زيارة عاشوراء تحفة من السماء

هوية الكتاب

زيارة عاشوراء تحفة من السماء

داوری، مسلم، 1322

زيارة عاشوراء تحفة من السماء: تقريرات بحث آية الله مسلم داوري دام ظله؛ بقلم السيّد عبّاس الحسيني.

مؤسّسة الإمام الرّضا(علیه السلام) للبحث والتحقيق العلمي.

392ص

ISBN 978 – 964 – 8238 – 34- 1

فهرست نويسی بر اساس فيپا.

کتابنامه: ص343- 387؛ همچنين به صورت زيرنويس.

1. زيارتنامه عاشورا – نقد و تفسير. 2. زيارتنامه ها – نقد و تفسير. 3. حسين بن علی (ع)، امام سوم، 4. 61ق.

- سوگواریها. الف. حسينی، عباس، 1352- محرر ب عنوان.

9ز2د/ 608/ 271 BP 777/297

زيارة عاشوراء تحفة من السماء

بحوث سماحة آية الله الشيخ مسلم الداوري حفظه الله

تأليف: السيّد عبّاس الحسيني

تحقيق: مؤسّسة الإمام الرّضا(علیه السلام) للبحث والتحقيق العلمي

الناشر: مؤسّسة الإمام الرّضا(علیه السلام) للبحث والتحقيق العلمي

صفّ الحروف والإخراج الفنّي: محمد باقر الأسدي

الکمّية:1000نسخة

الطبعة:الثالثة: 1435ه-/2014م

عدد الصفحات والقطع: 392 صفحة. وزيري

المطبعة:نگين

محرر الرقمي:محمد المنصوري

ص: 1

اشارة

ص: 2

عکس

ص: 3

داوری، مسلم، 1322

زيارة عاشوراء تحفة من السماء: تقريرات بحث آية الله مسلم داوري دام ظله؛ بقلم سيد عباس حسيني

تحقيق مؤسّسه فرهنگی تحقيقاتی امام رضا عليه السّلام.

392ص

ISBN 978 – 964 – 8238 – 34- 1

فهرست نويسی بر اساس فيپا.

کتابنامه: ص343- 387؛ همچنين به صورت زيرنويس.

1. زيارتنامه عاشورا – نقد و تفسير. 2. زيارتنامه ها – نقد و تفسير. 3. حسين بن علی (ع)، امام سوم، 4. 61ق.

- سوگواریها. الف. حسينی، عباس، 1352- محرر ب عنوان.

9ز2د/ 608/ 271 BP 777/297

زيارة عاشوراء تحفة من السماء

بحوث سماحة آية الله الشيخ مسلم الداوري حفظه الله

تأليف: السيّد عبّاس الحسيني

تحقيق: مؤسّسة الإمام الرّضا(علیه السلام) للبحث والتحقيق العلمي

الناشر: مؤسّسة الإمام الرّضا(علیه السلام) للبحث والتحقيق العلمي

صفّ الحروف والإخراج الفنّي: محمد باقر الأسدي

الکمّية:1000نسخة

الطبعة:الثالثة: 1435ه-/2014م

عدد الصفحات والقطع: 392 صفحة. وزيري

المطبعة:نگين

ویراستار دیجیتالی:محمد منصوری

شابك: 1- 34- 8238 - 964 - 978 ISBN:978 -964 - 8238 - 34 - 1مركز التوزيع: مؤسسة الإمام الرضا للبحث والتحقيق العلمي 37742903- 25- 0098

http://www.ridhatorath.com info@ridhatorath.com

ص: 4

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ اَلْرَحیمْ

الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسلام على نبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.

ص: 5

ص: 6

الإهداء

إلى حجّة اللّه الكبرى ... إلى خامس أصحاب الكساء... إلى سبط رسول الله وقرة عين الزهراء ... إلى صاحب المصيبة الكبرى... إلى من بكته ملائكة السماء... إلى المحتسب الصابر... إلى المظلوم بلا ناصر... إليك يا سيدي يا أبا عبد الله الحسين بن علي صلوات الله وسلامه عليكما أقدم هذا القليل، راجياً الشفاعة لي ولوالدي يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلاّ من أتى اللَّه بقلبٍ سليم.

عبّاس الحسيني

ص: 7

ص: 8

كلمة المؤسسة للطبعة الثانية:

لا يخفى على المؤمنين ومن يحمل أدنى بصيرة وإنصاف أن ما تمر به الطائفة الشيعية من هجوم مركّز وحملة منظمة على معتقداتها الأصيلة ومفاهيمها الحقّة، إنما يراد منها تشويه المذهب الحق وطمس معالمه الناصعة، وكانت بدايتها منذ وفاة الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وازدادت ضراوتها وشدتها حين دسّ الأمويون ومن سلّطهم على رقاب المسلمين أكاذيبهم وتشكيكاتهم في الأحاديث التي جاء بها النبي وآله الأطهار عليهم السّلام، فعدلوا بالامة عن تعاليم نبيها الكريم إلى ما اشتهت انفسهم، وحملوا الناس على ما امرتهم اهواؤهم الخبيثة تحت اسم النيابة والخلافة عن الرسول صلى الله عليه وآله ، ولا زال الصراع قائماً ومستمراً تجري وقائعه حتى اليوم، ويأخذ أبعاداً مختلفة في ميادين العقيدة.

ولكن الله تعالى قد هيّأ لدينه من ينهض ويذبّ عنه شبهات المغرضين ويدفع عنه أباطيل المزيّفين، وإن سماحة آية الله الشيخ مسلم الداوري - دام ظله - من هؤلاء الذين انبروا لحماية المذهب

ص: 9

والدفاع عنه وعن حريم الولاية المقدسة.

فقد حاول سماحته في هذا الكتاب الموسوم ب- >زيارة عاشوراء تحفة من السماء< وضع دراسة لسند هذه الزيارة ومتنها، مع ردّ للشبهات الواردة عليها، حيث إن زيارة الإمام الحسين عليه السّلام تمثّل شعيرة من شعائر الله تعالى، والتي ورد الحثّ الشديد والتأكيد على تعظيمها و الاهتمام بأمرها؛ لان سيّد الشهداء عليه السّلام بتضحيته المباركة كشف وبين عياناً لكل موجود الحق من الباطل، واوقف الاجيال القادمة على الحقائق الناصعة الواضحة، التي تضي ء لهم سبيل الحق، وتنقذهم من ضلال الجاهلية والظلم إلى نور الهداية الإلهيّة.

فنهضته وشهادته عليه السّلام هي من اسرار الله تعالى المكشوفة وحكمته المصونة فهي معلومة مجهولة، معلومة لأهل الله تعالى ولكل انسان يحمل شرف الانسانية، مجهولة لكثير من البشرممن يجهل عظمتها وأهدافها السامية.

فلذا ينبغي للمؤمنين الاهتمام بهذه الزيارة بأن تتوجه نفوسهم نحو مصائبه التي ألمّت به وما جرى عليه، وأن يكون سفك دمه الطاهر ودماء أولاده وأصحابه قد ترك في قلوبهم درساً شريفاً وتعليماً نبيلاً وذكراً خالداً يتجدد على مر السنين ولذا ينبغي عدم الالتفات إلى الشبهات التي طرأت من الذين تشعّبت فيهم الأهواء وتضاربت عندهم الأراء، حيث أرادوا من ورائها زعزعة ثقة المؤمنين بهذه الزيارة؛ سعياً منهم لنفي اعتبارها، وإضعاف شأنها.

ص: 10

ومن شبهاتهم المزعومة: أن الزيارة المذكورة قد تعرّضت للتحريف والدسّ في بعض نسخها، من قبيل ما يتعلق بمسألة اللعن الوارد في الزيارة، وأن هذا ما لا يمكن نسبته للأئمّة عليهم السّلام !!

إلا أن الشبهة المذكورة مدفوعة، حيث ورد جواز اللعن في الكتاب والسنة. وسيأتي بيانها في طيّات الكتاب. وكذا شبهة من شكّك في سندها أو متنها!! فذلك مردود أيضاً؛ إذ أن هناك من القرائن الدالّة على صحّة صدور الزيارة من الإمام عليه السّلام. كما سيأتي بيان ذلك.

وقد تصدت >مؤسسة الإمام الرضا عليه السّلام للبحث والتحقيق العلمي< في أن تجدّد طبع الكتاب للمرة الثانية - بعد الطبعة الثالثة في بيروت - وتمتاز هذه الطبعة عن سابقتها بأن أضيفت إليها بعض الشبهات الجديدة مع الجواب عنها، وكذا أضيفت إليها بعض الفوائد والأحاديث؛ لكي تكتمل الفائدة ويتحقق الهدف بنشر هذه الثقافة الحسينية.

ووفق الله جهود سماحة العلامة السيد عباس الحسيني في تدوين هذا السِفْر المبارك من >زيارة عاشوراء< وإقرار صحة سندها ومتنها وتحقيق طرقها، مع كشف الستار عمّا أحاط بها من شبهات المشككين ودعاة التحريف.

مؤسّسة الإمام الرّضا عليه السّلام

للبحث والتحقيق العلمي

ص: 11

كلمة المؤسّسة للطبعة الأولى:

لمّا كانت شهادة وتضحية أبي الأحرار الإمام الحسين عليه السّلام هي السرّ في حفظ الدين وديمومة الرسالة الإسلاميّة الّتي جاء بها النبي صلّى الله عليه وآله وبلّغها عن الله تعالى، أصبحت الشريعة الإسلاميّة المحمّديّة خالدة بخلود الذكر الحسيني؛ تجسيداً لقول النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله: «حسين منّي، وأنا من حسين»، وإلى هذا المعنى أشارت عقيلة الهاشميّين زينب الفداء عليها السّلام بقولها ليزيد: «فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تُميت وحينا».

ولذا حاول أعداء الله تعالى والإنسانيّة إخماد هذا الصوت الحسيني، الّذي يحيي القلوب، ويشحذ الهمم، ويثبت الإيمان؛ عبر التشكيك بهذه الشعائر والتنكيل بكلّ من يحاول إحياءها بعد إدراكهم لحقيقة الرابطة بين بقاء الإسلام الّذي دعا إليه النبيّ صلّى الله عليه وآله وبين بقاء الشعيرة الحسينيّة.

فكان يزيد بن معاوية - عليه اللعنة - أوّل مَن حاول تضليل الناس

ص: 12

في حقيقة الثورة الحسينيّة ورموزها؛ حيث نعتهم بالخارجين عن الدين؛ إخفاءً منه لهويّتهم الحقيقيّة، فمن تلك اللحظة بدأت الحاجة إلى مَن يحمل على عاتقه راية الدفاع عن مبادىء الثورة الحسينيّة، وديموميّة بقائها، فكان المدافع الأوّل عن هذه الثورة وأركانها ورموزها الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السّلام، وعمّته بطلة كربلاء، زينب الصمود والشموخ والإباء، صلوات الله وسلامه عليها، الّتي كانت اللسان الناطق للإمامة أثناء تصدّيها لتلك الزمرة الحاكمة الّتي حرّفت المبادىء والقيم الإسلاميّة.

وهكذا يستمرّ الصراع، ويستمرّ التشكيك بالشعائر الحسينيّة إلى يومنا هذا، وبأساليب مختلفة، فبعد أن أدرك أعداء الإسلام والإنسانيّة عدم جدوى القتل والترهيب في النيل من أتباع أهل البيت عليهم السّلام، أخذوا بإثارة ما بدأ به يزيد - عليه اللعنة - من التشكيك والتضليل؛ بحجّة الحداثة والعصرنة، مستعينين بنافذة الثقافة؛ لغرض تمييع الثورة الحسينيّة وإضعاف دور شعائرها في الحياة الإسلاميّة، بل الإنسانيّة.

واليوم - وبعد فشل هذه المحاولات وتلك - حاول بعضهم ممّن تلبّس بزي رجال أهل العلم - وتحت غطاء العلم والمعرفة - أن يمدّ يد العون والمساعدة لأولئك الظلمة ومَن تبعهم؛ مساهمة منه في إكمال ما بدأوه في مسيرتهم من ظلمٍ لأهل البيت عليهم السّلام.

فبدأت القصّة بتسمية اختلاف نسخ زيارة عاشوراء تزويراً !! وإثبات بعض فقرات الزيارة اختلاقاً !! قلباً للحقائق، وتنكّراً لآلة العلم، وإلاّ

ص: 13

فالأخذ بهذا القول لا يبقي للعلم قاعدة يستند إليها، ولا يصمد أمام هذا القول مصدرٌ من مصادر التشريع الإسلامي.

وكذلك كان الاعتذار عن أعداء أهل البيت عليهم السّلام بإنكار بعض مقاطع الزيارة، كاللعن الوارد فيها؛ بحجّة عدم تماشيه مع الأدب الإسلامي الرفيع ردّاً على الله تعالى؛ إذ ورد اللعن في كتابه العزيز وفي مواطن كثيرة.

أضف إلى أنّ القصّة المنقولة عن الشيخ الطوسي - رحمه الله - مع الوالي العباسي، وتبرير الشيخ له - كما يظهر من حكاية القصّة - تكشف عن الجوّ الّذي كان يعيشه الشيخ الطوسي - رحمه الله - من جهة، ومن جهة أخرى فهي تكشف عن ثبوت هذا المقطع في الزيارة.

وهكذا وصل الأمر إلى التبجّح بعدم اعتبار سند الزيارة الّذي لا اعتبار له في الواقع العملي، لما تحويه الزيارة من مضامين عالية تكشف عن عدم إمكان صدور مثلها إلاّ عن المعصوم عليه السّلام، فضلاً عن الآثار والكرامات الّتي ثبتت للزيارة للقاصي والداني بما لا يقبل الشكّ والشبهة.

ومن هنا جاء كتاب «زيارة عاشوراء تحفة من السّماء» بقلم العلامّة السيّد عبّاس الحسيني لإثبات صحّة سند هذه الزيارة، وبأكثر من طريق، ولدفع ما ذكر حول الزيارة والشعائر الحسينيّة من تشكيك وتحريف.

ص: 14

فمن محاسنه أنّه جاء على وفق المباني الرجاليّة لسماحة شيخنا الأستاذ آية الله الشيخ مسلم الداوري حفظه الله والّتي هي اليوم محطّ نظر علماء وفضلاء الحوزة العلميّة المباركة.وفي الختام يسرّنا أن نتقدّم بجزيل الشكر والتقدير إلى كافّة الإخوة الأفاضل الأعزّاء الّذين ساهموا في تحقيق وإخراج هذا الكتاب، ونخصّ بالذكر:

1 - فضيلة الشيخ محمّد الخفاجي الّذي تولّى مهمّة التقويم العلمي وتصحيح الكتاب.

2 - فضيلة الشيخ علي الأسدي الّذي تولّى مهمّة مراجعة المصادر وتخريج الآيات والأحاديث والأقوال، والمشاركة في عضوية لجنة المقابلة مع النسخ الخطّية.

3 - فضيلة الشيخ حسين مبارك الّذي تولّى مهمّة المراجعة الثانية للمصادر والتخريجات.

4 - فضيلة الشيخ سلام التميمي الّذي تولّى مهمّة تقويم النصّ للقسم الأوّل من الكتاب.

كما نودّ أن ننوّه إلى أنّنا اعتمدنا عند مقابلة النسخ الخطّية - في تفسير بعض الرموز الواردة فيها والّتي لم نقف على المراد منها - على تفسير المؤلّف لها. مثل: «خ ل ص» حيث فسّرها ب- «أنّها ترمز إلى التصحيح عند الناسخ وأنّه أخذها من نفس النسخة التّي كانت بين

ص: 15

يديه بنحو نسخة بدل».

نسأله تعالى أن يوفّق الجميع لما فيه خير الدنيا والآخرة، وأن يجعلنا في سجلّ خَدَمَة الإمام الحسين عليه السّلام، إنّه نعم المجيب.

مؤسّسة الإمام الرّضا عليه السّلام

للبحث والتحقيق العلمي

ص: 16

مقدّمة المؤلّف

اشارة

نحمدك اللّهمّ إذ هديتنا إلى صراطك السّوي، الّذي هو طريق أنبيائك وأصفيائك، ولم تسألنا عليه أجراً إلاّ المودّة في قربى نبيّك، وأمينك، وخيرتك من خلقك، ونسألك الحشر تحت لواء من أذهبت عن ذرّيّته الرجس، وطهّرتهم تطهيراً، والورد من حوضه، الّذي يذاد عنه من أحدث بعده، ونصلّي عليه وآله، وعلى من حافظ على عهده من أصحابه وأتباعه.

وبعد:

إنّ المتتبّع لروايات أهل البيت عليهم السّلام، يجد: أنّهم أكّدوا غاية التأكيد، وشدّدوا نهاية التشديد، على زيارة أبي عبد الله الحسين عليه السّلام، حتّى أنّهم عليهم السّلام خصّوا زيارته بخصائص لم يشاركه أحد فيها، حتّى جدّه المصطفى صلّى الله عليه وآله، وأبيه المرتضى عليه السّلام، وليس ذلك إلاّ لأنّ شهادته عليه السّلام أوجبت بقاء الدين، وإحياء شريعة سيّد المرسلين وخاتم النبيّين، ومحو آثار

ص: 17

المفسدين، بعدما كادت غاية الإسلام النبيلة أن تخرج عن حدودها الّتي رسمها لها صاحب الشريعة صلّى الله عليه وآله، حينما اعتلى يزيد عرش الخلافة بتمهيد من أبيه معاوية، الّذي تلاعب بالدين، وحرّف شريعة سيّد المرسلين، بعد شهادة أمير المؤمنين عليه السّلام، فإنّه أمر الرواة بوضع الأحاديث المكذوبة على رسول الله صلّى الله عليه وآله، الّتي تطعن وتشكّك في الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام، وتخالفه في كلّ ما يفعله، أو يقوله، أو يتّصف به، كما ذكر ذلك ابن أبي الحديد، حيث قال: روى أبو الحسن عليّ بن محمّد بن أبي سيف المدائني في كتاب «الأحداث»، قال: كتب معاوية نسخة واحدة إلى عمّاله - بعد عام الجماعة - : أن برئت الذمّة ممّن روى شيئاً من فضل أبي تراب، وأهل بيته. فقامت الخطباء في كلّ كورة، وعلى كلّ منبر، يلعنون عليّاً، ويبرؤون منه، ويقعون فيه، وفي أهل بيته، وكان أشدّ النّاس بلاء - حينئذ - أهل الكوفة؛ لكثرة من بها من شيعة عليّ عليه السّلام، فاستعمل عليهم زياد بن سميّة، وضمّ إليه البصرة، فكان يتتبّع الشيعة، وهو بهم عارف؛ لأنّه كان منهم أيّام عليّ عليه السّلام، فقتلهم تحت كلّ حجر ومدر، وأخافهم، وقطع الأيدي والأرجل، وسمل العيون، وصلبهم على جذوع النخل، وطردهم وشرّدهم عن العراق، فلم يبق بها معروف منهم.

وكتب معاوية إلى عمّاله في جميع الآفاق: ألاّ يجيزوا لأحد من شيعة عليّ وأهل بيته شهادة... ثمّ كتب إلى عمّاله: إنّ الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كلّ مصر، وفي كلّ وجه وناحية، فإذا جاءكم

ص: 18

كتابي هذا فادعوا النّاس إلى الرواية في فضائل الصحابةوالخلفاء الأوّلين، ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلاّ وتأتوني بمناقض له في الصحابة؛ فإنّ هذا أحبّ إليّ، وأقرّ لعيني، وأدحض لحجّة أبي تراب وشيعته، وأشدّ إليهم من مناقب عثمان وفضله.

فقرئت كتبه على الناس، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها، وجدّ الناس في رواية ما يجري هذا المجرى، حتّى أشادوا بذكر ذلك على المنابر، وألقي إلى معلّمي الكتاتيب، فعلّموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع، حتّى رووه وتعلّموه كما يتعلّمون القرآن، وحتّى علّموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم، فلبثوا بذلك ما شاء الله.

ثمّ كتب إلى عمّاله نسخة واحدة إلى جميع البلدان: انظروا من قامت عليه البيّنة أنّه يحبّ عليّاً وأهل بيته فامحوه من الديوان، وأسقطوا عطاءه ورزقه. وشفع ذلك بنسخة أخرى: من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم، فنكّلوا به، واهدموا داره، فلم يكن البلاء أشدّ ولا أكثر منه بالعراق، ولا سيّما بالكوفة، حتّى إنّ الرجل من شيعة عليّ عليه السّلام ليأتيه من يثق به فيدخل بيته فيلقي إليه سرّه، ويخاف من خادمه ومملوكه، ولا يحدّثه حتّى يأخذ عليه الأيمان الغليظة ليكتمنّ عليه، فظهر حديث كثير، موضوع، وبهتان منتشر، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة، وكان أعظم الناس في ذلك بليّة القرّاء المراؤون،

ص: 19

والمستضعفون الّذين يظهرون الخشوع والنسك، فيفتعلون الأحاديث؛ ليحظوا بذلك عند ولاتهم، ويقرّبوا مجالسهم، ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل، حتّى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديّانين الّذين لا يستحلّون الكذب والبهتان، فقبلوها، ورووها، وهم يظنّون أنّها حقّ، ولو علموا أنّها باطلة لما رووها، ولا تديّنوا بها.

فلم يزل الأمر كذلك حتّى مات الحسن بن عليّ عليه السّلام، فازداد البلاء والفتنة، فلم يبق أحد من هذا القبيل إلاّ وهو خائف على دمه، أو طريد في الأرض(1).

وجاء بعده ابنه صاحب الفسوق والفجور، اللاّهي بالفهود والقرود، فحكم ثلاث سنين، وعمل فيها ثلاثة أعمال(2)

سجّلها له التاريخ بمداد من الخزي والعار، وعهد بأمور المسلمين إلى الّذين يشربون الخمر، ويرتكبون الفجور، وليس عليهم حساب، ولا عقاب، يقتلون الأبرياء والأخيار والعلماء، ويسبّون خير الخلق بعد الأنبياء والمرسلين، ويفعلون ما يشاؤون، أمثال: زياد بن أبيه، وبسر بن أرطاة، والمغيرة بن شعبة، وغيرهم.

وكان الإمام الحسين بن علي عليه السّلام يراقب ذلك كلّه عن كثب، فلمّا علم أنّ الجاهلية قد عادت وأنّ هذه الأمّة قد انقلبت على

ص: 20


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 11: 25 - 26.
2- أنظر: الكنى والألقاب 3: 83، والبداية والنهاية 5: 515 - 518، ومروج الذهب 3: 78 - 81، والكامل في التاريخ 4: 117 - 124، وتاريخ الطبري 5: 495 - 498، وتهذيب التهذيب 5: 187 / 372، وينابيع المودّة 2: 380 - 381.

أعقابها رأى - بصفته القيّم على الدين، وخليفة سيّد المرسلين، والإمام على الخلق أجمعين، وهو ابن محمّد نبيّ هذه الأمّة، وابن عليّ بن أبي طالب قائد الأبرار، وقاتل الكفرة والفجّار - من واجبه أن يعيد إلى الإسلام مجده وتاريخه وكلمته وتعاليمه، ويبيّن للملأ الإسلامي فظائع بني أميّة وأعمالهم ومخازيهم الّتي ترتعد منها فرائص المؤمنين، فأعلن عليه السّلام ثورته الكبرى، معرّضاً نفسه وأصحابه للقتل، وأهله وعياله للسبي؛ لكي ينبّه المسلمين إلى أنّ القوم ليسوا بأصحاب دين، وإن ظهروا للناس بمظهر نيابة الرّسول العظيم صلّى الله عليه وآله، فلذا قال عليه السّلام في إحدى خطبه: «وقد علمتم أنّ هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان، وتولّوا عن طاعة الرّحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله، وحرّموا حلاله» (1).

وقال عليه السّلام - أيضاً - لأصحابه: «إنّه قد نزل ما ترون من الأمر، وإنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت، وأدبر معروفها، واستمرّت وولّت حتّى لم يبق منها إلاّ صبابة كصبابة الإناء، وإلاّ خسيس عيش كالمرعى الوبيل. ألا ترون أنّ الحقّ لا يعمل به، وأنّ الباطل لا يتناهى عنه، فليرغب المؤمنون في لقاء الله عزّوجلّ، فإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة والحياة مع

ص: 21


1- بحار الأنوار 44: 382، وانظر: العوالم، الإمام الحسين عليه السّلام 17: 233، وتاريخ الطبري 5: 403، والكامل في التاريخ 4: 48.

الظالمين الباغين إلاّ برماً» (1).

وهكذا عشق الإمام عليه السّلام الشهادة، وجاد بنفسه الزكيّة، فكان قتله هتكاً لحرمة الإسلام، وانهداماً لركن الدين.

وكيف لا يكون كذلك وهو الّذي قال فيه جدّه رسول الله صلّى الله عليه وآله: «حسين منّي وأنا من حسين» (2) فلولا شهادته وتضحيته عليه السّلام لما قام للدين عمود، ولما اخضرّ للإسلام عود، ولاستبدلت الشريعة المحمّديّة وزالت وفنت ولم يبق منها شيء ففدى نفسه وأهل بيته وأصحابه للإسلام ودين الله طلبا لرضاه عزوجل وبذلك قد أبطل كل المخططات الشيطانية والأموية وهدّم بنيان الكفر والظلم وأثبت أركان الهداية والسعادة وحيث أنه قد أعطى كل ما عنده لله عزوجل ورضاه فلا غرو أن الله عزوجل يعطيه المنزلة والمقام التي لم يعط لأحد من قبله ولا من بعده.

ولذلك كانت شخصية الإمام عليه الصلاة والسّلام فريدة واستثنائية

ص: 22


1- شرح الأخبار 3: 150، وانظر: تحف العقول: 245، قصار كلماته، وكشف الغمّة 1: 576، وبحار الأنوار 44: 192 و 381، وذخائر العقبى 2: 171، ومجمع الزوائد 9: 192، والمعجم الكبير 3: 114، الحديث 2842، وتاريخ دمشق 14: 217 / 1566، وتاريخ الطبري 5: 403، وسير أعلام النبلاء 3: 310، وجواهر المطالب 2: 270، باب 75.
2- كامل الزيارات: 116، باب 14، الحديث 11، والإرشاد 2: 127، والعمدة: 406، الحديث 839، وبحار الأنوار 43: 270، وسنن الترمذي 5: 658، الحديث 3775، ومجمع الزوائد 9: 181، وفيه: «وأنا منه»، والمعجم الكبير 3: 32، الحديث 2586، وفيه: «وأنا منه»، والمصدر نفسه 22: 274، الحديث 702، وفيه: «وأنا منه»، وأسد الغابة 2: 20، وميزان الاعتدال 2: 135 / 3170، والمستدرك على الصحيحين 3: 177، وقال: حديث صحيح، ولم يخرجان.

بكل المقاييس والمعايير من أول تكوينها إلى آخر حياتها.

فمن عالم الطبيعة:

1 - إن المولود الذي عمره ستة أشهر لا تدوم به الحياة والبقاء ويموت قطعاً - في ذاك الزمان(1) ، مع أن الإمام الحسين عليه السّلام بقي وعاش، وهذه كرامة من اللّه تعالى لم يمنحها إلا للحسين بن علي وعيسى بن مريم(2) وقيل يحيى(3)عليهم السّلام ، وأمّا في غيرهم فلم يثبت بدليل معتبر.

2 - إن الشمس لا تنكسف لموت أحد - كما ورد في بعض الأخبار(4) مع أنّها انكسفت عند استشهاد الإمام سيّد الشهداء عليه السّلام حتى رؤيت النجوم في نصف النهار(5)، وهذا أمر خارق للطبيعة سواء كان من جهة حيلولة القمر أو من غير ذلك.

ص: 23


1- في زماننا أدّى التطوّر الطبي إلى إطالة اعمار بعض الاطفال الذين ولدوا لستة أشهر من خلال توفير بيئة مناسبة لهم لاستكمال نموهم الطبيعي.
2- كامل الزيارات: 123، ب 16، الحديث6، والكافي 1: 536، كتاب الحجة، باب 172، الحديث 4، ووسائل الشيعة 2: 502، باب 12 من أبواب غسل الميت، الحديث 3، وذخائر العقبى2: 24، وتاريخ الخميس 1: 471.
3- مرآة العقول 5: 123، وشرح اصول الكافي 7: 233، وتاريخ الخميس 1: 471.
4- وسائل الشيعة 7: 485، باب 1 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ، الحديث 10، والمصدر نفسه: 491، باب 6 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ، الحديث 2، 3.
5- أمالي الصدوق 694، المجلس 87، الحديث 5، كمال الدين 2: 532، باب 48، الحديث 1، المعجم الكبير 3: 114، وتاريخ دمشق 14: 226، ومجمع الزوائد 9: 197، الحديث 15163، وتاريخ الخلفاء: 166، والصواعق المحرقة: 194.

3 - بحسب الطبيعة والعادة لا يخرج الدم من تحت الحجر، ولا يتبدل إلى تراب، ولا يجري من أغصان الاشجار، ولا ينزل من السماء، إلا أنه قد وقع ذلك يوم استشهاد الإمام الحسين عليه السّلام وبعده(1)، وفي ظهور هذه الايات العجيبة وأمثالها في الأرض والسماء بعد مقتله عليه السّلام ، فيها دلالة على غضب الله سبحانه وتعالى على قاتليه، وأنهم استحقوا العذاب الأليم لارتكابهم هذه الجريمة الفظيعة الشنيعة بحق ابن بنت نبيهم.

4- أن تكلم الرأس يتوقف على الحياة ووجود الجسد، ولا يمكن التكلم من رأس مقطوع بلا جسم مع أن رأس الإمام الحسين عليه السّلام قد تكلم وهو على الرمح بالقرآن وغيره(2)، وهذه كرامة عجيبة

ص: 24


1- الهداية الكبرى:202، وكامل الزيارات: 158، ب 25، الحديث1، 2،3، والمصدر نفسه: 188، ب 29، الحديث 25، وأمالي الصدوق: 231، المجلس 31، الحديث 243، والمصدر نفسه: 189، المجلس 27، الحديث 198، وعيون أخبار الرضا عليه السّلام 2: 268، ودلائل الإمامة:72، وأمالي الطوسي: 314، المجلس11، الحديث 639، والمصدر نفسه: 640، وإعلام الورى بأعلام الهدى 1: 428، ومناقب آل أبي طالب3: 55، والمصدر نفسه: 213، وكشف الغمة 1: 47، والعقد النضيد: 107، وبحار الأنوار 45: 231، الحديث 3، والمصدر نفسه 45:233، الحديث 1، والمعجم الكبير للطبراني 3 : 108، وربيع الأبرار ونصوص الأخبار 1: 223، والتذكرة الحمدونية 9: 159، وتاريخ دمشق 14: 192، والمصدر نفسه: 227، 229، وتهذيب الكمال 6 : 408 - 409 ، والمصدر نفسه: 433،434، ومجمع الزوائد 9: 196، الحديث 15159، 15160، وتهذيب التهذيب 2: 305، وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، الحديث 2817، والصواعق المحرقة : 192 -193، وشذرات الذهب في أخبار من ذهب 1: 34.
2- دلائل الإمامة:77، وإعلام الورى بأعلام الهدى 1: 473، والثاقب في المناقب: 333، والخرائج والجرائح 2: 577، وتاريخ دمشق 22: 117، والمصدر نفسه 60: 370، ومختصر تاريخ دمشق 25: 274، والوافي بالوفيات 15: 200، والخصائص الكبرى 2: 216، وفيض القدير شرح الجامع الصغير 1: 265.

قد خصّه الله سبحانه بها مثل ما خص بها نبيه يحيى بن زكريا عليه السّلام من قبل(1).

ومن عالم التشريع:

1- إن أكل الطين - والمراد به ما يشمل التراب - حرام، حتّى طين قبور الأئمة عليهم السّلام إلّا أنّه استثني من ذلك طين قبر سيّد الشهداء عليه السّلام ، إذا كان بقصد الاستشفاء، وبقدر الحمّصة فما دون(2).

2- إنه يستحب للمؤمن أن يتخذ مِسبَحة من طين قبر الإمام الحسين عليه السّلام (3)، لما فيه من الفضل والمزية(4)، وقد ورد انه: مَن كان معه سبحة من طين قبر الحسين عليه السّلام: «كُتِب مُسبِّحاً وإن لم يُسبّح بها»(5).

3- إنه يستحب تحنيك المولود عند ولادته بتربة الإمام الحسين عليه السّلام (6)، ولم يثبت ذلك في غير تربة سيّد الشهداء عليه السّلام،

ص: 25


1- تفسير القمي: 83، سورة البقرة ، الآية : 259، والبرهان في تفسير القرآن 1: 259، والمصدر نفسه 3: 838، تاريخ الطبري 1: 587، وتاريخ دمشق 64: 207.
2- أنظر وسائل الشيعة 10: 251، باب 70 و 72 و 73 من أبواب المزار.
3- وسائل الشيعة 6: 455، باب 16 من أبواب التعقيب، الحديث 5.
4- وسائل الشيعة 6: 455، باب 16 من أبواب التعقيب، الحديث 1، 4، 6،7.
5- وسائل الشيعة 6: 455، باب 16 من أبواب التعقيب، الحديث 2 .
6- كامل الزيارات: 466، ب 92، الحديث2، والكافي 6: 4، كتاب العقيقة، باب ما يفعل بالمولود من التحنيك وغيره إذا ولد، الحديث 4.

حتى في الأنبياء وسائر الأوصياء.

4- إنه يستحب الكتابة بتربة سيّد الشهداء عليه السّلام على كفن الميت ووضعها في حنوطه وفي كفنه، وجعل مقدار لبنة منها تلقاء وجهه(1).

5- أن السجود على تربة الإمام الحسين عليهم السّلام يخرق الحجب السبع(2) ولم يثبت ذلك في غير تربته عليه السّلام.

6- إنّ التباكي لمصيبة سيّد الشهداء عليه السّلام ، فيه ثواب عظيم(3)، ولم يرد مثل هذا في غيرها من المصائب.

7- إنّ الله تعالى ينظر إلى زوّار قبر أبي عبد الله الحسين عليه السّلام في يوم عرفة قبل أن ينظر إلى الحجّاج(4)، وهذا مما لا عجب فيه، بعد ملاحظة أن أكثرية الثواب لا تنافي أهمية ملاك الواجب، ولذا نجد أن جملة من المستحبات يكون ثوابها أكثر من بعض الواجبات،

ص: 26


1- فقه الرضا عليه السّلام: 109، باب آخر في غسل الميت والصلاة عليه، وتهذيب الاحكام 6: 62، الحديث149، وسائل الشيعة 3: 30، باب 12 من أبواب التكفين، الحديث 3، وزاد المعاد : 343، ومفتاح الكرامة 2: 100، ومنتهى المطلب في تحقيق المذهب 7: 386.
2- وسائل الشيعة 6: 455، باب 16 من أبواب التعقيب، الحديث 5.
3- كامل الزيارات: 209، ب 3، الحديث1، 4، 7، وسائل الشيعة 14: 595، باب 104 من أبواب من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 4.
4- كامل الزيارات: 319، ب 70، الحديث 7، وسائل الشيعة 14: 462، باب 49 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 5.

منها الابتداء بالسلام، فإن ثوابه أكثر من ثواب ردّه مع أن الرد واجب والابتداء بالسلام مستحب.

8 - إنّه ورد في الأخبار أنّ الدّعاء مستجاب تحت قبّة سيّد الشهداء عليه السّلام(1)، ولم يرد ذلك في غير قبته.

ومن عالم الإستشهاد:

1- إنّ الأنبياء والأوصياء قد بكوا على الإمام الحسين عليهم السّلام قبل ولادته(2)، ولم يَبكُوا على غيره.

2- إنّ الإمام الحسين عليه السّلام ثار الله وابن ثاره والوتر الموتور(3).

3- إنّ الإمام الحسين عليه السّلام يزوره جميع الأنبياء والأوصياء عليهم السّلام في أيام وليالي مخصوصة من السنة(4)، ولم يقع مثل هذا لأحد غيره.

4- إنّ الإمام الحسين عليه السّلام قتيل العبرة لا يذكره مؤمن إلّا

ص: 27


1- وسائل الشيعة 14: 452، باب 45 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 16، والمصدر نفسه: 537، باب 76 من أبواب من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 1، و مستدرك الوسائل 10: 335، باب 53 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 15، 16.
2- الخصال 1: 82، باب الأثنين، الحديث 79، وبحار الأنوار 44: 223، الحديث 1، والمصدر نفسه 44 : 244، الحديث 43،44.
3- كامل الزيارات: 327، ب 71، الحديث 9.
4- كامل الزيارات: 220، ب 38، الحديث1، والمصدر نفسه: 222، ب 38، الحديث3،4،5، وبحار الأنوار 98: 57، الحديث 25.

بكى(1).

5- إنّ عدداً هائلاً من الملائكة يطلبون من الله تعالى الرخصة لزيارة الإمام الحسين عليه السّلام في كل يوم فيرخصهم الله، ويثيبهم على ذلك إلّا أنه يجعل ثوابهم ثواباً لمن زاره(2).

6- إنّه لم يرد مثل هذا الحثّ والترغيب والتأكيد الشديد لزيارة أحد من المعصومين عليهم السّلام (3)، حتى مع الخوف والضرر إلّا في زيارة الإمام الحسين عليه السّلام(4).

7- لم يوجد أحد في الوجود تقبل بتوالي المصائب والبليات عليه - في جنب الله تعالى - لِاحياء الدين غير سيّد الشهداء عليه السّلام ، من قتل طفله الرضيع العطشان وهو بين يديه، عندما طلب له الماء، وكذا قتل ولده علي الاكبر، واخوته، وبني اخيه، وبني عمه، وجميع انصاره، بمحضر ومنظر منه، فبقي وحيداً فريداً بين العدى، فكثرت في جسده ضربات السيوف، وطعنات الرماح، ورشقات النبال، فسقط عن جواده مضخماً بدمائه، وجلس قاتله على صدره، وحزّ رأسه وفصله عن

ص: 28


1- كامل الزيارات: 215، ب 36، الحديث3، 6، وسائل الشيعة 14: 422، باب 37 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 31.
2- كامل الزيارات: 222، ب 38، الحديث3، والمصدر نفسه: : 223، ب 39، الحديث1، 2،3.
3- أنظر وسائل الشيعة 14: 408 - 480، الأبواب 36، 37،38،39، 40، 41، 42، 44، 45 ،46، 47، 48، 49، 50، 51، 53، 54، 55، 56، 57.
4- وسائل الشيعة 14: 455، باب 47 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 1، 2، 3، 4.

جسده فبقي في كربلاء صريعاً، ودمه على الأرض مسفوحاً، ورأسه على القناة مشهوراً، وبقيت أهله وعياله بين الأعداء وحرقت خيامه وسلبت بناته ونساؤه الى غير ذلك مما جرى عليه من المصائب والرزايا العظام التي تفوق حد التصور(1).

8 - انّ أئمة أهل البيت عليهم السّلام ، لم يجر عليهم بمثل ما جرى على أبي الأحرار الإمام الحسين عليه السّلام ، ولهذا قال: الإمام الرضا عليه السّلام: «إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا وأسبل دموعنا وأذلّ عزيزنا، بأرض كرب وبلاء، وأورثنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء»(2).

9- ورد في الأثر: أن اللّه تعالى ذكر لآدم وموسى عليهما السّلام مصيبة الإمام الحسين عليه السّلام(3)، ولم يرد مثل هذا لأحد غيره.

10- كان استشهاده عليه السّلام سبباً لاحياء مظلومية أهل البيت عليهم السّلام ، ولكي تعرف الاجيال المتعاقبة منزلة أهل البيت عليهم السّلام، وما لاقوه من الظلم والاضطهاد من ملوك الجور من بني امية وبني العباس ومن تبعهم وقوّى أمرهم.

ص: 29


1- أنظر كتاب مقتل أبي مخنف، واللهوف في قتلى الطفوف للسيّد ابن طاوس ، والمجالس السنية للسيّد محسن الأمين، ومقتل السيّد عبد الرزاق المقرم، ومقتل الخوارزمي.
2- أمالي الصّدوق: 190، المجلس 27، الحديث 27، وروضة الواعظين 1: 169، مع اختلاف يسير.
3- بحار الأنوار 44: 242، الحديث 37، والمصدر نفسه: 44: 244، الحديث 41، والمصدر نفسه: 308، الحديث 19.

11- قد ذكر الأئمّة عليهم السّلام فضائل خاصّة لزيارته عليه السّلام فاقت كلّ الفضائل، وفوائد كثيرة أخروية ودنيوية، محورها ربط الزائر بالله تعالى في جميع الأحوال من خلال الإمام الحسين عليه السّلام، باعتباره داعياً إلى الله تعالى؛ فقد ورد في بعض زياراته عليه السّلام: «وقل: لبّيك داعي الله سبعاً، وقل: إن كان لم يجبك بدني عند استغاثتك، فقد أجابك قلبي وسمعي وبصري...»34، فهو الداعي إلى الله تعالى، وإلى الإيمان بالرسول ورسالته، والاعتقاد بإمامة أئمّة الهدى عليهم السّلام، وورد في الرواية الصحيحة: «لو يعلم الناس ما في زيارة الحسين عليه السّلام من الفضل لماتوا شوقاً، وتقطّعت أنفسهم عليه حسرات»(1).

وفي رواية أخرى: «ولو يعلموا ما في زيارته من الخير، ويعلم ذلك الناس، لاقتتلوا على زيارته بالسيوف، ولباعوا أموالهم في إتيانه»(2) .

والفضائل والكرامات التي تعطى لزائره عليه السّلام كثيرة، نذكر أولا ما وردت في الروايات المعتبرة:

منها: أنّه يغفر الله تعالى له ما تقدّم من ذنبه، وما تأخّر(3).

ومنها: أنّه ممّن يدعو له رسول الله صلى الله عليه وآله وعليّ

ص: 30


1- كامل الزيارات: 270، باب 56، الحديث 3.
2- كامل الزيارات: 176 ، باب 27، الحديث 19 .
3- وسائل الشيعة 14: 419، باب 37 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 22.

وفاطمة والأئمّة عليهم السّلام(1).

ومنها: أنّه ممّن تصافحه الملائكة يوم القيامة(2).

ومنها: أنّه ممّن يصافح رسول الله صلى الله عليه وآله(3).

ومنها: أنّه يكون في الجنّة في جوار النبيّ صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السّلام(4).

ومنها: أنّه مشمول لدعاء الإمام الصّادق عليه السّلام بالرّحمة؛ إذ قال عليه السّلام: «فارحم تلك الوجوه الّتي قد غيّرتها الشمس، وارحم تلك الخدود الّتي تقلّبت على حفرة أبي عبد الله عليه السّلام، وارحم تلك الأعين الّتي جرت دموعها؛ رحمة لنا، وارحم تلك القلوب الّتي جزعت واحترقت لنا، وارحم الصرخة الّتي كانت لنا»(5).

ومنها: أنّه وديعة الإمام الصّادق عليه السّلام عند الله تعالى، بمقتضى قوله عليه السّلام: «اللّهمّ إنّي أستودعك تلك الأنفس، وتلك الأبدان، حتّى توافيهم على الحوض يوم العطش»(6).

ص: 31


1- وسائل الشيعة 14: 411، باب 37 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 7.
2- وسائل الشيعة 14: 411، باب 37 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 7.
3- وسائل الشيعة 14: 411، باب 37 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 7.
4- كامل الزيارات: 271، باب 56، الحديث 4، ووسائل الشيعة 14: 417، باب 37 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 18.
5- وسائل الشيعة 14: 411، باب 37 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 7.
6- وسائل الشيعة 14: 411، باب 37 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 7.

ومنها: أنّه إن كان شقيّاً كتب سعيداً(1).

ومنها: أنّه يدخل الجنّة قبل الناس بأربعين عاماً، وسائر الناس في الحساب والموقف(2).

ومنها: أنّ من يدعو له في السماء أكثر ممّن يدعو له في الأرض(3).

ومنها: أنّ الله يغفر له ما مضى، ويغفر له ذنوب سبعين سنة(4).

ومنها: أنّ الله يكتبه في أعلى علّيّين(5).

ومنها: إن الله تعالى اسمه ليباهي بزائر الحسين عليه السّلام، وانّه تبارك و تعالى أقسم بعزته وجلاله ليدخلنّ زائره الجنة التي أعدها لأوليائه ولأنبيائه ورسله(6).

ومنها: إن الله تعالى وكّل بقبر الحسين بن علي عليه السّلام، أربعة آلاف ملك كلهم يبكونه ويشيعون من زاره إلى أهله ، فان مرض عادوه ، وان مات شهدوا جنازته بالاستغفار له والترحم عليه(7).

ص: 32


1- وسائل الشيعة 14: 454، باب 46من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 23.
2- وسائل الشيعة 14: 425، باب 37 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 40.
3- وسائل الشيعة 14: 411، باب 37 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 7.
4- وسائل الشيعة 14: 411، باب 37 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 7.
5- كامل الزيارات: 279، باب 59، الحديث 3، 5، ووسائل الشيعة 14: 422، باب 37 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 32
6- كامل الزيارات: 271، باب 56، الحديث 5.
7- كامل الزيارات: 232، باب 41، الحديث 2.

ومنها: أن الله تعالى يعطي لزائر الإمام الحسين عليه السّلام ، بكلّ درهم مثل أحد من الحسنات، ويخلف عليه أضعاف ما أنفق(1).

ومنها: أنّ من أتى قبره عليه السّلام تشوّقاً إليه كتبه الله من الآمنين يوم القيامة، وأعطي كتابه بيمينه، وكان تحت لوائه عليه السّلام حتّى يدخل الجنّة فيسكنه في درجته، إنّ الله سميع عليم(2).

ومنها: أنّ زائره يكون كمن زار الله فوق عرشه(3)، وهو كناية عن علوّ المرتبة والمنزلة عند الله، وعظيم الثواب الّذي يعطيه الله تعالى لزائره، ويكون بمنزلة من رفعه الله إلى سمائه، وأدناه من عرشه وزاره حيث ان الإمام الحسين عليه السّلام مظهر جلاله وجماله.

ومنها: إن زائره عليه السّلام زائر رسول الله صلى الله عليه وآله(4).

ومنها: إن زائره إذا أصابته الشمس، فانّها تأكل ذنوبه كما تأكل النّار الحطب ، ولا تبقى عليه من ذنوبه شيئا، فينصرف وما عليه ذنب(5).

ومنها: أنّ زائره عليه السّلام تقبل شفاعته يوم القيامة لمائة رجل كلهم قد وجبت لهم النار ممن كان في الدنيا من المسرفين(6).

ص: 33


1- وسائل الشيعة 14: 481، باب 58 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 4.
2- وسائل الشيعة 14: 497، باب 64 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 4.
3- كامل الزيارات: 278، باب 59، الحديث 1.
4- كامل الزيارات: 282، باب 60، الحديث 3.
5- كامل الزيارات: 495، باب 98، الحديث 17.
6- كامل الزيارات: 309، باب 68، الحديث 2.

ومنها: أنّ زيارته عليه السّلام تمدّ في العمر(1).

ومنها: أنّ زيارته تعدل أجر ألف شهيد من شهداء بدر، وأجر ألف صائم، وثواب ألف صدقة مقبولة، وثواب ألف نسمة أريد بها وجه الله، لمن يزوره عارفا بحقه(2).

ومنها: أنّ زيارته عليه السّلام تدفع الهدم والغرق والحرق وأكل السباع(3).

ومنها: أنّ من زار قبره عليه السّلام في كل شهر كان له ثواب مائة ألف شهيد من شهداء بدر(4).

ومنها: أهون ما يكسب زائره عليه السّلام في كل حسنة ألف ألف حسنة والسيئة واحدة ، وأين الواحدة من ألف ألف(5).

ومنها: أنّ إتيانه عليه السّلام يزيد في الرّزق(6).

ومنها: آلى الله عزوجل على نفسه أن لا يأتيه لهفان ولا مكروب ولا مذنب ولا مغموم إلَّا نفّس الله كُربته وأعطاه مسألته(7).

ص: 34


1- كامل الزيارات: 284، باب 61، الحديث 1.
2- كامل الزيارات: 270، باب 56، الحديث 3.
3- أمالي الصدوق: 206، المجلس 29، الحديث 226.
4- وسائل الشيعة 14: 438، باب 40 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 4.
5- كامل الزيارات: 545، باب 108، الحديث 6.
6- كامل الزيارات: 284، باب 61، الحديث 1، ووسائل الشيعة 14: 413، باب 37 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 8.
7- كامل الزيارات: 313، باب 69، الحديث 5.

ومنها: إجابة الدعاء عند قبره عليه السّلام(1).

ومنها: أنّها تعدل عمرة مبرورة مقبولة(2).

ومنها: أنّها تعدل عشرين حجّة، وأفضل ومن عشرين عمرة وحجّة(3).

ومنها: أنّها تعدل إحدى وعشرين حجّة(4).

ومنها: أنّها تعدل خمسين حجّة مع رسول الله صلى الله عليه وآله(5).

ومنها: أنّ من زاره تشوقا إليه كتب الله له ألف حجّة متقبلة، وألف عمرة مبرورة(6).

وهنا روايات أخر - على تقدير تسليم اعتبار أسانيدها أو من باب التسامح في أدلّة السّنن - أخّرناها في المقام :

منها: من أتاه تشوقا كتب الله له ألف حجة متقبلة وألف عمرة مبرورة واجر ألف شهيد من شهداء بدر واجر ألف صائم ، وثواب

ص: 35


1- كامل الزيارات: 312، باب 69، الحديث 1، 2، 4، 5.
2- وسائل الشيعة 14: 419 - 426، باب 37 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 23، 24، 25، 43، 44، 47.
3- الكافي 2: 578، كتاب الحج، باب 358، الحديث 2.
4- امل الزيارات: 303، باب 66، الحديث 6.
5- كامل الزيارات: 306، باب 67، الحديث 11.
6- كامل الزيارات: 270، باب 56، الحديث 3.

ألف صدقة مقبولة وثواب ألف نسمة أريد بها وجه الله تعالى(1).

ومنها: من أتاه ماشيا كتب الله له بكل خطوة ألف حسنة، ومحى عنه ألف سيئة ورفع له ألف درجة(2).

ومنها: من أتاه ماشيا في يوم عرفة اُعطي يقيناً من قبل الله تعالى حتى تصير نفسه مطمئنة(3).

ومنها: من خرج إلى قبره عليه السّلام غفر الله له بأول خطوة يخطوها من أهله(4).

ومنها: حقيق على الله أن لا يأتيه مكروب الا رده مسروراً(5).

ومنها: من سره أن يكون على موائد نور يوم القيامة فليكن من زوار الحسين بن علي عليه السّلام(6).

ومنها: أنّ زائره مغفور له، وأنه يكون من حزب الله وحزب رسوله وحزب أهل بيت رسوله صلوات الله عليهم أجمعين(7).

ومنها: أنّ زائره يسقى من حوض الكوثر، من يد قسيم الجنة

ص: 36


1- كامل الزيارات: 270، باب 56، الحديث 3.
2- وسائل الشيعة 14: 440، باب 41 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 3.
3- كامل الزيارات: 317، باب 70، الحديث 2.
4- كامل الزيارات: 253، باب 49، الحديث 2.
5- كامل الزيارات: 312، باب 69، الحديث 3.
6- وسائل الشيعة 14: 424، باب 37 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 38.
7- كامل الزيارات: 255، باب 49، الحديث 6.

والنار، الإمام علي بن أبي طالب عليه السّلام(1).

ومنها: يغفر الله تعالى لزائري قبر الإمام الحسين عليه السّلام خاصة ولأهل بيتهم ولمن يشفع له يوم القيامة(2).

ومنها: أنّ زائره المقتول عنده يغفر الله تعالى له كل خطاياه حتى يلقاه وهو مخلص من كل ما تخالطه الابدان والقلوب(3).

ومنها: أنّ زيارته عليه السّلام علامة دالة على محبة أهل البيت عليهم السّلام، فإنه ورد عن الإمام الصادق عليه السّلام: «من كان لنا محبّاً فليرغب في زيارة قبر الحسين»(4).

ومنها: أن زيارته عليه السّلام تعدل اعتكاف شهرين في المسجد الحرام(5).

ومنها: أنّها تعدل اثنتين وعشرين عمرة(6).

ومنها: أنّها تعدل خمسة وعشرين حجّة(7).

ص: 37


1- كامل الزيارات: 238، باب 44، الحديث 1.
2- كامل الزيارات: 311، باب 68، الحديث 4.
3- كامل الزيارات: 239، باب 44، الحديث 2.
4- كامل الزيارات: 356، باب 78، الحديث 4.
5- كامل الزيارات: 217، باب 37، الحديث 4.
6- وسائل الشيعة 14: 448، باب 45 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 7.
7- وسائل الشيعة 14: 448، باب 45 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 6.

ومنها: أنّها تكتب له ثمانين حجّة مبرورة(1).

ومنها: أنّها تعدل ثلاث حجج مع رسول الله صلّى الله عليه وآله(2).

ومنها: أنّها تعدل ثلاثين حجّة مبرورة متقبّلة زاكية مع رسول الله صلّى الله عليه وآله(3).

ومنها: أنّها تعدل سبعين حجّة من حجج رسول الله صلّى الله عليه وآله بأعمارها(4).

ومنها: أنّها تعدل مائة حجّة مع رسول الله صلّى الله عليه وآله(5).

وهذا الاختلاف في مقدار ثواب زيارته عليه السّلام لا يقدح في هذه الروايات؛ لأنّه إمّا بحسب حال الزائر - من حيث استجماعه للشرائط المعتبرة - في إدراكه للثواب المذكور، ككونه عارفاً بحقّه، أو غير أشر، ولا بطر، ولا يطلب رياءً، ولا سمعة، أو بحسب حال إتيانه الزيارة؛ كما لو كان في خوف ووجل من أيدي خلفاء الجور وعمّالهم، أو بحسب ما علم منه في صدق نيّته في زيارته، أو بحسب المكان، أو بحسب أوقات مخصوصة لزيارته؛ فإنّ لبعض الأوقات

ص: 38


1- وسائل الشيعة 14: 450، باب 45، من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 12.
2- وسائل الشيعة 14: 452، باب 45 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 17.
3- وسائل الشيعة 14: 450، باب 45 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 13.
4- وسائل الشيعة 14: 450، باب 45 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 14.
5- وسائل الشيعة 14: 449، باب 45 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 11.

دخلاً كبيراً في استحقاق الثواب العظيم عند زيارته عليه السّلام فيها.

فمن ذلك ما رواه داود بن يزيد، عن أبي عبد الله عليه السّلام، قال: «من زار قبر الحسين عليه السّلام في كلّ جمعة غفر الله له البتّة، ولم يخرج من الدنيا وفي نفسه حسرة منها، وكان مسكنه مع الحسين بن عليّ عليه السّلام».

قال: «يا داود، من لا يسرّه أن يكون في الجنّة جار الحسين بن عليّ عليه السّلام؟» قلت: من لا أفلح(1).

وعن زيد الشحّام، عن أبي عبد الله عليه السّلام، قال: «ومن زار قبر الحسين عليه السّلام في النصف من شعبان غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر» (2).

وعنه أيضاً، عن أبي عبد الله عليه السّلام، قال: «ومن زار قبر أبي عبد الله عليه السّلام يوم عاشوراء، عارفاً بحقّه، كان كمن زار الله تعالى في عرشه»(3).

وعن بشير الدهّان، عن جعفر بن محمّد عليه السّلام، قال: «من زار قبر الحسين عليه السّلام أوّل يوم من رجب غفر الله له البتّة»(4).

ص: 39


1- وسائل الشيعة 14: 479، باب 57 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 14: 469، باب 51 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 6.
3- وسائل الشيعة 14: 476، باب 55 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 1.
4- وسائل الشيعة 14: 465، باب 50 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 1.

وعنه أيضاً، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السّلام: ربّما فاتني الحجّ فأعرّف عند قبر الحسين عليه السّلام، قال: «أحسنت يا بشير، أيّما مؤمن أتى قبر الحسين عليه السّلام عارفاً بحقّه، في غير يوم عيد، كتبت له عشرون حجّة، وعشرون عمرة، مبرورات متقبّلات، وعشرون غزوة مع نبيّ مرسل، أو إمام عادل، ومن أتاه في يوم عيد كتبت له مائة حجّة، ومائة عمرة، ومائة غزوة مع نبيّ مرسل، أو إمام عادل، ومن أتاه في يوم عرفة عارفاً بحقّه كتبت له ألف حجّة، وألف عمرة، متقبّلات، وألف غزوة مع نبيّ مرسل، أو إمام عادل»، قال: فقلت له: وكيف لي بمثل الموقف؟ قال: فنظر إليّ شبه المغضب، ثمّ قال: «يا بشير، إنّ المؤمن إذا أتى قبر الحسين عليه السّلام يوم عرفة، فاغتسل بالفرات، ثمّ توجّه إليه، كتبت له بكلّ خطوة حجّة بمناسكها»، ولا أعلمه إلاّ قال: «وعمرة وغزوة» (1).

وعن عبد الرّحمن بن الحجّاج، قال: قال أبو عبد الله عليه السّلام: «من زار قبر الحسين عليه السّلام ليلة من ثلاث غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر»، قلت: أيّ الليالي جعلت فداك؟ قال: «ليلة الفطر، وليلة الأضحى، وليلة النصف من شعبان»(2).

وعن محمّد بن الفضل، قال: سمعت جعفر بن محمّد عليه السّلام يقول: «من زار قبر الحسين عليه السّلام في شهر رمضان

ص: 40


1- ثواب الأعمال: 117، الحديث 25.
2- وسائل الشيعة 14: 475، باب 54 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 1.

ومات في الطريق لم يعرض، ولم يحاسب، ويقال له: ادخل الجنّة آمناً»(1).

والّذي يظهر من الروايات: أنّ زيارة عاشوراء من أفضل الزيارات، وأجلّها قدراً، وأعظمها شأناً، وقد اهتمّ بشأنها علماؤنا الأبرار، فوضعوا فيها المؤلّفات الطوال، وأكثروا من شرحها، والتعليق عليها.

ومن جملة هؤلاء سماحة أستاذنا الجليل آية الله الشيخ مسلم الداوري - دام ظلّه - الّذي نذر نفسه وفكره لخدمة مدرسة أهل البيت عليهم السّلام، فكانت هذه الزيارة الشريفة محطّ اهتمامه، ومدار بحثه؛ لما كان يراه من ضرورة بيان الحقّ، ودفع شبهات بعض مدّعي العلم والتحقيق حول هذه الزيارة؛ كي لا تعرض الشكوك والأوهام عند المؤمنين في ثبوتها ونقلها عن أئمّة الهدى عليهم السّلام.

وقد منّ الله تعالى عليَّ، بأن وفّقت للاستفادة من أبحاثه القيّمة، وبياناته الشافية، وتحقيقاته العالية، وآرائه المبتكرة، فكتبت هذه الأوراق؛ خدمة للإسلام والمسلمين.

وقد بذلت غاية الجهد في جمع هذه البحوث وتبسيطها، بعد الرجوع إلى سماحته - حفظه الله ورعاه - حيث كان يثريني بإرشاداته وتوجيهاته القيّمة، وعندما تكامل هذا البحث عرضته عليه، فلاحظه، وأقرّه، فله منّي الشكر، ومن صاحب الشريعة الجزاء.

ص: 41


1- كامل الزيارات: 546، باب 108، الحديث 8.صورة الصفحة الأولى للزيارة من نسخة الأصلصورة الصفحة الأخيرة من نسخة الأصلصورة الصفحة الأولى من نسخة (د).صورة الصفحة الرابعة للزيارة من نسخة (د).صورة الصفحة الأولى من نسخة (ج).صورة الصفحة الأخيرة للزيارة من نسخة (ج).صورة الصفحة الأولى من نسخة (ن).صورة الصفحة الأولى لرواية ثواب الزيارة من نسخة (ن).

وقد تمّ تقسيم الكتاب إلى قسمين:

القسم الأوّل: زيارة عاشوراء:

وبحثنا فيه:

أوّلاً: تحقيق سند الزيارة.

ثانياً: القرائن الدالة على صدور الزيارة من الإمام عليه السّلام.

ثالثاً: استعراض الشبهات حول الزيارة والجواب عنها.

رابعاً: كيفيّة زيارة عاشوراء.

القسم الثاني: الملحقات:

وبحثنا فيه:أوّلاً: الشعائر وتعظيمها.

ثانياً: المأتم الحسيني.

ثالثاً: إنشاد الشعر.

رابعاً: لبس السواد.

خامساً: لطم الخدود والصدور وشق الجيوب.

سادساً: المشي إلى الزيارة.

سابعاً: إطعام الطعام.

ص: 42

ثامناً: سقي الماء.

تاسعاً: الصرخة.

عاشراً: البكاء

ولابدّ من التنبيه على أمر، وهو:

أنّا قد اعتمدنا في نقل متن الزيارة على أربع نسخ، وهي:

1 - نسخة خطّية لكتاب «مصباح المتهجّد» محفوظة في مكتبة السيّد البروجردي، في مدينة قم المقدّسة، معتمدة، كانت في ملكيّة المولى أحمد بن الحاجي محمّد البشرويّ التوني، المتوفّى سنة 1083 ه، حيث قام بالمقابلة على نسخة كانت لديه، إلى أن تنتهي المقابلة إلى نسخة الشيخ الطوسيّ، وهي أصحّ النسخ، ولذلك جعلتها هي الأصل في الكتاب، وأشرنا إلى ما خالفها من بقيّة النسخ في الهامش، وقد عبّرنا عنها بنسخة الأصل.

2 - نسخة خطّية لكتاب «مصباح المتهجّد»، محفوظة في مكتبة السيّد المرعشي النجفي العامّة، في مدينة قم المقدّسة، برقم «6837»، وهي نسخة أبي الجود، وهي خطّية قديمة ونفيسة ومصحّحة ومعتبرة، ترجع بالمقابلة مع نسخة المؤلّف، وقد رمزنا لها بالحرف: «د».

3 - نسخة خطّية لكتاب «كامل الزيارات» محفوظة في مكتبة مجلس الشورى الإسلامي في طهران، المفهرسة بالرقم «12430»، صحّحها العلاّمة المجلسي بخطّه الشريف، وقد رمزنا لها بالحرف: «ج».

ص: 43

4 - نسخة خطّيّة لكتاب «كامل الزيارات»، صحّحها وعلّق عليها العلاّمة الشيخ عبد الحسين الأميني، وقد رمزنا لها بالحرف: «ن».

وفي الختام أرى لزاماً عليّ أن أتقدّم بخالص الشكر وجميل الثناء إلى الإخوة الأفاضل في مؤسّسة الإمام الرّضا عليه السّلام للبحث والتحقيق العلميّ، الّذين ساهموا بمساعدتي في هذا الكتاب وتحقيقه، لإخراجه إلى عالم الوجود، بكلّ دقّةٍ وعناية، فجزاهم الله خير الجزاء، ووفّقنا وإيّاهم لخدمة مذهب أهل البيت عليهم السّلام، والذبّ عن الحقّ، ودفع الشبهات عن الدين، وقطع حجج المبطلين، إنّه قريب مجيب، والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.

عبّاس الحسيني

قم المقدّسة 29 ربيع الأوّل 1430 ه-

ص: 44

عکس

ص: 45

عکس

ص: 46

عکس

ص: 47

عکس

ص: 48

عکس

ص: 49

عکس

ص: 50

عکس

ص: 51

عکس

ص: 52

القسم الأول

زيارة عاشوراء

تحقيق طرق الشيخ الطوسي رحمه الله للزيارة.

دراسة طرق الشيخ ابن قولويه رحمه الله للزيارة.

بيان القرائن الداخلية والخارجيّة الدّالة على صحّة صدور الزيارة من الإمام عليه السّلام.

زيارة عاشوراء من الأحاديث القدسيّة.

استعراض الشبهات الواردة حول الزيارة والجواب عنها.

بيان حِكَم اللعن وتكراره في زيارة عاشوراء.

ذكر كيفيّات الزيارة ومقتضى الجمع بين الأحاديث فيها.

ص: 53

ص: 54

زيارة عاشوراء برواية الشيخ الطوسي رحمه الله

اشارة

روى الشيخ الطوسي في «مصباح المتهجّد»، عن محمّد بن إسماعيل ابن بزيع، عن صالح بن عقبة، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السّلام(1)،قال: «من زار الحسين بن علي عليهما السّلام(2) يوم(3) عاشوراء من المحرّم(4) حتّى يظلّ عنده باكياً لقى(5) الله عزّ وجلّ(6) يوم يلقاه الله(7) بثواب ألفي حجّة، وألفي عمرة، وألفي

ص: 55


1- في «ج» و «ن»: «حدّثني حكيم بن داود بن حكيم وغيره، عن محمّد بن موسى الهمداني، عن محمّد بن خالد الطيالسي، عن سيف بن عميرة وصالح بن عقبة جميعاً، عن علقمة ابن محمّد الحضرمي ومحمّد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن مالك الجهني، عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام».
2- في «ج» و «ن»: «الحسين عليه السّلام».
3- في «د»: «في يوم».
4- في «ج»: «يوم العاشر من الشهر» بدل «من المحرّم».
5- في « د»: لَقِيَ».
6- في «ن»: «تعالى» بدل «عزّوجلّ».
7- في «ج» و «ن» : «يوم القيامة» بدل «يوم يلقاه الله»، وفي « د » : «يلقاه بثواب».

غزوة(1)، ثواب(2) كلّ حجّة وعمرة وغزوة(3) كثواب من حجّ واعتمر وغزا مع رسول الله صلّى الله عليه وآله، ومع الأئمّة الرّاشدين عليهم السّلام»(4)، قال: قلت: جعلت فداك، ما(5) لمن كان في بعيد(6) البلاد وأقاصيها(7)، ولم يمكنه المصير(8) إليه في ذلك اليوم؟ قال: «إذا كان كذلك(9) برز إلى الصحراء، أو صعد سطحاً مرتفعاً(10) في داره، وأومأ إليه بالسّلام، واجتهد في الدعاء(11) على قاتله(12)، وصلّى من بعد(13) ركعتين، وليكن(14) ذلك

ص: 56


1- في «ج» و «ن»: «بثواب ألفي ألف حجّة، وألفي ألف عمرة، وألفي ألف غزوة»، وفي «ن» - على نحو نسخة بدل -: «ألف ألف حجّة، وألف ألف عمرة».
2- في «ج» و «ن»: «وثواب».
3- في «د»: «كلّ غزوة وحجّة وعمرة».
4- لم ترد «عليهم السّلام» في «د»، وفي «ج» ورد بدلها: «صلوات الله عليهم»، وفي «ن»: «صلوات الله عليهم أجمعين».
5- في بقيّة النسخ: «فما».
6- في «ج» و «ن»: «بُعد».
7- في «ج»: «وأقاصيه».
8- في «د»: «المسير»، وفي «ن» على نحو نسخة بدل.
9- في «ج» و «ن»: «ذلك اليوم» بدل «كذلك».
10- لم ترد كلمة «مرتفعاً» في «ج».
11- في «د»: «الدعاء واللعن».
12- في «ج» و «ن»: «واجتهد على قاتله بالدعاء»، وفي «د»: «ظالميه» بدل «قاتله».
13- في «ج» و «ن»: «وصلّى بعده».
14- في «ج» و «ن»: «يفعل» بدل «وليكن».

في صدر النهار. قبل أن تزول الشمس(1). ثمّ ليندب الحسين عليه السّلام، ويبكيه، ويأمر من(2) في داره - ممّن لا يتّقيه(3)- بالبكاء عليه، ويقيم من(4) في داره المصيبة(5) بإظهار الجزع عليه، وليعزّ(6) بعضهم بعضاً بمصابهم بالحسين عليه السّلام(7). وأنا ضامن(8) لهم - إذا فعلوا ذلك - على الله عزّ وجلّ(9) جميع ذلك»(10)، قال(11): قلت(12): جعلت فداك، أنت الضامن ذلك لهم والزعيم؟(13) قال: «أنا الضامن، وأنا

ص: 57


1- في «ج» و «ن»: «قبل الزوال».
2- في «د»: «ممّن».
3- لم ترد في «ج» و «ن»: «ممّن لا يتّقيه».
4- لم ترد «من» في بقيّة النسخ.
5- في «ج»: «مصيبة»، وعلى نحو نسخة بدل «مصيبته»، وفي «ن»: «مصيبته».
6- في «د»: «وليعزّ فيها»، وفي نسخة الأصل: على نسخة.
7- في «ج» و «ن»: «بإظهار الجزع عليه، ويتلاقون بالبكاء بعضهم بعضاً في البيوت، وليعزّ بعضهم بعضاً بمصاب الحسين عليه السّلام».
8- في «د»: «وأنا الضامن»، وفي «ج» و «ن»: «فأنا ضامن».
9- في «ج»: «جلّ وعزّ».
10- في «ج» و «ن»: «جميع هذا الثواب».
11- لم ترد في بقيّة النسخ.
12- في «ج» و «ن»: «فقلت».
13- في «د»: «أنت الضامن لذلك على الله عزّ وجلّ لهم والزعيم؟»، وفي «ج» و «ن»: «وأنت الضامن لهم إذا فعلوا ذلك والزعيم به؟».

الزعيم(1) لمن فعل ذلك»، قلت(2): كيف(3) يعزّي بعضنا بعضاً(4) ؟ قال: «يقولون(5): أعظم(6) الله أجورنا(7) بمصابنا بالحسين عليه السّلام، وجعلنا

وإيّاكم من الطالبين بثاره، مع وليّه الإمام المهدي من آل محمّد عليهم السّلام(8)، وإن(9) استطعت أن لا تمشي(10) يومك في حاجة فافعل؛ فإنّه يوم نحس، لا تقضى(11) فيه(12) حاجة مؤمن(13)، فإن(14) قضيت لم يبارك له فيها(15)، ولم ير

ص: 58


1- في «ج» و «ن»: «أنا الضامن لهم ذلك والزعيم».
2- في «ج» و «ن»: «قال: قلت».
3- في بقيّة النسخ: «فكيف».
4- في «ج» و «ن»: «بعضهم بعضاً».
5- في «د»: «تقولون».
6- في «ج» و «ن»: «عظّم».
7- في نسخة الأصل - على نسخة - زيادة: «وأجوركم».
8- في «ج» و «ن»: «صلى الله عليه وآله».
9- في «ج» و «ن»: «فإن».
10- في «د» و «ج» و «ن»: «تنتشر»، وفي نسخة الأصل بنحو قد صحّحه الناسخ من نفس النسخة الّتي بين يديه ولو كانت بنحو نسخة بدل.
11- في «د»: «لا يقضى».
12- في «ج»: «فيها».
13- لم ترد كلمة «مؤمن» في «ن».
14- في «ج» و «ن»: «وإن».
15- وردت «فيها» في نسخة الأصل على نسخة.

فيها رشداً، ولا يدّخرن أحدكم لمنزله(1) فيه شيئاً، فمن ادّخر في ذلك اليوم شيئاً لم يبارك له فيما ادّخر(2)، ولم يبارك(3) له في أهله، فإذا فعلوا ذلك كتب الله(4) لهم ثواب ألف حجّة، وألف عمرة، وألف غزوة(5)، كلّها مع رسول الله صلّى الله عليه وآله، وكان له(6) أجر وثواب(7) مصيبة كلّ نبي ورسول ووصيّ(8) وصدّيق وشهيد مات أو قتل، منذ خلق الله الدنيا إلى أن تقوم السّاعة».

قال صالح بن عقبة(9)، وسيف بن عميرة: قال علقمة بن محمّد الحضرمي: قلت(10) لأبي جعفر عليه السّلام: علّمني دعاء

ص: 59


1- في «د: «بمنزله».
2- في «ج» و «ن»: «ولم ير رشداً، ولا تدّخرنّ لمنزلك شيئاً فإنّه من ادّخر لمنزله شيئاً في ذلك اليوم لم يبارك له فيما يدّخره».
3- في «ج» و «ن»: «ولا يبارك».
4- في «د» ورد: «كتب الله لهم أجر ثواب»، وعلى نحو نسخة بدل: «لهم ثواب».
5- في «ج» و «ن»: «فمن فعل ذلك كتب له ثواب ألف ألف حجّة، وألف ألف عمرة، وألف ألف غزوة».
6- وردت «لهم» في نسخة الأصل بنحو قد صحّحه الناسخ من نفس النسخة الّتي كانت بين يديه ولو كانت بنحو نسخة بدل، وفي «د»: «لهم» بدل «له».
7- في «ج» و «ن»: «وكان له ثواب».
8- لم ترد «ووصي» في «ج» و «ن».
9- في «ج» و «ن» زيادة: «الجهني».
10- في «د»: «قال: قلت»، وفي «ج» و «ن»: «فقلت».

أدعو به في(1) ذلك اليوم إذا أنا زرته من قرب(2)، وأومأت إليه(3) من بُعد البلاد ومن داري(4) بالسّلام إليه(5)، قال: فقال لي(6): «يا علقمة، إذا أنت صلّيت الرّكعتين(7) - بعد أن تومي(8) إليه بالسّلام - فقل(9) - عند(10) الإيماء إليه من(11) بعد التكبير(12) - هذا القول؛ فإنّك إذا قلت ذلك(13) فقد دعوت بما يدعو(14) به زوّاره(15)من الملائكة، وكتب الله

ص: 60


1- لم ترد كلمة «في» في «د».
2- في «ج» و «ن»: «قريب»، وفيهما بعدها زيادة: «ودعاء أدعو به إذا لم أزره من قريب»، وفي «د»: «ودعاء أدعو به إذا لم أزره من قرب»، وهكذا في هامش نسخة الأصل.
3- لم ترد «إليه» في «د».
4- في «ج» و «ن»: «ومن سطح داري».
5- في «د»: «بالتسليم إليه»، وهكذا في نسخة الأصل على نحو نسخة بدل، ولم ترد «بالسّلام إليه» في «ج»، ولم ترد «إليه» في «ن».
6- لم ترد كلمة «لي» في «ج» و «ن».
7- في «ن»: «ركعتين».
8- في «د»: «تومىء».
9- في «ج» و «ن»: «وقلت».
10- في «د»: «بعد»، وهكذا في نسخة الأصل على نحو نسخة بدل.
11- وردت «من» في «د» على نسخة، وفي «ج»: «ومن»، وفي «ن»: «من»، وعلى نسخة زيادة الواو.
12- في «ج» و «ن»: «الرّكعتين» بدل «التكبير».
13- في نسخة الأصل - على نحو نسخة بدل -: «دعوت» بدل «قلت ذلك»، وفي «د» - على نحو نسخة بدل -: «دعوت بذلك».
14- في «د»: «تدعوا».
15- في «ج» و «ن»: «من زاره» بدل «زوّاره».

لك(1) مائة(2) ألف ألف درجة(3)، وكنت كمن(4) استشهد مع الحسين(5) عليه السّلام(6)، حتّى تشاركهم في درجاتهم(7)، ولا تعرف(8) إلاّ في(9) الشّهداء الّذين استشهدوا معه، وكتب لك(10) ثواب زيارة(11) كلّ نبي، وكلّ رسول(12)، وزيارة كلّ(13) من زار الحسين عليه السّلام(14)، منذ يوم قتل، عليه السّلام وعلى أهل بيته(15)».

ص: 61


1- في «ج» و «ن» زيادة: «بها».
2- لم ترد كلمة «مائة» في «ج» و «ن».
3- في «ج» و «ن»: «حسنة» بدل «درجة»، وبعدها زيادة «ومحا عنك ألف ألف سيّئة، ورفع لك مائة ألف درجة»، وفي «ن» على نسخة: «مائة ألف ألف درجة».
4- في «ج» و «ن»: «ممّن».
5- في «ج» و «ن» زيادة: «بن علي».
6- لم ترد «عليه السّلام» في «ن».
7- في «د»: «حتّی تشارکه في درجاته».
8- لم ترد «الواو» في «ج»، وفي «د»: «ثمّ لا تعرف»، وكذا في نسخة الأصل على نسخة.
9- في نسخة الأصل - على نحو نسخة بدل -: «مع».
10- في نسخة الأصل - على نحو نسخة بدل -: «له».
11- لم ترد كلمة «زيارة» في «ج» و «ن».
12- في «ج» و «ن»: «ورسول».
13- لم ترد كلمة «كلّ» في «ج» و «ن».
14- في «ج» و «ن» زيادة: «بن عليّ عليهما السّلام ».
15- لم ترد فقرة «عليه السّلام وعلى أهل بيته» في «ج» و «ن»، وورد بدلها في «ج»: «صلوات الله عليه».

تقول(1):

«السّلام عليك يا أبا عبد الله، السّلام عليك يابن رسول الله(2)، السّلام عليك يابن أمير المؤمنين، وابن سيّد الوصيّين، السّلام عليك يابن فاطمة سيّدة نساء العالمين(3)، السّلام عليك يا ثار الله، وابن ثاره، والوتر الموتور، السّلام عليك، وعلى الأرواح الّتي حلّت بفنائك(4)، عليكم منّي جميعاً سلام الله أبداً، ما بقيت، وبقي الليل والنّهار. يا أبا عبد الله، لقد عظمت الرّزيّة(5)، وجلّت(6) المصيبة بك علينا، وعلى جميع أهل الإسلام(7)، وعظمت(8) مصيبتك

ص: 62


1- في نسخة الأصل - على نحو نسخة بدل -: «الزيارة»، ولم ترد في «ن» و «ج»، ووردت كلمة «تقول» - على نحو نسخة بدل - في «د» مكان كلمة «الزيارة».
2- في «د» و «ج» و «ن» زيادة: «السّلام عليك يا خيرة الله، وابن خيرته».
3- في «ج» وردت: «سيّدة النّساء»، وورد: «سيّدة نساء العالمين» على نحو صحّحه الناسخ وأنّه أخذها من نفس النسخة الّتي كانت بين يديه بنحو نسخة بدل.
4- في «ن» زيادة: «وأناخت برحلك»، وكذا في «ج» على نحو نسخة بدل.
5- لم ترد كلمة «الرّزية» في «ج»، وفي «ن» لم ترد «الرزيّة وجلّت» في بعض النسخ المتوفّرة لدى الناسخ.
6- لم ترد كلمة «وجلّت» في «ج». وورد بعدها كلمة «وعظمت» في «د»، وعلى نحو نسخة بدل في نسخة الأصل، ولم ترد في «ج».
7- في «ن» زيادة «والأرض».
8- في «د» وردت كلمة «وجلّت» قبل كلمة «وعظمت»، وفي نسخة الأصل «وجلّت» بعد «وعظمت» على نسخة.

في السّموات(1) على جميع أهلالسّموات، فلعن الله أمّة أسّست أساس الظلم والجور عليكم أهل البيت، ولعن الله أمّة دفعتكم عن مقامكم، وأزالتكم عن مراتبكم الّتي رتّبكم الله فيها، ولعن الله أمّة قتلتكم(2)، ولعن الله الممهّدين لهم بالتمكين من قتالكم(3). برئت إلى الله وإلى رسوله وإليكم منهم(4)، وأشياعهم وأتباعهم وأوليائهم(5). يا أبا عبد الله، إنّي سلم لمن سالمكم(6)، وحرب لمن حاربكم، إلى يوم القيامة. ولعن(7) الله آل زياد(8)، وآل مروان، ولعن الله بني أميّة قاطبة، ولعن الله ابن مرجانة، ولعن الله عمر بن سعد، ولعن الله

ص: 63


1- لم ترد فقرة «وعظمت مصيبتك في السّموات على جميع أهل السّموات» في «ج» و «ن».
2- في «ج»: «قتلتك».
3- في «ن» - على نحو نسخة بدل - : «قتالك».
4- في «ن» ورد «برئت إلى الله وإليكم منهم» على بعض النسخ المتوفّرة لدى الناسخ.
5- لم ترد فقرة: «برئت إلى الله وإلى رسوله وإليكم منهم، وأشياعهم وأتباعهم وأوليائهم» في «ج»، ولم ترد فقرة «وإلى رسوله» في «د»، ووردت «من» قبل «أشياعهم» في «د» و «ن»، ولم ترد كلمة «وأوليائهم» في «ن».
6- في نسخة الأصل - على نحو نسخة بدل -: «سالمك».
7- في «د» و «ج» و «ن»: «فلعن».
8- في نسخة الأصل ورد - على نسخة -: «زياداً و» قبل «آل زياد».

شمراً، ولعن الله أمّة أسرجت وألجمت وتنقّبت(1) لقتالكم(2). بأبي(3) أنت وأمّي، لقد عظم مصابي بك، فأسال الله الّذي أكرم مقامك، وأكرمني(4) بك(5)، أن يرزقني(6) طلب ثارك، مع إمام منصور من أهل بيت(7) محمّد صلّى الله عليه وآله. اللّهمّ اجعلني عندك وجيهاً بالحسين(8) عليه السّلام(9) في الدنيا والآخرة(10). يا أبا عبد الله، إنّي أتقرّب إلى الله(11)، وإلى رسوله، وإلى أمير المؤمنين، وإلى فاطمة، وإلى الحسن، وإليك(12)،

ص: 64


1- في «ج» و «ن»: «وتهيّأت» بدلاً من: «وتنقّبت».
2- في «د» و «ج» و «ن»: «لقتالك»، وفي نسخة الأصل على نحو نسخة بدل.
3- ورد قبلها «يا أبا عبد الله» في «ن»، وفي «ج» بنحو قد صحّحه الناسخ من نسخة أخرى.
4- في «ج» و «ن»: «أن يكرمني» بدل «وأكرمني».
5- لم ترد في «د».
6- في «ج» و «ن»: «ويرزقني».
7- في «ج» و «ن»: «آل» بدل «أهل بيت»، وفي نسخة الأصل - على نسخة -: «نبيّك» بعد «بيت».
8- في «ج»: «اجعلني وجيهاً بالحسين عليه السّلام عندك»، وفي «د» - على نحو نسخة بدل -: «بالحسنى»، وفي «ن» - على نحو نسخة بدل -: «بالحسين عندك».
9- لم ترد في «د» و «ن».
10- في «ج» و «ن» زيادة: «يا سيّدي» بعدها.
11- في «ن» زيادة: «تعالى» على نحو نسخة بدل.
12- في «ج» زيادة: «صلّى الله عليك وسلّم»، وكذا في «ن» زيادة: «صلّى الله عليك وسلّم عليهم».

بموالاتك(1)، وبالبراءة ممّن أسّس(2) ذلك(3)، وبنى عليه بنيانه، وجرى في ظلمه(4) وجوره عليكم، وعلى أشياعكم. برئت إلى الله وإليكم منهم، وأتقرّب إلى الله ثمّ إليكم بموالاتكم، وموالاة وليّكم، وبالبراءة(5) من أعدائكم، والنّاصبين(6) لكم الحرب، وبالبراءة(7) من أشياعهم وأتباعهم. إنّي سلم لمن سالمكم، وحرب لمن حاربكم، ووليّ(8) لمن والاكم، وعدوّ لمن عاداكم. فأسال الله الّذي أكرمني بمعرفتكم، ومعرفة أوليائكم، أن يرزقني(9) البراءة من أعدائكم، وأن(10) يجعلني معكم في الدنيا والآخرة، وأن يثبّت لي(11) قدم صدق في

ص: 65


1- في نسخة الأصل - على نسخة - زيادة: «وبالبراءة ممّن قاتلك ونصب لك الحرب»، وفي «ج» زيادة: «والبراءة ممّن قاتلك، ونصب لك الحرب، ومن جميع أعدائكم»، وعلى نحو نسخة بدل زيادة: «من أعدائك و» بعد «والبراءة»، وفي «ن» زيادة: «يا أبا عبد الله، وبالبراءة من أعدائك وممّن قاتلك ونصب لك الحرب، ومن جميع أعدائكم».
2- وفي «د»: «أساس» بعد «أسّس».
3- في «ج» و «ن»: وردت كلمة «الجور» بدل كلمة «ذلك».
4- في «ج» و «ن»: «وأجرى ظلمه»، وما في المتن ورد في «ج» على نحو نسخة بدل.
5- في «ج» و «ن»: «والبراءة».
6- في «ج» و «ن»: «ومن النّاصبين».
7- في «ج» و «ن»: «والبراءة».
8- في «ج»: «موالٍ» بدل «وولي»، وكذا في «ن» على نحو نسخة بدل.
9- في «ج» و «ن»: «ورزقني»، وفي الأصل و «د» على نحو نسخة بدل.
10- في «ج» و «ن»: «أن».
11- في «د» و «ن» وردت كلمة «عندكم» بعد كلمة «لي»، ووردت في نسخة الأصل على نسخة.

الدنيا والآخرة(1)، وأسأله أن يبلّغني المقام المحمود(2) لكم عند الله، وأن يرزقني طلب ثاري(3) مع إمام مهدي(4) ظاهر(5) ناطق(6) منكم(7). وأسأل الله بحقّكم، وبالشأن الّذي لكم عنده، أن يعطيني بمصابي بكم أفضل ما يعطي(8) مصاباً بمصيبته(9)، مصيبة ما أعظمها، وأعظم رزيّتها في الإسلام، وفي جميع السّماوات والأرضين(10). اللّهمّ اجعلني في مقامي هذا ممّن تناله منك صلوات ورحمة ومغفرة. اللّهمّ اجعل محياي محيا محمّد وآل محمّد، ومماتي ممات محمّد وآل محمّد(11). اللّهمّ إنّ هذا يوم تبرّكت به بنو أميّة(12)، وابن آكلة

ص: 66


1- لم ترد في «ج» فقرة: «وأن يثبّت لي قدم صدق في الدنيا والآخرة».
2- في نسخة الأصل - على نسخة - زيادة: «الّذي».
3- في «ج» و «ن»: «ثاركم»، وفي نسخة الأصل - على نحو نسخة بدل - : «ثارك».
4- في نسخة الأصل و «د» - على نحو نسخة بدل - : «هدى».
5- لم ترد «ظاهر» في «ج» و «ن».
6- في «د» زيادة: «بالحق»، وكذا في الأصل على نسخة.
7- في «ج» و «ن»: «لكم».
8- في «ج» و «ن»: «أعطى».
9- في «ج» و «ن»: «بمصيبة». نعم ورد في «ن» - على نحو نسخة بدل - : «بمصيبته»، وفي الأصل - على نسخة - بعدها: «يا لها من مصيبة»، وورد في «ج» و «ن» زيادة: «أقول: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، يا لها من مصيبة»، ولكن في «ج»: «الرّاجعون» بدل «راجعون».
10- في «د» و «ن»: «والأرض»، وكذا في نسخة الأصل على نحو قد صحّحه الناسخ.
11- في «ج» و «ن» زيادة: «صلّى الله عليه وآله».
12- في «ج»: «إنّ هذا يوم يُنزّل فيه اللعنة على آل زياد وآل أُميّة»، وفي «ن»: «إنّ هذا يوم تنزّلت فيه اللعنة على آل زياد وآل أميّة»، وعلى نحو نسخة بدل: «تنزل» بدل «تنزّلت».

الأكباد، اللعين ابن اللعين، على لسان(1) نبيّك صلّى الله عليه وآله(2)، في كلّ موطن وموقف وقف فيه نبيّك عليه وآله السّلام(3). اللّهمّ العن أبا سفيان، ومعاوية، ويزيد بن معاوية، عليهم منك اللعنة أبد الآبدين(4). وهذا يوم فرحت به آل زياد، وآل مروان عليهم اللعنة(5)، بقتلهم الحسين صلوات الله عليه(6). اللّهمّ فضاعف عليهم اللعن منك والعذاب(7). اللّهمّ إنّي أتقرّب إليك في هذا اليوم، و(8) في موقفي هذا، وأيّام حياتي، بالبراءة منهم، واللعنة(9) عليهم، وبالموالاة لنبيّك وآل نبيّك عليه وعليهم السّلام(10).

ص: 67


1- في «د»: «لسانك ولسان».
2- لم ترد فقرة «صلّى الله عليه وآله» في «ج» و «ن».
3- «عليه وآله السّلام» لم ترد في «د»، وفي «ج» و «ن» ورد بدلها: «صلّى الله عليه وآله».
4- في «ج» و «ن»: «اللّهمّ العن أبا سفيان، ومعاوية، وعلى يزيد بن معاوية اللعنة أبد الآبدين».
5- لم ترد في «د»: «عليهم اللعنة».
6- هذه الفقرة: «وهذا يوم فرحت به آل زياد وآل مروان، عليهم اللعنة بقتلهم الحسين صلوات الله عليه» لم ترد في «ج» و «ن»، وفي «د»: عليه السّلام» بدل «صلوات الله عليه»، وفي نسخة الأصل - بنحو صحّحه الناسخ من نسخة أخرى -: «عليهم اللعنة» بعد «وآل مروان».
7- في «ج» و «ن» ورد: «اللّهمّ فضاعف عليهم اللعنة أبداً؛ لقتلهم الحسين عليه السّلام».
8- لم ترد «الواو» في «ن».
9- في «ج»: «وباللعن» بدل «واللعنة»، وفي «ن» - على نحو نسخة بدل -: «باللعن».
10- في «ج»: «لنبيّك وأهل بيت نبيّك صلّى الله عليه وآله»، وفي «ن»: «لنبيّك محمّد وأهل بيت نبيّك صلّى الله عليه وعليهم أجمعين».

ثمّ يقول(1) - مائة مرّة(2) - :

اللّهمّ العن أوّل ظالم ظلم(3) حقّ محمّد وآل محمّد، وآخر تابع له على ذلك. اللّهمّ العن العصابة الّتي جاهدت(4) الحسين(5)، وشايعت، وبايعت(6) على قتله(7). اللّهمّ العنهم جميعاً.

يقول(8) ذلك مائة مرّة(9).

ثمّ يقول(10):

ص: 68


1- في «د» و «ج» و «ن»: «ثمّ تقول».
2- لم ترد في «د»، وفي نسخة الأصل على نسخة.
3- في «ن» وردت - على نحو نسخة بدل - : «آل محمّد حقوقهم»، ولم ترد «ظلم» في «د».
4- في «ج» و «ن»: «حاربت»، ووردت «جاهدت» في «ن» على نحو نسخة بدل.
5- في «ج» زيادة «عليه السّلام»، وفيه «حاربت الحسين وتايعت أعداءه على قتله» على نحو صحّحه الناسخ وأنّه أخذها من نسخة كانت بين يديه بنحو نسخة بدل.
6- وردت كلمة «وتابعت» بعد «وبايعت» - على نسخة - في نسخة الأصل، وفي «ن» زيادة «أعدائه» بعد «وبايعت»، وفيها أيضاً - على نحو نسخة بدل -: «تابعت» بدل «بايعت»، وفي «د»: «وشايعت على قتله».
7- في «ج» و «ن» زيادة: «وقتل أنصاره»، وورد بعدها في نسخة الأصل - على نحو صحّحه الناسخ من نسخة أخرى - : «اللهمّ اجعل لعنتك، وبأسك، ونقمتك عليهم».
8- في «د»: «تقول».
9- لم ترد هذه الفقرة في «ج» و «ن».
10- في «ج» و «ن»: «ثمّ قل مائة مرّة»، وفي «د»: «ثمّ تقول».

السّلام عليك يا أبا عبد الله، وعلى الأرواح الّتي حلّت بفنائك(1). عليك(2) منّي سلام الله أبداً، ما بقيت وبقي الليل والنّهار، ولا جعله الله آخر العهد منّي لزيارتكم(3). السّلام على الحسين، وعلى(4) عليّ بن الحسين(5)، وعلى(6) أصحاب الحسين(7).

يقول(8) ذلك مائة مرّة(9).

ثمّ يقول(10) مرّة واحدة:

اللّهمّ خصّ(11) أوّل ظالم باللعن منّي(12)، وابدأ به

ص: 69


1- في «ج» و «ن» زيادة: «وأناخت برحلك».
2- في «ج» و «ن»: «عليكم».
3- في «ج»: «ولا يجعله آخر العهد من زيارتكم»، وعلى نحو نسخة بدل: «ولا جعله الله»، وفي «ن»: «من زيارتكم».
4- في هامش نسخة الأصل بخطّ الشيخ وابن السكون بغير لفظ «على» قبل «علي».
5- في «د» زيادة: «وعلى أولاد الحسين»، وعلى نسخة في نسخة الأصل.
6- لم ترد «على» في «ج».
7- في «د» زيادة: «الّذين بذلوا مهجهم دون الحسين عليه السّلام»، وهكذا في نسخة الأصل على نسخة، وفي «ج» و «ن» زيادة: «صلوات الله عليهم أجمعين».
8- في «د»: «تقول».
9- لم ترد هذه الفقرة في «ج» و «ن».
10- في «ج» و «ن»: «تقول» بدل «يقول»، وورد - على نحو نسخة بدل - في نسخة الأصل: « مائة مرّة»، وفي«د»: «ثمّ تقول».
11- وردت كلمة «أنت» بعد كلمة «خصّ» في «د»، وفي نسخة الأصل على نسخة.
12- لم تردكلمة «منّي» في«د»ز.

أوّلاً، ثمّ العن(1)الثاني والثالث، والرابع. اللّهمّ العن يزيد خامساً(2)، والعن عبيد الله بن زياد، وابن مرجانة، وعمر بن سعد، وشمراً، وآل أبي سفيان، وزياداً(3) وآل زياد، ومروان(4) وآل مروان، إلى يوم القيامة(5).ثمّ يسجد، ويقول(6):

اللّهمّ لك الحمد حمد الشاكرين لك(7) على مصابهم(8). الحمد لله على عظيم رزيّتي(9). اللّهمّ ارزقني شفاعة الحسين عليه السّلام(10) يوم الورود، وثبّت لي قدم صدق عندك مع الحسين، وأصحاب الحسين(11)، الّذين بذلوا مهجهم دون

ص: 70


1- لم ترد كلمة «العن» في «د».
2- في نسخة الأصل - على نسخة - زيادة: «وأباءه».
3- لم ترد «وزياداً» في «د» وكذلك في بعض النسخ الأخرى المتوفّرة لدى الناسخ.
4- لم ترد «ومروان» في «د» وكذلك في بعض النسخ الأخرى المتوفّرة لدى الناسخ.
5- في «ج» و «ن» وردت هذه الفقرة هكذا: «اللهمّ خصّ أنت أول ظالم ظلم آل نبيّك باللعن، ثمّ العن أعداء آل محمّد من الأوّلين والآخرين. اللهمّ العن يزيد وأباه، والعن عُبيد الله بن زياد، وآل مروان، وبني أميّة قاطبة، إلى يوم القيامة»، ووردت «أنت» بعد «خصّ» في «ن».
6- في «ج» و «ن»: «ثمّ تسجد سجدة تقول فيها»، وفي «د»: «ثمّ تسجد، وتقول».
7- لم ترد كلمة «لك» في «ج» و «ن».
8- في «ج» - على نحو نسخة بدل -: «مصابي».
9- في «ج» زيادة: «فيهم»، وفي «ن» ورد: «مصابي ورزيّتي فيهم».
10- لم ترد «عليه السّلام» في «ج» و «ن».
11- في «د» ورد بعدها: «عليه السّلام».

الحسين عليه السّلام(1)».

قال علقمة: قال أبو جعفر(2)عليه

السّلام(3): «و(4) إن استطعت أن تزوره في كلّ يوم بهذه الزيارة من(5) دارك(6) فافعل، فلك ثواب جميع ذلك(7)».

الدعاء بعد زيارة عاشوراء:

وروى محمّد بن خالد الطيالسي، عن سيف بن عميرة، قال: خرجت مع صفوان بن مهران الجمّال - وجماعة من أصحابنا - إلى الغريّ، بعدما خرج أبو عبد الله عليه السّلام، فسِرنا من الحيرة إلى المدينة، فلمّا فرغنا من الزيارة صرف صفوان وجهه إلى ناحية أبي عبد الله عليه السّلام، فقال لنا: تزورون الحسين عليه السّلام من هذا المكان من عند رأس أمير المؤمنين عليه السّلام، من هاهنا أومأ إليه أبو عبد الله عليه السّلام وأنا معه.

قال: فدعا صفوان بالزيارة الّتي رواها علقمة بن محمّد الحضرمي، عن أبي جعفر عليه السّلام في يوم عاشوراء، ثمّ صلّى ركعتين عند

ص: 71


1- في «ج»: «صلوات الله عليه»، وفي «ن»: «عليه السّلام، وصلوات الله عليهم أجمعين».
2- في «ن» زيادة «الباقر».
3- لم يرد في «ج» قوله: «علقمة قال أبو جعفر عليه السّلام».
4- لم ترد الواو في «د»، وفي «ج» و «ن»: «يا علقمة» بدلها.
5- في نسخة الأصل - على نحو نسخة بدل - : «في» بدل «من»، وكذا في «د».
6- في «ج» و «ن»: «من دهرك».
7- في «ج» و «ن» زيادة: «إن شاء الله تعالى».

رأس أمير المؤمنين عليه السّلام، فودّع - في دبرها - أمير المؤمنين عليه السّلام، وأومأ إلى الحسين عليه السّلام بالتسليم، منصرفاً وجهه نحوه، وودّع. فكان فيما دعا في دبرهما(1):

«يا اللهُ يا اللهُ يا اللهُ، يا مُجيبَ دَعْوَةِ الْمُضْطَرِّينَ، يا كاشِفَ كُرَبِ الْمَكْرُوبينَ، ويا غِياثَ الْمُسْتَغيثينَ، ويا صَريخَ الْمُسْتَصْرِخِينَ، ويا مَنْ هُوَ أقْرَبُ إلَيَّ مِنْ حَبْلِ الْوَريدِ، يا مَنْ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ، وَيا مَنْ هُوَ بِالْمَنْظَرِ الاَعْلى وَ بِالاُفُقِ الْمُبينِ، وَيا مَنْ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحيمُ، عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى، وَيا مَنْ يَعْلَمُ خائِنَةَ الاَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ، وَيا مَنْ لا يَخْفى عَلَيْهِ خافِيَهٌ، ويا مَنْ لا تَشْتَبِهُ عَلَيْهِ الاَصْواتُ، يا مَنْ لا تُغَلِّطُهُ الْحاجاتُ، يا مَنْ لا يُبْرِمُهُ إِلْحاحُ الْمُلِحّينَ، يا مُدْرِكَ كُلِّ فَوْتٍ، وَيا جامِعَ كُلِّ شَمْلٍ، وَبارِئَ النُّفُوسِ بَعْدَ الْمَوْتِ، يا مَنْ هُوَ كُلَّ يَوْمٍ فِي شَأنٍ، يا قاضِيَ الْحاجاتِ، يا مُنَفِّسَ الْكُرُباتِ، يا مُعْطِيَ السُّؤُلاتِ، يا وَلِيَّ الرَّغَباتِ، يا كافِيَ الْمُهِمّاتِ، يا مَنْ يَكْفي مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَلا يَكْفي مِنْهُ شَيءٌ فِي السَّماواتِ وَالاَرْضِ. أَسْاَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ خاتَمِ النَّبِيّينَ، وَعَليٍّ أميرِ الْمُؤْمِنينَ، وَبِحَقِّ فاطِمَةَ بِنْتِ نَبِيِّكَ، وَبِحَقِّ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ؛ فَإِنّي بِهِمْ إلَيْكَ أَتَوَجَّهُ فِي مَقامي هذا، وَبِهِمْ أتَوَسَّلُ، وَبِهِمْ أَتَشَفَّعُ إِلَيْكَ، وَبِحَقِّهِمْ أسْأَلُكَ، وَاُقْسِمُ وَأَعْزِمُ عَلَيْكَ، وَبِالشَّأنِ الَّذي

ص: 72


1- اعتمدنا في الدعاء على نسخة الأصل فقط من دون الإشارة إلى اختلاف النسخ.

لَهُمْ عِنْدَكَ، وَبِالْقَدْرِ الَّذي لَهُمْ عِنْدَكَ، وَبِالَّذي فَضَّلْتَهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ، وَبِاسْمِكَ الَّذي جَعَلْتَهُ عِنْدَهُمْ، وَبِهِ خَصَصْتَهُمْ دُونَ الْعالَمينَ، وَبِهِ أَبَنْتَهُمْ، وَأبَنْتَ فَضْلَهُمْ مِنْ فَضْلِ الْعالَمينَ، حَتّى فاقَ فَضْلُهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ جَميعاً. أَسْاَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنْ تَكْشِفَ عَنّي غمّي وهَمِّي وَكَرْبي، وَتَكْفِيَنِي الْمُهِمَّ مِنْ اُمُوري، وَتَقْضِيَ عَنِّي دَيْني، وَتُجيرَني مِنَ الْفَقْرِ، وَتُغْنِيَني عَنِ الْمَسْأَلَةِ إِلَى الَمَخْلُوقينَ، وَتَكْفِيَني هَمَّ مَنْ أَخافُ هَمَّهُ، وَجَوْرَ مَنْ أَخَافُ جَوْرَهُ، وَعُسْرَ مَنْ أَخافُ عُسْرَهُ، وَحُزُونَةَ مَنْ أَخافُ حُزُونَتَهُ، وَشَرَّ مَنْ أَخافُ شَرَّهُ، وَمَكْرَ مَنْ أَخافُ مَكْرَهُ، وَبَغْيَ مَنْ أَخافُ بَغْيَهُ، وَسُلْطانَ مَنْ أَخافُ سُلْطانَهُ، وَكَيْدَ مَنْ أَخافُ كَيْدَهُ، وَمَقْدُرَةَ مَنْ أَخافُ مَقْدُرَتَهُ عَلَيَّ، وَتَرُدَّ عَنِّي كَيْدَ الْكَايِدِينَ، وَمَكْرَ الْمَكَرَةِ. اللّهُمَّ مَنْ أَرادَني فَأَرِدْهُ، وَمَنْ كادَني فَكِدْهُ، وَاصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُ وَمَكْرَهُ وَبَأسَهُ وَأَمانِيَّهُ، وَامْنَعْهُ عَنّي كَيْفَ شِئْتَ، وَأَنّى شِئْتَ. اللّهُمَّ اشْغَلْهُ عَنّي بِفَقْرٍ لا تَجْبُرُهُ، وَبِبَلاءٍ لا تَسْتُرُهُ، وَبِفاقَةٍ لا تَسُدُّها، وَبِسُقْمٍ لا تُعافيهِ، وَذُلٍّ لا تُعِزُّهُ، وَمَسْكَنَةٍ لا تَجْبُرُها. اللّهُمَّ اضْرِبْ بِالذُّلِّ نَصْبَ عَيْنَيْهِ، وَأَدْخِلْ عَلَيْهِ الْفَقْرَ فِي مَنْزِلِهِ، وَالْعِلَّةَ وَالسُّقْمَ فِي بَدَنِهِ، حَتّى تَشْغَلَهُ عَنّي بِشُغْلٍ شاغِلٍ لا فَراغَ لَهُ، وَأَنْسِهِ ذِكْري كَما أَنْسَيْتَهُ ذِكْرَكَ، وَخُذْ عَنّي بِسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَلِسانِهِ وَيَدِهِ وَرِجْلِهِ وَقَلْبِهِ وَجَميعِ جَوارِحِهِ، وَأَدْخِلْ عَلَيْهِ فِي جَميعِ ذلِكَ

ص: 73

الْسُّقْمَ، وَلا تَشْفِهِ حَتّى تَجْعَلَ ذلِكَ لَهُ شُغْلاً شاغِلاً بِهِ عَنّي وَعَنْ ذِكْري، وَاكْفِني يا كافِيَ ما لا يَكْفي سِواكَ؛ فَإِنَّكَ الْكافِي وَلا كافِيَ سِواكَ، وَمُفَرِّجٌ لا مُفَرِّجَ سِواكَ، وَمُغيثٌ لا مُغيثَ سِواكَ، وَجارٌ لا جارَ سِواكَ. خابَ مَنْ كانَ رجاؤُهُ سِواكَ، وَمُغيثُهُ سِواكَ، وَمَفْزَعُهُ إِلى سِواكَ، وَمَهْرَبُهُ إِلى سِواكَ، وَمَلْجَأُهُ إِلى غَيْرِكَ، وَمَنْجاهُ مِنْ مَخْلُوقٍ غَيْرِكَ، فَأَنْتَ ثِقَتي، وَرَجائي، وَمَفْزَعي، وَمَهْرَبي، وَمَلْجَئي، وَمَنْجايَ، فَبِكَ أَسْتَفْتِحُ، وَبِكَ أَسْتَنْجِحُ، وَبِمُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ أَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ وَأَتَوَسَّلُ وَأَتَشَفَّعُ، فَأَسْاَلُكَ يا اللهُ يا اللهُ يا اللهُ، وَلَكَ الْحَمْدُ، وَلَكَ الشُّكْرُ، وَإِلَيْكَ الْمُشْتَكى، وَأَنْتَ الْمُسْتَعانُ، فَأَسْاَلُكَ يا اللهُ يا اللهُ يا اللهُ، بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنْ تَكْشِفَ عَنّي غَمّي وَهَمّي وَكَرْبي فِي مَقامي هذا، كَما كَشَفْتَ عَنْ نَبِيِّكَ هَمَّهُ وَغَمَّهُ وَكَرْبَهُ، وَكَفَيْتَهُ هَوْلَ عَدُوِّهِ، فَاكْشِفْ عَنّي كَما كَشَفْتَ عَنْهُ، وَفَرِّجْ عَنّي كَما فَرَّجْتَ عَنْهُ، وَاكْفِني كَما كَفَيْتَهُ، وَاصْرِفْ عَنّي هَوْلَ ما أَخافُ هَوْلَهُ، وَمَؤُونَةَ ما أخافُ مَؤُونَتَهُ، وَهَمَّ ما أَخافُ هَمَّهُ، بِلا مَؤُونَة عَلى نَفْسي مِنْ ذلِكَ، وَاصْرِفْني بِقَضاءِ حَوائِجي،وَكِفايَةِ ما أَهَمَّني هَمُّهُ مِنْ أَمْرِ آخِرَتي وَدُنْيايَ. يا أَميرَ الْمُؤْمِنينَ، ويا أبا عبد الله، عَلَيْكَ مِنّي سَلامُ اللهِ أَبَداً، ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ، وَلا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ زِيارَتِكُما، وَلا فَرَّقَ اللهُ بَيْني وَبَيْنَكُما.

اللّهُمَّ أَحْيِني مَحَيا مُحَمَّدٍ وَذُرِّيَّتِهِ، وَأَمِتْني مَماتَهُمْ، وَتَوَفَّني

ص: 74

عَلى مِلَّتِهِمْ، وَاحْشُرْني فِي زُمْرَتِهِمْ، وَلا تُفَرِّقْ بَيْني وَبَيْنَهُمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ أَبَداً فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ. يا أَميرَ الْمُؤْمِنينَ، وَيا أَبا عَبْدِاللهِ، أَتَيْتُكُما زائِراً، وَمُتَوَسِّلاً إِلَى اللهِ رَبّي وَرَبِّكُما، وَمُتَوَجِّهاً إِلَيْهِ بِكُما، وَمُسْتَشْفِعاً إِلَى اللهِ تَعالى فِي حاجَتي هذِهِ، فَاشْفَعا لي؛ فَإِنَّ لَكُما عِنْدَ اللهِ الْمَقامَ الْمَحْمُودَ، وَالْجاهَ الْوَجيهَ، وَالْمَنْزِلَ الرَّفيعَ، وَالْوَسيلَةَ. إِنّي أَنْقَلِبُ عَنْكُما، مُنْتَظِراً لِتَنَجُّزِ الْحاجَةِ وَقَضائِها وَنَجاحِها مِنَ اللهِ، بِشَفاعَتِكُما لي إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذلِكَ، فَلا أَخيبُ، وَلا يَكُونُ مُنْقَلَبي مُنْقَلَباً خائِباً خاسِراً، بَلْ يَكُونُ مُنْقَلَبي مُنْقَلَباً راجِحاً مُفْلِحاً مُنْجِحاً مُسْتَجاباً لِي بِقَضاءِ جَميعِ الْحَوائِجِ، وَتَشَفَّعا لي إِلَى اللهِ. أنْقَلِبُ عَلى ما شاءَ اللهُ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاّ بِاللهِ، مُفَوِّضاً أَمْري إِلَى اللهِ، مُلْجئاً ظَهْري إِلَى اللهِ، وَمُتَوَكِّلاً عَلَى اللهِ، وَأَقُولُ: حَسْبِيَ اللهُ وَكَفى، سَمِعَ اللهُ لِمَنْ دَعا، لَيْسَ وَراءَ اللهِ وَوَراءَكُمْ يا سادَتي مُنْتَهى، ما شاءَ رَبّي كانَ، وَما لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاّ بِاللهِ. أَسْتَوْدِعُكُمَا اللهَ، وَلا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّي إِلَيْكُما. انْصَرَفْتُ يا سَيِّدي يا أَميرَ الْمُؤْمِنينَ وَيا أَبا عَبْدِ اللهِ. يا سَيِّدِي، سَلامي عَلَيْكُما مُتَّصِلٌ مَا اتَّصَلَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ، واصِلٌ إِلَيْكُما ذلِكَ، غَيْرُ مَحْجُوب عَنْكُما سَلامي إِنْ شاءَ اللهُ، وَأَسْأَلُهُ بِحَقِّكُما أَنْ يَشاءَ ذلِكَ وَيَفْعَلَ؛ فَإِنَّهُ حَميدٌ مَجيدٌ. أنْقَلِبُ يا سَيِّدَيَّ عَنْكُما، تائِباً، حامِداً للهِ، شاكِراً، راجِياً لِلإِجابَةِ، غَيْرَ آيِسٍ، وَلا قانِطٍ، آئِباً،

ص: 75

عائِداً، راجِعاً إِلى زِيارَتِكُما، غَيْرَ راغِب عَنْكُما، وَلا عَنْ زِيارَتِكُما، بَلْ راجِعٌ عائِدٌ إِنْ شاءَ اللهُ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلاّ بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. يَا سَيِّدَيَّ، رَغِبْتُ إِلَيْكُما، وَإِلى زِيارَتِكُما، بَعْدَ أنْ زَهِدَ فيكُما وَفِي زِيارَتِكُما أَهْلُ الدُّنْيا، فَلا خَيَّبَنِيَ اللهُ مِمَّا رَجَوْتُ وَما أَمَّلْتُ فِي زِيارَتِكُما، إِنَّهُ قَريبٌ مُجيبٌ».

قال سيف بن عميرة: فسألت صفوان، فقُلت له: إنّ علقمة بن محمّد الحضرمي لم يأتنا بهذا عن أبي جعفر عليه السّلام، إنّما أتانا بدعاء الزّيارة، فقال صفوان: وردت مع سيّدي أبي عبد الله عليه السّلام إلى هذا المكان، ففعل مثل الَّذي فعلناه في زيارتنا، ودعا بهذا الدّعاء عند الوداع، بعد أن صلّى كما صلّينا، وودّع كما ودّعنا، ثمّ قال لي صفوان: قال لي أبو عبد الله عليه السّلام: «تعاهد هذه الزّيارة، وادعُ بهذا الدّعاء - من قرب أو بُعد - وزُر به، فإنّي ضامن على الله تعالى لكلّ من زار بهذه الزّيارة ودعا بهذا الدّعاء - من قُرب أو بُعد -: أنّ زيارته مقبولة، وسعيه مشكور، وسلامه واصل غير محجُوب، وحاجته مقضيّة من الله تعالى، بالغاً ما بلغت، ولا يخيّبُه.

يا صفوان، وجدت هذه الزّيارة مضمُونة بهذا الضّمان عن أبي، وأبي عن أبيه عليّ بن الحسين عليهما السّلام، مضموناً بهذا الضّمان عن الحسين، والحسين عن أخيه الحسن مضمُوناً بهذا الضّمان، والحسن عن أبيه أمير

ص: 76

المؤمنين مضموناً بهذا الضّمان، وأمير المؤمنين عليه السّلام عن رسول الله صلّى الله عليه وآله مضمُوناً بهذا الضّمان، ورسول الله صلّى الله عليه وآله عن جبرئيل عليه السّلام مضموناً بهذا الضّمان، وجبرئيل عليه السّلام عن ربّه عزّ وجلّ مضموناً بهذا الضّمان. قد آلى الله على نفسه عزّ وجلّ: أنّ من زار الحسين عليه السّلام بهذه الزّيارة - من قُرب أو بُعد - ودعا بهذا الدّعاء، قبلت منه زيارته، وشفّعته في مسألته بالغاً ما بلغت، وأعطيته سؤله، ثمّ لا ينقلِب عنّي خائباً، وأقلبه مسروراً قريراً عينه بقضاء حاجته، والفوز بالجنّة، والعتق من النّار، وشفّعته في كلّ من يشفع له، خلا ناصب لنا أهل البيت. آلى الله تعالى بذلك على نفسه، وأشهدنا بما شهدت به ملائكة ملكوته على ذلك.

ثمّ قال جبرئيل عليه السّلام: يا رسول الله، أرسلني إليك؛ سُروراً وبشرى لك، وسروراً وبشرى لعليّ وفاطمة والحسن والحسين، وإلى الأئمّة من ولدك إلى يوم القيامة، فدام يا محمّد سرورك وسرور عليّ وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة وشيعتكم إلى يوم البعث».

ثمّ قال صفوان: قال لي أبو عبد الله عليه السّلام: «يا صفوان، إذا حدث لك إلى الله حاجة فزُر بهذه الزّيارة من حيث كنت، وادعُ بهذا الدّعاء، وسل ربّك حاجتك تأتك من الله،

ص: 77

والله غير مخلف وعده ورسوله صلّى الله عليه وآله بمنّه، والحمد لله».

سند الشيخ ابن قولويه إلى الزيارة:

وروى هذه الزّيارة الشيخ الجليل ابن قولويه في كتابه «كامل الزيارات» بالسند التالي:

حدّثني حكيم بن داود بن حكيم وغيره، عن محمّد بن موسى الهمداني، عن محمّد بن خالد الطيالسي، عن سيف بن عميرة وصالح بن عقبة جميعاً، عن علقمة بن محمّد الحضرمي ومحمّد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن مالك الجهني، عن أبيجعفر الباقر عليه السّلام، قال: «من زار الحسين بن علي عليهما السّلام يوم عاشوراء من المحرّم حتّى يظلّ عنده باكياً لقي الله عزّ وجلّ يوم يلقاه بثواب ألفي ألف حجّة، وألفي ألف عمرة، وألفي ألف غزوة، ثواب كلّ حجّة وعمرة وغزوة كثواب من حجّ واعتمر وغزا مع رسول الله صلّى الله عليه وآله، ومع الأئمّة الرّاشدين عليهم السّلام...».

قال صالح بن عقبة الجهني وسيف بن عميرة: قال علقمة بن محمّد الحضرمي: فقلت لأبي جعفر عليه السّلام: علّمني دعاء...(1).

وعليه فها هنا خمسة طرق لزيارة عاشوراء وثوابها، قد ساقها الشيخ

ص: 78


1- كامل الزيارات: 325، باب 71، الحديث 9.

الطوسي والشيخ ابن قولويه، وإليك بيانها:

الطريق الأوّل إلى الزيارة:

اشارة

الشيخ - كما تقدّم - بإسناده، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن صالح بن عقبة، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «من زار الحسين ابن علي عليهما السّلام يوم عاشوراء من المحرّم حتّى يظلّ عنده باكياً لقي الله عزّ وجلّ يوم يلقاه بثواب ألفي حجّة، وألفي عمرة، وألفي غزوة، ثواب كلّ حجّة وعمرة وغزوة كثواب من حجّ واعتمر وغزا مع رسول الله صلّى الله عليه وآله، ومع الأئمّة الرّاشدين عليهم السّلام».

أقول: إنّ هذا السّند الّذي ذكره الشيخ قدّس سرّه هو للرواية الّتي تتعرّض لبيان الأجر والثواب المترتّب على زيارة الحسين عليه السّلام يوم عاشوراء، ولم يذكر فيه نصّ الزيارة الّتي نحن بصدد البحث عنها، وإنّما تعرّض لها قدّس سرّه فيما بعد بقوله: قال صالح بن عقبة وسيف بن عميرة: قال علقمة بن محمّد الحضرمي: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: علّمني دعاء أدعو به في ذلك اليوم إذا أنا زرته من قرب، وأومأت إليه من بُعد البلاد ومن داري بالسّلام إليه، قال: فقال لي: «يا علقمة، إذا أنت صلّيت الرّكعتين - بعد أن تومئ إليه بالسّلام - فقل - عند الإيماء إليه من بعد التكبير - هذا القول؛ فإنّك إذا قلت ذلك فقد دعوت بما يدعو به زوّاره من الملائكة، وكتب اللّه لك مائة ألف ألف درجة، وكنت

ص: 79

كمن استشهد مع الحسين عليه السّلام، حتّى تشاركهم في درجاتهم، ولا تعرف إلاّ في الشهداء الّذين استشهدوا معه، وكتب لك ثواب زيارة كلّ نبي وكلّ رسول، وزيارة كلّ من زار الحسين عليه السّلام، منذ يوم قتل، عليه السّلام وعلى أهل بيته...».

طرق الشيخ الطوسي إلى كتاب محمّد بن إسماعيل:

والظّاهر من سياق كلامه قدّس سرّه: أنّه روى هذه الزّيارة وأخذها من كتاب محمّد بن إسماعيل بن بزيع. قال في «الفهرست»: له كتب، منها كتاب الحجّ، أخبرنا به الحسين بن عبيد الله، عن الحسن بن حمزة العلوي، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن إسماعيل.

وأخبرنا بها ابن أبي جيّد، عن محمّد بن الحسن، عن سعد والحميري وأحمد بن إدريس ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد ومحمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل(1)

وقال في موضع آخر: له كتاب في الحجّ. أخبرنا ابن أبي جيّد، عن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن إسماعيل(2).

فهذه ثلاثة طرق للشيخ إلى محمّد بن إسماعيل بن بزيع، اثنان

ص: 80


1- الفهرست: 440 / 706.
2- الفهرست: 400 / 606.

منها إلى كتاب الحجّ، والثالث إلى جميع كتبه، وإليك بيانها:

أمّا الطريق الأوّل - وهو إلى كتاب الحجّ - : فقد رواه عن الحسين بن عبيد الله، عن الحسن بن حمزة العلوي، عن عليّ بن ابراهيم، عن أبيه، عنه.

أمّا الحسين بن عبيد الله: فهو الحسين بن عبيد الله الغضائري، أستاذ الشيخ والنجاشي وأضرابهما. قال النجاشي في حقّه: الحسين بن عبيد الله بن إبراهيم، الغضائري، أبو عبد الله، شيخنا رحمه الله، له كتب... أجازنا جميعها وجميع رواياته، عن شيوخه، ومات رحمه الله في نصف [شهر] صفر سنة إحدى عشرة وأربع مائة(1).وقال الشيخ في «رجاله» - في من لم يرو عن واحد من الأئمّة عليهم السّلام - : الحسين بن عبيد الله، الغضائري، يكنّى أبا عبد الله، كثير السماع، عارف بالرّجال، وله تصانيف ذكرناها في الفهرست، سمعنا منه، وأجاز لنا بجميع رواياته، مات سنة إحدى عشرة وأربع مائة(2).

وقال عنه السيّد ابن طاووس في «فرج المهموم»: الشيخ، الثقة، الفقيه، الفاضل، الحسين بن عبد(3) الله الغضائري(4).

ص: 81


1- رجال النجاشي: 69 / 166.
2- رجال الطوسي: 425 / 6117.
3- هكذا ورد في المصدر، والصحيح هو « عبيد». راجع: رجال الطوسي: 425 / 6117، ورجال النجاشي: 69 / 166.
4- فرج المهموم: 97، الحديث الخامس عشر.

وبما إنّه من مشايخ النجاشي فهو ثقة؛ حسبما التزم به من: عدم روايته بلا واسطة إلاّ عن الثقة(1).

وأمّا الحسن بن حمزة العلوي: فهو أبو محمّد، الحسن بن حمزة العلوي، الطبري، المرعشي، وهو من مشايخ الشيخ المفيد، والحسين بن عبيد الله الغضائري، وأحمد بن عبدون. قال النجاشي في حقّه: الحسن بن حمزة بن علي بن عبد الله بن محمّد بن الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السّلام، أبو محمّد، الطبري، يعرف بالمرعش، كان من أجلاّء هذه الطائفة وفقهائها، قدم بغداد، ولقيه شيوخنا في سنة ستّ وخمسين وثلاثمائة، ومات في سنة ثماني وخمسين وثلاثمائة، له كتب(2).

وقال الشيخ: الحسن بن حمزة، العلوي، الطبري، يكنّى أبا محمّد، كان فاضلاً، أديباً، عارفاً، فقيهاً، زاهداً، ورعاً، كثير المحاسن، له كتب وتصانيف كثيرة(3).

ووصفه الشيخ المفيد بالشريف الزّاهد، وبالشريف الصالح في

ص: 82


1- كما هو المستفاد من قول النجاشي: رأيت هذا الشيخ - أي: أحمد بن محمّد بن عبيد الله - وكان صديقاً لي ولوالدي، وسمعت منه شيئاً كثيراً، ورأيت شيوخنا يضعّفونه، فلم أرو عنه شيئاً وتجنّبته. رجال النجاشي: 85 / 207. وقال في ترجمة «محمّد بن عبد الله بن محمّد»: رأيت هذا الشيخ وسمعت منه كثيراً، ثمّ توقّفت عن الرواية عنه إلاّ بواسطة بيني وبينه. رجال النجاشي: 396 / 1059.
2- رجال النجاشي: 64 / 150.
3- الفهرست: 135 / 195.

«أماليه» في عدّة موارد(1).

والمتحصّل من ذلك: أنّ الرجل ثقة، ولا ينبغي التوقّف في وثاقته.

وأمّا عليّ بن إبراهيم: فهو عليّ بن إبراهيم بن هاشم، أبو الحسن، القمّي، صاحب التفسير المعروف ب- «تفسير القمّي»، وهو شيخ ثقة الإسلام الكليني. قال النجاشي في حقّه: علي بن إبراهيم بن هاشم، أبو الحسن، القمي، ثقة في الحديث، ثبت، معتمد، صحيح المذهب، سمع فأكثر(2).

وأمّا أبوه: فهو إبراهيم بن هاشم، لم يرد في حقّه توثيق صريح، إلاّ أنّه لا إشكال في وثاقته، واعتبار روايته. وممّا يدلّ على ذلك أمور:

الأوّل: أنّ ابن طاووس ادّعى الاتّفاق على وثاقته(3)،

وهذا يكشف عن توثيق بعض المتقدّمين له على أقلّ تقدير.

الثاني: أنّ ابنه - أي عليّ بن إبراهيم - قد روى عنه في «التفسير» كثيراً، وقد ذكر في مقدّمة كتابه: ونحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهي إلينا، ورواه مشايخنا وثقاتنا عن الّذين فرض الله طاعتهم(4)، وعلى ضوء هذه المقدّمة يحكم: بوثاقة كلّ من وقع في السند من الخاصّة، ومن

ص: 83


1- الأمالي: 8 ، المجلس الأوّل، الحديث 4، ونفس المصدر: 253، المجلس الثلاثون، الحديث 3، ونفس المصدر: 317، المجلس الثامن والثلاثون، الحديث 1 و 13.
2- رجال النجاشي: 260/ 680.
3- أنظر: فلاح السائل: 284، ذيل الحديث 175.
4- تفسير القمّي: 13، المقدّمة.

جملة من وقع في السند: أبوه إبراهيم بن هاشم.

الثالث: قال النجاشي: وأصحابنا يقولون: أوّل من نشر حديث الكوفيّين بقم: هو(1)، وبذلك يظهر: أنّ القمّيين اعتمدوا عليه، ولم ينكروا شيئاً من رواياته، وإلاّ لأخرجوه من قم، كما أخرجوا البرقي، وسهل بن زياد، وغيرهما.

الرابع: أنّه وقع في أسناد «نوادر الحكمة»(2)، وقد حقّقنا في محلّه: أنّ ذلك أمارة على الوثاقة(3).

والمتحصّل: أنّه لا إشكال في وثاقة إبراهيم بن هاشم.

وأمّا محمّد بن إسماعيل بن بزيع، فهو من أصحاب أبي الحسن الأوّل والرّضا والجواد عليهم السّلام. قال النجاشي في حقّه: محمّد بن إسماعيل ابن بزيع، أبو جعفر، مولى المنصور أبي جعفر، وولد بزيع بيت، منهم حمزة ابن بزيع، كان من صالحي هذه الطائفة وثقاتهم، كثير العمل، له كتب، منها: كتاب ثواب الحجّ، وكتاب الحجّ. أخبرنا أحمد بن علي بن نوح، قال: حدّثنا ابن سفيان، قال: حدّثنا أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عنه، بكتبه(4).

ص: 84


1- رجال النجاشي: 16 / 18.
2- تهذيب الأحكام 1: 67، الحديث 69، ونفس المصدر 1: 274، الحديث 755، وانظر: أصول علم الرّجال 1: 212.
3- أنظر: أصول علم الرّجال 1: 210.
4- رجال النجاشي: 330 / 893.

وقال الشيخ في «رجاله»: ثقة، صحيح، كوفي(1). وورد في «نوادر الحكمة»(2).

وبالجملة، فإنّ الطريق الأوّل إلى كتابه معتبر.

وأمّا الطريق الثاني - وهو إلى جميع كتبه - : فقد رواها عن ابن أبي جيّد، عن محمّد بن الحسن، عن سعد والحميري وأحمد بن إدريس ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد ومحمّد بن الحسين، عنه.

أمّا ابن أبي جيّد: فهو عليّ بن أحمد بن محمّد بن أبي جيّد، المكنّى بأبي الحسين، وهو من مشايخ الشيخ الطوسي والنجاشي الّذي التزم بعدم الرواية من دون واسطة إلاّ عن ثقة، فيكون مشايخه كلّهم ثقات، ومنهم ابن أبي جيّد.

وأمّا محمّد بن الحسن: فهو محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، من أجلاّء الطائفة الإماميّة، وعينها، ووجهها. قال النجاشي في حقّه: أبو جعفر، شيخ القمّيين، وفقيههم، ومتقدّمهم، ووجههم، ويقال: إنّه نزيل قم، وما كان أصله منها، ثقة، ثقة، عين، مسكون إليه(3). وقال الشيخ في «الفهرست»: جليل القدر، عارف بالرّجال، موثوق به(4)

ص: 85


1- رجال الطوسي: 364 / 5393.
2- تهذيب الأحكام 5: 353، الحديث 261، وانظر: أصول علم الرّجال 1: 236.
3- رجال النجاشي: 383 / 1042.
4- الفهرست: 442 / 709.

وقال في «رجاله»: جليل القدر، بصير بالفقه، ثقة(1). وهو أحد مشايخ الصّدوق، وقد ترضّى عنه، وقال فيه: كلّ ما لم يصحّحه ذلك الشيخ قدّس الله روحه ولم يحكم بصحّته من الأخبار، فهو عندنا متروك، غير صحيح(2).

وأمّا قوله: عن سعد والحميري وأحمد بن إدريس ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد ومحمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل: فالمراد: أنّ محمّد بن الحسن بن الوليد يروي عن سعد والحميري وأحمد بن إدريس ومحمّد بن يحيى، وهم يروون عن أحمد بن محمّد ومحمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع.

أمّا سعد: فهو سعد بن عبد الله بن أبي خلف، القمّي، يعلم ذلك: بقرينة الراوي والمرويّ عنه، وهو من الأجلاّء الثقات. قال النجاشي: شيخ هذه الطائفة، وفقيهها، ووجهها، كان سمع من حديث العامّة شيئاً كثيراً، وسافر في طلب الحديث(3).

وقال الشيخ: يكنّى أبا القاسم، جليل القدر، واسع الأخبار كثير التصانيف، ثقة(4). وقيل: إنّه لقي الحجّة عجّل الله تعالى فرجه، وسمع

ص: 86


1- رجال الطوسي: 439 / 6273.
2- من لا يحضره الفقيه 2: 90، ذيل الحديث 1819.
3- رجال النجاشي: 177 / 467.
4- الفهرست: 215 / 316.

منه(1). وعدّ الصّدوق في أوّل «الفقيه» كتاب الرّحمة لسعد بن عبد الله من الكتب المشهورة، الّتي عليها المعوّل، وإليها المرجع(2).

وأمّا الحميري: فهو عبد الله بن جعفر الحميري، الّذي هو من الثقات الأجلاّء. قال النجاشي في حقّه: عبد الله بن جعفر بن الحسين بن مالك بن جامع، الحميري، أبو العبّاس، القمّي، شيخ القمّيين، ووجههم(3). وقال الشيخ في «الفهرست»: عبد الله بن جعفر، الحميري، يكنّى أبا العبّاس، القمّي، ثقة(4).

وأمّا أحمد بن إدريس: فهو أحمد بن إدريس الأشعريّ، القمّي. قال النجاشي في حقّه: أحمد بن إدريس بن أحمد، أبو عليّ، الأشعريّ، القمّي، كان ثقة، فقيهاً في أصحابنا، كثير الحديث، صحيح الرّواية(5).

وأمّا محمّد بن يحيى: فهو محمّد بن يحيى العطّار، الّذي هو من مشايخ الكليني وعليّ بن بابويه والد الشيخ الصّدوق. قال النجاشي في حقّه: محمّد بن يحيى، أبو جعفر، العطّار، القمّي، شيخ أصحابنا في زمانه، ثقة، عين،كثير الحديث، له كتب(6).

وأمّا أحمد بن محمّد: فهو مشترك بين جماعة، ولكنّ الظاهر:

ص: 87


1- كمال الدين وتمام النعمة 2: 454، الحديث 21.
2- من لا يحضره الفقيه 1: 3، 4.
3- رجال النجاشي: 219 / 573.
4- الفهرست: 294 / 440.
5- رجال النجاشي: 92 / 228.
6- رجال النجاشي: 353 / 946.

أنّه أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري القمّي، بقرينة رواية محمّد بن يحيى وسعد بن عبد الله عنه كثيراً. قال النجاشي في حقّه: شيخ القمّيّين، ووجههم، وفقيههم، غير مدافع، وكان - أيضاً - الرئيس الّذي يلقي السلطان بها، ولقي الرّضا عليه السّلام(1). ووثّقه الشيخ أيضاً(2).

وأمّا محمّد بن الحسين: فالظاهر: أنّه محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب؛ بقرينة رواية سعد بن عبد الله والحميري ومحمّد بن يحيى العطّار عنه، وروايته عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع كثيراً. قال النجاشي في حقّه: محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، أبو جعفر الزيّات، الهمداني، واسم أبي الخطّاب: زيد، جليل من أصحابنا، عظيم القدر، كثير الرواية، ثقة، عين، حسن التصانيف، مسكون إلى روايته(3). وقال الشيخ: محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، كوفي، ثقة(4). وعدّه الكشّي من العدول والثقات من أهل العلم الّذين رووا عن محمّد بن سنان(5).وأمّا محمّد بن إسماعيل: فهو ثقة، جليل، قد تقدّمت ترجمته.

وعليه فهذا الطريق - كسابقه - صحيح، ورجاله كلّهم ثقات أجلاّء.

ص: 88


1- رجال النجاشي: 81 / 198.
2- رجال الطوسي: 351 / 5197. وقال في «الفهرست»: وأبو جعفر هذا شيخ قم ووجهها وفقيهها غير مدافع. (الفهرست: 60/75).
3- رجال النجاشي: 334 / 897.
4- الفهرست: 400 / 608.
5- اختيار معرفة الرّجال: 557 / 980.

وأمّا الطريق الثالث - وهو إلى كتاب الحجّ - : فقد رواه عن ابن أبي جيّد، عن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن عليّ بن ابراهيم، عن أبيه، عنه.

وهذا الطريق رجاله كلّهم ثقات، أجلاّء، قد تقدّمت ترجمتهم.

والّذي يتحصّل ممّا ذكرنا: أنّ للشيخ طرقاً صحيحة إلى كتب محمّد ابن إسماعيل بن بزيع.

قد يقال: إنّ هذه الطرق وإن كانت تامّة في نفسها، إلاّ أنّها لا تنطبق على تمام المطلوب؛ لأنّ المطلوب هو: الحكم: بصحّة الطرق إلى جميع روايات وكتب محمّد بن إسماعيل بن بزيع، الّتي من جملتها: زيارة عاشوراء. وهذه الطرق الّتي ذكرها الشيخ في «الفهرست» لم تكن إلى جميع ما رواه عنه، وإنّما هي إلى خصوص كتاب الحجّ، وهذا المقدار غير مفيد للحكم بصحّة جميع الروايات الّتي رواها الشيخ عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع؛ إذ ليس جميعها مرويّاً بهذه الطرق الثلاثة.

وجوابه:

أوّلاً: أنّه قد جرت عادة المحدّثين الأوائل: كالصّدوق والكليني وغيرهم: على إدراج الزيارات في ضمن كتاب الحجّ، ويظهر ذلك لمن تتبّع كتبهم ومصنّفاتهم(1)،

فتكون هذه العادة حينئذ قرينة على:

ص: 89


1- أنظر: الكافي 4: 548 ، كتاب الحجّ، أبواب الزيارات، ومن لا يحضره الفقيه 2: 565، كتاب الحجّ، باب 303 وما بعده، وتهذيب الأحكام 6: 5، كتاب المزار.

أنّ الزيارة مدرجة في ضمن كتاب الحجّ، وعلى هذا فتكون مشمولة للطريق الّذي ذكره الشيخ إلى محمّد بن إسماعيل بن بزيع إلى خصوص كتاب الحجّ.

وثانياً: قد ذكر الشيخ الطوسي، وكذلك النجاشي: أنّ له كتباً، ولم يذكرا: أنّ له روايات، فيتّضح: أنّ جميع مرويّاته إنّما هي في كتبه، وبما أنّ الطريق الثاني إلى جميع كتب محمّد بن إسماعيل بن بزيع، فيرتفع الإشكال من أصله.

طرق أخرى للشيخ إلى محمّد بن إسماعيل:

إنّ للشيخ طريقاً معتبراً إلى جميع روايات أحمد بن عليّ بن نوح(1)، والنجاشي يروي جميع كتب محمّد بن إسماعيل بن بزيع - بطريق معتبر - عن أحمد بن عليّ بن نوح(2)، فتكون روايات محمّد بن إسماعيل كلّها داخلة في عموم مرويّات أحمد بن عليّ بن نوح، وبهذا يصبح طريق الشيخ إلى محمّد بن إسماعيل معتبراً؛ لصحّة

ص: 90


1- الفهرست: 86: 117، وفيه: «أحمد بن محمّد بن نوح»، والظاهر اتّحاده مع المعنون كما سيتّضح من تعليقنا في الهامش التالي، فلاحظ.
2- رجال النجاشي: 330 / 893، والظاهر أنّ أحمد بن علي بن العبّاس بن نوح السيرافي الّذي عنونه النجاشي رحمه الله في رجاله: 86 / 209، هو: أحمد بن محمّد بن نوح البصري السيرافي، الّذي ذكره الشيخ قدّس سرّه في رجاله: في من لم يرو عن واحد من الأئمّة عليهم السّلام: 417 / 6027، وأنّه تارة ينسب إلى أبيه فيقال: أحمد بن محمّد، وأخرى إلى جدّه، فيقال: أحمد بن نوح، وقد ينسب إلى والد جدّه الأوّل، فيقال: أحمد بن عليّ، والكلّ واحد.

طريق النجاشي.

ويمكن - أيضاً - تصحيح طريق الشيخ: بواسطة رواية أحمد بن محمّد ابن عيسى، فإنّه يظهر من طريق النجاشي: رواية أحمد بن محمّد بن عيسى كتب محمّد بن إسماعيل(1)،

فتكون من جملة رواياته، وللشيخ طرق صحيحة إلى جميع كتب وروايات أحمد بن محمّد بن عيسى(2).

وعليه فيكون طريق الشيخ إلى جميع مرويّات محمّد بن إسماعيل بن بزيع صحيحاً.

طريق الشيخ من محمّد بن إسماعيل إلى الإمام عليه السّلام:

وإلى هنا صحّ طريق الشيخ إلى محمّد بن إسماعيل بن بزيع. وأمّا منه إلى الإمام: فحالهم هكذا:

أمّا صالح بن عقبة: فهو صالح بن عقبة بن قيس. قال النجاشي في حقّه: صالح بن عقبة بن قيس بن سمعان بن أبي رُبيحة، مولى رسول الله صلّى الله عليه وآله، قيل: إنّه روى عن أبي عبد الله عليه السّلام، والله أعلم. روى صالح، عن أبيه، عن جدّه، وروى عن زيد الشحّام، [و] روى عنه محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، وابنه: إسماعيل بن صالح بن عقبة. قال سعد: هو مولى. له كتاب يرويه [عنه] جماعة،

ص: 91


1- رجال النجاشي: 330 / 893.
2- الفهرست: 60 / 75.

منهم: محمّد بن إسماعيل بن بزيع، أخبرنا الحسين بن عبيد الله، عن ابن حمزة، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن ابن أبي الخطّاب، قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل، عن صالح، بكتابه(1).وقال العلاّمة في الخلاصة: صالح بن عقبة بن قيس بن سمعان بن أبي ذبيحة، مولى رسول الله صلّى الله عليه وآله، روى عن أبي عبد الله عليه السّلام، كذّاب، غال، لا يلتفت إليه(2).

والتحقيق: أنّ الرّجل ثقة؛ لأنّه من رجال «تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي»، ولا عبرة بتضعيف العلاّمة له؛ لأنّه من المتأخّرين، فلا يعارض التوثيق المستفاد من وقوعه في أسناد «تفسير القمّي»(3)، إضافة إلى أنّه ورد في «نوادر الحكمة»(4).

أمّا أبوه فهو عقبة بن قيس بن سمعان، وهو مجهول الحال(5).

ويمكن تلخيص هذا الطريق إلى بيان ثواب زيارة الإمام الحسين عليه السّلام في يوم عاشوراء بما يلي:

1 - أنّ سند الشيخ إلى كتاب محمّد بن إسماعيل بن بزيع صحيح.

2 - أنّ محمّد بن إسماعيل بن بزيع ثقة، جليل القدر.

ص: 92


1- رجال النجاشي: 200 / 532.
2- خلاصة الأقوال: 360 / 1419.
3- تفسير القمّي: 472، سورة الفرقان، الآية: 62، ونفس المصدر: 487 سورة النمل، الآية: 62.
4- تهذيب الأحكام 3: 225، الحديث 699.
5- رجال الطوسي: 142 / 1539.

3 - أنّ صالح بن عقبة بن قيس ثقة.

4 - أنّ عقبة بن قيس بن سمعان مجهول الحال.

وهذا الطريق وإن كان ضعيفاً بعقبة بن قيس بن سمعان، إلاّ أنّ صاحب «كامل الزيارات» - كما سيأتي(1) - روى فضل هذه الزيارة وثوابها بعينها بطريق صحيح، وعليه فلا أثر لضعف طريق الشيخ هذا؛ بعد صحّة طريق ابن قولويه إليها، مع أنّ طريق ابن قولويه يكون بعينه طريقاً آخر للشيخ رحمه الله؛ حيث إنّه يروي عنه رواياته وفهرست كتبه(2).

الطريق الثاني إلى نصّ الزيارة:

ورواها الشيخ بإسناده عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن صالح بن عقبة وسيف بن عميرة، عن علقمة بن محمّد الحضرمي، عن الباقر عليه السّلام.

أمّا طريق الشيخ إلى محمّد بن إسماعيل بن بزيع: فهو صحيح، كما مرّ.

وأمّا محمّد بن إسماعيل بن بزيع وصالح بن عقبة: فهما ثقتان، جليلان، قد تقدّمت ترجمتهما(3).

ص: 93


1- راجع الصفحة: 102.
2- الفهرست: 109 / 141.
3- راجع الصفحة: 84 و 91.

وأمّا سيف بن عميرة: فهو سيف بن عميرة النخعي. قال عنه النجاشي: سيف بن عميرة، النخعي، عربي، كوفي، ثقة، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السّلام، له كتاب يرويه جماعات من أصحابنا(1).

وقال الشيخ في «الفهرست»: سيف بن عميرة، ثقة، كوفي، نخعي، عربي، له كتاب، أخبرنا به عدّة من أصحابنا(2).

وقال ابن شهر آشوب: ثقة، من أصحاب الكاظم عليه السّلام(3).

وورد في «تفسير القمّي»(4) و «نوادر الحكمة»(5)، وروى عنه المشايخ الثقات(6).

وعليه فهو ثقة، جليل.

وأمّا علقمة بن محمّد الحضرمي: فلم يرد في حقّه توثيق صريح، لكن ذكر الكشّي في مدحه حديثاً عن علي بن محمّد بن قتيبة

ص: 94


1- رجال النجاشي: 189 / 504.
2- الفهرست: 224 / 333.
3- معالم العلماء: 56 / 377.
4- تفسير القمّي: 156، سورة المائدة، الآية: 4، والمصدر نفسه: 355، سورة الحجر، الآية: 95، وراجع: أصول علم الرّجال 1: 281.
5- تهذيب الأحكام 1: 259، باب تطهير المياه من النجاسات، الحديث 32، والاستبصار 3: 72، باب أخذ الأجر على تعليم القرآن، الحديث 4، وراجع: أصول علم الرّجال 1: 224.
6- أصول علم الرّجال 2: 195.

القتيبي، قال: حدّثنا الفضل بن شاذان، قال: حدّثني أبي، عن محمّد بن جمهور، عن بكار ابن أبي بكر الحضرمي، قال: دخل أبو بكر وعلقمة على زيد بن علي، وكان علقمة أكبر من أبي، فجلس أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره، وكان بلغهما: أنّه قال:ليس الإمام منّا من أرخى عليه ستره، إنّما الإمام من شهر سيفه، فقال له أبو بكر - وكان أجرأهما - : يا أبا الحسين، أخبرني عن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، أكان إماماً وهو مرخى عليه ستره، أو لم يكن إماماً حتّى خرج وشهر سيفه؟ قال: وكان زيد يبصر الكلام، قال: فسكت، فلم يجبه، فردّ عليه الكلام ثلاث مرّات، كلّ ذلك لا يجيبه بشيء، فقال له أبو بكر: إن كان عليّ بن أبي طالب إماماً فقد يجوز أن يكون بعده إمام مرخى عليه ستره، وإن كان عليّ عليه السّلام لم يكن إماماً وهو مرخى عليه ستره فأنت ما جاء بك هاهنا؟! قال: فطلب إلى علقمة أن يكفّ عنه، فكفّ(1).

والشاهد على المدح في هذه الرواية هو ظهور موقف علقمة موقف الدفاع عن إمامة أمير المؤمنين عليه السّلام، وهو الّذي أتى به مع أبي بكر للاحتجاج على زيد، وهذه الرواية وإن كان يظهر منها قدحاً في زيد إلاّ أنّه توجد روايات أخرى تفيد مدحه.

وقد عدّه الشيخ في «رجاله» تارة: من أصحاب الباقر عليه السّلام، قائلاً: علقمة بن محمّد، الحضرمي، أخو أبي بكر الحضرمي(2)،

ص: 95


1- اختيار معرفة الرّجال: 478 / 788.
2- رجال الطوسي: 140 / 1503.

وأخرى: في أصحاب الصّادق عليه السّلام، قائلاً: علقمة بن محمّد، الحضرمي، الكوفي، أسند عنه(1).

وعلى هذا فهو ممدوح، فيكون الطريق من جهته معتبراً.

أضف إلى ذلك: أنّه لو بنينا على مبنى من يقول بالاعتماد على عموم توثيق «كامل الزيارات»، وشموله لمن يروي عنه ابن قولويه مع الواسطة، فحيث إنّ هذا الرجل وقع في أسناد كتابه فيشمله التوثيق العامّ. وكذلك لو قلنا: بدلالة «أسند عنه» على الوثاقة؛ لأنّ الشيخ لا يسند عن شخص لا يكون مورداً للاعتماد. وكذلك لو قلنا: بأنّ رواية الثقة عن شخص تكفي للحكم بوثاقته. ولكن هذه المباني الثلاثة كلّها محلّ نظر.

نعم، يستفاد من كلام سيف بن عميرة الاعتماد عليه؛ حيث سأل صفوان قائلاً: إنّ علقمة بن محمّد الحضرمي لم يأتنا بهذا عن أبي جعفر عليه السّلام، إنّما أتانا بدعاء الزيارة؟! فيظهر من هذا السؤال أنّ علقمة كان موضع اعتماد له، فسأل أنّ هذا الدعاء لو كان وارداً فلماذا لم ينقله لنا علقمة؟ الأمر الّذي يوحي بأنّ علقمة هو الراوي الأصلي للرواية، وهو قابل للاعتماد على رواياته، وتقرير صفوان له - أيضاً - مؤكّد لذلك، ولا أقلّ من كونه ممدوحاً، وروايته معتبرة.

ص: 96


1- رجال الطوسي: 262 / 3732.

الطريق الثالث إلى نصّ الزيارة :

ورواها الشيخ - أيضاً - بإسناده، عن محمّد بن خالد الطيالسي، عن سيف بن عميرة، قال: خرجت مع صفوان بن مهران الجمّال، وجماعة من أصحابنا إلى الغري بعدما خرج أبو عبد اللّه عليه السّلام، فسِرنا من الحيرة إلى المدينة، فلمّا فرغنا من الزيارة صرف صفوان وجهه إلى ناحية أبي عبد اللّه عليه السّلام، فقال لنا: «تزورون الحسين عليه السّلام من هذا المكان من عند رأس أمير المؤمنين عليه السّلام»، من هاهنا أومأ إليه أبو عبد اللّه عليه السّلام وأنا معه.

قال: فدعا صفوان بالزيارة الّتي رواها علقمة بن محمّد الحضرمي، عن أبي جعفر عليه السّلام في يوم عاشوراء، ثمّ صلّى ركعتين عند رأس أمير المؤمنين عليه السّلام، فودّع - في دبرها - أميرالمؤمنين عليه السّلام، وأومأ إلى الحسين عليه السّلام بالتسليم، منصرفاً وجهه نحوه، وودّع. فكان فيما دعا في دبرها...(1) .

والظاهر أنّ الشيخ قد رواها وأخذها من كتاب محمّد بن خالد الطيالسي، وطريقه إليه صحيح، كما يظهر من «الفهرست» ؛ حيث قال: له كتاب، رويناه عن الحسين بن عبيد اللّه، عن أحمد بن محمّد بن يحيى، عن أبيه، عن محمّد بن عليّ بن محبوب، عن محمّد بن خالد(2).

ص: 97


1- راجع الصفحة: 71.
2- الفهرست: 421 / 649.

أمّا الحسين بن عبيد اللّه ومحمّد بن يحيى العطّار: فهما ثقتان، جليلان، قد تقدّمت ترجمتهما.

وأمّا أحمد بن محمّد بن يحيى: فهو أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار، لم يرد فيه توثيق صريح في كتب الرجال. نعم، قد ترضّى عنه الشيخ الصّدوق كثيراً(1)، والترضّي: علامة الوثاقة.

إضافة إلى ذلك أنّ للشيخ الصّدوق طريقاً صحيحاً إلى جميع كتب وروايات محمّد بن عليّ بن محبوب، والّتي من جملتها كتاب محمّد بن خالد الطيالسي، وهذا الطريق لا يمرّ بأحمد بن محمّد بن يحيى، وهو - كما ذكر الشيخ - : أخبرنا بجميع كتبه ورواياتهجماعة، عن محمّد بن عليّ بن الحسين، عن أبيه ومحمّد بن الحسن، عن أحمد بن إدريس، عن محمّد بن علي بن محبوب(2).

أمّا محمّد بن عليّ بن محبوب: فهو الأشعريّ، القمّي. قال النجاشي في حقّه: شيخ القمّيّين في زمانه، ثقة، عين، فقيه، صحيح المذهب(3).

وعليه فطريق الشيخ الطوسي إلى محمّد بن خالد الطيالسي: صحيح.

وأمّا محمّد بن خالد الطيالسي: فقد ذكر النّجاشي والشيخ: بأنّ له كتاباً، ولم يوردا فيه قدحاً.

ص: 98


1- راجع: من لا يحضره الفقيه 4: 427، في طريقه إلى عبد الله بن أبي يعفور، ونفس المصدر 4: 447، في طريقه إلى عبد الرّحمن بن الحجّاج.
2- الفهرست: 411 / 624.
3- رجال النجاشي: 349 / 940.

قال النجاشي: محمّد بن خالد بن عمر الطيالسي، التميمي، أبو عبد الله، كان يسكن بالكوفة في صحراء جرم، له كتاب نوادر. أخبرنا ابن نوح، عن ابن سفيان، عن حُمَيد بن زياد، قال: مات محمّد بن خالد الطيالسي ليلة الأربعاء لثلاث بقين من جمادى الآخرة سنة تسع وخمسين ومائتين، وهو ابن سبع وتسعين سنة(1).

وقال الشيخ في الفهرست: محمّد بن خالد الطيالسي، له كتاب، رويناه عن الحسين بن عبيد الله، عن أحمد بن محمّد بن يحيى، عن أبيه، عن محمّد بن عليّ بن محبوب، عن محمّد بن خالد(2).

وفي كتاب الرّجال: محمّد بن خالد الطيالسي، روى عنه عليّ بن الحسن بن فضال وسعد بن عبد الله(3).

وفيه أيضاً: يكنّى أبا عبد الله، روى عنه حميد أصولاً كثيرة، ومات سنة تسع وخمسين ومائتين، وله سبع وتسعون سنة(4).

وفي رسالة أبي غالب الزراري: وكان جدّي أبو طاهر أحد رواة الحديث، قد لقي محمّد بن خالد الطيالسي، فروى عنه: كتاب عاصم بن حميد، وكتاب سيف بن عميرة، وكتاب العلاء بن رزين، وكتاب إسماعيل ابن عبد الخالق، وأشياء غير ذلك(5).

ص: 99


1- رجال النجاشي: 340 / 910.
2- الفهرست: 421 / 649.
3- رجال الطوسي: 438 / 6261.
4- رجال الطوسي: 441 / 6304.
5- رسالة أبي غالب الزراري: 148 .

وقد روى عنه جماعة آخرون، منهم: الصفّار، وعبد الله بن جعفر الحميري، وعلي بن إبراهيم بن هاشم، وغيرهم، ومن هنا قال الأستاذ الأكبر البهبهاني قدّس سرّه في تعليقته: رواية الأجلّة عنه تشير إلى الاعتماد عليه(1).

وقد عدّه المحدّث النوري قدّس سرّه من الأجلاّء والثقات، وتعجّب من العلاّمة المجلسي قدّس سرّه؛ لعدّه - في الوجيزة - من المجاهيل، ومن الفاضل البحراني قدّس سرّه؛ لعدم ذكره له في البلغة(2).

وقال العلاّمة المامقاني في ترجمته: ويمكن اتّصافه بأدنى درجة الحسن باعتبار رواية الأجلّة عنه(3).

وورد اسمه في أسناد «كامل الزيارات»(4)، الّذي ذكر مؤلّفه في ديباجته: أنّه لم يرو في كتابه إلاّ ما وقع له من جهة الثقات من الأصحاب(5).

ولكن هذا لا ينفعنا في المقام؛ لاختصاص توثيق ابن قولويه بمشايخه على ما حقّقناه(6)، ومحمّد بن خالد الطيالسي ليس من مشايخه، فلا يشمله التوثيق.

ص: 100


1- منهج المقال: 295.
2- خاتمة مستدرك الوسائل 9: 39 / 2453.
3- تنقيح المقال: 114، باب «محمّد».
4- كامل الزيارات: 325، باب 71، الحديث 9.
5- أنظر: كامل الزيارات: 37، مقدّمة الكتاب.
6- أنظر: أصول علم الرّجال 1: 323.

وقد وقع في أسناد نوادر الحكمة(1)، وهو كافٍ بالقول بوثاقته على ما حقّقناه.

هذا كلّه في تصحيح السند من الشيخ إلى محمّد بن خالد الطيالسي. وأمّا منه إلى الإمام: ففيه سيف بن عميرة وصفوان بن مهران الجمّال.

أمّا سيف بن عميرة، فهو ثقة؛ قد تقدّمت ترجمته.وأمّا صفوان بن مهران الجمّال: فقد قال النجاشي في حقّه: صفوان بن مهران بن المغيرة، الأسدي، مولاهم، ثمّ مولى بني كاهل منهم، كوفي، ثقة.... له كتاب يرويه جماعة(2). وعدّه الشيخ المفيد في «إرشاده»: من شيوخ أصحاب أبي عبد الله عليه السّلام، وخاصّته، وبطانته، وثقاته الفقهاء الصالحين(3).

فتحصّل ممّا تقدّم: أنّ هذا الطريق: صحيح.

وعليه فهذه ثلاثة طرق للزيارة قد ذكرها الشيخ، بعضها ضعيف، وهو الأوّل، وبعضها معتبر، وهو الثاني، وبعضها صحيح، وهو الثالث، وقد ذكرنا أنّ الطريق الأوّل هو لبيان ثواب الزيارة، مع أنّه يمكن إثبات طريق آخر صحيح لذلك من جهة رواية الشيخ لجميع كتب وروايات ابن قولويه الّذي روى ما رواه الشيخ في الطريق الأوّل في

ص: 101


1- تهذيب الأحكام 10: 142، الحديث 610.
2- رجال النجاشي: 198 / 525.
3- الإرشاد 2: 216.

فضل الزيارة وثوابها بالألفاظ نفسها، كما تقدّم(1).

ونضيف: أنّ كتابي صفوان(2) وسيف بن عميرة(3): مشهوران، لا حاجة معهما إلى ملاحظة السند.

الطريق الرابع والخامس إلى الزيارة:

أمّا الرّابع وهو ما نقله ابن قولويه في كتاب «كامل الزيارات» حيث قال: حدّثني حكيم بن داود بن حكيم وغيره، عن محمّد بن موسى الهمداني، عن محمّد بن خالد الطيالسي، عن سيف بن عميرة وصالح بن عقبة جميعاً، عن علقمة بن محمّد الحضرمي، عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام(4).

وهذا الطريق ينحلّ إلى طريقين من دون لحاظ قوله: «وغيره»، ومعه ينحل إلى أربعة طرق.

أمّا الطريقان اللّذان هما بلحاظ «وغيره»: فيسقطان من جهة الإرسال.

وأمّا الطريقان الآخران: فقد تقدّمت ترجمة جميع رجالهما ما عدا اثنين:

الأوّل: حكيم بن داود بن حكيم، وهو لم يوثّق صريحاً في كتب

ص: 102


1- في الصفحة: 78.
2- أنظر: رجال النجاشي: 198 / 525.
3- أنظر: رجال النجاشي: 189 / 504.
4- كامل الزيارات: 325، باب 71، الحديث 9.

الرّجال، ولكنّه من مشايخ ابن قولويه المباشرين(1)، فيشمله التوثيق العام الّذي ذكره في مقدّمة كتابه «كامل الزيارات».

والثاني: محمّد بن موسى الهمداني، وهو ممّن استثناه ابن الوليد من كتاب «نوادر الحكمة»، وتبعه الشيخ الصّدوق في ذلك. وقال النجاشي في حقّه: ضعّفه القمّيّون بالغلوّ، وكان ابن الوليد يقول: إنّه كان يضع الحديث، واللَّه أعلم(2). ونسبة النجاشي إلى القمّيّين له بالغلوّ، وابن الوليد له بالوضع، وقوله: والله أعلم، إشارة إلى عدم ثبوتها عنده، ومع ذلك فهو غير موثّق، فيكون هذا الطريق ضعيفاً به، ولكن لا يضرّ ذلك في اعتبار الحديث؛ لأنّ كتاب سيف بن عميرة - الّذي نقلت منه الزيارة - مشهور.

وأمّا الطريق الخامس، فذكره ابن قولويه - أيضاً - بقوله: ومحمّد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن مالك الجهني، عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام(3).

أمّا قوله: «ومحمّد بن إسماعيل»: ففيه احتمالات ثلاثة:

الأوّل: أنّ قوله: «ومحمّد بن إسماعيل» عطف على قوله: «محمّد بن خالد الطيالسي»، فيكون السند هكذا: حكيم بن داود، عن محمّد

ص: 103


1- أنظر: كامل الزيارات: 45، باب 2، الحديث 11، ونفس المصدر:60، باب 4، الحديث 5 و 6 و 7، وغيرها.
2- رجال النجاشي: 338 / 904.
3- كامل الزيارات: 325، باب 71، الحديث 556.

بن موسى الهمداني، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن صالح بن عقبة، عن مالك الجهني، عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام. وهذا الطريق ضعيف بمحمّد بن موسى الهمداني، كما تقدّم.

الثاني: أن يكون قوله: «ومحمّد بن إسماعيل» معطوفاً على قوله: «محمّد بن موسى الهمداني»، وهذا بُعده واضح، لا يحتاج إلى بيان.الثالث: أن يكون قوله: «ومحمّد بن إسماعيل» معطوفاً على «حكيم بن داود»، فتكون الرواية من باب النقل عن الكتاب، وأنّ ابن قولويه أخذها من كتاب محمّد بن إسماعيل، وبما أنّه توجد واسطة في البين، ولم يذكر تلك الواسطة، فالرواية عندئذ تكون مرسلة، لا اعتبار بها.

إلاّ أنّه يمكن دفع ذلك بأن يقال: بما أنّه كان للشيخ الطوسي إلى ذلك الكتاب طريق صحيح(1)،

كما أنّه يروي جميع روايات وكتب الشيخ ابن قولويه(2)، ومن جملة رواياته: ما ورد في «كامل الزيارات» ؛ لأنّه ناظر إلى رواياته حتماً، وحيث إنّه لم ينقل الاختلاف بينهما فيكون لهذه الرواية طريق صحيح آخر، إضافة الى طريق ابن قولويه، فتكون الرواية معتبرة.

والاحتمال الأخير هو الأقرب من سائر الاحتمالات.

وعلى هذا فطريق ابن قولويه إلى كتاب محمّد بن إسماعيل

ص: 104


1- تقدّم في الصفحة: 85 و 81.
2- الفهرست: 109 / 141.

صحيح، لا إرسال فيه.

وأمّا بقيّة رجال السند: فصالح بن عقبة ثقة، قد تقدّمت ترجمته.

وأمّا مالك الجهني: فلم يوثّق صريحاً، لكنّه روى عنه المشايخ الثقات(1)،

وهذه أمارة على وثاقته.

إضافة إلى أنّه وردت عدّة روايات في مدحه والثناء عليه:

منها: ما رواه الكليني، عن يحيى الحلبي، عن ابن مسكان، عن مالك الجهني، قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: «يا مالك، أترضون(2) أن تقيموا الصّلاة، وتؤتوا الزكاة، وتكفّوا، وتدخلوا الجنّة؟ يا مالك، إنّه ليس من قوم ائتمّوا بإمام في الدنيا إلاّ جاء يوم القيامة يلعنهم ويلعنونه، إلاّ أنتم ومن كان على مثل حالكم. يا مالك، إنّ الميت - واللّه - منكم على هذا الأمر لشهيد، بمنزلة الضارب بسيفه في سبيل اللّه»(3).

ومنها: ما رواه الكليني - أيضاً - عن عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن يحيى الحلبي، عن مالك الجهني، قال: قال أبوجعفر عليه السّلام: «يا مالك، أنتم شيعتنا. ألا ترى: أنّك تفرط في أمرنا؛ إنّه لا يُقْدَرُ على صفة اللّه، فكما لا يُقْدَرُ

ص: 105


1- التوحيد: 334، باب 54، الحديث 7، ووسائل الشيعة 2: 171، باب 114 من أبواب آداب الحمّام، الحديث 3، وانظر: أصول علم الرّجال 2: 207.
2- هكذا في النسخة الّتي اعتمدناها، ولكن في باقي النسخ «أما ترضون».
3- الكافي 8: 127، الحديث 122، وفضائل الشيعة: 310، الحديث 37 ، مع اختلاف يسير.

على صفة اللّه، كذلك لا يُقْدَرُ على صفتنا، وكما لا يُقْدَرُ على صفتنا، كذلك لا يُقْدَرُ على صفة المؤمن؛ إنّ المؤمن ليلقى المؤمن فيصافحه، فلا يزال اللّه ينظر إليهما، والذّنوب تتحاتُّ عن وجوههما، كما يتحاتُّ الورق من الشّجر، حتّى يفترقا، فكيف يقدر على صفة من هو كذلك؟»(1).

والروايتان وإن كان الراوي لهما نفس مالك إلاّ أنّ ذلك لا يضرّ؛ حيث إنّ ابن مسكان والحلبي الثقة الجليل اعتمدا في نقلهما عليه، فلا محالة أنّ ذلك يفيد المدح في حقّه.

بالإضافة إلى أنّ ابن مسكان من أصحاب الإجماع، فتكون روايته عن مالك صحيحة، وهي تفيد مدح مالك، بل حسنه.

والّذي يتحصّل من جميع ما ذكرنا: أنّ لهذه الزيارة الشريفة وثوابها خمسة طرق معتبرة، ولو تنزّلنا عن صحّة بعضها ففي البعض الآخر غنىً وكفاية؛ وذلك لأنّ هذه الزيارة: إمّا أن تكون من كتاب الراوي، أو من نفسه. وعلى كلا التقديرين يحكم: بصحّة رواية الشيخ الطوسي وابن قولويه، عن محمّد بن إسماعيل. وإذا صحّ السند إلى محمّد بن إسماعيل صحّ جميعه؛ لوثاقة الرواة الواقعين بينه وبين الإمام عليه السّلام، ولو في بعض الطرق.

ص: 106


1- الكافي 2: 186، باب المصافحة، الحديث 6، وفضائل الشيعة: 310، الحديث 37 ، مع اختلاف يسير.

القرائن الدالّة على صحّة صدور الزيارة من الإمام عليه السّلام:

اشارة

هناك قرائن توجب اطمئنان النفس بصحّة صدور الزيارة عن المعصوم عليه السّلام، وهي على قسمين: داخليّة، وخارجيّة.

أمّا القرائن الداخليّة: فيمكن إجمالها بما يلي:

1 - الترتيب والتنظيم في الزيارة؛ إذ الابتداء بالصعود على مكان مرتفع، أو تحت السماء، ثمّ التكبير مائة مرّة، ثمّ الشروع في الزيارة، ثمّ السجدة، ثمّ صلاة الزيارة، ثمّ قراءة دعاء علقمة... لا يصدر عادة عن مثل هؤلاء الرواة الّذين نقلوا هذه الزيارة؛ لوضوح: أنّ الشروع بالتكبير لله سبحانه، والختم بالسجدة له تعالى، ثمّ الصلاة له، وبعدها الدعاء وطلب الحوائج منه جلّ ثناؤه، أمرٌ لا يَلتف إليه عامّةُ الناس.

2 - العبارات والمضامين العالية المذكورة في الزيارة، والمشحونة بالحِكَم والدلائل؛ حيث تضمّنت التسليم على أبي عبد الله عليه السّلام، ثمّ التبرّي ممّن أسّس أساس الظلم والطغيان، ثمّ طلب الثأر والانتقام منهم، ثمّ طلب ما وعده الله عزّ وجلّ للصابرين من: أجرهم في عِظَم المصاب.

كما أنّها تحتوي - أيضاً - على أسس وأصول الدين الحنيف، من: التوحيد، والإخلاص بالتكبير، والسجدة لله تعالى، والعدل، والإقرار بالولاية.

3 - طلب الزائر فيها - مرّتين - الانتصار وأخذ الثأر في كنف الإمام الحجّة عجّل الله تعالى فرجه الشريف عند ظهوره، وهذا إخبار بقيام

ص: 107

الحجّة عليه السّلام، وطلب الثأر، والانتقام من الظلمة والظالمين، مع أنّ صدورها في زمن الإمامين الباقر والصّادق عليهما السّلام، وذلك ممّا لا يخطر ببال راوٍ فقيه جليل، فضلاً عن الرواة الّذين ليس لهم حظّ من الفقاهة.

4 - التبرّي أوّلاً، ثمّ التولّي بالتسليم ثانياً، مائة مرّة، فإنّ التكرار بهذا العدد الخاصّ وبهذه الكيفيّة في المضمون البليغ والتام لم يصدر - ولا يصدر - من غير الإمام عليه السّلام.

وأمّا القرائن الخارجيّة: فيمكن تلخيصها بما يلي:

1 - الروايات الكثيرة المتواترة الواردة عنهم عليهم السّلام، والّتي تدلّ على: أنّ زيارة الإمام الحسين عليه السّلام من أفضل المستحبّات، وأحسن المثوبات، وهذه الروايات شاملة لمطلق الزيارة، وهذه الزيارة من مصاديقها، بل هي مصداق واضح لها، كما يتّضح ذلك بأدنى تدبّر وتأمّل في القرائن الداخليّة الّتي أسلفنا الكلام فيها.

2 - مداومة ومواظبة العلماء والفقهاء العظام - قدّست أسرارهم - على قراءتها، والاهتمام بشأنها اهتماماً بالغاً، على مدى القرون المنصرمة، وهو دليل واضح على الاطمئنان بصدورها.

وعلى كلّ حال: فإنّ الفائدة المترتّبة على الاهتمام بالسند إن كانت لأجل إثبات المضامين الّتي اشتملت عليها الزيارة من: موالاة أهل البيت عليهم السّلام، والبراءة من أعدائهم، والدعاء على كلّ من أسّس

ص: 108

الظلم والطغيان، فالأدلّة القطعيّة - من الكتاب المجيد والسنّة المتواترة - كافية لإثبات هذه المضامين(1)، ومعها لا حاجة إلى تجشّم البحث عن صحّة سند زيارة عاشوراء، وعدم صحّته.

وإن كان الاهتمام بالسند من أجل ترتّب الثواب على قراءة هذه الزيارة بألفاظها الخاصّة المرويّة، فقاعدة التسامح - الّتي مفادها على المشهور: ترتّب الثواب على العمل الّذي بلغ: أنّ فيه الثواب، وإن لم يكن وروده ثابتاً عن المعصوم عليه السّلام - تُثبت ذلك، بل حتّى لو قلنا: بعدم ثبوت هذه القاعدة، فلا مانع من قراءتها - أيضاً - برجاء المطلوبيّة.

زيارة عاشوراء من الأحاديث القدسيّة:

إنّ هذه الزيارة - بهذه الكيفيّة، وبهذا الإسناد -: إنّما هي من الله عزّ وجلّ، فهي من الأحاديث القدسيّة، الّتي رواها الأئمّة المعصومون عليهم السّلام عن الله عزّ وجلّ بواسطة جدّهم صلّى الله عليه وآله؛ حيث ورد فيها:

«يا صفوان، وجدت هذه الزيارة مضمونة بهذا الضمان عن أبي، وأبي عن أبيه عليّ بن الحسين عليهما السّلام مضموناً بهذا الضمان عن الحسين، والحسين عن أخيه الحسن مضموناً بهذا الضمان، والحسن عن أبيه أمير

ص: 109


1- سيأتي في الصفحة: 109 الكلام في مشروعيّة اللعن.

المؤمنين مضموناً بهذا الضمان، وأمير المؤمنين عليه السّلام عن رسول الله صلّى الله عليه وآله مضموناً بهذا الضمان، ورسول الله صلّى الله عليه وآله عنجبرئيل عليه السّلام مضموناً بهذا الضمان، وجبرئيل عليه السّلام عن ربّه عزّ وجلّ مضموناً بهذا الضمان. قد آلى الله على نفسه عزّ وجلّ: أنّ من زار الحسين عليه السّلام بهذه الزيارة - من قرب أو بُعد - ودعا بهذا الدعاء، قبلت منه زيارته، وشفّعته في مسألته بالغاً ما بلغت، وأعطيته سؤله، ثمّ لا ينقلب عنّي خائباً، وأقلبه مسروراً، قريراً عينه بقضاء حاجته، والفوز بالجنّة، والعتق من النار، وشفّعته في كلّ من يشفع له، خلا ناصب لنا أهل البيت. آلى الله تعالى بذلك على نفسه، وأشهدنا بما شهدت به ملائكة ملكوته على ذلك.

ثمّ قال جبرئيل عليه السّلام: يا رسول الله، أرسلني إليك؛ سروراً وبشرى لك، وسروراً وبشرى لعليّ وفاطمة والحسن والحسين، وإلى الأئمّة من ولدك إلى يوم القيامة، فدام - يا محمّد - سرورك وسرور عليّ وفاطمة والحسن والحسين، والأئمّة عليهم السّلام وشيعتكم إلى يوم البعث...».

ص: 110

فائدة في الفرق بين الحديث القدسيّ

وبين القرآن الكريم والحديث النبويّ

القُدسُ في اللغة هو: الطُّهر(1)،

والطهارة(2). والحديث القدسيّ هو: المنسوب إلى الذات القدسيّة، أي: إلى الله سبحانه وتعالى، لا على وجه الإعجاز والتحدّي، لذا فلا يُسمّى القرآن الكريم حديثاً قُدسيّاً، رغم كونه كلاماً إلهيّاً.

والفارق بينه وبين القرآن الكريم هو:

أوّلاً: أنّ القرآن الكريم لفظه من الله سبحانه وتعالى، وأمّا الحديث القدسيّ فيجوز أن يكون لفظه من النّبيّ صلّى الله عليه وآله.

ثانياً: أنّ القرآن الكريم وقع به التحدّي، وحصل به الإعجاز، بخلاف الحديث القدسيّ؛ فلم يقع به شيء من ذلك.

ثالثاً: أنّ القرآن الكريم منقول كلّه بالتواتر، فهو قطعيّ الثبوت، فمن جحده يكون كافراً، وهذا بخلاف الحديث القدسيّ، فإنّ من جحده لا يحكم بكفره، ما لم يرجع إنكاره إلى تكذيب النبيّ صلّى الله عليه وآله.

رابعاً: أنّ القرآن الكريم هو: المتعبّد بتلاوته، بمعنى: أنّ الصّلاة لا تجزىء إلاّ بقراءة فاتحة الكتاب وسورة منه، بخلاف الأحاديث

ص: 111


1- الصّحاح 3 : 960، مادّة «قدس».
2- لسان العرب 11: 60، مادّة «قدس».

القدسيّة، فلا يجزىء قراءة شيء منها في الصّلاة.

خامساً: أنّ القرآن الكريم لا يمسّه إلاّ المطهّرون، بخلاف الأحاديث القدسيّة، فيجوز مسّها من المحدث إذا لم يكن فيها اسم الجلالة، أو النبي، أو أحد الأئمّة عليهم السّلام، وإلاّ فلا يجوز مسّها أيضاً... إلى غير ذلك من الفروق(1).

وأمّا الفرق بين الحديث القدسيّ والحديث النبوي الشريف فيتّضح بما يلي:

أوّلاً: أنّ الحديث القدسيّ هو: ما ينسبه النبي صلّى الله عليه وآله إلى ربّ العزّة والجلالة، بخلاف الحديث النبوي؛ إذ لا ينسبه صلّى الله عليه وآله إليه سبحانه وتعالى.

ثانياً: أنّ جلّ الأحاديث القدسيّة - بل كلّها - قوليّة، وأمّا الأحاديث النبويّة: ففيها ما كان بالقول، وبالفعل، وبالتقرير.

ص: 112


1- راجع: مستدركات مقباس الهداية 5: 45 وما بعدها.

شبهات وردود

اشارة

حاول البعض إيراد شبهات على هذه الزيارة الشريفة، لكنّها ليست تامّة، كما سيتبيّن ذلك، وهي كما يلي:

الشبهة الأولى:

اشارة

إنّ الزيارة تشتمل على ما لا يمكن نسبته للأئمّة عليهم السّلام، من: اللعن؛ إذ كيف يصدر ذلك منهم، مع أنّهم حثّوا شيعتهم على التخلّق بالأخلاق الطيّبة، والتأدّب بالآداب الحسنة؛ ليمتازوا بها عن غيرهم، ويعرفوا بالأوصاف الجميلة، وعدم التعصّب والعناد واللجاج. ففي الصّحيح عن الإمام الصّادق عليه السّلام قال: «ما أيسر ما رضي الناس به منكم، كفّوا ألسنتكم عنهم»(1).

هذا بالإضافة إلى الأخبار الواردة عنهم عليهم السّلام في النهي عن ذلك، من قبيل: ما روي عن أبي عبد الله عليه السّلام: «إيّاك أن تكون فحّاشاً، أو صخّاباً، أو لعّاناً»(2)

وما روي عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «خطب رسول الله صلّى الله عليه وآله الناس، فقال: ألا أخبركم بشراركم؟ قالوا: بلى، يا رسول الله، قال: الّذي يمنع رفده، ويضرب

ص: 113


1- وسائل الشيعة 16: 254، باب 36 من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما، الحديث 1.
2- الكافي 2: 314، كتاب الإيمان والكفر، باب البذاء، الحديث 14، ووسائل الشيعة 16: 33، باب 71 من أبواب جهاد النفس، الحديث 7.

عبده، ويتزوّد وحده. فظنّوا: أنّ الله لم يخلق خلقاً هو شرّ من هذا... ثمّ قال: ألا أخبركم بمن هو شرّ من ذلك؟ قالوا: بلى، يا رسول الله، قال: المتفحّش اللعّان، الّذي إذا ذكر عنده المؤمنون لعنهم، وإذا ذكروه لعنوه»(1).

وما روي عن أبي جعفر عليه السّلام أيضاً: «إنّ اللعنة إذا خرجت من في صاحبها تردّدت بينهما، فإن وجدت مساغاً، وإلاّ رجعت على صاحبها»(2).

وقال أمير المؤمنين عليه السّلام - كما في «نهج البلاغة» -: «إنّي أكره لكم: أن تكونوا سبّابين»(3).

ص: 114


1- الكافي 2: 281، كتاب الإيمان والكفر، باب في أصول الكفر وأركانه، الحديث 7، ووسائل الشيعة 15: 340، باب 49 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه، الحديث 7.
2- الكافي 2: 345، كتاب الإيمان والكفر، باب السباب، الحديث 7، ووسائل الشيعة 12: 301، باب 160 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 2 ، مع اختلاف يسير، ورواها في قرب الإسناد: 10، الحديث 31 بسنده عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله عليه السّلام، عن أبيه، مع اختلاف يسير، ورواها في ثواب الأعمال: 320، بسنده عن علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد الله عليه السّلام، مع اختلاف يسير.
3- نهج البلاغة: 406 من كلماته عليه السّلام 206. وقال ابن أبي الحديد في توضيح قوله عليه السّلام: والّذي كرهه عليه السّلام منهم: أنّهم كانوا يشتمون أهل الشام، ولم يكن يكره منهم لعنهم إيّاهم، والبذاءة منهم، لا كما يتوهّمه قوم من الحشوية، فيقولون: لا يجوز لعن أحد ممّن عليه اسم الإسلام، وينكرون على من يلعن، ومنهم من يغالي في ذلك فيقول: لا ألعن الكافر، ولا ألعن إبليس، وأنّ الله تعالى لا يقول لأحد يوم القيامة: لِمَ لم تلعن؟ وإنّما يقول: لِمَ لعنت. شرح نهج البلاغة11: 12، الخطبة 199.

وقال عليه السّلام أيضاً: «كرهت لكم: أن تكونوا لعّانين شتّامين، تشتمون وتتبرّأون، لكن لو وصفتم مساوئ أعمالهم فقلتم: من سيرتهم: كذا وكذا، ومن عملهم: كذا وكذا، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر. ولو قلتم - مكان لعنكم إيّاهم وبراءتكم منهم - : اللّهمّ احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم حتّى يعرف الحقّ منهم مَن جهله، ويرعوي عن الغيّ والعدوان مَن لهج به، كان هذا أحبّ إليّ وخيراً لكم»(1).

ولكي يتّضح فساد هذه الشبهة الّتي تمسّك بها البعض؛ للتشكيك في صحّة صدور هذه الزيارة الشريفة من الإمام عليه السّلام نقدّم بعض الأمور:

الأوّل: في معنى اللعن:

اشارة

ورد اللعن في اللغة بمعنى: الطرد والإبعاد من الله(2).

قال الزمخشري في «أساس البلاغة»: لعنه أهله: طردوه وأبعدوه، وهو لعينٌ طريدٌ. وقد لعن الله إبليس: طرده من الجنّة، وأبعده من جوار الملائكة، ولعنت الكلب والذئب: طردتهما(3).

ص: 115


1- وقعة صفّين: 103، وشرح نهج البلاغة 3: 105، من كلام له 46، وبحار الأنوار 32: 399، الحديث 369 - 373، ومستدرك الوسائل 12: 306، الباب 34 من أبواب الأمر والنهي وما يناسبها، الحديث 3 ، مع اختلاف يسير.
2- النهاية في غريب الحديث والأثر 4: 213، مادّة «لعن».
3- أساس البلاغة: 407، مادّة «لعن».

وقال الجوهريّ في «الصحاح»: اللعن: الطرد والإبعاد من الخير(1).

وقال الرّاغب: اللعن: الطرد والإبعاد على سبيل السخط، وذلك من الله تعالى في الآخرة عقوبة، وفي الدنيا انقطاع من قبول رحمته وتوفيقه، ومن الإنسان دعاء على غيره(2).

وقال ابن منظور في «لسان العرب»: واللعنة في القرآن: العذاب. ولعنه الله، يلعنه لعناً: عذّبه(3).

وقال في «مجمع البحرين»: اللعن: الطرد من الرّحمة، واللعن: الإبعاد، وكانت العرب إذا تمرّد الرّجل منهم أبعدوه منهم، وطردوه؛ لئلاّ تلحقهم جرائره، فيقال: لعن بني فلان(4).

الفرق بين اللعن والسبّ:

السبّ هو الشتم، كما في النهاية لابن الأثير(5).

وفي «ترتيب جمهرة اللغة»: سَبَّ يَسُبُّ سَبّاً. وأصل السبّ القطع، ثمّ صار السبّ شتماً؛ لأنَّ السبَّ خرق الأعراض(6).

ص: 116


1- الصّحاح 6: 2196، مادّة «لعن».
2- مفردات الرّاغب: 471، مادّة «لعن».
3- لسان العرب 4: 3579، مادّة «لعن».
4- مجمع البحرين 6: 309، مادّة «لعن».
5- النهاية في غريب الحديث والأثر 2: 330، مادّة «سبب».
6- ترتيب جمهرة اللغة 2: 276، مادّة «سبب».

وقال الجوهري في «الصّحاح»: السبّ: الشتم، وقد سبّه يسبّه. وسبّه أيضاً بمعنى قطعه(1).

وأمّا الشتم، فقد قال ابن منظور في «لسان العرب»: شتم: الشتم: قبيح الكلام، وليس فيه قذف. والشتم: السبّ، شتمه يشتمه ويشتمه شتماً، فهو مشتوم... والتشاتم: التسابّ. والمشاتمة: المسابّة(2).

وقال الجوهري في «الصّحاح»: الشتم: السبّ، والاسم الشتيمة.

والتشاتم: التسابّ. والمشاتمة: المسابّة(3).

وقال الطريحي في «مجمع البحرين»: الشتم: السبّ، بأن تصف الشيء بما هو إزراء ونقص(4).

ومنه يظهر أنّ السبّ والشتم معناهما متقارب، وحكمهما واحد.

والحاصل: أنّ اللعن غير السبّ أو الشتم، فمعناهما مختلف، وقد يجتمعان في الكلام، وعليه فلا ينبغي الخلط بين اللعن الّذي اُمرنا به - كما سيأتي ذكره لاحقاً - وبين السبّ. ومن ذلك يظهر عدم صحّة الاستدلال من رأس على حرمة اللعن بالنهي عن السبّ؛ لأنّهما موضوعان متغايران، ولكلّ منهما أحكام خاصّة، فلا يقاس أحدهما بالآخر.

ص: 117


1- الصّحاح 1: 144، مادّة «سبب».
2- لسان العرب 2: 1975، مادّة «شتم».
3- الصّحاح 5: 1958، مادّة «شتم».
4- مجمع البحرين 6: 98، مادّة «شتم».

الثاني: في مشروعيَّة اللعن:

اشارة

1 - أمّا الإماميّة: فقد اتّفقوا على مشروعيّة اللعن واستحبابه إذا وقع على وجهه، وعلى مستحقّه، بل قد يكون واجباً، وذلك فيما إذا كان مصداقاً للتبرّي من الظالمين، وأعداء اللَّه ورسوله صلّى الله عليه وآله، ومن عمّال الجور، وعبدة الطاغوت.

ويدلّ على ذلك: الكتاب المجيد، والسنّة الغرّاء الصادرة عن الأئمّة المعصومين عليهم السّلام، والعقل.

أمّا الكتاب: فقد استدلّ بآيات منه: كقوله تعالى: [إِنَّ الّذين يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ](1).

وقوله تعالى: [إِنَّ الّذين يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ](2).

وقوله تعالى: [أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ](3).

وقوله تعالى: [مِنَ الّذين هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا

ص: 118


1- سورة الأحزاب, الآية: 57.
2- سورة البقرة, الآية: 159.
3- سورة آل عمران, الآية: 87.

وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إلاّ قَلِيلاً](1).

وقوله تعالى: [وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ](2).

وقوله تعالى: [إِنَّ الّذين كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ](3).

وقوله تعالى: [فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثمّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ](4).

وقوله تعالى: [وَعَدَ اللهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ](5).

وقوله تعالى: [فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ](6).

ص: 119


1- سورة النساء, الآية: 46.
2- سورة البقرة, الآية: 88.
3- سورة البقرة, الآية: 161.
4- سورة آل عمران, الآية: 61.
5- سورة التوبة، الآية: 68.
6- سورة الأعراف، الآية: 44.

وقوله تعالى: [أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ](1).

إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة - والّتي تزيد على ثلاثين آيةً - الدالّة على: أنّ اللعن منهج قرآني تربوي، يدفع الإنسان إلى أن يقف بكلّ صلابة في مواجهة الباطل، مهما كان نوعه، أو وصفه، أو قدره، وأن يثبت على الحقّ، ويدافع عنه بما يستطيع.

وأمّا السنّة: فالأخبار فيها كثيرة جدّاً، بل متواترة قد تصل إلى حدّ القطع بصدورها، ونحن نُورد في المقام جملة من هذه الأخبار، ونوكل الباقي إلى المتتبّع:

منها: ما رواه الكشّي في ترجمة جماعة، قال: حدّثني محمّد بن قولويه، والحسين بن الحسن بن بندار القمّي، قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله، قال: حدّثني إبراهيم بن مهزيار، ومحمّد بن عيسى بن عبيد، عن عليّ بن مهزيار، قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول - وقد ذكر عنده أبو الخطّاب -: «لعن الله أبا الخطّاب، ولعن أصحابه، ولعن الشاكّين في لعنه، ولعن من قد وقف في ذلك وشكّ فيه»، ثمّ قال: «هذا أبو الغمر، وجعفر بن واقد، وهاشم بن أبي هاشم استأكلوا بنا الناس، وصاروا دعاة، يدعون الناس إلى ما دعى إليه أبو الخطّاب، لعنه الله، ولعنهم معه، ولعن من قبل ذلك منهم. يا عليّ، لا تتحرجنّ من لعنهم، لعنهم الله؛ فإنّ الله قد لعنهم»، ثمّ قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه

ص: 120


1- سورة البقرة، الآية: 159.

وآله: من تأثّم أن يلعن من لعنه الله، فعليه لعنة الله»(1).

ومنها: ما رواه الكليني في «الكافي» عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد ابن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن معاوية بن وهب، عن سعيد السمّان، قال:كنت عند أبي عبد اللَّه عليه السّلام إذ دخل عليه رجلان من الزيديّة، فقالا له: أفيكم إمام مفترض الطاعة؟ قال: فقال: «لا» قال: فقالا له: قد أخبرنا عنك الثقات: أنّك تفتي، وتقرّ، وتقول به، ونسمّيهم لك فلان وفلان، وهم أصحاب ورع وتشمير، وهم ممّن لا يكذب، فغضب أبو عبد اللَّه عليه السّلام وقال: «ما أمرتهم بهذا»، فلمّا رأيا الغضب في وجهه خرجا، فقال لي: «أتعرف هذين؟» قلت: نعم، هما من أهل سوقنا، وهما من الزيديّة، وهما يزعمان: أنّ سيف رسول اللَّه صلّى الله عليه وآله عند عبد اللَّه بن الحسن، فقال: «كذبا، لعنهما اللَّه، واللَّه، ما رآه عبد اللَّه بن الحسن بعينيه، ولا بواحدة من عينيه، ولا رآه أبوه»(2) .

ومنها: ما رواه الشيخ المفيد في كتاب «الاختصاص»: عن جعفر بن الحسين، عن محمّد بن الحسن، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن محمّد ابن إسماعيل، عن عليّ بن الحكم، عن زياد بن أبي الحلال، قال: اختلف أصحابنا في أحاديث جابر الجعفي، فقلت: أنا أسأل أبا عبد اللّه عليه السّلام. فلمّا دخلت ابتدأني، فقال: «رحم اللّه

ص: 121


1- اختيار معرفة الرّجال: 574 / 1012.
2- الكافي 1: 288، كتاب الحجّة، باب ما عند الأئمّة من سلاح رسول الله صلّى الله عليه وآله، الحديث 1.

جابر الجعفي؛ كان يصدق علينا. لعن اللّه المغيرة بن سعيد؛ كان يكذب علينا»(1).

ومنها: ما رواه الشيخ في «التهذيب» بسنده عن عامر بن السمط، عن أبي عبد الله عليه السّلام: أنّ رجلاً من المنافقين مات، فخرج الحسين بن عليّ عليه السّلام يمشي معه، فلقيه مولى له، فقال له الحسين عليه السّلام: «أين تذهب يا فلان؟» قال: فقال له مولاه: أفرّ من جنازة هذا المنافق أن أصلّي عليها، فقال له الحسين عليه السّلام: «انظر: أن تقوم على يميني، فما تسمعني أن أقول فقل مثله»، فلمّا أن كبّر عليه وليّه قال الحسين عليه السّلام: «اللّهمّ العن فلاناً عبدك ألف لعنة مؤتلفة غير مختلفة. اللّهمّ أخز عبدك في عبادك وبلادك، وأصله حرّ نارك، وأذقه أشدّ عذابك؛ فإنّه كان يتولّى أعداءك، ويعادي أولياءك، ويبغض أهل بيت نبيّك »(2).

وفي «الكافي» عن الحسين بن ثوير وأبي سلمة السرّاج، قالا: سمعنا أبا عبد اللَّه عليه السّلام وهو يلعن في دبر كلّ مكتوبة أربعة من الرجال، وأربعاً من النساء: فلان وفلان وفلان ومعاوية، ويسمّيهم، وفلانة وفلانة وهند وأمّ الحكم أخت معاوية(3).

ص: 122


1- الاختصاص: 204.
2- تهذيب الأحكام 3: 175، باب الصّلاة على الأموات، الحديث 25.
3- الكافي 3: 330، كتاب الصّلاة، باب التعقيب بعد الصّلاة والدعاء، الحديث 10.

إلى غير ذلك من الرّوايات الصحيحة وغيرها، ممّا يستفاد من مجموعها: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السّلام كانوا يرضون باللعن، ويفعلونه، ويعلّمون شيعتهم - أيضاً - ذلك.

ما ذكره الشيخ الحرّ العاملي في اللعن:

قال الشيخ محمّد بن الحسن، الحرّ العاملي قدّس سرّه، في رسالته «الفوائد الطوسيّة»: أمّا الروايات الشريفة: فهي أكثر من أن تحصى، ومن أرادها فليرجع إلى كتب الحديث المشتملة على الأحكام الشرعيّة، بل وأحاديث الأصول وغيرها؛ فإنّ أكثر الواجبات - إن لم يكن كلّها - قد ورد لعن تاركها، وأكثر المحرّمات - إن لم يكن كلّها - قد ورد لعن فاعلها، وأكثر الاعتقادات الصحيحة قد ورد كفر منكرها ولعنه، وأكثر الاعتقادات الفاسدة قد ورد كفر صاحبها ولعنه.

وأمّا لعن المتقدّمين على أمير المؤمنين عليه السّلام والمحاربين له: فالّذي ورد فيه أكثر من أن يحصى، واجتماع أسباب اللعن فيهم، أو أكثرها، أوضح من أن يخفى، قد وردت به روايات علماء السنّة، فضلاً عن روايات الشيعة،... وقد روى الشيخ الثقة الجليل عمر بن عبد العزيز الكشّي في «كتاب الرّجال» عن محمّد بن قولويه والحسين بن الحسن بن بندار القمّي جميعاً، عن سعد بن عبد اللّه، عن إبراهيم بن مهزيار ومحمّد بن عيسى، عن عليّ بن مهزيار، عن أبي جعفر، يعني: الثاني عليه السّلام - في حديث - قال: «قال رسول اللّه صلّى الله عليه وآله: من

ص: 123

تأثّم أن يلعن من لعنه اللّه فعليه لعنة اللّه»(1)، وناهيك بهذا الحديث الشريف، الصحيح السند، الصريح الدلالة - وما اشتمل عليه من التأكيد والمبالغة، مع ضمّ الآيات القرآنيّة السابقة - حجّة على من توقّف في ذلك، وقد روي في عدّة أحاديث معتمدة: أنّ ولاية النبي والأئمّة عليهم السّلام لا تقبل إلاّ بالبراءة من أعدائهم، وأنّه تجب عداوة الكافر والفاسق، وتحرم محبّتهما وموالاتهما(2).

ما ذكره الشيخ العلاّمة النراقي في اللعن:

وقال الشيخ العلاّمة النراقي قدّس سرّه في «جامع السعادات»: وأمّا اللعن: فلا ريب في كونه مذموماً؛ لأنّه عبارة عن: الطرد والإبعاد من الله تعالى، وهذا غير جائز إلاّ على من اتّصف بصفة تبعده بنصّ الشريعة، وقد ورد عليه الذمّ الشديد في الأخبار. قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: «المؤمن ليس بلعّان»(3).

وعن الباقر عليه السّلام، قال: «خطب رسول الله صلّى الله عليه وآله، فقال: ألا أخبركم بشراركم؟ قالوا: بلى، يا رسول الله، قال: الّذي يمنع رفده، ويضرب عبده، ويتزوّد وحده. فظنّوا: أنّ الله لم يخلق خلقاً هو شرّ من هذا... ثمّ قال: ألا أخبركم بمن هو شرّ من ذلك؟ قالوا: بلى، يا رسول الله،

ص: 124


1- تقدّم في الصفحة: 120.
2- الفوائد الطوسيّة: 515.
3- مسند أحمد 1: 668، الحديث 3829، ولكن ورد فيه: «ليس المؤمن بطعّان ولا بلعّان».

قال: المتفحّش اللعّان، الّذي إذا ذكر عنده المؤمنون لعنهم، وإذا ذكروه لعنوه»(1).

وقال الباقر عليه السّلام(2): «إنّ اللعنة إذا خرجت من فم(3) صاحبها تردّدت بينهما، فإن وجدت مساغاً، وإلاّ رجعت على صاحبها»(4).

ثمّ لمّا كان اللعن هو: الحكم بالبعد، أو طلب الإبعاد من الله - والأوّل: غيب لا يطّلع عليه إلاّ الله، والثاني: لا يجوز إلاّ على من اتّصف بصفة تبعده منه - فينبغي ألاّ يلعن أحداً إلاّ من جوّز صاحب الشرع لعنه، والمجوَّز من الشرع: إنّما هو اللعن على الكافرين والظالمين والفاسقين، كما ورد في القرآن، ولا ريب في جواز ذلك بالوصف الأعمّ، كقولك: لعنة الله على الكافرين، أو بوصف يخصّ بعض الأصناف، كقولك: لعنة الله على اليهود والنصارى. والحقّ: جواز اللعن على شخص معيّن علم اتّصافه بصفة الكفر، أو الظلم أو الفسق.

وما قيل من: عدم جواز ذلك إلاّ على من يثبت لعنه من الشرع: كفرعون، وأبي جهل؛ لأنّ كلّ شخص معيّن كان على إحدى الصفات

ص: 125


1- الكافي 2: 281، كتاب الإيمان والكفر، باب في أصول الكفر وأركانه، الحديث 7، ووسائل الشيعة 15: 340، باب 49 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه، الحديث 7 ، مع اختلاف يسير.
2- في الكافي والوسائل: «وعن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول».
3- في الكافي والوسائل «في» بدل «فم».
4- الكافي 2: 345، كتاب الإيمان والكفر، باب السباب، الحديث 7، ووسائل الشيعة 12: 301، باب 160 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 2 ، مع اختلاف يسير.

الثلاثة(1)

ربّما رجع عنها، فيموت مسلماً أو تائباً، فيكون مقرّباً عند الله، لا مبعداً عنه: كلام ينبغي أن يطوى ولا يروى؛ إذ المستفاد من كلام الله تعالى، وكلام رسوله صلّى الله عليه وآله، وكلام أئمّتنا الراشدين عليهم السّلام: جواز نسبته إلى الشخص المعيّن، بل المستفاد منها: أنّ اللعن على بعض أهل الجحود والعناد من أحبّ العبادات، وأقرب القربات. قال الله سبحانه: [أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ الله وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ[(2)، وقال: ]أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاّعِنُونَ](3)، وقال النبي صلّى الله عليه وآله: «لعن الله الكاذب، ولو كان مازحاً»(4)، وقال صلّى الله عليه وآله - في جواب أبي سفيان حين هجاه بألف بيت -: «اللّهمّ إنّي لا أحسن الشعر، ولا ينبغي لي. اللّهمّ العنه بكلّ حرف ألف لعنة»(5)، وقد لعن أمير المؤمنين عليه السّلام جماعة(6)، وروي: أنّه كان يقنت - في الصّلاة المفروضة - بلعن معاوية،

ص: 126


1- هكذا في المصدر، والصحيح هو «الثلاث».
2- سورة البقرة، الآية: 161.
3- سورة البقرة، الآية: 159.
4- هكذا في المصدر، ولكنّ ورد في المستدرك: «... فلعنة الله على الكاذب وإن كان مازحاً». مستدرك الوسائل 11: 372، باب 49 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه، الحديث 11.
5- الأربعين في إمامة الأئمّة الطاهرين: 633، وقد ورد أيضاً في قول الإمام الحسن بن عليّ عليه السّلام لعمرو بن العاص: «إنّك هجوت رسول الله صلّى الله عليه وآله بسبعين بيتاً من الشعر، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: اللّهمّ إنّي لا أقول الشعر، ولا ينبغي لي. اللهمّ العنه بكلّ حرف ألف لعنة». شرح نهج البلاغة 6: 178، من كلامه عليه السّلام رقم 83، وبحار الأنوار 44: 81، وجواهر المطالب 2: 219.
6- أنظر: الغارات 2: 642.

وعمرو بن العاص، وأبي موسى الأشعري، وأبي الأعور الأسلمي(1)، مع أنّه أحلم الناس، وأشدّهم صفحاً عمّن يسوء به، فلولا أنّه كان يرى لعنهم من الطاعات لما تخيّر محلّه في الصلاة المفروضة.

وروى الشيخ الطوسي: أنّ الصّادق عليه السّلام كان ينصرف من الصلاة بلعن أربعة رجال(2).ومن نظر إلى ما وقع للحسن عليه السّلام مع معاوية وأصحابه، وكيف لعنهم، وتتبّع ما ورد من الأئمّة في «الكافي» وغيره - من كتب الأخبار والأدعية - في لعنهم من يستحقّ اللعن من رؤساء الضلال، والتصريح بأسمائهم، يعلم: أنّ ذلك من شعائر الدين، بحيث لا يعتريه شكّ ومرية.

وما ورد من قوله عليه السّلام: «لا تكونوا لعّانين»، ومثله: نهي عن اللعن على غير المستحقّين، وما روي أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام نهى عن لعن أهل الشام(3)،

فإن صحّ فلعلّه كان يرجو إسلامهم إليه، كما هو شأن الرئيس المشفق على الرعيّة(4).

ص: 127


1- أنظر: شرح نهج البلاغة 13: 190، الخطبة 242، وفيه: «السُّلميّ» بدل «الأسلمي».
2- تهذيب الأحكام 2: 282، باب كيفية الصلاة وصفتها، الحديث 169، وورد أيضاً في وسائل الشيعة 6: 462، باب 19 من أبواب التعقيب، ذيل الحديث 1.
3- تقدّم في الصفحة 115.
4- قال الفيض الكاشاني قدّس سرّه: وأمّا حديث «لا تكونوا لعّانين» فلعلّه نهي عن أن يكون السبّ خُلقاً لهم، بسبب المبالغة فيه، والإفراط في ارتكابه، بحيث يلعنون كلّ أحد، كما يدلّ عليه قوله: «لعّانين»، لا أنّه نهى عن لعن المستحقّين، وإلاّ لقال: لا تكونوا لاعنين، فإنّ بينهما فرقاً، يعلمه من أحاط بدقائق لسان العرب. وأمّا ما روي أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام نهى عن لعن أهل الشام، فإن صحّ فلعلّه عليه السّلام كان يرجو إسلامهم ورجوعهم إليه، كما هو شأن الرئيس المشفق على الرعيّة، ولذلك قال: «ولكن قولوا: اللّهمّ أصلح ذات بيننا»، وهذا قريبٌ من قوله تعالى - في قصّة فرعون -: [فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً ]. (المحجّة البيضاء 5: 222 ).

وبالجملة: اللعن على رؤساء الظلم والضلال والمجاهرين بالكفر والفسق: جائز، بل مستحبّ، وعلى غيرهم من المسلمين غير جائز، إلاّ أن يتيقّن باتّصافه بإحدى الصفات الموجبة له، وينبغي ألاّ يحكم باتّصافه بشيء منها بمجرّد الظنّ والتخمين؛ إذ لا يجوز أن يرمى مسلم بكفر وفسق من غير تحقيق. قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: «لا يرمي رجل رجلاً بالكفر، فلا يرميه بالفسق إلاّ ارتدّ عليه، إن لم يكن كذلك»(1)(2).

وبالتأمّل في هذا الكلام الّذي نقلناه عن الشيخ النراقي قدّس سرّه يتّضح الجواب عمّا ذكر في هذه الشبهة.

وأمّا العقل: فحيث إنّ اللعن هو: الدعاء على المفسد والظالم بالبعد من رحمة الله عزّ وجلّ، وهذا يوجب تجنّب الناس عن الظلم، وعدم ميلهم إلى الملعون، وإسقاطه في نظرهم، وعدم الإتيان بمثل أعماله وأفعاله، بخلاف الدعاء بالخير والرّحمة للمحسن والعادل، فإنّه يوجب الحبّ والترغيب في التأسّي به، والإتيان بأعمال الخير

ص: 128


1- ورد الحديث في صحيح البخاري ومجمع الزوائد هكذا: «لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق، ولا يرميه بالكفر إلاّ ارتدّت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك». صحيح البخاري7: 111، الحديث 6045، ومجمع الزوائد 8: 73.
2- جامع السعادات 1: 352 - 355.

والإحسان إلى الناس، فلا إشكال في: أنّ اللعن في نظر العقل - بناء على هذا - أمر جميل وحسن، فهو تربية نفسيّة للجميع، بل قد يعدّ من مراتب النهي عن المنكر؛ لاشتماله على تقبيح فعل الملعون بما أنّه ظلم وتعدّ وتجاوز على حقوق الآخرين.

2 - وأمّا العامّة: فقد وقع الخلاف في حكم اللعن بين المجوّزين والمانعين، بعد اتّفاقهم على أصل مشروعيّته في الجملة، فاتّفقوا على جواز لعن غير المعيّن - كقولك: لعنة الله على الكافرين والظالمين والفاسقين - ممّن اتّصف بأوصاف مذمومة شرعاً: كالكفر والظلم والكذب، وغيرها من المحرّمات الثابتة في الشرع، واختلفوا في حكم لعن العاصي المعيّن: مسلماً كان، أو كافراً، بل منهم من منع من لعن إبليس؛ مستدلاًّ بما ورد في الحديث: «لا يقولنَّ أحدكم لعن الله الشيطان؛ فإنّه إذا سمعها تعاظم حتى يصير كالجبل...» الحديث(1).

أدلّة القائلين بالمنع:

استدلّ المانعون بأدلّة:

الأوّل: الأحاديث الواردة عن النبيّ صلّى الله عليه وآله:

منها: ما أخرجه البخاري في «صحيحه» عن عمر بن الخطّاب: أنّ رجلاً كان على عهد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان اسمه عبد

ص: 129


1- القبس في شرح موطأ مالك بن أنس 1: 196.

الله، وكان يلقّب حماراً، وكان يُضحك رسول اللَّه صلّى الله عليه وسلّم، وكان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد جلده في الشراب، فأُتي به يوماً، فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللّهمّ العنه، ما أكثر ما يؤتى به! فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا تلعنوه؛ فوالله، ما علمت أنّه يحبّ الله ورسوله»(1).

فيلاحظ هنا: أنّ النبيَّ صلّى الله عليه وآله نهاهم عن لعن هذا المعيّن مع أنّه صلّى الله عليه وآله لعن شارب الخمر مطلقاً بقوله: «أتاني جبريل، فقال: يا محمّد، إنّ الله - تبارك وتعالى - لعن الخمر، وعاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومبتاعها، وساقيها، ومستقيها»(2)، فدلّ ذلك على: أنّه يجوز أن يلعن المطلق، ولا يجوز لعن المعيّن.

ومنها: ما روي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «ليس المؤمن بالطعّان، ولا اللعّان، ولا الفاحش، ولا البذيء»(3).

ص: 130


1- صحيح البخاري 8: 19، الحديث 6780، وفي بعض النسخ «ما علمت إلاّ أنّه» بدل «ما علمت أنّه»، والسنن الكبرى 8: 312 ، مع اختلاف يسير، وكنز العمّال 5: 506، الحديث 13747.
2- مسند أحمد 1: 519، الحديث 2892، وسنن الترمذي 3: 589، الحديث 1295 ، مع اختلاف يسير، وسنن أبي داود 3: 326، الحديث 3674 ، مع اختلاف يسير، والمستدرك على الصحيحين 2: 31، كتاب البيوع، ونفس المصدر 4: 145، كتاب الأشربة، والسنن الكبرى 5: 327 كتاب البيوع، ومجمع الزوائد 4: 90 ، مع اختلاف يسير، ومسند أبي يعلى 9: 431، الحديث 5583، والجامع الصغير 2: 405، الحديث 7253.
3- المعجم الكبير 10: 207، الحديث 10483، ومجمع الزوائد 1: 97، والسنن الكبرى 10: 193، والمستدرك على الصحيحين 1: 12، كتاب الأيمان.

ومنها: ما روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «إنّ العبد إذا لعن شيئاً صعدت اللعنة إلى السماء، فتغلق أبواب السماء دونها، ثمّ تهبط إلى الأرض، فتغلق أبوابها دونها، ثمّ تأخذ يميناً وشمالاً، فإذا لم تجد مَسَاغاً رجعت إلى الّذي لُعِن، فإن كان لذلك أهلاً، وإلاّ رجعت إلى قائلها»(1).

ومنها: قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لعن المؤمن كقتله»(2).

ومنها: قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ اللعَّانين لا يكونون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة»(3).

الثاني: أنّه لا يجوز لعنه؛ لإمكان التوبة، وغيرها من موانع لحوق اللعنة: كالحسنات الماحية للسيّئات، أو المصائب المكفّرة، أو الشفاعة المقبولة، وغيرها.

الثالث: أنّ الكافر الحيّ المعيّن لا يجوز لعنه؛ لقوله تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ](4)، فلم يذكر لعنه إلاّ بعد موته(5).

ص: 131


1- سنن أبي داود 4: 277، الحديث 4905، والجامع الصغير 1: 316، الحديث 2069.
2- مجمع الزوائد 8: 73، وسنن الدارمي 2: 252، الحديث 2361.
3- صحيح مسلم 4: 2006، الحديث 85 و 86، والسنن الكبرى 10: 193.
4- سورة البقرة، الآية: 161.
5- قال ابن كثير في «تفسيره»: لا خلاف في جواز لعن الكفّار، وقد كان عمر بن الخطّاب (رض) ومن بعده من الأئمّة يلعنون الكفرة في القنوت وغيره، فأمّا الكافر المعيّن فقد ذهب جماعة من العلماء إلى أنّه لا يلعن؛ لأنّا لا ندري بما يختم الله له. واستدلّ بعضهم بالآية [إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ الله وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ]. وقالت طائفة أخرى: بل يجوز لعن الكافر المعيّن، واختاره الفقيه أبو بكر بن العربي المالكي، ولكنّه احتجّ بحديث فيه ضعف. واستدلّ غيره بقوله عليه السّلام في قصّة الّذي كان يؤتى به سكران فيحدّه، فقال رجل: لعنه الله، ما أكثر ما يؤتى به، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تلعنه، فإنّه يحبّ الله ورسوله»، فدلّ على: أنّ من لا يحبّ الله ورسوله يلعن. والله أعلم. (تفسير القرآن العظيم 1: 188).
أدلّة القائلين بالجواز:

وأمّا أصحاب الرأي الثاني: فقد استدلّوا بما ورد عن النبي صلّى الله عليه وآله:

فمنه: ما أخرجه البخاري في «صحيحه» عن عائشة، قالت: استأذن رهطٌ من اليهود على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا: السّامُ عليكم، فقلت: بل عليكم السّام واللعنة، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «يا عائشة، إنّ الله رفيق، يحبّ الرفق في الأمر كلّه». الحديث(1).

ومنه: ما رواه عمرو بن مرّة الجهني، قال: استأذن الحكم بن أبي العاص على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فعرف صوته، فقال: «ائذنوا له، حيّة أو ولد حيّة. عليه لعنة الله، وعلى كلّ من يخرج من صلبه إلاّ المؤمن منهم، وقليل ما هم، يشرّفون في الدنيا، ويوضعون في الآخرة، ذوو مكر وخديعة، يعظَّمون في الدنيا، وما لهم في الآخرة من خلاق»(2).

ص: 132


1- صحيح البخاري 8: 65، الحديث 6927، وصحيح مسلم 4: 1706، الحديث 2165، مع اختلاف يسير.
2- كنز العمّال 11: 357، الحديث 31729، وتاريخ دمشق 57: 268 / 7312، مع اختلاف يسير، ومجمع الزوائد 5: 242، مع اختلاف يسير، والمستدرك على الصحيحين4: 481، مع اختلاف يسير، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.

ومنه: ما عن عائشة: أنّه صلّى الله عليه وسلّم قال: «اللّهمّ العن شيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة، وأمية بن خلف، كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء»(1).

ومنه: ما أخرجه البخاري عن حبّان بن موسى، أخبرنا عبد الله، أخبرنا معمّر، عن الزهري، حدّثني سالم، عن أبيه: أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم - إذا رفع رأسه من الركوع من الركعة الأخيرة من الفجر - يقول: «اللّهمّ العن فلاناً وفلاناً وفلاناً» بعدما يقول: «سمع الله لمن حمده، ربّنا ولك الحمد»، فأنزل الله: [لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ [ إلى قوله: ]فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ](2)(3).

ومنه: ما رواه أبو هريرة، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا دعا الرجل امرأتَه إلى فراشه فأبَتْ، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتّى تصبح»(4).

ص: 133


1- صحيح البخاري 2: 274، الحديث 1889، والجمع بين الصحيحين 4: 143، ذيل الحديث 3254، وإمتاع الأسماع 11: 298.
2- سورة آل عمران، الآية: 128.
3- صحيح البخاري 5: 202، الحديث 4559، ونفس المصدر 8: 196، الحديث 7346، مع اختلاف يسير، وورد في مسند أحمد 2: 318، الحديث 6314.
4- صحيح البخاري 4: 100، الحديث 3237، وورد في سنن أبي داود 2: 244، الحديث 2141، وصحيح مسلم 2: 1060، الحديث 1436 / 122، وكنز العمّال 16: 336، الحديث 44792، ومسند أبي يعلى الموصلي 11: 76، الحديث 6213، ومسند أحمد 3: 256، الحديث 9865، مع اختلاف يسير.

ومنه: ما ورد من قوله صلّى الله عليه وسلّم: «اللّهمّ العن لحيان ورعلاً وذكوان وعُصيّة»(1).

وهناك روايات أخرى كثيرة مبثوثة في جوامعهم الحديثيّة، لم يستدلّوا بها:

فمنها: ما ذكره السيوطي في «الدرّ المنثور»: أخرج أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن جرير والبيهقي في «الدلائل» عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم أحد: «اللّهمّ العن أبا سفيان، والعن الحرث بن هشام. اللّهمّ العن سهيل بن عمرو. اللّهمّ العن صفوان بن أمية»(2).

ومنها: ما أخرجه الترمذي وصحّحه، وابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن عمر، أنّه قال: كان الرسول صلّى الله عليه وسلّم يدعو على

ص: 134


1- صحيح مسلم 1: 466، الحديث 675، ونفس المصدر 4: 1953، الحديث 2517، وفيه: «بني لحيان» بدل «لحيان»، ومسند أحمد 2: 281، الحديث 6056، مع اختلاف يسير، ومسند أبي يعلى 2: 208، الحديث 909، وفيه: «بني لحيان»، والمعجم الكبير 4: 215، الحديث 4172، وفيه أيضاً «بني لحيان»، والسنن الكبرى 2: 197.
2- الدرّ المنثور 2: 312، تفسير سورة آل عمران، الآية: 128، ومسند أحمد 2: 222، الحديث 5641، لم يرد فيه: «العن أبا سفيان»، وصحيح البخاري 5: 202، الحديث 4559، وفيه: «اللّهمّ العن فلاناً وفلاناً وفلاناً»، وسنن الترمذي 5: 227، الحديث 3004، ولم يرد فيه: «اللّهمّ العن سهيل بن عمرو»، وفيه: «اللّهمّ العن الحارث بن هشام» بدل «والعن الحرث بن هشام»، والسنن الكبرى للنسائي 6: 314، الحديث 11075، وفيه: «اللّهمّ العن فلاناً وفلاناً»، وتفسير الطبري (المجلّد الثالث) 4: 117، الحديث 6199، وفيه: «اللهمّ العن الحارث بن هشام» ولم يرد فيه: «اللّهمّ العن سهيل بن عمرو»، وتاريخ دمشق 11: 494 / 1166.

أربعة نفر...(1).

ومنها: ما روي من أنّه: لمّا مرض رسول الله صلّى الله عليه وآله مرضه الّذي توفّي فيه، فجهّز إلى الروم جيشاً إلى موضع يقال له: مؤتة، وبعث فيه وجوه الصحابة، وأمّر عليهم أسامة بن زيد، فولاّه، وبرزوا عن المدينة، فثقل المرض برسول الله صلّى الله عليه وآله، وحينئذٍ تمهّل الصحابة عن السير وتسلّلوا، ورسول صلّى الله عليه وآله يصيح فيهم: «جهّزوا جيش أسامة، لعن الله المتخلّف عنه» حتّى قالها ثلاثاً(2).

ومنها: ما روته عائشة، قالت: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم في حجرته، فسمع حسّاً، فاستنكره، فذهبوا، فنظروا فإذا [الحكم] كان يطّلع على النبي صلّى الله عليه وسلّم، فلعنه النبي صلّى الله عليه وسلّم وما في صلبه، ونفاه عاماً(3).

ومنها: ما رواه عبد الله بن الزبير، قال: أشهد: لقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يلعن الحكم وما ولد(4).

ص: 135


1- سنن الترمذي 5: 228، الحديث3005، قال: قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، غريب، صحيح، وورد في تفسير الطبري (المجلّد الثالث) 4: 117، الحديث 6198، وتاريخ دمشق 11: 494 / 1166.
2- أنظر: الملل والنحل: 23.
3- كنز العمّال 11: 359، الحديث 31739، وتاريخ دمشق 57: 272 / 7312 ولكن لم ترد فيه كلمة «عاماً».
4- كنز العمّال 11: 358، الحديث 31734، وروى مثله مع زيادة «عن محمّد بن كعب القرظي» المصدر نفسه 11: 361، الحديث 31746، وتاريخ دمشق 57: 272 / 7312.

ومنها: ما رواه الطبراني في «المعجم الكبير» عن نصر بن عاصم الليثي، عن أبيه، قال: دخلت مسجد المدينة، فإذا الناس يقولون: نعوذ بالله من غضب الله، وغضب رسوله، قال: قلت: ماذا ؟ قالوا: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخطب على منبره، فقام رجل، فأخذ بيد ابنه فأخرجه من المسجد، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لعن الله القائد والمقود. ويلٌ لهذه يوماً لهذه الأمّة من فلان ذي الأستاه»(1).

ومنها: ما أخرجه مسلم في «صحيحه» عن جابر: أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم مرَّ عليه حمار وقد وُسِمَ في وجهه، فقال: «لعن الله الّذي وسمه»(2).

إلى غير ذلك ممّا يظفر به المتتبّع.

وهذا الرأي الثاني هو الصواب؛ لموافقته لظاهر القرآن الكريم، وسنّة رسول اللَّه صلّى الله عليه وآله.

وسيرة جمع من الصحابة قائمة على ذلك أيضاً، فإنّهم كانوا يفعلون ذلك من غير توقّف، ولا إنكار.

ص: 136


1- المعجم الكبير 17: 176، الحديث 465، وورد في مجمع الزوائد 5: 242، مع اختلاف يسير، والإصابة 3: 574 / 4358، وأسد الغابة 3: 116 / 2673.
2- صحيح مسلم 3: 1673، الحديث 2117، وورد في السنن الكبرى 7: 35، وصحيح ابن حبان 12: 444، الحديث 5628، والترغيب والترهيب 3: 153، الحديث 57 ولكن روى الحديث عن ابن عبّاس.

فمن ذلك: ما رواه البخاري في «الأدب المفرد» عن أبي هريرة: قال رجل: يا رسول الله، إنّ لي جاراً يؤذيني، فقال: «انطلق، فأخرج متاعك إلى الطريق»، فانطلق، فأخرج متاعه، فاجتمع الناس عليه، فقالوا: ما شأنك؟ قال: لي جار يؤذيني، فذكرت للنبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «انطلق، فأخرج متاعك إلى الطريق»، فجعلوا يقولون: اللّهمّ العنه، اللّهمّ اخزه. فبلغه، فأتاه فقال: ارجع إلى منزلك، فوالله لا أؤذيك(1).

فالصحابة هنا قد صدر منهم اللعن، ودعوا به على مُعيّن، ولم ينكر ذلك عليهم. هذا، مضافاً إلى تقريره صلّى الله عليه وآله الّذي يكشف عن رضاه.

ومنه: ما أخرجه البخاري أيضاً، عن ابن مسعود، قال: لعن الله الواشمات، والموتشمات، والمتنمّصات، والمتفلّجات للحسن، المغيّرات خلق الله. فبلغ ذلك امرأة من بني أسد، يقال لها: أم يعقوب، فجاءت فقالت: إنّه بلغني: أنّك لعنت كيت وكيت، فقال: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومَن هو في كتاب الله؟(2).

ص: 137


1- الأدب المفرد: 55، باب شكاية الجار، الحديث 124، وورد في المستدرك على الصحيحين 4: 165، مع اختلاف يسير، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، والدرّ المنثور 2: 529، تفسير سورة النساء، الآية: 36.
2- صحيح البخاري 6: 69، الحديث 4886، وورد في صحيح مسلم 3: 1678، الحديث 2125، مع اختلاف يسير، وسنن ابن ماجة 1: 640، الحديث 1989، وفيه «لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الواشمات...» الحديث، وسنن الدارمي 2: 363، الحديث 2647، وسنن أبي داود 4: 77، الحديث 4168 و 4169، والمعجم الكبير 9: 291، الحديث 9466.

ومنه: ما في حديث أبي جُحيفة، قال: شكا رجل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم جاره، فقال: «احمل متاعك فضعه على الطريق، فمن مرّ به يلعنه»، فجعل كلّ من يمرّ به يلعنه، فجاء إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: ما لقيتُ من الناس؟ فقال: «إنّ لعنة الله فوق لعنتهم»، ثمّ قال للّذي شكا: «كفيت»، أو نحوه(1).وفيه إقرار منه صلّى الله عليه وآله بالجواز؛ حيث إنّه لم ينكر عليهم لعنهم له، بل إنّه صلّى الله عليه وآله لعنه بقوله: «إنّ لعنة الله فوق لعنتهم».

والحاصل: أنّ سيرة الصحابة كانت جارية على لعن مَن يستحقّ اللعن على التعيين، بعلم من النبي صلّى الله عليه وآله، بلا توقّف ولا تردّد في ذلك.

تصريح باللعن من بعض علماء العامّة:

وقد مارس هذا العمل عمليّاً وصرّح بجوازه جمعٌ من أكابر علمائهم.

فقد روى البخاري في كتاب «خلق أفعال العباد» عن وكيع، قال:

ص: 138


1- الأدب المفرد: 55، باب شكاية الجار، الحديث 125، والمستدرك على الصحيحين 4: 166، مع اختلاف يسير، وقال: صحيح على شرط مسلم، والمعجم الكبير 22: 134، الحديث 356، ومجمع الزوائد 8: 170، مع اختلاف يسير، وكنز العمّال 9: 184، الحديث 25610.

على المريس لعنة الله(1).

وقال العجلي في «معرفة الثقات»: حدّثنا أبو مسلم، حدّثني أبي، قال: رأيت بشر المريسي عليه لعنة الله مرّة واحدة شيخ قصير دميم المنظر(2).

وفي كتاب «السنّة» لعبد الله بن أحمد: حدّثني إبراهيم بن عبد الله بن بشار الواسطي، قال: سمعت شاذ بن يحيى يناظر يزيد بن هارون... وجعل شاذ يلعن المريسي(3).

وفيه أيضاً: ذكر أبو بكر الأعين، قال: سمعت أبا نعيم يقول: لعن الله بشراً المريسي الكافر(4).

وفيه أيضاً: حدّثني إسماعيل بن عبيد بن أبي كريهة، سمعت يزيد بن هارون يقول: لعن الله الجهم، ومن قال بقوله(5).

وفي «شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز الحنفي: أنّ أبا حنيفة لمّا سئل عن الكلام في الأعراض والأجسام، فقال: لعن الله عمرو بن عبيد؛ وهو فتح على الناس الكلام في هذا(6).

وقال عبد الرّحمن بن مهدي: دخلت على مالك وعنده رجل

ص: 139


1- خلق أفعال العباد: 12.
2- معرفة الثقات 1: 247 / 159، ورواه الخطيب البغدادي في تاريخه 7: 61/ 3516، مع اختلاف يسير.
3- السنّة: 38، الحديث188.
4- السنّة: 38، الحديث 186.
5- السنّة: 37، الحديث 178.
6- شرح العقيدة الطحاوية: 624.

يسأله عن القرآن، فقال: لعلّك من أصحاب عمرو بن عبيد، لعن الله عمراً؛ فإنّه ابتدع هذه البدعة من الكلام(1).

ونقل الخطيب البغدادي في «تاريخه» عن جعفر بن أبي عثمان الطيالسي، قال: سمعت يحيى بن معين، وقيل له: إنّ حسيناً الكرابيسي يتكلّم في أحمد بن حنبل، فقال: ومن حسين الكرابيسي لعنه الله؟(2).

وقال عبيد الله بن أحمد الحنبلي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: على الجهميّة لعنة الله. وكان الحسن يلعن الحجّاج(3).

وممّن صرّح بجواز لعن الفاسق المعيّن بعض الشافعيّة(4).

وفي الآداب الشرعيّة: قال ابن الجوزي - في لعنة يزيد -: أجازها العلماء الورعون، منهم: أحمد بن حنبل(5).

وقال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري»: وللطبراني من حديث ابن عمر رفعه: «اثنان لا تجاوز صلاتهما رؤوسهما: عبد آبق، وامرأة غضب زوجها حتّى ترجع»، وصححه الحاكم، قال المهلب: هذا الحديث يوجب أن منع الحقوق - في الأبدان كانت أو في الأموال - مما يوجب سخط الله إلاّ أن يتغمدها بعفوه. وفيه: جواز لعن العاصي

ص: 140


1- الفتاوى الكبرى 6: 560.
2- تاريخ بغداد 8: 64 / 4139، وانظر: تهذيب التهذيب 2: 310 / 618.
3- الآداب الشرعيّة: 176.
4- راجع: فتح الباري 12: 78.
5- الآداب الشرعيّة: 175.

المسلم إذا كان على وجه الإرهاب لئلاّ يواقع الفعل... وقد ارتضى بعض مشايخنا ما ذكره المهلب من الاستدلال بهذا الحديث على جواز لعن العاصي

المعيّن(1).

مناقشة أدلّة القائلين بالمنع:

والأدلّة الّتي ساقها النافون قابلة للمناقشة والدفع:أمّا الأوّل: فإنّ هذه الأحاديث لم تثبت صحّتها، ولو ثبتت فهي معارضة لظاهر القرآن الكريم وصريح أحاديث أخرى صحيحة دلّت على جواز اللعن.

بالإضافة إلى قيام سيرة الصحابة - الّتي مرّت الإشارة إليها - على جواز اللعن.

ويرد على الاستدلال بالحديث الأوّل:

أوّلاً: أنّ المنع عن لعنه: إنّما هو من جهة أنّه يحبّ الله ورسوله؛ بمقتضى ما فيه من التعليل: «لا تلعنوه؛ فوالله، ما علمت أنّه يحبّ الله ورسوله»، وعليه فمن اللازم الاقتصار على مورد التعليل، وبقاء غيره على مقتضى الجواز. وقد علّق ابن كثير في «التفسير» على هذا الخبر بما مضمونه: فعلّة المنع من لعنه بأنّه يحبّ الله ورسوله، فدلّ على: أنّ

ص: 141


1- فتح الباري 9: 206، الحديث 5193. وقال أيضاً: واحتجّ شيخنا الإمام البلقيني على جواز لعن المعيّن بالحديث الوارد في المرأة إذا دعاها زوجها إلى فراشه فأبت لعنتها الملائكة حتّى تصبح، وهو في الصحيح، وقد توقّف فيه بعض من لقيناه... والّذي قاله شيخنا أقوى؛ فإنّ المَلَك معصوم، والتأسّي بالمعصوم مشروع. فتح الباري 12: 77 - 78، الحديث 6781.

من لا يحبّ الله ورسوله يلعن، والله أعلم(1).

ثانياً: وعلى فرض التسليم - والقول: بأنّه بعد الجمع بين هذه الرواية وغيرها تكون النتيجة: جواز أن يتوجّه اللعن للجنس، لا للمعيّن، فلا يجوز لعن المعيّن مطلقاً - نقول: يلزم من ذلك لغويّة حكم من أحكام اللّه تعالى، أو وقوعه على خلاف ما أوجبه الشارع؛ لأنّ جواز اللعن حكم كلّي مجعول بنحو القضيّة الحقيقيّة على الموضوع المقدّر وجوده، فمتى وجد مصداق في الخارج لهذا الموضوع الكلّي المقدّر وجوده يصير حكمه فعليّاً، وحيث إنّ وجود الكلّي ينحصر في وجود أفراده؛ إذ لا وجود له إلاّ في ضمنها، فيكون معنى قولنا: لعنة الله على الكافر والفاسق والظالم هو: لعن أفراد ذلك الكلّي ومصاديقه، وإلاّ فلا معنى للعن الكلّي نفسه، من دون أن تتنزّل اللعنة على أصحابها ومستحقّيها في الخارج.

وأمّا قوله صلّى الله عليه وآله: «ليس المؤمن بالطعّان، ولا اللعّان، ولا الفاحش، ولا البذيء»: فإنّه في مقام النهي عن جعل هذه الأوصاف عادة له، بحيث يكثر منها في محلّها، وغير محلّها، ومن الواضح: أنّه على هذا لا شاهد فيه على المنع.

وأمّا قوله صلّى الله عليه وآله: «إنّ العبد إذا لعن شيئاً صعدت اللعنة إلى السماء، فتغلق أبواب السماء دونها، ثمّ تهبط إلى الأرض، فتغلق أبوابها، ثمّ تأخذ يميناً وشمالاً. فإذا لم

ص: 142


1- تفسير القرآن العظيم 1: 188.

تجد مَسَاغاً رجعت إلى الّذي لُعِن، فإن كان لذلك أهلاً، وإلاّ رجعت إلى قائلها»: فهو على عكس مطلوب المستدلّ أدلّ؛ لأنّه يدلّ على: أنّ الّذي لُعن إذا كان مستحقّاً للعنة وكان أهلاً لها جاز لعنه شرعاً.

وأمّا قوله صلّى الله عليه وآله: «لعن المؤمن كقتله»: فهو ناظر إلى النهي عن لعن غير المستحقّ، وهو المؤمن، فهو خارج عن محلّ الكلام.

وأمّا قوله صلّى الله عليه وآله: «إنّ اللعَّانين لا يكونون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة»: فقد عرفت ضعف الاستدلال بهذا التعبير، وأنّه وارد في النهي عن جعل هذه الأوصاف عادة له، بحيث يجري اللعن على لسانه بنحو مستمرّ، بسبب أو بدون سبب. هذا أوّلاً.

وثانياً: فإنّه لا يتمّ في من لا يرجى فيه التوبة وإتيان الأعمال الحسنة، مضافاً إلى: أنّ العاصي مطرود من رحمة الله عزّ وجلّ وبعيد عنها، سواء لعن أو لم يلعن، واللعن ليس زائداً على ذلك. نعم، إذا تاب ورجع أو محيت عنه سيّئته لا مانع حينئذ من رجوع رحمة الله إليه، وشمولها له.

ومجرّد إمكان التوبة وغيرها من موانع لحوق اللعنة: كالحسنات الماحية للسيّئات، لا يجدي نفعاً، بل لا بدّ من إحراز ذلك، وهو منتف في المقام؛ لأنّهم لو كانوا قد تابوا فعلاً عن الفسق والظلم لظهر منهم ذلك ولو قبل موتهم: بأن أظهروا الندم، وردّوا المظالم إلى أهلها، مع

ص: 143

أنّ ذلك لم يقع، فالمتّجه حينئذ: أنّهم يستحقّون اللعن بأقصى مراتبه.

وثالثاً: فإنّه لا يدلّ على: أنّ من كان حيّاً لا يجوز لعنه، وإنّما يدلّ على: أنّ من مات ولم يؤمن فهو ملعون، بل الظالمون والمنافقون والكفّار الأحياء قد وردت روايات - كما عرفت - تصرّح بلعنهم أيضاً.

وهاهنا وجوه أُخرى لمنع اللعن ضعيفة المستند والمأخذ، يظهر ضعفها ممّا ذكرنا:فمنها على سبيل المثال: حاصل ما ذكره البيهقي(1)

والنووي(2) والذهبي(3) وابن حجر(4) من أنَّ لعن النبي صلّى الله عليه وسلّم للمعيّن: إنّما هو من باب حديث: «اللهمَّ أنا بشرٌ، فأيّ المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاةً وأجراً»(5) فقد روي عن عائشة، قالت: دخل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلان، فكلّماه بشيء لا أدري ما هو، فأغضباه، فلعنهما وسبّهما! فلمّا خرجا قلت: يا رسول الله، من أصاب من الخير شيئاً، ما أصابه هذان، قال: «وما ذاك؟» قالت: قلت: لعنتهما وسببتهما، قال: «أو ما علمت ما شارطت عليه ربّي؟ قلت: اللّهمّ إنّما أنا بشر، فأيّ المسلمين لعنته أو

ص: 144


1- راجع: السنن الكبرى 7: 61.
2- راجع: صحيح مسلم بشرح النووي، المجلد الثامن 16: 150.
3- راجع: تذكرة الحفّاظ، المجلّد الأوّل 2: 195 / 719.
4- راجع: فتح الباري 11: 175، الحديث 6361.
5- كنز العمّال 3: 609 و 611، الحديث 8148 و 8158 ، مع اختلاف يسير، وسنن الدارمي2: 406، الحديث 2765 ، مع اختلاف يسير.

سببته فاجعله له زكاة وأجراً!»(1).

ولا يخفى على ذوي الفطنة والذوق السليم والذهن المستقيم: أنّ هذا الوجه موهون جدّاً، وظاهره البطلان بأدنى نظر وتأمّل؛ فإنّه لا يليق بقدسيّة النبيّ صلّى الله عليه وآله، بل عليه يكون صلّى الله عليه وآله أقلّ شأناً من الإنسان المتعارف العادي. مع أنّه صلّى الله عليه وآله لا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى.

والتحقيق: أنّ الأحاديث المتقدّمة تدلّ على صدور اللعن من النبيّ صلّى الله عليه وآله في موارد متعدّدة في حقّ المنافقين والعصاة والظالمين.

وعليه فالأدلّة المذكورة كلّها قاصرة، لا تنهض للدلالة على عدم جواز اللعن، بل على فرض التسليم بها لا تنهض في مقابل ما تقدّم من الآيات الكثيرة والروايات المتظافرة الدالّة على شرعيّة لعن من يستحقّ ذلك، والدعاء عليه بطرده عن رحمته تعالى.

بل كيف ينكر أحدٌ اللعن؟ والحال: أنّ الملاعنة من الأحكام الشرعيّة المتّفق عليها بين الخاصّة والعامّة. أولم يلعن الله عزّ وجلّ الملاعن الكاذب، حيث قال تعالى: [وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ الله عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ](2) ؟! فلو لم يرد الله تعالى أن نتلفّظ بهذه اللفظة لما جعلها من أحكام الدين، ولما كرّرها في أكثر من موضع

ص: 145


1- صحيح مسلم 4: 2007، الحديث 2600، والسنن الكبرى 7: 61، مع اختلاف يسير.
2- سورة النور، الآية: 7.

في كتابه العزيز(1).

الشبهة الثانية:

إنّ المصادر الأساسيّة لهذه الزيارة خالية من الفصلين الأخيرين اللذين يكرّران مائة مرّة، أي: اللعن والسّلام.

فإنّ كتاب «كامل الزيارات» وكذلك «مصباح المتهجّد» - النسخة الرضوية - و «المصباح الصغير» للشيخ الطوسي - الّذي هو مختصر ل- «مصباح المتهجّد» - لا يوجد فيها هذان الفصلان، وفصل: «اللّهمّ خصّ أنت أوّل ظالم...»، ويشهد لذلك كلام السيّد ابن طاووس؛ حيث ذكر أنّه يوجد لديه نسخة من «مصباح المتهجّد» للشيخ الطوسي، وهذه النسخة مقابلة مع المصباح المخطوط بقلم مؤلّفه الشيخ الطوسي، ولم يوجد فيها الفصلان الأخيران من الزيارة.

وهذا نصّ كلامه: هذه الرواية نقلناها بإسنادها من المصباح الكبير، وهو مقابل بخطّ مصنّفه رحمه الله، ولم يكن في ألفاظ الزيارة الفصلان اللذان يكرّران مائة مرّة، وإنّما نقلنا الزيارة من المصباح الصغير، فاعلم ذلك(2) .

فالمتحصّل: أنّ هذه الزيارة لا تحتوي على فقرة اللعن، وأنّ هذا المقطع غير موجود، والمصادر الّتي بين أيدينا - من «المصباح الكبير»

ص: 146


1- سورة البقرة، الآية: 88 و 89 و 161، وسورة النساء، الآية: 46 و 52 و 93 و 118، وسورة المائدة، الآية: 64 و 78، وغيرها من الآيات الكثيرة جدّاً.
2- مصباح الزائر: 278.

المطبوع والمنتشر، والكتب الّتي أخذت عنه - قد جرى فيها التزوير في هذه الفقرة.

ويرد عليها: أنّ هناك عدّة نسخ خطّيّة معتبرة للمصباح تعود إلى عصر المؤلّف قدّس سرّه مشتملة على هذه الزيارة مع تمام فصولها، والّتي منها ما ذكر في الشبهة.

منها: نسخة غياث الدين الاسترآبادي(1)،

وهي المحفوظة في مكتبة السيّد البروجردي برقم « 93»، وهي نسخة معتمدة كانت في ملكيّة المولى أحمد بن الحاجي محمّد البشروي التوني(2)، المتوفّى 1083 ه، حيث قام بالمقابلة على نسخة كانت لديه إلى أن تنتهي المقابلة إلى نسخة الشيخ الطوسي، صاحب كتاب «مصباح المتهجّد»، وهذا نصّ كلامه، حيث يقول رحمه الله: هكذا في المقابل بها، بلغت المقابلة

ص: 147


1- قال عنه المحقّق آغا بزرگ الطهراني: المولى عماد الدين عليّ بن عماد الدين عليّ بن نجم الدين محمود المدعو بعماد الدين عليّ الشريف القاري، الاسترآبادي مولداً، المازندراني مسكناً.... (الذريعة 3: 371 - 372 ). وترجم له الميرزا عبد الله أفندي في «رياض العلماء» قائلاً: المولى عماد الدين عليّ بن عماد الدين عليّ الشريف القارىء، الاسترآبادي مولداً، والمازندراني مسكناً، فاضل، عالم، فقيه، محدّث، قارىء، متكلّم، ورع، تقي، وكان من العلماء والصلحاء المشهورين في عصر السلطان شاه طهماسب الصفوي، وله مؤلّفات. (رياض العلماء وحياض الفضلاء 4: 153).
2- قال عنه الميرزا عبد الله أفندي: فاضل، عالم، زاهد، ورع، من المعاصرين المجاورين بطوس، له كتب، منها: حاشية شرح اللمعة، ورسالة في تحريم الغناء، ورسالة في الردّ على الصوفية، وغير ذلك. أقول: هو أخو مولانا عبد الله التوني، توفّي مولانا عبد الله أوّلاً سنة سبع وستّين في قرميسين، ثمّ توفّي مولانا أحمد سنة ثلاث وثمانين وألف في مشهد الرّضا عليه السّلام. (رياض العلماء وحياض الفضلاء 1: 58).

بنسخة مصحّحة، وقد بذلنا الجهد في تصحيح وإصلاح ما وجد فيه من الغلط إلاّ ما زاغ عنه البصر، وحسر عنه النظر، وفي المقابل بها بلغت مقابلته بنسخة صحيحة بخطّ عليّ ابن أحمد المعروف بالرميلي(1)، ذكر أنّه نقل نسخته تلك من خطّ عليّ بن محمّد السكون(2) وقابلها بها بالمشهد المقدّس الحائري الحسيني سلام الله عليه، وكان ذلك في سابع شهر شعبان المعظّم، عمّت ميامنه، من سنة ثلاثين وثمانمائة(3)،

ص: 148


1- الفاضل، العالم، الفقيه، الكامل، المعروف بالرميلي، وهذا الشيخ من أجلّة الأصحاب، ومتأخّر الطبقة عن ابن السكون، بل عن ابن إدريس أيضاً، فلاحظ. وإليه ينسب اختلاف في نسخ المصباح الكبير والمصباح الصغير، كلاهما للشيخ الطوسي، وقد رأيت في قزوين نسخة عتيقة من المصباح الصغير، وقد ضبط فيها جميع اختلافات نسخه رحمه الله، ورأيت في همدان نسخة من المصباح الكبير، وأخرى في قصبة بيانه، وقد ضبط فيها أيضاً جميع اختلافات نسخه، وكان صورة ما في آخرها بهذه العبارة: بلغت مقابلته بنسخة صحيحة بخطّ عليّ بن أحمد المعروف بالرميلي، ذكر أنّه نقل نسخته تلك من خطّ عليّ بن محمّد بن السكون.... (رياض العلماء وحياض الفضلاء 3: 342 - 343).
2- الفاضل، العالم، العابد، الورع، الأديب، النحوي، اللغوي، الشاعر، الكامل، الفقيه، المعروف بابن السكون، وهو الشيخ الثقة من علمائنا... له اختلافات نسخ المصباح الكبير والمصباح الصغير، كلاهما للشيخ الطوسي، وقد ضبط جماعة من الأصحاب هذه الاختلافات أيضاً نقلاً من النسخة الّتي كانت بخطّه فيهما، جزاهم الله خيراً. (رياض العلماء وحياض الفضلاء 4: 241 - 242). وذكره الشيخ عبّاس القمّي في «الكنى والألقاب» قائلاً: ابن السكون - بفتح السين - أبو الحسن عليّ بن محمّد بن محمّد بن عليّ الحلّي، العالم، الفاضل، العابد، الورع، النحوي، اللغوي، الشاعر، الفقيه، من ثقات علمائنا الإماميّة، ذكره السيوطي في الطبقات، ومدحه مدحاً بليغاً، وكان رحمه الله: حسن الفهم، جيّد الضبط، حريصاً على تصحيح الكتب، كان معاصراً لعميد الرؤساء، راوي الصحيفة الكاملة. (الكنى والألقاب1: 314).
3- في الأصل «ثلاثمائة»، وما أثبتناه هو الصحيح، كما في طبقات أعلام الشيعة 4: 33.

كتبه الفقير إلى الله تعالى الحسن بنراشد(1)، وفيها أيضاً: بلغت المقابلة بنسخ متعدّدة صحيحة، وذلك في شهر شعبان من سنة إحدى وسبعين وتسعمائة، وكان واحد من النسخ بخطّ الشيخ العالم الفاضل محمّد ابن إدريس العجلي(2)، صاحب كتاب السرائر، وكان مكتوباً في

ص: 149


1- الشيخ تاج الدين الحسن بن راشد الحلّي، الفاضل، العالم، الشاعر، من أكابر الفقهاء، وهو من المتأخّرين عن الشهيد بمرتبتين تقريباً، والظاهر أنّه معاصر لابن فهد الحلّي. (رياض العلماء وحياض الفضلاء 1: 185).
2- الشيخ الفقيه، والمحقّق النبيه، فخر الدين أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن إدريس الحلّي العجلي، العالم الجليل المعروف، الّذي أذعن بعلوّ مقامه - في العلم والفهم، والتحقيق والفقاهة - أعاظم الفقهاء في إجازاتهم وتراجمهم، فقال الشهيد محمّد بن مكّي في إجازته لابن الخازن الحائري: وبهذا الإسناد عن فخار بن معد وابن نما مصنّفات الشيخ العلاّمة المحقّق فخر الدين أبي عبد الله محمّد بن إدريس الحلّي الربعي، وقال المحقّق الثاني في إجازته للقاضي صفي الدين: ومنها جميع مصنّفات ومرويّات الشيخ الإمام السعيد المحقّق، حبر العلماء والفقهاء، فخر الملّة والحقّ، والدين، أبي عبد الله محمّد بن إدريس الحلّي الربعي برّد الله مضجعه، وشكر له سعيه. وقال الشهيد الثاني في إجازته الكبيرة عن المشايخ الثلاثة: الشيخ الإمام العلاّمة المحقّق فخر الدين أبي عبد الله محمّد ابن إدريس الحلّي. (خاتمة المستدرك 3:40). وذكره الشيخ عبّاس القمّي في «الكنى والألقاب» قائلاً: محمّد بن أحمد بن إدريس الحلّي، فاضل، فقيه، ومحقّق ماهر نبيه، فخر الأجلّة، وشيخ فقهاء الحلّة، صاحب كتاب السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي، ومختصر تبيان الشيخ. توفّي سنة 598 وهو ابن خمس وخمسين. قال في نخبة المقال في تاريخه:ثمّ ابن إدريس من الفحول ومتقن الفروع والأصول (الكنى والألقاب 1: 210). وذكره أيضاً في كتابه «الفوائد»: محمّد بن أحمد بن إدريس الحلّي، فخر الدين، أبو عبد الله العجلي، شيخ فقيه، ومحقّق نبيه، فخر العلماء والمحقّقين، وحبر الفقهاء والمدقّقين، فخر الأجلّة، وشيخ فقهاء الحلّة، صاحب كتاب السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي، ومختصر التبيان للشيخ الطوسي رحمه الله، وغير ذلك. (الفوائد الرضويّة 2: 626).

آخرها: فرغ من نقله وكتابته محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس بن الحسين بن القاسم بن عيسى العجلي في جمادى الأولى سنة سبعين وخمسمائة (خلّده الله تعالى)، وعورض هذا الكتاب بالأصل المسطور بخطّ المصنّف رحمه الله، وبذلت فيه وسعي ومجهودي إلاّ ما زاغ عنه نظري، وحسر عنه بصري، والله الله من غَيَّر فيه شيئاً، أو بدّل وتعاطى ما ليس فيه، فأنا أقسم عليه بحقّ الله سبحانه ومحمّد صلّى الله عليه وآله أن يغيّر فيه حرفاً، أو يبدّل فيه لفظاً، من إعراب وغيره، ورحم الله من نظر فيه، ودعا له وللمؤمنين بالغفران. سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة. وكتب محمّد بن إدريس العجلي، وكتب العبد الأقل عماد الدين عليّ الشريف القاري الاسترآبادي(1) في السنة المذكورة. ونحن حين قابلناه بذلك الأصل كان معنا مختصر المصباح بخطّ العالم العابد الورع عليّ بن محمّد بن محمّد بن عليّ بن السكون الحلّي رحمه الله، فكلّما كتبنا عليه: بخطّهما، فالمراد ابن السكون وابن إدريس. وكان الفراغ منها في أوائل شهر محرّم الحرام من شهور سنة ثمان وستّين بعد الألف من الهجرة النبويّة عليه الصّلاة والتحيّة، وكتبه الفقير إلى ربّه الغنيّ: أحمد بن حاجي محمّد البشروي، الشهير بالتوني، حامداً لله تعالى، مصلّياً على رسوله المصطفى وعترته الطاهرين.

هذا ما أفاده المولى أحمد التوني عن نسخته.

ص: 150


1- تقدّمت ترجمته في الصفحة:147.

ويستفاد من كلامه: أنّ هناك عدّة مقابلات متداخلة بعضها في بعض، وأنّ هذه المقابلة بكاملها مكوّنة من ثلاث مقابلات:

الأولى: أنّ المولى أحمد التوني لمّا وقعت في يده نسخة غياث الدين الاسترآبادي قام بمقابلتها على نسخة كانت لديه أيضاً، وهي نسخة الحسن ابن راشد، وهي الّتي عناها - بما ذكره في بداية المقابلة - بقوله: بلغت المقابلة بنسخة مصحّحة، وقد بذلنا الجهد في تصحيح وإصلاح ما وجد فيه من الغلط إلاّ ما زاغ البصر وحسر عنه النظر.

فيكون المولى أحمد التوني قد صحّح نسخة غياث الدين الاسترآبادي على نسخة الحسن بن راشد.

الثانية: أنّ المولى أحمد التوني وجد على نسخة الحسن بن راشد مكتوباً: أنّه قام بمقابلة نسخة على نسخة أخرى، وهي نسخة عليّ بن أحمد الرميلي، فيكون الحسن بن راشد قد صحّح نسخته على نسخة الرميلي.

الثالثة: وهي ما عبّر عنها المولى التوني بقوله: وفي المقابل بها بلغت مقابلته بنسخة مصحّحة بخطّ عليّ بن أحمد، المعروف بالرميلي، ذكر أنّه نقل نسخته تلك من خطّ عليّ بن محمّد السكون، وقابلها بها بالمشهد المقدّس الحائري الحسيني سلام الله عليه، وكان ذلك في شهر شعبان المعظّم عمّت ميامنه من سنة ثلاثين وثمانمائة، كتبه الفقير إلى الله الحسن ابن راشد.

ص: 151

ويثبت لنا هذا النصّ: أنّ أحمد بن عليّ الرميلي نقل نسخته من نسخة ابن السكون وقابلها بها بالمشهد المقدّس الحائري الحسيني سلام الله عليه، فتكون نسخة ابن السكون هي المصدر لنسخة الرميلي.

وعلى هذا يكون تسلسل النسخ في هذه المقابلة بكاملها هكذا:

نسخة غياث الدين الاسترآبادي مقابلة على نسخة الحسن بن راشد، والّذي قام بالمقابلة هو المولى أحمد التوني.

نسخة الحسن بن راشد مقابلة على نسخة عليّ بن أحمد الرميلي، والّذي قام بالمقابلة هو الحسن بن راشد.

نسخة عليّ بن أحمد الرميلي مقابلة على نسخة ابن السكون، والّذي قام بالمقابلة عليّ بن أحمد الرميلي.

هذا كلّه بالنسبة للمقابلة الأولى.

وأمّا المقابلة الثانية، وهي ما عبّر عنها بقوله: وفيها أيضاً بلغت المقابلة بنسخ متعدّدة صحيحة، وذلك في شهر شعبان من سنة إحدى وسبعين وتسعمائة، وكان واحد من النسخ بخطّ الشيخ العالم الفاضل محمّد بن إدريس العجلي، صاحب كتاب «السرائر»، وكان مكتوباً في آخرها: فرغ من نقله وكتابته محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس بن الحسين بن القاسم بن عيسى العجلي، فيجمادى الأولى سنة سبعين وخمسمائة (خلّده الله تعالى)، وعورض هذا الكتاب بالأصل المسطور بخطّ المصنّف رحمه الله، وبذلت فيه وسعي ومجهودي إلاّ

ص: 152

مازاغ عنه نظري، وحسر عنه بصري، والله الله من غيَّر فيه شيئاً، أو بدّل وتعاطى ما ليس فيه، فأنا أقسم عليه بحقّ الله سبحانه ومحمّد صلّى الله عليه وآله أن يغيّر فيه حرفاً، أو يبدّل فيه لفظاً، من إعراب وغيره. ورحم الله من نظر فيه، ودعا له وللمؤمنين بالغفران. سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة. وكتب محمّد بن إدريس العجلي، وكتب العبد الأقل عماد الدين عليّ الشريف القاري الاسترآبادي في السنة المذكورة. ونحن حين قابلناه بذلك الأصل كان معنا مختصر المصباح بخطّ العالم العابد الورع عليّ بن محمّد بن محمّد بن عليّ بن السكون الحلّي رحمه الله، فكلّما كتبنا عليه: بخطّهما، فالمراد ابن السكون وابن إدريس. وكان الفراغ منها في أوائل شهر محرّم الحرام من شهور سنة ثمان وستّين بعد الألف من الهجرة النبويّة عليه الصّلاة والتحيّة. وكتبه الفقير إلى ربّه الغنيّ: أحمد بن حاجي محمّد البشروي، الشهير بالتوني، حامداً لله تعالى، مصلّياً على رسوله المصطفى وعترته الطاهرين.

وهذه المقابلة وجدها المولى أحمد التوني مكتوبة على نسخة الحسن ابن راشد، وعليه تكون على نسخة الحسن بن راشد مقابلتان:

الأولى: للحسن بن راشد.

الثانية: مقابلة لعماد الدين عليّ الشريف القاري الاسترآبادي.

وفي هذه الثانية يشهد أنّه قام بمقابلة هذه النسخة على نسخ متعدّدة صحيحة، وأنّ واحدة من تلك النسخ هي نسخة ابن إدريس الحلّي، فيكون عماد الدين الاسترآبادي قابل نسخته على نسخة ابن إدريس،

ص: 153

وابن إدريس قابل نسخته على نسخة المصنّف الشيخ الطوسي في سنة 573 ه- ، وذلك بقوله: وعورض هذا الكتاب بالأصل المسطور بخطّ المصنّف رحمه الله سنة ثلاث وستّين وخمسمائة.

فتبيّن من ذلك أنّ المولى أحمد التوني وقعت في يده نسختان:

الأولى: نسخة غياث الدين.

الثانية: نسخة الحسن بن راشد.

وقام بمقابلة وتصحيح الأولى على الثانية، باعتبار أنّ النسخة الثانية عليها مقابلتان:

الأولى: مقابلة الحسن بن راشد؛ حيث قابلها على نسخة الرميلي، والرميلي بدوره قابلها على نسخة ابن السكون.

والثانية: مقابلة عماد الدين الاسترآبادي؛ حيث قابلها على نسخ متعدّدة صحيحة، منها: نسخة ابن إدريس الحلّي، وابن إدريس بدوره قابلها على نسخة المصنّف.

وبهذا كلّه يتبيّن: أنّ نسخة غياث الدين الاسترآبادي من أصحّ النسخ؛ باعتبارها أقرب النسخ إلى نسخة المصنّف، وأوثقها.

ومنها أيضاً: نسخة أبي الجود(1): وهي المحفوظة في مكتبة السيّد

ص: 154


1- ترجم له الشيخ أقا بزرگ الطهراني في «طبقات أعلام الشيعة» قائلاً ما نصّه: الحسن بن محمّد بن يحيى بن عليّ بن أبي الجود بن پدر بن درباس، وصفه شيخه المجيز له، وهو السيّد حيدر بن محمّد بن زيد فيما كتب له من الإجازة بخطّه في جمادى الأولى 629 على ظهر نسخة من «المصباح» للطوسي بقوله: [الشيخ الصالح الورع التقي العالم ر... الدين جمال الإسلام الحسن بن محمّد بن...] إلى آخر النسب. والمضاف إلى الدين: إمّا «زين» وإمّا «ربيب»، أو ما يشبههما، فالكلمة غير مقروءة. والمجيز هو حيدر بن محمّد ابن زيد بن محمّد أستاذ ابن طاووس الآتي، وذكر في الإجازة سند روايته إلى الطوسي. ونسخة المصباح الّتي عليها الإجازة موجودة بأصفهان عند أبي المجد الرضا الشهير ب- «آقا رضا الأصفهاني»، و «پدر» بمعنى الأب، مرّ مثله في «الثقات: 232»، و «درپاس» بمعنى حاجب الباب، أو أنّ الكلمة ممالة من «دربيس» المذكور في «الثقات: 21: 22». (طبقات أعلام الشيعة 3: 43 - 44).

المرعشي العامّة في قم، برقم (6837)، وهي نسخة خطّيّة قديمة ونفيسة ومصحّحة معتبرة ترجع بالمقابلة مع نسخة المؤلّف. كتب على ظهر الجزء الأوّل منها إجازة رواية الكتاب من السيّد حيدر بن محمّد بن زيد بن محمّد بن محمّد بن عبد الله الحسيني(1) للشيخ ربيب الدين الحسن

ص: 155


1- ذكره الحرّ العاملي في «أمل الآمل»: السيّد كمال الدين، حيدر بن محمّد بن زيد الحسيني، عالم، فاضل، يروي عن ابن شهرآشوب. ورأيت في نسخة كتاب المجالس والأخبار للشيخ الطوسي - وهي نسخة مولانا عبد الله الشوشتري الشهيد بخطّه نقلاً عن نسخة حيدر بن محمّد بن زيد، بخطّ ابن شهرآشوب - ما هذا لفظه: قرأ عليّ هذا الجزء - وهو الجزء الثاني من الأمالي من أوّله إلى آخره - السيّد، العالم، الأجل، النقيب، كمال الدين، جمال السادة، فخر العترة، شمس العلماء، حيدر بن محمّد بن زيد بن محمّد بن عبد الله الحسيني، قراءة صحيحة مرضيّة، وأخبرته أنّي قرأته على الإمام الأجل أبي الفضل الداعي ابن عليّ الحسيني السروي، وأخبرني به عن الشيخ المفيد أبي الوفاء عبد الجبّار المقري الرازي، عفي عنهم في سنة 570، وكتب ذلك محمّد بن عليّ بن شهرآشوب المازندراني بخطّه، حامداً لربّه، مصلّياً على النبيّ محمّد وآله. (أمل الآمل 2: 108). وذكر السيّد محسن الأمين في «أعيان الشيعة» قائلاً: وذكر صاحب رياض العلماء ترجمة للسيّد حيدر بن محمّد الحسيني، وقال: فاضل، عالم، جليل، من عظماء علماء الإماميّة، ومن مؤلّفاته: كتاب الغرر والدرر (غرر الدرر)، وقد اعتمد عليه وعلى كتابه المولى الأستاذ أيّده الله تعالى. وينقل الأخبار من كتابه هذا في بحار الأنوار. وكان تلميذ ابن شهرآشوب. قال الأستاذ - أيّده الله - في أوّل البحار: وكتاب غرر الدرر تأليف السيّد حيدر بن محمّد الحسيني قدّس الله روحه. وقال في الفصل الثاني: وكتاب الغرر مشتمل على أخبار جيّدة (قليلة) مع شرحها، ومؤلّفه من السادة الأفاضل، يروي فيه عن ابن شهرآشوب، وعليّ بن سعيد بن هبة الله الراوندي، وعبد الله بن جعفر الدوريستي، وغيرهم من الأفاضل الأعلام، ثمّ ذكر ترجمة أخرى، فقال: المرتضى، النقيب، كمال الدين، حيدر بن محمّد بن زيد بن محمّد بن عبد الله الحسيني، كان نقيب الموصل، من أجلاّء تلاميذ ابن شهرآشوب، ثمّ نقل ما مرّ عن الأمل [واستظهر أنّ]@ المذكور في الأولى والترجمة الثانية شخص واحد، بدليل رواية كلّ منهما عن ابن شهرآشوب. (أعيان الشيعة 6: 275 - 276). @ ما في الأصل «انتظهر أم»، والظاهر أنّه خطأ من النّسّاخ، والصحيح ما أثبتناه بين المعقوفين.

ابن محمّد بن يحيى بن عليّ بن أبي الجود ابن بدر بن درياس، في جمادى الأولى سنة 629 ه، والمجيز يروي عن شيخه رشيد الدين أبي جعفر محمّد بن عليّ بن شهرآشوب السروي(1) عن جدّه شهرآشوب(2) عن الشيخ أبي جعفر الطوسي.

ص: 156


1- قال الميرزا عبدالله أفندي في «رياض العلماء»: الشيخ رشيد الدين، محمّد بن عليّ بن شهرآشوب المازندراني السروي، كان عالماً، فاضلاً، ثقة، محدّثاً، محقّقاً، عارفاً بالرجال والأخبار، أديباً، شاعراً، جامعاً للمحاسن، له كتب. (رياض العلماء وحياض الفضلاء 5: 124).وقال الميرزا حسين النوري في «خاتمة المستدرك»: فخر الشيعة، وتاج الشريعة، أفضل الأوائل، والبحر المتلاطم الزخّار، الّذي ليس له ساحل، محيي آثار المناقب والفضائل، رشيد الملّة والدين، شمس الإسلام والمسلمين، أبو عبد الله محمّد بن عليّ بن شهرآشوب ابن أبي نصر بن أبي الجيش السروي المازندراني، الفقيه، المحدّث، المفسّر، المحقّق، الأديب البارع، الجامع لفنون الفضائل، صاحب كتاب المناقب، الّذي هو من نفائس كتب الإماميّة. (خاتمة المستدرك 3: 56).
2- قال الميرزا عبد الله أفندي الأصبهاني في «رياض العلماء»: الشيخ شهرآشوب المازندراني: فاضل، محدّث، روى عنه ابنه علي، وابن ابنه محمّد بن عليّ ... وهو يروي عن جماعة من العامّة والخاصّة، فمن العامّة عبد الملك أبو المظفر السمعاني، ومن الخاصّة الشيخ الطوسي، سماعاً وقراءة ومناولة وإجازة، بأكثر كتبه ورواياته، كذا يظهر من المناقب. (رياض العلماء 3: 13).

وهذا نصّها: قرأ عليَّ بعض ما اشتمل عليه هذا الجزء الأوّل من كتاب مصباح المتهجّد، تصنيف الشيخ السعيد أبي جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسي رضي الله عنه: الشيخ الصالح، الورع، التقي، العالم، ربيب الدين، جمالُ الإسلام، الحسن بن محمّد بن يحيى بن عليّ بن أبي الجود بن بدر بن درباس(1)

أيّده الله وأنجده ووفّقه وأسعده، واستدعي أن أجيز له رواية باقي مااشتمل عليه، فأجبته إلى ذلك، وأجزت له رواية باقيه، وأخبرته: أنّي قرأته على شيخي العالم رشيد الدين أبي جعفر محمّد بن عليّ ابن شهرآشوب السروي رضي الله عنه.

وأخبرني أنّه سمعه من لفظ جدّه شهرآشوب بن أبي نصر بن أبي الجيش السروي رضي الله عنه في صغره.

وأخبره: أنّه قرأه على مصنّفه الشيخ أبي جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسي رضي الله عنه، فأذنت له أن يرويه عنّي بهذا الإسناد العالي متى شاء وأحبّ، مع الشروط المعتبرة في الإجازة.

وكتب الفقير إلى رحمة ربّه: حيدر بن محمّد بن زيد بن محمّد بن عبد الله الحسيني، حامداً لله تعالى، ومصلّياً على جدّه المصطفى محمّد، نبيّ الرّحمة، وآله الأبرار، ومسلّماً، في جمادى الأولى من

ص: 157


1- هكذا ورد في حاشية الذريعة 9 (ق1): 21، ويحتمل أن يكون ما في المخطوط (درياس).

سنة تسع وعشرين وستّمائة.

ويستفاد من هذه الإجازة أمور ستّة:

الأوّل: أنّ السيّد حيدر الحسيني يخبر بأنّ الشيخ الحسن بن محمّد بن يحيى بن عليّ بن أبي الجود، قرأ عليه بعض ما اشتمل عليه الجزء الأوّل من كتاب «مصباح المتهجّد» للشيخ الطوسي.

الثاني: أنّ الشيخ الحسن بن أبي الجود طلب من السيّد حيدر الحسيني أن يجيز له رواية باقي الكتاب، فأجاز له ذلك.

الثالث: أنّ السيّد حيدر الحسيني بعد أن أجاز لابن أبي الجود الرواية أخبره أيضاً: أنّه قرأ الكتاب على شيخه رشيد الدين محمّد بن عليّ بن شهرآشوب (صاحب معالم العلماء).

الرابع: أنّ السيّد حيدر الحسيني يقول: إنّ شيخه ابن شهرآشوب أخبره: أنّه سمع لفظ الكتاب من جدّه شهرآشوب السروي في صغره.

الخامس: أنّ شهرآشوب الجد أخبر حفيده محمّد بن عليّ بن شهرآشوب: أنّه قرأ الكتاب على مصنّفه الشيخ الطوسي قدّس سرّه.

وبهذا يتّصل طريق الإجازة إلى مصنّف الكتاب، وهو الشيخ الطوسي، ويكون الطريق هكذا:

الشيخ الحسن بن أبي الجود، عن شيخه السيّد حيدر الحسيني، عن شيخه رشيد الدين عن شيخه وجدّه شهرآشوب، عن شيخه مصنّف

ص: 158

الكتاب الشيخ الطوسي.

السادس: أنّ السيّد حيدر الحسيني أجاز لتلميذه الشيخ الحسن بن أبي الجود أن يروي عنه هذا الكتاب بهذا الإسناد العالي متى شاء وأحبّ، مع توفّر الشروط المعتبرة في الإجازة.

وبعد هذا يتبيّن أنّ هذه النسخة قيّمة ونفيسة جدّاً ومعتمدة؛ لأنّها تمتاز بصحّة انتسابها إلى المصنّف بالإجازة المكتوبة على ظهرها، المتّصلة بالمصنّف عن طريق ثلّة من أجلاّء الطائفة وأعيانهم.

ويظهر أيضاً: عدم مضرّة مجهوليّة كاتب هذه النسخة وتاريخ نسخها في اعتبارها؛ لأنّ الطريق الموجود على النسخة معتبر في أعلى مراتب الاعتبار والوثاقة.

ومنها: نسخة السيّد ابن طاووس، الّتي ينقل عنها في كتابه «مصباح الزائر» ؛ حيث إنّه يعترف - ضمناً - باشتمالها على الفقرة المذكورة. نعم، ذكر قدّس سرّه: أنّ النسخة الّتي عنده ل- «المصباح الكبير» فاقدة لخصوص الفصلين اللذين يكرّران مائة مرّة.

وهنا نذكر عبارة السيّد ابن طاوس قدّس سرّه المتقدّمة(1) كي يحصل الاطمئنان للقارئ الكريم بعدم صحّة ما قاله المستشكل، وقراءته الخاطئة لكلام السيّد ابن طاووس قدّس سرّه؛ حيث إنّه ذكر في كتابه «مصباح الزائر» ما هذا نصّه: قال عليّ بن موسى بن جعفر

ص: 159


1- تقدّم فی الصفحة: 146.

بن محمّد بن طاووس: هذه الرواية نقلناها بإسنادها من المصباح الكبير، وهو مقابل بخطّ مصنّفه رحمه الله، ولم يكن في ألفاظ الزيارة الفصلان اللذان يكرّران مائة مرّة، وإنّما نقلنا الزيارة من المصباح الصغير، فاعلم ذلك(1).

وهذا النصّ إذا تأمّله المتأمّل المنصف دون المكابر المتعسّف فإنّه يستظهر منه أُموراً:

الأوّل: أنّ هذه الزيارة المباركة قد نقلها السيّد ابن طاووس من كتاب «مصباح المتهجّد» لجدّه الشيخ الطوسي، وهذه النسخة الّتي عنده مقابلة مع خطّ جدّه الشيخ الطوسي، وهي فاقدة لخصوص الفصلين اللذين يكرّران مائة مرّة فقط، وهما: فصل: «اللّهمّ العن أوّل ظالم ظلم حقّ محمّد وآل محمّد، وآخر تابع له على ذلك. اللّهمّ العن العصابة الّتي جاهدت الحسين وشايعت وبايعت على قتله. اللّهمّ العنهم جميعاً»، تقول ذلك مائة مرّة.

وفصل: «السّلام عليك يا أبا عبد الله، وعلى الأرواح الّتي حلّت بفنائك، عليك منّي سلام الله أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار، ولا جعله الله آخر العهد منّي لزيارتكم. السّلام على الحسين، وعلى عليّ بن الحسين، وعلى أصحاب الحسين» تقول ذلك مائة مرّة.

وأمّا فصل: «اللّهمّ خصّ أنت أوّل ظالم باللعن منّي، وابدأ

ص: 160


1- مصباح الزائر: 278.

به أوّلاً، ثمّ العن الثاني والثالث والرابع. اللّهمّ العن يزيد خامساً، والعن عبيد الله بن زياد، وابن مرجانة، وعمر بن سعد، وشمراً، وآل أبي سفيان، وآل زياد، وآل مروان، إلى يوم القيامة»، وكذلك فصل دعاء السجود، وهو: «اللّهمّ لك الحمد حمد الشاكرين لك على مصابهم، الحمد لله على عظيم رزيّتي. اللّهمّ ارزقني شفاعة الحسين عليه السّلام يوم الورود، وثبّت لي قدم صدق عندك مع الحسين وأصحاب الحسين الّذين بذلوا مهجهم دون الحسين عليه السّلام»، فلم يقل السيّد: إنّهما غير موجودين في النسخة الّتي عنده، بل ظاهر عبارته: أنّ نسخته مشتملة عليهما، وإلاّ لنبّه على عدم وجودهما فيها.

الثاني: أنّ السيّد ابن طاووس قدّس سرّه أورد هذه الزيارة بتمامها وكمالها في كتابه «مصباح الزّائر» من دون إنكار منه، وهذا ينبئ عن ثبوتها لديه، وكونها معتبرة عنده بجميع فقراتها، وإلاّ لكان عليه التنبيه إلى ذلك ولو بالإشارة في كتابه الّذي أعدّه لكي يستفيد منه عوام الناس.

الثالث: أنّ السيّد ابن طاووس قدّس سرّه لم يقل: إنّ جميع نسخ «مصباح المتهجّد» لايوجد فيها الفصلان، وإنّما تكلّم عن نسخة واحدة كانت عنده لكتاب «مصباح المتهجّد» هي خالية من الفصلين المذكورين، وإن كانت مقابلة بخطّ مؤلّفه، والظاهر من عبارته: أنّه يرى ثبوت هذين الفصلين في أصل الزيارة، ولذا نبّه - مستنكراً - على

ص: 161

عدم ثبوتهما في النسخة الّتي عنده من «المصباح الكبير» الّتي نقل منها الزيارة بإسنادها، وأضاف إليها الفصلين المذكورين من «المصباح الصغير» الّذي يراه هو الصحيح.

ولو لم يكونا موجودين أساساً فكيف عرف السيّد أنّ نسخة «المصباح الكبير» ناقصة؟

والحاصل: أنّ الفقرات بتمامها موجودة في ثلاث نسخ خطّية معتبرة، معاصرة مع نسخة «المصباح الكبير».

وعدم وجودها في النسخة الموجودة في المكتبة الرضوية - الّتي لا تخلو من تشويش من شطب أو تبديل الفقرة الأولى بما يكون مورداً للإشكال، وهي مقطوعة الاتّصال بمؤلّفها - لا يوجب القول: بأنّها وردت تزويراً، بل يحتمل سقوطها من تلك النسخة ل- «المصباح الكبير»، وقد نقلها صاحب «المزار القديم»، وكذلك ابن المشهدي في «مزاره»، وكذلك رواها الحلّي وابن طاووس وهم قريبو العهد بزمان الشيخ، ثمّ من بعدهم الشهيد والشيخ البهائي والعلاّمة المجلسي وإبراهيم الكفعمي والشيخ عبد الله البحراني وغيرهم، فكيف يقال: بأنّ هذه الفقرات وردت في الزيارة تزويراً؟!

وهناك نسخ أخرى قد جمعها صاحب كتاب «المداخلات الكاملة في ردّ مدعي التزوير على زيارة عاشوراء المتداولة» حيث بذل جهداً كبيراً في استقصائها وتحقيق حالها.

ص: 162

الشبهة الثالثة:

ممّا وقع به الكذب الصريح في ثواب هذه الزيارة المرويّة في «مصباح المتهجّد» للشيخ الطوسي؛ حيث نسب الراوي إلى الإمام عليه السّلام ثواباً لمن زار الإمام الحسين عليه السّلام؛ كذباً وزوراً وبهتاناً وتقوّلاً عليه، بقوله: «من زار الحسين عليه السّلام يوم عاشوراء حتّى يظلّ عنده باكياً لقى الله عزّ وجلّ يوم القيامة بثواب ألفي ألف حجّة، وألفي ألف عمرة، وألفي ألف غزوة، وثواب كلّ حجّة وعمرة وغزوة كثواب من حجّ واعتمر وغزا مع رسول الله صلّى الله عليه وآله ومع الأئمّة الراشدين عليهم السّلام»(1).

وكذلك بقوله: «فمن فعل ذلك كتب له ثواب ألف ألف حجّة، وألف ألف عمرة، وألف ألف غزوة، كلّها مع رسول الله صلّى الله عليه وآله، وكان له ثواب مصيبة كلّ نبي ورسول ووصي وصدّيق وشهيد مات أو قتل منذ خلق الله الدنيا إلى أن تقوم الساعة»(2). وبقوله: «فإنّك إذا قلت ذلك فقد دعوت بما يدعو به من زاره من الملائكة، وكتب الله لك بها ألف ألف حسنة، ومحى عنك ألف ألف سيّئة، ورفع لك مائة ألف ألف درجة، وكنت كمن استشهد مع الحسين بن عليّ حتّى تشاركهم في درجاتهم، ولا تعرف

ص: 163


1- كامل الزيارات: 325، باب 71، الحديث 9.
2- كامل الزيارات: 325، باب 71، الحديث 9.

إلاّ في الشهداء الّذين استشهدوا معه، وكتب لك ثواب كلّ نبيّ ورسول، وزيارة من زار الحسين بن علي عليهما السّلام منذ يوم قتل»(1).

وفي هذا ظلم للنبيّ صلّى الله عليه وآله وللأئمّة عليهم السّلام؛ لأنّه ينسب إليهم ما لم يقولوه، وفي ذلك حطّ من مقامهم ومساواتهم بغيرهم من سائر الناس. وأنّ أحد الزائرين لسيّد الشهداء وسيّد شباب أهل الجنّة في يوم عاشوراء يُعطى ثواب مصيبة رسول الله، وأجر الرسالة الّتي قام بها طيلة حياته.

وإن قرأ الزيارة كلّ يوم يلزم أن يكون أفضل منهم عليهم السّلام بعدد أيّامه الّتي يقرؤها فيها.

والجواب عن هذه الشبهة يحتاج إلى مقدّمة، وهي:

إنّ هذه الزيارة تتضمّن بيان ثوابين:

أحدهما: بإزاء خصوص هذه الزيارة المخصوصة المأثورة، وهو ما ذكره أوّلاً بقوله عليه السّلام: «من زار الحسين بن عليّ عليهما السّلام يوم عاشوراء من المحرّم حتّى يظلّ عنده باكياً لقى الله عزّ وجلّ يوم يلقاه بثواب ألفي حجّة وألفي عمرة وألفي غزوة، ثواب كلّ حجّة وعمرة وغزوة كثواب من حجّ واعتمر وغزا مع رسول الله صلّى الله عليه وآله

ص: 164


1- كامل الزيارات: 325، باب 71، الحديث 9.

ومع الأئمّة الراشدين عليهم السّلام» على ما في «المصباح»، أو «بثواب ألفي ألف حجّة، وألفي ألف عمرة، وألفي ألف غزوة» على ما في «كامل الزيارات».

وكذلك ما ذكره عليه السّلام: «فإنّك إذا قلت ذلك فقد دعوت بما يدعو به زوّاره من الملائكة»، فهذه العبارة - كما ترى - صريحة في أنّ هذه الزيارة بعينها هي زيارة الملائكة، وبها يزورون الحسين عليه السّلام «وكتب اللّه لك مائة ألف ألف درجة، وكنت كمن استشهد مع الحسين عليه السّلام حتّى تشاركهم في درجاتهم، ولا تعرف إلاّ في الشهداء الّذين استشهدوا معه، وكتب لك ثواب زيارة كلّ نبي وكلّ رسول، وزيارة كلّ من زار الحسين عليه السّلام منذ يوم قتل عليه السّلام وعلى أهل بيته».

ثانيهما: بإزاء إتيان التعزية في ضمن ألفاظ مخصوصة، أي قوله عليه السّلام: «يقولون: أعظم الله أجورنا بمصابنا بالحسين، وجعلنا وإيّاكم من الطالبين بثأره، مع وليّه الإمام المهديّ من آل محمّد عليهم السّلام، وإن استطعت أن لا تمشي يومك في حاجة فافعل؛ فإنّه يوم نحس، لا تقضى فيه حاجة مؤمن، فإن قضيت لم يبارك له فيها، ولم ير فيها رشداً، ولا يدّخرنّ أحدكم لمنزله فيه شيئاً، فمن ادّخر في ذلك اليوم شيئاً لم يبارك له فيما ادّخر، ولم يبارك له في

ص: 165

أهله، فإذا فعلوا ذلك كتب الله لهم ثواب ألف حجّة، وألف عمرة، وألف غزوة، كلّها مع رسول الله صلّى الله عليه وآله، وكان له أجر وثواب مصيبة كلّ نبي ورسول ووصيّ وصدّيق وشهيد مات أو قتل، منذ خلق الله الدنيا إلى أن تقوم الساعة».

حيث إنّ هذا اللفظ المخصوص للتعزية دعاء لإعظام الأجر في مصيبة الحسين عليه السّلام، فأراد الإمام عليه السّلام أن يخبر الراوي أنّه إذا عزّى بعضهم بعضاً بهذا الدعاء - أي قوله: «أعظم الله أجورنا بمصابنا بالحسين...» - يعظّم الله عزّوجلّ أجرهم حتّى يكون كأجر وثواب مصيبة كلّ نبيّ ورسول ووصيّ وصدّيق وشهيد....فالإمام عليه السّلام تعرّض في هذة الزيارة إلى بيان ثوابين:

ثواب لأصل الزيارة، بقوله عليه السّلام: «من زار الحسين بن عليّ عليهما السّلام يوم عاشوراء... وكتب لك ثواب زيارة كلّ نبي، وكلّ رسول، وزيارة كلّ من زار الحسين عليه السّلام...».

وثواب آخر بإزاء إتيان التعزية في ضمن ألفاظ مخصوصة، بقوله عليه السّلام: «أعظم الله أجورنا بمصابنا بالحسين... وكان له أجر وثواب مصيبة كلّ نبي ورسول ووصيّ وصدّيق وشهيد».

فإذا اتّضحت هذه المقدّمة نقول: الجواب عن هذه الشبهة

ص: 166

نقضاً وحلاًّ:

أمّا نقضاً: فقد وقع نظير ذلك في كثير من روايات أهل بيت العصمة والطهارة سلام الله عليهم أجمعين. وسوف نذكر قليلاً من كثير ممّا يمكن أن يقف عليه المتتبّع في كتب الأخبار.

منها: ما ورد في زيارة أمير المومنين عليه السّلام بسند صحيح عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السّلام، قال: «ما خلق الله خلقاً أكثر من الملائكة، وإنّه لينزل كلّ يوم سبعون ألف ملك، فيأتون البيت المعمور فيطوفون به، فإذا هم طافوا به نزلوا فطافوا بالكعبة، فإذا طافوا بها أتوا قبر النبي صلّى الله عليه وآله فسلّموا عليه، ثمّ أتوا قبر أمير المؤمنين عليه السّلام فسلّموا عليه، ثمّ أتوا قبر الحسين عليه السّلام فسلّموا عليه، ثمّ عرجوا، وينزل مثلهم أبداً إلى يوم القيامة»، وقال عليه السّلام: «من زار قبر أمير المؤمنين عليه السّلام، عارفاً بحقّه، غير متجبّر، ولا متكبّر، كتب الله له أجر مائة ألف شهيد، وغفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، وبُعِثَ من الآمنين، وهوّن عليه الحساب، واستقبلته الملائكة، فإذا انصرف شيّعته إلى منزله، فإن مرض عادوه، وإن مات تبعوه بالاستغفار إلى قبره»، وقال: «ومن زار الحسين عليه السّلام عارفاً بحقّه كتب الله له ثواب ألف حجّة مقبولة، وألف عمرة مقبولة، وغفر له ما

ص: 167

تقدّم من ذنبه وما تأخّر»، الحديث(1).

ومنها: ما ورد بسند صحيح عن عبد الله بن ميمون القداح، عن أبي عبد الله عليه السّلام، قال: قلت له: ما لمن زار قبر الحسين عليه السّلام عارفاً بحقّه، غير مستكبر، ولا مستنكف؟ قال: «يكتب له ألف حجّة مقبولة، وألف عمرة مبرورة، وإن كان شقيّاً كتب سعيداً، ولم يزل يخوض في رحمة الله»(2).

ومنها: ما ورد بسند صحيح عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «لو يعلم الناس ما في زيارة الحسين عليه السّلام من الفضل لماتوا شوقاً، وتقطّعت أنفسهم عليه حسرات»، قلت: وما فيه ؟ قال: «من أتاه تشوّقاً كتب الله له ألف حجّة متقبّلة، وألف عمرة مبرورة، وأجر ألف شهيد من شهداء بدر، وأجر ألف صائم، وثواب ألف صدقة مقبولة، وثواب ألف نسمة أُريد بها وجه الله، ولم يزل محفوظاً سنته من كلّ آفة، أهونها الشيطان، ووكّل به ملك كريم يحفظه من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، ومن فوق رأسه ومن تحت قدمه»، الحديث(3).

ص: 168


1- أمالي الطوسي: 214، المجلس الثامن، الحديث 22، ووسائل الشيعة 14: 375، باب 23 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 1، ومستدرك الوسائل10: 213، باب 16 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 5، مع اختلاف يسير.
2- وسائل الشيعة 14: 454، باب 45 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 23، ومستدرك الوسائل10: 310، باب 47 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 2، مع اختلاف يسير.
3- كامل الزيارات: 270، باب 56، الحديث 3، ووسائل الشيعة 14: 452، باب 45 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 18، مع اختلاف يسير.

ومنها: ما ورد بسند صحيح عن حمزة بن حمران، قال: قال أبو عبد الله عليه السّلام: «يقتل حفدتي بأرض خراسان، في مدينة يقال لها: طوس، من زاره إليها عارفاً بحقّه أخذته بيدي يوم القيامة فأدخلته الجنّة، وإن كان من أهل الكبائر»، قال: قلت: جعلت فداك، وما عرفان حقّه؟ قال: «يعلم أنّه إمام مفترض الطاعة، شهيد، من زاره عارفاً بحقّه أعطاه الله تعالى أجر سبعين ألف شهيد ممّن استشهد بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وآله على حقيقة»(1).

ومنها: ما ورد بسند صحيح عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، قال: قرأت في كتاب أبي الحسن الرّضا عليه السّلام: أبلغ شيعتي: أنّ زيارتي تعدل عند الله ألف حجّة، قال: فقلت لأبي جعفر عليه السّلام: ألف حجّة ؟ قال: «إي والله، وألف ألف حجّة لمن زاره عارفاً بحقّه»(2).

ص: 169


1- عيون أخبار الرّضا عليه السّلام 2: 289، باب 66، الحديث 18، ومن لا يحضره الفقيه 2: 584، الحديث 3192، مع اختلاف يسير، وأمالي الصّدوق: 183، المجلس الخامس والعشرون، الحديث 8، مع اختلاف يسير، ووسائل الشيعة 14: 554، باب 82 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 10، وفيه «أجر سبعين شهيداً» بدل «سبعين ألف شهيد».
2- كامل الزيارات: 510، باب 101، الحديث 9، ومن لا يحضره الفقيه 2: 582، الحديث 3184، مع اختلاف يسير، وأمالي الصّدوق: 120، المجلس الخامس عشر، الحديث 9 وفيه «قال: قلت» بدل «قال: فقلت»، والمصدر نفسه: 181، المجلس الخامس والعشرون، الحديث 3، وتهذيب الأحكام 6: 69، باب فضل زيارته عليه السّلام، الحديث 168 ، مع اختلاف يسير.

ومنها: ما ورد بسند معتبر عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي، قال: سمعت الرّضا عليه السّلام يقول: «والله، ما منّا إلاّ مقتول شهيد»، فقيل له: فمن يقتلك يابن رسول الله ؟ قال: «شرّ خلق الله في زماني، يقتلني بالسم، ثمّ يدفنني في دار مضيّقة(1)، وبلاد غربة، ألا فمن زارني في غربتي كتب الله عزّ وجلّ له أجر مائة ألف شهيد، ومائة ألف صدّيق، ومائة ألف حاج ومعتمر، ومائة ألف مجاهد، وحشر في زمرتنا، وجعل في الدرجات العلى من الجنّة رفيقنا»(2).

ومنها: ما ورد عن عبد الله بن سنان، قال: كان رجل عند أبي عبد الله عليه السّلام فقرأ هذه الآية: [وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً]، قال: فقال أبو عبد الله عليه السّلام: «فما ثواب من أدخل عليه السرور؟»، فقلت: جعلت فداك، عشر حسنات، قال: «إي والله، وألف ألف حسنة»(3).

ص: 170


1- كذا في «من لا يحضره الفقيه» و «عيون أخبار الرّضا عليه السّلام»، وفي «أمالي الصّدوق» و «وسائل الشيعة» و «روضة الواعظين»: «مَضِيعَةٍ» بدل «مُضَيَّقَةٍ».
2- من لا يحضره الفقيه 2: 585، الحديث 3194، وعيون أخبار الرّضا عليه السّلام 2: 287، باب66، الحديث 9، وأمالي الصّدوق: 120، المجلس الخامس عشر، الحديث 8 ، ووسائل الشيعة 14: 568، باب 87 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 5 ، مع اختلاف يسير، وروضة الواعظين 1: 233.
3- الكافي 2: 197، باب إدخال السرور على المؤمنين، الحديث 13، ووسائل الشيعة 16: 354، باب 24 من أبواب فعل المعروف، الحديث 14.

ولا شكّ أنّهم سادات المؤمنين، بل ما عرف الإيمان إلاّ بواسطتهم، وهم المؤمنون حقّاً، وبزيارته عليه السّلام بهذه الزيارة - لما فيها من إظهار المحبّة، والبراءة من الأوثان وأهل البغي والعناد، ومن الجبت والطاغوت - سبب لإدخال السرور على المصطفى وعلى أهل بيته عليهم السّلام، بل فيها إدخال السرور على شيعتهم والمتمسّكين بحبل ولايتهم، وبذلك يتضاعف الأجر والثواب، وهذا لا يحصيه إلاّ الملك الوهّاب.

والحاصل: أنّ أمثال هذه الروايات في المقام كثيرة، يجدها المتتبّع في مطاوي الكتب الحديثيّة.

وأمّا حلاًّ: فليس معنى ما ورد في الرواية - بقوله عليه السّلام: «وكان له أجر وثواب مصيبة كلّ نبي ورسول...» -: أنّ ثواب كلّ نبي وصدّيق وشهيد يعطى للزائر - كما تخيّله المستشكل - حتّى تلزم المساواة بين ثواب الزائر والنبيّ والإمام عليه السّلام، بل معناه: أنّ ثواب مصائب كلّ نبي وصدّيق وشهيد يعطى للزائر، لا جميع مثوباتهم المختصّة بهم في غير المصائب، كأجر الرسالة الّتي قام بها كلّ منهم وغيرها، فإنّ مصيبة الحسين عليه السّلام مصيبتهم جميعاً. فيعطى الزائر للحسين عليه السّلام أجر مصائبهم جميعاً بما في ذلك مصيبتهم ورزيّتهم بالحسين عليه السّلام.

وهذا الثواب لا يوجب أن يكون ثواب الزائر مساوياً أو زائداً على أجر النبيّ والرسول، كما تخيّله المستشكل. وإعطاء الثواب والأجر

ص: 171

العظيم من فضله سبحانه لزائر الحسين عليه السّلام - مع وجود الشرائط من المعرفة بحقّه وغيرها - ليس فيه أيّ بُعد؛ فإنّ الحسين عليه السّلام أعطى لله كلّ ما كان في يده؛ من نفسه وأزكياء أولاده وإخوانه وأقاربه وأصحابه، وحتّى أخواته ونسائه اللاّتي سبين وجرى عليهنّ ما جرى، وكلّ ذلك في سبيل إحياء كلمة ربّه، فلا بُعد في أنّه عزّ وجلّ يجازيه بفضله وألطافه أكثر ممّا يظنّون.

وأمّا عبارة: «وكتب لك ثواب كلّ نبي ورسول» فهي منقولة من «كامل الزيارات»، والموجود في نسخ «المصباح» المعتمدة هو: «وكتب لك ثواب زيارة»، وقد كان نظر المستشكل من أوّل الأمر إلى الزيارة المرويّة في «مصباح المتهجّد»، ولكنّه نقل هذه الفقرات من «كامل الزيارات»، وهي مغالطة صريحة، ليوقع القارىء في الوهم والإشكال.

والموجود في «المصباح» يكون قرينة على أنّ المراد في «كامل الزيارات» هو: «وكتب لك ثواب زيارة كلّ نبي ورسول»، ومعنى العبارة حينئذ هو: أنّ الله تعالى يعطي لزائر الحسين عليه السّلام ثواب من زار كلّ نبي ورسول؛ لأنّ الإمام الحسين عليه السّلام إنّما أحيى وأثبت بشهادته نهج هؤلاء ودينهم، فزيارته تعدل زيارة هؤلاء، مثل ما ورد من: أنّ من زار الحسين عليه السّلام كمن زار الله في عرشه(1)؛ لأنّه عليه السّلام مصداق ومظهر تام للتوحيد، ولا عجب؛ فإنّ زيارة المؤمن الحقيقي كزيارة الله

ص: 172


1- إشارة إلى ما رواه ابن قولويه في «كامل الزيارات» بسند صحيح عن زيد الشحّام، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السّلام: ما لمن زار قبر الحسين عليه السّلام ؟ قال: «كان كمن زار الله في عرشه». (كامل الزيارات: 278، باب 59، الحديث 1).

سبحانه فكيف بالحسين عليه السّلام، فزيارة الحسين كزيارة النبيّين والمرسلين، وكزيارة من زار الحسين عليه السّلام منذ قتل إلى اليوم.

مضافاً إلى أنّ في هذه الزيارة نكات منها: أنّ الزائر يسلّم بسلام من الله على الإمام عليه السلام مائة مرة إلى يوم القيامة - ما بقي الليل والنهار- وهذه الخصوصية لم تكن في غيرها من الزيارات حتى زيارة الملائكة والأنبياء .

والحاصل: أنّ النقاش في الرواية - بالأجر والثواب المذكور، وجعل هذا علامة الوضع - منشؤه سوء الفهم، وعدم التأمّل فيها.

الشبهة الرابعة:

اشارة

وممّا يوهن هذه الزيارة ويضعّفها: أنّها لم ترو في الكتب الحديثيّة الأربعة، فإنّه لم يروها الشيخ الكليني في «الكافي»، ولا الشيخ الصّدوق في «من لا يحضره الفقيه»، بل لم يشر إلى وجودها حتّى في بقيّة كتبه، مع أنّه كان يتتبّع كلّ شاردة وواردة من الأحاديث والزيارات والأدعية، ولم يذكرها الشيخ الطوسي في «التهذيبين»، مع أنّه روى زيارات عديدة للإمام الحسين عليه السّلام.

والجواب: أنّ عدم تعرّض هؤلاء المشايخ - رضوان الله عليهم - لهذه الزيارة في كتبهم لا يدلّ على عدم وجودها في الآثار والأخبار مطلقاً؛ لاحتمال أنّ عدم ذكرها في كتبهم كان من باب التقيّة؛ لأنّ كتبهم هذه كانت مشهورة ومعروفة، وأسند لأصحابها كرسيّ التدريس والإفادة والبحث، وكان يحضر عندهم العلماء من كافّة المذاهب، بل وسائر الملل.

ص: 173

وممّا يناسب نقله في المقام ويؤيّد ما ذكرناه، حكاية وقعت للشيخ الطوسي - طاب ثراه - مع الخليفة أحمد العبّاسي، وهي: أنّ بعض المعاندين من المخالفين عرضوا على الخليفة العبّاسي أنّ الشيخ سبّ الصحابة في كتابه الموسوم ب- «المصباح» في دعاء يوم عاشوراء الّذي أورده في كتابه، فأمر الخليفة بإحضاره مع الكتاب المذكور، ولمّا أحضر استفسر منه الأمر، فأنكر الشيخ، ففتح الكتاب وأراه العبارة «اللّهمّ خصّ أنت أوّل ظالم باللعن منّي، وابدأ به أوّلاً، ثمّ الثاني، ثمّ الثالث، ثمّ الرابع. اللّهمّ العن يزيد خامساً»(1). فقال الشيخ بديهة: يا أمير المؤمنين، ليس المراد ما عرض به المعاندون، بل المراد بأوّل ظالم: قابيل قاتل هابيل، وهو الّذي بدأ القتل في بني آدم وسنّه، والمراد بالثاني: عاقر ناقة صالح النبيّ، واسمه قيدار بن سالف، وبالثالث: قاتل يحيى بن زكريا، وبالرابع: عبد الرّحمن بن ملجم، قاتل علي بن أبي طالب عليه السّلام، فلمّا سمع الخليفة بيانه، رفع شأنه، وإكرامه. وزاد في «مجالس المؤمنين»: انتقم ممّن سعى(2).

وكيف كان، فعدم تعرّض مثل هؤلاء لهذه الزيارة لا يدلّ على عدم وجودها، فكم من صحيح من الروايات لم يذكر في كتب الحديث الكبرى.

ص: 174


1- هكذا وردت في المصدر، وإن كان الموجود في الزيارة: «ثمّ العن الثاني والثالث والرابع. اللهمّ العن يزيد خامساً».
2- اللؤلؤ النضيد: 268 - 269، وذكرها السيّد بحر العلوم في رجاله 3: 238، مع اختلاف يسير.

بل هذا الوجه ممّا يقوّي وجود هذه الجملة: «اللّهمّ خصّ أنت أوّل ظالم باللعن منّي، وابدأ به أوّلاً، ثمّ العن الثاني والثالث...» الخ، وثبوتها في الزيارة؛ ولذلك لم يذكرها المشايخ الثلاثة في كتبهم الحديثيّة، فإنّه لا إشكال في أصل صدور الزيارة، سواء قلنا: بأنّها معتبرة سنداً، أو لا، فحكمها حكم سائر الزيارات الّتي ذكروها في كتبهم، وإنّما لم ينقلوا هذه الزيارة؛ لوجود هذه الجملة، ولا يسمح لهم آنذاك بإظهارها ونشرها؛ خوفاً أو مداراة، فهذا ممّا يؤكّد وجود هذه الجملة.

وأمّا مثل كتاب «المصباح» فليس كتاباً حديثيّاً، بل هو في الأدعية والآداب للخواصّ؛ ولذلك نرى أنّ بعض النسخ خالية من هذه الجملة، وفي بعضها كانت مثبتة وبعد ذلك محيت أو شطب عليها، وفي بعضها بدّلت بجملة شاملة لمضمونها، ولكن غير مصرّح بها كما في «كامل الزيارات».

العلماء الّذين نقلوا وشرحوا زيارة عاشوراء:

مضافاً إلى أنّ الشيخ قد روى هذه الزيارة - كما تقدّم - في كتابه «مصباح المتهجّد»(1) رواها أيضاً في كتابه «مختصر المصباح» المشهور

ب- «المصباح الصغير».

وقد نقلها - كما تقدّم أيضاً - ابن قولويه في كتابه «كامل

ص: 175


1- تقدّم في الصفحة: 55.

الزيارات»(1)، وذكرها محمّد بن المشهدي في كتابه المعروف «المزار الكبير»(2)، والسيّد ابن طاووس في كتابه «مصباح الزائر»(3)، والكفعمي في كتابيه «المصباح»(4) و «البلد الأمين»(5)، والشهيد الأوّل في كتابه «المزار»(6)، والعلاّمة المجلسي في بعض كتبه ك- «بحار الأنوار»(7) و «زاد المعاد»(8) و «تحفة الزائر»(9)، والمولى رضي القزويني - وهو من تلامذة العلاّمة المجلسي - في كتابه «تظلّم الزهراء»(10)، والسيّد حيدر الكاظمي في كتابه «عمدة الزائر»(11)، والسيّد عبد اللَّه شبّر في كتابه «مصابيح الأنوار في حلّ مشكلات الأخبار»(12)، والشيخ محمّد حسن الاصطهباناتي في كتابه «نور العين في المشي إلى زيارة قبر الحسين عليه السّلام»(13)، والشيخ الميرزا أبو المعالي ابن الشيخ محمّد إبراهيم

ص: 176


1- كامل الزيارات: 328 - 332.
2- المزار الكبير: 480 - 485.
3- مصباح الزائر: 269 - 271.
4- مصباح الكفعمي: 641 - 644.
5- البلد الأمين: 382 - 385.
6- كتاب المزار: 179 - 184.
7- بحار الأنوار 98: 290.
8- زاد المعاد: 234 - 236.
9- تحفة الزائر: 423 - 426.
10- تظلّم الزهراء: 403 - 405.
11- عمدة الزائر: 147 -150.
12- مصابيح الأنوار 2: 341، الحديث 200.
13- نور العين في المشي إلى زيارة قبر الحسين عليه السّلام: 286 - 288.

بن حسن (الكلباسي) في «رسالة في بيان كيفيّة زيارة عاشوراء» طبعت تحت عنوان «شرح زيارة عاشوراء».

وقد شرحها - أو بعضها، أو علّق على بعض ألفاظها - جماعة، منهم:

1 - الشيخ حبيب اللّه الكاشاني، في كتابه « شرح زيارة عاشوراء»، (مطبوع).2 - الشيخ أبو الفضل أحمد بن الشيخ أبو القاسم بن محمّد عليّ بن هادي النوري الطهراني، الملقّب ب- «كلنتري»، في كتابه «شفاء الصدور في شرح زيارة عاشور»، (مطبوع).

3 - الشيخ عبد الرّسول النوري المازندراني، في كتابه «شرح زيارة عاشوراء»، (مطبوع).

4 - السيّد محمّد باقر الحسيني المعروف ب- «الميرداماد» في كتابه «الرواشح السماويّة في شرح أحاديث الإماميّة»(1).

5 - الحاج سيّد محمّد باقر الأصفهاني رحمه الله الملقّب ب- «حجّة الإسلام» في رسالته في رواية زيارة عاشوراء وبيان ما يستفاد منها(2).

6 - السيّد حسين بن أبي القاسم جعفر الموسوي الخوانساريّ الأصفهاني في كتابه «شرح زيارة عاشوراء»(3).

7 - مجالس مفجعة للعزاء على العترة النجباء سيّما الشهداء بطف

ص: 177


1- الرواشح السماويّة: 216.
2- ذكرها في اللؤلؤ النضيد: 38، وقال: إنّه مستوفى، والرسالة المذكورة مطبوعة في سنة«1258».
3- ذكره في الذريعة 13: 307، وأعيان الشيعة 5: 467.

كربلاء للسيّد حسين بن دلدار علي نصير آبادي المتوفى 1273(1).

8 - نجاة الخافقين في زيارة الحسين عليه السّلام للمولى نوروز علي ابن محمّد باقر البسطامي، المتوفّى 1309، فارسي(2).

9 - المولى أحمد بن محمّد مهدي النراقي، في كتابه «مشكلات العلوم»(3).

10 - الميرزا أبو القاسم القمّي صاحب «القوانين»، في كتابه «جامع الشتات»(4).

11 - الشيخ محمّد كاظم بن محمّد شفيع الهزار الجريبي، الحائري، في كتابه «تحفة المجاورين» في الفصل الرابع(5).

12 - الشيخ محمّد عليّ بن محمّد باقر البهبهاني الكرمانشاهي، حيث ذكر الزيارة في كتابه «مقامع الفضل» تحت عنوان: «مسألتان حول

ص: 178


1- توجد منه نسخة خطّيّة في مكتبة الفاضل الخوانساري، في خوانسار، برقم «104»، وذكره في الذريعة 19: 367، بعنوان «المجالس المفجعة، في مصائب العترة الطاهرة».
2- من مخطوطات مكتبة مدرسة البروجردي في كرمانشاه، برقم «103»، وذكره في الذريعة 24: 57، بعنوان «نجاة الخافقين في ثواب زيارة الحسين عليه السّلام».
3- توجد نسخة خطّيّة منه في مكتبة البروجردي برقم 18889.
4- توجد نسخة خطّيّة منه في مكتبة المرعشي برقم 7586 و 10756. شفاء الصدور في شرح زيارة العاشور 1: 91.
5- توجد نسخة خطّية منه في مكتبة كاشف الغطاء برقم 1713، وتوجد نسخة خطّيّة منه في مكتبة المرعشي برقم 2 / 4370 ذكر فيها تحت عنوان «تحفة المجاور» و «تحفة المجاورين».

صلاة زيارة عاشوراء»(1).

13 - المولى محمّد محسن بن محمّد سميع الكاشاني، في رسالته «في زيارة عاشوراء»(2).

14 - السيّد محمّد باقر بن محمّد تقي الشفتي الجيلاني، الأصفهاني، في «رسالة في زيارة عاشوراء وكيفيّتها»(3).

15 - السيّد أسد الله بن محمّد باقر الموسوي الشفتي الأصفهاني، في كتابه «شرح زيارة عاشوراء»(4).

16 - الشيخ عليّ بن محمّد جعفر شريعت مدار الاسترآبادي الطهراني، في كتابه «نتايج المأثور في ترجمة جنّة السّرور في كيفيّة زيارة العاشور»(5).

17 - الشيخ مفيد بن محمّد نبي البحراني الأصل، الشيرازي المولد، في كتابه «شرح زيارة عاشوراء»(6).

ص: 179


1- توجد نسخة خطّيّة منه في مكتبة المرعشي برقم 3003، وذكره في الذريعة 22: 14.
2- توجد نسخة خطّية منها في مكتبة السيّد الگلبايگاني برقم 1 / 2217.
3- ذكرها في الذريعة 12: 79 نقلاً عن «الروضات».
4- ذكره في الذريعة 13: 307، قال قدّس سرّه: حدّثني ولده السيّد محمّد باقر المعروف بحاج آغا، أنّه موجود في مكتبته بأصفهان.
5- توجد نسخة خطّيّة منه في مكتبة المرعشي برقم 3089، وذكره في الذريعة 24: 47، قال قدّس سرّه: ذكر في «غاية الآمال» وله مختصره «نتيجة النتايج»، وذكره العلاّمة الطهراني في الذريعة 24: 50، وقال: مختصر من «نتائج المأثور» بترك الاستدلالات.
6- توجد نسخة خطّيّة منه في مكتبة المرعشي برقم 375، وذكره في الذريعة 13: 308.

18 - الشيخ نصر الله بن عبد الله التبريزي الشبستري في كتابه «اللؤلؤ النضيد في زيارة أبي عبد الله الحسين الشهيد عليه السّلام»(1).

19 - وكتب الشيخ نصر الله بن عبد الله التبريزي الشبستري في كتابه «اللؤلؤ النضيد»: ولبعض مشايخ عصرنا رسالة في زيارة عاشوراء مطبوعة تسمّى ب- «ذخيرة العباد ليوم المعاد»(2).20 - وكتب أيضاً: ولبعض الأساطين من (فقهاء بلدنا) القاطنين في المشهد المقدّس العلوي على مشرّفه آلاف التحيّة والثناء تأليف في زيارة عاشوراء على ما حكى لي بعض الثقات(3).

21 - المولى محمّد بن مهدي أشرفي المازندراني، «سؤال وجواب في كيفيّة زيارة عاشوراء»(4).

22 - الشيخ عبد الرّحيم بن آغا عبد الرّحمن الكرمنشاهي، في «رسالة في كيفيّة زيارة عاشوراء»(5) .

23 - السيّد محمّد هاشم الموسوي الأصفهاني، في كتابه «شرح زيارة عاشوراء»(6).

ص: 180


1- ذكره في الذريعة 18: 387.
2- اللؤلؤ النضيد:38، وذكرها في الذريعة10: 16.
3- المصدر السابق.
4- ألحق بالطبعة الثانية الحجرية من كتاب «شعائر الإسلام من الحلال والحرام» في آخر الكتاب، توجد نسخة منه في مكتبة السيّد المرعشي النجفي، برقم «114322».
5- ذكرها في أعيان الشيعة 7: 466.
6- ذكره صاحب شفاء الصدور 1: 85.

24 - السيّد حسن بن إبراهيم الساوجي، الحسيني في رسالته «تحقيق في زيارة عاشوراء»(1).

25 - الميرزا محمّد عليّ بن محمّد نصير الچاردهي الرشتي النجفي، في كتابه «شرح زيارة عاشوراء»(2).

26 - الشيخ محمّد جعفر الاسترآبادي في «رسالة في زيارة عاشوراء»(3).

27 - السيّد نصر الله بن حسن الحسيني، في رسالته «في رواية زيارة عاشوراء»(4).

28 - الميرزا محمّد عليّ بن الميرزا محمّد حسين سبط الميرزا مهدي الشهرستاني الحائري، في كتابه «زيارة عاشوراء»(5).

29 - الشيخ محمّد حسين بن المولى قاسم القمشهيّ النجفيّ، في «زيارة عاشوراء وكيفيّتها وبيان طريق الاحتياط وجمع المحتملات فيها»(6).

ص: 181


1- توجد نسخة خطّيّة منها في مكتبة المسجد الأعظم بقم برقم 2603.
2- باللغة الفارسيّة، توجد نسخة خطّيّة منه في مكتبة الأستانة الرضويّة برقم 12370، وذكره في الذريعة 13: 308.
3- توجد نسخة خطّيّة منها في مكتبة سبهسالار برقم 2517، وذكرها في الذريعة 12: 79.
4- توجد نسخة خطّيّة منها في مكتبة سبهسالار برقم 3 / 2527.
5- ذكره في الذريعة 12: 80، نقلاً عن ولد المؤلف الميرزا محمّد حسين في «زوائد الفوائد».
6- مخطوطات نشرة المكتبة المركزيّة لجامعة طهران 7: 518، وذكره في الذريعة 12: 79.

30 - الشيخ الميرزا علي أكبر بن ميرزا شيران الهمداني، الملقّب ب- «صدر الإسلام»، في كتابه «نور على نور في شرح زيارة عاشور»(1).

31 - السيّد مهدي بن علي الغريفي البحراني النجفي، في كتابه «الصرخة المهدويّة الكبرى في زيارة عاشوراء وكيفيّتها»، وله كتاب آخر اسمه «الصرخة المهدويّة الصغرى»، وهو تلخيص للكتاب السابق(2).

32 - الميرزا هداية الله بن ميرزا رضا گلپايگاني، في كتابه «الضيائيّة»(3).

33 - السيّد محمّد تقي النقوي الهندي، في كتابه «زاد المؤمنين في أعمال عاشوراء وزيارتها»(4).

34 - الشيخ عبد النبي النجفي العراقي - من تلامذة السيّد أبي الحسن الأصفهاني، وآقا ضياء الدين العراقي - في كتابه «الكنز المخفي»، (مطبوع).

إلى غير ذلك من المصادر الّتي تثبت صحّة صدورها من ينابيع الوحي المتّصلة بالله تعالى؛ حيث إنّهم نقلوها وتلقّوها بالقبول، وتسالموا على روايتها، بحيث إنّ كلّ واحد منهم يرجع إلى موضوع

ص: 182


1- ذكره في أعيان الشيعة 8: 175.
2- الذريعة 15: 39.
3- باللغة الفارسيّة، ذكره في الذريعة 15: 132.
4- بالاُردو، ذكره في الذريعة 12: 11.

بحثه من دون أي غمز فيها، بل يمكن القول: إنّها مشهورة بينهم، وكانوا مواظبين على قراءتها.

الشبهة الخامسة:

إنّ مقتضى مبدأ حفظ الوحدة وحكمة التعايش السلمي بين الشعوب والمذاهب الإسلاميّة - والّذي هو من أهمّ المبادىء، والمؤكّد عليه من قبل الشرع، والّذي هو أشدّ من آثار التقيّة المشدّد على رعايتها؛ بحيث ورد «لا دين لمن لا تقيّة له»(1) - هو عدم صحّة صدور جملة: «اللّهمّ خصّ أوّل ظالم... وابدأ به أوّلاً، ثمّ العن الثاني، والثالث، والرابع...» عن الإمام عليه السّلام، وهذا يوجب رفع الشين وما رمي به أصحابنا من لعن الصحابة، وبذلك تحصل منافع وآثار عظيمة.

والجواب: أنّ هذه الكبرى - وهي حفظ الوحدة - من الأمور المسلّمة الّتي لا شبهة فيها، ولكنّ الكلام في تحقيق ذلك على نحو صحيح، لا بطريق معوجّ وباطل كما فعله بعض أبناء العامّة، فإنّهم أسقطوا كلّ ما رأوا أنّه لا يوافق ظاهر مسلكهم، ولا يطابق ما بنوا عليه عقيدتهم، فأسقطوا كثيراً من الأحاديث الّتي كانت في فضائل عليّ أمير المؤمنين عليه السّلام من مسانيدهم أو صحاحهم، أو بدّلوها بما يحبّون، كما أشرنا إلى بعضها في كتابنا «النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله ووجوده النوري»، وهذا يوجب التضليل، ويصدّ عن الهداية،

ص: 183


1- الكافي 2:220، كتاب الإيمان والكفر، باب التقية، الحديث 2.

وهو تلاعب بالأحاديث وسنّة النبي صلّى الله عليه وآله، وفيه خطر عظيم، ولولا المصلحة في وجودها وثبوتها لما صدرت منه صلّى الله عليه وآله. فالشخص المسلم لابدّ أن يكون تابعاً محضاً له صلّى الله عليه وآله، لا أنّه يتبع هواه وما تشتهيه نفسه، فإذا ورد من الحديث أو الدعاء ما أمكن تفسيره بما لا ينافي عقيدته فهو، وإلاّ فلابدّ من ردّ علمه إلى أهله، والتوقّف في ذلك، فلعلّ في الأجيال الآتية مَن يفسّر ويوضّح معناه، وتحصل منه كمال الفائدة.

والحاصل: أنّه قد ثبت صدور هذه الزيارة عنهم عليهم السّلام، وبضمنها تلك الجملة المشار إليها، ولكنّها لم تتضمّن التصريح باسم الأوّل والثاني والثالث والرابع، وعليه فلا مورد لهذه الشبهة، ويمكن تفسيرها بما لا يكون موجباً للإثارة والفتنة وخرق الوحدة، فإنّ مقتضى الحكمة الإلهيّة هو ثبوت هذه الزيارة بهذه الكيفيّة، ونحن لسنا أولى منهم عليهم السّلام بمراعاة المصلحة والحكمة. فإذا فسّرناها بما فسّرها شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي قدّس سرّه فحينئذ لا يبقى وجه لإسقاطها أو تبديلها بشيء آخر، وعلى هذا فعدم ادراک العامّة لمضامين الأدعية والزيارات الواردة عن الأئمّة، أدّت إلى مثل هذه الشبهات، فإنّ هذه الجملة وإن كان معناها واضحاً لأهل البصيرة والمعرفة ولكن مع ذلك لماذا لم يحملوها على ما حامله الشيخ واقتنع به الخليفة العباسي والجماعة من أن يكون المراد من الأوّل: قابيل الّذي قتل أخاه هابيل، وهو أوّل من سنّ القتل، ومن الثاني: عاقر ناقة صالح عليه السّلام؛ لأجل المال، ومن الثالث: قاتل النبيّ

ص: 184

يحيى عليه السّلام؛ لأجل البغي والفحشاء، والرابع: قاتل أمير المؤمنين عليه السّلام، ووصيّ رسول الله صلّى الله عليه وآله، بل لا يمنع أن يكون للأوّل والثاني والثالث مصاديق أخرى كما في نسخة العلاّمة المجلسي؛ إذ كتب عليها: أنّ الأوّل سنان بن أنس، والثاني خولى، والثالث شبث بن ربعي، والرابع عمرو ابن الحجّاج، وبذلك يرتفع الإشكال.

الشبهة السادسة:

أنّ هذه الزيارة تضمّنت لعن بني أميّة قاطبة أي جميعاً، مع أنّه فيهم من يكون مؤمناً قطعاً مثل: خالد بن سعيد بن العاص الّذي هو من أوائل الصحابة إسلاماً، والّذي وقف مع الإمام أمير المؤمنين علي عليه السّلام بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله في مسألة الخلافة، ومثل أمامة بنت أبي العاص الّتي تزوّجها الإمام أمير المؤمنين علي عليه السّلام بعد وفاة الصديقة الطاهرة بوصيّة منها، ومثل محمّد بن حذيفة الّذي كان من خواصّ أمير المؤمنين عليه السّلام، وغير هؤلاء ممّن انتسبوا لبني أميّة وكانوا من المؤمنين الموالين لأهل البيت عليهم السّلام، فإنّه لا شكّ في حرمة لعنهم لقوله تعالى: [وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى](1)، وقوله تعالى: [لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ](2)، وقوله تعالى: ]لَهَا

ص: 185


1- سورة الأنعام، الآية: 164.
2- سورة البقرة، الآية: 286.

مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ[(1)، إلى غير ذلك من الآيات، وعليه فيتبيّن أنّ هذه الزيارة موضوعة أو على الأقلّ قد نالتها يد التحريف والدسّ.

ويجاب عليها:

أوّلاً: أنّ المسمّى بأميّة من ولد عبد شمس اثنان، أميّة الأصغر وأميّة الأكبر، إلاّ أنّه عند الإطلاق ينصرف إلى ولد أمية الأكبر كما صرح بذلك السويديّ في كتابه «سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب»(2)، ومن هنا قال العلامة المامقانيّ في تنقيح المقال في ذيل ترجمة محمّد بن أبي حذيفة: «لا ينبغي أن يتوهّم من كون الرجل عبشمياً وأنه ابن خال معاوية كونه أمويّاً، وبنو أميّة ملعونون قاطبة؛ لأنّ الرجل من بني عبد شمس والد أميّة وليس هو من ولد أميّة فإنّ بني عبد شمس سبعة بطون بنو أمية الأكبر بن عبد شمس وهم المقصودون من بني أميّة عند الإطلاق، وهم الملوك الملعونون قاطبة وبنو ربيعة بن عبد شمس، ومنهم شيبة بن ربيعة وأخوه عتبة والد محمّد هذا، وبنو عبد العُزّى ومنهم أبو العاص بن الربيع بن عبد العُزّى صهر النبيّ صلّى الله عليه وآله على ابنته زينب، وبنو عبد أميّة، وبنو نوفل، وبنو حبيب ومنهم حبيب ومنهم عبد الله بن عامر بن كريز بنربيعة بن حبيب بن عبد شمس، وبنو أميّة الأصغر ومنهم عبد الله بن الحارث بن أميّة بن عبد شمس ويقال للبطون الثلاثة الأخيرة العبلات بفتح العين والباء؛

ص: 186


1- سورة البقرة، الآية: 134.
2- سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب: 70.

لأنّ أمّهم عبلة بنت عبيد من بني غنم ومن ذلك كله يتبيّن أمران:

أحدهما: أنّ كون الرجل عبشمياً لا يلازم كونه أمويّاً.

الثاني: أن كون الرجل أمويّاً لا يلازم كونه ملعوناً؛ لأنّ بني أميّة الأكبر والد ملوك الجور المستخلفين ملعونون قطعاً، ولم يعلم لعن بني أميّة الأصغر وليس الملعون كل من سمّي بأميّة، بل اللعن وقع على طائفة خاصة معينة تدعى ببني أميّة على الإطلاق وهو بنو حرب بن أميّة وبنو العاص بن أميّة»(1).

ويشهد له ما رواه الصدوق بإسناده إلى محمّد بن الفضيل الزُّرَقِيّ، عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن جدّه عليهم السّلام، قال: «للنار سبعة أبواب... وباب يدخل منه المشركون والكفّار، فهذا الباب يدخل فيه كلّ مشرك وكلّ كافر لا يؤمن بيوم الحساب، وهذا الباب الآخر يدخل منه بنو أميّة، لأنّه هو لأبي سفيان ومعاوية، وآل مروان خاصّة، يدخلون من ذلك الباب، فتحطمهم النار حطماً لا تسمع لهم منها واعية، ولا يحيون فيها ولا يموتون»(2).

وأبو سفيان ومعاوية وآل مروان كلّهم من ولد أميّة الأكبر، بل رواية زيارة عاشوراء أيضاً ظاهرها قد يقتضي الانحصار بأميّة الأكبر بقوله عليه السّلام: «اللهمّ العن أبا سفيان ومعاوية ويزيد بن معاوية عليهم منك اللّعنة أبد الآبدين وهذا يوم فرحت به آل زياد وآل مروان

ص: 187


1- تنقيح المقال 2: 59 من باب الميم.
2- الخصال 2: 396، باب السبعة، الحديث 51.

بقتلهم الحسين صلوات الله عليه اللهمّ فضاعف عليهم اللّعن والعذاب الأليم».

وقوله عليه السّلام: «ولعن الله آل زياد وآل مروان ولعن الله بني أميّة قاطبة».

وثانياً: أنّ لفظ «بني أميّة» صار في عرف الأئمّة عليهم السّلام في غير معناه اللّغوي، بل مرادهم جميع الطغاة والفاسدين من ولد أميّة الأكبر ومن يسلك مسلكهم ويحذو حذوهم في معاداة أمير المؤمنين والأئمّة الطاهرين عليهم السّلام، وأوليائهم، سواء كان من هذا الحيّ، أم سائر الأحياء.

فإن من سلك مسلكهم يعدّ منهم وطينته من طينتهم، وإن لم يكن في النسب الظاهريّ معدوداً منهم، ومن كان موالياً لأمير المؤمنين والأئمّة الطاهرين عليهم السّلام فهو منهم من أي حيّ كان.

والدليل على ما ذكرناه قوله عزّ وجلّ: [وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ](1)(2).

ويشهد له صريح الحديث المرويّ عن كتاب الاختصاص للمفيد عن أبي حمزة الثماليّ قال: دخل سعد بن عبد الملك - وكان أبو جعفر عليه السّلام يسمّيه سعد الخير، وهو من ولد عبد العزيز بن

ص: 188


1- سورة هود، الآية: 45 - 46.
2- أنظر: مكيال المكارم 2: 418.

مروان - على أبي جعفر عليه السّلام فبينا ينشج كما تنشج النساء، قال: فقال له أبو جعفر عليه السّلام: ما يبكيك يا سعد؟ قال: وكيف لا أبكي وأنا من الشجرة الملعونة في القرآن، فقال له: لست منهم، أنت أمويّ منّا أهل البيت، أما سمعت قول الله عزّ وجلّ يحكي عن إبراهيم [فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي](1)(2).

وما رواه الحاكم في المستدرك عن عمرو بن مرّة الجهنيّ - وكانت له صحبة - أنّ الحكم بن أبي العاص استأذن على النبيّ صلّى الله عليه وآله، فعرف النبيّ صلّى الله عليه وآله صوته وكلامه فقال: ائذنوا له عليه لعنة الله وعلى من يخرج من صلبه إلاّ المؤمن منهم وقليل ما هم، يشرّفون في الدنيا ويضعون في الآخرة، ذوو مكر وخديعة، يعطون في الدنيا وما لهم في الآخرة من خلاق(3).

وعلى هذا فمن لم يتبعهم ولم يقوّي أمرهم فليس منهم، ففي خبر عبد السلام بن صالح الهرويّ، قال: قلت لأبي الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام: يابن رسول الله، ما تقول في حديث روي عن الصادق عليه السّلام، قال: إذا خرج القائم عليه السّلام قتل ذراريّ قتلة الحسين عليه السّلام بفعال آبائها؟ فقال عليه السّلام: هو كذلك، فقلت: قول الله عزّ وجلّ: [وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى]، ما معناه؟ قال: صدق الله في جميع أقواله، ولكن ذراريّ قتلة الحسين عليه السّلام

ص: 189


1- سورة إبراهيم، الآية: 36.
2- الاختصاص: 85.
3- المستدرك علی الصحيحين4: 481.

يرضون بفعال آبائهم ويفتخرون بها، ومن رضي شيئاً كان كمن أتاه، ولو أن رجلاً قتل بالمشرق فرضي بقتله رجل بالمغرب لكان الراضي عند الله عزّ وجلّ شريك القاتل، وإنّما يقتلهم القائم عليه السّلام إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم.والحاصل: أنّ من لم يكن متابعاً لهم فلا يشمله اللعن وإن كان منتمياً لبني أميّة نسباً، أمثال خالد بن سعيد بن العاص، وأبو العاص ابن الربيع، وعمر بن عبد العزيز على خلاف فيه، وأمامة بنت أبي العاص الّتي تزوجها الإمام أمير المؤمنين بعد وفاة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السّلام، ومحمد بن حذيفة وأمّه بنت أبي سفيان وغيرهم، وبذلك يندفع الإشكال كلاًّ.

الشبهة السابعة:

أنّ هذه الزيارة يوجد فيها ركاكة في النّظم والأسلوب ومن أمثلة ذلك ما ورد في آخر الزيارة: «اللهم العن يزيد خامساً والعن عبيد الله بن زياد وابن مرجانة...» مع أنّ عبيد الله بن زياد هو نفسه ابن مرجانة وليس شخصاً آخر وكان المفروض لو أريد الإشارة إلى أمّه التعبير بابن مرجانة كبدل لابن زياد لا بالإتيان بواو العطف.

ويجاب عليها:

أوّلاً: أنّ هذا بناء على ما ورد في نسخ المصباح، وأما بناء على ما ورد في كامل الزيارات فلا يرد هذا الإشكال.

ص: 190

وثانياً: يمكن أن يكون تكراره للتأكيد والإشارة إلى أنّ أمّه مشهورة بالفسق والفجور.

وثالثاً: يمكن أن يكون إشارة إلى عدم معلوميّة كونه ابن زياد بل المتيقن هو ابن مرجانة؛ لأنّها كما ورد في التاريخ حملت من عدّة أشخاص ولم تبين أنّه نطفة أيّ منهم.

فالعبارة المذكورة إشارة إلى هذا ولذلك ينبغي أن تعدّ هذه الجملة من محسّنات الزيارة.

الشبهة الثامنة

كيف يصح أن يقال: لقد عظمت الرّزية، وجلّت المصيبة بك علينا، وعلى جميع أهل الإسلام، مع أنّ جميع المسلمين لم تكن المصيبة عليهم عظيمة، وإنّما هم الشيعة وهم الأقلون عدداً في زمانهم عليهم السّلام؟

الجواب: بأنّ المراد بأهل الإسلام هم المنتسبون إلى الإسلام واقعاً وهم الشيعة، أو المراد المنتسبون إليه- وإن لم يكونوا من الشيعة- ولكنهم كانوا من الموالين لأهل البيت عليهم السّلام، وعلى هذا أكثر المسلمين، لان المبغضين للأئمة الطاهرين عليهم السّلام شرذمة قليلة وهم النواصب الخاسئون الذين لا يحسبون بحساب أهل السنّة ، والا إخواننا من أهل السنّة فانهم يشاركوننا حرّ المصيبة، وألم المصاب، ولا يرتضون تلك الجرائم التي حلت بريحانة رسول الله صلّى الله عليه

ص: 191

وآله وسيّد شباب أهل الجنة عليه السّلام.

الشبهة التاسعة

كيف يليق بالإمام عليه السّلام، وهو في مقام بيان تعليم الأذكار والأدعِية للآخرين، أن يدعو على عدوه بهذا النحو من الدعاء «اللهم اشغله عني بفقر لا تجبره وببلاء لا تستره وبفاقة لا تسدها وبسقم لا تعافيه وذل لا تعزه وبمسكنة لا تجبرها اللهم اضرب بالذل نصب عينيه وادخل عليه الفقر في منزله والعلة والسقم في بدنه حتى تشغله عني بشغل شاغل لا فراغ له وانسه ذكرى كما أنسيته ذكرك وخذ عنى بسمعه وبصره ولسانه ويده ورجله وقلبه وجميع جوارحه وادخل عليه في جميع ذلك السقم ولا تشفه حتى تجعل ذلك شغلاً شاغلاً له عنى وعن ذكرى».

فهل يجوز للإنسان المؤمن الكريم فضلًا عن الإمام المعصوم عليه السّلام، أن يدعو بمثل هذا الدعاء، وبالخصوص اذا كان عدوه من أهل الإيمان وكان فاسقاً أو ظالماً لحقه.

الجواب:

أولاً: إن الظالم وكل من يريد السوء بالإنسان المؤمن لا ينحصر بمن نعرفه بل قد يكون هؤلاء من الكفار كبعض اليهود أو من شياطين الجن، والإنسان المؤمن لا يخلو حاله من هولاء الذين يريدون إفناءه واستئصاله، وعليه فلا إشكال في الدعاء عليهم بهذا النحو من الذكر.

ص: 192

وثانياً: إن لهذه الأدعِية حداً معيناً وهو قوله: حتى تشغله بشغل شاغل لا فراغ له منه، وأنسه ذكري كما انسيته ذكرك، فكل هذه البلايا يقصدها الزائر والداعي الى حين ينصرف الظالم عنه واشتغاله بغيره، و هذا ممّا لا إشكال فيه حتى اذا لم يكن كافراً أيضا.

الشبهة العاشرة

إنّ المشار إليه بقوله عليه السّلام: >إنّ هذا يوم تبركت به بنو أميّة<، هو يوم عاشوراء، فكيف يصح قراءة هذه الجملة في سائر الأيام كما ورد في الرواية بأنه يستحبّ قراءة هذه الزيارة في كل يوم؟

يمكن الجواب عنها:

اولاً: بان يوم عاشوراء وإن كان يوماً معيناً ولكن بما أنه في حال الانطباق تبعاً لحركة القمر وانتقاله - فقد ينطبق على يوم الجمعة، وقد ينطبق على يوم السبت وهكذا حتى ينطبق على كل يوم من أيّام الأسبوع، وكذلك على كل يوم من أيّام الشهر والسنة - فيمكن أن يشار الى كل يوم بأنه تبركت به بنو أميّة.

وثانياً: بأن بني أميّة فرحوا وتبركوا بقتل الإمام الحسين عليه السّلام في كل يوم من أيامهم من بعد يوم عاشوراء ولم يقتصر فرحهم في خصوص يوم عاشوراء، وعليه فيصدق إن هذا يوم فرحت به بنو أميّة وتبركت به.

وثالثاً: أنه ورد في نسخة كامل الزيارات: «هذا يوم تنزلت فيه

ص: 193

اللعنة على آل زياد وآل أميّة»، ونزول اللعنة في كل يوم حتم ولازم عليهم ولا يختص بيوم عاشوراء، فعلى هذه النسخة يرتفع الاشكال من اصله.

ورابعاً: لا مانع من تبديل هذه الكلمة بذكر المشار اليه فيقال انّ يوم عاشور بدل «هذا» حتى يكون صريحاً ليوم عاشوراء المخصوص في سنة 61.

خامساً: ما ذكره بعض الأساتذة «إن هذا» أشارة الى يوم عاشوراء لا يوم قراءة الزيارة وفيه ما لا يخفى.

إيضاح:

هل المراد من «علي بن الحسين عليهما السّلام» الوارد في السلام الأخير عليّ الشهيد بالطفّ وأمّه ليلى، أو الإمام زين العابدين علي بن الحسين وأمّه شاه زنان، حيث قد وقع مورداً للسؤال؟

والجواب: أنّ الظاهر من سياق العبارة أنه الأوّل عليه السّلام لأن ظاهر السياق هو السلام على الشهداء في يوم عاشوراء، ولكن بما أنه لم يرد في النصّ تقييد فيمكن للقارىء أن يقصد ثلاثة من أولاد الإمام سيّد الشهداء عليهم السّلام، وهم عليّ الشهيد والإمام عليّ زين العابدين وعليّ الرضيع صلوات الله عليهم حتّى يكون ثوابه أكثر والحمد لله رب العالمين.

ص: 194

من حِكَم اللعن في زيارة عاشوراء:

إنّ الأدعية والزيارات كسائر الأحاديث والروايات الواردة عن النبيّ صلّى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السّلام مشحونة بالحِكَم والمصالح العامّة والمهمّة الّتي قلّما يصل الإنسان إلى غايتها ومنتهاها، فكما أنّها مدرسة تربويّة تعلّم الناس التوحيد والنبوّة والولاية والآداب والأخلاق والذكر والدعاء وغير ذلك، وترسّخها في قلوب المؤمنين، كذلك يوجد فيها حكم ومقاصد عالية، ففي زيارة عاشوراء - الّتي تربّي قارئها على المنهج الصحيح القويم - التأكيد الأكيد على اللعن الشديد بهذا الكمّ الكثير، وكذلك السّلامبنفس المقدار، واللعن الخاصّ والعام، وهذا ممّا يوجب الاهتمام الشديد بقضيّة شهادة الإمام الحسين عليه السّلام، وشهادة أولاده وأصحابه، وأسر أهل بيته.

وحثّ المؤمنين على هذه الزيارة، والاهتمام بشأنها، وبيان الثواب والأجر العظيم عليها، كلّ ذلك لإثبات وقوع هذا الظلم العظيم، وترسيخ هذه الفاجعة في قلوب المسلمين؛ حتّى لا تنسى على مرّ الدهور، أو يشكّ فيها، أو يستبعد وقوعها على سبط النبيّ صلّى الله عليه وآله وذوي القربى، الّذين أمر الله سبحانه وتعالى بمودّتهم، وأذهب عنهم الرجس، وطهّرهم تطهيراً، وكذلك لإثبات وقوع الظلم على أمير المؤمنين عليه السّلام والزهراء سلام الله عليها، فإنّ هؤلاء القوم - المشمولين باللعن في هذه الزيارة - هم الّذين غصبوا حقّ علي عليه السّلام، وأحرقوا باب داره، وكسروا ضلع الزهراء سلام الله عليها.

ص: 195

وهذه التضحية العظيمة الّتي قام بها الإمام الحسين عليه السّلام والّتي ليس لها مثيل قد أبقت الإسلام وأثبتته، وإلاّ لانمحى هذا الدين على يد بني أميّة وبالأخصّ يزيد، وبدّلوه بما يحبّون، فلا غرو في المبالغة في اللعن على هؤلاء الظالمين الّذين لعنهم الله ورسوله والمؤمنون، فلابدّ للمؤمنين من التنبّه لذلك، وعدم الانخداع بما يقال من قبل البعض: بأنّ اللعن والشتم لا فائدة فيه؛ فإنّه مضافاً إلى أنّ اللعن ليس شتماً بل دعاء على الظالم، فإنّ الظالم عدوّ الله ويستحقّ اللعنة، وقد مرّ أنّ اللعن منهج أسّسه القرآن الكريم والروايات الكثيرة الّتي تقدّم ذكرها.

وعليه، فلا وجه للانزجار من اللعن وتكفير اللاعن.

كيفيّة الزيارة

اشارة

توجد كيفيّات متعدّدة يُزار بها الإمام الحسين عليه السّلام في يوم عاشوراء من قرب وبُعد، وبعض هذه الكيفيّات ناتج من الجمع بين الروايات(1)، كما أنّ بعض الأمور الّتي وردت في الرواية - الّتي أوردها الشيخ الطوسي في زيارة عاشوراء - ليست دخيلة في حقيقة الزيارة، بل خارجة عنها، وهي من باب بيان وظيفة أخرى، والإتيان بها محمول

ص: 196


1- راجع: كامل الزيارات: 323، باب 71، ومصباح الزائر: 267 - 268، وبحار الأنوار 98: 158، باب 18، الحديث 5، والمصدر نفسه 98: 256 من نفس الباب، الحديث 40، والمصدر نفسه 98: 290 و 296 و 303 و 309 و 313، الحديث 1 و 3 و 4 و 5 و 7.

على الأفضلية والاستحباب.

الكيفيّة الأولى:

1- الإيماء إلى الإمام عليه السّلام - بحاجبه أو يده - بالسّلام، وبأيّ لفظ ولسان أراد(1) بعدالغسل أو الوضوء.

2 - الصّلاة ركعتين(2).

3 - التكبير مرّة(3)، أو مائة مرّة، كما صرّح به الكفعمي(4).

4 - الإتيان بالزيارة، بما تضمّنته من الدعاء في السجدة(5).

وهذه الكيفيّة لمن يزور الإمام عليه السّلام من قرب ومن بُعد، بينما الكيفيّات الّتي بعدها فهي لمن يزور الإمام عليه السّلام من بُعد.

ص: 197


1- قد تقدّمت هذه الفقرة في الصفحة: 60، وراجع: الكافي 4: 584، كتاب الحجّ، باب النوادر، الحديث1، وكامل الزيارات: 480، باب 96، الحديث 1، وفي تهذيب الأحكام 6: 82، الحديث 179.
2- قد تقدّمت هذه الفقرة في الصفحة: 56 و60، ووردت في كامل الزيارات: 480، باب 96، الحديث 1، والمصدر نفسه: 483، الحديث 6.
3- قد تقدّمت هذه الفقرة في الصفحة: 60، وقد دلّت عدّة روايات على استحبابه في مطلق الزيارة، منها: ما أورده ابن قولويه في كامل الزيارات: 254 و 358 و 362، باب 49 و 79، الحديث 4 و 1 و 2.
4- المصباح: 641.
5- تقدّم هذا المضمون في الصفحة: 70.

الكيفيّة الثانية:

1- البروز إلى الصحراء، أو الصعود على سطح مرتفع في الدار(1) في يوم عاشوراء في صدر النهار وقبل الزوال(2) مع الطهارة(3).

2 - الإيماء إلى الإمام عليه السّلام بالسّلام، وبأيّ لفظ ولسان أراد.

3 - الاجتهاد والمبالغة في الدعاء على قاتليه(4).

4 - الصّلاة ركعتين.

5 - ندب الحسين عليه السّلام، والبكاء عليه(5).

وهذه الكيفيّة بهذا المقدار يستحقّ عليها الزائر الثواب المذكور في أوّل رواية زيارة عاشوراء، وإن لم يكن سلامه بالزيارة المعهودة؛ حيث إنّ هذا عمل مستقلّ، وله أجر معيّن، كما أنّ السّلام بالزيارة

ص: 198


1- تقدّم هذا المضمون في الصفحة: 56، وورد أيضاً في عدّة أخبار في باب مطلق الزيارة كما في الكافي 4: 584، كتاب الحجّ، باب النوادر، الحديث 1، وكامل الزيارات: 480، باب 96، الحديث 1، ومن لا يحضره الفقيه 2: 599، الحديث 3205 و 3206.
2- قد تقدّمت هذه الفقرة في الصفحة: 57، ووردت أيضاً في وسائل الشيعة 14: 494، باب 63 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 3.
3- وردت هذه الفقرة في عدّة أخبار في أبواب مختلفة، منها: ما في كامل الزيارات: 345 و 348 و 482، باب 75 و 76 و 96، الحديث 7 و 8 و 10 و 4 و 5 و 7.
4- قد تقدّمت هذه الفقرة في الصفحة: 56، وهي مبثوثة في أبواب كثيرة من أبواب الأدعية والزيارات والأحاديث.
5- قد تقدّمت هذه الفقرة في الصفحة: 57، ووردت بمثل هذا المضمون عدّة من الروايات وهي مذكورة في مستدرك الوسائل 10: 311، باب 49 من أبواب المزار وما يناسبه.

المعهودة من البُعد عمل مستقلّ آخر، واستفادة ذلك من صدر الرواية واضح، لا يحتاج إلى البيان عند التأمّل.

الكيفيّة الثالثة:

1 - الغسل(1) والوضوء(2).

2 - البروز إلى الصحراء، أو الصعود على سطح مرتفع في الدار في صدر النهار(3)، أو من حرم أمير المؤمنين عليه السّلام عند الرأس الشريف(4).

3 - قراءة إحدى زيارات أمير المؤمنين عليه السّلام، والأحسن اختيار الزيارة السادسة(5).

4 - الصّلاة أقلّها ركعتين عن أمير المؤمنين عليه السّلام وأكثرها ستّ ركعات(6). ويقول بعد الصّلاة: «السّلام عليك يا أمير المؤمنين، عليك منّي سلام الله أبداً، ما بقيت وبقي الليل والنهار»(7).

5 - الإيماء إلى الإمام الحسين عليه السّلام بالسّلام.

ص: 199


1- أنظر: كامل الزيارات: 342 - 348 باب 75 و 76، الحديث 1 و 10.
2- أنظر: كامل الزيارات: 345، باب 75، الحديث 7.
3- قد تقدّمت هذه الفقرة في الكيفيّة الثانية.
4- قد تقدّمت هذه الفقرة في الصفحة: 71.
5- زاد المعاد: 461، ومفاتيح الجنان: 426.
6- قد تقدّمت هذه الفقرة في الصفحة: 71.
7- المزار الكبير: 221.

6 - المبالغة في اللعن على قاتليه(1)، وأقلّه ثلاثة.

7 - الصّلاة ركعتين عن الإمام الحسين عليه السّلام.

8 - التكبير مائة مرّة.

9 - زيارة عاشوراء باللعن والسّلام، كلّ واحد مائة مرّة مع «اللّهمّ خصّ...» والسجدة(2).

10 - الصّلاة ركعتين بعد الزيارة(3).

11 - دعاء علقمة(4).

وهذه الكيفيّة أجمع وأحوط من سائر الكيفيّات؛ لأنّها تشتمل على كلّ ما يحتمل دخله في الزيارة بما في ذلك البروز إلى الصحراء، أو الصعود على سطح، الّذي يستظهر من لفظ الرواية أنّ له - كغيره - دخلاً في استحقاق الثواب المذكور.

ص: 200


1- قد تقدّمت هذه الفقرة في الصفحة: 56.
2- قد تقدّم ذكرها في الصفحة: 69 70.
3- هذا هو الموافق للاحتياط الاستحبابي، ولما هو المعروف بين الفقهاء. قال صاحب الجواهر: والمعروف المعمول عليه تعقيب صلاة الزيارة لفعلها، لكن في الغنية: صلاة الزيارة للنبيّ أو أحد الأئمّة (عليهم الصّلاة والسّلام) ركعتان عند الرأس بعد الفراغ من الزيارة، فإذا أراد الإنسان الزيارة لأحدهم عليهم السّلام وهو مقيم في بلده قدّم الصّلاة، ثمّ زاره عقيبها. (جواهر الكلام 12: 181).
4- قد تقدّم ذكره في الصفحة: 60 و72.

الكيفيّة الرابعة:

1 - البروز إلى الصحراء، أو الصعود على سطح مرتفع في الدار، في صدر النهار، مع الطهارة.

2 - قراءة إحدى زيارات أمير المؤمنين عليه السّلام(1).

3 - الإيماء إلى الإمام عليه السّلام بالسّلام، وبأيّ لفظ ولسان أراد.

4 - الاجتهاد والمبالغة في الدعاء على قاتليه.

5 - الصّلاة ركعتين.6 - التكبير مرّة أو مائة مرّة، كما صرّح به الكفعمي.

7 - الإتيان بالزيارة بما فيها الدعاء في السجدة.

8 - الصّلاة ركعتين.

9 - قراءة دعاء علقمة.

وهذه الكيفيّة مستفادة من الجمع بين الروايات الواردة في زيارة عاشوراء وغيرها.

نعم، يبقى الكلام في دعاء علقمة الوارد في الكيفيّة الثالثة والرابعة، فإنّ مقتضى رواية علقمة عن الإمام الباقر عليه السّلام المتقدّمة: أنّ زيارة عاشوراء غير مشروطة بالدعاء المعروف ب- «دعاء علقمة»، بل هي عمل مستقلّ؛ وذلك لعدم ورود الدعاء المذكور فيها.

ص: 201


1- قد تقدّمت هذه الفقرة في الصفحة: 199.

نعم، ترتّب الثواب المخصوص - الّذي وعد به - منوط بقراءة ذلك الدعاء؛ لقول الإمام الصّادق عليه السّلام: «فإنّي ضامن على الله تعالى لكلّ من زار بهذه الزيارة ودعا بهذا الدعاء من قرب أو بُعد...».

الكيفيّة الخامسة:

وهي نفس الكيفيّة الثالثة، إلاّ أنّه بعد السجدة المذكورة في آخر زيارة الحسين عليه السّلام - وبعدما يصلّي الزائر ركعتين، ويهدي ثوابها إلى ذلك الوجود المقدّس - ينهض ويتوجّه نحو كربلاء، ويقول:

السّلام عليك يا أبا عبد الله، السّلام عليك يابن رسول الله، أتيتكما زائراً ومتوسّلاً إلى الله تعالى ربّي وربّكما، ومتوجّهاً إلى الله بكما، ومستشفعاً إلى الله في حاجتي هذه، ويذكر حاجته.

ثمّ يقول: فاشفعا لي، فإنّ لكما عند الله المقام المحمود، والجاه الوجيه، والمنزل الرفيع، والوسيلة. إنّي أنقلب عنكما منتظراً لتنجّز الحاجة وقضائها ونجاحها من الله بشفاعتكما لي إلى الله عزّ وجلّ في ذلك، فلا أخيب، ولا يكون منقلبي منقلباً خائباً خاسراً، بل يكون منقلبي منقلباً راجحاً مفلحاً منجحاً مستجاباً لي بقضاء جميع الحوائج، وتشفعا لي إلى الله. أنقلب على ما شاء الله، ولا حول ولا

ص: 202

قوّة إلاّ بالله، مفوّضاً أمري إلى الله، ملجئاً ظهري إلى الله، ومتوكّلاً على الله، وأقول: حسبي الله وكفى، سمع الله لمن دعا، ليس لي وراء الله ووراءكم يا سادتي منتهى، ما شاء ربّي كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله، أستودعكما الله، ولا جعله الله آخر العهد منّي إليكما. انصرفت يا سيّدي يا أمير المؤمنين ويا أبا عبد الله يا سيّدي ! وسلامي عليكما متّصل ما اتّصل الليل والنهار، واصل إليكما ذلك، غير محجوب عنكما سلامي إن شاء الله، وأسأله بحقّكما أن يشاء ذلك ويفعل، فإنّه حميد مجيد. انقلبت يا سَيّدَيَّ عنكما تائباً حامداً لله، شاكراً، راجياً للإجابة، غير آيس، ولا قانط، آئباً عائداً راجعاً إلى زيارتكما، غير راغب عنكما، ولا عن زيارتكما، بل راجع عائد إن شاء الله، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم. يا سَيّدَي، رغبت إليكما وإلى زيارتكما، بعد أن زهد فيكما وفي زيارتكما أهل الدنيا، فلا خيّبني الله ممّا رجوت وما أمّلت في زيارتكما، إنّه قريب مجيب(1).

ثمّ يستقبل القبلة ويقرأ هذا الدعاء واقفاً:

يا الله يا الله يا الله، ولك الحمد، ولك الشكر، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، فأسألك يا الله يا الله يا الله، بحقّ محمّد وآل محمّد أن تكشف عنّي همّي وغمّي وكربي في

ص: 203


1- قد تقدّمت هذه الفقرة في الصفحة: 72 و 74 .

مقامي هذا، كما كشفت عن نبيّك همّه وغمّه وكربه، وكفيته هول عدوّه، فاكشف عنّي كما كشفت عنه، وفرّج عنّي كما فرّجت عنه، واكفني كما كفيته، واصرف عنّي هول ما أخاف هوله، ومؤونة من أخاف مؤونته، وهمّ ما أخاف همّه، بلا مؤونة على نفسي من ذلك، واصرفني بقضاء حوائجي، وكفاية ما أهمّني همّه، من أمر آخرتي ودنياي(1).

ثمّ يتوجّه إلى قبر أمير المؤمنين عليه السّلام، ويقول:يا أمير المؤمنين [ويا أبا عبد الله] عليك [عليكما] منّي سلام الله أبداً، ما بقيت وبقي الليل والنهار، ولا جعله الله آخر العهد من زيارتكما، ولا فرّق الله بيني وبينكما(2).

ثمّ يصلّي ركعتين؛ احتياطاً، ويهدي ثوابهما إلى سيّد الشهداء عليه السّلام.

الكيفيّة السادسة:

وهي نفس الكيفيّة الرابعة، إلاّ أنّ اللعن والسّلام هنا يكون بنحو أسهل، وهو أن يقرأ اللعن المذكور مرّة واحدة، ثمّ يكرّر: «اللّهمّ العنهم جميعاً» تسعة وتسعين مرّة، وكذلك السّلام، فإنّه - بعدما

ص: 204


1- قد تقدّمت هذه الفقرة في الصفحة: 74 .
2- قد تقدّمت هذه الفقرة في الصفحة: 74.

يقرأ السّلام المذكور مرّة واحدة - يقرأ: «السّلام على الحسين، وعلى عليّ بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين» تسعة وتسعين مرّة، فيكون المجموع - مع المرّة الأولى - مائة مرّة كاملة(1).

الكيفيّة السابعة:

وهي الطريقة المتّبعة لدى المرحوم آية الله السيّد محمّد كاظم اليزدي طاب ثراه، وهي نفس الكيفيّة الرابعة ولكن بدون قراءة دعاء علقمة(2).

ص: 205


1- نقل في «اللؤلؤ النضيد» عن كتاب «الصدف المشحون» للمولى شريف الشيرواني، قوله: حدّثني العالم النبيل والفاضل الجليل محمّد بن الحسن الطوسي في الروضة المقدّسة الرّضوية، على دفينها ألف سلام وتحيّة، يوم الاثنين رابع محرّم سنة 1248. ألف ومائتي وثمان وأربعين، قال: حدّثني رئيس المحدّثين وشيخ المتأخّرين العالم المحقّق والفاضل المدقّق الشيخ حسين بن عصفور البحراني، قال: حدّثني والدي الماجد المحدّث، عن أبيه، عن جدّه، يداً بيد، عن آبائهم المحدّثين من محدّثي بحرين، عن سيّدنا الإمام الهمام عليّ ابن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، أنّه قال: «من قرأ لعن زيارة العاشورا المشهورة مرّة واحدة، ثمّ قال: اللّهمّ العنهم جميعاً تسعاً وتسعين مرّة، كان كمن قرأه مائة، ومن قرأ سلامها مرّة واحدة، ثمّ قال: السّلام على الحسين، وعلى عليّ بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين، تسعاً وتسعين مرّة، كان كمن قرأه مائة تامّة من أوّلهما إلى آخرهما» الخبر. (اللؤلؤ النضيد: 264).
2- مفاتيح الجنان: 529، هامش رقم «1».

الكيفيّة الثامنة:

وهي الطريقة المتّبعة لدى المرحوم آية الله الميرزا الشيرازي طاب ثراه، وهي نفس الكيفيّة السابقة، ولكن مع حذف زيارة الأمير عليه السّلام والتكبير مائة مرّة(1).

ثمّ إنّه يستحب أن يزار بهذه الزيارة في غير يوم عاشوراء من سائر أيّام السنة؛ لقول الإمام الباقر عليه السّلام لعلقمة: «وإن استطعت أن تزوره بهذه الزيارة في كلّ يوم من دارك فافعل، فلك ثواب جميع ذلك».

ولقول الإمام الصّادق عليه السّلام لصفوان: «يا صفوان، إذا حدث لك إلى الله حاجة فزُر بهذه الزيارة من حيث كنت»، وهذا مقتضاه استحباب الزيارة في كلّ مكان وزمان.

ولقوله عليه السّلام له أيضاً: «تعاهد هذه الزيارة، وادع بهذا الدعاء من قرب أو بُعد، وزر به، فإنّي ضامن على الله تعالى لكلّ من زار بهذه الزيارة...». والتعاهد يقتضي المداومة في سائر الأيّام.

والحاصل: أنّ كل واحدة من هذه الكيفيّات إذا أتى بها الزائر بقصد القربة فإنّه يستحقّ ثواباً، وإن كان الأحوط الأولى - وخصوصاً لقضاء الحوائج - الإتيان بالكيفيّة الثالثة.

ص: 206


1- المصدر السابق.

الكيفيّة المختارة:

قد تقدّم أنّ الكيفيّة الثالثة هي أجمع وأحوط من سائر الكيفيّات(1).

ونذكرها هنا مع شيء من التفصيل؛ إتماماً للفائدة:

1 - الغسل والوضوء.

2 - طلب الخلوة للزيارة باختيار المكان العالي كسطح الدار، أو البروز إلى الصحراء، في صدر النهار قبل الزوال، أو من حرم أمير المؤمنين عليه السّلام عند الرأس الشريف.

3 - قراءة إحدى زيارات أمير المؤمنين عليه السّلام، واختيار الزيارة السّادسة، خصوصاً إذا كان القصد من الزيارة قضاء الحوائج، وهي:

السَّلامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ الله، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا صَفْوَةَ الله، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَمِينَ الله، السَّلامُ عَلَى مَنِ اصْطَفَاهُ اللهُ وَاخْتَصَّهُ وَاخْتَارَهُ مِنْ بَرِيَّتِهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا خَلِيلَ الله مَا دَجَا اللَّيْلُ وَغَسَقَ، وَأَضَاءَ النَّهَارُ وَأَشْرَقَ، السَّلامُ عَلَيْكَ مَا صَمَتَ صَامِتٌ، وَنَطَقَ نَاطِقٌ، وَذَرَّ شَارِقٌ، وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ.

السَّلامُ عَلَى مَوْلانَا أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، صَاحِبِ السَّوَابِقِ وَالْمَنَاقِبِ وَالنَّجْدَةِ، وَمُبِيدِ الْكَتَائِبِ، الشَّدِيدِ الْبَأْسِ، الْعَظِيمِ الْمِرَاسِ، الْمَكِينِ الأَسَاسِ، سَاقِي الْمُؤْمِنِينَ بِالْكَأْسِ مِنْ حَوْضِ الرَّسُولِ الْمَكِينِ الأَمِينِ،

ص: 207


1- 501.أنظر: الصفحة: 200.

السَّلامُ عَلَى صَاحِبِ النُّهَى وَالْفَضْلِ وَالطَّوَائِلِ، وَالْمَكْرُمَاتِ وَالنَّوَائِلِ، السَّلامُ عَلَى فَارِسِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَيْثِ الْمُوَحِّدِينَ، وَقَاتِلِ الْمُشْرِكِينَ، وَوَصِيِّ رَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

السَّلامُ عَلَى مَنْ أَيَّدَهُ اللهُ بِجَبْرَئِيلَ، وَأَعَانَهُ بِمِيكَائِيلَ، وَأَزْلَفَهُ فِي الدَّارَيْنِ، وَحَبَاهُ بِكُلِّ مَا تَقَرُّ بِهِ الْعَيْنُ، وَصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الطَّاهِرِينَ، وَعَلَى أَوْلادِهِ الْمُنْتَجَبِينَ، وَعَلَى الأَئِمَّةِ الرَّاشِدِينَ، الَّذِينَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، وَفَرَضُوا عَلَيْنَا الصَّلَوَاتِ، وَأَمَرُوا بِإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَعَرَّفُونَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ.

السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَيَعْسُوبَ الدِّينِ، وَقَائِدَ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ.

السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بَابَ الله، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا عَيْنَ الله النَّاظِرَةَ، وَيَدَهُ الْبَاسِطَةَ، وَأُذُنَهُ الْوَاعِيَةَ، وَحِكْمَتَهُ الْبَالِغَةَ، وَنِعْمَتَهُ السَّابِغَةَ، وَنَقِمَتَهُ الدَّامِغَةَ.

السَّلامُ عَلَى قَسِيمِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، السَّلامُ عَلَى نِعْمَةِ الله عَلَى الأَبْرَارِ، وَنَقِمَتِهِ عَلَى الْفُجَّارِ، السَّلامُ عَلَى سَيِّدِ الْمُتَّقِينَ الأَخْيَارِ، السَّلامُ عَلَى أَخِي رَسُولِ الله، وَابْنِ عَمِّهِ، وَزَوْجِ ابْنَتِهِ، وَالْمَخْلُوقِ مِنْ طِينَتِهِ.

ص: 208

السَّلامُ عَلَى الأَصْلِ الْقَدِيمِ، وَالْفَرْعِ الْكَرِيمِ، السَّلامُ عَلَى الثَّمَرِ الْجَنِيِّ، السَّلامُ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ عَلِيٍّ، السَّلامُ عَلَى شَجَرَةِ طُوبَى، وَسِدْرَةِ الْمُنْتَهَى.

السَّلامُ عَلَى آدَمَ صَفْوَةِ الله، وَنُوحٍ نَبِيِّ الله، وَإِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الله، وَمُوسَى كَلِيمِ الله، وَعِيسَى رُوحِ الله، وَمُحَمَّدٍ حَبِيبِ الله، وَمِنْ بَيْنِهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً.

السَّلامُ عَلَى نُورِ الأَنْوَارِ، وَسَلِيلِ الأَطْهَارِ، وَعَنَاصِرِ الأَخْيَارِ، السَّلامُ عَلَى وَالِدِ الأَئِمَّةِ الأبْرَارِ الأطْهارِ، السَّلامُ عَلَى حَبْلِ الله الْمَتِينِ، وَجَنْبِهِ الْمَكِينِ، وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ.

السَّلامُ عَلَى أَمِينِ الله فِي أَرْضِهِ وَخَلِيفَتِهِ، وَالْحَاكِمِ بِأَمْرِهِ، وَالْقَيِّمِ بِدِينِهِ، وَالنَّاطِقِ بِحِكْمَتِهِ، وَالْعَامِلِ بِكِتَابِهِ، أَخِي الرَّسُولِ، وَزَوْجِ الْبَتُولِ، وَسَيْفِ اللهِ الْمَسْلُولِ.

السَّلامُ عَلَى صَاحِبِ الدَّلالاتِ، وَالآيَاتِ الْبَاهِرَاتِ، وَالْمُعْجِزَاتِ الْقَاهِرَاتِ الزَّاهِرَاتِ، وَالْمُنْجِي مِنَ الْهَلَكَاتِ، الَّذِي ذَكَرَهُ اللهُ فِي مُحْكَمِ الآيَاتِ، فَقَالَ تَعَالَى:[وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ](1).

السَّلامُ عَلَى اسْمِ اللَّهِ الرَّضِيِّ، وَوَجْهِهِ الْمُضِي ءِ، وَجَنْبِهِ الْعَلِيِّ، وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

ص: 209


1- سورة الزّخرف، الآية: 4.

السَّلامُ عَلى نِعْمَةِ اللهِ الشَّامِلَةِ، وَكَلِمَتِهِ الْبَاقِيَةِ، وَحُجَّتِهِ الْوَافِيَةِ، وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

السَّلامُ عَلَى حُجَجِ الله وَأَوْصِيَائِهِ، وَخَاصَّةِ الله وَأَصْفِيَائِهِ، وَخَالِصَتِهِ وَأُمَنَائِهِ، وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ.قَصَدْتُكَ يَا مَوْلايَ يَا أَمِينَ الله وَحُجَّتَهُ، زَائِراً عَارِفاً بِحَقِّكَ، مُوَالِياً لأَوْلِيَائِكَ، مُعَادِياً لأَعْدَائِكَ، مُتَقَرِّباً إِلَى الله بِزِيَارَتِكَ، فَاشْفَعْ لِي عِنْدَ الله رَبِّي وَرَبِّكَ فِي خَلاصِ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ، وَقَضَاءِ حَوَائِجِي، حَوَائِجِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.

ثمّ الصق(1) بالقبر وقبّله، وقل:

سَلامُ الله وَسَلامُ مَلائِكَتِهِ الْمُقَرَّبِينَ - وَالْمُسَلِّمِينَ لَكَ بِقُلُوبِهِمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَالنَّاطِقِينَ بِفَضْلِكَ، وَالشَّاهِدِينَ عَلَى أَنَّكَ صَادِقٌ أَمِينٌ صِدِّيقٌ - عَلَيْكَ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.

أَشْهَدُ أَنَّكَ طُهْرٌ طَاهِرٌ مُطَهَّرٌ، مِنْ طُهْرٍ طَاهِرٍ مُطَهَّرٍ. أَشْهَدُ لَكَ يَا وَلِيَّ الله وَوَلِيَّ رَسُولِهِ بِالْبَلاغِ وَالأَدَاءِ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ جَنْبُ الله وَبَابُهُ، وَأَنَّكَ حَبِيبُ الله وَوَجْهُهُ الَّذِي يُؤْتَى مِنْهُ، وَأَنَّكَ سَبِيلُ الله، وَأَنَّكَ عَبْدُ الله، وَأَخُو رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، أَتَيْتُكَ مُتَقَرِّباً إِلَى الله عَزَّ وَجَلَّ بِزِيَارَتِكَ، رَاغِباً إِلَيْكَ فِي الشَّفَاعَةِ، أَبْتَغِي بِشَفَاعَتِكَ خَلاصَ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ، مُتَعَوِّذاً بِكَ مِنَ النَّارِ، هَارِباً مِنْ ذُنُوبِيَ الَّتِي احْتَطَبْتُهَا

ص: 210


1- في مفاتيح الجنان «ثمّ انكب على».

عَلَى ظَهْرِي، فَزِعاً إِلَيْكَ رَجَاءَ رَحْمَةِ رَبِّي، أَتَيْتُكَ أَسْتَشْفِعُ بِكَ يَا مَوْلايَ وَأَتَقَرَّبُ بِكَ إِلَى اللهِ لِيَقْضِيَ بِكَ حَوَائِجِي، فَاشْفَعْ لي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الله، فَإِنِّي عَبْدُ الله وَمَوْلاكَ وَزَائِرُكَ، وَلَكَ عِنْدَ الله الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ، وَالْجَاهُ الْعَظِيمُ، وَالشَّأْنُ الْكَبِيرُ، وَالشَّفَاعَةُ الْمَقْبُولَةُ.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَصَلِّ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، عَبْدِكَ الْمُرْتَضَى، وَأَمِينِكَ الأَوْفَى، وَعُرْوَتِكَ الْوُثْقَى، وَيَدِكَ الْعُلْيَا، وَجَنْبِكَ الأَعْلَى، وَكَلِمَتِكَ الْحُسْنَى، وَحُجَّتِكَ عَلَى الْوَرَى، وَصِدِّيقِكَ الأَكْبَرِ، وَسَيِّدِ الأَوْصِيَاءِ، وَرُكْنِ الأَوْلِيَاءِ، وَعِمَادِ الأَصْفِيَاءِ، أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَيَعْسُوبِ الدِّينِ، وَقُدْوَةِ الصَّالِحِينَ، وَإِمَامِ الْمُخْلِصِينَ، وَالْمَعْصُومِ مِنَ الْخَلَلِ، الْمُهَذَّبِ مِنَ الزَّلَلِ، الْمُطَهَّرِ مِنَ الْعَيْبِ، الْمُنَزَّهِ مِنَ الرَّيْبِ، أَخِي نَبِيِّكَ، وَوَصِيِّ رَسُولِكَ، الْبَائِتِ عَلَى فِرَاشِهِ، وَالْمُوَاسِي لَهُ بِنَفْسِهِ، وَكَاشِفِ الْكَرْبِ عَنْ وَجْهِهِ، الَّذِي جَعَلْتَهُ سَيْفاً لِنُبُوَّتِهِ، وَآيَةً لِرِسَالَتِهِ، وَشَاهِداً عَلَى أُمَّتِهِ، وَدَلالَةً عَلى حُجَّتِهِ، وَحَامِلاً لِرَايَتِهِ، وَوِقَايَةً لِمُهْجَتِهِ، وَهَادِياً لأُمَّتِهِ، وَيَداً لِبَأْسِهِ، وَتَاجاً لِرَأْسِهِ، وَبَاباً لِسِرِّهِ، وَمِفْتَاحاً لِظَفَرِهِ، حَتَّى هَزَمَ جُيُوشَ الشِّرْكِ بِإِذْنِكَ، وَأَبَادَ عَسَاكِرَ الْكُفْرِ بِأَمْرِكَ، وَبَذَلَ نَفْسَهُ فِي مَرْضَاتِ رَسُولِكَ، وَجَعَلَهَا وَقْفاً عَلَى طَاعَتِهِ، فَصَلِّ اللَّهُمَّ عَلَيْهِ صَلاةً دَائِمَةً بَاقِيَةً.

ثُمَّ قُلِ:

ص: 211

السَّلامُ عَلَيْكَ يَا وَلِيَّ الله، وَالشِّهَابَ الثَّاقِبَ، وَالنُّورَ الْعَاقِبَ. يَا سَلِيلَ الأَطَايِبِ، يَا سِرَّ الله، إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَ الله تَعَالَى ذُنُوباً قَدْ أَثْقَلَتْ ظَهْرِي، وَلا يَأْتِي عَلَيْهَا إِلاَّ رِضَاهُ، فَبِحَقِّ مَنِ ائْتَمَنَكَ عَلَى سِرِّهِ، وَاسْتَرْعَاكَ أَمْرَ خَلْقِهِ، كُنْ لِي إِلَى اللَّهِ شَفِيعاً، وَمِنَ النَّارِ مُجِيراً، وَعَلَى الدَّهْرِ ظَهِيراً، فَإِنِّي عَبْدُ اللهِ وَوَلِيُّكَ وَزَائِرُكَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْك(1).

4 - الصّلاة ركعتين عن أمير المؤمنين عليه السّلام، تقرأ في الرّكعة الأولى: فاتحة الكتاب وسورة الرّحمن، وفي الثّانية: الحمد وسورة يس، وتشهّد وسلّم, وسبّح تسبيح الزّهراء عليها السّلام, واستغفر اللَّه عزَّ وجلَّ، وادعُ لنفسك.

ثمّ قل:

اللَّهُمَّ إِنِّي صَلَّيْتُ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ هَدِيَّةً مِنِّي إِلَى سَيِّدِي وَمَوْلايَ، وَلِيِّكَ وَأَخِي رَسُولِكَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَسَيِّدِ الْوَصِيِّينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ.

اللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي، وَاجْزِنِي عَلَى ذَلِكَ جَزَاءَ الْمُحْسِنِينَ. اللَّهُمَّ لَكَ صَلَّيْتُ، وَلَكَ رَكَعْتُ، وَلَكَ سَجَدْتُ، وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ؛ لأَنَّهُ لا تَكُونُ الصَّلاةُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ إِلاَّ لَكَ؛ لأَنَّكَ أَنْتَ اللهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ.

ص: 212


1- زاد المعاد: 461, ومفاتيح الجنان: 426.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَتَقَبَّلْ مِنِّي زِيَارَتِي، وَأَعْطِنِي سُؤْلِي بِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ.

ثمّ تسجد سجدة الشّكر, وقل فيها:

اللَّهُمَّ إِلَيْكَ تَوَجَّهْتُ، وَبِكَ اعْتَصَمْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ. اللَّهُمَّ أَنْتَ ثِقَتِي وَرَجَائِي، فَاكْفِنِي مَا أَهَمَّنِي، وَمَا لا يُهِمُّنِي، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، عَزَّ جَارُكَ، وَجَلَّ ثَنَاؤُكَ، وَلا إِلَهَ غَيْرُكَ. صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَقَرِّبْ فَرَجَهُمْ.ثمّ ضع خدّك الأَيمن على الأَرض، وقل:

ارْحَمْ ذُلِّي بَيْنَ يَدَيْكَ، وَتَضَرُّعِي إِلَيْكَ، وَوَحْشَتِي مِنَ النَّاسِ، وَأُنْسِي بِكَ، يَا كَرِيمُ يَا كَرِيمُ يَا كَرِيمُ.

ثمّ ضع خدَّك الأَيسر على الأَرض، وقل:

لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ رَبِّي حَقّاً حَقّاً، سَجَدْتُ لَكَ يَا رَبِّ تَعَبُّداً وَرِقّاً. اللَّهُمَّ إِنَّ عَمَلِي ضَعِيفٌ، فَضَاعِفْهُ لِي، يَا كَرِيمُ يَا كَرِيمُ يَا كَرِيمُ.

ثمّ عد إِلى السّجود، وقل: «شُكْراً» مائة مرّة، واجتهد في الدّعاء؛ فإنّه موضع مسألة، وأكثر من الاستغفار؛ فإنّه موضع مغفرة، واسأل الحوائج؛ فإنّه مقام إجابة(1) .

5 - استقبال المرقد المطهّر للإمام الحسين عليه السّلام بسكينة و وقار

ص: 213


1- مفاتيح الجنان: 420.

من قيام، والإيماء إليه بإصبع السبّابة بالسّلام، كأن تقول ثلاث مرّات: «صَلّى اللهُ عَلَيْكَ ياأبا عَبْدِ الله»، ثُمّ تقول: «السّلامُ عَلَيْكَ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكاتُهُ».

6 - إظهار الحزن والجزع.

7 - الصّلاة ركعتين عن الإمام الحسين عليه السّلام.

8 - التكبير مائة مرّة.

9 - زيارة عاشوراء باللعن والسّلام، كلّ واحدة منهما مائة مرّة، مع «اللّهمّ خصّ» والسجدة(1).

10 - الصّلاة ركعتين بعد الزيارة.

11 - الإيماء إلى مقام الإمام الحسين عليه السّلام بالسّلام.

12 - استقبال القبلة، وقراءة دعاء علقمة.

ثمّ تلتفت إلى أمير المؤمنين وإلى أبي عبد الله عليه السّلام، وتقول:

يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ [وَيا أبَا عَبْدِ اللهِ] عَلَيْكَ [عَلَيْكُمَا] مِنِّي سَلامُ اللهِ أبَداً، مَا بَقِيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنِّي لِزِيَارَتِكُمَا، وَلا فَرَّقَ اللهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمَا... إلى آخر الدعاء(2).

ص: 214


1- قد تقدّمت في الصفحة: 68 و69.
2- قد تقدّمت هذه الفقرة في الصفحة: 74.

القسم الثاني

اشارة

الملحقات

الشعائر وتعظيمها.

المأتم الحسيني.

إنشاد الشعر.

لبس السواد.

لطم الخدود والصدور وشقّ الجيوب.

المشي إلى الزيارة.

إطعام الطعام.

سقي الماء.

الصرخة.

البكاء.

ص: 215

ص: 216

الشعائر وتعظيمها:

اشارة

قال الله تعالى: [ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ] (1).

الشّعائر: جمع شعيرة، وهي العلامة الّتي تدلّ على الشيء.

قال الخليل: شعائر الله مناسك الحجّ، أي: علاماته والشّعيرة من شعائر الحجّ وهو أعمال الحجّ من السعي والطواف والذبائح، كلّ ذلك شعائر الحجّ، والشعيرة أيضاً: البَدَنة الّتي تُهدى إلى بيت الله وجمعت على الشعائر. تقول: قد أشْعرت هذه البَدَنَة لله نُسكا، أي: جعلتها شعيرة تُهدى، ويقال: إشعارها أن يُجَأ أصل سنامها بسكّين فيسيل الدم على جنبها، فيعرف أنّها بَدَنةُ هديٍ(2).

وقال ابن الأثير: قد تكرّر في الحديث ذكر «الشعائر» وشعائر الحجّ

ص: 217


1- سورة الحجّ، الآية: 32.
2- كتاب العين: 482، مادّة «شعر».

آثاره وعلاماته، جمع شعيرة.

وقيل: هو كلّ ما كان من أعماله كالوقوف والطواف والسعي والرمي والذبح وغير ذلك(1).

وقال الفيروزآبادي: شِعار الحجّ مناسكه وعلاماته، والشعيرة والشعارة والمشعر معظمها، أو شعائره معالمه الّتي نَدَبَ الله إليها وأمر بالقيام بها(2).

وقال ابن منظور: الشعار العلامة في الحرب وغيرها، وشِعار العساكر: أن يَسِموا لها علامة ينصبونها ليعرف الرجل بها رُفْقَتَه، وفي الحديث إنّ شِعار أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كان في الغزو: يا مَنْصُور أمِتْ أمِتْ، وهو تفاؤل بالنصر بعد الأمر بالإماتة(3).

وقال أيضاً: قال الزجّاج في شعائر الله: يعني بها جميع متعبدات الله الّتي أشعرها الله أي جعلها أعلاماً لنا، وهي كلّ ما كان من موقف أو مسعى أو ذبح(4).

هذا ما صرّح به أئمّة اللغة؛ حيث إنّ بعضهم فسّر كلمة «الشعائر» في هذه الآية بمناسك الحجّ أو بالبدنة خاصّة، أو غير ذلك، إلاّ أنّه من الواضح أنّ كلمة «الشعائر» لها معنى أوسع من هذه المعاني جميعاً،

ص: 218


1- النهاية في غريب الحديث, والأثر 2: 407، مادّة «شعر».
2- القاموس المحيط 2: 85، مادّة «شعر».
3- لسان العرب 2: 2044، مادّة «شعر».
4- لسان العرب 2: 2044، مادّة «شعر».

وذلك لما ثبت في محلّه من أنّ المورد لا يخصّص الوارد، فالآية الكريمة وإن كانت واردةً في سياق آيات الحجّ إلاّ أنّها بمنزلة كبرى كلية تشمل جميع ما يذكّرالإنسان بالله سبحانه وتعالى وعظمته من دون اختصاصها بالموارد المفسّرة في كتب اللغة.

وصرّح بهذا العموم جماعة من علماء الفريقين:

فمن الخاصّة: ما ذكره الشيخ الطوسيّ في تفسير التبيان عند تفسيره لقوله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ الله...]: هذا خطاب من الله تعالى للمؤمنين ينهاهم أن يحلوا شعائر الله، واختلفوا في معنى شعائر الله على سبعة أقوال: فقال بعضهم: معناه لا تحلّوا حرمات الله، ولا تعدوا حدوده، وحملوا الشعائر على المعالم، وأرادوا بذلك معالم حدود الله وأمره ونهيه وفرائضه، ذهب إليه عطاء وغيره.وقال قوم: معناه لا تحلّوا حرم الله، وحملوا شعائر الله على معالم حرم الله من البلاد. ذهب إليه السدّيّ.

وقال آخرون: معنى شعائر الله مناسك الحجّ. والمعنى لا تحلّوا مناسك الحجّ فتضيّعوها. ذهب إليه ابن جريج، ورواه ابن عبّاس.

وقال ابن عبّاس: كان المشركون يحجّون البيت ويهدون الهدايا، ويعظّمون حرمة المشاعر ويتّجرون في حججهم، فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم فنهاهم الله عن ذلك.

وقال مجاهد: شعائر الله الصفا والمروة والهدي من البدن وغيرها.

ص: 219

كلّ هذا من شعائر الله.

وقال الفرّاء: كانت عامّة العرب لا ترى الصفا والمروة من الشعائر ولا يطوفون بهما، فنهاهم الله عن ذلك، وهو قول أبي جعفر عليه السّلام. وقال قوم: معناه لا تحلّوا ما حرّم الله عليكم في إحرامكم. روي ذلك عن ابن عبّاس في رواية أخرى.

وقال الجبّائيّ: الشعائر: العلامات المنصوبة للفرق بين الحلّ والحرم، نهاهم الله أن يتجاوزوها إلى مكّة بغير إحرام.

وقال الحسين بن عليّ المغربيّ: المعنى، لا تحلّوا الهدايا المشعرة. وهو قول الزّجّاج واختاره البلخيّ.

وأقوى الأقوال قول عطاء من أنّ معناه: لا تحلّوا حرمات الله، ولا تضيّعوا فرائضه؛ لأنّ الشعائر جمع شعيرة وهي على وزن فعيلة، واشتقاقها من قولهم: شعر فلان بهذا الأمر: إذا علم به، فالشعائر المعالم من ذلك، وإذا كان كذلك، وجب حمل الآية على عمومها، فيدخل فيه: مناسك الحجّ، وتحريم ما حرّم في الإحرام، وتضييع ما نهى عن تضييعه واستحلال حرمات الله، وغير ذلك من حدوده وفرائضه وحلاله وحرامه؛ لأنّ كلّ ذلك من معالمه، فكان حمل الآية على العموم أولى(1).

ومن الخاصّة أيضاً: ما ذكره الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن

ص: 220


1- التبيان في تفسير القرآن 3: 418.

الطبرسي في مجمع البيان في تفسير آية: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ الله]، بقوله: اختلف في معنى شعائر الله على أقوال... وذكر مثل ما ذكره الشيخ الطوسي رحمه الله(1).

ومنهم: الشهيد الأوّل في قواعده بقوله: يجوز تعظيم المؤمن بما جرت به (عادة الزمان) وإن لم يكن منقولاً عن السلف؛ لدلالة العمومات عليه، قال الله تعالى: [ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ] (2). وقال تعالى: [ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ الله فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ] (3)(4).

وأمّا من العامّة: فقد قال الفخر الرازي في تفسير قوله تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ الله] (5):... واعلم أنّ الشعائر جمع، والأكثرون على أنّها جمع شعيرة. وقال ابن فارس: واحدها شعارة، والشعيرة فعيلة بمعنى مفعلة، والمشعرة المعلمة، والإشعار الإعلام، وكلّ شيء أشعر فقد أعلم، وكلّ شيء جعل علماً على شيء أن علم بعلامة جاز أن يسمّى شعيرة، فالهدي الّذي يهدى إلى مكّة يسمى شعائر لأنّها معلّمة بعلامات دالّة على كونها هدايا. واختلف المفسّرون في المراد بشعائر الله، وفيه قولان: الأوّل: قوله: [لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ الله] أي لا

ص: 221


1- مجمع البيان 3: 264.
2- سورة الحجّ، الآية: 32.
3- سورة الحجّ، الآية: 30.
4- القواعد والفوائد 2: 159.
5- سورة المائدة، الآية: 2.

تخلّوا بشيء من شعائر الله وفرائضه الّتي حدها لعباده وأوجبها عليهم، وعلى هذا القول فشعائر الله عامّ في جميع تكاليفه غير مخصوص بشيء معين، ويقرب منه قول الحسن: شعائر الله دين الله(1).

وقال القرطبيّ: قوله تعالى: [لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ الله] خطاب للمؤمنين حقاً؛ أي لا تتعدَّوا حدود الله في أمر من الأمور. والشعائر جمع شعيرة على وزن فعيلة. وقال ابن فارس: ويقال للواحدة شعارة، وهو أحسن. والشعيرة البدنة تهدى، وإشعارها أن يجزّ سنامها حتّى يسيل منه الدمّ فيعلم أنّها هدي. والإشعار الإعلام من طريق الإحساس، يقال: أشعر هديه أي جعل له علامة ليعرف أنّه هدي، ومنه المشاعر المعالم، واحدها مشعر وهي المواضع الّتي قد أشعرت بالعلامات. ومنه الشّعر، لأنّه يكون بحيث يقع الشعور، ومنه الشاعر، لأنّه يشعر بفطنته لما لا يفطن له غيره، ومنه الشعير لشعرته الّتي في رأسه، فالشعائر على قول ما أشعر من الحيوانات لتهدى إلى بيت الله، وعلى قول جميع مناسك الحجّ، قاله ابن عبّاس. وقال مجاهد: الصّفا والمروة والهدي والبدن كلّ ذلك من الشعائر. وقال الشاعر:

نُقَتّلُهم جيلاً فجيلاً تراهُمُ *** شَعَائِرَ قُرْبانٍ بها يُتَقَرَّبُ

وكان المشركون يحجّون ويعتمرون ويهدون فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم، فأنزل الله تعالى: [لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ الله]. وقال عطاء

ص: 222


1- تفسير الرازي 4: 106.

بن أبي رباح: شعائر الله جميع ما أمر الله به ونهى عنه. وقال الحسن: دين الله كلّه؛ كقوله: [ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ] أي دين الله. قلت: وهذا القول هو الراجح الّذي يقدّم على غيره لعمومه(1).

ومن هذا يتضح أنّ كلّ فعل أو عمل يكون معلماً لدين الله يتقرّب به إليه تعالى فهو يعدّ شعيرة من شعائر الله.

ثمّ إنّه لا شكّ في أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السّلام من بعده هم من أبرز مصاديق شعائر الله، وقد ورد في الأخبار والآثار تسميتهم بأعلام الهدى ومصابيح الدجى(2)،

ومنار التقى، والعروة الوثقى، والحبل المتين، والصراط المستقيم(3).

أو: أعلام الهدى، والعروة الوثقى، والحجّة على أهل الدنيا(4).

أو: الأدلاّء على مرضاة الله، والمستقرّين في أمر الله، والتامّين في محبّة الله، والمخلصين في توحيد الله، والمظهرين لأمر الله ونهيه، وعباده المكرمين الّذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون(5).

ص: 223


1- تفسير القرطبي 6: 37 - 38.
2- راجع: دلائل الإمامة: 251.
3- راجع: المصدر السابق: 299، وغيبة الطوسي: 280، ومصباح الكفعمي: 726، ومصباح المتهجّد: 291.
4- راجع: إقبال الأعمال: 87.
5- راجع: عيون أخبار الرّضا 2: 306، ومن لا يحضره الفقيه 2: 610، الحديث 3216، وتهذيب الأحكام 6: 77، الحديث 177.

وعن الإمام الصّادق عليه السّلام في قوله للفضيل: «تجلسون وتتحدّثون؟» فقال: نعم، فقال: «إنّ تلك المجالس أحبّها، فأحيوا أمرنا، فرحم الله من أحيى أمرنا»(1).

وعنه عليه السّلام: «إنّ البكاء والجزع مكروه للعبد في كلّ ما جزع، ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن علي عليهما السّلام، فإنّه فيه مأجور»(2).

ولاشكّ في أنّ إقامة المجالس الحسينيّة، وإخراج المواكب العزائيّة على اختلاف أنحائها، وبذل الأموال في سبيلها وتعاهدها؛ لأجل أئمّة الهدى صلوات اللّه عليهم أجمعين من أبرز مصاديق التعظيم لشعائره جلّ وعلا - كما تقدّم - ، وإحياء أمرهم إحياء لدين الله عزّ وجلّ، ولشريعة سيّد المرسلين صلّى الله عليه وآله، فإنّ هذه الشعائر الحسينيّة إحدى أبرز الأسباب الرئيسيّة لحفظ الشريعة، ولنشر وبقاء مذهب التشيّع، وحفظ العقائد الحقّة المحقّة فيه، من موالاة أهل البيت عليهم السّلام، والبراءة من أعدائهم، ولولاها لبقي الإسلام بلا محتوى، وظاهراً بلا باطن، ولكان ما جرى على أهل البيت عليهم السّلام من ظلم عظيم ومصاب جلل في معرض النسيان والضياع.

ويستدلّ على ذلك - مضافاً إلى ما ذُكر - بجملة من الروايات الخاصّة الواردة في خصوص كلّ مورد من هذه الشعائر.

ص: 224


1- وسائل الشيعة 14: 501، باب 66 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث2.
2- كامل الزيارات: 201، باب 32، الحديث 2.

بالإضافة إلى أنّ الأصل في الأشياء هو الإباحة والجواز، فكلّ شي ء حلال حتّى يعلم أنّه حرام بعينه، فما لم يقم دليل على حرمته في الشريعة المقدّسة فهو محكوم بالحلّية، وعلى ذلك: فكلّ هذه الشعائر مندرجة تحت هذا الأصل بلا إشكال.

ولذا سوف لن نتعرّض إلى أسانيد الروايات الواردة في المقام مع كثرتها واستفاضتها في بعض الموارد.

المأتم الحسيني:

لقد خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان، وأودع فيه أنواعاً من الغرائز، وتظهر هذه الغرائز وتشتدّ عند حلول مناسبتها، ومن تلك الغرائز: العطف والمودّة والرقّة والبكاء. قال تعالى: [وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً] (1).

فإذا ذكرت الأمّ طفلها الرضيع - مثلاً - اشتدّ حنينها، ودرّ ثديها، وأخذت تطلب رضيعها؛ لإفراغ هذا الحنان، ووضعه في موضعه.

وإذا مات للإنسان عزيز هاج به الحزن، وسالت منه الدموع، وظلّ يبحث عمّا يساعده في إفراغ ما يجده في نفسه، ولذلك يسعى لعقد مجلس يذكر فيه فقيده، ويركّز فيه على ما يستدعي درّ الدموع وهيجان الحزن.

وهذه الغريزة تتفاوت شدّة وضعفاً بحسب العلاقة مع الفقيد، فلو

ص: 225


1- سورة الروم، الآية: 21.

كان الفقيد ممّن له الفضل في سعادة الإنسان في دنياه لكان حزنه عليه أشدّ، ولو كان ممّن له الفضل في سعادته في دينه ودنياه لكان أشدّ وأشدّ.

وأمّا لو كان السبب في أصل وجوده، بل ووجود غيره من المخلوقات، وقد مات بمصيبة كمصيبة الإمام الحسين عليه السّلام، لكان من حقّ النفوس أن تخرج عن الأبدان عند ذكره وذكر مصيبته.

نعم، إنّ المأتم الّذي ينصبه الشيعة هو على خامس الأنوار الّتي خلقها الله تعالى قبل خلق جميع الخلائق(1)،

وكانت هي الواسطة في إفاضة الوجود(2).

والمصيبة الّتي جرت عليه - صلوات الله وسلامه عليه - هي الفاجعة العظمى التي جعلت السماء تمطر دماً(3)،

والأرض تفيح دماً عبيطاً(4).

وجعلت ملائكة السماء تضجّ بالبكاء والنحيب(5).

ص: 226


1- علل الشرائع 1: 5، باب 7، الحديث 1، والمصدر نفسه: 208، باب 156، الحديث 11، وكمال الدين 1: 254، باب 23، الحديث 4، والمصدر نفسه: 335، باب 33، الحديث 7.
2- عيون أخبار الرّضا 1: 237، باب 26، الحديث 22، والمصدر نفسه: 274، باب 28، الحديث 67، وبحار الأنوار 15: 26، والمصدر نفسه 54: 198، والمستدرك على الصحيحين 2: 615، وذخائر العقبى 2: 152، والخصائص الكبرى 1: 14.
3- راجع: علل الشرائع 1: 227، باب 162، الحديث 3، وعيون أخبار الرّضا 1: 268، باب 28، الحديث 58.
4- راجع: كامل الزيارات: 158 - 161، باب 24، الأحاديث 1 و 2 و 3، وبحار الأنوار 42: 302.
5- راجع: علل الشرائع 1: 160، باب 129، الحديث 1، والمصدر نفسه: 227، باب 162، الحديث 3، وكامل الزيارات: 167، باب 26، الحديث 8، والمصدر نفسه: 174، باب 27، الحديث 13.

بل وجميع ما خلق الله عزّ وجلّ يبكي عليه(1).

ومع كون الفقيد هو هذا، ومصيبة فقدانه هي هذه، فهل نحتاج إلى دليل لإثبات مشروعيّة إقامة المأتم عليه؟!

ولكن مع ذلك فالدليل موجود.

أمّا القرآن فمنه: قوله تعالى: [قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى] (2) فإنّ من أبرز مصاديق المودّة في القربى هو إقامة المآتم لمصائبهم، والمشاركة في أحزانهم وأفراحهم وذرف الدموع على ما جرى عليهم، ومن أفجع مصائبهم ما جرى على أبي عبد الله عليه السّلام في يوم عاشوراء في أرض كربلاء.

ومنه: قوله تعالى: [ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ](3) وقد تقدّم بيانها.

وأمّا غيره، فسيرة الأئمّة وأصحابهم جارية على هذا، والروايات كثيرة، يأتي بعضها في بحث البكاء على سيّد الشهداء:

فمنها: ما رواه علقمة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «... ليندب الحسين عليه السّلام، ويبكيه ويأمر من في داره - ممّن لا يتّقيه - بالبكاء عليه، ويقيم في داره المصيبة؛ بإظهار الجزع عليه، وليعزّ بعضهم بعضاً بمصابهم بالحسين عليه السّلام...

ص: 227


1- راجع: كامل الزيارات: 166 - 167، باب 26، الحديث 4 و 6 و 7.
2- سورة الشورى، الآية: 23.
3- سورة الحجّ، الآية: 32.

يقولون: أعظم الله أجورنا بمصابنا بالحسين عليه السّلام، وجعلنا وإيّاكم من الطالبين بثأره، مع وليّه الإمام المهديّ من آل محمّد عليهم السّلام»(1).

ولا ينحصر استحباب إقامة المآتم على الإمام الحسين عليه السّلام، بل يعمّ بقيّة المعصومين عليهم السّلام أيضاً.

وممّا يدلّ على ذلك: ما رواه بكر بن محمّد الأزدي، عن أبي عبد الله عليه السّلام، قال: «تجلسون وتتحدّثون؟»، قال: قلت: جعلت فداك، نعم، قال: «إنّ تلك المجالس أحبّها، فأحيوا أمرنا، إنّه من ذكرنا وذُكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذبابة غفر الله ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر»(2).

وعن الحسن بن علي بن فضّال، قال: قال الرّضا عليه السّلام: «من تذكّر مصابنا وبكى لما ارتكب منّا كان معنا في درجتنا يوم القيامة، ومن ذُكّر بمصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون، ومن جلس مجلساً يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب»(3).

ص: 228


1- تقدّم في الصفحة: 57 من أصل الزيارة، ورواه أيضاً، مع اختلاف يسير كل من مصباح الكفعمي: 641، ووسائل الشيعة 14: 509، باب 66، من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 20.
2- ثواب الأعمال: 223.
3- أمالي الصّدوق: 131، المجلس 17، الحديث 4، وعيون أخبار الرّضا 1: 264، باب 28، الحديث 48، ولم يرد فيه: «من تذكّر مصابنا وبكى لما ارتكب منّا كان معنا في درجتنا يوم القيامة»، ووسائل الشيعة 14: 502، باب 66 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 4، وفيه كما في العيون.

وعن يونس بن يعقوب، عن الصّادق عليه السّلام قال: قال لي أبي عليه السّلام: «يا جعفر، أوقف لي من مالي كذا وكذا لنوادب تندبنني عشر سنين بمنى أيّام منى»(1).وإنّما عيّن عليه السّلام ذلك بمنى في أيّامها؛ لأنّه يجتمع فيها الناس من قريب وبعيد على اختلاف طبقاتهم وألسنتهم، ولا شكّ حينئذ في استفسار الناس عمّن يندب، وما هو شأنه؟ ولماذا أوصى بذلك؟ خصوصاً في هذه الأيّام، وهي أيّام عيد وسرور، ولا يتعارف فيها إقامة المآتم، وليس ذلك إلاّ لكي ينكشف الحقّ للمسلمين، فيعرفون أولياء الله، فيوالونهم، كما يعرفون أعداء الله ورسوله، فيعادونهم، ويعلمون: أنّ من تسنّم عرش الخلافة - من غير أهل البيت عليهم السّلام - على باطل، وأنّ الأئمّة من آل محمّد صلّى الله عليه وآله هم الأحقّ بالملك والخلافة بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله.

إنشاد الشِّعْر:

لا ريب في أهمّية الشعر في المجتمع البشريّ في جذب القلوب، وتسخير العقول، وبثّ روح النشاط، وتحريك الإرادة الخاملة في نفس وروح مستمعه، بحيث يجعله كأنّه يعيش الواقعة، وكأنّه يراها أمام عينيه، فهو بمثابة وسيلة إعلاميّة، يستطيع الشاعر من خلالها

ص: 229


1- الكافي 5: 111، كتاب المعيشة، باب 67، الحديث 1، وتهذيب الأحكام 6: 304، الحديث 1025، ووسائل الشيعة 17: 125، باب 17 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1، وفيه: «تندبني» بدل «تندبنني».

لفت أنظار الناس إليه، وتبيين الحقّ، والدعوة إليه، ودحض الباطل، وكشف حقيقته، ولهذا عدّ أعظم دعاية وتبليغ وإعلام، خصوصاً في تلك العصور؛ حيث كان سيفاً صارماً، بيد موالي أئمّة الدين، وسهماً مغرقاً في أكباد أعداء الله، ومجلّة دعاية إلى ولاء آل الله في كلّ صقع وناحية، فعن رسول الله صلّى الله عليه وآله - لمّا سئل عن الشعراء - قال: «إنّ المؤمن مجاهد بسيفه ولسانه، والّذي نفسي بيده لكأنّما ينضحونهم بالنبل»(1).

وعن البراء بن عازب، قال: قال رسول اللَّه صلّى الله عليه وسلّم لحسّان ابن ثابت: «اهج المشركين، فإنّ جبرئيل معك»(2).

وعن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «بينا رسول الله صلّى الله عليه وآله ذات يوم بفناء الكعبة - يوم افتتح مكّة - إذ أقبل إليه وفد فسلّموا عليه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: من القوم ؟ قالوا: وفد بكر ابن وائل، فقال: فهل عندكم علم من خبر قسّ بن ساعدة الأياديّ؟

ص: 230


1- مجمع البيان 7: 326، تفسير سورة الشعراء، الآية: 227، وسير أعلام النبلاء 2: 525، مع اختلاف يسير.
2- مسند أحمد 5: 363، الحديث 18055، وصحيح البخاري 5: 61، الحديث 4124، وروى أيضاً في موضع آخر: قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لحسّان يوم قريظة: «اهجهم - أو هاجهم - وجبريل معك». المصدر المتقدّم، الحديث 4123، وانظر: المصنّف 6: 172، الحديث 18، والمعجم الأوسط 1: 333، الحديث 1209، والمعجم الصغير 2: 4 ، مع اختلاف يسير، وكنز العمّال 3: 580، الحديث 7995، وأضاف: «إذا حارب أصحابي بالسلاح فحارب أنت باللسان».

قالوا: نعم، يا رسول الله، قال: فما فعل؟ قالوا: مات» ثمّ ساق الحديث - إلى أن قال -: «ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: رحم الله قسّاً، يحشر يوم القيامة أمّة وحده، قال: هل فيكم أحد يحسن من شعره شيئاً؟ فقال بعضهم: سمعته يقول:

في الأوّلين الذاهبين *** من القرون لنا بصائر

لمّا رأيت موارداً *** للموت ليس لها مصادر

ورأيت قومي نحوها *** تمضي الأكابر والأصاغر

لا يرجع الماضي إليَّ *** ولا من الباقين غابر

أيقنتُ أنّي لا محالة *** حيث صار القوم صائر

...» الحديث(1).

وعن الكميت بن زيد الأسدي، قال: دخلت على أبي جعفر عليه السّلام فقال: «واللّه يا كميت، لو كان عندنا مال لأعطيناك منه، ولكن لك ما قال رسول اللّه صلّى الله عليه وآله لحسّان بن ثابت: لن يزال معك روح القدس ما ذببت عنا»(2).

ولهذه الغايات الجليلة السامية نجد أئمّة أهل البيت عليهم السّلام قد أولوا هذا الموضوع اهتماماً بالغاً، فكانوا يكرمون شعراءهم،

ص: 231


1- كمال الدين 1: 166، باب 10، الحديث 22.
2- الكافي 8: 89، الحديث 75، واختيار معرفة الرّجال: 279 / 365 ، مع اختلاف يسير، ووسائل الشيعة 14: 594، باب 104 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 2.

ويبذلون لهم المال ممّا يغنيهم به عن التكسّب والاشتغال بغير هذه المهمّة، ويقرعون مسامعهم بتلك الجمل الشريفة من مدحهم والثناء عليهم، ويبشّرونهم بما أعدّه اللّه تعالى لهم من الأجر المحمود.

فعن محمّد بن سهل، قال: دخلت مع الكميت على جعفر الصّادق في أيّام التشريق، فقال: جعلت فداءك، ألا أنشدك؟ قال: «إنّها أيّام عظام»، قال: إنّها فيكم، قال: «هات»، فأنشده قصيدته... فكثر البكاء، وارتفعت الأصوات. فلمّا مرّ على قوله في الحسين رضي الله عنه:

كأنّ حسيناً والبهاليل حوله *** لأسيافهم ما يختلى المتبتّل

وغاب نبيّ الله عنهم وفقده *** على الناس رزء ما هناك مجلّل

فلم أر مخذولاً لأجل مصيبة *** وأوجب منه نصرة حين يخذل

فرفع جعفر الصّادق رضي الله عنه يديه، وقال: «اللّهمّ اغفر للكميت ما قدّم وأخّر، وما أسرّ وأعلن، وأعطه حتّى يرضى»، ثمّ أعطاه ألف دينار وكسوة، فقال له الكميت: والله ما أحببتكم للدنيا، ولو أردتها لأتيت من هو في يديه، ولكنّني أحببتكم للآخرة، فأمّا الثياب الّتي أصابت أجسادكم فإنّي أقبلها لبركتها، وأمّا المال فلا أقبله(1).

وعن عبد اللّه بن الفضل الهاشمي، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «من قال فينا بيت شعر بنى اللّه تعالى له بيتاً في

ص: 232


1- خزانة الأدب 1: 70.

الجنّة»(1).

وعن أبي هارون المكفوف، قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: «يا أبا هارون، أنشدني في الحسين عليه السّلام»، قال: فأنشدته، فبكى فقال: «أنشدني كما تنشدون» - يعني بالرقّة - قال: فأنشدته:

امرر على جدث الحسين *** فقل لأعظمه الزكيّه

قال: فبكى، ثمّ قال: «زدني»، قال: فأنشدته القصيدة الأخرى، قال: فبكى وسمعت البكاء من خلف الستر، قال: فلمّا فرغت، قال لي: «يا أبا هارون، من أنشد في الحسين عليه السّلام شعراً فبكى وأبكى عشراً كتبت له الجنّة، ومن أنشد في الحسين شعراً فبكى وأبكى خمسة كتبت له الجنّة، ومن أنشد في الحسين شعراً فبكى وأبكى واحداً كتبت لهما الجنّة، ومن ذكر الحسين عليه السّلام عنده فخرج من عينه من الدمع مقدار جناح ذباب كان ثوابه على اللّه، ولم يرض له بدون الجنّة»(2).

وعن أبي طالب القمّي، قال: كتبت إلى أبي جعفر عليه السّلام

ص: 233


1- عيون أخبار الرّضا 1: 15، مقدّمة المصنّف، الحديث 1، ووسائل الشيعة 14: 597، باب 105 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 1.
2- كامل الزيارات: 208، باب 33، الحديث 1، وثواب الأعمال: 111، الحديث 1، مع اختلاف يسير.

بأبيات شعر، وذكرت فيها أباه، وسألته أن يأذن لي في أن أقول فيه، فقطع الشعر وحبسه، وكتب في صدر ما بقي من القرطاس: «قد أحسنت، فجزاك الله خيراً»(1).

والّذي يتحصّل من هذه الأخبار: جواز نظم الشعر وإنشاده، بل استحبابه، وكونه عبادة، فيما إذا كان في فضائلهم، أو في مصائبهم عليهم السّلام، الّذي هو مقتضى الأدلّة المتقدّمة من دخول الشعراء على النبيّ صلّى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السّلام، وإنشادهم الشعر بين أيديهم، بل وطلبهم ذلك من مواليهم وشيعتهم في بعض الأحيان، هذا بالإضافة إلى ما ورد ذكره في كتب السير والتاريخ من استشهاد الأئمّة المعصومين عليهم السّلام بالشعر، بل نظمهم له.

والسلف من أعاظم فقهائنا وأكابر علمائنا (رضوان اللَّه تعالى عليهم) اقتفوا أثر أئمّتهم (صلوات اللّه عليهم أجمعين) بذلك، فقد ألّفوا في هذا المضمار كتباً، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، ما يلي:

1 - كتاب ما قيل في الأئمّة عليهم السّلام من الشعر، للكليني(2).

2 - كتاب معاريض الشعر، لمحمّد بن مسعود العيّاشي (3).

ص: 234


1- اختيار معرفة الرّجال: 319 / 451، والمصدر نفسه: 609 / 1075، مع اختلاف يسير، ووسائل الشيعة 14: 598، باب 105 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 6، مع اختلاف يسير.
2- رجال النجاشي: 377 / 1026.
3- المصدر المتقدّم: 350 / 944.

3 - كتاب الشعر، للشيخ الصّدوق (1).

4 - كتاب ما قيل في عليّ عليه السّلام من شعر ومن مدح، لعبد العزيز الجَلُودي، الّذي هو أحد كبار الشيعة الإماميّة(2).

5 - كتاب مسائل النظم، لمحمّد بن محمّد بن النعمان، المفيد(3).

إلى غير ذلك ممّا يقف عليه المتتبّع.

ولا يخفى أنّ استحباب إنشاء الشعر وإنشاده مقيّد بما ذكرنا: من كونه مشتملاً على ذكر فضائل أهل البيت عليهم السّلام، أو مصائبهم، أو كان مشتملاً على الحكمة والموعظة والزهد والآداب الحسنة، ونحو ذلك، فيجوز حينئذ إنشاؤه وإنشاده في جميع الأزمنة والأمكنة. نعم، لو كان في غير ذلك لزم القول بكراهته في خصوص جملة من الموارد: كالليل، ويوم الجمعة، وشهر رمضان، وفي الحرم، وحال الإحرام، والمساجد، وللصائم.

قال صاحب الحدائق: إنّ أصحابنا (رضوان الله عليهم) قد خصّوا الكراهة بالنسبة إلى كراهة إنشاد الشعر في المسجد، أو يوم الجمعة، أو نحو ذلك من الأزمنة الشريفة والبقاع المنيفة، بما كان من الأشعار الدنيوية الخارجة عن ما ذكرناه. وممّن صرّح بذلك شيخنا الشهيد في الذكرى، والشهيد الثاني في جملة من شروحه، والمحقّق الشيخ علي،

ص: 235


1- المصدر المتقدّم: 389 / 1049.
2- المصدر المتقدّم: 240 / 640.
3- المصدر المتقدّم: 399 / 1067.

والسيّد السند في المدارك(1).

وأمّا العامّة، فقد قال ابن قدامة في «المغني»: وليس في إباحة الشعر خلاف، وقد قاله الصحابة والعلماء، والحاجة تدعو إليه؛ لمعرفة اللغة والعربيّة، والاستشهاد به في التفسير، وتعرّف معاني كلام الله تعالى، وكلام رسوله صلّى الله عليه وسلّم(2).

وقال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري»: والّذي يتحصّل من كلام العلماء في حدّ الشعر الجائز: أنّه إذا لم يكثر منه في المسجد، وخلا عن هجو، وعن الإغراق في المدح والكذب المحض، والتغزّل بمعيّن لا يحلّ، وقد نقل ابن عبد البر الإجماع على جوازه إذا كان كذلك(3).

وقال أيضاً: جواز قول الشعر وأنواعه خصوصاً الرجز في الحرب، والتعاون على سائر الأعمال الشاقّة؛ لما فيه من تحريك الهمم، وتشجيع النفوس وتحريكها على معالجة الأمور الصعبة(4).

وقال القرطبي في «أحكام القرآن»: ينظر إلى الشعر: فإن كان ممّا يقتضي الثناء على الله - عزّ وجلّ - أو على رسوله صلّى الله عليه وسلّم، أو الذبّ عنهما، كما كان شعر حسّان، أو يتضمّن الحضّ على الخير والوعظ، والزهد في الدنيا، والتقلّل منها، فهو حسن في المساجد

ص: 236


1- الحدائق الناضرة 13: 162.
2- المغني والشرح الكبير 12: 45.
3- فتح الباري 10: 555.
4- المصدر ا لمتقدّم 7: 291.

وغيرها، كقول القائل:

طوفي يا نفس كي أقصد فرداً صمدا *** وذريني لست أبغي غير ربي أحدا

فهو أنسي وجليسي ودعي الناس فما *** إن تجدي من دونه ملتحدا(1)

إلى غير ذلك من كلماتهم الّتي يظهر منها: إباحة الشعر إذا خلا من الأغراض الفاسدة، بل وحسنه إذا كان مشتملاً على الثناء على الله عزّ وجلّ، أو على رسوله صلّى الله عليه وآله، أو الوعظ والإرشاد، ونحوه.

والحاصل: أنّه لا إشكال في جواز الشعر وإنشاده، وكون بعض أقسامه من المستحبّات، وعلى ذلك إجماع علمائنا، ومشهور العامّة.

لبس السواد:

يعتبر لبس السواد- عند جميع البشر، باختلاف طوائفهم وفرقهم ودولهم، منذ قديم الزمان وسالف العصر إلى الآن - رمزاً وشعاراً لإظهار الحزن والتألّم عند المصيبة والكارثة، فإذا فقد عندهم حبيب تراهم يلبسون السواد، وما ذلك إلاّ علامة؛ ليعرف الناظر إليهم أنّهم أهل مصيبة وعزاء.

وقد ورثت الشيعة الإماميّة الاثنا عشريّة هذا الشعار عن أئمّتهم عليهم السّلام؛ تعبيراً منهم عن عظم الفاجعة والمجزرة الكبرى الّتي جرت على ريحانة رسول اللّه صلّى الله عليه وآله، وإظهاراً لمظلوميّته

ص: 237


1- 51.تفسير القرطبي 12: 271، تفسير سورة النور، الآية: 36.

عليه السّلام، وانتصاراً لأهدافه، واستنكاراً لما أصابه من أنواع البلاء والمحن.

وبذلك يمكن دخول لبس السواد في المستحبّات؛ لكونه مصداقاً لإظهار الحزن على مصابهم عليهم السّلام الّذي دلّت الأدلّة الصحيحة على رجحانه واستحبابه، وكونه موجباً للتقرّب إلى اللَّه سبحانه وتعالى.

ويدلّ عليه - أيضاً - ما تقدّم: من اندراجه تحت إطلاق قوله تعالى: [ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ] (1)، وقوله عليه السّلام: «فرحم الله من أحيى أمرنا» (2).

وجملة من النّصوص:

منها: ما رواه البرقيّ في الصحيح(3)، عن الحسن بن ظريف بن

ص: 238


1- سورة الحجّ، الآية: 32.
2- تقدّم تخريجه في الصفحة: 224.
3- أمّا الحسن بن ظريف بن ناصح وأبوه كلاهما جليلان، ثقتان. (رجال النجاشي: 61 / 140، والمصدر نفسه: 209 / 553 ). وأمّا الحسين بن زيد فقد قال عنه في «البيان والتبيين»: الحسين بن زيد بن علي بن الحسين، يلقّب ذا الدمعة، لقّب بذلك؛ لكثرة بكائه على أبيه وأخيه يحيى، وعوتب على ذلك، فقال: وهل تركت النار والسهمان لي مضحكا ؟ يريد: السهمين اللّذين أصابا زيد ابن علي ويحيى بن زيد. (البيان والتبيين / المجلّد الثاني 3: 125، وفيه: الحسن بن زيد ابن علي بن الحسين. والصحيح ما أثبتناه). قال النجاشي عنه: الحسين بن زيد بن علي بن الحسين [عليهما السّلام]، أبو عبد الله، يلقّب ذا الدمعة، كان أبو عبد الله عليه السّلام تبنّاه وربّاه، وزوّجه ببنت (بنت) الأرقط، روى عن أبي عبد الله، وأبي الحسن عليهما السّلام. وكتابه تختلف (يختلف) الرواية له. (رجال النجاشي: 52 / 115 ).وورد في نوادر الحكمة. (تهذيب الأحكام 6: 238، الحديث 772 ). وروى عنه المشايخ الثقات. (الكافي 2: 465، كتاب الدعاء، باب 416، الحديث 5، وانظر: أصول علم الرّجال 2: 187). وهو كاف في الحكم بالوثاقة. وأمّا عمر بن علي بن الحسين، فقد عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الباقر عليه السّلام، قائلاً: عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السّلام، أبو حفص الأشرف، أخوه عليه السّلام. (رجال الطوسي: 139 / 1467، والمصدر نفسه: 252 / 3540 ). وكذلك عدّه من أصحاب الإمام الصّادق عليه السّلام قائلاً: مدني، تابعي. (رجال الطوسي: 252 / 3540 ). قال المفيد في «الإرشاد»: كان عمر بن علي بن الحسين عليه السّلام فاضلاً، جليلاً، وولي صدقات النبيّ صلی الله عليه وآله، وصدقات أمير المؤمنين عليه السّلام، وكان ورعاً، سخيّاً. (الإرشاد 2: 170 ).

ناصح، عن أبيه، عن الحسين بن زيد، عن عمر بن علي بن الحسين عليه السّلام، قال: لمّا قتل الحسين بن علي عليهما السّلام لبسن نساء بني هاشم السواد والمسوح، وكنّ لا يشتكين من حرّ ولا برد، وكان علي بن الحسين عليهما السّلام يعمل لهنّ الطعام للمأتم(1).

فإنّ هذه الرواية بظاهرها دالّة على أنّ لبسهنّ للسواد في مأتم وعزاء الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السّلام كان بمرأى ومنظر الإمام علي بن الحسين عليه السّلام، فعدم ردعه عن ذلك يكشف عن رضاه بهذا الفعل ورجحانه، هذا مضافاً إلى أنّ فعل الصدّيقة الصغرى زينب بنت

ص: 239


1- المحاسن 2: 195، باب الإطعام في المأتم، الحديث 1564، ووسائل الشيعة 3: 238، باب 67 من أبواب الدفن، الحديث 10، وفيه: «عن عمرو بن علي» بدل «عمر بن علي»، و «لبس نساء» بدل «لبسن نساء».

أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام - الّتي هي عالمة غير معلّمة، فهمة غير مفهّمة، وتالية تلو المعصوم في الكمالات والفضائل والدرجات العالية، وهي الّتي كانت لها نيابة خاصّة عن الإمام علي بن الحسين عليه السّلام، وكان يُرجع إليها في الحلال والحرام في وقت مرض الامام زين العابدين عليه السّلام(1) - دليل على أنّ لبس السواد مطلوب للّه، ودستور لشيعة أهل البيت عليهم السّلام ومحبّيهم ومواليهم، في كيفيّة إقامة العزاء ومراسم الحزن على أبي الأحرار الحسين الشهيد عليه السّلام.

وممّا دلّ على جواز لبس السواد في العزاء:

ما رواه الحسن بن سليمان الحلّي في كتاب «المحتضر»، نقلاً عن الشيخ الفاضل علي بن مظاهر الواسطي، عن محمّد بن العلا الهمداني الواسطي ويحيى بن جريح البغدادي، عن أحمد بن إسحاق القمّي، عن أبي الحسن علي بن محمّد العسكري عليهما السّلام، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، في خبر طويل في فضل يوم التاسع من ربيع الأوّل وأساميه، وفيه: قال عليه السّلام: «ويوم نزع السواد»(2).

وما رواه في «مستدرك الوسائل» عن فخر الدين الطريحي في «المنتخب»، وغيره في غيره، مرسلاً: أنّ يزيد لعنه الله استدعى بحرم رسول الله صلّى الله عليه وآله، فقال لهنّ: أيّما أحبّ إليكنّ: المقام

ص: 240


1- أنظر: كمال الدين 2: 501، باب 45، الحديث 27.
2- المحتضر: 89، الحديث 126، ومستدرك الوسائل 3: 326، باب 48 من أبواب أحكام الملابس، الحديث 30، مع اختلاف يسير.

3النبيّ صلّى الله عليه وسلّم غداة وعليه مرط(1) مرحّل من شعر أسود، فجاء الحسن ابن عليّ فأدخله، ثمّ جاء الحسين فدخل معه، ثمّ جاءت فاطمة فأدخلها، ثمّ جاء عليّ فأدخله، ثمّ قال: [إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً] (2) (3).

ومنها: ما رواه الصّدوق في «الأمالي» عن الأعمش، عن الصّادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السّلام، قال: «خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وعليه خميصة قد اشتمل بها، فقيل: يا رسول الله، من كساك هذه الخميصة؟ فقال: كساني حبيبي وصفيّي، وخاصّتي وخالصتي، والمؤدّي عنّي، ووصيّي ووارثي وأخي، وأوّل المؤمنين إسلاماً، وأخلصهم إيماناً، وأسمح الناس كفّا، سيّد الناس بعدي، قائد الغرّ المحجّلين، إمام أهل الأرض عليّ بن أبي طالب. فلم يزل يبكي حتّى ابتلّ الحصى من دموعه؛ شوقاً إليه»(4).

ومنها: ما رواه ابن أبي شيبة و ابن عساكر وغيرهما، عن أمّ

ص: 241


1- المِرْط: كساء من صوف أو خزّ كان يؤتزر به. مجمع البحرين 4: 273، مادّة «مرط»، وانظر: الصحاح 3: 1159، مادّة «مرط»، والنهاية في غريب الحديث والأثر 4: 266، مادّة «مرط»، وكتاب العين: 905، مادّة «مرط».
2- سورة الأحزاب، الآية: 33.
3- صحيح مسلم 4: 1883، الحديث 2424، والمستدرك على الصحيحين 3: 147، مع اختلاف يسير، والسنن الكبرى للبيهقي 2: 149، والمصنّف لابن أبي شيبة 7: 501، فضائل علي بن أبي طالب، الحديث 39، وفيه «مرط مرجل».
4- أمالي الصّدوق: 250، المجلس 34، الحديث 275.

سلمة: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان عندها في بيتها ذات يوم، فجاءت الخادم، فقالت: عليّ وفاطمة بالسدّة، فقال: تنحّي لي عن أهل بيتي، فتنحّت في ناحية البيت، فدخل عليّ وفاطمة وحسن وحسين، فوضعهما في حجره، وأخذ عليّاً بإحدى يديه، فضمّه إليه، وأخذ فاطمة باليد الأخرى، فضمّها إليه وقبّلهما، وأغدف عليهم خميصة سوداء، ثمّ قال: «اللّهمّ إليك، لا إلى النار، أنا وأهل بيتي»، قالت: فناديته، فقلت: وأنا يا رسول الله ! قال: «وأنت»(1).

ومنها: ما رواه الشيخ الطبرسي، عن أبي ظبيان الجنبي، قال: خرج علينا أمير المؤمنين عليه السّلام - ونحن في الرحبة - وعليه خميصة سوداء(2).

ومنها: ما نقله ابن أبي الحديد، عن المدائني، قال: ولمّا توفّى عليّ عليه السّلام خرج عبد الله بن العبّاس بن عبد المطّلب إلى الناس، فقال: إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام توفّي، وقد ترك خلفاً، فإن أحببتم خرج إليكم، وإن كرهتم فلا أحد على أحد، فبكى الناس، وقالوا: بل يخرج إلينا، فخرج الحسن عليه السّلام، فخطبهم، فقال: «أيّها الناس، اتّقوا الله، فإنّا أمراؤكم وأولياؤكم، وإنّا أهل البيت الّذين قال الله تعالى فينا: ]إِنَّمَا يُرِيدُ اللَهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ

ص: 242


1- المصنّف 7: 501، كتاب الفضائل، باب 18، الحديث 41، وتاريخ دمشق 14: 145 ، مع اختلاف يسير، ومسند أحمد 7: 431، الحديث 26060 مع اختلاف في المتن، وكنز العمّال 13: 644، الحديث 37628، والمعجم الكبير 23: 393، الحديث 939، مع اختلاف يسير.
2- مكارم الأخلاق: 97، الفصل الثالث.

أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً[ (1)»، فبايعه الناس. وكان خرج إليهم وعليه ثياب سود(2).ومنها: ما رواه الكليني، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «قتل الحسين بن عليّ عليه السّلام وعليه جبّة خز دكناء(3)، فوجدوا فيها ثلاثة وستّين من بين ضربة بالسيف، وطعنة بالرمح، أو رمية بالسهم »(4).

ومنها: ما رواه الكليني، عن سليمان بن رشيد، عن أبيه، قال: رأيت عليّ بن الحسين عليه السّلام وعليه درّاعة(5)

سوداء، وطيلسان أزرق(6).

ومنها: ما رواه الذهبي، عن أبي رزين، قال: خطبنا الحسن بن عليّ وعليه ثياب سود، وعمامة سوداء(7).

ومنها: ما رواه الصّدوق، عن داود الرقّي، قال: كانت الشيعة تسأل أبا عبد الله عليه السّلام عن لبس السواد، قال: فوجدناه قاعداً، عليه جبّة سوداء، وقلنسوة سوداء، وخفّ أسود مبطّن بسواد، قال: ثمّ فتق

ص: 243


1- سورة الأحزاب، الآية: 33.
2- شرح نهج البلاغة 16: 13.
3- الدكنة: لون يضرب إلى السواد. الصّحاح 5: 2113، مادّة «دكن».
4- الكافي 6: 466، كتاب الزي والتجمّل والمروءة، باب 351، الحديث 9.
5- الدراعة والمدرعة: ضرب من الثياب الّتي تلبس، وقيل: جبّة مشقوقة المقدّم. والمدرعة: ضرب آخر لا تكون إلاّ من الصوف خاصّة. لسان العرب 2: 1259، مادّة «درع».
6- الكافي 6: 464، كتاب الزي والتجمّل والمروءة، باب 348، الحديث 3.
7- سير أعلام النبلاء 3: 267، والمصدر نفسه 3: 272.

ناحية منه، وقال: «أما إنّ قطنه أسود، وأخرج منه قطن أسود، ثمّ قال: بيّض قلبك، والبس ما شئت»(1).

ومنها: ما رواه السيّد ابن طاووس في كتاب «فرج المهموم»، عن أبي جعفر محمّد بن جرير الطبري بإسناده، عن محمّد بن إسماعيل الكاتب، عن أبيه حيث قال في حديث طويل يتضمّن رؤية طبيب نصراني للإمام عليّ الهادي عليه السّلام وعليه ثياب سود، وموضع الحاجة منه أنّه قال: أعلمك أنّي لقيته منذ أيّام وهو على فرس أدهم، وعليه ثياب سود(2).

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الدالّة على: أنّ لبس السواد جائز، وأنّه موروث عنهم عليهم السّلام، بما فيهم رسول اللّه صلّى الله عليه وآله، ولم يصدر منه ولا من غيره من الأئمّة عليهم السّلام منع عن ذلك، وهذا يكشف عن إمضائهم له، فيكون دالاًّ على الجواز.

نعم، ورد في بعض الأخبار كراهيّة لبس السواد مطلقاً، أو في الصّلاة.

منها: محسن بن أحمد، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام، قال: قلت له: أصلّي في القلنسوة السوداء؟ فقال: «لا تصلّ فيها؛ فإنّها لباس أهل النار»(3).

ص: 244


1- علل الشرائع 2: 347، باب 56، الحديث 5، ووسائل الشيعة 4: 385، باب 19 من أبواب لباس المصلّي، الحديث 9.
2- فرج المهموم: 234، الباب العاشر.
3- الكافي 3: 397، كتاب الصّلاة، باب اللباس الّذي تكره الصّلاة فيه وما لا تكره، الحديث 30، وتهذيب الأحكام 2: 189، الحديث 836.

ومنها: عن أحمد بن أبي عبد الله، عن بعض أصحابه رفعه، قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يكره السواد إلاّ في ثلاث: الخف، والعمامة، والكساء(1).

ومنها: عن محمّد بن سليمان، عن رجل، عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام، قال: قلت له: أُصلّي في القلنسوة السوداء، قال: «لا تصلِّ فيها؛ فإنّها لباس أهل النار»(2).

ومنها: عن أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام، قال: «حدّثني أبي، عن جدّي، عن أبيه، عن أمير المؤمنين عليه السّلام، قال - فيما علّم أصحابه -: لا تلبسوا السواد؛ فإنّه لباس فرعون»(3).

ومنها: عن السكوني، عن أبي عبد الله عليه السّلام، قال: «أوحى الله عزّ وجلّ إلى نبيّ من أنبيائه: قل للمؤمنين: لا تلبسوا لباس أعدائي، ولا تطعموا طعام أعدائي، ولا تسلكوا مسالك أعدائي؛ فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي»(4).

وهذه الروايات كلّها ضعاف ما عدا الروايتين الأخيرتين، ولا يمكن

ص: 245


1- الكافي 6: 463، كتاب الزي والتجمّل والمروءة، باب 348، الحديث 1.
2- علل الشرائع 2: 346، باب 56، الحديث 1.
3- علل الشرائع 2: 346، باب 56، الحديث 2، والخصال 2: 670، حديث أربعمائة، الحديث 10، مع اختلاف يسير.
4- علل الشرائع 2: 348، باب 56، الحديث 6، ومن لا يحضره الفقيه 1: 252، الحديث 770.

إثبات كراهة لبس السواد بهما، فضلاً عن الحرمة؛ لكون النهي عن لبسه فيهما، والتعليل بأنّه لباس فرعون، أو بلباس الأعداء إرشاد إلى النهي عن اتّخاذه زيّاً وشعاراً كما اتّخذه فرعون وأعداء الله عزّ وجلّ من فراعنة هذه الأمّة من بني العبّاس.

وممّا يؤيّد ذلك: ما رواه الصّدوق في «الفقيه» مرسلاً، قال: روي أنّه هبط جبرئيل عليه السّلام على رسول اللّه صلّى الله عليه وآله في قباء أسود، ومنطقة فيها خنجر، فقال صلّى الله عليه وآله: «يا جبرئيل، ما هذا الزي؟» فقال: زيّ ولد عمّك العبّاس، فخرج النبيّ صلّى الله عليه وآله إلى العبّاس، فقال: «يا عمّ، ويلٌ لولدي من ولدك»، فقال: يا رسول الله، أفأجبُّ نفسي؟ قال: «جرى القلم بما فيه»(1).وما رواه الكليني بإسناده عن حذيفة بن منصور، قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السّلام بالحيرة، فأتاه رسول أبي جعفر الخليفة يدعوه، فدعا بممطر أحد وجهيه أسود، والآخر أبيض، فلبسه، ثمّ قال أبو عبد الله عليه السّلام: «أما إنّي ألبسه وأنا أعلم أنّه لباس أهل النار»(2).

فإنّ قوله عليه السّلام: «أما إنّي ألبسه وأنا أعلم أنّه لباس

ص: 246


1- من لا يحضره الفقيه 1: 252، الحديث769، وعلل الشرائع 2: 348، باب 56، الحديث 7، مع اختلاف يسير.
2- الكافي 6: 463، كتاب الزي والتجمّل والمروءة، باب 348، الحديث 2، وقد رواه الصّدوق في من لا يحضره الفقيه 1: 252، الحديث 771، وفيه: «رسول أبي العبّاس الخليفة» بدل «رسول أبي جعفر الخليفة»، وفي علل الشرائع 2: 347، باب 56، الحديث 4.

أهل النار» ظاهر في: أنّه عليه السّلام تلبّس بلباسهم؛ لغرض إرادة التعريض بفراعنة بني العبّاس الّذين اتّخذوا لبس السواد زيّاً وشعاراً لهم؛ اقتداء بفرعون، فيكون عنوان كراهتة عليه السّلام له من هذه الجهة، لا أنّ فيه حزازة ذاتيّة.

وقال المسعودي في «مروج الذهب»: ووصل إلى المأمون [أبو الحسن] عليّ بن موسى الرّضا، وهو بمدينة مرو، فأنزله المأمون أحسن إنزال، وأمر المأمون بجميع خواصّ الأولياء، وأخبرهم: أنّه نظر في ولد العبّاس وولد عليّ رضي الله عنهم، فلم يجد في وقته أحداً أفضل ولا أحقّ بالأمر من عليّ بن موسى الرّضا، فبايع له بولاية العهد، وضرب اسمه على الدنانير والدراهم، وزوّج محمّد بن عليّ بن موسى الرّضا بابنته أمّ الفضل، وأمر بإزالة السواد من اللباس والأعلام، [وأظهر - بدلاً من ذلك - الخضرة في اللباس والأعلام، وغير ذلك](1).

وعليه فيكون النهي عن لبسه بالعنوان الثانوي؛ لأجل أن لا يحصل التشبّه بأعداء اللّه تعالى ورسوله صلّى الله عليه وآله والأئمّة المعصومين عليهم السّلام، لا بالعنوان الأوّلي من حيث كونه لبساً للسواد، فتكون النتيجة: جواز، بل رجحان لبسه؛ لما مرّ من حديث لبس نساء الهاشميّات السواد في مأتم أبي عبد الله الحسين عليه السّلام بعد قتله بمرأى من الإمام عليّ بن الحسين عليهما السّلام.

وهنا وجه آخر للجمع ذكره المحدّث البحراني في «الحدائق»

ص: 247


1- مروج الذهب 4: 28.

بقوله: لا يبعد استثناء لبس السواد في مأتم الإمام الحسين عليه السّلام من هذه الأخبار؛ لما استفاضت به الأخبار من الأمر بإظهار شعائر الأحزان(1).

والّذي يستفاد من ظاهره: أنّ استثناءه للبس السواد في مأتم الإمام الحسين عليه السّلام إنّما هو لأجل العمومات والنصوص الدالّة على استحباب إظهار الحزن والتألّم على الإمام الحسين عليه السّلام، لا أنّه استثناء من الدليل الخاص.

لطم الخدود والصدور وشق ّالجيوب:

يدلّ على جواز ذلك بالخصوص عدّة روايات:

منها: ما رواه الشيخ في «التهذيب» ؛ حيث قال: وذكر أحمد بن محمّد ابن داود القمّي في «نوادره» قال: روى محمّد بن عيسى، عن أخيه جعفر بن عيسى، عن خالد بن سدير - أخي حنان بن سدير - قال: سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل شقّ ثوبه على أبيه، أو على أمّه، أو على أخيه، أو على قريب له ؟ فقال: «لا بأس بشقّ الجيوب؛ فقد شقّ موسى بن عمران على أخيه هارون... وقد شققن الجيوب ولطمن الخدود الفاطميّات على الحسين ابن عليّ عليهما السّلام، وعلى مثله تلطم الخدود، وتشقّ الجيوب»(2).

ص: 248


1- الحدائق الناضرة 7: 118.
2- تهذيب الأحكام 8: 293، الحديث 1207.

والظاهر: أنّه لا خصوصيّة للّطم على الخدود، فيتعدى منه إلى غيره من أصناف اللّطم، كاللّطم على الصدور والرؤوس.

وهذه الرواية وإن كانت مرسلة على الظاهر، إلاّ أنّها مجمع على العمل بها بين فقهائنا، حتّى ابن إدريس - الّذي لا يعمل بخبر الواحد - أخذ بها(1)،

وهذا يكشف عن أنّها كانت عنده من الأخبار القطعيّة الصدور.

ومنها: ما ورد في زيارة الناحية المقدّسة، عن الإمام المهديّ (عجّل اللَّه تعالى فرجه)، قال: «فلمّا رأين النساء جوادك مخزيّاً، ونظرن سرجَك عليه ملويّاً، برزن من الخدور، ناشرات الشعور على الخدود، لاطمات الوجوه، سافرات، وبالعويل داعيات»(2).ومنها: ما نقله الطبري في «تاريخه» بقوله: قال أبو مخنف: حدّثني الحارث بن كعب وأبو الضحّاك، عن عليّ بن الحسين، قال: «إنّي جالس في تلك العشيّة الّتي قتل أبي صبيحتها، وعمّتي زينب عندي تمرّضني، إذ اعتزل أبي بأصحابه في خباء له، وعنده حُوَيّ، مولى أبي ذر الغفاري وهو يعالج سيفه ويصلحه وأبى يقول:

ص: 249


1- أنظر: السرائر 3: 85، وجواهر الكلام 33: 184.
2- المزار الكبير: 504، وبحار الأنوار 98: 322.

يا دهر أفّ لك من خليل *** كم لك بالإشراق والأصيل

من صاحبٍ أو طالبٍ قتيل *** والدهر لا يقنع بالبديل

وإنّما الأمر إلى الجليل *** وكلّ حيّ سالك السبيل»

قال: «فأعادها مرّتين، أو ثلاثاً، حتّى فهمتها، فعرفت ما أراد، فخنقتني عبرتي، فرددت دمعي، ولزمت السكون، فعلمت: أنّ البلاء قد نزل، فأمّا عمّتي فإنّها سمعت ما سمعت، وهي امرأة، وفى النساء الرقّة والجزع، فلم تملك نفسها أن وثبت تجرّ ثوبها، وإنّها لحاسرة، حتّى انتهت إليه، فقالت: وا ثكلاه! ليت الموت أعدمني الحياة! اليوم ماتت فاطمة أمّي، وعليّ أبي، وحسن أخي، يا خليفة الماضي، وثِمال الباقي»، قال: «فنظر إليها الحسين عليه السّلام، فقال: يا أخيّة، لا يُذهبنّ حِلمَكِ الشيطان، قالت: بأبي أنت وأمّي يا أبا عبد الله، استقتلت، نفسي فداك، فردّ غصّته، وترقرقت عيناه، وقال: لو ترك القطا ليلاً لنام، قالت: يا ويلتي، أفتغصب نفسك اغتصاباً! فذلك أقرح لقلبي، وأشدّ على نفسي، ولطمت وجهها، وأهوت إلى جيبها وشقّته، وخرّت مغشيّاً عليها»(1).

ورواها الشيخ المفيد في «إرشاده»، والطبرسي في «إعلام الورى»(2).

وأمّا ما ورد في ذيلها من قول الإمام الحسين عليه السّلام للعقيلة

ص: 250


1- تاريخ الطبري 5: 420.
2- الإرشاد 2: 93، مع اختلاف يسير، وإعلام الورى 1: 457، مع اختلاف يسير.

زينب عليها السّلام: «يا أخيّة، إنّي أقسم عليك، فأبرّي قسمي: لا تشقّي عليّ جيباً، ولا تخمشي عليّ وجهاً، ولا تدعي عليّ بالويل والثبور، إذا أنا هلكت»، فهو لا يصلح لإثبات الحرمة، أو الكراهة؛ من جهة ضعف سنده، ولمخالفته لإجماع الطائفة، مضافاً إلى معارضته لنصوص مصرّحة بجواز ذلك في مأتم الامام الحسين عليه السّلام، وغيره من الأئمّة عليهم السّلام.

هذا، وقد يقال في توجيه دلالته - بحيث يتناسب مع الجواز - : إنّ قوله عليه السّلام ذلك من باب شفقته على أخته وأهله وعياله، أو من جهة الخوف من شماتة الأعداء، بقرينة قوله عليه السّلام: «مهلاً، لا تشمتي القوم بنا»(1).

وأمّا ما رواه الشهيد الثاني في «مسكن الفؤاد»: عن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ليس منّا من ضرب الخدود، وشقّ الجيوب»(2)، فهو كسابقه: من حيث ضعف السند بالإرسال، وأنّه محمول على منافاته للتسليم والرّضا بقضاء الله تعالى.

وقد نقل العامّة عن عائشة: أنّها لطمت وجهها عند وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله، فقد روى ابن حنبل وأبو يعلى في «مسنديهما»، والطبري في «تاريخه»، وابن الأثير في كتابه «الكامل في التاريخ» وغيرهم، عن عبّاد، قال: سمعت عائشة تقول: مات رسول الله صلّى

ص: 251


1- بحار الأنوار 44: 391.
2- مسكن الفؤاد: 99، ومستدرك الوسائل 2: 452، باب 71، من أبواب الدفن وما يناسبه، الحديث 12، ومسند أحمد 1: 638، الحديث 3650.

الله عليه وسلّم بين سحري ونحري وفي دولتي لم أظلم فيه أحداً، فمن سفهي وحداثة سنّي أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبض وهو في حجري، ثمّ وضعت رأسه على وسادة وقمت ألتدم مع النساء، وأضرب وجهي(1).

والالتدام: ضرب الوجه والصدر(2).

والرواية دالّة على أنّ عائشة التدمت وضربت وجهها، فلو كان محرّماً لما فعلته، سواء كان قولها: فمن سفهي وحداثة سنّي سبباً لوضع رسول الله صلّى الله عليه وآله على الوسادة، أو كان سبباً للالتدام وضرب الوجه، أو لكليهما.

المشي إلى الزيارة:

وهذا العمل من المؤمنين راجح شرعاً بأعلى مراتب الرجحان؛ للروايات الكثيرة المستفيضة الدالّة على ذلك:

ص: 252


1- مسند أحمد 7: 390، الحديث 25816، ومسند أبي يعلى 8: 63، الحديث 4586، وتاريخ الطبري 3: 199، والكامل في التاريخ 2: 322، والطبقات الكبرى 2: 262، والبداية والنهاية 4: 155.
2- مجمع البحرين 6: 161، مادّة «لدم»، وقال صاحب القاموس المحيط: اللدم: اللطم والضرب بشيء ثقيل... والمرأة ضربت صدرها في النياحة. القاموس المحيط 4: 247، مادّة «لدم». وقال ابن منظور في لسان العرب: اللَّدم: ضرب المرأة صدرها. لدمت المرأة وجهها: ضربته... والتدم النساء إذا ضربن وجوههن في المأتم... والتدام النساء: ضربهنّ صدورهنّ ووجوههنّ في النياحة. لسان العرب 4: 3560، مادّة «لدم».

منها: عن أبي سعيد القاضي، قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السّلام في غريفة له - وعنده مرازم - فسمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول: «من أتى قبر الحسين عليه السّلام ماشياً كتب الله له بكلّ قدم يرفعها ويضعها: عتق رقبة من ولد إسماعيل»(1).

ومنها: عن أبي الصامت، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السّلام وهو يقول: «من أتى قبر الحسين عليه السّلام ماشياً كتب الله له بكلّ خطوة ألف حسنة، ومحا عنه ألف سيّئة، ورفع له ألف درجة»(2).

ومنها: عن عبد الله بن مسكان، عن أبي عبد الله عليه السّلام، قال: «من زار الحسين عليه السّلام من شيعتنا لم يرجع حتّى يغفر له كلّ ذنب، ويكتب له بكلّ خطوة خطاها، وكلّ يد رفعتها دابّته، ألف حسنة، ومحي عنه ألف سيّئة، وترفع له ألف درجة»(3).

ومنها: عن بشير الدهّان، عن أبي عبد الله عليه السّلام، قال: «إنّ الرجل ليخرج إلى قبر الحسين عليه السّلام، فله إذا خرج من أهله بأوّل خطوة مغفرة ذنوبه، ثمّ لم يزل يقدّس بكلّ خطوة حتّى يأتيه، فإذا أتاه ناجاه الله تعالى، فقال:

ص: 253


1- كامل الزيارات: 257، باب 49، الحديث 9، ووسائل الشيعة 14: 441، باب 41 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 6 ، مع اختلاف يسير.
2- وسائل الشيعة 14: 440، باب 41 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 3.
3- كامل الزيارات: 256، باب 49، الحديث 8.

عبدي سلني أعطك، ادعني أجبك، اطلب منّي أعطك، سلني حاجة أقضها لك»، قال: وقال أبو عبد الله عليه السّلام: «وحقّ على الله أن يعطي ما بذل»(1).

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الدالّة على فضيلة المشي لزيارة الحسين عليه السّلام.

إطعام الطعام:

لا إشكال في استحباب إطعام الطعام بصورة عّامة، وأنّه من السنن والخصال الحميدة المندوبة والمدعو إليها، ووردت فيه الآيات والأخبار.

أمّا الآيات:

فمنها: قوله تعالى: [وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ] (2).

ومنها: قوله تعالى: [مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ الله كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ] (3).

ولا شكّ في: أنّ من ينفق أمواله في إطعام الطعام بقصد إحياء أمر الأئمّة - قربة إلى الله تعالى - يكون قد أنفقها في سبيل اللّه تعالى.

ص: 254


1- كامل الزيارات: 253، باب 49، الحديث 2.
2- سورة الإنسان، الآية: 8.
3- سورة البقرة، الآية: 261.

وأمّا الروايات: فهي على نوعين: عامّة لموارد الإطعام، وخاصّة في الإطعام في المآتم.

أمّا الروايات العامّة:

فمنها: ما رواه محمّد بن جعفر، عن أبيه، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصّادق عليهما السّلام، قال: «من أشبع جوعة مؤمن وضع الله له مائدة في الجنّة، يصدر عنها الثقلان جميعاً»(1).

ومنها: عن فضيل بن يسار، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «شبع أربعة من المسلمين يعدل محرّرة من ولد إسماعيل عليه السّلام» (2).

ومنها: عن أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام، قال: «لأن أطعم رجلاً من المسلمين أحبّ إليّ من أن أطعم أفقاً من الناس»، قلت: وما الأفق؟ قال: «مائة ألف، أو يزيدون»(3).

ومن طرق العامّة، فقد روى البخاري ومسلم في «صحيحيهما» وغيرهما مسنداً: عن عائشة، أنّها قالت: ما غرت على أحد من نساء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ما غرت على خديجة، وما رأيتها، ولكن

ص: 255


1- ثواب الأعمال: 167، ووسائل الشيعة 24: 323، باب 43 من أبواب آداب المائدة، الحديث 1، ولكن فيه «محمّد بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد عليه السّلام».
2- ثواب الأعمال: 167، ووسائل الشيعة 24: 324، باب 43 من أبواب آداب المائدة، الحديث 4، وفيه «من أشبع أربعة من المؤمنين».
3- الكافي 2: 205، كتاب الإيمان والكفر، باب 272، الحديث 2.

كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يكثر ذكرها، وربّما ذبح الشاة ثمّ يقطّعها أعضاء، ثمّ يبعثها في صدائق خديجة، فربّما قلت له: كأنّه لم يكن في الدنيا إلاّ خديجة! فيقول: إنّها كانت وكانت، وكان لي منها ولد(1).

وقالت أيضاً: ما غرت على امرأةٍ للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم ما غرت على خديجة، هلكت قبل أن يتزوّجني؛ لما كنت أسمعه يذكرها، وأمره الله أن يبشّرها ببيت من قصب، وإن كان ليذبح الشاة فيهدي في خلائلها منها ما يسعهنّ(2).

وأمّا الروايات الخاصّة:

فمنها: صحيحة هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السّلام، قال: «لمّا قتل جعفر بن أبي طالب أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله فاطمة عليها السّلام أن تتّخذ طعاماً لأسماء بنت عميس ثلاثة أيّام، وتأتيها، وتسلّيها ثلاثة أيّام، فجرت بذلك السنّة أن يصنع لأهل المصيبة ثلاثة أيّام طعام »(3).

ص: 256


1- صحيح البخاري 4: 279، الحديث 3818، وصحيح مسلم 4: 1888، الحديث 75، وسنن ابن ماجه 1: 643، الحديث 1997 مع اختلاف في المتن، والبداية والنهاية 2: 365، وانظر: المعجم الكبير 23: 11، ومناقب خديجة رضي الله عنها، الحديث 15.
2- صحيح البخاري 4: 278، الحديث 3816، وصحيح مسلم 4: 1888، الحديث 74 ، مع اختلاف يسير، ومسند أحمد 7: 87، الحديث 23789 ، مع اختلاف يسير.
3- المحاسن 2: 193، كتاب المآكل، باب الأحكام في المأتم، الحديث 196، والكافي 3: 209، كتاب الجنائز، باب ما يجب على الجيران لأهل المصيبة واتّخاذ المأتم، الحديث 1، مع اختلاف يسير.

وأمّا ما ورد بخصوص الإطعام في مأتم الإمام الحسين عليه السّلام:

فمثل معتبرة عمر بن عليّ بن الحسين عليه السّلام، قال: لمّا قتل الحسين بن عليّ عليهما السّلام لبسن نساء بني هاشم السواد والمسوح، وكنّ لا يشتكين من حرّ ولا برد، وكان عليّ بن الحسين عليهما السّلام يعمل لهنّ الطعام للمأتم(1).

فيتبيّن من هذا: أنّ إطعام الطعام في مأتم أبي عبد الله الحسين والأئمّة عليهم السّلام أمر مرغوب فيه، قد ندب إليه الشرع الحنيف، وأنّه من الطاعات والباقيات الصالحات.

سقي الماء:

قد وردت روايات كثيرة من الخاصّة والعامّة تدلّ على فضله:

أمّا روايات الخاصّة، فهي على طائفتين:

الطائفة الأولى: وهي الّتي دلّت بإطلاقها على فضل سقي الماء:

منها: ما رواه معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «من سقى الماء في موضع يوجد فيه الماء كان كمن أعتق رقبة، ومن سقى الماء في موضع لا يوجد فيه الماء كان كمن أحيا نفساً، ومن أحيا نفساً فكأنّما أحيا الناس

ص: 257


1- المحاسن 2: 195، كتاب المآكل، باب الإطعام في المأتم، الحديث 200، ووسائل الشيعة 3: 238، باب 67 من أبواب الدفن، الحديث 10.

جميعاً»(1).

ومنها: ما رواه أبو حمزة الثمالي، عن عليّ بن الحسين عليه السّلام، قال: «من أطعم مؤمناً من جوع أطعمه الله من ثمار الجنّة، ومن سقى مؤمناً من ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم»(2).

الطائفة الثانية: وهي الروايات الواردة بخصوص فضل سقي الماء يوم عاشوراء عند قبر الحسين عليه السّلام:

منها: ما ورد عن محمّد بن أبي سيّار المدائني بإسناده، قال: من سقى يوم عاشوراء عند قبر الحسين عليه السّلام كان كمن سقى عسكر الحسين عليه السّلام وشهد معه(3).

وأمّا روايات العامّة، فهي كثيرة:

منها: ما ورد عن سعد بن عبادة: أنّ أمّه ماتت، فقال: يا رسول الله، إنّ أمّي ماتت، فأتصدّق عنها؟ قال: «نعم»، قال: فأيّ الصدقة أفضل؟ قال: «سقي الماء»، قال: فتلك سقاية آل سعد بالمدينة(4).

ومنها: ما ورد عنه أيضاً أنّه قال: قلت: فأيّ الصدقة أفضل؟ قال:

ص: 258


1- الكافي 4: 58، كتاب الزكاة، باب 41، الحديث 3، ومن لا يحضره الفقيه 2: 64، الحديث 1724، ووسائل الشيعة 9: 473، باب 49 من أبواب الصدقة، الحديث 3.
2- الكافي 2: 206، كتاب الإيمان والكفر، باب 86، الحديث 5، وثواب الأعمال: 166، الحديث 2.
3- كامل الزيارات: 324، باب 71، الحديث 6.
4- مسند أحمد 6: 385، الحديث 21953، وسنن النسائي 6: 255.

«سقي الماء»(1).

ومنها: ما رواه القرطبي في «تفسيره» أنّه قد سئل ابن عبّاس: أيّ الصدقة أفضل؟ فقال: الماء، ألم تروا إلى أهل النار حين استغاثوا بأهل الجنّة: [أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ] ؟(2)(3).

ومنها: ما رواه القرطبي أيضاً: أنّ سعداً أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: أيّ الصدقة أعجب إليك؟ قال: الماء. وفي رواية: فحفر بئراً، فقال: هذه لأمّ سعد. وعن أنس، قال: قال سعد: يا رسول الله، إنّ أمّ سعد كانت تحبّ الصدقة، أفينفعها أن أتصدّق عنها؟ قال: نعم، وعليك بالماء. وفي رواية: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر سعد بن عبادة أن يسقي عنها الماء. فدلّ على: أنّ سقي الماء من أعظم القربات عند الله تعالى. وقد قال بعض التابعين: من كثرت ذنوبه فعليه بسقي الماء. وقد غفر الله ذنوب الّذي سقى الكلب، فكيف بمن سقى رجلاً مؤمناً موحّداً وأحياه!(4).

الصرخة:

الصرخة هي: صيحة شديدة عند فزعة، أو مصيبة. كما نصّ على

ص: 259


1- سنن النسائي 6: 254، وروى نحوه أحمد في مسنده 6: 384، الحديث 21952.
2- سورة الأعراف، الآية: 50.
3- تفسير القرطبي 7: 215، تفسير سورة الأعراف، الآية: 50.
4- تفسير القرطبي 7: 215، تفسير سورة الأعراف، الآية: 50.

ذلك أرباب اللغة(1).

وهي من الأمور الراجحة الّتي ندب الشرع إليها في مصائب أهل البيت عليهم السّلام مطلقاً، سواء من الرجال أو النساء، في المجالس الخاصّة أو العامّة.

ويدلّ على استحبابها ومشروعيّتها ما ورد في صحيحة معاوية بن وهب، قال: استأذنت على أبي عبد الله عليه السّلام، فقيل لي: أدخل، فدخلت، فوجدته في مصلاّه في بيته، فجلست حتّى قضى صلاته، فسمعته يناجي ربّه، ويقول: «... وارحم الصّرخة الّتي كانت لنا»(2).

وما ورد من دخول الشعراء على أهل البيت عليهم السّلام وإنشائهم وإنشادهم الرثاء والشعر في الحسين عليه السّلام، وبكائهم وبكاء النساء وارتفاع أصواتهنّ وصياحهنّ من وراء الستر، بحيث كان يسمعهنّ من في المجلس.

ففي صحيحة عبد الله بن غالب، قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السّلام، فأنشدته مرثيّة الحسين عليه السّلام، فلمّا انتهيت إلى هذا الموضع:

لبلية تسقو حسيناً *** بمسقاة الثرى غير التراب

ص: 260


1- أنظر: كتاب العين: 515، مادّة «صرخ»، ولسان العرب 2: 2174، مادّة «صرخ»، وتاج العروس 4: 287، مادّة «صرخ».
2- الكافي 4: 579، كتاب الحجّ، باب فضل زيارة أبي عبد الله الحسين عليه السّلام، الحديث 11.

فصاحت باكية من وراء الستر: وا أبتاه(1).

وفي معتبرة أبي هارون المكفوف، قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السّلام، فقال لي: «أنشدني»، فأنشدته، فقال: «لا، كما تنشدون، وكما ترثيه عند قبره»، قال: فأنشدته:

امرر على جدث الحسين *** فقل لأعظمه الزكيّه

قال: فلمّا بكى أمسكت أنا، فقال: «مر»، فمررت، قال: ثمّ قال: «زدني، زدني»، قال: فأنشدته:

يا مريم قومي فاندبي مولاك *** وعلى الحسين فاسعدي ببكاك

قال: فبكى، وتهايج النساء، قال: فلمّا أن سكتن، قال لي: «يا أبا هارون، من أنشد في الحسين عليه السّلام فأبكى عشرة فله الجنّة»، ثمّ جعل ينقص واحداً واحداً حتّى بلغ الواحد، فقال: «من أنشد في الحسين فأبكى واحداً فله الجنّة»، ثمّ قال: «من ذكره فبكى فله الجنّة»(2).

وما ورد في دعاء الندبة: «ولمثلهم فلْتدرّ الدموع، وليصرخ الصارخون، ويضجّ الضاجّون، ويعجّ العاجّون» (3).

ص: 261


1- كامل الزيارات: 209، باب 33، الحديث 3.
2- كامل الزيارات: 210، باب 33، الحديث 5.
3- المزار الكبير: 578، وإقبال الأعمال: 606، وفيه: «فلتذرف الدموع».

البكاء:

ينبغي لكلّ مسلم أن يتأسّى برسول الله صلّى الله عليه وآله؛ لقوله جلّ وعلا: [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ](1)، ومن مفردات التأسّي: هو البكاء على الفقيد؛ لأنّه صلّى الله عليه وآله قد تكرّر منه ذلك مراراً في مناسبات عديدة، ومواقف شتّى، فقد بكى على ولده إبراهيم(2)، وعلى عمّه حمزة سيّد الشهداء(3)،

وعلى فاطمة بنت أسد(4) أمّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، وعلى أُمّه آمنة بنت وهب(5)، وعلى ابن عمّه جعفر ابن أبي طالب(6)، وعلى زيد بن حارثة(7)، وعلى سعد حال

ص: 262


1- سورة الأحزاب: الآية: 21.
2- أنظر: وسائل الشيعة 3: 281، باب 87 من أبواب الدفن، الحديث 8، وصحيح البخاري 2: 105، الحديث 1303، وصحيح مسلم 4: 1807، الحديث 2315، وسنن أبي داود 3: 193، الحديث 3126، وسنن ابن ماجه 1: 506، الحديث 1589.
3- أنظر: كمال الدين وتمام النعمة 1: 73، مقدّمة المصنّف.
4- أنظر: بصائر الدرجات 6: 374، باب 7، الحديث 9، والكافي 1: 525، كتاب الحجّة، باب مولد أمير المؤمنين صلوات الله عليه، الحديث 2، وأمالي الصّدوق: 390، المجلس 51، الحديث 14.
5- أنظر: ذخائر العقبى2: 613، وصحيح مسلم 2: 671، الحديث 976 / 108، وسنن أبي داود 3: 218، الحديث 3234، وسنن ابن ماجه 1: 501، الحديث 1572، والمصنّف 3: 223، كتاب الجنائز، من رخّص في زيارة القبور، الحديث 4 و 5.
6- وسائل الشيعة 3: 280، باب 87 من أبواب الدفن، الحديث 6، وصحيح البخاري 2: 90، الحديث 1246، وأسد الغابة 1: 343.
7- أنظر: من لا يحضره الفقيه 1: 177، الحديث 527، ووسائل الشيعة 3: 280، باب 87 من أبواب الدفن، الحديث 6، وتفسير القرطبي 14: 119، تفسير سورة الأحزاب، الآية: 4، وأسد الغابة 2: 284.

مرضه(1)،وغيرهم.

كما أنّه صلّى الله عليه وآله قد بكى على ما يجري على أهل بيته من المصائب من بعد فقده، من قتل وتشريد(2)، وهكذا أئمّة الهدى عليهم السّلام، فقد استمرّت سيرتهم على هذا، فكانوا عليهم السّلام على حالة واحدة في إقامة العزاء والنوح على سيّد الشهداء عليه السّلام، وخصوصاً إذا هلّ عليهم شهر محرّم الحرام، فإنّه يستولي عليهم الحزن والكآبة، فإذا حلّ اليوم العاشر من محرّم الحرام كان ذلك يوم جزعهم وبكائهم.

فعن إبراهيم بن أبي محمود، قال: قال الرّضا عليه السّلام: «إنّ المحرَّم شهر كان أهل الجاهليّة يحرِّمون فيه القتال، فاستُحلّت فيه دماؤنا، وهتكت فيه حرمتنا، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا، وأضرمت النيران في مضاربنا، وانتهب ما فيها من ثقلنا، ولم ترع لرسول الله صلّى الله عليه وآله حرمة في أمرنا. إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذلَّ عزيزنا بأرض كرب وبلاء، أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء. فعلى مثل الحسين فليبك الباكون؛ فإنّ البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام»، ثمّ قال عليه السّلام: «كان أبي صلوات الله عليه

ص: 263


1- صحيح البخاري 2: 105، الحديث 1304.
2- أمالي الصّدوق: 174، المجلس 24، الحديث 2، والمصدر نفسه: 191، المجلس 27، الحديث 3، وأمالي الطوسي: 104، المجلس 4، الحديث15.

إذا دخل شهر المحرَّم لا يرى ضاحكاً، وكانت الكآبة تغلب عليه حتّى يمضي منه عشرة أيّام، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه، ويقول: هو اليوم الّذي قتل فيه الحسين صلوات الله عليه»(1).

وفي زيارة الناحية، يقول الحجّة (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف): «فلئن أخَّرتني الدهور، وعاقني عن نصرك المقدور، ولم أكن لمن حاربك محارباً، ولمن نصب لك العداوة مناصباً، فلأندبنّك صباحاً ومساء، ولأبكينَّ عليك بدل الدموع دماً؛ حسرةً عليك، وتأسُّفاً على ما دهاك، وتلهّفاً، حتّى أموت بلوعة المصاب، وغصّة الاكتياب...»(2).

والأخبار الواردة عنهم عليهم السّلام - في مشروعيّة البكاء على الأئمّة، وسيّد الشهداء بالخصوص - كثيرة، قد جاوزت حدّ التواتر.

ص: 264


1- أمالي الصّدوق: 190، المجلس 27، الحديث 2، وروضة الواعظين: 169، مع اختلاف يسير.
2- المزار الكبير: 496.

بكاء النبي وأهل بيته الأطهار صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين على الحسين عليه السّلام

بكاء رسول الله صلّى الله عليه وآله:

قد استفاض عن النبيّ صلّى الله عليه وآله - في أحاديث الخاصّة والعامّة - : أنّه أخبر عن ظلامة ومقتل سبطه الإمام الحسين عليه السّلام، وذَكَر مصائبه، وأكثر من البكاء عليه، حتّى أنّه أبكى من حوله، وارتفعت أصواتهم بالضجيج، ثمّ قام وهو يقول: «اللّهمّ إنّي أشكو إليك ما يلقى أهل بيتي بعدي»(1).

وقد تكرّر ذلك منه صلّى الله عليه وآله في مناسبات عديدة: في يوم ولادته، وقبلها، ويوم السابع من مولده، وبعده، في بيت فاطمة عليها السّلام، وفي حجرته، وعلى منبره، وفي بعض أسفاره(2).

فمن طريق الخاصّة: ما رواه جابر في صحيحه عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام: زارنا رسول الله

ص: 265


1- الفضائل: 8 - 11، وانظر: أمالي الصّدوق: 174، المجلس 24، الحديث 2، وإثبات الهداة 1: 281، الحديث 152 و153، وبحار الأنوار 28: 37، وفرائد السمطين 2: 24، باب 7، الحديث 366، وذخائر العقبى 2: 163، ومسند أحمد 1: 137، الحديث 649، والمصنّف 8: 632، الحديث 258 و 259، والمعجم الكبير 3: 105، الحديث 2811، ومجمع الزوائد 9: 187، وكنز العمّال 12: 127، الحديث 34321.
2- أنظر: كامل الزيارات: 121 - 133، باب 16 و 17، وأمالي الطوسي: 316، المجلس 11، الحديث 89، والمصدر نفسه: 367، المجلس 13، الحديث 32، وشرح الأخبار 3: 134، الحديث 1074، وبحار الأنوار 44: 225، 230، 239، 251.

صلّى الله عليه وآله وقد أهدت لنا أم أيمن لبناً وزبداً وتمراً، فقدّمنا منه، فأكل، ثمّ قام إلى زاوية البيت، فصلّى ركعات، فلمّا كان في آخر سجوده بكى بكاء شديداً، فلم يسأله أحد منّا؛ إجلالاً وإعظاماً له، فقام الحسين عليه السّلام وقعد في حجره، فقال: يا أبه، لقد دخلت بيتنا، فما سررنا بشيء كسرورنا بدخولك، ثمّ بكيت بكاء غمّنا، فما أبكاك؟ فقال: يا بني، أتاني جبرئيل عليه السّلام آنفاً فأخبرني: أنّكم قتلى، وأنّ مصارعكم شتّى، فقال: يا أبه، فما لمن يزور قبورنا على تشتّتها؟ فقال: يابني، أولئكطوائف من أمّتي، يزورونكم فيلتمسون بذلك البركة، وحقيق عليّ أن آتيهم يوم القيامة حتّى أخلّصهم من أهوال الساعة، ومن ذنوبهم، ويسكنهم الله الجنّة»(1).

وما رواه عبد الله بن بكير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السّلام، قال: «دخلت فاطمة عليها السّلام على رسول الله صلّى الله عليه وآله، وعيناه تدمع، فسألته: ما لك؟ فقال: إنّ جبرئيل عليه السّلام أخبرني: أنّ أمّتي تقتل حسيناً، فجزعت، وشقّ عليها، فأخبرها بمن يملك من ولدها، فطابت نفسها وسكنت»(2).

وما رواه المعلّى بن خنيس، قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وآله

ص: 266


1- كامل الزيارات: 125، باب 16، الحديث 9.
2- كامل الزيارات: 125، باب 16، الحديث 8.

أصبح صباحاً فرأته فاطمة باكياً حزيناً، فقالت: «ما لك يا رسول الله؟» فأبى أن يخبرها، فقالت: «لا آكل، ولا أشرب، حتّى تخبرني»، فقال: «إنّ جبرئيل عليه السّلام أتاني بالتربة الّتي يقتل عليها غلام لم يحمل به بعد»، ولم تكن تحمل بالحسين عليه السّلام، «وهذه تربته»(1).

وأمّا روايات العامّة:

1 - ما رواه الحاكم النيسابوري في «المستدرك»، بسندٍ وصفه بالصحيح على شرط الشيخين، عن أمّ الفضل بنت الحارث: أنّها دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وآله فقالت: يا رسول الله، إنّي رأيت حلماً منكراً الليلة، قال: «وما هو ؟» قالت: إنّه شديد، قال: «وما هو ؟» قالت: رأيت كأنّ قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: «رأيتِ خيراً، تلد فاطمة إن شاء الله غلاماً فيكون في حجرك»، فولدت فاطمة الحسين، فكان في حجري، كما قال رسول الله صلّى الله عليه وآله، فدخلت يوماً إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله فوضعته في حجره، ثمّ حانت منّي التفاتة، فإذا عينا رسول الله صلّى الله عليه وآله تهريقان من الدموع، قالت: فقلت: يا نبيّ الله، بأبي أنت وأمّي، مالك؟ قال: «أتاني جبريل عليه الصّلاة والسّلام فأخبرني: أنّ أمّتي ستقتل ابني هذا»، فقلت: هذا ؟! فقال: «نعم، وأتاني بتربة من تربته حمراء»(2).

ص: 267


1- كامل الزيارات: 132، باب 17، الحديث 9.
2- المستدرك على الصحيحين 3: 176، ورواه في الإرشاد 2: 129، ودلائل الإمامة: 73، ، مع اختلاف يسير، وتاريخ دمشق 14: 196، ، مع اختلاف يسير، وروى قريب منه الطبراني في المعجم الكبير 25: 26 و 27، الحديث 41 و 42.

2 - ما رواه الطبراني في «المعجم الكبير»، بسنده عن أمّ سلمة، قالت: كان الحسن والحسين رضي الله عنهما يلعبان بين يدي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في بيتي، فنزل جبريل عليه السّلام، فقال: يا محمّد، إنّ أمّتك تقتل ابنك هذا من بعدك، فأومأ بيده إلى الحسين، فبكى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وضمّه إلى صدره، ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وديعة عندك هذه التربة»، فشمّها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقال: «ويح كرب وبلاء». قالت: وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أمّ سلمة، إذا تحوّلت هذه التربة دماً فاعلمي أنّ ابني قد قتل»، قال: فجعلتها أمّ سلمة في قارورة، ثمّ جعلت تنظر إليها كلّ يوم، وتقول: إنّ يوماً تحوّلين دماً ليوم عظيم(1).

3 - ما ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد»: عن أمّ سلمة، قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالساً ذات يوم في بيتي، قال: «لا يدخل عليّ أحد»، فانتظرت، فدخل الحسين، فسمعت نشيج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يبكي، فاطّلعت فإذا حسين في حجره، والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم يمسح جبينه وهو يبكي، فقلت: والله ما علمت حين دخل، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ جبريل عليه السّلام كان معنا في البيت، قال: أفتحبّه؟ قلت: أمّا

ص: 268


1- المعجم الكبير 3: 108، الحديث 2817، ومجمع الزوائد 9: 189، وتهذيب التهذيب 2: 300/615.

في الدنيا فنعم، قال: إنّ أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء»، فتناول جبريل من تربتها فأراها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا أحيط بحسين حين قتل، قال: «ما اسم هذه الأرض ؟» قالوا: كربلاء، فقال: «صدق الله ورسوله، كرب وبلاء». وفي رواية: «صدق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أرض كرب وبلاء».

وقال الهيثمي: رواه الطبراني بأسانيد، ورجال، أحدها ثقات(1).

إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة - الّتي يقف عليها المتتبّع في كتبهم - الدالّة على: أنّه صلّى الله عليه وآله قد بكى على ولده وسبطه الإمام الحسين بن علي عليه السّلام، بمحضر الأصحاب، أو والديه: أمير المؤمنين عليّ بن ابي طالب، وفاطمة الزهراء، صلوات الله عليهم أجمعين، أو بدون محضرهم.

ويجدر هنا بمن يدّعون أنّهم يتبعون نبيّهم محمّداً صلّى الله عليه وآله: في أقواله، وأعماله، ويهتدون بهديه، ويسيرون بإرشاده، أن يظهروا شعائر الحزن والبكاء على فلذة كبده صلّى الله عليه وآله، وقرّة عينه؛ تأسّياً به صلّى الله عليه وآله.

ص: 269


1- مجمع الزوائد 9: 188، ورواه في المعجم الكبير 3: 108، الحديث 2819، وتاريخ دمشق 14: 194، مع اختلاف يسير، وقد روى أحاديث كثيرة في هذا المضمون، فراجع: المصدر نفسه: 188 - 194.

بكاء الإمام عليّ عليه السّلام:

روى الصّدوق في «الأمالي» بسنده، عن ابن عبّاس، قال: كنت مع أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام في خروجه إلى صفّين، فلمّا نزلَ بنينوى - وهي شطّ الفرات - قال بأعلى صوته: «يابن عبّاس، أتعرف هذا الموضع ؟» فقلتُ له: ما أعرفهُ يا أمير المؤمنين، فقال عليّ عليه السّلام: «لو عَرفته كمعرفتي لم تكن تَجوزه حتّى تبكي كبكائي»، قال: فبكى طويلاً حتّى اخضلّت لحيته، وسالَت الدموع على صدره، وبكينا معاً، وهو يقول: «أوه أوه، مالي ولآل أبي سفيان، ولآل حرب، حزب الشيطان، وأولياء الكفر، صَبراً يا أبا عبد الله، فقد لقي أبوك مثل الّذي تلقى منهم»(1).

وعن عبد الله بن ميمون القدَّاح، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه عليهما السّلام، قال: مرَّ عليّ بكربلاء، في اثنين من أصحابه، قال: فلمَّا مرَّ بها ترقرقت عيناه للبكاء، ثمّ قال: «هذا مناخ ركابهم، وهذا ملقى رحالهم، وههنا تهراق دماؤهم. طوبى لك من تربة، عليك تهراق دماء الأحبّة»(2).

وروى ابن قولويه في «كامل الزيارات» بسنده، عن أبي يحيى الحذّاء، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله جعفر الصّادق عليه السّلام، أنّه قال: «نظرَ أمير المؤمنين عليه السّلام إلى الحسين،

ص: 270


1- أمالي الصّدوق: 694، المجلس 87، الحديث 5، ونحوه في كمال الدين 2: 532، باب 48، الحديث 1، والخرائج والجرائح 3: 1144، الحديث 56.
2- قرب الإسناد: 26، الحديث 87.

فقال: يا عبرة كلّ مؤمن، فقال: أنا يا أبتاه؟ فقال: نعم، يا بني»(1).

وقال العلاّمة المجلسي: روي في بعض الكتب المعتبرة، عن لوط بن يحيى، عن عبد الله بن قيس، قال: كنت مع من غزا مع أمير المؤمنين عليه السّلام في صفّين، وقد أخذ أبو أيّوب الأعور السلمي الماء وحرزه عن الناس، فشكا المسلمون العطش، فأرسل فوارس على كشفه، فانحرفوا خائبين، فضاق صدره، فقاله له ولده الحسين عليه السّلام: «أمضي إليه يا أبتاه؟ فقال: امض يا ولدي»، فمضى مع فوارس، فهزم أبا أيّوب عن الماء، وبنى خيمته، وحطَّ فوارسه، وأتى إلى أبيه وأخبره، فبكى عليّ عليه السّلام، فقيل له: ما يبكيك يا أمير المؤمنين، وهذا أوّل فتح ببركة الحسين عليه السّلام؟ فقال: «ذكرت أنّه سيقتل عطشاناً بطفِّ كربلا، حتّى ينفر فرسه، ويحمحم، ويقول: الظليمة الظليمة لأمّة قتلت ابن بنت نبيِّها»(2).

وروى سبط ابن الجوزي الحَنفي في «تذكرة الخواص»، حيث قال: وقد روى الحسن بن كثير وعبد خير، قالا: لمّا وصلَ عليّ عليه السّلام إلى كربلاء وقفَ وبكى، وقال: «بأبي أغيلمة يُقتلون ها هنا، هذا مناخ ركابهم، هذا موضع رحالهم، هذا مصرعُ الرجل»، ثمّ ازدادَ بكاؤه(3).

ص: 271


1- كامل الزيارات: 214، باب 36، الحديث 1.
2- بحار الأنوار 44: 266، باب 31، الحديث 23.
3- تذكرة الخواص 2: 159، الباب التاسع، وانظر: الصواعق المحرقة: 193، الباب الحادي عشر، الفصل الثالث، الحديث 30.

وروى القندوزي الحنفيّ، عن ابن سعد، عن الشعبي، قال: مرّ عليّ كرّم الله وجهه بكربلاء عند مسيره إلى صفّين، فبكى حتّى بلّ الأرض من دموعه، فقال: «دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وهو يبكي، فقلت: يا رسولَ الله، بأبي وأمّي، ما يبكيك؟ قال: كان عندي جبرائيل آنفاً، وأخبرني: بأنّ ولدي الحسين يقتل بشاطىء الفرات، بموضع يقال لها: كربلا، ثمّ قبض جبرائيل قبضة من ترابه وشممني إياها، فلم أملك عيني أن فاضتا»(1).

بكاء الصدِّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء (سلام اللّه عليها ):

عن أبي بصير، قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السّلام أحدّثه، فدخل عليه ابنه، فقال له: «مرحباً، وضمّه، وقبّله، وقال: حقّر الله من حقّركم، وانتقم ممّن وتركم، وخذل الله من خذلكم، ولعن الله من قتلكم، وكان الله لكم وليّاً وحافظاً وناصراً، فقد طال بكاء النساء، وبكاء الأنبياء، والصدّيقين، والشهداء، وملائكة السماء»، ثمّ بكى وقال: «يا أبا بصير، إذا نظرت إلى ولد الحسين أتاني ما لا أملكه بما أتى إلى أبيهم وإليهم. يا أبا بصير، إنّ فاطمة عليها السّلام لتبكيه وتشهق، فتزفر جهنّم زفرة لولا أنّ الخزنة يسمعون بكاءها، وقد استعدّوا

ص: 272


1- ينابيع المودّة 2: 144، الباب الستّون.

لذلك؛ مخافة أن يخرج منها عنق، أو يشرد دخانها، فيحرق أهل الأرض، فيكبحونها ما دامت باكية، ويزجرونها، ويوثقون من أبوابها؛ مخافة على أهل الأرض، فلا تسكن حتّى يسكن صوت فاطمة، وإنّ البحار تكاد أن تنفتق، فيدخل بعضها على بعض، وما منها قطرة إلاّ بها ملك موكّل، فإذا سمع الملك صوتها أطفأ نأرها بأجنحته، وحبس بعضها على بعض؛ مخافة على الدنيا وما فيها، ومن على الأرض، فلا تزال الملائكة مشفقين يبكونه لبكائها، ويدعون الله ويتضرّعون إليه، ويتضرّع أهل العرش ومن حوله، وترتفع أصوات من الملائكة بالتقديس لله؛ مخافة على أهل الأرض، ولو أنّ صوتاً من أصواتهم يصل إلى الأرض لصعق أهل الأرض، وتقطّعت الجبال، وزلزلت الأرض بأهلها»، قلت: جعلت فداك، إنّ هذا الأمر عظيم، قال: «غيره أعظم منه ما لم تسمعه»، ثمّ قال لي: «يا أبا بصير، أما تحبّ أن تكون فيمن يسعد فاطمة عليهاالسّلام ؟»، فبكيت حين قالها، فما قدرت على المنطق، وما قدرت على كلامي من البكاء، ثمّ قام إلى المصلّى يدعو، فخرجت من عنده على تلك الحال، فما انتفعت بطعام، وما جاءني النوم، وأصبحت صائماً وجلاً حتّى أتيته، فلمّا رأيته قد سكن سكنت، وحمدت الله حيث لم تنزل بي عقوبة(1).

وفي «تفسير فرات بن إبراهيم»، عن أبي عبدالله عليه السّلام، قال:

ص: 273


1- كامل الزيارات: 169، باب 26، الحديث 9.

«كان الحسين [عليه السّلام] مع أمّه تحمله، فأخذه النبيّ صلّى الله عليه وآله، وقال: لعن الله قاتلك، ولعن الله سالبك، وأهلك الله المتوازرين عليك، وحكم الله بيني وبين من أعان عليك. قالت فاطمة [الزهراء عليها السّلام]: يا أبة، أيَِّ شيء تقول؟ قال: يا بنتاه، ذكرت ما يصيب بعدي وبعدك من الأذى والظلم والبغي [والغدر]، وهو يومئذ في عصبة كأنّهم نجوم السماء، يتهادون إلى القتل، وكأنّي أنظر إلى معسكرهم، وإلى موضع رحالهم وتربتهم. قالت: يا أبة، وأنّى هذا الموضع الّذي تصف؟ قال: موضع يقال له: كربلاء، وهي دار كرب وبلاء، علينا وعلى الأمّة، يخرج [عليهم] شرار أمّتي، وأنّ أحدهم لو يشفع له من في السماوات والأرضين ما شفِّعوا فيه، وهم المخلَّدون في النار.

قالت: يا أبه، فيقتل؟ قال: نعم، يا بنتاه، وما قُتل قَتلتَه أحدٌ كان قبله، وتبكيه السماوات والأرضون، والملائكة [والوحوش]، والنباتات، والبحار، والجبال، ولو يؤذن لها [ما بقي] على الأرض متنفِّس، ويأتيه قوم من محبّينا ليس في الأرض أعلم بالله ولا أقوم بحقّنا منهم، وليس على ظهر الأرض أحد يلتفت إليه غيرهم، أولئك مصابيح في ظلمات الجور، وهم الشفعاء، وهم واردون حوضي غداً، أعرفهم إذا [أ] وردوا عليَّ بسيماهم، وكلّ أهل دين [يطلبون أئمّتهم وهم] يطلبوننا لا يطلبون غيرنا، وهم قوام الأرض، وبهم ينزل الغيث.

ص: 274

فقالت فاطمة عليها السّلام: يا أبة، إنّا لله، وبكت، فقال لها: يا بنتاه، إنّ أهل الجنان هم الشهداء في الدنيا، بذلوا أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنّة، يقاتلون في سبيل الله، فيقتلون ويقتلون، وعداً عليه حقّاً(1)، فما عند الله خير من الدنيا وما فيها، قتلة أهون من ميتته، ومن كتب عليه القتل خرج إلى مضجعه، ومن لم يقتل فسوف يموت.

يا فاطمة بنت محمّد، أما تحبّين أن تأمرين غداً [بأمر] فتطاعين في هذا الخلق عند الحساب؟ أما ترضين أن يكون ابنك من حملة العرش؟ أما ترضين أبوك يأتونه يسألونه الشفاعة؟ أما ترضين أن يكون بعلك يذود الخلق يوم العطش عن الحوض، فيسقي منه أولياءه، ويذود عنه أعداءه؟ أما ترضين أن يكون بعلك قسيم [الجنّة و] النار: يأمر النار فتطيعه، يُخرج منها من يشاء، ويترك من يشاء؟ أما ترضين أن تنظرين إلى الملائكة على أرجاء السماء ينظرون إليك وإلى ما تأمرين به، وينظرون إلى بعلك [و] قد حضر الخلائق وهو يخاصمهم عند الله؟ فما ترين الله صانع بقاتل ولدك وقاتليك إذا أفلحت حجّته على الخلائق، وأمرت النار أن تطيعه؟ أما ترضين أن تكون الملائكة تبكي

ص: 275


1- وهو المستفاد من قوله تعالى: [إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً] سورة التوبة، الآية: 111.

لابنك، ويأسف عليه كلّ شيء؟ أما ترضين أن يكون من أتاه زائراً في ضمان الله، ويكون من أتاه بمنزلة من حجّ إلى بيت [الله الحرام] واعتمر، ولم يخل(1) من الرّحمة طرفة عين، وإذا مات مات شهيداً، وإن بقي لم تزل الحفظة تدعو له ما بقي، ولم يزل في حفظ الله وأمنه حتّى يفارق الدنيا؟ قالت: يا أبة، سلَّمت، ورضيت، وتوكَّلت على الله، فمسح على قلبها، ومسح [على] عينيها، فقال: إنّي وبعلك وأنت وابناك في مكان تقرّ عيناك، ويفرح قلبك»(2).

وقال العلاّمة المجلسي: رأيت في بعض تأليفات بعض الثقات من المعاصرين: روي أنّه لمَّا أخبر النبي صلّى الله عليه وآله ابنته فاطمة بقتل ولدها الحسين وما يجري عليه من المحن بكت فاطمة بكاء شديداً، وقالت: يا أبتِ! متى يكون ذلك؟ قال: في زمان خال منّي ومنك ومن علي، فاشتدَّ بكاؤها، وقالت: يا أبت! فمن يبكي عليه؟ ومن يلتزم بإقامة العزاء له؟ فقال النبيّ: «يا فاطمة! إنّ نساء أمّتي يبكون على نساء أهل بيتي، ورجالهم يبكون على رجال أهل بيتي، ويجدِّدون العزاء جيلاً بعد جيل في كلّ سنة، فإذا كان [يوم](3) القيامة تشفعين أنت للنساء وأنا أشفع للرجال، وكلّ من بكى منهم على مصاب الحسين أخذنا

ص: 276


1- في المصدر «يخلو»، وما أثبتناه هو الصحيح.
2- تفسير فرات الكوفي: 171، تفسير سورة التوبة، الآية: 111، الحديث 219، وروى بعضها ابن قولويه في كامل الزيارات: 144، باب 22، الحديث 2، مع اختلاف يسير.
3- غير موجود في المصدر، وأضفناها لاستقامة الكلام.

بيده وأدخلناه الجنّة، يا فاطمة! كلّ عين باكية يوم القيامة إلاَّ عين بكت على مصاب الحسين، فإنّها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنّة»(1).

بكاء الإمامين الحسن والحسين عليهما السّلام:

عن محمّد بن عبد الرّحمن، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، قال: «بينا أنا وفاطمة والحسن والحسين عند رسول الله صلّى الله عليه وآله إذ التفت إلينا فبكى، فقلت: ما يبكيك يا رسول الله؟ فقال: أبكي ممّا يُصنع بكم بعدي، فقلت: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: أبكي من ضربتك على القرن، ولطم فاطمة خدّها، وطعنة الحسن في الفخذ، والسمّ الّذي يُسقى، وقتل الحسين، قال: فبكى أهل البيت جميعاً، فقلت: يا رسول الله، ما خلقنا ربّنا إلاّ للبلاء؟ قال: أبشر يا عليُّ، فإنّ الله عزّ وجلّ قد عهد إليّ أنّه لا يحبّك إلاّ مؤمن، ولا يبغضك إلاّ منافق»(2).

وروي أنّ الحسن عليه السّلام لمّا دنت وفاته، ونفدت أيّامه، وجرى السمّ في بدنه، تغيّر لونه واخضرّ، فقال له الحسين عليه السّلام: «ما لي أرى لونك مائلاً إلى الخضرة؟»، فبكى الحسن عليه السّلام، وقال: «يا أخي، لقد صحّ حديث جدّي فيَّ وفيك»، ثمّ

ص: 277


1- بحار الأنوار 44: 292، الحديث 37.
2- أمالي الصّدوق: 197، المجلس 28، الحديث 2.

اعتنقه طويلاً، وبكيا كثيراً.

فسُئل عليه السّلام عن ذلك؟ فقال: «أخبرني جدّي، قال: لمّا دخلتُ ليلة المعراج روضات الجنان، ومررت على منازل أهل الإيمان، رأيت قصرين عاليين متجاورين على صفة واحدة، إلاّ أنّ أحدهما من الزبرجد الأخضر، والآخر من الياقوت الأحمر، فقلت: يا جبرئيل، لمن هذان القصران؟ فقال: أحدهما للحسن، والآخر للحسين عليهما السّلام، فقلت: يا جبرئيل، فلِمَ لم يكونا على لون واحد؟ فسكت ولم يردّ جواباً، فقلت: لِمَ لا تتكلّم ؟ قال: حياء منك، فقلت له: سألتك بالله إلاّ ما أخبرتني، فقال: أمّا خضرة قصر الحسن فإنّه يموت بالسمّ، ويخضرّ لونه عند موته، وأمّا حمرة قصر الحسين، فإنّه يُقتل ويحمرُّ وجهه بالدم»، فعند ذلك بكيا، وضجّ الحاضرون بالبكاء والنحيب(1).

بكاء الإمام علي السجّاد عليه السّلام:

كان الإمام عليّ بن الحسين عليه السّلام بعد تلك الواقعة الدامية - الّتي قتل فيها أبوه وإخوته وبنو عمومته وأصحاب أبيه - لا يفتر عن البكاء ليلاً ونهاراً حتّى خيف على بصره الشريف، بل على نفسه المقدّسة، وكان عليه السّلام إذا نظر إلى الماء بكى حتّى يملأ الإناء دماً، أو دمعاً، وإذا وضع طعام بين يديه يبلّه من دموعه، وكان عليه

ص: 278


1- بحار الأنوار 44: 145.

السّلام دائم الذكر لوالده وعمومته وإخوته، ويبكي عليهم بكاء الثكلى حتّى تجري دموعه على وجهه ولحيته حتّى عدّ من البكّائين الخمسة.

فعن أبي داود المسترق، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السّلام، قال: «بكى علي بن الحسين على أبيه حسين بن علي عليهما السّلام عشرين سنة، أو أربعين سنة، وما وضع بين يديه طعاماً(1) إلاّ بكى على الحسين حتّى قال له مولى له: جعلت فداك يابن رسول الله، إنّي أخاف عليك أن تكون من الهالكين، قال: إنّما أشكو بثّي وحزني إلى الله، وأعلم من الله ما لا تعلمون، إنّي لم أذكر مصرع بني فاطمة إلاّ خنقتني العبرة لذلك»(2).

وعن حمران بن أعين، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليهما السّلام، قال: «كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة... ولقد كان بكى على أبيه الحسين عليه السّلام عشرين سنة، وما وضع بين يديه طعام إلاّ بكى حتّى قال له مولى له: يا ابن رسول الله، أما آن لحزنك أن تنقضي ؟ ! فقال له: ويحك، إنّ يعقوب النبيّ عليه السّلام كان له اثنا عشر ابناً فغيّب الله عنه واحداً منهم فابيضّت عيناه من كثرة بكائه عليه، وشاب رأسه من الحزن، واحدودب ظهره من الغمّ، وكان ابنه حيّاً في الدنيا،

ص: 279


1- كذا في المصدر، والصحيح «طعامٌ».
2- كامل الزيارات: 213، باب 35، الحديث1.

وأنا نظرت إلى أبي وأخي وعمّي وسبعة عشر من أهل بيتي مقتولين حولي، فكيف ينقضي حزني؟!»(1).

وعن محمّد بن سهل البحرانيّ يرفعه إلى أبي عبد الله عليه السّلام، قال: «البكّاؤون خمسة: آدم، ويعقوب، ويوسف، وفاطمة بنت محمّد، وعليّ بن الحسين عليهم السّلام. فأمّا آدم فبكى على الجنّة حتّى صار في خدّيه أمثال الأودية، وأمّا يعقوب فبكى على يوسف حتّى ذهب بصره، وحتّى قيل له: [تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ] (2)، وأمّا يوسف فبكى على يعقوب حتّى تأذّى به أهل السجن، فقالوا له: إمّا أن تبكي الليل وتسكت بالنهار، وإمّا أن تبكي النهار وتسكت بالليل، فصالحهم على واحد منهما، أمّا فاطمة فبكت على رسول الله صلّى الله عليه وآله حتّى تأذّى بها أهل المدينة، فقالوا لها: قد آذيتنا بكثرة بكائك، فكانت تخرج إلى المقابر - مقابر الشهداء - فتبكي حتّى تقضي حاجتها، ثمّ تنصرف، وأمّا عليّ بن الحسين فبكى على الحسين عليه السّلام عشرين سنة، أو أربعين سنة، ما وضع بين يديه طعام إلاّ بكى حتّى قال له مولى له: جعلت فداك يا ابن رسول الله، إنّي أخاف عليك أن تكون من الهالكين، قال: ]إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى الله وَأَعْلَمُ

ص: 280


1- الخصال: 566، أبواب العشرين وما فوق، الحديث 4.
2- سورة يوسف، الآية: 85.

مِنَ الله مَا لا تَعْلَمُونَ[ (1)، إنّي ما أذكر مصرع بني فاطمة إلاّ خنقتني لذلك عبرة»(2).

بكاء الإمام محمّد الباقر عليه السّلام:

عن الكميت بن أبي المستهل، قال: دخلت على سيّدي أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليهما السّلام فقلت: يابن رسول الله، إنّي قد قلت فيكم أبياتاً، أفتأذن لي في إنشادها؟ فقال: «إنّها أيّام البيض»، قلت: فهو فيكم خاصّة، قال: «هات»، فأنشأت أقول:

أضحكني الدهر وأبكاني *** والدهر ذو صرف وألوان

لتسعة بالطفّ قد غودروا *** صاروا جميعاً رهن أكفان

فبكى عليه السّلام، وبكى أبو عبد الله عليه السّلام، وسمعت جارية تبكي من وراء الخباء، فلمّا بلغت إلى قولي:

وستّة لا يتجازى بهم *** بنو عقيل خير فرسان

ثمّ عليّ الخير مولاهم *** ذكرهم هيّج أحزاني

فبكى، ثمّ قال عليه السّلام: «ما من رجل ذكرنا أو ذكرنا عنده يخرج من عينيه ماء ولو مثل جناح البعوضة إلاّ بنى الله له بيتاً في الجنّة، وجعل ذلك الدمع حجاباً بينه وبين

ص: 281


1- سورة يوسف، الآية: 86.
2- الخصال: 302، باب الخمسة، الحديث 15.

النار»(1).

وقال المسعودي - عند كلامه عن الكميت رحمه الله -: قدم المدينة، فأتى أبا جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ رضي الله عنهم، فأذن له ليلاً وأنشده، فلمَّا بلغ من الميميّة قوله:

وقتيلٍ بالطفِّ غودر منهم *** بين غوغاءِ أُمَّة وَطَغَامِ

بكى أبو جعفر عليه السّلام، ثمّ قال: «يا كميت، لو كان عندنا مال لأعطيناك، ولكن لك ما قال رسول الله صلّى الله عليه وآله لحسَّان بن ثابت: لا زلت مؤيَّداً بروح القدس ما ذببت عنّا أهل البيت»(2).

بكاء الإمام جعفر الصّادق عليه السّلام:

لا يخفى على من راجع الأخبار وتصفّح أحوال الإمام الصّادق عليه السّلام أنّه عليه السّلام ما كانت مجالسه تخلو عن ذكر جدّه الحسين عليه السّلام، سواء كان ذكره بنفسه أو بطلب ذلك ممّن يدخل عليه من شعرائهم.

فعن أبي هارون المكفوف، قال: قال أبو عبد الله عليه السّلام: «يا أبا هارون، أنشدني في الحسين عليه السّلام»، قال: فأنشدته،

ص: 282


1- بحار الأنوار 36: 390، باب 45، الحديث 2.
2- مروج الذهب 3: 243.

فبكى، فقال: «أنشدني كما تنشدون» - يعني بالرقّة - قال: فأنشدته:

امرر على جدث الحسين *** فقل لأعظمه الزكيّة

قال: فبكى، ثمّ قال: «زدني»، قال: فأنشدته القصيدة الأخرى، قال: فبكى، وسمعت البكاء من خلف الستر، قال: فلمّا فرغت قال لي: «يا أبا هارون، من أنشد في الحسين عليه السّلام شعراً فبكى وأبكى عشراً كتبت له الجنّة، ومن أنشد في الحسين شعراً فبكى وأبكى خمسة كتبت له الجنّة، ومن أنشد في الحسين شعراً فبكى وأبكى واحداً كتبت لهما الجنّة، ومن ذكر الحسين عليه السّلام عنده فخرج من عينه من الدموع مقدار جناح ذباب كان ثوابه على الله، ولم يرض له بدون الجنّة»(1).

وعن أبي بصير، قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السّلام أحدّثه، فدخل عليه ابنه، فقال له: مرحباً، وضمّه وقبّله، وقال: «حقّر الله من حقّركم، وانتقم ممّن وتركم، وخذل الله من خذلكم، ولعن الله من قتلكم، وكان الله لكم وليّاً وحافظاً وناصراً، فقد طال بكاء النساء، وبكاء الأنبياء، والصدّيقين والشّهداء، وملائكة السماء»، ثمّ بكى وقال: «يا أبا بصير، إذا نظرت إلى ولد الحسين أتاني ما لا أملكه بما أتى إلى أبيهم وإليهم...»(2).

ص: 283


1- تقدّم تخريجه في الصفحة: 233.
2- كامل الزيارات: 169، باب 26، الحديث 9.

وروى الكشّي بسنده، عن زيد الشحّام، قال: كنّا عند أبي عبد الله عليه السّلام ونحن جماعة من الكوفيّين، فدخل جعفر بن عفّان على أبي عبد الله، فقرّبه وأدناه، ثمّ قال: «يا جعفر»، قال: لبّيك، جعلني الله فداك، قال: «بلغني أنّك تقول الشعر في الحسين عليه السّلام، وتجيد»، فقال له: نعم، جعلني الله فداك، فقال: «قل»، فأنشده عليه السّلام، فبكى(1) ومن حوله حتّى صارت له الدموع على وجهه ولحيته، ثمّ قال: «يا جعفر، والله لقد شهدت ملائكة الله المقرّبون هاهنا يسمعون قولك في الحسين عليه السّلام، ولقد بكوا كما بكينا أو أكثر...»(2).وروى أبو الفرج عن محمّد بن سهل - صاحب الكميت - قال: دخلت مع الكميت على أبي عبدالله الصّادق جعفر بن محمّد عليهما السّلام، فقال له: جعلت فداك، ألا أنشدك؟ قال: «إنّها أيّام عظام»، قال: إنّها فيكم، قال: «هات»، وبعث أبو عبدالله إلى بعض أهله فقرب، فأنشده، فكثر البكاء حتّى أتى على هذا البيت:

يصيبُ به الرامون عن قَوْسِ غيرِهم *** فيا آخراً سدّى له الغيَّ أوَّلُ

فرفع أبو عبدالله عليه السّلام يديه، فقال: «اللّهمّ اغفر للكميت ما قدَّم وما أخَّر، وما أسرَّ وما أعلن، وأعطه حتّى يرضى»(3).

ص: 284


1- لم ترد في المصدر، ولكن أثبتناه من بعض النسخ.
2- اختيار معرفة الرّجال: 356 / 508.
3- الأغاني 17: 24 - 25.

وعن عبدالله بن الفضل، قال: قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمّد الصّادق عليه السّلام - وذكر الحديث، إلى أن قال: - فقلت له: يابن رسول الله، فكيف سمَّت العامّة يوم عاشوراء: يوم بركة؟ فبكى عليه السّلام، ثمّ قال: «لمّا قُتل الحسين عليه السّلام تقرَّب الناس بالشام إلى يزيد، فوضعوا له الأخبار، وأخذوا عليها الجوائز من الأموال، فكان ممّا وضعوا له أمر هذا اليوم، وأنّه يوم بركة، ليعدل الناس فيه من الجزع والبكاء والمصيبة والحزن إلى الفرح والسرور، والتبرُّك، والاستعداد فيه. حكم الله بيننا وبينهم»(1).

بكاء الإمام موسى الكاظم عليه السّلام:

روى الصّدوق في «الأمالي» بسنده، عن إبراهيم بن أبي محمود، قال: قال الرّضا عليه السّلام: «إنّ المحرّم شهر كان أهل الجاهليّة يحرّمون فيه القتال، فاستحلّت فيه دماؤنا، وهتكت فيه حرمتنا، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا، وأضرمت النيران في مضاربنا، وانتهب ما فيها من ثَقَلنا، ولم ترع لرسول الله صلّى الله عليه وآله حرمة في أمرنا. إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذلّ عزيزنا، بأرض كرب وبلاء، أورثتنا الكرب والبلاء، إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون، فإنّ البكاء يحطّ الذنوب العظام»،

ص: 285


1- علل الشرائع 1: 225، باب 162، الحديث 1.

ثمّ قال عليه السّلام: «كان أبي صلوات الله عليه إذا دخل شهر المحرّم لا يرى ضاحكاً، وكانت الكآبة تغلب عليه حتّى يمضي منه عشرة أيّام، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه، ويقول: هو اليوم الّذي قتل فيه الحسين صلوات الله عليه»(1).

وهذا الحديث صريح في: أنّ جميع الأئمّة عليهم السّلام قد بكوا على الإمام الحسين عليه السّلام بكاءً شديداً حتّى تقرّحت جفونهم عليهم السّلام. والقرح في العين لا يحصل إلاّ بعد كثرة البكاء وشدّته.

ويظهر من قوله عليه السّلام: «إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا» أنّ ذكر مصاب الإمام الحسين عليه السّلام في يوم عاشوراء لم يفارق أهل البيت عليهم السّلام وكان السبب في طول حزنهم وكثرة بكائهم على طول الأيام مما سبب إقراح جفونهم، وإسبال دموعهم.

بكاء الإمام عليّ بن موسى الرّضا عليه السّلام:

روي عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: سمعت دعبل بن علي الخزاعي يقول: لمّا أنشدت مولاي الرّضا عليه السّلام قصيدتي الّتي أوّلها:

ص: 286


1- أمالي الصّدوق: 190، المجلس 27، الحديث 2، وروضة الواعظين 1: 169، مع اختلاف يسير.

مدارسُ آيات خلت من تلاوة *** ومنزلُ وحي مُقْفِرُ العَرَصَاتِ

فلمَّا انتهيت إلى قولي:

خروجُ إمام لا محالةَ خارجٌ *** يقومُ على اسمِ اللهِ والبركاتِ

يُميِّزُ فينا كلَّ حقّ وباطل *** ويجزي على النعماء والنَّقِمَاتِ

بكى الرّضا عليه السّلام بكاء شديداً، ثمّ رفع رأسه إليَّ فقال لي: «يا خزاعي، نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين، فهل تدري من هذا الإمام؟ ومتى يقوم؟» فقلت: لا، يا سيّدي، إلاَّ إنّي سمعت بخروج إمام منكم يُطهِّر الأرض من الفساد، ويملؤها عدلاً، فقال: «يا دعبل، الإمام بعدي محمّد ابني، وبعد محمّد ابنه عليّ، وبعد عليّ ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجّة القائم، المنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره، لو لم يبق من الدنيا إلاَّ يوم واحد لطوَّل الله ذلك اليوم حتّى يخرج فيملأها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، وأمّا متى؟ فإخبار عن الوقت، ولقد حدَّثني أبي، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ عليه السّلام: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قيل له: يا رسول الله صلّى الله عليه وآله، متى يخرج القائم من ذرّيّتك؟ فقال: مثله مثل الساعة ]لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ

ص: 287

ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالاَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً[(1)(2).

وعن أبي بكّار، قال: أخذت من التربة الّتي عند رأس الحسين بن عليّ عليهما السّلام، فإنّها طينة حمراء، فدخلت على الرّضا عليه السّلام فعرضتها عليه، فأخذها في كفّه، ثمّ شمّها، ثمّ بكى حتّى جرت دموعه، ثمّ قال: «هذه تربة جدّي»(3).

وحكى دعبل الخزاعي، قال: دخلت على سيّدي ومولاي عليّ بن موسى الرّضا عليه السّلام في مثل هذه الأيّام، فرأيته جالساً جلسة الحزين الكئيب، وأصحابه من حوله، فلمّا رآني مقبلاً، قال لي: «مرحباً بك يا دعبل، مرحباً بناصرنا بيده ولسانه»، ثمّ إنّه وسّع لي في مجلسه، وأجلسني إلى جانبه، ثمّ قال لي: «يا دعبل، أحبّ أن تنشدني شعراً؛ فإنّ هذه الأيّام أيّام حزن كانت علينا أهل البيت، وأيّام سرور كانت على أعدائنا، خصوصاً بني أميّة. يا دعبل، من بكى وأبكى على مصابنا ولو واحداً كان أجره على الله. يا دعبل، من ذرفت عيناه على مصابنا وبكى لما أصابنا من أعدائنا حشره الله معنا في زمرتنا. يا دعبل، من بكى على مصاب جدّي الحسين غفر الله له ذنوبه البتّة»، ثمّ إنّه عليه السّلام نهض، وضرب ستراً بيننا وبين حرمه، وأجلس أهل

ص: 288


1- سورة الأعراف، الآية: 187.
2- عيون أخبار الرّضا عليه السّلام 2: 296، باب 66، الحديث 35، وكمال الدين 2: 372، باب 35، الحديث 6.
3- كامل الزيارات: 474، باب 93، الحديث 11.

بيته من وراء الستر؛ ليبكوا على مصاب جدّهم الحسين عليه السّلام، ثمّ التفت إليّ وقال لي: «يا دعبل، ارث الحسين، فأنت ناصرنا ومادحنا ما دمت حيّاً، فلا تقصّر عن نصرنا ما استطعت»، قال دعبل: فاستعبرت، وسالت عبرتي، وأنشأت أقول:

أفاطم لو خلت الحسين مجدّلاً *** وقد مات عطشاناً بشطّ فراتِ

إذاً للطمت الخدّ فاطم عنده *** وأجريت دمع العين في الوجناتِ

أفاطم قومي يا ابنة الخير واندبي *** نجوم سماوات بأرض فلاة

قبور بكوفان وأخرى بطيبة *** وأخرى بفخّ نالها صلواتي

قبور ببطن النّهر من جنب كربلا *** معرّسهم فيها بشطّ فراتِ(1)

... إلى آخر القصيدة التائيّة.

بكاء الإمام الحجّة بن الحسن (عجل اللَّه تعالى فرجه الشريف):

قال عجّل اللَّه تعالى فرجه الشريف - مخاطباً جدّه سيّد شباب أهل الجنّة في الزيارة المعروفة بزيارة الناحية المقدّسة -: «فلأندبنّك صباحاً ومساء، ولأبكينّ لك بدل الدموع دماً؛ حسرة عليك، وتأسّفاً على ما دهاك، وتلهّفاً، حتّى أموت بلوعة المصاب، وغصّة الاكتئاب...»(2)، وهذه الكلمات تدلّ على مدى تألّم الإمام المهديّ - عجّل اللَّه تعالى فرجه الشريف - على فجائع جدّه الإمام الحسين

ص: 289


1- بحار الأنوار 45: 257.
2- تقدّم تخريجه في الصفحة: 284.

عليه السّلام، وأنّه دائم الذكر لتلك المصائب الّتي مرّت على جدّه وأهل بيته، وأنّه في حالة بكاء مستمرّ على جدّه بدم بدل الدموع في الليل والنهار. ولا ريب: أنّ مثل هذا البكاء يوجب قرح العين وجرحها، وهذا هو المستفاد من قول الإمام الرّضا عليه السّلام: «إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا»(1)، فجميع الأئمّة عليهم السّلام عيونهم مجروحة ومقروحة على مصيبة الإمام الحسين عليه السّلام.

وممّا قدّمناه يثبت: أنّ البكاء والنياحة على مصاب سيّد الشهداء، وخامس أصحاب الكساء، هو اقتداء برسول اللَّه صلّى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السّلام.

أحاديث في فضل البكاء على سيّد الشهداء عليه السّلام:

الأوّل: عن أبي هارون المكفوف، قال: قال أبو عبد الله عليه السّلام - في حديث طويل له - : «ومن ذكر الحسين عليه السّلام عنده فخرج من عينيه من الدموع مقدار جناح ذباب، كان ثوابه على الله عزّ وجلّ، ولم يرض له بدون الجنّة»(2).

الثاني: عن سعيد بن يسار بيّاع السابري، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السّلام: إنّي أتباكى في الدعاء، وليس لي بكاء؟ قال: «نعم، ولو

ص: 290


1- تقدّم تخريجه في الصفحة: 363.
2- كامل الزيارات: 202، باب 32، الحديث 3.

مثل رأس الذباب»(1).

توضيح: هذا الحديث فيه دلالة على استحباب التباكي، وترتّب ثواب البكاء عليه. والتباكي: هو تكلّف البكاء، والتكيّف بصورته لمن تعسّرت عليه الدمعة، فيشبّه نفسه بالباكي، مع التأثّر واحتراق القلب، فيكون مشتركاً مع الباكي في التألّم والتأثّر، فيكون حكمه كحكمه من حيث ترتّب الثواب، قال الصّادق عليه السّلام لعنبسة العابد: «إن لم يكن بك بكاء فتباك»(2). وعن صالح بن عقبة، عن أبي عبد الله عليه السّلام، قال: «من أنشد في الحسين عليه السّلام بيت شعر فبكى وأبكى عشرة فله ولهم الجنّة... من أنشد في الحسين عليه السّلام بيتاً فبكى» - وأظنّه قال: - «أو تباكى فله الجنّة»(3).

الثالث: عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام يقول: أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين عليه السّلام حتّى تسيل على خدّه بوّأه الله تعالى بها في الجنّة غرفاً يسكنها أحقاباً، وأيّما مؤمن دمعت عيناه حتّى تسيل على خدّه فيما مسّنا من الأذى من عدوّنا في الدنيا بوّأه الله في الجنّة مبوّأ

ص: 291


1- الكافي 2: 452، كتاب الدعاء، باب 224، الحديث 9.
2- الكافي 2: 452، كتاب الدعاء، باب 424، الحديث 8.
3- كامل الزيارات: 210، باب 33، الحديث 4، وثواب الأعمال: 112، الحديث 3 ، مع اختلاف يسير.

صدق، وأيّما مؤمن مسّه أذى فينا فدمعت عيناه حتّى تسيل على خدّه من مضاضة أوذي فينا، صرف الله عن وجهه الأذى، وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار»(1).

توضيح: يدلّ هذا الحديث على استحباب تحمّل الأذى والمشاقّ في سبيل الأئمّة عليهم السّلام، من نشر فضائلهم ومناقبهم، وبيان مصائبهم، ونحو ذلك.

الرابع: عن أبي عمارة المنشد، عن أبي عبد الله عليه السّلام، قال: قال لي: «يا أبا عمارة، أنشدني في الحسين عليه السّلام»، قال: فأنشدته، فبكى، قال: ثمّ أنشدته، فبكى، قال: فوالله، ما زلت أنشده ويبكي حتّى سمعت البكاء من الدار، فقال لي: «يا أبا عمارة، من أنشد في الحسين بن عليّ عليهما السّلام شعراً فأبكى خمسين فله الجنّة، ومن أنشد في الحسين عليه السّلام شعراً فأبكى أربعين فله الجنّة، ومن أنشد في الحسين عليه السّلام شعراً فأبكى ثلاثين فله الجنّة، ومن أنشد في الحسين عليه السّلام شعراً فأبكى عشرين فله الجنّة، ومن أنشد في الحسين عليه السّلام شعراً فأبكى عشرة فله الجنّة، ومن أنشد في الحسين عليه السّلام شعراً فأبكى واحداً فله الجنّة، ومن أنشد في الحسين عليه السّلام شعراً فبكى فله الجنّة، ومن أنشد في الحسين عليه

ص: 292


1- ثواب الأعمال: 110.

السّلام شعراً فتباكى فله الجنّة»(1).

الخامس: في حديث الأربعمائة: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «كلّ عين يوم القيامة باكية، وكل عين يوم القيامة ساهرة، إلاّ عين من اختصّه الله بكرامته، وبكى على ما ينتهك من الحسين وآل محمّد عليهم السّلام »(2).

توضيح: الظاهر منه: أنّ البكاء على الإمام الحسين عليه السّلام وأهل البيت عليهم السّلام هو الضمان الوحيد للإنسان في يوم القيامة ممّا يحدث في ذلك اليوم، من أهوال وشدائد. ولا يسلم أحد ممّن لم يبكِ على مصائبهم عليهم السّلام من تلك الأهوال، فتبكي عينه في ذلك اليوم، وتسهر لما تلقاه.

السادس: عن الحسن بن علي بن فضّال، قال: قال الرّضا عليه السّلام: «من تذكّر مصابنا وبكى لما ارتكب منّا كان معنا في درجتنا يوم القيامة، ومن ذكّر بمصابنا، فبكى، وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون، ومن جلس مجلساً يحيى فيه أمرنا، لم يمت قلبه يوم تموت القلوب»(3).

السابع: عن فضيل بن يسار، عن أبي عبد الله عليه السّلام، قال: «من ذكرنا عنده، ففاضت عيناه ولو مثل جناح الذباب، غفر

ص: 293


1- ثواب الأعمال: 111، الحديث 2.
2- الخصال: 670، حديث الأربعمائة.
3- أمالي الصّدوق: 131، المجلس 17، الحديث 119.

له ذنوبه، ولو كانت مثل زبد البحر»(1).الثامن: في حديث الأربعمائة: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «إنّ الله تبارك وتعالى أطلع إلى الأرض فاختارنا، واختار لنا شيعة، ينصروننا، ويفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا، ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا، أولئك منّا، وإلينا»(2).

التاسع: عن بكر بن محمّد الأزديّ، عن أبي عبد الله عليه السّلام، قال: «تجلسون، وتتحدّثون»، قال: قلت: جعلت فداك، نعم، قال: «إنّ تلك المجالس أحبّها، فأحيوا أمرنا؛ إنّه من ذكرنا أو ذُكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه، ولو كانت أكثر من زبد البحر»(3).

العاشر: عن إبراهيم بن أبي محمود، قال: قال الرّضا عليه السّلام: «فعلى مثل الحسين فليبك الباكون؛ فإنّ البكاء يحطّ الذنوب العظام»(4).

الحادي عشر: عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين عليه السّلام دمعة حتّى تسيل على خدّه بوّأه الله بها غرفاً في الجنّة، يسكنها

ص: 294


1- كامل الزيارات: 207، باب 32، الحديث 9.
2- الخصال: 670، حديث الأربعمائة.
3- ثواب الأعمال: 223، وبشارة المصطفى 11: 425، الحديث 1، وفيه بعد «فأحيوا أمرنا»: «فرحم الله من أحيى أمرنا».
4- أمالي الصّدوق: 190، المجلس27، الحديث 2.

أحقاباً»(1).

توضيح: أحقاب جمع «حقب» بضمّتين، مثل قفل وأقفال، أي: ماكثين فيها زماناً كثيراً. وقيل: معناه أحقاباً لا انقطاع لها، كلّما مضى حقب جاء بعده حقب آخر... والحقب ثمانون سنة من سنين الآخرة، وقيل: الأحقاب ثلاثة وأربعون حقباً، كلّ حقب سبعون خريفاً، كلّ خريف سبعمائة سنة، كلّ سنة ثلاثمائة وستّون يوماً، كلّ يوم ألف سنة(2).

الثاني عشر: عن الريّان بن شبيب، قال: دخلت على الرّضا عليه السّلام في أوّل يوم من المحرّم، فقال: «... يابن شبيب، إن كنت باكياً لشيء، فابك للحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام؛ فإنّه ذبح كما يذبح الكبش، وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلاً، ما لهم في الأرض شبيهون، ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله، ولقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصره فلم يؤذن لهم، فهم عند قبره شعث غبر إلى أن يقوم القائم عليه السّلام، فيكونون من أنصاره، وشعارهم: يا لثارات الحسين عليه السّلام...

ص: 295


1- كامل الزيارات: 207، باب 32، الحديث 11.
2- مجمع البحرين 2: 45، مادّة «حقب». وقال ابن منظور في لسان العرب: قال الفرّاء في قوله تعالى: [لاَبِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً ]، قال: الحقب ثمانون سنة، والسنة ثلاثمائة وستّون يوماً، واليوم منها ألف سنة من عدد الدنيا، قال: وليس هذا ممّا يدلّ على غاية كما يظنّ بعض الناس، وإنّما يدلّ على الغاية: التوقيت خمسة أحقاب أو عشرة، والمعنى: أنّهم يلبثون فيها أحقاباً، كلّما مضى حقب تبعه حقب آخر. لسان العرب 1: 888، مادّة «حقب».

يابن شبيب، إن بكيت على الحسين عليه السّلام حتّى تصير دموعك على خدّيك غفر الله لك كلّ ذنب أذنبته، صغيراً كان أو كبيراً، قليلاً كان أو كثيراً ... يابن شبيب، إن سرّك أن تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان، فاحزن لحزننا، وافرح لفرحنا، وعليك بولايتنا، فلو أنّ رجلاً أحبّ حجراً لحشره الله عزّ وجلّ معه يوم القيامة»(1).

الثالث عشر: عن فضيل بن فضالة، عن أبي عبد الله عليه السّلام، قال: «من ذكرنا عنده ففاضت عيناه حرّم الله وجهه على النار»(2).

الرابع عشر: عن محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمّد عليهما السّلام يقول: «إنّ الحسين بن علي عليهما السّلام عند ربّه عزّ وجلّ ينظر إلى موضع معسكره، ومن حلّه من الشهداء معه، وينظر إلى زوّاره، وهو أعرف بحالهم، وبأسمائهم، وأسماء آبائهم، وبدرجاتهم، ومنزلتهم عند الله عزّ وجلّ من أحدكم بولده، وإنّه ليرى من يبكيه، فيستغفر له، ويسأل آباءه عليهم السّلام أن يستغفروا له، ويقول: لو يعلم زائري ما أعدّ الله له لكان فرحه أكثر من جزعه، وإنّ زائره

ص: 296


1- عيون أخبار الرّضا 1: 268، باب 28، الحديث 58، وأمالي الصّدوق: 192، المجلس 27، الحديث 5، مع اختلاف يسير.
2- كامل الزيارات: 207، باب 32، الحديث 12.

لينقلب وما عليه من ذنب»(1).

الخامس عشر: عن الحسن بن فضّال، عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليه السّلام، قال: «من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى الله له حوائج الدنيا والآخرة، ومن كان يوم عاشوراء يوم مصيبته وحزنه وبكائه جعل الله عزّ وجلّ يوم القيامة يوم فرحه وسروره، وقرّت بنا في الجنان عينه، ومن سمّى يوم عاشوراء يوم بركة، وادّخر لمنزله شيئاً، لم يبارك له فيما ادّخر، وحشر يوم القيامة مع يزيد وعبيد الله بن زياد وعمر بن سعد، لعنهم الله تعالى، إلى أسفل دركة من النار»(2).

السادس عشر: عن زرارة، قال: قال أبو عبد الله عليه السّلام: «...وما من عين أحبّ إلى الله، ولا عبرة، من عين بكت ودمعت عليه، وما من باك يبكيه إلاّ وقد وصل فاطمة عليها السّلام، وأسعدها عليه، ووصل رسول الله، وأدّى حقّنا، وما من عبد يحشر إلاّ وعيناه باكية إلاّ الباكين على جدّي الحسين عليه السّلام؛ فإنّه يحشر وعينه قريرة، والبشارة تلقاه، والسرور بيّن على وجهه، والخلق في الفزع وهم آمنون، والخلق يعرضون وهم حدّاث الحسين عليه السّلام

ص: 297


1- أمالي الطوسي: 54، المجلس 2، الحديث 43.
2- عيون أخبار الرّضا 1: 267، باب 28، الحديث 57، وعلل الشرائع: 227، باب 162، الحديث 2، وفيه «درك» بدل «دركة».

تحت العرش، وفي ظلّ العرش، لا يخافون سوء الحساب، يقال لهم: ادخلوا الجنّة، فيأبون، ويختارون مجلسه وحديثه.وإنّ الحور لترسل إليهم: إنّا قد اشتقناكم مع الولدان المخلّدين، فما يرفعون رؤوسهم إليهم؛ لما يرون في مجلسهم من السرور والكرامة، وإنّ أعداءهم من بين مسحوب بناصيته إلى النار، ومن قائل: ما لنا من شافعين، ولا صديق حميم، وإنّهم ليرون منزلهم، وما يقدرون أن يدنوا إليهم، ولا يصلون إليهم، وإنّ الملائكة لتأتيهم بالرسالة من أزواجهم، ومن خدّامهم، على ما أعطوا من الكرامة، فيقولون: نأتيكم إن شاء الله، فيرجعون إلى أزواجهم بمقالاتهم، فيزدادون إليهم شوقاً إذا هم خبّروهم بما هم فيه من الكرامة، وقربهم من الحسين عليه السّلام، فيقولون: الحمد لله الّذي كفانا الفزع الأكبر، وأهوال القيامة، ونجّانا ممّا كنّا نخاف، ويؤتون بالمراكب والرحال على النجائب، فيستوون عليها، وهم في الثناء على الله، والحمد لله، والصّلاة على محمّد وآله، حتّى ينتهوا إلى منازلهم»(1).

السابع عشر: عن هارون بن خارجة، عن أبي عبد الله عليه السّلام، قال: «قال الحسين عليه السّلام: أنا قتيل العبرة، لا يذكرني مؤمن إلاّ بكى»(2).

ص: 298


1- كامل الزيارات: 167، باب 26، الحديث 8.
2- كامل الزيارات: 215، باب 36، الحديث 6.

توضيح: العبرة - بالفتح فالسكون - : وهي تجلّب الدمع، أو تردّد البكاء في الصدر(1).

وقوله: «أنا قتيل العبرة» أي: القتيل الّذي تسكب عليه العبرات، كما قال صلوات الله عليه: «أنا قتيل العبرة، لا يذكرني مؤمن إلاّ استعبر»(2)، ومن هذا القبيل قول الإمام الصّادق عليه السّلام: «نظر النبيّ صلّى الله عليه وآله إلى الحسين بن عليّ عليهما السّلام وهو مقبل، فأجلسه في حجره، وقال: إنّ لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً»، ثمّ قال عليه السّلام: «بأبي قتيل كلّ عبرة»، قيل: وما قتيل كلّ عبرة يابن رسول الله؟ قال: «لا يذكره مؤمن إلاّ بكى»(3)، فتكون إضافة العبرة إليه من باب تأكيد الصلة بين ذكر مقتله وبين البكاء، كقول الشاعر:

فابك دما على قتيل العبره *** والسيّد السبط شهيد العتره

عبرة كلّ مؤمن ومتّقي *** فما بكى باك عليه فشقي

وإن يفتْكَ أن تكون باكي *** فلا يفتْكَ الأجر بالتباكي(4)

الثامن عشر: عن محمّد بن أبي عمارة الكوفيّ، قال: سمعت

ص: 299


1- مجمع البحرين 3: 394، مادّة «عبر».
2- كامل الزيارات: 215، باب 36، الحديث 3، وأمالي الصّدوق: 200، المجلس 28، الحديث 8.
3- مستدرك الوسائل 10: 318، باب 49 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 13، وجامع أحاديث الشيعة 12: 555، باب 82 من أبواب كتاب المزار، الحديث 18.
4- المقبولة الحسينيّة: 30.

جعفر بن محمّد عليهما السّلام يقول: «من دمعت عينه فينا دمعة؛ لدم سفك لنا، أو حقّ لنا نقصناه، أو عرض انتهك لنا أو لأحد من شيعتنا، بوّأه الله تعالى بها في الجنّة حقباً»(1).

التاسع عشر: عن زيد الشحّام، قال: كنّا عند أبي عبد الله عليه السّلام - ونحن جماعة من الكوفيّين - فدخل جعفر بن عفّان على أبي عبد الله، فقرّبه، وأدناه، ثمّ قال: «يا جعفر»، قال: لبّيك، جعلني الله فداك، قال: «بلغني أنّك تقول الشعر في الحسين عليه السّلام، وتجيد؟» فقال له: نعم، جعلني الله فداك، قال: «قل»، فأنشده عليه السّلام ومن حوله حتّى صارت له الدموع على وجهه ولحيته، ثمّ قال: «يا جعفر، والله لقد شهدك ملائكة الله المقرّبون ههنا، يسمعون قولك في الحسين عليه السّلام، ولقد بكوا كما بكينا، أو أكثر، ولقد أوجب الله لك - يا جعفر - في ساعتك الجنّة بأسرها، وغفر الله لك»، فقال: «يا جعفر، ألا أزيدك؟»، قال: نعم، يا سيّدي، قال: «ما من أحد قال في الحسين شعراً، فبكى، وأبكى به، إلاّ أوجب الله له الجنّة، وغفر له»(2).

العشرون: عن مسمع بن عبد الملك كردين البصريّ، قال: قال

ص: 300


1- أمالي المفيد: 174، المجلس 22، الحديث 5، وأمالي الطوسي: 194، المجلس 7، الحديث 32، مع اختلاف يسير.
2- اختيار معرفة الرّجال: 356 / 508، ووسائل الشيعة 14: 593، باب 104 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 1، مع اختلاف يسير.

لي أبو عبد الله عليه السّلام: «يا مسمع، أنت من أهل العراق، أما تأتي قبر الحسين عليه السّلام؟»، قلت: لا، أنا رجل مشهور عند أهل البصرة، وعندنا من يتّبع هوى هذا الخليفة، وعدوّنا كثير من أهل القبائل من النصّاب وغيرهم، ولست آمنهم أن يرفعوا حالي عند ولد سليمان، فيمثّلون بي، قال لي: «أفما تذكر ما صنع به؟» قلت: نعم، قال: «فتجزع؟» قلت: إي والله، وأستعبر لذلك حتّى يرى أهلي أثر ذلك عليّ، فامتنع من الطعام حتّى يستبين ذلك في وجهي، قال: «رحم الله دمعتك، أما إنّك من الّذين يعدّون من أهل الجزع لنا، والّذين يفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا، ويخافون لخوفنا، ويأمنون إذا آمنا(1)، أما إنّك سترى عند موتك حضور آبائي لك، ووصيّتهم ملك الموت بك، وما يلقونك به من البشارة أفضل، وملك الموت أرقّ عليك، وأشدّ رحمة لك من الأمّ الشفيقة على ولدها»، قال: ثمّ استعبر، واستعبرت معه، فقال: «الحمد لله الّذي فضّلنا على خلقه بالرّحمة، وخصّنا - أهل البيت - بالرّحمة. يا مسمع، إنّ الأرض والسماء لتبكي منذ قتل أمير المؤمنين عليه السّلام؛ رحمة لنا، وما بكى لنا من الملائكة أكثر، وما رقأت دموع الملائكة منذ قتلنا، وما بكى أحد؛ رحمة لنا ولما لقينا، إلاّ رحمه الله قبل أن تخرج الدمعة من عينه، فإذا سالت دموعه على خدّه، فلو أنّ قطرة من دموعه سقطت في جهنّم

ص: 301


1- هكذا في المصدر، والصحيح «أمِنا».

لأطفأت حرّها حتّى لا يوجد لها حرّ، وإنّ الموجع قلبه لنا ليفرح يوم يرانا عند موته فرحة، لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتّى يرد علينا الحوض، وإنّ الكوثر ليفرح بمحبّنا إذا ورد عليه حتّى أنّه ليذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه. يا مسمع، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً، ولم يستق بعدها أبداً، وهو في برد الكافور، وريح المسك، وطعم الزنجبيل، أحلى من العسل، وألين من الزبد، وأصفى من الدمع، وأذكى من العنبر، يخرج من تسنيم، ويمرّ بأنهار الجنان، يجري على رضراض الدرّ والياقوت، فيه من القدحان أكثر من عدد نجوم السّماء، يوجد ريحه من مسيرة ألف عام، قدحانه من الذهب والفضّة وألوان الجوهر، يفوح في وجه الشارب منه كلّ فائحة حتّى يقول الشارب منه: يا ليتني تركت هاهنا، لا أبغي بهذا بدلاً، ولا عنه تحويلاً. أما إنّك - يا كردين - ممّن تروي(1) منه، وما من عين بكت لنا إلاّ نعمت بالنظر إلى الكوثر، وسقيت منه من أحبّنا، وإنّ الشارب منه ليعطي(2) من اللذّة والطعم والشهوة له أكثر ممّا يعطاه من هو دونه في حبّنا، وإنّ على الكوثر أمير المؤمنين عليه السّلام، وفي يده عصا من عوسج، يحطم بها أعداءنا، فيقول الرّجل(3) منهم: إنّي أشهد

ص: 302


1- هكذا في المصدر، والصحيح «تروى».
2- هكذا في المصدر، والصحيح «ليعطى».
3- ورد في المصدر «الرّحل»، وما أثبتناه هو الموافق لاستقامة الكلام.

الشهادتين، فيقول: انطلق إلى إمامك فلان فاسأله أن يشفع لك، فيقول: يتبرّأ منّي إمامي الّذي تذكره، فيقول: ارجع إلى ورائك فقل للّذي كنت تتولاّه وتقدّمه على الخلق، فاسأله إذا كان خير الخلق عندك أن يشفع لك، فإنّ خير الخلق حقيق أن لا يردّ إذا شفّع، فيقول: إنّي أهلك عطشاً، فيقول له: زادك الله ظمأ، وزادك الله عطشاً»، قلت: جعلت فداك، وكيف يقدر على الدنوّ من الحوض ولم يقدر عليه غيره؟ فقال: «ورع عن أشياء قبيحة، وكفّ عن شتمنا - أهل البيت - إذا ذكرنا، وترك أشياء اجترى عليها غيره، وليس ذلك لحبّنا، ولا لهوى منه لنا، ولكن ذلك لشدّة اجتهاده في عبادته وتديّنه، ولما قد شغل نفسه به عن ذكر الناس، فأمّا قلبه فمنافق، ودينه النصب؛ باتّباع أهل النصب، وولاية الماضين، وتقدّمه لهما على كلّ أحد»(1).

الحادي والعشرون: عن عبد الله بن بكير، قال: حججت مع أبي عبد الله عليه السّلام - في حديث طويل - فقلت: يابن رسول الله، لو نبش قبر الحسين بن عليّ عليهما السّلام هل كان يصاب في قبره شيء؟ فقال: «يابن بكير، ما أعظم مسائلك، إنّ الحسين عليه السّلام مع أبيه وأمّه وأخيه في منزل رسول الله صلّى الله عليه وآله، ومعه يرزقون ويحبرون، وإنّه لَعَنْ يمين العرش، متعلّق به، يقول: يا ربّ، أنجز لي ما وعدتني، وإنّه لينظر

ص: 303


1- كامل الزيارات: 203، باب 32، الحديث 7.

إلى زوّاره، وإنّه أعرف بهم - وبأسمائهم، وأسماء آبائهم، وما في رحالهم - من أحدهم بولده، وإنّه لينظر إلى من يبكيه فيستغفر له، ويسأل أباه الاستغفار له، ويقول: أيّها الباكي، لو علمت ما أعدّ الله لك لفرحت أكثر ممّا حزنت، وإنّه ليستغفر له من كلّ ذنب وخطيئة»(1).

فوائد البكاء على الإمام الحسين عليه السّلام:

1 - إنّ فيه نوع مواساة للنبيّ صلّى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السّلام، فإنّهم محزونون لقتل الحسين عليه السّلام بلا ريب.

ففي خبر مسمع بن عبد الملك البصري، عن الصّادق عليه السّلام أنّه قال له: «أفما تذكر ما صنع به؟» - يعني بالحسين عليه السّلام - قلت: نعم، قال: «فتجزع؟» قلت: إي والله، وأستعبر لذلك حتّى يرى أهلي أثر ذلك عليّ، فأمتنع من الطعام حتّى يستبين ذلك في وجهي، قال: «رحم الله دمعتك، أما إنّك من الّذين يعدّون من أهل الجزع لنا، والّذين يفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا، ويخافون لخوفنا، ويأمنون إذا آمنا»(2).

وفي خبر أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليهما السّلام، قال: «نفس المهموم لظلمنا تسبيح، وهمّه لنا عبادة،

ص: 304


1- كامل الزيارات: 206، باب 32، الحديث 8، وجامع أحاديث الشيعة 12: 555، باب 82 من أبواب كتاب المزار، الحديث 17.
2- تقدّم تخريجه في الصفحة: 294.

وكتمان سرّنا جهاد في سبيل الله»، ثمّ قال أبو عبد الله عليه السّلام: «يجب أن يكتب هذا الحديث بالذهب»(1).

2 - إنّ فيه مودّة لأهل البيت عليهم السّلام، وهي أداء لأجر الرّسالة المحمّديّة الّتي فرضها الله على عباده بقوله تعالى: [قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى] (2).

3 - إنّ فيه إحياء أمرهم، وقد ترحّموا عليهم السّلام على من أحيى أمرهم بقولهم: «رحم اللَّه عبداً أحيا أمرنا»(3).

فعن الحسن بن علي بن فضّال، قال: قال الرّضا عليه السّلام: «من تذكّر مصابنا، وبكى لما ارتكب منّا، كان معنا في درجتنا يوم القيامة، ومن ذكّر بمصابنا فبكى، وأبكى، لم تبك عينه يوم تبكي العيون، ومن جلس مجلساً يحيى فيه أمرنا، لم يمت قلبه يوم تموت القلوب»(4).

وعن بكر بن محمّد، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليهما السّلام، قال: سمعته يقول لخيثمة: «يا خيثمة، أقرئ موالينا السّلام، وأوصهم بتقوى الله العظيم، وأن يشهد أحياؤهم جنائز موتاهم، وأن يتلاقوا في بيوتهم، فإنّ لقياهم حياة أمرنا»، قال: ثمّ رفع

ص: 305


1- أمالي المفيد: 338، المجلس 40، الحديث 3، وأمالي الطوسي: 115، المجلس 4، الحديث 32.
2- سورة الشورى، الآية: 23.
3- الكافي 2: 182، كتاب الإيمان والكفر، باب 263، الحديث 2، والخصال 1: 42، باب الواحد، الحديث 77.
4- أمالي الصّدوق: 131، المجلس 17، الحديث 4.

يده عليه السّلام، فقال: «رحم الله من أحيا أمرنا»(1).

4 - إنّ فيه تعظيماً لشعائر الدين، وتعظيماً لرسول الله، وترويجاً لشريعته صلّى الله عليه وآله؛ لأنّ الإمام الحسين عليه السّلام وأهل بيته وأصحابه من حرمات الله؛ لكونهم خرجوا لأجل حفظ الدين وحفظ قوائمه وبنيانه عن الزوال والاضمحلال، فهم المصداق الأكمل لحرمات الله، قال تعالى: [وَمن يُعَظِّم حُرُماتِ الله فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّه](2)، وقال تعالى: [وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ الله فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوب](3).

5 - إنّ فيه أداء لبعض حقوق رسول الله صلّى الله عليه وآله وأهل بيته العظيمة والجليلة، وأداء حقوقهم من أعظم الأمور وأهمّها عقلاً وشرعاً، ولا يوجد حقّ أعظم من حقوق محمّد وآل محمّد صلّى الله عليه وآله، وخصوصاً الإمام الحسين عليه السّلام، الّذي لولاه ما قام للدين عمود، وما اخضرّ له عود.

6 - إنّ فيه إعانة للمظلوم على الظالم، والأخذ بحقّه منه، ونصرة للحقّ، وإحياء له، وخذلاناً للباطل، وإماتة له، ولا شكّ أنّ سيّد الشهداء عليه السّلام قتل مظلوماً، وإقامة العزاء والبكاء عليه إنّما هو لبيان مظلوميّته، وبيان فجائع أعمال الظالمين له.

7 - إنّ فيه تجديد العهد والميثاق للأئمّة عليهم السّلام.

ص: 306


1- أمالي الطوسي: 135، المجلس 5، الحديث 31.
2- سورة الحجّ، الآية: 30.
3- سورة الحجّ، الآية: 32.

8 - إنّ فيه إدخال السرور على النبيّ صلّى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السّلام.

9 - إنّ فيه إظهار المحبّة للنبيّ المختار صلّى الله عليه وآله، والودّ للأئمّة عليهم السّلام، والبرائة من أهل الغيّ والعناد، ومتابعتهم.

فعن ابن تغلب عن أبي عبد الله عليه السّلام، قال: «نفس المهموم لظلمنا تسبيح، وهمّه لنا عبادة، وكتمان سرّنا جهاد في سبيل الله»، ثمّ قال أبو عبد الله عليه السّلام: «يجب أن يكتب هذا الحديث بالذهب»(1).

وعن مسمع بن عبد الملك كردين البصري، قال: قال لي أبو عبد الله عليه السّلام: «وإنّ الموجع قلبه لنا ليفرح يوم يرانا عند موته فرحة لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتّى يرد علينا الحوض»(2).

10 - إنّ فيه فضلاً كثيراً، وثواباً جزيلاً، وأجراً كبيراً يعود على العامل؛ لما ذكرناه سابقاً: من الروايات المتظافرة الواردة بذلك.

11 - إنّه سبب لغفران الذنوب، وكشف الكروب عن القلوب.

فعن جميل بن درّاج، عن معتب مولى أبي عبد الله عليه السّلام، قال: سمعته يقول لداود بن سرحان: «يا داود، أبلغ مواليّ عنّي

ص: 307


1- تقدّم تخريجه في الصفحة: 305.
2- تقدّم تخريجه في الصفحة: 300.

السّلام، وأنّي أقول: رحم الله عبداً اجتمع مع آخر فتذاكرا أمرنا، فإنّ ثالثهما ملك يستغفر لهما. وما اجتمع اثنان على ذكرنا إلاّ باهى الله تعالى بهما الملائكة، فإذا اجتمعتم فاشتغلوا بالذكر؛ فإنّ في اجتماعكم ومذاكرتكم إحياءنا، وخير الناس من بعدنا من ذاكر بأمرنا ودعا إلى ذكرنا»(1).

وعن عبد الله بن بكير، قال أبو عبد الله عليه السّلام: «وإنّه - يعني الحسين عليه السّلام - لينظر إلى زوّاره، وإنّه أعرف بهم - وبأسمائهم، وأسماء آبائهم، وما في رحالهم - من أحدهم بولده، وإنّه لينظر إلى من يبكيه فيستغفر له، ويسأل أباه الاستغفار له، ويقول: أيّها الباكي، لو علمت ما أعدّ الله لك لفرحت أكثر ممّا حزنت، وإنّه ليستغفر له من كلّ ذنب وخطيئة»(2).

12 - إنّه سبب لاستجابة الدعوات، وقضاء الحاجات، ونيل الدرجات، فعن إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السّلام: أكون أدعو فأشتهي البكاء ولا يجيئني وربما ذكرت بعض من مات من أهلي فأرق وأبكي فهل يجوز ذلك؟ فقال: «نعم، فتذكّرهمفإذا رققت فابك وادع ربّك تبارك وتعالى»(3)، أضف إلى ذلك أنّ الدعاء مورد للاستجابة من الباكين على أبي عبد الله الحسين عليه السّلام.

ص: 308


1- أمالي الطوسي: 224، المجلس 8، الحديث 40.
2- تقدّم تخريجه في الصفحة: 303.
3- 215.وسائل الشيعة 7: 74، باب 29 من أبواب الدعاء، الحديث 1.

13 - إنّه سبب للنجاة من أهوال يوم القيامة، والبرزخ، وعذاب القبر، وسبب لنيل شفاعة النبيّ صلّى الله عليه وآله، والأئمّة عليهم السّلام.

ويدلّ عليه حديث مسمع بن عبد الملك المتقدّم(1).

14 - إنّ فيه عزاء من كلّ مصيبة، وسلوة من كلّ رزيّة؛ لأنّه بتذكّر تلك المصائب العظمى والدواهي الكبرى الّتي جرت على النبيّ محمّد صلّى الله عليه وآله وأهل بيته، سادات الأنام، تهون كلّ مصائب الدنيا.

فعن عمرو بن سعيد الثقفي، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: قال: «إن أصبت بمصيبة في نفسك، أو في مالك، أو في ولدك، فاذكر مصابك برسول اللّه صلّى الله عليه وآله؛ فإنّ الخلائق لم يصابوا بمثله قطّ»(2).

وعن سليمان بن عمرو النخعيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «من أصيب بمصيبة فليذكر مصابه بالنبيّ صلّى الله عليه وآله؛ فإنّه أعظم المصائب»(3).

وقد ثبت: أنّهم عليهم السّلام نفس النبيّ صلّى الله عليه وآله بنصّ

ص: 309


1- تقدّم تخريجه في الصفحة: 300.
2- الكافي 3: 213، كتاب الجنائز، باب التعزّي، الحديث 2، ووسائل الشيعة 3: 268، باب 79 من أبواب الدفن وما يناسبه، الحديث 4.
3- الكافي 3: 212، كتاب الجنائز، باب التعزّي، الحديث 1، ووسائل الشيعة 3: 268، باب 79 من أبواب الدفن، الحديث 2، مع اختلاف يسير.

القرآن في آية المباهلة؛ حيث قال تعالى: [فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ](1)، ولقوله صلّى الله عليه وآله: «عليٌّ منّي، وأنا منه، ولا يؤدّي عنّي إلاّ أنا أو عليّ »(2)، ولقوله صلّى الله عليه وآله: «إنّما فاطمة بضعة منّي، يؤذيني من آذاها»(3)، ولقوله صلّى الله عليه وآله: «حسين منّي، وأنا من حسين»(4)، ولقول الصّادق عليه السّلام لبكير بن أعين

ص: 310


1- سورة آل عمران، الآية: 61.
2- المعجم الكبير 4: 16، الحديث 3513، والمصدر نفسه 11: 316، الحديث12127، مع اختلاف يسير، والعمدة: 199، الحديث 299، ومسند أحمد 5: 171، الحديث 17056، وسنن ابن ماجه 1: 44، الحديث 119، مع اختلاف يسير، وسنن الترمذي 5: 636، الحديث 3719، ومصنّف ابن أبي شيبة 7: 495، باب 18، الحديث 8، والجامع الصغير 2: 177، الحديث 5595، مع اختلاف يسير، وكنز العمّال 11: 603، الحديث 32913، مع اختلاف يسير، وبحار الأنوار 22: 148، الحديث 141، مع اختلاف يسير.
3- العمدة: 384، الحديث 758، وصحيح البخاري 4: 252، الحديث 3714 وفيه «فمن أغضبها أغضبني»، وصحيح مسلم 4: 1903، الحديث 2449 / 94، والمستدرك على الصحيحين 3: 159، مع اختلاف يسير، وكنز العمّال 12: 107، الحديث 34215، مع اختلاف يسير، وسنن الترمذي 5: 698، الحديث 3869، والسنن الكبرى للبيهقي 10: 201، ومصنّف ابن أبي شيبة 7: 526، باب 33، الحديث 1 وفيه «فمن أغضبها أغضبني»، والمعجم الكبير 22: 404 - 405، الحديث 1011 و 1013، مع اختلاف يسير، وتهذيب التهذيب 12: 468 / 2860، والصواعق المحرقة: 190، الباب الحادي عشر، الفصل الثالث، الحديث 5، ومسند أحمد 4: 571، الحديث 15691، وذخائر العقبى 1: 174 ، مع اختلاف يسير.
4- كامل الزيارات: 116، باب 14، الحديث 11، والإرشاد 2: 127، والعمدة: 406، الحديث 839، وبحار الأنوار 43: 270، وسنن الترمذي 5: 658، الحديث 3775، ومجمع الزوائد 9: 181، وفيه «وأنا منه»، والمعجم الكبير 3: 32، الحديث 2586 وفيه «وأنا منه»، والمصدر نفسه 22: 274، الحديث 702، وفيه «وأنا منه»، وأسد الغابة 2: 20، وميزان الاعتدال 2: 135 / 3170، والمستدرك على الصحيحين 3: 177، وقال: حديث صحيح، ولم يخرجاه.

وقد قبض على ذراع نفسه عليه السّلام: «يا بكير، هذا واللَّه جلد رسول اللَّه، وهذه واللَّه عروق رسول اللَّه، وهذا واللَّه لحمه...»(1).

فيكون مصابهم مصابه، ومظلوميّتهم مظلوميّته، وبالخصوص الإمام الحسين عليه السّلام؛ فإنّ المصائب الواردة عليه أعظم من مصائبهم؛ لأنّهم لم يفصل الأعداء رؤوسهم عن الأبدان، ولم يرفعوها على الرماح والسنان، ولا وطئت الخيل صدورهم بسنابكها، ولا أضرمت النيران في بيوتهم وخيامهم، ولا قتلوا أولادهم وإخوانهم بمرأى منهم، ولا بقيت أجسادهم مطروحة على وجه الصعيد ثلاثة أيّام، تسفيها الرياح، وتصهرها حرارة الشمس، بلا غسل ولا كفن، كما حصل ذلك كلّه مع الإمام الحسين عليه السّلام، ولا منعوا عن شرب الماء كما منع سيّد الشهداء، وهو إلى جنب الشريعة، ولهذا يقول الإمام الرّضا عليه السّلام: «إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذلَّ عزيزنا، بأرض كرب وبلاء، أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون»(2)، وقد سأل عبد الله بن الفضل الهاشمي أبا عبد الله عليه السّلام قائلاً: يابن رسول الله، كيف صار يوم عاشوراء يوم مصيبة وغمّ وجزع وبكاء دون اليوم الّذي قبض فيه رسول الله صلّى الله عليه وآله، واليوم الّذي ماتت فيه فاطمة عليها السّلام، واليوم الّذي قتل فيه أمير المؤمنين عليه السّلام،

ص: 311


1- بحار الأنوار 26: 28.
2- تقدّم تخريجه في الصفحة: 285.

واليوم الّذي قتل فيه الحسن عليه السّلام بالسمّ ؟ فقال: «إنّ يوم الحسين عليه السّلام أعظم مصيبة من جميع سائر الأيّام؛ وذلك أنّ أصحاب الكساء الّذين كانوا أكرم الخلق على الله كانوا خمسة، فلمّا مضى عنهم النبيّ صلّى الله عليه وآله بقي أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم السّلام، فكان فيهم للناس عزاء وسلوة، فلمّا مضت فاطمة عليها السّلام كان في أمير المؤمنين والحسن والحسين للناس عزاء وسلوة، فلمّا مضى منهم أمير المؤمنين عليه السّلام كان للناس في الحسن والحسين عزاء وسلوة، فلمّا مضى الحسن عليه السّلام كان للناس في الحسين عليه السّلام عزاء وسلوة، فلمّا قتل الحسين عليه السّلام لم يكن بقي من أهل الكساء أحد للناس فيه بعده عزاء وسلوة، فكان ذهابه كذهاب جميعهم، كما كان بقاؤه كبقاء جميعهم؛ فلذلك صار يومه أعظم مصيبة»(1).

اعتراضات على البكاء:

هذا، ولكنّ البعض اعترض على بكاء الشيعة الإماميّة الاثني عشريّة؛ استناداً إلى وجوه واهية:

الأوّل: بما رووه عن النبيّ صلّى الله عليه وآله، أنّه قال: «إنَّ الميّت

ص: 312


1- علل الشرائع 1: 225، باب 162، الحديث 1.

يعذّب ببكاء الحيّ»(1)، أو: «إنَّ الميّت يعذّب ببكاء أهله عليه»(2)،

أو: « إنَّ الميّت يعذّب ببعض بكاء أهله عليه»(3)،

أو: «الميّت يعذّب في قبره بما نيح عليه»(4).

ويرد عليه:

أوّلاً: على فرض صحّة صدوره عنه صلّى الله عليه وآله: فهو مختصّ بموت اليهودي؛ فقد رووا عن حمّاد بن زيد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: ذكر عند عائشة قول ابن عمر: الميّت يعذّب ببكاء أهله عليه، فقالت: رحم اللّه أبا عبد الرّحمان، سمع شيئاً فلم يحفظه، إنّما مرّت على رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم جنازة يهوديّ وهم يبكون عليه، فقال: «أنتم تبكون وإنّه ليعذّب»(5).

ثانياً: أنّه مخالف لفعل النبيّ صلّى الله عليه وآله - وقد ذكرنا بكاءه على ولده وعلى ابنته وزوجته، وهكذا على عمّه، وعلى فاطمة بنت أسد، وعلى غيرهم من خيار الصحابة(6) - وعمل الصحابة(7)،

ص: 313


1- صحيح مسلم 2: 639، الحديث 927 / 18 و 19، وانظر: صحيح البخاري 2: 101، الحديث 1292.
2- صحيح البخاري 2: 100، الحديث 1286، وصحيح مسلم 2: 641، الحديث 928.
3- صحيح البخاري 2: 100، الحديث 1287، وصحيح مسلم 2: 638، الحديث 927.
4- صحيح البخاري 2: 101، الحديث 1292، وصحيح مسلم 2: 639، الحديث 927 / 17.
5- صحيح مسلم 2: 642، الحديث 931.
6- تقدّم تخريجه في الصفحة: 262.
7- صحيح البخاري 2: 105، الحديث 1304، ومسند الحميدي 1: 107، الحديث 220.

وعمل أهل البيت عليهم السّلام(1).

ثالثاً: منافاته للعقل والنّقل، لا سيّما قوله تعالى: [وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى](2)، ولذلك نرى: أنّ عائشة أنكرت ذلك، واستشهدت بهذه الآية؛ ردّاً على مَن قال: إنّ الميّت ليعذّب ببكاء أهله عليه، قائلة: حسبكم القرآن: [وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى].

وعليه فأيّ جريمة على الميّت حتّى يعاني ويعذّب ببكاء أهله عليه، والله عزّ شأنه يقول: [لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ](3)، وقوله تعالى: [وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى](4)، وقوله: [فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ](5)، فكيف يعذّب البريء بالسقيم، والحكم لله العليّ العظيم؟ وعلى هذا سيعذّب ابن أوّل الأنبياء هابيل لبكاء أبيه عليه السّلام عليه(6)،وابن خاتم الأنبياء إبراهيم لبكاء النبيّ صلّى الله عليه وآله عليه(7)، وهكذا موتى غيرهما من الأنبياء؛ لأنّهم بكوا عليهم [سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا

ص: 314


1- راجع: الصفحة: 265 - 289.
2- سورة الأنعام، الآية: 164.
3- سورة البقرة، الآية: 286.
4- سورة النجم، الآية: 39.
5- سورة الزلزلة، الآية: 7 - 8.
6- الكافي 8: 97، الحديث 92، وتاريخ اليعقوبي 1: 32، وكنز العمّال 2: 400، الحديث 4356، وتاريخ الطبري 1: 145، ذكر الأحداث الّتي كانت في عهد آدم عليه السّلام بعد أن أهبط إلى الأرض.
7- تقدّم تخريجه في الصفحة: 262.

يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً](1)، [وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً](2).

الثاني: صدور النهي من عمر بن الخطّاب(3)،

وهو من الصحابة، وآثارهم من أقوال وأفعال حجّة، فلو لم يكن البكاءُ منهيّاً عنه لما نهى عمر عنه!

ويرد عليه:

أوّلاً: إنّ هذا لا يوافق ما ذهبوا إليه في مسألة حجّية قول الصحابي؛ لأنّهم اشترطوا في حجّية قوله: أن لا يخالف الكتاب ولا السنّة، ولم ينقل عن أحد من الصحابة خلاف ذلك(4).

ومثل هذا الادّعاء مخالف للكتاب الكريم، ولما هو منقول عن صاحب الشرع صلّى الله عليه وآله، ومنقوض أيضاً بما اعترضته عائشة وأنكرته من: أنّ النبيّ لم يقل ولم يحدّث بهذا(5).

وقال ابن حزم: وقد روينا عن ابن عبّاس: أنّه أنكر على من أنكر البكاء على الميّت، وقال: الله أضحك وأبكى(6).

ثانياً: أنّ الخليفة قد ناقض قوله فعلاً وقولاً؛ إذ إنّه بكى على

ص: 315


1- سورة الإسراء، الآية: 43.
2- سورة الكهف، الآية: 49.
3- راجع: كنز العمال 15: 731 , الحديث 42909 , والحديث 42910.
4- مجموعة الفتاوى 1: 200، وكتاب الأم 7: 265، باب في قطع العبد.
5- تقدّم تخريجه في الصفحة: 313.
6- المحلّى 3: 374، المسألة 589.

النعمان ابن مُقرّن المزني لَمّا جاءه نعيه، فخرج ونعاه إلى الناس على المنبر، ووضع يده على رأسه وصاح: يا أسفا على النعمان(1)،

وإنّه بكى على زيد بن الخطّاب، وكان صحبه رجل من بني عدي بن كعب فرجع إلى المدينة، فلمّا رآه عمر دمعت عيناه، وقال:

وخلّفت زيداً ثاوياً وأتيتني!(2)

وأخرج البخاري في صحيحه: أنّ عمر أجاز النياحة والبكاء على خالد بن الوليد، واستحسنه، وقال: دعهنّ يبكين على أبي سليمان(3).

وحتّى أتباع عمر قد خالف فعلهم قولهم أيضاً؛ حيث أقاموا النياحة والبكاء والمأتم على جماعة من أكابرهم(4).

وفي «طبقات الحنابلة»: قال محمّد بن يحيى النيسابوري - حين بلغه موت أحمد بن حنبل -: ينبغي لأهل كلّ دار في بغداد أن يقيموا على أحمد ابن حنبل النياحة في دورهم(5).

وفي «شذرات الذهب» قال: إنّ الناس قد أقاموا النياحة على موت

ص: 316


1- أنظر: العقد الفريد 3: 197.
2- العقد الفريد 3: 198.
3- صحيح البخاري 2: 101، مقدّمة أحاديث الباب 33، وكنز العمّال 15: 730، الحديث 42907، و 42908، وتاريخ دمشق 16: 277، وفيهما: فقال عمر: وما عليهن أن يرقن من دموعهن على أبي سليمان. والعقد الفريد 3: 198، وسير أعلام النبلاء 1: 383، والبداية والنهاية 5: 137، ذكر من توفّي سنة إحدى وعشرين، مع اختلاف يسير.
4- أنظر: العقد الفريد 3: 201.
5- طبقات الحنابلة 2: 51 / 594.

الملك إسماعيل بن السلطان محمود حين مات سنة 577 ه- ، وأكثروا من البكاء والعويل عليه،، وناحوا عليه نوح الثكلى، وفرشوا الطريق بالرماد؛ إظهاراً للحزن، وتعظيماً للمصاب(1).

ولمّا مات أحمد بن السلطان ملك شاه سنة 481 ه- مكث الناس ينوحون عليه سبعة أيّام، ولم يركب أحد فرساً، والنساء ينحن عليه في الأسواق، وسوّد أهل البلاد أبوابهم(2).

وقال ابن العماد الحنبلي: وفيها الشيخ أبو عمر المقدسي الزاهد محمّد ابن أحمد بن محمّد بن قدامة بن مقدام، الحنبلي، القدوة... ولمّا كان عشيّة الاثنين ثامن عشرى ربيع الأوّل جمع أهله، واستقبل القبلة، ووصّاهم بتقوى الله تعالى... وتوفّي رحمه الله، وغسّل في المسجد، ومن وصل إلى الماء الّذي غسّل به نشف النساء والرجال به عمائمهم، وكان يوماً مشهوداً، ولمّا خرجوا بجنازته من الدير كان يوماً شديد الحرّ... ولولا الدولة أحاطوا به بالسيوف لما وصل من كفنه إلى قبره شيء(3).

ثالثاً: إنّ الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله قد نهى عمر عن هذا القول والاعتقاد، وهو لم ينسبه إلى الرسول صلّى الله عليه وآله في حياته، وإنّما نسبه إليه بعد وفاته.

ص: 317


1- أنظر: شذرات الذهب 4: 258.
2- البداية والنهاية 7: 192.
3- شذرات الذهب 5: 27 - 30.

فقد أخرج النسائيّ، وابن ماجة، عن أبي هريرة أنّه قال: مات ميّت في آل رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فاجتمع النساء يبكين عليه، فقام عمر ينهاهنّ ويطردهنّ، فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «دعهنّ يا عمر؛ فإنّ العين دامعة، والفؤاد مصاب، والعهد قريب»(1).

وأخرج الحاكم بإسناد صحّحه على شرط الشيخين، وأقرّه الذهبي، عن أبي هريرة، قال: خرج النبيّ صلّى الله عليه وآله على جنازة ومعه عمر ابن الخطّاب، فسمع نساء يبكين، فزبرهنّ عمر، فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وآله: «يا عمر، دعهنّ؛ فإنّ العين دامعة، والنفس مصابة، والعهد قريب»(2).

وكذا أحمد وابن أبي شيبة، عن أبي هريرة: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان في جنازة فرأى عمر امراة، فصاح بها، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دعها يا عمر؛ فإنّ العين دامعة، والنفس مصابة، والعهد حديث»(3).

وأخرج أحمد - أيضاً - عن عمرو بن الأزرق، قال: توفّي بعض

ص: 318


1- السّنن الكبرى للنسائي 1: 610، الحديث 1986، وسنن ابن ماجة 1: 505، الحديث 1587 ، مع اختلاف يسير.
2- المستدرك على الصحيحين 1: 381، والسّنن الكبرى للبيهقي 4: 70 ، مع اختلاف يسير، ومسند أحمد 2: 252، الحديث 5855 ، مع اختلاف يسير، والجامع الصغير 1: 649، الحديث 4216 وقال في الحاشية: حديث صحيح.
3- مسند أحمد 3: 191، الحديث 9438، والمصنّف 3: 170، باب 71، الحديث 1 ، مع اختلاف يسير.

كنائن مروان، فشهدها الناس، وشهدها أبو هريرة، ومعها نساءيبكين، فأمرهنّ مروان بالسكوت، فقال أبو هريرة: دعهنّ؛ فإنّه مرّ على رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم جنازة معها بواك، فنهرهنّ عمر، فقال له رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «دعهنّ؛ فإنّ النفس مصابة، والعين دامعة، والعهد حديث»(1).

وقال أبو هريرة: أبصر عمر امراة تبكي على قبر، فزبرها، فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «دعها يا أباحفص؛ فإنّ العين باكية، والنفس مصابة، والعهد حديث»(2).

الثالث: البكاء على الميّت فيه اعتراض على قضاء الله وقدره - وهو يرجع في الواقع إلى الاعتراض على عدل الله وحكمته، حتّى لو كان الجازع غافلاً عن هذا - وهو حرام بلا أشكال.

وهذا الوجه مدفوع: بفعل النبيّ صلّى الله عليه وآله، والصحابة، وأهل البيت عليهم السّلام، وبقوله صلّى الله عليه وآله - حين بكى على ولده إبراهيم -: «تدمع العين، ويخشع القلب، ولا نقول إلاّ ما يرضي الربّ»(3).

هذا، مع أنّ البكاء على الفقيد من جملة الأمور غير الاختياريّة

ص: 319


1- مسند أحمد 2: 637، الحديث 8196.
2- كنز العمّال 15: 728، الحديث 42899.
3- الكافي 3: 248، كتاب الجنائز، باب النوادر، الحديث 45، وانظر: صحيح مسلم 4: 1807، الحديث 2315 ، مع اختلاف يسير.

للبعض، خصوصاً بالنسبة إلى القلوب الرحيمة، وهو أمر قهريٌ ليس باختيار الإنسان منعه، فيما إذا دهمته فاجعة في نفسه أو أهله وأحبّته.

وقالوا: إنّ مفارقة الأحبّة ملازمة لجريان الدمعة، ومن لا يحزن عند الفراق ففيه شعبة من النفاق(1).وعليه فالبكاء على الميّت ليس ممنوعاً منه في الشرع، ما لم يكن مقروناً بعدم الرّضا بقضاء الله عزّ وجلّ، ولم ينضمّ إليه محرّم آخر، وإنّه لا ملازمة بين البكاء والاعتراض على إرادة اللَّه عزّ وجلّ، كما نبّه عليه صلّى الله عليه وآله بقوله: «ولا نقول إلاّ ما يرضي الربّ».

دعاء الإمام الصّادق عليه السّلام لزوّار جدّه الإمام الحسين عليه السّلام:

روي هذا الحديث بسند معتبر، عن معاوية بن وهب، قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السّلام وهو في مصلاّه، فجلست حتّى قضى صلاته، فسمعته وهو يناجي ربّه، ويقول: «يا من خصّنا بالكرامة، ووعدنا الشّفاعة، وحمّلنا الرسالة، وجعلنا ورثة الأنبياء، وختم بنا الأمم السالفة، وخصّنا بالوصيّة، وأعطانا علم ما مضى، وعلم ما بقي، وجعل أفئدة من الناس تهوي إلينا، اغفر لي ولإخواني وزوّار قبر أبي(2) الحسين بن عليّ صلوات الله عليهم، الّذين أنفقوا أموالهم، وأشخصوا أبدانهم؛ رغبة

ص: 320


1- مهذّب الأحكام 4: 207.
2- في كامل الزيارات ووسائل الشيعة: «قبر أبي عبد الله الحسين».

في برّنا، ورجاء لما عندك في صلتنا، وسروراً أدخلوه على نبيّك محمّد صلّى الله عليه وآله، وإجابة منهم لأمرنا، وغيظاً أدخلوه على عدوّنا، أرادوا بذلك رضوانك، فكافهم عنّا بالرضوان، واكلأهم بالليل والنهار، واخلف على أهاليهم وأولادهم الّذين خلّفوا بأحسن الخلف، واصحبهم، واكفهم شرّ كلّ جبّار عنيد، وكلّ ضعيف من خلقك أو شديد، وشرّ شياطين الإنس والجن، وأعطهم أفضل ما أمّلوا منك في غربتهم عن أوطانهم، وما آثرونا على أبنائهم وأهاليهم وقراباتهم. اللّهمّ إنّ أعداءنا عابوا عليهم خروجهم، فلم ينههم ذلك عن النهوض والشخوص إلينا؛ خلافاً عليهم، فارحم تلك الوجوه الّتي غيّرها(1) الشمس، وارحم تلك الخدود الّتي تقلّبت على قبر أبي عبد الله عليه السّلام، وارحم تلك الأعين الّتي جرت دموعها؛ رحمة لنا، وارحم تلك القلوب الّتي جزعت واحترقت لنا، وارحم تلك الصرخة الّتي كانت لنا. اللّهمّ إنّي أستودعك تلك الأنفس وتلك الأبدان حتّى ترويهم(2) من الحوض يوم العطش»(3).

ص: 321


1- في وسائل الشيعة «غيّرتها».
2- في كامل الزيارات ووسائل الشيعة «توافيهم» بدل «ترويهم»، وفي الكافي «نوافيهم».
3- ثواب الأعمال: 122، الحديث 44، والكافي 4: 579، كتاب الحجّ، باب 358، الحديث 11 وكامل الزيارات: 228، باب 40، الحديث 2، ووسائل الشيعة 14: 411، باب 37 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 7.

ويستفاد من هذا الحديث عدّة فوائد:

الأولى: أنّ الأئمّة عليهم السّلام هم أكرم الخلق عند الله عزّ وجلّ، والكرامة الّتي لهم من الله سبحانه وتعالى مختصّة بهم، ولا يشاركهم أحد فيها.

الثانية: أنّ للأئمّة صلوات اللّه عليهم أجمعين مقام الشفاعة - في يوم الحشر والنشر - للمذنبين من المؤمنين، وهذا المقام مقام تكريم لهم، وإعظام لشأنهم، وإظهار لشرفهم، وإجلال لمكانهم من قبل الله عزّ وجلّ.

والنصوص في أصل الشفاعة متواترة بين المسلمين عموماً وخصوصاً:

فمنها: ما رواه الفريقان عنه صلّى الله عليه وآله من قوله: «ادّخرتُ شفاعتي لأهل الكبائر من أُمّتي»(1).

ومنها: قوله صلّى الله عليه وآله: «ليخرجنّ قوم من النار بشفاعتي، يسمّون الجهنّميّين»(2).

ص: 322


1- التبيان في تفسير القرآن 1: 213، تفسير سورة البقرة، الآية: 48، وبحار الأنوار 8: 62، ومسند أحمد 2: 602، وفيه: «أؤخّر دعوتي؛ شفاعة لأمّتي إلى يوم القيامة»، وسنن ابن ماجة 2: 1441، الحديث 4310 وفيه: «إنّ شفاعتي يوم القيامةلأهل الكبائر من أمّتي»، والمستدرك على الصحيحين 1: 69، وفيه: «الشفاعة لأهل الكبائر من أمّتي»، والمصدر نفسه 2: 382، وفيه: «إنّ شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي»، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرّجاه.
2- سنن ابن ماجة 2: 1443، الحديث4315، وسنن أبي داود 4: 236، الحديث 4740، مع اختلاف يسير، والجامع الصغير 2: 448، الحديث 7552، مع اختلاف يسير.

ومنها: قوله صلّى الله عليه وآله: «يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء، ثمّ العلماء، ثمّ الشّهداء»(1).

وممّا دلّ على شفاعتهم عليهم السّلام: قوله صلّى الله عليه وآله: «الشفعاء خمسة: القرآن، والرحم، والأمانة، ونبيّكم، وأهل بيت نبيّكم»(2).

ومنها: ما ورد في معتبرة معاوية بن وهب، قال: سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن قول الله تعالى: [لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرّحمنُ وَقَالَ صَواباً] (3)، قال: «نحن والله المأذون لهم في ذلك اليوم، والقائلون صواباً»، قلت: جعلت فداك، وما تقولون [إذا تكلّمتم]؟ قال: «نمجّد ربّنا، ونصلّي على نبيّنا، ونشفع لشيعتنا، فلا يردّنا ربّنا»(4).

وقال الصّادق عليه السّلام: «شفاعتنا لأهل الكبائر من شيعتنا، وأمّا التائبون فإنّ الله عزّ وجلّ يقول: ما على المحسنين

ص: 323


1- سنن ابن ماجة 2: 1443، الحديث 4313، والجامع الصغير 1: 434، الحديث 2834، مع اختلاف يسير، والمصدر نفسه 2: 761، الحديث 10011 وقال عنه في الحاشية: إنّه حديث حسن، وروضة الواعظين: 11، مع اختلاف يسير.
2- بحار الأنوار 8: 43، الحديث 39، والجامع الصغير 2: 86، الحديث 4942، مع اختلاف يسير، وكنز العمّال 14: 390، الحديث 39041، مع اختلاف يسير.
3- سورة النبأ، الآية: 38.
4- المحاسن 1: 292، باب شيعتنا آخذون بحجزتنا، الحديث 580، والكافي 1: 501، كتاب الحجّة، الباب 165، الحديث 91.

من سبيل»(1).

وعن معاوية بن وهب - أيضاً - قال: قلت لأبي عبد الله عليه السّلام: قوله [مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ]قال: «نحن أولئك الشافعون»(2).

والحاصل: أنّ شفاعة النبيّ صلّى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السّلام من الأصول المسلّمة في الشريعة الإسلاميّة؛ فقد نطق بها القرآن الكريم، والنصوص المتواترة، فضلاً عمّا ادّعي عليها من إجماع المسلمين، واعترف بها العقل السليم، والحديث عنها يحتاج إلى كتاب مستقلّ، وهو خارج عن نطاق هذا الكتاب.

الثالثة: أنّ الأئمّة الهداة صلوات اللّه عليهم أجمعين هم المعيّنون بنصّ رسول اللّه صلّى الله عليه وآله بالإمامة والخلافة من بعده؛ حيث جعلهم أوصياءه المنتخبين، وخلفاءه المنصوصين في أمّته، وحججاً على الخلق أجمعين، فيجب الإقرار بإمامتهم، والتسليم لهم، والانقياد لأمرهم، والأخذ بقولهم، ويكون الرادّ عليهم كالرادّ على الرّسول صلّى الله عليه وآله، والرادّ على الرّسول كالرادّ على اللّه تعالى، وهم اثنا عشر إماماً، قد جاء النصّ على عددهم من قبل رسول اللّه صلّى الله عليه وآله في أحاديث صحيحة اتفق المسلمون على روايتها.

ص: 324


1- من لا يحضره الفقيه 3: 574، الحديث 4964.
2- المحاسن 1: 292، باب شيعتنا آخذون بحجزتنا، الحديث 581، وتفسير العيّاشي 1: 136، تفسير سورة البقرة، الحديث 450، مع اختلاف يسير.

فعن جابر بن سمرة، أنّه سمع النبيّ يقول: «لا يزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة، ويكون عليكم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش»(1).

وعن عبد الله بن مسعود، عن النبيّ صلّى الله عليه وآله، قال: «يكون بعدي عدّة نقباء موسى عليه السّلام»(2).

وعن الحمويني بإسناده عن عبدالله بن عبّاس، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: «أنا وعليّ والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهّرون معصومون»(3).

وعن جابر بن يزيد الجعفيّ، قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاريّ يقول: لمّا أنزل الله عزّ وجلّ على نبيّه محمّد صلّى الله عليه وآله [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ]، قلت: يا رسول الله، عرفنا الله ورسوله، فمن أولو الأمر الّذين قرن الله طاعتهم بطاعتك ؟ فقال عليه السّلام: «هم خلفائي يا

ص: 325


1- الخصال 2: 473، باب الاثني عشر، الحديث 29، ومناقب آل أبي طالب 1: 289، ومسند أحمد 6: 93، الحديث 20319، وصحيح مسلم 3: 1453، الحديث 1822، والمعجم الكبير 2: 199، الحديث 1809، وكنز العمّال 12: 33، الحديث 33855.
2- الخصال 2: 511، أبواب الاثني عشر، الحديث 10، والغيبة للطوسي: 133، الحديث 97، والجامع الصغير 1: 350، الحديث 2297، مع اختلاف يسير، وكنز العمّال 6: 89، الحديث 14971، ولكن ورد فيه: «إنّ عدّة الخلفاء بعدي»، والمصدر نفسه 12: 33، الحديث 33859، مع اختلاف يسير.
3- فرائد السمطين 2: 99، باب 31، الحديث 425، ورواه الصّدوق في كمال الدين وتمام النعمة 1: 280، باب 24، الحديث 28.

جابر، وأئمّة المسلمين [من] بعدي، أوّلهم عليّ بن أبي طالب، ثمّ الحسن والحسين، ثمّ عليّ بن الحسين، ثمّ محمّد بن عليّ المعروف في التوراة بالباقر، وستدركه يا جابر، فإذا لقيته فأقرئه منّي السّلام، ثمّ الصّادق جعفر بن محمّد، ثمّ موسى بن جعفر، ثمّ عليّ بن موسى، ثمّ محمّد بن عليّ، ثمّ عليّ بن محمّد، ثمّ الحسن بن عليّ، ثمّ سميّي وكنيّي، حجّة الله في أرضه، وبقيّته في عباده، ابن الحسن بن عليّ، ذاك الّذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها، ذاك الّذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلاّ من امتحن الله قلبه للإيمان»، قال جابر: فقلت له: يا رسول الله، فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟ فقال عليه السّلام: «إي والّذي بعثني بالنبوّة، إنّهم يستضيؤون بنوره، وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلّلها سحاب. يا جابر، هذا من مكنون سرّ الله، ومخزون علمه، فاكتمه إلاّ عن أهله»(1).

والحاصل: أنّ من نظر في مجموع الروايات الكثيرة الواردة في هذا المجال يجد: أنّها قد أخذت أوصافاً وعناوين خاصّة لا تنطبق إلاّ على الأئمّة الاثني عشر المعروفين عليهم السّلام، ولا تصدق على غيرهم، وهذا بنفسه يعدّ من معجزات صاحب الرسالة صلّى الله عليه

ص: 326


1- كمال الدين 1: 253، باب 23، الحديث 3، وأعلام الورى 2: 181، وكشف الغمّة 2: 1005، مع اختلاف يسير.

وآله وإخباره عن المغيّبات.

الرابعة: بمقتضى علوّ شأنهم وفضلهم، ورفعة كرامتهم عند اللّه عزّ وجلّ، وكونهم أئمّةً وهادين للخلق، فقد منحهم اللّه تعالى علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، فورّثهم علم الكتاب الّذي فيه تفصيل كلّ شيء، وعلم رسول اللَّه صلّى الله عليه وآله، ولمّا كان صلّى الله عليه وآله أعلم من جميع الأنبياء والمرسلين فهم عليهم السّلام أيضاً كذلك، وقد ورد عن النبيّ صلّى الله عليه وآله - كما في الحديث المتواتر - قوله: «أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب»(1).

وعن أبان بن تغلب، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: من أراد أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويدخل جنّة ربّي، جنّة عدن غرسها بيده، فليتولّ عليّاً، وليتولّ وليّه، وليعاد عدوّه، وليأتمّ بالأوصياء من بعده؛ فإنّهم عترتي من لحمي ودمي، أعطاهم الله فهمي وعلمي. إلى الله أشكو من أمّتي المنكرين لفضائلهم، القاطعين فيهم صلتي. وأيم الله ليقتلنّ ابني، لا أنالهم الله شفاعتي»(2).

ص: 327


1- شرح الأخبار 1: 89، الحديث 2، والمستدرك على الصحيحين3: 127، والجامع الصغير 1: 415، الحديث 2705، وكنز العمّال11: 600، الحديث 32890.
2- بصائر الدرجات 1: 73، باب22، الحديث 5، والكافي 1: 266، كتاب الحجّة، باب ما فرض الله عزّوجلّ ورسوله صلّى الله عليه وآله من الكون مع الأئمّة عليهم السّلام، مع اختلاف يسير، وكنز العمّال 12: 103، الحديث 34198، مع اختلاف في بعض ألفاظه.

وعن بريد بن معاوية، قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: [قُلْ كَفَى بِالله شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ] (1)، قال: «إيّانا عنى، وعليّ عليه السّلام أوّلنا، وعليّ أفضلنا وخيرنا بعد النبيّ صلّى الله عليه وآله»(2).

وعن مثنّى، قال: سألته عن قول الله عزّ وجلّ: [وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ] (3)، قال: «نزلت في عليّ عليه السّلام بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله، وفي الأئمّة بعده»(4).

وعن جابر، عن أبي جعفر عليه السّلام، أنّه قال: «ما يستطيع أحد أن يدّعي أنّه جمع القرآن كلّه - ظاهره وباطنه - غير الأوصياء»(5).

والحاصل: أنّهم - صلوات اللّه عليهم أجمعين - هم الواقفون على ظاهر الكتاب وباطنه، والعارفون بناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومجمله ومفصّله، وعامّه وخاصّه، ومطلقه ومقيّده، وعندهم علم الأنبياء

ص: 328


1- سورة الرّعد، الآية: 43.
2- بصائر الدرجات 5: 283، باب 1، الحديث 12، والمصدر نفسه 5: 284، باب 1، الحديث 20، والكافي 1: 286، كتاب الحجّة، باب أنّ الأئمّة عليهم السّلام عندهم جميع الكتب الّتي نزلت من عند الله عزّوجلّ، الحديث 6، ومناقب آل أبي طالب 4: 400، وفيه: يزيد ابن معاوية، ووسائل الشيعة 27: 181، باب 13 من أبواب صفات القاضي، الحديث 15.
3- سورة الرّعد، الآية: 43.
4- بصائر الدرجات 5: 282، باب 1، الحديث 10.
5- بصائر الدرجات 4: 256، باب 6، الحديث 1، والكافي 1: 284، كتاب الحجّة، باب 91، الحديث 2، وفيه: «إنّ عنده جميع القرآن كلّه» بدل «إنّه جمع القرآن كلّه».

والرسل، وعندهم علم جدّهم صلّى الله عليه وآله، وعندهم الجفر والجامعة وغيرهما، والأخبار بذلك وغيره - من أنواع علومهم عليهم السّلام - فوق التواتر، فمن أرادها فليطلبها في كتاب «بصائر الدرجات» للصفّار(1)، و «الكافي» للكليني(2)، وغيرهما من الكتب.

الخامسة: أنّ اللّه - تبارك وتعالى - جعل قلوب بعض الناس - وهم المؤمنون الطيّبون الطاهرون، الّذين طابت ولادتهم - تحنّ إليهم بالحبّ والولاء، وتشتاق إلى لقائهم في الدنيا والآخرة، وهذا الحنين والشوق إنّما نشأ من عالم الذّر، وعالم الأرواح، وعالم الطينة؛ لأنّ أبدان وأرواح محبّيهم وشيعتهم مخلوقة من فاضل طينتهم عليهم السّلام.

فعن أبي حمزة الثماليّ، قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: «إنّ الله عزّ وجلّ خلقنا من أعلى علّيّين، وخلق قلوب شيعتنا ممّا خلقنا منه، وخلق أبدانهم من دون ذلك، وقلوبهم تهوي إلينا؛ لأنّها خلقت ممّا خلقنا منه - ثمّ تلا هذه الآية- [كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ * كِتابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ] (3)، وخلق عدوّنا من سجّين، وخلق قلوب شيعتهم ممّا خلقهم منه، وأبدانهم من دون ذلك، فقلوبهم تهوي إليهم؛ لأنّها خلقت ممّا خلقوا

ص: 329


1- بصائر الدرجات 3: 208 - 219، باب 14.
2- الكافي 1: 294 - 298، كتاب الحجّة، باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليها السّلام.
3- سورة المطفّفين، الآية: 18 - 21.

منه - ثمّ تلا هذه الآية - [كَلاّ إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ * كِتابٌ مَرْقُومٌ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ] »(1).

وعن حنان بن منذر، عن أبي عبد الله عليه السّلام، قال: «إنّ الله عجن طينتنا وطينة شيعتنا، فخلطنا بهم، وخلطهم بنا، فمن كان في خلقه شيء من طينتنا حنّ إلينا، فأنتم - والله - منّا»(2).

والروايات الّتي تشير إلى العلاقة بين أهل البيت عليهم السّلام وشيعتهم كثيرة:

فعن زيد الشحّام، قال: دخل قتادة بن دعامة على أبي جعفر عليه السّلام - إلى أن قال: فقال أبو جعفر عليه السّلام: «... ويحك يا قتادة، ذلك من خرج من بيته بزاد وراحلة وكراء حلال يروم هذا البيت، عارفاً بحقّنا، يهوانا قلبه، كما قال اللّه عزّ و جلّ: [فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ](3)، ولم يعن: البيت، فيقول: إليه، فنحن - واللّه - دعوة إبراهيم عليه السّلام الّتي من هوانا قلبه قبلت حجّته، وإلاّ فلا. يا قتادة، فإذا كان كذلك كان آمناً من عذاب جهنّم يوم القيامة...»(4).

ص: 330


1- الكافي 2: 6، كتاب الإيمان والكفر، باب طينة المؤمن والكافر، الحديث 4.
2- بصائر الدرجات 1: 29، باب 9، الحديث 8.
3- سورة إبراهيم، الآية: 37.
4- الكافي 8: 245، الحديث 485.

وعن سلام الخثعمي، قال: دخلت على أبي جعفر محمّد بن عليّ عليه السّلام، فقلت: يابن رسول الله، قول الله تعالى: [أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ] (1)، قال: «يا سلام، الشجرة محمّد، والفرع عليّ أمير المؤمنين، والثمر الحسن والحسين، والغصن فاطمة، وشعب ذلك الغصن الأئمّة من ولد فاطمة عليها السّلام، والورق شيعتنا ومحبّونا أهل البيت...»(2).

وعن مينا بن أبي مينا مولى عبد الرّحمن بن عوف، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: «أنا الشجرة، وفاطمة فرعها، وعليّ لقاحها، والحسن والحسين ثمرتها»، وزاد عبد الرزّاق: «وشيعتنا ورقها. الشجرة أصلها في جنّة عدن، والفرع والورق والثمر في الجنّة»(3).

وعن الفضيل، عن أبي عبد الله عليه السّلام، قال: «من وجد برد حبّنا في كبده فليحمد الله على أوّل النعم»، قال: قلت: جعلت فداك، ما أوّل النعم؟ قال: «طيب الولادة...»(4).

ص: 331


1- سورة إبراهيم، الآية: 24.
2- شواهد التنزيل 1: 406، الحديث 428.
3- أمالي الطوسي: 610، المجلس 28، الحديث 10، وبحار الأنوار 35: 31، والمستدرك على الصحيحين 3: 160، مع اختلاف يسير، وشواهد التنزيل 1: 408، الحديث 431، مع اختلاف يسير.
4- تهذيب الأحكام 4: 125، باب 39، الحديث 401، ووسائل الشيعة 9: 547، باب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 10.

وعن أبي عبد الله عليه السّلام، أنّه قال: «لا يحبّنا - أهل البيت - المذعذع»، قالوا: وما المذعذع؟ قال: «ولد الزنا»(1).

وعن الوليد بن عبادة بن الصامت، عن أبيه، قال: كنّا ننور أولادنا بحبّ عليّ بن أبي طالب، فإذا رأينا أحداً لا يحبّ عليّ بن أبي طالب علمنا: أنّه ليس منّا، وأنّه لغير رشده(2).

وعن جابر بن عبد الله الأنصاري، عن النبيّ صلّى الله عليه وآله قال: «معاشر الأنصار، اغدو أولادكم على محبّة عليّ»، قال جابر: كنّا نبور أولادنا في وقعة الحرّة [كذا] بحبّ عليّ، فمن أحبّه علمنا أنّه من أولادنا، ومن أبغضه أشفينا منه(3).

وعن أنس: أنّ رسول الله صلي الله عليه وآله شهر عليّاً يوم خيبر فقال: «يا أيّها النّاس، امتحنوا أولادكم بحبّه؛ فإنّ علياً لا يدعو إلى ضلالة، ولا يبعد عن هدىً، فمن أحبّه فهو منكم، ومن أبغضه فليس منكم»(4).

وعن ابن الزبير، عن جابر: أمرنا رسول الله: أن نعرض أولادنا على حبّ عليّ بن أبي طالب(5).

ص: 332


1- النهاية في غريب الحديث 2: 138، مادّة «ذعذع».
2- تاريخ دمشق 42: 287.
3- شواهد التنزيل 1: 343، الحديث 475.
4- تاريخ دمشق 42: 288.
5- ميزان الاعتدال 1: 506 / 1904، ولسان الميزان 2: 271 / 2530.

السادسة: أنّ حجّة الله في أرضه وخليفته على عباده الإمام الصّادق عليه السّلام قد دعا لزوّار قبر الحسين عليه السّلام بدعاء خاصّ لهم، ينبغي للمؤمنين أن يغتنموه، وهو يدلّ على لزوم شدّة الاهتمام بإحياء ذكرى استشهاد سيّد الشهداء عليه السّلام، والمواظبة على زيارته من قريب وبعيد.

السابعة: أنّ قوله عليه السّلام: «رغبة في برّنا» يدلّ على: استحباب الإنفاق والبذل في كلّ ما يمت بصلة برّ إلى أئمّة أهل البيت عليهم السّلام، سواء كان في الزيارة أو غيرها، بل عموم التعليل في قوله عليه السّلام: «رغبة في برّنا، ورجاء لما عندك في صلتنا، وسروراً أدخلوه على نبيّك محمّد صلّى الله عليه وآله» شامل للشعائر الحسينيّة بمختلف أشكالها، من إقامة مجلس العزاء، وإنشاء الشعر وإنشاده في مدحهم ومصيبتهم عليهم السّلام، والبكاء، ولطم الخدود والصدور، وخمش الوجوه، وشقّ الجيوب، ولبس السواد، والخروج إلى الشوارع والطرقات على شكل كراديس منتظمة للدلالة على عظم المصاب، وإخراج التشابيه، إلى غير ذلك من صور وأشكال العزاء الحسينيّ، وشموله مشروط بعدم كون الفعل محرّماً في نفسه، أو مستلزماً لمحرّم، أو صار محرّماً بالعنوان الثانويّ.

الثامنة: يدلّ قوله عليه السّلام: «وغيظاً أدخلوه على عدوّنا» على: أنّ هذه المجالس والشعائر الحسينيّة - الّتي فيها ذكر لمصائب محمّد وآل محمّد صلّى الله عليه وآله وبيان لمظلوميّتهم - كالسهام

ص: 333

في عيون أعداء آل محمّد صلّى الله عليه وآله، وكالرماح المشرعة في وجوههم؛ لأنّ فيها تعريتهم وتقريعهم وخزيهم وفضيحتهم وكشف بدعهم وانحرافهم؛ لذا تجدهم يبذلون أقصى جهدهم للطعن والاستهزاء والسخرية، والتشكيك في هذه المجالس.

التاسعة: يدلّ قوله عليه السّلام: «اللّهمّ إنّ أعداءنا عابوا عليهم بخروجهم، فلم ينههم ذلك عن النهوض والشخوص إلينا» على: أنّ أعداء الله عزّ وجلّ وأعداء آل محمّد صلّى الله عليه وآله يعيبون على شيعة أهل البيت ومواليهم قيامهم بالأعمال الّتي رسمها لهم أهل البيت عليهم السّلام؛ ليرفعوا ما يوجب التشهير والتنديد بهم بين الملأ جهاراً نهاراً، فهم يريدون ليطفئوا نور اللّه بمكرهم، ولكنّ اللّه شاء غير ما يشاؤون، ودبّر غير ما يدبّرون، فقد أراد اللّه لهذه المجالس الحسينيّة والمواكب العزائيّة أن تبقى إلى يوم القيامة، كما تذكر الصدّيقة الطاهرة زينب الكبرى عليها السّلام بما سمعته عن أمّ أيمن، عن جدّها رسول الله صلّى الله عليه وآله بقولها - وهي تحدّث الإمام عليّ بن الحسين عليه السّلام -: «ينصبون لهذا الطفّ علماً لقبر أبيك سيّد الشهداء، لا يدرس أثره، ولا يعفو رسمه، على كرور الليالي والأيّام، وليجتهدنّ أئمّة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه، فلا يزداد أثره إلاّ ظهوراً، وأمره إلاّ علوّاً»(1).

ص: 334


1- بحار الأنوار 45: 179، باب 39، الحديث 30.301- بحار الأنوار 45: 135، باب 39، الحديث 1.

وفعلاً كان كما أخبر به صلّى الله عليه وآله.

وهذه إحدى معاجزه الظاهرة الدالّة على صدقه، وأنّ ما جاء به من عند الله تعالى لا من عند نفسه.

أضف إلى ذلك فإنّ زينب الكبرى عليها السّلام قد أقسمت ببقاء ذكر أهل البيت عند مخاطبتها يزيد قائلة: «فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا ولا تدرك أمدنا».وعليه فمن اللازم على شيعة أهل البيت ومواليهم - زادهم الله عزّاً وشرفاً - الإكثار من إقامة هذه المجالس، والحضور فيها، والإنفاق عليها لأجل تشييدها على أحسن وجه، وأتمّ نظام، وعدم الإصغاء إلى تشكيكات المشكّكين وأغراض المنحرفين.

والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.

ص: 335

ص: 336

الفهارس الفنية

فهرس مصادر التحقيق

فهرس المحتويات

ص: 337

ص: 338

المصادر

1- القرآن الكريم

2- الآداب الشرعيّة

أبو عبد الله، محمّد بن مفلح المقدسي (ت 763 ه)، اعتنى به: ماهر محمّد ثملاوي، وعلي محمّد زينو، الناشر: مؤسّسة الرسالة ناشرون، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى/1426 ه- - 2005 م.

3- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات

محمّد بن الحسن، الحر العاملي (ت 1104 ه)، علّق عليه وأشرف على طبعه: أبو طالب التجليل التبريزي/1404 ه.

4- الاختصاص

أبو عبد الله، محمّد بن محمّد بن النعمان، العكبري، البغدادي،

ص: 339

الشيخ المفيد (ت 413 ه)، صحّحه وعلّق عليه: علي أكبر الغفاري، الناشر: المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد الرقم 12، ضمن مصنّفات الشيخ المفيد، الطبعة الأولى/1413 ه.

5- اختيار معرفة الرجال المعروف

ب- «رجال الكشّي» أبو جعفر، محمّد بن الحسن، الطوسي (ت 460 ه)، تحقيق وتصحيح: محمّد تقي فاضل الميبدي، والسيّد أبو الفضل: الموسويان، الناشر: وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، طهران - إيران، الطبعة الأولى/1382 ش.

6- الأدب المفرد الجامع للآداب النبويّة

محمّد بن إسماعيل، البخاري (ت 256 ه)، ضبطه وأخرج أحاديثه: الشيخ خالد عبد الرّحمن العك، الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى/1416 ه- - 1996 م.

7- الأربعين في إمامة الأئمّة الطاهرين

محمّد طاهر، القمّي، الشيرازي (ت 1098 ه)، تحقيق: السيّد مهدي الرّجائي، الناشر: المحقّق، الطبعة الأولى/1418 ه.

8- الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد

أبو عبد الله، محمّد بن محمّد بن النعمان، العكبري، البغدادي،

ص: 340

الشيخ المفيد (ت 413 ه)، نشر وتحقيق: مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث، قم المقدّسة - إيران، الطبعة الأولى/1413 ه.

9- أساس البلاغة

جار الله، أبو القاسم، محمود بن عمر، الزمخشري، الناشر: مكتبة لبنان ناشرون، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى/1996 م.

10- الاستبصار فيما اختلف من الأخبار

أبو جعفر، محمّد بن الحسن، الطوسي (ت 460 ه)، ضبطه وصحّحه وأخرج أحاديثه وعلّق عليه: محمّد جعفر شمس الدين، الناشر: دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان/1412 ه- - 1991 م.

11- أسد الغابة في معرفة الصحابة

أبو الحسن، علي بن محمّد، الجزري، ابن الأثير (ت 630 ه)، تحقيق وتعليق: محمّد إبراهيم البنا، ومحمّد أحمد عاشور، ومحمود عبد الوهّاب فايد، الناشر: مكتبة الشعب، القاهرة - مصر/1970 م.

ص: 341

12- الإصابة في تمييز الصحابة

أحمد بن علي بن محمّد بن محمّد بن علي بن أحمد, أبو الفضل, الكنان, العسقلاني, المصري, المعروف ب- «ابن حجر», (ت 852 ه)، حقّق أصوله و ضبط أعلامهو وضع فهارسه: علي محمّد البجاوي, الناشر: دار الجيل, بيروت - لبنان, الطبعة الأولى/1992م.

13- أصول علم الرّجال بين النظرية و التطبيق

تقريراً لبحث آية الله الشيخ مسلم الداوري, تأليف الشيخ محمّد علي صالح المعلّم, تصحيح: الشيخ حسن العبودي, توزيع: مؤسّسة الإمام الرّضا عليه السّلام للبحث والتحقيق العلمي, قم - إيران، الطبعة الثانية/1426 ه- - 2005 م.

14- إعلام الورى بأعلام الهدى

أبو علي، الفضل بن الحسن، الطبرسي، من أعلام القرن السادس الهجري، نشر وتحقيق: مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث، قم المقدّسة - إيران، الطبعة الأولى/1417 ه.

15- أعيان الشيعة

السيّد محسن الأمين (ت 1371 ه)، حقّقه وأخرجه: حسن الأمين، الناشر: دار التعارف للمطبوعات، بيروت -

ص: 342

لبنان/1403 ه- - 1983م.

16- الأغاني

أبو الفرج، علي بن الحسين بن محمّد، القرشي، الأموي، الأصفهاني (ت 356 ه)، تحقيق: علي محمّد البجاوي، إعداد: لجنة نشر كتاب الأغاني، بإشراف: محمّد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: دار إحياء التراث العربي, بيروت - لبنان.

17- إقبال الأعمال

أبو القاسم, عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن طاووس, الحسني, الحسيني, قدّم له و علّق عليه: الشيخ حسين الأعلمي, الناشر: مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات, بيروت - لبنان, الطبعة الأولى/1417 - 1996م.

18- الأم

محمّد بن ادريس الشافعي ( ت 204 ه), أشرف على طبعه و باشر تصحيحه: محمّد زهري النّجار, الناشر: دار المعرفة للطباعة و النشر, بيروت - لبنان, الطبعة الثانية/1393 ه- - 1973 م.

19- الأمالي

أبو جعفر، محمّد بن الحسن، الطوسي (ت 460 ه)، تحقيق:

ص: 343

قسم الدراسات الإسلامية، مؤسّسة البعثة، الناشر: دار الثقافة، قم المقدّسة، الطبعة الأولى/1414 ه.

20- الأمالي

أبو جعفر، محمّد بن علي بن الحسين، الشيخ الصّدوق (ت 381 ه)، نشر وتحقيق: قسم الدراسات الإسلاميّة، مؤسّسة البعثة، طهران - إيران، الطبعة الأولى/1417 ه.

21- الأمالي

أبو عبد الله، محمّد بن محمّد بن النعمان، العكبري، البغدادي، الشيخ المفيد (ت 413 ه)، تحقيق: حسين الأستاد ولي وعلي أكبر الغفاري، الناشر: المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد الرقم 13، ضمن مصنّفات الشيخ المفيد، الطبعة الأولى/1413 ه.

22- إمتاع الأسماع بما للنبي صلّى الله عليه وآله من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع

أحمد بن علي بن عبد القادر بن حمد، المقريزي (ت 845 ه)، تحقيق وتعليق: محمّد عبد الحميد التميمي، الناشر: دار الكتب العلميّة، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى/1420 ه- - 1999 م.

ص: 344

23- أمل الآمل

محمّد بن الحسن، الحر العاملي (ت 1104 ه)، تحقيق: السيّد أحمد الحسيني، الناشر: مكتبة الأندلس، شارع المتنبي، بغداد - العراق، الطبعة الأولى/1385 ه.

24- بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار عليهم السّلام

محمّد باقر بن محمّد تقي، المجلسي (ت 1111 ه)، الناشر: مؤسّسة الوفاء، بيروت - لبنان، الطبعة الثانية/1403 ه- - 1983 م.

25- البداية والنهاية

أبو الفداء، الحافظ ابن كثير، الدمشقي (ت 774 ه)، تحقيق وتوثيق: صدقي جميل العطّار، الناشر: دار الفكر، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى/1428 ه- - 2008 م.

26- البرهان في تفسير القرآن

السيّد هاشم بن سليمان البحراني (ت1107ه- ) ، الناشر: قسم الدراسات الإسلامية مؤسسة البعثة، قم - إيران، الطبعة الأولى/ 1416 ه- .

ص: 345

27- بشارة المصطفى لشيعة المرتضى عليه السّلام

عماد الدين, أبو جعفر, محمّد بن أبي القاسم الطبري, (ت 553 ه), تحقيق: جواد القيّومي الأصفهاني, الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي, قم المقدّسة - إيران, الطبعة الأولى/ 1420 ه.

28- بصائر الدرجات في مناقب آل محمّد

محمّد بن الحسن، الصفّار (ت 290 ه)، الناشر: طليعة النور، الطبعة الأولى/1384 ش.

29- البلد الأمين والدرع الحصين

إبراهيم بن علي بن الحسن بن محمّد، العاملي، الكفعمي (ت 900 ه)، قدّم له وعلّق عليه: علاء الدين الأعلمي، الناشر: مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى/1418 ه- - 1997 م.

30- البيان والتبيين

أبو عثمان، عمرو بن بحر، الجاحظ (ت255 ه)، وضع حواشيه: موفّق شهاب الدين، الناشر: دار الكتب العلميّة، بيروت - لبنان، الطبعة الثانية/1424 ه- - 2003 م.

ص: 346

31- تاريخ بغداد أو مدينة السّلام

أبو بكر، أحمد بن علي، الخطيب البغدادي (ت 463 ه)، دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلميّة، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى/1417 ه- - 1997 م.

تاريخ الخلفاء

جلال الدين عبد الرحمن السيوطي (911 ه)، الناشر: دار ابن حزم، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى/ 1424 ه- - 2003 م .

32- تاريخ الخمس

الحسين بن محمّد بن الحسن الدياريكري، (ت966ه) الناشر، مؤسسّة شعبان للنشر و التوزيع، بيرت.

33- تاريخ الطبري تاريخ الأمم والملوك

أبو جعفر، محمّد بن جرير، الطبري (ت 310 ه)، تحقيق: محمّد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: دار التراث، بيروت - لبنان, الطبعة الثالثة/1387 ه- - 1967 م.

34- تاريخ مدينة دمشق

أبو القاسم، علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله، الشافعي، المعروف بابن عساكر (ت 571 ه)، دراسة وتحقيق: علي شيري، الناشر: دار الفكر، بيروت - لبنان،

ص: 347

الطبعة الأولى/1418 ه- - 1997 م.

35- تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة

السيّد شرف الدين، علي الحسيني، الاسترآبادي، الغروي، من علماء النصف الثاني من القرن العاشر، تحقيق: الفاضل حسين الاستاد ولي، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلام، الطبعة الثانية/1417 ه.

36- التبيان في تفسير القرآن

أبو جعفر, محمّد بن الحسن, الطبرسي(ت 460ه) تحقيق وتصحيح: أحمد حبيب قصير العاملي, الناشر: دار إحياء التراث العربي, بيروت - لبنان.

37- تحفة الزائر(فارسي)

العلاّمة محمّد باقر بن محمّد تقي، المجلسي (ت 1111 ه)، تصحيح وتحقيق: مؤسّسة الإمام الهادي عليه السّلام, الناشر: پيام إمام هادي عليه السّلام, قم المقدّسة - إيران, الطبعة الأولى/ 1386 ه- ش.

38- تذكرة الحفّاظ

شمس الدين، محمّد بن أحمد بن عثمان، الذهبي (ت 748 ه)، وضع حواشيه: الشيخ زكريا عميرات، الناشر: دار الكتب

ص: 348

العلميّة، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى/1419 ه- - 1998 م.

39- التذكرة الحمدونية

محمد بن الحسن ابن حمدون (ت 607 ه)، تحقيق: احسان عباس وبكر عباس، الناشر: دار صادر للطباعة والنشر، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى/ 1996م.

40- تذكرة الخواص من الأمّة بذكر خصائص الأئمّة

يوسف بن قرغلي بن عبد الله، البغدادي، سبط بن الجوزي (ت 654 ه)، تحقيق: حسن تقي زاده، الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت عليهم السّلام، الطبعة الأولى/1426 ه.

41- ترتيب جمهرة اللغة

أبو بكر، محمّد بن الحسن بن دريد، الأزدي (ت 321 ه)، ترتيب وتصحيح: عادل عبد الرّحمن البدري، الناشر: مجمع البحوث الإسلاميّة، مشهد المقدّسة - إيران، الطبعة الأولى/1428 ه- ق - 1386 ه- ش.

42- الترغيب والترهيب من الحديث الشريف

زكي الدين، عبد العظيم بن عبد القوي، المنذري (ت 656 ه)، ضبطه وخرّج آياته وأحاديثه: إبراهيم شمس الدين، الناشر: دار

ص: 349

الكتب العلميّة، بيروت - لبنان، الطبعة الثالثة/1424 ه- - 2003 م.

43- تظلّم الزهراء من إهراق دماء آل العباء

رضي الدين بن نبي، القزويني (توفي بعد سنة 1134 ه)، طبع في المطبعة الحيدريّة في النجف، الطبعة الثانية/1375 ه- - 1956 م.

44- تعليقة الوحيد البهبهاني على منهج المقال (المطبوعة ضمن منهج المقال في تحقيق أحوال الرّجال)

محمّد باقر، الوحيد البهبهاني (ت 1205 ه) نسخة حجريّة طبعت سنة 1306 ه.

45- تفسير العيّاشي

أبو النضر, محمّد بن مسعود بن عيّاش السّلمي, المعروف بالعيّاشي (ت 320 ه) وقف على تصحيحه وتحقيقه والتعليق عليه: السيّد هاشم الرّسولي, الناشر: المكتبة العلميّة, طهران - إيران.

46- تفسير الفخر الرّازي = المشتهر بالتفسير الكبير ومفاتيح الغيب

محمّد الرّازي, فخر الدين بن ضياء الدين عمر, المشتهر بخطيب الري(ت 604 ه- ) الناشر: دار الفكر، بيروت - لبنان,

ص: 350

الطبعة الأولى /1425 ه- - 2005 م.

47- تفسير الطبري = جامع البيان عن تأويل آي القرآن

أبو جعفر، محمّد بن جرير، الطبري (ت 310 ه)، ضبط وتوثيق وتخريج: صدقي جميل العطّار، الناشر: دار الفكر، بيروت - لبنان/1419 ه- - 1999 م.

48- تفسير فرات الكوفي

أبو القاسم، فرات بن إبراهيم بن فرات، الكوفي، من أعلام الغيبة الصغرى، تحقيق: محمّد الكاظم، الناشر: مؤسّسة الطباعة والنشر وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، طهران - إيران, الطبعة الثانية/1416 ه- - 1995 م.

49- تفسير القرآن العظيم

أبو الفداء، إسماعيل بن كثير، القريشي، الدمشقي (ت 774 ه)، الناشر: دار الفكر، بيروت - لبنان/1428 - 1429 ه- - 2008 م.

50- تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن

أبو عبد الله، محمّد بن أحمد، الأنصاري، القرطبي (ت 310 ه)، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان/1405 ه- - 1985 م.

ص: 351

51- تفسير القمّي

أبو الحسن، علي بن إبراهيم، القمّي، من أعلام القرن الثالث الهجري، الناشر: مؤسّسة الأعلمي، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى/1428 ه- - 2007 م.

52- تنقيح المقال في علم الرّجال

الشيخ عبد الله بن محمّد حسن بن عبد الله، المامقاني (ت 1351 ه)، الناشر: المطبعة المرتضوية، النجف الأشرف - العراق/1352.

53- تهذيب الأحكام

أبو جعفر، محمّد بن الحسن، الطوسي (ت 460 ه)، ضبطه وصحّحه وخرّج أحاديثه وعلّق عليه: محمّد جعفر شمس الدين، الناشر: دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان/1412 ه- - 1992 م.

54- تهذيب التهذيب

شهاب الدين، أحمد بن علي بن حجر، العسقلاني (ت 582 ه)، الناشر: دار الفكر، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى/1404 ه- - 1984 م.

ص: 352

55- التوحيد

أبو جعفر، محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه، القمّي، الصّدوق (ت 381 ه)، صحّحه وعلّق عليه: السيّد هاشم الحسيني الطهراني، الناشر: مكتبة الصّدوق، طهران - إيران/1378 ه- ق.

56- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال

أبو جعفر، محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه، الشيخ الصّدوق (ت 381 ه)، صحّحه وقدّم له وعلّق عليه: الشيخ حسين الأعلمي، الناشر: الناشر: مؤسّسة الأعلمي، بيروت - لبنان، الطبعة الخامسة/ 1427 ه- - 2006 م.

57- جامع السعادات

محمّد مهدي بن أبي ذر، النراقي (ت 1209 ه)، تصدّى لنشره والتعليق عليه وتصحيحه: السيّد محمّد كلانتر، الناشر: مؤسّسة الأعلمي، بيروت - لبنان، الطبعة الرابعة.

58- الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير

جلال الدين، عبد الرّحمن بن أبي بكر، السيوطي (ت 911 ه)، الناشر: دار الفكر، بيروت - لبنان.

ص: 353

59- الجمع بين الصحيحين البخاري ومسلم

محمّد بن فتوح، الحميدي (ت 488 ه)، تحقيق: الدكتور علي حسين البواب، الناشر: دار ابن حزم، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى/1419 ه- - 1998 م.

60- جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام

محمّد حسن، النجفي (ت 1266 ه)، حقّقه وعلّق عليه: الشيخ عبّاس القوچاني، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان، الطبعة السابعة.

61- جواهر المطالب في مناقب علي بن أبي طالب عليه السّلام

شمس الدين، أبو البركات، محمّد بن أحمد، الدمشقي، الباعوني، الشافعي (ت 871 ه)، تحقيق: الشيخ محمّد باقر المحمودي، الناشر: مجمع إحياء الثقافة الإسلاميّة، قم المقدّسة - إيران، الطبعة الأولى/1416 ه.

62- الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة

يوسف، البحراني (ت 1186 ه)، حقّقه وعلّق عليه: محمّد تقي الايرواني، الناشر: دار الأضواء، بيروت - لبنان، الطبعة الثانية/1405 ه- - 1985 م.

ص: 354

63- الخرائج والجرائح

قطب الدين، الراوندي (ت 573 ه)، نشر وتحقيق: مؤسّسة الإمام المهدي عليه السّلام، قم المقدّسة - إيران، الطبعة الأولى/1409 ه.

64- خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب

عبد القادر بن عمر، البغدادي (ت 1093 ه)، الناشر: دار صادر، بيروت - لبنان.

65- الخصائص الكبرى= كفاية الطالب اللبيب في خصائص الحبيب

أبو الفضل, جلال الدين, عبد الرّحمن بن أبي بكر, السيوطي(ت 911 ه) الناشر: دار الكتب العلميّة, بيروت - لبنان, الطبعة الثالثة/ 1424 ه- - 2003 م.

66- الخصال

أبو جعفر، محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّی، الشيخ الصّدوق (ت 381 ه)، صحّحه وعلّق عليه: علي أكبر الغفّاري، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي،قم المقدّسة - إيران، الطبعة الرابعة/1414 ه.

ص: 355

67- خلاصة الأقوال في معرفة الرّجال

أبو منصور, الحسن بن يوسف بن المطهّر، الأسدي، العلاّمة الحلّي (ت 726 ه)، تحقيق: الشيخ جواد القيومي، الناشر: مؤسّسة نشر الفقاهة، الطبعة الثانية/1422 ه.

68- خلق أفعال العباد والرد على الجهميّة وأصحاب التعطيل

أبو عبد الله, محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة، البخاري (ت 256 ه)، الناشر: مؤسّسة الرسالة، بيروت - لبنان، الطبعة الثالثة/1411 ه- - 1990 م.

69- الدرّ المنثور في التفسير المأثور

عبد الرّحمن جلال الدين، السيوطي (ت 911 ه)، الناشر: دار الفكر، بيروت - لبنان/1414 ه- - 1993 م.

70- دلائل الإمامة

أبو جعفر، محمّد بن جرير بن رستم، الطبري، من أعاظم علماء القرن الرابع الهجري، الناشر: مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت - لبنان، الطبعة الثانية/1408 ه- - 1988 م.

ص: 356

71- ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى

محبّ الدين، أحمد بن عبد الله، الطبري (ت 694 ه)، وثّق أصوله وحقّقه وعلّق عليه: سامي الغريري، الناشر: مؤسّسة دار الكتاب الإسلامي، الطبعة الأولى/1428 ه- - 2007 م.

72- الذريعة إلى تصانيف الشيعة

محمّد محسن، الشهير بالشيخ آغا بزرگ الطهراني، الناشر: مطبعة الغري، النجف - العراق/1357 ه.

73- ربيع الأبرار ونصوص الأخبار

أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري، تحقيق: عبد الأمير منها، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمبطبوعات، بيروت - لبنان، الطبعة الأول 1412 ه- - 1992م.

74- رجال الطوسي

أبو جعفر، محمّد بن الحسن، الشيخ الطوسي (ت 460 ه)، تحقيق: جواد القيّومي الأصفهاني، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي،قم المقدّسة - إيران، الطبعة الأولى/1415 ه.

75- رجال السيّد بحر العلوم، المعروف بالفوائد الرجاليّة

السيّد محمّد المهدي بحر العلوم، الطباطبائي (ت 1212 ه)،

ص: 357

حقّقه وعلّق عليه: محمّد صادق بحر العلوم وحسين بحر العلوم، الناشر: مكتبة الصّادق، طهران - إيران، الطبعة الأولى/1363 ش.

76- رجال النجاشي

أبو العبّاس، أحمد بن علي بن أحمد بن العبّاس، النجاشي، الأسدي، الكوفي (ت 450 ه)، تحقيق: السيّد موسى الشبيري الزنجاني، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامی، قم المقدّسة - إيران، الطبعة الثامنة/1427 ه.

77- رسالة أبي غالب الزّراري إلى ابن ابنه في ذكر آل أعين, و تكملتها لأب عبد الله الغضائري

أبو غالب, أحمد بن محمّد بن محمّد بن سليمان بن الحسن بن الجهم بن بكير بن أعين الزّراري الشيباني الكوفي البغدادي (ت 368 ه- ), والتكملة لأبي عبد الله , الحسين بن عبيد الله بن إبراهيم, الواسطي البغدادي (ت 411 ه- ) تحقيق: السيّد محمّد رضا الحسيني, الناشر: مركز البحوث والتحقيقات الإسلاميّة، قم المقدّسة - إيران، الطبعة الأولى/1411 ه.

78- الرواشح السماويّة

محمّد باقر، الحسيني، الاسترآبادي، الميرداماد (ت 1041 ه)، تحقيق: نعمة الله الجليلي, وغلام حسين قيصريه ها، الناشر: دار

ص: 358

الحديث، الطبعة الأولى/1422 ه- - 1380 ش.

79- روضة الواعظين

محمّد بن الفتال، النيسابوري (ت 508 ه)، الناشر: الشريف الرضي، قم المقدّسة - إيران/ 1386 ه.

80- رياض العلماء وحياض الفضلاء

الميرزا عبد الله أفندي، الأصبهاني، من أعلام القرن الثاني عشر، باهتمام السيّد محمود المرعشي، تحقيق: السيّد أحمد الحسيني /1401 ه.

81- زاد المعاد ويليه كتاب مفتاح الجنان

محمّد باقر بن محمّد تقي، المجلسي (ت 1111 ه)، تعريب وتعليق: علاء الدين الأعلمي، الناشر: مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى/1324 ه- - 2003 م.

82- السنّة

عبد الله بن أحمد بن حنبل، تحقيق: أبو هاجر محمّد السعيد بن بسيوني زغلول، الناشر: دار الكتب العلميّة، بيروت - لبنان، الطبعة الثانية/1414 ه- - 1994 م.

ص: 359

83- سنن ابن ماجه

أبو عبد الله، محمّد بن يزيد، القزويني (ت 275 ه)، حقّق نصوصه وعلّق عليه: محمّد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار الفكر، بيروت - لبنان.

84- سنن أبي داود

أبو داود، سليمان بن الأشعث، السجستاني، الأزدي (ت 275 ه)، راجعه وضبط أحاديثه وعلّق حواشيه: محمّد محي الدين عبد الحميد، الناشر: دار الفكر العربي.

85- سنن الترمذي = الجامع الصحيح

أبو عيسى، محمّد بن عيسى بن سورة، الترمذي (ت 297 ه)، تحقيق وتعليق: إبراهيم عطوة عوض، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان.

86- سنن الدارمي

عبد الله بن عبد الرّحمن، الدارمي، السمرقندي (ت 255 ه)، حقّق نصّه وأخرج أحاديثه: فواز أحمد زمرلي وخالد السبع العلمي، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى/1407 ه- - 1987 م.

ص: 360

87- السنن الكبرى

أبو عبد الرّحمن، أحمد بن شعيب بن علي, الخراساني, النسائي، تحقيق: الدكتور عبد الغفار سليمان البنداري، وسيّد كسروي حسن، الناشر: دار الكتب العلميّة، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى/1411 ه- - 1991 م.

88- السنن الكبرى وفي ذيله الجوهر النقي

أبو بكر، أحمد بن الحسين بن علي، البيهقي (ت 458 ه)، الناشر: دار الفكر.

89- سنن النسائي بشرح جلال الدين السيوطي وحاشية الإمام السندي

أبو عبد الرّحمن، أحمد بن شعيب بن علي بن بحر، النسائي (ت 303 ه)، الناشر: دار الكتب العلميّة، بيروت - لبنان.

90- سير أعلام النبلاء

شمس الدين، محمّد بن أحمد بن عثمان، الذهبي (ت 748 ه)، أشرف على تحقيق الكتاب وخرّج أحاديثه: شعيب الأرنؤوط، الناشر: مؤسّسة الرّسالة، بيروت - لبنان، الطبعة التاسعة/1413 ه- - 1993 م.

ص: 361

91- السيرة الحلبيّة من إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون

علي بن برهان الدين، الحلبي، الشافعي، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان.

92- شذرات الذهب في أخبار من ذهب

أبو الفلاح، عبد الحي بن العماد، الحنبلي (ت 1089 ه)، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان.

93- شرح الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهار

أبو حنيفة، النعمان بن محمّد، التميمي، المغربي (ت 363 ه)، الناشر: مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت - لبنان، الطبعة الثانية/1427 ه- - 2006 م.

94- شرح أصول الكافي

المولى محمد صالح المازندراني، (ت 1081 ه) الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت لبنان، الطبعة الاولى 1421 ه- .

ص: 362

95- شرح العقيدة الطحاوية

القاضي علي بن علي بن محمّد بن أبي العز الدمشقي, (ت 792 ه) حققه و علّق عليه: بشير محمّد عيون, الناشر: مكتبة المؤيّد, الطائف - السعودية, و مكتبة دار البيان, دمشق - سوريا, الطبعة الثانية/ 1408 ه- 1988 م.

96- شرح زيارة عاشوراء (المسمّى بشفاء الصدور في شرح زيارة العاشور)

أبو الفضل، الطهراني، الكلانتري (ت 1316 ه)، ترجمة: الشيخ علي الإبراهيمي، الناشر: مؤسّسة البلاغ، دار سلوني، الطبعة الأولى/1427 ه- - 2006 م.

97- شرح نهج البلاغة

أبو حامد، عزّ الدين بن هبة الله بن محمّد بن محمّد، ابن أبي الحديد، المعتزلي (ت 655 ه)، ضبطه وصحّحه: محمّد عبد الكريم النمري، الناشر: دار الكتب العلميّة، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى/1418 ه- - 1998 م.

98- شفاء الصّدور في شرح زيارة العاشور

الميرزا أبو الفضل الطهراني(ت 1316 ه) ترجمة و تحقيق: محمّد شعاع فاخر, الناشر: المكتبة الحيدرية, قم المقدّسة -

ص: 363

إيران, الطبعة الأولى/1383 ش - 1426 م.

99- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل في الآيات النازلة في أهل البيت عليهم السّلام

عبيد الله بن عبد الله بن أحمد، الحاكم الحسكاني، الحذاء، الحنفي، النيسابوري، من أعلام القرن الخامس الهجري، تحقيق و تعليق: الشيخ محمّد باقر المحمودي، الناشر: مؤسّسة الطبع و النشر التابعة لوزارة الثقافة و الإشراف الإسلامي, طهران - إيران، الطبعة الأولى/1411 ه- - 1990 م.

100- الصّحاح، تاج اللغة وصحاح العربية

إسماعيل بن حمّاد، الجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطّار، الناشر: دار العلم للملايين، بيروت - لبنان، الطبعة الرابعة /1990 م.

101- صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان

علاء الدين، علي بن بلبان، الفارسي (ت 739 ه)، حقّقه وأخرج أحاديثه وعلّق عليه: شعيب الأرنؤوط، الناشر: مؤسّسة الرسالة، بيروت - لبنان، الطبعة الثانية/1418 ه- - 1997.

ص: 364

102- صحيح البخاري

أبو عبد الله، محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة، البخاري، الجعفي (ت 256 ه)، حقّق أصولها وأجازها: الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الناشر: دار الفكر، الطبعة الأولى/1411 ه- - 1991 م.

103- صحيح مسلم

أبو الحسين، مسلم بن الحجّاج، القشيري، النيسابوري (ت 261 ه)، تحقيق وتصحيح: محمّد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار الفكر، بيروت - لبنان/1403 ه- - 1983 م.

104- صحيح مسلم بشرح النووي

أبو زكريا، يحيى بن شرف بن مري، النووي (ت 676 ه)، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان/1407 ه- - 1987 م.

105- الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع و الزندقة

أحمد بن حجر, الهيثميّ, المكّيّ (ت 974 ه), خرّج احاديثه و علّق حواشيه و قدم له: عبد الوهاب عبد اللطيف, الناشر: مكتبة القاهرة , الصنادقية - مصر, الطبعة الثانية/1385 ه- 1965 م.

ص: 365

106- طبقات أعلام الشيعة = الأنوار الساطعة في المائة السابعة

الشيخ إغا بزرگ الطهراني، تحقيق: ولده علي نقي منزوي، الناشر: مكتبة اسماعيليان, قم المقدّسة - إيران, الطبعة الثانية.

107- طبقات الحنابلة

أبو الحسين، محمّد بن أبي يعلى، الناشر: دار المعرفة، بيروت - لبنان.

108- الطبقات الكبرى

أبو عبد الله, محمّد بن سعد بن منيع( ت 230 ه- ) الناشر: دار بيروت للطباعة و النشر, بيروت - لبنان/ 1405 ه- - 1985 م.

109- العقد الفريد

أحمد بن محمّد بن عبد ربّه، الأندلسي (ت 328 ه)، تحقيق: علي شيري، الناشر: دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى/1409 ه- - 1989 م.

العقد النضيد والدر الفريد

محمد بن الحسن القمي، تحقق: علي أوسط الناطقي/ المساعد: سيّد هاشم شهرستاني، ولطيف فرادي، الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر، الطبعة الأولى/ 1423 (ت538)

ص: 366

110- علل الشرائع

أبو جعفر، محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه، القمّي، الشيخ الصّدوق (ت 381 ه)، قدّم له: العلاّمة السيّد محمّد صادق بحر العلوم، الناشر: المكتبة الحيدرية، النجف الأشرف - العراق/1385 ه- - 1966 م.

111- عمدة الزائر في الأدعية والزيارات

آية الله السيّد حيدر، الحسيني، الكاظمي (ت 1265 ه)، الناشر: دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، الطبعة الثالثة/1399 ه- - 1979م.

112- عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار

يحيى بن الحسن, الأسدي, الحلّي, المعروف بابن البطريق(ت 600 ه- ) تحقيق: الشيخ مالك المحمودي, و الشيخ إبراهيم البهادرى, الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي, قم المقدّسة إيران/ 1407 ه.

113- عيون أخبار الرّضا عليه السّلام

أبو جعفر، محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه، القمّي، الشيخ الصّدوق (ت 381 ه)، صحّحه وقدّم له وعلّق عليه: الشيخ حسين

ص: 367

الأعلمي، الناشر: مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى/1404 ه- - 1984 م.

114- الغارات

أبو إسحاق، إبراهيم بن محمّد، الثقفي، الكوفي (ت 283 ه)، تحقيق: السيّد جلال الدين المحدّث، مكتبة انجمن آثار ملّي، الطبعة الثانية.

115- الفتاوى الكبرى

تقي الدين، ابن تيميّة، الحرّاني (ت 728 ه)، تحقيق وتعليق وتقديم: محمّد عبد القادر عطا ومصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلميّة، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى/1408 ه- - 1987 م.

116- فتح الباري بشرح صحيح البخاري

أحمد بن علي بن حجر، العسقلاني (ت 852 ه)، راجعه: قصي محبّ الدين الخطيب، الناشر: دار الريان للتراث، القاهرة - مصر، الطبعة الأولى/1407 ه- - 1987 م.

117- فرج المهموم في تاريخ علماء النجوم

رضي الدين، أبو القاسم، علي بن موسى بن جعفر بن محمّد

ص: 368

بن طاووس، الحسني، الحسيني (ت 664 ه)، الناشر: الشريف الرّضي، قم المقدّسة - إيران/1363 ش.

118- فرائد السّمطين في فضائل المرتضى و البتول و السّبطين و الأئمّة من ذريتهم عليهم السّلام

إبراهيم بن محمّد بن المؤيد, الجويني, الخراساني( ت 730 ه) حقّقه وقدّم له: الدكتور السيّد عبد المحسن عبد الله السّراوي, والشيخ محمّد صادق تاج, الناشر: دار الجوادين للطباعة والنشر والتوزيع, سورية, الطبعة الأولى/ 1429 ه.

119- الفضائل

أبو الفضل، سديد الدين شاذان بن جبرائيل بن أبي طالب، القمّي (ت 660 ه)، تحقيق: السيّد محمّدالموسوي, والشيخ عبد الله الصالحي, بإشراف السيّد محمّد الحسيني القزويني, الناشر: مؤسّسة ولي العصر ( عجّل الله تعالى فرجه )قم المقدّسة - إيران, الطبعة الأولى /1422 ه.

120- فضائل الشيعة (المطبوع مع: المواعظ - صفات الشيعة)

أبو جعفر، محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه، القمّي، الشيخ الصّدوق (ت 381 ه)، تحقيق: محمود البدري، الناشر: مؤسّسة

ص: 369

المعارف الإسلاميّة، الطبعة الأولى/1421 ه.

121- فقه الرضا (عليه السّلام)

المنسوب إلى الإمام الرضا (عليه السّلام)، تحقيق: الشيخ رحمة الله الرحمتي، الناشر: مؤسسة النشر الاسلامي، قم - ايران، الطبعة الأولى/ 1431.

122- فلاح السائل ونجاح المسائل في عمل اليوم والليلة

أبو القاسم، علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن محمّد بن طاووس (ت 664 ه)، تحقيق: غلام حسين المجيدي، الناشر: مكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة الأولى/1419 ه- - 1377 ش.

123- فهرست كتب الشيعة وأصولها وأسماء المصنفين وأصحاب الأصول

أبو جعفر, محمّد بن الحسن, الطوسي( ت460 ه- )تحقيق: السيّد عبد العزيز الطباطبائي, الناشر: مكتبة المحقّق الطباطبائي, قم المقدّسة - إيران, الطبعة الأولى/ 1420 ه.

ص: 370

124- الفوائد الرضوية في أحوال علماء المذهب الجعفرية = سر گذشت عالمان شيعه

خاتمة المحدّثين، الشيخ عبّاس القمّي، تحقيق: ناصر باقري بيدهندي، الناشر: دفتر تبليغات إسلامي حوزه علميّة، قم - إيران، الطبعة الأولى/1385 ش.

125- الفوائد الطوسيّة

محمّد بن الحسن، الحر العاملي (ت 1104 ه)، نمّقه وعلّق عليه وأشرف على طبعه: الحاج السيّد مهدي اللاّجوردي الحسيني، والشيخ محمّد درودي، الناشر: مکتبة المحلاتي، قم المقدّسة - إيران/1423 ه.

126- فيض القدير شرح الجامع الصغير

محمد بن عبد الرؤوف المناوي (ت1031)، تحقيق: أحمد عليه السّلام، الناشر: دار الكتب العلميّة، بيروت - لبنان، الطبعة الاولى/ 1415 ه- - 1994م.

127- القاموس المحيط

محمّد بن يعقوب, الفيروزآبادي(ت 817 ه) الناشر:دار إحياء التراث العربي, بيروت - لبنان, الطبعة الأولى/ 1412 ه- 1991م.

ص: 371

128- القبس في شرح موطأ مالك بن أنس

أبو بكر, محمّد بن عبد الله بن أحمد المعافري, المعروف بابن العربي المالكي( ت 543 ه- )دراسة وتحقيق: الدكتور محمّد بن عبد الله ولد كريم, الناشر: دار الغرب الإسلامي, بيروت - لبنان, الطبعة الأولى/ 1992 م.

129- قرب الاسناد

أبو العبّاس، عبد الله بن جعفر، الحميري، من أعلام القرن الثالث الهجري، نشر وتحقيق: مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث، الطبعة الأولى/1413 ه- - 1993 م.

130- القواعد والفوائد في فقه والأصول والعربية

أبو عبد الله, محمّد بن مكي العاملي, المعروف بالشهيد الأوّل (ت 786 ه- ) تحقيق: الدكتور السيّد عبد الهادي الحكيم, الناشر: مكتبة المفيد, قم المقدّسة - إيران.

131- الكافي

ثقة الإسلام، محمّد بن يعقوب، الكليني (ت 328 - 329 ه)، تحقيق: محمّد جعفر شمس الدين، الناشر: دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان/1411 ه- - 1990 م.

ص: 372

132- كامل الزيارات

أبو القاسم, جعفر بن محمّد بن قولويه, القمّيّ(ت 368 ه- ) تحقيق: جواد القيّمي, الناشر: نشر الفقاهة, قم المقدّسة - إيران, الطبعة الرابعة/ 1428 ه.

133- الكامل في التاريخ

أبو الحسن، علي بن أبي الكرم محمّد بن محمّد بن عبد الكريم بن عبد الواحد، الشيباني، الجزري, ابن الأثير( ت630 ه- )، الناشر: دار صادر للطباعة والنشر، ودار بيروت للطباعة والنشر/1385 ه- - 1965م.

134- كتاب العين

أبو عبد الرّحمن، الخليل بن أحمد، الفراهيدي (ت 175 ه)، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان، الطبعة الثانية/1426 ه- - 2005 م.

135- كتاب الغيبة

أبو جعفر، محمّد بن الحسن، الطوسي (ت 460 ه)، تحقيق: الشيخ عباد الله الطهراني, والشيخ علي أحمد ناصح، الناشر: مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، قم المقدّسة - إيران، الطبعة الأولى/1411 ه.

ص: 373

136- كتاب مقتل الحسين (ع)

المؤرخ الشهير لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سليم الأزدي (ت 157 ه) ، الناشر: مكتبة الالفين، الطبعة الثانية/ 1408 ه- - 1987م.

كشف الغمّة في معرفة الأئمّة

أبو الحسن, علي بن عيسى بن أبي الفتح, الأربلي(ت 692 ه) قدّم له: السيّد أحمدالحسيني, الناشر: منشورات الشريف الرّضي, قم المقدّسة - إيران, الطبعة الأولى/ 1421 ه.

137- كمال الدين وتمام النعمة

أبو جعفر، محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه، القمّي، الشيخ الصّدوق (ت 381 ه)، صحّحه وعلّق عليه: علي أكبر غفّاري، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي، قم المقدّسة - إيران.

138- الكنى والألقاب

الشيخ عبّاس القمّي، الناشر: المبطعة الحيدريّة، النجف الأشرف - العراق, الطبعة الثالثة/1389 ه- - 1969 م.

139- كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال

علاء الدين، المتّقي بن حسام الدين، الهندي (ت 975 ه)،

ص: 374

ضبطه وفسّر غريبه: الشيخ بكري حياتي، وصحّحه ووضع فهارسه ومفتاحه: الشيخ صفوة السقا، الناشر: مؤسّسة الرّسالة، بيروت - لبنان/1409 ه- - 1989 م.

140- اللؤلؤ النضيد في شرح زيارة مولانا أبي عبد الله الشهيد

نصر الله بن عبد الله، التبريزي، الشبستري, الناشر: مكتبة الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه, قم المقدّسة - إيران/1359 ه.

141- لسان العرب

أبو الفضل، جمال الدين محمّد بن مكرم، ابن منظور، الافريقي، المصري (ت 711 ه)، مراجعة وتدقيق: الدكتور يوسف البقاعي, و إبراهيم شمس الدين, ونضال علي, الناشر: مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى/1426 ه- - 2005 م.

142- لسان الميزان

شهاب الدين، أحمد بن حجر، العسقلاني (ت 852 ه)، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود، وعلي محمّد معوض، الناشر: دار الكتب العلميّة، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى/1416 ه- - 1996 م.

ص: 375

143- اللهوف في قتلى الطفوف

السيّد ابن طاووس (ت 664 ه) الناشر: أنوار الهدى، قم - ايران، الطبعة الاولى / 1417 .

144- المجالس السنية في مناقب ومصائب العترة النبوية

السيّد محسن الأمين العاملي ( ت 471 ه) ، الناشر: دار التعارف للمطبوعات؛ بيروت - لبنان، الطبعة الثانية/ 1992 م.

145- مجمع البحرين

فخر الدين الطريحي (ت 1085 ه)، تحقيق: أحمد الحسيني، الناشر: دار إحيار التراث العربي، بيروت - لبنان، الطبعة الثانية/1403 ه- - 1983 م.

146- مجمع البيان في تفسير القرآن

أبو علي، الفضل بن الحسن، الطبرسي، من أكابر علماء الإماميّة في القرن السادس، حققه وعلّق عليه: لجنة من العلماء والمحقّقين الأخصائيين, الناشر: مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى/1425 ه- - 2005 م.

147- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد

نور الدين، علي بن أبي بكر، الهيثمي (ت 807 ه)، بتحرير:

ص: 376

العراقي وابن حجر، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان، الطبعة الثالثة/1402 ه- - 1982 م.

148- المجموع شرح المهذب

أبو زكريا، محيي الدين بن شرف، النووي (ت 676 ه)، حقّقه وعلّق عليه وأكمله بعد نقصانه: محمّد نجيب المطيعي، الناشر: مكتبة الإرشاد، جدّة - المملكة العربية السعودية.

149- مجموعة الفتاوى

تقي الدين، أحمد بن تيمية، الحرّاني، الناشر: دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع،المنصورة - مصر، الطبعة الثالثة/1426 ه- - 2005 م.

150- المحاسن

أبو جعفر، أحمد بن محمّد بن خالد، البرقي (ت 274 أو 280 ه)، تحقيق: السيّد مهدي الرّجائي، الناشر: المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السّلام، الطبعة الثانية/1416 ه.

151- المحتضر

أبو محمّد، الحسن بن سليمان بن محمّد، الحلّي، من أعلام القرن الثامن، تحقيق: سيّد علي أشرف، الناشر: المكتبة الحيدريّة/1382 ش - 1424 ه.

ص: 377

152- المحجّة البيضاء في تهذيب الأحياء

محمّد بن المرتضى، المدعو بالمولى محسن الكاشاني (ت 1091 ه)، صحّحه وعلّق عليه: علي أكبر الغفّاري، الناشر: مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت - لبنان، الطبعة الثانية/1403 ه- - 1983 م.

153- المحلى بالآثار

أبو محمّد، علي بن أحمد بن سعيد بن حزم، الأندلسي، تحقيق: د. عبد الغفّار سليمان البنداري، الناشر: دار الفكر، بيروت - لبنان/1421 ه- - 2001 م.

154- مختصر تاريخ دمشق

محمد بن مكرم المعروف بابن منظور (ت 711 ه)، تحقيق روحية النجاس، ورياض عبد الحميد مراد، ومحمد مطيع، الناشر: دار الفكر للطباعة والتوزيع والنشر، دمشق - سوريا، الطبعة الاولى/ 1402 ه- - 1984.

155- مرآة العقول

محمّد باقر بن محمد تقي، المجلسي (ت 1111 ه)، الناشر: دار الكتب الإسلامية، الطبعة الثالث/ 1414 ه- .

ص: 378

156- مروج الذهب ومعادن الجوهر

أبو الحسن، علي بن الحسين، المسعودي (ت 346 ه)، تحقيق: محمّد محيي الدين عبد الحميد، الناشر: دار الفكر، بيروت - لبنان/ 1408 ه- - 1988 م.

157- المزار

محمّد بن مكّي، العاملي، الجزيني، الشهيد الأوّل (ت 786 ه)، نشر وتحقيق: مدرسة الإمام المهدي عليه السّلام، قم المقدّسة - إيران، الطبعة الأولى/1410 ه.

158- المزار الكبير

أبو عبد الله، محمّد بن جعفر المشهدي (ت 610 ه)، تحقيق: جواد القيومي الأصفهاني، الناشر: نشر القيوم، الطبعة الأولى/1419 ه.

159- المستدرك على الصحيحين

أبو عبد الله, محمّد بن عبد الله الحاكم النيسابوري( ت 405 ه) بإشراف: الدكتور يوسف عبد الرّحمن المرعشلي, الناشر: دار المعرفة, بيروت - لبنان.

ص: 379

160- مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل

الميرزا حسين النوري، الطبرسي (ت 1320 ه)، نشر وتحقيق: مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث، قم المقدّسة - إيران، الطبعة الأولى/1407 ه.

161- مستدركات مقباس الهداية في علم الدراية(المطبوع ضمن كتاب مقباس الهداية في علم الدراية)

محمّد رضا المامقاني، نشر وتحقيق: مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث، قم المقدّسة - إيران, الطبعة الأولى/1413 ه.

162- مسكن الفؤاد عند فقد الأحبّة والأولاد

زين الدين بن علي بن أحمد، الجبعي، العاملي، الشهيد الثاني (ت 965 ه)، نشر وتحقيق: مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث، الطبعة الثالثة/1412 ه- - 1991 م.

163- مسند أبي يعلى الموصلي

أحمد بن علي بن المثنّى، التميمي (ت 307 ه)، حقّقه وخرّج أحاديثه: حسين سليم أسد، الناشر: دار الثقافة العربيّة، دمشق - سوريا، الطبعة الأولى/1412 ه- - 1992 م.

ص: 380

164- مسند أحمد بن حنبل

أبو عبد الله، أحمد بن محمّد بن حنبل، الشيباني (ت 241 ه)، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان، الطبعة الثانية/1414 ه- - 1993 م.

165- مصابيح الأنوار في حلّ مشكلات الأخبار

السيّد عبد الله شبّر (ت 1342 ه)، تحقيق: السيّد علي نجل الحجّة السيّد محمّد السيّد علي السيّد حسين نجل المؤلّف، الناشر: مؤسّسة النور للمطبوعات، بيروت - لبنان، الطبعة الثانية/1407 ه- - 1987 م.

166- المصباح في الأدعية والصلوات والزيارات والأحراز والعوذات

إبراهيم بن علي بن الحسن بن محمّد, العاملي, الكفعمي(ت 900 ه) صحّحه وأشرف على طباعته: الشيخ حسين الأعلمي, الناشر: مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات, بيروت - لبنان, الطبعة الأولى/ 1424 ه- -2003 م.

167- مصباح الزائر

السيّد علي بن موسى بن طاووس (ت 664 ه)، نشر وتحقيق: مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث، قم المقدّسة -

ص: 381

إيران، الطبعة الأولى/1417 ه.

168- مصباح المتهجّد

أبو جعفر، محمّد بن الحسن، الطوسي (ت 460 ه)، مخطوطة في مكتبة السيّد البروجردي, برقم 93.

169- المصنّف في الأحاديث والآثار

عبد الله بن محمّد بن أبي شيبة، الكوفي، العبسي (ت 235 ه)، تحقيق: سعيد محمّد اللحّام، الناشر: دار الفكر، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى/1409 ه- - 1989 م.

170- معالم العلماء في فهرست كتب الشيعة وأسماء المصنّفين منهم قديماً وحديثاً

محمّد بن علي بن شهرآشوب، المازندراني (ت 588 ه)، راجعه وقدّم له: العلاّمة السيّد محمّد صادق آل بحر العلوم، الناشر: دار الأضواء، بيروت - لبنان.

171- المعجم الأوسط

أبو القاسم، سليمان بن أحمد بن أيوب، اللخمي، الطبراني (ت 360 ه)، تحقيق: محمّد حسن محمّد حسن إسماعيل الشافعي، الناشر: دار الكتب العلميّة، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى/1420 ه- - 1999 م.

ص: 382

172- المعجم الصغير للطبراني

أبو القاسم، سليمان بن أحمد بن أيوب، اللخمي، الطبراني (ت 360 ه)، دار الكتب العلميّة، بيروت - لبنان.

173- المعجم الكبير

أبو القاسم، سليمان بن أحمد، الطبري (ت 360 ه)، حقّقه وأخرج أحاديثه: حمدي عبد المجيد السلفي، الناشر: دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثانية/1406 ه- - 1986 م.

174- معجم مفردات ألفاظ القرآن

أبو القاسم، الحسين بن محمّد، الراغب الأصفهاني (ت 502 ه)، تحقيق: نديم مرعشلي، الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة، طبع على مطبعة التقدّم العربي/1392 ه- - 1972 م.

175- معرفة الثقات

أبو الحسن، أحمد بن عبد الله بن صالح، العجلي، الكوفي (ت 261 ه)، ترتيب: نور الدين أبو الحسن علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي، وتقي الدين أبو الحسن علي بن عبد الكافي السبكي، دراسة وتحقيق: عبد العليم عبد العظيم البستوي، الناشر: مكتبة الدار بالمدينة المنوّرة، الطبعة الأولى/1405 ه- - 1985 م.

ص: 383

176- المغني والشرح الكبير على متن المقنع

أبو محمّد، عبد الله بن أحمد بن قدامة (ت 620 ه)، وأبو الفرج، عبد الرّحمن بن أبي عمر محمّد بن أحمد بن قدامة، المقدسي (ت 682 ه)، الناشر: المكتبة التجارية، مكّة المكرّمة - السعودية.

177- مفاتيح الجنان

الشيخ عبّاس القمّي، الناشر: مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى/1423 ه- - 2003 م.

مفتاح الكرامة

السيّد محمّد جواد العاملي (ت 1226ه- ) ، تحقيق: الشيخ محمد باقر الخالصي، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي، قم - ايران، الطبعة الثانية/ 1426 ه- .

178- المقبولة الحسينيّة

الشيخ هادي بن عبّاس بن علي بن جعفر, كاشف الغطاء(ت 1361 ه)، الناشر: مؤسّسة كاشف الغطاء، النجف الأشرف - العراق/1420 ه- - 1999 م.

179- مقتل الحسين (ع)

السيّد عبد الرزاق الموسوي المقدَّم (ت 1391 ه- )، الناشر: الشريف الرضي.

ص: 384

180- مقتل الحسين (ع)

موفق بن أحمد المكي الخوارزمي (ت 568 ه- ) ، تحقيق: الشيخ محمد السماوي، الناشر: انوار الهدى، الطبعة الاولى/ 1418 ه- .

181- مكارم الأخلاق

أبو نصر، الحسن بن الفضل، الطبرسي، من أعلام القرن السادس الهجري، حقّقه وقدّم له: الشيخ حسين الأعلمي، الناشر: مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى/1414 ه- - 1994م.

182- الملل والنحل

أبو الفتح، محمّد بن عبد الكريم، الشهرستاني (ت 549 ه)تحقيق: إبراهيم شمس الدين, الناشر: مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى/1427 ه- - 2006 م.

183- من لا يحضره الفقيه

أبو جعفر، محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه، القمّي، الشيخ الصّدوق (ت 381 ه)، تحقيق: علي أكبر الغفّاري، نشر: مؤسّسة النشر الإسلامي، قم المقدّسة - إيران، الطبعة الرابعة/1426 ه.

ص: 385

184- مناقب آل أبي طالب

أبو جعفر, محمّد بن علي بن شهر آشوب, السّرويّ, المازندراني(ت 588 ه) عنى بتصحيحه ومقابلته بالنسخ والتعليق عليه: الحاج السيّد هاشم المحلاّتي, والشيخ محمّد حسين الدانش الأشتياني, الناشر: مؤسّسة انتشارات علاّمة, قم المقدّسة - إيران.

185- منتهى المطلب في تحقيق المذهب

الحسن بن يوسف بن المطهّر المعروف بالعلامة الحلي (ت 726 ه) ، تحقيق: قسم الفقه في مجمع البحوث الاسلامية، الناشر: مؤسّسة الطبع التابعة للآستانة الرضويّة المقدّسة، الطبعة الأولى/ 1421 ه- - 1379 ش

186- مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام

السيّد عبد الأعلى، السبزواري (ت 1414 ه)، الناشر: مؤسّسة المنار، قم المقدّسة - إيران، الطبعة الرابعة/1416 ه.

187- ميزان الاعتدال في نقد الرّجال

أبو عبد الله، محمّد بن أحمد بن عثمان، الذهبي (ت 748 ه)، تحقيق: علي محمّد البجاوي، الناشر: دار الفكر، بيروت - لبنان.

ص: 386

188- النهاية في غريب الحديث والأثر

المبارك بن محمّد، الجزري، ابن الأثير (ت 606 ه)، تحقيق: الدكتورعبد الحميد هنداوي, الناشر: المكتبة العصرية, بيروت - لبنان، الطبعة الثانية/1429 ه- - 2008 م.

189- نهج البلاغة

مجموعة خطب مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام وأوامره وكتبه ورسائله وحكمه ومواعظه، جمعها الشريف الرّضي أبو الحسن محمّد بن الحسين بن موسى بن محمّد بن موسى بن إبراهيم بن الإمام موسى الكاظم عليه السّلام، تعليق وفهرسة: د. صبحي الصّالح، تحقيق: الشيخ فارس تبريزيّان، الناشر: دار الهجرة للطباعة والنشر، الطبعة الأولى/1419 ه.

190- نور العين في المشي إلى زيارة قبر الحسين عليه السّلام

محمّد حسن الاصطهباناتي، الناشر: دار الميزان للطباعة والنشر، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى/1416 ه- - 1995 م.

191- الهداية الكبرى

الحسن بن حمدان الخضيبي (ت 334 ه)، الناشر: مؤسسة البلاغ للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان، الطبعة الرابعة/ 1411ه- - 1991 م.

ص: 387

192- الوافي بالوفيات

صلاح الدين الصفدي (ت 1031ه- ) ، تحقيق: أحمد الأرناؤوط، وتركي مطصفى، الناشر: دار إحياء التراث، بيروت/ 1420 - 2000م.

193- وسائل الشيعة = تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة

محمّد بن الحسن، الحر العاملي (ت 1104 ه)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث، قم المقدّسة - إيران، الطبعة الأولى/1412 ه.

194- وقعة صفّين

نصر بن مزاحم، المنقري (ت 212 ه)، تحقيق وشرح: عبد السلام محمّد هارون، الناشر: مكتبة بصيرتي، قم المقدّسة - إيران، الطبعة الثانية/1382 ه.

195- ينابيع المودّة

سليمان بن الشيخ إبراهيم, الحسينيّ, البلخيّ, القندوزيّ, الحنفيّ (ت 1294 هال) الناشر: مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات, بيروت - لبنان/ الطبعة الأولى.

ص: 388

فهرس المحتويات

كلمة المؤسسة للطبعة الثانية:. 9

كلمة المؤسّسة للطبعة الأولى:. 12

مقدّمة المؤلّف. 17

فمن عالم الطبيعة:. 23

ومن عالم التشريع:. 25

ومن عالم الإستشهاد:. 27

القسم الأول: زيارة عاشوراء. 53

زيارة عاشوراء برواية الشيخ الطوسي رحمه الله. 55

[الدعاء بعد زيارة عاشوراء]:. 71

سند الشيخ ابن قولويه إلى الزيارة:. 78

الطريق الأوّل إلى الزيارة:. 79

طرق الشيخ الطوسي إلى كتاب محمّد بن إسماعيل:. 80

طرق أخرى للشيخ إلى محمّد بن إسماعيل:. 90

طريق الشيخ من محمّد بن إسماعيل إلى الإمام عليه السّلام:. 91

الطريق الثاني إلى نصّ الزيارة:. 93

الطريق الثالث إلى نصّ الزيارة :. 97

الطريق الرابع والخامس إلى الزيارة:. 102

القرائن الدالّة على صحّة صدور الزيارة من الإمام عليه السّلام:. 107

ص: 389

زيارة عاشوراء من الأحاديث القدسيّة:. 109

فائدة في الفرق بين الحديث القدسيّ 111وبين القرآن الكريم والحديث النبويّ. 111

شبهات وردود. 113

الشبهة الأولى:. 113

الأوّل: في معنى اللعن:. 115

الفرق بين اللعن والسبّ:. 116

الثاني: في مشروعيَّة اللعن:. 118

ما ذكره الشيخ الحرّ العاملي في اللعن:. 123

ما ذكره الشيخ العلاّمة النراقي في اللعن:. 124

أدلّة القائلين بالمنع:. 129

الأوّل: الأحاديث الواردة عن النبيّ صلّى الله عليه وآله:. 129

أدلّة القائلين بالجواز:. 132

تصريح باللعن من بعض علماء العامّة:. 138

الشبهة الثانية:. 146

الشبهة الثالثة:. 163

الشبهة الرابعة:. 173

العلماء الّذين نقلوا وشرحوا زيارة عاشوراء:. 175

الشبهة الخامسة:. 183

الشبهة السادسة:. 185

الشبهة السابعة:. 190

الشبهة الثامنة. 191

ص: 390

الشبهة التاسعة. 192

الشبهة العاشرة. 193

إيضاح: 194من حِكَم اللعن في زيارة عاشوراء:. 195

كيفيّة الزيارة. 196

الكيفيّة الأولى:. 197

الكيفيّة الثانية:. 198

الكيفيّة الرابعة:. 201

الكيفيّة الخامسة:. 202

الكيفيّة السادسة:. 204

الكيفيّة السابعة:. 205

الكيفيّة الثامنة:. 206

الكيفيّة المختارة:. 207

القسم الثاني: الملحقات. 215

الشعائر وتعظيمها:. 217

المأتم الحسيني:. 225

إنشاد الشِّعْر:. 229

لبس السواد:. 237

لطم الخدود والصدور وشق ّالجيوب:. 248

المشي إلى الزيارة:. 252

إطعام الطعام:. 254

سقي الماء:. 257

ص: 391

الصرخة:. 259

البكاء:. 262

بكاء النبي وأهل بيته عليهم السلام على الحسين عليه السّلام. 265

بكاء رسول الله صلّى الله عليه وآله: 265بكاء الإمام عليّ عليه السّلام:. 270

بكاء الصدِّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء (سلام اللّه عليها ):. 272

بكاء الإمامين الحسن والحسين عليهما السّلام:. 277

بكاء الإمام علي السجّاد عليه السّلام:. 278

بكاء الإمام محمّد الباقر عليه السّلام:. 281

بكاء الإمام جعفر الصّادق عليه السّلام:. 282

بكاء الإمام موسى الكاظم عليه السّلام:. 285

بكاء الإمام عليّ بن موسى الرّضا عليه السّلام:. 286

بكاء الإمام الحجّة (عجل اللَّه تعالى فرجه الشريف):. 289

أحاديث في فضل البكاء على سيّد الشهداء عليه السّلام:. 290

فوائد البكاء على الإمام الحسين عليه السّلام:. 304

اعتراضات على البكاء:. 312

دعاء الإمام الصّادق عليه السّلام لزوّار جدّه الإمام الحسين عليه السّلام:. 320

الفهارس الفنية. 337

المصادر. 339

فهرس المحتويات. 389

ص: 392

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.