آراء المجلد الثانی

هوية الکتاب

آراء سماحة آية اللّه العظمى الاستاذ

السيد على العلامة الغاني الاصفهاني

دام ظله الوارف على رؤس المسلمين حول علم الاصول

مشتملة على حل معضلاته ومغلقاته مع احتوائه على عصارة

افكاره العلمية و تقريراته منتظمة بدواً وختما على نظم

غير ممل و غير مخل ولم يدخل في كل بحث

الا وقد أودع فيه من الجواهر القيمة

ما يستفيد منه البارعون نسئل اللّه

التوفيق لمطالعته ودرسه وفهمه

و نشره بين الطلاب بمساعدة

من الحقير

رضا المظاهرى ه_ - م

قم المقدسة المحروسة

محرر الرقمي : مرتضی حاتمی فرد

صیام 1401

ج - 2 -

ص: 1

المقدمة

بسم اللّه الرحمن الرحيم و به نستعين

الحمد للّه رب العالمین و الصلوة والسلام على خیر خلقه محمد و آله

الطاهرين واللعن على اعدائهم الى يوم الدين

(الامر الرابع) ان وجوب المقدمة من حيث الاطلاق والاشتراط تابع

لوجوب ذيها بناءً على الملازمة قضاءاً لكون الوجوب ظلياً لكن ارادة

الاتيان بذى المقدمة غير دخيلة فى هذه التبعية و إن زعمه

صاحب

ص: 2

آراء المجلد الثانی

المعالم (قدّس سِرُّه) في بحث الضد كما أن استثناء المقدمات الشرعية من هذه التبعية كما صنعه بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) فاسد لما عرفت سابقاً من ان وجوب المقدمات المفوّتة كغيرها عقلية وفى طول وجوب ذيها فلا محالة يتبع وجوبه في الاطلاق والاشتراط وأن متعلق الامر النفسي في الواجبات هي التقيدات لانفس القيود التي هي محصلاتها، وهل يعتبر في اتصاف المقدمة بالوجوب قصد التوصل بها الى ذيها كمافى تقريرات الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) أو ترتب ذيها عليها خارجاً كما في الفصول أم لا يعتبر شيئى منها الحق هو الثانى اما عدم اعتبار قصد التوصل فلان مناط حكم العقل بوجوب المقدمة انما هو المقدمية والتوقف ومن البديهى أن قصد التوصل غير دخيل في هذا المناط ودعوى أن الجهة التعليلية عنوان للموضوع فى الاحكام العقلية فمتعلق الامر العقلى فى الحقيقة عنوان التوصل فما لم يحصل هذا العنوان القصدى لا يتصف الفعل بالوجوب العقلى فالتخصيص ليس بلا مخصص كما صدرت عن بعض المحققين (قدّس سِرُّه) قد عرفت الجواب عنها آنفا في التذنيب الثاني فراجع ولاجل ذلك اعترف الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) بكفاية الاتيان بالمقدمات غير العبادية بدون قصد التوصل من جهة حصول ذات الواجب مع أن المناط فيها واحد نعم قصد التوصل انما يعتبر في صدق امتثال أمر المقدمة أى الشروع في إمتثال ذيها الذي ه_و موضوع إستحقاق الثواب لما عرفت سابقاً أن الواجب حينئذ يكون من أحمض الاعمال فهو من أفضلها وأكثرها ثواباً فبمجرد تحقق المقدمة في الخارج ولو بدون قصد التوصل كما في كل واجب توصلى يتصف الفعل بالوجوب ويخرج عن حكمه السابق الثابت له قبل أن يعرضه عنوان المقدمية والتوصل فالدخول في ملك الغير بدون رضاه مثلا غصب وحرام لكن اذا وقع مقدمة لانقاذ غريق أو نحوه يخرج عن الحرمة ويتصف بالوجوب غاية الامر له صور ثلاث الأولى أن يدخل بقصد التفرج والتفريح دون الانقاذ لكن غير ملتفت الى كونه مقدمة له ثم برى الغريق او الحريق وفى هذه الصورة يكون متجرياً للغصب الثانية أن يدخل بذاك القصد ملتفتاً الى المقدمية وفى هذه الصورة يكون متجرياً للانقاذ الثالثة أن يدخل كذلك مع سببية قصد التفرج المدخول و تاكده بقصد الانقاذ و في هذه الصورة ليس

ص: 3

بمتجر أصلا وان كان قصد التوصل فيها تبعياً لا أصلياً وهذا بنفسه دليل على عدم دخله في وقوع الفعل بصفة الوجوب لاشرطاً ولا شطراً لعدم دخله في ملاك الوجوب و الا لما حصل الواجب بدونه ولا سقط الوجوب بذلك الفعل (فان قلت) المقام انما هو من قبيل حصول الغرض و سقوط الوجوب لاجله لا من قبيل حصول الواجب و كونه سبباً لسقوط الوجوب فهو نظير امتثال الواجب في فرد محرم حيث يسقط الوجوب لاجل حصول الغرض لا لاجل تحقق الواجب فليكن كذلك في المقام (قلت) كلاً بل فرق واضح بين المقامين إذ الفرد المحرم حيث أنه من جهة اصل الفردية و الوفاء بالملاك يكون كسائر الافراد بلا تفاوت بينهما من تلك الجهه فيكون فيه إقتضاء الوجوب لكن حرمته تمنع عن الاتصاف به فعلا و لذا يحصل به الغرض المسقط للامر و ليس بواجب بخلاف المقدمة فاقتضاء الوجوب من جهة الفردية و الوفاء بمناط المقدمية موجود فيها و المانع عن الاتصاف مفقود فتقع لا محالة على صفة الوجوب و من هنا ظهران مارد به الشيخ الاعظم مقال صاحب الفصول (قدّس سِرُّهما) بالمقدمة الموصلة من ان ترتب ذى المقدمة غير دخيل فى مناط وجوب المقدمة و ان اتصافها بالوجوب غير موقوف على ذلك وجداناً ونحو ذلك وارد بأجمعها على مقاله (قدّس سِرُّه) بدخل قصد التوصل في الاتصاف بالوجوب.

(أما ما ذكره) بعض المحققين (قدّس سِرُّه) من رجوع الجهات التعليلية الى التقييدية في موضوعات الاحكام العقلية بمعنى كونها تمام الموضوع لحكم العقل فعنوان التوصل تمام الموضوع لحكمه بوجوب المقدمة فالدخول في ملك الغير بلا قصد التوصل إلى الانقاذ ليس مصداقاً للواجب ولايقع بصفة الوجوب كما أنه ليس بحرام إذ يتوقف عليه الإنقاذ الذي هو واجب فعلى أهم والممنوع شرعاً ممتنع عقلاً فمع بقاء الحرمة لا يمكن تعلق الوجوب المقدمى به من قبل الامر المنجز المتعلق بالاهم فلا جرم ليس بحرام (وتوهم) أن إنتفاء الحرمة إنما هو من جهة وجوب المقدمة مع ان الواجب كما اعترفت به هو الفعل بقصد عنوان التوصل فبدونه كما هو المفروض لايقع بصفة الوجوب فهو حرام (مدفوع) بأن

ص: 4

إنتفاء الحرمة انما هو من جهة الابتلاء بالاهم الذى مصلحته أقوى من مفسدة الحرام لا من جهة وجوب المقدمة وحيث ان الاهتمام مع تنجز الامر بالاهم يكون بحاله و امتثاله موقوف على ذلك الفعل فليس بحرام نعم يشكل الالتزام بالحرمة عند ارادة عصيان الامر بالا هم لاسيما بناءاً على الترتب اذعدم الحرمة انما كان لاجل المزاحمة مع الامر المنجز بالاهم ومع استمرار البناء على العصيان يسقط ذلك الامر فيرتفع المزاحم ويبقى الفعل على حاله من الحرمة بمقتضى ملاكها الموجود اى الغصبية و توهم امكان اثبات الحرمة على القول بالمقدمة الموصلة لاختصاص الوجوب بحصة خاصة من المقدمة مدفوع بأن غاية مايلزم من القول بذلك عدم وجوب حصة غير موصلة لاحرمتها (فقيه) ما عرفت من ان رجوع الجهة التعليلية الى التقييدية مسلم فى غير امثال المقام من العناوين المنتزعة عن صميم ذات المقدمة فتمام الموضوع لحكم العقل نفس الفعل المقدمى أى المقدمة بالحمل الأولى فيقع لامحالة على صفة الوجوب و يكون مصداقاً للواجب وينتفى جميع ابتنائاته المتقدمة على هذه القاعدة بانتفاء موضوعها مع أن ذات المقدمة لو كانت مولدة للتوصل ومنشاءاً لانتزاع عنوانه فلابد أن ينطبق عليها عنوان المقدمة وتقع على صفة الوجوب عقلا و لولم تكن فلابد أن ينطبق عليها عنوان الغصب و تقع على صفة الحرمة عقلا فالالتزام تارة بوجوبها و أخرى بعدم الوجوب و الحرمة معاً لا يخلو عن التهافت نعم بناء أعلى الترتب تكون حراماً لدى عصيان الاهم أما نفيه أخيراً الملازمة بين القول بالمقدمة الموصلة و بين الإلتزام بالحرمة ففيه ان الحرمة حينئذ غير ناشئة عن اختصاص الوجوب بحصة خاصة حتى يمنع عن التلازم بل هى من جهة أن غير الحصة الموصلة باقية حينئذ تحت دليل الحرمة بعد اختصاص المزاحمة بالحصة الموصلة ثم إنه (قدّس سِرُّه) لما رأى وهن ما ذكره في هذا المقام كله تصدى فى هامش تعليقته لابطاله بمايرجع حاصله الى بعض ماذكرناه و إختار اخيراً أن قصد التوصل غير دخيل في صيرورة الفعل المقدمى مصداقاً للواجب و وقوعه على صفة الوجوب فوافق في ذلك مع استاده صاحب الكفاية (قدّس سِرُّهما) فى الاشكال على مقال الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه).

ص: 5

ثم ان بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) نسب الاضطراب الى كلمات مقرر الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّهما) بدعوى ظهور بعضها فى أن قصد التوصل دخيل في امتثال الوجوب المقدمى وبعضها فى أنه دخيل فى اتصاف المقدمة بالوجوب وبعضها في أنه دخيل في ارتفاع الحرمة عن المقدمة المحرمة ثم ادعى ان المقرر رتب على الاول فروعاً منها فساد صلوة من وجب عليه الصلاة الى اربع جهات اذا لم يكن من قصده أن يصلى الى جميعها واستشكل على هذا الفرع بأنه أجنبى عن محل الكلام الذى هو دخل قصد التوصل فى المقدمة الوجودية أو عدمه لا فى المقدمة العلمية ومنها عدم جواز الاكتفاء بالوضوء لسائر الغايات المشروطة بالطهور اذا لم يقصدها به وناقش فيه المقرر بان الوضوء مهية واحدة فيجوز الاكتفاء به لكل غاية بخلاف الغسل فمهيات الاغسال متعددة فلايتأتى فيه ذلك واستشكل على الفرق بأن تعدد المهيات فى الاغسال انما هو بلحاظ أسبابها لا بلحاظ غاياتها بل هي متحدة مع الوضوء من هذه الجهة فليته عمم الحكم بالنسبة الى المقامين (لكن التأمل) الصادق فى كلام المقرر (قدّس سِرُّه) يشهد بأنه لا اضطراب فيه أصلا بل هو في كمال الصراحة عنواناً واستدلالا في أن مصبّ القيدأ عنى قصد التوصل وقوع المقدمة على صفة الوجوب كماعنون به المسئلة صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) غاية الامر أنه خصص محل النزاع من حيث ترتب الثمرة بالمقدمة العبادية أو التي قصد فيها التعبد أى امتثال أمرها الغيرى من جهة ان الواجب التوصلى فى نفسه لا يستدعى الامتثال وانما يستدعي تحقق ذات الواجب في الخارج بأى قصد صدر وذلك في طول ماتقدم في التقريرات وذكره الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) فى طهارته من تصحيح عبادية المقدمة كالطهارات الثلاث وتوجيه التقرب بها بوجوه كما صرح به المقرر (قدّس سِرُّه) ايضاً في المقام فالبحث هنا متمحض في جهة المقدمية و أن قصد التوصل معتبر في اتصاف المقدمة بالوجوب ام لا وثمرته انما تظهر فيما اذا كان الفاعل قاصداً للامتثال والتعبد بالمقدمة سواء كان الامتثال لازماً كما فى المقدمة العبادية ام لا كما في غيرها على ما صرح به المقرر بقوله (قدّس سِرُّه) : وان لم يجب الامتثال : إذ لابد من قصد عنوان التوصل الى الغير حتى يتحقق ما هو موضوع الامر الغيرى فيتعلق به الامر الناشيئ من الغير

ص: 6

الذي يتوقف وجوده على هذا الفعل المقدمى و يصح كونه امتثالا لذلك الامرو وقوعه على صفة الوجوب الغيرى فتخصيص محل النزاع انما هو بلحاظ الثمرة لا بلحاظ مصب القيد في نفسه ويشهد لذلك انه (قدّس سِرُّه) في المقدمة الأولى مما مهدّه للجواب عن القول بعدم لزوم قصد التوصل صرّح بأن الامتثال هو الاتيان بالفعل بداعى الامر و ان الامر لايد عو الا الى متعلقه و ف_ى المقدمة الثانية من ذلك صرح بأن الحاكم بالوجوب الغيرى هو العقل وهو لا يحكم الا بعنوان المقدمية الماخوذ من لحاظ الغير فالتعنون بهذا العنوان الموجب للاتصاف بالوجوب لا ينفك لامحالة عن لحاظ الغير فى قصد الفاعل وذلك لاينا في كونه معنوناً بعناوين مختلفة اذ مناط الوجوب الغيرى عنوان المقدمية (وبالجملة) فكون الاتصاف بالوجوب المتوقف على قصد التوصل موقوفاً على الامتثال بالاستلزام كما يدل عليه كلام المقرر شيئ وكون قصد التوصل دخيلا في امتثال الامر المقدمى بالاستقلال كما نسبه اليه هذا القائل شيئى آخر ولعل الذي اوقعه في هذا الوهم تعبير المقرر (قدّس سِرُّه) : بلزوم قصد عنوان الواجب فيها اذا اريد الامتثال : (1)

ص: 7


1- وهي خمسة، احدها أن الحاكم بالوجوب لمّا كان هو العقل من باب الملازمة و هي عنده مقصورة بصورة حصول ذى المقدَّمة فالوجوب مقصود بها، ثانيها أن الامر الحكيم يجوِّز له العقل أى لا يأبى عن أن يصرّح بلزوم الاتيان بخصوص المقدمة الموصلة وعدم لزوم غير الموصلة بل ینهى عن غير الموصلة وذلك دليل عدم وجوب غير الموصلة، ثالثها أن الضرورة قاضية بقبح التصريح بعدم مطلوبية المقدمة مطلقا أو في صورة الايصال وهذه آية اختصاص الوجوب بها، رابعها أن الغرض من ايجاب المقدمة لمّا كان هو حصول ذيها فبدونه لا تكون مطلوبة، خامسها أن الوجدان شاهد بأن من أراد شيئًا لمجرد حصول شيئ آخرلا يريده في صورة وقوعه مجردًا عنه فذلك يكشف عن أن حصوله دخيل في مطلوبيَّته.

ونحو ذلك من عباراته مع ان ملاحظة ان ملاحظة مجموع كلامه صدراً وذيلا وما نقلناه من جملة : وان لم يجب الامتثال : و ما ذكره في جواب استدلال القائل بعدم اللزوم أصدق شاهد على إرادة ما ذكر ناه لامازعمه هذا القائل فراجع التقريرات و تأمل في مجموع كلامه.

ثم ان المقرر (قدّس سِرُّه) فَرّع على ما ذكره أمرين (أحد هما) عدم صحة المقدمة العبادية اذا لم يقصد ترتيب غاياتها عليها إذ حسب مبناه المتقدم لا أمر حينئذ بالفعل المقدمى والمفروض أنه عبادي موقوف على الامر فلا محالة لا يصح وهذا لاربط له بما ذكره فى التفريع، على هذا التفريع أى مسئلة جواز الاكتفاء بالوضوء لسائر الغايات أو عدمه إذا لم يقصدها به الذي زعمه هذا القائل اتحاده مع هذا الفرع فاستشكل عليه بما تقدم وسنشير إلى ذلك إنشاء اللّه )ثانيهما) عدم صحة الصلاة إلى جهة واحدة عن وظيفته الصلاة الى اربع جهات اذا كان قصده عدم الصلاة إلى سائر الجهات وهذا ايضا صحيح حسب مبناه اذ الصلاة عبادة موقوفة على الامر عنده و مع عدم قصد الاتيان الى سائر الجهات ليس قاصد امتثال ذى المقدمة فلا أمر بالمقدمة حسبما تقدم منه ولو كانت هي مقدمة علمية فالصلاة إلى جهة خاصة غير صحيحة طبعاً ثم انه (قدّس سِرُّه) فرع على عدم وقوع المقدمة العبادية على صفة الوجوب في صورة عدم قصد التوصل مسئلة جواز الاكتفاء بتلك المقدمة للغاية التي لم يقصدها به_ا اذا كانت المقدمة مما تترتب عليها غايات متعددة أو عدم الجواز و فرع على ذلك النزاع المشهور في الطهارات الثلاث من أنها اذا أتى بها لغاية كالصلاة فهل يمكن الاكتفاء بها لغيرها كالطواف وقرائة القرآن و نحو هما أم لافنقل اولا القول بعدم الاكتفاء ثم اختار الاكتفاء في خصوص الوضوء على مختاره من اتحاد مهيّته دون الغسل على فرض تعدد مهيّته كما هو المشهور الذى عليه هذا المستشكل ثم بسط الكلام فى ذلك بما هو خارج عما نحن فيه ثم اختار أخيراً الاكتفاء في خصوص غسل الجنابة وأحال تحقيق الكلام فى باقى الاغسال الى محله (والحاصل) أن هذا مع أنه يوافق مختار المستشكل غير مربوط بالفرعين اللذين رتبهما اولا على اعتبار قصد التوصل في وقوع المقدمة على صفة الوجوب كما لا اشعار فيه يكون

ص: 8

تعدد المهية عنده من جهة الغايات دون الاسباب كما زعمه المستشكل و أورد عليه بذلك فلا يمكن تحصيل مختار الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) في باب الاغسال من هذا البيان حتى يقال ليته عمّم ما اختاره فى الوضوء للغسل كما صنعه المستشكل أمّا دخل قصد التوصل في رفع التزاحم بين الحرام والواجب كما زعمه في الاستظهار من كلامه فهو أيضاً خلاف ما زعمه إذ بعد الفراغ عن تخصيص الحرام بالواجب للاهمية جعل ثمرة هذا النزاع بالنسبة الى مقدمة غير عبادية لم يرد فيها الامتثال بقاء الفعل المقدمى على حرمته السابقة اذا لم يقصد به التوصل الى ذلك الواجب الاهم بناءاً على اعتبار ذلك القصد في وقوعه على صفة الوجوب و عدم بقائه على ذلك بناءاً على عدم اعتباره وهذا بالاستلزام يرجع الى سببية ذلك القصد لارتفاع الحرمة لا أنه مقصود بالاستقلال أما فرض تخصيص الواجب بالحرام للاهمية فقد ذكره في موضع آخر من التقريرات لكنه خارج عن فرض مقدمية الفعل الحرام للواجب الذى هو محل الكلام فى المقام قالانصاف انه لا اضطراب في شيء من كلام المقرر (قدّس سِرُّه) ولا يرد عليه شيئ مما زعمه هذا القائل و لعله ناش من عدم التدبر التام في كلامه نعم ما اختاره هذا القائل تبعاً للمحقق صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) من أن مصبّ الوجوب الغيرى ذات المقدمة لامع قصد التوصل الى ذيها متين و في محله كما بیناه سابقاً.

ثم ان بعض الاعاظم (رَحمهُ اللّه) ناقش في مقال الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) من دخل قصد التوصل في وجوب المقدمة بقياس الارادة في المقدمة بالارادة في الواجبات النفسية من جهة كون المتعلق نفس الفعل لامع قصد التوصل الى مصالحها وغاياتها لكن يتوجه عليه أن الامر النفسى فى تلك الواجبات إنما استفيد من دلیل تعبدی فمقتضى اطلاقه من التعلق بذات الفعل عدم دخل قصد التوصل في متعلقه بخلاف الامر الغيرى فى المقدمة على القول به فهوانما استكشف من الملازمة العقلية بلحاظ التوقف وهذا هو الذى استدل به في تقريرات الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) لدخل قصد التوصل بدعوى انه مع عدم لحاظ التوقف كما في صورة عدم قصد التوصل لا استكشاف للعقل عن الملازمة فلاحكم له بالوجوب ولذا قيل إن الجهة

ص: 9

التعليلية في الاحكام العقلية جهة تقييدية للموضوع و دعوى ان الوجوب لماكان شرعيا فهو لامحالة بمنزلة الوجوب النفسى المستفاد من الدليل في التعلق بنفس الذات مدفوعة بأن المنكشف لا يزيد على الكاشف فان المفروض أن ذلك الوجوب انما انكشف من الملازمة العقلية وهى حسب دليل الخصم مقصورة بصورة لحاظ عنوان التوقف بأن يقصد بها التوصل الى ذيها فقياس إحدى الارادتين بالأخرى باطل بل لأبدأن يجاب عن الاستدلال بطريق آخر هو ما قدمناه من أن العناوين الانتزاعية التي ليس لها وراء نفس الذات مطابق في عالم العين لا يمكن جعلها موضوعاً مستقلا للخطاب فلابد أن يتعلق الامر الغيرى بذات الفعل المقدمى ويبقى مناط التوقف على حاله من كونه جهة تعليلية كما انه (رَحمهُ اللّه) ادعى أن قصد التوصل لو كان دخيلاً في نفس الواجب لم تصل النوبة الى دعوة الامر لحصول التقرب بقصد التوصل قضاءاً للطولية لكن يتوجه عليه أن قصد التوصل عبارة أخرى عن قصد الامر وملازم معه كما ان قصد الامر يستتبع قصد التوصل اذ بتحققه يتحقق موضوع الامر الغيرى ويتوجه ذلك الامر فهما لا ينفكان عن الاخر على هذا المبنى ثم انه (رَحمهُ اللّه) نقل عن بعض الاعاظم (ومراده بعض الاساطين المتقدم كلامه) أن قصد التوصل دخيل في معروض الوجوب في بعض أقسام المقدمة و هو ما اذا وقع حرام مقدمة منحصرة لواجب أه_م منه لانحصار الوجوب عقلا حينئذ بحصة توأمة مع جهة محسنة محسنة وهى التوأمة مع عنوان التوصل وناقش فيه بأن الجهة المحسنة لو كانت ملزمة لتم ذلك أما في المقام الذى ليست ملزمة فلايتم ذلك إذ هم العقل حفظ غرض المولى على نحويكون بصدد حفظه فاذا لم يكن غرضه لازم التحصيل عنده كيف يحكم العقل بلزوم تحصيله وإنما هو استحسان عقلى لايصل حد اللزوم لكن يتوجه عليه أن مافي تقريره الموجود عندنا هو خروج ذلك الغرض عن عنوان وجوب المقدمة وصيرورته من موارد تزاحم الحرام والواجب في مرحلة الامتثال مع أهمية الواجب وهو ذو المقدمة في المقام لامانقله هذا القائل من اختصاص الوجوب الغيرى بصورة قصد التوصل حتى يرد عليه ماذكره نعم يرد عليه ما أشرنا اليه سابقاً من ان أهمية الواجب اذا كانت سبباً لفعلية الوجوب وتقدمه على الحرمة فالوجوب الغيرى لا محالة يترشح منه الى المقدمة

ص: 10

بناءاً على الملازمة ويقع التزاحم فيها بين هذا الوجوب مع الحرمة وتكون أقوائية ملاك الوجوب سبباً لتقدمه وحينئذ لولم يمتثل الواجب النفسى بقيت الحرمة الاولية لذات المقدمة على حالها بناءاً على الترتب فبقاء الحرمة للمقدمة موقوف على ارتفاع التزاحم بينها مع الوجوب الغيرى بسبب عدم ارادته إمتثال الواجب النفسى اما بقاء الوجوب الغيرى لها فهو موقوف على أقوائية ملاك الواجب النفسى الذى يترشح منه الوجوب الى مقدمته وليس بقاء الحرمة فيها موقوفاً على عدم الوجوب، وعدم الوجوب على بقاء الحرمة حتى يلزم الدور كما توهم هذا كله حال عدم اعتبار قصد التوصل في إنصاف المقدمة بالوجوب.

اما عدم اعتبار ترتب ذيها عليها خارجاً فى ذلك فتحقيقه موقوف على تحليل مرام صاحب الفصول (قدّس سِرُّه) أولاً حيث يوهم كلام صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) نسبة كون حصول ذى المقدمة في الخارج شرطا متأخراً لوجوب المقدمة اليه (قدّس سِرُّه) أو عدم اعترافه بأن هذه الشرطية تستلزم طلب الحاصل المحال أو نحو ذلك من المحاذير التي أجاب بها عن مقاله فنقول لا يخفى ان صاحب الفصول (قدّس سِرُّه) يعترف بأن حصول ذي المقدمة فى الخارج ليس شرطاً متاخراً لوجوب المقدمة كما صرح به في كلامه ويعترف بأن الشرطية المزبورة تستلزم طلب الحاصل المحال و بأن تبعية وجوب المقدمة لمتبوعه الذى هو وجوب ذى المقدمة تستلزم عدم تلك الشرطية بل هو (قدّس سِرُّه) انما جعل الايصال شرطاً للاتصاف بالوجوب و حيث أنه قابل للرجوع الى شرطية حصول ذى المقدمة لوجوب المقدمة صرح في صدر كلامه بأن التوصل بها من قبيل شرط الوجود للمقدمة لا من قبيل شرط الوجوب وهذه الجملة كما تدفع التوهم المزبور صريحة فى ان عنوان التوصل انما هو نظير الشرط لاعينه حتى يستلزم كون هذا العنوان الانتزاعى دخيلا في معروض الوجوب أوفى نفسه و يستنتج من ذلك عدم فعلية الوجوب الغيرى الا بعد تحقق العنوان فى الخارج بتحقق معنونه وهو الوصول كيف وقد صرح بان عدم حصول ذى المقدمة كاشف عن عدم وجوب المقدمة و لازمه كون حصوله كاشفا عن وجوبها من اول الامر فبمؤنة هذه القرائن الموجودة في كلامه صدراً وذيلا يمكن حل مرامه بان ذات المقدمة بحسب الواقع ونفس الامر على قسمين فمنها ما يكون

ص: 11

توأماً م مع وجود ذيها في الخارج ومنها ما لا يكون كذلك فمعروض الوجوب الغيرى حصة توأمة بحيال ذاتها من غير ان تكون التوأمية منوعة لها وموجبة لتلونها بلون ما فالواجب ذات المقدمة ليس الاغاية الامر أن التوصل الى ذى المقدمة عنوان مشير الى ذلك الواجب فمالم يتحقق العنوان لا ينكشف الواجب فالاتصاف بالمطلوبية منوط به بهذا المعنى اذا لعقل لما رأى التلازم بين الوجودين خارجاً و عدم تحقق ذى المقدمة الا بعد تحقق المقدمة حكم بالملازمة بين الوجوبين فلابد أن يكون معروض الوجوب ذات المقدمة الواقعة فى طريق ذى المقدمة بلاتلوّن الذات بلون الوقوع فى ذاك الطريق و مما يشهد بكون ما ذكرنا مراد صاحب الفصول (قدّس سِرُّه) علاوة عما تقدم هو استدلاله الاخير لمرامه بقضاوة الوجدان بأن من يريد شيئاً لمجرد حصول شيئ آخر لايريده اذا وقع مجرداً عنه و بما ذكرنا ظهر إن كثيراً من الاحتمالات التي ذكرها بعض الأجلاء (قدّس سِرُّه) في الاستظهار كلامه من مثل شرطية حصول ذى المقدمة للوجوب أو للواجب أو شرطية عنوان التوصل لاحدهما أو غير ذلك مما سياتى التعرض لها انشاء اللّه عند نقل كلمات القوم غير مرادة له (قدّس سِرُّه).

وحيث اتضح مرام صاحب الفصول (قدّس سِرُّه) نقول في تحقيق المقام أن دليل وجوب المقدمة (ان قلنا) بأنه عبارة عن كبرى التلازم الوجودى بين المقدمة و ذيها خارجاً بمعنى أن العقل بعد ما رأى ترتب هذا الوجود على ذاك في الخارج حكم بالوجوب بلانظر له فى هذا الحكم إلى دخل وجود المقدمة بالطبع في وجود ذيها ليكون هذا الحكم العقلى من قبيل الكشف الإنى دون اللمّى كما يظهر ذلك من ذيل كلام صاحب الفصول (قدّس سِرُّه) أى استدلاله الاخير المتقدم (فالحق معه) (قدّس سِرُّه) في انحصار الوجوب الغيرى بذات المقدمة التى يترتب عليها خارجاً وجود ذيها وحينئذ مرجع أدلته المتعددة وهى خمسة (1) الى دليل واحد هو ما ذكرناه من التلازم الوجودى ضرورة أن قضاء الوجدان بما ذكره انما هو مستند الى تلك الملازمة العقلية وكذا عدم اباء العقل عن حصر الامر الغيرى من قبل المولى بالمقدمة الموصلة وعن تصريحه بعدم ارادة غير الموصلة فانهما أيضاً مستندان الى الملازمة المزبورة (اما إن قلنا) كما هو الحق بأن حكم العقل بالملازمة بين الوجوبين

ص: 12


1- ارجع الى الصفحة 7، السطر ١٤.

بعد ما رأى تعاقب الوجودين خارجاً لابد أن يكون مستنداً الى مناط ضرورة أنه ليس بمجازف فى الحكم وذلك المناط هو التوقف الطبعي لاحد الوجودين على الآخر ولو لم ينوجدا في الخارج ابدأ بمعنى دخل وجود المقدمة اعداداً في وجود ذيها بحسب أصل الذات مع قطع النظر عن الترتب الخارجي على نحو دخل وجود السبب فى وجود المسبب أو الشرط فى المشروط فان كون المسبب رشحا للسبب أوكون المشروط عدماً عند عدم الشرط انما هو بلحاظ الذات بما هي لا بلحاظ الخارج و ان كان وعاء فعلية الرشح أو الانتفاء عند الانتفاء هو الخارج فكذلك المعد ضرورة اشتراك الجميع في أصل الدخل أي التوقف الطبعي ليكون هذا الحكم العقلى من قبيل الكشف اللمّى دون الإنى وبعبارة أخرى كبرى التلازم الوجودى والترتب الخارجى وان كانت كبرى عقلية لكنها ليست مستقلة بل داخلة تحت كبرى أخرى مطوية هى التوقف الطبعى بين الوجودين أى الدخل الذاتي لاحد هما فى الآخر (فحينئذ لافرق) بين حصص المقدمة فيما هو مناط الوجوب كما ذكره صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) ضرورة وجود المناط في نفس الذات، ترتب عليها وجود ذى المقدمة أم لا اذ هى ليست علة تامة لوجود ذيها كما نبه عليه صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) بل هى من معدّاته و من البديهى تحقق الاعداد بتحقق نفس الذات ولو لم يترتب عليها وجود ذيها اصلا فالواجب هو الذات بما هي بلا ارتباطه شیئی ما آخر من عنوان التوصل كما زعمه صاحب الفصول (قدّس سِرُّه) أو قصده كما يظهر من تقريرات الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) أو إرادة الاتيان بذى المقدمة كما زعمه صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) ولاغير ذلك مما قيل أو يمكن أن يقال.

وظنّى أن الذى أوقع القوم فى الالتزام بأمثال هذه القيود انما ه_و فساد المبنى من رأسه لما سيأتى انشاء اللّه من أنه ليس هناك وجوب مولوى بالنسبة الى المقدمة بل جعله لغو قبيح بعد كون مرحلة الامتثال موكولة بيد العقل الحاكم باللّابديّة من وجود المقدمة فى طريق امتثال ذيها وعليهذا فالبحث في أمثال هذه الامور لا يجدى كثير فائدة لكن حيث تعرض لها الاصحاب رضوان اللّه تعالى

ص: 13

عليهم فنحن نقتفى آثارهم فنشرع فى نقل مقالاتهم والتعرض لما فيها فنقول و عليه التكلان.

لقد أجاد بعض المحققين (قدّس سِرُّه) فى تحليل مرام صاحب الفصول (قدّس سِرُّه) من أن نظره الى الترتب الخارجى بين الوجوبين و توأمية وجود المقدمة مع وجود ذيها في الخارج كما فصلناه عند تحليل مرامه لكنه ذكر لتتميم مرامه (قدّس سِرُّهما) تقريبين (حاصل أولهما) تعلق الغرض التبعى بكل جزء من اجزاء العلة بحيال ذاته و حيث أن الشرط أو المعد اذا وقع مجرداً عن سائر الاجزاء كان شرطاً أو معداً بالقوة ولم يكن مطلوباً بالتبع من قبل مطلوبية المعلول فلايتعلق به الغرض التيعى فمطلوبية المقدمة بالتبع مقصورة بصورة ترتب ذيها عليها إذ حينئد تكون مقدمة فعلية وبذلك تفترق الموصلة عن غيرها (ويتوجه عليه) ما ذكرناه سابقا من أن العقل بالكشف الإنّى من ناحية ترتب احد الوجودين خارجاً على الاخر يكشف عن وجود شيئ فى ذات المقدمة أوجب ه_ذا الترتب الخارجي فيكشف لما عن الملازمة ثم يحكم بوجوب المقدمة وحيث أن الترتب الخارجي ليس منوعاً لذلك المناط الواقعى فالوجوب المقدمى لامحالة يعمّ الموصلة وغيرها (وحاصل ثانيها) تعلق إرادة واحدة غيرية بمجموع أجزاء العلة نظير تعلق إرادة واحدة نفسية بمجموع أجزاء الواجب إذا كان مركباً فكما أن الواجب حينئذ مالم يتم جميع أجزائه لا يقع على صفة الوجوب فكذلك كل جزء من أجزاء العلة مالم ينضم اليه غيره من الاجزاء لا يكون مطلوباً بالتبع فالمقدمة مالم تتم عليتها بترتب ذيها لاتقع على صفة الوجوب الغيرى (ويتوجَّه عليه) أن ذلك قياس باطل ضرورة أن الارتباط بين الاجزاء فى الواجب النفسى مأخوذ فيداً للموضوع فلذا يتعلق بالمجموع طلب واحد منبسط ويشهد لذلك أنه لو لم يأت بالجزء الأخير لم يمتثل الواجب أصلا و اذا أتى به كشف عن تحقق الامتثال تدريجاً حال تحقق الاجزاء كذلك بخلاف أجزاء المقدمة من المقتضى و الشرط والمعد فالارتباط بينها لم يؤخذ في موضوع الوجوب الغيرى بل كل واحد منها بحيال ذاته مصداق مستقل لكلى الواجب الغيرى فلا جرم يستقل بتعلق الغرض التبعى به و انحلال الوجوب الغيرى إليه و يشهد لذلك أنه لو لم يات بالجزء الأخير منها أيضاً فقد امتثل الواجب الغيرى بل

ص: 14

ولو أتى بواحد منها فقط أتى بمصداق من ذلك الواجب بخلاف الواجب النفسى المركب فالاتيان بواحد من أجزائه بل بما عدا الجزء الاخير منها ليس من امتثال الواجب فى شيى ضرورة أن الاوامر المنحلة الى الاجزاء ليست مولوية بل ارشادية الى جزئيتها و لذا نقول بأنه لو تعلق أمر مستقل بكل واحد من أجزائه من قبل المولى نظير اركع أو اسبحد ونحو هما فهو منسلخ عن الظهور في المولوية بل ارشاد الى جزئية متعلقه لذلك الواجب المركب المأمور به كالصلاة فالارادة الواحدة الغيرية انما تتعلق بكلى المقدمة المنطبق على كل واحد من أجزاء العلة بحيال ذاته لا بالعلة التامة.

«ثم انه (قدّس سِرُّه)» أورد على هذا التقريب باستلزامه تعلق الوجوب الغيرى بالارادة الفاعلية أيضاً فتخرج عن كونها اختيارية وذلك محال كما نبه عليه صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) فاجاب بما (حاصله) تعلق البعث المولوى الغيرى بما عدا الارادة و تعلق منشاء ذلك البعث الذى هو ارادة المولى بالارادة أيضاً (وفيه) أنه التزام بالاشكال وبخروج الجزء الأخير من العلة التامة عن تحت البعث الغيري فلم يثبت تعلق ذلك البعث بالعلة التامة الذى هو المدعى فى هذا التقريب كما أنه (قدّس سِرُّه) «أوضح ذلك» في هامش التعليقة بترديد أثر المقدمة بين عدم تحقق ذي المقدمة عند عدمها أى الاستلزام العدمى و بين امكان ذى المقدمة بها بانحائه الثلاثة من الذاتي والوقوعي والاستعدادى وبين المتمكن منه بها ونفى كل ذلك ثم اختار أن اثرها الدخل الذاتي في وجود ذى المقدمة على اختلاف أنحاء الدخل من المقتضى والشرط والمعدو أن متعلق الغرض التبعى المستلزم للوقوع في حيز الطّلب الغيري هو الدخل بالفعل لا بالقوة فينحصر الواجب بالمقدمة الموصلة (وفيه) إنا نختار الامكان الوقوعى ونجيب عن اشكال أنه أثر امكان المقدمة لا وجودها بأن ترتب ذلك الامكان على امكان المقدمة ليس بجزاف والالترتب على امكان غير المقدمة من سائر الاشياء أيضاً فلابدان يكون ذلك مستنداً الى أمر موجود فى ذات المقدمة هو دخلها الذاتي في وجود ذيها واحتياجه الطبعى اليها وذلك هو مناظ المقدمية ويمكن أن نختار الامكان الاستعدادی و نجيب عن اشكال حصر ذلك بالافعال التوليدية بأن كل

ص: 15

ما يقع في سلسلة وجود الشيئ فهو من مقدمات وجوده قريباً كان أم بعيداً فالامكان الاستعدادى الموجود في مرحلة ذات المقتضى لكونه في سلسلة وجود المقتضى بالفتح يكون من مقدمات وجوده فهذا القسم من الامكان أيضاً يعم جميع المقدمات ولا يختص ببعضها دون بعض اما ان قلنا كما هو الحق بما اختاره أخيراً من أن أثر المقدمة دخلها الذاتى فى وجود ذيها على اختلاف أنحاء الدخل من الاقتضاء و الشرطية والاعداد فالامر أوضح ضرورة أن فعلية الدخل ليست منوعة لاصله الذي هو مناط المقدمية بل هو موجود في كمون ذات المقدمة مطلقاً موصلة كانت أم غيرها فمتعلق الوجوب الغيرى يكون لامحالة مطلق المقدمة.

«ثم أنه (قدّس سِرُّه) اعترض» على مقال صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) في محذور وقوع الارادة التى هى جزء أخير من العلة التامة من استلزامه التسلسل إذ كل ارادة تستدعى ارادة أخرى وحيث أنها مقدمة للارادة السابقة فيتعلق بها الوجوب الغيرى لامحالة و هكذا الى غير النهاية (بانكار لزوم) التسلسل لكفاية وقوع بعض الارادات الطولية تحت البعث الغيرى و أن سر عدم تعلق البعث بالارادة.

كونها مقدمة للابتعاث (و فيه) أن ذلك انما يمنع عن تعلق البعث بها لو استلزم الجبر تكويناً فى الارادة وليس كذلك بداهة أن المكلف بعد تعلق البعث بالارادة مختار فى ارادة الفعل وعدمها و االانبعاث عن البعث وعدمه وبالجملة صفة : له أن يفعل و له أن لا يفعل : التى هى حقيقة الاختيار لاتزول عن المكلف بسبب تعلق البعث بالارادة فينبعث عن ذلك البعث نحو الارادة والفعل معاً بلا محذور في تعلقه بها من هذه الجهة ثم لو سلمنا اختصاص البعث بما عدا الارادة من جهة ان ملاك البعث قائم بفعل صادر عن اختيار المكلف وذلك ينا فى تعلقه بالارادة كما اختاره (قدّس سِرُّه) فمنشأ البعث أى ارادة المولى أيضاً لا محالة لا يتعلق بالارادة اذلا معنى لتعلقه بفاقد الملاك فما ذكره أخيراً بعد النقض و الابرام من كفاية منشاء البعث أى ارادة المولى لتحصيل الارادة ولولم يتعلق بها نفس البعث مما لا محصل له بل بين كلاميه صدراً وذيلا شبه تهافت أما ماجعله مقتضى النظر الدقيق من عدم كون الارادة مقدمة الفعل مطلقاً سواء فى التعبديات و الترمليات بل كونها مقدمة

ص: 16

للاتصاف بكونه مبعوثاً اليه ففيه أن المراد بتلك الارادة لو كان هو الداعى فلاريب في خروجه عن مورد كلام صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) اذ كلامه انما هو في الارادة التكوينية ولو كان هو الارادة التكوينية فصريح الوجدان يشهد بعدم كونها مقدمة لذات الفعل مطلقاً ثم من العجيب أنه (قدّس سِرُّه) استدرك مع ذلك بأن منشاء البعث الغيرى و هو الارادة كاف لتحصيل الارادة بلا احتياج الى تعلق نفس البعث بها حتى يشكل فيه إذ الارادة إذا لم تكن مقدمة لنفس الفعل فبأي ملاك يتعلق بها إرادة المولى التى هى منشاء البعث الغيرى (وبالجملة) فكلامه صدراً وذيلا ليس له معنى محصل فتدبر جيداً ثم ان له (قدّس سِرُّه) تعليقات و هوامش أخرى حول ما أفاده صاحب الكفاية في جواب صاحب الفصول (قدّس سِرُّهما) كلها مبنى على قصر النظر على الترتب الخارجى بين المقدمة و ذيها كما فصلناه سابقاً عند تحقيق المقام بعد تشريح كلام صاحب الفصول فما ذكره هذا المحقق مطابق عيناً مع ما استظهرناه من كلام صاحب الفصول (قدّس سِرُّهما) فيرد عليه عين ما أوردناه على كلامه فراجع ما قدمناه وتأمل فيه كى تقدر على الجواب عن جميع ما ذكره في هذه التعليقات والهوامش.

(نعم اعترض) في التعليقة على جواب صاحب الكفاية عن استدلال صاحب الفصول (قدّس سِرُّهم) للموصله بصحة منع المولى عن غير الموصلة من أن ذلك يستلزم طلب الحاصل وتوقف جواز المقدمة على نفسه و أوضحه في الهامش بما (حاصله) انکار تعليق وجوب المقدمة على وجود ذيها خارجاً أولا بل على حصة خاصة من المقدمة ملازمة مع وجود ذيها خارجاً ثم على فرض تسليم التعليق المزبور تقسيم هذا التعليق على أربعة (أحدها) كون وجود ذى المقدمة شرطاً متقدماً للوجوب و استشكل بأن طلب الحاصل بكلا معنييه أى ايجاد الموجود ثانياً المستلزم لاجتماع المثلين وعلية المتأخر لوجود المتقدم غير لازم في هذا القسم إذ البعث بوجوده العلمي داع نحو الفعل المبعوث اليه و هو غير متأخر عن المقدمة و انما محذور هذا القسم أن البعث لما كان بوجوده الخارجي متأخراً عن وجود ذى المقدمة الذى هو شرط متقدم له و وجود ذى المقدمة في طول وجود المقدمة قهراً فالبعث نحو المقدمة لغو بلا فائدة (ثانيها) كونه شرطاً مقارناً للوجوب و

ص: 17

استشكل بعدم لزوم طلب الحاصل فيه لما تقدم في القسم الاول و أن محذور هذا القسم هو التنافى اللحاظى اذلابد أن يلاحظ ذو المقدمة غير موجود في الخارج حتى يصح البعث نحوه و يترشح منه بعث نحو مقدمته كما لابد أن يلاحظ موجودًا في الخارج حتى يصير البعث فعلياً بمقتضى أنه مشروط به (ثالثها) كونه شرطاً متأخراً للوجوب و اختار هذا القسم بدعوى أنه لا محذور فيه أصلالان البعث فعلى قبل وجود المقدمة (رابعها) كون ارادة ذى المقدمة شرطاً للوجوب و أورد عليه باستلزامه انقلاب الوجوب الى الاباحة (وفيه) أن محذور طلب الحاصل لازم على القسمين الأولين كما أن القسم الثالث غير خال عن المحذور، بيان ذلك أنه فرق بين أن يكون الامر بوجوده الخارجى داعياً بشرط العلم به وبين أن يكون بوجوده العلمى داعياً ولولم يكن فى الواقع أمر أصلا والثانى باطل جداً ضرورة أن العلم له الطريقية الى البعث لا الموضوعية فالداعى وجود الامر فى وعائه المناسب معه غاية الامر أن تأثيره فى االانبعاث نحو المأمور به مشروط عقلا بالعلم به فوجود ذى المقدمة خارجاً قبل تحقق البعث في القسم الاول حيث يكون كوجود المقدمة فالداعي نحو هما لامحالة شيء آخر غير هذا البعث المتأخر فاذا تحققا عن داع آخر فالبعث نحوهما ثانياً بعد الوجود يكون لامحالة الوجود يكون لا محالة من أحد شقى طلب الحاصل الذي ذكره القوم أما في القسم الثانى فالطولية الزمانية بين البعث مع وجود ذى المقدمة و ان لم تكن موجودة لكن الطولية بالعلية موجودة لامحالة قضاءاً لمعنى الشرطية أى كون وجود ذى المقدمة دخيلا في وجود البعث وملاك استحالة طلب الحاصل بمعناه الثانى انما هو الطولية العلّية لا الزمانية فمحذور طلب الحاصل موجود في هذين القسمين أما القسم الثالث ففيه محذور الشرط المتأخر أى لزوم تأخر البعث عن وجود ذى المقدمة لو تحفظنا فيه على معنى الشرطية أى التأثير فى وجود البعث و خلف الغرض أى عدم كون البعث مشروطاً بوجود ذى المقدمه لولم نتحفظ على معنى الشرطية كما فصلناه في مبحث الشرط المتأخر فراجع.

و استدل بعض الاعاظم (رَحمهُ اللّه) لاختصاص الوجوب بالمقدمة الموصلة بما (حاصله) أن الوجوب الغيرى المتعلق بالمقدمة قاصر عن شمول غير حال الايصال

ص: 18

لا أنه مقيد ب_ه ولا مطلق عنه فالايصال عنوان مشير الى ما هو الواجب لا أنه تمام الموضوع للوجوب نعم بعد تحقق ذات المقدمة يسقط الامر عن التأثير في بعث المكلف نحو الفعل من جهة تحقق الفعل لكن لا يسقط بالمرة بل هو باق بعد إذلا يحصل الغرض منه الا بتحقق جميع السدود المستتبع لتحقق الواجب النفسى في الخارج مدعياً اندفاع جميع اشكالات القول بالموصلة بسبب هذا البيان (وفيه) أن منشأ حكم العقل بالملازمة بين الوجوبين لو كان هو التلازم الوجودى خارجاً بين المقدمة وذيها بمعنى عدم تحقق ذى المقدمة في الخارج الابعد تحقق المقدمة فيه لكان الحق مع القائل بالمقدمة الموصلة اذلا كاشف عن الملازمة في غير هذه الصورة فطبعاً لا يقتضى دليل وجوب المقدمة أزيد من وجوب الموصلة كما اشرنا اليه سابقا لدى التعرض لكلام صاحب الفصول (قدّس سِرُّه) ومن تبعه في الموصلية كبعض المحققين (قدّس سِرُّه) لكنه ليس كذلك اذ التلازم الوجودى بمجرده لا يصلح ملاكا لوجوب المقدمة مالم تنضم اليه مقدمة مطوية هى احتياج وجود ذى المقدمة بالطبع الى وجود المقدمة أى دخل وجودها ذاتاً فى وجوده وهذا الدخل كما اعترف به هذا القائل استقلالى لكل مقدمة بلا توقفه على ترتب وجود ذي المقدمة و عدمه فالوجوب الغيرى لامحالة يعمّ غير الموصلة و تمام السر فيه ما ذكرنا من أن ملاك الوجوب هو الاحتياج الطبعى لدى المقدمة وجوداً الى المقدمة بمعنى الدخل الذاتى لوجود المقدمة فى وجود ذيها سواء ترتب عليها أم لم يترتب.

ثم ان بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) أجاب عن مقال صاحب الفصول (قدّس سِرُّه) بما هذا (حاصله) ترديد عنوان الايصال بين كونه مقوما للواجب الغيرى فيلزم حصر الوجوب بالمقدمات السببية و هو مصرح بالعموم لغيرها و بين كونه منتزعاً عن الترتب الخارجى لوجود ذى المقدمة على المقدمة فمع تعميم الوجوب الغيرى لذات المقدمة يكون كراً على مافر من الالتزام بوجوب غير الموصلة ومع حصره بالذات بشرط الايصال يلزم الدور والتسلسل أما الأول فلان الواجب النفسى حسب الفرض منشأ انتزاع معروض الوجوب الغيرى اى عنوان الايصال فهو أيضاً معروض ذلك الوجوب فوجوبه موقوف على وجوب المقدمة و المفروض توقف

ص: 19

وجوب المقدمة على وجوبه ه_ذا دور و أما الثاني فلان ذات المقدمة مقدمة المعروض الوجوب الغيرى أى المقدمة بشرط الايصال و المفروض أن الايصال شرط لوقوعها على صفة الوجوب فالذات مجردة عن الايصال مقدمة لتلك المقدمة وهكذا الى ان يتسلسل (وفيه) أن عنوان الايصال ليس من هذا ولاذاك بل هو عنوان مشير الى ما هو الواجب من حصص المقدمة كما تفطنا لكونه مراد صاحب الفصول (قدّس سِرُّه) وذكرنا مما يدل عليه من القرائن الموجودة في كلامه ثم اطلعنا على تفطّن جملة من الاساطين لذلك وعليهذا فما ذكره من اشكال الدور و لزوم سراية وجوب المقدمة الى ذيها يندفع من رأس مع أنه على فرض كون الايصال عنوانا انتزاعيا دخيلا في الواجب الغيرى المستلزم لوقوع الواجب النفسى معروضاً للوجوب الغيرى لا يلزم محذور غايته اجتماع وجوبين نفسی وغيري في فعل واحد. من جهتين وقد التزم بذلك جل الاصحاب وبأن الوجوب يتاكد في نظيره نعم لو كان ملاك الوجوبين منحصراً في واحد هو ملاك المقدمية وكان وجوب ذى المقدمة منحصراً فى واحد هو الناشى من قبل وجوب المقدمة للزم الدور لكنه ليس كذلك وبنفس هذا البيان أى كون عنوان الايصال مشيراً يندفع اشكال التسلسل و غيره مما ذكره نعم يتوجه على مقال صاحب الفصول (قدّس سِرُّه) ما ذكرناه سابقاً و اشاراليه هذا القائل في آخر كلامه من أن التلازم بين الوجوبين منشأه التلازم بين الوجودين بملاك دخل أحدهما في الاخر وهذا الدخل بأنحائه الثلاث ذاتى للمقدمة فالوجوب الغيرى قهرى لها بلا فرق بين حصة وحصة فى ذلك (ثم انه) نقل عن المحقق المدقق صاحب الحاشية (قدّس سِرُّه) أن الواجب هو المقدمه من حيث الايصال و فسره يكون الوجوب حال الايصال وادعى الفرق بين هذا المقال وبين مقال أخيه المحقق المدقق صاحب الفصول (قدّس سِرُّه) ان الواجب هو المقدمة بشرط الايصال بدعوى امكان تصحيح مقال صاحب الحاشية (قدّس سِرُّه) بقصر النظر على ترتب ذى المقدمة على المقدمة خارجاً اذ تقييد وجوب المقدمة بالايصال ممتنع كما عرفت فكذلك اطلاقه عنه لان تقابل الاطلاق والتقييد ليس تقابل الوجود والعدم كي يستحيل ارتفاعها معاويكون ارتفاع احدهما مستلزماً لتحقق الاخريل تقابل العدم والملكة

ص: 20

فيمكن ارتفاعها معافوجوب المقدمة غير مقيد بالايصال ولا مطلق عنه بل يكون حاله توأماً معه وحيث يمتنع تقييد وجوبها بالايصال فطبعاً يمتنع اطلاقه عنه فالفرق بينهما بامتناع تقييده بالايصال وامكان اطلاقه عنه كما يظهر من شيخنا الانصاري (قدّس سِرُّه) في غير محله (وفيه) أنه لافرق بين مختار الاخوين المحققين (قدّس سِرُّهما) بل مختار صاحب الفصول (قدّس سِرُّه) على ما قدمناه في تشريح مرامه استظهاراً من نفس كلامه يكون عين مانسبه هذا القائل الى صاحب الحاشية (قدّس سِرُّه) فمرامهما في المقام واحد أما كون تقابل الاطلاق والتقييد تقابل العدم والملكة فتحقيقه يأتى في محله انشاء اللّه أما امكان تصحيح اختصاص الوجوب بالمقدمة الموصلة على نحو الحصة الملازمة فقد عرفت فساده لدى الجواب عن تقريب بعض المحققين وبعض الاعاظم (قدّس سِرُّهما) لذلك فراجع.

بقى شيئى وهو ثمرة القول بالمقدمة الموصلة (فقد يقال) بظهورها في صحة العبادة لدى ابتلائها بالاهم الموجب للتزاحم بينهما في مرحلة الامتثال نظير الصلاة وازالة النجاسة عن المسجد إذ لازم القول بوجوب المقدمة مطلقاً فساد العبادة في الفرض لان تركها مقدمة لفعل الازالة فهو واجب وبناءاً على اقتضاء الامر بالشيئي النهى عن ضده يكون فعل العبادة منهيا عنه محرماً وبناءاً على اقتضاء النهى التبعى بطلان العبادة يستلزم فساد الصلاة فالبطلان مبنى على تمامية أمور احدها كون مطلق الترك مقدمة ثانيها وجوب المقدمة شرعا ثالثها اقتضاء الامر بالشيئي النهي عن ضده رابعها استلزام النهى التبعى فساد العبادة أما على القول بوجوب خصوص الموصلة فالامر الاول ممنوع اذ مطلق الترك ليس مقدمة لفعل الازالة بل خصوص الترك الموصل أى الواقع في طريق فعل الازالة و المفروض ان المكلف طرد هذا الترك بفعل العباده فليس بمحرم كي يستلزم الفسادو بالجملة المقدمة هو الترك الخاص وفعل العبادة ليس نقيض ذاك الترك فوجوبه لا يستلزم حرمة العبادة كى يلزم فسادها من باب النهي في العبادة (لكن الشيخ الاعظم) (قدّس سِرُّه) أنكر هذه الثمرة بدعوى ان المقدمة على هذا القول وان لم تكن مطلق الترك بل الترك الخاص الا ان نقيض الترك الخاص رقعه وهو ملازم مع أحد أمرين على سبيل منع الخلو إما الترك المجرد وإما فعل العبادة فبناءاً على الملازمة بين وجوب الترك الخاص وحرمة رفعه

ص: 21

تكفى الملازمة بين رفع ذاك الترك وبين فعل العبادة في حرمتها كما ان نقيض مطلق الترك على القول بوجوب المقدمة مطلقا رفعه وهو ملازم مع أحد الامرين المزبورين على سبيل منع الخلو ضرورة تحققه بالترك المجرد ففعل العبادة أحد مصداقيه لاعينه وتلك الملازمة كافية في حرمة فعل العبادة فلا فرق بين القولين من جهة الحرمة وعدم امكان تصحيح العبادة (فرده) صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) بالفرق بين المقامين بدعوى أن نقيض الترك الخاص مقارن مع فعل العبادة لا انه ملازم معه و حك_م الشيئي لا يترتب على ملازمه فضلا عن مقارنه نعم لا يحكم على الملازم بحكم مخالف لحكم ملازمه بخلاف مطلق الترك فنقيضه متحد مع فعل العبادة خارجا ولو قلنا بتغايرهما مفهوما فيحرم من ناحية وجوب الترك على القول بوجوب المقدمة مطلقا فتصحيح العبارة على القول بالموصلة ممكن في الفرض فالثمرة بحالها.

ص: 22

(وأورد) عليه بعض المحققين (قدّس سِرُّه) بعد تفسير الرفع في نقيض كل شيى رفعه بالاعم من الفاعلى والمفعولى بأن الحق مع الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) إذ المراد بالمقدمة الموصلة لا يخلو إما العلة التامة أو ما لا ينفك عنها ذوها و المقدمه الموصلة على الاول مجموع ترك الصلاه وارادة الازالة لا بمعنى عنوان المجموع بما هو أمر انتزاعي بل واقع الامرين فنقيضها مجموع فعل الصلاة وعدم الارادة لا أحدهما لان النقيضين لا يرتفعان و هما متحققان لدى فعل الصلاة فيكون محرماً وعلى الثانى هو الترك الخاص أى الترك مح خصوصية ثبوتية فتقيضها فعل الصلاة وعدم الخصوصية ولاريب فى تحقق عدم الخصوصية مع فعل الصلاة فيكون محترماً فتبطل العبادة ولا تظهر الثمرة.

و تحقيق المقام بتنقيح أمور ثلاثة (أحدها) أن نقيض الشيئي بديله فنقيض الوجود بديله اى عدمه لكن لا بمعنى أنه شيئى ثبوتى مقابل الوجود ليكون معنى تقابلهما (أى السلب والايجاب) تقابل شيئين ثبوتيين بل بمعنى الاشارة بعنوان العدم (الذي هو مفهوم ذهني) إلى خلوِّ وعاء الكون عن الوجود فلا معنى للرافعية و المرفوعية هناك بأن يكون الوجود رافعاً للعدم والعدم رافعاً للوجود كما يوهمه تفسير الرفع في لسان بعض المحققين بالاعم من الفاعلى والمفعولى بل ليس الا الوجود وبانتفائه لاشيئى هناك حتى أن عدم الملكة كالعمى كناية عن وجود ناقص كعين فاقدة لبعض عروقها او نحو ذلك مما يوجب فقد البصر وليس بما هو عدم حظ ولا شأن من الوجود فمعنى اجتماع النقيضين فرض اشتغال وعاء الكون بالوجود وفرض خلوه عنه لا اجتماع شيئين شويتين فى وعاء الكون ومن هنا يعلم أنه لا معنى لعدم ارتفاع النقضين وانما هو اصطلاح صدر عن قدماء الفلاسفة من غير دقة واحتفظ به متاخر وهم (ثانيها) ان الخصوصية المنصورة فى الترك الخاص ليست الا الايصال وهو ليس خصوصية ثبوتية للترك إذليس هناك الاوصول الشخص الى ذى المقدمة خارجا بايجادها لا ايصالها اليه فتوصيف المقدمة كترك العبادة فى لمثال بوصف الايصال

ص: 23

مغالطة في التعبير فلا معنى للترك الخاص أبداً (ومن هنا) يعلم مافي كلام بعض الاعاظم فانه بعد دعوى انفكاك فعل الصلاة عن الترك الذى هو المقدمة على هذا القول دفع توهم كسب فعل العبادة المبغوضية من ترك الازالة الذى هو حرام بأن عدم أحد الضدين أى الازالة مستند الى عدم مقتضيه أى الارادة لا الى وجود ضده ای الصلاة لانه ليس رشحاً له فوجود أحدهما لا يكسب المبغوضية من عدم الاخر الافى صورة عدم انفكاك ارادة ترك أحد هما عن ارادة فعل الاخر وعليه فالبطلان مقصور بها ولا يشمل صورة وجود صارف من فعل الآخر مع عدم ارادة أحد هما ففى هذه الصورة تظهر الثمرة (وذلك) لان الايصال بالاخرة شأنى لعدم الصلاة لانه موقوف على عدم صارف عن الازالة عند ارادة عدم الصلاة و هذه الشأنية ثابتة في حق كل مقدمة اذ لولم يتخلف اتيانها عن ارادة ذيها تكون موصلة فصحة العبادة ليست ثمرة القول بالموصلة بل مستندة الى عدم الملازمة بين ترك ضد مع فعل ضده الأخر مع أن أصل توصيف المقدمة بالموصلة مغالطة كما عرفت اذا لقائل بالحصة إنما يلاحظ وصول المكلف الى ذى المقدمة بايجادها ولا دخل للمقدمة في هذا الوصف الانتزاعى من ذى المقدمة الموقوف انتزاعه على تحققه في الخارج و ان أبى عن الاعتراف بما ذكرنا فيرد عليه أن المقدمة حينئذ تتصف بوصف فعلی مغائر لسائر المقدمات مع أنه قال بأن كل مقدمة بحسب طبعها قابلة لترتب ذيها عليها فافهم ذلك فانه لا يخلو عن دقة (ثالثها) أن الترك الخاص ل_و فسرناه بالحصة الملازمة مع حصول ذى المقدمة فى الخارج و سلمنا تقابله مع الترك المطلق بهذا الاعتبار فتحصيص العدم حيث أنه بلحاظ اضافته الى الوجود اذا لعدم فى حاق ذاته عدم ومتوغل فى الابهام مطلقه ومضافه وقد عرفت أن نقيض كل شيى بديله فنقيض جميع حصص العدم هو الوجود ضرورة طرده بجميع حصصه بالوجود ففعل الصلاة فى لمثال نقيض جميع حصصه الترك مطلقه وخاصه فدعوى انفکاکه عن الترك الخاص بسبب الترك المجرد كما صدرت عن جملة من الاصحاب فاسدة ففعل الصلاة لابد أن يكون محرماً بناءاً على الملازمة بين وجوب المقدمة وحرمة نقيضها فلاثمرة للقول بالموصلة كما نبه عليه الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) و بعض الاساطين وافقه

ص: 24

فى نفى الثمرة لكنه اعتذر عن تعبير القوم عن نقيض الترك بعدم العدم بأنه منطبق على فعل الصلاة ثم قال بأنه عنوان مشير الى الفعل والا فلا جامع بين العدم المطلق مع الفعل و فى هذا الاعتذار ما لا يخفى اذ لازم كونه منطبقاً على الفعل هو التعبير عن النقيض بعنوانه الكنائى و مع امكان التعبير بعنوان نفسه لاموجب للكناية ثم كيف يمكن الجمع بين العنوان المطبق مع العنوان المشير هذا كله مع أن سائر الامور التي عرفت ابتناء بطلان العبادة عليها ممنوعة فتلخص أن الثمرة موقوفة على مقدمات كلها ممنوعة.

ومن تقسيمات الواجب لدى القوم انقسامه الى الاصلى و التبعي وليعلم أن التقسيم لابدان يكون بلحاظ أثر مرغوب للاقسام والافمجرد تقسيم الشيئ إلى أقسام باعتبارات مختلفة بلاترتب أثر على الاقسام بل على المقسم فقط فضلا عن عدم ترتب أثر حتى على المقسم لغو ثم ليعلم أن تعاريف القوم للاصلي والتبعى مختلفة كل بلحاظ خاص بلاحظه ولاموجب للخدشة فيها طرداً أو عكساً بعد مالم يكن المعرف من الامور التكوينية الواقعية بل من الاعتبارية المختلفة حسب اعتبار المعتبر وبعد ذلك نقول ان صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) جعل محل الكلام فى هذا التقسيم في مقام الثبوت أى مرحلة تعلق الارادة الانشائية لافي مقام الاثبات أى مرحلة دلالة الخطاب وعرف الاصلي بما تعلق به ارادة مستقلة الالتفات اليه أى تفصيلاً سواءً كانت تلك الارادة ناشئة عن ملاك في نفس الشيئ كي يكون واجبا نفسيا اوفي غيره كي يكون واجبا غيريا وعرف التبعى بما لم تتعلق به إرادة مستقلة ولم يكن مورد الالتفات تفصيلاً و هذا منحصر في الواجب الغيرى إذا لملاك النفسى لا ينفك عن تعلق ارادة مستقلة بخلاف مقام الدلالة لامكان استفادة الواجب النفسى من الدليل بدلالة تبعية كما في دلالة الاقتضاء نظير استفادة كون أقل العمل ستة أشهر من قوله تعالى والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين وقوله تعالى وحمله وفصاله ثلاثون شهراً كما يمكن استفادة الواجب الغيرى بدلالة استقلالية كوجوب الغسلتين والمسحتين من الامر في قوله تعالى فاغسلوا وجوهكم الاية ونتيجة هذا التقسيم تظهر فيما لوشك في واجب أنه أصلى أو تبعى إذ على القول بأن التبعى ما لم تتعلق به ارادة مستقلة يكون مقتضى

ص: 25

أصالة عدم تعلق تلك الارادة هو التبعى وعلى القول بأنه أمر وجودى خاص لا يجرى فيه الاستصحاب الّا على القول بالاصل المثبت (واعترض عليه) بعض المحققين(قدّس سِرُّه) بأن المدار في الاصلى والتبعى ليس على الارادة التفصيلية والارتكازيه والادخل بعض أقسام الاصلى النفسى فى التبعي كما اذا كان في الشيي ملاك نفسي بحيث لو التفت اليه لأراده وأمر به لكنه ليس مورداً للالتفات فعلاً نظير إنقاذ الولد بالنسبة الى المولى حال النوم ضرورة وجود الارادة الارتكازية للمولى حينئذ بالنسبة الى إنقاذ ولده دون الارادة التفصيلية فلازم تعريف التبعى عن صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) كون هذا الواجب تبعياً مع أنه نفسى وقد حصر (قدّس سِرُّه) التبعى بالغيري فالمدار في الاصلى والتبعى على نشو الارادة عن ملاك مستقل أو غير مستقل الراجع الى النفسى والغيرى (و ربما اعتذر) عن صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) بالالتزام بخروج مثل انقاذ الولد عن قسمى الاصلى والتبعى ولاغر و به (و ربما استشكل) فيه بأنه لا محيص عن دخوله تحت أحد القسمين :

وتحقيق المقام أن أصل المبنى وه_و ثبوت الملازمة بين الوجوبين شرعاً فاسد حتى يترتب عليه استلزام إرادة إرادة اخرى وتصل النوبة الى تقسيم الواجب الغيرى بحسب الالتفات الى الارادة الاستلزامية و عدمه الى أصلى وتبعى نعم على فرض ثبوت المبنى فرق بين إستلزام إرادة لأخرى أى نش وإرادة عن إرادة أخرى خارجًا للالتفات إلى الملازمة المزبورة بين الوجوبين أو نشو الارادة عن ملاك مستقل بالذات كما هو ملاك النفسى و الغيرى ولذا يعبر عنه بوجوب رشحى أو تبعى أو ظلى وبين الالتفات إلى الارادة الاستلزامية وعدمه كما هو ملاك الاصلى والتبعى ولذا قيدنا التامي في تقريب كلام صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) بأمرين عدم تعلق إرادة مستقلة و عدم الالتفات الى الارادة الاستلزامية فنشو الارادة عن أخرى علة تسامة للوجوب الغيرى والالتفات اليها عل_ة لصيرورة الوجوب أصليا فلدى فعلية الارادة الاستلزامية يكون عدم الالتفات اليها مانعاً عن استقلال المقدمة بالارادة الانشائية والخطاب كى تصير واجباً أصلياً بخلافه فى مثال إنقاذ ولد المولى فأصل الارادة ليست فعلية لانتفاء علتها وهى الالتفات الى الموضوع ففرق واضح بين

ص: 26

المقامين من جهة مانعية عدم الالتفات فى الاول وعليته في الثاني و دعوى كون الارادة مركوزة للمولى فى الثانى بحيث لو التفت لأراد غير مسموعة لوضوح الفرق بين تقدير الارادة مع ركوزها والمتحقق هو الاول والمدعى هو الثاني نعم ذلك لا يجرى في حق الشارع الذى لا يعزب عنه شيء أبداً فالالتزام بخروج لمثال عن القسمين صحيح ضرورة عدم فعلية إرادة من المولى فيه وانما العقل يقوم مقامه فى الحكم بلزوم إنقاذ الولد فتقسيم صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) على مبنى القدماء من ثبوت الملازمة بين الوجوبين شرعاً صحيح ولا ينتقض بمثال إنقاذ ولدالمولى ولبُّ هذا التقسيم أن الواجب الغيرى إما ملحوظ بالاستقلال مورد للامر المولوى كذلك كما في اغسلوا وجوهكم (الآية) فيسمى أصليا واما ملحوظ بالتبع مورد للامر الاستلزامي المولوى فيسمى تبعياً ولذا حصر التبعى فى الغيرى معلّلاً بعدم تعقل التبعية فى الارادة فى النفسى نعم لاثمرة لهذا التقسيم لما عرفت من أنه لابد أن يكون بلحاظ أثر مترتب على الاقسام وهو مفقود في المقام أما فى مورد الشك في الاصلى والتبعى فحيث أن كل واحد من شقى الارادة الاستلزامية أى الملحوظة بالاستقلال و غيرها حصة خاصة من تلك الارادة فاستصحاب عدم حصة لا يثبت وجود الحصة الأخرى.

تذنيب فى ثمرة القول بوجوب المقدمة و حيث أن ثمرة المسئلة الاصولية وقوع نتيجتها في طريق استنباط الحكم الشرعى وهى هنا مفقودة فقد تصدى جماعة لذكر ثمرات فقهية لها (فمنها) النذر كما لونذر شخص الاتيان بواجب فاذا أتى بمقدمة الواجب يحصل بر النذر على القول بالملازمة (وأورد) عليه في الكفاية بأن حصول البر بذلك أو عدمه يتبع قصد الناذر حتى الواجب الغيرى والافاطلاقه منصرف الى النفسى (ولكن يدفعه) أن تبعية سعة دائرة النذر وضيقها لقصد الناذر كجميع العناوين القصدية أمر واضح لكن ربما يكون الناذر غافلا عن الخصوصيات كالنفسية والغيرية فيلاحظ طبيعى المنذور كالواجب فاطلاقه يعم جميع أفراد الطبيعي نعم انصراف الاطلاق الى النفسى حسن لكنه بدوى كما في كل طبيعي بالنسبة الى أكمل أفراده ودعوى أنه في المقام عرفى مدفوعة بامكان استناده الى عدم

ص: 27

التزام العرف بوجوب شرعی غیرى فالانصراف فى طول فرض الملازمة بين الوجوبين غير محرز نعم الانصاف أن ثمرة النذر اقتراحية ليست ثمرة مترتبة بالطبع (ومنها) حصول الاصرار على الذنب بترك فعل له مقدمات كثيرة اذكل مقدمة واجب شرعى مستقل على القول بالملازمة فتركها حرام شرعى فترك الجميع ارتكاب لمحرمات كثيرة فهو اصرار على الذنب (وأورد) عليه في الكفاية بأن مع ترك إحدى مقدمات ذلك الواجب يتحقق علة ترك الواجب ويفوت سائر المقدمات فلا يبقى مجال لتطبيق عنوان الواجب الشرعى عليها حتى يترتب على تركها الأصرار على الحرام فهو لم يرتكب الاعصيانا واحداً (ولكن الحق) أن الوجوب الغيرى على القول به لايصلح للاستقلال بالاطاعة والعصيان وترتب الثواب والعقاب عليه ضرورة عدم ملاك في نفسه و على فرض ذلك فكون ترك الواجب محرماً ممنوع ضرورة أن جعل حكمين أى الوجوب والحرمة في مورد شبی واحد بلحاظ طرفیه من الفعل والترك قبيح عقلا لان أحدهما لغو فصدوره عن الشارع الحكيم محال أماً على فرض التنزل عن الامرين و تسليم كلا المبنيين أو توجيه الاصرار على الذنب بارادة تعدد عصيان الواجب لا ارتكاب المحرم فانكار تحقق الاصرار بد عوى أن العصيان يحصل بترك إحدى المقدمات في غير محله إذ كون ظرف عصيان واجبات متعددة حين ترك أحدها لا يوجب سقوط الباقى عن الوجوب بسبب ذاك الترك كما نشاهد نظيره فى توسط الأرض المغصوبة الذى يمر عليك حكمه إنشاء اللّه والاكان عليه الالتزام بارتكاب عصيان مقدمة واحدة دون عصيان نفس الواجب أيضاً فالصواب فى نفى هذه الثمرة ما قلناه من إنكار أصل استحقاق الثواب والعقاب على المقدمة وإستقلالها بالاطاعة والعصيان أولاً وإنكار حرمة ترك الواجب ثانياً كى يتحقق اصرار على الذنب بتعدد الترك ولو عرضياً بسبب ترك واحد فتامل. (1)

(ومنها) حرمة أخذ الاجرة على مقدمات الواجب على القول بحرمته على الواجبات (وفيه) أنا قررنا فى محله فساد جميح الادلة التي أقاموها على حرمة أخذ الاجرة على الواجبات من التنافى مع التقرب والمجانية و عدم الملكية و غيرها لا سيما في التوصليات (نعم لبعض) الاساطين (رَحمهُ اللّه) هنا كلام حاصله أن الوجوب

ص: 28


1- اذ الذنب حاصل بعصيان الامر ايضا.

لاينا فى أخذ الاجرة بل الواجبات على ضربين أحد هما ما هو واجب بالمعنى المصدرى كما فى الامور النظامية من الصناعات و غيرها إذا لواجب فيها المعنى المصدري وهذا القسم غير مملوك للّه تعالى فيجوز أخذ الاجرة عليه ثانيها ماهو واجب بالمعنى الاسم المصدري كما في العبادات وهذا القسم مملوك للّه تعالى لكنه تارة لا يقبل الاستنابة كالصلوات اليومية وهذا قام الاجماع على عدم جواز أخذ الاجرة عليه وأخرى يقبل الاستنابة كالصوم والحج و هذا لكونه ملكاً للّه لا يجوز أخذ الاجرة عليه (ولكن يتوجه) عليه أن الفرق بين المعنى المصدرى مع الاسم المصدري كالفرق بين الايجاد والوجود انما هو بالاعتبار مع الاتحاد في الوجود فتقسيم الواجب الى قسمين والتفصيل فى الحكم بين المعنيين غلط كما أن الواجبات طراً غير مملوكة للّه تعالى وانما له فيها الالزام وهو حكم تكليفي فلايوجب الملك الذى هو أمر وضعى فجعل الواجب بالمعنى الاسم المصدري ملكاً للّه غلط نعم على فرض الملكية فالايجار عليه يكون من قبيل البيع في غير ملك فهو باطل مطلقاً فالتفصيل في هذا القسم بين ما يقبل الاستنابة وما لا يقبل غلط ثم الاجماع المدعى على البطلان في الواجبات العينية غير حجة بعد كونه مدركياً و إختلاف المجمعين في المدرك فهذا المقال منه (رَحمهُ اللّه) مخدوش من وجوه والحق ما عرفت فتدبر.

(و منها) وقوع مقدمة الواجب اذا كانت محرمة كتوسط الارض المغصوبة لانقاد غريق مثلاصغري لكبرى اجتماع الامر والنهي على القول بالملازمة (و فيه) منع الصغروية كما نبَّه عليه في الكفاية لان صغرى الاجتماع لابدفيه من وجود جهتين تقييديتين يكون باحديهما موردا للامر و بالاخري مورد النهي و ليس كذلك فعل المقدمة إذ الواجب ما يكون بالحمل الشايع مقدمة أی ذات المقدمة الخارجية كذات التصرف في الأرض المغصوبة فى لمثال لاعنوان المقدمية والمفروض تعلق الحرمة بذات التصرف فمورد الامر والنهى متحد خارجاً ليس فيه تعدد الجهة فهو من قبيل النهى في العبادة إن كانت المقدمة منها و النهى غيرها إن لم تكن منها فدعوى بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) دخولها في صغرى الاجتماع من جهة تطبيق عنوان المقدمة على ذات الفعل الخارجى مدفوعة بأن عنوان المقدمة مشيرٌ إلى الذات الخارجي لا أنه

ص: 29

شیئی ورائه ينطبق عليه كمافى جميع العناوين المشيرة الى الذوات الخارجية (كما ان تقريب) بعض المحققين (قدّس سِرُّه) لاثبات التعدد بان الواجب ذات الفعل بجهة المقدمية أى التوصل الى ذى المقدمة والجهات التعليلية في الاحكام العقلية تمام الموضوع لحكم العقل و لذا خصصنا الوجوب سابقاً بصورة قصد التوصل فالواجب وان كان ذات الفعل لكن جهة التوصل دخيلة في الموضوع فهو الواجب فى الحقيقة (مدفوع) بأن ذلك اغترار باصطلاح فلسفى وتطبيق له على غير مورده اذما ذكروه من كون الجهات فى الاحكام العقلية تمام الموضوع لحكم العقل لا بد له من قابلية الجهات للتبطيق على الخارج بأن يكون لها مطابق في الخارج نظير العالمية والها شمية وليس كذلك جهة الايصال في المقدمة ضرورة عدم مطابق لها في الخارج و انما تنتزع عن وصول ذى المقدمة عقيب تحقق المقدمة ولذا منعنا سابقاً دخل قصد التوصل في اتصاف المقدمة بالوجوب فالجمع بين تعلق الوجوب بذات الفعل وبين كون الواجب فى الحقيقة هو التوصل يشبه الجمع بين المتناقضين ولذا رجع عن ذلك في هامش المقدمة الموصلة كما اشرنا اليه هناك فراجع.

نعم ايراد صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) على هذه الثمرة بوجهين آخرين في غير محله (أحدهما) أنه على فرض تعدد الجهة فمع انحصار المقدمة في المحرم يقع التزاحم بين الحرمة ووجوب أصل ذى المقدمة فلا يترشح منه وجوب الى المقدمة بناءاً على ترجيح الحرمة أما على ترجيح الوجوب فلا حرمة كى يلزم الاجتماع و مع عدم الانحصار يختص الوجوب بالمباح (إذفيه) أن ملاك الوجوب موجود فى المقدمة بناءاً على الملازمة ضرورة عدم التنافى بين الحرمة وجهة المقدمية فالمقدمة المنحصرة عليهذا الفرض تكون صغرى الاجتماع والعجب من بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) حيث ناقش في الجواب الأول لصاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) واختار جوابه الثاني هذا مع أن المناقشة فى غير محلها كما تقدم وهذا الجواب غير صحيح كما عرفت (ثانيهما) أنه على فرض الاجتماع فالمقدمة ان كانت توصلية جاز التوسل بها الى ذى المقدمة قلنا بالاجتماع أم بالامتناع وان كانت تعبدية فعلى القول بالامتناع لا يجوز التوسل بها قلنا بوجوب المقدمة أم لا وعلى القول بالاجتماع يجوز التوسل

ص: 30

بها قلنا بوجوب المقدمة أم لاففى جواز التوسل و عدمه لا فرق بين القول بالملازمة وعدمه) (اذفيه) أن التوصلى قد عرفت وقوعه صغرى للاجتماع على فرض تعدد الجهة اما المقدمة العبادية المحرمة فلا يتصور لها وجود في الخارج إذ في باب الاجتماع كالصلاة فى المغصوب يكون الامر موجوداً بالطبع والنهى انما يجيئ من قبل تطبيق عنوان محرم على مصداق المأمور به بايقاع الصلاة في المغصوب و في المقام عكس ذلك إذا المفروض كون المقدمة محرمة فالنهى موجود بالطبع فمن أين يجيئى الامر حتى تصير عبادية ثم على فرض وجود الامر فهل هو الا الامر المقدمى على القول بالملازمة فيكون صغرى الاجتماع غاية الامران الامر المقدمى حيث لا يكون مقرباً ولا مبعداً فلا يصلح لجعل الفعل عبادياً بقلب المبغوض إل_ى المحبوب فلا مجال لفرض مقدمة عبادية محرمة الابتو ه_م تصور جهة محسنة فيها كما يظهر من بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) لكنه فاسد إذما ه_و محرم بالطبع كعبادة الحائض أوصوم يوم الأضحى ليست فيها جهة محسنة كى يمكن الامر المقدمى بها من ناحية واجب آخر موقوف عليه خارجاً فهذا الجواب من صاحب الكفاية مغالطة عجيبة فى مقام نفى الثمرة وسرّ عدم جواز التوسل بالمحرم في مثله انما هو فساد المبنى اى عدم ثبوت الملازمة وعلى فرضه فعدم صلاحية الامر المقدمى للمقربية والمبعدية فضلا عن قلب المبغوض الى المحبوب فالصواب في نفي هذه الثمرة جوابه الأول الذى اخترناه بالتقريب المتقدم فتدبر فظهر أنه ليست للقول بوجوب المقدمة ثمرة اصلا.

ثم انه لو شككنا فى وجوب المقدمة ولم يقم دليل على اثباته او نفيه فالاصل يقتضى نفى اصل الملازمة بين الوجوبين لكونها مسبوقة بالعدم كما يقتضى نفى وجوب المقدمة لكونه مسبوقا بالعدم حين مالم يكن وجوب لذى المقدمة لكن صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) أنكر جريان الاصل بالنسبة الى أصل الملازمة حيث تصدى لتأسيس الاصل فى المسئلة بما يرجع الى دعويين (الأولى) أن الملازمة أو عدمها لما كانت ازلّية والازليّات ثابتة غير مسبوقة بالعدم فلا اصل بالنسبة الى نفس الملازمة أو عدمها (ويدفعها) أولا أن هذه موقوفة على تقرّر المهيّات أزلا وقد برهنّا في محالِّه على

ص: 31

بطلان التقرر الماهوى وأن المهية اما انتزاعية عن حدود الوجود واما اختراعية ببركة الوجود فعلى أى تقدير هي حادثة كالوجود مسبوقة بالعدم فيجرى الاصل فيها كنفس الوجود، وثانياً على فرض التقرر الماهوى أنه ما المراد بالملازمة في عالم المهيات (فلواريد) استتباع مهية مهية أخرى (ففيه) أن المهية الثانية كالاولى مقررة حسب الفرض فهما معاً متقررتان بلا ملازمة بينهما (ولواريد) الملازمة بين حصة خاصة من المهية المتقررة وبين حصة أخرى كذلك (ففرض) حصتين بهذا النحو وان كان صحيحاً غير محال لكن لا معنى للملازمة بينهما (ولو اريد) استتباع وجوب إحديها وجوب الاخرى (ففيه) ان الملازمة بين الوجوبين ملازمة بين الوجودين وهما مسبوقان بالعدم فيها فيجرى الاصل (فظهر) أن جريان الاصل في نفس الملازمة مما لا ينبغى الاشكال فيه (الثانية) (پجريان الاصل بالنسبة الى وجوب المقدمة كما قلناه (لكنه) رتب عليه أن وجوب المقدمة على القول بالملازمة غير مجعول بجعل بسيط أى الاستقلال النفسي ولا بجعل مركب بأن يكون أحد جزئى جعل ذى المقدمة بل بجعل عرضى بتبع جعل ذى المقدمة (ويتوجه) على هذا التفريع أنه لو أريد انتزاع أحد الوجوبين عن الاخر فهذا اختراع عقلى وليس من الجعل فى شيئى ولو اريد أن الوجوبين معلولان طوليان لعلة واحدة هي ارادة ذى المقدمة فكل من الوجوبين مجعول بالاستقلال لا بالتبع و (وقد يتوهم) أن جريان الاصل في وجوب المقدمة يستلزم التفكيك بين المتلازمين وهو محال ثبوتاً (ويندفع) بمانبه عليه في الكفاية من أن الملازمة إنما هى بين الواقعين من الوجوبين لا الفعليين كي يكون اجراء أصالة العدم عن وجوب المقدمة لدى الشك فيه مستلزماً للتفكيك بينه وبين وجوب ذيها المتلازمين (فايراد) بعض المحققين (قدّس سِرُّه) بأن الملازمة بين الفعليين غاية الامران عدم الحجة على وجوب المقدمة اثباتاً أو جب صحة جريان أصالة العدم فيه (مدفوع) بأن الملازمة واقعية والفعلية ليست مرتبة في قبال الواقع كي يمكن التلازم فيها و إنما هى إحراز الوجوب في مرحلة الظاهر.

و بعد ذلك كله يقع الكلام فى أصل وجوب المقدمة (وقد ادعى) في الكفاية وتبعه بعض أعاظم تلامذته كبعض الاساطين (قدّس سِرُّهم) أن الاحسن هو الإحالة إلى

ص: 32

الوجدان و هو قاض بأن من يريد شيئاً مع الالتفات إلى أصل الموضوع وهو وجود مقدمة للشيئى و إلى صفة الموضوع وهى مقدمية تلك المقدمة فلا محالة يريد مقدمته أيضاً، فارادة المقدمة ناشئة لا محالة عن إرادة ذى المقدمة كما يشهد بذلك وجود الامر ببعض المقدمات في العرفيات كما يقال : أدخل السوق و اشتر اللحم : فالارادة المتعلقة بشراء اللحم هي بنفسها المتعلقة بدخول السوق و كذافي الشرعيات كما في قوله تعالى : «إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا» (الاية) فكما أن ارادة ذى المقدمة مولوية و الامر به مولوى فكذلك الارادة المتعلقة بالمقدمة و الامر بها شرعاً (لكن التحقيق) أن العجز عن الاستدلال للوجوب أوجب الارجاع الى الوجدان و هو شاهد على عدم وجوب مولوى للمقدمة عكس ما إدعاه هؤلاء ضرورة أن الوجوب المولوى لا بُدَّ له أوَّلاً من وجود ملاك استقلالى فيه كي لا يكون إعمال المولوية جزا فاً ثم تحقق إعمال المولوية من قبل المولى على طبقه ب_جعل الوجوب فإن هذا حيث مغيِّر للعنوان إذ مع وجوده يمكن للعبد قصد إمتثال الامر و التقرب به إلى المولى كما هو معنى مقربية الامر و بدونه لا يمكن ذلك، ثم ترتب الثواب على امتثاله والعقاب على مخالفته، فالوجوب المولوى يختلف مع غيره من مرحلة الملاك الى مرحلة الثواب والعقاب و شيئى من هذه المراحل غير موجود في مورد الامر المقدمى فلا معنى لنشو إرادة مولوية عن ارادة مولوية أخرى، و إنما هناك حكم العقل بلزوم الاتيان بالمقدمة في سبيل إمتثال ذى المقدمة بملاك الّلآبدية من وجودها فى عالم ايجاد ذيها أما ما ترى من الامر الشرعى ببعض المقدمات فهو وإن كان صادرا عن المولى لكن كل بعث صادر عن المولى لا يلزم أن يكون مولويا وجوبياً ضرورة إمكان كونه ارشاداً إلى الوضع أو لبيان أمر عادى أو للاستحباب كما نشاهد جميع هذه الانواع الأربعة فى أوامر الشارع ففى الاخبار البيانية الواردة فى الوضوء قد أمر بأخذ الماء من الاناء و هذا أمر عادى و يكون الماء طاهراً و ه_ذا ارشاد الى الوضع أى دخل طهارة الماء في صحة الوضوء و بالاستنشاق و المضمضة و هذا إستحبابي، فيجوز للشارع أن يرشد الى اللابدية العقلية بسبب الامر بالمقدمة و معه لا ينعقد لتلك الاوامر ظهور في المولوية

ص: 33

(فانقدح) أن الوجدان دليل على عدم وجوب مولوى للمقدمة و الا فالاستدلا لات المذكورة فى كلمات القوم أيضاً مستندة الى الوجدان من ناحية الكشف الإنّى.

و لذا تكون (أحسن) وجوه الاستدلال ما نقله فى الكفاية عن الحسن البصرى من أن المقدمة لولم تجب لجاز تركها وحينئذٍ فان بقى الواجب على وجوبه لزم التكليف بما لايطاق والأخرج الواجب المطلق عن كونه واجباً ثم أصلحه بأن المراد من الجواز في الشرطية الاولى عدم المنع من الترك شرعاً كي تتم الملازمة لا الاباحة الشرعية لعدم الملازمة معها ومن قوله حينئذٍ حين ترك المقدمة (مع أنه) كما نبه عليه فاسد إذعدم المنع الشرعى لا يستلزم شيئاً من المحذورين لان ترك ذى المقدمة إنما حصل بسوء إختيار المكلف وعصيانه مع وجود حكم العقل إرشاداً بعدم ترك المقدمة (وسرُّ الفساد) أن مع وجود العقل وإستقلاله بلزوم الاتيان بالمقدمة في سبيل إمتثال ذى المقدمة لايلزم أمر الشارع بها ولا يكون وجوب دى المقدمة عند ترك المقدمة تكليفاً بما لايطاق ضرورة أن إمتثاله يكون مقدوراً بالواسطة من جهة القدرة على ايجاد المقدمة فتفويت المقدمة تفويت لديها وسبب لعصيان الامر المتعلق به (فظهر) أن وجوب المقدمة حكم عقلى بملاك اللّابدية في ايجاد ذى المقدمة وليس بحكم مولوى أصلا.

وبعد ما ثبت أنه ليس للمقدمة في نفسها وجوب مولوى فالتفصيل بين السبب وغيره أو الشرط وغيره سلب بانتفاء الموضوع (لكن استدل) للتفصيل بين السبب وغيره بأن التكليف لابد أن يكون بالمقدور إما لاخذ القدرة في المتعلق تقييداً أو تقيداً أو لاخذها في ناحية الجعل كما يأتي تفصيله في مبحث الترتب، والمقدور فى الافعال التوليدية ذات الاسباب إنما هو السبب أما المسبب فهو من آثار السبب وبذلك علل بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) تعلق الامر بالاسباب تارة وبالمسببات أخرى نظیر قوله تعالى : «إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا»: (الاية) وقوله تعالى : فاطهروا : فالواجب من المقدمات انما هو السبب دون غيره (ويندفع) أولا بأن هذا كشف لمتعلق الامر النفسى وليس من التفصيل فى وجوب المقدمة بين السبب وغيره في

ص: 34

شیی فهو خروج عن محل البحث وثانياً على فرض الدخول في محل البحث بأن القدرة كما يأتى تحقيقه في ذلك المبحث شرط عقلى فى مرحلة امتثال التكليف بلا دخل لها فى نفس التكليف بأحد أنحائه المتقدمة من أخذها في الجمل أو تقييد المتعلق أو تقييده بها، و ذلك لاينا في مع قبح تكليف العاجز إذ يكفي في صحة التكليف تبرع الغير عنه أو الاستنابة أو امكان تحصيل القدرة أو غير ذلك مما ذكرناه في محله فالاستدلال للتفصيل من ناحية التكليف بالمقدور سلب بانتفاء الموضوع، وثالثاً علی فرض دخل القدرة في التكليف بأن معنى القدرة اعمال : له أن يفعل وأن لا يفعل : وهذا المعنى حاصل بالنسبة الى فعل يتوصل اليه بواسطة فعل آخر فكل دليل دل على دخل القدرة فى التكليف يكون دليلا على أن ما يمكن التوصل إليه بواسطة فعل آخر مقدور يكون مقدوراً للمكلف، ولذا ترى القائل بوجوب المقدمة مطلقاً يستدل له بالعجز عن الامتثال لدى ترك المقدمة، فالمسبب حيث يمكن التوصل إليه بواسطة السبب فهو مقدور فلافرق بين المقدمات، ويرشد إلى ما ذكرنا ويؤيده ما أفاده بعض المحققين (قدّس سِرُّه) من أن القدرة نفسانية وجسمانية و وحدتها بلحاظ وحدة القوى مع النفس وتفسير المشهور للقدرة بقولهم : ان شاء فعل وان شاء ل__م يفعل : بلحاظ ما يعم جميع افرادها حتى قدرة البارى تعالى التي هي المشية، والافعال التوليدية لا تتعلق بها قدرة نفسانية ولاجسمانية نعم الشوق اليها موجود غماية الامر يحتاج الى مصحح وهو فى الشوق التشريعى عبارة عن امكان ارادة يتولد منه الفعل فارادة المولدات للمسببات التوليدية مصححة لتعلق الشوق بالمسببات والتكليف لا يستدعي أزيد من القابلية للارادة (وما صدر) عن بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) من أن المسبب ليس فعل الفاعل ضرورة تخلفه أحياناً كما في وصول الرمي الى المرمى مع موت الرامى فلو كان الوصول فعل الرّامى ل_زم تخلف المعلول عن علته و هو محال (ناش) عن الخلط بين العلة الفاعلية بمعنى الرشح مع الاعدادية لان استحالة التخلف انما هى فى الاول و مثال الوصول و الرّامى انما هو من قبيل الثانية (كما أن ما) صدر عنه من أن اختيارية المسبب وحدة الوجود كتحريك اليدو المفتاح (مدفوع) باتحاد الايجاد وتعدد الوجود

ص: 35

(ومن الغريب) ما أجاب به عن تغاير وجوديهما من انطباق عنوانين على الفعل فهناك فعل واحد عنوانه في الآن الاول تحريك اليدو في الآن الثاني تحريك المفتاح (إذ ليس) هناك أمر واحد مستمر كي يتعدد عنوانه بل وجودان متغايران.

(كما استدل) للتفصيل بين الشرط الشرعى و غيره بان الشرط الشرعى لو لم يكن واجباً خرج عن كونه شرطاً إذلاملزم عليه عقلاً وعادةً (وأجاب) عنه فى الكفاية بأن الامر الغيرى إنما يتعلق بما هو مقدمة فلو توقف كونه مقدمة على تعلق الامر الغيرى به لزم الدور ثم ادعى إنتزاع الشرطية عن التكليف النفسي المتعلق بذات المقيد (و يدفعه) أن الشرطية كما يأتى تحقيقه فى الوضعيات من الامور الوضعية المجعولة بالاستقلال وليست منتزعة عن التكليف سواء كان دليلها بلسان الامر نظير «إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا» (الاية) أم بلسان الوضع نظير : لاصلوة الابطهور: إذ كلا اللسانين للارشاد الى أمر وضعى هو تقيد الصلاة بالطهور.

تتمة مقدمة المستحب كمقدمة الواجب فهى مستحبة شرعًا بناءاً على الملازمة و راجحة عقلا بناءاً على ما عرفت من نفسى الملازمة شرعاً وإن وجوب المقدمة عقلى بملاك اللا بدية الخارجية و کذا مقدمتا الحرام والکروه (و قد أنكر) صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) اتصاف مقدمة الحرام والمكروه بالحرمة والكراهة مطلقا مع قوله باتصاف مقدمة الواجب و المستحب بالوجوب و الاستحباب و حصر اتصافها بهما بما لا يتمكن المكلف بعد الاتيان به من ترك الحرام أو المكروه بدعوى ان ما يتمكن بعد الاتيان به من تركها لايكون تركها متوقفا علی ترکه ورتب على ذلك أن الحرام لو لم تكن له مقدمة تسلب اختیار تركه عن المكلف بل كان تركه تحت اختياره و لو بعد الاتيان بجميع مقدماته لما اتصفت مقدمة من مقدماته بالحرمة و كذلك المكروه (و توهم) أنه كيف يعقل وجود فعل لاتكون له مقدمة أصلا بحيث يجب وجوده بعد وجودها مع أن الشيئي مالم يجب لم يوجد (مدفوع) بأنا نسلم وجوب الفعل بوجود بعض المقدمات إلا أنه لا نسلم كون ذاك البعض من مقدماته الاختيارية إذ ه_و كمبادى الاختيار التي لا تكون بالاختيار. (لكنك) عرفت في مسئلة الطلب والارادة أن مبادى الاختيار و ان كان بعضها غير اختيارية الا أن ذلك لا يوجب خروج الاختيار عن اقتضائه بل

ص: 36

الانسان في طول المبادى الغير الاختيارية له جعل المانع عن اقتضاء تلك المبادى (فالتحقيق) أن فعل الحرام اذا كان موقوفاً على مقدمات فتركه و ان أمكن بترك مقدمته الاخيرة الا أن ذلك لا يوجب حصر المطلوبية العيرية في ترك المقدمة الاخيرة اذ يمكن ترك الحرام بترك سائر المقدمات أيضا فللمكلف أن يتوصل في ترك الحرام بترك أية واحدة من مقدماته شاء (ومن هنا) يظهر أن المبغوضية الغيرية سارية الى المقدمات ان اتصفت بوصف المقدمية سواء فى الحرام والمكروه (وانما قيدنا) بالاتصاف بالمقدمية دفعاً لتوهم أن الفعل الذى لا يترتب عليه الحرام لايسرى اليه المبغوضية وأن الكبرى مخدوشة بذلك مضافاً الى أن مقدمات الحرام ربما يؤتى بها لأغراض أخر غير التوصل إلى الحرام فكيف تسرى إليها المبغوضية (وجه الدفع) أن مناط المبغوضيه الغيرية هو شأنية التوصل وهذا المناط موجودفى مقدمات الحرام اذا ثبتت لها المقدمية وان مقدمات الحرام إذا: تحيثت بحيث آخر كما لو جيئي بها لغرض آخر فقد خرجت عن كونها مقدمة للحرام، وهكذا للمكروه، هنا ظهر أن (ماجعله) بعض المحققين (قدّس سِرُّه) فارقاً بين مقدمات الحرام مع الواجب من أن الفعل إنما يحتاج فى وجوده إلى جميع المقدمات فتسرى محبوبيته اليها بخلاف الترك فهو يتحقق بترك إحدى المقدمات فلاتسرى مبغوضية فعله إلى جميع المقدمات ولذلك ذهب إلى الوجوب التخييرى بين أحد التروك (غير سديد) لان مقتضى التضايف بين الفعل والترك سريان محبوبية ترك شيئ الى تروك مقدماته إن فرض كون تلك المقدمات مقدمات فعله المفروض مبغوضيته وكون التروك مقدمات تركه (وتوهم) أن الفعل حيث يحتاج الى جميع المقدمات فهو يبقى في العدم بعدم بعض المقدمات فلاموجب لسراية الوجوب الى جميع التروك (مدفوع) بأن ذلك مغالطة إذالمفروض أن سائر التروك لها دخل في هذا الترك لان طوارد تلك التروك مقدمات لفعله (فانقدح) أن حكم مقدمات المستحب والحرام و المكروه بأجمعها حكم مقدمة الواجب على مبنى القوم من الملازمة وعلى مسلكنا من الحكم العقلى فلا وجه للتفصيل بينها أصلا.

نعم لبعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) كلام في مقدمة الحرام (حاصله) أن الآتى بها إن

ص: 37

كان له صارف عن فعل الحرام فحيث لا يترتب الفعل عليها فلا موجب لحرمتها إلا مع علمه بعدم التمكن من ترك الحرام بعد الاتيان بها وصيرورته مقهوراً على إرادة الفعل فتكون المقدمة محرّمة، و إن لم يكن له صارف عن فعل الحرام لكن إنطبق عنوان الحرام و عنوان المقدمة معاً على أمر واحد كما فى الافعال التوليدية حيث ينطبق عنوان الفعل المتولد على المتولد منه كاجراء الماء على اليد للوضوء إذا انصب على أرض مغصوبة بلا واسطة أرض مباحة حيث ينطبق عنوان التصرف فى الغصب على إجراء الماء للوضوء فيدخل في مسئلة اجتماع الامر والنهى، أما ان لم ينطبق العنوانان على أمر واحد لكن لم يتمكن من ترك الحرام بعد الاتيان بالمقدمة كانصباب مساء الوضوء فى لمثال فى أرض مغصوبة بواسطة جريانه في أرض مباحة لميزاب فيها بلا امكان سدّ الميزاب تسرى الحرمة الى المقدمة لتعلق القدرة بها أوّلاً وبالذات، فان تمكن من ترك ذى المقدمة بعد الاتيان بالمقدمة كالتمكن من سد الميزاب فى لمثال فليلاحظ ان حرمة المقدمة من باب التجرى و قصد المعصية أم لترشح الحرمة إليها من ذى المقدمة لكن الحق عدم كونها لمجرد قصد المعصية فحيث يتمكن المكلف من ترك الحرام بعد الاتيان بالمقدمة ولا يتوقف إمتثال الحرام على تركها بل العصيان بعد الاتيان بها إختيارى فلاموجب للمحرمة (أقول) يظهر من مجموع كلامه التزامه بحرمة مقدمة الحرام في موارد ثلاثة كون فعل الحرام توليدياً أو كون المقدمة علة تامة للحرام أو كون المكلف بعد تحقق المقدمة مقهوراً فى ارادة الحرام دون سائر الموارد و ظاهر مثاليه للفعل التوليدى و العلة التامة التزامه بسراية حرمة الحرام الى المقدمة، فهل هو ملتزم بحرامين نفسيين أم يتعلق حرمة المتولد بالمتولد منه لكونه متعلق القدرة أولا وبالذات نظير قول السيد (قدّس سِرُّه) بأن الامر بالمسبب أمر بالسبب أم بتعلق حرمة غيرية بالمقدمة، والظاهر ارادته الحرمة النفسية وتعبيره بسراية الحرمة يوهم الرشح ولو بنحو النفسية، و كيف كان فيتوجه عليه (كبروياً) ما قلناه فى التفصيل بين السبب و غيره من أنه لا موجب لصرف ظهور الا وامر فى الافعال التوليدية أى المسببات وكذا في النواهى بل المانع من هذا الصرف موجود و هو لزوم وقوع ما قام به الملاك من

ص: 38

الصلاح أو الفساد بنفسه متعلق البعث أو الزجر، فلو اطلق عنوان الحرام على مقدمة الحرام ولو السببية أى التوليدية فليس على نحو الحقيقة فلا يقال رمى الرصاص قتل الا على نحو المجاز بعلاقة السببية، أما اطلاق عنوان القاتل على الرامي للرصاص فان كان بعد حصول القتل في الخارج فهو لاجل تحقق القتل بالتسبب اليه لان الفعل التسبيبى فعل حقيقة و ان كان قبله فهو مجاز للمشارفة (و الحاصل أن) التلازم بين المتولد و المتولد منه ليس دائمياً بل غالبي لامكان حصول مانع أو عدم تحقق شرط فى البين أو قصور اقتضاء اذ لیس کل رمی رصاص موجباً للقتل كما هو مشاهد بالوجدان فينفك الفعل المتولد عن المتولد منه، ففى كلية موارد ذهابه الى سراية الحرمة إن اريد الحرمة النفسية لا موجب للسراية لما قلناه، و بعد ذلك نقول مبنى القول بالوجوب المقدمى أى التلازم بين الوجودين حاصل في مقدمة الحرام إذمن يقول كهذا القائل بأن المقدمة واجبة بالوجوب الغيرى بذاتها لا بشرط الايصال لا يقول بذلك إلا لكون المقدمة واقعة فى سلسلة وجود ذى المقدمة من غير فرق بين كونها علة تامة أو من قبيل المعدّو من البديهي أن ترتب الواجب وعدم ترتبه أجنبى عن هذا المبنى، وذلك بعينه موجود في مقدمة الحرام اذبها يتوصل الى الحرام وان لم يتوصل اليه فعلاً فمن الغريب أن المنكر للمقدمة الموصلة الى حدّ القول باستحالة مسلك صاحب الفصول (قدّس سِرُّه) كيف ينفى الحرمة الغيرية (بناءاً على أن الملازمة تستلزم الرشح وجوباً أم حرمة) عن مقدمة الحرام ان لم تكن علة تامة أو فعلاً مولداً للحرام بتقريب انه مع الاتيان بمقدمة الحرام يمكنه ترك الحرام، و بعبارة واضحة إن التلازم بين محبوبين يستلزم رشح الوجوب و ان لم يصر ذو المقدمة بعد الاتيان بمقدمته واجب الوجود فكذلك الملازمة بين مبغوضين تستلزم سراية حرمة غيرية أى البغض الغيري الى مقدمة الحرام وان بقى الحرام بعد على امكانه (وصغروياً) أن في أمثلته مواقع للنظر ربما يلتفت اليها المتأمّل من خلطه بين الافعال التوليدية و مثل اجراء الماء على البدن المستلزم لجريانه على أرض مغصوبة و من تفصيله بين كون ارض مباحة متوسطة بين أرض مغصوبة و عدمها ونحو ذلك الفصل الخامس في أن الامر بالشيي هل

ص: 39

يقتضى النهى عن ضده أم لا وفيه أقوال وتحقيق المقام يستدعى رسم أمور (الاول) أن المراد بالاقتضاء فى عنوان المسئلة كما يشهد به مراجعة كلمات القوم مطلق الدلالة سواء كانت بنحو العينية أى المطابقة أم بنحو الجزئية أى التضمن أم بنحو الالتزام إما من جهة التلازم بين طلب أحد الضدين و طلب ترك الآخر أو من جهة المقدمية كما ستعرف، فالمسئلة أعم من اللفظية والعقلية طبعاً (فما يظهر) من بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) من حصرها في العقلية مع اعترافه بأعمية الاقتضاء في محل النزاع من العينية والجزئية واللزوم (غير سديد) وكونها عقلية بحسب مختاره في المسئلة لاربط له بتحرير محل النزاع الذى لابد أن يكون بنحو يجرى على جميع الاقوال في المسئلة، كما أن المراد بالتضاد في العنوان مطلق التنافى سواء كان بين الوجودين كفعل شيئ وفعل منافيه أم بين وجود أحدهما وعدم الاخر كفعله و ترك ضده (الثاني) أن مقتضى ما ذكر وان كان تعميم محل البحث بالنسبة الى المقدمية و غيرها فى الضد الخاص لكن لما كان مستند عمدة القائلين بالاقتضاء فيه مقدمية عدم أحد الضدين لوجود الاخر فلابد من تنقيح ذلك فنقول وعليه التكلان (تقريب) استدلالهم انه لاريب ولا اشكال في التنافى والتمانع بين الضدين بمعنى استحالة الجمع بينها في عالم الوجود وذلك يستلزم توقف وجود أحدهما على عدم الاخر و لذا اشتهر بين أهل الميزان أن عدم المانع من المقدمات، فوجود أحد الضدين له دخل اخلالى فى وجود الآخر بلا دخل لوجود الآخر في عدم ذلك الضد ولازم ذلك أن يكون وجود الضد يكتسب المبغوضية من الامر بضده، فالاستحالة ملزوم مقدمية عدم أحد الضدين لوجود الاخر وهى سبب لاكتساب المبغوضية (وأجاب عنه) صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) بما محرره أن غاية مايلزم من الاستحالة المزبورة اجتماع عدم أحد الضدين مع وجود الآخر في وعاء التحقق بلاتخلل الفاء بينهما ولو بالعلية ومن المعلوم أنه بين عدم أحدهما ووجود الآخر كمال الملائمة، أما تقدم أحد هما على وجود الآخر فالاستحالة المزبورة التي عليها مبنى الاستدلال لاتستلزمه وهذا كما في تقابل السلب والايجاب الذى هو أتم أنحاء التقابل، فان استحالة الجمع بين المتناقضين في عالم الوجود لاتستلزم أزيد من اجتماع عدم

ص: 40

أحدهما مع وجود الاخر بلاتخلل الفاء بينهما ولو بالعلمية مع تفاوت أن ارتفاع المتقابلين كاجتما عمها في الوجود مستحيل فى هذا بخلاف تقابل التضاد فارتفاعهما اذا كان للضدين ثالث غير مستحيل (وبالجملة) فالمقدمية المزبورة لازم أعم لتلك الاستحالة فالدليل أخص من المدعى، مضافاً الى أن التمانع لقيامه بطرفين يستدعى التوقف من الجانبين فلو كان وجود أحد الضدين موقوفاً على عدم الاخر لاجل التمانع فلابد أن يكون عدم الضد الاخر أيضاً موقوفاً على وجود ضده فيلزم الدور.

هذا تحرير صدر كلامه (قدّس سِرُّه) و قد ظهر منه أن ما أجاب به عن برهان الاستحالة الاستحالة من القائل بالمقدمية غير منحصر بنفى إستلزام الاستحالة الترتب الزمانى بين وجود أحد الضدين و عدم الآخر بل هو نفى استلزامها الترتب بينهما مطلقاً حتى بحسب الرتبة والطبع أى العلية والوجود، و مما يشهد بذلك مضافاً الى اقتضاء اطلاق صدر كلامه هذا تصريحه في ذيل كلامه فى مقام نفى التقدم بقوله (قدّس سِرُّه) : ولو طبعاً : فلايرد على مقاله ایراد بعض المحققين (قدّس سِرُّه) بأن التلائم بين وجود أحد الضدين و عدم الاخر زماناً لاينا في الترتب بينهما رتبة وبحسب الطبع (نعم يرد) عليه أن عدم استلزام الاستحالة الترتب الرتبى ممنوع ضرورة أن مقتضى التقابل بين وجودى الضدين أى عدم امكان جمعهما في الوجود لزوم فراغ المحل عن أحدهما

عند تحقق الاخرفيه فخلو المحل عن وجود أحد الضدين الذي هو معنى عدمه مما لابد منه في وجود الضد الآخر ولو فی آن دقّیٍّ عقلیٍّ لازماني والألزم اجتماعهما في الوجود في ذاك الآن، و لذا يكون رفع كل عين وضع الآخر وبالعكس وجداناً فى الضدين لا ثالث لهما فالتقدم الرتبى لعدم أحد الضدين على وجود الآخر مما لا محيص عنه بحسب الاستحالة المزبورة، فلا يمكن الجواب عن ذلك البرهان من هذه الجهة.

(نعم) يمكن الجواب عن البرهان من طريق اللم بأن الذى أوقع القوم في مزعمة مقدمية عدم أحد الضدين لوجود الضد الاخر انما هو ما قرع الاسماع ودار على ألسنة اهل الميزان من أن: عدم المانع من أجزاء العلة التامة : وهذا المقال

ص: 41

مصادم مع الوجدان ومخالف للبرهان ضرورة أن العدم ليس الاعبارة عن عنوان ذهنی أخذ من الوجود وتصور ببركته للاشارة الى ليسية معنونه من غير أن يكون له مطابق في الخارج، فهو متوغل فى الابهام ولا يكون له مصداق في ساهرة التحقق وما هذا شانه كيف يعقل أن يكون له دخل في الوجود كي يكون من اجزاء العلة اذا المسانخة بین الاثر والمؤثر مما لابد منه بحكم العقل المستقل، والالزم صدور المبائن عن المبائن وعلية كل شيئى لكل شيئي و لازمه عدم علية شيئى لشيئى وهذا مما ينادى الوجدان بأتم مافى فطرته ببطلانه ويشهد البرهان بأشد مرتبته بفساده فالمؤثر أى ذو الدخل في الوجود لابد أن يكون من سنخه لا من نقيضه، أما مراد أهل الفلسفة من عده من أجزاء العلة فليس دخل العدم بما هو عدم فى الوجود أى تأثيره في تحقق المعلول كما ربما يتوهم بل الاشارة إلى دخل وجود المانع إخلالاً في وجود المعلول وأن بمجرد إحراز وجود المقتضى ووجود الشرط لا يمكن الحكم بوجود المعلول مالم يحرز عدم المانع، ولو كان مرادهم ذلك فهو كما عرفت مصادم مع الوجدان و مخالف للبرهان (والاعتذار) عن ذلك كما في كلام بعض المحققين و بعض الاعاظم (قدّس سِرُّهما) بأن المراد ليس تأثير عدم المانع في وجود المقتضى كي يشكل بأن العدم ليس بشيئ حتى يؤثر فى الوجود بل المراد دخله في قابلية المحل لتأثير المقتضى فيه ليتحقق المقتضى (مدفوع) بأن القابلية لا تخلو إمّا أن تكون أمراً وجودياً أو منتزعاً عن أمر وجودى و على أي تقدير يلزم تأثير العدم في الامر الوجودى إما بلا واسطة أو معها فعاد المحذور بعينه (وأعجب) من ذلك ما يقال من أن ذلك انما يتم بالنسبة الى العدم الصرف دون المضاف اذله حظٌّ (رائحةٌ) من الوجود فيمكن بذلك دخله فى الامر الوجودى (وذلك) لان المراد لو كان توسط العدم المضاف بين الوجود والعدم فلاريب أن مقتضى طبع المطاردة بين الوجود والعدم عدم واسطة بينهما ولو كان أنه وجود ضعيف فحينئذ يخرج عن مفروض الكلام من كون العدم من أجزاء العلة، وإذقد تبين حال عدم المانع وأنه لا يعقل أن يكون دخيلا في وجود الشيي تبين حال عدم الضد و أنه بطريق أولى لا يعقل أن يكون دخيلا في وجود ضده فدعوى المقدمية باطلة فاقتضاء الامر بالشيئ النهي عن

ص: 42

ضده الخاص من هذه الجهة سلب بانتفاء الموضوع.

(وما يظهر) من بعض المحققين (قدّس سِرُّه) في تقريب المقدمية من أن القابليات و الاستعدادات وأعدام الملكات انما هى انتزاعيات لامتأصلات بالذات فالمؤثر فيها لابد أن يكون من سنخها للزوم السنخية بين الاثر والمؤثر فعدم المانع أو عدم الضد حيث أنه أمر انتزاعى يصحّ تأثيره فى أمر انتزاعي آخر كالقابلية، أما القاعدة الفرعية وهى أن ثبوت شيئ لشيئى فرع ثبوت المثبت له فلا تقتضى أزيد من لزوم ثبوت للمؤثر من سنخ ثبوت الاثر والمفروض تحققه في المقام فلا محذور في مقدمية عدم الضد لوجود الضد الآخر (مدفوع) بفساد كلا الامرين أما تأثير عدم المانع أو عدم الضد في القابلية فلما عرفت آنفاً آنفاً من أن القابلية إما أمر وجودى أو منتزع عن الوجودى فيلزم تأثير العدم فى الوجود و أما كون ذلك العدم أمرًا إنتزاعياً فلان البحث انما هو في باب العلل و المعاليل لا الانتزاعيات مع أن الانتزاع تعمل عقلى و أمر وجودى علته إرادة النفس وخلاقيتها وذلك لا يرتبط بمسئلة الضد المسئول فيها عن دخالة وجود أحد الضدين في ترك ضده أو بالعكس (كما أن جوابه) (قدّس سِرُّه) عن توهم أن توقف عدم الضد كالصلاة على وجود الضد كالازالة يستلزم أحد محاذير ثلاثة على سبيل منع الخلو إمّا تحقق المعلول بلا علة كما في صورة عدم الازالة والصلاة معاً فى الأزل مثلا إذا المعلول وهو عدم الصلاة متحقق والعلة وهى الازالة غير متحققة، وإما استناد الوجود الى العدم كما فى صورة عدم تحقق فعل تحقق فعل الازالة الذي هو علة ترك الصلاة و تحقق الصلاة التي عدمها معلول وجود الازالة إذ يلزم استناد وجود الصلاة الى عدم الازالة من باب استناد عدم المعلول الى عدم علته، وإما ارتفاع النقيضين كما في صورة فرض عدم تحقق فعل الازالة ولاتركها (بأنَّ) من يقول بتوقف ترك الصلاة على فعل الازالة انما يقول بتوقف عدمها الطارى على فعل الازالة لاعدمها الازلى لان فعل الازالة لم يكن أزلياً فلا يتصور كونه علة لترك الصلاة أزلاً فلا يلزم المعلول بلا علة، ففى فرض اجتماع العدم الطارى للصلاة مع فعل الازالة يكون عدمها الطارى معلولا لوجود الازالة أما نقيض العدم الطارى وهو فعل الصلاة في عكس الفرض فهو باقٍ

ص: 43

ببقاء علته وليس مستنداً الى عدم الازالة فلايلزم استناد الوجود الى العدم (مدفوع) بأن نقيض العدم الطارى أى فعل الصلاة اذا كان بقائه ببقاء علته فمع فرض انتفاء علة فعل الصلاة وكون عدم العلة غير كاف لعدم الصلاة حسب فرض علية فعل الازالة له، فاحد المحذورين على سبيل منع الخلو لازم إما المعلول بلاعلة لولم يكن فعل الازالة إذا لمعلول وهو عدم الصلاة متحقق وعلته وهى الازالة غير متحققة وإما إرتفاع النقيضين لو فرضنا عدم تحقق فعل الازالة ولاتركها.

«كما أن التزامه» (قدس سره) بكون تقدم عدم الضد على وجود ضده بالطبع فيصح ماقاله المشهور من أن عدم المانع من المقدمات لا بمعنى انحصار التقدم بالطبع بمورد كون التمانع بين الضدين من المقتضى والمانع دون التضاد ضرورة شموله للمتضادين، وتوهم اختصاص هذا التقدم بصورة التمانع من غير جهة التضاد لان أحمد الضدين اذا كان مانعاً عن الآخر فحيث أن المانع يكون مفنياً للممنوع فعدم الضد متقدم على وجود ضده الآخر أما في كلية موارد التضاد فليس عدم الضد مقدمة لوجود ضده، مدفوع بأن المانع لايوجب تحقق عدم الصد لان الوجود لا يؤثر فى العدم، وان كان هذا التقدم لا يفيد لوجوب ترك الضد إذا لمتقدم بالطبع إن كان جزءاً للواجب فالوجوب النفسى للواجب بنفسه كاف في تحققه بلا حاجة الى وجوب مقدمى له و إن كان شرطأ ل_ه فنفس البعث الى الضد كاف في تحصيله ضرورة عدم تحقق الضد الابعد حصول شرطه الذى هو عدم ضده، و هذا فى العدم الازلى أما العدم الطارى فى الاعراض القائمة بالشخص أى الافعال الصادرة عن الفاعل غير المتعلقة بموضوعات خارجية كالصلاة والازالة فنفس إرادة الضد كافية في عدم ارادة الضد الآخر ولو كان الفاعل في أثناء ذلك الضد، كارادة الازالة المستلزمة عدم ارادة الصلاة بحيث لو كان في أثناء الصلاة أو جبت رفع اليد عنها، أما اذا كان المأمور به لا يتحقق بمحض الارادة كتبييض الجسم مع كونه مشغولا بالسواد ضرورة عدم تحقق البياض مادام الجسم مشغولا بالسواد فلابد من حكِّ المحل وغسله في تحقق المأمور به فعدم السواد ملازم مع الحك والغسل، و كون مقدمية العدم الملازم لكونه مقدوراً بسبب ملازمه الوجودي مستلزمة لوجوب

ص: 44

ملازمه الوجودى سيأتى الجواب عنه (يتوجه عليه) أولا أن العدم غير قابل للتقدم بما هو وصف وجودى له بل العدم عبارة عن اللاوجود ليس الا وهو مالم ينقلب الى الوجود عدم بل اذا فرضنا له الوجود ولاحظنا الوجود لضده الوجودى سواء وجد أم لا فانما ننتزع باعتبار هذه اللحاظات عناويناً للاشارة الى خلو المحل عن هذا الوجود فنقول عدم سابق عدم مقارن وفى الضدين لا ثالث لهما نقول عدمها معاً، فليس هناك تقدم بالطبع كي يكون وجود الضد الاخر متأخراً بالطبع كيف وهو مجامع مع العدم فالعدم عدم ولو في رتبة وجود ضده ولا معنى لتقدمه ويشهد لصحة ما ذكرناه من أنه ليس لعدم الضد تقدم طبعى على وجود الضد الاخر ماذكره (قدّس سِرُّه) من أن نفس وجود الضد كاف في تحصل ع_دم ضده الآخر فلاوجه للامر بتحصيله أى عدم الضد فان هذا كماترى هي المعية ولو طبعاً بين وجود الضد و عدم الضد الآخر، وثانياً أن عدم الضد ليس أمراً متحصلا كى يحتاج الى التحصيل ويتوهم لزوم الامر به حتى يدفع هذا التوهم بأن البعث الى الضد كاف في تحصيل عدم ضده، وثالثاً أن معنى إفناء وجود المانع قطعه سلسلة الوجود لا تأثيره في العدم بأن يترشح العدم عن الوجود.

(أما تحقيقه) المطلب بطور آخر هو أن عدم الضد لو كان دخيلا فليس على نحو دخل العلة اذ العلة إما فاعلية أو غائية أو مادية أو صورية وليس منها عدم الضد فلابد أن يكون دخله على نحو الشرطية والشرط اما متمم فاعلية الفاعل أو متمم قابلية القابل ولا يجرى شيئ منهما في عدم الضد، أما متمم قابلية القابل فلان المحل قابل للاشتغال بكلا الضدين على سبيل التبادل أما في آن واحد على نحو الاجتماع ولو باجتماع ألف متمم فغير قابل للاشتغال بهما وأما متمم فاعلية الفاعل فلان الضد بنفسه مفعول ليس بفاعل فلا معنى لكون عدم ضده شرطاً لتأثيره، ولو اريد كون عدم الضد شرطاً متمماً لسبب الضد الاخر فهو خارج عن بحث الضد الذي هوفي المقدمية دون الاسباب مضافاً الى أن الواجب نفس الضد لاسببه فالمأمور به ازالة أرادية لاارادة الازالة، مع أن عدم الضد ليس في رتبة سبب الضد الآخر كمي يزاحمه بل التزاحم بين السببين وان كان منشأه التضاد بين المسببين وتوهم استلزام

ص: 45

ذلك كون عدم الضد أولى بالمقدمية من سببه مدفوع بما عرفت من أن الضد بنفسه مفعول ليس بفاعل (فهو وان) كان متيناً لكن الاطناب بهذا المقدار في هذه المسئلة الواضحة اتلاف للوقت أو تشحيف للذهن بعد ما عرفت حال العدم.

(أما جوابه) عن قول بعض بأن سبب الضد مانع عن سبب الضد الاخر وليس عدم السبب شرطاً لذلك الضد لان الشرط موصل للاثر مع أن العدم غير قابل للتأثير، أولاً بنفى الباس عن تسميته شرطاً و ثانياً بأن عدم المانع لولم يكن مقدمة لزم عدم كونه جزء العلة فيلزم تمامية العلة مع وجود المانع ايضاً و انفكاك المعلول عن العلة وثالثاً لا تسمه موصل الاثر بل المتمم فالالف مقترناً بعدم الباء علة للجيم لا مطلقا فهذا الجواب غير تام (فيندفع) بأن التسمية بالشرط ليست جزافية اذ لابد في الشرط بماله من المفهوم من أن يصدق على شيء والعدم حيث أنه ليس محض لا يمكن أن ينطبق عليه عنوان موصل الأثر أو عنوان متمم كذا إذا لتتميم أيضاً امر وجودى، وجوابه الثانى من غرائب الكلام حيث عرفت أن وجود المانع هو المفنى أى قاطع سلسلة الوجود بلا تأثير للوجود في العدم بأن يترشح من__ه العدم، كما أن جوابه الثالث غير متضح المفاد إذلو أريد كون حصة من الالف أي المقترنة بعدم ك_ذا م_ؤثرة فالعدم لا يستلزم التخصص ولو أريد عدم تمامية علية الالف للجيم الا بالاقتران بعدم الباء فهو يوجب رشح الفاعلية للالف من ناحية عدم الباء وهذا عين تأثير العدم فى الوجود الذى قدفرّ منه (أما قول) بعض بأن الضد يوجد بوجود علته والضد الاخر يبقى على عدمه بعدم علته بلا استناد عدمه الى وجود الضد الاخر لارتباط الوجود بالوجود والعدم بالعدم أما تأثير أحد السببين فى وجود مسببه دون الاخر فلقوته وقوة القوى كضعف الضعيف ذاتي (فجوابه) أن العدم لا يحتاج الى العلة اذ اللامتحصل والمتوغل في الابهام ليس بشيئ كي يستدعى العلة ويكون ذلك عدم سبيه فالتعبير بعدم العلة علة للعدم بل بأن العدم يبقى فى العدم مادام عدم علته مسامحی (لا ما ذكره) (قدّس سِرُّه) من إستناد عدم تأثير أحد السببين إلى فقدان شرطه الذى هو عدم المانع أمّا قوة السبب فلو أريد أن السبب لقوته مزاحم فهو متين لكنه لا ينفى مقدمية عدم المانع ولو أريد استناد

ص: 46

عدم المسبب الآخر الى ضعف سببه فقط ففيه ان السبب اذالم يكن له مزاحم يتحقق المسبب ويكون علة تامة فعدم تحققه ليس الالضعف السبب بالاضافة الى الاخر و الضعف الاضافى ان لم يوجب نقصاً لتحقق المسبب و إن أوجبه فليس الا لفقدان الشرط الذى هو عدم المانع (إذ يتوجه) عليه ان عدم التحقق هنا ايضا لاجل المانع بين المقتضيين لان وجود القوى لقوته مانع عن تأثير السبب الضعيف في المسبب فهو دافع.

ثم ان صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) نقل جواباً عن اشكال الدور المتقدم في كلامه (حاصله) أن وجود أحد الضدين يتوقف على عدم الآخر لانه طارد لوجوده لكن عدم الآخر لا يتوقف على وجود الضد بل لعله موقوف على عدم المقتضى إذ رأس سلسلة العلل والمعاليل الطولية إرادة اللّه الازلية وهى إنما تتعلق أولا بوجود الضد فينوجد بوجود مقتضيه فلاتصل النوبة الى تعلقها بالضد الآخر فهو معدوم بعدم المقتضى (وتوهم) حصر ذلك بصورة وجود إرادة واحدة أما مع وجود إرادتين إحديهما تتعلق بوجود أحد الضدين كميل الشيئ إلى جانب اليمين والآخر تتعلق بوجود الضد الآخر كميله إلى اليسار فغلبة إحدى الإرادتين على الأخرى توجب تحقق أحد الضدين دون الآخر فعدم الضد غير مستند إلى عدم المقتضى لوجوده حسب الفرض و ه_و الارادة بل إلى وجود الضد الآخر أى كونه مانعاً فالدور بحاله (مدفوع) بأن عدم الضد غير مستند إلى وجود المانع بل الى عدم فعلية المقتضى لفقدان شرطها أى القدرة على إعمال الارادة من جهة كونها مقهورة بالاقوى في الفرض فلا توقف من الطرفين فلا دور (ونقل) بعض المحققين عن صاحب الحاشية (قدّس سِرُّهما) الجزم باستناد عدم الضد الآخر الى عدم المقتضى بتقريب أن غلبة الداعى نحو أحد هما كالارادة المتعلقة بانقاذ الابن مثلا (المستندة) إلى قوة الغرض الكامن فيه (إنما أو جبت) تحقق ذلك الضد وقوة الغرض أمر ذاتى (ومغلوبية) الداعى نحو الضد الاخر كالارادة المتعلقة بانقاذ الأخ (المستندة) إلى ضعف الغرض الكامن فيه (إنما أوجبت) عدم تحققه وضعف الغرض فطرى له فعدمه مستند إلى عدم المقتضى ولو بنحو الكمال والفعلية ولا ينا في ذلك مع تضايف

ص: 47

الغالب والمغلوب إذ كل تضايف لا يستلزم العلية بين طرفي___ه، فمغلوبية إحدى الارادتين ليست معلولة لغالبية الأخرى و بالعكس بل مستندة الى أمر ذاتى هو قوة الغرض الكامن فى الشيى وضعفه (واختار) هذا المحقق (قدّس سِرُّه) إستناد عدم الضد الأخر مطلقاً سواء كانت هناك إرادة واحدة أم إرادتان الى أمر طبعى ه_و قصور المحل أى عدم قابليتة لاجتماع كلا الضدين فيه لاإلى عدم المقتضى.

أقول لاريب ولا اشكال فى ان وجود الضد بما أنه حادث يكون مسبوقاً بالعدم أى الازلي فلابد في وجوده من طارد لذلك العدم ه_و المقتض فمع عدم الطرد لعدم المقتضى يبقى على عدميته من دون أن يكون لعدم المقتضى تأثير في عدم الضد ضرورة توغل العدم فى الابهام فكيف يعقل أن يقع علة أو معلولا، ومراد من عبر باستناد عدم الضد الى عدم المقتضى هو الاشارة إلى عدم طارد لذلك العدم لا العلية و التأثير كما أن المراد باستفاده إلى عدم الشرط عند وجود المقتضى ه_و الاشارة إلى تحقق طارد العدم وباستناده إلى وجود د المانع عند وجود المقتضى و الشرط هو الاشارة الى وجود موصل الأثر أيضاً وأن عدم المعلول حينئذ من جهة اخلال المائع في تأثير المقتضى، ثم إنّ المقتضى لوجود الشيئ إنما هو الارادة المحركة للعضلات أى الشوق المؤكد الذى لولم يمنع عن تحرك العضلة نحو الفعل مانع لَحرَّكها نحوه أما مجرد مناط تلك الارادة أى الميل الطبعي أو الشوق النفساني غير البالغ حد تحريك العضلة فليس من المقتضى في شيئ، ضرورة أن المقتضى ما يترشح منه الأثر لولا وجود مانع عنه وليس كذلك الميل الطبعي أو الشوق النفساني إذ لو خليا وطبعهما ولم يكن فى البين مانع عن تحقق الرشح أيضاً لما أثرا فى ذلك وإنما هما من مبادى الارادة التي هي ما يترشح منه أى المقتضى، فبعد تحقق هذه الارادة يكون شرط تأثيرها قابلية المحل مثلا لقبول الأثر و بعد تحقق الشرط يصير الرشح و التأثير فعلياً إلا أن يخلّ به مُخلَّ يسمى بالمانع، فعند انتفاء تلك الارادة أى عدم بلوغ الشوق إلى شيئى حد تحريك العضلة نحوه لامعنى لاسناد عدم الشيئى الى عدم الشرط أو وجود المانع وان كان الشرط منتفياً بحسب الواقع و المانع موجوداً بل لابد أن يسند إلى عدم المقتضى لانه اسبق العلل ب_ل الرشح منه دون غيره، ففى المقام أى الضدين كانقاذ الابن والاخ ليس مجرد شفقة

ص: 48

الابن أو الاخ مقتضياً لانقاذ هما حتى يقال بتحقق المقتضى بالنسبة الى كلا الضدين لوجود الشفقة بالنسبة الى كل واحد منهمايل المقتضى لذلك انما هو الارادة الناشئة عن شفقة محركة للعضلة نحوه والمفروض انقداح تلك الارادة بالنسبة الى احد الضدين كانقاذ الابن وعدم انقداحها بالنسبة الى الاخر كانقاذ الاخ، و لو كان منشأ عدم الانقداح غلبة أحد الداعيين أى مناط احدى الارادتين كشفقة الابن أو بزعم هذا المحقق (قدّس سِرُّه) قصور المحل و عدم قابليته لتأثير ارادتين فيسه، فعلى أى تقدير حيث أن المقتصى أى ارادة المحركة للعضلة غير موجود بالنسبة الى احد الضدين كانقاذ الاخ فعدمه لامحالة مستند الى عدم المقتضى بالمعنى الذي عرفت لا الى انتفاء الشرط لو جعلنا عهدم التغالب شرطاً ولا الى وجود المانع ان جعلنا التغالب مانعاً (فالحق) مع صاحب الحاشية (قدّس سِرُّه) حيث جزم باستناد عدم احد الضدين الى عدم المقتضى و ان كان هذا المحقق أيضاً موافقاً معه و مع استاده صاحب الكفاية (قدّس سِرُّهما) في أصل الدعوى من دفع الدور، غاية الامر أن ما هو مناط الإرادة ومن مبادى المقتضى يسميه هذا المحقق (قدّس سِرُّه) بالمقتضى ويسند عدم الضد الى عدم الشرط أى قابلية المحل فتدبر جيداً.

ثم ان صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) نقل جواباً آخر عن الدور (حاصله) أن وجود الضد غير صالح لان يتوقف عليه عدم ضده حتى يلزم محذور علية الشيئ لنفسه ضرورة أن استناد عدم الضد عند وجود مقتضيه الى وجود المانع أى الضد الاخر لا يستلزم استناده الى وجود المانع عند عدم مقتضيه كما هو المفروض في المقام، و بعبارة اخرى صدق الشرطية أى قولنا : لو كان المقتضى للضد موجوداً لكان عدمه مستنداً الى وجود الضد الآخر : لا يستلزم صدق طرفيها على ما اتفقت عليه كلمة اهل الميزان، فلا يلزم من صدق هذه الشرطية صدق تاليها مطلقاً أى استناد عدم الضد الى وجود الضد الآخر ولو عند عدم المقتضى له (ف_ردّه) في الكفايه بما حاصله ان ذلك خروج عن التمانع بين الضدين (وردّة) في هامش الكفاية بما حاصله منع أصل الشرطية وانها غير صحيحة رأساً اذ مانعية وجود الضد الاخر عن تأثیر مقتضى ضده في وجوده امر عرضى حسب هذه الشرطية موقوف على تحقق

ص: 49

ذلك المقتضى فوجود المقتضى انما يوجب مانعية وجود الضد الآخر عن اقتضائه، مع أنه من البديهي أن الشيئ لا يقتضي تحقق ما يمنع عن اقتضائه وذلك يكشف عن أن الشرطية غير صحيحة بمعنى أن ما نعية وجود الضد الاخر غير موقوفة على وجود المقتضى لضده ولا معلقة عليه بل هي امر ذاتى بمعنى أنه لابد أن تكون هناك خصوصية كامنة في ذات المانع أى وجود الضد الاخر تستند اليها المانعية فغائلة الدور بحالها (لكن تصدى) بعض محققى تلامذته (قدّس سِرُّهما) لتصحيح الشرطية بم_ا حاصله أن مناط مانعية شيئ عن شيئ فى كلية الموارد انما هو التزاحم من حيث التأثير أى تنافى اقتضاء كل مع اقتضاء الاخر بالطبع لمنشأ ذاتي كامن في كل منهما يكون في أحد هما أقوى من الاخر فاقتضائه لامحالة أشد و وصوله الى حد الفعلية أسرع، وهذه الفعلية المستندة الى قوة ذاتية للمقتضى تكون بحسب الطبع مانعة عن اقتضاء الاخر وجد مقتضيه أم لافوجود هذه المانعية ليست في طول وجود ذلك المقتضى لاستنادها الى أمر ذاتى (نعم) لما كانت المانعية متضايفة قائمة بطرفين فمالم يوجد ذلك المقتضى لاتصير فعلية لا أن عروض المانعية يكون بسبب وجود المقتضى كى تكون بينهما طولية فيقال إنَّ الشيئ لا يعقل أن يقتضى تحقق ما يمنع عن إقتضائه وبذلك يمنع عن صحة الشرطية.

نعم استناد عدم الشيئى الى وجود المانع بالاستقلال عند وجود المقتضى انما هو أمر عرضى من جهة انحصار علة عدم الشيئى فى وجود المانع بعد انتفاء أسبق العلل وهو عدم المقتضى بسبب وجوده، أما في خصوص تزاحم الضدين وإستناد عدم أحدهما إلى وجود الآخر المفروض فى الخارج (فحيث) ان المفروض صلاحية وجود الضد طبعاً للمنع عن وجود ضده واستناد المانعية الى خصوصية كامنة في ذاته لاالى وجود المقتضى وانماهو مساوق مع انتفاء أسبق علل عدم الضد أى عدم المقتضى الذى هو تأثير المانع فى المقتضى (فوجود) المقتضى ليس بنفسه شرطاً لفعلية تأثير وجود الضد الاخر فى المانعية عن ذلك بل هو ملازم مع الشرط أى انتفاء عدم المقتضى، فالشرطية بالنسبة الى الضدين صحيحة (وتوهم) أن المقام:

ص: 50

لو كان المقتضى موجوداً لكان عدم الضد مستنداً الى وجود ضده: إمّا يكون من عقد شرطية لزومية بين محالين بالذات إن قلنا باستحالة وجود المقتضى للضد الآخر لعدم تمشى الارادة الأزلية أو لقصور المحل إذ وجود المقتضى حينئذ محال ذاتا واستناد عدم الضدالى وجود ضده أيضاً محال ذاتاً كما عرفت، و إما من يكون عقدها بين ممكن بالذات و محال بالذات لو قلنا بامكان وجود المقضى ذاتاً،و كل من نحوى العقد مستحيل إذ اللزومية لابد فيها من وجود علاقة بين المقدم و و التالى بأن يكون أحد هما علة للآخر أو يكونا معلولين لعلة ثالثة و ما يستحيل وجود علة له كالمحال الذاتى لا يعقل أن يكون كذلك فعقد اللزومية انما يصح بين محالين بالغير أو محال بالذات ومحال بالغير إذ تترتب عليها فائدة الشرطية، فلا يصح عقد الشرطية في المقام (فمدفوع) بأن ذلك يتم لو كانت الملازمة بين المقدم والتالى من حيث الاستحالة و ليست كذلك في المقام بل هى من حيث نفس المقدم والتالى لو خليا و طبعها و أنهما لو كانا متلازمين أى لو فرض امكان وجود المقتضى للضد الاجر لتحقق استناد عدم الضد الى وجود المانع أى ضده، فالشرطية صحيحة كلية غير منطبقة على المقام لما عرفت من استناد عدم الضد لدى وجود المقتضى الى قصور المحل لا الى وجود الضد الآخر.

و أنت خبير بفساد هذا التصحيح إذ الفرض لا يغير الواقع عما هو عليه ففرض إمكان طرفى الشرطية أو أحد هما لا يغير واقعها عن كونها بين محالين بالذات أو محال و ممكن كذلك حتى يتخلص به عن محذور عدم صحتها، و محل كلام صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) واقع الشرطية فهى كما ذكره غير صحيحة، والا فلو جاز التفصى عن ذلك بالفرض لا مكن تصحيحها حتى على مختار هذا المحقق (قدّس سِرُّه) من استناد عدم الضد الى قصور المحل بأن يقال ان الملازمة ليست من حيث استحالة اجتماع الضدين في محلّ واحد بل مع قطع النظر عن ذلك بفرض امكان الاجتماع (و بالجملة) فالفرض لو كان مصححاً لابد أن يكون كذلك على مقاله و الا لابد أن يكون كذلك على مقال صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) و فى كلام هذا المحقق مواقع اخرى للنظر لا بأس بالاشارة الى بعضها (فمنها) فرضه صلاحية وجود الضد

ص: 51

للمنع عن وجود ضده (اذ) ما ينكره الخصم هو هذا (و) منها امكان عقد الشرطية بين محال بالذات و محال بالغير (إذ) لافرق بينه و بين محال بالذات و ممكن من جهة عدم ترتب فائدة الشرطية عليها و هي علة أحدهما للآخر أو كونها معلولين. لعلة ثالثة (وجه) عدم الفرق أن أحد طرفي الشرطية فيهمليستحيل وجود علة له فلا علية ولا معلولية فيه (و منها) تعليلى عدم انطباق الشرطية على المقام بوجود المقتضى للضد الآخر واستناد عدمه إلى قصور المحل (إذ) قد عرفت سابقاً أن عدم قابلية المحل لاجتماع الضدين فيه في رتبة مبادى الارادة المحركة للعضلة نحو الايجاد فالمقتضى للضدیة الآخر وهو تلك الارادة غير موجود.

ثم ان بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) أجاب عن مقدمية ترك أحد الضدين لوجود الضد الآخر بم_ا (حاصله) بعد بيان الطولية بين أجزاء العلة أن تحقق المقتضى بالنسبة الى كلا الضدين من الفاعل بالقصد ممتنع فعدم الضد المعدوم مستند الى عدم مقتضيه لا الى وجود المانع أى الضد الآخر، وإذا لم يتوقف عدم ذلك الضد على وجود ضده فلا يتوقف وجود هذا على عدم ذاك قضاءاً للتمانع (وفيه) اشكالات خمسة (الأول) أن برهانه على نفى التوقف لو تم بمقدماته فانما ينفى توقف عدم أحد الضدين على وجود الآخر أى دخل هذا في ذاك أما توقف وجود هذا الضد على عدم ذلك بمعنى دخل ذلك العدم فى هذا الوجود فلا ينفيه، إذقصارى مايستفاد من البرهان إستناد عدم الضد إلى عدم مقتضيه لامتناع اجتماع المقتضين للضدين فى وعاء واحد فمن الممكن ثبوتاً دخل عدم ذلك الضد في وجود ضده بأن يتوقف تحقق هذا في مرحلة الخارج على عدم ذلك مسبباً عن أي سبب كان، من عدم المقتضى كما في الاعدام الازلية أو قاطع الوجود كما في الاعدام الطارية في فرض رفع الضد الموجود، إذا لقائل بالتوقف لا يفرق بينهما ومحل النزاع عنده لايختص بعدم الضد الموجود الا أن يريده هذا المستدل الذي يدعى نفي التوقف فيكون عين تفصيل المحقق الخونسارى (قدّس سِرُّه) وسيأتى الاشكال فيه من نفس هذا المستدل فدليله لو تم فهو أخص من مدعاه (الثانى) أن برهانه على نفى التوقف لما كان إمتناع اجتماع المقتضيين في الوجود لامتناع إجتماع المقتضيين بالفتح في الوجود

ص: 52

فهذا الامتناع سرياني غيرى لا طبعي ذاتي حيث جاء من قبل إمتناع اجتماع المقتضيين بالفتح ولو لاه لم يكن، فتمام الجهة انما هو في نفس المقتضيين كالضدين لاجل تمانعهما لا في شيئ ما آخر و إن شئت قلت التمانع إنما هو بين وجودى الضدين لانه أثر وجودى فلابد أن يستند الى الوجود لا العدم، فاذا امتنع اجتماعهما في محل واحد ولم يكن بد من فراغ المحل عن أحد هما لعدم قابليته لهما معاً ففراغ المحل عن أحد هما الذي هو معنى عدمه موقوف لامحالة على شغله جود الآخر كما أن شغله بوجود الآخر موقوف على فراغه عن بديله فالتوقف من الطرفين بحاله عليهذا ولابد فى نفيه من سلوك طريق آخر غير هذا البرهان، هذا إن اراد بالمقتضى ما منه الرشح كما هو الظاهر من إطلاقه لدى القوم (أما إن أراد) به العلة التامة كما يرشد اليه تقييده في كلام المقرر بكونه بوصف الاقتضاء إذ الاقتضاء هو الرشح والتأثير ولا يتصف به المقتضى الاعند تمامية سائر أجزاء العلة فحين تحقق وصف الاقتضاء هو حين تحقق العلة بتمام اجزائها (فحيث) أن عدم المقتضى بهذا المعنى يكون فى صورة وجود المقتضى بمعنى ما منه الرشح مجرداً عن وصف الاقتضاء و الرشح اذعدم الوصف انما هو فى طول وجود الموصوف والمركب ينتفى بانتفاء أحد أجزائه (قعدم) وجود ذلك الضد حينئذ مستند الى وجود المانع حيث تنتفى العلة التامة بانتفاء جزء منها وهو عدم المانع حسب تعبيرهم فالتمانع بين وجودى الضدين والتوقف من الطرفين بحاله لا بدفى نفيه من سلوك طريق غير ما ذكره.

(الثالث) أن عدم أحد الضدين اذا كان مستنداً الى عدم المقتضى من جهة امتناع اجتماح المقتضيين للضدین فلادخل للطولية بين أجزاء العلة فى نفى التوقف إذعلى فرض امتناع اجتماع المقتضيين المستتبع لامتناع اجتماع الضدين في وعاء واحد يكون عدم أحدهما مستنداً إلى عدم المقتضى لا إلى وجود المانع أى الضد الآخر وإن لم تكن طولية بين أجزاء العلة بل كانت دفعية التحقق، وعلى فرض إمكان إجتماعهما ولو محالاً المستتبع لامكان اجتماع الضدين في وعاء واحد يكون عدم أحدهما لوفرض مستنداً لامحالة إلى وجود المانع دون عدم المقتضى لفرض

ص: 53

وجوده وان كانت بين أجزاء العلة طولية، فلاحاجة فى نفي التوقف الى هذه المقدمة أى الطولية بين أجزاء العلة (الرابع) أن اجزاء العلة على حسب تعبير القوم ثلاثة عدم المانع وجود الشرط وجود المقتضى أما الاول فلادخل له في وجود المعلول أصلا لاستحالة تأثير العدم في الوجود و لو المضاف إلى مهية متخيلة متصورة في الذهن كعدم الرطوبة مثلا، ضرورة أنّ المضاف حينئذ كنفس المضاف إليه وجود ذهنی لاربط له بعالم الخارج ووعاء التأثير والتأثر، فعنوان العدم مطلقاً بنفسه وجود ذهنى فكيف يعقل أن يكون لمعنونه الذى هو متوغل في الابهام غايته دخل فى الوجود فلا معنى لعدّ عدم المانع من اجزاء العلة، ولذالم يعده منها أحد من الفلاسفة (بل حيث) أن القواعد الميزانية لابد أن تكون كلية ومجرد إحراز وجود المقتضي ووجود الشرط لا يكفى فى إحراز وجود المقتضى ضرورة امكان إخلال المانع بتحققه (ذكروا) أنه لابد في الحكم بوجود المعلول في عالم الاحراز من إحراز عدم المانع أيضا إشارة إلى إخلال وجود المعلول كما اعترف بمخليّة

وجوده هذا القائل، فكلام الفلاسفة انما هو فى عالم الاثبات لا الثبوت بأن يكون عدمه دخيلا في وجود المعلول، وكيف كان فتثليث اجزاء العلة بلحاظ عدم المانع غیر معقول بل هى أبداً اثنان وجود المقتضى ووجود الشرط ولا ترتب ولا طولية بينهما بحسب الطبع والوجود كما فى المماسة بالنسبة الى الصورة النوعية للنارفي عالم الخارج حيث لا تتحقق المماسة ولا توجد الابعد تحقق النار بصورتها النوعية في الخارج قضاءاً لقيام المماسة بطرفين، أو بحسب الزمان ومثاله واضح، وذلك لأن الرشح وتأثير المقتضى فى المقتضى إنما هو لدى تحقق الشرط فالرشح وصدور المعلول عن العلة دفعى لا تدريجى إذ لم يقم برهان الاعلى دخل وجود الشرط في فعلية تأثير المقتضى أما الترتب بينهما فى عالم التأثير فلا برهان يقتضيه.

هذا إن أراد بالطولية بين أجزاء العلة الطولية فى عالم العليّة في عالم العلية وإن أراد بها الطولية بحسب الطبع والوجود كما بين الاثنين والواحد أو بحسب الزمان فهى بالنسبة إلى جميع الموارد من الفاعلين بالقصد و الفواعل بالقشر و بالطبع ممالا كلية له كما لا يخفى، مضافاً الى أنه حينئذ لا يناسب المقام إذهو من التكوينيات

ص: 54

التي ليس البحث عنها من شأن الاصولى (وبالجملة) فما يناسب المقام من أقسام الطولية أى فى عالم العلية غير متحققة بين أجزاء العلة و ما يتحقق منها بينها أحياناً في بعض الموارد لا يناسب المقام، فالحق وفاقاً لبعض الاعاظم (رَحمهُ اللّه) أن ترتب المعلول على اجزاء علته انما هو بقاء واحدة لا بفائات متعددة (الخامس) أن قياس النقيضين بالضدين في لزوم توقف وجود أحدهما على عدم الآخر على تقدير ثبوت هذا التوقف في الضدين باطل ضرورة أن تقابل النقيضين إنما هو تقابل السلب والايجاب ومصبٌ لحاظها انما هو شيئى واحد فطبعاً وضع كل منها عين رفع الآخر وبالعكس، لا أنه ملازم معه حتى يتطرق اليهما توهم التوقف المزبور، وهذا بخلاف الضدين فالتقابل فيهما بين الوجودين ومصبّ لحاظه انما هو شيئان فطبعاً وجود كل ليس عين عدم عدم الاخريل ملازم معه فلتوهم التوقف فيهما مجال كما لا يخفى.

ثم ان المحقق الخونسارى أجاب عن اشكال الدور بما تقدم نقله عن صاحب الكفاية (قدّس سِرُّهما) من أن وجود أحد الضدين يتوقف على عدم الاخر لاستحالة اجتماعهما في الوجود حسب الفرض لكن عدم الاخر لا يتوقف على وجود ضده لامكان استناده الى عدم مقتضيه لا الى وجود مانعه أى الضد الآخر (فرده) هذا القائل بأن استناد عدم أحد الضدين الى عدم مقتضيه متين لكن سره ما قدمناه من إنكار أصل التوقف لاما هو ظاهر كلامه من إنكار الدور و قبول أصل التوقف، إذ توقف وجود أحد الضدين على عدم الاخر انما هو لاجل مانعية وجوده عن هذا الوجود فاذا امتنع ما نعيقه عن ذلك لعدم المقتضى له كما اعترف به هذا المحقق (قدّس سِرُّه) فلا مقدمية لعدم الضد بالنسبة الى وجود ضده ايضاً فلا توقف رأساً (لكن مما ذكرنا) فى الاشكال الاول على كلامه السابق فى نفى أصل التوقف ظهر فساد ایراده هذا على كلام المحقق الخونسارى (قدّس سِرُّه) حيث عرفت أن عدم الضد أعم من عدمه الطارى برفع وجوده و من عدمه الازلي بعدم تحقق المقتضى لوجوده، ومعلوم أن مقدمية الثاني لوجود ضده غير مستندة الى مانعية وجوده ضرورة امتناع مانعية مالا مقتضى له كما اعترف به هذا القائل بل مستندة الى عدم قابلية المحل لأزيد من وجود واحد وهو متحقق دائماً فالمقدمية ثابتة طبعاً (نعم) لو أجاب عن التوقف بما

ص: 55

قدمناه من استحالة دخل العدم ولو المضاف منه فى الوجود فيمتنع مقدمية ع_دم الضد لوجود ضده لكان متيناً فى الغاية (لكنه) حينئذٍ إلتزام بخروج عدم المانع عن أجزاء العلة التامة وإنحصارها بالمقتضى والشرط كما حققناه وهذا خلاف تصريحه بأن عدم المانع من اجزاء العلة (هف).

ثم انه (رَحمهُ اللّه) أجاب عن المقدمية على فرض إمكان اجتماع المقتضيين بأنها إما متكافئان و حينئذ يبقى كلا المقضيين بالفتح على العدم، فلو استند عدم أحد الضدين إلى وجود المانع أى الضد الاخر لزم تحققه لفقدان ذلك المانع المانع حسب فرض عدم تحقق الضد الآخر مع أن المفروض عدم تحققه، كما أنه لو توقف وجود الضد الآخر على عدم ضده لزم تحققه لتحقق الموقوف عليه حسب فرض عدم تحقق ذلك الضد مع أن المفروض عدم تحققه فذلك يكشف عن إنتفاء التوقف مطلقا كما ذكرناه، و إما أحدهما أقوى و حينئذ يتحقق مقتضى الأقوى لكن عدم تحقق مقتضى الاضعف غير مستند إلى وجود المانع أى الضد المسبب ع__ن أق_وى المقتضيين بل إلى غلبة المقتضى الأقوى فكأنه أثر فى أمرين تحقق مقتضاه و عدم مقتضى الأضعف، فما نعية وجود الضد لعدم ضده غير متحققة على أي تقدير و ق_د عرفت أن لازمه إنتفاء التوقف من الطرف الآخر فالتوقف مطلقاً بالنسبة إلى كلا الطرفين منتف و هو المطلوب، من غير فرق فى ذلك بين الفاعل بالاختيار و غيره (فيه) أن الكلام في إجتماع المقتضيين للضدين و ع_دم_ه ت_ارة بالنسبة إل__ى الفاعلين بالقصد و اخرى بالنسبة الى الفواعل بالطبع (أما الاول) فالمقتضى فيه هو إرادة الفاعل المختار و معلوم أن اجتماع إرادتين من شخصين بالنسبة إلى الضدين بمكان من الامكان بل هو واقع كثيراً مّا في الخارج، كما أن إجتماعهما من شخص واحد بالنسبة الى ضدين بمكان من الامكان من جهة سعة النفس فترى إجتماع الحبّ و البغض اللذين هما الارادة و الكراهة بالنسبة إلى ضدين كدخول الجنة والنار في شخص واحد، فاجتماع المقتضيين في الفاعلين بالقصد ممكن غير مستحيل (واما الثاني) قالمقتضي فيه هو ما يترشح منه المقتضى إذ المقتضى هو الحامل بالمقتضى كالنار بالنسبة الى الاحراق لا ما يترشح منه ذلك فعلا كالنار بعد

ص: 56

تحقق المماسة و انتفاء الرطوبة فى المحل إذ هو علة تامة لا المقتصى، و معلوم أن اجتماع المقتضيين بمعنا هما المصطلح المذكور بالنسبة إلى ضدين في الفواعل الطبعية ممكن لا محذور فيه بل كثير أماً واقع في الخارج فمحذور استحالة المقتضيين للضدين مندفع من رأسه، إلا أن يريد من المقتضى العلة التامة فالاستحالة حينئذٍ في محلها لكن ذلك مجرد اقتراح الاصطلاح على خلاف أهل الميزان.

(أما ما ادعاه) من استناد عدم مقتضى أضعف المقتضيين إلى غلبة أقواهما (ففى غير محله) إذا لمقتضى لذلك المعدوم حسب الفرض ضعيف فهو غير تام في الاقتضاء حتى تصل النوبة إلى إسناد عدم المقتضى إلى عدم الشرط أو وجود المانع كغلبة الأقوى، بل لابد أن يسند إما إلى عدم تمامية الاقتضاء الذى منشأه غلبة القوىّ فالأقوى إنما يؤثِّر فى قصور المقتضى الاخر لافي عدم مقتضاه و إمّا إلى عدم قابلية المحل لاجتماع الضدين فيه الراجع إلى إمتناع اجتماع النقيضين أى وجود أحمد الضدين في المحل حال عدمه فيه، فعدم الضد مستند على الأول إلى قصور المقتضى وعلى الثانى الى انتفاء الشرط أى قابلية المحل فاستناده إلى غلبة أقوى المقتضيين كما زعمه غير صحيح على أي تقدير.

فلقد أجاد بعض الاعاظم (رَحمهُ اللّه) فيما أفاد حيث طابق ما حققناه سابقاً، لكن ما ذكره من دخل عدم المانع في إعطاء القابلية مدفوع بما ذكرناه سابقاً عند التعرض لكلام بعض المحققين (قدّس سِرُّه) من أن القابلية لاتخلو أما أمر عدمى أو وجودى فعلى الاول ليس بشيء حتى يكون لعدم المانع دخل فيه وعلى الثاني لا يعقل دخل العدم فيه ضرورة امتناع تأثير العدم فى الوجود وقد بسطنا الكلام فيه هناك فراجع.

نعم هناك طريق آخر لنفى التوقف مطلقاً تعرض له بعض الاساطين تبعاً لصاحب الكفاية (قدّس سِرُّهما) هو اتحاد رتبة وجود أحد الضدين مع عدم الضد الاخر (بیانه) بتحرير منا أن وجود كل شيئ طارد لعدمه حيث كان عدمه الازلي مستمراً إلى حين وجوده فانقطع بقاءاً من حين تحقق الوجود وتبدل العدم إلى الوجود. فهذا العدم البديل المعبر عنه بالمجامع أيضاً مع هذا الوجود المطارد واقعان في آن واحد بحسب الواقع ونفس الامر ولو في اللاوعاء أي ماوراء الزمان و

ص: 57

الزمانيات المعبَّر عنه في لسان أهل الميزان بالوعاء الدَّهرى، فهما متحدان بحسب ذلك الوعاء وتعبر عنه بالرتبة بلاترتب بينهما بالعلية كما هو واضح ضرورة عدم ترشح الوجود من ذلك العدم ولا العكس ولا بالطبع أى بالفاء ضرورة أنه يكون بين الوجودين كالاثنين بالنسبة إلى الواحد فلا يعقل أن يكون بين الوجود والعدم ولا بالزمان ضرورة كونهما كذلك ولسو في غير الزمان كما عرفت، ومعلوم أن سلب شيئ عن شيئ أعم من السلب بسلب الموضوع فسلب التقدم بالعلية عن العدم البديل إنما هو لعدم مناط هذا التقدم فيه من جهة المطاردة بينه وبين الوجود كما أن سلب التقدم بالطبع عنه إنما هو بلحاظ عدم مناطه فيه لذلك، فتحصل أن وجود كل شيئ في رتبة عدمه البديل أما عدمه السابق من الأزل واللاحق إلى الأبد فبينهما مع الوجود ترتب زماناً ولا مطاردة بينهما أصلا كما هو واضح، ثم إن وجود كل واحد من الضدين في رتبة عدم الضد الاخر فوجود السواد في رتبة عدم البياض و بالعكس وذلك لاستحالة إجتماع وجوديهما من جهة استلزامه إجتماع النقيضين إذ المحل لا يسع لهما معاً بل لاحد هما فقط فكون وجود أحد الضدين في المحل لابد له من عدم وجود الآخر فيه فكون كلا الوجودين فيه لا محالة لابد له من عدم كليهما فيه وحينئذ يلزم اجتماع كل وجود مع عدمه في ذلك المحل و هذا ما قلناه من أن اجتماع الضدين في مورد يستلزم اجتماع النقيضين فيه، فاذا امتنع إجتماعهما لاجل قصور المحل فوجود كل مع عدم الآخر لا محالة واقعان في آن واحد بالمعنى المتقدم الذى عبرنا عنه بالرتبة وإذا كان وجود هذا الضد و عدم الاخر متحدان في الرتبة فبديل هذا الوجود أى عدمه المتحد معه في الرتبة متحد مع بديل عدم الآخر أى وجوده في الرتبة (فتحصل) أنه لاترتب بين وجود أحد الضدين مع عدم الآخر ولا مقدمية لاحد هما على الآخر فلا توقف فى البين من شيئ من الطرفين أصلا.

ومن تحرير هذا المرام (ظهر) أنه لا يرد على هذا الدليل إيراد بعض المحققين (قدّس سِرُّه) بأن ما يكون في رتبة الشيئ لا يلزم أن يكون في رتبة عديله فعدم العلة مثلا في رتبة وجودها لكن لا يكون في رتبة وجود المعلول بل متقدم عليه، كما أن عدم

ص: 58

المعلول في رتبة وجوده لكن ليس في رتبة وجود العلة فعدم الضد ليس في رتبة وجود ضده (وذلك) لان المراد بالعدم هو البديل المتحد رتبة مع وجود الضد الآخر لا الازلى السابق ولا الأبدى اللاحق فينتفى التوقف من الطرفين بثبوت الاتحاد في الرتبة (نعم) لو أراد القائل بالتوقف العدم السابق أو اللاحق أيضاً فجوابه ماقد مناه من أن العدم لتوغله في الابهام لا يعقل أن يكون مؤثراً ولا متأثراً (فتبين) مما ذكرنا إلى هنا فساد الاستدلال بالمقدمية لاقتضاء الامر بالشيئ النهى عن ضده الخاص وعدم ثبوت مبغوضية الضد بذلك.

(و ربما يستدل) للاقتضاء بالتلازم الثبوتى بين وجود أحد الضدين و عدم الاخر كاستقبال القبلة واستدبار الجدى بالنسبة الى أواسط العراق من جهة عدم تعقل محكومية أحد المتلازمين بحكم مخالف للآخر فلا يعقل إيجاب استقبال القبلة وتحريم إستدبار الجدى فى لمثال فلابد أن يكون محكوماً بحكم موافق للآخر كالوجوب فى لمثال، فاذا كان عدم الضد الاخر كاستدبار الجدى محبوباً عند محبوبية وجود ضده فوجود ذلك الضد كاستقبال الجدى لامحالة مبغوض، ففعل الإزالة و ترك الصلاة مثلا حيث أنهما في رتبة واحدة فلابد أن يتحدا في الحكم فاذا وجب فعل الازالة فلابد أن يجب ترك الصلاة ووجوب ترك الصلاة مساوق مع حرمة فعلها فوجوب الازالة يقتضى حرمة الصلاة و هو المطلوب أي اقتضاء الامر بالشيئ كالازالة النهى عن ضده الخاص كالصلاة (لكن) يدفعه مانبَّه عليه صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) من أن غاية ما يقتضيه استحالة محكومية أحد المتلازمين بحكم مخالف للآخر إنما هو عدم محكوميته بنقيض ذلك الحكم أما كونه محكوماً بعين ذلك كما عليه مبنى الاستدلال فلا، وتوهم استلزام ذلك خلو الواقعة عن الحكم مدفوع بأن غاية مايلزم من ذلك خلوها عن حكم فعلى لا الواقعى المحفوظ في اللّوح.

(نعم تصدى) بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) لتقريب عدم إستلزام ذلك إتحادهما في الحكم بما (حاصله) أمر ان (أحدهما) أن الجامع لا تأصل له في الخارج بل عنوان إنتزاعى مشير إلى ما في الخارج وعلى تقدير تأصله فهو عين الافراد و به فرّق بين

ص: 59

مالهما ثالث وما لاثالث لهما من الأضد ادبنفى التلازم بين وجود أحد هما مع عدم الآخر في الاول المستتبع نفى إتحاد هما في الحكم والالتزام به في الثاني المستتبع إتحادهما فى الحكم (ثانيهما) إن إمتناع إرتفاع النقيضين كامتناع إجتماعهما دخيل في ملاك الملازمة و به حكم باشتراك ما لا ثالث لهما من الاضداد وكذا المتقابلين تقابل العدم والملكة مع النقيضين في الملازمة بخلاف الضدين لهما ثالث (لكن) في كلا الامرين نظر (أما الأول) فلان الجامع إنما هو الوجود السعى وهو موجود في الخارج أما العنوان الانتزاعى الذهنى فهو مشير إلى ذلك الموجود الخارجي ومنتزع عنه لكن مجرد عينية ذلك الجامع مع الافراد خارجاً لا يستلزم تعلق النهى شرعاً بكل واحد من الاضداد فيما لهما ثالث، كما أن مجرد وجود ملاك المضادة في كل واحد منها لايوجب عدم الملازمة بين ترك الضد ووجود الضد الآخر مستنداً إلى إمكان تركهما بوجود الثالث ضرورة أن وجود الضد ملازم مع جميع تروك أضداده كما أن ترك كل ضد ملازم مع وجود هذا الضد، فالتلازم بين وجود أحد الضدين وعدم الآخر موجود ومجرد إمكان ترك كليهما إتفاقاً لا يستلزم عدم التلازم بين وجود هذا الضد مع ترك كل واحد من الأضداد و لحاظ هذا التلازم إنما هو لاجل إنبعاث النهي عن الضد من الامر بضده فترك جميع الأضداد فيما لهما ثالث بمنزلة ترك الضد الآخر فيما لا ثالث لهما من جهة الملازمة (وأمّا الثاني) فلان إمتناع الارتفاع لا دخل له في ملاك الملازمة بل ملاكها المنحصر هو إمتناع الاجتماع الذي جعله دخيلا فيه ومعلوم أن هذا الملاك كما أنه موجود في النقيضين والعدم والملكة والضدين لا ثالث لهما كذلك موجود بعينه في الضدين لهما ثالث بالنسبة الى كل واحد من الاضداد، فالقائل بالملازمة فيها لابد أن يلتزم بها فيهما أيضاً بلا فرق بين الجميع أصلا.

ثم إن صاحب الكفاية نقل عن المحقق الخونساری (قدّس سِرُّهما) التفصيل بين عدم الضد الموجود فهو مقدمة لوجود الضد الآخر وبين عدم الضد الآخر وبين عدم الضد المعدوم فليس مقدمة له، و ردّه بأن التضاد لا ينحصر بما بين حصة موجودة من أحد الضدين كالسواد وبين الضد المعدوم كالبياض كى تنحصر المقدمية على القول بها في

ص: 60

عدم الضد الموجود بل التضاد إنما هو بين طبيعى الضدين بمعنى إستحالة جمعهما في الوجود في آن فارد و هذا ملاك المقدمية و هو موجود في عدم الضد المعدوم فلاوجه للتفصيل، وبعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) نقل التفصيل عنه مدعياً أن المحقق نسبه إلى المحقق الدواني (قدّس سِرُّهما) منكراً تحقق النسبة بدعوى أن كلام المحقق الدواني فى مانعية المانع وبيان أنها تتوقف على وجود المقتضى مع شرائطه لافيما اختاره المحقق الخونسارى (قدّس سِرُّه) ونقله عن تقريرات الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) أيضاً (وجعله) عبارة عن التفصيل بين الرفع والدفع، بمعنى أن رفع عدم الضد الموجود يتوقف عليه وجود الضد الاخر إذا لمحل إذا كان مشغولا بوجود أحد الضدين كالسواد و المفروض أنه لا يسع وجود كلا الضدين فورود الضد الآخر فيه كالبياض موقوف على رفع الضد الموجود، بخلاف دفع عدم الضد المعدوم فلا يتوقف عليه وجود الضد الآخر إذا لمحل إذالم يكن مشغولا بوجود شيئ من الضدين وهو يسع وجود واحد منهما فعدمه مستند إلى عدم مقتضيه لا إلى وجود ضده في المحل لفرض عدمه (وردّه) بان مبنى الفرق إستغناء الموجود الامكانى عن المؤثّر بقاء أو هو فاسد ضرورة إحتياجه بقاءاً وحدوثاً إلى المؤثر فبقاء وجود الضد في المحل في الآن الثانى الذى هو حصة أخرى من الوجود يحتاج إلى إنعدام ضده فيه دفعاً بالمنع عن تأثير مقتضيه فى وجوده كاحتياج حدوث الضد المعدوم فى المحل إلى إنعدام ضده فيه دفعاً بالمنع عن تأثير مقتضيه في وجوده فالرفع راجع إلى الدفع، ثم إستغرب ذهاب المحقق الخونسارى وميل الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّهما) إلى ذلك مع إعترافهما باستحالة استغناء الموجود الامكانى عن المؤثر بقاءاً، ثم استشكل في مقالهما بأن الاستغناء عن المؤثر بقاءاً لو سلمناه فهو في غير الافعال الاختيارية.

أقول هذا التفصيل قد ذكره المحقق الحونسارى (قدّس سِرُّه) في رسالته المعدَّة للايراد على إشكالات الفاضل السبزوارى (قدّس سِرُّه) فيما أجيب ب_ه عن شبهة الكعبي إذا لمجيب جعل الأضداد مانعة عن حصول الحرام، فجعل الفاضل من جملة إشكالاته في ذلك الجواب أن مانعية الاضداد عن حصول الحرام تستلزم التمانع بين الضدين من الطرفين لاستواء نسبة المانعية بالقياس إلى الطرفين وذلك

ص: 61

يكون علة لعدم الزنا و بالعكس، فأورد المحقق الخونسارى على ذلك: بأن عدم الشئيي يكون بعدم بعض أجزاء علته ضرورة أن المركب ينتفى بانتفاء أحد اجزائه وذلك البعض المعدوم لا ينحصر في عدم المانع بل يمكن أن يكون هو المقتضى، أما التوقف الشأني ولزوم الدور المحال على فرض وجود المقتضى لذلك الضد أيضاً فنمنع إمتناعه و إن قال بأن جميع أجزاء العلة موجودة ماعدا عدم المانع و حاصله اجتماع المقتضيين للضدين قلنا بجواز إستحالة هذا الفرض : و أنت خبير بأن ما ذكره المحقق الخونسارى (قدّس سِرُّه) من إستناد عدم أحد الضدين إلى عدم المقتضى هو الاصل فى الجواب عن اشكال الدور والتوقف من الطرفين و قد أخذه منه جل من تأخر عنه و تقدم الجزم به من صاحب الحاشيه (قدّس سِرُّه) و أشرنا إلى أنه الحق و ممن أخذه هذا المستشكل على مقال المحقق (قدّس سِرُّه) كما أخذ منه جواز إستحالة فرض إجتماع المقتضيين وجعله من أجوبة التوقف في كلام السابق، ثم قال المحقق (قدّس سِرُّه) في مقام دفع الدور : ما لفظه و هيهنا كلام آخر وهو أنه يجوز أن يقال إن المانع اذا كان موجوداً فعدمه مما يتوقف عليه وجود الشيئى و أما اذا كان معدوماً فلا، نظير ما قال المحقق الدواني إن عند امكان اتصاف شيئى بالمانعية يكون عدم المانع موقوفا عليه و أما إذا لم يمكن إنصاف شيئى بالمانعية فلا يكون حينئذ عدم المانع موقوفا عليه : إنتهى و هذا الكلام منه (قدّس سِرُّه) كما ترى لم ينسبه إلى المحقق الدواني بل أراد بيان أن التفصيل ليس ببدع كيف و قد فصل المحقق الدواني أيضا كما أن ما ذكره (قدّس سِرُّه) إنما هو فرض بعنوان الامكان العقلى لانه قال بلا فصل : نعم لوقيل إن عدم المانع مطلقا ليس موقوفاً عليه بل هو من مقارنات العلة التامة كما ذهب إليه بعض لم يكن بعيداً لكن هذا بحث لا إختصاص له بالمجيب وبمقامنا هذا، ولا يخفى أنه على هذا القول الجواب عن الشبهة فى غاية الظهور : إنتهى فسبحان من أجرى على قلمه الشريف التعبير بالمقارنات الاتفاقية وجعل العلة التامة عبارة عن غير عدم المانع و جعل ذلك القول غير بعيد كما حققناه سابقاً (نعم) لما كان الكلام موجهاً إلى الفاضل السبزواري (قدّس سِرُّه) لم يضر سه قاطعاً.

ص: 62

أما الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) فهو كما في تقريريه المطارح و غیره ذکر کلام المحقق الخونسارى (قدّس سِرُّه) ثم تنظر فيه باشكالات ثلاثة نعم زاد في غير المطارح كلمة : جنح إليه الاستاد : أما الاشكالات (فأحدها) أنه على فرض أن عدم المانع من أجزاء العلة فأى فرق بين عدم حاصل و عدم غير حاصل وهل الفرق إلا أن المقدمية في إحدى الصورتين موجودة و في الأخرى غير موجودة (أقول) و هذا كما ترى عين ماذهبنا إليه و قررناه سابقاً بحمد اللّه تعالى (ثانيها) أنّ المانع الموجود لا يكون مانعاً إلامع اجتماع أجزاء علة الضد الآخر و ه_و فرض مستحيل (أقول) و هذا قد أفاده المحقق الخونسارى (قدّس سِرُّه) أيضاً إذ هو عين إشكاله الأول المتقدم (ثالثها) أنه لو فرض تمامية ذلك فهو إنما يصح في غير الأفعال الاختيارية (أقول) و هذا عين الاشكال الثانى الذى أورده ذلك المستشكل على كلام المحقق الخونسارى و الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّهما) و مما ذكرناه هنا تبين أن هذا المستشكل إنما أخذ المطالب من الاساطين و أورد على مقالاتهم بعين ما إستفاد أو تصيَّد من كلماتهم، كما ظهر من نقل كلام المحقق الخونسارى أن ما انتصر به بعض أفاضل المعاصرين مقالة المحقق المذكور من أن مراده من بقاء التمانع في فرض وجود أح___د الضدين في الخارج ليس هو إستناد التمانع إلى مقدمية عدم الضد الموجود لوجود الضد الآخر بل إلى عدم قابلية المحل لاجتماع الضدين فيه (ليس في محله) بل هو خلاف صريح كلامه حيث صرح بأن المانع (و يعنى به الضد) إذا كان موجوداً فعدمه مما يتوقف عليه وجود الشيئى (يعنى الضد الآخر) مضافاً إلى أن عدم قابلية المحل لو كان هو سبب التمانع فيما احتمله المحقق أولاً من ك___ون ع_دم المانع من أجزاء العلة التامة فلابد أن لا يكون له (أى عدم قابلية المحل) دخل في إستحالة إجتماع الضدين فيما إحتمله ثانياً من خروج عدم المانع عن أجزاء العلة التامة وكونه من مقارناتها الاتفاقية، ضرورة أن الجامع بين الاحتمالين لا يمكن أن يكون منشاءاً للاشكال في خصوص أحد هما فلابد أحد هما فلابد أن يختص دخل عدم القابلية بالاحتمال الأول حتى يمكن جعله منشأ التمانع فيه مع أن قابلية المحل شرط في إمكان الاجتماع و رفع التضاد والتمانع في جميع الصور عند الجميع.

ص: 63

أمّا تحقيق المقام فهو أن التضاد بین الافعال الاختيارية و ان كان موجوداً لكنه لا يصل حد التمانع إذعند تكافوء الارادتين للضدين لا يتحقق شيئًي منهما في عالم الوجود حتى يقع التمانع بينهما وعند غلبة إحديهما يكون عدم الضد مستنداً إلى عدم المقتضى كما تقدم تفصيله فعلى أي تقدير لاتمانع بينها، أما إذا تعلق فعل إختيارى بموجود تکوینی كالسواد والبياض فاذا أمر بايجاد أحد هما في صورة وجود الآخر في الخارج فلابد من رفع الضد التكويني الموجود فان قلنا بأن الامر بايجاد السواد أمر برفع ضده مقدمة فبقاء ضده التكويني محرم بحرمة عقلية استلزامية من ناحية الوجوب الاستلزامى لكن لامساس ل_ه بمسئلتنا كما هو ظاهر لان محل الكلام هو الحرام الشرعي دون العقلى.

(أمّا شبهة) الكعبى وهى أن وجوب المقدمة يستلزم إنتفاء المباح رأساً لان تارك الحرام لا يخلو عن واحد من الافعال الوجودية فذلك الفعل يكون واجباً فينتفى المباح رأساً (فقد أجاب) عنها بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) بأن ذلك موقوف على مقدمتين إحديهما مقدمية الأضداد لترك الحرام والأخرى إحتياج الحادث في البقاء إلى المؤثر حتى يكون ترك الحرام بقاءاً مسببًا عن سبب هو فعل الاضداد، والمقدمة الأولى ممنوعة إذترك الحرام من حيث إنه فعل إختيارى يكفى لعدمه وجود الصارف عنه وعدم الداعى له فلا يتوقف على شيء من الأفعال الاختيارية بل هو ملازم معه خارجاً، وناهيك عن ذلك إمكان فرض خلو الانسان عن جميع الأفعال الإرادية من جهة عدم الداعى لشيئ منها فلا تتعلق إرادته بها أصلا أما السكون فانما يتصف به حينئذ من باب الاتفاق بلا تعلق إرادته به (نعم) لو فرض كون الصارف بحيث يتوقف بقائه على الاشتغال بواحد من الأفعال الوجودية بحيث لولم يشتغل بذلك لاضمحل الصارف و وقع في إرتكاب الحرام جزماً لامكن الالتزام بوجوب ذلك مقدمة للواجب (لكن) لمّا كان وجوب أصل الصارف عقليا في مرحلة الامتثال الموكولة بيد العقل لا شرعياً إذا لاحكام الشرعية لا تتعلق بالدواعي بل بالافعال الخارجية فوجوب ما يتوقف عليه بقاء الصارف من الافعال الوجودية أيضاً عقلى لا محالة في طريق إمتثال واجب عقلى، كما هو الشأن في جميع المقدمات العلمية

ص: 64

الواقعة في طريق إمتثال التكاليف الشرعية نظير أطراف العلم الاجمالي إذوجوبها عقلى لاشرعي، وعلى هذا فالمباح الشرعى بحاله ولا يلزم إنتفائه من القول بوجوب المقدمة.

أقول توضيح هذا الجواب أن ترك فعل من الافعال الاختيارية له صور ثلاث (الاولى) أن لا يكون لذلك الفعل داع في نفس الفاعل أصلاً أى لا ينقدح في نفسه بالنسبة الى الفعل شوق بالغ حد تحريك العضلة و حينئذ يكون عدمه من جهة المقتضى فلا معنى لاسناد الترك إلى عدم الشرط أو إلى وجود المانع كواحد من الأضداد الوجودية لذلك الفعل جارحية أم جانحية (الثانية) أن لا تكون هناك آلة يوجد بها الفعل مع وجود الداعي له كما في ترك النظر والسماع والزنا من الاعمى والأصم والعنين مع إرادتهم ذلك وحينئذ يكون عدمه من جهة عدم الشرط ضرورة وجود المقتضى له و هو الارادة فلا معنى لاسناد الترك إلى وجود المانع في هذه الصورة أيضاً (الثالثة) أن يكون هناك صارف عن الفعل مع وجود الداعى والآلة له كما في ترك الزنا من غير العنين مستنداً إلى إلتفاته إلى عقوبته الأخروية بعد تمكنه من ذلك وحينئذٍ يكون عدمه من جهة وجود المانع، وفى شيئ من الصور الثلاث لا يستند الترك إلى فعل من الافعال الجارحية كما هو واضح (نعم) للصورة الثالثة شقان (أحد هما) كون الصارف فى القوة بمرتبة لايؤثر فيه شيئ كي يضعفه و يوجب إضمحلاله كما في قضية يوسف (عَلَيهِ السَّلَامُ) مع زليخا إذ : لقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه والبرهان قوة العصمة التى هى من لوازم النبوَّة (ثانيهما) كونه لابتلك المثابة فربما يؤثر فيه بعض الاشياء و يوجب إنقلابه كما في الخلوة مع الأجنبية ممن يصرفه بدواً تصور العقوبة لكن مع ذلك أولم يشتغل بفعل جارحى يضعف الصارق و ربما يضمحل بالمرة فيقع في إرتكاب الحرام، ففى الشق الثانى يستند الترك بقاءاً إلى ذلك الفعل الجارحي فهو واجب عقلا مقدمة للارتداع عن الحرام.

و مما ذكرنا تبين أن عدم الداعى لفعل الحرام غير وجود الصارف عنه و أن ما ذكره المجيب (رَحمهُ اللّه) من إستناد بقاء الصارف أحياناً إلى الاشتغال بفعل من

ص: 65

الافعال الاختيارية فى غاية الصّحة (فاشكال) بعض مقررى بحثه على ذلك بأن الصارف عن الفعل عبارة أخرى عن عدم الداعى له فلا معنى لتوقفه حدوثاً أو بقاءاً على فعل من الافعال الوجودية حتى يجب الاشتغال به عقلاً أو شرعاً (غير وجيه) كما أن إشكال المجيب (رَحمهُ اللّه) على فرض استناد بقاء الصارف إلى فعل اختيارى بأن الوجوب عقلى لا يستلزم نفى المباح و الحكم عليه بالوجوب الشرعى أيضاً في غير محله، ضرورة أن وجوب المقدمة على القول به إنما هو عبارة عن نفس الوجوب الاستلزامي العقلى حيث يدعى القائل بذلك إستفادته من الشرع أيضاً من طريق الملازمة فعلى القول بالملازمة يكون الوجوب في الفرض المزبور شرعياً، فما ذكره بعنوان الاشكال على كلام الكعبي في ذلك الفرض إنما ه_و إنكار لاصل وجوب المقدمة شرعاً لا أنه إشكال على مقال الكعبى على القول بوجوب المقدمة شرعاً الذى هو مفروض كلام الكعبي فتفطن (وقد ظهر) مما ذكرناه إلى هُنا أن الامر بالشيئي لا يقتضى النهى عن ضده الخاص بنحو من الانحاء لا من جهة المقدمية لعدم الضد بالنسبة إلى فعل ضده ولا من جهة التلازم بينهما ثبوتاً.

(الامر الثالث) في إبطال القول بأن الامر بالشئى يقتضى النهي عن ضده العام أى الترك عيناً أو تضمناً أو إلتزاماً، أما الدلالة بنحو العينية (فتقريبها) أن العدم نقيض الوجود فطلب فعل كالصلاة عبارة أخرى عن النهى عن تركه الذي هو نقيضه، أما ما ذكره بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) في تقريب ذلك من : أن عدم العدم مساوق مع الوجود خارجاً مصداقاً و ان كان يغايره ذهناً مفهوماً : فغير محتاج اليه ضرورة كفاية كون العدم نقيض الوجود في تقريب الاستدلال (والجواب) أن البعث و الزجر اللذين هما مفادا الامر والنهى متغايران بجميع الشئون مفهوماً و مصداقاو ملاكاً ومتعلقاً أما ألاول فلوضوح أن حمل مكلف على الفعل الذي هو حقيقة البعث غير ردعمه عنه الذي هو حقيقة الزجر، وأمّا الثاني فلوضوح أن الوجود الاعتبارى للبعث المحفوظ فى وعاء الاعتبار غير الوجود الاعتبارى للزجر المحفوظ في ذلك الوعاء و أمّا الثالث فلأن ملاك البعث مصلحة كامنة في فعل الفاعل و ملاك الزجر مفسدة كامنة فيه فكيف يجتمعان في مورد واحد، و أمّا الرابع فلان مقتضى

ص: 66

تعلق الامر بالطبيعة هو ايجاد الفعل و مقتضى تعلق النهى بها هو الترك بمعنى الكفّ عن الفعل الذي هو فعل جانحى كى يصح تعلق الطلب به، وعليهذا فلا يعقل إتحاد الامر بالشيئي مع النهى عن ضده العام، فبذلك ينبغى أن يجاب عن الاستدلال لا بما ذكره بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) من غفلة الامر عن الترك (نعم أجاب) عنه صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) بأن اللزوم بين ذلك الامروبين المنع عن الترك يقتضى الاثنينية فأين العينية (فأورد) عليه بعض المحقيق (قدّس سِرُّه) بالفرق بين لوازم الوجود كالاختيار للفاعل المختار و لوازم المهية كالزوجية للاربعة فتخلل الجعل بين الملزوم و اللازم أى كونه مجعولا بتبع جعل الملزوم ممكن فى الأول دون الثاني ضرورة كون لوازم المهية منجعلة كنفسها فمجرد اللزوم بين شيئين لا يقتضى الاثنينية كما فى لوازم المهية، فتغاير الامر بالشيئي مع المنع عن تركه مفهوماً أى بحسب المهية و كون الثاني من لوازم الأول لا ينا فى عينيتهما مصداقاً أى بحسب الوجود و كون الاول عين الثاني بهذا اللحاظ لكن لا يخفى أن المراد بالعينية على القول بها إنما هو الاتحاد بحسب المفهوم لا المصداق ضرورة أن محل النزاع في المسئلة إنما ه_و مدلول الامر بالشيئى أى مفاد الهيئة البعثية و أنه هل يكون منه النهي عن ض_ده العام تضمناً أو إلتزاما أو هو هو بنحو المطابقة و العينية أم لا ولايرتاب أحد فى أن الالفاظ انما وضعت للمفاهيم التي ه_ى وجودات ذهنية عبر عنها فى لسان أهل الفلسفة بمعقولات ثانوية لا لما عنى من المفاهيم أى المصاديق التي هي وجودات خارجية عُبِّر عنها فى لسان أهل الفلسفة بمعقولات أولية، فمد اليل الالفاظ التي ه_ى محل النزاع إنما هى المفاهيم دون المصاديق وحيث عرفت أنها وجودات ذهنية فيمكن تخلل الجعل بينها و بين لوازمها فما ذكره صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) من أن اللزوم في المقام يقتضى الاثنينية دون العينية في غاية المتانة.

ثم إن صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) وجه الدلالة بنحو العينية بامكان أن يراد بها أنه ليس هناك إلا طلب واحد لكنه منسوب إلى الوجود بالذات و بنحو الحقيقة فيكون بعثاً اليه و إلى الترك بالعرض و بنحو المجازفيكون زجر أعنه فافهم (فأورد) عليه بعض المحققين (قدّس سِرُّه) بأن التحريك إلى مكان تكويناً تحريك عن مكان لا محالة اذ

ص: 67

الحركة لابد أن تكون بين حدين مبدء و منتهى فالقرب إلى المنتهى بعد عن المبدء طبعاً فالتقريب إليه تبعيد عن المبدء، و اذا كان التكوين هكذا هكذا فالتشريع فالتشريع كذلك كذلك فالتحريك التشريعي إلى فعل بالامر به تحريك لامحالة عن نقيضه الذي هو تركه و يعبر عنه بالزجر و الردع فايجاب فعل أیجاب له بالذات و زجر عن تركه بالعرض إذ الزجر كالبعث يتعلق أولا وبالذات بأمور وجودية لاعدمية كالترك فلو أمكن تأويل توجيه صاحب الكفاية وإرجاعه إلى ما ذكرناه فهو و الافظاهره محل الاشكال إذ طلب الترك بعنوانه ليس من شئون طلب الفعل لا بالذات ولا بالعرض بل هما متغايران و الامر فى مقام طلب الفعل لا يمكن أن يكون فى مقام طلب الترك، نعم يمكن أن يكون فى مقام المنع عن الترك بما ذكرنا من العناية فطلب الفعل لا يمكن أن يكون طلباً لتركه لا بالذات ولا بالعرض (لكن لا يخفى) أن التحريك الى مكان تكويناً انما يلازم فى الخارج التحريك عن مكان آخر بمعنى خلوذلك المكان عن المتمكن إذ لابد له من مكان ما فلدى تبديله مكانه بعد إشغاله يبقى مكانه الاول خالياً عنه طبعاً من دون أن يكون ذلك مورد إرادة المحرّك أو المتحرك بل الارادة إنما تتعلق بنفس الكون في المكان الثانى غاية الامر يتبعه خارجاً خلو المكان الاول قهراً لكن لا ربط له بعالم الارادة التكوينية، و إذا كان الامر كذلك فى الارادة التكوينية فهكذا في التشريعية فمتعلق البعث لدى الامر بفعل كالسقى إنما هو نفس ذلك الفعل لاما يلزمه خارجاً بالقهرأى البعد عن نقيضه كترك السقى إذلم يقع ذلك فى حيّز الارادة كي يتعلق به البعث الناشئ عقيبها بفعل النفس فليس مراد المولى بقوله إسقنى : لاتترك سقيى : (نعم ما ذكره) صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) من إسناد البعث حقيقة إلى نفس الفعل ومجازاً إلى نقيضة بمناسبة تلازم خارجي في مرحلة الامتثال بين ايجاد الفعل مع ترك نقيضه، نظير إسناد الجريان إلى الميزاب مجازاً بمناسبة تلازم خارجی حال الجریان بینه و بین المطر الذى هو الجارى حقيقة من دون أن يكون ذلك الاسناد المجازى بالنسبة الى نقيض الفعل مراداً للامركى يكون مدلول اللفظ بدلالة التزامية (متين فى الغاية) نعم لو أراد (قدّس سِرُّه) أن البعث إلى النقيض بنحو الزجر مدلول إلتزامى لهيئة الامر لو راد على مقاله ما سيأتي في طي الجواب عن

ص: 68

الدلالة التضمينة من إنتفاء هذه الدلالة وجداناً و برهاناً لكن حاشا مقامه العلمى الشامخ عن إرادة مثله مضافاً إلى كونه خلاف ظاهر كلامه (قدّس سِرُّه) فلو أمكن تأويل ما ذكره المحقق المزبور (قدّس سِرُّه) بارجاعه إلى هذا الذي أفاده صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) فهو والا فقد عرفت أنه بظاهره محل اشکال بل منع.

وأما الدلالة بنحو التضمن (فتقريبها) أن الوجوب مركب من طلب الفعل و المنع عن نقيضه أى الترك (والجواب) أن مدلول الامر مطلقاً هو الطلب أى البعث غاية الامر أنه، لدى عدم وصول ترخيص من قبل الشارع في الترك يلزمنا العقل في طريق الامتثال على ترك المخالفة فراراً عن عقوبته لدى المصادفة مع ارادة حتمية من المولى، فمن هذا الحكم العقلى فى مرحلة الامتثال الموكولة بيد العقل في طول الامر الشرعى بالفعل ينتزع عنوان الوجوب، ولدى وصول ذلك الترخيص لا يلزمنا العقل على ترك المخالفة فينتزع منه في طول الامر الشرعي عنوان الاستحباب، فالوجوب والاستحباب حكمان عقليان في رتبة الامتثال ولاربط لهما بمدلول الامر أصلا، ومنه يعلم أن (ماذكره) بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) من أن اقتضاء الامر بالشيئي النهى عن ضده العام أى الترك بنحو اللزوم البين بالمعنى الاعم مما لا كلام فيه ولا إشكال وبالمعنى الاخص ليس ببعيد (غير صحيح) ضرورة أن اللزوم بالمعنى الاعم محل كلام بين القوم كما يشهد به مراجعة كلماتهم و بالمعنى الاخص مما لا دليل عليه ولذا نفى جملة منهم دلالة الامر عليه بشيئ من الدلالات الثلاث، و انما أوقع القوم في مزعمة دلالة الامر بفعل على النهى عن تركه عدم انفكاك حكم العقل بلزوم الفرار عن العقوبة بترك المخالفة عن ذلك الامر فخلطوا بين الحكمين و نسبوا حكم العقل إلى الشرع، وقد وقع نظير ذلك من جملة منهم في كثير من الموارد فتفطن، فلقد أجاد صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) حيث أجاب ببساطة الوجوب و كونه مرتبة واحدة من الطلب، كما أجاد بعض المحققين (قدّس سِرُّه) في توضيح البساطة بأن الوجوب إن كان عبارة عن نفس الارادة فهو الكيفيات النفسانية التي هي من الاعراض و معلوم أن الاعراض بسيطة خارجاً و إن انحلّت إلى الجنس و الفصل عقلاً،وإن كان عبارة عن أمر منتزع عن البعث أى انشاء الطلب فهو من الاعتبارات

ص: 69

العقلية ومعلوم أنها أشد بساطة من الاعراض لعدم إنحلالها إلى جنس و فصل عقلاً و لذا لا تدخل تحت مقولة، فالوجوب بأى معنى كان بسيطٌ، و بأن دقيق النظر ينفى كون الوجوب مرتبة أكيدة من الطلب إذ الشوق إنبعث عن مصلحة لزومية أو غير لزومية ما لم يتأكد ويشتد وجوده ويصل حد تحريك العضلة لا يتولد منه فعل، فارادة الفاعل أى الشوق المُولّد للفعل مرتبة واحدة أبداً لا تزيد و لا تنقص أما الشدة و الضعف فهما في ناحية الغرض الداعي إلى الشوق بلا إرتباط لهما بنفس الشوق المنبعث ويشهد لذلك أن الشيئي الواحد ربما يكون أشد ملائمة للطبع أى الهوى بدون لابدية فيه بحسب ذلك و أقل ملائمة للعقل مع أنه لابد منه عقلا فالشدة و الضعف في ناحية الغرض أى المصلحة طبعية كانت أم عقلية لاتوجبان التفاوت فى الشوق العقلاني أو الطبعى، ولا يتوهم أنا نريد إنكار تعدد مراتب الارادة حتى يشكل بوضوح تعدد مراتبها كسائر الكيفيات النفسانية نظیر الحب و البغض بل نقول ان الزائد من مقدارها الدخيل في أصل تحقق الفعل مما لا حاجة إليه في الارادة الفاعلية، و إذا كان هذا حال الارادة التكوينية فكذلك التشريعية ضرورة عدم الفرق بينهما من هذه الجهة فلتكن مرتبة الطلب فى الوجوب و الندب واحدة بلا تأكد وشدة في الوجوب كما يظهر من صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه).

(لكنه) (قدّس سِرُّه) جعل التحقيق في المقام أخيراً إختلاف مرتبة الشوق بتبع الارادة شدة و ضعفاً و بذلك صحح مقال صاحب الكفاية من كون الوجوب مرتبة أكيدة من المطلب (و هذا) محل تأمل بل منع ضرورة ان الشوق المولِّد للفعل الذى يعبر عنه في لسان أهل الفلسفة تارة بالميل الطبعى و أخرى بالقوة المنبثَّة في العضلات وفى لسان الاصوليين بالشوق المؤكد مالم يصل في حدِّ تحريك العضلة نحو الفعل لا يتولد منه الفعل أصلا، سواء كان للفعل مصلحة لزومية توجب تأكد مرتبة الارادة النفسانية التي يترشح منها الشوق الطبعى أم لا فلا تختلف مرتبة هذا الشوق بالشدة والضعف وجدان و برهاناً، أمَّا الأول فلما نرى من أنفسنا خارجاً من عدم الفرق بین میل طبعی حاصل عند تحقق فعل ذى مصلحة لزومية و بين الحاصل عند تحقق فعل ذى مصلحة غير لزومية، و أمَّا الثانى فلما ذكره نفس هذا المحقق (قدّس سِرُّه)

ص: 70

بعنوان دقيق النظر وحاصله انه إذا تحقق معلول فى مورد عقیب وجود شیئی كتحقق (د) عقيب وجود (الف) ثم تحقق ذلك المعلول في مورد آخر عقيب ذلك الشيئى مع ضمّ ضميمة كتحقق (د) في مورد آخر عقيب وجود (ألف) منضما الى (ب) يكشف ذلك عن ان تلك الضميمة غير دخيلة في ذلك الى ناحية العلية وان تمام العلة لذلك المعلول نظير (د) في لمثال انما هو نفسر ذلك الشئي فقط نظير (الف) في لمثال، ففى المقام إذا فعل خارجى فى مورد عدم مصلحة لزومية عقيب مرتبة خاصة من الشوق الطبعى المنبت في العضلات وفي مورد تحقق مصلحة لزومية عقيب تلك المرتبة من الشوق مع شدة حاصلة فيه، يكشف ذلك عن أن تمام العلة المؤثرة في تحقق الحركة الفاعلية نفس تلك المرتبة الخاصة من الشوق الطبعي بلا دخالة للشدة الزائدة على أصل المرتبة فى ناحية العلة، وإذا انحصرت العلة بمرتبة وحيدة من الشوق نقول لا يعقل تفاوت مرتبة ذلك الشوق ضرورة أن النفس لا تولد عقيب إنقداح الارادة فيها إلا ما يصير علة لتحقق المراد في الخارج لا أزيد من ذلك، فتفاوت المرتبة فى الارادة التكوينية و كذا التشريعية غير معقول رأساً مضافا إلى أن المحلول في الارادة التشريعية عبارة عن نفس البعث أى انشاء الطلب الذى هو جانحى فتفاوت المرتبة على فرض وجوده فى الشوق المولد لذلك الفعل الجانحى لا يتطرق إلى نفس الفعل، بل قد حققنا في محله أن المصالح والمفاسد التى هى فى مرحلة دواعى الطلب لا ربط لها بمرحلة نفس الطلب كى يتفاوت بحسبها، و لذا قلنا آنفاً بأن الطلب نوع واحد بسيط والوجوب و الندب منتزعان عنه بحكم الفعل فى طول عدم وصول الترخيص في الترك من قبل الامر و وصوله فتدبر جيداً، و أما الدلالة بنحو الالتزام فتقريبها ظهر مع جوابه مما أسلفناه (فظهر) مما ذكرناه إلى هنا أن الامر بالشيى لا يقتضى النهي عن ضده مطلقاً سواء الخاص والعام.

(الامر الرابع) في ثمرة المسئلة (وظاهر جماعة) كصاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) وغيره ظهورها في فساد عبادة وقع تركها مقدمة الفعل مأمور به كالصلاة للازالة بناءاً على تمامية أمور ثلاثة أحدها مقدمية عدم الضد لوجود ضده ثانيها كون وجوب المقدمة شرعيا ثالثها كون النهى الغيرى المتولد من الوجوب المقدمى بالنسبة إلى فعل ضد المأمور به كالصلاة لدى الامر بالازالة مستلزما للمبغوضية، اذ بعد تمامية هذه الامور تكون الصلاة منهياً عنها وسيأتي في باب النواهي إنشاء اللّه

ص: 71

تعالى أن النهى في العبادة يقتضى فسادها (لكنك) حيث عرفت سابقاً فساد الصغرى أعنى مقدمية عدم أحد الضدين لوجود الآخر من جهة أن العدم مطلقاً لا يصلح للتأثير والتأثر وعرفت فساد الكبرى أعنى وجوب المقدمة شرعاً من جهة أن الاستلزامات العقلية الخارجة عن حوصلة نفس التكاليف كوجوب المقدمة وحرمة ضد المأمور به ونحو ذلك تكون بأجمعها موكولة بيد العقل في مرحلة إمتثال تلك التكاليف، و كذا فساد إستلزام النهى الغيرى المبغوضية من جهة أن الاوامر والنواهى الغيرية ليس فيها ملاك أصلا فليست بمقربة ولا مبعدة (تبين) لك فساد هذه الثمرة (نعم يظهر) من بعض المحققين (قدّس سِرُّه) تصحيح المبغوضية في حصوص المقام وتتميم الثمرة بذلك بدعوى أن الشروع فى مقدمات الحرام شروع في مخالفة النهى المولوى فهو مبغوض لدى المولى، كما أن الشروع فى مقدمات الواجب شروع في إمتثال الامر المولوى فهو محبوب لدى المولى، فالاشتغال بفعل الصلاة الذي يترتب عليه ترك الواجب أى الازالة إشتغال بمخالفة الواجب وشروع فى الاتيان بالمبغوض فهو مبعوض فالصلاة فاسدة وبه تتم ثمرة المسئلة، فالأولى منع الصغرى أى مقدمية عدم الضد لوجود ضده بالتقريب المتقدم (لكن تقدم) عين هذا البيان من بعض الاساطين(رَحمهُ اللّه) في خلال كلماته في بحث مقدمة الواجب وتقدم جوابه منا وحاصله أن المراد من ذلك لو كان الشروع في فعل نفس الحرام فهو خلاف المشاهد بالوجدان ولو كان الشروع في مقدماته الوجودية فهو مسلَّم لكن مبغوضيته أول الكلام غاية الامركونه تجرياً فى حكم العقل كما أن الاشتغال بمقدمات الواجب إنقياد لحكم العقل، بلا استلزام محبوبية في الثاني ولا مبغوصية في الاول (فالحق) على فرض تسليم الصغرى منع الكبرى كما عرفت.

(ثم أن بعض) الاساطين (رَحمهُ اللّه) بعد بيان الثمرة المزبورة نقل إشكالا (حاصله) أنا سواء قلنا بلزوم وجود الامر في صحة العبادة وعدم كفاية ملاكها و رجحانها الذاتي أم قلنا بكفاية ذلك في صحتها بلا لزوم الامر لا فرق بين القول بالاقتضاء و عدمه في مورد تزاحم واجب موسع مع مضيق أو واجبين مضيقين أحد هما أهم، إذا لموسع أو غير الاهم لا أمر له فعلى القول بلزوم الامر تفسد العبادة بفقدان مقوِّمها

ص: 72

قلنا بالاقتضاء أم لا وعلى القول بكفاية الملاك تصح العبادة لوجود مقوِّمها وإن ل_م يكن خطاب قلنا بالاقتضاء أم لافاين ثمرة المسئلة (ثم نقل) عن المحقق الثاني (قدّس سِرُّه) دفع الاشكال (بما حاصله) ظهور الثمرة على القول بلزوم الامر في صحة العبادة إذغير الاهم أو المبتلى بالمزاحم من أفراد الواجب الموسع يكون منهياً عنه على القول بالاقتضاء وذلك يقيد إطلاق الامر فيوجب الفساد، بخلافه على القول بعدم الاقتضاء إذ متعلق الامر نفس الطبيعة بوجودها السعى المنطبق فهراً على كل واحد من أفرادها خارجاً حتى الفرد المبتلى بالمزاحم ضرورة تساوقه مع سائر الافراد من جهة الفردية للطبيعة، فهذا الفرد وإن لم يمكن الاتيان به بقصد الامر الانحلالي المتعلق بخصوصه لفقدانه فى صورة المزاحمة لكن يمكن الاتيان به بقصد الامر المتعلق بنفس الطبيعة والمفروض أن إنطباق الطبيعة على هذا الفرد قهرى فالاجزاء عقلىٌ فتصح العبادة وتتم الثمرة (ثم ناقش) فيه بأن ذلك يتم على مسلك خروج القدرة عن متعلق البعث وإشتراطها فى التكاليف عقلاً أماً على المسلك الحق من أخذها فى متعلق البعث من قبل ذات البعث، إذ حقيقته حمل المكلف و دفعه نحو إيجاد المبعوث إليه وكما أن الدفع نحو غير المقدور ممتنع تكويناً فكذلك تشريعاً إذ الارادة التشريعية تتبع التكوينية، فاذا كان البعث نحو غير المقدور بذاته ممتنعاً فلا محالة يوجب تقيَّد متعلقه بالقدرة بمعنى إنقسام أفراد الطبيعة إلى مقدورو غيره وعدم تساوقهما فى الفردية للطبيعة المأمور بها بل إختصاص الأول بوقوعه متعلق البعث وخلوّ الثانى عن الخطاب والملاك معاً، فلا تتم الثمرة إذغير المقدور أفراد الطبيعة أى الفرد المبتلى بالمزاحم أجنبى عن العبادة المحبوبة للمولى فهو فاسد جزماً على القول بلزوم الامر فى صحة العبادة إذلا أمر به لعدم القدرة عليه قلنا بالاقتضاء أم لا أما على القول بكفاية الملاك فيها و عدم كفاية النهى الغيري في المبغوضية كما قوينا هما في باب التعبدي والتوصلى فيصح ذلك الفرد قلنا بالاقتضاء أم لا.

أقول تحقيق المقام موقوف على تحليل حقيقة البعث فنقول مستمداً من اللّه تعالى أن حقيقة البعث عبارة عن حمل الغير و تحريكه بالتسبيب أى بسبب إنشاء الطلب نحو الفعل فهو بنفسه من أفعال النفس، ومن هذه الجهة أى كونه فعلاً تكوينياً

ص: 73

للفاعل المختار يكون فى طول الارادة ويتوقف صدوره من الباعث على قدرته على هذا الجعل والانشاء إذا لعجز فى الافعال التكوينية مانع عن إنقداح الارادة بالنسبة إليها ولذا تكون فى طول القدرة، فمع تحقق مباديه أى القدرة و الارادة يتحقق البعث لا محالة بلا توقفه على شيئ آخر مما هو في طوله ومن شئون المبعوث أى المكلف كعلمه بذلك البعث أو جهله أو قدرته على ايجاد الفعل المبعوث اليه أو عجزه، ضرورة أن مرحلة البعث الذى هو فعل المولى متغايرة مع مرحلة القدرة و العجز بالنسبة الى إيجاد متعلق البعث أو العلم والجهل بنفس البعث التي هي من صفات المكلف ولا إرتباط لا حدى المرحلتين بالأخرى كى يمكن أخذها فيها بل الثانية في طول الأولى فكيف يعقل دخل ما في طول الشيئى فيه (وبالجملة) فالقدرة على الفعل التي هي من صفات المكلف خارجة عن حوصلة البعث الذى هو فعل المولى غاية الامر أنها بحسب الوجود الخارجي تكون تارة مقارنة مع صدور البعث عن المولى و أخرى متقدمة عليه و ثالثةً متأخرة، وعلى أي تقدير لاربط له_ا بحقيقة البعث وجداناً وبرهاناً كما عرفت فسبق وجودها بالنسبة إلى الارادة التكوينية مما لا بد منه بخلافه بالنسبة الى الارادة التشريعية فيمكن تأخره عنها كما يمكن تقدمه و تقارنه فقياس إحدى الارادتين بالأخرى من هذه الجهة فاسد جدا.

نعم العقل بعد ما أدرك إحتياج تحقق الفعل المبعوث إليه في الخارج إلى قدرة المكلف على إيجاده يحكم بتاً بأن صحة توجيه الخطاب نحو المكلف مع إرادة الباعث منه تحقق المبعوث اليه فى الخارج لا تعجيزه أو إختباره أو نحو ذلك من دواعى البعث مشروطة بكون المكلف قادراً على ذلك الفعل فى وقته فبدونه لا يستحق على تركه العقاب، إذ العقل كما أنَّ له إدراكات تصورية أو تصديقية كذلك له فى طول تلك الادراكات أحكام و هما متباينان ضرورة أن الأولى إنفعال العقل و الثانية فعله فانكار الاحكام العقلية مساوق مع إنكار الأمور الوجدانية (و بالجملة) فاشتراط القدرة في متعلق التكاليف في مرحلة ايجادها أى الامتثال إنما هو بحكم العقل فى طول درکه توقف تحقق الفعل خارجاً عليها بلا دخل لها في متعلق البعث کی یوجب تخصص الطبيعة إلى حصتين و إختصاص حصة مقدورة بالبعث دون غيرها ولا عدم تساوى أفراد الطبيعة من حيث الفردية للمأمور به، كيف ولو كان

ص: 74

تعلق البعث بنفسه موجباً لتحصص الطبيعة لكان كذلك مطلقاً و لولم يكن البعث بداعی تحقق المبعوث إليه خارجا بل بداعى التعجيز أو الاختبار أو نحو هما مع أن أحداً حتى هذا القائل لا يلتزم بذلك فى مثل هذه الموارد فيكشف عن أن ذلك. ليس ذاتياً لنفس البعث (فتلخص) أن كون الاشتراط بالقدرة ذاتياً للبعث مما لا محصل له بل لا يمكن تعقله، ثم لو سلمنا تحصص الطبيعة بنفس تعلق البعث و كونه ذاتياً للبعث و لن نسلمه قط لكن نقول إن ذلك تقيّد من قبيل ضيق فم الركية بمعنى قصور البعث من أول الامر عن شمول غير المقدورة من حصص الطبيعة فكانها منحصرة بالمقدورة، لا تقييد بمعنى تضييق دائرة المبعوث إليه وتنويعه إلى نوعين نوعين مقدور و غيره فالطبيعة بما لها من الملاك الواقعى منطبق قهراً على غير المقدور أيضا فيكون مجزياً عقلا، فملاك البعث عام و هو كاف في صحة العبادة، مع أن التقييد حسب إعتراف هذا القائل في محله فرع الاطلاق فالبعث إذالم يكن) قابلاً للارسال بالنسبة إلى غير مورد القدرة فهو غير قابل للتقييد بالقدرة فمفاد الهيئة البعثية لا يقبل التقييد بالقدرة أصلا، على أن تقييد شيئى بشيئي لابد فيه من وجود المتقيد في رتبة سابقة على وجود القيد كى يعقل التقييد فبناءاً على كون الاشتراط بنحو التقييد لا التقيد لابد من وجود البعث مع قطع النظر عن القدرة في رتبة سابقة عليها حتى يمكن تقييده بها والمفروض تأخره عنها فلا يعقل تقييده بها بها، فلا اشكال فى ثمرة المسئلة من هذه الجهة و جواب المحقق الثاني (قدّس سِرُّه) متين بل الحق في نفى الثمرة ما قلناه من منع الصغرى و الكبرى فراجع.

ومما ذكرناه (ظهر) حال مسئلة عويصة صارت معركة الآراء بين متأخرى الاصوليين وهي الترتب حتى إدعى صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) إستحالته على مبناه الذى عليه المشهور من دخل القدرة فى التكليف شرعاً بأحد أنحائه الآتية وتصدّى جلال من تأخر عنه لولا الكل لتصحيحه مشياً على ارتكاز دخلها فى الامتثال عقلا مريدين) تطبيق المصطلحات على المرتكز فلم ينجحوا ووقعوا فيما وقعوا من المحاذير ال التي ستعرفها (حيث تبين) أنه فى كل مورد من موارد التزاحم بين الخطابين في نال عالم الامتثال انما يحكم العقل بأن المكلف إذا أتى باحد الواجبين المتزاحمين

ص: 75

فهو معذور في ترك الآخر وهكذا إذا ترك ذلك وأتى بالآخر يكون معذوراً في ذلك، إذ ليس له الا قدرة بدلية و هي لا تكفى الا لامتثال أحد المتزاحمين فاذا صرفها في إمتثال واحد منهما فقد عجز عن إمتثال الآخر ويكون معذوراً عقلا إذا كان الواجبان متساويين في الملاك، سواء كانا مستقلين كالصلاة وأداء الدين لدى المطالبة أم جزئين لواجب مركب كذكر الركوع أو السجود مع الطمأنينة حاله للصلاة بناءاً على وجوب الثانى و كونه جزءاً أم شرطين له كالطهارة والاستقبال للصلاة أم كان أحدهما جزءاً و الآخر شرطاً كالقيام و الاستقبال للصلاة، ففى جميع هذه الموارد يتخير المكلف عقلاً بين إمتثال أحد الواجبين فلا يتنجز في حقه الا أحدهما ولا يعذر إلا في ترك أحدهما قضاءاً لما عنده من القدرة البدلية للامتثال و العجز البدلى عنه، فلو أهمل تلك القدرة بالكلية ولم يصرفها في إمتثال شيئى من الواجبين بل خالفهما معاً كان معاقباً على ترك أحدهما البدلى حسب قدرته البدلية، أما إذا كان أحد الواجبين أهم من الآخر كازالة النجاسة عن المسجد الذي هو واجب فورى بالقياس الى الصلاة الموسعة إلى آخر الوقت أو حفظ النفس المحترمة بالقياس إلى واجب آخر لايصل حده في الأهمية لدى الشارع، فالعقل يستقل بلزوم صرف قدرته البدلية في إمتثال الأهم و بأنه إذا لم يصرفها في ذلك فهو عاص في تفويت مصلحة الأهم لكنه مع ذلك ليس بمعذور في ترك الآخر الذي يكون قادراً على إمتثاله بالفعل بمقتضى قدرته البدلية، فيجب صرفها في الاتيان بالمهم قراراً عن إهمال قدرته.

و توضيح ذلك زيادةً عما عرفت آنفاً فى نفى الثمرة يستدعى تفصيل الأقوال في مورد اعتبار القدرة و الحاكم باعتبارها (فنقول) و نستمدُّ التوفيق من التوفيق من اللّه عز و جل إن إعتبارها يتصور على أنحاء أربعة (الاول) أن تكون القدرة شرطاً للجعل بالمعنى المصدرى أى لصدور التكليف عن الامر الملتفت إلى عجز المكلف عن الامتثال يقبح عقلاً صدور التكليف منه فمورد اعتبار القدرة على هذا قبل الجعل و الحاكم بالاعتبار هو العقل فتكون مسئلة كلامية، و أظن بأنه قد ذهب إلى هذا النحو من الاعتبار بعض الاصوليين (ويندفع) بأنه موقوف على أن يكون الغرض من التكليف مباشرة المكلف بالامتثال بنفسه و في وقته بأن لا يكون للتكليف إطلاق

ص: 76

بالنسبة إلى غير الوقت إذا كان الواجب موقتاً أى لا يكون للواجب قضاء ولا بالنسبة إلى غير المكلف بأن تكون المباشرة قيداً فى التكليف أو المكلف بحيث لم يمكن لغير المكلف الاتيان بالواجب تبرعاً أو بالتسبيب، و كلا الامرين باطلان ضرورة ثبوت القضاء الموقتات غالباً و عدم ثبوت قيدية المباشرة في غيرها كذلك و ناهيك عنه ما ورد في الحج من أن العاجز عن الاتيان به مع الاستطاعة المالية يجوز له أن يستنيب غيره لاداء الحج عنه في حيوته كما يجوز له بل يجب عليه الايصاء بذلك لما بعد موته و يجوز لغيره التبرع بالنيابة أو الاستنابة عنه بعد موته بل حال حيوته بالنسبة الى بعض الواجبات، بل هذا النحو من اعتبار القدرة موقوف على أن يكون الغرض من التكليف في شرعنا إمكان الداعوية له فمن يعلم منه بأنه لا ينبعث عنه كالكفار والعصاة والجاهلين لا سيما بالجهل القصورى بل النائمين و الغافلين يكون تكليفهم قبيحاً عقلاً الذى يستحيل صدوره عن الشارع جزماً، مع أن ذلك خلاف ضرورة المذهب بل الدين و خلاف ظواهر الادلة الشرعية حيث أنها مطلقة غير مقيدة بقيد القدرة وإنّما الغرض من التكليف أى البعث المولوى نحو المأموربه بالنسبة إلى كل من يمكن أن يوضع عليه قلم التكليف عدم إستناد منع الفيض إلى البارى جل شأنه و هذا مما يوافقه إتقان التشريع فان عمومه هو مقتضى حكمة التشريع و يعا ضده إطلاق أدلة التشريع حيث عرفت عدم تقيدها بقيد القدرة.

و عليه (فتكليف) العاجز الفعلى الذى يتمكن من الامتثال فيما بعد ذلك إمّا مباشرة بالقضاء فى الموقتات والأداء في غير هالدى تجدد القدرة الى آخر العمر وإما بالتسبيب بالاستنابة في حيوته مع اليأس عن قدرته أو بالايصاء لما بعد موته أو بتبرع الغير عنه (ليس) بقبيح عقلاً أبداً بل هو صحيح عقلاً وفيه لطف وتفضل من الشارع على المكلف جزماً كي لا يحرم أحد عن درك فضائل التكاليف و آثاره الدنيوية و الأخروية، فالعقل والنقل متوافقان على خلاف ه_ذا النحو من إعتبار القدرة في التكليف (فان قلت) إذاً لا معنى للبعث الجدى بالنسبة إلى غير المنبعث عن التكليف فعلاً بل هو إما تسحبيل للعذاب كما في تكليف الكفار والعصاة أو

ص: 77

إرشاد إلى وجود ملاك التكليف كما في تكليف الجاهل قصوراً والنائم و الغافل (قلت) كلا لا يلزم ذلك لان التشريع لابد فيه من إعمال المولوية فالبعث أبداً جدّىٌ بمعنى أن الشارع يريد بارادة جدية صدور الفعل عن المكلف و يبعثه نحوه بعثاً جدياً مولوياً و إن لم يمتثل فعلا وذلك لاينا فى مع كون العاجز عن الامتثال مطلقاً بجميع أنحاء العجز معذوراً لدى العقل، فلو سلمنا كون البعث عبارة عن جعل الامر مع امكان الداعوية أيضاً وأغمضنا عما عرفت من كونه أعم من ذلك نقول إن العجز عن الامتثال عذر عقلى فالمراد بامكان الداعوية إنما هو الامكان الذاتي دون الفعلى أى جعل ما يمكن في نفسه أن يكون داعيا و لو منع عن داعويته الفعلية مانع، و إذا كان ذلك لايضر بجدية البعث على مبنى إمكان الداعوية فلا يضربها على مبنى عدم إستناد منع الفيض إلى الجاعل كما هو المختار الذي عرفت دليله بطريق أولى.

(الثاني) أن تكون القدرة شرطاً للجعل بالمعنى الاسم المصدرى أى حدّاً شرعيا للحكم وقيداً مأخوذاً فى مضمون الخطاب شرعا و الكاشف عن هذا التقييد هو العقل المستقل بقبح توجيه الخطاب نحو العاجز، وقد ذهب إلى هذا النحو من الاعتبار صاحب الكفاية وتبعه بعض تلامذته قدس سرهم (و يندفع) بأن العقل إنما هو الحاكم بالاستقلال في مرحلة الامتثال فيحكم باعتبار القدرة في عالم الامتثال لا أنه يكشف عن إعتبار الشارع القدرة في ناحية التكليف كما هو المدعى و الفرق بين الامرين واضح (و بالجملة) فاعتبار القدرة في تنجز التكليف أى باعثيته الفعلية مسلم لا يقبل الانكار لكن الشأن فى لزوم إعتبار الشارع ايّاها فى التكليف و لا ملزم عليه، لان وظيفة الشارع إنما هو جعل الحكم بالنسبة إلى ما فيه الملاك و قد فرغ عنه أما تقييد حكمه بالقدرة و أخذها في مضمون خطابه فليس من وظيفته بعدا يكال مرحلة الامتثال بيد العقل المستقل باعتبارها في تلك المرحلة، فاذا كان المكلف عاجزاً فلم يمتثل التكليف لعجزه يراه العقل معذوراً غير مستحق للعقاب، بل الروايات القريبة بالتواتر الواردة فى الموارد المختلفة مثل : كلما غلب اللّه عليه فهو أولى بالعذر، و ما يشبهه في المضمون شاهدة بهذه المعذورية

ص: 78

عقلاً الكاشفة عن عدم إعتبار القدرة فى مضمون الخطاب شرعًا، فالثبوت و الاثبات متطابقان على خلاف هذا النحو من اعتبار القدرة في التكليف.

(الثالث) أن تكون القدرة شرطا في متعلق الحطاب عقلا بأن يكون التكليف متعلقاً بالحصة المقدورة من المتعلق دون غير المقدورة من أول الامر بمقتضى ذات البعث قياساً للارادة التشريعية أى جعل التكليف بالارادة التكوينية أى الميل الطبعى الصادر منه الفعل في الخارج، إذ كما أن الارادة التكوينية لا تتعلق بغير المقدور فلا تتحرك عضلات الفاعل نحو ايجاد ما لا يقدر عليه تكويناً و في عالم الخارج أبداً فلتكن كذلك الارادة التشريعية أى البعث الذى حقيقته حمل المكلف و دفعه نحو ايجاد المبعوث إليه ضرورة أنها تابعة للارادة التكوتنية من الجاعل، فلا يتعلق التكليف شرعًا بفعل غير مقدور أبداً، وقد ذهب إلى هذا النحو من إعتبار القدرة في التكليف بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) على ما يظهر من شتات كلماته التي منها ما تقدم في مقام نفى الثمرة إشكالاً على مقال المحقق الثاني (قدّس سِرُّه) و منها غير ذلك (و يندفع) علاوة عمّا تقدم في جوابه هناك بأن هذه المقايسة باطلة بلمغالطة لوضوح الفرق بين الارادتين بداهة أن الارادة التكوينية بمعناها الذى عرفت لا يتوسط بينها و بين الفعل أمر ما آخر بخلاف الارادة التشريعية فتتوسط بينها و بين الفعل إرادة المكلف، فالارادة التشريعية إنما تتعلق بالفعل مجرداً عن لحاظ القدرة و عدمها و بعبارة أخرى لا تتعلق الارادة التشريعية إلا بما فيه الملاك والقدرة حيث لا يكون قيداً لما فيه الملاك فليست ملحوظة في المتعلق ضرورة لزوم كون الارادة التشريعية مساوية لما فيه الملاك لا أعم منه ولا أخص، و إنما تلا حظ القدرة في الارادة التكوينية من المكلف التي توجب ايجاد الفعل في الخارج، فهذا النحو من إعتبار القدرة أيضاً مما لا يساعد عليه برهان.

(الرابع) ما هو المختار الذي ظهر من خلال كلماتنا السالفة بأن تكون القدرة شرطاً لتنجز الخطاب أى فى مرحلة إمتثال التكليف عقلاً فقط فوجود القدرة مصحح للمؤاخذة على ترك إمتثال التكليف وعدمها أى العجز مؤمن عنها، و هذا النحو من الاعتبار مما يوافقه الثبوت والاثبات معاً أما الثبوت فلما عرفت من أن

ص: 79

وظيفة الشارع جعل الحكم بلحاظ ما فيه المصلحة الذى ليست منه القدرة فليس في عهدة المشرّع لحاظ وجود القدرة و عدمها، و أما الاثبات فلما عرفت من اطلاقات الادلة بلا موجب لتقييدها و أن حكم العقل ليس الا المعذورية في حق العاجز و عدمها في حق القادر بلاكشف له عن إعتبار القدرة في مضمون الخطاب أو متعلقه، أما ماورد في الشرع من أخذ القدرة فى التكليف كالاستطاعة في باب الحج فليس من التقييد بالقدرة المبحوث عنها وإنما هو تضييق لدائرة القدرة التي كانت شرطاً في الامتثال عقلا و جعل حصة خاصة منها قيداً في هذا الحكم الخاص شرعًا ولذا يعتبر في الحج الرجوع إلى الكفاية أيضا، و بعد ما اتضح نحو إعتبار القدرة و الحاكم به تبين أنه كان اذا كان هناك واجبان مطلقان تعلقا بالمكلف في زمان واحد فتزاحما في مرحلة الامتثال، من جهة أن المكلف ليست له قدرتان كي يصرف كل واحدة منها في إمتثال واحد من الواجبين و يمتثلهما معاً بل له قدرة واحدة بدلية أى القدرة على إمتثال أحد الواجبين فقط فهو معذور في ترك احد هما فقط فى ترك كليهما، فيحكم العقل بالتخيير بين المتساويين في المصلحه سواء كانا مستقلين أم لا وبلزوم صرف القدرة في إمتثال الأهم من الواجبين إذا كان أحدهما أقوى مصلحة من الآخر أو أكثر إهتماماً لدى الشارع و علی تقدیر ترکه عصياناً قبلزوم صرفها في الواجب الآخر على النحو الذى قلنا، فاذا ترك إزالة النجاسة عن المسجد مثلا و اشتغل بالصلاة فقد إمتثل أمرها الشرعى و تصح قضاءاً لتطابق المأتى به مع المامور به قهرا الذي هو موضوع الاجزاء عقلاً.

تقد إنقدح مما ذكرناه أن الارتكاز العرفى مساعد مع لزوم صرف القدرة في الواجب الآخر المهم ممن لم يصرفها في الواجب الأهم مثلا فيصح ما سموه بالترتب، وإلا فليس فى البين خطاب ترتبى كما ستعرف تفصيله في الاشكال على مقالات القوم، ولا يتوجه أى إشكال على ما قلنا ولا يوجب الالتزام بتعدد العقاب لدى ترك كلا الواجبين المتزاحمين بأن يلتزم بعصيانين طوليين كما جعله صاحب الكفاية من التوالى الفاسدة للقول بالترتُّب ولذا لم يلتزم بهما استاده السيِّد المجدِّد الشيرازي على ما حكاه عنه (قدّس سِرُّهما) إذكما أن القدرة البدلية مصححة للعقاب على

ص: 80

ترك أحدهما فكذلك العجز البدلى مصحح للمعذورية بالنسبة إلى أحدهما فلا يتعدد العصيان (نعم) مع كون أحدهما أهم وكون العقاب على تركه أزيد تكون القدرة المزبورة مصححة للعقوبة الزائدة فاذا أتى بالمهم حين ترك الاهم استحق العقوبة بمقدار تفويت ملاك الاهم وإذا تركهما معا إستحق عقوبة واحدة هي أشد العقوبتين فاشكاله (قدّس سِرُّه) فى تعدد العقوبة مما يشهد على صحة مسلكنا من كون القدرة والعجز مأخوذين في مورد الامتثال بحكم العقل، إذملاك صحة المؤاخذة على الترك حينئذ هو القدرة بحكم العقل و حيث أنها بدلية فهى مصححة للمؤاخذة البدلية على النحو الذي قلنا، غاية الامر أن الارتكاز المزبور الذي عرفت مساعدته مع الترتب لا ينطبق على مصطلحات القوم بعد ما التزموا بقيدية القدرة للتكليف بأحد أنحائها الثلاثة المتقدمة التي عرفت فسادها، و إنما ينطبق على ماهو الحق من أن العجز معذِّر عن ترك الامتثال عقلا فالقدرة شرط فى هذه المرحلة كما بيناه، فصاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) مشى على طبق مبناه ومصطلحه من كون القدرة حداً للتكليف فرأى بطلان الترتب حيث قال ما ملخصه.

تصدّى جماعة من الافاضل لتصحيح الامر بالضد من ناحية الترتب أى الامر بضد شيئى مترتباً على عصيان الامر بذلك الشيئي على نحو الشرط المتأخر أو على البناء على عصيانه على نحو الشرط المتقدم أو المقارن، إذلامانع عن الامر بالضدين بهذا النحو بأن يكون الامر بأحدهما وهو الاهم مطلقاً والامر بالآخر وهو المهم معلقاً على عصيان الامر بالاهم أو العزم على عصيانه متقدماً أو مقارناً، وربما اضيف إلى هذا البرهان كثرة وجود هذا السنخ من الامر بالاضداد في العرفيات (لكن الحق) فساد ذلك لان ملاك إستحالة طلب الضدين في عرض واحد موجود في طلب الضدين على نحو الترتب إذا لمفروض أن الامر بالاهم فعلى في رتبة عصيانه ولم يسقط بعد بمقتضى إطلاقه الشامل لهذه المرتبة فمالم يتحقق عصيانه خارجاً ولم يسقط أمره لا يمكن دعوى قابلية الامر بالسهم للجعل (ودعوى) أن إجتماع طلبين بالمنسبة الى ضدين إنما يكون محالا إذالم يكن بسوء إختيار المكلف فمعه كما فى المقام لا إستحالة فى ذلك (مدفوعة) بان ملاك الاستحالة هو امتناع

ص: 81

طلب الضدين فمع التفات الحكيم إلى ذلك يستحيل صدور طلب الضدين منه ولو على نحو الترتب فهذا الملاك لا يختص بحال دون حال فان قلت فما العلاج فيما وقع في العرفيات من هذا السنخ من الطلب (قلت) العلاج أحد أمرين إما تجاوز الامر عن أمره الاول وإما كون أمره الثانى إرشاداً الى وجود المصلحة في متعلقه و كون الاتيان به محبوباً لدى المولى موجباً لسقوط مقدار من العقوبة المستحقة على عصيان الامر الأول : إنتهى والمستفاد من مقاله (قدّس سِرُّه) أن سرَّ إستحالة الترتب لديه هو المطاردة في عالم الامتثال بين الامرين و هذه المطاردة نشأت من قبل اقتضاء كل واحد من الامرين االانبعاث نحو متعلقه المفروض كونه مضاداً مع متعلق الامر الآخر، والتضاد مستند إلى اقتضاء الامرين المولود عن فعليتهما و المراد من فعلية الامر تنجيزه الناشئ من بقاء إطلاق الامر بالاهم مع حدوث الامر بالمهم لتحقق شرطه، فليس مراد صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) صدور الامر بالضدين خارجاً من قبل المولى كما زعمه جلّ من تصدّى لتصحيح الترتب وعليه بنوا أساس الاشكال على مقاله على ما ستعرف مقالاتهم بل مراده كون اجتماع الطلبين ملاكاً لاستحالة الامر بالضدين على نحو الترتب وملاك إستحالة الامر بهما في عرض واحد عدم قدرة المكلف على إمتثال كلا الامرين بعد معلومية أن القدرة على مذاقه (قدّس سِرُّه) قيد للتكليف، و، و هذا الملاك ل_م يصححه أحد من المتصدين لتصحيح الترتب كما ستعرف تفصيله، فالحق معه على هذا المبنى لكن بعد ما اتضح فساد المبنى ظهر فساد الابتناء.

(نعم) ماذكره (قدّس سِرُّه) من أن القائل بالترتب بعد فرض صحته لا يحتاج لصحة الضد المهم ولو كان عبادة إلى دليل آخر بخلاف القائل بعدم الترتب فلا يمكنه تصحيح العبادة من ناحية الامر اذلا أمر بالمهم على مسلكه و إنما يمكنه تصحيحها من ناحية وجود الملاك فی المأتى به فقط، نعم إذا كان المهم من الواجبات الموسعة و قلنا يتعلق الامر بالطبايع دون الافراد أمكن تصحيحه من ناحية الامر أيضاً لان الفرد المزاحم بالأهم من ذلك الواجب وإن كان خارجاً عن الطبيعة بما هى مأمور بها لكنه لما كان مساوياً مع سائر الافراد من حيث الوفاء بالغرض يمكن الاتيان به بعنوان إمتثال الامر المتعلق بالطبيعة (وتوهم) أن الفرد المزاحم بالأهم

ص: 82

ليس من افراد الطبيعة المأمور بها بما هي مأمور بها (مدفوع) بوضوح الفرق بين التخصيص في متعلق الامر باخراج فرد منه و بين عدم إمكان تعلق الامر بفرد لاجل المزاحمة كما في المقام، فالاتيان به بعنوان إمتثال أمر الطبيعة يوجب صدق امتثال ذلك الامر، أما إن قلنا بتعلق الامر بالافراد فكذلك يمكنه الاتيان بالفرد المزاحم بقصد إمتثال ذلك الامر المتعلق بالافراد، وحاصل مقاله (قدّس سِرُّه) حكم العقل بصدق الامتثال فى الموردين (مخدوش) إذ يتوجه عليه (أما بالنسبة) إلى تصحيح العبادة بالملاك فبأنه لا معنى لذلك إذلا وظيفة للعبد في عالم العبودية والاطاعة و العصيان إلا إمتثال الاوامر والارتداع عن النواهى أما تحصيل الغرض أو الملاك فلسنا مأمورين به، و الاطاعة و العصيان أبداً في طول وجود الامر فصدقهما عقلا فرع وجود الامر خارجا فبدونه كما هو المفروض لاصدق جزمًا فلا دليل على صدق مقاله (قدّس سِرُّه) من كفاية الملاك في صحة العبادة بل ما ذكره دليل على صحة ما قلناه من أن الامر موجود، إذا الامر لو كان مقيداً بالقدرة فحيث لاقدرة لاأمر وحيث لا أمر لا إطاعة أما إن لم يكن مقيداً بها كما قلناه فالاتيان بذلك الفرد تطبيق للمأتي به مع المأمور به وهو إمتثال ذلك الامر فالعمل صحيح (وأمّا بالنسبة) إلى تصحيحها بالامر بعنوان إمتثال الامر المتعلق بالطبيعة بعد تساوى الفرد المزاحم بالأهم م__ع غيره من حيث الوفاء بالغرض فبانه لو أريد إطاعة نفس الامر المتعلق بالطبيعة فالمفروض أنه غير قابل للانطباق على هذا الفرد إما للتخصيص وإما للمزاحمة، و كيف يمكن الاتيان بفرد غير مأمور به بداعى إمتثال الامر المتعلق بطبيعة غير شاملة لهذا الفرد وهل هذا الاكدعوى سقوط الامر باكرام زيد بسبب إكرام عمر و مثلا، ولو أريد إطاعة أمر مستكشف عن الوفاء بالغرض فمرجعه إلى الوجه الأول أى التصحيح بالملاك وليس شيئاً ورائه، ومن هنا ظهر أن إمتثال الامر المتعلق بفرد بالاتيان بفرد آخر غير مأمور به حسب الفرض بناءاً على تعلق الامر بالافراد أوضح اشكالا فتدبر.

لكن القوم كما قلنا أراد وا الاخذ بارتكاز العرفى مع تطبيق المصطلحات على المرتكز فلم ينجحوا و وقعوا في محاذير حيث تصدوا لتصحيح الترتب بطرق

ص: 83

أخرى كلها قاصرة عن تصحيحه، فمنهم بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) فانه ذكر أولا أقسام التزاحم وأن الفرق بينه و بين التعارض كون التعارض في رتبة الجعل والتزاحم في رتبة الامتثال ثم رتب لبيان صحة الترتب مقدمات أساسها كأساس أصل الترتب من السيد السند المحقق العظيم السيد محمد الفشار كى الاصفهاني (قدّس سِرُّه) تلميذ السيد المجدد الشيرازي (قدّس سِرُّه) وأستاد سيد مشايخنا المحقق النجف آبادی (قدّس سِرُّه) ونحن نلخِّص مقدماته (الأولى) في تحرير محل النزاع و هو أن ملاك الاستحالة في طلب الضدين لدى إجتماع طلبين إنما هو فعلية الخطابين لا اطلاقهما إذا لملاك إن كان فعلية الخطاب لزم فى القسم الأول من التزاحم تساقط الخطابين الشرعيين أعنى أنقذ هذا وأنقذ ذاك وكشف خطاب تخییری شرعی من ناحية الملاك أعنى أنقذ هذا أو ذاك، و إن كان إطلاق الخطابين فالعقل يقيد الاطلاقين في لمثال و يكون التخيير عقلياً، فالمحالية حيث ترتفع في هذه الموارد بتقييد إطلاق كل واحد من الطلبين فلا موجب للتساقط، والعجب من المحقق الأنصاري (قدّس سِرُّه) حيث صحح في باب التعادل والترجيح العمل بالمتعارضين على نحو تقييد كل واحمد بعدم الاتيان أو الاخذ بالآخر ومع ذلك لم يصحح الترتب، فليت شعرى إن ضمَّ الترتب بترتب مثله كيف يوجب صحة الترتب لكن الاشتباه من الاساطين غير عزيز.

و في كلامه أنحاء ثلاثة من الاشكال الاول الاشكال الثبوتى أى المبنائى الثانى الاثباتى أى من حيث التطبيق على المورد أو ترتب الترتب على تطبيقه على المورد وبعبارة أخرى الاشكال الصغروى الثالث الاشكال في النتيجة وأنه لو سلمنا صحة المبنى المبتنية عليه المقدمة و صحة تطبيقها على مورد الترتب بل يبقى الترتب فليست النتيجة صحة الترتب على استحالته بحسب تقريبه (أما الاول) فلان تحرير محل النزاع ليس على مازعمه من الترديد بين كون الاستحالة ناشئة عن إطلاق الخطابين أو فعليتهما بل على إطلاق أحد الخطابين المستلزم لفعليته مع فعلية الخطاب الاخر بعد تحقق قيده ذلك لما تقدم فى تحرير كلام صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) من أنه مع إعترافه باطلاق الأهم إنما يذهب إلى الاستحالة لاجعل فعلية المهم فمورد النزاع ليس الا إطلاق أحد الخطابين و فعلية الآخر، فاستحالة الترتب لدى صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) المُصِرَّ على القول باستحالته لا تدور مدار فعلية الخطابين حتى يقال بأن المدار على إطلاقهما

ص: 84

لا على فعليتهما ثم يقال بأن الضرورات تتقدر بقدرها و إنَّ بتقييد أحد الخطابين يرتفع محذور الترتب، فليس مورد النزاع فى الترتب هو الاستحالة من ناحية إطلاق الخطابين ولا فعليتهما على حسب مزعمة هذا القائل من إنفكاك الفعلية عن الاطلاق و إلا فالفعلية عبارة عن وصول الخطاب إلى درجة الباعتية والفعلية بهذا المعنى إنما هي من لوازم شمول إطلاق المطلق للمورد حسب فرض الطلاقه مع تحقق قيد الخطاب المقيد فى المورد أيضاً (وأمّا الثاني) فلانه ظهر من البیان المتقدم أن تقييد كل واحد من الخطابين المطلقين بعدم الاتيان بالآخرليس من الترتب في شيئى على فرض صحته في نفسه ضرورة عدم إجتماع إطلاقهما ولا فعليتهما ولا إطلاق أحدهما مع فعلية الاخر في آن من الانات، فذهاب الشيخ الاعظم الانصاري (قدّس سِرُّه) في باب التعادل والترجيح إلى تقييد الدليلين المتعارضين كل بعدم الاتيان بمتعلق الاخر صحيح واضح لا غبار عليه وليس من ضم ترتب إلي ترتب حتى يستغرب ذلك، بل لو كان كذلك لكان هذا الضمُّ مصححأ لمثل هذا التقييد إذ يكون في هذا التقييد التفكيك التام بين مرحلة شمول لإطلاق مع مرحلة فعلية اطلاق ولاجل هذه الجهة لن يجتمع الخطابان في زمانِ ما، ولكن عدم فهم كلمات الاساطين كثير، فانقدح وجود إشكال ثبوتي فى هذه المقدمة ه_و أن النزاع ليس فى الاطلاقين أو الفعليتين وإشكال إثباتي ه_و ع_دم انفكاك الفعلية عن الاطلاق فلا ينطبق ما ذكره على مورد الترتب و (أمّا الثالث) أى الاشكال فى النتيجة فلان تقييد أحد الاطلاقين على حسب تقريبه لا يفيد لصحة الترتب كما اتضح مما ذكرناه إجمالاًو ستعرف توضيحه لدى الجواب عن مقدمته الخامسة.

(الثانية) من مقدماته فى بيان طولية الخطابين و هو أن الشرائط على التحقيق لما كانت راجعة الى الموضوع طراً من غير أن تكون عللا للتشريع و بمنزلة ملاكات الجعل فوزانها وزان وسائط العروض للاحكام دون وسائط الثبوت للأعراض و من البديهي أن القضايا الشرعية قضا يا حقيقة، فعلى هذا يتضح أن الواجبات المشروطةتكون مشروطة أزلاً وأبدأ ولا تصير مطلقة بسبب تحقق القيد و هل ترى صيرورة وجوب الحج بعد حصول الاستطاعة مطلقاً من حيث الموضوع بأن يصير موضوع هذا

ص: 85

الوجوب على نحو القضية الحقيقية أعم من المستطيع و غيره، فتوهم أن الواجب المشروط بعد تحقق قيده يصير مطلقاً فالخطابان في عرض واحد فيكون الترتب محالا فاسد بل الخطابان طوليان فالترتب صحيح (و في هذه المقدمة) أيضاً أنحاء ثلاثة من الاشكال (الاول) بحسب المبنى أعنى رجوع القيود والشرائط المتعلقة بالتكاليف إلى موضوعاتها إذ يتوجه عليه (إبثاتاً) أن الادلة المتكفلة للتكاليف المعلِّقة لها على قيود و شرائط تكون ظاهرة في كون تلك القيود والشرائط وسائط ثبوتية لعروض التكاليف على موضوعاتها (ومجرَّد) صحة إنتزاع الحملية عن هذه الشرطيات للاشارة إلى أن الاشتراط في ناحية الخطاب يستلزم خروج من لم يتحقق عنده هذا القيد أو الشرط عن تحت الخطاب نظير قولك إنتزاعاً من الشرطية في قوله تعالى : اللّه على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا : لايجب الحج على غير المستطيع أو يجب على المستطيع (لا يستلزم) رجوع القيد و الشرط الى الموضوع : مضافاً إلى أن الشرائط غالباً تصرمية و بوجودها التصرمى تكون عللا لتعلق الحكم بالموضوع فكيف يمكن رجوع مثل هذه القيود إلى الموضوع (وثبوتاً) أن الشرائط ملاكات للجعل فلا معنى لرجوعها إلى الموضوع فمن الغريب أنه استوحش من ذلك فقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن ظاهرت فكفّر : المسوق لبيان جريمة المظاهر نظير جميع ماورد بلسان ماورد بلسان الاشتراط، يكون ناظراً إلى جعل الكفارة على الشخص بعد ما صدر منه الظهار فالظهار ملاك لتشريع هذا الحكم على هذا الموضوع فالتعبير بأن الكفارة واجبة على المظاهر صحيح كما أشرنا إليه فى الاشكال الاثباتى إلا أن هذا اللسان عنوان حكائى لا أنه ناظر إلى قيدية هذا العنوان الموضوع الحكم على نحو الواسطة في العروض.

(الثاني) بحسب الاثبات أعنى تطبيق ذلك على مورد الترتب إذ يرد عليه أن باب الترتب كما اعترف به باب التزاحم و ليس في باب التزاحم تعارض بحسب الجعل كماهو معترف بذلك ففى مورد يكون التزاحم بين مصداقين لدليل واحد كالقسم الأول من التزاحم الذى جعله العمدة في محور البحث مثالا للترتب أعنى وجوب إنقاذ غريقين لا يقدر المكلف على إمتثالهما معاً إذا اتفق غرقهما في زمان واحد عدم التعارض واضح، إذ ليس لدليل واحد بالنسبة إلى مصاديقه تعارض في

ص: 86

عالم الجعل لان الدليل الواحد إمّا يشمل جميع مصاديقه فمطلق أولا فهو مقيد أو مخصص فليس في البين خطابان كي يكون أحدهما مقيداً بعدم الاتيان بالآخر و يجرى فيه الترتب، و كيف يمكن إرجاع خطاب واحد إلى خطابين طوليين أما إنحلال الخطاب الذى ذهب اليه في كلية القضايا الحقيقية فهو إنحلال بحسب عقد وضع القضية على حد تعبيره ولا يستلزم رجوع لسان واحد إلى لسانين مضافاً إلى فساد مازعمه في معنى الحقيقيات كما أسلفناه في محله، هذا كله مع أن الخطاب الترتبي إنما يصح بالنسبة إلى موارد الترتب إذا قلنا بأن القدرة شرط للخطاب و ليس كذلك كما عرفت في تحقيق حال المسئلة و على فرض كونها شرطاً للخطاب فالتعارض إنما هو بين الدليلين لوفرض وجودهما أو بين حكمين إنحلاليين إذا كان الدليل واحداً لا بين خطاب مطلق مع مقيد كما هو محل كلامه، بل لو قلناه بأن الارادة التشريعية لاتتعلق إلا بالمقدور أيضاً كما هو مسلكه فى باب شرطية القدرة فلا ينتج ذلك إلا التعارض بحسب الجعل لا التزاحم بحسب الامتثال ورجوع الخطاب المطلق إلى المشروط كما هو مدعاه (وبالجملة) فلا دليل على إرجاع الخطاب المطلق إلى المشروط ولا سيما بالنسبة إلى مصاديقه، أما كيفية إشتراط القدرة فقد عرفت الحال فيها عند تحقيق المسئلة (الثالث) بحسب النتيجة أي الافادة لصحة الترتب إذ يتوجه عليه أن الخطاب الترتبى على حسب تقريبه لا يفيد لصحة الترتب شيئاً على ما سيأتي فعدم صيرورة المشروط مطلقاً بحصول شرطه لا يفيد لذلك في شيىء وإن أفاده السيد السند المحقق الفشار كي (قدّس سِرُّه).

(الثالثة) من مقدماته في بيان عدم توقف القول بالترتب على الواجب التعليقى أو الشرط المتأخر وهو أن الترتب بين الشرط والحكم وفيما بين الامتثال والحكم يكون من قبيل ترتب حركة المفتاح على حركة اليد بمعنى أن سنح الترتب والطولية بينهما سنخ الترتب بالعلية لا بالزمان، فتوهم أن زمان التكليف في الواجبات المضيقة لا بد أن يكون متقدماً على زمان الامتثال كي يمكن إمتثاله فاسد إذ لافرق بين المضيق والموسع من جهة إمكان االانبعاث عن البعث فىا لان الاول من زمان التكليف، إنما الفرق بينهما أن الموسع. حين الزوال يمكن الاتيان بها بعد ذلك أيضاً بخلاف

ص: 87

المضيق كالامساك آن الفجر فيجب الاتيان به فى ذلك الآن، فمن زعم لزوم تقدم زمان التكليف فى المضيقات فقد إشتبه عليه العلم بالتكليف مع نفسه إذا لعلم لابد من تقدمه لا نفس التكليف لانه لولا العلم لما كان للتكليف أثر فى عالم االانبعاث (وبالجملة) تقدم زمان التكليف على زمان االانبعاث يستلزم محذور لروم جر الزمان إذ الواجب لو كان عبارة عن الواجب في الزمان المستقبل مع فرض فعلية التكليف فعلى المكلف ایجاد الزمان أيضاً، وعليه فتوهم إبتناء القول بصحة الترتب على القول بالواجب التعليقى أو الشرط المتأخر فاسد ضرورة إمكانه على نحو الشرط المقارن وعدم تعقل كونه على نحو آخر لاستحالة الشرط المتأخر والوجوب التعليقى معاً (وفى هذه المقدمة) أيضاً أنحاء ثلاثة من الاشكال (الاول) بحسب المبنى أي اتحاد زمان االانبعاث والبعث فى المضيقات كالموسعات إذ رتبة البعث لالانبعاث رتبة العلة للمعلول وعدم إبتناء صحة الترتب على الوجوب التعليقى أو الشرط المتأخر المحالين معاً إذ رتبة تحقق الشرائط التى هى قيود الموضوع رتبة تحقق الخطاب، إذ يتوجه عليه وجود الواجب التعليقى بحسب الجعل وبحسب مصحِّح الجعل.

أمّا بحسب المصحح فلما أفاده القوم من أنه مع إتحاد أن الجعل مع آن الامتثال فى المضيقات لدى إحتياج االانبعاث نحو المتعلق إلى تهيئة مقدمات لامصحح للجعل فوجود المصحح لجعل الوجوب التعليقى فى مثلها مما لا ينبغى الارتياب فيه و من العجيب جواب هذا القائل عن هذا الاشكال بأن اللازم سبق العلم بالتكليف لانه لو كان التكليف موجوداً ولم يعلم به لم يمكن االانبعاث نحوه قلم تكن فائدة في مثل ذلك التكليف، وذلك لان إحتياج التنجيز إلى العلم يكون كالحاجة إلى وجود المنجز فجوابه نظير الجواب عمن يقول بعدم وجود المقتضى بأن مع فقدان الشرط يكون المقتضى غير حاصل، إذ يتوجه عليه أنَّ العلم لو كان ولم يكن له معلوم بالفعل لم يكن هذا العلم مؤثِّراً فى التنجيز ومجرد العلم بأنه سيكلَّف فيما بعد ليس بمؤثر في االانبعاث و لذا ترى القوم بالنسبة إلى مقدمات الواجبات الموقتة بناءاً على إنكار الواجب التعليقى وقعوا في حيص بيص فذهب بعض إلى أن العلم بأنه سيكلَّف سبب لوجوب المقدمات وبعض إلى أن العقل يحكم بوجوبها وبعض إلى أن العقلاء يحكمون

ص: 88

بالوجوب وذهب هذا القائل الى وجوبها بمتمم الجعل. مع أنك خبير بأن تلك الاقاويل كلها باطلة غير صالحة للاتكاء عليها إدمالم يكن تكليف لا يكون تنجز و العلم طريق ليس إلا والعقل انما هو ناظر إلى رتبة الامتثال المتفرعة على وجود د الحكم والعقلاء إنما يحكمون بوجوب المقدمة لذلك ليس إلا، أما القول بمتمم الجعل فهو موقوف على كوننا مكلفين بالملاكات مع أنه لا إمتثال إلا للتكليف بل هذا القائل يعترف بأنه لسنا مكلفين بتحصيل أغراض المولى، فمن قال بلزوم تقدم التكليف فى المضيقات لم يشتبه عليه أن العلم بالتكليف لازم فى التنجز بل الاشتباه من هذا القائل حيث زعم أن العلم المجرد عن المعلوم أو العلم بمعلوم متأخر كاف في التنجز الفعلى.

و أمّا بحسب الجعل (فبثوتاً) لان توهم استلزام القول بالوجوب التعليقى جر الزمان إذا المكلف به إذا كان مقيداً بالزمان وكان التكليف به فعلياً لزم الاتيان بالمكلف به مع الزمان فعلاً، بدیهی الفساد، لوضوح الفرق بين قول الامر : أريد منك الصلاة مع يوم الجمعة : وبين قوله : صل يوم الجمعة : وما هو المحال إنما هو الأول أما الثاني فمفاده : ضع الصلاة في ظرف الجمعة : فلابد أن ينتظر حتى ينفق يوم الجمعة فيوقع الصلاة فيه، فكما أنه إذا كلِّف بالاتيان بالصلاة في مسجد الجمعة يذهب إلى المسجد ليوقع الصلاة فيه بلا إستلزامه جرَّ المكان فكذا إذا قال : صل يوم الجمعة يصبر حتى يجيئى يوم الجمعة ليوقع الصلاة فيه بلا استلزامه جرَّ الزمان والفرق بين الزمان والمكان أن المكلف يمكنه التحرك نحو المكان أما الزمان فهو يتحرك نحو المكلَّف (واثباتاً) لان الاوامر المعلقة موجودة في العرفيات والشرعيات فوق حد الاحصاء (الثاني) بحسب الاثبات أى تطبيق ذلك على الترتب إذ يتوجه عليه أن الخطاب الترتبى فى المتزاحمات كما أشرنا إليه في جواب المقدمات السابقة فرض وخيال اذ التزاحم إمّا يكون بين مصداقين أو ازيد لدليل واحد أو يكون بين دليلين أو أكثر على أنحائه المتصورة مع كون تلك الخطابات مطلقة بلا ترتب بينها في عالم الجعل، وتوهم أن العقل هو الكاشف عن الخطاب الترتبى يدفعه ما ظهر من مطاوى كلماتنا السالفة من أن الاحكام العقلية المتفرعة على أحكام مولوية على ضربين أحدهما أحكام استقلالية موكولة إلى العقل بالاستقلال وهي كلما يصدر عن العقل بعد

ص: 89

الجعل وبلحاظه أى ما يقع في رتبة الامتثال ثانيهما أحكام طريقية هي إدراكات العقل وهي ما تكون بالنسبة الى ملاكات الجعل وفي رتبة سابقة على الجعل كاشفة عن لزوم الجعل على وفق الملاكات المستكشفة لدى العقل نظیر درکه حسن العدل وقبح الظلم واستكشافه أمر الشارع بالاول ونهيه عن الثاني، والخطاب التربتى خارج عن كلا القسمين فليس العقل بكاشف عنه (الثالث) بحسب النتيجة أى إفادة هذه المقدمة صحة الترتب إذ يتوجه عليه أن الملاك في إستحالة الخطاب التربتى بهذا التقريب إنما هو المعية الزمانية بين الخطا بين إذ يجتمع الخطابان ويجتمع الاقتضائاان ولا يعقل إجتماع الاقتضائين مع وجود قدرة بدلية للمكلف على أحد المقتصيين بالفتح فقط كما تقدم توضيح ذلك.

(الرابعة) من مقدماته و هي أساس الترتب عنده فى بيان طولية الخطابين أيضاً و هو أن إنحفاظ الاطلاق و التقييد بالنسبة إلى متعلق كل خطاب على أنحاء ثلاثة (أحدها) إنحفاظها بسبب لحاظ المتكلم كما في القيود المقارنة للمتعلق فيلا حظه المتكلم بحسبها إطلاقاً أو تقييد أو حيث أن الاهمال النفس الامرى محال ثبوتاً و لحاظ التعلق بالنسبة إلى هذه القيود ممكن إثباتاً فالاطلاق أو التقييد منحفظ بالنسبة إلى نفس الخطاب (ثانيها) إنحفاظهما بدليل ثانوى كما في القيود المتأخرة رتبة عن متعلق الخطاب نظير لحاظ المتعلق بالنسبة إلى التعبدية و التوصلية فالاهمال النفس الامرى بالنسبة إلى المتعلق مطلقاً أو مقيداً و إن كان محالاً فى هذا القسم ثبوتاً لكن حيث لا يمكن الاطلاق أو التقييد فى عالم الاثبات بدليل واحد فانحفاظهما يكون بدليل ثانوى أى بنتيجة الاطلاق أو نتيجة التقييد (ثالثها) عدم إنحفاظهما أصلا كما في إطلاق الخطاب بالنسبة إلى اطاعته و عصيانه ضرورة أن تقييده بالاطاعة يستلزم تحصيل الحاصل وبالعصيان يستلزم الجمع بين النقيضين وبهما معايستلزم الجمع بين كلا المحذورين، فتقييد الخطاب بالنسبة إلى هذا القيد أو هذه القيود غير ممكن وحيث لا تقييد فلا إطلاق فانحفاظ الاطلاق أو التقييد غير ممكن في هذا القسم، والفرق بينه و بين القسمين الأولين أولا كون تلك التقادير في الاولين بمنزلة العلة للخطاب و كون هذه التقادير أى الفعل أو الترك و إن شئت قلت الاطاعة والعصيان في هذا

ص: 90

القسم بمنزلة المعلول للخطاب، و ثانياً عدم تعرض الخطاب لتقاديره في الاولين و تعرضه لها في الأخير، و عليه فخطاب المهم غير متعرض لعصيانه لقید الذي هو عصیان خطاب الأهم لکن خطال الأهم الذي هو قيد لخطاب الاهم و سيأتي زيادة توضيح له في المقدمة الخامسة، فهما خطابان طوليان و ليسا في عرض واحد فيصح الترتب بلا استحالة فيه.

و فى هذه المقدمة أيضاً أنحاء ثلاثة من الاشكال (الاول) بحسب المبنى أى كون الاطلاق والتقييد بالنسبة إلى الاطاعة والعصيان ذاتيين للخطاب إذ يتوجه عليه أن متعلق الأو امر والنواهي إنما هي عناوين حكائية للمتعلقات فان كان الحكم بعثاً يقتضى حمل المكلف على إعطاء الوجود لهذا المتعلق و إن كان زجراً يقتضى إبقائه على العدم أو عوده إليه إن كان موجوداً، فالفعل الخارجي والترك الخارجي ليسا من الانقسامات المقارنة أو المتأخرة للمتعلق لان القيود لا بد أن يكون مسانخة للمقيدو من شئونه فلا يقال إنّ النفس مطلقة من حيث البياض والسواد أو إنّ الماهية بما هي ماهية مطلقة من حيث الطول والقصر، أمّا الاطاعة والعصيان فهما من الأوصاف الانتزاعية من الفعل والترك الخارجيين بلحاظ توافقهما مع المأمور به والمنهى عنه و عدمه فليس الاطلاق و التقييد بالنسبة إليهما ذاتيين، و أعجب من هذا التوهم ماز عمه بعض المستشكلين على هذا القائل من أن التقييد بالفعل او الترك محال أما الاطلاق فواجب (فأنه) حيث سمع من بعض المحققين أن الاطلاق رفض القيود لا الجمع بين القيود ورأى بأن المتعلق فى الا و امر غير مقيد بالوجود ولا بالعدم أى الفعل والترك الخارجيين إلتزم بأن الاطلاق ضرورى التحقق (ولم يدر) أن الاطلاق والتقييد بالنسبة الى كل قيد لا بد أن يكونا لأجل المناسبة و ليست الامكان لحوق هذا القيد بهذا المقيد أما سلب القيود أي عقد قضية سلبية في مقابل الايجاب فهو و إن صحَّ كما نقول إنّ الجدار ليس بمالك مثلا لكنها ليست من القضايا المتعارفة في العلوم، مضافاً إلى أن القيود غالبا إنما هى من قبيل الملكات التى تكون النسبة بينها و بين أعدامها كتقابل العدم والملكة فافهم فانه دقيق جدّاً، والسرّ فى ذلك أن رتبة الجعل متقدمة على رتبة الامتثال و الفعل و الترك الخارجيان الموضوعان لعنوانى الأطاعة و العصيان

ص: 91

الانتزاعيين إنما يلاحظان بحسب هذه الرتبة، الا أن القوم قد خلطوا بين الرتبتين في موارد عديدة منها وجوب مقدمة الواجب و منها اقتضاء الامر بالشيئي النهى عن ضده و منها هذه المسئلة أی الترتب، و ملخص الكلام أن الفعل والترك الخارجيين لا يلاحظان بالنسبة إلى متعلق الحكم فلا يقال انهما مثلا معلولان بل الفعل الذي هو متعلق الحكم يكون مقوما للحكم اذ هو عبارتهن من الفعل العنواني ألحكائي الموجود لدى النفس السابق على الحكم سبق كل معروض على عرضه الثاني بحسب الاثبات اى التطبيق على الترتب اذ يتوج عليه انه ليس فى البين خطاب ترتبي اصلا كى بتطرق اليه هذا المقال الثالث بحسب النتيجة أي الافادة لصحة الترتب اذقد عرفت اجمالا وستعرف مفصلا أن ملاك الاستحالة انما هو التضاد بين الاقتضائين أى المجمع بينهما بحسب المعية الزمانية و أن الترتب بين الخطابين على النحو الذى يقوله هذا القائل لا يكون رافعاً للاستحالة الفعلية الناشئة عن بقاء الاطلاق وحدوث التكليف بالمقيد لحصول قيده و بعبارة أخرى اجتماع الاطلاق والفعلية الذى عرفت أنه ملاك الاستحالة لدى صالحب الكفاية (قدّس سِرُّه).

(الخامسة) من مقدماته فى بيان كون امتثال أحد الخطابين في الترتب رافعاً لموضوع الخطاب الآخر وهو أنه لا اشكال في أن الخطاب إذا قيد بقيد فحيث أن ذلك القيد يرجع إلى الموضوع و رتبة الموضوع بالقياس إلى الحكم رتبة العلة بالقياس إلى المعلول فالخطاب غير متعرض لقيد موضوعه لكنه متعرض لامتثال نفسه و عصیانه كما أشرنا إليه فى المقدمة الرابعة، لان الخطاب و إن كان له إطلاق ذاتي من جهة فعل المتعلق وتركه لكنه غير مقيد بهما بل متعرض لوضع الفعل في الاوامرو رفع الفعل في النواهى ولذا يكون إنحفاظ الخطاب إطلاقاً وتقييداً في القسم الثالث في طرف النقيض معه في القسمين الأولين كما عرفت في تلك المقدمة، ثم القيود المأخوذة في ناحية الموضوع إما غير قابلة للتصرف الشرعي كالقيود الخارجة عن إختيار المكلف كزوال الشمس و فى هذا القسم لوورد حكم في عرض ذلك الحكم مقارناً لحصول القيد يقع التزاحم بين إطلاقي الخطابين فيقيد العقل إطلاق كل بعدم الاتيان بمتعلق الآخر وينتج التخيير عقلاً، و إما قابلة للتصرف الشرعي و في هذا القسم إن لم يكن أحد الدليلين ناظراً الى الآخر عند ورود خطاب مقارناً لقيد الاول يقع التزاحم بين الاطلاقين و يقيد العقل إطلاق كل متعلق بعدم الاتيان بالآخر وينتج التخيير العقلى، أما إن كان أحدهما متعرضاً لقيد الدليل الآخر فان كان ذلك بحسب الدليل كما في وجود أداء الدين إذنفس وجوبه متعرض للاستطاعة

ص: 92

التى هى قيد وجوب الحج فلاياتي دليل الحج أصلاً و إن كان ذلك بحسب إمتثال الحكم بأن يكون هو المتعرض لقيد الدليل الآخر كما في خطابي الأهم والمهم ضرورة تقيد خطاب المهم أبدأ بقيد عصيان الأهم، إذ بامتثال خطاب الأهم يرتفع عصيان نفسه ويرتفع قيد خطاب المهم بخلاف خطاب المهم فحيث يكون في طول عصیان خطاب الأهم فليس ناظراً إلى وضع نفسه، فدائماً إطلاق خطاب الأهم يقتضى رفع موضوع خطاب المهم و دائماً خطاب المهم لا يقتضى وضع قيد موضوعه و هو عصيان الأهم، فهذان الخطابان لا يقتضيان الجمع بين الضدين كما توهم بل كما قلنا بين إقتضائيهما كمال المنافاة لان مقتضى خطاب الأهم رفع موضوع خطاب المهم وهو عصيان خطاب الأهم ومقتضى خطاب المهم عدم التعرض لموضوعه و هو عصيان الأهم و نتيجة جميع المقدمات أن الواجب المشروط بحصول شرطه لا ينقلب مطلق وهذا الخطاب المشروط ككل خطاب مشروط لا يتعرض لحال شرط موضوعه وخطاب الأهم فى موارد الترتب رافع لموضوع خطاب المهم ففعلية الخطابين والحال هذه لا تكون من طلب الضدين فالترتب صحيح لا إشكال فيه.

و في هذه المقدمة أيضاً أنحاء ثلاثة من الاشكال (الاول) بحسب المبنى أى الموازنة بين الخطابات بقيودها مع سائر الخطابات لاستنتاج عدم تعرض الخطاب لحال القيود المأخوذة في حكمه فى لسان دليله، و أن خطاب المهم لا يتعرض لحال قيده الذي هو عصيان الأهم فلا يترقى عن رتبته إلى مطاردة الامر بالأهم كما أن خطاب الأهم لا يتنزل عن رتبته المستلزمة رفع موضوع المهم بل هو أبداً فوق خطاب المهم أى ناظر إلى قيد موضوعه، فاختلاف الرتبة بين الخطابين وتعرض أحدهما الموضوع الآخر دون العكس يرفع محذور إجتماع الطلبين لأن مثل هذين الخطابين لا يرجعان إلى طلب الضدين كيف ومقتضى أحدهما نفى موضوع الآخر، فجعل (رَحمهُ اللّه) هذا مورد النزاع فى المسئلة فى أن محذور الاستحالة هل هو فعلية الخطا بين أو إطلاقهما و اختار أن المحذور إطلاقهما لا فعليتهما، إذ يوجه عليه (أولاً) أن الخطاب المتضمن للبعث لبس مقتضاه إلا جعل ما يمكن أن يصير داعياً نحو الفعل الخارجي بل قلنا سابقاً أن ملاك الجعل إنّما هو عدم إستناد منع الفيض إلى الشارع تعالى في التكاليف المعهودة

ص: 93

الشرعية، وكيف كان مرتبة الاتيان بالفعل وعدمه رتبة حكم العقل بلزوم الامتثال وقبح التمرد والعصيان والامر الشرعى إنما هو موضوع لهذا الحكم العقلى فلا تعرض لخطاب الأهم بالنسبة إلى عصيانه (وثانياً) أن مقتضى تعرض الامر لعصيانه أن يكون الامر بالشيئى مقتضياً للنهى عن ضده العام بمعنى الترك وقد سبق في مسئلة الضد عدمه فكيف يكون الامر بالاهم مقتضيا للنهي عن تركه حتى يكون مقضياً لرفع عصيانه الذى قُيّد خطاب المهم به (وثالثًا) أنه لو سلمنا أن الامر بالشيئي يقتضى رفع عصيانه فمن البديهي أن هذا الاقتضاء لا ينحصر بالخطابات المطلقة بل يشمل الخطابات المشروطة غاية الامر بعد تحقق شرائطها. وعليه فاذا تحقق فى الخارج خطاب المهم بحصول قيده الذي هو عصيان الأهم فهو يقتضى عدم عصيانه الذى هو بديل لوجود الأهم فتقع المطاردة بين الخطابين من حيث اقتضاء رفع العصيان (الثاني) بحسب الاثبات أى التطبيق على الترتب من ناحية اشتراط أحد الخطابين بعصيان الاخر وهو غير موجود، و توهم أنه متفرع على أخذ القدرة في ناحية الخطاب شرطاً مدفوع بما عرفت من أن القدرة ليس شرطا للتكليف، مضافاً إلى تصريحه فى هذه المقدمة في مقام تقسيم الادلة التي تتزاحم معاً من حيث الاطلاق والتقييد والفعلية بأنه ربما يكون أحد الخطابين بنفسه رافعاً لموضوع الخطاب الاخر كوجوب أداء الدين بالنسبة الى الاستطاعة اذ نفس هذا الجعل كاف لرفع الاستطاعة لانه معجز شرعى و ربما يكون إمتثال أحد التكليفين موجباً لرفع الاخر و جعل منه الخطاب الترتبي و هذا يناقض ما ذكره من أن كل خطاب متعرض لرفع عصيانه فلا حظ أطراف كلامه.

(الثالث) بحسب النتيجة إذ تلك المقدمات لا تفيد لصحة الترتب ولا لرفع استحالته لو سلمنا صحة جميعها مع أنك عرفت بطلان الجميع مبناً و تطبيقاً (أمّا) أنها لا تفيد لصحة الترتب فبيانه يحتاج إلى توضيح حقيقة العصيان فنقول عصيان الامر إنما يتحقق بخلو صفحة الامتثال عن المأمور به و هذا يختلف في الموسّعات (1) من الموقتات مع المضيقات، ففى القسم الأول إنما يتحقق العصيان بالموت أو العجز المستمر إلى الموت كما فى الحج الذى بيّنا فى بابه أنه واجب بعد الاستطاعة إلا ان وجوبه يمتد إلى الموت فانظر إلى قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) فى أخباره : مات وقد ترك شريعة

اذ الخطاب الترتبيّ متفرّع على وجود دليل ناصر علي هذا الترتب

ص: 94


1- مادام العمر مع الموقتات كما يختلف في الموسّعات.

من شرائع الاسلام : و في القسم الثانى أى الموسع من الموقتات إنما يتحقق عصیانه بخروج وقته بدليل أنه لو أتى به فى أى جزء من أجزاء الوقت فقد امتثل لا أنه عصى ثم امتثل لان الامر الواحد لا يتحمل الاطاعة والعصيان معاً أو أنه قلب العصيان بالاطاعة كما هو واضح، أما العازم على المعصية فليس بعاص خارجأمالم يتحقق منه العصيان وقد عرفت أن عصيانه إنما يتحقق بخروج الوقت نعم قبح البناء على المعصية بما هو أمر جانحى مسلّم لكنه لا يرتبط بتحقق عنوان المعصية، والسرُّ في ذلك أن العصيان إنما هو عنوان إنتزاعي عن ترك الفعل المأمور به و إذا كان الفعل المأمور به ذا أفراد بدلية فلا يتحقق هذا العنوان الابتتالى جميع أعدام أفراده المنصورة أى بترك آخر فرد من أفراد المأمور به الكلى البدلي الموقت بالوقت الواسع على إختلاف مراتب السعة، و من هنا ظهر حقيقة عصيان القسم الثالث أى المضيق من الموقت و أن عصيانه لا يتحقق إلا بخروج الوقت طراً، فعصيان الامر بالأهم لا يجتمع مع بقاء الامر بالأهم على إمكان داعويته ولا أقول بأن العصيان و الاطاعة مسقطان للامر كيف وقد عرفت سابقاً أن صقع الامتثال و هو الاتيان الخارجي لا يرتبط سنخاً مع صقع الاعتبار، بل أقول بأن اطاعة الامر عنوان ينتزع من الاتيان الخارجي بالمأمور به و عصيان الامر عنوان ينتزع عن خلو صفحة الامتثال عن المأمور به بما يتصور له من فرد أو أفراد، فاذا لم يبق الامر بالاهم على إمكان داعويته في رتبة عصيانه فلا معنى لبقاء إطلاقه حتى يسند المحذور إلى الاطلاقين و يتصدى لتصحيح الترتب بتقييد أحدهما (و أما أنها) لا تفيد لرفع إستحالة الترتب فلان محذور الاستحالة ليس الاعجز المكلف عن الجمع بين الضدين لان صاحب القدرة البدلية عاجز عن الجمع بينهما و هذا لازم أعم للامر بالجمع بين الضدين و لاجتماع أمرين يضدين من حيث الاطلاق ولاطلاق أمر و فعلية أمر آخر كما في المقام، وبعبارة أخرى الاستحالة معلولة للمعية الزمانية للخطابين ولادخل للترتب بحسب عالم الجعل في رفع هذا المحذور إذ مجرد إمكان قلب موضوع لا يوجب جواز فعلية خطابين تكون إحدى الفعليتين من لوازم إطلاق خطاب والأخرى من لوازم تحقق قید خطاب آخر فالاستحالة بحالها لاجل إطلاق أمر و فعلية الآخر (نعم)

ص: 95

المكلف بسوء اختياره أوقع نفسه في هذا المحذور وسوء الاختيار لا يصحح جعل الشارع شخص المكلف المختار في مخمصة الامتناع.

ومنهم بعض المحققين (قدّس سِرُّه) حيث تصدى لتصحيح الترتب بطريق آخر (حاصله) أن محذور الترتب أحد أمرين إما طلب المحال من ناحية عدم القدرة على فعل كلا الضد بن وإما الطلب المحال من ناحية أن الطلبين المقتضيين للاتيان بالضدين بالذات يتضادان بالعرض و ه_و الطلب المحال، و يمكن رفع المحذور بشقيه بتقريب يوافق الصناعة والبرهان و هو أنه لا تزاحم بين المقتضيين من حيث الاقتضاء بل فى عالم التأثير إذ فعلية تأثيرهما تستلزم التزاحم و بعبارة أخرى لا تزاحم في حيث اقتضاء المقتضيات و إنما التزاحم في رتبة تأثير المقتضيات، فلو كان تأثير أحد المقتضيين مترتباً على عدم فعلية تأثير الآخر لما كان المترتب متزاحماً مع المترتب عليه لانه فى طول سقوط المترتب عليه من التأثير ولا كان المترتب عليه متزاحماً مع المترتب لفرض سقوطه عن فعلية الأثر في هذه الرتبة (توضيح ذلك) أن الانشاء يكون بداعى جعل الداعى إمكاناً ففى صورة إنقداح إرادة الاطاعة في نفس المكلف تحصل للانشاء باعثية فعلية وعليه فلو كان الامر بالاهم غير مؤثر بالفعل كما في رتبة عصيانه لكان صرف القدرة في امتثال الامر بالمهم بلا مانع، فطلب المهم مترتباً على عدم تأثير طلب الأهم بسبب عصيانه لا يستلزم طلب غير المقدور فلا محذور في الترتب من حيث طلب المحال، و إذا ارتفع التضاد بالذات من بين متعلقى الطلبين على نحو الترتب فقد إرتفع التضاد بالعرض من بين نفس الطلبين فلا محذور في الترتب من حيث الطلب المحال (فان قلت) إذا لم تنقدح في نفس المكلَّف إرادة إمتثال الامر بالأهم فلم ينبعث نحو إمتثاله فلا يعقل بقاء ذلك الامر لان مقتضى بقاء الامر االانبعاث نحو الامتثال والمفروض عدم إرادة المكلف الامتثال فترك الامتثال و هو العدم البدليل للفعل متحقق، و قلب هذا العدم البديل إلى وجود الفعل بسبب الامر بالأهم محال لأن رفع النقيض حال تحققه محال فبقاء الامر مع عدم إنقداح إرادة إمتثالة محال فطلب الأهم على النحو المزبور محال (قلت) كلا فان الامر عبارة عما يمكن أن يكون داعياً و هذا الامكان الذاتي والوقوعى متحقق للأمر

ص: 96

بالأهم حتى مع عدم إرادة إمتثاله فطلبه على النحو المزبور ليس بمحال.

و تحقق عدم هذا الامكان بسبب ترك إمتثال الامر بالأهم لا يستلزم قلب إمكان داعوية ذلك الامر و إمكان طرد ذلك العدم البدليل إلى الامتناع الذاتي أو الوقوعى ضرورة كمال الملائمة بين الامتناع بالغير مع الامكان الذاتي والوقوعى بداهة أن الممكن إذاصار ممتنعاً أو واجباً من ناحية العلة لا يخرج عن إمكانه، لا نقول بأن الامر بالأهم يستدعى قلب العدم البديل حتى يقال بأنه ممتنع بل نقول بأنه يمكن أن يقتضى طرد العدم البديل، وقياس الارادة التشريعية بالتكوينية بدعوى أنه كما يمتنع إجتماع إرادتين تكوينيتين مترتتبين في الوجود بالنسبة الى فعل واحد كذلك التشريعية باطل لوضوح الفرق بينهما إذ الارادة التكوينية بنفسها جزء أخير لتحقق الفعل أما التشريعية فهى جعل الداعى والجزء الأخير لتحقق الفعل الذي هو مراد تشريعي إنما هي إرادة المكلف و من المعلوم أن داعوية الامر غير مشروطة بعدم المقتضى المقرون بعدم التأثير، فوجود الامر بالأهم المقتضى للتأثير حيث أنه مقرون بعدم التاثير الفعلى لا ينا في مع وجود الامر بالمهم الذي هو أيضاً يقتضى التأثير، فاجتماع الأرادتين التشريعيتين على نحو الترتب ممكن بخلافه في التكوينية و توهم أن المتلازمين و هما في المقام ترك الأهم وفعل المهم لا يختلفان في الحكم و المفروض حرمة ترك الأهم لأن الامر بالشيئي يقتضى النهي عن ضده العام أى الترك قطعاً فكيف يكون فعل المهم واجباً (مدفوع) بان البحث في الضدين لهما ثالث فمحذور إمتناع إختلاف المتلازمين في الحكم و هو لزوم التكليف بما لايطاق يرتفع بالترتب على نحو قلنا من سقوط الامر بالاهم عن التأثير في رتبة عصيانه فيكون وجوب المهم بلا مزاحم كما أن الاتيان بالأهم يرفع موضوع إمتثال المهم فلا محذور.

لكن الحق أن هذا الطريق أيضاً لايفيد لصحة الترتب إديتوجه عليه إشكالات أربعة (أحدها) أن التعبير بمحذور الترتب غير صحيح بل النّزاع في أن تعلق أمرين بفعلين على نحو الترتب حين عجز المكلف عن الجمع بينهما في الامتثال هل هو ممكن أم لا فلا معنى لفرض الترتب خارجاً ثم فرض استلزامه المحذور كما هو

ص: 97

ظاهر هذا التعبير (ثانيها) أنه لا معنى لايكال الجعل إلى إرادة المكلف وأن مع عدم إرادته الاتيان بمتعلقه فالشارع يرفع اليد عن أمره وعليه فالمحذور و هو إجتماع طلبين مستند إلى جعل الجاعل لاعجز المكلف فالترتب محال مع أنه خلف فرض الاستناد إلى عجزه، وبعبارة أخرى إذا لم يكن الامر بالأهم منيا بارادة المكلف و كانت بينه و بين الامر بالمهم معيّة زمانيّة مع فرض اشتراط التكليف بالمعنى المصدرى أو الاسم المصدرى بالقدرة على مذاق القوم و منهم هذا المحقق (قدّس سِرُّه) كان جعل هذين الامرين محالاً لان القدرة البدلية تستدعى الجعل التخييرى بالنسبة إليهما لا الجعل التعييني في أحدهما و الطولي في الآخر مع فرض إجتماع الأول مع الثاني كما عرفت، ولو قيل بأن الامر بالأهم معلق على إرادة الامتثال بحيث يسقط بدونها قلنا فالمترتب عليه معدوم في رتبة المترتب فليس هناك خطاب ترتبى بالمعنى المصطلح هذا خلف (ثالثها) أن سقوط الامر عن التأثير هو خروجه عن إمكان الداعوية إذ المفروض أن اقتضاء الجعل ليس إلّا إمكان الباعثية و الخروج عن هذا الأثر متفرع على أحد أمرين إما موت المكلف أو عجزه إلى آخر العمر كما فى الموسع مادام العمر وإما خروج وقت المأمور به كما في الموقتات الموسعة أو المضيقة، فالجمع بين بقاء الامر بماله من الاقتضاء و بين خروجه عن التأثير بعدم إرادة المكلف إمتثاله جمع بين المتنافيين إلا أن يكون مجرد العزم على العصيان كافياً فى تعلق أمرين بمتضادين أو يكون شرط الجعل إرادة االانبعاث لكن لازم ذلك أن لا يصح تكليف العصاة فضلا عن الكفار ولا يلتزم به هذا المحقق (قدّس سِرُّه) وملخص هذا الاشكال أن مرحلة الجعل غير مربوطة بمرحلة الامتثال فلا يمكن تعليق الجعل على قصد المكلف الامتثال فلو قلنا بأن القدرة شرط للتكليف كما هو مختاره (قدّس سِرُّه) تبعاً للمشهور نقول بأن القدرة البدلية لاتنقلب بفرض الخطاب مترتباً إلى قدرتين وكل مايقال في تصحيح ذلك فهو مصادم للوجدان الخارجي (رابعها) أن الخطاب الترتبى موقوف على السمع و هو غير موجود فكيف يمكن جعل إطلاق دليل واحد شامل لفرديه في عرض واحد مترتباً بحسب الجعل الأولى فى عالم الجعل بأن يكون أحد التطبيقين إطلاقياً والآخر ترتبياً كي ينخلق ب__ه

ص: 98

الخطاب الترتبي، وفي كلامه (قدّس سِرُّه) مواضع أخرى للنظر تظهر بالتأمل فيما أسلفناه جواباً عن طريق بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) لتصحيح الترتب فراجع وتأمل.

ومنهم بعض الاعاظم (رَحمهُ اللّه) حيث تصدّى لتصحيح الترتب بدعوى أنه لاحاجة في تصحيح تعلق طلبين بالاهم والمهم إلى مقالة القوم أى من ناحية الخطاب الترتبى إذلازم كون خطاب المهم مشروطاً بعصيان خطاب الأهم تأخر رتبة الامر بالمهم عن الامر بالأهم و الالتزام في موارد التخيير بين الخطابين للتزاحم يكون رتبة كل خطاب متأخرة عن الآخر والعقل يأبى عن هذا التأخر، كما لاحاجة إلى القول بأن الامر باحدهما مقيد بعدم وجود الآخر الذى يكون فى رتبة سابقة عن التكليف فلا يلزم بنه تأخر الرتبة الذى كان محذور التقريب الاول ولا كون الشخص مكلفاً بكليهما في رتبة عدمهما كي يتحقق محذور المطاردة بين الطلبين، لان لازم هذا السنخ من الاشتراط كون حصة وجود كل واحد من الضدين الملازمة مع سدباب عدمه من ناحية شرطه خارجة عن تحت الخطاب الوجوبى فيكون كل واحد من الطلبين مشروطاً وناقصاً، ومقتضى ذلك أن يكون كل خطاب متوجهاً نحو جهات وجود متعلقه و سد جميع أبواب أعدامه سوى سد باب عدم واحد ملازم مع شرط الخطاب أى وجود متعلق الخطات الآخر، ومن البديهى صحة تعلق هذا السنخ من طلبين ناقصين بوجود ضدين ضرورة عدم إقتضائهما الجمع بين الضدين إذ لا مطاردة بينهما بعد العلم وجداناً بأن الطلب الناقص لا يصير تاماً بتحقق شرطه، فالتقريب الثاني وإن كان صحيحاً سليماً عن الاشكال لكن مع ذلك لانحتاج إليه فى تصحيح الترتب لامكان تصوير طلبين ناقصين في مورد الوجوب التخييرى بين الضدين على نحو صحيح لا يتوقف على إشتراط شيئى من الخطابين ولا تقييده (تقريبه) أن كل خطاب ناظر إلى حفظ وجود متعلقه من جميع الجهات غير جهة وجود الشرط بمعنى أنه يمكن توجيه الخطاب نحو جهات أخرى ملازمة مع تحقق الجهة الملازمة من باب الاتفاق مع عدم متعلق الآخر بلا حاجة إلى تقييد طلب ضد بعدم الضد الآخر فالخطاب مطلق من جهة هذا التقييد، هذا بالنسبة إلى كلية موارد التخيير العقلى بين خطابي الضدين لاجل التزاحم أما بالنسبة إلى خصوص خطابي الأهم والمهم فخطاب الأهم تام يقتضى المنع عن جميع أنحاء

ص: 99

تروکه حتى الترك الملازم مع وجود المهم بخلاف خطاب المهم فهو ناقص لا يقتضى المنع عن جميع أنحاء ترو كه حتى الترك الملازم مع وجود الاهم بل يقتضى المنع عماعدا هذا الترك، فلا مطاردة بينهما ويصح الترتب.

ولابد أولا من توضيح مرامه (رَحمهُ اللّه) و هو أن كل فعل وجودى له أعدام عديدة بحسب أضداده المتصورة بل و بحسب مقدماته الوجودية التي بعدم كل منها يتحقق عدم للفعل، فالصلاة مثلا لها أعدام بلحاظ أضدادها الوجودية فعدم بلحاظ القعود و عدم بلحاظ إزالة النجاسة عن المسجد و عدم بلحاظ الأكل الى آخر أضدادها وعدم بلحاظ ترك الاستقبال و عدم بلحاظ ترك تحصيل الطهارة إلى آخر مقدماتها، و طلب كل فعل وجودى يقتضى طرد عدمه و حيث أن هذا العدم بالقياس إلى تعدد الاضداد والمقدمات يتحصص بحصص عديدة و بعبارة أخرى يتفرد بأفراد متعددة، فالمكلف مأمور بسدّ باب جميع أعدامه أي سدباب عدمه المقيس الى أضداده و مقدماته المنحلّ حسب تعددها فطلب فعل وجودى ينحل إلى طلب سد ّباب هذا العدم و ذاك وهكذا إلى آخر أعدامه كي ينفتح بذلك باب وجوده، فطلب الأهم إنّما يقتضى سد جميع أبواب أعدامه حتى عدمه المضاف إلى وجود المهم أى يقتضى سدباب عدمه الناشئ من وجود المهم وطرد هذا العدم المستلزم وجود الأهم فى الخارج و بقاء المهم في العدم، بخلاف خطاب المهم فلا يقتضى سدباب عدمه المضاف إلى وجود الاهم بل يقتضى سد جميع أبواب أعدامه المضافة إلى جميع أضداده و مقدماته سوى عدم واحد ه_و العدم المضاف إلى وجود الاهم، فاذا وجد الأهم فطلب المهم لا يقتضى سدّ باب عدمه من جهة وجود الأهم فهو بالنسبه إلى سدباب هذا العدم لااقتضاء إذ مقتضى نقص الطلب عدم شموله طرد العدم المضاف إلى وجود الأهم فلامطاردة بين الطلبين فيصح الترتب (وتوهم) أن المطاردة و إن لم تكن موجودة من جانب الناقص لكنها موجودة من جانب التام لانه يطرد الناقص (قد دفعه) بأن مقتضى الطلب حفظ سائر جهات الوجود حينما إنسدباب عدمه الملازم لوجود ضده أى الأهم بالطبع بأن لم يتحقق فى في الخارج مثلا، والطلب التام لا يطرد هذا المقتضى لان طرده ليس إلا المنع عن

ص: 100

إنسداد باب عدم المهم المضاف إلى وجود الاهم و بديهي أنه إذا لم ينسد باب هذا العدم كما في صورة وجود الأهم فليس للمطلب الناقص بالمهم اقتضاء فلامطاردة من الجانبين فضلاً عن جانب واحد.

لكن الحق أن هذا الطريق أيضاً لا يفيد لصحة الترتب إذ فيه اشكالات سنة (أحدها) أن الوجود الواحد لا يعقل له الأعدم واحد بناءاً على صحة التعبير عن عدم وجود شيئى بعدم هذا الشيئي إذ لا يعقل للواحد إلا بديل واحد نعم عدم كل شيئ قد يكون مقارناً لوجود ضدله وقد يكون مقارناً لوجود ضد آخر له وقد تكون صفحة الوجود حالية عن وجوده و وجود جميع أضداده، إن قلنا بأن السكون مثلا ليس فعلاً من الأفعال و من البديهي أن مقارنة ضدماً من أضداد أمر وجودى مع عدمه البديل لا توجب تعدد الأعدام لهذا الامر الوجودى الواحد، فاذا إنسدباب عدمه من ناحية فقد إنسد من جميع النواحى فالتفكيك بين حصص عدم شيئى واحد غير معقول (ثانيها) أن الامر بفعل وجودى إنما يقتضى إيجاده في الخارج أما إقتضائه سهد باب عدمه أو طرد عدمه فلا ضرورة إبتنائه على اقتضاء الامر بالشيئي النهي عن أضداده أو لا أقلَّ النهى عن تركه و هو ضده العام بعد جعل الترك منحلا إلى تروك عديدة حسبما يفرض لهذا الترك من المناشئ كاستناده إلى عدم مقدمة من مقدمات وجود الفعل أو يفرض له من المقارنات كاقترانه مع ضد من أضداد الفعل، فيقال بأن الامر بالشيئي يقتضى سد باب عدمه من ناحية هذه المقدمة و من ناحية تلك المقدمة إلى آخر مقدماته وكذا بالنسبة إلى أعدامه المضافة إلى وجودات أضداده وقد عرفت منا و من هذا القائل فساد هذا الاقتضاء في أول مبحث الضد (ثالثها) أنه لا معنى للطلب الناقص إلا التقييد في ناحية الجعل بالاضافة إلى حفظ المعلق بالنسبة إلى زمان ما أو قيد ما إذ كيف يعقل أن يكون القصور من ناحية عدم إقتضاء الطلب وجود متعلقه حينما يتحقق في الخارج ضده الأهم و يقال بأن الطلب ناقص ولكنه ليس بمقيد إذ لنا أن نقول بأنه مقيد و تقييده اقتضى نقصه و قصوره و هل هذا الاتغيير للعبارة مع الالتزام بالاشتراط، ولئن قيل بأن الطلب لا يقيَّد من ناحية إقتضاء وجود المتعلق بل يقصر اقتضائه بالنسبة إلى سد أبواب أعدامه حيث لا يقتضي سدباب عدمه الملازم مع وجود ضده الأهم قلنا بأن المدلول الالتزامى لا يكون إلا بسبب المدلول المطابقى

ص: 101

فاذا كان طلب الوجود مطلقاً من حيث جميع ما يتصور لهذا المتعلق من القيود ككونه مع وجود الأهم أومع عدمه و هكذا و لم يكن قصور في مدلوله المطابقى فكيف يقال بقصور مدلوله الالتزامى وهو إقتضائه سد أبواب جميع أعدامه الّا باباً واحداً هو ما يكون مساوقاً ملازماً مقارناً مع وجود ضده الأهم.

(رابعها) أنه ما معنى اقتضاء الطلب فى المهم وجوده وسد أبواب أعدامه حين ما إنسد باب خاص من أعدامه بالطبع و هو عدمه الملازم مع وجود الأهم و هل يعقل إنسداد باب عدم المهم بدون سد المكلف هذا الباب، نعم هو يريد أن يقول بأن الأهم لما لم يوجد فكان باب عدم المهم المضاف إلى هذا الوجود منسداً بالطبع لا مفتوحاً إذ لا وجود للأهم فلا يكون باب عدم المهم بسبب وجود الأهم مفتوحاً بل هو مغلق مسدود، وهل هذا إلا محض لفظ لا معنى له وخيال لا واقع له إذ كيف يكون باب عدمه منسداً و مع ذلك لم يوجد صاحب الباب بل لوصحَ إنسداد باب عدم المهم فلابد أن ينفتح باب وجود المهم بالطبع ويوجد في الخارج بالقهر من دون حاجة إلى الامر فتدبر و تحيَّر (خامسها) أنه إذا كان باب عدم المهم من ناحية وجود الأهم منسداً بحسب الاتفاق وكان الأهم غير موجود من باب الاتفاق فهلا يكون الامر بالمهم يقتضى سد باب عدمه بالفعل ومضافا إلى سائر م__ا يفرض ل_ه من الاضداد، لاشك في إقتضائه وحينئذ فهلّا يكون إطلاق الامر بالأهم مقتضيا لسد باب عدمه المضاف إلى هذه الحصة لاشك في أنه مقتض له فالامر بالأهم مع الامر بالمهم طاردان لعدميهما المتقابلين في هذا الآن (سادسها) أن الامر بالأهم يكون منجزاً إلى آخر زمان يمكن أن يؤثر في نفس المكلف ويتحقق في الخارج امتثاله المفروض كون آخر زمانه آخر زمان الامر بالمهم مع أن اللازم من بيانه أن يخرج عن التنجز أول زمان الامر بالمهم، مع أنك قد عرفت أن مجرد عدم الاهم في آنٍ من الانات لا يستلزم مفروغية عدمه مطلقاً كيف والخطاب بعدباق و باعثيته بحسب طبع الخطاب أى إمكان داعويته موجودة فلو لم ينقض الزمان يكون الامر بالاهم منجزاً باقياً فلا يكون الطلب الناقص المفروض تعلقه بالمهم مقتضياً للباعثية الفعلية نحو فعل المهم فتدبر فانه دقيق، هذه كلمات القوم وقد عرفت

ص: 102

قصور الكل عن إفادة صحة الترتب و نحن نقول بأنه ليس في البين خطاب ترتبي بل هناك خطابان مطلقان أو خطاب واحد إنحلالى كذلك و صاحب القدرة البدلية معذور بدلاً، فتدبر جيداً وخذه واغتنم والحمد للّه رب العالمين.

فصل اختلفوا في أنه هل يجوز أمر الامر مع علمه بانتفاء شرطه أم لا، و المراد بالجواز هو امكان الوقوعى دون الذاتى ضرورة أن إمكان صدوره بحسب أصل الذات مما لا ينكره أحد، كما أن المراد بعدم الجواز من طرف الحكيم الملتفت تارة هو القبح كما في حق كل عاقل حكيم من أفراد البشر و أخرى هو الاستحالة كما في حق الحكيم على الاطلاق الذى يستحيل صدور القبيح عنه، و عليه فالمراد من شرط الامر ان كان هو قيد الجعل الدخيل في ناحية ملاكه وأنه إذا كان الواجب بحسب ملاك طلبه مشروطاً بشرط غير متحقق في الخارج فهل يجوز الامر به فالحق عدم الجواز إذا لمفروض على مذهب العدلية أن الاحكام بل كلية أفعاله تعالى معلَّلة بالاغراض فالجزاف كالامر بفعل غير ذى ملاك لاجل فقدان شرطه مستحيل التحقق عن الحكيم بالذات، و إن كان هو قيد متعلق الجعل بأن يكون متعلق الطلب مقيداً بقيد غير حاصل فكذلك لا يجوز أمر الامر به مع العلم بانتفاء شرطه ضرورة أن الامر لابد أن يكون بما يساوى الغرض على مذهب العدلية و المركب الفاقد لقيده لايساوى الغرض فالامر بواجب مثله أمر بالمحال في حق الحكيم تعالى (وبالجملة) فمع قرض دخل الشرط في أصل الجعل يكون الامر مع العلم بانتفائه خلف فرض الاشتراط ويؤل إلى التناقض ومع فرض دخله في متعلق الجعل مع كون إعتبار القيد فى الواجب على نحو وحدة المطلوب يكون الامر العلم بانتفاء شرطه طلب مالايفى بتمام الغرض فيكون محالاً (نعم) إن كان إعتبار القيد فى الواجب على نحو تعدد المطلوب كما في كثير من المهيات الشرعية كالصلاة و الصيام والحج فكان الطلب مع فقدان القيد أيضاً ذا ملاك ج_از الامر مع العلم بانتفاء الشرط كما في قيدية الزوال و الغروب للصلاة، حيث إستفدنا من الادلة أن صلاة الظهر مثلا بما هي صلاة تكون ذات ملاك و بما هي واقعة بعد زوال الشمس أيضأذات ملاك بحيث لو فقد الزوال في محلٍ مّا كانت الصلاة

ص: 103

مطلوبة فخطاب أقم الصلاة لدلوك الشمس ليس بخطاب تعليقى على وج_ود الزوال فلا ينقيد به إطلاق وجوب تلك الصلاة، وعلى هذا الاساس بنينا وجوب الصلوات اليومية على الساكنين فى البلدان التى تكون قريبة من القطب بحيث لا تطلع فيها الشمس في نصف السنة مثلا وقلنا بأن إطلاقات أدلة وجوب الصلوات الخمس المسماة باليومية لاتتقيد بالأوقات الخمسة بالنسبة إلى ساكني تلك البلاد، فلو فرض صحة هذا النحو من التقييد في ناحية أصل الطلب أيضاً بأن يكون الزوال قيداً لوجوب الصلاة دخيلا في ملاك وجوب صلاة الظهر لكن كان طلبها بدون هذا القيد أيضاً ذاملاك جرى حكم الجواز بالنسبة إلى أصل الجعل أيضاً إلا أن ذلك مجرد فرض لا واقع له في الشرع ظاهراً، و التحقيق بأزيد من ذلك موكول إلى مبحث المطلق والمقيد.

ثم إنَّ صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) جوز ذلك فيما إذا كان المراد من لفظ الامر بعض مراتبه ومن مرجع ضمير شرطه بعض مراتبه الأخرى بمعنى إنشاء الحكم مع العلم بانتفاء شرط فعليته وادعى أن ذلك واقع كثيراً في الشرعيات والعرفيات، و الظاهر أن مراده (قدّس سِرُّه) أن إنشاء الحكم لا يتوقف على أن يكون جميع ما هو شرط لباعثيته موجوداً حال الانشاء بل يصح مع فقدان بعضه فلايتوجه عليه إشكال بعض المحققين (قدّس سِرُّه) بعدم الفرق فى المحالية بين فقدان شرط الامر بمرحلة إنشائه وبين فقدان شرط فعليته لان جعل الامر انما هو بلحاظ داعويته فاذا لم يمكن بروزه إلى حد الفعلية لا يعقل جعله، هذا كله على مسلك القوم فى ملاك الجعل أما على مسلكنا من أن الباعث على جعل الامر عدم إستناد منع الفيض إلى الشارع تعالى فالامر سهل، ثم إِنَّ ذلك كله بالنسبة إلى الاوامر الجدية دون الصورية إذ الداعى على البعث لا ينصرف في الاتيان بالفعل خارجاً فربما يكون بداعى إختبار المأمور بلاتجوز في ناحية الهيئة ولا المادة (نعم) قديقال كما فى الكفاية بأن إطلاق مادة الامر - أ - م - ر - علي البعث الامتحاني ليس على نحو الحقيقة و إنّما يصح على نحو المجاز من باب التوسُّع (لكن) الحق خلافه لان صدور الهيئة الطلبية عن المولى في عالم إعمال المولوية بداعى الامتحان لاينا فى مع مقام مولوية المولى بل يؤكده فاطلاق

ص: 104

الامر على مثله على نحو الحقيقة مما لا بأس به.

فصل إختلفوا في أن الاوامر والنواهى تتعلق بالطبايع أو بالافراد فاختار الاول جماعة منهم صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) بدعوى أن مفاد الهيئة الطلبية طلب الايجاد ومفاد الهيئة الزجرية طلب الترك بمعنى أن متعلق الامر صرف الايجاد ومتعلق النهى محض الترك فمتعلق الطلب في كليهما هو الطبيعة بما لها من الحدود و القيود التي بها توافق الغرض، فخصوصيات الافراد غير دخيلة في الغرض بحيث لو كان تحقق المتعلق بدون الخصوصية ممكناً في طلب الايجاد لكان كافياً في إمتثاله فالمتعلق فى الاوامر والنواهى يكون نظير الموضوع في القضايا الطبيعية بل المحصورة، فكما أن الخصوصيات المكتنفة بالمصاديق فى تلك القضايا غير دخيلة في محمولها فكذلك الخصوصيات المكتنفة بالافراد فى الاوامر والنواهى غير دخيلة في غرض الشارع من تشريع الحكم، و هذا أمر وجدانى فكل من راجع وجدانه يرى أن النظر في مطلوباته إلى نفس الطبايع دون خصوصياتها الخارجية فالطبايع بوجودها السعى بما هو وجود الطبايع يكون تمام المطلوب، و من هنا يظهر أن مراد من قال بتعلق الامر بالطبيعة ليس هو التعلق بالماهية ضرورة أنها من حيث هي ليست إلا هى بل المراد أن الوجود السعى من الطبايع هو المطلوب دون خصوصيات الافراد (فتوهم) أن المراد من تعلق الطلب بوجود الطبيعة أو الفرد اقتضاء الطلب ما هو الصادر في الخارج و هو محال لانه طلب للمحاصل (مدفوع) بأن المراد إقتضاء الطلب جعله على نحو كان التامة أى صدور الوجود من العبد وهذا صحيح غير محال (كما أن توهم) تعلق الطلب بالطبيعة وكون وجودها غاية لطلب الطبيعة (مدفوع) بما عرفت من أن الطبيعة بما هي طبيعة لا يعقل تعلق الطلب بها بل يلاحظ الوجود والعدم فيها فيكون البعث في الاوامر لاجل ايجادها و كونها و الزجر في النواهى لاجل المنع عن وجودها والبقاء على عدمها، هذا بناءاً على أصالة الوجود أماً بناءاً على أصالة الماهية فطلب الطبيعة إنّما هو لاجل جعلها من الخارجيات و الاعيان الثابتات.

و اختار الثانى جماعة منهم بعض المحققين (قدّس سِرُّه) بدعوى أن من البعيد كله

ص: 105

کون النزاع فى تعلق الامر بالطبايع أو الافراد مبتنياً على القول بدخل لوازم الافراد في متعلق الارادة إذ القول بدخول تلك اللوازم في متعلق الغرض بعيد في ساحة العلماء، بل البحث في ذلك مبتن على أحد أمرين (الاول) أن يكون منشأ النزاع أن وجود الطبيعي هل هو ممكن التحقق في الخارج حتى يكون قابلاً لتعلق الامر به أم لا حتى يتعلق الامر بالفرد و على كلا الاحتمالين فلوازم الافراد غير دخيلة في متعلق البحث لعدم قيام الغرض باللوازم، و عليهذا فمن قال بتعلق الامر بالطبيعة نظره إلى الطبيعة المتشخصة بالوجود إذ الماهية إن لو حظت بنفسها تعنونت بعنوان الطبيعي وان لوحظت مضافة إلى قيدِ تعنون المضاف بنفسه دون المضاف إليه بعنوان الحصة و إن لوحظت مقيدة بالوجود المانع عن الصدق على كثيرين تعنونت بعنوان الفرد، و كيف كان فمن يقول بأن الطبيعى يوجدفي الخارج يقول بأن الامر في عالم الطلب يتعلق بالطبيعي المقيد بالوجود مع قطع النظر عن اللوازم (الثاني) أن يكون منشأ النزاع أن متعلق الجعل الإبداعى أى الخلق من قبل البارى تعالى هل هو الماهية أم الوجود فلو قلنا بأن ما هو المفاض و المجعول من قبله تعالى هو الماهية تعلق الارادة التشريعية أى الامر بالماهية لعدم الفرق بين الارادة التكوينية مع التشريعية من هذه الجهة، غاية الامر أن التحقيق بمقتضى وحدة الايجاد والوجود و الافاضة والمفاض في الحقيقة وتعدد هما بالاعتبار لزوم كون متعلق الجعل من قبل المبدع تعالى هو الوجود لان الوجدان لو كان حيثاً ذاتياً للماهية لزم انقلاب الامكان إلى الوجوب ولو كان حيث الموجودية و المجعولية إكتسابياً فالماهية غير مجعولة بالاصالة طبعاً، وعليهذا فالحق في المقام تعلق الامر بالفرد أى وجود الطبيعة ضرورة أن الشوق أبداً لابد أن يتعلق بشيئي فيه جهة الوجدان وجهة الفقدان معاً، إذلولم تكن فيه جهة الفقدان لا يتعلق ب_ه الشوق أصلا لعدم تعلقه بأمر حاصل ولولم تكن فيه جهة الوجدان ليس بشيئي حتى يكون قابلا لتعلق الشوق به، ففي عالم تعلق الشوق إنما يلاحظ ما هو بالحمل الشايع الصناعی طبیعی فیفرض وجوده ويتعلق به الشوق آلة للخارج لا بالاستقلال و هذا الشوق يقتضى الخروج عن الفرض إلى الفعلية، فهذا معنى تعلق الشوق

ص: 106

بوجود الطبيعة الذي قلنا أنه متعلق الامر لا كتعلق البياض بالجسم كي يحتاج إلى موضوع حقيقى فيقال بأنه فى مرتبة الشوق لا تحقق للوجود الخارجي وفي مرحلة تحقق الوجود الخارجي لاقابلية لتعلق الشوق.

و ما فى الكفاية من تنظير متعلق الاوامر فى كونه الطبيعة بالقضايا الطبيعية فالغرض منه التنبيه على خروج لوازم الافراد عن متعلق الغرض و الا فالفرق بين القضايا الطبيعية مع متعلقات الاوامر واضح حيث تلاحظ الطبيعة في تلك القضايا على نحو الكلية و في متعلق طلب الوجود بما هي، كما أن ما في الكفاية من أن الطبايع بنفس وجودها السعى متعلقة للطلب لاينا فى ما ذكرناه بعدما عرفت من أن مقوم الطلب والشوق هو الموجود المفروض بحيث يؤثر الشوق فيه باخراجه عن حد المفروض والتقدير إلى الفعلية والتحقق، فان الوجود المفروض يمكن أن يكون حقيقة وجود معرّى عن جميع اللوازم والقيود بحيث يكون قابلاً للصدق على كل وجود يتحقق في الخارج و حيث أن لوازم الوجود خارجة عما يقوم به الغرض فلا حاجة إلى إطلاق لحاظى في الوجود من حيث اللوازم بل يصح تعلق الطلب بنفس الوجود المفروض المعرى فى حد ذاته عن جميع اللوازم (وتوهم) وجودجهة جامعة خارجية بين أنحاء الوجودات الخارجية بحيث يكون الوجود العنواني فانياً في تلك الجهة فيتعلق الفرض والتقدير بتلك الجهة الجامعة (فاسد) لان الوجود الحقيقي في كل موجود بنفس ه_و يته مبائن مع الوجود الآخر شخصاً و بتشخصه الذاتي، أما أن الوجود سنخ واحد أو أن العالم كله بلحاظ إلقاء الحدود والقيود واحد شخصى لبرهان مذكور في محله فلا يرتبط بما نحن فيه : هذا محصلُّ كلامه زيد في علو مقامه.

و لكن الحق كما نبه عليه في الكفاية أن الاوامر والنواهي تتعلق بالطلابيع بوجودها السعى دون الافراد بمقتضى الظهور اللغوى للمبادى وبمقتضى البرهان و بمقتضى الوجدان و الارتكاز المحاورى (أمّا لأوّل) فلان الظاهر اللغوى للمبادي النَّحوية الواقعة في متعلق الهيئات البعثية كون متعلق الطلب هو الطبيعى وقد تقدم عند بيان مفاد هيئة إفعل وما بمعناه أن البعث نحو الطبيعة عبارة عن حمل فاعل فاعل

ص: 107

يقتضی ایجاد الفاعل المبدء، فمعنى تعلق البعث بالطبيعة ليس طلب المفهوم بماهو مفهوم بل طلب الماهية بماهي حاكية عن الخارج و معنى حكايتها عن الخارج كون البعث بلحاظ تخلّعها بلباس الوجود أى ايجادها في الخارج (وأمّا الثاني) فلان المعقول الثانوى أى ما في النفس مساوق مع المعقول الأولى أى ما في الخارج سعة وضيقاً ولا يمكن التصرف فى المعقول الثانوى المأخوذ عن الاولى يجعله صورة حاصلة من الشيئي لدى النفس فقط، فلابد أن يكون له بحقيقتة الادراكية مطابق في الخارج وهذا معنى تحقق الوجود السعى في الخارج فهو عبارة عن الطبيعي المتعلق للأمر المطلوب به ايجاده في الخارج أو النهى المطلوب به المنع عن وجوده في الخارج (ولايتوهم) أنا نقول بأن حصص الوجودات بما هي حصص ليست بمتباينة كيف والتباين بديهي في الحصص بما هي حصص أو نقول بأن الفواصل العدمية كأن لم تكن كيف و تفاوت الوجودات الامكانية بحسب الحظوظ إنما هو بالفواصل العدمية (وإنما نقول) بأن تلك الحصص المتباينة بما هي متحققة في عالم العين لها جهة مشتركة خارجية موجودة في وعاء العين و ل_و بنحو تعدد الاباء بسبب تعدد الأبناء و ليس مقتضاه تباين الجهة المشتركة من حيث تحققها في ضمن أفراد متعددة، كيف وبرهان الإنّ و هو اقتضاء وحدة الاثر و وحدة المؤثر يقتضى وجود الجهة الجامعة بماهي جامعة فى الخارج فى الخارج على النحو الذي ذكرنا و سیاتی مزید بیان له،

(وأما الثالث) فلان الوجدان الخارجى يقضى بأن ما يُشبع مثلاً خارجي في مقابل ما يُروى كما أن الإرتكاز المحاورى شاهد صدقٍ على أن الغرض في باب المحاورات إنّما هو الدلالة بسبب الالفاظ الموضوعة للطبايع و بسبب أسماء الأجناس إلى الجهة الجامعة الخارجية و إن شئت التوضيح فراجع وجدانك فيما ترى من المعهود الذهني و أنّ قولك : أدخل السوق واشتر اللحم : ناظر إلى وجود الطبيعة بمعنى الصرف بأن يكون كل وجود وجوب محققاً له كما يظهر من كلام المحقق المذكور (قدّس سِرُّه) أم إلى ما يكون موجوداً فعلا في ضمن أيِّ لحمٍ لحمٍ كما هو معنى الوجود السعى، فان مقتضى بيان هذا المحقق الذى له تضلع في الفلسفة العالية أن يكون ما هو الخارج محققاً لما هو المفروض المقوِّم للشوق فانظر إلى قوله : قابلا للصدق على كل وجود محقق : ثم سله ما المراد من قابليةالصدق و تدبر فيما ذكرناه

ص: 108

و اغتنم، إذ المنكر لوجود السعى إنّما يتخيل بان لازم القول بالوجود السّعى أن يكون نسبة الطبيعي إلى الافراد نسبة أب واحد إلى الأولاد أو أن لا يكون بين الحصص تباين مع أنك عرفت أن معنى الوجود السعى أن كل أب محقق بوجود إبنه بنحو العينية يوجب إتساع الوجود الخارجي لا تباين الجهة الجامعة من حيث إنو جادها في ضمن كل فردٍ فردٍ، والقائل بوجود السعى يرى بالارتكاز وجود الجهة الجامعة و إن لم يمكنه الجواب عن الاشكال عليه بما ذكرنا (و ملخصه) أن إتّساع الجهة الجامعة عبارة أخرى عن كون نسبة الطبيعى إلى الافراد كنسبة الآباء إلى الأولاد بلا استلزامه تباين الجهة الجامعة بالنسبة إلى الحصص كتباين الآباء بالنسبة إلى الأولاد، فان عدم لحاظ هذا الفرق صار سبباً لهذه المشكلة (فانقدح) أنَّ الوجود السعى متحقق في الخارج بلا إستلزامه أىَّ إشكال و أن متعلق الطلب في الاوامر و والنواهى هو الطبيعي بلحاظ وجوده السعى أى كون البعث في الاوامر نحو ايجاد الطبيعي بوجوده السعى فى الخارج و كون الزجر في النواهي عن عدم تحقق الطبيعي بوجوده السعى في الخارج.

و لبعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) في تقريب التعلق بالطبايع دون الافراد كلامٌ (حاصله) أن المراد من تعلق الامر بالافراد ليس هو التعلق هو بما فرض وجوده في الخارج لان الوجود في الخارج مسقط للأمر فكيف يكون معروضه، نعم فشره بعض الاساطين بانكار التخيير العقلى بين الافراد الطولية و العرضية و أنَّ القائل بتعلق الامر بالافراد يقول بالتخيير الشرعي لامحالة بخلاف القائل بتعلقه بالطبيعة فالمتعلق عنده الجهة الجامعة أى القدر المشترك بين الافراد و لازمه التخيير العقلي، لكنه بعيد في الغاية إذ لازمه تقدير كلمة أو بحسب الافراد العرضية و الطولية مع عدم تناهيها غالباً مضافاً إلى أن التخيير العقلى مورد تسالم الجميح ظاهراً، فالتحقيق في تحرير محل النزاع أن المقام مبتنٍ على مسئلة فلسفية هي أنَّ الكلى الطبيعي موجود في الخارج أم لا و توضيح ذلك ببيان المراد من وجود الطبيعي، فنقول فسر بعضهم الكلى الطبيعى بالمفهوم الانتزاعى و ل_ذا أنكر وجوده الخارجی و لیس مراده الانتزاع المصطلح عليه أى الخارج المحمول الذي ينتزع تارة عن الخصوصيات الذاتية

ص: 109

للشيئى كالعلية والمعلولية و أخرى عن خصوصيات قيام العرض بمعروضه كالسبق واللحقوق والمقارنة، كيف وقد اتفقوا على تقسيم المحمولات إلى ذاتية هي مقومات الذات و غير ذاتية ه_ي إما محمولات بالضميمة أى المحمولة بواسطة قيام أحد الاعراض التسعة بمعروضاتها و إما محمولات إنتزاعية يعبر عنها بالخارج المحمول، كما أن مراد القائل بوجود الطبيعى فى الخارج ليس هو تحقق الطبيعي و وجوده فى الخارج بدون التشخص حيث اتفقوا على أنَّ الشيئي مالم يتشخص لم يوجد، بل المراد من هذا النزاع على وجه معقول أن الارادة الفاعلية الموجدة للشيئي هل تتعلق ينفس الشيئى مع قطع النظر عن المشخصات والمشخصات إنما توجد معه معه قهراً قضاءاً لاستحالة وجود الشيئي بدون التشخص، أم المشخصات مقوِّمة للمراد بما هو مراد بحيث لا تتعلق الارادة بالطبيعى بدون تعلقها بالمشخصات، و بعبارة أخرى النزاع فى أن التشخصات تكون في مرتبة سابقة على الوجود بنحو تكون الماهية المتشخصة معروضة للوجود أم في مرتبة الوجود بحيث تكون الماهية معروضة للوجود والتشخصات معاً، لكنا إذا راجعنا وجداننا نرى أن متعلق الارادة في أفق النفس كلى دائماً والتشخص يحصل بالوجود و إذا كانت حال الأفعال الارادية هكذا فحال الموجودات الخارجية المعلولة لغير الارادة كذلك أى الطبيعي هو معروض الوجود والتشخص دائماً (إذا تبين ذلك) نقول أنَّ ما متعلق الارادة التكوينية من العبد لابد أن يكون بعينه متعلق الارادة التشريعية من المولى لان نسبة الارادة التشريعية إلى التكوينية كنسبة العلة إلى معلولها و إن لم تكن هي علة محركة للعبد نحو إرادة ما تعلقت به الارادة التشريعية وتحصل الثمرة في مسئلة إجتماع الامر والنهى إذمع خروج المشخصات عن متعلق التكليف حيث لا إجتماع للامر والنهي فيجوز، فظهر أن الامر متعلق بالطبيعة دون الافراد.

وفي كلامه مواقع للنظر نشير إلى بعضها (فمنها) أن اللازم على من يتصدى لتحرير محل النزاع أن لا يأخذ بتعبير بعض القائلين بتعلق الامر بالافراد المنكر لوجود الطبيعي وتفسيره ل_ه بالمفهوم الانتزاعى إن صحت النسبة، بل لابد أن يبيِّن مراد المشهور في تفسير الطبيعي (ومنها) أن المفاهيم الانتزاعية هى التى يكون منشأ

ص: 110

إنتزاعها فى الخارج لانفسها وذلك لا ينطبق على الكلى الطبيعي لان الطبيعي ل_ه مطابقٌ فى الخارج أما المنكر لوجوده فى الخارج فانما ينكره باعتبار أنَّ ما في الخارج حصص متباينة كما مرت إليه الاشارة (ومنها) أنه لم يبيّن المراد من كون الكلى الطبيعي من المفاهيم الانتزاعية بل اكتفى بأن المراد ليس الانتزاع المصطلح عليه (ومنها) أنه مع الاعتراف بهذه الكلية وهى أن الشيئى مالم يتشخص لم يوجد كيف يقول بأن النزاع فى أن التشخص هل هو معروض الوجود أم مساوق معه و هل هذا إلا التناقض (ومنها) أنَّ المراد من التشخص هو الحظُّ الوجودي لكل شيئى إذا لوجود الواسع الذى لا تشخص له وليس بواحد عددی منحصر بالواجب تعالى و ما سواه يكون محدوداً والحظ الوجودى عبارة عن التشخص وهو لا ينفكُّ عن الوجود بل هو حدٌّ له ولا مطابق له فى الخارج إذ لا ينضم الوجود إلى العدم حتى يُولِّد التشخص بهذا المعنى، نعم للموجود إضافات و أعراض كثيرة ملازمة معه بعضها دخيل فى الغرض فيؤمر به لان إضافة المطلوب إليه إذا كانت إختيارية بالفعل أو فيما سيأتي كوقوع الصلاة في مكان خاص أو زمان مخصوص يمكن أن تتعلق به الارادة فتلك اللوازم إنّما توجب تقييد المتعلّق فى عالم الجعل لكنها أيضاً كلى اضافى بمعنى أن لها أيضاً تشخصاً فوقوع الصلاة في مسجد الكوفة مثلا يوجب ملازمة الصلاة مع هذا الكون المسجدى فى عالم تعلق الغرض لكن تشخص هذه الاضافة إنما يتحقق بايجاد الصلاة فى نقطة خاصة من المسجد و هكذا الامر بالنسبة إلى سائر ملابسات الفعل التى هى لوازم الوجود فالتشخص بمعنى الحظ الوجودى لا يسبق الوجود إذهو حد له والتشخص من ناحية الملازمات على ضربین قهری لاغرض للأمر فى إضافة المطلوب إليه و إختياري يتعلق ب_ه الغرض فيؤمر بربط المطلوب به، وكيف كان فليس المنكرين للكلى الطبيعى والباحثين عن أنه موجودام لا إلى أن التشخص معروض للوجودأم لا لما عرفت من أن التشخص بكلامعينيه رفيق الوجود و من الغريب ما صدر عن بعض من أن المراد من قولهم الشيئي ما لم يتشخص لم يوجد هو التشخص في مرتبة علة الشئي الموجدة له لا التشخص المتقوم بالوجود الخارجي المتحقق أو المفروض و أن قولهم الشيئي مالم يوجد لم يتشخص ناظر إلى فعلية الوجود وان فعليته عين تشخصة، و ذلك لان المراد من الكليتين واحد فهما مسوقتان لبيان أنَّ التشخص لا يكون أمراً سوى

ص: 111

الوجود فهو والوجود متساوقان في القوة والفعلية.

و لبعض الاعاظم (رَحمهُ اللّه) في تقريب التعلق بالطبايع دون الافراد کلام (حاصله) أن لحاظ الطبيعة على أنحاء من حيث تعدد جهات اللحاظ كلحاظها من حيث هي هی و لحاظها من حيث وجودها في الذهن و نحو ذلك، فمنها لحاظها بماهي عين الخارج أى بما هي مرآة للخارج نظير قطع القطّاع و سائر الصفات ذات الاضافة التي موطنها النفس و تعلقها بالخارج كالعلم والظن والحب والشوق والارادة، فالامر يتعلق بالطبيعة لا مجردة عن حيث وجودها في الخارج إذ بهذا اللحاظ ليست الا هى ولا مقيدة برجودها في الخاج إذ الخارج ظرف لسقوط الامر و حينئذ لا حاجة إلى تقدير الوجود في هيئة الامر كما صنعه فى الكفاية حيث جعل مفاد الهيئة إرادة صدور الوجود و جعل متعلق البعث الوجود و متعلق متعلقه الطبيعة، إذ مضافاً إلى عدم دلالة الهيئة على الوجود و كون الوجود معلولاً للبعث يستلزم تجريد الهيئة عن الوجود فى مثل أوجد الصلاة، ثم إنه على المختار فالخارج وما في الذهن يتعاطيان لونهما فيأخذ الخارج لون المطلوبية من متعلق الامرأى الطبيعة و يأخذ مافى الذهن لون المصلحة مما فى الخارج أما النزاع في سريان الطلب إلى الافراد وعدمه فالحق فيه أن الطلب لا يسرى إلى الخصوصيات المفردة ولكن لا يقف على على نفس الطبيعى أيضابل يسرى إلى الحصص بجهتها المشتركة ومقتضى ذلك مطلوبية كل حصة من حيث الجهة المشتركة والرخصة في تركها إلى البدل فالتخييرى شرعی لان مقتضى الايجاب الناقص عدم ممنوعية ترك كل حصة حال وجود سائر الحصص، فما فى الكفاية من أن التخيير عقلى لاشرعى في غير محله (فان قلت) إن الامر يقتضى صرف الوجود لا الحصص إذ بعد الانطباق يسقط الامر بأول الوجود وقبل الانطباق لا يكون الطبيعى قابلا للانطباق إلا على أول الوجود فماوجه السراية إلى الحصص (قلت) إن السراية قبل الانطباق لكن ليس معناها فرض ثاني الوجود بل معناها طلب كل حصة معنونة بعدم المسبوقية بغيرها من الحصص، فالسراية بدلية والحصص المتعددة كلها معنونة بعدم الغير (إن قلت) قد اعترفت في بابه بأن العلم الاجمالي لاينا في الشك التفصيلي بالطرفين أو الاطراف لعدم سراية العلم

ص: 112

الاجمالى إلى الخارج (قلت) الذى منعناه هو سراية العلم الاجمالى إلى الاطراف بمالها من الحدود الخاصة الخارجية وإلا فلانمنع سراية العلم الاجمالى إلى الجامع مع قطع النظر عن الحدود.

ويتوجه عليه أن التخيير الشرعى عبارة عن إستفادة التخيير من الدليل الشرعى فقط وليس كذلك فى المقام (لان اقتضاءَ) تعلق الطلب بالوجود السعى على النحو الذى اخترناه وفاقاً لصاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) إختيار المكلف إذهو المطبق للكلى على الخارج أى يلبِّس الطبيعة لباس الوجود ويخرجه عن العدم إلى ساحة التحقق (ليس) من مفاد الدليل وهذا هو معنى التخيير العقلي في لسان القوم و مرجعه إلى إلقاء التشخصات أى الحظوظ الوجودية و المفردات أى الملازمات الفردية عن حيز الملاك والطلب (وتوهم) أنَّ الايجاب ناقص أو أن كل حصة مأمور بها في وجه ومرخوص في تركها بشرط كذا أو أن المنع عن الترك مقيد بعدم وجود الغير و أمثال ذلك (فاسد) لان ذلك كله ليس مفاداً للهيئة ولا للمادة إذلامعنى لكون الايجاب ناقصاً لانه لابد أن يكون الوجوب مساوياً للغرض والغرض مساوياً للملاك فاذا قام الملاك بالطبيعة مع قطع النظر عن التشخصات والمفردات فيتعلق بها الغرض لا محالة كذلك ويؤمر بها كذلك مساوياً للغرض من غير أن تكون المرخوصية في ترك الخصوصية مجعولة بهذا الجعل، بل الرخصة في ترك هذا الفرد مثلاً إذا طبق الطبيعى على فرد آخر ليست إلا الاخذ بالا باحة الاصلية لا أنها مستفادة من البعث إلى الطبيعي، كما أن المنع عن ترك كل فرد إلا أذا أتى بالاخرليس بحكم مجعول شرعى بل هو ناش عن توهم اقتضاء الامر بالشيئى النهى عن ضده العام أي الترك، ثم إنك بعد التدبر فى ذلك و فيما أسلفناه في تقريب المختار تقدر على فهم أن السراية فيما نحن فيه ليست بدلية وأنه لا مجال لمقايسة المقام بالعلم الاجمالى، مضافاً إلى أن في مورد العلم الاجمالي لا يكون الّ اعلمٌ بالجامع والشك في التطبيق ولذا قلنا في محله بأن الصفة الترديدية المعبر عنها بالشك تتعلق في مورد العلم الاجمالي بطرفين لا بكل طرف طرف، و لذا كررنا القول هناك بأنه ليس في مورد العلم الاجمالي شكان بسيطان بل شك مزدوج فافهم وتدبّر.

ص: 113

فصل في أنه إذا نسخ الوجوب فهل يبقى الجواز أم لا (وقد أنكر) صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) دلالة دليل الناسخ أو المنسوخ بواحدة من الدلالات على بقاء الجواز بالمعنى الاخص أى الاستحباب أو الاعم أى الاباحة، إذ بعد نسخ الوجوب فوجود كل واحد من الاحكام الأربعة الأخر ممكن ثبوتاً ولامجرى لاستصحاب الكلى من قسمه الثالث كى يقال بأن الاذن في ضمن الوجوب كان ثابتاً وبعد ارتفاع الوجوب يمكن بقاء فرد آخر منه هو الاباحة و إنما يجرى بالنسبة إلى المراتب الضعيفة و والقوية لشيئى واحد، لكن الاحكام متضادة والوجوب والاستحباب و إن اختلفا بنحو المرتبة شدة وضعفاً لكنهما بنظر العرف متباينان والمتبع في باب الاستصحاب نظر العرف (والتحقيق) أن الوجوب ليس مفاد الهيئه الطلبية بل هو كما عرفته مراراً و صف ينتزعه العقل عن البعث المولوى بلحاظ عدم وصول الترخيص في الترك فبقاء الجواز لتوقفه على تركب مفاد الهيئة سلب بانتفاء الموضوع، مضافاً إلى أن التركيب إن كان على نحو الاتحادي لاسيما في الاعراض وبالاخص في الاعتباريات التى لو فرض فيها التركب كان بالتعمل والتحليل اللحاظى العقلى كانت الحصص متباينة، فلو كان لسان دليل الناسخ هو النسخ بمعنى قطع سلسلة الوجود في عمود الزمان فلا معنى لبقاء شيئى بل كان مورداً للقطع بالعدم والشك في حدوث حكم مّا آخر يكون مجرى استصحاب العدم، نعم لو كان لسان الدليل هو التامين من ناحية الترك انقلب لامحالة العنوان التطبيقى الوجوبي إلى العنوان التطبيقى الاستحبابي على وفق الاصطلاح (وما يظهر) من بعض المحققين (قدّس سِرُّه) في تصحيح جريان الاستصحاب الشخصى بناءاً على تركّب الوجوب من أن مع إرتفاع الفصل وإن كان الجنس لا يبقى بما هو جنس لكنه باق بما هو متفصل بفصل عدمى منوع لنوع آخر، فقطع الشجر يوجب تحقق الجماد و إن بقيت مادة النامى من حيث الاستعداد للنمو وحيث أن مفاد الاذن لا اقتضاء في مرحلة الطلب فيمكن إبقائه باستصحاب فصله العدمى (مخدوش) أولا بأن تشكل الانواع ليس دائماً من ناحية الفصول العدمية وإلا كان قتل البشر موجباً لتحقق النامي مثلا و ثانياً بأن التفصل بالفصل العدمى غير معقول رأساً نعم يمكن تشكيل الانواع من الحظوظ الوجودية من حيث الضعف والاشتداد لكنه خلف فرض ترکّب

ص: 114

الاحكام من الجنس والفصول الوجودية، وثالثاً بأن الاذن بناءاً على كونه فصلا للاستحباب والاباحة ليس لا اقتضاءاً بالمعنى العدمي بل يكون اقتضاء الرخصة إمّا مع رحجان الفعل و هو الاستحباب أو بدونه و هو الاباحة بالمعنى الاخص.

كما أنَّ (تصحيحه) جريان الاستصحاب الكلى بأن الوجوب إن كان بسيطاً و لو لم يكن إعتبارياً بل من الاعراض لما بقى بعد نسخ الوجود جواز لان التركيب إنما هو فى الاعراض العقلية نعم إن قلنا بكونه عرضًا أمكن القول بجريان إستصحاب الكلى من القسم الثالث لامكان بقاء طبيعي الاذن في ضمن الجواز، أمّا إذا كان الوجوب من الاعتباريات فلا يجرى فيه الاستصحاب لانه بسيط جدا لاإذن فيه لفرض بساطته ولا فى لازمه إذ لا معنى للاذن المطلق و ليست الاباحة الخاصة من لوازم الوجوب إذليس لموضوع واحد حكمان، بل لو قلنا بأنه عرض وقلنا بجريان إستصحاب الكلى فى القسم الثالث أيضاً لا يجرى الاستصحاب هنا إذ معنى كونه عرضاً ه_و الارادة الحتمية التي جنسها الكيف النفسانى لا الاذن، أما عدم المنافرة مع الطبع فهو لازم للوجوب والاستحباب و الاباحة بلادخل ل_ه فى الاحكام والغرض فى المقام هو إستصحاب الحكم (مخدوش) بأنّ مع التصديق بأن التركب الاعتباري العقلى غير قابل للتوارد على الخارج في الاعراض كيف يمكن المصير إلى جواز الاستصحاب ولو الثالث من الكلى منه واشكال جريان الاستصحاب هو كون التحليل عقلياً لا خارجياً وإلّا فمع فرض إمكان القول بأن الوجوب هو الارادة الحتمية كما ذكره أخير أيمكن فرض القول بأن الاباحة أيضأ هى الارادة غير الحتمية فلامانع عن جريان الاستصحاب من هذه الجهة.

كما أنَّ (تعليله) إنكار المرتبة في الوجوب والاستحباب بأنهما ان كان بمعنى الانشاء بداعى البعث المنبعث تارة عن مصلحة ملزمة وأخرى عن مصلحة غير ملزمة فهما متباينان عقلاً و عرفاً بلاريب ولا إشكال لانهما سنخان من البعث المنتزع من منشأ خاص والتفاوت بالشدة والضعف لا يجرى في الاعتباريات، نعم إذا قلنا بأنهما عبارة عن إرادة حتمية و ندبية فهما مرتبتان من الارادة لكن تفاوتهما حينئذ فى الوجود لا في النوعية فالخلط بين الامر الانتزاعى مع الكيف النفسانى أوجب المصير إلى توهم المرتبة فى الوجوب والاستحباب والقابل للاستصحاب هو الحكم بالمعنى الاول لانه القابل لجعل

ص: 115

مماثله لا الارادة والكراهة فانهما صفتان نفسيتان لا أمران جعليان، نعم لو كان للارادة أثر شرعى صح التعبد بها بلحاظ هذا الأثر لكن ليس البعث بالنسبة إلى الارادة كالحكم بالنسبة إلى الموضوع إذ ترتب البعث على الارادة و إن كان من قبيل ترتب المعلول على علته لكنه عقلى و إن كان المترتب شرعياً و مجرد التضايف بين عنواني العلية والمعلولية لا يوجب التضايف بين الارادة والبعث، نعم لو قلنا بأن مفاد الاستصحاب تنجيز الواقع لاجعل الحكم المماثل صح إستصحاب الارادة فان ترتب إستحقاق العقوبة على مخالفة الارادة على تقدير مصادفتها الواقع أمر معقول (مخدوش) بأن إختلاط الامر على القوم بين الامر الانتزاعى والكيف النفساني ليس بأعجب من زعمه (قدّس سِرُّه) تنويع المصلحة إلى ملزمة وغير ملزمة إذ البعث غير التوأم مع الاذن في الترك موضوع لوصف الوجوب والتوأم معه موضوع لوصف الاستحباب وربما يكون ملاك الترخيص هو التسهيل مع كون المصلحة في نفسها شديدة فأين تنوُّع المصلحة إلى نوعين، و منه ظهر أن ترتب الوجوب على إرادة حتمية ليس من قبيل ترتب المعلول على علتة إذر بما يكون في البين مانع عن ذلك كالتسهيل والارفاق وغيرهما، نعم الارادة بمعنى الفعل صحيحة لكنها مشكوكة الحدوث فيستصحب عدمها و منه تبين الاشكال في جريان الاستصحاب فى الارادة بناءاً على كونه تنجيز الواقع (فتلخص) أن إبقاء الجواز بعد نسخ الوجوب باستصحاب شخصى أو كلى كما رامه هذا المحقق (قدّس سِرُّه) مما لا يساعده البرهان.

وقد اضطرب كلام بعض الاعاظم (رَحمهُ اللّه) هنا فإنه بعد تفسير الجواز في عنوان المسئلة بالاقتضائى فى ضمن الوجوب والاستحباب والاباحة دون اللاقتضائى للقطع بارتفاعه من ناحية الوجوب أى دليل المنسوخ، جعل البحث في مقامين ثبوت و إثبات ففى المقام الأول أنكر الملازمة بين إرتفاع الوجوب مع إرتفاع الجواز في ضمن الاستحباب أو الاباحة بدعوى أن الوجوب و إن كان أمراً بسيطاً لكنه يتضمن مراتب عديدة هي أصل الجواز و رججان الفعل والالزام، فيمكن كون المرتفع بالنسخ هو الالزام فقط فيبقى الرجحان بلامنع عن النقيض بحاله كما يمكن إرتفاع الرحجان أيضاً وبقاء الجواز بمعنى التساوى بين الفعل والترك، فالوجوب حقيقة

ص: 116

ذات تشكيك وعند إرتفاع جهة الالزام فقط لاحاجة إلى إقامة الدليل لاثبات الرحجان لان ذهاب مرتبة من الحقايق المشككة يستلزم تحقق المراتب الباقية فلاحاجة إلى إثبات الفصل العدمي الاستحبابى، وفى المقام الثاني إدعى أو لا إمكان رفع دليل النسخ جميع مراتب الوجود لاجل حكومته على دليل المنسوخ حيث لا تلاحظ النسبة بين الحاكم و المحكوم من جهة أقوائية ظهور أحدهما عن الآخر، ثم إدعى إمكان مزاحمة دليل المحكوم حد نظر دليل الحاكم أى الناسخ بصرف حكومته إلى خصوص جهة الالزام للفرق الواضح بين ملاحظة أقوائية ظهور أحد الدليلين وبين قصر نظر دليل الحاكم بجهة الالزام، ثم ادعى إمكان التعارض بين الدليلين فتلاحظ أقوائية ظهور دليل المنسوخ فى مطلق الرحجان من ظهور دليل الناسخ في النظر إلى جميع المراتب، ثم إدعى إمكان الاشكال في ذلك بأن دليل الحاكم ظاهر فى رفع جميع مراتب الحكم ثم قال بأنه لو فرضنا إجمال دليل الناسخ فجريان الاستصحاب موقوف على كون المرتبة الباقية من مراتب الحكم بنظر العرف بأن لا يتعامل معهما معاملة المتياينين : إنتهى ملخص كلامه.

ويتوجه على مقامه الثبوتى أن (الخلط) بين ملاك الحكم الكامن في الفعل وبين محبوبية شيئى لدى الامر التي هي كيف نفسانى وبين الالزام الذى هو حكم عقلي في مورد صدور البعث مع عدم مرخص فى الترك من الباعث و بين الجواز بالمعنى الاعم الذى هو إنتزاع عقلانى من البعث تحو الفعل (أوجب) مزعمة تعدد المراتب عند هذا القائل وإلا فالوجوب أى مفاد الهيئة إذا كان حسب إعترافه بسيطاً كيف تكون له مراتب، وقياسه بالحقايق المشككة قياس باطل لان تلك الحقايق هى التى يكون ما به إجتماع المراتب فيها عين ما به الامتياز لها و ليس كذلك الوجوب و هل يتوهم أحد بأن يكون الرجحان بكلا معنييه من المحبوبية لدى الامر أو الملاك الكامن فى المتعلق من مراتب الماهوى أو الوجودى لما يستفاد من الهيئة ويعبر عنه بالوجوب أو البعث أو الحكم أو ماشا كل ذلك، وعليه فالاشكال على مقامه الاثباتى يظهر بأدنى تأمل و إن كان التحقيق ما أفاده أخيراً بعد ذهابٍ ومجيئى من إرتفاع جميع المراتب لو سلمنا المراتب و أغمضنا عما عرفت

ص: 117

من فسادها لكن لا لما ذكره من قوة ظهور دليل الحاكم بل لاطلاق دليل الحاكم.

فصل إذا تعلق الامر بأحد الشيئين أو الاشياء فهل يجب كل واحد على نحو التخيير أى الترك إلى البدل عقلاً أم شرعاً أم يجب الواحد لا بعينه أم يجب كل واحد مع السقوط بفعل أحد هما أم يجب ما هو المعيَّن عند اللّه المبهم عندنا وجوه بل أقوال (إختار) أولها على تقدير ورابعها على آخر صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) بدعوى أن الامر بأحد الشيئين إن كان من جهة تعلق غرض واحد بكل منهما بحيث إذا أتى بأحد هما حصل الغرض فالواجب ه_و الجامع بينهما و التخيير عقلى لاشرعى، إذا لواحد لا يصدر من إثنين بما هما إثنان للزوم السنخية بين العلة والمعلول فإذا ورد الامر بهما في الشرع كان لبيان أن الواجب هو الجامع بينهما لاللتخيير الشرعي، أما إن كان تعلق الامر بكل واحد لاجل قيام غرض بكل منهما غير قابل للحصول في صورة حصول الغرض القائم بالآخر بسبب الاتيان به فالواجب ه_و كل واحد منهما بسنخ وجوب لازمه عدم جواز الترك إلا إلى البدل فيثاب على فعل أحد هما ويعاقب لدى ترك كليهما، ولا يمكن القول بأن الواجب أحدهما مصداقاً أو مفهوماً إلّا أن يرجع إلى القسم الأول على النحو الذي تصورناه من تعلق الامر بالجامع وكون التخيير عقلياً (ويتوجّه) عليه (أولا) ما نبَّه عليه بعض المحققين (قدّس سِرُّه) من أن إستحالة صدور الواحد إلا عن الواحد أو صدور غير الواحد عن الواحد إنّما هى في الواحد بالشخص من الطرفين لان صدور الواحد بالنوع عن الكثير بالشخص أمر ممكن عقلاً واقع في الخارج كثيراً فالحرارة مثلا واحدة بالنوع مع أنها تستند إلى الغضب و إلى النار و إلى الشمس و إلى الكهرباء و إلى الحركة وغير ذلك من غير أن يكون بين تلك الأمور جامع نوعى يكون هو العلة لصدور الحرارة، فانكار تعلق التكليف بالمتعدد مع وحدة الملاك مستنداً إلى ه_ذا البرهان غير صحيح (وثانياً) أن الغرض ربما يكون قائماً بعنوان كلي بدلئ منطبق على مصاديق متباينة بالماهو على نحو التخيير كأحد جرائم مختلفة فى الحقيقة بحيث لا يجمعها جامع ماهوى أصلا فيصح جعل أحدها على نحو التخيير بملاك التنبيه و التأديب من غير إستكشاف وحدة الملاك فيها عن وحدة الجامع بينها و من هذا القبيل جميع

ص: 118

التأديبات والجرائم المجعولة وحينئذ فجعل الجريمة من حيث التطبيق على ما يجرم به العاصي يكون بنظر الجاعل لاجزافاً كيف وهو جريمة بل تعيين مصداق الجريمة بدلاً في عالم الجعل يكون بنظر الجاعل كتشريع أصل الجريمة بمعنى جعل جرائم مختلفة على نحو البدلية كبروياً، فالحكم و الموضوع كلا همابيد الجاعل و هذا كما في الجرائم العرفية ضرورة جعل مصاديق مختلفة من الجريمة على نحو البدلية كالحيس وإعطاء النقود والتعذيب البدني و غير ذلك كبروياً وإعطاء زمام التعيين بيد من عليه الجريمة فلتكن كذلك فى الكفارات كالخصال الثلاثة من العتق وإطعام ستين مسكيناً وصيام شهرين متتابعين في كفارة الصوم والظِّهار وغيرهما فجعلها على نحو البدلية كبروياً ثم إعطاء زمام التعيين بيد المكلف في مقام العمل أو جعل الجميع في بعض الموارد ممكن لا إشكال فيه، فالجامع الملاكي في الواجبات التخييرية لا يستلزم الجامع الماهوى ببرهان أن الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد كما أن التخيير الشرعى لا يستلزم الجامع الخطابي بل يكفى جعل أحدها على نحو العنوان البدلى القابل للانطباق على كل واحد من أمور متبانية لا جامع بينها بحسب الماهو فلا يكشف وحدة الغرض عن وجود الجامع ببرهان لايصدر الواحد إلا عن الواحد، نعم (اشكال) بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) على مقال صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) بأنا لوفرضنا كشف وحدة الأثر عن وحدة المؤثِّر ببرهان الواحد لا يصدر إلّا عن الواحد أيضاً لاسبيل إلى التخيير العقلى فى المقام لان هذا التخيير لابد فيه من جامع خطابي عرفی مفقود حسب الفرض والجامع الملاكى الموجود لا يكفى لذلك (مدفوع) بمنع توقف التخيير العقلى على الجامع الخطابي بل لو تمَّ البرهان و كشف ع___ن تعلق التكليف بالجامع نقول إنَّ الشارع بما هو عاقل ملتفت إلى القاء التشخصات في عالم الموضوعية للحكم يأمر بفردين من الجامع تخييراً والعمدة ما قلناه من فساد البرهان أوّلاً وعدم إنطباقه على فرض الصحة على موارد التأديبات التي تكون الكفارات بأجمعها من ذاك القبيل فتدبر.

(وإختار) ثالثها باعتبار والأخير بآخر بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) و تبعه بعض وأن الواجب ه_و العنوان المردد والمبهم بدعوى أن الارادة التشريعية تتعلق بالمردد

ص: 119

مصداقاً إذ ه_ى ليست موجدة للفعل وانّما الموجد ل_ه إرادة المكلف و حيث أن الارادة التشريعية تتبع الغرض فاذا قام الغرض بأحد فعلين على البدل تعلقت الارادة التشريعيه بالواحد منهما على البدل الانبعاثها من الغرض، و هذا بخلاف الارادة التكوينية فحيث أنها موجدة للفعل والموجود بالارادة واحد فلا تتعلق بالمردد (و يتوجه) عليه أولا أن العنوان المردد ليس موضوعاً المحكم فى لسان الادلة أما إنتزاعه عن الواجبات التخييرية و جعله موضوعياً للحكم فهو إقتراح عار عن الدليل وثانياً أنه لا معنى للجمع بين المبهم و المردد إذ المردد بمعنى الكلى البدلى غير المبهم بمعنى ما يكون له تعين بالذات وليست ما يكون له صورة تفصيلية في نظر الجاهل بالتعيُّن و ثالثاً أنه ذهب في بحث تعلق الاوامر بالطبايع إلى أن الارادة التشريعية تتعلق بعين ما تتعلق به الارادة التكوينية وأن الارادة التكوينية حيث لم تتعلق بالتشخصات فكذلك الارادة التشريعية و لازمه رؤية التشابه بين الارادتين في المتعلق، فكيف ينكره في هذا المبحث و يقول بأن الارادة الموجدة للفعل أى التكوينية لابد أن تتعلق بالمعيَّن دون التشريعية فهي تتعلق بالمردد فراجع كلاميه و لاحظ الاختلاف بينهما (أما إشكال) بعض المحققين (قدّس سِرُّه) على مقاله بأن الصفات التعلقية الحقيقية أو الاعتبارية لا تشخص ولا تتقوم إلّا بمتعلقاتها والمردد بالحمل الشايع لا مهية له ولا وجود فلا يعقل أن يكون مشخّصاً للصفات التعلقية كالعلم والجهل والظن و الارادة و نحوها، و هذا هو المانع من تعلق البعث أو الارادة أو الملكية أو غير ذلك بالمردد المصداقي لا ما ذكره حتى يختص بالارادة التكوينية ولا ماذكره الشيخ الأنصاري (قدّس سِرُّه) من أن العرض يحتاج إلى موضوع محقق في الخارج حتى يصح تعلق الامر الاعتبارى بالمردد و لا ماذكره صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) من أن البعث حيث أنه لجعل الداعى فلا يتعلق بالمردد لعدم إنقداح الداعي إلى المردد حتى يكون الامتناع مقصوراً على مثله (فيدفعه) أن العنوان الابهامى أى ما يكون المفهوم بحسب طبعه مردداً لكنه له مطابق معين فى الخارج ليس بمتعلق للصفات الوجدانية أما إذا كان الترديد في عالم الانطباق بأن يكون موضوع الصفة النفسانية كليّاً بدليّاً فيصح تعلق الصفات النفسانية به، كماترى ذلك فى رغيفى جوعان و إنائى عطشان و إحدى زوجاتی طالق و جئنی برجل و أمثال ذلك وهي كثيرة فى الشرعيات و العرفيات.

ص: 120

فالتحقيق فى المقام هو الوجه الثانى و أن الواجب هو أحد الامرين أو الامور على نحو البدلية الذى هو معنى التخيير الشرعى فانه عبارة عن وجوب بدلى متعلق بتلك الواجبات قلت أم كَثُرت كالكفارات وغيرها والجامع المصطاد وهو عنوان أحدها ليس بنفسه موضوعاً للحكم بل له جهة الاشارة إلى ما فى الخارج، نعم نفس الوجوب البدلى، يكون یکون كالواجب البيدلي من حيث إنطباق الحكم على نحو البدل مع كل واحد من تلك الواجبات المفروض إختلافها من حيث الماهية، وليس سنخ الوجوب التخييري سنخ الوجوب المشروط و يكون الشرط هنا ترك الآخر كما زعمه بعض إذ يتوجه عليه ما نبه عليه بعض المحققين (قدّس سِرُّه) من أن لازمه عدم الامتثال رأساً إذا أتى بهما معاً دفعة و ه_و بديهى البطلان، كما أن الواجب ليس الحصة الملازمة لترك الآخر كما يظهر من بعض الاعاظم (رَحمهُ اللّه) إذ يتوجه عليه ما نبه عليه المحقق المذكور من أن لازمه عدم تحقق شيئى من الحصتين إذا أتى بهما معاً (كما أن ما إختاره) المحقق المزبور (قدّس سِرُّه) في سنخ الوجوب التخييرى من أن الايجاب التخييرى ايجاب مشوب بجواز الترك إلى البدل والفرق بينه و بين الايجاب التعيينى أن الايجاب التعييني لا يجامع جواز الترك حتى إلى البدل، وإنّما قلنا بأنه مشوب بجواز الترك حتى يصدق الامتثال إذا أتى بهما معاً إذجواز الترك لاينا في الاتيان بما جاز تركه و هذا المسلك يناسب مقام الشبوت بتقريب أن كل واحد من الفعلين مماقام به الغرض الواحد بالسنخ مع الاخر و إنّما اقتضت مصلحة الارفاق الاكتفاء بأحد فردى الغرض والذار بما لا يكون إرفاق كما فى مورد الافطار بالمحرم الذى وجبت فيه كفارة الجمع (مخدوش) بأن لازمه أن يكون تمارك الواجبات التخييرية بأجمعها يعاقب حين ترك الكل عقوبات متعددة لاجل الكل إذا لمفروض أن جواز ترك كل واحد مقصور بصورة الاتيان بالآخر فاذا لم يأت بالآخر كما في صورة ترك الكل كان معاقباً على ترك كل واحد بالاستقلال، فالحق في سنخ الوجوب التخييرى ما قلناه الذي لا يلزم منه شيئى من هذه المحاذير فتدبر جيداً.

بقى الكلام فى أن التخيير بين الاقل والاكثر ممكن أم لا (فقد يقال) بالاستحالة بدعوى أن الملاك إن كان قائماً بالاقل فهو يحصل بتحقق الاقل و يكون

ص: 121

ايجاب الزائد لغواً وان كان قائماً بالاكثر فالاقل في ضمن الاكثر غير قابل لتعلق الملاك به وإذا لم يكن فيه ملاك فلا يمكن تعلق الوجوب ب_ه (وأجاب) في الكفاية بما حاصله أن الملاك قائم بالاكثر بما أن الاقل في ضمنه و في هذه الصورة لايتعلق الملاك بالاقل كما أنه قائم بالاقل وفي هذه الصورة يكون الاقل بما هو أقل في الخارج متعلق الغرض، فالاكثر بحده والاقل بحده قائم بهما الغرض نظير الغرض القائم بالخط الطويل بحده وبالقصير بحده (وتوهم) الفرق بين مثل الخط الذى ليس للاقل وجود على حدة في ضمن الاكثر فيمكن ذلك فيه وبين مثل التسبيحة فى ضمن التسبيحات الذى لاجل تخلل العدم فى البين يكون لكل من الاقل و الاكثر وجود إستقلالي فلا يمكن فيه ذلك (مدفوع) بعدم الفرق ضرورة أن شرط الانضمام وعدمه يستلزم قيام الغرض تارة بهذا وأخرى بذاك، نعم إن كان الغرض في هذا التخيير أيضاً واحداً كان التخيير عقلياً لرجوع التكليف إلى الجامع و إن كان هناك غرضان يسقط كل بالاتيان بالآخر كان التخيير شرعياً، هذا إذا لم يكن الغرض قائماً بالاقل على أى حال وإلا كان الزائد مستحباً أو غيره حسب إختلاف الموارد ولم يكن عدلا للاقل كما هو واضح (لكن التحقيق) أن التخيير بين الاقل والاكثر انما يمكن تصوره فى الماهيات الامتدادية كالخط أو الحقايق المشتركة بين القليل والكثير كالملح والماء والحنطة وغيرها مما يصدق على القليل من الماهية وكثيرها، بأن يقال إذا كان الملاك قائماً بالطبيعى الصادق على القصير و الطويل أو القليل والكثير فكل مصداق أتى به المكلف فقد أتى بما هو الواجب، و حيث أن انحياز فرد عن آخر في تلك الطبايع سواء الامتدادية و المشتركة بين القليل والكثير انما يكون بالفصل العدمى أى بانتهاء الحظ الوجودى فمصداقية الاقل للواجب إنما هي بصير ورته أقل ولا يصير أقل إلا بانقطاع الوجود بحد الاقلية، فمادام الوجود جارياً في سيره الامتدادى لا يطبق عليه عنوان الاقل والاكثر ضرورة أن هذين العنوانين إضافيان وكلاهما إنتزاعيان ولا ينتزع كل عنوان الاعن منشأ إنتزاعه ومنشأ إنتزاع عنوان الاقل إنَّما هو بتحقق حده، لا أقول بدخالة العدم وتركب الاقل من حظه الوجودي وعدم الزائد كيف وعدم الزائد لا يعقل أن يكون

ص: 122

من الاجزاء التركيبية للموجود بما هو موجود بل أقول بأن الحظ الوجودى الواصل إلى حد إذا قيس إلى حظّ وجودىٍّ واصل إلى حد أكثر يُطبّق عليه عنوان الاقل كما يطبق على ما يقابله عنوان الاكثر، أما الامثلة الموجودة لذلك التخيير في الشرعيات و لاجل بيان حكمها وضع هذا المبحث كالقصر و التمام في المواطن الاربعة والتسبيحة والتسبيحات في الأخيرتين أو في الركوع والسجود فلايتصور هذا النحو من التخيير فيها لعدم جريان التقريب المذكور فيها، أما القصر والتمام فلانّهما من جهة اشتمال القصر على التسليمة بعد التشهد الأول واشتمال التمام عليها فى الركعة الرابعة تكونان متباينتين حتى إذا قلنا باستحباب التسليم إذ القائل ب_ه يرى التسليم جزءاً فاطلاق الاقل و الاكثر عليهما إنَّما هو للمشابهة الصورية، أما التخيير بين القصر والتمام في المواطن المشرفة فليست حقيقته سنخاً موافقاً للمسئلة الاصولية التي نحن فيها بل كما ذكرنا فى كتاب الصلاة ليس التخيير بعنوانه مجعولاً بل الوجوب تعلق بالتمام والشارع قصره بملاك التسهيل على نحو العزيمة بالنسبة إلى المسافر وفى المواطن الاربعة رفع اليد عن العزيمة بملاك إزدياد الخير، و تفصيل هذا المجمل يطلب من محله من كتاب الصلاة، و أما في التسبيحة فلان وحدات التسبيحات إنما هى كوحدات الانسان فكلى التسبيحة بالنسبة إلى أفرادها يكون نظير الكلى المتواطى فالاكثر أفضل أفراد الواجب بمعنى اشتمال الواجب على الزائد المستحب وذلك للفصل العدمى بين كل تسبيحة مع أخرى، أما ماصحح به التخيير فى ذلك جماعة من الاصوليين كصاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) و غيره من جعل الاقل بشرط لا مصداقا و جعله لا بشرط مصداقا آخر للواجب فغير سديد إذلم يدل دليل على هذا اللحاظ بل هو فرض محض نعم هذا النحو من اللحاظ دخيل في مفاهيم الاوزان والمقادير دون مصاديقها إذمفاهيمها مركبة عقلا عن حد خاص وعدم غيره بخلاف مصاديقها فهى تتحقق بنفس الوصول إلى حد خاص اما مثل عنوانی الاقل و الاكثر فلا دخل لذلك في مفهومهما أيضا فقياسهما بها في غير محله و على فرض تحقق مثل هذا اللحاظ فى المقام فهو لا يغير الواقع عما هو عليه ولو سلمنا کونه مغيراً للخارج فليس التخيير بينهما تخييراً بين الاقل و الاكثر ضرورة

ص: 123

صيرورتهما متباينين باللحاظ فتأمل جيداً.

فصل في الواجب الكفائي (وقد أهمل) صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) بيان حقيقته فاكتفى بأنه سنخ وجوب يعاقب على تركه الكل و يسقط بفعل البعض لان وحدة الغرض تقتضى سقوط الواجب بحصوله و بأن الظاهر إمتثال الكل إذا أتوا به دفعة لان توارد العلل على معلول واحد يقتضى إستناده إليها ببرهان إمتناع صدور الواحد عن الكثير (و أنت خبير) بأن المشكلة إنّما هى فى الجمع بين الوجوب على الكل و السقوط بفعل البعض فالقول بأن الوجوب الكفائي سنخ وجوب يعاقب على تركه الكل و يسقط بفعل البعض إعادة للمدعى والتعليل باقتضاء وحدة الغرض ذلك لا يصحح السنخ من دون بيانه، مضافاً إلى أن فى مورد يكون الكفائي قابلاً للتعدد عرضيًا أو طولياً لابد أن يكون أحد الأفعال لا بعينه في الاول والفرد الأول في الثاني واجبا ليس إلّا ولا يمكن الالتزام به فاذا قلنا بصحة إعادة الصلوة على الميت كما قوينا ذلك في بحثها يكون منافياً لذلك. كما أن دعوى إمتثال الكل بالاتيان دفعة واحدة مدفوعة بأن توارد علل متعددة على معلول واحد إنَّما يصح في مورد يكون إجتماع العلل مقتضيا لارتباط العلل بحيث يترشح الوجود الواحد من الجامع السيال بينهما لافي مثل الصلاة على الميت التي ينحاز وجود كل صلاة عن الأخرى، وكيف كان فقد كثرت الاقوال في بيان حقيقة هذا الواجب و اختلفت الآراء فى ذلك (فذهب) السيد صاحب البلغة (قدّس سِرُّه) إلى أن الواجب الكفائي نظير سهم الفقراء فى باب الزكاة فكما أن الفرد لا يملك السهم إلا بعد أخذه وليس للآخرين حق بعد أخذ بعضهم له فكذلك المكلف هنا هو الكلى و إذا أتى به بعض سقط الوجوب لان الكلى قد إنطبق عليه والواجب قد تحقق منه فالسقوط بعد ذلك قهرىٌّ (لكن) الحكم فى المقيس عليه ليس كماز عمه (قدّس سِرُّه) لان السهام فى باب الزكاة مصارف كما أنه فى المقيس لا يمكن ان يكون كذلك لان التكليف لا يعقل أن يوجه إلى العنوان الانتزاعى و بعبارة أخرى الجامع الاعتبارى بل التكليف يتعلق بواقع المكلف أى الذى يكون بالحمل الشايع الصاعى بالغاً عاقلاً.

(وذهب) بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) إلى أن الغرض في متعلقات التكاليف

ص: 124

على قسمين قسم يتعلق بصرف الوجود ويتبعه تعلق الامر بصرف الوجود و سقوط الوجوب بعد الاتيان بفرد واحد من الواجب وقسم يتعلق بالوجود الساري وفي مثله لا يسقط الوجوب بالاتيان بفرد من الواجب لان تعلق التكليف بالوجود السارى يقتضى إنحلال مايستفاد من هيئة الامر إلى تكاليف متعددة حسب تعدد أفراد الواجب، هذا بالنسبة إلى متعلق التكليف أما بالنسبة إلى المكلف فكذلك إذالغرض تارة يتعلق بصرف وجود المكلف وأخرى بالوجود السارى منه وفى الأول إذا أتى بالواجب بعضهم الذي ينطبق عليه عنوان صرف الوجود يسقط الوجوب و إذا لم يأت به أحد منهم يعاقب الكل لوجود مناط العقاب في حقهم (ويتوجه) عليه أن صرف الوجود اصطلاح أخذ من الفلسفة واستعمل في الاصول بغير ما إصطلحوا عليه في الفلسفة و مع ذلك فالتكليف لا يتعلق بصرف الوجود بل المتعلق بما هو متعلق لم يلحظ فيه الوجود و إنَّما حمل المكلف على المتعلق يكون بغاية إعطاء الوجود، هذا بالنستة إلى متعلق التكليف أما المكلف فلا يعقل أن يكون بما هو صرف الوجود مخاطباً بخطاب إذ لا تعيَّن له قبل الامتثال ولا موجب للتكليف بعد الاتيان بالفعل، هذا إن أريد بصرف الوجود طارد العدم أو ناقض العدم الازلى كما يستفاد من كلام المحقق الحائرى (قدّس سِرُّه) أما لواريد به الوجود المهمل فلا معنى له إذ لا تعين المهمل (وذهب) بعضهم إلى أن المكلف هو الفرد المردد منه (ويدفعه) أنه لابد من معلومية من وجه إليه التكليف إذ لو لم يعين لا تكون للبعث باعثية مضافاً إلى أنه لا موجب لثواب الكل في صورة إتيان الجميع بالفعل ولا لعقاب الكل في صورة ترك الجميع له (وذهب) بعض الاعاظم (رَحمهُ اللّه) على ما يظهر من كلماته الى أن الواجب الكفائى يجب على كل بشرط ترك الآخر (واستشكل) عليه بأن لازمه أنه لو أتى الكل بالكفائى لا يكون إمتثالا للواجب إذا لمفروض عدم ترك أحدله وشرط الوجوب غير متحقق (وذهب) بعض المحققين (قدّس سِرُّه) إلى أنّ كل واحد من المكلفين مأمور بالواجب الكفائي مع جواز الترك حين فعل الآخر (واستشكل) عليه بأن لازمه أنه إذا أتى الجميع به دفعة لم يكونو اممتثلين للواجب إذ المفروض جواز الترك حين إتيان الاخر به فما أتى به كل واحد يكون مستحباً لا واجباً (وقد يقال) بأن الوجوب تعلق

ص: 125

بالمجموع لا الجميع (ويدفعه) أن لازم ذلك أن لا يكون إمتثال فى طول الامتثال و أن لا يكون الاتيان بصلاة الميت دفعة من الجميع إتياناً بصلوات متعددة بل لا يصح مثل هذا التكليف إن لم يرجع فيما يتوهم كونه كذلك مثل أمر عشرة رجال برفع حجر إلى الامر الاستقلالى بكل واحد باعمال قوته في رفعه و ذهب السيد السند المحقق البروجرودى (قدّس سِرُّه) إلى أن المامور به مطلق الفعل الاعم من فعل كل واحد بنفسه و فعل غيره (ويدفعه) أنه معنى لكون المامور به أعم من فعل نفسه و فعل غيره، هذه كلمات القوم وقد عرفت أنها غير خالية عن الاشكال.

والتحقيق أن الوجوب الكفائى كالعينى سنخا ومتعلقا والتفاوت إنّما هو في الملاك القائم بالمتعلق بيان ذلك أن الوجوب كما عرفت مى شرح مفاد هيئة إفعل و ما بمعناه ليس مدلول الصيغة مطابقة ولا تضمنا ولا إلتزاما بل هو حكم عقلى موضوعه ورود بعث من المولى اللازم إطاعته مع عدم ورود ترخيص منه أو وجو دمؤمِّن عن عقوبة الترك، و الفرق بين الواجب الذي تحقق مؤمنٌ من تركه مع المستحب أن المستحب هو الذى كان الترخيص في ترك المأمور به منذ صدور البعث بخلاف الواجب فالترخيص فى الترك لا يكون فيه على نحو القضية الدائمة، بل على نحوا لقضية الحينية إما لاجل طروٍّ عنوان كالحرج والضرر أولكون المكلف معنوناً بعنوان يقتضى التسهيل كالصبى أولأن الملاك القائم بمتعلق الخطاب يكون على نحو يمكن أن يكتفى بوجوده في الخارج من أحد المكلفين، وهذا الأخير يسمى بالواجب الكفائي إذ الحق أن الساقط بعد إتيان المكلفين بالواجب الكفائي فيما إذا كان قابلا للتعدد كالصلاة على الميت أنما هو العقاب على تركه لا نفس التكليف وبعبارة أخرى إنّما يسقط الالزام الذى هو حكم العقل لا أصل الرجحان والمطلوبية حكم الشرع، فاذا أتى بالواجب الكفائى أحد المكلفين ثم أتى به بعض آخر منهم فقد اتى بالواجب أی أتي بهذا النوع الذى هو في مقابل النافلة ويسمى تارة بالقريضة و أخرى بالواجب، هذا نظير ما قلنا فى الواجبات العينيية فيما إذا أتى المكلف بفرد من الواجب بعد فرد منه من أنه توسعة فى مقام الامتثال و لا موجب لتوهم سقوط الامر بل الساقط الالزام الذى هو حكم عقلى ليس إلّا فكذا فيما نحن فيه، وعليهذا

ص: 126

فلا إختلاف في سنخ الواجب الكفائى مع الواجب العيني كما لا إختلاف بينهما من حيث كون المتعلق سعىٌّ الفعل وطبيعى المكلف المنحلِّ إلى جميع أفراده إنَّما الاختلاف في سنخ ملاك المتعلق إذسنخ الملاك الموجود في الواجب الكفائي يكون بحيث يمكن أن يكتفى بأول فرد من الواجب الصادر من أي فرد من أفراد المكلفين، بخلاف سنخ الملاك الموجود فى الواجب العيني فلا يحصل الابصدور الواجب من كل فرد من أفراد المكلفين و إنما يسقط الالزام في حق كل فرد من المكلفين بالنسبة إلى ما عدا الفرد الأول من الواجب أما في الواجب الكفائي فالساقط إنما هو الالزام بصدور الواجب عمّا عدا فرد من المكلفين، ولعل من قال بأن المتعلق أعم من فعله و فعل غيره لاحظ سنخ الملاك الموجود في المواجيات الكفائية مع أن المتعلق بالنسبة إلى كل فرد من المكلفين إنما هو سعى الفعل بما هو سعی لا أعم من فعل نفسه وفعل غيره، ومن هنا يمكن أن يصحح تعبير بعض الاعاظم (رَحمهُ اللّه) بكون الوجوب مشروطاً بترك الآخر بأن مراده أنه مغيّا بفعل الآخر مع تتميم المبنى بأن يقال الساقط هو الالزام لا الجعل اذ حينئد لا يرد عليه أن مع إتيان الكل دفعة واحدة لزم أن لا يكونوا ممتثلين للأمر الوجوبي، وكذا يصحح ذهاب بعض المحققين (قدّس سِرُّه) الى أن الواجب الكفائى ما يجوز تركه إذا أتى به غيره إذ حينئذ لا يرد عليه أن هذا معنى الاستحباب نعم لا يمكن المساعدة مع ذهابه فى مورد التدريج إلى كون الواجب هو الاول ليس إلا بمعنى تعين كونه واجباً المستلرم تعين كون ثاني الوجود غير مأمور به، كما أن ذهابه فى الافراد الدفعية إلى كون الواجب هو الواحد غير المتعين منها غير سديد إذ اللا متعين كيف يتعين للوجوب بل ذلك خلاف مبناه المتكرر فى لسانه أن الفرد المردَّد لا وجود له إذا لتعين رفيق الوجود وبالعكس.

فصل في الواجب الموسع والمضيق فاعلم أن الزمان كما نبه عليه في الكفاية مما لابد منه عقلاً فى الواجب قضاءاً لكون الفاعل زمانياً إلّا أّنه ربما يكون دخيلا فى الواجب شرعاً فيكون موقتاً والزمان فى الموقت إن كان بمقدار إمتثال الواجب فمضيق و إن كان أوسع منه فموسع والموسع كلى له أفراد دفعية وتدريجية والتخيير بين أفراده عقلي في كلا الصنفين بلا موجب لتوهم كونه شرعيا لان نسبة الافراد إلى الواجب كنسبة أفراد الطبايع إلى الطبايع، ولاريب في وجود الواجب الموسع في الشرعيات

ص: 127

فضلاً عن كونه ممكناً فلا إعتناء ببعض التسويلات كتوهم أن الواجب لا يجوزتر كه فكيف يمكن ترك فردمنه في زمان مع الاتیان به فی زمان آخر و ذلك لان الواجب هو الذى لا يجوز تركه لا إلى بدل، فكما أن ترك كل فرد من الافراد الدفعية للواجب إلى عدله من الافراد ليس تركاً للواجب وجوازه لا يستلزم إنقلاب الوجوب إلى الاستحباب فكذلك ترك بعض أفراده الطولية إلى بدل من تلك الافراد، ثم اعلم أنه لا دلالة للامر بالموقت بوجه على الامر به في خارج الوقت إن لم نقل بدلالته على عدم الامر به نعم لو كان التوقيت بدليل منفصل و لم يكن له إطلاق من جهة التقييد بالوقت وكان لدليل الواجب اطلاق لكان قضية إطلاقه ثبوت الوجوب بعد إنقضاء الوقت و كون التقييد به بحسب تمام المطلوب لا أصله، فالتقييد بالوقت يكون تارة على نحو وحدة المطلوب وأخرى على نحو تعدد المطلوب بحيث يكون أصل الفعل ولو في خارج الوقت مطلوباً في الجملة، نعم لابد من وجود دليل على هذا و لا يكفى الدليل على الوقت إلّا على النحو الذي عرفت (وبالجملة) فكون الواجب بالنسبة إلى وقته على نحو تعدد المطلوب مما يوافقه الثبوت و الاثبات فى الشرعيات والعرفيات من حيث إقتضاء الصنعة بالنسبة إلى عموم الموارد و من حيث التصريح الوارد فى أبواب العبادات ولا سيما الصلاة فى الادلة الخاصة.

و توضيح هذا الاجمال مع أنّا قد فصلنا القول فيه في باب المطلق و المقيد أنه لا ريب فى أن التركيب فى المركبات الشرعية ليس نظير التركيب المذكور في باب الايساغوجي بل ولا كالتركيب في المعاجين و سائر المركبات الخارجية لبداهة إختلاف سنخ الما هو فى المركبات الشرعية كما لاريب في عدم تحقق إختلاط و إمتزاج بين أجزائها و شرائطها بل الماهيات المركبة الشرعية مؤلفة من عدة أمور متباينة بحسب الجوهر والموحِّد الواقعى بين تلك المتخالفات بصورة عامة هو التعبد بها، مضافاً إلى تحقق ملاكات متعددة أخرى في الماهية بل وفي أجزاء تلك الماهيات وشرائطها بلا منافاة بين الملاك العام وتلك الملاكات إذ تلك الملاكات أيضاً على إختلافها في السنخ ترجع إلى الاول، فالصوم مثلا عبادة أمر به بهذا الملاك

ص: 128

و فيه ملاكات أخرى كتذكّر جوع القيامة وعطشها وجوع الفقراء و عطش العطشى لكن تلك الملاكات تنتهي الى التعبد اى التوجة الى الله مع ان الالتزام بالرجوع او التكلف بالإرجاع لا موجب له لامكان الجمع بين المتخالفاته من حيث الملاك وعدم كون تلك الملاكات متقابلة مع ملاك التعبد تقابل السلب والايجاب او التضاد فتفطن ما ذكرناه فانه بعد التأمل في الروايات والتعمق في الواقعيات أمر مفيد مع كمال وضوحه وعدم الحاجة في فهمه إلى أزيد من الارشاد والبيان لاجل الانتباه، وكيف كان قالملاك الذي يكون في الواجبات قابل للامتداد أى الانطباق على المطلق على المقيد و على الكل وعلى جملة من أجزائه الرئيسية بل و غيرها، فالقول بتعدد مراتب المطلوب فى الماهيات المركبة لا يحتاج إلى الالتزام باشتداد الملاك حتى يقال بأنه لا إشتداد فى الملاك إذ لنا أن نقول بأن الملاك قابل للامتداد و إذا انضم ذلك إلى لحاظ سائر الملاكات نقول بأن التعدد إنما يكون فى المطلوب، و بذلك يصح تعبير صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) بأصل المطلوب وتعدد المطلوب ولاير دعليه إشكال أن ذلك يستلزم أن تكون ماهية واحدة مؤلفة من واجبات متعددة، اذ نجيب عن الاشكال بعدم المنافاة بين اشتمال ماهية واحدة على مطلوبات متعددة من حيث قيام ملاكات متعددة بها و بين كون المطلق السارى مع جميع القيود بل السارى في جميع الاجزاء مشتملا على ملاك واحد هو يوحد الكل ويوجب تعنون المجموع من الاجزاء أو القيود بعنوان خاص و منه يظهر أن اشتمال الحج على مناسك متعددة لا ينافي كونه واجباً واحداً بل تعدد عنوانى الحج والعمرة المشتمل معنونَ كل على أجزاء متعددة لاينا في كونهما عملاً واحداً بمعنى إشتباك كل مع الآخر و عدم إفتراقهما إلى يوم القيامة كماقاله النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : ومن ذلك تعرف أن إختلاف الاجزاء أو الشرائط في الاهتمام وعدم الاهتمام من حيث الاكتفاء بالفاقدلها وعدم الاكتفاء ليس أمراً مخالفاً للثبوت ولامنافياً لوحدة الملاك ولا لوحدة العنوان اذ التفاوت إنما نشأ من إختلاف ملاكات ثانوية فيها و إن كانت مساتخة مع الملاك العام أو راجعة إليه، فانظر إلى الركوع بالنسبة إلى الصلاة والطهارة الحدثية بالنسبة إليها، ولذا قلنا بأن التقية لاتجرى في الأجزاء و الشرائط الركنيته حيث دلنا الدليل على أن الشارع إهتم بالركنيات أجزاءاً أم شرائط إلى حدّ رآها كالعلل المقومة بالنسبة إلى الطبايع النوعية التكوينية، و قلنا

ص: 129

بأن التقية لو كانت تستلزم تنزيل مباين منزلة مباين آخر لكان الامر كما زعمه بعض من جريانها فى الركنيات لكن حيث لا يوجد في الادلة ما يدل على ذلك فلا تجرى التقية في الركنيات، ومنه ظهر أيضاً أنه لو لم يكن فى مورد ما وجود قيد من القيود المطلوبية لاعلى نحو الركنية في ماهية من الماهيات الشرعية لم يكن مجال لتقييد المطلق به ويبقى الاطلاق على حاله من اقتضاء الوجوب بالنسبة إلى أصل الفعل مجرداً عن القيد كوجوب الصلوات الخمس المعبّر عنها باليومية في أماكن لايوم لها أو لاليل لها، وقد تبين مما ذكرنا أمور (أحدها) أن تعدد مراتب المطلوب أمر واقع خارجاً و ممكن ثبوتاً (ثانيها) أن ذلك لا يقتضى الا إمتداد الملاك لا إشتداده (ثالثها) أن الماهيات المركبة شرعاً فيها ملاك عام للجعل وملاكات خاصة مختلفة لا تناقض ولا تضاد بينها وبينه (رابعها أن الاجزاء و كذا الشرائط على ضربين ركنية وغيرها و التقية لاتجرى كسائر الادلة الحاكمة إلا فى غير الركنيات (خامسها) أن وجوب الصلاة على قاطني القطبين أو الامكنة المقاربة لهما يكون على وفق القاعدة، والتفصيل بأزيد من ذلك يطلب مما ذكرناه في مبحث المطلق والمقيد.

(فماذكره) بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) من أن مقتضى القاعدة في الموقتات سقوط التكليف بعد خروج الوقت مطلقاً كان دليل التقييد متصلا أم منفصلا إذذلك مقتضى حمل المطلق على المقيد والقول بعدم السقوط يستلزم القول بالتعدد في المطلوب و هو مناف مع حمل المطلق على المقيد، بل لو ورد دليل على مطلوبية الموقت بعد وقته لزم القول بأن الامر بالقضاء أمر حادث جديد سببه فوت الواجب الاول ولا يكشف عن بقاء الامر الأول أوكون القيدركناً في حال الاختيار، و ذلك لان ظاهر لفظ القضاء هو تدارك مافات فى وقته ولا معنى للتدارك على كل من الوجهين، كما يشهد لذلك ثبوت القضاء في الحج والصوم المنذورين وأنَّ المُدْرِك لاقل من ركعة في الوقت ليس له أداءً حيث لم يدرك ركعة ولاقضاء حيث لم يخرج الوقت بالمرة (مدفوع) بأن معنى حمل المطلق على المقيد غير منحصر بكون المقيد مطلوباً واحداً بمرتبة واحدة من الطلب في جميع جميع الموارد فان ضم القيد إلى الذات و إن كان ظاهراً فى مطلوبيتهما بملاكٍ واحد وطلب واحد لكنه لاينا في بقاء نفس

ص: 130

هذا الطلب وهذا الملاك بفوات جزء أو قيد لما عرفت من توافق الثبوت والاثبات على تعدد مراتب المطلوبية في جلّ من الموارد، إلا أنه (رَحمهُ اللّه) حيث زعم أن مطلوبية الذات بعد زوال التمكن من القيد بنفس الطلب الأول يستلزم كونهما مطلوبين مستقلين في عرض واحد زعم استلزام ذلك سد باب حمل المطلق على المقيد لكنه (رَحمهُ اللّه) لم يتنبه لتعدد المراتب فى المطلوبية كي يتفطن بأن ذلك يناسب حمل المطلق على المقيد ولا ينافره، أما شاهده الأول فيدفعه أنه تعبد خاص وارد في مورد خاص مناف لجميع القواعد العلمية و أما شاهده الثاني فهو باطل لاننا نلتزم بأن المدرك للوقت بأقل من مقدار الركعة ل_ه أن يأتى بالصلاة ولا ينفصم الامر في الزمان بين الزمانين كما زعمه، ولا يشترط قصد الأداء والقضاء حتى يرجع ويستشكل علينا بأنه هل يقصد القضاءَ أم الاداء و على فرض إعتبار قصد القضاء لنا أن نلتزم بأنه يقصد القضاء، و إن قال بأن الوقت باق قلنا بأن الشارع رآه زائلا كما رأى الوقت لمدرك الركعة باقياً.

هذا كله مع وجود الدليل على تعدد المطلوب أمامع عدمه ففى الكفاية أن المرجع هو البرائة عن الوجوب خارج الوقت ولا يمكن التمسك بالاستصحاب و نظره إلى كونه من القسم الثالث من إستصحاب الكلمى (لكن) التحقيق أنه إذا كان التقييد بالوقت بدليل منفصل و فرض عدم الاطلاق لدليل الواجب بالنسبة إلى ما بعد الوقت و لم يكن لسان دليل التقييد لسان وحدة المطلوب أو مطلقاً من حيث حالتى التمكن من القيد وعدمه وحالتي وجود القيد و عدمه (فيمكن) جريان الاستصحاب بتقريب أن مطلوبية ذات الفعل ثابتة والشك انما هو فى أن التقييد الذي هو أمر طار هل يكون ناظراً إلى تحديد المطلوبية بأنحائها أم لا فيكون نظير الشك فى الرافع ويجرى فيه الاستصحاب (إلا أن يناقش) فيه بأن الشك و لو على نحو الشك السّارى يرجع إلى المقتضى فالشك إنّما هو في المقتضى ولا يجرى الاستصحاب فيه، أما إذا كان التقييد بدليل متصل فعدم جريمان الاستصحاب حين الشك أو ضح (وماذكره) بعض المحققين (قدّس سِرُّه) في تعليقته على الكفاية في وجه عدم جريان الاستصحاب من أن شخص الارادة المتعلقة بالموقت بما هو موقت و كذلك شخص الامر المتعلق به بما هو هو متقومان به فلا يعقل بقائهما

ص: 131

بعد انقضاء الوقت، فمعنى كون القضاء بالامر الاول أنه بملاك الاول و الملاك مقطوع البقاء فلا معنى لجريان الاستصحاب فيه و توهم أن الامر بالفعل يتعلق بذاته و بما هو موقت معاً فاسد إذ لا يعقل تقوم الواحد باثنين، كما لا يعقل تعلق أمر آخر أو إرادة أخرى بذات الفعل فى عرض تعلقهما بما هو موقت لاستحالة موردية الفعل لهما مرتين، فلابد أن يتعلق الامر بذات الفعل بعد مضى الوقت فالاستصحاب إنما يكون من القسم الكلى المشترك بين مقطوع الزوال و مشكوك الحدوث، بل لو قلنا بجريان الاستصحاب في مثله لا يجرى فيما نحن فيه لان الموضوع بالنسبة إلى زمانى اليقين والشك مختلف إذ معنى إلغاء الخصوصية من طرف ذات الفعل تعلق شخص الحكم بذات الفعل بتبع تعلقه بما هو موقت و معنى الغاء الخصوصية من ناحية الحكم تعلق طبيعى الحكم في الزمان الأول بالموقت، و بقاء الحكم على التقديرين غير معقول لان الحكم الشخصي إنما كان متعلقا بذات الفعل بتبع تعلقه به بما هو موقت ولا يعقل بقائه بعد إرتفاع الحكم لان التبعية قدار تفعت نزوال الوقت وإنتفاء الحكم، و كذلك الحال في إلغاء خصوصية الحكم إذالمفروض أن طبيعى الحكم المتعلق بالموقت قدزال ولاحكم بعد ذلك حتى يكون متعلقا بذات الفعل(يدفعه) أن الحكم و إن كان بسيطاً لا يمكن تجزئته إلا أنَّ له قابلية للسعة والضيق والانبساط والانقباض حسبما للمتعلق من الكيفية فالامر المتعلق بالمركب من الأجزاء والشرائط يكون منبسطا عليها، فإذا ارتفع حصة من الامر المتعلقه بجزء أو شرط ولم يكن الطلب على نحو وحدة المطلوب كان بقاءً الحكم متعلقاً بالبقية على حسب القاعدة ولو لا ذلك لزم أن تكون المراتب الطولية للصلاة مثلاً كلها مأموراً بها بأوامر متعددة و ليس كذلك ولو بحسب ما يفهم من الادلة، و لذا قلنا بأن الادلة الحاكمة على الأجزاء و الشرائط حاكمة على اطلاق الادلة. و من ذلك يعلم أن معنى كون القضاء بالامر الأول أن الامر باقٍ بنفسه كما يظهر أن معنى كون القضاء تداركاً المصلحة الفائت أنَّ ما يؤتى به خارج الوقت إستيفاء لمصلحة ذات الفعل بعد فوات مصلحة الوقت بزواله، فاندفع ماذكره (قدّس سِرُّه) في التعليقة السابقة على هذه التعليقة فراجع ولاحظ.

ص: 132

فصل في أن الامر بالامر بشيئي هل يكون أمراً بذلك الشيئى أم لا وقد فصل صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) بين ما إذا كان الغرض من الامر حصول ذلك الشيئي في الخارج وكان الغرض من أمر الغير به تبليغ الامر كما هو المقصود من أمر الرسل بالامر والنهي فهو أمر بذلك الشيئ و بين ما إذا كان الغرض مجرد أمر الغير أو حصول ذلك الشيئ في الخارج بعد أمر الغير به فليس أمراً بذلك الشيئ، أما إحراز أن الغرض من أى النحوين فلا بد له من دلالة دليل ومجرد الامر بالامر بشيئي لا يدل على أحدهما وقد تبعه بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) في هذا التفصيل فقال بأن الامر الثانى إن كانت له، جهة الطريقية فكان الغرض من الامر به التوصل إلى ذلك الشيئي كان أمراً به أما لو كانت له الموضوعية فالامر به ليس أمراً بالشيئى و إعترف باحتياج كل إلى قرينة، لكنه إدعى أن الاصل هو الطريقية لانسباقها إلى الذهن عرفاً فلا تحتاج إلى القرينة بخلاف الموضوعية، إلا أنَّ تمثيل صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) بأمر الرسل يكشف عن إلتفاته إلى كون الغرض في غالب موارد الامر بالامر بشيئي حصول ذلك الشيئي أي طريقية أمر الغير للوصول إلى الشيئى بمعنى كون الامر الثاني تبليغياً، وعليه فكل من النحوين وإن كان بحسب الطبع محتاجاً إلى القرينة إذا لظاهر الاولى من لفظ أمر المولى الذى يكون واجب الاطاعة هو كون المأمور به أمر الغير لانفس الفعل المأمور به بالامر الثاني لكن وجود القرينة العامة خارجاً على التبليغ أو جبت إنسباق الطريقية فهى مقتضى الاصل المقامى أى حصول جهة التبليغ في عالم الخارج بالنسبة إلى أفراد الامر بالامر فالقرينة محتاج إليها في كلا النحوين غاية الامر لها وجود غالبي في أحدهما والامر سهل.

فصل إذا مر بشيئي وقبل إمتثاله أمر بذلك الشيئي ثانياً فهل الامر الثاني تأسيس للطلب أو تأكيد للاول وبعبارة أخرى تعدده مع وحدة المأمور به هل يقتضى نقييد إطلاق متعلق الامر على نحو ثاني الوجود أو مرةً أخرى أم التصرف في الاصل المقامى، الحق كما نبه عليه صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) هو الثاني لان إطلاق المادة يقتضى التأكيد إذلو أمر بالطبيعة ثانياً و لم يقيد بمرة أخرى مثلاً لا يستفاد منه غير التأكيد، وعلله في الكفاية بأن الامر لا يتعلق بالطبيعة مرتين ولعل مراده (قدّس سِرُّه) الامر

ص: 133

الجدّى لكنه غير صحيح بداهة تعلق الامر الجدى بالطبيعة مرة ثانية حسب الفرض بل ربما يتعلق أكثر من مرتين إذ مقتضى الاهتمام بمطلوب تعلق الطلب الجدى به مرات عديدة كما في الاوامر الواردة في القرآن الكريم بالنسبة إلى الواجبات الشرعية، فالحق تعليله بأن متعلق الطلب لما كان نفس الطبيعي الذي تعلق به الامر أولا فليس هناك طلب مستقل بمعنى مطلوب مستقل بل لابد أن يكون المطلوب الثاني عين الأول وهذا معنى اقتضاء إطلاق المادة التأكيد، كما أن إطلاق الهيئه يقتضى التأسيس بمعنى أن مقام الطلب والتصدى للبعث يقتضى كونه للتأسيس لا التأكيد فيتعارض مقتضى الاطلاقين، لكن حيث إنّ إطلاق المادة لفظى بخلاف إطلاق الهيئة فهو مقامى فاطلاق المادة حاكم على إطلاق الهيئة ولذا يكون المنسبق إلى الذهن عرفاً هو التأكيد دون التأسيس، وبما ذكرنا لابد أن يصلح قول صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) والمنساق من إطلاق الهيئة و إن كان هو تأسيس الطلب لا تأكيده إلا أن الظاهر هو إنسباق التأكيد عنها فيما كانت مسبوقة بمثلها ولم يذكر هناك سبب أو ذكر سبب واحد : فتدبر.

المقصد الثاني في النواهى فصل الحق إنَّ النهى من حيث المادة و الهيئة ليس كالامر في الدلالة على الطلب إذ معنى أنهاك عن كذا ليس بالمطابقة أطلب منك تركه بحيث يكون مفاد الهيئة على نحو الانحلال عبارة عن شيئين أحد هما مفادهيئى ربطى هو الزجر والآخر مفاد إسمى هو الترك، بل تفسير النهي في كلام القوم بطلب الترك تفسير باللازم وإن يظهر من المحقق صاحب الحاشية (قدّس سِرُّه) كونه تفسيراً بالمطابقة كيف و النهي عن الشيئي نهى عنه لا أمر بتركه فهو بالمطابقة يدل على الزجر و بالاستلزام على الترك، فما فى الكفاية من كون النهى كالامر في الدلالة على الطلب مع تفاوت كون متعلق الامر الوجود و متعلق النهى العدم غير سديد، والعجب دعواه الوفاق على ذلك و حصر الخلاف في أن المطلوب بالنهى هل الكف أو مجرد الترك ثم اختياره الثاني ودفع توهم كونه الكف لعدم مقدورية التوك بأن الترك لو لم يكن مقدوراً لم يكن الفعل مقدوراً، وخروج العدم الازلى عن الاختيار لا يستلزم كون العدم من حيث البقاء و الاستمرار في عمود الزمان الذى هو المطلوب حسب الفرض خارجاً عن الاختيار، إذلو كان هناك

ص: 134

وفاق على ذلك لم يكن للاختلاف فى أن الكف مطلوب أو مجرد الترك معنى فهذا الاختلاف آية عدم الوفاق فى ذلك وقد عرفت أن مفاد هيئة النهى هو الزجر، أما متعلق مفادها فهو نفس الطبيعة كما في متعلق الامر وكما أن الامر بالطبيعه بعث إليها ومقتضاه عقلا ايجاد الطبيعة كذلك النهى عن الطبيعة زجر عنها أى التنحي عنها ومقتضاه عقلا إبقاء الطبيعة على عدمها وهو الترك وهذا معنى دلالة النهى بالاستلزام على الترك، قالهيئة دالة على الردع (الزجر) الانشائى وصدوره من النا هي كاشف بحسب المقام عن كونه كارها للفعل فالمقام يكشف عن مكروهية متعلق النهى للناهى كما أنه يكشف عن أن الداعى على إنشائه الردع هو الجد لا الدواعى الأخرى، وصدور الردع الانشائى عمن تحرم مخالفته عقلا بلا صدور إذن منه فى الفعل موضوع لحكم العقل بوجوب الارتداع الذي عبر عنه القوم بالدلالة على الحرمة فالردع مدلول لهيئة النهى، أما كون المتعلق مكروهاً بالكراهة النفسانية وكون الباعث على الانشاء الجد وكون النهى موضوعاً لوجوب الارتداع فهذه الثلاثة مداليل مقامية أو استلزامات عقلية بدليل أن النهى إذا استعمل مع عدم هذه الامور لم يكن مستعملا الا فى معناه الحقيقى، فلولم يكن كارها للمتعلق و نهى عنه إرشاداً أو كان الداعى على إنشاء الردع غير الجدّ أو أذن في الفعل أو صدر ممن لم تحرم مخالفته لم يكن النهى مستعملا في المعنى المجازى ولو بالنسبة إلى مدلوله الالتزامى.

عالم (فما يظهر) من بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) من إختياره كون المطلوب في النواهي نفس ترك الفعل دون الكف عنه ثم إختياره أن متعلق النهى كمتعلق الامر هو الماهية التي لم يلحظ فيها الوجود والعدم وإنما الفرق بينهما كون مفاد النهى طلب إعدام المادة ومفاد الامر طلب ايجادها، فمتعلق الطلب في الامر صرف وجود الطبيعة و في النهى صرف ترك الطبيعة و لذا لا يتحقق إمتثاله إلا بترك جميع أفراد الطبيعة و يمتثل الامر بإيجاد أول وجود من أفراد الطبيعة (مخدوش) مبنى وإبتناءاً أما الاول فلان مفاد النهي كما عرفت ردع إنشائي عن الفعل الرّاجع من حيث شرح الهيئة إلى النهى عن ايجاد المتعلق بل لا يمكن كون الترك مطلوباً إذليست فيه مصلحة

ص: 135

إلا على نحو المقدمية والملاك المقدمى وصُلىَّ بل المفسدة قائمة بالنهي فيزجر عن وجوده، و أما الثانى فلما عرفت مراراً من أن متعلق الامر ليس صرف الوجود إذا الصرف ولو باصطلاح غير موافق لمصطلح الفلاسفة قيد زائد لايدل عليه المادة ولا الهيئة، فكذلك متعلق النهى ليس صرف ترك الطبيعة لاسيما مع تفسيره بطلب إعدام المادة و إستلزامه إنحلال النهى إلى نواهى متعددة شرعاً لا عقلاً، بل النهى كالامر متعلق بالطبيعة بما هي عنوان مطبق على ما يفرض لها من الافراد مع قطع النظر عن الخصوصيات فمطابق هذا العنوان هو الوجود السعى فالامر والنهي يتعلقان بالوجود السعى، و إختلاف إقتضائهما من حيث الامتثال في جانب الامر بأول الوجود و في جانب النهى بجميع الافراد مغالطة نشأت من إدخال حكم عقلي في مفادى هيئة الامر والنهى إذا لتحقيق أن ما هو الساقط المرتفع بعد إمتثال الامر بالاتيان بفرد من الطبيعة هو حكم العقل بوجوب ثانى الوجود و ثالثه و هكذا بخلاف النهى.

كما أن (ما يظهر) من بعض المحققين (قدّس سِرُّه) بعد ذهابه إلى أن مفاد صيغة النهى زجر تنزیلی نسبی بازاء الزجر الخارجي و هذا المفاد إبقاء للعدم بالعرض كما أن البعث إلى الفعل بالذات تحريك عن العدم بالعرض فالفعل في النواهي متعلق للكراهة النفسانية ولازمها إرادة إبقاء العدم (من أنه) يمكن أن يقال بأن مفاد الصيغة بلحاظ اشتمالها على أداة النفى و هيئة المضارع إعدام تسبیبی تنزیلی و هو معنون عنوان الزجر الفعلى الخارجى، كما يمكن أن يقال بأن التهى عبارة عن جعل المانع عن الفعل فمفاد هيئته الزجر من قبل الناهي تنزيلاً له منزلة المانع من تلقاء المكلف و ليس عنواناً لترك المكلف بل من مباديه. كما يمكن أن يقال بأن اللفظ توسعة في إبراز المقاصد كالفعل فهو من مبادى الدعوة لا أنه منزل منزلة الدعوة من قبل المكلف (مخدوش) بأن الاحتمالين الأخيرين ممالم يدل عليه دليل بل المنسيق من هيئة النهى غيرهما أما الاحتمال الأول فهو خلاف مفاد الصيغة لان مفاد كلمة لا الناهية هو النفى و متعلق النفى فعل المكلف فما يستفاد من صيغة النهى منع المكلف عن ايجاد الفعل لا أمره باعدامه، بل مقتضى هذا الاحتمال كون النواهي واردة مورد

ص: 136

تحقق الفعل بأن يتعلق به الاعدام لا ما إذا كان الفعل متروكاً (وماذكره) (قدّس سِرُّه) من أن لازم كون مفاد النهى الزجر عن الفعل و استلزامه إرادة ابقاء العدم كون الكف الذى هو التسبب إلى ما يوجب عدم بلوغ الداعى إلى حدٍّ يوجب إرادة الفعل لازماً لذلك أحياناً أى حين داعوية الفائدة المترتبة على الفعل إليه و حصول الميل النفساني للشخص فالكف فى الحقيقة أحد أسباب إبقاء العدم على حاله لا أنه في عرضه فمطلوبية الكف مطلوبية مقدمية، و توهم أن داعوية النهى للترك لابد أن يكون في مورد وجود الداعي للشخص نحو الفعل فبدونه لا معنى ی قالكف ملازم مع النهى دائماً مدفوع بأن عدم الداعى إلى الفعل ربما يكون بسبب النهى نعم إذا كان بسبب عدم القوة المنبعثة إلى الشوق نحو الفعل لم يعقل النهى فالنهي غير منحصر بصورة الكف بل قديكون مع عدم حدوث الميل والشوق (مخدوش) بأن النهى كما عرفت ردع إنشائي عن الفعل و مصححه إلتفات المكلف إلى النهى كي لا يرتكب المنهى أي لا يلبسه بلباس الوجود فالنهى لا ينحصر بما إذا كان بنفسه مانعاً بالفعل عن الداعي إلى الفعل بل يصح فيما إذا كان الداعى إلى الفعل ممكن الوجود، فالاعى لا ينهى عن النظر إلى الاجنبية أما البصير فينهى عنه لكي لا يتحقق ل_ه الداعى أو يجعل النهى التشريعي مانعاً عن صيرورة الداعي الموجود له نحو الفعل علة تامة لايجاده، فالغرض من النهى لا ينحصر في عدم حدوث الميل والشوق بل أعم من ذلك، فلقد أجاد بعض الاعاظم (رَحمهُ اللّه) حيث جعل مفاد النهى الردع عن الفعل قبال البعث إليه فى الامر والتزم بامتياز هيئة النهى عن الامر بتمام المفاد و دفع القول بكون مفاد النهى طلب الترك قبال الامر الذي مفاده طلب وجود الفعل بأن عنوان المادة حاك عن الوجود الخارجى فيهما معاً، فاستفادة الوجود من حكاية المادة مشتركة بينهما وليس الوجود والترك بما لهما من المعنى الاسمى في مفاد الهيئة التي تكون دالة على المعنى الحرفي النسبي.

و قد تبين مما أسلفناه أنه كما أن البعث إلى الطبيعة يمتثل بتلبس الطبيعي من قبل المكلف بلباس الوجود كذلك النهي عن الطبيعه يعصى بتلبس الطبيعي من قبل المكلف بلباس الوجود، فالدوام والتكرار إنَّما هما من مقتضيات العقل في النهي

ص: 137

والامر معاً لافي خصوص النهى لان البرهان الذي بسببه نقول بحصول الامتثال بوجود الفرد في الاوامر و بعدم حصول الارتداع في النواهي إلا بأبقاء الطبيعة بجمع ما لها من الافراد فى العدم واحد، وهو تعلق كل منهما بالطبيعه بماهي طبيعة بضميمة أن وجود الطبيعة يكون بوجود أي فرد من أفرادها، وهذا الطريق أسد وأخصر من الطريق الذى سلكه صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) في إستفادة الدوام والتكرار من النهى من أنهما لم يدل عليهما النهى كما لم يدل عليهما الامر نعم مقتضى الامر والنهي عقلاً ولو مع وحدة المتعلق مختلف منشائه أن وجود الطبيعة بوجود الفرد و عدم الطبيعة لا يكون إلا بعدم جميع أفرادها، فالدوام و الاستمرار من ناحية إطلاق الطبيعة غير المقيدة بزمان و حال إذا لطبيعة إنما تنعدم إذا انعدمت أفرادها بالكلية دفعية وتدريجية والنهى طلب ترك الطبيعة فهو يقتضى ترك جميع الافراد، و ظاهره (قدّس سِرُّه) كون الدوام والتكرار من المداليل الالتزامية العقلية (فمن ألعجب) تفصيل بعض الاعاظم (رَحمهُ اللّه) بين النهى فيستفاد منه الدوام بالاطلاق الذى هو نتيجة مقدمات الحكمة فى الهيئة دون الامر بدعوى أنَّ مقتضى كون المتعلق فيهما الطبيعة المهملة المحفوظة في ضمن جميع صور المهية من المقيدة والعارية عن القيد وغيرهما كونه تمام الموضوع للحكم نهياً وأمراً ولازمه تحقق المتعلق بأول وجوده، أما في النهى فحيث كان المقصود الاصلى إعدامه فطبع إطلاق المهية المهملة يقتضى عدم صدق الاعدام عليها الاباعدام جميع أفرادها حتى المتعاقبة منها، فهذا الاختلاف من ناحية المقتضى لا من ناحية طبع إطلاق المادة نعم من جعل المتعلق صرف الطبيعة يتسجل عليه الاشكال في إستفادة الدوام لان صرف الشيئى لا يتكرر بنحو التعاقب (وذلك) لانه (رَحمهُ اللّه) مع جعله مفاد النهى الردع عن العمل كما تقدم كيف يجعل المقصود الاصلى من النهى إعدام المتعلق إذا لنهى كالامر لا يدعو إلا إلى متعلقه ولا ينشأ إلا من الملاك مصلحة أو مفسدة، فالأجود في تقريب إستفادة الدوام من النهى ما بيناه، و بذلك ظهر أن اقتضاء الفورية من النهى إنما هو لتعلق الزجر بالطبيعة فلابد أن يزجر عنها حال إنشائه لا أن ذلك لاجل كون المقصود الاصلى إعدام الطبيعة من حين الانشاء ولازمه عدم وجودها من حين النهى كما ذهب إليه (رَحمهُ اللّه) قائلا بأن ذلك

ص: 138

هو الفارق بين الاوامر والنواهى حيث أن الامر لا يقتضى الفورية أو التراخي أو الادامة بخلاف النهى فيقتضى الدوام والفورية.

(فما ذكره) بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) في تقريب إستفادة الدوام من النهى من أن ترك الطبيعة ربما يلاحظ على نحو المعنى الاسمى أى مطلوبيته بالاستقلال على نحو خلو صفحة الوجود عن الطبيعة فيكون ترك الافراد ملازماً للمطلوب لا نفسه، ويتفرع عليه سقوط النهى بعصيانه بايجاد فرد من الطبيعة إذ لا مجال لبقاء النهى بعد اشتغال صفحة الوجود بفرد من الطبيعة، وربما يلاحظ على نحو المعنى الحرفى أى المرآتية للافراد فيكون المطلوب ترك الافراد ولازمه إنحلال النهى إلى أفراد متعددة حسب تعدد أفراد الطبيعة المنهى عنها وهذا هو الغالب في النواهى نفسية كلا تشرب الخمر أم غيرية كما في غير المأكول فالنهى فى كليهما إنحلالي (مبنى على) كون المطلوب في النواهى الترك وقد عرفت أنه الزجر عن الفعل مضافاً إلى أن النظر في النهى كالامر ليس إلى الافراد بما هي أفراد فلا معنى للانحلال شرعيا بل لابد من التعبير بالانطباق، فالقول بالانحلال كالقول بأن ترك الطبيعة ربما يكون مطلوباً بالاستقلال وربما يكون مطلوباً على نحو المرآتيه غير سديد ب_ل الصحيح في لمثال الأول ما قلناه من أن الزجر ربما يكون بلحاظ عدم تحقق الطبيعي في الخارج كما في نذر الزجر عن شرب التتن، كما أنّ (ماذكره) بعض المحققيق (قدّس سِرُّه) في تقريب إستفادة الدوام من أن وجود الطبيعة يلاحظ على ثلاثة أنحاء (أحدها) لحاظه مضافاً إلى الطبيعة المهملة التى يكون النظر إلى ذاتها وذاتياتها ويقابله إضافة العدم إليها و نتيجة ذلك تحقق وجود الطبيعة بالفرد وحيث أن عدم كل وجود بديله فتحقق عدم الطبيعة المهملة أيضاً بعدم فردٍمّا (ثانيها) لحاظه مضافاً إلى الطبيعة بنحو الكثرة ولازمه كون الملحوظ وجودات الافراد وفى مقابله لحاظ العدم بنحو الكثرة ونتيجة ذلك أن يكون لكل وجود عدم هو بديله (ثالثها) لحاظه مضافاً إلى الطبيعة بنحو الوحدة فى الكثرة ويقابله عدم مثله وبعبارة أخرى طبيعى الوجود وطبيعي العدم و في هذا القسم لا معنى للانحلال فليس بديل ذلك الوجود أعداماً بنحو الانحلال، و توهم أن طارد العدم الازلى أو ناقض العدم الكلى يتحقق بأول الوجود أمّا نقيضه أى عدم

ص: 139

ناقض العدم فهو إبقاء العدم الكلى على حاله مدفوع بأنه ليس هناك طارد العدم الكلى أصلاً أماً نقيض الوجود الأول فهو عدم هذا الوجود نعم يستلزمه سائر الاعدام (مخدوش) بأنه لوصح ماذكروه من إمكان تصور الناقض للعدم الأزلي فالمراد من قولهم بتحققه بأول الوجود و عدم تحقق نقيضه الّا بعدم وجود أي فرد من أفراد الطبيعة هو الاستلزام الخارجى إذكل ما يتصور للطبيعة من الافراد موجوده ناقض لذلك العدم المضاف إلى الكلي والنتيجة واحدة، مضافاً إلي أن المنهي عنه كما عرفت هو الفعل و هو الذي تكون فيه المفسدة المقتضية للنهى والمفسدة قائمة بأىِّ فرد يفرض.

أمّا (ما قاله) (قدّس سِرُّه) من أن الاطلاق بمقدمات الحكمة يقتضي في الامر الامتثال بالفرد وفي النواهي عدم الاتيان بجميع الافراد إذا لمصلحة قائمة بالطبيعي في الامر كما أن المفسدة قائمة به فى النهى (فهو راجع) إلى ما ذكرناه من أن الطبيعي مزجور من حيث الوجود لامطلوب عدمه إذ كيف تكون المفسدة في الفعل ويطلب عدمه فان الطلب لابدّ له من ملاك فاذا لم يكن ملاك في العدم فلا يطلب (ثم استشكل) (قدّس سِرُّه) علي ما ذهب إليه من عدم المقابلة بين وجود فرد من الطبيعة مع جميع أعدامها بأن الوجود بحيث لا يشذ عنه وجود لا يعقل الامر به بخلاف العدم وهو الفارق بين الامر والنهى فأجاب بأن العدم الذى يمكن أن يطالب به المكلف هو العدم الذى يمكن أن يكون بديله مطلوباً (أقول) ليس معنى الامر المتعلق بالوجود السّعى هو الامر بوجوده على نحو المجموعية بأن يكون المطلوب جميع ما يتصور للطبيعي من الافراد على نحو وحدة المطلوب لان ذلك مضافاً إلى إستحالته قيد لابد من لحاظه في ناحية المتعلق ووجود قرينة تدل على تقييد المتعلق به وهي مفقودة، بل معنى الامر بالطبيعة الحاكية عن الوجود السعى ه_و الامر بالوجود السعى اللانهائى اللايقفى من حيث الافراد بحيث يمكن للمكلف تطبيق الطبيعي على كل فرد منه و تلك الطبيعة هى التى تكون تحت القدرة البدلية للمكلف، لا أن معناه كون جميع تلك الوجودات مأموراً بها على نحو الكثرة في الوحدة ولا كون جميعها تحت القدرة الفعلية للمكلف والفرق بين لحاظ الوحدة في الكثرة

ص: 140

مع لحاظ الكثرة فى الوحدة واضح، إذا لمراد بالاول سعة دائرة تطبيق أمر واحد هو الجامع السّعى على أمور متعددة هي حصص هذا الجامع فالجامع الذى لا يعقل شذوذ ای فرد موجود منه هو الوجود الذى لا يشذ عنه وجود، والمراد بالثاني هو الوجود بحيث لا يشذ عنه وجود بمعنى الجمع بين الحصص الوجودية للجامع و هذا ليس مقتضى إطلاق اللفظ بل لابد من لحاظه بالخصوص فلا يستفاد من النهى مضافاً إلى أنَّ متعلق الامر كالنهى على ما عرفت نفس هذا الوجود فلابد لهذا القائل من الالتزام بعدم إمتثال الامر إلا بالاتيان بجميع الافراد ولا يلتزم به.

ثم إنَّ لازم كون متعلق النهى كمتعلق الامر هو الطبيعي على ما عرفت وعدم إستلزام امنثال الامر سقوط الخطاب عن المتعلق ولا خلوه عن الملاك بل المرتفع بالامتثال حكم العقل بوجوب الاتيان كما تقدم هو عدم سقوط النهي إذا خولف، بل بقاء حكم العقل بحرمة المخالفة بالنسبة إلى سائر أفراد الطبيعي إلا أن تقوم قرينة على تقييد المتعلق بأول الوجود بأن يعلم أن المفسدة إنما هي في بروز الطبيعي إلى حيز الوجود بمعنى عدم المفسدة فيه بعد ذلك كغالب موارد نذر الزجر بالنسبة إلى فعل من الافعال كشرب التتن، ففى مثله لايبقى حكم العقل بحرمة المخالفة بالنسبة إلى سائر الافراد أما بدون تلك القرينة كما في غير تلك الموارد فمقتضى إطلاق الدليل بقاء موضوع حكم العقل بحرمة المخالفة بالنسبة إلى سائر أفراد الطبيعي الملازم البقاء حكم العقل بذلك (فما فى الكفاية) من أنَّ بقاء النهى لو خولف محتاج إلى الدليل ولو كان هو الاطلاق بشرط أن يكون الاطلاق من هذه الجهة ولا يكفي الاطلاق من سائر الجهات للدلالة على بقاء النهى بعد مخالفته (غير سديد) كما أن ما في تعليقة بعض المحققين (قدّس سِرُّه) عليه من أن الاعدام إذا كانت متمايزة بحيث رتب الحكم على كل واحد على نحو العام الاستغراقى لم يكن مانع عن بقاء النهى على حاله بواسطة عصيانه بالنسبة إلي بعض الاعدام إذهو في الحقيقة نواهى متعددة، أما إذا لوحظت أعدام الطبيعة على نحو الوحدة في الكثرة أى عدم الطبيعة بحيث لا يشذ عنه عدم فحيث أنه موضوع واحد و ليس لموضوع واحد إلّا حكم واحد فيشكل بقاء النهى مع عصيانه في بعض متعلقه لان عدم الطبيعة بحيث لا يشذ عنه عدم

ص: 141

ينتقض بقلب بعض الاعدام إلى الوجود (يدفعه) أنّ ما هو المأمور به فى الاوامر كما عرفت هو المزجور عنه في النواهى إذ مفاد هيئة إفعل بعث إنشائي ومفاد هيئة لا تفعل ردع إنشائي، مضافاً إلى أن الجامع السعي كمامر آنها ماهو قابل للانطباق علي كل فرد لاماهو جامع بالفعل لجميع ما يتصور للطبيعي من الافراد فيقاء العدم بحاله بعد العصيان إنّما هو لعدم سقوط النهي بالعصيان و كون متعلقه الطبيعي بماهو جامع سيال، كما أن الامر أيضا لا يسقط بالامتثال بل الساقط المرتفع هو حكم العقل، و لعله (قدّس سِرُّه) إلي بعض ما ذكرنا أشار بقوله : و يمكن حل الاشكال الخ فلا حظ.

(ومماذكرنا ظهر) مافى توجيه بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) إنحلال النهى بالنسبة إلى الافراد الطولية وبقائه فى الآن الثانى بعد إمتثاله في الآن الاول على حد تعبيره فانه (رَحمهُ اللّه) بعد ماقال بأن تعلق النهى بالافراد العرضية أى التي يمكن للمكلف ايجاد كل واحد منها بالفعل إنّما هو بأخذ ترك الطبيعة فانياً في معنوناته أى ترك كل واحد من واحد الافراد الخارجية، وَجَّهَ إنحلال النهى بالنسبة إلى الافراد بأحد وجهين إما بأن يؤخذ الزمان في ناحية المتعلق أى يكون الزمان مفرداً فيقال شرب الخمر فى كل زمان محکوم بالحرمة وإما بأن يؤخذ الزمان في ناحية الحكم بدليل الحكمة (وذلك) لفساد كلا الوجهين أما الأول فملاكاً وخطابا أما الملاك فلان تقييد المتعلق لابد أن لا يكون جزافاً و حيث لا مفسدة لشرب الخمر إلا في ذاته مضافاً إلى أن دخالة كل زمان زمان فى ملاك شرب الخمر ليس إلا عدم دخالة كل زمان زمان فى مفسدة شرب الخمر فلا معنى لتقييد المتعلق بحسب الأزمنة ملاكاً، وأما الخطاب فلعدم ما يوجب هذا التقييد و فرض الفارض لا يوجب تقييد اللفظ المطلق الصادر من متكلم آخر، و أماً الثانى فلان بقاء الحكم في عمود الزمان ليس لاجل أخذ الزمان قيداً للحكم المجعول بل لاجل أن متعلق التكليف طبيعة صادقة على الافراد العرضية والطولية على حدٍّ سواء و مقدمات الحكمة لا تجرى إلّا فى ناحية المتعلق، نعم النسخ الذى ه_و تخصيص أزماني على مصطلح الشيخ الاعظم الانصاري (قدّس سِرُّه) إنّما يكون بالنسبة إلى مفاد الهيئة أى الحكم و إطلاق الهيئة انما يقتضى بقاءُ الحكم وعدم تخصيصه

ص: 142

من حيث الازمان، لكنه مضافاً إلى عدم إرتباطه بمقصود هذا القائل لا يستلزم إطلاق الحكم من حيث الزمان بمعنى لحاظ ضمِّ الزمان إلى مفاد الهيئة فتفطن كي تعرف، ثم إن النذر عهد بين المكلف و خالقه فهو أمر قصدى يتبع سعة دائرة متعلق الالتزام النذری و ضيقه قصد الناذر و جعله فمسئلة النذر ليست مما يمكن أن يكون ناقضاً لمبنى أو مصحِّحاً لمبنى فراجع ما ذكرناه (رَحمهُ اللّه) ولاحظ.

فصل في إجتماع الامر والنهي في واحد فقيل يجوز مطلقا، و قيل يمتنع كذلك وقيل يجوز عقلاً لا عرفا و المشهور في عنوان البحث ما ذكرنا من جواز الاجتماع وعدمه كما صنعه في الكفايه وقد عدل عنه بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) إلى أن الأولى عنوانه بأن هناك فى باب الاجتماع سراية من أحد الحكمين إلى متعلق الآخر بعد إتحاد ما في الخارج ايجاداً و وجوداً أم لا و بعبارة أخرى هل هناك إجتماع؟ حتى لا يجوز ام لا؟ حتى يجوز بدعوى أن عنوانه على النحو المشهور يوهم عدم إعتراف المجوّز بتضاد الحكمين، لكن الصحيح ما عليه المشهور إذ المراد بجواز الاجتماع فى كلا مهم أنّ المجمع لما كان واجداً للوجهين فهل يجوز اجتماع حكمين فيه أم لا فبرهان المجوّز تعدُّد الوجهين و ذلك لا يستلزم توهم ذهاب المجوِّز إلى عدم التضاد بين الاحكام، بل التحقيق أن أدلة المجوّزين مختلفة فربما يكون المجوِّز ممن يقول بتضاد الاحكام ولا يرى الواحد ذا وجهين ولا يعتني بسراية حكم إلى متعلق الآخر بل يستدل للجواز بأن الاجتماع مأمورى لا آمرى والاجتماع إذا كان من قبل المكلف لم يضر بصدق الامتثال والعصيان معا في آن واحد كما لا يوجب جعل حكمين متضادين بالنسبة إلى واحد شخصي من الجاعل الحكيم كما سنشير إلى ذلك إنشاء اللّه، فلا أولوية لما ذكره علي مقال المشهور، نعم قد حكي سيد مشايخنا عن أستاده السيد الاصفهاني الفشار كي قدس سرهما أنه كان يُعبّر بأن الأحسن أن يقال هل هناك إجتماع حتى لا يجوز أم لا حتى يجوز لكنه (قدّس سِرُّه) لما رأى المناسب للبرهان الذى إستحسنه على الجواز من إختلاف الوجهين ذلك رجج هذا التعبير لا أنه جعل هذا العنوان أولى من مقال المشهور مطلقا، وكيف كان فقبل الخوض في تحقيق الحال لابد من ذكر أمور.

ص: 143

(الأول) أن المراد بالواحد ليس هو الشخصي بل مطلق ما كان ذا وجهين و عنوانين يكون بأحدهما مأموراً به و بالآخر منهيًا عنه و إن كان كلياً كالصلاة في الدار المغصوبة نعم إذا تعدد متعلق الامر والنهى و لم يجتمعا وجوداً لم يدخل في النِّزاع وإنّ جمعهما مفهوم واحد كالسجود اللّه و للصنم، فالواحد فيما نحن فيه هو الواحد من حيث الوجود إذ الوحدة والتعدد عنوانان إنتزاعيان من الحدود الوجودية للاشياء و حيث أن مورد لحاظ الوحدة والتعدد مختلف فلابد من تعيين موردهما، مثلاً إذا لوحظ زيد بما هو شخص خاص وعمرو كذلك يكونان متعددين و إذا لوحظا بما هما داخلان تحت صنف واحد أو نوع واحد أو جنس واحد أو مجتمعان في مكان واحد أو متحرفان بحرفة واحدة يقال إنّهما متحدان فيقال إنَّ زيداً و عمرواً واحد بالنوع أو بالجنس و هكذا، هذا إذا لم يعلم المراد من مورد اللحاظ بقرينة المقام أمّا إذا علم كما في المسئلة إذ البعث إنّما هو في إمكان شمول الامر والنهي لفرد وج__ودي خارجي فلاحاجة إلى تعيينه، ومما ذكرنا ظهر أنَّ ما افاده بعض المحققين في المقام في تعليقة الكفاية توضيحي لمرام أستاده قدس سرهما

(الثاني) أنّ الفرق بين مسئلة الاجتماع مع النهى عن العبادة إنما هو فى جهة البحث و الغرض منه الذى تمايزه كاشف عن تمايز الموضوع الذي به تمايز المسائل كما تقدم في محله، إذا لبحث في المقام كما عرفت في الامر الأول إنما هو في أن تعدد الوجه هل يوجب تعدد متعلق الامر والنهى في الواحد كى ترتفع به غائلة امتناع الاجتماع أم لا، وبعبارة أخرى متعلق الامر والنهى واحد في الوجود الخارجي كي يسرى كل من الامر والنهي إلي متعلق الآخر أم متعدد كي لا يسرى، فالنزاع هنا فى تحقق توارد الامر والنهي علي شيئي واحمد بجهة واحدة بخلاف مسئلة النهي عن العبادة فالنزاع بعد الفراغ عن التوارد في أن النهي يوجب الفساد أم لا، فعلي القول بالامتناع تكون مسئلتنا من صغريات مسئلة النهي عن العبادة (فما يظهر) من صاحب الفصول (قدّس سِرُّه) من أنَّ الفرق بين المقامين في تغاير طبيعتي الامر والنهي بحسب الحقيقة كي تكون من باب الاجتماع و إتحادهما حقيقة كي تكون من النهي عن العبادة (غير سديد) إذمع الاتحاد بحسب الحقيقة يمكن التغاير

ص: 144

بحسب الجهة كى يكون من باب الاجتماع، فالحق كمانبة عليه في الكفاية أن مع وحدة الموضوع وتعدد الجهة المبحوث عنها لابد من عقد مسئلتين كما صنعوا في المقام (نعم) هذا على مسلك القوم فى برهان الجواز أماً على ما عرفت من إمكان إستناد المجوِّز إلى الاجتماع المأمورى فافتراق المسئلتين غير محتاج إلى تعدد الجهة أيضاً فما في تعليقة بعض المحققين من الاشكال على مقال أستاده صاحب الكفاية قدس سرهما من أن تعدد القضايا إما أن يكون بحسب الموضوع والمحمول معاً أو بأحد هما فقط فلابد و أن تكون الجهة الموجبة لتعدد المسئلة تقييدية لاتعليلية نعم الباعث على عقد مسئلة الاجتماع تعيين أن تعدد الوجه هل ه_و أن تعدد الوجه هل هو معدّد أم لا إلا أن موضوع المسئلة هو إجتماع الامر والنهي ومحمولها الجوار أو عدمه (مدفوع) بأن الجهات التعليلية فى المسائل العقلية تقييدية إذا لبحث فيها عن الحيثيات الدخيلة في موضوعية الموضوع بنظر العقل للمحمول المبحوث عنه، فاذا قلنا إجتماع الامر والنهى جائز و علّلناه بأن المجمع لما كان متعدداً من حيث العنوان جاز الاجتماع صحَّ مقال صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) وافترقت المسئلتان ولو أغمضنا عن ذلك لامكن أن يقال هل يجوز إجتماع الامر والنهى فى العبادات مثلاً أو مطلقاً إذا كان متعلق الامر مطلقاً ومتعلق النهى مقيداً كقوله : صل و لا تصل صلاة جعفر: مثلا و تتداخل المسئلتان.

(كما أنّ ما في) تقرير بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) من أن اللّازم في مسئلة الاجتماع هو البحث عن مقامين احدهما أن الجهتين في باب الاجتماع تعليليتان حتى يتحد متعلق الامر والنهى ولا يكون المجمع قابلاً لو رود حكمين متضادين بل يقع التعارض بينهما أم تقييد يتان حتى يتعدد المتعلقان و يرد كل حكم على مورد ولا يكون المجمع مورداً لحكمين متضادين بل يتزاحم الحكمان من حيث الانطباق على الخارج، ثانيهما أن قيدية القدرة في المتعلق فى مورد الجهتين التقييديتين هل هي بحكم العقل كي يمكن القول بأن الاتيان بالمجمع و إن لم يكن إمتثالا للأمر المتعلق به لكنه إمتثال للأمر بالطبيعة فيتزاحم الحكمان أم باقتضاء الامر كى لايكون الاتيان به إمتثالا للأمر بالطبيعة أيضاً بل إمّا إمتثالا للأمر بالمقدور بعد سقوط

ص: 145

النهى أو عصياناً للتهى بعد سقوط الامر (مدفوع) بأن حاصل مقامه الاول إحتمال دخول الجهة التعليلية في مورد النزاع وعمومه لما إذا كان موضوع واحدٍ متعلقاً الحكمين يعلتين، و هو غريب إذلابد فى مثله من القول بالتعارض ولا موجب فيه لتوهم تزاحم الحكمين فى عالم الانطباق الذى هو محل النزاع في باب الاجتماع، ضرورة أن الجهات التعليلية وسائط لثبوت الحكم فالموضوع الذي يتعلق به الحكم متأخر عن العلة من حيث تعلق الحكم فكيف يعقل تعنونه بالعلة كي يمكن توهم تعدده بتعدد الجهة التعليلية فيعقد هذا المقام لدفع ذاك التوهم، أما تعنون الموضوع أحياناً بالعلة فانما هو للاشارة إلى علية العنوان و وساطته لثبوت الحكم لا لدخل الوصف فى موضوعية الموضوع كما في قوله تعالى : السارق والسارقة فاقطعوا : فانه وارد لبيان وجوب القطع بعد تحقق السرقة فالموضوع ذات السارق لا بوصف أنه سارق، كما أن حاصل مقامه الثانى تعين القول بالامتناع على القول بكون القدرة من مقتضيات الامر وهو غير سديد إذالمبنى وإن كان فاسداً كما أسلفناه في مبحث الترتب لكن على القول به يمكن الالتزام بالاجتماع وصحة المجمع للقائل بالصحة في صورة عدم تعلق الامر بالمأتى به لكونه مساوياً في الفردية مع سائر أفراد الطبيعة فيصدق إمتثال الامر بالطبيعة كما التزم به فى فرض قيدية القدرة بحكم العقل، و ذلك لان عدم تعلق الامر بغير المقدور على مبني كون القدرة باقتضاء الامر ليس لقصور غير المقدور ملاكاً ولا لعدم تساويه مع سائر أفراد الطبيعة بل لمحض اقتضاء الامر، فاذا كان مساوياً مع سائر الافراد فى الفردية والملاك فلا محالة يصدق معه إمتثال الامر بالطبيعة ويكون صحيحا، فلا فرق بين شقي دخل القدرة في إمكان الاجتماع علي مختاره كما أنَّ (ماذكره) من الفرق بين المبدئين أى الصلاة والغصب مع العنوانين أى المصلى والغاصب فالتركيب في الاول إنضمامي و في الثاني إتحادى (يدفعه) أن العنوان الاشتقاقى إنَّما ينتزع عن مبدئه و يكون بلحاظه فمع تعدد المبدئين فى الخارج وكون تركيبهما إنضماميا كما هو مفروضه كيف يعقل وحدة عنوانهما خارجاً وكون تركيبهما اتحادياً، فالتفكيك بين المبده والعنوان في الحكم إنّما هو من التفكيك بين اللازم و الملزوم فى الحكم

ص: 146

بل من مزية الفرد على الاصل فى ذلك، و أيضاً (ما ذكره) من أن الصلاة في الدار المغضوبة من قبيل وحدة الايجاد و تعدد الوجود (يدفعه) إن تفاوت الايجاد و الوجود إنما ه_و بالاعتبار فكيف يعقل التفكيك بينهما في عالم الوجود بالوحدة والتعدد فالايجاد الواحد لا بدله من وجود واحد والوجود ان لابد لهما من الايجادين (وما اختاره) بعض الاعاظم (رَحمهُ اللّه) من إخراج ما إذا كان المجمع مركباً من جهتين تقييديتين عن محل النزاع إذليس فيه جهة إستحالة لتعلق الحكمين بعد تعدد المتعلقين و عدم سراية حكم الملازم إلى الملازم فلا مجال فيه للقول بالامتناع (مدفوع) بامكان المصير إلى القول بالامتناع فيه بدعوى أن العقل لا يجوز شمول الحكمين للمجمع لان القدرة شرط في التكليف بالمعنى الاسم المصدري فيستحيل توجه الخطاب نحو هذا المجمع ولايجوز الاجتماع بهذا المعنى.

(الثالث) أنه ربما تجتمع في مسئلة من المسائل العلميه جهات و أغراض عديدة تندرج المسئلة بكل جهة وغرض في علم من العلوم المدونة فمجرد وجود جهة للبحث الكلامي في مسئلة كمسئلتنا هذه لا يوجب كونها كلامية حيث يمكن أن يقال هل يصح من الحكيم الامر والنهي بواحدِ شخصي أم لا يصح فيكون البحث عما يجوز وعمالا يجوز عقلاً من الحكيم كما هو شأن المسئلة الكلامية، وذلك لان نتيجة البحث المزبور حيث تقع في طريق الاستنباط إذ هي قاعدة كلية يستنتج بها الحكم الشرعي كفساد الصلاة في الدار المغصوبة وصحتها فالمسئلة تكون أصولية لامن مباديها الاحكامية ولا التصديقية، وبالجملة إنطباق جهتين أو جهات على مسئلة من المسائل الاصولية لا يضر بكونها اصولية بتوهم أن الجهات الأخرى تدرجها في علوم أخر كما سبق ذلك فى أول الكتاب (فما يظهر) من بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) من كون المسئلة من المبادى التصديقية لعلم الاصول بدعوى أن المسئلة الاصولية ما يترتب عليها بعد ضم صغرياتها الحكم الشرعى ومسئلة الاجتماع بعد القول بالامتناع تكون من صغريات النهى عن العبادة فاذا قلنا بفساد العبادة في م_ورد الاجتماع مع الحرام فهو لاجل النهى عن العبادة لا لاجل مسئلة الاجتماع (مدفوع) بأنه يكفى فى كون المسئلة أصولية قولنا بصحة العبادة بناءاً على جواز

ص: 147

الاجتماع مضافاً إلى أن المبادى التصديقية غير محتاجة إلى الاستدلال و مسئلتنا محتاجة اليه فكيف تكون من المبادى التصديقية، فكل مسئلة هي معروضة للبحث والاستدلال و نتيجتها قاعدة ممهدة لاستنباط الاحكام ولو بواسطة قاعدة أخرى تنضم إليها تكون أصولية (كما أن) إنكار بعض المحققين(قدّس سِرُّه) وجود جهات في مسئلة اصوليه بدعوى أن مسائل الاصول ليست كذلك غالباً بل البحث في كل مسئلة منها حيثى ففى مسئلة الاجتماع يبحث عن جواز الاجتماع و عدمه و موضوعه إجتماع الامر والنهى وليس البحث عن كل مسئلة عقلية كلامياً بل المسئلة الكلامية ما لها مساس بالعقائد الدينية (مدفوع) بأن كون غالب مسائل الاصول كذلك لا تستلزم عدم صحة التنبيه على ما ذكر مضافاً إلى إمكان البحث في المسائل الاصولية عن غير الاصول لان تلك المسائل إما مباحث الالفاظ أو ادلة عقلية فالاولى يمكن البحث فيها عن مفاد الهيئات وهى مندرجة في علم الادب بالمعنى العام و الثانية يكون البحث فيها عن الملازمات العقلية فيمكن إندراجها في علم الكلام ولو باعتبار البحث عن أفعال الحكيم و أنها تصبح منه أم لا، فالبحث في مسئلتنا يمكن كونه كلامياً بالمعنى المذكور كالبحث عن كون القدرة شرطاً في التكاليف لامكان كونه بلحاظ صحة الصدور من الحكيم، فعلم الكلام وإن كان البحث فيه عما يرتبط بالعقائد لكنه يشمل البحث عن الحسن و القبح بالنسبة إلى أفعاله تعالى، ثم إنه قد ظهر مما بينا أن مسئلة الاجتماع عقلية لا لفظية فلا تختص بما إذا كان الايجاب والتحريم لفظيين وإن كان ظاهر التعبير بالامر والنهي يوهم الطلب والزجر بالقول وهذا واضح جداً وماترى من تفصيل بعض بين الجواز عقلاً و الامتناع عرفاً فإنّما هو لمزعمة أنَّ الواحد ذاوجهين متعدد عقلا و واحد عرفا وليس لاجل دلالة اللفظ، كما أنَّ الظاهر عموم النزاع لكل أمر ونهى نفسيين أم غيريين تعيينيين أم تخييرين عينيين أم كفائيين إذ المدار في عموم النزاع و خصوصه جريان ملاك النزاع وعدمه و هو جار في جميع الأنحاء المزبورة إذليس البحث في مقامنا عمّا ينسبق إلى الذهن من إطلاق هيئة الامر أو النهى ولو بجريان مقدمات الحكمة بدعوى الظهور في النفسى التعيينى العيني بل عما أريد بهما واقعاً فيعم الغيرى و التخييري

ص: 148

والكفائي، فاذا أمر بالصلاة والصوم تخييراً ونهى عن التصرف في الدار و مجالسة الاغيار كذلك فالمكلف صلى فى الدار حال مجالسة الاغيار كانت صلاته تلك كالصلاة المأمور بها تعييناً فى دار نهى عن التصرف فيها كذلك.

(الامر الرابع) إنَّه قد يقال بدخل قيد المندوحة في مقام الامتثال في محل النزاع لان التكليف مع عدم المندوحة تكليف بالمحال و لكنك خبير بأن النزاع حيثى إذ البحث إنّما هو فى أن تعدد الوجه هل هو رافع لاستحالة إجتماع حكمين متضادين أم لا و إستلزام التكليف بدون المندوحة المحال من جهة أخرى وهي العجز عن الامتثال أمر آخر لا ربط له بالمقام إذا لمحذور في المقام، هو التكليف المحال إذا قلنا بأن الواحدذا وجهين لا يتعدد خارجاً فالامر به والنهى عنه محال أما مع عدم المندوحة فحيث لاقدرة على الامتثال رأساً فالتكليف إنّما هو بالمحال (فما يظهر) من بعض المحققين (قدّس سِرُّه) من أن إستلزام تعدد العنوان تعدد المعنون حيث تعليلى للبحث وليس مقوماً لمرضوعه إذا لبحث عن جواز إجتماع الامر والنهي فعلاً فلا بد من رفع إشكال الجواز الفعلى من جميع الجهات و هو لا يرتفع الابأخذ قيد المندوحة في موضوع البحث فهو من ملازمات الموضوع لامن العوارض غير الدخيلة فيه، و ليس البحث عن مجرد تضاد الحكمين الواردين على المجمع و عدمه كي يكتفى بأن تعدد العنوان يرفع ذلك الاشكال (إن قلت) محل البحث هو إستحالة التكليف بما لا يطاق ولا ريب أنَّ التكليف بمجمع العنوانين مما لا يطاق كانت هناك مندوحة أم لم تكن فيكون البحث عن الجواز الفعلى بلا دخل قيد المندوحة في موضوعه إذا لقدرة على إمتثال الامر في غير المجمع لا تصحِّح الامر فى المجمع (قلت) كلّا فان متعلق الامر ايجاد الطبيعة لا بما هي فانية في الافراد بل بما هي فانية في حقيقة الوجود بلا لحاظ الكثرات العارضة عليه ومن المعلوم أنَّ طلب الطبيعة الملحوظة فانية في حقيقة الوجود إنما يصح مع وجود المندوحة إذ حينئذ تكون الطبيعة مقدورة ولو بسبب القدرة على ايجاد فردِما منها فى الخارج أماً مع عدم المندوحة فليست مقدورة بوجه أصلا فلا يصح طلبها، فالبحث عن جواز الاجتماع وعدمه من حيث تعدد العنوان إنما هو بعد الفراغ عن صحة طلب الطبيعة بسبب وجود المندوحة فهذا القيد مقوّم لموضوع البحث

ص: 149

(مدفوع) بأن الطبيعة الملحوظة في متعلق الامر وإن لم تكن فانية في الافراد بما هي مكتنفة مع اللوازم والملازمات والاضافات ولا بما هي متشخصة بالحدود الوجودية في الخارج لكنها ليست فانية في حقيقة الوجود بمعنى صرف الوجود أيضاً إذا الصرف غير قابل للايجاد بل هي ملحوظة مرآة للوجود السعى من الطبيعة لا بوصف أنَّها سعى بل بما هي قابلية بالذات للسريان في جميع الافراد، ومن المعلوم أنّ القدرة على ايجاد الطبيعة بالمعنى المذكور في ضمن الحصص الغير المكتنفة بالمبغوض ليس قدرة على ايجادها فى الحصة التوأمة مع المبغوض، و بالجملة فليس البحث في مسئلة الاجتماع عن القدرة على ايجاد الطبيعة مطلقاً كي يقال بدخل قيد المندوحة في موضوعه بل البحث إنّما هو عن القدرة علی ايجاد حصة خاصة منهاهي التوأمة مع النهى، و بعبارة أخرى البحث إنما هو عن الجواز وعدمه في خصوص المجمع لا في غيره من الافراد المنصورة لطبيعة المأمور به و من البديهي عدم إعتبار المندوحة في هذا البحث، أما أنَّ الفرد من الطبيعة غير التوأم مع النهى خارجاً يجوز الامر بايجاده بلا محذور كما في صورة المندوحة فلا ربط له بمسئلة جواز الاجتماع و عدمه من حيث الانطباق على المجمع، وهل الامتناعى يقول بأن المتمكن من الصلاة في المسجد مثلا غير قادر على إمتثالها و ليست تلك الصلاة مأمورًا بهافي حقه لانه غير قادر على الصلاة في الدار المغصوبة و ليست تلك الصلاة مأمورا بها في حنه حاشا و كلاً، فقيد المندوحة أجنبي عن بحث الاجتماع، هذا كله مع أنا لو قلنا بأن الطبيعة فانية في حقيقة الوجود و مقتضاه كون المندوحة حافظة لاطلاق الامر و مصحِّحة لامتثاله في الاتيان بالمجمع فهو علاج لمشكلة الاجتماع إن خلا عن ورود الاشكال وليس من دخل وجود المندوحة في محل البحث في شيئي.

كما أنَّ (ما يظهر) من بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) من أنَّ لزوم المندوحة إنّما هو لبقاء اطلاق الامر بالنسبة الي غير المجمع من أفراد الطبيعة اذالامر لا يتعلق بالافراد الغير المقدورة والمجمع غير مقدور ولو كان ذا حيثين انضما ميين فلا أمر به كي يصح الاتيان به (مدفوع) بأن البحث عليهذا في سبب القول بالامتناع بالنسبة إلي المجمع و أنه عدم الامريه لا أخذ القدرة في متعلقه و تعدد المجمع بتعدد العنوان

ص: 150

لا يكفي للجواز من هذه الجهة فهور أى في المسئلة ولا ربط له باحتياج موضوع البحث إلي قيد المندوحة مضافاً إلي ما عرفت سابقا من فساد المبني و عدم تقيد المتعلق بالقدرة.

(الامر الخامس) أنه قد يتوهم توقف النزاع في المقام علي القول بتعلق الاحكام بالطبايع إذ على القول بتعلقها بالافراد لايتصور الجواز لاستلزامه تعلق حكمين متضادين بواحد شخصى فيتعين الامتناع، وقد يتوهم توقف الجواز على القول بتعلق الاحكام بالطبايع ضرورة تعدد متعلقى الامر والنهي حينئذو إن اتحدا وجوداً و توقف الامتناع على القول بتعلقها بالافراد ضرورة إتحاد متعلقهما خارجاً حينئذ، لكن يندفع كلا التوهمين بما نبه عليه صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) من أنَّ تعدد الوجه إذا كان مجدياً بحيث لا يضرُّ الاتحاد ايجاداً و وجوداً فهو مُجدٍ حتى على القول بالتعلق بالافراد إذ الموجود الخارجي باعتبار وجود الوجهين فيه مجمع لفردين من طبيعيين وجدا بوجود واحد، وإذا كان غير مُجدٍ فلا يجدى حتى على القول بالتعلق بالطبايع ضرورة وحدة الطبيعتين وجوداً و خارجاً حينئذ (فما يظهر) من بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) من التفصيل في المقام بين كون النزاع في مسئلة تعلق الامر بالطبايع أو الافراد في أن الموجود في الخارج هو الطبيعي أو الفرد فعليه لاساس لتلك المسئلة مسئلة الاجتماع إذ الحيثان إذا كانا تقييدييين انضماميين فالمجمع على القول بوجود الطبيعي يكون طبيعيين موجودين بوجود واحد و علی القول بوجود الفرد يكون فردين إنظاميين إجتمعا في وجود واحد و إذا كسانا تعليليين فكان التركيب بينهما اتحاديا فالموجود الخارجى هوية واحدة معنونة بعنوانين على القول بوجود الطبيعي و فرد واحد كذلك على القول بوجود الفرد، و بين كونه في أن الامر المتعلق بالطبيعة هل يتعلق بمشخصاتها الخارجية أيضاً أم لا بل المشخصات من لوازم الوجود فهى خارجة عن حيز الامر فعليه يتوقف النزاع على ذلك إذا لمدعى لتعلق الامر بالمشخصات إن أراد تعلقه بها على نحو الاستقلال فبطلان الدعوى واضح لوجوه ثلاثة أحدها أنّ المشخصات غير دخيلة في غرض الامر وليست كالاجزاء والشرائط فلا موجب لتعلق الطلب بها ثانيها أن طلبها يستلزم طلب الحاصل لان فردية الفرد إنما هو بالتشخص والتشخّص يساوق الوجود فبوجود الفرد

ص: 151

يتوجد التشخص فلا يصح الافراد و تعين الموجود منها للطلب و جعل التشخص كلياً لدفع هذا المحذور خروج عن تعلق الامر بالافرادلان ضمّ كلى إلى مثله لا يجعله متشخصاً، فلا بد أن يريد أنَّ الامر بالطبيعى هل يتعلق بالمشخصات تبعا كما هو الحال في تعلق الارادة التكوينية بالمتشخصات إذ لا تلاحط التشخصات فيها بالاستقلال بل بالتبع، و على ه_ذا يتوقف القول بالجواز على القول بتعلق الامر بالطبيعة بمعني خروج التشخصات عن حيِّز الامر ضرورة عدم إجتماع حكمين متضادين في موضوع واحد فلاسراية فى البين كما يتوقف القول بالامتناع علي القول بتعلق الامر بالفرد بمعني دخول التشخصات في حيز الامر ضرورة إجتماع حكمين متضادين في موضوع واحد و تحقق السراية فلا بد من إعمال قواعد التعارض، نعم الحق خروج التشخصات عن حيز الامر مطلقا ولو بالتبع وإن كان لابد من وجودها حين وجود الطبيعي وقياسها بالمقدمات الوجودية الواجبة من قبل وجوب ذى المقدمة فاسد ضرورة ثبوت الملاك التبعي في المقدمات دون التشخصات إذ لا دخل لها في القدرة على الطبيعة المأمور بها ولاملاك غير ذلك يقتضى طلبها : إنتهى (مدفوع) بأنّ وجود الطبيعي في الخارج و عدمه مطلب نظری فلسفي لا يبتني عليه بحثنا لا لما ادعي من عدم مساس له بمسئلتنا بل لما نبه عليه في الكفاية من أن حيث البحث قابل للتطبيق علي المسلكين فضلاً عما في أحد تقريريه من إستبعاد إبتناء النزاع في تعلق الاحكام بالطبايع أو الافراد علي وجود الطبيعي و عدمه لان القائل بالتعلق بالافراد لا ينكر وجود الطبيعي ظاهراً، إذا لعمدة عنده عليهذا هو التفسير الثاني لذلك النزاع الذى إلتزم بتوقف مسئلتنا عليه، فنقول إنَّ القائل بتعلق الاحكام بالافراد إنما إختار هذا المسلك بزعم أن الطبيعة بما هي عنوان إنتزاعي ليس فيه ملاك الامر و لاغيره من الاحكام فلابد أن يتعلق الحكم بالخارج أى الفرد، و هذا المقال لا يستلزم القول بشمول الحكم للمشخصات إستقلالا أو تبعاً حتي يجرى عليه ماذكر من توقف مسئلتنا علي ذاك النزاع أما الشمول الاستقلالي فلوضوح تباين المشخصات و عدم ملاك واحد سار في جميعها بما هي متباينة حتي يقال بالتخيير الشرعي بينها وأما الشمول التبعي فلان المشخصات إنما هي ملازمات

ص: 152

الوجود ولم ينقل عن أصولي من العامة والخاصة تعلق الحكم أى حكم كان بالملازمات المفارقة غير المقترنة مع متعلق الحكم تبعًا لمجرد المقارنة (إن قلت) فردية الفرد عين تشخصه و تشخصه عين مقارنته مع الملابسات والملازمات فالتعلق لاجل المقارنة تعلق بالتشخص (قلت) كلّا فان الملحوظ فى عالم جعل الحكم و لو متعلقاً بالفرد ليس هو المكتنف ولا حيث الاكتناف فمرجع هذا القول إلى أن الامر أو حكماً ما آخر يتعلق بما هو في الخارج أى بالحصة الخارجية مع قطع النظر عن ملابساته سمِّها مشخصات أو مفردات أو ملازمات أو ما شئت فمن الغريب أنه يجعل ورود الاشكال على القول بتعلق الاحكام بالافراد على بعض الوجوه سبباً لكون النزاع في مسئلتنا على وجه آخر مرضى لديه مبتنياً عليه، و أعجب منه أنه يستشكل على هذا الوجه أيضاً و هو أنَّ النزاع هناك في سراية الارادة إلى المشخصات تَبَعَاً مع أنَّ الاشكال على وجه إذا اوجب خروجه عن مورد النزاع فلابد أن يكون الوجه الآخر مورد النزاع والمفروض ورود الاشكال على الوجه الآخر ايضاً فما هو الوجه الذى يكون مورد النزاع عنده في مسئلة التعلق بالطبايع أو الافراد حتى يتوقف عليه النزاع في مسئلتنا كما هو بصدد إثباته في هذه المقدمة. مع أن هناشقا آخر في تصوير نزاع التعلق بالطبايع أو الافراد وهو كون النزاع في تعلق الاوامر بالعنوان الذهنى حتى يقال بالاجتماع في مثل الصلاة في الدار المنصوبة أم بالفرد الخارجى حتى يقال بالامتناع في لمثال وبعبارة أخرى تتعلق الاوامر بالشيئى قبل تحققه فى الخارج أم بعده، و عليه يدخل في محل النِّزاع فالحق مع صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) فى أنَّ النزاع يجرى علي القولين وتطويل هذا القائل في هذه المقدمة لم يُجده شيئاً.

ولقد أجاد بعض الاعاظم (رَحمهُ اللّه) حيث نبه على أنّ مشارب القول بالجواز مختلفة فربما يستدل له بكبرى تعلق الاوامر والنواهي بالطبايع لا الافراد فيخالفه الامتناعى في الكبرى وربما يستدل له بصغرى إجتماع وجودين على نحو الجهة التقييدية فى المجمع فيخالفه الامتناعى في الصغرى، إذمنه يعلم ما في دعوى صاحب الكفايه (قدّس سِرُّه) أنَّ القول بتعلق الاوامر والنواهي بالطبايع لايجدى للجواز مالم يلتزم بأن تعدد العنوان يوجب تعدد المعنون، فان القائل بالجواز له أن لا يلتزم

ص: 153

بذلك ويقول بان المجمع واحد وجوداً وإن اجتمعت فيه جهات تعليلية لكن الاجتماع مأموری لا آمری فلاباس به، نعم مقاله لا يخالف مانبه عليه صاحب الكفاية (قدّس سِرُّهما) من عدم إبتناء مسئلة الاجتماع على كبرى تعلق الاوامر والنواهي بالطبايع أو الافراد لما نرى بالوجدان من أن القائل بتعلق الاحكام بالطبايع يذهب إلى الامتناع لاجل وحدة المجمع وجوداً كما أنَّ القائل بالتعلق بالافراد ربما يذهب إلى الجواز، بل القائل بالتعلق بالطبايع في مورد كون المجمع ذاجهتين تقييديتين إجتمعنا فيه على نحو التركيب الانضمامي له أن يذهب إلى الامتناع بتقريب أن وحدة الوجود الخارجى ولو بسبب وحدة الايجاد مانعة عن تجويز العقل شمول جعلين متضادين من المولى له (وبالجملة) بعد تشتت الطرق لاثبات الجواز أو الامتناع لا يمكن حصر إبتناء القولين على تعلق الاحكام بالطبائع أو بالافراد ولذلك نوافق صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) في عدم إبتناء هذه المسئلة على تلك ولا نوافقه والقوم في حصر النِّزاع في أنَّ الوجود الواحد أى المجمع إثنان أو واحد.

(الامر السادس) أنّه لا بد فى تحقق موضوع المسئلة من وجود مناط كلا الحكمين الوجوب و الحرمة في متعلقيهما على نحو الاطلاق القابل للسريان حتی فی مورد التصادق کی يمكن البحث عن الجواز والامتناع وأن المورد محكوم بحكمين على الأول وبأقوى المناطين أو بحكم آخر غير الحكمين على الثاني إذ مع عدم وجود المناط فيهما في مورد الاجتماع لم يكن المورد إلا محكوماً بحكم واحد منهما أو حكم واحد غيرهما، هذا بحسب الثبوت فاذا أحرز في مرحلة الاثبات عدم إجتماع المناطين في مورد النصادق يجب إعمال قواعد المعارضة بينهما وإلا فلابد من معاملة التزاحم بين المقتضيين معهما فربما يرجح الأضعف سنداً إذا كان أقوى ملاكاً على الآخر، نعم إستثنى من ذلك صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) ما لو كان كل من الخبرين متكفلاً للحكم الفعلى فالتزم بملاحظة مرجحات باب التعارض إن لم يحمل أحدهما على الحكم الاقتضائي لكنه مبنى على ثبوت تعدد مراتب الحكم الذي ستعرف ما فيه، ثم إنّه لا فرق في ذلك بين إحراز مناط كلا الحكمين في مورد التصادق بالاجماع أو بدليل قطعي غيره أو بسبب إطلاق دليلى الحكمين (لكن فصَّل) صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) لدى الاستناد إلى الاطلاق بين كونه مسوقا لبيان الحكم الاقتضائي فهو من التزاحم الذى يكون من مسئلة الاجتماع

ص: 154

و بين كونه مسوقاً لبيان الحكم الفعلى فعلى القول بالجواز يستكشف وجود المقتضى لكل من الحكمين إلا إذا علم إجمالاً بكذب أحدهما فيعامل معهما معاملة التعارض، و على القول بالامتناع لا يمكن كشف وجود المقتضى لهما في مورد التصادق لان إنتفاة أحد الحكمين كما يمكن أن يكون لوجود المانع يمكن أن يكون لعدم المقتضى له، ثم إحتمل اقتضاء الجمع العرفى حمل كل منهما على الحكم الاقتضائى لو لم يكن أحدهما أظهر فى مفاده (ويندفع) بأن الحكم و هو المحمول الشرعي الانشائي إنما هو فعل تكويني للحاكم كالشارع و لابد فى الحكم من حيث حسن الانشاء مصدرياً وجود ملاك في متعلقه بناءاً على الحق من تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد و بطلان مزعمة شرذمة من بسطاء جهال المنتسبين إلى الاسلام من إنكار التحسين والتقبيح العقليين، ومن المعلوم أن المصالح والمفاسد ليستا من الحكم في شيئيلان وزانهما ليس و زان البذر مثلا حتي يمند وجوداً و يصل إلى حدّ الحَبّ إذ ليس للمصلحة إمكان استعدادى بالطبع يسحبها إلي الحكم لان الحكم فعل إختيارى للشارع فله أن يحكم و له أن لا يحكم مراعياً في الامرين ملاكات لا تحصي ولا أقل من ملاكِ التسهيل في عدم الجعل مع كمال إشتداد ملاك الجعل، و لذا أمرنا بالسكوت عما سكت اللّه عنه، ورفع ما حجب اللّه علمه عن العباد فالحكم الملاكى أى الاقتضائي لا معنى له إلا أن ياول هذا النحو من الحكم بنوع من التأويل و هو يخالف ظواهر كلماته (قدّس سِرُّه) ثم الحكم بما هو محمول لابد له من متعلق و يكفى وجوده اللحاظی حاكياً عمّا في الخارج على ما تقدم عند بيان صحة الجعل هذا بحسب مرتبة الجعل أما من حيث المتعلق فلابد من الوجود الفعلي للمكلف وإجتماع شرائط تعلق الحكم به كي يصير فعلياً فالفعلية متأخرة عن أصل الحكم واقعة في رتبة تعلقه في الخارج، كما أنه لابد فى تنجز الحكم من حيث إمكان الباعثية من العلم و من حيث حصول المتعلق من وجود القدرة علي الامتثال فالتنجز المساوق مع حكم العقل باستحقاق العقاب علي الترك كالفعلية متأخر عن الجعل واقع في رتبة إمتثاله فهاتان المرتبتان ليس مما يمسُّ الشارع أمرهما نفياً وإثباتاً إلّا بجعل مؤمِّنات ورفع تبعات في موارد يقتضيها سهولة الشرع و لطف الشارع علي العباد الموجب لتسهيل أمر الامتثال

ص: 155

عليهم، فتلخص ان تعدد مراتب الحكم أى الاقتضاء والانشاء والفعلية والتنجز مما لا معنى له بل الحكم له مرتبة واحدة هي الجعل والانشاء ولا حكم إلّا هو فعلي أى موجود في وعائه المناسب له، فتفصيل صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) المبني علي ذلك غير سديد و كذا ما فرّعه عليه.

و قد تنبه بعض المحققين لما ذكرنا فأورد على مقال أستاده (قدّس سِرُّهما) بأن الحكم بالاضافة إلي ملاكه ليس كالمقتضى بالنسبة إلي سببه و مقتضيه لأنّ السبب الفاعلى للحكم هو الحاكم والملاك هي الغاية الداعية كما أنه ليس كالمقبول بالنسبة إلى القابل فان المصلحة لا تترقى بحسب الاستكمال إلى أن يتصور بصورة الحكم كالنطفة بالاضافة الى الانسان، ثم تجشّم فى تقريب ثبوت الحكم ثببوت المقتضى بمالا يهمنا التعرض له بعد إعترافه (قدّس سِرُّه) بعدم صحته (نعم) قد وجّه ذلك أخيراً بأن الانشاء إذا لم يكن لبيان الملاك حتى يكون إرشاداً بل كان لبيان البعث أمكن أن يقال بأنه إظهار للمقتضى الثابت بثبوت مقتضيه على الاطلاق فهو بعث إقتضائى حتي فى صورة وجود المانع أمّا مع عدم المانع فيكون فعلياً فهو حكم مولوى اقتضائى في حد ذاته و يصل إلى الفعلية البعثية عند عدم المانع، و هذا المعني لو كان مطلقاً لكان مفيداً ثبوت الملاك حتى فى صورة الاجتماع (لكن) يدفعه أنَّ البعث إنما هو لحمل المكلف على المبدء فلا معنى لكونه بعثا مع كونه بياناً لثبوت المقتضى مضافا إلى ماعرفت من أنَّ مرتبة الفعلية المتوقفة على شرائط التنجز والامتثال وعلى إنتفاء الموانع وإرتفاعها متأخرة عن الجعل و ليست مربوطة بالجاعل، نعم لا بأس بتعنون الحكم بعناوين مختلفة بسبب العوارض والطوارى مالم يستلزم تو هم تنويع المشروع فى عالم الجعل إلى نوعين أو أنواع متباينة متغايرة.

وقد أنكر بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) توقف النِّزاع على وجود المناط في مورد الاجتماع بدعوى جريان النزاع على قول العدلية من تبعية الاحكام للمصالح و المفاسد وعلى قول الأشعرى من عدم التبعية لان ملاك إستحالة الاجتماع تضاد الحكمين و هو جارٍ على المسلكين، كما أورد على مقال صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) في مراتب الحكم بأنَّ كون الحكم فى محل الاجتماع فعلياً مرة و إقتضائياً مرة أخرى غير معقول و بأن ما ذكره (قدّس سِرُّه) في الامر الثامن والتاسع من مسئلة الاجتماع مما لا محصل

ص: 156

و يرد عليه أن الاشاعرة شرذمة قليلة من بسطاء العامة فلا يعتنى بهم في مثل هذه المباحث العقلية كى تجرى على مسلكهم فمحل البحث لدى الاصوليين وهم العدلية غالباً ما هو المسلم لديهم من تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد الذي لابد معه من وجود مناط كلا الحكمين في المجمع، مع أن انكار الاشاعرة تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد إنما هو لانكارهم الحسن و القبح العقليين و ملاك استحالة الاجتماع من جهة التضاد بين الاحكام إنّما هو استلزامه التكليف المحال من جهة عجز المكلف عن إمتثال الحكمين في مصداق واحد فطلب الفعل والترك معا في مثله قبيح يستحيل صدوره عن الحكيم فملاك الاستحالة ينتهى إلى القبح العقلى الذي ينكره الاشعرى فقوام موضوع البحث بما هو مسلك العدلية فلا يجرى النزاع على مسلك غيرهم، أما ايراده على مراتب الحكم فموقوف على إلتزام صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) بكون الحكم فى محل الاجتماع فعلياً تارة و إقتضائيا أخرى في مورد واحد و ليس كك بل مراده كما يظهر من كلامه دلالة دليل على الحكم الفعلي في مورد على الاقتضائى فى مورد آخر و کل مورد يلحقه حكمه حسب ما ذكره مضافا إلى ظهوره قبول تعدد مراتب الحكم من صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) وقد عرفت ما فيه.

(الامر السابع) أن الاتيان بالمجمع لدى القائل بالجواز إمتثال للواجب و لو كان عبادة إذا كان للمكلف داع قربى بلا ريب في ذلك ولا إشكال ضرورة تحقق المأمور به بجميع أجزائه فهو ممتثل للامر قطعاً غاية الامر انه عاص للنهى أيضا كما لاإشكال في تحقق الامتثال لدى القائل بالامتناع مع ترجيح الامر من غير أن يكون عاصيا أبدا وكذا مع ترجيح النهى وكون الواجب توصلياً ضرورة حصول الغرض من الامر فهو ممتثل للأمر وعاص للنهى معًا، إنما الاشكال كله في صورة كون الواجب عباديًا إذ الآتى بالمجمع ملتفتاً إلى الحرمة أو غير ملتفت تقصيراً لا يكون ممتثلاً للامر وإن تحقق منه قصد القربة لدى الجهل التقصيرى ضرورة تنجز النهى فى الحالتين أى العلم بالحرمة والجهل التقصيرى بها حسب ترجيح النهى وعدم عذرية الجهل عن تقصير، فالمجمع مبغوض ذاتاً بسبب النهى المنجز فكيف يقع إمتثالا للعبادة المتقومة بالمحبوبة الذاتية، نعم الجاهل عن قصور إذا أتى

ص: 157

بالمجمع بداعى قربى تحقق منه الامتثال حتى مع ترجيح النهى بلا اشكال ضرورة تحقق المأمور به بجميع أجزائه وعدم مبغوضية في المجمع كي تمنع عن المحبوبية الدخيلة في قوام العبادة وذلك لعذرية الجهل القصورى و كونه مانعا عن تنجز النهى فلا حرمة في المجمع كي توجب الامتناع فما (في الكفاية) من التفصيل بين تبعية الاحكام لاقوى جهات المصالح والمفاسد واقعاً كما هو مختاره ظاهراً فالامر ساقط لكن الامتثال غير متحقق ثم ادعى إمكان حصول الامتثال لعدم تفاوت لدى العقل بين هذا الفرد مع سائر أفراد الطبيعة المأمور بها من جهة الوفاء بالغرض، وعدم إنطباق عنوان المأمور به عليه حيث كان لوجود المانع لالعدم المقتضى فلا يضر بصدق الامتثال، وبين تبعيتها للمؤثر فعلاً في الحسن و القبح فالامتثال متحقق قطعاً إذا لحسن و القبح الفعليان تابعان للمصلحة والمفسدة المعلومتين و المفروض علم المكلف بالمصلحة و جهله قصوراً بالمفسدة ففعله حسن فعلاً غير قبيح اصلاً فهو إمتثال قطعاً (غير سديد) إذ الاحكام تابعة للمصالح والمفاسد الواقعية أبدأ بمعنى كونها سببا لانشاء الاحكام لكن شرط تأثير الملاكات الواقعية في إتصاف الفعل بالحسن أو القبح عقلا علم المكلف بها ولو إجمالاً وقدرته على الامتثال خارجاً فالمانع عن تنجز النهى كالجهل القصوري في المقام يمنع عن تأثير المفسدة الواقعية في إنصاف الفعل بالمبغوضية و القبح فتؤثر المصلحة الواقعية في إنصافه بالمحبوبية ويكون الفعل محبوبًا غير مبغوض فينطبق عليه عنوان المأمور به ويكون إمتثالاً له بلاريب، هذا بناءاً على لزوم قصد الامر في العبادة أماً على ما هو الحق من كفاية ربط الفعل إليه تعالى فى ذلك وكمون قصد الامر من محققات الربط المقوم للعبادة فتحقق الامتثال أوضح إذ لو لم ينطبق عليه عنوان المأمور ب__ه بالخصوص أيضاً كفى إنطباقه عليه بالعموم من جهة الاندراج تحت الطبيعة كما تقدم نظيره في بعض المقدمات، فالمعذور خارج عن موضوع الاجتماع إذا لكلام في إجتماع الامر والنهي المنجزَّين من جهة عجز المكلف عن إمتثالهما أمّا قبل ذلك فلا إمتثال حتى يلزم محذور من الاجتماع، نعم بناءاً على تعدد مراتب الحكم يكون للتفصيل وجه وإن أمكن المناقشة فيه أيضا لكنك عرفت ما فيه (فظهر) مما ذكرنا أن

ص: 158

ذهاب المشهور القائلين بالامتناع مع تقديم الحرمة إلى صحة الصلاة في المغصوب لدى العذر كالنسيان والجهل وغيرهما يمكن أن يكون لخروج موارد العذر عن موضوع الاجتماع لديهم لالما ذكره (قدّس سِرُّه) كما تبين حال مقال بعض الاعاظم في الجهل القصورى حيث ذكر ما يقرب من مقال أستاده صاحب الكفاية (قدّس سِرُّهما).

فلقد أجاد بعض المحققين (قدّس سِرُّه) فيما أفاد في المقام مما يوافق بعض ما ذكرنا حتى خروج موارد العذر عن موضوع اجتماع حكمين لكن إشكاله فيه بكفاية الاطلاق الذاتى لدليل الحرمة فى شمول الحكم لصورة الجهل وكون الموضوع المجهول الحكم بعنوانه ذاحكمين مدفوع بعدم كفاية ذلك في الدخول في موضوع الاجتماع الذى هو إنطباق الامر والنهى المنجزين علي المجمع، ثم إن بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) ذكر من جملة المقدمات تقسيم كل من المتعلقين أو أحدهما إلى ما يكون مقولة أو متمم المقولة أو سببًا أو مسببًا توليديا و أطال في ذكر الاقسام و أحكامها، وأنت خبير بأن تعدد العنوان إن كان مجديًا في تعدد موضوع الامر والنهى والتخلص عن محذور الاجتماع وكذا الطريق الآخر الذي أسلفناه للقول بالجواز ففى تلك الاقسام سواء والا فكذلك فما ذكره في هذه المقدمة بطولها مما لا يجدى للمقام شيئاً.

(الامر الثامن) أنه لاتضاد بين الاحكام في مرحلة من مراحل الحكم أمّا مرحلة الانشاء فلانه خفيف المؤنة فيمكن إنشاء حكمين متخالفين بالنسبة إلى موضوع واحد بنحو القضية الحقيقيه كما هو الشأن في قضايا الاحكام الشرعية ليصيرا فعليين في زمان واحد بعد تحقق الشرائط كما نشاهد ذلك من الحكام الجائرين في مقام التعذيب والعقوبة، وأما مرحلة الارادة التي هي منشأ الانشاء فلإمكان تعلق الارادة والكراهة بشيئي واحد في زمان واحد بجهتين، وأما مرحلة مناط الحكم فلإمكان إجتماع المصلحة والمفسدة فى فعل واحد من جهتين، وأما مرحلة الفعلية فلوضوح عدم التنافي بينهما تكويناً بحسب وجودهما الاعتباري المحفوظ وعائه، نعم حيث أنَّ الاعتبارين لابدلهما من مصحِّح وهو غير موجود بالنسبة إلى الحكمين المتخالفين فلاحسن في إعتبار هما وحيث أن صدور القبيح عن الشارع تعالي محال فهو بالنسبة

ص: 159

إليه محال و بالنسبة إلى غيره خلاف القواعد العقلية النظامية لكن هذا غير التضاد التكوينى بين الاحكام (فما اختاره) صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) في أولي مقدماته الاربعة التي مهدها لتحقيق مختاره في المسئلة و هو الامتناع من أنَّ الاحكام الخمسة متضادة في مرحلة الفعلية التى هي مرتبة البعث والزجردون مرحلة الانشاء لوضوح المنافات بين البعث إلى شيئى فى زمان والزجر عنه في ذاك الزمان و عدم المنافاة بين إنشائيهما و عليه فاجتماع الامر والنهى بنفسه محال لا أنه تكليف بالمحال فلا يجوز حتى عند من يجوز التكليف بغير المقدور كالأشاعرة (غير سديد) لما عرفت من عدم التضاد التكوينى بينها أصلا غاية الامر عدم حسن إعتبار المتخالفين المستلزم للمحال بالنسبة إلى الشارع دون الموالى العرفية مع أن محل الكلام في المسائل الاصولية أعم من الاحكام الشرعية و العرفية (كما أنَّ ما اختاره) في ثانية تلك المقدمات من أنَّ متعلق الاحكام إنّما هو نفس فعل المكلف الذي يصدر منه خارجاً مثل ما يصدر عن الضارب فى الخارج لا إسمه الذي سمي به و هو عنوانه الاولى كالضرب في لمثال كما هو واضح ولا عنوانه الذى إنتزع منه بجهة من الجهات كعنوان التأديب المنتزع من الفعل المزبور من جهة صدوره لاجله فلو لا إنتزاع العنوان تصوراً و فى عالم الذهن لم يكن بخدائه شيئى خارجاً فهو خارج المحمول نظير الملكية والزوجية والرقية ونحوها من الاعتبارات و الاضافات فلا تعلق للاحكام فيها ضرورة عدم البعث نحوها ولا الزجر عنها فهي غير مأخوذة في متعلق الاحكام بنحو الاستقلال بل بنحو الآلية للحاظ متعلقاتها والاشارة إليها بمقدار الغرض منها، وربما أيد مقالته (قدّس سِرُّه) بعضهم بأن الحكم لابد أن يتعلق إما بالعنوان الذهني أو بالمعنون الخارجی والاول غیر ممکن ضرورة عدم مطالبة الوجود الذهنى من المكلف وعدم تعلق الغرض به فلا محالة يتعلق بالمعنون الذى به يقوم الغرض غير سديد لان خارج المحمول على ما تقرر فى الفلسفة هو الذي ينتزع من صميم الذات بلاحاجة إلى لحاظ شيئي مّا آخر نظير إنتزاع الناطق من الانسان فعد مثل الملكية مما لابد فى إنتزاعه من الشيئى من إنضمام شيئى آخر إلى الذات وراء نفسها وهو إعتبار العلقة فى المملوك من خارج المعمول عجيب من صاحب

ص: 160

الكفاية العارف باصطلاحات الفلسفة، إلا أن يراد بذلك إنتزاع الملكية في المملوك بعد إعتبار العلقة فيه لكنه كما ترى ليس من الانتزاع من صميم الذات في شيئي، وكيف كان فقد تقدم في أوّل الكتاب أنَّ الارادة التشريعية تشارك التكوينية في جهة و تفارقها فى أخرى حيث أنّ التكوينية تتنزل من الوجود العلمي الداعوى إلى الوجود الخارجي بمعنى أن تصور المراد وفائدته هو الذي يتنزل عن مرحلة العلم إلى مرحلة التصديق بذلك ثم يصير مشتاقاً ثم يتأكد الشوق نحوه ثم يصير ميلاً طبيعياً فيجرى في العضلات ويصدر منه الفعل، بخلاف التشريعية فهي إنما تقع في مرحلة الشوق من مراحل التكوينية وتصير بمنزلة الداعي لتحريك تلك الارادة نحو إصدار الفعل فالتشريعية مقدَّمة رتبة عن التكوينية تقدم الداعي عن الشيئي فكيف يمكن تعلقها بنفس الفعل الخارجى، وبالجملة فالوقوع في سلسلة ايجاد الشيئي غير التعلق بالوجود الخارجي فكون متعلق الاحكام هو ما يصدر عن المكلف خارجاً ضعيف جداً و دعوى أنه لا معنى لتعلق الحكم بالوجود الذهني و مطالبته مدفوعة بأنَّ متعلق الحكم ليس هو الوجود الذهني بما هو موجود في الذهن بل بما هو مرآة للخارج فمصب الحكم في الحقيقة هو ايجاد مثل هذا الوجود في عالم الخارج، كما أنَّ دعوى كون متعلق الحكم جهة ايجاد الفعل الخارجي لاجهة وجوده مدفوعة بأن تفاوت الايجاد والوجود إنّما هو بالاعتبار لا بالوجود فلا يمكن التفكيك بينهما خارجاً.

ومما ذكرنا ظهر ما في مقال بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) حيث مهّد للمسئلة مقدمات تسعة، ثمانية منها، تدور حول شرح الاعراض والنسب بين العناوين الاشتقاقية أى النسب الأربع وهى نسية الهيولى إلى الصورة وبالعكس ونسبة الجنس إلى الفصل و بالعكس التى هى من الابحاث الفلسفية و خارجة عن عهدة الاصولى لاسيما من لاخبرة له بتلك الاصطلاحات و المطالب المعضلة، و الأولى إرجاع ثمانيتها إلى أمرين (أحدهما) كون متعلق التكاليف ما في الخارج لا العنوان الذهنى ضرورة تعلق الغرض بالأول دون الثاني بل هو غير قابل للامتثال، وهذا الامرعين ما عرفته آنفاً من صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) من أنّ متعلق التكاليف هو المعنون الخارجي

ص: 161

لالعنوان الذهنى فيتوجه عليه ما أوردناه على ذاك المقال من أّن متعلق التكاليف يستحيل أن يكون ما فى الخارج سواء بنفسه أم بلحاظ عنوانه ضرورة استلزامه الامر بتحصيل الحاصل، بل المتعلق عبارة عن العنوان الذهني الذي هو وجود شوقانى للوجود التكوينى الخارجى والغرض من تعلق التكليف بذلك هو ايجاد هذا المشتاق فى الخارج لا بمعنى إنقلاب ما في الذهن إلى ما في الخارج كي يقال باستحالته ب_ل بمعنى تأكد الشوق نحوه و سيره في المراتب التنزلية إلى حد الميل الطبعى المنبثَّ في العضلات الموجب للبس ذاك المشتاق لباس الوجود الخارجي، كما في جميع المرادات بالارادة التكوينية من الافعال الاختيارية حيث أنها تتنزل من صورها العلمية المنتقشة في ذهن الفاعل إلى مرحلة التصديق بالفائدة ثم الشوق نحو ايجادها و هكذا إلى بلوغ ذلك الشوق حد الميل الطبعى الموجود في العضلات المحرك لها نحو الايجاد خارجا، و هذا الشوق في تعلق التكاليف إنّما يحصل للمكلف من حصول العلم له بوقوع هذا العنوان في عالم الجعل ومركز شوق المكلف بالكسر إن كان فمن يعرض له الشوق كالموالى الصورية تحت أمر الجاعل أو نهيه بنحو القضايا الحقيقية.

(ثانيهما) عدم تعدد ما فى الخارج من المعنون بتعدد العنوان لان كل واحد من المبدئين أى حيث الغصب الذى هو من مقولة الأين وحيث الصلاة الذي هو من مقولة الوضع لابد أن يكون محفوظ الما هو و منحازاً عن الآخر لاستحالة تفصل جنس واحد بفصلين حتى تتعدد الماهيتان خارجاً لشيئي واحد، فالحركة الصادرة عن المصلي في الخارج له مهية واحدة ينطبق عليها عنوان المصلى من حيث وعنوان الغاصب من حيث آخر مع وحدة العنوانين خارجاً بتحو التركيب الاتحادي، فما هو متعلق الامر والنهي أى الحركة الخارجية الصادرة عن المكلف بسيط و متفصل بفصل واحد و ما هو متعدد بحسب المقولة والماهية أعنى حيث الغصب و حيث الصلاة لاربط له بمتعلق الامر والنهى، و هذا الامر حيث أنّه مبنى لديه علي كون الحركة الصادرة عن الفاعل مقولة وقد برهن في الفلسفة على أن الفعل النحوى من شدة البساطة لايدخل تحت مقولة كي يكون له جنس و فصل فهو واه فاسد، مع أنّ لبَّهذا الامر بمعناه

ص: 162

الصحيح راجع إلي ماذكره صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) في ثالثة المقدمات الأربعة التي مهدها لتحقيق مختاره من الامتناع من أن تعدد العنوان لا يوجب تعدد المعنون و خروجه عن الوحدة ضرورة صدق العناوين والمفاهيم المختلفة علي الواحد البسيط من جميع الجهات الذى ليس فيه جهة كثرة أبداً كواجب الوجود تعالى فانه جل وعلا مع وحدته الحقة الحقيقية تصدق عليه مفاهيم جميع الصفات الجلالية والجمالية والكمالية مع حكاية الجميع عن ذلك الواحد و عدم منافاة تعددها مع وحدته، لكن يتوجه عليه أن تعددا لعنوان تارة يكون بلحاظ العوارض الخارجية ككون الشخص ابن كذا أو ساكناً في محل كذا أو غير ذلك من صفات الممكنات التي تؤخذ من خارج الذات و تحمل عليها و يكون إنضمام الذات إلى أمر خارج عنها سبباً للاتصاف بها بلا دخل لها في قوامها، ففى مثلها لامحالة يتعدد المعنون بتعدد العنوان بل حيث أن في قبال كل واحد من العناوين أمر وجودى و جهة خاصة فى المعنون ففى الحقيقة تعدد المعنون أوجب تعدد العنوان، وأخرى يكون بلحاظ العوارض الذاتية التي توخذ من صميم الذات و تحمل عليه بحيث ليس في قبال كل واحد منها في الخارج جهة خاصة في المعنون بل ليس هناك إلا وجود بسيط واجد لجميع المعانى الوجودية فينتزع عن كل واحد من تلك المعاني عنوان و ينطبق عليه، ففى مثلها لا محالة لا يتعدد المعنون فالايجاب الكلي في كل واحد من طرفى الاثبات والنفى غير صحيح بل الحق أن الضاوين منها ما يتعدد المعنون بتعددها و في الحقيقة يكون تعدد المعنون في مثلها سبباً لتعدد العنوان كما في غير الواجب تعالى و منه ما هو موضوع المسئلة أى العناوين العارضة على الفعل الخارجي بجهات وجودية في الفعل من إنضمامه إلى أمور خارجية و منها مالا يتعدد المعنون بتعددها كما في الواجب تعالى.

كما أن ما ذكره (قدّس سِرُّه) في رابعة تلك المقدمات من أن الموجود الوحداني ليس له الا ماهية واحدة تقع في جواب السئوال عن حقيقته بما هو فتصادق مفهومين على وجود واحد لا يوجب تعدد ماهية ذلك الوجود بأن تنطبق عليه خارجاً و تتحد معه بوحدته مهیتان مختلفتان فالواحد وجوداً واحد ماهية أيضا، وعلى هذا

ص: 163

فتصادق متعلقى الامر والنهي معا على المجمع لا يستلزم تعدده بحسب الماهية، فلا فرق في ذلك بين القول بأصالة الوجود أو الماهية فلا يبتنى القول بالجواز و الامتناع في المسئلة على هذين الاصلين كما توهم في الفصول كما لايبتني على تمايز الجنس والفصل خارجا و عدم تمايز هما أيضاً لأن ما يصدق على المجمع من العناوين ليسا من قبيل الفصل والجنس إذا لحركة فى مكان مثلا لا مكان مثلا لا تتغير عما هي عليه من أى مقولة كانت سواء وقعت جزءاً للصلاة أم لا وسواء كان ذلك المكان مغصوباً أم لا، يتوجه عليه أن إستلزام وحدة الوجود وحدة الماهية لا يضر بتعدد المجمع فى موارده لما عرفت من أن تعدد المعنون يكون في الحقيقة سبباً لتعدد العنوان في تلك الموارد فبتعدده تنثلم قاعدة الاستلزام، إما ابتناء المسئلة على الاصلين أعنى أصالة الوجود أو الماهية و تمايز الجنس والفصل خارجاً أو عدم تمايزهما فمراجعة كلام صاحب الفصول (قدّس سِرُّه) تشهد بأنه إستدل لمختاره من الامتناع بدليلين و قرب الأول بتقريب ثم أورد على ذلك التقريب بأنه يبتنى على الاصلين فقرَّبه بتقريب لا يبتنى عليهما وهو عين التقريب الذى ذكره صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) للامتنا اع من غير أن تكون المسئلة لدى صاحب الفصول (قدّس سِرُّه) مبتنية على الاصلين بل جعل عدم المتمايز من المسلمات عندهم و أصل الوجود من و اضحات علم المعقول لديه، فالعجب من صاحب الكفاية حيث أخذ المطالب من صاحب الفصول (قدّس سِرُّهما) ثم إعترض عليه بذلك فراجع كلامه و أمعن النظر فيه حتى تريه مشحوناً بالمطالب الرّاقية التي زعم جملة من المتأخرين كونها من ابتكاراتهم.

إذا عرفت هذه الامور ظهر لك أن الحق وفاقاً لجماعة من محققى الاصوليين هو الجواز مطلقاً حيث تبين أن فعل المكلف لا يمكن أن يكون متعلق الاحكام الشرعية أو العرفية إذ لا يخلو إما أن يكون بنفسه متعلقاً لها بلا لحاظ عنوانه أو بعد لحاظه بعنوانه وعلى التقديرين يلزم الامر بتحصيل الحاصل، إذ ما لم يتحقق ذلك الفعل ولم يصدر عن المكلف ليس هناك حسب الفرض أمر حتى يتعلق بشيئي وإذا تحقق وصدر منه يكون الامر به ثانياً أمراً بتحصيل الحاصل، فمتعلق التكاليف هو العنوان الذهنى من ذلك الفعل الملحوظ لدى المكلف الذى ه_و بمنزلة الداعي لتحريك

ص: 164

إرادته نحو ايجاده لكن لا بما هو فى الذهن حتى يقال باستحالة إنقلاب ما في الذهن إلى ما فى الخارج بل لا بشرط مطلقاً، و من المعلوم أن البعث نحو مثله عبارة عن التحريك تشريعاً نحو ایجاده بمعنى ايجاد الشوق للمكلف نحو ايجاد الفعل في الخارج كما أن الزجر عن مثله عبارة عن التحريك نحو إبقائه على العدم بايجاد الشوق له نحو الابقاء على العدم، فالوجود الخارجي للعنوان إنما هو من اقتضاء نفس البعث لا أنه من قيود متعلقه، وعلى هذا فمتعلق الامر وهو عنوان الصلاة غير متعلق النهى وهو عنوان الغصب فلا إجتماع لهما بحسب الاحكام الشرعية في عالم توجيهها نحو متعلقاتها وكذا الاحكام العرفية المشتركة مع الاحكام الشرعية في الجعل بنحو القضايا الحقيقية، وإنما الاجتماع في عالم الامتثال بسوء إختيار المكلف ضرورة عدم تعلق التكاليف بالافراد بل بالطبايع فطبيعي الصلاة الذي تعلق به الامر الشرعى لا يجتمع أبدأ مع طبيعى الغصب الذي تعلق به النهي الشرعي و الفرد الخارجى الذى إجتمع فيه عنوانا الصلاة والغصب لم يتعلق به أمر ولا نهى شرعاً، كما لا إجتماع فى مرحلة إرادة الامر أيضاً لما عرفت في طي الأمور من إمكان إجتماع الارادة والكراهة من شخص بالنسبة إلى فعل واحد من جهتين كما عرفت إمكان إجتماع المصلحة والمفسدة في فعل واحد من جهتين، فليس هناك إجتماع آمرى من جهته حتى يستشكل عليه وإنما الاجتماع مأمورى مستند إلى سوء إختيار المكلف فى عالم تطبيق التكاليف على الخارج وامتثالها فيه.

(فما) إستنتجه صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) من مقدماته الأربعة من الامتناع المطلق تبعًا لصاحب الفصول (قدّس سِرُّه) وغيره من المشهور بدعوى أن المجمع حيث يكون واحداً بحسب الوجود والماهية معا فيكون تعلق الامر والنهى به معاً محالاً ولو بلحاظ عنوانين ضرورة أن متعلق الحكم الشرعى كما عرفت إنَّما هو فعل المكلف بنفسه لا بعنوانه الطارى عليه، فاجتماع الامر والنهي فيه يستلزم إجتماع الضدين فی فعل واحد شخصی و لایجدى لرفع هذا المحذور تعلق الاحكام بالطبايع دون الافراد بدعوى أن الحكم لا يتعلق بالطبيعة بما هي حتى يقال بأنها من حيث هي ليست إلا هي فكيف يمكن البعث إليها أو الزجر عنها ولا يتعلق بها مقيدة بالوجود الخارجي

ص: 165

أيضا حتى يقال باستلزامه إجتماع الامر والنهي معا فى ذلك الوجود الواحد وهو فاسد وإنما يتعلق بها بلحاظ وجودها الخارجي و من المعلوم حينئذ تعدد متعلقى البعث و الزجر بلحاظ تعدد عنوانيهما فى عالم لحاظ ذلك الوجود الخارجي فينطبق على أحد العنوانين الامر وعلى الثانى النهى ويسقط أحدهما من جهة إطاعته و الآخر من جهة عصيانه بنفس تحقق ذلك الوجود الوحداني في الخارج فليس للحكمين إجتماع و ذلك لما عرفت من أن تعدد العنوان لايستلزم تعدد المعنون لا بحسب الوجود ولا بحسب الماهية والمفروض أن متعلق الحكم هو نفس المعنون بوحدته دون العنوان بل هو مجرد آلة لحاظ للمتعلق فيكون محذور إجتماع الضدين في وجود واحد بحاله (غیر سديد) لما عرفت من عدم تعلق الاحكام بنفس الفعل و عدم تضاد الاحكام في شيئى من المراحل وتعدد المعنون بتعدد العنوان في مثل موضوع المسئلة من العوارض الخارجية فلا إجتماع ضدين هناك أبداً بل ما ذكره لرفع المحذور هو الحق وتمام المحذور لديه بعد ذلك عدم إستلزام تعدد العنوان تعدد المعنون الذى عرفت عدم كليته بل إختلافه حسب الموارد و صحة الاستلزام في المقام، فالقول بالامتناع المطلق كما هو مختار صاحبى الفصول و الكفاية (قدّس سِرُّهما) وغيرهما لا يساعده برهان.

أما القول بالامتناع من جهة والجواز من أخرى كما اختاره بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) حيث جعل النزاع في مقامين أحدهما أن حيث الصلاة و الغصب في الصلاة في الدار المغصوبة مثلاً جهة تقييدية أم تعليلية فاختار في هذا المقام الاجتماع بمعنى كون الحيثين جهتين تقييديتين ثانيهما أنَّ تركيب العنوان الاشتقاقى المنتزع عن أحد المبدئين كالمصلّى مع المنتزع عن الآخر كالغاصب إتحادي ام إنضمامي واختار فى هذا المقام الامتناع بمعنى كون التركيب إتحادياً وكون ذلك المركب الوحداني البسيط في عالم الخارج متعلق الامر والنهي معاً فيمتنع توجيهما نحوه من العاقل الحكيم الملتفت إلى عدم كون المبعوث إليه و المزجور عنه مقدوراً للمكلف نظراً إلى ما اختاره من إقتضاء نفس البعث والزجر القدرة من جهته كما تقتضيه الارادة التكوينية التي تتبعها الارادة التشريعية ثم بعد تمهيد المقدمات التسع

ص: 166

التي عرفت حالها إستنتج الاجتماع في المقام الاول و هو مرحلة الجعل لان متعلقى الامر والنهى حيثان تقييديان للفعل الصادر عن المكلف الذي هو متعلق الحكم الشرعى هومر والامتناع في المقام الثاني و هو مرحلة الامتثال لان متعلق البعث خصوص الحصة المقدورة من الطبيعة بعد ما عرفت دخل القدرة فيه بمقتضي نفس البعث قضاءاً لتبعية الارادة التشريعية للتكوينية التي لا تتعلق إلّا بالمقدور فلتكن التشريعية كذلك (فيتوجه) عليه فساد كلا الامرين أما الاجتماع في المقام الأول فلما تقدم من أن متعلق الحكم نفس العنوان الذهني بداعي الايجاد الخارجي لاما يصدر عن المكلف خارجاً فالاجتماع في هذا المقام ناش عن توهم سراية العرض العارض علي العنوان الذهني إلى معنونه الخارجي، و أمّا الامتناع في المقام الثاني فلما تقدم في مبحث الترتُّب من عدم دخل القدرة في مرحلة الجعل و متعلقه شرعاً بل في عالم الامتثال عقلاً، أماً ما إستشكل به على صاحب الكفاية من جعل الاجتماع في مرحلة الملاك أيضأ بانه لاربط للاجتماع بعالم الملاك فقد عرفت في طي المقدمات فساده و أن مراد صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) أنه على مذهب العدلية القائلين بالملاكات النفس الامرية قبال الاشاعرة المنكرين لذلك لابد أن يكون لكل من الامر والنهي بالنسبة إلي مورد إنطباقهما الخارجي ملاك واقعي و ليس كذلك في مورد الاجتماع بالنسبة إلي الفرد الخاص الخارجي ضرورة امتناع إجتماع المصلحة والمفسدة في شيئي واحد بجهة واحدة.

ولبعض الاعاظم (رَحمهُ اللّه) بیان آخر فی الامتناع (حاصله) أنه لابد في مورد الاجتماع من وجود عنوانين كلبين قضاء الكون المسئلة أصولية باحثة عن القضايا الكلية دون الخاصة الخارجية كمالا بدفيه من كون الموجود الخارجى وجوداً واحداً ذا حد فارد لا وجودين سواء كانا فردين من مقولتين أم من مقولة واحدة حتى يكون المجع مركباً إنضماميًا إذا لوجودان متلازمان فى الوجود ولا بحث لنافى مسئلة الاجتماع عن ذلك فمن سلك فى المسئلة مسلك جعل متعلق الامر والنهى حيثين تقييديين من قبيل الوجودين المركبين بالتركيب الانضامی فی موجود واحد فقد خرج عن محل البحث رأساً، وكيف كان فيتصور للقائل بالجواز مسلكان (أحدهما) الالتزام بعدم سراية الامر والنهى من الطبيعى إلى الفردو بعبارة أخرى كون متعلق الاحكام هو الطبيعي

ص: 167

دون الافراد وعليه فالنزاع بينه مع الامتناعى كبروى لانه منكر لعدم السراية وعلى هذا المسلك يمكن القول بالاجتماع حتي مع كون النسبة بين متعلقى الامر والنهي هي العموم المطلق نظير صلّ ولا تصل صلاة جعفر (ثانيهما) الالتزام بسراية الامر والنهي من الطبيعي إلى الفرد وبعبارة أخرى كون متعلق الاحكام هو الافراد بلحاظ الحصص الموجودة فيها من الطبيعى لانفس الطبيعي بما هو، لكن لا يسرى شيئي من الامر و النهي في ذلك الفرد المجمع عن الخصوصية التي هي مصبه إلى الخصوصية التى هى مصب الآخر لان الخصوصيتين حيثان تقييد يان لذلك الفرد، فان لفرد من الطبيعى كالصلاة في المغصوب أطرافاً ثلاثة أحدها ما يكون متعلقاً للأمر فقط كالقرائة مثلا فهذا صلاة ليس إلّا ثانيها ما يكون متعلقاً للنهي فقط كالاً كوان المتخللة بناءاً على عدم كونها من أجزاء الصلاة فهذا غصب ليس إلا، فهذان الطرفان متمايزان بتمام الجهة إذ لو لم نقل بتمايز هما فلابد من الالتزام إما بأن الاضافة الغصبية ليس لها حظ من الوجود أصلا أو بأن العرض مكمّل لوجود معروضه و ليس منحازاً عنه في الوجود و حيث لا نلتزم بشيئي من الامرين فلابد أن نقول بتمايز الجهتين خارجاً ثالثها ما يكون جامعا بين الأولين كالهوى إلى الركوع أو إلى السجود فهذا صلوة وغصب معأو هذه الجهة مشتركة بين الجهتين، فمتعلق الامر والنهي جهتان تقييديتان لذلك الفرد تمتاز كلُّ جهة عن الأخرى تمام الامتياز فلا يسرى الامر من إحديهما إلى الأخرى، و على هذا المسلك يكون النزاع بين الاجتماعي والامتناعى صغروياً حيث يعترف الامتناعي ايضا بكبرى سراية الامر والنهي عن الطبيعي إلى الفرد لكن ينازع الاجتماعى في صغرى المسئلة وهى كون مورد الاجتماع من قبيل فرد واحد لخصوصيتين ممتازتين كل جهة مصبٌّ لواحد من الامر والنهى حتى لا يسرى شيئى منهما من مصبّه إلى مصبّ الآخر، فتمام هم الاجتماعى علي هذا المسلك جعل مصبَّى الامر والنهي حيثين تقييديين للفرد الخارجی و تمام هم الامتناعی جعلهما حيثين تعليليين له.

أما المسلك الاول فجوابه أن الطبيعي إنّما ينتزع عن الفرد الخارجي حيث يوجد بوجوده بناء أعلى ماهو الحق من كون وجود الطبيعي عين وجود فرده و هذا الانتزاع ممكن قبل تحقق الفرد أيضاً بأن يتصور في عالم الذهن لذلك الفرد الذي يوجد في الخارج صورة ذهنية تكون مرآة للخارج، فهذه الصورة الذهنية التي هي حصص الطبيعي

ص: 168

إنّما يتعلق بها الامر أو النهى بلحاظ كونها مرآة للخارج وحيث لا وجود للطبيعي خارجاً إلا الحصص الموجودة في الخارج بوجود الافراد فلا محالة يسرى الامر والنهي عن الطبيعي إلى الفرد فكبرى السراية من الطبيعى إلى الفرد الخارجي مما لا سبيل إلى انكاره، فالمسلك الأول من الاجتماع لا يجدى لاثبات المدعى، وأما المسلك الثاني فجوابه أنَّ المفروض وجود جهة جامعة بين الجهتين فى البين فالامر والنهى و إنّ لايسريان من مصبهما الاستقلالي إلى الآخر لانهما حيثان تقييديان من هذه الجهة لكنهما إنَّما يسريان معاً إلى تلك الجهة الجامعة بواسطة الجهتين الممتازتين لانهما حيثان تعليليان من هذه الجهة إذ لا نعنى بالعلية في أمثال المقام بالعلية الفلسفية بل الوساطة في العروض كما لا نعنى بالتقييدية ما يقابل الاطلاق المصطلح بل الوساطة في الثبوت و تمام الموضوعية، و من المعلوم أن واحدة من الخصوصيتين الممتازتين في نفسهما حيث أنها موجودة بجامعها فى الجهة الجامعة فلامحالة يتعلق كل واحد من الامر و النهى أولا و بالذات بالخصوصية الممتازة و ثانياً و بالعرض بلحاظ وجود الخصوصية في الجهة الجامعة بتلك الجهة، إذ لا يمكن التفكيك فيها بأن يقال إن الفعل الصادر عن المكلف صلاة لا غصب أو أنه غصب لاصلاة لبداهة كونه صلاة و غصباً معاً فالجهتان تقييديتان من جهة و تعليليتان من أخرى و إن شئت قلت إنّهما برزخ بين التقييدية و التعليلية وكيف كان فاتحد بالأخرة متعلق الامر والنهي في الخارج، و مع الغض عن ذلك نقول إنّ إشغال مال الغير تصرف فيه بدون اذنه و هو حرام حسب ما في التوقيع الرفيع : لايجوز لاحد أن يتصرف في مال أخيه إلا بطيب نفسه : والمفروض أن نفس الفعل الصلاتي إشغال و تصرف فيجتمع فيه الامر والنهي من هذه الجهة، ومع الغض عن هذا أيضاً نقول إنَّ الاستيلاء على منافع مال الغير عدواناً حرام شرعاً والصلاة فى المغصوب بعينه إستيلاء على منافع ملكه بغير إذنه فيجتمع فيه الامر والنهي من هذه الجهة، فالمسلك الثاني من الاجتماع أيضا لا يجدى لاثبات المدعى : إنتهي.

أقول بيانه بطولة قاصر عن إثبات الامتناع بل بعضه متهافت مع بعض فان إمكان إنتزاع صور الافراد الخارجية في الذهن وتصورها قبل وجودها و جعلها

ص: 169

متعلق الامر والنهى شيئي و لزوم ذلك شيئي آخر وما يثبته كلام هذا القائل هو الأول وما يجدى لاثبات الامتناع قبال القائل بالاجتماع على مسلك عدم سراية الامر والنهي عن الطبيعي إلي الفرد هو الثاني، إذ بعد كفاية تصور الافراد إجمالا بتصور نفس الطبيعي في عدم قبح الجعل من الحكيم و عدم كونه لغواً كما برهنا عليه في محله لاحاجة إلى لحاظ صور حصص الطبيعي تفصيلاً وجعل الحكم على تلك الصور الموجب لجعله على الافراد أيضاً بمر آتية صورها الذهنية (و بالجملة) فالجواب عن جميع ما ذكره هذا القائل في إثبات الامر أنا نختار المسلك الاول من الاجتماع و نقول لا ملزم علي إنتزاع صور الافراد في عالم جعل الامر والنهى حتى يلزم السراية إلى أفراد الطبيعة بل يكفي تصور نفس الطبيعي و جعل الحكم بلحاظه بداعى ايجاده، ثم إن ماذكره فى تصوير المسلك الثاني من تصور خصوصيتين ممتازتين في فرد واحد و جعل كل خصوصيته مصبّاً لواحد من الامر والنهي هو عين ما أبطله فى صدر كلامه وجعله خارجاً عن محلّ البحث، أعنى تصور وجودين مستقلين في موجود واحد و جعله مركباً إنضمامياً إذا لمفروض إمتياز كل واحدة من الخصوصيتين خارجاً في عالم الوجود عن الأخرى فهما وجودان في موجود واحد فقد فرض عين ما أخرجه عن محل البحث مع تغيير فى العبارة فصدر كلامه متهافت مع ذيله، ففى الحقيقة على ما ذكره لا يتصور للاجتماع الامسلك واحد هو عدم السراية من الطبيعى إلي الفرد وقد عرفت صحة ذلك المسلك و فساد مازعمه فى جوابه، فلابد من الاخذ بمقتضى ذلك المسلك الذى هو كما إعترف به القول بالاجتماع مطلقاً كما قويناه، ثم إنه بعد الخبر بما ذكرنا من البرهان القويم على الجواز و نقد الوجوه المذكورة للقول بالامتناع لا حاجة إلى التعرض لسائر الوجوه المذكورة للجواز التى لا تخلو غالباً عن المناقشة ولا التعرض للقول بالتفصيل بين الجواز عقلا والامتناع عرفاً إذا لمتبع حكم العرف بعقله من غير مسامحة و هو كما قلنا ليس إلا الجواز.

بقى الكلام في تصحيح العبادات المكروهة التي ربما يستشكل فيها من جهة تعلق نهى مولوى بالخصوص بعنوان العبادة في بعضها كالصلاة في الحمّام أو في

ص: 170

معاطن الابل أو في مسير الماء أو الصوم في السفر بل تعلق الامر و نهي مولويين في بعضها بعنوان منحصر في فرد واحد خارجاً كالصوم يوم العاشوراء، والحق أنها على أنحاء فتارةً تكون مما ليس له بدل كلمثال الأخير والنهي فيه للارشاد إلى ما فيه المصلحة من العنوان المنطبق عليه أو الملازم معه كمخالفة بني أمية ولا معنى لكونه أقل ثواباً إذليس له بدل حسب الفرض حتى يقاس معه ثوابه، وأخرى تكون مما له البدل مع كون النسبة بين الطبيعي مع تلك الخصوصية العموم المطلق كالصلاة فى الحمام ونحوه والنهى فيه حقيقي كاشف عن حزازة فى متعلقه تمنع عن تأثير مصلحة الفعل في مقدار مثوبته فيكون أقل ثواباً من سائر افراد الطبيعي، وثالثة ذلك مع كون النسبة العموم من وجه كالصلاة فى مواضع التهمة فعلى الحق من الاجتماع يكون كسابقه من الاشتمال على حزازة تخفف درجة المثوبة و على القول بالامتناع يكون الترجيح بيد العقل في عالم الامتثال، وتفصيل هذا الاجمال أنّ صوم يوم العاشورا صحيح بمقتضى النص والاجماع فلابد أن تكون فيه مصلحة توجب أمر الشارع به لكن حيث قام دليل تعبدى على مرجوحيته مضافاً إلى مداومة الائمة (عَلَيهِم السَّلَامُ) على تركه يكشف ذلك عن كون تركه أرجح و ایراد بعض المحققين (قدّس سِرُّه) على فهم أرجحية الترك من تركهم (عَلَيهِم السَّلَامُ) بأن تركهم أعم من كونه أرجح إذلعله كان لاجل إشتغالهم (عَلَيهِ السَّلَامُ) بغيره من المستحبات مدفوع بأن الاستدلال ليس على مجرد الترك كى يمكن الايراد عليه بأنه أعم بل إنّما هو على مداومتهم (عَلَيهِم السَّلَامُ) على الترك وهذا من مثلهم (عَلَيهِ السَّلَامُ) كاشف عن كون الترك أرجح مضافاً إلى معلومية تبرك بني أمية لعنهم اللّه بذلك الصوم و إلي ما عرفت من الدليل التعبدى على المرجوحية، وعليه فحيث ينطبق على ترك هذا الصوم عنوان مخالفة بني أمية و هو عنوان راجح ذو مصلحة راجحة على مصلحة نفس الصوم فالنهى عنه إنما هو للارشاد إلي تلك المصلحة لالمرجوحية في نفس الترك أو مفسدة و حزازة فى نفس الفعل.

ضرورة أن ترك الشيئي عبارة عن عدمه بمعنى فراغ المحل عن وجوده فلا يمكن ان يكون الترك بما هو مكمناً لشيئى من المفسدة والمرجوحية أو المصلحة

ص: 171

والراجحية إذليس بشيئى حتى يصير مكمناً لشيئى وتعلق الطلب به كما في النواهي إنما هو بلحاظ ترقب حصول الفعل، فيصح إسناد الترك إلى الشخص من جهة حفظ الفراغ عن الاشتغال بالوجود إذ بهذا الاعتبار يصير فعلاً نحوياً من سنخ الفعل الذى أضيف إليه الترك وهو إبقاء فراغ المحل عن الوجود على حاله بكف النفس عن ايجاد ذلك الوجود و إشغال ذلك الفراغ، فتعلق النهى بفعل إنما هو للاشارة إلى مرجوحية الفعل وكونه ذا مفسدة لا راجحية الترك كما أنَّ تعلق الامر به للاشارة إلى راجحيته وكونه ذا مصلحة لأمرجوحية الترك فنسبة الرجحان إلى الترك إنَّما هو بالعرض والمجاز فيما إذا انطبق عليه عنوان راجح والرجحان حقيقة إنما هو لذلك العنوان فترك صوم العاشور مثلاً بما هو ترك لا يعقل أن يكون راجحا بل الراجح هو مخالفة بنی أمية لعنهم اللّه، ولو سلم كون الترك أيضا بنفسه شيئاً (فعلى) ماذكره بعض المحققين (قدّس سِرُّه) من الغالبية بين الراجحية والمرجوحية في كل واحد من الفعل والترك بدعوى أنَّ كل واحد راجح بذاته أو بعنوانه مرجوح بلحاظ رجحان نقيضه وذلك يستلزم التفكيك بين العنوان والمعنون فى الوصفين و تغالب أحدهما مع الآخر وإختلاف العنوان والمعنون أو المتلازمين في الحكم (لابد) في صدق كل من العنوانين المتضايفين على مورد من وجود المبدء فيه مع أن الترك بما هو ليس فيه شيئى أصلاً حتى يصير مبدءاً للراجحية أو المرجوحية (ولكن) الحق أنه لاتغالب بين عنواني الراجح والمرجوح كي يستلزم اشتمال المرجوح أيضاً على شيئى بل الفعل إن كانت فيه مصلحة تقتضى صدوره عن الفاعل يكون راجحا فلو تصدّى الفاعل لايجاده مباشرةً بنشوه عن إرادته التكوينية كما في الأفعال الخارجية أو تسبيبا بنشوه عن إرادته التشريعية بمعنى بعث الغير نحوه كما في الاوامر المولوية يقال رَبَّح الفعل، ولا معنى لكون تركه مرجوحا إلا الاشارة إلى وجود المصلحة فى الفعل وخلوّ الترك عن الرجحان لا وجود شيئى فيه أيضا، وإن كانت فيه مفسدة تقتضی عدم صدوره يكون مرجوحا فلوتصدى الفاعل لعدم ايجاده بمعنى إبقاء فراغ المحل عن وجوده بحاله مباشرة بعدم إنقداح إرادته التكوينية نحو ايجاده أو تسبيبًا بزجر الغير عن ايجاده كما في النواهى المولوية يقال رَبِّح الترك، كما يقال في في مورد التصدّى علي عدم الايجاد مباشرة تركه ولا معنى لرجحان الترك إلا الاشارة

ص: 172

إلى وجود المفسدة في الفعل لا وجود مصلحة في نفس الترك أيضاً، و أمّا إذا كان الفعل لا اقتضاء من حيث الصدور وعدمه بأن لم تكن فيه مصلحة ولامفسدة لا يتّصف هو ولا تركه بشيئى من الراجح و المرجوح ولا يقع تحت أمر مولوى ولا نهى كذلك مطلقا لا بنحو اللزوم وعدم الرخصة في الترك كما في الواجبات والمحرمات ولا بنحو مطلق المحبوبية مع الرخصة في الترك كما فى المستحبات والمكروهات وهذا القسم يسمى بالمباحات.

فاسناد الراجح والمرجوح إلى الترك ليس على نحو الحقيقة حتى يكشف عن وجود شيئى من المصلحة والمفسدة في نفس الترك بل على نحو المجاز للاشارة إلي وجود المصلحة والمفسدة في الفعل فلامانع عن إنطباق عنوان راجح على الترك أو كونه ملازما لعنوان كذلك كمخالفة بني أمية بالنسبة إلى ترك صوم العاشور، إذ معنى إتصافه بالرجحان هو الاشارة إلى ما في ذلك العنوان من المصلحة فانه عنوان قصدى لابد له من مبرز فالترك بما هو عدم وجود ما يترقب وجوده وإبقاء فراغ المحل عن ذلك الوجود على حاله يصح جعله مبرزاً لذلك العنوان القصدى الذى يكون من الافعال الجانحية، و يسند الرحجان بالعرض والمجاز إلى الترك أيضاً بلحاظ مبرزيته له، و من هنا علم أنّ المعنون أي الترك ليس له حكم حتى يلزم من إنطباق عنوان راجح عليه أو ملازمته له إختلاف العنوان والمعنون أو المتلازمين فى الحكم ويستشكل بأنَّهما لا يختلفان في الحكم، كما علم أنَّ ما لا بدل له من العبادات المكروهة كصوم يوم العاشور ليس فيه حزازة أصلاً فليس أقل ثواباً بل هو تامّ المصلحة والمثوبة والحزازة إنّما هى فى العنوان المنطبق عليه كموافقة بني أمية لانّه عنوان قصدى مبرز بهذه العبادة فاسناد الكراهة و المرجوحية إلى العبادة ليس على نحو الحقيقة، ودعوى بعض المحققين (قدّس سِرُّه) أنَّ طلب الفعل كالصوم و طلب لازم نقیضه كمخالفة بني أميه أو طلب المتلازمين في حد طلب النقيضين مدفوعةٌ بأنّه إنما يكون كذلك إذا كان لزومياً غير جائز الترك و لم يكى ذلك العنوان قصديًا، أمّا إذا كان قوامه بالرخصة في الترك كما في المستحب والمكروه أو كان العنوان قصدياً كما في الصوم و مخالفة بني أمية فلا ضرورة كمال التلائم

ص: 173

بين الطلبين غاية الامر يتخير بينهما في عالم الامتثال اذا لم يكن أحدهما أهم و إلّا فيقدم أهمهما، نعم يبقى توهم لغوية الجعل بالنسبة إليهما معًا مع العلم بعدم القدرة على إمتثالهما في زمان واحد لكن يدفعه أنّ الجعل إنّما هو للداعوية نحو ايجاد أيِّهما شاء بلاحاجة إلى الالتزام باقتضائية الجعل كما عن بعضهم، وبما ذكرنا ينفتح باب واسع بالنسبة إلى المستحبات الواردة في زمان واحد كيوم عرفة أوليلة شهر رمضان و نحوهما و ينحل إشكال عدم القدرة على إمتثال الجميع في ذلك الزمان حيث علم أنَّها تكون لجعل الداعي على إختيار أىِّ مقدار شاءَ مما لا يقدر على إمتثال جميعه، فالحق كما نبه عليه صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) أن طلب الفعل مع لازم نقيضه أو عنوان منطبق عليه يكون من قبيل المستحبين المتزاحمين بلا إستلزام طلب النقيضين لعدم مناطه فى البين ولا لغوية الجعل لعدم كونه لزوميا و عدم دوام الملازمة بين العنوانين.

ثم إِنَّ النسبة بين القرب والبعد مع الامر والنهي عموم من وجه فيفترق القرب من الامر والبعد عن النهى فى موارد الاطاعة الحكمية أى الاتيان بشيئي بداعى أمر خيالي أو رجاءاً أو نحو ذلك من أقسام الانقياد الذي يترتب عليه المثوبة عقلاً إذ الانقياد ممدوح فيوجب إستحقاق الثواب عقلاً وهو واضح وشرعاً بمقتضى أخبار من بلغ، وكذا المخالفة الحكمية أى عدم التنحّى عن شيئى مع خيال الامر، و يفترق الامر عن القرب والنهي عن البعد في مورد الاوامر والنواهي الارشادية إذ لا قرب في متعلق تلك الاوامر ولا بعد في متعلق تلك النواهي كما لا أمرولا نهى فى موارد الاطاعة أو المخالفة الحكمية مع وجود القرب في الاولى والبعدفي الثانية، و عليه فالنهي فى هذا القسم من العبادات المكروهة ليس بمبعد لانه ارشادى لا مولوى فاشكال بعض المحققين على مقال صاحب الكفاية (قدّس سِرُّهما) الملتزم بعدم المبعدية بأن النهى و لو كان بالعرض والمجاز لابد أن يكون مبعِّداً غير سديد لان__ا و إن لم نقل بأنَّ تعنى النهى بالترك من قبل العنوان المنطبق عليه أو الملازم معه يكون بالعرض و المجاز بل نقول بأنه يكون بنحو الحقيقة فلا نوافق صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) في ذلك لكن لا نقول يكون ذلك النهى مبعداً أيضاً لانه إرشاد إلى ما في ذلك

ص: 174

العنوان من المصلحة، مع مع أنَّ اشكاله هذا ينا فى اشكاله على جعل النهي إرشادياً في كلام صاحب الكفاية بالالتزام بمناط النهى إذ لو كان المناط كافياً في البعد كما هو الحق فماوجه حصره القرب والبعد في الامر والنهي ولولم يكف المناط في ذلك كما ذكره قبل ذلك فما وجه التزامه بالمناط هيهنا.

هذا كله في القسم الأول أى مالابد له أما الثاني والثالث أى ماله البدل مع كون النسبة بين الطبيعى والخصوصية العموم المطلق أو من وج_ه فالحق كما نبه عليه صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) أنَّ النهى فيهما حقيقى كاشف عن وجود حزازة فى متعلقه بلحاظ الخصوصية الفردية فيكون أقل ثواباً من سائر أفراد الطبيعي بلا منافاة ذلك مع وجود المصلحة فيه بلحاظ جامعه المتحقق فيه (فاشكال) بعض المحققين على مقاله (قدّس سِرُّهما) بأن تلك الحزازة لا تخلو إما أن توجب سقوط الامر فلا مصلحة في البين أو لا توجبه فالمحلحة تؤثر أثرها ولا معنى لكونه أقل ثواباً (فاسد) إذ المصلحة الموجودة فى متعلق الاوامر ليست من قبيل العلة التامة لترتب المثوبة بل من قبيل المقتضى فالحزازة الموجودة فى تلك الخصوصية تكون من قبيل المانع عن تأثير المصلحة في ترتب المثوبة كما في جميع المقتضيات بالنسبة إلى الموانع، أما مقدار منع الحزازة عن تأثير المصلحة فموكول إلى ما يستفاد م__ن الادلة فوقوع الصلاة فى الحمام أوفى مواضع التهمة مثلا مانع عن تأثير المصلحة الصلاتية في عشر درجات من المثوبة و يوجب تأثيرها في سبع درجات و هكذا بالنسبة إلى الصلاة في معاطن الابل أو سائر المواضع المنهى عن الصلاة فيها، وقد دلت الاخبار على جملة من هذه المقادير الناقصة من المصلحة، وبالجملة فأصل المصلحة بحالها وبتبعها يبقى الامر بحاله وإنما التفاوت في ناحية تأثيرها في مقدار المثوبة، فالحق كما نبه عليه صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) أنَّ العبادة حينئذ أقلّ ثواباً ومن العجيب ما التزم به المستشكل من وجود حزازة في العبادة بلا تأثيرها في سقوط الامر ولا فى تقليل ثواب العبادة فإنَّ الحزازة على هذا وجودها و عدمها سواء فالالتزام بها لغو بل لامعنى حينئذ لمكروهية العبادة (فتلخص) أنّ الكراهة في الاول بمعنى الارشاد إلي ما في العنوان المنطبق أو الملازم من المصلحة و في الأخيرين بمعنى الحزازة الموجودة فى العبادة بلحاظ الخصوصية الفردية الموجبة لكونها

ص: 175

أقل ثواباً.

وينبغى التنبيه على أمور (الاول) أنه لو اضطر إلى إرتكاب الحرام بأن توقف عليه فعل واجب أهم كتوقف إنقاذ غريق أو إنجاء حريق على توسط أرض مغصوبة فالاضطرار (تارة) يحصل للمكلف قهراً بلا إستناده إلى اختياره كما إذا اطلع على غريق أو حريق و إنحصر طريق وصوله إليهما للانجاء في توسط أرض مغصوبة، وحينئذ لاريب ولا إشكال في إرتفاع الحرمة والعقوبة عن الفعل وصير ورته واجباً عقلاً مقدمة للواجب الأهم كما إذا لم يكن حراماً من أول الامر نعم بناءاً علي الامتناع يكون في الفعل ملاك الوجوب الاخطابه (وأخرى) يحصل له بسوء إختياره بلا تعنون الفعل المضطر إليه بالتخلص عن محذور الحرام كما إذا إختار للانجاء طريقاً أدى إلى توسط أرض مغصوبة بلا انحصار الطريق فى نفسه في ذلك، وحينئذ لاريب في عدم فعلية النهى حال ارتكاب المنهى عنه لانه مضطر إليه لكن حيث كان فعله مبغوضاً مستحقا عليه العقاب لاستناد عصيان الخطاب إلى إختياره فهو غير صالح لتعلق الوجوب به (وثالثة) يحصل له بسوء إختياره مع تعنون المضطر إليه بالتخلص عن الحرام كما في الخروج عن الارض المغصوبة في لمثال وفيه أقوال ثلاثة أحدها أن الفعل مأمور به فقط إختاره شيخنا الاعظم الانصاري (قدّس سِرُّه) في تقريراته ثانيها أنه منهى عنه فقط إختاره صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) ثالثها أنه مأمور به ومنهى عنه معاً إختاره المحقق القمى (قدّس سِرُّه) والحق هو الثاني لان المكلف قادر علي ترك ذلك الحرام بأن لا يرتكبه من رأس فلا يختار ما يؤدى إلي إرتكابه من أول الامر فهو غير معذور عقلاً في مخالفة النهى بل هو معاقب عليها كما في صورة عدم توقف واجب عليه وعدم تعنونه بعنوان التخلص عن الحرام، وتوهم أن مقتضى وجوب مقدمة الواجب وجوب ذلك الفعل فالمكلف معذور في مخالفة النهى عقلا مدفوع بأن اتصاف المقدمة بالوجوب لوقلنا به فهو في غير المقدمة المحرمة، نعم إذا كان الواجب أهم من ترك المقدمة المحرمة كما في المقام تتصف بالوجوب علي القول به إذا لم يكن الاضطرار إليها بسوء الاختيار لان ارتفاع الحرمة و الاتصاف بالوجوب يستلزم عدم كون الحرمة مطلقة بل معلقة علي إختيار المكلف و هذا خلف، وحيث حصل الاضطرار بسوء الاختيار حسب الفرض فهو باق علي الحرمة

ص: 176

والمبغوضية ولا بحكم العقل بالمعذورية.

إستدل فى التقريرات لمختاره بما حاصله بتحرير منا أن ترك ذلك الفعل كالخروج عن الأرض المغصوبة أى عدم الفعل الذى هو المطلوب بالنهى علي ضربين أحد هما العدم بعدم الموضوع كعدم الخروج في صورة عدم الدخول رأساً و هذا القسم حيث لا يكون بطرفيه من الوجود والعدم مقدوراً للمكلف لان حسب الفرض سلب بانتفاء الموضوع فلا يتعلق به التكليف من رأس حتى يبحث عن أنه مأمور به أو منهى عنه، ثانيهما العدم فى صورة وجود الموضوع كعدم الخروج في صورة الدخول المتحقق ب_ه عصيان النهى عن الغصب و ه_ذا القسم بطرفيه مقدور لكن طرف الوجود كالخروج حيث يكون سبباً منحصر اللتخلص عن الحرام يستحيل أن يتصف بغير الوجوب فهو مأمور به ليس إلّا (ويتوجه عليه) أن الدخول ليس موضوعاً للخروج بل هو كنفس الخروج حصة من التصرف في مال الغير بدون إذنه المحقق لعنوان الغصب فعدم الخروج ليس على ضربين بل هو ضرب واحد. ثم إن العناوين الطارية على موضوع باعتبارات مختلفة خارجة عن حقيقة الموضوع ليست دخيلة في الحكم المترتب على ذلك الموضوع أصلا فالحكم وجودا و عدما لا يدور مدار تلك العناوين أبدأ بل بقاء ما أخذ موضوعاً له فى لسان الدليل شرعاً، ومن المعلوم أنَّ موضوع الحرمة في موارد الغصب إنما هو التصرف في مال الغير بغير إذنه لان دليل الحرمة ما ورد في التوقيع المبارك من قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لايجوز لاحد أن يتصرف في مال اخيه المسلم إلا بطيب نفسه : فكلما صدق عليه عرفا أنه تصرف في مال الغير بدون إذنه يكون حراماً شرعًا ولوتعنون بعنوان آخر غير ذلك العنوان أيضاً بل بعناوين متعددة ضرورة إمكان انتزاع عناوين كثيرة عن فعل واحد باعتبارات مختلفة و أمثلته واضحة، فالتصرف الحاصل بالدخول في الارض المغصوبة والحاصل بالبقاء فيها والحاصل بالخروج عنها كلها على حد سواء من حيث كونها لدى العرف تصرفا في مال الغير بدون إذنه فما هو موضوع الحرمة في لسان الدليل صادق على الجميع فيكون حراماً لذلك لا لتعنونه بعنوان الدخول أو البقاء أو الخروج، فهذه العناوين الطارية على الموضوع غير دخيلة في الحكم أبداً

ص: 177

فعنوان الخروج كالبقاء والدخول لم يقع موضوعًا لحكم شرعى في المقام أبداً بل الامر بالخروج إنما هو عقلى للارشاد إلى ما هو أقلّ معصية من حصتى التصرف الحاصلتين حال البقاء والخروج إذا لحصة الأولى تستبتع حصصا أخرى من التصرف و ليكن هذا مراد صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) من أقلّ المحذورين وإلّا ففيه كلام.

ثم إن الفعل الاستمرارى المتدرج في الوجود كالصلاة إنّما يكون مقدوراً بالقدرة على حصته الأولى ثم على سائر الحصص تدريجا وبحسب ترتيبها الوجودى فيصحُ البعث نحو ذلك الفعل أو الزجر عنه قبل الشروع فيه بلا لزوم القدرة على ایجاد سائر الحصص بالفعل، إذ ما لم يتحقق الجزء السابق كالتكبيرة أو القرائة مثلاً لا يمكن إيجاد اللاحق كالقرائة أو الركوع وليس السابق سببًا للتكليف باللاحق ولا موضوعاً له، وإنّما اللازم عقلاً في صحة التكليف بسائر الحصص هو القدرة فعلاً على ايجاد كل حصة في موردها بحسب الترتيب الوجودي و من البديهي أنّ هذه القدرة حاصلة قبل تحقق جميع الحصص بالنسبة إلى جميعها إذ المكلف يقدر علي الشروع في الصلاة من التكبير وإستمرار فعله ذلك إلى آخر حصص الصلاة أى التسليمة، فمثل هذا الفعل يصح توجيه الطلب إليه بعثا أوزجراً قبل تحقق شيئى منه فالغصب الذي هو فعل إستمرارى من لدن دخول الشخص في الارض المغصوبة إلى خروجه عنها يكون مقدوراً بجميع حصصه من الدخولية والبقائية والخروجية قبل تحققه غاية الامر أنّ تدرجه في الوجود يقتضى الترتيب بين الحصص في عالم الايجاد بلا موضوعية إحديها للتكليف بالأخرى، فايجاد هذا الفعل الاستمراري انما هو بايجاد حصته الأولى أى الدخولية وتركه أي إبقائه على العدم إنّما هو بترك تلك الحصة وعدم ايجادها، فيصح النهى عن ذلك الفعل بما له من الحصص قبل تحققه ويكون إمتثال هذا النهى بترك الشروع في الفعل وعدم ايجاد حصته الأولى کي يبتلى بسائر الحصص ويكون عصيانه بالشروع فيه وايجاد حصته الاولى الذى يتفرع عليه ايجاد سائر الحصص، وما ذكرنا هو مراد صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) من أنّ الفرعية على الدخول في الخروج كالبقاء لا يمنع عن المطلوبية، و بالجملة فرأس

ص: 178

سلسلة حصص الفعل لما كان بيد المكلف ايجاداً وإعداماً فجميع الحصص مقدورة له ويصح التكليف إليها والعقوبة عليها وهذا مراده (قدّس سِرُّه) من أن المقدور بالواسطة مقدور وهذا نظير جميع الافعال التوليدية كالاحراق المتولد من الالقاء في النار أو القتل المتولد من إلقاء الرصاص أو رفع اليد عن الشاهق، فالقدرة على الفعل التوليدى قدرة على المتولد فيصح توجيه التكليف نحو كل واحد منهما وليكن مراده (قدّس سِرُّه) من سائر الافعال التوليدية جميعها حيث إستعمل السائر بمعنى الجميع أيضاً أو يكون التشبيه من جهة محض الترتب لا التوليد، وكيف كان فليس مراده كون المقام من الافعال التوليدية ليكون الدخول سبباً تكوينيا للبقاء أو الخروج نظير سببية الالقاء فى النار للاحراق.

ثم إنَّ المُحَسّن للفعل لابد أن يكون بنفسه إحساناً بأن يكون فيه نفع عائد إلى الغير كالتأديب بالنسبة إلى الضرب إذفيه نفع عائد إلى المضروب وليس كذلك عنوان التخلص عن الحرام بالنسبة إلى الخروج عن ملك الغير إذ الملك بيد ما لكه و تحت تصرفه، فخروج الغاصب عنه ليس فيه نفع عائد إلى المالك حتى يكون إحساناً اليه و يوجب إتصاف الخروج بالحسن و إنما هو رفع الظلم عن المالك والاحسان إلي نفس الغاصب بالخلاص عن عصيان النهى الشرعى الموجب العقوبة مع أنّ التخلص عنوان ينتزع عن إنتهاء حصة الخروج و ه_و حين إنتفاء الغصب فلا يمكن تعنون حصة من التصرف به (وما في الكفاية) من الايراد بأنّ مقدمة الواجب لابد أن تكون واجبة فكيف يكون الخروج حراماً بعد كون التخلّى واجباً مع أن الممنوع شرعاً كالممتنع عقلا والجواب أولا بعدم كون الممنوع شرعاً كالممتنع عقلا في مورد إلزام العقل به إرشاداً إلى أقل المحذورين كالمقام و ثانياً بكون الساقط هو الخطاب دون الملاك (فهو مبنى على) تسليم المقدمية مما شاة للخصم كما نبه عليه في موضعين من الهامش فلاينافي ما تقدم من إنتزاعية عنوان التخلص وعدم كونه محسناً.

ثم إن صاحب الفصول (قدّس سِرُّه) إختار كون الخروج مأموراً به فعلا مع إجراء حكم المعصية عليه بسبب النهى السابق الساقط المستلزم لكونه منهياً عنه بذلك

ص: 179

النهى أيضا بدعوى عدم المنافاة بينهما مع إختلاف زماني التحريم والايجاب فان زمان الأول قبل الدخول و زمان الثانى بعده، فأجاب عنه في الكفاية بأن اللازم في دفع الاشكال هو إختلاف زمان الفعل الذى تعلق به الامر مع ماتعلق به النهي لا إختلاف زمانى الامر والنهى، إذ مع إتحاد زمان الفعل لا يجدى اختلاف زمانهما كما إذا أمر عبده فعلا بالضرب في الغدونهاه عن ذلك ليلا فإنه مستحيل و قبيح عقلا و مع إختلاف زمان الفعل لا يضر إتحاد زمانهما كما إذا أمر فعلا بالضرب الليل ونهى عنه غداً فانه صحيح و بلا محذور (وقد أخذ) عنه (قدّس سِرُّه) بعض الاساطين هذا المطلب و به أجاب عن مقال صاحب الفصول ثم إعترض عليه بالنسبة إلى اجازة الفضولى بمثل ما يرد علي مقال صاحب الفصول في المقام حيث التزم (قدّس سِرُّه) فيها بالكشف فادعي أنّ لازمه إعتبار الملكية فى زمان واحد لشخصين (وأنت خبير) بعدم توجه هذا الايراد على مقال صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) لان زمام الاعتبارات بيد معتبرها فلا مانع عن إعتبار شيئى ملكاً لشخص في زمان ثم إعتباره بعد ذلك ملكاً لشخص آخر من نفس ذلك الزمان بمعني رفع الاعتبار الأول رأسًا وجعل الاعتبار الثانى مكانه خارجاً، والكشف فى الفضولي على القول به إنما هو بهذا المعنى فان صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) إنّما يلتزم بالكشف الحقيقى الانقلابي بمعنى كشف إجازة المالك عن إنقلاب الملك من حين وقوع عقد البيع إلى ملك من وقع له العقد وكونه ملكاً له حقيقة، بمعني ترتب جميع آثار الملكية عليه لا علي المالك الأول، و هذا كما ترى لا تأتي فيه الاستحالة المتقدمة فى مقال صاحب الفصول (قدّس سِرُّه) نعم لو كان صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) ملتزماً بملكية الشيئى في زمان واحد لكلا المالكين لتوجه على مقاله مثل ما يتوجه علي مقال صاحب الفصول لكنه (قدّس سِرُّه) أجلُّ شأناً من أن يلتزم بذلك.

ثم إن أبا الهاشم الخراساني والمحقق القمي (قدّس سِرُّه) إختارا كون الخروج مأموراً به و منهيًا عنه معاً فعلا ناسباً ذلك إلى أكثر الفقهاء بدعوى أنّ الامتناع بالاختيار لاينافي الاختيار، فالاضطرار إلى العصيان لما كان بالاختيار فلا يمنع عن صحة توجيه الامر والنهي معا إلي ذلك الفعل، و يدفعه كما نبه عليه في الكفاية أنَّ هذه القاعدة

ص: 180

كلامية في جواب من زعم كالاشاعرة أنَّ الفعل بعد تحققه يخرج عن كونه إختياريا، و معني القاعدة أنَّ وجوب الفعل إنّما هو في صورة وجود علته وهي الارادة ولما كان إمتناع عدم تحققه حينئذ مستنداً إلي إختيار نفس الفاعل المختار فهو لاينا في اختيارية الفعل بل يؤكّدها، فلا ربط لهذه القاعدة بمثل ما نحن فيه بل في حال إمتناع ترك الفعل لايصح توجيه الخطاب به إلى المكلف عقلاً فلا يمكن الالتزام به شرعًا حتى مع تعدد العنوان فضلاً عن وحدته كما في المقام، إذ عنوان الخروج أو التخلص إنما ينتزع عن الحصول فى خارج الدار و ليس عنواناً لشيئي م__ن حصص التصرف فيها فمع عدم المندوحة كما في المقام يستحيل تعلق الامر والنهي معاً بفرد خارجی.

ثم إنّ بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) قد التزم بأن الامتناع بالاختيار لاينا في الاختيار على نحوین خطابی و عقابی و ذكر للثانى شروطاً منها وجود الملاك فى الفعل و لذلك التزم بعدم جريانها فى المقام بدعوى عدم وجود ملاك المبغوضية فى الخروج عن الدار المغصوبة لانه تخلية لمال الغير و هو حسن غير مبغوض ف___لا تجرى فيه القاعدة عقاباً كما إختار أنَّ المكلف حيث يتمكن من البقاء في الدار فلا معنى لاضطراره إلى الخروج إلى آخر ما ذكره مما يظهر بمراجعة كلامه، لكنك عرفت أن تلك القاعدة كلامية لا ربط لها بالاصول فضلا عن أن يكون لها قسمان خطابی و عقابی و يكون ثانى القسمين مشروطاً بشروط، على أنّ التصرف فى ملك الغير فعل إمتدادى يتحقق بكل حصة منه حصتان من المخالفة بالنسبة إلى النهى عن ذلك الغصب بمعنى أنَّ الغاصب بدخوله في ملك الغير بخطوة قد عصى النهي عن الغصب بمقدار خطوتين لانه بخطوة من الدخول قد إبتلى بخطوتين من التصرف في ملك الغير، و هكذا كلما إزداد إمتداد التصرف دخولاً إزدادت مخالفة النهى حصة بمثليه والحصة الأخرى من التصرف لاجل الخروج مما لا علاج عنه في عالم الاقتراب إلى الكون فى خارج الدار الذى يكون واجبًا عقلاً تقليلاً للمخالفة و العقوبة، فهذا هو المراد من الاضطرار بالخروج لا مازعمه من عدم القدرة تكويناً على إزدياد الابتعاد بالمكث في الدار، و بالجملة فالعقل إنّما يلزم المكلف على

ص: 181

إختيار التصرف المؤدى إلى الكون فى خارج الدار تقليلاً للمعصية ولذا لو فرض كون الخروج من غير طريق الدخول أقل تصرفاً منه من طريق الدخول لكون الاول أقرب إلي الكون فى خارج الدار بأن كان لها بابان دخل من إحدهما إلى قريب من الآخر فالعقل يعيِّن للخروج أقصر الطريقين لانه أقل معصية، أما حسن التخلية فيتوجَّه عليه ما تقدم فى حسن التخلص من أنَّ هذه عناوين تنتزع عن إنتهاء أمد التصرف وحصول الشخص فى خارج المغصوب فليست عناوين لحصة من التصرف فيه فلا توجب حسنًا لانها ليست إحسانا في حق المالك بل رفع الظلم عنه وإحسان في حق نفس الغاصب من جهة التلازم مع تقليل المعصية.

وبالجملة فلكلامه جوابان إجمالي وتفصيلى (أمّا الاول) فهو أنَّ اللازم في المقام إنّما هو المصحح للعقاب بالنسبة إلى حصة الخروج و هو موجود ضرورة وجود ملاك المبغوضية لانه تصرف فى مال الغير بدون إذنه ووجود الخطاب وهو النهي عن هذا الفعل الامتدادى الواقع بين المبدء والمنتهى أى التصرف من حين الدخول إلى الخروج عن الارض المغصوبة ووجود القدرة على إمتثال ذلك الخطاب بترك هذا الفعل الامتدادى من رأس وإبقائه على العدم فاذا خالف النهى بايجاد ذلك الفعل المتحقق بايجاد حصة منه فقد إستحق العقاب عقلاً (وأما الثاني) فهو بیان فساد كل واحد من الشرائط الأربعة التي ذكرها لدخول الخروج تحت قاعدة الامتناع بالاختيار لاينا في الاختيار وربما جعل كلاً منها دليلاً على خروجه عن القاعدة، فنقول (حاصل أولها) صيرورة الفعل إضطرارياً خارجا عن تحت القدرة كما في ترك الحج فى الموسم بالنسبة إلى تارك المسير إليه وليس كذالك الخروج ضرورة قدرة المكلف على : بالبقاء في تلك الدار (وفيه) أنَّ الاضطرار بهذا المعنى إنّما يشترط في : الامتناع بالاختيار لاينا في الاختيار : الفلسفي الذي أجيب به عن القائل بعدم إختيارية الافعال العباد ولا ربط له بالاصول كما نبه عليه في الكفاية، أما القاعدة التي إخترعها مثل هذا القائل لمثل المقام أعنى عدم منافاة الامتناع الفعلى إذا استند إلى الاختيار مع العقاب فلا يشترط فيه ذلك إذ يكفى في صحة عقاب المكلف على عصيان الخطاب صيرورته لاعلاج عن العصيان بالنسبة

ص: 182

إلى حصة التصرف الخروجى بعد إختياره العصيان بالنسبة إلى صحة الدخولى مع تمكنه عن ترك العصيان بترك الدخول بلاخروجه عن تحت إختياره تكوينا حسب إعترافه (وحاصل ثانيها) وجود ملاك الفعل حتى مع إنتفاء مقدمته الاعدادية كملاك الحج عند ترك المسير فى صورة وجود الاستطاعة فلوجوده بمجرد الاستطاعة يستحق العقاب على ترك الحج بترك المسير ولو كان فعله حينئذ ممتنعاً لاستناده إلى إختياره، بخلاف الخروج فحيث يكون لمقدمته الاعدادية أى الدخول دخل في أصل ملاكه فهو خارج عن القاعدة (وفيه) أنَّ الخروج أيضاً تركه مقدور كما عرفت فهو ذو ملاك حتى بعد تحقق الدخول (وحاصل ثالثها) كون المقدمة سببا للقدرة علي ذيها كالمسير إلى الحج الذى هو مقدمة إعدادية ل_ه و به يقدر عليه بخلاف الخروج فمع كون الدخول مقدمة إعدادية ل_ه يكون تركه غير مقدور بعد تحقق الدخول فليس من مورد القاعدة (وفيه) أنَّ متعلق الطلب إذا كان وجوديا كالحج فمقدمته الاعدادية وجودية كالمسير أما إذا كان عدميًا كترك التصرف الخروجى فمقدمته الاعدادية أيضاً عدمية كترك التصرف الدخولى، و من المعلوم أن الثاني سبب للقدرة على الأول فترك هذا المطلوب أعنى ايجاد التصرف الخروجي بايجاد التصرف الدخولي حيث يستند إلى إختياره فيستحق العقاب عليه كما يستحق تارك الحج بتركه المسير إختياراً، فالعجب أنه یعترف بكون وجود الدخول مقدمة إعدادية اوجود الخروج و مع ذلك يقايس بين وجود الدخول مع ترك الخروج لا بينه و بين ترك الدخول الذى هو مقدمة إعدادية لترك الخروج (و حاصل رابعها) عدم قابلية الفعل لتعلق الخطاب به لعدم كونه مقدوراً و ليس كذلك الخروج لانه واجب عقلاً فهو مقدور قابل لتعلق الخطاب به شرعاً فيخرج عن القاعدة (وفيه) أنه لا معنى لدخل الوجوب العقلى الذى يكون للارشاد إلى تقليل المعصية في صيرورة الفعل مقدوراً و تغييره عما هو عليه من المقدورية أو عدمها فالفعل بنفسه مقدور تكوينأمبتلى به خارجاً، ثم إن ما ذكره فى هذا الامر يُبطل ما زعمه في معنى الاضطرار في الامر الاول حيث يوضح أنّ المراد به الابتلاء بذلك العصيان خارجاً لاعدم القدرة على نقيضه تكويناً، فليته تنبه لدلك هناك حتي لا يذكر الامر الأول فالامران الاول

ص: 183

والرابع متنافيان، أمّا تعنون الخروج بعنوانِ حسن هو ردّ مال الغير إلى مالكه فقد عرفت مافيه.

ثم إِنَّ الصلاة في الدار المغصوبة تصح علي القول بالاجتماع و ل_و ك___ان الاضطرار بسوء الاختيار وهو واضح، نعم على مسلك بعض المجوّزين كالمجدد الشيرازي (قدّس سِرُّه) من كون الغصب قرين سوء للعبادة و انه لا يطاع اللّه من حيث يعصي و كبعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) من إختيار الامتناع من الجهة الثانية مستنداً إلى اقتضاء البعث القدرة لا تصح إذا كان الاضطرار بسوء الاختيار، أما على القول بالامتناع فإن لم يكن الاضطرار بسوء الاختيار كما إذا سجن في مكان مغصوب تصح الصلاة ضرورة عدم فعلية النهى فالعبادة توافق أمرها بلا مزاحم و كذا مع الجهل والنسيان ضرورة وجود ملاك الصحة و هو عدم فعلية النهي فى الجميع فالفرق بين القصورى و غيره أو النسيان و عدمه غير سديد و إن كان بسوء الاختيار مع وقوع الصلاة حال الخروج على القول بكونه مأموراً به بلا إجراء حكم المعصية عليه فتصح ضرورة إستيفاء الغرض من الامر لكنه مقصور بعدم لزوم تصرف زائد، ولذا قد يقال بلزوم الاقتصار في كيفية الصلاة على ما لا يستلزم تصرفاً زائداً على ما يتوقف عليه الخروج و أنَّ الحركات الصلاتية التي تستلزم التصرف الزائد كالركوع و السجود غير جائزة، بل صرح في الجواهر بلزوم الاقتصار على الايماء للركوع والسجود لكن الظاهر على هذا القول كفاية الاتيان بالركوع حال الحركة الخروجية لا ح__ال السكون فلا يتبدل بالايماء، و قديقال بالفساد من جهة القبح الفاعلي و يدفعه أن المفروض عدم فعلية النهى بالنسبة إلى الفعل فانتسابه إلى الفاعل لا يوجب القبح ثم لو سلم القبح الفاعلى فلا ربط له بنفس الفعل كي يمنع عن صحة الصلاة، أما مع اجراء حكم المعصية عليه وغلبة ملاك الامر علي النهى فتصح في ضيق الوقت بمقتضى إستيفاء الغرض (والقول) بجواز البقاء بمقدار الخروج والاتيان بالصلاة إذا ساوى زمان الخروج مع زمان الصلاة (مدفوع) بأن مدار الصحة ليس على هذا الامتداد الزماني حتى يقال بامكان ايقاع الصلاة فيه حال البقاء وأنه لولم يكن خروج كما لو صعد عن الارض المغصوبة بالطائرة صحت الصلاة لوقوعها في الامتداد الوافي للخروج على تقديره، بل المدار على التعنون باللابدية و هذا

ص: 184

العنوان ينطبق على الخروج دون البقاء، ولو سلم كون المدار على هذا الامتداد فهو على خصوص مما يتحقق به الخروج فما لم يكن خروج يصلّى حاله لاتصح صلاته، أما فى سعة الوقت (فقد بني) الصحة والفساد في الكفاية على عدم اقتضاء الامر بالشيئي النهى عن ضده وإقتضائه بدعوى أن كل واحدة من الصلاة في الدار المغصوبة وفى خارجها وإن كانت فرداً لطبيعى المأمور به و مقتضى التخيير بين أفراد الطبيعة عقلاً عدم الفرق بينهما، لكن أحد القردين توأم مع منقصة ناشئة عن إتحاده مع الغصب فالفرد الخالى عنها أهمّ في نظر العقل ومأمور ب_ه في عالم إمتثال الطبيعى دون الفرد الآخر فلو قلنا بأن الامر به يقتضى النهي عن ضده و ه_و التوأم مع المنقصة فالصلاة في الغصب منهي عنها وفاسدة، وإن لم نقل بذلك كما هو الحق الذي عرفته في محله فالصلاة مشتملة على ملاك الامر وهو غالب على ملاك النهى وليست منهياً عنها من قبل ضدها ولا من قبل الغصب لفرض سقوط النهى بالاضطرار فهي صحيحة مع سعة الوقت ولو لم يتعلق بها أمر فعلاً.

أقول تحقيق المقام أنّ صحة الصلاة على القول بالاجتماع ممّا لاريب فيه سواء إضطر إلى الغصب فسجن فى مكان مغصوب أو إبتلي به إختياراً فدخل فيه باختياره كما تقدم توضيحه، أما على القول بالامتناع فلو قلنا بمذاق صاحب الكفاية من أنّ الاضطرار قيد لاصل الجعل فلانهى بالنسبة إلى الغصب كي يقع التمانع بينه وبين الامر بالصلاة، و إن قلنا بأنه موضوع لرفع الحكم الأولى كما هو ظاهر قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كل شيئى إضطر إليه إبن آدم فقد أحله اللّه : إذ ظاهره رفع الحرمة الثابتة قبل طروّ الاضطرار بسبب طرقه لاعدم جعل الحرمة عليه من أول الامر بل جعله حلالاً، بل هذا هو ظاهر رفع ما اضطروا إليه فى حديث الرفع، فيمكن أن يقال بأن تقييد الامر إنّما هو في صورة تنجز النهى و حيث لا تنجز له فلا يقيد الامر (وبالجملة) فحيث أن متعلق الامر والنهي على الامتناع نفس الفرد الخارجي فالامتناع آمرىٌّ و التغالب لابد أن يكون في مرحلة الجعل، فمعنى غلبة أحد الملاكين على الآخر عدم تأثير الملاك المغلوب في جعل حكم إلزامي على طبقه فلو كان الغالب ملاك الامر لابد أن تكون العبادة مأموراً بها و صحيحة ليس إلا ولو كان ملاك النهى لابد أن تكون منهياً عنها وفاسدة، ففى فرض غلبة مصلحة الامر للاجماع

ص: 185

على وجوب الصلاة في كل حال أو لقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الصلاة لا تترك بحال : كما هو مفروض کلام صاحب الكفاية لابد أن لا تكون المغصب مفسدة ملزمة وعليه فالصلاة في الدار المغصوبة مأموربها فقط فهي صحيحة بلا إستتباع العقوبة من غير فرق بين وقوعها فى سعة الوقت أو ضيقه ولا بين وقوعها حال الخروج أو البقاء، إذ عليهذا لا دخل لعنوان الخروج أو الضيق فى الصحة بل الدخيل إنما هو مغلوبية ملاك النهى، هذا إذا تساوى الاطلاقان في كونهما شموليين نظير أكرم العلماء ولا تكرم الفساق، أما إن كان إطلاق الامر بدلياً نطير أكرم عالماً وإطلاق النهى ولياً نظير لا تكرم الفساق فيتوجه عليه إشكال آخر هو حكومة الاطلاق الشمولي على البدلى بمعنى إختصاص مورد البدلى كالصلاة في المقام بغير مورد الشمولي كالغصب فتجب الصلاة فى المكان المباح فقط، إذ بذلك يمكن حفظ كلا الملاكين في جميع الموارد بخلاف العكس أى تحكيم البدلى على الشمولی و تخصیص مورد الثانی بغير مورد الأول بأن لا يكون الغصب حين الصلاة في المكان المغصوب حراماً فيفوت ملاك النهى في بعض الموارد ولابد أن تكون العبادة غير مأمور بها أصلاً بل منهى عنها لتحقق الغصب بها فتكون فاسدة، فلا معنى للجمع بين القول بالامتناع مع الإلتزام بثمرة القول بالاجتماع و هو غلبة ملاك الامر مطلقألدى الابتلاء بالغصب إختياراً سواء حال الخروج أو ضيق الوقت أوسعته والالتزام بصحة الصلاة وكون المكلف مع ذلك عاصياً للنهى مستحقاً للعقوبة كما صنعه صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) فبين ذاك المبنى مع هذا البناء تهافت فهذا منه (قدّس سِرُّه) طريف.

و أطرف منه ما ذكره أخيراً من إبتناء الصحة و عدمها في سعة الوقت على اقتضاء الامر بالشيئي النهى عن ضده و عدمه و إختياره الصحة علي مختاره من عدم الاقتضاء، و ذلك لان الاوامر المتعلقة بأفراد طبيعة واحدة إنّما هى عقلية تخييرية لاشرعية حتى يبتنى على تلك المسئلة فالامر الشرعى إنّما هو واحد غاية الامر ينحل إلى كل واحد من هذه الافراد على نحو البدلية بمعنى أنّ اللازم بحكم العقل إمتثال الطبيعة في ضمن واحد من تلك الافراد فالافراد أعدال تلك الطبيعة لا أنّ هذا الفرد ضد لذاك كي يكون صغرى لمسئلة اقتضاء الامر بالشيئي النهي عن ضدّه، أما الحكم

ص: 186

بالصحة فليس لاجل عدم اقتضاء الامر النهي عن الضد ب_ل لمقدمتين إحديهما أن الفرد الخارجى على القول بالامتناع مأمور به و منهى عنه معأ و الأخرى غلبة المصلحة الصلاتية على المفسدة الغصبية فبعد التفات العقل إلى المقدمتين يحكم بصحة الصلاة (وقد يقال) فى تصحيحها حال الخروج على القول بالامتناع بعد تسليم كون جميع حصص التصرف فى الدار المغصوبة من الدخولية والبقائية والخروجية محرَّمة بنفس النهى عن التصرف فى مال الغير إذرأس السلسلة بيد المكلف و ليس شيئى من عناوين الدخول و البقاء والخروج موضوعاً للحكم الشرعى (إنّه) لاريب فى أن الحصة الخروجيه من التصرف مضطر إليها بمعنى كونه لا علاج عنها فلو ندم المكلف و تاب عن هذه المعصية فحيث أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له فالصلاة في هذه الحالة خالية عن المفسدة واجدة للملاك فتقع صحيحة (و فيه) أن قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : التائب من الذنب كمن لا ذنب له سيق لنفى تبعة المعصية لدى التوبة لانفى أصل المعصية بما هي هو مخالفة و مبغوضة كما هو الشأن في جميع الأدلة الشرعية الواردة في الحبط أو التكفير أو تبديل السيئات حسنات، والمانع عن صحة الصلاة إنما هي المبغوضية المتحققة حسب الفرض دون البتعة المرتفعة بالتوبة فهى غير صالحة لتصحيح الصلاة المزبورة، مع أنّ التوبة فرع تحقق المعصية و هى متحققة بالنسبة إلى حصص التصرف الحاصلة في الخارج غير الخروج أما هو فالمفروض عدم تحقق هذا الامتداد من التصرف الواقع حال الخروج حتى يتحقق به عصيان النهى الكلى بالنسبة إلى هذه الحصة من متعلقه ليمكن تعلق التوبة به، فرافع التبعة أو أصل المعصية غير متحقق بالنسبة إلى الخروج فكيف تصح الصلاة حاله (إلا أن) يُدَّعي تأثير التوبة السابقة في رفع التبعة أو المعصية اللّاحقة بمعنى أنّ المكلف لما تاب عن المعصية المتحققة بالدخول فى الدار المغصوبة خرجت الحصة الباقية من التصرف عن المبغوضية (وهو) و إن أمكن ثبوتاً لكنه خلاف ظاهر الدليل إثباتاً لأن قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : التائب من الذنب كمن لا ذنب له : غير ظاهر بشيئى من الدلالات الثلاث في ذلك، أو يدعى أن التوبة مستمرة مع كل جزء جزء من التصرف الخروجى المحقِّق للمعصية فأثر العصيان بالنسبة إلي كل جزء يرتفع

ص: 187

بالتوبة فتقع الصلاة صحيحة لكنه أيضاً لا يجدى لاثبات المدعى لان تحقق كل جزء من ذلك التصرف توأم مع تحقق جزء من الصلاة فمالم يتحقق ذلك الجزء لا يمكن تعلق التوبة به وإذا تحقق فقد تحقق به جزء من الصلاة مبغوضاً فأين المصحح.

و ربما يقال في وجه التصحيح أنّ مقتضى : الصلاة لاتترك بحال : كونها ذات ملاك ملزم في جميع الحالات التي منها حال الغصب فهي صحيحة مطلقاً قلنا بالاجتماع أو الامتناع فلاثمرة للمسئلة بالنسبة إلى الصلاة في الدار المغصوبة، وفيه أنّ ذلك يتم لولم نقل بتقييد الصلاة من جهة الحالات أيضاً بأقل ما تتحقق به كصلاة الغرقى أما على ما هو الحق من الحق من أنَّ هذا الدليل : الصلاة لاتترك بحال : كما يكون ناظراً إلى تقييد الصلاة من جهة حالات المكلف كالاضطرار و نحوه و أنها لاتسقط بشيئي منها كذلك يكون ناظراً إلى تقييدها من جهة حالات نفس الصلاة من تعذر أجزائها وشرائطها وأنّها لا تسقط بتعذرها مادام صدق الصلاة عليها في الشرع إذهذا هو مقتضى إطلاق الدليل، فحينئذ نقول إن الصلاة تامة الاجزاء والشرائط وإن كانت متعذرة حال الغصب لكنها بنحو الايماء والاشارة غير الملازم مع تصرف زائد في المغصوب الذي هو أقل ما يصدق عليه الصلاة في الشروع كما في مورد الغرقى والمهدوم عليهم غير متعذرة، فاطلاقها بالنسبة إلى أزيد من هذه المرتبة يقيد باطلاق النهى وإن شئت قلت إنّ الرواية مفرِّدةٌ للطبيعة الصلاتية فتكون الصلاة في الدار المغصوبة تامة الاجزاء والشرائط، بل بما عدا المرتبة المزبورة فاسدة على الامتناع صحيحة على الاجتماع فالثمرة بحالها.

الثاني أنَّ مورد الاجتماع على القول بالامتناع هل هو من قبيل تعارض الحكمين و حكومة أحد الاطلاقين علي الآخر كما إختاره جماعة أم هو من قبيل تزاحم المقتضيين و لابدّ من إعمال مرجحات باب التزاحم كما إختاره صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) و تبعه جماعة ممن تأخر تأخّر عنه، الحق هو الأول (إذحاصل) تقريب الثاني على ما في الكفاية أنَّ الدليلين ربما يعلم من أول الامر بكذب أحدهما كما إذا أخبر المولى بأن اليوم يُخبرك عنى شخصان أحدهما كاذب فأخبرا عنه،

ص: 188

ولم تعلم أيهما كاذب فهذا من إشتباه الحجة باللاحجة و هو خارج عن هو خارج عن محطِّ الكلام فى المقام، و ربما تكون شرائط الحجية للحكاية تامة فى كل واحد منهما فان كان بينهما تناف مطلقاً حتى في الملاك والجعل كما إذا دلّا على ملاكين متنافيين لشيئي واحد فحكى أحدهما كون شرب الخمر ذامصلحة وحكى الآخر عن كونه ذا مفسدة فهذا من تعارض الدليلين و يكون كل بمد لوله الالتزامي مكذباً للآخر فلابد من الرجوع إلى المرجّحات السندية مطلقاً، وإن لم يكن بينهما تناف كذلك بل دلّ كل على ملاك في شيئى كما في المقام حيث يدل أحدهما على كون الصلاة ذات مصلحة ويدل الآخر على كون الغصب ذا مفسدة فالملاكان في نفسهما غير متنافيين بل قابلان للتحقق فى الخارج لكن تصادق عنوانين كل واحد لأحد الملاكين على موردِ أوجب التنافى، فهذا من تزاحم المقتضيين فلو أحرز كون أحد الملاكين أقوى يؤخذ به وإلا فإن دلّ كل على حكم فعلى وقع التعارض بين الدليلين في ذلك الموارد فيقدم أقويهما سنداً أو دلالة و منه يستكشف إنّا أقوى الملاكين أيضاً، وإن دلّ أحدهما على الحكم الفعلي فقط تعين الاخذ به وإن دلّ كل على حكم إقتضائى يرجع إلى الاصول العلمية (وقد أيد) بعض المحققين هذا الكشف الإنّى بأنه ليس لاجل دلالة قوة السند أو الدلالة على قوة المدلول بالمطابقة إذلاربط لقوة الكاشف بقوة المنكشف ولا لاجل عليّة بينهما فليس الكشف إنّياً بالمعنى المصطلح، بل المراد به الدلالة الالتزامية إذا لتعبد بأقوى سنداً أو دلالة من قبل الشارع لا بد أن يكون عن ملاك فعلى باعث نحو التعبد لاجزافاً و بلا ملاك فلو كان ذاك الملاك أقوى عن ملاك التعبد بأضعف سنداً أو دلالة صح التعبد على طبقه وإلا فلا معنى للتعبد بخصوص أقوى سنداً أو دلالة، بل لو كان ملاك التعبد بالاضعف أقوى لابد من التعبد بخصوصه وإلا فلابد من التخيير بينهما و هذا بناءاً على الطريقيه في باب التعبد بالسند أو الدلالة واضح أمّا بناءاً على الموضوعية فالحكم المماثل لا يلزم أن يكون عن ملاك باعث نحو الحكم الواقعى فيتزاحم الحكمان دائماً فعلى الطريقية لا تعارض إلا فى صورة العلم بكذب أحد الدليلين.

(و يتوجه) عليه أنَّ التنافي بين الحكمين على الامتناع إنّما هو في مرحلة

ص: 189

أصل الجمل بمعنى عدم قابلية أحد الملاكين لأن يصير منشاءاً لجعل حكم على طبقه بل هو مقهور بالملاك الآخر فليس في مورد الاجتماع عدا ملاك واحد فلا مجال للتغالب بين الملاكين كي يكون من تزاحم المقتضيين، ثم لو فرض وجود المقتضيين فی مورد الاجتماع وصحة جعل التغالب بين الحكمين فالمفروض نفى أحدهما بمرجحات السند أو الدلالة و حصرهما في واحد فعند عدم فعلية المقتضى الموجود لا معنى لوجود المقتضى الآخر المنفى و تحققه ثانياً مالم يدل على إنو جاده ثانيًا دليل آخر غير دليله الاولى، فالتعبد بأقوى سنداً أو دلالة لا يمكن أن يستلزم أقوائية ملاك الحكم لانحصار الملاك فى الواحد فالعجب أنَّ هذا المؤيد يَعدُّ ما ذكره وجيهاً على الطريقية التي ليس معها عدا الملاك الواقعى دون الموضوعية التي يكون معها في مؤدى الطريق بما هو طريق أيضاً ملاك، فلو عكس الامر لكان أقرب بالاعتبار إذ لاربط للطريق بذيه من حيث الأقوانية وإن شئت التوضيح فافرض في الأمور العرفية قيام طريق أقوى فى الطريقية كالبينة على أمرذى ملاک ضعیف و قیام طريق اضعف في ذلك كشهادة عدل واحد على أمرذى ملاك قوى ثم انظر هل يكون مجرد أقوائية الطريق سبباً لأقوائية ذيه أم لاربط لاحدى المرحلتين بالأخرى (وقد يقرب) ذلك بأن الحكم الفعلى لابد أن يستند إلى أقوى الملاكين فلو كان الآخر أيضا كذلك لأثر فى الحكم الفعلي وحيث لم يؤثّر فليس بأقوى (ويدفعه) أن فرض الكلام في مورد دلالة الدليلين على الحكم الفعلى والتعارض من جهة عدم إجراز غلبة أحدهما إذلو كان أحدهما فعلياً تعين الاخذ به بلاتعارض فى البين، ولو أراد بالحكم الفعلى حجية الدليل فلاريب أن أقوائية الطريق في عالم الحجية لاربط لها بعالم ملاك ذى الطريق، فظهر بطلان ماذكروه في تأئيد كلام صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) وعلم أن إستكشاف الملاك الأقوى من طريق أقوائية السند أو الدلالة مما لا وجه له إذ بعد فرض الامتناع عقلا وكون إطلاق الامر بدليًّا وإطلاق النهى شموليّاً يكشف العقل عن عدم دخول مورد الاجتماع من أول الامر تحت إطلاق البدلي وإنحصاره في غير مورد الاجتماع ضرورة إمكان حفظ الملاكين بهذا النحو فبين القول بالامتناع مع جعل مورد الاجتماع من تزاحم المقتضيين تهافت بيِّن بل هو من تعارض الحكمين وحكومة أحد الاطلاقين على الآخر، فالحق مع من قال بأن صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) قد خلط في المقام بين

ص: 190

بابي التزاحم والتعارض.

ثم إن الاصحاب مع ذهاب غالبهم إلى الامتناع حكموا بصحة الصلاة في الدار المغصوبة لدى الجهل والنسيان والاضطرار (فعلَّله) في الكفاية بأن إخراج مورد الاجتماع عن تحت أحد الدليلين ليس على الاطلاق بل مادام فعليَّة الحكم الآخر فلو خرج عن الفعلية لواحد من الاعذار كالاضطرار والجهل والنسيان أثر الملاك الآخر أثره، فاذا خرج الغصب عن الحرمة لواحد من الاعذار المذكورة أثَّرت مصلحة الصلاة أثرها و هذا هو السرُّ في حكمهم بالصحة (ويدفعه) ما عرفت من أنّه ليس في مورد الاجتماع على القول بالامتناع غير ملاك واحد فلا تغالب هناك و على فرض وجود ملاكين فأحدهما منفٌى بمرجحات السند أو الدلالة وبعد خروج الآخر عن الفعلية لا ينوجد المنفى ثانياً إلا بدليل ثانوى مفقود، فلو نفينا ملاك الصلاة بمرجّحات السند أو الدلالة و حكمنا بفسادها في الغصب كما هو مفروض الامتناع الذي قال ب_ه الأصحاب على مذاق صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) فبعد خروج حكم الغصب عن الفعلية بواحد من الأعذار لا ينوجد ملاك الصلاة ثانياً بل ملاك الغصب موجود فالفعل مبغوض غير محبوب فلابد من الحكم بفساد الصلاة (ودعوي) أنّ التنافى بين الامر والمفوضية إن كان بلحاظ نفس الامر للمقابلة مع النهى فالمفروض عدم تأثير ملاك النهى فى فعليته و تنجزه فلا منافاة، و إن كان بلحاظ أثره القربى فالمفروض عدم كون إرتكاب النهى مبعِّداً فلا ينافي صدور المأمور به قربياً وإن كان بلحاظ ملاكه أى المحبوبية الفعلية المضادة مع المبغوضية الفعلية فقد تقدم في باب الطلب والارادة عدم ارادة تشريعية في الاحكام التشريعية إذ الارادة بالنسبة إليه تعالى ليست إلّا إبتهاج الذات بالذات للذات فليس هناك حب و بغض كي يكونامبدئين الارادة التشريعية الايجابية والتَّحريمية، نعم ما تحقق في الخارج من البعث والزجر وإنزال الكتب و إرسال الرسل و متعلقات البعث والزجر فهو داخل في النظام الجملى و و مرادله بالتبع ومالم يتحقق من ذلك فهو غير داخل فى النظام الجملي فغير مراد له بالتبع، أما بالنسبة إلي المبادى العالية كالانبياء والائمة (عَلَيهِم السَّلَامُ) فالحبُّ والبغض وإن كانا موجودين لكن لا منشأية لهما للارادة التشريعية إذ لابد أن تعود الفائدة إلى

ص: 191

الشخص حتى يتحقق بها ألشوق نحو المراد و تنبعث الارادة و ليس كذلك فى المقام لرجوع فائدة الاحكام إلى نفس المكلفين العاملين بها لا إلي الامرين بالعمل بها، فالمحبوبية والمبغوضية غير موجودتين فى ذلك الفعل حتى يكون بينهما تناف بل المصلحة والمفسدة موجودتان فيه من جهتين، بل يمكن تقريب الصحة بوجه آخر أيضاً هو ان المفروض وجود المصلحة والمفسدة في هذا الفعل فمع أقوائية المفسدة إن أمكن التحرز عنها بالزجر عن الفعل لابد من ذلك وإن لم يمكن للجهل أو النسيان لابد من إستيفاء الغرض من ناحية المصلحة وعدم تفويتها بالبعث نحو الفعل، كما صدر ذلك كله من بعض المحققين تأييداً لمقال صاحب الكفاية قدس سرهما (مدفوعة) بأن مفروض صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) كون التنافي بلحاظ الملاك وقد تقدم في باب الطلب والارادة وجود الارادة التشريعية في الاحكام الشرعية بلا إستيجابه محذوراً وأنَّ دخول ما يتحقق خارجاً من متعلق البعث والزجر في النظام الجملى و عدم دخول ما لم يتحقق منهما فيه يستلزم الجبر و عدم كونه تعالى مختاراً في أفعاله فراجع، أما في المبادى العالية فلا يلزم رجوع الفائدة إلى أشخاصهم بل يكفى رجوعها إلى أمتهم الذين هم بمنزلة أبنائهم بعد معلومية أنهم (عَلَيهِم السَّلَامُ) مظاهر للرحمة الواسعة الالهية بالنسبة إلى الامة، ولذا كانوا بصدد هدايتهم بل كان ذنبهم ذنباً لهم (عَلَيهِ السَّلَامُ) فى عالم سعة رحمتهم وبالجملة فرجوع فائدة إلى هو من شئون شخص كالابن و نحوه هو رجوعها إلى ذلك الشخص، فعلى مسلكهما (قدّس سِرُّهما) في باب الامتناع لامجال لحكم الأصحاب بالصحة في موارد الاعذار كما أن اللابدية من إستيفاء الغرض من المصلحة التي ذكرها في الوجه الثانى من تقريب الصحة ممنوعة لانها فرع عدم المقهورية فمعها كما هو المفروض لاملزم على الاستيفاء بل لا موضوع له فلا موجب للصحة، نعم على ما قدمناه من كون مورد الاجتماع على القول بالامتناع من التعارض و حكومة إطلاق النهى لكونه شمولياً على إطلاق الامر لكونه بدلياً فحيث أن النهى مع العذر غير منجز فلاحاكم على إطلاق الامر فالمورد مأمور به فقط غير منهى عنه أصلاً فالصلاة فيه صحيحة وليكن هذا سر حكمهم بالصحة فتأمل، وقد تقدمت الاشارة الى ذلك في الامر السابع من

ص: 192

مقدمات المسئلة فراجع.

ثم أنه قد ذكر لترجيح النهى على الامر وجوه (منها) أن الامر لا يستلزم السريان بالنسبة إلي جميع أفراد المتعلق بل يكفيه وجود فرد واحمد بخلاف النهى فانه يستلزم إنتفاء جميع الافراد فيكون أقوى دلالة، ونوقش فيه بأن استلزام النهى ذلك إنّما هو من جهة إطلاق متعلقه بمعونه مقدمات الحكمة فلا ربط له بالنهى كما أن دلالة الامر على كفاية أىِّ فرد في مرحلة الامتثال يكون لمقدمات الحكمة في المتعلق، ورُدَّ بأنَّ إطلاق النهي لو كان لمقدمات الحكمة لكان إستعماله في بعض أفراد المتعلق حقيقياً وليس كذلك فيكشف عن أن السريان مقتضى نفس وقوع الطبيعة فى حيز النهى أو النفى، و قال صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) لاسبيل إلى إنكار دلالة النهى و النفي على السريان و الاستيعاب غاية الامر أن الاستيعاب سعةً وضيقاً بحسب سعة المراد من المتعلق وضيفه فلو أريد منه الطبيعة المطلقة فالاستيعاب بالنسبة إلى جميع الافراد وإلا فلا، وإطلاق المتعلق إنما هو بمقدمات الحكمة فبدونها كما إذا لم يكن الاطلاق فى مقام البيان لايستفاد الاستيعاب بالنسبة إلى أفراد الطبيعة بلا منافاته مع ظهور النفى والنهي في إستيعاب ما أريد من متعلقهما، إلا أن يقال بأن دلالة النفى والنهى على الاستيعاب تكفى فى إطلاق المراد من مدخولهما بلا حاجة إلى جريان مقدمات الحكمة فى المدخول كما في لفظة كل في : كل رجل حيث يدل بالوضع على إستيعاب أفراد الرجل بلا حاجة إلى مقدمات الحكمة في مدخوله، ولا ينافي ذلك تقييد عموم المدخول بدال آخر كما في قولك : أكرم كل رجل عادل : حيث استعمل لفظ كل في استيعاب ما أريد من مدخوله واستعمل مدخوله أي الرجل فى معناه الحقيقي أى العموم بلا مجاز في شيئى منهما أما حصوصية العدالة فاستفيدت من دال آخر فتعدد الدال والمدلول غير التصرف في عموم المدخول كما لا يخفي، وأورد عليه بعض المحققين (قدّس سِرُّه) و تبعه بعض م___ن تأخر عنه بأن مجرد النفى والنهى بما هما سلب لا يد لان علي العموم والاستيعاب كما لا معني لاقتضاء نفي الطبيعة إنتفاء جميع أفرادها لان العدم بديل الوجود فهو تابع له بمعنى أن الوجود إن لوحظ بالاضافة إلى الطبيعة المهملة سعةً وضيقاً فعدم

ص: 193

تلك الطبيعة بديل له، وإن لوحظ بالاضافة إلى الوجودات الخارجية من الطبيعة فأعدام تلك الوجودات المتكثرة أبدال لها و حينئذ فوجود الطبيعة بوجود جميع أفرادها و عدمها بعدم الجميع و إن لوحظ بالاضافة إلى الطبيعة المشتركة بين جميع الافراد فعدمها المشترك بين جميع الأعدام بديل ل_ه فاقتضاء الطبيعة في مرحلة الوجود كمتعلق الامر تحقق فردٍ مّا وفى مرحلة العدم كمتعلق النهى إنتفاء جميع الافراد أمر غير معقول أمّا لفظة كل فحيث أنّها من أداة العموم تدل علي سريان المدخول و إستيعابه من حيث الافراد بلا إحتياجه إلى مقدمات الحكمة في المدخول لانه لامتعيَّن مع قطع النظر عن لفظة، كلُّل، فيحصل ل_ه التعيّن بسببها إذ لو كان له تعين فى حد نفسه لكان إدخال لفظة كل عليه لغواً، بخلاف إستيعاب أحوال الافراد فانه يستفاد من مقدمات الحكمة بلا إستناده إلي لفظة كلُّ فتقييد المدخول من الجهة الأولى مجاز بخلافه من الجهة الثانية.

أقول لا يخفى أنّ القائل بدلالة لفظة كل على العموم والاستيعاب في المدخول لو أراد الدلالة على إطلاقه من حيث الحصص بمعنی ایجاد معنى وجودى فى المدخول هو سريانه في جميع الافراد بحيث يخرج عن قابلية التقييد و يكون إستعماله في البعض مجازاً فهو فاسد ضرورة قابليته بعد ذلك للتقييد و عدم كون الاستعمال مجازاً لدى العرف، أما إن أراد الدلالة علي كون إطلاقه الطبعي بحاله بمعنى حفظ إطلاق المدخول عن احتمال إرادة البعض بلا منافاته مع تقييد المدخول ببعض الافراد بدليل آخر و كون الاستعمال مع ذلك حقيقياً لان المحفوظ بلفظة كل إطلاقه بالنسبة إلى الافراد الباقية تحته فهو في غاية المتانة بل هو مقتضى كون مفاد كل، معنى حرفياً و لذا عبر عنه بسور القضية، فان إفادة السعة و ايجاد مالم يكن إنّما هو شأن المعنى الاسمى دون الحرفى الذى هو معنى كل ولذا صرّحوا بأنّه من أداة العموم، فاطلاق المدخول لابد أن يستند إلى مقدمات الحكمة وإبقاء الاطلاق و تأكيده إلى لفظة كل و لذا عده النحويون من الفاظ التأكيد و منه علم عدم لزوم اللغوية من إستناد إطلاق المدخول إلى مقدمات الحكمة كما زعمه هذا المحقق (قدّس سِرُّه)

ص: 194

أمّا النفى و النهى فلما كان مفاد هما السلب و سلب الطبيعة باطلاقها المستفاد من مقدمات الحكمة لا يتحقق إلا بعدم تحقق فرد منها والزجر عنها يقتضى لامحالة إنتفاء جميع الافراد بمعنى دلالته عليه بالالتزام من ناحية تحقق الطبيعة خارجاً بوجود فرد منها فعدم تحققها ليس إلا بعدم جميع أفرادها وهذا معنى الاطلاق الشمولي، و لذا نقول بكفاية تحقق فردٍ من الطبيعة في إمتثال الامر إذ المطلوب به تحقق الطبيعة فاطلاقها بدلى فلو حمل على ايجاد جميع الافراد كان خلاف الاطلاق، فما تقدم عن المحقق المزبور (قدّس سِرُّه) من كون عدم كل شيئى بديل وجوده غير مربوط بما نحن بصدده لانه أمر واضح لدى كل أحد لكن الشأن إنما هو في أنَّ الطبيعة لما كانت بنفسها مطلقة حسب مقدمات الحكمة فتعلق النهى و النفی بها يستلزم إنتفاء جميع أفرادها وليس كذلك في الامر وهذا عبارة أخرى عن أنَّ إطلاق النهى شمولي و إطلاق الامر بدلى الذى إعترف به (قدّس سِرُّه) قبيل هذا الكلام، ومما ذكرنا ظهر ما في كلام صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) من دعوى إستناد استيعاب المدخول إلى دلالة لفظة كل عليه حيث عرفت أن مفاد هذه اللفظه ليس إلا معنى حرفياً ه_و حفظ إطلاق المدخول وتأكيده والا لزم كون الاستعمال مجازياً في صورة التقييد، ودعوى عدم إستلزامه ذلك من جهة كون التقييد بتعدد الدال و المدلول مدفوعة بأنّ كل تقييد لا محالة يكون بتعدد الدال والمدلول لكن لاربط له بمجازية الاستعمال في المطلق لدى إرادة البعض منه بقرينة التقييد لو قلنا بدلالة كل وضعا على سريان طبيعة المدخول بالنسبة إلى جميع حصصها كما هو المدعى، فتلخص أن الفرق بين إطلاق مدخول النهى مع مدخول الامر بكون الأوّل شمولياً و الثانى بدليّاً حق لا محيص عنه ومجرد الشمولية وإن لم يوجب قوة الدلالة كى يقدّم على البدلى كما أشرنا إليه غير مرة طى المباحث السالفة لكن لدى الدوران بينهما كما في المقام على القول بالامتناع الذى لابد من ترجيح أحمد الاطلاقين حيث يمكن حفظ الملاكين بتقديم الشمولي بخلاف العكس كما أشرنا إليه أوائل هذا التنبيه يكون الشمولي حاكماً على البدلى فالترجيح مع النهى.

(ومنها) أنَّ دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة وقدأ ورد عليه المحقق القمى(قدّس سِرُّه) أنّ إطلاقه ممنوع لوجود المفسدة في ترك الواجب فامتثاله دفع للمفسدة فلا أولوية

ص: 195

لامتثال النهى عليه و أجاب فى الكفاية بأن الواجب في فعله مصلحة ملزمة و ليس فى تركه مفسدة كما أنّ الحرام في فعله مفسدة وليس فى تركه مصلحة ثم قرب منح إطلاق الأولوية بأن مصلحة بعض الواجبات ربما تكون أقوى من مفسدة بعض المحرمات كمصلحة حفظ النفس و مفسدة تفويت المال فالأولوية هنا بالعكس فالمدار على قوة الملاكات النفس الامرية وضعفها، ولو سلم فانّما يأتي في موارد إرادة المكلف ترجيح واحد من الفعل والترك حسب الموافقه والمخالفة مع أغراضه لافي الدوران بين الواجب و الحرام الذى يكون المدار على الحسن و القبح العقليين لا موافقة الأغراض ومخالفتها كما في المقام، ولوسلّم جريانه في المقام فيختص بصورة القطع بالأولوية و على فرض جريانه مع الأولوية الظنية فيأتى في موارد الدوران بين الوجوب والحرمة إذلا مجال حينئذٍ لاصالة البرائة أو الاشتغال، أمّا مورد الاجتماع فتجرى فيه أصالة البرائة عن الحرمة ويحكم علي العبادة بالصحة حتى على القول بالاشتغال لدى الشك في الجزئية إذ المانع عن الصحة في المقام هو الحرمة فاذا ارتفعت بالبراثة عقلاً و نقلاً لم يكن مانع عنها، نعم لو كانت المفسدة الواقعية غالبة على المصلحة لم تجر البرائه حتي علي القول بها لدى الشك فى الجزئية والشرطية إذا لشك حينئذ في تحقق العبادة من جهة عدم تمشى قصد القربة فالاشتغال بالواجب محكم، فتأمل فان ذلك مبني على لزوم الرجحان في تحقق العبادة وعدم كفاية إمكان التقرب بها من جهة عدم العلم بمبغوضيتها و إلّا صحت العبادة، هذا حاصل مقاله (قدّس سِرُّه) في المتن والهامش و زاد في الفوائد أن الترجيح بالأولوية فيما لم يمكن الجمع بين كلا الغرضين من دفع المفسدة و جلب المنعفة معاً و هو ممكن فى المقام بأن يصلى فى غير الدار المغصوبة فلا وجه لترجيح النهى بهذه الجهة.

وقد وجه بعض المحققين (قدّس سِرُّه) إختصاص البرائة بالحرمة دون الوجوب بأن وجوب الصلاة شرعاً بنحو التعيين معلوم لدى المكلف مخيراً بحكم العقل بين أفراده العرضية كالاتيان بهافى الغصب أو في غيره بلاشك له من جهة أصل الوجوب، فليس المقام من الدوران بين التعيين والتخيير كى تجرى أصالة عدم التعيين ولا من

ص: 196

الشك في سقوط التكليف بعد الصلاة في الغصب كى تجرى أصالة الاشتغال، بل يتزاحم الغرضان عقلاً في الصلاة فى المغصوب فيشك فى شمول إطلاق الامر بالصلاة لهذا الفرد المتحقق فى ضمن الغصب ولا يمكن التمسك بالاصل اللفظى لعدم الشك في الاطلاق والتقييد بالنسبة إلى ذلك الفرد حتى يتمسك بأصالة الاطلاق إذ المفروض تمامية ملاك الصلاة في ذلك الفرد أيضاً بلا مانع شرعى عن اطلاق أمرها، ولا بالاصل العملى لان استصحاب عدم وجوب قابل للانطباق مع هذا الفرد لا يثبت كون هذا الوجوب المستفاد من الامر بالصلاة قاصراً عن شمول هذا الفرد إلا على القول بالاصول المثبتة و هو غير صحيح، و إذلم تجر أصالة عدم وجوبه فأصالة عدم حرمته بمعنى البرائة الشرعية عن الحرمة من جهة إنحلال النهى لعمومه الشمولى إلى كل فرد فرد من الطبيعة محكَّمة بلا معارض وحيث أن المقتضى لوجوب الصلاة موجود فيصير فعلياً ومقتضاه الصحة، أمّا الاصل العقلى أعنى قاعدة قبح العقاب بلابيان فهو لا يثبت عدم المضادة واقعاً وإنّما يجدى لعدم صدور الفعل مبغوضاً فان قلنا بكفاية ملاك الامر فى إمكان التقرب به وصحة العبادة فضلاً عن التلازم بين الفعلية و التنجز كما هو الحق صحت العبادة :

أقول أماً جواب صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) عن الأولوية كبروياً باختلاف الموارد من حيث أقوائية المفسدة أو المصلحة وصغروياً بأن مورد الأولوية إنحصار فرد الطبيعة في واحد و هو غير منحصر فى المقام لامكان الصلاة في خارج الغصب ففى غاية المتانة، أما ما أفاده في الهامش من دوران الأولوية مدار أغراض المكلف ففيه أنَّ الاحكام الشرعية أيضاً على مذهب العدلية معللة عن المصالح والمفاسد الواقعية فتصح الاولوية فيها بالنظر إلى الموافقة والمخالفة مع الملاكات الواقعية كما أن ما أفاده فى الهامش فى وجه التأمل يدفعه أنّ العبادة لابد لها من الرجحان فلا يكفى مجرد عدم ثبوت المبغوضية كما فصلناه فى محله، وما أفاده هو و تلميذه قدس سرهما في جريان البرائة عن الحرمة يندفع بأن التمانع على الامتناع يكون بحسب الجعل كما تقدم بمعني أن الجعل لابد أن يدور مدار أحد المقتضيين على فرض وجود كليهما فالمقام من تعارض الاطلاقين أعنى إطلاقي الوجوب والحرمة

ص: 197

بعد العلم الاجمالي بأحد هما فلا مجال لجريان الاصل مطلقاً لما يأتى انشاء اللّه في الادلة العقلية من عدم اقتضاء الجريان للاصل في أطراف العلم الاجمالي أصلا، وحيث أنَّ الشك في فردية الصلاة في الغصب للطبيعة المأمور بها فالاشتغال بالصلاة محكم يقتضى وجوب الصلاة في غير الغصب أما الاجماع على الصحة فليكن كاشفاً عن إرتكازهم على جواز الاجتماع ولو إختاروا في مقسام الاستدلال الامتناع، فالجمع بين القول بالامتناع و بين إجراء البرائة في أحد الحكمين جمع بين المتنافيين، ومما ذكرنا ظهر ما فى دعوى المحقق المذكور (قدّس سِرُّه) عدم الشك في فردية الصلاة في الغصب لان التخيير بينها وبين الصلاة في غير الغصب عقلى لاشرعى فلاتجرى فيه قاعدة الاشتغال حيث عرفت أن الشك في فردية تلك الصلاة للطبيعة المأمور بها.

الثالث أنّ تعدد الاضافات كاضافة الاكرام إلى العالم و إلى الفاسق في مثل أكرم العلماء ولا تكرم الفساق كتعدد العنوان فعلى الحق من كفايته في تعدد المعنون يكفي تعددها في تعدد المضاف إليه بحسب المصلحة والمفسدة و الحسن و القبح عقلا والوجوب والحرمة شرعاً، فيدخل الخطابان في مسئلة الاجتماع كما في صل ولا تغصب و يكون تنا فيهما في مورد الاجتماع من تعارض الخطابين و حكومة الشمولي منهما على البدلي إن كان نظير أكرم عالماً ولا تكرم الفاسق وأقويهما سنداً أو دلالة إن كانا شموليين كلمثال الاول على ما تقدم، نعم علي مسلك القوم كصاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) و غيره يكون من تزاحم المقتضيين فيصح الاخذ بملاك أحدهما إذا كان أقوى إلّا فى صورة عدم وجود أحد المقتضيين في مورد الاجتماع فيكون من باب التعارض، فالظاهر علي هذا المبنى أنَّ من ذهب من القائلين بالاجتماع في المسئلة إلى كونهما في مورد الاجتماع من العامين من وجه إنما هو لعدم وجود المقتضي لاحدهما فيه، و استشكل في ذلك بعض المحققين (قدّس سِرُّه) بأن تعدد الاضافات لاربط له بالحسن و القبح العقليين ولا بالمفسدة والمصلحة، أمّا الأول فلان المضاف كالاكرام إما مهمل ذاتاً من حيث الحسن و القبح وليس فيه إقتضاء شيئى منهما فيستحيل أن يصير حسناً أو قبيحا بسبب الاضافة لانها لاتغير الشيئى الاضافة لانها لا تغيّر الشيئي عمّا هو عليه

ص: 198

واقعاً و إما مقتض ذاتاً لشيئى منهما والاضافة توجب تحصصه إلى حصتين حسنة و قبيحة فلم توجب الاضافة إكتساب المحسن و القبح من المضاف إليه أيضا، و إمّا يدخل بسبب الاضافة تحت عنوان حسن أو عنوان قبيح فيلزم خلاف فرض صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) من أنّ تعدد الاضافات يوجب إختلاف الحسن و القبح لا تعدد العنوان، و أمّا الثانى فلان الاضافة ليس فيها اقتضاء شيئي من المصلحة والمفسدة و إنّما هى شرط فعليتهما فالعنوان الواحد كالاكرام لا يمكن أن يكون فيه إقتضاء المصلحة و المفسدة معاً باعتبار إضافته إلى العالم والفاسق، ويندفع الأول بأن نختار الشي الثالث و هود خول المضاف إلى العالم تحت عنوان حسن والمضاف إلى الفاسق تحت عنوان قبیح و نقول ليس في كلام صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) من عدم كون تعدد الاضافة سببا لتعدد العنوان عين ولا أثر حتي يلزم خلاف فرضه، و يندفع الثاني بأن دخل الحسن والقبح فى الاحكام الشرعية وملاكاتها واضح على مذهب العدلية فانكاره غير مسموع أبداً.

فصل في أن النهى عن الشيئي هل يقتضى الفساد أم لا ولا بأس بتقديم أمور للبحث تبعًا لما فى الكفاية كما هو منهاج بحثنا (الأول) الفرق بين مسئلتنا مع مسئلة الاجتماع أنّ جهة البحث هناك أن تعدد العنوان والجهة هل يوجب تعدد متعلقى الامر والنهى أم لا وفى المقام أنَّ معروض الامر إذا وقع معروضاً للنهى فهل يوجب ذلك فساده أم لا، وإلى ذلك يرجع مافى القوانين والفصول من الفرق بينهما باختلاف المورد غاية الامر فسره فى الاول بالعموم من وجه و في الثاني بوحدة معروض الامر والنهى جهةً و عنواناً و إعترض على كلام الاول كما اعترض على كلامهما ثالث، لكن الانصاف أنّ نظرهما معاً إلى ما قررنا به الفرق، ثم المراد بالفساد في عنوان المسئلة جميع مراتبه أى الفساد القاهر كما يقتضيه إطلاقه إذا لنهى لو كان مولويأ يدل على مبغوضية معروضه فلا يجتمع مع محبوبيته أصلا لامتناع مبغوضية شیئی و محبوبيته بجهة واحدة و عنوان فاردٍ و لو كان إرشادياً فهو إرشاد إلى الفساد فتوهم إمكان إجتماع المبغوضية والمحبوبية في شيئي واحد بجهة واحدة كما في تعليقة بعض المحققين (قدّس سِرُّه) على الكفاية فاسد، كتوهم أنّ الفساد بمعنى اقتضاء

ص: 199

عدم الامر فقط إذ المفروض وقوع معروض الامر بعينه معروض النهى فالمبغوضية التي دل عليها النهى بالالتزام توجب عدم المحبوبية و كونه ذامفسدة يوجب خلوه عن المصلحة ولذا قلنا في مسئلة الاجتماع أنه حيت ليس إلا المقتضى لأحد الحكمين أى المصلحة المقتضية للأمر أو المفسدة المقتضية للنهى فهو لا محالة يكون من باب التعارض دون التزاحم.

(الثاني) أن النزاع في المسئلة هل هو لفظى أو عقلى (ذهب) بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) إلى الثاني بدعوى أن النزاع في المقام إنّما هو من الاستلزامات العقلية إذا لنهى إّنما يدل على عدم الامر لا عدم الملاك أيضأ فالبحث في أن الملازمة عقلاً بين عدم الامر مع المبغوضية والفساد موجودة أم لا، نعم بناءاً على مذاق صاحب الجواهر (قدّس سِرُّه) من لزوم الامرقى صحة العبادة يكون النزاع لفظياً (فيه) أو لا أن على مذاق مثل صاحب الجواهر (قدّس سِرُّه) لفظى كما اعترف به فكيف يكون عقلياً مطلقاً مع أن لفطية النزاع و عقليته تدور مدار الباحثين لامختار بعضهم في المسئلة، بمعنى أن تحرير محل النزاع لابد أن يكون بنحو يشمل جميع أقوال المسئلة فلو كان هناك قول يناسب اللفظية كما ذكره العلامة في تهذيب الاصول و تقدم عن صاحب الجواهر (قدّس سِرُّهما) كان النزاع لفظياً، وثانيا أن معروض الامر حيث يقع بنفسه معروض النهى و لذا قالوا نسبة موردي الامر والنهي هنا عموم مطلق كصل ولا تصل في دار اليتيم و في مسئلة الاجتماع عموم من وجه كصل ولا تغصب إذ المطلق محفوظ في ناحية المقيد لانه المطلق مع زيادة (فالنهي) يدل بالالتزام على أن جميع مادل عليه الامر من المراتب الثلاثة للحكم الايجابي أي الامر و المحبوبية والمصلحة مننفية فى معروض النهى، لانه اذا كان بين معنى مطابقی أو تضمنى للفظ مع معنى آخر ربط و تلازم خارجاً فانسباق ذلك المعنى من إطلاق اللفظ ملازم عرفاً مع إنسباق المعنى المرتبط به، فهذه دلالة لفظية عرفاً غاية الامر ربطية بمعونة الملازمة الخارجية لا وضعية و لذا يقع الكلام في ثبوت اللزوم بين المعيين خارجاً و أن تصوير نفس المعيين ك___ف في__ه ك_ى يكون بيِّنا بالمعنى الأخص أم يحتاج إلى ضمّ تصور آخر كي يكون بينا بالمعنى الاعم و تفصيله موكول إلى محله، فكما أن دلالة الامر علي المحبوبية والمصلحة إلتزامية

ص: 200

بالمعنى الذى عرفت فكذلك دلالة النهى على المبغوضية والمفسدة وحيث أن معروض النهي نفس معروض الامر فيدل علي وجود جميع المراتب الثلاثة فيه أى الزجر والمبغوضية والمفسدة و هذه الدلالة مطابقية فى الاول التزامية في الاخيرين، فالنزاع بهذا اللحاظ يمكن أن يكون لفظياً كما نبه عليه صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) و إلّا فلو لم تكن الدلالة الالتزامية محسوبة من دلالات اللفظ لما كانت دلالة النهى على عدم الامر أيضا لفظية كما زعمه، إذ المدلول المطابقي للنهي هو الزجر و مع فرض إتحاد المعروض يستلزمه عدم الامر ولذا أسلفنا أن الفساد المستفاد عن النهى التزاماً لو كان قاهر ايستلزم نفى جميع مراتب المصلحة عن معروض الامر وبذلك أجبنا عن توهم إمكان إجتماع المصلحة والمفسدة في شيئي واحد بجهتى الاطلاق والتقييد، فلقد أجاد بعض الاعاظم (رَحمهُ اللّه) حيث جعل المدلول هو الفساد الواقعي.

كما يمكن أن يكون النزاع عقلياً فى ثبوت الملازمة بين الحرمة والمبغوضية (و ما في تعليقة) بعض المحققين (قدّس سِرُّه) على الكفاية من تقدم الثبوت على الاثبات فمع عدم الفراغ عن ثبوت الملازمة لا معني للبحث عن الاثبات و هو دلالة النهي التزاماً على المبغوضية والمفسدة فالنزاع لابد أن يكون عقلياً لا لفظياً (مدفوع) بما ذكره صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) من إمكان كون البحث مع ذلك عن دلالة صيغة النهى ولو بالالتزام على الفساد و توضيح مراده (قدّس سِرُّه) أنه إذا كان في شيئي جهتان للبحث ثبوتياً وإثباتياً وكانت جهة الثبوت بمنزلة مقدمة مطوية لجهة الاثبات فللباحث قصر النظر علي الجهة الثانية ثم البحث عن الأولى استطراداً أو إرجاعها إلى الارتكاز كما أن له عطف النظر إلى خصوص الجهة الأولى أى الملازمة سواء كانت مدلول دليل لفظى أولبى كالاجتماع و نحوه، ففي العبادات كما يمكن كون النزاع لفظياً كذلك يمكن كونه عقلياً (فما ذكره) بعض أعاظم المعاصرين دام ظله من أنّ علماء الامصار والاعصار تمسكو اللفساد بدلالة النهي فيظهر منه كون النزاع لفظياً وبالملازمة بين الحرمة والفساد فيظهر منه كون النزاع عقلياً ولا جامع بين الامرين

ص: 201

(مدفوع) بما عرفت من وجود الجامع بينهما و هو كون النظر في الاول إلى الدلالة الالتزامية للنهى مع مقدمة مطوية و في الثانى إلى إثبات الملازمة خارجاً و بيان المقدمة المطوية لدليل الاثبات، لكن لما كانت الملازمة بين الحرمة والفساد منتفية فى المعاملات جزماً لدى الكل و معه ينتفى موضوع عقلية النزاع فيها و مع ذلك قال بعضهم بدلالة النهى فيها على الفساد ومحل نزاع المسئلة أعم من العبادات والمعاملات فلابد أن يكون النزاع لفظياً بهذا اللحاظ، فلقد أجاد صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) حيت إعتذر عن جعل النزاع في العبادات لفظياً مع إمكان كونه عقلياً بامكان كون البحث عن دلالة الصيغة التزاماً مع جعل الملازمة مقدمة مطوية، و ذكر في وجه حصر النزاع في اللفظى أن في المعاملات قولاً بالدلالة على الفساد مع تسليم عدم الملازمة بين مفاد النهى أى الحرمة مع الفساد.

نعم يمكن أن يقال بأن التصرفات الشرعية مختلفة فقد يتصرف في الموضوع فقط كبيان نجاسة شيئى بالامر بالاجتناب عنه وقد يتصرف في المحمول فقط كبيان حرمة الزنا بالنهى عنه وقد يتصرف في الموضوع والمحمول معا كما في المهيات المخترعة أى العبادات والمعاملات، إذ للشارع فيها أوامر و نواهى إرشادية ناظرة إلى تركيب المهية كالامر بالركوع الناظر إلى جزئيته للصلاة والنهي عن الصلاة حال الحيض الناظر إلى ما نعيته عنها كما له أوامر و نواهى مولوية ناظرة إلى أحكام تكليفية كالامر باقامة الصلاة الناظر إلى وجوبها شرعاً والنهي عن الصلاة في مواضع خاصة كالحمام و معاطن الابل الناظر إلى كراهتها هناك، و هكذا في المعاملات، فغى الاوامر والنواهى الارشادية الناظرة إلى الاجزاء والشرائط والموائع للمركبات في العبادات والمعاملات لا يظن بفاضل فضلاً عن أحد من العلماء أن يلتزم بالصحة مع وجود نهى كذائي كي يمكن جعل النزاع فى دلالة هذا النهي على الفساد و عدمها، إذ مع وجود المانع كيف تتحقق المهية حتى لا يدل النهى على الفساد، كما أن بوجود الجزء أو الشرط تتحقق المهية فهذا الامر يدل لا محالة على الصحة كما أن ذلك النهى بدل لامحالة على الفساد فلا وقع المنزاع في دلالة هذه النواهى على الفساد أصلاً لكن لمّا كان من الممكن بعيداً وجود القول بالصحة مع ذلك

ص: 202

النهى يكون لتعميم النزاع بالنسبة إليها مجال فيمكن جعل النزاع لفظياً محضاً.

(الثالث) قد عرفت سابقا أن عموم النزاع لقسم يدور مدار تصريح أرباب النزاع بدخوله فيه و لو كان مخالفاً لظاهر عنوان البحث في كلماتهم وعليه فالظاهر من النهى فى العنوان و إن كان هو التحريمي النفسى الاصلى، لكن حيث صرح جماعة بالتنا في بين النهى التنزيهى مع العبادة بناءاً على عدم تأويل النهى فيها بما تقدم في توجيه العبادات المكروهة وكذا بين النهى الغيرى والتبعى المستفاد من الامر بالضد الاهم معها ضرورة التنا فى بين الحرمة مع الصحة و لو كانت الحرمة من مقولة المعنى كما في التبعى أو غيرية، فدعوى دوران التنافى والدخول في النزاع مدار إستحقاق العقاب كما يظهر من صاحب القوانين (قدّس سِرُّه) في غير محلها بعد ما نرى تصريحهم باقتضاء الامر بالشيئى النهى عن الضد و بفساد ذلك المضد المنهى عنه لو أتى به وكان عبادة، فهذه الاقسام باجمعها داخلة في محل النزاع، أما كون مختار أحد عدم دلالة شيئى من هذه النواهى على الفساد فهو أجنبى عن عموم محل النزاع لها، فالحق مع صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) في عموم النزاع لها لو أراد بذلك تعميم محل النزاع لابيان ما هو الحق في المقام، و إلا فالحق أنه ليس لنا نهى شرعی تبعی بالمعنى الذى عرفت ولاغيرى إذهذا القبيل من الاوامر والنواهى استلزامات عقلية في سبيل إمتثال الاحكام الشرعية فهى أوامر ونواهي عقلية لاشرعية فعدها من الشرع ناش عن إشتباه الحاكم فيها و هو العقل بالشرع (فدعوى) بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) إختصاص محل النزاع بالنهى التحريمى النفسي دون التنزيهي الغيرى إذ العبادة المأمور بها إن كان أمرها بدلياً فقوامه بالرخصة فى الترك و هي تمنع عن التنافى بين النهى التنزيهي و العبادة فتطبيقها علي مورد النهى ممكن، و إن كان أمرها شموليا فشخص الفرد المنهي وإن كان مأموراً به حينئذ لكن الفساد مستند إلى تعارض الامر والنهى و محل النزاع في الفساد المستند إلى دلالة النهي، كما أن النهى الغيري لا يدل على الفساد ولو دل فلا يدل الأعلي عدم الامر وهو لا يستلزم الفساد الا علي القول بلزوم الامر في صحة العبادة كما هو مختار صاحب الجواهر (قدّس سِرُّه) لاعلى المختار من كفاية الملاك فى الصحة (مدفوعة) بأنه على مختاره من تضاد الاحكام كيف يكون مجرد الرخصة فى الترك مانعاً عن التنافي بين الحكمين، كما أن كل

ص: 203

من قال بدلالة النهي على فساد العبادة جعل من مقدماته تعارض الامر والنهى فالعلة في استلزام النهي الفساد تعارضهما بعد فرض إتحاد معروضهما لا أن التعارض مسبب عن الدلالة على الفساد فهذا الكلام منه (رَحمهُ اللّه) غريب، أمّا عدم دلالة النهى الغيرى على الفساد علي مختاره فقد عرفت عدم إستيجابه إختصاص محل النزاع يغيره بعد تصريح جماعة بدلالته على الفساد (ودعوى) بعض الاعاظم (رَحمهُ اللّه) دوران عموم محل النزاع للنهى الغيرى مدار كونه مبعداً وكون الامر الغيرى مقرباً لعدم كون المبعّد مقرّباً ثم إختار كونه مبعداً لان الاتيان بمتعلقه شروغ في تمرُّد حكم المولى والطغيان عليه فيوجب الفساد (مدفوعة) بأنّ الشروع فى الطغيان إنما هو بالشروع في مخالفة ذى المقدمة دون المقدمة كما أن الشروع في الامتثال إنّما هو بالورود في نفس ذى المقدمة فمخالفة النهى الغيرى بمجردها ليست طغياناً كما أن موافقة الامر الغيرى بمجردها ليست إمتثالا فالمبعّد عقلاً نفس الطغيان لا مقدمته كما أنّ المقرب نفس الامتثال لامقدماته.

(الرابع) أنّ المراد بالعبادة التي تقع مورداً للنهى في المسئلة كل فعل يتوقف إمتثاله على نية القربة و لا يحصل الغرض من الامر به بدون ذلك و لولم يكن فعلاً بمأمور به ضرورة تنافى المحبوبية المستفادة له من الامر مع المبغوضية المستفادة من النهى (ومافى الكفاية) من تقسيم العبادة إلى نوعين أحدهما بنفسه وبعنوانه عبادة كالخضوع و الخشوع والركوع والسجود ثانيهما لو أمر به فأمره عبادى محتاج إلى قصد القربة ولا يحصل الغرض منه بدون ذلك كالصلاة في أيام العادة إذ لو جاز تعلق الامر بها لم يحصل الغرض منه إلا بالاتيان بها بقصد الامر، أما تعريف العبادة في المقام بما أمر به لاجل التعبد به ففاسد ضرورة منافاة تعلق الامر به فعلاً مع وقوعه مورداً للنهى كما هو مفروض المسئلة وكذا تعريفها بما يتوقف صحته على النية إذ لا أمر في معروض النهى كي يتوقف صحة الفعل على قصده وكذا تعريفها بما لا يعلم الغرض منه إذ الغرض معلوم في بعض العبادات كالطهارات الثلاث التي يكون الغرض منها حصول الطهارة التي هي شرط فى الصلاة و غير معلوم في بعضها كالهرولة بين الصفا والمروة كما أنه غير معلوم فى بعض التوصليات فالتعريف

ص: 204

غير تام طرداً وعكسا وإن كان الحق في أمثال هذه التعاريف أنها شرح الاسم وليست بالحد ولا بالرسم كي يلزم تمامية طردها وعكسها (غير سديد) إذ لا معنى لكون شيئي عبادة ذاتا لان العبادة مركبة من جزئين أحدهما فعل جانحي هو روحها أعنى غاية التعظيم ثانيهما فعل جارحى ه_و مبرز لذلك الفعل الجانحى و هذا المبرز جعلى موكول إلى إعتبار الجاعلين غاية الامر بعض مصاديقه متفق على جعله مبرزاً بين العقلاء كالخضوع و الخشوع، فقد يظن في مثله كون عباديته ذاتية وإلا فكيف يعقل كون فعل تكويناً مع قطع النظر عن مبرزيته لذلك الفعل الجانحي عبادة، وقد اغتر بمثل ذلك من زعم أنَّ السجود أو الركوع عبادة ذاتاً مع وضوح أن مجرد الوقوع على الارض أو الانحناء بمقدار خاص ولولم يكن لابراز فعل جانحي بل لغرض آخر كتقبيل ولده أو تعفير جبهته أو نحو ذلك ليس بعبادة كيف و يتحقق ذلك من الكفار المنكرين لوجود المعبود تعالى، فالتأمل في حقيقة العبادة يعطى عدم تعقل كونها ذاتية ولعل النكتة فى تطابق آراء العقلاء على جعل فعل كالخشوع أو السجود مبرزاً للفعل الجانحى الذى أنه روح العبادة إنم_ا ه_و التناسب بين الانخفاض الظاهرى بالجسد مع الانخفاض الباطنى بالقلب، و كيف كان فليس للعبادة نوعان بل هي نوع واحد مركب من فعلين جانحي و جارحي كما عرفت (و مما ذكرنا) ظهر ما في تحقيق بعض المحققين (قدّس سِرُّه) في المقام في تعليقه على الكفاية من أن بعض الاشياء ينطبق عليه عنوان حسن بالذات و بعضها ينطبق عليه ذلك العنوان بالعرض فالاول كالخضوع والخشوع عبادة ذاتاً والثاني كاكرام زيد إذا أتى به لاجل أمر المولى عبادة عرضاً، وجه الظهور عدم تعقل حسن الخضوع والخشوع مع قطع النظر عن إبرازهما بالفعل الجانحى فانطباق العنوان الحسن عليهما ليس بالذات بل بالعرض لحكايتهما عن أمر قلبي، مع أنّ ما عرّف به العنوان الحسن بالعرض يتأتي في التوصليات بل في المباحات ضرورة إمكان جعلها عبادة بأن يأتى بها بقصد أمرها بحيث لو لم يأمر الشارع بالتوصليات و لم يرخص في فعل المباحات لما فعلهما، و معه كيف يكون ذلك تعريقاً للعبادة فتدبر جيداً.

ثم إن ما ذكره صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) في تعريف التعبد العبادة في مقام تصوير ما يقع معروض

ص: 205

النهى الذى يقتضى فساد العبادة إنما يتم على مذاقه (قدّس سِرُّه) من عدم تقوم العبادة بقصدالعزيز بل ك___ون عنوان التعبدية كيفية منتزعة عن فعل مأتى به بقصد القربة ككون الآلية في المعانى الحرفية من كيفيات الاستعمال, أمّا على مذاق جماعة من تقوِّم العبادة بقصد القربة فيشكل ذلك جداً ضرورة لزوم وجود الامر فعلاً حتى يتحقق بقصده عبادية العبادة و تكون هي معروض النهى مع أنّ لازم عروض النهى فعل عدم ا جزماً لدى الكل حتى من لا يقول بدلالته على الفساد حيث يكتفي في صحة العبادة بالملاك، فليكن مرادهم من النهي في العبادة كشف النهي عن عدم كونها عبادة من أول الامر لاكونها عبادة فاسدة لصيرورتها معروض النهى.

(الخامس) أن مورد النزاع كما أفاده صاحب الكفاية و تبعه بعض محققي تلامذته (قدّس سِرُّهما) إنّما هو فيما يتصف بالفساد تارة لنقصان أجزائة و شرائطه فلا يترتب عليه أثره و بالصحة أخرى لعدم النقصان فيترتب عليه أثره، فماليس كذلك من المعاملات كأسباب الضمان أو الطهارات لاينفك عنها أثرها، لا يتصف بالفساد أصلاً فلا يدخل في مورد النزاع أبداً (فان قلت) كيف تكون الطهارات من ذلك ولافرق بينها و بين الملكية على القول بأن الطهارة إعتبار شرعى فكما أنَّ النهى عن أسباب الملكية يوجب عدم ترتب المسبب فليكن النهى عن أسباب الطهارة يوجب عدم ترتب المسبب (قلت) الفرق بينهما أنَّ الملكية فعل مباشرى للشارع و فعل تسبيبيُّ للمكلف فيصح إتصافها بالفساد بمعنى إستلزام النهي عن أسبابها عدم ترتب مسببها بخلاف الطهارة لانَّ ترتبها علي أسبابها قهرى فلا يتصف بالفساد (وربما نوقش) في تعريف الفساد بذلك بأنَّ أسباب الضمان أيضا تتصف بالفسادتارة و بالصحة أخرى فاتلاف مال الحربى مثلاً لا يوجب الضمان واتلاف مال المسلم يوجبه و اتلاف حبّة شعير و لو من مسلم لا يوجبه و إتلاف حقَّة شعير يوجبه، فالصحة في ترقب الأثر والفساد عدمه ففى مثل إتلاف مال الحربي لا يترقب الضمان (ويندفع) بأن الصحة والفسادهما ترتب الأثر و عدمه بالنسبة إلى موضوع قابل كمال محترم في أسباب الضمان ففيما لا إحترام له شرعاً كمال الحربي لا موضوع حتى يترتب عليه الأثر و كذا فيما ليس بمال أو ليس له بدل كحبة الشعير، ففي موضوع الصحة والفساد في المعاملات يشترط أمور

ص: 206

ثلاثة كونه مالاً و كونه محترما وكونه مما له البدل، ثم لا معنى لترقب الأثر إذ مع تحقق موضوع ترتب الأثر يترتب قهراً و مع عدم تحققه لا يترتب أصلاً و لا معنى لترقّبه.

و لبعض أعاظم العصر دام بقائه الشريف مقدمة طويلة في المقام إقتصر عليها في التمهيد للبحث عن المسئلة (حاصل) ما أفاده فيها بطوله أن الصحة والفساد ليسا وصفين لنفس العنوان إذ لا دخل للعنوان في ذلك بل الصحة عبارة عن كون الشيئي بحيث ينطبق عليه عنوان ذو أثر والفساد عبارة عن كونه بحيث لا ينطبق عليه ذلك، و على ذلك فرّع أموراً لا يهمنا التعرض لها (ويتوجه) عليه أنَّ العنوان كما أنه غير دخيل في الاتصاف بالصحة والفساد حسب اعترافه مدظله كذلك غير دخيل في ترتب الأثر علي الشيئى وعدم ترتبه كيف وربما ينطبق العنوان على الفاسد أيضاً كانطباق عنوان الصلاة على فاقد غير الركنيات من الأجزاء والشرائط، بل الصحة و الفساد وصفان لذات الموضوع بلا دخل لانطباق العنوان و عدمه في ذلك على ما هو الحق من عدم ثبوت حقيقة شرعية فى شيئى من الالفاظ المستعملة في الشرع و من عدم وضع الالفاظ لخصوص الصحيح من المركبات بل للاعم منه و من الفاسد، كما في المعاجين و المركبات الخارجية كالدابوقة والبطيخ و نحوهما من الفواكه وغيرها حيث يطلق عناوينها على الفاسد منها أيضا، نعم ق_د لا يطلق عليها عناوينها إذا كانت فى الفساد بمرتبة خرجت عن تلك الحقيقة عرفاً و صارت حقيقة أخرى مباينة معها كصيرورة الكلب الواقع في المملحة ملحاً إذ مواده الأولية موجودة فيه قطعاً لكنها إستحالت إلى حقيقة أخرى مباينة مع الأولى و هذا خارج عما نحن فيه إذ الكلام فيما صدق عليه حقيقته الاولية عرفاً لكن عند نقصان بعض الاجزاء أو الشرائط لا يترتب عليه أثره المرغوب منه فيوصف بالفساد و عند تمامية أجزائه وشرائطه يترتب عليه أثره ذلك قيوصف بالصحة (وبالجملة) فما ذكره هذا القائل مبني على ثبوت الحقيقة الشرعية في الفاظ العبادات والمعاملات وعلي وضع الفاظها لخصوص الصحيحة وحيث تقدم في محله فساد كلا المبنيين فالابتناء مثله.

ص: 207

(الامر السادس) قد ظهر مما أسلفناه أن الصحة و الفساد كمانبه عليه صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) وصفان إنتزاعيان عن الموضوع الخارجى بلحاظ ترتب أثر عليه و عدم ترتبه و هما يختلفان باختلاف الأنظار فالاختلاف في تفسير الصحة و الفساد ليس إختلافاً في حقيقتهما بل في الآثار المرغوبة من الشيئى، لكن فصل بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) بين الموارد حيث قال بأن تقابل الصحة و الفساد ليس من تقابل السلب و الايجاب لانهما الوجود والعدم المحموليان اللذان لا تخلو عنهما ماهية من الماهيات و ليس كذلك الصحة و الفساد، وليس من تقابل التضاد الذي كلا المتقابلين فيه وجوديان إذ الفساد ليس أمراً وجودياً حيث لا يحتاج إلى علة بل يكفي فيه عدم علة تقتضى الصحة، و إنما هو من تقابل العدم والملكة، ثم الصحة قد تقال في مقابل العيب أى إنتقاء أجزاء غير مقومة للشيئى وهي أجزائه الكمالية وهذا خارج عن محل الكلام وقد تقال في مقابل الفساد أى إنتفاء أجزاء مقومة وهذا هو محل الكلام، فقد تكون بالنسبة إلي أمور خارجية كالمعاجين وغيرها من التكوينيات ولا كلام لنا فيها وقد تكون بالنسبة إلى أمور شرعية فان كانت من البسائط لم تتصف بالصحة والفساد لان أمر البسائط دائر بين الوجود والعدم فلا معنى لكونها صحيحة تارة و فاسدة أخرى وإن كانت من المركبات ففى الموضوعات كالمكلف البالغ العاقل لامعني للاتصاف بالصحة والفساد إذ مع تحقق الموضوع يترتب الحكم و بدونه لا حكم أصلاً وكذا في الاحكام أى الكبريات المجعولة بنحو القضية الحقيقية، يصح الاتصاف بهما في متعلقات الاحكام أعنى أفعال المكلفين سواء العبادات و المعاملات، أما المعاملات ففى تطبيق كبرى مجعولة شرعاً علي موارد جزئية إدمع الانطباق يترتب الأثر وهو المسبب فالمعاملة صحيحة و بدونه لا يترتب قهى فاسدة (ودعوى) أن صيغ العقود والايقاعات ليست من قبيل الأسباب لمسبباتها بل تقدم فى مبحث الصحيح و الاعم أنها من قبيل الآلة لانشاء المسببات فتحقق المسبب عند تحقق الآلة قهرى خارج عن إختيار المكلف فكيف تتصق بالصحة و الفساد (مدفوعة) بأن الآلة إن تحققت على نحو إعبتره الشارع من القيود المأخوذة فيها ترتب عليها ذو الآلة فكانت المعاملة صحيحة وإلا لم يترتب عليها فكانت فاسدة،

ص: 208

فالتفاوت بين الصيغ ومسبباتها يكون بالاعتبار كتفاوت المعنى المصدرى مع الاسم المصدرى فالاتصاف بالصحة والفساد انما هو بالاعتبار الثاني، و أمّا ألعبادات ففى آثارها التكوينية كالنهى عن الفحشاء في الصلاة والجنة من النار في الصوم ونحوهما فالعبادة صحيحة عند ترتب تلك الآثار عليها فاسدة عند عدم ترتبها (و دعوى) أنَّ الآثار التكوينية للعبادة غير مأمور بها كما تقدم في مبحث الصحيح و الاعم مع أنّ الصحة تلازم المأمور به فكيف ألتوفيق (مدفوعة) بمنع تلازم الصحة مع المأموريه لأن نسبة متعلقات الاحكام إلى الصحة ليست نسبة،

المؤثر إلى أثره كي يتلازمان و على فرضه فبعد جعل الطبيعي موضوعاً في الشرع لذلك الأثر يحرز من إنطباق الطبيعي على الفرد الخارجي ترتب ذلك الأثر، ثم الصحة والفساد هل هما أمران واقعيان أم انتزاعيان أم يفصَّل بين العبادات والمعاملات الحق، أنهما في غير الاحكام الظاهرية أي الواقعية الأوليه والثانوية يكونان من الأمور التكوينية، أما في الواقعى الأولى فلان الصحة فيه كما عرفت ترتب الأثر التكويني و أما في الواقعي الثانوي فلان الظاهر من أدلته تحقق الأثر الواقعي الأوَّلى فيه في رتبة الاضطرار إلى شيئئ من القيود، أما في المعاملات فلان صيغ العقود من قبيل الأسباب التوليدية لمسبباتها فترتب المسببات عليها الذي هو معنى صحتها أمر تكويني، نعم الصحة في الاحكام الظاهرية كمؤدى الاستصحاب و سائر الاصول أو مودى الخبر الواحد أمر مجعول من قبل الشارع سواء قبل إنكشاف الخلاف أو بعده أمّا قبله، فلامكان مخالفتها مع الاحكام الواقعية فلابد أن تكون صحتها مجعولة من قبل الشارع و أمّا بعده فلفرض المخالفة مع الواقع فلابد أن تكون الصحة مجعولة، فهذا الحكم ظاهرى من جهة حفظ الشك فى موضوعه و شبيه بالواقعي الأولى من جهة الاجزاء مالم ينكشف الخلاف و بالواقعي ألثانوى من جهة إمكان إنكشاف الخلاف : إنتهى.

و ملخَّص ما ذكره (رَحمهُ اللّه) دعاوى ثلاثة إحديها أنّ الصحة في العبادات بمعنى ترتب أثرها التكويني كالنهى عن الفحشاء للصلوة والجنة من النار للصوم ونحوهمافي غيرهما ثانيتها أنّ الصحة فى المعاملات بمعني ترتب المسبب الذي هو بمنزلة الاسم ألمصدرى

ص: 209

للصيغ عليها ثالثتها، أنَّ الصحة في الاحكام الظاهرية مجعولة، و في طول هذه الدَّعاوى الثلاثة يجعل الكاشف عن إنطباق العنوان على الشيئي في العبادات والمعاملات ترتب أثره عليه وكل هذه ألامور فاسدة أما ألدعوى ألاولى فلانها تنافى مبناه الذي ذكر في مواضع عديدة من الاصول كالتعبدي والتوصلى وبحث الصحيح والاعم في مقام الجواب عن صاحب الكفاية القائل بالاشتغال عند الشك في دخل شيء في العباة من جهة الشك في تحقق الآثار المطلوبة منها، من أن الآثار التكوينية للعبادة لا تقع تحت الامر لأنها بمنزلة الدواعى ربما تترتب عليها و ربما لاتترتب لامكان دخل أمور أخر فيها كشرائط القبول أى الخضوع والخلو عن الصفات الرذيلة والتحلّى بالصفات الحميدة أو أمور خارجة عن إختيار المكلف، كما أنَّ الداعى لشراء ثوب قديكون لبسه لكن لا يترتب عليه، فالداعى علي الشئى لايلزم تحققها خارجاً (وجه ألمنافاة) أنَّ الاثر التكويني إذا كان حسب إعترافه في غير مقام بمنزلة الداعى ربما يتخلف عن العبادة فكيف يمكن أن يكون ترتبه عبارة عن الصحة مع أنّ الصحة لا بد أن تكون موجودة حتى مع عدم ترتب الاثر التكويني وعدم تحقق الداعي، فبين الكلامين تهافت واضح، مع أنّ البحث عن ألصحة وألفساد لابد أن مذهب يعم الاشعرى المنكر للملاكات الواقعية ألكائنة فى متعلقات التكاليف التي هي عبارة عن آثارها التكوينية المترتبة عليها خارجاً فلابد أن تكون ألصحة بمعنى يقول به ألاشعرى أيضاً و هو غير ترتب الاثر التكويني، مضافاً إلى أنّه لا معني - لجعل ترتب هذا الاثر كاشفاً عن إنطباق عنوان الشيئى من العبادة أو المعاملة عليه إذ الآثار التكوينيه ليست أموراً محسوسة ملموسة حتى يمكن جعلها كاشفة عن إنطباق عنو ان العبادة أو المعاملة على الشيئي بل هي أمور معنوية محتاجة إلى كاشف عن تحققها و ما يكون بنفسه محتاجاً إلى الكاشف كيف يمكن جعله كاشفاً عن غيره فلابد أن يكون إنطباق العنوان كاشفاً عن ترتب هذا الاثر ولا يمكن أن تكون ألصحة عبارة عن ترتبه هذا كله مع أنك عرفت في جواب بعض أعاظم العصر في الامر الخامس أن إنطباق العنوان بنفسه لا يمكن أن يكشف عن الصحة لصدقه على الفاسد أيضاً فكشفه عن الصحة مبنى على القول بثبوت الحقيقة الشرعية في الفاظ العبادات

ص: 210

و بوضع تلك الالفاظ على الصحيحة منها دون ألفاسدة وكلا المبنيين فاسدان، بل لو أمكن كشف العنوان عن ألصحة لكن الصحة ليست وصفاً لنفس العنوان بل ملازمة معه خارجاً (فالحق) مع صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) في جعل الصحة في العبادات عبارة عن وصف ينتزع عن تمامية الاجزاء والشرائط ومن المعلوم أنَّ الآثار التكوينية أى النهى عن الفحشاء أو القرب به تعالى والعقلية أى الاجزاء إنَّما تترتب على عبادة تامة ألاجزء والشرائط.

و أما ألدعوى الثانية، فلأنّه لا معنى لجعل الصبغ التي هي باعترافه آلة للابر از عبارة عن معنى مصدرى يوجد المسببات إذ الآلة ليست معنى مصدريًا كي تتحد مع المسبب وجوداً و يكون التفاوت بينهما بالاعتبار، و إنّما المعنى المصدرى ألذى شأنه ذالك عبارة عن إنشاء المعاملة ألذى هو فعل النفس والصيغ آلة لابرازه، مضافاً إلى المنافات بين جعل ألصيغ آلة للابراز وبين ما في أحد تقريريه من جعلها عبارة عن ألاسباب التوليدية إذ على الأول لا تكون الصيغ مؤثرة في ايجاد المسببات بخلافه على الثاني وتقييد الكلام بكونه أسباباً توليدية لدى العرف مقررة لدى الشرع لا يدفع التهافت بدعوى إرادة التطبيق على الارتكاز العرفي إذ الغرض من ذلك الاستنتاج في التأثير والتأثر و كون ترتب المسببات قهرياً تكوينياً، كمالا معنى لجعل الصحة في المعاملات عبارة عن المعنى الاسم المصدرى إذ لو كان المراد من هذا المعنى ما يتحقق بنظر العرف فهو يحصل ولومع عدم حصول ما إعتبره الشارع في الصيغ من العربية والماضوية ونحوهما من الشرائط أو الموانع فلا يمكن أن تكون الصحة الشرعية عبارة عن ذلك، ولو كان المراد أمراً شرعياً فاما أن يراد به الاحكام الشرعية المترتبة علي المعاملة كحل التصرف وجواز البيع ونحوهما و هذه ليست من قبيل الاسم المصدر للصيغ ولاعبارة عن صحة المعاملة بل هي آثار شرعية تترتب على المعاملة الصحيحة، أو يراد به الحكم الوضعى أعني نفس الملكية بأن يعتبرها عقيب تحقق الصيغ بما لها من الشرائط فيكون فعلاً مباشرياً للشارع و تسبيبيا للمكلَّف كما تقدم عن بعض المحققين (قدّس سِرُّه) في التعليق على الكفاية، وهذا حيث يكون حكماً شرعياً فليس من قبيل الاسم المصدر للصيغ ولاعبارة عن الصحة

ص: 211

إذ أمره دائر بين الوجود والعدم فاتصافه بالصحة والفساد نظير إنصاف موضوعات الاحكام أى ألمكلف البالغ المستطيع بهما بالنسبة إلى وجوب الحج ألذى صرّح بأن إتصافه بهما يوجب إنقلاب الامر الخارجي العرفي إلى الشرعى، ودعوي أنَّ الموصوف بالصحة في المعاملات إنَّما هو المصاديق الخارجية دون ألكبريات الشرعية مدفوعة، بأن موضوع الاحكام الشرعية أيضأ كذلك لان كلى المكلف البالغ المستطيع يراد تطبيقه على الافراد الخارجية، فهذا الحكم الوضعى الذى يقع متعلقاً لأحكام شرعية كحل التصرف وجواز البيع ونحوهما من آثار ألمعاملة بعينه مثل موضوعات الاحكام الشرعية التي إعترف بعدم جريان ألصحة و الفساد فيها (فالحق) أنَّ الصحة في المعاملات كالعبادات وصف إنتزاعي عن تمامية الاجزاء و ألشرائط والآثار الشرعية انما تترتب على الصحة كما أفاده صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه).

وأمّا الدعوى الثالثة فلانّه لا يعقل كون الصحة في الاحكام الظّاهرية مجعولة إذ المؤدى إن طابق ألواقع فليس شيئاً ورائه كي يحتاج إلى جعل الصحة له وإن خالف ألواقع فمع التحفظ على إطلاق الحكم الواقعي و عدم تقييده في مورده لا يعقل جعل الصحة لهذا المؤدى للزوم المناقضة بين الحكمين ومع عدم التّحفظ على إطلاقه بمعنى تقييده بالنسبة إلى ذلك المورد ليس هناك جعل آخر يسمى بالحكم الظاهرى كى تكون الصحة مجعولة له، بل ليس إلا الصحة الموجودة بالنسبة إلى الحكم الواقعى أعنى تمامية الاجزاء والشرائط هذا مع عدم إنكشاف الخلاف، أما معه فيجرى ما قلناه أخيراً من الدّوران بين ما يستلزم المناقصة وما يستلزم الاتحادمع الحكم الواقعي، فالصحة فى الاحكام الظاهرية كغيرها تكون بمعنى التمامية التي تترتب عليها آثار شرعية وعقلية وتكوينية (فالحق) مع صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) فيما أفاده فى المقام و محصّله أن الصحة والفساد و صفان إضافيان يختلفان باختلاف الآثار و ألاغراض مع كون الصحة التمامية والفساد عدم التمامية أبداً فربَّ شيئي صحيح أى تمام بلحاظ أثر أو غرض كالتّبريد فى فاكهة غير ناضجة لم تبلغ حد كمالها و فاسد أىْ غير تمام بلحاظ أثر أو غرض كالطعم أو اللون بالنسبة إلى تلك الفاكهة، فالآثار التى تختلف باختلاف الاغراض هي مقياس الصحة و ألفساد

ص: 212

في العبادات والمعاملات، وهذا الذى ذكرنا من المقياسية هو مراد صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) من التعبير بانصاف الاشياء بالصحة والفساد بالقياس إلى الآثار لاما قد يترائي منه من كون الصحة ترتب الآثار و الفساد عدمه كي يشكل بالتهافت بين الصدرو الذيل حيث جعل الصحة التمامية تارة وترتب الأثر أخرى و كما يختلف الصحة و الفساد بلحاظ الآثار مع إتحاد المعنى كذلك يختلفان بلحاظ الأنظار مع إتحاد المعنى أى التمامية وعدمها فبنظر المتكلم يكون التمامية بموافقة الشريعة و عدمها بعدم الموافقة و بنظر الفقية يكون التمامية بسقوط القضاء و الاعادة و عدمها بعدم سقوطهما، فان أراد المتكلم من الامر الذى موافقته الصحة عنده خصوص الواقعي دون الاضطراری و الظاهری و اقتصر الفقيه في الاجزاء علي خصوصه دونهما أو أراد المتكلم من الامر ما يعمهما و قال الفقيه بالاجزاء مطلقاً حتى فيهما تطابق النظران في الصحة والفساد، وإن إختص الامر لدى المتكلم بالواقعي وعمّ الاجزاء لدى الفقيه غيره أو عمّ الامر لديه للاضطراری و الظاهرى ولم يقل الفقيه بالاجزاء فيهما إختلف النظران في الصحة والفساد.

نعم ماذكره صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) بعد ذالك في التنبيه قدينا في ذالك حيث قال ما محصله أن الصحة والفساد لدى المتكلم أمران ينتزعان من موافقة المأتي به الذي هو فعل تكويني للمكلف مع الامر الذى هو مجعول شرعي وعدم موافقته له ولدى الفقيه يختلفان حسب العبادات والمعاملات ففى العبادات أمران عقليان بالنسبة إلى الاوامر الواقعية إذ بعد الاتيان بالمأمور به بالامر الواقعي لا يبقى مجال لثبوت القضاء أو الاعادة بحكم العقل بل يستحق المثوبة، و مجعولان بالنسبة إلى الاوامر الظاهرية لان سقوط القضاء و الاعادة مع إمكان المخالفة للواقع إنَّما هو منةً على العباد تسهيل على المكلفين و لذا قديثبتان، و في المعاملات مجعولان مطلقاً لوجود الامضاء فيها إذلولا الامضاء لم تصح معاملة، و هذا المقال بظاهره يهدم مقاله المتقدم من أن الصحة لدى الكل بمعنى واحد هو التمامية والفساد عدمها والاختلاف من جهة الآثار التى هى فى طول الصحة، إذ ظاهره إختلاف نفس الصحة والفساد باختلاف الآثار والأنظار وكونهما إنتزاعيين لدى المتكلم وعقليين تارة وجعليين أخرى لدى الفقيه، إلا أن يحمل هذا المقال على إرادة بيان آثار الصحة والفساد لانفسهما

ص: 213

و أنّ تلك آثار تختلف باختلاف الأنظار فتارة تكون إنتزاعية و أخرى عقلية و ثالثة جَعلية و كيف كان فالحق أنَّ الصحة هى التمامية والفساد عدمها وألتمامية أو عدمها أمر ينتزع عن الموجود التكويني أعنى فعل المكلف الصادر منه خارجاً الذى هو فى طول الاحكام الشرعية المجعولة كبروياً وضعية كانت أم تكليفية و مقدم على الآثار الخارجية المترتبة على متعلقات تلك الاحكام عقلية كانت أم شرعية أم إنتزاعية، ففعل المكلف الذي يتصف بالصحة والفساد سواء في العبادات والمعاملات موضوعٌ للآثار المرغوبة من ألصحة لدى ألكل فهو مقدم عليها خارجاً بحسب الوجود و متعلق للاحكلام الشرعية المجعولة بنحو ألكبروية فهو في طول جعلها بحسب الوجود، فلا ترتب الآثار وعدمه عبارة عن الصحة والفساد لانها في طول تحقق الفعل على أحد نحوى الصحيح والفاسد ولا المجعولات الشرعية من التكليفية والوضعية عبارة عن ألصحة لأنها مقدمة على وقوع الفعل على أحد النحوين، بل ألصحة و الفساد ينتزعان عن تماميّة الفعل الواقع في الخارج بحسب ما أعتبر فيه شرعاً من الأجزاء والشرائط و عدم تماميته أما الجعل فى الاحكام الظاهرية والاضطرارية فقد عرفت أنه غير معقول بل لا معنى للحكم الظاهري أصلاً لانّ الطرق وألمحرزات بما هي طرق و محرزة لا معنى للجعل فيها، إذ لو كانت لها الطريقية بأن كانت مطابقة للواقع لم يكن فى البين إلا الحكم الواقعي و لولم تكن لها الطريقية بأن كانت مخالفة للواقع لم تكن فيها شيئى أصلاً كي يكون مجعولاً، بل مسع بقاء إطلاق الحكم الواقعي لا يمكن جعل حكم ظاهرى فى طوله لانه خلف فرض الطولية و راجع إلى المناقضة و مع تقييد ألواقع بالنسبة إلي القيد المضطر إليه، يوجب زيادة ف__رد للمطلق، قالصلاة إذا قيدت بقيد كالطهارة عن ألخبث أو الستر ثم قيد ذلك القيد بحال الاختيار فهذا التقييد الاخير يوجب صيرورة الصلاة بدون الطهارة أو السّتر فرداً للمطلق الذى تعلق به الامر اولا، فلاحاجة الى جعل حكم آخر بل لا يعقل ذلك لما عرفت نعم العذرية ممكنة لكنها ليست حكماً قبال الحكم الواقعي بل حقيقتها، ألعفو عن ذلك الحكم وتقييده كما عرفت، أما الجعل في المعاملات بنحو الكبروية بسبب الامضاء فلا معنى له لانّ الكبريات المجعولة شرعاً تكليفية كانت

ص: 214

أم وضعية كما في المعاملات لا معنى لاتصافها بالصحة والفساد لانها تامة لانقص فيها كي يمكن إتصافها بالفساد وحيث أن الصحة و الفساد من قبيل العدم و الملكة فلايمكن إتصافها بالصحة أيضاً، نعم لما كانت مصاديق تلك الكبريات أموراً خارجية فربما يجتمع في مصداق الأجزاء والشرائط المعتبرة في الكبرى المجعولة كالعربية والماضوية ونحوهما للصيغة فيتصف بالصحة لانه تمام ويترتب عليه الأثر المرغوب بلحاظ تلك الكبرى وربما لا يجتمع فيه بعضها كما في خلو الصيغة عن الماضوية فيتصف بالفساد لانه ليس تماماً بلحاظ تلك الكبرى ولا يترتب عليه الأثر المرغوب.

(وما في تعليقة) بعض المحققين (قدّس سِرُّه) على الكفاية من أن الصحة في العبادات وهى سقوط القضاء والاعادة أمر عقلى إنتزاعي لاجعلى إذ العقل ليس له حكم كي کی يكون مجعولاً و إنّما القوة العاقلة شانها الدرك، فبعد موافقة المأتى به للمأمور به و عدم وقوع خلل فيه يدرك العقل عدم الامر بالاعادة أو القضاء فينتزع من ذلك الصحة وبعد وقوع خلل فيه وعدم موافقته للمأمور به يدرك بقاء الامر بهما فينتزع منه الفساد، كما أنَّ استحقاق المثوبة مدرَك عقلى نعم مدح الفاعل حكم عقلائی، أمّا المعاملات فالصحة فيها أمر مجعول شرعاً لان الملكية أو الزوجية مثلا فعل تسبيبى للمكلف وفعل مباشرى للشارع لكن جعلهما ليس بنحو الكلية بل الجزئية أى الملكية أو الزوجية الخاصة عقيب كل سبب أوجده المكلف، أمّا الادلة المطلقة كاوفوا بالعقود أو من حاز ملك أو نحوهما فهى فى مقام الاخبار عن جعل تلك الاحكام الوضعية الخاصة عقيب أسبابها الخارجية المخصوصة التي يوجدها المكلفون في الخارج تدريجاً لا فى مقام جعل تلك الاحكام بنحو الكلية إذ لا يترتب آثارها عليها فعلاً في الاحكام التكليفية كى يصحّ جعلها بنحو الكلية و إنّما تترتب علي كل فردٍ فردٍ فى الخارج فلابد أن يكون جعلها كذلك (غير سديد) في العبادات والمعاملات معاً، أمّا في العبادات فلمنع الكبرى أولاً لما فصلناه في محله م_ن أن العقل له مدركات و له علي طبق مدركاته وفى طولها أحكام كما في باب الاطاعة والامتثال فإن الحاكم بالاستقلال في هذه المرحلة ليس إلّا العقل وكما في جلب

ص: 215

المصلحة ودفع المفسدة فان الحاكم بحسنهما العقل وكذا الحاكم بحسن العدل وقبح الظلم، فالآراء العمومية للعقلاء ليست إلا عبارة عن أحكام عقلية إذ العقلاء إنّما تكون لهم تلك الآراء باعتبار عقولهم وتفصيل ذلك موكول إلى محله، ولمنع الصغرى ثانياً لان سقوط الاعادة مطلقاً والقضاء بناءاً علي كونه بالامر الأول كماهو الحق عندنا إنّما هما من حكم العقل بعد تحقق المأتى به مطابقاً للمأمور به فبعد ما أدرك المطابقة يحكم بأن الامر بعد ذلك لايؤثّر فى الالزام على الامتثال في الوقت أو في خارجه، نعم بناءاً على كون القضاء بأمر جديد يدرك وجود الامر بالقضاء حينئذ لتحقق موضوعه وهو فوت الواجب فى وقته، وأمّا في المعاملات فلانها ليست أحكاماً وضعية الشارع بل أمور عرفية تتحقق بتحقق أسبابها ممضاة لدى الشارع مع زيادة قيود دخيلة في ترتب آثارها عليها لا في أصل تحققها، فترتب الآثار الشرعية للملكية والزوجية عليهما خارجًا غير تحققهما بأسبابهما العادية قهراً تكويناً والمجعول الشرعي الذى أعتبر فيه قيود هو الاول دون الثاني وهو ظاهر قوله تعالي أو فوا بالعقود لان وجوب الوفاء بترتيب آثار العقد عليه خارجا حكم تكليفي في طول تحقق أصل العقد بحقيقته العرفية، نعم فيما ليست ل_ه حقيقة عرفية كالملكية في الأراضى المفتوحة عنوة أو المباحات الاصلية تكون أحكاماً وضعية مجعولة من قبل الشارع بمثل قوله عليه السلام من حاز ملك أو قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) من أحيا أرضاً فهى له لكن جعلها بنحو الكلية كما ستعرف، فالتصرف في الادلة الظاهرة في إمضاء المعاملات العرفية بحملها على الاخبار عن الجعل تأويل في الظاهر من غير دليل، ثم لو سلمنا أن المعاملات أحكام وضعية مجعولة للشارع فهى كسائر الشرعية التكليفية كالاحكام الخمسة أو الوضعية كالطهارة والنجاسة اللتين هما عنده إعتباران شرعيان و كالضمان و غيرها إنما تكون مجعولة بنحو الكبرى الكلية كما في جميع القوانين المجعولة لدى السلاطين وأرباب كل ملة ونحلة، فائها لم تجعل بنحو الجزئية لدى كل موضوع موضوع بل بنحو القضية الحقيقية لضرب القاعدة غاية الامر لابد من مصحح لهذا الجعل ويكفى لذلك الفراغ من الجعل السابع أنه لو لم يدل دليل على إقتصاء النهى عن الشيئى فساده ولا على عدم

ص: 216

الاقتضاء فشككنا فى ذلك فليس في المسئلة أصل يعول عليه بل الاصل في المسئلة الفرعية في المعاملات يقتضي الفساد بمعنى عدم ترتب الآثار الشرعية عليها كما هو الشأن في جميع ذوات الاسباب لدى الشك في تحقق أسبابها على النحو المؤثر في تحقق المسببات فان الاصل عدم ترتب آثارها عليها، أما فى العبادات فالاصل يقتضى الفساد بحسب الظاهر و عالم الاثبات أعنى موافقة الامر لعدم موافقته بعدم الموضوع وهو الامر حسب فرض كون النسبة بين متعلقى الامر و النهي العموم المطلق فى المسئلة بمعنى تقيد مورد الامر بغير مورد النهى قضاءاً لاستحالة إجتماعهما في حصة واحدة من الطبيعة، و كذا بحسب الواقع و عالم الثبوت أى الملاك لاحتمال أن يكون البغض الواقعى الذي هو مقتضى ألنهى (إمّا مانعاً) عن تأثير ملاك الامر في المحبوبية بمعنى أنَّ مورد محبوبٌ في حد ذاته لكن إقتراته بمالا يلائم طبع ألمولي يمنع عن إنصافه بالمحبوبية فعلاً كي يمكن التعبد به فهو نظير التعظيم للمولى حال إهانته أو إهانة ولده بضرب ونحوه فان التعظيم فى نفسه محبوب لكن مجاورته مع ما يبغضه المولى أخرجته عن الصلاحية للتقرب به إليه (وإما سببًا) لقلع اقتضاء المحبوبية عن تلك الحصة من الطبيعة وإن شئت قلت بكشفه عن عدم إقتضاء المحبوبية في هذه الحصة من أول الامر، فمع وجود إحتمال أحد الامرين ثبوتاً لاسبيل إلى إحراز ملاك الامر حتى يمكن التعبد به فلا محرز لصحة المأتى به (فتلخص) أنَّ مقتضى الاصل في المسئلة الفرعية في المعاملات والعبادات مطلقاً بحسب الظاهر و عالم الاثبات وبحسب الواقع وعالم الثبوت هو الفساد، وبما ذكر يتضح مراد صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) من مقاله في المقام.

(فما فى تعليقة) بعض المحققين (قدّس سِرُّه) في المقام و حاصله الفرق بين جعل المسئلة عقلية مع جعلها لفظية فعلى الاوّل يكون مقتضي الاصل في ألمسئلة الاصولية في العبادات هو الصحة لعدم موافقة الامر قطعاً للتنافي بينه و بين النهي لكن الملاك موجود جزماً لاستجماع الاجزاء والشرائط فتصح بالملاك دون الامر، نعم مقتضاه في المسئلة الفرعية الفساد للشك في تحقق العبادة المقرّبة وأصالة الاشتغال تقتضى الاتيان بما يستيقن معه بالمقربية، وعلى الثانى يكون مقتضى الاصل الصحة للشك في المانع من جهة دلالة النهى على الفسادفيد فعه أصالة العدم (غير سديد)

ص: 217

لان إستجماع الاجزاء والشرائط مع كون المسئلة عقلية إنما يتم لو إنحضرت الاجزاء والشرائط بهذه الصورية ولم يحتمل دخل أمر واقعي في العبادة، هو التقرب أمّا مع إحتماله كما هو الحق فالشك في تأثير البغض المستفاد من النهى فى عدم حصوله بأحد النحوين المتقدمين كاف لعدم إحراز الاستجماع كما اعترف به بالنسبة إلى المسئلة الفرعية إذ لولا هذا الاحتمال لم يكن لاصالة الاشتغال وجه بل كان مقتضى الاصل البرائة عن دخل شيئى آخر فى تحقق العبادة، فمع وجود هذا الاحتمال يكون مقتضى الاصل الاشتغال مطلقاً و مع عدمه يكون مقتضاه البرائة مطلقاً فلا فرق من هذه الجهة بين المسئلة الاصولية والفرعية، نعم مقتضى الاصل بالنسبة إلى المانع لدي الشك في دلالة اللفظ على الفساد و عدمه عدم المانع سواء شك في ما نعبة الموجود أو في أصل وجود المانع إذا لمانع بوجوده مخل وليس عدمه شرطاً كما حققناه في محله، ولعلّ إلى بعض ماذكر نا أشار بأمره بالتدبر فتأمل (كما أنَّ ما) إستشكل على مقال صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) من جعل مقتضى الاصل في العبادات الفساد من أن وجود الملاك كاف في صحة ألعبادة وأن عدم الامر في مورد النهى الذى علل به الفساد إنما يوجب الفساد الواقعى والكلام في الفساداً لظاهرى فالتعليل عليل (مدفوع) بعدم إحراز الملاك مع وجود النهى بعد احتمال عدم المقتضى للمحبوبية عند وجود المبغوضية أو عدم تأثيره في ذلك على فرض وجوده أمّا الفساد فالمراد به الظاهرى أعنى عدم موافقه الامر و التعبير بوجود النهى إنما هو لبيان التنافى بينه وبين وجود الامرو بعبارة أخرى وجود النهى كاشف عن عدم الامر.

(الثامن) أنَّ محل النزاع هل يعم الاقسام الخمسة المتصورة، لمتعلق ألنهى من كونه نفس العبادة بشر اشرها نظير صل و لاتصل في الحرير بناء أعلى كون المنهى عنه نفس الصلاة لاشرطها أى الستر أو جزئها أو وصفها الملازم أو المفارق سواء تعلق النهي بالعبادة في الاربعة الاخيرة بواسطتها على نحو ألجهة التقييدية أو التعليلية، أم يختص ببعض الاقسام، ذهب صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) إلى التّعميم على تفصيل في بعضها حيث اختار دخول القسم الأول وهو تعلق النّهى بنفس العبادة في محل النّزاع

ص: 218

بلاريب وكذا القسم الثاني وهو تعلقه بجزئها لان جزء العبادة عبادة نعم لايسرى الفساد من هذا الجزء إلى سائر الاجزاء إلا أن يقتصر علي الجزء الفاسد فيكون بطلان العبادة من جهة فقدان الجزء لا من جهة سريان الفساد إلا أن يلزم من الاتيان بجزء صحيح مكان الفاسد خلل في الصلاة كزيادة الركن فتبطل العبادة، أما القسم الثالث: وهو تعلقه بالشرط فان كان عبادة كالطهارات الثلاث يوجب الفساد فيكون داخلاً في محل النزاع وينتفى المشروط بانتفاء شرطه وإن لم يكن عبادة لا يدخل فى محل النزاع، وأما القسم الرابع: وهو تعلقه بالوصف الملازم كالجهر والاخفات للقرائة حيث لا ينفكان عن القرائة على نحو البدلية و إن كانا لا يجتمعان فيه أيضاً فهو داخل في محل النزاع لمكان الهوهوية بين هذا الوصف مع القرائة، فالحصة المجهورة من القرائة لدى النهى عن الجهر فيها منهى عنها لا محالة، و أما القسم الخامس : و هو تعلقه بالوصف المفارق كالغصبية للأكوان الصلاتية فهو على مسلك الاجتماع خارج عن محل النزاع وعلى مسلك الامتناع داخل فيه، ثم النهى عن الأربعة الأخيرة لو كان نهياً عن العبادة بواسطتها على نحو الجهة التقييدية فهو كالنهى عن نفس العبادة لان الوصف بحال المتعلق لانفس الموصوف فالنهي. يكون بالعرض و عن العبادة يكون بالحقيقة ولو كان علي نحو الجهة التعليلية فهو على التفصيل المتقدم في كل من الاقسام : إنتهى و المستفاد من مجموعكلامه أن بحثه في هذه المقدمة عن تعميم النزاع لهذه الاقسام الخمسة و عدمه لكن لتتميم الفائدة ذكر عدم سراية فساد الجزء العبادي إلى سائر الأجزاء و أنّ فساد العبادة حينئذٍ على تقدير الاقتصار على ذلك الجزء إنما هو من جهة فقدان الجزء، لا أنّ جهة بحثه سراية الفساد أو الحرمة من الجزء أو الشرط إلى العبادة و عدمها فما اعترض به على هذا المقال من تشويش كلام صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) في المقام و دوران جهة البحث بين تعميم محل النّزاع كما يظهر من بعض كلماته و بین سراية الحرمة من الجزء أو الشرط أو الوصف إلى العبادة كما يظهر من بعض كلماته الأخر و بين سراية الفساد من واحد منها إلى العبادة كما يظهر من بعض كلماته فجهة البحث في كلامه مرددة بين هذه الجهات الثلاث (في غير محله) لما عرفت من عدم تشويش فى الكلام و كون جهة البحث من الأول إلى الآخر

ص: 219

تعمیم محل النزاع (كما أن ما يقال) من أن التعرض لدخول جزء العبادة او شرطها العبادي فى محل النزاع غير محتاج اليه بعد كون محل الكلام النهى عن العبادة اذ لافرق بين عبادة و عبادة وكذلك التعرض لكون النهى المتعلق بالعبادة بواسطة أحد الامور الاربعة من قبيل النهى عن نفس العبادة اذا كانت الجزء والشرط والوصف جهة تعليلية ومن قبيل النهي عن نفس تلك الأمور إذا كانت جهة تقييدية (في غير محله) اذ لا استغناء عن بيان تعميم النزاع لجزء العبادة او قيدها مما قديتوهم خروجه عنه لعدم تعلق الامر به استقلالا بل ضمناً كما لا إستهجان في توضيح كون النهى المتعلق بالعبادة بواسطة أحد هذه الأمور من أي القبيلين، فما في تعليقة بعض المحققين (قدّس سِرُّه) على الكفاية من جعل هذه المقدمة مستدركة عجيب منه (و أعجب) من ذلك اشكاله علي كون جزء العبادة عبادة بأنه لا ينطبق عليه شيئي من تعريفى العبادة أعنى انطباق عنوان حسن بالذات عليها وكونها بحيث لو تعلق بها الامر لكان أمرها عبادياً، أما التعريف الاول فلان إنطباق العنوان على العبادات إنما هو بلحاظ مجموع الأجزاء لا ك_ل جزء جزء فيصدق ذلك مع عدم إنطباقه على بعض الاجزاء بالخصوص أما التعريف الثانى فلانه لا ملازمة بين عبادية الامر و لزوم قصد القربة فيه و بين كون كل جزء جزء عبادة بل يصدق مع كون المجموع كذلك، ففساد العبادة عند فساد جزئها إنما هو لان الاتيان بالتوأم مع مبغوض كالاتيان بنفس المبغوض مناف مع التقرب به (و ذلك) لان المركب ليس الاعبارة عن ذوات الأجزاء وذوات الأجزاء ليست الاعبارة عن نفس المركب والتفاوت إنما هو بالاعتبار أعني لحاظ الانضمام تارة والافتراق أخرى، فانطباق عنوان على المجموع هو إنطباقه علي كل جز جزء قهراً و كذا تعلق الامر العبادي بالمجموع ففى كل جزء لابد من قصد القربة تحقيقاً للعبادة، فعنوان الصلاة ليس أمراً حاصلاً عقيب الاتيان بالأجزاء بل الصلاة عبارة عن عين تلك الأجزاء فالامر المتعلق بالصلاة يتعلق بكل منها قهراً فيكون عبادياً، وهذا كما فى تلوين عدة أشياء منسلكة فى خيط أى السبحة بالسواد مثلاً إذ كل واحمد من المنضمات يتلون بذلك اللون قهراً فكذا الامر العبادي المتعلق بالصلاة وغيرها من المركبات الارتباطية، ولذا يلتزم (قدّس سِرُّه) أيضاً في هذه المركبات لدى دوران الامر

ص: 220

بين الاقل والاكثر بالاشتغال وإلا فلولم يتلوَّن الجزء بلون الامر المتعلق بالكل ولم يكن قربيّاً فاشتمال العبادة على مبغوض مثله لا يوجب الفساد لعدم منافاته مع القربية، فالمنافاة ليست إلّا من جهة عبادية الجزء قهراً.

نعم قد ذكر (قدّس سِرُّه) في تقريب الملازمة بين تعلق النهى بالوصف الملازم كالجهر والاخفات للقرائة مع تعلقه بنفس العبادة كالقرائة كلاماً متينا حاصله بتحرير منا أن الجهر أو الاخفات بالنسبة إلى القرائة فيه احتمالات خمسة ثبوتاً (أحدها) كون القرائة مع الجهرأو الاخفات عرضين قام أحدهما بالآخر فالقرائة كيف مسموع و الجهر أو الاخفات كيف الكيف، وعليهذا يتعددان وجوداً وماهية ولا يكون النهى عن الجهر نهياً عن القرائة فيخرج عن محل النزاع فى النهي عن العبادة (ثانيها) كون الجهر و الاخفات مرتبتين من ماهية واحدة هى القرائة مع تفاوتهما بالشدة والضعف فالجهرية مرتبة شديدة والاخفائية مرتبة ضعيفة من القرائة بناءاً على صحة التشكيك في الماهية، وعليهذا يتحد كل منهما مع القرائة ويكون النهي عن المجهورة نهيا عن القرائة ويدخل في محل النزاع (ثالثها) كونهما نوعين متباينين من القرائة بناءاً على كون التشكيك فى الوجود دون الماهية و على تعدد وجودى الجنس والفصل خارجًا، وعليهذا يكون كالقسم الاول من جهة تعدد متعلقى الامر والنهى والخروج عن محل النزاع (رابعها) كون القرائة مع الجهر مرتبة شديدة من الوجود ومع الاخفات مرتبة خفيفة منه بناءاً علي إتحاد الوجود الجنساني مع الفصلانى فى الخارج وعدم تحصص تلك المرتبة الشديدة من الوجود إلى حصص وجودية خارجا، وعليهذا يكون كالقسم الثاني في الدخول فى محل النزاع (خامسها) ذلك مع تفاوت تحصص المرتبة الشديدة خارجا إلى حصص وجودية نظير قابلية مقدار مثقالين من شيئى للتحصّص إلي مثقال و مثقال خارجا أو قابلية مقدار ذراع من خط ممتد للتحصص إلي حصص قصيرة وهكذا، و عليهذا يكون كالقسم الأول في تعدد الوجود والمهيه خارجًا والخروج عن محل النزاع، فعلى الاول والثالث والأخير من هذه الاحتمالات يخرج النهي عن الجهر عن محل النزاع وعلي الثانى والرابع يدخل فيه، لكن ما عدا رابعها لا يساعده الاثبات

ص: 221

أما الأول فلان الجهر ليس من قبيل العرض للقرائة إذ العرض لابد أن يكون تحت مقولة و ليس كذلك الجهر إذ لا يقع في جواب السئوال عن حقيقته مما هو الانفس حقيقة القرائة أى الصوت الذي هو تمويج الهواء و هذا يكشف عن عدم إستقلاله بالما هو فلا يمكن أن يكون من قبيل العرض، مضافاً إلي إستحالة قيام العرض بالعرض كما تقرر في محلّه، و أما الثاني فلان التشكيك ليس فى الماهية بل في الوجود كما عليه جمهور الفلاسفة، و أما الثالث، فلعدم تعدد وجودى الجنس والفصل كما ثبت في محله بل هما مركب اتحادی وجوداً و إن أمكن تحليله إلى جنس و فصل عقلاً في وعاء الذهن، و منه ظهر فساد الخامس لعدم قابلية المرتبة الشديدة من الوجود للتخصص إلى حصتين خارجاً لأنَّ المرتبة بسيطة فلا تقبل التخصص والتمثيل بالمثقالين غير صحيح إذ المثقالان وجودان منضمان و كذا الخط الممتدّ فقياسهما بمثل القرائة المجهورة من الوجود الواحد الشَّديد فاسدٌ، فلم يبق إلا الرابع الذي عرفت دخوله فى محل النزاع.

أقول و لقد أجاد في تشريح مراد صاحب الكفاية (قدّس سِرُّهمها) من كيفية دخول الجهر في القرائة فى محل النزاع لكن الشأن في ثبوت نهى شرعى عن الجهر في القرائة كي يكون بذاك التقريب داخلاً في محل النزاع، لان محل الكلام في النهى عن العبادة كما أسفلناة فى المقدمات السابقة فيما كانت النسبة بين موردى الامر والتهى هى العموم المطلق ليكونا من قبيل المطلق والمقيد و ليس كذلك الجهر المنهى عنه في الشريعة مع القرائة المأمور بها، بل النسبة بينهما عموم من وجه حيث نهبت المرأة عن الجهر بالصوت لدى حضور الاجنبي مطلقاً كانت في الصلاة أم غيرها و أمرت بالقرائة فى الصلاة مطلقاً كانت مجهورة أم لا فانها مخيرة بين الجهر والاخفات فى الجهرية ولا يجب عليها خصوص واحد منهما، ففى غير حال الصلاة يحرم الجهر بالكلام ولا قرائة ومع الاخفات بقرائة الصلاة تجب القرائة ولا جهر و لدى الجهر بقرائة الصلاة مع سماع الأجنبي صوتها يجتمعان فالاجتماع فى القرائة المجهورة مأمورى لا آمرى فيكون كالوصف المفارق أى الغصبية في أنه. علي مسلكى الاجتماع والامتناع، فمن أفتى من الاصحاب

ص: 222

بصحة الصلاة لدى الجهر بالقرائة في الغرض بناءاً على مسلكه الاجتماع فقد أجاد من أفتى منهم بفسادها على مسلكه الامتناع.

إذا عرفت هذه المقدمات فالكلام في مقامين أحد هما اقتضاء النهي في العبادات ثانيهما إقتضائه في المعاملات (أمّا المقام الأول) فقد إختار صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) فيه الفساد مطلقاً بد عوى أن الصحة إن كانت بمعنى موافقة الامر فهي منتفية في مورد النهى لعدم الامر حينئذ حسب فرض أخصية دليل النهي عن دليل الامر وإن كانت بمعنى سقوط القضاء والاعادة فكذلك لان سقوطها موقوف على أمرين موافقة الامر وصلاحية الفعل للتقرب به و كلاهما منتفيان في مورد النهى أما الأول فلما عرفت و أما الثاني فلان المبغوض الذى يكشف عنه النهى لايصلح للتقرب به (فان قلت) حرمة العبادة ذاتاً و مبغوضيتها موقوفة على وجود النهى و معه تكون حرمتها تشريعية ضرورة عدم الامر حينئذ فالاتيان بالعبادة بقصد أمرها تشريع محرم فلا يمكن أن تتصف بالحرمة الذاتية أيضاً لاستلزامه إجتماع المثلين فكيف التوفيق (قلت) العبادة على قسمين ذاتية ه_ي التي تكون عبادة فعلاً کالسجود و الركوع و اتصاف هذه بالحرمة الذاتية بمجرد تعلق النهى بها واضح وغير ذاتية هي التي لا أمر بها فعلاً بل لو أمر بها لكان أمرها عبادياً كصلاة الحائض وصوم العيدين ونحو هما وهذه حيث لا أمر بها فعلاً حسب الفرض فتتصف بالحرمة الذاتية بتعلق النهى بها، أما الحرمة التشريعية فحيث أنها فعل قلبى كالا نقياد والتجرى فلا يتصف بها الفعل کي يلزم إجتماع المثلين، فالمبغوضية المستكشفة عن النهي في العبادة ممالاريب فيها وحيث لا يصلح الفعل معها للتقرب به فالنهى عنها يقتضى الفساد : إنتهي محرَّراً.

ولتحقيق المقام وتوضيح ما أفاده (قدّس سِرُّه) نذكر أموراً يظهر من مجموعها ما هو المرام (الأوّل) إنَّ العبودية عبارة عن التخضّع الذي هو فعل قصدى فهو لا محالة جانحي ذو مراتب مختلفة أدناها ما يحصل با لاصغاء إلى المتكلم كما ورد من أصغى إلي ناطق فقد عبده وأعلاها ما يحصل عن وجدان المعبود أهلاً للعبادة كما قال مولا نا أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ): وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك: والتعبد عبارة عن إبراز ذلك التخضع والفعل القصدى، والعبادة عبارة عن فعل

ص: 223

جارحي هو مصداق لابراز التخضع به لان مبرز الفعل الجانحى هو الجار حي لانقول باحتياج الفعل الجانحى إلى المبرز كيف ومنه ما يستقل بالوجود و لا يحتاج إلى المبرز أبداً كالبناء القلبى أو عقد القلب على شيئي أو جحده أو نحو ذلك بل نقول بأن إبرازه لدى إرادته لا يكون إلا بالفعل الجارحي، وليس لمادة: ع- ب _ د : بمالها من الاشتقاقات حقيقة شرعية لغوية غاية الامر إتفقت آراء أرباب العقول على كون بعض مصاديقها مصداقاً لابراز عنوان التخضع كالانحناء على إختلاف مراتبه المسمى بعضها بالركوع وبعضها بالسجود، بل خفض جناح الذل من حيث إحتوائه على الميل إلي الدنو مبرزاً للتخضع فطري للحيوانات أيضاً كما نشاهده فى الحمامة، و صيرورة أمثال هذه المصاديق عبادة شرعية تحتاج إلى تقدير الشارع للعبودية بها فبدونه ليست عبادة شرعاً و إن كانت عبادة عرفاً، و إختصت مصداقية بعضها لذلك بطائفة أو أه_ل ملة خاصة و العبادات المخترعة فى الشريعة من هذا القبيل، فحقيقة العبادة قسم و احد أبداً روحها التخضع و الاختلاف في المبرزات وعبادية شيئي في الشريعة محتاج أبداً إلي الامرإما للتقرير كما في المصاديق المتفق عليها لدى أرباب العقول أو لاصل الموضوع أى جعله عبادة علاوة عن حكمها كما فى المخترعات الشرعية للعبادة، ثم إن التعبير عن المبرزات بآلة الابراز يصح بلحاظ تحقق الإبراز بسببها والا فليست آلة بالمعنى الحقيقى لان روح العبادة وه_و التخضع مستقل بالوجود فليس الفعل الجارحي معبر الوجوده كما هو الشأن فى الآلة فالتعبير مسامحى، كما أن الابراز هنا ليس بمعنى الحكاية المحتاجة إلى سبق وجود المحكى كما في سائر الحواكي بل بمعنى الاظهار المناسب مع تحقق التخضع آن ابرازه فيتحد زمان وجوده فى وعائه القلبي مع زمان إثباته في عالم الخارج بسبب فعل جارحي (الثاني) إنَّ مورد النزاع إنَّما هو العبادة التي تعلق بها الامر شرعاً لانه الذى يفيد بحثه الاصولي حسب تعريف الاصول بما تقع نتيجته في طريق إستنباط الاحكام الفرعية، فمجرد كون شيئي بحيث لو أمر به لكان أمره عبادياً لا يجدى لغرض الاصولي مالم يكن عبادة شرعية تترتب عليها أحكام فرعية.

ص: 224

(الثالث) إن الحسن و القبح قد يكونان بالذات وقد يكونان بالوجوه و الاعتبارات إذ الاعيان الخارجية بعلل قوامها و عناوينها الأولية تارة حسنة ذات مصلحة كحب اللّه تعالى و التخضّع له و إطاعة المولى بملاك العدل في عالم العبودية، وأخرى قبيحة ذات مفسدة كتمرُّد المولى والتصرف في سلطانه بملاك الظلم في عالم العبودية، فالحسن و القبح فيها ذاتيان بمعنى أن تلك العناوين بعلل قوامها بلاطر وشيئى آخر عليها تتصف بأحد الوصفين، فالسجود في حد نفسه حسن عرفاً بل و راجع شرعاً لكن حيث لا وجود للجنس إلا بالفصل لكونه مجرى الوجود كاضافة السجود إلى اللّه تعالى أو إلى الصّنم فالسّجود اللّه تعالى بحقيقته النوعية وبعلل قوامه حَسَنُ ذاتاً و السّجود للصَّنم بحقيقته النوعية قبيح ذاتاً، لكن بعض الأشياء ليس فيه إقتضاء شيئى من الحسن و القبح وإنما يتصف بأحد الوصفين بالوجوه والاعتبارات كالكذب فانه باعتبار الاضرار المترتب عليه قبيح ولذا لو ترتب عليه نفع كان حسناً، ويمكن أن يكون الشيئي بعنوانه الأولى حسناً ثم يصير قبیحاً بطرو عنوان آخر عليه وهذا العنوان الطارى قد يوجب إندكاك حقيقة ذلك الشيئي وانقلابها عما هو عليه إلي حقيقة أخرى كالتخضع بما نهي عن التخضّع به فانه ينقلب عن التخضع إلى التمرّد، كما إذا نهي المولى عبده عن تعظيمه في مجلس لكونه تخريباً من حيث السببية لاثارة البغضاء من الاعداء فذلك ينقلب عرفاً عما كان عليه من حقيقة التعظيم إلى التخريب، وقد يوجب إنقهار مصلحته دون حقيقته كالصلاة بلاطهارة مثلا ً بعد ماورد في رواية العلل من قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ): فأحب اللّه أن لا يعبد إلا طاهراً : فطرو عنوان المحدث على الشخص يوجب مقهورية مصلحة الصلاة في حقه فيخاطب بمثل : دعى الصلاة أيام اقرائك :،و من ذلك علم فسادما قديتوهم من التنافي بين كون شيئي عبادة ذاتاً على إصطلاح القوم أو بعنوانه الأولى كما عرفت و بین تعلق النهی به و بعبارة أخرى بين رجحان شئی ذاتاً و بين كونه مبغوضاً ذاتاً حيث ظهر أن الرجحان من جهة والمبغوضية من أخرى.

وبعد ما عرفت الأمور الثلاثة فالنهى المتعلق بالعبادة (إن كانت) هناك قرينة على كونه إرشاداً إلى جزئية شيئي أو شرطيته للعبادة أو ما نعيته عنها نظير لاتصلِّ

ص: 225

في الحرير أو غير المأكول بل هو الشأن فى الاوامر المتعلقة بالمخترعات الشرعية لانعقاد ظهور ثانوى لها في الجزئية أو الشرطية إذ تعلقها بالموضوع الذى يكون الحكم في طوله يكشف عن كونها بصدد بيان الوضع دون التكليف لان الموضوع أيضاً مجعول للشارع (فدلالته) علي الفساد و عدم التمامية واضحة على كل مسلك لما سبق في مقدمات البحث من أن موافقة الشريعة الذى هو معني الصحة لدى المتكلم عنوان ينتزع عن الفرد الخارجى إذا إنطبق عليه الطبيعى المجعول بنحو الكلى شرعاً بعد الاتيان به تاما، وأن سقوط القضاء والاعادة الذي هو معنى الصحة لدى الفقيه عنوان ينتزع عن حكم العقل بعدم تأثير الامر فى البعث نحو فرد آخر بعد تحقق المأتى به تاماً و إنطباق الطبيعى عليه لذلك، فاذا لم يتحقق تاماً بل كان فيه خلل من فقدان جزء أو شرط أو وجدان مانع لم ينطبق الفرد مع الطبيعي قهراً كي ينتزع عنه عنوان موافقة الامر خارجًا أو يحكم بعدم التأثير فى فرد آخر عقلاً و ينتزع عنه سقوط القضاء والاعادة شرعاً، فالنزاع في الدلالة على الفساد و عدمها في النواهى الارشادية في غير محله ب_ل ه_ى لا محالة تدل علي الفساد (أما لولم تكن) هناك قرينة على ذلك و أمكن التحفظ على ظهور النواهي المتعلقة بالعبادة في المولوية اما بمقتضى نفس مقام الشارعية الظاهر فى إعمال المولوية كما هو الشأن في جميع الاوامر والنواهى الصادرة من الشارع أو بمقتضى قیام قرينة صارفه عن القرينة الصارفة عن الطهور الاولي في المولوية (صحَّ) النزاع في الدلالة على الفساد و عدمها والحق هو الدلالة إذا لنهى يكشف عن مبغوضية ذات متعلقه على مذهب العدلية لان إعمال المولوية في الزجر عن شيئى من قبل مولي غير مجازف يكشف عن كراهته النفسانية بالنسبة إلى المزجور عنه وكراهته لابد أن تكون عن ملاك على مذهب العدلية فيكشف بالاستلزام عن وجود مفسدة اقتضت إعمال المولوية بالزجر، والظاهر عرفاً من تعلق زجر مولوى بشيئي كون المفسدة فى ذاته ومثله لا يكون محبوباً للمولى كي يكون مأموراً به ضرورة تضاد الحكمين عرفاً، والمفروض كون النسبة بين متعلقى الامر والنهى فى المسئلة العموم المطلق فالصحة بمعنى موافقة الامر منتفية جزماً وكذا بمعنى سقوط القضاء والاعادة، لكن لا لعدم إمكان قصد الامر

ص: 226

المحقق للعبادة من جهة إنتفاء موضوعه أى الامر لان قصد الامر أحد محققات العبادة ولا يتوقف تحققها عليه كما أسلفناه بل لعدم إمكان التقرب بالمبغوض كي يتحقق به العبادة ويسقط أمرها عقلاً عن التأثير في القضاء أو الاعادة.

(ودعوى) أنَّ الفساد بمعنى عدم الامر بديهي بعد إستحالة إجتماع الحكمين فلا بد من تحرير الاستدلال على نحو عدم تعقل التقرّب بمبغوض المولى حتى يعم العبادات الذاتية التي لاحاجة فيها إلى الامر (مدفوعة) بأن الدليل لابد أن يعم القول بدلالة النهى علي عدم الامر الذي إلتزم به بعض قد ماء الاصوليين في تقريب دلالة النهي على الفساد كما عن العلامة في تهذيب الاصول والسيد عميد الدين (قدّس سِرُّهما) في شرحه، وبأن العبادات الذاتية أيضاً تحتاج إلي التقرير و الامضاء و لو بعدم الردع كما عرفت وحيث أن المجعول لدى العرف هو المصداق الذي يقع موضوعاً لحكم تكليفى إلزامي وغيره فا مضائه إمضاء لما هو موضوع الحكم التكليفي فيكشف عن محبوبية المصداق لابراز التخضع بما يعم الاستحباب، فعدم الردع عن إبراز التخضع بالسجود مثلاً كاشف عن مطلق الرجحان و المحبوبية نظير كشف قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الصلاة خير موضوع من شاء إستقل ومن شاء إستكثر : عن ذلك (ودعوى) أنا لو أحرز نا المبغوضية من الخارج لم نجتج إلى وجود النهي في كشف الفساد كما لانحتاج إلى الامر فى العبادات الذاتية بعد إحراز رجحانها من الخارج (مدفوعة) بأنّ الكاشف عن المبغوضية ليس إلا النهي فهو الدال على الفساد لد لالته إستلزاماً على المبغوضية أما العبادات الذاتية فقد عرفت لزوم الامر فيها في ترتب الاحكام التكليفية عليها بل عرفت أنَّ المفيد بحال الاصولي مورد وجود الامر الممكن إمتثاله لولا النهي مع أن سنخ محبوبية العبادة الذاتية مختلف فالسجود للشكر مستحب و لقرائة العزائم واجب و لا ينكشف ذلك إلا بعد وجود الامر الذى يبركة عدم الرخصة في الترك ينتزع عنه الوجوب و ببركة الرخصة فيه ينتزع عنه الاستحباب عقلاً (فظهر) أن الحق مع صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) في إقتضاء النهي عن العبادة الفساد مطلقاً فى العبادات الذاتية وغيرها (كما ظهر) من ذلك البيان فساد توهم علم إنصاف العبادة بغير الحرمة التشريعية بدعوى توقف عباديتها

ص: 227

علي قصد الامر و مع النهي الكاشف عن عدم الامر يكون الاتيان بذلك القصد تشريعاً فاذا اتصفت بالحرمة التشريعية لاتتصف بحرمة أخرى ذاتية (وجه الظهور) عدم توقف عبادية العبادة على قصد الامر بل هو أحد محققاتها.

نعم ما ذكره صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) في وجه إنصاف العبادة بالحرمة الذاتية من أنه لو أمر به لكان أمره عبادياً وفى وجه إمكان إجتماع الحرمتين الذاتية و التشريعية من أن التشريعية من أفعال القلب في غير محله، لما عرفت من أن حقيقة العبادة هي التخضع و هو موجود في جميع الموارد والتشريع و إن كان فعلاً قلبياً لكن مبرزه فعل خارجى إما باللسان كمافى تشريع البعث والزجزأ وبسائر الجوارح كما في تشريع مصداق للعبادة وكلا هما تصرف في سلطان المولى لان إنشاء البعث و الزجر من حقه فالتصرف فيه كما في الافتاء بغير علم فضلا عن العلم بالعدم ظلم في عالم العبودية وتعدّ عن الحدّ إلى حق الغير كما أن جعل المصداق لابراز تخضع في غير المصاديق العرفية الممضاة شرعاً أمره بيده وحق له فالتصرف فيه بجعل مصداق كصلاة التراويح ظلم فالعنوان القصدى يوجب تعنون الفعل الجارحى بعنوان الظلم والتعدى فيتصف بالحرمة أيضاً.

ولبعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) كلام فى النهي عن الجزء والشرط حاصله بتحرير منا أنَّ النهى عن الجزء كقرائة العزيمة إما في محلها كما بعد الحمد مكان السورة أو في غيره كما بين السجدتين كاشف عن دخل عدم ذلك الجزء في العبادة فيلزم محذورات ثلاثة أحدها فقدان الجزء العدمى للعبادة إذ بايجاد متعلق النهى يتحقق طرد عدمه الذي هو جزء العبادة فان إقتصر عليه لزم فساد العبادة بانتفاء جزئها وإِن ضَم إليه جزء أصحيحاً لزم قرانهما ثانيها تحقق الزيادة العمدية بايجاد متعلق النهى و ذلك يوجب بطلان العبادة، ثالثها تحقَّق التكلم المحرّم لا كلام الآ دمى كما تو هم لانه ذكر فليس كلام الآدمي، و أما النهي عن الشرط فلا يوجب الفساد إذا لم يكن عبادة لان المنهى عنه إنَّما هو المعنى المصدرى و الشرط هو المعنى الاسم المصدرى، ورد بأن المعنى المصدرى متحد مع الاسم المصدري وجوداً و التفاوت با لاعتبار قالنهي عنه لابد أن يوجب الفساد (أقول) النهي المتعلق بالجزء

ص: 228

إن كان ناظراً إلى الوضع و لو بالظهور الثانوى أى للارشاد إلى مفسدية وجود ذلك الجزء بلادخل عدمه شرطاً في المهية لاستحالة تألف الوجود من العدم وتأثيره أثراً وجودياً كما في الشرط الذي يؤثر فى المشروط ولو بايصال الأثر من المقتضى إلى المقتضى بالفتح فلاريب فى فساد العبادة حسب دلالة النهى، لكن الكلام ليس في ذلك بل في النهى التكليفى و هو لا يوجب الفساد ضرورة إمكان حرمة شيئي في و عاءِ خاص هو وعاء الاتيان بعبادة كائنة ما كانت، فكما يمكن صيرورة شيئى محرّماً كالنظر إلى الأجنبي كذلك يمكن صيرورته محرماً فى و عاء مخصوص كحرمة الغرفة الثالثة فى الوضوء أو الشوط الثامن فى الطواف أو قرائة سورة العزيمة في الصلاة بلا دخل لذلك المحرم ولا ربطه بالعبادة حتى يوجب خللا فيها، ومنه علم أن الزيادة العمدية لاتوجب الفساد مطلقاً في كل عبادة كما هو محل كلام الاصولى نعم خصوص زيادة العزيمة فى الصلاة إنمادلّ على مبطليته دليل تعبدى معلّلاً بأنه زیادة في المكتوبة بمعنى إستلزامها زيادة السجود، عمداً، فلو وقعت قرائة العزيمة حال سجود الصلاة فلم يلزم زيادة سجود لم يكن دليل على حرمتها وفساد الصلاة بها، كما لا يمكن الاخذ بعلية الزيادة فى المكتوبة بالنسبة إلى غير العزيمة من الأذكار و الأدعية فى الصلاة و بالنسبة إلى قرائة العزيمة فى غير الصلاة من العبادات كا لطواف أو غير العزيمة فى غير الصلاة كالشوط الثامن للطواف أو الغرفة الثالثة للوضوء اللذين مثلنا بهما سابقاً، فانّ العبادة غير منحصرة في الصلاة والزيادة غير منحصرة في قرائة العزيمة وما هو محل بحث الاصولى كبرى النهى عن العبادة أية عبادة كانت، كما نهى عن التكتف في الصلاة ويكون مبطلاً معللاً بأنه فعل لكن لا يمكن الاخذ بعموم هذه العلة فان العبث باللحية أو الأذن فعل و ليس بمحرم جزمًا فضلاً عن أن يكون مبطلاً، وبالجملة فهذه فروع فقهية لها أدلة خاصة لا ربط لها بالبحث الكبروى الاصولى و هو إقتضاءُ النهى عن العبادة الفساد و عدمه مطلقاً.

أمّا التكلم المحرّم فلو إستفدنا من الأدلة مبطلية كل ما ليس بذكر وقرآن يشمل المقام ولو كان كلام الآدمى فالايراد على من جعله كلام الآدمى في غير محله و لو إستفد نامنها مبطلية كلام الآدمى فقط فما لم يكن التكلم المحرم كلام الآدمي

ص: 229

لا يوجب البطلان فالعدول عن كلام الآدمي إلي التكلم المحرم مجرد تغيير العبارة و مستغني عنه على أى تقدير، أما الشرط فما ذكره من عدم فساد المشروط بالنهي عن شرطه صحيح لكن لا لما ذكره من كون الفرق بين المنهى عنه مع الشرط هو الفرق بين المعني المصدرى مع الاسم المصدرى حتى يقال بعدم تفاوت بينهما وجوداً بل إعتباراً و إن كان هذا القول لا ينطبق علي المقام لان المعنى الاسم المصدرى كالمصدرى متصرّمُ ينعدم بمجرد تحقق الفعل النحوى ولا يبقى بعد ذلك كي يتقيد به الواجب و يصير شرطاً للعبادة و ليس كذلك المقام بل هو من قبيل الأثر و المؤثر المستقل كل منهما بالوجود مع تولد الوجود الثاني عن الأول كمستر البدن بلبس ثياب و نحوه فانّه فعل توليدى يتحقق عقيبه التستر أى المستورية التي حالة خارجية وصفة واقعية للشخص أعنى غيبوبة بدنه و هذا المعنى موجود ثابت خارجاً بعد تحقق السترأ يضاً، بل لان متعلق النهسي نفس الفعل التوليدى كالستر باللباس ونحوه والشرط المتقيد به العبادة نتيجة ذلك الفعل كالمستورية، و نظير هذا الخلط من هذا القائل كثير فى أبواب الاصول حيث خلط كثير أبين الأفعال التوليدية بالنسبة إلى المتولد منها مع المعنى المصدرى بالنسبة إلى الاسم المصدري فعبَّر عن الأوّل بالثاني فتدبر.

(وأما المقام الثانى) فتفصيل القول فيه أنّ النهى عن عن المعاملات على أقسام (الأوّل) أن يكون للرّدع عن البناء العرفى في نوع أو صنف خاص من المعاملة لمصلحة فى الرَّدع أو لمفسدة فى المعاملة كما في نكاح الشغار (الثاني) أن يكون لتخطئة العرف في مصداق من نوع أو صنف أو فرد خاص من المعاملة كما في بيع المنابذة، و الفرق بين القسمين أنَّ الرّدع في الاول ليس لعدم تأثير المعاملة أثرها المرغوب كالزوجية في نكاح الشغار بل المردوع إيجاد ذلك الأثر بهذا السبب بخلاف التخطئة في الثاني فهو لعدم تأثير ذلك السبب في الأثر المرغوب منه كالملكية في بيع المنابذة، فالنهى إرشاد إلى عدم حصول الأثر الذي تخيله العرف و لذا ليس بسبب أيضًا لدى بعض أهل العرف (الثالث) أن يكون للارشاد إلى جزء أو شرط فى المعاملة إهتماماً بموردها كالطلاق بصيغة : أنت خلية أو بريئة : فانه ناظر إلى أنَّ المُخرج عن العلقة صيغة خاصة كما أنّ المدخل كذلك كصيغة أنكحث

ص: 230

في النكاح الدائم إهتماماً بالفروج، ولاريب أن النهى في هذه الاقسام الثلاثة يدل علي الفساد حسب فرض نظره إلي الوضع أى الارشاد إلى الفساد ولو بظهور ثانوى أو بالكناية فالنزاع في دلالته على الفساد وعدمه في غير محله لانه بمنزلة النزاع في دلالة اللفظ على معناه الكنائى وعدمها كدلالة : زيد كثير الرماد : على الجود (الرابع) أن يكون النهي عن المعاملة بما هو شاغل للمكلف وحركة فاعلية له بلا دخله فيما يحصل بسبب المعاملة من الأمور الاعتبارية كالملكية وغيرها، فالمبغوض بسبب النهى المولوى نفس الفعل النحوى الصادر عن المكلف بما هو فعل صادر عنه لابما هو مؤثر في أثرٍ كذا كالبيع وقت النداء فانه مبغوض بسبب قوله تعالى : وذروا البيع : لانه شاغل عن السعي إلى ذكر اللّه مع قطع النظر عن تأثيره في ايجاد الملكية ولذا لو وقع مكانه فعل آخر غير إنشائي كالشرب أو التكلم لكان مبغوضاً، ولاريب أنَّ النهى في هذا القسم لا يدل على الفساد إذ لا إرتباط لمتعلقه بما هو أثر المعاملة من الملكية ونحوها،

(الخامس) أن يكون النهي عن المعاملة بما هو مؤثّر في حصول أمر اعتبارى كالملكية والزوجية وغيرهما المعبّر عنه في إصطلاح أهل الفلسفة بالمسبب فهو المبغوض لانفس السبب بما هو كبيع العبد المسلم من الكافر فان نفس المسبب وهو حصول المكلية للكافر يتعنون بعنوان سلطان الكافر على المسلم أو علو الكفر على الاسلام المنهي في قوله تعالي : ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلاً : وفي قوله صلى اللّه عليه و آله : الاسلام يعلو ولا يعلي عليه : (السادس) ما ربما أشكل على بعضهم تصوره وهو أن يكون النهى عن التسبّب بسبب إلى مسبب لا عن شيئى من السبب والمسبب فالتسبّب بصيغة بعت إلي انشاء الملكية مثلا يكون مبغوضاً أو التسبُّب بالمعاطاة إليه يكون مبغوضاً، وفي هذين القسمين يصح النزاع في دلالة النهي على الفساد و عدمها (و تحقيق المقام) يستدعى تمهيد مقد متين (الأولى) أنّ الحقايق الاعتبارية معاملية كانت أم غيرها هل لها وجود في وعاء مع قطع النظر عن تنفيذها من قبل نافذ الاعتبار صورياً كان كالجائر أم حقيقياً كالانبياء والرسل أم ليس لها مع قطع النظر عن التنفيذ وجود بل وجودها بنفس تنفيذها من نافذ

ص: 231

الاعتبار، فنقول لاريب أن الاعتبارات الصادرة عن أرباب العقول و لومن غير أهل النحلة موجودة فى وعاء مناسب معها باقية ببقاء معتبرها بل ربما تبقى بعد إنعدام معتبرها بل هو كذلك لدى أرباب الغرائز كالحيوانات كما يشهد بها آثارها المحسوسة من المغالبة في حيازة مكان و الممانعة عن الغير بعد التغلب عليه (و بالجملة) تحقق الأمور الاعتبارية من الزوجية والملكية و نحوهما في وعائها المناسب حتى لدى من ليس أهل نحلة بمجرد تحقق أسبابها، قهرية كسانت كالارث أم إختياريةً كالحيازة والبيع و نحوهما و ترتيب آثارها التكوينية و الا عتبارية عليها مما لا يقبل الانكار بل هو في حد إنكار المحسوس بلاحاجة في ذلك إلى تنفيذ نافذ، نعم قد يتشبت العرف بذيل تنفيذ من نافذ الاعتبار حفظاً لنظام المعاش و عدم وقوع مغالبة فى الحقوق المعتبرة من غير دخل لهذا التنفيذ في أصل وجود تلك الاعتبارات.

أمّا في الشرع فالحاجة إلى التنفيذ إنما هو لامكان الردع عن نوع خاص أو التخطئة عن مصداق مخصوص أو إزدياد شرط أو جزء من قبل الشارع المطلع علي الواقعيات فى أخذ الاعتبارات العرفية موضوعاً للاحكام الشرعية كحل التصرف و جواز التوارث و نحو ذلك و إذا كان أصل الزوجية والملكية وغيرهما من الأمور الاعتبارية موجودة لدى العرف بأسبابها المتداولة بينهم فمجرد عدم ردع الشارع عن ذلك كاف في إمضاتها ودخولها في موضوع الاحكام المجعولة لتلك الأمور وضعية كانت أم تكليفية، و ليس للشارع في شيئي منها ايجاد مالم يكن أما عدم الرّدع عنها مع التمكن منه فلا يوجب إستناد وجودها إلى من لم يردع عنها بل هو مستند إلى موجدها بأسبابها العادية، فجميع الأدلة الشرعية الواردة في المعاملات مثل أحلَّ اللّه البيع و أوفوا بالعقود و من حاز ملك و نحوها ناظرة إلى عدم الردع عن تلك الاعتبارات الموجودة لدى العرف و صيرورتها موضوعاً للأحكام الشرعية، بلا نظر لها إلى ايجاد شيئي غير موجود من قبل الشارع و لو عقيب ايجاد الاسباب من قبل العرف ليكون ايجاد السبب فعلاً مباشرياً للعرف و ايجاد المسبب فعلاً مباشرياً للشارع (و بالجملة) فالامضاء ليس ايجاد ما لم يكن

ص: 232

لانا نشاهد بالوجدان وجود إعتبار الملكية و نحوها خارجاً لدى العرف ولا إعتبار للملكسيّة ثانياً لانّه تحصيل للحاصل و لغو ولا جعل الملكية فعلية كما زعمه بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) إذلواريد به ترتب آثار الملكية عليها خارجاً فهو متحقق لدى العرف ولو أريد ترتب الآثار الشرعية فهو في طول تحقق الملكية ولاربط له بجعلها، بل الامضاء تخلية سبيل المعاملة خارجاً بعدم الردع عنها وهو المراد من حلّ البيع في قوله تعالي : أحلَّ اللّه البيع بعد ما نري أنَّ البيع ليس بمعقود : خارجاً: حتى يحلّه الشارع، و كذا في سائراً دلة الامضاء مثل، من حاز ملك و تجارة عن تراض و أو فوا بالعقود ومعلوم أنَّ امضاء المعاملة من قبل الشارع إنَّما هو بلحاظ أحكامها المجعولة لها وضعية كانت أم تكليفية بجعلها موضوعاً لتلك الاحكام.

(الثانية) أنه إختلفت كلمة العلماء في المجعول في المعاملات فذهب المحقق الداماد و تبعه السيد الطباطبائى اليزدي (قدّس سِرُّهما) إلى أنه السبب و المسبب معأ وذهب بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) إلى أنه المسبب عند تحقق السبب بنحو الكلية وذهب بعض المحققين (قدّس سِرُّه) إلى أنه ذلك بنحو الجزئية عند كل سبب سبب و ذهب بعض قد ماء الاصوليين على ما يبالى إلى أنه السبب فقط، و ربما يقال في تقريب الأول أنَّ الامر التكوينى كالحركة الخارجية للمكلف قولاً كبعت وأنكحت أو فعلاً كالمعاطاة لامعنى لتأثيره في الامر الاعتباري كالملكية والزوجية لان ما في أفق كيف يعقل أن يوثر فيما في أفي آخر يباينه فلا يعقل تأثير ما في أفق العين والخارج فيما في أفق الاعتبار، فلا بد أن يكون سببية ذلك السبب كبعت و أنكحت والمعاطاة أمراً اعتبار يا مجعولاً من قبل الشارع بمعنى أنَّ الشارع جعل في كمون هذه الأسباب اقتضاء تلك الأمور الاعتبارية لكن تأثيرها في فعلية تلك الحقايق الاعتبارية و تحققها ليس قهرياً حسب فرض أنها ليست أسباباً تكوينية فلابد أن يكون المسبب أيضا مجعولاً من الشارع و إعتباراً منه عند تحقق الأسباب العادية و بهذا البيان يندفع ايراد بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) على هذا القول بأن السبب إذا كان مجعولاً فالمسبب قهرى لا يحتاج إلى جعل عليحدة حيث عرفت أن المراد مجعولية السبيبة بنحو الاقتضاء لا الفعلية، قهرية تحققق المسبب بعد تحققق السبب إنما هو شأن

ص: 233

الأسباب التكوينية لا الجعلية بالمعنى الذى عرفت، وأعجب من ايراده ذلك إختياره جعل المسبب عند تحقق السبب فان المسبب قهرى عند تحقق السبب حسب إعترافه فكيف يعقل جعله بل لو أريد جعل المسبب الخارجي إعتبار أفهو تحصيل للحاصل ولغو ولو أريد جعل الاحكام الشرعية المترتبة على السبب وضعية أم تكليفية فهو غير مربوط بجعل المسبب، ولذا ذهب صاحب الكفابة (قدّس سِرُّه) إلى أنّ المعاملات فيها أحكام. شرعية وضعية وتكليفية جعلت عند تحقق موضوعها الذى هو الملكية العرفية (وبالجملة) لا نقول بلزوم إجتماع المثلين فى الفرض الأول كما في الامضاء على ما تقدم لان إجتماعهما غير مستحيل في الاعتباريات بل في العينيات فقط، لكن حيث عرفت في التمهيد الأول أنَّ المعاملات ليس فيها جعل أصلاً بل الامضاء بمعني عدم الردع و تخلية سبيل المعاملة كى تصير موضوعا للأحكام الشرعية المجعولة وضعية و تكليفية، فجميع ما ذكر من أنحاء تصور المجعول الشرعي في المعاملات سلب بانتقاء الموضوع.

إذا عرفت المقدمتين فالكلام فى أنَّ النهي عن المعاملة على النحوين الأ خيرين يقتضى الفساد أم لافنقول وعليه التكلان إنّ النهي المولوي عن الملكية الاعتبارية المعبر عنها في لسان القوم بالمسبب إن كان مع عدم ترتیب آثارها الخارجية أو الشرعية عليها كاعتبار ملكية الدنيا بأسرها لشخص في مقابل در هم مثلاً فلا يقتضى الفساد، إذ ليس في إعتبار هذه الملكية بما هو أمر إنشائي خفيف المؤنة ملاك للحرمة فلا معنى لتحريم ذلك الاعتبار شرعاً، و لو كان ملاك الحرمة وجود مفسدة في ترتيب الآثار كأكل أحد العوضين في البيع الربوى أو في الميسر فحيث أن ترتيب الآثار إنما هو فعل الشارع ومستند إلي إمضائه المعاملة فلا حاجة إلي تحريم اعتبار الملكية بل يكفى لحصول غرضه عدم إمضاء المعاملة بقصر أدلة الامضاء كأ و فوا بالعقود وأحل اللّه البيع و نحوهما بغيرها، فلو كان المنع عن مثلها بلسان النهى أيضاً فلا محالة للارشاد إلى الفساد كما ذكره صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) بمعني أنه يقيد إطلاق تلك الأدلة بالنسبة إلى متعلق النهى وليس نهيا مولوياً كاشفاً عن المفوضية، فالنهي المولوي عن إعتبار الملكية لو فرض فإنَّما

ص: 234

يدل على الصحة لعدم المنافاة بين مبغوضية إنشاء الملكية بما هو فعل صادر عن المكلف وبين صحة المعاملة بمعنى ترتيب الآثار الشرعية عليها، فمثل هذه المعاملة يكون كالبيع وقت النداء في أنه محرم وصحيح.

(فما ذكره) بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) من دلالة النهى المولوى عن المسبب على الفساد (في غير محله) و لأجل ذلك ذكر لصحة المعاملة شرائط ثلاثة أحدها، الرخصة المالكية وهذا هو المربوط بالمقام وإلا فلها شرائط أخر غيرها مذكورة في محله، و كيف كان فقد مثل للنهي عن المسبب بأمثلة ثلاثة منها الاجارة على الواجبات المجانية كالصلاة فان أخذ العوض عليها حرام يوجب فساد المعاملة و منها بيع منذور الصدقة كالشاة المنذور ذبحها لوعوفى ولده مثلا ف_و جوب الوفاء بالنذر يوجب حرمة بيعها المستلزمة للفساد و منها ما أشترط عدم بيعه في ضمن عقد لازم فان إنتفاء الرخصة المالكية في هذه الثلاثة يوجب فساد المعاملة، و فى جميع ما ذكره ما لا يخفى أما الاول فلان مجانية الواجبات أوّل الكلام بل حققنا في مبحث الاجارة إطلاق أدلة الواجبات من جهة المجانية و عدمها وصحة أخذ الاجرة عليها مع أن حرمة أخذ الاجرة على ما يفعله المكلف كالصلاة غير مربوطة بما نحن بصدده من إنشاء المعاملات بما هو أمر إعتبارى و إستلزامها فساد المعاملة، وأما الثانى فلان النذر لو كان بنحو يخرج المنذور عن ملكه قهراً كما لوقال إن عوفي ولدى فهذه الشاة للسادة فحصول الملكية للمنذور له لدى تحقق المعلق عليه قهرى کالارث والوصية فحرمة البيع سلب بانتفاء الموضوع، وبيعها قبل تحقق المعلق عليه إنما يحرم لوقلنا بكونه حنثاً من جهة التعليق علي أمر غير إختياري محتمل التحقق لكنه محل إشكال كما تقرر فى محله فانه لايزيد عن حلول الحلول في الزكوة حيث يجوز بيع الزكوى قبله لانه إعدام للموضوع فكذلك في المقام من غير فساد البيع أمّا لو كان بنحو إختيارى بأن يقال لو عوفي ولدى أذبح هذه الشاة كما هو ظاهر كلامه فالنذر إنما يوجب الذبح عليه لاجل الوفاء بالنذر و هذا لا يمنع عن صحة البيع غاية الامرارتكب الحرام بالحنث، وأما الثالث فلان الالتزام بعدم البيع في ضمن عقد لازم لا يستلزم فساده غاية الامر حدوث خيار تخلف الشرط للبائع الأول فالا مثلة الثلاثة لاير تبط شيئى منها بما نحن بصدده من أنَّ إنشاء الملكية بما هو أمر

ص: 235

إعتبارى حرام تكليفاً.

ثم إنه ربما يستدل لدلالة النهي عن المعاملة علي الفسادباً خبار مستفيضة وردت في نكاح العبد بغير اذن سيده معللاً صحة ذلك النكاح في بعضها بأنه لم يعص اللّه وإنما عصى سيده : بدعوى أنها تدل بالمفهوم على أن معصية اللّه توجب فساد المعاملة كالنكاح، و أجاب عنه الوحيد البهبهانی (قدّس سِرُّه) و من تبعه من تلامذته كالمحقق القمي (قدّس سِرُّه) وغيره بأن العصيان فيها عبارة عن عدم الاذن لا مخالفة النهى المولوى فهى ناظرة إلى الوضع دون التكليف و حيث وقع في كلام المحقق القمى (قدّس سِرُّه) التعبير بأنها علي خلاف مطلوب المستدل أدل، تو هم بعض الاساطين(رَحمهُ اللّه) استدلاله بها لدلالة النهى على الصحة فقال ربما يستدل بها على دلالة النهى عن المعاملة على الصحة، مع أنه ليس في البين من يستدل بها لذلك، وكيف كان فقد قرَّب الشيخ الاعظم الانصاري (قدّس سِرُّه) الاستدلال بها للدلالة على الفساد بأن المراد بالعصيان في هذه الاخبار لا يمكن أن يكون العصيان بالعمل بما هو فعل ضرورة أنه لايوجب الفساد، فلا بد أن يراد به المعصية بالمعاملة في مقام الاستلزام للفساد بأحد وجوه ثلاثة إما بما هى مؤثرة فى الأثر المطلوب أو من جهة تقييد إطلاق صحة المعاملة بصورة إذن الشارع فيها أو من جهة الارشاد إلى الفساد على تأمل في الاول ثم ذكر حاصل جواب الوحيد البهبهانی و من تبعه (قدّس سِرُّهم) عن هذا الاستدلال و رده أولاً بأنه لم يظهر من الأخبار عدم نهى السيد عن ذلك النكاح فلابد من الاخذ بظهور العصيان فى مخالفة النهى و تقييد مورد الاخبار بصورة النهى عن المعاملة بما أنها توجب ترتب الآثار المطلوبة عليها، و ثانياً بأن الاذن الوضعى ليس من شأن المولى الصورى كي يراد بالعصيان عدمه و إنما هوشان المولى الحقيقى، وثالثاً بأن التفكيك في معنى العصيان فى الموردين بجعله في: إنه لم يعص اللّه : عبارة عن مخالفة الاذن التكليفي و في: و إنما عصى سَيّده: عبارة عن مخالفة الاذن الوضعى خلاف الظاهر فقرينة السياق تشهد بارادة مخالفة النهى فى الموردين، هذا حاصل ما أفاده الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) على مافي التقريرات.

ص: 236

و فيه مواضع من الخلل (الاول) أن ما ذكره من وجوه النهي عن المعاملة بعضها لا يوجب الفساد كالنهي عن المعاملة بما هو فعل من أفعال المكلف كما إعترف به (قدّس سِرُّه) و بعضها تأمل في دلالته على الفساد كالنهى عنها بماهي تؤثر أثر أغير مطلوب كسلطنة الكافر على المسلم في بيع عبد مسلم من كافر مع انك عرفت عدم دلالته على الفساد لقصور : ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلاً : و : الاسلام يعلو ولا يعلى عليه : عن إثبات مبغوضية سلطنة الكافر على المسلم و استتباع ذلك فساد البيع وبعضها إرشاد الى الفساد وليس نهياً مولويا كما هو محل النزاع فيخرج عن محل البحث الذى هو دلالة النهى التكليفى عن المعاملة على الفساد و عدمها (الثانى) أن اشكالاته على مقال الوحيد البهبهاني والمحقق القمي (قدّس سِرُّهما) غير وجيهة، إذ يرد على اشكاله الأول أن اطلاق الاخبار كاطلاق الفتاوى حتى منه (قدّس سِرُّه) يشهد بأن المراد مطلق عدم الاذن وضعاً وتكليفاً فالنهي حصة من عدم الاذن الوارد في الاخبار لا أن المراد من عدم الاذن فيها النهي بل صرح في غير موضع منها بأن المراد جهة الوضع كقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) في خبر زرارة: ذاك إلي سيده إن شاء أجازه وإن شاء فرق بينهما : فانه لسان الوضع وكقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) في خبره الآخر في جواب قول السائل تزوج العبد إمرأة بغير إذنه - يعني سيده - فدخل بها ثم اطلع علي ذلك مولاه: ذاك لمولاه إن شاء فرق بينهما وإن شاء أجاز فان اللام في قوله: لمولاه : كالصريح في كون أمر إنفاذه بيد سيده فهو كالصريح في عدم النهى فحمله على النهي بلا موجب بل خلاف فتوى نفسه (قدّس سِرُّه) و كقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الخبر المذكور : إنما أتى شيئاً حلالاً - إلى ان قال - إن ذلك ليس كإتيان ماحرم اللّه عليه من نكاح في عدة واشباهه : فان المراد بالحلال وبما حرم اللّه الحل والحرمة الوضعيان لاسيما بملاحظة التمثيل بالنكاح فى العدة الذى ليس فساده إلا من جهة عدم الاذن الوضعى من الشارع فيه ومع إقحام كلمة وأشباهه الظاهر في كل ما كان فأقداً للاذن الوضعي، وكقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) في صحيح منصور بن حازم ما أزعم أنه حرام قل له أن لا يفعل إلاباذن مولاه : فانه كالصريح في شرطية الاذن وضعًا، ويرد على إشكاله الثالى أن المراد بالاذن الوضعي من السيد ليس كون أمير الوضع بيده

ص: 237

وإلا لجرى عين هذا الاشكال بالنسبة إلى إذنه التكليفى لأن أمر التكليف ليس بيده بل المراد أن الشارع تعالى جعل أمر إنفاذ معاملة العبد بيد سيده وجعل إذنه شرطاً في صحتها كما تشهد به الفقرات المذكورة من الأخبار آنفاً و حاصلها إلغاء سلطنة العبد في وعاء التشريع حتي بالنسبة إلى إعتباراته كما فسر قوله تعالى : لا يقدر علي شيئي بنظير ذلك، ويرد على إشكاله الثالث أن العصيان معناه الخروج عن السير في مجرى العبودية وهذا معنى جامع له مراتب متعددة مختلفة شدة وضعفاً يشمل ترك الأولي أيضا كما يشهد به تطبيق العصيان والغواية والاضلال على ترك الأولي في مورد آدم عليه السّلام في الكتاب العزيز : وعصى آدم ربَّه فغوى: فاضلّهما الشيطان: وعليه فالعصيان في الاخبار المذكورة قد استعمل في كلا مورديه بالنسبة إلى اللّه تعالي وإلى السيد في معناه الحقيقي بملاحظة بعض مراتبه الذي هو عدم الاذن وضعا فلا تفكيك في البين اصلاً.

ثم إن بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) قال في تقريب الاستدلال بالروايات ما حاصله أن العصيان فيها هو التكليفى لكنه في النهى الآلهي موجود حدوثاً و بقاءاً وفي نهى المخلوق موجود حدوثاً و يرتفع بقاءاً بمعنى أن النكاح بغير إذن السيد فاسد مالم يمضه السيد فاذا أجازه يصير صحيحاً (وفيه) أن حمل العصيان على التكليفى خلاف ظاهر الروايات كما عرفت و أن الفرق بين نهيه تعالى مع نهى السيد مجرد اقتراح و مصادرة إذ نهيه تعالى عن المعاملة أيضاً إذا كان لاجل التعنون بايذاء المؤمن مثلاً فبمجرد إرتفاع هذا العنوان عنها يرتفع النهى بقاءاً وتصير صحيحة فلا فرق أصلاً.

ثم إن هذا القائل له إبتكار فى المقام هو التصدى لبيان أن النهى التشريعي المتعلق بالمعاملة أو العبادة هل يوجب الفساد أم لا فالتزم بالعدم في المتعلق بالمعاملة و أن فسادها في مورد الشك في الامضاء شرعاً و عدمه إنما هو مقتضى أصالة عدم الأثر لا النهى النشريعي والتزم بالدلالة علي الفساد في المتعلق بالعبادة، وقد أوضح ذلك بتمهيد مقدمة هي أن الاحكام الشرعية متعلقاتها ذوات الافعال بلا دخل للعلم و الجهل فيها بخلاف الاحكام العقلية فهى إنما تثبت للعناوين بما هي معلومة فالعلم وخيل في متعلقاتها موضوعاً و ذلك لان الاحكام الشرعية ثابتة في نفس الافعال بما

ص: 238

هي أمّا حكم العقل بالحسن و القبح فمعناه إدراكه إستحقاق الفاعل المدح والثواب و هذا فرع صدور الفعل عن قصد والتفات إذ الفعل بدونه ليس مورد حكم العقل قطعاً، ثم إن حكم العقل مع الجهل أو العلم بالحكم الشرعي قد يكون بملاك واحد كحكمه بقيح التشريع لانه تصرف في سلطان المولي وهذا الملاك موجود فى صورتي العلم بعدم ذلك الحكم و الشك فيه ولعل قبح الكذب من هذا القبيل، وقد يكون بملاكين كحكمه بقبح الاتيان بفعل فيه الهلاك لانه في صورة إحراز وجود الهلاك في ذلك الفعل يكون بملاك واقعي وفي صورة عدم إحرازه يكون بملاك طريقي و الثمرة بين القسمين عدم جريان الاصل في الاول لان الحكم محرز بالوجدان فلا حاجة إلى التمسك بالاصل و جريانه فى الثانى لان إستصحاب وجود الضرر أو عدمه محرز للواقع مؤمن فلا مجال معه للحكم العقلى الطريقي، إذا عرفت ذلك فما يكون قبيحاً عقلاً حرام شرعاً بمقتضى الملازمة بين حكمى العقل والشرع فالتشريع القبيح عقلاً حرام شرعًا موجب لفساد العبادة، فان قلت مع إستقلال العقل بالحكم يكون حكم الشرع إرشادياً كما في وجوب الاطاعة لامولوياً حتى يوجب الفساد قلت ذلك إنَّما هو فى الاحكام المنجعلة لا مطلقاً فان المدار في إرشادية حكم الشرع ليس علي مجرد إستقلال العقل بالحكم كما في قبح الظلم و حسن العدل بل على كون الحكم منجعلاً تكويناً وثابتاً بالذات نظير حسن الاطاعة ففى مثله يكون حكم الشرع إرشاديا، إذ لو كان مولوياً فحيث يحتاج إطاعة ذلك الحكم أيضاً إلى حكم آخر كذلك فان رجع إلى الأوّل دار و إلّا تسلسل، فان قلت لو سلَّمنا حرمة التشريع شرعًا لكن القبيح عقلاً هو التشريع الذي هو فعل قلبي لا الفعل الخارجى الذى هو مصبّ الحرمة الشرعية فاختلف مصبا الحكمين قلت التشريع عبارة عن الفعل الخارجي الذي هو فى طول الفعل القلبي فالفعل القلبي جهة تعليلية للتشريع و ليس نفسه، فان قلت حرمة الفعل الخارجي تشريعا لا تنافى رجحانه النفسي شرعًا فلا توجب فساد العبادة قلت نعم لكنها توجب القبح الفاعلي الذي عرفت في محله كون خلو الفعل عنه شرطاً في عباديته، هذا حاصل كلامه.

ص: 239

و فيه مواضع للنظر (منها) الفرق بين متعلقات الاحكام الشرعية مع العقلية بعدم دخل العلم أو الجهل في الاولى دون الثانية، ضرورة فساد كلا الامرين وعدم كلية شيئى من الكبريين أما الأولي فلان جهل المكلف بالواقع و شكه فيه دخيل في متعلقات الاحكام الشرعية فى جملة من الموارد كاصل البرائة وأصالتي الحل و الطهارة وعلمه به دخيل فيها في بعض الموارد كالطهارة الخبثية فانها شرط في صحة الصلاة مع العلم بالنجاسة لامع الجهل بها، و أما الثانية فلان العلم غير دخيل في حكم العقل بقبح التشريع ضرورة عموم حكمه لصورة الجهل بالحكم الشرعى كما صرح به هو أيضاً فى بيان النهى التشريعي عن العبادة (و منها) الفرق بين القسمين فى جريان الاصل في الثاني الذى يكون حكم العقل مع العلم والجهل بملاكين واقعی و طريقي و عدم جريانه فى الأول الذى يكون حكم العقل معهما بملاك واحد كحكمه بقبح التشريع، ضرورة عدم الأثر للاصل في الاول لان حرمة التشريع ليست من آثار أصالة عدم المشروعية لاعدم الجريان لاجل لغوية التعبد بأثر محرز بالوجدان كما زعمه، فان قيل إنَّ التشريع له حكم شرعى هو أثر الاصل قلنا فلا ريب ان قوله تعالى اللّه أذن لكم أم على اللّه تفترون كاف في إثبات ذلك الحكم و معه لامجال للاصل، كما لا يجرى إستصحاب الضرر أو عدمه فى الثاني لانه لغو بعد إحراز الموضوع بالوجدان من جهة حكم العقل فيه بالقبح وكونه من موارد الملازمة بين حكمى العقل والشرع كما إعترف به بعد ذلك فلا حكومة للاستصحاب على حكم العقل لاجل نظر الأول إلى الواقع وطريقية الثاني (و بالجملة) فان أمكن صدور حكم يوافق حكم العقل عن الشارع بما هو شارع بأن كان المورد من موارد الملازمة فليكن كذلك في القسمين ولامجرى للاصل فيهما معاً وإلا فكذلك و يجرى الاصل فيهما معاً فالتفكيك غير سديد (و منها) عدم كفاية استقلال العقل بحكم في إرشادية حكم الشرع فيه و إختصاص ذلك بالمتجعلات التكوينية و تطبيقها علي قبح العصيان و حسن الطاعة، ضرورة أن العقل له أحكام عملية تبتنى على حفظ النظام كقبح الظلم وحسن العدل وأحكام نظرية لا تبتني على ذلك كالواحد

ص: 240

نصف الاثينن فما استقل به العقل في الاولى كان حكم الشارع في مورده ارشادياً لامحالة وليس لكون الحكم منجعلاً تكويناً معنى محصل، أماً قبح العصيان و حسن الطاعة فهما داخلان تحت كبرى قبح الظلم و كبرى حسن العدل اللتين هما من المستقلات العقلية فان العصيان ظلم في عالم العبودية والطاعة عدل فيه فالتفكيك بلاوجه (ومنها) كون الفعل القلبى جهة تعليلية لصدق عنوان التشريع على الفعل الخارجي ضرورة أن الوجدان أقوى شاهد على كون الفعل القلبى روح التشريع وكون الفعل الخارجى مبرزاله قضاء الامتناع تحققه و بروزه بنفسه في الخارج، كما هو الشأن في كلية العناوين القصدية كالتعظيم والعبادة إذروحها القصد بمعني فعل النفس لا بمعنى الصورة المرتسمة فيها و الفعل الخارجى مبرز لذلك بحيث لو أمكن بروزه بنفسه بالا شراق و نحوه لكان بنفسه يتعنون بهذا العنوان فالعنوان منطبق على مجموع الفعلين، القلبى و الخارجي و كل منهما جهة تقييدية له على ما فصلناه في محله (ومنها) مانعية القبح الفاعلى عن تحقق العبادة بعد تسليم أن التشريع لا يستلزم القبح الفعلى، ضرورة أن مع ذاك التسليم لامجال للالتزام بفساد العبادة لان القبح الفاعلى لايخل بتحقق العبادة أصلاً كما أسلفناه في مبحث التعبدي والتوصلى.

ثم إنه حكى عن أبي حنيفة والشيباني القول بدلالة النهي عن الشيئي على صحته و الظاهر من كلامهما إرادة الاعم من النهى المتعلق بالعبادة أو المعاملة و إستدلالهما لذلك مجمل وإن كان ربما يظهر منه أنَّ عمدة الدليل لديهما الاجماع على الصحة مع وجود النهى أيضاً، و كيف كان فالحق أنه فى المعاملات إذا تعلق بالسبب الذى مثلواله بالبيع وقت النداء لا يقتضى شيئاً من الصحة و الفساد كما تقدم تحقيقه، و اذا تعلق بالمسبب أو التسبب بالسبب الذي أسلفنا صحة تصوره فحيث لم يظهر من شيئى من الادلة مبغوضية متعلق مثل هذا النهي في نفسه مع قطع النظر عن ترتب الآثار الشرعية للمعاملة فالمبغوضية بحسب ظاهر الادلة تكون لامحالة بلحاظ الآثار الشرعية فيكشف النهي عن الصحة، إذ مالم تكن المعاملة مؤثرة في تلك الآثار بأن كانت ممضاة لدى الشارع لا تكون مقدورة للمكلف

ص: 241

وما لم تكن مقدورة لا يصح الزجر عنها، فما ذكره بعض المحققين (قدّس سِرُّه) في تعليقته على الكفاية من الاشكال في الدلالة على الصحة في جميع التقادير في غير محله بل ماذكره أولاً في تقريب الدلالة على الصحة من أنَّ المعاملة الحقيقية لا وجودلها الاصحيحة متين في الغاية، و تمام السرفيه ما أشرنا إليه من أنه لم يدل شيئى من الادلة على مبغوضية المعاملة بنفسها مع قطع النظر عن ترتب الآثار الشرعية أما العبادات فحيث عرفت مراراً أنّ للعبادة حقيقة واحدة مجعولة و لا معنى لتقسيمها إلى ذاتية وغيرها نعم كون شيئى مصداقاً لها موقوف على الامر لان المصاديق مجعولة بلادخل للأمر في قوام العبادة ضرورة كفاية ربط مّا للفعل إليه تعالي ف_ى العبادية و قصد الامر أحد محققات العبادة فهى مع عدم الامر كمورد تعلق النهى بها فاسدة.

المقصد الثالث فى المفاهيم و قبل الخوض فى تحقيق المقام لا بد من تمهيد أمور (الأول) أن عنوانى المنطوق و المفهوم هل هما من صفات المدلول أو الدلالة كما ذهب إلى كل جماعة بعد إتفاق الكل على عدم كونهما من صفات الدال لانه ينطق به ولا يفهم من شيء إختار أولهما المشهور وثانيهما الشهيد الثاني (قدّس سِرُّه) وغيره لكن لما كان تطبيقهما على كل واحد من المدلول والدلالة محتاجاً إلى إعمال العناية إذ المدلول أيضاً يفهم من الشيء ولا ينطق به عكس الدال ولا مرجح لاعمال تلك العناية في جانب المدلول بأن يقال جهة الانكشاف تارة بنحو المنطوق وأخرى بنحو المفهوم ولافي جانب الدلالة بأن يقال حيث الكاشفية تارة بنحو المنطوق و أخرى بنحو المفهوم فلا تعين لشيء من الاحتمالين بل يصح جعل كل من المدلول و الدلالة مقسماً للمنطوق والمفهوم وإن كان جعله المدلول أقرب لان العناية الملحوظة فيه أقل ولذاقال صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) إنهما بصفات المدلول أشبه، وكيف كان فلا وقع للطعن على من جعلهما من أوصاف الدلالة ونسبة ذلك إلى السخافة كما صدر عن بعض (الثاني) أن المفهوم هل هو منحصر في الدلالات الثلاث أم خارج عنها ذهب إلى كل فريق فاختار المشهور أنه من الالتزامي لا مطلقاً بل سنخ التزام خاص هو كونه بمعونة التبادر أو مقدمات الحكمة أو الملازمة العقلية وذهب بعض العامة إلى خروجه

ص: 242

عن تلك الدلالات بدعوى أن المطابقى والتضمني من المنطوق بلاريب والالتزامي يستتبع التحقق القهري في الذهن إما بمجرد تصور اللازم والملزوم كما في البين بالمعنى الاخص أو مع ضمّ تصور النسبة بينهما كما في البين بالمعنى الاعم وليس كذلك المفهوم إذلا ينسبق إلى الذهن بعد إنسباق المنطوق بأحد النحوين بل لابد فيه من إثبات اللزوم بينهما من الخارج وإن كان الحق مع المشهور في كونه من الالتزامي على النحو المزبور ولذا اعتذر لجماعة من المتأخرين كالسيد الفشاركي (قدّس سِرُّه) وثلة من تلامذته القائلين بأنه هل يكون هناك مفهوم حتى يكون حجة أم لاحتي تكون الحجية سالبة بانتفاء الموضوع بأن المراد أن الجملة الشرطية مثلاً علاوة عن سائر مدلولاته الالتزامية هل يكون له هذا النحو من الالتزام أى المفهوم أم لا، وقد يقال بأنه من. التضمنى (وبالجملة) فتارة براد بيان ما هو المختار لدى الشخص في المقام وهذاشى سيأتي الكلام فيه وأخرى يراد تحرير محل النزاع بين الاصوليين من الخاصة والعامة وهذا لابد فيه من تتبع كلماتهم وقد عرفت وجود أقوال ثلاثة فيهم فحصره في خصوص واحد في المقام في غير محله، بل ربمايوهم كلام بعضهم كعميد الدين في شرح التهذيب إختيار غير واحد من الاقوال حيث إستدل للمفهوم (تارة) بالتبادر مستشهداً بماورد من منازعة أحد الصحابة مع عمر فى أخذ المفهوم من : إن خفتم: في قوله تعالى : ولا جناح عليكم أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا، حيث استظهر منه الصحابي عدم جواز القصر في الصلاة للمسافر مع عدم ذلك الخوف فتخاصما إلى النبى (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بذلك، وبما ورد من أخذ المفهوم من قولهم (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لَيُّ الواحد يُحِلُّ عقوبته وعرضه: حيث فهم منه الصحابي أنّ لَى غير الواجد لا يحل عقوبته وعرضه، فلولا حجية مفهومی الشرط والوصف لم يكن للانسباق المذكور في الموردين وجه (وأخرى) بمقدمات الحكمة وأن إقحام القيد في الكلام شرطاً أم وصفاً أم غيرهما مع كون المتكلم في مقام البيان لا بد أن يكون لدخل خصوصية في موضوع حكمه، حكمه، ومرجع هذا الوجه إلى الاطلاق المقامي المعروف فى ألسنة المتأخرين الاصوليين (وثالثة) بالملازمة العقلية بين المنطوق والمفهوم ، لكن يمكن الجمع بين الوجوه الثلاثة بارجاعها إلى قول

ص: 243

المشهور ببيان أن الملازمة العقلية قد تكون فى الوضوح بمثابة توجب اللزوم القهرى عرفاً فتكون منشاءاً للاطلاق المقامى الذى حقيقته عبارة عن بناء أهل المحاورة على عدم أخذ قيد فى الكلام في مقام البيان مالم يكن لخصوصية ذلك القيد دخل في موضوع الحكم المذكور في ذلك الكلام، ولذا نقول بأن الاطلاق المقامي أصل لفظى عرفي لا حكم عقلى فالاطلاق المقامى منشأ للتبادر وإنسباق المفهوم من ذلك القيد إلي الذهن فالمفهوم مدلول التزامى لفظى ومما ذكرنا ظهر صحة إستدلال العلامة (قدّس سِرُّه) في المقام بأدلة متعددة.

(الثالث) أن ربط شيء بشيء كما هو مفاد أدوات الشرط يمكن أن يكون بنحو الاتفاق كما في : كلما كان الانسان ناطقاً فالحمار ناهق ولو لمجرد التقارن الزماني نظیر : اذا طلعت الشمس فأنا أركب : أو المكانى إذ الوعاء جامع بينهما وإن إختلفا بتمام الجهات غير هذه الجهة ويمكن أن يكون بنحو اللزوم والعلية سواء كان المقدم علة للتالي كما في: العصير إذاغلا يحرم أو بالعكس كما في إذا نزل الثلج فقد جاء _ الشتاء أو كانا معلولين لعلة ثالثة كما في : إذا حرم العصير ينجس إذا لحرمة والنجاسة معلولان للغليان ويمكن أن يكون بنحو الملازمة العقلية كما في : إذا وجب فعل وجبت مقدماته الوجودية : هذا بحسب الثبوت أما بحسب الاثبات فلايمكن دعوى وضع تلك الأدوات لغة أو عرفاً لخصوص واحدٍ من الأنحاء الثلاثة ضرورة أنها تستعمل في الجميع لدى العرف بنحو الحقيقة بلا إعمال عناية، فدعوى الوضع مجازفة كدعوى تبادر واحدمنها بالخصوص من إطلاقها لدى العرف لما نرى من أنه لا ينسبق إلى ذهن العرف من إطلاقها أزيد من مطلق الربط الشامل للتقارن الوعائى وأن تعيين أحد الانحاء محتاج إلى قرينة داخلية أو خارجية ومته علم فساد دعوى الملازمة العقلية بين المقدم والتالي فائبات المفهوم لأدوات الشرط بالبرهان العقلي أى الملازمة العقلية موهون في الغاية.

(الرابع) في تعريف المنطوق و المفهوم وقد عرفهما المشهور بأن المنطوق ما دل عليه للفظ فى محل النطق والمفهوم ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق بأن يكون الظرف متعلقاً بدّل فالمعنى أن المنطوق هو مدلول اللفظ الذي نطق به والمفهوم

ص: 244

هو مدلوله الذى لم ينطق به، وقد انتقض فيه بنقوض كثيرة واستشكل فيه بوجوه عديدة منها النقض بدلالة الاقتضاء كما في اسئل القرية وأعتق عبدك عنى إذدلالتهما على السؤال عن أهل القرية وتمليك العبد قبل العتق إنما هي بالمنطوق مع عدم كونهما في محل النطق، ولذا عرفهما العضدى بأن المنطوق حكم للمذكور والمفهوم حكم لغير المذكور ولما وقع النقض والابرام فيه طرداً وعكسأعرفهما بعضهم كالأخوين صاحبي الحاشية والفصول (قدّس سِرُّهما) بتعريفات مفصلة وعرفهما صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) بالحكم المذكور والحكم الغير المذكور لكنه ينتقض بأقل الحمل حيث عدوه من المنطوق مع أنه حكم غير مذكور، فالحق كما اعتذر به صاحبا الفصول والكفاية (قدّس سِرُّهما) أن هذه التعريفات من قبيل شرح الاسم بمعنى أنها بصدد تعريف حقيقة الشيء يذكر بعض لوازمه للاشارة إلى تلك الحقيقة ولذاقيد في الفصول شرح الاسم بالتقريبى (فاستشكال) بعض المحققين (قدّس سِرُّه) فى تعليقته على الكفاية في التعبير بشرح الاسم بأن شأن ماء الشارحة إنما هو تفسير لفظ بلفظ آخر أعرف نظير : سعدانة : ثبت: وليس من هذا القبيل تلك التعريفات (في غير محله) ضرورة أنَّماءَ الشارحة ليست فيها جهة. الاشارة بخلاف شرح الاسم التقريبي بالمعنى الذى عرفت فان جهة الاشارة كامنة فيه فالتعبير به في غاية المتانة.

ثم إنَّ بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) قسم المدلول سواء استفيد من الالفاظ المفردة أو الجمل التركيبية إلى ما يستند إلي وضع نفس اللفظ له وسماه دلالة مطابقية وإلى ما يستند إلي الاستلزام من المعنى الموضوع له اللفظ وسماه دلالة التزامية مع إنكار - الدلالة التضمنية رأساً، ثم قسم الدلالة الالتزامية إلى لفظية هي ما كان اللزوم فيها بنحو البين بالمعني الاخص بأن لاتحتاج في الدلالة إلى مقدمة خارجية عقلية كالضوء و - الشمس أو العمى والبصر، وعقلية هي ما كان اللزوم فيها بنحو البين بالمعني الاعم بأن تحتاج في الدلالة إلى مقدمة خارجية عقلية كوجوب المقدمة وحرمة الضد، ثم جعل الالتزامية بنحو البين بالمعنى الاخص فى الجمل التركيبية دلالة لفظية هي المفهوم و بنحو البين بالمعنى الاعم فيها دلالة عقلية سياقية هي دلالة الاقتضاء والتنبيه والاشارة و نحوها (وبالجملة) فقد أنكر الدلالة التضمنية أوّلاً وأخرج البين بالمعنى الاعم عن

ص: 245

صف الدلالات اللفظية ثانياً مع جعل مناط الخروج هو الاحتياج إلى مقدمة خارجية عقلية، وحصر الدلالة الالتزامية للجمل التركيبية في المفهوم ثالثاً وأخرج دلالة الاقتضاء والاشارة ونحوهما عن صف الدلالات اللفظية مع جعلها من البين بالمعنى الاعم لتلك الجمل رابعاً، وهذه كلها دعاوى باطلة و تفصيلها بتحقيق حال الدلالات وإن كان موكولاً إلى محله لكن لابأس بالاشارة الاجمالية إليه.

فنقول إتفق أرباب الميزان والبيان على تقسيم الدلالات إلى مطابقية وتضمنية وإلتزامية ومرادهم علي ماصر حوابه من المطابقية ما وضع له اللفظ لدى أهل اللغة، و من التضمنية جزء ذلك المعنى إذا كان لدى الوضع مركباً بالطبع كلفظ الصلاة بالنسبة إلى اجزائها بناء أعلى وضعه لنفس الأجزاء لا للعنوان المنتزع عنها، أو لفظ الدار بالنسبة إلى أجزائها بناء أعلى عدم وضعه للهيئة الحاصلة من تشبك الأجزاء(وبالجملة) فالمعنى التضمنى هو الجزء التأليفى من المعنى المركب بالطبع الموضوع له اللفظ لا الجزء التحليلي عقلاً من المعنى المنتزع عن المعنى الموضوع له اللفظ كالحيوان أو الناطق بالنسبة إلى الانسان لان هذا اللفظ إنما وضع لما يقابل الغنم مثلا وهذا المعنى بسيط لاجزء له حتى يكون له مدلول تضمنى وما ينتزع عن هذا المعني وينقسم لدى التحليل العقلى إلى جزئين، حيوان و ناطق، ليس مما وضع له لفظ الانسان أصلاً، حتى يكون جزئه معناه التضمنى ومن الالتزامية الخارج عن ما وضع اللفظ اللازم له ذهناً لأجل الملازمة بينهما قبل الوضع خارجاً وناهيك عن ذلك تصريح أهل الميزان والبيان بأن دلالة اللفظ علي تمام ما وضع له مطابقة وعلى جزئه تضمن وعلى الخارج إلتزام: فما تقدم عن بعض الاساطين من إنكار الدلالة التضمنية خلاف تصريح أهل الميزان والبيان بل اتفاقهم وخلاف الوجدان نشأ عن اشتباه مصداق بمصداق آخر، وحيث أن الاجزاء عين الكل والكل ليس إلا عبارة عن نفس الأجزاء فالمدلول التضمنى بمعناه الذى عرفت ليس فى طول المدلول المطابقى من حيث الانفهام من اللفظ، ثم إنهم صرحوا بتقسيم الالتزامية إلي البين و غيره وفسروا الاول بما يكون فيه اللزوم بين المعنيين واضحاً غير محتاج الي الاثبات بالبرهان ومرادهم هو اللزوم الذهنى دون الخارجي أعنى إنسباق لازم المعنى الموضوع له كالضوء إلى الذهن يتبع إنسباق ذلك

ص: 246

المعني كالشمس عند استعمال اللفظ فيه، إذا اللفظ لم يوضع لذلك المعنى اللازم أبداً بل لنفس المعنى الملزوم وحيث أن هذا المعنى له لازم طبعي فاللفظ الموضوع له يدل على لازمه بالالتزام لدى إستعماله فيه بمعنى الانسباق الذهني للملتفت إلي اللزوم، فان كان اللزوم بنحو يكفى مجرد تصور المعنى الملزوم للانتقال إلى اللازم كما في الشمس بالنسبة الي الضوء أو العمى بالنسبة إلى البصر يسمّى عندهم بالبين بالمعنى الأخص وإن توقف الانتقال إليه على تصور الحاشيتين مع النسبة بينهما يسمى عندهم بالبين بالمعنى الاعم، وفسروا الثاني أعنى غير البين بما يكون اللزوم فيه غير واضح محتاجاً إلى الاثبات بالبرهان بمعنی تشکیل قياس صغراه مدلول هذا اللفظ و كبراه برهان عقلي خارجي يكون نتيجة تطبيق تلك الكبرى على ذلك الصغرى، ثبوت هذا المعنى الالتزامي الغير البين، كوجوب المقدمة فان ثبوته نتيجة ضم وجوب ذى المقدمة الذى هو مدلول الامر إلى كبرى إستتباع التلازم بين الوجودين المتلازم بين الوجوبين.

ثم إن اهل الميزان عدا الميرسيد شريف وأهل البيان طراً صرحوا بأن البين بالمعنى الأخص من الدلالات اللفظية وإتفق أهل البيان كالاصوليين علي أن البين بالاعم أيضاً منها فتصريح أهل الادب بالمعنى الاعم الشامل للاصوليين قاض بأن - الالتزامى بقسميه من الدلالة اللفظية وقد صرّح بعضهم من أهل الفلسفة وغيرهم بأن التبين في الالتزامي البين حتى بالمعنى الاخص محتاج إلى توسيط غير اللفظ من أمرٍ مّا خارجى لم يكن ببرهان، فقال ابن سينا : ان التبين فيه إنما هو باشتراك من العقل وقال الفخر الرازي : ان الدلالة الالتزامية تطفلية : ثم إنهم صرحوا بأن دلالة الاقتضاء والاشارة والتنبيه من الدلالة اللفظية أى البين بالمعنى الاعم من الالتزامية غاية الامر قديكون الاقتضاء عقلياً كما في اسئل القرية فامتناع توجيه السؤال نحو الجماد عقلا يكشف عن المراد و يقتضى كون المسئول عنه اهل القرية ولذا عده بعضهم من المجاز بالاضمار بمعنى تقدير أهل فى الكلام، وقديكون شرعياً كما في أعتق عبدك عنى : إذ بالالتفات إلى كبرى : لاعتق الافى ملك : من الشارع يقتضى كون المراد : ملکه ایای فقرينة العقل أو الشرع تكشف عن الدلالة الالتزامية لللفظ، فالمتحصل مماذكره اهل الادب في الدلالات الالتزامية أن اللفظ ان كان اعداداً وتمهيداً للوصول الى المراد

ص: 247

بضميمة برهان عقلى خارجي كما في وجوب المقدمة وحرمة الضد فالدلالة عقلية و إن كان كاشفاً عن المراد بمعونة أمر ماغير البرهان فالدلالة لفظية كما في البين بالمعنى الاخص والاعم ودلالة الاقتضاء والاشارة ونحوها من الدلالات الالتزامية، فما تقدم عن بعض الاساطين من إخراج البين بالمعني الاعم وكذا دلالة الاقتضاء والتنبيه و الاشارة عن صف الدلالات اللفظية فاسد.

ثم إنه ما المراد من كون هذه الدلالات سياقية فانه لو أريد دلالة الجملة عليها باعتبار تركيب بعض مفرداتها مع بعض فهذه بعينها دلالة لفظية فكيف يقيد بها الدلالة العقلية ولو أريدكون الجملة إعدادية للوصول إلى المقدمة العقلية التي هي جهة الكشف والدلالة فلا معنى لاسناد الدلالة إلى السياق، فبين جعل هذه دلالات عقلية مع توصيفها بالسياقية تهافت ثم لو سلم إختصاص الالتزامي اللفظى بالبين بالمعنى الأخص فمناطه ليس ماتوهم من إحتياج البين بالمعنى الاعم إلى مقدمة عقلية خارجية لما عرفت من عدم إحتياجه إلى ذلك وأن المحتاج إليها انّما هو غير البين، فمنشأتوهم الخروج إن كان هو الاحتياج إلى توسيط أمر ما غير اللفظ فقد عرفت الاحتياج إليه في البين بالمعني الاخص أيضاً بتصريح أهل الفلسفة والميزان وأن اللفظ لم يوضع أبدأ بازاء لازم المعني ولا بازاء استلزام المعنى الموضوع له لذلك اللازم بل بازاء نفس المعني، وإن كان هذا المقدار من التوسيط مالم يكن الوسيط برهاناً عقلياً لا يضرّ بكون الدلالة لفظية فقد عرفت عدم وساطة برهان عقلى فى البين بالمعنى الاعم، ثم ان حصر الدلالة الالتزامية للجمل التركيبية فى المفهوم الاصطلاحي كما تقدم منه فاسد ضرورة أن المدلول الالتزامي لقولنا : الشمس طالعة: وهو وجود النهار، ليس بمفهوم أصلا ًمع أن وضوح اللزوم بين معني تلك الجملة وبين هذا اللازم من حيث الانسباق إلي الذهن بتبع إنسباق معنى الجملة ليس بأقل من اللزوم بين العمى مع معانده الذي هو البصر الذي هو من أوضح مصاديق البين بالمعنى الاخص بل لاريب في كون المزوم المزبور أوضح من هذا اللزوم، فالمداليل الالتزامية للجمل التركيبية تعم المفاهيم الاصطلاحية و غيرها، والذى يسهل الامر ماعرفت من أن هذه التعاريف شرح الاسم بالمعني المتقدم وانما تعرضنا لهذه الامور في المقام لمار أبنا من إسحاب القوم إلى بعض مالاينبغي في

ص: 248

تعريف المنطوق والمفهوم .

ومع ذلك كله فلنا أن نعرفهما بما لا ينتقض طرداً ولا عكساً بشيء مما قيل أو يمكن أن يقال : فنقول المنطوق الاصطلاحي قضية اخبارية أو انشائية ملفوظة والمفهوم - الاصطلاحي قضية معقولة اخبارية او انشائية متولدة عن تلك القضية الملفوظة موافقة لها في الموضوع اعنى ماتعلق به الخطاب ويطالب به المكلف مخالفة لها في الكيف أى الايجاب والسلب كما في مفهوم المخالفة، أو بالعكس أى مخالفة لها في الموضوع موافقة لها في الكيف كما في مفهوم الموافقة أما موضوع ذلك الموضوع أى المكلف فهو أبداً متحدفي المنطوق والمفهوم بكلاقسميه فتعريف المفهوم بالمعني الاعم - الشامل لكلاقسميه منفصلة حقيقية ولا يمكن إنتقاضه بشى طرداً أو عكساً، نعم يبقى عليه شيء هو ما قيل من رجوع قيود الحكم إلى الموضوع فمعنى: إن جائك زيد فاكرمه، زيد الجائى أكرمه : لكنك عرفت مرار أفساد هذا التوهم لامكان رجوع القيد إلى الحكم ثبوتاًكما في إنجائك زيد فاكرم عمرواً : إذ لا يمكن أن يقال إنّ عمر واً زيداً الجائى أكرمه وتأخر الحكم عن ذلك القيد في الجملة ظاهر في كونه من علل تشريع الحكم ولا موجب لرفع اليد عن هذا الظهور فتدبر كي تعرف، وبعد التنزل ع_ن _ التعريف المزبور فأحسن التعاريف ماذكره صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) من أن المفهوم حكم إنشائي أو إخبارى تستبعه خصوصية المعنى الذى أريد من اللفظ بتلك الخصوصية ولو بقرينة الحكمة وكان يلزمه لذلك وافقه فى الايجاب والسلب أو خالفه، وحسنه لاخذ نكتة فيه هي كون خصوصية المعنى المراد من اللفظ مستتبعة لذلك الحكم الانشائي أو الاخباري الذى هو المفهوم فان هذه نكتة دقيقة كما سيأتى الاشارة إليه إنشاء اله تعالى ولذاقال بعد ذلك فمفهوم إن جائك زيد فاكرمه مثلا لو قيل به قضية شرطية سالبة بشرطها و جزائها لازمة للقضية الشرطية التي تكون معنى القضية اللفظية، فليته (قدّس سِرُّه) عبر عن المفهوم من أول الامر بهذا التعبير الذي ذكره أخيراً من باب لمثال.

فتلخص مما ذكرناه أن انسباق المعنى إلى الذهن إن كان مستنداً إلى اللفظ ولو بمعونة أمرما خارجى لا يحتاج إلى الجرى كاللزوم في الالتزامي البين أو جريان مقدمات الحكمة أو الانصراف فالدلالة لفظية، لان ذلك الامر الخارجى كائناً ما كان

ص: 249

إنما يوجب كاشفية اللفظ عن ذلك المعنى ولا يكشف بنفسه عنه فلا يكون اللفظ أجنبياً عن الكشف إعداداً للكاشف فقط، أما ان كان مستنداً إلى تطبيق قاعدة عقلية على المورد بعد استعمال اللفظ في معناه بلادخله فى جهة الكشف أصلا كما في الملازمات العقلية كوجوب المقدمة وحرمة الضد مما يكون اللزوم فيها غير بين فالدلالة عقلية لقصور القاعدة عن إقحام الدلالة في اللفظ، فالمسئلة من قبيل ظهور الامر في الوجوب النفسى تكون من مباحث الالفاظ (وبذلك يظهر) عدم إستقامة ماذكره بعض أساطين الفقه دام ظله العالى من أن (ما ذهب) إليه جمع من المتأخرين من أن النزاع صغروى في أنه هل يكون هناك مفهوم حتى يكون حجة أم لا بعد الفراغ عن كبرى حجيته بعد ثبوته (غير صحیح) بل الصحيح ماذهب إليه القدماء من أن النزاع كبروي في أن المفهوم بعد الفراغ عن ثبوته هل يكون حجة أم لا، بدعوى أن جريان مقدمات الحكمة ونحوه لدى التعليق بشرط أو التقييد بوصف لا يرتبط باللفظ ودلالته فهو إنما يكون لاثيات حجية المفهوم بعد وضوح وجوده لان شأن العاقل بما هو عاقل وحكيم أن لا يأخذ خصوصية في كلامه الا إذا كانت دخيلة فى مراده بل تمام العلة له وإلا كان أخذها لغواً، وبهذا البيان أثبت حجية المفهوم الذى عرفه بأنه المدلول الذى يجوز للمتكلم إنكاره بأن يقول ما قلته بخلاف المنطوق فهو المدلول الذى لاسبيل إلى إنكاره فيقول ماقلته (وجه عدم الاستقامة) ما عرفت من أن مجرد إحتياج إنفهام المعني إلى أمر ما خارجى كجريان مقدمات الحكمة لا يخرج، الدلالة عن اللفظية، مادام إستناد الانفهام إلي اللفظ اللفظ عرفاً ولو بمعونة الامر الخارجي، كيف والاخذ بالاطلاق بدلياً أو شمولياً في باب المطلق والمقيد بمعونة مقدمات الحكمة إنما هو أمر مسلم بين القوم حتى عنده مدظله حسب إعترافه بذلك في محله كتسلَّم كون ذلك أصلاً لفظياً محاورياً، مع أن من البديهي إستناد إستفاده ذلك الاطلاق من الكلام إلى تطبيق مقدمات الحكمة عليه لا إلى نفس اللفظ بما هو بحيث لولا جرى تلك المقدمات لم ينعقد للكلام لدي العرف ظهور في الاطلاق أصلا، فجرى مقدمات الحكمة سبب لانعقاد الظهور لنفس اللفظ وثبوت حيث الكاشفية له عرفاً فكذلك بالنسبة إلى مفاد الجملة الشرطية أو الوصفية أو سائر الجمل المفهوم ية، فماذكره في تقريب كبروية النزاع تقرير في الحقيقة لضروریته وأنه هل

ص: 250

يكون لتلك الجمل هذا النحو من المدلول ولو بمعونة جرى مقدمات الحكمة وإستلزام عدم إرادة ذلك المدلول منها اللغوية، أما كبرى حجية ما يستفاد من الكلام الوارد في مقام التفهيم وكونه مرآة لمراد المتكلم فهي مفروغ عنها لدى أهل المحاورة ومما استقر عليه بنائهم بلاحاجة إلى النزاع فيه وتجشم الاستدلال له.

فالحق كما عليه أعاظم محققى المتأخرين أن النزاع في باب المفاهيم صغروى فى أن سنخ الخصوصية المأخوذة في الكلام من التعليق أو التوصيف أو نحوهما، هل تستتبع حكماً إنشائياً أو إخبارباً موافقاً لحكم القضية الملفوظة التي أخذت فيها تلك. الخصوصية أو مخالفاً له ولو كان أخذ تلك الخصوصية فى القضية بمعني دخلها في حكمها بمعونة قرينة خارجية كمقدمات الحكمة حتي يدخل ذلك الحكم الموافق أو المخالف تحت كبرى حجية مفاد الكلام لدى أهل المحاورة، أم لا تستتبعه حتي لا تكون تلك الخصوصية سبباً لتحقق صغرى لكبرى الحجية، أما ماذكره في تعريف المنطوق والمفهوم ففيه أنَّ الكلام ليس فى كون المفهوم مدلولاً صريحاً للجملة كي يقال بامكان إنكاره فيقول المتكلم ماقلته بل هو لدى جميع القائلين به مدلول ظاهری لها فاللفظ ظاهر فيه وكذا في المنطوق ولذا يجوز للمتكلم إنكار تعلق إرادته الجدية بالمنطوق فيقول ما أردته وإن لم يكن له إنكار التلفظ بذلك اللفظ فيقول ماقلته، فالتفكيك بين الارادتين الاستعمالية والجدية في عالم المحاورة أمر متداول متسالم عليه حتى من قبله دام ظله فما أتعب به نفسه المباركة من ارجاع النزاع إلي الكبروى كما كان هو مذهب القدماء في غير محله، فاللازم صرف عنان الكلام إلى بيان ثبوت المفهوم لتلك الجمل وعدمه فى طى فصول.

فصل - في دلالة الجملة الشرطية على المفهوم وعدمها، وليعلم أنّ المنكر لهذا المفهوم مستظهر بانكاره إذله إنكار أحد أمور أربعة بعد تسليمه وجود ربط ما بين الجزاء والشرط فى تلك الجملة (أحدها) كون ذلك الربط بنحو الترتب أى طولية الجزاء عن الشرط بأحد أنحاء الترتب أى الزماني والطبعي والرتبي والعلى بدعوى إمكان كون ربطهما بمجرد التقارن الوعائي زمانياً كان أم مكانيا (ثانيها)كون ذلك الربط على فرض كونه الترتبي بنحو الترتب اللزومي بدعوى إمكان كونه إتفاقيا كما في كثير من القضايا

ص: 251

الشرطية فان استعمال أداة الشرط في الاتفاقيات حقيقى لا يحتاج إلي قرينة، فما فى الكفاية من دعوى إنسباق اللزوم منها قطعاً و جعل منع الدلالة علي اللزوم بدعوى كونها إتفاقية في غاية السقوط، غير سديد (ثالثها) كون الربط الترتبى على فرض كونه اللزومي بنحو اللزوم العلى أى علية الشرط للجزاء بدعوى إمكان العكس أى علية الجزاء للشرط كمافي : إذا نزل الثلج جاء الشتاء وتأويل مثله بعلية العلم بالشرط للعلم بالجزاء لا يدفع الايراد ولا يثبت مدعى مثبت المفهوم بل إمكان كون كليهما معلولين لعلة ثالثة كمافي : العصير إذا حرم ينجس : إذعلتها غليان العصير وإستعمال الجملة في جميع هذه الموارد على نحو الحقيقة بلا حاجة إلى إعمال عناية (رابعها) كون الربط الترتبي اللزومي على فرض كونه العلى بنحو العلية المنحصرة بدعوى إمكان وجود عدل للشرط فى العلية كما في : إذا وجدت النار وجدت الحرارة : ضرورة إنو جاد الحرارة بوجود الشمس أو الكهرباء أو نحوهما، وإذالم يثبت أحد هذه الامور الأربعة لم يثبت المفهوم أصلا فعلى مثبت المفهوم إثبات العلية المنحصرة للجملة الشرطية.

وقد استدل لذلك بوجوه (منها) تبادر اللزوم والترتب بنحو العلية المنحصرة من الجملة الشرطية (وفيه) منع التبادر بعد كثرة إستعمالها بلاعناية في غير المنحصرة كمطلق العلية ومطلق اللزوم ويشهد به صحة جواب المتكلم بعدم إرادة المفهوم من كلامه في مقام الاحتجاجات والمخاصمات لو أريد أخذ المفهوم منها مع أنه لو كان لها مفهوم لما صح ذلك الجواب قطعاً (ومنها) الانصراف بدعوى أن إطلاق الجملة الشرطية ينصرف عرفاً إلى أكمل أفراد العلاقة أى العلاقة اللزومية بنحو العلة المنحصرة (وفيه) أوَّلاً منع سببية مجرد الاكملية لصرف وجهة المطلق إلى خصوص فرد من أفراده الخارجية مالم يكن إستعمال اللفظ فيه بنحو الغلبة وهى فى المقام مفقودة، وثانياً منع كون العلة المنحصرة من أكمل أفراد تلك العلاقة لعدم الفرق بين العلة المنحصرة مع غير المنحصرة الأمن جهة عدم عدلِ خارجى شخصى للاولى بعد إشتراكهما معافى حقيقة العلية أى الرَّشح وتولد المعلول منهما ومن البديهي أنَّ مجرد ذلك لا يوجب _ الاكملية في نظر العرف (ومنها) إطلاق الجملة الشرطية بمقتضى مقدمات الحكمة بتقريب جريان مقدمات الحكمة بأحد أنحاء ثلاثة (الاول) أن الجملة وضعت لمطلق

ص: 252

اللزوم بمقتضى التبادر فمقدمات الحكمة توجب إرادة اللزوم الانحصارى بعد عدم جامع بينه وبين غير الانحصاري حتى يراد من الاطلاق (ويندفع) بمنع الوضع لمطلق اللزوم لمنع التبادر كما تقدم فجريان مقدمات الحكمة سلب بانتفاء الموضوع وعلى فرض الوضع له فمقدمات الحكمة لاتجرى في المعنى الحرفي الذي هو مفاد الشرط بل تجرى في المعنى الاسمى وهو غير موجود في المقام، لكن هذا البيان لايتم على مسلك صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) من إشتراك المعنى الحرفى مع الاسمى في الاستقلال و تفاوتهما في غرض الوضع مضافاً إلى أنّ مصبّ جريان مقدمات الحكمة أخذ الشرط في الجملة وهو معني إسمي لانفس الشرط كى يقال بأن معناه حرفى، وعلى فرض جريانها في المعنى الحرفي أو فى أخذ الشرط الذى هو معنى إسمي فتعيين سنخ اللزوم الانحصارى من بين أنحاء اللزوم محتاج إلى قرينة معينة مفقودة والجامع بين الانحصاري وغيره نفس اللزوم فيمكن إرادته من الاطلاق (الثاني) أن الشرط له إطلاق واوى حيث لم يذكر معه شرط آخر فی مقام بيان ماله الدخل فى ترتب الجزاء فمقدمات الحكمة تقتضى دخله بوحدته في الجزاء وكونه تمام المعلة له (ويندفع) بأنَّ هذا النحو من الاطلاق لو إنعقد للشرط لدلّ على المفهوم لكن حيث أن وجود شرط کذائی نادر التحقق لولم نقل بعدمه خارجاً فلا ينعقد له الاطلاق من هذه الجهة إلا أن يقال بأن ندرة الوجود لا تمنع عن شمول الاطلاق كما أنَّ كثرة الوجود لا توجب الانصراف وإنما توجبه كثرة الاستعمال وهي هنا مفقودة.

(الثالث) أنَّ الشرط له إطلاق أوىٌّ حيث لم يذكر له عدلٌ في مقام بيان علة الجزاء فمقدمات الحكمة تقتضى كونه علة منحصرة للجزاء (ويندفع) بأن نح__و الشرطية و التأثير في الجزاء لاتختلف بوحدة الشرط وتعدده خارجاً إذ كل من الفردين في فرض التعدد يكون حين تحققه تمام العلة لتحقق الجزاء فالشرط المذكور في الجملة الشرطية حال تحققه علة منحصرة للجزاء ولا ينافيه علبة عدله حين تحققه أيضاً للجزاء كذلك فلا إجمال للجملة من جهة بيان الشرطية كي تقتضى مقدمات الحكمة رفعه بسبب الانحصار نعم لو إتفق إنعقاد اطلاق للشرط من هذه الجهة لدلّ على المفهوم لكنه لا يجدي لاثبات کبری مفهوم الشرط كما هو مدعى المثبتين، وهذا بخلاف إطلاق الامر من جهة تعيّن

ص: 253

الوجوب النفسي إذا لواجب النفسى هو الواجب على كل حال بخلاف الغيرى الذى هو واجب على تقدير دون آخر فبيان الغيرى يحتاج إلى مؤنة التقييد بوجوب الغير، فاطلاق الصيغة بمعونة مقدمات الحكمة محمول علي النفسى كما أنه محمول علي الوجوب التعيينى إذ لو لم يكن لبيان خصوصه كان في مقام الاهمال أو الاجمال فمقدمات الحكمة توجب رفع الاجمال بالحمل على التعييني، فقياس إطلاق الشرط باطلاق الامر في جريان مقدمات الحكمة باطل ومع الفارق، إلّا أن يقال بجريان عين هذا البيان بالنسبة إلى عدل الشرط لانحو الشرطية فاطلاق الشرط بمعونة مقدمات الحكمة ينفى العدل التخييرى للشرط وتكشف عن الانحصار.

ولكن التحقيق وجود المفهوم للجملة الشرطية وبيان ذلك يتم بطى مقدمات ثلاث (الأولى) أن الظاهر من تعليق محمول إنشائي على فعل أوشيء تكويني ف__ي كلام غير المجازف كالشارع تعالى كون ذلك الفعل أو الشيء علة غائية لذلك المحمول الانشائي بناءاً علي مذهب العدلية من لزوم كون الاحكام عن مناطات واقعية وقبح جعل أحكام جزافية من العاقل فضلا عن الحكيم تعالي، وهذا وان كان يجرى في المحمولات الاخبارية التكوينية لكن لا كلام لنافى ذلك فعلاً مع صحة إستعمال التعليق فيها في غير اللزومية أى الاتفاقية، وبالجملة فالظاهر من الجملة التعليقية الانشائية كون المعلق عليه علة غائية للمعلق بمعنى وجود مناط ذلك الحكم الانشائي في هذا الشيء التكويني كالغليان فى قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : العصير إذا غلا يحرم : أو مجيى زيدفي قولك : إذا جائك زيد فأكرمه، فالمراد من العلة الغائية فى هذه الأمور الاعتبارية أى الاحكام الانشائية هو الداعى والمحرّك للجاعل نحو إعتبارها بلا لزوم ترتب تلك العلة خارجاً على ذلك الامر الاعتبارى بمعنى تأخرها عنه في الخارج كما في التكوينيات، فان العلة الغائية فيها متقدمة عنها تصوراً وفى مرحلة العلم ومتأخرة عنها وجوداً وفي مرحلة الخارج وذلك التباين أفق الاعتبار مع أفق الخارج، فالامر التكويني الذي صار داعياً الى إنشاء أمر اعتبارى كالغليان بماله من الملاك بالنسبة إلى إنشاء الحرمة أو مجني زيد كذلك بالنسبة إلى إنشاء وجوب الاكرام لتباين وعائيهما لا يمكن أن يتأخر في الوجود عن ذلك الامر الاعتباري، بخلاف التكوينيات فالداعى والمدعو إليه فيها حيث إتّحاد سنخاً و توافقا وعاءاً يتأخر الثاني

ص: 254

عن الأول وجوداً (فظهر) أن مقتضي عدم لغوية التعليق فى الجملة الانشائية التعليقية كون المعلق عليه علة لتشريع المحمول الانشائى فى تلك الجملة بمعنى داعويته له و وجود مناطه فيه فحمله على بيان قيد الموضوع بارجاع القيد إلى المادة دون الهيئة تأويل في ظاهر الجملة من غير دليل، أمّا أنّ مفاد الجملة الشرطية ما هو فقد تقدم مفصلاً في الواجبات المشروطة فراجع.

(الثانية) أنّ الظاهر من وقوع ذلك المحمول الانشائي في التالي وذلك الامر التكوينى فى المقدم ترتب الأول على الثانى وكونه معلولاله لا العكس بأن يكون المحمول الانشائى علة لذلك الامر التكويني، إذمضافاً إلى كونه خلاف الظهور المحاورى لا يعقل تأثير الامر الاعتبارى فى التكوينى وعليته له، ولا كون المقدم و التالى معاً معلولين لعلة ثالثة ضرورة كونه خلاف الظهور المحاورى، فالظاهر من قوله عليه السلام، العصير إذا غلا يحرم أو قولك : إذا جائك زيد فأكرمه : علية الغليان المحرمة والمجيء لوجوب الاكرام بالمعنى الذى عرفت لا العكس (الثالثة) أنّ مقتضي جريان مقدمات الحكمة في تلك الجملة هو الاطلاق من جهتين تفيد إحديهما كون المقدم علة تامة للتالى والأخري كونه علة منحصرة له إذا لظاهر من حال المتكلم لدى أهل المحاورة في مثل هذه الجملة كونه بصدد بيان تمام ما هو العلة لتلك الوظيفة بالمعنى الذي عرفت لا بمعنى العلة الفاعلية فانه غير معقول كما أشرنا إليه، فمقتضى عدم عطف غير ماذكر في المقدم عليه بالواو بأن يقول مثلاً العصير إذاغلا واشتدَّ يحرم أو يقول إن جائك زيد وسلّم عليك فأكرمه كون المذكور في المقدم كالغليان والمجيء في لمثالين علّة تامة لذلك الحكم لاجزء العلة بمعنى كونه تمام المناط والداعى له لاجزئه كما أنّ مقتضي عدم ذكر عدل لتلك العلة بعطف غيرها عليها بأوبأن يقول في لمثال ألاول إذا غلا أو اشتدَّ وفى الثانى إن جائك أو سلَّم عليك كون المذكور في المقدم علَّة من لذلك الحكم لا كونه أحد عدلي العلة التامة من غير أن تكون العلة المنحصرة سنخاً من العلة ينصرف إليها إطلاق الشرط في الجملة، كما أنّه ينتزع من الامر بشيء بمعونة عدم ذكر عدل له كونه واجباً نفسياً تعيينياً لا تخييريا فليست التعيينية من كيفيات نفس الوجوب كي يستفاد من إطلاق الوجوب كماز عمه بعض الاساطين حتى يورد عليه بخروج ذلك عن حوصلة : نفس اللفظ وإطلاقه الاحوالي بل الاطلاق في المقامين

ص: 255

إنماهو ببركة مقدمات الحكمة (فظهر) ببركة هذه المقدمات الثلاث وجود المفهوم للجملة الشرطية وأنَّ (مقتضى) جريان مقدمات الحكمة في الانشائيات بالمعنى الاعم والشرعيات بالمعنى الاخص بعد ظهور الشرطية لدى أهل المحاورة في اللزوم بين المقدم والتالي وكون المقدم مناط الحكم المذكور فى التالي والاطلاق الواوى و الأوى للشرطية، كون متلوّ الشرط علة منحصرة لذلك الحكم، فمصبُّ التعليق هو العلة الغائية للحكم ومعه لاسبيل إلى إنكار المفهوم كما ذكرنا لا العلة الفاعلية كما زعمه القوم حتي يمكن إنكار الأمور الأربعة السالفة ويرد عليه بعض الاشكالات المتقدمة في وجوه الاستدلال للمفهوم.

(فان قلت) هذا إنّما هو على فرض تعليق سنخ الحكم على عنوان الموضوع بمعناه الذي ستعرف في التنبيهات من أنّ المعلق هل هو سنخ الحكم أو شخصه فمع تعليق سنخ الحكم بأن يراد من قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الماء إذا بلغ قدر كر لم ينجِّسه شيء: أنَّ العصمة مطلقاً معلقة على الكرية، يفيد الانتفاء عند الانتفاء أى انتفاء العصمه بانتفاء الكرية، أمّامع تعليق شخص الحكم على عنوان موضوعه المنتفى بانتفاء موضوعه ولو ببعض قيوده بأن يراد من لمثال أنَّ العصمة الكرية معلقة على الكرية فمفاد التعليق ليس إلّا، الثبوت عند الثبوت لان الانتفاء حينئذ عند عدم الموضوع ولو ببعض قيوده إنّما هو من باب السلب بانتفاء الموضوع إذلا يعقل وجود شخص الحكم بعد إنعدام شخص موضوعه، فليس هذا من باب دلالة التعليق على المفهوم كما هو المدعي(نعم) يمكن التأويل في عنوان الموضوع الخاص بجعله إشارة إلى السنخ فينتج بقاء شخص الحكم عند انتفاء شخص الموضوع بأن يقال إنّ المراد بزيد في : إن جائك زيدٌ فأكرمه مادته الهيولانية لاهذا الموجود الخارجى المسمى بزيد بأن يكون لفظ زيد عنواناً مشيراً إلى تلك المادة الهيولانية الموجودة عند تبدل الصورة النوعية بصيرورته كلباً بالمسخ مثلاً (لكنه) تأويل فى ظاهر العنوان الخاص بلادليل، فمع تعليق الشخص لا ينعقد للتعليق ظهور في المفهوم فلابد من إحراز تعليق السنخ في ذلك وحيث لاظهور للجملة في تعليق السنخ إذلعل هناك شيء ينوب مناب الكرية في لمثال في قيام العصمة به كالمطر أو الجارى فلاظهور للجملة التعليقية في المفهوم ، وقد استشكل بذلك بعض الاعاظم

ص: 256

(رَحمهُ اللّه) في مقالاته وتبعه عليه بعض أساطين الفقه مدظله كما في تقريرات بحثه مع جعل كلام السيد (رَحمهُ اللّه) فى إنكار المفهوم ناظراً إلي ذلك، ولقد أجاد مدظله في فهم كلام السيد (رَحمهُ اللّه) في المقام وينبغى أن يجعل كلامه (رَحمهُ اللّه) : فى باب السبب أيضاً ناظراً إلى ما ذكر حيث استشكل (رَحمهُ اللّه) فى ظهور التعليل فى مثل : لا تشرب الخمر لانه مسكر في علية مطلق الاسكار للحرمة بدعوى أن مقتضى رجوع ضمير : لانه مسكر: إلى الخمر كون إسكار الخمر موضوعاً للحرمة لا مطلق الاسكار فكلام السيد (رَحمهُ اللّه) في المقامين ناظر إلى ذلك.

(قلنا) لاريب أنَّ المراد بالشخص في كلام المستشكل لا يمكن أن يكون الشخص الفلسفى أى الجزئى الحقيقى المتشخص بشخصه إذا لتشخص بهذا المعنى مساوق مع الوحدة ولا يرتاب عاقل في إنتفاء شخص الحكم بهذا المعنى لدى انتفاء شخص موضوعه کی یحتاج في تفهيمه إلى بيان المراد في سياق الجملة التعليقية، لكنه ينافي مع ما هو مفاد القضايا الحقيقية التي من سنخها القضايا الشرعية إذليس مفادها تعليق شخص الحكم بهذا المعني على شخص الموضوع وإنما هو مفاد القضايا الخارجية وهي في الشرع منحصرة في واحدة قد انصرمت مدتها وهي قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الذينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً»: فالاحكام الشخصية في الشريعة منحصرة في مختصات النبي صلى اللّه عليه و آله التي هي خارجة عن محل إبتلائنا، أما التكاليف العامة فهي بأجمعها على نحو القضايا الحقيقية، أما الاحكام العرفية فهي وإنكانت أعم منها ومن القضايا الخارجية الا أنَّ الكلام فيما يعم الاحكام الشرعية بل الغرض عن المباحث الاصولية فهم تلك الاحكام فلا بد أن يقرر موضوعها على نحو يعمهما، فالشخص الفلسفى غير مراد من الجمل التعليقية حتى في كلام - المستشكل جزماً فلا بد أن يراد من الشخص في كلامه إما الجزئي الاضافى أى الحكم بلحاظ إنحلاله إلى أفراد متعددة حسب تعدد أفراد موضوعه أو شخص الانشاء بمعناه الاسم المصدرى أعنى مضمون الخطاب مع قطع النطر عن إنحلاله المزبور وإن كان هذا الانحلال كامناً في ذات الانشاء المربور فلا يخرج بحسب الواقع عن كونه جزئياً إضافياً وإن خرج عنه باللحاظ الذي لا يغيِّر الواقع، فالمراد من سنخ الحكم

ص: 257

في كلامه الطبيعي الذي يشمل ماثبت خارجاً لغير المعلق عليه أيضاً أو لم يثبت لشيء آخر أصلاً، وحينئذ نقول حيث عرفت أنَّ الجملة الشرطية ظاهرة لدى أهل المحاورة بمعونة جريان مقدمات الحكمة فى العلية وكون المقدم راشحاً والتالى مترشّحاً بالمعنى الذي عرفت فلا يعقل فيها تعليق سنخ الحكم بالمعنى المتقدم على المقدم، إذ لازمه كون الحكم أعم من معلول هذه العلة أنى المقدم أو معلول علة أخرى ثبتت في الخارج بدليلها كالمطرو الجارى الذين هما علتان للعصمة أو معلولاً بلاعلة معلقا على هذه العلة بعنوان كونه مترشّحاً منها، وفساد ذلك من أوليات العقول إذلازمه علية كل شيء لكل شيء وعدم علية شيء لشيء، فليس ذلك مراد أحد من الانتفاء عند الانتفاء كما أنه ليس المرادكون الجملة الشرطية بصدد بيان حصر كلى الحكم بالمعنى الذى عرفت في فرد واحد هو هذا الشرط الواقع تلو أداة الشرط لان ذلك مقتضى إطلاق. الجزاء على تقدير إحرازه والقائل بالمفهوم إنما يستدل باطلاق الشرط بمعونة مقدمات الحكمة كما عرفت، فاذالم يكن ماذكر هو المراد من الانتفاء عند الانتفاء في القضايا الحقيقية فليس مراداً في القضايا الشخصية بطريق أولي فقضية السنخ والشخص بالنسبة إلي الجمل المفهوم ية أى الانشائية سالبة بانتفاء الموضوع فهي أجنبية عمانحن فيه بل لا موضوع ولا محمول لها في المقام، وإنّما المراد من الحكم فيها أبداً هو الجزئي الاضافي أو مضمون الخطاب الراجعان في الحقيقة إلى شيءٍ واحد كما عرفت و مقتضى إطلاق الشرط في المقدم بمعونة جريان مقدمات الحكمة هو العلية المنحصرة للحكم فالتعليق بمعونة ذلك يدل على الانتفاء عند الانتفاء ولا ينافيه قيام دليل آخر علي وجود العدل لهذه العلة، كدلالة نص خاص على قيام المطر أو الجاري، مقام الكرِّ في التأثير في العصمة فان مدعى القائل بالمفهوم ظهور الجملة في ذلك لاكونها نصاً فيه ومن المعلوم أن النص لا يعارضه الظاهر، ومن العجيب أنّ بعض (1) أساطين الفقه مدظله العالى كما يظهر من مجموع كلامه صدراً وذيلاً في تقرير بحثه يلتزم بدخل خصوصية الكرية مثلاً في الحكم فراراً عن لغوية القيد بخصوصيته بعد ما ينكره أو لأ لكنه مع ذلك يستشكل في ظهور الجملة في المفهوم من جهة إنحصار العلة في المقدم مع أنّك عرفت أنّ تسليم

ص: 258


1- السيد البروجردي (رَحمهُ اللّه).

الظهور في العلية التامة ليس الآمن جهة مقدمات الحكمة وهي كما تقتضى العليّة التامة للمقدم بمقتضى الاطلاق الولوى للشرط كذلك تقتضى العلية المنحصرة بمقتضي اطلاقه الأوى، ومماذكرنا ظهر أنَّ المعلق إن كان حكمًا إنشائياً فالمعلق عليه علة غائبة له وظهور ترتّب التالى على المقدَّم يفيد علّية الأول للثاني دون العكس و مقدمات الحكمة تقيد العلية المنحصرة وإن كان أمراً واقعيا كشف عنه عنه الشارع كالعصمة للكر فالمعلق عليه علة فاعلية له بمعني كونه حاملا لذلك الأثر التكويني وظهور الترتب يفيد علية الأول للثانى ومقدمات الحكمة تفيد العلية المنحصرة.

ثم إنَّ السيد (قدّس سِرُّه) إستدل لانكار المفهوم بوجوه ثلاثة (أحدها) إنّه إذا إنتفي السبب أو الشرط فكثيراً ما ينوب منابه سبب أو شرط آخر كما في قوله تعالى فاستشهدوا شهيدين من رجالكم : حيث علمنا من الخارج قيام إمرأتين مقام ثاني الرجلين لقوله تعالى : وإن لم يكونا رجلين فرجل وإمرأتان : بل وقيام البينة أو اليمين أيضًا مقامه مع أنه لو كانت السببية أو الشرطية بنحو الانحصار الموجب لتحقق المفهوم لما جاز ذلك وكمافي قولك إذا وجدت النار وجدت الحرارة حيث يقوم مقام النار في العلية لكلى الحرارة سبب آخر كالشمس والظاهر من هذا الاستدلال كونه بحسب مقام الثبوت مع أنّ إمكان عدم إنحصار العلية ثبوتاً بديهى كيف وتعدد الأنواع والأصناف في باب العلل وجداني فلايرتبط بمانحن بصدده من وجود المفهوم وعدمه في مقام الاثبات، إلا أنّ يريد تبعية الاثبات للثبوت وأنه إذا لم تكن العلة منحصرة ثبوتاً يستكشف عدم _ الانحصار إثباتاً لكنَّه ينا في جعله (ثاني) الوجوه أنّه لو كان للجملة الشرطية مفه_وم لدلت عليه باحدى الدلالات الثلاث والملازمة كبطلان التالى واضح، وأجاب عنه الشيخ الاعظم شيخنا الانصاري (قدّس سِرُّه) بظهور الجملة عرفًا في المفهوم ، ونقول إن دلالة الجملة على المفهوم غير منحصرة في الدلالات الثلاث ضرورة إمكان إستنادها إلي قرينة المقام بأن يستفاد المفهوم من الجملة بمعونة مقدمات الحكمة بلا إستناده إلى الوضع الافرادى أو الجملى أصلاً، ويُعبَّر عن هذا السنخ من الظهور فى لسان الاصوليين بالاطلاق المقامي كما تقدم بيانه مفصلاً ويأتى له مزيد بيان إنشاء اللّه تعالى، مضافاً إلى ما عرفت في الامر الرابع الذي مهدناه للبحث عن المفاهيم من أنّ دلالة

ص: 259

الجملة على المفهوم من الالتزاميه اللفظية (ثالثها) قوله تعالى : ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصناً وحيث أنّ تمامية هذا الوجه تبتنى على ظهور الاستعمال في الوضع وقدهدم أساس ذلك المتأخرون بأن الاستعمال أعم من الحقيقة فاستعمال الجملة فيما لامفهوم له في مورد كالآية الشريفة لا يكشف عن الوضع لخصوصذلك فأدلته (قدّس سِرُّه) لانكار المفهوم ضعيفة جداً والأولي فى مقام الانكار ما أسلفناه من أنّ عدم الدليل دليل العدم بمعنى مطالبة الدليل من القائل بالمفهوم وقد عرفت منّا ما هو الدليل لذلك.

وينبغى التنبيه على أمور (الأول) أنّه قد دارت في السنة متأخرى القوم مسئلة سنخ الحكم وشخصه في المقام ومنشأ ذلك أنَّ الشهيد (قدّس سِرُّه) في محكى تمهيد القواعد خص نزاع وجود المفهوم للجملة الشرطية وعدمه، بغير باب الوصايا والأوقاف و- النذور، مدعياً أن إنتفاء الحكم فيها بديهي بعد إنتفاء موضوعه ولو ببعض فيوده سواءٌ وقع الوقف أو الايصاء أو النذر بنحو التعليق أم بغيره بأن يقول هذا المال وقف لذريّتي أو يقول هذا المال وقف لأولادى إذا كانوا عالمين ضرورة عدم تعقل مالكين بالاستقلال المملوك واحد في عرض واحد، فلايدخل فيما هو محل النّزاع بين القوم في الجملة التعليقية من دلالتها على الانتفاء عند الانتفاء وعدمها، فاستظهر من كلامه المحقق الأصفهاني صاحب الحاشية والشيخ الاعظم شيخنا الانصاري (قدّس سِرُّهما) اختصاص ثبوت المفهوم للجملة الشرطية عنده بذلك الباب، فاعترضا عليه بعموم محل النّزاع له ولغيره وإن عدم ثبوت المفهوم في غير ذلك إنما هو لعدم كونه مدلول لفظ الشرط قائلاً ثانيهما إن شخص الحكم المنشأ بهذا الإنشاء الخاص وقفاً أو ايصاءاً أو نذراً وإن كان بقائه بعد انتفاء موضوعه ولو ببعض قيوده غير معقول ومقصاه حصر محل النزاع بمورد تعليق سنخ الحكم وطبيعيه كما في غير تلك الأبواب، إلا أنّ تعليق السنخ في الجمل الانشائية حيث أنّه غير معقول مطلقاً إذ الانشاء هو الابداع والايجاد،و الوجود مساوق للتشخص المساوق للوحدة فالحكم المعلق في الجمل الانشائية كأكرم زيداً إن جائك لا يعقل أن يكون غير الشخص غاية الامر أنّه يستفاد إنتفاءُ سنخ الحكم من نفس هذه الجملة لدى القائل بالمفهوم ببركة انحصار العلة المستفاد من الخارج كمقدمات

ص: 260

الحكمة بمعنى أنَّ ماثبت من الخارج من انحصار كلىّ علة وجوب إكرام زيد في هذا الفرد الخارجي كمجيئه إذا إنضم إلى مفاد هذة الجملة التعليقية يستفاد المفهوم وهو إنتفاء سنخ الحكم عند إنتفاء المعلق عليه، وهذا النحو من المفهوم يعمّ باب الوصايا والاوقاف والنذور وغيره، نعم في الجمل الاخبارية نظير يجب إكرام زيدان جائك يكون تعليق السنخ معقولاً فيستفاد منها إنتفاء كلي المخبر به وسنخه عند انتفاء المعلق عليه، وحاصل ما أفاده في التقريرات عدم الفرق بين الجمل الاخبارية والانشائية في إنتفاء السنخ عند إنتفاء المعلق عليه والفرق بينهما في عدم تعقل تعليق السنخ في الثانية وتعقله في الاولي، وردَّه صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) بأن إنتفاء شخص الحكم لدى إنتفاء موضوعه نظير إنتفاء العصمة الكرية بانتفاء الكرِّ في قوله : إذا بلغ الماء قدر كرّ لم ينجسه شيء لما كان عقلياً بديهياً غير محتاج إلى التعليق إذ الحكم عرض الموضوعه فكيف يعقل بقائه بعد إنتفائه ولو ببعض قيوده فمحل النزاع في المفهوم لا بد أن يكون مورداً قابلاً لتعليق السنخ كمطلق العصمة فى لمثال أو طبيعي الوجوب في إن جائك زيد فأكرمه لاشخص الوجوب بماهو ولا طبيعيه بلحاظ الشريان والاطلاق بل الطبيعي بماهو القابل لتحققه عند إنتفاء الشرط أيضاً بعلة أخرى غير تلك العلة، وهذا مراد. الشهيد (قدّس سِرُّه) فتعميم محل النزاع للوصايا والأوقاف والنذور كما في التقريرات غريب و كذا مافيه من عدم تعقل تعليق السنخ فى الجمل الانشائية إذالانشاء وإن كان خاصاً لكن مفاده وهو الحكم كلى والخصوصية إنما نشأت من ناحية الاستعمال بلادخلها في المستعمل فيه كما تقدم في معانى الأسماء و الحروف من أن الموضوع له فيها كالوضع والمستعمل فيه عام والخصوصية مستندة إلى الاستعمال فأخذ خصوصية الانشاء في ناحية المنشأ كما يظهر من التقريرات غريب وقد اشترك صاحب الكفاية مع صاحب الحاشية (قدّس سِرُّهما) فيما ذكر من التصريح.

بأنّ محل النزاع في مفهوم الشرط مورد تعليق السنخ معلِّلا ذلك بأنَّ المستعمل فيه كالوضع والموضوع له فى الاخباريات والانشائيات عام والخصوصية ناشئة من الاستعمال، فمقتضى كلام هذين العلمين والتقريرات عدم نزاع للقوم في بحث مفهوم الشرط فى أنّ التعليق في الجملة الشرطية هل يكون من تعليق الشخص أو السنخ لكن بعض الاعاظم (رَحمهُ اللّه) قد أطال الكلام في بيان تمحض النزاع بين المثبت لذلك

ص: 261

المفهوم مع منكره فى أنَّ مفادتلك الجملة هل هو تعليق السنخ أو الشخص وأنَّه لابد للمثبت من إثبات الأول وللمنكر من إثبات الثانى، ثم فسر تعليق السنخ بتجريد الحكم المذكور فى تلك الجملة عن خصوصية الشرط كالمجيء في قولك إن جالك زید فأكرمه فتجريد مفاد اكرم وهو الوجوب عن خصوصية المجيء عبارة عن تعليق سنخ الحكم على الشرط، وقسَّمه إلى أربعة أنحاء (أحدها) تعليق طبيعي الوجوب بنحو السريان الفعلى لجميع أفراده ليكون تجريد الحكم عن الشرط بتحليته بالاطلاق. (ثانيها) تعليقه بنحو الاهمال عن الشريان وعن كونه صرفاً لا ينطبق مع غير أول الوجود (ثالثها) تعليقه بنحو الصرف الذي يتحقق بأول الوجود. (رابعها) تعليقه بنحو الاطلاق لكل ما يتصور له من الافراد لا السريان الفعلي كما في القسم الأول، أمّا التعليق بنحو الأول فهو غير معقول ضرورة إستلزامه علية هذا الشرط الخاص لجميع أفراد الوجوب ولولم يكن بحسب الواقع معلولاله، وأما بنحو الثاني فهو لا يفيد الانتفاء عند الانتفاء المطلوب في باب المفهوم ضرورة كون المهملة في قوة الجزئية، فانحصر طريق المثبت للمفهوم فى دعوى تعليق السنخ بأحد النحوين الأخيرين ومن المعلوم أن التعليق بهذين النحوين خارج عن حوصلة نفس اللفظ في الجملة الشرطية فلابد من إثباته بدالّ آخر، هذا ملخص محرر ما أفاده في المقام.

أقول ويتوجه عليه أولاً أنه لا ملازمة بين النزاع في مفهوم الشرط مع النزاع في كون مفاد الجملة الشرطية تعليق الشخص أو السنخ ضرورة إمكان الالتزام بالمفهوم من القائل بتعليق الشخص كما تقدم عن تقريرات الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) بالنسبة إلى الجمل الانشائية حيث إلتزم بعدم تعقل تعليق السنخ فيها وكون مفادها تعليق الشخص ومع ذلك إلتزم بثبوت المفهوم لها من ناحية انحصار العلة، فدعوى تمحض النّزاع فى ثبوت المفهوم فيما ذكره وأطال فيه الكلام مصادرة بل على خلاف الوجدان وثانياً أنَّ تقريب تعليق السنخ ليس ما ذكره من تجريد الحكم عن خصوصية الشرط بعد استعمال الجملة الانشائية في المعنى الخاص ضرورة تصريح صاحبى الحاشية و الكفاية اللذين هما من عمدة المتأخرين الذين حدثت بينهم مسئلة تعليق السنخ و الشخص بعد مالم يكن منها أثر فى كلمات قدماء الاصوليين بأنّ المستعمل فيه في الجمل الانشائية كالاخبارية عام كالوضع و الموضوع له والخصوصية ناشئة من الاستعمال

ص: 262

فاقتراح تفسير لتعليق السنخ من قبل القائلين بالمفهوم لا يقول به واحد منهم ثم الايراد عليهم بخروج ذلك عن حوصلة اللفظ كما صنعه (قدّس سِرُّه) خلاف الصناعة العلمية.

أمّا تحقيق المقام في تعليق السنخ والشخص فموقوفٌ على تمهيد مقدمة هي بيان حقيقة المنشأ في الجمل الانشائية وأنَّه كلى منطقي لا يمتنع فرض صدقه على كثيرين أو جزئى منطقي يمتنع فرض صدقه على كثيرين أو غيرهما، فنقول المنشأ لا يمكن أن يكون كلياً منطقياً ضرورة وجوده في مثل : يا فلان إفتح بصرك في هذا الآن إذ لا يمكن الالتزام باستعمال هيئة الامر فيه في مفهوم : الوجوب ثم إنشاء مصداقٍ خاص منه بالنسبة إلى المورد ضرورة إتحاد وعاء الاستعمال مع وعاء الانشاء في الانشائيات إذ الانشاء هو الابداع والايجاد فهو فعل النفس وخلقها في حين إستعمال هيئة الامر بلا تأخر الانشاء عن الاستعمال حتى رتبةً، فالتلفظ بصيغة الامر أو غيرها من آلات إبراز الانشاء متحد زماناً ورتبة مع خلق النفس ذاك الامر الاعتبارى وإنشائه كالوجوب فلا يمكن تأخر الانشاء عن الاستعمال ولورتبة في مثل إفتح بصرك في هذا الآن، بخلاف الجمل الاخبارية فيتعدد وعاء الاستعمال فيها مع وعاء التطبيق كما في قوله تعالى : وجاء رجل من أقصي المدينة يسعى حيث أستعمل لفظ رجل في معناه العام أى ما يقابل المرأة ثم طبق خارجاً مع حبيب النجار ولذا نقول ليت القائلين نبشوء الخصوصية من الاستعمال عبروا بنشوها من التطبيق خارجاً إذا الاستعمال الذى حقيقته القاء اللفظ وإرادة ما وضع له منه أجنبى عن الخصوصية المأخوذة فى المراد الجدى بحسب التطبيق الخارجي فالجمل الانشائية تفترق عن الاخبارية باتحاد وعاء الاستعمال مع الانشاء وخلق النفس فيمتنع الالتزام باستعمال هيئة إفتح فى لمثال في مفهوم الوجوب ثم انشاء مصداق خاص من الوجوب للمورد ببركة الاستعمال بل لابد أن يكون المستعمل فيه نفس المنشأ، فلو كان ذلك المنشأ كلياً منطقيا لزم إما الغاء ما عدا فرد من أفراد ذلك الوجوب الكلى لعدم الحاجة إلي أزيد من وجوب شخصى للمورد و هذا كما ترى بل إنشاء الكلى بما هو كلي غير ممكن، وإما إنشاء وجوب شخصى آخر للموردور اعذلك الوجوب الكلى وهذا خارج عن حوصلة هذا الانشاء محتاج إلى إنشاء آخر مفقود حسب فرض وحدة الانشاء، فلا محيص عن عدم كون المنشأ بذلك الانشاء كلياً منطقياً لكنه لا يستلزم كونه جزئياً منطقياً كيف وهو في مثل أكرم العلماء يصدق علي كثيرين

ص: 263

حسب تعدد أفراد من يجب إكرامهم أى العلماء.

فتحصل أنَّ المنشأ ليس من الكلي المنطقى ولا جزئيه بل هو موجود خارجی إعتباري موسع تارة ومضيق أخرى باختلاف دائرة وجود المنشأ عليه أعنى موضوع الانشاء سعة وضيقاً، وتمام السّرّ في ذلك أنَّ معروض الكلى المنطقى وجزئيه المفاهيم، اى الوجودات الذهنية التى هى معقولات ثانوية فقياسه بباب الانشائيات الذي هو باب الايجاد و الابداع وتفاوت الايجاد مع الوجود ليس إلا بالاعتبار فاسد، ومع الفارق بل المنشأ أبداً شخصى بالاصطلاح الفلسفي إذا لوجود مساوق مع التشخص والوحدة لكن لتفاوت حدود الموجود الخارجى قلة وكثرة يتفاوت المنشاء على ذلك الموجود سعة وضيقاً ففي مثال إفتح بصرك، يكون وجودًا مضيفًا بمقتضى ضيق دائرة وجود المنشأ عليه أى الموضوع وفي مثال أكرم العلماء يكون وجوداً موسعاً بمقتضى سعة دائرة وجود المنشأ عليه أى العلماء، فان كان المنشأ عليه مركباذا أجزاء نظير الصلاة ينسبط الوجوب المنشأ علي جميع أجزائه وإن كان عاماذا أفراد نظير العلماء ينحل الوجوب المنشأ إلى جميع أفراده بمعنى أن المنشىء يلاحظ بمرآتية عنوان العام كالعلماء في لمثال أو الخمر فى لا تشرب الخمر جميع الافراد الموجودة و المنصورة للعام بلا لحاظ خصوصياتها وينشىء الوجوب على جميعها بسبب ذلك العنوان، وهذا هو معنى القضية الحقيقية التي منها قضايا الاحكام الشرعية فالانحلال عقلى لا ماتوهم في معنى القضية الحقيقية من إنتزاع قضية شرطية من القضية الحملية بأن يقال معنى لا تشرب الخمر كلما وجد شئى و كان خمراً كان شربه حراماً حتى ربما يتوهم أن الانحلال شرعي كما فصلنا الكلام في تحقيق معناها في محله، ولاجل الانحلال المزبور المستند إلى الفصول العدمية بين أفراد العام نلتزم بوحدة النهى عن الشرب إذا كان هناك كأس واحد من الخمر مثلاً وبتعدده لو فرض صب ذلك الخمر في إنائات متعددة حسب تعدد الانائات وهكذا في سائر ما يجب الاجتناب عنه كالنجس، فما تقدم عن المحققين صاحبى الحاشية والكفاية (قدّس سِرُّهما) من كون الانشاء من خصوصيات الاستعمال الذي لازمه حسب إعتراف جملة من تلامذة الثانى تأخر رتبة الانشاء عن الاستعمال ليس في محله، بلا إستيجاب ما قلناه من اتحادرتبة الانشاء مع الاستعمال إنكار لزوم تصور

ص: 264

المعنى قبل الاستعمال كما ربما يتوهم.

والحاصل أنّه هناك إستعمال بمعنى تصور المعنى ثم إستعمال اللفظ فيه وهذا يشترك فيه الاخبار والانشاء والأمثلة النحوية غاية الامر أن الداعى للاستعمال تارةً هو التمثيل كما فى الأخير وأخرى هو الحكاية عن الخارج وهي أمر قصدى من فعل النفس كما في الاخبار وثالثة ايجادما هو من سنخ ذلك المعنى الذي تصوره أوّلاً كما في الانشاء، فسبق إنطباع سنخ المعنى المراد إنشائه في الذاكرة ركة الصّور الحاصلة من الخارجيات فى الحسِّ المشترك وإن كان مما لا بدّ منه إذ بدونه لا يتمكن النفس من إنشاء ذلك المعنى، لكنه مادة لانشاء النفس وخلقها المعنى لدى التلفظ بلفظه لا أن اللفظ يستعمل فيه أوّلاً ثم ببركة هذا الاستعمال تخلق النفس معنى من سنخه كما هو لازم القول بكون الانشاء من خصوصيات الاستعمال، فالمنشأ جزئى حقيقى موسّع تارة ومضيَّق أخرى ولذا يكون وجوداً حقيقيا حدوثاً وإعتبارياً بقاء أببقاء أهل الاعتبار أى العرف أو نافذ الاعتبار، نعم بعد ما وجد بخلق النفس يقع في الذاكرة وربما يقع في وعاء العقل فينتزع منه الكلى وليس بين هذه المراتب المختلفة بعضها مع بعض منافاة لان النفس في وحدتها كل القوى.

وإذ عرفت في طى هذه المقدمة فساد تقريب تعليق السنخ بما في كلام المحققين (قدّس سِرُّهما) من كون الانشاء من خصوصيات الاستعمال فاعلم أنّ تعليق السنخ في الجمل الشرطية الانشائية بأى معنى أريد منه غير معقول، أمّا بمعنى تعليق الكلى السرياني كطبيعي الوجوب بلحاظ جميع أفراده في مثل إن جائك زيد فأكرمه فلانه إن كان في الخارج لكلى الوجوب فرد آخر منوط بشيءٍ آخر غير قيد المجيء ولو بحو الاعداد كصداقة زيد فتعليق الكلى بلحاظ جميع أفراده على هذا القيد يستلزم تعليق ماهو من قبیل معلول شيء على غير علته، وإن لم يكن فى الخارج له فرد آخر أصلاً فالتعليق يستلزم تعليق المعدوم على الموجود وإستحالة هذين الامرين من أوليات العقول فالتعليق ممتنع على التقديرين، وأما بمعنى تعليق الطبيعة المهملة فلان غمض العين عن الخصوصيات المكتنفة بالشيء كعروض الوجوب على الاكرام وتعلقه بزيد و تقيده بالمجيء في لمثال لا يغيره عماهو عليه واقعاً من كونه خاصاً ولا يجعله عامّاً

ص: 265

فما وجد مضيِّقاً لا يصير بسبب الاهمال موسّعاً بل هو هو ولذا قال أهل الميزان إنَّ المهملة في قوة الجزئية، وأمّا بمعنى تعليق الصرف فلأنّ الصرف له معنى عند أهل الفلسفة هو حقيقة الشيء وأصله كما يقال إنه تعالى صرف الوجود يعنى حقيقة الوجود وكله وهذا المعنى غير مراد في المقام قطعاً، وله معنى عند أهل الاصول يعبر عنه في الفلسفة بالوجود السعى وهذا هو المراد في المقام وهو الذي يتحقق بأول الوجود كما يتحقق بثانيه و ثالثه وهكذالا الذى ليس قابلاً للتطبيق مع غير أول الوجود كما عبر به بعض الاعاظم (رَحمهُ اللّه) فتعليق مثله على قيد كالمجيء في لمثال لاينافى سببية شيء آخر كالصداقة أيضاً ضرورة تحقق الوجود السّعى في ضمنه إذا لصرف بهذا المعنى يتحقق بغير أول الوجود أيضا لان الوجود ألأول محتو على الصرف لاعينه حتى لا يتحقق بغيره أصلاً، فالأولية و الثانوية وغيرهما ليست من قيود الصرف بل تقييده بها يخرجه عن كونه صرفاً هذا خلف فتعليق الصرف يما هو صرف على قيد كمتلوّ أداة الشرط غير معقول، وأما بمعنى المراتب المفروضة للطبيعة فلان الظاهر من التعليق هو الفعلية وفرض المراتب للطبيعة هو الشأنية فكيف يعقل تعليقها في الجملة فى الجملة الشرطية (فتلخص) أنّ تعليق السنخ مما لا محصل له.

فشخص العلة بشخصها لا يكون علة الا لشخص المعلول بشخصه و شخص المعلول بشخصه لايكون معلولاً الالشخص العلة بشخصها قضاء اللزوم السنخية بين العلة والمعلول ولذا قالوا إنّ الواحد لا يصدر عنه إلّا الواحد كما أنَّ الواحد لا يصدر إلا عن الواحد، وإنّ كان الشخص فى الطرفين هو السِّعي كسعىّ العصمة المعلق على سعىِّ الكرية في إذا بلغ الماء قدر كرِّ لم ينجسه شيءٌ : فتعليق الواحد الشخصي لابدَّ أن يكون على الواحد الشخصي وتعليق الواحد النوعي لا بد أن يكون على الواحد النوعى، ولا يخفي أن المراد بالعلة التي تعبر عنها في أمثال المقام ما يناسب الاحكام. الشرعية أى ماله الدخل فى تلك الاحكام الذى نعبّر عنه بالملاك بناء أعلى مذهب العدلية من عدم كونها جزافية بل ناشئة عن المصالح والمفاسد الواقعية فلا يستشكل علينا بأن باب التقييدات في الاحكام الشرعية غير مربوط بباب العلل و المعاليل فى الأمور التكوينية، ولقد أشرنا إلى دفع هذا الاشكال في طىّ كلماتنا السالفة حيث قلنا إنّ المراد بالعلة فى الاحكام الشرعية هى المعلمة الغائية الداعية إلى جعل تلك الاحكام

ص: 266

بلا لزوم ترتبها على معللها خارجاً في الاعتباريات، فأخذ المفهوم عن الجملة الشرطية ليس مستنداً إلى وضع الشرط للانتفاء عند الانتفاء كما قيل لعدم ثبوت الوضع، ولا إلى تعليق السنخ في تلك الجملة كما قيل لعدم كونه معقولا في الانشائيات وتوقفه على قرينة على إرادة حصر الكلي فى الفرد في الاخباريات، ولا إلى إطلاق الجزاء كما قيل لتوقف إطلاقه على تعليق السنخ الذي عرفت عدم تعقله، بل هو مستند إلى الاطلاق المقامى للشرط أى إنحصار بيان الشرط فى الواحد في مقام بيان ماله الدخل في الحكم المذكور فى تلك القضية ممن يكون من وظيفته بیان تمام ماله الدخل فى ذلك الحكم وهو الشارع في قضايا الاحكام الشَّرعية والموالي الصُّورية في قضايا الاحكام العرفية إذ قد عرفت سابقاً أن الظاهر من تلك الجملة بحسب بناء أهل المحاورة في مقام تفهيم مقاصدهم كون المتكلم بها بصدد بيان ما هو العلة التامة أى الملاك الكامل لذلك الحكم، ومن المعلوم لدى أهل المحاورة أنه لو كان مقام لبيان علة أخرى، لذلك الحكم علي تقدير وجودها واقعاً فليس هو الأهذا المقام والمفروض انحصار البيان فيه ببيان شرط واحد فيكشف ذلك لدى أهل المحاورة عن كون هذا الشرط علة منحصرة أى تمام الملاك لذلك الحكم، وهذا البيان بعينه يجرى في الجملة الوصفية واللقبية والغائية ونحوها من القضايا المفهوم ية كما سنشير إليه فى محالها، وقد أشرنا سابقاً إلى أنّ هذا الاطلاق المعبر عنه فى لسان الاصوليين في باب المطلق والمقيد بالاطلاق المقامي وفي لسان المحقق الاصفهاني أعني السيد الفشار کی قدس سره و بعض أساطين تلامذته بالاطلاق الأوى يحتسب من اللفظى، بمعني أن قرينة المقام و مقدمات الحكمة توجب كشف هذا اللفظ عن هذا المعنى كما أنَّ القرائن الداخلية أو الخارجية مقالية أو مقامية توجب كشف الالفاظ عن المعانى المجازية، فهذا النَّحو من الدلالة اللفظية ليس ببديع في المحاورة.

(الثاني) أنه إذا تعدد الشرط كما في قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إذا خفى الأذان فقصِّر وإذا خفى الجدران فقصر : أو قولك : إذا جائك زيدفأ كرمه وإذا أرسل إليك هدية فأكرمه فلاريب عدم بقاء الجملة الشرطية علي حالها على القول بظهورها في المفهوم ، بل لا بد من التصرف في شيء منها، فهل يقيَّد إطلاق مفهوم كل واحدة من الجملتين الّذى

ص: 267

يقتضى كون الشرط فيها علة منحصرة للحكم بمنطوق الأخرى الذى يقتضى كون الشرط فيها أيضأعلة مستقلة له كي ينتج قيام كل واحد من الشرطين مقام الآخر- في السببية للحكم وإنتفائه عند إنتفائهما بمعني نفى ذلك الحكم عند وجود شرط ثالث أو يلغى كلتا الجملتين عن المفهوم كى ينتج سببية كل واحد من الشرطين للحكم بالاستقلال بلانفيه عند وجود الثالث، أو يقيد اطلاق الشرط في كل منهما الذى يقتضى السببية المستقله بالآخر كي ينتج كون كل واحد منهما جزة السبب ويشترك مع الأوّل فى نفي الحكم عند الثالث، أو يقيّد إطلاق الشرط الذى يقتضي كونه بعنوانه سببا في كل منهما بالآخر كي ينتج كون جامعهما سبباً ويشترك مع الأول والثالث في نفى الحكم لدى الثالث، وهناك احتمال خامس أستظهر من الحلي (قدّس سِرُّه) هو إلغاء إحدى الجملتين بالخصوص عن المفهوم لكنه خلاف صناعة المحاورة فلانعده في محتملات المسئلة، وكيفما كان فعلي ما حققناه من عدم تعقل تعليق السنخ واستناد المفهوم إلى الاطلاق المقامى للجملة لا إلى حاقّها لاريب في تعيُّن الوجه الأوُّل، إذ الاطلاق المزبور في كل منهما موقوفٌ على عدم وصول البيان فمع وصوله كماهو المفروض في المقام بمقتضى الشرطية الأخرى لا بد من رفع اليد عن ذلك الاطلاق، لكن بمقدار بيانية تلك الشرطية وهو ليس الأعدم انحصار العليّة بهذا الشرط وإشتراك الشرط فيها معه فى العلية لاعدم المفهوم لشيء من الجملتين رأساً، فاطلاق مفهوم كل منهما المقتضى للانحصار يقيد بمنطوق الأخرى فيكون الحصر إضافياً، ومن المعلوم أنّ هذا التصرف على هذا المبنى أهون لدى العرف من التصرف في ظهور الجملة في المفهوم بالغائها عنه أو فى ظهور الشرط فى السببية المستقلة بالحمل على جزء السبب أوفى ظهوره في كونه سبباً بعنوانه بالارجاع إلى كونه سبباً بجامعه، مضافاً إلى أنه لاداعى إلى الأخير بعد إتحاده مع الأول في الأثر فضلاً عن كونه بعيداً عن أذهان العرف العام الملغى إليهم هذه الخطايات كما إعترف به صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) أيضاً، أما بناءاً على تعليق السنخ الذى عليه ثلة من المتأخرين وعمدتهم صاحبا الحاشية والكفاية (قدّس سِرُّهما) فلا محيض عن الغاء كلتا الجملتين عن المفهوم كما صنعه صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) إذمع وجود أحد الشرطين لا يمكن تعليق السنخ علي الشرط الآخ___ر

ص: 268

فلابد من الالتزام بعدم تعليق السنخ في كلتا الشرطيتين، وبانتفاء تعليق السنخ يكون النزاع في المفهوم سالبة بانتفاء الموضوع حسب إعتراف هذين المحققين (قدّس سِرُّهما) كما تقدم من صريحهما، فالايراد على مقالة صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) أعنى ترجيح هذا الوجه علي مبناه من تعليق السنخ في غير محله.

(الثالث) إذا تعدد الشرط واتحد الجزاء بمعنى إتحاد متعلق الحكم المذكور فى الجزاء من حيث الطبيعة فهل يقتضى كل واحد من الشروط جزاءاً مستقلاً فيتعدد الجزاء حسب تعدد الشروط أم لا يقتضى المجموع الأجزاءاً واحداً بأن تؤثر بجامعها في جزاء واحد وقد سمى هذا البحث عندهم بتداخل الأسباب وعدمه، ويتذيل ببحث آخر هو أنه بعد فرض تعدد الجزاء حسب تعدد الشروط فهل يكفي فرد واحد من الجزاء عن الجميع أم لا وقد سُمى هذا البحث عندهم بتداخل المسببات وعدمه، مثال الأول قوله إذابلت فتوضأ، وإذا نمت فتوضأ، سواء كان تعدد الشرط طولياً كمافي تكرر مرات البول أو تعاقب البول بالنوم أم عرضياً كمافى إجتماع البول مع النوم فهل يجب وضوء واحد للجميع أم يجب وصوءً لكل فرد من نوع كالبول أم نوعين كالبول والنوم وإن كان هذا لمثال يغاير ما نحن فيه من جهة معلومية تأثير البول و النوم وسائر موجبات الوضوء في كليّ الحدث الذي هو قابل للشدة والضعف ويرفعه وضوء واحد، فمثاله قوله إن ظاهرت فأعتق رقبة وإن أفطرت فأعتق رقبة، أوان أجنبت فاغتسل وإن مسست ميتاً فاغتسل ومثال الثاني قوله إذا أجنبت فاغتسل وإذا أدركت الجمعة فاغتسل وإذا أدركت عرفة فاغتسل فهل يكفى غسل واحد للجميع عند الاجتماع كما ربما يدل عليه قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) في أخبار الغسل: إذا أجتمعت عليك حقوق أجزاك عنها غسل واحد: وقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : حرمتان اجتمعتا في حرمة واحدة : أم لابد لكل واحد من تلك الأسباب من غسل كما ذكرنا تفصيله في مبحث الأغسال من كتاب - الطهارة، فهناك مقامان أحدهما في تداخل الأسباب وعدمه والآخر في تداخل المسبات وعدمه (أمّا المقام الاول) فالمشهور فيه عدم التداخل بل قيل إنه مقتصي الاصل والمراد به إما الاصل اللفظي على مذاق من جعل المسئلة لفظية أو القاعدة العقلية علي مذاق من جعلها عقلية، وتمسك فيها بالقاعدة العقلية أو الاصل العملى على مذاق من لم يتمّ عنده شيء

ص: 269

من دليلى اللفظى والعقلى فتفسير الاصل بخصوص أحدها خلاف نظر الباحثين في المسئلة، وذهب جماعة من المحققين المدققين كالمحقق الخونساری (قدّس سِرُّه) وغيره إلى التداخل وأنه مقتضى الاصل المزبور، ولنمهد لتحقيق المقام مقدمتين إحديهما، كبروية هي أنه إذا كان بعض ظهورات الجملة أقوى من بعضها أفرادياً كان أم سياقياً فبناء أهل المحاورة من غير ترديد على تقديم الظهور الأقوى على سائر الظهورات و تحكيمه عليها حكومة تفسرية أو تعميمية أو تخصيصية من غير فرق في ذلك بين الظهورات العرضية كالواردة فى زمان واحد أو الطولية كالواردة تدريجاً في أزمنة مختلفة، و إن شئت عبرت عن هذه الحكومة بماعبّر به خريت الصناعة صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) و هو الجمع العرفى إذا لعرف بعد لحاظ مجموع ظهورات الجملة يرى تقديم الظهور الأقوى على سائر ظهوراتها، هو الظهور المتحصل من تلك الجملة، وهذه المقدمة من الأمور التي تكون قياساتها معها بلاحاجة إلى تجشم برهان عليها.

ثانيتهما صغروية هى أنَّ الجملة الشرطية لها ظهورات سنة (أحدها) ظهور ما يتلو أداة الشرط كالبول في إذابلت فتوضأ في الطبيعة المعراة عن كل قيد حتى قيد الاطلاق فهو فى وعاء الصدق قابل بحسب الارتكاز المحاورى للانحلال إلى كل فرد فرد من أفراد تلك الطبيعة من غير فرق بين أول الوجود وثانيه وثالثه وهكذا ولا بين ما وجد قبل تحقق سبب آخر للجزاء كالبول قبل النوم أو بعد تحققه كالبول بعد النوم ضرورة صدق الطبيعة على الجميع بالسوية (ثانيها) ظهور متعلق الجزاء كالوضوء في لمثال مع قطع النظر عن تعلق البعث به في الطبيعة المعراة عن كل قيد فهو قابل في وعاء التطبيق للانطباق علي كل فرد فرد من أفراد تلك الطبيعة على نحو ما عرفت في إطلاق الشرط فى وعاء الصدق، أمّا التعبير عن الطبيعى بالصِّرف الدى لا يتكرر كما عن بعض أجلة العصر فليس في محله لان صرف الشيء بهذا الوصف إصطلاح فلسفى عبارة عن حقيقته التي إجتمع فيها جميع مراتب وجدان تلك الحقيقة وليس فيها فقدان شيء من تلك المراتب، فصرف البياض ما يكون فيه جميع مراتب البياض وليس فيه فقدان شيءٍ من مراتبه ولذا يكون صرف الوجود مختصاً بوجوده تعالى وهذا المعنى غير مراد في المقام جزماً، كما أنَّ التعبير بالصرف بمعنى ما ينطبق مع أوّل الوجود فقط

ص: 270

كما عن بعض الاساطين في غير محله إذ الوجود كما عرفت غیر دخيل في متعلق الجزاء كيف ولو كان المبعوث إليه وجود الطبيعة لزم تحصيل الحاصل ولذا يكون رتبة وجود الطبيعة خارجاً رتبة سقوط الامر عن التأثير، نعم إقتضاءُ تعلق البعث بالطبيعة المعراة هو الوجود بمعنى أنَّ البعث نحوها إنَّما هو بداعي ايجاد الطبيعة، ولا يخفى أن متعلق البعث ليس الطبيعة بقيد وجودها في الذهن لانها بهذا القيدعير قابلة للتحقق في وعاء الخارج لتباين أفقى الذهن والخارج بل الطبيعة غير مقيدة بشيء من وجوديها الذهني والخارجى يتعلق بها البعث بداعى ايجادها في الخارج ولذا عبرنا عنها بالطبيعة المعرّاة عن كل قيد (ثالثها) ظهور إطلاق الشرط في السببية المستقلة دون الجزئية وهذا خارج عن حاق اللفظ مستندٌ إلى عدم ذكر شيء آخر معه بأوأو الواو كأن يقول إذابلت ونمت فتوضأ (رابعها) ظهور هيئة الجزاء أى البعث نحو طبيعي متعلقه فى التأسيس دون التأكيد (خامسها) ظهورها فى حدوث متعلق الجزاء عند حدوث الشرط لاثبوته خارجاً ولو من قبل شرط سابق.

(سادسها) ظهور الشرط كالبول في لمثال في كونه بعنوانه الخاص سبباً لحدوث الجزاء لا بعنوانه الجامع بينه وبين غيره كالنوم وإن كان هذا الظهور ينكسر لدى إجتماع الشروط وعدم قابلية الجزاء للتكرر كالقتل في قوله إذازني فاقتله وإذا لاط فاقتله، فلدى تدافع الشرطين في الوجود يكون الجامع هو المؤثّر في الجزاء إذ لو كان الشرطان بماهما مباينان مؤثرين لزم تأثير كل شيء فيه وعدم إختصاص الزنا واللواط ونحوهما بالشرطية للقتل ولا البول والنوم بالشرطية الموضوع، فلا بد من وجود السنخية بين الشرط والجزاء وكون الخصوصية المؤثّرة فى الجزاء فى كل مسائخة لها في الآخر كيلا يلزم حزافية جعلهما دون غيرهما كالأكل والشرب شرطاً علي مذهب العدلية من عدم جزافيه الاحكام الشرعية، ولدى تعاقب الشرطين يكون مقتضى لزوم السنخية بين الشرط والجزاء وعدم جزافية شرطية شيءٍ لشيء إختصاص التأثير في الجزاء الذى فرضنا عدم قابليته للتكرر بالشرط السابق وكون تأثير الشرط الذى يتعاقبه شأنبا يؤثر في الجزاءِ لو لم يكن الشرط الأوّل، فلو كان الجزاءُ يقبل التأكّد كالوجوب لو قلنا بتأكّده فتعاقب شرطثان للأوّل يوجب تأكّده ولولم يقبل التأكد كالقتل فتأثير

ص: 271

غير الشرط الأوّل شأني محض، فلدى الدوران بين أحدهذه الظهورات السنة للجملة الشرطية لابدفى تحكيم بعضها على بعض من مرجّج.

وبعدما عرفت ذلك فتقول يمكن الاستدلال لمذهب المشهور القائلين بعدم تداخل الأسباب بتقريبات ثلاثة (الأّول) من طريق الظهور اللفظى بدعوى أنّه لا ريب في أنّ الشرط فى مثل إذا بلت فتوضأ ينحل إلى أفراد متعددة حسب تعدد الافراد المتصورة له خارجاً وتعدد الشرط يوجب تعدد الحكم فعقد الحمل من تلك الجملة ينحل بنفسه إلى قضية حملية مفادها كون كل واحد من تلك الافراد سبباً مستقلاً للحكم، ولذا نقول برجوع كل قضية شرطية إلى قضية حملية كما ترجع القضية الحملية أيضاً إلى الشرطية فمفاد قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) لاتشرب الخمر من جهة إنحلال الخمر خارجا إلى أفراد متعددة أنه كلما وجد شيء في الخارج وكان خمر أ كان حراماً، فمقتضى إطلاق متعلق الجزاء وإن كان تحركاً واحداً نحو طبيعي الوضوء مثلا إلا أن مقتضى إنحلال الشرط إلى أفراد متعددة، تحريكات متعددة بحسبها ومقتضاها تحرّكات متعددة نحو طبيعى الجزاء، فظهور الشرط في تعدد التحريكات أقوى من ظهور الجزاء فى وحدة التحرك لاستناد الأوّل إلى اللفظ والثاني إلى الاطلاق فيكون حاكماً عليه طبعاً ومقتضاه عدم تداخل الأسباب بل اقتضاء كل شرط جزاءاً مستقلاً بمعنى إرادة الفرد من الطبيعي بحسب أول الوجود وثانيه وثالثه، وهذا التقريب يظهر من بعض الاساطين ولعل كلام صاحب الكفاية (قدّس سِرُّهما) في تقريب عدم التداخل أيضاً يرجع إليه حيث جعل تعدد الشروط قابلا للبيانية على خلاف إطلاق طبيعي الجزاء الذي إطلاقه مستند إلى مقدمات الحكمة وعدم البيان، وإن أمكن إرجاع كل منهما إلي التقريب الآتى كما يمكن إرجاعه إلى هذا التقريب.

(الثاني) من طريق قضاء العرف بدعوى أن تعدد الأسباب يقتضى تعدّد المسببات كما أنّ إطلاق طبيعي الجزاء يقتضى وحدة المسبب، وكما أنّ تعدد الاسبب في ناحية الشرط يصلح للبيانية لاطلاق طبيعى المتعلق في ناحية الجزاء بالحمل على الفرد كذلك إطلاق طبيعي المتعلق يقتضي رجوع الأسباب المتعددة إلى واحد بأن يكون السبب هو الجامع بينها، فلا ترجيح لأحد الظهورين على الآخر إلا أنّ العرف قياساً بالأسباب العادية التي كل منها يقتضى مسبباً مستقلاً يحكم بتقديم الظهور الأول على الثاني، وهذا التقريب هو المتحصل من مجموع تقريرات الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه)

ص: 272

صدراً وذيلاً (وإن أمكن إرجاعه) إلى الوجه الأوّل بقرينة بعض تعبيرات صاحب التقريرات (قدّس سِرُّه) كتعبيره بالظهور العرفى الذى لابد أن يراد به الظهور اللفظي إذ الكاشفية تختص بمثل اللفظ ولا يتصف بها العرف، كما يمكن إرجاع كلامه إلى الدليل العقلى الآتى بمقتضى التعبير باقتضاء تعدد الأسباب تعدد المسببات ونحوه من التعبيرات بل ما تقدم عن صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) من جعل تعدد الشروط صالحاً للبيانية على خلاف إطلاق الجزاء وما تقدم عن بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) في تقريب أقوائية ظهور الشرط عن الجزاء كلاهما مأخوذان من خلال كلمات التقريرات (لكن بعد الجمع) بين الصدر حيث جعل إحدى مقدمات المطلب كون محل النزاع أعم من أن يكون دليل تعدد الشرط لفظياً أو عقلياً كالاجماع وهذا لا يناسب مع الظهور اللفظي وبين الذيل حيث قال بعد الاعتراف بأن اللفظ الواقع فى الجزاء إنما هو موضوع لنفس المهية الخارجة عنها الوحدة وغيرها من أوصاف المهية، لا ينبغى الارتباب في تعدد الأثر و التكليف إذا لوحدة لا وجه لها حينئذ إلا الاصل وهو لا يقاوم الدليل وهو ظهور دليل السببية في الفعلية ولازمها التعدد في المحل القابل والمفروض قابلية المحل أيضاً لعدم مدخلية الوحدة النوعية فى الموضوع له وبين ما ذكره من الاشكال والجواب مماحاصله إن قلت أى ترجيح لظهور الشرط علي الجزاء فلم لا يجعل إطلاق الطبيعي في ناحية الجزاء قرينة علي إرجاع الأسباب المتعددة إلى الواحد بأن يكون جامعها هو السبب قلت العرف بعد ملاحظة الأسباب العادية يحكم في الأسباب الشرعية أيضاً قياساً بتلك الأسباب باقتضاء كل سبب مسبباً مستقلاً وحمل الطبيعى على إرادة الفرديتحصل ما ذكرناه من التقريب، وإلى هذا التقريب أيضأيرجع ماذكره بعض الاعاظم (رَحمهُ اللّه) في تقريب عدم التداخل من المؤثرية المستقلة للشرط في نظر العرف، وكذا ماذكره بعض المحققين (قدّس سِرُّه) في تعليقه على الكفاية في تقريب ذلك من أنّ العرف يرى مقام الاثبات مقترناً بمقام الثبوت بمعنى كونه مرآة له فيرى تعدد الأسباب إثباتاً وفي لسان الدليل كاشفا عن تعدد المسببات ثبوتاً وفى متن الواقع قياساً بالأسباب العادية فلذا يقدم ظهور الشرط في التعدد على ظهور الجزاء فى الوحدة ولا يلتفت إلى اطلاق متعلق الجزاء المقتضى للعكس و إن أمكن ارجاع كلام كل واحد من هذين العلمين إلى التقريب الاوّل ايضا.

ص: 273

(الثالث) من طريق البرهان العقلى على ما يظهر من العلامة (قدّس سِرُّه) في محكي المختلف. بدعوى أنّ السببين لا يخلو إمّا أن يؤثّرا معافي مسبب واحد أولا يؤثّر شيء منهما أصلاً أو يؤثر أحدهما أويؤثر كل واحد منهما في مسبب مستقل، والحصر كبطلان غير الأخيرة من الصور واضح إذ تأثيرهما معا خلاف اقتضاء السببيّة في كل منهما الاستقلال بالتأثير وعدم تأثير شيء منهما خلاف أصل السببية وتأثير أحدهما ترجيح بلا مرحج، فلم يبق إلا الصورة الأخيرة وهى اقتضاء تعدد الأسباب تعدد المسببات وهو المطلوب. فان الظاهر من هذا التقريب كونه (قدّس سِرُّه) بصدد بيان الحصر العقلي في المصور الأربعة وتتميم المدعى باستحالة الترجيح بلا مرحج و اقتضاء تعدد الأسباب عقلا تعدد المسببات كما في الأسباب العادية، وإن أمكن إرجاعه إلى أحد التقريبين الاولين بجعل الاستقلال فى السببية الذي يوجب تعدد المسبب مستنداً إما إلى ظهور الشرط في لسان الدليل إو إلى قضاء العرف بعد لحاظ الجملة الشرطية، وجعل عدم الترجيح لخصوص أحد السببين في التأثير مستنداً إلى عدم قرينة له في تلك الجملة ولذا إدعى كل واحد ممن استظهرنا من كلامه واحداً من التقريبين رجوع كلام العلامة (قدّس سِرُّه) إلى ما إختاره في تقريب عدم التداخل، وكيف كان فيمكن إستخراج هذه التقريبات الثلاث من مجموع كلمات الباحثين في المسئلة بل من خصوص تقريرات الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) حيث إضطربت في المقام كلمات المقرر وإن كان المتحصل من مجموعها صدراً و ذيلاً بالقرائن التي مرت الاشارة إليها أنَّ مراد الشيخ الاعظم قدس سره هو التقريب الثاني، وأيّامّاً كان فقد ظهر مما ذكرنا أن عمدة نظر أرباب التقريب الأول إلى أقوائية ظهور الشرط في عدم التداخل لاجل الانحلال الطبعى من ظهور الجزاء في التداخل لاجل إطلاق المتعلق وعمدة نظر أرباب التقريب الثاني إلى أنّ قضاء العرف بعد لحاظ الأسباب العادية يكون بمنزلة قرينة محفوفة بالكلام كاشفة عن عدم التداخل، وعمدة نظر أرباب التقريب الثالث إلى برهان اقتضاء تعدد الأسباب تعدد المسببات عقلاً كما في الأسباب والمسببات الخارجية (فماقيل) من أنّ عمدة الاشكال في المقام إنماهو في كيفية تقديم أحد الظهورين على الآخر وذلك لم يبين في كلام القوم مع أن مجرد ربط جملة الجزاء بجملة الشرط لا يوجب تحكيم ظهور أحديهما على ظهور

ص: 274

الأخرى مالم يثبت نظر أحدهما إلى الآخر كما هو الشأن في كل حاكم بالنسبة إلى المحكوم وأنتي لنا باثبات ذلك في المقام، كما يظهر هذا المقال من تقريرات بعض زعماء العصر أقام اللّه برهانه (ليس على ما ينبغى) ضرورة وضوح كيفية التقديم بحسب کل تقریب كما عرفت فكيف يمكن إسناد عدم بيان كيفيته إليهم وإن كان أصل المدعى وهو عدم صلاحية شيء مما ذكروه لترجيح أحد الظهورين صحيحاً كما سنبينه مفصلاً إلا أن يكون مراده من كيفية تقديم أحد الظهورين ما هو الموجب للتقديم الصالح للقبول لدى أهل المحاورة ويكون بيان،مقرره قاصراً عن إفادته فحينئذ يكون في غاية المتانة بلاورود إشكال عليه.

وبعدما فرقنا كل واحد من التقريبات الثلاث عن غيره كي لا يتمسك بأحدها عند الجواب عن غيره فلنصرف عنان الكلام إلى بيان ماعندنا في تزييف كل واحد منها فنقول وعليه التكلان (أمّا التقريب) الأول ففيه أنّ ظهور الشرط أيضاً كظهور الجزاء مستند إلى الاطلاق لما عرفت في المقدمة الثانية من أن كل واحد من متلو أداة الشرط كالبول ومتعلق الجزاء كالوضوء في مثل إذابلت فتوضأ ظاهر في نفسه في الطبيعي المعرى عن كل قيد ولاجل هذه التعرية ينحلّ الأوّل في وعاء الصدق والثانى فى وعاء التطبيق إلى أفراد متعددة ولذا يكون الانحلال عقلياً لاشرعياً إذا لخصوصية التي عقدت عليها القضية حملية أو شرطية هي المدار في إستطهار مراد المتكلم وإمكان انتزاع الحملية من الشرطية وكذا العكس ليس منوطاً بظهورات الجملة، ومن المعلوم أنَّه ليس شيء من ظهورين إطلاقيين أقوى من الآخر فلا أقوائية لظهور الشرط في عدم التداخل من ظهور الجزاء فى التداخل أصلا بل هما متعارضان ولا بد في ترجيح أحدهما من التماس مرجّح خارجي (وأمّا التقريب) الثانى ففيه أنّ قضاء العرف بتعدد المسبِّبات حسب تعدد الأسباب قياساً بالأسباب العادية إنما هو في صورة قصر لحاظه بجملة الشرط أمامع لحاظ مجموع الجملة الشرطية بشرطها وجزائها كما هو دأب أهل المحاورة في عالم إستكشاف مراد المتكلم من كلامه فلا يقضى بذلك أبداً، ومنه علم ما في التقريب المتقدم عن بعض الاعاظم (رَحمهُ اللّه) من اقتضاء المؤثرية المستقلة عدم التداخل،

ص: 275

وكذا التقريب المتقدم عن بعض المحققين (قدّس سِرُّه) من حكم العرف باقتران مقام الاثبات بمقام الثبوت وتعدد المسببات حسب تعدد الأسباب قياساً بالأسباب العادية بلا إلتفات منه إلى إطلاق متعلق الجزاء، لما عرفت من أنَّ العرف بمقتضي بنائه فى عالم فهم المقاصد يلتفت الى اطلاق الجزاء أيضاً ومعه لا يحكم بعدم التداخل أصلاً (وأمّا التقريب) الثالث ففيه أنّ حكم العقل في الأسباب الخارجية يختلف باختلاف الموارد ففيما لم يكن المسبب قابلاً للتكرر كالقتل يحكم بتأثير الجامع بين الأسباب المتعددة عند تدافعها في الوجود وبتأثير خصوص الأول منها عند تعاقبها في الوجود قضاءاً لحقِّ السنخية بين العلة والمعلول التي تقتضي عدم تأثير الواحد بماهو واحد في أزيد من الواحد وعدم نشو الواحد بم_ا ه_و واح_د عن أزيد من الواحد كما أشرنا إليه في المقدمة الثانية (نعم) لو كان قابلاً للتأكّد يحكم بتأثير غير الأول من تلك الأسباب عند تعاقبها في الوجود في تأكد المسبب، فيكون كذلك حكمه في الأسباب الشرعية، وإذالم يكن للعقل حكمٌ كلىٌّ في كلية موارد الأسباب و المسببات فلا يصلح حكمه للقرينية على عدم التداخل في مفاد الجملة الشرطية(فتحصل) أنّ تقييد إطلاق متعلق الجزاء بالافراد عند تعدد الشروط بالحمل على اقتضاء أوّلها أول الوجود من طبيعى المتعلق وثانيها ثانى الوجود منه وهكذا يكون بلامقيد فليس فى الجملة الشرطية ما يوجب صيرورتها صغرى للكبرى المحاورية التي ذكرناها في المقدمة الأولي بل يبقى تعارض ظهورى الشرط والجزاء في التداخل وعدمه بحاله، ولا بدّ من الرجوع إلى الاصول العملية في كل موردِحسب ما تقتضيه في ذلك المورد.

وقد إنقدح من مطاوي ما ذكرناه أنّ ما قيل في تقريب التداخل من أنّ الأسباب الشرعية معرفات لامؤثِّرات لا يجدى لاثبات المدعي في شىء (و تفصيل) ذلك أنّ من جملة الاساطين كالأخوين المحققين صاحبى الحاشية والفصول و الفاضل النواقي قدس اللّه أسرارهم ناقشوا في كون الأسباب الشرعية مؤثرات كالخارجية بل جعلوها معرفات بما حاصله بتحرير منا أنّ العلل محصورة في أربع مادية، كالخشبة للسرير و صورية كهيئة السرير ويعبر عن هاتين بلحاظ الافتراق بالمادة و الصورة وبلحاظ - الاجتماع بالجنس والفصل وغائية هو الغرض من الشيء المترتب على وجوده خارجاً كالنوم والاستراحة على السرير وفاعلية هو الذي يرشح منه الشيء كصانع السّرير،

ص: 276

وليست الأسباب الشرعية من قبيل شيءٍ من هذه الأربعة فهي لامحالة معرفات ومن المعلوم إمكان تعدد المعرِّفات مع وحدة المعرِّف بالفتح بالحمل الشائع أعنى خارجاً ضرورة أنَّ وجود علامات عديدة لذى علامة واحد واقع في الخارج كثيراً، نعم في عالم الذهن يتعدد المعرَّف بتعدد المعرّف علي ماهو الحق من تغاير المدرك الثاني مع المدرك الأول من الشيء الواحد كما نبه عليه المحقق الزنورى أيضأفي رسالته الحملية الرابطية في مقام الجواب عن المحقق الداماد قدس سرهما القائل بوحدة المدركين فان الوجدان أقوى شاهد علي تعددهما حسب تكرر عمل الحواس الباطنة في الاخذ عن الحواسّ الظاهرة فسماع جملة زيد قائم مثلاً ثانياً يوجب قهراً إنطباع صورة منها فى الحسن المشترك فتتعدد الصور المنطبعة من تلك الجملة في الحس المشترك حسب تعدد سماعها بلا تزاحم وتضايق بين تلك الصور في عالم النفس لسعتها ولذا تكون في وحدتها كل القوى وتفصيله موكول إلي محله (وأجاب) عن مقالتهم جمع من المتأخرين كالشيخ فى التقريرات وصاحب الكفاية (قدّس سِرُّهما) وغيرهما مبنى وبناء أبما حاصله بتحرير منا أنا تمنع أوَّلاً حصر العلل في الأربع اذا لمؤثرات في تحقق الشيء خارجاً لا تنحصر فيما ذكر فانّ الفعل ربما يكون ذا الآلة كصنع السرير في لمثال حيث يحتاج إلي آلة لقطع الخشبة وترتيبها كالمنشار وربما يحتاج إلى غير الآلة أيضاً كعدم رطوبة الخشبة كي تقبل القطع ونحو ذلك من الشرائط والموانع، وشيء من ذلك غير داخل في العلل الأربع المزبورة فلم لايجوز أن تكون الأسباب الشرعية من قبيل الشرائط التي هي متممات العلة ولها تأثير واقعى فى تحقق المعلول، ونمنع ثانيألو سلمناكون الأسباب الشرعية معرّفات وحدة المعّرف بالفتح في صورة تعدد المعرّف.

أقول أما الاشكال المبنائى فالأولي تقريره بأنّ البعث أو الزجر إنّما هو فعل تكويني للمشِّرع والغاية لهذا الفعل هي الداعوية للمكلف وتحريكه في وعاء التشريع تحوفعل المبعوث إليه وترك المزجور عنه على مذاق المشهور أو عدم إستناد منع الفيض إلى الفياض المطلق على مذاقنا والسبب لاختيار المشرع المبعوث إليه للبعث نحوه كالصلاة والمزجور عنه للزجر عنه كالميسر دون العكس بعد معلومية أنّ الاحكام الشرعية ليست جزافية على مذهب العدلية إنّما هو علمه بوجود المصلحة فيما بعث إليه

ص: 277

ووجود المفسدة فيمازجر عنه على نحو طريقية العلم لاموضوعيته، بمعنى أنّ وجود المصلحة والمفسدة فيهما واقعاً سبب لعلمه بذلك بمقتضى تبعية العلم للمعلوم دون العكس، فالمصلحة الكامنة في متعلقات الاوامر كالمفسدة الكامنة في متعلقات النواهي علة وسبب للبعث بوجودها العلمى فى نفس المشرّع بالمعني الذى لا يوجب التّركُّب فى المشرع الأوّل أصلاً، وهى أيضاً سبب لانو جاد الفعل وعدم إنوجاده، في الخارج بعدة وسائط، فالأسباب الشرعية مؤثرات حقيقية وفى خلال كلمات صاحب الفصول بل والفاضل التّراقي في وجه مّا لعلّه مشير إلي التقرير المزور، وأمّا الاشكال الابنتائى فالحق أنّ مراد المستشكل لو كان ما يظهر من كلامه أعني لزوم تعدد المعرّف بالفتح خارجاً حسب تعدد المعرّف فهو متدفع بما حررنا به تقريب القائل بكون الأسباب الشرعية معرّفات من إمكان وحدة ذلك المعرَّف، ولو كان ما يمكن تأويل كلامه إليه أعنى لزوم تعدده ذهناً فهو وإن كان متينأ كما عرفت طى تقرير كلام القائل لكنه لا يضر بمدعى القائل كما هو واضح.

ثم إنّه نسب إلى الحلى (قدّس سِرُّه) التفصيل بين أفراد نوع واحد كافراد البول في إذابلت فتوضأ مع أفراد نوعين كالبول والنوم إذا ورد، إذا بلت فتوضاء وإذا نمت فتوضأ والالتزام بالتداخل في الاول وبعدمه في الثاني، ويمكن تقريبه بأن في صورة تعدد النوع يمكن القول بتأثير كل نوع فى مسبب فيتعدد المسبب حسب تعدد الأسباب طبعاً بخلاف وحدة النوع فالظاهر منه الصرف الذى ينطبق مع أول الوجود قهر أوهو غير قابل للتكرر كي يقتضى تعدد المسبب لان أفراد نوع واحد كلما كثرت وتعددت في الخارج لاتوجب تعدد الصرف بل هى بأجمعها تشكلّ حقيقة نوعية واحدة فلابد من الالتزام بتأثير تلك الحقيقة الواحدة في مسبّب واحد، وفيه أنَّ الصرف بمعناه الفلسفي أي الذي لا يتكرر عبارة عن حقيقة الشيء التي إجتمعت فيها جميع مراتب وجودذلك الشيءو كماله ولم يكن فيها شيء من مراتب فقدانه ونقصه كمانبة عليه بعض المحققين (قدّس سِرُّه) أيضأ فى تعليقته على الكفاية، وهذا غير مراد في المقام جزماً وغير صحيح وغير مربوط به قطعاً كما أشرنا إليه فى المقدمة الثانية، نعم لو أريد به الوجود السعي الموجود في الخارج بوجود أفراده فهو يناسب المقام لكنّه لا يُسجدى لإثبات المرام لأنّ السّعى

ص: 278

يتكرر باعتبار ولا يتكرر بآخر أماً عدم تكرره فباعتبار إمكان عدم لحاظ خصوصيات أفراده الخارجية وقصر اللحاظ علي الجهة الجامعة الوجودية السارية في مجموع تلك الافراد ألتى باعتبارها يكون السعى موجوداً في الخارج كما يقال الخبز موجود في السّوق فان المراد به السّعى لاخصوص صنف أو فرد من الخبز وهو بهذا الوصف موجود في السوق حقيقة، وأما تكرره فلان كل فرد خارجي يكون بحسب الواقع ونفس الامر حصة من السعي وعدم لحاظ الخصوصية المحصّصة لا يغيره عماهو عليه واقعاً ولذا لو فرض إعدام الافراد الموجودة من نوع فى الخارج ثم ايجاد أو إنو جاد أفراد أخر منه فلاريب في تكرر وجود ذلك السعى فى الخارج حيث إنعدم ذلك السعّي أولاً بانعدام جميع أفراده الموجودة خارجاً ثم إنوجد ثانياً بانو جاد أفراد أخر منه في الخارج، فبانوجاد كل فرد تنوجد حصة من السّعى و بانعدامه تنعدم حصة منه ولذا نقول كما قال أرباب فنّه إنَّ نسبة الطبيعي إلى أفراده إنّما هي نسبة الآباء إلى أبنائه لانسبة أب واحد إلي أبناء متعددة (وبالجملة) فتكرر السعى فى الخارج مما ينادى به الوجدان ويشهد به. البرهان فلو أمكن الارجاع إلى الجامع بعدم لحاظ الخصوصيات الفردية في النوع الواحد ليتحقق التداخل لأمكن ذلك بالنسبة إلى نوعين أو أزيد بعدم لحاظ الخصوصيات المنوعة بل لحاظ الجهة الجامعة الجنسية و لو لم يمكن فكذلك في الصّورتين فالتفصيل المزبور مما لا وجه له أصلاً.

ثم إِنَّ صاح صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) إستثني مما إختاره وهو عدم التداخل صورة عدم قابلية المسبّب للتكرر كما في القتل علي ما فصلناه في المقدمة الثانية فالتزم فيها بالتداخل (فاستشكل) عليه بعض محققي تلامذته في تعليقة الكفاية (قدّس سِرُّه) بانه لا معنى لهذا التداخل إذلا يخلو إما أن يراد به التداخل المفهوم ي أو المصداقي وكلاهما فاسد ان ف_انّ إلقاء خصوصيات الاسباب الذى به يتحقق التداخل لو كان ذهنأو بحسب وعاء العقد فهو وإن أمكن وصح بأن لا يلاحظ المشخصات الفردية لتلك الأسباب لكنه لا يجدى لوعاء التأثير الذى نحن بصدده وهو وعاء الخارج، ولو كان خارجافهو غير معقول إذا لتشخص عين الوجود كما أنّ الوجود عين التشخص فالقاء التشخص لا يمكن إلا بالقاء أصل الوجود ومع القائه تكون قضية التداخل وعدمه سالبة بانتقاء الموضوع

ص: 279

فالتداخل في الأسباب غير معقول فلو فرض كون كل واحدمنها جزء السبب فلابد أن يفرض المسبب مركباذا أجزاء يكون كل جزء منه معلولاً لجزء من السبب إذا لواحد بماهو واحد لا يمكن أن يترشح عن المتعدد (وفيه) أن القاء الخصوصيات المشخصة الفردية في عالم الخارج بمكان من الامكان بعد ما تقدم من تحقق السعّي في الخارج أي الجهة الجامعة الوجودية السارية فى الافراد الخارجية وتوهم) أن التشخص عين. الوجود فا لقائه مساوق لالقاء أصل الوجود وهذا خلف (مدفوع) بأنه ليس عين الوجود أبداً بل رفيقه وحدّه ضرورة أنّ تشخص كل وجود إنّما هو عبارة عن حدّه الوجودى و حظه الذي هو نهاية وجوده ومن البديهي أن الحد غير المحدود بل لازمه وعارضه، و اذا يتحقق بالنسبة إلى المجردات كالعقول والملائكة فانها موجودة في اللامكان و اللازمان ومع ذلك محدودة ولكل منها تشخص خاص وحظ مخصوص من الوجود، غاية الامر ربما يمكن معرفة تشخّص الوجود وحظه من قبل نفسه بلا حاجة إلى لوازمه المشخصة من الزمان والمكان ونحوهما نظير معرفة المجرد بالمجرد وربما لا يمكن ذلك إلا من طريق تلك اللوازم، ففرق بين تشخص الوجود مع المشخصات الفردية التى هى من لوازمه ولو كان الأول عبارة عن الثاني وعينه لما كان هناك تشخص في المجردات الموجودة فيما وراء الزمان والمكان، ومن المعلوم أنّ القاء تشخص موجود و تغيير حظه الوجودي إمّا بالزيادة كمافى إتصال قطرتي الماء وجعلهما قطرة واحدة أو بالنقصان كما في تقسيم قطرة واحدة من الماء إلى قطرتين بمكان من الامكان، ففي حال تعدد القطرتين كان هناك تشخصان فتبدلا إلى تشخص واحد كما أن في حال وحدة القطرة كان هناك تشخص واحد فتبدل إلى تشخصين، فكذلك في مثال المقام يمكن إلقاء تشخصات الأسباب المتعددة خارجاً بجعل وجودها السّعى بالمعنى الذي عرفت هو السبب.

وأمّا المقام الثاني - أعنى تداخل المسببات وعدمه لوقلنا باقتضاء تعدد الأسباب تعددها و أغمضنا عما أسلفنا من قصور أدلة القائلين بعدم التداخل عن إثبات ذلك، فالحق أنه لا أصل يقتضى التداخل أو عدمه مطلقأبل يختلف مقتضى الاصل باختلاف الموارد فتارة ينتج ما سموه التداخل وأخرى ينتج ما سموه عدم التداخل وتفصيل ذلك ذكرناه

ص: 280

في آخر مبحث نية الوضوء من كتاب الطهارة من أراده راجعه.

تنبيه : لما كان المفهوم مأخوذاً من المنطوق وفي طوله فلابد أن يوافقه فيما عدا المعلق عليه وكيف القضية أى الايجاب والسلب ففى مثل إذا جائك زيدفأكرمه يكون المنتفي في المفهوم أي القضية المعقولة المنتزعة عن تلك القضية الملفوظة أمران أحدهما المجيء الذي علق عليه الحكم ثانيهما ايجاب الحكم الذي هو كيف القضية، ولذا تعبّر عن تلك القضية المعقولة بقولنا إن لم يجئك فلا تكرمه أى لا يجب عليك إكرامه إذا الحكم المذكور في القضية الملفوظة هو الوجوب فلابد أن يتغير ايجابه إلى السلب لا أن يتبدل أصله إلى ضده كالحرمة، أما سائر الخصوصيات المأخوذة في المنطوق أى القضية الملفوظة من الزمان والمكان وسائر ملابسات الفعل كالتقييد في لمثال بيوم الجمعة أمام الامير مصاحباً مع عمرو، أو الجزئية والكلية بأن يكون الشرط أو الجزاء طبيعياً قابلاً للانحلال إلى أفراد متعددة كما في مثل إذابلت فتوضأ أولا يكون أحدهما أو كلاهما كذلك فلابد من وجودها بأجمعها في المفهوم أى القضية المعقولة المنتزعة عن الملفوظة، كل ذلك لأنّ المفهوم منتزع عن المنطوق وبمنزلة الفيء من الشيء، وهذا هو المراد بمطابقة المنطوق والمفهوم ولذا نقول بأن المفهوم ليس من النقيض في شيء حتى يجرى فيه ماذكره أهل الميزان في ذلك من أنّ نقيض السالية الكلية موجبة جزئية كما أنّ نقيض الموجبة الكلية سالبة جزئية، كما أن الانحلال في المنطوق في لمثال المتقدم ليس شرعياً حتى يرد عليه ماقيل من إستلزامه وجود إرادات غير متناهية للشارع في مورده ولأجل ماذكرنا من الطولية فلو كان في المنطوق عموم ولومن جهة وقوع النكرة فى سياق النفى كشيء في قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذا بلغ الماء قدر كرلم ينجسه شيء : إذ هو عبارة عن القذر فلوقوعه فى سياق النفي يشمل جميع أفراد القذر فيكون كذلك فى المفهوم ، فمقتضى مفهوم تلك الجملة تنجس الماء لدى عدم الكرية بكل شيءٍ قدر، لكن لا بأن يؤخذ قيد المجموعية والكلية فى القضية المعقولة المفهوم ية كما قيل كي يرد عليه إشكال أن نقيض الموجبة الكلية مثل إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شى سالبة جزئية مثل إذا لم يبلغ الماء قدر كر ينجسه شيء أى بعض أفراد القذر في الجملة لا كل شيء أى جميع أفراده، بل بأن يكون سريان الشيء بطبعه وإطلاقه في المنطوق

ص: 281

محفوظاً في المفهوم فنعبر عن ذلك السريان بقولنا كل شيء لا أنه بهذه الهيئة عبارة عن مفهوم تلك القضية فتفطن.

فصل - في مفهوم الوصف ولنمهد مقدمة لتحقيق أنّه هل للوصف مفهوم أم لا؟ على ما هو الحق من أنَّ النزاع في باب المفاهيم صغروىُّ، أم هل يكون مفهومه حجة أم لاعلي ماقيل من أنَّ النّزاع فيه كبروىّ، فأعلم أن الوصف أى العنوان الاشتقاقي لدى التحليل عبارة عن أجزاء ثلاثة مبدء فيه معنى حدثي وذات ونسبة بينهما، لكن الهيئة الاشتقاقية كالعالم قد جعلت بحسب الوضع عنواناً لنفس الذات بلالحاظ جهة النسبة والمبده فيها فالنسبة مندكّة فى مفاد الهيئة، ولذلك يقع العنوان الاشتقاقي ركناً للكلام من المبتدء أو الخبر أو نحوهما مع أنَّ المبدعأى المعني الحدثى لا يمكن أن يقع ركن الكلام فلو كانت جهة المبدء ملحوظة في ذلك العنوان بالاستقلال لماصح وقوعه ركناً، كما أنَّ لاجل عدم لحاظ النسبة فيه عُدَّ من الأسماء فلقد أجاد من عبر في مقام بيان إشتقاقات المادة بقوله فهو ضارب بعد قوله ضرب يضرب فانه إشارة إلي إنسلاخ هذا العنوان الاشتقاقي أعني إسم الفاعل عن جهة النسبة وكونه نتيجة إسناد المبدء إلى الذات، ولذا قيل بأنَّ الأخبار بعد العلم بها أوصاف كما أنَّ الأوصاف قبل العلم بها أخبار،فالعناوين الاشتقاقية من جهة الاشارة إلي الذات نظير الاسماء الجامدة فقولك أكرم هذا العالم بمنزلة أكرم زيداً من حيث المشيرية فلحاظ النسبة أو المبدء أى المعنى الحدثى فيها بالاستقلال يحتاج إلى إعمال مؤنة زائدة علي أصل مفاد الهيئة.

وبعد هذه المقدمة نقول إنّ الموصف على نوعين إذتارة يعتمد على الموصوف فيكون فضلة الكلام نظير الرجل العالم جائنى وأخرى لا يعتمد عليه فيكون ركن الكلام نظیر العالم، جائني، أمّا النّوع الثانى فلاريب فى عدم المفهوم له أعنى إنتفاء سنخ الحكم عن غير مورده لماعرفت من أن الوصف بمنزلة إسم الذات في كونه عنوان مشيراً إلى الذات فقط بحسب الوضع الهيئى، فأخذ المفهوم منه موقوف على تمامية مقدمات ثلاثة (أحداها) كون نسبة المبدع إلي الذات ملحوظة فيه في نظر المتكلم به وهذا خلاف ظاهر نفس العنوان بحسب وضعه الهيئى كما عرفت (ثانيتها) كون المبدء بعد معلومية لحاظه مستقلاً في نظر المتكلم ملاكاً للحكم وممّا له الدخل فيه وهذا أيضاً

ص: 282

يحتاج إلى قرينة خارجية وراء نفس العنوان ليست فى نفس الجملة حسب الفرض و (ثالثتها) كون ذلك العنوان بعد الفراغ عن دخله في ملاك الحكم بتمام ماله من الافراد المنصورة تمام ماله الدخل في ذلك الحكم بلادخل شيءٍ آخر فيه بنحو الجزئية أو العدلية للعنوان، وبعبارة أخرى كونه علة تامة منحصرة للحكم، وهذا يحتاج إلى الاطلاق المقامى المفقود في الجمل الوصفية، أما ما تقدم في الجمل الشرطية من الاطلاق المقامى بالنسبة إلى التعليق فهو في طول إحراز أصل الدخل للمعلق عليه في ناحية المعلق بمقتضي التعليق فى مقام الانشاء بالبيان المتقدم في محله، إذ بعد معلومية أصل الدخل وكون المتكلم فى مقام بيان ماله دخل في ملاك حكمه فعدم ذكر غير المعلق عليه مناطاً لذلك الحكم مع أن بيان ما هو الملاك من وظيفته بمقتضى الشارعية يكون كاشفاً لدى أهل المحاورة عن كونه تمام العلة المنحصرة، وهذا بخلاف الجمل. الوصفية اذ أصل لحاظ المبدء فضلا عن كونه دخيلا في الملاك خارج عن حوصلة الجملة وعن اقتضاء المقام فكيف يمكن الاخذ باطلاق المقام لاثبات مثل ذلك، نعم فيها إشعار بذلك فلنعم ماقيل من الكلمة الموروثة من قدماء أهل الخبرة من أن تعليق الحكم على الوصف مشعر بالعلية، حيث لم يتجاوزوا عن التعبير بالاشعار إلى ادعاء الظهور كي يورد عليهم بالمنع، وأنت خبير بمقتضى وجدانك أنه كما قالوا مشعر بذلك، ثم إنه لا فرق فيما ذكر من عدم الظهور في المفهوم بين العناوين الاشتقاقية الجعلية كالمشرج ونحوه وبين القياسية كالضارب ونحوه ضرورة إندكاك غير جهة الاشارة إلى الذات فيها بعد إشتقاقها الجعلى، فما ذكرناه من عدم لحاظ النسبة هو العمدة في عدم ظهور الوصف في المفهوم لاماقيل من كون مفاد العناوين الاشتقاقية هو المادة المنتسبة مضافاً إلي فساد أصل المبني كما تقدم مبسوطاً في الواجب المشروط فراجع.

ومما ذكرنا ظهر حال النوع الثانى من الوصف أى الذي يعتمد على الموصوف وأنّه ليس له مفهوم إذا المفروض كونه فضلة الكلام بلاظهور له في دوران الحكم مداره حدوثاً بأن يكون جهة تعليلية أو بقاءاً بأن يكون جهة تقييدية نعم مقتضى عدم لغوية ذكره في الكلام وجود فائدة له لكنه أعم من إفادة المفهوم ضرورة عدم انحصار فائدته في ذلك فدعوى أن بناء أهل المحاورة على عدم أخذ ما لا دخل له في الحكم في الكلام

ص: 283

مجازفة لاسيما بالنسبة إلى كلام من ليس بصدد التقنين كعموم أهل العرف الذين ليسوا في مقام إلقاء الضابط، فلو كانت هناك قرينة على العلية بأن يقول العلم شرط في وجوب الاكرام أو بقول أكرم الرجل العالم لعلمه أو نحوه مما يفيد الملاكية كما إستفدناه من الاجماع ونحوه فى مثل قلد المجتهد العادل فهو خارج عن محل النّزاع في الجمل الوصفية من أنَّ الجملة بماهي توصيفية هل تدلُّ على المفهوم أي العلية أم لا، فالقرائن المقالية أو المقامية الكاشفة عن العلية غير مربوطة بماهي ضالتنا المنشودة في الجملة الوصفية، وليس حمل المطلق علي المقيد من أخذ المفهوم من الوصف بالمعنى الاعم من العناوين الاشتقاقية في شيء، أمّا على ما هو الحق عندنا من تعدد المطلوب حتي في الواجبات فلان قضية حمل المطلق على المقيد حينئذ سمالبة بانتفاء الموضوع وأمّا على مذاق القوم من إحراز وحدة المطلوب فى الواجبات فلانّ المطلق كالرقبة فى أعتق رقبة حيث كان سريانه بحسب الافراد مستنداً إلى مقدمات الحكمة التي منها عدم بيان القيد ومن المعلوم أنّ دليل المقيد كأعتق رقبة مؤمنة يصلح للبيانية لمفهوم ذلك المطلق وتعيين مصبّ إطلاقه فهو حاكم عليه لانه ناظر الى مورده فيكون معيناً لمصبّ إطلاقه، وبالجملة فاللسان السّكوتى كما في الاطلاق المقامى بالنسبة إلى السريان لا يقاوم اللسان البياني لعدم السريان وتضييق دائرة المفهوم فلنعم ما عبَّر عنه القدماء من حمل المطلق على المقيد إذفيه إشارة إلى ما قلناه تبعًا للشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) من الحكومة التي عبرنا عنها في المقام بتعيين مصب الاطلاق، ولئن شئت عبرت عنها بالحكومة التّبيينية قبال الحكومة التفسيرية والتخصيصية، وسيأتي تفصيله في باب المطلق والمقيد إنشاء اللّه تعالى، وبذلك نجيب عن مقال من قال كصاحب الكفاية قدس سره بتقييد حجية ظهور المطلق بسبب المقيد بدعوى إنعقاد أصل الظهور له في الاطلاق وحاصله أنَّ بقاءَ الظهور المستند إلى عدم البيان موقوفٌ على عدم وصول البيان فيعد وصوله كما في دليل المقيد كيف يبقى ظهور المطلق في الاطلاق.

ثم إنّه استدل لنفى مفهوم الوصف بقوله تعالى وربائبكم اللّاتي في حجور كم وأجيب بأن الاستعمال مع القرينة فى عدم المفهوم لا يدلّ على العدم مطلقاً، واعلم أنه كثيراً ما يستدل العلماء لأمثال المقام بموارد الاستعمالات ويجاب عنهم بأنّ الاستعمال

ص: 284

أعم من الحقيقة ولقد أجابوا به عما نسب إلى السيد (قدّس سِرُّه) من أن الاصل في الاستعمال الحقيقة، لكنه ليس كما يتراءى من كلامهم فان مرادهم كشف الاستعمال عن الوضع من جهة توافقه مع الوضع بدعوى أنَّ بنا أهل المحاورة علي ذلك كما إستدل به السيد (قدّس سِرُّه) لمدعاه فجوابه نفى ذلك البناء لدى أهل المحاورة كيف وباب المجازات و الكنايات أكثر من الوضع بل هو وسيلة للوصول إلى المعاني المجازية والكنائية و لذا يكون أفصح المتكلمين وأعقلهم، أكثرهم إبداعاً للمعاني الكنائية، فبهذا المعنى يصح الجواب عن مقالة هؤلاء بأن الاستعمال أعم من الحقيقة لا بماهو ظاهره.

تذنيب _ لا يخفى أنَّ الوصف بالنسبة إلى الموصوف تارة يكون مساويا كالضاحك بمعناه المنطقى بالنسبة إلى الناطق وأخرى يكون أعم مطلقاً كالمائت بالنسبة إلى الانسان وثالثة يكون أخص مطلقاً كالفقيه بالنسبة إلى العالم ورابعاً يكون أعم من وجه كالعادل بالنسبة إلي العالم، والمراد من العموم من وجه إنما هو فى عالم الصدق دون أصل المفهوم ضرورة عدم تطرق هذه النسبة أى التباين الجزئي في عالم المفاهيم (وبالجملة) فالأوّلان من الاقسام الأربعة للوصف لا يجرى النزاع فيهما أبد أضرورة كون الحكم عند انتفاء الوصف فيهما سالبة بانتفاء الموضوع وقد عرفت أنّ انتفاء شخص الحكم لدى إنتفاء موضوعه عقلى لايقبل النّزاع، والثالث منها هو المتيقن من مجرى النزاع، أمّا الرابع منها ففي مورد افتراق الموصوف عن الوصف بمعني تحقق الموصوف بلاوصف كما فى ألغنم المعلوفة بالنسبة إلى قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الغنم السائمة زكاة، يجرى فيه النزاع وفي مورد العكس أى إفتراق الوصف عن الموصوف بمعنى تحققه في غير موصوفه كتحقق السائمة في لمثال في غير الغنم كالابل وغيره لا ينبغى النزاع فيه بحسب الصناعة العلمية ضرورة انتفاء الموضوع ومعه لاشبهة عقلا في انتفاء الحكم فلا يقبل النّزاع، لكن بحسب الباحثين في المسئلة نازع فيه بعض الشافعية فلنعم ما عبربه في تقريرات الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) من أنّ الظاهر عدم جريان النزاع فى هذا الشق من هذا القسم إذ معناه أنه إن كان بعض الشافعية معتنى به في زمرة الباحثين في المسئلة فالنّزاع موجود لكنه خلاف الصناعة العلمية كما عرفت

ص: 285

وإن لم يكن معتنى به بل كالعدم فالنزاع غير موجود أصلاً، فايراد صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) علي تفصيله في التقريرات بين الشق المزبور مع صورة كون الوصف مساويًا أو أعم مطلقا بنفي جريان النزاع فيهما والتعبير بالظاهر في غير محله.

فصل في مفهوم الغاية وقد جرت سيرة الاصوليين على البحث عن دخول الغاية في المغيا وعدمه في هذا الفصل إستطراداً وإن لم يكن دخيلاً في أصل المسئلة ضرورة عدم توقف وجود المفهوم أو عدمه للغاية على دخولها في المغيا وعدمه وإن كان دخيلاً فى توسعة دائرة المنطوق لدى دخولها في المغيا وتضييقها لدى عدم دخولها في_ه فيوجب توسعة دائرة المفهوم وتضييقها قهر أفهذا البحث الاستطرادى مفيد من هذه الجهة، وكيف كان فقدقدم الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) وجماعة من الاصوليين هذا البحث على أصل مفهوم الغاية ونحن نقتفي آثارهم فنقول (أما المقام الأول) وهو دخول الغاية في المغيا وعدمه فقد إختلف فيه النحاة قذهب نحم الائمة رضي الدين سيد نحاة الشيعة (قدّس سِرُّه) إلي الخروج وذهب جماعة إلى الدخول و فصل ثالث كالتفتاز انى بين ما كان من جنسه وغيره ورابع كابن هشام بين حتى وإلى وذهب من الاصوليين الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه)إلى الدخول وصاحب الفصول (قدّس سِرُّه) إلى الخروج ومن العجيب أنهما استدلا لمختاريهما المتباينين بدليل واحد هو حدية الغاية علي ما ستعرفه، وتحقيق المقام أن الغاية على ما صرح به في القاموس مدى الشي ونهايته وتعيينها في غاية المسافة كما صنعه التفتازاني إنَّما هو من باب أحد مصاديق الغاية فان شأن اللغوى فضلا عن أرباب المعاني و البيان تعيين موارد الاستعمال، فالنهاية التي هو المتبادر من الغاية تارة تلاحظ بالقياس إلى نفس الشيء كما في قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) إغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدمك فالغاية خارجة عن المغياً قهر أتخصصًا ضرورة أنها حدا لشيء و آخر وجوده المتصل بالعدم ومعلوم أن الشيءَ مادام شيئًا لابنتهى وجوده فنهاية وجود الشيء التي هي حدّه الذي هو خارج عن نفس المحدود ومنتزع عنه غير الشيء جزماً ولعل هذا هو مراد نجم الأئمة من خروج الغاية عن المنيا وكذا صاحب الفصول (قدّس سِرُّهما) حيث عرّفا الغاية بحدّ الشيء فهما ناطر ان إلي ماوراء الشيء، كما أنّ مثل الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) نظر إلى نفس الشيء أى المحدود ومعلوم أنّ آخر جزء

ص: 286

الشيء من الشيء فهو داخل فيه طبعا، فالقائل بالخروج كنجم الائمة وصاحب الفصول نظر إلى آخر آخر الجزء من الشيء والقائل بالدخول كالشيخ الاعظم نظر إلى آخر الجزءمنه، ففى الحقيقة لانزاع ولا اختلاف بينهما، وأخرى تلاحظ بالقياس إلى غيره وهي التي عرّفها جماعة منهم بعض المحققين (قدّس سِرُّه) فى تعليقته على الكفاية بأنّ الغاية ماينتهى عنده الشيء فيراد بالنّهاية محدّد الشيء وهو إمّا بسيط كزمان طلوع الفجر الذي حدّد به نزول الملائكة في قوله تعالى تنزل الملائكة إلى قوله حتى مطلع الفجر ولاريب في خروج مثله عن المغيّا، أو مركب ذو أجزاء قابل للتطبيق مع أول الشيء ووسطه و آخره كالكوفة في سرت من البصرة إلى الكوفة فحينئذ لابد من قرينة على المراد من الغاية وأنّه أىّ جزءٍ منها وإلا فلا ريب في خروج الغاية بأيّ معنى أريد من أوّل الجزء ووسطه و آخره عن المغيا ضرورة إرادة إنتهاء أمد السِّير وخلاصه قبل تحقق أول جزء من الغاية كالكوفة بأي معنى أريد منها (وبالجملة) فالغاية باعتبار خارجة عن المغيّا أبداً وهو إعتبار نفس النهاية بماهي - أو محدّد للشيء وباعتبار داخلة فيه أبدا وهو إعتبار الجزء الاخير من الشيء المشير إلي تلك النهاية، فبذلك يصطلح الفريقان و يرتفع النزاع من البين، ولئن أبيت إلّا عن ظهور كلماتهم في وجود اختلاف معنوى بينهم فالحق مع نجم الأئمة وصاحب الفصول من خروجها عن المغيّا لما عرفت في تحقيق معنى الغاية.

و أما المقام الثاني وهو ثبوت المفهوم للغاية وعدمه فقد اختلف فيه كلمات الاصوليين فالمشهور بينهم هو الأوّل وإختاره الشيخ الاعظم قدس سره وذهب صاحب الفصول (قدّس سِرُّه) إلى الثانى، وفصل صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) بين كون الغاية قيداً للحكم فتدل علي المفهوم أو للموضوع فلامفهوم لها ومثل بقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) كل شيء لك حلال حتى تعرف أنه حرام وقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر وستعرف مافى لمثالين (إستدل) صاحب الفصول لمدعاه بأن الغاية كالوصف انماهى من ملابسات الفعل الراجعة إلى قيود الموضوع دون الحكم فلا تدل على أزيد من تضييق دائرة الموضوع لاإنتفاء سنخ الحكم عمّا بعدها (وأجاب) عنه في التقريرات وتقيدا لاكل والشرب بأنّ لازمه تقيّد المقاربة بالطهر في قوله تعالي ولا تقر بوهن حتى يطهرن :

ص: 287

بطلوع الفجر في قوله تعالى «وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ»: وهو كما ترى (وفيه) أن تقيدها بذلك غير مستنكر حتى يكون ذلك من التوالى الفاسدة لانكار مفهوم الغاية ويصح الجواب به عن مقال صاحب الفصول (قدّس سِرُّه) ضرورة أنَّ الفعل الخارجي القابل للامتداد في عمود الزمان إذا كان مرخوصاً فيه بالطبع كالمقاربة كما يرشد إليه التعبير بالاعتزال فى قوله تعالى فاعتزلوا النساء في المحيض، يصحُّ إخراج حصة عن ذلك الفعل عن الرخصة والمنع عنها كالحصة المقصورة بين مبدء الحيض ومنتهى الطُّهر من المقاربة المستفادة من قوله تعالى ولا تقربوهن حتى يطهرن فإنَّ المقاربة المقيدة بما بين هذا المبدء وذلك المنتهى قدمنع عنها، كما أن الفعل الامتدادى إذا منع عنه ثم أخرج عن المنع حصة خاصة منه تصح توسعة دائرة الحصة المخرجة باخراج قطعة أخرى من ذلك الفعل عن المنع و الترخيص فيها كما في الصوم إذ الأكل والشرب منع عنهما في شهر رمضان ثم أخرج عن إطلاق المنع خصوص حصة ماقبل النوم منهما ثم وسع في ذلك بالترخيص في الحصة الواقعة منهما فيما بين ذهاب الحمرة وطلوع الفجر بقوله تعالى وكلوا واشربوا حتى يتبين الآية، فتقيد الاكل والشرب بطلوع الفجر كتقيد المقاربة بالظهر واقعان في الآيتين بلا محذور في ذلك أصلا فلا وجه للايراد به على مقال صاحب الفصول (قدّس سِرُّه).

وتحليل مرامه بحيث يظهر كونه في غاية المتانة وأنه المختار في المسئلة أنّ ملابسات الفعل كالزمان والمكان والوصف ونحوها لاريب في رجوعه إلى الموضوع المعبَّر عنه في لسان بعض المتأخرين بالمتعلق وكونها من قيوده وورود الحكم عليه بمعني أن رتبتها قبل رتبة الحكم المحمول على ذلك الموضوع في الكلام، ولاريب أنَّ الغاية من ملابسات الفعل فهى كالوصف راجعة إلى الموضوع ومن قيوده الواقعة قبل ورود الحكم فلا يقيد بها الحكم كما في الوصف بل غايتها تضييق دائرة الموضوع إنتفاء سنخ الحكم عما بعد الغاية أو غير مورد الوصف، وهذا بخلاف الشرط فى الجملة الشرطية فان القيد قد أخذ في جملة مستقلة بعنوان المقدم ثم علق عليه الحكم في جملة مستقلة أخرى بعنوان التّالي فلايكون من ملابسات الفعل الرّاجعة إلى قيود الموضوع بل من قيود نفس الحكم الموجب لانتفاء سنخه لدى إنتفائه (و الحاصل)

ص: 288

أنّه فرق واضح بين ورود الهيئة على المقيد كما في الجملة الغائية وبين تعليق الحكم على القيد كمافي الجملة الشرطية فان الدلالة علي إنتفاء سنخ الحكم عرفاً واضحة في الثاني دون الأوّل، أما تمثيل صاحب الكفاية (فده) لقيدية الغاية للحكم بقوله كل شيءٍ لك حلال حتى تعلم أنّه حرام أو كل شىء طاهر حتي تعلم أنّه قذر ففيه أنّ الحكم في مثلهما لما وقع في قالب الاسم كالحلية المستفادة من لفظ حلال و الطهارة المستفادة من لفظ طاهر فالغاية في الحقيقة راجعة فيهما إلى الموضوع، ومحل الكلام إنما هو فيماهو الغالب من وقوع الحكم في قالب الهيئة التي لها معنى حرفي كأكرم زيداً إلى أن يُظهر العداوة ففى أمثاله تكون الغاية من أوّل الامر راجعة إلى الموضوع لا لانها من ملابسات الفعل (فتلخص) أنَّ الحق وفاقاً لصاحب الفصول (قدّس سِرُّه) أنه لا مفهوم للغاية، نعم فى الخطابات الشرعية ونحوها من الخطابات الصادرة في مقام التقنين وضرب القاعدة لاريب في ثبوت المفهوم لكل واحد من القيود المأخوذة في الكلام وصفاً كان أم غاية أم لقباً أم غيرها بلا إختصاص ذلك بشيء خاص، لكنه غير مانحن بصدده من ظهور الجملة الوصفية أو الغائية بنفسها في المفهوم وعدمه.

فصل - في مفهوم الحصر فمن أداته كلمة إلا والكلام فيها تارة من جهة دلالتها علي حكم مخالف لماثبت للمستثي منه بالنسبة إلي المستثنى وعدمها حتى يكون الاستثناء من النفى إثباتاً ومن الاثبات نفياً و أخرى من جهة أنَّ الدلالة إن ثبتت فهل هى بالمنطوق أو بالمفهوم فهنا مقامات (أما المقام الأول) فالمشهور بين الاصوليين والمتفق عليه بين أهل الادب دلالة كلمة الأعلي ما يخالف حكم المستثنى منه للمستثنى مطلقًا كان الاستثناء من النفي أو الاثبات وفصل جماعة بينهما فالتزموا بافادة ذلك في الاول دون الثاني، وخالف الجميع أبو حنيفة فأنكر إفادة ذلك حتى في الاستثناء من النفى وإستدل لمدعاه علي ماذكره العلّامة (قدّس سِرُّه) في تهذيب الاصول تارة بقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) لاصلاة إلّا بطهور إذ لو كان مفاد إلّا : إثبات ما يخالف حكم المستثنى منه للمستثنى لكان معنى ذلك حصر الصلاة في الطهور مع أنّه أحد قيودها ولها أجزاء وشرائط أخر، وأخرى بأنَّ غاية ما يدل عليه الاستثناء رفع الحكم الثابت في الجملة للمستثنى منه عن المستثنى ساكت__اً عن ثبوت حكم آخر موافق أو مخالف لذلك الحكم عليه، وثالثة بأنّ القضية الملفوظة

ص: 289

تابعة للمعقولة وهى للخارج فاذا كان مفاد القضية الملفوظة رفع حكم المستثنى منه عن المستثنى بلا تعرض لحكم آخر عليه كما عرفت فلامحالة يكون ذلك مفاد القضية المعقولة والمراد الجدى للمتكلم فى الخارج، أمّا الأخيران من وجوه إستدلاله فمرجعهما إلى شيء واحد، هو مجرد دعوی بلا برهان هو أنّ مفاد تلك الجملة مجرد رفع حكم المستثنى منه عن المستثنى فضلا عن أنه محكوم بالبرهان المتقدم وهو إتفاق أهل الادب على ظهور الجملة في إثبات حكم مخالف للمستثني منه علي المستثنى و إستظهار العرف منها ذلك أيضاً، فالعمدة هو الوجه الأوّل وله جوابان عام هو أنَّ الاستعمال مع القرينة في غير ذلك لايدل على المطلوب وخاص هو النكتة في أمثال هذه الاستعمالات و لم نعثر علي من تفطن لها من الأصحاب عدى الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) في التقريرات باعطاء لمثال لا التصريح بها ولذا يمكن حمله على غير ذلك وإن كان الظاهر من تمثيله ما تفطنا له من النكتة، وهى أنَّ ما يتلو كلمة إلا الواقعة عقيب كلمة لا كالطهور في لمثال لو لم يكن معه حرف ربط كما في لامؤثر في الوجود الا اللّه ولافتى الأعلى ولاسيف إلا ذو الفقار بأن كان لاصلاة الأطهور لدل الاستثناء على حصر حقيقة الصلاة في حقيقة الطهور أماً مع وجود حرف الربط كما في كلية موارد إستعمال كلمتى لا و الأمثل لا صلاة إلا إلى القبلة، لاصلاة لجار المسجد الأفى المسجد، لاصلاة إلّا بفاتحة الكتاب، لا صلاة إلّا بطهور ونحوها من الاستعمالات الكثيرة فى الشرعيّات والعرفيّات، فحيث لابد للجار والمجرور من متعلق ولذا ا بعدم دخول الحرف على الحرف فلابدّ من تقدير ما يصح تعلق الجار والمجرور به من فعل أو إسم من سنخ ما في الجملة حتي تدخل أداة الاستثناء عليه، ففى لمثال أعنى لاصلاة الّابطهور لابدلباء الوصلة على لفظ طهور من متعلق من سنخ ماذكر في الجملة وليس هو إّلا الصلاة المذكورة في المستثنى منه فالمعني أنه لاصلاة إلّا الصلاة بطهور، فالمفاد تقيّد الصلاة بالطهور فلابد من فهم حقيقة هذا المقيّد أىّ الصلاة وأنَّ لها أىّ مقدار من الاجزاء والشرائط، من الخارج وإن شئت قلت إن سوق هذا الكلام إنما هو سوق بيان قيد الصلاة، فيستكشف منه بالاستلزام وجود أجزاء و شرائط أخر لهذه المهية المخترعة الشرعية فيكون مفاده أن الصلاة الجامعة للاجزاء والشرائط لاتتحقق إلّا بعد تحقق الطهور أيضاً، وبذلك يمكن إرجاع ما ذكره القوم في الجواب عن هذا الاستدلال إلى ما ذكرنا ولو بنحو من التأويل فى ظواهر كلماتهم.

ص: 290

ثم إن جماعة من قدماء الاصوليين إستدلوا لافادة إلّا ما يخالف حكم المستثنى منه للمستثنى بأنّ اسلام من تكلم بكلمة التوحيد : لا اله الا اللّه مقبول باتفاق أهل الاسلام فلو لا الدلالة علي وحدة الذات والصفات لمادلت الكلمة على خلاف معتقدات من يتكلم بها من الشرك فى الذات أو الصفات كي تكشف عن إسلامهم الواقعي بحسب عقد القلب و يقبل بذلك منهم الاعتناق بالاسلام والتسليم له، وناقش فيه صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) بامكان إستناد ذلك إلى القرينة فالاستعمال أعم من الحقيقة لكن الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) في التقريرات أفادطي تقريب ذلك الاستدلال بأن توهم استناد ذلك إلى القرينة في غاية السخافة، والحق معه قدس سره لأن الظاهر أنَّ التبادر حاقى غير مستند إلي القرينة (و قد يقال) بأن خبر لا في تلك الكلمة إما يقدر موجود، أو ممكن وعلى التقديرين لايستقيم المعنى إذعلي الأول حصر الاله الموجود فيه تعالى لا ينفى إمكان غيره وعلي الثاني حصر الاله الممكن فيه تعالى لا ينفى وجود غيره (وأجاب) في الكفاية بما محرره أن الاله في هذه الكلمة عبارة عن واجب الوجود فحصر الموجود الكذائي في اللّه تعالى يستلزم نفى إمكان غيره كما أن نفي الممكن بالامكان الخاص الذي هو سلب الضرورة عن الطرف المخالف غير اللّه تعالى لا ينافي كون الطرف الموافق أى الوجود ضرورياً له فعلى التقديرين يتم المعني (وناقش) في مقالته جملة ممّن تأخر عنه على إختلافهم في كيفية المناقشة فمنهم من أنكر ظهور الّا له في واجب الوجود بدعوى أنّه من أله بمعنى عبد فهو عبارة عن مطلق المعبود ومنهم من أنكر وجود القائل بالشرك الذاتي بين القائلين بتلك الكلمة الذين كان يقبل منهم الاسلام بذلك بدعوى أن شركهم كان في العبادة كما يشهد به قولهم في الكتاب العزيز ما نعبدهم الّا ليقربونا إلى اللّه زلفى (أقول) أمّا دعوی حصر المشركين في صدر الاسلام بالشرك في العبادة فهو رجم بالغيب إذ لا علم لنا بحقيقة حالهم من هذه الجهة لولم نقل بشهادة التاريخ بوجود الثنوية القائلين بوجود إلهين عرضيين بينهم، وأمّا دعوى عدم ظهور الاله فى غير معناه الوصفي أى المعبود فيدفعها ما أشرنا إليه مراراً من وجود أعلام وصفية في اللغات المتداولة بين أهل المحاورة بأن يؤخذ وصف ويوضع علماً لذات خاصة بلحاظ الجهة الوصفية ثم تصير هذه الجهة مندكة فيه ويكون بمنزلة أسماء الذوات من هذه الجهة فالّا له قدصار علماً وصفياً لواجب الوجود بالذّات المستحق للعبادة المستجمع لجميع الكمالات والصفات،

ص: 291

وأمّا خبر لا : فعلي القول باحتياجها إلى الخبر واستغنائه عن الذكر للانفهام من المقام كما هو مختار قدماء النحاة وقدنبه عليه المحقق القمي (قدّس سِرُّه) وهو الحق بالبرهان المذكور في باب المجمل والمبين لا ما هو مختار جماعة من متأخرى النحاة وتبعهم عليه جملة من الاصوليين من عدم إحتياجها إلى الخبر رأساً، نقول إن تقدير ممكن أو موجود غالباً ليس من جهة حصر خبرها بهما بل من جهه مناسبة أفعال العموم مع المحمولات العامة في الموارد غالباً والأفربما لا يناسب تقدير شيء منها في مورد نظير، لاصلاة لجار المسجد إلّا في المسجد حيث لا يناسب شيء من أفعال العموم مع ما اريد من هذه الجملة من نفى الكمال بل لابد من تقدير ما يناسبه وهو لفظ كاملة، ففي المقام لا يناسب شيء من أفعال العموم مع الكلمة التوحيدية حتى يشكل بماذكره ويتجسّم في مقام الجواب عنه بما تقدم بل المناسب معها كلمة مستحق بالعبادة فالمعني أنّه لا إله مستحقاً بالعبادة بالاستحقاق الذّاتي إلا اللّه تبارك وتعالي، فارتفعت غائلة الاشكال بحمد اللّه ومنه،و بالجملة فالاستدلال بموارد الاستعمالات لكل واحد من طرفي الاثبات و النّفى غير صحيح بل الأولى إستدلال المثبت بظاهر نفس الجملة الاستثنائية كما ستعرفه مفصّلاً.

وأمّا المقام الثاني فقد اختلف فيه الاصوليون فذهب جماعة إلى أنَّ دلالة الاستثناءِ علي إثبات ما يخالف حكم المستنثي منه للمستثنى بالمنطوق وإختار جماعة أنها بالمفهرم وفصل صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) بين إستناد الدلالة إلى خصوصية مأخوذة في المستثني منه قبالمفهوم وبين استنادها إلى كلمة الاستثناء فبالمنطوق (وتحقيق) المقام أنة لاريب في إحتياج الاعراب الموجود فى المستثنى إلى معنى حدثى يكون هو العامل فيه فان قلنا بتقدير معنى حدثى من سنخ ما أخذ في المستثنى منه ليكون هو المسلّط علي ذلك و العامل فيه كالمجيء فيما جائني القوم إلّا زيد أفالمعني أنه جائنى زيد فدلالة الجملة على إثبات الحكم المخالف وكون الدلالة منطوقية واضحة بلامجال ترددفيه، وإن قلنا بكون المسلَّط علي ذلك ألاعراب والعامل فيه نفس كلمة الاستثناء باشرابها معنى حدثياً نظير أستثنى أو حاشيت علي حدّ إشراب معنى ناديت في حرف النداء في باب المنادي، فحينئذ نقول إنّ الاخراج المأخوذ في حاق الاستثناء لا يمكن أن يكون من حيث الموضوع متصلاً كان الاستثناء أم منقطعاً أمّا فى الأوّل نظير ما جائنى القوم إلّا زيداً فلان إخراج زيد عن القوم لو كان بلحاظ أنّه أحد أفراد النوع فمعلوم أنّه غير خارج

ص: 292

عن الفردية للقوم بمجرد إعتبار إخراجه أو إخبار أحدبه ولو كان بلحاظ خصوصية الفردية المباينة مع خصوصيات سائر أفراد ذلك النوع فمعلوم أنه بهذا اللحاظ خارج عن القوم تخصصاً فلا يحتاج إلى الاخراج، وأمّا فى الثاني نظير ما جائني القوم إلا حماراً فلان إخراج الحمار عن القوم لو كان قبل لحاظه منهم أى لحاظ عنوان القوم علي الجماعة بلوازمهم وتوابعهم من الحيوانات وسائر وسائل معيشتهم فمعلوم انّه خارج تخصصاً غير محتاج إلى الاخراج، ولو كان بعد ذاك اللحاظ مع التحفظ عليه فهو غير ممكن، كما لا يمكن أن يكون الاخراج من حيث الحكم مع تطابق الاثبات مع الثبوت بمعنى جعل الحكم ثبوتاً على العموم في مثل أكرم العلماء الأزيد أثم رفعه عن بعضهم كزيد وإبراز ذلك الجعل الواقعي بهذه الجملة فى عالم الاثبات ضرورة استلزامه التناقض في مرحلة الواقع، ولذا قالوا بأن الاستثناء يوجب التناقض وتحير فى رفع غائلة الاشكال أرباب المعاني والبيان فافترقوا إلى فريقين فالتزم فريق يكون الاخراج قبل الاسناد بمعنى تقيّد الموضوع أولا فى عالم ايراد الحكم عليه بما عدى المستثنى كغير زيد من العلماء في لمثال ثم ايراد الحكم عليه وإسناده إليه والتزم فريق آخر يكون الاخراج بعد الاسناد بمعنى إسناد الحكم أولا في عالم الاثبات إلى العموم ثم تقييده بماعدى المستثنى باخراجه عن ذلك العموم للاشارة إلى تقيد الموضوع بغيره في عالم الثبوت، وربما يقال بالاخراج حال الاسناد بناءاً على كون مفاد الهيئة المادة المنتسبة وحيث أشرنا إلى فساد المبنى فى مبحث الواجب المشروط فكذا هذا الابتناء.

وينحصر ما يمكن أن يقال في المقام بالقولين من كون الاخراج قبل الاسناد أو بعده (فنقول) إنّ تقيّد الموضوع واقعاً وبحسب عالم الثبوت وإن كان ممكناً بأن يلاحظ الجاعل موضوع حكمه في عالم تحديده خالياً عن المستثنى وإن شئت قلت مقيداً بغيره كلحاظ العلماء فى لمثال خالياً عن زيد أو مقيداً بغيره ثم يجعل حكمه کو جوب الاكرام على ذلك الموضوع المتقيد، وكذا جعل الجملة الاستثنائية الظاهرة في التقييد مشيرة إلى ذلك التقيد الواقعي فقط بلا إثبات حكم آخر للمستثنى، إلا أن الجملة المتكفلة لاثبات هذا المعنى لدى أهل المحاورة إنّما هى الجملة الوصفية

ص: 293

نظير أكرم العلماء غير زيد أو الّا زيدٌ مع جعل إلّا بمعنى غير بلا إختصاص المستثنى باعراب خاص يحتاج إلى عامل مخصوص وراءما في الجملة ولو كان هو اشراب معنى حدثي في كلمة الاستثناء، فحينئذ تكون الخصوصية المأخوذة في المستثنى منه دالة بالمفهوم على ما يخالف حكم المستثنى منه بناءاً على مذهب العدلية من أنَّ الاحكام الشرعية ليست جزافية بل مستندة إلى ملاكات واقعية ومن هنا جعل صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) الدلالة مفهومية لدى إستنادها إلى خصوصية مأخوذة في المستثنى منه، فلابدّ من البحث في ثبوت هذه الدلالة المفهوم ية وعدمه حسب ما تقدم في الوصف، و المفروض عدم إكتفاء الجاعل بتلك الجملة وعدم صباغ مراده في قالب الجملة الوصفية بل إضافة جملة مستقلة أخرى إلى جملة المستثنى منه هى الجملة الاستثنائية أى التي تتشكل من مثل الّا زيداً في لمثال، لما عرفت من أنّه لا بد بحسب إعراب المستثني من إشراب معنى حدثى فى كلمة الّا يكون عاملاً في ذلك الاعراب فبذلك تتشكل جملة مستقلة أخرى وراء جملة المستثني منه تكون هى الجملة الاستثنائية، فاقحام هذه _ الجملة الظاهرة في بيان حكم حقیقی آخر غير ما تكفلت لبيانه الجملة الأولى في كلامه لا بدأن يكون لفائدة عقلائية محاورية في باب تفهيم المقاصد وليس هو إلا إنشاء حكم جديد مخالف لحكم المستثني منه للمستثنى، فمقتضي عدم لغوية الجملة الاستثنائية هو الدلالة على الحكم المخالف فان كان الاستثناء من النفى يدل على الاثبات وإن كان من الاثبات يدل علي النفى ومن المعلوم أنّ هذه الدلالة منطوقية إلتزامية فتلخص- أنّ الحق دلالة الاستثناء بالمنطوق على ما يخالف حكم المستثنى منه للمستثنى، و هذا كله في موارد بقاء الأعلى ظاهرها من الاخراج بلاقيام قرينة على كونها للتوصيف نظير له على عشرة الأدرهم برفع المستثنى بناءاً على لزوم تصبه في الاثبات فكلمة الا في لمثال توصيفية بمنزلة لفظ غير وإلّا فالمتبع هو ما يستفاد من القرينة.

ومن أداة الحصر كلمة إنّما بالكسر فانها ظاهرة لدى العرف في الحصر ومعناها التأليف بين شيئين كالقيام وزيد في قولك إنمازيد قائم فهي موضوعة لمعنى أفرادي تأليفى فتوهم تركبها عن إنّ وما و إستناد إفادتها الحصر إلى دلالة إنّ على معنى إثباتي بالنسبة إلي نفس الجملة وما على معني سلبى بالنسبة إلى الغير فاسدٌ لما عرفت من كونها

ص: 294

كلمة واحدة موضوعة لمعنى واحد هو التأليف بين المسند والمسند إليه، فلعل - المتوهم قاس إنما بالكسر بأنما بالفتح المركبة من أنّ وما الكافة وفي تقريرات الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) أنَّ لفظ إنّما قد أستعمل فى غير الحصر كثير أوليس في عرفنا لفظ مرادف لمعني إنَّما حتى نستكشف من تبادر الحصر منه لدينا تبادره من ذلك اللفظ لدى أهل اللغة العربية، وبهذا البيان أنكر ظهوره في الحصر لكن جوابه ما أفاده صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) من عدم إنحصار طريق إحراز المعني بوجود لفظ مرادف في عرفنا لكفاية إنسباق الحصر من إطلاق اللفظ لدى أهل محاورته فى إستكشاف المطلوب، ثم إعلم أنَّ المراد بعرفنا في كلام الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) بقرينة إقحام لفظ اللغة العربية في كلامه بعد ذلك عرف اللغة الفارسية كما فهمه منه صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) لاعرف زمانه كما توهمه بعض وأورد بذلك على مقا لهما (قدّس سِرُّهما) ثم إدعى ظهور إنما في الحصر وتحيّر في وجه ذلك فلاريب بحسب المتبادر الحاقى لدى أهل اللغة في ظهورها في الحصر أمّا أنَّ مصبَّ ذلك الحصر هو المسند أو المسند إليه فهى مجملة من هذه الجهة ولا بدفى تعيينها من التماس القرينة.

(ومنها) بلوهى للاضراب أى الاعراض عما تكلم به مطلقاً بلا كلام غاية الامر إختلاف دواعي ذلك الاضراب فانّ الداعى إليه قديكون سبق اللسان وقديكون إثبات ماهو الصَّلاح للمتكلم وقديكون الحصر وقديكون غير ذلك، وهذا كما في الامر فان مفاده البعث أبدأغاية الامر إنّ الداعى إلى البعث قد يكون هو الجد وقديكون الاختيار وقديكون التعجيز إلى غير ذلك، ومعلوم أن الدواعي غير دخيلة في حقيقة المدعو إليه فالحصر الذى هو أحد دواعي الاضراب بكلمة بلخارج عن حوصلة نفس المعنى فلا يمكن إقحامه فيه فلاطهور لها في الحصر وانما يستفاد ذلك أحياناً من القرينة الكاشفة عن كونه الداعى لاستعمال الكلمة في معناها الاضرابي (ومنها) تقديم ماحقه التأخير وهذا العنوان غير موضوع لافادة الحصر جزماً بل لاعماله في الكلام قد يكون الحصر وقد يكون الاهتمام بماقدم وقد يكون دفع ما يتوهم من تقديم الغير كالمبتدء فاذاقيل زيد فربما يتوهم أنّه يريد أن يقول أعطه درهماً فيقدم الخير كقائم لدفع ذلك، إلى غير ذلك من الدواعى المنصورة لتقديم ماحقّه التأخير وقد عرفت

ص: 295

آنفاً أن الدواعى خارجة عن حوصلة المعنى المدعو إليه، نعم في موارد حصر الداعي لذلك في الحصر يستفاد ذلك بعد كشف الداعي من القرينة، والأفنفس التقديم بما هو غير طاهر في الحصر والموارد التي تطَّلبوها أهل البديع للتدقيق في فنِّهم إنّما هى من هذا القبيل فلا تجدى لاثبات الظهور.

(ومنها) تعريف المسند إليه باللام بأن يجعل ما هو بمنزلة المسند من جهة الاستعمال في المعنى الكلى مسنداً إليه فى الكلام مع تعريفه باللّام من غير أن يكون خبراً مقدماً ويجعل ماهو بمنزلة المسند إليه من جهة الاستعمال في الذات مسنداً من غير أن يكون مبتدءاً مؤخراً مثل الانسان زيد وقد إختلفت كلمات القوم من أرباب المعاني والبيان والاصوليين في تقريب إفادته الحصر فذكر التفتازانى لذلك وجهين إحدهما جعل اللام للاستغراق فاذا قلنا الاسدريد وأردنا بذلك أنّ كل فرد فرد من أفراد الأسد هو زید فطبعاً يفيد حصر الاسدية في زيد ثانيهما جعلها للجنس ومراده بالجنس هنا ه_و الوجود السعي الموجود في الخارج بوجود أفراده فحمل زيد على الأسد بهذا المعني يفيد الحصر، وذكر صاحب الفصول (قدّس سِرُّه) لذلك وجهاً آخر هو جعل اللام للاشارة إلى أبعاض مدخولها ليفيد حمل زيد على الأسد أن الحقيقة التامة الأسدية هي زيد فقهراً يفيد الحصر، وقدلف بعض المحققين (قدّس سِرُّه) فى تعيلقة الكفاية تلك الوجوه بأجمعها في جمل مختصرة في تقريب إفادة الحصر و حاصل مقاله أن الحصر ليس مستنداً إلى كون اللام للاستغراق أو الجنس بل إلى القاعدة الموروثة من أساطين الفلسفة هي أن عقد الوضع في القضية الحملية لابد أن يكون من الذات، وعقد الحمل لا بد أن يكون من المفهوم ففى مثل الانسان زيد لابد أن يجعل ذات الانسان بمالها من الافراد الخارجية بمنزلة ذات خاصة هو الموضوع ويحمل عليه عنوان زيد بماله من المفهوم وهذا الحمل يفيد الحصر.

أقول هذه لباب كلماتهم ولا يخفى أنَّ القاعدة الموروثة المشار إليها غير مطردة جز مقهى إمّا مأولة أو غير حجة، وتحقيق الحق في المقام بماربما يظهر من خلال كلمات الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) في التقريرات ومن خلال كلمات صاحب القصه ل(قدّس سِرُّه) بتحرير وتقريب تحليلي صناعى منّا، أن هناك قاعدة أخرى موروثة أيضاً من أساطين الفلسفة هي القاعدة الفرعية أعنى ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له فمقتضى الجمع

ص: 296

بين القاعدتين بعد تطبيقهما مع ما فى الخارج كي يمكن لنا التصديق الوجداني بصحتهما وعدم التقليد في أخذ القاعدة من الغير أن يقال إن المراد بالذات التي لابد منها في عقد الوضع في الجملة بمقتضى القاعدة الأولى لا يمكن أن يكون هو الدات الخارجية ضرورة عدم ثبوت تلك الذات فى ناحية الموضوع في كثير من القضايا الحملية مع أن ثبوط المثبت له أي الموضوع ممالابد منه في صحة الحمل بمقتضى القاعدة الثانية، إذفى الحمل الأوّلى أى الهوهوى مثل الانسان كلى أوريد جزئى لا صحيص عن جعل الموضوع عبارة عن المفهوم لا الذات الخارجية وكذا فى مثل العدم معدوم أو الوجود موجود، نعم في الحمل الشايع مثل زيد عالم يكون الموضوع هو الذات الخارجية للاشارة إلي الاتحاد الوجودى خارجأ بينها وبين عنوان المحمول كعالم في لمثال، كما أنّ المحمول لا يمكن أن يكون أبدأعبارة عن المفهوم كماهو مقتضي التجمد على ظاهر القاعدة الأوني ضرورة عدم تحقق ذلك في مثل زيدزيد، فالمراد بالذات في تلك القاعدة لابد أن يكون هو الموجود في وعاء مناسب معه من الأوعية الثلاثة أى الخارج والذهن والاعتبار حتي تكون القاعدة قابلة للانطباق مع جميع الحمليات فالذات في مثل الانسان زيد أو موجود عبارة عن الوجود الذهني لانّ الكلي وعائه الذهن دون الخارج وفى مثل زيد عالم عبارة عن الوجود الخارجي لان الشخص وعائه الخارج، نعم يمكن أن يجعل المراد بالذات في مثل الانسان زيدهو الوجود السعى الموجود في الخارج بوجود حصصه أيضاً لكن عليهذا يكون ما ذكره بعض المحققين في كلامه المتقدم فى تقريب الحصر عين الوجه الثانى مما تقدم عن التفتازانى لما عرفت من أنّ مراده أيضاً من الجنس هو الوجود السّعى، و معلوم أنّ ظهور اللام في الجنس بهذا المعنى مع إحتمال كون مثل الانسان من قبیل الخبر المقدم لاكونه بنفسه مسنداً اليه محل تأمل بل منع. إلّا أن يستفاد ذلك من قرينه المقام فالحق مع صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) من أنّ ظهور تعريف المسند إليه باللّام في الحصر مستند إلى قرينة المقام لا إلى حاقّ الكلام.

فصل - في مفهوم اللقب والعدد والحق وفاقاً للمشهور أنه لا مفهوم لهما لأنّهما لايد لان على أزيد من تضييق دائرة الموضوع بلاظهور لهما في تعليق سنخ الحكم عليهما

ص: 297

على مذاق من التزم بصحة تعليق السنخ كما تقدم ولا فى تقييد الحكم بهما الموجب لانتفاء سنخه عن غيرهما على ما هو المختار تبعاً للشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) من إستحالة تعليق السنخ كما عرفته مفصلاً، نعم فى مقام إلقاء الضابط و التحديد يكون لهما كغيرهما من الوصف وأداة الحصر ونحوها المفهوم ، لكنه خارج عن محل الكلام من ظهورهما في نفسهما في المفهوم .

المقصد الرابع- فى العام والخاص فصل - في تعريف العام و أنَّ العموم هل هو وصف اللفظ أو للمعنى فنقول أمّا الجهة الأولى فقد عرّفه القدماء بتعاريف كما هو دأبهم في كل مورد وقد كثر النقض والابرام فيها طرداً وعكساً لكنك عرفت مراراً أنّ الحق كما نيّة عليه جماعة من محققى المتأخرين كالمحقق الخونسارى والشيخ الاعظم وصاحب الكفاية قدس اللّه أسرارهم أنّ تلك التعاريف حيث ليست حقيقية بل شارحة للمعرفات بالفتح ومميزة لها ببعض لوازمها المأخوذة في التعريف فلامانع عن عدم الانعكاس أو الاطراد، لا بمعنى أنّ المتعرضين للتعاريف لم يكونوا بصدد تعريف الحقيقة كما قد يتوهم من كلامهم ويورد بأنّ غرضهم تعلق بتعريف الحقيقة كيف وإذا نوبض عليهم بعدم الاطراد أو الانعكاس تصدّ و الدفعه وإثبات الاطّراد والانعكاس بل بمعني أن عباراتهم قصرت عن تعريف حقايق المعرّفات فلم يتمكّنوا من أداء ما تصدّ و البيانه بتلك العبارات فقصدوا بها تعريف الحقيقة وتحقّق خارجاً شرحها ببعض لوازمها، وهذا المراد يظهر بالتأمل في كلمات هؤلاء المحققين، وممّا ذكرنا ظهر أن المراد بكونها شارحة ليس شرح الاسم المصطلح لدى أهل الميزان وهو تبديل لفظ بما هو أوضح منه كما قد يتوهّم من كلامهم ويورد عليه بأنها ليست من قبيل شرح الاسم بل من قبيل الرسم الذى هو تعريف الحقيقة بلوازمها ولذا تريهم يذكرون من الفصول، القريبة ثم البعيدة ثم ألاجناس القريبة ثم البعيدة مهما تيسر لهم، بل مرادهم من الشرح هو التّعريف باللوازم، كما إتّضح أن مرادهم من عدم إطراد التعاريف وعدم إنعكاسها ليس لزوم عدم الاطراد والانعكاس فيها على نحو الجهة التقييدية كلما قد يتوهم من كلامهم، ويورد بأنّه لاريب في تعلق غرض المعرفين بتلك التعاريف باطرادها وإنعكاسها فكيف يكون عدم الاطراد والانعكاس مأخوذ فيها ولذا ترى أنّ

ص: 298

المستشكل على التعاريف بأنها لفظية قديختار تعريفاً بدعوى أنّه مطرد ومنعكس، بل المراد عدم الاطراد والانعكاس لها خارجاً لقصور اللوازم المأخوذة في عباراتهم عن إفادة حقايقها بما هي عليها واقعاً من الطرد والعكس فيحصل لذلك نقض غرضهم والإ فلا ريب في أنّ تلك الحقايق في نفسها مطردة ومنعكسة وفي أنّ تلك العبارات مع قطع النظر من مشيريتها إلى تلك الحقايق مطردة ومنعكسة (فتحصل) أنَّ الحق كمانية عليه هؤلاء الاساطين من المحققين (قدّس سِرُّهم) أنّه لا جدوى في التصدى لتعريف العام والخاص ونحوهما من المفاهيم الذهنية أو الامور الاعتبارية التي لاتأصل لها في الخارج لعدم التمكن من بيان تمام هوياتها فيكتفى بذكر بعض لوازمها خروجاً عن الجهل المطلق بها، وإلّا فالعرفان بتلك الحقايق إّنما يحصل للشخص بعد تحقيق حال جميع المباحث المتعلقة بها فحينئذ يعرفها لباً بلا تمكن من تعريفها لفظاً بجعل ما حصل في وعاءذهنه من العرفان بها في قالب لفظ مفهم لذلك.

وأمّا الجهة الثانية، فقد إختلف فيها الاصوليون فجعل العموم بعضهم وصفاً للمعنى نقله السيد عمیدالدین شارح تهذيب الاصول للعلامة عن السيد المرتضى و السيد البصرى وغيرهما من القدماء قدس اللّه أسرارهم، وبعضهم وصفاً لللفظ نقل عن القدماء والمتأخرين وبعضهم وصفاً لللفظ باعتبار المعنى (والحق) انه يمكن أن يكون وصفاً للمعني إذا لقابل للمشريان واقعاً بحسب جوهر ذاته هو المعنى دون اللفظ فان الصورة المعقولة المنتزعة عن الوجودات الخاصة الخارجية بعد إلقاء خصوصياتها وتجريد الصورة المعقولة عنها تكون في وعاء الذهن قابلة للتطبيق على كل واحد من الوجودات الخارجية حتى ما يتصور أن يتحقق بعد ذلك ولا معنى للعموم والسريان إلّا هذا وهو المسمى فى لسان أهل الميزان بالكلى المنطقى، كما يمكن أن يكون وصفاً لللفظ من جهة كونه قالباً لذلك المعني ومشيراً اليه ولذا يكون وصفاً بحال المتعلق لانفس الموصوف فالاختصاص بوصف اللفظ كما زعمه بعض في غير محله، استدل للقول بكونه وصف اللفظ بأمرين (أحدهما) أنّ معنى العام كزيد وعمرو وبكر و غيرها من أفراد العلماء موجودة في الخارج فكيف يكون عاماً، وقد أعاننا السيد شارح تهذيب الاصول بالجواب عنه بأنّ المراد بالمعنى الموصوف بالعموم ليس

ص: 299

مصاديق العام كزيد وعمرو ونحوهما من أفراد العام وإنما هو المفهوم المنتزع في - الذهن عن تلك الافراد الخارجية وهذا المفهوم كعنوان العالم مثلا عام بلا إشكال فالوصف له لا للفظه (ثانيهما) أنَّ الظاهر من توصيف العام بالعموم كالعلماء توصيف اللفط به دون المعنى (وفيه) أن اللفظ أبدأ سواء كان لفظ العام أو الخاص شخص فلا يعقل أن يكون العموم وصفاله بنفسه نعم يمكن أن يكون وصفاله بحال معناه ألذى هو بمنزلة متعلقه كما عرفت، ثم إنك حيث عرفت وجود النزاع حتي بين القدماء فانكار ذلك خلاف المشاهد.

فصل قدقسم الاصوليون العموم إلى إستغراقي وبدلى ومجموعي، والتحقيق أنّ هناك جهات من البحث لا بد من التميز بينها تمهيداً للوصول إلى ألمقصد (منها) أنّ مفهوم العام في جوهر ذاته هل يكون قابلاً للانقسام إلى هذه الاقسام الثلاثة أم لا وهل يمكن الصلح العمومي بين المنازعين في هذه الاقسام والتوفيق بين كلماتهم بما يطابق الواقع ويشهد به الوجدان والبرهان وكلما وجدنا من مقالاتهم مخالفاً للواقع ويشهد به الوجدان والبرهان وكلما وجدنا من مقالاتهم مخالفاً للواقع أو البرهان أشرنا إلي ما فيه أم لا يمكن (ومنها) أنه هل تكون هناك الفاظ خاصة أو هيئة خاصة مشيرة بالاستقلال وبحسب الوضع الافرادى إلى كل واحد من هذه الاقسام أم لا (ومنها) أن المعنى الحرفي كيف يؤخذ إسمياً (أمّا الجهة الاولى) فنقول إنَّ الشيء لا يقبل الانقسام إلى نفسه وغيره فمفهوم العام في جوهر ذاته مع قطع النظر عن إنضمام خصوصية معنی آخر إليه فى عالم التطبيق على المصاديق وجعله موضوعاً للحكم في الجملة إنشائية كانت أم خبرية الذي هو عبارة عن السعة والشمول بسيط، فلا يمكن تقسيمه إلى شيء من الاقسام الثلاثة بأن تكون خصوصية كل واحد من تلك الاقسام مقومة لحقيقة ذلك المفهوم بحيث لولا تلك الخصوصية لما كان لذلك المفهوم تقوم ذاتاً وتحقق خارجاً أما الاستغراق فلانّه عبارة عن الشمول الذي عرفت أنّه حاق مفهوم العام فكيف ينقسم العموم إليه مع أنَّ الشيء كما قلنا لايقبل الانقسام إلى نفسه وغيره فلحاظ الاستغراق غير دخيل في قوام مفهوم العام أى العموم برهاناً لما عرفت و وجداناً لما نرى من تحقق الشمول في ضمن الالفاظ المفيدة له مع قطع النظر عن ذلك اللحاظ

ص: 300

نعم إنّما ينضم لحاظ الاستغراق إلى مصداق العام خارجاً كبعض الالفاظ المفيدة للعموم نظير العلماء في عالم التطبيق مع الافراد من جهة الموضوعية لحكم خاص خبرياً كان كما في قولك جاء العلماء أم إنشائياً كما في قولك أكرم العلماء للاشارة إلى أنّ مفهوم العام بماله من السعة الذاتية مراد جدى للمتكلم في هذه الجملة بلا ورود قيد عليه وهذا كما ترى غير مربوط بحقيقة المفهوم في جوهر ذاته، وأمّا البدلية فهى خصوصية حاصلة لمصداق العام نظير الرجل في أثر إنضمام معنى ما آخر إليه ه_و إشتراط عدم فرد آخر عند وجود كل واحد من أفراد ذلك العام، فانضمام شرط الوحدة إلى مصداق العام كرجل الذي يفيده تنوين التنكير في رجل هو المحقق للبدليّة أي التضييق بالنسبة إلى السعة التى هي حقيقة مفهوم العام، فالبدلية تضييق لسعة دائرة المفهوم لا تقسيم له إليها وإلى غيرها بأن تكون الخصوصية البدلية مقومة لنفس المفهوم كيف وقد احتيج إفادة الخصوصية إلى دالٍّ آخر كالتنوين الذي هو إعراب الكلمة و لذا يقوم مقامه لفظ مستقل كلفظ واحد بأن يقال إئتنى برجل واحد، ومن البديهي أنّ تعدد الدال يوجب تضييق دائرة المدلول لتعدده ولذا يكون الحاصل من ضم مفهومين أضيق دائرة من مفهوم واحد، فهذه الخصوصيات ناشئةٌ من تعدد الدالّ خارجة عن جوهر مفهوم العام فتوصيف العموم بالبدلي في غير محله ولاجل فساد هذا التوصيف عبّر بعضهم عن ذلك بالفرد المنتشر مع أنّ توصيف الفرد بالانتشار الذى هو الشمول والعموم أيضاً غير صحيح، كما أن فرار بعض الاساطين عن هذين بتوصيف البدلية بالعموم غير مستقيم كما ستعرفه مفصلاً، وأما المجموعية فهي عبارة عن لحاظ الوحدة في الكثرة فطبعاً خارجة عن حقيقة المفهوم وليست وصفاً للعموم (فتلخص) أنّه تقسيم لا يصحّ حقيقة مفهوم العام في جوهر ذاتها إلى شيءٍ من الاقسام الثلاثة لو أريد بالتقسيم التقويم ودخل خصوصيات الاقسام في قوام المفهوم ، نعم لو أريد التقسيم بلحاظ موضوع الحكم بدعوى أنّ ما يفيد الاصولي في عالم الاستنباط لما كان هو ما أريد مما أخذ موضوعاً للحكم في الجمل فيصحّ تقسيم العام المأخوذ في موضوع الحكم بلحاظ تطبيق___ه مع المراد الجدى للمتكلم إلى إستغراقي وبدلى ومجموعی فهذامتين جداً ولا مجال للايراد عليه باستلزامه عدم صحة ذلك التقسيم فى غير الجمل الانشائية المتكفلة

ص: 301

للاحكام الشرعية، ضرورة عدم إشعار فى كلام المقسم باختصاص ذلك بما إذا كان المحمول في الجمل إنشائياً بل يعم ما إذا كان المحمول فيها خبرياً.

وبطرز آخر يمكن تنويع هذه الجهة إلى مقامات ثلاثة (الاول) أنَّ مفهوم العموم الذى هو الشمول والسعة غير قابل بجوهر ذاته للانقسام إلى الاقسام المعهودة لانّ هذا المفهوم بنفسه من المفاهيم العامة العرضية البسيطة والاستغراق نفس الشمول فكيف يمكن أن يقال إنَّ الشمول إمّا شمول أو غيره فمع سلب الشمول عن حقيقة مفهوم العموم يلزم سلب الذاتي عن الذات وهذا غير معقول ومع التحفظ على ذانى المفهوم الذى هو الشمول يلزم تقسيم الشيء إلى نفسه وغيره وهذا أيضا غير معقول، وإذا كان الشمول ذاتياً لمفهوم العموم فكما لا يعقل تقسيمه إلى الاستغراقي فكذلك إلى المجموعي الذي هو لحاظ الكثرة في الوحدة وإلى البدلى الذى هو سد العموم و المنع عنه بلحاظ ألوحدة فيه، نعم يمكن تقييد المفهوم بأحد القيدين لكنه خارج عن حقيقة المفهوم ، فهو بجوهر ذاته غير قابل للانقسام إلى تلك الاقسام (فان قلت) أليس من الفاظ العموم من الموصولة وما الموصولة وأىّ واليست الأوليان دالتين بمفهومهما على العموم الاستغراقى والأخيرة على العموم البدلى فكيف تقول بعدم قابلية مفهوم العموم للانقسام إلى هذه الاقسام وهل هذا الأشبهة في مقابلة البديهة فان أدل الدليل على إمكان الشيء وقوعه (قلت) كلّا إّنها ليست من الفاظ العموم أبدا فلم توضع لذلك أصلا إذا لعموم معنى حدثى وهذه الالفاظ إنّما وضعت للذات المبهمة بالوضع الافراد ادى فتوهم كونها من الفاظ العموم خلط بين العمومات مع المبهمات، غاية الامر أنَّ صلتها حيث تختلف باختلاف الموارد والأغراض فيختلف بذلك ما ينطبق عليه تلك الذّات المبهمة التي تدل عليها الالفاظ المزبورة ومنه يحصل الأوجه الخمسة التي ذكرها النحاة لاىُّ فهى معان جملية قد خلطها بعض الاصوليين بالمعاني الافرادية فتوهم وضع نلك الالفاظ لها (وبالجملة) فصلة تلك الالفاظ قد تكون بحيث تعيّن تلك الذات المبهمة إمّا فى الشخص كما في أيها الرجل ورأيت من أكرمك اليوم ونحو ذلك أو فى العموم كما في جائنى من كان في المدرسة واكرم أىّ رجل سلّم عليك و أيَّاما تدعوا فله الأسماء الحسنى، وقد تكون بحيث لا تعمنها بل توجب خروجها عن

ص: 302

الابهام بتطبيقها على فرد منكر مثلاً كما في رأيت رجلا أىَّ رجل و مررت بمن معجب بك، ففيما كان من قبيل الأول تسمّى الجملة التالية صلة حيث توجب تعريف الموصول وفيما كان من قبيل الثانى تسمى وصفاً حيث لا توجب تعريفه بل زيادة صفة له والحاصل أنّ الذّات المبهمة التي وضع لها اللفظ قابلة ببركة الصلة بمعناها الاعم الشامل للصفة للانطباق على العموم وغيره ومعه كيف تكون من الفاظ العموم بل الوجوه المختلفة التي ذكرت لها من الموصولة و الموصوفة ونحوهما إنماهي باعتبار ما يستفاد من الجملة التي دخلت عليها تلك الالفاظ لا باعتبار نفسها فبهذا ينبغى أن يجاب عن الاشكال المزبور لابماذكره في هامش الكفاية من عدم قابلية العموم بنفسه للانقسام إلى تلك. الاقسام لامكان المناقشة في هذا الجواب بأنَّه بعد تسليم كون العموم البدلى مأخوذاً في حاق مفهوم أىُّ كيف لا يمكن تقسيم العموم إليها، ولا بما ذكره بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) من عدم إنصاف العام بالبدلية بل إنصاف البدلية بالعموم إذ البدلية قابلة للانطباق علی فردین أيضأ فكيف يصح توصيفها بالعموم.

الثانى - أنّ مفهوم العام كمفهوم لفط العلماء وغيره من المفاهيم العامة الموضوع لها الفاظ خاصة بنفسه مع قطع النظر عن وقوع اللفظ في ضمن جمل إسنادية خبرية أم إنشائية غير قابل للانقسام إلى الاقسام المزبورة، لانّ عموم لفظ العلماء مثلا ليس لاجل مادة العلم وعموم مفهومها ولا لأجل أفراد العالم الموجودة في الخارج بل لاجل حيث إنطباق اللفظ بماله من المعنى على كل واحد من الافراد الخارجية المنصورة له، وهذا الحيث بنفسه معنى بسيط من المفاهيم العامة العرضية التي يكون ألشمول و الاستغراق ذاتياًلها فلا يعقل إنقسامه إلى الاقسام المزبورة، ولحاظ الانقسام فيه إنَّما هو بانضمام قيد خارجي على نحو تعدد الدال والمدلول، فمفهوم العام مشترك مع مفهوم العموم من هذه الجهة.

الثالث - أنّ العام إذا وقع في جمل إسنادية خبرية مثل جائنى العلماء أو إنشائية مثل أكرم العلماء فلابد أن يلاحظه المتكلم في عالم جعله موضوع حكمه بأحمد أنحاء ثلاثة، أى الاستغراقي والمجموعي والبدلي ضرورة استحالة إهمال الموضوع واقعاً وفي نفس الامر من جهتها بمعنى أنّه لا يخلو إما أنّ يلاحظ المتكلم العام بماله من الافراد

ص: 303

المتصورة موضوعاً للحكم المسند إليه فى الجملة فيكون إستغراقياً وبذلك يتبدل الكلى المنطقي إلى العام الاصولي، أو يلاحظه على نحو فرض أفراده الكثيرة فرداً واحداً وجعل هذه الهيئة المجموعية موضوعاً لذلك الحكم فيكون مجموعياً من قبيل لحاظ الكثرة فى الوحدة، أو يلاحظه على نحو فرض كل فرد من أفراده حال عدم غيره و جعل هذه الوحدة البدلية موضوعاً لذلك الحكم فيكون بدلياً من قبيل لحاظ الوحدة في الكترة، فوعاء الارادة الجدية الذى هو وعاء ايراد الحكم هو وعاء الانقسام إلى هذه الاقسام وهذاهو مراد صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) من صحة تقسيم العام بلحاظ تعلق الحكم إلي الاقسام المزبورة إذا لمراد بالحكم هنا هو الاسناد لا خصوص المحمولات الشرعية كما قدسمّى به فى لسان أهل الميزان حيث عبّروا عن التصديق بالحكم،و يشهد بذلك كون المقام مقام بيان خروج هذه الاقسام عن حقيقة مفه_وم العام وأنّ خصوصياتها وراء ذلك المفهوم ومستندة إلى لحاظ محمول ما للعام وكون محل النزاع في المسائل الاصولية أعمّ من الاحكام الشرعية والعرفية، كما يشهد به أيضاً تمثيل صاحب الفصول (قدّس سِرُّه) لكون هذه الاقسام بلحاظ الحكم بجملة خبرية غير مربوطة بالاحكام الشرعية نظير جاء العلماء، فهذه القرائن الثلاث من الداخلية و الخارجية تشهد بأنّ المراد بالحكم في المقام مطلق المحمول خبريًا أم انشائياً شرعيا أم عرفياً.

كما أنّ المراد من كون تلك الاقسام بلحاظ تعلق الحكم ليس نشوها من ناحية ورود الحكم حتى يقال باستحالة دخل المتأخر وهو الحكم في حقيقة المتقدم وهو إنقسام موضوعه إلي الاقسام، بل المراد كما أشرنا إليه انّما هو إنقسام العام فى عالم لحاظه موضوعًا للحكم إلي تلك الاقسام فيكون قبل ايراد الحكم على موضوعه و بلحاظه، ولئن أبيت عن ظهور كلام صاحب الفصول قدس سره في هذا تصريح كلام مثل صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) كون التقسيم بلحاظ تعلق الحكم وهذا غير نشوء التقسيم من قبل الحكم (ودعوى) عدم إنحصار لحاظ هذه الاقسام في العام بلحاظ تعلق الحكم ضرورة إمكان لحاظها في نفس العام مع قطع النظر عن لحاظ تعلق الحكم مدفوعة، بأن المراد ليس إنحصار إمكان لحاظ تلك الاقسام بصورة لحاظ تعلق الحكم كي يمكن

ص: 304

الاستشكال فيه بعدم الانحصار وإمكان اللحاظ باستقلال، بل المراد بيان خروج هذه الاقسام عن مفهوم العام وكونها وراء حقيقة ذلك المفهوم وحيث أن لحاط شيء من عاقل لا بد أن يكون لفائدة فراراً عن اللغوية فالمصحح للحاظ هذه الاقسام في العام إنّما هو وقوعها في محل ايراد الحكم، فمجرد إمكان لحاظتلك الاقسام مالم يكن له مصحح لا يوجب صدوره عن العاقل، ولو أراد مدعى عدم الانحصار أنّ مجرّد إمكان لحاظ تلك الاقسام في نفس العام دليل على قابلية مفهومه للانقسام إليها فمعلوم أنّه أوّل الكلام مضافاً إلى ما عرفت من عدم تعقل هذا الانقسام.

وأّما ألجهة الثانية - وهى أنَّه هل هناك الفاظ خاصة مستقلة قد وضعت بوضع إفرادي للاقسام الثلاثة من العموم سواء إشتملت على معنى إسمى مثل من وما وأىُّ الموصولة وماذا، ونحوها مماذكره الشهيد في تمهيد القواعد أو حر في مثل كل وأىُّ بناءاً على كون معناها حرفياً، أو الفاظ خاصة غير مستقلة قد وضعت لذلك كهيئة اللّام أم لا فنقول ان الحق عدم وضع شيءٍمما ذكر على ذلك بالوضع الافرادى، أمّا الالفاظ المستقلة المتضمنة للمعني الاسمى فلانها كما أشرنا إليه في المقام الأول من الجهة الاولي وضعت للذات المبهمة والعموم وصف ولو كان في قالب العناوين الاشتقاقيه مثل العالم لما عرفت من أن العموم المأخوذ في مفهومه عبارة عن حيث إنطباقه الذى هو بنفسه مفهوم عام بلا دخل للذات في ذلك فكيف يجتمعان، فبين أسماء الذوات كهذه الالفاظ وبين المعنى الوصفى كالعموم بون بعيد فكيف يعقل وضع الاول للثاني؟، مع أنّك عرفت أنّ الذات المبهمة الموضوع لها تلك الالفاظ قابلة للانطباق على الفرد أو تقييدها بقيود توجب انحصارها في الفرد فكيف يمكن وضع مثله للعموم الذى من طبعه الشمول مضافاً إلى أنَّ تعريف تلك الموصولات وخروج تلك الذّوات المبهمة عن الابهام إنّما هو بتوسط صلتها ولذا قد تخرجها عن الابهام بتطبيقها على مفرد نكرة كما عرفت سابقاً فمثل هذا المتوغل في الايهام القابل للانطباق مع الفرد المتحصل بتبع تحصل الصلة كيف يعقل وضعه للعموم فهذه الوجوه التي ذكرها ألنحاة كوقوعها موصولة تارة وموصوفة أخرى وإستفهامية ثالثة وهكذا إنماهى معانٍ متحصِّلة من مجموع الجملة من الموصول والصلة، غاية الامر أسندت إلى هذه الالفاظ باعتبار استعمالها

ص: 305

في تلك الجمل الاستفهامية والوصفية وغيرهما وليست من المعاني الافرادية لتك الالفاظ، كيف وشأن النحاة إنّما هو بيان الاعراب المفهم للمعاني أعم من كونها جملية أو افرادية فلقد أوقع بعض الاصوليين فى وهم كونها معاني افرادية للالفاظ المزبورة إسنادها في كلمات النحاة إلى هذه الالفاظ بالاعتبار المزبور حتى أنّ صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) بعدما أنكر بمقتضى الصناعة العلمية قابلية نفس العموم بمفهومه للانقسام إلى الاقسام المزبورة قدوقع فى هذا الوهم بالنسبة إلى مثل لفظ أي في هامش الكفاية، والدليل البارز علي ما ذكرنا من كون وجوه المعانى المسندة في النّحو إلى هذه الالفاظ معاني جملية لا افرادية هو عدّهم من تلك المعاني وقوعها زيادة في الكلام إذمن البديهي أنّ وقوعها زيادة ليس مستنداً إلى الوضع الافرادي.

وأمّا الالفاظ المستقلة المتضمنة للمعني الحرفى مثل كلّ وأىّ بناءاً على اشتمال أى للمعنى الحرفى فلانّ لفظ كل سورٌ محيط بمدخوله فهو للاشارة إلى إستيعاب مدخوله كائناً ما كان من العام وغيره ولذا يحتاج شمول المدخول إلى جريان مقدمات الحكمة فيه، وبالجملة فلا ريب أنّ كل ناظر إلى جهة التطبيق فافادته إستيعاب المدخول لا تخلو إمّا أن تكون بلحاظ لفظ المدخول وهو معلوم العدم أو تكون بلحاظ مفهومه وهو غير صحيح إذا لعموم إنماهو من طبع مدخوله إذا كان جنساً كالعالم أو تكون بلحاظ تطبيق المدخول مع مصاديقه ومن المعلوم أن تطبيقه كما يكون على أزيد من الواحد نظير أكرم كل عالم كذلك يكون علي الواحد نظير كل مافي الكيس درهم واحد بل لفظ كل كثيراً ما يدخل على الموصولات نطير من وما التي عرفت كونها من المبهمات القابلة للانطباق علي الواحد والكثير فكيف يكون هذا اللفظ موضوعًا للعموم، فان قلت فما فائدة الاتيان بلفظ كلّ حينئذ قلت التأكيد كما في مثل أجمعون وأكتعون من الفاظ التأكيد، وأمّا أىُّ بناء أعلى حرفية معناها فلانها حينئذ للترديد القابل لان يقع بين الاثنين فمازاد نظير : أيّما الأجلين قضيت فلا عدوان علىَّ : هذه كلها حال الالفاظ الاستقلالية، وأما الهيئات كاللّام أو الجمع المحلّي بها، بناءاً على إفادة مفرده العموم فهى أوضح من تلك الالفاظ من جهة عدم الوضع للعموم أصلاً لانها مشيرةٌ إلى ما أريد من مدخولها إجمالاً وليست معينة للمراد منه، فلو لم يكن هناك عهد

ص: 306

ذكرى أو ذهنى أو إشارة خارجية بالنسبة إلى مدخول اللّام يوجب تعيين المراد منه بأن يقال مشيراً إلى الحاضر فى المجلس أوصيك بهذا الرّجل، لا تفيد اللّام شيئًا ولا يخرج المدخول عن الاجمال أصلا، وهكذا بالنسبة إلى الجمع المحلى باللام كالعلماء فتعيين المراد منه من كونه ثلاثة كما هو أقل الجمع أو أزيد يحتاج إلى القرينة ولو كانت هي مقدمات الحكمة، وأمّا المركبات مثل الجميع والمجموع فلا المادّة الموجودة فيها أعنى [ج،م،ع] تدل بمفهومها على العموم إذ معناها الانضمام وهو غير الشمول ولانفس الهيئة موضوعة بالوضع النوعى لذلك لان معنى هيئة فعيل كما في الجميع بحسب الوضع القياسي هو إتّصاف الذات بهذا المبدء كما أنّ معني هيئة مفعول كما في المجموع هو ورود المبدء علي الذات بل الجامع بين تلك المادة وهذه الهيئة والتركيب بينهما يفيد العموم ولذا يختلف نحوه باختلاف الهيئة فالجميع يفيد الاستغراقية والمجموع يفيد المجموعية وهذا غير وضع الهيئة افراديًا للعموم كما هو محل النزاع، نعم لو إقتنع أحد في مقام تفسير ألوضع للعموم بافادة جملة للعموم فله ذلك ولا مشاحَّة في الاصطلاح لكنّه خلاف المتنازع فيه من وجود الفاظ موضوعة بالوضع الافرادى للعموم وعدمها، وسيأتي لذلك مزيد توضيح.

تنبيهات لدفع اشكالات (الاوّل) قد عرفت أنَّ الاستغراقية و المجموعية و البدلية خصوصيات خارجة عن حاقِّ مفهوم العام حاصلة في ناحية مصداقه كالعلماء مثلاً بلحاط تعلق الحكم به فالاستغرافية إنَّما هى مستفادة من مقدمات الحكمة في مثل أكرم العلماء والمجموعية تفهم من زيادة قيد فى الجملة يكشف عن لحاظ ألكثرة في ظرف الوحدة في مثل أكرم مجموع العلماء والبدلية تستفاد من الاعراب الموجود فى الكلمة كالتنوين فى أكرم عالماً حيث يكشف عن لحاظ قيد ألوحدة في الكثرة، فانقدح بدلك ضعف ماقيل من أنَّ الفرق بين العام الاصولى مع الكلى المنطقى هو إمكان لحاظ الاستغرافية والمجموعية والبدلية في حاقِّ المفهوم في الاول دون الثانى لأنّ هذه اللحاظات كما عرفت خارجة عن حاق المفهوم منضمّة إلى مصداقه فى عالم الموضوعية للحكم فمجرد إنضمام لحاظين لا يوجب تقوّم الملحوظ ألاوّل بالقانى كي يفترق به العام الاصولى عن الكلى المنطقى، بل يتشكّل العام الاصولى من تطبيق

ص: 307

مدخوله، ولاجل لحاظ ذلك المعنى إسمياً فيه يقع ركناً في الكلام كالمسند إليه فيقال ألكلّ للاستيعاب كما يقال من الابتداء و في للظرفية، فاذا أضيف إلى الغير يفيد جهة الحرفية كما في أكرم كل عالم، فاندفع بذلك ما قيل من أنَّ كل، كيف يكون إسماً مع كون معناه حرفيا حيث عرفت أنّ المعني الحرفي قدلو حظ فيه إسميَّا، كما إندفع ماقيل من أنَّ معناه إذا كان إسميًا فكيف يكون أداة حيث عرفت أنَّ كونه أداة إِنَّما هو بلحاظ حال إضافته التي تفيد جهة ألحرفية، وإنكشف أيضا أنَّ كلّ لا يفيد المجموعية لمدخوله كما توهم بل الاستغراقية، وقد تبيّن بهذا التنبيه حال الجهة الثالثة من البحث في هذا الفصل وهى أنَّ المعنى الحرفي كيف يؤخذ إسميا؟

(الثالث) قد عرفت أنَّ العام هو ما يكون في طبع مفهومه السِّريان إلي أزيد من واحد فالمحصور بين الحدين الذي يكون محدّده عامّاً ليس من العام في شيئي وذلك مثل العشرة فانه محصور بين المبدء والمنتهى فمفهومه بنفسه بسيط لا يتعدى، نعم الواحد الذى هو محدد العشرة ومشكلها إذ من تكرره تحصل العشرة لما كان سيّالاً سارياً في آحاد العشرة يكون عامّاً، وكذلك جميع عناوين الاعداد فمفاهيمها بسيطة لاتتجاوز حدودها المعينة ومحدِّدها أى ألواحد الساري في آحادها هو العام، وهذا كما في اليوم والليلة فان كل واحدٍ منهما محدود بين المبدء والمنتهي كالفجر إلى ذهاب الحمرة لليوم وعكسه الليل، فمفهومهما بسيط لايتجاوز حده ألمعين لكن الآن السيال ألذى يشكلهما يكون عاماً ولاجل ذلك عبر عن العام الاستغراقي با لحركة القطعية بلحاظ سريانه في أفراده وعن العام المجموعى بالحركة التوسطية بلحاظ كونة محصوراً بين المبدء والمنتهى.

(الرابع) قد عرفت أنّ لفظ كل وضع للاشارة إلي إستيعاب مدخوله وأنّ الاشارية والمرآتية التي هو معنى حرفي وإن أخذت في حاقِّ معناه ولذا يكون أداة لكن قدلو حظ ذلك المعنى إسميّاً فى عالم وضع هذا اللفظ وتبرز جهة الحرفية في صورة الاضافة، فمفاد كل إنما هو الكشف عن وجود السعة في ناحية مدخوله لكن بنحو الابهام القابل للانطباق على خصوص ما أريد من المدخول جداً و بحسب

ص: 308

الكلى المنطقى على ما في الخارج من المصاديق و لحاظه كذلك موضوعا للحكم بأحد الأنحاء الثلاثة، كما إنقدح به فساد ماذهب إليه بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) من أنَّ العام لا يكون بدليّاً بل ألبدلية تكون عامة مستشهداً بوحدة الحكم، فان مجرد وحدة الحكم لا توجب البدلية كيف ووحدة الحكم موجودة في الاستغراقي والمجموعي أيضاً، فلو كان ذلك يمنع عن إنصاف العام بالبدلية فلابد أن يمنع عن إنصافه بالقسمين الأخيرين و لو كان يوجب إتصاف البدلية بالعموم فلا بد أن يوجب إتصافهمابه، بل معروض البدلية إنَّما هو الوصف الذي يكون عاماً في ذاته كعالم في أكرم عالماً غاية الامر أن لحاظ الوحدة في ذلك الوصف الذى يكشف عنه إقحام تنوين التنكير يوجب انتزاع البدلية، فهي مولودة من التأليف بين ذلك الجنس وبين لحاظ الوحدة فيه ولذا لو تبدل التنكير بالتمكن بقي ذلك الجنس كالعالم على عمومه بلا إستفادة البدلية من الجملة، وبذلك يفترق العام البدلى عن الفرد المنتشر إذ الامرفيه على عكس ذلك بمعني أن الوحدة مأخوذة في حاق ذاته غاية الامر أن لحاظ تطبيق ذلك الواحد مع المتعدد يوجب إنتشاره بالعرض بذلك الاعتبار كما في قولك أكرم أحد هؤلاء وإنقدح أيضا فساد ما ذهب إليه بعض الاعاظم (رَحمهُ اللّه) من التفصيل بين العام الاستغراقي والمجموعى ويين البدلي بأن التقسيم بالنسبة إلى الأولين بلحاظ الحكم وبالنسبة إلى الأخير بلحاظ المدخول، إذلو أريد من كونه بلحاظ المدخول إمكان إستفادة البدلية من القيد المأخوذ في الجملة ولو كان إعراب الكلمة و عدم دخل القيد في مفهوم العام فقد عرفت عدم دخله في الاستغراقي والمجموعى أيضاً، فيمكن أخذ قيد المجموع في العام المجموعى والجميع فى الاستغراقي ليستفاد الاستغراقية والمجموعية من المدخول بهذا الاعبتار، ولو أريد من ذلك دخمل الخصوصيّة في قوام مفهوم العام من ناحية لحاظ الحكم في الاستغراقي والمجموعي دون البدلى فقد عرفت عدم دخلها فيه، ولو أريد غير ذلك فليبين حتي ننظر فيه.

(الثاني) قد عرفت أنَّ عموم مصداق العام كالعلماء إنّما هو من جهة تطبيقه على أفراده و هذا الحيث معنى حرفى قائمٌ بالغير لكن يمكن أن يؤخذ هذا المعنى إسمياً و يوضع ل_ه لفظ كالاستيعاب بالنسبة إلى لفظ كل فانّه وضع لاستيعاب

ص: 309

الواقع لابنحو الشمول لجميع مفهوم المدخول، إذ لازم ذلك كون كل، ذا لسانين أحدهما أصل وجود السعة في مدخوله ثانيهما استغراق تلك السعة جميع أفراد المدخول مع أنّ هذا خلاق ما ينسبق من لفظ كل إذا لمنسبق منه خصوص الأول، فما ذكره بعض المحققين (قدّس سِرُّه) فى تعليقته على الكفاية من دلالة كلّ علي إستغراق أفراد مفهوم المدخول مستشهداً بوضعه لاستيعاب المدخول بنحو الشمول في غير محله، لما عرفت من عدم كاشف عن هذا القيد في ناحية معناه أعني كون إستيعاب مدخوله بنحو الشمول، ففرق بين بين وجود سعة في ناحية مدخول كلّ وبَيْنَ عدم قيد فيه فانّ الأوّل لاينافي تقييد إطلاق المدخول ولو بالمتصل إذا لقيد حينئذ يكشف عن كون سعة المدخول التي أفادها لفظ كلّ، باعتبار ما أريد منه واقعاً لا ما يترا آى منه ظاهراً، بخلاف الثانى فينا في التقييد حتى بالمتصل إذ المفروض حينئذ إثبات عدم قيد في المدخول باقحام لفظ كل فاثبات وجوده فيه باقحام المقيد ولو المتصل يوجب التهافت في الكلام، وحيث لا يرى العرف تهافتاً في ذلك فيكشف عن أنه لا ينسبق إلى ذهن العرف من لفظ كل أزيد من أصل وجود السعة في المدخول (والاعتذار) عن ذلك بأنّ في صورة زيادة القيد يكون المدخول مجموع القيد والمقيد بنحو تعدد الدال والمدلول فلم يخرج مفاد كل عن إثبات سعة المدخول ولم يستلزم ذلك رفع اليد عن أفادة استغراق أفراد المدخول (مدفوع) أولاً بأنَّ ذلك لا يتأتى فى التقييد بالمنفصل إذ لامجال للالتزام بكون القيد أيضاً جزء مدخول كلّ مع وضوح منافاته لافادة كلّ عدم قيد في مدخوله كما هو المدعي، وثانياً بأنّ تعدد الدال والمدلول أمرٌ ثابت في جميع موارد المطلق والمقيد ولا إختصاص له بمثل المقام وإنما الكلام فى أنَّ مدخول، كل، بحسب الطبع وبما هو دال واحد هو خصوص ما يتلوه من المفردات كرجل في أكرم كل رجل أو عالم في أكرم كل عالم هل يحدث فيه من ناحية مفاد كل خصوصية عدم القيد حتى بنا فيه إيراد قيد عليه بدال آخر كما في أكرم كل رجل عالم أو كل عالم هاشمي ويستلزم المجازية في معنى كل أم لا حتي لاينا فيه ايراد قيد بدال آخر ولا يستلزم المجازية بل يبقى الكلى بعد تقييد مدخوله على معناه الحقيقي الذي أريد منه من أوّل الامر.

ص: 310

نعم لما كسان مقام الاثبات مطابقاً للثبوت فبعد إحراز كون المتكلم بصدد بيان سعة في مدخول كل بمقتضى إقحام هذا اللفظ الذى يفيد وجود السعة في مدخوله فالظاهر تعميم هذه السعة لجميع أفراد المدخول، لكن بمعونة سائر مقدمات الحكمة أعني عدم بيان القيد فى مقام صالح لبيانه بعد إحراز واحدة منها هو كون المتكلم بصدد بيان أصل السعة فى مدخول كل كما عرفت، والنتيجة أنّ المراد من وضع لفظ كل للعموم لو كان وضعه لبيان سعة في مدخوله فهو في غاية المتانة والصحة، أما لو كان المراد وضعه لبيان عدم قيد في مدخوله فهو في غاية الفساد، بل لافرق بين مدخول كل مع سائر المطلقات من جهة الاحتياج في إثبات ألشمول بالنسبة إلي جميع أفراد المفهوم إلي جريان مقدمات الحكمة، مما نفى عنه البعد في الكفاية وتبعه بعض المحققين (قدّس سِرُّهما) في تعليقته على الكفاية من وضع لفظ كل للاستغراق في مدخوله وبذلك فرق بينه وبين النكرة في سياق النفى أو ألنهى يكون في غاية البعد، وعلى خلاف الانسباق العرفى من اللفظ والبرهان الاني في عالم الصناعة.

(الخامس) قد عُدّ من الفاظ العموم النّكرة الواقعة في سياق ألنفى مثل لارجل في ألدار أو النهى مثل لا تضرب أحداً على إختلافهم في كون هذه الدلالة لفظية كما يظهر من جماعة أو عقلية كما هو الظاهر من شارح تهذیب الاصول و صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) بدعوى أنّ الطبيعة حيث توجد بفرد واحد فسلبها ليس إلا بانعدام جميع أفرادها، والحق هو الاخير إما عرفت مراراً من أنّ متعلق البعث في الامر، ليس هو الصرف و في النهي مطلق الوجود كما قد يتوهم بل متعلقه فيهما الطبيعة المعراة، غاية الامر حيث أن الطبيعة تتلبس بالوجود بمجرد تحقق فرد منها فابقاء الطبيعة على حالها من العدم الذى هو معنى النهى لا يصدق في صورة وجود فرد منها، فاسناد السلب الذي هو معنى حرفي مبهم مفاد لاء الناهية أو النافية إلي تلك الطبيعة كما في النكرة الواقعة فى سياقهما يستلزم إستيعاب مدخولها عقلاً، فلاء الناهية أو النافية من جهة الاشارة إلى سعة في المدخول نظير كل لكن علي النّحو المتقدم من الابهام القابل للانطباق على ما أريد من ألمدخول ليكون إطلاقه موقوفاً علي مقدمات الحكمة لا الظهور في بيان عدم فيد للمدخول و كون سعة المدخول

ص: 311

على نحو الشمول لجميع أفراد المفهوم (والعجب) أن صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) يلتزم في هذه النكرة بنظير ما قررناه سابقاً فى مفاد، كلّ من إستيعاب ما أريد لا جميع ما المفهوم من الافراد لكنه مع ذلك ينفي البعد عن وضع مع ذلك ينفي ألبعد عن وضع لفظ،كل، للاستغراق في المدخول (مع أنَّ) الملاك في الموردين واحد هو عدم إنسباق أزيد من إثبات سعة في المدخول على نحو الابهام كما هو مفاد أىُّ الحرفية بالنسبة إلى مدخولها، و مما ذكرنا ظهر حال لاءِ نفى الجنس و أنّها تدل على السلب في مدخولها بنحو الابهام القابل للانطباق على ما أريد منه، نعم نسب إلى النحاة كسيبويه عدم إحتياجها إلى الخبر أصلاً لكن الحق هو الاحتياج لأن معناها حرفي لربط السلب إلى مدخولها ومن المعلوم أنّ مثل هذا المعنى قائم بشيئين فقهراً لايتمُّ بدون الخبر، غاية الامر أنَّ مدخولها وهو الجنس لمّا كان مسبوقاً بالعدم فاسناد السلب إليه يفهم إبقائه على العدم فبذلك تستغنى عن ذكر الخبر لا أنّها لاخبر لها أصلاً.

(السادس) لودار الامر بين العام الاستغراقى والمجموعي فربما يقال بتقديم الثاني وأنَّ الاصل مع الشك يقتضى المجموعية سواءً كان العموم مفاد الاداة كلفظ كلّ، أو اللّام أم غيرها كالنكرة في سياق النفي والنهي، وليعلم أن الفاظ العموم على القول بالوضع فيها إن كانت موضوعة لكل من الاستغراقي و المجموعي بنحو الاشتراك اللفظى فلابدّ في تقديم كل منهما من قرينة صارفة وأخرى معيِّنة وإن كانت موضوعة لهما معاً بنحو الاشتراك ألمعنوى أى لجامعهما فلابد في تقديم أحدهما من قرنية معينة وإن كانت موضوعة لخصوص أحدهما فهو المتعين، فلا مجال لهذا النّزاع في حق القائل بالوضع إذلابد له من متابعة الوضع، أما القائل بعدم الوضع (فربما يتوهم) إمكان أن يدعى تقديم المجموعى لانّ الاستغراقية تقتضي ك_ون المدخول نفس خصوصيات الافراد كزيد وعمرو وبكر إلى آخر أفراد العالم مثلاً وهذا خلاف اقتضاء نفس العموم، بخلاف المجموعية فحيث ليست الخصوصيات ملحوظة فيها بل ألوحدة تعرض على نفس عنوان العموم فهى أنسب بمعناه فتقدم على الاستغراقي (لكنّ الحق) خلاف ذلك لانّ السريان لما كان في طبع العام ففهم الاستغراق منه في عالم التطبيق على المصاديق بلا دخلٍ خصوصيات الافراد

ص: 312

كزيد وعمرو في نفس المدخول لا يحتاج إلى أزيد من جريان مقدمات الحكمة وهو عدم بيان القيد المانع عن السريان فى مقام البيان، وهذا بخلاف المجموعية ألتى هى تقييد السريان فيحتاج إلى بيان القيد ولا يكفيه جريان مقدمات الحكمة فالاصل يقتضى تقديم الاستغراقي على المجموعي.

استدل التقديم المجموعية في لفظ كل بأنّ المفروض أنّ معناه معني اسمي وذلك يستلزم المجموعية ويدفعه أنّ معنى كلّ، كما عرفت سابقاً حرفى في حاقِّه هو حيث التطبيق على الافراد غاية الامر لوحظ إسمياً لدى إرادة وضع اللفظ له وهذا المعني لدى إضافة كل إلى مدخوله يعود حرفياً موجهة الاشارة إلى سعة المدخول بنحو الابهام القابل للانطباق على ما أريد منه، فهو بالاستغراقية أقرب من المجموعية بل عرفت أنَّ الثانى يحتاج إلى مؤنة زائدة عن جريان مقدمات الحكمة بخلاف الأول، و فى اللام بأنّها للتعيّن ولا تعين لمرتبة خاصة من العام بل لتعيّن إنما هو لمجموع المراتب فيقدم على الاستغراق ويدفعه أنَّ اللّام كما عرفت سابقاً للاشارة إلى المراد من المدخول فان كان هناك عهد ذهنى أو ذكرى أو إشارة خارجية يوجب تعين المدخول في ذلك فهو والّا لا تفيد اللّام شيئاً ولا تخرج المدخول عن الابهام، و فى النكرة الواقعة في سياق النفي أو النهى بأنّ نقيض السالبة الكلية موجبة جزئية فمثل لاتضرب أحداً ينتفض بضرب نفر واحد و هذا يكشف عن كون النفي أو النهى فى الجملة بلحاظ المجموع، ويدفعه أنَّ العموم لم يقع في حيز النفي أو النهى في تلك الجملة حتى يكون مفادها سلب العموم المساوق مع المجموعية و إنّما استفيد العموم من السلب، فمقاد الجملة إِنَّما هو عموم السلب المساوق مع الاستغرافية، وممّا ذكرنا يظهر ما في الاستدلالات الواقعة لتقديم المجموعية في سائر الالفاظ التي أدعي وضعها للعموم مما ذكره الشهيد (قدّس سِرُّه) في تمهيد القواعد.

فصل - في حكم العام بعد التخصيص وقد عنونه صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) بحجية العام بعد التخصيص بالنسبة إلى الباقى و عدمها مع التعرض لاستلزام التخصيص المجازية وعدمه استطراداً، لكن القدماء قد عقد والكلِّ من الامرين فصلاً عليحدة

ص: 313

و حيث أنّ جمعهما في مبحث واحد كما صنعه في الكفاية مقنعٌ عن المطلوب فنحن نقتفى أثره (قدّس سِرُّه) و نقول إنَّ ألاقوال فى ذلك مختلفة إذ مضافاً إلى طرقي الاثبات والنفي أقوال فى التفصيل من جهة الحجية كالتفصيل بين المتصل والمنفصل و بين الشرط والغاية و غير هما فى المتصل إلى غير ذلك مما ذكرت في كتب القدماء (والتحقيق) يقتضى تمهيد مقدمة هي إنَّ لاهل المحاورة في باب تفهيم مقاصدهم بنائين (أحدهما) إستعمال اللفظ الموضوع لمعنى في معناه الموضوع له متابعة للوضع لان غاية الوضع الاستعمال فيما وضع له و يُعبَّر عن هذا البناء والاصل المحاورى بأصالة الحقيقة وأصالة العموم أو الاطلاق في قبال ألمجاز الذى هو استعمال اللفظ في غير معناه الموضوع له، وبذلك يفترق عن الكناية التي هي إستعمال اللفظ فى معناه الموضوع له وإرادة لازمه بجعل المعنى الحقيقي لذلك أللازم نظير كثير الرماد الذي جعل معناه الحقيقى معبراً إلى لازمه أى ألجود وهذا غير مجاز السكاكى الذى هو خلق الفرد إدعاءاً كما سيأتي تفصيل ذلك كله إنشاء اللّه تعالى (ثانيهما) تطابق الوضع مع الارادة بمعنى تطبيق ذلك المعنى بما له من المفهوم مع لُبّ الارادة وجعله مرآة للمراد الواقعي و يعبّر عن هذا البناء بالاصل المرادي وموارد التخلف لهاتين القاعدتين غير عزيزة في المحاورة لكنها لاجل أغراض أخر غير مضرة بأصل البناء، فهناك ظهوران في باب المحاورة (أحدهما) ظهور اللفظ فيما وضع ل_ه وحجية هذا الظهور عبارة عن بناء أهل المحاورة على إتباعه والاخذ به فكما أنَّ بناء أهل المحاورة علي إستعمال المتكلم لفظه فيما وضع ل_ه بمقتضى الوضع لذلك فكذلك بنائهم على أخذ المخاطب بذلك الظهور (ثانيهما) ظهوره في تطبيق معناه المستعمل فيه مع المراد الواقعي وحجية هذا الظهور عبارة عن بناء أهل المحاورة على الاخذ به فمصبُّ الظهور الاول نفس اللفظ بما هو و مصبُّ الظهور الثانى هو الظهور الأول أى اللفظ بما له من المعنى الموضوع له، فافترق بذلك مصبا الارادتين الاستعمالية وألجدية وإنقدح فساد توهم إتحادهما كما إنقدح أنّ مرآتية اللفظ بمعناه الموضوع له و كشفه النوعى عن المراد الذى هو حقيقة ثانى الظهورين غير حجيته التي هي إتِّباع ذلك

ص: 314

الظهور لدى أهل المحاورة، فتفسير الحجية بالكشف النّوعى كما صدر عن بعض المحققين (قدّس سِرُّه) في تعليقته على الكفاية في غير محله إلّا أن يصطلح بالحجية عن نفس الظهور الثانى و بالظهور عن الظهور الأول وحينئذ لا وجه للفرق بين التخصيص بالمتصل مع المنفصل كما سيأتي فتدبر جيّداً.

و بعد هذا التمهيد نقول إنَّ العام أبداً سواءً قبل التخصيص وبعده مستعمل في معناه الموضوع له وهو الشمول مبهماً من جهة الاستغرافية والمجموعية والبدلية على ما قدمناه من عدم صيغة خاصة وضعت لشيئى من الاقسام الثلاثة من غير فرق بين التخصيص بالمتصل والمنفصل، فلفظ العلماء فى أكرم العلماء العدول قد أستعمل في معناه الموضوع له و هو من حيث مادة العلم معنى حدثى خاص مقابل للجهل ومن حيث هيئة الجمع جماعة قابلة للانطباق علي مافوق الاثنين أو الواحد ومن حيث اللام إشارة إلي المدخول بنحو الابهام، وكذا لفظ رجل في أكرم كل رجل عالم فانه أستعمل فيما يقابل المرئة، كما أن كل واحد من لفظي العدول وعالم في لمثالين قد أستعمل في معناه الموضوع له، فلا تصرف في أول الظهورين وهو إستعمال اللفظ في معناه الموضوع له غاية الامر أنَّ تعدد الدال والمدلول باقحام قيد العدول في الاول وعالم فى الثاني أوجب تضيق دائرة موضوع الحكم الانشائي أو الخبرى المذكور في تلك الجملة، بمعنى كشفه عن عدم تطابق المعنى الافرادي الظاهر من اللفظ كالعلماء و رجل بماله و رجل بماله من السعة مع لُبّ الارادة بل كون المراد الواقعى للمتكلم فى عالم تعيين الموضوع لحكمه الخبرى أو الانشائى حصة خاصة من ذلك المعنى، و تطبيق الكلى على الفرد إنما هو علي نحو الحقيقة، وحيث تفهيم أنَّ ذلك خارج عن حوصلة لفظ واحمد بل لابد أن يكون بدالّين أقحم القيد في الجملة فكلما كثرت القيود عن الوجود، ولذا لافرق بين العام والمطلق من جهة الحاجة إلى مقدمات الحكمة الاستظهار السعة في عالم تطبيق الظاهر مع المراد و من جهة كون المخصص ناظراً إلى تعيين مصبّ العام فى عالم التطبيق على المراد كما أن المقيد ناظر إلى تعيين مصبّ المطلق كذلك، نعم إصطلاح لفظ العام للأوّل و لفظ المطلق للثانى لعله لاجل كون الاول ناظراً إلى الافراد الخارجية والثاني إلي نفس الطبيعة بما لها من الحصة، وكيف كان فالتصرف بالتخصيص إنما هو في

ص: 315

ثانى الظهورين المحاوريين أعنى مرآتية المستعمل فيه للمراد لا في أوّلهما بأن يستعمل العلماء في لمثال الأول في حصة خاصة هى العدول، و يستعمل الرجل في لمثال الثاني في خصوص العالم، وهكذا في التخصيص بالمنفصل سواء كان بنحو التقييد كما إذا ورد أكرم العلماء ثم ورد في دليل اخر بشرط أن يكونوا عدولاً أم بنحو الاخراج كما إذا ورد في الدليل الثاني ولا تكرم الفساق منهم فانّه يكشف عن عدم تطابق ظاهر العام بما له من السعة مع المراد الواقعى فى عالم الموضوعية للحكم المذكور في الجملة، بلا إستلزامه إستعمال العام في حصة خاصة غاية الامر أن ورود المخصص لو كان بعد زمان الحاجة فلابد أن يكون في إبقاء ظاهر العام في المدة الفاصلة بينهما مصلحة جابرة لفوت ما في تلك الحصة، فألتخصيص مطلقاً تصرف فى الظهور المرادى لا الاستعمالي الوضعي.

و من هنا تبيَّن أنه لا معنى للتفكيك بين ظهور العام وحجيته بالنسبة إلى ما خرج عنه بالتخصيص كما صنعه صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) حيث فصَّل بين المتّصل المنفصل فالتزم في الاول بعدم إنعقاد ظهور للعام بالنسبة إلي ما خرج و في الثاني بعدم حجية ظهوره بالنسبة إلى ذلك بعد إنعقاد أصل الظهور له، وذلك لان المراد بالظهور لو كان أوّل الظهورين أي الاستعمالى الوضعى فقد عرفت أنّه بحاله حتّى فى التخصيص بالمتصل بل هو مسلّم لديه بمقتضى عدم التزامه بالمجاز، ولو كان ثانيهما أى المرادى التطبيقى فقد عرفت أنّه مرتفع حتى في التخصيص بالمنفصل إذ مع وجود البيان على كون المراد التطبيقى أضيق من ظاهر اللفظ كيف تكون له لدى العرف مرآتية للكشف عن سعة ذلك المراد، مع أنّ منزلة الحجية من الظهور منزلة الحكم من الموضوع والعرض من المعروض فترتبها على الظهور لدى تحققه كما هو مفروض صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) قهرىٌّ على حدّ قهريّة ترتّب الحكم على موضوعه والعرض على معروضه بعد تحققه، فانفكاك الحجية عن الظهور غير معقول على أىّ حالٍ والدِّفاع عن ذلك يتفسير الحجية بالكشف النّوعي كما في تعليقة بعض المحققين (قدّس سِرُّه) على الكفاية قد عرفت فساده، و أنه لو إصطلح فأراد بالحجية الظهور الثاني وبالظهور الذى هو معروض هذه الحجية الظهور الأوّل فارتفاع الحجية وبقاء الظهور بهذا المعني وإن كان صحيحاً لكن لا فرق في ذلك

ص: 316

بين التخصيص بالمتصل والمنفصل فالفرق بين المقامين غير وجيه علي أيّ حال.

(فان قلت) إذا كان التخصيص تصرفاً في الظهور التطبيقي دون الوضعى لعدم صيغة خاصة للعموم من غير فرق بين المتصل والمنفصل فما وجه الفرق بينهما في الشبهة المفهوم ية من المخصص حيث اتفقت كلمة من عدا شاد من القوم علي التمسك بالعام فيها مع المنفصل دون المتصل بمعنى إلتزامهم بسراية إجم___ال المخصص المتصل إلى العام دون المنفصل، ولِمَ لا يكشف ذلك عن وضع الصيغة للعموم وإرتفاع ظهور العموم وحجيته معاً في المتّصل بمعنى عدم إنعقاد ظهور للعام من أوَّل الامر إلّا في الخصوص وإرتفاع حجيته فقط و بقاء أصل ظهوره في المنفصل (قلت) لا كاشفية لذلك عمّا ذكر أصلاً بل الفرق المشهور في الشبهة المفهوم ية بين المخصص المتصل مع المنفصل إنما هو لما ذكرناه من أنَّ مصبَّ التخصيص مطلقاً هو الظهور التطبيقى دون الوضعي، فهو السّرّ في ذلك الفرق لانّ الكاشف عن المراد التطبيقى والمحدِّد لموضوع الاسناد الخبرى أو الانشائي في الجملة المشتملة على العام في المتصل إنَّما هو الظهور الجملي المتشكل من مجموع العام والمخصص نظير أكرم العلماء الا الفساق منهم، فاذا تردد مفهوم المخصص بين الاقل والاكثر كتردد الفاسق بين مرتكب الكبيرة أو الاعم من مرتكب الصغيرة فاتصال ذلك المخصص المجمل المردد بين حصتين بالعام المنحل إلى حصص ثلاثة خارجاً أي العدول ومرتكب الكبيرة ومرتكب الصغيرة يوجب تردد العام من أول الامر بحسب المراد التطبيقى بين حصتين و أنّه العدول فقط أم مع مرتكب الصغيرة، فيسرى إجمال المخصص إلي العام ولا ينعقد للجملة المشتملة عليه ظهور في المراد التطبيقى بالنسبة إلى الحصة المشكوكة أصلاً، بخلاف المنفصل فحيث أنَّ الكاشف عن المراد التطبيقى والمحدّد لموضوع الاسناد في الجملة المشتملة على العام ليس إلا نفس ظهور العام كالعلماء فى أكرم العلماء بما له من المعني الموضوع له بحسب المادة والهيئة، وهذا لاإجمال ولا تردد فيه أصلاً ضرورة تبين مفهوم مادة العلم وهيئة الجمع واللّام الداخلة عليه فقد إنعقد ظهوره التطبيقى في مراديّة جميع الحصص الثلاثة الانحلالية من العام، وألكاسر لهذا الظهور والقرينة

ص: 317

على خلافه وهو المخصص المنفصل مثل لا تكرم الفساق من العلماء لتردُّده بين حصتين من تلك الحصص وإجماله مفهوماً لا ينعقد ل_ه ظهور في أزيد من الحصة المتيقنة كمرتكب الكبيرة، فلا يصلح لدى العرف البيانية على المراد التطبيقي و تضيق موضوع الاسناد في جملة العام إلا بهذا المقدار، فيبقى ظهور العام أفراداً بالنسبة إلى الحصة المشكوكة كمرتكب الصغيره صالحا للبيانية والكشف عن المراد التطبيقى فيكون حجة في ذلك.

(فان قلت) إذا كان مصبُّ التخصيص فى العام مطلقاً هو الظهور التطبيقى و كان هذا الظهور مستنداً إلى مقدمات الحكمة لعدم صيغة خاصة للعموم كما أستفيد من مجموع ما تقدم فأىُّ فرق بين العام الاصولي أى الاستغراقى وبين المطلق الشمولي مع أنَّ الشايع فى السنة الاصوليين تقديم العام الاصولى على المطلق الشمولي لدى المعارضة فلابد من الفرق بينهما و ليس ذلك إلا بالالتزام بالوضع في الاول دون الثاني (قلت) هذا الفرق إنّما يلزم على القائلين بوضع الفاظ خاصة للعموم وقد عرفت أنَّ الالتزام به إلتزام بما لا يلزم، مضافاً إلى أن الفرق بينهما في غاية الوضوح إذ الاخذ باطلاق المطلق بما له من المفهوم يحتاج إلي جريان جميع مقدمات الحكمة أعنى إحراز كون المتكلم بصدد بيان أصل الشمول لا تطبيق الكلي على خصوص فرد منه الذى هو حقيقى لا مجاز فيه، و عدم إحراز بيان قيد لذلك المطلق من قبل المتكلم حتى يستغرق شموله جميع أفراد مفهوم المطلق، و عدم إحراز كون المتكلم بصدد غير الجدّ كالهزل و نحوه، بخلاف الاخذ باطلاق مدخول كل بماله من المفهوم في العام الاستغراقي مثل أكرم كلّ عالم فهو إِنَّما يحتاج إلى ماعدا المقدمة الاولى لانّ كل كما قدمناه يفيد سعة في مدخوله في عالم التطبيق على المراد بنحو الابهام فهذه السعة المستفادة من لفظ كل في العام الاستغراقي إِنَّما هي بمنزلة الاولي من مقدمات الحكمة اللازمة في المطلق ألشمولى أعني إحراز أصل ألشمول بنحو الابهام، و ليكن ما ذكرناه من الفرق بين العام الاصولى مع المطلق الشمولي هو مراد بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) من كون لفظ كل الاشارة إلى السعة في ناحية المدخول بعد تصريحه قبل ذلك بأن إطلاق دخول كل مستند إلى مقدمات

ص: 318

الحكمة، إذ لو كان مراده من السعة ما هو ظاهر تقريره من الاستغراق لاما ذكرناه من السعة بنحو الابهام لكان بينه وبين كلامه السابق من إستناد إطلاق مدخول كل إلى مقدمات الحكمة تناقض صريح فلعل عبارة ألتقرير قاصرة عن إفادة تمام مراده.

هذا كله بناءاً علي مسلكنا الحق من عدم ثبوت وضع لالفاظ العام للعموم، أمّا على المشهور بين المتأخرين من ثبوته فالحق أن مصبّ المجازية إنما هو الخروج عن تحت العموم والاستيعاب لجميع الافراد لا العموم بنحو الابهام لان خصوصية الاستيعاب كانت مصب الوضع فهي مصب المجازية و لداعد من علائق المجاز علاقة العموم والخصوص، وحيث أن الكاشف عن هذا الخروج والقرينة على هذا التجوز ليس إلا المخصص فينحصر مقدار التجوز والخروج في مقدار مدلول المخصص وبالنسبة إلى ما عداه يبقى ظهور العام في العموم بحاله حجة على مراده، فالمخصص كما يكون صارفاً عن المعنى الحقيقى أى إستيعاب جميع الافراد كذلك يكون معيناً للمعنى المجازى أي الباقى فأصل وجوده قرينة صارفة ومقدار مدلوله قرينة معينة، كما هو الشأن فى نظائره مما تتحد فيه الصارفة المعينة مثل يرمي في رأيت أسداً يرمى فانه كما يصرف الاسد عن معناه الحقيقي و هو الحيوان المفترس كذلك يعين معناه المجازى فى الرجل الشجاع فهكذا في المقام، و هذا مراد الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) من قوله في التقريرات إنّ المانع عن الحمل على الباقى مفقود ولذا فسّر المانع بما يوجب صرف اللفظ عن الظهور في الباقى و إن كانت عبارة التقريرات قاصرة عن افادة تمام مراده، كما أن مراده (قدّس سِرُّه) من قوله إن دلالة العام على فرد غير منوطة بدلالته على سائر أفراده أن إنطباق عنوان العام كالعالم على كل قرد يكون بنحو الاستقلال لاجل الانحلال إلى كل واحد من الافراد بلاتوقفه علي الانطباق علي غيره، ولذا عبر عنه بأنَّ المقتضى للحمل موجود، فما أورد عليه في الكفاية من أن دلالته على كل فرد تكون في ضمن الدلالة على الجميع وحيث أنها منتفية بمقتضى المجازية فكذ لك الدلالة التضمنية في غير محله، فظهر أن العام بعد التخصيص ظاهر وحجة في الباقي مطلقاً و لو على المجازية.

فصل - في حكم العام بعد التخصيص إذا دار الامر بين خروج فرد ودخوله

ص: 319

و له صور متعددة إذ الدوران تارة لشبهة مفهومية فى المخصص أوجبت إجماله كما إذا ورد لا نكرم الفساق من العلماء و تردَّد الفاسق بين مرتكب الكبيرة و الاعم من مرتكب الصغيرة، وأخرى لشبهة مصداقيه فيه كما إذا ورد لا تكرم النحويين وتردد زید بين كونه عالماً نحويا كى يدخل في هذا الخاص أو غيره كى يدخل في عموم أكرم العلماء، والدوران في الشبهة المفهوم ية إما بين الاقل والاكثر كلمثال المتقدم أو بين المتباينين كما إذا ورد لا تكرم الكوفيين من العلماء و تردد الكوفيون بين النحويين والصرفيين، والمخصص فى كل من المفهوم ية والمصداقية إما متصل أو متفصل فهذه صورستة، أما الشبهة المفهوم ية مع المخصّص المتّصل سواء دار بين الاقل و الاكثر مثل أكرم العلماء إلّا الفسّاق منهم أم بين المتباينين مثل أكرم العلماء إلا الكوفيين فلاريب في عدم جواز التمسك بالعام بالنسبة إلى الفرد المشكوك كمرتكب الصغيرة في الاول و الكوفى في الثانى، لان إتصال المخصص المجمل بالعام يمنع عن إنعقاد ثاني ظهوريه أى التطبيقى الذى هو مرآة مراد المتكلم واقعاً، إذ الكاشف عن المراد الواقعى حينئذ هو الظهور المتحصل من الجملة المتشكلة من عام ظاهر فى معناه الموضوع له و مخصص مجمل لا أول ظهورى العام فقط وهو ظهوره في معناه الموضوع له مادة وهيئة كمادة العلم وهيئة الجمع في العلماء فلو كان ظهوره الافرادي كاشفاً عن المراد الواقعى كما إذا لم يتصل به مخصص أصلا فحيث لاإجمال في ذلك الظهور الافرادى ينعقد له الظهور الثاني بالنسبة إلى جميع أفراد الموضوع له، لكن المفروض سقوط ظهوره الافرادى عن الكاشفية عن المراد التطبيقى بسبب لحوق المخصص به وكون الكاشف عنه الظهور الجملى الحاصل من مجموعهما، فاجمال أحد جزئى منشأ أنظهور أى المخصص يمنع عن إنعقاده ولذا نقول بأن التعبير بسراية إجمال المخصص إلى العام كما صدر عن القوم مسامحة لما عرفت من بقاء الظهور الافرادى للعام حال إتصال المخصص المجمل به، غاية الامر مع الدوران بين الاقل والاكثر يكون الاقل متيقن الخروج و تجرى الاصول العملية في الاكثر المشكوك في كل مقام بحسبه و مع الدوران بين المتباينين حيث يعلم إجمالا بورود أحد القيدين لا تجرى الاصول العملية في

ص: 320

شيئى منهما لما قرّرناه في محله من عدم جريان الاصل اللفظى والعملي في أطراف العلم الاجمالي أصلاً پ.

وأما مع المخصص المنفصل فالدوران إن كان بين الاقل والاكثر فالكاشف عن المراد التطبيقى حيث كان الظهور الافرادى للعام فقد إنعقدله الظهور الثاني قبل مجيئى المخصص وهذا الظهور إنما يرفعه المخصص المنفصل بمقدار مدلوله المفروض إجماله فيرفع الظهور التطبيقى للعام بالمقدار المتيقن ألذى هو الاقل و بالنسبة إلى الاكثر الذى شكٍّ فى شمول المخصص له يبقى الظهور التطبيقى حجة في كشف مراد المتكلم، وإن كان بين المتباينين فالعلم الاجمالي بورود أحد القيدين يمنع عن جريان الاصل فيهما حتى اللفظى لما عرفت من عدم جريان الاصل في أطراف العلم الاجمالي مطلقاً، فالفرق بين المخصص المتصل مع المنفصل في الشبهة المفهوم ية إنّما هو فى الدوران بين الاقل والاكثر لعدم إنعقاد الظهور التطبيقي رأساً فى الاول وإنعقاده في الثاني.

وأمّا الشبهة المصداقية مع المخصص المتصل كاكرم العلماء إلّا النحويين إذا تردّد زيد بين النحوى و غيره من أصناف العلماء فيشكل التمسك بالعام في الفرد المشكوك كما في الشبهة المفهوم ية لعين ما تقدم من عدم إنعقاد الظهور التطبيقي للعام في الكشف عن مراد المتكلم، وأما مع المخصص المنفصل فقد اختلفت فيه كلمات الاصوليين من جهة التمسك بالعام و عدمه فالمشهور بين القدماء و المتأخرين هو الثاني و ذهب بعض أعاظم المتأخرين (قدّس سِرُّه) في مقالاته إلى ألاول و للمشهور في عدم التمسك براهين عديدة (منها) البرهان العقلى وتقريبه بتحرير منا مبنى على ثبوت مقدمتين إحديهما أنَّ الاهمال الواقعى في موضوع الحكم محال إذا لحاكم فى عالم لحاظ موضوع حكمه لجعل الحكم عليه مطلع على أنه مطلق أو مقيد فيستحيل ثبوتاً جعل عاقل حكماً على موضوع مع إهمال الموضوع وعدم لحاظه فى عالم الجعل والالم يكن الحاكم، حاكماً، و و تمام السّرّ فى ذلك أنّ الحكم عرض إعتبارى للموضوع فلا يعقل تحققه من دون موضوع و اذا لا يتطرق الشك في الاحكام العقليه ضرورة إحراز العقل موضوع حكمه فما لم یحرز الموضوع لا يحكم، ثانيتهما أنّ الخاص يدلُّ بالمطابقة

ص: 321

على خروج أفراده عن تحت العام وبالالتزام على تضيق دائرة العام في الموضوعية للحكم لما عرفت من إستحالة الاهمال النفس الامري، فالخاص كاشف عن تقيد العام الموضوع للحكم ثبوتاً وفى نفس الامر بقيدوجودي إذا كان الخاص على نحو التقييد مثل إن كانوا عُدولاً بعد أكرم العلماء أو بقيد عدمى إذا كان على نحو الاخراج مثل إلّا الفساق منهم، فالموضوع لوجوب الاكرام ثبوتاً بكشف التزامي من الاثبات هو العالم العادل في الاوّل والعالم الغير الفاسق في الثانى لى نحو موجبة معدولة المحمول فهناك في الحقيقة خاصان هما نوعان متباينان أحدهما إكرام العالم العادل أو الغير الفاسق ثانيهما عدم إكرام الفاسق، فاذاشك في فرد أنه فاسق أم لا فلا يكفي للتمسك بالعام فيه إحراز كونه عالماً ضرورة عدم إحراز عنوان العام الموضوع للمحكم بمجرد ذلك بل لا بد من إحراز قيده كعدم الفسق حتي يجرى فيه حكمه والمفروض عدم إحرازه فلا يمكن التمسك بالعام فيه، فلو كان هناك أصل منقح للموضوع من جهة جزئه المشكوك كالاستصحاب فهو و الأتجرى فيه الاصول العملية الحكمية، هذا محرَّر ما يستفاد من كلمات بعض الاساطين (قدّس سِرُّه) في تقريب عدم إمكان التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية.

و لتحليل هذا البرهان و تحقيق المقام كي يظهر فساد البرهان لفساد مقدمتيه نقول إن الخاص يمكن أن يكون على أحد أنحاء أربعة (الاول) أن يكون لا يجاد قيد وجودي في العام فى الموضوعية لحكمه نظير إن كانوا عدولاً بعد أكرم العلماء حيث يوجد قيد العدالة الذى هو أمر وجودي في العلماء الموضوع لوجوب ألا كرام، وهذا القسم يدلُّ بالمطابقة على تقييد العام وتنويعه إلى المقيد بذلك القيد وألخالى عنه وكون الأوّل موضوعاً لحكم العام كوجوب الاكرام والثاني موضوعاً لعدم ذلك الحكم، فاذا شك في فردٍ أنه من أفراد الخاص أم لا كما إذا شك في زيد العالم أنه عادل أم لا فلا يمكن التمسك بالعام لأثبات حكمة ضرورة عدم إحراز قيد موضوعه فان كان هناك أصل منقح لذلك القيد يشمله دليل الخاص ويدخل في حكم العام والا جرت فيه البرائة عن حكم العام كوجوب الاكرام، فالتّنويع في هذا القسم وإن كان موجوداً لكنه غير مستند إلى التخصيص بل هو مدلول مطابقي لدليل

ص: 322

الخاص (الثانى) أن يكون للارشاد إلى خروج نوع تكويني من أنواع العام عن حكمه بان يكون للعام في الخارج بحسب طبعه نوعان فبعد إخراج نوع منه يختص الحكم قهراً بنوع آخر نظير : من إرتدّ عن الاسلام فاقتلوه إلا المرأة : إذ مصداق المرتدّ منحصر تكويناً في صنفين رجل ومرأة فاخراج صنف المرأة يوجب إختصاص الحكم وتقيده بصنف الرّجل قهراً فكانه قال أقتلوا الرجل المرتد ولا تقتلوا المرأة المرتدة، فاذا شك في فرد أنه رجل أو مرأة كما في الخنثى بناءاً على عدم كونها طبيعة ثالثة فلا يمكن التمسك بالعام لحكمه ضرورة عدم إحراز دخوله في شيئي من العنوانين كى يشمله حكمهما، و لذا نقول بأن ما صنعه الشهيد الثاني (قدّس سِرُّه) من الحكم بوجوب قتل الخنثى المرتدة تمسكاً بالعام في غير محله، وبالجملة فالتنويع في هذا القسم وإن كان موجوداً إلا أنه تكوينى غير مستند إلى التخصيص ولحاظ قيد فى العام (الثالث) أن يكون لاخذ خصوصية في العام وجعل المتخصص بتلك الخصوصية محكوماً بحكم آخر نظير : المرئة تحيض إلى خمسين إلا القرشية فانها تحيض إلى ستين : فانّ خصوصية القرشية أخذت في المرئة للحكم على المرئة القرشية بالتحيُّض إلى ستين : فاذا شكّ في فرد أنه قرشيّة فلا يمكن إثبات الحكم الزائد وهو التحيض إلى ستين فى حقه لعدم إحراز موضوعه بلاحاجة في ذلك إلي التمسك بالاصول المنقحة لاثبات تلك الخصوصية إذ الشك في موضوع الحكم الزائد كاف فى عدم جريانه، أما حكم العام و ه_و التحيض إلى خمسين فيمكن إثباته تمسكاً بالعام لاحراز موضوعه و ه_و المرئة، الابتوهم إستلزام التخصيص تقييد موضوع العام بضدّ خصوصية الخاص وستعرف حاله.

(الرابع) أن يكون ليبان خصوصية مانعة عن سريان حكم العام بأن يكون عنوان العام بمنزلة المقتضى لترتب الحكم وعنوان الخاص بمنزلة المانع عنه: نظير أكرم العلماء إلّا الفساق منهم إذ الفسق يمنع عن سريان وجوب الاكرام في أفراد متخصصة بخصوصية الفسق من العلماء، فاذا شكك في فرد من العلماء أنّه فاسق أم لا فحيث لم يحرز الخصوصية المانعة عن سريان حكم العام يسرى إليه الحكم لانّ تمام الموضوع لحكم العامّ كوجوب الاكرام في لمثال هو عنوان العالم وقد

ص: 323

أحرزناه فيشمله الحكم، والفسق كلما وجد يمنع عن سريانه والمفروض عدم إحرازه فلا مانع عن سريان الحكم (وتوهم) أنّ مقتضى إستحالة الاهمال النفس الامرى تعنون موضوع العام بضد الخاص كغير الفاسق في لمثال فما لم يحرز هذا القيد العدمي كما في مورد الشك لا يمكن سريان حكم العام (مدفوع) أولاً بأن عدم لحاظ الموضوع في عالم الجعل مطلقاً عن القيود ليس من الاهمال النفس الامرى المحال كى يلزمنا لحاظ قيد عدم الفسق في العالم الموضوع لوجوب الاكرام و إِنَّما هو إهماله حتى من رفض القيود وعدم لحاظها، فمع رفض القيود و عدم لحاظها بمعنى لحاظ الطبيعة المعراة عن كل قيد حتى قيد الاطلاق لا إهمال واقعاً فلحاظ طبيعة العالم معراة عن جميع ألقيود حتى قيدعدم الفسق كاف لجعل ألحكم، فلا يلزم الاهمال النفس الامرى من عدم لحاظ الموضوع بوصف الاطلاق حتى يوجب لحاظ اللّافاسق مع لحاظ العالم في موضوع وجوب الاكرام، نعم قد يجعل العنوان المعدولي كاللا فاسق مشيراً إلى خلو الموضوع واقعاً عن القيد الوجودى المخلّ بسريان حكم العام أي الفسق و هذا غير دخل للعنوان المعدولي في موضوع حكم العام، و، و موضوع وجوب الاكرام و إن كان حصة خاصة من العام لباهى الخالية عن الخصوصية المانعة لكنه علي نحو التقيّد ثبوتاً لا التقييد إثباتاً بحسب لسان الدليل و فرق بين بينهما، فالفسق مخل لا عدمه جزء للموضوع، و ثانياً بأنَّ العدم بما هو عدم ولو ألمضاف لا يعقل دخله في الموضوع بنحو الرشح والتأثير في ترتب الحكم لتوغله في الابهام والليسية بحيث لا يمكن الاشارة إليه إلا ببركة الوجود كعنوان العدم الذى هو وجود ذهني، و لذا نقول بأن عد عدم المانع من أجزاء العلة في لسان أهل الفلسفة إنما هو بنحو من المسامحة للاشارة إلى كون وجود المانع مخلّاً بتأثير المقتضي لاكون عدمه شرطاً في التاثير، وإنّ ما تفصّي به بعض المحققين (قدّس سِرُّه) عن محذور إستحالة تأثير العدم في الوجود من كون عدم م المانع شرطاً في قابلية المحل لتأثير المقتضى غير صحيح إذ القابلية في نفسها ليست أمراً وجودياً وراء وجود المحل کی يكون لها شرط ولو سلمنا كونها أمراً وجودياً فهو كنفس المقتضى بالفتح من حيث إستحالة تأثير العدم فيه، فكما أنّ المقتضى

ص: 324

للاحراق ليس إلا النّار والرطوبة مانعة عن تأثيرها لا أنّ عدمها شرط في تأثير ألنار فكذلك المقتضى لوجوب الاكرام ليس إلّا عنوان العالم و الفسق مانع عن تأثير العنوان لا أنَّ عدمه شرط فيه، وبذلك ينقدح أن العدم لا يعقل أن يكون ناعتاً ليكون الخاص منوّعاً (فانقدح) فساد كلتا المقدمتين اللتين بنى عليهما ثبوت مدّعاه من عدم جواز التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية.

(ومنها) البرهان المحاورى و ملخصّه بتقريب تحريرى منا أنّ بناء العقلاء على الاخذ بظاهر العام بحسب سريانه المفهوم ى فى الكشف عن المراد الواقعى للمتكلم فاصالة العموم أصل مرادى يتمسك به للشك في التخصيص فيقال الاصل عدم التخصيص ولذا نقول مرجع الاصول اللفظية كاصالة العموم و أصالة الحقيقة و أصالة الظهور إلى الاصول العدمية دون الوجودية فهى بأجمعها أصول مرادية لا إحرازية، وإذ تبين أنَّ أصالة العموم أصل مرادى لا إحرازي نقول جيث لاشك لنافي الشبهة المصداقية في مراد المتكلم للعلم بأن أفراد العام داخلة في حكمه و أفراد الخاص خارجة عنه إنما الشك فى أنَّ هذا الفرد من أيهما ولذا قد يشتبه حاله لدى المتكلم أيضاً فأصالة العموم لا تتكفل إحراز فرديته للعام دون الخاص كي يمكن التمسك بها لحكمه فان قلت أليس وزان عنوان العام وزان المقتضى و وزان عنوان الخاص وزان المانع و مقتضى القاعدة لدى الشك في المانع الحكم بعدمه والجرى على طبق المقضى ففى المقام لا بد من التمسك بالعام بعد دفع المانع المشكوك بالاصل (قلت) كلّا بل ما ذكر مخدُوش صغرى و كبرى أما الأول فلان وزان الخاص ليس وزان المانع مطلقاً إذ عدم شمول الحكم لافراد الخاص يمكن استناده ثبوتاً إلى أحد أمور إما قصور المقتضى بمعنى كون عنوان العام جزء السَّبب للحكم لاتمامه أو فقدان الشرط أو وجود المانع و لو كان غير عنوان الخاص فكيف يمكن إثبات كونه من قبيل الثالث و كون المانع الموجود عنوان الخاص، وأما الثاني فلان الحكم بعدم المانع بمجرد الشك فيه مما لا يقتضيه أصل عقلى ولا شرعى إلا أن يتمسك لاحراز حاله بالاستصحاب وهو غير جارفي جميع موارد الشك فلا يمكن التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، هذا بحسب ما في تقريرات شيخنا الانصاري (قدّس سِرُّه)

ص: 325

و قد قرر هذا البرهان بعض المحققين (قدّس سِرُّه) في التعليقة على الكفاية بما محرَّره أن حجية العام عبارة عن كشفه النوعى عن المراد الواقعي للمتكلم وهذه الكاشفية ترتفع بوجود كاشف أقوى من العام كالخاص بناءً على الحق من أنَّ دلالة الخاص على أفراده أقوى من دلالة العام علي تلك الافراد، فالخاص يكشف بالكشف النوعى عن تقيد العام بغير أفراد الخاص ثبوتاً بمعنى قصر العام بغير تلك الافراد ثبوتاً لا بمعنى كون التخصيص منوّعاً يوجب دخل عدم الخاص في موضوع العام إذلا يعقل كون العدم ناعنا، ففى مورد الشك في مصداقية فرد الخاص لاحجة لنا فيه لعدم إحراز شمول عنوان العام له بكشفه النوعى بعد إحتمال قصره بغيره ثبوتاً لكونه من أفراد الخاص واقعاً والمفروض عدم إحراز كونه مصداقاً للخاص كي يدخل تحت كشفه النوعى عن المراد، ولا يلزم إحراز عدم كونه من أفراد الخاص إثباتاً كي يقال بأن عنوان العام كالعلم في زيد العالم المشكوك فسقه محرز بالوجدان فنتمسك لحكمه بالعام وندفع المانع المشكوك بأصالة العدم، و ليس لنا كاشف شخصي بالنسبة إليه فكيف يمكن التمسك بالعام لحكمه، وقد أخذ من الشيخ (قدّس سِرُّه) جماعة من المتأخرين هذا البرهان وقرَّروه بتقريبات أخر مثل أن للعام حجيتين مرادية وتطبيقية فمع الشك فى ألاولى لا يمكن التمسك بالثانية و مثل أنّ التمسك بالعام إنما يجوز في مورد الشك في التخصيص لا فى المخصص ونحو ذلك مما يوجد في كلمات جلّ من تأخر عن الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه).

أقول حجية العام بمفهومه السرياني لدى أهل المحاورة في الكشف عن المراد الواقعى بالنسبة إلى جميع أفراد ذلك المفهوم مما لا يقبل الانكار لكن للعام حجية أخرى ينبغى تسميتها حجية تطبيقية هي صحة تطبيق المخاطب الحجة الكاشفة عن المراد الواقعى للمتكلم مع الافراد المحرزة لديه للمفهوم السّرياني بمعني إحراز عنوان العام فيها فان ذلك بيد المكلف دون المتكلم بخلاف مقام الارادة فتعيينه بيد المتكلم، والتمسك بالعام في الشبهة المصداقية من الحجية الاولى غير ممكن كما ذكره الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) لمانبه عليه من أنّ أصالة العموم أصل مرادى غير متكفل لاحراز حال الفرد المشكوك وأنه من أفراد المعام أم لا، لكن التمسك به فيها من جهة الحجية الثانية في كل مورد أحرزنا ك_ون عنواني العام و الخاص من قبيل

ص: 326

المقتضى والمانع بمكان من الامكان (و توضيح ذلك) أنك قد عرفت سابقاً عند الجواب عن أول براهين المشهور لعدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية أنّ التخصيص تارة أنواعى لتنوع العام تكويناً خارجياً إلى نوعين بلا إستناد التنويع إلى التخصيص مثل : من خرج عن دين اللّه فاقتلوه إلا ألانثى إذا لداخل فى العام بعد التخصيص منحصر تكويناً في الذكر فاذا شك في فرد أنّه من أي النوعين كالخنثى بناء أعلى عدم كونها طبيعة ثالثة فلا يمكن التمسك بالعام لاثبات حكمه لعدم تكفله إحراز فردية ذلك فليس للعام ولا الخاص كاشفية بالنسبة إليه، و أخرى لاثبات قيد في موضوع حكم العام مثل أكرم العلماء إن كانوا عدولاً ولا يمكن التمسك بالعام فيه لاثبات حكم الفرد المشكوك كزيد العالم المشكوك عدالته لان أحد جزئى الموضوع محرز والعام غير متكفل لاحراز جزئه الآخر، و ثالثة لاثبات حكم آخر للمتخصص بخصوصية زائدة عن عنوان العام مثل المرئة تحيض الى خمسين إلا القرشية فهي تحيض إلى ستين ولامانع فيه عن التمسك بالعام لحكم الفرد المشكوك كونه من الخاص كالقرشية لان عنوان العام فيه محرز وحجة عرفاً في التطبيق على أفراده المحرزة و عنوان الخاص الموضوع للحكم الزائد كالقرشية غير محرز فيه فلا يثبت له حكم الخاص بل يبقي تحت حكم العام بحسب حجيته التطبيقية القهرية، ورابعةً لاثبات إخلال قيد وجودى فى حكم العام مثل أكرم العلماء ولا تكرم الفساق منهم فانه ناظر إلى إخلال الفسق ومنعه عن وجوب إكرام العالم الفاسق، ولامانع فيه عن التمسك بالعام لحكم الفرد المشكوك كونه من أفراد الخاص كالفاسق لان الشك في كونه من أفراد الخاص تمام الموضوع لعدم جريان حكم الخاص فيه فيشمله حكم العام بحسب حجيته التطبيقية لدى عرف العقلاء بعد فرض إحراز كونه من أفراده، ولذاترى الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) مع أنه مؤسِّس لكون أصالة العموم أصلا مرادياً لا إحرازياً لم ينكر طى كلماته في التقريرات إمكان التمسك بالعام في الشبهة المصداقية في موارد كون عنوانى العام والخاص من قبيل المقتضى والمانع وإنّما أنكر إحراز كونهما من هذا القبيل، لكنك عرفت إمكان إحرازه كيف و ظاهر أخذ قيد في موضوع حكم موضوعيّة القيد للحكم كالفسق لعدم وجوب إكرام

ص: 327

العالم فى لا تكرم الفساق من العلماء، لا كون القيد طريقاً كاشفاً إمّا عن فقدان شرط فى موضوع حكم العام كعدالة العالم فى أكرم العلماء أو عن وجود مانع آخر عن سريان حكم العام فى المتخصص بتلك الخصوصية كرذيلة الحسد أو عن كون عنوان العام كالعالم جزء ألسبب لحكمه، إذ كل ذلك تأويل في ظاهر الدليل بغیر دليل، و لا تعنى بما نعية عنوان الخاص عن سريان حكم العام وإخلاله به ألذى هو أثر وجودى إلّا موضوعية العنوان لحكم مضادمع حكم العام (فتلخض) أنَّ التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للعام غير جائز كالاولين من أقسام التخصيص وللخاص جائز كالاخيرين من الاقسام، فالحرى جعل محطّ النزاع في المسئلة التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للخاص دون العام و تعنون المسئلة به و تمام السرفي صحة التمسك بالعام فيها أنَّ الاخلال بسريان حكم العام أثر وجودى للقيد المأخوذ في الخاص وإن شئت قلت ضد حكم العام حكم شرعي ثابت لموضوعه الذى هو القيد الوجودى فمالم يحرز وجود المخل وموضوع الحكم كفسق العالم فى أكرم العلماء ولا تكرم الفساق منهم لاوجه لترتيب الاثر الاخلالى و الحكم الشرعى، لانّ بناء العقلاء طرأ على عدم ترتيب الاثر الاخلالى حين عدم إحراز وجود ألمخل بل ألجرى على طبق المقتضي المحرز و ترتيب أثره مطلقاً في كلية موارد الشك في المانع لما أسلفنا من أن عدم المانع ليس قيداً للعام ولذا أنكرنا القيود العدمية المشهورة في الالسنة، فعدم إحراز غير المأكولية مثلاً كاف في صحة ألصلاة بعد إحراز أجزائها وشرائطها بلا لزوم إحراز كون أللباس من غير المأكول.

و توهم أن قصر حكم العام بغير أفراد الخاص ثبوتاً ألمنكشف من دليل التخصيص كاف في عدم جواز التمسك بالعام للمشكوك كونه من الخاص ولا يلزم إحراز دخوله في عنوان الخاص كما تقدم في تقريب بعض المحققين برهان الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّهما) مدفوع أولا بأنَّ قصر الحكم بذلك ثبوتاً لايجدى للمنع عن التمسك بالعام إثباتاً بل لابد من وجود محرز إثباتاً للقصر الثبوتي في ه_ذا الفرد وليس هو إلا دخوله في عنوان الخاص المفروض عدم إحرازه (وبالجملة) الحجية الثبوتية غير الحجية الاثباتية فعدم إحراز الأولى من طرف الخاص في الفرد

ص: 328

المشكوك لا يزاحم إحراز الثانية من طرف العام فيه و ثانياً بأن حجية أحد دليلي العام و الخاص ثبوتاً لاتنفك عن حجية الآخر كذلك فلو كان العام في نفس الامر قاصراً عن شمول الفرد المشكوك فالخاص شامل ل__ه ثبوتاً و بالعكس بالعكس فالتفكيك بين قصر العام و شمول الخاص أو العكس غير ممكن ثبوتاً ولا إثباتاً (فالعحب) من بعض أجلة المحققين دام ظله فانه مع الاعتراف بمقتضى الحجية الثانية للعام أى التطبيق مع الافراد المحرزة يناقش في التمسك بالعام في الشبهة المصداقية تبعاً لبعض المحققين (قدّس سِرُّه) فى التعليقة علي الكفاية بدعوى إحتمال كون الفرد المشكوك من أفراد الخاص ثبوتاً فالعام لو كان متكفلاً لبيان الحكم الظاهري أيضاً ليمكن التمسك به ظاهراً فى حكم الفرد المشكوك واقعاً لزم إجتماع حكمين واقعى وظاهرى في مضمون دليل واحد ولو إختص ببيان الاحكام الواقعية لم يمكن التمسك به للحكم الظاهرى فى هذا الفرد (إذ قد عرفت) أنّ إحتمال فردية المشكوك للخاص ثبوتاً لا يجدى للمنع عن التمسك بالعام بعد عدم إحراز قصر العام بغيره إثباتاً من دليل الخاص و أن عدم إحراز دخوله في الخاص كاف لجواز التمسك بالعام لحكمه بعد إحراز عنوان العام فيه، وليس ذلك من التمسك بالحكم الظاهري بل بالواقعى لان حكم العام بالنسبة إلى جميع أفراده المحرزة واقعى بحسب الحجية التطبيقية غاية الامر أن كل حكم واقعى لا بد له من كاشف في مرحلة الاثبات هو في المقام عموم العام بعد إحراز عنوانه في الافراد فالتطبيق ظاهرى لا عموم العام، و، و عليه فالشك في خروج فرد عن حكم العام بطر و عنوان الخاص عليه لا يوجب صيرورة حكم العام بالنسبة إليه ظاهرياً وإلا لزم هذا المحذور عند إحراز عد الته كونه فاسقاً واقعاً حيث يطبق عليه العام ولا يقال للعام لسانان ظاهری و واقعى، وإن كان أصل وجود حكم ظاهري في طول الواقعى محل منع كما تقدم في مبحث الاجزاء، نعم يبقى ما تقدم عن الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) من المناقشة الكبروية في كفاية الشك في وجود المانع في البناء علي عدمه وعدم لزوم ذلك في الجري على طبق المقتضى، لكنك عرفت أن ترتيب الاثر الاخلالي الذي هو أمر وجودى موقوف على احراز موضوعه أعنى وجود المخل و حيث لم يحرز فلا يترتب أثره

ص: 329

الاخلالى بلا حاجة إلي إحراز عدمه بالاصل كالاستصحاب حتى يستشكل بأن إستصحاب عدمه ألمحمولى أى المطلق غير ناعت للموضوع وإن كان لنا في أصل إستلزام إستصحاب العدم المحمولي للناعتية كلام مذكور في محله (وبالجملة) فمقتضى الاصل العقلائى أعنى بناء العقلاء كفاية الشك في وجود المانع في البناء علي عدمه بمعنى عدم ترتيب الاثر الاخلالى والجرى على طبق المقتضى الذي هو في الحقيقة تمسك بالاصل اللفظى لا بقاعدة المقتضي والمانع المتداولة في ألالسنة كى يتوحش منها ويقال إنها لاصغرى لها ولاكبري.

(فما) في تقرير بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) من إسناد التمسك بقاعدة المقتضى والمانع لجواز التمسك بالعام فى الشبهة المصداقية إلى بعض (1) الاصوليين والجواب عنه أولاً بعدم إنحصار عنوان المخصص في المانع بل قد يكون من الشرط أو الجزء نظير الاصلاة إلا بطهور أو بفاتحة الكتاب وثانياً بعدم دليل شرعى أو عقلي على هذه القاعدة فلا يمكن التمسك بها لاثبات قاعدة أصولية أو فرعية (مدفوع) بما عرفت من أنه ليس من التمسك بالقاعدة لاثبات التمسك بالعام بل تمسك بأصل لفظى ودفع لمزاحمة الخاص عن جريان حكم العام في مورده بعد إحراز كونهما من قبيل ألمقتضي والمانع، إذ الدليل على كون الخاص من قبيل المانع لفظى هو ظهور أخذ عنوان الخاص في موضوع حكمه في الموضوعية دون ألطريقية وعلى عدم جريان حكم الخاص في الفرد المشكوك عقلي هو توقف ترتيب الاثر الوجودى لموضوع على إحراز ذلك الموضوع وكفاية الشك في وجود الموضوع لعدم ترتيب أثره الوجودى، ففى مشكوك الفسق من العالم حيث أحرزنا من دليل لا تكرم الفساق من العلماء موضوعية الفسق لعدم وجوب إكرام العالم ولم تحرز موضوع هذا الحكم يحكم العقل بتاً بعدم ترتب حكمه وحيث أحرزنا من دليل أكرم العلماء موضوعية العالم لوجوب الاكرام وأحرز نا موضوع هذا الحكم يحكم العقل بنا بترتب حكمه الذى هو عبارة أخرى عن أصالة العموم ! هو أصل لفظى، مضافاً الي أن مثل لاصلاة الابطهور يكون في مقام تركيب المهية الصلاتية و بيان أجزائها و شرائطها فليس من تخصيص عام باخراج بعض أفراده عن حكمه كما هو محل الكلام، و إلى ما نبهنا عليه غير مرة من أنَّ قاعدة المقتضى والمانع في نفسها قاعدة عقلائية ممضاة لدى الشارع، ثم

ص: 330


1- المولى المير محمد تقي في رسالة الحق والحكم.

إن_ّه نقل فى وجه التمسك بالعام إختصاص حجيته بماليس هناك حجة أقوى و في الشبهة المصداقية حيث لم يحرز دخولها في عنوان الخاص تبقى حجية العام بلا معارض ورده بما يرجع إلى قدمناه في تقرير بعض المحققين برهان الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّهما) من كشف الخاص عن تقيد العام واقعاً بغير أفراد الخاص و معه لا يبقى محل لكشف العام عن حال الافراد من جهة دخولها في عنوان الخاص و عدمه، لكنك عرفت عند جوابنا عن ذاك التقرير أنَّ العام ليس متقيداً بغير أفراد الخاص و أنَّنا لسنا بصدد كشف حال الافراد من جهة الدخول في الخاص و عدمه من ناحية العام بل احراز عنوان العام فيها وكفاية عدم احرار عنوان الخاص في عدم جريان حكمه فيها فيبقى جريان حكم العام فيها بلا مزاحم، فهو كما قلنا تمسك في الحقيقة بأصل لفظي هو أصالة العموم ودفع لمزاحمة الخاص عنه بأصل عقلائي فتدبر جيداً.

ثم إنّ كثير ممّن قال بعدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية قال بجوازه فى المخصص اللّبى بتقريبات مختلفة (منها) ما يظهر من تقريرات الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) من أنَّ المخصّص اللّبي لا يوجب تعنون العام بعنوان آخر غير عنوانه الذاتي وإن كان بينهما تناف ثبوتى فمالم يحرز المتكلم عدم وجود مناف للعام فى الخارج لا يصحّ إطلاق العام من غير مخصص، فاطلاق العام يكشف عن عدم مناف له فى الخارج فاذا قال أكرم جيراني أو لعن اللّه بني أمية قاطبة أو جئنى بالبطيخ و دلَّ المخصص اللّبى على عدم وجوب إكرام عدوّ المولى من جيرانه ولاجواز لعن المومن من بني أميّة ولا الاتيان ببطيخ فاسد فمنافاة ذلك مع العام ثبوتاً محقق لكن حيث لا يوجب تعنون العام بغير العدو والمومن والفاسد فاطلاق العام إثباتاً فى عالم تعليق الحكم يكشف عن عدم عدو للمولى فى جيرانه ولا مؤمن في بني أمية ولا فاسد في البطيخ، فاذا شك في كون فرد من المخصص جاز التمسك بالعام لحكمه، وقد أخذ من الشيخ الاعظم عين هذا التقريب بعض الاساطين بل إستجوده أخيراً بعض الاعاظم (قدّس سِرُّهم) بعد تقريبه أولاً عدم الفرق بين المخصص اللفظى و اللبى (ومنها) ما يظهر من صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) من أن الحجة على الخروج في المخصص اللبى ليس إلا ألقطع بالخروج فما علمنا بخروجه عن العام لا يكون العام حجة بالنسبة إليه وما شككنا في خروجه

ص: 331

يبقي العام حجة بالنسبة إليه ويدل على ذلك إستقرار سيرة العقلاء علي التمسك بالعام في الشبهات المصداقية للمخصص اللبى، ثم إحتمل في آخر كلامه إمكان تقريب ذلك بما تقدم عن الشيخ (قدّس سِرُّه) أيضاً (ومنها) ما يظهر من المحقق الهمداني (قدّس سِرُّه) في أوائل طهارة مصباح الفقيه لدى التعرض لحكم موارد الخروج عن الابتلاء أو القدرة من أنَّ التخصيص فى اللبي ليس أنواعياً يخرج عنوان الخاص كالعاجز عن العام بل أفرادى و بحكم العقل إذ العقل يحكم بأن الفرد المحرز عجزه عن الامتثال خارج عن حكم العام وكذا كل فرد أحرز العقل فرديته للمخصص، فمع الشك في الفردية يصح التمسك بالعام ولذا يتمسك في موارد الشك في القدرة أو الابتلاء بعموم العام، ولعل مرجع هذا التقريب إلى التقريب المتقدم من صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) (ومنها) ما يظهر من بعض المحققين (قدّس سِرُّه) في تعليقة الكفاية من أنّ إطلاق العام فى المخصص اللبى الذى لم يخصص بمخصص لفظى له دلالتان إحديهما الدلالة على عدم منافاة عنوان مع عنوان العام ثبوتاً كعنوان العداوة في أكرم جيراني وعنوان الايمان في لعن اللّه بني أمية قاطبة، ثانيتهما الدلالة على عدم منافٍ معه خارجاً كعدم عدوّ فى جيران المولي و عدم مؤمن في بني أمية فالدلالة الاولي للعام في مورد الشك في مصداق المخصص اللبي و إن كانت ساقطة لكن دلالته الثانية باقية على الحجية، فتعلق الحكم لباً بغير أفراد المخصص غير مربوط بدلالة العام على عدم المنافى له خارجًا (لا يقال) أليست الدلالة الثانية تابعة للاولى في الحجية فمنافاة المخصص اللبى مع الأولى وكونه سببًا لسقوطها عن الحجية تستلزم منافاته مع الثانية وسقوطها عن الحجية (لانا نقول) كلّا لاملازمة بينهما في الحجية فسقوط ألاولى لاينا في بقاء الثانية، و مرجع هذا التقريب إلى ما تقدم عن الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) مع تفاوت إسناد عدم المنافي إلى إحراز المتكلم في كلام الشيخ (قدّس سِرُّه) وإلي دلالة العام في كلامه (ومنها) ما يظهر من بعض أجلة المحققين دام ظله من أنَّ العام له حجيتان لدى العقل كبروية هي ألكشف عن دخول كل فرد من أفراده في الحكم وصغروية هي صحة تطبيقه مع ما أحرز فرديته للعام في الخارج، والاعتماد علي حكم العقل في الثانية ممكن بالنسبة إلى الشبهات المصداقية و لعل

ص: 332

حكمة إبقاء العام على عمومه إهتمام المولي بذلك الحكم فلا يخصصه باللفظى حتى يتحفظ عليه في موارد الشك ويتحقق في جميع الافراد الواقعية.

هذه كلمات القوم فيما عثرنا عليه و مرجع كثير منها إلى ما أفاده الشيخ الاعظم قدس سره في التقريرات فلها جنواب إجمالي وحدانی و جواب تفصیلی بالنسبة إلى كل واحد من التقريبات (أمّا الاوّل) فهو أنه لافرق بين المخصص اللفظى مع اللّبى من حيث كشفه عن الخروج الواقعى وقصر الحكم بغير أفراد الخاص فلوقلنا باستلزام ذلك تنويع العام فليكن كذلك فيهما وعليه لا يجوز التمسك بالعام فى الشبهات المصداقية للمخصص في شيئي منهما و إن قلنا كم_ا ه_و الحق الذى أسلفناه بعدم إستلزام ذلك التنويع فكذلك بالنسبة إليهما وعليه يجوز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية لكل منهما ولذا لايرتاب أحد في عدم جواز التمسك في المخصص اللبى إذا أحرز كون التخصيص أنواعياً (وأمّا الثاني) فيتوجه علي تقريب الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) أنَّ دعوى كشف إطلاق العام عن إحراز المتكلم عدم المنافي للعام في الخارج تخرُّصٌ بالغيب بل التخصيص اللبي الذي يوجب حسب إعترافه (قدّس سِرُّه) قصر حكم العام ثبوتاً بغير الافراد المخصصة بنفسه مانع عن إنعقاد ظهور للعام فى كون جميع الافراد مراداً للمتكلم، و لذا أورد عليه، و لذا أورد عليه بعض أجلة المحققين مدظله بأنّ الاصل المرادى يسقط عن الحجية بالنسبة إلي الفرد المشكوك ثم ذكر في تقريب أصل المدعى ما تقدم عنه، ويتوجه على تقريب صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) أنَّ القطع بالخروج غير ألحجة على الخارج فانحصار الحجة على التخصيص بالقطع بالخروج لايوجب صحة تشخيص ما هو الخارج بالعلم بالخروج، فكل فرد علم بخروجه قامت فيه ألحجة علي تطبيق عنوان الخارج عليه فصح تشخيص ما هو ألخارج به وسقط العام عن الحجية بالنسبة إليه ومالم يعلم فيه ذلك فلاحجه لنا على التطبيق ولا مشخص لما هو الخارج بالنسبة إليه كي يسقط العام عن الحجية، و هكذا فى المخصص اللفظى بلا فرق بينهما إلا من جهة كون لسان ألاخراج في أحدهما لسان العقل و فى الآخر لسان اللفظ أما إستقرار سيرة العقلاء على التمسك بالعام في الشبهات المصداقية فهو متحقق في اللفظى كاللّبي ولا ينحصر بالثاني،

ص: 333

و يتوجه علي تقريب بعض المحققين (قدّس سِرُّه) بعد تسليم دلالة م على عدم المنافي له في الخارج والغضّ عن منع الدلالة أنه كما يمكن الاعتماد في المخصص اللبى على حكم العقل في أصل المنافاة مع عنوان العام كذلك يمكن الاعتماد عليه في وجود المنافى له فى الخارج، فمحرز أصل التخصيص والمنافاة وهو العقل يمكن أن يكون محرز مصداق الخاص والمنافى أيضاً، ويتوجه على تقريب المحقق ألهمداني (قدّس سِرُّه) أنَّ حكم العقل بخروج الفرد في المخصصّات اللبية كزبد العدو فى أكرم جيرانى ليس حكماً جزافياً بل هو مستند إلى حيث عام موجود في ذلك الفرد كالعداوة في لمثال ولذا يعلّل حكمه بذلك فيقول لا تكرم زيداً لانه عدو والعلل في الاحكام العقلية موضوعات لها فتمام موضوع حكم العقل بعدم وجوب الاكرام في لمثال انما هو عنوان العدو، ومن هنا يعلم ما يتوجه على تقريب بعض أجلة المحققين دام ظله من أنَّ الاعتماد في عالم التخاطب علي حكم العقل من حيث الحجية الصغروية أى التطبيق إنَّما يصح مع وجود الحجية الكبروية أى ألكشف عن المراد لان التطبيق في طول عنوان العام و بلحاظه لان حكم العقل معلك كما عرفت آنفاً، فمع إنتفاء الاصل المرادى و سقوطه عن الحجية كما هو مفروض المخصص اللّبى الذى يقصر حكم العام ثبوتاً بغير الافراد المخصصة و يكفى معه إحتمال كون الفرد خارجاً واقعاً في عدم إنعقاد ظهور له في العموم المرادى كيف يصح تطبيق ذلك مع هذا الفرد المشكوك، فلم يثبت فرق بين المخصص اللبى مع اللفظى من جهة حكم العام في الشبهات المصداقية (وظنّى) وإن كان لا يغني لغيرى أنَّ القوم لمار أوا إستقرار سيرة العقلاء على التمسك بالعام في الشبهات المصداقية إذا كان من قبيل المقتضى والمانع كما في المخصصات اللبية إذ الغالب كونها من هذا القبيل تصدوا لتوجيهه بهذه التقريبات، مع أنّ السيرة مستقرة في ما كان من ذاك القبيل حتى فى غير اللّبيات و لذا لابر تاب أحد من العقلاء في عدم جواز التمسك بالعام فى الشبهة المصداقية للمخصص إذا أحرز كون التخصيص أنواعياً، بل قد عرفت أن التخصيص على أربعة انواع والتمسك بالعام جائز في قسمين منها دون الآخرين فهكذا في المخصصات اللّبية عيناً فتدبر جيداً.

ص: 334

ثم إن صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) مع إختياره عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية كما تقدَّم قال بأن التخصيص بالمنفصل أو ما هو بمنزلته في كونه إخراجا لا تقييداً للعام كالاستثناء من المتصل حيث لا يوجب تنويع العام كي يستلزم تعنون الباقى بعد التخصيص بعنوان خاص بل يبقى الباقى علي حاله من قابلية التعنون بكل عنوان عدا عنوان الخاص المفروض خروجه عن العام، ففى الشبهات الموضوعية للعام لو كان هناك أصل منقّح للموضوع يمكن إحراز الموضوع به والتمسك بحكم العام له، ففي مثل : المرئة تحيض إلى خمسين إلا القرشية فانها تحيض إلى ستين: إذا شك في مرئة أنها قرشية أم لا يمكن إحراز موضوع العام فيها بأصالة عدم الانتساب بينها و بين قريش بمعني إستصحاب عدمه المحمولى الذى هو مفاد كان الناقصة لاعدمه النعنى الذى هو مفاد كان التامة، إذ نفس عدم ثبوت الانتساب بينها و بين قريش كاف في إحراز ما هو موضوع العام أى التحيض إلى خمسين بلا لزوم إحراز إنصاف المرئة بهذا ألوصف العدمى و هو كونها غير منتسبة إلى قريش، و هكذا فى لاتكرم الفساق من العلماء بعد أكرم العلماء إذا شك في فرد من العلماء أنه فاسق أم لا فيستصحب عدم فسقه المحمولى ويُنقّح به موضوع العام فيشمله حكمه، هذا محرر ما أفاده (قدّس سِرُّه) و قد إشتبه الامر على جماعة ممَّن تأخر عنه فزعموا أن مراده (قدّس سِرُّه) سببية التخصيص لتعنون العام بأى عنوان غير عنوان الخاص كعنوان ألنحوى والصرفى وغير هما من العناوين المنصورة للعالم غير عنوان الفاسق في مثل أكرم العلماء بعد التخصيص بلا تكرم الفساق منهم، فاعترضوا عليه بعدم صحة ذلك مع أنَّ صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) أجل شأناً من أن يتفوَّه بمثل هذا الامر الذي لا ينبغي إسناده إلى فاضل فضلاً عن خرّيت هذه الصّناعة.

و لتوضيح ذلك و تحكيم ما قدمناه من جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للخاص و تحقيق المقام نذكر كلمات القوم ونتأمل فيها ثم نبين ما هو الحق عندنا فنقول وعليه التكلان إنّ المستفاد من تقريرات الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) كما أشرنا إليه في طى كلماتنا السالفة أن التخصيص يوجب تعنون العام بعنوان ثبوتى كالعدالة في أكرم العلماء ولا تكرم الفساق منهم بمعنى أن إخراج عنوان

ص: 335

الخاص كالفاسق عن العام يدل بالالتزام علي إحداث عنوان ثبوتى في العام كالعادل لعدم واسطة بين العنوانين خارجاً، فمثله (قدّس سِرُّه) لابد أن يلتزم بعدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ضرورة عدم إحراز ما هو موضوع حكم العام و هو المعنون بعنوان ثبوتي كالعالم العادل في لمثال، لكن ألتعنون بعنوان ثبوتى علي هذا المبنى إنما هو فيما إذا كان لعنوان الخاص ضد وكان العنوانان من لا ثالث لهما كعنواني الفاسق والعادل للعالم، فان لم يكن له ضد وجودي كالقرشية فى لمثال المتقدم فلابد أن يلتزم (قدّس سِرُّه) بتعنون العام بنقيض الخاص كغير القرشية، والمستفاد من كلمات بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) سببية التخصيص لتعنون العام بعنوان عدمی مطلقاً هو نقيض عنوان الخاص كغير الفاسق أو غير القرشية في لمثالين، فهو يشترك مع الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) في أصل السببية للتعنون بعنوان غير عنوان الخاص و يفترق عنه بالالتزام بالتعنون بعنوان عدمى لاثبوتى بدعوى أن الخاص قاصر عن الدلالة على إحداث عنوان ثبوتى فى العام كالعدالة في العالم لان بين عنوان العام كالعلم مع عنوان الخاص كالفسق واسطة هو غير الفاسقية، فغاية ما يدل عليه التخصيص بعد إستحالة ألاهمال النفس الامرى تقيد موضوع العام بعد التخصيص بنقيض عنوان الخاص كما تقدم تفصيل برهانه بعنوان أول براهين المشهور على عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، وهذا القائل ممن إستظهر من كلام صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) سببية التخصيص لتعنون العام بأى عنوان غير عنوان الخاص مع أن تعنون الباقى وتقيده بكل عنوان غير عنوان الخاص شيئي وإنطباق كل عنوان غير عنوان الخاص عليه بالطبع لامن قبل التخصيص بمعنى شمول حكم العام للمعنون بجميع تلك العناوين شيئى آخر، و المستفاد من كلام صاحب الكفاية الثاني دون الاول كيف وهو (قدّس سِرُّه) بصدد بيان أن الخاص لايوجب تنويع العام كي يستلزم تعنون الباقي بعنوان خاص فكيف يلتزم بتعنونه وتقيده بأى عنوان غير عنوان الخاص، نعم يبقى إشكال أن مراده (قدّس سِرُّه) لو كان ماذكرنا فأى حاجة إلى إستصحاب العدم فى تنقيح الموضوع إذ المفروض عدم تعنون العام بعنوان غير عنوانه الذاتي كالعالم وهو محرز بالوجدان فلا حاجة في إحراز الموضوع إلى الاصل، ولذا

ص: 336

ربما يتوهم مناقضة صدر كلامه مع ذيله ويندفع بامكان جعل الذيل قرينة على المراد من الصدر بل جعل أول الصدر قرينة عليه حيث صرح أولاً وصدر كلامه بأنَّ الباقي لا يكون معنوناً بعنوان خاص، لكنك ستعرف وجه هذا الاصل و بيان ما هو الحق عندنا.

ثم إنّه (رَحمهُ اللّه) تصدّى لتحقيق حال الاستصحاب في المقام ببيان مقدمات ثلاثة (ألاولى) أن التخصيص ينوّع العام إلى الخاص و نقيضه قضا لاستحالة الاهمال النفس الامرى (الثانية) أنَّ الاعراض الطّارية على الشيئي تارة ينقسم إليها المعروض بطبعه كانقسام زيد بالطبع إلي الفاسق و غيره و نحوه من الاعراض وهذا الانقسام أولى و أخرى ينقسم إليها المعروض بلحاظ ألخارج عن ذاته كانقسام زيد إلى عدم عمرو و عدم غيره و نحو ذلك من المقارنات و هذا الانقسام ثانوي، والعرض فى القسم الأول بوجوده و عدمه نعتی فاستصحاب عدمه المحمولى المطلق من الازل لا يثبت عدمه النعتى المفروض (الثالثة) أنّ وجود العرض في طول وجود موضوعه لان وجوده وجود في الموضوع فوجود الفسق مثلاً فى طول وجود زيد فعدم العرض أيضاً في طول وجود الموضوع و بعد الفراغ عنه فعدمه كوجوده نعتی، فوزان عدم العرض بالقياس إلى موضوعه وزان العدم و الملكة فاستصحاب عدمه المحمولي لا يثبت عدمه الخارجي النعتى كما لا يصح إستصحابه في صورة عدم الموضوع فهذه المقدمة تنتج بطلان السالبة بانتفاء الموضوع، وعليهذا فمثل لاتكرم الفساق من العلماء ينوع العالم فى أكرم العلماء إلى الفاسق وغيره بمقتضى المقدمة ألاولى و إستصحاب عدم كون زيد فاسقاً من الازل حينما لم يكن زيد موجوداً أصلاً لا يثبت كون زيد الموجود بالفعل غير فاسق حين الشك في فسقه بمقتضى المقدمتين الاخيرتين، لان عدم الفسق الذى هو من الانقسامات الأولية لزيد لم يكن وصفاً له فى الازل كى يصحّ إستصحابه له فعلاً إذ المفروض أن معروض هذا العرض وهو زيد لم يكن موجوداً في الازل ووجود العرض كما عرفت طول وجود المعروض فمع عدم المعروض كيف يعقل وجود عرضه، فعدم فسق زيد بعدم زيد أمر غير معقول ولذا نقول بأنَّ السالبة بانتفاء الموضوع من الشّعريات وإستصحاب

ص: 337

عدم الفسق مطلقاً لا يرتبط بزيد فما يجرى فيه الاستصحاب لا يثبت المطلوب و ما يجدى لاثباته لا يجري فيه الاستصحاب، هذا محرَّر كلامه.

و يمكن أن يوجّه ماذكره في تقريب الاستحصاب بوجوه ثلاثه أخر (الاوّل) أنّ التناقض بين الحكمين كوجوب إكرام العلماء و عدم وجوب إكرام الفساق منهم يستلزم التباين بين الموضوعين وهو يستلزم تنويعهما فموضوع العام في لمثال العالم الغير الفاسق و موضوع الخاص هو العالم الفاسق، ومن المعلوم أن إستصحاب عدم الفسق أزلاً لا يكفي لا ثبات كون المشكوك من أفراد العام بمعنى كون زيد مثلاً غير فاسق (الثاني) أنَّ عدم التنويع يستلزم إجتماع حكمين متضادين في موضوع واحد إذلو كان موضوع وجوب الاكرام العالم بما هو و موضوع عدم وجوبه، الفاسق بما هو لزم إجتماعهما في الخاص أى الحاکم الفاسق ضرورة إجتماع موضوعى الحكمين فيه و ليس كذلك قطعاً فيكشف عن تنويع العام إلى الفاسق وغيره وينتج المطلوب (الثالث) أنّه لولم يكن هناك تنويع لجاز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية مع أنه كما عرفت غير جائز، و ربما زاد بعض أجلة المحققين دام ظله وجها آخر لعدم جريان إستصحاب العدم الازلى فى المقام و هو أن الاستصحاب في الاعدم الازلية (و إن كان) يجرى بطبعه إذ كما يكون لنا وجود رابطى كذلك لنا عدم رابطى فكما أن الربط بين قائم و زيد موجود في الخارج كذلك الربط بين عدميها فتستصحب ذلك العدم لا العدم المحمولى كي يقال بأنه مثبت (إلا أنّ) هذا الاستصحاب لاعرفية له فى أمثال المقام كعدم القرشية إذ العرف يعتبر في مثل القرشية ثبوت هذية للمرئة والاستصحاب قاصر عن إثبات ذلك فدليل الاستصحاب كلا تنقض منصرف عن مثله فلهذا لا يجرى إستصحاب العدم الازلى.

أقول وفى الجميع نظر أما أولى مقدماته الثلاث التي بني عليها تقريب عدم جريان الاستصحاب فلما أشرنا إليه غير مرّة من أنَّ لحاظ الموضوع بوصف الاطلاق غير لازم في الخروج عن الاهمال النفس الامري بل يكفى لذلك لحاظه بذاته معراة عن كل قيد حتى الاطلاق، وأنّ الخاص لا يدلّ إثباتاً على تنويع العام بشيئي من الدلالات الثلاث أمّا المطابقة فواضح وكذا التضمن لاسيّما على مذاقه من إنكار

ص: 338

الدلالة التضمينة رأساً، و أما الالتزام فلعدم لزوم عقلي ولا غيره، و أما الثانية من مقدماته أعنى إنقسام ألشيئى إلى أعراضه أولاً و إلى مقارناته ثانياً فلان مجرد كون الانقسام إلى الاعراض أولياً و بالطبع لا يوجب كون عدم العرض نعتياً مضافاً إلى أنَّ العدم لا يعقل أن يكون ناعتاً، وما تقدم من بعض أجلّة المحققين من دعوى ثبوت العدم الرابطى كوجوده ممنوع بكلا شقّيه فليس لنا وجود رابطى فضلاً عن عدمه إذ ليس هناك في الخارج في العقود الهلية ألمركبة مثل هل زيد قائم وراء وجودى حاشيتى القضية هما زيد وقائم فى لمثال وجود آخر وسيط بين الوجودين حتّى يُسمّي بالوجود الرابطى، أما الربط المستفاد من التنوين في المحمول فهو إنَّما يكون في عالم عقد القضية أعنى وعاء ألذهن للاشارة إلى تحقق المحمول في الموضوع خارجاً، من غير أن يكون لهذا التحقق وجود آخر وراء وجود نفس المحمول ومطابق خارجى غير ذلك حتى يكون رابطياً، و قد ذكرنا تفصيل ذلك فى أول الكتاب فى المعاني الحرفية عند ذكر كلام بعض المحققين (قدّس سِرُّه) الذى إدّعى أنَّ المعنى الحرفي وجود رابطي هو وجود لافي نفسه وبذلك جعله كالمعنى الاسمى فى الاستقلال، كما ذكرناه فى كتاب الطهارة وبذلك أبطلنا غائية ألكون علي الطهارة للطهارات الثلاث وكون سائر ألغايات غايات لتلك الغاية كما إدعاه هذا القائل مبنيا على تصوره الوجود الرابطى في الخارج، مع أنه لوسلّمنا الوجود الرابطي نمنع العدم الرابطى إذ غاية الامر أن النعت معدوم للموضوع عند عدم وجود المحمول بمعني سلب الربط عنه أما كون عدم النعت ناعتًا لوجود الموضوع بمعنى ربط السلب به فلا يقتضيه ذلك أصلاً، فاللازم فى صدق زيد ليس بقائم عدم ربط للقيام بزيد و عدم كونه نعتاً له على هذا المبنى سواء كان لاجل عدم وجود المحمول بعدم تحقق قيام في الخارج حتى يوجد في زيد أم لاجل عدم وجود الموضوع بعدم تحقق زيد في الخارج حتى يوجد فيه ألقيام لاربط عدم ألقيام بزيد و كونه نعتاً له (وبالجملة) فبانتفاء كل واحدة من حاشيتي القضية يصدق عدم تلك القضية ونقيضها، نعم قد يؤخذ السلب عنواناً للوجود بنحو من العناية في جانب المحمول مثل زيد لا قائم فتسمّي القضية معدولة المحمول لكن لاجل إشراب معنى

ص: 339

الوجود في السلب بمعنى إنتزاع عنوان وجودى منه وجعله محمولاً ولذلك سمّيت القضية موجبة فالنسبة ايجابية وأين هذا من كون العدم ناعتاً و رابطيا.

ومن نفس هذا البيان ظهر فساد الثالثة من مقدماته وأن كون وجود العرض وجوداً في الموضوع وفي طوله لا يستلزم كونه ناعتاً فيكون لكونه في الموضوع وجود وراء وجود الموضوع و وجود العرض كما لا يستلزم كون عدمه ناعتاً و منحصر أبصورة وجود الموضوع حتى تكون السالبة بانتقاء الموضوع من الشعريات، حيث عرفت صدق نقيض القضية في صورة أنتفاء إحدى حاشيتيها وأنّ عدم العرض بالنسبة إلي موضوعه ليس من قبيل العدم و الملكة مطلقاً بل من الايجاب والسلب إلّا إذا اقتضي المعروض بذاته ذلك العرض وإستند عدمه إلى خلل من جهة وجود المانع كالعمى والبصر للحيوان إذمقتضى ذات الحيوان بخلقته الاولية كونه ذا بصر فعدمه كالعمى مستند إلى مانع فى مراحل تكونه في الرّحم أو في عالم ألدنيا فمثله يكون من العدم والملكة، فجعل الاعراض طرّاً من هذا القبيل مخالف للوجدان و إتفاق أرباب الميزان (فان قلت) هلّا يكون العدم مضافاً إلى العرض وأليست إلاضافة أمراً وجودياً موجوداً بينهما فهو عبارة عن الربط و هو المحقق للنعث فكون العدم ناعتاً أمر قهرى ولذا قيل بأنّ العدم المضاف له حظ من الوجود بل يترتب عليه ألاثر ألوجودى (قلت) كلاً لا يعقل أن يكون هذه الاضافة أمراً وجودياً موجبًا للربط و النعت بداهة أن العدم عدم ومتوغل فى الابهام والليسية ولاميز في الاعدام من حيث العدم فليس لشيئى من الاعدام أثر وجودىّ، ولمزيد التوضيح نقول هناك خلاف بين القوم في أنّ النّسب فى القضايا الايجابية والسلبية متحده أم لا بمعنى أنَّ النسبة موجود في الجميع ففى بعضها ايجابيه وفي بعضها سلبية أو لا نسبة في السلبيات بل مفادها سلب النسبة والربط بين الحاشيتين، والحقّ في تلك المسئلة أنَّ مفاد القضايا السلبية إنّما هو سلب النسبة والربط بين طرفيها لا وجود نسبة سلبية بمعنى ربط السلب ضرورة أن النسبة لا يعقل أن تكون سلبية كيف والنسبه والربط أمر وجودى فلا يعقل إتصافه بنقيضه أى السلب و العدم، فالمعقول في السلبيات إنما هو رفع ألنسبة وسلب الربط بين حاشتيى القضية فما يقال من أنَّ الايجاب و السلب فى القضايا عبارة عن الوصل و

ص: 340

الفصل بين شيئين وهما نسبتان فنفس النسبة ايجابية وسلبية مدفوع بأنا نسلّم كون السلب عبارة عن ألفصل لكنه لا يستلزم كونه نسبة كي تكون سلبية إذ الفصل حفرة عدمية وفراغ من الوجود بين الحاشيتين فلا يعقل أن تكون هناك نسبة، بل الموجود كما عرفت إنّما هو رفع النسبة وسلب الربط بينهما ومعلوم أنّ هذا الرفع والسلب كما يتحقق بانتفاء هذه الحاشية أى المحمول مع وجود الموضوع كذلك يتحقق بأنتفاء تلك الحاشية أى الموضوع المستتبع لانتفاء المحمول أيضا، فنقيض الموجبة سالبتان إحديهما بانتفاء المحمول والاخرى بانتفاء الموضوع و من هنا يعلم أنّ التصديق بوجود ألسالبة بانتفاء الموضوع إنما هو من أوليات العقول و بديهيات النفوس.

و من جميع ذلك يظهر أنَّ المركب المشكوك وجوده فعلاً أى العرض و المعروض ولولاجل الشك في وجود أحد جزئيه كوجود العرض عقيب وجود معروضه كزيد ألقائم أو المرأة القرشية أو العالم الفاسق حيث كان معدوماً أزلاً نستصحب عدمه الازلي فعلاً كما أنَّ خصوص أحد جزئيه المشكوك وجوده فعلاً أى العرض أيضاً حيث كان معدوماً أزلاً بانعدام معروضه نستصحب عدمه الازلى فعلاً بلا إرادة جعل عدمه ذلك ناعتًا لموضوعه الموجود فى الخارج بالفعل كما لا يستلزمه إثباتاً بل يستحيل ثبوتًا (فما تقدم) من بعض أجلَّة المحققين (1) دام ظله من عدم عرفية لمثل هذا الاستصحاب لانّه قاصر عن إفادة هذية المرئة أى الغير القرشية مدفوع مضافًا إلى ما عرفت من أنه لا يستلزم الناعتية و ليست مرادة و لا معقولة كي يلزم إحراز هذية المرأة أى الغير القرشية بأن إثبات هذية المرأة على تقدير لزومه إنما يازم في القضايا الخارجية دون الحقيقية أعنى على نحو فناء العنوان في المعنون وقضايا الاحكام الشرعية من هذا القبيل، فخروج القرشية عن كبرى تحيض المرأة إلى خمسين و إختصاصها بالتحيُّض إلى ستين إنّما وقع على نحو القضية الكلية لا الشخصية غاية الامر إنطباق تلك الكلية علي كل واحدة من صغرياتها الخارجية حين تحققها في الخارج يكون على نحو الانحلال العقلي، فاستصحاب عدم قرشية هذه المرئة من الازل بعدم المرئة كاف للمدعى بلا لزوم إثبات هذية أي اتصاف هذه المرأة فعلاً بعدم القرشية.

ص: 341


1- البروجردی (رَحمهُ اللّه).

نعم هنا تفصيل آخر لبعض الاعاظم (رَحمهُ اللّه) في استصحاب الاعدام الازلية هو أنَّ الموضوع تارة يفرض ذات الشيئي بلا تقدير وجوده و تقيده بقيد ما كأن يجعل موضوع العصمة في قوله : ألكر عاصم : ذات ألكر بما هو كر و حينئذ لامانع من إستصحاب عدمه الازلى ولا يتطرق فيه شبهة الاثبات والناعتية، وأخرى يفرض بعد وجود ألشيئي وتقيد وجوده بقيدما كأن يجعل موضوع العصمة هو الماء بعدما وجد وبلغ كراً فقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) ماء ألكر عاصم : معناه أنَّ الماء إذا وجد وبلغ قدر كر يعصم و حينئذ يكون الموضوع متأخراً عن الذات بمرتبتين إحديهما وج_وده وألاخرى تقييده بمثل ألكرية فاستصحاب عدم ألكرية مطلقا لا يثبت هذه الحصة من عدم الكرية أى المفروضة فى طول ذات الماء بمرتبتين (وبالجملة) فعدم الكرية المطلقة غير عدم ألكرية في هذه المرتبة والذى يجدى لرفع ألعصمة إثبات الثاني ومجرى الاستصحاب هو الاول فهذا النحو من إستصحاب العدم الازلى لا يجرى لمحذور الاثبات (أقول) ليته (قدّس سِرُّه) خرق هذا الحجاب الاخير أيضاً عن وجه جه الحقيقة كي يصل إلى صراح الحق في إستصحاب الاعدام الازلية، إذمع تسليم عدم الناعتية كما يبتنى عليه الالتزام بصحة جريان الاستصحاب فى القسم الأول لا يبقى مجال إشكال لجريانه في القسم الثاني لان الكرية في هذه ألرتبة كانت معدومة أزلاً بانعدام موضوعها فنشك في حدوثها فنستصحب عدمها ولانريد جعل ذلك العدم المستصحب نعتاً بالفعل لهذا الموضوع الموجود في الخارج، ومع ألالتزام بالناعتية كما يبتنى عليه الالتزام بعدم صحة جريان الاستصحاب فى القسم الثاني لا يبقى مجال للالتزام بجريانه في القسم الأول، وإن شئت قلت إن العدم لا يتحصص بحصص لما عرفت من أنه لاميز في الاعدام من حيث العدم فلا فرق بين العدم في الرتبة المتأخرة عن الذات وبين العدم في رتبة الذات من حيث المسبوقية بحالة أزلية توجب صحة إستصحابها، فكما يفرص وجود الموضوع في القسم الثانى فى طول الذات بمرتبتين وإن كانتا في الحقيقة مرتبة واحدة كذلك يفرض عدمه في تلك المرتبة وهكذا في القسم الاول، فالفرق بين القسمين في غير محلّه لاسيّما مع كون قضايا الاحكام الشرعية قضايا حقيقية، بمعني فناء العنوان في المعنون كما أسلفناه في محله بل الحق جريان إستصحاب العدم الازلي مطلقاً.

ص: 342

ومن هنا يعلم صحة ماقويناه سابقا من جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للخاص إذا كان العام والخاص من قبيل المقتضى والمانع بان يكون للعام عنوان واحد كالعالم في أكرم العلماء وللخاص عنوانان كالعالم والفاسق في لا تكرم الفساق منهم، فان مجرد الشك في موضوع الخاص لعدم إحراز أحد عنوانيه كالفاسق كاف فى عدم ترتب حكمه المضاد مع حكم العام والمفروض إحراز موضوع العام أى العنوان ألواحد كالعالم فيترتب عليه حكمه بمقتضي إطلاقة ما لم يحرز العنوان الآخر المحقق لموضوع الخاص المخلّ بذلك ألحكم، و من هذا البيان يعلم أن المراد بما قرع سمعك من قاعدة المقتضى والمانع وشككت في سنده انّما هو الاصل اللفظي أى التّمسك بأصالة العموم مالم يحرز موضوع الخاص الذى يُخرج الفرد عن العموم و ليس المراد به التمسك بقاعدة مستقله وراءَ الاصل اللفظى كي يستشكل فيه بأنّه لا سند لهذه القاعدة من الشرع ولا العقل، ضروره أنَّ العقلاء لا يعتنون بمجرد الشك في المانع أعنى موضوع الخاص في رفع اليد عن الاصل اللفظى أعنى أصالة العموم، ومن هنا ينقدح أنَّ التمسك بأصالة عدم المانع في المقام إنّما هو لدفع إحتمال وجوده وإقناع النفس لمن لم يقنع بذلك بلا إحتياج إليه في جواز التمسك بالعام، وحيث أنَّ الاصول عبارة عن كشف المرتكزات العرفية وصياغها في قوالب الاصطلاحات العلمية فقد إصطلحنا في الاصول عن هذا الامر الارتكازي الذى عليه ديدن عرف العقلاء في محاورتهم أعني عدم الاعتناء باحتمال المانع كالخاص في مقابل إحراز المقتضى كالعام باستصحاب العدم الازلى المانع فما قيل من أنَّ العرف لا يلتفت إلى مثل هذا في التمسك بالعام و بالعام و أنه إصطلاح مدرسي قد إخترعناه كأنه ذهول عن کشف الارتكازات العرفية فى ضمن الاصطلاحات العلمية (وبالجملة) فالاصل غير محتاج إليه و مع إرادة إجرائه لدفع احتمال المانع غير ممنوع و غير خارج عن طريقة العرف والعقلاء.

و لتوضيح المقام بأزيد مما تقدم نقول هناك إشكال عويصٌ في الاصل المزبور أى استصحاب عدم المانع أزلاً في الشبهات المصداقية ه_و أنه لا مجال الجريانه مطلقاً إذا لتخصيص لا يخلوا ما ينوع موضوع العام أولا، فعلى الأول بأن

ص: 343

يكون لا تكرم الفساق من العلماء سبباً لتنويع العالم فى أكرم العلماء إلي الفاسق و غیره لامجال لاستصحاب عدم الفسق فى العالم المشكوك كونه فاسقاً لانه لا يثبت القيد المأخوذ في موضوع العام الذى به يتحقق أحد النوعين أعنى كون العالم بأن لا يكون غير الفاسق الأعلى القول بالاصل المثبت ولا نقول به، و على الثانی خروج الفاسق عن أكرم العلماة سبباً لدخول قيد عدمى هو نقيض الفاسق في موضوع العام بل یبقی موضوع العام على ما كان عليه قبل التخصيص من كونه مجرد عنوان العالم لا مجال لاستصحاب عدم الفسق في مشكوكه ضرورة إحراز تمام ما هو الموضوع لحكم العام في ذلك الفرد المشكوك وهو عنوان العالم فيترتب عليه حكمه بلاحاجة إلى التشبث باستصحاب عدم موضوع الخاص أى الفسق فعلی أيّ تقدير لامصحّح للاصل المزبور في المقام و نقول في دفع هذه العويصة إن ماذكر من عدم حاجة إلى التّشبّث بالاستصحاب في صحة التمسك بالعام فى الشبهات المصداقية هو غاية آمالنا بل ضالتنا المنشوده، وتوضيحه أنا نختار الشق الثاني وهو عدم كون التخصيص منوعاً لما فصلناه سابقاًوحينئذ نقول لا يخلو إما أن يكفى مجرد الشك في المانع أعنى موضوع الخاص في صحة التمسك بالعام لما عرفت من عدم إعتناء عرف العقلاء باحتمال ذلك في مقابل أصالة العموم أولا يكفى ذلك بل لابد من دفع إحتمال المانع ثم التمسك بالاصل اللفظي، فعلي الأول لا نحتاج إلى إجراء الاستصحاب المزبور ولا نتشبك به أصلاً و على الثاني نتمسك بالاصل المزبور لدفع احتمال المانع بلا محذور فيه من شبهة ألاثبات نحوها لما عرفت آنها، فعلى أى تقدير لا يبقى مجال دغدغة في صحة التمسك بالعام في الشبهة المصداقية فالتمسك بالاستصحاب إنما هو لتتميم المدعى علي أى تقدير، ثم إن بعض المحققين (قدّس سِرُّه) في تعليقته على الكفاية وجه تصحيح هذا الاصل بأن العام له دلالة مطابقية على السريان في جميع أفراد المفهوم و كونها بأجمعها مرادة للمتكلم و دلالة التزامية على عدم ثبوت المنافات بين عنوان العام مع عنوان ما آخر، والتخصيص يناقض الدلالة الثانية حيث يكشف عن ثبوت المنافاة بین عنوان الخاص مع عنوان العام وحيت أن هذه المنافاة مشكوكة غير محرزة في الفرد المشكوك كالعالم المشكوك كونه فاسقاً فاستصحاب العدم الازلى لعنوان الخاص

ص: 344

كالفاسق في الفرد المشكوك حافظ للدلالة الالتزامية للعام ومحرز لها في هذا الفرد، لكنّك عرفت سابقاً عدم ثبوت دلالةٍ إلتزاميَّة للعام ولو سلمنا ثبوتها فلا يجدى الاستصحاب لاحرازها.

ثم إنَّ بعضهم إستظهر من عبارة الكفاية في المقام تعنون العام بعد التخصيص بكل عنوان عدا عنوان الخاص وإدعى أنه مراد صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) بشهادة تمسكه بأصالة عدم الانتساب إلى قريش إذمع عدم تعنون العام بعنوان لاحاجة إلي التمسك بذاك الاصل و قرب الاستصحاب بأنّ المراد ليس إثبات عدم قرشية هذه المرأة بالاستصحاب كي يتطرق إليه إشكال الاثبات، بل حيث أن عنوان عدم الانتساب إلي قريش من العناوين التي يتعنون بها العام عدا عنوان الخاص فعنوان المرأة ألمحرز بالوجدان في الفرد المشكوك نضمه إلى عنوان عدم الانتساب إلى قريش المحرز بالاصل، و هذا الموضوع المركب من جزئين أحرز أحد هما بالوجدان والآخر بالاصل نجعله كاشفاً عن العنوان الواقعى للعام حيث ينطبق عليه، لكنّك عرفت بعنوان سابقاً أن مراد صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) من العبارة ليس تعنون العام بكل عنوان عدا عنوان الخاص كما توهم بل عدم تعنونه و قابليته للانطباق علي كل عنوان، أما التمسك بالاصل فقد اتضح وجهه مما مرفتد برفى المقام فانّه دقيق.

ثم إنَّ الشبهة المصداقية للعام قد تكون من غير جهة التخصيص كما إذا شك في صحة الوضوء بالماء المضاف فيما إذا نذر أن يتوضؤ بذلك فيشك في صحة الوضوء من جهة عموم أوفوا بالنذور له، فهل يمكن التمسك بالعام لصحته لان عموم أوفوا بالنذور يقتضى وجوب الايتان بذلك الوضوء و حيث لا يجب الوفاء بما لا يكون صحيحاً قطعاً فيكشف ذلك عن صحة الوضوء أم لا يمكن؟، قد يقال بالاول مؤيداً بمادل على صحة الاحرام قبل الميقات والصّيام في السفر مع قضاء الادلة التعبدية بعدم جواز ألصوم في السفر المستلزم فساده و بعدم مشروعية الاحرام قبل الميقات كالصلاة قبل الوقت، فكما يكشف هذا الدليل عن صحة الصوم والاحرام المزبورين فليكشف عموم دليل الوفاء عن صحة الوضوء المزبور، لكن صاحب الكفاية وفاقاً لما في تقريرات الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّهما) إختار الثاني بتقريب أنّ أدلة الاحكام

ص: 345

الثابتة للموضوعات بعنوانيها ألثانوية لا تتكفل الاحكام الثابتة لها بعناوينها الاولية حتى يمكن رفع الشك عن هذه الاحكام بها لدى الشك فيها، كوجوب إطاعة الوالد في الافعال المحرمة أو الواجبة فيما إذا أمر بالجلوس في مجلس الغناء أو نهى عن فعل أحد ألو أجبات فيشك في جواز فعل ألاول و ترك الثاني فلا يمكن کشف هذا الحكم من دليل حكم العنوان الثانوى كعموم وجوب إطاعة الوالد فيتمسك بهذا العموم لجواز الاول و عدم وجوب الثاني، فكذا في المقام لا يمكن التمسك بعموم أوفوا بالنذور لصحة الوضوء بمايع مضاف (وبالجملة) فلو لم يكن للفعل بعنوانه الاولى حكم أمكن التمسك بعموم دليل وجوب الاطاعة أو الوفاء بالنذر لجوازه بعد فرض القدرة على أصل الفعل أما إذا كان له حكم بعنوانه الاوّلى وحكم آخر بالثانوى يقع التزاحم بين مقتضييهما، فلو كان أحد هما أهم کان هو المقدم وإلّا لم يؤثّر شيئى منهما فراراً عن لزوم الترجيح بلا مرجح بل يحكم على الفعل بحكم آخر كالا باحة إذ كان ألحكمان الوجوب و الحرمة، أما التأييد بما ذكر فيند فع بأنَّ صحة ألصّوم فى السفر و الاحرام قبل الميقات في صورة النذر إنما هو لدليل خاص فلابد من التوفيق بين دليلى الصحة و عدم الجواز بأحد وجوه ثلاثة، إما كشف دليل الصحة عن إنقلاب الصوم في ألسفر و الاحرام قبل الميقات عن عدم الرجحان الذاتي إلى ألرّجحان بسبب النذر أو كشفه عن إنطباق عنوان راجح عليهما ملازم مع تعلق النذر بهما أو الالتزام بكفاية الرجحان ألطارى عليهما من قبل النذر في صحتهما، و دليل الوفاء بالنذر وإن کان توصلياً لا يكفى فى عبادية العبادة إلا أنَّ متعلق النذر في نفسه قربي فتعلق الامر به كاف في صحة الاتيان به قربياً و إن لم يصح الاتيان به قربياً قبل ذلك.

أقول هناك جهتان من البحث (إحديهما) أنّ كون الوضوء بمايع مضاف فرداً لعموم أوفوا بالنذور بمعنى إنعقاد النذر فيه غير معلوم من أوّل الامر لما دلّ على أنّه لانذر إلّا فى طاعة اللّه ولم يعلم كون ذلك الوضوء طاعة له تعالى حتى ينعقد فيه النذر و يصير من أفراد العام فهو من الشبهات المصداقية لنفس العام و الشبهة فيه إنما هو من جهة نفس التخصيص و حيث يكون دليل الخاص ناظراً إلى ايجاد قيد

ص: 346

وجودى فى العام هو كون النذر في طاعة اللّه تعالى فلا يمكن التّمسك بالعام في الشبهة المصداقية كما تقدم تفصيله (ثانيتهما) أنّه على فرض تطبيق عموم أوفوا بالنّذور على مانحن فيه هل يمكن كشف صحته عن ذلك أم لا، والظاهر من کلمات صاحبی التقريرات و الكفاية (قدّس سِرُّهما) كون نظر هما في المقام إلى الجهة الثانية دون الاولي حيث عنونا البحث بكون الشبهة من غير جهة التخصيص وإن كان لا يظن بأحد من العلماء التمسك بالعام في هذه الجهة، وكيف كان فالحق في هذه الجهة مع الشيخ ألا عظم وصاحب الكفاية (قدّس سِرُّهما) من عدم جواز التمسك بالعام لصحة ذلك الوضوء و السّرقيه أنَّ أصالة العموم أصل مرادى كاشف عن كون مفاد العام بماله من المفهوم مراداً للمتكلم فيشمل حكم العام جميع أفراد ذلك المفهوم أما مصداقية بعض تلك الافراد لعام آخر كالوضوء القربى في المقام أو عدم المصداقية فهو خارج عن حوصلة هذا الاصل اللفظى أعني دليل العام في عالم الأثبات، فعموم أوفوا بالتذور إنما يقتضي وجوب الوفاء بهذا النذر أما أن متعلقه صحيح فلا يدل عليه.

أمّا التّأييد فقد يقال بفساده لان دليل صحة النذر في السّفر و قبل الميقات كاشف عن الفردية في لمثالين بخلاف المقام فلا كاشف عن فردية الوضوء بمايع مضاف للعموم فقياس أحدهما بالآخر مع الفارق، وقد يوجه بأنه كما أن دليل الصحة كاشفُ عن القردية في لمثالين كذلك عموم الوفاء كاشف عن فردية المشكوك في المقام و يندفع بوضوح الفرق بين المقامين لان دليل الصحة هناك يوجب ولو بالكشف جعل ماليس بفرد للعموم فرداً له بخلاف المقام اذ غايفه كشف العموم عن فردية المشكوك له و هو خارج عن حوصلته. أما تحقيق حال نذر الصّوم في السّفر و الاحرام قبل الميقات فهناك أدلة ثلاثة أحدها مادلّ علي أن الصّوم في السّفر غير جائز و الاحرام قبل الميقات كالصلاة قبل ألوقت غير مشروع و هذا يقتضي مبغوضية ذات هذه العبادة ثانيها مادل من الاجماع والضرورة على إعتبار الرجحان الذاتي في متعلق النذر و هذا يقتضي عدم صحة نذر الصّوم في السّفر والاحرام قبل الميقات لعدم رجحانهما الذاتي بمقتضى الدليل الاول ثالثها مادل على صحة نذرهما فيمكن التوفيق بين هذه الاولة الثلاثة بتقريبات (الاول) أنَّ العبادة أي الحضور

ص: 347

لدى الربّ تعالى كالصلاة والصيام وغيرهما تكون بالذات و بطبعها و عنوانها الاولى راجحة، فالمولى الذى تريد الحضور لديه إذا نهى عن فرد من العبادة كالصوم في السفر و الاحرام قبل الميقات كشف ذلك عن أن تلك العبادة بذلك العنوان الثانوى كالوقوع في السفر أو قبل الميقات مبغوضة للمولى ذاتاً إذلا حضور في صورة النهى عنه كما في صلاة الحائض، فاذا أمر بذلك الفرد من العبادة بعنوان ثالث كوقوعها متعلق النذر كشف ذلك عن أن عنوان مبغوضية ألعبادة ذاتاً تبدل بسبب ذاك العنوان إلى المحبوبية ذاتاً وهذا مما لاإمتناع فيه لدى العقل ثبوت فيمكن حمل الدليل عليه إثباتاً فى عالم الجمع بين أنحاء الادلة (الثاني) أنصحة تعلق النذر بهما يكشف عن طرو عنوان راجح عليهما ملازم مع نذرهما (الثالث) أنَّ الرّجحان ألطّارى من تعلق أمر الوفاء بتلك العبادة كاف في صحة الاتيان بها قربيّاً لقربيتها ذاتاً بكشف من دليل صحة النذر فذلك يخصص عموم مادل على إعتبار الرجحان الذاتي في متعلق النذر بلا منافاته مع توصلية الامر بالوفاء، لكن ألتقريب الاخير موقوف على نظر أوفوا بالعقود إلى الحكم التكليفى أعنى وجوب الوفاء لا الوضعي أى اللزوم وإستقرار ما إلتزام به الناذر أو نحوه فى ذمته وقد إستشكلنا في ذلك في محله و قوينا نظره إلى الحكم الوضعي دون التكليفي، فالتوفيق بين هذه الادلة منحصر فى التقريبين الأوّلين، إلا أن يلتزم بصيرورة الفعل قريباً بنفس البناء على الاتيان به على نحو القربة إذ مجرد تعلق الامر بالوفاء حتى مع كونه حكما تكليفياً لا يصلح لجعل غير الغربي قربيَّاً لان الامر التّوصلى لا يصلح للتعبد به، لكن مجرد البناء على التعبد بالفعل لا يجعله قربياً بعد فرض عدم رجحانه الذاتي (و بالجملة) فلم نفهم معني محصّلاً لثالث الوجوه التي ذكرها صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) للتوفيق بين هذه الادلة.

ثم إنه لو علم بعد كون فرد محكوماً بحكم العام لكن شك في أنّه من أفراد العام حتى يكون خروجه على نحو أ لتخصيص أم لا حتي يكون الخروج على نحو التخصص فالمشهور بين الاصوليين إمكان التمسك بالعام لا ثبات عدم فرديته و هو الكلام المعروف من تقدم التخصص على التخصيص لدى الدوران بينهما،

ص: 348

والتحقيق أنّ مراد هم من تقدم التخصص إن كان تقدمه بما هو مع قطع النظر عن العام فهو حقُ لا مرية فيه إذ التخصيص أمر حادث مسبوق بالعدم محتاج إلى علة ك_لا تكرم زيداً العالم فما لم يثبت يكون مقتضى الاصل عدمه، وإن كان كشف ذلك من ناحية العام فهو فاسد لان أصالة العموم أصل مرادى كاشف عن أنَّ ما يفهم من اللفظ بجميع أفراده مراد للمتكلم فالكشف عن فردية مشكوكها للعام خارج عن حوصلته (و دعوي) وجود ألملازمة خارجًا بين عموم الحكم لافراد العام مع خروج غير المحكوم بحكمه عن أفراده إذ معنى يجب إكرام العالم أن كل ما قرض كونه من أفراد العالم يجب إكرامه فينتج بعكس النقيض أن كل ما لا يجب إكرامه ليس من أفراد العام و المفروض أنَّ هذا الفرد غير محكوم بحكم العام فليس من أفراده (مدفوعة) بأنَّ أصالة العموم أصل إثباتي لا ثبوتى بمعنى أن حكم العام ثابت لكل ما أحرز كونه فرداً للعام أماً مسالم يحرز فرديه فهو غير متكفل لحكمه و لو كان من أفراده ثبوتاً و عكس النقيض غير منعقد في اللفظ حتى يستفاد من أصالة العموم، فلقد أجاد جمع من الاصحاب حيث أنكر واعكس النقيض لكن ماذكروفي وجهه من عدم إنفهام عكس النقيض من اللفظ عرفاً أو أنّه إصطلاح منطقى لا يرتبط بمداليل الالفاظ أو نحو ذلك مما ذكره بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) و غيره غير وجيه بل الوجه في ذلك ما قلناه من أنَّ أصالة العموم أصل إثباتى لا ثبوتي، هذا كله إذ اعلم بأن ذلك الفرد محكوم بغير حكم العام أما إذ اشك في ذلك بأن وقع الفرد طرف المعلوم إجمالاً كما إذا تردد زيد بين شخصين عالم و جاهل و ورد لا تكرم زيداً فنعلم إجمالاً بعدم وجوب إكرام أحد الشخصين إما زيد العالم حتى يكون تخصيصا في عموم أكرم العلماء أوزيد الجاهل حتى يبقى العموم بحاله (فقد يقال) كما إختاره بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) بأنَّ عموم وجوب الاكرام لكل فرد من أفراد العالم يدل بالالتزام علي ورود حكم عدم وجوب الاكرام على زيد الجاهل ضرورة حجية مثبتات الاصول اللفظية فبذلك ينحل العلم الاجمالي (وقد يناقش) فيه بأن غاية مايدل عليه العام ثبوت حكمه لكل واحد من أفراده أما إنحلال العلم الاجمالي بسببه فى لُبّ الامر فهو خارج عن حوصلته (و فيه) أنّ مراد القائل ليس الانحلال الواقعي و تعيين مصبّ

ص: 349

المعلوم بالاجمال بالعموم بل ألظاهرى فى مرحلة إثبات حكم العام و أنَّ ذلك الفرد كزيد العالم باق علي حاله من المحكومية بحكم العام و لذا قيد بعضهم الانحلال بالحكمى و يبعد جداً إرادة بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) أيضاً غير ذلك (والتحقيق) أن نسبة لا تكرم زيداً بالقياس إلي كل واحد من الشخصين لما كانت متساوية يقع التعارض فى زيد العالم بين هذا الدليل و بين أصالة العموم و الاصل اللفظى لما كان أمارة ضعيفة فلا يصلح المعارضة الدليل بل محكوم به فيحكم على زيد العالم بعدم وجوب إكرامه.

فصل في جواز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص و في مقدار تأثير الفحص و لزومه فهنا مقامان (المقام الاول) فى جواز العمل قبل الفحص وعدمه ومحل النزاع كما حرره في الكفاية أن أصالة العموم هل ه_ى متبعة مطلقاً أو بعد الفحص عن المخصص واليأس عن الظفر به بعد الفراغ عن مقدمات ثلاث، الاولى أنَّ أصالة العموم متبعة بالخصوص إجمالاً للاعم من المشافه و غيره من باب الظن النوعى، الثانية عدم العلم تفصيلاً بورود تخصيص على العموم، الثالثة عدم العلم إجمالا بذلك، فلامجال للاستدلال لعدم الجواز بأن الخطاب مختص بالمشافه فغيره لا بد أن يفحص أو بأنا نعلم تفصيلاً أو إجمالاً بورود تخصيص علي العمومات، وبعد ذلك نقول ذهب إلى كلُّ من الوجهين فريق والمحققون بل قيل لا خلاف فيه بل أدعى عليه الاجماع على عدم الجواز و منهم صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) مستدلاً باستقرار سيرة العقلاء على عدم العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص إذا كان العام في معرض التخصيص كما هو شأن عمومات الكتاب والسنة فان لم يكن في معرض التخصيص كعمومات عامة أهل المحاورة جاز العمل به قبل الفحص بلا إشكال ولا خلاف فيه من أحدٍ، ورتب على ذلك أن مقدار الفحص اللازم مقدار يخرج به العام به العام عن المعرضية، نعم لا وجه لتوهم توقف العمل بالعام في المخصص المتصل على الفحص عنه كما لا يخفى عنه كما لا يخفى، و لكن وجه بعضهم المعرضية بأنّ العمومات على أقسام منها ما يلزم فيه تحصيل العلم لان من صدر عنه العام مقننٌ لقوانين عامة خصص بعضها في مورد بعض كما هم خصص بعضها في مورد بعض كما هو شأن جميع قوانين العالم

ص: 350

التي منها قوانين شرعنا فيجب على المكلف الفحص عن ذلك كما أشير إليه بقوله تعالى: فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذر واقومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون : ألا ترى أنَّ ألمكلف لوترك العمل بالعام معتذراً بالاشتغال بالفحص لم يقبل عذره لدى العقلاء، و يندفع بانّ ذلك خروج عن المعرضية المحضة إلى فرض العلم الاجمالي بوجود المخصص إذا لقوانين الصادرة عن مقنن العموم لا تختص بالعمومات بل تعم مخصصات تلك العمومات، فالعمومات الصادرة عن هذا المقنّن يعلم إجمالاً بوجود مخصص لها ومعه يجب الفحص حتى أليأس ثم العمل بالعام و هذا غير مجرَّد المعرضية للتخصيص و لذا إعتبر صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) في تحرير محل النزاع عدم العلم الاجمالي، أما الشّريفة الرّبانية أعنى آية ألنفر فايجاب الفحص فيها إنَّما هو في طول العلم الاجمالي بالاحكام لان الدين الذي هو مجموع الاحكام المجعولة من قبل الشارع تعالى قد جعل ظرف التفقه الذى هو تحصيل العلم.

و التحقيق أنّا لو كنا و المعرضيّة و لم يكن علم إجمالي في البين لم يكن موجب لوجوب الفحص عن المخصص و لو علم تفصيلا بكثرة ورود التخصيص في جملة من العمومات الصادرة عن المتكلم سوى هذا العام إذ لو كانت كثرة التخصيص بحيث تمنع عن إنعقاد ظهور لهذا العام المورد للابتلاء فعلاً في العموم عرفاً فقضية تخصيص العام سلب بانتفاء الموضوع فلا معنى للبحث عن لزوم الفحص ولو كانت لاتمنع عن ذلك بل ينعقد له الظهور فى العموم عرفاً جاز الاخذ بأصالة العموم لان حجة المولى على العبد تامة بالقاء العام فله مؤاخذة العبد لو لم يأخذ بأصالة العموم لانه ظلم في عالم العبودية، كما أنَّ حجة العبد على المولي تامة في أخذه بأصالة العموم فله الاحتجاج على المولى بذلك لو كان مراده الخاص بلا وصول مخصص من قبله إلى العبد، وليس للمولى مواخذته في عدم الاخذ بالخاص لان ذلك ظلم فى عالم المولوية، كل ذلك لاستقلال العقل بعدم تنجز إحتمال المخصص مالم يكن له محرز، لكنا نعلم إجمالاً بوج__ود د تكاليف من ألشرع فيها عمومات و مخصصات فيستقل العقل بلزوم الفحص عن المخصص و

ص: 351

بأن حجة العبد غير تامة علي المولي فى أخذه باصالة العموم قبل الفحص و أليأس بل حجة المولى تامة على العبد في عدم الاخذ بخاص معلوم له إجمالا لو كان موجوداً في الواقع لانه يتمكن من الاخذ بالخاص بسبب الفحص (وبالجملة) فمحرك العبد نحو الفحص عن المخصص في الاصول اللفظية والمانع عن العمل بالعام قبله إنما هو ذلك العلم الاجمالى ولذاترى لو فرض حصول العلم ولو إجمالاً بأنَّ المخصص هو الترخيص في الحكم الالزامي للعام بالنسبة إلى بعض مصاديقه فكان العام وجوب إكرام العلماء والخاص عدم وجوب إكرام طائفة خاصة منهم كالشعراء فترك المكلف الفحص و عمل بالعموم لم يكن مستحقاً للعقاب و لم يجز للمولى مؤاخذته لانه ليس ظلماً في عالم العبودية، كما أنّ محرّك العبد نحو الفحص عن الدليل في الاصول العملية والمانع عن الاخذ بالبرائة قبل الفحص واليأس عن الدليل هو العلم الاجمالي بوجود تكاليف الزامية في الشريعة، فلقد أجاد الشيخ الاعظم العلامة الانصارى (قدّس سِرُّه) حيث مثل لموارد وجوب الفحص في الاصول العملية بوصول طومار مشتمل على عدة تكاليف من قبل المولي فليس للعبد بعد علمه الاجمالي بوجود تكاليف إلزامية فى الطومار أن يتمسك بالبرائة قبل النظر فى الطومار، وما قيل في وجه لزوم الفحص من استلزام عدمه إفحام الانبياء أو وجوب النظر في المعجزة أو وجوب شكر المنعم أو وجوب دفع الضرر المحتمل وأمثال ذلك فهى كلها خالية عن البينة لما عرفت أن وظيفة المولى إبلاغ أحكامه وايصالها بواسطة سفرائه كما أن على الانبياء إرآئة المعجزة كما يرشدك إلي ذلك كله الشّريفة الرّبانية سنريهم آياتنا في الآفاق و في أنفسهم حيث جعل إرائة الآيات التكوينية فضلاً عن التشريعية من قبله تعالى، و مجرد إحتمال الضرر غير منجّز لدي العقل.

(المقام الثانى) فى مقدار تأثير الفحص ولزومه فنقول إن تنجيز العلم الاجمالي و تأثيره إنما هو بمقدار إنعقاده وتشكيله فما عدا سعة مقدار المعلوم بالاجمال لا أثر للعلم ولا تنجز له فيه لعدم تشكيل العلم بالنسبة إليه، ألاترى من وجدانك أنك إذا علمت إجمالاً بوجود نجس بين إنائات ثلاثة لا يجب الاجتناب عن العشرة، وعليهذا فلا يرد إشكالان (أحدهما) أن لازم ما ذكرت من لزوم الفحص عن المخصص إلي

ص: 352

أن يحصل اليأس عنه عدم جواز التمسك بالعام في صورة الفحص عن المخصص فى الكتاب والسنة و اليأس إذا علمنا أو إحتملنا وجود مخصص له في غير الكتاب وألسنة لان وجوده فيما عداهما بمكان من الامكان مع أن ذلك مما لا يلتزم به أحد (إذ يدفعه) أن العلم الاجمالي بوجود المخصص للعمومات كالعلم بوجود نفس العمومات إنما حصل لنا من الكتاب والسنة لاغير إذ لاسبيل لنا إلى ذلك سواهما فانَّ الاجماع أيضاً مدركه راجع إليهما، فمقدار إنعقاد العلم الاجمالي وتشكيله لنا بالنسبة إلى المخصص إنما هو الكتاب والسنة فاذا تفحصنا فيهما عن وجود المخصص ولم نظفر به فكيف يبقى لنا بعد ذلك علم بوجود مخصص لذلك العام، أما مجرد إحتماله فقد عرفت أنه غير منجز عقلاً (وبالجملة) فبعد الفحص عن المخصص في الكتاب والسنة بمقدار تشكيل العلم به لا أثر للعلم الاجمالى فلا يجب الفحص بل يجوز العمل باصالة العموم، وحيث أن العلم الاجمالي بعد تشكيله منجز حدوثاً وبقاءاً غاية الامر لو تحقق هناك ما يعين مصب العلم ولو بالتعبد كقيام البينة على كون النجس المعلوم بين أناثات ثلاثة هو هذا الانءِ الشَّرقي بناءً على حجية البينة بالتعبد فذلك يرفع تنجز العلم الاجمالي بقاءاً إذ لا معنى لانحلال العلم بعد تشكيله، ولذا قلنا في محله بان الموارد التي توهم فيها إنحلال العلم الاجمالي لا تخلو إما أن يكون ما يوهم فيها الانحلال معيناً لمصبّ العلم كالبينة في لمثال المتقدم أو مانعاً عن تشكيل العلم الاجمالي من أول الامر كالعلم بوقوع نجاسة في أحد إنائين أحدهما مستصحب النجاسة فان الاستصحاب يمنع عن تشكيل العلم الاجمالي بتكليف جديد في البين لا أنه موجب للانحلال (وبالجملة) فالانحلال غير معقول فالفحص عن المخصص و حصول العلم بعدمه لابد أن يكون بمقدار سعة دائرة المعلوم بالاجمال أولا وعلى نحوه كما في سائر أطراف المعلوم بالاجمال.

فاذا علمنا بوجود موطوء فى قطيعة غنم فإن كان مقدار المعلوم عشرة مطلقاً فاذا أحرزنا من طريق معتبر كون عشرة خاصة موطوئة فقدار تفع تنجز العلم بقاءاً أما إذا كان مقدار المعلوم عشرة من مجموع السّود و البيض من تلك القطيعة و أحرزنا من طريق كون عشرة خاصة من سودها موطوئة فلا يرتفع بذلك تنجز العلم

ص: 353

بقاءاً بالنسبة إلى سود الغنم من تلك القطيعة إذ السود كانت من أول الامر محل تشكيل العلم بوجود ألموطوء فيها، نعم ذلك الطريق يوجب توسعة دائرة المعلوم الأول فلابد من الفحص عن الموطوء فى بيض القطيعة أيضاً أو الاجتناب عن جميعها، إلا أن يكون الطريق المحرز في سود الغنم على نحو تعيين مصب العلم بمعنى كشفه عن الخطأ من أوّل الامر فى تشكيل العلم بالنسبة إلى بيض القطيعة و عن إنحصار الموطوء في سودها أى هذه العشرة فيرتفع تنجز العلم بقاءاً بالنسبة إلى البيض أيضاً، فهكذا بالنسبة إلى الفحص عن المخصص المعلوم في الكتاب والسنة (و ربما يجاب) عن إشكال إستناد وجوب الفحص في الاصول اللفظية والعملية إلى العلم الاجمالى بأن العلم بوجود المخصص في الاصول اللفظية منحصر في الكتاب والسنة فبعد الفحص فيهما وإحراز مقدار المتيقن من ذلك المعلوم بالاجمال بذلك ينحل العلم الاجمالى الاول فلا يجب الفحص بعد ذلك، أما العلم الاجمالي بوجود أصل التكاليف في الاصول العملية فهو و إن كان أو سع دائرة من العلم بوجود المخصص في الاصول اللفظية لعدم إنحصار معلومه بما في الكتاب والسنة لكن الفحص عن ذلك في الكتاب والسنة و حصول العلم بمقدار المتيقن منه يوجب إنحلاله، كما إذا كان المتيقن من التكاليف المعلومة بالاجمال مقدار ألف تكليف وقد علمنا بهذا المقدار بالفحص فى الكتاب والسنة فهذا العلم الثاني يوجب إنحلال العلم الاجمالي الكبير وصيرورة الشك بالنسبة إلي ما عدا القدر المتيقن ألمحتمل وجوده فى غير الكتاب والسنة ايضاً بدوياً فيصح التمسك بالبرائة فيها (أقول) يمكن تقريب هذا الجواب الذى إختاره بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) بوجهين أحد هما صحيح لكن لا يصح معه التعبير بالتوسعة بل بالاهمال و الآخر فاسد بیان ذلك أنه (لو أراد) أنا نعلم إجمالاً بوجود تكاليف في الشرع مع إهمال متعلق العلم من جهة وجود تلك التكاليف فى الكتاب و السنة أو فى غيرهما كمعاقد ألاجماعات و لو المنقولة و الشهرات فوجودها في خصوص الكتاب والسنة أو خصوص معاقد الاجماعات و الشهرات ولو إجمالاً غير معلوم بل محتمل، و نعلم بأنَّ المتيقن من تلك التكاليف مقدار ألفين مثلاً فبعد الفحص فى الكتاب و السنة عثرنا على ذلك

ص: 354

المقدار فينحل العلم الاجمالي الأول بهذا العلم الثانى فهو يعين مصبّ العلم الاجمالي بتكاليف من الشريعة في الطرق المشروعة أى الكتاب والسنة (فهو) متين ولعله إليه أشار بتوصيف المعلوم بالاجمال بالمرسل لانّه عبارة أخرى عن المهمل، لكن ذلك لا ينافى مع ما إذا علمنا بعد ذلك بوجود تكاليف أخر إما في الكتاب و ألسنة أو في معاقد الاجماعات و الشهرات لان هذا علم بتكاليف جديدة غير المتيقن أولاً إذ العلم أولاً بكون المتيقن ألفين مثلاً لم يكن بشرط لا أعنى حصر المعلوم بالاجمال فيها ضرورة إحتمال وجوده فى غيرها من أول الامر، فالعلم الثانى يكشف عن كون دائرة المعلوم بالاجمال في نفس الامر أوسع من مقدار المتيقن و حيث أن مصبه مهمل حسب الفرض فهذا في الحقيقة علم بتكليف جديد (ولو أراد) أنّا نعلم إجمالاً بوجود تكاليف في كل واحد من الكتاب و السنة ومعاقد الاجماعات و الشهرات فوجودها في خصوص كل واحد منها إجمالاً معلوم لا محتمل، و نعلم بأن المتيقن منها مقدار ألفين ثم عثرنا على هذا المقدار في خصوص الكتاب والسنة فبهذا العلم ينحل العلم الاجمالي الاول (فهو) فاسد إذ العلم الاجمالى منجز في البقاء كالحدوث مالم يقم طريق يعيّن مصبَّه و المفروض أنَّ ماعدا الكتاب و السنة داخل في معقد العلم الاجمالى الاول ضرورة تشكيله بالنسبة إليه فكيف يعقل إنحلاله بالنسبة إليه باحراز مقدار المتيقن في غيره، بل حيث لم يكن المتيقن بشرط لاو بنحو ألحصر بل لا بشرط لاحتمال وجوده فى غيره فالعلم الثاني علم بتكاليف جديدة كاشف عن أن المعلوم بالاجمال أولا أوسع دائرة في نفس الامر عن مقدار المتيقن فيجب الفحص فيما عدا الكتاب و السنة.

و لئن شئت مثالاً واضحاً للفرضين فافرض للاوّل العلم بوجود الموطوء في قطيعة غنم و بكون المتيقن من الموطوء عشرة مهملاً من جهة كون العشرة في بيض الغنم أم سودهائم بالفحص في سودها عشرنا على عشرة موطوئة فالعلم الاجمالى الاول لا يؤثر فى وجوب الفحص عن بيضها بعد ذلك لتعين مصبه بالعلم الثاني قهراً، وللثانى العلم بوجود الموطوء في قطيعة مع العلم بكون المتيقن في مجموع السود والبيض عشرة فكل من ألصنفين يعلم بوجود بعض المتيقن فيه ثم عثرنا على

ص: 355

عشرة موطوئة في سودها فتأثير العلم الاجمالى الاول في وجوب الفحص عن ألموطه فى بيضها بحاله وإنما العلم الثاني زادسعة المعلوم بالاجمال بالنسبة إلى السود فأوجب تكاليف جديدة فيما زاد على المتيقن في السود و لذالوعثر نافيه ب_ا لفحص على مقدار موطوء آخر وجب الاجتناب عنه لانه تكليف جديد غير مربوط بالاول نعم لو كان العلم بوجود المتيقن في الكتاب والسنة في الاول وفي السود فى الثاني على نحو الحصر أي نفي وجوب تكليف في غير الكتاب والسنة أو وجود موطوء،في غير سودا لقطيعة لم يؤثر العلم الاجمالى في وجوب الفحص بعد ذلك (لكن) سرّ كشف العلم الثاني عن خطأ في مورد إنعقاد العلم الاجمالي من أول الامر و أن فيماعد االكتاب والسنة و ماعدا سود الغنم لم يتشكل من أول الامر علم و إن توهم تشكيله المكلف، كما أن سر عدم وجوب الفحص بعد إحراز المتيقن به في الفرض الأول ما أشرنا إليه فى طي تقريبه من أنَّ العلم التفصيلى الثاني يعيّن مَصَبَّ العلم الاجمالي الأول، و الأفانحلال العلم الاجمالى و عدم تنجزه بقاءاً بعد تشكيله و تنجزه حدوثاً غير معقول و موارد توهم الانحلال غير خالية عن عدم تشكيل العلم رأساً أو تعيين مصبه بأمارة معتبرة بقاءاً.

و مما ذكرنا علم جواب ثانى الاشكالين في إستناد وجوب الفحص إلى العلم الاجمالي بوجود المخصص أمّا الاشكال فهو أنّ لازم إستناد وجوب الفحص إلى ذلك أنه إذا عثرنا على مقدار المتيقن من المعلوم بالفحص في با بين من الكتاب والسنة مثلاً لا يجب الفحص عن المخصص في سائر الابواب ضرورة إنحلال العلم الاجمالى بالعثور على مقدار المتيقن من المخصِّص، مع أنّ ديدن الفقهاء علي الفحص عن المخصص فى كل شبهة بالخصوص في جميع الابواب، وأمّا الجواب فهو أنَّ منشأ ذلك العلم الاجمالى ومحل تشكيله من أول الامر حيث لم يكن خصوص باب أوبا بين بل جميع أبواب الكتاب و السنة للعلم إجمالاً بوجود عمومات و مخصّصات فى كل باب فلا ينحلُّ بالفحص في بابين مثلاً ولا يحصل العثور على مقدار المتيقن بالفحص في ذلك بل بالفحص في جميع الابواب فليس لنا علم إجمالي وسيط بين ما يكون بين الاقل والاكثر وما يكون بين المتباينين كي يقال بأن العلم الاجمالي

ص: 356

بوجود المخصص في الكتاب و السنة وإن كان بين الاقل و الاكثر ومقتضاه كفاية العثور على الاقل أى المتيقن الحاصل بفحص بابين من الكتاب والسنة في إنحلاله لكن ديدن الفقهاء على عدم كفاية ذلك فيه بل وجوب الفحص عن الاكثر في ساير الابواب، وإنما العثور على الاقل لا يحصل في المقام إلا بالفحص في جميع أبواب الكتاب والسنة و لاجل ذلك أوجبه الفقهاء ولم يكتفوا بالفحص في أقل من ذلك فتدبر جيداً، نعم حيث أنّ العلماء شكّر اللّه مساعيهم ألجميلة أتعبوا أنفسهم الشريفا في تبويب الاخبار و جمع ما يناسب كل مسئلة فى باب مستقل كوسائل الشيعة و سائر الكتب المبوبة المعتبرة فالفحص عن كل مسئلة في بابها المناسب معها يورث الاطمينان غالباً بعدم مخصص يعارض العام وعدم دليل يخالف الاصل العملي في غيره من الابواب فلا يجب الفحص عن ذلك فيها.

فصل في الخطابات الشّفاهية وقد ذكر صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) في تحرير محلّ النزاع وجوها ثلاثة، أحدها كون النزاع في صحة مخاطبة المعدومين و توجيه الخطاب نحوهم و عدمها، ثانيها كون النزاع في إمكان تكليف المعدومين و عدمه والنزاع عليهما عقلى ثالثها كونه فى أنَّ ما يتلو أداة الخطاب مثل يا أيها الناس هل يعم المعدومين أم لا، لكنّه (قدّس سِرُّه) لم يختر أحد الوجوه و السر فيه اختلاف عبائر المنازعين في المسئلة كما نقلها عنهم في تقريرات الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) حيث عبر بعضهم كصاحبى المعالم والفصول (قدّس سِرُّهما) بأن الخطابات الشفاهي هل يكون حقيقة بالنسبة إلى المعدومين أم لا ومقتضى هذه العبارة كون النزاع لفظيأ لغوياً، و عبر آخر كالعلامة (قدّس سِرُّه) في تهذيب الاصول بامتناع تكليف المعدومين و مقتضاه كون النزاع عقلياً على نحو الوجه الثانى وعبر ثالث كالسيد المدقق عميد الدين (قدّس سِرُّه) شارح التهذيب بعدم صحة مخاطبة المعدومين و مقتضاه كون النّزاع عقلياً على نحو الوجه ألاول، لكن يمكن توجيه كلماتهم بحيث يرتبط الوجوه الثلاثة بعضها ببعض وترجع إلى واحد بجعل البرهان العقلى فى صحة مخاطبة المعدومين و تكليفهم أو عدمها من المبادي التصديقية للبحث اللفظى، فان الخطاب الشفاهي لفظ و عمومه للمعدومين و عدمه من صغريات مباحث العام والخاص و إمتناع توجيه

ص: 357

الخطاب نحو المعدومين علي القول به برهان عقلي كاشف إنا عن عدم وضع الخطاب لغة لما يعم المعدومين، كما أن صحة توجيهه نحوهم على القول بها برهان عقلي كاشف عن وضع الخطاب لغة لمما يعمهم، و حيث أنّ الخطابات الشّرعية تكون على نحو البعث والزجر الممتنعين فى حق المعدومين فامتناع تكليف المعدومين برهان آخر عقلى كاشف انّا عن عدم الوضع للاعمّ في إحدى صغريات الخطابات الشفاهية هي الواقعة في وعاء الشرع، فالمسئلة لفظية لدى ألكل و النزاع في أمر لغوى غاية الامر برهانه من طريق عقلى لدى بعضهم وناهيك عن ذلك ما صنعه العلامة (قدّس سِرُّه) في التهذيب من ذكر الخطابات الشفاهية في عداد الالفاظ التي ذكروها للعموم ثم ألخدشة في كونها لذلك بامتناع تكليف المعدوم وماصنعه عميد الدين في شرح هذه العبارة من زيادة دليل آخر على عدم العموم هو عدم صحة جعل المعدوم مخاطباً،وإن كان الاولى بناءاً على ما ذكرناه جعل المسئلة عقلية محضة إذ لم يعهد من أحد من العلماء الالتزام بصحة مخاطبة المعدومين عقلاً ولا باشتراط الواضع في صحة توجيه ذاك الخطاب العام وجود المخاطب (وبالجملة) بعد ما ثبت عقلاً كون الخطابات الشفاهية عامة بالطبع للمعدومين لا معنى لتصرف الواضع فيها وتقييدها ببعض أفراد المخاطبين كما أنه بعد ما ثبت عقلاً إختصاصها بالطبع بالموجودين لا معنى لتصرف الواضع فيها بتعميمها للمعدومين فحيث لاربط للواضع بهذه المسئلة فهي لا محالة عقليّة، ولعل إلى ما ذكرنا أشار الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) في التقريرات بما ذكره في توجيه كلماتهم في تحرير محل النزاع فراجع وتأمل.

وكيف كان فالحق في المسئلة صحة خطاب المعدومين و تكليفهم وتوضيح ذلك أن المبادى التي تكون بين الاثنين كالمعاملة والمكالمة والمخاطبة لا يتوقف صحة ما يكون من أحدهما وترتب أثره الاعلي صدق ما يكون منه بلادخل التعنون بعنوان بين الاثنين كالمفاعلة في ذلك، فالايجاب في البيع أو النكاح أو نحوهما مما يكون قائماً بطرفين بعد صدوره من الموجب يكون صحيحاً وموضوعاً لأثره الشخصى كوجوب الوفاء به ضرورة صدق الايجاب عليه ولا يتوقف صحته على التعنون بعنوان المعاملة، نعم ما يكون من كليهما ويتقوم بعنوان المفاعلة و بين

ص: 358

الاثنين كالمعاملة يتوقف صحته علي تحقق ما يكون من ألطرف الآخر و صدقه أيضاً كالقبول ففى عقد البيع أو النكاح لو إنفصل ألايجاب عن القبول مدة طويلة فتحقق ألايجاب ثم تحقق القبول بعد زمان طويل سواء كان محققاً لاصل العقد أم كان إمضاءاً للفضولى منه صح العقد و ترتب عليه أثره ضرورة تحقق كل طرف من المعاملة في ظرفه صحيحاً فيحصل من مجموعهما عنوان المعاملة والمعاقدة وتترتب عليه آثارها الخاصة كالملكية (و بالجملة) فالوصل بينهما لطرفين غير دخيل في صحة كل منهما بحياله بل الفصل بينهما محقق لا محالة ولو كانت المعاملة على نحو المناظرة و المشافهة، وإذا كان الامر كذلك فيما يتقوم عنوان المبدء بصدور فعل من الطرفين كالايجاب والقبول من المتعاملين ففيما لا يحتاج إلا إلى ألصدور من طرف وألوقوع علي آخر يكون عدم توقف صحة ما يصدر من أحدهما على التعنون بعنوان ألمفاعلة أوضح كما في الخطاب، فان صدقه بعد صدور اللفظ من المتكلم لا يتوقف الأعلى سماع المخاطب لا صدور فعل منه كقبول القابل في عقد البيع أو النكاح، فيكفى في صحة الخطاب صدوره من المتكلم ولو مع فرض وجود المخاطب بلاتحققه خارجاً غاية الامر لا بد من عدم لغويته ويكفى في التخلص عن اللغوية تصور فائدة ما لذلك، ولاجل ماذكر تعدّى القوم الخطايات الشفاهية عن مثل يا أيها الذين آمنوا ويا أيها الناس إلى مثل اللّه على الناس حج البيت من إستطاع إليه سبيلاً.

والحاصل أنّ البحث في المقام ليس في مفهوم الخطاب فانّه واضح بل البحث في مصداقه وأنّ الشفاهى منه سواء وقع تلوأداة الخطاب مثل ياأيها الناس و يا أيّها المؤمنون أو أستفيد الخطاب من كون المتكلم في مقام التخاطب مثل واللّه على الناس حج البيت من إستطاع إليه سبيلاً هل يعتبر فيه وجود المخاطب في صحة التخاطب عرفاً أو عقلاً لكون الغرض منه الافهام و لا يمكن إفهام المعدومين كما يظهر هذا الثانى من أكثر مسفورات القوم أم لا، فنقول أما إشتراط وجود المخاطب في صحة التخاطب عرفاً فدليله ألتبادر، أو صحة السلب وكلاهما مفقودان في طرف الاشتراط بل موجودان في طرف عدمه ضرورة صحة التخاطب عرفا و صدقه حقيقة إذا لوحظ المعدوم بوجوده الاستقبالى فعلاً وخوطب معه سواء باللحاظ الاجمالي

ص: 359

كما بالنسبة إلينا أم بالتفصيلى كما بالنسبة إليه تعالى المحيط بجميع مخلوقاته أزلا بعلمه الازلى، وناهيك عن ذلك، كلمات الشعراء والحكماء وأرباب العلوم والصناعات بل المواعظ والحكم من كل لسان وأرباب الملل والقوانين العامة التي منها قوانين شرعنا الصادرة عن اللّه تعالى في كتابه وعن سدنة وحيه أئمتنا ألهداة صلوات اللّه عليهم أجمعين، فانّهم يلاحظون الموجودين في الاستقبال في مقرهم و ظرف وجودهم ويخاطبون بالفعل مع الموجود لاستقبالي بمرآتية اللحاظ فيقول الشاعر أيا سرب القطاهل من يعير جناحه أيا جبلى نعمان باللّه خليا ونحو ذلك، ويقول ألحكماء أو أرباب العلوم والصناعات في مسفوراتهم، إعلم يا أخى أنَّ ألشأن كذا و كذا، ويقول أرباب ألمواعظ وألحكم أوصيكم بتقوى اللّه كما قال مولانا أمير المومنين عليه السلام في نهج البلاغة أوصيكم وجميع ولدى وأهلى ومن بلغه كتابي هذا بتقوى اللّه بل قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، وجميع و لدى و أهلى ومن بلغه كتابي تاكيد لعموم التخاطب، فهل ترى صحة سلب التخاطب عن أمثالها لدى العرف أو تبادر معنى منه لدى العرف لا ينطبق عليها حاشا وكلافلحاظ الموجود الاستقبالي بالفعل كاف عرفاً في صحة التخاطب مع المعدوم بلا حاجة إلى تنزيله منزلة الموجود، و إن صح مع التنزيل أيضاً كما في أشعار جملة من الشعراء حيث يخاطبون المحبوبة أو الرياحين الخيالية، ومعلوم أن الخطاب على النحو المزبور بنفسه عام بلاحاجة في تعميمه للمعدوم إلي توسيط المخاطب الموجود بان يتوجه خطاب خاص إلى مخاطب موجود ثم بواسطته إلي من يوجد و يشافهه و هكذا يداً بيد إلى آخر المكلفين بتكليف تضمنه الخطاب فيصير عاماً بهذا النحو كما صدر عن بعض أجلة المحققين دام ظله.

و من ذلك علم أنَّ التخاطب و هو جعل الغير ولو بلحاظ وجوده الاستقبالي أو تنزيله منزلة الموجود في معرض المخاطبة معه حقيقى أبداً و الخطاب وهو ما يوجد من قبل المتكلم عند المخاطبة ايقاعى أبداً (فتقسيم) الخطاب إلي حقيقى و ايقاعى و جعل الخطاب الشفاهى بالنسبة إلى المعدوم من قبيل الثاني بدعوي أن الانشاءَ خفيف ألمؤنة كما في الكفاية (في غير محله) مضافاً إلى لزوم الالتزام عليه

ص: 360

إمّا بوضع الخطاب لكل واحد من القسمين مستقلاً على نحو الاشتراك اللفظي أو بوضعه للجامع بينهما على نحو الاشتراك المعنوى أو بوضعه لاحدهما بالخصوص و كونه مجازاً في الآخر و الكل كما ترى، إذ لا جامع بين المتباينين أى ما هو من سنخ التكوينيات كالخطاب الحقيقى و ما هو من سنخ الاعتباريات كالخطاب ألا يقاعى ضرورة تباين أفقيهما فالاشتراك المعنوي غير معقول فيهما أما اللفظي أو الحقيقة و ألمجاز فلاشاهد لهما و الالتزام بهما بلاملزم وليس بأولى من الالتزام بصحة التخاطب علي النحو المزبور، و أما كون اشتراط وجود المخاطب في صحة المخاطبة لعدم صحة إفهام المعدوم فغير سديد أيضاً إذ لا يلزم أن يكون الافهام فعليّاً حتى يتوقف على وجود المخاطب بل يكفى تحققه في المستقبل لدى إنو جاد المخاطب، فيخاطب على النحو المزبور فعلاً ليفهم مقاصده المخاطب حينما وجد، ويكفي في صحة التخاطب و عدم لغويته ترتب فائدة ما عليه و لو كان إنفهام من سيوجد في المستقبل، فشيئى من الدليلين لا ينهض لاثبات المدعي (و قد إنقدح) مما ذكرنا وجود الخلل في كثير مما صدر عن كثير من القوم في المقام حتى الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) على مافى التقريرات من توجيه خطاب المعدومين بتنزيلهم منزلة الموجودين (إذ قد عرفت) عدم الحاجة إلى التنزيل و كفاية لحاظ وجودهم الاستقبالي، هذا كله بالنسبة إلى صحة خطاب المعدومين.

وأما تكليفهم فقد أستدل لامتناعه تارةً باشتراط القدرة في مضمون الخطاب ومعلوم أنَّ هذا الشرط متعذر فى حق المعدوم فيتعذر المشروط وهو التكليف عقلا، وأخرى بأن البعث أو الزجر الفعلى جعل الداعى نحو الفعل أو الترك لانه تحريك تسبيبي فيستلزم التحرك الفعلي وهو ممتنع في حق المعدوم فيمتنع التكليف الذي هو تحريك تسبيبي (ويندفع) بعد الغض عن أن الدليل وهو إمتناع تكليف المعدوم وعنوان الباب وهو الخطاب الشفاهي بينهما عموم من وجه إذقد لا يكون التكليف مدلول الخطاب أى الدليل اللفظى بل مدلول الدليل اللبي كالاجماع والسيرة وقد لايكون الخطاب الشفاهي متضمناً للتكليف بل للمواعظ وألحكم، وقد لا يستفاد الخطاب من اللفظ من بل مقام التخاطب لجملة متضمنة للتكليف كقوله : يجب على المكلف كذا وكذا : وقوله تعالى : للّه على الناس حجّ البيت من إستطاع إليه سبيلاً : أو من أداة الخطاب

ص: 361

كقوله تعالى : يا أيها الناس يا أيها الذين آمنوا : فالدليل أخص من المدعي (بأنّ) القدرة غير دخيلة في مضمون الخطاب بل هي شرط عقلى في مرحلة الامتثال و لو سلّمنا الاشتراط فالشرط هو القدرة حين الامتثال لاحين الخطاب كما حققنا ذلك كله في مبحث الاوامر، ومعلوم أنّ المعدوم حينما يريد الامتثال أتى بعدما يوجد ويتصدى لامتثال التكاليف قادر عليه فالشرط حاصل فيه والبعث تحريك تسبيبى لكنه لا يستلزم التحرك الفعلى لان التحريك نحو شيئي لا بد أن يكون من سنخ ذلك الشيئي فان كان نحو فعل حالى يستلزم التحرك الفعلى و إن كان نحو فعل إستقبالي لا يستلزم إلا التحرك في الاستقبال كالبعث فعلاً نحو فعل غداً لانحو مجموع الفعل ووعائه الزمانى کی يلزم جرّ الزمان أو ألمكانى كى يلزم جر المكان بل نحو الفعل في ذلك الزمان أو ألمكان، ففعليّة البعث لا توجب فعلية الباعثية التي تستلزم فعلية التحرك وأالانبعاث كما حقناه مفصلاً في مبحث الاوامر لدى التعرض للواجب التعليقى، أما فائدة هذا النحو من البعث فلا ترتبط بامكانه أو عدمه الذى هو محل الكلام في المقام وقد نبهنا عليها هناك فراجع، بل ليس لنا في الشرعيات والعرفيات تكليف غير تعليقى كما نبّه عليه المحقق الهمداني (قدّس سِرُّه) إذكل بعث لا محالة يتحقق فصل زماني بين صدوره عن المولى وبين إمتثاله من العبد، و إذ قد تبين فساد كلا وجهى المنع عن عموم الخطاب الشفاهى وهما عدم صحة مخاطبة المعدوم وإمتناع تكليفه إنقدح صحة القول بعموم الخطاب للمعدوم على نحو القضية الحقيقية بالمعنى الذي حققناه في محله من مراتية العنوان للمعنون بماله من الوجود الحقيقى أو التقديرى.

ثم إنه ذكر للنزاع ثمرتان (إحديهما) أنه على القول بعموم الخطابات الشفاهية للمعدومین يمكن الاخذ باطلاقها و دفع احتمال القرينة والقيد بالاصل ولا يمكن ذلك على القول بالاختصاص بالموجودين لامكان وجود قرينة حالية أو مقالية تمنع عن انعقاد الاطلاق لها من أول الامر، بل ترقّى بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) إلى صورة كون المعدوم مقصوداً بالافهام فمنع عن التمسك باطلاقها حينئذ بدعوى لزوم إتحاد الصنف بين المخاطبين في مشمولية الخطاب وهو غير محرز فى غير الموجودين في مجلس الخطاب، لاحتمال وجود خصوصية في الموجودين دخيلة في إتحاد الصنف لم تكن في غيرهم و لو كانت

ص: 362

الخاص كالفاسق عن العام يدل بالالتزام على إحداث عنوان ثبوتى في العام كالعادل لعدم واسطةٍ بين العنوانين خارجاً، فمثله (قدّس سِرُّه) لابد أن يلتزم بعدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ضرورة عدم إحراز مسا هو موضوع حكم العام و هو المعنون بعنوان ثبوتي كالعالم العادل في لمثال، لكن التعنون بعنوان ثبوتى علي هذا المبنى إنّما هو فيما إذا كان لعنوان الخاص ضد وكان العنوانان من ألضدين لا ثالث لهما كعنواني الفاسق والعادل للعالم، فان لم يكن له ضد وجودي كالقرشية في لمثال المتقدم فلابد أن يلتزم (قدّس سِرُّه) بتعدون العام بنقيض الخاص كغير القرشية، والمستفاد من كلمات بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) سببية التخصيص لتعنون العام بعنوان عدمی مطلقاً هو نقيض عنوان الخاص كغير الفاسق أو غير القرشية في لمثالين، فهو يشترك مع الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) في أصل السببية التّعنون بعنوان غير عنوان الخاص و يفترق عنه بالالتزام بالتعنون بعنوان عدمى لاثبوتى بدعوى أن الخاص قاصر عن الدلالة على إحداث عنوان ثبوتى فى العام كالعدالة في العالم لان بين عنوان العام كالعلم مع عنوان الخاص كالفسق واسطة هو غير الفاسقية، فغاية ما يدل عليه التخصيص بعد إستحالة الاهمال النفس الامرى تقيد موضوع العام بعد التخصيص بنقيض عنوان الخاص كما تقدم تفصيل برهانه بعنوان أول براهين المشهور على عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، وهذا القائل ممَّن إستظهر من كلام صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) سببية التخصيص لتعنون العام بأى عنوان غير عنوان الخاص مع أن تعنون الباقى وتقيده بكل عنوان غير عنوان الخاص شيئي وإنطباق كل عنوان غير عنوان الخاص عليه بالطبع لامن قبل التخصيص بمعنى شمول حكم العام للمعنون بج_م بجميع تلك العناوين شيئى آخر، و المستفاد من كلام صاحب الكفاية الثانى دون الاول كيف وهو (قدّس سِرُّه) بصدد بيان أنَّ الخاص لا يوجب تنويع العام كي يستلزم تعنون الباقى بعنوان خاص فكيف يلتزم بتعنونه وتقيده بأى عنوان غير عنوان الخاص، نعم يبقى اشكال أن مراده (قدّس سِرُّه) لو كان ما ذكرنا فأى حاجة إلى إستصحاب العدم في تنقيح الموضوع إذ المفروض عدم تعنون العام بعنوان غير عنوانه الذاتي كالعالم وهو محرز بالوجدان فلا حاجة في إحراز الموضوع إلى الاصل، ولذا

ص: 363

أن إحتمال دخل إتحاد الصنف إقتراح منا فلم يقم برهان عليه أصلاً ومن هنا يظهر فساد الثَّمرة الثانية أيضاً (فانقدح) بذلك أنه لاثمرة لهذه المسئلة.

فصل لو تعقّب العام بضمير يرجع إلى بعض أفراده فهل تكشف أصالة الاستخدام في ناحية الضمير عن عدم إرادة العموم من العام من أول الامر أو تكشف أصالة العموم في ناحية العام عن إرتكاب الاستخدام فى الضمير أم لا، وبعبارة أخرى هل يكون لاحد الاصلين حكومة على الآخر أم لا، بعد الفراغ عن لزوم كون العام والضمير في كلامين، وحيث أن محل النزاع في مورد تكون القرينة على إختصاص مرجع الضمير ببعض أفراد العام في نفس الكلام و لو حالية أو مقامية فما مثّل به للمقام من قوله تعالى والمطلقات يتر بصن بأنفسهن ثلاثة قروء، وقوله تعالى وبعولتهن أحق بردهن إنما هو تنظير للمقام فان إختصاص مرجع الضمير في بعولتهن أحق بردهن بالرجعيات بعد كون المطلقات أعم منها و من ألبائنات إنما علم من دليل خارجي، و كيف كان فقد ذهب شيخ الطائفة و جماعة منهم الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّهم) إلى تقديم أصالة العموم وإرتكاب الاستخدام فى الضمير وذهب جماعة إلى العكس و توقف بعضهم فى ترجيح أحد الاصلين و تحقيق المقام يقتضى رسم مقدمتين (ألاولى) أنكَ عرفت في بعض المباحث السالفة عدم ثبوت الفاظ موضوعة للعموم و الاستغراق و أنَّ العموم إنَّما يستفاد من مقدمات الحكمة فتطبيق العام علي بعض أفراده ليس فيه تجوز أصلاً و إنما ه_و خلاف الظهور المستند إلى مقدمات الحكمة، كما أنَّ ألضمائر على ما تقدم فى محاله لم توضع للعموم بل هي أسماء مبهمة قد أخذت فيها جهة الاشارة وحيث أنَّ الاشارة تستلزم تعين المشار إليه فتعين تلك المبهمات إنَّما هو بتعين المشار إليه بها ولما كان مقام الاشارة يقتضى الاشارة إلى جميع أفراد المشار إليه فجعل مرجع الضمير خصوص بعض أفراده يكون خلاف الظهور المقامى بلا تجوز فى ذلك أصلا (و بالجملة) فلا ريب أنَّ ألضمائر مبهمات ومعنى إيهامها أنّها وضعت للاشارة إلى أمر آخر فتحتاج إلى هذا الامرفى وعاء الاستعمال، ولايتوهم أنّا نقول بانّ مدلولها الاشارة الخارجية بل نقول بأنَّ الوضع إنّما هو بلحاظها كما ذكرناه مفصلاً في مبحث الاشارات والضّمائر، فلابدّ

ص: 364

أن يعين المرجع أولاً حتى تصح الاشارة فاذا كان قبلها عام و كان مقتضى الاصل اللفظى فيه العموم يكون مقتضى المقام رجوع الضمير إليه بماله من الظهور في العموم لان مقتضى الاصل اللفظى في جانب العام جعل المرجع ظاهراً هو العام و المفروض أنه ليس هناك ما يعين أمراً آخر يرجع إليه الضمير فالاستخدام إنما هو خلاف هذا الظاهر و هو ليس من التجوز في شيئى (الثانية) أنّ باب الظهورات إنما هو باب الكواشف وهى من حيث الكشف تختلف قوة وضعفاً فلدى التعارض يقدم الاقوى علي ألاضعف.

وبعد ذلك نقول إذا علم مرجع ألضمير في مورد وأنّه بعض ما يكون العام ظاهراً فيه كما محل النزاع فى هذا الفصل لم يكن ذلك الأخلاف مقتضى السياق لكن المفروض في المقام وقوع كل واحد من العام والضمير في كلام مستقل مشتمل على حكم عليحدة وفى مثله لا يعتنى العرف بمخالفة السياق، فمقتضى قانون المحاورة إرتكاب الاستخدام في ألضمير دون التخصيص في العام تقديماً لاقوي الظهورين أعنى ظهور العام المستند إلى اللفظ ولو ببركة مقدمات الحكمة على أضعفهما أعنى ظهور السياق في عدم الاستخدام، وما يقال من أنَّ الاصل عدم الاستخدام مدفوع بأنّ هذا أصل لفظى مورد جريانه الشك في مرجع الضمير الذى عرفت أنه لابد في صحة الاشارة بالضمير من تعيينه، والمفروض في المقام عدمِ الشك في المرجع لتعينه، مع أن أصل ع_دم الاستخدام لا يعين التخصيص لانّ مثبت الاصل اللفظى إنما يكون حجة لو كان في ذلك الاصل جهة كشف و نظر و ليس كذلك أصل عدم الاستخدم إذ لاظهور له في ذلك، فلا مزاحم هنا لاصالة العموم فهى تجرى قهراً بلا إرادة إثبات الاستخدام بها حتى يقال بأن جهة إثبات هذا الاصل ليست بحجة، كما لاتجوز هنا في شيئى من التخصيص والاستخدام حتى يقال بدوران الامر بين أحد تجوزين والتخصيص لشيوعه أولى (فتحصل) أن الحق مع الشيخ الطوسي (قدّس سِرُّه) و من تبعه في تقديم العام على الاستخدام لا يقال إنّ الكلام محفوف بما يصلح للقرينية أى العلم بالمرجع فانه يصلح قرينة على التخصيص لانا نقول كلا لاصلاحية لذاك العلم للقرينية على ذلك لان ما يصلح

ص: 365

للقرينية لابد أن يكون فيه جهة كشف عن ذلك وليس كذلك العلم بالمرجع، نعم ربما يكون السياق في القوة بمثابة يوجب الظهور فى التخصيص فلابدّ من تتبع الموارد لكشف ذلك.

فصل اختلفوا في أنه هل يجوز تخصيص العام بمفهوم المخالفة و ه_و م_ا يخالف المنطوق فى الكيف كعقد الايجاب من القضية السلبية و عقد السلب من القضية الايجابية نظير أكرم من في المدرسة ومن كان عادلاً فاكرمه الدال بالمفهوم على عدم وجوب إكرام الفاسق فهل يخصص عموم وجوب إكرام أهل المدرسة بهذا المفهوم إذا كان بعض أهل المدرسة فاسقاً أم لا، بعد الاتفاق على جواز تخصيصه بمفهوم الموافقه وهو ألمدلول الالتزامى للمنطوق الموافق معه في الكيف سواء كان اللزوم عقلياً من ناحية الاشدية نظير حرمة ضرب الابوين المستفادة من قوله تعالى ولا تقل لهما أف بعد عموم إضرب كل فاسق ويسمى بفحوى الخطاب لثبوت الحكم في المفهوم بالأولویة فيخصص عموم وجوب ضرب الفاسق بحرمة ضرب الابوين إذ افسقا و دعوى كون اللزوم فى مثله عرفياً غير مسموعة، أم كان اللزوم عرفياً بنحو المساواة نظير حرمة إكرام ألظالم المستفادة من قوله تعالى ولاتركنوا إلى الذين ظلموا بعد عموم أكرم كل عالم فيخصص عموم وجوب إكرام العالم بحرمة إكرام ألظالم إذا ظلم عالم، ويسمى بلحن الخطاب، وحيث أن المسئلة لفظية فلا معنى لدعوى ألاجماع فيها كما ادعى للجواز في مفهوم الموافقه بل يشترك مع مفهوم المخالفة في الاستدلال تى، فقد يقال بجواز التخصيص به مطلقاً و قد يمنع عنه مطلقاً وقد يفصل بين ما كانت نسبة العام المفهوم هى العموم المطلق فيخصص به وما كانت نسبتها العموم من وجه فلا يجوز التخصيص (والتحقيق) أنّه إن قلنا بحجية المفهوم فمعني حجيته كما أسلفناه في محلّه كون الجملة ذات لسانين تدل باحدهما على العقد الايجابي وبالاخر على العقد السلبي فمع كون النسبة العموم المطلق يخصص به العام كما إذا كان هذا المضمون في قالب المنطوق، و مع كون النسبة العموم من وجه يتعارضان في مادة الاجتماع فمع وجود مرجح لاحدهما يقدم وبدونه يتساقطان و يرجع إلى الاصول العملية كماهو شأن تعارض العامين من وجه في المنطون (و بالجملة) لاحزازة

ص: 366

في المفهوم بما هو مفهوم كى يبحث عن جواز تخصيص العام به وعدمه و دعوى كونه أضعف دلالة من المنطوق يدفعها على فرض تسليم الدعوى ما عرفت مرار أمن تقديم الخاص على العام طبعاً ولو كان فى أدنى مرتبة الظهور والعام في أعلا أعلا مرتبه، فالمفهوم والمنطوق بما هما مدلولا اللفظ مشتركان فيما هو محل النزاع في هذه المسئلة فاستقلال المفهوم بالنزاع فيه وعقد فصل للبحث عنه في غير محله بناءً على حجيته أماً على عدم الحجية فليس من الادلة كي يبحث عن حاله.

فصل لو تعقب الاستثناء جملاً نظير أكرم العلماء و أضف ألشعراء وأنصر الادبا إلا الفسّاق منهم فهل يخصص به جميع ثلث الجمل أم بعضها وجوه بل أقوال، والتحقيق أنَّ البحث تارة من جهة جواز رجوع الاستثناء إلى الجميع وعدمه ثبوتاً وأخرى من جهة ظهور الكلام في ذلك وعدمه إثباتاً (أمّا الجهة ألاولي) فالحق فيها الجواز لان مفادأداة الاستثناء أى ألاخراج بالمعنى الحرفى و إن كان جزئياً لكنه قابل للانحلال باعتبار طرفيه كما هو شأن كلية معاني الحروف كالظرفية في قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) لا تصل فيما لا يوكل لحمه فمفاد كلمة في وإن كان جزئياً لانه معنى حرفي بناءً على جزئية المعانى الحرفية لكنة باعتبار طرفيه أى الصلاة و مالا يوكل لحمه ينحل إلي كل واحد من أفراد هما فيمثل كل صلاة وقعت في كل فرد من غير ألماكول، فالاخراج في المقام واحد وبعنوان كلي هو الفساق مثلاً و المخرج يمكن لحاظه واحداً نظير هواه لاء أو المذكورين فلا يلزم من رجوع الاستثناء إلى جميع العمومات الواقعة فبلها تجوز فى مفاد أداة الاستثناء ولا في المرجع الذى هو المخرج (فدعوى) أنَّ رجوعه إلى الجميع يستلزم إستعماله فى أكثر من معنى واحد و هو يستلزم لحاظات متعددة في شيئى واحد بناءاً على إستحالة إستعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد فلايجوز (مندفعة) بما عرفت من عدم إستلزام ذلك إستعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد حيث عرفت وحدة ألاخراج الذي هو مفاد ألاداة ووحدة ألمخرج الذى هو مرجع الضمير فى المستثنى فضلاً عما إذالم نقل باستحالة إستعمال اللفظ في أكثر من معنى كما حققناه في مبحثه (وما يقال) من عدم جوازه في المقام بناءاً على كون الاستعمال على نحو العلامية لدى بعض من يجوز الاستعمال في أكثر

ص: 367

من معنى واحد لان معانى ألحروف من المعانى الاندكاكية ولا يعقل علامية لفظ واحد للمتعدد بنحو الاندكاك (مدفوع) بأنّ مجوّز إستعمال اللّفظ في أكثر من معنى مع جعله على نحو العلامية يقول بجوازه حتى فى المعانى الاندكاكية على ما نعلم من مبناه، فتحصّل أنَّ الحق جواز رجوع الاستثناء إلى جميع الجمل الواقعة (و أمّا ألجهة الثانية) فالحق فيها أنّه لاظهور للجملة في رجوع الاستثناء إلي خصوص واحد من ألجمل أو إلى الجميع ودعوى أن الاستثناء في صورة رجوعه إلى الإخير يكون واقعاً في محله مصادرة إذ لو أريد بالوقوع في محله ظهور ألجملة في الرجوع إليه فقد عرفت عدمه و لوأريد عدم صلاحيته للرجوع إلى غيره فقد عرفت في ألجهة الاولى صلاحيته لذلك، وأما من حيث إجمال الجمل الواقعة قبل الاستثناء وعدمه فالمتيقن رجوعه إلى ألجملة الاخيرة و اما غيرها من الجمل فحيث أن العموم علي ما قدمناه غير مستند إلى الوضع بل إلي مقدمات الحكمة التي منها عدم البيان و هذا الاستثناء صالح للبيانية بالنسبة إلى كل واحدة من تلك الجمل فلا ينعقد لها ظهور بالنسبة إلى مورد الاستثناء.

فصل فى أنه هل يجوز تخصيص الكتاب بالخبر الواحد أم لا فيه قولان أستدل للثاني بأدلة أربعة (منها) أنَّ الكتاب قطعيُّ الصُّدور والخبر الواحد ظني السند فلا يصلح لمعارضته (والجواب) أنَّ مادل على التعبد بالخبر الواحد بناءاً على التعبد بالطريق قطعی و ظاهر الكتاب ظنى فيقدم عليه و ليس مفاد الخبر الواحد تكذيب صدور الكتاب حتى يقال بعدم صلاحيته للمعارضة بل مفاده بيان المراد من ظاهر الكتاب و ألظاهر ظنّى فلا مانع من تخصيصه بالخبر الواحد (و منها) أنّه لو جاز تخصيص الكتاب بالخبر الواحد لجاز نسخه به والتالى باطل بالاجماع فالمقدم مثله و الجواب أنّ بطلان التالى إنَّما هو لانّ مادل على عدم جواز النسخ كاشف عن عدم وجود ما ينسخ الكتاب في السنة لانحصار النسخ بزمان الوحى و هو منقطع بعد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لا أنَّ الناسخ للكتاب موجود في ألاخبار و لا يصلح لنسخه حتى يمكن قياس التخصيص به و ليس كذلك في التخصيص (و) منها أنّ عمدة الدليل على حجية الخبر الواحد الاجماع و هو مقصور بغير صورة تخصيص الكتاب به

ص: 368

و الجواب أنَّ عمدة الدليل علي حجية الخبر الواحد بناء العقلاء و هو لا يفرق بین مورد تخصيص الكتاب وغيره (ومنها) وهو عمدة أدلة المانعين، ألاخبار المستفيضة بل القريبة بالتواتر الدالة علي عرض الاخبار علي الكتاب فما وافقه منها فحذوه و ما خالفه منها فاضربوه ضرب الجدار أو فذروه أو أناما قلته إلى غير ذلك من التعبيرات الواقعة فيها الكاشفة عن عدم حجية ألاخبار المخالفة للكتاب (و الجواب) أنَّ تلك ألاخبار على ما تقرَّر فى محله وقد نبه عليه الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) في رسائله إنّما وردت بالنسبة إلى ألاخبار التي بينها و بين الكتاب تباين بحسب المفاد و ليس كذلك العام و الخاص إذ العرف لايرى تبايناً بينهما أصلاً بل يرى الخاص بياناً للعام، وإذ تبين قصور أدلة المانعين عن إثبات مدعاهم تحصل أنِّ الحق وفاقاً لجمهور الاصوليين جواز تخصيص الكتاب بالخبر الواحد.

فصل في دوران الخاص بين كونه مخصِّصاً أو ناسخاً كما اذا ورد أكرم العلماء كل يوم ثم إذا عمل بالعام أياماً ورد لا تكرم الفساق من العلماء ودار الامر بين كون الثانى ناسخاً للعام الأول أو مخصِّصاً له، أو بين كونه مخصِّصاً أو منسوخاً كما إذا ورد لا تكرم الفساق من العلماء ثم بعد ذلك ورد أكرم العلماء ودار الامر بين كون العام ناسخاً للخاص الاول أو كونه مخصصاً به، و هذه المسئلة و إن لم يكن لها موضوع في ألفقه إذ ليس في أخبار شرعنا ما يكون من قبيلها و ليس لها محمول فى ألا صول لفسادها في نفسها كما ستعرف لكن حيث يتضح فيها حال النسخ والبداء تأخير البيان عن وقت الحاجة نتعرض لها، وقبل الخوض في شقوق ألمسئلة و كلمات القوم نقول إن تمامية هذا الدوران موقوف علي تمامية أمرين فلولم يتم واحد منهما كانت المسئلة مهملة بالكلية فارغة عن الثمرة (الاوّل) الفرق في كون الخاص مخصِّصاً بين وروده قبل وقت الحاجة فيمكن ذلك أو بعده فلا يمكن كما لو تأخر لا تكرم الفساق من العلماء كل يوم أياماً إذكل يوم حسب لسان الدليل وقت العمل بالعام فلا يمكن جعله مخصِّصاً مبيناً للمراد من العام من أول الامر، لانّ تأخير البيان عن وقت الحاجة إمّا قبيح كما إذا أوجب العمل بالعموم وقوع المكلف في كلفة زائدة بأن كان الخاص ترخيصاً في بعض أفراد العام كعدم

ص: 369

وجوب إكرام الفساق من العلماء فابقاء العام على ظاهره من وجوب إكرام جميع الافراد يوقع المكلف في كلفة إكرام أفراد الخاص، أو مستحيل كما إذا أوجب العمل بالعموم نقض غرض المولى بأن كان الخاص زجراً عن بعض أفراد العام كحرمة إكرام فساق العلماء (و يندفع) بأن كون الخاص مبيناً للمراد من العام إنما هو مقتضى طبعه ورد قبل مجيئى العام أم بعده وقبل وقت الحاجة أم بعده أما وقوع المكلف في كلفة زائدة من الاخذ بأصالة العموم فيما إذا كان حكم الخاص ترخيصياً فلا قبح فيه إذا كان مأجوراً لذلك فاعطاء ثواب للعمل بالعموم يخرج ابقائه عن القبح، و أما نقص الغرض فيما اذا كان حكم الخاص زجرياً فغير لازم إذا كان لحصول البداء للمتكلم بالنسبة إلى بعض أفراد العام كما هو الغالب في الاحكام العرفية المتداولة بين أهل المحاورة وغير مستحيل إذا كان تأخير الخاص لمانع عن ذكره كالتقية، كما إذا قال أكرم أهل المدينة و كان مراده الواقعي إكرام غير بني أمية لكن منعته التقية عن إستثناء بني أمية حين القاء العام، و هذا القسم أى التأخير لاجل المانع هو الغالب فى الاحكام الشرعية كما يشهد به التتبع في الاخبار الواردة عن الائمة (عَلَيهِم السَّلَامُ)، مع أن الاغراض مختلفة فربما يكون التأخير لمصلحة تساوى الفائتة أو تغلب عليها فان مناطات الاحكام السرعية و ألاغراض الداعية إلي جعلها غير محرزة لدينا حتي يمكننا الحكم بأن تأخير البيان يستلزم نقض تلك الاغراض فدعوى قبح التأخير تارة و إستحالته أخرى تخرص بالغيب (لا يقال) لازم بقاء العموم بحاله ظاهراً كى يأخذ به المكلف مع أنه غير مراد للمتكلم واقعاً كون العام ذالسانين بأحد هما يتكفل بيان الحكم الواقعى للافراد المرادة واقعاً كعدول العلماء في لمثال المتقدم و بالاخر يتكفل بيان الحكم الظاهرى لافراد الخاص غير المرادة حسب الفرض كفساق العلماء في لمثال (لاناً نقول) كلاً لأملازمة بينهما لانّ إحراز حكم العام في فرد و استظهاره من الدليل ظاهراً غير كون ذاك الحكم مجعولاً لين قبل المولى وألحكم الظاهري المصطلح هو الثانى والموجود في المقام هو الاول، فتطبيق العام علي الافراد من قبل المخاطب ظاهري لا حكمه المجعول من قبل المتكلم و بينهما فرق بيِّن.

ص: 370

(الثاني) الفرق فى صلاحية النّاسخ لكونه ناسخاً بين وروده بعد حضور وقت العمل بالحكم السابق فيصلح لذلك لان نسخ الحكم فى طول فعليته و هي موقوفة علي إجتماع شرائطه للمكلف الذى هو موضوع حكم العقل بلزوم الامتثال فبذلك يتحقق وقت العمل بالحكم، و بین وروده قبل حضور وقت العمل بالعام فلا معنى لنسخه بل هو مخصص وليس بناسخ و تحقيق حال الفرق بما فيه موقوف على شرح حقيقة النسخ فنقول إنَّ ظاهر المشهور أنه رفع الحكم الفعلى و يظهر من الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) لزوم العمل بذلك الحكم في تحقق النسخ حيث عبّر عنه بالتخصيص الازمانی و فصل بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) بين الموقتات والخارجيات فلا معنى للنسخ فيها و بين الحقيقيات الغير المشروطة فيصح النسخ فيها (لكنّ) الحق أنّ النسخ قطع الحكم بقاءاً بعد كونه ظاهر الثبوت أو منصوصه بحسب إطلاق دليله أو صريحه فالنسخ في الشرعيات بمنزلة ألفسخ في الوضعيات غاية الامر أن الجاهل بالملاكات و عواقب الاشياء ربما يكون نسخه لانكشاف الخلاف في ملاك حكمه الذي جعله أولاً، بمعنى أنه جعل حكمًا بزعم وجود المصلحة فيه ثم أحرز فيه مفسدة أو خلوه عن المصلحة فينسخه بقاءاً من حين إنكشاف الخلاف، أما العالم بالملاكات و العواقب كالشارع تعالي فلا يعقل في حقه إنكشاف الخلاف فمتعلق الجعل أي الحكم المجعول أولاً لا مصلحة فيه وإنّما المصلحة في جعل ذلك ألحكم، كما إذا قال المولى لعبده سر إلى الكوفة صبيحة كل يوم و لم تكن في السير إلى الكوفة مصلحة بل كانت المصلحة في جعل الحكم بالسير كصيرورة العبد متعوّداً بالانتباه وعدم النوم في الصباح فمتى حصل التعود ينسخ الحكم فلو كانت المصلحة في نفس السير لاقتضت دوام الحكم، ولذا نقول إن النسخ في حق الجاهل بالملاكات والعواقب ظهور بعد الخفاء و في حق العالم بها إظهار بعد ألاخفاء، إذ الاول يظهر له خلو الحكم عن المصلحة أو اشتماله على المفسدة بعد إختفائه عليه بل كون خلافه محرزاً لديه و الثانى يُظهر عدم المصلحة في متعلق الجعل بل فى نفسه بعد إخفائه أولاً، ومن هذا القبيل جميع الاوامر والنواهى الاختبارية كقضية إبراهيم في ذبح إسماعيل (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) إذ الامر بذبحه كان للاختبار و لذا أطلق تصديق الرؤيا على إنقياده

ص: 371

و طوعه النفساني الذي هو روح الاطاعة في قوله تعالى قد صدَّقت الرؤيا، ويشهد بأنه المراد بتصديق الرؤيا قوله تعالي فى صدر الآية فلما أسلما وتلّه للجبين وناديناه أنْ يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا حيث رتب النداء بالتصديق على تسليمهما للذبح و وضع جبين إسماعيل على الارض لا علي نفس الذبح فالامر حقيقي لكنه للاختبار.

و ما ذكرناه من حقيقة النَّسخ يجرى في الموقتات قبل حضور وقتها بمعنى أنَّ الجاهل بالعواقب ينكشف له قبل وقت مجعوله الاول خلو الحكم عن المصلحة فينسخه و العالم بالعواقب يُظهر قبل ذلك عدم المصلحة فى متعلق جعله بل في نفس جعله، فضلاً عن غير الموقتات نظير يا أيها الذين آمنو إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدى نجويكم صدقة إذ العامل بهذه الآية منحصر في شخص واحد هو أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) مع أنها خطاب كبروى عام فيمكن أن تكون مصلحة جعل هذا الحكم تبين انحصار العامل به فى واحد للناس و بالجملة لافرق بين القضايا الحقيقية و غيرها و لا بين المشروطات و غيرها في إمكان نحقق النسخ بالنسبة إلى الجميع بالمعنى الذى قلناه وعدم إمكانه في شيئى منها إن أريد به رفع حكم تكون ألمصلحة في نفسه، فالتفصيل بين الموقتات و الخارجيات مع الحقيقيات و الالتزام بالنسخ في الاخيرة دون الاوليين كما تقدم عن بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) بلاوجه وكذا ما تقدّمِ عن الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) من إشتراط العمل بالحكم في صدق النسخ حيث ظهر أن النسخ ليس هو التخصيص الازماني كيف والتخصيص إخراج حصة من العام و النسخ قد يكون قبل وقت العمل بالعام فلا تبقى للعام حصة أصلاً، وإذ تبيّن عدم تمامية شيئى من الامرين ظهر أن المسئلة مهملة بالكلية فارغة عن الثمرة بمعنى أنه لا موضوع لها خارجا فلا يحتمل النسخ في شيئي من صورها الستة التي لخص عمدة صورها فيها في تقريرات الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) و هى العلم باقتران العام والخاص المتنافيين ظاهراً و العلم بتقدم العام على الخاص والعلم بنقدم الخاص على العام و الجهل بالتقارن والتقدم مع العلم بتاريخ أحدهما أو عدمه وإختار (قدّس سِرُّه) النسخ في الثانية و التخصيص في البقية، وجه عدم الاحتمال ما عرفت من عدم إشتراط العمل في تحقق النسخ وعدم قبح تأخبر البيان عن وقت الحاجة و عدم إستحالته.

ص: 372

فلاحاجة بعد ذلك إلى تفصيل أحكام الصور أو تنبيهات المسئلة مما هو مذكور في التقريرات فمن أراد ذلك فليراجع التقريرات.

نعم حيث مرَّ علينا ذكر البداء طى بيان الامرين فلا بأس بالاشارة الاجمالية إليها فنقول البداء كالسَّماء بمعني البدو بعد الخفاء ولاريب في وجودها في شرعنا كما دلت عليه الاخبار بل قد عدّ ذلك في بعضها من علائم الايمان و في بعضها : ما عبد اللّه بشيئي كالبداء فالاعتقاد بها من جملة المذهب، لكن لا من ضرورياته التي يوجب إنكارها ألكفر، و قد أستشكل فيها بأنّها تستلزم تغيُّر علمه تعالى و تجدّد إرادته و وجود مرادین متباينين له و هي باطلة ولاجل هذا الاشكال أنكر بعضهم أصل وجود البداء، و يندفع الاشكال بأنا لو أردنا إثبات البداء من غير طريق الاخبار كالعقل لم يمكن إثباتها لانها تستلزم ألمحاذير المذكورة لكن نريد إثباتها من طريق الاخبار فلابد من الاخذ بما يستفاد من مجموعها بحيث لا ينافيه حكم العقل فان التعبد بالظواهر وألطرق غير موجود مطلقاً فضلاً عن العقائد وفيما إذا عارضه دلیل عقلی ففي بعض الاخبار : إنّ اللّه تعالى ما بداله في شيئي الأكان في علمه : و في بعضها : إِنَّ اللّه تعالى له علمان مكنون لا يعلمه عباده و غير مكنون يعلم بعض العباد كالانبياء : إلى غير ذلك من التعبيرات الواردة في الاخبار الكثيرة المذكورة في البحار، فانّها بأجمعها تكشف عن وجود البداء له تعالى بلاإستلزامها بمعناها الواقعي تغير العلم الازلى أو الجهل أو تجدد الارادة الازلية أو إجتماع إرادتين متنافيتين له تعالي بل التجدد إنَّما هو في معلومه أعنى ما تعلق به علمه الازلى من أفعال العباد، فالمستفاد من مجموع تلك الاخبار أنَّ متعلقات الاوامر والنواهى الشرعية من أفعال العباد غير متمحضة في ألجهات التشريعية أى الاوامر والنواهى المتعلقة بها بل فيها جهات تكوينية تقتضى آثاراً خارجية، كالزنا بالمحصنة فهي محرمة شرعاً و تقتضى بالتكوين قطع الرزق أو قصر العمر مثلاً، فكل فعل من تلك الافعال ذوجنبتين تشريعية هي تعلق الامر أو النهي الشرعى به و تكوينية هي الجهة التي تقتضى آثاراً خارجية كما يشهد به تسمية ألذنوب فى بعض الاخبار والادعية المأثورة بالتي تغير النعم أو التى تنزل البلاء أو التي تظلم الهواء أو نحو ذلك من الآثار الخارجية، و ذو ربطين

ص: 373

ربط بالعباد هو أنه تحت إختيارهم وصادر عن إرادتهم على ما هو الحق من أنهم مختارون في أفعالهم وربط بالخالق تعالى هو جعل المثوبة أو العقوبة عليه أخروية أو دنيوية كقصر العمر وتقليله من خمسين سنّة إلى ثلاثين لاجل معصية كقطع الرحم أو الزنا بالمحصنة أو زيادته و تكثيره من ثلاثين سنة إلى ستين لاجل طاعة كصلة الرحم، فاللّه تعالى خلق وجودات العباد على نحو تقتضى البقاء سبعين سنة مثلاً لكن جعل عقوبة الزانى بالمحصنة قصر عمره ثلاثين سنة فكلما تحقق الزنا تحقق أثرها الاخلالى بجهة البقاء وكلمالم تتحقق بقيت جهة البقاء تؤثر في مقتضاها الدنيوى و الاخروي.

فبهذا اللحاظ تكون لكل واحد من تلك الافعال جهات و مراتب و يمكن أن تكون لكل واحدة من تلك الجهات والمراتب حقيقة محفوظة وتكون ألالواح المذكورة فى الاخبار من أمّ الكتاب ولوح القضاء والقدر ولوح المحو والاثبات و لوح محفوظ إشارة إلي ذلك، بأن تكون الجهة التشريعية للافعال من كونها مأموراً بها أو منهياً عنها محفوظة في أم الكتاب والجهة التكوينية لها من كون عمر فاعل فعل فلاني ثلاثين وعمر فاعل فعل فلانى ستين ونحو ذلك من الآثار التكوينية المترتبة على تلك الافعال المقدرة فيها و لو بالجعل ألتكوينى الآلهي محفوظة في لوح القضاء والقدر، وجهة تعليق كل أثر على مؤثره وأن فلاناً لو فعل كذا يصير كذا فيثبت له أثر كذائى و لو فعل كذا يصير كذا فيمحو عنه الاثر الكذائى محفوظة في لوح المحو و الاثبات، و جميع تلك الجهات من تعلق الاوامر و النواهي

بتلك الافعال وأن فلاناً لو فعل باختياره كذا يصير كذا وأنه يختار كذافله أثر كذائي وعمره مقدار خاص مثلاً محفوظة في اللوح المحفوظ، مضافاً إلى أن هذه الاخبار وردت في قبال اليهود القائلين بأنه جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة أى التعطيل في فعله تعالى، وفى قبال الاشاعرة القائلين بجزافية إرادته تعالى فى التشريعيات والتكوينيات وعدم وجود جهات تكوينية في متعلقاتها، فهى تنفى هاتين الجهتين وتثبت ضدهما (و بالجملة) فالتحفظ على ظواهر الاخبار المشتملة علي ألالواح بجعلها مراتب واقعية للتكوينيات تشريفاً لمقام سلطانه تعالى بأن يكون له لوح و قلم و محو و

ص: 374

إثبات وقضاء وقدر ممكن بلا إستلزامه محذوراً، كما أن جعل الالواح رمزاً للاشارة إلى مراتب علمه تعالى كما يؤيده ما فى بعض الاخبار من التعبير بأنّه تعالى له علمان مكنون وغير مكنون أو انّه ما بداله في شيئي إلّا كان في علمه، ممكن، فالتصرف في ظواهر الالواح بجعلها عبارة عن عوالم متعددة كل واحد مختص بجهة خاصة بلاملزم بل بلا شاهد إلا أن يرجع إلى ما ذكرنا مما لا تأباه ظواهر ألاخبار، كما أنه يمكن صباغ ماذكرناه من المضمون فى قالب الفاظ أدق فيقال كما في تعليقة بعض المحققين (قدّس سِرُّه) على الكفاية بأن ثبوت المقتضى إنما هو فى مرحلة ثبوت المقتضي فثبوت إمتداد العمر إلى سبعين سنة مثلاً إنّما هو بنفس ثبوت الوجود الخاص لفلان بمعنى أن هذا الاقتضاء كامنّ فيه و ثبوت ألمنع عن طول العمر و التأثير في تقصيره إنّما هو بثبوت فعل الزنا بالمحصنة مثلاً بمعنى أنَّ هذا الاقتضاء و التأثير الاخلالى كامِنٌ في هذا الفعل و هو تعالى يعلم هذا كما يعلم ذلك، فماذكره قدس سره لو أراد منه ما ذكرناه يكون في غاية المتانة، وإلى ماذكر نله يرجع ما أفاده علماء الامامية في هذا الباب (فتخلص) أن البداء عقليها لا نقول به و شرعيها الموجود في أخبار نا معناه واضح بعد التدبّر فيها و الجمع بين مجموعها فلا عويصة في البداء كما توهم إلا أن يراد بالعويصة فيها عدم فهم المراد من أخبارها وقد عرفت وضوح المراد منها فتدبر.

المقصد الخامس فى المطلق و المقيد و المجمل و ألمبين و للورود في البحث عن ذلك نمهِّد أموراً (منها) أنّ الظّاهر من كلمات جماعة من الاصوليين حيث عرّفوا المطلق بأنّه مادلّ على شايع فى جنسه كون المطلق و المقيد وصفين للدالّ أى اللفظ مع أنَّهما في الحقيقة وصفان للمدلول أي المعنى لانه الشايع في جنسه، ويمكن تصحيح ذلك بوجهين (أحد هما) تسرية أوصاف المعنى إلى اللفظ كما في الحسن و القبح فاللفظ الدال على معنى حسن أو قبيح يوصف بالحسن أو القبح (ثانيهما) تطابق الاثبات مع الثبوت بمعنى أنّ المطلق أو المقيد و إن كان بحسب الواقع و عالم الثبوت هو المعنى دون اللفظ إلا أنَّ الكاشف عن كون المعنى مطلقاً أو مقيداً فى عالم الاثبات لما كان هو اللفظ غالباً فلابد من إطلاق اللفظ الدال على المطلق وتقييد اللفظ الدال على المقيد حتى يستكشف من تطابق الاثبات مع الثبوت

ص: 375

كون المعني مطلقاً أو مقيداً، فلذلك صح أن يقال المطلق مادل على شايع في جنسه (و منها) أن التعاريف المذكورة للمطلق والمقيد لما كانت لفظية بمعنى كونها رسماً وتعريفاً باللازم لا حداً حقيقياً وتعريفاً بتمام الماهو كما هو الشأن في جميع التعاريف الواقعة في مسائل العلوم لموضوعاتها ولاسيماما يكون منها تعريفاً للمعانى فلا محالة لا تخلو عن الانتقاض طرداً أو عكساً، كيف ولا إحاطة لنا بحقايق الاشياء ولاسيماما يكون منها من سنخ الوجودات الذهنية و المعقولات كالمعاني، فصرف ألوقت في النقض و ألابرام فى تلك التعاريف مما لاطائل تحته.

(و منها) أنَّ ألظاهر من كلمات بعض الاصوليين كصاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) و جماعة أنَّ المطلق عبارة عن نفس الماهية أى الذى يعبر عنه في إصطلاح أهل اللغة بالمفهوم و في اصطلاح أرباب الفلسفة بالماهية من حيث هي و في إصطلاح أهل المنطق لدى جماعة من محققيهم بالكلى الطبيعي و في إصطلاح الاصوليين باللا بشرط المقسمي بمعنى أن المطلق عبارة مثلاً عن حقيقة الماء التي هي في قبال حقيقة النار و هكذا في سائر الحقايق، نعم يظهر من صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) أن اللا بشرط القسمى عبارة عن الكلى العقلى الذى لاموطن له إلا ألذهن، وفي قبال لحاظ المعنى بنحو اللابشرط المقسمى لحاظات أخري سمى المعني باعتبار كل باسم خاص كلحاظ إقترانه مع قيد وجودى وتسميته بشرط شيئى و لحاظ اقترانه مع عدم قيد وتسميته بشرط لاو لحاظ عدم إقترانه بشيئى من الوجودى و العدمي بل كونه مطلقا من جهتهما وتسميته بلا بشرط القسمى، وهذه الاقسام الاربعة سميت في إصطلاح جماعة بمهية مهملة هو أللا بشرط المقسمى و مهية مطلقة هو أللا بشرط القسمى و مهية مجردة هو البشرط لا و مهية مخلوطة هو البشرط شيئي.

و نوقش في هذا التقسيم (تارة) من جهة تربيع الاقسام كما يظهر من بعض المحققين (قدّس سِرُّه) في تعليقته على الكفاية بأن الصحيح تخميسها فيقال إنّ المهية تارة ينظر إلى نفسها بما لها من الذاتيات بلانظر إلي شيئى وراء ذاتياتها بل إلى نفس الماهية بما هي و هذه هي المهية المتقررة أزلاً في الصقع الربوبي و يصح إرتفاع النقيضين عنها و لا يحكم عليها أو لها بحكم أبداً و إنّما تقع في باب الحدود في

ص: 376

جواب السئوال عن حقيقة الشيئى بما هو و هى المهية المهملة ضرورة إهمالها عمّا وراءَ ذاتياتها، و أخرى ينظر إليها بما هي مقترنة بقيد وجودى وراء أصل ذاتها و متعينة بذلك التعين بشرط شيئي، و ثالثة ينظر إليها بما هي مقترنة بعدم قيد كذلك ومتعينة بذلك فتكون بشرط لا، ورابعة ينظر إليها بما هي مطلقة من جهة كل واحد من نحوى التعيّن وتتعيَّن بتعيّن إطلاقي فتكون لا بشرط قسمى، وحيث لابد لكل واحد من هذه التعينات الثلاثة من محل قابل فلحاظ ماهية غير متعينة قابلة للمقسمية للاقسام الثلاثة وألمعروضية لكل من التعينات المزبورة يوجب خروج الماهية عن الابهام بهذا المقدار إذ بمجرد لحاظ الماهية المهملة ولو بجهة القابلية للانقسام إلي الاقسام الثلاثة تخرج عن كونها هى هى أى متوغلة فى الذاتيات فلا تكون مهملة و هذه هي أللا بشرط المقسمى، فما يظهر من جماعة من جعل اللا بشرط المقسمى عبارة عن المهية المهملة فاسد، و قد إعترف هذا المحقق (قدّس سِرُّه) بعدم إتفاق أرباب الفلسفة على صحة هذا التقسيم (و أخرى) من جهة جعل مقسم الاقسام الثلاثة أى أللا بشرط القسمي و ألبشرط شيئي و ألبشرط لا نفس المهية المهملة كما يظهر من بعض أجلة المحققين دام ظله بدعوى أن مقسم تلك الاقسام هو اللحاظ لانه الذى يكون تارةً على نحو الاقتران مع قيد وجودى و أخرى على نحو الاقتران مع عدمه و ثالثة على نحو الاطلاق من أحد النحوين و ليس المقسم هو المهية، فكأن هذا القائل أراد تصحيح ما في كلمات القوم من تربيع الاقسام و تسمية المهية مهملة و الفرار عن إشكال بعض المحققين على جعل المقسم مهية مهملة فالتزم بتربيع الاقسام مع جعل مقسم الاقسام الثلاثة نفس اللحاظ دون ألمهية.

و التحقيق أنَّ المهية قد تلاحظ بماهي أعنى مع قصر اللحاظ على علل قوامها وقطع النّظر عن لحوق كلما هو وراء ذاتياتها بأن تلاحظ ماهية الماء بما هي متقومة بجزئين مثلاً أو ماهية الانسان بما هي متقومة بجزئين جنس و فصل أو ماهية أخرى بما هي متقومة بأجزائها التحليليّة العقليّة و هذه هي الماهية المهملة التي تقع حداً للشيئي في جواب السئوال عنه بما هو فيقال في جواب السئوال عن مهية الانسان حيوان ناطق وهكذا، وقد تلاحظ لا بماهي بل لا متأبية عن لحوق أىِّ قيد وجودىِّ

ص: 377

أو عدمي ذهنى أو خارجي بها فتكون ماهية متحصصة ويكون مقتضى ذاتها الشريان فى كل قيد من ألقيود المزبورة و بهذا اللحاظ تكون ماهية مطلقة ففى هذه المهية جهات عديدة لابد أن لا تكون مختفية (منها) أن ألسريان في جميع القيود مسن مقتضيات ذاتها لانها غير متأبية عن لحوق أى فيدبها بلاكون السريان قيداً لهاد خيلاً فى علل قوامها (و منها) أنَّ هذه المهية ليست مهملة بل متحصصة بحصة غير متأبية عن لحوق كل قيد بها إذ لو كانت مهملة غير متحصصة لصح تقسيمها إلى متأبية و غير متأبية كما يصح تقسيم الماهية المهمله التى فرضناها أولاً إلى هاتين الحصتين وحيث لا يصح تقسيمها إليهما بداهة فيكشف عن كونها متحصصة (ومنها) أنّ لحاظها غير متأبية ليس من علل قوام هذه المهية بل هو سبب لتحصصها إلى هذه الحصة وإن شئت قلت إنَّ اللحاظ جهة تعليلية للتحصص لا تقييدية لاننا لاحظنا هذه الحصة من المهية لا أنَّ الحصة حصلت من تركيب اللحاظ مع المهية، إذ لم يقم برهان على أنَّ تحصص شيئى إلي حصص موقوف على إنضمام قيد خارج عن حقيقته إليه كى تكون قيود الحصص المتباينة من شيئى واحد متقابلة، كيف و في الحقايق المشككه كالنور يكون تشكيل أنواع متباينة من كل حقيقة من نفس علل قوام تلك الحقيقة مع إختلاف المرتبة شدة وضعفاً كالنور ألضعيف مع القوى، فكما أنَّ تحصص النور إلى حصص متباينة مختلفة شدة وضعفاً إِنَّما حصل من نفس النور بلا حاجة إلى إنضمام شيئى خارج عن حقيقة النور إليه فكذلك الماهية في تحصصها إلي غير متأبية.

و هذه المهية أعم من الموجودة في الخارج بوجود قيودها اللاحقة به أى الوجود السعى و الموجودة في الذهن بتصورها خالية عن كل قيد غير متأبية عن لحوق كل قيد أى الكلى الطبيعي، و لذا نقول إن الحق مع المحقق ألطوسي (قدّس سِرُّه) حيث جعل الكلى الطبيعي هو اللا بشرط القسمى و أن ماز عمه ألمحقق السبزواري (قدّس سِرُّه) من أنَّ ألكلي الطبيعي هو اللا بشرط المقسمى بزعم أن لحاظ الاطلاق في اللابشرط القسمي قيد ذهنى فموطنه الذهن وألكلي الطبيعى وجوده عين وجود أفراده في الخارج فاسد لان اللحاظ كما عرفت سبب التحصص غير دخيل في علل قوام

ص: 378

الحصة و الاطلاق من مقتضيات ذات الحصة اللامتابية وليس قيداً لها فاللحاظ مقسّم الماهية لا مقوّمها، نعم قد تلاحظ المهية مقترنة بقيد فان كان وجودياً تكون بشرط شيئي و إن كان عدميّاً تكون بشرط لا و يكون مقتضى الاقتران مع ذلك القيد هو التأبى عن لحوق قيد آخر، على عكس ما فى الحصة اللامتابية إذ الاطلاق و السريان فيها مقتضى عدم التأبى أماً فى قسيميها أي البشرط شيئى والبشرط لا فالتأبى مقتضى الاقتران مع ألقبد، فانقدح مما ذكرنا أنَّ الاقسام أربعة و اللا بشرط المقسمى نفس المهية المهملة ضرورة قابليتها ذاتاً بمقتضى عدم لحاظها بنحو من اللحاظات للمعروضية لكل واحد من الخصوصيات الملحوظة في الحصص الثلاثة أى أللامتابية و هو أللا بشرط القسمي والمقترنة بقيد وجودي هو ألبشرط شيئى و المقترنة بقيد عدمى أى عدم ذلك القيد الوجودى و هو ألبشرط لا، فهى صالحة عدم اللحاظ وجعل للانقسام إلى كل واحد من هذه الاقسام.

وبذلك يظهر جهات ألفساد في جملة من الكلمات (منها) مافي كلام صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) من تخميس الاقسام بجعل نفس المفهوم المهية من هي أى المبهمة و جعل أللا بشرط المقسمي هي المهية الملحوظ فيها عدم لحاظ أي لحاظ حتى لحاظ وى اللا بشرط القسمى هي المهية الملحوظ فيها الاطلاق من جهة البشرط شيئى والبشرط لا وحيث أن لحاظ الاطلاق قيد فيه فهو كلى عقلى لاموطن له إلا الذهن (وذلك) لانّ اللا بشرط المقسمى كما عرفت ما ليس بملحوظ بأيِّ لحاظ و لو لحاظ عدم اللحاظ بأيّ لحاظ كي يمكن تحققة في ضمن كل واحد من الاقسام ضرورة أن المقسم لا بد أن يوجد في كل واحد من أقسامه والمقيد بلحاظ عدم اللحاظ بأي لحاظ لا يمكن أن يتحقق فى ضمن الاقسام فيخرج عن كونه مقسماً جامعاً بين الاقسام و يحتاج إلى جامع يكون مقسماً له أيضاً هذا خلف، فأخذ لحاظ عدم لحاظ أى لحاظ في أللا بشرط المقسمى يكون بلاملزم ويستلزم الخلف بل أللا بشرط المقسمي عين المهية المبهمة، ولو قيل بجعل اللا بشرط ألقسمى كلياً عقلياً قلنا ذلك خلاف إصطلاح أرباب ألميزان حيث جلعوا ألكلي العقلى مجموع العارض والمعروض أعنى وصف الكلية الذى هو كلى منطقى مع معروضه الذى هو كلى طبيعي إلا أن يريد بالعقلى غير مصطلح

ص: 379

أهل الميزان أى الذى وعائه الذهن، و خلاف البرهان لان الاطلاق كما عرفت من مقتضيات ذات الحصّة اللامتابية وليس لحاظه من علل قوام تلك ألحصة (ومنها) مافي كلام بعض المحققين (قدّس سِرُّه) فى تعليقة الكفاية من تخميس الاقسام بجعل تحيث المهية بحيث اللاتعين بأحد التعيّنات الثلاثة سبب خروجها عن الابهام وصيروتها قسماً قبال المهية المبهمة ومن حيث هى (وذلك) لان التحيُّث بذلك ألحيث بالفعل كما عرفت من ذاتيات المهية المبهمة و كذا قابليتها للتعين بأحد التعينات بالقوة سواء لوحظ الحيث الفعلى أو القوى في المهية أم لا، فهذا الحيث لما لم يكن خارجاً عن ذاتيات المهية ومعلوم أن لحاظ الذات والذاتيات لا يغير الذات والذاتيات فذاك اللحاظ لا يخرج المهية عن الابهام كي يتحقق قسم قبال المهية المبهمة بل هى بعد اللحاظ باقية على إبهامها وليست قسماً في قبالها.

(و منها) مافي كلام بعض أجلة المحققين دام ظله من جعل المقسم نفس اللحاظ العقلاني دون ملحوظه بدعوى أن اللحاظ عقلانى لاخارجي فالمقسم أيضاً عقلاني هو نفس اللحاظ والأففى الخارج ليس لنا عد اقسم واحد هو المهية مقترنة بقيدوجودى سمیت بشرط شيئى (وذلك) لان اللحاط كما عرفت مرآة للملحوظ الذي هو المقسم الاعم ممّا في الخارج و ما في الذهن والخصوصيات المخصصة للمهية الذهنية و الخارجية تنكشف بسبب لحاظ أقسام المهية و ليست تنوجد فى مواطنها بسبب اللحاظ، أما حصر الموجود في الخارج فى المهية المقترنة بقيد وجودى أى ألبشرط شيئى فهو خلاف تنصيص جماعة من محققى أهل الميزان على أن وجود الطبيعي عين وجود أفراده و خلاف البرهان و هو لزوم وجود المقسم في الاقسام، فالمهية بشرط شيئي الموجودة في الخارج حسب إعترافه لا بد لها من مقسم موجود فيها هو المهية بلا شرط وهذا الوجود بلاشرط هو الذى نعبر عنه بالوجود السعى، ولذاذهب جماعه من الفلاسفة إلى أن الوجود عارض المهية تصور أو إتحداهوية في عالم الخارج وإنذهب بعضهم كالحكيم السبزواري (قدّس سِرُّه) إلى أن الوجود واسطة في الثبوت.

ولتوضيح المقام بأزيد مما تقدم لا بأس بالاشارة الاجمالية إلي ذلك وإن كان تحقيقه من شأن علم الميزان لا الاصول، و هو أنَّ الوجود الحدي في كل موجود له رتبتان إحديهما رتبة إنتزاع الحد عن المحدود بمعنى تصوّر علل قوام الموجود

ص: 380

الخارجي في وعاء العقل و تحليل أجزائه العقلية هناك و في هذه الرتبة هو مهية مبهمة وموجود ذهني يقع في جواب السئوال عن حقيقة ذلك الموجود الخارجي بما هو، ففي جواب السئوال عن حقيقة زيد يقال إنه حيوان ناطق للاشارة إلى هذين الجزئين هما أجزائه التحليلية العقلية وعلل قوامه الواقعية ومنهما تتشكل ماهيته المبهمة الذهنية، ثانيتهما رتبة إنطباق الحدّ على المحدود بمعنى تحقق علل قوام ذلك الموجود الخارجى وتشكل أجزائه التحليلية بصورة خارجية وفي هذه الرتبة هو وجود سعی خارجی ملفوف بخصوصيات فردية، فمع قطع النظر عن خصوصيات الافراد يكون مستقلاً بالوجود و من هنا يعلم أنَّ الوجود واسطة فى العروض لا الثبوت، و قد إنقدح بيركة ما ذكرناه إلى الآن أنّ اللا بشرط القسمى أى الكلى الطبيعي يصح توصيفه بالطبيعة السارية بلحاظ كون السريان في الافراد مقتضى ذاته كما يصح توصيفه بالحقيقة المتبدلة بلحاظ تحققه فى ضمن أية حصّة من حصصه الخارجية و يصح توصيفه بالطبيعة المطلقة بلحاظ عدم تأتيه عن لحوق أى قيد به فهذه العناوين بأجمعها منتزعة عن حقيقة واحدة ووجود فارد باعتبارات مختلفة، فتدبر في المقام فانّه دقيق (فتلخّص) أنَّ المعقول الثاني الحاصل في النفس من ملاحظة الوجودات الخارجية هو بنفسه أللا بشرط المقسمى وهو الذي يكون باعتبار وجوده الخارجي لا بشرط قسمياً و باعتبار وجوده الذهنى كلياً طبيعيّاً (و ممّا ذكرنا) ظهر أنَّ المعني بما هو مع قطع النظر عن لحاظ أى قيد معه هو اللا بشرط المقسمى لانه القابل للاجتماع مع كل واحد من الاقسام الثلاثة أى أللا بشرط القسمى وألبشرط شبى والبشر طلا، وعروض واحد من هذه التعينات الثلاثة عليه بالخصوص لا ينافي قابليته في حد نفسه للمعروضية لغيره و لذا قالوا بأنَّ المهيات مثار ألكثرات، و عليهذا فأسماءُ الاجناس كانسان و رجل وفرس وحيوان وسواد وبياض وغير ذلك إنما وضعت لنفس المعنى أى أللا بشرط المقسمى.

أمّا أعلام الاجناس كأسامة و نعامة وثعالة و غيرها فقد إختلفت كلمات القوم فيها (و تحقيق) حالها أن المعنى قد يلاحظ بنفسه بلالحاظ إشارة فيه بل بما هو كي يمتاز عن مقابله كتصور الماء و إمتيازه عن معنى النار أو سائر الحقائق، و نعبر عن

ص: 381

هذا بالتعين الذاتى فهو حاصل لكل معنى في قبال سائر المعانى كما في أسماء الاجناس فالتعين الذاتي موجود في جميعها، وقد يلاحظ مع جهة إشارة فيه و الاشارة تارة بسبب غير الوضع و أخرى بسبب الوضع والأول إما لوجود مطابق للمعنى في ذهن المخاطب نظير إشترا للحم و أدخل السوق ونعبر عنه بالعهد الذهني ويتبع في السعة و الضيق مطابقه الموجود في ذهن المخاطب فان كان اللحم الموجود في ذهنه يعمّ لحم الغنم والبقر وغيرهما ينطبق المعنى على العام وإن كان يخصّ بعض أصنافه ينطبق المعني علي خصوصه، و إما لوجود مطابق له فى الخارج حضوراً كالرجل إشارة إلى ألحاضر في المجلس، أو ذكر أكقوله تعالى فعصي فرعون الرسول، هذه ففى جميع الاقسام الثلاثة يكون معنى اللفظ بنفسه مع قطع النظر عن لام العهد ذات المعنى و معناه محلّى باللام هو الملحوظ فيه جهة الاشارة قضاءاً لتعدد الدال والمدلول إذا للّام موضوعة لمطلق الاشارة غاية الامر إختلاف تطبيق الاشارة باختلاف سبب التطبيق التطبيق من العهد الذهني أو الخارجي حضوراً أو ذكراً، و أمّا الثانى الذى تكون الاشارة فيه بسبب الوضع كعلم الجنس نظير أسامة و نعامة فحيث أنَّ مصبّ الوضع فيه نفس المعنى بما هو متعين ذاتاً فمصب الاشارة أيضاً نفس المعنى قضاءاً لوحدة الدالّ بلا لزوم أن يكون للمعنى مطابق فعلا في الاذهان أو في الخارج حضوراً أو ذكراً ولاكون لحاظ الاشارة إلى التعين الذاتى للمعنى مقوماً له في الوضع بل اللحاظ ملوّن للموضوع له بمعنى أن الواضع يلاحظ حصة المعني المتمايزة ع___ن سائر المعانى كحيوان المفترس المتمايز عن غيره فى لفظ أسامة و يضع اللفظ بازائه، كما تقدّم نظيره في أللا بشرط القسمى حيث عرفت أنَّ لحاظ عدم تأبى المهية عن لحوق أىّ قيد بها سبب لتحصصها بلا كون اللحاظ دخيلاً في قوامها، فلحاظ تعيّن المعنى ذاتاً و تمايزه عن سائر المعانى في المقام يحصص المعنى و لا يكون مقوّماً له بأن يتركب المعنى الموضوع له مثل لفظ أسامة من المعنى المتعين بالذات ومن لحاظ تعيّنه الذاتى، كما يشهد به الاستعمالات الكثيرة فى المحاورة المشتملة على المقابلة بين علم الجنس مع المعانى الكليّة كما تقول أسد خير من نعامة، فضلاً عن كون لحاظ الوحدة من علل قوامه كى يستلزم البدلية بحسب أصل وضعه

ص: 382

و يشهد لما ذكرنا من عدم دخل لحاظ تعيّن المعنى في قوام الموضوع له ماذكره أهل الادب فى المعرَّف باللام من أنّه : ما وضع لشيئي متلبس بعينه : بناءاً على إرادة التلون و التقيد بلحاظ عين المعنى من كونه متلبساً بعينه كي لا يلزم إجتماع المثلين من تلبس المعنى بنفسه فالتلبس بلحاظ المعنى المتعين خارج عن أصل المعنى، كما يشهد به قولهم بعد ذلك : من غير إعتبار تلك الحيثية (حيثية التعين) فالذهن لا يلتفت من سماعه (أى اللفظ) إلا إلى ذات المعنى لا إلى تعينه : فهذه الفقرة كالصريحة فيما ذكرنا من أنَّ لحاظ تعين المعنى حال ألوضع غير دخيل في أصل حقيقته، و ما بيناه في حقيقة علم الجنس هو مراد صاحب الفصول (قدّس سِرُّه) من تعبيره بالتعيّن الجنسي كما يظهر من التأمل في كلامه.

و ممّا ذكرنا ظهر الخلل في كلمات جماعة (منهم) نجم الائمة رضى الدين (قدّس سِرُّه) حيث لم يفرّق بين علم الجنس مع أسماء الاجناس بدعوى أنّ التعيّن الذّاتي موجود في جميع المعانى فلا إمتياز لعلم الجنس بسبب ذلك ولذا إلتزم بأن التعريف فيه لفظى كالتأنيث اللفظى فى مثل بشرى بمعنى أنَّ أهل الادب يعاملون معاملة المعرفة كما يعاملون مع بشرى معاملة المؤنث (إذ) قد عرفت أنَّ إمتيازه عن أسماء الاجناس تقيده بلحاظ الاشارة إلى ذاك التعين الذاتي فالتعريف حقيقى معنوى ضرورة كفاية هذا المقدار من ألتعين في التعريف الحقيقى كما في تعريف الضمير بمجرد رجوعه إلى مرجع و لو كان نكرة و منهم إبن الحاجب حيث مثل لا علام الاجناس بالحقايق الذهنية الظاهر في إعتبار وجود مطابق ذهني للمعنى في علم الجنس أيضاً إلا أن يراد التنظير بالحقايق الذهنية من جهة إعتبار التعين في المعنى فيكون مراده من التعيّن الذهنى هو التعين الجنسي ذهنا أو خارجا كما في كلام صاحب الفصول (قدّس سِرُّه) فينطبق على ماذكرنا و يكون متيناً (و منهم) صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) حيث جعل علم الجنس مع لحاظ الاشارة في معناه من الكلى العقلى الذى لا موطن له إلا الذهن فاستشكل على هذا المبنى بعدم إنطباق المعنى علي كل فرد من أفراده الخارجية وبأنَّ التصرف في المحمول بتجريد المعنى عن قيده حين الاستعمال تعسف في القضايا المتداولة في المحاورات وبلزوم أخذ الواضع في المعنى قيداً

ص: 383

لازم الالقاء فى مرحلة الاستعمال و هو لغو (إذ) قد عرفت أن لحاط التعين غير دخيل في قوام المعنى كى يستلزم ذلك (ومنهم) السيّد الشريف حيث جعل لحاظ الوحدة قيداً للمعني في علم الجنس نظير ما في النكرة من الوحدة البدليّة (إذ) قد عرفت أنه أوضح فساداً من سائر الاشكالات.

ومما عدّ من الفاظ المطلق هو المعرف باللام كالرجل وقد عرفت سابقاً أنَّ لفظ المدخول كرجل موضوع لطبيعة المعنى بماهي ولفظ الداخل كاللام موضوع للإشارة إلى ذلك المعنى بما له من التَّعين الذاتي، فمجموع الداخل و المدخول يدل على الحصة المتعينة على نحو تعدد الدال والمدلول والتعريف حقيقى كما عليه المشهور (لكن يظهر) من صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) أنَّ جعل اللام للاشارة يستلزم صيرورة المعنى كلياً عقلياً فيتوجه محذورات ثلاثة تقدمت في علم الجنس من عدم إمكان تطبيق المعنى على كل فرد من أفراده الخارجية ومن لزوم التصرف في المحمول بتجريد المعنى عن قيده لدى الاستعمال وهو تعشفُ في القضايا المتدوالة في المحاورة ومن لزوم أخذ الواضع في المعنى قيداً لازم الالقاء حين الاستعمال و هو لغو، فلابد من جعل اللام مطلقا للتزيين كما في الحسن والحسين (ويندفع) بأنَّ الحسن والحسين وغيرهما من ألاعلام الشخصية التي يكون لامها للتزيين أيضاً لا بد فيها من تعين في المعنى كي يتحقق به التعريف فلحاظه فيها يستلزم صيرورة المعني كليا عقلياً مورداً للاشكالات الثلاثة، فكل نحو تصور (قدّس سِرُّه) تعين المعنى و تعرفه فى الاعلام الشخصية بحيث لا يستلزم المحذورات نقول به فى المعرف باللام مع تفاوت وحدة ألدالّ فيها و تعدده في المعرف باللام و هو ما قدمناه من أنّ كون اللحاظ سبب تحصص المعنى لا يستلزم دخله في قوام الحصة (فان قلت) فرق بين المقامين إذا لموضوع له في الاعلام الشخصية موجود خارجی کزيد الموجود في الخارج و في المعرف باللام معنى متصور في الذهن فلحاظ التعين فيه يستلزم ألمحاذير بخلاف الاعلام الشخصية و لذا إختار مثل صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) كون اللام في المعرف به للتزيين (قلت) كلا لافرق بينهما من تلك الجهة إذالموضوع له في الاعلام الشخصية أيضاً صورة ذهنيه منتزعة منها حاكية عن الخارج فلابدّ من

ص: 384

لحاظ التعيَّن فى الصورة ألتى هي هو المعنى الموضوع له فيها له فيها. و يظهر من بعضهم أنَّ اللام لدى الاجتماع مع إسم الاشارة كهذا الرجل يكون للتزيين لا للاشارة لاستحالة إجتماع المثلين بل ربما يقال إِنَّ جعل اللام للاشارة في غير هذا المورد حيث يستلزم الالتزام بتعدد الوضع في اللام ووضعها للاشارة تارة و للتزيين أخرى فذلك يكشف عن كونها مطلقاً للتزيين، و أنت خبير بفساد كلا القولين ضرورة إمكان تأكّد التّعين باجتماع الاشارتين بلا إستلزامه إجتماع المثلين كما في كلية موارد التأكيد فلا يختص ذلك باللام بل يجري في سائر موارد التّعريف كالموصول و الصّلة، إذ الصّلة ربّما تعرف الموصول وتعيّنه بجميع ماله من أنحاء التّعين نظير الذى عندك أوتراه و مع ذلك يدخل عليه إسم الاشارة فيقال هذا الذى تراه أو عندك فهل يقول أحد من أهل الادب بعدم صحة هذا الاستعمال أم هل يخرج إسم الاشارة عن معناه حذراً من إجتماع المثلين كلّا!، و ليس ذلك إلا من جهة صحة التأكد في تعين المعنى فهكذا في المعرف باللام، و أما الجمع المعرف باللام كالعلماء فقد يقال بدلالته على العموم الاستغراقي مستنداً إلى دلالة اللام علي الاشارة لا إلي دلالة نفس المدخول إذلانعين إّلا للمرتبة المستغرقة من المعنى فاللام للاشارة إلى ذلك، و قد (يناقش) فيه كما في الكفاية بأنَّ التَّعين لا يختص بتلك المرتبة بل هناك مرتبة أخرى متعيّنة أيضاً هى أقلّ مراتب الجمع فلا مرجح لاحديهما كي يستند الاستغراق إلى وضع اللام للاشارة بل لابدّ أن يستند العموم الاستغراقي إلى وضع الجمع المعرف باللّام لذلك (ويمكن دفعه) بأنَّ طبيعة المدخول لما كانت بنفسها سارية لجميع أفراده فالاشارة باللام لا محالة إلي مرتبة مستغرقة بخلاف سائر المراتب حتي أقلها فحيث أنها خلاف مقتضي طبع المدخول و سريانه فتعينها لا محالة يحتاج إلي معين وهو مفقود على الفرض فصح للقائل بالعموم أن يدعي إستناده إلى دلالة اللام لانه لا تعيّن إلا للمرتبة المستغرقة، هذا كله لو سلَّمنا أن تكون لنا الفاظ خاصة تفيد العموم كالجمع المحلى باللام و غيره أما علي ما قدمناه في مبحث العام و الخاص من عدم ثبوت وضع للعموم في الالفاظ التي أدعى كونها الفاظ العموم و عدم فرق بين العام و المطلق في توقف

ص: 385

إستظهار الشريان و ألشمول منهما إلى مقدمات الحكمة فالامر أوضح.

و مما عُدَّ من الفاظ المطلق هو النكرة كرجل وإختلف الاصوليون في معناها فقيل بأنه طبيعة مقيدة بالوحدة إختاره صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) و قيل بأنه طبيعة لا متعينة وقيل بأنّه الفرد المردَّد لكن الحق هو الأول إذ كل واحد من المعانى متعين ذاتاً كما عرفت ولا يُعقل الترديد فى عالم المعني أى المفهوم المتصور في الذهن لانه مالم يتعين بنحو من أنحاء التعين لا يدخل تحت إحاطة الذهن وتصوره، كما لا يعقل ألترديد في عالم الخارج الذى هو وعاء الفرد فيكون فرداً موجوداً في الخارج و مع ذلك يكون مردداً بين هذا أو ذاك فلا سبيل لعدم التعين والترديد إلى عالم ألذهن الذي هو وعاءً المعنى ولا عالم الخارج الذى هو وعاه الفرد، فبطل القولان الاخيران من كون معنى النكرة طبيعة لا متعينة أو الفرد المردّد و ظهر أنَّ الالتزام بهما غير ممكن، فنقول إنَّ المدخول كلفظ رجل إنَّما وضع للمعنى المتعين ذاتياً في قبال سائر المعانى كحقيقة الرجل في قبال حقيقة المرئة والداخل و هو تنوين ألتنكير وضع للوحدة فمن تصادق المعنيين للداخل والمدخول تحصل طبيعة مقيدة بالوحدة فالدلالة عليها على نحو تعدد الدال والمدلول، و حيث أنَّ هذا المتحصل أى الطبيعة المتقيدة بالوحدة قابل للانطباق على كل فرد من الافراد الخارجية للطبيعة علي سبيل التناوب فقد حصل الترديد أى ألتخيير في تطبيق ذلك على الخارج، فالترديد غير دخيل في أصل معنى النكرة و إنما هو في عالم تطبيقه الخارجي بمعنى التخيير بين هذا أو ذاك، فالحق مع صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) في بيان معنى النكرة.

ثم إنَّ مبحث المطلق والمقيَّد مما يعم به البلوى في أبواب الفقه بل هو رحى الاستظهارات الفقهية فلذلك ترى الاصحاب قدس اللّه أسرارهم قد أتعبوا أنفسم الزكية في شرح حقيقة المطلق والمقيّد و بيان مفهومها و مصداقهما وما هو المطلق ثبوتاً وإثباتاً، فنحن لتوضيح ذلك نبتدى من وجد اننا فنقول إنا إذا لاحظنا واحداً من الموجودات الخارجية التي يعبر عنها في إصطلاح الفلسفة بمعقولات أولية ينترع منه الذهن صورة يعبر عنها في إصطلاح الفلسفة بمعقول ثان، فهذه ألصورة متشكلة

ص: 386

من المعانى الوجودية المتحققة بنحو أللف في ذلك الموجود الخارجي فكما يمكن لحاظ تلك المعاني بأجمعها تحت عنوان واحد و جامع فارد فيقال في مقام بیان المعاني الوجوديّة المتحقّقة في زيد مثلا إنّه حيوان ناطق، بلا إضافة قيد إليه كي يوجب تضييق العنوان ومعلوم أنه حينئذ قابل للانطباق على كل فرد من أفراد ذلك العنوان كذلك يمكن لحاظ بعض تلك المعاني تحت عنوان واحد فيقال في مقام بيان بعض المعاني الوجوديّة المتحقّقة في زيدانه حيوان أو جسم وهكذا حتي يصل إلى جنس الاجناس کالجوهر، وكلّ واحد من هذه العناوين أيضاً قابل للانطباق على كل فرد من أفراده، كما يمكن لحاظها تحت عناوين متعدّدة فيقال إنه حيوان ناطق عالم شاعر وهكذا إلي آخر خصوصيّاته الصنفيّة أو الشخصيّة، فكلّما كثرت العناوين الكاشفة عن المعاني الوجوديّة كانت مركبة إتحاداً كالذاتيات أم إنضماماً كالصفات من العلم و الحلم و غيرهما ضاقت دائرة الوجود وقلت الافراد التي يكون قابلاً للانطباق عليها ضرورة أنّ المركب من وجودين كالماء والبرودة أقل فرداً في الخارج من الوجود الواحد ولذا قيل كلّما كثرت القيود عزّ الوجود، ففى كل واحدة من هذه المراحل يكون المعني الملحوظ قابلاً للانطباق على كل واحد من أفرادة وغير متأب عن شمولها و إن كان متأبيا عن شمول أفراد ما فوقه من العناوين التي هي أقل قيداً منه كعنوان حيوان ناطق بالنسبة إلى عنوان الحيوان، فانه وإن كان لا يتأبى عن شمول جميع أفراد الحيوان الناطق أى الانسان لكنه يتأبى عن شمول أفراد الحيوان، فان كان مفاد العنوان هو الجنس فافراده الانواع وإن كان هو النوع فأفراده الاصناف وإن كان هو ألصنف فأفراده الاشخاص، فالاطلاق الثبوتى الذى هو عدم التأبى عن الشمول والسريان متصوّر في جميع هذه المراحل هذه المراحل، أما الشخص فكونه جامعًا إنما هو من جهة أحواله كالقيام و القعود و ألمنام و غيرها و هو لا يأبى عن شمول جميع تلك الاحوال فالاطلاق الثبوتي متصورفيه أيضًا (فظهر) أن مناط الاطلاق ثبوتًا في شيئي إِنَّما هو وجود جامعية فيه إما من جهة الانواع أو الاصناف أو الافراد أو الحالات وكون ذلك الشئى غير متأبّ عن الشمول والشيوع لافراد جامعه فيصح تعريف المطلق الثبوتي بانه مادلّ على شايع في جنسه الذي يختلف باختلاف الموارد

ص: 387

فلاحاجة الى تأويل الجنس في تعريف المشهور بجعله بمعنى السنخ كما صنعه بعض الاعاظم (رَحمهُ اللّه).

هذا كله بحسب عالم الثبوت أما في عالم الاثبات أعني كون ما جعل موضوع الحكم في القضية مطلقاً (فحيث) أن تقدير الموضوع سعة وضيقاً بيد الحاكم فيلاحظ المعنى بماله من ألسريان الطبعي و عدم التأبى الذاتي و يجعله موضوعاً لحكمه أو يحصصه و يجعل حصة خاصة منه موضوع الحكم في القضية (فالسّريان) و الشيوع جزء للموضوع لا مقتضى ذاته كما فى المطلق الثبوتى ولذا لابد في مرحلة الاثبات أى الحكم في الاخذ بالاطلاق وعدمه من إحراز نحو لحاظ الحاكم ويمش ألحاجة إلي مقدمات الحكمة كما ظنوا (فالفرق) بين المطلق الثبوتي مع الاثباتي كون السريان و عدم التأبى مقتضى ذات الاول و ملحوظاً فى الثاني، و من هنا يمكن الصلح بين ألسلطان و المشهور بدعوى أنَّ نظر السلطان في جعل المطلق ما ليس فيه قيد إلى المطلق الثبوتي ونظر المشهور في جعل السريان جزء أله كما هو ظاهر توصيفه في كلامهم بمادل على شايع في جنسه إلى المطلق الاثباتي لان المدار في الاحكام الفقهية عليه فليس في البين نزاع حقيقى أصلاً، كما ظهر مما ذكرنا أنه لاتجوز في التقييد إذ كل من الاطلاق والقيد مدلول دليل عليحدة فلا تجوز في لفظ المطلق كالرقبة في قولك أعتق رقبة مؤمنة لانه أستعمل في معناه الموضوع له أعنى نفس الطبيعة بما هي ولا في لفظ القيد كالمؤمنة لانه أيضا مستعمل في معناه الموضوع له غاية الامر من تصادق المعنيين و تطبيق الثاني على ألاول يحصل تقيد الطبيعة بذلك القيد.

فصل قد عرفت أنَّ الاطلاق الثبوتى هو قابلية الشيئى ذاتاً للسريان بمعنى عدم التأبى عن إلتحاق كل قيد وجودى به من حيث الانواع إذا كان المطلق جنسًا أو من حيث الاصناف إذا كان المطلق نوعاً أو من حيث الافراد إذا كان المطلق صنفاً أو من حيث الاحوال إذا كان المطلق فرداً، و الاطلاق الاثباتي هو لحاظ ألسريان الذاتى فى الشيئى فالشريان جزء للمطلق الاثباتى على نحو اللحاظ دون الثبوتي كما حققه السلطان قدَّس سرّه، فالمطلق الثبوتي لا بشرط مقسمى والاثباتي لا بشرط

ص: 388

قسمى، و لمّا كان المدار في الاحكام الفقهية على المطلق الاثباتى اخد السِّريان جزءاً له في تعريف المشهور فلانزاع بين السّلطان مع المشهور أصلاً، فهل الاخذ بالاطلاق الثبوتى فى مرحلة الاثبات موقوف على جريان مقدمات الحكمة أم لا؟. المشهور هو الاول على إختلافهم في تعداد مقدمات الحكمة و أنها ثلاثة، كما يظهر من جماعة أو إثنتان كما يظهر من بعضهم أو واحدة كما يظهر من ثالث، و في مصاديق المقدمات، فظاهر صاحب الكفايه (قدّس سِرُّه) وجماعة من تلامذته أنها ثلاثة أوليها كون المتكلم فى مقام بيان تمام المراد ثانيتها عدم ورود قيد من قبله ثالثتها عدم وجود قدر متيقن في مقام التخاطب، و ظاهر بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) أنها ثلاثة أوليها قابلية ألشيئى للانقسام إلى كل قيد مما ربما ينضم إليه فلو لم يكن الشيئي قابلاً للانقسام إلى قيد كانقسام الامر إلى قصد إمتثاله فانه في طول تحقق الامر فلا يعقل إنقسام الامر الي وجوده وعدمه فلايكون قابلا للاطلاق من جهته أيضاً، ثانيتها كون المتكلم فى مقام البيان من الجهة التى نريد الاخذ بالاطلاق فيها ثالثتها عدم وصول قيد من قبله، أما كون عدم القدر الميتقن من مقدمات الحكمة فمدفوع بوجود القدر الميتقن لجميع الخطابات، وظاهر جماعة أنها إثنتان أو ليهما كون المتكلم فى مقام البيان ثانيتها عدم ورود قيد إذا لقدر المتيقن إن كان بحيث يصلح قرينة على التقييد فلاحاجة إلي المقدمة الثانية وإلا فلا حاجة إلى الثالثة. و ظاهر بعضهم إنهاء المقدمات إلى واحدة هي كون المتكلم في مقام البيان إذمع وجود القيد لاموضوع للاطلاق حتى نتكلم في شرطه.

ثم القائلون بتثليث المقدمات على النحو الاوّل كصاحب الكفاية و من تبعه من تلامذته قدس أسرارهم ذكروا فى بيان لزوم المقدمات ماحاصله حسب ما يظهر من الجميع مع دفع ايراد بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) من قبل بعض تلامذة صاحب الكفاية بتحرير منا، أن مع انتفاء المقدمة الاولى يكون المتكلم بصدد بيان أصل التشريع کوجوب الصلاة أو سائر الواجبات أو المحرمات مثلاً لا بصدد بيان خصوصیات المكلف به وأحكامه فالاطلاق من جهتها لا يخل بغرضه لانه في الحقيقة إهمال من تلك الجهة لا إطلاق كي يمكن الاخذ به، و مع إنتفاء المقدمة الثانية تكون

ص: 389

القرينة الدالة علي القيد (حالية كما في جئنى بماء حال إرادة الشرب الكاشفة عن إرادة ألحلو من الماء أو في حال إرادة التوضى الكاشفة عن إرادة الماء المطلق دون المضاف، أو مقالية كما فى جثنى بماء بارد) بياناً لتمام المراد فلا إخلال بالغرض، و مع انتفاء الثالثة بأن يكون هناك قدر ميتقن في مقام التخاطب يكون ذلك تمام مراد المتكلم لا إخلال بالغرض أيضاً لانّ ما هو القدر المتيقن بالحمل الشايع أى الحصة الخاصة الخارجية من الطبيعة كحصة لحم الغنم في إشتر اللحم إذا كان تمام المراد واقعاً في عالم الموضوعية للحكم كوجوب الشراء فللمخاطب أن يأخذ بذلك في عالم التخاطب وجعل اللفظ كاشفًا عن مراد المتكلم ومعه يحصل تمام غرض المتكلم فيصح له ألاعتماد على ذلك فى عالم التخاطب و جعل اللفظ مرآة لمراده الواقعى حسب ما أخذ في موضوع حكمه النفس الامرى، أما القدر المتيقن بالحمل ألاولى أى العنوان كعنوان لحم الغنم في لمثال فهو و إن لم يكن موجوداً ضرورة عدم وقوعه فى لسان دليل حالي أو مقالى إلا أن القدر المتيقن بالحمل ألشايع يستلزمه إذ هو بمنزلة تقييد موضوع الخطاب بذلك العنوان في نظر العرف (فتوهم) أنَّ القدر الميتقن موجود بالنسبة إلى جل الخطابات أو كلها فلاوجه لجعل عدمه من مقدمات الحكمة (مدفوع) بأن ذلك بحسب المراد اللبتى لا مقام التخاطب حسب ظاهر اللفظ بمعونة ما في الخارج المتداول بين أهل المحاورة، ففرق واضح بين القدر ألميتقن المرادى إذ هو كما ذكره المستشكل موجود غالباً أو دائماً وبين القدر المتيقن في مقام التخاطب فليس بتلك المثابة فعدمه من مقدمات الحكمة، هذا محرّر ما يستفاد من مجموع كلماتهم قدس اللّه أسرارهم.

لكن التحقيق هو الثانى وأن الاخذ بالاطلاق الثبوتي في مرحلة الاثبات ليس له شرط و لا يتوقف علي شيئى من تلك المقدمات (بيان ذلك) أن ثانية المقدمات التي جعلها بعض الاساطين ثالثتها، أعني عدم القيد إنما هو من مقومات الموضوع أى المطلق الثبوتى لان عدم التأبى عن لحوق أى قيدِ من علل قوامه كما عرفت فكيف جعله من شرائط الحكم أى الاخذ بالاطلاق في مرحلة الاثبات الذى هو في طول المطلق الثبوتى فرتبتهما رتبة الحكم بالقياس إلى موضوعه فهل يكون جعل

ص: 390

عدم القيد من شرائط الاخذ بالاطلاق الأمن قبيل جعل ماهو من علل قوام الموضوع شرطاً للحكم ، فهو في قوة أن يقال شرط الاخذ باطلاق شيئي كالماء في جئنى بالماء كون ذلك الشيئي مطلقاً فهل يرتاب أحد من أهل المحاورة في عدم إمكان الاخذ بالاطلاق عند وجود القيد وأنَّ الماء ألماً خوذ موضوعًا للحكم في جئنى بماء بارد ليس له إطلاق من جهة البارد وغيره حتى يبقى مجال لجعل عدم القيد من شرائط وجود الاطلاق الاثباتى أى ألسريان فيما جعل موضوعا للحكم في لسان الدليل (وبالجملة) إرتفاع المقابل أى الاطلاق الذى هو عبارة عندهم عن عدم القيد بوجود مقابله أتى القيد أمر قهرى فلا يعقل توقف وجوده على عدم مقابله فحديث شرطية عدم القيد لوجود الاطلاق الاثباتي حديث شعرى، و من ذلك ظهر حال ما جعله بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) أولى مقدمات الحكمة أعنى قابلية المطلق للانقسام إلى وجود القيد و عدمه إذ القابلية لذلك أمر ذاتى للمطلق فلا معني لجعله من شرائط الاخذ بالاطلاق.

وأماً ثالثة المقدمات علي مذاق صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) ومن حذا حذوه أى القدر الميتقن بمعناه الذى عرفت عند تحرير مرادهم فلا يخلو إما يكون بمثابة يوجب إنصراف اللفظ من أول الامر إلى خصوصه فاللفظ متقيّد لا مطلق أو يكون بمثابة يوجب صرف وجهة اللفظ إليه فهو مقيد لا مطلق، و أيا ما كان فعدمه في حكم عدم القيد من جهة الدخل في قوام الموضوع لا كونه شرطاً لوجود الحكم فالاطلاق مع وجوده سالبة بانتفاء الموضوع لا أن شرطه مفقود، أو يكون بمثابة لا يوجب صرفاً ولا إنصرافاً فوجوده لا ينافي ألا طلاق الاثباتى أصلاً بل الاطلاق منعقد قهراً، ومجرد إمكان أخذ المخاطب بذلك القدر الميتقن الذى هو تمام المراد واقعاً فى عالم موضوع الحكم لا يصحِّح إلقاء المطلق وإعتماد المتكلم عليه في عالم التخاطب بعد إمكان أخذه بغير القدر الميتقن من حصص الطبيعي و عدم ملزم له على الاخذ بخصوصه، و معلوم أن أخذه بغيره مخل بالغرض فالاطلاق مع وجود هذا القدر الميتقن مخلّ بالغرض الا أن يدعى لزوم أخذ المخاطب بخصوصه في صورة وجوده لابغيره لكن الدعوى مصادرة محضة لم يقم عليها برهان، بل ستعرف أنّ حكمة الاطلاق لا تنحصر

ص: 391

في عدم الاخلال بالغرض، فشرطية عدم القدر الميتقن في مقام التخاطب للاطلاق الاثباتى أيضا عربةً عن الشاهد (إلّا أن يوجّه) ذلك بأن الاخلال بالغرض قبيح للعاقل، مستحيل للحكيم فاذا كان المتكلم في مقام بيان تمام المراد وكانت حصة من طبيعي المعنى متيقنة من الخطاب الملقي في عالم التخاطب لاجل حال كما لوسئل المولى عن إكرام طائفة يعلم المخاطب أنهم من العلماء فقال أكرم العلماء أو نحو ذلك، فحيث لا يصح ألتعدى عن هذا القدر الميتقن من الخطاب إلى القدر المشكوك لدى أهل المحاورة فلو إنطبق تمام مراد المتكلم واقعاً على القدر الميتقن خارجًا لم يكن الاطلاق مخلّا بغرضه لانه بمنزلة إجمال ألنص من هذه الجهة فلا يصح للمخاطب الاخذ بالاطلان، أما إذا لم يكن هناك قدر ميتقن فالاطلاق يخلّ بالغرض لو كان تمام المراد حصة من المعنى، فاستحالة الاخلال بالغرض أو قبحه دليل على صحة الاخذ بالاطلاق مع عدم القدر ألميتقن في مقام التخاطب و عدم صحته مع وجوده، فكون عدم القدر المتيقن من مقدمات الحكمة و شرائط الاخذ بالاطلاق موافق للعقل والبرهان (لكن التّوجيه) غير صالح لاثبات المدعى بل إثبات الاطلاق بواسطة الاخلال بالغرض دورى ضرورة توقف الاخلال على وجود الاطلاق وهو موقوف على عدم القدر المتيقن حسب الفرض فلو توقف ثبوت الاطلاق علي وجود الاخلال من ناحية عدم القدر المتيقن لزم ألدور (فان قلت) وجود الاطلاق يتوقف على وجود الاخلال لكن عدمه لا يتوقف على عدمه كي يستلزم الدور لان الاطلاق الذي هو ألسريان أمر وجودى يحتاج إلى علةٍ في الحدوث فعدمه مستند إلى عدم المقتضى لاجل صحة الاخذ بالقدر المتيقن لدى أهل المحاورة، فوجود القدر المتيقن مانع عن ألاخلال الكاشف عن الاطلاق (قلت) كلّا الا محيص عن الدورلان منشأ صحة الاخذ بالقدر المتيقن إثباتاً كما هو محل الكلام و عدم صحة ألتعدى عنه لدى أهل المحاورة ليس إلا لزوم الاخلال بالغرض مع إرادة الاطلاق، فالمقتضى للاطلاق الذي يستند عدم الاطلاق إلى عدمه بالأخرة عبارة عن نفس الاخلال فالدور بحاله.

و أمّا أولى المقدمات التي جعلها بعض الاساطين ثانيتها أعني كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد فلايخلو إما أن يراد به الاصل المقامي الذي عليه بناء أهل

ص: 392

المحاورة لدى التكلم بالالفاظ وهو كونهم بصدد تفهيم مداليل الالفاظ و مفاهيمها الثابتة لها عندهم، أو يراد به أمر زائد على ذلك هو كون المتكلم علاوة عن ذلك بصدد بیان حد المداليل سعة وضيقاً أيضاً، ظاهرُ كلمات القوم هو الثانى (وما يمكن) أن يقرّب به لزوم ذلك في الاخذ بالاطلاق أنَّ المتكلم وإن لم يكن له بد من أن يقصد بالقاء اللفظ تفهيم مدلوله فلا يكون بصدد الهزل أو التمثيل كما في الامثلة النحوية، فمراده من قوله جئني بالماء هو الاتيان بالماء حقيقة، إلّا أنَّ مدلول اللفظ المقصود تفهيمه كحقيقة الماء لما كانت قابلة لعروض خصوصيات مختلفة عليها كالبرودة والحرارة والحلاوة والحموضة ونحوها من الطوارى ومعلوم أنَّ الطبيعة لا تقع معروضة لحكم حالكونها مهملة، فلابد من إحراز كون المتكلم فى مقام بيان حد المدلول أيضاً وأنَّ موضوع حكمه محدود بأي واحدٍ من الحدود المنصورة للمدلول حتى يمكن الاخذ باطلاق الكلام من تلك الجهة، ولذا قد لا يكون للكلام إطلاق من الجهة الثانية أعنى حد المدلول مع كونه مطلقاً من الجهة الاولى أى الاصل المقامى كما في قوله تعالى : وكلوا مما أمسكن عليكم : فانّه تعالي في الآية و إن كان بصدد تفهيم أصل المدلول و هو حلية أكل ما أخذه ألكلب المعلم لكن لا إطلاق لها مع ذلك من جهة حدّ الحلية وأنها تشمل موضع ملاقاة فم الكلب مع الصيد أم لا، و لذا شاع في الالسن فى أمثاله أن الكلام مسوق لبيان حكم آخر. (ويدفعه) أنَّ ألجهة الاولى تستلزم الثانية لان كل لفظ موضوع لنفس طبيعة المعنى كما تقدم فالمتكلم ألذى هو بمقتضى بناء أهل المحاورة يكون بصدد تفهيم مدلول اللفظ للمخاطب إذا أخذ اللفظ بالاطلاق أى بلا إنضمام قيدٍ إليه في كلامه موضوعاً فالكاشف عن مراده الذي يكون بصدد تفهيمه هو اللفظ بمدلوله العام أى الطبيعة بما لها من الافراد الخارجية (وتوهم) إستلزام ذلك وقوع الطبيعة مهملة موضوعاً للحكم (مدفوع) بما حققناه سابقاً من أن ألماخوذ في موضوع الاحكام هو أللا بشرط القسمي أعني طبيعة المعنى ملحوظة لدى المتكلم بمالها من التعين الذاتي و ألسريان الطبعي، لان محل الكلام إنَّما هو الاطلاق الاثباتي الذي يكون عبارة عن لحاظ ألسريان الذاتى للمعنى في عالم جعله موضوعاً للحكم (و توهم)

ص: 393

أنّ لحاظ ألسريان من قبل المتكلم ممّا لا بدّ منه في هذا الاطلاق حسب إعترافك فلابدّ من إحراز ذلك اللحاظ باحراز كون المتكلم في مقام بيان حد المدلول (مدفوع) بأن نفس عدم إنضمام القيد كاف للكشف عن ذلك اللحاظ بناءاً على الحق عندنابل وعند جماعة من الاصوليين من كون التقييد من قبيل تعدّد الدال والمدلول ولذا لا يكون مجازاً، فانضمام القيد إنما يوجب تضييق دائرة الاطلاق فمع عدمه يكون الاطلاق طبعياً بلا حاجة إلى مقدمة و شرط كاحراز ألكون فى مقام البيان (و بالجملة) فالاطلاق مساوق مع وحدة الدال و التقييد مساوق مع تعدده فأين توقف الاخذ بالاطلاق على جريان مقدمات الحكمة، فالعجب ممن يعترف بكون التقييد من قبيل تعدّد الدال والمدلول و مع ذلك يقول بتوقف الاخذ بالاطلاق على جرى تلك المقدمات التي منها كون المتكلم فى مقام بيان تمام المراد، أما ما يتوهم كونه كاشفاً عن الحاجة إلى هذه المقدمة أعني إحراز الكون في مقام البيان من التفكيك بين الجهتين فى بعض الموارد كما في كلوا ممّا أمسكن عليكم فيدفعه أن الكلام فى مثله سوق لبيان مدلوله الالتزامى دون المطابقي فطبعاً لا ينعقد له إطلاق من جهة المدلول المطابقى، و لذا يؤخذ باطلاقه من جهة الحكم الالتزامى الذي سيق لبيانه فالآية مثلاً مسوقة لبيان أنَّ ما يأخذه ألكلب يكون من الصيد فالمعنى في أمثالها عبرى للاشارة إلى لازمه فهو خارج عمّا نحن بصدده.

و ينبغي التنبيه على أمور ظهر أكثرها مما تقدم (الاول) أنّك عرفت فيما تقدم أن المعنى الموضوع له اللفظ هو اللا بشرط المقسمى أى الطبيعة بماهى وهو المطلق الثبوتى الذى لابد أن يلاحظ في موضوعات الاحكام، كما عرفت أن المأخوذ في موضوع الاحكام هو اللابشرط القسمی المطلق الاثباتي الذى أخذ فيه لحاظ السريان الذاتى للمعنى من جهة التطبيق على الخارج، فاعلم أنه لامنافاة بين ذلك كله و بين ما ذكرناه أخيراً من عدم الحاجة في الاخذ بالاطلاق الاثباتي إلى ما عدا الاصل المقامى المتداول بين أهل المحاورة في خطاباتهم من كون المتكلم في مقام تفهيم مقصوده بلفظه ألصادر منه، و ذلك لان كل حاكم لابدّ أن يلاحظ في ذهنه أولاً حقيقة الشيئي الذي يريد أن يحكم عليه بحكم كالماء وفي هذه المرحلة

ص: 394

لا يكون عدا الطبيعة بما هي، ثم يلاحظ انطباق تلك الطبيعة على أفرادها الخارجية على نحو فناء العنوان في المعنون وهذا اللحاظ هو الذى يخرج الطبيعة عن الاهمال النفس الامرى المحال ويصيّر اللا بشرط المقسمى قسمياً، ثم يجعل تلك الطبيعة السارية ذاتاً فى أفرادها معروضة لما شاء من الاحكام من غير فرق بين الطبايع الايجادية التى جعلت موضوعة للحكم بلحاظ حال تلبسها بالوجود من قبل المخاطب ولذا يقتضى الامر بها لزوم ايجادها فى الخارج كما في التكليفيات نظير جثنى بالماء أو أقم الصلاة، وبين الطبائع الوجودية التى جعلت موضوعة للحكم بعد فرض تلبسها بالوجود خارجاً ولذا يقتضى الامر بها إمضائها كما فى الوضعيات نظير أحل اللّه ألبيع فمفاده الترخيص الامضائى فيما وجد من تلك الطبيعة في الخارج، فاذا كانت المرحلتان، مرحلة لحاظ طبيعة المعنى بما هي ومرحلة لحاظ إنطباقها على أفرادها الخارجية على نحو فناء العنوان في المعنون متقدمتين على المعروضية للحكم وكانت رتبة الحكم في طولهما، فاللفظ الصادر عن المتكلم في مقام تفهيم المقصود يكون بحقيقته السارية طبعاً فى أفرادها الخارجية كاشفاً لامحالة عن مراده بلاحاجة إلى إحراز مقام آخر من البيان هو كونه بصدد بيان حد المدلول من جهة الافراد، فالاخذ بالاطلاق الاثباتى إنما يتوقف على صدور اللفظ عن الحكيم أعنى غير المجازف لا علي جريان مقدمات الحكمة، وهذه الحكمة أعنى صدور اللفظ عن الحكيم ومن يكون في مقام التفهيم لا تختص بالاخذ بأصالة الاطلاق بل تعم الاخذ بأصالة الحقيقة قبال ألمجاز و نحوهما من الاصول اللفظية، فكما لا حاجة فيها إلى أمر آخر وراء ما عليه بناءً أهل المحاورة من تفهيم مقاصدهم بسبب الالفاظ بمداليلها فكذلك في الاخذ بالاطلاق، وإن شئت قلت إن حال الاعراض الاعتبارية أى الاحكام الثابتة لموضوعاتها حال الاعراض الخارجية فكما أن تلك الاعراض منها ما يكون عرضاً للمهية بما هى أي المعقول الثانى كالزوجية للاربعة و منها ما يكون عرضاً للمهية بلحاظ وجوداتها الخارجية كالحلاوة والسواد والبياض للاشياء الخارجية، فكذلك الاحكام أعراض المهيات الموضوعات بلحاظ وجوداتها الخارجية بقسميها من الايجادية والوجودية.

ص: 395

(الثاني) قد تبين من مطاوى ما أسلفناه أن الاطلاق و الشريان مقتضي لفظ المطلق بنفسه من جهة وضعه للأبشرط المقسمى بلحاظ حكايته عن الافراد الخارجية فلايحتاج إلي عدم القيد بأن يكون للاطلاق سببان أحد هما لفظ المطلق أى ألدالّ ثانيهما عدم إنضمام القيد أى ألدالّ الآخر، أو يكون له سبب واحد مركب من جزئين لفظ المطلق و عدم إنضمام القيد، كما صرح بذلك الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) على ما في التقريرات من أن الاطلاق يتوقف على أمرين وجودى وعدمى، فكون عدم القيد شرطاً في ثبوت الاطلاق أمر غير محتاج إليه لدى أهل المحاورة بل هو مستحيل عقلا كيف و قد قررنا في محله أنَّ العدم بما هو عدم بأى نحو يتصور لتوغله في الابهام غير ممكن التأثير فيما هو من شأن الوجود إذ ألفاقد يستحيل أن يكون معطياً، فالاطلاق تنجيزى أبداً و ليس بتعليقي بأن يكون معلقاً على عدم بيان القيد كما هو لازم كل من قال بلزوم جرى مقدمات الحكمة في الاخذ بالاطلاق بل صريح كلام الشيخ الاعظم (فده) فى باب التعادل و الترجيح، حيث التزم بأن دليل القيد ولو كان في أعلى مراتب الضعف مقدَّم على دليل المطلق لان الاطلاق معلق على عدم القيد فدليل القيد وارد على دليل المطلق إذيرتفع موضوع الاطلاق بمجيئي القيد، و لذا يعبرون عن سريان العام الذى يقولون بوضعه للعموم بالاطلاق التنجيزى وعن سريان المطلق الذى يقولون بتوقفه علي مقدمات الحكمة بالاطلاق التعليقى و لدى تعارضهما يقدمون الاول علي الثاني، و ببركة ماقدمناه إنقدح أن الشريان فى المطلق تنجيزي فلا ترجيح لأحد هما على الآخر لا سيما بعد ماعرفت فى مبحث العام والخاص، عدم ثبوت وضع لشيئي من الالفاظ التي ادعى وضعها للعموم، و لذا نبهنا هناك على عدم الفرق بين العام والمطلق في ألحاجة إلى جري مقدمات الحكمة علي القول بلزومه فى المطلق و عدم الحاجة إليه في شيئى منهما على ما هو الحق ألذى عرفته هنا من عدم لزومه فى المطلق، كما إنفدح أن بمجيئي القيد لا يرتفع موضوع الاطلاق بل القيد إنَّما هو معارض مع المطلق في خصوص حصة منه.

بل قد انقدح من ذلك كله أمور (منها) أنّ إطلاق المعنى و سريانه ألطبعى

ص: 396

بالنسبة إلى جميع حصصه الخارجية ألذى هو لازم وضع لفظ المطلق بازاء اللا بشرط المقسمى بلحاظ ألحكاية عن الافراد الخارجية إنما هو مراد جدى للمتكلم بمقتضى كونه في مقام تفهيم المقصود بذلك اللفظ والتقييد مزاحم لذلك الاطلاق ومضيق لدائرته لا أنه مراده الاستعمالي و المقيد مراده الجدى الواقعى بكشف من القيد على ما يظهر من صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) كى يمكن التفكيك بين المرادين، كيف والقضية الواحدة لا تتكفل حكمين واقعى و ظاهرى بل المراد الاستعمالي بنفسه كاشف عن المراد الجدى الواقعي (و منها) أن مجيئى القيد لا يكشف عن أن المتكلم حين إلقاء لفظ المطلق لم يكن فى مقام بيان تمام المراد حتى يتوجه الاشكال بأنّ لازمه عدم انعقاد الاطلاق لذلك اللفظ من سائر الجهات، بل يكشف عن أن القيد أيضاً معروض لحكم المطلق فمجرد توافقهما في الحكم لا يوجب حمل المطلق على المقيد كما هو ظاهر القوم بل هما متعارضان فلابد من ملاحظة حالهما، فان كانت هناك قرينة حاليةً أو مقالية على كونهما من قبيل تعدد مراتب ألفضل كما إذا قال المولى أكرم العلماء ثم قال ألها شميين منهم أو قال المعتادين بصلاة الليل أو نحو ذلك من التعبيرات الكاشفة و لو بمعونة طرز التخاطب أو حاله عن إرادة أفضلبة هذه الحصة من حيث الموضوعية للحكم الثابت للمطلق حمل عليه، أو قامت القرينة على أن دليل القيد له نظر حكومي إلى المطلق قيد به وكان ذلك من قبيل تأخير البيان عن وقت الحاجة إذا فرض حضور وقت العمل بالمطلق قبل مجيئي القيد، و قد بينا في مبحث العام و الخاص أنه لا قبح في ذلك أصلاً إذا كان لاجل مصالح، كوجود المصلحة في العمل بالمطلق في ذلك الزمان أو كون المتكلم في تقية عن بيان القيد فيه كما هو الحال في جملة من الاخبار الصادرة عن الائمة الاطهار صلوات عليهم أجمعين أو كون بيان الاحكام مطلقاتها ومقيداتها تدريجياً بنفسه كما هو الحال في الاحكام الشرعية أو نحو ذلك من المصالح المنصورة للتأخبر، فاطلاق لفظ المطلق من سائر الجهات غير الجهة التي تضمنها القيد يكون بحاله صالحاً للتمسك به، كل ذالما عرفت من أن كون المتكلم فى مقام أصل التفهيم كاف لجعل مدلول لفظه بسريانه الطبعى كاشفاً عن مراده الجدى.

ص: 397

(و منها) أنَّ نفس الاطلاق المزبور الذى ينسبق إلى الذهن من لفظ المطلق هو ما قاله المتكلم و أراده من لفظه قما صدر عن بعض الاساطين (رَحمهُ اللّه) من تقسيم الدلالة إلى أنحاء ثلاثة تصورية هو المعنى الذى ينسبق إلى الذهن من اللفظ و تصديقية بمعنى ما قاله المتكلم و تصديقية بمعنى تطبيق ما قاله على ما أراده، و جعل القيد المتصل مانعاً عن الدلالة بالمعنى الثاني والمنفصل مانعاً عن بالمعنى الثالث (فاسد) لما عرفت من إتحاد المعنى الثاني أعنى ما قاله مع ألاول أى المعنى التصورى و كون ذلك بنفسه كاشفاً عن المراد، نعم تطبيق المراد المنكشف من اللفظ بمفهومه أللغوى على ما في الخارج من الافراد إنما هو بيد المخاطب أما التصديق بواقع المراد أى الاذعان المساوق للاعتقاد و ألجزم فهو خارج عن مدلول اللفظ، فتقسيم دلالة اللفظ إلي الاقسام المزبورة مما لا محصل له، و لا فرق بين القيد المتصل مع المنفصل من جهة أصل المعارضة مع مدلول المطلق غاية الامر أن المعارضة فى المتصل إنَّما هى بين المداول الافرادى للفظ المطلق مع المقيد و فى المنفصل بين المدلول الجملي للكلام المشتمل على المطلق مع المدلول الافرادى للقيد، كما أو ضحناه في مبحث العام و الخاص بالنسبة إلي المخصص المتصل و المنفصل فراجع، و أو ضحنا أيضاً أنَّ دع_وى التفكيك بين الحجية و الظهور و أن القيد إذا كان متصلاً يزاحم أصل الظهور وإذا كان منفصلاً يزاحم حجيته فالظهور بحاله والساقط هو الحجية فاسدة فكذا في المقام فلاوجه للتفكيك بل ألساقظ أبداً نفس الظهور.

(و منها) أنّ الاطلاق حيث لا يتوقف على شيئي من مقدمات الحكمة فهو مستند إلى ظهور اللفظ جزماً فاختلاف القوم في ذلك لاجل توقف الاخذ بالاطلاق عندهم على جرى مقدمات الحكمة في غير محله، حيث يظهر من بعضهم أنَّ الاطلاق خارج عن مقتضى ظهور اللفظ مستند إلى القطع بالمراد عقلاً إذ يلزم من إرادة المقيد مع تمامية مقدمات الحكمة نقض الغرض و هو مستحيل، و يظهر من آخر أنه خارج عن مقتضى ظهور اللفظ الا ان تمامية مقدمات الحكمة لا توجب القطع بالمراد بل تورث الظن المعتبر عرفاً بكون الاطلاق مراداً واقعاً، ويظهر من ثالث أن مقدمات

ص: 398

الحكمة توجب ظهور اللفظ في الاطلاق، فانقدح ببركة ما قدمناه كة ما قدمناه عدم الحاجة إلى شيئى من هذه التمحلات وأنَّ اللفظ الصادر عن المتكلم في تفهيم المقصود بنفسه و بانفراده ظاهر في الاطلاق.

ثم إِنَّ القائلين بتوقف الاطلاق علي جرى مقدمات الحكمة تصدوا للجواب عن إشكال أنَّ مجيئى القيد يكشف عن عدم كون المتكلم حين إلقاء لفظ ألمطاق في مقام بيان تمام المراد و لازمه عدم إنعقاد الاطلاق للفظ من سائر ألجهات غير ما تضمنه القيد، فأجاب الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) على ما في التقريرات بأنه لا منافاة بين عدم الاطلاق من جهة مع الاطلاق من سائر ألجهات، لكن ناقش فيه جل من تأخر عنه بمنافاة ذلك مع مفروض هذا المبنى من أنَّ المتكلم بسبب ذلك اللفظ ليس في مقام بيان تمام المراد من أول الامر بكشف أنى من ناحية مجيئي القيد، و أجاب صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) بعدم كون الاطلاق مراداً جدياً بل مراداً إستعمالياً على نحو ضرب القانون و القاعدة وليس تأخير البيان في المقام من قبيل تأخير البيان عن وقت الحاجة، لكنك عرفت سابقاً فساد التفكيك بين المرادين الاستعمالي والجدى و أنَّ القضية الواحدة لا تتكفل حکمین واقعی و ظاهرى بل المراد الاستعمالي بنفسه كاشف عن المراد الجدى و أن تأخير البيان في المقام هو التأخير عن وقت الحاجة الذى ليس بقبيح، فالتفكيك بين المرادين إقتراح من خريت الصناعة صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه).

(الثالث) قد تبين مما أسلفناه أنه يكفى في الاطلاق ما يقتضيه بناء أهل المحاورة في خطاباتهم من كون المتكلم فى مقام تفهیم مراده بلفظه دون الهزل أو الكناية عن معنى آخر، فيجعل ما هو الظاهر من اللفظ بسريانه الطبعي كاشفاً عن المراد الجدى الواقعى بلاحاجة إلى جرى مقدمات الحكمة، فضلاً عن جعل الاصل المحاورى المزبور كاشفاً عن الكاشف أي الكون فى مقام بيان تمام المراد ألذى هو كاشف عن الاطلاق كما هو الظاهر من مجموع كلام صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) ولا أقل من كونه محتمل كلامه، فانه بعد ذكر أن مقدمات الحكمة توجب العلم وحصول القطع بمراد المتكلم أى الاطلاق تصدى لبيان ضابط مورد شك في ذلك و لم يمكن

ص: 399

إحراز المقدمات فالتزم بأن بناء أهل المحاورة على الاخذ بالاطلاق لدى عدم إحراز كون المتكلم فى مقام بيان تمام المراد كاشف عن ألكون في مقام البيان، لكنك ببركة ما أسلفناه عرفت أنه ليس لا هل المحاورة عذابناء واحد هو ألكون في مقام تفهيم المراد باللفظ فهو بنفسه كاشف عن الاطلاق بلاحاجة إلى توسيط شيئي ما آخر كي ينتج لزوم جرى المقدمات، كما أنَّ ببركة ذلك تبين أن جعل مقدمات الحكمة سبباً للقطع بالاطلاق خارجاً تارةً و للظن به أخرى و لظهور اللفظ في الاطلاق ثالثة كما صدر عن القوم غير محتاج إليه، بل ألسبب الوحيد الذى يقتضى ظهور اللفظ في الاطلاق هو الاصل المحاورى من كون المتكلم بسبب لفظه الواحد بماله من المعنى السارى بالطبع فى مقام تفهيم مراده الواقعي، فاللفظ بنفسه ظاهر في الاطلاق لكن لامستنداً إلى الوضع بل إلى الاصل المزبور فهو نظير الفعل من جهة الاجمال والقصور الذى يوجب ضعف الدلالة، و لذا يكون ظهور المقيد الذى هو أقوى لاستناده إلى الوضع مقدماً على ظهور المطلق ولو كان في حد نفسه أضعف من ظهور المطلق

(فلا يقال) بين مبانيك هذه تهافت بين حيث بنيت علي أن الاطلاق لا يتوقف على مقدمات الحكمة بل هو تنجيزى كظهور المقيد فى التقييد و بنيت على أن القيد معارض مع الاطلاق في عالى الكشف عن المراد و إدعيت هنا أن ظهور المقيّد ولو كان أضعف مقدم على ظهور المطلق ولو كان أقوى و أن ظهور المقيّد بما هو يكون أقوى من ظهور المطلق فكيف التوفيق (لانه يقال) كلّا الاتهافت بين هذه المباني أصلاً لان ظهور لفظ المطلق في الاطلاق لم يكن بمقتضي الوضع بل بمقتضى تطبيق مفهوم لفظ واحدٍ في عرف المحاورة على أفراد خارجية يصدق عليها ذلك المفهوم ، فهذا التطبيق أصل محاورى بمنزلة تطبيق فعل ذى وجوه صادر عن المتكلم فى مقام تفهيم المراد كالاشارة باليد و نحوها على جميع وجوهه التي يقبل الانطباق عليها، فكما أنه إذا كان هناك قول كاشف عن وجه خاص من وجوه الفعل دال على أنه المراد منه لا يبقى مجال ريب لاحد من أهل المحاورة في تقديمه على إطلاق الفعل تطبيقاً، فكذلك لفظ المقيد الدالّ بالوضع علي حصة من المطلق ولو

ص: 400

كان ضعيف الدلالة على الحصة يكون أقوى من الاطلاق التطبيقي للمطلق، فهو مقدم عليه طبعاً بل ناظر إليه ومعين لمصبّ إطلاقه و بيان للمراد الواقعى منه وتأخيره غير مضر كما عرفت، فظهور المقيد في موارد حمل المطلق علي المقيد التي ستعرف شرائطه و خصوصياته لكونه أقوى حاكم على ظهور المطلق لاجل اقتضاء الوضع، لا لاجل تعليقية ظهور المطلق كما يظهر من الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) في مبحث التعادل والترجيح وعليه بنى ورود ظهور المقيد على المطلق و كونه سبباً لارتفاع موضوع الاطلاق لان ذلك فاسد كمالا يخفى، و لذا قد يتفق في بعض المقامات أن المطلق في قوة الظهور الاطلاقي يصير بمثابة يأبى عن التقييد و في مثله نقول بانعكاس الحكومة وهو تقدم ظهور المطلق على ظهور المقيد مع أنه على القول بالورود لا يبقى مجال لذلك أصلاً (فظهر) كمال التلائم بين عدم الحاجة إلي مقدمات الحكمة في الاخذ بالاطلاق بمعنى تنجيزية الاطلاق والتعارض الطبعي بين ظهورى المطلق و المقيد و بين تقديم ظهور المقيد على ظهور المطلق في موارد حمل المطلق على المقيد بماله من الخصوصيات كاحراز وحدة التكليف ونحو ذلك و أن المقيد له نظر حكومي طبعي إلى المطلق من جهة تعيين مصبّ الاطلاق فيه.

(الرابع) قد إنقدح مما تقدم أنَّ القيد معارض مع الاطلاق فمعنى معارضته كونه مانعاً عن ألسريان الطبعى للمطلق من جهة تعيين مصبّه، فان كان هناك لفظ دال على القيد كالمؤمنة لقوله أعتق رقبة، كان هو الكاشف عن الجهة المانعة وألمعين لمصب إطلاق المطلق و إن كانت هناك قرينة حالية توجب صرف الاطلاق إلى حصة خاصة كان هو الكاشف عن ألمنع والمعين للمصبّ، بلا إستلزام ذلك التجوز في لفظ المطلق ضرورة إستعماله أبدأ فيما وضع ل_ه أى المعني القابل للسريان وجعل المعنى على نحو أللا بشرط ألقسمى أى الملحوظ فيه سريانه الطبعى موضوعاً للحكم في الكلام و كون هذا المعنى مع هذا اللفظ كاشفاً عن المراد الواقعي بمقتضى الاصل المحاورى، غاية الامر أن لفظ المقيد الموضوع لمعناه والمستعمل في ذلك على منحو ألمراتية للمراد أو القرينة الحالية إنما منعا عن اقتضاء الاصل المزبور،

ص: 401

فالسريان الاثباتى الذى هو مقتضي الاصل المحاورى إنما ارتفع بسبب التقييد بدليل لفظى أو قرينة حالية وهذا لاربط له بما وضع له لفظ المطلق، لا أن الشريان الطبعي الملحوظ بنحو اللابشرط القسمى فى معنى لفظ الرقبة مثلاً قد إنقلب عما هو عليه بذلك فليس معنى لفظ المطلق بعد ذلك قابلاً للشريان الطبعي أو ملحوظ فيه ذلك حتى يلزم التجوز في لفط المطلق، فعدم الاطلاق لذلك لا لا نتفاء مقدمات الحكمة كما يظهر من صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) كما أن عدم الاطلاق قد يكون لخلل في بعض الافراد من حيث الفردية يوجب قصور المطلق عن شموله ويسمّى في إصطلاحهم بالانصراف، فالعالم مثلاً هو الذي بيده قواعد خاصة لكنه لا يشمل النجار الذي بيده قواعد النجارة لخلل في فرديته لذلك عرفاً، فهذا الخلل ربما يكون حال وجود سائر أفراد المطلق ولا يكون حال فقدان أفراده ألكاملة كنداوة أليد الحاصلة من مس اللحية فى نداوة الوضوء التي هي شرط في المسح، فانّ نداوة الوضوء لدي العرف تنصرف عن الموجودة في غير اليد إذا كانت موجودة في أليد أيضاً أماً مع فقدانها وإنحصارها بما تحصل بمس اللحية مثلاً فلا تنصرف عنها، و كذا المسح بالكفّ في ألتيمم بالنسبة إلى باطن ألكفّ لدى وجوده و بالنسبة إلى ظاهره لدى عدمه، و ربما يكون في وقت دون وقت كما إذا قيل ألبس زيداً فانه ينصرف إلى اللباس الصوفى أو ألوبرى في الشتاء وإلى ألكتانى فى ألصيف ونعبّر عن هذه الافراد بالتنزلية، فاختلاف طبقات الافراد يوجب إختلاف التطبيقات في المطلق بلا إستلزام تجوز فيه ولا إستيجاب توقف الاطلاق على جرى المقدمات.

ثم إن كترة تطبيق المطلق على فرد خاص قد تصل حداً تصير لفظ المطلق قالباً لذلك الفرد و نعبر عنه بالوضع التعينى فانصار التطبيق على المطلق مهجوراً سمّى منقولاً كلفظ الدابة الذى وضع لمطلق ما يدبّ ثم طبق كثيراً على الحيوان حتى صار قالباً له و صار الأول مهجوراً، وإن لم يصل مهجور أبل يُطبق على كل منهما بالاستقلال سمّى مشتر كألفظياً كلفظ الصلاة الذى وضع للدعاء ثم استعمل كثيراً بين أهل اللغة في الحضور الخاص أى التّخضع اللّه تعالى بعمل جارحى أمر به في الشرايح قبل الاسلام و قبل اللغة العربيّة حتّى

ص: 402

صار لدى أهل اللغة قالباً لهذا المعنى فمشترك لفظى، ولذا قلنا مراراً أن لفظ الصلاة ليست له حقيقة شرعية أو متشرعية كسائر الفاظ العبادات غاية الامر إختلاف شرعنا مع الشرائع السابقة في بعض قيود الحضور الخاص الذي هو أحد معنييه قلة و كثرةً، فالوضع التعينى على ضربين منقول و مشترك لفظى أما المجاز المشهور فليس له معنى محصل لانَّ إفادة المعنى باللفظ لو إحتاجت إلي قرينة فهو مجاز وإلا فهو حقيقه على نحو ألتعين، فدعوى وجود واسطه بينهما تسمي بالمجاز المشهور مصادرة عرية عن الشاهد كتقسيم الانصراف إلى خطوری و بدویّ و مستقر وغير ذلك من الاقسام التي تصورها القوم للانصراف.

فصل إذا ورد مطلق و مقيد فهل يحمل المطلق على المقيد مطلقاً أولا يحمل كذلك أو يفصل بين الموارد فيه خلاف بين القوم، و التحقيق أنهما إما نافيان مثل لا تضرب العلماء و لا تضرب عدولَ العلماء أو مثبتان مثل أعتق رقبة و أعتق رقبة مؤمنة أو مختلفان مثل صلّ ولا تصل في وبرمالا يؤكل لحمه أو لا تهن العلماء وأهن فساق العلماء، فان كانا نافيين فلا موجب لتحكيم المقيد على المطلق بحمله على المقيد ضرورة كمال ألالف بين حكمين ثبت أحدهما للطبيعة كحرمة ضرب العلماء و الآخر لحصة منها كحرمة ضرب العدول منهم فان شدة إهتمام الحاكم بتلك الحصة في الموضوعية لذلك الحكم أو نحو ذلك من الوجوه المتصورة لتعدد الحكمين صارت سبب تخصيصها بالحكم، إلا أن تقوم قرينة خارجية على أن المقيد ناظر إلى المطلق و معين لمصبه فلذلك يحمل عليه المطلق، وإلا ففي حد أنفسهما حيث لا تنافي بينهما لا موجب للحمل فيهما، و إن كانا مختلفين فمقتضي القاعدة هو الحمل أعني تحكيم المقيد علي المطلق لان ظهور المقيد بالنسبة إلى الحصة المتضمن لها من الطبيعة أقوى من ظهور المطلق بالنسبة إلى تلك الحصة، لما أسلفناه من أنَّ الظهور الاطلاقي مستند إلى الاصل المقامي في عالم تطبيق مفهوم اللفظ علي المراد الواقعي و جعله كاشفاً عنه أما ظهور المقيد فمستند إلي اقتضاء وضع اللفظ للحصة إرادة خصوصها منه ومعلوم أن الظهور المستند إلى الوضع و لو كان في نفسه ضعيفاً يكون أقوى من الظهور التطبيقي المقامي و لو كان في حدّ

ص: 403

نفسه قوياً، و من هنا يعلم أن التصرف فى الظهور الاطلاقي المقامى للمادة أولي من التصرف في الظهور الهيئى للمقيد بالحمل على الكراهة إذا كان نافياً و كان المطلق مثبتاً أو علي الاستحباب إذا كانا بالعكس، لان ظهور الهيئة فى الالزام أقوى من ظهور المطلق في الاطلاق إذا لهيئة بنفسها تقع موضوعاً لحكم العقل بالوجوب في ألمثبت و بالحرمة في المنفى حيث حققنا فى محله أنَّ الوجوب و الحرمة كالاستحباب و ألكراهة عناوين تنتزع عن حكم العقل بلزوم الامتثال و عدمه عند وجود أمر مع عدم وصول رخصة في الترك أو وصولها أو عند وجود نهى مع عدم وصول رخصة في الفعل أو وصولها، نعم لو قامت قرينة خارجية على تعدد التكليف و عدم نظر المقيد إلى المطلق و لا تعيين مصبه منع ذلك عن الحمل.

وإن كانا مثبتين فتارة يحرز تعدد التكليف وأخرى لا يحرز التعدد ولا ألوحدة ثالثة يحرز الوحدة، أما في صورة إحراز التعدد نظير : من ظاهر يوم الخميس فعليه عتق رقبة : و: مَنْ ظاهَرَ يوم الجمعة فعليه عتق رقبة مؤمنة : فلاموجب للحمل بعد إمكان الاخذ بكلا الحكمين كما إذا تعدد مخاطب الحكمين أو كان موجب أحدهما غير الآخر فكما لا يرتاب أحد في عدم جواز الحمل فيهما فكذا مع وحدة المخاطب ضرورة إمكان تعدد موجب الحكمين واقعاً فلا موجب لرفع أليد عن ظهوري الدليلين في التعدد، و أما في صورة عدم إحراز التعدد أو الوحدة خارجاً أو من نفس الدليل فلم يتصل القيد بالمطلق نظير أعتق رقبة مؤمنة حتى يكون مصب التكليف المطلق حالكونه معروضاً للقيد إذ حينئذ يتحد التكليف ولابد من الحمل كما لا يخفي، فمع عدم إحراز شيء من التعدد والوحدة لا موجب لحمل المطلق على المقيد لانّ إمكان إمتثال المطلق خارجاً في ضمن المقيد لا يستلزم كونه مراد المتكلم واقعاً و لا ظهور اللفظ فيه وكشفه عنه إثباتاً فى عالم الدلالة على المراد، فتطبيق المطلق علي حصة خاصة هو المقيد يكون بلا موجب خطاباً كما هو واضح ملاكاً لا مكان إشتداد الملاك في المقيد كما إذا قال المولى اكس و لدي في ألشتاء وقال اكس ولدي بالصوف ففى مطلق الكسوه ملاك ألحفظ عن البرد لكنه فى الكسوة بالصوف أشد حيث يحصل التحفظ عن البرد بجميع مراتبه، فاذا أتي

ص: 404

العبد بالمطلق فقد إمتثل حصة من مطلوب المولى و أتى بمرتبة منه أما مع الحمل فلم يمتثل شيئاً أصلاً ألا ترى أنه لو كان للمولي عبدان أتى أحدهما بالمطلق و لم يأت به الآخر فليسا سواءاً في نظر العرف بل أحدهما عاص لأمر المولي بالمرة والآخر ممتثلاله بالمرتبة (نعم) يبقي شيئًى هو أن الامر المتعلق بالمقيد تأكيد بالنسبة إلى ذات المقيد حيث تعلق به الامر فى ضمن المطلق و تأسيس بالنسبة إلى القيد حيث لم يتعلق به أمر سابقاً (فربما يتوهم) منع ذلك عن عدم الحمل إذ لا يمكن التفكيك في ظهور أمر واحدٍ بين الجهتين فيقال بأنه تأكيدي في جزء من المتعلق و تأسيسي في جزئه الآخر فذلك كاشف عن وحدة التكليف و موجب للحمل و لا أقل من حمل الامر ألمتعلق بالمقيد علي مطلق الرجحان بالنسبة إلى أصل القيد (لكنه) فاسد إذ التأسيس و التأكيد ليسا من مدلول الامركي يستلزم ذلك تصرفاً في ظهور الامر ويمتنع التفكيك بين الجهتين وإنما هما ينتزعان عن الامر بلحاظ عدم تعلق أمر آخر بمتعلق هذا الامر وتعلقه به، وحيث يتعلق الغرض بنفس القيد كثيراً و لا جل إمتناع ايجاده مستقلاً لابد من الامر به في ضمن ألمقيد ولذا شاع هذا النحو من الامر بين أهل المحاورة فهذا ألنحو من التصرف أى الحمل علي التأكيد بالنسبة إلي ذات المقيد أهون لديهم من التصرف في ظاهر المطلق بالحمل على حصة خاصة منه هى المقيد أو فى ظاهر الامر بالمقيد بالحمل علي الاستحباب بالنسبة إلي القيد، فارتفع الاشكال بحذافيره.

وأما في صورة إحراز وحدة التكليف من الخارج كما إذا قال أعتق في كل يوم رقبة و قال أعتق في كل يوم رقبة مؤمنة و قسام الاجماع مثلاً على عدم وجوب عتق أزيد من رقبة واحدة في كل يوم، فاما أن يكون كل من المطلق والمقيد مجرد أ عن الشرط فلا يذكر لشئى منهما علة كما في لمثال أولا يكون كذلك كما إذا قال إن ظاهرت فاعتق رقبة وقال إن ظاهرت فاعتق رقبة مؤمنة، فقى القسم الاول (ربما يقال بأن العلم بوحدة التكليف مانع عن الاخذ بظهور الامر بالمقيد في الالزام على القيد فیقى ظهوره بالنسبة إلى رجحان القيد بحاله قابلاً للاخذ به فيحمل على مراتب ألفضل من جهة إشتداد الملاك بوجود القيد كالايمان لكن لا إلى حدّ الالزام للعلم بانه

ص: 405

ليس في البين عدا إلزام واحد، و يتضح إشتداد الملاك في مثل الامر بمطلق الكسوة في الشّتاء مع الامر بالكسوة بالصوف كما عرفت نظيره في الصورة السابقة (لكن التحقيق) خلاف ذلك إذ الوجوب والندب كما أسلفناه مراراً ليسا من مدلول هيئة الامر بل حكمان عقليان بلحاظ الامر المولوي و عدم وصول الرخصة في الترك أو وصولها، فالامر المولوى موضوع لحكم العقل بلزوم الخروج عن عهدته بايجاد متعلقه إلا مع مؤمن شرعى بالرخصة في الترك فيحكم بعدم لزوم الخروج عن عهدتة و يعبر في إصطلاح الاصوليين عن الاول بالوجوب و عن الثاني بالندب، فالامر بالمقيد في المقام موضوع لحكم العقل باللزوم و إطلاق المطلق بمجرده لا يصلح مؤمناً بعد كون المطلق قابلاً للحمل على المقيد بأن يراد منه ثبوتاً حصة خاصة موجودة في ضمن المقيد، إذ الاطلاق بنفسه أو مع العلم خارجاً بوحدة التكليف لا يكشف عن الرخصة في ترك القيد شرعاً بل جواز تركه إنما هو مسن الاستلزامات العقلية لاطلاق المطلق مع العلم بوحدة التكليف خارجاً، فان الاستلرامات العقلية أمور قهرية تحصل من ضم مقدمتين ففى المقام من ضم وحدة التكليف أى الالزام إلى إطلاق المطلق كاطلاق الرقبة للمؤمنة و الكافرة في أعتق رقبة يحصل قهراً بحكم العقل عدم إلزام بالنسبة إلى قيد الايمان في أعتق رقبة مؤمنة، لكن الاستلزام العقلى ثبوتًا لا يكشف عن المرخص الشرعي إثباتاً فالاطلاق لا يصلح بنفسه ولا بضميمة العلم بوحدة التكليف للكشف عن الترخيص الشرعي في ترك القيد الذى هو المؤمن من حكم العقل بلزوم الخروج عن عهدته بعد تعلق الامر بالمقيد.

و عليه فالامر يدور بين حمل المطلق على المقيد برفع اليد عن الاصل المقامى في تطبيق المطلق على المراد و بين حمل الامر بالمقيّد على الاستحباب في القيد برفع اليد عن حكم العقل بلزوم الخروج عن عهدة القيد الذي تعلق به الامر المولوى، و حيث عرفت أنّ الثاني موقوف على وجود مؤمِّن مفقود في المقام بخلاف رفع اليد عن الاصل المقامي في المطلق فهو موقوف علي وجود معارض أقوى من ذلك

ص: 406

الاصل كالظهور الوضعى للمقيد، فالدوران المزبور لايوجب إجمال الدليلين كي يرجع إلى الاصول العملية التى مقتضاها البرائة عن الزائد في المقام بل ألاول و هو حمل المطلق علي المقيد يكون أهون لدى أهل المحاورة بمعني أن لدليل المقيد نظراً إلي دليل المطلق عندهم فينعقد له الظهور في ذلك بعد الالتفات إلي ما ذكر فيتعين الحمل في نظرهم، وما ذكرناه من عدم صلاحية الاطلاق للكشف عن الرخصة الشرعية في ترك القيد هو السر فيما أسلفناه من أن ظهور الامر المتعلق بالمقيَّد في الوجوب أقوي من ظهور المطلق في الاطلاق، (و في القسم الثاني) أى الذي ذكر فيه السبب لابد من حمل المطلق علي المقيد بطريق أولى ضرورة زيادته عن القسم الأول الذى لم يذكر فيه السبب يلزوم التصرف في ظهورين مع عدم الحمل أحدهما ما عرفت من ظهور الامر بالمقيد في الوجوب بمعونة حكم العقل ثانيهما ظهور ألسبب المذكور للمقيد في كونه سببًا لحكم مجموع الذات وقيده كعتق الرقبة المؤمنة في لمثال المتقدم، إذ لو حملنا الامر في القيد على مطلق الرجحان أى الاستحباب كان ذلك ألسبب لا محالة سبب الوجوب الثابت على ذات المقيد كما في المطلق و كان لرجحان القيد سبب آخر، و مما قدمناه ظهر حكم صورة ذكر السبب لاحدهما فقط (فتلخّص) مما ذكرناه أن حمل المطلق على المقيد في المثبتين يدور مدار إحراز وحدة التكليف فمع وجوده لابد من الحمل مطلقاً و مع عدمه لابد من عدم الحمل مطلقاً.

و بعد ما أحطت خبراً بما ذكرناه لابأس بنقل بعض الكلمات إذ أشكل الامر على القوم فى حمل المطلق على المقيّد فى المثبتين فسلك كل فى ذلك مسلكاً، وأكثرها تفصيلاً ما يظهر من بعض أساطين مقاربي عصرنا (رَحمهُ اللّه) ببيان مقدمات ثلاث (حاصل) أو ليها أن ظهور القرينه حاكم على ظهور ذيها كما في رأيت أسداً يرمى فظهور يرمى في رمى النبل حاكم على ظهور أسد في الحيوان المفترس يوجب حمله علي الرجل الشجاع، ولا عكس بأن يكون ظهور أسد في الحيوان المفترس حاكماً على ظهور يرمى في رمي النبل يوجب حمله على رمى التراب المناسب مع الحيوان المفترس، لانَّ الشك في ظهور ذى القرينة كالاصد مسبّب عن الشك في ظهور القرينة كيرمى

ص: 407

فمع رفع الشك عنه بالاصل لا يبقى شك في ناحية ذى القرينة كي يجرى فيه الاصل، فالاصل ألجارى في ناحية القرينة حاكم علي الجارى في ناحية ذيها ولا عكس إذ الشك في ظهور القرينة لو كان مسببأ عن الشك في ظهور ذيها والمفروض أن الشك في ظهوره مسبّب عن الشك في ظهور القرينة لزم الدور (وفيه)مضافاً إلى عدم مقدّميّة هذه المقدمة للمسئلة أنَّ الشّكَ فى ظهور كل واحد من القرينة وذيها مسبب عن سبب ثالث غير هماهو عدم إمكان الجمع بين الظهور بن ضرورة حصول العلم لنا من ذلك بعدم كون أحد الظهورين مراداً و حيث لا ترجيح لأحدهما علي الآخر فلاسبية في البين أصلاً، ولوسلّم فسبية ظهور القرينة لظهور ذيها ليست بأولى من العكس فلا موجب لتحكيم ظهور القرينة على ظهور ذيها ما لم يحرز للقرينة نظر حكومى إلي ذيها لدي أهل المحاورة، بل الوجه في تحكيم ظهور القرينة كظهور الحال والفضلة وغيرها من ملحقات الكلام على ظهور ذى القرينة وذى ألحال و غيرهما من أركان الكلام علي ما يشهد به بناء أهل المحاورة و تصريح أهل الادب كنجم الائمة و غيره إنما هو كون ملحقات الكلام من توابعه وقيوده التي للمتكلم أن يلحق بكلامه ماشاء من تلك القيود، وليس للمخاطب الاخذ بالظهور الافرادى أو الجملى للكلام قبل إنتهائها، فلها عند أهل المحاورة نظر حكومي بالنسبة إلى أركان الكلام فلذا يقدّم ظهورها علي ظهور الاركان ويكون الاصل ألجارى فيها حاکما علیالاصل الجارى في الاركان.

و (حاصل) ثانيتهما أنه ليس لتميز القرينة عن ذيها ضابط كلى و إن كان مثل الحال و الفضلة من قبيلها بل و كذا الفعل المبدوبه الكلام نظير لا تضرب أحداً فاطلاق أحد يشمل الاحياء و الاموات لكن ظهور لا تضرب في الضرب المؤلم حاكم على الظهور الاطلاقي لاحد قرينة علي إرادة خصوص الاحياء منه، هذا في المتصل و أما المنفصل فان كان حين فرضه متصلاً كالمتصل في كونه قرينة صارفة لظهور ذيها فهو قرينة وإلا فلا (أقول) ما ذكره من عدم ضابط لتميز القرينة عن ذيها وإن كان حقًّا لكن مقدميته للمسئلة محل تأمل بل منع و (حاصل) ثالثتها أن حمل المطلق على المقيد إنَّما يصح مع وجود التنافي بينهما فبدونه لا وجه للحمل ووجود

ص: 408

التنافى الذى هو في طول وحدة التكليف موقوف علي إجتماع أمور ثلاثة (منها) كون متعلق كل واحد من المطلق والمقيد مرسلا غير معلق على شيئي كاعتق رقبة وأعتق رقبة مؤمنة، إذمع تعليق واحد من المتعلقين على شيئى كاعتق رقبة و إن ظاهرت فاعتق رقبة مؤمنة لاتنافي بينهما فلا يحرز وحدة التكليف ضرورة كمال التلائم بين الامر بعتق الرقبة مطلقاً من أى سبب كان و بين الامر بعتق حصة خاصة منها عند سبب خاص فلا موجب للحمل (ومنها) كون المطلوب فى كل واحد من المطلق والمقيد صرف الوجود بمعنى أول الوجود إذ مع كون المطلوب في أحدهما ثاني الوجود مثلاً لاتنا في فلا موجب للحمل (و منها) كون الطلب في كل واحد منهما الزامياً إذ مع كون أحد الطلبين أو كليهما غير إلزامي يرتفع التنافي، فبعد اجتماع هذه الشرائط الثلاثة لا بدَّ من الحمل ضرورة إمكان إمتثال المطلق في ضمن المقيد ممن غير عكس فمع ايجاد المقيد يحصل القطع بامتثال كلا الامرين بخلافه مع الاكتفاء بايجاد المطلق فلا يحصل العلم بامتثال شيئى منهما بعد إمكان كون المراد من المطلق واقعاً حصة خاصة منه (وفيه) ما أشرنا إليه فى طى بيان المختار من أن مجرد إمكان إمتثال المطلق خارجاً في ضمن ألمقيد لا يكشف عن كون المراد منه واقعافى عالم الثبوت هو المقيد ولا يوجب ظهور اللفظ في ذلك دلالة في عالم الاثبات، بل لابد من إحراز ألنظر الحكومى للمقيد بالنسبة إلى المطلق و بدونه لاموجب للحمل أصلاً.

ويظهر من تقريرات الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) وجه آخر لحمل المطلق على المقيّد فى المثبتين (حاصله) أنه يمكن الجمع بينهما عرفا بذلك و دعوى عدم إنحصار وجه الجمع في أاجمل ضرورة إمكان الجمع بينهما بحمل الامر في المقيد على أحد فردي الواجب التخييري أو على الاستحباب مدفوعة بأنّه لا معنى للتخيير بين الكلى والفرد شرعاً بعد تخيير المكلف عقلاً بين جميع أفراد الكلى ألواقع في حيز الامر، أما الاستحباب فيستلزم التصرف في ظاهر هيئة الامر بخلاف حمل المطلق على المقيد فهو تصرف في وجه من وجوه المعنى أى الاصل المقامى عند تطبيق معنى المطلق على المراد الذى يقتضى الاطلاق فهو أولى من حمل الامر بالمقيد على الاستحباب

ص: 409

و ناقش فيه صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) بما حاصله أن تقييد المطلق وحمله على المقيد أيضا تصرف فى المطلق بصرفه عن ظاهره المستند إلى مقدمات الحكمة في كون الاطلاق مراداً جدياً وحمله على المراد الاستعمالي حيث عرفت أنّ القيد يكشف عن هذا الاعن عدم ورود المطلق فى مقام البيان، و كما أن التصرف فى ظاهر الامر بالحمل علي الاستحباب لا يوجب التّجوّز لانّه يصير من أفضل أفراد الواجب ولا يصير مستحباً بعد وجود ملاك الوجوب في المطلق كذلك التّصرف في ظاهر المطلق بالحمل على المراد الاستعمالى دون الجدى لا يوجب التّجوّز فلا مرجح لأحد نحوى التّصرف على الآخر، نعم إنَّما يمكن حمل المطلق علي المقيد مع إحراز ورود المطلق في مقام البيان بسبب الاصل إذ رفع اليد عن هذا الاصل أولى من التصرف في ظاهر الامر بالمقيد بالحمل علي الأستحباب فافهم (لكنك) بعد الخبر بما قدَّمناه تعرف ما في كلا التقريبين أماً تقريب الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) فلما عرفت من أنَّ حمل المطلق على المقيد في المثبتين موقوف على إحراز وحدة التكليف من نفس الدليل أو من الخارج بتفصيل تقدم، و أماً تقريب صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) فلما عرفت من عدم صحة التفكيك بين مرادى الج_دى والاستعمالى و أنَّ إحراز الاطلاق أبداً يكون بالاصل المقامى، فلو فرض كون رفع اليد عن هذا الاصل أولى من حمل الامر بالمقيد على الاستحباب لوجب حمل المطلق على المقيّد مطلقاً لكن الاولوية مطلقاً غير ثابتة، و لعلّ إلى بعض ماذكرنا أشار بالامر بالتّأمل.

وحاصل ما يظهر من كلمات القوم في وجه حمل المطلق على المقيّد في المثبتين أن عدم الحمل يستلزم أحد أمور على سبيل منع ألخلو وكلها خلاف الظاهر فلا محيص عن الحمل (إمّا) التصرف في ظاهر الامر بالمقيد في ألوجوب بالحمل علي الاستحباب (وإمّا) التصرف فى ظاهره في وحدة المطلوب بالحمل علي تعداد مراتب المطلوب بمعنى أنّ القيد مطلوب إلزامى فى ضمن المطلق علاوة عن مطلوبية المطلق إلزاماً و هذا خلاف ظاهر الامر فلا يصاره اليه إلا بدليل (وإمّا) التّصرّف في ظاهره بالحمل على تعدد المطلوب بمعنى أن الطبيعة بما هي مطلوبة وحصتها الخاصّة أغنى مجموع القيد والمقيّد مطلوب آخر و هذا مع كونه خلاف ظاهر الامر بالمقيد في وحدة المطلوب

ص: 410

يستلزم إجتماع طلبين إلزاميين بالنسبة إلى الصرف الموجود في ضمن المقيد إذ المطلق بدلى هو السعى القابل للانطباق علي كل فرد فيتحقق بوجود فرد واحد و هو محال لاستلزامه إجتماع المثلين وهذا بخلاف المستحبات إذلا إلزام فيها بل قوامها بالرخصة فى الترك فلاتنافي بينهما فيمكن الحمل على مراتب ألفضل وقد قرر ذلك صاحب الكفايه (قدّس سِرُّه) من باب تفاوت الافراد بحسب مراتب المحبوبية أو من باب التسامح في أدلة السنن وقرره بعض المحققين (قدّس سِرُّه) فى تعليقة الكفاية بأنّ تعدّد مراتب الملاك ممكن في المستحبات دون الواجبات بمعنى أنه لا محذور في المستحب الملاكي بأن يكون كل واحد من المطلق والمقيَّد مستحباً بالاستقلال ويكون استحباب المطلق في طول المقيد لان قوام المستحب بالاذن في الترك فلا موجب لحمل المطلق على المقيد في المستحبات بل نأخذ بظاهر الدليلين في تعدد المطلوب وهذا بخلاف الواجبات لان الواجب الملاكي غير معقول بأن يكون المطلق في طول المقيد موضوعاً للا لزام إذ مع وجود الالزام للمقيد ألَّذى هو المرتبة العليا من الطبيعة لا يمكن الالزام نحو المطق الذى هو المرتبة الدنيا منها، لان مرجع الالزام نحو المطلق المجرد عن القيد إلى عدم إلزام نحو المشتمل على القيد فمع فرض وجود الالزام نحوه لا معنى للالزام نحو المطلق، فلا بد من حمل المطلق على المقيَّد فى الواجبات دون المستحبات، و جملة القول أنه لا موجب لرفع أليد عن ظهور الامر بالمقيد في الوجوب العينى التعييني فلابد من جعله للارشاد إلى تقييد المطلق.

ولكن لا يصلح شيئى مماذكر دليلاً على الحمل إذ عمدته لزوم اجتماع مثلين في محلّ واحد لاجل تعلّق بعثين بواسطة المطلق والمقيّد بالصرف الموجود فى ضمن المقيّد و هذا لا محذور فيه لانّ إستحالة إجتماع المثلين إنما هو فى الخارجيات، أمّا الاعتباريات كالبعث والزجر و سائر الاحكام الشرعية و غيرها من ألامور الاعتبارية فاجتماع جملة منها في محلّ واحد غير مستحيل لانها بيد المعتبر، نعم لابد من مصحّح للاعتبار حفظاً لاتساق الاعتبارات ويكفى مصحح الاعتبار بعثين في الصّرف في المقام ما أشرنا إليه سابقاً من أن الغرض المتعلق بالقيد لا يمكن إستيفائه بالاستقلال إذ لا يمكن ايجاده مستقلاً في الخارج بل لابّد من ايجاده في ضمن المقيَّد أي الصّرف،

ص: 411

فلذلك يتعلق البعث بمجموع القيد والمقيد مستقلاً قبال تعلقه بالصرف أى المطلق، كما يكفي مصححاً لذلك الاعتبار تأكد ألطلب الذى يموجب تأكّد داعى المكلف نحو الفعل كما هو الشأن في كلية موارد العمومات من وجه المتصادقة قهراً في مورد نظير أكرم العالم و أكرم العادل وأكرم الهاشميّ فيمن إجتمع فيه العناوين بالطّبع كالعالم العادل الهاشمي، فهل يجوز لأحد أن يتفوه بعدم صحة ذلك و أنّه يستلزم إجتماع الامثال في محلّ واحد كلا، أم هل يكون هناك مصحح لاعتبار أزيد من بعث واحد في إكرام مجمع تلك العناوين عدا التأكد حاشا، أما تصحيح حمل المطق على المفيد فى المستحبات من باب التّسامح كما تقدم من الكفاية فيدفعه أنَّ التسامح إنَّما هو في السند دون الدلالة فمع فرض نظر المقيد إلى المطلق في عالم الدلالة و كشفه عن كونه المستحب لا معنى لكشف استحباب المطلق من التسامح، و أما عدم تعقل الواجب الملاكي كما نقدم من بعض المحققين (قدّس سِرُّه) فيدفعه أنَّ الملاك الوحداني يمكن أن تكون له مراتب متعددة في الاشتداد ويكون ذلك الملاك في كل واحدة من تلك المراتب إلزامياً فيتحقق تعدد مراتب المطلوبيّة علي نحو الالزام في طبيعة واحدة وكلّ مرتبة تختصّ بحال، كما في الصلاة ضرورة إشتداد ملاكها الوحداني الالزامي بحسب مراتبها التنزليّة بلحاظ حالات المكلف من صلاة المختار إلى صلاة الغرقي والمهدوم عليهم فكل مرتبة واحدة للملاك الالزامي علي إختلاف امتداده الاشتدادى حتى تصل إلى المرتبة العليا الواجدة لتمام مراتب ذلك الملاك أى المشتد غاية الاشتداد كصلاة المختار، ولذا تقول بحكومة لاتعاد على أدلة ألاجزاء والشرائط حكومة تعميمية توجب تعدد مرتبة الطبيعة الصلاتية، كما أنّ ذلك لسان بعض أدلة الاعذار من تطبيق : قد أتممت : على مورد تحققّ الركوع والسجود إذ ظاهره تحقق حقيقة الصلاة بتحقق ألركوع والسجود، فلولا الاجماع في ألمسئلة الفقيهة لقلنا بمقضى القاعدة الاصولية بتحقق الصلاة وصحتها مع تحقق ألركوع والسجود لغير المعذور، فلا فرق بين الواجبات مع المستحبات من جهة إمكان إشتداد ملاك وحداني وكون تعدد مراتبه المختلفة بالشّدّة سبب تعدد مراتب المطلوبيّة فى طبيعة واحدة، فلا موجب للحمل مالم يحرز من الخارج أو من نفس الدليل وحدة التكليف و كون الامر

ص: 412

بالمقيد إرشاداً إلي تقييد المطلق.

ثم إعلم أن إستفادة الاستيعاب أو البدلية من أدلة الوضع والتحريم و أدلة الواحبات ليست مستندة إلى الحكمة بالمعنى المصطلح منها بل الاستيعاب في الوضع إنما يستفاد من كون دليل الامضاء ناظراً ولو بنحو القضية الحقيقية إلى الموضوعات بلحاظ وجودها أى فى طول وجودها، وهي ألتى عبرنا عنها سابقاً بالطبائع الوجودية و حيث أنّ الطبيعي سعى فالامضاء لاحق به بسعته، و أمّا في النهي فحيث أنّه ناظر إلي الرّدع عن الوجود و معلوم أن كل فرد يكون طارداً للعدم وألمفروض أنَّ الشارع بنهيه جعل الرّادع التشريعيّ عن الوجود فلا بد عقلاً من الاستيعاب (و بالجملة) فالاستيعاب في النهى مستفاد بالاستلزام العقلى و في الوضع مستفاد من الملازمة العقليّة بين إمضاء الطبيعى مع كون الممضى هو الافراد بأجمعها بمعنى أنَّ الاستيعا لازم للطبيعي الممضى، أما البدلية في الاوامر فتستفاد ببركة العقل القاضى باستحالة كون جميع الافراد مبعوثاً إليها علي محلك القوم من كون مفاد الاوامر الصرف بالاصطلاح المتأخر، أما على مسلكنا من عدم كون مفادها ألصرف بذاك الاصطلاح فالبدليّة تستفاد من الملازمة العقليّة بين كون المبعوث إليه الطبيعي بلحاظ ايجاده الخارجي و بين تحققّ الطبيعي بفردها، فتدبّر تعرف.

فصلٌ في المجمل والمبيّن، وفيه جهات ثلاثة للبحث (ألاولى) في تعريفهما وقد وقع الخلاف في ذلك بين الاصوليين فعرفهما الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) على مافي التقريرات بأن المجمل هو مالم يتضح دلالته فكأنه مجمع الاحتمالات والمبين بخلافة وعرَّفهما صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) بأنَّ المبيَّن حسب ما يظهر من موارد إطلاقه هو الكلام الذي له ظاهر و يكون قالباً لمعنى خاص حسب متفاهم العرف والمجمل بخلافه، و منشأ هذا الخلاف أنَّ ما ليس له ظهور مجمل لدى صاحب الكفاية (قدّس سِرُّه) و إنّ علم المراد منه بقرينة خارجية وماله ظهور مبيَّن لديه وإن علم بقرينة خارجية أنّ ظاهره غير مراد بل ماول بخلافهما لدى الشيخ الاعظم (قدّس سِرُّه) فالاول مبين والثاني مجمل (الثانية) في أمثلتهما وقد وقع التشاجر بينهم في ذلك فعد بعضهم بعض الامثلة مثالاً للمجمل وبعضهم للمبين و منشأ هذا الخلاف لحاظ بعض المناسبات والقرائن الرافعة للجمال والمعيّنة للمصبّ وعدم لحاظها.

ص: 413

(الثالثة) فى بيان الثمرة لهذا المبحث وحيث أن الثمرة مفقودة إذ المدار في الانفهامات علي الظهور الفعلي من أى سبب حصل فصرف الوقت والمبين في تحقيق الجهتين الاوليين و بيان ماهو الحق من التعريفين و ماهو مثال للمجمل والمبین ولاسيما بعد ذكر الامثلة في المطولات غير لازم، والحمد اللّه وسلام على عباده الذين إصطفى محمد وآله سادات الورى تم ألتقرير بقلم بعض فضلاء إصفهان.

ص: 414

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.