بحوث في فقة الرجال

هویة الکتاب

الكتاب: بحوث في فقة الرجال

المؤلف: السيد علي مكي العاملي

الطبعة: الأولى ١٤١٠ ه_. ق

المطبعة: مهر - قم

الكمية: 1000 نسخة

السعر: ريال

محرر الرقمی: مرتضی حاتمي فرد

ص: 1

اشارة

بُحُوثٌ

فِي فِقْةِ الرِّجَالِ

مُحَاضِراتٌ اَلْقَاهَا عَلَى طُلَّابِهُ

سَمَاحَة آيةِ اللّهِ العُظْمَى

رُكنِ الدِّین وَعِمَاد المُحَقِقِين وَخلاصَةِ المُتأخِّرينَ

السَید عَلِى العَلَّامة الفَانِي الأِصْفَهَانِي

قدس سُّره

تأليف

عَلِىّ مَکِّىّ العَامِليّ

ص: 2

الكتاب: بحوث في فقه الرجال

المؤلف: السيد علي مكي العاملي

الطبعة: الأولى ١٤١٠ ه_. ق

المطبعة: مهر - قم

الكمية: 1000 نسخة

السعر: ريال

ص: 3

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 4

الصورة

ص: 5

الصورة

ص: 6

آية اللّه العظمى آية اللّه العظمی العلامة الفاني قدس سره في سطور

كان من المقرر ان يرى هذا السفر النور منذ زمن ولكن ولعدة ظروف شاءت الاقدار ان يتاجل ذلك الى ما بعد الفاجعة الاليمة والحدث الجلل ألا وهو غياب سيدنا المقدس عن عالمنا وارتحاله الى لقاء اللّه.

وكان من المقرر أيضا ان يضاف الى الكتاب نبذة عن حياة وجهاد سماحته ولكن لما لم يكن معتادا ذكر حياة العظماء أبان حياتهم أرتأيت تاجيل ذلك.... ولكن لما فجعنا وفجع العالم الاسلامي برحيله كان من الوفاء لاستاذنا المعظم ذكر نبذة من سيرته وجهاده وعمله تخليدا لذكراه.... راجين من اللّه تعالى ان يوفقنا لنشر ما يليق بشأنه في كتاب مستقل.

وكنت في حياته رضوان اللّه تعالى عليه قد التمست منه ذكر نبذة من سيرته وحفظا للأمانة فاني ذاكرها ابتداءً فاني ذاكرها ابتداءً مع اضافات سمعتها منه (قدّس سِرُّه) او لاحظتها اثناء حياته.

كتب قدس اللّه نفسه الزكية [ السيد علي نور الدين ابو المكارم العلامة الشهير بالفاني الاصفهاني ابن المرحوم حجة الاسلام والمسلمين الحاج السيد محمد حسن الحسيني اليزدي الفاني المذكور في نقباء البشر المجلد الأول الصفحة 393، ولد بعد زوال الخميس ٢٦ من شهر ربيع الأول سنة 1333 باصفهان وشرع بالمبادى العربية عند ملا عبد اللّه الخرساني المتوفي سنة ١٣٤٩ ه_ القمرية وحضر بعد ذلك عند جماعة من

ص: 7

اجله علماء أصفهان سطحاً وخارجا فحضر القوانين للمحقق القمي (قدّس سِرُّه) عند المرحوم المقدس الحكيم الخرساني ره المتوفي سنة ١٣٥٥ ه_ القمرية وفرائد الشيخ الانصاري عند المرحوم الحاج السيد مرتضى الخرساني (قدّس سِرُّه) والمتاجر والكفاية بجزئيها عند السيد المقدس آية اللّه السيد محمد النجف آبادي المتوفى سنة ١٣٥٨ ه_ القمرية (قدّس سِرُّه) وحضر الفلسفة عند المرحوم الشيخ المفيد وحضر خارج الاصول والفقه والفلسفة والكلام والتفسير عند آية اللّه العظمى الجامع للمعقول والمنقول الزاهد التارك للدنيا الحاج مير سيد علي النجف آبادي مدة مستمررة في أثنتي عشرة سنة و أزيد ثم توفي (قدّس سِرُّه) العزيز الثالث عشر من شهر صفر سنة ١٣٦٢ ه_ فهاجر في اوائل ربيع الثاني من تلك السنة الى النجف الاشرف واستفاد من جملة من أعظم علماء النجف امثال السيد الزعيم السيد ابو الحسن الاصفهاني والشيخ محمد كاظم الشيرازي رحمهما اللّه تعالى واشتغل في نفس الوقت الى تدريس الفقه والاصول سطحاً وخارجاً وبرز لدى تدريسه جملة من العلماء العظام وفقهم اللّه تعالى. واما ما قاساة فمما لا أقدر على بيانه والمشتكى الى اللّه تعالى والاجر منه إن شاء اللّه بلطفه العميم وارجو العفو والغفران منه.

واما تآليفه وتقريرات ابحاثه في العلوم المتنوعة فهى عبارة - مطبوعا وغير مطبوع - الى قريب من ثمانين مؤلفا منها :

١- شرح الشرايع في الطهاره - خمسة أجزاء - طبعت جميعها والحمد للّه تعالى

٢- شرح الشرايع في الصلاة - سبعة أجزاء - طبعة خمسة منها والباقي تحت الطبع

٣- الآراء في مباحث الاصول طبع جزءان منها في الالفاظ

٤- الآراء في المباحث العقلية - ثلاثة اجزاء - تحت الطبع -

٥- رسالة في علم الامام الفت في ليلة واحدة - جزء واحد -

٦- الحاشية على وسيلة النجاة للزعيم الديني آية اللّه العظمى المرحوم السيد أبو الحسن الاصفهاني (قدّس سِرُّه) طبع مرة في سنة 1380ه_ في النجف الاشرف ومرة اخرى في قم المحمية بعد مرور خمس وعشرين سنة والحمد للّه

7- الحاشية على عروة الوثقى للزعيم الديني آية اللّه العظمى السيد البروجردي

ص: 8

(قدّس سِرُّه) مع الالماح الى جملة من القواعد في المسائل الصعبه _ طبعت العبادات في طهران والمعاملات في قم المقدسه -

8- ترجمة تقديم المحسنين - طبعت مع بعض القرائين -

٩- ترجمة نصائح

الى هنا انتهى ما كتبه بقلمه الشريف واما ذكره لي :

١٠- البداء وقد ترجم الى الفارسية

١١- المختار في الجبر والاختيار وقد ترجم الى الفارسية

١٢- رسالة في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر

١٣- رسالة توضيح المسائل الشرعية وقد ترجمت وطبعت بخمس لغات (الفرنسية - الفارسية - العربية - الانكليزية - اوردو)

١٤- شرح الفصوص مع حاشية (ذكرها بخطه الشريف)

١٥- قبسات العقول وقد طبعت بخمس لغات ايضا

١٦- الشعائر الحسينية وقد ترجمت الى الفارسي والاوردو - مطبوع -

17- خمسون مسألة - مطبوع -

18- منظومة فارسية في المعصومين (عَلَيهِ السَّلَامُ) - مطبوع –

١٩- ديوان شعر بالفارسية - غير مطبوع - (2 جلد)

20 - الآراء حول الارادة - مطبوعة –

21 - الآراء حول القرآن - مطبوع - وقد ترجم بلغة اوردو من دون طبع

22- بيان الخيانة - مطبوع -

23- تنزيه الصفوة - مطبوع -

٢٤ - تحفة الجواهر - مطبوع -

٢٥_ ترجمة خطبة الزهراء (عَلَيهَا السَّلَامُ) في فدك - مطبوع -

٢٦- زن از دیدگاه شریعت اسلام - مطبوع -

٢٧- كناه وكيفر (ترجمة للمعاصي الكبيرة والصغيرة) مطبوع

28- بینش كلي امام - مطبوع -

ص: 9

٢٩ - عبد اللّه بن عباس - مطبوع -

30- الحاشية على صراط النجاة - فارسي - مطبوع -

٣١- الخمس الاستدلالي - غير مطبوع -

32- تفسير سورة الحمد - غير مطبوع -

33- تفسير سورة الجمعة - غير مطبوع-

٣٤- فقة الرجال - وهو هذا الكتاب -

٣٥- تفسير سورة (محمد) _ غير مطبوع –

٣٦- تفسير سورة الفتح - غير تام -

37 - الزكاة - غير تام -

38- احكام البنوك وتحليل ودارسة حول مسألة الربا - تام غير مطبوع -

٣٩- الذباحة - غير مطبوع -

٤٠ - البيع على ضوء متاجر الشيخ الانصاري الى بحث الفضولي _ غير مطبوع -

٤١ الإجارة على ضوء الشرائع - غير مطبوع -

٤٢ - القضاء - غير مطبوع -

43 - الوصايا بقلم العلامة الشيخ محمد مهدي شمس الدين - غير مطبوع -

٤٤- القرعه - بقلمه ايضا - غير مطبوع -

٤٥_ الحج _ غير تام -

٤٦- الصوم - غير تام -

٤٧ - الفوائد العربية في الكلام - غير مطبوع -

٤٨- الفوائد الرجالية - غير مطبوع -

٤٩- رساله في منجزات المريض ( ذكرها بخطه الشريف)

٥٠- رساله في العرفان (السير الى اللّه) (ذكرها بخطه الشريف)

٥١ - الفوائد العلوية ( كلام) (ذكره بخطه الشريف)

* وسيدنا المقدس كان من رجالات الدين والمراجع العظام والذين يقل جداً

ص: 10

امثالهم فقد حاز على رتبه الاجتهاد كما ذكره لي وهو ابن سبعة عشر عاما وكان اول اجتهاده في مسأله المسح على الرجل حيث رجح قول المشهور في ان الكعب هو قبة القدم ما بين الاصابع واسفل الساق وخالف في ذلك الشيخ البهائي حيث اختار انه اسفل الساق.

كما كان قدس اللّه نفسه يتمتع بقوة حدس وذكاء وضبط يعجب ذوي الالباب فقد كان يكفي ان يزوره الشخص مرة واحدة فيتذكره ولو تمادت السنين... ولا زلت اذكر اني عندما كنت اقرا عليه ما كتبته من تقريراته (فقه الرجال) رغم ان المرض قد أخذ منه مأخذا -كان يلتفت الى ادق النقاط فيحذف او يصوب

وكان رضوان اللّه عليه شغولاً جداً في التاليف والبحث والتدريس بشكل مدهش حتى أنه وفي ايامه الاخيرة التي كان فيها في المستشفى تمم كتابه الاخير (بحث القطع والظن).

وكان من غريب أموره إحاطته بمجموعة من العلوم رغم اشتغاله بالشئون الفقهية والمرجعية فقد ألف في الفقه والفلسفة والعرفان والاصول والتفسير والعقائد والاخلاق فضلا عن نظمه الشعر.

وقد تخرج من مدرسته الكثير من الفطاحل والاعاظم وخصوصا في النجف الاشرف والذين انتشروا في الافاق لخدمة الرسالة وكان رحمه اللّه كثير الوعظ والارشاد لجلسائه وملاحظا ما يناسب كل شخص بحسب احواله وتطلعاته وكان مما يوصي به طلابه عموما واللبنانين خصوصا العكوف على طلب العلم والاصرار على تلقيه مهما كلف الامر وله عبارة معروفه للوصول الى سدة الكمال (السهر حتى السحر).

وكثيرا ما كان سيدنا يبرز تأذيه لوضع طلاب العلوم وخصوصا الاذكياء منهم حيث يتركون الحوزات في أول فرصه مضيعين على انفسهم وعلى الأمة فرص الاستفاده الحقيقيه منهم...

وكان طيب اللّه ثراه زاهدا في هذه الدنيا غير ملتفت الى إقبالها وتزيينها ولذا فضل العيش بعيدا عن الاضواء والشهرة إلا من عمل دوؤب وتربية الجيل علمي رائد..

وكان يذكر لي وأظنه أقسم على ذلك بأنه لو امكنه ان يطبق فمه عن المأكل

ص: 11

والمشرب لفعل فلله درك.. كيف لا.. وانت سليل الاوصياء وربيب حجر العلم والقداسة وقد تلمذت على منبر العظام والاتقياء.

وقد سألته يوما عما استفاده في حياته من تجارب يوصي بها الآخرين فقال في شان العالم:

١- ان ما كان صائنا لنفسه حافظاً لدينه حسنت عاقبته وكثر رزقه ووفقه اللّه ومن باع دينه ساءت عاقبته واصابته البلايا من حيث لا يشعر ومن حيث لا يحصي.

وان على العالم ان يترك الدنيا وان اقبلت عليه وهذا لا ينافي كون الزهد الحقيقي هو الورع عن محارم اللّه يقول جل وعلا « «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ».

وعلى العالم ان يتمثل خطى علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ويسير على وفقها ناصحا للناس وهاديا لهم ومعينا لعائلهم ومغيثا للملهوف.

وقال قدس سره في شان الناس

2- ان عليهم بذل ما لديهم في خدمة الرسالة وهذا ضمان لعدم الخسارة ولدفع البلايا عنهم واما لو عكفوا على جمع الثروات وعدّها فسيكون نتيجتها الخسران وضياع الاموال بل وضياع الاعراض.... وقد يصابون وفي غالب الاحيان بالامراض والبلايا مما ليس له دواء ومما لا يعالج بالمال.

* رحمك اللّه سيدي فكم لك في قلوب الذين عرفوك ذكرى لا تزول بزوال الايام والسنين يذكرونك بحنانك.. بعطفك.. بمرحك.. بنكاتك.. وقد لا يصدق محبوك انك رحلت عنهم ولكن قدر اللّه هو الغالب.

يذكرونك عندما تعرّج على ذكر اهل بيت العصمة واعظا جلساءك حيث تفيض عيناك بالدمع وتنضح اساريرك بالولاء للعترة الطاهرة رحمك اللّه..

كم كنت شديد الولاء لهم مشدداً على التمسك بهم وبكتاب اللّه.. كيف لا ! و وصيتك أن يدفن مع جسدك الطاهر منظومتك الشعرية في المعصومين الاربع عشر وكتابيك آراء حول القرآن وعبد اللّه بن عباس - رحمك اللّه كم كنت متعلقاً بمدينة قم المقدسة عش آل محمد... فأنت على فراش الموت تطلب ان تنقل الى قم ويحول بينك

ص: 12

وبين غرضك المشرفون على صحتك.. وتحت إصرارك يوافقون بان تنقل الى قم حيث المعصومة الشريفه وحيث اهلك ومحبوك وتلاميذك وتقول للمشرفين (الوقت تاخر او لا فائدة في ذلك الآن) ويكون الموعد الساعة الثامنة ليلة الثلثاء... ولكن يد الأبد تأبى الا بان تمتد الى روحك الطاهرة لترقى بها الى عالم الخلود - وكأنك على علم بذلك _ وذلك ظهر يوم الاثنين الساعة الحادية عشرة والنصف 23 شوال - ١٤٠٩ لتفجع المسلمين بمصابك.. ولتعود الى قم وكما رغبت وطلبت وفي الساعة الثامنة ليلة الثلثاء... ولكنها العودة الاليمة... العودة الفاجعة... لكي لا يراك بعد... أحبتك وتلاميذك... ومريدوك.

*رحمك اللّه سيدي المعظم... نم قرير العين الى جانت مرقد السيدة المعصومة حيث مثواك الاخير (صحن السيدة المعصومة _ حجره ٣٦ ) وجمع اللّه بينك وبين الائمة الطاهرين في جنة النعيم ومما رثاه به العلامة الشيخ علي المصري أحد افاضل طلابه :

شفيت فما تبغى الطبيب المداويا***وفزت وجاوزت الفقيه المساويا

لئن كنت في عز الولاية فانيا***فقد صرت في دار المقامة باقيا

تخلصت مما نحن فيه فعلمن___ا***مشوب ويجري العلم عندك صافيا

تلميذك الصغير

علي مكي العاملي

قم المقدسه - ١٣ ذي القعدة ١٤٠٩ه_

ص: 13

تقديم وتعريف

بين يديك مجموعة من البحوث الرجالية القاها سماحة سيدنا الاستاذ الأجل قدوة المحققين وعين عيون الناظرين عصارة المتقدمين وخلاصة المتاخرين آيه اللّه العظمى السيد علي العلامة الفاني الاصفهاني دامت ايام افاضاته.

وقد افاض بها على طلابه في مدينه قم المقدسة عام ١٤٠٦ ه_ وقد أمر سماحته بكتابتها وتبويبها وملاحظة نكات واضافات تناسب أمرين:

١- ان يكون كتابا محافظا على الجنبة الفقهية عرضا واستدلالا

2- ان يكون كتابا ذا قيمه تدريسية تعليمية

فشمرت ساعد العزم امتثالا لأمره وطمعا في ثواب اللّه ومنّه معتمدا من البيان والاسلوب ما يناسب الغرض ولذا قد ذكرنا من وجوه الاستدلال مالم يكن ذكر إتماما للفائدة وتحقيقا للهدف.

وارجو ان اكون قد حققت رغبته سائلا اللّه تعالى ان يقبل عملي خالصا لوجهه وان يطيل في عمر سماحته ذخرا للمسلمين ومنارا للعالمين - واخيرا اليك يا صاحب العصر والزمان اتقدم بعملي هذا خصوصا ان من توفيقات اللّه ان منَّ علينا باتمامه واكماله في يوم ميلادك المبارك....

قم المقدسة - علي السيد حسين مكي العاملي

15 شعبان - ١٤٠٧ه_.

ص: 14

بحوث في فقه الرجال

ويشتمل الكتاب على ابحاث ثلاثة

الأول - المقدمة وتشتمل على اربع نقاط

الثاني - المقصد ويشتمل على ثمانية أبواب

الثالث - الخاتمة وتشتمل على خمسة تطبيقات

ص: 15

المقدمة وتشتمل على أربع نقاط :

الأولى - في تاريخ البحث الرجالي

الثانية - في حقيقة البحث الرجالي

الثالثة - في أهمية البحث الرجالي

الرابعة - في صحة التبعد والجعل في الطرق وعدمها

ص: 16

المقدمة وما تشتمل علىه اجمالا

النقطة الأولى - في تاريخ البحث الرجالي

ساد الاعتقاد قديما وحديثا عند بعض مخالفينا بعدم وجود اثر للبحوث الرجالية عندنا او تأخرها مما يعني التشكيك في المذهب وفي كل مروياتنا لرجوع الدعوى الى تاخر البحث عن الجرح والتعديل زمانا عن وقت صدور الروايات أو نقلها ونشرها.

ولذا نجد النجاشي يرد على هذه الادعاءات في اول کتابه قائلاً:

[ اما بعد فاني وقفت على ما ذكره السيد الشريف اطال اللّه بقاه وادام توفيقه من تعيير قوم من مخالفينا انه لا سلف لكم ولا مصنف وهذا قول من لا علم له بالناس ولا وقف على اخبارهم ولا عرف منازلهم وتاريخ اخبار اهل العلم.. الى ان قال.. على أن لاصحابنا رحمهم اللّه في بعض هذا الفن كتبا ] (1).

وكذا نجد بعضا من متاخري العامة (2) يذكر بان الشيخ الطوسي أول كاتب في الرجال عند الامامية إلا ان واقع الحال مختلف تماما فإن البحوث الرجاليه مطروحة قديما كما هى مطروحة حديثا ولكنها تختلف في حيث المضمون وطريقة البحث وسعة هذه البحوث وشمولها تبعا للحاجة ولإتساع وتطور هذا العلم على مر الزمان.

ويمكننا ان نعتبر أن بداية النمو الحقيقي للبحث الرجالي تعود الى زمن الحسن بن محبوب المولود عام ١٧٩ ه_ حيث الف كتابا في الرجال (المشيخة).

وربما يكون ذلك قبل هذا التاريخ إلا اننا لم نعثر عليه.

وهذا التاريخ قديم ويعود الى تاريخ الصادقين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) تقريبا حيث كثر النقل عنهم لكثرة التحديث منهم.. كما كثر الوضاعون والكذابون على اهل البيت مما دعا جمعا من اعلام الطائفة للتصدي لذلك وتصنيف الكتب لتمييز المقبول والمعتمد من غيره.

ص: 17


1- رجال النجاشي ص ٢.
2- ابو زهره في كتابه الامام الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ).

وفي عدة الشيخ الطوسي ما يشير الى ما ذكرناه معما ذلك ليشمل الطائفة حيث قال : [- انا وجدنا الطائفة ميزت الرجال الناقلة لهذه الأخبار فوثقت الثقات منهم وضعفت الضفعاء وفرقوا بين من يعتمد على حديثه وروايته وبين من لا يعتمد على خبره ومدحوا الممدوح منهم وذمّوا المذموم وقالو فلان متهم في حديثه وفلان كذاب... وغير ذلك من الطعون التي ذكروها وصنّفوا في ذلك الكتب ] (1)

فان عبارته الأخيرة صريحة فى وجود الكثير من الكتب فيها الكتب فيها يرجع الى البحث الرجالي وايضا نجد النجاشي يذكر في غير مورد ما يدل على ذلك نذكر منها

١- ما ذكره في ترجمة جعفر بن عثمان بن شريك حيث قال بعد التعرض له [ ذكر ذلك اصحاب الرجال ] (2).

2- ما ذكره في ترجمة ابراهيم بن سليمان المزني [.. له كتب ذكرها بعض اصحابنا في الفهرستات ] (3).

٣_ ما ذكره في ترجمة ابراهيم بن خالد العطار [ ذكره اصحابنا في الرجال](4).

٤- ما ذكره في ترجمة جميل بن صالح الاسدي [... ذكره ابو العباس في كتاب الرجال] (5).

5- ما ذكره في ترجمة ابان بن الأحمر العجلي [.. واكثروا الحكاية عنه في اخبار الشعراء والنسب والايام](6).

الى غير ذلك من الموارد التي يعثر عليها المتتبع بل إن بعضهم أنهي هذه الكتب الى ما يقارب الخمسمائة كتاب. ولا بأس بذكر بعض اصحاب هذه الكتب المستفاد من رجال الشيخ والنجاشي:

ص: 18


1- عده الاصول ج ١ ص ٣٦٦.
2- رجال النجاشي ص 90.
3- نفس المصدر ص 11.
4- نفس المصدر ص 18.
5- نفس المصدر ص 92.
6- نفس المصدر ص 10.

1- كتاب للحسن بن محبوب المولود عام 179 ه_ (1).

2- كتاب للحسن بن على بن فضال المتوفي عام ٢٢٤ه_.

٣- كتاب لاحمد بن محمد البرقي صاحب المحاسن المتوفى عام ٢٧٤ ه_ (2).

٤- كتاب لاحمد بن محمد بن عمار وكتابه كبير في الممدوحين والمذمومين. (3)

٥- كتاب الحميد بن زياد المتوفي عام ٣١٠ ه_ (4).

وقد تحصل مما ذكرناه بان دعوى ان لا رجال عندنا ولا مصنفات دعوى دافعها الهوى والتهمه من غير علم.

ورعم ذلك فإن معظم هذه الكتب لم تصل الينا بما هي كتب منفردة ومستقلة وانها وصلت عبر كتب جمع من الاصحاب يدور على كلماتهم مدار التوثيق في عصرنا الحاضر.

وهي عبارة عن كتب خمسة :

الأول كتاب النجاشي وهو الشيخ الجليل ابو العباس أحمد بن علي ابن العباس النجاشي المتوفى سنه ٤٥٠ ه_ وقد الف كتابه بعد تأليف الشيخ لكتابي الرجال والفهرست ولذا اتسم كتابه بالشمول والموسوعيه فضلا عن أنه زاد عن الشيخ في ذكره طرفا من كنى والقاب ومنازل وانساب الرواه ولعل منشأ ذلك كونه ذا اختصاص بالانساب فقد الف في ذلك كتابا كما نص عليه هو نفسه في ترجمه نفسه (5).

ومن هنا صدرت الاقوال في حقه بانه اعرف علماء الرجال واضبطهم بل عبر عنه بعض المتأخرين ب_ [احد المشايخ الثقات والعدول الاثبات من اعظم اركان

ص: 19


1- فهرست الشيخ ص ٤٧.
2- رجال النجاشي ص ٥٥.
3- رجال النجاشي ص 70.
4- رجال النجاشي ص ٩٦.
5- رجال النجاشي ص ٧٤.

الجرح والتعديل واعلم علماء هذا السبيل أجمع علماؤنا على الاعتماد عليه واطبقوا على الاستناد في احوال الرجال اليه وتقديمه صرح جماعة من الأصحاب ونظراً الى كتابه الذي لا نظير له في هذا الباب] (1).

وزاد آخر بان هدف النجاشي من تاليف كتابه هو تصحيح وتصويب كتاب الفهرست للشيخ الطوسي.

ولما عرفته ذهب جمع الى تقديم قوله على قول الشيخ حين التعارض.

الثاني - كتاب رجال الشيخ الطوسي وهو شيخ الطائفة ابو جعفر محمد بن الحسن الطوسى المتوفى سنة ٤٦٠ ه_.

وينقسم الكتاب بحسب الرواية والرواي الى قسمين :

أ- لمن روى عن احد الأئمة او النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ). ولذا نجده قد كرر ترجمة شخص في موقعين او أكثر بحسب صحبة الرجل لعدد من الأئمة (عَلَيهِم السَّلَامُ).

ب - لمن لم يرو عنهم (عَلَيهِ السَّلَامُ) والذي يتامل في كتابه يجده قد راعى الاختصار جدا فيه واقتصر على تعريف الراوي مع بعض الكلمات إن وجدت مما يدل على قدح او مدح.

الثالث - الفهرست وهو للشيخ ايضا وقد جمع فيه نحوا من تسعمائة إسم من أسماء المصنفين وهو أوسع بكثير من حيث التفصيل وذكر الكتب والاحوال للمترجم لهم من رجاله.

فانه قد اورد لكل من ترجم له كتابا أو اصلاً. وبين في بعض الموارد بأن كتابه معتمد.. الى غير ذلك مما يمتاز به هذا الكتاب.

ص: 20


1- هو السيد محمد مهدي بحر العلوم في فوائده الرجاليه.

الرابع - اختيار معرفه الرجال واصله كتاب رجال الكشي إلا ان الشيخ اختصره وسماه بالاسم المعنون له وهذا الكتاب يمتاز بذكره للروايات باسانیدها الداله على احوال واوضاع الرواة وما ورد فيهم من قدح ومدح.

وهو كتاب نفيس من نوعه نظرا لما يعكسه من وقائع حية لحياة الائمة واصحابهم وأما كتاب الكشي الأصل فلم يصل الينا بل ادعى بعض عدم وصوله حتى الى زمن العلامه فضلا عمن تاخر عنه.

كما ان كتاب الكشي متقدم على سائر الكتب الاربعة الباقية تأليفاً.

الخامس - رجال البرقي لمؤلفه احمد بن محمد البرقي صاحب المحاسن المتوفى عام ٢٧٤ ه_.

وهذا الكتاب ليس بهذه المعروفية كسوابقه بل ولا اهمية له تذكر لعدم تعرضه للتوثيق او التضعيف إلا نادرا جدا.. فانه اقتصر فيه على ذكر الطبقات بلحاظ أصحاب كل إمام ولذا تنحصر فائدته في ذلك مضافا الى معرفة بعض المهملين الذين قد يتعرض لذكرهم دون غيره.

وهذه الكتب رغم اهميتها بالنسبة الينا تعتبر نموذجا بدائيا في البحث الرجالي بل هي عباره عن نوع نقل وشهاده الجملة من الوقائع والاحوال.

وهي رغم ذلك تشكل مادة لللبحوث التي لحقت عصر اولئك العظام.

هذه هي جملة الكتب المعتمدة في حركة البحث الرجالي. ويضاف اليها ماقد يستفاد من شهادة ونقل بعض القدماء الذين يعتمد باقوالهم بوثاقة او ضعف شخص ما فإنهم وكالشيخ المفيد ضمنوا كتبهم أو بعضها نماذج مما ذكرناه.

واما كتاب ابن الغضائري الذي يستشهد باقواله جمع من الاعلام كالعلامة وابن داوود وغيرهما فهو مما لم يثبت لدينا.

ص: 21

وذلك لان هذا الكتاب مردد النسبة بين كونه لاحمد بن الحسين بن عبيد اللّه الغضائري كما عليه المشهور او كونه لوالده الحسين بن عبيد اللّه والذي هو احد مشايخ النجاشي والطوسي معا.

إلا ان الظاهر ان هذا الكتاب للاول وقد اندرست معالمه وان الموجود في زمان العلامه هو كتاب آخر يحتمل جدا انه من وضع وافتراءات الوضّاعين بل جزم بذلك بعض الاصحاب ويشهد لذلك ان النجاشي عندما تعرض لذكر شيخه الحسين ترحم عليه وذكر كتبه المتعددة ولم يقل ان منها كتاب في الرجال وقال ان تاريخ وفاته هو ٤١١ ه_ (1).

واما الشيخ فمن عجيب ما وقع له انه ذكر في رجاله [الحسين بن عبيد اللّه الغضائري بكنى ابا عبد اللّه كثير السماع عارف بالرجال وله تصانيف ذكرناها في الفهرست.... مات سنة ٤١١ ه_ ] (2).

مع اننا بمراجعة الفهرست لم نعثر على اي ترجمة للحسين به عبيد اللّه الغضائري.

نعم قد ذكر في اول الفهرست حول عدم وجود كتاب عند الاصحاب جامع لجميع التصانيف وما رووه من الاصل [.. إلا ما قصده ابو الحسن احمد بن الحسين بن عبيد اللّه رحمه (اللّه) فانه عمل كتابين احدهما ذكر فيه المصنفات والآخر ذكر فيه الاصول واستوفاهما على مبلغ ما وجده وقدر عليه غير ان هذين الكتابين لم ينسخها أحد من اصحابنا واخترم هو رحمه اللّه وعمد بعض ورثته الى اهلاك هذين الكتابين وغيرها من الكتب على ما حكى بعضهم عنه ] (3).

ص: 22


1- رجال النجاشي ص ٥١.
2- رجال النجاشي ص ٤٧٠.
3- فهرست الشيخ ص 2.

وما ذكره هنا مغاير جزما لما ذكره في رجاله لأن كنية الحسين ابو عبد اللّه وكنية الأبن كما في الفهرست ابو الحسن.

وعليه فان اريد من النسبه نسبه الكتاب الى الأب ففيه ان الشيخ والنجاشي معالم يتعرضا لذكر كتاب له من هذا القبيل مع انه شيخهما وخصوصا ان النجاشي ذكر جمله كتبه.

واما ما ذكره في رجاله فهو مع عدم صراحته في وجود كتاب له في هذا الفن قد عرفت حال هذه الدعوى.

واما ان اريد من النسبة نسبته الى الإبن كما عليه المشهور فبعد النسبة اوضح لوجوه أربعة :

الأول _ عدم تعرض الشيخ والنجاشي لذكر الابن اصلا ولذا حكم جمع من الاصحاب بجهالة الرجل وعدم وضوح حاله.

واما ما ادعاه بعض من ظهور عبائر الفهرست في مدح الرجل وبيان جلالته حيث قال في المقدمة [.. ولما تكرر من الشيخ الفاضل ادام اللّه تايده..] فغريب جداً لأنه عندما تعرض لذكر احمد في المقدمة ترحم عليه ونص على موته وفي هذه العبارة نص بما يدل على حياته مما يدل على تغاير الشخصين المذكورين وان دوام التاييد يعود لغير احمد بن الحسين.

الثاني _ ان الشيخ نفسه قد صرح في الفهرست بتلف الكتابين وان احداً من الاصحاب لم يستنسخها.

الثالث - انه لو سلم استنساخ احد من الأصحاب لهذين الكتابين ولو لنقل النجاشي في غير مورد عن احمد بن الحسين فان عبارة الشيخ لا تدل على وجود كتاب

ص: 23

خاص بالضعفاء كما يريد الناسب اثباته بل ان صريح لفظه يغاير الدعوى حيث صرح بان احدهما في المصنفات والآخر في الاصول.

الرابع - انه لو سلم دلاله لفظ الشيخ على المدعى فإنه من غير المعلوم ان الكتاب الذي وصل ليد العلامة وابن داوود وابن طاووس هو نفس الكتاب الأصل نظراً لانقطاع خبره وعدم شيوع امره في الفترة ما بين زمان الشيخ وزمانهم.

ومما يؤكد ذلك أمران :

الأول - تضارب واختلاف الالفاظ المنقولة عن هذا الكتاب فمن قبيل المثال ما ذكره النجاشي في ترجمة الخيبري بن علي الطحان قال [كوفي ضعيف في مذهبه ذكر ذلك أحمد بن الحسين فقال في مذهبه ارتفاع](1).

بينهما نجد في الكتاب المنسوب اليه تعبيرا آخر حيث ورد فيه [كوفي ضعيف الحديث غال المذهب.... لا يلتفت الى حديثه ] (2).

وتغاير التعبيرين واضح الظهور

وكذا حصل في ترجمة جعفر بن محمد بن مالك فقد ذكر النجاشي فيه [قال احمد بن الحسين كان يضع الحديث وضعا ويروي عن المجاهيل](3).

بينما ورد في الكتاب المنسوب [ كذاب متروك الحديث جملة وكان في مذهبه ارتفاع ويروي عن الضعفاء والمجاهيل وكل عيوب الضعفاء والمجاهيل وكل عيوب الطائفة مجتمعة فيه ] (4).

الى غير ذلك مما يلاحظه المتتبع... .

الثاني - كثره التضعيفات الورادة فيه بحيث سرت الى بعض العيون الذين

ص: 24


1- رجال النجاشي ص 112.
2- مجمع الرجال - قهبائي ص 275 ج 2.
3- رجال النجاشي ص 88.
4- مجمع الرجال - قهبائي ص ٤٢ ج ١.

لا يترقب فيهم ذلك كا احمد بن مهران شيخ الكليني والذي كان يترحم عليه.

كما ان تعابيره في التضعيف فاقت جدا غمزا وطعنا عما يذكره النجاشي او الشيخ مع تساوى عهودهم. وكذا فان الكتاب قد ورد فيه تضيعفات في حق من لم يرد فيهم ما يدل على ضعف أو ذم.

نعم ان دعوى غمزه في اجلة الطائفة وعيونها وثقاتها بهذا الشمول ممّا نتحقق صحته بعد المزيد من الفحص والاستقراء فعهده دعواها على مدعيها.

وعلى كل حال فلم يتحصل لدينا وجه معقول لقبول هذا الكتاب وجواز الاعتماد على ما فيه.

ثم ان الكتب الخمسة المتقدمة وكما قلنا شكلت غيرها من الكتب مادة لبحوث رجالية تطورت مع الزمن لتصبح فيما بعد وعند الجل علما موضوعيا ذا قواعد ثابته واسس محددة كما هو الحال في زمن المحقق والعلامة والشهيد الثاني (رضیَ اللّهُ عنهُ).

وقد ذكرت في هذه البحوث وجوه كثيرة ومتنوعة لا ثبات المدعيات ونقض المثبتات بلون من النقض والابرام.

بل انها عرفت تقسيمات جديده على صعيد الراوي والمروي كتقسيم الحديث بلحاظ راويه الى أربعه اقسام :

١- الصحيح وهو ما اتصل سنده الى المعصوم بنقل الامامي العدل عنه مثله فيجميع الطبقات.

٢- الحسن وهو ما اتصل سنده كذلك بامامي ممدوح من غير نص على عدالته.

3- الموثق وهو ما دخل في طريقه من نص الاصحاب على توثيقه مع فساد عقيدته.

٤- الضعيف وهو ما لا يجتمع فيه شروط أحد الثلاثة... .

الى غير ذلك من الأسماء التي أضافوها بهذا اللحاظ مع الاختلاف في تحديد

ص: 25

حقيقتها (1)... .

وكتقسيم الحديث بلحاظ وضع السند والنسبة من غير ما يرجع الى صفات الرواي الى اقسام عديدة كالمسند والمتصل والمرفوع والمعنعن والمعلق والمفرد والمدرج والمشهور والمصحف والعالي والشاذ... والى ما يقرب من ثلاثين إسماً من الاسماء.

وهكذا يتضح ان البحث الرجالي يزداد تطورا ووضوح مع تطور وتقادم الزمن بل يزداد قيمة من حيث الاعتبار الى درجة توجب الركون والتسليم ببحوث جمع من الأصحاب.

ومن هنا قبلنا توثيقات بعض المتاخرين في الجملة كما ستعرف ذلك مفصلاً فيما بعد.

ص: 26


1- منتقى الجمان - ج 1 - المقدمه الفائده الأولى.

النقطة الثانية - في حقيقة البحث الرجالي

جرى الكثير من الكتّاب في دراية الرجال والباحثين عن احوالهم واوضاعهم بما يعود لجهه اعتبار اقوالهم وعدمه الى عنونة بحوثهم بعنوان له مدلول العلم والقانون المحدد.

وهذه العناوين على اختلافها جعلت البحوث الرجالية مصاديقاً لعلم مستقل على حد سائر العلوم التي لها موضوعها الخاص وقوانينها الخاصة.

فتارة تُعَّرف بانها علم يقتدر به على معرفة احوال الخبر الواحد صحة وضعفاً وما في حكمها بمعرفة سنده ورواة سلسلته...

وتارة تعرف بأنه العلم الباحث عن رواة الاخبار الواردة عن رؤساء الدين من حيث الأحوال التي لها مدخل في الرد والقبول.

وتارة أخرى بأنها ما وضع لتشخيص رواة الحديث.... الى غير ذلك من التعاريف وبهذا أصبحت هذه البحوث خاضعة لهذه المقاييس والقواعد الداخلة تحت كبرى علم الرجال.

لذا تراهم يعللون تضعيف شخص ما وعدم العمل بما يرويه بأنه لم يوثق صريحاً او لم يثبت كونه شيخ اجازة أو وكيلاً او انه لم يقع في سند رواية رواها أحد اصحاب الاجماع.

وكأن القضية ترتبط ارتباطا وثيقا بالقاعدة بما هي قاعدة لا بما تكشف عنه مما سنوضحه ونبنيه.

إلا ان هذا لا يعني اننا نريد أن نُعدم الضوابط والمقاييس إذ بدونها لا يتصور الالتزام بوثاقة أحد من الرواة.

وانما نريد قوله هو عدم وجود قانون أو قاعدة تعبدية صرفة او ما أشبه ذلك يدور التوثيق والتضعيف مدارها وجوداً وعدما.

وبعبارة اخرى لا يوجد لدينا علم لدراية الرجال بالمعنى الدقيق بل غاية ما

ص: 27

ينبغي قوله هو ان البحث الرجالي يتعلق بدراسة اوضاع واحوال كل شخص في عمود زمانه التاريخي وتجميع القرائن والملاحظات حوله بما يورث نوعا من سكون النفس واذعانها بصدق الرجل والتزامه الدقة والضبط وعدم تجرئه على الوضع والافتراء والكذب وسواء سمي هذا الاذعان علما ام لا.

ولقد اجاد شيخ مشايخنا المفيد (قدّس سِرُّه) حيث عرف العلم بانه سكون النفس ومن هنا فاننا نلتزم بوجود فقه للرجال مرتبط ببحث ما تقدم بيانه وبانه لا علم لدينا لدراية الرجال بما لهذه الكلمة من معناها الحرفي. ومن هنا قد یرد تضعیف في حق شخص ما مع اننا نلتزم بوثاقته والعمل برواياته نظرا لملاحظة القرائن والاحوال المرتبطة بذلك الشخص وحمل ما ورد فيه من تضعيف مثلا على صورة ضعف العقيدة وفسادها وما شابه ذلك.

فالقرائن السلوكية والاجتماعية واللفظية تدخل كباب من الابواب التي يعرف الرجل من خلالها.

ورواية الاجلاء عن شخص تدخل في حساب احتمال صدقه.

وشهادة القدماء او المتاخرين بأمانة آخر تدخل في حساب احتماله صدقه ايضا.

كما ان اطلاع الراوي على اسرار المعصومين واحوالها الخاصة او العامة فضلاً عنكونه وكيلاً من قبلهم يدخلان كعامل في إبراز هوية الراوي.

وايضا فان كيف الرواية ونوعها ومدى انسجامها مع الخطوط العامة للتشيع ومع ظروف كل امام و بحسب عصره تشكل عاملا مهما في اقتناص امانة الراوي ورزانته ودارسة الحاضر بمقبول ما فيه ومستغر به تشكل أساً آخر لحكم ما على راوٍ ما فسهل بن زياد من باب المثال ممن ورد فيه تضيعف وذم ومع ذلك يلتزم بوثاقته لكونه من مشايخ الاجازة المعروفين والناقلين الناشرين لاحاديث اهل البيت (رضیَ اللّهُ عنهُ) الى غير ذلك مما يدعو الى القول بوثاقته كما انك ستعرف الحديث عنه مفصلا في الخاتمة.

وايضا فقد يكون الذم تارة أحد قرائن صدق الرجل وعلو مقامه وشموخ شأنه

ص: 28

مع ملاحظة سائر ظروفه وما قيل فيه.

فهذا زرارة بن اعين مثلاً ممن ورد فيه اللعن والذم والتشهير (1) مع انه من أجل الاصحاب وابرزهم والذي ورد فيه انه من احب الناس الى المعصوم وان الجنة تشتاق له وأن الشريعة كادت تندرس لولاه (2).

فإنه بالنظر الى جميع ما ورد فيه وبتأمله يظهر وجه القدح فيه خصوصا في تلك الظروف التي يؤخذ منها الرجل على الظن والتهمة ولمجرد احتمال ارتباطه بالائمة الطاهرين صلوات اللّه عليهم اجمعين.

فانه ليس إلّا لأجل حفظهم ودرء المخاطر عنهم نظراً لجلالة أمرهم وأهمتيهم العليا بالنسبة لامور المذهب بحيث اريد من ابراز المذمة والقدح إيهام السلطة الحاكمه بعدم ارتباطه بالائمة.

بينهما لو اريد ان يتعامل مع هذه النصوص معامله حدية قانونية لأمكن دعوى وقوع التعارض بين هذه الروايات والتوقف في العمل بروايات عظيم من قبيل زرارة بن اعين (رضیَ اللّهُ عنهُ).

ومنه يظهر ان حقيقة البحث الرجالي من الحقائق الطبيعية الواقعية المرتبطة بملاكات واقعية من حيث البحث ومن حيث النتيجة المستخلصة وليس يوجد لدينا قانون الزامي او قضايا جعلية تعبدية بازيد مما عرفت.

ومن هنا قد يتحد أشخاص عدة في شخص واحد وانها أوهمت تراجمهم المتعددة ونيتجة بعض الاختلافات الجزئية كقول الرجالي في مكان انه بصري وفي آخر انه

ص: 29


1- منه ما رواد عمار الساباطي عن ابي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) [.. يا عمار اتعرف هذا الرجل ؟ قلت لا واللّه إلا اني نزلت ذات ليله في بعض المنازل فرايته يصلي صلاه ما رايت احد صلى مثلها ودعا بدعاء ما رايت احدا عا بمثله فقال لي هذا زراره بن اعين هذا من الذين وصفهم اللّه عزوجل في كتابه فقال: فقدمنا الى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منشورا] وفي غيرها ان الامام لعنه ثلاثا وفي آخر ان ايمانه عاريه وانه شر في اليهود والنصارى... الخ راجع اختیار معرفه الرجال - ص ١٥١.
2- کروايه عبد اللّه بن زراره عن ابي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في حق زراره [.. فانك واللّه احب الناس الي واحب اصحاب ابي حيا وميتا..] - اختيار معرفه الرجال ص 139.

كو في ان هناك عدة اشخاص لهم نفس الاسم اللقب والكنية مع انه بملاحظه بعض الشواهد تبين ان الجميع شخص واحد ذو احوال متعددة واوضاع مختلفة.

فبالحقيقة نحن بحاجة الى دراسة عامة لكل مفردات الرجل الذي يراد توثيقه او تضعيفه فلا تفريط بحيث تؤدي الى المناقشة في الواضحات وذكر الوجوه نقضا وإبراماً كما حصل مع الشهيد (قدّس سِرُّه) حيث ناقش في دلالة لفظ الصدوق على الوثاقه بحجة ان لها معنى آخر تدل عليه.

ولا افراط يؤدي كذلك الى توسعة دائرة التضعيف والتوثيق ولأي علامة تذكر او بارقة تلوح.

بل إننا اعتمدنا في مبانينا المختارة على مبنى وسط بين المسلكين المتقدمين فانا نهدف من خلال بحوثنا الى تحصيل الاطمينان والركون الى وثاقة الشخص أو عدمه.

وعلى ذلك يبتني عملنا من حيث الإعتماد فتوائيا وفقهيا ولذا فإن ما تقدم من تقسيم الحديث بلحاظ راويه الى صحيح وحسن وموثّق وضعيف _ مع عدم المشاحة في الاصطلاح - مما لا نؤمن به كمناط للعمل والاعتبار.

نعم اننا نعتمد الصحيح في حال تعارضه مع ماهو دونه صحةً من باب ما ورد في أخبار العلاج في الاخذ بالاصدق والأعدل والاؤرع... وهو وهو أمر آخر...

***

ص: 30

النقطة الثالثة - في اهمية البحث الرجالي

وأهمية بحوث دراية الرجال لا تقل اهمية عن البحوث الاصولية لتوقف الاستنباط عليها كما يتوقف على غيرهما وذلك لأن جل الاحكام التي بين ايدينا وصلت عبر الروايات المسندة باسانيد غير مقطوعة الصحة والاعتبار ويحتاج تنقيح الصحيح منها الى نظر دقيق وعناية فائقة لمعرفة صحة الطريق الى الرواية ليصبح اسنادها الى المعصوم جائزا والعمل بمقتضاها مقبولا.

نعم قد لا يكون للمباحث هذه أهمية فائقة بالنسبة للمعاصرين للمعصوم سواء تلقوا الرواية منه مباشره او عبر واسطة واحدة وذلك لأمرين:

الأول _ كون الحديث مسموعا لديهم مباشرة من المعصوم واستفادة الحكم لا تحتاج إلى أكثر من سماعه وتدبره.

الثاني - شياع الاحكام آنذاك خصوصاً ما كان محل ابتلاء لدى الاصحاب بحيث يسهل معرفتها وبغض النظر عن الناقلين ولسهولة الاطلاع على الحقيقة من نفس المعصوم.

ولذا نجد بعض الروايات تشير الى هذا المعنى كقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) [انتم الفقهاء إذا عرفتم معاني كلامنا فالفقيه آنذاك لا يحتاج الى إعمال عنايه باكثر من التدبر في كلامهم (عَلَيهِم السَّلَامُ) ومعرفه الحكم والمراد منه.

بينهما يختلف الحال تماما في عصرنا إذ ان اهم الكتب الروائية الناقلة لأحكام الشريعة المطهرة عبارة عن الكتب الأربعة للمحمدين الثلاثه.

وهذا الكتب قد وردت باسانيد منها البعيد الواسطة ومنها القريب وما دامت غير قطعية الصدور أو صحيحة - كما هو المختار - توقف الاستنباط لا محالة على ابراز بحوث وقواعد لتشخيص ما يعمل به من غيره. ولو لا ذلك لتوقفت سفينة الاحكام والعمل بها إلا من خلال دعاوى أخر لا تنفك محتاجة الى هذه البحوث من قبيل الدعوى القائلة بإنسداد باب العلم والعلمي بالنسبة للرجل. فإن اصحاب هذه

ص: 31

الدعوى هم أيضا بحاجة الى تشخيص المظنون من المشكوك والمحتمل الصحة ليعمل به من باب قاعدة تقدر الضرورات بقدرها.

وهذا لا يتم إلا بملاحظة الاحوال المتلعقة بالرجال الواقعين في سند الأدلة.

ومن هنا تكون اهمية البحث الرجالي ذات قيمة عليا معتد بها ومن هنا جاز القدح في الراوي وابراز الوضاع والكذاب وان استلزم هتك الستور أو اشاعة الفاحشة إلا ان ذلك لأجل صيانه الشريعة المطهره من ادخال ما ليس منها فيها ونفيا للكذب والخطأ عنها (1).

ولنعم ما ذكره العلامة في الخلاصة من ان العلم بحال الرواة من أساس الاحكام الشرعية وعليه تبتني القواعد السمعية يجب على كل مجتهد معرفته وعلمه ولا يسوغ له تركه وجهله (2).

وتتأكد اهميه البحوث الرجالية تبعا لما اخترناه من حقيقتها. واما على ما يمكن ان يدعى من الالتزام باصالة العدالة او الوثاقة وثبوت الأولى منها بظاهر الاسلام مع عدم ظهور الفسق ومن دون شرطية الملكة وما قاربها كما نسب للشيخ في الخلاف(3).

او دعوى ان الكتب الأربعة كلها صحيحة او قطعية الصدور بل ان البعض التزم بوثاقة كل من له كتاب.

فإنه بناءً عليه لن يكون للبحث الرجالي أهمية تذكر فدعوى قطعية صدور الكتب الاربعة لا تبقي مجالاً لهذه البحوث بقدر ما تصبح القضية مرتبطة ساعتئذ بأخبار العلاج وبحوث التعادل والتراجيح.

نعم يبقى نحو مجال للبحث في خصوص الاحكام الواردة خارج الكتب الأربعة ان لم تسري الدعوى المذكورة اليها كما هو مبنى البعض.

ص: 32


1- البدايه في علم الدرايه للشهيد الثاني - ص ٦٢.
2- الخلاصه ص 2.
3- الطريحي رجال - ص 24.

ايضا فان ما التزم به جمع من الاعلام من تصحيح كل ما عمل به المشهور وان رواه الضعيف وترك العمل بما اهمله المشهور وان رواه الثقة الثبت يكاد يُعدم دور هذه البحوث بالكليه إلا في خصوص الموارد التي لا شهرة فيها وهي تكاد تكون نادرة.

ووجه ذلك واضح من خلال دوران الاعتبار والعمل مدار هذه القاعدة وجودا وعدما إلا انك عرفت وفي طيات مباحثنا الاصولية عدم صحة هذه الدعوى كبرويا.

وغاية الأمر فيما يتعلق بالبحث الرجالي ان الشهره المذكورة تشكل رقما احتماليا مساعداً يضاف الى ما أستفيد من ملاحظة وتتبع احوال الرواي.

وكذا الحال عند كل من آمن بامكان التعبد والجعل في الطرق والامارات ووقوع ذلك فانه يمكنه اعمال قاعدة تعبدية في المقام لتوثيق الرواة او تضعيفهم على ما ستعرفه مفصلاً _ بينهما على ما اخترناه من حقيقة هذه البحوث وانها عبارة عن التتبع التاريخي لأحوال وسلوك الرجل يكون الأمر دقيقا وشائكا وصعبا للغاية إذ اننا سوف نتعامل مع كل شخص مستقلا وعلى حده. مما قد يجعل ولكل شخص من الرواة رسالة خاصه به ولذا ترى ان من نحى هذا المنحى قد ألف رسائل مستقلة في احوال جملة من الرجال كأبي بصير وبنى فضال وقد ياخذ البحث بحال راو ما تبعا لظروفه ردحا من الزمن لإستقصاء النتيجه النهائية فذاك المجلسي الأول قد بحث في احوال ابي بصير مده اربعين سنة قائلاً بانه يتعذر أو يتعسر على أحد الاطلاع على ما وصل اليه.

ومن هنا تندفع جملة من الاشكالات المطروحة لاثبات عدم الحاجة للبحث الرجالي تارة بدعوى لزوم فضح معايب الناس والتجسس عليهم مع صدور النهي عن ذلك شرعا وبشكل صارم ومؤكد.

وتاره بدعوى العلم الاجمالي بزوال العداله ولو آناما عند كل الرواة او جلهم خصوصا على القول بانها ملكة

وتارة بدعوى عدم قبول شهادة الفرع عندنا إذ ان ارباب الرجال اخذوا تعديلاتهم وتضعيفاتهم من كتب او شهادات غيرهم وهي غير مسموعة ولا محسوسة الى غير ذلك مما قيل ويقال.

ص: 33

ووجه الاندفاع ما عرفت من ان الذي نملكه في الرجال للفقه اقرب منه للعلم وللبحث اقرب منه للقاعدة والقانون بحيث نتوخى من ذلك تحصيل الاطمئنان العادي وجعل النفس تركن الى النتيجة المتحصل عليها من خلال البحث الرجالي.

وسواء استلزم ذلك قدحاً أو فضحاً او كانت النتائج مستخلصة من شهادة الفرع أو الأصل.

وذلك صونا للشريعة كما عرفت والجري العقلاء وفي مثل المورد المبحوث عنه على مقتضى ما تركن اليه النفوس وتطمئن به القلوب.

***

ص: 34

النقطة الرابعة - في صحة القول بالتعبد والجعل في الطرق وعدمها

ساد بين المحققين في بحوثهم الرجالية والاصولية الحديث عن الجعل والتعبد في الطرق والامارات بحيث أصبح عند بعضهم من مسلمات الوقائع ثم اختلفت ألسنة تخريج ذلك نظرا لما اسسوه من ان جملة من الطرق ومنها خبر الواحد لا يفيداكثر من الظن وانه لا سبيل للعمل بمقتض هذه الطرق إلا بالتعبد.

وهذه النتيجة تنافت مع ما اسسه الشرع وادركه العقل من عدم جواز العمل بالظن وترتيب الاثر عليه ناهيك من ذلك قوله تعالى «وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ» وقوله تعالى «إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا».

وايضا فإن الالتزام بتخصيص أو تقييد هذه القاعدة مما لا مجال للبحث فيه فضلا عن التصديق به إذ لا يعقل التخصيص او التقييد في الاحكام والمدركات العقليه - ومن هنا اضطر بعض الى الالتزام بجعل الظن علما تعبديا تنساق الحجية اليه بشكل تلقائي ومن دون مساس بالمحذور المتقدم مدعيا ان هذا من التصرف بموضوع حكم العقل لا بالحكم مباشرة.

واضطر آخر الى الالتزام بما يشبه هذه المقالة من دعوى ان الشارع تمم كشف الامارة الناقصى وجعله علما كما هو مقتضى بعض الادلة من قبيل [.. من نظر في حلالنا وحرامنا وعرف احكامنا..] إذ انه (عَلَيهِ السَّلَامُ) جعل الناظر في حلالهم عارفا بالاحكام ولو لم تثمر سوى الظن.

وذهب آخر الى تبرير ذلك بما اسماه بالمصلحة السلوكية الناشئة من السير على طبق الامارة والعمل بمقتضاه رغم عدم افادتها سوى الظن.

وكل ذلك نشأ من اصل الايمان بالتعبد والجعل في الطرق. وهذه الدعوى مرجعها بالحقيقة الى دعوى جعل غير الواقع والناقص تكوينا كاملا واسناد ذلك الى الشارع بينما لا أصل ولا فرع لهذه الدعوى بل ان كل ما ورد عندنا مما ظاهره ذلك هو عبارة عن نوع ارشاد الى جملة امور واقعية ارتكازية ومناطات عقلائية ثابتة جرى

ص: 35

على طبقها بني النوع قديما وحديثا وبعض النظر عن اي تعبد او جعل.

فالجري على طبق الطرق لا لجعل حجية لها في البين بل لكونها طرقا حقا وموصلة للواقع بنحو من الوصول المعتبر.

فحال القائلين بالتعبد المذكور حال القائل [ اتعبدك بوجود الشمس ] والحال انها موجودة.

ان قلت - ان افادة الخبر للظن ليست من جهة احتمال الكذب لينقض بأنه فرع عدم احراز الوثاقه بل من جهة طرو السهو والنسيان عليه مما يجعل خبره لا يفيد اكثر من الظن.

قلنا - انه تارة يراد من ظنية خبر المخبر خصوص ما يحكيه عن الواقع انه لا يكذب فيما ينقله وتارة يراد منها ما قد يمنع من انكشاف الواقع عنده حقاً.

فإن اريد به الأول فدعوى حصول الظن وبعض النظر عن الثاني عين الدعوى ولا نسلم ذلك بل ان الاطمئنان الحاصل من اخبار الثقات لا ينبغى التشيكك به.

وان اريد به الثاني فالدعوى تصبح اجنبية عن المدعى إذ اي ربط بين ان يفيد خبر الواحد إطمئنانا للنفس بصدق ما اخبر به وبين عدم انطباق ما اخبر به على الواقع خارجا.

فالبحث عن الخبر شيء والبحث عن المانع شيء آخر.

وهل ياترى يدعى أحد بان العلم بامر لم تتحقق صحته ليس علما حال حصوله.

هذا فضلاً عن بناء العقلاء على اصاله عدم الغفلة والخطأ والنسيان لا من جهة تعبد من البين بل من جهة كونها ارتكازات واصول عقلائية يعمل بها فيما شاكل هذه الموارد.

وبهذا تعرف ان كل ما يرد مما ظاهره التعبد بالطرق لا بد من حمله على الارشاد الى أمور ومرتكزات ثابتة يعمل العقلاء بها بمقتض سجيتهم وعلى جريهم الطبيعي ونذكر ههنا جملة مما قد يظهر منه ما ادعى مع الجواب عليه.

ص: 36

الأول - ما ورد بلسان لزوم الأخذ بما خالف العامة لان الرشد في خلافهم وهو عبارة عن روايات عدة.

منها - ما ورد في كيفية علاج الخبرين المتعارضين عن الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) [.. فان لم تجدهما في كتاب اللّه فاعرضوهما على اخبار العامة فما وافق اخبارهم فذروه وما خالف اخبارهم فخذوه ](1).

والجواب - ان كون الرشد في خلاف العامة هو من الحقائق الواقعية الثابتة في صقع الخارج ولذا يقول صاحب دلائل الصدق المظفر (رحمه اللّه عليه) اننا عندما نريد تضعيف رواية من روايات العامة نستشهد باقوال رجالييهم حيث تبين ندرة وجود الخبر التام والصحيح عندهم وبالتالي لا رشد في رواياتهم من جهة عدم ثبوتها حقيقة وواقعا كما ان تعمد العامة مخالفة الشيعة وعلى مر التاريخ يجعل ما عندهم قرينة على صحة ما خالفهم عندنا.

ويشهد لذلك مرفوعة ابو اسحاق الجرجاني قال [قال ابو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) اتدري لم امرتم بالأخذ بخلاف ما تقول العامه فقلت لا ادري فقال: ان عليا (عَلَيهِ السَّلَامُ) لم يكن يدين اللّه بدين إلا خالف عليه الأمه الى غيره ارادةً لإبطال أمره وكان يسألون امير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الشيء الذي لا يعلمونه فإذا افتاهم جعلوا له ضدا من عندهم ليلتبسوا على الناس ](2).

وكذا يشهد له ما في معتبرة ابي بصير عن ابي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: [ما انتم واللّه على شيء مما هم فيه ولاهم على شيء مما انتم فيه فخالفوهم فاهم من الحنيفية على شيء ] (3).

وهذه الرواية صريحة جدا في أنّ مخالفتهم انما هي لأجل انهم ليسوا في الحق والرشد في شيء واقعا لا تعبدا والبحث في لوازم الاستدلال اشكالا ودفعا مما ليس محله ههنا.

ص: 37


1- الوسائل - ج 18 ص 107.
2- الوسائل - ج 18 ص 109.
3- الوسائل - ج 18 ص 107.

بل يمكن دعوى ظهور جملة [ فان الرشد في خلافهم..] في بطلان ما عندهم حقيقة.

الثاني _ ما ورد في الاخبار العلاجية ايضا بلسان لزوم الأخذ بالمجمع عليه وترك الشاذ النادر.

حيث قد يدعى التعبد بالاخذ فيما اشتهر بحيث كاد يكون اجماعاً.

والجواب - ان جواز الأخذ ووجوبه ليس من جهة التعبد بذلك بل من جهة كون المجمع عليه حقا وصادر واقعا ولذا فقد ورد في ذيل بعض الروايات المتعلقة بهذا الوجه [... فان المجمع عليه لا ريب فيه ] وهو تعليل صريح في نظره الى ماذكرناه.

الثالث - ما ورد في الاخبار العلاجية ايضا من لزوم الأخذ بالأروع والاصدق والافقه وما شاكل مما يتخيل منه تعبد الشارع بلزوم ذلك.

والصيح انه كسابقه وانما لزم الاخذ بما ورد من باب أوضحية الحق وشدة بيانه ولاشك في عمل العقلاء طبيعيا بما هو كذلك لو عارضه ما هو دونه وضوحا وبيانا.

الرابع _ ما ورد بلسان الارجاع الى الرواه ما ظاهره بدواً التعبد بالطرق والامارات لظهور الامر في ذلك وهو عباره عن مجموعة روايات.

أ- ما ورد في روايه مسلم بن ابي حبه [... فلما اردت ان افارقه ودعته وقلت أحب ان تزودني فقال إئت ابان بن تغلب فإنه قد سمع مني حديثا كثيرا فما رواه لك فاروه عني ] (1).

ب- ما ورد في بعض التوقيعات الشريفة [.. لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا قد عرفوا بانا نفاوضهم سرنا ونحملهم اياه اليهم] (2).

والروايه وان سيقت بجمل خبرية إلا ان المراد منها _ كما هو المدعى _ عدم جواز التشكيك بما يرويه الثقة ولزوم الأخذ به تعبدا.

ج _ ما رواه ابن المهتدي عن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) [.. اني لا ألقاك في كل

ص: 38


1- وسائل ج 18 باب وجوه الجمع بي الاحاديث حديث ٢٩ ص ٨٤.
2- نفس المصدر حدیث ٢٤ ص ٨٣.

وقت فعمَّن آخذ معالم ديني ؟ فقال خذ عن يونس بن عبد الرحمن] (1).

د - ما ورد عن بعض المعصومين من قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) في حق بعض اجلة الرواه [..اطع له واسمع فانه الثقة المامون].

ووجه الاستدلال بها جميعا كما عرفت هو التمسك بظاهر الأمر في لزوم الإنصياع اليهم فيما يقولون وهو تعبير آخر عن الحجية التعبدية.

وفيه ان الأمر انما يحمل على ظاهره فيما لا قرينة صارفة له عن ذلك وفي المقام نجد ان الامام (عَلَيهِ السَّلَامُ) يعلل ما أمر به بعلل ارتكازية معهودة حيث عقب الأمر بالطاعة بقوله.. [ فان الثقة المامون ] مما يدل على الإحالة على امر مركوز ولا ظهور معه في تأسيس نحو من انحاء التعبد.

وكذا ما ورد في التوقيع الشريف حيث ذُيّل بجمل لا داعي لذكرها لو كان الأمر على ظاهره وانما ذكرت لبيان ان المامون ومن تركن النفس لخبره ممن ينبغي العمل بقوله كما هي العادة والمعهود.

ولذا ففي روايه اخرى حول يونس بن عبد الرحمن نجد السائل يسئل الامام بما يدل دلاله واضحه على ارتكازيه العمل باخبار الثقات حيث ورد فيها [... افيونس بن عبد الرحمن ثقه أخذ عنه معالم ديني] وما دامت العلل ارتكازية فلا بد ان يكون المعلل إشاريا وارشاديا الى ما هو المركوز وكما يقال في غير موضع مما ناظر البحث.

ولذا نجد الفقهاء يعرضون عن الكثير من الاخبار للإطمئنان بعدم صحتها او غير ذلك مع ان في سندها من لا مطعن فيه ولا مغمز.

ان قلت ان ما ذكرتموه غير مره من إفاده الخبر للاطمئنان والعلم العادي وكما صرح به الحر العاملي نفسه في فوائده ينافي تقديم الأورع على من هو دونه مع افادة خبر الأخير للاطمئنان وكذا يورد على المشهور عند طرحهم لرواية رواها الثقات والاجلاء.

ص: 39


1- الوسائل ج 18 باب وجوه الجمع بين الاحاديث ص ٨٥ حديث 32.

قلنا - ان افاده الخبر في نفسه للاطمئنان شيء ووجود خبر وقرينة اخرى تنافيه شيء آخر فان الاطمينان بما هو سكون للنفسى يعقل فيه التشكيك لكون السكون المذكور من الكليات ذات المراتب المشككة.

ومن الطبيعي عقلائيا تقديم من يكون ادعى لسكون النفس وأشد لاطمينان القلب مع كون الآخر داخل في كلي الاطمينان.

ومما ذكرناه يتضح الحال في كثير من الروايات وبألسنة انشائية وخبرية قد يتوهم منها وقوع التعبد خارجا خصوصا في جمله من المسائل الاخلاقية التربوية كما هو الحال فيما ورد من ان المؤمن لا يعتذر أو أنه لا يمل من طلب العلم عمره كله وغيرهما من الأدلة.

فانها ليست وارده لاثبات حقيقة تعبدية بعدم صدور الاعتذار او عدم التعلم من المؤمن لبداهة وقوع ذلك خارجا.

وانما تنظر الى بيان امور واقعية ثابتة في نفسها من قيبل ان المؤمن وفي رتبة ما لا يترقب صدور الذنب منه لشدة استحكام ملكه العدل فيه وذَوَبانِهِ في تعاليم الشريعة ورسومها وكذا يقال في طلب العلم وما شاكلها من موارد فانها جميعا ترجع الى ما بيناه واوضحناه بما لا مزيد عليه. فتأمل جيدا.

*ثم انه قد اندفع بما ذكرناه من عدم رجوع البحث الرجالي الى قواعد تعبديه واسس الزاميه بقدر ما هو تحصيل الاطمينان والقرار النفساني بصدق الراوي ما ذكره بعض من ان قبول قول الرجاليين لا يخلو من كونه لاحد وجوه:

اما من باب الحجية المستفادة من آيه النبأ وغيرها وهي لا تدل على اكثر من حجيه خبر العدل أو قد يقال باختصاصها بباب الاحكام.

واما في باب الشهادة على الوثاقة والضعف ومعه يحتاج الى التعدد كما في غير ذلك من الموارد.

واما من باب حجية فتوى المفتى ومعه لا بد من توفر شروط المفتي.

ص: 40

واما من باب حجيه الظنون الرجالية للانسداد ومعه لا حجية لغير المظنون.

او من باب رجوع اقوال الرجاليين الى قول اهل الخبرة ومعه لا بد من احراز كون الناقل من أهل الخبرة في هذا الفن فضلاً عن عدم افاده خبر الخبير للاطمينان دائما بما يخبر ويحدس به.

ووجه الاندفاع ما عرفته من اننا ينبغي في البحث الرجالي اقتناص امانة الرجل ووثاقته وتحرزه عن الكذب فيما يرويه بنحو تسكن اليه النفس مما يجعل العمل على طبق النتيجة المستخلصة من الامور العقلائية الطبيعية سواء التزم بأن قبوله من قبيل الأول او الثاني اوغيره.

***

ص: 41

فرع - في الانسداد واعتبار الظن الرجالي –

ومحصل هذه الدعوى يتبين من خلال مقدمة :

وهي ان باب العلم والعلمي قد انسد بالنسبة الى ما يتعلق بالتوثيق والتضعيف من جهة بعد زماننا عن زمان الرواه او لكون التوثيقات الصادرة عن القدماء لا يعلم ان منشأها الحس والتجربه المباشرة وان كانوا من قدماء الاصحاب كالشيخ والنجاشي والمفيد..

والعلم الاجمالي الكبير بوجود تكاليف الزامية لا بد من الخروج عن عهدتها لا ينحل إلا بعلم او علمي والحال انسدادهما.

والعمل بكل ما ورد مظنوناً كان او مشكوكا او محتملا مستلزم للعسر والحرج المنفيين بادله الشرع الحنيف.

ويدور الأمر ساعتئذ بين العمل بالمظنون أو بالمشكوك والمحتمل مع تسليم كفايه كل منها لحل العلم الاجمالي ولا ريب في تعين الأول وادراك العقل لحجية العمل بالمظنون شرعا وهو نوع من التعبد المدرك سواء كان من باب الكشف او الحكومة.

وقد ذهب الى القول بالانسداد جمع غفير من الاصحاب.

وهذا القول لو تم يثمر في امكان الاعتماد على المراتب الثلاثة الاخيرة من مراتب التوثيق الاتية في الباب الثاني من المقصد الحصول الظن منها غالبا بالوثاقة.

بينما لم نقبل ذلك على المبنى المختار وكما ستعرفه في محله.

إلا ان دعوى الانسداد فاسدة من جهات:

الأولى - ان القول بالتعبد في الطرق مما لا نقبله راسا لأنه من جعل غير الواقع واقعا اللّهم إلا ان يقصد من حجية العمل بالظن - مع تسيلم الانسداد - مجرد احراز المعذرية والامن من العقاب لعدم سبيل غير ذلك لحرج وعسر ما شاكل وهو أمر آخر.

ص: 42

الثانيه - منع كبرى هذه الدعوى من حيث النتيجة لانها لا تثمر حجيه مطلق المظنون بل ان الحجيه خاضعة للمرتبة التي ينحل فيها العلم الاجمالي فقد يتطلب ذلك العمل بخصوص الظن الاعلائي او قد يلزم العمل باخبار مشكوك الوثاقة وهكذا.

الثالثه - ان كبرى هذه الدعوى مما لا نقلبها اساسا لعدم تسيلم انسداد باب العلم والعلمي بل إنا ونتيجة لما اخترناه من حقيقة البحوث الرجاليه ندعى امكانية حل العلم الاجمالي بالمقدار الذي يثبت لدينا اضافة الى الى جهات اخرى يحرز العمل بالحكم فيها لقرائن و امارات وادلة لا تعود الى الروايات واخبار الاحاد.

الرابعه _ ان نتيجه القول بالانسداد غير متعينه في نفسها لأمكان تحصيل الظن من غير ما ورد في الرجال قدحا ومدحا إذ يمكن تحصيل الظن بل اليقين احيانا من خلال عمل المشهور وعدمه ومعه لا تتعين حجيه الظن الرجالي بالمعنى المراد.

وبهذا يتضح ان دعوى انسداد باب العلم والعلمي في باب الرجال مما لا يعود الى محصل ولا يثبت بها نحو تعبد او جعل شرعي قد يدعى في المقام.

هذا آخر ما اردنا اثباته في المقدمة.

***

ص: 43

المقصد ويشتمل على ثمانية أبواب

توضیح

الباب الأول - القول فى اصالة العدالة والوثاقة

الباب الثاني - القول في مراتب التوثيق والتضعيف

الباب الثالث - في قيمه توثيقات الاعلام وارباب الدرايه

الباب الرابع - في صحة دعوى وثاقة رواه جملة من الكتب وعدمها

الباب الخامس - القول في وثاقة من روى عنه احد اصحاب الاجماع

الباب السادس - القول في تقدم الجرح على التعديل وعدمه

الباب السابع - القول في قطعية صدور الكتب الأربعة أو صحتها

الباب الثامن - القول في جملة أمور ادعى دلالتها على الوثاقة

ص: 44

الباب الأول - القول في اصالة العدالة والوثاقة

توضیح

وهذا البحث يفيد - لو تمت كبراه - في جملة موارد

منها _ ما لو كان الراوي مجهول الحال أو مهملاً قد ثبت وجوده الزماني.

ومنها - مالو ورد في الرواي ذم لا يعود لجهة الوثاقه.

ومنها - ما لو تعارضت الاقوال في الرواي قدحا ومدحا ولم نقل بترجيح احدهما على الآخر.

وهذان الاصلان يفترقان فى ان اصالة الوثاقة لو تمت فلن تفيد الملتزمين بالعمل باخبار خصوص العدل كصاحب المدارك وغيره من الاصحاب وهذا بخلاف الاصل الأول فان تماميته تلازم تمامية الثاني كما لا يخفى لثبوت وثاقة من ثبتت عدالته بالأولوية.

فههنا بحثان -

الأول - في أصالة العدالة

الثاني _ في أصالة الوثاقة

البحث الأول _ في اصاله العدالة

ويقع البحث في مقامين :

أ- في أصل شرطية العدالة في العمل باخبار الرواة.

ب - فى ثبوت الاصل المذكور.

أ- في أصل شرطية العدالة :

وقد حققنا ذلك في مباحثنا الأصولية وذكرنا انه لم يتم دليل على اعتبار العدالة کشرط في جواز الأخذ بروايه الرواي وان الوثاقة تكفي في جواز الأخذ وفاقا لجمع كثير من محققي المتاخرين بل وجمهور المتقدمين على ما ادعاه الشيخ من عمل الطائفة بخبر الثقة المتحرز عن الكذب وان كان فاسقا في جوارحه ولا باس بذكر

ص: 45

نبذة مما قد يستدل به لا ثبات شرطية العدالة وغايته أحد أمرين:

الأول - دعوى اشتهار العمل عند الاصحاب بخصوص خبر العدل دون غيره إلا انك عرفت عدم صحة هذه الدعوى لا قديما ولا حديثا اما الأول فلما تقدم من قول الشيخ (قدّس سِرُّه) واما الثاني فلاشتهار العمل باخبار الثقات بين المتاخرين بل كاد يكون اجماعا.

الثاني - التمسك بمفهوم آية البنأ المستفاد من قوله تعالى « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ» بدعوى ان الآيه الكريمه تضمنت جمله شرطية ذات موضوع وحكم وشرط والحكم هو لزوم التبين والموضوع هو طبيعي النبأ والشرط مجيء الفاسق به. وهي دالة بمنطوقها على عدم حجية خبر الفاسق مطلقا وان كان ثقه. وبمفهومها على حجية

خبر غيره وهو خصوص العدل.

والشروط المطلوبة لثبوت المفهوم متوفرة لأن الموضوع بحسب الفرض هو طبيعى النبأ والمحفوظ مع بقاء الشرط وعدمه وبالتالي لا تكون الشرطية هنا مسوقة لتحقيق موضوعها والجواب على الاستدلال المتقدم يقع من وجوه عدة.

أولا- ان جعل موضوع الحكم بالتبين طبيعي النبأ غير متعين في الآيه لاحتمال ان يكون الموضوع هو الفاسق والشرط هو المجئ بالنبأ ويكون انتفاء الشرط مساوقاً لعدم النبأ والموضوع المحفوظ وهو الفاسق لا تثبت له حجية بما هو فاسق بل المتعقل ثبوتها لخبره المنفى بحسب هذا الفرض ان قلت ان هذا الاحتمال ساقط في نفسه لعدم تعقل كون الفاسق موضوعاً للتبين بما هو... قلنا ان ذلك يتجه فيما لو ارجعنا الحكم بالتبين الى الفاسق بمعنى لزوم الفحص عن ان فسقه مرتبط بجهة الاعتماد عليه من حيث الكذب والافتراء ام لا ام انه ليس كذلك ويكون التعليل في ذيل الاية شاهدا لهذا الاحتمال وتكون الآية بمنطوقها بصدد بيان ان الفاسق ليس موضوعا للاعتماد مطلقا ويكون الذيل مفصلا لمورد جواز الاعتماد وبعبارة اخرى يكون نظر الآية لاثبات ذلك لا لنفيه عن غيره كي يتمسك بالمفهوم كما انه يحتمل كون الموضوع هو

ص: 46

خصوص نبأ الفاسق والشرط هو المجيء به ومع انعدام الشرط ينعدم الموضوع وتكون الآيه من قيبل الجملة المسوقة لتحقيق موضوعها وقد عرفت في بحوثنا الاصولية عدم وجود مفهوم للجمل المسوقة كذلك ومع عدم تعين أحد من هذه الاحتمالات الثلاثة تصبح الآية متبلاة بالإجمال ان لم يدَّعى ظهورها في احد الاحتمالين الأخيرين.

وثانيا - انه لو سلم انعقاد مفهوم لها بشرط او وصف فانما يتم لو لم يتصل بالجملة الشرطية قرينة تصرف المفهوم عن ظهوره في الاختصاص بخبر العدل وفي المورد توجد قرينة متصلة على عدم اختصاص الحجية المدعاة بالعدل وهي قوله تعالى في ذيل الآية المباركة الظاهر في التعليل [ ان تصيبوا قوما بجهالة] مما يدل على أن عدم الاعتداد بخبر الفاسق لجهة تاديته اصابة الناس بما هو غير محمود اعتمادا على خبر من لا يُركن اليه ولا يعتمد عليه.

وهذه العله تجعل خبر الثقة خارجا عن دائرة المنطوق في عدم حجية خبر الواحد الفاسق مطلقا.

وذلك لأن خبر الثقة مما اعتمده العقلاء قديما وحديثا وساروا على مقتضى قوله ورتبوا الآثار العامة والخاصة عليه كما ان اعتماد خبره من المرتكزات الثابتة في ذهن

لعقلاء والمتشرعة على السواء.

وهذا الارتكاز مع التعليل المتقدم يحتم حمل الأمر الوارد بالتبين على الارشاد الى لزوم التثبت فى اخبار غير المعتمدين

وثالثا - انه لو سلم تمامية المفهوم وعدم قدح الوجه الثاني فيه فغايته ثبوت اطلاق في المنطوق وهو قابل للتقييد بالقرينة الارتكازية المتقدمة. فضلا عن ان الارتكازيات تشكل قرائن متصلة بالخطاب تمنع الاطلاق فيه من رأس.

ثم لو سلم انعقاد اطلاق في المنطوق يشمل الثقة وانعقاد المفهوم في حجية خصوص خبر العدل فيكمن تقييد اطلاق المنطوق بالمزيد من القرائن الدالة على جواز الاعتماد على اخبار الثقات وذلك لأن مدلول المفهوم ذو صفة ايجابية تثبت عدم

ص: 47

لزوم تبين خبر العدل ولا يتنافى مع ثبوت عدل آخر بقرينة منفصلة مستثنية من اطلاق المفهوم.

ورابعا _ ان اصل الاستدلال بالآية على شرطية العدالة ممنوع تبعالما نقحناه اكثر من مرة بافاده الخبر الصادر من الثقات للاطمنيان كما ان النفس تركن لاخباره وتسكن اليه ولزوم التبين الوارد في الآيه وسواء كان من باب الحكم او من باب الارشاد مختص بموارد الجهل وعدم الوضوح والثبوت ومع دعوى افادته للاطمينان لا يبقى للفحص والتبين موضوع الخروج خبر الثقة عنه تخصصا...

هذا تمام الكلام في المقام الأو.ل

المقام الثاني - في اصالة العدالة

والبحث فيها يرتبط بالمباني المتصورة في حقيقة العدالة والمعقول منها ثلاث:

الأول - انها ملكه نفسانية راسخة من مقولة عرض الكيف النفساني.

الثاني - انها عبارة عن ظاهر الاسلام مع عدم ظهور الفسق وينسب للشيخ فى الخلاف (1) وهذا القول يتلاءم مع تفسيرين:

أ- ان يراد بعدم ظهور الفسق عدم ظهوره ولو من جهة عدم الاطلاع والفحص وهذا المعنى هو الظاهر من العبارة.

ب - ان يراد بعدم ظهور الفسق عدمه بعد التثبت من حال الرجل من خلال تتبع أفعاله وملاحظه سائر مفردات سلوكه والتي تعكس بمجملها حالة فعلية ظاهرة هي ما يسمى بالعدالة ولعله مقصود الشيخ (قدّس سِرُّه)..

الثالث - ما اخترناه من انها حالة وسطى بين مؤدى القول الأول والظاهر من الثاني فلا يشترط رسوخها كملكة كما لا يكفي في تحققها مجرد عدم ظهور الفسق

ص: 48


1- رجال الطريحي ص 19.

بالمعنى الأول للمبنى الثاني.

بل ان انعکاس تشريعات وقوانين الشريعة على سلوك الفرد من خلال ممارسته لأحكامها كحضور الجماعات والمناسبات وما شاكل يعتبر شرطاً في ثبوتها او انکشافها به وبهذا تكون العدالة من الصفات الوجودية التي تحتاج الى محرز وليست هي الإسلام مضافاً لأمر عدمي محض هو عدم محض هو عدم الفسق وستعرف ان هذا يؤثر على صحة وطبيعة الاستدلال القادم وعدمه.

وعلى أي حال فعمدة ما يمكن الاستدلال به لاثبات الأصل المذكور أحد أمور ثلاثة.

* الأول - التمسك باستصحاب عدم الفسق... وتوضيحه.

ان العدالة وكما عرفت من الصفات الوجودية التي يصح ان ينعت بها المرء حقيقه وما يقابلها وهو الفسق كذلك والراوي وان لم يتصف قبل بلوغه بإحدى الصفتين لأن الانعكاس الذي تثبت به العدالة فرع التكليف وكذلك بالنسبة للصفة الأخرى.

إلا ان إتصافه بعدم الفسق - ان صح التعبير - ثابت فيجرى استصحابه لاثبات العدالة لعدم الواسطة.

وجوابه

* ان استصحاب عدم الفسق ان اريد به استصحاب عدم الفسق المحمولي الثابت قبل وجود الراوي فيرد عليه امور

أ_ ان هذا الاستصحاب لا يجري في نفسه لكونه من الاستصحاب الازلي ولأن الاثر الشرعى مترتب على العدم النعتي لا العدم المحمولي مباشره.

ب _ انه لو سلم جريانه فلا تثبت به العدالة لأن المستصحب امر عدمي محض إذ لا يعقل اراده عدم الفسق بالمعنى الوجودي المتقدم من الاحتمال الثاني لعبارة الشيخ مع فرض العدم قبل وجود الراوي.

ص: 49

* وان اريد من استصحاب عدم الفسق المحمولي أثبات عدم الفسق النعتي وبما هو وصف له بعد وجوده من جهة ان استمرار العدم المحمولي الى حين وجود الراوي يلازم العدم النعتي فيرد عليه.

أ- انه من الأصل المثبت لان التلازم عقلي.

ب - ان العدم النعتي الذي يراد اثباته بالاستصحاب لا يلازم العدم النعتي بالمعنى الوجودي فهو لو تم لا يثبت العدالة بالمعنى المختار.

نعم بناء على التفسير الأول لكلام الشيخ المتقدم وتمامية الاصل المثبت في نفسه يصح ذلك.

ومع ذلك فلا حاجة اليه لان عدم الفسق المشترط في العدالة على المختار عند الشيخ بناء على استظهاره من العبارة يكون ثابتا بالوجدان ولا معنى لجريان الاصل لتثبيت ما هو ثابت. فضلاً عن ان ادلة الاحكام الظاهرية مأخوذ من موضوعها عدم العلم والجهل.

* وان اريد من استصحاب عدم الفسق استصحاب عدمه النعتي وبما هو وصف للمراوي فهو لا يتم من حين البلوغ على المختار من ان العدالة امر وجودي يكتشف من ظهور الانعكاس الشرعي على السلوك العام للفرد.

وذلك لعدم امكان اتصاف الفرد فيها إلا بمضي برهه زمنيه تتفاوت بتفاوت الاشخاص بل ولو سلمنا ذلك من جهه امكان ثبوت الانعكاس لحظة البلوغ نظراً لسلوك الفرد المتميز قبل البلوغ وعلى طبق مقتضيات الشريعة فإنه لا يجدي في جريان الاستصحاب نفعا.

اما بالنسبة للصورة الأولى فلان معنى الفتره الزمنية المتفاوتة وبحسب الاشخاص يؤدي معها لاكتشاف العدالة وجدانا ولا معنى معه للاستصحاب الأصل.

واما بالنسبة للصورة الثانية فلانها أخص من المدعى ولا تؤسس اصلاً يرجع

ص: 50

اليه في جميع الافراد كما هو المدعى ولكون العدالة مكتشفة وجدانا كذلك مع عدم الشك نعم يرد بناء على التفسير الأول لعبارة الشيخ زيادة على ما ذكر أن الاستصحاب المذكور من الأصل المثبت لانه لو تمت الملازمة بين عدم الفسق النعتي بالمعنى المذكور وبين العدالة فلا تكون إلا عقلية كما لا يخفى.

* الثاني: دعوى عمل الاصحاب في قبول واعتبار الرواة بحسن الظاهر الكاشف عن سلامة الباطن مما يدل على التزامهم باصاله العدالة.

وقد تقدم بطلان هذه الدعوى کبری وصغری

اما صغرى فلعدم ثبوت ذلك كيف لا وقد اتعب الرجاليون والفقهاء كالشيخ والنجاشي وغيرهما انفسهم ردحا من الزمن في تنقيح مجهول الرواة من معروفهم وعدلهم من فاسقهم ولو ثبت ما ذكر لكفاهم ذلك مؤنه البحث وكلفه الطلب

واما كبرى فلأننا لا نلتزم بثبوت ما اثبته المشهور مالم يورث لنا يقينا بصحة الاستناد وتمام المبنى خصوصا في مثل المقام حيث يعلم مدركهم ومدار استنادهم.

ثم ان حسن الظاهر المذكور في الاستدلال مجمل من حيث المراد فان اريد منه حمل ما ظهر من الرواه مما يحتمل الحسن والقبح على الحسن فهو وان صح اجمالا إلا انه اجنبي تماما عن اصالة العدالة وما نحن فيه.

وان اريد منه حمل الحسن ظاهرا على الحسن الواقعي بعد التثبت من الحسن والصحه فهو عبارة أخرى عن العداله المكتشفة ولا ربط له بأصل موضوعي يثبت في الراوي من حين بلوغه.

الثالث - استفادة ذلك من مجموع النصوص الواردة بلسان لزوم حمل الناس على الاحسن والأفضل ولزوم تصديق المؤمن وبلسان مدح المؤمن الأذن المصدق كما ورد في حق نبينا عليه وعلى آله افضل السلام في قوله تعالى «وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ» (1) وغير ذلك من الألسنة المشابهة

ص: 51


1- التوبه ايه ٦٢.

وجوابه - ان هذا المستدل به اجنبي تماما عما نحن فيه

فحمل فعل المسلم او المؤمن على الاحسن والافضل شيء واصالة العدالة ء شيء آخر فالأول يجري في افعال وممارسات المسلم المحتملة لوجوه من المحامل والثاني يجري ولو لم يظهر منه اي عمل والصحيح ان هذه الالسنة عبارة عن احكام اخلاقية تربوية ولذا لا يصدق المؤمن بل ولا الصديق لو قامت بينه على عكس مقالته ودعواء بل انها عبارة عن نصائح وارشادات الى كيفية التعامل الاجتماعي ولزوم التغاضي عن تبين الاحتمالات السيئة فيهما تردد وجهه ادامة لاجتماع بين النوع وتخفيفا لثالكهم وهي من المسائل التي لها جنبه ملاكيه واقعيه ومن دونها لا يسلم مجتمع من الحروب والفتن والدمار والخراب.

ومما يؤيد ذلك ما ورد في بعض الأدلة بلزوم تصديق المؤمن على قوله ولو شهد عليه خمسون قسامه بخلاف مقالته مع ان هذا خلاف المجمع والتسالم عليه بل انه بصدد بيان ضابطة اخلاقية في مقام التعاطي وانه لا يحسن للمسلم مواجهة اخيه بالتكذيب والتشكيك والذم رغم نفيه وتكذيبه وكذا يقال في الآيه المباركة.

وأين هذا من اصالة العدالة التي يراد بها ترتيب آثار يقوم عليها بنيان الشرع القويم والدين الحنيف.

***

ص: 52

البحث الثاني - في اصالة الوثاقة

ولا يراد بالوثاقة هنا ما قابل الكذب بمعنى ان كل غير كاذب ثقة. بل ان المراد منها يتضح مما سبق من ان الوثاقة كالعدالة من الصفات الوجودية المنتزعة من حقيقه خارجية فإن عدم الكذب وأن كان امرا عدميا إلا اننا لا نكتفي بصدقه لا ثبات الوثاقه لشخص ما.. بداهه ان البالغ مثلاً لا ينعت بالوثاقة ولو لم ينطق بكلمة.

وانما يصح ذلك بعد استقراء احاديثه من حيث مطابقة الواقع وعدمها ومن حيث اعتماده على مقدمات موضوعيه تساوي النتيجة التي اخبر عنها.

فربها طابق كلامه الواقع ولكنه غير ثقه لعدم بنائه على الإخبار بما يطابق الواقع وانما صادف اخباره ذلك.

وكذلك فقد لا يطابق كلامه الواقع ولكنه لا يمنع من اتصافه بالوثاقة لجهة اعتماده على مقدمات موضوعية صالحة لتصحيح النتيجة التي اخبر عنها.

فتحصل ان بين مطابقه الواقع في اخبار مخبر ما وبين اتصافه بالوثاقة عموم وخصوص من وجه.

ومنه يتعمق لديك عدم استفادة الوثاقة بالمعنى المذكور لمجرد إجراء استصحاب يدعى ولو بلحاظ مرحله ما قبل البلوغ.

بل يرد عليه زائدا على ما تقدم في بحث اصالة العدالة من ان استصحاب عدم الكذب هنا لا ينتج الوثاقة لأنها من الصفات الوجودية والمستصحب أمر عدمي محض.

ولأنه لو سلمت الملازمة فهو من الأصل المثبت غير الثابت.... ويرد زائداً.

اولا - ان استصحاب عدم الكذب يتلائم مع حالتين ترتبطان بالمراد من عدم الكذب فتاره يراد منه عدم الكذب في الراوي ولو لم يتحقق حاله بان لم يتكلم بعد أو انه تكلم بمالا كفايه فيه لاكتساب الوثاقة كصفة وحالة وجودية فههنا لا يفيد استصحاب العدم المذكور لكون الوثاقة أمراً وجودياً والمستصحب امراً عدميا محضاً

ص: 53

كما عرفت.

وتاره يراد من عدم الكذب المستصحب عدمه في الراوي بعد تحقق حاله ومراجعة مفردات سلوكه وفعاله المتعلقة بجانب الوثاقة.

وههنا لا يفيد ايضا لأنه يكون مكتشف الوثاقه وجدانا والحال هذه لا معنى لاجراء أصل مجعول في ظرف الشك والحيرة.

وثانيا _ ان الاستصحاب لو تم جريانه فانما يجري في كل مورد له حالة سابقة متيقنة وهو غير المطلوب إذ المدعى ثبوت أصل يعاد اليه فى مثل المهمل والمجهول وكل قابل الإتصاف بالوثاقة ولو لم نعلم له حال سابقة من هذا القبيل.

وثالثا - ان الوثاقة من الأمور والحقائق غير المرتبطة بالشارع وان اعتبرها او اعتمدها لاحقا كشرط للعمل والجري.

وهذا بخلاف العدالة إذ قد يدعى هناك انها من الأمور النسبية ونسبيتها في المقام بلحاظ تشريع المشرع فالسالك على الجادة الوسطى وبلحاظ تشريع وضعي لا يتصف بالعداله بلحاظ التشريع السماوي.

ومما عرفت من واقعيه الصفة المتقدمة يظهر لك وجه صحة نعت الصبي بالكذب والوضع او الوثاقة والامانة بينما لا يصح ذلك في العدالة.

واما عدم ثبوت العقاب عليه بدليل رفع القلم وغيره فهو لا ينافي ماذكر والوجه فيه ان رفع العقاب بملاك رفع الحكم عنه منة واشفاقا لا يرفع الموضوع.

ويؤيد واقعية صفة الوثاقة ما يذكر في اللغة من انها بمعنى الاعتماد ومنه يقال [ و به ثقتي ] ولا ريب من كون الثقة ممن اعتمد العقلاء حديثه وركنوا اليه قديما وحديثا وبضم هذا الى ما سبق من عدم قبول الطرق للتعبد والجعل وانما يحمل ما ورد ظاهره ذلك على الارشاد يتحصل كفاية الوثاقة في الاعتماد على الراوي وهذا المعنى اللغوي هو احد المنبهات على صحه نظريتنا القائلة بافادة الخبر للاطمئنان لو صدر عن الثقة. إذ لا اعتماد على ما يفيد الظن شرعا ولا عقلاً.

مع انك عرفت كون ديدن الناس والعقلاء على العمل باخبار الثقات وترتيب

ص: 54

الآثار المختلفة على مقتضيات اخباراتهم وليس ذلك إلا لركون نفوسهم الى اخبارهم.

-ومن مجموع ما ذكر يتحصل ان دعوى اثبات الوثاقة كاصل في الراوي دونها خرط القتاد.

كما ان عدم صحة ذلك لا تلازم ثبوت أصالة الكذب في المخبر لما عرفت بما لا مزيد عليه من ان كلتى الصفتين من المعاني الوجودية المحتاجة الى مثبت من خلال تتبع احاديث الرواي وملاحظة سلوكه فيما يتعلق بهذا الجانب.

ومن هنا تراهم في بحوثهم الرجالية ينعتون من لم يتحقق حاله بالمجهول او المهمل - ان قلت انه يلزم من عدم انطباق مفهوم الوثاقة ولا مفهوم الكذب على بالغ ما ارتفاع النقيضين وهو من المحالات الأولية.

قلنا ان الوثاقه لا يقابلها الكذب تقابل النقيض لنقضيه ليلزم ارتفاعهما معا بل وكما عرفت ان الكذب من الصفات الوجودية ايضا وانما يقابل الكذب عدمه وعدمه ايضا اعم من ثبوت الوثاقة وعدم ثبوتها.

وذلك لأن عدم الكذب يلائم العدم فيمن لم يتكلم اصلا او انه تكلم ولم يعلم حال كلامه بعد أو من اقتنصت الوثاقه من مجموع سلوكه وفعاله.

فارتفاع الكذب يؤدي الى المحذور المتقدم لأن سلب الاعم الشامل للاحتمالات الثلاثة سلب للأخص على كل حال.

- ان قلت - ان لازم دعوى كون الصدق والكذب من الحقائق الخارجية التي لا تنالها يد الجعل والاعتبار فهي موجودة بواقعها ينا في قولكم بإمكان انتفاء الصفتين عن الراوي ولو واقعا قلنا ان الحقائق الخارجية على قسمين:

الأولى - حقائق خارجية لا تنالها يد الجعل إلا ان ادراكها يكشف عن وجودها السابق المتقرر في صقع الواقع كسائر الكليات العقلية من قبيل قضية (النقيضان لا يجتمعان) وغيرها فادراكها ليس إلا طريق للكشف عن ثبوتها ووجودها الخاص والمستقل.

الثانيه - حقائق خارجية لا تنالها يد الجعل إلا ان ادراكها لا يكشف عن

ص: 55

وجودها دائما بل قد يكون ذلك وقد يتلازم الادراك للوجود مع وجود الشيء نفسه كما في بعض حالات اكتشاف الوثاقة.

فانه وبعد تتبع احوال شخص ما قد تنكشف لنا وثاقته وفي نفس الوقت يقبل الاتصاف بها لا من زمن قبله إذ اننا لم نبن على اصالة الوثاقة ولا لكان الكلام في الشق الثاني كالكلام في الأول... .

فتصحل ان واقعية الصفتين لا تعني ثبوت احدهما على كل حال خصوصاً انهما ليسا من قبيل الضدين اللذين لا ثالث لهما. نعم يرد هذا الاشكال لو كانتا من الحقائق المندرجة في القسم الاول مع عدم فرض حالة ثالثة وهو كما ترى.

***

ص: 56

الباب الثاني - في مراتب التوثيق والتضعيف

توضیح

-لما كنا قد بنينا على عدم ثبوت الجعل والتعبد في الطرق أو في قواعد أخرى اسست او قوانين نقحت كان لهذا البحث فائدة جلية إذ لن يكون ما ظاهره التوثيق علامة على الصدق مطلقا ولا التضعيف علامة على الكذب كذلك.

بل رب لفظ ينساق منه بدوا معنى ما أو قد نص ارباب الاصول والمعاجم على معنى معين له إلا انه بالتأمل يظهر له معنى مغاير لما ذكروه وذلك من خلال تتبع القرائن الحالية واللفظية الروائية وغيرها وسائر ما هو مكتنف وملابس للالفاظ الصادرة والدالة على المدح أو القدح.

فلا بد لتحصيل المراد الجدي والنهائي من التدقيق في مناسبات الاستعمال والغرض منه وملاحظة السير التأريخي لاستعمال الالفاظ والتحولات العامة التي شهدتها العصور الغابرة وان بقيت الالفاظ حاليا على معناها التي وضعت له اساسا. ولا باس بذكر مقدمة تتعلق باللفظ والمعنى وكيفية تحصيل المراد.

نقول ان حقيقة الاستعمال هي ايراد اللفظ كمرآة لارادة معناه بحيث يكون فانيا ومندكاً فيه.

ان قلت ان الالفاظ الحاصلة من اصطكاك حجرين وما شاكل كالنائم والمجنون ومن لا قصد له كذلك وهي ضرب من الاستعمال.

قلنا هناك فرق بين الايراد والورود فالاستعمال نحو ايراد اللفظ لافادة المعنى وبعبارة اخرى فان قصد الإفناء دخيل في الاستعمال شرطا او شطرا ومن هنا لا يكون تلفظ النائم وشبهه من الاستعمال في شيء.

وان قلت ان ما ذكرتموه مخالف لتبادر المعاني في الالفاظ مطلقا ولو صدرت من النائم والساهي والمجنون.

قلنا ان هذا أجنبي عن الاستعمال فان تبادر المعنى من اللفظ فرع عملية الاقتران الشديد والمؤكد بين اللفظ والمعنى بحيث يصبح في البين انس ذهني بينهما

ص: 57

ينتقل الذهن من احدهما الى الآخر وهو ما يسمى بالتبادر.

إلا ان هذا ليس استعمالاً ولذا لا يذهب عاقل الى تسمية التلفظ الناشئ من اصطكاك حجرين استعمالاً مع حصول التبادر وكما عرفت.

وفي هذه المرتبة المسماة بالاستعمال يتعلق المجاز كما تتعلق بها الحقيقة لان المجاز هو قصد افناء اللفظ فى غير ما هو له وغير ما يعكسه اللفظ اولا وبالذات - لا يقال ان قصد الافناء يلازم إرادة افهام المخاطب ولو باحضاره صورة اللفظ في ذهنه مع انه ربما يتكلم الانسان بكلام مع نفسه وتحضر صورته في ذهنه تلقائيا من دون وجود اي مخاطب..

لانه يقال ان قصد الاخطار منفك عن قصد الافناء فرتبة الكلام حال الاستعمال رتبة اولى له وهي مغايرة لقصد اخطار المعنى في ذهن السامع فانه يقع في الرتبة الثانية.

كما انه ليس كل قاصد لاخطار معنى ما يريده بالمراد الجدي والنهائي ولذا صح قصد اخطار الفاظ بمعانيها الحقيقية مع قرائن تدل على مجازية المراد فقصد الاخطار أجنبي عن المراد النهائي وان كان كلا منهما منتزعاً من حال المتكلم وسياق كلامه.

فالمراد الجدي يقتنص كمرتبة اخيرة الكلام من حيث المراد... وهو غالبا متطابق مع قصد الاخطار من جهة غلبة تطابق القصد المذكور والمراد ومن هنا يعبر عن ذلك باصالة التطابق بين المدلول التصديقي الأول والمدلول التصديقي الثاني والذي هو المراد الجدي والنهائي..

إلا ان هذه الاصالة والتطابق ليس الزاميا ومن هنا نشأت أهمية البحث في الالفاظ فان المراد يتكيف بنوع وكيف القرائن التي تسانح اللفظ وتلابسه.

ومن هنا كانت لابدية البحث في كل لفظ وفي حق كل راوٍ على حدة لاكتناف اللفظ الواحد بملابسات في مواضع لا توجد في غيرها... وبحسبها تختلف النتيجة المستنبطة من لفظ واحد في غير مورد.

ص: 58

بعد هذا يقع يقع البحث في مقامين :

المقام الأول _ في مراتب التوثيق.

المقام الثاني - في مراتب التضعيف.

***

ص: 59

المقام الأول _ في مراتب التوثيق

وهي كثيرة جدا بتكثر الالفاظ الواردة إلا أننا سنذكر اربعا منها ويمكن ارجاع اغلب ما ورد مما فيه دلاله على الوثاقة اليها.

الأولى _ ما دل على الوثاقة تصريحاً كقولهم في الراوي (ثقه) أو مامون أو ثقه تقه مكرره أو صدوق.

ولا ريب في ثبوت الوثاقة بالمعنى المبحوث عنه بهذه الألفاظ لظهورها ان لم يكن صريحها فيها بل نقل عن بعض دعوى ارادة العدل الامامي منها في مصطلح ارباب الرجال إذ انها من صيغ المبالغة في الصدق فكيف يقال ان لها معنى آخر تحتمله.

ثم انه لو سلم ذلك فانما يصار اليه مع القرينة الصارفة عن المعنى الظاهر او الصريح - ان قلت ان الوثاقة والأمانة وكما يحتمل عودهما الى النقل واللسان يحتمل عود الأول الى الوثاقة في الاعتقاد وكونه إماميا ثبتاً وعود الثاني الى الامانة بمعنى انسجام احاديثه مع ما يترقب صدوره من قبل الائمة الأطهار.

قلنا ان هذا الاحتمال ههنا غير وارد إذ لا داعي لأرباب الرجال لنعت صحيح العقيده بالثقه وان صح بلحاظات بل المتتبع في كلماتهم يرى انهم استعملوها في كل مورد كانت الوثاقه ثابتة بالمعنى المطلوب إثباته.

واما اطلاق الامانة على ما ذكر فبعيد جدا لعدم تعارف إطلاق اللفظ على ذلك ولظهورها في الدقه في النقل ان لم يكن بالمزيد منها ولأن ارباب الرجال لم يطلعوا على كل روايات الرواة وفي جميع الاصول الأربعمئة لعسر ذلك كما لا يخفى.

ومعه كيف يمكن دعوى ان المراد من الامانة انسجام احاديثه مع ما يترقب صدوره ولو لكونه منسجها مع الخطوط العامة للتشيع.

- ان قلت ان ظهور الوثاقة بالمعنى المطلوب كما هو المدعى يتنافى مع زيادة ارباب الرجال في عده موارد لقيد (في الحديث) أو (فيما يرويه) على توثيقه مما يدل على أعمية لفظ (ثقه) من المطلوب وغيره.

ص: 60

قلنا انه لما كان من اهم مطالب الرجاليين معرفة الثقات من غيرهم وكانت العباره ظاهره جداً فيما نريد بَعُدَ اراده معنى آخر منها إلا مع قرينة تحدد ذلك واما زیادہ قید (في الحديث) وما شاكل فهو من باب زياده التوضيح والتفسير ولذ ورد (ثقه ثقه) مكرره ولعل الدافع اليه أيضا كون المقول فيه ذلك من العامة مما قد يتوهم معه المنافاه مع الصدق والامانه فيؤتي بهذه القيود تنبيها واستدراكاً.

كما هو الحال في العديد من العامه الذين ورد فيهم التوثيق.

ففي ترجمة احمد بن بشر يذكر النجاشي [ ثقه في الحديث واقفي المذهب] وفي ترجمة احمد بن الحسين [ كان فطحيا غير انه ثقة في الحديث]

وفي ترجمة الحسن بن احمد بن المغيرة [.. كان عراقيا مضطرب المذهب وكان ثقة فيما يرويه ]

الثانيه - ما دل على الوثاقة ضمنيا كقولهم في الراوي - عظيم الشأن وجه من وجوه اصحابنا - جليل القدر - عظيم المنزلة وما شاكلها من الفاظ.

وهذه الالفاظ مما لا نستشكل فى دلالتها على الوثاقة وان لم تناظر القسم الأول دلالة إذ اننا لم نقبل التعامل الحر في والجمود على مؤدى اللفظة لغة بل شرطنا دراسة السير التاريخي للكلمة وملاحظة الاحوال التي تقال فيه والمتتبع خارجا لمراد استعمالات مثل هذه العبارات يكتشف ان المراد منها توثيق اصحابها ضمن شهادتهم العامة بل اثبات انهم في اعالي رتب الوثاقه...

وقد يورد ان لفظ عظيم الشان أو جليل القدر قد يطلقان على من كان عند العامه كذلك مع انه قد يكون المتصف بذلك عندهم من اكبر الوضاعين والمفترين على الائمه والتشيع.

والجواب اننالا نقبل بل لا نعقل ذكر النجاشي او الشيخ لمثل هذه الكلمات في حق عامي ولا يقيد ذلك في كتابه بل يبعد جدا نعته بهذه العباره مع ثبوت كذبه وضلاله كما لا يخفى على المتأمل..

الثالثه - ما دل على الوثاقة دلاله ظنية كقولهم في الراوي صحيح الحديث او

ص: 61

وجيه أو من علمائنا أو من اصحابنا أو كان فاضلا...

وهذه الالفاظ وما شاكلها لا يعتمد عليها بمفردها ومن دون قرائن اخرى تنضم اليها.

والوجه في ذلك ان توصيف شخص بصحه الحديث ينسجم انسجاما مقبولامع مع اراده الصحة والاستقامة في كيف ونوع الاحاديث التي يرويها مع الخطوط الكبرى للتشيع.

وبعباره أخرى بكون نظر الشاهد الى طبيعة المخبر به لا المخبر وان احتمله وكذا فإن لفظ وجيه او من علمائنا وغيرهما من العبائر المشابهة تطلق على الفاسق مطلقا فضلا عن الكاذب كما يلاحظ ذلك من استقراء موارد استعمالاتها - نعم ان لهذه الالفاظ قيمة احتمالية معتد بها للكشف عن حقيقة الرجل من حيث الوثاقة إلا انها لاتشكل بمفردها عاملا متكاملا لتوثيقه.

ان قلت كيف يتصور ان يقول النجاشي واضرابه في حق شخص انه من اصحابنا او من علمائنا وهو من الكذابين الوضاعين.

قلنا ان الأمر ليس منحصراً في الاحتمال المذكور بل يكفي لنعته بذلك كونه اماميا عالما معاصرا غير معلوم الحال عندهم.

ودعوى تلازم الفضل والعلم والصحبة مع الوثاقة مما لا تكاد تقبل اساساً وان شكلت احدى القرائن الاحتمالية كما عرفت.

وفي جملة من اصحاب النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مزيد دلالة على بطلان الملازمه وهل يشك أحد في ان علي بن ابي حمزه او ابا جميلة المفضل بن صالح كانا من الرواه وحمله العلم ومع ذلك ورد فيهم اللعن والتكذيب والتضعيف.

الرابعه _ ما دل على الوثاقة دلالة احتمالية كقولهم في الرواي بأنه ذو أصل أو كتاب او كان خيرا او رحمه اللّه او حسن..

وهذه الالفاظ ملحقة بالقسم السابق من حيث عدم الاعتماد عليها في التوثيق إذ لا ملازمة عقلية او عادية اوعرفية بين تاليف كتاب وبين الامانة والوثاقة

ص: 62

وملاحظة الخارج شاهدة على صدق النقص.... فكم من الكتاب الوضاعين المفترين على التشيع وعلى ائمة اهل البيت وبألبسة اهل البيت وبسياق مدحهم ويستطيع الناظر المريد مراجعة ماكتب في هذا المجال ليتحقق من صحة المقال بل ان نفس أرباب الرجال كالنجاشي قد نصوا في طيات كتبهم. على ذلك.

واما توصيف الراوي بالخير والصلاح فهو مما لا يدل على التوثيق وان احتمله لصدقه ولو بجهه ما كانفاقه على الفقراء والمساكين مثلا او تعاهده للمؤمنين بزيارة مرضاهم والسير في جنائزهم وما شاكل ذلك.

ومن الواضح عدم التلازم بين هذه الافعال وان حسنت ورجحت وبين الامانة والوثاقة.

اللّهم إلا ان يدعى الملازمة بين كل من فيه محمدة ما وبين عصمة لسانه وهذا مما لا يترقب صدوره من عاقل فضلا عن فاضل.

وكذا يقال في الترحم فانه يصح على كل ذي مِنّه واحسان وفضل على الاسلام والمسلمين مطلقا ما لم يدخل المقول فيه ذلك تحت عنوان موجب لعدم جواز ذلك كغاصب خلافة او قاتل للنفوس المحترمة... أو المدخل للبدع في دين اللّه وان كان لأولئك فضل ما على الاسلام من جهات اخرى

ولذا نجد ان الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد ترحم على كل من زار الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيما نقل عنه....... هذا تمام ما أردنا بيانه من مراتب التوثيق... واما الالفاظ التي لم تذكر فهي مما لا يخلو الأمر فيها من العود الى احد هذه الاقسام فيتعامل معها كما بينا...

***

ص: 63

المقام الثاني - في مراتب التضعيف

وهي كثيرة مستفادة من عبائر القوم المختلفة وخصوصا اصحاب الكتب الرجاليه الأربعة وسنحاول حصر هذه الاقسام والمراتب في أربعة:

الأولى - ما كان صريحا في تكذيب الراوي ونسبة الوضع والافتراء اليه كأن يقال فيه _ كذاب - وضاع – مفتر...

ولا شبهة في الاعتماد على مثل هذه التضعيفات لصراحتها في العود الى جارحة النطق. وقد جرت عاده الاصحاب في مثل المقام على طرح روايات الذين يرد فيهم مثل ذلك.

إلا ان ذلك وعلى اطلاقه مما يمكن الخدشة فيه ووجه ذلك استبعادنا وجود شخص لم يصدق في حياته ولو مرة.

وعليه كان للنظر فى روايات اولئك وملاحظة ظروف صدور الرواية وطبيعتها ومدى انسجامها مع الخطوط العامه لفقه الائمة أهمية فائقة قد تدعو في بعض الاحيان الى العمل بها رغم وجود عدد من الضعفاء والمتهمين فيها.

وهذا لعله من افضل التخريجات والتفاسير لعمل المشهور بروايات ورد في اسانيدها من هم كذلك.

الثانيه - ان يصرح بضعفه مطلقا بان يقال فلان ضعيف وما رادفها من الفاظ. وهذا التضعيف لا ثمرة فيه إلا صلوحه كشاهد على عدم الاعتماد على روايات من قيل فيه ذلك وفي كل مورد لم يرد الا هذه العباره.

وهذا لا يعني ثبوت كذب الراوي بها بل غايته عدم صحة الاعتماد على رواياته والوجه فيه ان كلمه ضعيف اوما رادفها ليست صريحة في ارادة اثبات كذبه لاحتمال عودها الى غير ذلك مما يجعل اي معنى محتمل محتاج الى قرينة تحدده والمحتملات في هذه العبارة أربعة:

ص: 64

أ - ان يراد منها الضعف في كيف الحديث بمعنى ان احاديث الراوي لا تنسجم مع الخطوط الكبرى للائمة أو انه تفرد بروايات ما او انه لا يبالي فيما يرويه.

ب - ان يراد منها الضعف في العقيدة بمعنى فسادها لوقف او فطح او بتر... او لعدم كونه من الامامية مطلقا.

ج - ان يراد منها انه ينقل احاديث اهل البيت عن الرواة مطلقا دون ان يعتمد الصحاح والثقات منهم فان ذلك كان مذمه في الراوي ردحاً من الزمن ولذا نجد ان أحمد بن محمد بن عيسى الاشعري اخرج البرقي من قم لاعتماده الضعاف.

د - ان يراد منها الضعف في الحديث بمعنى الوضع او الافتراء والكذب.

ومن الواضح ان هذه العبارة انما يعتمد عليها كاساس للتضعيف المطلوب لو منها الاحتمال الاخير... وأنّى لنا باثبات ذلك.

ان قلت ان ظاهر حال أصحاب الرجال اراده الاحتمال الاخير إذ لا معنى لإدارج الالفاظ الدالة على غيره وهم بصدد بيان احوال الرجال من حيث الوثاقه وعدمها قلنا ان ذلك يلجا اليه إن لم يكن عملهم إلا به مع اننا نجدهم ذكر وا وخصوصا النجاشي مجمل احوال الرجال وذكروا احيانا من الأمور ما لا ربط له بالتوثيق والتضعيف وعدمها.

هذا فضلا عن انهم وصفوا كثيرا في كتبهم فاسد العقيدة بالضعيف وكذلك من لايهتم عمن ينقل كما هو الحال في البرقي.

بل ان النجاشي يصرح في اول كتابه انه انها كتب كتابه لأجل إعابة العامة علينا بعدم وجود مصنفَّ عندنا في الرجال واحوالهم.

ومن هنا لو ورد توثيق لر او قيل فيه ذلك يؤخذ به ويجعل قرينة على ارادة احد الاحتمالات الثلاثة الأول من العبارة...

الثالثه - ان يستفاد التضعيف صريحاً أو لازما من العبائر ولكن بخصوص منشأٍ ما لا مطلقا وهو على قسمين رئيسيين:

أ _ ما يعود الى معتقده كالتصريح بكونه فطحيا او بترياً او وافقيا.

ص: 65

ب _ ما يعود الى سلوكه ولا يكون الظاهر منه ارادة ما يرتبط بالجهة القولية كما هو الحال في الفاظ اللعن او التشبيه بالحيوانات كما هو الحال في ابن ابي حمزه البطائني حيث ورد في حقه [ يا علي انت واصحابك أشباه الحمير].

او نعت الراوي بالمجفو او التخليط.

وهذا كله لا يثمر في اثبات الضعف بالمعنى المبحوث عنه اما في القسم الأول فلما عرفت من كفاية الوثاقة مطلقا في صحه الاعتماد وان فسدت سائر جوارح الراوي واما الثاني فلعدم ظهور تلك الالفاظ بحسب الفرض فيما نحن بصدده وان كانت أشد ذماً وايرز قدحاً.

ولصدق الجفاء والذي هو من الإعراض بإعراض الاصحاب عنه لانفراده بروايات ما أو اعتماده على الضعاف كما عرفت ذلك في البرقي مع انه من عيون الاصحاب واجلهم.

وكذا يقال في التخليط فانه يصدق ذلك على من خلط في كتبه سقيما وصحيحاً سنداً وكيفا... او انه كان في معتقده مخلطا بين الحق والباطل.

الرابعه - ما يلحق بالتضعيف الاحتمالي وهو ما لم يظهر منه تضعيف ككون الراوي مجهولا أو مهملا.

ويفترق اللفظان في ان الأول له ذكر في كتب الرجال بينما لا أثر للثاني فيها وقد يعكس التفسير كما ان الأول يناسب معنيين.

أ- من فحص ارباب الرجال عن حاله ولم يتبين لهم فيه توثيق او تضعيف فنصوا على مجهوليته.

ب - من لم يفحص عن حاله اصلا فانه ممن يصح نعته بالمجهول إذ ان الجهالة بلحاظ الفاحص لا بلحاظ الواقع لعدم تصورها كذلك.

وهذا القسم الاخير لادلالة فيه على التضعيف لما عرفت من عدم ثبوت الجهالة الواقعية بل لا يخلو الأمر من كونه ثقة او انه ليس كذلك والمناسب مع ثبوت الكذب وعدمه ايضا.

ص: 66

فعدم نص ارباب الرجال على وثاقته ونعته بالمجهول أو كونه مهملا في كتبهم لا يعني ضعفا فيه واقعا.

وهذا الشيخ الصدوق فانه لا يكاد يوجد في حقه توثيق بالمعنى المطلوب مع كونه ممن دار عليهم فلك التشيع.

ان قلت انه لا ثمرة في هذا القسم وسابقه طالما لا يتلازم عدم توثيقه مع وطالما لا يجوز لنا الاعتماد على روايات اولئك المندرجين تحت هذين القسمين.

قلنا بل توجد ثمرة مهمة وكبرى في البين وهو ان عدم ثبوت شيء من خلال العبارات المذكورة ينقح لنا صغرى لكبريات يستفاد من مجموع ذلك توثيقاً ومدحاً ككون أصحاب القسمين الاخيرين واقعين في سند أحد اصحاب الاجماع... الى غير ذلك من الوجوه وايضا فانه لو عثر على توثيق لافراد هذين القسمين يؤخذ به لا محالة لعدم التنافي بين ما يعود لجهة قولية وما لا يعود كذلك كما عرفت تحقيق ذلك.

وهناك فوائد اخرى نتعرض لها في طيات بحوثنا القادمة.

كما ان هذه التقسيمات يمكن أن تزداد وتتعدد بتعدد الالفاظ الواردة إلا انه لما كان الغرض من هذه البحوث اعطاء ضوابط واشارات إجمالية بعيدة عن التطويل الممل والايجاز المخل ارتأينا جمع ما تقارب من الالفاظ تحت ضابطة واحدة ومناقشتها جُمع...

***

ص: 67

الباب الثالث - في قيمة توثيقات الاعلام وارباب الدراية

توضیح

ولا يخلو الأمر بين ان يكون التوثيق صادرا عن المتقدمين منهم او المتاخرين ونعني بالمتقدمين اولئك المعاصرين للرواة او المقاربين لعهدهم بحيث لا تكون شهاداتهم بالوثاقه محتاجة الى اعمال اجتهاد أو حدس فيشمل امثال المفيد والشيخ وابن قولوية وعلي بن ابراهيم القمي والنجاشي والبرقي واضرابهم.

فالبحث يدور حول مقامين :

المقام الأول _ في توثيقات القدماء :

ويراد بالتوثيق الأعم من التعديل أو التوثيق بالمعنى الخاص ويلحق به المدح والاطراء والثناء.

ولا بد لاعتبار توثيقاتهم من توفر جملة شروط.

الأول - كفاية الوثاقة في الرواي بالمعنى الخاص في جواز العمل برواياته وإلا كانت النتيجة - لو ثبتت - أخص من المدعى وللزم بطلان سائر التوثيقات الصادرة من الثقات الذين لم تسلم جوارحهم الأخرى.

الثاني - كون الموثق متصفاً بنفسه بالوثاقة.

الثالث - كون شهادة الموثِّق ناشئه عن حس ومعرفة بالموثَّق لعدم البناء على اعتبار الشهادات الاجتهادية الحدسية ما لم توجب علما او اطمئنانا وهذه الشروط متوفره بمجملها في المقام.

اما الأول فلما تقدم من عدم الدليل على اعتبار أمر زائد على الوثاقة في صحة الأخذ بالرواية.

واما الثاني فلأن ارباب الكتب الرجالية الأربعة والذين يدور عليهم مدار الأخذ بالتوثيق والتضعيف من اجلاء الأصحاب واعظمهم قدراً وارفعهم شأنا وكذا

ص: 68

سائر المذكورين سابقا...

نعم لم يثبت لدينا كتاب ابن الغضائري ولذا لا نعتمد على سائر التضعيفات الوارده في كتابه لانها فرع صحته ومعرفة صاحبه

واما الثالث فلأنه لاشك فى كون شهادة اولئك الأجله عن معرفة وحس وذلك لامور عدة.

الأول - قرب بعضهم للرواة مباشرة وبلا واسطة.

الثاني - كثره التصنيفات الرجالية من قبل اصحابنا الاماميين في ذلك العصر بحيث يمكن الاعتماد على ما ورد فيها مع فرضها بهذه الكثرة الكاثرة التي تربو على المئة مصنّف.

الثالث - ان كون اجتهاد المجتهد ليس حجة في حق غيره ممالا يكاد يخفى على هؤلاء الاعلام فلو كانت شهاداتهم مبنية على اعمال النظر والحدس فقط لكان ينبغي الاشارة اليه مجملاً او مفصلًا واما عدم الاشاره لذلك فهو ممالا يترقب وقوعه منهم.

الرابع - انه لو فرض الشك في حدسية هذه التوثيقات فلا يزيد ذلك مع تسليم الوجوه الثلاثة السابقة على الاحتمال.

ولا شك في جرى العقلاء وبنائهم على ترتيب الآثار على الاخبار وان احتمل ان منشأها الحدس ولذا لم نجد خارجا من ناقش في اخبار المخبرين بحجة احتمال حدسيتها بل ولا نجد العقلاء يسألون عن منشأ الحكم ما دام ظاهرا في الشهادة الحسيه.

نعم لو كان الخبر مظنون الحدس اما لطبيعة الخبر بأن كان يتعذر ملاحظته حسيا ولبعد زمان المخبر فلا مجال معه للاعتماد عليه لعدم الدليل على اعتبار الاخبار المظنونة الحدس لا بدليل لفظى لقصور مقتضيها إذ ان ما دل على اعتبار اخبار الثقات - لو سلم أصل الاعتبار _ ظاهر فيما يروونه عن الأئمة الاطهار (عَلَيهِم السَّلَامُ) اوغيرهم بالحس لا بغيره...

ص: 69

كما ان السيرة لاتفي لا ثبات ذلك لعدم جريانها على ذلك كما عرفت ولو سلم وقوع ذلك في بعض الموارد فهو من باب الاطمئنان بمقتضى الخبر الحدسي...

- ان قلت انه مع تسليم هذه الوجوه الاربعه فانه لا يسلم ثبوت الوثاقة بشهاده أصحاب الكتب الرجالية لأن الحكم بالوثاقة خاضع للمبنى الذي يختاره الشاهد ولعل منهم من كان يبني على اصالة الوثاقة فيحكم بوثاقة كل غير معلوم الكذب.

قلنا ان هذا الوجه ما لا وجه له لأن المراد في تصنيف الكتب تمييز من ثبتت صحته ممن ثبت ضعفه واعمال المزيد من العنايه في ذلك لقيام فقه ال محمد على ما يكتبون ويشهدون.

وكيف يتصور انهم كانوا يكتفون بمجرد عدم ظهور الكذب من نعت الراوي بالوثاقة وتجويز العمل باخباره

ولو سلم ذلك فلم كثر ذكر المجهولين في طيات كتبهم او ذكر من لا يعلم حاله مع بنائهم على القاعدة أو غيرها إذ عليه يكون مما لاوجه له رأسا.

وبهذا يتضح وجه اعتمادنا على توثيق المتقدمين من الاصحاب بل وغيرهم ممن ثبتت وثاقته لئلا يلزم الدور.

وهذا مما لا ينبغي الاشكال فيه بل انه كاد يكون اجماعا ولذ الحق المخالف بالشاذ النادر نعم ناقش بعض اعلام المتاخرين في صغرى الكبرى المتقدمة حيث شكك في قيمه توثيقات الشيخ الطوسي مدعيا عدم حصول الظن بل ولا الشك منها.

ومنشأ هذه الدعوى يمكن تلخيصه باضطراب الشيخ في اقواله ونقوله ويظهر ذلك من خلال عرض جمله أمور :

الأول - ان توثيقاته لجملة من الرواه ينفيها هو بنفسه او يناقضها في مجال آخر كما هو الحال في سهل بن زياد حيث وثقه في موضع وضعفه في آخر وكذا الحال في سالم بن مكرم الجمال ومحمد بن هلال.

الثاني - دعواه عمل الطائفة بروايه جملة من الاعلام مع انه بنفسه يذكرهم

ص: 70

في مجال آخر بذم أو قدح فعبد اللّه بن بكير ممن ادعى الشيخ فيه عمل الطائفة باخباره وفي آخر الباب الاول من ابواب الطلاق من كتاب الاستبصار صرح بما يدل على فسقه وكذبه وانه ممن يقول برأيه.

وفي عمار الساباطي ادعى ايضا ان الطائفة لم تزل تعمل باخباره مع انه نص على ضعفه وعدم العمل برواياته في مكان آخر... الخ.

الثالث - دعواه عمل الطائفة باخبار الفطحية كعبد اللّه بن بكير والواقفية كعلي بن ابي حمزة وسماعة بن مهران وبني انه لا يوجد أثر لتوثيق علي بن ابي حمزة من أحد على الاطلاق بل نُصَّ على خبثه وكذبه بل ورد فيه اللعن والذم الكثير.

الرابع - اختلاف اقواله في شرطية العدالة ففي كتبه الاصولية قطع بشرطية الايمان والعدالة في جواز الاخذ بالرواية والخبر وهو ملازم لعدم العمل بالاخبار الموثقة وتاره يدعى ان العدالة هو ظاهر الاسلام من دون ظهور الفسق وهو ملازم للعمل بالاخبار الموثقة.

الخامس - اختلاف كلامه حول رد وقبول الروايات فتاره لا يعمل بروايه ما محتجاً بضعفها وتاره يخصص بها الاخبار الصحيحة حيث تتعارض الادلة وتارة يرد الخبر بأنه خبر واحد لا يوجب علما ولا عملا.

ونحن امام هذه الوقائع لا نريدان نجزم بمراد الشيخ وايراد دفاع عنه بل بصدد بيان جملة احتمالات معتد بها بناء على ما اسلفناه واسسناه وانسجاما مع الخطوط العامة لافكار الشيخ (قدّس سِرُّه) فنقول:

اما الايراد الأول فجوابه ان التصريح بالوثاقة لا يناقض التضعيف لأعمية التضعيف من ضعف اللسان او غيره من الجوارح. فلم لا يجعل التوثيق قرينة على المراد من التضيعف وانه يعود لغير جهة اللسان وكم لذا من نظائر...

ان قلت ما ذا يعمل امام التصريح بارادة الضعف في جهه اللسان.

قلنا ان ثبت ذلك فمن المحتمل جدا ان الشيخ سمع شهادتين مختلفتين في حق

ص: 71

شخص واحد وفي زمانين نقل احداهما في كتاب او في موضع ونقل الاخرى في آخر.

ولو سلمت الغفلة بعد امكان هذه الاحتمالات فهي نادرة ولنعم ما قاله بعض الرجاليين من انها كالشعرة البيضاء في البقرة السوداء...

واما الايراد الثاني فجوابه واضح فإن عمل الاصحاب لا يلازم بالتلازم القطعي عداله الراوي بل ولا وثاقته المطلقة في بعض الاحيان إذ لا ربط بين عملهم وبين العدالة كما لا يخفى هذا اولاً.

وثانيا - ان الذم الوارد قد يكون متاخرا عن عمل الطائفة برواياته وكم من الفرق بين من لم يثبت فسقه ولا كذبه ولم تثبت بالمقابل وثاقته وبين طرح رواياته إذ العمل بالروايات قد يكون من جهه العلم بصدورها او بصحتها لاحتفافها بقرائن ما علمها الاصحاب وخفيت علينا.

واما الايراد الثالث فقد تبين مما سبق إذ لا منافاه بين ثبوت كبرى عمل الطائفه باخبار الفطحية أو الواقفية وبين عدم ثبوت وثاقة علي بن ابي حمزة المستشهد بها في المقام وذلك.

اولا كون النقض أخص من المدعى ولامانع من استثناء الاصحاب الجملة من الواقفية او الفطحية وان تثبت وثاقتهم في الجمله _ لأمور وموانع أخر.

وثانيا _ ان علي بن ابي حمزه قد وقف بعد وفاه الكاظم (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأما قبل ذلك فانه لم يثبت فيه ذم بل انه كان وكيلا من قبل الامام (عَلَيهِ السَّلَامُ) واما الايراد الرابع فهو غريب لا يترقب صدوره لان اشتراط العدالة شيء وتفسيرها شيء آخر.

وكيف يتوهم متوهم ايقاع معارضة وتهافت في كلام قائل يتصدى بنفسه لتفسيره بغير ما قد يظهر منه بدوا.

وكذا فان تفسير العدالة بما ذكر يرفع التهافت إذ عليه لن يكون لكلامه لازم هو عدم العمل بالاخبار الموثقة ليحصل التهافت بين الكلامين.

إلا ان الانصاف ثبوت التلازم وذلك من جهة ارادة الامامي من المسلم العادل

ص: 72

بناء على تفسيره المتقدم.

نعم يمكن منع الملازمة الثانية إذا تفسير العدالة كيفما وقع لا يعني عملاً بالاخبار الموثقة لخروجه عن العدالة بمجرد كونه غير امامي كمالا يخفى...

ولو سلم وقوع التهافت المدعى فهو ليس بعزيز على اهل النظر والاجتهاد لتبدل الاراء بتبدل المعلومات وزيادتها وهو يكاد يحصل مع كل من له ملكة اجتهاد... وما هو المانع من ان يكون الشيخ قد اعتقدا مذهبا ما في العدالة ثم اعتقد بطلانه بعد ذلك.

وأما الايراد الخامس فهو انما يتجه لو كان كلامه في جميع مواضعه ذا جهة واحدة والامر ههنا ليس كذلك فانه في كتاب الاستبصار تصدى لابراز انسجام احادیث اهل البيت مجموعياً مع كبريات التشيع وقواعده ولا بد والحال هذه من إبراز الوجوه والمحتملات التي قد لا تتناسب مع كتاب آخر يهدف منه لغرض آخر.

وكذلك فان كتاب الخلاف كان بصدد الرد على العامه فيه ومن هنا وردت الادله التي تتناسب مع معتقداتهم في بعض الاحيان.

ومن كل ما ذكرنا يتضح عدم صحة هذا الايراد الصغروي على كبرى قبول توثيقات المتقدمين.

وانما اوردنا هذه المناقشه مع اجوبتها نظرا لموقع الشيخ الرجالي الشيخ الرجالي فضلاً عن موقعه الفقهي بحيث تكاد تتزلزل لولاه بنيان ومعالم الشرع الحنيف.

***

ص: 73

المقام الثاني - في توثيقات المتاخرين

ويشمل العنوان توثيقات العلامة وابن طاووس والتفريشي والمجلسيان الأول والثاني وغيرهم ممن قارب عصرهم.

والتوثيق الصادر من قبلهم على نحوين :

الأول - ما صدر في حق المعاصرين لهم والكلام فيه عين الكلام المتقدم في المقام الأول لعدم الفرق فالدليل هناك هو الدليل هنا وهذا ليس هدفا اساسيا لبحثنا.

الثاني - ما صدر في حق غير المعاصرين لهم بحيث كانت شهاداتهم على الوثاقه تحتاج الى اعمال النظر والاجتهاد وهذا هو معقد البحث ومحط النظر.

ويقع البحث فيه من جهتين :

الجهه الأولى - في الأيرادات المتصورة على العمل بتوثيقاتهم

الجهه الثانية - في مناقشه الأدلة وبيان المختار

واما الجهه الأولى -

وأوجه الايرادات المتصورة ثلاثه :

الأيراد الأول - وهو مبني على ان عمدة ادلة حجيه اخبار الثقات هي السيرة العقلائية وهي قائمة على اعتبار اخبارهم فيما كان منشؤها الحس يقينا او الظن به مع احتمال الحدس.

واما ما كان متيقن الحدس او مظنونه فلا سيرة قائمة على العمل بالاخبار كذلك..

وكذا يقال بالنسبة الى سائر الادلة اللفظية من جهور قصور في مقتضي اطلاقها لانصراف ونحوه مما تفصليه موكول الى محله.

وتوثيقات المتاخرين من هذا القبيل والوجه فيه هو ان أهم ما نريده من الاعتماد على توثيقاتهم معرفة اولئك الرواة المباشرين او الواقعين في السند الوراد في الكتب الأربعه وسائر ما قارب عهد كتابتها واما الرجال الواقعين في الطريق الى هذه

ص: 74

الكتب فلا حاجه لاثبات توثيقهم او عدمه لتواتر الكتب المذكوره من حيث النسبة الى مؤلفيها على مر الازمان والعصور.

وعليه فيقال ان مرحلة ما بعد الشيخ الطوسي هي مرحله انقطاع سلسلة البحث عن اولئك الرجال وعن معرفه احوالهم. وانها وصل الينا ما كان عبر الشيخ نفسه مع بعض من الكتب الرجالية الأخرى المعروفه.

والذي يدلنا على ذلك ملاحظة اجازات الاعلام لنظرائهم وتلامذتهم فانها ترجع كلها الى الشيخ واما سلسله الواقعين بعده فهي معتمدة عليه وموكولة اليه.

ويظهر ذلك بالنظر الى اجازات العلامة لبني زهره واجازة الشهيد الثاني لوالد الشيخ البهائي الشيخ عبد الصمد (قدّس سِرُّه) وغير ذلك.

وبناء عليه لا يعلم بثبوت طريق حسي او قريب منه من طريق المتاخرين ولو بنقل كابر عن كابر وثقة عن ثقة.

بل من المقطوع به ان توثيقاتهم مستندة الى ما حدَ سُوا به من عبائر الشيخ ونظرائه من اعلام وارباب الرجال.

الايراد الثاني - وهذا الايراد متفرع على سابقه وبيان ذلك ان اعمال النظر والحدس من قبل الاعلام انما يكون حجة له بينه وبين ربه ولسائر مقليده ومعتمديه.

واما سراية الحجية لنظرائه من اهل النظر والفن فهي مما لم يقم عليها دليل من سيرة او عقل او غيرهما.

ان قلت لا زالت الناس قديما وحديثا ترجع الى اهل الخبرة في كل مجهول لديها فلم لا يطبق مقتضى هذا البناء والعمل.

قلنا انه كذلك ولكن ليس في حق الخبير والنظير ومن يملك في المقابل الحجة والدليل.

الايراد الثالث - وهو مبني على ملاحظة التضاد والتضارب في اقوال وتوثيقات المتاخرين فمنهم من يلتزم بتوثيق جماعة ومنهم من يلتزم بتضعيفهم وعدم العمل بما

ص: 75

يروونه.

واعطاء قاعدة في اعتبار توثيقات المتاخرين عباره عن الالتزام بوقوع التعبد بالمحالات والممتنعات كما عرفت.

والجواب عن هذه الايرادات :

اما عن الايراد الأول فإن السلسلة التي ادُّعي انقطاعها تارة يراد من ذلك عدم وجود كابر ينقل عن كابر توثيقا اوتضعيفا في مرحله ما بعد الشيخ فهي وان كانت مقبوله إلا ان سلسلة البحث والتنقيب والكشف عن احوال الرجال وابراز الضعيف والسقيم منهم من الصحيح والمعتمد لا زالت جاريه قديما وحديثا.

وهذه البحوث تزداد أهمية من حيث صوابية النتيجة بترامي الزمن لان المتاخر يجمع في حقيبته علم المتقدم وعلم المتاخر.

هذا مضافا الى عثوره على جوانب اخرى قدلا يتسنى للرجالي من امثال النجاشى آنذاك ملاحظتها والعثور عليها كملاحظه طبيعة روايات كل راو على حدة وما يستفاد منها من قيمة احتمالية للتوثيق او التضعيف.

فالقول بان توثيق القدماء حجة دون توثيق المتاخرين ليس سديدا على اطلاقه... فان النجاشي وغيره عندما ينصون على وثاقة شخص من خلال النقل فانما ينصون عليها لا من باب المشاهدة لعدم تعقل مشاهدة الوثاقة او العدالة كأمر خارجي بل انك عرفت أنها من الحقائق المقتنصة من مجموع مفردات احاديث وسلوك الرواي والتي يدخل الحدس في اقتناص النتيجة منه وان اطلق عليه اسم الحس.

وعمل العقلاء بالشهادات الحسية لا لأنها كذلك وتعبدا بل لقلة وقوع الخطأ غالبا فيما كان منشؤه محسوسا او ما قرب منه.

ومحل البحث من قبيل الثاني - وبعبارة اخرى فان عمل العقلاء ليس لنكات تعبديه محضة بل ان له مبررات موضوعية نتيجة لارتكازات ثابتة عندهم.

وليس ذلك إلا ركون النفس بالمشهود به من قبل المتقدمين.

وساعتئذٍ نقول ان توثيق المتأخرين ان لم يكن من حيث القيمة أعلى من

ص: 76

توثيق المتقدمين فهو لا يقل عنه.

وكيف لا يقال ذلك وذاك المجلسي الأول يقول في شرح كتاب من لا يحضره الفقيه انه بحث في احوال ابن ابي عمير مدة خمسين عاما بحيث يتعسر او يتعذر على غيره الوصول الى ما وصل... وهل ياترى يقال بان بحثه المذكور حجة عليه ليس إلا..

على ان دعوى اشتهار العمل بتوثيقات المتاخرين بين الاصحاب في الجملة لها وجه وجيه وكما ذكره بعض اصحابنا المتاخرين...

واما الايراد الثاني فقد توضح مما سبق لان قول الخبير المبني على الحدس يورث الظن غالبا بصحة ما حدس به وقد عرفت ان بحوث المتاخرين انها يعتمد عليها لعدم نقصها قيمة عن توثيقات المتقدمين التي ركنت النفوس اليها واطمأنت بصحتها فالخبروية شيء وسكون النفس باخبار المخبر شيء آخر ومناط العمل الثاني لا الاول واما الايراد الثالث فهو ناشيء من الغفلة عن ان مرادنا من اعتماد بحوث المتاخرين اعتمادها في الجملة لا مطلقا ومن أي مَعْلم صدرت... بل ان جمله منهم لا بد في النظر فيها اوردوه من الأدلة حيث لا يكونون بمثابة من الدقه والضبط وقوة الملكة.

والتضاد المذكور انها يكشف عن عدم صحة مقدمات واستدلالات احدهما او كليهما مما يدعونا الى ملاحظة ما اقيم من الأدلة وسيق من البرهان.

ولو سلم وقوع ذلك من الأجلة فلا ضير فيه إذ لا يقصر عن تضاد كلام المتقدمين فان وجوده في كلامهم ليس بعزيز ورغم ذلك لم تختل كبرى حجية وقبول توثیقاتهم ولتكن المعاملة مع أجلة المتاخرين على حد المعامله مع أجلة المتقدمين قبولاً وردا بعد ما عرفت مساواه قيمة اقوالهم لأقوال المتقدمين ان لم نقل باعلائيتها...

ومما ذكرناه يتحصل ان كبرى قبول توثيقات المتاخرين ممالا اشكال فيها. عندنا...

وليعلم اننا عقدنا البحث في التوثيقات دون التضعيفات من أجل عدم اختلاط

ص: 77

وتضارب الاستدلال وللمحافظة على وضوح الطريقة.

وإلا فان الكلام في تضعيفات المتقدمين أو المتأخرين عين الكلام في توثيقاتهم من حيث القيمة والشروط والرد والقبول...

***

ص: 78

الباب الرابع - القول في دعوى وثاقة رواة جملة من الكتب

توضیح

- ومنشأ هذا البحث ما وقع لجملة من الاعلام وارباب الكتب الروائية في تصدير أو تضمين كتبهم لعبارات يستوحى منها توثيق جميع رواة كتبهم بل استظهر ذلك جمع من الاعلام كالحر العاملي في فوائد وسائله وغيره.

وسنبحث في صحة الدعوى المذكوره بمناقشة ما ورد في كتب ثلاثة هي كتاب كامل الزيارات لابن قولوية وتفسير علي بن ابراهيم القمي ونهج البلاغة الذي جمعه الشريف الرضي.

وانما افردناهم دون غيرهم نظراً لاهميتهم ولتوثيق بعض الاعلام لرواة هذه الكتب ولرواج البحث فيها بين الاصحاب

فههنا بحوث ثلاثة :

البحث الأول - القول في وثاقة رواة كتاب كامل الزيارات

ومنشأ هذه الدعوى وكما عرفت ما آورده جعفر بن محمد بن قولويه (قدّس سِرُّه) في أول كتابه والذي استفيد منه ومن قبل جمع من الاصحاب وثاقه كل من وقع في اسانيد هذا الكتاب.

والعبارة هي التالية :

[ وقد علمنا بانا لا نحيط بجميع ماروي عنهم في هذا المعنى ولا في غيره لكن ما وقع لنا من جهه الثقات من اصحابنا وحمهم اللّه برحتمه ولا اخرجت فيه حديثا روى عن الشذاذ من الرجال يؤثر ذلك عنهم عن المذكورين غير المعروفين بالرواية المشهورين بالحديث والعلم...](1) _ ووجه الاستدلال على الخصوص التعبير ب_ [ما وقع لنا من جهة الثقات] فانه لم يقل كتاليه [ بما ينتهي] ليختص التوثيق بالمباشر كما قد يدعى هناك وكما ستعرفه في البحث الثاني.

ص: 79


1- كامل الزيارات ص ٤.

ولعله من هنا افاد الحر العاملي في فوائده من الجزء الاخير من الوسائل ما لفظه [ وقد شهد علي بن ابراهيم أيضا بثبوت احادیث تفسيره وانها مرويه عن الثقات عن الائمه (عَلَيهم السَّلَامُ) وكذلك جعفر بن محمد بن قولويه فانه صرح بما هو ابلغ من ذلك في اول مزاره ] (1) كما ان ابن قولويه لم يقرن الثقات بالمشايخ ليرد احتمال ان العطف للتفسير كما سيأتي في مناقشة عباره ابن ابراهيم وان كان عبر هنا بالاصحاب فان ذلك لا يضر لعموم اللفظ للمباشر وغيره كما لا يخفى على المتتبع لموارد استعمالها. وعليه فوجه الابلغية - لو تم اصل الكلام - واضح بيِّن

وقد يؤيَّد المدَّعى بقرينتين أخريين :

الأولى - قول ابن قولويه فى الجملة المتقدمة [ولا أخرجت فيه حديثا روى عن الشذاذ من الرجال يؤثر ذلك عنهم...]

بدعوى ان ابن قولويه أراد بهذا التعبير اعطاء قيمة لكتابه بأنه لم يرو عن الشداد من الرجال ومن المعلوم عدم اختصاص الشذوذ بالضعيف بل قد يشمل الذين انفردوا بروايات غريبة في طبعها وغير منسجمة مع المروي والمشهور ولذا ورد في اخبار العلاج لحل مشكله التعارض [خذ بما اشتهر بين اصحابك ودع الشاذ النادر] وهو مطلق من حيث كون الشاذ النادر قد رواه بعض الاصحاب ام لا.

ان قلت ان مقابلة الشواذ للثقات تحدد ارادة الضعاف من الرجال لا الثقات اوما يعمهم من الذين انفردوا بروايات شاذة كما عرفت.

قلنا لو صح ذلك فلا يكون ساعتئذ وجه للتعبير بالشاذ واجمال الخطاب وثانيا - ان تذييل كلامه ب_ [ غير المعروفين بالروايه ] يحدد ارادة الشاذ في الرواية من حيث طبعها كما هو واضح لا يخفى.

وبعد ذلك يقال ان ابن قولويه لما بنى على عدم ذكر روايه عن الشذاذ وان كانوا من الاصحاب بل ومن ثقاتهم كان هذا بمثابه القرينة القطعية على انه لم يضمن

ص: 80


1- الوسائل ج 20 ص ٦8.

كتابه المجاهيل ولو عنده فضلاً عمن ثبت فيه القدح والذم...

الثانية - قوله ايضا [ ولا اخرجت فيه حديثا روى عن الشداذ] ببيان أن دلالة الاخراج يغاير دلاله لفظ النقل فان الثاني لو عبر به لادى الى احتمال ارادة المباشرين من جهه اختصاص النقل عنهم بالنسبة اليه. وهذا بخلاف اللفظ المذكور فانه يشمل جميع الواقعين في السند.

لايقال بعدم وجود فرق مقبول بين التعبيرين لصدق النقل عن الائمة مع وثاقة كل الوسائط.

لانه يجاب بان العبارة تضمنت لفظ [ ولا اخرجت فيه ] فان الضمير في (فيه) يراد به الكتاب والمعنى انه لم يخرج في كتابه حديثا روى او نقل عن الشذاذ فكتابه منقول عن الثقات لا انه نقل عن الامام بواسطة الثقات وعلى كل حال فان لفظ الاخراج دال على ان الكتاب كله واقع عن طريق الثقات.

هذا غاية ما يمكن أن يستدل به لاثبات المطلوب.

واما الجواب فيقع من عدة وجوه :

1- ان العبارة المستدل بها على المطلوب ليست ظاهرة فيه جز ماً لصدق الوقوع من جهه الثقات ولو بكون الرواة المباشرين كذلك بل انه المتناسب مع طبيعة الناقل لروايات فيها من الوسائط والاسانيد ولذلك لشيئين :

أ- سهوله المؤونة في تحصيل الثقات بالنسبة للمباشرين.

ب - معرفه الناقل عادة بالمنقول عنه لو كان النقل مباشراً.

ويؤيد الوجه المذكور ورود جملة من الروايات يتضمن إسنادها المجاهيل والضعاف بل وجود المراسيل والمرافيع وكما ستطلع عليه مفصلا.

مما يوجب وعلى الأقل شكا في شمولية العبارة لأكثر من المباشرين فهي أن لم تظهر في ارادتهم فلا ظهور لها في الأعم من ذلك وتكون العباره مبتلاة بالاجمال ولا يسعنا معه الا البناء على القدر المتيقن منها وهو خصوص الرواة المباشرين.

٢- ان الاستدلال بقول ابن قولويه بانه لم يرو عن الشذاذ من الرجال

ص: 81

بالتقريب المتقدم غريب فهو غايه ما يثبت أنه لم يرو الا عن المشهورين والمعروفين بالروايه لانه المفهوم المقابل للشواذ...

والالتزام بوثاقه كل معروف بالرواية مبتنية على بحث كبروي لا نلتزم به بل ندعى وضوح وهن هذه الدعوى.

كيف لا وقد ثبت اجماع الامامية على وقوع صحبه بعض الكذابين بل المنافقين لنبينا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مع كثرة روايتهم عنه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).

ومعه لا يبقى مجال لتعقل دعوى ان ابن قولويه لما اراد اعطاء قيمة لكتابه بني على أن لا يروي إلا عن الثقة بقرينة عدم روايته عن الشذاذ.... مع ان عدم الملازمة بين المعروفية والوثاقة اوضح من ان تخفى كما اشرنا...

ومنه يعرف حال القرينة الثانية المدعاه إذ ان عدم اخراجه لرواية تروى عن الشذاذ لا تعني انه اخرجها عن المعروفين. ولو سلم الفرق بين النقل والاخراج وقد عرفت انه لا ملازمة بين المعروفية وكثرة الرواية وبين الوثاقة.

٣- ان ابن قولويه نفسه قد نقل عن الضعفاء والمجاهيل كثيرا بل انه ذكر من المرافيع والمراسيل عددا يطمئن معه بان لم يكن بصدد توثيق رواة كل من وقع في كتابه واعطاء مزيد قيمة له.

ويتعمق ويتضح الايراد من خلال وجود الضعاف المعروفين بالضعف والكذب عند الاصحاب وأرباب الرجال فانه يبعد جدا عدم اطلاعه عليهم مع وضوح نسبه الذّم لهم كما ان الدعوى المذكورة رغم محذوفية أسماء جملة من الرواة الواقعين في السند أشبه بدعوى اثبات علم الغيب لابن قولويه.

وسنذكر لك نبذة مما ورد في الكتاب كشاهد على ما ذكرناه وهي على انحاء ثلاثة.

الأول _ من ثبت فيهم الذم بشكل واضح وعلى مباني بعض اصحاب الدعوى انفسهم منهم :

أ _ عبد الرحمن بن قائلًا [كان ضعيفاً غمز

ص: 82

اصحابنا عليه وقالوا كان يضع الحديث](1).

ب _ على بن حسان الهاشمي.. قال فيه ابن فضال [كذاب واقفي] (2) وقال فيه النجاشي ضيعف جدا ذكره بعض اصحابنا في الغلات فاسد الاعتقاد ] (3)

ج - ابو جميلة المفضل بن صالح... قال فيه ابن فضال انه وضع رساله معاويه الى بكير وقال النجاشي في حقه ضمن ترجمه جابر بن يزيد الجعفي [روى عنه جماعه غُمِز فيهم منهم عمرو بن شمر ومفضل بم صالح ومنخل بن جميل ] (4).

د _ ابو الجارود زياد بن المنذر الذي قال فيه ابن النديم في الفهرست [عن الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) انه لعنه وقال أعمى القلب] وروى فيه الكشي روايات ذامة له جداً وبعبائر مختلفة وفي بعضها [ما يموت إلا تائها].

وفي موضع آخر ذكر فيه وفي غيره [كذابون مكذَّبون كفار عليهم لعنة اللّه ].

ه _ عبد اللّه بن عبد الرحمن الاصم فقد قال النجاشي فيه [ ضعيف غال ليس بشيء ] (5) بل في كتاب ابن الغضائري المسنوب اليه انه من كذابة أهل البصرة (6).

و - عمر و بن شمر - فقد ذكر النجاشي في ترجمته [ ضعيف جدا زیَّد احادیث في كتب جابر الجعفي ينسب بعضها اليه والأمر ملتبس ] كما نسب تضعيفه الى جماعة في ترجمة جابر بن يزيد.

الثاني - من ثبت جهالتهم او اهمالهم.

أ- احمد بن ابي داوود - مجهول لا ذكر له في كتب الرجال

ب- احمد بن ابي زاهر - لم يوثق وقال الشيخ والنجاشي فيه [حديثه ليس

ص: 83


1- رجال النجاشي ص ١٦٣.
2- الكشي حديث ٨٥١.
3- رجال الكشي ص ١٧٦.
4- رجال النجاشي ص 93.
5- رجال النجاشي ص ١٥١.
6- مجمع الرجال ج٤ ص ١٢٥.

بذاك النقي].

ج - احمد بن اسحاق القزويني - مهمل لا ذكر له.

د - احمد بن جعفر البلدي - مهمل لا ذكر له.

ه_ _ احمد بن الحسن الميثمي - مهمل لا ذكر له.

و - احمد بن الحسين بن سعيد ذكره في الفهرست من دون توثيق وزاد [.. وذكر وا انه غال وحديثه يعرف وينكر] وفي رجاله نعته ب_[ يرمى بالغلو].

ح _ احمد بن علويه الاصفهاني ذكره الشيخ في رجاله من دون توثيق او مدح.

ط - احمد بن علي بن عبيد الجعفي مهمل لا ذكر له.

ي - احمد بن قتيبه الهمداني مهمل لا ذكر له.

ك - احمد بن هانيدار مهمل لا ذكر له.

الى غير ذلك مما هو على هذا النحو بل ان دعوى كون اغلب رواه الكتاب من هذا النحو قريبة جدا تظهر للمتتبع.

الثالث - ما رواه مرسلا او مقطوعا او مرفوعا وما شاكل ذلك وهو كثير... منه.

أ __ علي بن ابراهيم عن أبيه عن بعض اصحابه عن هارون بن خارجة عن (1)ابي عبد اللّه.

ب _ عن سعدان بن مسلم عن رجل (2).

ج- الحسن بن الزيرقان الطبري باسناد له يرفعه الى الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ)(3).

د- عن الحسن بن الحكم النخعي عن رجل قال سمعت امير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)(4).

ص: 84


1- كامل الزيارات ص 179 باب 72 ح 1.
2- كامل الزيارات ص 219 باب 79 ح 13.
3- كامل الزيارات ص 188 باب ٧٦ ح ٦.
4- كامل الزيارات ص ٨٨ باب ٤٨ ح ١.

ه_ _ عمرو بن سعيد الزيات قال حدثني رجل من اصحابنا عن ابي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) (1).

و _ عبد اللّه بن بكير عن بعض اصحابنا عن ابي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)(2).

ز _ عن ابراهيم بن محمد الثقفي رفعه الى ابي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)(3).

ح - محمد بن الحسين بن ابي الخطاب عن بعض اصحابه عن جويريه بن العلا عن بعض اصحابه عن ابي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) (4).

ط _ عن عمرو بن هشام عن بعض اصحابنا عن احدهم... مع ان عمرو نفسه مجهول مهمل (5).

ي - حدثني محمد بن الحسن بن الوليد رحمه اللّه فيما ذكر من كتابه الذي سماه كتاب الجامع روى عن ابي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) (6).

الى غير ذلك من الموارد التي لا حاجة لسردها وسهولة تحصيلها...

ومن كل ما ذكرناه يتضح لك بأن دعوى وثاقة رواة كتاب كامل الزيارات واضحة البطلان

***

ص: 85


1- كامل الزيارات ص ٥٦ باب ١٦ ح 4.
2- كامل الزيارات ص ٥٧ باب ١٦ ح ٥.
3- كامل الزيارات ص ١٨٦ باب ٧٥.
4- كامل الزيارات ص ١٤١ باب ٥٥ ح 1.
5- كامل الزيارات ص ٥٣.
6- كامل الزيارات ص 23.

البحث الثاني - القول في وثاقة رواة تفسير علي ابن ابراهيم القمي

ومنشأ هذه الدعوى أيضا ما صرح به في اول كتابه حيث قال :

[ ونحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهي الينا من مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض اللّه طاعتهم ]

وقد استفاد الحر العاملي وغيره من الاعلام من هذا التعبير ارادة علي بن ابراهيم توثيق جميع رجال كتابه. ويمكن توضيح الدعوى ببيان أمرين:

1 _ ان قوله [.. من مشايخنا وثقاتنا] ظاهر في اراده اعطاء قيمة عليا لكتابه وان رواياته صادره عن الثقات الذين يركن اليهم ويعتمد عليهم.

2 - ان القول المذكور باضافته الى قوله [.. ومخبرون بما ينتهي الينا..] يدل على ان كل ما انتهى اليه من الروايات التي ضمنها كتابه ما خوذة عن المشايخ الثقات عن المفروض طاعتهم.

ونتيجة الامرين معا تعكس ظهورا واضحاً للفظ في توثيق جميع رواه هذا الكتاب.

وقبل الجواب عن الدعوى بكلا أمرييها المبينين ولا بأس بتوضيح فقه العبارة قبل مناقشتها.

فان لفظ (ما) يراد به الروايات بقرينه مخبرون... ذاكرون واما مشايخنا فالمراد منها المباشرين له لا الاعم وان اطلق اللفظ عليهم بالعنايه والتاول وساعتئذ يكون العطف ب_ (ثقاتنا) على (مشايخنا ) لا جل أحد أمرين لا ثالث لهما.

أ- اما لتفسير وتوضيح المراد من اللفظة كما هو شائع في الاستعمال العربي إذ كثيرا ما يقال مثلا (ابي وعزيزي) أو (الامام والسند المعتمد) مع اراده شخص واحد من العبائر... وانما اورد العطف بالواو لأجل التفسير والتوضيح.

ب - واما لبيان مغايره الراوي الذي ينقل عنه بمعنى ان روايات الكتاب انتهت اليه عبر المشايخ تاره وعبر الثقات تاره اخرى وان لم يكونوا شيوخاً له وسواء

ص: 86

كانوا مباشرين له ام لا.

والاظهر هو الأول نظراً لشيوع الاستعمال كذلك ولغلبة نقل الروايات عن المشايخ من الاصحاب لا عن رواة ليسوا كذلك وان كانوا من الثقات المعروفين لديه بنقل أو غيره.

وعلى كل حال وسواء اريد به الأول او الثاني فيرد على اصل الدعوى جملة أمور:

* الأول - ان دعوى ارادة على بن ابراهيم اعطاء قيمة لكتابه لا تعني وثاقه کل رواة كتابه إذ انه يوجد مراتب عده للقيمة.

فالرواية عن الممدوحين هي قيمة للكتاب وان لم تثبت وثاقتهم والرواية عن خصوص المشايخ الثقات قيمة أخرى للكتاب والرواية عن الثقات المباشرين قيمة كذلك كما ان كون جميع من في الكتاب من الرواة ثقات قيمة عليا له.

ودعوى استظهار توثيق كل الرواة من لفظ [مشايخنا وثقاتنا] بتقريب انه بصدد اعطاء قيمة للكتاب غير متعينة لكفاية وثاقة المباشرين في ذلك بل الممدوحين لولا النص على وجود الثقات في الجملة

ويؤيد ذلك جملة امور :

ا - ورود جملة في الضعفاء المنصوص على ضعفهم في طيات كتابه ومن المستبعد جدا وجود عدد معتد به من المعروفين بالضعف قد خفي امرهم عليه مع كونه بصدد اعطاء قيمة معينة لكتابه والمتوقفة على البحث عن الثقات المتفق عليهم.... ولا اقل اولئك الذين لم يرد فيهم تضعيف صريح او عده الفاظ متضاربة.

خصوصا انه بملاحظة التعبير (ثقاتنا) المضاف الى الاصحاب أو إليه والمشعر بارادة الاماميين من الثقات يتأكد لدينا عدم ارادة عموم رواة الكتاب للعلم بعدم الالتزام بذلك بناء على شمولية التفسير فانه روى عن الحسن بن محمد بن سماعة والحسن بن علي بن أبي حمزة وكلاهما واقفيان بل من شيوخ الواقفة الى غير

ص: 87

ذلك.

ونذكر جملة من الذين ورد التضعيف في حقهم وقبله بعض اصحاب هذه الدعوى نفسها مع ان ابن ابراهيم ضمنهم كتابه

١ - ابو الجاورد زياد بن المنذر فانه روى عنه كثيرا بل ان كتابه ممتلئ بالرواية عنه وقد تقدم حاله وكذبه.

2 - ابو جميلة المفضل بن صالح وقد تقدم أمره.

٣ _ علي بن حسان الهاشمي وقد تقدم أيضا ومثله عمه عبد الرحمن فقد ذكره النجاشي قائلاً [ كان ضعيفا غمز اصحابنا عليه وقالوا كان يضع الحديث ](1)

٤ - عمرو بن شمر وقد مضى.

5 _ الحسن بن علي بن أبي حمزة فان الكشي نقل عن ابن فضال فيه انه كذاب ملعون.

الثاني - ورود جملة من المجاهيل والمهملين والمختلف في حالهم مع وضوح الاختلاف فيهم وما شاكل.

ومن البعيد ايضا ان يكون اطلع على وثاقتهم ومن خلال الكتب الرجاليه مع عدم اطلاع غيره كالشيخ والنجاشي مع قرب عصرهم وكون ديدنهم البحث عن امثال المذكورين ونذكر من هذا القسم.

1 - سهل بن زياد.

2 - النوفلي.

- المعلى بن خنيس.

٤ - محمد بن الفضيل.

٥ - احمد بن هلال بل ان الكشي روى لعنا فيه.

٦ _ اسماعيل بن يسار الهاشمي فقد ذكر فيه النجاشي [.. ذكره أصحابنا

ص: 88


1- رجال النجاشي ص ١٦٣.

بالضعف ] (1)

7 - احمد بن السياري.

8 - محمد بن سنان.

وغيرهم بل أن هذا القسم مما لا تكاد تحص افراده وهذا أحد أهم المنبهات على بطلان كبرى الدعوى المتقدمة.

٣ - ورود المراسيل والمقاطيع وما شاكل ذلك ولا مبرر لنقل ذلك وبهذه الكثرة إلا لعدم اطلاعه بنفسه على المحذوفين والمجهولين... اللّهم الا يدعى انه اطلع على غيب اللّه فيهم ولكنه لم يذكرهم حفظا لأمانة النقل.

ومن مفردات هذا القسم.

1 - ما ورد في الكتاب وهو قوله [حدثني محمد بن يحيى البغدادي رفع الحديث الى امير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)](2).

2 - قوله [حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن بعض رجالهم عن ابي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)] (3).

3_ قوله [حدثني ابي رفعه قال قال ابو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)] (4).

٤ _ ما رواه عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بثلاث وسائط [ فحدثني أبي عن مسلم بن خالد عن محمد بن جابر عن ابن مسعود قال قال لي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )](5).

٥ - [.. وحدثني هارون بن مسلم عن مسعده بن صدقة قال: حدثني رجل من

ص: 89


1- رجال النجاشي ص 21.
2- تفسير علي بن ابراهيم ج 1 ص 99.
3- تفسير علي بن ابراهيم ج ١ ص ٤٩.
4- تفسير علي بن ابراهيم ج ١ ص ٣٨٩.
5- تفسير علي بن ابراهيم ج 1 ص 175.

بني عدي بن حاتم عن ابيه عن جده عدي بن حاتم..](1).

٦ - [ حدثنا جعفر بن محمد الفزاري... عن رجل عن أبي بصير.. ](2).

7 - [ اخبرنا احمد بن ادريس قال.. عن الحسين بن ابي يعقوب عن بعض أصحابه... ] (3) والى غير ذلك من الموارد التي يلاحظها المتتبع...

وهذه الأمور الثلاثة تزداد أهمية بملاحظة كثرة الضعفاء ووضوح حالهم بحيث كلما ازداد الاستقراء تزداد القمية الاحتمالية لبطلان الدعوى واثبات ان ابن إبراهيم لم يرد إلا خصوص رواته المباشرين.

بل ان كون اغلب روايات كتابه واردة عن أبيه واحمد بن ادريس تكاد تشككنا في أصل كلتي الدعويين وان غايه مراده اثبات وجود عدد من الثقات والمشايخ في الجملة.

هذا تمام الكلام في الشق الأول.

واما الشق الثاني فهو مرتبط بالمراد من مشايخنا وثقاتنا... فان قيل بالاحتمال الأول وكما بينا بان الشيخ لا يطلق على غير المباشر إلا بعناية خصوصاً مع ملاحظة إضافة الثقات والمشايخ الى (نا) بقوله (مشايخنا وثقاتنا).

وتكون الجملة بناء عليه ناظرة لإثبات وثاقة مشايخه وانه روى كتابه بواسطتهم ووجه ذلك انه لم يعبر بأنه سيذكر ويخبر بما رواه المشايخ والثقات ليرد احتمال التعميم بل انه ذكر انه مخبر بما ينتهي اليه من المشايخ.

والمراد انه يذكر الروايات التي تصل اليه من شيخه وثقته وهو يكاد يكون كالنص في ارادة المباشرين لعدم كون الواقع في السند بعدهم ممن انتهت رواياته اليه كما لا يخفى....

ص: 90


1- تفسير علي بن ابراهيم ج ٢ ص ٦٠.
2- تفسير علي بن ابراهيم ج 2 ص ٢٩٥.
3- تفسير علي بن ابراهيم ج ٢ ص ٤٢٣.

ومنه تعرف ان تفسير (مشايخنا وثقاتنا) بمقتضى الاحتمال الثاني لا يزيد شيئاً على المدعى حتى لو سلمت المغايرة.

هذا مضافاً الى عدم صحة كبرى الملازمة بين الشيخوخة وبين الوثاقة.

ولعمري بعد هذا فإن الأمر أبين من الأمس وأوضح من الشمس.

وبهذا يتحصل ان عبارة ابن ابراهيم لا تدل على أكثر من وثاقة مشايخه المباشرين إن لم نخدش في ذلك أيضاً كما عرفت بيانه...

* * *

ص: 91

البحث الثالث - القول في أسانيد نهج البلاغة

وهو الكتاب الدي ألفه الشريف الرضي أبو الحسن محمد بن أبي احمد الحسين بن موسى بن محمد بن موسی ابن ابراهيم بن موسى بن جعفر الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) والمولود سنة ٢٥٩ه_ والمتوفي سنة ٤٠٤ ه_ (1).

وقد جمع فيه الكثير من كلام الامير علي بن ابي طالب سلام اللّه عليه وفي موارد شتى كما صرح بذلك في مقدمه النهج.

[.. وسألوني عند ذلك ان ابدأ بتأليف كتاب يحتوى على مختار كلام مولانا امير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في جميع فنونه ومتشعبات غصونه من خطب وكتب ومواعظ وآداب...] (2).

والذي دعاني الى البحث المذكور رغم عدم كونه محل ابتلاء من الناحية الفقهية أحد أمرين :

1 - ارسال جمع من الشيعة نسبة الكتاب الى الأمير (عَلَيهِ السَّلَامُ) معتقدين صحة كل ما ورد فيه بحسب الاعتبار الرجالي

٢ _ ما ورد من التشكيك المطلق في الكتاب من قبل جمع من العامة.

فقد قال الذهبي في طبقاته [ وفيها - سنة ٤٣٦ - توفى شيخ الحنفيه العلامه المحدث ابو عبد اللّه الحسين بن موسى الحسيني الرضي واضع كتاب نهج البلاغه] (3).

فانك ترى انه عد الشريف الرضي من الحنفية ومن مشايخهم وانه قد وضع نهج البلاغة الى غير ذلك مما ليس ههنا موضع بحثه.

ولا ريب في أن دافعهم ما وجدوا فيه من اشتماله على مالا تهوى انفسهم كخطبة الشقشقية وغيرها مما يزعزع عرش مذاهبهم... ولا نريد اطالة الكلام في

ص: 92


1- اكتفاء القنوع ص 271.
2- نهج البلاغه ص 11.
3- الطبقات ج 3 ص 289.

93

هذا البحث بقدر ما نريد بيان بعض الامور ويمكن تلخيص الوجوه التي تثبت صحة النهج بثلاثه :

الأول - ان الشريف الرضي قد ذكر ما ذكره منسوبا الى الامير (عَلَيهِ السَّلَامُ) والذي يظهر من المقدمة كون ذلك عنده من المسلمات.

الثاني - ان أسلوب النهج لا يتفق لأحد غير الأمير (عَلَيهِ السَّلَامُ) لما فيه من بلاغة تبهر العقول ويسلّم بها كل ذي مشكة وعلم باللغة والادب العربيين.

ولذا تجد ان جمعاً من علماء النجف لما وجه اليهم السؤال عنه قالوا بأنه فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالف وكما صرح بذلك ابن ابي الحديد نفسه.

الثالث _ ان النهج كان على مرأى من علمائنا واصحابنا المتقدمين ولم نجد منهم من طعن في صحته او غمز فيه مما يدل على تسالمهم بان ما فيه هو من كلام امير المؤمنين سلام اللّه عليه...

إلا ان الانصاف عدم تمامية كل من هذه الوجوه وذلك :

اما الأول - فلأنه لو سلم دلالته فغايته الصحة بنظر الشريف (قدّس سِرُّه) مع اننا لا نسلم الدلالة المتقدمة وذلك لذكر نفس الشريف في مقدمته ما يخل بذلك حيث قال مبررا اختلاف التعابير

[... والعذر فى ذلك ان روايات كلامه تختلف اختلافا شديدا...] وكيف يقال بذلك مع حذفه للاسانيد وعدم ذكره إلا القليل منها مما ستعرف حاله

واما الثاني - فلأنه غايه ما يثبت صحة وجود كلام للأمير (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالنهج في الجملة وهذا مما لا نناقش فيه بل اننا نعتقد بان شبه هذا الكلام لا يمكن صدوره من غيره فضلا عن ان تعدد مآخذ الشريف الرضي وان حذف الاسناد يثبت بالضرورة وقوع العديد من كلام الأمير في طيات الكتاب.

واما ثبوت النهج بمجمعه فمما لا يقتضيه هذا الوجه كما هو بين واضح واي صعوبة في الدس المقتبس من مجموع كلامه بحيث يؤدي الى الاخلال بالمراد.

واما الوجه الثالث فانه يتم لو كان الاصحاب والفقهاء بصدد العمل بمضمونه

ص: 93

من الناحيه الفقهية مع انه ليس كذلك.

وكون ما في الكتاب مجملا صحيح النسبة كافيا لا تخاذه مسلكا منهاجاً للكمال والسير والتقرب الى حضرة اللّه عزوجل خصوصا مع تأيد ما فيه _ ولاي كانت النسبة - بالعقول السليمة والقلوب النيرة المستقيمة.

ومنه يتحصل ان التشكيك في النهج ان اريد به المجموع من حيث المجموع فصحيح.

واما ان اريد به الجميع على نحو استيعاب الجمل والكلمات بأسرها ففيه اشكال وتأمل واضحين كما عرفت من ثبوته ولو في الجملة.

ويتأيد ما ذكرنا ورود المراسيل وما رواه الضعاف وما شاكل ذلك.

فمن الأول -

١ - ومن كتاب له (عَلَيهِ السَّلَامُ) كتبه الشريح بن الحرث قاضيه روى ان شريح بن.... فان التعبير ب_ (روى) إرسال واضح.

2 - ومن خطبه له (عَلَيهِ السَّلَامُ) رُوي عن نوف البكالي قال خطبنا بهذه الخطبه وهو قائم على حجازه...

٣ _ ومن خطبه له (عَلَيهِ السَّلَامُ) رُوي ان صاحباً لأمير المؤمنين يقال له همام كان رجلا عابدا...]

٤- ومن كلام له (عَلَيهِ السَّلَامُ) رُوي عنه انه قال عند دفن سيدة نساء العالمين ]

٥ - ومن كتاب له (عَلَيهِ السَّلَامُ) الى طلحة والزبير مع عمران بن الحصيني الخزاعي وذكر هذا الكتاب ابو جعفر الاسكاني في كتاب المقامات.

٦ - وروى انه كان جالسا في اصحابه إذ مرَّت بهم إمرأة جميلة

ص: 94

ومن الثاني -

١ - [روى اليماني عن احمد بن قتيبه عن عبد اللّه بن زيد عن مالك بن دحيه وفي الحديث انهم كانوا خلقه في سبخ الارض ] ص ٢٢٧ النهج.

وهو ضعيف باليماني فانه مجهول

2 – [وروى ابن جرير الطبري في تاريخه عن عبد الرحمن بن ابي ليلى...] وهو ضعيف بابن أبي ليلى.

٣ - ومن حلف كتبه (عَلَيهِ السَّلَامُ) بين اليمن وربيعة ونقل من خط هشام بن الكلبى والاخير ضعيف.

٤ _ ومن كتاب له (عَلَيهِ السَّلَامُ) اجاب به ابا موسى الاشعري قال وذكر هذا الكتاب سعيد بن يحيى الأموي في كتاب المغازي... وسعيد المذكور ضعيف.

الى غير ذلك مما يلاحظه المتتبع...

نعم ان كتاب النهج ككتاب بلاغي ادبي تعليمي ارشادي اخلاقي نموذجي مما لا نظير له ولا أتت البشائر مثله يكاد يكون وحيا منزلاً وذهبا منضدا

وبهذا ينتهي البحث عن الباب الرابع...

***

ص: 95

الباب الخامس - القول في وثاقة من روى عنه أحد اصحاب الاجماع

وهذا البحث من اجل المباحث وأنفسها لانه لو تم كبرويا لأدى الى تصحيح الكثير من الروايات التي كانت في عالم الضعف.

بل عن بعض الاعلام دخول آلاف الأحاديث في دائره الصحة بذلك.

ومنشأ الدعوى المذكوره ما افاده الكشي في ثلاثة مواضع من كتابه الذي اختصره الشيخ الطوسي المعروف بكتاب اختيار معرفه الرجال حاليا.

وما افاده الشيخ الطوسي في كتاب العدة.

ولابد من عرض كلامهما ومناقشته وبيان المقدار الذي يستفاد منه لا ثبات المدعى فههنا مقامات :

الأول - في دلالة عبائر الكشي على الدعوى

الثاني - في دلالة عبارة الشيخ على ذلك

اما البحث في المقام الأول فيقع من جهتين :

الأولى - عرض العبائر وذكر محل الاستدلال

الثانية - في تعميق الاستدلال وبيان المختار

الجهة الأولى -

ذكر الكشي في موضع من كتابه في تسمية الفقهاء من اصحاب ابي جعفر وابي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ).

[قال الكشي: اجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين من اصحاب أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) وابي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وانقادو الهم بالفقه فقالوا أفقه. الأولين ستة : زراره ومعروف بن خربوذ وبريد وابو بصير الأسدي والفضيل بن يسار ومحمد بن مسلم الطايفي قالوا وافقه الستة زرارة وقال بعضهم مكان ابي بصير

ص: 96

الاسدي أبو بصير المرادي وهو ليث بن البخترى] (1).

والكلام في فقه العبارة من موضعين :

الأول - في قوله [ اجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين..] فان لفظ هؤلاء اما ان يعود الى الستة كما هو المشهور واما ان يعود الى سائر الأولين من اصحابهما (عَلَيهِ السَّلَامُ) وذلك ببيان مؤيِّد هو تعقيبه ذلك بجملة (افقه الأولين) مما يدل على ارادة جميع الأولين من العبارة المتقدمة.

وعليه ففي كل مورد علمنا من القرائن أو من النص الصريح لأحد ارباب الكتب الرجاليه والاعلام الذين يعتد باقوالهم بان فلانا فقيه فيبنى على وثاقه كل من يقع بعده ايضا ولعل ذلك يظهر من السيد الداماد وغيره إلا ان الصحيح اراده خصوص السته وذلك لقرائن ثلاث :

أ _ انه فرَّع افقهية الستة على الجملة الأولى بالفاء فقال (فقالوا أفقه..) وهو ظاهر في اراده تفسير العبارة الأولى وتوضيحها وإلا لا نبغى العطف بالواو.

ب - ان التعبير باسم الاشارة يناسب المحسوس المذكور او ما قام مقامه واما عودها على الفقهاء مطلقا مع عدم كونهم مذكورين فبعيد وبخلافه لو عادت اللفظة على الستة المذكورين بعد ذلك.

ج - ان هذا التعبير من الكشي موافق سياقا للعبارتين الاتيتين ولا يحتمل وجود مغايرة بينهما وهناك يوجد صراحة في ارادة خصوص المذكورين نصا وتفصيلا فوحده السياق تقتضي وحدة المراد ...

الثاني - ان جملة (وقال بعضهم) تعود الى نقل بعض الاصحاب واجتهاده الخاص في مقابل العصابة والعبارة على هذا التوجيه بمعنى ان الكشي ينقل عن

ص: 97


1- اختیار معرفه الرجال ص 238.

الاصحاب افقهية هؤلاء الستة وبعض آخر ينقل رايه الخاص لا انه ينقل عن الاصحاب افقهية الستة ولكن بابدال الاسدي بالمرادي وهذا الاحتمال هو الاظهر لعود الضمير الى الاصحاب لا الى أجبني ينقل رأيهم ليقال بوقوع المعارضة بين نقله ونقل الكشي...

هذا تمام الكلام في العبارة الأولى.

وذكر الكشي في موضوع آخر من كتابه في تسمية الفقهاء من أصحاب ابي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) [ اجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم لما يقولون واقروا لهم بالفقه من دون اولئك الستة الذين عددناهم وسميناهم سته نفر جميل بن دراج وعبد اللّه بن مسكان وعبد بن بكير وحماد بن عيسى وحماد بن عثمان وابان بن عثمان قالوا وزعم أبو اسحاق الفقيه يعني ثعلبه بن ميمون: ان افقه هؤلاء جميل بن دراج وهم احداث اصحاب أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)](1).

وهذه العبارة اصرح من سابقتها في عودها على خصوص السته المذكورين وانهم ادنى رتبة من السته المتقدمين.

كما وان المراد من احداث أصحاب ابي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) انهم كانوا شبابا إذ يقال للشاب الفتى انه حديث السن وحَدَث بفتحين وجمعه احداث لا كما ربما يتوهم انه مشتق من التحديث أي انهم كانوا اكثر تحديثا لعدم صحة هذا الجمع بهذا المعنى ولعدم كون الكلام بصدد بيان ذلك.

وفي موضع ثالث ذكر الكشي في باب تسمية الفقهاء من اصحاب ابي ابراهيم وابي الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ)

[ اجمع اصحابنا على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم واقروا لهم بالفقه والعلم وهم ستة نفر دون الستة نفر الذين ذكرناهم في اصحاب ابي عبد اللّه (عَلَيهِ

ص: 98


1- اختيار معرفة الرجال ص ٣٧٥.

السَّلَامُ) منهم يونس بن عبد الرحمن وصفوان بن يحيى بياع السابري ومحمد بن ابي عمير وعبد اللّه بن المغيره والحسن بن محبوب واحمد بن محمد بن ابي نصر وقال بعضهم مكان الحسن بن محبوب الحسن بن علي بن فضال وفضاله بن ايوب وقال بعضهم مكان ابن فضال (1) عثمان بن عيسى وافقه هؤلاء يونس بن عبد الرحمن وصفوان بن يحيى ] (2).

وفقه العبارة واضح واما ابدال البعض للحسن بن محبوب بشخصين لا ينافي كونهم سته لانهم كذلك بشهاده الكشي لا بشهادة البعض الآخر ولعله كان يعتقد بانهم سبعه وقد تحصل في مجموع ما في هذه العبائر دعوى اجماع العصابة على تصحيح ما صح عن ثمانية عشر رجلا ولا خلاف في ستة عشر منهم وانما الخلاف في اثنين هما ابن محبوب وابو بصير الاسدي.

ولا ضير في الخلاف المذكور ما دام من بعض لا يعلم اهميته خصوصاً انه اعرض عن ذكر اسمه.

وتفترق العبارة الاولى عن الاخيرتين بعدم وجود جملة [.. تصحيح ما يصح عن هؤلاء] فيها بل اقتصرت كما عرفت على الفقرة التالية وهي [ تصديقهم..].

إلا ان استبعاد ارادة المغايرة بين هذه العبائر وخصوصا ان الستة الأُول هم اعلى وارقى درجه منهم بشهادته يحدد ارادة معنى واحد من جميع هذه العبائر فالمستفاد دلالة من الثانية والثالثة لا محاله مراد من العبارة الأولى.

هذا تمام الكلام في الجهة الأولى.

الجهة الثانية - في تعميق الاستدلال وبيان المختار

وتعميق الاستدلال بهذه العبائر بملاحظة قوله في أول العبارة [اجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم لما يقولون...] الخ.

ص: 99


1- اختیار معرفه الرجال ص ٥٦٦ وفي نسخة أخرى فضالة بن ايوب مكان ابن فضال.
2- اختیار معرفه الرجال ص ٥٦٦ وفي نسخة أخرى فضالة بن ايوب مكان ابن فضال.

ببيان ان المراد ب_ (ما) هو الروايات وا ما حرف (عن) فهو للتجاوز والمعنى ان ما صح متجاوزا اليهم اجمعت العصابه على صحته دون النظر فيمن بعدهم وهذا ينسجم مع احد احتمالين.

الأول - بناء الاصحاب على صحة رواياتهم بمجرد صحة السند اليهم ولو جهل الواقعون بعدهم. لجهة بناء أصحاب الاجماع على عدم نقل غير الصحيح والمعتمد لقرائن وشواهد ثابته لديهم ولوكانت غير مرتبطه بالرواة ووثاقتهم.

وعلى هذا الاحتمال يكون نظر العبارة الى تصحيح المضمون والمروي.

الثاني - بناء الاصحاب على العمل برواياتهم كذلك لكن لا لصحتها في نفسها بل لعلم الاصحاب ببناء أصحاب الاجماع على عدم الرواية إلا عن الثقات وذلك لمزيد احتياطهم ودقتهم في النقل عن الائمه المعصومين صلوات اللّه عليهم.

ونظر العبارة على هذا التوجيه الى تصحيح الراوي وتوثيقه.

وقد ذهب الى الاحتمال الأول جمع من الاعلام كصاحب الوافي وظاهر الرياض وغيرهم مما نسب اليهم هذا القول.

وذهب الى الاحتمال الثاني السيد الداماد والمولى المجلسي والفاضل السبزواري والعلامة البهبهاني وغيرهم وهو الصحيح.

وذلك لأن ظاهر الكشي اراده معنى واحد من العبائر الثلاث بل لا يحتمل انه تحقق اجماع الطائفة في حق ابن ابي عمير واضرابه على تصحيح ما يصح عنهم ولم يتحقق ذلك في حق زراره مع قرب التعابير الثلاث مضمونا.

ومن هنا يندفع الاشكال القائل ان العطف بالواو في جملة [ تصحيح ما يصح عنهم وتصديقهم يدل على ان التصحيح عائد الى الروايه ومضمونها لا الى الرواي بل ان هذا العطف عباره عن اراده التأكيد والتوضيح للمراد. ولذا حذفه في العبارة الأولى واكتفى بعبارة [.. تصديقهم..].

ويؤيد ذلك ان الكشي لو كان بصدد دعوى الاجماع على التصحيح للروايات مضمونا للزم منه دعوى اطلاع جميع الاصحاب المجمعين على جميع روايات هؤلاء

ص: 100

وعلمهم بصحتها جمع مع اختلاف مبانيهم بالصحة وشرائطها وعدم توفر جميع روايات الرواي عند كل منهم ودعوى كهذه تكاد تكون من المحالات وبخلافه ما لو قيل بان هذا العبائر دالة على ان هؤلاء لمزيد جلالتهم ودقتهم في النقل عن الائمه كان دید نهم النقل عن خصوص الثقات ليامنوا الدس والتغيير والتحريف.

وهذا مما لا يحتاج الى مؤونه اكثر من الاطلاع على احوالهم والعلم ببنائهم وان لم يطلع الاصحاب على اي من رواياتهم.

ومما يؤيد ذلك ما ذكره الطوسي في آخر بحث خبر الواحد من العدة من ان الاصحاب سووا بين مراسيل ومسانيد ابن ابي عمير وغيره لأجل انهم لا يرسلون إلا عن ثقه بتوضيح ان العباره _ وكما ستعرف مفصلاً - تعود الى اجتهاد من قبل الشيخ في فهم عبارة الكشي وهي صريحة في ارادة توثيق كل الواقعين في الاسانيد لمكان بناء هؤلاء والتزامهم عدم الروايه إلا عن الثقات.

لا يقال ان شيوع ذلك ينافي عدم عمل الشيخ نفسه بروايات ابن ابي عمير المرسله وغيره من اصحاب الاجماع.

قلنا - ان عدم عمله لمانع شيء، وعدم عمله بدواً شيء آخر. وما نحن فيه من قبيل الأول فان الشيخ في الاستبصار كان بصدد علاج الاخبار المتعارضة ومن الطبيعي جدا انه سيقدم المسند الصحيح على ما فيه ارسال وان كان فيه احد أصحاب الاجماع ولو من باب أقوائيه الكاشفيه عن صحه الواقع في الروايات الصحيحة المسنده.

ثم ان ههنا ثمة اشكالات قد ترد لابد من الاجابه عليها وهي متعددة :

الأول - ان العبارة المذكورة لا تدل على اكثر من جلالة هؤلاء القوم ووثاقتهم ومزيد ورعهم ولا نظر لها للمروي او رواته مطلقا.

ويؤيد ذلك اننا لم نجد أحداً من القدماء عمل بخبر ضعيف محتجا بأن في سنده أحد أصحاب الاجماع.

والجواب ان ارادة ذلك من العبائر لا تكاد تعقل إذ كيف يدعى وجود ثمانية

ص: 101

عشر رجلا فقط ممن اجمعت العصابة على وثاقتهم وورعهم وغير ذلك مع وجود النصوص المتضافرة على وجود المزيد من الاجلاء والعيون والعدول بل ان بعض المتاخرين انهى ثقاته الى الف وثلاثمئة وثمانية وعشرين رجلاً.

واما عدم عمل القدماء - لو سلم على عمومه - فلعله من جهة قربهم للرواة ولأصحاب الاجماع فكانوا يركنون لبعض الروايات دون أخرى من دون حاجة لأعمال القاعدة او لاجل وجود روايات آخر فى الباب موافقة لما رواه أصحاب الاجماع أو غير ذلك فيعملون بها من دون حاجة الى الاستشهاد بروايه فيها ارسال او نوع ضعف مما في سندها احد اصحاب الاجماع.

الثاني - ان لازم القول المختار عدم ورود الضعفاء والمهملين وامثالهم في سند الروايات التي فيها أحد اصحاب الاجماع مع ان ذلك واقع وبشكل معتدبه.

والجواب يتضح على ضوء ما أسسناه من لزوم التدقيق في عبائر الذم والمدح فان تضعيف شخص من الواقعين في اسناد روايات اصحاب الاجماع لا يضر ما دام راجعاً الى معتقده او الى حديثه ومن هنا قيل في البرقي (ضعيف الحديث) مع انه من أجله الاصحاب واوثقهم.

وكذا فإن وجود المهملين والمجهولين لا يتنافى ذلك بل يمكننا القول بأن موضوع القاعده هو تصحيح المهمل والمجهول وعلى حد تصحيحات الشيخ والنجاشي واضرابهما ان لم تكن دلالة القاعدة من خلال العبائر المتقدمة أبلغ في إثبات الجلاله والوثاقه وخصوصا ان حذف الاسانيد كان لاسباب سياسيه في تلك الظروف وما شاكلها أو نتيجة لضياع الكتب ثم كتابتها عن ظهر قلب... كما هو الحال في كتب ابن ابي عمير فانه اضطر نتيجه ضياع كتبه اوتعرض بعض الاسانيد للإنتشار الى ذكر كلمة (رجل) او (بعض أصحابنا) بدل الاسم السابق مع ان الجميع من الثقات وحذفهم ليس إلا لأجل نسيان أشخاصهم بالذات.

ثم انه لو فرض وجود شخص قد ثبت ضعفه صريحاً من جهه اللسان فاننا نحتمل انه كان ذا حالتين كما هو الحال في علي بن ابي حمزة البطائي والذي روى عنه

ص: 102

سبعة من اصحاب الاجماع رغم ما ورد فيه من الذم واللعن.

ووجه ذلك _ وكما سياتي في الخاتمة - كون الذم متأخرا عن زمان الروايات وفي ظرف وقفه وانحرافه.

بل ان وجود شخص ما لم يصدق في حياته ولو مرة مما لانكاد نتعقله... ومن هنا نقول ان وجود شخص قد نص على كذبه او وضعه مما لا يخرم القاعدة وعمومها.

ان قلت ان هذا لايزيد على الاحتمال.

قلنا هو كاف في عدم انخرام القاعدة إذ كيف تقيد اوتخرم بالاحتمال وان كان معتدا به.

ومنه يندفع الاشكال الذي يعود بروحه الى الاشكال الثاني وحاصله اننا نتيجة للعلم الاجمالي بوجود الضعاف لا نلتزم بالعمل بالمراسيل لاحتمال كون المحذوف احد الضعفاء المعلومين بينما نلتزم بالعمل بالمسانيد لو وجد في أحدها فرد من اصحاب الاجماع.

ووجه ذلك ان التمسك بالقاعدة كعام حين الشك هو من التمسك بالعام بالشبهة المصداقية ووجه الاندفاع ما عرفت من عدم تعقل ثبوت رجل كذاب طول دهره ولم يصدق في حياته ولو مرة أو إمكان حمل الذم على برهة زمانية مغايرة للبرهة التي نقل أصحاب الاجماع فيها عنه الى غير ذلك مما تقدم بيانه كحمل التضعيف على ضعف الاعتقاد... ومنه يندفع الاستشهاد بامثال علي بن ابي حمزه او ولده فان الاول ممن له حالتان والثاني من يحتمل رجوع تكذيبه الى الاعتقاد لقول ابن فضال عقيب تكذيبه (معلون) وكذا يندفع الاستشهاد بورود المفضل بن صالح ضمن من روى عنه احد اصحاب الاجماع فان الذي ورد فيه التعبير هو ب_ (غمز فيه) وهو اعم مما يراد اثباته وعلى ذلك يقاس جميع الذين استدل بهم.

الثالث - ان انفراد الكشى بمثل هذه الدعاوى دليل على عدم ارادته ما ذكر والا شاع بين الفقهاء آنذاك وارباب الرجال مع كونهم بصدد البحث عما هو من قبيل ذلك.

ص: 103

والجواب انه ليس بايدينا من الكتب الرجالية المعتمدة إلا أربعة كما عرفت في المقدمة وعدم ذكرهم لها مع قلتهم لا يدل على عدم وجودها.

وايضا فان الشيخ في العدة ذكر ما يشابه هذه الدعوى ولا بد انه عثر على شواهد لصدقها وان كان أصل دعواه مأخوذ من كتاب الكشى وسياتي بيانه وكذلك فإن النجاشي لم يكن بصدد بيان هذه المسائل باكثر مما كان بصدد الرد على من عاب على الشيعة في انه لاكتاب لهم في الرجال.

واما عدم تعرض الفقهاء لذلك فقد عرفت وجهه عند الجواب عن الاشكال الأول.

الرابع - انه لو تمت الدعوى المذكورة لما كان معنى لطرح الروايات التي رواها احد أصحاب الاجماع كما هو الحال مع الشيخ الطوسي والذي هو احد ارباب هذه الدعوى.

فقد روى عن ابن محبوب عن الحسن بن صالح رواية وعلل طرحها بأن الحسن زيدي تبرى غير معمول برواياته (1) ولم يقل أنها معتبرة لكون ابن محبوب في طريقها.

والجواب وكما عرفت آنفا ان الشيخ كان بصدد العلاج والجمع بين الأدلة والسعي ما امكنه لبيان الوجوه والادله لرفع ما قد يتوهم من تضاد الأخبار وتناقضها وهو مقال يستدعي طبيعيا طرح ما كان مرسلاً أو كان راوية مضعفا ولو لجهه لا تعود لو ثافته وتقديم المسند عليه.

ومن هنا نجد ان جموع الشيخ في الغالب تبرعية لا تعود الى قانون عرفي متين... مما يؤكد صحة ما ذكرناه...

الخامس _ ان دعوى الاجماع المتقدمة منقولة بخبر الواحد وقد قرر في محله ان الاجماع انما يكون حجة فيما لو كان محصلاً وكاشفاً عن رأي المعصوم بشروط تذكر

ص: 104


1- التهذيب ج 2 ص ٤٠٨ ح 1282.

في محلها واما الاجماع المنقول فهو بقوة الخبر الواحد الحدسي المحتمل الحدس جدا وهو غير حجة...

والجواب اننا لا نؤمن بكبرى التعبد في الطرق وانها المناط عندنا تحصيل نحو ركون للنفس بصحة اية دعوى تدعى.

وههنا كذلك خصوصا انه كرر الدعوى ثلاثا ولم يذكر من الاشخاص إلا ما كان مترقبا في حقه ذلك... ومن ثبت قيام فقه آل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ).

هذا تمام الكلام في المقام الأول

المقام الثاني - في المستفاد من عبارة الشيخ

وكان حق هذا البحث ان يكون فرعاً من أجل ما ستعرفه من عود دعواه الى اجتهاد منه في كلام الكشي.

وعليه فما يقال هناك يقال ههنا ولا حاجة في هذا المقام الى اكثر من اثبات ان كلام الكشي هو منشأ لدعوى الشيخ وان لم ينافي وجود الشيخ لبعض الشواهد على صحة كلام الكشي.

والمستفاد من عبارته يدور حول صفوان و اضرابه كما جرت العادة في عنونة البحث عند ارباب الدراية.

ومنشأ هذا الكلام ما اورده في كتاب العدة في آخر بحث خبر الواحد حيث قال [.. واذا كان الروايين مسندا والآخر مرسلا نظر في حال المرسل فان كان يعلم انه لا يرسل إلا عن ثقة موثوق به فلا ترجيح لخبر غيره على خبره ولاجل ذلك سوت الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى واحمد بن محمد بن ابي نصر وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بانهم لا يروون ولا يرسلون إلا عمن يوثق به وبين ما أسند غيره ](1).

ص: 105


1- العده ج ١ ص

وهذه العبارة كما قلنا مستوحاة من عبائر الكشي وذلك لوجوه عدة:

1 - ان كتاب الكشي من اهم الكتب الرجالية ولذا تولى الشيخ نفسه اختصاره بالكتاب المعروف باسم اختيار معرفة الرجال ولم يصلنا الكتاب الأصل.

ولابد ان الشيخ قد اطلع وتامل جيدا في هذه العبائر ولم يناقش فيها وفي مدى صحتها وملاحظة كل شؤونها بما يعود لثبوتها والا كان من الطبيعي جدا ان يوردها في كتابيه الرجاليين وهما الفهرست والرجال مع انه لم يذكر هذه الدعوى فيهما.

2 - ان الاشخاص الثلاثة المذكورين في عبارة الشيخ مذكورون ايضا في عبائر الكشي.

٣ - ان الشيخ الطوسي لم يذكر الثلاثة مكتفيا بهم بل انه عطف عليهم قوله [ وغيرهم من الثقات...] مما يدل على عدم انحصارهم وعلى انهم انفسهم الثمانية عشر الواردين في كتاب الكشي.

ان قلت الا يحتمل ان يكون الشيخ قد اطلع على مقتضى هذه الدعوى من النجاشي قلنا ان النجاشي وان توفي قبل الشيخ إلا ان كتابه قد كتب بعد تاليف الشيخ لكتابيه بدليل نقله عنهما في ترجمة الشيخ الطوسي (قدّس سِرُّه) هذا اولاً

وثانيا - ان النجاشي لم يذكر هذه العبارة ليرد أصل هذا الاحتمال بل لا يوجد لها أثر ولا عين حتى في ترجمه امثال زرارة ومحمد بن مسلم وابن ابي عمير والبزيطي والذين هم من ابرز اصحاب الاجماع ومن البعيد جدا ان يكون اطلع على ذلك ولم يذكره خصوصا انه ذكر في حق من ليس من قبيلهم ما يشابه ذلك كما هو الحال في جعفر بن بشير حيث قال في ترجمته (روى عن الثقات ورووا عنه).

كيف لا وقد قيل بأعرفية النجاشي من الشيخ بل قيل فيه انه أعرف علماء الرجال ومما يؤيد ذلك انه ذكر في ترجمة بعض اصحاب الاجماع ما هو دون

ص: 106

هذه الدعوى بكثير كما قال في ترجمة زرارة [.. شيخ اصحابنا في زمانه ومتقدمهم وكان قارئا فقيها شاعرا اديبا قد اجتمعت فيه خلال الفضل والدين صادقا فيما يرويه..] فإنك تراه يذكر انه كان شاعرا ولم يذكر - مالو علمه _ ما هو اهم من ذلك.

ويتأيد ذلك ايضا بما يعلم من خلال ملاحظة نقل النجاشي بانه كان على اطلاع بكتاب الكشي لكونه بين يديه.

ولذا نقل عنه في غير مورد كما في ترجمة أبان بن تغلب فقال [قال ابو عمر و الكشي في كتاب الرجال..](1) الى غير ذلك من الموارد.

ومن جميع ما تقدم يتحصل انه لا يستفاد من عبارة الشيخ اكثر مما يستفاد من عبائر الكشي...

ولذا يندفع ما اورد على كبرى صحة اسانيد اصحاب الاجماع من دعوى نظر عبائر الكشى للفتاوى لا للأخبار بدليل عنونة العبائر ب_ [باب تسمية ..الفقهاء]

ووجه الاندفاع ما عرفت من عود عبارة الشيخ الى هذه العبائر وقد صرح هو بما لا ريب فيه بارادة الروايات من العبائر حيث ابدل التعبير ب_ [لا يروون ولا يرسلون...]

وبهذا ينتهي البحث في الباب الخامس

***

ص: 107


1- رجال النجاشي ص 7.

الباب السادس - القول في تقدم الجرح على التعديل وعدمه

وهذه القاعدة كيفما تمت هي من مهمات الأبحاث الرجالية وذلك لأمرين

١ - كثرة التضارب الالفاظ في حق الرواة جرحا وتعديلا مما يعني اعمال هذه القاعدة في كثير من الموارد.

٢ - كثره التعرض له عند علماء الدراية وبحث وجوه النقض والابرام والاثبات وما الى ذلك.

وقد ذهب المشهور من العلماء الى تقديم كلام الجارح على كلام المعدّل ولو تعدد الأخير. وهذا انما ينسجم مع الدعوى القائلة بوجود ثوابت موضوعية لعلم الدراية ولكنك عرفت بطلان ذلك اجمالاً.

وقبل بيان المختار لابد من ابراز الوجوه التي يمكن ان تكون منشأ لدعوى المشهور والرد عليها وهى عديده منها:

الأول - ان التعديل مبني على ملاحظة ظواهر الرجل وسلوكه ومجموع فعاله ويكاد يكون محالاً اطلاع المعدل على كل مجريات وافعال رجل ما وانما يشهد بعدالته من مجموع أمور حسية وملاحظات وقرائن يطمئن من خلالها باستقامه الرجل وسداده وهذا لا يتنافى مع انحرافه باطنا ولو في برهة زمنية قصيرة لم يطلع المعدل عليه.

وهذا بخلاف الجارح الشاهد بانحرافه فإنه يكفي في صدقه اطلاعه على حالة ما من احواله ومن هنا يكون تقديم قوله اشبه بالعمل بكلتي الشهادتين معا..

الثاني - ان شهاده المعدّل شهاده على امر حدسي هو العدالة غير أنها منتزعة في مجموع أمور حسية أو ما قرب منها بينهما على العكس من ذلك شهادة الجارح فانها شهادة على أمر محسوس ومع تعارض الشهادتين كذلك لابد من تقديم الشهادة الحسية على الحدسية وذلك لامرين:

1 - غلبه الخطأ في الحدسيات بالمقابله مع الحسيات.

ص: 108

2- كون عمل العقلاء وديدنهم على تقديم الشهادة الحسية على غيرها حين التعارض.

الثالث - ان الاهتمام بامور الرجال وبيان المجروح منهم من المعدل الموثوق امر قديم عرفه الاصحاب ومنذ عهد الائمة الاطهار ولذا كثر السؤال منهم (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الاشخاص الذين يركن اليهم في اخذ معالم الدين ليتميزوا عن غيرهم ممن ليسوا كذلك وبما ان عادة الاصحاب اخذ الحائطة في امور الدين عموما وبما يتعلق منها بالجرح والقدح خصوصا لما فيه من مزيد النهي والوعيد بالخذلان واللعن كان الاقرب الى الاصحاب حمل الرجال على ظاهر الفعال وحسن المقال والبناء على العداله والصلاح أو التوقف مهما امكن من مثل هذه الأمور.

ومن هنا كانت شهادة الواحد منهم بجرح ونتيجة لما تشتمل على الجرأة والهتك لما خفي عن الناس اشبه بالنص الصريح على صحة وواقعيه الشهادة بحيث دعته الى الخروج عن ديدن وطريقة الاصحاب الى ابراز معايب ومثالب من ظهر أو خفي منه ذلك.

ومن الطبيعي ساعتئذ تقديم الشهادة الجارحة على المعدلة كما تقدم الدلالة اللفظية على السكوتية والصريحة على الظاهرة والمحتملة.

وفي كل هذه الوجوه الثلاثه نظر بيِّن.

اما الأول - فلأنه يتم لو بني على ان العدالة عبارة عن الاسلام مع عدم ظهور الفسق الملائم للاطلاع والاختبار السطحي أو عدمهما اصلاً. واما لو بني على أنها ملكه وكيفيه راسخه في النفس باعثه على ملازمة الطاعات وتجنب المحرمات بل وعدم الاخلال بالمروات كما هي عند البعض فان النتيجة ستنعكس لان الملكة كما بين تكون قرينة على صرف ما ظهر من فسق وانحراف عن ظاهره وحمله على جهة من الجهات المسوغة مما لا يتنافي مع ثبوت الملكة المذكورة.

وكذلك الحال تبعا لما اخترناه في حقيقة العدالة من انها انعكاس تشريعات الملة على تصرفات وسلوك الرجل إذ لا نقصد منها حدوث حالة او حالتين بل نعني بها

ص: 109

مجموع تصرفات تدعو الى الاطمئنان والركون الى انه لا يصدر منه ما يخل بالجادة ومما يؤكد ذلك الكثير من الحوادث الخارجية مع المؤمنين والتي قد يستظهر منها بل يقطع من خلالها بانحرافهم وزندقتهم احيانا مع انه بعد الفحص والسؤال يتبين ان لها وجها وجيها بل قد تكون لازمة واجبة وانها دعا الى الحكم المتقدم عدم الاحاطة بجميع الظروف والملابسات المكتنفه بالحادث.

فهذا محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني يرمى بانه يونسي وكانها مدعاة لكفره وخروجه عن المله مع انه من مثل يونس في الورع والصلاح كيف وقد ورد فيه إنه افقه الاصحاب بعد سلمان الفارسي وخرج التوثيق فيه والترحم عليه بل قد ضمنت له الجنة والى غير ذلك مما ورد فيه (1).

ولو استقرأت ما قيل في الاصحاب والعظام لو جدت العجب العجاب مما مصدره التسرع وعدم التثبت وغلبة قوى النفس الشيطانية وما الى ذلك.

واما الوجه الثاني فيرد عليه.

ان دعوى كون العدالة من الامور الحدسية وهي لا تقاوم المحسوس فغريبة بل وفيه من التسامح في التعبير مالا يخفى لأن العدالة كعدالة وان لم تكن شخصا او جسما خارجيا يرى بالعين إلا انها عبارة عن حالات حسية او قريبة منها كما تقدم فحضور الجماعات والمواظبة على الطاعات واجتناب المحرمات امور محسوسة وهذا المجموع منها ومن غيرها يسمى بالعدالة. فالاسم بما هو اسم ليس محسوساً لكن المسمى هو أمر حسي...

وان شئت التنزل فهي امر حدسي ملاصق جدا للحس كما هو الحال في الشجاعة والكرم وساعتئذ تنخرم كلتا الدعويين من غلبة خطأ الحدسيات بالمقابل مع الحسيات ومن ان عمل العقلاء على ترجيح المحسوس على المحدوس بل لو قيل بالعكس لكان اوجه وذلك لأن العدالة تقتنض من مجموع ملاحظات حسية تشكل

ص: 110


1- اختيار معرفه الرجال ص ٤٧٨.

قرينة احتمالية على المجموع المسمى بالعدالة بينما لا يحتاج الجرح الى اكثر من ملاحظه حالة خارجية واحدة وتقديم الجرح مع كونه كذلك على التعديل مع ما عرفت في كيفيه اقتناصه خلاف الوجدان وخلاف الانصاف.

هذا اولاً.

وثانيا - ان الالتزام بتقديم المحسوس على المحدوس لا يخلو اما للاطمئنان بكذب المحدوس او بخطئه او الجري العقلاء الممضى شرعا.

وكلاهما ممنوع.

اما الأول فلعدم حصول الاطمئنان بكذب أو خطأ الخبر الحدسي كلما عارضه خبر حسي بل قد يحصل العكس احيانا.

واما الثاني فلعدم تسليم جري العقلاء على تقديم المحسوس على المحدوس مطلقا ولو سلم فان ذلك لا يتم فيما كان ملاصقا جدا للحس وما نحن فيه ان يكن حسيا فهو كذلك.

واما الوجه الثالث فغريب أيضا إذ تارة يلحظ الاصحاب بما هم متشرعة واصحاب وتارة بما هم مريدون حفظ الشريعة وصونها عن الحدثان وتطرق الوضع والتحريف.

ففى الحالة الأولى قد يصدق على الاصحاب اخذهم الحائطة في الدين وايجادهم للمحامل الحسنة والعمل على اصلاح امور الناس ومساعدتهم لوصول الى اهداف اللّه تعالى إلا انه فى الحاله الثانية ليس كذلك إذ كيف تصان الشريعه بحمل من ظهر منه الفسق والكذب والوضع على محمل ما مع كونه يحمل بحسب الظاهر تراث اهل البيت مع أن ادنى تساهل يؤدي الى زعزعه بنيان الشريعة المحمدية...

وبعباره اخرى فإن صون الشرع انما يكون بالتشدد مع كل محتمل الكذب في روايته فضلا عن مظنونه وهذه عاده القميين اشهر من ان تخفى في مزيد احتياطهم بالاخذ عن الرجل حتى ان أحمد بن عيسى الاشعري اخرج البرقي من قم لا لذنب سوى اعتماده الضعفاء في مروياته.

ص: 111

واما بيان المذهب المختار في القاعده فيتوضح ضمن بيان نقطتين:

الأولى - طريقة فهم الألفاظ

الثانيه - حقيقة التناقض

اما الأولى - فانه وكما عرفت ان للفظ مرحلتان مرحله تصورية ومرحلة تصديقية فليس كل ظاهر بدوا هو مراد جزما جداً للافظه بل ان هذا خاضع للون سیاق الكلام وحال المتكلم ومعرفه اساليب تعبيره ومن خلال مجموع ذلك يتحدد المراد الجدي لكلامه.

واما الثانيه - فان الحكم على كلامين، انهما متناقضين مرتبط بوحدة المحطة التي ينظر اليها كلا الكلامين وان لا يكون احد الكلامين مفسر اللاخر ناظرين لبرهه زمنية واحده والى غير ذلك مما يذكر من شروط التناقض

ومن هنا فإن تقديم الالفاظ الجارحة على الألفاظ المعدله مرتبط بالنقطتين المتقدمين فلا الجرح مقدم مطلقا ولا التعديل كذلك بل لا بد في النظر الى كلتي العبارتين اولا والنظر في امكان توجيه احداهما بشكل يتناسب مع الأخرى...

فمثلا قد يرد في حق شخص انه ضعيف الحديث ويرد فيه ايضا انه ثقه فنحن امام هذا التضارب لا بد لنا من اعمال الموازنه بين التعبيرين على ضوء ما عرفت وملاحظه المراد من اللفظة الأولى فان التتبع في موارد استعما لاتها مثلاً يعيّن لنا ان المراد فيها غير ماقد يتوهم من اراده الكذب والافتراء بل أن المراد ان احاديثه غير منسجمة مع الخطوط الكبرى والعامة للتشيع أو أن اخباره شاذة او انه يعتمد المراسيل والمجاهيل وغير ذلك...

وهذه التفاسير كلها لا تتناقض بل ولا تتضارب مع وثاقة الراوي ابداً... ولذا يبين في مثل المورد على العمل بالتوثيق وتقديمه على الجرح.

وكذا فيما لو كان احد الكلامين يمكن حمله على برهه زمينة محددة كما هو الحال

ص: 112

في على بن ابي حمزه البطائني فانه قد ورد فيه اللعن مع انه كان من وكلاء الامام وخواصه وبالتدقيق والتامل نجد ان نظر الكلام الجارح الى ظرف مغاير لظرف المعدل وهو ظرف وقفه واستبداده باموال الامام الكاظم (عَلَيهِ السَّلَامُ).

بينما ظرف التعديل هو مرحله ما قبل ذلك. ومنه لا يمكن القول بتقديم الجرح على التعديل مع ما عرفت من امكان توجيه الوارد و بیان انسجامه وعدم تناقضه.

فتحصل من مجموع ذلك انه لا بد من ملاحظة جملة شروط كاساس لتقديم الجرح على التعديل او العكس.

الأول - تشخيص الظاهر الأولي من العبارة.

الثاني - دراسه سير العبارة تاريخيا وتحول معناها عند مستعمليها وطريقتهم في التعبير ومدى اعتمادهم على مقدمات مطوية أو موجوده تؤثر في تحديد المراد.

الثالث - معرفه الفترة الزمانية التي صدرت فيها العبارة.

الرابع - دراسة وضع الشخص وملاحظة رواية الاجلاء عنه وعدمها وموقعه الدينى في الأوساط العلمية وطبيعة رواياته.. والى غير ذلك مما يرتبط به.

الخامس - اعمال الموازنة بين العبائر الواردة على ضوء هذه المقدمات وتحصيل نحو فهم عرفي جامع بينها صالح لتفسير التضارب الظاهر بدوا..

وبهذا يتحصل عدم ثبوت قاعدة ثابتة في المقام تستدعي تقديم الجرح على التعديل او العكس ولا ان العمل بالجرح عمل به وبالتعديل كما مرّ خصوصا انه اخص من الدعوى لاستلزام الجرح أحيانا تكذيب ما صدر من تعديل والعكس.

ولذا لابد من اعمال النظر والاجتهاد والموازنة وهو الاساس الوحيد في التقديم والترجيح.

***

ص: 113

الباب السابع - القول في قطعية صدور روايات الكتب الأربعة أو صحتها

ولا يخفى وجود مفارقة بين دعوى صحة ما فى هذه الكتب ودعوى قطعية صدورها عن المعصومين فان الدعوى الأولى تتلاءم مع الثانية ومع غيرها ككون رواه هذه الكتب ثقات او ان رواياتها معمول بها عند الاصحاب كما هو مبني بعض في التصحيح.. وهذان التفسيران الاخيران لا يلازمان قطعية صدور هذه الكتب كما لا يخفى.

وقد ذهب الى هذه الدعوى على الاجمال جمع من الاصحاب كالحر العاملي والمحدث البحراني والمحدث الاستر آبادي وغيرهم.

كما ان من الاصحاب من زاد كتبا اخرى ككتاب المحاسن للبرقي والاحتجاج للطبرسى والخصال والعيون للصدوق وغيرها من الكتب.

ومنشأ هذه الدعوى على ما يستفاد من ملاحظة كلماتهم هو تضمين المحمدين الثلاثة وغيرهم كتبهم بعبارات تدل على ما ادعوه من صحة هذه الكتب او قطعية صدورها.

ولا بد قبل الشروع في البحث وبيان المختار من عرض هذه العبائر ومناقشتها

- فقد ذكر الشيخ الصدوق في اول كتاب من لا يحضره الفقيه ما لفظه :

[وسألني - اي الشريف ابو عبد اللّه المعروف بنعمه _ ان أصنف له كتابا في الفقه والحلال والحرام موفيا على جميع ما صنفت في معناه واترجمه بكتاب من لا يحضره الفقيه ليكون اليه مرجعه وعليه معتمده وبه أخذه ويشترك في اجره من ينظر فيه وينسخه ويعمل بمودعه.. فأجبته ادام اللّه توفيقه الى ذلك لأني وجدته اهلا له وصنفت له هذا الكتاب بحذف الاسانيد لئلا تكثر طرقه وان كثرت فوائده ولم اقصد فيه قصد المصنفين في ايراد جميع ما رووه بل قصدت الى ايراد ما أفتي به واحكم

ص: 114

بصحته واعتقد انه حجة بيني وبين ربي تقدس ذكره وتعالت قدرته وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعوّل واليها المرجع...](1).

واهم ما في هذه العبارة نقاط ثلاثة :

الأولى - ان تالفيه لأجل عمل السائل ومن أراد ان ينحو نحوه

الثانيه - ان ما ذكره فيه محكوم بالصحة بنظره.

الثالثه - ان ما ذكره فيه مستخرج من كتب معتمدة ومشهورة

وقد فهم الحر العاملي من هذه العبارة ان الصدوق اراد اثبات صحة كتابه وصحة كل كتاب اخذ منه واعتبر ان العبارة صريحة في جزم الصدوق بذلك.

وخصوصا ان تالفيه لاجل عمل السائل كما يدل عليه تعبيره ب_ [ ليكون اليه مرجعه] ومن البعيد جدا ان يودع كتابه الصحيح والسقيم ورغم ذلك يجعله مرجعاً للطالب وملاذا للسائل.

ومما يؤكد ذلك ان الصدوق اسند جملة من روايات كتابه الى المعصومين مباشرة كتعبيره مثلًا (قال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )) أو (قال الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ)) مما يدل على صحة هذه الروايات وقطعيتها صدورا..

واما الكليني فقد ذكر في اول كتاب الكافي راد على سؤال السائل ما لفظه [.. ما ذكرت ان امورا اشكلت عليك لا تعرف حقايقها لا ختلاف الرواية فيها وانك لا تعرف ان اختلاف الرواية فيها لاختلاف عللها واسبابها وإنك لا تجد لحضرتك من تذاكره وتفاوضه ممن تثق بعلمه فيها.

وقلت انك تحب ان يكون عندك كتاب كاف يجمع من جميع فنون علم الدين ما يكتفي به المتعلم ويرجع اليه المستترشد وياخذ منه من يريد علم الدين والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) والسنن القائمة التي عليها العمل وبها

ص: 115


1- من لا يحضره الفقيه ص 3 ح 1.

تؤدى فرايض اللّه وسنة نبيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وقلت: لو كان ذلك رجوت ان يكون سببا يتدارك اللّه بمعونته وتوفيقه اخواننا واهل ملتنا ويقبل بهم الى مرشدهم وقد يسر اللّه وله الحمد ما سألت وارجو ان يكون بحيث توخيت فمهما كان من تقصير فلم تقصر نيتنا في اهداء النصيحة إذ كانت واجبة لاخواننا واهل ملتنا مع ما رجونا ان نكون مشاركين لكل من اقتبس منه وعمل بما فيه في دهرنا هذا وفي غابره الى انقضاء الدهر إذ الرب واحد والرسول واحد وحلال محمد حلال الى يوم القيامة وحرامه الى يوم القيامه ] (1).

واهم النقاط الواردة فى العبارة هي -

اولا - ان السائل اراد بسؤاله رفع حيرته لعدم علمه بحقايق الاحكام لاختلافها عليه.

ثانيا - ان السائل طلب كتابا كافيا عما سئل وهاديا له ولاخوانه.

ثالثا - ان الكليني مدح كتابه بعدة جمل عندما قال [ وقد يسر اللّه وله الحمد ما سألت] إذ ان السؤال وقع عن تاليف كتاب كاف للمتعلم ومرجع للمسترشد ومأخذ لمن اراد معالم الدين.

رابعا _ ان الكليني صرح بان كتابه ماخوذ عن الآثار الصحيحة عن الصادقين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) ووجه الاستدلال بهذه النقاط يتلخص بأحد أمرين:

الأول - ان حيرة السائل لا تخلو اما لأجل تعارض الاحاديث واختلافها أو لأجل عدم تميز بعضها من بعض لوجود الصحيح الثبت وغيره بين الرواة..

ولا بد معه وفى كتاب يكون جوابا وشفاء من الحيرة من كونه بغير ما كان منشأ لها إذ لا تدفع الحيرة بالحيرة.

ان قلت ان ما ذكر مناف لوجود المزيد من التعارض في روايات الكتاب.. قلنا ان ما ذكر قرينة على عدم جدية التعارض أو امكان العمل بكل من هذه الروايات

ص: 116


1- اصول الكافي ج 1 ص 8.

من باب التخير لصحتها جُمع بحسب الظاهر

الثاني - ان الشيخ الكليني يشهد شهاده ضمنية بكون كتابه ماخوذ من مصادر صحيحة لكون الكتاب جوابا عن سؤال يقتضي ذلك كما مر في العبارة قوله بلسان السائل [من يريد علم الدين والعمل به بالآثار الصحيحة].

فبمقتضى التطابق بين الجواب والسؤال يثبت وبشهادة الكليني الضمنية ان كل ما في الكتاب صحيح ومعتمد.

واما الشيخ الطوسي فقد ذكر في كتاب الاستبصار بعد بيانه لنبذة يسيرة عن كتابه المسمى (تهذيب الاحكام) وانه لطوله وكثره ما فيه من الأدلة وتضاربها الف كتاب الاستبصار..... ذكر ما لفظه :

[.. وان أبتدى في كل باب بايراد ما اعتمده من الفتوى والاحاديث فيه ثم اعقب بما يخالفها من الأخبار وابين وجه الجمع بينها.. الى ان قال واعلم ان الاخبار على ضربين: متواتر وغير متواتر فالمتواتر منها ما اوجب العلم مما هذا سبيله يجب العمل به من غير توقع شيء ينضاف اليه ولا أمر يقوى به ولا يرجح به على غيره وما يجرى هذا المجرى لا يقع فيه التعارض ولا التضاد في اخبار النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).

وما ليس بمتواتر على ضربين فضرب منه يوجب العلم أيضا وهو كل خبر تقترن اليه قرينه توجب العلم وما يجري هذا المجرى يجبب أيضا العمل به وهو لا حق بالقسم الأول ثم ذكر جملة من القرائن وقال واما القسم الآخر فهو كل خبر لا يكون متواترا ويتعرى من واحد من هذه القرائن فان ذلك خبر واحد ويجوز العمل به بشروط... ثم ذكر وجوها للعمل بالاخبار وترجيح احدها على الآخر وقال... واذا لم يمكن العمل بواحد من الخبرين إلا بعد طرح الآخر جمله لتضادهما او بعد التأويل بينهما كان العامل أيضا مخيرا في العمل بايهما شاء من جهه التسليم... وعلل ذلك برواية تدل على التخيير وبانه مع عدم الاجماع على احدهما يكون كالاجماع على صحتهما.

ص: 117

ثم قال... وانت إذا فكرت في هذه الجملة وجدت الاخبار كلها لا تخلو من قسم من هذه الأقسام ووجدت أيضا ما عملنا عليه في هذا الكتاب وفي غيره من كتبنا في الفتاوى في الحلال والحرام لا يخلو في واحد من هذه الاقسام](1).

وبما ان الكتاب المذكور هو اختصار لكتاب التهذيب كان لا بد من ذكر ما قاله هناك قبل التعرض لوجه الاستدلال على قطعية صدوره او صحته.

فقد قال في التهذيب بعد أن عرض تعييب قوم علينا بكثره اختلاف رواياتنا حتى ان البعض رجع عن الحق لذلك وانه لأجله جعل كتاب المقنعة للشيخ المفيد منطلقا لكتابة كتابه وجعل مع كل حكم شاهدا من القرآن او من السنة القطعيه المتواترة أو السنة المحفوفة بقرائن تدل على صحتها قال ما لفظه:

[.. ثم اذكر بعد ذلك ما ورد في احاديث اصحابنا المشهوره في ذلك وانظر فيما ورد بعد ذلك مما ينافيها ويضادها وابين الوجه فيها اما بتأويل اجمع بينها وبينها أو اذكر وجه الفساد فيها اما من ضعف اسنادها او عمل العصابه بخلاف متضمنها.

ومهما تمكنت في تاويل بعض الاحاديث في غير ان اطعن في اسنادها فاني لا اتعداه واجتهد ان اروي في معنى ما اتاول الحديث عليه حديثا آخر يتضمن ذلك المعنى اما من صريحه او فحواه حتى اكون عاملا على الفتيا والتاويل بالأثر وان كان هذا مما لا يجب علينا ولكن يؤنس بالتمسك بالاحاديث ](2).

كما ان الحر العاملي نقل عنه قوله في مواضع اخر أن كل حديث عمل به قد اخذ من الاصول والكتب المعتمدة انه مع العدة صرح في بعدم جواز العمل بالظن والاجتهاد في الشريعة وايضا فانه كثيرا ما يرد الاحاديث ففي تهذيبه بقوله انها من اخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا.

هذا ما أردنا ذكره من كلام الشيخ مما يمكن ان يدعى من خلاله صحة کلاکتابیه او قطعية صدورها.

ص: 118


1- الاستبصار ج ١ ص ٤.
2- التهذيب - ج ١ - ص ٤.

ووجه الاستدلال يمكن ان يستفاد من عده مواقع عده :

الأول - قوله في بداية الحديث بان ما يذكره في كتابه مما يعتمد عليه ومن البعيد جدا مع قربه وقرب عهده للأصول واطلاعه عليها أن لا يكون اعتمد في كتابيه على غير الصحيح ومقطوع النسبة والصدور.

الثاني - ما قاله عقيب تقسيمه للأخبار الى متواترة وغيرها.... والغير الى محفوف بقرائن قطعية وعدمه مما يجوز العمل به بشروط حيث قال ان كلا كتابيه بل غيرهما من هذه الاقسام.

وهو شهاده صريحة بصحة كل ما في كتابيه على الاقل...

الثالث - ما يستفاد من كلامه بان ما رواه ماخوذ من الكتب المعتمدة ولا ريب في انه اراد اعتمادها عند الاصحاب لاعنده لظهور كلامه في ارادته بيان مزية لكتابه ومن المعلوم ان اعتماد الاصحاب على هذه الاصول ليس إلا لجهه وثاقة الرواه والناقلين لها او لقطعيه صدورها عن المعصومين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ).

الرابع - ما يستفاد من كلامه في العدة حيث منع من جواز العمل بالظن مضافا الى ما يذكره في غير موضع طارحاً للأخبار بعلة انها لا توجب علما ولا عملا.

وهذا كالصريح في ان كل ما عمل به هو مقطوع الصدور او انه محكوم بالصحه على أقل تقدير.

وهذه خلاصه الكلمات الأربعة للمحمدين الثلاثة مع بيان اهم ما يمكن الاستدلال به على المدّعى.

وسنجيب عن الدعوى بمناقشة دليل كل كتاب مستقلاً عن الآخر.

فاما ما استدل به لاثبات قطعیه صدور او صحة كتاب من لا يحضره الفقيه فيرد عليه أمور:

أولاً- ان دعوى تأليفه لاجل عمل السائل تدل على لزوم صحة ما فيه على الاقل انما تصح في حق من لانظر له في فقه ولا تامل له في علم ولكن السائل المعروف ب_ (نعمة) وكما يظهر من كلامه هو من اهل العلم والنظر كما يدل عليه ايراده فيه لعبائر مادحة

ص: 119

وانه ذاكره في كتاب الرازي (من لا يحضره الطبيب).

ومعه كيف يصح دعوى كهذه مع صدق المؤلف الجامع والمعتمد على كتاب ما ككتابه وان اشتمل على جملة من الرواة المجاهيل والضعفاء وغير ذلك.

وانما ذكرت من باب عدم مخالفتها للمنقول او المعمول او لعدم وجود بديل لها في بابها....

وثانيا - ان محكومية الكتاب بالصحه بنظر الصدوق غاية ما تدل عليه انه عثر على قرائن تثبت ذلك وهي أعم من كون الحديث مقطوع الصدور من المعصوم أو متعبد بصحته مطلقا لكونه خبر واحد مثلاً.

بل ان الشيخ جرى في تصحيحاته مجرى شيخه ابن الوليد فهو يصحح ما يصححه ويضعف ما يضعفه.

ولذ نجده مثلا في كتاب علل الشرائع يصف جملة روايات بانها صحيحة مع انه بالمراجعة نجد انها مروية عن العامة او انها في غاية الضعف.

بل لو سلم أصل دعواه فغايته محكوميته بالصحة ضمن نظره وعلى نفسه لا على غيره ولعلنا لو اطلعنا على ما اطلع عليه هو او شيخه من قرائن لما اوجب لناما اوجب لهما على ان أصل المحكومية مخدوش به تبعا لما شهد به جمع من رجوع الشيخ عن دعواه وقد جمع المحدث البحراني اربعين موردا أفتى الصدوق فيها بخلاف ما رواه في الفقيه.

وثالثا - ان كون كتابه ماخوذ من كتب مشهورة او معتمدة ممالا يجدي نفعا لاثبات المدعى وذلك لوجوه:

أ - ان شهرة الكتاب شيء وصحتها او قطعية صدورها ولو ترامى سندها شيء آخر ولا ملازمة بينها وغايته ثبوت نفس الكتاب الى مؤلفه بالشهرة لا أكثر من ذلك.

ولذا يصح اسناد الرواية الى الكاذب لصدورها منه مع انها غير معتبرة لمكان كذبه وان صدرت منه حقا.

واما انضمام دعوى اعتماد الاصحاب على الكتب الماخوذ منها فهي دعوى

ص: 120

مجملة المراد إذ يصدق على الكتب الاربعة مثلاً وبلحاظ المتاخرين انها معتمدة عندهم مع انهم لا يعملون بالكثير من رواياتهم وانما صح تسميتها بالمعتمدة بالمقابل مع غيرها وبالنظر الى جلالة وشأن مؤلفيها ولغلبة وجود ما يحتاجه الفقيه فيها.

ولذا ترى ان الشيخ الطوسي عندما يناقش رواية ما يضعف سندها لا يحاول دفع المناقشة بدعوى انها ماخوذة من كتاب مشهور او معتمد.

وكذلك فان الكبرى غير مسلمة إذ ان الصدوق في بعض الموارد يذكر حديثا ما قائلاً انه لم يجده إلا في كتاب واحد كما هو الحال في باب ان الوصي يمنع الوارث حيث افاد [ما وجدت هذا الحديث إلا في كتاب محمد بن يعقوب ولا رويته إلا من طريقه].

وهذا الكلام كما ترى لا ينسجم مع دعوى قطيعة صدور كتابه.

ب - ان اعتماد الاصحاب على الاصول والكتب المذكورة لو سلمنا الملازمة بينه وبين ثبوتها فغايته الثبوت الاعم من الواقعي والتعبدي وهو لا يتناسب ايضا مع دعوى قطعية الصدور.

كيف لا وقد امتلأ كتابه بالمجاهيل والمهملين والضعفاء وغير ذلك مما لا داعي لذكره لسهولة الاطلاع عليه بالمراجعة.

ج _ ان الصدوق أسند احاديثا الى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) او الائمة بل الى جبرائيل احيانا وبدون واسطة مع عدم العلم بسنده الى هذه الروايات.

فهل يقال بثبوت هذه الاحاديث المرسلة لمجرد نسبته الى من ذكرنا مباشرة وهل هو الامن التقليد الممنوع على اهل النظر والبصيرة.

د _ انه لو سلم ان اسناده الى المعصومين يدل على صحة كتابه فهو لا يثبت المطلوب لان غايته ثبوت الصحة بنظره مع انه يحتمل جدا ارادة ما رآه في كتب الاصحاب فاسنده على حسب ما رآه.

وبهذا يتحصل بطلان هذه الدعوى ولزوم اعمال النظر في روايات هذا الكتاب کشرط في جواز الاخذ بها...

ص: 121

واما الجواب عما استدل به لإثبات قطعية او صحة روايات الكافي فيقع من عدة وجوه :

الأول - ان حيرة السائل وعدم علمه بحقائق الاحكام لا تعين جهله وكونه من المقلدة محضا بل ان ذلك قد يكون لجهه كثرة الاصول والكتب وكثره الوضوع والنقول المتضاربه مما لم يدع له مجالا للتثبت من شيء يركن اليه.

كما ان الظاهر من تعبيرات الكلينى ان السائل كان من اهل النظر والعلم وإلا كان يكفيه ذكر ارائه او ذكر الروايات بدون اسانيدها.

وايضا فان كلامه لا دلالة فيه على انه لم يورد في كتابه إلا مقطوع الصحة وان كان هذا مرغو با ومطلو با.

ويؤيد ذلك ما نقله الكليني نفسه عنه وقلت انك تحب ان يكون عندك كتاب كاف يجمع (منه) من جميع فنون علم الدين ما يكتفي به المتعلم ويرجع اليه المسترشد وياخذ منه من يريد علم الدين].

فان تعبيره ب_ [ ياخذ منه] دليل على ان فيه ما هو صحيح وتام واقعا او ظاهراً لا انه كله كذلك.

الثاني - ان الكليني نفسه قد نبَّه السائل على كيفية الاخذ بالروايات التي اوردها وما ينبغي طرحه منها حيث قال فيما قال [ فاعلم يا اخي ارشدك اللّه انه لا يسع أحد تمييز شيء مما اختلفت الروايه فيه عن العلماء برأيه إلا ما أطلقه العالم... وقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) خذوا بالجمع عليه فان المجمع عليه لا ريب فيه... ].

فان هذا صريح في وجود روايات شاذة ينبغي طرحها لمقابلتها للمجمع عليه.

الثالث - انه لا ملازمة اصلا بين طلب السائل لكتاب شاف له وبين كون الكتاب قطعي الصدور او صحيح مطلقا.. فكم من الكتب الطبية اوالهندسية والتي فيها من الغث والثمين ورغم ذلك يقال لها كافية نظرا لامكان اقتناص غالب المطلوب والمراد منها.

ص: 122

ومنه يعرف الجواب عن النقطة الثالثة إذ ان الكليني اجابه على مقتض ما يتطلبه سؤاله وقد عرفت عدم اقتضاءه لأكثر مما ذكر.

هة الرابع - ان ما ذكره الكليني من ان كتابه ماخوذ عن الآثار الصحيحة للصادقين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) لا يمكن تسليمه بأكثر مما عرفت في الوجه المتقدم وذلك.

اولا - كثرة وجود الروايات المروية عن غير الصادقين (عَلَيهِ السَّلَامُ).

وثانيا - كثرة وجود الضعاف والمجاهيل بل الكذابين في الكتاب كعمر و بن شمر وغيره.

وثالثا - كثره وجود المقاطيع والمراسيل كذلك وهل يقال في مثل روايه رواها في الجزء الأول [ علي بن محمد رفعه عن ابي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)](1).

أو [علي بن ابراهيم بن هاشم عن أبيه عن محمد بن عيسى عن حفص بن البختري عمن ذكره عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال لما مات أبي...]

أو [ الحسين بن محمد بن عامر عن احمد بن سحاق بن سعد عن سعدان بن مسلم عن ابي عماره عن رجل عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)]

أو [ الحسين بن محمد عن المعلى بن محمد عن البرقي عن ابيه عمن ذكره عن رفيد مولى يزيد بن عمر و بن هبيده... ]

... بانها مقطوعة الصدور او انها صحيحة بأكثر مما هي كذلك بنظره - لو سلم ايضا -

اللّهم إلا ان يدعى انه يعني بذلك أنها مأخوذة من الكتب المعتمدة والمشهورة وقد عرفت جوابها.

واما الجواب عما ادعى من قطعية صدور كتابي الشيخ والطوسي (قدّس سِرُّه) فهو من عدة وجوه

ص: 123


1- اصول الكافي ج ١ ص ٤٥٣ و ص ٤٦٧ وص ٤٦٨.

الأول - ان دعوى قرب الشيخ لاصحاب الاصول جارية فيه وفي غيره وهل ياترى يقال ذلك في حق كل مصنِّف ومصنَّف.

مضافا الى ان الشيخ لم يصرح بان كل ما في كتابه معتمد المأخذ بل ان ذلك في خصوص ما يبتدى به كما في اول استبصاره... ولذا تراه يردف احاديثه المذكورة بغيرها ويذكر وجوه العلاج والتأويل.

الثاني - ان ما ذكره الحر العاملي على عكس المدعى ادل لاننا بمراجعة كلام الشيخ لم نعثر على انه قال أن ما في كتابه اما متواتر وأما غير ذلك ولكنه مقطوع الصدور بل ان صريح كلامه في وجود اخبار آحاد لابد من النظر فيها وفي كيفية العمل بها ولذا تراه قيد جواز العمل بشروط عدة..

الثالث - ان كون كتابيه ماخوذين من الاصول المعتمدة ليس صريحاً كما عرفت في ارادة الاعتماد تفصيلاً بل انه يحتمل كون ذلك لجهة وضوح نسبتها الى مؤلفيها مع جلالة قدرهم وعظمة مكانهم وانسجام ما رووه مع كبريات التشيع.

كما انه يحتمل كون ذلك لأجل وجود الشواهد والقرائن العملية واللفظية على صحتها ومما يؤيد ذلك ان الشيخ في كتاب العدة قال ان تسليم الاصحاب الاحالة على الاصول المشهورة انما هو فيما لو كان راوية ثقة.

وكلامه صريح جدا في عدم قطعية كتابيه بل وكتب غيره ايضا لا من حيث الصدور ولا عند الاصحاب.

بل لو سلم قطعيتها عندهم فانها لا تسلم لدينا لوصول هذه الكتب الى المحمدين الثلاثة وغيرهم ممن قارب عهدهم عبر الواحد سواء اكان لجهة المعصوم او لجهة أصحابها.

ومعه لا يبقى مجال الدعوى قطعية صدور الكتب الأربعة.

وهذا الوجه يشمل المقام وغيره مما سبقه.

الرابع - ان ما ذكره من عدم تجويزه العمل بالظن والاجتهاد لا محاله یرید به كبراه وإلا فقد امتلات كتبه بالوان ووجوه الاجتهاد وانحاء الاستظهارات

ص: 124

والتأويلات الظنية وانما كان محط نظره ما كان من قبيل التخرص والاستحسان والفياس والرجم بالغيب وما شاكل كل ذلك.

ولا نظر لعبارته الى ما قام الدليل على جواز الاعتماد عليه وان كان ظنيا.

هذا مع عدم قبولنا لكبرى مقولة ظنية إخبار الثقات..

ويمكن ان نذكر شواهد ومؤيدات اخرى لابطال دعوى قطعية صدور كلا کتابیه:

1 - کثرره روايته قده عن المجاهيل والضعفاء بل الكذابين وبشهادة منه نفسه فضلًا عن وجود المراسيل وما الى هنا لك مما هو قرينة على عدم صحه الدعوى المتقدمة.

لا يقال ان ضعفه او جهالة الراوي لدينا لا تلازم ضعفه او جهالته عنده لاحتمال وضوح الامر عنده.

فانه يقال مضافا الى ما تقدم من ورود الضعفاء وبتصريح منه انه قال في ذيل رواية الزعفراني في الاستبصار (1) بانه مجهول وبأن فى اسناد الحديث ضعاف وانه لا يعمل بما يختصون بروايته.

٢ _ ان الشيخ في العدة صرح بما يستفاد منه عدم قطعية ما في كتابيه وغيرهما عند الاصحاب لاختلافهم جدا في العمل بالروايات الواردة فيهم فانه قال.

[.. وقد ذكرت ما ورد عنهم (عَلَيهِم السَّلَامُ) من الاحاديث المختلفة التي تختص بالفقه في كتابي المعروف بالاستبصار وفي كتاب تهذيب الاحكام ما يزيد على خمسة آلاف حديث وذكرت في اكثرها اختلاف الطائفة في العمل بها وذلك اشهر من ان يخفى حتى انك لو تاملت اختلافهم في هذه الاحكام وجدته يزيد على اختلاف ابي حنيفة والشافعي ومالك].

وهو كما ترى دلالة. اللّهم إلا يقال ان اختلافهم كان في كيفية فهم النصوص

ص: 125


1- الاستبصار ج 2 ص 230 وص 231.

وطرق الجمع الدلالي.

٣ _ ما ذكره الشيخ في ذيل روايه يونس في الاستبصار عن ابي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال قلت له الرجال يغتسل بماء الورد ويتوضأ به للصلاة قال لاباس بذلك.

فقد ذكر في ذيله [ فهذا خبر شاذ شديد الشذوذ وان تكرر في الكتب فانها أصله يونس.. الى ان قال ولو ثبت لاحتمل ان يكون المراد بالوضوء في الخبر التحسين] (1) ولفظ (لو ثبت صريح في عدم جزمه ولا ظنه بصدور الرواية

٤ - ما ذكره ايضا في الاستبصار الباب السادس باب الوضوء بنبيذ التمر عن عبد اللّه بن المغيره عن بعض الصادقين [.. فان لم يقدر على الماء وكان نبيذا فاني سمعت حريزا يذكر في حديث ان النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قد توضأ بنبيذ ولم يقدر على الماء].

فقد ذكر [ فاول ما فيه ان عبد اللّه بن المغيرة قال عن بعض الصادقين ويجوز ان يكون من اسنده اليه غير امام وان اعتقد فيه انه صادق على الظاهر فلا يجب العمل به.

والثاني انه أجعمت العصابة على انه لا يجوز الوضوء بالنبيذ فسقط الاحتجاج به من هذا الوجه ولو سلم من ذلك كله لجاز ان نحمله على الماء الذي قد طرح فيه تمر قليل... وان لم يبلغ حداً يسلبه الماء...](2).

وهذه العباره اصرح من سابقتها في عدم جزمه بصحة كتابه مطلقا بل بعدم الجزم بأن كل ما فيه هو عن المعصومين كما تنبىء بذلك عبارته.

٥ - ما رواه في التهذيب عن الحسن بن صالح الثوري فإنه قال عقيبه [والرواي له الحسن بن صالح وهو زيدي بتري متروك العمل بما يختص بروايته] مع

ص: 126


1- الاستبصار ج ١ ص ١٤.
2- الاستبصار ج ١ ص ١٥.

ان في سند الرواية ابن محبوب وهو احد اصحاب الاجماع.

٦ - ان الشيخ اكثر الروايه عن سهل بن زياد مع انه بنفسه ذكر ان سهلاً ضعيف جدا عند نقاد الاخبار وان ابا جعفر بن بابویه قد استثناه من رجال نوادر الحكمة.

والى غير ذلك من الشواهد الكثيرة التي يحصل عليها المتتبع والتي تشكل بمجموعها دليلا قطعيا على بطلان دعوى قطعية او صحة كتابي الشيخ (قدّس سِرُّه).

- وعليه يتحصل ان حال الكتب الأربعة حال غيرها من الكتب ولا بد من اعمال النظر والاجتهاد في رواة اسانيدها وتمييز العليل والسقيم من الصحيح والمعتمد على طبق القواعد الاجتهادية الملتزم بها.

***

ص: 127

الباب الثامن - القول في جملة امور ادعى دلالتها على الوثاقة

توضیح

ذكر ارباب الدراية والرجال امور كثيرة ادعى استفادة الوثاقة منها كما انه نوقش فيها بوجوه كثيرة واثبت منها ما اثبت بوجوه

ونذكر نبذة مما ذكروه دالا على الوثاقة :

١ - ان يكون الرواي شيخ اجازة كذلك.

٢ - ان يكون ممن روى كثيراً عن المعصومين (عَلَيهِم السَّلَامُ).

٣ - ان يكون وكيلاً من قبل احد المعصومين (عَلَيهِم السَّلَامُ).

٤ - ان يكون ممن روى عنه الاجلاء

٥ - ان يكون رسولاً من قبل المعصومين (عَلَيهِم السَّلَامُ)

٦ - ان يكون ممن تسلم راية في حرب من حروبهم (عَلَيهِم السَّلَامُ).

7 - ان يكون ممن لازم المعصوم بخدمة او كتابه او صحبه وما شاكل ذلك.

8 - ان يكون ممن اذن له في الفتيا من قبلهم (عَلَيهِم السَّلَامُ).

9 - ان يكون ممن تشرف بلقاء الحجة (عَلَيهِ السَّلَامُ).

10 - ان يكون ذا أصل او كتاب

١١ - ان يكون محبوبا من قبلهم (عَلَيهِم السَّلَامُ)

12 - ان يكون ممن استفاد علو ما خفية من قبلهم (عَلَيهِ السَّلَامُ) كعلم البلايا والمنايا وما شاكلها.

الى كثير من الامور والأمارات التي ذكرت لاثبات وثاقة المتصفين بأحد هذه الاوصاف وقد رأينا الإعراض عن اكثرها لعدم مزيد أهميتها ولوضوح أمرها وإنما أحببنا التعرض للصفات الثلاثة الأول التي ذكرت في المقام.

فههنا بحوث ثلاثة :

ص: 128

البحث الأول _ في وثاقة مشايخ الاجازة

والمراد من مشايخ الاجازة من كان لديهم كتب أو روايات اجازوا غيرهم نقلها وروايتها ولو لم يكن بالسماع منهم أو بالقراءة عليهم بل يصدق ذلك بمجرد اجازتهم النقل والرواية.

به ووجود المشايخ عندنا ليس بعزيز ويعلم حالهم وعددهم بمراجعة كتب الرجال ككتاب النجاشي وقد استشكل في استكشاف وثاقه الشيخ لمجرد كونه شیخ اجازه باستلزامه وثاقة كل من روي عنه باذنه لكونه مرويا عنه واللازم باطل فالملزوم مثله في البطلان.

إلا ان الصحيح هو التفصيل بين نوعين من مشايخ الإجازه:

أ - تاره يكون الشيخ مجرد مخبر لجزء يسير من الروايات او لكتاب واحد مثلاً مع مجهولية حاله تماماً ما خلا ذلك.

ب - وتارة يكون الشيخ من خلال اجازته ممن يصدق انه ناشر لتعاليم أهل البيت لكثره حوايته على الكتب والروايات عن الثقات والاجلاء وغيرهم.

ففي النوع الأول لا نلتزم بوثاقه الشيخ كذلك بينما نلتزم بها في المقام الثاني ومن هنا قبلنا وعملنا بروايات سهل بن زياد _ كما سياتي توضيحه في الخاتمة - والوجه فيه اننالا نتعقل ان يكون رجلا ما ناشرا لاحاديث اهل البيت وصاحب مكتب اسلامي لبث الوعي الديني وتنشيط معالم الاسلام وان يكون في المقابل كذابا او وضاعاً.

وهذه الملازمة تدرك بسهولة لو لوحظ الحاضر وما فيه إذ انه خير دليل على الماضي خصوصا في مثل هذه الوارد.

والاطمئنان المذكور بوثاقة الشيخ المجيز ان لم نقل بالعدالة بل بالجلالة لا يتنافى مع عدم انطباق المجاز على الواقع خارجا او تبين عدم الوثاقة احيانا كما يحصل نادرا في سائر موارد الاطمئنان ومنه يندفع الاشكال القائل بان بعضا من المشايخ قد

ص: 129

ضعفهم النجاشي كما هو الحال في الحسن بن محمد بن يحيى حيث قال النجاشي فيه [.. ورايت اصحابنا يضعفونه ] (1).

ووجه الاندفاع عموما وفيه خصوصا :

اولا - عدم رجوع التضعيف الى الجهة القولية بل وقد يكون الجهات اخرى يمكن حمل اللفظ عليها وفي المقام كذلك فان النجاشي ذكر قبل هذه الجملة ما يدل على ان تضعيف الاصحاب له لا لضعف في نفسه بل لما رواه عن المجاهيل مما هو مستنكر ومستغرب آنذاك فقد قال ما لفظه [... وروى عن المجاهيل احاديث منكره... ].

وثانيا - ان المضعَّف لا يعلم كونه ممن دخل تحت النوع الثاني خصوصا مع تضعيف الاصحاب له فلعله داخل في افراد القسم الأول.

وثالثا - لو سلم انه من القسم الثاني فلا ينافي الاطمئنان فان عدم انطباقالمطمئن به معلوم اجمالا ورغم ذلك لا ينافي وجود الاطمئنان وتمركزه.

***

ص: 130


1- رجال النجاشي ص ٤٨.

البحث الثاني - القول في وثاقة كثير الرواية عن المعصومين (عَلَيهِ السَّلَامُ)

وخير ما يمكن ان يستدل به لاثبات الوثاقة وجوه ثلاثة :

الأول - ان كثرة روايات الراوى عن المعصومين (عَلَيهِم السَّلَامُ) تدل على ملازمته لهم (عَلَيهِم السَّلَامُ) والكاشفة عن شدة حبه وارتباطه بهم (عَلَيهِم السَّلَامُ) وهذا لا محاله ينبئ عن جلالة الراوي ووثاقته.

الثاني: ان كثرة الرواية وتعددها كما وكيفا تدل على ايداعهم (عَلَيهِم السَّلَامُ) اسرار الشريعة واحوالها الى الراوي وهذا يدل على التزام الرواة بامر الدين الحنيف. والا لما كان لروايتهم عنهم وخصوصا مع نقلها وتدوينها وجه يكاد يعقل.

الثالث - التمسك بالروايات الخاصة. فقد روى الكشي عن الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) وبألسنة متقاربة بان معرفة منازل الرجال منهم (عَلَيهِم السَّلَامُ) انها تكون على قدر روايتهم عنهم ولكن الصحيح أن أياً من هذه الوجوه لا يدل على ما ذكر وذلك لأمور :

أولا - ان كثرة الرواية لا تدل على الملازمة دائما إذ ان تردد شخص ما الى المساجد والمنتديات العامة التي يتواجد فيها المعصوم احيانا كاف في أن يكثر الرواية عنه.

وكذلك من سمع كثيرا عن المعصوم بحيث اطمئن بما سمع فانه ينقله مسندا اليه مع ان كلا من الموردين لايدل على أي ملازمة للمعصوم كما هو واضح.

وثانيا - ان الملازمة لا تدل بوجه على المحبة والارتباط وكيف يتم ذلك وقد لازم النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في صدر الاسلام من كانوا يتربصون به وبالاسلام الدوائر.

وممن سمعوا منه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ). نتيجة لملازمتهم له المزيد من الروايات وبين ايديهم الوحي والمعجزات والبراهين التي لا يمكن انكارها.

عليه فهل ياترى يلتزم بوثاقتهم لذلك.

وثالثا - ان ايداع اسرار الشريعة لا يكتشف من كثرة الرواية او تنوعها

ص: 131

مطلقا بل ان تنوعها الخاص او كون المروى خاصا ببعض العلوم التي يعلم بانسجامها مع الخطوط العامه لخط اهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ).

فان المعصوم كان يجلس في المساجد وغير ذلك ويفتي الناس ويحدثهم وكان يسمع منه المفتر والكذاب كما كان يسمعه الصادق والامين.

ورابعا - ان كثره الروايه لو دلت على الوثاقة لكان من السهل اليسير على كل مفتر وضاع ان يؤلف كتابا او يحدث بما لا عين رأت ولا اذن سمعت وبالتالي يتصف بالجلالة والوثاقة وتاخذ رواياته قيمة معتد بها.

و بعباره اخرى ان ثبوت مروياته فرع وثاقته لا العكس.

وناهيك من الأدلّة على صحة ذلك ما رواه ابو هريرة بشكل فاق زمن دهره... وهل يقال بوثاقته بناء على ذلك.

وخامسا - انه قد ثبت في طيات الكتاب الرجالية التضعيف والذم للكثير من ارباب الكتب المتعددة والمرويات الكثيرة.

وسادساً _ ان ما ادعى دلالته من الروايات الخاصه غير تام فانه مضافا لضعف سند هذه الروايات لا نظر لهذه الروايات لاثبات المنازل على قدر الروايات مطلقا.

بل من المقطوع به عدم صحة ذلك فان الوثاقة والحجية مفروضتان في كلام الامام في حق الذي يراد معرفه منزلته وانما أعطي نحو مائز طريقي يعرف من خلاله منازل الرجال وقربهم للائمة (عَلَيهِم السَّلَامُ).

وايضا فان الاستدلال المذكور استدلال بأمر غالبي لوضوح عدم الملازمة إذ رب صديق ورع هو اقل رواية ممن هو أقل منه منه ورعا وصلاحاً...

كما انه من المحتمل جدا ان يكون المراد بالأحاديث المتقدمة اعطاء ضابطة لمعرفة الرجال بالنظر الى فقه وتدبر الروايات لا لمجرد الرواية وهذا نحو ضابطة موضوعية عقلائيه ويؤيد هذا الاحتمال ما رواه الكشي نفسه في مرفوعة المحمدي عن الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) [اعرفو منازل شيعتنا بقدر ما يحسنون من رواياتهم عنا فانا لانعد

ص: 132

الفقيه منهم فقيها حتى يكون محدثا فقيل له او يكون المؤمن محدثا قال: يكون مفهما والمفهم المحدث ] (1).

فان قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيها [ بقدر ما يحسنون] ظاهر في اراده التفقه والتدبر ولذا عقبه بما هو مترتب على هذه العبارة وهو قوله [ فانا لا نعد الفقيه... الخ] فانه لولا الحمل المذكور لما كان لهذا التفريع والترتيب مناسبة كما لا يخفى على المتأمل فتأمل.

إلا ان الرواية ساقطة سندا بالارسال.

ويؤيد الاحتمال المتقدم ايضا ما في مكاتبة ابو الحسن بن ماهويه عن ابي الحسن الثالث (عَلَيهِ السَّلَامُ) في سؤال عمن ياخذ معالم دينه فاجابه (عَلَيهِ السَّلَامُ) [... فاصمدا في دينكمها على كل مسن في حبنا وكل كبير التقدم في أمرنا فانهم كافوكما اشاء اللّه ].

حيث نجد ان الامام لم يستدل بكثره الرواية لصدق الكفاية بل نجده أرجعها الى كل كبير التقدم في امرهم وهو الفقيه الممارس والناظر في اقوالهم وفعالهم بحيث يتوخى ويترقب منه الحق والصواب.

وبهذا يتحصل عدم تمامية الكبرى المدعاة.

ص: 133


1- اختيار معرفه الرجال باب فضل الروايه والحديث ص ٣.

البحث الثالث - القول في وثاقة الوكيل من قبل المعصومين (عَلَيهِم السَّلَامُ)

- وقد ادعى ان الوكالة تستلزم العدالة والتي هي فوق رتبة الوثاقة ولا بد من ذكر ما يمكن ان يكون مدركاً لهذه الدعوى.

الأول _ دعوى جريان العقلاء واصحاب المروات على تسليم أمورهم الى المأمون والحاذق وخصوصاً فيها خطر أمره وعظم نحوه.

ولا ريب في كون المعصوم سيد العقلاء ورجل المروات ولا يتصور في حقه مع صحة هذه الدعوى ان يوكل الفاسق والكاذب في أموره وشوؤنه مع استدعاء ذلك في بعض الموارد الى اختلال احواله واموره فيما يعود اليه والى التشريع الذي هو بصدد حفظه وبيانه.

الثاني - ان الروايات تضافرت في النهي عن اعانة الظالمين والركون اليهم كما ورد في المقابل الحث والترغيب في اتخاذ الشريف والأمين مساعداً وعضداً وأي ظلم أعظم واوضح من ان يوكل من كان من قبيل امام المسلمين وولي اللّه في الارض فاسقاً أو كاذباً فاجراً....

الثالث - ان توكيل الفاسق من قبل إمام المسلمين نوع تشريف وتعظيم للوكيل وتسهيل لاموره وشوؤنه بحيث يستطيع من خلال ما يحصل عليه الاخلال بامر الدين وبلباس الدين وهو مما لا يتصور وقوعه من احد من المعصومين (عَلَيهِم السَّلَامُ).

الرابع - التمسك ببعض الروايات الخاصة كالذي رواه الكليني عن علي بن محمد عن الحسن بن عبد الحميد قال :

[ شككت في امر حاجز فجمعت شيئا ثم صرت الى العسكر فخرج الي: ليس فينا شك ولا من يقوم مقامنا بامرنا رد ما معك الى حاجز بن يزيد](1).

ص: 134


1- الكافي - ج ١ فروع - كتاب ٤ باب مولد الصاحب ص ١٢٤.

وموضع الاستدلال قوله [.. ليس فينا شك ولا من يقوم بامرنا] حيث انها تصرح بنفي الشك والريب ومنه الكذب بل الفسق في كل قائم بامرهم (عَلَيهِم السَّلَامُ) وقبل الاجابه عن هذه الوجوه نذكر اولاً الاقسام المتصورة في الوكالة وما يمكن ان يستفاد بالنسبة الى كل منها فنقول الوكالة تتصور على أنحاء :

الأول - ان يكون وكيلا عنهم (عَلَيهِم السَّلَامُ) فيما يرجع الى شؤون الدين كالافتاء والقضاء وامامة الناس وارشادهم الى ما فيه صلاحهم ونقل كلام المعصومين اليهم وما شاكل ذلك.

الثاني - ان يكون وكيلا عنهم فيما يتعلق بأمور النظام العام كنصب العيون وتحميل الرايات في الغزوات والحروب والتولية في اجراء احكام وقائية من تعزير او قتل وما الى ذلك.

الثالث - ان يكون وكيلا من قبلهم فيها يعود للحقوق والواجبات المالية كبعض الاخماس والزكوات والكفارات وما شابه ذلك.

الرابع - ان يكون وكيلاً من قبلهم بالنسبة الى الحقوق الخاصة للناس كحفظ المساجد والاوقاف والمدارس وادارتها وسائر ما يتعلق بشوؤنها.

الخامس - ان يكون وكيلاً من قبلهم في جملة من المسائل الخاصة التي لا ترتبط بأمور الدين ولا بالناس كشراء وبيع وايصال رساله وطلب حاجة وما شاكل ذلك.

- ثم انه لا بد من التذكير بان الملازمة بين الوكالة وبين الوثاقة لو تمت فانها تفيد اثبات الوثاقة الظاهرية لابتناء تعامل الامام مع الآخرين على الظواهر كما يشهد له جمع منالأدلة.

وساعتئذ لايقال باختلال القاعدة لو ثبت تضعيف ما عائد لجهة قوليه او غيرها من قبل ارباب الرجال بل لابد من اعمال الموازنة بين نتيجة القاعدة ومؤدى التعبير الذام وتحصيل النتيجة النهائية على ضوئها.

والصحيح في المقام هو الالتزام بثبوت الملازمة في خصوص موردين اثنين لا ثالث لهما.

ص: 135

الأول - ما كانت الوكالة فيه من الامور المهمة والخطيره.

الثاني - ما كانت الوكالة فيه مستلزمة لثبوت الوثاقة او العدالة.

اما الأول فلأن ديدن العقلاء فضلا عن المتشرعة وفي خصوص امورهم الخطيرة التثبت والتأكد من صحه ووثاقه من ينيطون هذه الامور اليه.

واي شيء أعظم وأهم من حفظ الدين من الضياع ومن وقوع الدس فيه ولذا تلتزم بوثاقه كل من ينضوي تحت القسم الأول المتقدم ذكره آنفا بل وبعض افراد القسم الثاني لا مطلقا فان توكيل الامام شخصا في اجراء احكام وقائيه مما لا يحتمل فيه كونه كاذبا فاسقا...

بينما يحتمل ذلك في العين ولو في الجملة وذلك لا مكان اقتناص الحقيقة من مجموع كلامه وخصوصا كون المقتنص هو المعصوم (عَلَيهِ السَّلَامُ).

ولا يقال ان هذا يتم مع عدم وجود غيره واما معه فلا

إذ يجاب انه ربما اختير بخصوصه لمزية لا توجد في غيره ككونه من القوم المأمور بمراقبتهم او لمزيد خبرته ومثله يقال في حامل الرايه ولو لكونه بطلاً في الحروب او لمناسبه ما تجعل حمل الراية بيده أشد على الاعداء وأمسك للأصدقاء.

واما الثاني - فلأن الامام (عَلَيهِ السَّلَامُ) رأس الشرع والمتشرعة ولا يعقل صدور المخالفة منه فى هذه الناحية إذ كيف يوكل شخصا في طلاق مثلاً وهو كاذبمخادع مع وضوح توقف انفساح النكاح على قوله.

وكذا الحال في الحقوق المالية المنصب لقبضها لان يد الوكيل بمنزلة يد الموكل ولو كان كاذبا وأخفى ذلك عن الامام لأدى الى عدم سقوط الحقوق عن اصحابها بل انه يعرض اموال الشرع للاندراس والإختفاء.

وكذا لو وكل شخصا في امامة الناس فان ذلك دال لا محاله على عدالته.

واما في غير ذلك مما لا ملازمة بينه وبين الوثاقة عرفا اوشرعا فلا نسلم بثوت الوثاقه به وهل يقال ان توكيل الامام شخصا في شراء حاجة ما دال على وثاقة الموكل

ص: 136

ومنه تعرف ان افراد الاقسام الخمسة المذكوره يلتزم بوثاقتتهم فيما لو دخلوا تحت احدى الضابطين المتقدمين.

ومنه يندفع ما اورده بعض المحققين من ثبوت فسق جملة معتد بها من وكلاء المعصومين (عَلَيهِم السَّلَامُ) ووجه الاندفاع ان فسق اولئك عائد لا محاله الى أحد أمور:

1 - اما لجهة غير لسانية مع ان وكالته لا تحتاج الى اكثر من وثاقة لسانه.

2 - اما لجهة لسانية او غيرها ولكن المقام لا يحتاج فيه لذلك كشراء الامتعة وما شاكلها.

٣ - ان يكون المضعَّف ممن صدر فيه التضعيف بعد انقصاء وكالته بوفاة المعصوم او غير ذلك كما هو الحال في علي بن ابي حمزه البطائني.

واما الوجوه الأربعة المتقدمة والتي اقيمت لاثبات الملازمة فيرد عليها زائدا على توضح لديك.

اما الأول - فلأنه لا يتم إلا فيها عظم امره لا مطلقا ونحن قد قبلنا الملازمة فيما كان كذلك.

واما الثاني - فهو غريب لان ديدن العقلاء والمتشرعة أيضا جار قديما وحديثا على جعل المزيد من امورهم في يد الفسقه والكذبه كالبناء والزرع والشراء والبيع ناهيك تتلمذ جملة من العظام عند مخالفينا وهل يقال فيهم انهم ركنوا الى الظالمين أو اعانوهم على الظلم والبغي.

واما الثالث _ فقد اتضح بيانه من سابقه خصوصا ان احوال الائمة وأوضاعهم الصعبة لم تكن لتخلق تشريفا للوكيل بقدر ما كانت تجلب عليه الهموم والأحزان لمراقبه السلاطين لهم وتتبعهم...

وهل يقال لمن خاط جبة او بني بناء او أكل من مطعم ما مع انحصار البناء والخياط بانه نوع تشريف لهم أَوَلَيست هذه امورا طبيعية يمارسها الكبير والصغير والشريف والحقير قديما وحديثا وفى سائر أمثال هذه

ص: 137

الموارد.

واما الرابع - فلأن الرواية لا يصح الاستدلال بها من جهتين:

أ - سقوطها سندا لجهالة الحسن بن عبد الحميد.

ب - اجمالها دلالة إذ لا يعلم المراد من الأمر الذي قام القائم مقامهم فيه لكون الروايه ليست بصدد البيان من هذه الجهه فلعله داخل تحت القسمين المذكورين واللذان قبلت الملازمة فيهما.

ج - ان ظاهر الرواية ارادة اثبات وثاقة وجلالة نوابهم وما شاكلهم ممن له حظوة ودور في تشريع ودينه لا مطلق القائم مقامهم ولو في شراء حاجة ولذا لم يعبر في الرواية [.. ولا بمن وكلناه] بل ان التعبير ب_ [من يقوم مقامنا بامرنا] دال على ما ذكرناه.

وبهذا ينتهي البحث في الباب الثامن وهو الباب الاخير من المقصد...

***

ص: 138

الخاتمة في بعض التطبيقات :

توضیح

ويدور البحث في خمسة مصاديق وفي كيفية تطبيق كبريات البحوث المتقدمه على مواردها الجزئية وتحصيل النتائج المرجوة سلبا او ايجابا:

الأول _ في احوال سهل بن زياد

الثاني - في احوال المعلى بن خنيس

الثالث _ في احوال عمر بن حنظلة

الرابع - في احوال السكوني

الخامس - في احوال على بن ابي حمزة...

ص: 139

البحث الأول _ في احوال سهل بن زياد الآدمي

ويقع البحث في احواله ضمن ثلاث نقاط :

الأولى - في عرض اقوال العلماء الفقهاء فيه.

الثانيه - في عرض عبائر الرجاليين ومن يعتد بقولهم.

الثالثه - مناقشة الاقوال والعبائر وبيان المختار

اما الأولى - اختلفت كلمات الاصحاب في سهل بن زياد فقد نسب للمشهور منهم تضعيفه وعدم الاعتداد بما يرويه نذكر منهم الشيخ الطوسي في الفهرست والنجاشي في رجاله والعلامة في الخلاصة وجملة من كتبه الفقهية والمحقق في الشرائع ونكت النهاية والمعتبر والمحقق الآبي في كشف الرموز والسيوري والشهيد الثاني والبهائي وصاحب المدارك وغيرهم من الاصحاب.

وفي مقابل المشهور ما ذهب اليه الشيخ نفسه في رجاله من القول بوثاقته وقوى ذلك العلامة في التحرير وهو المختار والمعتمد تبعا للوحيد والعلامة المجلسي.

واما الثانية -

قال الشيخ في الفهرست [سهل بن زياد الآدمي الرازي ابو سعيد ضعيف له كتاب اخبرني به ابن ابي جيد.. ](1).

وقال في رجاله ضمن اصحاب الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ) [سهل بن زياد الآدمي يكنى أبا سعيد من اهل الري] (2).

وذكره في ضمن اصحاب الهادي قائلًا [ سهل بن زياد الآدمي يكنى أبا سعيد ثقه رازی] (3).

ص: 140


1- فهرست الشيخ ص 80.
2- رجال الشيخ ص ٤٠١.
3- رجال الشيخ ص ٤١٦.

وعن الاستبصار انه قال فيه [.. ضعيف جدا عند نقاد الأخبار وقد استثناه ابو جعفر بن بابويه من كتاب نوادر الحکمه ] (1).

وذكره في رجاله ضمن اصحاب العسكري ايضا قائلًا [سهل بن زياد يكنى یکنی ابا سعيد الآدمي الرازي] (2).

وقال فيه النجاشي [سهل بن زياد أبو سعيد الآدمي الرازي كان ضعيفا في الحديث غير معتمد عليه وكان احمد بن محمد بن عيسى يشهد عليه بالغلو والكذب واخرجه من قم الى الري وكان يسكنها وقد كاتب ابا محمد العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) على يد محمد بن عبد الحميد العطار للنصف من شهر ربيع الآخر سنه خمس وخمسين ومائتين ذكر ذلك أحمد بن علي بن نوح واحمد بن الحسين رحمهما اللّه له كتاب التوحيد رواه ابو الحسن العباس بن احمد بن الفضل بن محمد الهاشمي الصالحي عن أبيه عن ابي سعيد الآدمى وله كتاب النوادر أخبرناه محمد بن محمد قال: حدثنا جعفر بن محمد عن محمد بن يعقوب قال حدثنا علي بن محمد عن سهل بن زياد ورواه عنه جماعة ] (3).

وقال الكشي تحت رقم 10٦8.

[قال علي بن محمد القتيبي سمعت الفضل بن شاذان يقول في أبي الخير وهو صالح بن ابي حماد الرازي كما كنّى وقال علي كان ابو محمد الفضل يرتضيه ويمدحه ولا يرتضى ابا سعيد الآدمى ويقول هو الاحمق.

وقال تحت رقم ١٠٦٩ قال نصر بن الصباح سهل بن زياد الرازي ابو سعيد الآدمي يروى عن ابي جعفر وابي الحسن وابي محمد صلوات اللّه عليهم ] (4).

وذكر الشيخ في فهرسته ضمن ترجمة محمد بن احمد بن يحيى بن عمران الاشعري صاحب النوادر بعد أن ذكر طريقه الى هذا الكتاب الجامع لكتب عدة

ص: 141


1- الاستبصار ج ٣ باب ان لا يصح الظهار بيمين في ذيل الحديث ٩٣٥.
2- رجال الشيخ ص ٤٣١.
3- رجال الشيخ ص 132.
4- اختيار معرفه الرجال ص ٥٦٦.

[.. وقال ابو جعفر بن بابويه إلا ماكان فيها من غلو او تخليط وهو الذي يكون طريقه محمد بن موسى الهمداني أو يرويه عن رجل او عن بعض اصحابنا... الى قوله أو عن سهل بن زياد الآدمي ](1).

وذكر النجاشي أيضا ان محمد بن الحسن بن الوليد كان يستثني من رواية محمد بن احمد بن يحيى ما رواه سهل بن زياد ](2) وتبعه على ذلك الصدوق وابن نوح.

ونقل عن كتاب ابن الغضائري قوله [ سهل بن زياد ابو سعيد الآدمي الرازي: كان ضعيفا جدا فاسد الروايه والمذهب وكان احمد بن محمد بن عيسى الاشعري أخرجه من قم واظهر البراءة منه ونهى الناس عن السماع منه والرواية عنه ويروي المراسيل ويعتمد المجاهيل].

الى هنا انتهى. اردنا ذكره من اقوال الرجاليين وارباب الصناعة.

اما النقطة الثالثة -

لقد استفاد المشهور مما ذكرناه ضعف سهل وعدم صحة الاعتماد عليه ويمكن ذكر مواضع الاستفاده بعده نقاط:

1 - تضعيف الشيخ الطوسي له في الفهرست ونسبة ذلك الى نقاد الاخبار كما في الاستبصار.

2 _ تضعيف النجاشي له كذلك بقوله كان ضعيفا في الحديث غير معتمد عليه.

٣ - ما نقله النجاشي عن شهادة احمد بن محمد بن عيسى بأنه غال كاذب.

٤ - اخراجه من قم مهد التشيع والثقات من قبل احمد بن محمد بن عيسى.

٥ - ما ذكره الفضل من حمق سهل وعدم كونه مرضيا عنده.

٦ _ ما هو المنسوب الى كتاب ابن الغضائري من شدة ضعف سهل وفساد

ص: 142


1- فهرستت الشيخ ص ١٤٥.
2- رجال النجاشي ص ٢٤٦.

روايته.

وهذه النقاط السبعة هي غاية ما يقال في اثبات ضعف سهل وعدم صحة الاعتماد عليه إلا ان الصحيح هو وثاقته والاعتماد على ما يرويه ويقع توضيح ذلك في مقامين:

الأول - في ابطال ما ذكر من دلالة هذه الوجوه على الضعف وابراز خدشة فيها.

الثاني - في ابراز منبهات على صحة ما التزمناه.

اما المقام الأول -

وه_و خاضع لما ذكرناه في بدايه بحوثنا الرجالية من انه ليس لدينا علما موضوعيا لدراية الرجال بقدر ما لدينا من فقه لدرايتهم ودراسة احوالهم بنحو يوجب سكون النفس بصدقهم أو عدمه فلا بد من ملاحظة العبارات التي قيلت والاجواء والملابسات المقترنه بها مما قد يدعو احيانا الى عدم انعقاد مدلول تصديقي جدي لها مطابق لما حضر بدوا في الذهن وكما تقدم بيانه.

واما النقطه الأولى فيرد عليها:

أ _ ان تضعيف الشيخ معارض بتوثيقه نفسه في رجاله وكتاب الرجال متأخر عن الفهرست فانا ان لم نقل بتقديم قوله الأخير نظر لكشفه عن تبدل رايه فلا أقل من تعارض قولية مما لا يوجب الاعتماد عليهما معا.

لا يقال كما عن بعض الاعلام بان التأخر يكشف عن التبدل في الرأي فيما لو كان في الفتوى لا في الاخبار والحكاية إذ العبرة بزمان المحكى عنه دون زمان الحكاية لانه يجاب بأن الإخبار المستند الى النظر والملاحظة والتدقيق والموازنة خارج عن حدود الحكاية المحضة.

وثانيا - اي استحالة في ان يخبر المخبر بشيء ما ثم بعد الملاحظة والتأمل يبدو له شبهة تغير مجرى حكايته مع ان زمانها واحد ولم يتعمد الكذب في كل منهما.

ص: 143

ب - ان توثيقه المتاخر عن التضعيف يمكن جعله قرينة على ارادة الضعف من جهة اخرى ولو من جهة الحديث بمعنى عدم انسجام رواياته مع الخطوط العامة للائمة المبرزة آنذاك على الأقل. ولا دلاله فيها على الضعف من الجهه اللسانية والقولية ويؤيد ذلك تقييد غيره للضعف بكونه في الحديث.

ج _ ان نسبه التضعيف الى نقاد الأخبار مما لا تغنى قولاً ولا تثبت رأيا لأن تضعيف نفسه لم يثبت عوده لجهه اقواله فما بني عليه لا يزيد عنه.

ن - ان عادة الشيخ في كتاب الاستبصار التعليل فيما يريد طرحه بكون راويها غير ثقة او غير معتمد وما شاكل ذلك. والحال عدم حصول ذلك في كثير من الموارد مما يدلل على ان هذه العبارة انها ذكرها كشاهد ومؤيد ووجه لاثبات حكم غير مناقض بما يضاده.

واما النقطة الثانية فيرد عليها :

اولا - ان النجاشي لم يطلق تضعيفه ليقال بانصرافه الى الجهة القولية أو غير ذلك من الوجوه التي قد تدعى بل انه قيده بكونه في الحديث والمتتبع لكلمات الرجاليين يجد ان استعمال اللفظة مقيدة بما ذكر يراد منه اثبات انفراده بروایات غريبة عن السلوك العام للمذهب كما كان يقال في العبيدي انه ضعيف في الحديث مع انه من اجل الاصحاب والذي قال فيه العباس بن نوح ردا على ابن الوليد حيث استثناه من کتاب النوادر [وما ادرى ما رابه فيه لأنه كان على ظاهر العدالة والوثاقة ] (1).

وثانيا _ ان عدم الاعتماد عليه كما نص النجاشي جاء كتفريع على ضعفه في الحديث ومن الطبيعي وفي ذاك الوقت خصوصا و في قم بالذات وفي ذاك الجو المتشدد بحيث كان الذي يعتمد الضعفاء والمراسيل مضطهداً معرضاً للاعتزال أو النفي وما شاكل ذلك.

ص: 144


1- رجال العلامه الحلي ص 272.

وطبيعي أيضاً ان من كان بنظر قوم ضعيفاً في احاديثه ان لا يعتمد عليه وان اصبحت رواياته فيما بعد من مسلمات التشيع ومرتكزات افكاره.

ولرب رواية اعرض عنها الأصحاب لغرابتها وعدم تعقلها اصبحت مع الزمن من الأمور المسلمه والواضحة كتلك الروايات الواردة في مناقب آل البيت والتي اعتبرت ردحا زمنيا من الغلو كما رمي ناقلوها بذلك.

واما النقطة الثالثة فيرد عليها:

اولا - ان كلمة كاذب لم تصدر بهذه الصراحة إلا من احمد بن محمد بن عيسى ولو كان امر سهل بهذه المثابة مع تأخر عهد المضعف والقريب لزمن المشايخ لكان التصريح بها من قبلهم امراً غير عزيز مع كون ديدن جملة منهم هو تتبع ذلك ونقله.

وثانيا - ان كلمة كاذب لو سلم ارادة ما يدعى منها فلا بد من صرفها عن ظاهرها نظراً للجو العام الذي صدرت فيه حيث ان سهلا كان متهما بضعف الحديث بالمعنى المتقدم ونسب اليه الغلو ولا بد ان ذلك لجهة غرابة احاديثه واقواله وطبيعي جدا لمن كان يعتقد فيه ذلك آنذاك وان رواياته خارجه عن خط آل النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) روحا وفكرا بحيث جعلت من روايات الغلاة ان يعتقد بكذب ووضع قائلها وناسبها خصوصا اولئك المتشددين على شرع اهل البيت واخبارهم.

ويؤكد ذلك ان ابن عيسى ذكر كلمة كاذب بعد أن نسب عليه الغلو بقوله [ كان احمد بن محمد بن عيسى يشهد عليه بالغلو والكذب].

واما النقطة الرابعة - فيرد عليها :

أولا - ان الاخراج من بلد الى بلد وان صدر عن الاعاظم إلا انه لا ملازمة بينه وبين ضعف المخرَج لاحتمال بناء المُخرِج على مرتكزات يعتقد خطر الأمر في غير معتقدها مع انها قد تكون من صلب الواقع.

اللّهم إلا ان يقال بالملازمة بين العظمة والعصمة.

وثانيا - ان الملازمة لو سملت فهى تدل على ضعفه اجمالاً ولا تدل على ضعفه من جهة لسانية قولية بل هي اعم من ذلك.

ص: 145

ومما يؤيد عدم عودها لجهة القول ما قيده النجاشي في كتابه بقوله [كان ضعيفاً في الحديث] خصوصاً مع ملاحظة الجو المشار اليه آنذاك.

وثالثا _ ان هناك بعضاً من الاعاظم اخرجوا من قم كالبرقي صاحب المحاسن ولا ذنب له إلا كونه قد اعتمد الضعفاء في مروياته.

فهل يقال بوهنه وكذبه.

واما النقطة الخامسة فيرد عليها أيضاً:

اولاً - ان الحمق شيء والكذب شيء آخر إذ رب بليد لا يكذب في قول ولا يزل في فعل ولو اعطي الاقاليم السبعة بل قد تكون بلادته عاملاً وراثياً او نتيجة لأمور قهرية فلا تدل على عيب فيه اصلاً كما هو الحال عند الشيخوخة والصدمات الكبيرة.

وثانيا - ان عدم الرضى من قبل الفضل قد يكون منشؤه اعتقاده بحمقه فضلا عن عدم صراحتها ولا ظهورها في تكذيبه فكم من عظيم لا يرتضى عظيما آخر مماثلاً له وكم عرف التاريخ تلاسنا بين جملة من الاصحاب ممن لا يشك في دينهم وورعهم ومزيد حيطتهم.

وثالثا - أنه من المحتمل جدا أن نسبة الحمق اليه نظراً لغرابة مروياته بحيث يظن براويها مزيد حمق ونقصان وعي.

واما النقطة السادسة ففيها:

اولا __ ان نفس كتاب ابن الغضائري مما لم يثبت لدينا.

وثانيا _ انه لو سلم ثبوته فلا يعتمد عليه للعلم الاجمالي بكثرة الاخطاء فيه أو وجود التحريف ضمنه إذ انه كاد ان لا يترك احداً إلا ورماه بالضعف والكذب مع ان فيهم الاجلة والاعاظم ومن لا ينبغي الخدش فيه.

وثالثا - ان كتاب ابن الغضائري رغم كثرة تضعيفاته وقسوة عباراتة لم يصرح فيه بكذب سهل بل غاية ما تدل عليه العبارة كون احاديثة مستغربة غير مقبولة مما يؤكد ذاك الجو العام المشاع انذاك في حق سهل وغيره ممن نحا

ص: 146

نحوه.

بل ان العبارة المنسوبة لم تتعرض لسهل بالتكذيب من قبل ابن عيسى بقدر ما ذكرت انه نهى الناس عن الاستماع اليه والنقل عنه.

واما النقطة السابعة من الاستدلال فيرد عليها.

اولا- ان المستثني هو ابن الوليد شيخ الصدوق ورأس المتشددين في لزوم ضبط الرواية عن الثقات والأثبات وفي الطعن على معتمدي المراسيل والضعفاء فاستثناؤه مع هذا المبين لا يدل على اكثر من ذلك.

ويدل عليه قول الشيخ في الفهرست [ وقال ابو جعفر بن بابويه إلا ما كان فيها من غلو او تخليط وهو.. الخ].

مما يدل دلالة واضحة على أن الاستثناء نشأ من عدم وضوح من عدم وضوح تلك الروايات واختلاطها آنذاك ومن هنا فقد استثنى العبيدي مع شهادة ابن نوح بكونه على ظاهر العدالة والوثاقة.

وبهذا يتضح عدم تمامية كل من النقاط المتقدمة لاثبات ضعف سهل وعدم صحه الاعتماد عليه ولا مانع عندها من التمسك بتوثيق الشيخ الوارد في رجاله ضمن عرضه لاصحاب الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).

وان خدش في ذلك نظراً لهذا الجو العام من الاقوال الصادرة في حق سهل وعدم اعتماد الاصحاب عليه أو لجهة تعارض كلام الشيخ فانه يمكن ابراز شواهد ومنبهات اخرى تدل على صحة ما ذهبنا اليه.

الأول - ان تاليف الشيخ لرجاله بعد فهرسته وذكر توثيق له فيه يدل على تنبهه لحال سهل.

الثاني _ ان كتاب النجاشي متأخر عن كتابي الشيخ بدليل نقله لهما ولو كان قد استظهر ضعفاً لجهة القول لا نبغى النص عليه مع كونه بصدد بيان ذلك.

الثالث - ان سهل بن زياد من مشايخ الاجازة وقد التزمنا بالتفصيل المتقدم في محله دلالة ذلك على الوثاقة بل الجلالة فيمن صدق عليه انه ناشر لأحاديث أهل

ص: 147

البيت وصاحب مكتب اسلامي كبير وسهل ممن يصدق عليه ذلك.

الرابع - رواية الاجلاء عنه وعلى راسهم المشايخ الثلاثه والذين صدر من بعضهم ما قد عرفت من العبائر بل ان سهلاً واقع في اسانيد روايات تربو على الألفي رواية وخصوصا ان الصدوق الذي يقلد شيخه ابن الوليد تضعيفا وتصحيحا قد روى عنه ايضا.

الخامس - ما ذكره بعض من ان الشيخ المفيد في رسالة الرد على الصدوق اورد حديثا مرسلا وفي طريقه سهل بن زياد ايضا واكثر من الطعن في الحديث لإبطال مذهب الصدوق ولم يذكر من وجوه الطعن كونه راویه سهل بن زیاد.

السادس - ان سهلاً ممن قد روى عن ثلاثة من الائمة الاطهار بل انه كاتب الامام العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) والف بعضا من الكتب ككتاب التوحيد.

السابع - ان الاصحاب قد افتوا بمضمون رواياته لكونها منسجمة مع الروايات الأخرى وهذا احد القرائن الكيفية الدالة على صدق الرجل وامانته.

وبهذا نكتفي بالبحث عن احوال سهل بن زياد وقد تحصل من مجموع ما ذكرناه وثاقة سهل وصحة الاعتماد عليه فيما يرويه ولقد اجاد من قال [الامر في سهل سهل ].

***

ص: 148

المبحث الثاني - في احوال المعلى بن خنيس

والكلام فيه يقع ضمن نقاط ثلاث :

١ - نقل اقوال العلماء

٢ - نقل اقوال الرجاليين المتعلقه به

٣ - مناقشة الأقوال والأخبار وبيان المختار

اما النقطة الأولى –

فالذي يظهر من الاصحاب اختلافهم فيه أيضاً بين جارح وبين معدل نظرا لاختلاف شهادة الرجاليين فيه ولتضارب الأخبار الواردة حوله فقد ضعفه النجاشي وتبعه على ذلك جمع منهم العلّامة في الخلاصة وفي المقابل عدله الشيخ كما يستفاد من عبارته الآتية وتبعه على ذلك جمع من المتأخرين منهم ين منهم الوحيد البهبهاني والمحقق البحراني وغيرهم.

واما النقطة الثانية -

فقد ذكر الشيخ في رجاله [المعلى بن خنيس المدني مولى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)] (1).

- وقال في الفهرست [ معلى بن خنيس يكنى ابا عثمان الاحول له كتاب اخبرنا به جماعه عن أبي جعفر بن بابويه عن ابن الوليد عن الصفار عن احمد بن محمد عن أبيه عن صفوان عنه ] (2).

ص: 149


1- رجال الشيخ ص 310.
2- فهرست الشيخ ص ١٦٥.

- وعده الشيخ في كتاب الغيبة من السفراء الممدوحين قائلا [ ومنهم المعلى بن خنيس وكان من قوام أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وانها قتله داوود بن علي بسببه وكان محمودا عنده ومضى على منهاجه وامره مشهور].

- وقال النجاشي [معلى بن خنيس ابو عبد اللّه مولى جعفر بن محمد (عَلَيهِ السَّلَامُ) ومن قبله كان مولى بني اسد كوفي بزاز ضعيف جدا لا يعول عليه له كتاب يرويه جماعه قال سعد هو من غنى وابن اخيه عبد الحميد بن أبي الديلم اخبرنا ابو عبد اللّه بن شاذان قال حدثنا علي بن حاتم قال حدثنا محمد بن عبد اللّه بن جعفر عن أبيه عن أيوب بن (كذا) عن صفوان بن يحيى عن أبي عثمان بن معلى بن زيد الاحول عن معلى بن خنيس بكتابه ] (1).

- وعن البرقي أنه عدة من اصحاب الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) قائلاً: معلى بن خنيس مولى ابي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) كوفي بزاز ] (2).

وعن الكتاب المنسوب لابن الغضائري [ معلى بن خنيس مولى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان أول امره مغير يا ثم دعا الى محمد بن عبد اللّه وفي هذه الظنة اخذه داوود بن على فقتله والغلاة يضيفون اليه كثيرا ولا أرى الاعتماد على شيء من حديثه].

- وجعله العلامة في الخلاصة في عداد الضعفاء ومن لا يعتمده مكتفيا بنقل قول النجاشي وقول ابن الغضائري وقول الشيخ في الغيبة معلقا على الاخير بقوله (وهذا يقتضى وصفه بالعدالة) (3).

اما النقطة الثالثة :

ان هذه العبائر رغم تضاربها لم تتنافى في امور :

1 - انه كان مولى لابي عبد اللّه الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ)

ص: 150


1- رجال النجاشي ص ٢٩٦.
2- رجال البرقي ص 25.
3- الخلاصه ص 259.

2 - ان كان بزازا ومن اهل الكوفة.

3- انه صاحب كتاب

٤_ انه قتل من قبل الحاكم آنذاك وهو داوود بن علي

٥ - ان الغلاة يضيفون اليه امورا معينة.

واما التضارب الوارد في هذه العبائر بما يعود الى وثاقته والاعتماد عليه فهو في تصريح النجاشي وابن الغضائري بضعفه وعدم التعويل عليه وفي تصريح الشيخ الطوسي في المقابل بانه من السفراء ومن الممدوحين لدى الامام بل انه مضى على منهاج الامام وخطه.

وبما اننا بنينا على لزوم الموازنة بينهما قد يظهر منه بدوا عدم الصلاح والضعف وبين غيره فلا بد من الاشاره الى ان ما ذكره النجاشي لا يتنافى مع ما ذكره الشيخ.

والوجه في ذلك أمور:

اولا عدم صراحة تعبير النجاشي في عود الذم الى الجهة القولية بل ولا ظهورها فى ذلك.

ثانيا - انه من المحتمل جدا ان منشأ ضعفه نسبة الغلاة اليه أشياء معينة كما صرح به ابن الغضائري - على تقدير ثبوت النسبه - او ما ستسمعه من ورود الروايات الذامة له وانه كان مخالفا لنهي الامام في عدم القيام والتحرك وسوف تعرف عدم دلالة تلك الروايات على ذمِّه مطلقا فضلاً عن عوده للجهة القولية وسنذكر وجه جمع مناسب يؤكد عدم تنافي هذه الروايات مع جلالة المعلى ورفعة مكانه.

ثالثا - ان ما ذكره ابن الغضائري من دعوته للنفس الزكية منقوض بما يأتي من اصرار المعلى على الولاء للامام الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) ومن انه وهب ديونه كلها الجعفر بن محمد (عَلَيهِ السَّلَامُ) هذا مع عدم المنافاة بين الدعويين لو اريد من الدعوى نحو ولاء في طول الولاء كما لا يخفى.

رابعا - ان الشيخ نفسه رغم اطلاعه على كتاب الكشي وتلخيصه له لم يذكر في رجاله ولا في فهرسته اي تضعيف له مع كون الروايات الذامة للمعلى على مرأى

ص: 151

منه مما يؤكد ان النجاشي لما اطلع على الروايات المتضاربة وعلى ما أورده ابن الغضائري ضعفه بقوله [.. ضعيف جدا لا يعول عليه ]

خامسا - انه لو سلم ظهور العبارة في التضعيف فغايته شمولها للجهة القولية بالاطلاق ولا بد من صرف اطلاقها عن خصوص الجهة القولية لما ذكره الشيخ في الغيبه.

وبهذا يتحصل ان ما ذكر لا يثبت جرحا لجهة قوله بل انه وكما عرفت يمكن استفاده الوثاقة والجلالة منه.

واما عبارة العلامة فهو مع كونه من المتاخرين اقتصر على نقل العبائر ومن المعلوم عدم وجود جديد اطلع عليه والا لكان نقله وعلم من ذلك ان توقفه ليس إلا لأجل هذا التضارب مما دعاه للحيطة والتروي في الرواية عنه ويؤيده تعلقيه على كلام الشيخ بانه يقتضي وصفه بالعدالة.

واما الاخبار الواردة والتي قد تثبت ما استفدناه من عبائر الرجاليين او قد تخل به سنذكر محل الشاهد منها او ماله دخل في توجيه فهم الرواية.

واكثر هذه الروايات مأخوذة من كتاب اختيار معرفه الرجال للكشي.

1 - الحديث الأول - ما روي عن اسماعيل بن جابر بان الامام الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) ارسله ليستطلع عن حدوث شيء في المدينه وعندما عاد ليخبره بمقتل المعلى بادر الامام... [ قال لي يا اسماعيل قتل المعلى بن خنيس فقلت نعم قال فقال اما واللّه لقد دخل الجنة ] (1).

وهذه الرواية تامة سندا ويستفاد منها امران رئیسیان :

1 - اهتمام الامام بامر المعلى بدليل ارساله اسماعيل الى المدينة يستطلع له عن حدث تبين ان الامام كان يدرك حقيقته وانه مقتل المعلى ولذا بادره بالقول المتقدم.

2 - كون المعلى في اعلى درجات الجلالة وذلك لأخبار الامام عنه بمغيَّب هو

ص: 152


1- اختیار معرفه الرجال ص ٣٧٦.

أنه من اهل الجنة واستعمال القسم الذي هو نحو تاكيد كما انه كرر تأكيد ذلك باللام وبقد حيث قال [ واللّه لقد].

والخدشة فيما ذكر بانه لا ملازمة بين دخول الجنة وبين الجلاله والوثاقه رغم هذا السياق والتعبير وسوسة محضة مصدرها قله التدبر في اساليب الكلام العربي كما لا يخفى على المتأمل.

٢ - الحديث الثاني - ما رواه حماد عن المسمعي وبسند صحيح من ان المعلى لما اريد قتله طلب الخروج الى الناس ليشهد بان كل ما عنده من قليل او كثير للصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) وفعل ذلك ثم شدوا عليه وقتلوه ويقول المسمعي.

[.. فلما بلغ ذلك ابا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) خرج يجر ذيله حتى دخل على داوود بن علي واسماعيل ابنه خلفه فقال يا داوود قتلت مولاي واخذت مالي فقال ما انا قتلته ولا اخذت مالك قال واللّه لا دعون اللّه على من قتل مولاي واخذ مالي قال ما قتلته ولكن قتله صاحب شرطتى فقال باذنك أو بغير اذنك؟ قال بغير اذني قال يا اسماعيل شأنك به فخرج اسماعيل والسيف معه حتى قتله في مجلسه ](1)

وزاد حماد عن معتب بان الامام لم يزل ساجداً وقائماً وينادي دعاءً بأجلّ الاسماء على داوود وان اللّه اخذه لساعته.

والمستفاد من هذا الحديث أمور:

1 - مزيد ولاء المعلى للأمام بحيث أصر قبل ان يقتل على تسليم كل ماله للامام (عَلَيهِ السَّلَامُ).

2 - ان قتله كان لاجل الامام نفسه لا لأجل غيره كما عن الكتاب المنسوب لابن الغضائري وذلك لما ورد في الرواية من انه لما شهد بامواله للامام (عَلَيهِ السَّلَامُ) شدوا عليه وقتلوه.

٣ - مزيد احترام واجلال الامام (عَلَيهِ السَّلَامُ) له بحيث جر اذياله بمجرد

ص: 153


1- اختيار معرفه الرجال ص 387 حدیث 708.

علمه وأصر على معرفه قاتله والانتقام منه بقتله.

٤ - ان المعلى لم يكن واضح الضعف والانحراف وإلا لاحتج داوود بن علي بذلك بينما تراه انكر ذلك واحاله على رئيس شرطته مع انه هو الذي أمر بذلك كما نصت عليه رواية الوليد بن صبح التامة سندا (1).

5 _ ان الامام قد استعمل ما لم يستعمله إلا في موارد خاصة وهو الدعاء بالفاظ جليلة وان اللّه قد استجاب دعاءه لساعته مما يعني مزيد غضب الامام وشدة تاثره بحيث لم يكتفي بقتل المباشر لقتل المعلى...

والمتأمل فى هذه الامور لا يشك فى استفادة الوثاقة والجلالة منها بل وكون المعلى من حواريي وعيون الامام (عَلَيهِ السَّلَامُ) المقربين.

وهذه الرواية والتي سبقتها لا تدلان على اية دلالة سلبية بالنسبة للمطلوب.

3- الحديث الثالث _ ما رواه الكشي أيضاً عن اسماعيل بن جابر وبسند تام ان الامام (عَلَيهِ السَّلَامُ) لما علم بمقتل... وذكر [.. فقام مغضبا يجر ثوبه فقال له اسماعيل ابنه يا أبت اين تذهب؟ فقال لو كانت نازلة لقدمت عليها فجاء حتى قدم على داوود بن على فقال له يا داوود اتيت ذنبا لا يغفره اللّه لك قال وما ذلك الذنب؟ قال: قتلت رجلا من اهل الجنة... الخ](2).

وهذه الرواية تدل ايضا على جلالة امر المعلى من جهات ثلاث:

١ - ان الامام تصدى لطلب القود من قاتل المعلى ولو ادى ذلك الى كارثة او مصيبة.

ان قلت من المحتمل أيضا ان الامام راى الفرصة مناسبة للانتقام من أحد الظالمين آنذاك فاستغل قتل المعلى باعتباره مولاه ولذا طالب بالقود قلنا ان قيام الامام مغضبا يجر ثوبه ومخاطبته لولده بانه لو كانت نازلة لأقدم عليها لا تتناسب مع

ص: 154


1- اختيار معرفه الرجال ص 339 حدیث 710.
2- نفس المصدر ص 379 حدیث 711.

هكذا احتمال.

كما ان دعاء الامام على الوالي بعد قتله المعلى بحيث استجيب دعاؤه من ساعته لدليل واضح على ان فعلته انها كانت لاجله.

2 - ان الامام جعل قتل المعلى ذنبا لا يغفر مما يدل ايضا على جلالته ووثاقته لا يقال ان ذلك أعم من المطلوب فإن قتل المسلم عمدا يوجب ذلك أيضا بنص الآية المباركة.

فانه يجاب بان ملاحظة السياق والتعبير من ظهور غضب الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) واقدامه رغم ما يمكن حدوثه ومخاطبته لداوود بما خاطبه يعين ما ذكرناه.

وبعبارة أخرى يمكن القول ان نظر الرواية لبيان عظمة المعلى من خلال بيان عظمة ذنب داوود بقتله وإلا فداوود متيقن الظالمية وأيُّ ظلم اعظم من تحمل وتسلم ولاية ليست له وهي اعظم من القتل بمراتب شديدة.

٣ - ان الإمام بين ذنب داوود بانه قتل رجلاً من اهل الجنة وهذا التعبير أيضاً من الالفاظ الداله على علو مكانه المعلى إذ لم يقل بدلاً من ذلك قتلت رجلا يستحق الجنة أو قد يدخل الجنة بل انه جعله محتوماً من اهلها مما يدل على استحقاق المعلى الفعلي لها.

٤ - الحديث الرابع - ما رواه الكشي بسند تام عن أبي بصير حول اعتقال المعلى ومحاكمته [.. فدعاه - اي دعا داود المعلى - وسأله عن شيعة أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وان يكتبهم له فقال ما اعرف من اصحاب ابي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) احدا وانما انا رجل اختلف في حوائجه ولا اعرف له صاحب قال تكتمني اما انك ان كتمتني قتلتك فقال له المعلى بالقتل تهددني واللّه لو كانوا تحت قدمي ما رفعت قدمي عنهم وان انت قتلتني لتسعدني واشقيك فكان كما قال ابو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)...] (1).

وهذا الحديث دال ايضاً على رفعة مكان المعلى من جهات:

ص: 155


1- اختيار معرفه الرجال ص 381 حدیث 713.

1 - ان اعتقال داوود له كان بسبب علاقته مع الامام (عَلَيهِ السَّلَامُ) بدليل انه لما اعتقله سأله عن اصحاب الامام (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهدده ان لم يذكرهم بالقتل.

2 - ان سؤال داوود للمعلى عن اصحاب الامام (عَلَيهِ السَّلَامُ) يدل على قربه من الامام وك_ون_ه من حوارييه والا لما كان معنى لطلب حاكم يملك من العيون والجواسيس ما يملك من رجل كالمعلى لو لم يكن حاله كما ذكرناه.

3- ان المعلى رغم تهديد داوود له بالقتل لم يجبن بل قال بما يدل على كونه من الأولياء العظام وهو قوله [...واللّه لو كانو تحت قدمي ما رفعت قدمي عنهم].

ويشهد لذلك ما في روضه الكافي ويسند تام من قول الامام في حق المعلى [... سلط اللّه فيها عدوه على وليه.. ].

٤ - ان المعلى كان معتقدا أن سعادته في شهادته.

لا يقال ان اعتقاده لا يغير في الواقع شيئا إذ رب معتقد شيئا حقا وهو من الضالين بل من اضل العباد سبيلا.

فانه يجاب بان ناقل الحديث هو الامام (عَلَيهِ السَّلَامُ) مما يعني اقراره بما فيه.

هذه خلاصه ما اردنا اثباته من الروايات المادحة والتى تشكل بصحتها سندا مع ما تقدم من تصريح الشيخ في الغيبة دليلا قاطعا على جلالة وعظمة ووثاقة المعلى.

واما ما ورد فيه من الروايات الذامة فهو عدة أحاديث :

1 - الحديث الأول - ما رواه الكشي عن أبي العباس البقباق وبسند تام [.. تذاكر (تدارء) ابن ابي يعفور ومعلى بن خنيس فقال ابن أبي يعفور الاوصياء علماء ابرار اتقیاء وقال ابن خنيس الاوصياء انبياء قال فدخلا على ابي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال فلما استقر مجلسهما قال فبدأهما ابو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقا يا عبد اللّه ابرأ ممن قال انا انبياء] (1).

ص: 156


1- اختيار معرفه الرجال ص ٢٤٨ حديث ٤٦٠.

وهذه الرواية مما يقطع بعدم صحتها بحسب ظاهرها ولزوم تاويلها بالمقابل مع ما تقدم من الادله التامة على عظم امر المعلى بحيث لا يتصور ان المعلى كان جاهلا بان النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) خاتم الانبياء وآخر الرسل مع ان ذلك من ضروريات الدين والمذهب فلا بد من ان يكون قول المعلى ناظرا اما لما ان الاوصياء افضل من الانبياء ماخلا نبينا محمد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).

او انهم كالانبياء فى اطلاعهم علی الاسرار والمغيبات وعلوم البلايا والمنايا وما شاكل ذلك.

خصوصا ان الامام لم يخاطب المعلى معرِّضا فيه بذنب وشبهه.

ولو زدت اصرارا في الجمود على المؤدى الأولي للرواية ولم ترد الموازنه بينها وبين ما تقدم بيانه فغاية ما تدل على خطأ المعلى غير الملازم لكذبه مهما بلغ حجمه ولعل نظر ابن الغضائري في قوله ان الغلاة يضيفون اليه أمورا معينة الى هذا الحديث.

الحديث الثاني - ما رواه الكشي في ترجمه ابن ابي يعفور عن أبي عمير وغيره [.. ان ابن ابي يعفور ومعلى بن خنيس كانا بالنيل على عهد ابي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فاختلفا في ذبايح اليهود فاكل المعلى ولم ياكل ابن أبي يعفور فلما صارا الى ابي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) اخبراه فرضي بفعل ابن أبي يعفور وخطا المعلى في اكله اياه].

وهذه الرواية وان تمت سندا لا تدل على اكثر من خطا المعلى في تشخيص حكم شرعي خصوصا مع بعد وجود اليهود عنه بحيث لم تكن ذبائح اليهود وماكلهم داخله في محل الابتلاء آنذاك.

ومما يؤيد ذلك ان الامام عبّر في الرواية وخطا المعلى ولم يقل بان المعلى ارتكب حراما اوما أدّى دلالته.

بل لو سلم انه قال له ذلك فلايدل ايضا على كذب المعلى لوضوح عدم الملازمة بين فعل سائر المحرمات غير الكذب وبينه فضلا عن الملازمة بين الخطأ وبين الكذب كما هو مفروض الرواية.

الحديث الثالث - وهو المهم في المقام وهو ما رواه الكشي ايضا عن حفص

ص: 157

الابيض التمار انه قال دخلت على ابي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ايام المعلى بن خنيس رحمه اللّه فقال لي يا حفص اني امرت المعلى فخالفني فابتلي الحديد... ثم ذكر ان الامام اكرم المعلى لما رآه يوما حزينا كئيبا باراءته لاولاده وعياله... الى قوله.... قلت يا معلى ان لنا حديثا من حفظه علينا حفظ اللّه عليه دنيه ودنياه يا معلى لا تكونوا اسراء في ايدي الناس بحديثنا إن شاؤا منّوا عليكم وان شاؤا قتلوكم يا معلى انه من كتم الصعب من حديثنا جعله اللّه نورا بين عينيه وزوده القوة في الناس ومن اذاع الصعب من حديثنا لم يمت حتى يعضه السلاح او يموت بخبل يا معلى أنت مقتول فاستعد] (1).

ووجه الاستدلال بالحديث على ضعفه أمور :

1 - ما ورد فيها من التصريح بمخالفة المعلى للامام (عَلَيهِ السَّلَامُ).

2 - ما ورد من عدم حفظ المعلى للامانات لقول الامام (عَلَيهِ السَّلَامُ) له [لا تكونوا اسراء في أيدي الناس بحديثنا... ]

٣ - ان الامام (عَلَيهِ السَّلَامُ) انذره بالقتل مما يدل على انه لا أمل في ارتداعه عما ردعه عنه الامام.

والصحيح عدم تمامية هذه الوجوه في الدلالة على ذمه وذلك لأمور:

اولا - ان المخالفة قد لا تستدعي المعصية كما هو الحال في الاوامر الارشادية العظتيه والمقام من هذا القبيل لقرينتين:

أ - ان الامام ذكر عقيب بيان مخالفة المعلى له احاديث تدل على انه حباه واكرمه بحيث أعمل القدرات الغبيه لإسعاده.

ب _ ان سياق الحديث بما فيه من تعليل وعظمة لا يناسب الحكم التكليفي المقتضي للالزام والبت وعدم التعليل عادة.

ص: 158


1- اختيار معرفه الرجال ص 278 حدیث 709.

فالامر في الحديث نحو ارشاد للمعلى و للشيعة عموما لمزيد الرأفة بهم والعطف عليهم وبيان لرغبة الإمام في ان يحفظوا دمائهم وان لا يتورطوا مع اولئك الظالمين فالرواية بصدد بيان رجحان اخذ الحائطة.

وثاينا - ان ما استدل له من تضييع المعلى للامانات ليس بدليل بعد ما عرفت ان الجمل المتقدمة في سياق الارشاد ولذا ورد في روايه الجعفي (1) ترحم الامام عليه مع انه ساق نفس الجمل المذكوره من حيث المضمون.

وثالثا - ان انذار الامام له بانه سيقتل وامره له بالاستعداد على عكس ما استدل له أولى لأنه نحو عناية بالمعلى كما لا يخفى.

ومما يؤكد ذلك ما ورد في رواية اخرى دالة على ان المعلى كان مكلفا بذلك وانه لاينال مانال إلا بما يؤدي للقتل.

ورابعا _ ان كون الحديث صادرا في ايام طلب المعلى مع ما ذكرناه من مضمون الروايه المتقدمه يحدد احتمال صدور الحديث تقية ولاجل تصوير عدم ارتباط المعلى بالامام (عَلَيهِ السَّلَامُ)

وخامسا _ انه لم سلم دلاله الرواية على ذمه فهو غير مضر بالمقصود لعدم عود الذم لجهة الوثاقة وقد عرفت انها المناط في الأخذ والاعتداد.

ومن كل ما ذكرناه يتحصل عدم وجود وجه معقول مقبول لا ثبات ذمه لا من قول ولا من خبر.

وان ما ورد من الروايات المادحة مع ما ذكره الشيخ في كتاب الغيبة دال على عظم شأن المعلى بل وكونه من الاولياء والصالحين...

***

ص: 159


1- اختيار معرفه الرجال ص 380 حدیث 712.

البحث الثالث - في احوال علي بن ابي حمزة البطائني

ويدور البحث في احواله ضمن نقطتين :

الأولى - عرض اقوال الفقهاء

الثانيه - عرض اقوال الرجاليين ومن يعتد باقوالهم وعرض الاخبار المتعلقة به ومناقشة ذلك وبيان المختار

اما النقطه الاُولى -

فقد وقع الخلاف بين الأصحاب أيضا في توثيق الرجل وعدمه فقد بنى المشهور على ضعفه منهم العلامة والشهيد الثاني وصاحب المدارك والفاضل التستري بل ان بعضهم ادعى عدم وجود القائل بوثاقة علي بن ابي حمزه لكونه خبيثا كذابا واقفيا مذموما وفي مقابل المشهور ما يظهر من الحر العاملي من توثيقه والاعتماد عليه لإيرداه روايه يقع في سندها علي بن ابي حمزة قائلا [.. واكثر رواته ثقات وان كان منهم علي بن ابي حمزه وهو واقفي لكن وثقه بعضهم] كما جنح الوحيد الى توثيقه ايضا وهو المختار عندنا وعليه المعتمد على تفصيل يأتي..

اما النقطه الثانية :

قال الشيخ في رجاله [ علي بن ابي حمزه البطائني الانصاري قائد ابي بصير واقفي له كتاب ](1).

وعده فيه من اصحاب الكاظم (عَلَيهِ السَّلَامُ) ومن اصحاب الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) في موضع آخر وقال نحوه.

وقال في فهرسته [على بن ابي حمزة البطائني واقفي المذهب له أصل رويناه بالاسناد الأول عن عن احمد بن ابي عبد اللّه واحمد بن محمد بن عيسى عن ابن ابي عمير

ص: 160


1- رجال الشيخ ص 353.

وصفوان بن يحيى جمعيا عنه ] (1).

- وفي كتابه الغيبة للشيخ ورد [.. وقد روى السبب الذي دعا قوما الى القول بالوقف فروى الثقات ان اول من أظهر هذا الاعتقاد علي بن ابي حمزة.. طمعوا في الدنيا ومالوا الى حطامها واستعمالوا قوما فبذلوا لهم شيئا مما اختانوه من الاموال ](2).

وقال النجاشي [علي بن ابي حمزة واسم أبي حمزة سالم البطايني ابو الحسن مولى الانصار كوفي وكان قائد ابي بصير يحيى بن القاسم وله اخ يسمى جعفر بن أبي حمزة روى عن أبي الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) روى عن ابي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثم وقف وهو أحد عمد الواقفة وصنف كتباعده ] (3)... ثم ذكرها وذكر طريقه اليها.

وعده البرقي تارة من اصحاب الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) وتارة من اصحاب الكاظم (عَلَيهِ السَّلَامُ) من دون ذكر تضعيف أو توثيق بل اكتفى بذكر اسمه ونسبه.

وفي كتاب الكشي [محمد بن مسعود قال: حدثني علي بن الحسن _ اي ابن فضال _ قال علي بن ابي حمزة كذاب منهم ] (4).

وفي حديث آخر نحوه وزاد [.. ورويت عنه احاديث كثيرة وكتبت تفسير القرآن كله من اوله الى آخره إلا اني لا استحل ان اروي عنه حديثا واحدا ] (5).

- وعن كتاب ابن الغضائري المنسوب اليه ان علي بن أبي حمزة لعنه اللّه أصل الوقف واشد الخلق عداوة للولي من بعد أبي ابراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ).

وفي الحديث عن ولده الحسن بن علي بن ابي حمزة قال [ ابوه اوثق منه].

- وعده العلامة في الخلاصة في عداد الضعفاء مكتفيا بنقل اقوال النجاشي

ص: 161


1- فهرست الشيخ ص 9٦.
2- غيبه الشيخ ص 42.
3- رجال النجاشي ص ١٧٥.
4- اختيار معرفه الرجال ص ٤٠٣ حدیث ٧٥٥.
5- نفس المصدر حديث ٧٥٦.

والشيخ وابن فضال وابن الغضائري (1).

واقوال الرجاليين هذه متنافية من جهات وغير متنافية من جهات اخرى.

واما مالا منافاة فيه فامور:

١- انه من اصحاب الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) والكاظم (عَلَيهِ السَّلَامُ).

2- انه من الواقفة ومن عمدهم ولم يعترف بامامة الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد وفاة الكاظم (عَلَيهِ السَّلَامُ).

٣- ان له اصلاً وبعضا من الكتب.

٤- انه استبد بأموال الامام الكاظم (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد وفاته وانها سبب وقفه وانحرافه.

5 _ ان الرجاليين يضعفونه في سياق اثبات وقفه مما يدل على نظرهم الى مرحلة ما بعد وقفه إلا ما اطلقه ابن فضال.

واما ما يوجد تنافي فيه فهو :

1- تعارض تضعيف ابن فضال مع دعوى الشيخ عمل الطائفة باخباره.

2- تعارض تضعيف ابن فضال مع دعوى وثاقته من قبل ابن الغضائري - وما اتفقت عليه كلمات الرجاليين فلا نقاش فيه واما ما افترقت فيه كلمات بعضهم فلا بد من رد بعضه الى بعضه وتوجيهه بحمل ما اطلقه ابن فضال على صورة ما بعد وقفه وكذا سائر ما ورد فيه من الدم.

و وجه ذلك احد أمرين:

الأول - ان التشكيك والطعن فيه قد صدر في سياق إثبات وقفه بل إثبات كونه من عمدهم وانه الأصل لهم ولابد ان نظر ابن فضال لهذا الجو السائد بعد الوقف لا مطلقا.

الثاني - ان نفس ابن فضال قال في مكان آخر من كتاب الكشي عين هذه

ص: 162


1- الخلاصه ص 231.

العبارة المتقدمة وعقبها بقوله [روى اصحابنا ان الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال بعد موته: أقعد علي بن ابي حمزة في قبره فسئل عن الائمة فأخبر باسمائهم حتى انتهى إليّ فسئل فوقف فضرب على راسه ضربة امتلأ قبره نارا] (1).

واما ما ذكره ابن الغضائري ففيه ما مر من عدم ثبوت النسبة بل وعدم التنافي لان الحسن بن علي بن ابي حمزة واضح الضعف وقوله (اوثق منه) لا بد انه بيان أفضلية أبيه من ولده رغم كونه ضعيفا مثله.

فبقي دعوى الشيخ عمل الطائفة باخباره الدالة نحو دلالة على وثاقة الرجل قبل وقفه على الأقل خاليه عن المعارض.

واما ما ورد من الاخبار الكثيرة فيه وفي ذمه فيتضح حالها مما يلي:

اقول انه يمكن تقسيم هذه الاخبار بحسب قرب المضمون الى اربعة اقسام:

الأول - ما دل على تشبيه ابن ابي حمزه بالبهائم وهو روايات عدة:

منها - ما روي بسند تام الى علي بن ابي حمزه حيث روى بنفسه ان الكاظم (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال له.

[ يا على انت واصحابك شبه الحمير ]

وهذه الرواية تمتاز بخصوصية وهي ان الذم الوارد فيها قد صدر في حقه زمن الكاظم (عَلَيهِ السَّلَامُ) ورغم ذلك لا يصح الاستدلال بها على التضعيف بالمعنى المخل.

وذلك لان تشبيهه بالحمير يعود لا محاله لوجه شبه بينهما اما من حيث رؤيته لكثير من الوقائع من دون اعمال التدبر لإستخلاص النتائج الموصله للحيطة والنجاة اومن حيث ان ما يتعبه ويعمله لن يرى ثوابا عليه كما ان الحمير تستعمل للنقل والحمل من دون اي مكافأة على عملها سوى التعب والكلل وما شاكلها من

ص: 163


1- اختیار معرفه الرجال ص ٤٤١ حديث ٨٣٤.

احتمالات وهذا كما ترى لا دلالة فيه على تكذيب ابن ابي حمزة بقدر ما له نظر لأمور سلوكية وعقائدية خصوصا مع ملاحظة سائر النصوص الأخرى بل قد يتعين من خلالها أن علياً كان يحمل قابليات الانحراف والوقف منذ زمن الكاظم (عَلَيهِ السَّلَامُ).

الثاني - ما ورد دالا على تكذيب له وهو ما رواه الشيخ في الغيبة قال [روى احمد بن محمد بن عيسى عن سعد عن أحمد بن عمر قال سمعت الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول في ابن ابي حمزه: اليس هو الذي يروي ان راس المهدي يهدي الى عيسى بن موسى؟ وهو صاحب السفياني وقال ان ابا ابراهيم يعود الى ثماينة اشهر فما استبان لكم كذبه].

وهذه الرواية لا يصح الاستدلال بها من ثلاث جهات :

١- ضعف الرواية سندا لجهالة طريق الشيخ الى احمد بن محمد بن عيسى.

2- ان التكذيب لو سلم صدوره فانما يثبت في عهد الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ).

وهو مما لا ريب فيه ولا في الروايات التي رواها بعد وقفه وانما محل الكلام ما صدر منه قبل ذلك.

٣ غرابة مضمون الرواية فان المهدي الوارد فيها بقرينة السفياني يشعر بارادة القائم (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) :

وساعتئذ يكون تبين كذبه مرهون بأمر متاخر مع ان الامام كما يظهر في الرواية قد اناط ذلك بامر فعلي.

وكون المراد بالسفياني رجل آخر مع شيوع هذا اللفظ عند المتشرعة واصحاب الائمة قديما وحديثا اغرب وابعد.

اللّهم إلا ان يقال ان بان ابي حمزه كان يعتقد مهدوية الكاظم (عَلَيهِ السَّلَامُ) رغم مغايره اسمه للاسم الوارد عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) والائمة متواترا... وهو ازيد في البعد.

الثالث - ما دل على استحقاق ابن ابي حمزة النار وانه من اهلها منها - ما رواه يونس بن عبد الرحمن [قال: دخلت على الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال لي مات علي بن

ص: 164

ابي حمزة؟ قلت نعم قال قد دخل النار قال ففزعت في ذلك قال اما انه سئل عن الامام بعد موسى أبي فقال لا أعرف اما ما بعده فقيل لا ؟ فضرب في قبره ضربة اشتعل قبره نارا ] (1) وغيرها مثلها وهذه الرواية لا يصح الاستدلال بها لوجهين:

١- اولا وبغض النظر عن سندها قد صدرت من الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقد تقدم الكلام.

وثانيا - ان دخول النار الوارد في الرواية لم يكن نتيجة عصيانه مطلقا بل ان ذيل الرواية ظاهر في انه انما استحقها لأجل وقفه وهو من اكبر الذنوب ولا ريب في استحقاقه النار على ذلك.

إلا انه لا ملازمة بينه وين الكذب.

ولرب قوم يدخلون النار مع هامان وفرعون مع انهم ليسوا من الكذابين وانما استحقوا ذلك لامور اخرى.

الرابع _ ما دل على ان ابن أبي حمزه كان يسعى لاطفاء نور اللّه وهو روايات عدة: منها - ما رواه الكشي عن احمد بن محمد [.. فلما توفي أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) جهد علي بن ابي حمزه في اطفاء نور اللّه فأبى اللّه الا ان يتم نوره وان اهل الحق إذا دخل فيهم داخل سروا به واذا خرج منه خارج لم يجزعوا عليه وذلك انهم على يقين من أمرهم.... ].

ويرد على الاستدلال بها ان المراد بجملة [.. اطفاء نور اللّه ] بحسب ما يظهر هو ارادته لاطفاء الامامة وعدم ايمانه واعترافه بامامة الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) بقرينه ما سبق من الادلة اولا.

وثانياً - ما في صدر الرواية من ان الناس جهدوا في اطفاء نور اللّه بعد مضي الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إلا ان اللّه أبى الا ان يتمه بعلي امير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ).

وعليه لا دلالة للرواية على اكثر مما مضى.

ص: 165


1- اختیار معرفه الرجال ص ٤٤٤ حديث ٨٧٤.

هذه خلاصة الاخبار التي اردنا التعرض لها وقد تحصل عدم تمامية دليل واضح على ضعف علي بن ابي حمزة بما يرجع لجهة قوله فيما رواه عن الكاظم (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقبل وقفه.. بل ان ما ذكره الطوسي من عمل الطائفة بأخباره معتمد وعليه المعوّل في اعتماد واثبات وثاقة علي المذكور ويمكن دعم المختار بجملة منبهات:

١- ما ذكرناه في الابواب السابقة في المقصد من قبول وثاقة الواقع في سند احد اصحاب الاجماع وعلي بن ابي حمزة ممن قد روى سبعة منهم عنه كابن ابي عمير وصفوان والبزنطي ويونس وغيرهم من أجلاء وعيون الطائفة.

وهذا المنبه وجه مستقل لاثبات وثاقة علي بن ابي حمزة.

٢_ ان علي بن ابي حمزة احد اصحاب الاصول وله كتاب أيضا وقد صرح الشيخ الطوسي بذلك في الفهرست والرجال وهذا احد القرائن على الوثاقة وان لم يكن على مستوى الملازمة معها.

3- ان للصدوق طريقا صحيحا اليه وقد عد بعض الاصحاب ذلك من امارات الحسن والوثاقة.

والى هنا ينتهي البحث عن احوال ابن ابي حمزة.

***

ص: 166

البحث الرابع - في احوال السكوني اسماعيل بن أبي زياد الشعيري

والبحث في احواله يقع ضمن نقطتين :

الأولى - استعراض اقوال العلماء والفقهاء بما يتعلق به.

الثانية - استعراض اقوال الرجاليين ومن يستدل بقولهم ومناقشة ذلك وبيان المختار

اما النقطة الأولى :

ذهب المشهور الى عدم الاعتداد بما يرويه السكوني إما مطلقا أو بخصوص ما ينفرد به كالمحقق فى النكت والعلامة فى المنتهى والشهيد الثاني في الروضة والمسالك وصاحب المعالم وصاحب المدارك.

وذهب جمع في المقابل الى توثيقه والاعتماد عليه والاعتداد بما يرويه كالمحقق في المسائل الغريه على ما يظهر من بعض كلامه حيث قال (انه وان كان عاميا فهو من ثقات الرواة) وكذلك هو ظاهر فخر المحققين وابن ابي جمهور بل أصر على دعوى الوثاقة المحقق الداماد في الرواشح ناقلا ذلك عن الطائفة مدعيا عليه الاجماع.

بل ان بعض الاصحاب ذكر ان من المشهورات التي لا أصل لها تضعيف السكوني

واما النقطة الثانية:

فقد ذكر الشيخ في الفهرست [ اسماعيل بن ابي زياد السكوني ويعرف بالشعيري أيضاً واسم أبي زياد مسلم له كتاب كبير وله كتاب النوادر اخبرنا برواياته وذكر طريقه ](1).

ص: 167


1- الفهرست ص 13 والسكوني كما قيل نسبه الى حي من عرب اليمن.

وقال في رجاله [ اسماعيل بن مسلم وهو ابن ابي زياد السكوني الكوفي ](1)

وقال في العدة بعد ذكر موارد جواز العمل بخبر الثقة المخالف ما لفظه [... وان لم يكن هناك من الفرقة المحقة خبر يوافق ذلك ولا يخالفه ولا يعرف لهم قول فيه وجب أيضا العمل به لما روي عن الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) انه قال: اذا نزلت بكم حادثه لا تجدون حكمها فيما روى عنا فانظروا الى ما رووه عن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فاعملوا به ولاجل ما قلناه عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث وغياث بن كلوب ونوح بن دراج والسكوني وغيرهم من العامة عن أئمتنا (عَلَيهِم السَّلَامُ) فيما لم ينكر وه ولم يكن عندهم خلافه ](2).

وقال النجاشي [ اسماعيل بن ابي زياد يعرف بالسكوني الشعيري له كتاب قرأته علي يد ابي العباس احمد بن علي نوح.....](3) وذكر طريقه اليه.

وقال البرقي [ اسماعيل بن زياد السكوني كوفي واسم أبي زياد مسلم ويعرف بالشعيري يروي عن العوام ] (4).

وجعله العلامة في عداد الضعفاء قائلا : [... اسماعيل بن ابي زياد السكوني الشعيري كان عاميا ] (5).

ونقل عن ابن الغضائري تضعيفه.

وعن الصدوق عدم العمل بما ينفرد به كما ذكر في كتاب من لا يحضره الفقيه (6).

هذه خلاصه الاقوال التي اردنا التعرض لها.

ص: 168


1- رجال الشيخ ص ١٤٣.
2- عده الاصول ج 1 ص 379.
3- رجال النجاشي ص 19.
4- البرقى ص ٢٨.
5- الخلاصه ص 199.
6- من لا يحضره الفقيه ج ٤ حديث ٨٠٤ ص ٢٤٩.

وهي متفقة بمعنى عدم تنافيها في عدة أمور:

١- انه ملقب بالسكوني والشعيري.

2- انه صاحب كتاب

٣- انه كان من العامة ومن اهل الكوفة.

٤- ان الطائفة عملت برواياته.

٥- انه من اصحاب الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ).

واما التنافي المستفاد من اقوالهم فهو حاصل من خلال دعوى الشيخ عمل الطائفة برواياته الدال على توثيقه وبين ما ربما يستفاد منه التضعيف من كلام ابن الغضائري والشيخ الصدوق.

وقبل ذكر التفصيلات والاشارة الى عدم صحة التنافي المذكور لا بد من الاشارة الى ان دعوى الشيخ عمل الطائفة برواياته مع اضافته بان السكوني لو انفرد برواية وجب العمل بها ليست إلا لجهة وثاقة الرجل لعدم بناء الشيخ على العمل بروايات الضعاف.

ان قلت انه قال في صدر حديثه في العدة بتقديم روايات الامامي العدل على روايات غيره من امثال السكونی.

قلنا ان ذكر ذلك في مقام الترجيح شيء ودلالته على ضعفه شيء آخر ولذا لا يعمل بروايات الامامي العدل احيانا لمعارضته لما هو اقوى منه كشفا عن صحة الواقع وثبوته كما ان كون كلامه المذكور في مورد الترجيح يدل على مقبولية ووثاقة الرجل في نفسه إذ مع عدم ذلك لا معنى للترجيح اساسا فان الخبر الضعيف ساقط في نفسه ويؤيده ما ذكره في المقطع الثاني عند الكلام حول فرق الشيعة من الفطحية والواقفية حيث قال [.. وان كان ما رووه ليس هناك ما يخالفه ولا يعرف من الطائفة العمل بخلافه وجب أيضا العمل به إذا كان متحرجا في روايته موثوقا في امانته وان

ص: 169

كان مخطئا في اصل الاعتقاد فلأجل ما قلناه عملت الطائفة باخبار الفطحية...](1).

فان فيه تصريح بشرطية التحرج والوثوق في الاخذ بروايات المذكورين... وواضح عدم الفرق بين المذكورين في العبارة الاولى المتقدمة.

وقد تحصل ان المستفاد من عبارة الشيخ امران:

١- شهادة شبه صريحة بوثاقة السكوني.

2- شهادة ضمنية مستفادة من قوله ان الطائفة عملت برواياته وساعتئد نقول ان عدم المنافاة بين عبارته وبين قول الصدوق وعبارة ابن الغضائري لأجل أمور:

الأول - ان كتاب ابن الغضائري وكما عرفت اكثر من مرة مما لم يثبت لدينا.

الثاني - اننا لم نطلع على عبارته إلا من خلال ما نقله العلامة في الخلاصة في ترجمة جابر بن يزيد الجعفى [... وقال ابن الغضائري ان جابر بن يزيد الجعفى ثقة نفسه ولكن جل من روى عنه ضعيف فمن اكثر عنه من الضعفاء عمرو بن شمر الجعفي ومفضل بن صالح والسكوني ومنخل بن جميل الاسدي](2).

وهذا التضعيف وان اقترن ببعض الموسومين بالكذب لا يدل على عوده لجهه اقواله فلعل منشأه كون السكوني من العامة ويكون نظر التضيعف الى الجهة الاعتقادية.

الثالث - ما قلناه سابقا من ان تضعيفات ابن الغضائري - لو سلمت النسبه - مما لا نثق بها اما لخطا في المبنى والطريقه التي بنى عليها او لتصحيف مخل بالاعتماد على الكتاب.

الرابع - ان السكوني لقب يطلق على اكثر من شخص وان انصرف في هذه الازمنه إلا خصوص اسماعيل إلا انه من غير المعلوم كونه كذلك في عهد ابن الغضائري وانما قد يكون حدث متاخرا عنه لشدة البحث الواقع في رواياته خصوصا مع كون النوفلي ممن يروى عنه.

ص: 170


1- عده الاصول - ج 1 - ص 381.
2- الخلاصه ص 35.

ومن المحتمل جدا ان يكون تضعيف ابن الغضائري عائداً الى غيره كاسماعيل بن مهران الذي ضعفه ابن الغضائري نفسه وقال فيه [.. ويروى عن الضعفاء كثيراً ](1) بينما لم ينقل العلامة عن ابن الغضائري تضعيفا لا سماعيل مع كون ديدنه هو ذلك بل اقتصر على التعريف بإسمه وانه كان عاميا.

الخامس- ان روايه السكوني عن جابر غير متحققة بل ان جابراً مات في عصر الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) والسكوني من اصحاب الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) وان كان ليس مستحيلا روايته عنه.

-واما عبارة الشيخ الصدوق في الفقيه [ولا أفتي بما ينفرد السكوني بروايته] فواضح عدم عودها لجهه لسانه.

والوجه فيه انه لا معنى لاستثناء خصوص ما انفرد به لو كان ممن ثبت كذبه وأيضا فان عدم العمل بما ينفرد به المنحرفون عقائديا كان امرا متعارضا شائعا آنذاك إلا اننا وكما عرفت لم نشترط اكثر من ثبوت الوثاقة في جواز العمل برويات راو ما انفرد بما يرويه او لم ينفرد.

اللّهم إلا أن يعود ذلك الى الاطمئنان بعدم صدور الرواية وهو أمر آخر _ ومما ذكرناه يتضح جليا عدم وجود ما يدل على ضعف السكوني بالمعنى المراد والمخل.

بل ان عباره الشيخ دالة بما لا يقبل الشك على وثاقة السكوني وحسن أمره في الجمله.

لا يقال ان ما اوردتموه على ابن الغضائري من عدم العلم بالمراد من السكوني واحتمال كونه ابن مهران وارد هنا ايضا لعدم تصريح الشيخ في العدة بالمراد من السكوني قلنا ان هذا الاحتمال غير وارد هنا إذ لم يذكر في ترجمة اسماعيل بن مهران انه كان عاميا وعبارة الشيخ بصدد بيان ما يرتبط بالعامة من الرواة بل لو سلم انه كان عاميا أيضا فان اطلاق الشيخ منصرف الى ما هو واضح النسبة ومن كانت رواياته

ص: 171


1- الخلاصه ص 8.

محل ابتلاء واسع وليس إلا اسماعيل بن ابي زياد المترجم له والمبحوث عنه..

ومن هنا نجد ان ابن ادريس عندما تعرض له قال [عامي بلاخلاف].

- بقي في البين ان نذكر جملة من المؤيدات والمنبهات الدالة على وثاقة السكوني:

1 - أن بعض أصحاب الاجماع قد رووا عنه كجميل بن دراج وعبد اللّه بنالمغيره على ما ادعى وهذا المنبه يصلح وجها مستقلا لاثبات وثاقه..السكوني...

2 _ ان النجاشي الخبير بامور الرجال والشيخ في فهرسته ورجاله لم يتعرضوا لتضعيف السكوني مع كونه ذا كتاب.

٣ _ ان جمعا من الرجاليين العامة كالدار قطني والذهبي ضعفوه رغم كونه عاميا وهذا يورث نحو سكون في ان منشأه قرب السكوني للائمة الاطهار في الجملة مما يشكل قرينة احتمالية لاثبات ما نريده

٤ - عمل جمع من الاصحاب برواياته ومنهم الشيخ نفسه كما يظهر ذلك من خلال تتبع اقواله حتى في خصوص ما ينفرد به.

ولذا قال في باب المجوسي حول مسأله التوارث من الجهتين معتمدا ومقويا مسأله التوارث ان ليس هناك إلا ما رواه السكوني.

٥ - قول ابن ادريس في سرائره حول مسألة ميراث المجوس ان للسكوني كتابا يعد في الاصول وهو عندي بخطي كتبته من خط بن اسناس البزاز وقد قرء على شيخنا ابي جعفر وعليه خطه إجازة وسماعا لولده أبي على والجماعة.

فان هذه العبائر الصادرة من خصوص ابن ادريس الذي لا يعمل بخبر الواحد واستكتابه لكتابه مع دعواه أن كتاب السكوني من الاصول لشاهد على مكانة الرجل واهميته عند الاصحاب

هذا ما اردنا ذكره في احوال السكوني والذي قد تحصل منه الالتزام بوثاقة السكوني والاعتداد بما يرويه..

***

ص: 172

البحث الخامس - في احوال عمر بن حنظلة

والكلام فيها يقع ضمن نقطتين :

الأولى - في استعراض اقوال الفقهاء فيه

الثانيه - في استعراض اقوال الرجاليين ومن يعتد بقولهم وذكر الاخبار الوارده فيه ومناقشة كل ذلك وبيان المختار

اما النقطه الاُولى-

نسب للمشهور من الاصحاب عدم توثيق عمر بن حنظلة ولا الاعتداد به.

الا ان الشهيد الثاني في شرحه للدراية افاد ان عمر بن حنظلة لم ينص الاصحاب فيه بجرح ولا تعديل لكن امره عندي سهل لأني حققت توثيقه من محل آخر وان كانوا قد اهملوه.

ومن المحتمل جدا ان لم يكن مطمئنا به ان مقصود الشهيد من المحل الآخر هو روايه الوقت الآتية بدليل ما نقله ولده الشيخ حسن في المنتقى [ وجدت بخطه في بعض فوائده ما صورته عمر بن حنظلة غير مذكور بجرح ولا تعديل ولكن الاقوى عندي انه ثقه لقول الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) في حديث الوقت إذا لا يكذب علينا ] (1).

وما قواه الشهيد فى محله وهو المختار

ومن الغريب هنا عدم تعرض الشيخ رحمه اللّه لترجمته في فهرسته رغم ذكره له في رجاله وكذا النجاشي والكشي والعلامة في الخلاصة وتتمة الفهرست لابن شهر اشوب بل وكذلك عن الكتاب المنسوب الى ابن الغضائري.

نعم ذكره الشيخ كما قلنا في رجاله فقد عده تارة من اصحاب الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قائلا [ عمر يكنى ابا صخر وعلى ابنا حنظله كوفيان عجلیان] (2).

ص: 173


1- رجال المامقاني ص ٣٤٢.
2- رجال الشيخ ص 131.

وتارة من اصحاب الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) قائلا [عمر بن حنظله العجلي البكري الكوفي ](1) واما البرقي فقد اقتصر على عدِّه من اصحاب الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) والصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) قائلاً [ عمر وعلى ابنا حنظلة العجليان عربيان كوفيان وكنيه عمر أبو صخر] (2).

وهذه العبائر كما ترى لا تدل على اكثر من بيان بعض احواله ولا دلالة فيها على قدح أو مدح.

وعليه فينحصر الطريق لاثبات احدهما بالاخبار الواردة مع ابراز وجوه آخر قد يستدل بها في المقام.

واما الاخبار فهى عديدة - نذكر منها:

الاول - ما رواه الكليني عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن علي بن الحكم عن عمر بن حنظلة عن أبي عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال:[ ياعمر لا تحملوا على شيعتنا وارفقوا بهم فان الناس لا يحتملون ما تحملون] (3).

وهذه الرواية وبغض النظر عن سندها فيما قبل عمر لا يمكن الالتزام بها لكون المضمون الدال على جلالة امر المعلى متوقف الاعتبار على اعتبار المعلى لكونه واقعا في سندها فهو من توقف كل من المضمون والسند على الآخر وهو من توقف الشيء على نفسه نعم لو ثبت بدليل آخر وثاقة عمر فانه يعود لهذه الرواية قيمتها مع تمامية باقي من في السند وتكون من الادلة على جلالته واحاطته من علوم الأئمة ما لم يحط به غيره من الناس.

الثاني - ما رواه الكليني عن محمد بن الحسن عن سهل بن زياد عن ابن سنان عن محمد بن مروان العجلي عن علي بن حنظلة قال سمعت ابا عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)

ص: 174


1- نفس المصدر ص 251.
2- رجال البرقي ص 17.
3- روضه الكافي حديث ٥٢٢.

يقول اعرفوا منازل الناس على قدر رواياتهم عنا](1)

ببيان ان عمر ممن تعرف منزلته لكثرة روايته.. الا ان الاستدلال بها على ذلك غير صحيح اولا- ضعف سندها بابن سنان ولو على بعض المباني ومحمد بن مروان العجلي فان الأول لم يوثق بل قد ضعفه الشيخ وغيره ونسب اليه الضعف وطعن فيه واما الثاني فلجهالته.

وثانيا - لو سلم تماميتها سندا فيرد ما تقدم من ان الرواية ليست بصدد اعطاء ضابطه الجلاله والوثاقة على ضوء كثرة الرواية مطلقا ومن اي صدرت بل ان وثاقة الراوي وحجية قوله مفروضة مسبقا في الرواية والا لأمكن ان يكتب المرء من الكتب ما شاء وينسبها الى الائمة وتثبت بذلك وثاقته.

وهو ممن لم يتصور قبوله من عاقل من عاقل فضلا عن فاضل.

الثالث - ما رواه الصفار في بصائر الدرجات عن الحسن بن علي بن عبداللّه عن الحسين بن علي بن فضال عن داود بن ابي يزيد عن بعض اصحابنا عن عمر بن حنظلة فقال قلت لابي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) إني اظن ان لي عندك منزلة قال اجل فقلت فعلمني الاسم الاعظم قال أتطيقه قلت نعم قال فادخل البيت قال فدخلت فوضع ابو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يده على الارض فاظلم البيت فارتعدت فرائص عمر فقال اعلمك فقلت لا فرفع يده فرجع البيت كما كان](2).

وهذه الرواية لا تدل على المطلوب من جهات

١- ضعف سندها بجهالة البعض المذكور في الرواية.

2- لزوم الدور لكون راويها هو عمر نفسه حتى ولوسلم الوجه الأول ببيان ان داوود ممن ورد فيه انه من اهل العلم والدين وانه صادق اللّهجة بحيث لم يحتمل في مثلا ان يروي عن بعض اصحابه مع كونه من الكذابين.

3- ان دلالة الرواية على الوثاقة غير مستظهرة لان وجود رتبة لعمر عند الامام

ص: 175


1- الكافي ج 1 - باب النوادر من كتاب فضل العلم حديث 13.
2- البصائر ج ٤ ح 1٢ حديث ١ في ان الائمه اعطوا الاسم الاعظم.

مسلمة على كل حال ولو باسلامه والقرب من الامام لا لشخصه بل لأغراضه واهدافه ومن المعلوم ان الملتزم بالشريعة من أي جهة كان ذو منزلة عند اللّه وعند الامام ولا يتنافى مع كونه كاذبا في الجملة.

٤ - ان العبارة غير متزنة لانه تارة ينقل الحديث فيها بلفظ الحاضر [ فدخلت..] وتارة بلفظ الغائب [ فارتعدت فرائص عمر ] مع كون عمر هو الرواي لها.

ومن الغريب دعوى البعض احتفاف الرواية بقرائن الصدق مع ما عرفته.

الرابع - ما في العوالم من اعلام الدين للديلمي في كتاب الحسين بن سعيد قال قال ابو عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لعمر بن حنظلة يا ابا صخر انتم واللّه على ديني ودين آبائي وقال واللّه لنشفعن واللّه لنشفعن ثلاث مرات حتى يقول عدونا فما لنا من شافعين ولا صديق حميم](1).

وهذه الرواية تامة دلالة إلا انها ساقطة سندا.

الخامس _ ما رواه الكليني عن علي بن ابراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن يزيد بن خليفة قال قلت لأبي عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ان عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت فقال: ابو عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذاً لا يكذب علينا ] (2).

وهذه الرواية من اهم الروايات التي يستدل بها على وثاقة عمر وقد ذكرت حولها الوجوه الكثيرة نقضا واثباتاً.

ولا بد من تحقيق حالها سندا قبل ذكر دلالتها.

فنقول ان جملة من الاصحاب ذكر وا انها ضعيفة لوجود يزيد بن خليفة حيث انه لم يذكر له توثيق فضلا عن كونه واقفياً.

إلا انه غير تام وذلك لرواية جمع من اصحاب الاجماع عنه وقد بينا في بحوثنا السابقة على وثاقة من يقع في طريق اصحاب الاجماع وهو هنا كذلك فقد روى عنه

ص: 176


1- رجال المامقاني ص ٣٤٢.
2- الكاني ج 3 - باب وقت الظهر والعصر من كتاب الصلاه حديث ١.

صفوان وابن مسكان ويونس... واما كونه واقفيا فقد عرفت عدم اثره فيما هو المعتبر عندنا فى جواز العمل والاخذ بالاخبار.

فنقول إن (إذاً) الواردة في الراوية هي حرف جواب وقد تكون حرف جواب وجزاء معاً كما لو قيل لشخص سآتيك غداً فيقال في الجواب [اذا جئتني اكرمك] فتحذف (جئتني ويعوض عنها بالتنوين) فيقال [اذاً أو إذن اكرمك].

وعلى كل حال وسواء كانت للجواب أو للجواب والجزاء معا كما عن سيبويه لا يتأثر الاستدلال بذلك....

وساعتئذ نقول ان العبادة تحتمل أحد المعاني:

الأول _ ان يكون التنوين عوض عن جملة [ اتانا عنك بوقت ] ويكون الجواب على طبق السؤال والمعنى ان عمر لا يكذب علينا في خصوص ما جاء به من الوقت المذكور كما احتمله الشهيد الثاني

ويمكن تاييد هذا الاحتمال بمؤيدات

1- انه لو لم يعد الخصوص الوقت لما انبغى الاتيان ب_(اذن) فان الامام ساعتئذ يمكنه الاجابة لو كان عمر موثوقاً عنده ب_ [خذوا بقوله فانه لا يكذب علينا ] أو ما قارب هذا التعبير.

2- ان كون اذن جوابا تعني ارتباط كلام الامام بكلام السائل وهو يقتضي التخصيص.

الثاني - ان الجواب المذكور يؤذن باعتقاد الامام كذب عمر ولذا عند ما سمع الرواية وتبين له صدقه فيما اخبر قال [ اذن لا يكذب... ].

وعليه تكون الرواية على الكذب ادل ولعله من هنا قال الوحيد انها على الذم أدل.

الثالث - ان التنوين عوض عن الجملة باكملها اي جملة [ ان عمر بن حنظلة اتانا...]

ويكون معنى الجواب انه ان كان عمر هو الراوي فلا يكذب علينا.

ص: 177

وهذا الاحتمال هو المتعين وذلك.

اولا ان ما قد يقال من انه لو كان بصدد اثبات وثاقته لعدل عن التعبير بما ذكر انما يتم لو كان المسئول عنه هو وثاقة عمر كما هو الحال في يونس بن عبدالرحمن لما سئل الامام عن وثاقته حيث اجاب هناك ب ( نعم ).

وثانياً - ان دعوى الاقتصار في الدلالة على مقدار السؤال لا يتم في مورد متعقب بالفعل المنفي حيث حقق في محله دلالته على العموم وكون المورد خاصا لا يجعل العام خاصاً.

وثالثا - ان دعوى ايذان الرواية باعتقاد الامام لكذب عمر مجرد دعوى ايذان لم تخرج لعالم الظهور والصراحة وهما المناطان في إعتبار حجية المدلول وعدمه.

ويؤكد ذلك انه لوقيل لشخص ان عندي من السمك واللحم ما تشتهيه الانفس فاجاب ( اذن سآتيك) فانه لا يقال فيها بانه كان يعتقد عدم وجود شيء لذيذ غير السمك بل قديكون احيانا خالى الذهن او قد يكون المبين احد افراد رغباته لاكلها كما انه لا دلالة على انه لا يحضر لو لم يكن هناك السمك أو اللحم.

ورابعا - ان الرواي لم يبين للامام ما هية الوقت الذي جاء به لكي يعود الجواب الى الوقت بالخصوص.

وهذا يدل بوضوح على عود الجواب على عمر نفسه وان المعنى انه لا يكذب علينا ولذا لم يستفصل الامام أيضاً.

وعليه فتثبت وثاقته ويعود بالتالي لجملة من الروايات الماضية قيمتها حيث قد رواها بنفسه والتي تشكل بمجموعها رقما احتماليا يدعو للاطمئنان بجلاله ووثاقة عمر بن حنظلة كما انه وبناء على قبولنا لكبرى وثاقة الواقع في سنداحد أصحاب الاجماع يدخل وجه آخر لاثبات وثاقته حيث قد روى عنه أربعة من اصحاب الاجماع هم:

1- زرارة بن اعين.

٢- عبداللّه بن بكير.

3- صفوان بن يحيى.

ص: 178

٤- عبداللّه بن مسكان.

فضلا عن رواية جمع كثير من الثقات والاعاظم عنه... الثقات والاعاظم عنه... وبهذا يتحصل ان ما نسب للمشهور من عدم الاعتماد عليه في غير محله.

كما ان الاكتفاء بالتعبير بلفظ (مقبولة) بما يتعلق برواياته غير مقبولة.

هذا آخر ما اردنا اثباته في هذا الكتاب ولقد تم الفراغ من تسويده الاولي عشية السبت المصادف الثالث عشر من شهر رجب مولد الامير (عَلَيهِ السَّلَامُ).

***

ص: 179

ص: 180

فهرست مطالب الكتاب

عنوان البحث / رقم الصفحة

تقديم وتعريف... 6

المقدمة وما تشتمل عليه اجمالا...16

النقطة الاولى - تاريخ البحث الرجالي...17

النقطة الثانية - حقيقة البحث الرجالي...27

النقطة الثالثة - اهمية البحث الرجالي...31

النقطة الرابعة - في صحة القول بالتعبد والجعل في الطرق وعدمها...35

فرع - في الانسداد واعتبار الظن الرجالي...42

المقصد وما يشتمل عليه اجمالا...44

الباب الاول - القول في اصالة العدالة والوثاقة...45

في اصل شرطية العدالة...45

في أصالة العدالة...48

في اصالة الوثاقة...53

الباب الثاني - في مراتب التوثيق والتضعيف...57

مراتب التوثيق...60

ص: 181

مراتب التضعيف...64

الباب الثالث - في قيمة توثيقات الاعلام وارباب الدراية...68

توثيقات القدماء...68

توثيقات المتأخرين...74

الباب الرابع - القول في دعوى وثاقة رواة جملة من الكتب...79

البحث الاول - القول فى وثاقة كتاب كامل الزيارات...79

البحث الثاني - القول في وثاقة تفسير ابن ابراهيم القمي...86

البحث الثالث - القول في اسانيد نهج البلاغة...92

الباب الخامس - القول في وثاقة من روى عنه احد اصحاب الاجماع...96

الباب السادس - القول في تقدم الجرح على التعديل وعدمه...108

الباب السابع - القول في قطعية صدور الكتب الاربعة أو صحتها...114

الباب الثامن - القول في جملة امور ادعى دلالتها على الوثاقة...128

البحث الاول - في وثاقة مشايخ الاجازة...129

البحث الثاني - في وثاقة كثير الرواية عن المعصومين (عَلَيهِم السَّلَامُ)...131

البحث الثالث - فى وثاقة الوكيل عن المعصومين (عَلَيهِم السَّلَامُ)...134

الخاتمة في بعض التطبيقات...139

البحث الاول - في احوال سهل بن زياد...140

البحث الثانى - فى احوال المعلى بن خنيس...149

البحث الثالث - فى احوال على بن ابي حمزة...160

البحث الرابع - في احوال السكوني...167

البحث الخامس - في احوال عمر بن حنظلة...173

***

ص: 182

الصفحة / السطر / الخطأ الصواب

8 / 15 / الى / عن

16 / 6 / التبعد / التعبد

20 / 2 / وتقديمه / و بتقديمه

27 / 3 / لجهه / لجهة

30 / 1 / اللقب / واللقب

32 / 3 / المتعلقه / المتعلقة

33 / 1 / أيضا / وايضاً

36 / 12 / التشيك / التشكيك

37 / ه_ / ه_ ١-٢-٣ من ص ٣٧ / ه_ (١-٢-٣) من ص 38 و 39

41 / 5 / ينبغي / نبغی

43 / 6 / الى الى / إلى

46 / 6 / النبأ / البنأ

47 / 23 / فيمكن / فيكمن

50 / 11 / من / في

52 / 7 / بين / بنی

52 / 7 / تبین / تبنّى

52 / 8 / لثاكلهم / لمشاكلهم

58 / 15 / الكلام / للكلام

87 / 15 / عده / عدة

92 / 4 / 259 ه_ _ ٤٠٤ ه_ / ٣59 ه_ - ٤٠٦ ه_

92 / ه_ (٣) / الطبقات / تذكرة الحفاظ

93 / 22 / بين / بيِّن

94 / 2 / منهاجاً / ومنهاجاً

94 / 6 / فصحيح / احتمل كونه صحيحا

102 / 20 / للانتشار / للإندثار

105 / 17 / الروايين / الراويين

108 / 3 / التضارب / تضارب

108 / 15 / عليه / عليها

ص: 183

112 / 12 / فى / من

112 / 21 / يبين / يبن

115 / 4 / تالفيه / تأليفه

117 / 17 يجبب / يجب

121 / 10 / قطعية / قطيعه

122 / 18 / بالجمع / بالمجمع

126 / 3 / الرجال / الرجل

129 / 20 / الوارد / الموارد

135 / 12 / كبعض / كقبض

136 / 6 / تلتزم/ نلتزم

136 / 22 / بثوت / ثبوت

137 / 1 / بوثاقتتهم / بوثاقتهم

137 / 12 / على / على ما

144 / 22 / ذلك / ذلك - ان لا يعتمد عليه

151 / 9 / بينما / بين ما

152 / 10 / تعليقه / تعليقة

158 / 19 / الغبيه / الغيبية

159 / 8 / اولى / ادل

161 / 4 / واستعمالوا / واستمالوا

161 / 7 / روی / وروی

163 / 15 / (3) / تحذف

164 / 7 / ثمانية / ثمانيه

170 / 14 / التضعيف / التضعيف

174 / 14 / المعلى / عمر

175 / 20 / فى / فیه

177 / 8 / العبادة / العبارة

ص: 184

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.