخة والطبيعة الثانوية المستمرة وإلاّ إذا لم نقل بذلك فلا دليل على اعتبارها في العدالة، بمعنى أنّ اعتبارها في العدالة بلا وجه، لأنّ العدالة قد فسرت

ص: 121


1- بحار الأنوار: 68 : 329 ، باب 81 الحياء من اللَّه ومن الخلق، ذيل ح 1
2- سورة القصص، الآية: 25
3- الوسائل: 12 : 166 ، الباب 110 من أبواب أحكام العشرة ، ح 1
4- الوسائل: 12 : 166 ، الباب 110 من أبواب أحكام العشرة ، ح 3
5- رسالة في العدالة: 12
6- بحوث في الأصول - الاجتهاد والتقليد - : 78

- ولو تعبداً - بهذين التفسيرين، إذ بناء على أنّه تفسير تعبدي وأنّه لابد من الأخذ به، وقلنا بعدم استفادة الاستمرار منه فمن أين إذن يستفاد الاستمرار!!!

والحاصل: أنّ بعض هذه العناوين كالستر من الأوصاف النفسانية وأنّ الاستمرار والحالة الثانوية استفيد منه أو يكون الاستمرار مستفاد من مجموعها وإن لم نقل إنّها من الأوصاف النفسانية.

هذا بالنسبة إلى الأمر الأوّل.

وأمّا بالنسبة إلى الأمر الثاني وهو أنّ قوله(علیه السلام): »أن تعرفوه بالستر والعفاف ...« هل هو تعريف حقيقي منطقي أو أنّه تعريف جعلي أصولي فقدأشرنا إلى أنّه قد نوقش في كونه تعريفاً حقيقياً فإنّ السيّد الأستاذ(قدس سره) (1) ذهب إلى أنّ التعريف جعلي أصولي، وقال: بأنّ الجملة معرّف أصولي لغوي أعني ما ينكشف به الشي ء، وليس معرّفاً منطقياً بمعنى الحد بحيث يكون المعرِّف عين المعرَّف.

وقد ذكر لذلك وجهين:

الأوّل: أنّ الظاهر من قول السائل بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين، هو أنّه سأله عمّا يعرف وتستكشف به العدالة، لا أنّه سأل عن حقيقة العدالة وماهيتها، فإنّ المعرّف المنطقي اصطلاح جديد ومن البعيد أن يكون هو مقصود السائل وأنّه سأل عن حقيقة العدالة وحدها، فإنّ قول القائل بم يعرف الشي ء الكذائي أو الشخص المعين محمول على السؤال عمّا ينكشف به الشي ء وما يدل عليه لا السؤال عن حده ورسمه.

ص: 122


1- التنقيح في شرح العروة - الاجتهاد والتقليد - : 1 : 221

بيان ذلك: أنّ السائل عن العدالة تارة يسأل عنها بأنّها أيّ شي ء هي؟ وهو سؤال عن حقيقة العدالة، وأخرى يسأل عن اتصاف الرجل بها بأيّ شي ء؟ وهو كالأوّل لأنّه سؤال عن وصف العدالة، وثالثة يسأل عمّا يعرف به اتصاف الرجل بالعدالة لا أنّه يسأل عن نفس العدالة أو عدالة الرجل بل يسأل عمّا يعرف به عدالته كما يقال بأيّ شي ء يعرف اجتهاد الرجل أو إيمانه أو شجاعته؟ ونحو ذلك.

وهذا السؤال ظاهر في معنى الدال وما ينكشف به الأمر وما يعرف به الشي ء غير نفس الشي ء، بل هو واسطة في المعرفة مثلاً بعد الفراغ عن معرفة الاجتهاد والإيمان تفصيلاً أو إجمالاً يسأل عما يعرف به وعن الطريقإليه، والمقام من هذا القبيل فإنّ نفس السؤال ظاهر في كونه معرّفاً

لغوياً.

الثاني: ما يظهر من قوله(علیه السلام): »أن تعرفوه بالستر والعفاف «، حيث جعل المعرّف اشتهار الرجل ومعروفيته بهما، ومن المعلوم أنّ الاشتهار والمعروفية غير حقيقة العدالة قطعاً، ولو كانت الجملة معرّفاً منطقياً لكان الجواب هو الستر والعفاف لا المعروفية بهما، وعليه فنفس الجواب ظاهر في كونه معرّفاً لغوياً لا حقيقياً.

بيانه: أنّه لو كان الجواب )الستر والعفاف( لا )المعروفيّة( فليس فيه قرينة على كونه كاشفاً أو أمارة، بل يصح جعله معرّفاً حقيقياً. ولكن حيث ورد الجواب بقوله(علیه السلام): »أن تعرفوه بالستر والعفاف«، فهو نظير ما يقال: يعرف الرجل باجتهاده أو إيمانه، ومعنى هذا أنّ اجتهاده أو إيمانه صفة بارزة فيه يشتهر بها فيكون دالاً عليه وكاشفاً عنه، ومن المعلوم أنّ بينهما تغايراً فلا يكون عين الشخص ونفسه بل هو كاشف عنه.

والمقام من هذا القبيل فإنّ الستر والعفاف حيث إنّهما من الصفات البارزة

ص: 123

الّتي يعرف بهما فهما كاشفتان عن عدالته لا أنّهما نفس العدالة، وهكذا بالنسبة إلى اجتناب الكبائر والحضور في جماعة المسلمين وعليه فهذه المقدمة أيضاً غير تامة.

هذا ولكن قد جاء جواب ذلك في كلام المحقّق الاصفهاني رحمه الله بما حاصله أنّه لا وجه للقول بأنّ السؤال والجواب كانا عمّا تعرف به العدالة دون ماهيتها وحقيقتها، وذلك لأنّ غرض السائل لمّا كان مترتباً على مصداق العدالة حيث قال: بم تعرف عدالة الرجل، فليس غرضه السؤال عن نفس العدالة بل عنها بما هي مضافة إلى الرجل وأنّ الرجل العادل أيّ شخص؟ ولذلك لم يسأل بلسان ما هي العدالة.

وحينئذ فالسؤال عمّا يعرف به ثبوت العدالة ووجودها يتلائم مع الجهل بحقيقة العدالة وماهيتها بل الغالب أنّ منشأ الجهل بالأوّل هو الجهل بالثاني وحيث إنّ موضوع الحكم شرعاً غير معلوم يكون موجباً للجهل وعدم معلومية الوجود والمصداق فجواب الإمام(علیه السلام) جاء مطابقاً للسؤال وتعريفاً للمصداق ووجود العدالة، ويكون تعريفاً لحقيقة العدالة.

ويترتب على ذلك أنّ كلاً من الجملتين تبين حقيقة العدالة إلاّ أنّ الأُولى مقدمة على الثانية والترتيب بينهما طبيعي، إذ أنّ العدالة وهي الاستقامة وعدم الانحراف عن جادة الشرع تتوقف على أمرين:

أحدهما: اجتناب المعاصي ثبوتاً وتركاً.

وثانيهما: أن يكون الترك بداعي الخوف والخشية من اللَّه تعالى، والحالة الراسخة في النفس ولا ينفع أحدهما دون الآخر.

والجملة الأولى تتضمن بيان الداعي والباعث على الاجتناب، والثانية

ص: 124

تتضمن نفس الاجتناب، وعليه فيصح تعريف العدالة بأحدهما كما يصح بكليهما ولذلك ورد في بعض الروايات الاقتصار على الجملة الأولى كالصائن والعفيف والمرضي والخيّر، وفي بعضها الاقتصار على الجملة الثانية كما في رواية »من عامل الناس فلم يظلمهم ، وحدّثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم« (1)، وفي بعض ثالث من الروايات الجمع بين الأمرين معاً كما في رواية عبد الكريم بن أبي يعفور الواردة في شهادة النساء وهي قوله: «إذا كنّ مستورات من أهل البيوتات ، معروفات بالستر والعفاف،

مطيعات للأزواج،تاركات للبذاء والتبرّج إلى الرجال في أنديتهم» (2).

وحاصل كلامه(قدس سره) أنّ قوله(علیه السلام): «أن تعرفوه بالستر والعفاف»، وقوله(علیه السلام): »ويعرف باجتناب الكبائر ...« من قبيل التعريف المنطقي للاستقامة المطلقة.

وأنّ قوله(علیه السلام): »والدلالة على ذلك كله «، من قبيل المعرّف الأصولي، إلاّ أنّه مع ذلك لا تدل الرواية على أنّ العدالة هي الملكة، وذلك لأنّ الجملة الأولى ليست من الصفات النفسانية كما تقدّم بيانه وعلى فرض كونها منها لا دلالة فيها على أنّ العدالة هي الملكة أيضاً، لأنّ العفة بناء على كونها ملكة لا تتناسب مع ترك جميع المعاصي إلاّ بانضمام الاعتدال في سائر القوى الأخرى المحققة للعدالة الأخلاقية الّتي هي الملكة المطلقة.

وأمّا العفة وحدها فهي أخص لاختصاصها بالاعتدال في القوة البهيمية فقط ولا يعقل استناد اجتناب جميع المعاصي إلى خصوص العفة وإن كان الحد منطقياً.

ص: 125


1- الوسائل: 27 : 396 ، الباب 41 من كتاب الشهادات، ح 15
2- الوسائل: 27 : 398 ، الباب 41 من كتاب الشهادات، ح 20

هذا إلاّ أنّ في ما أفاده(قدس سره) نظر: وذلك لأنّ السؤال لو كان عن عدالة الرجل أو الرجل العادل لكان كلامه متيناً ولا غبار عليه ويكون الحد حينئذ منطقياً، ولكن المفروض هو أنّ السؤال كان عمّا تعرف به عدالة الرجل لا عن نفس العدالة ولا عن الرجل العادل، والمتبادر من السؤال هو عمّا تنكشف به العدالة لا عن حقيقتها وماهيتها، ولا عن وجود العدالة وثبوتها، بل هو نظير ما إذا قيل إنّ وجود عدالة الرجل أو شجاعته تعرف بالستر والعفاف أو بغلبته ونحو ذلك فليس السؤال هنا عن نفس العدالة

والشجاعة وإنّما هوسؤال عن أماراتهما أي العدالة والشجاعة.

فالظاهر أنّ ما ذكره السيّد(قدس سره) من أنّ السؤال قرينة على أنّ المعرّف أصولي تام.

وأمّا ما ذكره (قدس سره) من الوجه الثاني فيمكن المناقشة فيه بأنّ قوله(علیه السلام) في الجواب: »أن تعرفوه بالستر والعفاف وكف البطن والفرج واليد واللسان ويعرف باجتناب الكبائر...«، فهو وإن كان بالنظرة البدوية يفيد المعروفية والاشتهار بقرينة أن المصدرية والباء الداخلة على المتعلق، ولكن قد يقال إنّ سؤال السائل بم تعرف عدالة الرجل، قرينة على أنّ المناط هو المعرفة لاقتضاء وحدة السياق المطابقة بين السؤال والجواب.

مضافاً إلى أنّ كلمة عرف ومشتقاتها هنا بمعنى واحد، وأمّا الشهرة فليس لها دخل في المقام.

وممّا يؤكّد هذا أنّه إذا عرف شخص ستر وعفاف أحد واجتنابه عن الكبائر فهل يتوقف هذا الشخص العارف، في الحكم بالعدالة على الشهرة، وكذا الحال في العكس كما إذا كان أحد مشهوراً بالعدالة إلاّ أنّ شخصاً يعرف أنّه يرتكب المعاصي فهل له أن يرتب آثار العدالة عليه.

ص: 126

وبناء على ذلك فالشهرة لا مدخلية لها في المقام والمناط هو المعرفة.

نعم لو لم يكن الجواب عقيب السؤال وكان الكلام ابتدائياً كان للشهرة مدخل في المقام فما أفاده السيّد الأستاذ(قدس سره) من الوجه الثاني قابل للمناقشة، وأمّا الوجه الأوّل فهو تام ويكفي في إثبات أنّ التعريف أصولي لغوي وليس بمنطقي، وعليه فإذا عرف الرجل بالستر والعفاف أو باجتناب

الكبائر أو كان ساتراً لعيوبه وكان متعاهداً للصلوات الخمس مواظباً عليها حافظاً لأوقاتهابحضوره الجماعة فتلك أمارات على عدالته.

والحاصل: أنّ ها هنا أموراً ثلاثة كلّ منها كاشف تعبدي عن العدالة من دون أن يلزم أيّ محذور، وذلك لأنّ للعدالة وهي الاستقامة على جادة الشرع وعدم الانحراف يميناً وشمالاً معرفات ثلاثة:

الأوّل: الستر والعفاف، وقد تقدّم أنّ الستر هو الحياء من اللَّه تعالى وهو علامة على الورع والإيمان فإنّ الحياء والإيمان مقرونان، وتقدّم أيضاً أنّ العفاف هو كف البطن والفرج واليد واللسان عمّا حرّم اللَّه، وهو علامة على الاستقامة في جميع الأعمال فعلاً وتركاً.

الثاني: الاجتناب عن جميع الكبائر وهو أسهل تشخيصاً من الأوّل وهو علامة على الإيمان والاستقامة في العمل.

الثالث: الستر للعيوب والتعاهد للصلوات، وهو أسهل من الأولين كما لا يخفى هذا بناء على أنّ قوله(علیه السلام): »ويكون منه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب عليهنّ، وحفظ مواقيتهنّ بحضور جماعة من المسلمين« (1) متمم

ص: 127


1- راجع ص 82

للثالث كما هو المشهور، وأمّا بناء على أنّه كاشف مستقل وعلامة برأسه فمعرفات العدالة أربعة.

ثمّ إنّ الالتزام بذلك موافق لما ورد من الآيات والروايات والاستعمال في المحاورات العرفية.

فإنّ قوله تعالى: (إنّ اللَّه يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى) (1).

وقوله تعالى: «اعدلوا هو أقرب للتّقوى» (2).

وما في صحيحة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: إنّ من أعظم الناس حسرة يوم القيامة من وصف عدلاً ثمّ خالفه إلى غيره (3).

وغيرها من الروايات المتقدّمة في أوّل الكتاب.

وما في المتفاهم العرفي من إطلاق الفاسق على من يعمل عملاً على خلاف الشرع وهو معنى مقابل العادل.

كلّ ذلك يتلائم مع المعنى المتقدّم الّذي ذكرناه للعدالة، وهو الاستقامة على جادة الشرع وعدم الانحراف والالتزام بجميع الواجبات وترك جميع المحرّمات، ولا يتلائم مع القول بأنّ العدالة هي الملكة، أو المركب منها ومن العمل.

والنتيجة: أنّ العدالة بحسب الظاهر هي الاستواء والاستقامة في جميع الأمور على منهاج الشرع إلاّ أنّه حيث يعتبر في صدقها الاستمرار فهو أي الاستمرار ملازم للملكة والحالة الراسخة في النفس غالباً.

ص: 128


1- سورة النحل، الآية 90
2- سورة المائدة، الآية: 8
3- الوسائل: 15 : 295 ، الباب 38 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، ح 1

المقام الثاني:

شرائط العدالة

وفيه:

* التحقيق في انقسام المعاصي إلى صغيرة وكبيرة.

* المناطات العشرة في المعاصي الكبيرة.

* تعيين المعاصي الكبيرة وأقسامها من الكتاب

والسنة

* التحقيق في اعتبار الاجتناب عن الذنوب الصغيرة

أو الإصرار عليها في العدالة.

* في اعتبار المروّة في العدالة وعدمه.

ص: 129

ص: 130

شرائط العدالة

ويتضمن البحث فيه عن عدّة أمور:

الأوّل: في تقسيم المعاصي.

الثاني: في بيان المناط في المعاصي الكبيرة.

الثالث: في اعتبار الاجتناب عن صغائر الذنوب، أو الإصرار عليها في العدالة وعدمه.

الرابع: في اعتبار الاجتناب عما يخالف المروءة في العدالة وعدمه.

ص: 131

الأمر الأوّل : تقسيم المعاصي

المشهور بين المتأخرين - بل نسب إليهم قاطبة كما في مفتاح الكرامة (1) وإلى العلماء كما في مجمع الفوائد (2) - هو اختلاف المعاصي وأنّها على قسمين: كبيرة وصغيرة، إلاّ أنّ الظاهر من القدماء أنّها قسم واحد وأنّ جميع الذنوب كبائر في نفسها، وإنّما الاختلاف فيما بينها بإضافة كلّ ذنب إلى ما فوقه أو إلى ما تحته، كما حكي عن المفيد، والسيّد المرتضى، وابن البراج، وأبي الصلاح، والطبرسي (3)، بل يظهر من مجمع البيان (4) والعدّة والسرائر أنّه اتفاقي حيث نسب القول به إلى الجميع.

قال في السرائر في مقام الجواب عن الشيخ: وهذا القول - أي التقسيم - لم يذهب إليه أحد من أصحابنا، لأنّه لا صغائر عندنا في المعاصي، إلاّ بالإضافة إلى غيرها، وما خرجه - الشيخ - واستدلّ به من أنّه يؤدي ذلك إلى أنلا تقبل شهادة أحد، لأنّه لا أحد ينفك عن مواقعة بعض المعاصي، فغير واضح لأنّه قادر على

ص: 132


1- مفتاح الكرامة: 3 : 89 ، وانظر مسالك الافهام: 14 : 166
2- مجمع الفائدة: 12 : 318
3- حكاه في مسالك الأفهام: 14 : 166
4- مجمع البيان: 3 : 70

التوبة من ذلك الصغير فإذا تاب قبلت شهادته.

وليست التوبة مما يتعذر على إنسان، دون إنسان، ولاشكّ أنّ هذا القول تخريج لبعض المخالفين، فاختاره شيخنا ها هنا، ونصره، وأورده على جهته، ولم يقل عليه شيئاً (1).

وبهذه الجملة الأخيرة أراد ابن إدريس الجمع بين كلامي الشيخ حيث صرّح بعدم التقسيم في التبيان والعدّة موافقاً لمعاصريه من أنّ الاختلاف بين الذنوب إضافي لا أنّ الاختلاف بينها في أنفسها.

وما في عبارة ابن إدريس إشارة إلى ما ذكره الشيخ في المبسوط من التقسيم كما عليه المتأخرون حيث قال: إنّها - أي العدالة - عبارة عن العدالة في الدين والعدالة في المروّة والعدالة في الأحكام فمن كان عدلاً في جميع ذلك قبلت شهادته، ومَنْ لم يكن عدلاً، لم يقبل ذلك، فإن ارتكب شيئاً من الكبائر، وهي الشرك والقتل والزنا واللّواط والغصب والسرقة وشرب الخمر والقذف وما أشبه ذلك، فإذا فعل واحدةً من هذه الأشياء سقطت شهادته، فأمّا إن كان مجتنباً للكبائر ومواقعاً للصغائر فإنّه يعتبر الأغلب من حاله، فإن كان الأغلب من حاله مجانبة المعاصي، وكان يواقع ذلك نادراً، قُبلت شهادته، وإنّما اعتبرنا الأغلب في الصغائر، لأنّا لو قلنا: إنّه لا تقبل شهادة مَنْ واقع اليسير من الصغائر، أدّى ذلك إلى أن لا يُقبل شهادة أحد ؛

لأنّه لا أحد ينفك من مواقعة بعض المعاصي (2).

وهو صريح في تقسيم المعاصي إلى قسمين على وفق المشهور بين المتأخرين.

ص: 133


1- السرائر: 2 : 118
2- المبسوط: 8 : 217

هذا وقد استدل لكلّ من القولين بأمور:

أمّا القول بعدم الانقسام فقد استدل له بوجوه:

الأوّل: أنّ المعاصي كلّها عظيمة وكبيرة لاشتراكها في أنّها مخالفة للَّه سبحانه وتعالى، وعلى خلاف رضاه، وأنّها توجب غضبه وسخطه، نعم قد يكون بعضها أشدّ من بعض، وقد ورد في الروايات ما يدل على ذلك.

منها: موثقة زرارة، عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: الذنوب كلّها شديدة، وأشدّها ما نبت عليه اللحم والدم، لأنّه إمّا مرحوم، وإمّا معذب، والجنّة لا يدخلها إلاّ طيب (1).

ومنها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللَّه(علیه السلام) في القنوت في الوتر - إلى أن قال: - واستغفر لذنبك العظيم ، ثمّ قال: كلّ ذنب عظيم (2).

ومنها: ما رواه الشيخ في أماليه بسنده عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: يا أبا ذر، لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن انظر إلى من عصيت (3).

ومنها: ما رواه الحسين بن زيد، عن الصادق(علیه السلام)، عن آبائه(علیه السلام) - في حديث المناهي - أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال: لا تحقّروا شيئاً منالشر وإن صغر في أعينكم ، ولا تستكثروا شيئاً من الخير وإن كثر في أعينكم، فإنّه لا كبير مع الاستغفار، ولا صغير مع الإصرار (4).

ومنها: ما نقله صاحب المستدرك عن القطب الراوندي في دعواته:

ص: 134


1- الوسائل: 15 : 299 ، الباب 40 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، ح 3
2- الوسائل: 15 : 322 ، الباب 46 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، ح 5
3- أمالي الطوسي: 528، المجلس التاسع عشر : ح 1
4- الوسائل: 15 : 312 ، الباب 43 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، ح 8

أوحى اللَّه تعالى إلى عزير(علیه السلام): يا عزير، إذا وقعت في معصية فلا تنظر إلى صغرها ، ولكن انظر من عصيت... الخبر (1).

الثاني: أنّ مقتضى صحيحة ابن محبوب الدالة على أنّ الكبائر هي ما وعد اللَّه عليه النار، وبضميمة قوله تعالى: «ومن يعص اللَّه ورسوله ويتعدّ حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين» (2)

أنّ جميع المعاصي كلّها كبائر، لأنّها قد توعد عليها النار كما هو مقتضى إطلاق الآية الشريفة.

الثالث: وقوع الاختلاف في تعداد الكبائر وتعيينها، ففي بعض الروايات أنّها سبع، وفي بعضها أنّها تسع، وفي بعضها أنّها عشر، وفي بعضها أنّها عشرون، وفي بعضها أنّها ثلاث وثلاثون، إلى غير ذلك كما سيأتي.

وهذا الاختلاف دليل على أنّ الكبيرة والصغيرة أمران إضافيان فلا تقسيم للذنوب بأنّ بعضها كبائر وبعضها الآخر صغائر.

ولذلك قال الصدوق بعد أن ذكر هذه الأخبار: الأخبار في الكبائر ليست مختلفة لأنّ كلّ ذنب بعد الشرك كبير بالنسبة إلى ما هو أصغر منه، وكلّ كبير صغير بالنسبة إلى الشرك باللَّه (3).هذا ولكن جميع هذه الوجوه قابلة للمناقشة:

أمّا الثاني والثالث: فالمناقشة فيهما واضحة، وذلك لأنّ الظاهر من الآية عدم شمولها لكلّ معصية، وأنّ المعاصي الصغيرة خارجة عنها كما أفاده

ص: 135


1- مستدرك الوسائل: 11 : 351 ، الباب 43 من كتاب الجهاد ، ح 14
2- سورة النساء، الآية 14
3- الوسائل: 15 : 330 ، الباب 46 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، ذيل ح 35

الطبرسي (قدس سره) في المجمع، وحاصل كلامه (1): بلا خلاف فإنّها مكفرة بترك الكبائر، كما أن الكبائر مكفرة فيما إذا عفي عنها للتوبة أو الشفاعة أو التفضل، مضافاً إلى أنّه قد يقال: إنّ قوله تعالى: »يتعدّ حدوده« يفيد الجمع أي كلّ حدوده، وهذا ممّا يوجب الكفر، وجزاء المتعدي لحدود اللَّه الخلود في النار والعذاب المهين، فتكون الآية أجنبية عمّا نحن فيه.

ومن المحتمل بقرينة الآيات السابقة أن يكون المراد من الحدود هي حدود الإرث المذكورة في الآيات السابقة حيث اشتملت على تقسيم الميراث، ومنها ميراث اليتيم وأنّ أكل مال اليتيم بغير حق يوجب سخط اللَّه وغضبه، قال تعالى: «إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنّما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً» (2) ولا شك أنّ ذلك من الكبائر حيث توعد عليه

النار.

وأمّا اختلاف الروايات في تعيين الكبائر فهي لا تدل على انتفاء الكبائر، بل تدل على وجودها غاية الأمر أنّه لابدّ من الجمع بين الروايات والتوفيق بينها وسيأتي الكلام فيه.

فالعمدة في المقام هو الوجه الأوّل: ولا كلام في أنّ المعاصي كلّها تشترك في مخالفة المولى عزّوجلّ وهي في نفسها عظيمة. وإنّما الكلام في أنّه هل يمكن تقسيم الذنوب والمعاصي إلى قسمين ثبوتاً من جهة المفاسد المترتبةعليها، وإثباتاً من جهة الآثار والأحكام أو لا؟

ولا ينبغي التأمل في صحة التقسيم من كلتا الجهتين:

أمّا من جهة الثبوت فبيانه: أنّ من الممكن عقلاً جعل حدٍ للذنوب فيقال

ص: 136


1- مجمع البيان: 3 : 39
2- سورة النساء، الآية: 10

مثلاً: إنّ المفاسد إذا وصلت إلى حد معين كمائة درجة فهي كبيرة، وإذا لم تبلغ إلى ذلك الحد فهي صغيرة، وحيث إنّ المفاسد مختلفة بالوجدان فجعل الحد وتقسيم الذنوب على ضوئه ممّا لا يمتنع عقلاً.

وأمّا من جهة الإثبات: فقد دلّ الدليل على تقسيمها من الآيات والروايات.

أمّا من الآيات:

قوله تعالى: «إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً» (1) .

ودلالتها على أنّ قسماً من الذنوب كبائر وأنّ الاجتناب عنها ممّا يوجب العفو عمّا سواها واضحة.

وما قيل من المناقشة في دلالتها ضعيف جداً لا نحتاج إلى ذكره.

ومنها: قوله تعالى: «الّذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلاّ اللّمم» (2) ، وفسر اللّمم بصغائر الذنوب، أو نوع خاص منها.

وأمّا الروايات فهي كثيرة جداً:

منها: صحيحة ابن محبوب، قال: كتب معي بعض أصحابنا إلى أبي الحسن(علیه السلام) يسأله عن الكبائر كم هي؟ وما هي؟ فكتب: الكبائر من اجتنب ما وعد اللَّه عليه النار كفّر عنه سيّئاته إذا كان مؤمناً، والسبع الموجبات: قتل النفس الحرام، وعقوق الوالدين، وأكل الربا، والتعرّب بعد الهجرة، وقذف

ص: 137


1- سورة النساء، الآية 31
2- سورة النجم، الآية 32

المحصنة، وأكل مال اليتيم، والفرار من الزحف (1).

ومنها: صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه(علیه السلام) قال: سمعته يقول: الكبائر سبعة، منها قتل النفس متعمّداً ، والشرك باللَّه العظيم، وقذف المحصنة، وأكل الربا بعد البيّنة، والفرار من الزحف، والتعرّب بعد الهجرة، وعقوق الوالدين، وأكل مال اليتيم ظلماً، قال: والتعرّب والشرك واحد (2).

ومنها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللَّه(علیه السلام) في قول اللَّه عزّوجلّ: (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً) (3) قال: الكبائر الّتي أوجب اللَّه عزّوجلّ عليها النار (4).

وغيرها من الروايات.

وأمّا من جهة الآثار: فالمستفاد من بعض الروايات أنّ هناك آثار تختص بالكبائر، وذلك:

1 - أنّ اجتناب الكبائر يوجب الخير الكثير، كما في صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه(علیه السلام) قال: سمعته يقول: «ومن يؤت الحكمة فقد أوتيخيراً كثيراً» (5) قال: معرفة الإمام، واجتناب الكبائر الّتي أوجب اللَّه عليها النار (6).

2 - تكفير الذنوب والسيّئات، كما في الآية، وبعض الروايات المتقدّمة.

3 - أنّه يدخل المدخل الكريم، كما هو الظاهر من الآية الشريفة، ولعلّه

ص: 138


1- الوسائل: 15 : 318 ، الباب 46 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، ح 1
2- الوسائل: 15 : 324 ، الباب 46 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، ح 16
3- سورة النساء، الآية 31
4- الوسائل: 15 : 315 ، الباب 45 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، ح 2
5- سورة البقرة، الآية 269
6- الوسائل: 15 : 315 ، الباب 45 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، ح 1

متحد مع الأوّل.

4 - أنّ اجتناب الكبائر أمارة على العدالة أو شرط فيها، على الخلاف المتقدّم في كون العدالة ملكة أو لا، كما ورد في صحيحة ابن أبي يعفور المتقدّمة.

5 - أنّ ارتكابها يوجب الخروج عن الإيمان، كما ورد في معتبرة

محمّد بن حكيم، قال: قلت لأبي الحسن موسى(علیه السلام): الكبائر تخرج من الإيمان؟ فقال: نعم، وما دون الكبائر، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: لا يزني الزاني وهو مؤمن ولا يسرق السارق وهو مؤمن (1).

ورواية الحسن بن زياد العطّار، عن أبي عبد اللَّه(علیه السلام) - في حديث قال: قد سمّى اللَّه المؤمنين بالعمل الصالح مؤمنين ، ولم يسمّ من ركب الكبائر وما وعد اللَّه عزّوجلّ عليه النار مؤمنين في قرآن ولا أثر، ولا نسمهم بالإيمان بعد ذلك الفعل (2).6 - أنّ من ارتكب أربعين كبيرة انكشفت عنه الجنن، وهو عبارة عن ارتفاع الوقاية والعناية الإلهية عنه. فقد جاء في موثقة عبد اللَّه بن مسكان، عن أبي عبد اللَّه(علیه السلام) قال: قال أمير المؤمنين(علیه السلام): ما من عبد إلاّ وعليه أربعون جنة حتّى يعمل أربعين كبيرة، فإذا عمل أربعين كبيرة انكشفت عنه الجنن... الحديث (3).

فالمتحصل: أنّه لا إشكال في أصل التقسيم، واختلاف الآثار.

وممّا ذكرنا يظهر وجه الاستدلال على تقسيم الذنوب إلى صغائر وكبائر.

ص: 139


1- الوسائل: 15 : 325 ، الباب 46 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، ح 18
2- الوسائل: 15 : 317 ، الباب 45 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، ح 7
3- الوسائل: 15 : 316 ، الباب 45 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، ح 3

الأمر الثاني: المناط في المعاصي الكبيرة

اشارة

فقد وقع الاختلاف فيه بين العلماء على أقوال:

الأوّل: أنّ الكبيرة هي الذنب الّذي توعّد اللَّه عليه العذاب في كتابه الكريم، وهو المنسوب إلى المشهور، بل ادعي عليه عدم الخلاف فيه، بل إنّ كلام الصيمري من نسبته إلى أصحابنا يشعر بالإجماع عليه (1).

الثاني: أنّها الذنب الّذي رتّب عليه الشارع حداً، أو صرّح فيه بالوعيد، وإليه ذهب صاحب مفتاح الكرامة (2).

الثالث: أنّها المعصية الّتي تؤذن بقلة فاعلها بالدين.

الرابع: أنّها المعصية الّتي علمت حرمتها بدليل قاطع.

الخامس: أنّها المعصية الّتي توعّد عليها توعداً شديداً في الكتاب أو السنة.

السادس: أنّها كلّ ما نهي عنه من المعاصي الواردة في سورة النساء من أوّلها إلى قوله تعالى: «إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه...».

ص: 140


1- ذخيرة المعاد: 304 ، مفتاح الكرامة: 3 : 89 ، جواهر الكلام: 13 : 305
2- مفتاح الكرامة: 3 : 91 - 92

السابع: أنّها ما نصّ على عددها في الأخبار الواردة من أنّها سبع أو عشر أو اثنتا عشر أو عشرون أو غيرها كما سيأتي.

الثامن: ما ذهب إليه كاشف الغطاء(قدس سره) من أنّها المعصية الّتي عدّها أهل الشرع كبيرة وإن لم تكن كبيرة في نفسها كسرقة ثوب ممّن لا يجد غيره مع الحاجة إليه، والصغيرة ما لم يعدوه كذلك كسرقته ممّن يجد (1).

التاسع: ما نقله صاحب الجواهر عن بعضهم من أنّها المعصية الّتي تزيد مفسدتها على مفسدة الكبيرة المنصوص عليها، فإن نقصت عنها فهي من الصغائر، وإلاّ فمن الكبائر، مثلاً حبس المحصنة للزنا فيها أعظم مفسدة من القذف مع أنّهم لم يعدوه من الكبائر، وكذا دلالة الكفار على عورات المسلمين ونحو ذلك ممّا يفضي إلى القتل والسبي والنهب، فإنّ مفسدته أعظم من مفسدة الفرار من الزحف (2).

وهذا القول قريب من القول الثامن.

العاشر: ما اختاره صاحب الجواهر (3) وهو أنّ الكبيرة هي المعصية العظيمة في نفسها وتعرف بطرق أربعة:

الأوّل: بما عدّ في الروايات وهي أربعون ذنباً بعد الغاء مفهوم العدد.

الثاني: ما توعّد عليه النار في الكتاب والسنّة صريحاً، أو تلويحاً.

الثالث: ما ورد فيه من التشديد في النهي عنه أعظم من التوعد بالنار كالبراءة واللعنة، وكونه كالزاني بأمه ونحو ذلك.

ص: 141


1- جواهر الكلام: 13 : 321
2- جواهر الكلام: 13 : 321
3- جواهر الكلام: 13 : 320

الرابع: ما بقيت عظمته في نفس أهل الشرع وإن لم نعثر على غير النهي عنه.

واختار الشيخ في رسالته هذا القول واعتمد الطرق الثلاثة الأولى، وأضاف طريقين آخرين (1):

أحدهما: ما أوجب اللَّه عليه النار، سواء في الكتاب، أو بإخبار النبي صلى الله عليه وآله أو الإمام(علیه السلام).

ثانيهما: ما ورد فيه النصّ على عدم قبول شهادته، أو الصلاة خلفه، كما في النهي عن الصلاة خلف العاق لوالديه.

والأصل في اختلاف الأقوال هي الروايات، وعليه فاستفادة المناط في ذلك تتوقف على ملاحظة الروايات الواردة في المقام، وهي على طائفتين:

الأولى: ما يدل على أنّ المناط في الكبيرة هو ما أوعد اللَّه عليه النار، وهي عدّة روايات.

الثانية: ما يدل على أنّ المناط فيها هو ما أوجب اللَّه عليه النار، وهي عدّة روايات أخرى.

وسيأتي الفرق بين الطائفتين وما فيه.

ص: 142


1- أنظر رسالة في العدالة: 44
روايات الطائفة الأولى :

منها: صحيحة ابن محبوب - المتقدّمة - قال: كتب معي بعض أصحابنا إلى أبي الحسن(علیه السلام) يسأله عن الكبائر كم هي؟ وما هي؟ فكتب: الكبائر من اجتنب ما وعد اللَّه عليه النار كفّر عنه سيّئاته إذا كان مؤمناً... (1) .

وهي واضحة الدلالة كما أنّها صحيحة السند.

ومنها: معتبرة أحمد بن عمر الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللَّه(علیه السلام) عن قول اللَّه عزّوجلّ: «إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم» (2) قال: من اجتنب ما أوعد اللَّه عليه النار إذا كان مؤمناً كفّر عنه سيّئاته وأدخله مدخلاً كريماً... (3) .

والرواية من حيث الدلالة واضحة. أمّا من حيث السند ففيه موسى بن جعفر البغدادي، ولم يرد فيه توثيق، إلاّ أنّه واقع في أسناد كتاب نوادر الحكمة، بل هو شيخ صاحبه ولم يستثنه منه، وقد قرّرنا في محلّه أنّ ذلك أمارة على التوثيق، وبناء عليه فالرواية معتبرة.

ومنها: ما ورد في الصحيح عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن(علیه السلام) في قول اللَّه عزّوجلّ: «إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر

عنكم سيّئاتكم» (4) قال: من اجتنب الكبائر ما أوعد اللَّه عليه النار إذا كان مؤمناً كفّر

ص: 143


1- الوسائل: 15 : 318 ، الباب 46 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، ح 1
2- سورة النساء، الآية 31
3- الوسائل: 15 : 329 ، الباب 46 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، ح 32
4- سورة النساء، الآية 31

اللَّه عنه سيّئاته (1).

وهي من حيث الدلالة واضحة. أمّا من حيث السند ففيه محمّد بن الفضيل، فإن كان هو محمّد بن القاسم بن الفضيل، فهو ثقة. وإن كان محمّد بن فضيل الأزدي، فالظاهر أنّه ثقة لوقوعه في أسناد نوارد الحكمة، وتفسير القمي، وروى عنه المشايخ الثقات، وعدّه الشيخ المفيد في رسالته العددية من الفقهاء والرؤساء الأعلام الّذين يؤخذ منهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام ولا يطعن عليهم بشي ء ولا طريق لذم واحد منهم، وبعض ذلك كاف في وثاقته.

قد يقال: إنّ ذلك معارض بتضعيف الشيخ له حيث ذكره في أصحاب الكاظم(علیه السلام) وقال: محمّد بن الفضيل الكوفي الأزدي ضعيف (2).

والجواب: أنّ تضعيف الشيخ له محمول على رميه بالغلو حيث ذكره الشيخ في أصحاب الرّضا(علیه السلام) وقال: صيرفي يرمى بالغلو (3)، وعليه فلا تعارض بين ذلك وبين التوثيقات الواردة في حقه، فلا وجه للحكم بجهالته كما ذهب إليه السيّد الأستاذ(قدس سره). فإن كان هو المراد كما هو الظاهر فالرواية معتبرة.

ومنها: معتبرة الحسن بن زياد العطّار، عن أبي عبد اللَّه(علیه السلام) - في حديث - قال: قد سمّى اللَّه المؤمنين بالعمل الصالح مؤمنين ، ولم يسمّ منركب الكبائر وما وعد اللَّه عزّوجلّ عليه النار مؤمنين في قرآن ولا أثر، ولا نسمهم بالإيمان بعد ذلك الفعل (4).

ص: 144


1- الوسائل: 15 : 316 ، الباب 45 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، ح 5
2- رجال الطوسي: 343 / 5124
3- رجال الطوسي: 365 / 5423
4- الوسائل: 15 : 317 ، الباب 45 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، ح 7

والرواية من حيث الدلالة واضحة. وأمّا من حيث السند، فهي وإن كان فيه أبو سعيد الآدمي وهو سهل بن زياد، وهو ضعيف، إلاّ أنّ للشيخ طريقاً صحيحاً إلى جميع كتب وروايات الحسن بن محبوب، فلا ينحصر الطريق بأبي سعيد الآدمي، وعليه فالرواية معتبرة.

ومنها: ما رواه عبّاد بن كثير النوا قال: سألت أبا جعفر(علیه السلام) عن الكبائر؟ فقال: كلّ ما أوعد اللَّه عليه النار (1).

والرواية في صراحة دلالتها كالروايات السابقة. إلاّ أنّها من جهة السند غير تامة، لعدم ورود التوثيق في عبّاد بن كثير، فتكون مؤيدة، نعم على القول باعتبار روايات الفقيه حيث وردت الرواية فيه فتكون معتبرة.

روايات الطائفة الثانية :

ما دلّ على أنّ المناط في الكبيرة هو ما أوجب اللَّه عليه النار، فهي عدّة روايات:

منها: صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللَّه(علیه السلام) قال: الكبائر سبع: قتل المؤمن متعمداً ... - إلى أن قال -: وكلّ ما أوجب اللَّه عليه

النار(2).

والشاهد فيها هو الجملة الأخيرة فإنّها بيان كلّي للمصاديق المذكورة في الرواية وغيرها.

ومنها: صحيحة علي بن جعفر في كتابه، عن أخيه موسى بن

ص: 145


1- الوسائل: 15 : 317 ، الباب 45 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، ح 6
2- الوسائل: 15 : 322 ، الباب 46 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، ح 6

جعفر(علیه السلام) قال: سألته عن الكبائر الّتي قال اللَّه عزّوجلّ: «إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه» (1) قال: الّتي أوجب اللَّه عليها النار (2).

ومنها: صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه(علیه السلام) قال: سمعته يقول: «ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً» (3) قال: معرفة الإمام، واجتناب الكبائر الّتي أوجب اللَّه عليها النار (4).

ومنها: ما رواه عبيد بن زرارة، قال: قلت لأبي عبد اللَّه(علیه السلام): أخبرني عن الكبائر، فقال: هنّ خمس، وهنّ ممّا أوجب اللَّه عليهنّ النار ... (5) .

هذه هي الروايات الواردة في بيان المناط في الكبيرة.

وقد يحتمل الفرق بين المناطين بأمرين:

الأمر الأوّل: أن يكون المراد من قوله(علیه السلام) في الطائفة الأولى: »ما أوعد اللَّه عليه النار « هو الوعيد، والمراد من قوله(علیه السلام) في الطائفة الثانية: »ما أوجب اللَّه« هو الحتم واللزوم، فيكون الثاني أخصّ من الأوّل.

الأمر الثاني: أن يكون المراد من الطائفة الأولى، هو ما كان فيه الوعيد من اللَّه تعالى في كتابه العزيز لظاهر قوله(علیه السلام): »ما أوعد اللَّه« والمراد من الطائفة الثانية هو إيجاب العذاب وإن كان على لسان نبيه صلى الله عليه وآله أو وصيه(علیه السلام)، إذ يصدق الإيجاب من اللَّه وإن كان على لسان النبي صلى الله عليه وآله، أو الإمام(علیه السلام).

ص: 146


1- سورة النساء، الآية 31
2- الوسائل: 15 : 326 ، الباب 46 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، ح 21
3- سورة البقرة، الآية 269
4- سورة البقرة، الآية 269
5- الوسائل: 15 : 327 ، الباب 46 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، ح 28

ولكن الظاهر عدم صحة الفرق بينهما:

أمّا الأوّل: فلأنّ الإيجاب بمعنى الحتم ليس صحيحاً في نفسه، وذلك لأنّ الكبائر قد يشملها العفو، أو الشفاعة، أو ترتفع بالتوبة. ومعنى الإيجاب حينئذ يساوق معنى الوعيد.

وأمّا الثاني: فلأنّه وإن كان ظاهر قوله(علیه السلام): »ما أوعد اللَّه عليه« هو ذلك، أي أنّ الوعيد كان مباشرة منه تعالى، ولاسيما أنّ الإمام(علیه السلام) غالباً ما يستشهد بعد ذكر الذنوب بالآيات، إلاّ أنّه قد ورد في بعض الروايات استشهاد الإمام(علیه السلام) بقول النبي صلى الله عليه وآله، كما في صحيحة عبد العظيم بن عبد اللَّه الحسني قال: حدّثني أبو جعفر الثاني(علیه السلام) قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبي موسى بن جعفر(علیه السلام) يقول: دخل عمرو بن عبيد على أبي عبد اللَّه(علیه السلام) فلمّا سلّم وجلس تلا هذه الآية: «والّذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش» (1) ثمّ أمسك، فقال له أبو عبد اللَّه(علیه السلام): ما أسكتك؟ قال: أحبّ

أن أعرف الكبائر من كتاب اللَّه عزّوجلّ، فقال: نعم يا عمرو - ثمّ أخذ (علیه السلام) في عدّها إلى أن قال(علیه السلام): وترك الصلاة متعمداً أو شيئاً ممّا فرض اللَّه عزّوجلّ لأنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال: من ترك الصلاة متعمداً فقد برى ء من ذمّة اللَّه وذمّة رسوله، ونقض العهد وقطيعة الرحم لأنّ اللَّه عزّوجلّ يقول: «لهم اللّعنة ولهم سوء الدّار» (2) قال: فخرج عمرو وله صراخ من بكائه وهو يقول: هلك من قال برأيه، ونازعكم في الفضل والعلم (3).

ص: 147


1- سورة الشورى، الآية 37
2- سورة الرّعد، الآية 25
3- الوسائل: 15 : 318 ، الباب 46 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، ح 2

والشاهد هو استشهاد الإمام(علیه السلام) بقول رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وإن كان في سائر الموارد استشهد (علیه السلام) بالآيات.

ومن ذلك يعلم أنّ ما أوعد اللَّه عليه النار أعم من كونه وارداً في الكتاب العزيز، أو على لسان النبي صلى الله عليه وآله أو أحد الأئمة(علیه السلام) فإنّ قولهم(علیه السلام) قول اللَّه، ووعدهم ووعيدهم وعد اللَّه ووعيده.

فالظاهر أنّه لا فرق بين المناطين وكلاهما يرجع إلى معنى واحد.

فالمناط في الكبيرة كما هو المستفاد من الرواية، هو ما أوعد اللَّه عليه النار صريحاً، أو ضمناً، وإن كان على لسان النبي صلى الله عليه وآله أو أحد الأئمة(علیه السلام) وهو الموافق لما ذهب إليه المشهور.

تعيين عدد الكبائر :
اشارة

ذهب العلّامة بحر العلوم رحمه الله (1) إلى أنّها أربعة وثلاثون معصية وقد قسّمها إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأوّل :

وهو ما صرّح فيه بخصوصه بالوعيد بالنار وهي أربعة عشر معصية:

الأولى: الكفر باللَّه العظيم، لقوله تعالى: «والّذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها

ص: 148


1- جواهر الكلام: 13 : 310

خالدون» (1) .

الثانية: الإضلال عن سبيل اللَّه تعالى، لقوله تعالى: «ثاني عطفه ليضلّ عن سبيل اللَّه له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق» (2) . وقوله تعالى: «إنّ الّذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثمّ لم يتوبوا فلهم عذاب جهنّم ولهم عذاب الحريق» (3) .

الثالثة: الكذب على اللَّه تعالى والافتراء عليه، لقوله عزّوجلّ:

«ويوم القيامة ترى الّذين كذبوا على اللَّه وجوههم مسودّة أليس في جهنّم مثوىللمتكبّرين» (4) . وقوله تعالى: «إنّ الّذين يفترون على اللَّه الكذب لا يفلحون × متاع في الدنيا ثمّ إلينا مرجعهم ثمّ نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون» (5) . والمراد بالعذاب في الآية هو عذاب النار.

الرابعة: قتل النفس الّتي حرّم اللَّه قتلها، لقوله تعالى: «ومن يقتل مؤمناً متعمّداً فجزاؤه جهنّم خالداً فيها وغضب اللَّه عليه ولعنه وأعدّ له عذاباً عظيماً» (6) .

الخامسة: الظلم، لقوله تعالى: «إنّا أعتدنا للظّالمين ناراً أحاط بهم سرادقها» (7) .

ص: 149


1- سورة البقرة، الآية 257
2- سورة الحجّ، الآية 9
3- سورة البروج، الآية 10
4- سورة الزمر، الآية 60
5- سورة يونس، الآية 69
6- سورة النساء، الآية 93
7- سورة الكهف، الآية 29

السادسة: الركون إلى الظالمين، لقوله تعالى: «ولا تركنوا إلى الّذين ظلموا فتمسّكم النار» (1) .

السابعة: الكبر، لقوله تعالى: «فادخلوا أبواب جهنّم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبّرين» (2) .

الثامنة: ترك الصلاة، لقوله تعالى: «ما سلككم في سقر × قالوا لم نكُ من المصلّين» (3) .التاسعة: المنع من الزكاة، لقوله تعالى: «والّذين يكنزون الذهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل اللَّه فبشّرهم بعذاب أليم × يوم يحمى عليها في نار جهنّم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون» (4) .

العاشرة: التخلّف عن الجهاد، لقوله تعالى: «فرح المخلّفون بمقعدهم خلاف رسول اللَّه وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللَّه وقالوا لا تنفروا في الحرّ قل نار جهنّم أشدّ حرّاً لو كانوا يفقهون» (5) .

الحادية عشرة: الفرار من الزحف، لقوله تعالى: «ومن يولّهم يومئذٍ دبره إلاّ متحرفاً لقتالٍ أو متحيزاً إلى فئةٍ فقد باء بغضبٍ من اللَّه ومأواه جهنّم وبئس المصير» (6) .

ص: 150


1- سورة هود، الآية 113
2- سورة النحل، الآية 29
3- سورة المدّثر، الآية 42 - 43
4- سورة التوبة، الآية 34 - 35
5- سورة التوبة، الآية 81
6- سورة الأنفال، الآية 16

الثانية عشرة: أكل الربا، لقوله تعالى: «الّذين يأكلون الرّبا لا يقومون إلاّ كما يقوم الّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ ذلك بأنّهم قالوا إنّما البيع مثل الرّبا وأحلّ اللَّه البيع وحرّم الرّبا فمن جاءه موعظة من ربّه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى اللَّه ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون» (1) .

الثالثة عشرة: أكل مال اليتيم ظلماً، لقوله تعالى: «إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنّما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً» (2) .الرابعة عشرة: الإسراف، لقوله تعالى: «وأنّ المسرفين هم أصحاب النار» (3) .

القسم الثاني :

وهو ما ورد فيه التصريح بالعذاب دون الوعيد بالنار، وهي أربعة عشر معصية:

الأولى: كتمان ما أنزل اللَّه، لقوله تعالى: »إنّ الّذين يكتمون ما أنزل اللَّه من الكتاب ويشترون به ثمناً قليلاً أولئك ما يأكلون في بطونهم إلاّ النار ولا يكلّمهم اللَّه يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم« (4) .

الثانية: الإعراض عن ذكر اللَّه عزّوجلّ، لقوله تعالى: «وقد آتيناك من لدنّا ذكراً × من أعرض عنه فإنّه يحمل يوم القيامة وزراً × خالدين فيه وساء لهم

ص: 151


1- سورة البقرة، الآية 275
2- سورة النساء، الآية 10
3- سورة غافر، الآية 43
4- سورة البقرة، الآية 174

يوم القيامة حِملاً» (1) .

الثالثة: الإلحاد في بيت اللَّه تعالى، لقوله عزّوجلّ: «ومن يُرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم» (2) .

الرابعة: المنع من ذكر اللَّه في المساجد، لقوله تعالى: «ومن أظلم ممّن منع مساجد اللَّه أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أنيدخلوها إلاّ خائفين لهم في الدّنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم» (3) .

الخامسة: إيذاء رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، لقوله تعالى: «إنّ الّذين يؤذون اللَّه ورسوله لعنهم اللَّه في الدّنيا والآخرة وأعدّ لهم عذاباً مهيناً» (4) .

السادسة: الاستهزاء بالمؤمنين، لقوله تعالى: «الّذين يلمزون المطّوّعين من المؤمنين في الصّدقات والّذين لا يجدون إلاّ جهدهم فيسخرون منهم سخر اللَّه منهم ولهم عذاب أليم» (5) .

السابعة والثامنة: نقض العهد واليمين، لقوله تعالى: «إنّ الّذين يشترون بعهد اللَّه وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلّمهم اللَّه ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم» (6) .

التاسعة: قطيعة الرّحم، لقوله تعالى: «والّذين ينقضون عهد اللَّه من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر اللَّه به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم

ص: 152


1- سورة طه، الآية 99 - 101
2- سورة الحج، الآية 25
3- سورة البقرة، الآية 114
4- سورة الأحزاب، الآية 57
5- سورة التوبة، الآية 79
6- سورة آل عمران، الآية 77

اللّعنة ولهم سوء الدّار» (1) .

هذا بناءً على أن العقاب لكلّ واحد من المذكورين في الآية كما هو الظاهر لا للجامع لها، وقوله تعالى: «فهل عسيتم إن تولّيتم أن تفسدوا في الأرض وتقطّعوا أرحامكم * أولئك الّذين لعنهم اللَّه فأصمّهم وأعمى أبصارهم»(2) ، وهذا بناء على أنّ اللعن موجب للعذاب.

العاشرة: المحاربة وقطع السبيل، لقوله تعالى: «إنّما جزاء الّذين يحاربون اللَّه ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتّلوا أو يصلّبوا أو تقطّع أيديهم وأرجلهم من خلافٍ أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدّنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم» (3) .

الحادية عشر: الغناء، لقوله تعالى: «ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضلّ عن سبيل اللَّه بغير علم ويتّخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين» (4) .

الثانية عشر: الزنا، لقوله تعالى: «ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً» (5) .

الثالثة عشر: إشاعة الفحشاء، لقوله تعالى: «إنّ الّذين يحبّون أن

تشيع الفاحشة في الّذين آمنوا لهم عذاب أليم» (6) .

الرابعة عشر: قذف المحصنات، لقوله تعالى: «إنّ الّذين يرمون

ص: 153


1- سورة الرّعد، الآية 25
2- سورة محمّدصلى الله عليه وآله، الآية 22 - 23
3- سورة المائدة، الآية 33
4- سورة لقمان، الآية 6
5- سورة الفرقان، الآية 68 - 69
6- سورة النور، الآية 19

المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدّنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم» (1) .

القسم الثالث :
اشارة

وهو ما استفيد الوعيد عليه من الآيات ضمناً لا صريحاً، وهي ست:

الأولى: الحكم بغير ما أنزل اللَّه تعالى، لقوله عزّوجلّ: «ومن لم يحكم بما أنزل اللَّه فأولئك هم الكافرون» (2).

الثانية: اليأس من روح اللَّه عزّوجلّ، لقوله تعالى: «ولا تيأسوا من روح اللَّه إنّه لا ييأس من روح اللَّه إلاّ القوم الكافرون» (3).

الثالثة: ترك الحجّ، لقوله تعالى: «وللَّه على الناس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإنّ اللَّه غنيّ عن العالمين» (4).

الرابعة: عقوق الوالدين، لقوله تعالى: «وبرّاً بوالدتي ولم يجعلني

جبّاراً شقيّاً» (5).

بقرينة قوله تعالى: «وخاب كلّ جبّار عنيد * من ورائه جهنّم ويسقى من ماء صديد» (6) . وقوله تعالى: «فأمّا الّذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير

ص: 154


1- سورة النور، الآية 23
2- سورة المائدة، الآية 77
3- سورة يوسف، الآية 87
4- سورة آل عمران، الآية 97
5- سورة مريم، الآية 32
6- سورة إبراهيم، الآية 15 - 16

وشهيق» (1).

الخامسة: الفتنة، لقوله تعالى: «والفتنة أشدّ من القتل» (2).

السادسة: السحر، لقوله تعالى: «واتّبعوا ما تتلوا الشّياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكنّ الشّياطين كفروا يعلّمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلّمان من أحدٍ حتّى يقولا إنّما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلّمون منهما ما يفرّقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارّين به من أحد إلاّ بإذن اللَّه ويتعلّمون ما يضرّهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون» (3).

ومجموع هذه المعاصي أربعة وثلاثون معصية، وهي مستنبطة من الكتاب العزيز، ويظهر منه(قدس سره) أنّه قد ورد في بعض الروايات من عدّ غيرها من المعاصي في جملة الكبائر بما يبلغها - بعد حذف المكررات - إلى أربعين معصية إلاّ أنّه لما كانت هذه الضابطة - وهي ما أوعد اللَّه عليه النار - لا تنطبق عليها توقف في الحكم عليها بأنّها كبائر، والقدر المتيقن هو العدد المذكور، أي أربعة وثلاثون معصية.

هذا وقد أورد عليه صاحب الجواهر(قدس سره) بعدّة أمور، أهمّها أمران (4):

الأوّل: النقض بعدّة موارد، كشرب الخمر، وشهادة الزور، وترك الصوم، وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير، وغيرها ممّا هو من الكبائر قطعاً.

ص: 155


1- سورة هود، الآية 106
2- سورة البقرة، الآية 191
3- سورة البقرة، الآية 102
4- أنظر، جواهر الكلام: 13 : 316

الثاني: أنّه وإن قلنا إنّ الضابطة في معرفة الكبيرة هي ما أوعد اللَّه عليها النار، إلاّ أنّه لا وجه لإلغاء ما ورد في الأخبار، أو التوقف فيها، بل لابدّ من الأخذ بها وعدّها من الكبائر بمقتضى حجيتها، إذ لا منافاة بينها وبين الضابطة المذكورة، حيث إنّ قصارى ما هناك أنّا لم نعرف كيف أوعد اللَّه عليها النار، وأمّا أصل الوعيد فهو ثابت بهذه الأخبار، كما يظهر ذلك من رواية عبيد بن زرارة، حيث بين فيها كيفيّة أنّ ترك الصلاة داخل في الكفر ويكون من الكبائر.

ثمّ إنّه (قدس سره) ذكر أنّ المستفاد من الأخبار أنّ عدد الكبائر أربعون معصية، كما اعترف بذلك السيّد بحر العلوم أيضاً وهي:

1 - الكفر باللَّه.

2 - إنكار ما أنزل اللَّه، وهي ممّا أضافه صاحب الجواهر.

3 - اليأس من روح اللَّه.

4 - الأمن من مكر اللَّه، وهي ممّا أضافه صاحب الجواهر.

5 - الكذب على اللَّه وعلى رسوله وعلى الأوصياء.

6 - المحاربة لأولياء اللَّه.

7 - قتل النفس الّتي حرّم اللَّه قتلها.

8 - معاونة الظالمين، وعبر عنها السيّد، بالركون إلى الظالمين.

9 - الكبر.

10 - عقوق الوالدين.

11 - قطيعة الرّحم.

12 - الفرار من الزحف.

13 - التعرّب بعد الهجرة، وهي ممّا أضافه صاحب الجواهر.

14 - السحر.

ص: 156

15 - شهادة الزور، وهي ممّا أضافه صاحب الجواهر.

16 - كتمان الشهادة، وهي ممّا أضافه أيضاً.

17 - اليمين الغموس.

18 - نقض العهد.

19 - تبديل الوصية، وهي ممّا أضافه (قدس سره).

20 - أكل مال اليتيم ظلماً.

21 - أكل الرّبا بعد البينة.

22 - أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير اللَّه، وهي ممّا أضافه مع خمسة ما بعده.

23 - أكل السحت.

24 - الخيانة.

25 - الغلول، وعن رواية مطلق السرقة.

26 - البخس في المكيال والميزان.

27 - حبس الحقوق من غير عسر.

28 - الإسراف والتبذير.

29 - الاشتغال بالملاهي، وهي ممّا أضافه مع موردين بعده.

30 - القمار.

31 - شرب الخمر.

32 - الغناء.

33 - الزنا.

34 - اللواط، وهي ممّا أضافه صاحب الجواهر.

35 - قذف المحصنات.

ص: 157

36 - ترك الصلاة.

37 - منع الزكاة.

38 - الاستخفاف بالحجّ، وعبّر عنها السيّد بترك الحجّ.

39 - ترك شي ء ممّا فرضه اللَّه، وهي ممّا أضافه صاحب الجواهر(قدس سره).

40 - الإصرار على الذنوب، وهي ممّا أضافه صاحب الجواهر(قدس سره).

والملاحظ أنّه أضاف سبعة عشر معصية، وحذف ممّا ذكره السيّد خمسة عشر معصية.

ولكنّ مقتضى التحفظ على ما ورد في الآيات والروايات أنّ مجموع الكبائر يصل إلى أربعة وستين معصية، وهي على ثلاثة أقسام:

ص: 158

القسم الأوّل :

المعاصي الّتي عبّر عنها بأكبر الكبائر، في ثمان روايات وأكثرها صحاح (1) وهي:

1 - الكفر أو الشرك باللَّه سبحانه وتعالى.

2 - قتل النفس الّتي حرّم اللَّه قتلها.

3 - عقوق الوالدين.

4 - أكل الرّبا.

5 - أكل مال اليتيم.

6 - قذف المحصنة.

7 - الفرار من الزحف.

8 - التعرّب بعد الهجرة.

القسم الثاني :

المعاصي الّتي عدّت من الكبائر في الروايات الصحيحة كصحيحة عبد

ص: 159


1- وهي على أقسام : الأوّل: الروايات الّتي عبّرت عن المعاصي بأكبر الكبائر. الوسائل: 15 : 318 ، الباب 46 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ح 2 ، ح 20 ، ح 35 . الثاني: الروايات الّتي عبّرت عنها بأكبر المعاصي. نفس المصدر والباب، ح 4. الثالث: الروايات الّتي عبّرت عنها بالكبائر السبع الموجبات. نفس المصدر والباب، ح 1. الرابع: الروايات الّتي عبّرت عنها بالكبائر السبع. نفس المصدر والباب، ح 6 ، ح 22 ، ح 16

العظيم الحسني (1) وغيرها وهي:

1 - اليأس من روح اللَّه، أو القنوط من رحمة اللَّه، بناء على أنّ معناهما واحد.

2 - الأمن من مكر اللَّه.

3 - السحر.

4 - الزنا.

5 - اليمين الغموس الفاجرة.

6 - الغلول.

7 - منع الزكاة المفروضة.

8 - شهادة الزور.

9 - كتمان الشهادة.

10 - شرب الخمر.

11 - ترك الصلاة متعمداً.

12 - ترك شي ء ممّا افترضه اللَّه عزّوجلّ.

13 - نقض العهد.

14 - قطيعة الرّحم.

15 - الكذب على اللَّه (عزّوجلّ)، ورسوله صلى الله عليه وآله، وعلى الأوصياء(علیه السلام) كما في موثقة أبي خديجة (2).

16 - إنكار ما أنزل اللَّه، كما في الصحيح عن ابن أبي يعفور والمعلى بن

ص: 160


1- الوسائل: 15 : 318 ، الباب 46 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، ح 2
2- الوسائل: 15 : 327 ، الباب 46 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، ح 25

خنيس، عن أبي الصامت (1).

17 - اقتطاع مال امرء مسلم بغير حقٍّ، كما في موثقة السكوني (2).

18 - الذنب الّذي استخف به صاحبه، كما في صحيحة أبي أسامة

وغيرها (3).

19 - كلّ ما أوجب اللَّه عليه النار، كما في صحيحة عبيد بن زرارة (4).

القسم الثالث :

المعاصي الّتي عدّت من الكبائر في روايات بعضها معتبرة، كروايةالأعمش (5)، وصحيحة الفضل بن شاذان (6) وغيرهما، وهي:

1 - اللواط.

2 - السرقة.

3 - أكل الميتة.

4 - أكل الدم.

ص: 161


1- الوسائل: 15 : 325 ، الباب 46 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، ح 20
2- الوسائل: 16 : 50 ، الباب 77 من أبواب جهاد النفس ، ح 14 . ثواب الأعمال: 322 ، عقاب من ظلم ح 10
3- الوسائل: 15 : 310 ، الباب 43 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، ح 1 . وانظر بقية أحاديث الباب
4- الوسائل: 15 : 327 ، الباب 46 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، ح 28 . وانظر الوسائل: 15 : 317، الباب 45 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ح 6
5- الوسائل: 15 : 331 ، الباب46 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، ح 36
6- الوسائل: 15 : 329 ، الباب 46 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، ح 33. ذكرنا رواية الفضل بن شاذان في الروايات غير المعتبرة بناء على مسلك المشهور، ولكن بناءً على ما حقّقناه من أن بعض الطرق إلى الفضل بن شاذان معتبر فرواياتها هنا معتبرة

5 - أكل لحم الخنزير.

6 - أكل ما أهل به لغير اللَّه.

7 - أكل السحت.

8 - البخس في المكيال والميزان.

9 - الميسر.

10 - ترك معاونة المظلومين.

11 - الركون إلى الظالمين.

12 - حبس الحقوق من غير عسر.

13 - التكبر والتجبر.14 - الكذب.

15 - الإسراف والتبذير.

16 - الخيانة.

17 - الاستخفاف بالحجّ.

18 - المحاربة لأولياء اللَّه عزّوجلّ.

19 - الملاهي الّتي تصد عن ذكر اللَّه، كالغناء، وضرب الأوتار.

20 - استحلال البيت الحرام، كما في كنز الفوائد، والعوالي (1).

21 - الحيف في الوصية، كما في مرسل الفقيه (2).

22 - الّذي إذا دعاه أبوه لعن أباه.

ص: 162


1- الوسائل: 15 : 331 ، الباب 46 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، ح 37 ، كنز الفوائد: 2 : 11 ، عوالي اللئالي: 1 : 88
2- من لا يحضره الفقيه: 3 : 421 / 1747

23 - الّذي إذا أجابه ابنه يضربه، كما في رواية زياد الكناسي (1).

24 - انكار حق الأئمة(علیه السلام)، لما في رواية عبد الرّحمن بن كثير (2).

ثمّ بإضافة ما ذكره السيّد (قدس سره) ممّا يستفاد من الآيات وهي:

1 - الاضلال عن سبيل اللَّه.

2 - الظلم.

3 - التخلف عن الجهاد.

4 - الإعراض عن ذكر اللَّه.

5 - الإلحاد في بيت اللَّه، ولعلّه متحد مع الاستحلال.

6 - المنع عن مساجد اللَّه.

7 - إيذاء الرسول صلى الله عليه وآله.

8 - الاستهزاء بالمؤمنين.

9 - المحاربة وقطع السبيل.

10 - إشاعة الفحشاء.

11 - الحكم بغير ما أنزل اللَّه، ولعلّه متحد مع الكذب على اللَّه ورسوله.

12 - الفتنة.

13 - الإصرار على الصغائر.

فيكون المجموع هو أربعة وستون معصية، نعم وقع الخلاف في المعصية الأخيرة وسيأتي البحث فيه.

والحاصل: أنّ المستفاد من الآيات والروايات، هو ما ذكرناه إلاّ أنّه يمكن

ص: 163


1- الوسائل: 15 : 325 ، الباب 46 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، ح 17
2- الوسائل: 15 : 326 ، الباب 46 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، ح 22

إرجاع بعض المعاصي إلى بعض كما أنّها قابلة للزيادة بملاحظة الروايات الأخرى، كما في الغيبة مثلاً أو غيرها من المعاصي.

ص: 164

الأمر الثالث: في اعتبار الاجتناب عن الصغائر أو الإصرار عليها في العدالة وعدمه

اشارة

المشهور، بل ادعي عدم الخلاف، والاجماع، على أنّه لابدّ من الاجتناب عن الصغائر لتحصيل العدالة سواء قلنا بأنّ العدالة هي الاستقامة كما هو واضح، أو قلنا بأنّها ملكة وإنّ الاجتناب عن الصغائر متمم لتفسير العدالة، كما هو المشهور بناء على أنّ الإصرار على الصغائر من المعاصي الكبيرة.

وأمّا على القول بأنّ الاجتناب ليس متمماً للتفسير، أو إنّ الإصرار ليس من الكبائر، فلا يعتبر الاجتناب عنها حينئذ لتحصيل العدالة.

ويقع الكلام في ذلك في جهات ثلاث:

الأولى: في الحكم.

الثانية: في موضوع الاصرار على الصغائر.

الثالثة: في أنّ مطلق ارتكاب الصغيرة يخل بالعدالة أو لا؟

ص: 165

الجهة الأولى: الحكم:

فقد استدل على أنّ الإصرار على الصغائر من الكبائر بوجوه:

الأوّل: الإجماع، كما عن مفتاح الكرامة (1)، والتحرير (2)، وفي الذخيرة (3) دعوى عدم الخلاف فيه.

الثاني: الروايات الواردة الدالة على ذلك:

منها: صحيحة ابن أبي عمير قال: سمعت موسى بن جعفر (علیه السلام) يقول: من اجتنب الكبائر من المؤمنين لم يسأل عن الصغائر قال اللَّه تعالى: «إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً» (4) قال: قلت: فالشفاعة لمن تجب؟ فقال: حدّثني أبي، عن آبائه، عن علي (علیه السلام) قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: إنّما شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي، فأمّا المحسنون فما عليهم من سبيل، قال ابن أبي عمير: فقلت له: يابن رسول اللَّه فكيف تكون الشفاعة لأهل الكبائر واللَّه تعالى يقول: «ولا يشفعون إلاّ لمن ارتضى» (5) ومن يرتكب الكبائر لا يكون مرتضى؟ فقال: يا أبا أحمد ما من مؤمن يذنب ذنباً إلاّ ساءه ذلك وندم عليه، وقد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: كفى بالندم توبة، وقال: من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن، فمن لم يندم

ص: 166


1- مفتاح الكرامة: 3 : 87
2- أنظر تحرير الأحكام: 5 : 248
3- ذخيرة المعاد: 303
4- سورة النساء، الآية 31
5- سورة الأنبياء، الآية 28

على ذنب يرتكبه فليس بمؤمن، ولم تجب له

الشفاعة - إلى أنقال - قال النبي صلى الله عليه وآله: لا كبير مع الاستغفار،ولا صغير مع الإصرار... الحديث (1).

والشاهد في الجملة الأخيرة وهي صريحة الدلالة، كما أنّها معتبرة السند.

ومنها: رواية عبد اللَّه بن سنان، عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) قال: لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار (2).

وهي من حيث الدلالة واضحة، إلاّ أنّها من حيث السند غير تامة لوقوع عمّار بن مروان القندي في سندها، ولم يرد فيه توثيق، إلاّ أن يقال: بأنّ كتب عبد اللَّه بن سنان معروفة ولا يحتاج إلى ملاحظة طريقها.

ومنها: رواية الحسين بن زيد، عن الصادق (علیه السلام) عن آبائه(علیه السلام) - في حديث المناهي - إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال: لا تحقّروا شيئاً من الشر وإن صغر في أعينكم ، ولا تستكثروا شيئاً من الخير وإن كثر في أعينكم، فإنّه لا كبير مع الاستغفار ولا صغير مع الإصرار (3).

وهي واضحة الدلالة، إلاّ أنّ في سندها عدّة مجاهيل، وإن كانت مذكورة في الفقيه ولا يبعد اعتبارها بناء على اعتبار روايات الفقيه.

ومنها: ما ورد في رواية الأعمش، عن جعفر بن محمّد (علیه السلام) - في

حديث شرايع الدين - قال: ... والإصرار على صغائر الذنوب (4).

وهي صريحة الدلالة، إلاّ أنّ سندها غير تام.

ص: 167


1- الوسائل: 15 : 335 ، الباب 47 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ح 11
2- الوسائل: 15 : 337 ، الباب 48 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ح 3
3- الوسائل: 15 : 312 ، الباب 43 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ح 8
4- الوسائل: 15 : 331 ، الباب 46 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ح 36

ومنها: ما ورد في رواية الصدوق بأسانيده، عن الفضل بن شاذان، عن الرّضا(علیه السلام)، وقد جاء فيها:... والإصرار على الذنوب (1).

ودلالتها على المدعى باعتبار عمومها فهي شاملة للصغائر.

وأمّا سند هذه الرواية وإن عبر عنه الشيخ بالحسن كالصحيح إلاّ أنّ فيه وفي سائر روايات الصدوق عن الفضل بن شاذان بحثاً وخلاصته: أنّ للصدوق إلى روايات الفضل أربعة طرق، في اثنين منها علي بن محمّد بن قتيبة، وفي الآخر قنبر بن علي بن شاذان عن أبيه، وفي الأخير منها محمّد بن شاذان بن نعيم.

ولم يرد في هؤلاء توثيق إلاّ ما ورد في علي بن محمّد بن قتيبة بأنّه فاضل وكثرة رواية الكشي عنه ولا يعد ذلك توثيقاً، نعم في محمّد بن شاذان بن نعيم الواقع في الطريق الأخير قد يستفاد وثاقته ممّا ورد في التوقيع الشريف حيث جاء فيه: «وأمّا محمّد بن شاذان بن نعيم فهو رجل من شيعتنا أهل البيت» (2) فإنّ فيه إشعاراً بأنّ محمّد بن شاذان بن نعيم ذو شأن عند الأئمة(علیه السلام)، كما أنّ فيه اشعاراً بمكانته الاجتماعية، الأمر الّذي دفع إسحاق بن يعقوب للسؤال عنه. فقد يقال إنّ ذلك إن لم يدل على الوثاقة فهو لا يقصر عنه.

وبناء على اعتبار سند التوقيع كما حققناه في محله فالظاهر اعتبار رواية محمّد بن شاذان بن نعيم، ويترتب على ذلك هو اعتبار جميع روايات

الصدوق عن الفضل الواردة عن طريق محمّد بن شاذان بن نعيم.

الثالث: بما ورد في تحف العقول (3) من أنّ الإصرار على الذنوب أمن

ص: 168


1- الوسائل: 15 : 329 ، الباب 46 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ح 33
2- كمال الدين وتمام النعمة: 440 ، باب 45 ذكر التوقيعات الواردة عن القائم عليه السلام، ح 4
3- تحف العقول: 336

لمكر اللَّه «فلا يأمن مكر اللَّه إلاّ القوم الخاسرون» (1). بضميمة ما تقدّم من أنّ الأمن من مكر اللَّه من الكبائر فالإصرار على الذنوب وإن كانت صغيرة يكون من الكبائر.

الجهة الثانية: موضوع الإصرار على الصغائر:

الإصرار في اللغة يأتي بمعنى الإقامة على الشي ء والمدامة عليه والملازمة له.

ففي الصحاح: أصْرَرْتُ على الشي ء، أي أقمتُ ودمتُ (2).

وفي النهاية، لابن الأثير: أصرّ على الشي ء يُصِرُّ إصْراراً إذا لَزِمَه وَداومَه وثبَتَ عليه (3).

وفي المصباح: أصَرَّ على فِعْلِهِ بالألفِ دَاوَمَهُ وَلازَمَهُ و (أصَرَّ) عَلَيْهِ عَزَمَ (4).

ولا يختلف هذا المعنى عنه في الشرع، فإذا ارتكب الإنسان صغيرة

وأصرّ عليها، بمعنى تكرر فعلها منه من دون أن يتوب فذلك هو الإصرار، وأمّا إذا تحققت التوبة منه ولم يعد إلى الذنب فلا يعد ذلك إصراراً، بل لا يعد مذنباً.

وقد ورد أنّه لا إصرار مع الاستغفار، كما ورد أنّه لا كبيرة معه، وبالأولوية أنّه لا صغيرة مع الاستغفار، فلا إشكال من هذه الناحية.

وإنّما الإشكال في اعتبار العزم على الاتيان بالصغيرة في تحقق الإصرار أو

ص: 169


1- سورة الأعراف، الآية 99
2- الصحاح: 2 : 711 مادة (صرر)
3- النهاية في غريب الحديث والأثر: 3 : 22 ، مادة (صرر)
4- المصباح المنير: 1 : 338

لا؟

ومجموع ما يمكن تصوره في ارتكاب الصغيرة مع العزم وبدونه ست صور:

الصورة الأولى: أن يأتي بالصغيرة ويعزم على العود إليها بمثل الذنب الّذي أتى به على نحو يتكرر الفعل مراراً، كالنظر إلى الأجنبية مثلاً.

الصورة الثانية: أن يأتي بالصغيرة عازماً على العود إليها بجنس الذنب لا بمثل ما أتى به كشرب النجس مثلاً، أو تقبيل الأجنبية.

الصورة الثالثة: أن يأتي بالصغيرة عازماً على العود إليها بمثل الذنب الّذي أتى به، أو بجنسه ولكنه لم يفعل.

الصورة الرابعة: أن يأتي بالصغيرة ولا يعزم على العود ولكنه يأتي بمثل الذنب الّذي أتى به، أو بجنسه.

الصورة الخامسة: أن يأتي بالصغيرة ولا يعزم على العود إليها ولا يفعل ولكنه لا يتوب.

الصورة السادسة: أن يأتي بالصغيرة ولا يعزم على العود إليها ولا

يفعلويتوب.

أمّا الصورتان الأولى والثانية: فلا إشكال في صدق الإصرار عليهما.

وأمّا الصورة الرابعة: فإن تحقق التكرار فحكمها حكم الصورتين الأوليين.

وأمّا الصورة الثالثة: فالظاهر من الجواهر (1)، والشيخ في رسالته (2)،

ص: 170


1- جواهر الكلام: 41 : 26
2- رسالة في العدالة: 56

والشهيد (1) والمقدّس الأردبيلي وقد نسبه إلى المشهور (2) هو صدق الإصرار مع العزم وإن لم يأت بالذنب، فإنّ الشهيد قسم في قواعده الإصرار إلى قسمين فعلي وحكمي، وفسر الفعلي بأنّه الدوام على نوع واحد من الصغائر أو الإكثار من جنسها من دون توبة. وفسّر الحكمي بأنّه العزم على تلك الصغيرة بعد الفراغ منها، أمّا لو فعل الصغيرة ولم يخطر في باله بعدها توبة منها أو عزماً على فعلها فلا يصدق عليه الإصرار. والظاهر من ذلك أنّ مجرد العزم كافٍ في الإصرار.

وأمّا الصورة الخامسة: فالظاهر من الحدائق (3) والسيّد البروجردي (4) أنّها داخلة في الإصرار ولكن الظاهر من

الجواهر (5) والشيخ في رسالته (6) اعتبار العزم على المعصية في صدق الإصرار فلا تكون هذه الصورة داخلة فيه إذ لا عزم على العود في هذه الصورة.

وأمّا الصورة السادسة: فهي خارجة عن محل الكلام لعدم صدق الإصرار عليها بلا إشكال، ومحل الكلام هما الصورتان الثالثة والخامسة.

أمّا الصورة الثالثة: فقد استدل لها بأنّه يمكن استظهار صدق الإصرار عليها في العرف واللغة وذلك لما تقدّم من أنّ معنى الإصرار على الشي ء هو المداومة عليه وملازمته والإقامة عليه، وحيث إنّ المذنب لم يرجع عن ذنبه ولم يتب وكان عازماً على العود فآثار الذنب وتوابعه باقية فلا يبعد صدق الإصرار لأنّ ذلك

ص: 171


1- القواعد والفوائد: 1 : 227
2- مجمع الفائدة والبرهان: 12 : 320
3- الحدائق الناضرة: 10 : 56 - 57
4- نهاية التقرير: 291
5- جواهر الكلام: 41 : 28 ، 13 : 322
6- رسالة في العدالة: 56

موجب للانحراف عن جادة الشرع ولو بهذا الذنب الصغير.

هذا ولكن يمكن المناقشة فيه:

أوّلاً: إنّ الإصرار في مفهوم العرف يتحقق بما جي ء بالفعل كثيراً وتكرر صدوره أمّا إذا جي ء به مرة واحدة فلا يقال إنّه مصرّ على الفعل عرفاً فإنّ العرف لا شأن له بالعزم ولا يحاسب على القصد وإنّما يلاحظ الفعل الخارجي وتكرره في حكمه بالإصرار وعدمه.

وهكذا المعنى اللغوي فإنّ الإصرار لغة كما تقدّم هو الإقامة على الشي ء والمداومة عليه والإصرار على العزم ليس إصراراً على الفعل.

هذا مضافاً إلى ما ورد في الروايات من أنّ الإصرار إنّما هو علىالذنب وهو الفعل، والعزم ليس فعلاً ليكون مشمولاً لمعنى الإصرار اللّهم إلاّ أن يقال إنّ العزم سبب في تحقق الإصرار وهو الظاهر من كلام الشهيد الأوّل(قدس سره) حيث عدّ ذلك إصراراً حكمياً (1).

ثانياً: إنّ المستفاد من معتبرة عمر بن يزيد، أنّه سأل أبا عبد اللَّه(علیه السلام) عن إمام لا بأس به في جميع أموره عارف، غير أنّه يسمع أبويه الكلام الغليظ الّذي يغيظهما، أقرأ خلفه؟ قال: لا تقرأ خلفه ما لم يكن عاقاً قاطعاً (2).

حيث إنّه (علیه السلام) لم يفصل بين العزم وعدمه، وحكم (علیه السلام) بصحة الائتمام. فالعزم على العود لا مدخلية له في صدق الإصرار، فبمقتضى إطلاق الرواية يمكن القول بعدم صدق الإصرار حتى مع العزم على العود، اللّهم إلاّ أن يثبت عرفاً أو لغةً

ص: 172


1- القواعد والفوائد: 1 : 227
2- الوسائل: 8 : 313 ، الباب 11 من أبواب صلاة الجماعة ، ح 1

صدقه عليه فيقدم على الإطلاق.

وعلى فرض الشك في أنّ العزم يوجب الإصرار أو لا، فمقتضى الأصل هو التفصيل بين ما إذا كان الشك في أصل تحقق العدالة، وبين ارتفاعها، ففي الأوّل يجري استصحاب عدم العدالة، إذ لابدّ من إحراز الموضوع وهو يقتضي اليقين بعدم العود. وفي الثاني يجري استصحاب العدالة، لعدم اليقين بأنّ العزم رافع لها.

وأمّا الصورة الخامسة: فقد ذكرنا أنّ فيها قولين:

القول الأوّل: وهو دخولها في الإصرار، فقد استدل له بما ورد في الروايات:

ومنها: رواية جابر، عن أبي جعفر (علیه السلام) في قوله اللَّه عزّوجلّ: «ولم يصرّوا على ما فعلوا وهم يعلمون» (1) قال: الإصرار أن يذنب الذنب فلا يستغفر اللَّه ولا يحدّث نفسه بالتوبة فذلك الإصرار (2).

ومنها: معتبرة محمّد بن أبي عمير، قال: سمعت موسى بن جعفر(علیه السلام) يقول: من اجتنب الكبائر من المؤمنين لم يسأل عن الصغائر - إلى أن قال - ومتى لم يندم عليها كان مصرّاً (3).

فالمستفاد من هذه الجملة أنّ عدم الندم والإصرار متلازمان.

ويؤيده ما ورد في روايات أخرى كثيرة من أنّ الاستغفار رافع للإصرار، وهي بمفهومها تدل على أنّ عدم الاستغفار إصرار.

ص: 173


1- سورة آل عمران، الآية 135
2- سورة آل عمران، الآية 135
3- التوحيد: 407، باب 63 من أبواب الأمر والنهي والوعد والوعيد، ح 6

والمستفاد من هذه الروايات كلّها أنّ من ارتكب الصغيرة ولم يستغفر فهو مصر وإن كان بحسب اللغة والعرف لا يعد مصراً.

ولكن هذه الروايات قابلة للمناقشة.

أمّا رواية جابر فهي وإن كانت تامة الدلالة إلاّ أنّها من حيث السند ضعيفة بعمر بن شمر، ومحمّد بن سالم، فلا يمكن الاعتماد عليها.

وأمّا معتبرة ابن أبي عمير، فهي وإن كانت تامة السند، إلاّ أن دلالتها غير تامة، وذلك:

أوّلاً: إنّ موردها كبائر الذنوب، وذلك لأنّه قد ورد فيها: »... يا أباأحمد ما من أحد يرتكب كبيرة من المعاصي وهو يعلم أنّه سيعاقب عليها إلاّ ندم على ما ارتكب ومتى ندم كان تائباً مستحقاً للشفاعة، ومتى لم يندم عليها كان مصراً...« .

فهي صريحة في مورد الندم على ارتكاب الكبيرة، ولذلك علله الإمام (علیه السلام) بعد ذلك بقوله: »والمصر لا يغفر له لأنّه غير مؤمن بعقوبة ما ارتكب«.

وهذا المعنى لا يجري في الصغيرة، للعلم بعدم العقوبة عليها وتكفيرها باجتناب الكبائر، وبناء على الفرق بين الصغائر والكبائر، فلا يتعدى في معنى الإصرار على الكبائر إلى معناه على الصغائر.

وثانياً: ما ذكره المحقّق الاصفهاني رحمه الله (1) من أنّ للصغيرة إذا صدرت من الإنسان ثلاث حالات، لأنّه: إمّا أن يكون المرتكب لها مجتنباً عن الكبائر، وإمّا أن لا يكون مجتنباً عنها مع الابتلاء بها، وإمّا أنّه غير مبتلى بها.

ص: 174


1- بحوث في الأصول - الاجتهاد والتقليد - : 108

فإن صدرت عن المجتنب عن الكبائر كان صدورها مقروناً بالمانع عن تأثيرها فى العقوبة فلا حاجة إلى التوبة في رفعها، ولا يتحقق الإصرار إلاّ بفعلها مرّة بعد أولى، وكرّة بعد أخرى، لا بعدم الندم حيث إنّ الذنب مكفر على الفرض فيكون كما إذا تخللت التوبة المانعة من تحقق الإصرار.

وحيث إنّ هذه الحالة هي محل الكلام لا الحالتين الأخريين، فصح لنا أن نقول إنّ الإصرار على الصغائر - فيما يهمنا الكلام فيه - هو فعل الشي ء مرّة بعد أولى، وكرّة بعد أخرى، من دون تحققه بعدم الندم أو العزم على العود.وما ذكره (قدس سره) تام، غير أنّ هناك حالة رابعة لم يذكرها، وهي ما إذا كان الشخص غير متمكن من ارتكاب الكبيرة، فالاجتناب عنها ليس باختياره، ولكن هذه الحالة قليلة الوقوع والتحقق.

ولكن يرد على هذا القول - إشكالان:

الأوّل: أنّه لا يبقى فرق واضح بين مرتكب الكبيرة ومرتكب الصغيرة، إذ مع التوبة فيهما فلا إخلال بالعدالة، ومع عدم التوبة فكلاهما مخلان بها، مع أنّ المشهور هو القول بالفرق بين الصغيرة والكبيرة.

الثاني: أنّه يلزم أن تكون الصغيرة لاتنفك عن الإصرار دائماً لأنّ وجوب التوبة فوري في أوّل الأزمنة بعد الارتكاب، فإذا أخلّ بها فقد أخلّ بواجب آخر فيتحقق الإصرار فلا تكون حينئذ صغيرة ليكون الاجتناب عن الكبائر مكفراً لها إلاّ في موارد نادرة جداً كالنسيان.

وأجاب السيّد البروجردي(قدس سره) (1) عن الأوّل: بأنّ ارتكاب الكبيرة مخل

ص: 175


1- نهاية التقرير: 294

بالعدالة مطلقاً، سواء التفت إليها أو لا، بخلاف الصغيرة فإنّها مكفرة مع النسيان دون حالة الالتفات إليها فيحصل الفرق.

وفيه: أنّه خلاف الظاهر، لأنّه حمل على الفرد النادر فإنّ الظاهر من الآية والروايات الدالة على أنّ الاجتناب مكفر عن الصغائر مطلقاً التفت أو لا.

وأمّا عن الثاني فقد أجاب بعض السادة ممن عاصر شيخنا الأنصاري -كما نقله(قدس سره) (1) - بمنع وجوب التوبة عن المعاصي مطلقاً، بل هو مختصّ بالكبائر، وأمّا الصغائر فهي مكفَّرة باجتناب الكبائر وبالأعمال الصالحة، فلا تجب التوبة.

ولكنّ الشيخ في رسالته لم يرتض هذا الجواب وناقش فيه:

أوّلاً: بأنّ أدلة وجوب التوبة عامة ولا تختص بالكبائر، وأدلة تكفير الأعمال الصالحة لو صلحت دالّة على عدم وجوب التوبة ولم يفرق بين الصغائر والكبائر لعموم كثير من أدلّة التكفير بل صراحة بعضها في الكبائر.

وثانياً: بأنّ وجوب التوبة عنها لا ينافي تكفيرها بالأعمال الصالحة أو باجتناب الكبائر، لأنّ زمان التوبة أسبق من الأعمال الصالحة أو الاجتناب.

فالتحقيق في الجواب دعوى كون وجوب التوبة وجوباً عقلياً محضاً بمعنى كونه للارشاد وإن أمر به الشارع في الكتاب والسنة لكن أوامرها ارشادية لرفع مفسدة المعصية، ولا يترتب على تركها عقاب آخر غير العقاب الّذي كان على المعصية السابقة فلا يتحقق مع عدمها الاصرار كما زعم.

ثمّ إنّ ما ذكرناه من أنّ عدم التوبة لا يوجب الاصرار هو الظاهر من المحقّق في الشرائع، فإنّه قد ذكر قولين: أحدهما أنّ ارتكاب الصغيرة لا يقدح في العدالة،

ص: 176


1- رسالة في العدالة: 52

والآخر أنّه يقدح فيها ثمّ قال: والأوّل أشبه (1).

وظاهر كلامه أنّ الارتكاب غير قادح سواء تاب عنها أو لا.

وهكذا يظهر من الشهيدرحمه الله كما تقدّم حيث قال: أمّا لو فعلالصغيرة ولم يخطر بباله بعدها توبة ولا عزم على فعلها فالظاهر أنّه غير مصر (2). فلا يبعد رجحان هذا القول وإن كان القول الآخر هو الأحوط، وأحوط منه ما تقدّم في الصورة الثالثة من أنّ مجرد العزم كاف في صدق الاصرار.

الجهة الثالثة: ارتكاب الصغيرة قادح في العدالة أو لا؟
اشارة

نسب إلى المشهور، والمعروف بين الفقهاء عدم القدح (3)، كما تقدّم عن الشرائع (4)، والقواعد (5)، والشهيد (6)، وهو الظاهر عن جماعة منهم صاحب الجواهر (7) والشيخ في رسالته (8). وذهب جماعة آخرون منهم صاحب الحدائق (9) والسيّد البروجردي (10) والسيّد الأستاذ قدس سرهم (11) إلى أنّ ارتكاب مطلق

ص: 177


1- شرائع الإسلام: 4 : 912
2- القواعد والفوائد: 1 : 227
3- مجمع الفائدة والبرهان: 12 : 262 ، كتاب الصلاة، الشيخ الأنصاري: 2 : 319
4- شرائع الإسلام: 4 : 912
5- قواعد الأحكام: 3 : 494
6- القواعد والفوائد: 1 : 227
7- جواهر الكلام: 13 : 323 ، 41 : 28
8- رسالة في العدالة: 49
9- الحدائق الناضرة: 10 : 29
10- نهاية التقرير: 294
11- التنقيح في شرح العروة - الاجتهاد والتقليد – 1 : 233

المعصية قادح في العدالة.

واستدل للقول الأوّل بوجوه:

الأوّل: الكتاب، وهو قوله تعالى: «إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً» (1).

فإنّه إذا كان ارتكاب الصغيرة دائماً مقروناً بالاجتناب عن الكبائر المانع من الأثر والعقوبة فهو أولى من التوبة، فكما أنّ التوبة رافعة للمعصية وعقابها إذ التائب عن ذنبه كمن لا ذنب له ولا تضر المعصية وإن كانت كبيرة مع التوبة، فكيف مع الاجتناب عن الكبائر الّذي هو رافع للمعصية ومانع عن العقوبة، فإنّه يوجب العفو ابتداء من دون حاجة إلى التوبة، فلا يكون ارتكاب الصغيرة قادحاً في العدالة ولا يجتمع مع الفسق بطريق أولى.

الثاني: ما ورد في صحيحة عبد اللَّه بن أبي يعفور حيث ورد فيها أنّه (علیه السلام) قال: ويعرف باجتناب الكبائر الّتي أوعد اللَّه عليها النار... (2) .

وذلك لأنّه لو كان الاجتناب عن الصغائر معتبراً في العدالة لم يكن للحصر في اجتناب الكبائر وجه.

الثالث: ما ذكره المحقّق الهمداني (قدس سره) بعد تفصيله في الصغائر بين ما يكون عن عمد والتفات إلى حرمتها وكونها معصية من دون أن يكون هناك عذر من الأعذار العرفية من خجل أو حياء أو نحوهما فهذا يوجب الفسق، لأنّه انحراف عن جادة الشرع والاستقامة، وبين ما يكون ارتكابها مستنداً إلى عدم الالتفات إلى

ص: 178


1- سورة النساء، الآية 31
2- الوسائل: 27 : 391 ، الباب 41 من كتاب الشهادات ، ح 1

حرمتها، أو التفت إليها إلاّ أنّهم يكتفون في ارتكابها بأعذار عرفية مسامحة كترك الأمر بالمعروف والخروج عن مجلس الغيبة حياء أو لاستدعاء صديق ونحوها مع كونهم كارهين لها في أنفسهم، فالظاهر أنّ مثل هذا لا يكون منافياً لاتصافه بالعدالة عرفاً، لأنّه مع ذلك يصدق عليه أنّه من أهل الستر والعفاف والخير والصلاح.

وأمّا الكبائر فإنّها غير قابلة للمسامحة ولا يقبل فيها الاعتذار بالأعذارالعرفية من خجل واستدعاء صديق ونحوهما.

فالّذي يعتبر في العدالة أن يكون الشخص مجتنباً عن كلّ ما هو كبيرة شرعاً، أو في أنظار أهل العرف، وكذا الصغائر الّتي يؤتى بها مع الالتفات إلى حرمتها من غير استناد إلى شي ء من الأعذار العرفية، دون الصغائر الّتي يؤتى بها مع عدم الالتفات أو معه ولكن مع الأعذار العرفية.

وقد ناقش السيّد الأستاذ (قدس سره) في جميع هذه الوجوه، فإنّه بعد أن قرر أنّ نفس العدالة بمفهومها تدل على أنّ ارتكاب المعصية وإن كانت صغيرة قادحة في العدالة، وأنّ المعصية على إطلاقها انحراف عن الجادة وتعدّ طغياناً وخروجاً عن زيّ العبودية ومانع عن كون مرتكبها خيّراً أو مأموناً أو عفيفاً أو غير ذلك من العناوين المتقدّمة بلا فرق في ذلك بين الصغائر والكبائر. وكذلك الحال بالإضافة إلى ستر العيوب - لو تمت الرواية المتقدّمة - فإنّ ارتكاب الصغائر ينافي ستر العيوب ولا يتصف مرتكبها بأنّه ساتر لعيوبه فإنّ المعصية من العيوب وكيف لا تكون معصية اللَّه سبحانه عيباً؟! وهي خروج عن وظيفة العبودية.

فإذا فرضنا - مثلاً - أنّ أحداً يتطلع دار جاره وينظر إلى من يحرم عليه النظر إليه سلب ذلك عنه العفة والمأمونية والخير والصلاح، فلا يقال إنّه عفيف أو مأمون أو خيّر، مع أنّه من الصغائر الّتي لم يتوعد عليها بالنار في الكتاب.

ص: 179

إذاً نفس العدالة بمفهومها يقتضي عدم الفرق بين الكبائر والصغائر.

الإشكال على الوجه الأوّل:

وقد أجاب (قدس سره) عن الوجه الأوّل بأنّ فيه:

أوّلاً: منع التلازم بين العفو عن المعصية وعدم الفسق، فإنّ الفسق هو الخروج عن وظيفة العبودية والانحراف عن الجادة. والعفو عنه أمر آخر غير مانع عن كونه فسقاً وانحرافاً، فإنّ للَّه سبحانه أن يعفو عن أعظم المعاصي تفضلاً، أو لشفاعة نبي أو وصي أو مؤمن، أو لصدقة تصدّق بها، أو إحسان صنعه، أو لغير ذلك من أسباب العفو والغفران، إلاّ أنّ العفو عن أيّ معصية لا يمنع عن حصول الفسق بارتكابها.

ويتضح ذلك بملاحظة الموالي العرفية وعبيدهم، أفلا يعدون مخالفة العبد وعصيانه لسيّده عصياناً وتمرداً إذا كان السيّد ممّن لا يعاقب عبده بوجه؟

فإنّ العفو شي ء والفسق والانحراف بارتكاب الصغيرة شي ء آخر، فلا تلازم بين العفو وعدم الفسق أبداً (1).

ويمكن تأييد ما ذكره (قدس سره) بأنّ التكفير لا يختص بالاجتناب عن الكبائر، بل يتحقق بالأعمال الصالحة فإنّ الحسنات يذهبن السيئات فهي - أي الحسنات - مكفرة للسيئات سواء كانت صغائر أو كبائر، مع أنّ ارتكاب الكبيرة قادح في العدالة.

وأجاب (قدس سره) ثانياً: هب أنّ العفو مانع عن الفسق، إلاّ أنّه لا سبيل لنا إلى

ص: 180


1- التنقيح في شرح العروة - الإجتهاد والتقليد - : 1 : 229

إحراز ذلك في من يرتكب الصغائر، فإنّ العفو عنها قد علق في الكتاب العزيز على اجتناب الكبائر ومن أين لنا إحراز أنّ مرتكب الصغيرة لا يرتكب الكبائر طيلة حياته. وذلك أنّ المراد بقوله عزَّ من قائل: »إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه«، ليس هو الاجتناب عنها آناً ما، لأنّه أمر حاصل لكلّ شخص حتى لأفسق الفسقة بل المراد به الاجتناب عنها أبداً... وهذا ممّا لا سبيل لنا إلى إحرازه، ومن المحتمل أن يرتكب فاعل الصغيرة الكبيرة أيضاً بعد ذلك، ومعه لا عفو عن الصغيرة، إذن يكون الصغائر كالكبائر مانعة عن العدالة.

لا يقال: إنّ استصحاب عدم ارتكابه الكبائر طيلة حياته هو المحقّق لشرط العفو عن الصغائر وهو المثبت لعدالته.

فإنّه يقال: إنّ استصحاب عدم الارتكاب إنّما يفيد في إحراز عدم ارتكابه المحرّمات وأمّا الواجبات إذا شككنا - مثلاً - أنّه يخمّس أو لا يخمّس أو يصلّي أو يحجّ أو غير ذلك من الواجبات، فاستصحاب العدم ينتج العكس لاقتضائه عدم الاتيان بالواجبات إذاً لا سبيل لنا إلى إحراز أنّ الرجل لا يرتكب الكبائر، ومع عدم إحرازه لا يمكن التمسك بالعموم لأنّه من الشبهات المصداقية حينئذ (1).

ولكن يمكن الإجابة عن ذلك:

أمّا ما قرره (قدس سره) ففيه:

أوّلاً: أنّ ارتكاب مطلق المعصية انحراف عن جادة الشرع تام لو أخذمفهوم العدالة بالدقة العقلية فإنّ ارتكاب أقلّ المعاصي خروج عن وظيفة العبودية وانحراف عن جادة الشرع، وأمّا إذا أخذت العدالة بمفهومها العرفي فربما لا يرى

ص: 181


1- التنقيح في شرح العروة - الإجتهاد والتقليد - : 1 : 229

العرف أنّ الخطأ أو الذنب الصغير انحراف ومخالفة للاستقامة على جادة الشرع، بل يراه مع ذلك بدون الإصرار باقياً على الجادة وطريق الشرع فلا يتحقق - بنظر العرف - الانحراف.

ولكن قد يرد على هذا، بأنّ الفهم وإن كان ثابتاً إذ العرف قد لا يرى أنّ بعض الأمور مخلّة بالعدالة والاستقامة، إلاّ أنّ هذا يرجع إلى الفهم في التطبيق والمصداق فلا يكون حجة.

وثانياً: إنّ العدالة المفسرة بالاستقامة والاعتدال في جادة الشرع إنّما هي بمعنى كون العبد في طريق الوصول إلى الجنّة وتحصيل رضوان اللَّه سبحانه وتعالى وهذا المعنى هو الغاية والمقصود من الطريق والكون على الجادة الشرعية دون الفسق الّذي هو انحراف عن الطريق ولا يوصل سالكه إلى الغاية وهي رضا اللَّه تعالى.

والذنوب الّتي توجب الانحراف عن الجادة وبالتالي عدم الوصول إلى الغاية هي الكبائر إذا لم تعقب بالتوبة، وأمّا الصغائر المعبر عنها في الآية الشريفة باللّمم الّتي تمحى بلطف اللَّه تعالى وتفضله أو باجتناب الكبائر أو بسائر الأعمال فلا توجب الانحراف وعدم الوصول، ولذلك لايعد فعلها فسقاً وخروجاً عن جادة الشرع وانحرافاً عن الطريق.

وبالجملة فإن كان النظر إلى الطريق بنفسه من دون ملاحظة الغاية والمنتهى فالانحراف صادق بالدقة العقلية وإن كان النظر إليه مع ملاحظة الغاية فلا يصدق الانحراف على ارتكاب الصغيرة لأنّ العبد يصل إلى الغاية واقعاً ومن المعلوم أنّ النظر إلى الطريق باللحاظ الثاني دون الأوّل.

وبذلك يتبين أنّ نفس مفهوم العدالة لا يقتضي أنّ ارتكاب الصغيرة قادح

ص: 182

فيها.

وأمّا ما ذكره (قدس سره) من أنّ ذيل رواية ابن أبي يعفور تدل على أنّ مرتكب الصغيرة غير ساتر لعيوبه.

ففيه أنّ الظاهر من الستر هنا بمعنى عدم الاظهار والإعلان، أي التجاهر بارتكاب المعاصي بخلاف معنى الستر في صدر الرواية فإنّه بمعنى الحياء كما تقدّم بيانه مفصلاً.

وعلى فرض الاتحاد في معنى الستر فمن المحتمل أن يكون المراد بالعيوب في ذيل الرواية هي العيوب المذكورة في صدرها.

ومع هذا الاحتمال فلا يمكن الاستدلال بها على المدعى.

وأمّا ما ناقش به أوّلاً، فالجواب عنه بما ذكره المحقّق الاصفهاني(قدس سره) من أنّ الظاهر أنّ الضائر بالعدالة المعصية بما لها من البعد الحاصل بها عن المولى، وإلاّ فلو كان بلحاظ نفس صدورها فالشي ء لا ينقلب عمّا وقع عليه، فلا يعود الارتكاب اجتناباً ولا ينفعه الندم ولا يجديه العزم على العدم، فكيف تعود العدالة بالتوبة مع أنّ الملكة على حالها قبل المعصية وبعدها، والكبيرة وقعت والعدالة ارتفعت، فلا الملكة زالت لتعود ولا العدم ينقلب هنا إلى الوجود، بخلاف ما إذا كان زوال العدالة بالمعصية بلحاظ البعد الحاصل بها عن المولى، فإنّ التوبة عن الكبيرة توجب القرب بعد البعد (1).

وكذلك في المقام فإنّ اجتناب الكبائر يمنع عن تحقق البعد الّذييقتضيه فعل الصغائر، فكما أنّ التوبة توجب عدم الخروج عن العدالة فكذلك اجتناب

ص: 183


1- بحوث في الأصول - الاجتهاد والتقليد - : 96

الكبائر فإنّه يوجب ذلك بلا فرق بينهما، فكلّ عفو من اللَّه سبحانه وتعالى إذا تحقق وعلم به فهو موجب لبقاء العدالة وعدم زوالها فيكون بين العفو والتكفير وبين عدم الفسق ملازمة قهرية.

ومن ذلك يظهر ما في المثال العرفي وما ذكرناه من المؤيد من تكفير الحسنات للسيئات وإن كانت من الكبائر، لأنّه إذا علم وأحرز التكفير بالحسنات وأنّ الخطيئة قد محيت فلا يبقى فسق ولا يكون العبد بعيداً عن اللَّه تعالى.

نعم في تشخيص ذلك وإحراز أيّ الذنوب عفي عنه وأيّ الحسنات أذهبت السيئات خفاء. وقد ورد في جملة من الروايات أنّ صلاة الليل تذهب ما يجترحه العبد من السيئات في النهار.

وأمّا ما أجاب به ثانياً من عدم إمكان إحراز الاجتناب عن الكبائر ففيه:

أوّلاً: إنّ ما ورد في الكتاب العزيز من قوله تعالى: »إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم« (1) وإن لم يعيّن فيها ظرف الاجتناب وهل هو طيلة الحياة أو آناً ما، ولم نظفر بشي ء من ذلك في الروايات كما ورد في التوبة من أنّه إذا قارف العبد المعصية أجّل إلى سبع ساعات فإن تاب لم تسجل عليه، ولكن لايبعد - واللَّه العالم - أنّ المراد بالاجتناب في مدة بحيث يصدق معها عرفاً أنّه مجتنب عن الكبائر كما في سائر الموارد الّتي يرجع في مفاهيمها إلى العرف.

ومن المعلوم أنّ الاجتناب وهو كف النفس أمر وجودي لا عدمي حتى لا يصدق إلاّ بالترك دائماً فإذا صدق عليه أنّه مجتنب عن الكبائر حكم بعدالته.

وممّا يؤكد ذلك ما ورد في صدر الرواية من جعل الاجتناب عن الكبائر

ص: 184


1- سورة النساء، الآية 31

معرّفاً للعدالة بلا فرق بين كون التعريف حقيقياً أو أصولياً كما تقدّم الكلام حول ذلك مفصلاً.

ولو كان المعتبر هو الاجتناب طيلة الحياة لما صحّ جعله معرّفاً للعدالة، وهل هو إلاّ إحالة على أمر صعب وغير مجد أصلاً.

فالظاهر أنّ الاعتبار بالاجتناب هو بالصدق العرفي، وإحراذ ذلك ليس مشكلاً فضلاً عن كونه لغواً.

وثانياً: على فرض التسليم فيمكن إحرازه بضم الوجدان الفعلي إلى ظاهر حال المسلم إذ مع إحراز اجتنابه فعلاً وأنّ ظاهر حاله الاستمرار على ذلك وعدم ارتكابه الكبيرة فيما بعد يتم المطلوب.

وبعبارة أخرى: إنّ المقتضي للاجتناب مع عدم المانع فعلاً محرز فإذا شكّ فيما بعد في وجود المانع يستصحب عدمه وبذلك يحرز أنّه مجتنب عن الكبائر.

الإشكال على الوجه الثاني:

وأورد (قدس سره) على الثاني: بأنّ الاستدلال بالرواية إنّما يتم فيما لو حملنا فيها المعرّف على المعرّف المنطقي وقلنا إنّ حقيقة العدالة وماهيتها هو اجتناب الكبائر، فإنّ الاجتناب عن الصغائر أيضاً لو كان مقوّماً للعدالة لميكن للحصر باجتناب الكبائر وجه، إلاّ أنّا ذكرنا أنّ المعرّف أُصولي لغوي فالاجتناب عن الكبائر والمعروفية بالفقه والستر وغير ذلك ممّا ورد في الرواية دوال وكواشف عن العدالة، وعليه فلا مانع من أن يكون الاجتناب عن الكبائر معرّفاً وكاشفاً عن العدالة ويكون الاجتناب عن الصغائر أيضاً معتبراً في العدالة. وذلك لأنّ المعرّف إنّما يعتبر عند الشك والتردد، وإلاّ فمع العلم - مثلاً - بأنّ الرجل يشرب الخمر

ص: 185

- خفاءً - أو أنّه كافر باللَّه حقيقةً - وإنّما غشّ المسلمين بإظهاره الإسلام عندهم، لا معنى لجعل حسن الظاهر والمعروفية بما ورد في الرواية معرّفاً وكاشفاً عن العدالة، فعلى ذلك إذا علمنا أنّه يرتكب الصغائر جزمنا بفسقه وانحرافه عن جادة الشرع ولم يترتب أثر على المعرّف بوجه. وإذا لم نعلم بارتكابه لها وشككنا في عدالته وفسقه، كانت المعروفية بالستر والعفاف واجتنابه الكبائر معرّفين وكاشفين عن عدالته.

هذا. على أنّ الرواية قد ورد في ذيلها: »والدلالة على ذلك كلّه أن يكون ساتراً لجميع عيوبه«، ومعنى ذلك أنّ الستر لجميع العيوب معتبر في استكشاف العدالة. ومن البديهي أنّ النظر إلى الأجنبية ولاسيما في مجامع الناس من العيوب، وكيف لا فإنّه معصية للَّه وإن لم يتوعد عليه بالنار في الكتاب، فإذا لم يكن ساتراً لعيبه لم تشمله الرواية في نفسها.

وعلى الجملة الرواية بنفسها تدلنا على أنّ الاجتناب عن الصغائر معتبر في العدالة... (1)

وفيه: أنّ قسماً من كلامه (قدس سره) تام، وقسماً آخر غير تام، وذلك أنّ ما ذكره أوّلاً من أنّ المعرّف إذا كان حقيقياً فالدلالة تامة دون ما إذا كانأصولياً متين، فإنّ من المعلوم أنّه إذا كان التعريف لحقيقة العدالة وأنّها عبارة عن اجتناب الكبائر فالمستفاد من ذلك عدم دخالة غيره في حقيقتها لا محالة وليس للاجتناب عن الصغائر دخل في العدالة، وأمّا إذا كان المعرّف أصولياً بمعنى كونه علامة وكاشفاً عن العدالة فلا يدل ذلك على حقيقة العدالة فمن المحتمل أن يكون اجتناب الصغائر أو شي ء آخر معتبراً في العدالة ويكون الاجتناب عن الكبائر كاشفاً ودالاً

ص: 186


1- التنقيح في شرح العروة - الاجتهاد والتقليد - : 1 : 228

على العدالة كما أنّه يحتمل عدم دخل شي ء آخر فيها وهذا واضح.

ولكن يبقى هنا سؤال وهو أنّه إذا كان الاجتناب عن مطلق الذنوب شرطاً في العدالة فما هو الوجه في جعل الاجتناب عن خصوص الكبائر دالاً وأمارة ولم يجعل الاجتناب عن الصغائر أو الاجتناب عن مطلق المعصية كذلك مع أنّ الثاني أسهل تشخيصاً من الأوّل.

وقد يقال - كما قيل - : إنّ الاجتناب عن الكبائر ملازم للاجتناب المطلق حيث إنّ المعاصي الكبيرة مقرونة بالدواعي النفسانية والقوى الحيوانية دون الصغائر فمن كانت درجة إيمانه بحد توجب تركه جميع الكبائر فلا محالة أنّه يترك الصغائر الّتي يكفي في تركها أوّل درجة من الإيمان.

ولكن هذا غير تام فإنّ ملاحظة الخوف من العقوبة ربما توجب عكس ذلك فإنّ من خاف من عقوبة قليلة حاصلة من ارتكاب الصغيرة فهو يخاف من العقوبة الشديدة المترتبة على المعصية بطريق أولى.

وعلى ذلك يحسن أن يجعل الاجتناب عن الصغائر دالاً على

الاجتناب عن الكبائر وهذا ممّا يقوي ويؤيد أنّ جعل اجتناب الكبيرة دالاً وكاشفاً عن العدالة مشعراً بأنّ الاجتناب عن الصغيرة ليس له دخل في العدالة وإلاّ فالأولى أن يجعله دالاً ومعرفاً، ولكنّه مع ذلك لا يمكن الركون إلى ذلك ولعلّ هناكحكمة في جعل اجتناب الكبيرة دالاً على العدالة دون اجتناب الصغيرة. واللَّه العالم.

والحاصل: أنّه بناء على ما ذكرنا فلا يمكن الاستدلال بهذه الجملة من الطرفين.

وأمّا ما ذكره حول ذيل الرواية حيث جعل ارتكاب الصغيرة عيباً مخلاً بالعدالة ولابدّ أن يكون ساتراً لجميع عيوبه، فقد تقدّم الجواب عنه وسيأتي ما

ص: 187

يناسب المقام إن شاء اللَّه تعالى.

الإشكال على الوجه الثالث:

وأورد (قدس سره) على الثالث بما حاصله: إنّ الأنظار العرفية إنّما تتبع في مفاهيم الألفاظ سعة وضيقاً كلفظ الماء والتراب والذهب وأمثال ذلك، ولذلك نرتب آثار الذهب على ما هو ذهب وغيره وكذلك الماء لأنّ مفهوم الماء والذهب عند إطلاقهما عندهم أعم من الخالص والخليط بغيرهما بمقدار يسير.

وأمّا تطبيق المفاهيم العرفية على مصاديقها ومواردها فلم يقم فيه أيّ دليل على اعتبار النظر العرفي وفهمه، ولذلك لا يعتنى بتسامحاتهم في المفاهيم المحددة كثمانية فراسخ في السفر الموضوع لوجوب القصر في الصلاة، وسبعة وعشرين شبراً في الكر ونحوهما، حيث يعتبر في القصر

أن لا تكون المسافة أقلّ من ثمانية فراسخ ولو بمقدار يسير لا يضر في إطلاق الثمانية لدى العرف، وكذا يعتبر في الكر أن لا يكون أقلّ من سبعة وعشرين شبراً ولو بإصبع وهكذا.

وفي المقام حيث إنّ مفهوم العدالة أمر غير خفي فلا مناص من أنينطبق ذلك على مصاديقه انطباقاً حقيقياً عقلياً ولا يكفي فيه التطبيق المسامحي العرفي بوجه.

وحينئذ إذا كان ارتكاب الصغيرة عن غفلة فلا كلام في أنّ ارتكابها غير مضر للعدالة، وأمّا إذا كان عن عذر عرفي فإن بلغ ذلك مرتبة يراه الشارع أيضاً عذراً في الارتكاب كما إذا بلغ مرتبة العسر والحرج فأيضاً لا يضر بالعدالة ولا يوجب الفسق بلا فرق في ذلك بين الصغيرة والكبيرة.

وأمّا إذا لم يبلغ العذر العرفي مرتبة يراه الشارع معذّراً فلا مناص من الحكم

ص: 188

بحرمة ارتكابه وعصيانه واستلزامه الفسق والانحراف وعدّ العرف ذلك معذّراً وتسامحهم في عدّ ارتكابه معصية لا يترتب عليها أثر شرعي أبداً (1).

ولا يخفى أنّ ما ذكره (قدس سره) بالنسبة إلى أصل التفصيل متين، وأمّا بالنسبة إلى أصل الدعوى وأنّ ارتكاب الصغيرة موجب للفسق أو لا، فقد تقدّم الكلام فيه.

هذا وقد يستدل على قادحية ارتكاب الصغيرة في العدالة مضافاً إلى ما ذكره (قدس سره) بعدّة روايات:

منها: ما رواه علقمة عن الصادق (علیه السلام) من قوله (علیه السلام): فمن لم تره بعينك يرتكب ذنباً ... (2) .

ومنها: رواية العلاء بن سيّابة قال: سألت أبا عبد اللَّه (علیه السلام) عن شهادةمن يلعب بالحمام؟ قال: لا بأس إذا كان لا يُعرف بفسق ... الحديث (3).

ومنها: رواية عبد اللَّه بن أحمد بن عامر الطائي، عن أبيه، عن الرّضا عن آبائه، عن علي(علیه السلام) قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: من عامل الناس فلم يظلمهم ، وحدّثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممّن كملت مروءته وظهرت عدالته، ووجبت اخوّته وحرمت غيبته (4).

وبما ورد في قبول شهادة النساء: كما في رواية عبد الكريم بن أبي يعفور، عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: تقبل شهادة المرأة والنسوة إذا كنّ مستورات من أهل البيوتات، معروفات بالستر والعفاف، مطيعات للأزواج، تاركات

ص: 189


1- التنقيح في شرح العروة - الاجتهاد والتقليد - : 1 : 232
2- الوسائل: 12 : 285 ، الباب 152 من أبواب أحكام العشرة، ح 20
3- الوسائل: 27 : 394 ، الباب 41 من كتاب الشهادات، ح 6
4- الوسائل: 27 : 396 ، الباب 41 من كتاب الشهادات، ح 15

للبذاء والتبرّج إلى الرجال في أنديتهم (1).

وغيرها من الروايات فإنّه يقال بأنّ المستفاد منها أنّ مطلق الذنوب توجب الفسق وإن كانت من الصغائر.

ولكن هذه الروايات كلّها مخدوشة إمّا سنداً وإمّا دلالة، فلا يمكن الاعتماد عليها. بل قد تقدّم في معتبرة عمر بن يزيد صحة الائتمام بمن يسمع أبويه الكلام الغليظ الّذي يغيظهما فإنّه قال (علیه السلام): «لا تقرأ خلفه» (2) .

وذلك يدل على أنّ ارتكاب الصغيرة لا يضر بالعدالة.

وعليه فالأقوى هو قول المشهور وأنّ ارتكاب الصغيرة ما لم يكن ظاهراًأو بالغاً حدّ الإصرار لا يقدح في العدالة.

ص: 190


1- الوسائل: 27 : 398 ، الباب 41 من كتاب الشهادات، ح 20
2- الوسائل: 8 : 313 ، الباب 11 من أبواب صلاة الجماعة، ح 1

الأمر الرابع: اعتبار المروّة في العدالة

اشارة

بمعنى أنّه هل أنّ ارتكاب خلاف المروّة قادح في العدالة أو لا؟

فقد اختلفت فيه أقوال العلماء، فنسب إلى المشهور اعتبارها - كما في الجواهر - بل نقل عن الماحوزي الاجماع عليه (1)، وهو المشهور بين من تأخر عن العلّامةرحمه الله ويلوح من الشيخ في المبسوط ذلك، وهو الظاهر من ابن الجنيد في قبول الشهادة وعن ابن حمزة في موضع من الوسيلة (2).

وذهب جماعة من الأعاظم إلى عدم الاعتبار، وذكر الشيخ في رسالته أنّه الظاهر من المحقّق في الشرائع والنافع والعلّامة وولده في موضع من الإيضاح (3)

ص: 191


1- مفاتيح الشرائع: 1 : 20 ، بحار الأنوار: 85 : 30، جواهر الكلام: 13 : 301
2- رسالة في العدالة: 17، وفي ذخيرة المعاد نسبه إلى المتأخرين: 303، وحكاه في كنز العرفان عن الفقهاء: 2 : 531. وممن صرّح باعتبار المروّة: المبسوط: 8 : 217 ، الوسيلة: 261 ، السرائر: 2 : 117 ، مختلف الشيعة: 8 : 501 ، تحرير الأحكام: 5 : 246 ، القواعد: 3 : 494 ، الدروس: 2 : 125 ، ذكرى الشيعة: 4 : 101 ، جامع المقاصد: 2 : 372
3- رسالة في العدالة: 18 ، شرائع الإسلام: 4 : 127 ، المختصر النافع: 2 : 287 ، وكذلك المفيد في المقنعة: 725 ، والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان: 2 : 352 ، وهو مختار صاحب الذخيرة: 305 ، والعلّامة المجلسي في البحار: 85 : 30

وإليه ذهب جمع من المتأخرين منهم صاحب الجواهر (1)،وشيخنا الأنصاري (2) وصاحب الحدائق (3) والسيّد الأستاذ (4).

والمروءة في اللغة (5) بمعنى الإنسانية والكمال فيها، فإنّ أصلها من المرء الّذي يطلق على الذكر والأنثى فهي بمعنى مطلق الإنسانية، والمراد بالإنسانية الاعتدال في القوى الشهوية والغضبية، فإنّ الإنسان إذا وافق قوته البهيمية كان كالبهائم، وإذا وافق القوة الغضبية كان كالسبع، ولكن إذا اعتدل في القوة الشهوية بالعفة، وفي القوة الغضبية بالشجاعة، فهو إنسان من حيث العدالة الأخلاقية.

وأمّا في الاصطلاح فقد فسروها باتباع محاسن العادات واجتناب مساويها وما تنفر عنه النفس من المباحات ويؤذن بدناءة النفس وخستها، كالأكل في الأسواق والمجامع، والبول في الشوارع وقت سلوك الناس، وكشف الرأس في المجامع، وتقبيل الزوجة أو الأمة في المحاضر، ولبس

الفقيه لباس الجندي والمضايقة في اليسير الّذي لا يناسب حاله ونقل الماء والأطعمة بنفسه ممّن ليس أهلاً لذلك إذا كان عن شح وضنه وخروج أحد الأعلام حافياًإلى الأسواق أو جلوسه في الطرقات وغير ذلك (6).

هذا، ولكن هذه الأمور قد تختلف باختلاف الأماكن والبلدان والأعصار

ص: 192


1- جواهر الكلام: 13 : 304
2- رسالة في العدالة: 19
3- الحدائق الناضرة: 10 : 16
4- التنقيح في شرح العروة - الاجتهاد والتقليد - : 1 : 233
5- راجع لسان العرب: 1 : 154 ، مادة مرأ، وتاج العروس: 1 : 247 ، مادة مرأ، وبحوث في علم الأصول - الاجتهاد والتقليد - : 89
6- أنظر الدروس: 2 : 125 ، مسالك الأفهام: 14 : 169 ، ذخيرة المعاد: 305

والعادات، فقد يكون الخروج بدون عمامة لأهل العلم عيباً في بلد دون بلد آخر، فمع ارتكاب ما يعد عيباً في ذلك البلد بناء على اعتبارها لابد من الحكم بزوال العدالة وإن لم يتصف الفاعل بالفسق، لأنّه لم يرتكب شيئاً من المحرّمات فهناك واسطة بين العدالة والفسق ولكن لا تترتب عليه آثار العدالة كما لا تترتب عليه آثار الفسق وبذلك يتبين أنّ بين المعنى اللغوي والاصطلاحي للمروّة فرقاً في الجملة.

وكيف كان فقد استدل للمشهور بوجوه:

الأوّل: ما ذكره الشيخ في رسالته (1) من أنّ ما ورد في صدر صحيحة ابن أبي يعفور من قوله (علیه السلام): «أن تعرفوه بالستر والعفاف وكف البطن واليد واللسان» (2) .

فإنّ المراد بالستر هو الحياء، وبالعفة الكف عمّا لا يجمل ولا يليق. فإذا كان الإنسان على هذه الحالة يتعسر صدور ما لا ينبغي أن يصدر من مثله بحسب المتعارف، وذلك يدل على اعتبار المروّة في العدالة.

الثاني: بما ورد في نفس المعتبرة المذكورة - كما ذكره الشيخ أيضاً - من قوله (علیه السلام): »والدالّ على ذلك كلّه أن يكون ساتراً لجميع عيوبه حتى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه وتفتيش ما وراء ذلك«.

فإنّ جميع العيوب عام شامل لما هو عيب شرعاً، أو عيب عرفاً، فإذا ارتكب المكلف العيب العرفي فلا يصدق عليه أنّه ساتر لجميع عيوبه ولا يمكن الحكم بعدالته.

ص: 193


1- رسالة في العدالة: 20
2- الوسائل: 27 : 391 ، الباب 41 من كتاب الشهادات ، ح 1

الثالث: بما ورد في الجواهر (1) من الاستدلال بجملة من الروايات الدالة على اعتبار المروّة:

منها: قول الكاظم (علیه السلام) في حديث هشام: لا دين لمن لا مروّة له ، ولا مروّة لمن لا عقل له (2).

ومنها: خبر سماعة بن مهران، عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) قال: من عامل الناس فلم يظلمهم وحدّثهم فلم يكذبهم وواعدهم فلم يخلفهم كان ممّن حرمت غيبته، وكملت مروّته، وظهر عدله، ووجبت أخوّته (3)، وغيرهما فإنّها تدل بمفهومها على أنّ من لا مروّة له فلا ثقة بقوله فلا عدالة له.

الرابع: أنّ من لم يخجل من الناس ولم يستح من غير اللَّه سبحانه وتعالى بأن لم يبال بالنقائص العرفية لم يخجل ولم يستح من اللَّه تعالى، وذلك لعدم مبالاته بتلك الأمور وذلك يكشف عن أنّه ممّن لا حياء له، وأنّ عدالته ساقطة.

وقد نوقش في جميع هذه الوجوه، والمهم منها الوجهان الأوّلان وقد ذكرهما الشيخ في رسالته وأشكل عليهما:

الإشكال على الوجه الأوّل:

وحاصله: أنّ المتبادر من الحياء والعفة هو ما كان في مقام العبودية من إتيان الواجبات وترك المحرمات بمعنى الاتصاف بالحياء والعفة عن النقائص الشرعية دون العرفية، فإنّ الظاهر أنّ نظر الشارع إلى العيوب الشرعية دون غيرها.

ص: 194


1- جواهر الكلام: 13 : 302
2- أصول الكافي: 1 : 60 ، كتاب العقل والجهل، ح 12
3- الوسائل: 8 : 315 ، الباب 11 من أبواب صلاة الجماعة، ح 9

ومن ذلك تظهر المناقشة في الوجه الثاني: فإنّ قوله (علیه السلام): »وأن يكون ساتراً لجميع عيوبه « وإن كان مطلقاً أي سواء كان العيب شرعياً أو عرفياً، إلاّ أنّ المتبادر من العيوب في الرواية هي العيوب الشرعية الّتي ذكرت في الفقرة السابقة (1).

مضافاً إلى أنّه لو كان المراد مطلق العيوب والنقائص من الكبائر والصغائر والمكروهات المنافية للمروّة لزم تخصيص الأكثر إذ الكبائر ومنافيات المروّة في جنب غيرهما ممّا لا يعتبر في العدالة تركها ولا في طريقها سترها كالقطرة في جنب البحر فلابدّ من حمله على المعهود المتقدم في الفقرات السابقة.

وممّا يؤكد ذلك ما ورد في نفس الرواية حيث قال (علیه السلام): »فإذا سئل عنه في قبيلته ومحلته قالوا: ما رأينا منه إلاّ خيراً مواظباً على الصلوات

متعاهداً لأوقاتها في مصلاه فإنّ ذلك يجيز شهادته وعدالته بين المسلمين وذلك أنّ الصلاة ستر وكفارة للذنوب...« الحديث، فإنّه قرينة على بيان المراد من المعرّف الأوّل وهو الستر والعفاف، ومن الثالث وهو الستر لجميع العيوب،وذلك لأنّ قولهم في حق الشخص ما رأينا منه إلاّ خيراً مع تعاهده للصلاة وهي ساترة للعيوب وناهية عن الفحشاء والمنكر بمنزلة التفسير للفقرات المتقدمة في الرواية.

فالظاهر أنّ المراد بجميع العيوب هي العيوب الشرعية دون غيرها.

نعم قد يستفاد من هذه الفقرة - الثالثة - أنّ كلّ ما يكون نقصاً شرعاً، سواء كان من ارتكاب المحرّمات من الكبائر أو الصغائر أو ترك الواجبات إذا كان ذلك معلناً وظاهراً غير مستور موجب لسقوط العدالة.

ص: 195


1- أنظر، رسالة في العدالة: 21

وأمّا اختصاصها بالكبائر المتقدّمة - كما ربما يظهر من كلام شيخنا الأنصاري - مع التصريح بأنّه ساتر لجميع عيوبه ممّا لا وجه له.

فالفرق بين الكبائر والصغائر أنّ الكبائر قادحة في العدالة مطلقاً، دون الصغائر فإنّها لا تقدح في العدالة إلاّ مع الاظهار والإبراز.

وأمّا منافيات المروّة فإنّها إن لم ترجع إلى أحد المحرّمات كهتك عرض نفسه مثلاً فلا تدخل في هذه الفقرة وإن أصرّ بعض الأساطين كالسيّد البروجردي (قدس سره) على ذلك.

الإشكال على الوجه الثالث:

فهو أنّ الظاهر من المروّة المذكورة في الروايات هو المعنى الأوّل أي اللغوي فإنّه قد وردت بهذا المعنى في عدة من الروايات:

منها: ما رواه الكليني باسناده عن جويرية بن مسهر قال: اشتددت خلف أمير المؤمنين (علیه السلام) فقال لي: يا جويرية إنّه لم يهلك هؤلاء الحمقى إلاّ بخفق النعال خلفهم ما جاء بك؟ قلت: جئت أسألك عن ثلاث: عن الشرفوعن المروءة وعن العقل، فقال: أمّا الشرف فمن شرفه السلطان شرف، وأمّا المروءة فإصلاح المعيشة، وأمّا العقل فمن اتقى اللَّه عقل (1).

ومنها: ما رواه الصدوق قال: تذاكر الناس عند الصادق (علیه السلام) أمر الفتوة فقال: تظنّون أنّ الفتوّة بالفسق والفجور إنّما الفتوة والمروءة طعام موضوع، ونائل مبذول بشي ء معروف، وأذى مكفوف، وأمّا تلك فشطّارة وفسق، ثمّ

ص: 196


1- الروضة من الكافي: 8 : 164 ، ح 331

قال: ما المروة؟ فقال الناس: لا نعلم، قال: المروءة واللَّه أن يضع الرجل خوانه بفناء داره، والمروءة مروءتان: مروة في الحضر، ومروة في السفر، فأمّا الّتي في الحضر فتلاوة القرآن، ولزوم المساجد، والمشي مع الإخوان في الحوائج، والنعمة ترى على الخادم أنّها تسرّ الصديق، وتكبت العدوّ، وأمّا الّتي في السفر، فكثرة الزاد وطيبه وبذله لمن كان معك، وكتمانك على القوم أمرهم بعد مفارقتك إيّاهم وكثرة المزاح في غير ما يسخط اللَّه عزّوجلّ، ثمّ قال (علیه السلام): والّذي بعث جدّي صلى الله عليه وآله بالحق نبياً، إنّ اللَّه عزّوجلّ ليرزق العبد على قدر المروءة، وإنّ المعونة تنزل على قدر المؤونة، وإنّ الصبر ينزل على قدر شدّة البلاء (1).

وقد وردت هذه الرواية بعدّة طرق وبعضها معتبر.

ومنها: رواية الهيثم بن عبد اللَّه النهدي، عن أبيه، عن أبي عبد

اللَّه(علیه السلام) قال: المروءة مروءتان: مروءة في السفر ، ومروءة في الحضر، فأمّا مروءة الحضر، فتلاوة القرآن، وحضور المساجد، وصحبة أهل الخير، والنظر في الفقه، وأمّا مروءة السفر، فبذل الزاد، والمزاح في غير ما يسخط اللَّه عزّوجلّ،وقلّة الخلاف على من صحبك، وترك الرواية عليهم إذ أنت فارقتهم (2).

ومنها: ما ورد في الصحيح عن حمّاد بن عيسى، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (علیه السلام) لمحمّد بن الحنفية: واعلم أنّ مروءة المرء المسلم مروءتان : مروءة في حضر، ومروءة في سفر، فأمّا مروءة الحضر، فقراءة القرآن، ومجالسة العلماء، والنظر في الفقه، والمحافظة على

ص: 197


1- الوسائل: 11 : 432 ، الباب 49 من أبواب آداب السفر، ح 1
2- الوسائل: 11 : 436 ، الباب 49 من أبواب آداب السفر، ح 12

الصلوات في الجماعات، وأمّا مروءة السفر، فبذل الزاد، وقلّة الخلاف على من صحبك، وكثرة ذكر اللَّه في كلّ مصعد ومهبط ونزول وقيام وقعود (1).

وغيرها من الروايات.

والمستفاد منها أنّ المراد بالمروّة هو معناها الأخلاقي لا الاصطلاحي فكذلك ما نحن فيه.

الإشكال على الوجه الرابع:

وحاصله أنّ عدم مبالاة الإنسان بالأمور الدارجة لدى الناس وعدم استحيائه وخجله عن غير اللَّه لا كاشفية له عن عدم استحيائه من اللَّه سبحانه وتعالى، لأنّه قد يكون ذلك مستنداً إلى كونه متفانياً في اللَّه تعالى وفي الأمور الأخروية ومتمحضاً فيما يرجع إلى النشأة الثانية، ولأجله لا يعتني بغير اللَّه جلّت عظمته ولا تهمه الأمور الدنيوية ولا يبالي بما هو ممدوح أو مذموم لدى الناس.ومعه كيف يكون عدم مبالاته بالأمور المتعارفة والدنيوية كاشفاً عن عدم خجله واستحيائه من اللَّه سبحانه، فإذن لا تلازم بين الأمرين.

والحاصل: أنّ ارتكاب ما ينافي المروّة غير قادح في العدالة.

هذا تمام الكلام في المقام الثاني والحمد للَّه ربّ العالمين.

ص: 198


1- الوسائل: 11 : 437 ، الباب 49 من أبواب آداب السفر، ح 15

المقام الثالث:

اشارة

التوبة وأحكامها

وفيه:

* حقيقة التوبة.

* المراتب السبعة للتوبة.

* الحكم التكليفي للتوبة.

* بيان الأقسام الخمسة للتوبة.

* الحكم الوضعي للتوبة.

* التحقيق في رجوع العدالة بمجرد التوبة وعدمه.

ص: 199

ص: 200

التوبة وأحكامها

ويقع الكلام فيها في جهات:

الأولى: في بيان حقيقتها.

الثانية: في حكمها التكليفي.

الثالثة: في حكمها الوضعي.

ص: 201

الجهة الأولى: بيان حقيقة التوبة

اشارة

التوبة في اللغة (1) بمعنى الرجوع عن الشي ء والاقلاع عنه وتضاف إلى اللَّه تعالى وإلى العبد فيقال: تاب اللَّه على فلان، ومنه قوله تعالى: «لقد تاب اللَّه على النبي والمهاجرين والأنصار» (2) ومن أسمائه تعالى التواب، وهو من صيغ المبالغة.

ومعنى التوبة منه تعالى رجوعه باللطف والتوفيق والمغفرة والرحمة فله تعالى توبتان:

الأولى: رجوعه بالإعانة والتوفيق لعبده ليتوب إليه.

والثانية: رجوعه على العبد بالمغفرة والرّحمة والتطهير من دنس المعاصي والآثام.

ويشير إلى ذلك قوله تعالى: »ثمّ تاب عليهم ليتوبوا إنّ اللَّه هو التّوّاب الرّحيم« (3).

ص: 202


1- أنظر لسان العرب: 1 : 223 ، مادة توب، ومجمع البحرين: 2 : 231 ، مادة توب
2- سورة التوبة، الآية 117
3- سورة التوبة، الآية 118

وأمّا توبة العبد فهي رجوعه عن الذنب إلى الطاعة ومن البعد إلى القرب ومن الانحراف إلى الاستقامة والتوّاب من الناس الراجع إلى اللَّه تعالى من تاب من ذنبه يتوب توبة وتوباً أقلع منه.

مراتب التوبة:
اشارة

وقد ذكر لها مراتب سبع طولية يجمعها علم وحال وقول وعمل وهي:

المرتبة الأولى:

الرجوع عن الجهل والغرور إلى العلم والاقرار قلباً فإنّه ما لم يعلم العبد عظمة الرّب وقبح معصيته وشدة عقابه وما يترتب على ذلك من الانحطاط والبعد عن اللَّه تعالى فلا يتحقق له الرجوع، ويشير إلى ذلك، ما رواه معاذ الجوهري عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه(علیه السلام) عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، عن جبرئيل (علیه السلام) قال: قال اللَّه عزّوجلّ: من أذنب ذنباً صغيراً كان أو كبيراً وهو لا يعلم أنّ لي أن أعذبه أو أعفو عنه لا غفرت له ذلك الذنب أبداً، ومن أذنب ذنباً صغيراً كان أو كبيراً وهو يعلم أنّ لي أن أعذّبه أو أعفو عنه عفوت عنه (1).

وفي رواية أخرى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) قال: من أذنب ذنباً فعلم أنّ اللَّه مطّلع عليه إن شاء عذّبه وإن شاء غفر له، غفر له وإن لم يستغفر (2).

ص: 203


1- الوسائل: 16 : 60 ، الباب 82 من أبواب جهاد النفس، ح 6
2- الوسائل: 16 : 59 ، الباب 82 من أبواب جهاد النفس، ح 4

وفي رواية معاوية بن عمّار قال: سمعت أبا عبد اللَّه (علیه السلام) يقول: إنّه واللَّه ما خرج عبد من ذنب بإصرار ، وما خرج عبد من ذنب إلاّ بإقرار (1).

المرتبة الثانية:

الرجوع عن السرور بحب المعصية إلى بغضها وكراهتها.

وإلى ذلك يشير ما ورد في صحيحة محمّد بن أبي عمير من قوله (علیه السلام): ... يا أبا أحمد ما من مؤمن يذنب ذنباً إلاّ ساءه ذلك وندم عليه... وقال: من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن، فمن لم يندم على ذنب يرتكبه فليس بمؤمن... (2) .

المرتبة الثالثة:

الرجوع من الفرح بالظفر بالمعصية إلى الحزن والأسف على صدورها منه.

وإلى ذلك يشير ما ورد في الصحيحة المشار إليها من قوله (علیه السلام): «كفى بالندم توبة».

وروى هذه الجملة علي الجهضمي عن أبي جعفر (علیه السلام) (3) .

وروى أبان بن تغلب قال: سمعت أبا عبد اللَّه (علیه السلام) يقول: ما من عبد أذنب ذنباً فندم عليه ، إلاّ غفر اللَّه له قبل أن يستغفر... (4) .

ص: 204


1- الوسائل: 16 : 59 ، الباب 82 من أبواب جهاد النفس، ح 3
2- الوسائل: 15 : 335 ، الباب 47 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ح 11
3- الوسائل: 16 : 62 ، الباب 83 من أبواب جهاد النفس ، ح 6
4- الوسائل: 16 : 62 ، الباب 83 من أبواب جهاد النفس، ح 4

وقال الصدوق (قدس سره): من ألفاظ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: الندامة توبة (1).

المرتبة الرابعة:

الرجوع عن العزم على فعل المعصية إلى العزم على عدم العود إليها أبداً.

وإلى ذلك يشير ما روي أنّ التوبة النصوح هو أن يتوب الرجل من ذنب وينوي أن لا يعود إليه أبداً.

وما رواه كميل بن زياد، عن أمير المؤمنين (علیه السلام) أنّه قال:... تصديق القلب وإضمار أن لا يعود إلى الذنب الّذي استغفر منه (2).

المرتبة الخامسة:

الرجوع عن طلب المعصية إلى طلب مغفرة اللَّه وعفوه تعالى عنه طلباًقلبياً، ويعبر عن هذه الحالة بحقيقة الاستغفار والّتي ينبعث عنها الاستغفار باللسان. وإلى ذلك أشارت كثير من الآيات والروايات.

المرتبة السادسة:

الرجوع عن فعل المعصية إلى تركها ومن الانحراف إلى الاستقامة ومن العصيان إلى الطاعة.

وإلى ذلك يشير ما رواه جابر، عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: سمعته يقول:

ص: 205


1- الوسائل: 16 : 62 ، الباب 83 من أبواب جهاد النفس، ح 5
2- الوسائل: 16 : 78 ، الباب 87 من أبواب جهاد النفس، ح 5

التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، والمقيم على الذنب وهو مستغفر منه كالمستهزى ء (1).

فإنّ العزم على ترك المعصية والندم عليها لا يجتمعان مع فعلها.

المرتبة السابعة:

الرجوع عن التقصير بالتدارك وتلافي ما فات من الحقوق والواجبات المفروضة من صلاة أو صيام أو زكاة أو غيرها.

وإلى ذلك يشير ما رواه الشريف الرضي في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين (علیه السلام) أنّ قائلاً قال بحضرته: أستغفر اللَّه، فقال: ثكلتك أمك أتدري ما الاستغفار؟ الاستغفار درجة العلّيّين، وهو اسم واقع على ستّة معان - إلى أن قال - : والرابع أن تعمد إلى كلّ فريضة عليك ضيّعتها فتؤدّي حقّها (2).

وهذه المراتب السبع متلازمة غالباً فإنّ الجهل هو المنشأ والموجب لحب المعصية والسرور بها فإذا زال وعلم بشدة الخسران فذلك يوجب بغضها وكراهيتها ومع تحقق هذه الحالة يتبدل الفرح إلى حزن وأسف وندم، ثمّ الانتقال إلى حالة العزم والتصميم على عدم العود إلى المعصية أبداً، وذلك يوجب الاستغفار وطلب المغفرة من اللَّه تعالى قلباً ولساناً، ثمّ يتحقق على أثر ذلك الترك والتدارك لما فات.

وإنّما قلنا بأنّ الملازمة غالبية لأنّها قد تتخلف في بعض الحالات كما لا

ص: 206


1- الوسائل: 16 : 74 ، الباب 86 من أبواب جهاد النفس، ح 8
2- نهج البلاغة: 549 ، حكم أمير المؤمنين عليه السلام، 417

يخفى، فإنّ للعلم بالمعصية درجات فإن كان العبد عالماً بعظمة اللَّه تعالى واستولى حب اللَّه على قلبه فإنّه يوجب الملازمة كما ذكرنا، وأمّا إذا كان عالماً بشدة العقاب فقط من دون العلم بعظمة اللَّه تعالى فقد يترك المعصية خوفاً من النار لا بغضاً للمعصية وكراهية لها فلم تتحقق الملازمة بين المرتبتين الأولى والثانية. وهكذا في غيرهما.

ثمّ إنّ المهم في المقام هو أنّ التوبة المأمور بها في الآيات والروايات شاملة للمراتب الثلاث الأخيرة بلا إشكال، كما ورد في قوله تعالى: «واستغفروا ربّكم ثمّ توبوا إليه» (1).

وأمّا المراتب الأربع الأولى فهي وإن وصفت في بعض الروايات بأنّها توبة إلاّ أنّ وصفها بذلك إمّا لكونها أدنى مراتب التوبة، وإمّا لأنّها ملازمة للمراتب الثلاث الأخيرة غالباً كما ذكرنا. واللَّه العالم.

ص: 207


1- سورة هود، الآية 90

الجهة الثانية: حكم التوبة التكليفي

اشارة

لا إشكال في وجوبها، وقد استدل على ذلك بالأدلة الأربعة: الكتاب، والسنة، والإجماع، والعقل.

أوّلاً: الكتاب الكريم:

فقد ذكر أنّه ورد في القرآن ما يقرب من أربعمائة آية حول التوبة، والّذي يدل على الوجوب عدّة آيات:

منها: قوله تعالى: »وتوبوا إلى اللَّه جميعاً أيّها المؤمنون لعلّكم تفلحون« (1).

ودلالتها على الوجوب واضحة.

ومنها: قوله تعالى: «يا أيّها الّذين آمنوا توبوا إلى اللَّه توبة نصوحاً عسى ربّكم أن يكفّر عنكم سيّئاتكم ويدخلكم جنّات تجري من تحتها الأنهار» (2).

والتوبة النصوح هي الخالصة مع العزم على عدم العود، والآية الشريفة

ص: 208


1- سورة النور، الآية 31
2- سورة التحريم، الآية 8

كالسابقة في وضوح الدلالة.

ومنها: قوله تعالى: «هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثمّ توبوا إليه» (1).

ومنها: قوله تعالى: «واستغفروا ربّكم ثمّ توبوا إليه إنّ ربّي رحيم ودود» (2).

ومنها: قوله تعالى: «إنّ اللَّه يحبّ التوّابين ويحبّ المتطهّرين» (3).

والتوّاب الّذي يحبه اللَّه تعالى أعم من أن تكون توبته من جهة الكم أو من جهة الكيف وهكذا المتطهر.

ومنها: قوله تعالى: «قل يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللَّه إنّ اللَّه يغفر الذنوب جميعاً إنّه هو الغفور الرّحيم» (4).

وقد ذكر أنّ هذه الآية اشتملت على اثني عشر وجهاً كلّها تدل على الحث على التوبة والترغيب فيها.

وغيرها من الآيات الكثيرة الدالة على محبوبية التوبة وأنّها واجبة، ولا إشكال في ذلك.

نعم وقع الكلام في أنّ الأمر الوارد في هذه الآيات للارشاد، وسيأتي بيانه قريباً إن شاء اللَّه تعالى.

ص: 209


1- سورة هود، الآية 61
2- سورة هود، الآية 90
3- سورة البقرة، الآية 222
4- سورة الزمر، الآية 53
ثانياً: السنة الشريفة:

فقد جاء في بعض الجوامع الحديثية مائة واثنان وعشرون رواية كلّها تدل على الحث والترغيب في التوبة (1).

والّذي يدل على وجوب التوبة منها عدّة روايات:

منها: صحيحة معاوية بن وهب قال: سمعت أبا عبد اللَّه (علیه السلام) يقول: إذا تاب العبد توبة نصوحاً أحبّه اللَّه فستر عليه في الدنيا والآخرة، قلت: وكيف يستر عليه؟ قال: يُنسي ملكيه ما كتبا عليه من الذنوب، ويوحي إلى جوارحه أُكتمي عليه ذنوبه، ويوحي إلى بقاع الأرض أُكتمي ما كان يعمل عليك من الذنوب فيلقى اللَّه حين يلقاه وليس شي ء يشهد عليه بشي ء من الذنوب (2).

وقد يقال: إنّ الرواية إنّما تدل على حسن التوبة لا وجوبها.

ولكن الظاهر أنّها تدل على الوجوب، فإنّ اكتساب محبة اللَّه تعالى ولا سيما بهذه الكيفية ممّا يقتضي اللزوم، لا أنّه حسن فقط، فدلالتها على الوجوب تامة.

ومنها: صحيحة أبي بصير قال: سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن قول اللَّه عزّوجلّ »يا أيّها الّذين آمنوا توبوا إلى اللَّه توبة نصوحاً« (3) قال: »يتوب العبد من الذنب ثمّ لا يعود إليه « قال: فشق ذلك عليّ فلمّا رأى مشّقته عليّ قال: «إنّ اللَّه يحبّ من عباده المفتّن التوّاب» (4) .

ص: 210


1- جامع أحاديث الشيعة: 18 : 145 ، باب 77 وما بعده من أبواب جهاد النفس
2- الوسائل: 16 : 71 ، الباب 86 من أبواب جهاد النفس، ح 1
3- سورة التحريم، الآية 8
4- مستدرك الوسائل: 12 : 128 ، الباب 86 من كتاب الجهاد، ح 10

وسند الرواية معتبر فإنّها قد وردت في كتاب عاصم بن حميد الحناط، وقد ذكرنا في محلّه أنّ روايات هذا الكتاب معتبرة (1). وأمّا دلالتها فهي كالرواية السابقة.

ومنها: صحيحة محمّد بن مسلم قال: قال أبو جعفر (علیه السلام): إنّ من أحبّ عباد اللَّه إلى اللَّه المفتن المحسن التوّاب (2).

ولا إشكال في سند الرواية فإنّها واردة في كتاب الزهد للحسين بن سعيد، والطريق إليها صحيح. وأمّا دلالتها فهي أوضح حيث ورد فيها التعبير أنّ من أحب عباد اللَّه.

ومنها: صحيحة أبي عبيدة «الحذاء» قال: سمعت أبا جعفر(علیه السلام) يقول: إنّ اللَّه تبارك وتعالى أشدّ فرحاً بتوبة عبده من رجل أضلّ راحلته وزاده في ليلة ظلماء فوجدها، فاللَّه أشدّ فرحاً بتوبة عبده من ذلك الرجل براحلته حين وجدها (3).

وهي من حيث السند تامة. ومن جهة الدلالة واضحة لأنّه إذا كان اللَّه تعالى أشدّ فرحاً بتوبة عبده المؤمن ففيه دلالة على الوجوب.

ويؤيد الدلالة على الوجوب رواية ابن القدّاح، عن أبي عبد اللَّه(علیه السلام) قال: إنّ اللَّه عزّوجلّ يفرح بتوبة عبده المؤمن إذا تاب كما يفرح أحدكم بضالّته إذا وجدها (4).

ص: 211


1- أصول علم الرجال: 335
2- مستدرك الوسائل: 12 : 126 ، الباب 86 من كتاب الجهاد، ح 6
3- الوسائل: 16 : 73 ، الباب 86 من أبواب جهاد النفس، ح 6
4- الوسائل: 16 : 73 ، الباب 86 من أبواب جهاد النفس، ح 7

فإنّها كالرواية السابقة من حيث الدلالة، وأمّا من حيث السند ففي سندها سهل بن زياد، ولذلك جعلناها مؤيدة.

ويؤيده أيضاً، رواية ابن أبي عمير (1) عن بعض أصحابنا رفعه قال: إنّ اللَّه أعطى التائبين ثلاث خصال لو أعطى خصلة منها جميع أهل السماوات والأرض لنجوا بها، قوله عزّوجلّ: «إنّ اللَّه يحبّ التوّابين ويحبّ المتطهّرين» (2) فمن أحبّه اللَّه لم يعذّبه، وقوله: «الّذين يحملون العرش ومن حوله يسبّحون بحمد ربّهم ويستغفرون للّذين آمنوا ربّنا وسعت كلّ شي ء رحمة وعلماً فاغفر للّذين تابوا واتّبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم * ربّنا وأدخلهم جنّات عدن الّتي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرّيّاتهم إنّك أنت العزيز الحكيم * وقهم السيّئات ومن تق السيّئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم» (3) وقوله عزّوجلّ: (والّذين لا يدعون مع اللَّه إلهاً آخر

ولا يقتلون النفس الّتي حرّم اللَّه إلاّ بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً * يضاعف له العذاب يوم

القيامة ويخلدفيه مهاناً * إلاّ من تاب وعمل صالحاً فأولئك يبدّل اللَّه سيّئاتهم حسنات وكان اللَّه غفوراً رحيماً) (4).

وهذه الرواية بما ذكر فيها من الخصال تدل على اللزوم والوجوب. نعم هي من حيث السند غير تامة لا للارسال فإنّ مرسلات ابن أبي عمير معتبرة كما حققناه

ص: 212


1- أصول الكافي: 2 : 425 ، كتاب الإيمان والكفر ح 5
2- سورة البقرة، الآية 222
3- سورة غافر، الآية 7 - 9
4- سورة الفرقان، الآية 68 - 70

في محلّه (1)، وإنّما لأنّها مرفوعة.

والحاصل أنّ دلالة الروايات على الوجوب ممّا لا إشكال فيها.

ثالثاً: الإجماع:

ادعاه غير واحد من الأعلام، كصاحب الذخيرة (2)، والعلّامة المجلسي في المرآة (3)، والنراقي في جامع السعادات (4)، بل ادعي إجماع الأمة على ذلك (5).

رابعاً: العقل:

ويمكن تقريب دلالته على الوجوب بوجوه:

الأوّل: أنّ العقل يحكم بوجوب دفع الضرر المحتمل وهو العقاب الأخروي، وهذا الحكم ممّا تسالم عليه الفقهاء وإن ناقش فيه المحقّق الاصفهاني (قدس سره) حيث أفاد أنّ العقل ليس له حكم في ذلك بمعنى المدح والذم على فعل ما ينبغي فعله أو تركه، بل هو أمر جبلي فطري وقد بيّنا ذلك في محلّه من علم الأصول.

الثاني: أنّ العقل يحكم بوجوب رفع الموانع عن البلوغ إلى المراتب العالية من الكمال الّتي خلق الإنسان لأجلها، فإنّه مع وجود هذه الموانع من المعاصي

ص: 213


1- أصول علم الرجال: 424
2- ذخيرة المعاد: 303
3- أنظر مرآة العقول: 11 : 327 ، نسب عدم الخلاف فيه في الجملة
4- جامع السعادات: 3 : 56
5- شرح أصول الكافي لصدر المتألهين: 101 في ذيل الحديث الرابع عشر

ورذائل السيّئات لا يمكن الوصول إلى تلك المراتب قطعاً فيجب رفعها عقلاً.

الثالث: أنّ العقل يحكم بوجوب اكتساب المنافع العظيمة والمصالح الملزمة للبلوغ إلى مستقر الكرامة وتحصيل رضا اللَّه تعالى، لقوله تعالى: «إنّ اللَّه يحبّ التوّابين ويحبّ المتطهّرين» (1) وأيّ مصلحة أعظم من أن يكون العبد محبوباً للَّه تعالى، وقد ورد في كثير من الأدعية الواردة عنهم(علیه السلام) تمني الدخول في زمرة التوابين حتى من المؤمنين والصلحاء، ومنه يعلم أنّ التوبة كما أنّها تستوجب التخلي عن المعاصي والرذائل كذلك تستوجب علو الدرجات ونيل حب اللَّه تعالى، فللتوبة جهتان: إحداهما سلبية، والأخرى إيجابية، ولذلك قسموا التوبة إلى خمسة أقسام:

الأوّل: التوبة من الشرك، وقد ورد أنّ الإسلام يجب ما قبله.

الثاني: توبة العوام، وهي الرجوع إلى اللَّه عن المعاصي والسيّئات.

الثالث: توبة الخواص، وهي التوبة عن رذائل الصفات الّتي تكون منشأ للمعاصي والسيئات.

الرابع: توبة خواص الخواص، وهي التوبة عمّا لا ينبغي فعله أو تركه.

الخامس: توبة أخص الخواص، وهي التوبة عن التوجه لغير اللَّه تعالى.

والحاصل: أنّ للتوبة درجات وهي من المقامات العالية، مضافاً إلى أنّها رافعة للسيّئات والذنوب، والعقل يحكم بوجوبها على ما مرّ بيانه من التقريبات الثلاثة.

وبناء على ذلك فما ورد من الآيات والروايات وإن كانت تامة الدلالة إلاّ أنّها

ص: 214


1- سورة البقرة، الآية 222

إرشادات وتأكيدات لحكم العقل لا أنّها تفيد حكماً مولوياً، إذ يلزم منه العقاب على تركها لكونه معصية فيجب التوبة عنها وهكذا ولازم ذلك التسلسل.

ص: 215

الجهة الثالثة: الحكم الوضعي للتوبة

اشارة

وفيها مسألتان :

المسألة الأولى:

لا إشكال في رجوع العدالة بالتوبة، بل ادعى جماعة من المتأخرين الإجماع عليه (1).

ولكن رجوع العدالة بعد التوبة هل هو فوري بحيث لا يحتاج إلى مدة قصيرة أو طويلة لترسخ الملكة بناء على القول بأنّ العدالة ملكة، أو ليتحقق كون المكلف على جادة الشرع أو ليثبت كونه على ظاهر العدالة بناء على القول بعدم الملكة؟ وجوه:

ذكر في المفتاح أن في المسألة مذاهب ثلاثة (2):

الأوّل: الاكتفاء بتكرار ظهور التوبة ومجرد استمرار ما على التوبة.

الثاني: اعتبار إصلاح العمل وأنّه يكفي في ذلك عمل صالح ولو ذكر أو

ص: 216


1- الحدائق الناضرة: 10 : 56
2- مفتاح الكرامة: 3 : 85

تسبيح.

الثالث: عدم الاكتفاء بمجرد إظهار التوبة بل لابدّ من الاختبار مدة يغلب معه الظن بأنّه أصلح سريرته وأنّه صادق في توبته.

ولعلّ هذا هو الأشهر عندهم واكتفى الشيخ في المبسوط في قبول الشهادة بإظهار التوبة عقيب قول الحاكم: تب أقبل شهادتك، وهو الّذي يعطيه كلام السرائر (1).

والظاهر من الآيات والروايات أنّه بمجرد التوبة واقعاً تعود العدالة مع ثبوتها قبل ذلك لأنّ التائب من الذنب كمن لا ذنب له.

والإيراد بأنّ الملكة كيف تعود بعد زوالها بمجرد التوبة في غير محلّه، لأنّه مجرد استبعاد في مقابل الدليل ولعلّها لم ترتفع من أصلها بل قد تكون هي السبب للتوبة.

فالقول بأصل الثبوت عند التوبة لا بأس به، هذا بالنسبة إلى نفس التائب.

وأمّا بالنسبة إلى الغير فإن تيقن أو اطمأن بذلك فهو وله أن يرتب آثار العدالة عليه، وإن لم يطمئن فلابدّ من مضي مدة يحرز فيها صلاحه وستره أو غيرهما من الطرق حتى يثبت عنده أنّه تائب. وهذا لا ينافي كون التائب متصفاً بالعدالة في الواقع.

ص: 217


1- مفتاح الكرامة: 3 : 85
المسألة الثانية:

الظاهر تسالم الأصحاب على أن القاذف إذا تاب وزال فسقه تقبل شهادته بل ادعي الاجماع على ذلك (1). ولكن اختلفوا في أنّه هل يعتبر إضافة على التوبة ظهور عمل صالح منه أو لا؟

والظاهر من الشيخ في الخلاف اعتبار ذلك (2) وكذا من ابن شهرآشوب في متشابه القرآن (3) والمحقّق الثاني في جامع المقاصد (4).

ونسب إلى ظاهر الغنية والاصباح (5). وفي المبسوط (6) والسرائر (7) إذا كان القذف قذف سب لا قذف شهادة.

ولكن عن النهاية (8) والمقنع (9) والوسيلة (10) عدم الاعتبار، واستقربه

ص: 218


1- التحرير: 2 : 208 ، جواهر الكلام: 41 : 37 ، وانظر التنقيح الرائع: 4 : 293
2- الخلاف: 6 : 260
3- متشابه القرآن: 2 : 224
4- حكاه في الجواهر: 41 : 40
5- جواهر الكلام: 41 : 40 ، غنية النزوع: 440، إصباح الشيعة: 366
6- المبسوط: 8 : 179
7- السرائر: 2 : 116
8- النهاية: 2 : 53
9- المقنع: 397
10- أنظر جواهر الكلام: 41 : 40 ، وقال العلّامة الحلّي: وابن حمزة اعتبر إصلاح العمل في الصادق والكاذب. مختلف الشيعة: 8 : 498 . وهو الأظهر، راجع الوسيلة: 263

المحقّق (1) وصاحب الجواهر (2).

قال الشيخ في الخلاف: القاذف إذا تاب وصلح قبلت توبته، وزال فسقه بلا خلاف، وتقبل عندنا شهادته فيما بعد. وبه قال عمر بن الخطاب.

وروي عنه أنّه جلد أبا بكرة حين شهد على المغيرة بالزنا ثمّ قال له: تب تقبل شهادتك.

وعن ابن عباس أنّه قال: إذا تاب القاذف قبلت شهادته.

ولا مخالف لهما... وذهبت طائفة إلى أنّها تسقط، فلا تقبل أبداً، ذهب إليه في التابعين شريح، والحسن البصري، والنخعي، والثوري، وأبو حنيفة وأصحابه.

ثمّ اختار أنّه ترد شهادته بمجرد القذف ولا يعتبر الجلد وتقبل شهادته بالتوبة مع انضمامها إلى إصلاح العمل واستدل بإجماع الفرقة وأخبارهم.

ومنشأ الخلاف هو المراد من قوله تعالى «وأصلحوا» في قوله: «والّذين يرمون المحصنات ثمّ لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدةً ولا تقبلوا لهم شهادةً أبداً وأولئك هم الفاسقون * إلاّ الّذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإنّ اللَّه غفورٌ رحيمٌ» (3) .

هل هو عطف تفسير أو جملة مستأنفة وقيد زائد على التوبة.

والظاهر أنّ المستفاد من الروايات الواردة في المقام أنّه تفسير للتوبة ولا يعتبر شي ء زائد عليها وأنّ التوبة واستمرارها اصلاح. وهي كثيرة:

ص: 219


1- شرائع الإسلام: 4 : 912
2- جواهر الكلام: 41 : 42
3- سورة النور، الآية 4 - 5

منها: صحيحة أبي الصباح الكناني، قال: سألت أبا عبد اللَّه(علیه السلام) عن القاذف بعد ما يقام عليه الحدّ ما توبته؟ قال: يكذّب نفسه ، قلت: أرأيت إن أكذب نفسه وتاب أتقبل شهادته؟ قال: نعم (1).

ومنها: معتبرة القاسم بن سليمان قال: سألت أبا عبد اللَّه (علیه السلام) عن الرجل يقذف الرجل فيجلد حداً ، ثمّ يتوب ولا يعلم منه إلاّ خيراً، أتجوز شهادته؟ قال: نعم، ما يقال عندكم؟ قلت: يقولون توبته فيما بينه وبين اللَّه، ولا تقبل شهادته أبداً، فقال: بئس ما قالوا كان أبي يقول: إذا تاب ولم يعلم منه إلاّ خير جازت شهادته (2).

والرواية من حيث السند معتبرة فإنّ القاسم بن سليمان وإن لم يرد فيه توثيق إلاّ أنّه واقع في أسناد القسم الأوّل من تفسير علي بن إبراهيم القمي فيكون مشمولاً بالتوثيق على ما بينّاه في محلّه.

وغيرهما من الروايات.

والحاصل: أنّ شهادة القاذف تقبل بمجرد التوبة وليس هناك ما يدل على اشتراط أمر آخر.

ص: 220


1- الوسائل: 27 : 383 ، الباب 36 من كتاب الشهادات، ح 1
2- الوسائل: 27 : 383 ، الباب 36 من كتاب الشهادات، ح 2

المقام الرابع:

طرق ثبوت العدالة

وفيه:

* الطريق الأوّل: حسن الظاهر.

* الطريق الثاني: البيّنة.

* الطريق الثالث: اعتبار شهادة عادل واحد قولاً وفعلاً.

* الطريق الرابع: الشياع.

* الطريق الخامس: الإسلام مع عدم ظهور الفسق.

* الطريق السادس: مطلق الظن بالعدالة.

ص: 221

ص: 222

طرق ثبوت العدالة

اشارة

وقد ذكرت ستة طرق لذلك وهي:

1 - حسن الظاهر.

2 - البيّنة، وهي شهادة عدلين.

3 - اعتبار شهادة عادل واحد قولاً وفعلاً.

4 - الشياع.

5 - الإسلام مع عدم ظهور الفسق.

6 - مطلق الظن بالعدالة.

ص: 223

الطريق الأوّل: حسن الظاهر
اشارة

فهو المشهور بين الفقهاء، إلاّ أنّه هل يعتبر فيه المعاشرة أو لا؟ وهل هو مقيد بإفادته العلم أو الظن أو أنّه طريق لثبوت العدالة وإن لم يفد علماً أو ظناً؟

أمّا أصل كونه طريقاً لثبوت العدالة فيمكن الاستدلال عليه بعدّة من الروايات:

منها: صحيحة عبد اللَّه بن أبي يعفور المتقدمة بقوله (علیه السلام):... والدلالة على ذلك كلّه أن يكون ساتراً لجميع عيوبه حتى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه وتفتيش ما وراء ذلك ويجب عليهم تزكيته وإظهار عدالته في الناس ويكون منه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب عليهن وحفظ مواقيتهن بحضور جماعة من المسلمين وأن لا يتخلف عن جماعتهم في مصلاهم إلاّ من علّة فإذا كان كذلك لازماً لمصلاه عند حضور الصلوات الخمس فإذا سئل عنه في قبيلته ومحلته قالوا: ما رأينا منه إلاّ خيراً مواظباً على الصلوات متعاهداً لأوقاتها في مصلاه فإنّ ذلك يجيز شهادته وعدالته بين المسلمين.

والرواية صريحة في كفاية حسن الظاهر، وأنّه طريق لثبوت العدالة الّتي

ص: 224

عرّفها الإمام (علیه السلام) في صدر الرواية، وأنّ مجرد الستر بالنسبة للمحرّمات، وحضور الجماعة في أوقات الصلوات بالنسبة للواجبات يكفيان في تحقق حسن الظاهر، وهما علامتان على العدالة مع أنّه من المعلوم أنّه لا ملازمة بين العدالة وبينهما. وإنّما ذكر الاهتمام بحضور الجماعة وتعاهد أوقات الصلوات للدلالة على اتيانه بالصلاة وأنّه لا يترك الواجب، وإلاّ فلا خصوصية في الحضور فإنّه مستحب بلا إشكال وليس بواجب، إلاّ أن يوجب ترك الحضور التهاون فيجب.

هذا وقد ادعي اتفاق الفقهاء على عدم اعتبار الحضور في ثبوت العدالة، وإن كان المحدّث صاحب الحدائق رحمه الله تبعاً للمحدّث الشيخ عبد اللَّه البحراني رحمه الله تمسك بظاهر الصحيحة واشترط حضور الجماعة في اتصاف الشخص بالعدالة (1).

والحاصل: أنّ دلالة الرواية تامة كما أنّ سندها معتبر.

ومنها: صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: لو كان الأمر إلينا لأجزنا شهادة الرجل إذا علم منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس... الحديث (2).

وهي واضحة الدلالة فإنّ مجرد العلم بأنّ الرجل يعمل خيراً كالاتيان بالواجبات من الصلاة والصوم وأمثالهما يوجب قبول شهادته وهو عبارة أخرى عن حسن الظاهر.

ومنها: رواية عبد الكريم بن أبي يعفور، عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: تقبل شهادة المرأة والنسوة إذا كنّ مستورات من أهل البيوتات، معروفات بالستر

ص: 225


1- الحدائق الناضرة: 10 : 30
2- الوسائل: 27 : 394 ، الباب 41 من كتاب الشهادات، ح 8

والعفاف، مطيعات للأزواج، تاركات للبذاء والتبرّج إلى الرجال في أنديتهم (1).

وهذه الرواية واضحة الدلالة على كفاية حسن الظاهر في قبول الشهادة إلاّ أنّها من حيث السند غير تامة فإنّ عبد الكريم بن أبي يعفور وإن كان أخاً لعبد اللَّه بن أبي يعفور إلاّ أنّه لم يرد فيه توثيق فتكون مؤيدة.

ومنها: موثقة سماعة بن مهران، عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) قال: قال: من عامل الناس فلم يظلمهم ، وحدّثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، كان ممّن حرمت غيبته وكملت مروّته وظهر عدله، ووجبت أخوته (2).

وهذه الرواية من حيث الدلالة واضحة فإنّ هذه الخصال الثلاث من عدم الظلم في المعاملة وعدم الكذب في الحديث وعدم الخلف في الوعد لا توجب إلاّ حسن الظاهر ولا تفيد العلم بالملكة، لأن السيئات كثيرة ولا تنحصر في هذه الخصال الثلاث فربّ شخص يستقبح الظلم والكذب وخلف الوعد ولكنّه لا يصلي ولا يصوم مثلاً.

وهي من جهة السند تامة.

ومنها: رواية عبد اللَّه بن أحمد بن عامر الطائي، عن أبيه، عن الرّضا عن آبائه، عن علي(علیه السلام) قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدّثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممّن كملت مروءته وظهرت عدالته، ووجبت أخوّته وحرمت غيبته (3).

ص: 226


1- الوسائل: 27 : 398 ، الباب 41 من كتاب الشهادات، ح 20
2- الوسائل: 12 : 278 ، الباب 152 من أبواب أحكام العشرة، ح 2
3- الوسائل: 27 : 396 ، الباب 41 من كتاب الشهادات، ح 15

وهي بمضمون الرواية السابقة، إلاّ أنّها من حيث السند غير تامة فتكون مؤيدة.

ومنها: رواية إبراهيم بن زياد الكرخي، عن الصادق جعفر بن محمّد(علیه السلام) قال: من صلّى خمس صلوات في اليوم والليلة في جماعة فظنّوا به خيراً، وأجيزوا شهادته (1).

وهي من حيث الدلالة واضحة. وأمّا من حيث السند فقد أشكل السيّد الأستاذ (قدس سره) فيه بأنّها ضعيفة بعدّة مجاهيل، وهم جعفر بن محمّد بن مسرور، والحسين بن محمّد بن عامر، وعمه عبد اللَّه بن عامر.

ولكن الظاهر أنّهم كلّهم ثقات.

أما جعفر بن محمّد بن مسرور، فقد احتمل الوحيد في تعليقته أنّه جعفر بن محمّد بن قولويه، وأنّ قولويه اسمه مسرور وعليه فهو ثقة.

وناقشه السيّد الأستاذ(قدس سره)، بأنّ ذلك غير ثابت، بل الثابت خلافه (2). ولكن لا يبعد القول بالاتحاد لأنّ الحسين بن محمّد بن عامر، هو شيخ ابن قولويه، ويروي عنه في كامل الزيارات وغيره كثيراً.

وعلى فرض عدم الاتحاد فهو من مشايخ الصدوق وقد ترضى عنه كثيراً، وقد بيّنا في محلّه أنّ الترضي علامة على التوثيق، فلا إشكال في وثاقته.

وأمّا الحسين بن محمّد بن عامر، فهو الحسين بن محمّد بن عمرانالأشعري القمي، وقد وثقه النجاشي في موضعين (3).

ص: 227


1- الوسائل: 27 : 395 ، الباب 41 من كتاب الشهادات، ح 12
2- التنقيح في شرح العروة الوثقى - الاجتهاد والتقليد - : 1 : 236 - 237
3- رجال النجاشي: 66 / 156 ، و 218 / 570

وأمّا عمّه عبد اللَّه بن عامر، فهو ثقة أيضاً، وقال عنه النجاشي: شيخ من وجوه أصحابنا، ثقة (1).

وأمّا إبراهيم بن زياد الكرخي، والصحيح بن أبي زياد، فهو وإن لم يرد فيه توثيق، إلاّ أنّ ابن أبي عمير قد روى عنه في أكثر من مورد كما في هذه الرواية، وذلك كاف للحكم بوثاقته على ما حققناه في محلّه.

فالظاهر أنّ الرواية من حيث السند تامة، كما أنّها من حيث الدلالة واضحة.

ومنها: مرسلة يونس بن عبد الرّحمن، عن بعض رجاله، عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) قال: سألته عن البيّنة إذا أقيمت على الحقّ، أيحلّ للقاضي أن يقضي بقول البينة؟ فقال: خمسة أشياء يجب على الناس الأخذ فيها بظاهر الحكم: الولايات، والمناكح، والذبائح، والشهادات، والأنساب، فإذا كان ظاهر الرجل ظاهراً مأموناً، جازت شهادته، ولا يسأل عن باطنه (2).

وهذه الرواية من حيث الدلالة أوضح ممّا تقدّم، إلاّ أنّها من حيث السند مرسلة إلاّ أن يقال أنّ مراسيل يونس معتبرة مثل مراسيل ابن أبي عمير لقول ابن الوليد بأنّ كتبه كلّها صحيحة معمول عليها وقد حققنا ذلك في مباحثنا الرجالية (3).

ومنها: رواية علقمة، قال: قال الصادق (علیه السلام) - وقد قلت له - : يابن رسول اللَّه أخبرني عمّن تقبل شهادته ومن لا تقبل؟ فقال: يا علقمة، كلّ من كان على فطرة الإسلام جازت شهادته قال: فقلت له: تقل شهادة مقترف بالذنوب؟ فقال: يا علقمة لو لم تقبل شهادة المقترفين للذنوب لما قبلت إلاّ

ص: 228


1- رجال النجاشي: 218 /570
2- الوسائل: 27 : 392 ، الباب 41 من كتاب الشهادات، ح 3
3- أصول علم الرجال، الطبعة الثانية

شهادة الأنبياء والأوصياء(علیه السلام) لأنّهم المعصومون دون سائر الخلق، فمن لم تره بعينك يرتكب ذنباً أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان، فهو من أهل العدالة والستر، وشهادته مقبولة وإن كان في نفسه مذنباً، ومن اغتابه بما فيه فهو خارج من ولاية للَّه، داخل في ولاية الشيطان (1).

وهي من حيث الدلالة كالرواية السابقة من الاكتفاء بحسن الظاهر في الحكم بالعدالة وقبول الشهادة وغيرهما من الآثار.

ولكنّها من حيث السند غير تامة فتكون مؤيدة.

والحاصل: أنّ اصل كون حسن الظاهر طريقاً لثبوت العدالة ممّا لا إشكال فيه.

في اعتبار المعاشرة في حسن الظاهر:

وأمّا اعتبار المعاشرة في حسن الظاهر، أو كفاية عدم رؤية ما

يخالف العدالة، فالظاهر من جماعة منهم الشيخ في رسالته والمحقّق الاصفهاني رحمه الله (2) هو الاعتبار، وذهب السيّد الأستاذ (قدس سره) إلى عدم الاعتبار (3).

واستدل على الاعتبار بوجهين:

الأوّل: بأنّ ستر العيوب إنّما يتحقق في موارد تكون معرضاً للظهور أي في مورد قابل للظهور، وأمّا إذا لم تكن قابلة للظهور فهي مستترة في نفسها، لا أنّ

ص: 229


1- الوسائل: 27 : 395 ، الباب 41 من كتاب الشهادات، ح 13
2- بحوث في الأصول - الاجتهاد والتقليد - : 136
3- التنقيح في شرح العروة - الإجتهاد والتقليد - : 1 : 237

المكلّف قد سترها كما هو المستفاد من الروايات المتقدّمة. إذن لابدّ من المعاشرة والمخالطة بمقدار لو كان في المكلف نقص ديني لظهر وبان، فهي معتبرة في كاشفية حسن الظاهر عن العدالة.

الثاني: بموثقة سماعة (1)، لدلالتها على أنّ العدالة تتوقف على عدم ارتكاب هذه الأمور الثلاثة المذكورة في الرواية، وهي تتوقف على المعاشرة.

الإشكال على الوجه الأوّل وجوابه:

وقد أجاب السيّد الأستاذ (قدس سره) عن الأوّل: أنّ ستر العيوب يكفي في صدقه وتحققه أن يسترها المكلف في حضوره لجماعة المسلمين - مثلاً - وعدم ارتكابه ما ينافي ذلك قبل إقامة الجماعة وبعدها وهو بمرأى من

المسلمين، لأنّه قد يبتلي قبلها أو بعدها بما هو مورد للظهور فإذا ستر عيوبه ولم يرتكب أمراً ينافي عدالته صدق أنّه حَسن الظاهر وأنّه ساتر لجميع عيوبه فلا يحتاج كاشفية الستر إلى أزيد من ذلك بوجه (2).

ولا يخفى ما في هذا الجواب، فإنّه اعتراف في الجملة بلزوم كونهمعرضاً للظهور ولكن بدعوى أنّه يكفي مقدار ما ذكره، فصار الإشكال في مقدار الظهور والمعاشرة. والظاهر أنّ التعبير بحسن الظاهر يفيد هذا الاعتبار وأنّه لابدّ من تحقق ظهور حسن للفاعل حتى يوصف بحسن الظاهر، كما أنّ هذا المعنى يستفاد من الروايات الّتي استدل بها من اعتبر المعاشرة.

ص: 230


1- الوسائل: 12 : 278 ، الباب 152 من أبواب أحكام العشرة، ح 2
2- التنقيح في شرح العروة - الإجتهاد والتقليد - : 1 : 238
الإشكال على الوجه الثاني:

وحاصل ما أجاب به (قدس سره) عن الثاني (1): بأنّ الموثقة أجنبية عن المدعى، حيث إنّها لم تدل على أنّ العادل لابدّ له من أن يعامل الناس فلا يظلمهم ويحدّثهم فلا يكذبهم ويواعدهم فلا يخلفهم، لأنّ عدم ارتكاب الظلم والكذب وخلف الوعد متفرع على الأفعال المذكورة في الموثقة تفرع النتيجة على الشرط، نظير القضايا الشرطية، ولم تدل على أنّ ارتكاب الأفعال المذكورة معتبر في حصول العدالة. ولم يقل أحد أنّ العدالة لا تتحقق إلاّ بالتحدّث للناس أو مواعدتهم ومعاملتهم بحيث لو لم تصدر منه لم يحكم بعدالته.

إذ انحصار تحقق العدالة بهذه الأمور الثلاثة يلزم منه أنّه إذا وجدت أسباب أخرى من تعاهد الصلوات بحضور الجماعات والتستر عن جميع العيوب كما في صحيحة ابن أبي يعفور لا يحكم بعدالته.

فلا دلالة للموثقة على أنّ المعاشرة معتبرة في العدالة، وإنّما تدل على أنّ من صدرت منه تلك الأفعال فلم يظلم ولم يكذب ولم يخلف الوعد فهو محكوم بالعدالة، لا أنّ العدالة لا تحصل بدون المعاشرة كما إذا كان منزوياً لايشاهد إلاّ في أوقات الصلاة.

ولا يخفى ما فيه أيضاً: فإنّه وإن كانت الموثقة لا تدل على الانحصار أو لزوم الاتيان بهذه الأعمال في تحقق العدالة، لكنّها تدل على كيفية استكشاف العدالة وأنّ عدم صدور الذنب عند المعاملة والمخالطة طريق لإثبات العدالة وهو

ص: 231


1- نفس المصدر والصفحة

المعبر عنه بحسن الظاهر فالظاهر هو اعتبار المعاشرة بمقدار يتحقق به حسن الظاهر من المكلّف عرفاً.

ثمّ إنّه على فرض التنزل فمجرد الشك في اعتبار المعاشرة وعدمه كاف في الحكم بالاعتبار، وذلك لأنّ الروايات المتقدّمة الدالة على حجيّة حسن الظاهر حيث إنّها محفوفة بما يصلح للقرينية والتقييد فلا يمكن الأخذ بإطلاقها والقول بأنّ حسن الظاهر حجة مطلقاً، سواء كان بالمعاشرة أو بدونها.

وقد يشكل:

أوّلاً: بأنّ لحسن الظاهر عرضاً عريضاً يتّصل أوّل مرتبته بمجهول الحال، وآخر مرتبته بالعصمة. فأيّ مرتبةٍ منها طريق للعدالة؟

وثانياً: بأنّ الظاهر والباطن أمران إضافيان، فالظاهر لأهل البلد

باطن بالنسبة إلى غيرهم، والظاهر لأهل المحلّة باطن بالنسبة إلى أهل البلد، والظاهر للجيران باطن بالنسبة إلى أهل المحلة، والظاهر للزوجة باطن بالنسبة للجيران، فالعبرة بأيّ ظاهر من تلك الظواهر؟

ومرجع الإشكالين إلى أنّ الظاهر مجمل فهو من الاحالة على المجهول.

وأجيب عنه: بأنّه إذا عاشر أو صاحب شخص شخصاً ورآه فاعلاً لما افترضه اللَّه عليه، وتاركاً لما حرّمه عليه، فما يظهر في نفسه عند المعاشرةوالمخالطة هو معنى حسن الظاهر وهو الملاك الّذي يستفاد من الروايات بعناوين مختلفة من كونه ساتراً لعيوبه، أو أنّ ظاهره ظاهر مأمون، أو من التعاهد لحضور الجماعات وغيرها من التعابير، وهذا المعنى لا يفرق فيه بين أن يكون معاشره زوجته أو أهل محلته أو جيرانه، أو أهل بلده أو غيرهم.

ص: 232

أمّا كون المعاشرة لجميع الناس أو أهل بلده أو أهل محلّته أو جيرانه أو زوجته، فلا موجب لاعتبار شي ء من ذلك، ولا دليل على تعيّن شي ء من مراتبه.

فالظاهر أنّ معنى حسن الظاهر ظاهر لا إجمال فيه.

كاشفية حسن الظاهر عن العدالة إفادته العلم أو الظن:

وأمّا اعتبار إفادة الظن بالعدالة في حسن الظاهر، فالظن النوعي لا ينفك عنه عادة، وأمّا الظن الشخصي فهو المنسوب إلى المشهور، منهم

الشيخ في باب الجماعة من كتاب الصلاة (1).

واستدل على ذلك بوجهين:

الأوّل: أنّ هذا الظن هو القدر المتيقن من إطلاقات الروايات الدالة على حسن الظاهر فهي منصرفة إلى صورة إفادة الظن الشخصي.

وأجيب عن ذلك بمنع الانصراف، وأنّ في الإطلاقات ما يدل على عدم اعتبار ذلك، كقوله (علیه السلام) - في مرسلة يونس - : «ولا يسأل عن باطنه» (2) .وقوله (علیه السلام) في صحيحة ابن أبي يعفور: »حتى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه وتفتيش ما وراء ذلك« (3) .

الثاني: بما ورد في معتبرة إبراهيم بن زياد الكرخي، عن الصادق جعفر بن محمّد (علیه السلام) قال: من صلى خمس صلوات في اليوم والليلة في جماعة

ص: 233


1- كتاب الصلاة، الشيخ الأنصاري: 2 : 274
2- الوسائل: 27 : 392 ، باب 41 من كتاب الشهادات، ح 3
3- الوسائل: 27 : 391 ، باب 41 من كتاب الشهادات، ح 1

فظنّوا به خيراً، وأجيزوا شهادته (1).

فإنّ المناط في اعتبار حسن الظاهر هو الظن به خيراً.

وأجيب: بأنّ الظن ليس أمراً اختيارياً حتى يكون مورداً للأمر، بل المراد هو ترتيب آثار العدالة والخير عليه، فمفادها أنّ حضور المكلّف وتعاهده لحضور الجماعات طريق عادة إلى معرفة أنّه رجل خيّر ومن أهل

الصلاح.

نعم ذلك لا ينفك عن الظن بعدالته نوعاً، وأمّا اعتبار الظن الشخصي فلا يستفاد منها.

ثمّ إنّه يظهر من الشيخ في رسالته في العدالة، اعتبار الوثوق وهو الظن القوي الّذي يوجب الاطمئنان في حجيّة حسن الظاهر (2) نظراً إلى ما ورد في مرسلة يونس من قوله (علیه السلام): «فإذا كان ظاهر الرجل ظاهراً مأموناً جازت شهادته» (3) .والأمن إنّما يكون في صورة الوثوق والاطمئنان.

وكذلك ما ورد في رواية أبي علي بن راشد قال: قلت لأبي جعفر(علیه السلام): إنّ مواليك قد اختلفوا، فأصلي خلفهم جميعاً؟ فقال: لا تصلّ إلاّ خلف من تثق بدينه .

وفي رواية الشيخ زيادة: وأمانته (4).

ولكن كلتا الروايتين ضعيفتان سنداً، ودلالة.

ص: 234


1- الوسائل: 27 : 395 ، الباب 41 من كتاب الشهادات، ح 12
2- رسالة في العدالة: 64
3- الوسائل: 27 : 392 ، باب 41 من كتاب الشهادات، ح 3
4- الوسائل: 8 : 309 ، الباب 10 من أبواب صلاة الجماعة، ح 2

أمّا الأولى: فهي من جهة السند مرسلة، ومن جهة الدلالة أنّه تقدم أنّها لا تدل على اعتبار الظن الفعلي فضلاً عن الوثوق.

وأمّا الثانية: فهي من جهة السند ضعيفة، بسهل بن زياد، ومن جهة الدلالة بأنّ المراد بالوثوق هو الوثوق في الدين والعقيدة، كأن يكون مخالفاً أو قائلاً بالجبر والتجسيم ونحو ذلك بقرينة صدر الرواية.

وأمّا الأمانة فهي مذكورة في رواية الكليني، وعلى فرض اعتبار هذه الزيادة فهي بمعنى كونها طريقاً للعدالة، أي أنّ الوثوق بالأمانة كاشف عن العدالة، إن لم يكن هناك طريق آخر كالبيّنة أو الاستصحاب أو حسن الظاهر، ولا يدل على انحصار الطريق به بحيث لا يوجد طريق آخر للعدالة.

فالظاهر أنّ حسن الظاهر طريق إلى العدالة مطلقاً ولا يعتبر فيه الظن الشخصي فضلاً عن الوثوق.

ص: 235

الطريق الثاني: البيّنة

أي شهادة العدلين، والظاهر عدم الخلاف في اعتبارها واستدل عليه الشيخ في رسالته (1) بقوله: مضافاً إلى ما يظهر من عموم حجية شهادة العدلين بما ورد من فعل النبي صلى الله عليه وآله حيث كان يبعث رجلين من الصحابة لتزكية الشهود المجهولين فيعمل بقولهما جرحاً وتعديلاً (2). وبما دلّ على قبول شهادة القابلة إذا سئل عنها فعدّلت (3). وبفحوى ما دلّ على اعتبار البيّنة في الجرح كقوله (علیه السلام) في رواية علقمة: «فمن لم تره بعينك يرتكب ذنباً أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان، فهو من أهل العدالة والستر» (4) .

والظاهر تمامية الدليل وإن كان في بعض ما ذكره تأمل.

ثمّ إنّه لا فرق بين كون البيّنة بالفعل أو بالقول، كأن يصليا خلف شخص مؤتمين به مع انتفاء احتمال الضرورة أو سبب آخر غير اعتقادهما بعدالته.

ص: 236


1- رسالة في العدالة: 62
2- الوسائل: 27 : 239 ، الباب 6 من أبواب كيفية الحكم، وأحكام الدعوى، ح 1
3- الوسائل: 27 : 362 ، الباب 24 من كتاب الشهادات، ح 38
4- الوسائل: 27 : 395 ، الباب 41 من كتاب الشهادات، ح 13

وذلك لأنّ الفعل منبى ء ومخبر عمّا في نفس الفاعل فيتصف بالصدق والكذب كالقول واحتمال تعمد الكذب أو الخطأ في كلّ واحد منهما سواء فكما لا يعتد بالاحتمالين في القول كذلك لا يعتد بهما في الفعل.

ص: 237

الطريق الثالث: اعتبار شهادة عادل واحد قولاً أو فعلاً

الظاهر اعتباره أيضاً لأنّ مقتضى حجيّة قول العادل أو خبر الثقة والّتي تدل عليهما سيرة العقلاء والمستفاد من آية النبأ وغيرها من أدلتها شاملة لجميع الموارد، إلاّ أن يثبت بدليل خاص اشتراط التعدد كالترافع والحدود، أو اشتراط انضمام اليمين إليه وأمثال ذلك كما هو الحال في بعض الموارد.

ص: 238

الطريق الرابع: الشياع الموجب للظن
اشارة

ومعناه إخبار جماعة مجهولين بثبوت الملكة. فهل هو حجة مطلقاً، أي سواء أفاد الوثوق أو الظن، أو أنّه حجة إذا أفاد الوثوق فقط؟

ظاهر جماعة منهم الشهيد (قدس سره) (1) والشيخ رحمه الله في كتاب الصلاة الأوّل (2)، وظاهر غير واحد كالسيّدرحمه الله في العروة (3) والشيخ في رسالته في العدالة هو الثاني (4).

حجيّة الشياع عموماً :

وقد استدل على حجيته عموماً بوجوه:

ص: 239


1- اللمعة والروضة: 1 : 348
2- كتاب الصلاة، الشيخ الأنصاري: 2 : 272
3- العروة الوثقى: 1 : 27 ، المسألة 23، وصفحة 37، المسألة 44، من الإجتهاد والتقليد
4- رسالة في العدالة: 65
الوجه الأوّل:

بما رواه يونس مرسلاً عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) قال: سألته عن البيّنة إذا أقيمت على الحقّ، أيحلّ للقاضي أن يقضي بقول البيّنة؟ فقال: خمسة أشياء يجب على الناس الأخذ فيها بظاهر الحكم: الولايات، والمناكح، والذبائح، والشهادات، والأنساب، ... (1).

وفي بعض نسخ التهذيب: بظاهر الحال بدلاً من ظاهر الحكم.

والمراد من ظاهر الحكم في هذه الأمور هو ما إذا كانت هذه الأمور ظاهرة وشائعة بين الناس فيؤخذ بها وهذا الشياع حجة.

وأجيب: بأنّ الحكم إن كان المراد منه الخبر فالاستدلال تام، لأنّه يدل على أنّه إذا كان ظاهراً فيؤخذ به، وأمّا إذا كان المراد به هو النسبة الخبرية فلا دلالة له حينئذ على كون الشياع في الخبر حجة إذ لا ملازمة بين ظهور النسبة وشيوع الخبر، فقد تكون النسبة ظاهرة عن جماعة ولكن الخبر سراً ولا ظهور له عند الناس، والظاهر أنّ المراد هو الثاني أي النسبة الخبرية.

والشاهد على ذلك:

أوّلاً: ذيل الرواية حيث قال (علیه السلام): »فإذا كان ظاهر الرجل ظاهراً مأموناً جازت شهادته ولا يسأل عن باطنه«.

فإنّه ظاهر في أنّ الظاهر في مقابل الباطن لا في مقابل عدم شياع الخبر.

ثانياً: مورد الرواية: فإنّها واردة فيما يحلّ للقاضي بأن يقضي بقولالبيّنة من

ص: 240


1- الوسائل: 27 : 392 ، الباب 41 من كتاب الشهادات، ح 3

دون سؤال عنها إذا لم يعرفها، فإنّ فرض قيام البيّنة فرض شهادة العدلين عند الناس لكن القاضي لا يعرفها، فأجاب (علیه السلام) بأنّ ظهور صلاحها عند الناس كاف في قبول شهادتها ولا يسأل عن باطنها.

فالرواية لا دلالة فيها على فرض شيوع الخبر عن عدالتهما وعدمه.

هذا. ولا يخفى أنّه لعلّ الأولى المناقشة في الدلالة بوجه آخر، وهو أنّ ظهور الحكم يمكن أن يكون مستنده هو حسن الظاهر لا الشياع، وذلك لقوله (علیه السلام) - بعد ذلك - : »فإذا كان ظاهر الرجل ظاهراً مأموناً جازت شهادته ولا يسأل عن باطنه«، فإنّه ظاهر في حسن الظاهر كما تقدّم.

ويؤيده ما ورد في نسخة التهذيب، وكذلك مورد الرواية حيث يستفاد منه عدم الحاجة إلى السؤال.

وأمّا مسألة انفكاك الخبر عن النسبة، وإن كان أمراً صحيحاً واقعاً ولكن بحسب العادة لا ينفكان.

كما أنّه يمكن تطبيق ذيل الرواية في موردها على حسن الظاهر.

ولكن جريان هذا الوجه في جميع الأمور المذكورة في الرواية موضع تأمل.

الوجه الثاني:

بما ورد في صحيحة حريز، عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام):... يا بني إن اللَّه عزّوجلّ يقول في كتابه «يؤمن باللَّه ويؤمن للمؤمنين» (1) يقول: يصدّق للَّه

ص: 241


1- سورة التوبة، الآية 61

ويصدّق للمؤمنين، فإذا شهد عندك المؤمنون فصدّقهم... (1) .

وهذه الرواية قد نوقش فيها في مبحث حجيّة الخبر بأنّ المراد من التصديق هو التصديق من جميع الجهات بل التصديق بما ينفع المخبر إليه ولا يضر المخبر عنه.

ويشهد على ذلك رواية أخرى حيث قال (علیه السلام):... كذّب سمعك وبصرك عن أخيك فإن شهد عندك خمسون قسامة وقال لك قولاً فصدّقه وكذبهم... (2).

فالتكذيب في ما يضر المخبر عنه ولا يجدي المخبر إليه.

الوجه الثالث:

ما عن الشهيد في المسالك من الاستدلال بالأولوية حيث إنّ الظن الحاصل من الشياع أقوى من الظن الحاصل من البيّنة العادلة (3).

وأجيب: بأنّ هذا الوجه أضعف ممّا تقدّم حيث إنّ ملاك حجيّة البيّنة ليس هو إفادتها الظن، بل لجهة قيام الأدلة على حجيتها من السيرة وإمضاء الشارع وهو حجة وإن لم تفد الظن الفعلي، مضافاً إلى أنّه استدلال بالأولوية الظنية وحجيّتها متوقفة على حجيّة الظن على فرض انسداد باب العلم والعلمي أصولاً وفروعاً، فهذا الوجه غير تام.

ص: 242


1- الوسائل: 19 : 82 ، الباب 6 من كتاب الوديعة، ح 1
2- الوسائل: 12 : 295 ، الباب 157 من أبواب أحكام العشرة، ح 4
3- مسالك الأفهام: 13 : 413
الوجه الرابع:

ما يظهر من صاحب الجواهر(قدس سره) من الاكتفاء بالتسامع وظاهرهم الاتفاق عليه في الجملة، وإن حكي عن الاسكافي الاقتصار فيه على النسب خاصة (1)، وعن الاصباح في ثلاثة: النسب والموت والملك المطلق (2). وعن النافع والتبصرة في أربعة بحذف الموت وزيادة النكاح والوقف (3). وفي القواعد، ومحكي المبسوط، والوسيلة وجامع المقاصد والاقتصاد والتلخيص في سبعة بزيادة العتق وولاية القاضي على ما في المتن (4)، وعن الوسيلة وجامع المقاصد الولاء بدل الولاية (5)، وفي التحرير في ثمانية بزيادة الولاء (6)، وعن غيره زيادة تاسع وهو الرق، وفي شرح الصيمري عشرة بزيادة العدالة بل قال هذا هو المحقّق من فتاوى الأصحاب (7)، بل قيل بزيادة سبعة عشر إليها وهي العزل والرضاع وتضرر الزوجة والتعديل والجرح والإسلام والكفر والرشد والسفه والحمل والولادة والوصاية والحرية واللوث والغصب والدين والإعسار(8).

وقال في مقام الاستدلال: لا لبعض ما ذكره غير واحد من الاعتبارات كعسر إقامة البيّنة عليه ونحوه ممّا لا يصلح أن يكون مدركاً لحكم شرعي بل للسيرة فيما

ص: 243


1- جواهر الكلام: 41 : 132
2- اصباح الشيعة: 368
3- المختصر النافع: 2 : 289 ، تبصرة المتعلمين: 183
4- قواعد الأحكام: 3 : 501 ، المبسوط: 180 : 8 وما بعدها ، وانظر جواهر الكلام: 41 : 132
5- الوسيلة: 265
6- تحرير الأحكام: 5 : 262
7- غاية المرام: 4 : 288
8- راجع جواهر الكلام: 41 : 132

قامت عليه منها، مؤيدة بما قيل من أنّ المراد بظاهر الحكم في مرسل يونس عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) الاستفاضة (1). وهكذا في صحيح حريز (2). ومنه يعلم أنّه لا مدخلية لمفاده الّذي يكون تارة علماً وأخرى متاخماً له وثالثة ظناً غالباً في حجيّته، وإنّما المدار على تحققه، بل ظاهر الصحيح المزبور عدم اعتباره لغير المذكورات في المتن.

وحاصل ما ذكره (قدس سره) هو أنّ الدليل هي السيرة المؤيدة بالروايتين المتقدّمتين والاتفاق على الحكم.

وقد تقدّم الكلام في الروايتين.

وأمّا الاتفاق بمعنى الإجماع فهو ليس بحجة في المقام.

وأمّا السيرة فسيأتي الكلام فيها.

الوجه الخامس:
اشارة

بما ورد في الصوم والافطار في يوم الشك فإنّه قد وردت عدّة روايات تدلّ على حجيّة الشياع:

منها: رواية عبد الحميد الأزدي، قال: قلت لأبي عبد اللَّه (علیه السلام): أكون في الجبل في القرية فيها خمسمائة من الناس؟ فقال: إذا كان كذلك فصم لصيامهم وأفطر لفطرهم (3).

ص: 244


1- الوسائل: 27 : 392 ، الباب 41 من كتاب الشهادات، ح 3
2- الوسائل: 19 : 82 ، الباب 6 من كتاب الوديعة، ح 1
3- الوسائل: 10 : 293 ، الباب 12 من أبواب أحكام شهر رمضان، ح 3

ومنها: رواية سماعة، أنّه سأل أبا عبد اللَّه (علیه السلام) عن اليوم في شهر رمضان يختلف فيه؟ قال: إذا اجتمع أهل مصر على صيامه للرؤية فاقضه إذا كان أهل المصر خمسمائة إنسان (1).

ومنها: رواية أبي الجارود زياد بن المنذر العبدي قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن علي (علیه السلام) يقول: صم حين يصوم الناس وافطر حين يفطر الناس، فإنّ اللَّه عزّوجلّ جعل الأهلّة مواقيت (2).

وغيرها من الروايات وهي بظاهرها تدل على حجيّة الشياع.

ولكن يمكن المناقشة فيها:

أوّلاً: بأنّها محدودة بالمقدار المعين وهو خمسمائة إنسان، وهو عدد كبير قد يكون موجباً لحصول الاطمئنان.

وثانياً: على فرض التسليم فيقال: إنّها مختصة بالصوم وأمّا شمولها لما نحن فيه فلا دليل عليه.

ص: 245


1- الوسائل: 10 : 294 ، الباب 12 من أبواب أحكام شهر رمضان، ح 6
2- الوسائل: 10 : 293 ، الباب 12 من أبواب أحكام شهر رمضان، ح 4
حجيّة الشياع في العدالة:

أمّا حجيّة الشياع في خصوص المقام وهو العدالة فقد استدل عليه شيخنا الأنصاري رحمه الله بوجوه (1):

الأوّل: بقوله (علیه السلام) في صحيحة ابن أبي يعفور: «فإذا سئل عنه في قبيلته ومحلته قالوا ما رأينا منه إلاّ خيراً».

فجعل التسامع والشياع من أهل المحلّة والقبيلة طريقاً إلى العدالة وقبول الشهادة.

الثاني: بما ورد من أنّ النبي صلى الله عليه وآله كان يبعث رجلين لتحقيق حال الشهود والسؤال عنهم في محلّتهم وقبيلتهم فإذا قالوا ما رأينا منهم إلاّ خيراً فيرجع المبعوثان فيقبل النبي خبرهما وشهادة الشهود (2).

الثالث: بالسيرة المستمرة الجارية على ترتيب آثار العدالة على الشخص بمجرد التسامع والتظافر، فإنّ الخلق الكثير يقتدون في الصلاة خلف شخص ولم تقم البيّنة عند كلّ واحد من المصلين على عدالة إمام الجماعة بل لم يحصل لهم إلاّ الظن بالتسامع ونحو ذلك.

ويؤيده قوله (علیه السلام) في صحيحة عبد اللَّه بن المغيرة: « ... كلّ من ولدعلى الفطرة وعرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته» (3) .

ص: 246


1- كتاب الصلاة، الشيخ الأنصاري: 2 : 272
2- أنظر الوسائل: 27 : 239 ، الباب 6 من أبواب كيفية الحكم ، وأحكام الدعوى، ح 1
3- الوسائل: 27 : 393 ، الباب 41 من كتاب الشهادات ، ح 5 و ح 21

وأجيب عن الأوّل بأنّ قوله (علیه السلام): «فإذا سئل عنه في قبيلته ومحلته قالوا: ما رأينا منه إلاّ خيراً» متفرّع على قوله (علیه السلام) قبل ذلك: «ويكون منه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب عليهنّ وحفظ مواقيتهنّ بحضور جماعة من المسلمين، وأن لا يتخلّف عن جماعتهم في مصلّاهم إلاّ من علّة... فإذا سئل عنه في قبيلته ومحلّته قالوا: ما رأينا منه إلاّ خيراً مواظباً على الصلوات، متعاهداً لأوقاتها...» .

فالظاهر من الرواية أنّ المعتبر هو تعاهد الصلوات ليتحقق له حسن الظاهر بين المسلمين بحيث إذا سئل عنه قالوا: ما رأينا منه إلاّ خيراً.

وقوله (علیه السلام): «فإنّ ذلك يجيز شهادته» جواب لقوله (علیه السلام): «فإذا كان كذلك لازماً لمصلّاه عند حضور الصلوات الخمس» لا لقوله (علیه السلام): «فإذا سئل عنه في قبيلته ومحلّته...» .

بل الأخير غاية مترتبة على لزومه لمصلّاه وتعاهده لحضور الجماعات، وليس فيه خصوصية.

وهذا الجواب وجيه إذا كان قوله (علیه السلام): «فإذا سئل عنه...» دخيلاً في تحقق حسن الظاهر، وأمّا إذا كان حسن الظاهر قد حصل بالتعاهد للصلوات الخمس بالكيفية المذكورة، فتفريع هذه الجملة عليها بلا وجه إلاّ إذا كان لها في نفسها خصوصية، وهي كون الشياع حجة بنفسه.

ولكن مع تطرّق الاحتمال الأوّل تكون دلالة الصحيحة على حجيّة

الشياع غير تامة.

وأجيب عن الثاني: بضعف الرواية سنداً، ودلالة.

ص: 247

أمّا من جهة السند فلأنّها مذكورة في التفسير المنسوب للإمام العسكري(علیه السلام)، ولم يثبت اعتباره.

وأمّا من جهة الدلالة فلأنّ المذكور فيها أنّ النبي صلى الله عليه وآله بعد إخبار الرجلين المبعوثين يحضر القوم ويسألهم بنفسه، يقول: إنّ فلاناً وفلاناً جاءني عنكم فيما بيننا بجميل وذكر صالح فإن أقروا قضى بشهادتهما ورتب الأثر.

والظاهر أنّ الذكر الصالح عبارة عن حسن الظاهر عند القوم لا مجرّد الشياع عندهم، حتى يقال بدلالة الرواية على حجيته، مع أنّ النبي صلى الله عليه وآله يعرف القوم لا لأنّه يعتمد على الشياع.

وأجيب عن الثالث: تارة بأنّ السيرة يمكن تصديقها في خصوص المورد أي صلاة الجماعة، وأمّا في غيرها فلا موجب لتصديقها. وتارة أخرى بأنّه يمكن ابتناؤها على عدم حجيّتها مطلقاً لأنّ أمثال هذه السيرة تبتني غالباً على قلة المبالاة والمسامحة في أمور الدين.

وأمّا ما ذكره من المؤيد ففيه: إن كان المراد بقوله وعرف بالصلاح هو عند من يريد ترتيب آثار العدالة عليه فظاهره هو العلم أو بما في منزلته، أي وجداناً أو تعبداً.

وإن كان المراد عند الناس فهو بمعنى أنّ صلاحه يعرفه الناس، لا أنّه مجرد شياع عندهم.

هذا مع أنّ الرواية واردة في شهادة الناصبي ولم يعمل بها الأصحاب.

والحاصل: أنّه لم يقم دليل تام على حجيّة الشياع مطلقاً.

نعم: إذا أفاد الشياع الوثوق والاطمئنان فهو حجة لحجيّة الاطمئنان فإنّه علم

ص: 248

عادي في نظر العرف والعقلاء، وأنّهم لا يعتنون باحتمال الخلاف لكونه موهوناً عندهم، وسيرتهم على الاعتماد عليه قائمة في أمورهم من دون ردع من الشارع، فهو بمنزلة العلم وليس مشمولاً للأدلة الناهية عن العمل بالظن أو غير العلم لخروجه عنها موضوعاً، فهو بنفسه حجة بلا فرق بين أسبابه من الشياع أو غيره.

ص: 249

الطريق الخامس: الإسلام مع عدم ظهور الفسق

نسب إلى بعض القدماء ومنهم الشيخ في الخلاف مدعياً الإجماع عليه:

وقد استدل عليه بوجوه أحسنها الاستدلال بجملة من الأخبار الّتي تدل على قبول شهادة الشاهدين، أو الشاهد الواحد إذا كان من المسلمين ولم يعرف بالفسق أو بشهادة الزور، كصحيحة حريز (1)، ورواية العلاء بن سيابة (2)، ورواية علقمة (3)، وصحيحة البزنطي (4) وغيرها.

وكلّها غير تامة إمّا لقصور دلالتها في نفسها، وإمّا أنّه لابدّ - على فرض تمامية الدلالة - من تقييدها بسائر الروايات الدالة على اعتبار حسن الظاهر أو شهادة العدلين أو الشياع المفيد للعلم أو الوثوق والاطمئنان، مضافاً إلى ما تقدّم من التحقيق في هذا القول (5).

ص: 250


1- الوسائل: 27 : 397 ، الباب 41 من كتاب الشهادات ، ح 18
2- الوسائل: 27 : 394 ، الباب 41 من كتاب الشهادات ، ح 6
3- الوسائل: 27 : 395 ، الباب 41 من كتاب الشهادات ، ح 13
4- الوسائل: 22 : 26 ، الباب 10 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ، ح 4
5- راجع ص 61
الطريق السادس: مطلق الظن بالعدالة

فقد وقع الخلاف في كونه طريقاً للعدالة أو لا. فذهب شيخنا الأنصاري رحمه الله في كتاب الصلاة إلى اعتباره (1)، ونسبه في رسالته إلى بعض معاصريه وقيده فيها بإفادته الوثوق وقد استدل على طريقيته بوجهين (2):

الأوّل: أنّ باب العلم بالعدالة منسد فإنّه متعسر أو متعذر، ومع إجراء الأصل والرجوع إلى أصالة عدم العمل بالظن يلزم إبطال الحقوق وتعطيل الجماعات والأسواق واختلال النظام، فيتعين فيها الركون إلى الظن كما في نظائرها من الموضوعات.

وأجاب عنه:

أوّلاً: بأنّ هذا إنّما يلزم فيما إذا لم يجعل الشارع طريقاً إلى العدالة أصلاً مع أنّه قد تقدّم أنّ حسن الظاهر أو شهادة العدلين بل عدل واحد أو الشياع الموجب للاطمئنان حجة، وهي تكفي في عدم الانسداد، بل يكفي حسن الظاهر لأنّه طريق واسع إلى كشف العدالة.

ص: 251


1- كتاب الصلاة ، الشيخ الأنصاري: 2 : 274
2- رسالة في العدالة: 63

ثانياً: أنّ الإنسداد إنّما يوجب العمل بالظن في الجملة فيجب الاقتصار منه على الظن القويّ المعبّر عنه عرفاً بالوثوق والاطمئنان مع إمكان استفادة هذه المرتبة من النصوص كقوله (علیه السلام) في رواية أبي علي بن راشد: «لا تصلّ إلاّ خلف من تثق بدينه» (1) ، وغيرها من الروايات.

الثاني: بما ورد في رواية إبراهيم بن زياد الكرخي، عن الصادق جعفر بن محمّد(علیه السلام) قال: من صلّى خمس صلوات في اليوم والليلة في جماعة فظنّوا به خيراً، وأجيزوا شهادته (2).

وفي خبر آخر: «فظنّوا به كلّ خير» (3) .

حيث دلت على ظن الخير بالمصلي جماعة في مواقعها.

والمقصود الأصلي ليس مجرد ظن الخير وإنّما هو ترتيب آثار الخير بعد الظن به، ويظهر ذلك من قوله (علیه السلام): «وأجيزوا شهادته»، فإنّه عطف على قوله (علیه السلام): «فظنوا به خيراً» وهو من قبيل عطف العلة الغائية على معلولها، كما هو شائع ذائع في الأمثلة العرفية، والأخبار، والآيات.

وقد تقدّم الجواب عن ذلك، بأنّ الرواية تدل على أنّ المدار ما هو سبب لحصول ظن الخير وهو ما يوجب حسن الظاهر الحاصل من حضوره وتعاهده في صلواته الخمس بالجماعة، وهذا ملازم للظن نوعاً بأنّه من أهل الخير، وإلاّ فإنّ الظن ليس أمراً اختيارياً حتى يصح التكليف به، فالأثر يترتب على حسن الظاهر الّذي يكون منشأ للظن نوعاً، ولا دلالة في الرواية على اعتبار الظن مطلقاً.

ص: 252


1- الوسائل: 8 : 309 ، الباب 10 من أبواب صلاة الجماعة ، ح 2
2- الوسائل: 27 : 395 ، الباب 41 من كتاب الشهادات، ح 12
3- الوسائل: 8 : 286 ، الباب 1 من أبواب صلاة الجماعة ، ح 6

وعلى فرض التسليم فيمكن أن يقال: إنّ الظن ينصرف إلى الظن القوي المعبر عنه بالوثوق، وبقرينة سائر الروايات.

هذا تمام الكلام في مباحث العدالة، ونسأل اللَّه تعالى أن يجعلنا من أهل الصلاح والاستقامة وأن تكون خير أعمالنا خواتيمها وخير أيامنا يوم نلقاه.

والحمد للَّه ربّ العالمين، وصلّى اللَّه على محمّد وآله الطاهرين.

وتمّ الفراغ منه في ليلة الأربعاء 14 شهر رمضان المبارك 1420 ه في مدينة قم المقدّسة، عشّ آل محمّد صلى الله عليه وآله.

ص: 253

ص: 254

الفهارس الفنية

* فهرس الآيات الكريمة

* فهرس الأحاديث والروايات الشريفة

* فهرس مصادر التحقيق

* فهرس المحتويات

ص: 255

ص: 256

فهرس الآيات الكريمة

اعدلوا هو أقرب للتّقوى .......... 128

إنّا أعتدنا للظّالمين نارا أحاط بهم سرادقها .......... 149

إنّ الّذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات.......... 149

إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلما .......... 136، 151

إنّ الّذين يحبّون أن تشيع الفاحشة .......... 153

إنّ الّذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات .......... 153

إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنا قليلاً .......... 152

إنّ الّذين يفترون على اللّه الكذب .......... 149

إنّ الّذين يكتمون ما أنزل اللّه .......... 151

إنّ الّذين يؤذون اللّه ورسوله .......... 152

إنّ اللّه لا يغيّر ما بقومٍ حتّى يغيّروا ما بأنفسهم .......... 28

إنّ اللّه يأمر بالعدل والإحسان .......... 36، 128

إنّ اللّه يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى .......... 36

إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها .......... 36

إنّ اللّه يحبّ التوّابين ويحبّ المتطهّرين .......... 209، 212، 214

ص: 257

إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه .......... 137، 138، 140، 143 146،166، 178، 181، 184

إنّما جزاء الّذين يحاربون اللّه ورسوله .......... 153

تمشي على استحياء .......... 121

ثاني عطفه ليضلّ عن سبيل اللّه .......... 149

ثمّ تاب عليهم ليتوبوا إنّ اللّه هو التّوّاب الرّحيم .......... 202

ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتّقين .......... 18

الّذين يأكلون الرّبا لا يقومون .......... 151

الّذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش .......... 137

الّذين يحملون العرش ومن حوله يسبّحون بحمد ربّهم .......... 212

الّذين يلمزون المطّوّعين من المؤمنين في الصّدقات .......... 152

فادخلوا أبواب جهنّم خالدين فيها .......... 150

فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان .......... 60

فأمّا الّذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير .......... 154

فرح المخلّفون بمقعدهم خلاف رسول اللّه .......... 150

فلا يأمن مكر اللّه إلاّ القوم الخاسرون .......... 169

فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر .......... 18

فهل عسيتم إن تولّيتم أن تفسدوا .......... 153

قل يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم .......... 209

لا تجد قوما يؤمنون باللّه واليوم الآخر يوادّون .......... 29

لقد تاب اللّه على النبي والمهاجرين والأنصار .......... 202

لهم اللّعنة ولهم سوء الدّار .......... 147

ص: 258

ما سلككم في سقر .......... 150

ممّن ترضون من الشُّهداء .......... 84، 74، 90

هدىً للمتّقين * الّذين يؤمنون بالغيب .......... 18، 29

هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل .......... 17

هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها .......... 209

واتّبعوا ما تتلوا الشّياطين على ملك سليمان .......... 155

واستشهدوا شهيدين من رجالكم .......... 52، 74

واستغفروا ربّكم ثمّ توبوا إليه .......... 207، 209

وأشهدوا ذوي عدل منكم .......... 52، 106

والّذين كفروا أولياؤهم الطاغوت .......... 148

والّذين لا يدعون مع اللّه إلها آخر .......... 212

والّذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش .......... 147

والّذين يرمون المحصنات ثمّ لم يأتوا بأربعة شهداء .......... 219

والّذين يكنزون الذهب والفضّة ولا ينفقونها .......... 150

والّذين ينقضون عهد اللّه من بعد ميثاقه .......... 152

والفتنة أشدّ من القتل .......... 155

والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض .......... 28

وأمّا من خاف مقام ربّه ونهى النفس عن الهوى .......... 24

وأنّ المسرفين هم أصحاب النار .......... 151

وأنصتوا لعلّكم ترحمون .......... 108

وبرّا بوالدتي ولم يجعلني جبّارا شقيّا .......... 154

وتوبوا إلى اللّه جميعا أيّها المؤمنون .......... 208

ص: 259

وخاب كلّ جبّار عنيد .......... 154

وقد آتيناك من لدنّا ذكرا .......... 151

ولا تركنوا إلى الّذين ظلموا فتمسّكم النار .......... 150

ولا تيأسوا من روح اللّه .......... 154

ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما .......... 153

ولا يشفعون إلاّ لمن ارتضى .......... 166

وللّه على الناس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً .......... 154

ولم يصرّوا على ما فعلوا .......... 173

وما خلقت الجنّ والإنس إلاّ ليعبدون .......... 20

ومن الناس من يشتري لهو الحديث .......... 153

ومن أظلم ممّن منع مساجد اللّه .......... 152

ومن لم يحكم بما أنزل اللّه .......... 154

ومن يُرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم .......... 152

ومن يعص اللّه ورسوله ويتعدّ حدوده .......... 135

ومن يقتل مؤمنا متعمّدا فجزاؤه جهنّم خالدا فيها .......... 149

ومن يولّهم يومئذٍ دبره إلاّ متحرفا لقتالٍ .......... 150

ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا .......... 138، 146

ونريد أن نمنّ على الّذين استضعفوا في الأرض .......... 29

وهديناه النجدين .......... 19

ويوم القيامة ترى الّذين كذبوا على اللّه .......... 149

يا أيّها الّذين آمنوا استجيبوا للّه وللرسول .......... 20

يا أيّها الذين آمنوا استعينوا بالصّبر والصّلاة .......... 28

ص: 260

يا أيّها الّذين آمنوا توبوا إلى اللّه .......... 208، 210

يا أيّها الّذين آمنوا كونوا قوّامين للّه .......... 36

يؤمن باللّه ويؤمن للمؤمنين .......... 241

ص: 261

ص: 262

فهرس الأحاديث والروايات الشريفة

أفضل أعمال أمّتي انتظار الفرج .......... 27

أفضل العبادة العفاف .......... 120

أمره بتقوى اللّه، وإيثار طاعته .......... 25

إذا اجتمع أهل مصر على صيامه للرؤية فاقضه .......... 245

إذا تاب العبد توبة نصوحا أحبّه اللّه .......... 210

إذا كان الرجل لا تعرفه يؤمّ الناس .......... 65

إذا كان كذلك فصم لصيامهم وأفطر لفطرهم .......... 244

إذا كانوا أربعة من المسلمين ليس يعرفون بشهادة الزور .......... 70

إذا كنت خلف الإمام تولاّه .......... 108

إذا كنّ مستورات من أهل البيوتات .......... 125، 189، 225

الإصرار أن يذنب الذنب فلا يستغفر اللّه .......... 173

أن تعرفوه بالستر والعفاف .......... 82، 98، 115، 121، 122، 123، 125، 126، 193

أن يكون ساترا لجميع عيوبه .......... 82، 195

إنّ اللّه أعطى التائبين ثلاث خصال .......... 212

إنّ اللّه تبارك وتعالى أشدّ فرحا بتوبة عبده .......... 211

إنّ اللّه عزّوجلّ يفرح بتوبة عبده المؤمن .......... 211

ص: 263

إنّ من أحبّ عباد اللّه إلى اللّه المفتن .......... 211

إنّ من أشدّ الناس عذابا يوم القيامة .......... 37

إنّ من أعظم النّاس حسرة يوم القيامة .......... 37، 128

إنّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق .......... 35

إنّه واللّه ما خرج عبد من ذنب بإصرار .......... 204

أوثق عُرى الإيمان الحبّ في اللّه، والبغض في اللّه .......... 29

أوّل عدله نفي الهوى عن نفسه .......... 25

التائب من الذنب كمن لا ذنب له .......... 206

تصديق القلب وإضمار أن لا يعود .......... 205

تظنّون أنّ الفتوّة بالفسق والفجور .......... 196

تقبل شهادة المرأة والنسوة إذا كنّ مستورات .......... 125، 189، 225

الّتي أوجب اللّه عليها النار .......... 146

ثكلتك أمك أتدري ما الاستغفار؟ .......... 206

حتى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته .......... 82، 233

الحياء والإيمان مقرونان في قرن .......... 121

خمسة أشياء يجب على الناس الأخذ فيها .......... 71، 228، 240

الذنوب كلّها شديدة، وأشدّها ما نبت عليه اللحم .......... 134

سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يقذف الرجل فيجلد حدا .......... 220

سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن القاذف بعد ما يقام عليه الحدّ ما توبته؟.......... 220

شهادة القابلة جائزة على أنّه استهلَّ أو برز ميّتا .......... 83

صم حين يصوم الناس وافطر حين يفطر الناس .......... 245

طوبى للصابرين في غيبته .......... 29

ص: 264

الظنين، والمتّهم، والخصم .......... 72

العدل أحلى من الشهد وألين من الزبد .......... 37

العدل أحلى من الماء يصيبه الظمآن .......... 37

عدل ساعة خير من عبادة سبعين سنة .......... 20

عن رجل طلّق امرأته بعدما غشيها .......... 68

فإذا سئل عنه في قبيلته ومحلته .......... 195، 246، 247

فإذا كان ظاهر الرجل ظاهرا مأمونا .......... 234

فإذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا جازت شهادته .......... 240، 241

فمن لم تره بعينك يرتكب ذنبا .......... 71، 189، 236

في قوم خرجوا من خراسان .......... 66

قد سمّى اللّه المؤمنين بالعمل الصالح مؤمنين .......... 139، 144

كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذا تخاصم إليه رجلان .......... 75

الكبائر الّتي أوجب اللّه عزّوجلّ عليها النار .......... 138

الكبائر سبع: قتل المؤمن متعمدا .......... 145

الكبائر سبعة، منها قتل النفس متعمّدا .......... 138

الكبائر من اجتنب ما وعد اللّه عليه النار .......... 137، 143

كذّب سمعك وبصرك عن أخيك .......... 242

كفى بالندم توبة .......... 204

كلّ ما أوعد اللّه عليه النار .......... 145

كلّ من ولد على الفطرة وعُرف بالصلاح .......... 68، 246

لا إيمان لمن لا حياء له .......... 121

لا بأس إذا كان لا يُعرف بفسق .......... 69، 70، 189

ص: 265

لا بأس بشهادة الضيف إذا كان عفيفا صائنا .......... 82

لا تحقّروا شيئا من الشر وإن صغر في أعينكم .......... 134، 167

لا تصلّ إلاّ خلف من تثق بدينه .......... 107، 108، 109، 234، 252

لا تقبل شهادة سابق الحاجّ .......... 84

لا تقرأ خلفه ما لم يكن عاقا قاطعا .......... 66، 172

لا دين لمن لا مروّة له .......... 194

لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار .......... 167

لا يزني الزاني وهو مؤمن .......... 139

لو كان الأمر إلينا لأجزنا شهادة الرجل .......... 84، 225

اللّهم حصّن فرجي وأعفّه .......... 117

ما أوعد اللّه عليه النار .......... 146

ما عبد اللّه بشيء أفضل من عفة بطن وفرج .......... 120

ما من عبد إلاّ وعليه أربعون جنة .......... 139

ما من عبد أذنب ذنبا فندم عليه .......... 204

المروءة مروءتان: مروءة في السفر .......... 197

معرفة الإمام، واجتناب الكبائر الّتي أوجب اللّه .......... 138، 146

ممّن ترضون دينه وأمانته وصلاحه وعفّته وتيقّظه .......... 74

من اجتنب الكبائر من المؤمنين .......... 166، 173

من اجتنب ما أوعد اللّه عليه النار .......... 143

من أذنب ذنبا صغيرا كان أو كبيرا .......... 203

من أذنب ذنبا فعلم أنّ اللّه مطّلع عليه .......... 203

من صلّى خمس صلوات في اليوم والليلة .......... 84، 90، 227، 233، 252

ص: 266

من عامل الناس فلم يظلمهم .......... 125، 189، 194، 226

من عفّ بطنه وفرجه .......... 117

الندامة توبة .......... 205

هنّ خمس، وهنّ ممّا أوجب اللّه عليهنّ النار .......... 146

واستغفر لذنبك العظيم .......... 134

واعلم أنّ المسلمين عدول بعضهم على بعض .......... 72

واعلم أنّ مروءة المرء المسلم مروءتان .......... 197

وأمّا محمّد بن شاذان بن نعيم فهو رجل من شيعتنا أهل البيت .......... 168

والإصرار على الذنوب .......... 168

والإصرار على صغائر الذنوب .......... 167

والدلالة على ذلك كله .......... 82، 99، 125، 186، 193، 224،

والمصر لا يغفر له لأنّه غير مؤمن .......... 174

وترك الصلاة متعمدا أو شيئا ممّا فرض اللّه عزّوجلّ .......... 147

ولا يسأل عن باطنه .......... 71، 228، 233، 240، 241

ويعرف باجتناب الكبائر .......... 100، 125، 178

ويكون منه التعاهد للصلوات الخمس .......... 82، 127

يا أبا أحمد ما من أحد يرتكب كبيرة من المعاصي .......... 174

يا أبا أحمد ما من مؤمن يذنب ذنبا .......... 204

يا أبا ذر، لا تنظر إلى صغر الخطيئة .......... 134

يا بُنيّ اجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك .......... 25

يا بني إن اللّه عزّوجلّ يقول في كتابه .......... 241

يا جويرية إنّه لم يهلك هؤلاء الحمقى .......... 196

ص: 267

يا طالب العلم إنّ العلم ذو فضائل كثيرة .......... 37

يا عزير، إذا وقعت في معصية فلا تنظر إلى صغرها .......... 135

يا علقمة، كلّ من كان على فطرة الإسلام .......... 71، 228

يتوب العبد من الذنب ثمّ لا يعود إليه .......... 210

ص: 268

فهرس مصادر التحقيق

1 - القرآن الكريم.

2 - الاستبصار فيما اختلف من الأخبار، شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي، ت 460 ه- ، الطبعة الثانية 1413 ه- 1992 م، دار الأضواء، بيروت - لبنان، تحقيق الشيخ محمّد جواد الفقيه.

3 - الإسلام والانثروبولوجيا، د . أبو بكر أحمد باقادر، الطبعة الأولى 1425 ه- - 2004 م ، دار الهادي، بيروت - لبنان .

4 - إرشاد الاذهان إلى أحكام الإيمان، العلاّمة الحلّي الحسن بن يوسف بن المطهّر الأسدى ت 726 ه- ، الطبعة الأولى 1410 ه- ، مؤسسة النشر الإسلامي، قم - إيران، تحقيق الشيخ فارس الحسون.

5 - اصباح الشيعة بمصباح الشريعة، قطب الدين الكيدري أبو الحسن محمّد بن الحسين بن الحسن البيهقي النيشابوري، الطبعة الأولى 1417 ه- - 1996 م، مؤسسة فقه الشيعة، بيروت - لبنان.

6 - أصول علم الرجال بين النظرية والتطبيق، محمّد علي علي صالح المعلم تقريرا لأبحاث آية اللّه الشيخ مسلم الداوري، الطبعة الأولى 1416 ه- ،

ص: 269

قم - إيران.

7 - أصول الكافي، ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني ت 329 ه- ، الطبعة الأولى 1413 ه- 1992 م ، دار الأضواء، بيروت - لبنان، تحقيق الشيخ محمّد جواد الفقيه.

8 - الاقتصاد والعدالة، الشهيد الثاني زين الدين بن علي بن أحمد

العاملي ت 965 ه- ، الطبعة الأولى 1409 ه- ، مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي النجفي، قم - إيران، تحقيق السيّد مهدي الرجائي.

9 - الأمالي، الشيخ الصدوق أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ت 381 ه- ، الطبعة الأولى 1417 ه- ، مؤسسة البعثة، قم - إيران.

10 - إيضاح الفوائد في شرح إشكالات القواعد، الفقيه الشيخ أبو طالب محمّد بن الحسن بن يوسف بن المطهر الحلّي، ت 771 ه- ، الطبعة الأولى 1389 ه- ، مؤسسة اسماعيليان، قم - إيران، تحقيق السيّد حسين الموسوي الكرماني، والشيخ علي پنان الاشتهاردي، والشيخ عبد الرحيم البروجردي.

11 - بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، المولى الشيخ محمّد باقر المجلسي ت 1111 ه- ، الطبعة الثانية 1403 ه- - 1983 م، دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان.

12 - بحوث في علم الأصول، المحقّق آية اللّه الشيخ محمّد حسين الاصفهاني ت 1361 ه- ، الطبعة الثالثة 1418 ه- ، مؤسسة النشر الإسلامي، قم - إيران.

13 - تاج العروس من جواهر القاموس، مرتضى الزبيدي الحنفي، سنة الطبع

ص: 270

1414 ه- - 1994 م، دار الفكر، بيروت - لبنان، تحقيق علي شيري.

14 - تبصرة المتعلمين في أحكام الدين، العلاّمة الحلّي الحسن بن يوسف بن المطهّر ت 726 ه- ، الطبعة الأولى 1411 ه- - 1990 م ،

وزارة الثقافة والإرشاد، طهران - إيران، تحقيق هادي اليوسفي الغروي.

15 - تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه و آله ، الشيخ الثقة أبومحمّد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحرّاني من أعلام القرن الرابع، الطبعة السادسة 1417 ه- 1996 م مؤسسة الأعلمي، بيروت - لبنان.

16 - تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإماميّة، العلاّمة الحلّي الحسن بن يوسف بن المطهّر ت 726 ه- ، الطبعة الأولى 1422 ه- ، مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام ، قم - إيران، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري، إشراف آية اللّه جعفر السبحاني.

17 - التنقيح في شرح العروة الوثقى، آية اللّه الشيخ علي الغروي تقريرا لأبحاث آية اللّه العظمى السيّد أبو القاسم الخوئي ت 1413 ه- ، طبعة مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي، قم - إيران 1418 ه- 1998 م.

18 - تهذيب الأحكام في شرح المقنعة للشيخ المفيد رضى الله عنه ، شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي ت 460، الطبعة الثانية 1413 ه- 1992 م، دار الأضواء، بيروت - لبنان، تحقيق الشيخ محمّد جواد الفقيه.

19 - التوحيد، الشيخ الصدوق أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ت 381 ه- ، الطبعة الأولى 1387 ه- ، جامعة المدرسين في الحوزة العلمية، قم - إيران، تحقيق السيّد هاشم الحسيني الطهراني.

ص: 271

20 - جامع أحاديث الشيعة، إسماعيل المعزّيّ الملايري (معاصر)، تحت إشراف آية اللّه العظمى السيّد حسين الطباطبائي البروجردي، الطبعة الأولى 1419 ه- ، المطبعة مهر، قم - إيران.

21 - جامع السعادات، الشيخ محمّد مهدي النراقي ت 1209 ه- ، الطبعة السابعة 1422 ه- - 2002 م ، مؤسسة الأعلمي، بيروت - لبنان، تحقيق السيّد محمّد كلانتر، تقديم العلاّمة الشيخ محمّد رضا المظفر.22 - جامع المقاصد في شرح القواعد، المحقّق الثاني الشيخ عليّ بن الحسين الكركي ت 940 ه- ، الطبعة الأولى 1411 ه- 1991 م، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، بيروت - لبنان.

23 - جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، شيخ الفقهاء وإمام المحققين الشيخ محمّد حسين النجفي ت 1266 ه- ، الطبعة السابعة، دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان.

24 - الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، الفقيه المحدّث الشيخ يوسف البحراني ت 1186 ه- ، مؤسسة النشر الإسلامي، قم - إيران، تحقيق محمّد تقي الإيرواني.

25 - الخلاف، شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي ت 460 ه- ، الطبعة الأولى 1417 ه- ، مؤسسة النشر الإسلامي، قم - إيران.

26 - الدروس الشرعية في فقه الإماميّة، الشهيد الأوّل الشيخ محمّد بن جمال الدين بن مكي العاملي ت 786 ه- ، الطبعة الثانية 1417 ه- ، مؤسسة النشر الإسلامي، قم - إيران.

ص: 272

27 - ذخيرة المعاد في شرح الارشاد، العلاّمة المحقّق ملا محمّد باقر السبزواري ت 1090 ه- ، الطبعة الحجرية، مؤسسة آل البيت عليهم السلام ، قم - إيران.

28 - ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة، الشهيد الأوّل محمّد بن جمال الدين بن مكي العاملي الجزيني ت 786 ه- ، الطبعة الأولى 1419 ه- ، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم - إيران.

29 - رجال الطوسي، شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيت 460 ه- ، الطبعة الثانية 1420 ه- ، مؤسسة النشر الإسلامي ، قم - إيران، تحقيق جواد القيومي الاصفهاني.

30 - رجال النجاشي، الشيخ الجليل أبو العباس أحمد بن عليّ بن أحمد بن العباس النجاشي الأسدي الكوفي ت 450 ه- ، الطبعة السادسة 1418 ه- ، مؤسسة النشر الإسلامي، قم - إيران، تحقيق السيّد موسى الشبيري الزنجاني.

31 - الرسائل العشر، شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي، ت 460 ه- ، تاريخ الطبع 1404 ه- ، جامعة المدرسين ، قم - إيران ، تحقيق واعظ زادة الخراساني.

32 - رسالة في العدالة (ضمن رسائل فقهية) ، الشيخ الأعظم مرتضى الأنصاري ت 1281 ه- ، الطبعة الأولى 1414 ه- ، مجمع الفكر الإسلامي، قم - إيران، اعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم.

33 - روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان، الشهيد الثاني الشيخ زين الدين بن علي العاملي ت 965 ه- ، الطبعة الأولى 1422 ه- ، مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية، قم - إيران.

ص: 273

34 - الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة، الشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي ت 965 ه- ، الطبعة الثانية 1381 ه- ش ، دار التفسير، قم - إيران، تصحيح حسن القاروبي التبريزي.

35 - روضة الكافي، ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني ت 329 ه- الطبعة الأولى 1413 ه- - 1992 م، دار الأضواء، بيروت - لبنان، الشيخ محمّد جواد الفقيه.

36 - رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدلائل، الفقيه الأصولي السيّدعلي بن السيّد محمّد علي الطباطبائي ت 1231 ه- ، الطبعة الأولى 1422 ه- ، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، قم - إيران.

37 - - السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي، الشيخ الفقيه أبو جعفر محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي ت 598 ه- ، الطبعة الرابعة 1417 ه- ، مؤسسة النشر الإسلامي، قم - إيران.

38 - شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، المحقّق الحلّي نجم الدين جعفر بن الحسن ت 676 ه- ، الطبعة الأولى 1403 ه- - 1983 م، انتشارات استقلال، طهران - إيران، تعليق السيّد صادق الشيرازي.

39 - شرح أصول الكافي، الحكيم الإلهي والفيلسوف الإسلامي صدر الدين الشيرازي ت 1050 ه- ، الطبعة الحجرية 1391 ه- ، منشورات مكتبة المحمودي، طهران - إيران.

40 - الصّحاح، تاج اللّغة وصحاح العربيّة، إسماعيل بن حماد الجوهري، الطبعة الرابعة 1407 ه- - 1987 م، دار العلم للملايين، تحقيق أحمد عبد الغفور عطّار.

ص: 274

41 - العدّة في أصول الفقه، شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي ت 460 ه- ، الطبعة الأولى 1417 ه- ، قم - إيران، تحقيق محمّد رضا الأنصاري القمّي.

42 - العروة الوثقى، آية اللّه العظمى السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي ت 1337 ه- ، مع تعليقات عدّة من الفقهاء، الطبعة الثانية 1421 ه- ، مؤسسة النشر الإسلامي، قم - إيران.

43 - علل الشرائع، الشيخ الصدوق أبو جعفر محمّد بن علي بنالحسين بن بابويه القمي ت 381 ه- ، الطبعة الأولى 1408 ه- - 1988 م، مؤسسة الأعلمي، بيروت - لبنان.

44 - عوالي اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية، ابن أبي جمهور الإحسائي محمّد بن علي بن إبراهيم ت 880 ه- ، الطبعة الأولى 1403 ه- - 1983 م، مطبعة سيد الشهداء عليه السلام ، قم - إيران، تقديم آية اللّه العظمى السيّد المرعشي النجفي، تحقيق الشيخ مجتبى العراقي.

45 - عيون أخبار الرّضا عليه السلام ، الشيخ الصدوق (ت 381 ه-)، سنة النشر 1378 ش ، دار العالم للنشر (جهان)، قم - إيران.

46 - غاية المرام في شرح شرائع الإسلام، الفقيه المحقّق الشيخ مفلح الصيمري البحراني، من أعلام القرن التاسع الهجري، الطبعة الأولى 1420 ه- - 1999 م، دار الهادي، بيروت - لبنان، تحقيق الشيخ جعفر الكوثراني العاملي.

47 - غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع، الفقيه الأقدم السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي ت 585 ه- ، الطبعة الأولى 1417 ه- ، مؤسسة الإمام

ص: 275

الصادق عليه السلام ، قم - إيران، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري.

48 - فقه الرّضا (الفقه المنسوب للإمام الرّضا عليه السلام )، الطبعة الأولى 1406 ه- ، المؤتمر العالمي للإمام الرضا عليه السلام ، مشهد المقدسة - إيران، تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم - إيران.

49 - فهرست كتب الشيعة وأصولهم وأسماء المصنفين وأصحاب الأصول، شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي ت 460 ه- ، الطبعة الأولى 1420 ه- ، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم -إيران، تحقيق السيّد عبد العزيز الطباطبائي.

50 - القاموس المحيط، الفيروز آبادي محمّد بن يعقوب ت 817 ه- ، الطبعة السادسة 1419 ه- - 1998 م، مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان.

51 - قواعد الأحكام، العلاّمة الحلّي أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي ت 726 ه- ، الطبعة الأولى 1419 ه- ، مؤسسة النشر الإسلامي، قم - إيران.

52 - القواعد والفوائد، الشهيد الأوّل أبو عبد اللّه محمّد بن مكي العاملي ت 786 ه- ، مكتبة المفيد، قم - إيران، تحقيق الدكتور السيّد عبد الهادي الحكيم.

53 - قواعد المرام في علم الكلام، ميثم بن علي بن ميثم البحراني ت 699 ه- ، الطبعة الثانية 1406 ه- ، مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي

النجفي، قم - إيران.

54 - الكافي، ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني ت 329 ه- ، الطبعة الأولى 1413 ه- - 1992 م، دار الأضواء، بيروت - لبنان، تحقيق

ص: 276

الشيخ محمّد جواد الفقيه.

55 - كتاب الاشراف، الشيخ المفيد أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي ت 413 ه- ، الطبعة الثانية 1414 ه- - 1993 م، ضمن مؤلفات الشيخ المفيد 9، دار المفيد، بيروت - لبنان.

56 - كتاب الصلاة تقريرات بحث الاستاذ الأعظم الميرزا محمّد حسين الغروي النائيني، للشيخ محمّد تقي الاملي، مكتبة البوذر جمهري مصطفوي، طهران - إيران، 1372 ه- .57 - كتاب الصلاة، الشيخ الأعظم مرتضى الأنصاري ت 1281 ه- ، الطبعة الأولى 1420 ه- ، مجمع الفكر الإسلامي، قم - إيران، اعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم.

58 - كشف اللثام عن قواعد الأحكام، الشيخ بهاد الدين محمّد بن الحسن الاصفهاني المعروف ب- (الفاضل الهندي) ت 1137 ه- ، الطبعة الأولى 1416 ه- ، مؤسسة النشر الإسلامي، قم - إيران.

59 - كفاية الأثر، علي بن محمد الخزاز القمي، سنة النشر 1401 ه- ، دار بيدار للنشر، قم - إيران.

60 - كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الجليل الأقدم أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ت 381 ه- ، الطبعة الأولى 1412 ه- - 1991 م ، مؤسسة الأعلمي، بيروت - لبنان.

61 - كنز العرفان في فقه القرآن، الشيخ الفاضل جمال الدين أبو عبد اللّه المقداد بن عبد اللّه السيوري ت 826 ه- ، الطبعة الأولى 1419 ه- ، المجمع العالمي

ص: 277

للتقريب بين المذاهب الإسلامية، تحقيق السيّد محمّد القاضي.

62 - كنز الفوائد، العلاّمة الفقيه الشيخ أبو الفتح محمّد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي ت 449 ه- ، طبعة 1405 ه- - 1985 م، دار الأضواء، بيروت - لبنان، تحقيق الشيخ عبد اللّه نعمة.

63 - لسان العرب، العلاّمة أبو الفضل جمال الدين محمّد بن حكيم بن منظور الافريقي المصري، الطبعة الأولى 1990 م ، دار صادر، بيروت - لبنان.

64 - مائة كلمة للإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلاموشرحها للعالم الرباني كمال الدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني من أعلام القرن السادس الهجري، الطبعة الأولى 1412 ه- - 1992 م، مؤسسة الأعلمي، بيروت - لبنان، تحقيق مير جلال الدين الحسيني الارموي المحدّث.

65 - المبسوط في فقه الإماميّة، شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن بن علي الطوسي ت 460 ه- ، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية، 1351 ه- ش .

66 - متشابه القرآن ومختلفه، الشيخ محمّد بن علي بن شهرآشوف المازندراني ت 588 ه- ، الطبعة الثالثة 1410 ه- ، انتشارات بيدار، قم - إيران.

67 - مجمع البحرين، الشيخ فخر الدين الطريحي ت 1085 ه- ، الطبعة الأولى 1416 ه- ، مؤسسة البعثة، طهران - إيران.

68 - مجمع البيان في تفسير القرآن، أمين الإسلام أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي، من أعلام القرن السادس الهجري، الطبعة الأولى 1415 ه- - 1995 م، مؤسسة الأعلمي، بيروت - لبنان، تقديم السيّد محسن الأمين

ص: 278

العاملي.

69 - مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان، المولى أحمد المقدس الأردبيلي ت 993 ه- ، الطبعة الثانية 1417 ه- ، مؤسسة النشر الإسلامي، قم - إيران.

70 - المختصر النافع، المحقّق الحلّي نجم الدين جعفر بن الحسن ت 676 ه- ، الطبعة السادسة 1376 ش، مؤسسة مطبوعات ديني، قم - إيران.

71 - مختلف الشيعة، العلاّمة الحلّي الحسن بن يوسف بن المطهر ت726 ه- ، الطبعة الأولى 1412 ه- ، مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية التابع لمكتب الإعلام الإسلامي، قم - إيران.

72 - مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام، الفقيه المحقّق السيّد محمّد بن علي الموسوي العاملي ت 1009 ه- ، الطبعة الأولى 1410 ه- ، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم - إيران.

73 - مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول عليهم السلام ، المولى محمّد باقر المجلسي ت 1111 ه- ، الطبعة الرابعة 1379 ه- ش ، دار الكتب الإسلامية، طهران - إيران، تصحيح السيّد هاشم الرسولي.

74 - مسالك الافهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، الشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي ت 965 ه- ، الطبعة الأولى 1418 ه- ، مؤسسة المعارف الإسلامية ، قم - إيران.

75 - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، خاتمة المحدثين الحاج ميرزا حسين نوري الهمداني ت 1320 ه- ، الطبعة الأولى 1407 ه- ، موسسة آل

ص: 279

البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم - إيران.

76 - مستند الشيعة في أحكام الشريعة، العلاّمة الفقيه المولى أحمد بن محمّد مهدي النراقي ت 1245 ه- ، الطبعة الأولى 1416 ه- ، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم - إيران.

77 - مصباح الفقيه، الفقيه المحقّق الشيخ رضا بن محمّد هادي الهمداني ت 1322 ه- ، الطبعة الحجرية، إيران.

78 - مصباح المتهجّد، شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي ت 460 ه- ، الطبعة الأولى 1418 ه- - 1998 م، مؤسسة الأعلميللمطبوعات، بيروت - لبنان.

79 - المصباح المنير، العلاّمة أحمد بن علي المقري الفيومي ت 771 ه- ، دار الفكر، بيروت - لبنان .

80 - المعتبر في شرح المختصر، المحقّق الحلّي نجم الدين أبو القاسم جعفر بن الحسن ت 676 ه- ، مؤسسة سيّد الشهداء عليه السلام ، قم - إيران.

81 - معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة، آية اللّه العظمى السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي، الطبعة الخامسة 1413 ه- 1992 م،

طهران - إيران.

82 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية في القاهرة، دار الدعوة، استانبول - تركيا، 1989 م.

83 - مفاتيح الشرائع، المحدث الفقيه المولى محمّد محسن الفيض الكاشاني ت 1091 ه- ، تاريخ الطبع 1401 ه- ، مجمع الذخائر الإسلامية، قم - إيران،

ص: 280

تحقيق السيّد مهدي الرجائي.

84 - مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلاّمة، المحقّق السيّد محمّد جواد الحسيني العاملي ت 1226 ه- ، دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان.

85 - المفردات في غريب القرآن، الراغب الاصفهاني، الطبعة الثانية 1420 ه- 1999 م، دار المعرفة، بيروت - لبنان، تحقيق خليل عيتاني.

86 - المقنعة، الشيخ المفيد محمّد بن النعمان العكبري البغدادي ت 413 ه- ، الطبعة الثانية 1414 ه- - 1993 م، ضمن مؤلفات الشيخ المفيد 14، دار المفيد، بيروت - لبنان.

87 - من لا يحضره الفقيه، رئيس المحدثين أبو جعفر الصدوق محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ت 381 ه- ، الطبعة الثانية 1413 ه- - 1992 م ، دار الأضواء، بيروت - لبنان، تحقيق الشيخ محمّد جواد الفقيه.

88 - نهاية التقرير في مباحث الصلاة، آية اللّه الشيخ محمّد الموحّدي الفاضل، تقريرا لأبحاث آية اللّه العظمى السيّد حسين الطباطبائي

البروجردي ت ، الطبعة الثانية 1403 ه- ، قم - إيران.

89 - نهاية الدراية شرح الوجيزة، الشيخ البهائي، السيّد حسن الصدر العاملي الكاظمي ت 1354 ه- ، الطبعة الأولى 1413 ه- ، نشر المشعر، قم - إيران، تحقيق الشيخ ماجد الغرباوي.

90 - النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير، أبو السعادات المبارك بن محمّد الجزري ت 606 ه- ، الطبعة الأولى 1418 ه- - 1997 م، دار الفكر، بيروت - لبنان.

ص: 281

91 - النهاية ونكتها، شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي ت 460 ه- ، الطبعة الأولى 1412 ه- ، مؤسسة النشر الإسلامي، قم - إيران.

92 - نهج البلاغة، مجموع ما اختاره الشريف أبو الحسن محمّد الرضي بن الحسن الموسوي من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، الطبعة الخامسة 1412 ه- ، مؤسسة دار الهجرة، قم - إيران، تحقيق صبحي الصالح.

93 - الهداية في الأصول والفروع، الشيخ الصدوق أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ت 381 ه- ، الطبعة الأولى 1418 ه- ، مؤسسة الإمام المهدي عليه السلام ، قم - إيران.

94 - وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، الفقيه المحدث الشيخ محمّد بن الحسن الحر العاملي ت 1104 ه- ، الطبعة الأولى 1413 ه- 1993 م، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، بيروت - لبنان.

95 - الوسيلة إلى نيل الفضيلة، الفقيه عماد الدين محمّد بن علي بن حمزة الطوسي المشهدي، من أعلام القرن السادس الهجري، منشورات جمعية منتدى النشر 1399 ه- - 1979 م، النجف الأشرف - العراق، تحقيق عبد العظيم البكاء.

96 - ينابيع المودّة لذوي القربى، الشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي (ت 1294 ه-)، الطبعة الأولى 1416 ه- ، دار أسوة، قم - إيران، تحقيق السيد علي جمال أشرف الحسيني.

ص: 282

فهرس المحتويات

تقديم.......... 9

كلمة سماحة الشيخ الأستاذ.......... 11

مقدمة التحقيق.......... 13

العدالة الاجتماعية.......... 15

العدل والتوحيد.......... 18

العدل والنبوة.......... 19

العدل والإمامة.......... 21

العدل والمجتمع المدني.......... 22

العدل والانتظار.......... 27

التمهيد.......... 33

الأمر الأوّل:

أنّ العدالة أمر مرغوب ومندوب إليها شرعا وعقلاً بالأدلة الأربعة.......... 36

الأمر الثاني:

في الموارد المشروطة بالعدالة.......... 39

المقام الأوّل

مفهوم العدالة لغة، وعرفا، وشرعا.......... 43

ص: 283

العدالة لغةً.......... 43

العدالة عرفا .......... 44

العدالة شرعا.......... 46

أدلة الأقوال ومناقشتها:

القول الأوّل.......... 51

مناقشة القول الأوّل.......... 53

الجهة الأولى.......... 53

الجهة الثانية.......... 63

الدليل الأوّل.......... 63

الدليل الثاني.......... 65

الدليل الثالث.......... 65

القول الثاني.......... 77

الجهة الأولى: تنقيح القول والقائل به.......... 77

الجهة الثانية: الأدلة على هذا القول.......... 81

الطائفة الأولى.......... 82

الطائفة الثانية.......... 82

القول الثالث.......... 92

الجهة الأولى: تنقيح القول.......... 92

الجهة الثانية: أدلة القول:.......... 95

الدليل الأوّل.......... 95

الدليل الثاني.......... 97

ص: 284

الدليل الثالث.......... 97

الدليل الرابع.......... 98

الجهة الأولى.......... 111

الجهة الثانية.......... 115

المقام الثاني

شرائط العدالة.......... 131

الأمر الأوّل: تقسيم المعاصي.......... 132

الأمر الثاني: المناط في المعاصي الكبيرة.......... 140

روايات الطائفة الأولى.......... 143

روايات الطائفة الثانية.......... 145

تعيين عدد الكبائر.......... 148

القسم الأوّل.......... 148

القسم الثاني.......... 151

القسم الثالث.......... 154

القسم الأوّل.......... 159

القسم الثاني.......... 159

القسم الثالث.......... 161

الأمر الثالث: في اعتبار الاجتناب عن الصغائر أو الإصرار

عليها في العدالة وعدمه.......... 165

الجهة الأولى: الحكم.......... 166

الجهة الثانية: موضوع الإصرار على الصغائر.......... 169

ص: 285

الجهة الثالثة: ارتكاب الصغيرة قادح في العدالة أو لا؟.......... 177

الإشكال على الوجه الأوّل.......... 180

الإشكال على الوجه الثاني.......... 185

الإشكال على الوجه الثالث.......... 188

الأمر الرابع: اعتبار المروّة في العدالة.......... 191

الإشكال على الوجه الأوّل.......... 194

الإشكال على الوجه الثالث.......... 196

الإشكال على الوجه الرابع.......... 198

المقام الثالث

التوبة وأحكامها.......... 201

الجهة الأولى: بيان حقيقة التوبة.......... 202

مراتب التوبة.......... 203المرتبة

الأولى.......... 203

المرتبة الثانية.......... 204

المرتبة الثالثة.......... 204

المرتبة الرابعة.......... 205

المرتبة الخامسة.......... 205

المرتبة السادسة.......... 205

المرتبة السابعة.......... 206

الجهة الثانية: حكم التوبة التكليفي.......... 208

أوّلاً: الكتاب الكريم.......... 208

ص: 286

ثانيا: السنة الشريفة.......... 210

ثالثا: الإجماع.......... 213

رابعا: العقل.......... 213

الجهة الثالثة: الحكم الوضعي للتوبة.......... 216

المسألة الأولى.......... 216

المسألة الثانية.......... 218

المقام الرابع

طرق ثبوت العدالة.......... 223

الطريق الأوّل: حسن الظاهر.......... 224

في اعتبار المعاشرة في حسن الظاهر.......... 229

الإشكال على الوجه الأوّل وجوابه.......... 230

الإشكال على الوجه الثاني.......... 231

كاشفية حسن الظاهر عن العدالة إفادته العلم أو الظن.......... 233

الطريق الثاني: البيّنة.......... 236

الطريق الثالث: اعتبار شهادة عادل واحد قولاً أو فعلاً.......... 238

الطريق الرابع: الشياع الموجب للظن.......... 239

الوجه الأوّل.......... 240

الوجه الثاني.......... 241

الوجه الثالث.......... 242

الوجه الرابع.......... 243

الوجه الخامس.......... 244

ص: 287

حجيّة الشياع في العدالة.......... 246

الطريق الخامس: الإسلام مع عدم ظهور الفسق.......... 250

الطريق السادس: مطلق الظن بالعدالة.......... 251

الفهارس الفنية

فهرس الآيات الكريمة.......... 257

فهرس الأحاديث والروايات الشريفة.......... 263

فهرس مصادر التحقيق.......... 269

فهرس المحتويات.......... 283

ص: 288

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.