قبسات العقول في الفروع و الاصول

هوية الکتاب

عنوان المؤلف واسمه: قبسات العقول في الفروع و الاصول یا چهل حدیث/تأليف سماحة آيةِ الله العظمى الامام السيد على العلامة الفانی الاصفهانی

تفاصيل النشر: طهران: چاپ بوذرجمهری مصطفوي، 1375

مواصفات المظهر: 182 ص.

حالة الاستماع: در انتظار فهرستنویسی (اطلاعات ثبت)

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 9443451

قبسات العقول في الفروع و الاصول

أو

أربعون حديثاً

تأليف

سماحة آيةِ الله العظمى الامام السيد على العلامة

الفانی الاصفهانی

ص: 1

ألفهرس

المقدمة

الفصل الأول في التوحيد خمسة أحاديث

الفصل الثاني في النبوة خمسة أحاديث

الفصل الثالث في الامامة خمسة أحاديث

الفصل الرابع فى الواجبات الشرعية خمسة أحاديث

الفصل الخامس فى المحرمات الشرعية خمسة أحاديث

الفصل السادس في الحقوق خمسة أحاديث

الفصل السابع في الاخلاق خمسة أحاديث

الفصل الثّامن في المعاد خمسة أحاديث

ص: 2

المقدمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وبه نستعین

حمد غير المحدود و شكر غير المتناهى يليق بعظمة اله لايمكن للعقل المتناهى ان يحيط بوجوده غير المتناهى: حكيم رتّب كتاباً من مجموعة العوالم المخلوقة و أعطى نبراس العقل و البصيرة بيد الانسان لانارة مضامين هذا الكتاب كتاب الخلقة - وجعل أدلة الهداية و سلّاك المعرفة(الانبياء علیهم السلام) مع ملكاتهم الملكوتية فى اللباس الناسوتى معلِّمين لهم(البشر) حتى يخرجوا عن تيه الجهالة وساهرة الظلمة الى عالم النور و الصفاء عالم عرفان الحق و معرفة الخالق كي يعانقون الحقائق الربانية«اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ» (1) وصلوات غير معدودة و تحيات متواترة على أوّل سطر الوجود و آخر دليل الى عبادة الحق الاول محمدبن عبد الله(صلی الله علیه و آله) - وعلى صهره و أولاده الامجاد.

أما بعد، فيقول اسیرالهواجس النفسانية والمبتلى بالقيود الشيطانية السيد على العلامه الفانی - این المرحوم الحجة الحاج السيد محمدحسن الشهير بالفاني عفى عنهما - إن جمعاً من العلماءِ الربانيين و الفضلاءِ الصمدانيين ألَّفوا أربعين حديثاً كل في

ص: 3


1- بقره، 257.

موضوع و قد استدعى من هذا الاحقر بعض الاصدقاءِ بسوابق الالفة و روابط المودة - أن أولف اربعين حديثاً من الاحاديث المعتبرة مع شرحها و ايضاحها و أرسل اليه وحيث كان ردّ مسأوله و حرمانه عن مأموله على خلاف وظائف الالفة أقدمت الى هذا الامر الشريف وفى نفس الحالة الخطير مع شدة اختلال البال وكثرة الهموم والاشغال لعلّه يقع موقع انتفاعه وانتفاع الاخو الدينيين و مورد قبول ساحة قدس الاحديّة و يكون ذخيرة لنا ليوم القيامة و حيث اردت ان يكون هذا الكتاب الشريف - حسب المستطاع جامعاً للاصول و الفروع رتبته على فصول ثمانية.

الفصل الاول في التوحيد خمسة أحاديث

الفصل الثاني في النبوة خمسة أحاديث

الفصل الثالث في الامامة خمسة أحاديث

الفصل الرابع في الواجبات الشرعية خمسة أحاديث

الفصل الخامس في المحرمات الشرعية خمسة أحاديث

الفصل السادس في الحقوق والامور الاجتماعية خمسة أحاديث

الفصل السابع في الاخلاق خمسة أحاديث

الفصل الثامن فى احوال الانسان من الاحتضار الى

المعاد يوم القيامة.

ألفصل الأوّل في التوحيد و فيه خمسة أحاديث

الحديث الاول

في ألكافى عن محمدبن يحيى عن بن محمد عن الحسين بن سعيد عن النضر بن

ص: 4

سويد عن عاصم بن حميد قال سُئل على بن الحسين(عليهما السلام) عن التّوحيد فقال إنّ الله عزّوجلّ على انّه يكون فى آخر الزمان أقوام متعمقون فانزل ألله تعالى: قل هو الله أحد والآيات من سورة الحديد إلى قوله عليم بذات الصّدور فمن رام وراءَ ذلك فقد هلك.

هذا الحديث حسب مصطلح فنِّ الرجال صحيح و معتبر لانّ صاحب کتاب الكافى محمدبن يعقوب الكلينى كان من جلالة القدر و الوثاقة بحد كتبوا في حقه(أوثق النّاس فى الحديث و أثبتهم) و المروى عنه للكليني محمدبن يحيى العطار القمى - و هو من المشايخ وثقة و عين وقد روى عن احمدبن محمدبن عيسى الاشعرى بقرينة رواية العطار

و هو شيخ القميين وثقة و هو قد روى عن الحسين بن سعيد الاهوازی و قد تكررفى علم الرجال توثيقه وهو قدروى عن النضر بن سويد الذى يكون ثقة وصحيح الحديث وهو قد روى عن عاصم بن حميد الكوفى هو عين وصدوق وثقة وهو قدروى عن السّجاد عليه السلام ومضمونه الاجمالى انه قد سئل السجاد(علیه السلام) عن التّوحيد فقال إنّ الله تعالي كان يعلم بانه يأتى فى آخر الزمان ناس يتعمقون فى المعارف ويطلبون الحقائق بالدّقة فانزل سورة التوحيد - قل هو الله احد - و آیات من سورة الحديد إلى قوله عليم بذات الصّدور.

يستفاد من هذا الحديث الشريف ان الارشاد الى

المعارف الحقة إنما يكون من قِبَل الذات المقدس الاحديّة فمع قطع النظر عن دلالة الآيات لكتاب التكوين تكون آيات مباركة من كتاب التشريع معرفة للحضرة الاحديّة و مُنبِّهة للعقل إلى طريق معرفة الله

ص: 5

و لما كان كلمة(الواو) لمطلق الجمع فنحن نشير اولاً الى آيات سورة الحديد.

ان الله تعالى فى أول السورة يقول«سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» (1) يعنى كل مايكون فى السّموات و فى الارض يسبحون لله وينزهونه.

أقول إسناد التسبيح الى الموجودات الامكانية إنما

هو لجهات الجهة الاولى: ان كل موجود امکانی حيث انه بالحسِّ والعيان مسبوق بالعدم يكون بذاته دليلا على موجود يكون وجوده لذاته لالغيره و ليس مسبوقاً بالعدم ويسمى هذا التسبيح بالتسبيح التكويني.

الجهة الثانية: التعبير بكلمة التسبيح(الذى يكون معناه الاشارة إلى نزاهة البارى تعالى وبراءة ذاته عن الجهات العدميّة) عن الدلالة على الخالق، و ذلك لانّ كل موجود امکانی - ما سوى الله - يكون محدوداً من جميع الجهات والابعاد(أعنى مقدار الوجود في ظرف التحقق و وعاءِ الوجود زماناً و مكاناً ) و هذا بنفسه دليل على أن الموجد تعالى ليست في ذاته شائبة نقص وعدم حظّ من الوجود فليس كمثله شيء - و بعبارة أخرى ان لكل موجود الموجودات الامكانيّة حظّ من الوجود.

و ببديهة من العقل ليس هذا الحظ من الوجود

من نفسه فلابدّ و أن يكون الموجد لهذه الحظ مقادير الوجودات - واجداً لها و من المسلّم انه مع وجود جميع المعانى الوجودية لاتتصور الحدود بل الحيثيات حيث أنها منتزعه عن التكثّرات اللّازمة لانتهاء

ص: 6


1- الحدید، 57.

الحظوظ الوجودية لاتعقل سريانها في الذات المقدسة للصانع تعالى و لهذه الجهة هو وجود عزيز و حيث يشاهد فى مراتب الوجودات و تشكيل العوالم العلويّة والسفليّة نظم و نسق و هذا النظم انما هو من صنعه تعالى فهو - حکیم -

الجهة الثالثة: انّ كل موجود علاوة عن تسبيحه الذاتى يكون واجداً للتّسبيح اللفظى أيضاً وإلى هذا النحو من التسبيح يشير قوله جلّ سلطانه (ولكن لاتفقهون تسبيحهم) حيث أن مقتضى كون التسبيح التكويني آية و مرآة للخالق درك الانسان له وعلمه به فكيف لايكون المراد من التسبيح الذكر القولى مع انّه تعالى يقول إنكم لاتفهمون تسبيح الموجودات و لقد أجاد الشّاعر الفارسي حيث يقول: ما سمیعیم و بصیریم و هُشیم *** با شما نامحرمان ما خامُشیم

و لذا قد ثبت في علم الكلام أن إسماع النّبيّ(صلی الله علیه و اله وسلم) تسبيحَ الحصاة معجزة لا اصل تسبيحها وقد تواتر الاخبار بانّ للموجودات باجمعها من الجماد والنبات و الحيوان(غير الانسان) تسبيح وذكر0(لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) و لما كان وجود الموجودات الامكانية بايجاد من الحضرة الاحديّة فالسلطنة الكلية و المالكية المطلقة بالاستحقاق بالنسبة الى السموات والارضين إنما هي له ولذا يحيى يهب الوجود - و يميت - يقطع الوجود فى عمود البقاء - وحيث انّ المُشاهَد بالعيان فعليّة القدرة الالهيّة و هذه الفعليّة عبارة عن تحقق ألمقدورات في العالم الخارجى، ونظائر تلك المقدورات و أمثالها

ص: 7

بقاعدة(حكم الامثال فى مايجوز و مالايجوز واحد) متساوية النسبة مع المقدورات الفعلية بالاضافة إلى تعلق القدرة بها فيكون الخالق تعالى على كل شئ قدیر. «هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ»و قد عرفت بان وجود البارى ليس مسبوقاً بالعدم فلذا يكون هو الاول ولكنه ليس أولاً عدديّاً يتبعه الثاني - حيث أن ألاولية العددية تنتزع عن حد ألشيء و لما كان أوليته تعالى كسائر صفاته الثبوتية مفهوم مشير إلى وجوب وجوده و صرافة وجوده و عدم محدودية ذاته بحد يكون هو الآخر و أيضاً حيث أن وجود ألموجودات إنما يكون له و ظهور وجود المعلول بوصف المعلولية يكشف وجد انا عن وجود العلة و ببيان آخر، الظهور، أثر للوجود ووجود لانهائى فهو أظهر من كل ظاهر و لكن نفس ع----------دم المحدودية يوجب عدم محاطيته بالعقول و مدرکیته بالا وهام فهو فى عين الظهور باطن و بما أن ايجاد ألشي بدون العلم به (من الموجد الشاعر الذى يكون شعوره بارزاً من حكمته) غير معقول فهو بكل شئ

عليم .

«هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ»(1) قد تبين من الآيات السابقة أنَّ الله تعالى خالق للسموات و الارضين و هذا المعنى يستفاد من هذه الآية الشريفة إلا أنّ العلاوة فى هذه الآية المباركة

ص: 8


1- حدید، 4.

إنما هى الترتيب و التدرُّج فى مراتب التكوين والتفصيل فى مراحل الايجاد لانه يبين أن أمر الخلقة كان في ستة أيام و لما لم يكن قبل خلق السموات والارض يوم بالمعنى المتعارف - الامتداد للحركة الفلكية - فلابد و أن يكون هذا التعبير إشارة الى تفصيل المخلوقات من جهة السبق و اللحوق إشارة إلى الحدوث الزماني - أو إشارة إلى إختلاف الموجودات من حيث المقدار - شدَّةً وضعفاً ولعل في تعلق الاستيلاء إلى العرش فى قوله تعالى الرحمن على العرش استوى - بما ان الاستيلاء من لوازم الخالقيَّة اشارة إلى هذا المعنى و أنَّ اعظم الموجودات وأشدها مرتبة فى الوجود و هو العرش يكون تحت قاهري-ّة الله و سلطنته فضلاً عن سائر الموجودات ثم إن الاحاطة لازمة للاستيلاء ويلزم إحاطة الذات الشاعرة علم الاشياء المحاطة له و لبيان هذا المطلب يقول كل مايدخل في الارض أو يخرج منها أو ينزل من السماء أو يصعد إليها يكون تحت علمه تعالى و حيث أن الانسان بنوعه موجودٌ مكاني وإحاطة الحق عز شانه به و بمكانه و بجميع الامكنة على حدٍ سواءٍ يقول هو معكم فى أى مكان كنتم و يحتمل أن يكون هذا التعبير إشارة الى قيوميته المطلقه ويكون المراد من المعيَّة ألمعيَّة ألقيومية و ذلك لان الموجود الامكاني يحتاج إلى الموجد في جميع مراتب الوجود وحيث أن المعلول

أنَّ بالمعنى الذى لايستلزم الجبر يكون تحت سلطنة ألعلّة و قيوميّتها يكون فى ظلِّ علمها ، يقول إنه عالم بجميع أعمالكم وأفعالكم ويرى ماتعملون

ص: 9

«لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور»(1)

ثم إنه لبيان الفقر المطلق لكل موجود إمكاني وتاكيد ذلك ألفقر يبيّن مالكيته المطلقة ويقول، له ملك السموات والارض وحيث لايخرج أى أمر من الامور من(الاعراض، الجواهر، الافعال و الفاعلين) عن تحت قدرته يقول(يرجع كل أمر إليه) و من المحتمل ان تكون هذه الفقرة إشارة إلى المعاد لان مقتضى حكمة الحكيم تعالى إرسال الانبياء لبيان المصالح و المفاسد الاجتماعية وجعل المعاد لتتميم العالم الادبى(بان لايضيع حق المظلوم ولو فى النَّشأة الآخرة) وقد دلّنا في الاية الاولى إلى أنه حكيم، ثم بعدذلك تأكيداً لقدرته الاستمرارية و دفع توهم التفويض فى التكوين وحركة عالم الطبيعة الى غيره يسند تلك الحركة الى ذاته المقدسة و يقول يدخل أليوم في الليل ويُدخل الليل في اليوم(يخلف أحدهما الآخر) ولتأكيد إحاطة علمه بكل مايتلبس بالوجود و لو بأدنى مرتبة من الوجود يقول إنه عالم بالاسرار القلبية والافكار الموجودة فى خزائن الصّدور ومُدرك لها.

و أما بيان المعنى الاجمالى لسورة التوحيد المباركة

فهوان الله يقول قل هو الله أحد، وكلمة - هو - إنما هي ضمير للغائب وإشارة في المقام إلى موجود لايكون محسوساً بحس البصر و محاطاً بشعاع العين ولايحاط و لو بمرتبة من مراتب الاحاطة العقلية لان

ص: 10


1- حدید، 5 و 6.

مقتضى المحاطيَّة – كما علمت - ألمحدودية المستلزمة للفقر و النقص و لذا لاتعقل الاشارة الحسية بالنسبة إلى مقام ذات ألاقدس وقد ورد في بعض الاخ-------بار كشف سبحات الجلال من غير إشارة - يعنى الاشارة الحسّية فى مورد ألحق ألاوّل بل الاكتناه بذاته غير معقول و إنما الممكن فقط العلم بعظمته و جلالته و صرافة وجوده و نزاهة ذاته الاحدية عن النقائص فكون كلمة - هو - إشارة إلى ذات البارى تعالى عبارة عن العلم به و درك مقام غيبه ألمنيع ومن هذا التعبير يستفاد أنَّ ألذات المقدسة خالية عن الجهات العدمية و واجدة لجميع الكمالات الوجودية و من هذه الجهة (هو) على نحو الانحصار منحصر به فهو هو و قد ورد في أسامى الحضرة الاحدية يا هو يا من ليس هو إلا هو فيمكن الاطلاع من كلمة هو على كلمة الله لان(الله) إسم للذات المستجعة لجميع الكمالات و تشهد بداهة العقل والوجدان بان الذات الجامعة لكلية ألكمالات الوجودية لامثل ولانظير له لان الشيئين، المثيل كل للآخر لابد لكونهما إثنين من أن يكون لكل منهما حظ من الوجود إستقلالاً فكل واحد منهما في عين الواجديَّة لمقدار من ألكمال فاقد لمقدار آخر أيضًا مضافاً إلى لزوم محدودية كل منهما حتى تتحقق الاثنينيَّة لان(أحد) في مقابل (إثنين) لايتصور من دون الحد، فلهذه الجهة ان الله من حي-------ث الذات - أحد - بمعنى عدم النظيرله وكونه متفرّداً ذاتاً في صرافة الوجود ومن المعلوم أن إستجماع تمام حقيقة الوجود بجميع مراتبه إنما يتعقل إذا لم تكن

ص: 11

الذات الجامعة مركباً عن جزئين لعود المحذور السابق - المحدودية و النقص - ولهذا السبب يكون بسيطاً فهو صمد، فالصمديَّة بأى معنى كانت عبارة عن صرافة الوجود قلنا بان صمد - لاجوف له لان الجوف نقص و فراغ عن الوجود أو قلنا بان صمد - من إنتهى سؤدده لان السيادة و العظمة منحصرة بالذات الجامعة للكمالات أو قلنا بان صمد - من لايأكل و لايشرب - لان الأكل والشرب إنَّما نشاء عن ألحاجة إلى بدل مايتحلل من بدن الانسان و الحاجة و التغيير ليس لهما سبيل إلى ذاته المقدّسة او قلنا بان معنی صمد - الذى لاينام - لان النوم غيبوبة للقوى و يلازم النقص أو قلنا بان معنی صمد - دائم لم يزل ولايزال - لان الازلية و ألابديَّة عبارة عن عين الصرافة فى الوجود والنزاهة عن الاعدام أوقلنا بان صمد عبارة - عن القائم بالنفس ، الغنى عن الغير - لان الله ليس مسبوقاً بالعدم حتى يحتاج الى الغير ولايقوم بنفسه أو قلنا بان معنی صمد - المتعالى الكون والفساد - او من لايوصف بالتغاير - لان هذين الوصفين مستلزمان للامکان و حاصلان من قبل المحدوديَّة فى الوجود أو قلنا بان معنى صمد السيد المطاع الذى ليس فوقه آمر وناه لان السلطنة المطلقه و الولاية الكلية عين الشدة فى الوجود وضعف الوجود لغيره من الموجودات فهو مطاع ولاآمر ولاناهى له أو قلنا بان معنى صمد - لا شريك له و لايؤده حفظ شيء و لا يعزب عنه شيء - لانك علمت أن حقيقة الحقة الالهية لانظير له حتى يتعقل له شريك ووجود الاشياء

ص: 12

قاطبة من إفاضته الرحمانيّة فهو الحافظ لها و العالم بها أو قلنا بان صمد عبارة عن – إذا أراد شيئًا قال له كن فيكون - لان ضرورة الوجدان تشهد بان الوجود المسبوق بالعدم مراد و معلول لوجود غير مسبوق بالعدم أو قلنا بان صمد هو الذى خلق الموجودات بأشكال مختلفة ومتضادة ، كل مع الآخر وجعلها أزواجاً وهو متفرد بالوحدانية ولاضد ولاشكل ولامثل له ، و من الواضح أن تلك المعاني من لوازم مصداق الصمد لاأن لفظ صمد مشترك لفظاً بوضع الواضع لكل واحد من تلك المعانى ولعله لهذه النكتة قال بعد(الصمد) - لم يلد - يعنى إن الله ليس بمجوف و موجود إمكانى حتى يكون كافراد البشر ذاولد کمایزعم النَّصارى أنَّ المسيح إبن الله و يزعم أليهود أن عزيراً إبن الله أو يرى طائفة بان الملائكه بنات الله ثم يقول و لم يولد يعنى إنَّ الله قائم بالذات وليس مسبوقاً بالغير حتى يكون ولداً لشخص و بعد ذلك يقول - و لم يكن له كفواً أحد - يعنى ليس له مكافو أو قرين - و لمّا علمت بان الواجد لجميع الجهات الوجودية والفاقد لكلية الصفات ألعدمية ملازم لكونه أحداً بلاكفوء فاعلم بان تلك السورة ناظرة إلى هاتين ألجهتين(الصفات الثبوتية و ألصفات السلبية) ولهذه الجهة يقول السجاد (علیه السلام) في آخر الحديث أراد التخطى عما ذكر في معرفة الله هلك - أي ضل - و ذلك لان ألخروج عن حدّ ألمعرفة ملازم مع السقوط في ورطة الضّلالة ولذا ورد فى ألاخبار المعتبرة و غير المعتبرة النهى عن التفكر في ذات الباري و تشهد

ص: 13

التجربة التاريخية بان كل من قصد الع-------لم باكتناه البارى قال بالتجسّم أو الرؤية أو الحلول أو الاتحاد أو التشريك أو التثليث فلابد في مقام معرفة الله أن لايخرج الانسان عن حوصلة الوجدان فيكفى فى مقام الاعتقاد بالتوحيد الرجوع إلى الفطرة لان الارتكاز ألطبعى كاف في معرفة الحق و من ألعجب الغريب أن بعض أبناء الزمان تقليدًا عن نساج الافكار الشرقيين أو الغربيين يرفعون أليد عن الفطرة الالهية ويحددون الصانع البديهى الوجود بافكار و تخيلات أو الفاظ و

مصطلحات

نعم تكميل ألمعارف الالهية بمتابعة الارواح المكرّمة(عليهم السلام) مشروع و مطلوب و من ألاسف أنَّنا أغمضنا ألعين عن البحر ونتجسس عن الشراب.

الحديث الثانى

فى الكافى عن على بن ابرهيم عن محمدبن عيسى عن عبد الرحمن بن أبي نجران

قال سألت أبا جعفر(علیه السلام) عن التوحيد، فقلت أتوهّم شيئًا ؟ فقال نعم، غیر معقول و لامحدود فماوقع وهمك عليه من شيء فهو خلافه لايشبهه شى و لاتدركه ألاوهام كيف تدركه و هو خلاف مايعقل الخلافي يتصور في

الاوهام إنما يتوهم شيء غير معقول و لامحدود. هذا الحديث صحيح لان الكليني(قدس سره) روى عن أبي الحسن على بن إبرهيم بن هاشم القمى الذى ذكروا فى حقه أنَّه ثقة فى الحديث، ثبت معتمد و هو قد روى عن محمدبن عيسى و هو ثقة وعين وقد نقل الحديث عن عبد الرحمن ألذى عدوه الرجاليّون معتمد أوثقة ثقة وروى الصدوق هذا السند عن محمد بن

ص: 14

الحسن بن أحمد بن الوليد و هو من أعاظم العلماءِ و ألقميين وكتبوا في حقه أنه ثقه ثقه عين مسكون إليه و هو روى هذا الحديث عن محمدبن الحسن بن الصفار و سمّوه

في الثّقات و هو روى عن محمدبن عيسى بن عبيد المذكور فى الحديث الأول و هو روى عن عبد الرحمن ألمزبور مع تفاوت أن الصدوق زاد كلمة(الثاني) بعد أبي جعفر(علیه السلام) و إن كانت الطبقة تناسب الجواد(علیه السلام) ولاحاجة إلى كلمة(الثاني). و مفاد الاجمالي لهذا الحديث أن عبدالرحمن يقول سألت الجواد(علیه السلام) عن التوحيد و أن-ه ه-----ل ينبغى أن أن أتوهم الله بالقوة ألواهمة شيئًا من ألا شياء فقال نعم لكن مشروطاً بان لاتحيط القوة العاقلة به و أن لاتتصوره محدوداً لان كل مايقع في واهمتك(ألتي شأنها درك ألمعانى الجزئية و المحدودة) يكون الله خلافاً له لان الله ليس له في الاشياء مثيل و لايدرك بالاوهام وكيف يمكن إحاطة

ألا وهام به مع أنه خلاف المعقولات و المتصورات الواقعة في ألاوهام بل يدرك العقل موجوداً بلاحد ولامحاطاً

بالعقول قد ثبت فى ألحكمة الآلهيَّة أنَّ الحدّ(المقدار) عبارة عن النقص في الجهات الوجودية و النقص لازم للامكان ومعانق للاحتياج وأن موجودا يكون كل الموجودات أثراً لوجوده لايكون فاقداً لجهة من الجهات الوجودية و تشهد بداهة ألعقل أن كل شي يقع في وعاء ألعقل وعالم التصور و ينتقش في موطن الخيال أو يتحقق في تلك الظّروف إنّما يكون

ص: 15

ألعقل و التصور و الخيال محيط به و مسلّط عليه و حيث أن تلك القوى بذواتها محدودة فذلك الشى يكون أكثر محدودية منها ففي مقام إدراك ذات ألبارى للعقل فقط أن يعلم بوجود غير محدود و غیر محاط بالقوة ألعاقلة ولابسائر ألقوى النفسانية و يمكن أن يُعبَّر عن هذا النحو من العلم بالدرك ألنورى أعنى مجرد حكم العقل و الاعتقاد القلبى بوجود الله و هناك فرق كثير بين هذا العلم و إنطباع الصورة الذي يكون عبارة عن الانتقاش في الذهن و إن إشتركا فى اللازم ألاعم وهو الانكشاف و يمكن أن يقال بالتعبير العرفاني العلم إما حضور للمعلوم لدى العالم أو حضور ألعالم ل---------دى المعلوم وفى مقامنا يكون التعبير الثاني أولى بل التعبير ألاول - بمعنى الاحاطة - ليس بصواب ونحن بحمد الله فى الابحاث الكلامية أوضحنا ألمطلب باكثر من هذا ونقتنع فى هذا المختصر بهذا المقدار.

الحديث الثالث

في ألكافى عن على بن ابرهيم عن محمدبن عيسى بن عبيد عن الحسن بن محبوب عن ابن رئاب و عن غير واحد عن أبيعبد الله(علیه السلام) قال: من عبد الله بالتوهم فقد كفر و من عبد ألاسم دون المعنى فقد كفر، و من عبد الإسم و المعنى فقد أشرك و من عبد ألمعنى بايقاع الاسماء عليه بصفاته ألتي وصف بها نفسه فعقد عليه قلبه و نطق به لسانه في سرّ أمره و علانيته فأولئك أصحاب أمير المؤمنين حقاً و في حديث آخر أولئك هم المؤمنون حقاً.

الحديث صحيح و معتبر لانّ الكلينى روى هذا الحديث عن على بن إبراهيم عن محمد

ص: 16

عيسى بن عبيد الذين قد مضت احوالهم عن الحسن بن محبوب السراد او الزراد الثقه الذى أجمع الاصحاب على صحة رواياته عن علی بن رئاب و هو ثقة و جليل

ألقدر و من عظماء علماء الشيعة عن الصادق(علیه السلام) و مجمل مفادالحديث أن الصادق(علیه السلام) قال من عبد الله بالظن وألوهم يكون كافرًا لامؤمنا و من عبد الاسم من دون معنى فهو كافر و من عبد ألاسم والمعنى على نحو الاشتراك و الاثنينية فهو مشرك و من عبد المعنى بان يطبق الاسماء(و الصفات) عليه لكن بنفس الصفات التي وصف الله ذاته بها ، و إعتقد بذلك قلباً و نطق بذلك لسانه علناً و طوى عليه سره باطنا فاؤلئك أصحاب على(علیه السلام) و برواية أخرى المؤمنون حق الايمان و أمّا مجمل من تفصيل هذا الحديث فهو أنَّه إن تصور شخص الله فى قوته ألواهمة محدوداً على نحو إكتنازه تعالى فى ظنه فهو لم يعرف الله و لم ترتفع غشاوة الجهل وعدم المعرفة بالله عن مقابل عقله لانه لايُعقل معرفته بالاكتناه لذاته كما قيل بالفارسية: بكنه ذاتش خرد برد پی*** اگر رسد خس بقعر دریا

و من جعل معبوده أسامى حضرة ألاحديَّة من دون جعل ألاسامى مشيرة إلى الوجود البحت البسيط فہو کافر أيضاً ولم يعرف الله حقاً لانّ الاسم إشارة إلى المسمّى وعلامة عن ذاك الوجود غير المتناهى و من زعم أن ألصفات و ألذات كما عن بعض ألا شاعرة - مختلفة و جعلهما على نحو الاشتراك و المعيَّة معبودا له فهو مشرك و لم يكن موحداً و من علم أنَّ الله صرف حقيقة الوجود و مقصود واحد في عالم العبادة وجعل

ص: 17

أسمائه الشّريفة مشيرة إلى ذات واحد، مجرد، بسيط

بلاشوب تركيب و اختلاف و حدٍّ ونقصٍ، و لكن باسماءٍ

وصفات وصف نفسه بها في كتبه السَّمَاويّة و بواسطة أنبيائه المكرَّمين لابصفات تكون من لوازم ألامكان والتغيُّر والحدوث، وعَقَدَ القلب بذاك المقصود الاول والموجود الواحد الاحد وكان في السر والعلانية رطب اللسان بذكر الله وطالباً لله فهو من التابعين بالحقيقة لصاحب الولاية المطلقة على بن أبيطالب و يُستفاد من هذا الحديث المبارك، مضافاً إلى حقيقة التوحيد، المرتبة العالية منه لان العارف الحقيقي بالله تعالى من كان فى التوجه إلى الله تعالى لايفرّق بين ألظاهر والباطن وحالة الانفراد والاجتماع مع ألنّاس ولم يكن الرادع أو مانع أن يغيّر إعتقاده بوجود الصانع تعالى و لم يؤثر عليه ذلك ومن المعلوم أن مثل هذا الشخص شيعة على(علیه السلام) حقاً و تابع لميزان الاعمال فالتشيع بالمعنى ألكامل عبارة عن الايمان ألواقعى كما في الرواية الاخرى توصيف هؤلاء بالمؤمنين الحقيقيين.

الحديث الرابع

فى الكافي عن على بن إبراهيم عن محمدبن عيسى بن عبيد عن حماد عن حريز عن محمد بن مسلم عن أبيجعفر(علیه السلام) انه قال فى صفة القديم أنَّه واحد صمد أحدى المعنى، ليس بمعاني كثيرة مختلفة قال قلت جعلت فداك يزعم قوم من أهل العراق أنه ي-سمع بغير ألذى يبصر ويبصر بغير ألذي يسمع قال فقال كذبوا و الحدوا و شبّهوا، تعالى عن ذلك إنه سميع بصير، يسمع بما يبصر، ويبصر بما يسمع قال قلت يزعمون أنه بصير على ما يعقلونه

قال فقال

ص: 18

تعالى الله، إنما يعقل ما كان بصفة المخلوق ليس الله كذلك

هذا الحديث صحيح لان الكليني رواه عن على بن ابرهيم القمى عن محمدبن عيسى بن عبيد وقدتبيّن وثاقتهم عن حماد و هو بقرينة الراوى و ألمروى عنه ابن عيسى الجهني فهو ثقة ومن أصحاب الاجماع عن حريزبن عبد الله السجستاني و في الفهرست توثيقه عن محمدبن مسلم الفقيه الورع من أصحاب الصادقين(عليهما السلام) وقالوا فى حقه أوثق الناس ، عن الباقر (علیه السلام).

و مجمل مفاده أنه قال في صفة - الله - ألقديم انه واحد وصمد وأحد، ذاتاً ووجودا و ليست الصفات المختلفة و الكثيرة - بوصف الكثرة – فى ذات ألبارى. فقال، قلت إن طائفة من أهل العراق(ألمجسّمة أو ألا شاعره)يزعمون أنّ الله یسمع(بآلة أو صفة) بغیرما(آلة أوصفة) يبصر و يبصر بغير ما یسمع فقال(علیه السلام) كذبوا وقد وقعوا في ذات البارى الوسوسة و الترديد و شبّهوا الواجب الوجود بممكن الوجود إنّ الله أعلى من ذلك إنه سميع وبصير يسمع يرى و يرى بما یسمع، قلت يتخيلون بانَّ الله هم یری کماهم يدركون فقال التعقل نظير تعقلاتهم من صفات المخلوقين و ليس الله كذلك قد جعل الامام في هذا الحديث عنوان ذات ألبارى في مقام التوصيف - ألقديم - للاشارة إلى أن تعقل ألقديم بالذات مستلزم للاعتقاد بعدم التجسم و عدم تعدّد القديم من حيث الذات والصفات لانّ الموجود إذا لم يكن مسبوقاً بالعدم لايحتاج عقلاً إلى

ص: 19

موجد في الوجود و لهذه الجهة، ألكثرة في الوجود و في الحظوظ الوجودية محال في حقه لانّ اللازم من ألكثرة من حيث الذات أو من حيث الصفات إنتهاء ألحظ ألوجودي و التعدد في حقيقة الوجود أو أفراد الوجود وكذا التجسّم مستلزم لهذا الانتهاء و هذا بعينه نقص وإحتياج وكلا الامرين مناف للغناء الذاتي و وجوب الوجود و لذا يقول(علیه السلام) إن الله قديم واحد بمعنى أنه من حيث ألحقيقة ليس فيه تعدُّد وليس يتصوّر في مقابل وجوده وجود مماثل له عرضاً أو طولاً و هو صمد بمعنى أنَّ التركيب من الاجزاءالذى هو من لوازم ألمخلوقات ألجسمانية و ألوجودات المحدودة المحتاجة محال في ذاته المقدسة ووجوده المقدس أحدى ولاسبيل للمعانى الوجودية بوصف التكثرالاختلاف اللذين ينتزعان من إنتهاء حظ كل وصف من ألاوصاف الوجوديَّة فى تلك الذات البحتة البسيطة و ألواجب الذى لاكفو له فى صرافة الوجود و يكون من حيث ألمعنى أحد و بوصف البساطة جامع للصّفات

الثّبوتية و لما رأى محمدبن مسلم أن ما بينه ألامام(علیه السلام) مخالف لما يعتقده أهل الخلاف من ألمجسّمة الذين قالوا بالتّجسيم وكونه تعالى ذاشكل و كذا الاشاعرة القائلين بتعدّد ألقدماءِ وزيادة صفات الله عن ذاته سأل الامام (علیه السلام ) بان جماعة زعموا (و أسند الزّعم إليهم إشارة إلى أنه یرید التوضيح للمطلب من دون مطابقة إعتقاده معهم) بان آلة او صفة سمع الله مع آلة او صفة بصره مختلفان و بينهما إثنينية. فقال(علیه السلام) فى

ص: 20

دفع خرافتهم بانّ هذا المطلب مخالف مع الواقع وترسم في خيالهم من ناحية قصور عقلهم وقتل وجدانهم وصار سببا لوسوستهم وإلحادهم و بذلك الاعتقاد شبّهوا واجب الوجود الغنى بالذات بمخلوق ممكن عاجز محتاج إلى الآلة و مركب من الاعضاء والجوارح لانّ ألحق تعالى يكون مقام أحديّة ذاته ماوراء الحدود و المقايسة مع الموجودات المحدودة و نفس حقيقته ألحقة الالهيّة بصرافة ذاته و واحدية صفاته سميع وبصير من دون حاجة إلى آلة سمع و بصر فقال هؤلاء يظنون أنه فى كيفية الرؤية سهيم معهم فقال(علیه السلام) كيفية إدراك المبصرات فى المخلوق إنما هى بالانطباع وألحق سبحانه ليس كذلك بل رؤية الحق علمه بالمبصرات من دون حاجة إلى آلة خاصة أو صفة مخصوصة.

الحديث الخامس

في ألكافي عن أحمدبن إدريس عن محمدبن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى قال قلت لابي الحسن (علیه السلام) أخبرني عن الارادة من الله ومن الخلق قال - فقال - الارادة من ألخلق الضّمير ومايبدولهم بعد ذلك من ألفعل و أما من الله فارادة الله

إحداثه لاغير ذلك لانه لايروّى ولايَهمّ ولايُفَكّرو هذه یروی الصفات منفيَّة عنه و هى صفات ألخلق فارادة الله ألفعل، لاغير ذلك - يقول له كن فيكون - بلالفظ و لانطق بلسان، ولاهمة، ولاتفكر، ولاكيف لذلك كما أنه لاكيف له هذا الحديث صحيح و معتبر لان الكليني روى عن أبى على أحمدبن إدريس بن أحمد الاشعرى القمى و هو فقيه - صحيح الرواية – ثقة عن محمد بن عبد الجبار

ص: 21

القمی الثقة عن صفوان بن يحيى ألذي مضى أنَّه ثقة عن الرّضا(علیه السلام) قال قلت له أخبرني عن الارادة الالهية و إرادة الخلق(هل هما متحدتان في ألكيفية أم مختلفتان؟) قال(علیه السلام) إراده الخلق عبارة عمايوجد في باطن نفوسهم و بعد ذلك مايبدو في أنفسهم لاتيان الافعال والاعمال و الارادة من الله إحداثه و ایجاده و ليس إلا ذلك لان النظر في ألامر و القصد إليه و ألتفكر فيه لايأتي منه لان هذه الصفات مسلوبة صفات المخلوقين فارادة الله لاغيره يقول للشيء كن فيكون من دون ألتّلفظ أو ألتّكلم باللّسان أو قصد أو تأمل و ليست للارادة ألا لهيَّة كيفيّة كما ليست لذاته المقدسة كيفية

الظاهر من سئوال صفوان أن إسناد الارادة إلى ذات أقدس الحق وارد في الكتاب و السنة كما أنَّ هذا

الاسناد صحيح بالنسبة الى كل موجود ذی شعور کالانسان و عليهذا فهل يكون سنخ الارادة الالهية مع إرادة ألخلق أم مختلف و الامام (علیه السلام) في مقام الجواب لاينفى الارادة عن ذات ألبارى و لكنه يبين جهة التفاوت(و هي المسبوقيه بالعدم والمحدودية بمكان معيّن فى ألموجود الامكانى وعدم المحدودية من حيث ألزمان و ألمكان فى ألله) و يقول بان إرادة المخلوق عبارة عن موجود حدوثى وصفة خلجانية تبدو و تحدث بعد عدم التحقق بسبب تصور شيء وفائدته في مكان محدود(و هو باطن نفس الانسان) ويسير بالسّير التكاملي إلى أن يصل إلى حدّ ألشوق ألاكيد وبعد ذلك تصير

محرِّكة للنفس بسبب ألقُوى الباطنيَّة

ص: 22

نحو الافعال النّفسيَّة وتحدثها أو بآليّة ألاعضاء و الجوات نحو الافعال المحسوسة لتوجدها وأما إرادة الله نهى( غير ما هو عين الذات بل ألتى يعدّونها بحسب الاصطلاح من صفات الفعل) عبارة عن نفس الايجادالخارجي لان إرادة ألحق، ايجاد فقط و تفاوته مع الوجود كتفاوت الانشاء مع المنشاء إعتباري و عليهذا فالله في الايجاد لايحتاج إلى تأمل و تفكرو قصد لان تلك ألامور كلها أمور حادثة وصفات متبدلة و حقائق متحيّزة و سلب هذه الصفات كسائر الصفات السلبية إنما هو بلحاظ شدة الوجود و صرافته فالصفات السّلبيّة ليست أمور متحققة و لو على نحو عينيّتها مع الذات بحيث تكون مع قطع النظر عن الصفات الثبوتية موجودة في الله بل ترجع إلى الصفات الثبوتية كما أن من الممكن أن يُعبَّر عن الصفات الثّبوتيّة لله - : أللّانهائية - بالصفات السلبية فمن باب ألمثال كما يمكن أن يُعبر بواسطة سعة الوجود بسلب التركيب و التجشم و الرؤية والمحل فيمكن أن يشار عن صرافة ألعلم والقدرة والارادة ولاحَدّيتها بسلب الجهل و العجز و ألكراهة فتفسير عالمٌ - مثلاً - بليس بجاهل صحيح و لذا في هذا الحديث أشار ألامام(علیه السلام) بسلب هذه الصفات(الترّوّى و ألفكر و القصد) عن الله و أن هذه الصفات بعيدة عن الذات ألاحديَّة وإرادته لیست وراءَ ایجاده و فعله و ليس في الايجاد محتاجاً إلى حالات نفسانيّة كالقصد والعزم و ألجزم - و لامحتاجًا الى آلات الظاهرية - كالنطق باللسان بل القول ألالهى هى كلمه(كن) ألتي عبّر عنها فى

ص: 23

الفلسفه الالهيَّة ب- (كن الوجودى) و ورد في الكتاب المقدَّس السَّماوى تعبيرًا عن المسيح بالكلمة الربانية ثم إنَّ الرضا(علیه السلام) يقول في مقام بيان عجز ألممكن ألمحدود عن إدراك حقيقة الافاضة و الايجاد الآلهی، بانه لاكيفية فى ألفعل الالهى وفى هذا الحديث الشريف قد عبر عن الايجاد بالاحداث و الفعل معاً ولعلَّ التّعبير بالفعل إنّما هو لاجل أن رتبة المخلوق بالنسبة إلى ألخالق كرتبة كل فعل عن فاعله، رتبة المعلول و ألفقر الذاتى لازم له و لفظ الاحداث إشارة إلى فصل المخلوق عن ألخالق - ألحدوث الزماني.

ويُؤيد هذا المطلب حديث صحيح ورد في الكافي بسندٍ متصل إلى ألامام الصادق(علیه السلام) بان ألمش-یّةَ مُحْدَثَة و الظاهر من الحدوث هو الفصل في الوجود فحمل الحدوث على الحدوث الذاتي خلاف للمتبادر و الالتزام به بلا موجب و شرح الاستدلالى لهذا المطلب

خارج عن حوصلة هذا المختصر.

الفصل الثاني في النبوة وفيه خمسة أحاديث

الحديث الأول

فى الكافى عن محمدبن يحيى عن أحمدبن محمدبن البرقي عن البرقى عن ألخلف الخلف بن حماد عن أبان بن تغلب قال قال أبو عبد الله(علیه السلام) الحجة قبل ألخلق و مع الخلق وبعد ألخلق.

هذا الحديث صحيح، لان محمدبن يحيى روى عن أحمد وقدتبيَّن أحوالهما فى الحديث الاوّل من التوحید و هو روی عن محمدبن خالد البرقی و هوثقة

ص: 24

و هو عن خلف بن حماد بن یاسر بن مسيب الكوفى ألثقة و هو عن أبي سعيد أبان بن تغلب بن رياح بن سعيد البكرى الجريري ، الذى مقامه و منزلته عند الائمة(علیهم السلام) عال و هو من أرباب الفتوى في زمن الصادق(علیه السلام) وثقة جليل القدر وقد لاقى على بن الحسين

محمد بن على ألباقر و جعفر بن مح-مدالصادق علیهم السلام و روى عنهم و هو روى عن الصادق(علیه السلام) قال الحُجَّة قبل ألخلق وبعد ألخلق و مع ألخلق.

الحُجّة فى اللغة هى ألبرهان والدليل للاثبات و المراد منها عند أهل البيت عليهم السلام حجة الله على الخلق في بيان الحقائق الكلية الالهية أعم من العقائد ألحقة و من الاحكام الشرعيَّة و هذا الحديث مطابق مع هذه الآية الشّريفة. هذه الآية الشَّريفة إني جاعِلٌ في الارضِ خَلِيفَهً و قال الشيخ الصدوق بعد ذكر هذه الآية - إبتدء بالخليفة قبل ألخليقة و ألمراد من القبلية إما قبليّةً حقيقية حيث أن آدم(علیه السلام) كان قبل الخلق وحجة على ألخلق أو قبلية فى ألرتبة و الشرف و إن كان منصب الحجيَّة فى عالم التحقق إنما هو بعد وجود شخص الحُجَّة، وكيف كان فمضمون هذا الحديث يوافق حكم ألعقل والوجدان وذلك لانه بعد إحراز حكمة الصانع تعالى من طريق إتقان صنعه في عالم التكوين يكون لزوم إتقان الصُّنع فى عالم التشريع من فطريات العقول لانه بعد التامل فى القوى البهيمية المعبأة فى خميرة الانسان و ملاحظة مقهورية العقول القاصرة الناظرة إلى أليوم الفعلى فى مقام تهاجم ألقُوى البهيمية

وعدم

ص: 25

إلتفات العقل إلى المصالح والمفاسد بسبب تلك المقهورية بل و مع ألاطلاع ألكامل على المصالح و ألمفاسد و صعوبة تبكيت النفس والعمل بحكم العقل إذا لم يكن خوفُ عن ألمسئولية يوم ألقيامة و شوق إلى الوصول للدرجات العالية الدائمة يحكم العقل بانه يلزم فى نظام التشريع وجود عوامل تتكفل العدل الاجتماعى كما أنه يكون فى نظام التكوين نواميس العدل موجودة و حيث أن الله تعالى لطيف بالذات يحكم العقل بهذه اللابدية وإلا فالحاكم _ الله _ لايكون

- محكوما - للعقل - وتُسمّى هذا النحو من الاستفادة بقاعدة اللطف - وفي حديث هشام بن ألحكم الموجود في ألكافى إشارة إلى هذا المطلب بان الصادق(علیه السلام)

في جواب الزّنديق السائل عن دليل إثبات ألا نبياء الرُّسل، يقول - لَمّا علمنا نحن بدليل العقل أن لنا صانعُ أعلى منا و من جميع المخلوقات و حيث أن الله الصانع حكيم أعلى وأرفع من ألكائنات و يستحيل عقلاً أن يراه الخلق بحيث يقابلونه كموجود مادي و يحاجون معه(لانه مجرد ولايمكن أن يرونه و يتكلمون معه) فيثبت عقلاً بالقطع واليقين أن يكون له في ألخلق سفراء و وسائط يتكلمون مع العباد من قبل الله و يرشدون العباد إلى مصالحهم و منافعهم و يَدلونهم بما يسبب لهم ألبقاء الذى فى تركه الهلاك ، وعليهذا يثبت بانه من طرف الحكيم العليم بين الخلق يكون لجماعة الآمرين و الناهين وجود يكونون ناطقين إلاهيّيّن وأنبياءَ إصطفاهم ألحقّ من ألخلق للخلق

حكماءٌ مؤدَّبون بالحكمة ولاجلها بعثوا الذين مع

ص: 26

مشاركتهم للناس فى القوام الجسدى و ألخلقة العنصرية لايماثلونهم فى ألصفات والاحوال الباطنية وألله الحكيم العليم أيَّدهم بالعلم والحكمة و يكون في كل عصر و زمان البراهين و الدلائل للأنبياء موجودة كي لاتخلو ألارض من حجة يكون معه مايشهد على صدق مقالته و عدالته - المعجزة - و ملخص الكلام أن من اللازم في كل عصر و زمان وجود نبی و دنيل له الولاية على الاحكام الفردية والاجتماعية، وطريق إثبات النبي من

طرق ثلاثة:

الأول: دليل اللّمّ - السّير من ألعلّة ال- المعلول - أو قاعدة اللطف و تقريبه الواضح أنه حيث أن الله ليس بجسم و لاجسماني فلايعقل أن يكون بنفسه في المجتمع البشرى آمراً و ناهياً - بواسطة سعة ألوجود و صرافته - و تقتضى حكمته البالغة ولطفه العميم أن يُعرف إلى النّاس منافعهم و مضارهم فلزم أن يَنْصب أشخاصاً من نوعِ ألناس وأمثالهم ممثلين له و يبعثهم أنبياء ليخرجوا ألناس من الجهل و يجنبوهم المعايب الاخلاقية ويحلوهم بالعلم و ألملكات ألفاضلة حتى يعلموا ألنّاس طرق الصواب ويقرنونهم بالحكمة - النظرية والعملية.

الثاني: دليل ألانّ - ألسّير من المعلول إلى ألعلَّة - و هو معرفة أنبياء الله من معاجزهم وألمعجزة عبارة عن خرق ألعادة و قلب النواميس الطبيعية و ثبوت المعجزات للانبياء من متواترات التاريخ بل وجود معجزة خالدة لنبينا(صلی الله علیه و آله و سلم) في هذا الزمان وهو ألقرآن في هذا الزمان مشاهد و محسوس و هذا الدليل

ص: 27

مضافاً إلى إستقلاله فى الدلالة على النبوة معيّن المصداق الدليل الاول يعنى أنه سبب لمعرفة كل نبى فی کل عصر و زمان و كلمة - يكون معه علم يدل على صدق مقالته - فى حديث هشام تكون إشارة الى هذا الدليل

الثالث: دليل الإنّ أيضًا و هو معرفة الانبياء باخلاقهم و كمالاتهم و عصمتهم القولية و العمليّة لان البشر غريق للشهوات النفسانية و أسير للهوى على المعتاد - فلايكون من بدء العمر إلى نهايته

خاليًا عن ألخطاء والزلل فى القول والعمل و لكن احوال الانبياء و اعمالهم علماً وعملاً ، قولاً وفعلاً لها دلالة واضحة بانهم مؤيدون من عند الله عند الله و معصومون

بالفطرة وإلى هذا الدليل تشير كلمة(وجواز عدالته) بعد كلمة(صدق مقالته) في حديث هشام و يشير إلى هذا المعنى أيضًا حديث فضل بن مسكن الموجود فى الكافي عن الصادق(علیه السلام) أمير المؤمنين(علیه السلام) قال اعرفوا الله بالله والرسول بالرسالة و أولى ألامر بالامر بالمعروف و العدل و الاحسان یعنی اعرفوا الله بالآيات الافاقية وألانفسية و أنبيائه بشؤون الرّسالة من ألمعجزات الظاهرة و العلوم الباهرة و الاخلاق الظاهره و اعرفوا ألائمة(علیهم السلام) بالعدالة و الاعمال الحسنة و الاحسان العام

الحديث الثاني

في الكافي عدة من أصحابنا عن أحمدبن محمدبن خالد عن سماعة بن مهران قال قلت لابيعبد الله(علیه السلام) في قول الله جل وعزّ («فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ)

ص: 28

فقال نوح و ابراهیم و موسی و عیسی و محمد(صلی الله علیه و آله) قلت كيف صاروا أولى العزم فقال لان نوحا بعث بكتاب و شریعه فكل من جاء بعد نوح أخذ بكتاب نوح وشريعته ومنهاجه حتى جاء إبراهيم (علیه السلام) بالصحف و بعزيمة ترك کتاب نوح - لاكفراً به - فكل نبي جاء بعد إبرهيم(علیه السلام) أخذ بشريعة إبرهيم ومنهاجه و بالصحف حتى موسى(علیه السلام) بالتوراة و شريعته و منهاجه و بعزيمة ترك ألصحف فكل نبي جاء بعد موسى أخذ بالتوراة و شریعته و منهاجه حتى جاء المسيح(علیه السلام) بالانجيل و بعزيمة ترك شريعة موسى و منهاجه فكل نبي جاء بعد

المسيح أخذ بشريعته و منهاجه حتى جاء محمد( فجاءَ بالقرآن و بشریعته و منهاجه فحلاله حلال إلى القيامة و حرامه حرام إلى يوم القیامه، فهوءُلاءِ أولوا العزم من الرُّسل.

هذا الحديث موثق على مصطلح المتأخرين لان فى ألسند واقفيان فالكلينى روى عن على بن ابرهيم بن هاشم - و تبين حاله في ألحديث ألثاني من التوحيد وكذا عن على بن محمدبن عبد الله بن أذينة و أحمدبن عبد الله بن أمية وعلى بن الحسن و هم مشايخ الكلينى ويكونون لامحالة، مورد اعتماده و هؤلاء رووا عن أبي جعفر أحمدبن محمدبن خالد عبد الرحمن بن محمدبن على البرقى و هو ثقة ثقة و قد روى عن عثمان بن عيسى و هو وإن كان واقفياً و لكنه من أصحاب الاجماع و موثوق به وجُلّ رواياته مقبولة عند ألعلماءِ و روى عنه أعاظم ألاصحاب و لهذه الجهة، التشكيك في وثاقته خال عن الوجه و هو روى عن سماعة

ص: 29

بن مهران و قال علماء الرجال في حقه - ثقة ثقة - ولم تثبت واقفيته بل تكون معلوم ألعدم و هو روى عن الصادق(علیه السلام) و يقول سألت أباعبد الله(علیه السلام) عن قول الله فاصبر كما صَبَرَ أولوا العزم من الرُّسل من المراد من أولوا العزم من الانبياء(علیهم السلام) فقال هم نوح و ابراهیم و موسی و عیسی و محمد قلت کیف صاروا أولوا العزم فقال كيف لان نوحاً كان له كتاب وشريعة بعث لنشرها و کل نبی جاء من بعده كان يدعو إلى كتاب نوح و شریعته ومنهجه إلى أن جاء إبرهيم بالصحف و أمر بان يترك الناس العمل بكتاب نوح لكن لاكفراً به فكل نبي جاء بعد إبرهيم أخذ بكتاب إبرهيم و أبلغ شريعته إلى أن جاء موسى و أتى بالتوراة وشريعة خاصة و منهاج مخصوص و أمر بترك صحف إبرهيم فكل نبي جاء بعد موسى عمل بتوراة موسى و شریعته و منهاجه إلى أن جاء عيسى بالانجيل و أمر بترك شريعة موسى و منهاجه فكل نبی جاء بعد المسيح كان يعمل بشريعة عيسى إلى أن جاء محمد وأتى بالقرآن و شريعته و منهاجه فحلال محمد حلال إلى يوم القيامة و حرام مح محمد حرام إلى یومألقيامة.

أقول: يقال ألعزيمة و يراد ألارادة ألاكيدة وكذا العزم والثبات في القصد وقد ورد في الرواي-------ات تفاسير متعددة بجهات مختلفة لا ولى العزم.

ثم إنه يظهر من هذا الحديث الشريف إختلاف الاديان من حيث الكمال و ألسعة و إختلاف مراتب الانبياء (علیهم السلام) لان كل نبي أتى بشريعة جديدة و دين جديد وكان ماموراً بترك السّريعة السابقة و هذا

ص: 30

الاختلاف فى التقنين و تشريع الاحكام في كل عصر يدل بوضوح على إختلاف الاحكام وهذا الاختلاف بحكم العقل لم يكن من الشّدة إلى الضعف و من ألكثرة إلى ألقلة و من ألكمال إلى النقص لان السير التكاملي يوجب العكس كما أن إختلاف كل شريعة عن الشريعة السابقة لايكون بالمغايرة والمباينة لانه مع الاغماض عن إستلزامه التناقض في ألجعل و لو بلحاظ المصالح و المفاسد ألنفس الامرية ألتى يبعد تغييرها تغييرًا كلياً فی زمانين، توضح كلمة - لاکفراً به - بان كل شريعة فى طول الشريعة السابقة متمّمة للاحكام ومكملة للجهات إلى أن وصلت النوبة إلى آخر شريعة ربانية و أكمل قانون الهی و صارت شريعة خالدة و دينا دائما للدهر و هى الشريعة ألحقة ألاسلامية و من البديهى أن مقدار شرافة أستاد أى فن و کمال کل صاحب کمال إنما هو بمقدار شرافة ذلك الفن و هذا الكمال لان المعطى لامحالة لا يكون فاقداً فاودع أكمل الاديان عند أشرف الرُّسل وبهذ مالجهة تقول النسخ بمعنى تكميل الشرع بالنسبة إلى الاديان السابقة معقول وفي هذا الدين غير معقول وعليهذا بعثة نبى بعد صاحب هذا الدين الكامل لغو و صدور اللغو عن الحكيم تعالى محال فكلمة لانبى بعدى كما ثبت نقلاً معت-برعقلاً.

الحديث الثالث

في المجلدالسادس من بحارالانوار عن قرب الاسناد عن الحسن بن ظريف عن معمَّر عن الرضا عن أبيه موسي بن جعفر(علیهم السلام) قال كنت عند أبي عبدالله ذات يوم و أنا طفل خماسي إذ دخل

ص: 31

علیه نفر من اليهود فقالوا أنت إبن محمد نبى هذه الامة و الحجة على أهل الارض قال لهم نعم، قالوا إنا نجد فى التوراة أنَّ الله تبارك وتعالى أتى ابراهيم و ولده الكتاب و الحكم و النبوة وجعل لهم ألملك و الامامة و هكذا وجدنا ذرية ألانبياء لاتتعداهم النبوة والخلافة و الوصية فما بالكم قد تعدّاكم ذلك و ثبت في غيركم و نلقاكم مستضعفين مقهورين لايرقب فيكم ذمة نبيكم فدمعت عينا أبي عبد الله(علیه السلام) ثم قال نعم لم تزل أنبياء الله مضطهدة مقهورة مقتولة بغير حق و الظلمة غالبة وقليل من عباد الله الشكور قالوا فان الانبياء و أولادهم علمو من غير تعليم و أوتوا العلم تلقيناً كذلك ينبغي لائمتهم وخلفائهم و أوصيائهم فهل أوتيتم ذلك فقال أبو عبد الله اُدن يا موسى فدنوت فمسح يده على صدرى ، ثم قال ، اللهمَّ أيده بنصرك بحق محمد و آله ثم قال سلوه عما بدا لكم قالوا وكيف نسأل طفلاً لايفقه قلت سلونى تفقُّهاً و دعوا ألعنت قالوا أخبرنا عن الآيات التسع ألتى أوتيها موسى بن عمران قلت ألعصاء و اخراجه يده فى جيبه بيضاء و الجراد والقمل و الضفادع و الدم و رفع الطور وألمن والسلوى آية واحدة و فلق ألبحر قالوا صدقت فما أعطى نبيكم من لآيات اللاتى نفت ألشك عن قلوب من أرسل إليه قلت

آيات كثيرة أعدها إنشاء الله فاسمعوا و وعوا و أفقهوا أما أوّل ذلك فانكم أنتم تقرون أن الجن كانوا يسترقون السّمع قبل مبعثه فمنعت فى أوان رسالته بالنجوم و إنقضاض النجوم و بطلان الكهنة و السحرة ، و من ذلك كلام الذئب يخبر بنبوته و اجتماع العدو و الولى على

ص: 32

صدق لهجته وصدق أمانته وعدم جهله و أيام طفولیته و حين أيفع وفتى وكهلاً لايعرف له شكل و لايوازيه مثل و من ذلك أن سيف بن ذي يزن حين ظفر بالحبشة و فد عليه قريش فيهم عبد المطلب فسألهم عنه و وصف لهم صفته فاقروا جميعاً بان هذه الصفة في محمد (صلی الله علیه و آله و سلم) فقال هذا أوان مبعثه و مستقره أرض يثرب و موته بها و من ذلك، أنَّ أبرهة بن يكسوم قادالفيلة إلى

بيت الله الحرام ليهدمه قبل مبعثه فقال عبد المطلب إن لهذا البيت رباً يمنعه ثم جمع أهل مكة فدعى هذا بعد ما أخبره سيف بن ذي يزن - فأرسل الله تبارك وتعالى عليهم طيرًا أبابيل فدفعهم عن مكة . و من ذلك ، أنَّ أبا جهل عمروبن هشام المخزومى أتاه و هو نائم خلف جدار و معه حجر يريد أن ي------رمي-ه

به فالتصق بكفّه.

و من ذلك، أن أعرابيا باع ذوداً له من أبى جهل فمطله بحقه فاتى قريشا ، فقال: اعدونى على

أبى الحكم فقد لوّى بحقى فاشاروا إلى محمد(صلی الله علیه و آله و سلم) يصلّى فى الكعبة فقالوا انت هذا الرجل فاستعديه علیه و هم يهزون بالاعرابی فاتاه فقال له ياعبد الله

اعدني على عمروبن هشام فقد منعنى حقى قال فانطلق معه فدق على أبي جهل بابه فخرج إليه متغيّراً فقال له ما حاجتك قال أعط الاعرابي حقه قال نعم وجاء ألاعرابي إلى قريش فقال جزاكم الله خيرًا إنطلق معى الرجل الذى دللتموني عليه فاخذ حقى و جاءَ أبوجهل فقالوا أعطيت ألاعرابي حقه ؟ قال نعم قالوا إنما أردنا أن نغريك بمحمد و نهزءُ بالاعرابی

ص: 33

فقال ما هو إلادقّ بابي فخرجت إليه فقال أع------------ط الاعرابي حقه و فوقه مثل الفحل فاتحاً فاه يريدني فقال أعطه حقه فلو قلت لا لابتلع رأسك فاعطيته.

و من ذلك، أنَّ قريشا أرسلت النضر بن الحرث و علقمة بن أبي معيط بيثرب إلى اليهود و قالوا لهما إذا قدمتما عليهم فاسألوهم عنه و هما قد سألوهم عنه فقالوا صفوا لنا صفته فوصفوه و قالوا من تبعه منكم قالوا سفلتنا فصاح حبر منهم فقال هذا النَّبِيُّ ألذي نجد نعته في التوراة

ونجد قومه أشد الناس عداوة له.

و من ذلك ، أنَّ قريشًا أرسلت سراقة بن جعشم حتى يخرج إلى المدينه فى طلبه فلحق به فقال صاحبه هذا سراقة يا نبي الله(صلی الله علیه و آله) فقال اللهم اكفنيه فساخت قوائم فرسه فناداه یا محمد خل عنی خلّ عنى بموثق أعطيكه أن لا أنا غيرك و كل من عاداك لا أصالح

صح فقال النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) أللهم إن كان صادق القول فاطلق

فرسه فوفی و ما إنثنى بعد ذلك.

و من ذلك ، أن عامر بن الطفيل و أزيد بن القيس أتيا النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) فقال عامر: لا زيد إذا أتيناه فانا أشاغله عنك فاعله بالسيف فلما دخلا عليه قال عامر یا محمد حال قال لا حتى تقول أشهد أن لا إله إلا الله و انی رسول الله و هو ينظر إلى أزيد و أزيد لايخبر شيئاً فلما طال ذلك نهض و خرج وقال لازيد ما كان على وجه الارض أخوف على نفسه فتكاً منك و لعمرى لابعد أليوم فقال له أزيد لا تعجل فانی ما هممت بما أمرتنى به إلا و دخلت ألرجال بيني و بينك حتى ما أبصر غيرك فاضربك.

ص: 34

و من ذلك ، أنَّ أزيد بن قيس و النضربن الحرث إجتمعا على أن يسألانه عن الغيوب فدخلا عليه فاقبل النبيُّ (صلی الله علیه و آله و سلم) على أزيد فقال يا أزيد أتذكر ما جئت له يوم كذا ؟ و معك عامر بن الطفيل و أخبر بما كان منهما فقال أزيد والله ما حضرنى و عامرًا أحد وما أخبرك بهذا إلا ملك السماء وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له و أنك رسول الله.

و من ذلك ، أن نفراً من اليهود أتوه فقالوا لابى الحسن جدى ، إستأذن لنا على إبن عمك نسأله قال فدخل على(علیه السلام) فاعلمه قال النبي(صلی الله علیه و آله وسلم) و ما يريدون منى فانى عبد من عبيد الله لا أعلم إلا ما علمنى ربى ثم قال اذن لهم فدخلوا عليه فقال أتسألوني عما جئتم به أم أنا أنبئكم قالوانبئنا قال جئتم تسألونى ذى القرنين قالوا نعم ، قال كان غلاماً من أهل الروم ثم ملك و أتى مطلع الشمس ومغربها ثم بنى السَّدَّ فيها قالوا نشهد أن هذا كذا.

و من ذلك ، أنّ واصبة بن معبد ألا سدى أتاه فقال لا أدع من البر وألائم إلا سألته عنه فلما أتاه قال له بعض أصحابه إليك يا واصبة عن رسول الله فقال النبى (صلی الله علیه و آله وسلم) دعه ادن يا واصبة فدنوت فقال أتسأل عما جئت له أو أخبرك قال أخبرنى قال جئت تسأل عن البر و ألاثم قال نعم فضرب بيده على صدره ثم قال يا واصبة ألبر ما إطمأنت به ألنفس و البر ما إطمان به الصدر و الاثم ماتردد فى الصدر و جال في ألقلب وإن أفتاك الناس و افتوك.

و من ذلك ، أنه أتاه وقد عبد القيس فلما أدركوا

ص: 35

حاجتهم عنده قال أئتونى بتمر أهلكم مما معكم فاتاه كل رجل منهم بنوع منه فقال النبيُ(صلی الله علیه و آله وسلم) هذا يُسمّى كذا و هذا يُسمّى كذا فقالوا أنت أعلم بتمر أرضنا فوصف لهم أرضهم فقالوا أدخلتها ؟ قال لا و لكن فسح لى فنظرت إليها فقام رجل منهم فقال يا رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) هذا خالی و به خبل فاخذ بردائه ثم قال اخرج عدوالله ثلاثاً ثم أرسله فبرءَ و أتوه بشاة هرمة فاخذ أحد أذنيها بين أصابعه فصار لها ميسما ثم قال خذوها فانّ هذه السمة في آذان ما تلد إلى يوم القيامة فهى توالد و تلك في آذانها معروفة غير مجهولة.

و من ذلك ، أنه كان في سفر فمر على بعير قد أعيى وقام مبركاً على أصحابه فدعى بماء فتمضمض منه في إناء وتوضأ وقال إفتح فاه فصبّ في فيه فمر ذلك الماء على رأسه و حاركه ثم قال اللهم احمل خلاداً عامراً ورفيقهما و هما صاحبا الجمل فركبوه و أنه ليهتز بهم أمام الخيل و من ذلك ، أنَّ ناقة لبعض أصحابه ضلت فى سفر كانت فيه فقال صاحبها لو كان نبيًّا يعلم أمر الناقة فبلغ ذلك النبي(صلی الله علیه و آله وسلم) فقال ألغيب لايعلمه إلا الله إنطلق يا فلان فان ناقتك بموضع كذا وكذا قد تعلق زمامها بشجرة ، فوجدها كما قال و من ذلك ، أنه مرَّ على بعير ساقط فتبصبص له فقال إنه ليشكو شرّ ولاية أهله ، له و يسأله أن يخرج عنهم فسأل عن صاحبه فأتاه فقال بعه و أخرجه عنك فأناخ البعير يرغو ثم نهض وتبع النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) فقال يسألني أن أتولى أمره فباعه من على(علیه السلام) فلم يزل عنده

ص: 36

الی ایّام صفین.

و من ذلك ، أنه كان في مسجده إذ أقبل جمل ناد حتى وضع رأسه في حجره ثم خرخر فقال النبى (ص) يزعم هذا أنَّ صاحبه يريد ن ينحره في وليمة على إبنه فجاء يستغيث فقال رجل يا رسول الله هذا لفلان وقد أراد به ذلك فارسل إليه وسأله أن لا ينحرْ ففعل.

و من ذلك ، أنَّه دعا على مُضر فقال أللهم أشدد

وطأتك على مضر و اجعلها عليهم کسنی یوس فأصابهم سنون فاتاه رجل فقال فوالله ما أتيتك حتى لا يخطر لنا فحل ولا يتردد منا رائح فقال رسول الله (ص) اللهم دعوتك فأجبتنى و سألتك فأعطيتني فاسقنا غيثاً مغيثاً مرياً سريعاً طبقاً سجا لاً عاجلا غير رائث نافعاً غير ضار فما قام حتى ملأ كلشي و دام علي- عليهم جمعة ، فاتوه فقالوا يا رسول الله(صلی الله علیه و آله وسلم) إنقطعت سبلنا و أسواقنا فقال النبي(صلی الله علیه و آله وسلم) حوالينا وماعلينا فانجابت السحابة عن المدينة و صار فيما حولها وأمطروا أشهراً.

ومن ذلك، أنه توجه إلى الشام قبل مبعثه مع نفر من قريش فلما كان بحيال بحيرا الراهب نزلوا بفناء ديره وكان عالماً بالكتب وقد كان قر فى التوراة مرور النبى(صلی الله علیه و آله وسلم) به و عرف أوان ذلك فامر فدعى إلى طع---ام-----ه فاقبل يطلب الصفة فى القوم فلم يجدها فقال هل بقى في رجالكم أحد فقالوا غلام يتيم قال فقام بحيرا الراهب فاطلع فاذا هو برسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) نائم وقد أظلته سحابة فقال للقوم أدعوا هذا اليتيم ففعلوا و بحيرا

ص: 37

اغر في لام سلمة فغرفت فما زالت تغرفت حتی و جهت

فی إلى نسائه التّسع قرصة قرصة و مرقاً ثم قال اغر في لابنيك و بعلك ثم قال اغرفي وكلى و أهدى لجاراتك ففعلت و بقی عندهم أياماً يأكلون.

و من ذلك ، أنَّ إمرأة عبد الله بن مسلم أتته بشاة مسومة و مع النبیُ بشر بن ألبر بن عازب فتناول ألنبى الذراع وتناول بشر الكراع فاما النبي فلاكها ولفظها وقال إنها لتخبرني أنها مسمومة و أماً بشر فلاك المضغة و إبتلعها فمات فارسل إليها فأقرت فقال ماحملك على ما فعلت قالت قتلت زوجي و أشراف قومی فقلت إن كان ملكاً قتلته وإن كان نبيًّا فسيطلعه اللّه تبارك و تعالى على ذلك.

و من ذلك، أنّ جابر بن عبد الله الانصارى قال رأيت ألنّاس يوم الخندق يحفرون و هم خماص و رأیت النبى يحفر و بطنه خميص فاتيت أهلى فاخبرتها فقالت ماعندنا إلا هذه الشّاة و محرز من ذُرّة قال فاخبزي و ذبح الشّاة و طبخوا شقها و شووا ألباقى حتى إذا أدرك أتى النبي فقال يا رسول الله إتخذتُ طعاماً فائتنى أنت ومن أحببت فشبك أصابعه في يده ثم نادي إن جابراً يدعوكم إلى طعامه فاتى أهله مذعوراً خجلاً فقال لها هي الفضيحة قد حصل بهم أجمعين فقالت أنت دعوتهم أم هو ؟ قال (هو) قالت فهو أعلم بهم فلما دنا أمر بالانطاع و أمران يجمع التوارى - يعنى

قصاعاً كانت من خشب و الجفان ثم قال ماعندكم الطعام فاعلمته فقال غُطّوا السّدانة و البُرمة و التنور و اغرفوا و اخرجوا الخبز واللحم وغطوا فمازالوا يغرفون

ص: 38

و ينقلون ولايرونه ينقص شيئاً حتى شبع القوم و ثلاثة الآف ثم أكل جابرو أهله و أهدوا و بقى عنده- أياماً .

و من ذلك ، أنَّ سعد بن عبادة ألا نصارى أتاه عشيَّة و هو صائم فدعاه إلى طعامه و دعا معه علی بن

أبيطالب (ع) فلما أكلوا قال النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) نبى و وصى يا سعد أكل طعامك ألابرار وأفطر عندك الصائمون و صلت عليكم ألملائكة فحمله سعد على حمار قطوف وألقى

عليه قطيفة فرجع ألحمار وأنه لهملاج مايساير و من ذلك ، أنَّه أقبل من الحديبية وفي ألطريق ماء يخرج من و شل بقدر ما يروى ألراكب و الراكبين قال من سبقنا إلى ألماء فلا يستقين منه فلما انتهى إليه دعا بقدح فتمضمض فيه ثم صبه فى الماء ففاض الماء فشربوا و ملأوا اداوهم و مياضيهم و توضأ وا فقال النبى(صلی الله علیه و آله وسلم) لئن بقيتم أو بقى منكم ليستقين بهذا ألوادى يسقى من

بين يديه من كثرة مائه فوجدوا ذلك كما قال.

و من ذلك إخباره عن الغيوب و ما كان ومايكون فوجدوا ذلك موافقاً لما يقول.

و من ذلك أنه أخبر صبيحة ألليلة التى أسرى به بماراى في سفره فانكر ذلك بعض و صدقه بعض آخر فاخبرهم بما رأى من ألمارّة و الممتارة وهيئاتهم ومنازلهم وما معهم من الامتعة و كذا

أنه رأى عيراً أمامها بعير أو رق و أنه يطلع يوم کذا من العقبة مع طلوع الشمس فغدوا يطلبون تكذيبه للوقت الذى وقته لهم فلما كانوا هناك طلعت الشمس فقال بعضهم كذب الساحر و بصر آخرون بالعير قد أقبلت يقدمها الاورق فقالوا صدق، هذه نعم، قد

ص: 39

أقبلت.

و من ذلك أنه أقبل من تبوك فجهدوا عطش بادر ألناس إليه يقولون ، ألماء ألماء يا رسول الله(صلی الله علیه و آله وسلم) فقال لابى هريرة هل معك من ألماء شي قال كقدر قدح في ميضاتی قال هلم ميضاتك فصب مافيه فى قدح و دعا و أعاده وقال ناد من أراد ألماء ؟ فاقبلوا يقولون ألماء يا رسول الله فما زال يسكب و أبو هريرة يسقى حتى روى ألقوم أجمعون وملأوا ما معهم ثم قال لابى هريرة اشرب فقال بل آخركم شرباً فشرب رسول الله(صلی الله علیه و آله وسلم) و شرب .

و من ذلك أن أخت عبد الله بن رواحة الانصاري مرت به أيام حفرهم الخندق فقال لها إلى أين تریدین ؟ قالت إلى عبد الله بهذه التّمرات ، فقال هاتیهن فنشرت فى كفه ثم دعا بالانطاع و فرقها عليها وغطاها بالازروقام و صلّى ففاض ألتمر على الانطاع ثم نادى هلموا وكلوا فاكلوا و شبعوا و حملوا معهم و دفع ما بقى إليها و من ذلك أنه كان في سفر فاجهدوا جوعاً فقال من كان معه زاد فلياتنا به فاتاه نفر منهم بمقدار صاع فدعا بالازرو الانطاع ثم صبَّ التّمر عليهما و دعا ربه فأكثر الله ذلك التمر حتى كان ازواد هم إلى المدينة .

و من ذلك أنه أقبل من بعض أسفاره فاتاه قوم

فقالوا يا رسول الله إن لنا بئراً إذا كان ألق- إجتمعنا عليها و إذا كان الشّتاء تفرقنا على مياه حولنا وقد صار من حولنا عدو لنا فادع الله في بئرنا فتفل(صلی الله علیه و آله وسلم) فى بئرهم ففاضت المياه المغيبة وكانوا

ص: 40

لا يقدرون أن ينظروا إلى قعرها بعد من كثرة مائها فبلغ ذلك مسيلمة الكذاب فحاول مثله من قليب قليل مائه فتفل ألا نكد ، فى القليب فغار مائه وصار كالجيوب.

و من ذلك أنَّ سراقة بن جشعم حين وجهه قریش فى طلبه ناوله نبلا من كنانته و قال له، ستمر برعاتی فاذا وصلت إليهم فهذا علامتى أطعم عندهم و أشرب فلما انتهى إليهم أتوه بعنز حایل فمسح(صلی الله علیه وآله وسلم) ضرعها فصارت حاملاً ودرّت حتى ملا الاناءُ و ارتووا.

و من ذلك أنه نزل بام شريك فاتته بعكة فيها سمن فاكل هو و أصحابه ثم دعا بالبركة فلم تزل ألعكة تصبّ سمنا أيام حياتها.

ومن ذلك أن أم جميل إمرأة أبى لهب أتته حين نزل سورة تبت و مع ألنبى(صلی الله علیه وآله وسلم) أبوبكر بن أبي قحافة فقال يارسول الله هذه أم جميل محفظة - (اى مغضبة ) - تريدك و معها حجر تريد أن ترميك به فقال إنها لاترانى فقالت لابي بكر أين صاحبك قال حيث شاء الله قالت لقد جئته و لو أراه لرميته فانه هجانی و اللات والعُزّى إنى لشاعرة فقال أبوبكر يارسول الله لم ترك ؟ قال لا، ضرب الله بيني وبينها حجابا.

و من ذلك كتابه ألمهيمن ألباهر لعقول الناظرين ما أعطى من ألخلال التى إن ذكرناها لطالت

مع فقالت اليهود وكيف لنا بأن نعلم أن هذا كما وصفت ؟ فقال لهم موسى(علیه السلام) وكيف لنا بأن نعلم أن ما تذكرون من آيات موسى(علیه السلام) على ما تصفون؟ قالوا، علمنا ذلك بنقل البررة الصادقة قال لهم فاعلموا صدق ما

ص: 41

آتيناكم بخبر طفل لقّنه ألله من غير تلقين ولامعرفة عن النّاقلين، فقالوا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله(صلی الله علیه و آله وسلم) و أنكم الائمة والقادة و الحجج عند الله على خلقه فوثب أبوعبد الله ( علیه السلام) فقبل بين عينى ثم قال أنت القائم من بعدى فلهذا قالت ألواقفة إنَّه حى و إنه ألقائم ثم كساهم أبو عبدالله و وهب لهم و إنصرفوا مسلمين هذا الحديث معتبر لان صاحب قرب الإسناد هو أبو العباس عبد الله بن جعفر بن مالك بن الحسين بن

جامع الحميرى شيخ ألقميين و من أصحاب أبى العسكرى(علیه السلام) ثقة و روى عن حسن بن ظريف بن ناصح ألكوفى هو ثقة و روى ألحديث عن معمربن خ--لاد الثقة من رواه الرّضا عليه السّلام و هذا الحديث المشتمل على الادلة لاثبات نبوة خاتم الانبياء محمدبن عبدالله(صلی الله علیه وآله وسلم) ناظر إلى طرق أربعة؛

الاول: المعجزات و خوارق العادات التي ظهرت منه التى أفادت الموجودين فى زمانه فان لم تنقل لغير الموجودين في زمانه بنقل صحيح ليس لهم دليل.

الثاني: بشائر الانبياء ألماضين بنُبُوّته و بعثته و

أخبار الكتب السّماويّة بعلائمه الشّخصيّة.

الثالث: صفاته الشّريفة وأخلاقه الحميدة التى يمتنع عادة إجتماعها مع تلك القوة والشّدّة في النّاس المتعارفين وكل عاقل منصف يمكنه أن يطّلع من صفاته إلى مقام نورانيّته و منصبه و هو الخلافة من الله على خلقه.

الرابع: و هو أهم و أشرف من جميع معجزاته

ص: 42

ألا و هو ألقران الكريم المتناول بيد جميع الطَّبقات يسير مع الخلود و ألقرآن مع كونه بحسب صورت------ه الخارجية ليس وراءَ ألالفاظ الّتى وجودها في مرتبة نازلة من الوجودات و هو ألكيف المسموع و ليس إلا تركيب جملى بين ألالفاظ ألالفاظ و هو أمر يشترك فيه كل أرباب الصناعة من النظم والادب العربي ومع-ذا ينادى بنداء العام مع شهامة تخرق ألعادة جميع أفراد البشر فى طول الزمان وعمود الدَّهر إذا مالوا إلى المبارزة وأنكروا إنتساب القرآن إلى ألله أن يعاضد بعضهم البعض و يتفقوا في معارضة القران بان يأتوا بسور مفتريات ولا أقل من سورة واحدة وفى عين ألحالة تخبر بان هذا العمل لايتحقق في ألخارج وهذا بنفسه إخبار بالغيب و يكون أحد وجوه إعجاز القرآن و نحن إن أردنا بيان وجوه إعجاز القرآن من حسن تركيبه و اشتماله على كافة المعارف و إخباره بالغيب و غير ذلك إحتجنا إلى تأليف كتاب مستقل في ذلك.

الحديث الرابع

في ألكافي محمد بن يحيى عن أحمدبن بن محمدبن عيسى عن الحسن بن محبوب عن إسحاق بن غالب عن أبيعبدالله(علیه السلام) في خطبة له خاصة يذكر فيها حال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) و ألائمة عليهم السّلام و صفاتهم ، فلم يمنع ربنا لحلمه و أناته وعطفه ما كان من عظيم جرمهم و قبيح أفعالهم أن إنتجيب لهم أحب أنبيائه إليه وأكرمهم عليه محمدبن عبد الله(صلی الله علیه وآله وسلم) في حومة العز مولده و في دوحة ألكرم محتده غیر مشوب حسبه و لاممزوج نسبه و لامجهول عند أهل

ص: 43

ألعلم صفته بشرت به الانبياء في كتبها و نطقت ب----ه العلماء بنعتها و تأملته الحكماء بوصفها مهذب لایدانی هاشمى لايوازى أبطحي لايسامى شيمته الحياء طبيعته ألسَّخاء مجبول على أوقار النبوه و أخلاقها مطبوع على أوصاف الرسالة و أحلامها إلى أن إنتهت به أسباب مقاديرالله إلى أوقاتها و جرى بامر الله ألقضاء فيه إلى نهاياتها أداه(وافى) - محتوم قضاء الله إلى غاياتها يبشربه كل أمة من بعدها و يدفعه كل أب الى أب من ظهر إلى ظهر لم يخلطه في عنص- سفاح و لم ينجسه فى ولادته نكاح من لدن آدم إلى أبيه عبدالله فى خير فرقة و أكرم سبط وأمنع رهط وأكلا حمل و أودع حجر إصطفاه الله و ارتضاه و اجتباه وآتاه من العلم مفاتيحه و من ألحكم ينابيعه إبتعثه الله رحمة للعباد و ربيعًا للبلاد. و أنزل الله إليه ألكتاب فيه ألبيان و ألتبيان قرآناً عربياً غير ذى عوج لعلهم يتقون قد بينه للناس و نهجه بعلم قد فصله و دین قد أوضحه و فرائض قد أوجبها وحدود حدّها للناس وبينها و أمور قد كشفها لخلقه و أعلنها فيها دلالة إلى النَّجاة و معالم تدعو إلى هداة فبلغ رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ما أرسل به و صدع بما أمر وأدى ما حمّل من أثقال النُبُوَّة و صبر لربه و جاهد في سبيله ونصح لامته و دعاهم إل----------ى النّجاة وحثّهم على الذكر و دلّهم على سبيل الهدى بمناهج و دواع أسّس للعباد أساسها و منازل رفع لهم أعلامها كي لايضلوا من بعده و كان بهم رؤوفاً رحيماً.

هذا الحديث الشريف صحيح لان السند مشتمل

ص: 44

على محمدبن يحيى العطار و أحمد أحمدبن بن محمدب--ن عیسی و قد مضى حالهما في الحديث الاول من التوحيد و الحسن بن محبوب، وقدسبق ذكره فی الحديث الثالث من التوحيد و اسحاق بن غالب الاسدى و هو ثقة و هو روى عن الصادق(علیه السلام) في ضمن خطبة يذكر فيها صفات النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) وحالاته وكذا الائمة الهدى عليهم السّلام و يقول بانه لم يمنع الله لحلمه و صبره و عطوفته على عباده المعاصى الكبيرة و الاعمال القبيحة الصادرة عن الناس بان يبعث فيهم أحبَّ الانبياء اليه واكرمهم لديه و هو محمدبن عبدالله(صلی الله علیه وآله وسلم) و ينتخبه للرسالة لهم و مستقره في موطن الجود و الكرم نبى مولده فى مركز العزّ والشرف لااشتباه في اصله و حسبه و لاتلويث في عمود نسبه لیست صفاته

و علائمه عند أهل العلم مستورة قد بشر بوجوده الشريف الانبياء في كتبهم السَّماوية وصرح العلماء باوصافه التي كانت في تلك الكتب ونظر الحكما بدقة فيه للتامل في أوصافه لايلحق به في اخلاقه الزكية احد ولايوازنه في شرافة نسبه (الهاشمية)-- فرد ولا اعلى من هذا الرسول الابطحى شخص ، عادته الحياء و سجيته الجود والسخاء وطبيعته المتانة والوقار عجنت خميره باخلاق النُّبُوَّة و إنطبعت أوصاف الرسالة و مشقاتها في مرآت وجوده إلى أن اوصلت اليه نواميس المقدرات الالهية زمان النُّبُوَّة و بجريان التقدير و مشيّة ألله تعالى إتصل ألسير وحركة المقدرات به و عاضد، قضاءُ الله المبرم، النبي الاكرم إلى نهاية المقدرات المعيّنة الزمان المعهود كل امة من الامم بشرت الامة

ص: 45

مشرف عليه و هو يسير، و السحابة قد أظلَّته ، فاخبرالقوم بشأنه و أنه سيبعث فيهم رسولاً و ما يكون من حاله و أمره ، فكان القوم بعد ذلك يهابونه و يجلّلونه فلما قدموا أخبروا قريشاً بذلك وكان معهم عبدخديجة بنت خویلد فرغبت في تزويجه و هي سيدة نساء قريش و قد خطبها كل صنديد و رئيس قد أبتهم فزوجته نفسها بالذي بلغها من خبر بحيراء و من ذلك ، أنَّه كان بمكة قبل الهجرة أيام البت علیه قومه و عشائره فأمر عليّاً (علیه السلام) أن يامر خديجة أن تتخذله طعاماً ففعلت ثم أمره أن يدعوله أقربائه من بنى عبد المطلب فدعا أربعين رجلاً فقال أحضر لهم طعاماً يا على فاتاه بثريدة وطعام يأكله ألثلاثة و الاربعة ألا ربعة فقدمه عليهم فقال كلوا وسمّوا فسمّى و لم يسمّ ألقوم فاكلوا و صد روا شبعى، فقال أبوجهل جاد ما سحركم محمد(صلی الله علیه وآله وسلم) يطعم من طعام ثلاثة رجال أربعين رجلاً هذا والله هو السحر الذي لابعده، فقال على(علیه السلام) ثم أمرنى بعد أيام فاتخذت له مثله و دعوتهم بأعيانهم فطعموا وصدروا و من ذلك ، أنَّ على بن أبيطالب قال دخلت السوق فابتعت لحماً بدرهم وذرة بدرهم و أتيت فاطمة(علیها السلام) حتى إذا فرغت من ألخبز والطبخ قالت لو دعوت أبى فأتيته و هو مضطجع و هو يقول أعوذ بالله من الجوع ضجيعا فقلت له يا رسول الله إنَّ عندنا طعاماً فقام وإتّكى علىّ ومضينا نحو فاطمة فلما دخلنا قال هلمّى طعامك يا فاطمة فقدمت إليه البرمة و القرص فغطّى القرص ثم قال اغر فى لعايشة فغرفت ثم قال

ص: 46

اللاحقه بوجوده و إنتقلت مادة عنصره من صلب الى صلب و لم يكن فى عنصره لوث الزنا و لم يدنس نكاح غير مشروع ولادته من زمن آدم الى أبيه عبدالله وجد في أحسن الطوائف

و أشرف القبائل و أعزّ الاقوام و أعف الفئات و أورع الذيول إصطفاه الله و إختاره و إنتخبه و أودعه مفاتيح العلوم وينابيع الحكمة جعل بعثته لطفاً على العباد وعمراناً للبلاد أنزل معه كتاباً فيه بيان كل شئ و تفصیل كل حكم قراناً عربيًّا غير ذى عوج و خال ع----------ن الخطأ لعلَّ الناس يتعلمون ويتقون أنزل القران للناس ببيان واضح وطريق لائح لانه قد جعل فيه العلم بحقائق الاشياء مفصلاً و دينا ناصعًا وفرائض واجبة و حدوداً إجتماعيّة التي عيّنها للانسان وكشف و أعلن لهم أموراً هي أدلة على النّجاة و علائم هي طرق للهداية فالرسول بلغ أمر الرّسالة و أدّى ماموريته وحمل على عاتقه هذا الحمل التقيل و هو وظيفة الرسالة وصبر لله وتحمل المشاق فى سبيله نصح أمته و دعاهم إلى طريق النجاة وشجعهم الى ذكرالله و القرآن و دلَّهم إلى طريق الهدى بطرق واضحة

ودواع الهيَّة أسّس أساسها لعبادالله و رفع أعلامها بمدارج علميّة كى لايضلوا بعده و كان بهم ن بهم رؤوفا رحيمًا.

هذا الحديث يدل على مطالب شريفة.

الاول: مقام أشرفيَّة خاتم الانبياء على جميع الانبياء

لانه جعله أحبُّ ألانبياء إلى الله وأكرمهم لديه.

ألثاني: أنَّ السَّنة الالهيّة في تكامل العقول البشرية وحصول الاستعداد الكامل لضبط المعارف

ص: 47

الاسلامية والعمل بالاحكام الالهيّة صار سببا لان ياتي النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) فى عالم النّاسوت بعد مرور دهور و غِبّ جميع الانبياء و يبعث بالنُّبُوَّة.

الثالث: بشائرُالانبياء والرسل به ببعثتم وبرسالته وإطلاع الامم باجمعهم على ذلك.

الرابع: دلالة صفاته الحميدة على مقام نبوته.

الخامس: طهارة عنصره و طیب مولده من لدن خلقة آدم إلى زمن أبيه عبدالله.

السادس: اشتمال القرآن على جميع الحقائق و ألمعارف و الاحكام وأنه إذا نظر فيه أحد بتأمل و دقة مقدارا ما و لم يرفع اليد عن ضميره لاهتدى ال-----------ى الصراط المستقيم.

السابع: ان النبي الاعظم (صلی الله علیه وآله وسلم) أسّس أساس الوصاية والامامة وعيّن بيوت الخلافة كي لايضل النّاس من بعده.

الحديث الخامس

فى الكافى محمدبن يحيى عن احمدبن محمد عن على بن الحكم عن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال ما اكل رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) متكياً منذ بعثه الله إلى أن قبضه و ما رؤى ركبته أمام جلیسه في مجلس قط ولاصافح رسول الله رجلاً قط فنزع يده من يده حتى يكون الرجل هو الذي ينزع يده و لاكافى رسول الله بسيئة قط قال الله تعالى: إدفع بالتي هی أحسن السيئة، و ما منع سائلاً قط إن كان عنده أعطى والا قال ياتى الله به ولاأعطى على الله شيئا إلا أجازه الله إن كان ليعطى الجنة فيجيز الله تعالى ذلك له قال وكان أخوه من بعده(وألذى ذهب

ص: 48

بنفسه) ما اكل من ألدنيا حراماً قط حتى خرج منها و الله إنكان ليعرض له ألامران كلاهما لله طاعة فيأخذ باشدهما على بدنه و الله لقد أعتق ألف مملوك لوجه الله تعالى دبرت فيهم يداه والله ما أطاق عمل رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) من بعده أحد غيره و الله ما نزلت برسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) نازلة قطّ إلا قدمه فيها ثقة منه به و إن كان رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) ليبعثه برايته فيقاتل جبرائیل عن يمينه و ميكائيل عن يساره ثم مايرجع حتى يفتح الله تعالى له

هذا الحديث صحيح و معتبر لان محمدبن يحيى العطار روى عن احمدبن محمدبن عيسى – و قد مضى فى الحديث الاوّل من التوحيد حالهما عن علی بن الحكم الكوفى و هو ثقة عن أبى ألحسن معوية ب-----------ن وهب البجلى و هو ثقة صحيح الحديث عن الص---ادق(علیه السلام) قال إن رسول الله من بداية بعثته إلى نهاية حياته لم يتكأ على يده أو شيء آخر في حالة ألاكل لم ير أحد ركبتيه المباركتين فى مقابل جليسه ولم يصافح و رفع يده عن يده إلا كان الآخر هو الذى يرفع يده عن يد النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) ولم يكافوء النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) سيئة قط بمثلها إن الله يقول كافئى السيئة بالحسنة و كان كذلك و لم يرد سائلاً قط بل إن كان عنده عنده شی وه وإلا قال له إن الله يلطف و لم يتعهد على الله عطاء إلا انه كان موردا لاجازه الله تعالى، حتى وإن كان يهب ألجنة كان الله تعالى يجيز ذلك

قال وكان أخوالنبي (صلی الله علیه وآله وسلم) (علىّ علیه السلام) بعده (قسماً بالهٍ قبضه إليه) لم يتصرف فى ألدنيا في شيءٍ حراماً

ص: 49

وإذا إتفق هناك طاعتان لله إختار ما هو أشقُّ على وجوده المبارك قسما بالله قد أعتق في سبيل الله ألفاً من ألعبيد (قد أجرح لاشترائهم يديه الشريفتين) قد حصلهم بكدِّ اليمين والشغل و الكسب والله ليس في طاقة أحد أعمال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) بعده إلا عليّاً (علیه السلام) و قسمى بالله إنه لم تكن بليَّةً و لاحادثة مهمة ترد على النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) إلا أنه لوثوقه بعلى قدم عليّاً فيها وكان إذا يرسل عليّاً مع الراية فى حرب من ألحروب ك--ان جبرائيل يعاضده عن يمينه و ميكائيل عن شمال- شماله و لايرجع عن الحرب إلا كان ألفتح نصيبه.

في هذا الحديث بيّن ألامام جملة مختصرة من مكارم أخلاق النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) منفردا كان أو فى الاجتماع فمن اخلاقه حالة الانفراد أنّه لم يأكل طعاماً أيام نُبوته متكئاً بيد أو غيره تواضعاً لله بحد كان في مقابل نعمة ألله حال أكل الطعام مؤدَّبا وقورًا وكان منسخلاً عن التفرعن و منسلباً عن الهوى إلى حدّ لم يتكاً للتبرز أو الراحة .

و أما أخلاقه الاجتماعية فهوإذا جلس مع أحد كان يأخذ ركبتيه رافعتين إليه بمعنى أنه كان في الجلوس أيضًا متواضعاً وكان إذا وضع يده في يد أحدٍ حبًا و تلطفاً لم ينزع يده عن يده حتى لايصير موجبا لانزعاجه و مبرزاً لملاله عن أدامة مؤانسته.

وأيضًا فِى جميع أيام رسالته مع ما تشهد ضرورة التاريخ بتوفَّر جنايات الاقرباء و ألاجانب عليه لم يتصدّ للانتقام بل كان يجازئ السيئة بالحسنة وإذا كان للشخص مقدار مّا من الضمير الحرّ يصدِّق بوضوح أن شخصاً

ص: 50

مثله مع الشرف ألمعنوى و المنصب الالهي و نية خالصة و أعمال طيّبة وإرشاد الناس على وجه العموم يكون من المستحيل عادة أن يقع مورد ألتهم الكاذبة من السحر و الافتراء على الله و ألجنون و الكهانة و نسج الاساطير و أمثال ذلك و يؤذى تارة بالرّمى بالحجر و أخ---------رى باللطم و ثالثة يُلفّ على عنقه ألكسا و يؤذى بكل ذلك و مع ذلك يجعل المؤذين و ألظالمين بنية طاهرة

خالصة عن شوب التصنع و الرياء موردا للعطف الاحسان فلابِدْعَ إذا جعل المعصوم (علیه السلام) في الحديث السابق أخلاقه الشَّريفة دليلاً على نُبُوَّته ، إِنَّ عطاء بن مالك يجعل الكساء فى عنقه و يضغظ عليه و يقول مُرنى بمال الله فيحملون وجهِ النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) ويضحك و يأمر باعطائه مساوله و قد ذكر مكارم اخلاقه في أحاديث متعدّدة وحيث ان غرضنا الاختصار نكتفى بهذا ألحديث من باب التيمن.

الفصل الثالث في ألامامة و فيه خمسه احادیث

الحديث الاول

عن محمدبن يحيى عن أحمد حمد بن سالم عن محمد عن الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم زرارة قال قلت لابي جعفر(علیه السلام) أخبرني عن معرفة الامام منكم، واجبةً على جميع ألخلق؟ فقال إنّ الله تعالى بعث محمّداً(صلی الله علیه وآله وسلم) إلى النّاس أجمعين رسولاً و حجة ألله على جميع خلقه في أرضه فمن آمن بالله و بمحمد رسول الله واتّبعه وصدّقه فان معرفة الامام منّا واجبةً عليه و من لم يؤمن بالله وبرسوله و لم يتبعه و لم يصدِّقه

ص: 51

و يعرف حقهما فكيف تجب عليه معرفة ألامام و هو لايؤمن بالله و رسوله و يعرف حقهما قال قلت فما تقول فيمن يؤمن بالله و رسوله في جميع ما أنزل الله أيجب على أؤلئك حق معرفتكم ؟ قال نعم أليس هؤلاء يعرفون فلاناً وفلاناً قلت بلى قال أترى أن الله هو الذي أوقع فى قلوبهم معرفة هؤلاء و الله ما أوقع ذلك فى قلوبهم إلا الشيطان، لا والله ما ألهم ألمؤمنين حقنا إلا الله.

هذا الحديث صحيح لان محمدبن يحي العطار روى عن احمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب السَّراد - و قد مضت أحوالهم عن هشام بن سالم وقد قال العلامة و النجاشي في حقه أنه ثقة ثقة عن زرارة بن أعين و هو الذى إجتمت فيه صفات الفضل و الديانة وفى الحديث ثقة وصادق القول، قال قلت للباقر(علیه السلام) هل يجب على جميع ألخلق معرفة ألامام منكم أهل البيت فقال إنَّ الله بعث محمداً على جميع النّاس بالرسالة و هو حجة من الله على كافة من في الارض فمن آمن بالله و بمحمد رسوله و كان تابعًا له مصدّقاً اياه وجب عليه معرفتنا أهل البيت و أما من لم يؤمن بالله وبرسوله و لم يتّبع النّبي(صلی الله علیه وآله وسلم) ولم يصدقّه و لم تكن له معرفة بالله و رسوله كيف تجب عليه معرفة ألامام حيث لاايمان له بالله و برسوله قلت ماذا تقول فيمن آمن بالله و برسوله و صدّق النّبي(صلی الله علیه وآله وسلم) في ما جاء به من الله (ألاحكام) هل تجب على مثله معرفتكم ؟ فقال نعم أليس لهولاء معرفة بالشخصين قلت نعم فقال

أتعتقد أن تكون تلك المعرفة من إلهام

ص: 52

الله فى قلوبهم لا والله الملقى هو الشَّيطان ولم يلهم ألله فى قلب المؤمنين حقنا إلا الله.

هذا الحديث و جملة أخرى من الاحاديث الموافقة المضمونه تدل على حكم العقل بوجوب معرفة الامام لانه لامعنى للوجوب التَّعبدى فى ألعقايد ألحقة التي يكون المطلوب فيها العلم واليقين فلابد إذن أن يكون العقل هو الهادى إلى الحكم بالاعتقاد بالامام و طريق ذلك قدتبين في هذا الحديث إرشاداً ألامام و هو الايمان بالله و التصديق برسوله بيان ذلك أنه بعد الاعتقاد بالصانع على ماعرفت و الاعتقاد بالنبي( صلی الله علیه وآله وسلم) بقاعدة اللطف الراجعة إلى حكمة الله ورحمته، يحكم العقل بلزوم وجود إمام بع- النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) و ذلك لان طباع ألبشر مُسجَّلة على الشهوات و معجونة مع العواطف و الميول المادية فلو لم يكن بعد النبى خليفة له يرجع الناس عقلاً إلى الهمجية و ألجاهلية و لذا نقرءُ فى الدعاء المعروف الّلهُمَّ عرِّفْنِى نَفْسَكَ فانّكَ إنْ لم تُعَرّفني نفسك لم أعرِف رسولَك اللهم عرفنى رسولك فانك إن لم تعرفنى رسولك لم أعرف حجتك اللهم عرفنى حجتك فانك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن دينى

فالضَّلال في الدِّين لازم لعدم عرفان الحجّة و لزوم البقاء على الدين يستلزم جعل الحجة من قبل الله كما أن معرفة الحجة تلازم معرفة النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) ألتي تكون من لوازم معرفة الله ولذا يقول الامام فى هذا الحديث بان من لايؤمن بالله وبرسوله و لم يعرف حكمة الله رحمته ألعامة الدائمة و لم يصدّق النّبي كيف يلزمه

ص: 53

العقل بمعرفة الامام(التى تكون مضافاً إلى طوليتها فى الرتبة لها طولية في التحقق).

وعلم من هذا البيان أنه لاربط لهذا الحديث بتكليف الكفّار باصول العقائد بل له نظرٌ إلى قاعدة اللطف وكشف ألعقل لزوم جعل الامام و وجوب معرفته فتوهم أنّ الكفار ليسوا مكلفين بشريعة الاسلام لهذا الحديث فاسد.

الحديث الثاني

في ألكافي محمدبن يحيى عن بن محمدبن عيسى عن الحسن بن محبوب

السّراد عن إسحاق بن غالب عن أبي عبدالله في خطبة له يذكر فيها حال الائمة عليهم السّلام و صفاتهم، إنَّ الله تعالى أوضح بائمة الهدى من أهل بیت نبينا عن دينه وأبلج بهم عن سبيل منهاجه و فتح بهم عن باطن ينابيع علمه فمن عرفت من أمة محمد(صلی الله علیه وآله وسلم) و اجب حق اِمامه وجد طعم حلاوة ايمانه و علم فضل طلاوة إسلامه لان الله تعالى نصب ألامام علماً و جعله حجة على أهل مواده و عالمه و ألبسه الله تعالى تاج الوقار وغشاه من نور الجباريمد

بسبب إلى السماء لاينقطع عنه مواده ولاينال ما عندالله إلا بجهة أسبابه ولايقبل أعمال العباد إلا بمعرفته فهو عالم بما يرد عليه من ملتبسات الدُّجى ومعميات السنن و مشبهات الفتن فلم يزل الله يختارهم لخلقه من ولدالحسين(علیه السلام) من عقب كل إمام يصطفاهم لذلك و

لخلقه يجتباهم و يرضى بهم لخلقه و يرتضيهم كلما مضى منهم إمام نصب لخلقه من عقبه إما ما علماً بيِّنا وهادياً نيراً إماماً قيِّماً حجة عالماً أئمة من الله يهدون بالحق و به

ص: 54

يعد لون حجج الله ودعاته و رعاته على خلقه يدين بهم العباد ويستهل بنورهم ألبلاد وينمو ببركتهم التلاد جعلهم الله حياة للانام و مصابيح للظلام و مفاتيح للكلام و دعائم للاسلام جرت بذلك فيهم مقادير الله على محتومها فالامام هو المنتجب المرتضى والهادى المنتجى والقائم المرتجى إصطفاه الله بذلك وأصطنعه على عينه في الذر حين ذرأه و فى البريَّة حين برأه ظلاً قبل خلق نسمة عن يمين عرشه محبوا بالحكمة في عالم الغيب عنده إختاره بعلمه و إنتجبه لطهره بقية من آدم (علیه السلام) و خيرة من ذرية نوح و مصطفى من آل إبرهيم و سلالة من إسماعيل وصفوة من عترة محمّد (صلی الله علیه وآله وسلم) لم يزل مرعيّاً بعين الله يحفظه ويكلأه بستره مطروداً عن-- حبائل إبليس وجنوده مدفوعاً عنه وقوب الغواسق و نفوث كل فاسق مصروفاً عنه قوارف السّوء مبراً العاهات محجوبا عن الآفات معصوماً من الفواحش كلها معروفًا بالحكم و البر فى يفاعه منسوبًا إلى العفاف و العلم والفضل عند إنتهائه مسندا إليه أم--ر وال---ده . صامتاً عن النطق فى حياته فاذا انقضت مدة والده إلى أن إنتهت به مقادیر الله الى مشيّته وجاءت الارادة من الله فيه إلى محبته و بلغ منتهى مدة والده فمضى و صار أمر الله إليه من بعده وقلّده دينه و جعله ألحجة على عباده و قيّمه في بلاده و أيّده بروحه و أتاه علمه و انباه فضل بيانه و إستودعه سرَّه وانتد به لعظيم أمره و انباه فضل بیان علمه و نصبه علماً لخلقه و جعله حجّة على أهل عالمه وضيااً لاهل دينه وألقيم على عباده رضى الله به إماماً لهم إستودعه سرَّه وإستحفظه علمه و

ص: 55

إستخباه حكمته و استرعاه لدينه وإنتدبه لعظيم أمره و أحيى به مناهج سبیله و فرائضه و حدوده فقام بالعدل عند تحيّر أهل الجهل وتحيير أهل الجدل بالنور الساطع وألشّفاء النافع بالحق ألابلج والبيان اللائح

من كل مخرج على طريق المنهج ألذي مضى على الصادقون من آبائه عليهم السلام فليس يجهل حق هذا ألعالم الاشقى ولايجحده إلاغوى ولايسد عنه إلاجرى على الله تعالى سند هذا الحديث موافق لسند الحديث الرابع للنُّبُوَّة و هذا الحديث خطبة للصادق(علیه السلام) ألسّابقة و هو فى بيان أحوال الائمة وصفاتهم فقال إن الله أوضح دينه وأحكامه بوجود الائمة الهداة من ذرية النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) و نور طريق الشرع بسببهم وفتح أعماق عيون العلم لهم فكل من يعرف حق ألامام من أمة محمد(صلی الله علیه وآله وسلم) يذوق طعم حلاوة الاعتقاد و يطلع على شرف الاسلام بهجة وجمالاً لان الله نصب ألامام بالامامة لهداية الانام وجعله حجّة على أهل العالم الذين يتمتعون من ألفيوضات الآلهية توج رأسه بتاج الوقار و البسه بنور الحياء لاتنقطع عن ألامام الفيوضات الالية من ألعالم العلوى إذ لايصل إلى ألفيض الربانى أحد إلا بالاسباب والعلل لايقبل الله أعمال العباد إلا بمعرفة ألامام، ألامام هو العالم بمايرد عليه من ألمطالب المشتبهة المبهمة والاحكام الخفيّة المجهولة وألفتن و الحوادث المشكلة إن الله جعل الائمة من ولد الحسين (علیه السلام) إماماً بعد إمام متعاقباً إصطفاهم لارشاد النّاس إلى المعارف والاحكام و

ص: 56

إنتخبهم لذلك وارتضاهم لعباده فكان إذا مات أحد من الائمة نصب الله لعباده إماماً هادياً و دليلاً واضحاً و وليّاً مقتدى و حجَّةَ عالماً.

أئمة منصوبون من الله و هادون بالحقِّ وسالكون طريق الهداية هم حجج الله والدّاعون إليه والرّاعون الضَّلالة لخلقه عن بهم يتدينون ألخلق و بنورهم يضئى العالم و ببركتهم تكثر البركات و النعم

جعلهم الله حياة(حقيقية للناس) وسُرجاً في الظلمات وأساطين للاسلام جرى التقدير الآلهي على ذلك فيهم على نحو ألحتم فالامام منتخب ارتضاه الله هاد إصطفاه و وال مطمح للآمال إنَّ الله اصطفى ألامام بهذه الصفات و زيَّنه فى الملكوت ألاعلى بهذه المكرمات فأتاه في عالم الناسوت بلباس البشرية كان قبل الخلقة للخلائق شعاعاً من الله على يمين عرشه في عالم الغيب صندوقاً للحمكة بقرب من الله فاختاره بعلمه و إنتجبه لطهره(وعصمته) بقية من آدم و أحسن ذرية من نوح و مصطفى من آل إبراهيم وسلالة إسماعيل و أطيب عترة محمد( صلی الله علیه وآله وسلم) مورد رعاية الله و حفظه مصون بستر ألحق سلاسل الشيطان و جنوده بعيدة عنه و لاتحوم حوله ظلمات الجهل و ألغواية ولاتصل إلى ساحة قدسه الانفاس الملوثه من الخبثاء و لم تتمركز فيه الاخلاق القبيحة و العبوب الرديئة، معصوم المعاصى و الاعمال السّيئة معروف في ريعان شبابه

بالحلم و الاحسان و موصوف إلى نهاية عمره بالعفّة العلم والفضل ورث منصب الولاية عن والده فى حيات والده مطيع للوالد إلى أن تنتهى مدة خلافة

ص: 57

والده بتقدير الله وتصل نوبة ألحجيّة إليه فيرتحل والده عن الدنيا و ينتقل أمر الله إليه فيعطى زمام الدين و الولاية على عباده بيده و يجعله فى ألارض والياً ويؤيّده من قبله و يجعله خزينة لعلمه و يطلعه على حقائقه الالهية و أسراره الغيبية و يظهر له علمه الربوبى و يجعله علماً للهداية و حجّة على أهل العالم و مصباحاً لارباب الدين و قيِّماً و زعيمًا على النَّاسِ يرضى الله بكونه إماماً للناس وصاحبا لسرِّه و حافظاً لدينه وعيبة لحكمته الازلية يحول إليه حراسة الدين و يفوض إليه هذا الامر الخطير ويحيى به ألصراط المستقيم و ألواجبات الشرعية و ألحدود الاجتماعية فاذا إستقر على منصة الزعامة يمشى بالعدالة وحين ما يتحير الجهال فى وظائفهم ويتصدون أصحاب الجدال للاضلال يسير بنور العلم ويعالج ألامراض القلبية بحق ظاهر و بيان واضح ناصع الذي مضى عليه آبائه ألكرام الصادقون فالجاهل بحق هذا ألامام ألعالم(المنكر له) ليس إلا شقى و الجاحد لمقامه ليس إلا ضال و ألمانع عن حركته الدينيّة ليس إلا المتجاسر على الله.

هذا الحديث يفيد بان نصب ألامام إنما هو من قبل الله و يكون منحصرا به و يصرّح ألعقل بذلك لانَّ الدين كما علم عبارة عن جميع الاحكام والقوانين النافعة لمعاش النّاس ومعادهم، وكما لا إحاطة للعقول البشريّة على جهات الاحكام والمصالح والمفاسد الفرديّة و الاجتماعية دنيوية و أخرويّة

فكذلك تعجز عن تشخيص ألعالم بتلك ألامور أضف إلى ذلك أنّ المقهور

ص: 58

بالهوى و الاسير بيد الشيطان كيف يمكن أن يكون زعيما للقوم و وليّاً على النّاس و هذا المطلب بستفاد من تلك الخطبة الشريفة ، أما مقام العصمة فيظهر مجموع من الجملة - معصوماً من الفواحش - و أماً مقام العلم فمن أمثال - آتاه علمه وأنباه فضل بیان علمه - و من

المسلَّم أنّ مقام نصب الخليفة للنبي(صلی الله علیه وآله وسلم) لايمكن أن يكون باختيار ألناس لانّ التاريخ - مضافاً إلى ما ذكر - یشہد بعدم وجود أمرين في نصب المنصوبين من قبل ألبشر (ألأوّل) اتحاد الآراء (وألثانى) صفاءُ الآراء و ورد في خبر عبد العزيزبن مسلم - الذى لم نذكره لضعف سنده أن ألامامة أعلى وأعمق م-ن إحاطة عقول الناس بها وأبعد من تناول النظرية العمومية لها فلايمكن للناس أن يختاروا بأذواقهم و سلقهم و أن ينتخبوا إماماً للاقتداء به وقد إستدل ألامام في الخبر ألمزبور بالآيات القرانية لامامة ألائمة على النّاس فى الاحكام الدّينية من إبراهيم(علیه السلام) إلى من بعده، فليرجع طلاب فيض المطالعة إلى الكافي.

الحديث الثالث

في الكافي، ألعدة عن احمدبن خالد البرقى عن أبى هاشم داود بن القسم الجعفرى عن أبي جعفر الثانى(علیه السلام) قال أقبل أمير المؤمنين(علیه السلام) و معه الحسن بن على عليهما السلام و هو على يد سلمان فدخل المسجد الحرام فجلس إذ أقبل رجل حسن الهيئة و اللباس فسلم على أميراً لمؤمنين(علیه السلام) فردَّ(علیه السلام) فجلس ثم قال يا أمير المؤمنين أسالك عن ثلث مسائل ان أخبرتنى بهنَّ علمت أن ألقوم ركبوا من أمرك ما قضى عليهم و أن ليسوا بمأمومين في دنی-اهم

ص: 59

و آخرتهم و إن تكن ألاخرى علمت أنك وهم شرع سواءِ فقال له أمير المؤمنين(علیه السلام) سلنى عمّا بدا لك قال أخبرني عن الرجل إذا نام أين روحه ؟ وعن ألرّجل كيف يذكر وينسى؟ و عن الرجل كيف يشبه ولده ألاعمام والاخوال ؟ فالتفت أميراً لمؤمنين إلى ألحسن عليهما السّلام فقال يا أبا محمد، أجبه قال فاجابه الحسن(علیه السلام) فقال الرّجل أشهد أن لا إله إلا الله

و لم أزل أشهد بها، و أشهد أن محمدا رسول الله و لم ازل أشهد بذلك وأشهد أنك وصى رسول الله والقائم - و أشار إلى أميراً لمؤمنين(علیه السلام) ولم أزل أشهد بها و أشهد أنك وصيه و القائم بحجته - وأشار إلى الحسن(علیه السلام) - و أشهد أن حسين بن على وصى أخيه و ألقائم بحجّته بعده و أشهد على على بن الحسين أنه القائم بأمر ألحسين بعده و أشهد على محمد بن على أنّه ألقائم بأمر على بن الحسين و أشهد على جعفربن محمد بانّه ألقائم بأمر محمدبن على و أشهد على موسى أنه القائم بامر جعفربن محمد و أشهد علی علی بن موسی أنه ألقائم بامر موسى بن جعفر و أشهد على محمدبن على بانه القائم بامر على بن موسى وأشهد على علىّ بن محمد بانّه القائم بامر محمدبن على و أشهد على الحسن بن على بانة القائم بأمر على بن محمد و أشهد على رجل من ولد الحسن لايكنى و لايسمّى حتى يظهر أمره فيملأها عدلا كما ملئت جورا والسلام عليك يا أمير المؤمنين و رحمة الله وبركاته، ثم قام فمضى فقال أمير المؤمنين يا أبا محمد أتبعه فانظر أين يقصد فخرج الحسن بن على عليهما السلام فقال ما

ص: 60

كان إلا أن وضع رجله خارجاً من المسجد فمادريت أين أخذ من أرض الله فرجعت إلى أمير المؤمنين(علیه السلام) فأعلمته فقال يا أبا محمد أتعرفه قلت الله و رسوله و أمير المؤمنين أعلم قال هو الخضر(علیه السلام).

هذا الحديث صحيح لان الكليني رواه عن عدة من مشایخه و فيهم على بن إبرهيم عن ألبرقى - وقد تحقق حالهما في السابق عن أبي هاشم الجعفری داود بن قاسم بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب و منزلته و مقامه عند الائمة عالية و هو جليل القدر عن الجواد(علیه السلام) أن عليا و إبنه المجتبى دخلا مسجد الحرام وكان على متكئاً على يد سلمان فلما دخل- المسجد جاء شخص صبيح المنظر جيّد اللباس و لما دخل سلم على على فاجابه فجلس و قال یا علی(علیه السلام) عندى ثلث مسائل إن أجبت عنها أعلم أن معاملة ألناس معك لم يكن مأمونة دنياً وعقبى و إن لم تجب عنها علمت أنك معهم مساو فقال إسال ما شئت فقال أين

يذهب الرّوح حال النوم ولِمَ ؟ يذكر ألانسان مطلباً تارةً و ينساه أخرى و لاىِّ سبب يشبه الولد

أعمامه أو أخواله فاشار على إلى إبنه و قال أجبه فاجاب المجتبى فقال أشهد أن الله موجود و كنت دائماً أشهد بذلك و أشهد أن محمداً رسوله و كنت دائماً أشه- بذلك وأشهد أنك خليفة النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) والحجة البالغة بيدك ) وأشار إلى على(علیه السلام) - وكنت أشهد بذلك دائماً وأشهد أنك - مشيراً إلى ألحسن(علیه السلام) - خليفة على و ولى أمره

و أشهد أن حسين على خليفة أخيه و ألقائم بحجته بعده وأشهد أن على بن

ص: 61

الحسين(علیه السلام) له أمر ألامامة بعده و أشهد أن محمدبن علی قائم بامر على بن الحسين و أشهد أن جعفربن محمد يقوم بأمر يقوم به محمدبن على و أشهد أن موسیٰ قائم بامر خلافة جعفر بن محمد وأشهد أن على بن موسی قائم بامر موسى بن جعفر و أشهد أن محمد بن على قائمُ بامر على بن موسى و أشهد أن على بن محمد قام بأمر محمد بن على و أشهد أن حسن بن على قائم بأمر على بن محمد و أشهد بخلافة رجل من ولد الحسن ألذى لاتذكر كنيته ولايؤتى باسمه إلى أن تظهر خلافته و يملأ ألارض قسطاً وعدلاً ملئت ظلماً وجوراً و سلام الله و رحمته عليك یا أمير المؤمنين ، ثم خرج و أمر على ولده بمتابعته کی يعلم أين ذهب فخرج الحسن و رجع فقال إنه لما وضع قدمه خارج المسجد غاب عن النظر فقال على(علیه السلام)

عرفته ؟ قلت إن الله و رسوله و أمير المؤمنين أعرف به فقال هو خضر(علیه السلام).

هذا الحديث عَيَّن الائمة الهدى المنصوبين من

قبل ألله ، ألخلفاءُ لخاتم الانبياء (صلی الله علیه وآله وسلم) و سماه واحداً بعد آخر و هذا الحديث مطابق لحديث لوح جابر(ألثابت بطرق مستفيضة ) بل هو قريب إلی المتواتر ، و هو يوافق حديث أبي بصير المروى فی الكافى فی تعيين أسمائهم المقدسة و لم نذكر حديث أبي بی بصیر لاشتماله على ألضعفاء و قد دلت النصوص المتواترة على أنَّ النبي الاكرم وكل واحد من خلفائه عينوا أوصياءهم واحداً بعد الآخر وهي مذكورة في كتب الاحاديث و لكن يكفى هذا الحديث ويدلّ على

ص: 62

أن منصب ألامامة منصب أزليَّ كان الانبياء مطلعون عليه و تشهد قضية خضر على ذلك وكان

غرض خضر إتمام الحجّة على الناس لانه بعد الاقرار بوصاية علىِّ للنّبي (صلی الله علیه وآله وسلم) يقول كنت أشهد بذلك دائماً حتى قبل ولادة

علىِّ(علیه السلام) في ألدنيا.

الحديث الرابع

في توحيد الصّدوق اُبى(رحمةالله) قال حدثنا سعدبن عبد الله قال حدثنا أحمدبن محمدبن عيسى عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن ايوب عن أبان بن عثمان عن محمدبن مسلم قال سمعت أباعبدالله(علیه السلام) يقول إنّ لله عزوجل خلقاً خلقهم من نوره و رحمة من رحمته لرحمته فهم عين الله الناظرة و أذنه السّامعة و لسانه النّاطق فى خلقه باذنه وأمنائه على ماأنزل من

عذرأ و نذر أو حجّة ، فيهم يمحو السّيئات وبهم يدفع الضيم و بهم ينزل الرّحمه و بهم يحيى ميتاً ويميت حيا و بهم يبتلى خلقه وبهم يقضى في خلقه قضيته قلت

جعلت فداك و من هؤلاء: قال: ألاوصياءُ.

هذا الحديث صحيح لان الشيخ أباجعفر محمدبن على بن الحسين بن موسی بن بابويه القمى رضوان الله عليه شيخ المشايخ للطائفة الامامية و يعترف جميع ألعلماء بوثاقته و سَمّوه صدوقاً وقد ولد بدعاء الحجة عَجَّل الله تعالى فرجه و هو روى هذا الحديث عن والده ألماجد على بن الحسين بن موسى بن بابویه ألقمى و هو شيخ من المشايخ و فقيه و ثقة القميين و هو روى عن أحمدبن محمدبن عيسى و هو عن الحسين بن سعيد الاهوازی(و قد تبيّن حالهما في الحديث الأوّل من التوحيد) و هو عن فضالة بن ايوب الازدى

ص: 63

ألذى من اصحاب الكاظم وثقة في الحديث و مستقيم في الدين و هو عن ابان بن عثمان - الذي وثقه الكشى ويكون من اصحاب الاجماع و روى عن الصادق عليه السلام انه قال الله عباد خلقهم من نوره و جعلهم موردا لرحمته من لطفه رحمة للعباد ، فهم عين الله الناظرة و اذنه ألواعية و لسانه الناطق في الخلق البشرى باذن أمناء ألرحمن في جميع الاحكام وحجج على ألخلق بهم يعفو عن الذنوب ويرفع الظلم و بفيض وجود هم ينزل رحمته و بسببهم يحي الموتى ويميت الاحباء حبهم ميزان لايمان الناس بهم يجرى قضاء الله في خلقه فسألته هؤلاء فقال خلفاء النبي( صلی الله علیه وآله وسلم).

أشير فيهذا الحديث إلى مقام الائمة الهدى الرفيع وانهم ظل الله وخلقوا من لمعان نور الاحدية و يعبر عن هذا المقام المنيع بالوحدة ألحقة الظَّلية و اجمال المطلب أنّ ألأئمة الهدى علیهم صلوات الله متخلقون بالاخلاق الالهية ومتصفون بالصفات الرّبوبیّة و جامعون لجميع صفات الجمال و الكمال الالهيين نعم لايعقل وجوب الوجود فيهم لانّ صريح العقل و نص النقل يحكم بانحصار وجوب الوجود في الواجب تعالى وقد ذكرنا سابقاً أنّ الواجب الاول هو أول واجب ولايتثنى ولاتتكرر حقيقته عقلاً و ذلك مع قطع النظر عن وجوب وجود الباری، جلّت عظمته، یکون اشتمال موجود على جميع الحظوظ الوجودية كاشفاً عن سعه قدرة الله الواجب وجوده و من معارضة العقل ألوهم

الشَّديدة الاكيدة إنّ بعضاً أنكروا علم ألامام الحضورى و إطّلاعه على المبصرات و المسموعات

ص: 64

لانّه غلُوّ بل نسبوا نقلة روات الفضائل إلى الغلو و وصفوا رواياتهم لذلك بالضعف على مصطلح أرباب علم الرجال مع أن مضامين تلك الاخبار متطابقة مع ألادلة العقليَّة وفصاحة وبلاغة تلك الاخبار وصلت إلى حد يبعد صدورها عن غير ألامام بُعداً ، يصل إلى الامتناع عادة فلاتستبعد كمالاتهم وأنّهم أذن الله وعين ألله و لسان الله و أنّ بفضل وجودهم تنزل رحمة الله وأالحياة و ألممات للموجودات ترتبط بشؤونهم و قد أشرنا إلى بعض المطلب فى رسالتنا علم الامام.

الحديث الخامس

في إكمال الدين حدثني محمدبن ابراهيم بن اسحاق قال حدثنى ابوعلی بن همام قال سمعت محمدبن عثمان العمرى يقول سمعت ابی يقول سئل ابومحمد الحسن بن على(علیه السلام) و أنا حاضر عنده عن ألخبر الذى روى عن آبائه عليهم السلام انّ الارض لاتخلو من حجّة الله على خلقه إلى يوم القیامة و أَنَّ من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة قال(علیه السلام)

انّ هذا حق كما أنّ النّهار حق فقيل له يابن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) فمن الحجّة

والامام بعدك فقال(م ح م د) و هو الامام و الحجّة بعدى من مات و لم يعرفه مات ميّتةً جاهليّة أما إنّ له غيبةً يحار فيها الجاهلون، ويهلك فيها المبطلون و يكذب فيها الوقاتون ثم يخرج فكانى أنظر

إلى ألاعلام ألبيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة.

هذا الحديث معتبر و باصطلاح ألقدماء صحيح لانّ الصّدوق رواه عن محمدبن ابراهيم بن اسحاق

الطالقاني و هو من مشايخ الصدوق(والظاهرانه

ص: 65

لم يكن متعارفاً توثيق المشايخ لوضوح حالهم و عدم الحاجة الى توثيقهم لاسيما إذا قال الصدوق بعد ذکره(رحمه الله) و هو روى عن علی بن همام و هو

و روى هو عن أبي جعفر محمدبن عثمان بن سعيد العمرى(بفتح العين) الذى كان ثانى وكلاء الحجة و نائبه الخاص و منزلته عند الشيعة رفيعة و هو روى عن والده ألعظيم أوّل وكلاء الحجة و نائبه الخاص ومقامه كمقام إبنه في الطائفة الامامية رفيع, و هو قال كنت عند ألامام الحادى عشر و سئل عنه عن هذا الخبر وصل الينا من آبائك ان الارض الى إنقراضها لاتخلو عن حجة من الله على خلقه و عن هذا الخبر من مات ولم يعرف امام وقته و حجّة زمانه موته موت جهل صحيح أم لا ؟ فقال بلى كاليوم الصاحى صحيح وحق فسئل من هو الامام (يابن رسول الله) بعدكم ، قال ولدى (م ح م د) و ألامام و الحجّة بعدى و من مات و لم يعرفه يكون موته موت الجاهلية ألا فساعلموا بانه يغيب و تطول غيبته الى ان يتحيَّر الجهال في حقه و يضل أهل الباطل لطول غيبته و من عين وقت ظهوره فهو كاذب و يظهر بعد هذه الغيبة الطويلة وكانني أرى الآن الرآيات ألبيض المرفوفة فوق رأسه في النجف يظهر من هذا الحديث الشريف أمور:

الاول: أنَّ نعمة الوجود مقرونة بنعمة الهداية و تبقى نعمة الهداية ما بقى الدهر و يكون حجة الله

على ألخلق موجوداً أبداً.

الثاني: أن الايمان بالمعنى الصحيح و المفيد انما هو ولاية المعصومين و أنَّ من مات بدون

ولايتهم

ص: 66

يموت على الضَّلالة و لم يكن ناجيًا.

الثالث: أنَّ خاتم الاوصياء هو(م ح م د) الحسن العسكرى و من يدعى المهدوية ولايطابق

هذا الاسم الشريف و ليس نسبه موافقاً مع نسبه كاذب في دعواه مبدع.

الرّابع: آن زمان ظهوره غیر معيَّن ولامعلوم و من عین وقت ظهوره حدسًا أو ظناً أو إقتراحاً فهو كاذب و لايعتنى بقوله.

الخامس: أن مدة غيبته تطول بحيث يتحيَّر بعض و يضلّ جمع فغيبته إمتحان لاهل الاسلام وهذا المطلب يستفاد من روايات متعددة قريبة إلى التواتر.

السادس: أن ظهوره مسلّم و مقطوع به بحيث يرى ألامام بعلم ألامامة كما يشهده نصب العین و اتفقت كتب الفريقين الشيعة والسنة على ذلك و أنه لو لم يبق من ألدنيا إلا يوماً واحداً لأطال الله ذلك أليوم حتى يظهر المصلح الكل و ألامام بالحق فيملأ ألارضَ عدلاً كما ملئت ظلماً فعلى الشيعة إنتظار الفرج و الصبر في غيبة هذا المولى المطلق و الدعاء لتعجيل فرجه، الّلهم أرنا ألطَّلعة الرّشيدة و أحشرنا معه و مع آبائه الطاهرين.

الفصل الرابع في الواجبات الشرعية و فيه خمسة أحاديث

الحديث الأول

في ألكافى عن على بن إبراهيم عن ابيه وعبدالله بن الصَّلت جميعًا عن حماد بن عي- عن حريز بن عبدالله عن زرارة عن ابي جعفر(علیه السلام) قال

ص: 67

بُني ألاسلام على خمسة أشياءٍ، على الصّلاة والزكاة و الصّوم والحج و الولاية، قال زرارة فقلت و أى شىء من ذلك أفضل فقال ، الولاية أفضل لانّها مفتاحهن و الوالى هو الدليل عليهن قلت ثم الذي يلي ذلك في الفضل ؟ فقال الصلاة، إنّ رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) قال الصلاة عمود دينكم قال قلت ثم الذي يلي هما في الفضل؟ قال ألحج قال الله عزّوجل، ولِّله على النّاس حجّ ألبيت من إستطاع إليه سبيلاً ومن كفر فان الله غنى عن العالمين و قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) لحجَّةُ مقبولة خير من عشرين صلاة نافلة طاف بهذا البيت طوافاً

و من أحصى فيه أسبوعه و أحسن ركعتيه غفر له و قال في يوم عرفة ويوم المزدلفة ما قال قال قلت فماذا يتبعه قال الصوم قلت و ما بال الصوم صار آخر ذلك أجمع قال قال

رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) الصّوم جنةٌ من النار قال ثم قال إن أفضل الاعمال ما إذا

أنت فاتك لم تكن منه توبة دون أن ترجع إليه فتؤديه بعينه إنَّ الصَّلاة والزكاة و ألحج و الولاية ليس ينفع شيء مكانها دون أدائها وإن الصّوم إذا فاتك أو قصرت أو سافرت أديت مكانه أياماً غيرها و جزيت ذلك الذنب بصدقة ولاقضاء عليك و ليس من تلك الاربعة شيء يجزيك مكانه غيره قال ثم قال

ذروة الامر و سنامه و مفتاحه و باب الاشياء و رضى الرحمن ألطاعة للامام بعد معرفته إنّ الله تعالى يقول من يطع الرسول فقد أطاع الله و من تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً ، أما لو أنّ رجلاً قام ليله و صام نهاره و تصدق بجميع ماله وحج جميع دهره و لم يعرف ولاية ولى الله فيواليه و يكون جميع أعماله بدلالته إليه ما

ص: 68

كان له على الله عزّوجلّ حق فى ثوابه ولاكان من أهل الايمان ثم قال أولئك المحسن منهم

يُدخله الله ألجنة بفضل رحمته.

هذا الحديث صحيح لان على بن ابرهيم القمى(قدتبين حاله فى الحديث الثانى من التوحيد) رواه عن ابيه ابرهيم بن هاشم القمى و هو أول من نشر أحاديث أهل البيت(علیهم السلام) فى قسم و هو شيخ للاجازة و قد تلقى علماءُنا رواياته بالقبول وقد سمعت سابقاً أنه لم يكن توثيق ، مشايخ الاجازة لوضوح ألامر متداولاً و قدروى هذا الحديث عن على بن ابرهيم أيضا عبدالله بن سعد ألقمى و هو ثقة و رواياته موجبة لسكون النفس و هما رويا عن حمادبن عيسى الجهني الذي سبق أنه ثقة في الحديث الرابع من التوحيد عن حريز بن عبدالله السجستاني و هو ثقة عن زرارة بن أعين الذي سبق حاله في الحديث الاوّل من الامامة

عن الباقر (علیه السلام) و هو قال: أساس الدين على خمسة أمور: الصّلاة والزكاة و ألحج و الصّوم والولاية فسأل زرارة أى ألامور أفضل فقال الولاية لانّها مفتاح غيرها من الاربعة و هي دليل عليها قلت و بعدها أى شىء أقرب إليها فى الفضيلة قال الصَّلاة ، قال النبيُّ(صلی الله علیه وآله وسلم) الصَّلاه أسطوانة الدين قلت: فأى عمل أقرب إلى الصلاة في الفضيلة قال الزكاة لانَّ الله قرنها مع الصلاة في القرآن وذكر الصَّلاة أولاً وقال النبيُّ(صلی الله علیه وآله وسلم): الزكاة تمحى الذنوب قلت و أى عمل يتبع الزكاة في ألفضيلة قال ألحج إن الله يقول لِّله على عهدة ألناس حِجّ بيته لمن كانت ل-ه

ص: 69

الاستطاعة للوصول إليه و من كفرو لم يحجّ فانَّ الله غنى عن جميع العوالم و أهلها وقال النبيُّ(صلی الله علیه وآله وسلم) حجةً واحدة مقبولة أفضل عن عشرين صلاة نافلة و قال(صلی الله علیه وآله وسلم) من طاف حول الكعبة سبعة أشواط على يقين من عددها ثم صلى صلاة الطواف ركعتين مع ألاتقان غَفَر الله له وقد أكثر النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) في فضيلة يومى عرفة و مشعر و فضل ألوقوف بهما قلت و بعد ألحج ق-ال: الصّوم، قلت: ما وجه تأخير رتبة الصوم عن

الجميع قال قال النبيُّ(صلی الله علیه وآله وسلم) ألصّوم جُنَّة من النار ثم قال أفضل الاعمال ما إذا فات لم تكن له توبة إلّا ألتدارك و ألجبران وأن يأتى به الانسان بنفسه ولايفيد بدلاً عن الصلاة والزكاة و الحج شىء الاأداء نفس هذه ألامور و أما ألصّوم فاذا فات منك أو قصرت فى شرائطه أو كنت مسافراً أيام رمضان تصوم في غير تلك الأيام و يمكن جبران الصوم بالفدية و ليس لسائر

الاعمال بدل.

ثم قال إنّ ذروة الدين و مرتبته العالية و مفتاحه و باب كل شيءٍ و رضى الله إنما هو إطاعة الامام(علیه السلام) بعد معرفة الله إنَّ الله يقول من يطع الرسول فقد أطاع الله و من تولّى فما أرسلناك عليهم حفيظا فلو أنَّ رجلاً قام الليل بالعبادة وصام ألنّهار و أنفق جميع أمواله صدقه و حجّ في جميع عمره و لكن لم يعرف ولاية ولى الله حتى يتبعه و يكون أعماله بارشاده ليس له حقٌّ على الله بعنوان الثواب وليس من أهل الايمان ثم قال إذا أدخل الله المحسنين من هذه الجماعة فبفضل رحمته.

أقول: هذا الحديث ورد في بيان ألواجبات

ص: 70

ألعباديَّة أعنى الوظائف الشرعيَّة التي يكون أساس الدين تائماً عليها ، وأولها وأهمها الصَّلاة وتكون النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) عمود الدين و في ألكافي بسند معتبر عن الصادق(علیه السلام) أنَّ النبيَّ قال: مَثَلُ الصَّلاة كمثل عمود الفسطاط إنّ العمود إذا كان قائماً يكون سائر

الاشياء من الخيمة و الاطناب و الاوتاد قائمة و ثابتة وإذ إنكسر العمود لم تفد سائر الاشياء( فكذلك الدين ثابت بسبب أداء الصلاة فاذا تركت أو ضيعت لايبقى دين) و الروايات الواردة في فضيلة الصَّلاة كثيرة و الاحاديث الراجعة إلى عقوبة تاركها و مضيعها غير معدودة.

و ثانيها الزّكاة و هى قرينة للصَّلاة و زميلتها في الفضيلة و فى ألكافى بسند معتبر عن أبي بصير عن الصادق(علیه السلام) إن أتى الزكاة لايمدح لانه بادائها يحفظ حياته ويُعدُّ من المسلمين وإن لم يود الزكاة لاتقبل صلاته.

و ألامام جعل في هذا الحديث أداء الزكاة شرطاً لقبول الصلاة والجمع بين الحديثين يقتضى كون كل منهما شرطاً لقبول الآخر وهذا المطلب يتضح بملاحظة تعدد مراتب الاسلام و الایمان لان الاسلام في الواقع عبارة عن عدة أمور مركبة في عالم القبول و مجموعة من وظائف فى عالم

الجعل و التكليف و لكن ليس كل واحدة من ألوظائف مرتبطة بالاخرى في عالم الاطاعة والعصيان أعنى عالم الصّحة بل كل وظيفة مستقلة عن الاخرى و لاترتبط إطاعة أمر باطاعة أمر آخر وكذا

عصيانه و أما عدم ذكر الخمس بعد الزكاة مع أن وجوبه منصوص في

ص: 71

القرآن و ثابت بضرورة الاسلام فلان الخمس عوض عن الزكاة مجعول لبنى هاشم لتشريف

مقامهم.

وثالثها ألحجُّ ألذى فضله كثيرٌ و تاركه عمداً و منكراً له محكوم بالكفر و الخروج عن الاسلام كما ورد في جملة من الروايات منها صحيح ذريح المرويٌّ في ألكافى من مات ولم بحجّ حجّة الاسلام مات يهوديا أو نصرانياً ولعله لذلك ورد الكفر في القرآن بدلاً عن التعبير بالترك.

رابعها، الصّوم و الاحاديث في فضله كثيرة و هو جُنَّةً من النار وأن رائحة فم الصائم عند الله أفضل من رائحة المسك و أن الله جزاء للصائم أو يُجزيه و تركه نقص للايمان ففى عقاب الاعمال للصدوق(رحمةالله علیه) عن الصادق(علیه السلام) أن من أفطر يوماً من رمضان عمداً خرج روح ألايمان

عنه.

خامسها، ولاية آل النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم) و هو روح الاسلام و حقيقة الايمان وفى الولاية يندرج الجهاد لانه موقوف باذن الامام كما أن الامر بالمعروف و النهي عن المنكر من شؤون

الولاية(الزعامة الدّينيَّة) والتولّى لايحصل إلا بالتّبرّى عن أعداءِ آل محمد(صلی الله علیه وآله وسلم) فعدم ألاشارة في هذا الحديث إلى الخمس و الجهاد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر و التبرا إنما هو لما ذكر و من المحتمل أنه لما كان الجهاد والامر بالمعروف و النهي عن المنكر وجوبها كفائياً لم تذكر أو لان الجهاد وألامر بالمعروف و النهي عن المنكر إحياء للدين و إماتة للكفر و الحديث المذكور ناظر إلى حقيقة الاسلام لاموجبات حدوثه و بقائه نعم هي مذكورة فى سائر الاخبار فلتراجع.

ص: 72

الحديث الثاني

في ألكافى عدة من أصحابنا عن بن محمد عن الحسن بن محبوب عن داود بن كثير الرقى قال قلت لابي عبدالله سُنَنُ رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) كفرائض الله عزوجل؟ فقال إن الله عزّوجل فرض فرائض موجبات على العباد فمن ترك فريضة من الموجبات فلم يعمل بها وجحدها كان كافراً و أمر رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) بامور كلها حسنة فليس من ترك بعض ما أمر الله عزّ و جل به عباده من الطاعة بكافر و لكنه تارك للفضل منقوص من ألخير.

هذا الحديث الشريف صحيح و معتبر لان الكليني رواه عن على بن إبرهيم بن هاشم و علی بن محمدبن عبدالله ابن أذينة و أحمدبن عبدالله بن أميّة و على بن الحسن(وهوءُلاءِ عدة البرقى) و يكفى لصحة الحديث وجود على بن ابرهيم بينهم(وقدسبق انّه ثقة في الحديث الثانى من النُبُوَّة(و رووا هؤلاء عن احمدبن محمدبن خالد البرقى الذى هو خالد البرقى ألذي هو ثقة عن

الحسن بن محبوب السّراد و مضى حاله في الحديث الثالث من التّوحيد - عن أبي سلیمان داود بن کثیر الذي ثقته و منزلته عند الصادق(علیه السلام) كمنزلة مقداد عند رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) عن الصادق (علیه السلام) وإن كان المروى عنه للعدة أحمدبن محمدبن عيسى يكون الحديث أيضاً صحيحا لان في عدة ابن عيسى يكون ثلاثة ثقاة وهم محمدبن يحيى العطارو أحمدبن ادريس ألقمى وعلى بن إبرهيم و مضى حاله بنفسه في الحديث الاول من التَّوحيد ومعنى الحديث أنَّ داود سأل الصادق(علیه السلام) عن ما قرّره رسول الله من الآداب و السُّنن وأنّها واجبة

ص: 73

كواجبات الله عزّوجل ام لاتجب الاتيان بها؟ فقال إنَّ الله أوجب على النّاس فرائض ثابتة عليهم بحيث لو ترك أحد إحدى الواجبات المفروضة عليه و لم يعمل بها و أنكرها كفر و أما النبيُّ(صلی الله علیه وآله وسلم) فامر بامور فيها حسن و مصلحة و إذا ترك عبد من عبادالله بعض ما أمر به الله فليس بكافر و لكن فاته بعض الخير والفضيلة.

دلّ هذا الحديث على أن من ترك واجباً من ألواجبات مع إنكار وجوبه كفر و ارتد وهذا ألمعنى مطابق مع القاعدة لان إنكار الواجبات التي تدل على وجوبها ضرورة الاسلام و نص القرآن مرجعه إلى إنكار الدِّين و يستلزم إنكار نبوَّة خاتم النبيين وعلى هذا يكون كفر منكر ألفرائض من الواضحات نعم ليس ترك الواجبات كفراً بل هو فسق فياليت العوام جهلاً بالحكم في مقام ترك ألواجبات لم يتشدّدوا في أمر الطغيان بان ينكروا وجوب الواجبات الالهية لان إنكار الواجب إذا كان عن علم و إلتفات كان موجباً للارتداد و ألمرتد يجب قتله و تحرم عليه زوجته و يُقسّم ماله بين الورثة بشرائط مذكورة في ألفقه و يستفاد من ذيل الحديث أن سُنَنَ النبي( صلی الله علیه وآله وسلم) أيضًا أوامر الله كما تبيَّن ذلك في باب تفويض الاحكام إلى النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) وقد ورد في الخبر إنّ ألله أدب نبيه وفوض إليه أحكامه.

الحديث الثالث

في عقاب الاعمال عن أبيه عن عبدالله بن جعفر عن هرون بن مسلم عن مسعدة بن زياد عن جعفر بن محمد(علیه السلام) عن آبائه (علیهم السّلام) إنَّ رسولَ الله(صلی الله علیه وآله وسلم) سئل فيما ألنجاه غداً ؟ فقال إنّما

ص: 74

النّجاة فى أن لاتخادعو الله فيخدعكم فانه من يخادع الله يخدعه و يخلع منه ألايمان و نفسه يخدع لويشعر قيل له فكيف يخادع الله ؟ قال يعمل بما أمره الله ثم یرید به غیره فاتقوا الله فى الرياء فانه ألشرك بالله إن المرائى يدعى يوم القيامه باربعة أسماء يا فاجر يا کافر یا غادر يا خاسر حبط

عملك و بطل أجرك فلاخلاص لك أليوم فالتمس أجرك ممن كنت تعمل له.

هذا الحديث الشريف صحيح و معتبر لانّ الصّدوق رواه عن أبيه(وقد مر وثاقتهما في الحديث الرابع من ألامامة) عن هرون بن مسلم بن سعدان الذى هو موصوف في كتب الرجال بالوجه و الثقة

عن مسعدة بن زياد الربعى و هو ثقة وعين عن الصّادق عن آبائه الكرام عليهم السلام أنه سئل عن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) النجاة القيامة فى أى عمل تكون؟ فقال النّجاة

(الخلاص يوم من العذاب أن لاتخادعوا الله، أالخدعة ألمكر والحيلة) فيخد عكم الله لان من خادع الله خادعه الله و سلب الايمان منه وخادع نفسه إذا كان له شعور قيل كيف يخادع الله قال ياتى بما أمره الله به ولكن يكون نظره متوجهاً إلى غيرالله فاتقوا الله فى الرياء لانّ الرياءَ شرك بالله تعالى وينادى الشخص المرائى يوم القيامة با سامٍ أربعةٍ يا فاجر والفجور فسق - یاکافر یاغادر والغدّر هو المكر يا خاسر لافائدة في أعمالك وضاع أجرك و لاخلاص لك أليوم أطلب أجرك ممن

عملت له.

وقد أشرنا في فصل التّوحيد أن للتّوحيد مراتب أربعة:

ص: 75

1- التّوحيد في ألذّات.

2- التّوحيد في الصفات.

3- التَّوحيد في الافعال.

4- التّوحيد في العبادة.

وهذا الحديث،يشير الى المرتبة الرّابعة وان نظر ألعابد في العبادة إذا كان إلى غير الله يكون

مشركاً لانّ حقيقة العبادة، تخضع وتذلل بالنسبة إلى ذات الربّ و اتيان للعمل له و من المعلوم أن العامل حين اتيانه بالعمل إذا كان محرّكه للعمل جلب توجه ألغير إليه و تقربه نحوه و حبّه لمدحه أو إستجلاب للنفع من طرفه لم يكن ألعمل متحققاً بداع إلهى وكان باطلاً من الجهة الفقهية وكان في الواقع عصياناً لامرألسله و لذا يخاطب يوم القيامة بخطاب يا فاجر و ليس بحكم العقل مستحقاً للثواب الاخروى و قابلاً للنيل بمقام قرب الله، هذا أوَّلاً و أما ثانياً فمن كان في العبادة متوجها إلى غير الله فيتوهم لامحالة انه يجلب منه نفعاً أويدفع بسببه ضراً و هذا بعينه يستلزم تشريك غير الله معه في الافعال التي تستند إلى الله ولذا يخاطب يوم القيامة بخطاب يا كافر، وحيث أن النفع من غير الله مستحيل الوجود(ولاسيما المنافع الاخروية و النّعم ألابدية)

يكون الرياءُ سبباً للخسران ويخاطب ألمرائى يوم ألقيامة بخطاب يا خاسر و أما ثالثاً فحيث أن المرائى أبرز نفسه بهيئة أهل العبادة و لكن كان نظره إلى غير الله حال العمل كان مشركاً ولما كان شرط العمل العبادي الخلوص فى النيَّة و هو قد تظاهر بالإخلاص مع أنّ باطن قصده كان مشوباً يكون فى مقام الغدْر و ألمكر

ص: 76

الله ولذا يخاطب يوم القيامة بخطاب يا غادر ونتيجة مع هذه الخُذعة ان الله يامره باخذ الاجرة ممن أشركه في العبادة وإلا فالله تعالى أجل و أكرم من أن يخادع عبده.

و لايخفى أن أخفى الصفات الرذيلة هى ألرياء فى العمل وقد ورد في بعض الاخبار تشبيه خفاء ألرياء في العمل بخفاء حركة رجل النَّملة في الليلة ألظلماء فوق الصَّخرة الصمّاء نسأل الله أن يحفظنا وإخواننا المؤمنين من الشّرك الجلىِّ و ألخفىِّ.

الحديث الرابع

فى الكافى عدة من أصحابنا عن أحمدبن محمد عن ألحسن بن محبوب عن

عبدالله بن سنان عن معروف بن خربوز عن أبي جعفر(علیه السلام) قال صلّى أمير المؤمنين(علیه السلام) بالنّاس الصبح بالعراق فلما انصرف وعظهم فبكى وأبكاهم من خوف الله ثم قال أما والله لقد عهدت أقواماً على عهد خليلى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) وأنهم ليصبحون و يمسون شعثاً غبرًا خمصاً بين أعينهم كركب ألمعزي يبيتون لربّم سجداً قياماً ويراوحون بين أقدامهم وجباههم ياجون ربَّهم و يسألونه فكاك رقابهم من النّار والله لقد رأيتهم مع

هذا خائفون مشفقون.

هذا الحديث الشريف صحيح لانّ الكليني روى عن ألعدة عن البرقي(وقد مرّ أحوالهم في الحديث الثاني من هذا الفصل) الحسن بن محبوب الثقة عن عبد الله بن سنان بن طريف ألكوفى الذى

هو ثقة جلیل القدر و لم يذكر أحد في حقه طعناً عن معروف بن خرّبوز و هو من أصحاب الاجماع و ثقة مقبول الرواية

ص: 77

عن الصّادق(علیه السلام) انه قال صلّى الصبح اميرالمؤمنين جماعة في العراق و بعد الصلاة وعظ الناس وبكى و أبكى الناس من خشية الله ثم قال اعلموا انى وألله كنت مع جماعة في زمن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) اعرفهم وكانوا يمسون و يصبحون حال كونهم شعثاً مغبرين

جائعين فى جبهتهم ثفنات من أثر السجود ولاينامون الليل بل كانوا في حالة السجود وألقيام لله تعالى طول الليل يناجون الله و يطلبون منه نجاتهم عن نار جهنم و مع ذلك قسماً بالله كانوا خائفين غاية الخوف من الله تعالى.

يدل هذا الحديث على أنّ مقام العبادة لله مقام شامخ و في نفس الوقت لاينال آخر درجتها لان

اميرالمؤمنين مع تلك العبادات التي كان يغبطها سيدالساجدین و زین العابدين و يقول من الذي يقوى على عبادات جدی امیرالمؤمنین و يحتاج بيان كثرة عبادات على(علیه السلام) إلى كتاب مستقل كان يبكى فى مقام الوعظ والنصيحة للمسلمين و ترغيبهم و تحریصهم الی العبادة ويُبكيهم كذلك و يشرح لهم عبادات الذين كانوا يسهرون الليالى بالعبادة سجوداً وقياماً وحيث ان العقل يحكم بان من لوازم الاشتغال الدائم بالعبادة انما هو الزهد الكامل فى الدنيا و عدم الاعتناء

بالملبس و المطعم يصف المتوغلين: العبادة بصفات الشعث و الغبر و الخمص(إنطواءُ البطن من الجوع) ثم يذكر علامة كثرة سجوده---م و صلاتهم بان في جباهم كركب المعزى ارتفاع ويقول بان هؤلاءِ كانوا من أول الليل إلى الصباح إمّا قائمين

ص: 78

للصَّلاة أو ساجدين فيها و من شدة حب الله و العشق بالعبادة لم يرتاحوا ساعة و لم يناموا برهة من الليل و يصف شدة تعبهم من العبادة بانهم كانوا في حال ألقيام تارة يعتمدون على رجلهم ألا يمن وأخرى على ألا خدَّهم يسر و أنَّهم ربما يضعون خدهم ألايمن على ألارض و ربما ألايسر للسجود ويمكن أن يكون المراد أن أعضاء بدنهم كانت في النوبة للعبادة بانهم كانوا تارة في حال القيام و أخرى في حال السجود ثم يبين ألامام لزوم الالتفات إلى التقصير فى العبادة بان هؤلاء ألقوم كانوا يناجون ربَّهم ويسألون منه عتق رقابهم من النار وفوق كل ذلك لبيان لزوم عدم الاطمينان بالنفس و عدم الاعتماد على العمل يقول ألامام بانهم مع هذاالجد والجهد كانوا من الله خائفين مشفقين، أقول التاريخ يشهد بان هؤلاء لم يكونوا الّا شخص على بن أ بيطالب وذريته والتابعون المخلصون لجنابه روحو ألفداء فعلى شيعته أن يتابعوه ولاينغمروا فى ألدنيا ونعمها الزائلة بحيث لم يبق لهم فراغ ساعة للعبادة.

الحديث الخامس

في الكافي عن على بن إبرهيم عن أبيه و محمدبن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعا عن إبن أبي عمير عن حفص بن البخترى عن أ بي عبدالله(علیه السلام) قال لاتكرهوا إلى أنفسكم العبادة.

هذا الحديث صحيح لان الكليني رواه عن على بن ابرهيم بن هاشم عن أبيه وقد مر ذكرهم

و عن محمد بن اسماعیل و هو بقرينة توسطه بين الكلينى و فضل بن شاذان النيشابورى نيشابورىُّ و هو من أجلة مشايخ

ص: 79

ألكلينى وثقة و هو روى عن فضل بن شاذان الذى هو

معروف في الشّيعة بجلالة القدر وموصوف بالفقيه والمتكلم و يقال في حقه ثقة وجليل وهذان ( فضل وإبرهيم) رويا عن محمدبن أبي عمير ألذي مرَّ ذكره عن حفص البخترى الثقة عن الصادق(علیه السلام) أنّه قال لاتجعلوا ألعبادة عندكم مستكرهة و ألمراد من هذا الكلام أنه لاتتكلفوا فى العبادات المستحبة ولاتاتوا بالاعمال غير الواجبة مع عدم الرغبة و عدم نشاط ألرّوح بل إذا كان لكم ألشوق النَّفسانى و الرغبه الباطنية إلى العبادات الراجحة اعبدوا الله بتلك العبادات لان لذة العبادة إنما هى بان تكون مع الوجد والنّشاط وأما ألكسل فيوجب نقص مرتبة العبادة و لذا ترى الله يقول فى القرآن« وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى» (1) وقد ورد في جملة من الروايات أرفق بالعبادة و لا تجعل عبادة ربك لدى نفسك مبغوضة كالراكب الذى يغضط على مركبه و يفرط فى سرعة سيره حیث أنّه أتعب فرسه و منعه عن السّير و لم يقطع مسافة ويستفاد

من هذا الحديث و سابقه بضم أحدهما للآخر أنّ أحدهما ترويض النفس و تمرين الباطن بالعبادة و ايجاد الشوق ألقلبى محبوب للشارع في عالم العبودية و لكن إذا لم تتحقق الرغبة إلى العبادة للشخص بسبب عروض عوارض و حدوث حوادث لزم الاكتفاءُ بالواجبات.

ألفصل الخامس في المحرمات الشرعية و فيه خمسة أحاديث

الحديث الأول

في الكافي عن على بن إبرهيم عن

ص: 80


1- توبه، 54.

محمدبن عيسى عن يونس عن عبد الله بن مسكان عن محمد بن مسلم عن أبي عبدالله(علیه السلام) قال سمعته يقول ألكبائر سبع قتل المؤمن متعمِّداً و قذف المحصنة ألفرار من الزحف و التعرُّب بعد الهجرة و أكل مال اليتيم ظلماً وأكل الرّبا بعدألبيِّنة وكل ما أوجب الله عليه النار.

هذا الحديث صحيح و معتبر لان علی بن ابرهيم رواه عن محمد بن عيسى بن عبيد - وقد سبق حالهما فى ألحديث الثانى من التَّوحيد عن أبي محمد يونس بن عبد الرحمن و هو من خواص الرضا(علیه السلام) و وكيله و عظيم ألمنزلة وكان مرجعا فى الروايات و يطلق عليه عنوان الثقة و هو روى عن عبدالله بن مسكان(بضم الميم) و هو ثقة وعين و من أصحاب الاجماع عن محمد بن مسلم) الذى مرّ ذكره في الحديث الرابع من(التَّوحيد عن الصادق(علیه السلام) أنه قال المعاصى

الكبيرة سبعة:(1) قتل من آمن بالله عن عمد. (2) و نسبة ألزنى بالمرئة العفيفة. (3) و ألفرار عن الجهاد. (4) و ترك معارف الدين بعد المعرفة بها. (5) والتصرف في أموال اليتامى من دون حق.(6) و أكل ألرّبا بعد العلم بحكمه ( 7 ) والاتيان بكل ما قرر عذاب النّار لفعله.

يستفاد من هذا الحديث أن القانون العام لمعرفة المعاصى الكبيرة ان كل ما أوعدالله تعالى عليه النار إمّا في القرآن أو فى لسان النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) وألائمة عليهم السّلام فهو

كبيرة و ثبوت هذا المعنى إما بان يذكر هذا الفعل الحرام باسمه و يبين العذاب عليه

ص: 81

أو بأن يطلق عليه لفظة(ألكبيرة) ويعدّ في عداد ألكبائر وفى الصورة الاخيرة يستفاد بالملازمة وعيد نار جهنم عليه من الله و أوضح من الكل ما إذا كان معصية عُدَّ في القرآن أو الاخبار ألصّحيحة أشدّ من معصية علم أنّها كبيرة.

مثال القسم الاول: أكل مال اليتيم حيث ورد فى ألقرآن في شأنه قوله تعالى إنَّما يأكلون فى بطونهم ناراً و سيصلون سعيرا.

مثال القسم الثاني: عقوق الوالدين.

مثال القسم الثالث: الفتنة.

و هناك قسم رابع و هو عمل يكون بنظر أهل الشّرع ألعارفين بمذاق الشارع ومناسبات الإحكام مساوياً للمعاصى ألكبيرة كتنجيس المصحف هتكاً له.

ألحديث الثاني

في ألكافي عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنى قال حدثني أبوجعفر الثاني قال سمعت أبى يقول سمعت أبي موسى بن جعفر عليهما السلام يقول دخل عمرو بن عبيد على أبي عبد الله فلما سلم و جلس تلا هذه الآية (الذين يجتنبون كبائر ألاثم و الفواحش) ثم أمسك فقال له أبو عبدالله ما أسكتك قال أحبُّ أن أعرف الكبائر من كتاب الله عزوجل فقال نعم يا عمرو أكبر الكبائر ألاشراك بالله يقول الله(من يشرك بالله

الله عليه الجنة) و بعده ألاياس من روح ألله فقد حرم

لانّ الله عزّ وجلّ يقول(إنّه لاييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) ثم ألامن لمكر الله لانّ الله عزّ وجل بقول ولايأمن مكر الله اِلا القوم الخاسرون.

و منها عقوق الوالدين لان الله سبحانه جَعَل

ص: 82

ألعاقّ جباراً شقيّاً وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق لانّ الله عزّوجل يقول فجزاؤه جهنم خالد افيها إلى آخر الآية وقذف المحصنة لان الله عزوجل يقول لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم و أكل مال اليتيم لانَّ الله عزّوجل يقول انما يأكلون فی بطونهم نارا و سيصلون سعيرا و ألفرار من الزحف لانّ الله عزّوجلّ يقول ومن يولّهم يومئذ دبره الا متحيّزاً الى فئةِ فقد باءَ بغضب من الله و مأواه جهنم و بئس المصير و أكل الرّبا لانّ الله يقول الذين يأكلون الرّبا لايقومون إلا كما يقوم ألذى

يتخبّطه ألشيطان من ألمس والسحر لانّ الله يقول و لقد علموا لمن إشتراه ماله في الآخرة من خلاق و الزّنا لانَّ الله يقول و من يفعل ذلك يلق أثاماً يضاعف له العذاب يوم القيمة و يخلد فيه مهاناً وأليمين الغموس ألفاجرة لان السّله عزّوجل يقول إن الذين يشترون بعهد الله و أيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لاخلاق لهم في الآخرة والغلول لان الله يقول و من يغلل يأت بما غلّ يوم ألقيمة ومنع الزكاة المفروضة لان الله يقول فتكوى بها جباههم وجنوبهم و ظهورهم و شهادة الزور و كتمان الشهادة لان ألله عز وجل يقول و من يكتمها فانه آثم قلبه و شرب الخمر لان الله عزّوجل نهى عنها كما نهى عن عبادة ألاوثان وترك الصَّلاة متعمداً أو شيئاً مما فرض الله لانَّ رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) قال من ترك الصَّلاة متعمداً فقد بر من ذمة الله وذمة رسوله و نقض العهد وقطيعة الرّحم لانّ الله عزّوجلّ يقول لهم اللعنة ولهم سوءُ الدّار ، قال فخرج عمرو و له صَراخ من بكائه وهو

يقول هلك من

ص: 83

قال برأيه و نازعكم في الفضل و العلم.

هذا الحديث صحيح و معتبر لان الكليني رواه عن ألعدّة عن ألبرقى(الذين مرَّ ذكرهم في ألحديث ألثانى من الفصل الرابع) عن عبد العظيم بن عبد الله بن على بن الحسن بن زيد بن الحسن بن على بن ابيطالب عليهم السلام العابد الورع صاحب المقامات العلمية وقد قال

الهادى(علیه السلام) بمن رجع عن زيارة قبر الحسين (علیه السلام) إذا زرت قبر عبدالعظيم الذى عندكم كنت كمن زار الحسين(علیه السلام) و هو روى عن الجواد(علیه السلام) أنّه قال

سمعت أبي يقول سمعت أبي موسى بن جعفر(علیه السلام) أنه دخل عمرو بن عبيد على الصادق(علیه السلام) وسلم ثم جلس و قرءَ تلك الآية، (الذين يجتنبون كبائر ألاثم و الفواحش)

ثم سكت فسأله الصادق عن علة سكوته فقال أحب أن أعرف ألمعاصى الكبيرة عن القرآن فقال نعم عمرو أعظم المعاصى ألكبيرة إنّما هو الشّرك بالله لانّ الله فى القرآن يقول من أشرك بالله حرَّم الله عليه الجنة و بعد ذلك ألياس من رحمة الله إن الله يقول لاييأس من رحمة الله إلا ألكفّار و

بعد ذلك ألامن من عذاب الله لانّ الله يقول لايأمن من مكر الله إلا الخاسرون و من المعاصى الكبيرة عدم الرحمة و المحبة بالوالدين لانَّ الله عدَّ ألعاقّ جباراً شقيّاً ومن جملة ألكبائر قتل ألمؤمن من دون جرم إلا أن يكون بالحقِّ إِنَّ الله يقول جزاءُ من قتل مؤمناً من دون حق هو دخول نار جهنم خالدا فيها.

ومنها نسبة الزنا إلى المرئة العفيفة لانّ الله يقول بان ألقاذقين ملعونون في ألدنيا والآخرة.

ص: 84

و منها أكل مال اليتيم من دون حقٌّ لانّ الله يقول تملأ بطونهم(اكلين مال اليتيم) من النار و

يدخلون نار جهنم المشتعلة .

و كذلك ألفرار من الحروب ألاسلامية لانّ الله يقول ألفار من الحرب مغضوب الله و يدخل جهنم و هو مستقر بئيس إلا أن يتحرك من جانب إلى جانب الكرّ والفرّ أو الالتحاق بفئةٍ اخرى من ألمقاتلين و أيضاً أكل الرّبا حيث أن ألمرابي يحشر يوم القیامة كالمسحور من ألجن أى مخبَّلاً، و

من المعاصى الكبيرة السّحر لانّ الله يقول إنَّ السّحرة عليمة بانّ ما حصّلوه من السّحر لا وزن له یوم القيامة.

و منها الزّنا حيث أنَّ الله يقول من عمل هذا العمل -الزنا - أتى بعمل قبيح و يضاعف عذابه يوم القيامة و يخلد في جهنم ذليلاً .

ومنها ألحلف كذباً عمداً لانَّ الله يقول من عمل على خلاف عهدالله و حلف في قبال منفعة قلیلة لانصيب له يوم القيامة من ألخير و السعادة.

و منها الخيانة لانّ الله يقول ألخائن يأتى بخيانته ألقيامة(أى يُجزى بخيانته) يوم ألقیامة.

و منها منع الزّكاةِ لانّ الله يقول إنّ ألمانعين من الزكوة يحمى بذهبهم وفضتهم يوم القيامة

جباههم وجنوبهم.

ومنها الشهادة بالباطل وكذا كتمان الشهادة بالحقِّ لانّ الله يقول قلب كاتم الشّهادة عاص وآثم . ومنها شرب الخمر لانّ الله منع عنه كما نهى عن عبادة ألاوثان.

ص: 85

و منها ترك الصلاه متعمّداً وكذا سائر ألواجبات لانّ رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) قال من ترك الصَّلاة عمداً خرج عن أمان الله وعهدته و أمان رسوله و عهدته.

و منها نقض العهد وقطع الرّحم لانّ الله يقول اللعنة عليهم و لهم بئس المستقر(جهنّم) .

قال فخرج عمرو و كان يبكى بصوت عال و يقول ضلّ من قال برأيه أو نازعكم فى العلم والفضل أقول هذا الحديث يهيِّن المعاصى ألكبيرة التي يمكن الاستدلال عليها بالقرآن فى مقابل أهل الرأى والقياس ولامنافاة بينه و بين الاحاديث ألاخر ألدّآلة على عدد أكثر.

الحديث الثالث

قال الصدوق(قدس سره) في الباب الرابع والثلثين من عيون أخبار الرض-ا(علیه السلام) حدثنا

عبد الواحدبن محمدبن عبدوس النيسابورى العطار بنيسابور في شعبان سنة اثنين وخمسين وثلاثماة قال حدثنا على بن محمدبن قتيبة النيسابورى عن الفضل بن شاذان قال سأل المأمون

على بن موسى الرضا(علیه السلام) أن يكتب له محض ألاسلام على ايجاز و الاختصار فكتب(علیه السلام) إنَّ محض الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله إلى أن قال وإجتناب الكبائر وهى قتل

النفس التي حرَّمَ الله والزّنا والسّرقة و شرب الخمر و عقوق الوالدين و الفرار من الزحف و أكل مال اليتيم ظلماً وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير و ما أهل لغير الله به من غير ضرورة و أكل الرّبا بعد البينة والسحت و ألميسر(و هو القمار) وألبَخْس (بتقديم ألباء) في المكيال و الميزان و قذف

المحصنات واللواط وشهادة الزور و اليأس من روح الله و ألامن من مكر الله والقنوط من

ص: 86

رحمة الله ومعونة الظّالمين والرّكون إليهم و اليمين الغموس حبس الحقوق من غير عسر، و الكذب، وألكبر، و الاسراف، والتبذير، والخيانة، والاستخفاف بالحج و المحاربة لاولياءِ الله و الاشتغال بالملاهي و ألاصرار على الذنوب.

هذا الحديث صحيح باصطلاح ألقدماء(معتبر) و ذلك لانّ الصدوق رواه عن عبد الواحد و هو من مشایخه و عدم توثيقهم فى كتب الرجال لوضوح حالهم من حيث الوثاقة مضافاً إلى أن العلامة الحلى حكم بصحة سند فيه عبد الواحد و هو روى عن علی بن محمد بن قتيبة ألذى هو من تلامذة فضل بن شاذان و من مشایخ الکشی و معتمده و ذكره العلامة في قس--م الثّقات و حكم بانّ حديثه صحیح وقال مؤلف الحاوى – وكذا مؤلف - المشتركات بانّه ثقة و هو روى عن الفضل بن شاذان

- الذى مر ذكره في الحديث الخامس من الفصل الرّابع وهو قال بان مأمون الرشيد سأل عن الرّضا علیه السلام أن يبيّن له حقيقة الاسلام بالاختصار، فكتب ألامام(علیه السلام) الشهادة بانه

لا إله إلا الله إلى أن قال والاجتناب عن المعاصي الكبيرة و هى قتل من حرَّم الله إراقة دمه و الزنا والسرقة و شرب الخمر ومنع حقوق الوالدین(العقوق) وألفرار عن الحرب وأكل مال اليتيم عدواناً

وأكل الميتة والدم و لحم الخنزير و الذبيحة التي لم يذكر إسم الله عليها في غير مورد الضَّرورة

وأكل الرّبا بعد العلم بحرمته و أكل مال الحرام والقمار و بخس النّاس في المعاملة(كيلاً أو وزنا)

وقذف العفيفة بالزّنا و ألّلواط

ص: 87

الشهادة بالباطل واليأس عن لطف الله و مساعدته و ألامن من عذاب الله والقنوط من رحمة الله

ومعاونة الظلمة و الاعتماد عليهم و ألقسم بغير حق و حبس حقوق ألناس من غير عذر كالعجز و العسرة و الكذب و ألتكبر و الاسراف فى صرف ألمال وإتلاف المال من دون فائدة والخيانة

وألاستخفاف بالحج و المحاربة أحباء الله و الاشتغال بالملاهى(كالغنی و الموسيقار) و ألاصرار

على الذنوب الصغار.

والظاهر من هذا الحديث أنّ كل واحدة من المعاصى المذكوره كبيرة وتتحقق الكبيرة باتيان فرد منها وكذلك الاصرار على المعاصى(وهى بقرينة ألمقارنة عبارة عن المعاصى الصغيرة) كبيرة و يعلم من بعض الروايات و كلمات الاصحاب(رضوان الله علیهم) أن الاصرار على الذنوب الصغار إنما هو كبيرة لمكان إستخفاف ألعاصى بعقوبة الله وأمنه من تكره و لذا إن لم يتب ألعاصي عن معصية صغيرة واحدة يراه العلماء مصراً وعللوا ذلك بان ترك الواجب و هو التوبة بعد فعل الحرام حرام، وظاهر هذا التعليل أن معنى الاصرار يتحقق بذلك و يأتى فى الحديث ألآتى مزيد توضيح لذلك.

الحديث الرابع

قال الصّدوق في التوحيد في باب ألامر و النهى وألوعد والوعيد حدّثنا أحمدبن زیادبن جعفر

الهمداني(رضى الله عنه) قال حدّثنا على بن ابرهيم بن هاشم عن أبيه عن محمدبن أبي عمير قال سمعت موسی بن جعفر(علیه السلام) يقول لايخلد الله في النار إلا أهل الكفر و ألجحود

وأهل الضَّلال

ص: 88

و الشرك و من إجتنب الكبائر من المؤمنين لم يسئل عن الصغائر قال الله تبارك وتعالى«إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا» (1) قال فقلت له يا بن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فالشفاعة لمن يجب من المذنبين قال حدّثني اُبي

عن آبائه عن علی(علیه السلام) قال سمعت رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) يقول إنّما شفاعتى لاهل الكبائر من أمتى فأما ألمحسنون منهم فما عليهم مرسبيل قال إبن أبي عمير فقلت له يابن رسول الله فكيف تكون الشَّفاعة لاهل الكبائر و الله تعالى ذكره يقول و لايشفعون إلا لمن ارتضى و هم من خشيته مشفقون ومن يرتكب ألكبائر لايكون مرتضى فقال يا أبا أحمد مامن مؤمن يرتكب ذنباً إلاسائه ذلك و ندم عليه قال النبى (صلی الله علیه وآله وسلم) كفى

بالندم توبة و قال من سرته حسنته وسائته سيئته فهو مؤمن فمن لم يندم على ذنب يرتكبه فليس بمؤمن و لم تجب له الشفاعة وكان ظالمًا والله تعالى ذكره يقول ما للظالمين من حميم و لا شفيع يطاع فقلت له يابن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) و كيف لايكون مؤمناً من

لم يندم على ذنب يرتكبه فقال يا أبا أحمد ما من أحد يرتكب كبيرة من المعاصى و هو يعلم أنه سيعاقب عليها اِلّا ندم على ما إرتكب ومتى ندم كان تائباً مستحق للشّفاعة و متى لم يندم

عليها كان مصراً وألمصر لايغفر له لانّه غير مؤمن بعقوبة ما إرتكب و لو كان مؤمن بالعقوبة لندم و قد قال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) لاكبير الاستغفار ولاصغير مع الاصرار و أما قول الله و لايشفعون إلا لمن ارتضى فانهم لايشفعون إلا لمن إرتضى دينه والدّين الاقرار بالجزاءِ

على الحسنات و

ص: 89


1- نساء، 31.

السيئات فمن ارتضى الله دينه ندم على ما إرتكبه من الذنوب لمعرفته بعاقبته يوم القيامة.

هذا الحديث صحيح و معتبر لانّ الصدوق رواه عن أحمد بن زياد وقد قالوا فى حقه أنه ثقة وفاضل و وثقوه علماءُ الرِّجال وهو عن علي بن إبرهيم ألذي مرّ ذكره في الحديث الثانى من التّوحيد و هو عن أبيه ابرهيم بن هاشم و هو شيخ للاجازة و أوّلُ من نشر من الكوفيين أحاديث أهل البيت عليهم السّلام في قم و وثقه جماعة كثيرة من العلماء و ولده الجليل إعتمد عليه في نقل الاخبار و قد وصف العلامة بالصحة أحاديث يكون إبرهيم في طريقها و ما ألطف تعبير والد الشيخ البهائي في حقه حيث يقول إنى لأستحيى أن لا اتصف بالصحة سندا فيه ابرهيم بن هاشم و أيضًا قد تلقى ألعلماء(رضوان الله عليهم) رواياته بالقبول و إن لم يوجد فى كلمات ألقدماء نص على عدالته فهو لما بينا سابقا بانه لغاية وضوح حال محدث او راوٍ ٍ لايرونه أهل علم الرجال محتاجا إلى التَّوثيق و لذا جمع ممن تجمد على إطلاق كلمة الصحيح على الحديث عنونوا حديثاً فيه ابرهيم بن هاشم بعنوان الحسن أو الحسن كالصحيح كالشيخ البهائى فى الوجيزة وقد يذكرونه في قسم الثقات وقد يذكرونه في قسم ألحسان كمؤلف - الحاوى وإطناب الكلام في المقام إنما هو لبيان أن الوثوق بالراوى و كون سند صحيحا لايتوقف على وجود لفظ - ثقة في كتب الرّجال

وإن كان كمال الدّقة في أمثال تلك ألامور و التحفظ الكامل على مصطلحات القوم له كمال

المطلوبيّة

ص: 90

لانّه مستلزم لنهاية الاطمئنان باحاديث الائمة الطاهرين صلواة الله عليهم أجمعين لكن بشرط أن يكون ذلك مقروناً بالمراقبة الكاملة في مراعاة حد الوسط و إبرهيم بن هاشم روى عن محمد بن أبي عمير ، زياد بن عيسى ألذ ألذى مقام صدقه و ورعه منيع إلى حدّ إعترف ألعامة و ألخاصة بجلالة قدر هذا العظيم و يقول شيخ الطائفة إن إبن أبيعمير يكون أوثق الناس عند الشيعة و السّنّة ، وقد عدَّه العلماء من أصحاب الاجماع وكتبوا في حقه أنه لايروی إلا عن ثقة ولايرسل إلا عن ثقة و لهذه الجهة تكون مراسيله مقبولة لدى العلماء و هی حكومة بحكم المسانيد و هو قال سمعت عن موسى بن جعفر(علیه السلام) أنَّ الله لايخلد فى النار إلا أهل الكفر و الجحود بجميع ألعقائد الحقة - وكذا أصحاب الشرك و الضلالة و من إجتنب من ألمؤمنين المعاصي الكبيرة لايؤاخذ بالنسبة إلى صغار الذنوب لانه يقول إذا اجتنبتم عن المعاصى الكبيرة يغض النظر عن سائر

خطایاکم و ندخكم فى مستقرِّ شريفٍ قال، قلت يابن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)

فشفاعة الشافعين تكون لاىِّ طائفة من العاصين قال قال ابى نقلاً عن آبائه عن على(علیه السلام) إنّه قال سمعت رسول الله يقول شفاعتى تكون لاصحاب المعاصى الكبيرة من أمتى و أما أهل ألاحسان فلا عقوبة علیهم قال قلت يابن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) إنّ الله تعالى يقول لايشفعون إلا لمن كان مورد الرضا و الاختيار لِلّه تعالى وكان خائفاً من عذاب الله وألمرتکب للمعاصى الكبيرة ليس مرتضى لله قال يا أبا أحمد ليس من مؤمن يرتكب ذنباً إلّا سائه ذلك وندم و قال

ص: 91

ألنبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم) الندامة كافية للتوبة و قال من أسرته الحسنة وأسائته السِّيئة كان مؤمنا فمن ارتكب الذنب و لم يندم لم يكون مؤمناً ولاشفاعة له وكان ظالماً وقال الله ليس للظّالمين صديق و شفيع يطاع قلت كيف لايكون من لم يندم عن الذنب مؤمناً ؟ قال يا أبا احمد ما من أحد يرتكب معصية كبيرة و يعلم أن عليها عقوبة إلهيّة إلا و يندم على ما فعل و إذا ندم كان تائبا و إستحق الشفاعة وإذا لم يندم كان مصرّاً وألمصر لايكون مغفورًا له لانه لايعتقد العقوبة على عمله وإذا كان معتقداً بعذاب الله صار نادماً و قال النبيُّ (صلی الله علیه وآله وسلم) لاكبيرة مع الاستغفار عن الذنب ولاصغيرة في صورة الاصرار على المعصية و أما قوله تعالى ولايشفعون إلا

لمن ارتضى فالمراد منه أن الشافعين لايشفعون الا لمن إرتضى الله دينه و الدِّين عبارة عن ألاقرار بالجزاء على الاعمال الحسنة والسَّيِّئة فاذا قبل الله دين شخص فلامحالة إذا أذنب هذا ألشخص يتندم على ما إرتكبه لانه يعتقد بالعقوبة أو عاقبته يوم القيامة.

هذا الحديث يدل على مطالب ثلاثة:

الاول: أن ألعذاب ألخلودي ينحصر بمن لايعتقد بوجود الصانع تعالى أو تيقن بوجوده لكنه أنكر

ذاته المقدسة جحوداً أو من كان موجباً لانحراف الناس عن جادة التّوحيد أو القائلين بالشريك الله وأما سائر النَّاس إذا ماتوا لا عن توبه و لم تنلهم الشفاعة يكون عذابهم موقتاً ومحدوداً على إختلاف كثير فى مدة العذاب و شدّته كما يستفاد ذلك من الاخبار.

الثاني: أن شفاعة الشّافعين ثابتة يوم القيامة

ص: 92

بنص القرآن ودلالة هذا الحدیث و سائر الاخبار المستفيضة وفى بعض الاخبار فسر المقام المحمود(الذى يكون أعلى الدرجات و يعطيه الله يوم القيامة لنبيّنا(صلی الله علیه واله وسلم) بالشّفاعة وعليهذا فمن ألعجب ألكثير أنَّ جماعة بحسب مقتضيات الزمان أو اعوجاج السليقة و قصور الفهم والادراك ينكرون هذا المقام الشامخ لاولياء الله وينبغى لاهل الايمان أن يستحكموا حبل التوسل و التمسك بذيل عناية شفعاء يوم القيامة عليهم السلام.

الثالث: أن تكرار ألمعصية الصغيرة ، كبيرة و من مصاديقه ترك التوبة كما أشير إليه في الحديث السابق و لكن يشترط في تحقق ألاصرار بسبب ترك التوبة 1) إلتفات ألعاصى إلى المعصية ( 2 ) و عزمه على العود إليها بعد الارتكاب أو العزم على تلك المعصية ( 3 ) أو معصية أخرى و إن كان حال إرتكاب المعصية ألاولى فمجرد ترك التوبة من دون التفات إلى العصيان ليس باصرار بل كون ذلك إصراراً يستلزم عدم صحة تقسيم المعصية إلى كبيرة وصغيرة.

الحديث الخامس

في ألكافى محمدبن يحيى عن احمدبن محمدبن عيسى عن الحسن بن محبوب عن معاوية بن وهب قال سمعت أبا عبدالله(علیه السلام) يقول إذا تاب ألعبد توبة نصوحا أحبه الله فستر عليه في الدّنيا و آلاخرة فقلت وكيف يستر عليه ؟ قال ینسی ملکیه ماكتبا عليه من الذنوب و يوحى إلى جوارحه أكتمى عليه ذنوبه و يوحى إلى بقاع الارض اكتمى ما كان يعمل عليك من ألذنوب فيلقى الذنوب فيلقى الله حين يلقاه وليس

ص: 93

يشهد شيءٌ عليه بشئٍ من الذنوب.

هذا الحديث الشريف صحيح و معتبر لانّ الكليني

رواه عن محمدبن يحيى و هو عن أحمدبن محمدبن عيسى(وقدتبين حالهم في الحديث ألاول التّوحيد) و هو عن الحسن بن محبوب(وقدتبين حاله فى الحديث الثالث من التّوحيد) و هو قد روى عن معاوية بن وهب(وقدتبيَّن حاله فى الحديث الخامس من النُبُوَّة) قال سمعت الصادق عليه السّلام يقول إذا تاب ألعبد عن المعاصى بصدق النيَّة أحبّه الله تعالى و ستر عليه معاصيه في الدنيا والاخرة قلت كيف يستر عليه ذنوبه ؟ قال ينسى ألملكي- ألملكين ألرقيب و العتيد الذين يكتبان معاصيه - ما كتباه عليه و يوحى إلى أعضائه و جوارحه بکتمان معاصیه و يوحى إلى أكناف الارض أن أكتمى ماعصى فوقك فيلقى الله يوم القيامة و ليس شيء يشهد على معصيةٍ من معاصيه.

هذا الحديث يدل على مطلبين لهما أهمية كبيرة.

الاوّل: أن ألتائب من الذنب محبوب الله تعالى و من المعلوم أنه لامقام أعلى من محبة المولى

للعبد و ألله بعبده.

الثاني: أنَّ الشَّعور والمعرفة إنما هما من آثار مطلق الوجود وذلك لان تحمل الشهادة و أداء الشهادة وكتمان الشهادة وألعلم بالمشهودبه والمشهودله و المشهودعليه كل ذلك موقوف على الشعور والادراك كما أن قابلية الايحاء منوطة بذلك وفى هذا الحديث نسب هذه ألامور باجمعها

إلى

ص: 94

أشياءٍ تكون حسب أنظارنا غير شاعرة كاليد والرجل و ألعين والاذن ومكان المعصية كما أن المنصوص في ألقرآن شهادة أيدى و أرجل الخاطئين و التصرف في ظواهر نصوص الكتاب و

جميع الكتاب و السُّنَّة من دون برهان قاطع على إمتناع تحقق الادراك فى ألموجود بما هو موجود غرور عجيب و جرئة على الكتاب والسنَّة غريبة و يحسن للمسلم المعتقد بصدق كلمات المعصومين عليهم السّلام أن يستيقظ من نوم الغفلة و يواظب نفسه وحاله لاّن كل عمل يصدر من ألشخص حسناً أو قبيحاً يكون مورد رؤية الله و أوليائه و متعلق لشهادة الاعضاء الجوارح وألزمان والمكان.

ألفصل السادس فى ألامور الاجتماعية وألحقوق وفيه خمسة أحاديث

الحديث الاول

في ألكافى محمدبن يحيى عن أحمدبن محمد و على بن إبرهيم عن أبيه جميعاً عن الحسن بن محبوب عن أبي ولّاد الحناط قال سألت أباعبدالله(علیه السلام) عن قول الله تعالى - و بالوالدين إحساناً - ما هذا

ألاحسان؟ فقال ألاحسان أن تحسن صحبتهما و أن لاتكلفهما أن يسئلاك شيئًا مما يحتاجان إليه وإن كانا

مستغنيين أليس يقول الله تعالى«لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ؟ (1)

ثم قال أبو عبدالله(علیه السلام) و أما قول الله تعالى«وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا » (2) قال إن أضجراك فلاتقل لهما أف

ص: 95


1- آل عمران، 92.
2- اسراء، 23.

وَلَا تَنْهَرْهُمَا» إن ضرباك قال«وَ َقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا» و ان ضرباک فَقُل لهما غَفَرَ ألله لكما، فذلك منك قولٌ كريمٌ قال - وَ أخفِض لَهُما جَناحَ الذُّيّ من الرَّحمة - قال لاتملاء عينيك من ألنظر إليهما إلا برحمة ورقة و لاترفع صوتک

فوق أصواتهما ولايدك فوق أيديهما ولاتقدم قدامهما.

هذا الحديث صحيح و معتبر لانه رواه ألكليني عن محمدبن يحيى أحمدالعطّار عن بن محمدبن عيسى

الاشعرى - وقد تبيَّن أحوالهم في الحديث الاوّل من التّوحيد - وكذلك رواه عن على بن ابرهيم - و قد مضى

حاله في الحديث ألثاني من التَّوحيد- عن إبرهيم بن هاشم(الذي ذكر حاله في ألحديث الرابع من الفصل السابق) عن ألحسن ألحسن بن محبوب (الذى تبيَّن حاله في الحديث الثالث من التّوحيد) عن أبي ولاد حفص بن سالم الحناط و هو بتصريح علماء الرّجال ثقة وقد روى عن الصادق(علیه السلام) وقال سألته عن قول الله فى القرآن و بالوالدين إحساناً إنه ما ألمراد من هذا الاحسان؟ قال ألاحسان أن تعاشرهما بالمعروف و ألحسن ولاتوقعهما في زحمة السئوال و ألتّقاضا منك شيئاً يحتاجان إليه و إن كانا بنفسهما من الاغنياء أو ليس الله يقول فى القرآن لن تنالوا أبدا ألبر إذا لم تنفقوا مما تحبّون قال ثمّ قال ألصادق(علیه السلام) و أما قوله تعالى- إما يبلغن عندك ألكبر أحدهما أو كلاهما فلاتقل لهما أفٍّ ولاتنهرهما معناه أنه إذا أوقعاك فى مضيقة روحية فلاتقل لهما اف، و إذا ضرباك لاتنهرهما وقل لهما قولاً كريماً معناه

ص: 96

أنه لو ضرباك قل:(غفر الله لكما) وهذا الكلام منك أصلح وأكرم، و أخفض لهما جناح الذُّلّ من الرحمة، معناه أنه لاتنظر إليهما ولاتملاء عينيك متوجِّهتين إليهما إلا وملاؤهما أللّين والعطوفة ولاترفع صوتك اعلی من صوتهما ولاتجعل يدك فوق يدهما ولاتمش قدامهما.

هذا الحديث الشريف يبيّن قانون الاسلام في كيفية المعاشرة مع الوالدين و يفسّر الآية المباركة القرانية ألنازلة فى هذا الموضوع و أنه لابد من حسن المعاشرة ألوالدين و أنه يلزم تهيّة مايحتاجان

إليه قبل ألحاجة إليه حتى لايتجشّمان للسئوال وإن كانا غير محتاجين و أنه يجب الرفق والمداراة بهما إلى تلك المرحلة و هى أنه لو آذاه لايظهر الانزجار و التضجُّر منهما وإذا ضرباه لم يتكلم بكلام سوءٍ ويقابل ايداهما بكلام حسن و طلب المغفرة وفوق كل ذلك يراعى اللُّطف و اللّين فى النظر

إليهما و التكلم معهما و ألمشى معهما بان ينظر إليهما بحب و وداد و يتكلم معهما بصوت خافت و يجعل يده أخفض من يدهما ويمشي ورائهما

من المعلوم أنه لو روعى تلك الآداب في المعيشة العائلية بالنسبة إلى حقوق الوالدين تتحقق من

إجتماع أمثال تلك العوائل الرؤوفة المعطوفة، المَدَينة الفاضلة التى كانت و لم تزل أمنيّة ألفلاسفة

الآملة للصلح البشرى.

ألحديث الثاني

في ألكافي عن محمدبن يحيى عن أحمدبن محمد عن أحمدبن محمدبن أبى نصر البزنطى عن أبي الحسن الرضا(علیه السلام) قال قال أبو عبد الله

ص: 97

(ع): صِل رحمك و لو بشربةٍ من ماء و أفضل ما يوصل

به الرَّحم كفّ ألاذى عنها وصلة الرّحم منسائة ألاجل محبة في ألاهل.

هذا الحديث الشريف صحيح وفي نهاية الاعتبار لان الكلينى رواه عن محمد بن يحيى عن إبن عيسى الا شعرى(الذين تبيَّن حالهم في الحديث الاول من التَّوحيد) عن ألبزنطي و هو من أصحاب الاجماع و ثقة جليل القدر وقدلاقى الرّضا و الباقر و كان له عندهما مقام منيع و منزلة عظيمة ويرونه ألعلماء فقيها و هو روى عن الرّضا(علیه السلام) انه قال صل أقرباءَك وإن كان باعطاء شربةٍ من ألماء و أفضل مراتب الصلة كف ألاذى عن الارحام، وصلة الرّحم توجب تأخير الاجل - طول ألعمر - و هي سبب للحبّ الفاميلي وألوداد العشيري.

تبيّن فى هذا الحديث الشريف مراتب صلة الرّحم وصلة الرّحم عبارة عن ألانس الارحامي - والربط الودادي بينهم، من أنزل ألمراتب و هي إعطاء جرعة مائر إلى أشرف الدرجات وهى الدفاع عنهم وفي رواية أخرى جعل من مصاديق صلة الرّحم إفشاء السلام حسن ردّ السّلام وقد أشار في هذا الحديث إلى آثار صلة الرّحم الخارجية الفردية والاجتماعية بانها سبب لطول العمر و موجب للمحبَّة فى ألعشيرة و في روايات

أرشد إلى فوائد أخرى لصلة الرّحم و هی الزيادة فى الرّزق والبركة فى ألمال و دفع البلاء و حسن الخلق ويُسر ألحساب يوم القيامة وجعل من لوازم قطع الرّحم قصر ألعمر و نقصان ألمال و إنفصام عروة العشيرة و قطع رابطة ألسعائلة و من المعلوم أنه لو

ص: 98

عَمِل الجماعات البشرية و ألاقوام و الارحام بهذه الآداب الشريفة المفيدة التى تكون مطابقة للعقل و واردة في الشريعة الاسلامية صار ذلك سبباً لتشبُّك العروق الجماعيَّة و إتصال ألحلق العوائلية و وصول الاجتماع ألانسانى من جراء ذلك إلى كمال السعادة و إبتعدت الفتنة عن الجامعة واستأصلت جُذور الفساد و البغض و ألعناد عن ألبلاد.

الحديث الثالث

في الكافي ألعدة عن سهل بن زياد عن الحسين بن بشار الواسطى قال كتبت إلى أبي جعفر الثانى(علیه السلام) أسأله عن النّكاح فكتب إلىّ من خطب إليكم فرضيتم دينه وأمانته فزوّجوه إن لاتفعلوه تكن فتنةٌ و فسادٌ كبيرٌ.

هذا الحديث المبارك صحيح و معتبر لان الكليني رواه عن عدته عن سهل و هم عبارة عن على بن محمدبن علان و هو خال الكليني وثقة و محمدبن جعفر ألاسدى سدی و هو ثقة و محمدبن الحسن الصفار و هو محمدبن عقيل الكلينى وكل هؤلاء رووا الحديث عن سهل بن زياد ألذى هو من أصحاب الهادی(علیه السلام) و ثقة بشهادة شيخ الطائفة الطوسي وإن كان ألخلاف في وثاقة سهل موجودٌ ولكن السّبب إنما هو فی إخراجه عن قم من قبل أحمد ألاشعرى وألعلَّة إنما كانت سوء تفاهم ليس إلا و لكن أمر هذا الخلاف هيّنٌ و لايضرُّ بوثاقة من هو شيخ للاجازة وقد روى عن مشايخ ثقات أحاديث كثيرة صارت مورداً لقبول الاصحاب و روى سهل عن الحسين بن بشار الواسطى و هو من أصحاب الرضا و ثقة وصحيح و قال كتبت إلى

ص: 99

الجواد(علیه السلام) وسألته عن الزوجيّة فكتب في جوابي إنّ من جاءَ عندكم خاطباً وإرتضيتم دينه و أمانته فزوَّجوه(فتقبلوه زوجاً لبنات عائلتكم بنتا أو أختاً أو غيرهما) و إن لم تفعلوا ذلك تقع فى الارض فتنه و فساد كثير.

في هذا الحديث بيّن طريقة الازدواج ألذى يكون أهمّ اُسس الاجتماع وقد جعل أساس النّكاح والزوجية على أعمدة الديانة و ألامانة و إذا تأمل ألانسان بالدقة قطع بان فوائد إبتناء النكاح - الزوجية - على الدِّين و ألامانة كثيرة جدا بحيث لاتُحصى كما أن مفاسد جعل بناء النّكاح على المال والجاه والجمال والشهوة أيضًا غير محصورة و يكفى ما ذكره ألامام(علیه السلام) في هذا الحديث المبارك من أن الزوجيّة إذا لم تكن متكية على ألدّين وألامانة تنتشر ألفتنة و ألفساد في الجامعة البشرية و تذبح روح الامن و الصلاح في المجتمع ويمكن أن يعتبر هذا الكلام من معاجز ألامام عليه السلام حيث أنك ترى بانّ الذين يَردّون الخاطب ألمتدينين المؤتمنين لا هواء نفسانيّةٍ وآمال شيطانية يتسبب من ذلك إما بقاء ألبنات في البيوت بلا إزدواج و مفاسد ذلك واضحة أو إزدواجهنَّ مع أشخاص غير متدينين

و من البديهى أن ألقِران و المعاملة مع ألخائن وغير المتديّن في المعاشرات الاجتماعية و العائليّة

مبتنيةً على ألمنافع ألمادية والفوائد الشهوية و أمثال هؤلاء الاشخاص لايمكن أن يصيروا أرباب البيوت و أزواجاً صالحين و يستفاد بنحو الاشارة عن تلك الاحاديث الثلاثة فى هذا الفصل شعبة هامّة من الحكمة العمليّة و هي تدبير المنزل و شرحها

ص: 100

المبسوط مذكور فى كتب الاحاديث و مؤلفات العلماء و بيانها خارج عن وضع هذا المختصر فللطالبين الرجوع إليها ولاسيّما الباب الخامس عشر من نكاح ألوافي.

الحديث الرابع

في ألكافي محمدبن إسماعيل عن ألفضل الفضل بن شاذان و عن أحمد أحمدبن ادريس عن

محمدبن عبد الجبار جميعًا عن صفوان عن صفوان بن يحيی زيد الشَّحام قال قال لى أبوعبدالله(علیه السلام) إقرءُ على من ترى أن يطيعنى منهم و يأخذ بقولى ألسلام.

و أوصيكم بتقوى الله تعالى و ألورع في دينكم و الاجتهاد في الله وصدق الحديث و أداء ألامانة و طول السّجود وحسن الجوار فبهذا جاء محمّد(صلی الله علیه وآله وسلم) و أدّوا الامانة إلى مَن ائتمنكم عليها براً أو فاجراً فان رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) كان يأمر باداء ألخيط و ألمخيط صلوا عشائركم و أشهدوا جنائزهم و عودوا مرضاهم و أدّوا حقوقهم و إن رجلاً منكم إذا ورع في دينه و صدق ألحديث و أدّى ألامانة وحسن خلقه مع ألنّاس قيل، هذا جعفرى فيسرُّنى ذلك و يدخل علىّ منه ألسّرور و قيل هذا أدب جعفر وإذا كان على غير ذلك دخل علىّ بلاؤه وعاره وقيل هذا أدب جعفر والله

لحدثنى أبى(علیه السلام) إنّ الرجل كان يكون في القبيلة من شيعة عليّ(علیه السلام) فيكون زينها أدّاهم للامانة و أقضاهم للحقوق و أصدقهم للحديث، إليه وصاياهم وودائعهم تسل العشيرة عنه فيقول من مثل فلان؟ إنه لأدّانا للامانة و أصدقنا للحديث.

هذا الحديث الشريف صحيح و معتبر لانّ الكليني رواه عن محمدبن إسماعيل عن الفضل بن شاذان

ص: 101

(و تبيّن حالهما في الحديث الخامس من ألواجبات) و أيضًا رواه عن أحمدبن إدريس عن محمدبن عبد الجبار(و تبيَّن حالهما فى ألحديث الخامس من التَّوحيد) و الفضل و محمد رويا كلاهما عن صفوان بن يحيى(وقد تبيَّن حاله في ألحديث الخامس من التّوحيد) و هو روى عن زيدبن يونس الشحام وهی ثقة بنصّ من مشايخ علم الرجال و بقرينة رواية الثقات و هو روى عن الصادق(علیه السلام) انه قال إقرءْ سلامى إلى من تعلم أنه يطيعنى و يعمل بقولى - أوصيكم بتقوى الله و أن تكونوا

ورعين فى الدِّين و مجاهدين في سبيل ربّ العالمين و أن تقولوا صدقاً وأن تؤدوا الامانات إلى أهلها وأن تطيلوا السجدة و تحسنوا الجوار إلى الجار لانَّ النبيَّ(صلی الله علیه وآله وسلم) جاء بهذه الآداب و أدّوا الامانة إلى من ائتمنكم عليها براً أو فاجرًا (مؤمناً أو فاسقاً) لانّ رسول الله أمر برد خيط أو أبرة إلى صاحبها صلوا ارحامكم و احضروا جنائزهم و عودوا مرضاهم و أدّوا حقوقهم لأنّه إذا كان أحد منكم ورعاً تقياً مؤدّياً للامانات حسن الخلق مع جميع الافراد يقول الناس هذا منسوب إلى جعفر(من حيث المذهب) و أصير بذلك مسروراً و يدخلنى الابتهاج من سيرته و يقول الناس هذه تربية جعفر(علیه السلام) و آدابه وأما إذا كان على خلاف ذلك يرجع بلاوه و عاره، إلىّ ويُحسب علىّ و يقولون هذا أدب جعفر فوالله قال لى أبى إنه ربما كان في قبيلة من القبائل شخص من شيعة علىٍّ عليه السلام وكان عزّ القبيلة فكان أدّی للامانات من الجميع وأقضاهم و للحقوق وأصدقهم

ص: 102

فى القول و لذا كانت وصايا العشيرة ترجع إليه و الودائع تستودع لديه و إذا سئلت العشيرة عنه قالوا من مثل هذا الرَّجل؟ هو أحسننا جميعاً في ردّ

الامانة و أصدقنا في الحديث.

هذا الحديث الشريف يبيّن قانون التَّعيُّش خارج المنزل و آداب العشرة مع المجتمع وأهمّ تلك الآداب و القوانين الاجتماعية إنّما هو صدق اللسان حفظ الامانات و أدائها حين ألطلب و ألحب والوداد مع الجيران و لدفع توهم اختصاص أداء الامانة إلى الصالحين و المؤمنين و قطع جُذور الخيانة عن المجتمع يصرح بوجوب أداء الامانة إلى ذيها برا كان أم فاجراً وينقل عن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) بان ألخيط ألاماني أو الابرة الامانية و هما شيئان رخيصان طفيفان يجب ردهما إلى صاحبيهما ثم يوصى للعشيرة بان يشترك معهم فى جميع الشئون الاجتماعية و يساعدهم و فوق ذلك كله يوصى بحسن بحسن ألخلق لجميع أفرادألنّاس من القريب والاجنبى و المسلم و ألكافر و يقول أحب نشر ألاخلاق الفاضلة بين النّاس ويسرُّني أن يرى ألناس أن تلك التربية الكاملة من تعليماتي حتى يعرف النّاس مرشد هم العاقل العادل. و من الواضح ألبيّن أنه لو عمل النّاس بتلك الآداب الاجتماعية لتحقق التعايش السلمى بين النّاس والحصلت العدالة المزعومة ألتي يطلبها البشر من السّجون والمحاكمات و القوانين المجعولة البشريّة كل ذلك فى كمال السُّهولة و بدون أى مشقة و زحمة.

الحديث الخامس

فى من لايحضره الفقيه عن على

ص: 103

بن أحمدبن موسى الدّقّاق عن محمدبن جعفرأالکوفی ألاسدي عن محمدبن إسماعيل ألبرمكى عن عبدالله بن أحمد عن إسماعيل بن الفضل ألهاشمي عن أبيحمزة الثُّعالى عن سيّد العابدين على بن الحسين بن على بن أبيطالب عليهم السّلام قال حق الله الاكبر عليك

أن تعبده لاتشرك به شيئاً فاذا فعلت ذلك باخلاص جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر ألدنيا والآخرة حق نفسك عليك أن تستعملها بطاعة الله عزّوجلّ.

وحق الّلسان إكرامه عن ألخنا و تعويده ألخير و ترك الفضول التي لافائدة لها و ألبرّبالنّاس و حسن ألقول فيهم، و حقُّ السّمع تنزيهه عن سماع ألغيبة و سماع ما لايحلّ سماعه،وحقٌّ ألبصر أن تغضه عمّا لايحل لك

و تعتبر بالنظر به و حق يدك أن لاتبسطها إلی ما لايحل لك و حقٌّ رجليك أن لاتمشى بهما إلى مالا يحل لك فيهما تقف على الصّراطِ فانظر أن لاتزل بك فتردى إلى النّار وحقٌّ بطنك أن لاتجعله وعاء

للحرام ولاتزيد على الشبع، وحق فرجك أن تحصنه من الزنا وتحفظه من أن ينظر إليه، و حقٌّ الصَّلاة أن تعلم أنها وفادة إلى الله و أنت فيها قائم بين يدى الله تعالى فاذا علمت ذلك قمت مقام العبد الذليل الحقير الرّاغب الرّاهب الرّاجي ألخائف ألمستكير المتضرّع المعظّم لمن كان بين يديه بالسكون و ألوقار وتقبل عليها بقلبك وتقيمها بحدودها و حقوقها وحق الحج أن تعلم أنه وفادة إلى ربك وفرار إليه من ذنوبك وفيه قبول توبتك و قضاء الفرض الذي أوجبه الله تعالى عليك وحقُّ ألصّوم أن تعلم أنّه

حجاب ضربه

ص: 104

الله عزّوجلّ على لسانك و سمعك وبصرك و بطنك فرجك ليسترك به من النار فإن تركت الصّوم خرقت سترالله عليك و حقٌّ ألصّدقة أنَّها ذخرك عند ربك و وديعتك التى لاتحتاج إلى الاشهاد عليها وكنت لما تستودعه سراً أوثق منك لما تستودعه علانية وتعلم

أنها تدفع عنك ألبلايا والاسقام في الدنيا وتدفعه عنك النّار في الآخرة ، وحقٌّ الهدى أن تريد به الله عزّوجل و لاتريدبه خلقه و لاتريد به إلاّ التعرُّض

لرحمة الله و نجاة روحك يوم تلقاه.

وحقٌّ السُّلطان أن تعلم أنّك جعلت له فتنة وأنه مبتلى فيك بما جعله الله له عليك من السلطان وأنَّ عليك أن لاتتعرض لسخطه فتلقى بيدك إلى التهلكة و تكون شريكاً له فيما يأتي إليك من سوء.

و حقُّ سائسك بالعلم، التَّعظيم له و التّوقير لمجلسه و حسن الاستماع إليه والاقبال عليه و أن لاترفع عليه صوتك ولاتجيب أحدا يسأله من شيء حتى يكون هو ألذى يجيب ولاتحدث فى مجلسه أحدا ولاتغتاب عنده أحدًا وأن تدفع عنه إذا ذكر عندك سوءٌ وأن تستر عيوبه و تظهر مناقبه و لاتجالس له عدوا ولاتعادى له ولياً فاذا فعلت ذلك شهدت لك ملائكة الله بانك قصدته و تعلمت علمه لله جلّ أسمه لا للنّاس، و أمّا حقُّ سائسك بالملك فان تطيعه ولاتعصيه إلا فيما يسخط الله عزّوجلَّ فانّه لاطاعة لمخلوق فى معصية الخالق.

و أمّاحقٌّ رعيّتك بالسّلطان فان تعلم أنهم صاروا رعيَّتك لضعفهم وقوتك فيجب أن تعدل فيهم و تكون

ص: 105

لهم كالوالدالرّحيم وتغفرلهم جهلهم ولاتعاجلهم بالعقوبة و تشكرالله عزّوجل على ما آتاك من

القوة علیہم.

و أماحق رعيّتك بالعلم فان تعلم أنَّ الله عزّوجلَّ إنَّما جعلك قيّماً لهم فيما آتاك من العلم وفتح لك من خزائنه فان أحسنت في تعليم الناس و لم تخرق بهم و لم تضجر عليهم زادك الله من فضله وإن

أنت منع ألنّاس علمك أو خرقت بهم عند طلبهم العلم منك كان حقاً على الله عزّوجل أن يسلبك العلم وبهائه ويسقط من ألقلوب محلك.

أماحقُّ الزوجة فان تعلم أن الله جعلها لك سكناً و أنساً فتعلم أنَّ ذلك نعمة من الله تعالى فتكرمها و ترفق بها و إن كان حقك عليها أوجب فان لها عليك أن ترحمها لانّها أسيرتك، و تطعمها و تكسوها و إذا جهلت عفوت عنها.

و أماحقٌّ مملوكك، فان تعلم أنه خلق ربك و إبن أبيك و أمك و لحمك و دمك لم تملكه لانك صنعته دون الله و لا خلقت شيئاً من جوارحه و لا أخرجت له رزقاً و لكن الله تعالى كفاك ذلك ثم سخره لك و إئتمنك عليه و إستودعك إياه ليحفظ لك ما تأتيه من خير إليه ، فاحسن إليه كما أحسن الله إليك وإن كرهته إستبدلت به و لم تعذب خلق الله تعالى ولاقوة إلا بالله.

و حق أمك أن تعلم أنها حملتك حيث لايحتمل أحد أحدًا و أعطتك من ثمرة قلبها مالايعطى أحد أحداً ووقتك بجميع جوارحها و لم تبال أن تجوع و تطعمك وتعطش وتسقيك و تعرى وتكسوك و تضحی و تظلك و تهجر

ص: 106

النوم لاجلك ووقتك ألحر والبرد لتكون لها فانك لاتطيق شكرها إلا بعون الله وتوفيقه .

و أما حقٌّ أبيك فان تعلم أنَّه أصلك فانك لولاه لم

تكن فمهما رأيت من نفسك ما يعجبك فاعلم أنّ أباك أصل النعمه عليك فيه فاحمدالله و أشكره على قدر ذلك ولاقوة إلا بالله.

وأماحقٌّ ولدك فان تعلم أنه منك و مضاف إليك في عاجل ألدنيا بخيره وشره و أنك مسئول عمّا وليته من حسن الادب و الدلالة على ربه عزوجل والمعونة له على طاعته فاعمل فى أمره عمل من يعلم أنَّه مثاب على ألاحسان إليه معاقب على ألاسائة إليه.

وأما حقٌّ أخيك فان تعلم أنه يدك وعزك و قوّتك فلاتتخذه سلاحًا على معصية الله ولاعدة للظلم لخلق الله ولاتدع نصرته على عدوه و ألنصيحة له فان أطاع الله وإلا فليكن الله أكرم عليك منه ولاقوة إلابالله.

و أماحقُّ مولاك ألمنعم عليك ، فان تعلم أنه أنفق

فيك ماله وأخرجك من ذلّ الرّق و وحشته الى عزِّالحرّية و أنسها فاطلقك من أسر الملكية وفك عنك قيد العبودية وأخرجك من ألسجن و ملكك نفسك و فرغك لعبادة ربك وتعلم أنه أولى ألخلق بك فى حياتك و موتك و أنَّ نصرته عليك واجبة بنفسك و ما إحتاج إليه منك ولا قوة إلابالله.

و أماحقٌّ مولاك ألذى أنعمت عليه فان تعلم أنَّ الله عزّوجل جعل عتقك له وسيلة إليه و حجاباً لك من النّار و أنَّ ثوابك فى العاجل ميراثه إذا لم يكن له رحم

ص: 107

مكافاة لما انفقت من مالك وفي الآجل الجنَّة .

وأماحقُّ ذى المعروف عليك فان تشكره و تذكر

معروفه و تكسبه المقالة الحسنة وتخلص له الدعاء فيما الله تعالى فاذا فعلت ذلك كنت قد شكرته

بينك و بين سرّاً وعلانيةً ثم إن قدرت على مكافاته يوما كافيته.

وحقٌّ المؤذن أن تعلم أنه مذكرلك ربَّك عزّوجل وداع لك إلى حظك وعونك على قضاء فرض الله عليك فاشكره على ذلك شكر المحسن إليك.

و أماحقٌّ إمامك فى صلاتك ، فان تعلم أنه تقلد السفارة فيما بينك و بين ربك عزّوجل و تكلم عنك ولم تتكلم عنه و دعا لك و لم تدع له و كفاك هول المقام بين يدي الله عزّوجلّ فان كان نقص كان به دونك و إن كان تماماً كنت شريكه و لم يكن له عليك فضل فوقى نفسك بنفسه وصلاتك بصلاته فتشكر له على قدر ذلك.

وأمّاحقٌّ جليسك، فان تلين له جانبك و تنصفه في

مجازاة اللفظ و لاتقوم من مجلسك إلا باذنه و من يجلس إليك يجوز له ألقيام عنك بغير إذنك و تنسى زلاته و تحفظ خيراته و لاتسمعه إلا خيراً

و أماحقٌّ جارك، فحفظه غائباً و إكرامه شاهداً و نصرته إذا كان مظلوماً ولاتتبع له عورة فان علمت عليه فيه سوا سترته عليه و إن علمت أنه يقبل نصيحت نصحته فيمابينك و بينه و لاتسلمه عند شديدة وتقيل عثرته و تغفر ذنبه و تعاشره معاشرة كريمة ولاقوة إلابالله.

و أماحقُّ الصاحب فان تصحبه بالتفضّل و الانصاف و تكرمه كما يكرمك و لاتدعه يسبق إلى مكرمة فان سبق

ص: 108

کافیته و توده كما يودك و تزجره عما يهم به من معصية و كن عليه رحمة ولاتكن عليه عذاباً ولا قوة إلابالله.

وأما حقُّ الشريك ، فان غاب كفيته و إن حضررعيته ولاتحكم دون حكمه و لاتعمل برأيك دون

مناظرته و تحفظ عليه ماله ولاتخنه في ما عزّ أوهان من أمره، فان يدالله تعالى على الشّريكين مالم يتخاونا ولاقوة إلابالله.

وأماحق مالك ، فان لاتأخذه إلا من حله ولاتنفقه فى وجهه و لاتؤثر على نفسك من لايحمدك فاعمل به بطاعة ربك ولاتبخل به فتبوءَ بالحسرة والندامة وألتّبعة ولاقوة إلابالله .

وأمّاحقٌّ غريمك الذى يطالبك فان كنت موسراً أعطيته وإن كنت معسرًا أرضيته بحسن القول و رددته عن نفسك ردّاً لطيفاً.

وحقُ ألخليط أن لاتغرّه و لاتغشه و لاتخدعه و تتقى الله تعالى في أمره.

وحق الخصم المدعى عليك حقاً كنت شاهده على نفسك و لم تظلمه و أوفيته حقه وإن كان مايدعى باطلاً رفقت به و لم تأت فى أمره غير الرفق و لم تسخط ربك فى أمره ولاقوة إلابالله.

وحق خصمك ألذى تدعى عليه إن كنت محقاً فى دعواك أجملت مقاولته ولم تجحد حقة وإن كنت

مبطلا في دعواك إتقيت الله عزّوجلّ و تبت إليه و تركت الدعوى.

و حقٌّ المستشير، إن علمت له رأياً حسنًا أشرت

عليه و إن لم تعلم له أرشدته إلى من يعلم.

وحقٌّ المشير عليك أن لاتتهمه في مالايوافقك من

رأيه و إن وافقك حمدت الله تعالى.

ص: 109

وحقٌّ المستنصح، أن تودى إليه النّصيحة و ليكن مذهبك الرحمة له و الرفق به.

و حقُّ النّاصح، أن تلين له جناحك و تصغى إليه بسمعك فان أتى بالصَّواب حمدت الله تعالى وإن لم يوافق رحمته و لم تتهمه و علمت أنه أخطأ و لم تؤاخذه بذلك إلا أن يكون مستحقّاً للتهمة فلا تعبأ بشي من أمره على حال ولاقوة إلابالله.

و حقُّ الكبير، توقيره لسنه وإجلاله لتقدمه فى ألاسلام قبلك و ترك مقابلته عند الخصام ولاتسبقه

إلى--ك طريق ولاتتقدمه ولاتستجهله وإن جهل عليه إحتملته و أكرمته لحق الاسلام و حرمته.

وحقُّ الصّغير رحمته فى تعليمه و العفو عنه و ألسّتر عليه و الرّفق به و ألمعونة له.

وحقٌّ السّائل إعطائه على قدر حاجته وحقُّ المسئول إن أعطى فاقبل منه بالشكر وألمعرفة بفضله و إن منع فاقبل عذره.

وحقُّ من شَرَّك لِلّه تعالى أن تحمدالله تعالى أولاً ثم تشكره.

وحقٌّ من أسائك، أن تعفو عنه وإن علمت أنَّ العفو يضر إنتصرت ، قال الله تعالى و لمن إنتصر بعد ظلمه فأولئك ماعليهم من سبيل.

وحقٌّ أهل ملتك إضمار السلامة والرحمة لهم و الرفق بمسيئهم و تألفهم و إستصلاحهم و شکر

محسنهم وكفٌ ألاذى عنهم وتحب لهم ما تحب لنفسك و تكره لهم ما تكره لنفسك و أن تكون شيوخهم بمنزلة أبيك و شبابهم بمنزلة إخوتك وعجائزهم بمنزلة أمك و ألصغار

ص: 110

بمنزلة أولادك.

وحقٌّ أهل الذِّمَّة أن تقبل منهم ماقبل الله تعالى منهم ولاتظلمهم ما وفوا الله عزّوجل بعهده.

ذكر الصدوق(رحمةالله علیه) هذا الحديث الشّريف فى كتاب من لايحضره الفقيه بسند مضى و سلسلة السّند كما تأتى الدّقّاق و هو من مشايخ الصدّوق وقلنا سابقاً بانَّ المشايخ لايحتاجون إلى التوثيق و روى هو عن محمدبن جعفر الاسدي و هو ثقة روى عن عبد الله أحمد و هو بقرينه ألرّاوى

والمروى عنه الرازي و روي عن إسماعيل بن ألفضل يعقوب بن الفضل عبدالله بن الحرث بن عبد

المطلب و هو ثقة وعن اصحاب الباقر(علیه السلام) و قال الصادق(علیه السلام) في حقه إنه كل من كهولنا و سيّد من ساداتنا و هو روى عن أبي حمزة الثُّعالى - ثابت بن دينار - الثقة و قال الرضا(علیه السلام) فى حقه إنّ أبا حمزة فى زمانه كلقمان في عصره و هو روی عن السجاد(علیه السلام)

وعبدالله بن أحمد الرازي وإن كان إماميًا لكن أستاد الصَّدوق-محمد بن الحسن بن وليد - لم ينقل الروايات التي ذكرها محمد بن محمدبن أحمدبن يحيى الاشعرى فى كتابه نوادر الحكمة عنه ووافقه الصدوق فى هذا الاستثناء و معذلك روى ألصدوق هذا الحديث الذى يكون الرّازى في سنده فی من لا يحضره الفقيه و مع لحاظ کمال مواظبة ألقدماء فى نقل الاحاديث ولاسيّما الصدوق يعلم أنه كان له كمال الوثوق بصدور هذا الحديث و لذا ألمجلسى(رحمةالله علیه) مع أنه يرى عبدالله بن أحمد ألرازى ضعيفاً، لاستثناء إبن الوليدله وصف هذا الحديث بخصوصه حسناً وإن وصف

ص: 111

الشّيخ الجليل شرف الدين عناية الله القهپائی (رحمةالله علیه) نفس هذا الطريق مجهولاً و لكن مع هذا الاختلاف و غموض حال عبدالله الوثوق بصدور هذا الحديث حاصل أضف إلى ذلك إعتناء أكابر الثقات أمثال البرمكي و ألاسدى بنقل الرواية عن عبدالله مضافاً إلى أن مضمون هذا الحديث الشريف يوافق ألعقل و مطابق للقواعد الاخلاقية الدينيَّة ويبعد جداً جعله و إنشائه من غير ألامام(علیه السلام) فيحصل ألوثوق بصدوره عن ألامام

إلى حدِّ ألاطمينان وكيف كان فبعد ألتامل الكامل في مضامين هذا الحديث لم أرض أن لاأذكره، لمجرد

عدم توثيق أرباب علم الرجال - عبد الله أبن احمد.

و أيضًا نقل هذا الحديث الشّريف أبو العباس أحمدبن على بن العباس النَجَاشي(بفتح النون و الجيم) صاحب كتاب الرّجال ألمعروف ألذي يكون معروفاً ألعلماء بالوثاقة و مسلم عندهم بها و هو شيخ جليل ثقة عن أعرف و أفضل مشايخه أحمدبن على بن عباس بن نوح السيرافي ألثقة الفقيه و العارف بالحديث والدقيق فى الرواية وهو روي عن حسن بن حمزة بن على بن عبدالله بن محمدبن الحسن بن الحسين بن على بن أبيطالب و هو وجه السادات ألاطياب و شيخ مشايخ الاصحاب و مورد توصیف و مدح علماء الرجال و هو روى عن على بن إبرهيم عن أبيه إبرهيم بن هاشم(و قد سبق ذكرهما عن محمد بن الفضيل(المحتمل كونه محمدبن

القاسم بن الفضيل الثقة) وإن كان محمد بن الفضيل المرمى بالغلوّ لم يضرّ أيضاً بما نحن فيه الأمور.

ص: 112

الأول: أن هذا الطريق مؤيد لطريق الصدوق(رحمةالله علیه)

و تعاضد الطريقين يوجب الاطمينان بالصدور.

الثاني: أنَّ ضعف ألرّاوى إن كان مستنداً إلى الغلوّ ولاسيّما عند ألقدماء و مخصوصاً عند إبن الغضائرى لم يكن له وزن مع أن علة الغلو عنده-م كان الاعتقاد بصفة في الائمة(علیهم السلام) تكون من أدنی مدارج مقامهم الشامخ ألمنيع و لقد أجاد سيدنا أستاد الفقهاء و المجتهدين الجامع للمعقول و المنقول آيةالله العظمى المرحوم ألحاج ألمير السيّد على النّجف آبادی(قدس سره) أستاد الفقير فى غالب ألعلوم حيث قال إن غالب الرواة الذين صاروا مورداً للطَّعن ونُسبِوا إلى الغلوّ كانت معرفتهم بمقام الائمة(علیهم السلام) فوق معارف

الآخرين(وعلى حدّ تعبيره) كانوا فضائليّين ويذكرون مناقب الائمة الطّاهرين عليهم السّلام و كانوا يعتقدون

فى حقهم مالايصل إليه فهم الآخرين و لذا وصفوهم بالضّعيف و ألغالي بل ألوضّاع انتهى.

وإنّما يظهر صدق هذا المقال بالدّقّة في حال أعاظم كيونس بن عبدالرحمن و محمدبن سنان.

الثالث: إنّ الرواة من محمدبن الفضيل من ألكثرة و الجلالة بحد لايقبل الوجدان أن يتحمل قبول ضعف المروى عنه و هو روى عن ثابت بن دينار - أبوحمزة الثُّمالى - وقد عرفت أنه ثقة و هو روى عن سيد السّاجدين على بن الحسين وعلى هذا فصدور رسالة الحقوق - هذه - ألتي لعله كانت معروفة بهذا الاسم عند القدماء عن ألامام مورد للاطمينان الكامل والعلم

ص: 113

عندالله.

و لو عمل المجتمع ألانساني بهذا ألحديث الشّريف كان سبباً لسعادة الدارين لان هذا الحديث جامع لجميع الوظائف أعنى وظيفة الشخص مع الله و مع الوالدين و الزوجة و ألاولاد و الخادم و الجليس و ألمعلّم والتلميذ والسلطان و ألحاكم وغيرهم فتامل بان الحديث أوجب طاعة السلطان في غير معصية الله تعالى وفى نفس الحال حذِّر الشّخص بأن يوقع نفسه في معرض سطوته و قهره و غضبه ورأى ذلك حراماً و موجباً لالقاء النفس فى التهلكه و أوجب التقية وأما في مورد الزوجة فمع الاعتراف بأن حقّ الزّوج أزيد من حقّ الزّوجة

يرى الزوجة أسيرة للزوج و مستحقة للعطف والرحمة و في مورد المشورة مع إحراز الخيانة المستشار أمر بترك العمل بالمشورة وعدم الاعتماد بها وفي مورد العفو عن الظلم إذا كان العفو مضراً أجاز الانتصار و الانتقام فعلى الاخوان المؤمنين مطالعة هذا الحديث مكرّراً و الدقة فى مضامينه

ألفصل السابع في الاخلاق وفيه خمسة أحاديث

الحديث الأول

في ألكافي عدة من أصحابنا عن احمدبن محمدبن خالد عن عثمان بن عيسى عن عبدالله بن مُسكان عن أبيعبدالله(علیه السلام) قال إنّ الله عزّوجل خصّ رسله بمكارم الاخلاق فامتحنوا أنفسكم فان كانت فيكم فاحمدواالله و أعلموا أنَّ ذلك من خيرٍ وان لاتكن فيكم فاسألوا الله و أرغبوا إليه فيها قال فَذَكَرَ

ص: 114

عشرة، اليقين، و ألقناعة، والصبر، والشكر وألحلم، وحسن الخلق، والسخاء، والغيرة و الشجاعة، وألمروة قال و روى بعضهم بعد هذه الخصال العشر و زادفيهاالصدق وأداء ألامانة.

هذا الحديث الشّريف صحيح و معتبر لان الكلینی روى عن عدته عن البرقى(الذين تبين حالهم في الحديث الثانى من ألواجبات) عن عثمان بن عيسى(ألذي تبيَّن حاله فى الحديث الثانى من النُّبُوَّة) عن عبدالله بن مُسكان(الذى تبيَّن حاله في ألحديث الاول من المحرمات) و أيضًا روى الصَّدوق(رحمةالله علیه) هذا الحديث في الفقيه بسنده المتصل إلى عبدالله بن مُسکان مع تفاوت يسير عن الصادق(علیه السلام) أنه قال إِنَّ الله عزّوجل خَصَّ أنبيائه ورسله بصفات حميدة و أخلاق كريمة فامتحنوا أنفسكم بانه هل تكون تلك الصفات فيكم فاذا كانت تلك الصفات فيكم فاشكروا الله و أعلموا بان وجود تلك الصفات خير وسعادة و ان لم تكن فيكم فتوجهوا إلى الله حتى يعطيكم إياها وقد ذَكَرَ ألامام(علیه السلام) عشرة أوصاف: وهى اليقين، القناعة، الصبر الشكر ، ألحلم ، حسن الخلق ، السخاوة ، ألغيرة الشجاعة ، ألفتوة، وقال الكليني قد نقل بعض الرواة عنه أيضًا، الصدق والامانة.

أقول في معانى الاخبار للصدوق أنّ الراوى قال سألت ألامام عن تفسير أليقين فقال اليقين أن يعمل ألمؤمن لله كانه يراه نصب العين فانه لو لم يرى ألسله فالله يراه ويعلم بعلم اليقين أن كل ما قدر أن يصل إليه واصلٌ إليه لامحالة وكل ما قدر أن لايصل إليه

ص: 115

ليس واصلا إليه قطعاً وهذه أغصان شجرة التوكل وفي حديث معتبر عن الصادق(علیه السلام) أن صفة اليقين إنَّما تكمل إذا لم يغضب الشخص الموحد ربَّه لمرضاة النّاس ولايشتكى عن ألله فيما لم يصل إليه عند مخلوقه لان حرص الحريص لايجرُّ الرّزق ورغبته عنه لايبعده بحيث لو هرب ألانسان عن ألرّزق هروبه عن ألموت لَوَ صل إليه الرِّزْقُ كما يصيبه ألموت إن الروح والراحة في أليقين و ألرضا و ألهم و ألحزن في الشك و السخط وأما القناعة ففى الكافي عن الباقر(علیه السلام) إياك و النَّظر إلى من فوقك لان الله يوصى نبيه بأن لايعجبه أموال النّاس وأولادهم و أن لايمدَّ عينيه بما متّعهم الله من أزواجهم تلك زَهرة ألحياة الدنيا وإذا سنح بخاطرك أمر فانظر إلى عيشة النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) وأنه كان طعمه خبز الشعير وحلوه التمرو وقوده سعف النخل فيما إذا كان ميسوراً له ذلك.

و أما الصّبر ففى الكافى فى عدة روايات صحاح إنَّ ألصّبر رأس ألايمان و هذا التعبير حقيقي لاتنزيلى لان واقع الايمان! ألايمان إنما هو الصّبر فى طاعة الله والصّبرعن معصية الله والصّبر في بلاء الله فروح الايمان الصبر.

و أما الشكر، ففى ألكافى عن الصادق(علیه السلام) إنه كتب فى توراة موسى(علیه السلام) أن أشكر لمن أنعم عليك و أنعم على الشاكر لانّ النعمة لاتنفي مع الشكر ولاتدوم مع الكفران إن شكر النعمة تزيد النعمة و هو جُنَّة للتحول و قلب ألامور انتهى.

وقدتبيّن في محله بان حقيقة الشكر عبارة عن تقدير النعمة و تقدير ألنّعمة إنما هو

ص: 116

بعدم تبذيرها بل صرفها في موارد رضا المنعم فشيكر نعمة العين عبارة عن النّظر في آيات صنع الله لا ألنّظر

إلى غير المحرم و هكذا بالنسبة إلى سائر النعم.

و أما الحلم ففى الكافى بسند موثق عن الباقر(علیه السلام) إنى أحبّ أن يكون الانسان حين ألغضب مالكا لنفسه و لايخرج عن الحلم وفي رواية أخرى كفى ألحلم ناصرا للشخص و إن لم يكن لك حلم فتَحَلم وذلك لانَّ الحليم بصفة ألحلم يتفوق على الخصم و به ينال مقاصده.

وأما حسن الخلق ففي الكافي بسند صحيح الباقر(علیه السلام) إن أكمل أهل الايمان من كان خلقه أزيد من سائر النّاس و في القرآن المجيد مخاطباً للنبيّ الاكرم(صلی الله علیه وآله وسلم) و مكرّ ماله قال الله تعالى إنك لعلى خلق عظيم و لايخفى على أهل المعرفة بانّ حسن الخلق في أوّل مرتبته وإن كان بشاشة ألوجه و حسن الكلام إلا أنّه لمّا كان آخر حد ضحك المومن هو التبسم و ألمومن بعيد عن اللهو واللغو و معرض عنهما فحسن الخلق عبارة عن حسن الطوية وطهارة السيرة و شرف النفس و الملكات الفاضلة

و أما السخاوة فحبُّ الله له بحد قد ورد في بعض الروايات أنّ الشّخص وإن كان كافرا و دخل جهنم يحكم وعيد الله لكنّه يتنعم بنعمة الله هناك وليس السنار بمحرقة جواداً ولو كان الجواد من المجوس.

و أما الغيرة، فهي من الصفات البارزة لابراهيم(علیه السلام) وقد قال النّبي(صلی الله علیه وآله وسلم)

بأن أبی إبرهيم كان غيوراً و أنا أغير منه و الله أغير منّا.

ص: 117

و أمّا الفُتُوَّة، فهى رأس الاخلاق الفاضلة و ماحية للسَّيِّئات وإن أستعملت في حق الحيوانات.

وأماالصّدق والامانة، ففي الكافي بسند صحيح عن ألامام السّادس(علیه السلام) إنه قال لم يبعث الله نبيًّا

إلابصدق الحديث و أداء ألامانة بالبرّ و الفاجر.

الحديث الثانى

فى الكافى محمدبن الحسن و على بن محمد عن سهل بن زیاد و محمدبن يحيى عن أحمد بن محمد جميعاً عن جعفر بن محمدالاشعرى عن عبدالله بن ألميمون القداح وعلى بن إبرهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن ألقداح عن أبيعبدالله قال قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) من الله من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنّة وإنّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا به، وإنَّه يستغفر لطالب العلم مَن فى السماء والارض حتى ألحوت في ألبحر وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النّجوم ليلة البدر، وإنَّ العلماء ورثة الانبياء و إن الانبياء لم يورثوا ديناراً ولادرهماً و لكن ورثوا العلم فمن أخذ منه أخذ بحظٍّ وافر.

هذا الحديث الشّريف صحيح و معتبر لانّ الكليني رواه بطرٍيقين:

الاول: عن محمدبن الحسنو هو بالظَّنِّ القوى الصغار الثقة أو إبن الوليد شيخ الشيخ الصدوق ( و علی بن محمد و ه(و من مشايخ الكلينى و موثوق به و كلاهما رويا عن سهل بن زياد) وقد ظهر حاله في الحديث الثالث من الحقوق).

و أيضًا روى عن محمد بن يحيى بن يحيى العطّار عن أحمد

ص: 118

بن محمد بن عيسى(و قد ظهر حالهما في السابق) و رووا هؤُلٰاءِ جميعاً عن أبي جعفر جعفر بن محمد بن عبيدالله الاشعرى(صاحب كتاب نوادر الحكمة ولم يستثنه أستاد الصّدوق عن من إعتمد عليه في نقل الحديث وذلك دليل بارز على وثوق ألقدماء به) و روى هو عن عبدالله بن ميمون بن أسود ألقداح وهو ثقة عن الصادق (علیه السلام).

ألثّاني: عن علي بن إبراهيم عن والده ألماجد وحالهما علم سابقاً(حماد عن بن عيسى) وقد مضى فى الحديث الثالث من التَّوحيد ذكره(عن القداح المذكور عن الصادق(علیه السلام) .

فهذا الحديث يتصل إلى القدّاح من ناحية أربعة من المشايخ مع إختلاف في الطّرق بحيث يمكن أن يحسب أربعة طرق وكيف كان فقال الصّادق(علیه السلام) إنَّ ألنّبى ألاكرم(صلی الله علیه وآله وسلم) قال كل من وضع قدمه فى طريق كان فى سلوكه طالباً لعلم فتح الله له طريقاً إلى الجَنَّة و تبسط الملائكة أجنحتها لجلوسه حباً له وكل من كان فى ألسّماءِ أو فى ألارض حتى ألحوت في ألماء يستغفر له وفضل ألعالم على ألعابد كفضل ألقمر ليلة تمامه و كماله على سائر النّجوم و ألعلماء هم ورثة الانبياء لانّ الانبياء ليس ميراثهم الدينار و الدرهم بل هو العلم فمن حصل حظاً منه فقدنال نصيباً وافراً.

يظهر بكمال الوضوح من هذا الحديث الشّريف مقام العلم المنيع و شرف منصب ألعلماء لانّ هذا الحديث دلّ على خضوع الملائكة لطالب العلم و هم خلقوا من الانوار و هم عقول مجرّدة وكذا يظهر من

ص: 119

هذا الحديث إستغفار الموجودات الحيّة لعالم ألكون(ألعلوى و السفلي) و أنَّ مقام العلم و ألعالم أفضل من مقام العبادة والعابد وأنّ ألعلماء خلفاء لسفراء ألحقة الالهية و أن طى طريق العلم إنما هو طى طريق الجنة و أن صاحب العلم غنى عن الدينار والدرهم و أنه ألغنى ألواقعى و إذا تأمل ألعاقل في أي جملة من جمل هذا الحديث لايرجّح مقاماً ولامنصباً على هذا المقام ويقطع النظر في مقابل تحصيل العلم عن كل عيش و لذة وقد ورد في الروايات المستفيضة أن طلب العلم فريضةٌ على كل مسلم وفي بعض الروايات إنَّ اللهَ ُيحِبُّ طلاب العلم وفي بعض الروايات إنّ طلب العلم أوجب من طلب المال لان ألمال في ذمة الله و ضمانه وأنه بتقسيم من الله العادل ينقسم وأما العلم فهو كنز مدخور فی صدور أهله ولابدّ وأن يتصدى ألانسان لتحصيله بامر من الله وقد ورد في جملة من الروايات تقسيم الناس إلى ثلاث طوائف (1) العلماء ( 2 ) طلاب العلوم ( 3 ) الزَّبَد، حيث عُبِّر عن الجهّال من خفة الوزن و قلة البهاء وكونهم في مسیر الهوى بالزّبد و مايعلو المسيل من الغُثاء، وقدعُيِّنَ في الرّوايات حقوق للعالم في الجامعة تكريماً له فورد في الرّوايات لاتكثر السئوال عنه ولاتأخذ بثوبه وإذا وردت عليه و معه جماعة سلم على الجميع وخُصَّه بالتحيَّة والتعظيم و لاتجلس مقابله وكن مع كمال الوقار بلاتحريك اليد و ألعين ولاتنقل لديه أقوال الآخرين إذا كانت مخالفة لرأيه ولاتجعله ملولاً لكثرة جلوسك عنده لان العالم كالنخلة المثمرة لابدّ من

ص: 120

الانتظار إلى أن تسقط الثمرة بنفسها منها.

و أيضًا تُشبّه ألعالم بالكعبة من حيث لزوم تحمُّل المشقه لزيارته.

و لكن العلم الذى يكون مورداً للتحريص والترغيب و الذى يكون حامله وارثاً للانبياء(علیهم السلام) عبارة عن المعارف الحقة الالهية والعلم بالاحكام الفرعية فيكون السطر الاول فى لوحة الكمالات والاخلاق الفاضلة الانسانية هو تكميل ألعقائد ألحقة وتشييد ألمباني الفقهية وليعلم أن المقام كل ماكان أرفع و أمنع كان الوصول إليه أشقُ وأتعب و لذا دار في الالسن وللعلم آفات و العمل بوظائف هذا المقام أشكل نعوذ بالله من عالم يجعل العلم وسيلة للمباهات والجدال والتفوق إعمال الاغراض و النيل إلى الملذات و الشهوات الدُّنيويَّة.

وقد ورد فى ألنصوص المستفيضة بل المتواترة أن كل واحدة من تلك الامور مورداً للنّهى ألاكيد و موضوعًا للعقاب الشّديد و قد طوينا عن ذكرها فليراجع أهل ألعلم إلى تلك ألاخبار بدقّةٍ كاملةٍ و نيّةٍ

صافيةٍ للمطالعة.

الحديث الثالث

في الكافي على بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر أليماني ع-ن أذينة عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال بنى الكفر على أربع دعائم ، الفسق، والغلو والشك، والشبهة، وألفسق على أربع شعب على ألجف ألجفاء و

ألعمى والغفلة والعُتُوّ فمن جفا إحتقر ألخلق و مقت الفقهاءَ وأصر على ألحنث العظيم و من عمى نسى الذّكر

ص: 121

واتَّبع الظَّنَّ و بارز خالقه و ألحّ عليه الشيطان وطلب المغفرة بلاتوبة ولاإستكانة ولاعقلة و من غفل جنى على نفسه وانقلب على ظهره و حسب غيه رشدا وغرته ألامانى و أخذته ألحسرة و الندامة إذ اقضى ألامر و إنكشف عنه ألغطاء و بداله مالم يكن يحتسب عتى عن أمر الله شك و من شك تعالى الله عليه فأذلّه بسلطانه و صغّره بجلاله كما إغترّ بربّه الكريم و فرّط في أمره.

والغلوّ على أربع شعب، على التعمق بالرأى و التنازع فيه و ألزّيع، والشقاق، فمن تعمّق لم يتب إلى ألحقّ

و لم يزدد إلا غرقاً فى الغمرات و لم تنحسرعنه فتنة إلاغشيته أخرى و إنخرق دينه فهو يهوى فى أمرمريج.

و من نازع فى الرأى و خاصم شهر بالعَثَل من طول اللجاج و من زاغ قبحت عنده ألحسن و حسنت عن-ده السّيئة و من شاق إعورت عليه طرقه و إعترض عليه أمره فضاق عليه مخرجه إذ لم يتّبع سبيل المؤمنين.

وألشكٌ على أربع شعب، على المرية والهوى و ألتردُّد والاستسلام وهو قول الله عزوجل فبای آلاء ربك تتمارى - وفي رواية أخرى - على المرية و الهول من ألحق والتردّد و الاستسلام للجهل وأهله فمن هاله مابين يديه نكص على عقبيه و من إمترى في الدين تردد فى الريب و سبقه الاولون من ألمؤمنين و أدركه الآخرون و وطئه سنابك الشّيطان و من إستسلم لهلكة ألدّنيا والآخرة هلك فيما بينهما و من نجا من ذلك فمن فضل اليقين و لم يخلق الله خلقاً أقلّ من اليقين .

ص: 122

و الشّبهة على أربع شعب ، إعجاب بالزينة وتسويل النَّفس وتؤل العوج ولبس الحق بالباطل و ذلك لانَّ الزّينة

تصدق عن البينة و أن تسويل النَّفس تقحُّمُ على الشّهوة و أنّ العوج يميل بصاحبه ميلاً عظيماً و أن اللبس ظلمات بعضها فوق بعض فذلك الكفر ودعائمه وشعبه.

والنّفاق على أربع دعائم على الهوى و ألهوينا و الحفيظة، والطمع، فالهوى على أربع شعب ألبغى والعدوان و الشهوة و الطغيان فمن بغى کثرت غوائله و تخلّى منه و نصر عليه ومن اعتدى لم يؤمن بوائقه ولم يسلم قلبه و لم يملك نفسه عن الشهوات و من لم يعدل نفسه في الشهوات خاص في الخبيثات و من طغي ضلَّ على عمدٍ بلاحجة و ألهوينا على أربع شعب على الغرّة و الامل والهيبة و المماطلة وذلك لانّ الهيبة ترد عن الحقِّ و المماطلة تفرط في العمل حتى تقدم عليه ألاجل و لولا ألامل علم الانسان حسب ما هو فيه و لو علم حسب ما هو فيه مات خفاتاً (1) الهول و ألوجل.

و ألغرّه تقصير بالمرء عن العمل و الحفيظة على أربع شعب، على ألكبر، و ألفخر والحميّة و العصبية فمن إستكبر أدبر عن الحق ومن فخر فجر و من حمى حميا أصر على ألذنوب ومن ! العصبيّة جار(فبئس ألامر أمر بين إدبار و فجور واصرار و جور على الصّراط).

ص: 123


1- فجأة.

و الطّمع على أربع شعب الفرح و المرح والدّجاجة و التكاثر، فالفرح مكروه عند الله و ألمرح خَيَلاءٌ اللّجاجة بلاء لمن إضطرته إلى حمل الآثام و ألتّكاثر لهو و لعب و شغل و إستبدال ألذي هو أدنى بالذي هو خير فذلك النّفاق و دعائمه و شعبه والله قاهرف---وق عباده تعالى ذكره و جل وجهه و أحسن كل شيء خلقه

و إنبسطت يداه ، و وسعت کلشی رحمته و ظهر أمره أشرق نوره و فاضت بركته ، و إستضائت حكمته و هيمن کتابه و فلجت حجته و خلص دينه و إستظهر سلطانه حقت كلمته و أقسطت موازينه و بلغت رسله فجعل السيئة ذنباً و الذنب فتنة والفتنة دنسًا وجعل الحسنى عتباً و العتبى توبة و التوبة طهورًا فمن تاب إهتدى و من إفتتن غوي ما لم يتب إلى الله و يعترف بذنبه ولايملك على الله إلا هالك الله الله فما أوسع مالديه من التوبة والرحمة و البشرى و الحلم العظيم فما أنكل ما عنده من ألا نكال وألجحيم و ألبطش الشّديد فمن ظفر بطاعته إجتلب كرامته و من دخل في معصيته ذاق و بال نقمته - وعما قليل ليصبحنّ نادمین.

هذا الحديث صحيح باصطلاح ألقدماء لانّ الكليني رواه عن على بن إبراهيم عن والده العظيم(وقدتبيّن حالهما مما مضى) عن حمادبن عيسى(وقد ذكر حاله فى الحديث الثالث من التّوحيد) عن إبراهيم بن عمر أليماني(الذى قال النجاشي إنه ثقة و هو موثوق به لدى المحققين من علماء الرجال و نقل بعض علماء الرجال إنه لاشبهه في وثاقته و تضعيف اِبن

ص: 124

الغضائرى بحسب طبع تضعيفاته ولاسيّما بالنسبة إليه لاوزن له(عن عمر بن أذينة) ألذي هو ثقة و روى عنه أجلاء الاصحاب و بعض أصحاب الاجماع(عن أبان بن أبي عياش) و هو مورد وثوق غالب ألعلماء و نقل أجلاء الثقات عنه ألحديث وقيل بأن كتاب سليم قرءَ بمحضر من السجاد(علیه السلام) و حكم بصحته وإن كان لنا كلام في كتابه بالخصوص لافى هذا الحديث المذكو فى الكافى ، وعلى هذا لاإعتناء بتضعيف إبن الغضائری له بل تضعيفاته ليست موردا لقبول علماء الرّجال لجهات ذكرت في كتبهم بل إشتهر أنه قل من سلم من ألعظماء عن طعنه و تضعيفه، عن سليم بن قيس الهلالى الذى هو من أصحاب أمير المؤمنين(علیه السلام)

و موثوق به لدى المحققين من أرباب علم الرّجال و هو روى عن أمير المؤمنين أنه قال قد إستقرّ الكفر عل- أعمدة أربعة و تلك الاعمدة فسق وغلو وشك و شبهه و للفسق أبعاد أربعة، ألجفا، والعمى، والغفلة و التّجاوز عن الحدّ(العُتُو)، فمن كان له ألخشونة في الطّبع والغلظة فى المعاشرة يرى الناس حقيراً و يحسبهم ذليلاً وخاصَمَ العلماء و يُصرُّ على عصيانه و طغيانه.

و من عمّيت عين قلبه ينسى عهد الله على عباده(و هو قوله فى عالم الارواح ألست بربكم وجواب الارواح بقولهم بلى) و يخاصم الله ربَّه و يتسلط عليه الشيطان و لايرفع أليد عنه ويطلب المغفرة من الله من دون توبة و رجوع إليه والتّواضع لديه و من غير أداءِ الحقوق و ردّ مظالم العباد ومن يغفل عن الله و عن

ص: 125

يوم الجزاءِ يصير عاصياً ويظلم نفسه و يرد وجهه عن الحقيقة و يحسب ضلاله رشداً وتغره الآمال النَّفسانيّة المزيّفة و اذا انقضت ألحياة الدنيوية وإرتفع الحجاب عن ألامور وإتضح ما كان ينكره أخذته الحسرة والندامة و من تعدّى عن حدود العبودية وخالف ألا وامر ألالهيَّة إبتلى بالشك و الترديد في المعارف ألحقة و من صار شاكاً فى الحقايق غَلَبَ الله عليه و أن له بسلطانه و بجلاله كما أنه غفل عن الله ألكريم وفرّط فى إطاعة أمره. و

أما ألتّرفّع وألغلُوِّ فعلى أربع شعيب، الاستبداد بالرأى والجدال في النّظريّة والبعد عن المطالب الحقة و العناد في موارد إختلاف النّظر فمن انغمر في أفكاره وإستبدّ بخيالاته لايرجع إلى الحق والحقيقة و يغرق فى أمواج ضلاله و ليس له مخرج عن غمرة إلا يغوص في غمرة أخرى و تنفصم عُروة ايمانه و یتیه ف---ى

غمرات أفكاره المضطربة وعقائده المزيّفة و من سلک طريق المنازعة فى الآراء العقلية وخاصم أهل النظرفى النظريات و أطال الجدال وإستمر فى اللجاج إشتهر بالحمق و الجهل و من إنحرف عن صراط ألحق رأى الجميل قبيحاً والقبيح جميلاً و من عاند في مقام إختلاف الرأى إنسدت عليه طرق التقدم العقلى و صعبت عليه ألامور و وقع في مضيق لا مخرج له منه لانّه لم يطاء قدمه في طريق أهل الايمان و لم يتابعهم.

و الشَّكُ على شعب أربعة: التَّزلزل و هَوَى النَّفس و الضّلال والاسارة بيد الجهل و هو قول الله فباى آلاء ربك تتمارى - تشك - وفي رواية أخرى على الشكّ

ص: 126

والخوف عن الحقيقة و الضَّلال و تسليم الجهل و أهله فمن إندهش عن ألحق و لم يقبله إبتعد عن الخير و السعادة وهرب عنهما و من تزلزل في الدين و العقائد ألحقة تحيَّرو تردَّد فى ألاضطراب الباطني و سبقه أهل الايمان من الذين كانوا معه و لحقه أهل ألايمان الّذين كانوا بعده ويداس تحت سنابك الشّيطان و من إستسلم لهلاك ألدنيا والآخرة وإنقاد لذلك إنمحق في الدارين و من نجى فببركة أليقين و ليس فى مخلوقات ألبارى أعزُّ وجوداً من أليقين(فهو الكبريت الاحمر).

و أمّا الشُّبهة وخلط ألحق بالباطل فعلى أقسام أربعة : التَّعلّق القلبى بالجلوات الظاهرية و التزينات الدنيوية و الابتلاء بتسويلات النفس وإبراز الخطاء بصورة الصواب وإرائة ألباطل بلباس الحق لان الجلوات الظاهرية تبعد الانسان عن الحقيقة و تلبيس النفس يوقع الشخص من غير تامل فى عاقبة ألامر فى حفرة الشهوات ومتابعة الخطاء و ألطريق الاعوج تجعل الانسان بعيدا عن الواقع بمسافات كثيرة.

وأما مزج ألحق بالباطل فهو ظلمات متراكمة بعضها فوق بعض فهذه أعمدة الكفر و شعبه.

و أما ألنّفاق فهو مبنىٌّ على أساطين أربعة الهوى، ميل النفس، ألهوينا، الرخوة،الحفيظة

العصبية، الطّبع .

أما ألهوى فعلى شعب أربعة: الظُّلم ، التَّعدّى

عن الحق، الشّهوة ، الطّغيان

ص: 127

أما الظُّلم فائره تكاثر الاحقاد و هجوم ألبلايا عليه لانّ ألنّاس بصددالانتقام منه - و لم يعتن أحد إليه

و يبقى بلاناصر و بلامعين و أمّا التَّعدّى فمن إعتدى لم يأمن عن الآفات و لم يسلم قلبه و لم يقدر على منع النفس عن الشهوات و من لم يصلح نفسه في مقابل المشتهيات يغوص في أمواج الأعمال الرذيلة و من تلغى يضل من دون دليل بل متعمداً.

و أما ألهوينا - التّكاسل و ألخفّه - فعلى شُعب أربعة: الغفلة والامنية والهيبة(من غيرالله) و التسويف فى الاعمال و ذلك لانّ الهيبة من غير الله الشخص عن الحق و التسويف يوجب التقصير في أعمال الخير إلى أن يوافى

ألانسان الاجل و لو لم يكن ألامل كان ألانسان يحاسب أعماله ويقدر أفعاله ولو كان ألانسان يعلم كيفية أفعاله(خيراً وشراً) الاضطرب و خاف و فاجأه ألموت بغتة و أمّا الغفلة فتوجب التفريط في أعمال الخير و

عدم الاهتمام بها.

وأما الحفيظة فعلى شُعب أربعه: التّكبر، وألتّفاخر على النّاس، وشدّة الارتباط بالقوم و الحزب والدفاع القومية و نحوها فمن عظم نفسه ولىّ دبره عن الحق و من تفاخر زاول المعاصى و من تعصب أصرّ على العصيان و من دافع عن قومه و نحو ذلك من التحيّزات إنحرف عن الصراط المستقيم فبئس عمل كان محاطاً بالادبار و العصيان و الاعوجاج عن الطريق السّوى و كانت تلك الرذائل محيطة به.

وأما ألطّمع فهو على شُعب أربعة: ألفرح، النّشاط

ص: 128

المفرط(اللّجاج، التّكاثر في ألمال والجاه) أمّا الفرح فهو مكروه عندالله و أما ألمرح فهو عُجبٌ وكبرٌ و أما الّلجاج

فبلاءٌ يفضى من إبتلى به إلى المعصية و أما التّكاثر فهو اللعب بالامور الدنيوية و الاشتغال بألاعمال أللهوية و الاستبدال لسّعادة الآخرة باللذائذألدنية الدنيويّة.

و هذا هو النّفاق وأسسه وشُعبه و الله غالب على عباده وصیت جلاله منيع و ساحة كماله جليلة جعل خلقة كل مخلوق على نظام متقن حسن إنبسط کرمه على العوالم و شملت رحمته کل موجود أمره. ظاهر و نوره با هر بركته كثيرة و حكمته واضحة كتابه مقدس وهو شاهد على كل عمل حسن أو قبيح أمين على الحلال والحرام برهانه قاطع و دينه عن الشوائب خالص سلطانه على عالم الوجود ظاهر كلمته(التكوينية والتشريعية) حقٌّ و ميزانه عدل بلغ رسالته الانبياء(علیهم السلام) جعل العمل القبيح معصية له والمعصية إمتحانا للبشر و رأى الابتلاء بالفتنة والعصيان ظلمة للروح إنتخب ألعمل،الحسن وجعل رضائه فى التوبة و التّوبة مطهرة للرّوح عن لوث المعصية فمن تاب إلى الله وصل إلى الطريق المستقيم و من بقى في ألمعصية كان في الضَّلالة إلى أن يرجع إلى الله ويعترف بخطائه و من هلك فانّما هلك بسوء أعماله إتقواالله إتقواالله ما أكثر ما لدى الله من التّوبة و الرّحمة و البشارة و قد وسعت حال کل شخص و ما أوفر حلم الله وما أشد نكالاً ما عنده من العّذاب و الجحيم والعذاب الشّديد فمن أطاعه جلب كرامته و من خالفه ذاق و بال أمره و عقوبته و سرعان أن يتندّم

ص: 129

من أعماله.

وأما مجمل شرح هذا الحديث أنَّ للكفر و النّقاق مراتب مختلفة لانّ حقيقة الكفر عبارة عن السّتر و الظلمة

(ظلمة ألباطن و استتار نور الحق وإختفاء تجليات الحقائق) و من المعلوم قطعاً أنّ ظلمة القلب كنورانيّته ذات درجات متفاوتة شدَّة وضعفاً كما أنَّ النُّورو الظلمة الظاهريين لهما من حيث المرتبة إختلاف غير محدود فاوّل درجة الكفر أن يقطع الشخص الرّابطة مع أهل المعرفة و لم يتودّد و لم يتعاطف معهم وعلامة ذلك أن يعظّم نفسه و يحتقر ألنّاس ويخاصم أهل العرفان وألحقيقة، و من الطبيعى أنّ ألانسان لو صار متفرداً فى السّلوك في وادى المعرفة يبقى فى عالم الجهل و الغفلة ويتنفّر عن أهل العلم ويستقرُّ ثابت القدم على صخرة خطائه وغلطه و مع قطع العلاقة من العلماء تعمى عين قلبه وإذا عميت عين باطنه ينسى عهدالله و ميثاقه الذى كان كامناً في خزانة إرتكازه العقلانى و السبب إنَّما هو قطع المراودة مع العلماء ألحقة الالهية الّذين هم مذكروا عهدالله ألالستى (ألا لست إشارة إلى قوله تعالى ألست بربكم فقالوا بلى) و الاثر الثاني لهذا الانقطاع وعميان القلب إنَّما هو المتابعة للتخيلات والظنون الشَّخصيَّة والتابع لظنّه يحارب الله باسلحة مختلفة ألكفر ألجحودى و تشبيه ألخالق بالخلق و ألقول بالاتحاد والحلول والتجسيم والاعتقاد بالجبر بل ربما يحصل له ألاعتقاد بانّ الله ظالم وأمثال ذلك ويترتب على هذه المبارزة المغلوبيّة والانكسار و مغلوب الله يكون أسيراً للشَّيطان و فريسته على الدّوام

ص: 130

و هذا الشخص إذا تفكر فى عاقبة أمره أحيانا وخاف عن عذاب الله حينذاك رأى نفسه من فرط ألجهل و الظلمة الباطنيَّة طالباً الله فيطلب منه المغفرة بلاتوبة والعفو بلا إنكسار قلب و ألخلاص عن مظالم العباد من غير أداء حقوقهم لقد سمعت أنَّ عمر بن سعد قال سمعت أنّ لله جنه و نارفان كان كذباً فقد وصلت إلى أمنيتى ألدنيوية وإن كان صدقاً أتوب إلى الله . وقد علم ألعقلاء أنّ هذا ليس بتوبة بل هو حب للذات وإغترار بالنفس و عناد مع الله وإلزام له على المغفرة وقد ظهر أن أوّل درجة الكفر إنما هو سد باب العلم والدرجة الثانية عميان ألقلب و الدرجة الثالثة وهى معلول للاوليين إنّما هى الغفلة لانه إذا عميت عين ألقلب و إستمر على هذا ألعميان مدةً من الزمان فيتعود تدريجاً على الجهل ويحرم بالمرة عن الجلوات ألالهية و يصير غافلاً كما أن ألعين الظاهرة إذا عمت و مضت مدة على ألعمى يغفل ألاعمى عن المبصرات كنور الشمس و لون الورد وغيرذلك و إذا غفل الشخص عن المبدء و المعاد فيرتكب لامحالة كل معصية وخطاء و لايجتنب عن أى عصيان ويرى المعاصى لائقة له و يولى ألوجه عن الاعمال الحسنة و لما لم يلتفت إلى حسن أفعاله و قبحها وإنغمر في الشهوات النفسانية و غرق فى الهواجس الشيطانية يحسب أعماله القبيحة حسنة و يرى طريقه الباطل حقاً، و لقصور فهمه عن إدراك عاقبة أمره وعدم التفاته إلى المعاد يلتهى بالآمال الدنيوية ويشتغل بها بحيث لو لم يوافه

ص: 131

الاجل بان يرتفع ألحجاب قهراً عن أعماله لم يستيقظ عن نوم غفلته.

و أما الدرجة الرابعة للكفر فهى أنه بسبب الاستمرار في ألغفلة تتحقق ظلمة أخرى بمعنى أنه من

جرّاء المخالفة عن أوامر الله تعالى يحصل الشّك في ألمبدء و المعاد و بعبارة أخرى يحصل في العقائد الفطرية، التَّزلزل والتَّرديد وإذا وصلت النوبة إلى التّزلّزل إنسدَّ الطريق إلى الواقع يحدث الاستبداد بالرأى بحيث كل ما يسنحُ بخاطره و يحصل في خياله يأخذ به و يعتنق بفكره الباطل وإذحاج معه شخص عن طريق البرهان جادله ونازعه و يجتنب عن طريق الحق مع ألمطالب الحقة والعقائد الثّابته الرّاهنة وعلى أثر ذلك لايشاهد وجه الحقيقة اللامعة و ينغمر فى لُجَّة نظرياته السوداء بحيث كلّما يغوص فى طى تلك الغمرات الهائلة من ألظنون و الخيالات ألواهية و أراد أن يخرج منها ينغمر في غمرات أخرى ممن الجهل أزيد وأكثر ممّا كان فيه ولايكون له مناص عن أفكاره الباطلة بل إذا تنحى عن فكر باطل يبتلى بخيال طائش آخر ويكون دَوماً أسيرًا للاضطراب النفسانى و قَلّق ألخاطر و يشتهر بالحمق عند العقلاء بسب مجادلاته مع أهل الحق وبعلة إنحرافه عن الحقيقة لا يميز بين الحسن و القبح بل يرى ألحسن قبيحاً و القبيح حسنًا ولمتابعته الشقاق والعناد يضلّ الطَّريق و لاينجو من الضّلالة و من وصل إلى مرتبة التزلزل و الشّكّ يتولّد منها نتائج سوء أخرى

ألاولى: تكذيب الآيات الباهرة و ألحجج الظاهرة

ص: 132

الالهيّة(التكوينيَّة والتشريعيَّة) و التّوقّف عند منطقة الترديد بحيث يسبقه زملائه فى السفر الروحى ، إلى العقائد الروحية و الذين إبتدؤوا في السّفر بعد يصلون إليه و يكون هو فى الشارع ألواضح الواسع للهداية واقفا حيراناً لايقدر على الحركة قدماً على قدم

و لقد أجاد الشاعر بالفارسية:

هفت شهر عشق را عطا رگشت *** ما هنوز اندرخم يك كوچه ایم

و مثل هذا الشخص يدوسه خُفٌ الشيطان و يهلك تحت سنبكه بوطأته.

الثانية: التعلّق بهوى النفس و الوحشة عن قبول ألحقِّ و إذا خاف ألشخص عن قبول ألحق فلامحالة لا يأتى بالاعمال الخيريَّة ألتى تكون فائدة قبول الحق بل يطوى عنها كشحاً.

الثالثة: ألانس بالجهل و الجهلة لانّ كل جنس يميل إلى مجانسه و ألذى يبعد عن الحقيقة و أهل الحقيقة و يستأنس بالجهل و ألجهال لابدّ عليه أن يقع مورد الهلكة وتردعليه الهلكة الدنيوية و الاخروية وهذا على خلاف من أضمر في خزينة قلبه جوهرألايمان واليقين حيث ينجو عن ألمهالك ألدنيوية و الاخروية فقد عرفت أنّ سدّ باب العلم يوجب عميان الباطن و من عميان ألباطن يتولّد الشك فاعلم بأن التّزلزل يُولّد الشبهة لانّ الانسان بحسب طبعه يكون فطرى العقائد بمعني أنه مجبول باعتناق العقائد فمن صار محرومًا عن قبول المعارف الحقة وصار مبتلى بالشّك و ألحدس يريد أن يخلص روحه عن الحيرة و لكن لما لم يكن سراج عقله ضَوّأً و نبراس فهمه وهّاجاً بل كان

ص: 133

منطفياً فلامحالة يجعل بنفسه لنفسه عقائد خياليّة و يختلق نظريّات مفتعَلة.

و يُعبَّر عن هذه العملية النفسانية والانفعالات القلبيّة بالشُّبهة وقد فُسر درجاتها وعللها بما يأتي.

الاّول: الاغترار بألوان ألدنيا و زبرجها و زخرفها ثم من ناحية تلك الجلوات الظّاهرية يسلك طريق جعل العقائد الخرافيّة فانّك إذا تأملت في غالب القوانين المجعولة البشريّه تريها مستندة إلى هذه الصفة ألاسارة بيد زينة ألحياة الدّنيا - حتى أن اختلاف الرّسوم والعادات الجعلية، للجماعات البشريّة نشأت عن إختفاء وجه الحقيقة ومخادعة المجاز و الجلوات الطنّازة و التّزيُّنات الغدّارة للاباطيل.

ألثّاني: تسويل النّفس و تزيينها للمولودات ألتي تُولّدها الجلوات الظّاهريّة لانّه بعدما تنخدع النفس عن الظّواهر ألماديَّة و تعمى عين بصيرة ألانسان عن مشاهدة المصالح والمفاسد الواقعيّة و الحقائق ألالهيَّة يتصدّى الشخص لاقناع نفسه في مقام تزیین الجلوات ألماديّة وألمظاهر ألدنيوية فيأتى دوراً لمرحلة الثالثة وهى مرحلة التاويل و التوجيه وهو عبارة عن إدراج العقائد المعوّجة وألآراء المعقّدة الباطلة بالعنف والتلبيس تحت العقائد المستقيمة و حينذاك ينفتح باب التّاويل وإرجاع الباطل إلى ألحقّ وألحقّ إلى الباطل.

ثم تأتى ألمرحلة الرابعة وهى نهاية حدّ كمال الشّبهة و هى مرحلة نجاح ألنفس في ميدان عملها و أعنى بها مرحلة لبس لباس الحقيقه على هيكل الباطل

ص: 134

لبس لباس الباطل على هيكل ألحقِّ و هذه العملية كما تجرى فى العقائد(ألافعال الجانحيّة) تجرى في الاعمال(ألافعال الجارجيَّة) لشهادة أرباب العقول و دلالة الروايات المنقولة بانّه في آخر الزمان بسبب ألانغمار فى الافكار و الهواجس النفسانية يرون ألمعروف منكراً و ألمنكر معروفاً و ترى بالحسّ أن مجالسة ألعلماء تكون مستنكرة للطباع(طباع الجهلة) ومعانقة المومسات تكون فخراً للرّجال - ألبعداء عن الحقيقة والعلة الواقعيّة لهذه الشقاوة إنما هي متابعة النفس وانخداع الانسان من ألوان ألدّنيا وزينتها فانّ ألانسان إذا مَدَّ ألعين إلى أصفر ألدّنيا و أحمرها لايدرك الحقيقة لامحالة كطفل لايُحسّ غير خطوط ألحيّة و نعومة جسدها و لايدرك حقيقتها وسمَّها ألقتال فاذا لم يدرك ألانسان الحقيقه يتّبع النفس و يمشى وراءَ الجلوات المُغرية و يوقع نفسه في الظلمات ألمهالك كالطّفل المغرور بحسن الحيّة ونعومة جلدها حيث ينجذب بجمالها ونعومة بدنها فيشتغل باللعب معها من دون التفات و يعانقها و يخلى سبيلها إلى أن يهلك بسمها و هذه آخر مرحلة الكفر حيث تصير العقائد الحقة تحت أشعة النظريات المجعولة النّفسانيّه منمحية.

و تلخيص هذا الإجمال أنَّ ألانسان بحكم ألخلقة الالهيّة يكون صاحب العقائد الفطريّة التي يحتاج بروزها وظهورها إلى المذكّر و المرشد فاذا الشخص يده عن ذيل هداية العلماءِ ألحقّة - وهم الانبياءُ وألاوصياء ُونوّابهم ولم يسلك سبيل ألعلم

ص: 135

يبقى جاهلاً وإذا إبتعد عن العلم والعلماء يتشبث بخيالاته الشخصيّة و إذا إستبد بأرائه يصير حيرانا تائها لانّه حينذاك يكون فاقداً لمصباح ينيره ألطريق و سراج يهديه السبيل و لمّا كانت أفكاره متضاربة و خيالاته متعقّدة يقع في ورطة التّزلّزل وحيث انّ الانسان حليف للعقائد و لامناص له عنها و هو مجدّ فى ألخروج عن دائرة الشّكّ و ألتّرديد و المفروض أنه رفع اليد عن الصِّراط المستقيم فلامحالة يجعل كل ما يسنح بخاطره أنّه حسن عقيدة له و لما إستأنس بتسويلاته النّفسانيّة يصل إلى آخر مطاف الاعوجاج أعنى مرحلة إصطناع العقيدة وإفتعال النظرية ويفتح مَعْمِلاً لاختلاق ألدين فى مقابل ربّ العالمين فظهر أنّ أوّل درجة الكفر هو ألفسق - يعنى ترك تحصيل - ألعلم و آخر درجة ألكفر هو ألكفر يعنى إختراع العقيدة - و خلط ألحق بالباطل و مزج الواقع بالخيال فهذه درجات ألكفر ألتي أوّل درجته ألابتعاد السُّفراءِ الالهييّن و العلماءِ الرّبّانييّن و آخر تلك الدّرجات - ألمراحل - إختراع الدين و التشريع مخالفاً لشريعة ربّ العالمين.

وأما مجمل شرح النقاق و أعمدته.

فأول درجته الابتلاءُ بالهوى و مشتهيات ألنّفس و يتولّد من الهوى الظلم بعباد الله، والتَّعدّى بحقوق الانسان و متابعة شهوات النّفس والطّغيان على ألخالق و ألخلق. لانّ التّابع لهوى النفس إنّما ينال مشتهياته بواسطة الظّلم بالناس والتَّعدّى بحقوقهم و و بذلك يُطفىُ نائرة شهواته و إذا تابع هوى النفس

ص: 136

يصير عابداً للشّهوة و يرد موارد ألاعمال القبيحة و يقع فى تلك المزالق وينقلب من جراء ذلك طاغيا و كالفرس ألحرون الذى لم يتبع لجامه هارباً شارداً و في ألبيداء تائهاً و لاجرم يظلم عبادالله و يكثر خصمائه و یبتلی بالبلايا بغته و بالآفات فجأة.

و ثانى درجة النّفاق ألتّواني في أعمال الخير لانّ من إتبع ألهوى و ظلم و تعدّی و أتى بالشهوات و طغى يغترّ لامحالة باعماله القبيحة و يبتلى بآلامال الخسيسة و يتجلّى فى نظره أرباب المعاصى فَيَريهم

عظماء أولى العزّ و الجلال و حينذاك يتنحّى الحقيقة و يماطل في الاعمال الحسنة بمعنى أنه يقضى حياته بالتّسويف والوعد وقوله غداً أو بعد غد و بذلك لايتوفق لعمل خير ويتكاسل في ذلك و من المعلوم أن ألتّوانى فى ألاتيان بالحسنات له رابطة وثيقة بمتابعة ألهوى و لو لم تكن في ألبين آمال بعيدة

نفسانيَّة للآدمى لكان بامكانه تقدير الاعمال الخيريّة و كان يميز كيفية أفعاله خيراً و شرّاً وفى هذا الوقت هو زمان اليقظة والتّميز ربما كان يموت فجأة من شدة الوحشة و زيادة الدهشة لقلة ألاعمال الحسنة وكثرة الاعمال السيّئة فلقد غمضت الامانى ألدّنيوية و هوى النفس عين بصيرة الانسان و سببت له الغفلة عن ذكر الله فثمرة شجرة الغفلة المريرة، إنما هى القصور الاعمال الخيريَّة و الاعمال المحبوبة لله وإذا قطع ألآدمى النظر عن الحسنات و تابع الاعمال الشهوية إبتلى بالامراض القلبيّه أسوء مما كان عليه من ألامراض و هى التّكبّر و المفاخرة والحمية والعصبية و

ص: 137

يتولّد من التّكبّر التبختُر و ترك العبادة وعدم الاقبال إلى التعبُّد وألادبار عن ألحق تعالى و يتولّد من المفاخرة(وهى إظهار ألفضائل وإبراز المناقب وبيان النَّسب و ألحسب) الفسق والفجور و يتولّد من الحميّة و العصبيَّة(وهى عبارة عن حفظ الشؤون الملیّة و القبيليَّة والتعظُّم بالاباءِ و ألاقوام و العنصر والدّفاع عن الحزب وكل ذلك طبعاً ينشأ عن حب النفس والاعتلاء) الاصرار على المعصية والظّلم والعدوان وإذا إبتلى الآدمى بالهوى و ترك الاعمال الخيريّة و إكتفى بالعشيرة و العنصر و ألحزب يتغلب عليه الطّمع

لامحالّة.

و الطّمع عبارة عن طلب الزيادة في المال والجاه و ألاولاد وسائر الموادّ اللّازمة لاعمال الشهوة ومتابعة الهوي ومتابعة الطّمع ومعاقبة التكاثر يوجب اللجاج وعدم المبالاة بعصيان الله و مثل هذا الشخص يقضى عمره باللهو واللعب والضّحك والفرح ولايحب الانفسه و لايرى إلاشخصه، وعلى ماذكر فاوّل درجة من درجات الاخلاق الرذيلة(الذى عُبّر عنه بالنّقاق فى هذه الرواية بقرينة المقابلة مع الكفر) هوى النّفس وآخر درجة من درجات الاخلاق الرّذيلة الرضا و الرغبة بالمال والجاه واللّذائذ الدُّنيويَّة، وإستبدال الحياة ألدنيا بالآخرة فيعلم من هذا الحديث أنَّ منبع جميع السّعادات الدّنيويّة و الاخرويّة هو تهذيب النفس كما أنّ رأس المال لكلية الآفات الروحية هو خذلان النّفس و حيث أن حبّ ألدُّنيا أساس للهوى جعلنا الحديث الرابع في ذم الدُّنيا

ص: 138

الحديث الرابع

في ألكافي عن على بن إبرهيم عن محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس بن عبد الرحمن عن أبي خديجة قال قال أبو عبدالله(علیه السلام) كتب أمير المؤمنين إلى بعض أصحابه يعظه.

أوصيك ونفسى بتقوى الله من لايحل معصيته لايُرجى غيره ولاالغِنى إلا به فانّ من اتّقى الله عزّ و قوی و شبع و روی و رفع عقله عن أهل ألدّنيا فبدنه أهل الدّنيا وقلبه وعقله معاين الآخرة فأطفأ بضوء قلبه ما أبصرت عيناه من حبّ الدّنيا فقذر حرامها و جانب شبهاتها وأضرّوالله بالحلال الصافي إلّا مالابدّ منه من كسرة يشدّبها صلبه و ثوب یواری به عورته من

أغلظ مايجد و أخشنه و لم يكن فى مالابد منه ثقة ولارجاء فوقعت ثقته و رجائه على خالق الاشياء فجدّ واجتهد و أتعب بدنه حتى بدت الاضلاع و غارت العينان فابدل الله له من ذلك قوة فى بدنه و شدّة في عقله و ما ذخر له في الآخره أكثر، فارفض الدّنيا فانَّ حبّ الدّنيا يعمى ويُصمّ ويُبكم ويذل الرقاب فتدارك مابقى من عمرك و لاتقل غداً و بعد غدٍ فانّما هلك من كان قبلك باقامتهم على الاماني والتسويف أتاهم أمر الله بغتة و هم غافلون فنقلو على أعواد هم

إلى قبورهم المظلمة الضيّقة وقد أسلم أسلمهم ألاولاد و ألاهلون فانقطع إلى الله بقلب منيب من رفض ألدّنيا و عزم ليس فيه إنكسار و لاإنخزال أعاننا الله وإياك على طاعته ووفّقنا وإياك لمرضاته.

هذا الحديث صحيح و معتبر لان ألكليني(قدس سره) رواه عن على بن إبراهيم القمّى عن محمد بن عيسى بن

ص: 139

عبيد(وقد ظهر حالهما فى الحديث ألثاني من التَّوحيد) عن يونس بن عبد الرحمن الّذي يكون في جلالة القدر و ألمقام و المنزلة بحيث لايمكن أن يوصف و هو ثقة و ألامام الثامن(علیه السلام) يأمر عبد العزيز المهتدى بأخذ أحكام شرعه و معالم دينه عنه كما ذكر فى الحديث الأول من المحرمات عن أبي خديجة سالم

- بنِ مُكرم - بسكون الكاف وفتح ألراء - وقد وثقه النجاشي و جمع من محققى علم الرجال وتضعيف الشيخ الطوسي له فى مقام مع معارضته بتوثيقه له في مکان آخر مضافاً إلى معارضته مع توثيق النجاشي لايضر بحاله بعد كونه مستنداً إلى ضعف عقيدته و هو روي عن الصادق(علیه السلام) أنّه قال أوصى أمير المؤمنين بعض أصحابه فى مقام الوعظ والنصيحة. أوصيك و أوصى نفسى بتقوى اللهِ، آلهٌ لا ينبغی عصیانه و لامر تجی إلا به ولايحصل ألغنى أبداً إلامنه لانّ من خاف الله و إتقاه يعزّ و يقوى و يشبع و يروى و يعتلى سموّ عقله عن عقول سائر أهل العالم بحيث يكون هيكله العنصري بين المجتمع و لكن كان عقله وقلبه متوجّهاً إلى ألعالم الآخرة - الملأ ألاعلى - ونتيجة ذلك أنه كل ما ترى

عينه من المظاهر ألماديّة للدُّنيا و تَوءَثّرُ فى ثوران نائرة شهواته يطفأ نور باطنه و یری حرام ألدنيا قذراً يجتنب عن الشّبهات و أنه يغمض العين ويغضُّ الظّرف حتى عن حلال الدّنيا إلا بمقدار الضرورة من كسرة خبز يسدُّ رمقُهُ و یشدُّ عظمه و يوجب قوة بدنه و ثوب يستر عورته مع كون الثوب خشناً ولايرجو في ما يحتاج إليه إلا الله فكان رجائه وثقته بخالق الموجودات

ص: 140

فيجد ويجتهد في العبادة إلى أن تظهر أضلاع جنبيه و تغور عيناه فحينذاك يعوضه الله عن زهده وعبادته قوة فى ألبدن ووفوراً في ألعقل وما إدخره الله تعالى له ليوم قيامته يكون أكثر فاترك الدنيا لانّ حبّ ألدّنيا يجعل ألآدمى أعمى و أصم وأبكم و تكون رأس ماله الذله و ألانكسار إغتنم بقية عمرك و تدارك مافات و لاتقل غداً وبعد غد لانّ هلاك السابقين كان للتَّعلُّق بالآمال وقولهم بالتّسويف فى الاعمال الخيرية إلى أن كان يوافيهم الامر الالهى و هو ألاجل المحتوم و ركبوا على مراكب من الخشب و إنتقلوا إلى قبور مظلمة ضيّقة و أسلمهم أولادهم و أقربوهم إلى تراب الذّلّة و رجعوا فأنقَطِع إلى الله بقلب واع و عزم حديديٍّ غير قابل للانكسار دائماً مستمراً أعاننا الله وإيّاك لاطاعته ووفّقنا الله لتحصيل مرضاته.

إنَّ أمير المؤمنين(عليه السلام) فى هذا الحديث الشّريف جعل آخر مرحلة السّير ألمعنوى ترك الدّنيا وألزهد فيها لانه يقول إنّ العقل إذا وصل إلى حدّ كماله و تمامه وعايَنَ عاقبة ألامر وهى الانتقال إلى النشأة الآخرة - تصير ألدّنيا في نظره خسيسة دنية و تنطفى الجلوات الخدّاعة ألدنيوية بنورانيّة قلبه و باطنه و يغمض النظر عن لذائذ ألدّنيا إلابمقدار ألكفاية بالنسبة إلى نعم الدُّنيا ففى التَّعيش الدنّيوى يكون رجائه وثقته فقط بالله تعالى و يقضى عمره بأجمعه في العبادة و يرى ألامام(علیه السلام) حبَّ الدُّنيا سبباً للغفلة عن الله و موجباً لترك العبادات و الاعمال الحسنة لانّه يقول إنّ ما أهلك ألاقوام

السابقة إنّما كان الالتهاءُ

ص: 141

بالآمال الدّنيويّة فيظهر من هذا الحديث أنّ محبَّة الدُّنيا أساس الشقاوة وأصل ألاخلاق الرذيلة و الاعمال السيئة.

الحديث الخامس

في من لايحضره الفقيه و روى ابن مُسكان عن عبدالله إبن أبي يعفور قال، قال الصادق(علیه السلام) جعفربن محمد(علیه السلام) لرجل إجعل قلبك قريناً تزاوله و إجعل علمك والدًا تتبعه و إجعل نفسك عدوّاً تجاهدها واجعل مالك عارية تردها.

هذا الحديث الشّريف صحیح و معتبر لانّ طریق الصّدوق الى عبدالله بن مُسكان إنّما هو أبوه الماجد(ألذى ذكر حاله في الحديث الرّابع من الامامه) و أبو جعفر محمدبن الحسن بن أحمدبن الوليد شيخ القميين وفقيههم وقد قالوا في حقه ثقة ثقة عين مسكون إليه عن محمدبن يحيى العطار(وقد ذکر حاله فی الحديث ألاول من التّوحيد) عن أبي جعفر محمد بن الحسين بن أبى ألخطاب الزيات ألهمداني وهو من أصحابنا ألامامية وثقة، عين، جليل القدر صاحب التصانيف الحسنة عن صفوان يحيى(وقد مضى ذكره في الحديث الخامس من التوحيد) عن عبد الله بن مُسكان وقد تبيَّن حال عبدالله بن مُسكان فى الحديث الأول من المحرّمات و هو روى عن أبي محمد عبدالله بن أبي يعفور وقد ذكروا في حقه ثقة ثقة و ل--ه جلالة القدر فى ألامامية و منزلة عظيمة عند الصادق(علیه السلام) عن الصادق(علیه السلام) أنه قال لشخص إجعل قلبك بمنزلة جليسك و مونساً دائماً لك بحيث تكون على الدّوام و ألاستمرار بصدد علاجه و محاسباً له و أجعل علمك

ص: 142

بمثابة والدك فتتبعه واجعل نفسك بمثابة عدوٍّ لك بحيث تكون دائماً مشغولاً بمجاهدته و محاربته وإجعل مالك بمنزلة الامانة والعارية ألتي يجب عليك ردُّها.

و فى مرسلة أخرى الواردة فى من لايحضره الفقيه عامل

مع نفسك معاملة عدوك فحاربها و جاهدها.

وفي هذا الحديث إشارة إلى أمرين هامين و مطلبين أساسيّين في تهذیب الاخلاق.

الاوّل: المراقبة التّامَّة وألفحص الكامل عن النفس و ألقوى النفسانية فانّه لو تصدّى الشخص لتفتيش حاله وكشف الحجاب عن خفاياه الباطنية ولاحظ كمال الدّقة ونهايتها في محاسبة نفسه كان كمن جدّ واجتهد في معالجة قرينه الدائم و جليسه ألعُمرى و معذلك كان فى مقام التّسلَّط و الرّعاية لاخلاقه

وكيفياته النفسانية .

الثاني: ألجهاد مع هوى النّفس كالجهاد مع عدوّ محارب ففى الحديث وقع تشبيه الجهاد مع النَّفس بالجهاد مع العدوّ وهذا التّشبيه لجهات.

الاول: أَنَّ الشَّخص لايرفع اليد عن محاربة عدوّه إلا إذا أبكت الخصم وخذله و حيث لاعدوّ أقوى من هوى النّفس فلابدّ فى مجاهدتها من بذل كمال الجهد والجدّ وعدم المضايقة في ذلك ليستأصل جذور الاخلاق الرذيلة عن قلبه بالجهاد المتواصل.

الثاني: أنّ الشخص إذا كان في حالة الحرب مع العدوّ لايغفل عن هجماته المحتملة فلابدّ وأن يراعى الاحتياط ألكامل فى جميع عن تلك ألاوقات للدّف الحملات ويشترط لمزاولة النّفس أمور ولها فوائدٌ.

ص: 143

الاول: المعرفة بالملكات الحميدة و ألصفات الرذيلة ألتى إبتنت أسس علم الاخلاق عليها لانّ من لم يكن عارفاً بحال نفسه لايقدر قطعاً على علاجها و يُسمّى مالك هذا المقام بصاحب النفس الملهمة . الثّاني: توبيخ النَّفس و لومها لانّ من إطلع على قذارات أخلاقه الباطنية و الآمة السّريَّة و رذائل صفاته النفسانيَّة يقع تحت و خْز ألضّمير وشماتة ألوجدان و يلوم نفسه كمريض إلتفت إلى مرضه ألمهلك وعلم بان علة هذا المرض كان سوء تدبيره في أمر صحته وحفظها و يُسمّى مالك هذا المقام بصاحب النفس اللوامة.

الثالث: مرحلة التّخليه، تخلية النّفس الرذائل فانّ الانسان إذا إنزجر عن الصّفات الذميمة و تصدّى لاصلاح حال نفسه ففى البداية يُصفى النّفس و يطهّرها عن لوث ألملكات ألدنيئة ثم بعد ذلك يتحلى بالاخلاق الفاضلة فتصل مرحلة تحلية النفس، وتسمى النفس حينذاك بالنفس المطمئنة و الله تعالى يقول في ألقرآن الحميد قد أفلح من زكيها و قد خاب من دسیها و مفاده ألاجمالي أن الفالح هو الذي ذكى

نفسه وأزال عنها القذارات و ألالواث ، و الخسران ألضّرر لمن خذل نفسه و تغافل عنها ولذا يعتقد علماء الاخلاق بان علم الاخلاق شعبة من الحكمه العَمَلية فانّ المطلوب فى هذا العلم ليس مجرّد ألعلم بل العمدة إنّما هو العمل لانه المفيد و لذا يكون أهم ألوظائف فى هذا العلم إنما هو المراقبة على النفس والمواظبة عليها و لقد أكثروا من الوصية في عدم الغفلة آناما عن النفس وهويها فتارة يقولون بان

ص: 144

ألنّفس كفرس حَرون بحيث لو لم يتبع لجامه د قیقة واحدة أهلك نفسه و صاحبه و أخرى يقولون بان ألحال فى الاخلاق ليست مفيدة لفائدة و مثمرة لثمرة بل لابد من حصول ألملكة للاخلاق الفاضلة في ألانسان المهذب.

يقول أرسطو بانّ الرَّبيع لايأتي بمجئى قبرة و أهل العرفان يُعبرون بارتكازهم عن هذا التّعبير بانّ الرّبيع لايأتى بمجئى وردة واحدة - ازيك گل بهار نمی آید – وتقر فى الزيارة الجامعة و أدمتم ذكره حيث لم يجعل الذكر مورداً لمنقبة الائمة(علیهم السلام) بل جعل دوام ألذكر فضيلة فان رأى ألسالك في سيره ألاخلاقي مقصده الاسنى و هو الوصول إلى مرحلة كمال النّفس فيجب عليه أن لايتغافل عن حاله دقيقة واحدة وهذا ألمعنى إنّما يتحقق في زمان يكون للشّخص كمال المواظبة على تمايلاته ألنّفسانية للمشتهيات بان لاتطغى النّفس و لايرجع بجبلته الاولية الحيوانية إلى الميول والعواطف البهيمية و ينحرف عن الطريق المستقيم.

عشق مجنون سوی لیلی میکشید *** عشق ناقه سوی بچه میدوید

ألفصل الثّامن في ألمعاد وفيه خمسة أحاديث

ألحديث الأول

في ألكافي على بن إبرهيم أبيه عن إبن أبيعمير عن هشام بن سالم بن أبيحمزة قال سمعت على بن الحسين(علیه السلام) يقول العجب كلّ ألعجب لمن أنكر ألموت و هو يرى من يموت كل يوم وليلة والعجب كل العجب لمن أنكر النشأة الاخرى وهو يرى

ص: 145

النشاء ألاولى .

هذا الحديث صحيح و معتبر لان ألكليني رواه عن على بن إبرهيم ألقمى(وقدتبيّن حاله في الحديث الثاني من التّوحيد) عن إبرهيم بن هاشم عن محمد بن ابی عمیر(وقد ظهر حالهما في الحديث الرابع من المحرمات) عن هشام بن سالم(وقدتبيّن حاله في الحديث الأول من ألامامة) عن أبيحمزه الثّمالى(ألذي ظهر حاله في الحديث ألخامس من ألحقوق) عن السّجاد(علیه السلام) أنه قال سمعت عن على بن الحسين(علیه السلام) أنه يقول التعجب نهاية التعجب ممّن ينكر الموت عملاً مع أنه في كل يوم وليلة يرى أشخاصاً يموتون و ألعجب نهايته وغايته ممن ينكر عالم الآخرة مع أنه يشاهد نصب العين هذا العالم المحسوس و هو نشأة الحس والتكوين .

إعلم أن ألمهاد و هو عود الارواح إلى ألاجسام و حشر الآدميين يوم القيامة ضرورى فى الاديان وإجماعى عند ألملييّن كافّة وقبل إقامه ألبرهان لاثبات المعاد لابدَّ من بيان إثبات إمكانه الذاتى کى تثبت ضرورته بالغير من ألبرهان على وجوبه لانّ ضرورة ألوجود بالذّات منحصر بواجب الوجود بالذّات فنقول ، إذا كان ألمراد من المعاد ألانوجاد بعد ألانعدام فيكون محالاً ذاتاً لانّ معنى إنعدام ممكن ألوجود هو إنتهاء حظه ألوجودى و بعد إنتهاء ألحظّ الوجودى لكل موجود إمكاني لامعنى لرجوع هذا ألموجود فى أفق الزّمان أو أى وعاء آخر بل ألوجود الثانوى موجود عليحدة ولاربط له بالموجود السّابق .

ص: 146

أما إذا كان المراد من ألمعاد، إتصال ألاجزاء المنفصلة والتَّعلّق الثانوى للرّوح(على ما تعرف بقائها) بالبدن فى وعاء و نشأة أخرى غير هذه النَّشأه ألدّنيوية فلادليل عقلاً على إمتناعه و مايستفاد من ألاخبار بل الآيات أنَّ حقيقة المعاد إنَّما هي القسم

ألثانى كما يظهر ذلك بوضوح عن حكايه إبرهيم ألسورة ( 2 ) الآية ( 26 ) - و تقاضاه عن الله ارائته كيفية المعاد وإحياء الموتى نصب عينيه وقصة عزير – ألسورة ( 2 ) الآية ( 261 ) - و هما في القران و واضحتا الدَّلالة على أنَّ المعاد وإحياء ألموتى عبارة عن إجتماع أجزاء البدن وتعلق الارواح بها وكذلك يظهر من الآية المباركة - السورة ( 56 ) الآيه (62) - و لقد علمتم النَّشأة ألاولى فلو لاتذكرون أنّ المعاد جمع و تأليف و تركيب للاجزاء العنصرية و فى الكشافي الشَّريف عن محمدبن يحيى العطار الثقة عن محمد بن أحمد بن یحیی الاشعری صاحب نوادر الحكمة ، الثقة، أحمد بن الحسن بن على بن فضال عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمار بن موس الساباطى الذين هم فطحيّة ثقات وعلى هذا تكون الرواية موثقة عن الصادق(علیه السلام) أنه سئل (علیه السلام) أنشه هل يبلى بدن الميّت فى القبر فقال نعم بحيث لايبقى لحم وعظم إلا التّربة التى خلق منها فهي لاتبلی بل تبقى في القبر مستديرة(بشكل كروى) و بيان إستدارة الطينة الباقية في القبر معجزة باهرة عن ألامام العالم بحقائق ألامور لانّه ثبت فى العلم الحديث أنّ الاجزاء الاولية للاجسام - فى الاغلب - كروية مدوّرة وفى

ص: 147

صحیح محمدبن مسلم أنّ كل شخص يدفن فى تراب خلق منه و هذا الحديث أيضًا مؤيد للمدعى،

هذا حال ألبدن.

وأمّا الروح فهو جوهر مجرّد غير قابل للفناء والباقي بارادة الله وبقائه ولايقع تحت تاثير العوامل الطبيعية و ألنواميس العنصرية لانّ ألمادّى لايؤثّر فى المجرد للزوم السنخيَّة بين العلة وألمعلول - ولذا قال الفلاسفة إنَّ الكون والفساد لازمان للمركبات العنصريه لا ألامور البسيطة المجرَّدة ، و ألبراهين لتجرد

النفس كثيرة ولكل حكيم من ألحكماء وعالم من العلماء طريقة خاصة لاثبات تجرّد النَّفس فالشيخ أبوعلى أحمد بن مشكويه أثبت تجرُّد الرّوح في كتابه طهارة الاعراق بأدلة سبعة :

الأول: عدم التّشابه للنفس مع الاجسام.

الثانى: عدم كسل النّفس عن تحصيل العلوم.

الثالث: عدم قبول النّفس الطول والعرض والعمق في تصور الاجسام.

الرابع: إستكمال النَّفس بالاستخلاص و الانسلاخ عن الماديات والتخلّى عن المحسوسات.

الخامس: قابليَّة النَّفس لدرك حقائق الاشياء.

السادس: إدراك العلوم من دون وساطة القوى الجسمانية.

السابع: تمييز النّفس خطاء الحسّ و إشتباهاته و الشيخ أبوعلى بن سينا في الاشارات إستدل على غايرة الرّوح و ألبدن - و تجرّد النَّفس بعلم لانسان بوجود ذاته مع الغفلة عن أعضائه و جوارحه

ص: 148

وإشارة ألانسان إلى ذاته مع جوارحه الظاهريَّة و الباطنية بل إضافته أعضائه وجوارحه إلى ذاته كما تقول عينى، يدى، رجلى، و الطريقة الاخرى طريقة ابن طفيل فى كتاب حي بن يقظان(و أنّ طفلاً صغيراً بعد موت طبيّه كلّما تفحص في جوارحها و أعضائها كى يجد ضالته الحنونة لم يجدها و من هذه الطريقة علم بوجود غير مادّى له التّعلُّق بهذا الجسم العنصرى و أنه رفع التَّعلَّق عنه (واشتهر في عصرنا هذا عمليّة تحضير الارواح و العلم ببقائها بواسطة علائم و أمارات.

وكذلك قد ثبت بالتجربة أن أرواح الاموات فى عالم الرؤيا - والرويا دليل بارز بنفسه على تجرد الرّوح - قد تلاقت مع أقربائهم وأصدقائهم وإطلعوهم على أمور لم يعلموا بها و كانت مطابقة للواقع و الحكيم الملا هادي السبزواري في منظومته، أقام أدلة عشرة على تجرد النفس وكذا ساير العلماء والفلاسفة(ولعل بعض الادله يتصادق مع بعض) و إذا ثبت عدم وجود برهان على إمتناع الذاتى للمعاد بالمعنى الذى سبق نقول هناك دليلان على وجود المعاد، أحدهما على وجوب المعاد وثانيهما على وقوع ألمعاد أما الدليل على وجوب المعاد فهو لِمّى عقلى بتقريب أنّ الله الذى شرّع قوانين و أحكاماً تكليفية لابدّ وأن يجازى إطاعة المطيعين و مخالفة ألعصاة إلاتكون مرارة ألاطاعه وحلاوة المعصية بدون أجرٍ ومكافاة

وهذا المعنى مناف مع العدالة الالهيّة.

ص: 149

و بتقريب آخر تمكين الله للظّالم على المظلوم وإمهاله لذلك والتّفاوت و التفرقة بين الغنىِّ و الفقير و الرّضا بسوء الحظ و الحرمان وخيبة الآمال على المضطهدين من دون الجبران والتدارك يخالف حكمة الله وعدالته و حيث أنّ المشاهد والمحسوس في عالم التّكوين كمال الاتقان والعدالة فبالعكس نرى في ألعالم ألادبي(أعنى العدل فى تقسيم الحظوظ و المعايش) كمال النقص موجود فالعقل يحكم بلابُديَّة وجود عالم آخر تتميماً للعالم ألادبى يجبر النقائص فيه وقد أشير في بعض الروايات إلى(التقريب الثاني ، وأنّ الله يوم القيامة يعتذر كاخ حميم عن الفقراء و يقول إنَّ إبتلائكم بالفقر في عالم الدّنيا لم يكن لهوانّكم على و إذ لالى لكم بل لهوانِ الدُّنيا ودنوها فهاكم الجنَّة هذه و

فتنعّموا فيها أضعافاً مضاعفة من نعم الدّنيا ولذائذها(كمّاً وكيفاً)

و أشار خواجا نصيرالدّين الطوسي (قدس سره) فى تجرید الاعتقاد بهذين التقریبین بهذه العبارة(وجوب ايفاءِ الوعد و الحكمة يقتضى وجوب ألبعث) يعنى الزوم الوفاِ بالوعدة و هى الوعد بمثوبة أهل الطاعة و ألوعيد بعقوبة أهل المعصية وكذا ألحكمة(ألمستلزمة للتّسوية بين الغنى و الفقير و صاحب الحظ و المحروم عنه و السلطان و السائل بالكفّ في نشأة من النشئات) تقتضى ضرورة ألبعث و لزوم

الحشر و وجوب المعاد.

وألعلّامه ألحلّى (قدس سره)- ألحسن بن يوسف بن المطهر قال في شرح هذه العبارة ما مضمونه

التّقريبي

ص: 150

إنَّ الله جعل التكاليف من ألحلال والحرام وإبتلى بعض عباده بالمصائب والآلام الدّنيويّة و لابدّ عليه أن يعطى الثواب فى مقابل الاوّل و ألعوض في مقابل الثاني وإلا كان ظالمًا وساحة قدسه أجل و أكرم عن الظّلم و من هذا البيان يتبيَّن أنّ الاعتقاد بمبدءٍ عادل يستلزم الاعتقاد بالمعاد.

الدليل الثانى: الدليل السّمعي، و هو إتفاق جميع الكتب السّماويّة ودلالة النّصوص المتواترة على حقانية المعاد و وقوع الحشر و النشر و الحساب ففى

القرآن المجيد آيات كثيرة نازلة في موضوع ألمعاد وحشر ألبشر و الحساب و ألجنة والنّار منها ما سمعت من قوله تعالی«وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَاتَذَكَّرُونَ» ومفاده ألتقريبى انكم تشاهدون كيفية الخلقة من الله في هذه النشأة النّاسوتيّة و ألعالم العنصري فلم لاتراجعون فطرتكم حتى تصدّقون تطابق النشأتين فى إمكان المخلوقية و تساوى ألعالمين فى الشّمول تحت قدرة الله تعالى وتتذكرون حكم إرتكازكم ألفطرى وقال سبحانه في سورة يس جوابًا عن أبي بن ألكعب المستعجب عن حياة ألعظم الرّميم، يحييها ألّذى

خلقها اوّل مرة.

و في حديث شريف ورد عن ألامام الرابع السّجاد(ع) أنه أشار إلى تلك الآية وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَاتَذَكَّرُونَ، و قال عجباً لمن يرى خلقة ألعالم ألدنّيوى(عالم الملك) و ينكر عالم الآخرة .. و ملخص هذا الدليل أنّ المعاد أمر ممكن الوقوع و

أخبر بوقوعه المخبر الصّادق ولابدّ عقلاً من الاعتقاد به

ص: 151

الحديث الثاني

في ألكافى محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن العلاءِ بن رزين عن

محمد بن مسلم قال قال أبوجعفر الوصيّة حقٌّ و قد أوصى رسول الله صلى الله علیه و آله وسلم

فینبغی للمسلم أن يوصى.

هذا الحديث صحيح و معتبر لانّ الشيخ الكليني(رحمةالله علیه) رواه عن العطار عن أحمد بن محمد بن عيد الاشعرى(وقد تبيَّن حالهم فى الحديث الاول من التوحيد) عن السّراد(وقد ظهر حاله في الحديث الثالث من التوحيد) عن علاء بن رزين الثقفى و هو ثقة جليل ألقدر بنص النّجاشى والعلّامة

الحلّى عن ألباقر(علیه السلام) أنَّه قال الوصيَّة حقٌّ و الرسول الاكرم أوصى ، و ينبغى للمسلمين أن يوصوا وقد أوصى بالوصيّة فى روایات مستفيضه وعُبّر عن الوصيّة بالحق الثابت على المسلمين ولابدّ وأن يُعلم أنَّ الوصيّة باداء الحقوق الآلهيَّة وإبراء الدِّمة عن حقوق النّاس إذا إنحصر ألاداء بالوصيَّة ، واجبةً، كما أنّ جعل الوصى للقاصرين في صورة إفضاء ترك ألوصيَّة ضياع أموالهم أيضًا واجبة و أمّا بحسب الذّات فالوصيّة مستحبة من المستحبات المؤكّدة و فى بعض الروايات إنَّ الله تعالى قد خفَّف فى أيام المرض مقداراً من المرض للمريض كى يقدر على الوصَّيَّة وعُبّر عن هذا التخفيف براحة الموت وفي رواية أخرى وبّخ تارك الوصيّة و يقول الله إنّي جعلت إختيار ثلث مالك بيدك و لم تستفد عنه ليوم القيامة ، و من السَّنَّة أن يهيئى ألعبد المؤمن وصيّته دائماً بل يستحب أن تكون الوصية فى فراش نومه و ينبغي أن يجعل حظًّا

ص: 152

من مال ألوصاية مخصوصاً بارحامه غير الوارثين وكذلك بالاصدقاء كما أنه ينبغى أن لايوصى بأزيد من ثلثه و لايحرم أولاده عن ميراثه وإذا أوصى بازيد من الثلث يكون نفوذ الزائد عن الثّلث موقوفاً باجازة الورثة والوصيّة صحيحة بالقول والكتابة والاشارة وتتحقق بكل واحدة منها.

تذيبلُ: فى بيان آداب العيادة والاحتضار و التشييع والغسل والكفن و ألدّفن وتعزية ألمصاب و زيارة أهل القبور.

أمّا العيادة ففضيلتها كثيرة ، وهي مستحبة ، بعد ثلاثة أيام ويُستحب أن تكون غِبّاً (يوم نعم ويوم لا) و ينبغى تخفيف الجلوس إلاّ مع رغبة ألمريض الزّيادة ويُستحب إهداء هديّة للمريض.

أمّا آداب الاحتضار ، فهى عبارة عن تلقين المحتضر العقائد الحقه من التّوحيد والنُبُوَّة و ألامامة وفائدة التّلقين إبتعاد الشَّيطان وعدم تسلطه على عقائد المحتضر وألاحسن مطالبة المحتضر بالاقرار و الاعتراف القلبى بالعقائد و ألافضل إدامة التّلقين إلى آخر نفس من الحيات كما أنَّ ألمسنون تعليمه كلمات ألفرج و تلقينه لها وكذا تعليمه طلب المغفرة من الله وألا حسن أن يكون بهذه العبارة يا من يقبل أليسير و يعفو عن الكثير، إقبل منّى اليسير وأعف عنّى الكثير إنّك أنت العفوّ الغفور وتجب على المحتضر التَّوبة عن المعاصى وقد وعد التائب قبل الموت بالمغفرة ويُستحب نقل المحتضر إلى مصلاه إذا اشتدّبه النّزع ويجب تسجية ألميّت بأن يمدّ رجلاها إلى القبلة وإذا مات

ص: 153

يُستحب قول إنّا لله وإنّا إليه راجعون.

امّا التّشييع فهو مستحب مؤكد وقد ورد في الروايات التّحريص والتّرغيب عليه و أعلم بانّ إعلام المؤمنين بموت المومن سُنّة وكذا التّعجيل فى دفنه إلا إذا لم يكن اليقين بموته حاصلاً حيث يجب ألصَّبر حينذاك إلى حصول اليقين به و ربّما سمع أنَّ جماعة من الاشخاص ظُنَّ بموتهم ودفنوا وكانوا بعدالدّفن أحيااً ثم ماتوا في قبورهم.

و تشييع المؤمن سبب لغفران الذّنوب و أوَّل هديَّة یہدی بها ألميت ألمؤمن مغفرة المُشيعين له لاسيَّما إذا أخذ المشيّع باربعة جوانب من تابوته فان فيه فضل كبير وموجب لغفران أربعين معصية من ألمعاصى ألكبيرة وترتيب ذلك هو الشروع من ألمنكب ألايمن و الختم بالمنكب ألايسر و ينبغى

أن لايتقدَّم ألمشيع الجنازة.

وغُسل الميّت واجب كفائي، و من غسّل مؤمناً كان كمن ولد من أمه يوم الولادة مغفورا له من الذّنوب.

والصّلاه على الميّت أيضًا واجبة كفائيّة والولاية عليها للامام المفترض طاعته إذا حضر و بعده لولی الميت و شرح ذلك مسطور فى الرّسائل العملية، وكفن المیّت و دفنه أيضاً واجبان کفائیّان و يُستحب تلقين الميّت بعد دفنه بالعقائد ألحقه الالهيّة.

وأمّاً تعزية المُصاب فهى مستحبَّة فيُستحب تهيئة الطّعام للمُصاب ثلثة ليالٍ، و من السنَّة تسلية المصاب فان الله يُدخل فى ظله يوم القيامة مَن سلّى مصاباً و يلبسه من حلل الجنَّة

ص: 154

ويُستحب للمُصاب أن يجلس من دون عباءٍ حتّى يعرفه النّاس ويسلوه ولتسلية أليتيم ثواب كثير فان من مسح على رأس اليتيم تسلية له كان له بكل شعرة تمر تحت یده حسنة يكتبها الله له.

ويُستحب زيارة قبور ألمؤمنين قال الصادق(علیه السلام) إنَّ ألاموات يأنسون بكم و إذا ابتعدتم عن قبورهم يستوحشون و ألامام(علیه السلام) حلف بأنّ الاموات يعرفونكم و يفرحون لزيارتكم قبورهم ويأنسون بكم.

و يُستحب قراءة سورة القدر فوق قبر ألميّت سبع مرات و هو سبب لمغفرة ألقارى و الميّت معاً، ويُستجاب الدعاءُ فوق قبر الوالدين، وكل عمل صالح يفيد ألميّت في القبر بل يُستحب أن يؤتى بكل عمل عبادي كان ألميّت يأتى به فى حياته بعد موته له - أللهم أغفر لنا ولِاِخواننا المؤمنين من سلف منهم و من غبر برحمتك يا أرحم الراحمين.

الحديث الثالث

في ألكافى على بن إبرهيم عن أبيه عن عمروبن عثمان وعدة من أصحابنا عن سهل بن

زياد عن احمدبن محمد بن اُبی نصرو الحسين بن على جميعاً عن أبي جميلة مفضّل بن صالح عن جابر عن عبد الاعلى و على بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن إبرهيم عن عبد الاعلى عن سويد بن غفلة قال، قال: أمير المؤمنين(علیه السلام) إنّ إبن آدم إذا كان في آخر يوم من أيام ألدّنيا و أوّل يومٍ من أيام الآخرة مُثِّل له ماله من

و ولده و عمله فيلتفت إلى ماله فيقول: والله إنى كنت عليك حريصاً شحيحاً فمالي عندك ؟ فيقول : خذ منى كفنك ، قال فيلتفت إلى ولده فيقول والله إنى كنت

ص: 155

لكم محبّاً و إنى كنت عليكم محامياً فماذا عندكم؟ فيقولون: نؤدّيك إلى حفرتك و نورايك فيها قال

فيلتفت إلى عمله فيقول والله إنى كنت فيك لزاهداً وإن كنت على ثقيلاً فما لي عندك ؟ فيقول: انا قرينك فى قبرك و يوم نشرك حتى أعرض أنا و أنت على ربك قال: فان كان لله ولياً أتاه أطيب الناس ريحًا ، واحسنهم منظرا وأحسنهم رياشاً فقال أبشر بروح و ریحان وجنة نعيم و مقدمك خير مقدم فيقول له من أنت؟ فيقول أنا عملك الصّالح إرتحل من ألدّنيا إلى الجنّة وإنه ليعرف غاسله و يناشد حامله أن يعجّله فاذا أدخل قبره أتاه ملكاً القبر يجران أشعارهما ويخدّان ألارض باقدامهما أصواتهما كالرّعد القاصف وأبصارهما كالبرق الخاطف فيقولان له من ربك ؟ وما دينك ؟ من نبيك ؟ فيقول الله ربى و دينى الإسلام ونبیّى محمد صلى الله عليه و آله وسلم فيقولان له ثبتك الله فيما تحب و ترضي و هو قول الله عزّوجلّ يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثّابت في ألحياه ألدّنيا وفى الآخره ثم يفسحان له في قبره مدّ بصره ثم يفتحان له باباً إلى الجنّة ثم يقولان له نم قريراً لعين نوب الشّاب ألناعم فان الله عزّوجل يقول أصحاب الجنّة يومئذٍ خيرٌ مستقراً و أحسن مقيلاً قال

إذا كان لربَّه عدواً فانه يأتيه أقبح من خلق الله زيّاً رؤيّاً و أنتنه ريحًا فيقول أبشر بنُزُل من حميم و تصلية جحيم و إنه ليعرف غاسله ويناشد حملته أن يحبسوه فاذا أدخل القبر أتاه ممتحنا ألقبر فألقيا عنه أكفانه ثم يقولان له مَن ربك ؟ و ما دينك ؟ و مَن نبيك؟ فيقول لاأدرى، فيقولان له: لادریت و لاهدیت فیضربان

ص: 156

يأفوخه بمضربة معهما ضربة ما خلق الله عزّوجلّ دابة إلا وتذعر لها ما خلا الثقلين ثم يفتح-ان له بابا إلى النّار ثم يقولان له نم بشرٍّ حالٍ فيه من الضيق مثل ما فيه ألقنا من ألزّج حتى أن دماغه يخرج من بين ظفره و لحمه يسلّط الله عليه حيات الارض عقاربها و هوامّها فتنهشه حتى يبعثه الله عزّوجل من قبره و إنّه ليتمنّى قيام السّاعة فيما هو فيه من الشرّ.

قال جابر قال أبو جعفر عليه السّلام قال النّبى صلى الله علیه و آله إنى كنت أنظر إلى الابل والغنم و أنا أرعاها و ليس من نبي إلا وقد رعى الغنم وكنت أنظر إليها قبل النُّبُوَّة و هى متمكنة من المكينة ماحولها شي يهيجها حتى تذعر فتطير فأقول ماهذا و أعجب حتى حدثنى جبرئيل عليه السَّلام إنّ الكافر يضرب ضربة ما خلق الله شيئاً إلا سمعها و يذعر لها إلا الثقلين فقلنا

ذلك لضربة الكافر فنعوذ بالله من عذاب القبر.

هذا الحديث الشّريف صحيح و معتبر لانّ الشّيخ الكلينى رواه بطرق متعددة تنتهى إلى عبد الاعلى و الطريق الاخير منها غير قابل للمناقشة لانّه عن على إبن إبرهيم عن محمد بن عيسى(و علم حالهمافی الحديث الثانى من التّوحيد) عن يونس بن عبد الرحمن(و ذكر حاله في الحديث ألاول المحرمات) عن إبراهيم و هو بقرينة رواية يونس عنه أبو أيوب إبرهيم بن عثمان الخزّاز ألكوفى والنّجاشي و العلامة قالا إنه ثقة وكبير المنزلة و قال ألكشّى إنه ثقة عن عبد الاعلى و هو بقرينة رواية يونس عن إبرهيم عنه ، إبن أعين العجلى الكوفى و هو من خواصّ الائمة وفقهاءِ

ص: 157

أصحابهم و رأى رواياته المحقِّق ألدّاماد صحيحة و ألعلامة ألمامقاني يقول إنَّه في أعلى درجة ألحسن إن لم يكن ثقة وعليهذا فعدم وجود لفظ ثقة فى حقه لايضرُّ بالسّند عن سويد بن غفلة(على المشهور من ضبط غفلة بالغين المعجمة وإن ضبطه إبن داود بالعين المهملة المفتوحة و ألام المفتوحة ) وهو من أولياء امير المؤمنين(علیه السلام) و أصحابه الخلّص وألذهبي(مع ما يعلم من حال أهل السنة بالنسبة إلى أولياء أمير المؤمنين المخصوصين بالولاء) قال في المختصر

إنه ثقة عابد زاهد كبير الشّأن قانع باليسير.

والمحقِّق الدّاماد يعتبره ثقة وسويد يقول قال أمير المؤمنين(علیه السلام) إنّ في آخر يوم من أيام حيات الانسان وأول يوم من أيّام إنتقاله إلى الآخرة يتمثّل عنده ماله و أولاده وعمله فيتوجه إلى المال ويخاطبه و يقول قسما بالله تعالى إنى كنت حريصًا فيك و بخيلاً عليك فما فائدتى فى هذه الحالة منك ؟ فيجيب ألمال خذ منى الكفن ليس إلا. فيتوجه إلى أولاده و يقول أشهد بالله إنى كنت أحبُكم وأدافع عنكم فما تمتُّعى في هذه الحالة عنكم ؟ فيجيبون نحن نوصلك إلى حفرة قبرك و ندفنك فى التّراب ثم نرجع و حينذاك يواجه عمله ويقول أقسم بالله إنه لم تكن لى رغبة فيك وكنت أتوانى فيك فما حظّى هذا اليوم عنك ؟ فيجب العمل بانّى فى القبر مونسك و في الحشر قرينك إلى أن ناتي إلى محكمة عدل الله ثم قال ألامام بانّ المحتضر إذا كان محباً لِله يكون عمله معطراً ذا منظر جميل ولباس حسن فاخر و يرد عليه على تلك الحالة

ص: 158

ويقول البشارة براحة ممتعة و طعام هنیءٍ وجنّة عالية و إعلم بانك ترد المحشر باحسن وجه فيسأل- ألمحتضر من أنت ؟ فيقول: أنا عملك الصالح وأنا زميلك في هذا السّفر من ألدّنيا إلى دُخولك الجنَّة و ألعمل الصّالح يعرف غاسل المحتضر و يحلف حاملي جنازته بان يعجّلوا في إيصاله إلى القبر ثم إذا أدخلوه في قبره جاءه الملكان في القبر حال جرّأشعارهما ألارض وخدّ ألارض عن قدميهما حال الحركة وصوتهما كالرّعد القّوى الشّديد وعيناهما كالبرق اللّامع ألثّاقب فيسئلان عنه من ربك ؟ و ما دينك ؟ و من نبيّك ؟ فيقول الله ربّى و الاسلام ديني و محمّد (صلی الله علیه وآله وسلم) نبيى فيقولان إن الله يثبتك فيما تحب و ترضى عنه و هذا مفاد قول الله عزّوجل يثبت الله الّذين آمنوا بالقول الثابت فى الحيوة الدنيا وفي الآخرة ثم يوسّعان قبره مَدَّ البصر و يفتحان باباً من الجنَّة إليه و يقولان نم مع ألبشارة بالجنة و الرّاحة في القبر كشاب فارغ البال و المسرور لانَّ الله يقول إنّ لاهل الجنّة أحسن مستقر و أفضل محلّ راحةٍ ، ثم قال ألامام (علیه السلام) وإن كان ألمحتضر خصماً وعدوّا الله يرد عليه

العمل بابشع صورة و أقبح وجه من أي موجود و أرذل ثياب من أى مخلوق ورائحة أنتن من أى شىء يتصوَّر و يقول أبشر بنار جهنم و الدخول فيه و يعرف عمله غاسله و يقسم حاملي جنازته بالابطاء في ايصاله إلى قبره و إذا أدخلوه في ألقبر يا تيانه ألجاسوسان فى القبر فيرفعان کفنه و يسألانه من ربك ؟ وما دينك ؟ و من نبيك ؟ و يقول لاأدرى فيقولان: ليتك لاتدرى ولاتهدی و یضربان علی

ص: 159

رأسه بعضًا بعضًا من حديدٍ بحيث يفزع عن ضربته كل دابّة إلّا ألجنّ والانس ثم يفتحان باباً من جهنّم إليه و يقولان له نم بأشدّ حالة ومستقره يكون كمكان شائك بالاشواك الحديديّة بحيث يخرج مُخّه من شدة الضيق لحمه و ظفره و يسلّط الله عليه الحيّات والعقارب والديدان فتقطع بدنه إرباً إرباً إلى أن يبعث من قبره و پرجو قيام ألقيامة من سوء مافيه من ألحالة ألبائسة قال جابر بن يزيد الجعفى الثقة قال ألباقر(علیه السلام) قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) إنى كنت قبل بعثتى بالنُّبُوَّة أرعى الغنم والابل، كما أنه لم يكن نبىّ إلا كان يرعى الغنم فربما كنت أنظر إلى الغنم والابل وكانت فى كمال ألهدوء والسكينة و لم يكن شيء يوجب هیجانها و حينذاك كنت أرى فزعها بحيث كانت تتفرق كالطّيور وكنت أقول في نفسى ما هو السبب ؟ وكنت متعجباً عن إلى أن أخبرني جبرئيل بانّه قد ضرب على رأس كافر ضربة لو سمعها أى مخلوق الجن و الانّ الفزع من الوحشة فعلمت بان ذلك من جهة عذاب الكافر و نعوذ بالله من عذاب القبر.

يُستفاد من هذه الرواية الشّريفة مطالب مهمّة:

الأول: سُؤال القبر إذ معتقدنا نحن الشّيعة الامامية - مطابقاً مع النّصوص المتواترة أنّ سُؤال ألقبر حقٌّ على تفصيل مذكور في هذه الرواية وعلى تنويع وارد في روايات أخرى وفي بعض الروايات إنه يسأل مع ضغط في القبر.

الثّاني: إنّ عالم ألقبر - و هو البرزخ ألدّنيا والآخرة عالم المكافاة والجزاء للعمل حيثُ أنّ القبر

ص: 160

إمّا روضة من رياض الجنّة وإمّا حفرة من حُفَر النّار و لعل أشدّ عقبة من عقبات ما بعد الموت إنما هى ألفاصلة بين ألموت و الحشر لانّ رجاء الشّفاعة في عالم القيامة لاهل الولاية موجود و لكن عالم القبر البرزخ ليس عالم الشّفاعة وقال الصادق(علیه السلام) إنّي أخاف عليكم عن ألبرزخ ويسأل الراوى بانّه متى يكون البرزخ ؟ وفى أى مكان ؟ فيقول(علیه السلام) من وقت الموت إلى يوم القيامة و في جملة من الروايات المتعددة ورد بيان أحوال أهل البرزخ و أن أهل ألايمان يكونون فى كمال الرّاحة ويستأنس كل مع الآخر ويسألون من ألواردين أحوال الاقوام و المعروفين فاذا قيل مات فلان علموا أنَّه من أهل العذاب - حيث لم يرد عليهم.

وفى رواية أنّ ألامام السّادس أرى بعض أصحابه البرزخ بل شاهد البرزخ و أهل البرزخ بعض الصلحاء

نصب ألعين وفى الروايات أنّ ألمؤمنين فى وادى السّلام - بالنّجف ألاشرف يجتمعون حلقاً و

يتذاكرون

الثالث: إمتداد زمان البرزخ إلى يوم القيامة كما سمعت بانّ عذاب القبر و الابتلا بالحيّات و العقارب و الهوام يمتدُّ إلى عالم القيامة.

الرّابع: أنّ حقيقة المعاد يوم القيامة عبارة عما ذكرنا من إجتماع الاجزاء العُنصرية وبعد ذلك يتعلّق الرّوح بالبدن و سائر ما تسمعه من الامور وإلا فالرّوح باق لايفنى و هو مورد للسئوال و النعمة و النقمة .

برگ عیشی بگور خویش فرست *** کس نیارد ز پس تو پیش فرست

ص: 161

الحديث الرابع

في ألكافي (1) ألعدّة عن سهل عن الحسن بن محبوب عن على بن رئاب عن أبى عبيدة ألحَذاء عن ثوير بن ابى فاختة قال سمعت على بن الحسين عليهما السّلام يحدث في مسجد رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فقال حدثني أبي إنه سمع أباه على أبي طالب عليهما السلام يحدّث النّاس قال: إذا كان القيامة بعث الله تعالى النّاس من حُفرهم عزلاً بُهماً جرداً مُرداً في صعيدٍ واحدٍ يسوقهم النّوروتجمعهم الظّلمة حتى يقفوا على عقبة في ألمحشر فيركب بعضهم بعضاً و يزدحمون دونها فيمنعون من المضىِّ فتشتد أنفاسهم ويكثر عرقهم ويضيق بهم أمورهم ، و يشتد ضجيجهم و يرتفع أصواتهم قال و هو أوّل هولٍ من أهوال يوم القيامة قال فيشرف الجبّار تعالى عليهم من فوق عرشه فى ظلال من الملائكة فيأمر ملكاً من الملائكة فينادي فيهم يامعشر الخلائق أنصتوا و إستمعوا منادى الجبار قال فيسمع آخرهم كما يسمع أوّلهم قال: فتنكسر أصواتهم عند ذلك ، وتخشع أبصارهم و تضطرب فرائصهم و تفزع قلوبهم و يرفعون رؤوسهم إلى ناحية الصّوت مهطعين إلى الداعى قال: فعند ذلك يقول الكافر هذا يوم عسير قال: فيشرف الجبار تعالى ذكره الحكم العدل عليهم فيقول: أنا الله لا اله إلا أنا ألحكم

ص: 162


1- الروضة.

العدل ألذى لايجوز أليوم أحكم بينكم بعدلى و قسطى لايظلم أليوم عندى أحد أليوم آخذ للضعيف

من ألقوى بحقه و لصاحب المظلمة بالمظلمة بالقصاص من الحسنات و السّيّئات و أثيب على ألهبات و لايجوز هذه العقبة أليوم عندى ظالم ولاأحد عنده مظلمة إلا مظلمة يهبها صاحبها وأثيبه عليها وآخذ له بها عند الحساب و تلازموا أيها الخلائق و أطلبوا مظالمكم عند من ظلمكم بها في الدّنيا وأنا شاهد لكم بها علیهم و کفی بی شهيدا قال: فيتعارفون ويتلازمون فلايبقى أحد له عند أحدٍ مظلمة أو حق إلا لزمه بها قال: فيمكثون ما شاء الله فيشتد حالهم، و يكثر عرقهم و يشتد غمهم و يرتفع أصواتهم بضجيج جديد فيتمنون المخلص منه بترك مظالمهم لاهلها قال ويطّلع الله تعالى على جهدهم فينادى مناد من عند الله يسمع آخرهم كما يسمع أوّلهم يامعشر الخلائق أنصتوا لداعى ألله تعالى وإسمعوا أنّ الله تعالى يقول أنا الوهّاب إن أحْبَبْتُم أن تواهبوا فتواهبوا وإن لم تواهبوا أخذت لكم بمظا لمكم قال ، فيفرحون بذلك لشدّة جهدهم و ضيق مسلكهم و تزاحمهم قال فیهب بعضهم مظالمهم رجاء أن يتخلصوا مما هم فيه و يبقى بعضهم فيقول ياربّ مظالمنا أعظم من أن نهبها قال فینادی مناد من العرش أين خازن ألجنان ألفردوس قال فيأمره ألسّله تعالى أن يطلع من الفردوس قصراً من فضة بما فيه من الآنية و الخدم قال فيطّلعه عليهم في حفافة القصر ألوصائف و الخدم قال فينادى مناد من عند الله تعالى يامعشر الخلائق إرفعوا رؤوسكم فانظروا إلى هذا

ص: 163

ألقصر قال فيرفعون رؤوسهم فكلّهم يتمناه قال فینادی مناد من عندالله تعالى يامعشر الخلائق هذا لكلِّ من عفى عن مؤمن قال فَيَعفون كلّهم إلا القليل قال فيقول تعالى لايجوز إلى جنّتى اليوم ظالم ولايجوز إلى نارى أليوم ظالم لاحد من المسلمين عنده مظلمة حتى يأخذها منه عند الحساب أيُّها الخلائق إستعدّوا للحساب قال ثم يُخلّى سبيلهم فينطلقون إلى العقبة فيكرر بعضهم بعضاً حتى ينتهوا إلى العرصة و الجبّار تعالى على العرش قد نشرت الدّواوين ، ونصبت ألموازين و أحضر النبيّون و الشّهداء وهم الائمة يشهد كل إمام على أهل عالمه بانّه قد قام فيهم بأمر الله تعالى ودعاهم إلى سبيل الله تعالى قال فقال له رجل من قريش: يابن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) إذا كان للرّجل المؤمن عند الرّجل أ لكافر مظلمة أى شىء يؤخذ من ألكافر و هو من أهل النّار قال فقال له على بن الحسين عليهما السلام

يطرح عن المسلم من سيّئاته بقدر ماله على ألكاف فيعذّب ألكافربها مع عذابه بكفره عذاباً بقدرماللمسلم قبله من مظلمة قال فقال له القرشي فاذا كانت المظلمة للمسلم عند مسلم كيف يؤخذ من مظلمته من المسلم ؟ قال: يؤخذ من الظّالم للمظلوم من حسناته بقدر حق المظلوم فتزاد على حسنات المظلوم قال، فقال له القرشى : فان لم يكن للظّالم حسنات قال إن لم يكن للظّالم حسنات فان كان للمظلوم سيّئات يُؤخذ من سيّئات المظلوم فتزاد على سيّئات الظّالم.

هذا الحديث ألمبارك صحيح باصطلاح حسن باصطلاح المتاخرين لانّ الكليني رواه عن العدة

ألقدماء

ص: 164

عن سهل(وقدتبيّن أحوالهم في الحديث الثالث من ألامور الاجتماعيَّة) عن ألحسن بن محبوب عن على بن رئاب(وذكرا في الحديث الثالث من التَّوحيد) عن زياد بن عيسى أبو عبيدة الحذّاء الكوفى و هو ثقة و كان له منزلة مرموقة عند آل محمد علیهم السّلام عن أبى الجهم إبن سعيد أبى فاختَة(بكسر الخاء وفتح التاء) ابن علاقة و هو من مشاهير الشيعة وخواص أصحاب الائمة(علیهم السلام) بل هو عند أهل السّنّة مشهور و إن كان في عقيدته قصور فلم يضرّ ذلك بوثاقته في القول ومضافاً

إلى ما ذكر يكون فى طريق هذا الحديث بخصوص الحسن بن محبوب و هو من أصحاب الاجماع ولذا يكون الحديث صحيحا على مصطلح ألقدماء و إن كان لعدم وجود لفظ ثقة في حق أبى فاختة يكون حسنًا على مصطلح المتأخرين عن السّجاد(علیه السلام) إنه قال إذا کان يوم ألقيامة يبعث الله النّاس من مراقدهم فى صفحة أرض ولايكون بيدهم سلاح ولا على أبدانهم لباس و ليس فى ألسنتهم كلام ولا في وجوهم لحية(فاقدون للسّلاح والالة الدّفاعية في مقابل السّطوة الالهيّة) يسرعون نحو النّور حال كون الظلمة مخيّمة عليهم ثم يقفون فى عقبةٍ من عقبات المحشر و من كثرة الزّحام يتصاعد كل على كتف الآخر غير قادرين على الحركة أنفاسهم في ضيق عرقهم كثير و أمورهم متضايقة و ضجيجهم عال وأصواتهم مرتفعة وقال هذه أوّل مرحلة من مراحل فزغ يوم القيامة وأهوالها قال ثم يتوجه الله إلى النّاس من فوق العرش (المحاط بالملائكة) و بامر منه ينادى ملك أيّها النّاس

أسكتوا

ص: 165

وإسمعوا نداءَ منادى الله فيسمع النداءَ جمیعُ الخلائق من أوّلهم إلى آخرهم قال و أصواتهم منكسرة في صدورهم و أعينهم غائرة و أعظم مناكبهم مرتعشة و قلوبهم مضطربة وهم متوجّهون إلى النّداء ومسرعون نحوه ثم يتوجه الله الجبّار العادل ألحكيم نحو أهل ألمحشر و يقول أنا الله الذى لا إله إلا أنا و أنا الحاكم العادل الذى لايسوغ ألظلم هذا يوم يُحكم فيه بالعدل ولايُظلم على أحدٍ اليوم آخذ حق الضعيف عن القوى وأكافي عن مظالم الاعمال و أجازى على العمل الحسن والقبيح و أثيب مقابل ألاعمال الحسنة ولايحق العبور عن هذه العقبة لظالم على رقبته مظلمة لمظلوم و أنا آخذ تلك المظلمة للمظلوم إلا أن يتجاوز المظلوم عن مظلمته ویهبها للظّالم فأنا أعوض له عنها.

أيُّها النّاس الذين ظلمتم فى عالم الدُّنيا تعرضوا على الظّلمه وطالبوا حقوقكم و أنا أشهد لكم و شهادتى كافية لكم قال فيتجسّس المظلومون عن ظالميه يفحصون عنهم ويعرفونهم ويسدّون ألطريق علي ولايبقى مظلوم إلا ويأخذ طريق ظالمه و يطالب حقه عنه و يبقون على تلك الحالة إلى ماشاء الله ومدة رأى الله فيها المصلحة مع أحوال متغيرة و عرق كثير و حزن زائد و يرفعون الاصوات من جديد بالضجيج وعلى أثر تلك الاحوال المسيئة يرضون أن يرفعوا أليد عن المطالبة بحقوقهم كى يتخلصون من هذا الموقف و ينجون منه.

قال فحينذاك يلطف الله عليهم لشدّةِ سوء أحوالهم و ينادى المنادى نداءً يسمعه كل الخلائق أيّها النّاس أسكتوا و إسمعوا نداء الدّاعی

ص: 166

الالهى أنَّ الله يقول أنا ألوهّاب فان رضيتم أن تهبوا حقوقكم أعف عنكم - و تنجون عن هذا الموقف

إلا فاطالب مظالمكم عن الظلمة فلكثرة الازدحام وضيق المكان و شدَّة الزحمه يفرح لنّاس عن هذه البشارة و رجاةً للخلاص عن هذه الموقعية السّيئة يهب جمع منهم حقوقهم و لكن يقول جمعٌ آخر يا الله إنّ مظالمنا أكثر من أن نرضى بابرائها فينادي منادٍ من طرف العرش أين خازن جنّة الفردوس(رضوان) فيامره الله أن يريهم رضوان قصراً من ألفة بما فيه من الظّروف و الخدم و رضوان يُرى القصر مع الغلمان و الجواري الشّابة و ينادى المنادى أيّها النّاس إرفعوا رؤوسكم وأنظروا إلى هذا القصر فيرفع النّاس رؤوسهم وكلهم يتمنون أن يكون القصر لهم فينادى المنادى هذا القصر لمن يعفو عن مؤمن فالخلائق كلّهم إلا القليل منهم يهبون حقوقهم ثم يقول الله لايصل ظالم إلى جنّتى أو نارى إذا كانت عليه مظلمة من مسلم حتى تؤخذ منه عندالحساب و قال فيجاز للخلق أن يتحركوا نحو عقبة الحساب فيتسابقون إلى أن يصلوا إلى عرصة الحساب و تظهر حينئذ آثار السّطوه الالهيّة عن عرش الرحمن و ينشر ديوان الحساب و يقام الميزان و يحضر الانبياء الائمة وكلُّ إمام يكون شاهداً على أهل زمانه ألذى قام فيهم بأمر من الله و دعاهم إلى الصّراط المستقيم و طريق الحقّ فقال رجل من قريش يا بن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) إذا كان لمؤمن على كافر حق كيف يؤخذ منه و هو من أهل النار ؟ فقال السّجاد(علیه السلام) يؤخذ من معاصي المؤمن بمقدار حقّه على الكافر ويعطى للكافر مضافاً

ص: 167

إلى ما عليه من عذاب كفره فيعذّب بعذاب أزيد من عذاب نفسه فقال الرّجل إذا كان لمسلم على مسلم حق كيف يؤخذ منه فقال يُؤ خذ من حسنات الظّالم بنسبة مظلمة المظلوم فيضاف على حسنات المظلوم فقال إذا لم تكن للظالم حسنات فأجاب ألامام(علیه السلام) إذا لم تكن للظالم حسنات وكانت للمظلوم سيّئات يوخذ من سيّئات المظلوم و يضاف على سيّئات الظّالم.

هذا الحديث يدل على مخاصمة ألنّاس يوم القيامة و إحقاق الحقوق ومطالبة المظالم كما يستفاد منه وقوف النَّاس في العرصات و موقف الحساب مع كيفية أحوالهم في هذين الموقفين و ليعلم أن الامتداد الزماني في يوم القيامة بنص هذه الآية المباركة تعرج الملائكة والروح إليه فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة - السُّورة ) 70 ) الآيةً ( 5 ) - خمسون ألف سنة بحساب هذا العالم ألدّنيوى.

وعلى ما نقله الصّدوق في جامع الاخبار عن إبن مسعود إنّ المواقف خمسون فى يوم القيامة ويقف أهل المحشر فى كل موقف ألف سنة عرياناً تحت ظلّ الشَّمس المحرقة الأجمعُ يقفون تحت المظلة أويدخلون الجنَّة أسبق من غيرهم والآيات القرانيه المبينة لمایتعلّق بالبرزخ و ألاعراف و البعث و الحساب و جهنّم تبلغ ألف ومأتين و تسع و تسعين ( 1299) آية و في مجموعة ورّام إبن أبي فراس إن النّبي(صلی الله علیه وآله وسلم) قال شيبتنى سورة هود و المرسلات - لانّ في هات-ین السورتين نزلت آيات راجعة إلى عذاب يوم القيامه و قد ورد فى بعض الروايات بأنّه لما نزلت الآية لها

ص: 168

سبعة أبواب لكلّ باب منهم جزء مقسوم - السورة (15) الآيه ( 44 ) - بكى رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) بكاءً عالياً شديداً بحيث إرتعدت فرائضه و لم يهد بكائه إلى أن زار فاطمة - عليها سلام الله - ولعل سر هدوئه أنّ الزّهراء هى شفيعة يوم الجزاء فلما رآها إطمئن قلبه رجاع (لشّفاعتها)و روى الشيخ الطوسى فى ألا مالى كتاباً لمولى الموالى روحى فداه إلى محمَّد بن أبي بكر ألوارد فيه أحوال الموت والقبر و القيامة و فيه يقول على بن ابيطالب(علیه السلام) وصفاً للقيامة أيُّهاالنّاس إنّ اليوم الذى تخرجون من القبر يكون أشدُّ من ألقبر ألقبر و هو يوم يشيب فيه الولدان و الشيوخ يتحيرون و يندهشون و ألحوامل يسقطن جنينهنَّ و المرضعات يغفلن عن رضعه و هو

يكون وجوه ألناس فيه عبوساً قطوبا شرٌّ ذلك أل

و بلاوه ظاهرُ ويُخيف فزعه ألملائكة ألمعصومين يوم السماوات و تصیر کنحاس مذاب و تصير الجبال مع تلك الصَّلابة والشدَّة كسراب مفزع(تتلاشى أجزاء الجبال و تتشكل بشكل السّراب) ينفح فيه الصورفتفزع من فى السماوات والارض إلا من رحمه الله فما حال من عصى الله باذنه وعينه و لسانه ویده و رجله و فرجه و بطنه إذا لم يرحمه الله و لم يغفر له لانّ عليه أن يدخل ناراً عمقها كثير و حرارتها شديدة ماءها قیح و دم وعذابها متجدد و مقامعها من حديد وعذابها دائم متواصل لايموت ساكنوها(يعنى أنهم مخلدون في النّار) ليس محلاً للرّحمة و استجابة للدّعاء.

أيُّهاالنّاس إعلموا أنّه مع هذه السّطوة والغضب

ص: 169

والعذاب الموجوده يوم القيامة، لِله سبحانه رحمة واسعة تشمل حال العباد وهى جنَّة عرضها السّموات و ألارض أعدّت للمتّقين لن توجد فيها شرُّ ولايمل ألانسان من لذائذها ولايتفرّق جمعها سكانها في جوار الرحمن آمنون و ببقائه خالدون غلمان ألجنّة خدمهم و أوانى الذّهب و الفضّة مملوئة من الفواكه و الاطمعة مهيّأة لهم.

الحديث الخامس

في الكافي (1) سهل عن ابن سنان عن سعدان عن سماعة قال كنت قاعدًا أبي الحسن الأول عليه السّلام و النّاس في ألطّواف في جوف الليل فقال لى يا سماعة إلينا إياب هذا الخلق وعلينا حسابهم فما كان لهم من ذنب بينهم و بين الله تعالى حتمنا على الله تعالى في تركه لنا فاجابنا إلى ذلك وما كان بينهم و بين النّاس إستوهبناه منهم فاجابوا إلى ذلك وعوض ألله تعالى.

هذا الحديث الشّريف على مصطلح ألقدماء صحيح لانّ الشيخ الكليني رواه عن سهل بن زياد(وقد مضى حاله في الحديث الثالث من ألامور الاجتماعية) عن محمد بن سنان(بقرينة روايه سهل عنه و روایته عن سماعة بن مهران و سعدان) و هو ثقة وجليل ألقدر و من أصحاب سرِّ المعصومين عليهم السلام وناشر للمعارف ألحقة وفضائل الائمة(علیهم السلام) و قصور أبناء الزّمان عن معادلته فى المعارف صار سببًا لتضعيفه لانّه

ص: 170


1- الروضة.

لايظهر من كلمات علماء الرجال فى حقه أزيد من رميه بالغلوِّ و صدور هذه النّسبة إلى أصحاب الائمة كان قليل المؤنة كما أنّ بعض المشايخ رأى أن نفى ألسَّهو عن ألمعصوم(علیهم السلام) غلوٌّ مع أنّ نسبة السّهو إلى ألمعصوم (علیهم السلام) بديهىٌّ الفساد قطعاً و بالجملة فمع توثيق جماعة من المحققين له و عدم معارض قابل للمعارضة و رواية أجلاء الثقات عنه بما فيهم بعض أصحاب الاجماع، يحصل ألاعتقاد الجازم بوثاقة محمدبن سنان وليعلم أنّ لهذا الشّخص الجليل حقٌّ عظيمٌ في عالم التَّشيّع وعلى ألشّيعة لانّه ألناشر للمعارف الحقَّة و المعارف الالهيّة و مناقب الائمة (علیهم السلام) فجزاه الله خير الجزاء عن سعدان بن مسلم ألكوفى، وذلك لِروايته عن موسى بن جعفر(علیه السلام)

وقرينية روايه محمد عن سماعة و هو ألرّاوى عن ألامام ألسّابع وهذه قرائن عدم كونه سعدان بن واصل الذى هو الرّاوى عن الصادق (علیه السلام) وسعدان بن مسلم شيخ جليل القدر و له أصل(كتاب الحديث) وقد نقل عنه الحديث جمع كثير من الثّقات وفيهم بعض أصحاب الاجماع و لذا يحصل الوثوق بوثاقته كما عليه المحققون من غير إشكال عن سماعة بن مهران، بقرينة روايه سعدان و محمد عنه و روايته عن موسى بن جعفر(وقد علمت حاله في الحديث الثانى من النَّبوَّة) قال كنت بمحضر من موسى بن جعفر (علیه السلام) فى المسجد الحرام جالسًا ألنّاس مشغولون بالطّواف فقال ألامام (علیه السلام) يا سماعة إنَّ رجوع هؤلاءِالنّاس يوم القيامة إلينا وحسابهم علينا فكل معصية صدرت منهم وكانت بينهم وبين الله

ص: 171

حقوق الله - نَصِرُّ على الله أن يعفو عنهم لحبّه لنا و هو يجيب دعوتنا وكل معصية صدرت منهم وكانت بينهم و بين ألخلق - حقوق ألناس - نستدعى من النّاس أن يعفو عنهم و هم يقبلون منا والله يعوِّض عن

المظالم بهم.

يُستفاد من هذا الحديث الشّريف أنّ لاهل بيت محمد صلواة الله عليهم اجمعین، يوم القيامة مقام الولاية الكليّة الالهيّة كما يكون لهم هذا المقام في عالم الدّنيا و ظهور سلطنة ألله ألجزائية من ناحية جلالهم و بروز ما لكيَّة يوم الحساب و تحقق الثواب والعقاب إنما يكون من ساحة كمالهم وكما أنّ فتح ألامور يكون بواسطتهم يكون ختم ألامور من قبلهم واياب ألخلق إليهم وحسابهم علیہم.

و فى الزيارة الجامعة - و اياب الخلق إليكم و حسابهم عليكم بمعنى أنّ رجوع النّاس إليكم - والنّاس یوم ألجزاء تحت لوائكم و قيمومتكم و حسابهم معكم، و من المعلوم أنّ الحبيب إذا تكفّل حساب حبيبه واطّلع على الدّائنين و أرباب الطّلب عليه يتصدّى لاستخلاص وليه المديون ولذا يقول ألامام في مورد حقِّ الله نحن نسأل العفو عن الله و في مورد حق النّاس يقول نحن نطلب الاغماض والحلية عن النّاس وأيضاٌ فى ألكافى الشريف روى عن ألامام الثامن(علیه السلام) عن آبائه الكرام عن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) إنه قال إذا کان یوم القيامة فحساب الشيعة علينا فاذا كان على موالينا حقٌّ من الله نسأل الله العفو عنه والاجابة منه لنا حاصلة وإذا كان على ذمّتهم حقّ النّاس نطلب

ص: 172

منهم ألهبة و ألابراء وإذا كان لنا عليهم حقٌّ فنحن أولى بالعفو عنهم من كلّ أحدٍ ، و هذا المضمون وارد في الروايات المستفيضة بانّ تولية أمر حساب الشيعة إنّما هى مع ألائمة(علیهم السلام) كما أنَّ شفاعة المذنبين إليهم بل أولى و أرفع مقام لمحمّد و آل محمّد عليهم السّلام يوم القيامة إنما هو المقام المحمود و المقام المحمود هو مقام شفاعة ألمذنبين كما روى روى ألشّيخ الطّوسى فی ألامالى عن أنس بن مالك إنه قال رأيت رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) يوماً يمشى إلى جانب على(علیه السلام) ويقر هذه الآية «وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْبِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا» (1) ثم قال يا على إنّ الله أكرمنى مقام الشّفاعة لأشفع أهل التّوحيد و لكن أعداءُك و أعداءُ ولدك محرومون عنها.

و روى صاحب المناقب عن الصادق(علیه السلام) إنّه قال والله لنَشفَعَنَّ لشيعتنا والله لنشفعن لشيعتنا والله لنشفعن لشيعتنا حتّى يقول النّاس «فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (2) ولاصديق حميم و إختصاص مقام الشّفاعه بالنّبي الاعظم (صلی الله علیه وآله وسلم) لاينافي إشتراك الائمة وفاطمة الزّهراء معه صلواة الله عليهم في هذا المنصب لانّهم متحدون مع النّبي(صلی الله علیه وآله وسلم) فى عالم النّورانيّة فى الذّات و الفعليّة في الشؤون وهم نفس الحقيقة المحمديّة بل ألشيعة يتمتّعون بالشّفاعة للمذنبين فيشفعون للعاصين، لانّهم مجالی بعض مراتب أشعة جلال محمد و آل محمّد (صلی الله علیه وآله وسلم) وقد قال الباقر(علیه السلام) بابى أيمن إنّ أحداً من المؤمنين يشفع الجمع كثير يوازى قبيلة ربيعة و مُضَر - و هما قبيلتان

ص: 173


1- الاسراء، 79.
2- الشعراء، 100.

كبيرتان - حتّى أنّه يشفع لخادمه و يقول ياربّاه هذا ألخادم وقاني من الحرِّ والبرد وله علىَّ حقٌّ الخدمة و لقد أجاد

أبونواس الشّاعر المعروف لأهل البيت عليهم السّلام .

ياربّ إنْ عظُمت ذنوبى كثرةً *** فلقد عملت بانّ عفوك أعظمُ

أدعوك ربِّ كما أمرتَ تضرُّعاً *** فاذا رَدَدْتَ يدى فمن ذا يرحمُ

إن كان لايرجوك إلا مُحسنٌ *** فَمَن الذى يرجو و يدعو المجرمُ

مالى إليك وسيلةٌ إلّا الرّجا *** و جميل ظنّى ثمّ إنى مسلمُ

مُتمسّكا بمحمد و بآله *** إنَّ ألموفّقَ من بهم يستعصمُ

تم الشّفاعة من نبيّك أحمد *** ثمّ ألحمايه من علىٍّ أعلمُ

ثم ألحسين و بعده أولاده *** ساداتُنا حتى الامام المُكْتَمُ

سادات حرّ ملجأ مستعصم *** بهم ألوذ فذاك حصنٌ مُحْكَمُ

هرچند از رفتار بد خود خجلم *** از عمر تلف گشته بسی منفعلم

اندیشه روز محشرم نیست بسر *** چون مهر رسول وآل باشد بدلم

تاريخ التّأليف 1373 الهجرية القمرية

تاريخ التّعريب سلخ جمادی الاولی 1403

ه- .ق

ص: 174

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.