الآراء حول کتاب الاجارة

هویة الکتاب

الآراء حول

كتابُ الإِجارَةِ

تقریر بحث

سماحة ایة الله العُظمى الإمام السيّد عَلىّ العَلامَة الفانيّ الإصفهانيّ

دامَ ظِلّهُ الْعالي

المحرّر الرقمي: محمدرضا دهقانزاد

تاریخ طبع 1403 ق - 13602 ش

ص: 1

اشارة

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلَّى الله على سيّدنا محمد و آله الطّاهرين واللّعن على أعدائهم إلى يوم الدّين .

الفصل الأوّل: في تعریف الإجارة

في عقد الاجارة و جملة مما يتعلق بها معنى الاجارة لغة : وقد نجعل البحت عن الاجارة في مقامين تمهيدًا للمباحث الآتية.

المقام الأول في معناها اللغوى ، فنقول :

إنَّ منهم من لم يذكر هذا اللفظ ، و لم يتعرض لمعناه كالصحاح و غیره ، و الذين أورد وا هذا اللفظ في كتبهم من اللغويين قد اختلفوا في مادتها و معناها.

فقال بعض : إنَّها مصدر قياسيّ من ( أجر ) المجرد على وزن فعالة ، كالكتابة من كتب ، وهو المحكى عن صرف الرضى ، أو من ( آجر ) من باب المفاعلة.

وقال بعض آخر : إنّها إسم لمطلق الأجر ، أو الأجرة ، والقائل به أكثر اللغويين، كما هو المحكى عن القاموس ، حيث قال : إنَّها تطلق على ( ما أعطيته من الأجرة ) ، وكذا في لسان العرب .

وقال ثالث : إنَّها مصدر ل_ ( آجر ) من باب الافعال فهى بمعنى

ص: 3

الايجار .

وقد وقع في رواية تحف العقول أيضاً ( وأمّا الاجارات فاجارة الانسان نفسه أو ما يملك ، الخ ...) فحل مشكلة الاجارة من اللغة مشكل جدًّا .

و كيف كان فأكثر الفقهاء رضوان الله عليهم يرونها مصدرًا سماعيًّا ل_ ( أجر ) أو ( آجر ) ، والأمر في ذلك سهل .

المعنى الاصطلاحي لكلمة الاجارة :

المقام الثانى : في معناها المصطلح عند الفقهاء ، فالمشهور بینهم في تعريفها :

إنّها تمليك منفعة بعوض معلوم ، وهذا التعريف للاجارة موجود - فى كلمات العامة أيضاً على إختلاف عبائرهم في ذلك

نعم قد حكى عن بعض العامة ، كما فى المبسوط للسَّرَخسى الاستشكال على هذا التعريف : بأنَّه لا معنى لتمليك المنفعة، معللّاً بأنها ليست شيئًا قابلة للتمليك ، ويأتى زيادة توضيح لهذا الاشكال عن قريب ، ونتعرض للجواب أيضا هناك.

ثم إنَّ جملة من أعاظم المتأخرين عدلوا عن التعريف المشهور للاشكال المذكور ، ولا يرادات يأتى ذكرها ، فعرَّفها بعضهم : بأنها إضافة خاصة بين المستأجر و العين المستأجرة تستلزم تسليط المستأجر على العين و إستفادته منها ، فالاجارة حقيقة هي التسليط ليس إلّا، ويلزمه إستحقاق المستأجر المنفعة وملكه لها ، وتسلطه على العين لاستيفاء المنفعة منها .

و ذهب المحقق الخراساني إلى أنَّها عبارة عن جعل العين فى الأجرة ، فان حقيقة الاجارة ليست الاجعل الدار مثلاً موردا للكراء و معرضاً للاجرة ، وقد يستفاد هذا القول من الشهيد الأول - رحمه الله فی قواعده في باب الاجارة .

ص: 4

وهناك تعريف ثالث لها ، اختاره المحقق الشیخ هادی الطهرانی - رحمه الله - ، وهو إنَّها تمليك عين في جهة خاصة ، فان الملك له مراتب ، إذ قد يكون الشخص مالكاً للشيء بجميع شئونه، الرقبة ، وقد يكون مالكاً له بجهة من جهاته ، كما في ملك المنفعة والاجارة من قبيل الثاني

فتحصل أن الأقوال في تعريف الاجارة أربعة :

1-تمليك المنفعة بعوض معلوم ، وهو المشهور.

2-أنها اضافة خاصة بين المستأجر والعين ، وهو مختار السيد البروجردی (قدّس سرّه ) .

3-جعل العين في الكراء والأجرة ، وهو الذي استظهرناه من عبارة الشهيد ( رحمه الله ) فى القواعد، واختاره المحقق الخراسانی (رحمه الله) وتلميذه المحقق الاصفهانی (رحمه الله ) .

4-أنها تمليك عين في جهة ، واختاره الشيخ هادي الطهراني (رحمه الله).

أدلة التّعاریف و نقدها :

وقبل البحث عن علة الاختلاف، والدليل على الأقوال والقول المختار ، لا بأس بتمهيد مقدمة في أقسام المعاملات وضبطها ، فنقول :

لا شك ولا ريب في أن حقائق المعاملات حقائق اعتبارية متأصلة في وعاء الاعتبار ، وليس للشارع تأسيس جديد في حقائقها الا ماكان من قبيل التصرف في الموضوع سعة وضيقا ، أو القيود أو الشرائط ، أوكان من قبيل التنبيه على المعاملات الفاسدة ، كالنهي عن بيع الغرر ، والمنابذة ، والمحاقلة ، وغيرذ لك من المعاملات المنهی عنها.

وكذلك لاجعل للشارع في ألفاظ المعاملات ، بمعنى أنه ليس له حقيقة شرعية فيها ، والألفاظ الواردة في الشرع ليس والألفاظ الواردة في الشرع ليست إلا عنواناً مشيرًا إلى الأفراد الخارجية ، فالشارع لم يخترع عنواناً معامليا إذ ليس له

ص: 5

طريقة خاصة ، لافى نفس المعاملات ولا فى ألفاظها إلّا ماكان من قبيل ما ذكرنا .

وأما المعاملات الواقعة في الخارج فعلى أقسام :

1- ما يعتبرفيها المبادلة بين شيءٍ و شيءٍ ، فلابد أن يكون هناك عوضٌ و معوضٌ ، ويبادل هذا بذاك ، وهذا كما في البيع والاجارة والمضاربة و المزارعة .

وليعلم أن التمليك والتملك ليسا مقومين لحقيقة البيع أو الاجارة، فانهما قد يتحققان ولا يكون البائع أو الموجر مالكاً للمعوض ، كبيع الحاكم الشرعى العين الزكوية، أو اجارته داراً موقوفة من شخص فى مقابل عوض معلوم ، فان هذا المعوص لا يملكه الحاكم ، بل المالك في الحقيقة هو المستحق للزكاة في الأول ، والموقوف علیهم فی الثانی ، بل ربما يصرف العوض أيضاً في مصارف الزكاة من غير تمليك ، كما إذا كان حديدًا يصرف فى بناء القنطرة ، فلا يعتبر في حقيقة البيع والاجارة ، التمليك والتملك .

نعم لما كان الغالب فيهما هو الأشخاص المالكون فيكون التمليك لازمًا حينئذٍ من هذه الجهة .

وقد ذهب المحقق النائيني (رحمه الله) إلى كون البيع مبادلة مال بمال لا يقتضى أن يملِّك كل من البايع و المشترى ملكه للآخر ، إذ ليس في معنى البيع تمليكٌ أصلا ، بل ليس معناه إلاّ انقطاع الملكية عن كل منهما ، ودخول العوض أو المعوض تحت إضافة الملكية للآخر .

وقال فى وجهه : إن الملكية عبارة عن الجدة الاعتبارية ، في مقابل الجدة التي هي إحدى المقولات العشر، ولا معنى للواجدية على الواجدية .

وفيه أولاً : أن الملكية أمر اعتباري إضافي ، وليست مسانخة لمقولة الجدة التي هي من الأعراض الواقعية .

ص: 6

وثانيًا : أن الواجد يكون واجدًا للواجدية بنفس الواجدية لا بشيء آخر ، كيف وقد تقرر فى محله أنَّ كلَّ ما بالعرض ينتهى إلى ما بالذات ، كما أن اختيارية صفة الاختيار بنفس تلك الصفة .

وثالثاً : انه لو كان البيع هو إنقطاع الملكية لكان الملك بلا مالك آنًا مّا وهو باطل بالضرورة ، فالصحيح هو قول المشهور من كونه تمليكًا بعوض(1).

2 - ما يكون فيه التمليك بلا عوض ، كما في الهبة سواء أكانت مشروطة بعوض أم لا ، فان الهبة المعوضة تكون مشروطة بالعوض على التحقيق ، لا أن لها مقابل و بدل ، كما في الوصية التمليكية و الصدقة .

3-ما لا يكون فيه تمليك أصلاً كالعارية والوديعة والطلاق والوقف وما شابه ذلك .

4- ما يكون الاستيفاء فيه بالضمان لا بالمبادلة كما في القرض ، ومن هذا القبيل أيضًا باب التغريمات والجعالة والاباحة بالعوض .

5- الصلح وهو عنوانٌ مستقل ، وهو تسالم شخصين على أمر ، ويتعلق على معاملة من المعاملات ، أو حق من الحقوق ، وليس هنا مقام تفصيله .

وكيف كان فالاجارة هي من باب المبادلة ، وقد عرفت تعريف المشهور بانها تمليك منفعة بعوض معلوم .

ص: 7


1- والأولى أن يقال إنّ حقيقة الاجارة كحقيقة البيع عبارة عن تبديل منفعة بعوض أو تبديل عمل بعوض إلا أن الحصة الغالبة من المعاملات من جهة صدورها من الأشخاص المالكين إحتاجت البدلية إلی تمليك و تملك في عالم التحقق ، ولقد أجاد إبن الاثير حيث قال إنَّ البيع مبادلة مال بمال

إیرادات ثلاثة علی التعریف المختار و أجوبتها

وقد أورد عليه بايرادات ثلاثة :

1-إن المنفعة إنَّما تحصل تدريجاً ، فهى قبل وجودها معدومة وحال وجود هاغير قابلة للتسليم ، ووجودها الخارجى غير قابل للتسليم أيضاً ، و بالنتيجة لا تكون المنفعة قابلة للتمليك ، وقد تقدم هذا الاشكال ، وذكرنا أنه عن بعض العامة .

2 - إن المنفعة إما أن تكون فعلاً للأجير كحلق رأس الغير ، أو للمستأجر كسكناه دار الغير وفعل الشخص لا يصلح أن يكون مورد اللاجار بالغير، وقابلا للمعاوضة عليه ، ولا معنى لكون فعل الأجير أو المستأجر مبدلاً عن شيء أو بدلاً عنه.

3- إنا نرى أن لفظة ( الاجارة ) لا تتعلق بالمنفعة ، ولذا لا يصح أن يقال آجرتك منفعة هذه الدار ، فليس هناك شيئًا إلّا جعل العين في الأجرة ، أو التسليط على العين ، ولذاصح قولنا آجرت نفسى ، أو أجرتك الدار .

والجواب عن الأول أنّ المنفعة وإن لم تكن موجودة بالفعل ، وبهذا اللحاظ لم يصح تعلق التمليك بها ، لكن العرف والعقلاء قد يعتبرون الأمر المتدرّج الحصول فعلياً ، ويجرون عليه الأحكام الجارية على الفعليات ، وعليه يصح عندهم تعلق التمليك بالمنفعة بملاحظة إعتبارهم لها أمراً حاصلاً بالفعل.

وبتعبير أوضح : إنّه ربما تكون الموضوعات في أبواب المعاملات إعتبارية يعتبرها العقلاء موجودات فعلية، ويجعلونها بمنزلة الموجود المتأصل ، ويجرون عليها أحكامه ، فموضوعات الأحكام الاعتبارية ربما تكون متأصلة فى الخارج، كما فى الزّوجية ، حيث يقال : هند زوجة لبكر وهو زوج لهند مثلاً ، فان الزوجية ليست أمراً محسوسا متأصلاً في الخارج ، ولكن موضوعها وهو الزوج والزوجة موجود خارجا ، وربما تكون الموضوعات أيضا إعتبارية كالمحمولات كما في الذمّيات كبيع الكلي في الذمة في باب

ص: 8

السَّلم والدين والغرامة، إذ ليس فيها شيئًا متأصِّلاً في الخارج ، فلو كان الوجود الفعلى الخارجي شرطاً في صحة البيع والتمليك والضمان للزم عدم صحة تلك المعاملات ، بل عدم معقوليتها ، كما أفاده المستشكل مع أنها صحيحة بلا كلام .

والسّرُّ فى ذلك هو ما ذكرناه من أن العقلاء يعتبرون الشي المعدوم حال المعاملة بالمعنى الأعم موجوداً فعليا فى عالم الاعتبار ، فعدم وجود المنفعة بالفعل أى حال العقد خارجًا لا يستلزم عدم صحة تمليكها .

قعم صحَّ لنا أن نقول : إنّ هذا الاعتبار من العقلاء كسائر الاعتباريات يحتاج إلى مصحح للاعتبار قطعاً، فترجع المسئلة إلى أنه هل المصحح موجود في المقام أم لا .

فنقول : نعم ، فان الحيثيات القائمة بالاعيان تكون مصححة للاعتبار المذكور ، كحيثية الاستقاء القائمة بالبئر، والارتضاع بالمرأة ، والنجارة بالنجار ، وقابلية السكنى للدار ، وهكذا ، فاذا لم تكن هناك حيثية قائمة بالعين ، مصححة للاعتبار لم يصح منهم هذا الاعتبار ، ولا يصح التمليك حينئذ ، كما اذا كانت الدار بائره غیرقابله للسكنى ، ولا لانتفاع آخر ، فلا يصح عندئذ تمليك منفعة تلك الدار ، إذ المنفعة غير موجودة ، ولا مصحح لاعتبارها موجودة .

فتلخص أنَّ الحيثيات القائمة بالأعيان هي الموجبة لتصحيح إعتبار الشيء المتعلق بها ، وهو المعدوم الفعلى حسب الفرض بمنزلة الموجود الخارجي ، وقابلا لتعلق التمليك به .

والجواب عن الثاني : أمّا في اجارة الاعمال ، وهي صيرورة الشخص أجيرًا فى عمل ، كالكتابة والحلاقة والحيازة والترسيم وغيرذ لك من الاعمال المختلفة ، فهذا الفعل الصادر من الأجير، وإن كان لا يقبل المعاوضة بما هو فعل له ، ولا يصح وقوعه بما هو مورددًا للاجارة بالمعنى المصدري ، لكنه من حيث إرتباطه بالمستأجر، ومن حيث كونه عملاً

ص: 9

يتعلق به أثر يعود نفعه إلى المستأجر ، يُصبح مالًا يبذل بازائه المال، فالفعل الصادر عن الأجير يصح أنّ يقع مورداً للاجارة بهذا الاعتبارأى باعتبار أنَّ فائدته تعود إلى المستأجر .

وبتعبير آخر : إن فعل الاجير كالكتابة أو الحلاقة ، بمعناه المصدري و بما هوفعل من أفعاله لا ربط له بالمستأجر ، ولا يقع مورداً للاجارة أوأية معاوضة أخرى . لكنه إذا نظرنا إلى فعله بمعناه الاسم المصدري، و دققنا النظر فى النّتيجه الحاصله من فعله ، كوقوع الكتابه في دفتر المستأجر مثلاً نرى أنَّ لهذا الاثر فائدتان :

الأولى : أنّه مموّلُ للعمل، بمعنى أنّ فعل الأجير قبل حصول هذا الأثر لاقيمة له ، وليست له مالية ، وهو بعد حصول هذا الأثريُصبح مالاً يرغب إليه الناس ، ويبذلون بازائه المال .

الثانية : أنَّ هذا الأثر الحاصل من فعل الأجير ، يكون رابطاً بين فعله و المستأجر و موجباً لارتباط الفعل به ، فالقول بأن فعل الأجير لا ربط له بالمستأجر ولا يصح وقوعه موردًا للاجارة ، مدفوعٌ بما ذكرناه من وجود الارتباط بينهما ، والباعث على هذا الارتباط ، هو الأثر الحاصل من فعله العائد إلى المستأجر .

فظهر مما ذكرنا أنّ فعل الأجير من جهة الارتباط المذكور بينه و بين المستأجر موجب للضمان سواءٌ أكان ضماناً معاوضياً ، كما فى الاجارةو الجعالة، أم كان ضماناً حاصلاً من الاستيفاء العدواني كما إذا أجبره على حلق الرأس مثلاً ، فيضمن المكره حينئذ أجرة مثل هذا العمل.

هذا كله ، فيما إذا كان ذلك الأثر ممّولاً للفعل بأن يجعله مالاً يبذل بازائه المال ، ويرغب إليه العقلاء وكان رابطاً بين الفعل و المستأجر فحينئذ تصح الاجارة ، ويأتى فيه الضمان .

وأمّا إذالم يكن كذلك سواء لم يكن مموِّلاً أصلاً ، كالنقش على الماء مثلا ، أو كان مموِّلاً ولكن لم يرتبط ذلك الأثر بالمستأجر ، كحلق الأجير

ص: 10

رأس نفسه مثلاً ، فلا يصح حينئذٍ الاجارة ، ولا يأتى فيه الضمان.

فتلخص : أنَّ الفعل الصادر من الأجير، وإن كان متدرج الحصول وكان فعلاً له لكنه بالمعنى الاسم المصدرى مصححٌ لعنوان الاستيفاء ، و بما له من الأثر يصبح وقوعه موردًا للاجارة.

هذا تمام الكلام في إجارة الاعمال ، وأمّا الكلام في إجارة الاعيان فنقول :

إنَّ الحيثيات الوجودية القائمة بالأعيان الخارجية، هي التي توجب صدق المنفعة المنفعة ، وهى الموجبة لصدق عنوان الاستيفاء فانّ الحركة والسكون والجلوس و القيام والاكل والشرب وغير ذلك من أفعال المستأجر ، وإن كان فعلاً له ، ولا يقع موردًا للاجارة ، ولا يُعطى بازائه المال ، لكن حيثية قابلية السكنى من الدار القائمة بها ، أو الارتضاع من المرأة ، أو الاستقاء من البئر ، توجب صدق المنفعة على هذه الأعمال.

والجواب عن الثالث : إنّه ما المراد من جعل العين في الأجرة أو في الكراء ، فان كان المقصود : أنَّ ( الاجارة ) بمالها من المعنى الانشائي تتعلق بالعين لا بالمنفعة، بمعنى أنَّ الأجرة تقع في مقابلة العين الخارجية، فهذا باطل بالبداهة ، ولا يرضى به حتى صاحب هذا القول لان العين لا تنتقل بذلك إلى المستأجر ، ولا يقدر على نقلها إلى الغير بجعلها موردًا للبيع ، أو صداقاً ، أوهبة كما هو واضح ، وإن كان المقصود أنّ الاجرة تكون بلا عوض ، بأن يقول الموجر : لاحق لك أن تسكن في دارى لانى أخذت الأجرة بلا عوض فهذا لا يمكن القول به.

وإن كان المقصود أنَّ الأجرة تقع في مقابل المنفعة ، واستيفائها ،فهو علین ما قاله المشهور ، وليس شيئًا غيره .

وأما ما مَرَّ من عدم صحة تعلق كلمة الاجاره بالمنفعة ، وصحة تعلقها بالعين ، فهوحق صحيح ، ونحن نقول به ، لكن لا لاجل أنَّ المنفعة ليست قابلة للتمليك، بل لان الاصل هو العين ، والمنافع

ص: 11

تابعة لها .

فتحصل أنَّ المنفعة قابلة للتمليك ، والاجارة هي تمليك المنفعة بعوض.

وقد سبق أنَّ التمليك والتملك ليسا مقومين للبيع والاجارة ، إذ قد يتخلفان عنهما نادرًا فى مثل بيع الحاكم الشرعى العين الزكوية أو إجارته دارًا موقوفة .

نقد كلام المحقق الطِّهرانی (رحمه الله) :

وقد تقدم عن المحقق الطهراني في تعريف الاجارة أنّها عبارة عن تمليك عينٍ في جهة .

وفيه : أنّه إن كان المقصود منه أنَّ التمليك بنفس العين ، ويكون المستأجر مالكاً لها على سبيل الاستقلال ، كما لكية المالك الأصلي ، فهذا يلزمه إجتماع المالكين على مملوك واحدٍ على سبيل الاستقلال ، وهو مستحيل في وعاءِ الاعتبار، لا للاستحالة الذّاتية ، حتى يقال إنَّ الملكية من الأمور الاعتباريه ، وأمرها بيد المعتبر ، فلا يستحيل إعتبار المالكين على مملوك واحدٍ مع قلة مؤنة الاعتبار، بل المقصود أنَّ العقلاء لا يعتبرون هذا النوع من الملكية ، أعنى إضافة مملوك واحد إلى مالكين مستقلين بحيث يكون لكل منهما السلطة الوضعية على جميع التصرفات التكليفية و الوضعية المتصورة فيه ، إذ ليس لهذا الاعتبار مصحح عقلائی .

وإن كان المقصود من التمليك في جهة خاصة هو تمليك المنفعة لا العين، فيرجع إلى ما قلنا ، ولا سبيل لنا إلى معنى آخر للتعريف المذكور ، فالمختار ما هو المشهور من أنّ الاجارة تمليك منفعة بعوض .

كلام مع السيد اليزدي وتحقيق في معنى السلطنة :

و هناك تعريف خامس للاجارة ذكره في العروة وهو : التسليط على اع بها فهو ( رحمه الله ) يرى أنَّ الاجاره ليست إلا السّلطنة على العين لجهة الانتفاع بها.

ص: 12

وفيه : أولاً ، أنَّ السلطنة وإن قلنا بأنّها حكم من الاحكام الوضعية، أو التكليفية ، وليست عنواناً إنتزاعياً ينتزع من أحد الحكمين، إلا أنَّها ليست شيئا مستقلاً مغايرا لهما قابلاً لاخذ العوض عليها .

بل لنا أن نقول : إنَّ من أحكام المملوك ، أنَّه يصح لمالكه بيعه ، واصداقه ، و وقفه ، وهبته ، وغيرذلك من التصرفات الناقلة ، وهذا ما نسميه بالاحكام الوضعية . ثم تنتزع من صحة هذه الأمور و نفوذها السلطنة عليها . فحينما نقول إنَّ لزيد السلطان على ماله ، لا نرید به إلّا المعنى المذكور وهو نفوذ تصرفاته الناقلة ، فالسلطان على المال عبارة أخرى عن نفوذ التصرفات المذكورة ، وليست السلطنة مجعولة مستقلة وراء هذه التصرفات.

وهكذا نقول فى الاحكام التكليفية ، فان الملكية شرعًاً هو حلية التصرفات، وإباحتها للمالك بالنسبة إلى جميع الانتفاعات المحللة. وهذا ما نسميه بالاحكام التكليفية ، ثم تنتزع منها السلطنة على الأمور المذكورة ، فالسلطنة على الاحكام التكليفية ليست مغايرا لتلك الأحكام ، ومقابلاً لها ، بل هي عنوانٌ منتزع عنها .

وعليه فلا معنى للقول بأن الاجارة هى التسليط ، وأنَّ السلطنة فى التي إنتقلت من الموجر إلى المستأجر.

ولتوضيح المراد من أنَّ السلطنة ليست مجعولة مستقلة ، نقول :

إنّ الشخص ، إمّا أن يكون مالكاً لشيء ، أو وليّاً عليه ، أو على شخص أو وكيلاً عن شخص في أمر ، وكل واحد منهم وإن كان متصفاً بصفة السلطنة حيث نقول إن للمالك السلطنة على ماله ، وإنَّ للوليِّ السلطنة على المولى عليه ، وإنّ للوكيل السلطنة على الأمر الموكل فيه ، حسب جعل الموكل و اعتباره ، لكن السلطنة في جميع تلك الموارد أمرٌ انتزاعي أنتزع عن نفوذ تصرفاتهم الناقلة ، وليست السلطنة شيئاً مجعولاً مقابلاً لذلك النفوذ أو الحلية .

ص: 13

وثانيًا لو سلمنا أنَّها أمر اعتبارى عرفى قابلٌ للانتقال ، لكنا نقول : ما المراد من هذه السلطنة المنتقلة إلى المستأجر ؟ فان كان المقصود أنَّها تنتقل إليه بالنسبة إلى جمع شئون العين، فهذا بدیهي البطلان، لاختصاص هذا النوع من السلطنة وهى السلطنة المطلقة، بالمالك، أو الولى ، أو الوكيل المُخَوَّلُ إليه جميع التصرفات . وإن كان المقصود : أنّ المنتقل إلى المستأجر هو السلطنة على المنفعة فقط بعنوان المعاوضة فلا مناص حينئذ من تمليك تلك المنفعة حتى تتحقق المعاوضة، ولهذا ترى أنَّ المستأجر له أن ينقلها إلى غيره بهبة ، أو باجارة ثانية ، إذا لم يشترط في العقد إنتفاع المستأجر بنفسه، وبالجملة فهذا يرجع بالآخرة إلى قول المشهور .

الكلام في عقد الاجارة :

المشهور أن عقد الاجارة يفتقر إلى ايجاب وقبول ، ولكنهم قد اختلفوافى أنَّ العقد هل هو مركب من جزئين - الايجاب والقبول - فيكون القبول شطرًا للعقد ، أم ليس العقد الا الايجاب ، فيكون شرطاً له .

واستدلّو اللاوّل : بأن المعاملات لا تتّم إلا بالطرفين ، والمقصود منهما هنا هما العوض والمعوض ، سواء كان ما يقابل العوض عيناً كمافى البيع ، أو منفعة ، كمافى الاجارة .

ومن المعلوم أنَّ لكل من العوض والمعوض مالك يملكه ، ويستند إليه في غالب (1) الموارد ، فاذا أنشأ الموجب تمليك ماله أى المعوض لا يتملك العوض بمجرد هذا التمليك ، إذ لابد فى تملُّكه للعوض إنشاء

ص: 14


1- قيد الغالب لاخراج ما إذا لم يكن لا حدهما أو لكيهما مالك كما مثلناه بالعين الزكوية أو الدار الموقوفة بالنسبة إلى الحاكم الشرعي

الطرف المقابل التمليك له لكى يتحقق التمليك والتملُّك في كل من الطرفين ، لبداهة عدم كون التمليك الاول مجاناً ، بل هوفى مقابل تملك العوض .

وبتعبير آخر : الموجب يملُّك مالَه ( المعوض ) صريحًا ويتملَّك العوض ضمنًا ، كما أنّ القابل يتملَّك المعوض صريحًا ويملَّك ماله ( العوض) ضمنًا ، فيتحقق في كل من الموجب والقابل ، تمليكٌ ، وتملُّك إلا أنَّ التمليك فى الاول مقصود أصلى ، والتملُّك ضمني ، وفي الثاني يكون التملُّك أصليًّا والتمليك ضمنيًّا.

فتحصل أنَّ المعاملة بطبعها تقتضى الايجاب والقبول كليهما ، وأنَّ القبول جزءٌ من العقد لا شرطٌ ، وأنَّ الايجاب تمليكٌ وتملُّكٌ ، والقبول تملُّكٌ وتمليكٌ.

وإستدلّوا على الثانى بأنّه لا ريب فى أنَّ إنشاء المبادلة إنّما يتحقق من الموجب وهو شخص واحد ، فالمنشىء الأوّل هو الذى ينشأ حقيقة البيع ، أو الاجارة، أو غيرهما من سائر المبادلات ، سواء كان الانشاء بلفظ الايجاب ، أو القبول - على القول بصحّة تقديم الثاني على الاوّل- غاية الأمر أنَّ إرتباط هذا الانشاء مع صاحب العوض ، إنّما يتحقق بقبول منه .

فالالفاظ الدّالة على القبول ليست أجزاء رئيسيّة للعقد ، وإنّما هي شروط لتحقق الارتباط المذكور فحسب ، كما أنّه هو الظّاهر من لفظ القبول الذّى هو بمعنى المطاوعة .

وتحقيقنا في المقام يتّضح بعد ذكر مقدّمة قصيرة ، وهى : أنَّ حقيقة المبادلة على ما ذكرنا إنّما تتحقق بين البدل والمبدّل فهما يتبادلان لا الأشخاص ، ومرّ أنّه قد تتحقق المعاملة من بيع أو اجارة ولا يكون هناك تمليك من المالك كبيع الحاكم الشرعى العين الزكويّة أو إجارته للدار الموقوفة .

نعم اذ اكانت المبادلة بين الشخصين وكانا مالكين ، فلابدّ من حصول

ص: 15

التمليك والتملّك .

إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنَّ المعاملة إن كانت من قبيل القسم الأوّل بأن لم يكن هناك تمليك و تملّك من هذا وذاك، فالحقّ مع القول الثّاني، فانّ الحاكم الشّرعيّ لا يحتاج إلى إيجاب وقبول مستقلين ، ولا إلى تمليك وتملّك كذلك .

فانّه إذاكان وليّاً على زيد وهند مثلاً ، وأراد تزويجهما كفى أن يقول ( زوجّت زیدًا من هند ) ، كما نشاهد ذلك في التعبيرات الواردة فى القرآن ، كقوله تعالى : ( ولما قضى زید منها وطرًا زوجناكها ) (1). والله تعالى هو الولىّ المطلق، والسلطان الحقيقي .

وأمّا إذ اكانت المعاملات من القسم الثّاني وهي الواقعة بين المالكين فالحقّ مع القول الاول ، إذكلّ من مالك العوض والمعوض يحتاج إلى تمليك وتملّك ، بالبيان المتقدم، فلا بد لكلّ منهما من إنشاء التمليك غاية الأمر أنَّ القبول تملّكُ بالاصالة وتمليك ضمنًا ، والموجب بالعكس فكون القبول بمعنى المطاوعة لا ينافى تركّب العقد من جزئين ، إذ يفيد القبول المطاوعة والتمليك معًا ولوضمنًا.

شرائط العقود علی المشهور

الشرائط المشهورة في العقود :

ثمّ إنّه تشترط فى الاجارة بل في مطلق العقود الأمور التّالية :

1 - إنّه لا بد فيها من الايجاب والقبول اللّفظيين ، فعليه لا تنعقد الاجارة أو البيع بالمعاطاة .

2-أن يكون الايجاب والقبول بالالفاظ العربيّة فلا تصحّ بغيرها .

3- أن يكون إنشاء المبادلة بألفاظ حقيقية، فلا يكفي فيه المجاز كما لا يكفي فيه الألفاظ الدّالة على المقصود بالكناية، أوالاستعارة .

4-أن لا يقدّم القبول على الايجاب .

5- أن تكون بينهما موالاة .

ص: 16


1- الأحزاب آية 37

هذه شرائط خمسة إشترطها المشهور فى الاجارة ، وفى سائر العقود.

وقبل بيان كلام المشهور و ما يمكن أن يستدلَّ على مقصود هم ، لا بد لنامن ذكر أمرين :

الأول : إنَّه هل وقع التعبّد فى ألفاظ العقود من ناحية الشارع ، أم لا؟، ثمّ على الأوّل هل تكون هذه الألفاظ حقيقة في الصّحيح ومجازًا في الفاسد ، أم وضعت للأعمّ منهما .

قال الشّهيد - رحمة الله - : ( إنّ عقد البيع وسائر العقود حقيقة في الصّحيح ومجازٌ في الفاسد ) .

ولتوضيح كلامه ، والمناقشات التّى نورد عليه ، يتّضح الأمر الاوّل - الذّى أرد نابيانه قبل المقصود ، فنقول :

يفهم من ظاهر كلامه أمران : الأوّل: أنَّ عقد البيع له وضع جديد من الشّارع ، والثّاني : إنَّه إنّما وضعه للصحيح لا للاعمّ منه ومن الفاسد .

وفيه مناقشات ثلاث :

الاول : إنَّ اللفظ لا دخل له فى إنشاء المعاملة ، كما مرّفى تعريف الاجارة ، وأشرنا إلى أنَّها مبادلةٌ بين المنفعة والعوص ، وإنّ هذه الحقيقة الانشائية لا تحتاج في التحقق إلى اللفظ.

إنّ شئت فقل كما أنَّ اللفظ يكون مبرزًا للحقيقه الانشائية، وكاشفًا عنها ، فكذلك الفعل تكون فيه هذه الجهة ،- الكشف والا براز- لا أقول إنَّه يستحيل في عالم الثبوت أنّ يعتبر الشارع لفظاً خاصًّافي باب المعاملات، كيف وقد إعتبرذ لك فى باب النكاح والطلاق ، فإنَّ الطلاق والانفصال بين الزّوج والزّوجة إذا كان بغير الخلع ، لا يحصل إلّا بكلمة ( طالق ) ، وإعتبر في النذر أيضًا لفظاً خاصًّا على ما عليه جماعة من الفقهاء .

بل أقول : إنّه لا دليل على التعبّد المذكور أى لا دليل على

ص: 17

إعتبار الشارع لفظاً مخصوصا في باب المعاملات .

فمحصّل الاشكال الأوّل إنَّه لا نلتزم بلزوم اللفظ في باب الاجارة أو البيع من حيث السَّببيَّة بل هو مبرزٌ ، فيكفي فيهما الفعل إذا كان فيه الابراز، وتقع الاجارة بالفعل كوقوعها باللفظ .

الثانى : إنَّه ما المراد من الحقيقة فى قولكم ( العقد حقيقة في الصحيح ) فان كان المقصود منه الحقيقة اللغويّة ، أو العرفية ، فهذا خلاف ما نراه من اللغة والعرف ، فانهما لا يعتبران قيد الصحة داخلاً في مفاهيم ألفاظ المعاملات ، فضلاً الصحة التعبدية ، ألا ترى أنَّ بيع المنابذة أو المحاقلة أو البيع الربويّ بيع عند هم مع أنّها فاسدةً شرعًا ، بل المتبادر من ألفاظ المعاملات نفس مفاهيمها لا هي مقيدة بقيد مفهوم الصحة والتبادر المستند إلى حاقّ اللفظ علامة الحقيقة .

وبالجملة إنّ العرف يطلقون لفظة البيع كسائر ألفاظ المعاملات على الفاسد منه على نحو الحقيقة اللغوية، من دون ملاحظة قرائن المجاز .

وإن كان المقصود منه الحقيقة الشرعية ، فلا دليل لنا على وضع إصطلاح خاصّ من الشارع ، سواء كان ذلك في أسباب العقود أومسبّباتها أم كان في ألفاظ العبادات .

وقد إستقصينا البحث عن ذلك في الأصول ، وإخترنا هناك عدم ثبوت الحقيقة الشرعية ، لا فى ألفاظ العبادات ، ولافي المعاملات.

الثالث : إنَّ الصحة والفساد ليستا من الأحكام الوضعية ولا تقبلان أن تكونا مدلولين للالفاظ و إن قال به بعض .

توضيح ذلك : إنَّ مفهوم كل لفظ من الالفاظ يدل على حقيقة من الحقائق ، لأنَّ اللفظ إنّما وضع للمعنى ، فيشارُ به إلى ذلك المعنى ، ويكون اللفظ عنواناً له .

ثم إنَّ هذه الحقائق إن كانت واجدةٌ لجميع علل قوامها ، وجامعة

ص: 18

لجميع شرائط وجودها تنتزع عنها عنوان الصحة وإلّا فينتزع عنها عنوان الفساد ويطلق عليها الفاسد أو الصحيح فليس لنا في الخارج - شيءٌ يسمى بالصحة والفساد ، إذ ليس لهما مطابَقٌ و مصداق خارجی بل الموجود فى الخارج ليس إلّا ما يكون منشأ لانتزاع الوصفين المذكورين وقد مَرَّ قريباً نظير ذلك في تفسير السلطنة .

ما معنة أصالة الفساد في المعاملات

و ما قاله صاحب الكفاية ( رحمه الله ) من أنَّ الصحة والفساد مجعولان بتبع جعل منشأ إنتزاعهما مدفوعٌ بما بيناه في الاصول من أنَّ هذا الجعل الثانوى وهو جعل الصحة والفساد إن كان على خلاف جعل منشأ إنتزاع الصحة و الفساد لزم التناقض الباطل ، وإن كان موافقاله لزم تحصيل الحاصل .

الأمر الثاني : إنَّ لهم في أبواب المعاملات، بل في كل ما يكون من قبيل ذوات الأسباب ، أصلٌ يسمونه بأصالة الفساد ، ويتمسكون به عند الشك في جزئية شيءٌ ، أو شرطيته لمعاملة من المعاملات ، كما إذا شككنا في صحة العقد بالفارسي ، ونفوذ البيع به ، نقول الأصل فيه الفساد ، فينتج إعتبارَ العربية في عقد البيع .

لا يقال ليس للفساد حالة سابقة حتى يستصحب ذلك ، فانَّ العقد من حين وجوده مشكوك الصحة والفساد أى إنّه يشك في الصحة والفساد من أوَّل وجود العقد .

لانا نقول ليس المقصود من أصالة الفساد إستصحاب نفس الفساد حتى يرد عليه ما ذكر ، بل المقصود منه أنَّ الاصل عدم ترتب الأثر على عقد يشك في صحته و فساده .

وتوضيح ذلك : إنَّ من المعلوم أنَّ كل مسبب إنّما يوجد بعد وجود سببه فيكون المسبب قبل وجود سببه معدوّما ، فحينئذٍ إذا شككنا فى تحقق المسبب و هو الذي نعبّر عنه بالشبهة الموضوعية ، أو فى سببية السبب و هو الذي نسميه بالشبهة الحكمية، نستصحب العدم ، ونُعبِّر

ص: 19

عنه بأصالة الفساد . نعم لا يجرى هذا الأصل إذا كان هناك مطلق الأخذ باطلاقه، سواء كان الاطلاق لفظيّاً أو مقاميّاً ، فإنَّ الاطلاق لكونه من الأصول اللفظيّة حاكمٌ على الاصول العمليّة .

وعليه نقول إنّ الاصل اللفظى موجود في باب المعاملات ، كقوله تعالى ( أحلَّ الله البيع (1) ) أو ( أوفوا بالعقود (2) ) أو ( تجارة عن تراضٍ (3) ) ، وهو حاكم على الأصل العملى أعنى أصالة الفساد .

وخلاصة القول فى التمسك بالاطلاقات الحاكمة على أصالة الفساد فى أبواب المعاملات إنَّه يشترط فيه أنّ يكون الشك في إشتراط شيءِ بالتعبد الشرعى فى المعاملة بأن يكون الاشتراط من ناحية الشارع، كما إذا شككنا في إعتبار العربية ، أو الماضويّة مثلاً من الشارع .

وأمّا إذا لم يكن الشك من ناحية التعبد بل كان من ناحية العرف بأن يكون القيد المشكوك إعتباره فى العقد قيداً عرفياً يحتمل دخالته فى العقد عندهم ، كما إذا شككنا فى أنَّ وقوع الفصل الطويل بين الایجاب و القبول مخلٌّ بالعقد أم لا ؟ أو أنَّ الموالاة شرطٌ فى تحقق العقد أم لا ؟ فحينئذٍ ، لا يصح التمسك باطلاقات الشارع بل لا بد فيه من الرجوع إلى العرف ، وإذا رجعنا إليه زال الشك منا لانّ العرف يحكم بالنفي أو الاثبات في كل مورد ، ففى المثال المذكورنرى أنّهم لا يطلقون العقد على ما وقع الفصل الطويل بین ایجابه و قبوله ، فانّ الموجب إذا أنشأ الايجاب بلفظة ( بعت ) أو ( آجرت ) مثلاً ثم وقع القبول من القابل بعد مضى شهر أو سنة من زمان الايجاب ، فلا يسمّى ذلك عقدًا فى العرف ، فإنّ المعاقدة لا تتحق عندهم إلّا بتحقق الموالاة بين الايجاب

ص: 20


1- البقرة ، آیه 276 /
2- المائدة ، آیه 1 /
3- النساء، آیه 33 /

و القبول.

ثم إنه إذا لم يكن إطلاق لفظى ، ولكن كان هناك إطلاق مقامى كفى ذلك الاطلاق لرفع الشك عن الصحة ، ولزم الحكم بها ، ولا يجزى حينئذ أصالة الفساد الجارية فى المعاملات لولا الاطلاق .

وتوضيح ذلك أنَّ وظيفة الائمة - عليهم السلام - فى طول حياتهم إنّما هي بيان الاحكام الشرعية تكليفية كانت أم وضعية ، وأنَّ وظيفة أصحابهم - رواة الاحاديث - كانت ضبط أقوال الائمة ( علیهم السّام ) فى مجموعاتهم .

ومن الواضح أنّه مع بيان الائمة ( علیهم السّلام ) حكماً من الاحكام وضبط الرواة ذلك لو فحصنا عنه لوجدناه ، فاذا فحصنا جميع ما أعدَّ لتدوين الأخبار و لم نجد ما نشك كونه من أحكامهم يحصل الاطمئنان بعدم كونه حكما لهم .

والاطلاق المقامى هذا هو الذي عبر عنه الاخباريون بأن عدم الدليل دليل على العدم، والقول بأنّ عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود مندفع بأنَّ عدم الوجدان في مظانَّ الوجود يكشف عن عدم الوجود . فتبين أنَّ جريان أصالة الفساد يتوقف على عدم وجود الاطلاق اللفظى فى المعاملات على ما تقدم، ويتوقف كذلك على عدم وجود الاطلاق المقامى .

إن قلت : إنَّ المقصود من البيع أو التجارة الواقعة في الآيتين المتقدمتين إنَّما هو البيع أو التجارة الخارجية ، أى إنَّ المقصود منهما إنّما هو المسبب لا السبب ، فيكون معنى ( أحلَّ الله البيع ) أنَّ البيع الخارجى نافذٌ و حلالٌ ، وليست الآية ناظرة إلى أسباب البيع، وشرائطها فهذا الاطلاق ليس قابلاً لرفع الشك الموجود في ناحيه السبب لكونه مسوقاً لبيان نفوذ المسبب دون إمضاء السبب .

قلت : إنَّ لفظ البيع جنس محلّى باللام ، وهو يفيد العموم بالاطلاق لو لم نقل بافادته له بالوضع، وحينئذٍ يكون معنى ( أحلَّ الله البيع )

ص: 21

بعد التأمل في معناه إنّ كل بيع وقع فى الخارج فهو حلال نافذ.

إطلاق المسبِّب یستلزم إطلاق السَّبب

ومن المعلوم أنَّ هذه الكلية تستلزم صحة كل بيع ، وإن كان السبب الذى يتوسل به إلى بعض أفراده فارسيًا ، أو كان سببه فعلاً مبرراً لانشائه ، وإلّا لزم تخصيص الاكثر ، فانّ البيوع و المعاملات لیست بأجمعها صادرة عن العرب أو ممن تعلَّم العربية ، بل المعاملات التي تقع فى الخارج غالباً تكون بالمعاطاة بعد المقاولة ، ولا يكون فيها لفظ أصلاً ، وهل يرضى المستفادة من الاية .

وبالجملة إنَّ الاطلاق في ناحية المسبب يستلزم الاطلاق في ناحية السبب حذراً من لزوم تخصيص الأكثر ، وعدم إستفادة الاطلاق من ناحية المسبب أيضاً .

إن قلت : إنَّ التمسك بالاطلاق موقوف على كون المولى في مقام البيان، وليس لنا دليل على إحراز ذلك .

قلت : الأصل الاولى فى باب المحاورات هو أنَّ كل متكلم بكلام سواءً كانه هو الشارع أم غيره يكون فى مقام البيان، لافى مقام الاهمال .

ولو سلَّمنا عدم وجود الاطلاق اللفظى ، كما ذهب إليه الشيخ فى المطلقات الواردة فى المعاملات فى القرآن، بل فى مطلق المطلقات القرآنية ، وقد صرّح بعضهم في آية الوضوء التي هي من المحكمات بعدم كونها مسوقة لبيان الأجزاء والشرائط على نحو الاطلاق ، فكيف بآيات الزكاة والصلاة و الحج وغيرها .

فنقول نرفع الشك حينئذ بالاطلاق المقامى الذي مَرَّبيانه ونعيده ثانياً للتوضيح ونقول :

إنَّ من الواضح الذى لا يشك فيه أحدٌ أنَّ الائمة عليهم السلام كانوا دائماً فى مقام نشر الاحكام الدينية وبيانها ، ولم يعهد منهم عادة تأخير بيان حكم عن وقت حاجة المكلفين إليه ، فاذا فتشنا وفحصنا عن

ص: 22

إشتراط شي في شيء و لم نجده بعد الفحص التام في مظان وجوده يكون ذلك دليلاً على عدم الاشتراط ، وهذا هو المقصود من الاطلاق المقامى ، ويقدَّم على أصالة الفساد كما يقدم عليها الاطلاق اللفظى .

والأخباريون يعبِّرون عن هذا الاصل بقاعدة ( عدم الدليل دليل العدم ) ، ويرونها أمارة على عدم النفس الأمرى ، وكاشفًا عنه بخلاف الاصولى القائل بكونه أصلاً عملياً مقاميًا .

هل یعتبر اللفظ فى المعاملات

لزوم اللفظ فى المعاملات و عدمه :

إذا عرفت ما ذكرناه من التمهيد ، فلنشرع في كلام المشهور وما يمكن أن يستدل على مقصود هم، وقد تقدم أنَّهم يشترطون في العقد أمورًا خمسة .

منها أن يكون العقد بالايجاب والقبول اللفظيين.

إعلم أنّ صيغة العقد عند التحليل ترجع إلى ثلاثة أشياءٍ.

1- اللفظ .

2-الانشاء و هو المعنى الايجادى .

3- المنشأ، و هو الملتزم به بالمعنى الاسم المصدري ، من حيث بقائه في عالم الاعتبار ، فزوجية زيد و هند بعد إنشائها هو المنشأ الملتزم به ، وإذا قلنا بأنّ الزّوجيّة مثلاً أمر إعتباري نعنى بذلك أنَّ العرف و الشارع يعتبر انها موجودة بعد إجراءِ صيغتها وكذلك الأمر بالاضافة إلى سائر الأمور الاعتباريّة .

ثم لا ريب فى أنَّ اللفظ فعل نحوى و من مقولة الكيف المسموع ، و أنَّه بحسب طبعه الأولى يحكى عن المعنى ، ويكشف عنه ، ففيه جهة الكشف و الابراز بالنسبة إلى معناه ، وهذه الجهة إنَّما جائت من قبل الوضع ، إذ ليست دلالته على المعنى ذاتية ، كما أوضحنا ذلك فى الأصول .

وبعبارة أخرى : إنّ اللفظ من جهة الارتباط بينه وبين المعنى

ص: 23

بحسب الوضع صار كأنه هو المعنى ، والمعنى كأنه هو اللفظ ، فاللفظ وجود للمعنى لكنه وجود لفظى له لا أنّه وجود واقعي له، وهذا الارتباط إنما نشأ من الوضع لا من ذات اللفظ ، فليس اللفظ بحسب طبعه الأوَّلى إلا حاكياً عن المعنى وكاشفاً عنه ، فان وقع عنه ، فان وقع أحيانًا موضوعًا لأثر و لو بالنسبة إلى معناه ، فهذا يكون على خلاف طبعه الاولى .

وقد تقدم أنَّ التعبد بذلك ممكنٌ ثبوتاً و واقع إثباتاً في بعض الموارد كما في الطلاق و النذر ، ومن المعلوم أنَّ هذا التعبد لا بد أن يكون من ناحية الشارع لاغير .

وكيف كان فقد وقع الكلام فى وقوع التعبد بذلك من الشارع فى أبواب المعاملات فذهب المشهور إلى الاول و أنَّه قد وقع التعبد بلزوم وقوع المعاملات بالالفاظ الخاصة ک_( بعت و قبلت ) مثلاً ، ودليلهم على ذلك أمور :

الأول : ما عن الشيخ الكبير كاشف الغطاء ( رحمه الله) أنَّه قال : إنّا نقطع بأنَّ للالفاظ الخاصّة آثاراً ،مخصوصة ، وأراد بذلك أنّ الاثار في باب المعاملات و هي النتائج المقصودة إنَّما تترتب على الألفاظ الخاصة .

وفيه إنَّ قطعه لا يكون حجةً لنا ، سواءٌ كان منشأة الاجماع أو الأدلة الأخرى فلا بد فى إثبات ذلك من دليل آخر .

2-الاجماع : فانه قد نقل الاجماع على إعتبار اللفظ في أبواب المعاملات كما عن جامع المقاصد فإنَّه قال ( يعتبر اللفظ في العقود اللازمة بالاجماع ) وهكذا عن الشيخ و المفيد ( قدهما ) .

وفيه أنَّ الاجماع سواءٌ كان منقولاً أم محصلاً إذا ظُنَّ أو احتمل إستناده إلى دليل يسقط عن الحجية و نحتمل قوياً في المقام كون الاجماع مستندًا إلى قوله عليه السلام ( إنَّما يحرّم الكلام ويحلّل الكلام ) ، أو غير ذلك من الأدلة الدالة على إعتبار اللفظ في العقد ، فلايكون دليلا على

ص: 24

شيء، إذ الاجماع إنَّما يكون دليلاً إذا كان كاشفًا قطعيّاً عن رأى المعصوم (علیه السّلام) و إلّا فهوبما هو إجماع لا يكون حجة.

3- ما رواه الشيخ فى باب النقد والنسيئة ، عن إبن أبي عمير، عن يحي بن الحجاج ، عن خالد بن الحجاج ، أو ابن نجيح ، ( قال قلت لابی عبد الله ( علیه السّلام ) الرجل يجيئنى ، و يقول : إشتر لى هذا الثوب ، وأربحك كذا وكذا ، فقال أليس إن شاء أخذو إن شاء ترك، قلت : بلى، قال : لا بأس إنَّما يحلل الكلام ويحرم الكلام ) ، وقد وردت بهذا المضمون روايات أخرى فى باب المزارعة وغيرها ، وقد إكتفى فى بعضها بقوله عليه السلام ( إنّما يحرّم الكلام).

ولا ينبغى الاشكال في سند الرواية باعتبار وقوع يحي و خالد في سلسلته ، من جهة أنَّ وثاقة الأوَّل مختلفٌ فيها ، ولم يصل في الثاني مدح أو ذمّ، لكون الراوي عنهما إبن أبي عمير وهو من أصحاب الاجماع، والمقصود من الاجماع هنا أنَّ الذى يُعدُّ من أصحابه التزم عملاً بأن لا يروي إلّا عن ثقة ، بحيث أصبح هذا من دأبه وعادته :

لسل فالاشكال على منقولية الاجماع أوّلاً ، وعدم كشفه قطعيّاً عن قول المعصوم ثانياً ، مدفوع بأنَّ المقصود منه هنا ليس هو الاجماع التعبدي المصطلح ، فالرواية لا إشكال فيها من جهة السند ، وقد تمسكوا بها في موارد متعددة، فتمسك بها الشيخ فى باب المعاطاة و الفضولى، وصاحب الجواهر في باب المزارعة .

و كيف كان فتقريب الاستدلال بها في المقام هو أن يقال :

إنَّ التحليل والتحريم وإن كانا عامّين شاملين للوضعية والتكليفية، لكن مورد التطبيق وهو البيع يكون قرينة على إرادة الحلال والحرام الوضعيين . ومن المعلوم تأخر مرتبة الحلية والحرمة عن الصحة والفساد لدى الشارع ، فإنَّ المعاملة الصحيحة تكون حلالاً كما أنَّ المعاملة الفاسدة تكون حراماً ، ومع ملاحظة كلمة ( إنّما ) الموضوعة للحصر ،

ص: 25

تفيد الرواية انحصار طريقة حلية المعاملات و صحتها بالكلام ، ولا نعنى باعتبار اللفظ فيها إلّا ذلك .

لكن الاستدلال بها على إعتبار اللفظ غير تامٍّ، إذ المحتملات في هذه الجملة ( إنَّما يحرم الكلام ويحلل الكلام ) كثيرة جدا ، فنحن نذكر أهمها :

1 - إنَّ اللفظ والنطق به يحلل العقد ، وعدم النطق بالكلام سواء كان فعلاً أو قصدًا يحرم ، وهذا هو ما إحتمله المستدلون بهذه الرواية على إعتبار اللفظ في المعاملات .

2- ما احتمله صاحب الوافى من أنَّ وجود الكلام يحلل وعدمه يحرم ، فالكلام محلل أى إثباتاً ، و محرم أي نفياً .

3- إنّ الكلام بما له من المعنى و المضمون يحرم إن كان قبل الاشتراء لكونه من قبيل بيع ما ليس عنده ، ويحلل إن كان بعد الاشتراء فالكلام الواحد بمضمون واحد محلل و محرم باعتبارين أى باعتبار القبلية و البعدية .

4- إنَّ المضمون و الغرض الواحد يؤدي بلفظين ، فلفظ يحلل و لفظ آخر يحرم ، كما في المزارعة ، فان قال صاحب الارض للعامل المزارع لك ثلثان من حاصل الارض فى مقابل عملك فهو كلام محلل ، و إن قال للبذر ثلث و للبقر ثلث فهو كلام محرم ، مع أنّ المقصود منهما واحد و هو كون الثلثين للعامل الزارع والثلث لصاحب الارض وإنّما الاختلاف في اللفظ فقط بما له من المضمون .

وقد ورد فى باب المزارعة روايات بهذا المضمون ، فمن جملتها ما عن إبن محبوب ، عن خالد بن جرير، عن أبي الربيع الشامي ، عن أبى عبد الله عليه السلام ، إنَّه سئل عن الرجل يزرع أرض رجل آخر ، فيشترط عليه ثلثًا للبذر وثلثاً للبقر ، فقال لا ينبغى له أن يسمّى بذرًا ولا بقرًا ولكن يقول لصاحب الارض إزرع فى أرضك و لك منها كذا وكذا نصف أو

ص: 26

ثلث أو ما كان من شرط ، ولا يسمى بذراً ولا بقراً ، فانما يحرم الكلام .

5- إنَّ الكلام الواحد مع المضمون الواحد يختلف في المحرمية و المحللية باعتبار حالتين مختلفتين كقول المرأة الخلية ( أنكحت ) فان هذا الكلام محرم في حالة الاحرام، ومحلل فى غيرتلك الحالة، وفى الرواية إحتمالات أخرى تركناها لطول الكلام بذكرها .

وكيف كان فالجواب عن الاستدلال بها على إعتبار اللفظ فى العقود واضح و تقریره :

أنّ مورد تطبيق كل كلى لا بد أن يكون مشتملاً على الجامع الموجود فى الكلى أو العام ، ولا سيّما إذا كان العام علة للمورد . و هذه الرواية إنَّما وردت في مورد البيع و المزارعة ، وعليه فلا يمكن أن يراد من الكلام اللفظ الخالي عن المعنى بما هو لفظ إذ ليست الرواية ناظرة إلى الكلام الفارغ عن المضمون فلابد أن يراد منها ، إمّا الاختلاف في الزمان كما قلنا في الايجاب قبل الشراء و بعده ، أو الاختلاف فى المضمون كما فى المزارعة ، أو الاختلاف من حيث الحالة كما مرَّفى النكاح فى حالتى الاحرام وعدمه، فلا تدل الرواية على وجوب اللفظ في المعاملات بما هو لفظ .

أضف إلى ذلك أنّ إستفادة إعتبار اللفظ بما هو لفظ من الرواية تستلزم تخصيص الاكثر المستهجن، حيث أنّ أكثر المعاملات بمعناها الأعم الموجودة فى الشريعة يحصل بالفعل كحصوله باللفظ ، کمافی الرجوع في الطلاق الذي يحصل بأيِّ فعل دَلّ عليه ، بل هي ناظرة إلى لزوم رعاية الأزمنة والحالات و العناوين الانشائية في المعاملات، و أنَّ الصيغ الانشائية بما لها من المعانى إنَّما تؤثر إذا لوحظت تلك القيود.

هل تعتبر العربية فى ألفاظ العقود ؟ :

قد إستدلوا على إعتبار العربية فى ألفاظ العقود بعد الفراغ عن

ص: 27

وجوب أصل اللفظ بأمرين :

الأوَّل : التأسى بالنبى و الائمة عليهم السلام ، فانهم كانوا يوقعون المعاملات بالألفاظ العربية وكذلك المتشرعة .

وفيه أنَّ تكلّمهم بالعربية ليس لاجل إعتبار اللفظ العربي فى المعاملات بل لان لغتهم كانت عربية، ولا معنى للتأسى بفعلهم ، إذا لم يكن فيه جهة كشف عن حكم الله تعالى .

وبعبارة أخرى :

إنَّ الأفعال الصادرة عن المعصومين عليهم السلام قد تكون لها جهة الكشف عن الحكم الشرعى ، فلا بد لنا حينئذ من التأسى إذا أحرزنا تلك الجهة ، ولو بواسطة إقتران الفعل بقرينه مقالية أو مقامية كما في قوله (صلّی الله علیه و آله) : (صلّوا كما رأيتمونى أصلّى ) و قوله (صلّی الله علیه و آله) : ( خذوا عنّي مناسككم ) ونحو ذلك من الأفعال البيانية .

و قد لا تكون لها جهة كشف عن حكم الله تعالى ، كما إذا اصدر الفعل عنه بحسب العادة كما يصدر عن كل إنسان ، كتقديم الرجل اليمنى عند الدخول في المسجد ، أو إبتداء الوضوء باليد اليمنى مثلاً فلا يدل ذلك على إستحباب هذا الفعل ، لولم يكن هناك دليل صريح يدل على الاستحباب ، وهكذا إذا صدر عنه الفعل بعنوان أنَّه من أحد أفراد المجتمع .

نعم لما كان الامام معصوماً لا يصدر عنه الفعل الحرام يكون فعله دالًّا على الاباحة على الأقلّ، وأمّا الرجحان فلا يدل عليه الفعل إلّا إذا كان محفوفًا بقرائن أخرى ، فالعقد الصادر عنهم بالعربية لكون لغتهم كذلك لا يدل على إعتبار العربية تعبُّدًا في العقود .

الثاني : إنَّه إذا اعتبرت الماضوية في اللفظ العربي فاعتبار العربية فيه أولى .

و بتعبير آخر : إذا كان العقد العربي غير الماضى باطلاً فيبطل غير

ص: 28

العربي بالأولوية .

وجوابه واضح لا يحتاج إلى البيان، إذ الحكم في المقيس عليه غيرتامٍّ ، فكذلك فى المقيس ، فانَّ الالتزام بلزوم الماضوية أوَّل الكلام ، وعلى فرض تماميته في العقد المنشأ بالعربية فلا يستلزم بطلان العقد غير الماضى إذا لم يكن عربيًا .

هل تعتبر الصّراحة في ألفاظ المعاملات و کذا الحقیقة فیها

لزوم صراحة الألفاظ في معانيها:

ومن جملة الشرائط : أن لا يستعمل في العقود الألفاظ المجازية بل لابد فيها من الالفاظ الصريحة، وقد إستدلوا على ذلك بأمور :

الأول : الاجماع و قد نقله صاحب الجواهر ( رحمه الله ) بعد إختياره كلام المشهور ، فقال ما حاصله : إنَّ الاجماع قام على أنَّ العقود اللازمة مشروطة بعدم كونها بألفاظ مجازية ، وإطلاقه يشمل المجاز غير المستنكر أيضاً، حتى أنَّه ذهب إلى عدم جواز إستعمال لفظ السَّلَم الموضوع لقسم من أقسام البيع فى غير البيع السلفى و إن كان ذلك مع القرينة .

نعم ، قال في باب الاجارة بجواز إنشائها بألفاظ مجازية ، إذا لم يكن المجاز مستنكراً عند العرف، كما إذا كانت العلاقة المجوزة للاستعمال المجازى القائمة بينه وبين الموضوع له من العلائق المعهودة عندهم ، وأمّا إذا كان المجاز مستنكراً أي لم تكن العلاقة فيه العلاقات المعهودة ، فلايجوز إنشاء العقد به ، فانه قال فی باب الاجارة : ( المشهور إعتبار الحقيقة في العقود و عدم جواز إستعمال الألفاظ المجازية )، و حمله على المجاز المستنكر .

و فيه أنَّ الاجماع أو الشهرة الفتوائية ، إنَّما يكون دليلًا إذا كان كاشفاً عن التعبد ، وقول المعصوم عليه السلام ، وأمّا إذاكان محتمل المدركية ، أو مظنونها يسقط عن الحجية كما في المقام .

الثاني : إنّ العقد لا يصدق على ما إذا كان منشأً بالالفاظ المجازية ، فانّ للبيع و الاجارة وغيرهما من المعاني المعقود عليها

ص: 29

مد اليل معينة عرفية ، فاذا كانت بلفظ يدل عليها بالمجاز، لا يصدق عليها تلك المعاني .

والجواب : إنّا لا نسلِّم عدم صدق العقد على غير المنشأ بالحقيقة اللغوية ، فانه كما يصدق على ما كان بالالفاظ الحقيقية ، كذلك يصدق على ما إذا حصل الانشاء بالفعل ، أو بالالفاظ المجازية ، فان المعاملات في العرف العام أكثرها تكون بالفعل ، سواء كانت المعاملة فى الأشياء الخطيرة أم كانت فى المحقرات .

و إن شئت قلت : العقد عبارة عن ربط إلتزام بالتزام آخر ، و هو عنوان ينتزع عن هذين الالتزامين بشرط بروزهما خارجًا كان المبرزلفظاً أم فعلأو كان اللفظ من الحقايق أم من المجازات .

فدعوى صحة سلب العقد عن الألفاظ المجازية المبرزة عن الالتزامات الانشائية غير مسموعة .

الثالث : ما إستدل به على إعتبار الحقيقة المحقق النائيني (رحمه الله) على ما في تقرير مكاسبه في باب ألفاظ عقد البيع .

و تقريب الاستدلال يظهر بعد توضیح کلامه في المعاني الانشائية والاخبارية ، فنقول :

إنَّ محصل ما ذهب إليه هو أنَّ المعنى الانشائي يختلف و يفرق عن المعنى الاخبارى إختلافاً تامّاً ، فانَّ الاول عبارة عن المعنى الايجادى، والثاني عن المعنى الاخطارى .

ثم المعانى الايجادية ليست كلها على نحو واحد بل هي تنقسم إلى ثلاثة أقسام :

الاول : أن يكون نفس المعنى آليًّا و ايجاديًّا ، وهذا كمافي المعانى الحرفية الرابطة فى القضايا، كايجاد لفظة ( من ) الربط بين السير و البصرة ، فانّ معناها ليس إلا ايجاد الارتباط ، ولا تلاحظ هي بنفسها ، بل هي مغفول عنها في عالم التلفظ .

ص: 30

الثاني : أن يكون الايجاد في ناحية النسب العارضة على المبادى كما في هيئة ( إضرب ) ، فان الهيئة القائمة بهذه الحروف الثلاث ، وهى ( ض . ر . ب ) تدل على ايجاد الربط بين الفاعل والمبدء ، والموجد للربط إنّما هو المتكلم ، والنسبة هى النسبة الطلبية أو البعثية.

الثالث : أن يكون المبدء بنفسه ايجاديًّا ، كما فى صيغة ( أنكحت ) فان المتكلم بها يوجد النكاح بنفس هذا القول، ولذا نقول بلزوم قصد الانشاء ، ومعناه أن يوجد المتكلم النكاح - و هو القرآن بين الزوجين - فى عالم الاعتبار . ومن هذا القبيل صيغة الاجارة ، والبيع و سائر المعاملات .

وامّا المعانى الاخبارية فليس فيها خلق و ايجاد من قبل المتكلم بل ليس للكلام الخبرى إلّا الحكاية عن الخارج، والمرأتية له، فان طابق الواقع يكون صادقاً وإلا فيكون كاذباً .

إذا عرفت ذلك فنقول في تقرير الاستدلال على إعتبارا لحقيقة فى الالفاظ المستعملة فى إنشاء العقود :

إنَّ المعنى إذا كان ايجاديًّا ، كما في العقود يحتاج إلى الآلة التى يتوسل بها إليه ، وآلته هو اللفظ ولا بد من وجود السنخية بين الآلة وذيها و حيث لم تكن السنخية المعتبرة بين الآلة وذيها موجودة بین اللفظ المجازى و المعنى المنشأ به فلا يكون المجاز آلة لانشاء ذلك المعنى ، ويجرى هذا الدليل في إعتبار الماضوية ، فان الماضي هو الذي يدل على التحقق الذى هو مناسب للمعنى الايجادى بل موجود فيه .

و أمّا المضارع الدال على التّلبّس فى الاستقبال فلا يمكن أن يكون آلة لايجاد المعنى بالفعل و إن استعمل هذه الهيئة في الحال أيضاً لكون الحال عبارة عن الأمر المتدرج فى الوجود، فهو أيضاً مستقبل بالدقة العقلية، ولذا نعبِّر نحن عن المضارع بما يترقب حدوثه ، سواء

ص: 31

كان مستعملاً فى الحال ، أو الاستقبال ، فاللفظ إذا لم يكون موضوعًا للتحقق، لا يصح أن يوجد به المعنى الايجادی .

وأجيب عن هذا الاستدلال بعدم الفرق بين المعنى الايجادى والاخباري .

والتحقيق في الجواب أنّ الالفاظ مختلفة بحسب الوضع ، فبعضها وضعت للاخبار بها وضعاً ، كصيغة الجحد ، وبعضها وضعت للانشاء بها وضعًا ، كصيغة الأمر ، ولكن كثيرًا من الالفاظ قد وضعت للاشارة إلى المفاهيم من دون إشتراط الاخبار بتلك المفاهيم عن الخارج ، أو إنشاء المعانى بها ، فان كان إستعمالها في مفاهيمها بداعى حكايتها عن الخارج، وتطبيقها عليه، نسميها بالخبر، وإن كان بداعى الايجاد الفعلى والانشاء نسمّيها بالانشاء ، فالاخبارية و الانشائية خارجتان عن الموضوع له و المستعمل فيه في الجمل المركبة من أمثال تلك الالفاظ ، ألا ترى أنَّ جملة أنت حُرٌّ، مثلاً ، تستعمل على ثلاثة أنحاءٍ :

فقد يستعمل في مفهومه خالياً عن قصد الاخبار و الانشاء كليهما كما إذا أردت تعليم أحد بأن ( أنت ) مبتدأو (حُرٌّ ) خبره ، فلا تقصد بذلك خبراً و لا إنشاةً ، والأمثلة النحوية والمنطقية، بل أمثلة جميع العلوم إنَّما تكون من هذا القبيل .

وقد يستعمل في مفهومه بداعى التطبيق على الخارج فيكون خبرًا . و ثالثة يستعمل في مفهومه بداعى ايجاد الحرية فيكون إنشاءً . فالفرق بين الخبر والانشاء في تلك الجمل القابلة للاستعمال الخبرى والانشائي معا إنّما هو بالقصد ، كما أنَّ الفرق بين الخبر و الوصف يكون بالعلم و الجهل ، و لذا قالوا إنَّ الأوصاف قبل العلم بها إخبار كما أنَّ الاخبار بعد العلم بها أوصاف ، فترى أنَّهم لا يفرقون بين الاخبار و الأوصاف إلّا بالعلم وعدمه ، فقولك غلامى حُرٌّ خبر تارةً ، إذا قلته لمن لا يعلم بأنك حررت غلامك ، و وصف أخرى إذا قلته لمن يعلم بحريته ، وإنشاءً

ص: 32

ثالثة حين ما تنشأ الحرية بنفس هذا الكلام .

فالاخبارية و الانشائية كالاخبارية والوصفية ، لا دخل لهمافی الموضوع له ولا في المستعمل فيه بل إنَّما هما جائتا من ناحية قصد المتكلم المستعمل للكلام .

وعلى هذا فلا فرق بين الجمل المستعملة فى مفاهيمها إذا كان الاستعمال بداعى إنشاء تلك المفاهيم حال الاستعمال .

و أمّا توهم أنَّ الالفاظ آلاتٌ للمعانى الايجادية ، فمدفوع بأنَّه لا سنخية بين الألفاظ و هى من مقولة الكيف المسموع ، وبين الفعل الجانحي وهو قصد ایجاد معنى ما في وعاء الاعتبار، حتى لو قلنا بلزوم المناسبة بين الآلة وذيها لا يكون اللفظ آلة للمعنى الايجادى إذ لا مناسبة بين المعنى الانشائى بما هو فعل جانحي هو من الكيف المسموع ، وإن أنشأ المعنى بلفظ حقيقى .

نعم يكون اللفظ مبرزاً للانشاء فقط، كما أنَّ الفعل ، والاشارة ، و الكتابة مبرز له أيضاً ، ولا دليل على إعتبار اللفظ في المعاني الايجادية فضلاً على إعتبار كون اللفظ حقيقة فيها .

وعليه فيكون القول بجواز إستعمال الالفاظ المجازية في المعاني الانشائية قوياً جداً.

و من هنا تردد فى الشرائع فيما لو قال فى الاجارة ( بعتك هذه الدار ) إذ لولا مخافة الاجماع أو الشهرة لصح القول بوقوع المعاملة بأيِّ لفط كان ، بل لقلنا بعدم الاحتياج إلى اللفظ أصلاً . وإن ادعى صاحب الجواهر في باب البيع الاجماع على اعتبار اللفظ في المعاملات بعد ما نقل عن الكركي صدق البيع بالاتفاق على ما وقع بالمعاطاة و أنكر عليه -: الشهرة على عدم الاحتياج إلى اللفظ : ولكن يظهر منهما أن المشهور بين المتأخرين جریان المعاطاة فى الاجارة كسائر المعاملات .

الكلام في لزوم عقد الاجارة :

ص: 33

المشهور أنَّ الاجارة لازمة كالبيع وسائر المعاملات اللازمة ، و إستدلوا عليه بأمور:

الأوّل : الاجماع ، فانَّ الفقهاءَ منذ صدر الاسلام إلى زماننا هذا متسالمون على لزومها ، وأنَّه مما تطابقت عليه آراء الكل، وتوافقت عليه کلماتهم.

وفيه أنّا نرى أنَّ المجمعين يستدلون على لزوم المعاملات بعد الاجماع بأدلة أخرى ، كما إستدل الشيخ فى أول خيارات المتاجر بالاصل ، واستصحاب بقاء مقتضى العقد ، وبأية ( أوفوا بالعقود ) و أمثال ذلك ، وقد مرَّ غير مرَّة أنَّ الاجماع إذا كان مظنون المدركية، أو إحتمل فيه ذلك يسقط عن الحجية بما هو إجماع ، بل يقع في طول الدلیل وبعده ، و يكون الدليل هو المستند لا الاجماع .

الثاني : قوله تعالى ( أوفوا بالعقود(1) ) و العقد هو مطلق العهد كما في صحيحة (2)) إبن سنان عن الصادق (علیه السّلام) المروية في تفسير على ابن إبراهيم، أو العهد الموثّق كما عن صاحبي القاموس و الكشاف .

وكيف كان فتقرير دلالة الآية الشريفة على اللزوم من وجوه متعددة .

منها ما عن الشيخ ( رحمه الله ) من أنَّ ( أوفوا بالعقود ) يدل على وجوب الوفاء بالعقد ، ومعنى وجوب الوفاء به هو العمل بمقتضاه ، فانَّ الوفاءَ بالشيء هو الاتيان به على ما هو عليه فى الخارج وعلى طبق متعلقه . و من المعلوم أنَّ إطلاق الآية يشمل جميع الأزمنة حتّى ما بعد زمان الفسخ ، فاذا فسخ العقد أحد المتعاملين وشككنا في أنَّ الفسخ

ص: 34


1- سوره المائدة ، آلاية 1
2- رواه عن أبيه ابراهيم بن هاشم عن النضر بن سويد عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ( علیه السّلام ) . فالسند صحيح

بعد وقوع العقد هل هو فاسخ له فى الشريعة أم لا ، نقول إنَّ مقتضى الآية الحاكمة باطلاقها بوجوب الوفاء بالعقد حتى بالنسبة إلى ما بعد زمان الفسخ هو عدم نفوذ الفسخ ، ولا نعنى باللزوم إلّا ذلك ، وعليه فيستفاد اللزوم من إطلاق الآية الشريفة .

ثم إنَّه يظهر منه أنَّ اللزوم حكم وضعى إنتزع من الحكم التكليفي و هو وجوب الوفاء ، كما أنّ الاحكام الوضعية بأجمعها تنتزع عن الاحكام التكليفية على ما يعتقده الشيخ ( رحمه الله ).

قال في أوّل خيارات المستاجر : بل لا معنى للحكم الوضعي إلّا ما أنتزع من الحكم التكليفي ، فهو يرى أنّ الحكم الوضعى ليس مجعولاً مستقلاً بل ينتزع عن الحكم التكليفى على إختلاف الموارد من الجزئية و الشرطية و المانعية و القاطعية المنتزعة من الأمر بشيءٍ أو الأمر بتقييد شىءٍ بشيءٍ أو النهى عن شيءٍ و هكذا .

وكيف كان فالمحصَّل من هذا الاستدلال أنَّ وجوب الوفاء بالعقد في قوله تعالى ( أوفوا بالعقود ) له إطلاق من حيث الزمان ، فلا بد من الوفاءِ بالعقد حتى بعد فسح الفاسخ ، بأن لا يتصرف كلٌّ من المتعاقدين فيما أنتقل عنه من العوض ، أو المعوض ، و هو معنى اللزوم بما هو حكم وضعى منتزع من إطلاق الحكم التكليفى.

وأورد عليه صاحب الكفاية ( رحمه الله ) بايرادين : أوَّلهما أنَّ العمل بمقتضى العقد ليس تفسيرًا لِوجوب الوفاء ، بل هو معنى الوفاء والوجوب إنّما يستفاد من الهيئة ، فلفظ الوجوب زائد في كلامه.

ويمكن الجواب عنه بالتسامح فى التعبير فيصبح الاشكال لفظيًّا ، ذكرناه إستطراداً .

و المهم فى الباب هو التعرض للايراد الثاني ، وهو أنَّه وإن سلَّمنا إطلاق الآية الدالة على وجوب الوفاء بالعقد ، لكنه إنَّما يصح التمسك بها فى الشبهات الحكمية ، وليس ما نحن فيه منها ، فان المقام من

ص: 35

الشبهات المصداقية التي لا يجوز فيها التمسك بالعام على ما حققناه في الأصول و ذلك لانَّ مع تأثير الفسخ لا يكون عدم ترتيب الأثر من النقض و عدم الوفاء ، وتوضيحه :

إنّ موضوع الوفاء هو العقد ، ووجوده بعد الفسخ مشكوك فاذا لم يكن هناك عقد معلوم الوجود فعلى أيِّ شيءٍ يترتب الوفاء؟ و ليس من شأن العام ايجاد الموضوع لنفسه ليشمله حكمه ، إن شئت فقل إنَّه مع إحتمال تأثير الفسخ في إنفساخ العقد لا يبقى عقد حتى يجب الوفاءُ به.

منها ما عن المحقق النائيني ( رحمه الله ) و هو أنّه بناءً على إستفادة الحكم التكليفى عن ( أوفوا بالعقود ) يكون معناه وجوب الوفاء بالعقد، ثم ينتزع عنه الحكم الوضعى.

قال بعض تلامذته فى تقرير بحثه للمكا : إنَّه لا بد أن يكون الحكم التكليفى مناسباً للحكم الوضعى ، فمفاد الآية هو وجوب الوفاء بالعقد و العمل بمضمونه في جميع الأزمنة ، ومن المعلوم أنّ للعقد مضمونان وإطلاقان، إطلاقٌ بالنسبة إلى الأزمنة الشامل لما بعد زمان الفسخ ، وإطلاقٌ بالنسبة إلى الحالات ، و من جملة الحالات الطارئة على العقد هو حالة الفسخ ، فيكون مقتضى إطلاق الآية أنَّ الحالة أى حالة الفسخ لا تؤثّر في زوال العقد فيجب العمل بمقتضاه و هو معنى اللزوم .

و بعبارة صريحة بحيث لا يرد عليها الاشكال المتقدم :

إنَّ الموجب إذا قال بعت مثلا فقد يحصل هناك شيئان :

أحد هما نفس الالتزام أى الالتزام ببدلية كل من العوض و المعوض عن الآخر ونعبِّر عنه بالمعنى المصدرى ، وليس هو إلّا التعهد من الموجب بمضمون العقد .

وثانيهما بقاء هذا الالتزام أو الملتزم به ، ونعبِّر عنه بالمعنى

ص: 36

الاسم المصدرى .

ثم إنَّ الاول و هو المعنى المصدرى الذي هو فعل المتكلم آنيٌّ الحصول ، بحيث ينعدم بمجرد حصوله ، وَأمّا الثانى و هو الملتزم به فيبقى ولا ينعدم إلى أن يوجد المزيل .

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ المناسب لوجوب الوفاء المستفاد من الآية هو كونها ناظراً إلى المعنى الاول أى المعنى المصدرى ، فيكفي لنا إطلاق واحدٌ وهو الاطلاق بالنسبة إلى الأزمنة ، فنحكم بمقتضى الاطلاق ببقاء الالتزام و بقاء مضمون العقد في جميع الأزمنة ، فبواسطة هذا الاطلاق لا يبقى مجالٌ للشك في بقاء مضمون العقد بعد فسخ أحد المتعاملين ، فلا يرد الاشكال بأنّ الشبهة مصداقية ، ولا يجوز فيها التمسك بالعام.

و بالجملة فلو كان وجوب الوفاء متعلقاً بالمعنى الاسم المصدرى وهو الملتزم به ، يكون موضوع الوفاء هو العقد، فيرد عليه حينئذٍ أنَّه مع الشك فى تأثير الفسخ واقعًا يكون التمسك بالعام فيما لا يعلم صدق العقد عليه كما إذا شككنا فى أنَّ زيدًا عالمٌ فلا يجوز لنا التسمك لنا التسمك بعموم أكرم العلماءَ لاثبات كونه عالمًا .

و أمّا إذاكان وجوب الوفاء متعلقاً بنفس الالتزام والتعدأى المعنى المصدرى يكون معنى أوفوا بالعقود أنَّه يجب بقاء كل من المتعاقدين على تعهده و لازم ذلك بقاءٌ الملتزم به أيضًا فيكون العقد باقياً حتى بعد زمان الفسخ فان بقاءه على قوله و التزامه يستلزم بقاءَ العقد ، كما أنَّ وجوب إكرام جميع العلماءٌ يستلزم عدم كون زيد الذي إكرامه عالماً ، ولا يسمى ذلك تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية .

فتحصل أنَّه يكفى لنا إطلاق واحد و هو الاطلاق الزماني فان الوفاءَ بالالتزام والتعهد في جميع الأزمان يستلزم عدم تأثير الفسخ في زمان من الأزمنة .

ص: 37

ثم قال إنَّه يستفاد من مناسبة الحكم و الموضوع و من مقابلة الجمع (1) بالجمع فى الآية أنَّ الوفاءَ حق لكل من المتعاقدين على الآخر ، فجملة ( أوفوا بالعقود ) تنحل إلى أنّ كل عاقد يجب عليه الوفاءَ بعقد نفسه ولو مع عدم وفاءِ الآخَر به، كما هو قضية جميع القضايا الحقيقية ، فليس من شرط الوفاءِ الاجتماع بأن يجب الوفاء عليهما بعقد هما معاً ، وعليه فلو توافقا على الاقالة نفذت ، وتكون الاقالة حينئذ على وفق القاعدة بمعنى أنَّ جريان الاقالة فى كل عقد هو مقتضى نفس العقد ، باعتبار أنَّ وجوب الوفاء حق مالكي فتجرى في العقد ، فلا نحتاج في إثبات جوازها إلى التمسك برواياتها حتى يرد عليه أنَّ تلك الروايات أخلاقية وردت في مورد إعطاء الثواب لمن أقال مؤمنًا كما فى عثراته و زلاته فى مثل قوله : من أقال مؤمنًا أقاله الله .

ثم قال : هذا كله فيما إذا إستفدنا الحكم التكليفى من الآية ، أمّا لو قلنا بدلالتها على الحكم الوضعى فاستفادة اللزوم منها واضح جدًّا ، إذ الآية تدل حينئذٍ على إمضاء الشارع بقاءَ كل عاقد على إلتزامه ، كما هو مقتضى العرف والعادة أيضًا ، فان العرف حاكم على لزوم الالتزام بما التزموا به.

ثم حكم في ذيل كلامه يكون اللزوم من الاحكام والمجعولات الشرعية سواء كان المجعول في أوفوا الحكم التكليفى المنتزع منه اللزوم والوضعى و هو اللزوم .

ولعله مأخوذ عن سؤال و جواب للشيخ ( رحمه الله ) في المكاسب حيث قال:

إن قلت إنَّ معنى وجوب الوفاء بالعقد العمل بما يقتضيه من لزوم و جواز فلا يتم الاستدلال به على اللزوم.

ص: 38


1- و هما كلمتى أوفوا و العقود

قلت : إنَّ اللزوم و الجواز من الاحكام الشرعية للعقد و ليسا مقتضيات العقد في نفسه مع قطع النظر عن حكم الشارع .

بیان مختارنا في متعلق الوفاء

ويتضح مختارنا و تحقيقنا بعد ذكر مقدمات

الأولى : إنّه لا ريب أنَّ العنوان الانتتزاعى ليس لها مطابق خارجی كما مرَّفى بيان حقيقة السلطنة و الصحة و الفساد ، فليس فى الخارج إلّا منشأ الانتزاع ، فانّ العقل و هو الذى له هذه الصلاحية - أي صلاحية إنتزاع العناوين عن مناشئها - ينتزع تلك العناوين عن المناشى كما اذا رأى السقف و رأى سطح الارض تحته ، ينتزع عنوان الفوقية عنه ويطبق عنوان الفوق عليه – السقف فوق السطح - واذا رأى سطح الارض في مقابل السقف ، ينتزع عنوان التحتية عنه و يطبقه عليه – السطح تحت السقف -.

ومن المعلوم أنّه لو لم يوجد هناك منتزع ( بالكسر ) لم توجد الفوقية مثلاً ، والحكم سواء كان تكليفيًا أم وضعيًا ، له وجود فى عالم الاعتبار ، وليس مجرد إنتزاع عن منشأ ، ولذا يحتاج إلى حاكم نافذ الاعتبار، فالحكم فعل إختياري للحاكم ، باق في عالم الاعتبار ، فلا معنى لكون الحكم الوضعي منتزعًا من الحكم التكليفى.

والموارد المتوهم فيها الانتزاع كالتمامية أو الكلية فليس من باب إنتزاع الوضعى عن التكليفى قطعًا ، وإنّما يقال ذلك في مقام الامتثال و مقام العمل ، أىّ مقام تطبيقه مع المأمور به ، إذ لا يحتاج إلى جعله لا تأسيسا ولا تبعًا ، بل لا يفيد جعله أصلاً (1)، وإن شئت فقل :

إنّ الحكم فعل إختيارى والفعل الواحد المعنون بالعنوان الواحد لا يمكن أن ينقلب إلى فعلين يحتاج كل منهما إلى فاعل

ص: 39


1- وأمّا الوكالة و الولاية و ما شابههما من الأحكام الوضعية فهى مجعولة بالاستقلال بملاكات تختص بها وجعل إستقلاليٍّ لها

فالوضعى و التكليفى فعلان و جعلان متغایران تغايراً تامّاً في كل من الملاك و السنخية والجعل .

هذا مضافًا إلى لغوية الجعل في بعض الأحكام المعروف بالوضعية ، فانّه بعدما تعلق الوجوب بالجزء كالركوع ، لا يكون مفهوم محصّلٌ لقوله جعلت الجزئية ، وبعد ما صارت أجزاء الصلاة بأسرها من التكبير إلى التّسليم واجبة ، فأىُّ معنى لقوله جعلت الكلية والتَّمامية .

نعم يصح هذا القول فى مقام التطبيق والامتثال للحكم بفراغ الذمة ، و مرَّ أنه لا يفيد الوضع .

و أمّا ما قاله المحقق النائينى) ( رحمه الله ) من أنَّ الوفاءَ إنَّما يكون متعلقاً بنفس الالتزام المعبّر عنه بالمعنى المصدرى ولا يكون متعلقاً بالملتزم به أى المعنى الاسم المصدري.

فيرد عليه أوَّلاً : إنَّ الالتزام بمعناه المصدری فعل جانجی غیر قارّ بالذات ينعدم بمجرد وجوده وليس قابلاً لأن يتعلق به وجوب الوفاء.

و ثانياً : إنَّ الوفاءَ بالالتزام بدون الملتزم به لا معنى له ولا يوجد لى عرف أصلاً ، فانَّ عدم وجود الالتزام بدون المتعلق من البديهيات الاولية ، فالقول به كالقول بوجود الجنس بلا فصل ، أو تحقق المضاف بدون المضاف إليه .

فالمختار عندنا في متعلق الوفاءِ هو العقد بالمعنى الاسم المصدري و أمّا ما تقدم من إشكال المحقق صاحب الكفاية ( ره ) من أنّه لو تعلق الوفاءُ بالملتزم به وهو العقد لا يثبت به اللزوم لكون الشبهة حينئذ مصداقية ولا يجوز فيها التمسك بالعام ، فهو صحيح حق لا غبار عليه، و قد تقدم شرحه تفصيلاً و نزيد هنا توضیحًا بعد المقدمة الثالثة .

الثالثة : إنّ لزوم الالتزام بالملتزم به في العقود المبادلية أمر بنائی عقلائي عرفي ، كما صرح به أيضاً المحقق النائینی ( ره ) على مافي تقريراته ، وإن حكم في ذيل كلامه بكونه من الاحكام الشرعية،

ص: 40

لكن الصحيح هو ما ذكره في صدر الكلام، وعليه يكون ( أوفوا بالعقود ) ناظرًا إلى هذا الأمر العرفى و البناء العقلائى.

إذا عرفت هذه المقدمات فاعلم : أنَّه بناءً على إستفادة الحكم التكليفى من الآية و تعلق وجوب الوفاء بالعقد لا يصح التمسك باطلاق الآية لاثبات عدم تأثير الفسخ في العقد ، لان الاطلاق في ناحية المحمول لا يرفع الشك من ناحية الموضوع لكون وجود المحمول دائمًا بعد الموضوع و بتبعه ، ومع الشك في وجود الموضوع لا يثبت له المحمول فضلاً عن إثباته بالمحمول ، فاذا شككنا فى أنَّ قوله فسخت، رفعٌ للعقد و فسخٌ له أم لا ، لا يمكن لنا إثبات عقد الوضع باطلاق عقد الحمل ، سواء كان الاطلاق فى الزمان ، أو فى الزماني ، فاشكال المحقق الخراسانی (ره ) متجه.

وأمّا لوكان المراد من الأمر بالوفاء هو إمضاء طريقة العرف من الالتزام بملتزماتهم في المعاملات بل في مطلق العقود فلا يكون الجعل حينئذٍ تأسيسًالان الامضاءَ دائمًا يكون فى طول وجود الممضى وهو يضاد التأسيس طبعًا .

الرابعة : إنَّه قد فسرت العقود في الرواية المتقدمة عن تفسير على بن إبراهيم بالعهود ، و روى فيه أيضًا أنَّ النبي ( صلّی الله علیه و آله ) أخذ العهد على ولاية على (علیه السّلام) في عشرة مواطن فنزلت هذه الآية .

ثم إنَّ اللام في كلمة ( العقود ) لا تخلو عن إحتمالات ثلاث :

1- أن تكون إشارةً إلى الخارج، فتكون الآية مسوقه لبيان إمضاءِ الشارع الالتزام بالملتزمات الجاهلية، كما ورد في بعض التفاسير، فعليه تكون الآية مخصوصة بقضية خارجية، ولا ترتبط بما نحن فيه ، ولا معنى للبحث عن أنَّ الحكم المستفاد منها تكليفي أو وضعى.

2- أن تكون إشارة إلى العهد الذهني ، ويقصد بها المعاملات و العقود المتعارفة .

ص: 41

ومن المعلوم أنّ إرادة العهد من اللّام تحتاج إلى القرينة و بدونها يتبادر منه الجنس ، وما أحسن قول النحويين ( إنَّ اللام للجنس ما لم يكون هناك عهد ) فلما كانت اللام ظاهرة فى الجنس وكان العقد لغة و رواية هو العهد المطلق ينبغى لنا بيان أقسام العهود ثم بيان المراد من الآية ، فنقول :

العهود على ثلاثة أقسام

إن العهود على ثلاثة أقسام :

1- عهد الله مع العباد ، وهو على نحوين :

الأوّل : العهد المعارفى الذى يتعلق بالعقائد ، وهو أخذ الميثاق من العباد أن لا يعبدوا إلّا الله وأن يشهد وا بنبوَّة الأنبياءِ ووصاية الأولياءِ عليهم الصلاة والسلام و أن يؤمنوا بالمعاد ، فالتوحيد والنبوة والامامة عهد بالعقائد الحقة .

الثاني : العهد الأحكامى كما في عهده تعالى مع العباد فى الأحكام الشرعية ، والعبادات ، وغيرها .

2-عهد العبد مع الله كالنذر و اليمين ونحوهما ، حتى ذهب الشيخ في الخلاف(1) إلى إستلزام نفس نذر الصلاة تحقق الموضوع لوجوب الوفاء على الناذر بلاحاجة إلى لفظ مبرز .

3-عهد الخلق مع الخلق كالمعاملات الخارجية، سواء وقع التبادل فيها بين إنسان وإنسان كما فى الزوج والزوجة فيسمى ذلك بالنكاح ، أو كان بين العوض والمعوض كما في سائر المعاملات .

ثم إنّه لما لم تكن فى الآية قرينة على إرادة العهد لا الخارجى أو الذهنى من العقد و لم تكن حقيقة شرعية في معناه فلا جرم تكون اللّام للجنس ، فيراد من العقد مطلق العهد بأقسامه المختلفة المتقدمة ببركة أصالة الاطلاق .

ص: 42


1- المسئلة الأولى من الصلاة

وعليه لا بد من حمل جملة ( أوفوا بالعقود ) على ظاهرها من الوجوب التكليفى إذ حمل الأمر على الارشاد مخالف للظاهر المقامى ، وإنَّما يرتكب هذا الخلاف فيما إذا لم يمكن الحمل على التكليف ، وإلّا فمقتضى الأخذ بظهور هيئة الأمر هو وجوب الوفاء بالعقد تكليفًا ، فالمحصل من معنى الآية أنَّه يجب عليكم العمل على طبق العقود و الالتزام بالملتزمات سواء كان العهد في الأحكام أو فى العقائد أو فى المعاهدات الخارجية.

و الرواية المتقدمة في شأن نزول الآية وإن أمكن الاشكال في سندها إلّا أنّها تكفى لنا شاهدًا لما قلناه.

ولا أقول إنّ المورد يكون مخصصًا للعام حتى يقال بعدم صحة ذلك ، بل أقول لا بد وأن يراد من العام معنى يناسب مورد التطبيق، و هو إرادة مطلق العهد من العقد والوجوب التكليفى من الأمر بالوفاء .

ويؤيِّد ذلك إستدلالهم على وجوب العمل على طبق العهد النذرى ونحوه بهذه الآية ، ولا يتم الاستدلال بهاعليه إلّا بارادة الوجوب التكليفى منها .

و من هنا يظهر غرابة القول بدلالتها على الحكم الوضعى و هو اللزوم كما صدر ذلك من كثيرٍ من أعلام الفقه في أبواب المعاملات.

وظهر مما ذكرنا أنَّ ما قاله العلامة ( ره ) من أن معنى وجوب الوفاء وجوب العمل بما يقتضيه العقد من لزوم أو جواز فلا يتم الاستدلال به على اللزوم صحيح لا إشكال عليه .

و أمّا جواب الشيخ ( رحمه الله) عن ذلك بأنَّ اللزوم والجواز من الاحكا الشرعية الخ ، فمدفوع بأنَّ لزوم الالتزام بالملتزم به أمرٌ عرفى وبناءٌ عقلائى وليس حكماً شرعيًا كما صرح به المحقق النائيني (رحمه الله ) ألا ترى أنَّ الوفاء بالمعاملة و لزوم الالتزام بالملتزمات ليس مختصا بمن كان مسلماً عالماً بالقرآن وسامعًا لهذه الآية بل هو أمرٌ عالمىٌ بنى علي معاملات النّاس و معاهداتهم في كل الدول وفي كل الاديان وليس

ص: 43

مخصوصًا بطائفة دون أخرى .

فتحصل أنَّ العقود عهود ، واللام للجنس ، والهيئة للوجوب ، والآية دالة على الوجوب التكليفى ، وأمّا اللزوم فلا تدل عليه الآية لا مطابقة لما تقدم من دلالة الهيئة على الوجوب التكليفي فحسب، و لا إلتزامًا لتوقفه على القول بانتزاع الحكم الوضعى عن التكليفى ، وقد مرَّ ضعفه.

ثم إنَّ الوجوب التكليفي يتصور في جميع العقود حتى الجائزة منها كالوكالة مثلاً ، فانها وإن كانت متقومة بالاذن لكن يجب الوفاء بمتعلقها مادام الاذن موجودًا ، فالوكيل وإن كان له حق الفسخ في أصل الوكالة، إلّا أنّه بعد قبولها يجب عليه العمل على طبق ما تعلقت به الوكالة فاذا إشترى غير ما أذن له الوكيل مثلاً يكون عاصيا .

وظهر من ذلك أنَّ القول بأنَّ الاذن مقوِّم للعقود الجائزة و بدونه يرتفع العقد الجائز فلا يتصور هناك وجوب تکلیفی ، ضعيف جدًّا لما عرفت من عدم بين ذلك و بين الوجوب التكليفى منه .

وظهر أيضًا عدم صحة التمسك لاثبات اللزوم في العقود بمثل قوله تعالى ( أحلَّ الله البيع ) ، بتقريب أنّ معناه نفوذ المعاملة في طرف العوض والمعوض ، وينتزع عنه اللزوم، كما قال الشيخ ( رحمه الله ) فى مكاسبه ، أو بمثل قوله (علیه السّلام) : لا يحلُّ مال إمرءٍ إلّا بطيبة نفسه ، بتقريب أنَّ التصرف فيما انتقل عنه يكون حراماً من دون رضى صاحبه ، حتى بعد فسخ الفاسخ .

والسرّ فى ذلك أنّ هذه الكبريات الواردة في الآيات أو الروايات مسوقة لبيان الحكم التكليفى ، فيكون معنى ( أحلَّ ) حلية التصرف فيما انتقل إليه ، ومعنى لا يحلّ عدم حلية التصرف فيما انتقل عنه إلّا برضى من صاحبه و هكذا ،

و ليس معناها اللزوم الوضعى .

ص: 44

فتأمل (1) .

نعم لا بأس باستصحاب بقاء الملك لاثبات اللزوم.

والقول بأنَّه من قبيل الشك في المقتضى ، حيث أنّا نشك بعد الفسخ في اقتضاءِ البيع الملكية ، ولا يجزى فيه الاستصحاب .

مدفوع بأنَّ المقام من قبيل الشك فى الرافع ، إذ لا شك لنا فى أصل الملك وإنَّما الشك فى رافعية الرافع، وهو الفسخ ، لذا نعبّر عنه بالمانع ، و الرافع، والفاسخ، وكل ذك لكون الشك في الرافع .

وليعلم أنَّ الشك في الرافع أعم من الشك في وجود الرافع و من الشك فى رافعية الموجود ، والتفصيل في الاصول .

و هناك تقريب آخر عن المحقق الاصفهاني (رحمه الله ) ، يتضح بعد توضيح إشكال له على إفادة الآية اللزوم، وهو أنَّ معنى الوفاء بالعقد العمل على طبقه ، وعدم التجاوز عنه بحلّه وفسخه وعلى ضوء إستفادة الوجوب التكليفى من الآية يكون معناها أنَّه يجب على كل عاقد عدم التعدّى عن العقد بالحلّ والفسخ ، وحيث أنَّ المكلّف به فى الوجوب التكليفى لا بد أن يكون مقدوراً للمكلف وأن يكون مختارًا فى كل من الفعل والترك يكون نقض العقد المتعلق لوجوب الوفاء إختيارياً و مقدورًا له فتكون الآية دالة على الجواز لا اللزوم(2) ، وإن قلنا بكون الأمر إرشاديًا دالاً على اللزوم يكون مخالفاً للظاهر إذ الأصل في مقام التشريع كون المولى فى مقام إعمال المولوية ، وأمّا الارشاد فهو مخالف للأصل المقامى ، وبعبارة أخرى:

ص: 45


1- لان الظاهر من حلّ البيع هو جوازه في وعائه والمساوق للنفوذ حسب المتفاهم العرفى ولكنه غير اللزوم
2- بمعنى أنَّ مقتضى وجوب الوفاء بالعقد أن يكون نقض العقد فى قدرة المكلف و تحت إستطاعته، غاية الأمر أنَّه حرام ويكون المكلف عاصيًا به فلوعصى واختار النقض ، إنتقض العقد وهذا هو معنى الجواز

إنَّ وجوب الوفاء إن كان تكليفاً دلّ على الجواز، وهو خلاف المقصود ، وإن كان إرشادًا دلّ على اللزوم ، ولكنه خلاف الأصل .

ثم بيّن ( رحمه الله ) علاجًا للمشكلة و بتوضيحه يتضح تقريب الاستدلال أيضًا ، و هو أنَّ الوفاءَ على قسمين، وفاءً حقيقى و هو ما تقدم من العمل بمضمون العقد وعلى طبقه ، ووفاءٌ عملى وهو معاملة العاقد مع العقد معاملة البقاء ، وعدم التعدّى عن مضمونه ، فالوفاءُ الحقيقى وإن لم يمكن إرادته من ( أوفوا ) من جهة استلزامه جواز الفسخ أو خلاف الأصل ، لكن لا بأس بارادة الوفاء العملى منه ، فيكون العقد لازماً من هذه الجهة.

و نظير ما نحن فيه هو تصديق العادل في باب حجية الخبر ، و عدم نقض اليقين بالشك فى باب الاستصحاب ، فانَّ قولنا صدِّق العادل لا يمكن أن يراد به الوجوب التكليفى لعدم إمكان تصديقه بمعناه الحقيقى لوجود إحتمال الخلاف بالوجدان.

و بعبارة أخرى : إنَّ التصديق الحقيقي غير مقدور تكوينًا ووجدانًا، إذ القطع و اليقين صفة نفسانية لا يوجد إلّا بسببه الخاص ، وخبر الواحد ليس سبباً موجبًا لليقين بالبداهة، كما أنَّ صفة الترديد والشك أيضاً صفة نفسانية لا ترتفع إلّا بسبب خاص يرفعها ، وليس خبر العادل رافعًا لها ، فكيف يمكن تصديقه بمعنى القطع بصدق خبره ، بل وكيف يمكن للشارع ايجاب تصديقه وجوبًا تكليفيًا ، فاذا أوجب الشارع تصديقه بقوله صدّق العادل مثلاً ، فلابد أن يراد منه معنی آخر ، نظیر ما قلناه في ( أوفوا ) وهو وجوب تصديقه عملاً لا حقيقة ، يعنى لا بد أن يعامل مع خبر العادل معاملة الصدق فكما أنّ التصديق يكون على نحوين : حقيقى و عملى ، فكذلك الوفاءُ يكون على قسمين، : حقيقى و عملى ، وكما يكون معنى ( صدِّق العادل ) هو التصديق العملي ، فكذلك يكون معنى (أوفوا ) هو الوفاءُ العملى وهو معاملة البقاءِ مع العقد .

ص: 46

وهكذا نقول في باب الاستصحاب ، فانَّ قوله ( علیه السّلام ) ( لا تنقض اليقين بالشك ) لا يمكن أن يكون المقصود فيه حرمة النقض تكليفًا لعدم مقدورية عدم النقض بمعناه الواقعى مع وجود الشك في مورده بالبداهة و الوجدان ولا يمكن أن يرتفع الشك تكوينًا بمجرد قول الشارع لا تنقض مع العلم بأنَّه صفة نفسانية لا ترتفع إلّا عن سببٍ ، وليس قول الشارع ( لا تنقض ) سببًا لرفعه، فيراد منه أنَّه لا بد أن يعامل مع المتيقن السابق معاملة المتيقن في الحالة اللاحقة، إنتهى ملخص كلام المحقق الاصفهانی (رحمه الله ).

و فيه ما أثبتناه فيما تقدم من أنَّه ليس معنى الوفاء عدم التعدّى عن العقد بالحلّ والفسخ ، وأشرنا إلى أنَّ التعهد والالتزام بالمعنى المصدرى ليس قابلاً لتعلق الوفاءِ به فان الالتزام المجرَّد عما يتعلق به لا وجود له ، ولا يمكن له الوجود ، وقد تقدَّم ، ونزيد هنا أنَّ مناسبة الحكم والموضوع تقتضى أن يكون الوفاءُ متعلقاً بالمعاملات الخارجية و هي مضامين العقود : ألا ترى أنَّ الآثار المرغوبة من المعاملات إنَّما تترتب على مضامين العقود ولا تترتب على الالتزامات بمعانيها المصدرية .

مضافًا إلى أنَّهم يستدلون على وجوب العمل بالنذر و اليمين و نحوهما بهذه الآية ، ويستفيدون منها الوجوب التكليفي ، ولذا تترتب على الحنث، العقوبة والكفارة .

ومن المعلوم أنَّ الالتزام بالملتزمات ليس شيئًا أسَّسه الشارع، بل كان موجودًا منذ نشوء الاجتماع البشرى إلى زماننا هذا ، فالالتزام النوعى العقلائي موجود في المعاملات دائماً ، حتى أنَّ وجوب البيع المستفاد من قوله ( علیه السّلام ) : البيعان بالخيار مالم يفترقا و إذا إفترقا وجب البيع ، ليس إلا بياناً لهذا الأصل العقلائي ، ومعناه نفوذ البيع والوفاء بالعقد ولزوم الالتزام بالملتزم به .

ص: 47

إشارة إجمالیة إلی الخیارات

و من هنا نقول إنّ الخيارات كخيار المجلس و الحيوان و نحوهما إنَّما هى مجعولة من ناحية الشارع تعبُّداً ومنشأها شدة مراعاة الشارع للمصالح النوعية .

نعم خيار الشرط الذى يشترطه كل من البائع والمشترى باختيار منهما كان موجودًا في العرف و أمضاه الشارع.

مضافًا إلى أن الحق في حجية خبر العادل أنَّها ليست قابلة للجعل تعبُّدًا ، لان خبر العادل إمّا أن يكون طريقًا إلى الواقع أو لا، وعلى كلا التقديرين لا يصح جعل الطريقية له من ناحية الشارع ، لانّه على الأوّل يكون تحصيلاً للحاصل، وعلى الثانى يكون مناقضاً للواقع، إذ لا يمكن للشارع جعل ما ليس بطريق في نفسه طريقًا .

بل نقول إن حجية الخبر أمر إرتكازى عرفى وليس فيه تعبد من الشارع و يشهد بذلك الروايات الواردة فى الباب من إرجاعهم إلى الرواة معلّلين ذلك بعلة إرتكازية ، و هى الوثوق بالمخبر به في إخبارهم فانَّ الظاهر من ترتب أخذ معالم الدين على وثاقة يونس بن عبد الرحمان في قوله ( أفيونس بن عبد الرحمان ثقة آخذ عنه معالم دينى ) أنَّ الأخذ بقوله حين كونه ثقة كان مرتكزاً فى ذهن السائل وأنّه لووثق به يأخذ بخبره في معالم دينه لعلمه الارتكازى بأن كل ثقة يجوز الأخذ بقوله ويكون قوله حجة فيسئل عن أنَّه ثقة أم لا ؟

و أمّا جملة ( صدّق العادل ) فلم ترد في رواية أو آية ، وإنَّما تدور على ألسنه الفقهاء إصطياداً من الآيات و الروايات ، وكيف كان فليس معناها حجية الخبر تعبُّدًا ، بل هى تدل على إمضاء الشارع لما عليه عمل العرف من الأخذ بقول الثقة ، أو إرشاد إلى ذلك ، وعليه فالتعليل في آية النبأ إرتكازى عرفى لا تعبُّدى ، وذلك من جهة أنَّ التعليل و هو ( أن تصيبوا قومًا بجهالة الخ ) موافق للا رتكاز العقلائى وإنَّ أخذ الخبر ممن لا يوثق به مظنة للاخطار والاضرار .

ص: 48

تحقيق في الاقالة:

إعلم أنَّ الاجارة عقد لازم ، لا تزول العلقة البدلية إلّا بالتقابل أو بأحد موجبات الخيار، فنقول :

إنَّ الاقالة (1) هى الاغماض أو رفع الأمر الثابت ولها جهة أخلاقية يُعبَّرُ عنه فى عرف الأخلاق بالاغماض والعفو و الكظم ، وفى المعاملات بحلّ العقد و الرجوع عنه و التعبير الجامع هو رفع الأمر الثابت ، وكلما كان الشخص متساهلاً سمحا فى قبول الاقالة كانت نفسيته الأخلاقية عالية متأبية عن الانتقام ، ولذا كان من أسمائه تعالى مقيل العشرات كما في الأدعية ، فالاقالة ممدوحة عقلاً و شرعًا ، كما نطقت به الأخبار .

و كيف كان فقد اختلفوا فى أن الاقالة هل هي موافقه للقاعدة أو أمر تعبدى أستفيد من الروايات كما عليه المشهور، أو انها معاملة جديدة كما عليه العامة، أو حقيقة عرفية كما هو المختار، على وجوه بل أقوال .

أمّا إحتمال كونها معاملة جديدة فباطل جزمًا لبداهة أن رجوع كل من العوض والمعوض إلى صاحبه بعد الاقالة لازم لا نفساخ العلقة البدلية ، فليس فيها إلّا رفع تلك العلقة وتمزيقها ، فرجوع كل مال إلى صاحبه مقتضى مالكية المالك الأوّل ، غاية الأمر أن الاقالة تكون من حينها لا من أصل العقد إذ المسبب لا يتقدم على سببه على تقد كونها سببًا للازالة ، ولذا نقول بعدم الضمان في المنافع المستوفاة فشأن الاقالة ليس إلا فسخ العلقة و رفعها وليس فيها ايجاد علقة جديدة .

ص: 49


1- قد تأتى هيئة الافعال لافادة الازالة كما أن القول يأتي بمعنى الرأى ونحوه أيضا ، فالاقالة إنَّما هي بمعنى إزالة الالتزام أو تبعة العمل دنيًا وعقبىً

وقد تقدم من المحقق النائيني ( رحمه الله ) من أن ( أوفوا ) بمقابلة الجمع بالجمع ينحل إلى أن كل عاقد يجب عليه الوفاءُ بعقد نفسه أى إلتزامه وليس الوفاءُ بالعقد مشروطاً بالاجتماع فالمالكين للا لتزامين إذا رفعا اليد عن إلتزامهما بالاقالة ينحلُّ العقد بنفسه ولا يبقى موضوع لوجوب الوفاءِ ، وعليه تصبح الاقالة على وفق القاعدة ؟ .

ولكن هذا القول مبنى على تعلق الوفاءِ بالالتزام بمعناه المصدري وقد تقدَّم أن موضوع الوفاء هو نفس العلقة المبادلية وهي باقية إلى أن يأتى القاطع لتلك العلقة.

و إستدل المشهور على صحة الاقالة بأمرين :

الأوَّل : إجماع الفقهاء على صحتها وكونها بتعبد من الشارع .

وفيه ما تقدم من أن مستند الاجماع هنا معلوم قطعاً ، إذ نرى أنَّ كل من إستدل بالاجماع ذكر الروايات الواردة في المقام أيضًا فيسقط الاجماع بما هو إجماع عن الحجية.

الثاني : الروايات ، فانَّ الاخبار الواردة فى صحة الاقالة كثيرة جدًا ، وقد عقد لها في الوسائل بابًا .

فمنها (1) ما عن محمد بن يعقوب عن على بن إبراهيم عن على بن محمد القاساني عن على بن أسباط عن عبد الله بن القاسم الجعفرى عن بعض أهل بيته قال إنَّ رسول الله (صلّی الله علیه و آله ) لم يأذن لحكيم بن حزام في تجارته حتى ضمن له إقالة النادم وإنظار المعسر وأخذ الحق وافيًا أو غير واف .

و معنی ضمان حکیم بن حزام للنبي ( صلّی الله علیه و آله ) إقالة النادم ليس إلّا رفع اليد عن المعاملة ، وهذا يدل على صحة الاقالة بدلالة

ص: 50


1- راجع الوسائل ، الباب الثالث من أبواب آداب التجارة ، الحديث رقم (1)

الالتزام .

و فيه أنها لا تدل على صحه الاقالة فى الاجارة ، لكونها واردة فى التجارة، والظّاهر من التجارة هو البيع فانَّ الاجارة والمزارعة و المضاربة و إن أطلق عليها التجارة بالمعنى الأعم ، لكن الظاهر منها كونها قضية فى واقعة خاصة وهو البيع ، فانّ تجارة الحكيم بأنواع التكسب حتى الاجارة غير معلوم فهي مخدوشة دلالة.

هذا مضافاً إلى ضعفها فى السند أيضاً و يكفى في ضعفه أنَّ الراوى الأخيرهو بعض أهل بيت الجعفرى .

ومنها (1) ما عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن محمد ابن على بن زيد بن إسحاق عن هارون بن حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام قال أيّما عبد أقال مسلمًا في بيع أقاله الله عثرته يوم القيامة ، و رواه الصدوق مرسلا إلّا أنه قال أيّما مسلم أقال مسلماً ندامة في البيع .

والسند في التهذيب هكذا ( أحمد بن محمد بن عيسى عن يزید ابن إسحاق عن هارون بن حمزة ) ، ولا إشكال لنا في سند الرواية الموجوده في التهذيب لانَّ الأوّل وهو أحمد بن محمد بن عيسى هو الأشعرى القمى الثقة الجليل إلى حدٍ إشتبه على بعض بأنه من أصحاب الاجماع و هو على إصطلاحنا من ثقات مشايخ النشر، حيث أنا قد قسمنا في علم الدراية المشايخ على ثلاثة طوائف :

المشايخ على ثلاثة طوائف

1 - مشايخ أخذ الروايات - رواة الاحادیث و هم الذين كانوا - يحثون على السؤال عن الأحكام وحفظها وجمعها في أصولهم ، أمثال زرارة و ابن أبي عمير والبزنطى .

2 - مشايخ النشر و هم الذين كانوا ينشرون الروايات و كانت لهم مدرسة لدراسة الحديث وتربية التلاميذ أمثال الأشعريين .

ص: 51


1- راجع الوسائل، الباب الثالث من أبواب التجارة ، الحديث رقم ( 2 )

3- مشايخ التدوين، وهم الذين دوّنوا الروايات فى كتبهم كالمحمدين الثلاثة .

و كيف كان فأحمد بن محمد بن عيسى من الثقات الأجلَّة ، والثانى و الثالث وهما يزيد بن إسحاق وهارون بن حمزة ثقتان ، فالرواية على سند التهذیب صحيحة ، إلّا أنَّ دلالتها غير تامّة لكونها نصًّا في البيع و مخصوصًا به ولا يكون دليلاً على باب الاجارة ، اللهم إلّا بدعوى وحدة الملاك.

ومنها (1) ما عن الحسن بن محمد بن سماعه عن صفوان عن ابن مسكان عن هذيل بن صدقه الطحّان قال : سألت أبا عبد الله ( علیه السّلام ) عن الرجل يشترى المتاع أو الثوب فينطلق إلى منزله ولم ينفذ شيئًا فيِبد وله ، فيرده ، هل ينبغى ذلك له ؟ قال : لا إلّا أن تطيب نفس صاحبه.

ففی سند ها صفوان وابن مسكان و هما من أصحاب الاجماع و روى في الاول أنه لا يروى إلّا عن ثقة ، وليس في هذيل بن صدقة في كتب الرجال مدح أو ذم فيكون مجهولاً ، ولكن المجهول إذا كان الراوى عنه من أصحاب الاجماع لا يضر بصحة السند عندنا ، فلا إشكال فيها من جهة السند ، إلّا أنها أيضا نص فى البيع وليست في الاجارة ، فلا تدل على صحة الاقالة فيها إلّا بالقياس أو دعوى القطع بوحدة الملاك ، وهذه الرواية مما دلت على لزوم البيع أيضا لحكمه عليه السلام بعدم جواز الرد إلا عن رضى من الطرفين .

و منها (2) ما عن محمد بن علی بن الحسين في المقنع عن أبى

ص: 52


1- راجع الوسائل الباب الثالث من أبواب آداب التجارة ، الحديث رقم (3)
2- راجع الوسائل ، الباب الثالث من أبواب أداب التجارة ، الحديث رقم ( 4 )

عبد الله عليه السلام : من أقال مسلماً بيع ندامة أقاله الله عثرته يوم القيامة .

و فيه مضافاً إلى كونها فى كتاب الصدوق (رحمه الله ) الجامع لمتون إصطادها من الروايات و هى غير حجة لنا ، أنَّها مخصوصة بالبيع ويحتمل أن تكون هذه مأخوذة عن رواية هارون المتقدمة .

ومنها ما في الخصال (1) عن حمزة بن محمد العلوي عن على إبن إبراهيم عن أبيه عثمان بن عيسى عن سماعة بن مهران عن أبى عبد الله عليه السلام قال : أربعة ينظر الله إليهم يوم القيامة من أقال نادمًا ، أو أغاث لهفاناً ، أو أعتق نسمة ، أو زوج عزبًا .

أما حمزة بن محمد العلوى فهو من مشايخ الصدوق (ره ) وقد أكثر الرواية عنه ، وذكر إسمه مترضيًا عليه فيمكن القول باعتباره ، وبقية من في السند ثقات كلهم فلا إشكال فيها من حيث السند ، كما لا إشكال في دلالتها أيضا لكونها مطلقة شامله للبيع و الاجارة وسائر المعاملات.

وما قاله المحقق الاصفهاني (ره ) من أنها ليست في مقام تشريع الاقالة ، بل هي مسوقة لبيان ترتب الثواب عليها و أنها أمر أخلاقي و لفاعلها الثواب الأخروي فلا تدل على تشريع الاقالة .

مدفوع بأن تشريع الاقالة لازم لنفس جعل الثواب الكاشف عن مشروعيتها وضعًا ورحجانها تكليفاً ، ولا يحتاج إلى تشريع آخر ، وجعل الثواب و إن كان لازماً أعم بالنسبة إلى المشروعية، لكنه يلازم تشريع الاقالة هنا قطعاً.

بيان ذلك أنه قلنا في أدلة التسامح فى السنن إنَّ جعل الثواب لشيءٍ أعم من مشروعية ذلك الشيء ، لا مكان أن يكون الأجر والثواب

ص: 53


1- راجع الوسائل، الباب الثالث من أبواب أداب التجارة ، الحديث رقم ( 5 )

على مجرد الانقياد والاطاعة الظاهرية ، ولكن ذلك إنما يصحّ إذا كانت هناك قرينة على كون الثواب للانقياد ، وأمّا إذا لم تكن قرينة على ذلك فيكون جعل الثواب لازماً مساويًا للتشريع فالاقالة بما لها من المعنى إذا كانت فيها الثواب كانت مشروعة لا محالة .

ومع ذلك فالتحقيق فى صحة الاقالة إنّها ليست مجعولة بالجعل التأسيسى بل هو أمر عرفى و بناءٌ عقلائي حيث كانت الاقالة موجودة قبل زمان الشارع ولم يردع الشارع عنها ، فيستكشف من ذلك إمضائه لما عليه طريقة العرف من جريان الاقالة فى المعاملات المتداولة ولا أقل من إستكشاف رضاه بذلك .

لا تبطل الاجارة بالبيع:

إعلم أن المالك للعين المستأجرة قد يبيعها من غير المستأجر وقد يبيعها منه .

أمّا الاول فالمشهور فيه عدم بطلان الاجارة و صحة البيع ، كما هو المستفاد من بعض الأخبار .

والسّرُّ فى ذلك : أنَّ البيع إنما يتعلق بالعين ، والاجارة بالمنفعة و إذا اختلف متعلقهما فلا مانع من بيع العين المستأجرة .

توضيح ذلك : إنَّ ملكية المالك للعين ليست ملكية محدودة وبشرط شیءٍ ، ولا ملكية مطلقة لا بشرط ، أى ليست مشروطة بالاطلاق واللا بشرطية - اللا بشرط القسمى - بل هى مرسلة نظير اللا بشرط المقسمى ، و مقتضى ذلك كون العين مملوكة لمالكها إلى أن يأتى الناقل لها إلى الغير من بيع أو هبة أو موت أو غير ذلك .

هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى :

إنَّ المالك للعين مالك لحيثياتها الوجودية التي هي من اللوازم الذاتية للعين و هى التى تكون مصححة لاعتبار المنافع موجودة ، وموجبة لصحة تمليك المنفعة ، فالمالك كما يكون مالكاً للعين ، كذلك يكون مالكاً

ص: 54

للمنفعة باعتبار تلك الحيثيات الوجودية ، وكما يكون للمالك بيع العين المملوكة كذلك يجوز له تمليك منافعها بالاجارة.

و ما يتوهم من أن المنافع إنَّما تكون تابعة للعين ، ولا إنفكاك بين العين والمنفعة، و عليه فاذا خرجت العين عن ملك مالكها الأول خرجت المنافع بتبعها فتبطل الاجارة قهرًا ، وحيث لا تصح إجارة مالا يملك بطلت الاجارة من حين البيع ألا ترى أنَّ العين إذا تلف تبطل الاجارة بالاتفاق ، وليس ذلك إلّا لكون المنافع من اللوازم الذاتية لها ، فكما أنه إذا خرجت العين عن ملك مالكها بالتلف خرجت المنافع و بطلت الاجارة ، فكذلك إذا خرجت العين عن ملكه بالبيع .

مدفوع أولاً بعدم المنافاة بين الاجارة وبين البيع الواقع بعد و لذا قال المحقق الأردبيلى ( رحمه الله ) : لو كانت المنافاة موجودة بينهما للزم بطلان البيع اللاحق لا الاجارة السابقة.

و ثانياً إنَّ قياس المقام بما إذا تلفت العين قياس مع الفارق ، إذ في المقام تكون العين واجدةً للمنفعة ، غاية الأمر أنه لا يمكن للمالك نقلها إلى المشترى بخلاف ما إذا تلفت العين إذ ليست هناك منفعة للعين أصلا .

فالصحيح عندنا صحة البيع والاجارة كليهما لعدم التنافي بين متعلقيهما .

ثم إن كان المشترى عالماً بالاجارة لا يكون له خيار الفسخ لانه أقدم على إشتراء العين مسلوبة المنفعة .

و أما إذا كان جاهلاً بها فله خيار الفسخ بالاجماع ولكنهم إختلفوا في وجهه وفى أنه أى قسم من أقسام الخيارات على أقوال الأول : ما عن صاحب الجواهر ( رحمه الله ) من أن اطلاق العقد يقتضى تسليم المثمن والثمن حالاً و من غير تأخير ، و هذا هو مراد القوم من اقتضاء إطلاق العقد التعجيل، وبقاءُ العين تحت الاجارة يمنع عن

ص: 55

ذلك لعدم التمكن عن تسليم العين حينئذ.

و أورد عليه المحقق الاصفهاني ( رحمه الله ) بأن التسليم قد يكون معجلاً مع كون العين مستأجرة بناءً على صحة الاجارة المستقبلة ، فان إجارة منفعة السنة الآتية لا تمنع عن التعجيل في تسليم العين.

ولكنك خبير بأن الاجارة المستقبلة وإن صحت إلّا أنها نادرة التحقق خارجًا وكلام الجواهر ( رحمه الله ) منزل على الغالب المتعارف .

الثاني : أنَّ الخيار فى المقام إنّما هو من قبيل خيار العيب ، كما في العروة ، فان العيب هو النقص ، وهو موجود في المقام ، فان العين مسلوبة المنفعة تُعَدُّ معيوبة و ناقصة .

و فيه أولاً عدم وجود النقص والعيب في المقام ، لان التعبير الوارد في الروايات المتعلقة بخيار العيب هو كلمة ( عيب أو عوار) و كلاهما مفقود ان في المقام لصحة العين وكمالها و خلوها عما يسمى بالعيب عرفاً ، وكبرى ( كلما زاد أو نقص عن خلقته الاصلية فهو عيب ) ليست شاملة لما نحن فيه لعدم وجود نقص أو زيادة في العين المستأجرة.

و ثانيًا إنَّ كبرى خيار العيب لا تنطبق على المقام ، لان من شأن خيار العيب أن يثبت لمن له الخيار أحد أمور ثلاثة بالاجماع، الفسخ أو الامضاء ، أو أخذ الارش مع أنه ليس له في المقام أرش إجماعاً حتى أنَّ الفقيه السيد اليزدى ( رحمه الله ) مع حكمه بكون الخيار خيار العيب حكم الأرش ، وعللَّه بأن العين لاعيب فيها في حد ذاتها .

و التحقيق في المقام أن كبرى ( كلما زاد أو نقص ) إذا كانت مسوقة لبيان حقيقة العيب خارجًا ، تكون إرشادًا إلى بيان العيب بما له من الحقيقة الخارجية، ولذا نقول إنّ المقصود من الخلقة الاصلية ليس هو الخلقة التكوينية و ما به قوام الشيء و ذاتياته ، بل المقصود منها ما يكون فى العرف صحيحاً ، ويقابله المعيوب و هو ما يكون في

ص: 56

العرف معيوبًا - أى بحسب ما يراد منه من الأثر ، و عليه تكون العيوب الحكمية في حكم العيوب الواقعية ، لصدق عنوان العيب على الجميع عرفًا ، ولو بتنقيح المناط، فيكون العيب أعم من العيب الخارجي المحسوس و العيب الحكمى العرفى ، لا أقول إنَّ هذا بمنزلة ذاك حتى تقول باحتياج ذلك إلى الدليل بل أقول إنّ العين المستأجرة إذا وقعت مورداً للبيع يراها العرف معيوبة حكماً أى أنَّ سلب المنفعة عيب حكماً ، وعدم شمول عنوان الدليل للمورد من جهة عدم وجود عيب و عوار و لا زيادة و نقص خارجًا لا يضر بالصدق العرفى بعد ما يحكم العرف بالعيب من حيث إعتباره ذلك عيباً .

و أما الأرش فقد توهم بعض أنه مخالف للقاعدة من جهة أن دليله هو الرواية المرسلة الموجودة في فقه الرضا ، وقد حكموا بعدم اعتبار فقه الرضا لعدم كونه معلوم الاستناد إلى الرضا (علیه السّلام ) ، ولكن الأرش على مختارنا يكون موافقاً للقاعدة .

بيان ذلك : إنَّ المثمن يقع فى مقابل الثمن على نحوين :

الاول : أن يكون على نحو الانحلال كما في بيع ما يملك وما لا يملك ، وكما في بيع جلدين من كتاب واحد فيما لم يكن قيد الاجتماع دخيلاً في المعاملة فينبسط الثمن على كل واحد منهما بحسبه .

الثاني : أن يكون على نحو المجموع بأن يكون قيد الاجتماع دخيلاً فى المعاملة فيكون الثمن في مقابل المجموع كمصراعي الباب مثلاً فإنّ المعاملة إنَّما تقع على المجموع بقيد الاجتماع .

ثم إنَّ الأغلب وقوع الثمن في مقابل مجموع المثمن إلّا ماخرج بالقرينة و أمّا وصف الصحة فليست هى على الأغلب متعلقة للثمن في عالم المبادلة إذ ليس الثمن في مقابل صحة المثمن على نحو الانبساط.

و توضيح ذلك أنّ وصف الصحة على أنحاء ثلاثة:

الأول : ما يكون مقوِّماً لعنوان المبيع بحيث إذا إنتفى الوصف

ص: 57

لم يوجد المبيع في الخارج كالخلّ الفاسد الذي لا يطلق عليه عنوان الخلّ مثلاً .

الثاني : ما يكون مقوِّمًا لمالية المبيع الصحة موجودًا فيه لم يرغب العرف إليه ، كالجلّاب الذي تكون رائحته الطيبة مقومة لماليته وإن لم تكن مقومة لعنوان الجلّاب - المبيع - فالعرف لا يبذل بازائه المال، وفى هذين القسمين اذا فقد الوصف بطل البيع .

الثالث : ما يكون موجباً لازدياد الثمن ، بحيث كان النظر إليه في عرض النظر إلى الموصوف ، فيلا حظ وصف الصحة ويقوّم الموصوف، و في مثله يكون وصف الصحة موردًا للا لتزام المبادلي ، و لذا يكون فقده موجباً للخياركما يكون مورداً للحاظ الثمن زيادة و نقيصة ، ولذا يكون كالجزء الذي ينبسط عليه الثمن ، وإن لم يكن هو بعينه و به- اللحاظ يصح أخذ الأرش .

ففى هذا القسم من وصف الصحة يثبت الخيار والأرش معًا ، وعليه يكون الأرش على وفق القاعدة من دون حاجة إلى التمسك بالرضوى أو الاجماع .

الثالث : إنّه من باب تخلف الوصف أى وصف الصحة ، فانّ بناءَ العرف في عالم المبادلة هو إشتراءُ الصحيح بقيد الصحة، وتخله موجب للخيار بلحاظ تخلف هذا الوصف، فبيع الدار المستأجرة يكون في العرف من باب تخلف الوصف.

و أجيب عنه أولاً بأن المقام ليس من باب تخلف الوصف لان المنفعة لا تعد من أوصاف العين كالرائحة و اللون.

وثانيًا إنَّ الموجب للخيار هو الأوصاف المقومة للمالية بشرط أن تكون تحت الالتزام المبادلى بحيث تقع المعاقدة عليها ، وأمّا تخلف الداعى كما في المقام فلا يوجب الخيار إذ ليس الداعى تحت التزام

ص: 58

عقدی.

و فيه أنَّ العرف يرى خلوَّ الدار المستأجرة عن وصف الصحة مع أنَّ الوصف وهو المنفعة مورد للالتزام العقدى.

الرابع : ما عن جامع المقاصد و هو أنَّ ثبوت الخيار في المقام إنَّما هو من باب الضرر إذ الصبر على العين المستأجرة مسلوبة المنفعة ضرر على المشترى ، وقاعدة لا ضرر حاكمة على وجوب الوفاء.

وأورد عليه بأنّ المقصود من الضرر إن كان ماليّاً فهو خلاف المفروض و إن كان شخصياً فليس إلا من قبيل تخلف الداعى وقد تقدم أنَّه لا يوجب الخيار، وإن كان نوعيّاً لا بد أن يكون معاملياً وارداً مورد المعاقدة فيحتاج إلى إلتزام عرفى.

وفيه أنَّ العقد إنَّما يقع على الشرط عرفاً لوجوده في الباطن و فى عالم الواقع وإن لم يكن ملفوظاً به .

اقول : إنَّ كلًّا منهم قد أخذ جهة من جهات الخيارو هم على حق في تلك الجهة ، فانَّ صاحب الجواهر (رحمه الله ) إنَّما نظر إلى جهة الاثبات و لم يتعرض لجهة الثبوت لا حكماً ولا موضوعًا ، وأمّا القائل بخيار العيب أو خيار تخلف الوصف فقد لاحظ موضوع الخيار و هو العين المستأجرة المبيعة و من المعلوم أن خيار تخلف الوصف يرجع إلى خيار العيب أو بالعكس لان مرجع فقدان الوصف و ووجود العيب واحد .

و أما المستمسك بقاعدة نفى الضرر فنظره إلى علة الخيار وهى وجود الضرر فحكم بالخيار للضرر بقاعدة لا ضرر .

هذا و الانصاف أنهم مع ذلك كله لم يدققوا في كيفية إرتباط الخيار بالبايع في المقام ، وأظنُّ أنه أصبح واضحاً بعدما حققناه في المقام من أنّ الالتزام الصريح إنَّما يتعلق بالمبادلة والالتزام البنائى الباطني الضمنى يتعلق بكون العين ذات منفعة فعلية فان الالتزام كما يتعلق صريحًا بالبدلية كذلك يتعلق إرتكازا بالشرائط ، فالشرائط

ص: 59

تارة تذكر صريحًا في ضمن العقد وأخرى تذكر قبل العقد و يقع العقد مبنيًا عليها وثالثةً تكون مرتكزة في نفوس أهل المبادلة فيعبَّر عنها بالشرائط اللبّية كما في وصف الصحة .

الشرائط على ثلاثة أقسام

وعليه فتكون الشرائط على ثلاثة أقسام :

1- أن يكون الشرط في ضمن العقد صريحًا.

2- أن يكون قبل العقد على نحو المقاولة ثم يقع العقد مبنيا عليه.

3- أن لا يكون الشرط فى الظاهر وفى مقام التلفظ كما فى وصف الصحّة.

فعمدة الدليل و أحسنها لاثبات الخيار فى المقام هو الالتزام الضمني اللّبى ، وإن كل من يشترى شيئًا يريد منافعه و صحته فيثبت الخيار في المقام من جهة هذا الارتكاز العرفي و الالتزام الضمني .

و أمّا الثاني ، وهو ما إذا باع العين المستأجرة من المستأجر فالحق هنا عدم بطلان الاجارة أيضًا كما عليه المشهور خلافاً للعلامة ( ره) فى الارشاد حيث ذهب إلى البطلان .

و دليلنا ما تقدم من أنَّ متعلق البيع والاجارة أمران متغايران فلا موجب للبطلان ، فالمستأجر كان مالكاً للمنفعة وصار الآن مالكًا للرقبة أيضاً ، ولا منافاة بينهما .

وأمّا ما استدل به المحقق الكركى على مذهب العلامة ( رحمه الله ) من أنَّ المنفعة تابعة للعين فالمالك للعين مالك للمنفعة أيضًا وعليه كيف يعقل أن يبذل المستأجر المال بازاء مملوك نفسه وهو المنفعة.

مدفوع بأنَّ ما ذكرتم إنَّما يصح إذا كانت المنفعة من التوابع اللازمة للعين بأن تكون من اللوازم الذاتية لها بحيث لا تنفك عنها كما في الآثار الصادرة من الفاعل الموجب ( بالفتح ) و أمّا إذا كانت المنفعة من التوابع غير اللازمة بحيث يمكن إنفكاكها عن المتبوع فيصح حينئذٍ تقطيعها بالاجارة .

ص: 60

و من المعلوم أنَّ المنفعة ليست لازما ذاتيا للعين بل هى لازم مفارق فيصح بيع البايع العین المسلوبه المنفعة.

و أمّا ما أستدل به المحقق الأرد بیلی ( رحمه الله) على البطلان من أنَّ المستأجر إذا إشترى العين يكون مالكاً لها وملك العين بنفسه سبب مستقل لملك المنفعة ، فلو كان لبقاء المنفعة سبب آخر كالاجارة فى المقام يلزم توارد علتين على معلول واحد.

فظهر جوابه مما تقدم من أنَّ المنفعة ليست من اللّوازم الذاتية للعين غير المنفكة عنها فليست هي مسببة عن البيع فقط بل الاجارة أيضًا تكون سببا لبقاء المنفعة إذ قلنا بامكان إنفكاك المنفعة عن العين فيكون ملك العين مسببًا عن البيع ، وملك المنفعة مسببًا عن الاجارة السابقة على البيع.

وقد يجاب عن المحقق الأرد بيلى ( رحمه الله ) بأن توارد العلل على معلول واحد إنَّما يستحيل إذا كان في الأمور الخارجية و الحقيقية. وأمّا إذا كان الأمر اعتباريًّا ، فلم لا يجوز إعتبار أسباب متعددة لمسبب واحد إعتبارى مع العلم بخفة معونة الاعتبار، و أنَّ أمره بيد المعتبر.

ولكن هذا الجواب لا يصح على ما سلكناه إذ قد تقدم منا أنَّ الاعتبار يحتاج إلى المصحح و أنَّ الاعتبار الجزاف لا معنى له شرعًا و لا عرفاً . فالأحكام الفلسفية كما تجرى في الأمور الحقيقية والخارجية كذلك تجرى فى الأمور الاعتبارية و لذا نقول ببطلان الشرط المتأخر ونأوِّل ما يوهم ذلك.

نعم يختلف معنى الاستحالة وغير المعقولية في الأمور الاعتبارية عن الأمور الحقيقية التكوينية ، فحينما نقول أنَّ الامر الفلاني غير معقول أو محال في الامور التكوينية نقصد بها الاستحالة الواقعية من قبيل لزوم اجتماع النقيضين و التسلسل وغير ذلك بينما نقصد من

ص: 61

الاستحالة فى الامور الأعتبارية أنَّه لا بد أن يكون الاعتبار تحت قاعدة و نظام و أنَّ تكون ناشئة من مصحح للاعتبار ولا تكون جزافاً ، وإلّا فيكون الأمر الاعتباري مستحيلاً بهذا المعنى .

ثم إعلم أنّه يتفرع على ما تقدم أمور تعرض لها السيد الطباطبائي - ( رحمه الله ) فى العروة ، منها :

1 - إنَّ اللازم على المشترى حينئذ أن يدفع عوض العين المبيعة و عوض الاجارة كليهما .

2 - إنَّ المستاجر المشترى لو مات ترث إمرئته من المنفعة ، و إن كانت العين من العقار التي لا إرث للزوجة في رقبتها ، فتكون الأرض مسلوبة المنفعة للوارث غير الزوجة ، و أمّا المنفعة فللزوجة سهمهامن الارث منها بخلاف ما إذا بطلت الاجارة بالبيع ، فلا ترث الزوجة إلا من قيمة مثل الطوب و الخشب .

3- إنّ العين إذا تلفت في أثناءِ مدة الاجارة يرجع المستاجر إلى المالك و ياخذ العوض منه بنسبة بقية مدة الاجارة و أمّا إذا - كانت الاجارة باطلة من أوَّل زمان البيع يكون التلف من المشترى ولا حق له للرجوع إلى المالك حينئذ .

انفساخ الاجارة بالموت وعدمه :

هل تنفسخ الاجارة بمسوت الموجر و المستاجر فيه أقوال ، الانفساخ مطلقاً و القائل به جماعة من القدماءِ، وعدم البطلان مطلقًا المشهور بين المتاخرين ، و التفصيل بين موت الموجر فلا تبطل ، و بين موت المستاجر فتنفسخ ، ونسب عكسه أيضًا إلى بعض، ولم يعلم صحة هذا الانتساب .

وقبل التعرض لاستدلال الطرفين نشير إلى مختارنا في المسئلة إجمالاً فنقول :

التحقيق عدم إنفساخ الاجارة بالموت سواء كان المستاجر أو الموجر أو

ص: 62

كلاهما .

و السرُّ فى ذلك ما تقدم في تعريف الاجارة من أنَّها مبادلة بين العوض و المنفعة و أنّ التمليك و التملك ليسا مقومين للاجارة ولا للبيع والمتعاقدان إنَّما هما واسطتان فى التحقق والثبوت لا أنَّهما مقومان للبيع أو الاجارة و ليسا واسطتين في العروض .

نعم لما كان الغالب وقوع المعاملات الخارجية بين المالكين فتحتاج فى تحقق المعاملة إلى التمليك والتملك من هذه الجهة لا أنَّهما مقومان للمعاملة ، فمقتضى القاعدة في المقام عدم إنفساخ عقد الاجارة بالموت .

ثم إِنَّه إستدَلَّ كل من القائل بالصحة و الفساد بمصصح إبراهيم ابن محمد الهمدانی (1)، قال كتبت إلى أبي الحسن (علیه السّلام) وسئلته عن إمرئة - آجرت ضيعتها عشر سنين على أن تعطى الاجارة (الاجرة) في كل سنة عندَ إنقضائها لا يقدم لها شيء من الاجارة ( الاجرة ) سالم يمض الوقت فماتت قبل ثلاث سنين أو بعدها هل يجب على ورثتها إنفاذ الاجارة إلى الوقت أم تكون الاجارة منقضية بموت المرأة؟ فكتب إن كان لها وقت مسمى لم يبلغ فماتت فلورثتها تلك الاجارة فان لم تبلغ ذلك الوقت و بلغت ثلثه أو نصفه أو شيئًا منه فتعطى ورثتها بقدر ما بلغت من ذلك الوقت إنشاء الله.

و الذى يخطر بالبال في معنى الحديث أنَّ مورد سؤال السائل إنَّما هو الشرط المذكور فى ضمن الاجارة بمعنى أنه يسئل عن لزوم الشرط على ورثة الموجر أو إنفساخه بموته و ليس سئواله عن نفس الاجارة، والشاهد على ذلك أن مورد الرواية إجارة الضيعة عشر

ص: 63


1- الوسائل، الباب 25 من كتاب الاجارة ، ورجال السند کلهم ثقات وإبراهيم هذا من وكلاء الناحية

سنين و إشتراطه إعطاء الأجرة في كل سنه فترى أنَّ نظر السائل يكون تماماً إلى الشرط و إستفهام حاله وأنَّه هل ينفسخ بموت الموجر أم لا .

و على فرض كون جهة السئوال إستفهام بطلان الاجارة بموت الموجر و عدمه فيستكشف من الجواب صحة الاجارة لقوله (علیه السّلام) : إن كان لها وقت مسمى لم يبلغ ، و الظاهر من هذا الوقت وقت إعطاء قسط الأجرة ، فقوله (علیه السّلام) : ( فلورثتها تلك الاجارة ) ، ناظر إلى كون الأجرة لورثتها حين يبلغ الوقت ، وقوله ( علیه السّلام ) : ( فان لم تبلغ ذلك الوقت ، الحديث ) ناظرُ إلى إرثهم الأجرة بالحصص .

وبالجملة فالتأمل فى فقه الحديث يقتضى كونه بصدد بيان الشرط في ضمن عقد الاجارة ، إذ لو كان نظر السائل إلى سببية موت الموجر لا نفساخ عقد الاجارة وعدمها كان بيان الشرط فى ضمن العقد وهو تقسيط أداءِ الأجرة فى السئوال لغوًا ، وحيث لم يكن لأسئلة السائلين نظر موضوعی ، بل كانوا يسئلون بعنوان بيان المثال للكبريات ، فالظاهر كون السئوال عن أنَّ اشتراط أداء الاجرة على أقساط خاصة هل يكون نافذاً على الورثة بعد موت الموجر أم هو مخصوص بالموجر ، ولذلك تكررت فى السئوال كلمة ( الاجارة ) الناظرة الى الأجرة ، فهى فى جميع الموارد الأربعة ناظرة إلى الاجرة .

نعم ظهور كلمة ( الاجارة ) فى المورد الرابع في العقد ربما يوهم الخلاف لمكان كلمة الانتقاض في بعض النسخ المناسبة مع العقد دون الأجرة .

ولكن مع هذا الاحتمال يمكن التحفظ على ظاهر جهة السئوال بجعلها ناظرة إلى الشرط، والمعنى أن الشرط هل يتم أمده بموت من إشترط عليه أم لا .

و كيف كان فيستفاد من السئوال النظر إلى إنتقاض الشرط دون عقد الاجارة .

ص: 64

أما جوابه ( علیه السّلام ) فله فقرتان الأولى قوله : إن كان لها وقت مسمى إلى قوله ( تلك الاجارة ) و حيث عرفت أنَّ النظر في السئوال إنَّما إلى الأجرة فيكون المشار إليه بتلك الاجارة هو ما ورد في السئوال و المراد أنّ النجم أى الوقت المخصوص باداء الاجرة إن لم يبلغ فى لورثتها يعنى إنَّ إستحقاق الأجرة لهم إذ اللام للاستحقاق فهذه الفقرة مع أنَّها لا تدّل على البطلان تدّل بمدلولها الالتزامى على صحة الاجارة بما هي عقد إذ لو كان العقد فاسداً لم يكن وجه لا نتظار الأمد المخصوص لا داء الاجرة ، و أكثر إشكالا منه إستحقاق الورثة للاجرة .

الثانية قوله ( فان لم تبلغ ذلك الوقت الحديث ) و هذه الفقرة تفصيل بعد الاجمال وبيان ان مضيى حصة من الزمان لا يوجب صيرورة ما مضى كأن لم يكن ، بل لابد من أداء الاجرة و لوكان زمن أدائها النجم الخاص فلو ماتت المرئة فى نجم كان النجم الثاني للورثة ، فالوقت في هذه الفقرة جنسٌ دال على لزوم التحفظ على إشتراط أداء الاجرة نجوما ، وعدم ذهاب حصة عن مال الورثة .

نعم منشأ توهم البطلان إستظهار كون كلمة الاجارة في الفقرة الأولى ناظرة إلى عقد الاجارة و كون اللام في كلمة ( لورثتها ) لام السلطنة أى تسلط الورثة على الاجارة فيدل بالالتزام على البطلان ولا أقلَّ من الدلالة على كون عقد الاجارة فضولياً بالنسبة إلى الورثة محتاجًا إلى إمضائهم.

و لكن لازم ذلك كون جملة لم يبلغ الوقت ناظرة إلى مدة الاجارة اللازم حملها على الاجارة الاستقبالية ، مع أنَّ مورد النص هو الاجارة الفعلية ، و هي إجارة عشر سنين ويلزمه أيضًا التبعيض في الصحة في الشق الثاني من التفصيل و هذا يُشبه التأويل في النص.

لا يقال لا يلزم الحمل على الاجارة الاستقبالية إذ المفروض كون الاجارة الفعلية مستمرة فيكون قوله ( فلم تبلغ الوقت ) ناظراً إلى حصص

ص: 65

الاجارة الفعلية بالنسبة إلى المستقبل .

لانّا نقول لا يصدق ( لم يبلغ ) على الشق الأول من التفصيل ضرورة كون المدة بأجمعها على هذا تحت إجارة المستاجر إذ ق اجرتها المرأة بإجارة فعلية مضافاً إلى أنَّه لو كان جواب الامام (علیه السّلام) ناظراً إلى الحكم بانفساخ الاجارة بموت الموجر لكفي في ذلك أن يقول تنفسخ الاجارة بالموت ، فتفصيل السئوال كالجواب لا يناسب ذلك.

و إن أبيت عن ذلك كله فلا ظهور للصحيح في البطلان الذى يدعيه الخصم فهو إمّا ظاهرٌ فى الصحة أو غيرظاهر في البطلان ونحن لا نحتاج إليه في الحكم بالصحة لانَّ موجب البطلان إمّا عرفى ممضى ، و هو غير موجود حسب الفرض ، و إمّا تأسيسى شرعى محتاج إلى الدليل ، ولم نجده في الأدلة ، فعمومات أدلة الصحة كافية .

بطلانها فى بعض الموارد

بطلان الاجارة بالموت فى بعض الموارد :

ثم إنَّ المشهور الحكم بصحة الاجارة وعدم إنفساخها بالموت إستثنوا عن ذلك موارد .

المورد الأوَّل : الاجير الخاص فحكموا ببطلان الاجارة بموته . وتحقيق ذلك يتضح ببيان مقدمة .

وهى أنَّ الأجير فى عمل إنَّما يتصور على ثلاثة انحاءٍ.

الأوّل : أن يكون أجيرًا فى عمل بمعناه الاسم المصدري بأن لا يشترط فيه المباشرة بل يكون الفعل كالخياطة مثلا بما هو فعل موردًا للاجارة سواء فعله الأجير بنفسه أو فعله شخص آخر كورثته مثلا ، وح لا تبطل الاجارة بموت الأجير بل تحلّ المنفعة في تركة الميت وعلى الورثة ايفاءُ ها منه .

الثاني : أن يكون مورد الاجارة هو الفعل بما هو فعل مع قطع النظر عن المباشرة و التسبيب لكنه يشترط المستاجر على الأجيرإتيان العمل بنفسه ، فعقد الاجارة لم يتعلق إلّا بنفس الفعل بمعناه الاسم

ص: 66

المصدرى لكن المستاجر يشترط أن يكون الأجير هو الفاعل على نحو الاشتراط في ضمن العقد .

و من المعلوم أنّ موت الأجير لا يوجب بطلان الاجارة في هذه الصورة أيضًا ، إذ المفروض أنَّ الاجارة إنَّما تعلقت بنفس الفعل ، وليس فی موردها تقييد بالمباشرة ، فتنتقل المنفعة إلى تركة الاجير ، وعلى الوارث أو من يقوم مقامه ايفائه منها كالصورة السابقة . نعم يكون للمستاجر خ خيار تعذر الشرط قضية للإلتزام المذكور في ضمن العقد.

وقد ذهب بعض العلماء إلى أنّ الاشتراط في الكلى يرجع إلى التقييد ، و مقتضى ذلك بطلان الاجارة بموت الأجير فى هذا القسم أيضاً .

و تقريب ذلك : إنَّ منفعة الأجير و هي عمله الواقع مورد الاجارة كليُّ في الذّمة فاذا إشترط اتيانه بنفسه إستلزم ذلك صيرورة هذا الكلى متخصصًا بهذه الخصوصية فينقلب الكلىُّ إلى الحصة ، و يكون العمل المستاجر عليه خاصّاً ، و يلزمه بطلان الاجارة بموت الأجير لا نتف الموضوع ، و هذا معنى رجوع الاشتراط إلى التقييد.

وأمّا ما ذهب اليه الفقهاءُ من الخيار فى مورد تعذر الوصف فهو للاجماع .

وفيه إنَّ معنى التقييد عبارةٌ عن لحاظ الموضوع و القيد وجعلهما معًا على نحو وحدة الموضوع موردًا للانشاء المعاملى كقولك بعتك عبدًا كاتباً ، حيث إنّ إنشاء البيع إنَّما يتعلق بالعبد الموصوف بوصف الكتابة ، وأمّا معنى الاشتراط فهو أن يتعلق الانشاء المعاملى بموضوعٍ مجرُّدٍ عن القيد ، ثم یشترط بالتزامٍ مستقل أمراً من الأمور ، كقولك بعتك العبد وإشترطت على نفسى أن يكون كاتبًا ، ولا فرق في ذلك بين كون الموضوع شخصيًا أم كليّاً.

وإن شئت قلت : فرق واضح بين التزام واحد متعلق بمقيد وقيد

ص: 67

و بين إلتزامين أحدهما متعلق بالذات المجردة وثانيهما متعلق بأمر من فعل أو وصف أو غير ذلك ويعبَّر عن الأوَّل بوحدة المطلوب و عن الثاني بتعدده.

و ما ترى من ذهاب الفقهاء إلى القول بالخيار في مورد تخلف الوصف أو تعذره فانما هو لاجل موافقته للقاعدة ، وليس ذلك للاجماع بان يكون كاشفاً تعبديًا عما يكون على خلافها .

ثم إنّه يظهر من المحقق الاصفهانی (رحمه الله) التفصيل في هذا القسم بين ما إذا كان العمل مقيداً بزمان خاص كيوم الجمعة و مات الأجير قبله فذهب إلى بطلان الاجارة لانتفاء الموضوع و بين ما إذاكان العمل مطلقاً من حيث الزمان و مقيدًا بالمباشرة فقال بأنَّ للمستأجر إذا مات الأجير خيار تعذر التسليم قياساً على المبيع الكلىِّ إذا تعذر تسليمه .

و يرد عليه بأنَّ مورد تعذر التسليم ما إذاكان الكلُّى بحسب أصل طبعه قابلا للتحقق بأن يكون مرجو الحصول وحْ فللمشترى الصبر إلى أن يتحقق الكلى فى الخارج و له أن يفسخ البيع ، وأمّا إذا لم يكن الكلىُّ مرجو الحصول بأن لا يكون بحسب طبعه قابلا للتحقق فلا معنى للمصير إلى الخيار ، بل هو من باب إنتفاء الموضوع الذى يلزمه البطلان.

الثالث : أن يتعلق الاجارة من اوّل إنعقادها على الاجيرالخاص بما هو عمله ، ويُعبِّر عن مثل هذا الأجير بالاجير الخاص ، كما إذا إستأجر زيداً على خياطة ثوب بما هي عمل صادر منه بنفسه ، ومن الواضح أنَّ الاجارة تبطل بموته ح لعدم الموضوع لهذه الاجارة المنكشف بموت الأجير ، إذ المفروض أنَّ الاجارة إنَّما تعلقت بخياطة صادرة منه ، نظير إنهدام الدار المستاجرة فانه يكشف عن عدم الموضوع للاجارة فتبطل . فاتضح أنَّ مورد إستثنائهم هو القسم الثالث فقط ، المورد الثاني ما إذا

ص: 68

إستأجر دارًا على أن يستوفى منفعتها بنفسه بأن تكون المنفعة الخاصة كالسكنى المضافة إلى شخص المستاجر موردًا للاجارة وح تنفسخ الاجارة بموت المستاجر ، ضرورة كشفه عن تعذر تلك الحصة من المنفعة .

نعم لو آجر الدار واشترط على المستأجر أن يستوفى المنفعة بنفسه بأن تكون المنفعة الواقع عليها الاجارة مطلقة مع إشتراط إستيفاءِ المستأجر بنفسه فحينئذ يصير العقد بموت المستأجر خياريّاً لتعذر الشرط بعدم إمكان الوفاء بموت من إشترط عليه ، ومن هنا علم أنَّه لو آجر الدار مطلقةً من حيث المنفعة و من حيث الشرط لا تنفسخ الاجارة بموت المستأجر ، ولا ينقلب العقد خياريّاً ، بل تكون المنفعة ملكًا للورثة ، وبالجملة فالصّور الثلاثة الجارية بالنسبة إلى الأجير في المورد الأوَّل تجرى بأجمعها بالنسبة إلى المستاجر في المورد الثاني.

المورد الثالث : ما إذا آجر البطن الأوَّل من الموقوف علیهم العين الموقوفة مدة تزيد على أعمارهم إذ عقد الاجارة بالنسبة إلى مازاد من حياتهم باطلٌ بسبب انتفاء الموضوع لأحد الوجهين على سبيل منع الخلو.

أحد هما ، أنَّ الوقف على ما هو التحقيق ليس فيه تمليك أصلاً بل حقيقته إنَّما هو ايقاف العين وحبسها و تسبيل الثمرة فحيث لا يملك العين أحد البطون تنحلّ منافعها إلى حصص متعددة حسب تعدد البطون ويتلقّى كل بطن حصة منها مدة حياته من الواقف ، ولا يزيد سهمه عن تلك الحصة من المنفعة، ولا ينقص بلا أىِّ محذور في ذلك ، وعليه لا اشكال في إنفساخ الاجارة بموت كل بطن بالنسبة إلى المدة الزائدة عن حياته.

ثانيهما : أن نلتزم في الوقف الخاص وإن كانت المسئلة أعم مورداً منه بكونه تمليكا فانّ الملكية و إن جعلوها من قبيل الأعراض القارّة كالسواد و الكيف و هذا السنخ من الأعراض لا يقبل التقسيم لديهم ، لكن

ص: 69

في مثل الملكية التى هى عرض إعتبارى يلتزمون بقبول التقسيم والتقسيط وعليه فيكون كل بطن مالكاً للعين ملكية غير مرسلة بل محدودة بمدة حياتهم ، بمعنى أنَّ الملك الإرسالى إنقسم بانشاء المالك إلى أقسامٍ حسب البطون و ملك كل بطن قسمًا منها فالمالك قد حدَّد الملكية وجعل لكل بطن حدّاً منها ، بل لنا كلام آخر على هذا المبنى وهو أنَّ الملكية التي تشبه العرض القارَّ ولو كانت غير قابلة للتقسيم بحسب الذات لكنها قابلة للانحلال والانبساط بحسب الموضوع كما إذا ملّك المالك داره لشخصين، فهذا التمليك يوجب إنحلال المملوك إلى قسمين على نحو الاشاعة فهو قابل للانبساط ، وهكذا يمكن تمليك المالك ماكه للكلى السعى التدرّجى كذريته من بعده فنفس الموضوع أى المملوك وإن كان لا ينقسم إلى قسمين لكن المالك كان تدرُّجيا فمالكية السعى على نحر التدرُّج والطولية يستلزم إنبساط الملكية الارسالية على الجميع على نحو الانبساط على الحصص لا تحصص الملكية كما في ملكية الاراضى المفتوحة عنوة للمسلين و على أىّ الوجهين كان فينقضى ملك البطن السابق بموته فتمليك المنفعة من قبله مسلوب بنحو السالبة بانتفاء الموضوع فتبطل الاجارة .

و ما يقال في وجه الصحة من أنَّ الملكية عرض إرسالي قار غير منقسم و تلقى الوقف عن الواقف إنَّما هو بأن يتلقى كل بطن من الواقف ملكًا إرساليًا و بعد موت ذلك البطن تنتقل الملكية إلى البطن الثانى و هلمّ جرًا ، ونتيجة ذلك صحة إجارة البطن الاول منفعة زايدة على مدة أعمارهم .

فمدفوع بما قلناه من أنَّ المكية قابلة للتحديد .

و توضيح ذلك : إنَّ الملكية إمّا أن تكون لشخص واحد بملك إستقلالى إرسالى ، أو للمتعدّد على مملوك واحد إمّا في العرض أو كلٌ في طول الآخر ، أمّا إذا كان الجميع مالكين في عرض واحد فحيث لا يعقل الملك الاستقلالي في جميع الحالات لأزيد من واحد تقسم عليهم

ص: 70

بالاشاعة على حسب السهام المفروضة فى المال وأمّا إذا كان كلٌ مالكاً في طول الآخر فالملك الارسالي يرجع إلى كلٍّ في طول الآخر على نحو القضية الحقيقية بمعنى إنحلال كلّيّ المالك على نحو الحصص ، وعلى فرض عدم الانحلال فليس من تعدد المالك بل إنبساطه على كل فرد على حسب عمره فهى قابلة للتحديد فى المراتب الطولية ، بل قد عرفت فى المالك الارسالى بالنسبة إلى المالكين طولياً على القول بالملك فى الوقف الخاص إمكان كون السّعى مالكاً بمعنى عدم لحاظ خصوصيات الأفراد في عالم المالكية، فيكون التدرُّج في عالم السّعى غير مستلزم لتخصص الملكية الارسالية ، بل هي محفوظة على إرسالها ، فتعدد الافراد فى المراتب التنر لية لوجود السعى حافظ لذاك الوجود أى لصدقه ، لا أنّه يوجب تعدد المالك و لازم ذلك عدم تحصص الملكية و لذا قلنا في ملكية الأراضى المفتوحة عنوة للمسلمين إن المالك كلى سعى إستمرارى من المسلم ، غاية الأمرأنه تكون الأفراد العرضية والطولية من المالكين على حد سواء في تلك الأراضى ، و يتفرع عليه أنه لو أخرج أحد من المسلمين غيره من تلك الاراضى فقد ظلمه ولم يغصب ملكه كما هو الحال في جميع المشتركات فانه إذا منع أحد غيره عن الانتفاع من المشترك ممن سبقه بالاستفادة كالجالس في موضع من المسجد أو أحد المشاهد المشرفة فطرده عن مكانه وجلس موضعه لم يغصبه شيئًا بل ظلمه و فيما نحن فيه يلاحظ السعي في البطون فالمالك بملك إرسالى هو الجامع البطونى بين الموقوف عليهم ولذا يملك كل بطن بمقدار تحصص السعى فيهم زماناً ، فلو قال الواقف وقفت على أرشد أولادى أو عالمهم أو صالحهم أو نحو ذلك من العناوين الخاصة كالذكور منهم فلا يملك الباقون من ذاك البطن كما لا يرث أولاد الموقوف عليهم منه ، و هكذا في الوصية بالثلث على البطون أو صلحائهم أو ذكورهم ، فلو فرض إزدياد عدد الذكور في بطن فهو من إتِّساع السعى .

ص: 71

وكيف كان فالمسئلة من الجهة الفقهية غير قابلة للاشكال و هى فساد الاجارة بالنسبة إلى مازاد من أعمار كل بطن .

وأمّا ما قاله المحقق الخراساني ( رحمه الله ) من أنَّ العين الموقوفة محقوقة بحق البطن اللاحق .

فيد فعه أنَّه ليس هناك وراءَ الملك التدرُّجى الطُّولى أمر آخريسمى بالحق فليس للبطون عدا الملكية شيئٌ باسم الحق ويشهد لذلك أنَّ البطون يتلقون الوقف من الواقف و هو لم ينشأ أمرين الملكية والحق.

نعم للعين شأنية أن تملك للبطن اللاحق على مبناه ( قدّس سرّه ) من ملك الوقف .

لكن هذه الشأنية ليست إلّا لحاظ العقل أنَّ كبرى إنشاءٌ الوقف الذى يوجب تمليك البطن على مسلك الانحلال تنحل بالفعل في صورة وجود البطن اللاحق فالشأنية إنَّما هى بمعنى التقدير و اللحاظ ، لا أنَّها حيث وجودى كامن في العين ، بداهة عدم تكفل إنشاء الوقف ايجاد هذا الحيث الانشائى إذ الوقف ليس إلّا ايقاف العين إنشاء على مسلكنا و تمليك العين على مسلكهم فلا ينحل إلى إنشائين انشاءُ ملك و انشاءُ حق ..

(تنبيهان )

الأول : أنّه لو آجر الولى الوقف لمدة زائدة عن البطن الاول ففى

صحة الاجارة و فسادها والتفصيل بالنسبة الى مازاد عن حياة البطن الأول خلاف ، أمَّا الصحة فمن جهة أنَّ ولاية الولى على العين الموقوفه تقتضى ذلك ، وأمّا التفصيل كما عن المحقق الخراسانی ( رحمه الله ) فمن جهة أنَّ تلك الاجارة إذا كانت بمصلحة الوقف صحَّته بخلاف ما إذا كانت بمصلحة البطون فلا تصح حينئذٍ إذ ليس للولى رعاية مصلحة المعدومين من البطون .

و التحقيق أنَّه لا بد من لحاظ سنخ جعل الولاية من قبل الواقف

ص: 72

و أنّه حال الوقف على البطون وجعل التولية بيد شخص هل جعل له التولية فى الاجارة على نحو مطلق أو خاص ، وعلى أىِّ تقدير يتبع سنخ جعله ، و حكمه واضح ، و مع الشك يرجع إلى اصالة العدم كما في كل أمر ذى سببٍ شك في تحقق سببه إذ الاصل عدمه وليس للولاية طبع حتى يقال باقتضائه الاطلاق بل الولاية هى الانشاء فلابدّ من ملاحظة سنخه .

الثاني : في حكم إجارة الأولياء قهريين كانوا كالأب و الجد للأب، أم جعليين كالمنصوب من قبلهما أو أحد هما بالنسبة إلى مازاد عن صغر المولى عليه .

و تحقيق المقام أنَّ مورد تصرف الولى إمّا أمرارسالي لا يقبل التحديد بل إذا وجد في زمان يبقى في الأزمنة المتاخرة وفي مثله إذا تصرف الولى وكان فيه المصلحة أو قلنا بكفاية عدم المفسدة في تصرفه فحينئذ لا معنى لانفساخه كما في البيع والنكاح و إشتراء دار له ونحوها وذلك لان مقتضي ولايته على هذا الأمر بما هو أمر إرسالي غير قابل للتخصص بزمان خاص هو نفوذه و لو بعد البلوغ ، و إمّا أمر محدود كالاجارة و نحوها و حيث أنَّ الولاية تكون على الصغير وماله دون الكبير والمفروض أنَّ الحصة الواقعة فى حال الكبر ملك للكبير ومستقل باللحاظ فتكون ولايته محدودة بمقدار حال الصغر فلا تصح إجارته بأزيد من ذلك.

نعم يستثنى منه ما إذا كانت المصلحة الفعلية للصغير مقتضية للاجارة المطلقة كما لوفرض موته جوعًا في صورة تركها فتصح الاجارة ح حيث فهمنا بالاستلزام عن الأدلة الدالة على الولاية أنَّها إنّما جعلت للولىّ حفظاً للمولّى عليه من ضياع نفسه و ماله فيستفاد من ذلك صحة مثل هذه الاجارة لانَّ حفظ نفسه أولى من ماله .

وقد يفصَّل بين وقوع الاجارة على نفس الصغير كما لو آجره للعمل فتنفسخ بالنسبة إلى مازاد عن صغره و بين وقوعها على ماله فتصح ،

ص: 73

تمسكاً باطلاق ( لا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ).

و يمكن أن يقال إنَّ الاستثناء في الآية الشريفة غير ناظر إلى هذه الحيثيات فلا إطلاق له ، بل الآية مسوقة لبيان عدم جواز التصرف .

و القول بأنَّ الكلام المشتمل على الاستثناء ذو عقدين متعاكسين فى الكيف يثبت له الاطلاق ،

مندفعٌ بانَّ المفروض تحصّص المال أى الاجارة المتعلقة بالمنفعة فما بعد البلوغ لا يصدق عليه أنَّه مال اليتيم ، فهو خارجٌ عن موضوع الآية تخصصًّا .

ص: 74

كلُّ ما صحّ اعارته صحَّ إجارته

المشهور أنَّ صحة الاعارة في شيء تستلزم صحة إجارته و بالعكس أي كلما صح إجارته صح إعارته.

و قد ذكر العلامة إنتقاض القضيه الأولى باعارة المنحة فانَّ الشاة تستعار للبنها ، وتصح الاعارة فيها بالاجماع وللمستعير حق الانتفاع من لبنها ، و لكن لا تصح إجارة الشاة لجهة الانتفاع من لبنها ، فليس كلما صحت إعارته صحت إجازه، وذكر أيضًا إنتقاض القضية الثانية – و هو عكس القضية الأولى - بصحة إجارة المرأة للارضاع و إجارة الحر نفسه للعمل مع عدم صحة الاعارة في كليهما فلا تصح إدعاء الكلية في القاعدة المذكورة أصلاً وعكساً.

و قبل تحقيق المقام نذكر مقدمة لتفهيم المرام و هى أنَّه مرَ مراراً أنَّ الشارع ليس له وضع وإصطلاح جديد في عالم المحاورة ، ولم يتصرف فى حقايق المعاملات العرفية إلا ما كان من قبيل بيان الشرط أو المانع أو التخصيص فحقيقة البيع في العرف عبارة عن مبادلة العين بالعوض فالبايع حينما يبيع شيئاً يعطى العين للمشترى ويقطع العلاقة الملكية عن نفسه بالنسة إلى العين و تخرج المنفعة عن ملكه بالتبع فلا يبقى للمالك عين ولا منفعة ، هذا هو حقيقة البيع ولم يتصرف فيه الشارع، و أمّا الاجارة فقد عرفت أنَّ العين تبقى في ملك مالكها فيها وهى ليست إلا تمليك منفعةٍ بعوض ، وأمّا العارية فهى عبارة عن الاذن فى الانتفاع من العين ، و هو قد يكون في منفعة خاصة ، وقد يكون مطلقاً ، و يعبرِّون عن العارية بملك الانتفاع تارةً و إعطاءُ السلطنة على الانتفاع أخرى ، وقد يعبِّرون عنها بالاذن في الانتفاع ، فالعارية عقد إذني و الاذن هو المقوم لها حدوثاً وبقاء فبانتفائه تنتفى العارية .

و يترتب عليه ما إذا صلى فى بيت أعارها و مالكها أنتفى الاذن في أثناء

ص: 75

الصلاة ، فيقال تارة بصحة الصلاة بقاعدة إن الاذن في شيءٌ إذن فى لوازمه فالصلاة صحيحة ويحرم قطعها ، وأخرى بأنَّ الصلاة منبطلة بنفسها ولا يجرى هنا دليل حرمة قطع الصلاة لكونه تحصيلاً للحاصل لأنَّ قوام العارية بالاذن و قد ارتفع فارتفعت العارية ، وحينئذٍ تكون الصلاة واقعة فى ملك الغير، فهى باطله حسب قولهم بامتناع اجتماع الأمرو النهى ، وكيف كان فالعارية تدور مدار الاذن وجوداً وعدماً حدونًا وبقاءً بحيث لو إنتفى الاذن في آن دقّى عقلى تنتفى العارية .

إذا عرفت ذلك فاعلم أنَّ الحق صحة الكلية المدعاة في القاعدة المذكورة أصلاً وعكساً .

و أمّا النقض الذى أورده العلامة فى عارية الشاة لأجل لبنها فنقول :

إنّ إجارتها لجهة اللبن أيضاً جايزة وليس لنا إجماع محصل أو دليل خاص على بطلانها .

بيان ذلك : إنّ الاشكال إنَّما نشأ من أنَّ الاجارة إذا كانت عبارة عن تمليك المنفعة فكيف تقع العين مورداً للاجارة ، كما ترى أنَّهم يوجرون البئر لاجل الاستقاء والمرأة لاجل الارضاع فيوقعون الاجارة على العين.

و بعبارة أخرى إنَّ مقتضى الاجارة هو بقاءُ العين مع إستيفاء المنفعة منها و من المعلوم أنَّ تلف العين كما في اللبن ينافي الاجارة و لذا يحكم بصحة الاعارة فى المنحة دون الاجارة .

وأمّا صحة الاجارة المرضعة فلان المنفعة هى الارضاع بما هو فعلها لا أنَّ الاجرة تقع في مقابل اللبن .

و لكن قد تقدم منا إنَّ الحيثيات الوجودية هي التي تقع مورد الاجارة و لهذا نرى أنَّ الشيئ الواحد يقع موردًا للبيع تارة ، وموردًا للاجارة أخرى باللحاظين ، فان الثمرة فى الشجرة قد تلاحظ بنفسها بما أنَّها ثمرة موجودة في الشجر وتقع المعاملة على نفسها فيكون بيعاً

ص: 76

وقد تلاحظ الشجرة من حيث إنمائها للثمرة وكون فائدتها الثمرة ، فيكون إجارةً فاجارة الشاة لغرض الاحتلاب يكون إجارة و تصح هذه الاجارة بلا إشكال.

و امّا تلف العين في المقام فهو من لوازم الاجارة ، كما أنَّ من لوازم الخياطة و الرسم صرف الخيط و الصبغ ونحو ذلك في سبيل تحصيل المنفعة .

و أمّا عدم صحة إعارة الحرّ عمل نفسه فلا يكون نقضاً للكلية في عكس القاعدة لانَّ قوام العارية يكون بالاذن ، ومنفعة الحر إنَّما هو عمله، و الاذن في إستيفاءِ العمل غير معقول إذ العمل إذا صدر عن إرادة و إختيار للغير يكون تبرعاً ولا معنى للعارية ح ، ألا ترى أنَّه تصح العارية في العبد بالاجماع فلو كان عمل الحر قابلا للاذن والتسليط لأمكنت العارية فيه أيضًا فعدم صحتها فيه يكون من باب السالبة بانتفاءِ الموضوع فا لقاعدة صحيحة على نحو الموجبة الكلية أصلاً وعكساً .

إجارة المشاع جايزة كالمقسوم :

ألحق جواز اجارة المشاع كما يجوز بيعه و هبته و وقفه و غير ذلك من التصرفات لان المقتضى موجودٌ والمانع مفقودٌ ، فانَّ المالك للحصة المشاعة له السلطنة على تمليك تلك الحصة للغير، كما أنَّ له السلطنة على هبتها وجعلها صداقاً و إجارتها ، وكل ذلك إجماعي عندنا من دون إشكال فيه .

و ما توهمه بعض العامة من عدم صحة إجارة المشاع من جهة تعذر التسليم فيه ، بمعنى أنَّ مالك المشاع لا يقدر على التسليم إذ المنفعة المشاعة ليست قابلةً للتسليم ، فهو خلاف الضرورة و الوجدان لبداهة مقدورية التسليم المعتبر في باب الاجارة في المشاع فكما أنَّ الشريك ينتفع بحصته المشاعة فكذلك المستأجر ينتفع بتلك الحصة إذا استأجرها

ص: 77

من مالكها ، وإن منع الشريك الآخر عن انتفاع المستأجر يرجع إلى الحاكم الشرعى الذى هو ولى الممتنع فليس هناك تعذر حتى يقال من جهته بعدم صحة الاجارة .

و لكى يتضح معنى الاشاعة جيدا ، نذكر الأقسام المتصورة فى البيع ، و تجرى تلك الاقسام في الاجارة أيضاً .

فنقول إنَّ البيع يتصور على وجوه:.ٍ

الأول : بيع شيءٌ مخصوص ويسمى بالبيع الشخصي كبيع هذا الكيلو من الحنطة المعين قدرًا و وصفًا الموجود في الخارج بمشخصاته و عوارضه و كاجارة هذه الدار المعينة .

الثاني : بيع الكلى في الذمة كما إذا باع كيلوًا من الحنطة الايرانية غير الموجود في الخارج الذى لا يتشخص الاحين التسليم ، وحين إنطباق الكلى على الخارج .

و لا أقول إنَّه باع الوجود الذهني ، بل أقول إنَّ الانطباق والمصحح للبيع وان كان ما يوجد فى الخارج إلّا أنَّ المبيع هو الكلى بما هو كلى في الذمة مع أنَّه غير موجود فى الخارج أى لم يلاحظ في عالم البيع و المعاملة مصداق مخصوص.

الثالث : لا هذا ولا ذاك بل شيىءٌ جامع بين الأمرين و متوسط بينهما فهوُ يشبه القسم الأول من جهة و القسم الثاني من جهة أخرى و یسمي بالكلى في المعين كما إذا باع كيلوًا من الحنطة الموجودة فى هذه الغرفة أو آجر مأة أمتار من أرضه المشتملة على آلاف من الامتار، فانه من جهة تعيُّن مورد تطبيقه وإمكان الاشارة إلى مكان وجوده يشبه البيع الشخصى ، ومن جهة عدم تعيُّنه من حيث الخصوصيات الفردية و تردده بين كيلوات كثيرة من الحنطة يشبه الكلى في الذمة ، ولذا يصح للمالك بيع جميع الحنطة الموجودة في الغرفة إلى أن يبقى كيلوًا واحداً منها إذ يتعين الكلىّ حينئذٍ في هذا المصداق

ص: 78

الباقى ويصير ملكاً للمشترى الأول قهرًا ولا حنطة يبيعها بعدا.

و هناك قسم رابع للبيع أو الاجارة و هو بيع الكسر المشاع و ليس معنى الاشاعة فيه أنّ كل جزءٍ جزءٍ من الذرات الوجودية للعين يكون متعلقاً للأضافة الملكية لكل من الشريكين - إذا كان لكل منهما النصف المشاع- على نحو الاختلاط و الامتزاج وكذا ليس معناها أنَّ كل جزء من الاجزاء الصغار الصلبة يكون نصفه لأحد الشريكين و نصفه للآخر كما أنه ليست الاشاعة فى الكسر على نحو الكلى فى المعين، بل الملكية في الكسر المشاع هي ملكية خاصة ، و هى أنَّه لا بد من فرض موضوع الملكيتين للشريكين واحداً بالوحدة العددية ، فنقول دارٌ واحدة، و كتاب واحد و هكذا ، ويقال متعلق الاضافتين شيئٌ واحدٌ يكسّر على حسب سهمهما ، وهو النصف فى المثال ، وهذا الكسر مطلق يدور حول هذا الواحد العددي، وينطبق على كل ما يكون قابلاً لانطباقه عليه ، و شركة المشاع إنَّما هي على هذا النحو من الشركة و عليهذا فالكسر المشاع يقع موردًا للاضافة الملكية لكل من الشريكين ، وليس لأحدهما قبل الافراز سهم ٌخاصٌّ منه و ليس لكل منهما التصرف فيه إلا باذن من الآخر فنعم التعبير القول بان إثبات الكسر إفرازٌ ، ومعناه إنَّ تعيين الحصة تقسيمٌ ، إذ الافراز هو الابراز.

نعم لو إمتنع الشريك من الاذن في الانتفاع للشريك الآخر أو لمستأجره أو إمتنع عن تقسيم المشاع ، يرجع إلى الحاكم الشرعى لانه ولىُّ الممتنع و بيده إجراءُ الأمور الحسبية.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّا نسئل عن القائل بعدم صحة إجارة المشاع من العامة أنه هل على الشريك إذن مستاجر شريكه بالتصرف في الحصة المستاجرة و هل يأذن له أم لا فان قال نعم قلنا هذا هو التسليم و به تصح الاجارة وهو المطلوب.

فان قال إنّه لا يأذن له قلنا فلابد ح من الرجوع إلى الحاكم

ص: 79

الشرعى ، و هو يجبره على التسليم ، فأين تعذر التسليم .

نعم نحن لا ننكر تعسَّر التسليم لكنه يرتفع بمجرد الرجوع إلى الحاكم الشرعى ، بل لو فرض تعذر التسليم فى موردٍ كان للمستأجر خيار تعذر التسليم لا بطلان الاجارة من رأس .

ثم إذا كان المستأجر عالماً بالشركة تكون الاجارة صحيحة بلا خيار و أمّا إذا كان جاهلاً بها و إلتفت إليها بعد الاجارة فيثبت له الخيار و قالوا إنه خيار الشركة ثم علّلوا ذلك بحدوث الضرر من نفى الخيار و قاعدة لا ضرر حاكمة على الحكم بلزوم الاجارة ، و هذا هو المراد من قولهم إنَّ الشركة محققة للضرر .

و إذا إعتقد أنَّ الشريك هو هذا الشخص الخاص فتبين خلافه بمعنى أنَّه علم بأصل الاشاعة و لكنه لم يعلم من له الاشاعة فهل يثبت له الخيار أم لا قال في العروة : فيه وجهان و مراده ثبوت الخيار وعدمه أمّا الاول فلكون خصوصيات الشركاء مختلفة فربما يكون اللزوم ضرراً عليه، وأمّا الثانى فلعدم الفرق بين شريك و شريك .

و الصحيح عندنا عدم الخيار في صورة إعتقاد الخطأ إلّا مع فساد الشريك بحدّ الضرر .

والعين المستأجرة أمانة لا يضمنها المستأجر إلّا بتعدٍّ أو تفريط :

ولا بد في تحقيق المطلب من رسم مقدمات :

الأولى : إنَّ الامانة على قسمين، أمانة مالكية ، وأمانة شرعية و الأولى عبارة عن تسليط المالك الغير على ماله برضى منه ، و لازمه عدم جريان قاعدة على اليد على مثل هذا المورد ، إذ الائتمان المالكي مانع عن جريانها.

و الثانية عبارة عن إذن الشارع بالتصرف في مال ، فالائتمان

ص: 80

الشرعى هو جعل الشارع الشخص امينًا من قبله ، مأذوناً في التصرف فى مال من دون دخالة المالك فى التأمين المذكور كما في وجدان الضالة ، فان المالك فيها غير معلوم فالتسليط عليها ليس من ناحية المالك لعدم كونه مطّلعا على ذلك، بل الواجد إذا أخذها لايصالها إلى صاحبها يكون مؤتمنًا من قبل الشارع على المال ، ولاضمان هنا أيضًا ، بمقتضى الأية الشريفة : ما على المحسنين من سبيل .

و لسنا الآن فى مقام الاستدلال بالآية ، بل المقصود الاشارة إلى عدم الضمان إجمالاً ، وأنَّ الامين لا يضمن سواء كان الائتمان مالكيًا ام كان شرعيا .

الثانية : إنه لا بد من تحقيق إجمالي في معنى الضمان والدين و في موجبات الضمان و المانع عنه والرافع للمانع فنقول :

إنّ الضمان هو العهدة ، و متعلقها أعم من العين والذمة، و الضمان لنفس العين إنما يكون ما دامت العين باقية و أمّا إذا تلف العين فالمشهور أنَّه ينتقل الضمان إلى الذمة فيضمن مثل التالف إذ اكان له مثل ، وقيمته إذا لم يكن له مثل .

وأمّا الفرق بين الضمان وبين الدين فهو أنَّ النسبة بينهما أعم و أخص من وجه فانّ الضمان قد يصدق على شیيء لا يصدق عليه الدين كما في مورد عهدة العين أو الشخص - الكفالة - حيث لا يقال إنَّه مديون بل يقال إنَّه ضامن للعين أو الشخص . وفي مورد بيع السلم يصدق الدين ولا يصدق الضمان إذ بيع السلم ليس من باب العهدة و التغريم حتى يصدق عليه الضمان لانه بيع كلى في الذمة و يكون البايع مديونًا للمشترى ، وقد يجتمع الدين والضمان كما في قيم المتلفات بالاتلاف ، أو فى مورد تلف العين التي لا مثل لها .

و بالجملة فمتعلق العهدة إن كان داخلا في الذمة فهو دين ليس إلا وإن كان خارجاً عن الذمة فهو ضمان ليس إلّا وإن كانت

ص: 81

العهدة بالنسبة إلى ما في الذمة فهو دين و ضمان كقيم المتلفات . الثالثة : إن موجبات الضمان كثيرة عندهم و قد أنهاها صاحب الجواهر إلى ازيد من عشرة وعد منها قاعدة اليد وقاعدة الاتلاف وقاعدة الاقدام و قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، وقاعدة الاعتداء بالمثل وغيرذ لك من الموجبات للضمان.

ولكن عمدة ما يوجب الضمان أمران .

الاول : أليد و هو الاستيلاء على مال الغير المقتضى للعهدة و الضمان .

الثانى الاتلاف أى إتلاف مال الغير الموجب لضمانه . وكون اليد من موجبات الضمان إجماعى عند الكل ، ولا خلاف فيه ، وعليه رواية نبوية معمول بها عند الكل و هى قوله (صلّی الله علیه و آله) على اليد ما أخذت حتى تأدّى ، و لفظة على للاستعلاء وقوله أخذت كناية عن الاستيلاء والشيىء مطلق والمصحح للكناية هو أنّ حصول الملزوم و المكنى عنه يكون غالبًا باليد كما أنَّ الأذُن قد يكون كناية عن الجاسوس باعتبار أنّ هذا المعنى إنما يحصل به ، و أنَّ الأذُنَ هو السبب فى حصول المعنى المكنى عنه كما يقال كنت عيني فلا تكن أذُنًا.

و بالجملة إنَّ هاتين القاعدتين أى قاعدتى اليد و الاتلاف أُمُّ القواعد المضمِّنة باجماع من العامة والخاصة، بل هما فطريان للانسان في سوق التغريم و لا یختصان بزمان دون زمان ولا بفقه الاسلام، بل یجریان فی كل الأزمنة و في كل عرف .

ثم إعلم أنَّ المانع عن تأثير اليد للضمان هو أحد أمرين على سبيل منع الخلو

الأول : الائتمان المالكى المستفاد من إذن المالك و المحكوم عليه بعدم الضمان عرفاً و شرعًا.

و الثاني : الائتمان الشرعى المستفاد حكمه من آية نفى السبيل

ص: 82

والأخبار ، و المانع عن المانع عن الضمان هو إشتراط الضمان فهل يصح هذا الشرط أم لا فيه خلاف سيجيىء.

والمختار صحة هذا الاشتراط لان رفع الضمان إنّما هو بيد المالك و الشارع و من كان له رفع الضمان بواسطة الائتمان يكون لله إثبات الضمان بواسطة الاشتراط .

ثم إنَّ البحث عن الضمان قد يكون في مرحلة الواقع و نفس الأمر و المقصود منه هو الضمان الواقعى وإنَّ فلاناً ضامن في الواقع وفى علم الله أم لا ، والمتكفل للبحث عن هذه الجهة هي الادلة المضمِّنة ، و لا بد من النظر إلى قواعدها. وقد يكون البحث عنه في مورد التنازع و مرحلة الاثبات ظاهرًا ، و هو مرحلة الحكم القانونى القضائي ، ولابد فيه من النظر إلى أحكام باب القضاء الذي صدر فيه قانون عام عن النبي (صلِّ الله علیه و آله) باتفاق العامة والخاصة ، وهو قوله عليه السلام : ( البينة على من ادعى واليمين على من أنكر وإنما أقضى بينكم بالبينات والأيمان ) فالبينة واليمين قانونان رئیسان فى مقام القضاء وفصل الخصومات ، وامّا النكول و القرعة فهما وإن كانا ميزانين فى باب الخصومة ، لكنهما ليسا عامين لجميع الموارد.

ثم إنَّ من يدعى سبب الضمان يكون مدعيًا و منكره منكراً ، فالمدعى للضمان في أىِّ مورد كان يحتاج إلى البينة ، فلابد في مرحلة الاثبات من النظر إلى موازين القضاء وان أيّاً من المتنازعين مدع و أيهما منكر وحيث أنَّ العين المستاجرة إنما يسلمها الموجر إلى المستاجر لاستيفاءٌ المنفعة فتكون أمانة مالكية بيد المستاجر لا يضمنها إلّا من تعدّ أو تفريط إذ لو تلفت العين بالتعدى أو التفريط الراجع إلى التعدى يكون ضامنًا لا نقلاب يده إلى العدوان الموجب للضمان.

إذا عرفت ذلك فنذكر بعض الروايات الدالة على عدم ضمان الأمين أو المستاجر إلّا بتعدٍّ أو تفريط.

ص: 83

فمنها (1) ما عن محمد بن الحسن باسناده عن الحسين بن سعيد عن النضر عن عاصم بن الحميد عن محمد بن قيس عن أبى جعفر (علیه السّلام) قال قضى أمير المومنين عليه السلام فى رجل أعار جارية فهلكت من عنده و لم يبغها غائلة فقضى أن لا يغرمها المعار ولا يغرم الرجل إذا استأجر الدابة ما لم يكرهها او يبغها غائلة.

ومنها (2) ما عن محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن أبي المغرى عن الحلبى قال سئلت أباعبد الله ( علیه السّلام ) عن رجل تكارى دابة إلى مكان معلوم فنفقت الدّابّة فقال إن كان جاز الشرط فهو ضامن وإن كان دخل واديًا لم يوثقها فهو ضامن وإن وقعت في بئر فهو ضامن لانه لم يستوثق منها.

ولا إشكال فى الروايتين من حيث السند فان رجال السندين كلهم ثقات و تدلان بمفهومهما على الجزء الايجابي من المدَّعى وهو الضمان مع التفريط والتعدّى و تدلان بمنطوقهما على الجزء السلبى منه وهو عدم الضمان من دون تعدٍّ و تفريط.

ومنها (3) ما عن محمد بن على بن الحسين باسناده عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السّلام) نحوه و زاد و أيّما رجل تاری دابة فاخدتها الذئبة فشقت کرشه فنفقت فهو ضامن إلّا أن يكون مسلمًا عدلاً .

و منها (4) ما عن على بن جعفر فىكتابه عن أخيه موسى بن جعفر (علیه السّلام) قال سئلته عن رجل إستأجر دابة فوقعت في بئر فانكسرت ، ماعليه؟ قال هو ضامن إن كان لم يستوثق منها فان أقام البينة أنَّه ربطها فاستوثق منها فليس عليه شيئ.

ص: 84


1- الوسائل باب 32 ، من أبواب أحكام الاجارة حديث 1 و 2
2- الوسائل باب 32 ، من أبواب أحكام الاجارة حديث 1 و 2
3- الوسائل باب 32 ، من أبواب الاجارة حديث 3 و 4
4- الوسائل باب 32 ، من أبواب الاجارة حديث 3 و 4

و الرواية الأخيرة كالثالثة فى الدلالة مفهومًا ومنطوقًا إلا أنَّ الثالثة دلت بمنطوقها على الضمان فى المستثنى منه وعلى عدمه بالاستثناء .

فالروايات على إختلافها تدل على أنَّ اليد لو إستند إلى رضا المالك لا يوجب الضمان إلّا أن يكون التلف مستندًا إلى صاحب اليد بمعنى أن يكون التلف عن تعدّ او تفريط .

وقد يستفاد هذه القاعدة من الروايات الواردة في الأبواب المتفرقة من المضاربة و الاجارة والوديعة و العارية وغيرها .

توضيح ذلك إنّه قد علمنا أنَّ الشارع قد حكم بعدم الضمان فى موارد مختلفة فنستكشف من ذلك عدم دخالة الخصوصيات المختلف الموجودة في تلك الموارد فى الحكم بعدم الضمان ، ونستفيد منه قاعدة كلية وهو ( إنَّ الامين لا يُضمن ) مالم يكن التلف عن التعدى أو التفريط .

تحقيق في بطلان العمل بالقياس :

ولكى يتضح أنّ ما ذكرناه ليس من القياس الباطل ويندفع هذا التوهم نتكلم في القياس و في علة منع الشارع عن العمل به مراعيًا فيه الاختصار فنقول :

إنَّه لا ريب فى أنّ الشارع منعنا عن العمل بالقياس معلِّلاً بقوله إنَّ الدين إذا قيست محقت ، أو ليس القياس من مذهبنا أو إنَّ الدين أبعد من عقول الرجال من السماء ، وغيره مما دل على المنع عن العمل به.

و نحن نعتقد و ذكرنا في محله أن منع الشارع عن العمل بالقياس ليس أمراً تعبديًا ، ولا يريد به الشارع إغلاق الطريق المفتوح ، بل يرشدنا إلى الباب المغلق بحسب ذاته، فالنهی عن العمل بالقياس ليس إلّا إرشاداً إلى ما في طريقة العرف و إلى ما إرتكز في أذهانهم كما ذكرنا نظير ذلك في العمل بقول الثقة فى باب حجية الخبر الواحد فقلنا إنَّ الأمر بالعمل بخبر الثقة ليس تعبديًا ولا يريد به الشارع فتح

ص: 85

الطريق وجعل الطريقية فيما ليس من شأنه الطريقية ، وكذلك نقول هنا إنَّ المنع عن العمل بالقياس إرشادٌ إلى ما في طريقة العرف و ليس المقصود منه سدُّ طريق ثبتت له الطريقية لانه ليس من شأن القياس الطريقية أصلاً كما أنَّ قول الثقة طريق بنفسه ، ولم يحصل طريقته من جعل الشارع ، بل أمره بالأخذ بقول الثقة إنّما كان لعلة إرتكازية و هو كون الراوى ثقة ، و مأموناً عن الكذب ، كما هو الظاهر من أخبار الارجاع إلى الرواة .

و بالجملة إنَّ القياس لا طريقية فيه وإنّما يُشبه الطريق و السرفى ذلك أن معنى القياس عبارة عن الأخذ بلوازم الشيئ فيكون المعنى المقصود فيه من المداليل الالتزامية ، والمداليل الالتزامية إنما تكون حجة إذ ا كان اللازم مساويًا للملزوم و مرتبطاً به بحيث يستلزم أحدهما الآخر و يكون وجود أحدهما دالًّا على وجود الآخر ، وأمّا إذا كان اللازم أعمّ من الملزوم كما في القياس فلايدلُّ وجود اللازم على وجود الملزوم الخاص ، إذ المفروض أنَّ اللازم قد يوجد بدون هذا الملزوم فلا يستكشف من وجود الاوّل وجود الثاني كما نشاهد ذلك في الحرارة و النار حيث أنَّ الحرارة بنفسها لا تدل على النار فانها لازم- أعم لها لانها معلولة لغيرها أيضًا كالشمس و الكهرباء ونحوهما فاذالم يكن القياس طريقا إلى الواقع ولا يدل عليه فكيف يريد العامة أن يجعله طريقاً إليه وهل هو كسراب بقيعة يحسبه الضمان ماءً.

و يشهد لذلك أنَّ الملاكات النفس الأمرية ليس جميعها مكشوفة لدينا وليست مبيّنة عندنا بل لا يمكن وصول أفكارنا إليها مهما كان الفكر راقياً، و دعوى العلم بجميع الملاكات الواقعية مكابرة محضة فلايكون القياس مفيدًا بوجه.

نعم إذا رأينا وجود الحكم فى الموارد المختلفة وعلمنا عدم دخالة الخصوصيات فيه من جهة أنَّ الخصوصية الموجودة في المورد الأوَّل غير

ص: 86

موجودة فى الثانى والخصوصية الموجودة فى الثانى لا توجد في الثالث و هكذا ، فنستكشف من ذلك عدم دخالة الخصوصيات فى الحكم وح نحكم بالغائها ونستفيد منها حكماً كليّاً عامّاً فاذا رأينا أنَّ الشارع يحكم تارة بأنَّ صاحب العارية و البضاعة أو صاحب الوديعة و العارية مؤتمنان ، و أخرى يقول بعدم ضمان الجارية أو العارية إذا هلكت فى باب العارية ، و ثالثة يحكم بعدم ضمان الدابة إذا تلفت من دون تعدٍّ و تفريط، وهكذا ، نفهم من ذلك أن هناك عنوان عام كلما تحقق ذلك العنوان إنتفى الضمان و هو تسليط المالك ماله للغير برضى منه ، و الخصوصيات الموجودة فى الموارد إنَّما تكون محققة لذلك العنوان لا أنَّها دخيلة في الحكم .

إن قلت : إنَّ المصداق العرفي للأمانة هو الوديعة فحسب فمن يصدق عليه الأمين عرفاً هو الودعى ليس إلا كما في الجواهر ، وأمّا العارية أو البضاعة فهما وإن كانا بحكم الأمانة وكان المستعير بحكم الأمين إلّا أنَّ موضوع الأمين لا يتحقق إلّا في الوديعة .

قلت أوّلاً إنّ الحقيقة الشرعية غير ثابتة في الشرع في جميع ألفاظ العبادات و المعاملات فضلاً عن الألفاظ المستعملة في لسان الشارع كالأمانة فانّما ضد الخيانة لغة وعرفًا غاية الأمر أنَّها تختلف بحسب متعلقاتها كما يقال أمين المال أمين الصندوق ، أمين الدين ، فلها مفهوم عام ينطبق على كل من العناوين المذكورة .

و من المعلوم أنّ اليد المستولى على المال برضى المالك أمانية فهو ح أمين لاخائن ، فالمستعير والعامل في المضاربة و السِّمساً أمناء بهذا المعنى.

و ثانياً يظهر من وحدة السياق أى من حمل محمول واحد على موضوعين مختلفين في قوله عليه السلام ( صاحب الوديعة و العارية أو - صاحب الوديعة والعاريعة مؤتمنان ) أنَّ المستعير و صاحب البضاعة

ص: 87

مثلاً أمين كالودعى فكما أنَّ الودعى أمين موضوعاً كذلك يصدق على غيره هذا العنوان إذا كان مرتبطاً بمبدءٌ الأمانة فاذا كا ؛ الأمانة فاذا كان الاستيلاء على المال برضى من المالك يصدق على المستولى عليه عنوان الأمين و الحمل على الاشتراك في الحكم دون الموضوع خلاف للظاهر جدّاً .

ثم هناك إشكال آخر و هو أنَّ الاجارة ليس فيها تسليط على العين بل هي تسليط على المنفعة فاذا تلفت العين ولا تسليط من المالك فلا بد من ضمانها فما معنى الحكم بعدم ضمان العين المستاجرة .

و الجواب أنَّ المنفعة لما لم تتحقق إلّا بالعين ، لكونها تابعة لها يتعلق التسليط أوّلاً وبالذات على العين ، وثانيًا وبالتبع على المنفعة فالغرض الاصلى وإن كان قائمًا بالمنقعة لكنها لا ينتفع بها إلّا بواسطة التسليط على العين.

إن قلت : سلمنا أنّ التسليط تعلق بالعين ، لكن المالك إنَّما يسلّط المستاجر على العين من باب اللّابدية من دون أن يكون راضياً على هذا التسليط ، بحيث لو أمكن له التسليط على المنفعة مجرداً عن العين لفعل ذلك.

قلت : إنَّ ما ذكرتم صحيح لكن المالك إذاكان عالماً بذ لك قبل الاجارة أى يعلم أنّ من أجر عيناً لا بد أنّ يسلّمها إلى المستاجر لاستيفاء المنفعة منها فهو بنفسه يُقدِّم على هذا التَّسليط ، فالاقدام على الاجارة مع العلم بذلك موجب لرضى المستاجر بالتسليط و هو يستلزم الائتمان المالكى الموجب لعدم الضمان .

صحة اشترط الضِّمان في مورد الأمانة المالكيّة

صحة إشتراط الضمان :

إذا اشترط المالك الضمان في مورد الأمانة المالكية ، فهل يكون هذا الشرط صحيحاً ونافذاً أم لا؟.

ففى العروة : المشهور عدم الصحة ، وفى الشرايع : الأظهر المنع وفى الرياض، ، بعد ما أسند عدم الصحة إلى المشهور قال : الأظهر

ص: 88

الصحة.

أقول : لاريب أنّ المشهور بين القدماء القدماء عدم الصحة، ولذا تريهم يقولون بالتعبُّد فى كل مورد ثبت الضمان بالشرط كما هو مقتضي بعض النصوص الواردة في العارية.

فخلاصة قول المشهور أنّه لا يصح إشتراط الضمان إذا لم يكن هناك دليل خاص يدل على صحته ، وسنتعرض إنشاء الله تعالى للأدلة الخاصة.

والتحقيق عندنا صحة هذا الاشتراط و الوجه فى ذلك: إنَّ الاستيلاء على مال الغير يقتضى الضمان بحسب طبعه الأولى ، ثم إذا كان ذلك بواسطة الأمين بأن كانت اليد المستولية على المال أمانية تحكم بعدم الضمان، وقد مضى قول المعصوم (علیه السّلام) في صحيحة الحلبي : صاحب الوديعة و العارية مؤتمنان ، وببركته و بركة إلغاء الخصوصيات عن الموارد المختلفة ، نقول بعموم قاعدة الأمين لا يضمن ، وقد أشرنا سابقًا إلى أنَّ عدم الضمان فى العارية و البضاعة ، وإقتران العارية أو البضاعة بالوديعة المسلم كون الودعى أمينًا يدل على العموم بلا إشكال و تقدم في جواب كلام صاحب الجواهر أنَّ من نظر إلى وحدة السياق و العرف يرى بالوجدان أنَّ المستعير أو المستأجر كالودعى أمينان مؤتمنان فانّ المعير أو المؤجر إنَّما يعطى ماله للغير عن طيبة نفسه وبعنوان أنّ الطرف المقابل أمينٌ فلا ينحصر الأمين بالودعى كما توهمه صاحب الجواهر.

وبالجمله تكون الأمانة المالكية مانعًا عن إقتضاء اليد للضمان على نحو المنع عن الاقتضاء كما أنَّ الشارع بقوله ( مؤتمنان ) أمضى ذلك، و هذا ليس أمراً شرعيًا تعبدياً صادرًا عن الشارع محضاً وعلى نحو التأسيس بل هو أمر عرفى أمضاه الشارع ، فيكون اليد على نحوين يد أمانية ويد عادية.

و هناك قسم ثالث لليد ، و هو أن يستولى المالك الغير على ماله

ص: 89

بشرط الضمان ، و هذا الشرط رافع للمانع عن الضمان ، فالسير الطبيعى للأمور الثلاثة المتقدمة هو أنَّ اليد موجب للضمان بطبعها الأولى ، والائتمان سواءً كان مالكيًا أو شرعيا مانع عن هذا الاقتضاءِ، و الاشتراط رافعٌ للمانع المذكور ، وإذا إرتفع المانع يوثر المقتضى أثره.

هذا كله بحسب الملاك و الواقع و أمّا بحسب الصناعة و الجمع الدلالي بين النصوص فنقول : بعد ما عرفت من تخصيص عموم على اليد بقاعدة الائتمان مع قطع النظر عن كونها تعبدية أم عرفية يكون قوله ( علیه السّلام ) في حديث عبد الله بن سنان ( المسلمون عند شروطهم ) حاكماً على دليل الائتمان ، فيكون إشتراط الضمان نافذاً ، ولا تلاحظ في الأدلة الحاكمة النسبة بين الحاكم والمحكوم، إذ ربما تكون النسبة بينهما عموم من وجه فيتعارضان في مورد الاجتماع فتستلزم ملاحظ النسبة بينهما سقوط دليل الحاكم من رأس ، ولا يبقى مورد لدليل الحاكم.

و من هنا ظهر ضعف إستدلال صاحب الجواهر على عدم الضمان وعدم صحة الاشتراط بتعارض عموم المؤمنون عند شروطهم مع دليل عدم ضمان الأمين و ترجيح الثاني على الأول لكونه مشهورًا بين القدماء.

و الوجه فى ضعفه ما تقدم من أنه لا تلاحظ النسبة بين الحاكم و المحكوم .

ثم لا معنى للترجيح بالشهرة الفتوائية ، وليست هي من المرجحات فترجیح أحد العامين على الآخر لا بُدَّ له من مرجح صناعى كالحكومة ونحوها لا الترجيح بالشهرة .

ثم إنَّه إستدل بدليل آخر و هو أنّ الشرط ليس بشارع ، و مقصوده أنَّ الشرط كالنذر و العهد ، لا يؤسس شيئًا ، ولا يمكن أن يكون موجبًا للضمان فيما ليس فيه موجب للضمان .

و الجواب أنَّ الشرط من الأسباب الشرعية و الشارع هو الذى

ص: 90

جعله نافذاً فإن كان المقصود من عدم كونه شارعًا أنّه ليس بنافذ فهو خلاف للظاهر و الروايات ، وإن كان المقصود منه معنى آخر فليس كلامنا فيه .

و الدليل الثالث لصاحب الجواهر هو أنّه على تقدير تسليم نفوذ الشرط ليس ذلك في كل شرط ، بل إذا لم يكن الشرط مخالفاً للكتاب و السنة لانه استثنى الشارع ذلك عن قوله ( المسلمون عند شروطهم (1) بقوله ( إلّا ما خالف الكتاب و المراد من الكتاب أعم منه ومن السنة ، وفى صحيحة أخرى ( إلّا شرطاً أحلّ حرامًا أو حرَّم حلالاً ) ، و من المعلوم أنَّ مقتضى العقد هو الأمانة ، فشرط الضمان مخالف لمقتضى العقد.

و الجواب : أنَّ مقتضى العقد هو فيما نحن فيه أى الاجارة هو تمليك المنفعة بالعوض وقلنا فيما تقدم من أنَّه لو أمكن له تسليم المنفعة مجرداً عن العين لفعل ذلك ، فتسليم العين ليس من مقتضيات نفس العقد ، بل هو من لوازمها غالباً .

و بالجملة فان كان مقصوده أنَّه مناف لمقتضى عقد الاجارة فهذا كلام غيرتام إذ العقد هو تمليك للمنفعة و هو لا يحتاج إلى أمانة مالكية، وإن كان مراده أنّه ينافى لازم الاجارة فنقول : إنَّ هذا اللازم و هو التسليط عن رضى المالك محكوم بالشرط بالحكومة القهرية بمعنى أنّه رافع لهذا التسلیط.

ثم إنّ هناك تقريب آخر لاثبات عدم صحة إشتراط الضمان و هو أنَّ اليد الأماني يقتضى عدم الضمان كما أنّ اليد العدواني يقتضى الضمان هذا من جانب ، و من جانب آخر أنَّ الشرط إذا كان على خلاف مقتضى اليد الأمانى يكون مخالفاً للكتاب.

و بعبارة أخرى : إنَّ نفوذ الشرط مشروط على أن يرفع حكمًا

ص: 91


1- راجع الوسائل ، باب 6 من ابواب الخيار ، ج 12

لا إقتضائياً ، كالخياطة و أمثالها ، وأمّا إذا كان الشرط في مورد اقتضاء العدم ورفع الحكم الاقتضائى كما في المقام فلا نفوذ له .

وقد عبر الشيخ الانصاري ( قدّس سرّه ) عن الاقتضاء بالأحكام غير القابلة للتغيير فلا ينفذ فيه الشرط وعن اللا إقتضاء بالأحكام القابلة للتغيير فينفذ فيه الشرط.

و الجواب عن ذلك أوَّلاً إنَّ العدم لا يحتاج إلى المقتضى بل يكفى فيه عدم الجعل الأوَّلى أو فقل إنَّ العدم متوغل في الابهام فلا يكون معلولاً لشيئ ، حتى أنّ تعبير الفلاسفة من أنَّ عدم العلة للعدم فهو من ضيق الخناق ، لا أنَّه تعبير حقيقى واقعى ، و عليه لا يحتاج عدم الضمان إلى علة ، بل يكفي فيه عدم وجود المقتضى .

و ثانيا : إنَّ الشرط رافع للمقتضى لا أنَّ بينهما تمانع و تزاحم .

بيان ذلك إنَّ اليد موجب للضمان، والائتمان مقتض لرفع الضمان ، و لكن الاشتراط يرفع هذا المانع ، فاذا قبل المستعير مثلًا الشرط يكون ضامناً عند التلف .

هذا كله بحسب الدليل الاجتهادى . وأمّا إذا شككنا في جواز الشرط و أنَّه مخالف للكتاب والسنة أم لا .

و بعبارة أخرى شككنا فى أنَّ الشرط هل هو داخل في المستنثى منه في قوله المسلمون عند شروطهم ، أو داخل في المستثنى ، فح لا إشكال فى عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية فلا يجوز رفع الشك في المقام بعموم ( المسلمون).

تخقیق إستصحاب العدم الازلي

وقد يقال باحراز الموضوع بالاستصحاب أى إستصحاب مخالفة الشرط للكتاب فانَّ إحراز الموضوع كما يكون بالعلم أو بالبينة كذلك قد يكون بالأصل ، فيرتفع الشك باستصحاب العدم الأزلى، وكيفيته أن نقول : لم يكن هذا الشرط موجودًا فى الأزل ولم يكن له وصف المخالفة أيضًا فاذا وجد الشرط نشك في أنه هل وجد أنَّه هل وجد مع وصف

ص: 92

المخالفة أم بدونه فنستصحب العدم الأزلى للوصف.

و إستشكل عليه الشيخ الأعظم بأنَّ إستصحاب العدم المحمولى يكون مثبتاً والأصل المثبت ليس بحجة ، و أوضح ذلك المحقق النائين بمقدمتين :

الأولى أنَّه لا يتصور الاهمال فى نفس الأمر عند الحاكم فالحاكم مالم يتصور موضوع حكمه مطلقًا أو مقيدًا لا يمكن له الحكم وعليه فاذا كان الموضوع مقيدًا لابد من تقييده بقيد وجود ى أو عدمى ، وإن لم يكن التقييد فى ظاهر لسان الدليل، فاذا قال أكرم العلماءَ ثم قال بعد حين لا تكرم الفساق منهم أو إلى أن يفسقوا أو الاّ الفساق ، فترى أنَّه ليس في قوله أكرم العلماءَ تقييد للعلماء في الظاهر بعدم الفسق ، لكنه ليس مهملاً في نظر الحاكم ، بل هو مقيد فى الواقع بعدم الفسق ، بمعنى أنَّ دائرة جعل وجوب الاكرام في نفس الأمر تدور حول هذا الموضوع أى العالم غير الفاسق · ثم إذا جاءَ دليل الحاكم و هو الاستثناء أو الغاية أو التخصيص، دل بمدلوله المطابقى على إخراج الفساق وبمد لوله الالتزامى على تقييد موضوع وجوب الاكرام وهو العلماء بعدم الفسق ، فمد لوله الالتزامى هو تضييق دائرة الموضوع .

إن قلت : يشترط فى الدلالة الالتزامية اللزوم البيّن و ما الدليل على وجود اللزوم في المقام .

قلت : ألحاكم باللزوم هو العقل، والقرينة هي إستحاله الاهمال في نفس الأمر ، و أنَّ الحاكم يعلم سعة دائرة موضوع حكمه وضيقه .

الثانية : إنَّ العدم السابق فى الأزل كان محمولياً لا ربط له بالموضوع و المفروض أنّ المقصود بالاستصحاب هو إثبات العدم النعتى و هذا غير ممكن هذا ملخص كلامه.

وقد ذهب جماعة إلى استصحاب عدم مخالفة الشرط للكتاب والسنة بتقريب أنَّ الشرط لم يكن موجودًا فى الأزل ولم يكن له وصف المخالفة

ص: 93

أيضًا فهناك عدمان عدم الموضوع و هو الشرط ، وعدم المحمول و هو الوصف ، ثم إنتقض العدم الأول بالوجود فصار الشرط موجودًا يقيناً و نشك في أنَّ العدم الثانى و هو الوصف هل إنقلب الى الوجود أم لابل بقى على حالته الأصلية و هى العدم، فنقول إنّ الأصل بقائه على العدم، وهذا معنى أنَّ الأصل عدم كون الشرط مخالفاً للكتاب و السنة.

وقد إستشكل عليه المحقق النائينى فى موارد عديدة ويتضح بيانه بتمهيد مقدمتين:

المقدمة الأولى : إنَّه لا بد للحاكم من أن يلاحظ و يتصور موضوع حكمه سواءٌ كان الموضوع مطلقًا أو مقيداً ، ومعنى الاطلاق هو أن يكون ذات الموضوع متضمنًا لملاك الحكم من دون دخالة أيٍّ قيد أو شرط في الملاك . ومعنى التقييد هو أنْ يكون القيد دخيلاً فى ملاك الحكم فيكون الموضوع مقيدًا بذلك القيد.

هذا في عالم الثبوت و الواقع وأمّا فى عالم الاثبات فيكون التقييد تارةً مذكوراً فى نفس الكلام و متصلاً به فيدل الكلام على القيد بالدلالة المطابقية المنطوقية كما في قوله : أكرم العلماءَ العدول أو غير الفساق ، و أخرى لا يكون التقييد مذكورًا فى الكلام ، و لكن العقل إذا نظر إلى التخصيص أو الغاية أو الاستثناءِ يفهم منه التقييد بالالتزام ، بقرينة إستحالة الاهمال في نفس الأمر ، فلسان التخصيص وإن كان هو إخراج حصة مخصوصة من تحت العام من دون دلالة فيه على تقييد الموضوع بدلالة لفظية مطابقية ، إلّا أنَّه لما كان الاهمال ممتنعًا في نفس الأمر فا لتخصيص يدل على التقييد بالدلالة الالتزامية.

المقدمة الثانية : إنَّ موضوع الحكم قد يكون بسيطاً ، وقد يكون مركباً والثانى أيضًا على أقسام فانّ الموضوع المركب يتركب تارة عن جوهرين و أخرى عن عرضين ، وثالثة عن الجوهر والعرض القائم به كالعالم العادل أو

ص: 94

غير الفاسق ، ومعلوم أنَّ العرض متاخر عن الموضوع و المعروض رتبة فكل معروض مقدم على عرضه بالتقدم الرتبى كتقدم العلة على معلولها.

إذا عرفت هاتين المقدمتين نقول : قوله ع المسلمون عند شروطهم کبرى عام إستثنى فيه الشروط المخالفة للكتاب : فالاستثناءُ يدل على إخراج جملة من الشروط و هى التى تكون مخالفة للكتاب عن تحت العام ، لكنه يفهم من القرينة العقلية المتقدمة أى بالدلالة الالتزامية تقيد العام بالقيد المذكور فى المستثنى ، فكانه قال بدلاً عن المستثنى منه والمستثنى هذه الجملة ( الشرط غير المخالف للكتاب نافذ ).

وعليه فالاستثناء المذكور ينوع العام إلى نوعين متقابلين.

ثم إنّ هذا الوصف أى وصف عدم المخالفة عرض قائم بالموضوع و هو الشرط فيكون متأخراً عنه بالتأخر الرتبى ، لكن عدم الوصف في الأزل عدم محمولى أى لم يكن هذا العدم هناك عرضًا للشرط إذ الشرط أيضًا كان معدومًا في الأزل و الأعدام الأزلية لا يرتبط بعضها ببعض بل هناك عدمان مطلقان ، وإستصحاب عدم المخالفة لا يثبت به إلّا إمتداد ذلك العدم المطلق الأزلى غير المرتبط بالشرط و هو صحيح لا إشكال فيه أنَّه غير مفيد إذ المقصود من الاستصحاب في المقام هو إثبات العدم النعتى أي العدم المرتبط بالموضوع ، و هو أصل مثبت غير صحيح فالصحيح من الاستصحاب غير مفيد والمفيد منه غير صحيح.

والجواب عنه أوّلًا أنّه وإن كان الاهمال في نفس الأمر مستحيلاً، إلا أنَّ مجرد إخراج بعض الأفراد عن العام لا يستلزم تقييد العام بعنوان نقيض الخاص فى ملاك الحكم ، بل يكون الاخراج لجهة مانعة عن شمول الحكم للخاص.

و توضيح ذلك : إنَّ ملاك وجوب الاكرام في قوله أكرم العلماء إلّا الفساق إنّما هو العلم ليس إلّا فالمقتضى للوجوب ذات العلم مجردًا عن كل قيد ، و إخراج الفاسق ليس لعدم كونه عالماً ، و ليس لكون عدم

ص: 95

الفسق دخيلاً في الملاك ، بل لكونه معنونًا بعنوان يمنع عن وجوب الاكرام ، فالعامَّ والخاص يكونان كالمقتضى و المانع بمعنى أننى يمكن أن يكون العام مقتضيًا للحكم ويكون الخاص مشتملاً على عنوان مانع عن الحكم و من المعلوم أن هذا لا يوجب تقييد العام مالم يكن للقيد دخل فى ملاك الحكم .

فتلخص أنّ الاهمال وإن كان مستحيلاً في نفس الأمر إلّا أنَّ التخصيصات إذا كانت على نحو المانع لا يوجب تقييد العام .

وثانيًا : إنَّه لا معنى ولا مفهوم محصلاً لقولكم بأنَّ العدم يكون نعتاً . إذ العدم لا يمكن أن يكون ناعتًا ، فانَّ النعتية من آثار الوجود ، والأمور العدمية لا أثر لها حتى تقع نعتاً لشيئ وأمّا عنوان العدم فله وجود ذهنى و ليس معدومًا مطلقاً والمعدوم المطلق إنّما هو المعنون و هو لا يقع نعتّا.

إن قلت : إنّهم قالوا بايجاب القضية المعدولة و أنّها تكون موجبة كما تكون سالبة.

قلت : إنّ العناوين المعدولة عناوين إيجابية ولها وجود ذهني كنفس عنوان العدم و ليست هى إلّا عناوين مشيرة والمقصود منها هوبيان أنَّ الموضوع خال عن مبدءِ المحمول الوجودى و ليس المقصود منه أنَّ المعدولات نعوت أو أوصاف ، كيف ولا يعقل أن يكون المحمول المعدول مرتبطاً بالموضوع فليس للمعدولة و السالبة المحصلة إلّا مطابقٌ واحد، و المعدولة إنّما تنتزع عن السالبة فليست لها إلا جهة الاشارة كما هو شأن كل عنوان مأخوذ من العدم .

فتلخص أنَّ العدم لا يكون ناعتاً ، إذ العدم بما هو عدم لا يكون قابلًا للحوقه بالموجود بما هو موجود ، و أنّ التخصيصات لا تستلزم تعنون العام و تقييده بنقيض الخاص، فلا نقصد من إستصحاب العدم الأزلي إثبات نقيض الخاص للعام ، بل نقصد به الفرار عن إخلال الخاص ورفع

ص: 96

المانع عن العموم.

ولقد أجاد المحقق الخراساني حيث قال في باب العام والخاص : إنَّ التخصيص إخراج عنوان خاص فيكون العام معنونًا بأىِّ عنوان كان إلا بذاك العنوان الخاص .

ثم إنَّ هناك اشكال آخر على الاستصحاب المذكور أورده المحقق الاصفهانی (رحمه الله) فانه مع تسليمه لعدم كون العدم ناعتًا ن العدم ناعتًا ومع قبوله لوجود قسمى السالبة و هما السالبة مع وجود الموضوع و إنتفاء المحمول و السالبة بانتفاء الموضوع إستشكل على إستصحاب العدم الأزلى بأنّه إنَّما يصح و يفيد إذا كانت السالبة سالبة منطوقية ، أى مستفادًا المنطوق ، و أمّا إذا كانت السالبة بالمفهوم يكون متمحِّضاً في السالبة بانتفاءِ المحمول ، إذ المفروض أنَّ المنطوق موجبة ولا بد فيها من وجود الموضوع فاذا فرض فى القضية المنطوقية وجود الموضوع يكون مفهومها السالبة بانتفاء المحمول : لا محالة ، إذ المفهوم لا يختلف عن المنطوق إلّا في النفى و الاثبات ، ولا يجرى الاستصحاب في السالبة بانتفاء المحمول إذ ليس فيها حالة يقينية سابقة ، لانَّ الشك إنما يكون من أوَّل وجود الشرط ، و لم يكن لنا يقين سابق بعدم كون الشرط مخالفاً للكتاب.

والجواب أنّه يكفى فى ثبوت الحكم نفس عنوان العام ولا نحناج إلى إثبات أنّ مصداقه متصف بنقيض الخاص ، فانَّ وجوب الاكرام عام لكل عالم ، و ليس مقيدًا بكونه غير فاسق ، ولا نريد من الاستصحاب أيضًا إثبات إتِّصاف العالم بغير الفاسق ، بل المقصود منه هو رفع المانع و رفع الأثر المخلّ بالحكم ، فالاحتياج إلى استصحاب عدم الخاص و عدم المانع والقاطع و المزيل إنمّا يكون لرفع آثارها و أنّها لا تزاحم العام .

وبالجملة ليس المقصود من إستصحاب الأعدام المذكورة إثبات العناوين العدمية للعام، بل نريد أن نرفع الأثر الاخلالى الذى للخاص

ص: 97

بالاستصحاب المذكور.

و هكذا نقول في جميع الاستصحابات الجارية في الأعدام الأزلية ، فاستصحاب عدم مخالفة الشرط للكتاب والسنة ليس إلّا لرفع المانع ، لا لاثبات ربطه بالشرط .

ما معني موافقة الشرط لکتاب الله

إن قلت ، هذا إنّما يصح إذا كان المفهوم من الأدلة هو العنوان العدمى كعدم المخالفة مثلاً وأمّا إذا كان المفهوم منها العنوان الوجود ى كالموافقة مع الكتاب مثلا كما ورد في صحيحة عبد الله بن سنان (ما وافق كتاب الله ) فيكون الشرط فى صحة الشرط هو الموافقة ، ولا يجرى فيها الاستصحاب.

قلت : إنَّ الرواية ليست مسوقة لبيان الشرط ، بل هو غاية عقلية لما نعية مخالفة الكتاب لصحة الشرط، إذ يمتنع أن يجعل شيئٌ مانعاً و نقيضه أو ضده شرطاً للزوم اللغوية عن ذلك نظير قوله عليه السلام في موثقة إبن أبى بكير ( حتى يصلّيها في غيره مما أحلّ الله أكلّه ) حيث أنَّه ليس مسوقاً لبيان إشتراط حلية الأكل للستر الصلاتي بل هو غاية عقلاً لفساد الصلاة الواقعة في مالا يؤكل لحمه .

ثم إنّ هناك من قال بعدم إشكال عقلي في إستصحاب العدم الأزلى لكنه لا يوجد ذلك في العرف .

وجوابه : أنّه موجود فى العرف و أمّا تطبيقه على القواعد فيحتاج إلى التحليل و التدقيق الخاصين بالفقيه الماهر .

ثم إنه إستشكل بعض على إشتراط الضمان ، بوجه آخر يتضح بعد بیان مقدمتین.

الأولى : إنَّ الشرط على قسمين الأوَّل شرط الفعل وهو الذى يشترط فيه فعل من الأفعال ، كما يقال إشترطت لك الخياطة أو الكتابة أو غيرهما من الأفعال . وهذا النوع من الاشترط جايزٌ و نافذٌ بلا إشكال مالم يخالف الكتاب و السنة.

ص: 98

الثاني شرط النتيجة و هو الذى يشترط فيه نتيجة الفعل ، كما يقال إشترطت لك ملكية دارى أو ملكية فرسى ، وعليه فاذاقال بعتك دارى وإشترطت على نفسى أن أملِّكك فرسى فهو شرط فعل وإذا قال إشترطت على نفسى أن تكون ملكية الفرس لك فهو شرط نتيجة ، و شرط الضمان إنّما هو شرط نتيجة لأنَّ الضمان عبارة عن العهدة وشرط النتيجة باطلٌ كما عليه كثيرٌ من الأصحاب فشرط الضمان كذلك

المقدمة الثانية : أنَّ اللام فى قولنا إشترطت لك الخياطة مثلاً تكون للملك فالفعل الذي يكون متعلقاً لللام لا بد أن يكون مملوكاً ، و لما كانت النتائج غير قابلة للمملوكية لا تكون قابلة للاشتراط أيضًا ، إذ كلما امتنع عن كونه مملوكًا يمتنع أن يكون شرطاً .

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ إشتراط الضمان يكون من قبيل شرط النتيجة و ليست قابلة للاضافة الملكية، فلا يصح إشتراط الضمان .

و الجواب عنه أوّلاً : إنّا لا نقبل أنَّ اللام للملك ، بل وليس هو مشتركا لفظيًا بين الملك والحق والاختصاص والصلة ، بل اللّام إنّما وضعت لمجرد الربط على إختلاف مصاديقه ، بل نحن نقول ذلك في جميع الحروف فإنَّ على مثلاً إنّما وضعت للاستعلاءِ المطلق إلّا أنّه يطلق تارة على الاستعلاء الخارجي كمافى زيد على السطح ، وأخرى على الاستعلاء المعنوی کما فی عَلىَّ دينٌ مثلاً .

ومن هنا ظهر أن قول النحويين بأن الحروف إنّما وضعت لمعان متعددة متباينة بحيث يكون كل حرف مشتركاً لفظياً بين معانيه لا خلو عن إشكال ، فانّ لتلك المعانى جامعٌ قريب يشترك كلها في ذلك الجامع يصح منهم القول بانّ اللام للربط و للملك و للاختصاص، إذ لها معنى جامع عام ينطبق في كل مورد على واحد من تلك الخصوصيات ، و قد قلنا في محله إنَّ السَّعى فى إرجاع جميع المعانى المتباينة إلى معنى جامع بعيد غير صحيح ، كما إنَّ القول بدخالة الخصوصيات في المعاني

ص: 99

ليكون اللفظ مشتركاً لفظياً في جميع الموارد كلام غيرتام ، فذاك إفراط و هذا تفريط، وكلاهما غير صحيح، فانَّ خلق الجامع تكلُّف وفهم الجامع لازم .

و بالجملة إنَّ اللام قد تستعمل في واجب الوجود و قد تستعمل في الممكن ولا يختلف في مفهومه الجامع وإنَّما الاختلاف في المصاديق.

جواز الشرط النتیجة

و ثانياً : إنّ شرط الضمان عبارة عن رفع الائتمان المالكي الرافع للضمان ، وليس سببا للضمان مستقلا حتى يقال ببطلان شرط النتيجة وهي الضمان في المقام.

و ثالثاً إنَّ شرط النتيجة صحيح لاطلاق أدلة الشروط.

و ما يقال من أن الشرط ليس بشارع .

مدفوع بأنّ المراد من الشارعية إن كان جواز مخالفته للشرع فهو مسلَّمٌ ولكنه ليس شرط الضمان من هذا القبيل وإن كان المراد منه إنَّ الشرط ليس من الأسباب الشرعية للضمان فهو أيضًا مسلَّمٌ لا نقول به كما تقدم ، وإن كان المراد منه عدم سببيته للملك فلا نسلّم ، و حصر أسباب الملك فى غيره غير مسلَّمٍ.

و نلخص جميع ما تقدم في هذا الفعل في الأمور التالية :

1 - لا ريب فى أنَّه يترتب على الاستيلاء على مال الغير أمران .

الأوَّل الحكم التكليفى وهو الحرمة أى حرمة التصرف في مال الغير بدون إذنه و هي مستفادة من قوله عليه السلام ( لا يجوز لاحد أن يتصرف في مال أخيه المسلم إلّا بطيبة نفس منه).

الأمر الثانى : الحكم الوضعى و هو الضمان الّذي ينشأ عن مالية المال فاذا كان شيىءٌ مالًا يرغب إليه الناس ، ويبذل بازائه مال ، يكون إستيلاء الغير عليه موجباً للضمان والعهدة، كالماء في المفازة، مثلا فالاستيلاء عليه موجب للحرمة و الضمان، بخلاف الماء في النهر ، فانَّ المُتلِف فيه لا يكون ضامنًا.

ص: 100

2- إذا كان التسليط على المال والاستيلاء عليه باذن من المالك و رضى منه فترتفع الحرمة بواسطة طيب نفس المالك كما يرتفع الضمان أيضًا ، إذ إحترام المالية الموجبة للضمان إنَّما إرتفع من ناحية نفس المالك فاذا تلف المال من جهة السوانح والحوادث غير الاختياریة يكون التلف مستندا إلى إقدام المالك.

نعم إذا كان التلف من تعدّ أو تفريط يكون المستولى على المال ضامنًا كما تقدم تفصيله .

3- إذا إشترط المالك الضّمان على المستولى على المال سواءٌ كان هو المستأجر أم غيره يكون الشرط كاشفًا عن عدم إهدار المالك مالية ماله فينقلب اليد عن اليد الأمانى و يوجد ح حيثيتان وجهتان مختلفتان .

الجهة الأولى، من ناحية التصرف فيكون حلالاً تكليفاً بمقتضى رضى المالك .

الجهة الثانية، من جهة الحكم الوضعى فيكون المستولى على المال ضامناً لقبوله ذلك بالشرط فالمستعير أو المستأجر إذا قبل أن تكون مالية المال على عهدته فيرتفع التأمين المالكي ، فشرط الضمان إنَّما يرفع مقتضى التأمين المالكى ليس إلّا ، و ليس هو مؤسساً للضمان الجديد حتى يقال إنَّ الشرط ليس بشارع كما تقدم عن الجواهر أو يرد عليه الاشكالات المتقدمة ، ومن هنا نقول إنَّ شرط الضمان لا يصح في الوديعة ، إذ هما متناقضان في حقيقيتهما و أحدهما ينافي الآخر ذاتًا فانَّ تسليط المالك أحداً على المال بعنوان الوديعة هو نفس الايتمان المالكي ، بمعنى أنَّ للتسليط المذكور هو هوية واتحاد مع الائتمان بحيث ینافى مع كل شرط مخالف للائتمان .

و توضيح ذلك إنَّ يد الودعى عين يد المودع في الحقيقة إذ ليس المال مرتبطاً بالودعى بوجه ، وإنَّما هو وكيل في الحفظ فقط من دون

ص: 101

و

أن يستفيد من ذلك الحفظ شيئًا ، كما يستفيده المستأجر ، أو المستعير أو غيرهما ، ولذا عُرِّفت الوديعة بأنها إستنابة فى الحفظ ، فاذا كان يد الودعى على المال هو نفس يد صاحب المال عليه يستحيل أن يقال بالضمان ح إذ الشخص لا يكون ضامنا لمال نفسه .

و بالجملة الضمان معناه العهدة، وهي تحتاج إلى المقتضى و المتعلق ، فاذا لم يكن شيىءٌ مقتضيًا للضمان يكون القول به من قبيل ضمان مالم يجب ، ولا نقول به نحن فلا لقائل أن يقول مثلاً إذا سُرق مالك فأنا له ضامن من الآن، فانّه غير معقول ، ولا نقصد من عدم المعقولية فى الاعتباريات معناه الدقّى الفلسفي بل نقصد منه الاحتفاظ على حقيقة الضمان وأنَّه مالم يتحقق شيئٌ لا يحتويه شيىءٌ آخر فالخسارة التي ليست موجودة الآن لا تتعلق بالعهدة ولا معنى للضمان فيه إذ العهدة تحتاج إلى مافى العهدة، و لذا نقول نحن باحتياج ماهو الرائج اليوم من التأمين إلى مصحح ليس هنا محل تفصيله و ملخصه إرجاعه إلى الالتزام بازاء ما يعادل الخسران لا العهدة الفعلية .

عدم ضمان المستأجر بعد إنتهاء المدة :

إذا إنتهت مدة الاجارة هل يكون المستأجر ضامناً بعدها وإن كان ذلك من دون مطالبة الردّ من المانك أم لا ؟ .

فنقول إنَّ المسئلة مبنية على أنَّ الأمانة المالكية هل هى من مقتضيات عقد الاجارة، كما يكون ملك المنفعة من مقتضياتها أم لا . فان قلنا بالأوَّل ، فلا بد أن ينتهى الائتمان بمجرد إنتهاء مدة الاجارة ، إذ التأمين المالكي فرع للاجارة على هذا القول ، و الفرع لا يزيد على أصله فبانتهاء مدة الأصل تنتهى مدة الائتمان أيضاً ، فيكون المستأجر ضامنًا للعين إذا تلفت بعد المدة، وإن قلنا بالثاني فلايكون ضامناً مسالم يطالب المالك العين .

ص: 102

والحق عندنا عدم كون الأمانة المالكية من مقتضيات الاجارة ، بل التسليط على العين من ناحية المالك لازم غالبىٌّ لها ، إذ قد يستأجر العين ولا تكون العين المستأجرة في يد المستأجر فيما إذ الم يكن إستيفاءُ المنفعة من العين المستأجرة مستلزماً لتسليم العين ، فالتسليط على العين يكون لا زما غالبيا للاجارة، وحيث يكون اللازم أعم فيمكن إنفكاك التأمين المالكي عن الاجارة ، وإذا إنتهت مدتها يبقى التأمين على حاله فلايكون المستأجر ضامنًا لا للعين ولا للمنفعة، أمّا الثاني فلعدم إستيفائها بعد إنتهاء المدة وأمّا الأوَّل فلعدم مطالبة المالك لها .

نعم إن قلنا إنّ رضى المالك وتسليطه للعين مقيد بانتهاء المدة تكون الأمانة المالكية كنفس الاجارة حينئذ ، فتنتهي بانتهاء مدتها .

و توضيح ذلك بالتفصيل إنَّ المشهور و المعروف بين الفقهاء من القديم إلى الآن هو عدم ضمان المستأجر العين المستأجرة ، حتى بعد إنتهاء مدة الاجارة مالم يطالب المالك . وقد تقدم أن الحق عندنا أيضًا هو ما إختاره المشهور ، والدليل عليه ما تقدم من أن الائتمان المالكي ليس من مقتضيات عقد الاجارة ، إذ هي ليست إلا تمليك المنفعة بعوض وألا يتمان إنَّما هو لازم لها خارج عن حقيقتها فلا يساويها فى السعة والضيق ، إذ اللازم قد يكون أعم فمن الممكن أن يكون التسليط أكثر زماناً من زمان مدة الاجارة ، فظهر أنَّ القول بأنَّ التسليط من مقتضيات الاجارة فينتهى بانتهاء مدتها ، ضعيف جدّاً .

إن قلت : إنّ تسليم العين بيد المستأجر و تسليطه عليها إنَّما هو لكون إستيفاء المنفعة متوقفاً عليه ، فليس لذلك التسليط سبب إلّا نفس الاجارة فيكون مقيدًا بزمان الاستيفاء على نحو الجهة التقييدية، بمعنى أنّ تسليط المالك ورضاه بالتصرف في العين يكون مقيدًا بزمان الاستيفاء من أوَّل الأمر ، فكانه قال رضيت لك بالتصرف في العين و سلطتك عليه ما دامت الاجارة باقية ، فالائتمان والتسليط مقيدان بزمان

ص: 103

الاستيفاء وجودًا وعدماً و من المعلوم أنَّه إذا إنتفى القيد ينتفى المقيد.

قلت : إنَّ القيد هنا تعليلية ليس إلّا ، بمعنى أنَّه لما كان استيفاءُ المنفعة موقوفًا على تسليم العين للمستأجر صار ذلك باعثاً وعلة على تسليطها له وليس رضاه على التسليط مقيدًا بزمان الاستيفاء ولنا على ذلك دليلان .

أحدهما : الاطلاق المقامى و تقريبه أن يقال إنَّ المفروض ع-دم وجود تقييد في اللفظ وإلا كان المدلول اللفظي هو المتبع فاذا فرضنا أنّ الموجركان في مقام البيان أى فى مقام بيان الاذن و لم يقيده بشيءٍ يكشف ذلك عن عدم تقييده بزمان الاستيفاء ، وبانتهاء مدة الاجارة . وإنَّما سمينا ذلك بالاطلاق المقامى مع أنَّه إطلاق لفظى أيضاً ، لان الاجارة غالباً تقع بالمعاطاة ونحن نعتقد صحتهافى المعاملات وليس فيها لفظ حتى يكون الاطلاق لفظياً ، وإلا فلا مانع من التمسك باطلاق اللفظ إذا كان هناك إطلاق لفظى .

و ثانيهما : إنّا نرى إختلاف المنافع والاجارات في الخارج فقد تكون للمنفعة وقتاً خاصاً بحيث لا تحصل تلك المنفعة في غير ذا الوقت كالبساتين و الأشجار المثمرة مثلاً فانَّ من يستأجر بستاناً أو شجرًا لاستيفاء منافعهما لا يستفيد منهما إلّا فى فصل مخصوص .

وقد تكون المنفعة إستمراريّة بحيث يمكن الاستفادة من العين دائماً بل ربما لا يرضى المالك بخلوٍّ العين عن الاجارة كما في الدكاكين و الدور المعدة للاجارة .

و ثالثة تكون المنفعة حينية لا يستأجر العين و لا يستفاد منها إلّا إذا وقع حادث موجب للاحتياج إليها وهذا كما في الأواني أو الفرش المعدة للاجارة لجهة المجالس و المحاقل و الاجتماعات .

و بالجملة إنّ الاجارات التى تقع فى الخارج على إختلاف أنواعها ليس التصرف فيها مقيداً بالرضا بنحو الجهة التقييدية ، والا لكان أكثر

ص: 104

الاجارات الخارجية على خلاف مقتضى الاجارة.

نعم ربما توجد قرينة حالية أو لفظية تدل على تقييد الرضا بزمان الاستيفاء و هو يرجع إلى مطالبة المالك و نحن أيضًا نقول بالضمان ح فانّ مطالبة المالك العين كما تكون بعد إنتهاء مدة الاجارة كذلك قد تكون بالتقييد حين عقد الاجارة .

فتلخص مختار نافى جملة واحدة و هى إنَّ عدم التقييد يكشف عن الرضى و التأمين المالكي إلّا أن يكون التقييد بعدم الرضى من أوَّل الأمر .

ثم لو شككنا في بقاء الائتمان والرضى بعد إنتهاء مدة الاجارة فهل يستصحب بقاء الائتمان أم يتمسك بعموم على اليد ويحكم بالضمان .

ألتحقيق جريان الاستصحاب و حكومته على العموم .

بيان ذلك : أنَّه إذا قال المولى أكرم العلماءَ ثم قال لا تكرم الفساق فهنا حكمان معلومان يقينيان أحدهما : حكم العام و هو وجوب إكرام كل عالم و ثانيهما حكم الخاص و هو حرمة إكرام العالم الفاسق وأنّه مخصص للعام، ثم إذا كان زيدٌ مثلا معلوم الفسقية السبت فشككنافی يوم الأحد انه تاب عن فسقه حتى يشمله حكم العام أو بقى على حالته السابقة ليشمله حكم المخصص ، فالحق عندنا حينئذٍ هو جريان إستصحاب الفسق والحكم بفسقه كما كان ، وهذا شيىءٌ فطرى مرتكز في أذهان العرف فيكون الاستصحاب منقّحاً لموضوع الخاص و محرزاً له ، و لذا نسمّى هذا الأصل بالأصل المحرز، وأيضًا يكون الاستصحاب المذكور ناظرًا إلى الموضوع كما يكون الدليل ناظرًا إليه ، ولذا نسمّيه بالاصل المتمم للدليل أيضًا .

إذا عرفت ذلك فاعلم أنَّه يجرى كل ما ذكرناه في المقام ، فنقول : إنّ لدينا عموم (على اليد ما أخذت حتى تؤديه ) ثم خرج عنه الامانة المالكية الحاكمة بعدم الضمان، فاذا شككنا بعد إنتهاء مدة الاجارة فى بقاء التأمين المالكى و أنَّه مقيدٌ بانتهاءِ زمان الاجارة أو مطلق،

ص: 105

نستصحب بقائه على نحو إستصحاب الكلى القسم الثاني ، ويكون الاستصحاب المذكور حاكماً على عموم على اليد ، و ليس الاستصحاب هنا من قبيل إستصحاب الفرد المرد دحتى يقال بعدم صحته كما هو التحقيق و أوضحناه في الاصول ، إذ الشك هنا فى أنَّ إذن المالك هل هو قصير مقيد بزمان الاجارة أم طويل يمتد إلى بعد الاجارة فيكون مرددًا بين الطويل والقصير وهو القسم الثانى من إستصحاب الکلی و نقول بصحته كما هو المشهور.

وظهر مما ذكرنا أنَّ قول بعض الأجلة بان الاستصحاب لا يعارض العام لان الأصل لا يعارض الدليل ، ضعيف في الغاية إذ لا معارضة بين الحاكم والمحكوم ، لان الاستصحاب يحرز موضوع الخاص ویزیدِّ موضوعًا له فهو حاكم على العام لا معارض له .

فما ذهب إليه المشهور من عدم الضمان هو الصحيح الحق و يساعده الدليل و هو الاطلاق المقامى بشهادة القرينة الخارجية أو الاستصحاب عند الشك .

ثم إنَّ القائلين بأمانية يد المستأجر إختلفوا فى أنّها أمانة مالكية أو شرعية فذهب بعض إلى الثانى بتقريب أنّ الضمان كما يرتفع بالتأمين المالكي كذلك يرتفع بالتأمين الشرعى بمقتضى قوله تعالى و ما على المحسنين من سبيل ، والسبيل أعم من السبيل الدنيوى والأخروي و من التوبيخى والتغريمى .

فهذا القائل يرى أنّ التأمين سواءٌ كان في مدة الاجارة أو بعد إنتهائها شرعىٌّ بمعنى أنَّ الشارع رضى بالتصرف و رخَّص المستأجر فيه وكلما كان الشخص مرخّصاً في التصرف من ناحية الشارع فهو محسن فی نظره و ليس عليه سبيل .

و أما بعد إنتهاء المدة فلأنّ المستأجر ح إنَّما يقصد إيصال العين إلى المالك أو حفظ المال له وكلاهما حسنٌ بلا إشكال و لما كان

ص: 106

الحسن والقبح دائراً مدار القصد ومتحققاً به يتحقق الحسن بمجرد القصد إلى الايصال أو الحفظ ولا يلزم تحققه في الخارج وعليه فلو تلفت العين في أثناء زمان الايصال أو حين قصده للايصال لا يخرج المستأجر عن كونه محسنًا لتحقق الاحسان بمجرد القصد فلا يكون ضامنًا و لا يفرق المقام عن باب اللقطة و ما يكون مالكه مجهولاً فكما يكون التأمين شرعياً فى البابين كذلك يكون هنا أيضاً شرعيا .

و الجواب عن ذلك أنَّ الائتمان كان فى زمان الاجارة مالكياً قطعًا فاذا أراد الشارع جعل التأمين ثانياً يلزم التحصيل للحاصل و هو غير جايز على الشارع و لذا قلنا إنّ لسان قوله ( مؤتمن أو مؤتمنان ) في صحيحة الحلبى المتقدمة لسان تقرير و إمضاء لما في طريقة العرف لا أنّة تأسيس للتأمين ، كيف والتأمين موجود من قبل المالك في الودیعة و العارية والاجارة وغيرها و لا معنى لجعل التأمين ثانياً .

و الفرق بين المقام و بين باب اللقطة و نحوها أنّ المالك فى الثاني لا يدرى بفقدان ماله أو يعلم بذلك و لكن لا يعلم بوجدان أحد له أو أنه من هو هذا الواجد فلاجرم يكون الائتمان شرعيًا ثابتاً بأدلة الائتمان المذكورة في باب اللقطة وغيرها بخلاف المقام الذي يكون الائتمان من قبل المالك قطعًا في زمان الاجارة .

هذا كله في مدة الاجارة :

وأمّا بعدها فالتأمين يكون إمتداداً لذلك التأمين السابق لا أنّه ایتمان خاص جديد أسّسه الشارع .

فتلخص أنَّ الايتمان مالكى مطلقا سواءٌ كان في زمان الاجارة أم كان بعدها .

القول الثالث في المسئلة هو التفصيل بين زمان الاجارة فالأمانة مالكية وبين بعد زمانها فالأمانة شرعية .

وإستدل هذا القائل على مدعاه بأنَّ الأمانة المالكية محدودة

ص: 107

بزمان الاجارة والتسليط على العين والرضا بالتصرف فيها مقيدان به على نحو الجهة التقييدية ولكن لما كانت يد المستأجر بعد الاجارة يد حفظ و ايصال و لم يصدر منه تعدّ أو تفريط ، صدق عليه المحسن و صارت الأمانة شرعية .

و الجواب عنه أمّا في الجزء الاول من المدعى فهو موافق لما إخترناه و نقول في الجزء الثانى بمثل ما سبق من أنَّ التأمين بعد الاجارة يكون إمتداداً لنفس التأمين السابق لا أنَّه تأمين جديد أسسه الشارع .

و القول الرابع عكس الثالث و هو أنَّ الائتمان شرعیٌّ فی زمان الاجارة للروايات الدالة على أنَّ تلف العين المستأجرة لا يوجب الضمان ما لم يبغها غائلة كما تقدم .

و أمّا بعد الاجارة فالأمانة مالكية لكون المالك راضياً ببقاءِ العين تحت إستيلاء المستأجر ، والشاهد عليه عدم مطالبته العين بعد الاجارة كما هو المفروض .

وقد ظهر جوابه عما تقدم فلا نعيده.

كفاية مجرد التخلية عن التخلية عن الرّدِّ:

هل يجب ردُّ العين إلى الموجر بعد إنتهاء المدة أم يكفي فيه مجرد التخلية ، ألتحقيق عدم وجوب الردّ ، أمّا على القول بوجود الائتمان بعد المدة، فلانٌ بقاءَ العين ح تحت إستيلاء المستأجر يكون برضى منه، ولا دليل على وجوب الردّ شرعا ، وآية ردِّ الأمانات إلى أهلها ليست مسوقة لبيان وجوب الردّ تعبُّداً ، بل هي مسوقة لبيان الايصال إلى الأهل وعدم الخيانة في الأموال ، أو إرشادٌ إلى حكم العقل بوجوب ردِّ المال إلى مالكه .

وأمّا على القول بعدم الائتمان بعد إنتهاء المدة وإنَّ يد المستأجر يد عدواني ح فلانه ليس لدينا إلِا حرمة التصرف في مال الغير وإنّ

ص: 108

الامساك نوع من التصرف و هو لا يقتضى إلّا الحرمة التكليفية فكما ترتفع الحومة بالردّ كذلك ترتفع بالتخلية ولا نقصد من عدم وجوب الرّد أنَّه غير ممكن بل نقول إنّه غير واجب وإنّ حرمة التصرف لا يقتضى أكثر من التخلية .

حكم تلف المال في أثناء الايصال :

إذا قلنا بعدم وجوب الرّد وأراد المستأجر الرَّد فتلفت العين في أثناء الايصال فهل يمكن للمالك ح تضمينه بمقتضى عموم على اليد أم لا يكون المستأجر ضامناً لانه محسن وليس عليه سبيل؟:

والتحقيق في ذلك إنَّ إنقطاع السلطنة عن المالك قد يكون إختياريًا كما في الأمانات المالكية وقد يكون الانقطاع عن غير إرادة و إختيار ، و هو يتحقق تارةً فى مال ضلّ عن مالكه ، كما في باب اللقطة و أخرى فى مال ضلّ ما لكه عنه و يكون مالكه مجهولاً ، كما في مجول المالك وثالثة في ما غصب المال عن مالكه أو سلب عنه عدواناً كما فى باب الغصب و المظالم وفى كل تلك الموارد تكون السلطنة مقطوعة عن المالك ولا ريب أنَّ ايصال المال إلى صاحبها حسنٌ في جميع الموارد المذكورة إذ لأشك لا حدفى حُسن تبديل القطع إلى الوصل لانه عدل فى النظام المالى البشرى ومعناه إرجاع كل مال إلى مالكه الأصلى وهذا قانون كلى عرفى نشأ منذ إبتداء البشرية ولا يزال موجودًا إلى الأبد إذ الانسان مجبول عليه بل هو فطرى للحيوانات أيضًا .

إن قلت : إنَّما يتحقق الحسن إذ اوصل المال إلى مالكه ، وتحقق الايصال بعد الانقطاع ، والمفروض في المقام تلف المال في الأثناءِ ، وعدم تحقق الايصال .

قلت : إنَّ العناوين الحسنة لا تتوقف على تحقق مبادیها فی الخارج بل يكون نفس صدور الفعل بداعي الوصول إلى المبدء معنونًا

ص: 109

بعنوان الحسن ألا ترى أنَّ الضرب لغرض التأديب و إنتظام الملكات الفاضلة حسن ، و لو لم يتحقق التأدُّب فى الخارج ، فرفع القطع و وصل الفصل في المقام حسن ، وإن لم يتحقق خارجًا .

إن قلت : إنَّ التصرف في مال الغير ظلم و عدوان فهو قبيح ذاتاً ، و القبيح الذاتى إنَّما يتبدل إلى الحسن إذا عرض عليه الحسن الذاتي اللازم ، وحسن الايصال ليس لازماً ، إذ المفروض عدم وجوب الرَّد فالقبيح ذاتاً لا ينقلب إلى الحسن بواسطة عروض عنوان الحسن غير اللازم فهل يصح لأحد بيع متاع الغير بواسطة أخذه سعرًا زائدا على المعتاد المتعارف أم هل يصح حفر قناة في أرض الغير لجهة ايجاد الماء فى أرضه ، فعنوان الحسن غير اللازم لا يتعارض مع القبح اللازم .

نعم إذا كانا لازمين فيمكن تبديل القبيح بالحسن كالتصرف في دار الغير لانجاء مؤمن تجب نجاته و ما نحن فيه ليس فيه حسن لزومى لعدم كون الايصال واجبًا حسب الفرض .

قلت : إنَّ ما ذكرتم من عدم معارضة الحسن غير اللازم مع القبح اللازم إنّما يصح إذا كان في مورد قطع السلطنة الموجودة كما في الأمثلة المذكوره وأمّا إذاكان الفعل الصادر عن الفاعل لجهة وصل السلطنة المنقطعة كما فيما نحن فيه فيكون حسنًا بلا إشكال ويرتفع به القبح الذاتى لو كان فيه ذلك .

إن قلت : إذا قلنا بحرمة التصرف في العين بعد الاجارة حتى التصرف الايصالى ولم تكن الأمانة مالكية فيكون التصرف مبغوضاعند الشارع و عليه فكيف يكون حسنًاعنده و هل هذا إلا التناقض في جعل الشارع .

و بعبارة أخرى إذا قال الشارع لا تتصرف في هذا المال حتى التصرف الايصالي لا يمكن له بعد ذلك أن يرى المتصرف فيه محسنًا إذا الحرام التكليفى الشرعى مناقض للاحسان .

قلت : نحن حيث قلنا بوجود الأمانة المالكية بعد الاجارة ، فى

ص: 110

فسحة من هذا الاشكال وإنَّما يرد ذلك على من لم يقل بمقالتنا واعتقد بأنَّ الائتمان شرعى بعد إنتهاء مدة الاجارة لا مالكى .

نعم له أن يلتزم بالتفكيك بين الحكم التكليفى و هو حرمة التصرف و لو بالايصال و بين الحكم الوضعى و هو الضمان لانطباق عنوان حسن على الايصال و هو وصل السلطنة الفعلية فتأمل

حكم الضمان فى الاجارة الباطلة :

إذا كانت الاجارة باطلة هل يكون المستأجر ضامناً أم لا فالمشهور بينهم عدم الضمان و خالفهم في ذلك السيد السند صاحب الرياض (ره) و المحقق الأردبيلي ( رحمه الله ) قائلين بأنَّ القدر المتيقن من عدم الضمان المستفاد من الروايات هو الاجارة الصحيحة و أمّا الباطلة فيتمسك فيها بعموم على اليد فيكون المستأجر ضامنًا .

وإستدل المشهور على عدم الضمان بأمور ثلاثة.

الأول : القاعدة المعروفة و هى ( مالا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده ) وحيث لاضمان في صحيح الاجارة فلابد من عدمه في فاسد و يجرى عكس القاعدة فى البيع فيقال ( كل ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ) ولما كان صحيح البيع موجبًا للضمان المعاوضى فيكون فاسدة كذلك .

و هذه القاعدة مما إدعى الاجماع عليها أصلاً وعكسًا فاصبحت كأنها متن الحديث و ممن إستدل عليها العلامة في موارد عديدة من التذكرة وغيرها ، واستدل عليها فى رهن المبسوط أيضًا ، فقال في الرهن الفاسد إنّه لا يضمن بصحيحه فيكف يضمن بفاسده .

و الاجماع هنا ليس من قبيل الاجماع على الحكم ، حتى يؤخذ بالقدر المتيقن منه ، بل هو من قبيل الاجماع على العنوان كالاجماع على عنوان حرمة نبش القبر أو حرمة قطع الصلاة مثلاً و الاجماع في مثله

ص: 111

يكون مطلقاً يؤخذ بإطلاقه .

والجواب عنه أوّلاً إنَّه ليس من المعلوم المسلم كون القاع بنفسها مورد إجماع محصل ، إذ لو كان كذلك لكان فيه إتفاق من جميع العلماء السالفين ( رحمه الله ) مع أنَّه لم يوجد الاستدلال بها إلّا في موارد من المبسوط و التذكرة و غيرهما ، فلم نتحصل نحن إجماعاً على هذه القاعدة .

و ثانياً إنَّ الاجماع مدركي في المقام ، إذ القاعدة المذكورة داخلة تحت قاعدة أخرى فانَّ أصل القاعدة ليس إلّا عبارة عن الأمانة الشرعية و عكسها عبارة عن اليد الموجبة للضمان ، ومن المعلوم أنَّ الاجماع على القاعدة إذا كان بنحو الطريقية إلى قاعدة أخرى لا بنحو الموضوعية يسقط عن الحجية .

الثاني : إطلاق أدلة الاجارة الشاملة للاجارة الفاسدة، وطريق الاستدلال أن يقال : لا ريب فى أنَّ الاجارات الموجودة في الخارج ليست بأجمعها صحيحة، بل كما تكون صحيحة كذلك قد تكون فاسدة أنّ الروايات ليس فيها تفصيلٌ بينها ، بل الشارع حكم بعدم ضمان المستأجر مطلقاً ، سواءٌ كانت الاجارة صحيحة أم كانت فاسدة فنستكشف من هذا الاطلاق عدم ضمان المستأجر حتى في الاجارة الفاسدة .

و الجواب عنه إنَّ الاطلاق فى روايات الاجارة ناظرٌ إلى جهة خاصة فلها إطلاق من تلك الجهة فقط .

بيان ذلك : إنَّ إطلاق الرواية الحاكمة بعدم الضمان في الاجارة إطلاق حيثى، أى بالنسبة إلى حيثية الاجارة ، ومعنى ذلك أنَّ كل معاملة تصدق عليها الاجارة لاضمان فيها ، وأمّا ما لا يصدق عليه الاجارة فالروايات غير ناظرة إليه ، و نحن ندعى أنَّ الاجارة الفاسدة ليست باجارة واقعًا ، فالأخذ بالاطلاق فى الاجارة الفاسدة أخذ به في غیر

ص: 112

موضوعه . فالروايات من حيث ورودها في الاجارة لا تشمل ما نحن فيه .

الثالث : الائتمان المالكي بمعناه الأعم ولا سيَّما إذا كان المالك عالماً بالفساد، بمعنى أنّه إذا لم يكن الائتمان بمعنى الوديعة كما هو المفروض في المقام ، والمفروض أنّ المالك إنّما سَلَّط المستأجر على ماله و أعطاه بیده برضى منه وطيبة نفسه، فلاجرم يكون هذا التسليط بمعنى الاذن المجّانى و الرخصة فى التصرف حتى لو إنجرَّ إلى التلف بل يكون يد المستأجر عين يد المالك باعتبار من نفس المالك ، وقد قلنا كراراً إنَّ الشخص لا يضمن مال نفسه .

ثم إعلم أنَّ هذا التسليط ليس ناظراً إلى إهدار المالية حتى فى صورة التعدى أو التفريط فلو تلف بهما لم يشمله الايتمان المالكي و كان ضامناً .

نعم لو كان مصب الاذن الاتلاف أو التلف والا تلاف معًا كما في قوله : ألقِ حطبى فى النار ، لم يكن ضامنًا ، والوجه فيه واضح فان هذا الأمر ليس أمرًا ضمانيًا ، بل هو رخصة من المالك فى إتلاف ماله .

وكيف كان فا لتسليط فى المقام يكون مجّاناً ينشأ من رضى المالك و رغبته فيكون إهدارَّ الماليَّة المال من قبله ، بخلاف التسليط في باب السَّوم أو البيع الفاسد ، فانَّ المالك فيه لم يغمض النظر عن ماله ، ولا يريد إهدار ماليته بل يعطى المال للمشترى على أن يكون على عهدته ، وعلى أن يأخذ منه ،عوضه ، وليس فيه تأمين مالكى بل يثبت على عهدته العوض لكن لما كان البيع باطلاً كما هو المفروض لم يثبت عوض المسمى فى البيع الفاسد بل يثبت على عهدته مثل التالف أو قيمته .

تذییل

إذا قلنا ببطلان شرط الضمان بالأدلة المتقدمة ، فهل يصح إشتراط إعطاءُ بدل التالف بعنوان شرط الفعل أم لا؟، ومعنى ذلك

ص: 113

أنّ الموجر يشترط على المستأجر أن يأخذ منه لدى التلف مقداراً مساويًا لمالية التالف .

التحقيق صحة ذلك كما في العروة، بيان ذلك : أنَّه قد عرفت سابقاً عدم صحة ضمان مالم يجب و أنّ ما هو الرائج أليوم من التأمين يرجع إلى إشتراط الفعل، ومعناه أن يشترط المؤمِّن على نفس أن يعطى الشخص التالف لديه المال مقداراً مساويًا لمالية التالف، لا أنَّه تكون غرامة للمال ، و جعلاً لخسارته فى عهدته ، إذ المفروض أنَّ الخسارة غير موجودة في حال الاشتراط ، فكيف تتعلق بها العهدة بداهة إحتياج العهدة إلى مافى العهدة ، ولكن يصح إشتراط أداءِ بدل التالف بمقدارٍ مساولهٍ ، فأحسن الطرق في تصحيح التأمين ما ذكرنا و هو يجرى في جميع أقسام التأمين على إختلافه في عصر الحديث.

فتلخص أنَّه إذا أبطلنا إشتراط الضمان بالأدلة المتقدمة يصح الاشتراط على نحو ما ذكرنا .

هل يصّح خيار المجلس في الاجارة :

تحقيق المقام يتوقف على تقسيم الخيارات والتكلم فيها إجمالاً فنقول إنّها تنقسم إلى ثلاثة أقسام :

الاول : الخيار التعبدى ، و هو ما يثبت من ناحية الشارع ، و بجعل منه كخيار المجلس الثابت بقوله ( علیه السّلام ) ( البيعان بالخيار مالم يفترقا وإذا إفترقا وجب البيع ) ومعنى وجوب البيع لزومه و نفوذه كخيار الحيوان الثابت بقوله ( علیه السّلام ) ( المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام فى الحيوان وفيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا).

فهذا القسم من الخيار يثبت بالجعل الأولى الشرعى ، ويقتصر فيه على مورد النص ولا يتعدى إلى غير مو لذا لا يثبت هذان الخياران فى غير البيع لاختصاص النص به وعدم وروده في غيره .

ص: 114

نعم إذا علمنا بوحدة الملاك أو إنطبق على البيع حقيقة أخرى يمكن حينئذٍ ثبوت الخيار فى تلك الحقيقة أيضًا و هذا كالصلح مثلاً فانه وإن قلنا بكونه حقيقة مستقلة كسائر المعاملات لكنه يحتاج إلى شيىءٍ يتعلق به قطعاً فح إذا تعلق بمبادلة مال بمال بعنوان المعاوضة ينطبق عليه البيع فيأتى فيه خيار المجلس و إذا تعلق بمبادلة الحيوان يثبت فيه خيار الحيوان .

الثاني : الخيار الجعلى أى ما يكون مجعولاً من المتعاملين كأن يشترط أحد هما جواز الفسخ لنفسه أو لصاحبه أولهما معا وهذا ما نسميه ب_ ( خيار الشرط ) .

و الدليل على نفوذه ، قوله (علیه السّلام) ( المسلمون عند شروطهم ) فيفهم من إطلاقه اللزوم فى كل مورد و بكل كيفية فيشمل الشرائط الابتدائية أيضا.

و من هنا نشأ حكم بعض من الإصحاب بوجوب الوفاء في الشرائط الابتدائية ، ولكن الشهرة القريبة من الاجماع قامت على عدم وجوب الوفاء بها وأنَّ الوفاءَ بالشرط إنما يجب إذا كان في ضمن عقدٍ لازم و لذا حاول بعض تفسير الشرط (1) بأنه إلتزام في التزام وإن كان هذا التفسير باطلاً بالوجدان لان وجوب الوفاء بالشرط شيىءٌ وتفسير معنى الشرط وبيان مفهومه شيءٌ آخر ، ونحن وإن قلنا بعدم وجوب الوفاءِ في الشرائط الابتدائية كالمشهور لكنا لا نقبل أنَّ ذلك هو معنى الشرط و لم يدل دليل على هذا التخصيص المفهومى فانَّ الشرط له معنى وسيع في اللغة وهو مطلق الربط وما يرتبط بأمر أو شييء .

و هناك قسم ثالث للشرط ، نلتزم به فى التأمينات الرائجة فى العصر الحديث ، وهو الالتزام فى مقابل التزام آخر، و هذا الشرط

ص: 115


1- الشرط إلزام الشيء و إلتزامه في البيع وغيره . لسان العرب

صحيح يجب الوفاءُ به باطلاق ( المسلمون عند شروطهم ) ، وليس هنا إجماع أو سيرة أو شهرة يدل على بطلانه، كما كان ذلك في الشروط الابتدائية ، ويكون أحد الالتزامين من المؤمِّن و الثاني ممن له التأمين ( المؤمّن له ) فيكون إلتزاماً قبال إلتزام فمثلاً ، يقول المؤمَّن : أنا ألتزم و أشترط على نفسى انَّه إذا احترقت سيارتك او سرق مالك أدفع لك هذا المقدار المخصوص أو مقداراً مساويًا لمقدار التالف ، ويقول المؤمَّن له في قبال ذاك الالتزام أنا ألتزم أن أعطيك في كل شهرٍ كذا.

ولا يصدق العقد على الالتزامين المتقدمين لانَّ العقد هو المعاقدة بين الطرفين ومقابلة بين التزامين على نحو يوجب صدق عنوان العقد عليه كما فى البيع والاجارة وغيرهما من العقود .

إن قلت : قد إشتهر أنَّ إطلاق عنوان العقد على إلتزام الموجب والقابل إنَّما هو باعتبار ربط كل إلتزام بالآخر ، و هذا بعينه موجودٌ فى باب التأمين أيضًا حيث أنَّ إلتزام المؤمَّن له يقع مقابلاً لالتزام المؤمِّن .

قلت : لا ريب فى أنَّ الالتزام إنَّما هو بمنزلة الجنس ، ولابد من تفصله بسبب الملتزم به ، فاذا كان الملتزم به حقيقة ذات إضافة بالطرفين ( الموجب و القابل ) ، فيطلق على هذين الالتزامين العقد، فاطلاقه على الايجاب والقبول إنَّما هو بلحاظ كون متعلقهما حقيقة واحدة ، فإنَّ البيع و هو مبادلة مال بمال إنّما هو حقيقة لها طرفان ، تمليك من البايع للمعوض ، وتمليك من القابل للعوض ، وقد أوضحنا ذلك فيما تقدم وقلنا إنَّ البايع يملِّك ماله بمال الآخر فيكون ايجابه عبارة عن تمليك صريح وتملُّك ضمنى.

و باعتبار تمامية الانشاء من قبل الموجب قد توهم بعض أنَّ القبول شرطٌ للعقد لاجزءٌ له ، لكنك قد عرفت أنَّ مطاوعة عمله إنما هو لقبوله التملك للمعوض مقابل تمليكه للعوض ، وحيث أنَّ القابل أيضاً لا بد له

ص: 116

من التمليك للعوض و لو ضمنيًا لكونه ملكاً له فيحتاج في تمليكه للعوض إلى القصد فيصبح القبول جزء للعقد حقيقةً ، و هذا كما ترى لا يجرى فى باب التأمين إلا اذا قلنا بأنَّ التأمين عبارة عن إلتزام إعطاء مبلغ مقابل الخسارة ، وحيث لا نقول بضمان مالم يجب فلا بد أن يكون المصحِّح للتأمين ( وإن لم ينحصر به ) هو إلتزام كل واحد من المؤمِّن والمؤمَّن له بفعل نفسه ، فالأوّل يشترط على نفسه إعطاءَ بدل التالف لدى التلف ، والثانى يلتزم باعطاءِ مبلغ شهريًّا أو سنويًّا أو نحو ذلك .

ثم إنَّ دليل نفوذ الالتزام المذكور عموم ( المسلمون عند شروطهم ) لأنَّ القدر المتيقن من الشرائط الخارجة عن العموم هو الشرائط الابتدائية ، و أمّا إنحصار الشرط النافذ فيما يكون في ضمن العقد فهو غیر صحیح .

و من هنا علم أنَّ التمسك ( ألمسلمون ) أولى من التمسك بقوله تعالى ( أوفوا بالعقود ) ، لانَّ الشروط مستقلة وإن كانت فى ضمن العقود، و هذا هو النكتة في عدم مفسدية الشرط الفاسد للعقد، فانَّ الشرط من جهة إستقلاله بالانشاء لم يتقيد به الطيب المعامل فلا يكون الشرط تقييدا فى دائرة الرضا .

نعم إذا وقع نفس العنوان المشروط مورداً للبيع يكون الشرط مقيّدًا له بمعنى تضييقه لموضوع المعاملة بحيث يكون المبيع هو العنوان المشروط من أوَّل الأمر كما في قوله بعتك الكاتب مثلاً ، فانّ المبيع مقيَّدٌ يكونه كاتبًا من أوَّل الأمر، لكن لا يسمّى ذلك شرطاً في ضمن العقد بل العقد إنّما وقع على العنوان المشروط أى المقيد بخلاف ما إذا قال بعتك العبد وإشترطت أن يكون كاتبًا ، فالأوّل تقييدٌ للرضا والثاني إشتراط مستقل .

وكيف كان فالشرط إذا كان في ضمن العقد يجب الوفاءُ به ، و الدليل عليه إما آية ( أوفوا بالعقود ) كما إستدل بها المشهور أو

ص: 117

عموم قوله ( علیه السّلام ) ( المسلمون عند شروطهم ) كما تمسكنا به نحن نظرًا لاستقلال الشرط .

و الانصاف أنَّ الشرط وإن كان مستقلاً بالانشاء إلاّ أَنَّ تضمُّنَ العقد له يصحِّح إطلاق العقد على المجموع ، مضافاً إلى أنَّ العقدمطلق العهد ، و شموله للالتزام الشرطي مما لاخفاءَ فيه.

الثالث : ماثبت الخيار فيه بالأدلة الحاكمة على اللزوم بيان ذلك إنَّ الاصل الأوّلى في المعاملات هو اللزوم بالأدلة المتقدمة و لكنه إذا كان ضرريًا ايرتفع بقاعدة ( لا ضرر ) فيثبت الخيار في المعاملة، فتكون حكومة لا ضرر هى الرافعة للزوم المعاملة و أنَّ دليل هذا الخيار ليس إلا الحكومة المذكورة ، وهكذا نقول فى خيار الغبن ، و خیار تخلف الوصف أيضاً .

ثم إنَّه لما كان لسان أدلة ( لا ضرر ) هو الامتنان كما هو شأن جميع الأدلة الحاكمة ، فلا يثبت الخيار فيما إذا أقدم أحد المتعاملين على الضرر.

كما أنَّ الخيارفي القسمين الأوَّلين حقٌّ مجعول من الشارع أو من نفس المتعاملين ، ولذا يكون قابلاً للاسقاط والنقل ، وأمّا الخيار في القسم الثالث الثابت بحكومة لاضرر فليس حقاً إذ ليس فيه إلّا الأدلة الحاكمة الرافعة للحكم الضررى ، و هى لا تثبت حقًا لذي الخيار .

الفصل الثاني في شرائطها :

و هى ستة الأوَّل : أن يكون المتعاقدان کاملین جایزی التصرف و المقصود من كمال المتعاقدين هو أن يكونا عاقلين بالغين ، و كونهما جايزى التصرف أن لا يكونا محجورين عن التصرف لفلس أو سفهٍ أو رِقّية، كما في العروة، .

ثم من المعلوم أنَّ المراد من الشرائط المعتبرة في العقود المعاملية

ص: 118

أعم من الشرط و المانع ، فينبغى تقسيم الشرائط أوَّلا ثم نبيِّنُ الدليل على إثبات كل من الأقسام فنقول:

تنقسم الشرائط المعتبرة في المعاملات على ثلاثة أقسام :

الأول : ما يكون مقوّماً للموضوع بمعنى أن يكون الشرط شرطًا عقليًّا بحيث ينتفى العقد بانتفائه، فيكون معنى قولنا إنّ الشرط فى البيع هو وجود الثمن والمثمن هو أنَّ العقد لا يتحقق بدون ذلك، فهو ناظرٌ إلى أصل وجود الموضوع ، و شرط عقلىٌّ بالنسبة إليه ، و لذا تريهم يستثنون من عدم جواز التعليق في العقد الشرائط العقلية ، و ما يكون ناظراً إلى وجود الموضوع كقوله إن كان هذا مالي فقد بعته ، نظير قوله إن رُزقت ولدًا ناختنه.

فاشتراط العقل في المتعاقدين يكون من قبيل الشرط العقلي تصح إجارة المجنون و بيعه ، وهذا لا يحتاج إلى البرهان بل يكون من قبيل القضايا التي قياساتها معها ، و هكذا إشتراط القصد فى العقد فقولنا إنّ العقد لا يصح بلا قصد يساوى قولنا إنّ العقد لا يتحقق بدون القصد ، فعدم صحة عقد المجنون معناه أنّه لاعقد له حيث لا قصد له ، فالتعابير وإن كانت مختلفة إلّا أن المقصود واحد و هو أنَّ هذا النوع من الشروط يكون مقوما للموضوع ، و يكون سلب الصحة عن العقد سالبة بانتفاء الموضوع ، و يترتب عليه عدم صحة عقد المجنون و الهازل والنائم لعدم تحقق الفعل الجانحي و هو القصد.

الثاني : أن يكون شرطًا للنفوذ و المضى بعد الفراغ عن تحقق أصل العقد وهذا أحقُّ بأن يطلق عليه إسم الشرط فحينما نقول : إنَّ الشرط فى المعاملة الرضا وطيب النفس نقصد منه أنّه يشترط ذلك فى نفوذها و أنّ إمضاءَ الشارع لتلك المعاملة وعدم كون الأكل فيها أكلاً بالباطل يتوقف على تحقق ذلك الشرط ، و تعبر عن الرضا الباطنى بالطيب المعاملى ، وبهذا يخرج عن العقود عقد المكره،

ص: 119

و يدخل فيها عقد المضطر .

أمّا الأوّل فلان المكره وإن أنشأ المبادلة إلّا أنّه لم يرض بذلك بل إنّما أنشأها للخوف من المكره ( بالكسر ) فلم تتحقق المعاملة عن رضًا و رغبة منه وحيث نقول إنَّ قصد الانشاء لا ينافي الاکراه لا نريد به أنَّ الاكراه يلازم قصد الانشاء و لا يمكن فيه التورية ، بل نقول إنَّ القصد من المكره ( بالفتح ) بمكان من الامكان و هو لا ينافي عدم الرضا الباطنى فانَّ الرضا كيف نفسانی والانشاءُ فعل نفسى فيمكن أن يكونا متعاكسين فى الوجود بأن يكون الانشاءُ موجودًا دون الرضا.

و بالجملة نحن نقول إنَّ قصد الانشاء يتمشى من المكره ولكن لا يكون عقده نافذاً لعدم تحقق الرضا والطيب ، و بالنتيجة تثبت لعقد المكره صحة تأهُّلية بمعنى أنَّه قابل لأن ينضم إليه باقي الشرائط كالرضا مثلا فيصح بعد ذلك.

فلا يرد علينا أنَّ المكره ربما لا يقصد المعنى تورية فلا يتحقق منه ح قصد الانشاءِ لان هذا الفرض خارج عما نحن فيه ، فانالم نقل إنَّ المكره لا بد أن يقصد المعنى دائمًا ، وإن الاكراه يلازم قصد الانشاء، بل نقول إنَّه إذا قصد المعنى - و هو بمكان من الامكان - يكون عقده صحيحًا تأهُّلاً بحيث إذا إنضم إليه الرضا يثبت له الصحة الفعلية .

و هكذا نقول في عقد السكرانة و الفضولى أمَّا الاول فلانّ السكر إذا لم يصل إلى حدٍّ يفقد فيه القصد، كما يتحقق ذلك غالبًا في المعتادين بشرب الخمر حيث لا يزول قصد هم بشربه بالمرة فح إذا تمشّى منها القصد وأنشأت الزَّوجية ثم رأت ذلك مصلحه لنفسها و رضيت بها بعد زوال السكر يتحقق عقد الزوجية و يصح النكاح وعليه تحمل الرواية الحاكمة بصحة تزويج السكرانة نفسها إذا افاقت و رضيت بذلك بعدها.

ص: 120

وأمّا الثاني فلأن عقد الفضولى ليس فيه نقص إلّا من ناحية رضى المالك فله صحة تأهُّلية فاذا رضى به المالك و أجازه يكون صحيحًا بلا إشكال.

ومن هنا يظهر ما في كلام المحقق الرشتى ( رحمه الله ) من إلتزامه بالرضا التقديرى بمعنى أنَّ المالك لوكان يعلم لكان راضيًا به ، و وجه الضعف أنّ الرضا التقديرى ليس إلّا فرض الرضا و هو لا يفيد في العقد ، مضافاً إلى أنّه لا نحتاج إلى الفرض المذكور فهو إلتزام بما لا يلزم، فالتحقيق هو ما قلناه من الصحة التأهُّلية فى الموارد الثلاثة و هي عقد المكرَه والسَّكرانة والفضولى وعليه تكون الروايات الواردة في باب الفضولى على وفق القاعدة .

وأمّا عقد المضطر فهو ليس كالمكره فانّه صحيح فعلًا لا تأهُّلاً شأناً لانّ أصل الطيب والرضا موجود فيه إختياراً وإن كان مبدئهما إضطراريا و بعبارة أخرى يكون حصول الانشاءِ من المضطر ناشئًا عن تراض و إن كان مبدءُ هذا التراضي هو الاضطرار .

الثالثِ ما يكون ما نعاً عن نفوذ العقد وإطلاق الشرط عليه مبنى على كون عدم المانع شرطاً وإلا فلو قلنا بأنّه مزاحم كما هو الحق فلا يطلق عليه الشرط إلا بنوع من التسامح وعليه فلابدَّ أن يقال إنّ حق الرهانة مثلاً مانع عن نفوذ بيع العين المرهونة لا أنَّ عدمه شرط ، ولذا إذا باع العين المرهونة ثم أدّى الدين يزول حق الرهانة فيرتفع المانع ويصح البيع .

و هكذا نقول في مورد المحجور فانَّ العين إذا كانت محقوقة بحق الغرماء يكون تعلق الحق عليها مانعاً عن نفوذ بيعها لا أنَّ عدمه شرط له ، و لذا إذا باع العين و أعطى حقهم من ثمنه أو أبرؤا ذمة المديون يرتفع المانع ويصح البيع و هذا نظير محقوقية التركة بالدين المستوعب فاذا باعها الوارث و أبرءَ الغرماءُ ذمة الميت ينفذ البيع لارتفاع المانع

ص: 121

فلو كان عدم المانع حال البيع شرطاً لم يصح البيع في الموارد المذكورة .

الكلام فى إجارة الصبّى :

إنّ عدم صحة بيع الصبى أو إجارته هل يكون على نحو السالبة بانتفاء الموضوع كما في القسم الأوّل من الشرائط فيكون الصبى كالبهيمة لا إعتبار بألفاظه كما قال به جماعة من الاصحاب ، أو يكون من باب أنَّ البلوغ شرطٌ فى نفوذ المعاملة فيكون من القسم الثاني فيصح بيعه و إجارته تأهُّلاً و يكون البلوغ شرطاً للصحة الفعلية ، أو تكون الصباوة ما نعاً كما في حق الرهانة فيكون من القسم الثالث وجوه ؟ :

وألحق عدم صحة كل هذه الوجوه فليس البلوغ شرطاً للعقد و لا الصباوة مانعة عنه ، بل يكون بطلان عقد الصبى من جهة القصور في ناحية الاقتضاء .

و لما كانت هذه المسئلة من مهمات مباحث الفقه ويترتب عليها فوائد مهمة فندخل فيها بتفصيل وتوضيح فنقول :

ألمشهور بين قدماءِ الفقهاءِ بل أدعى عليه الاجماع كما عن إبن زهرة في الغنية إنَّ الصبى مسلوب العبارة وإنَّ عمده كلا عمد وقصده كلاقصد ، و لذا ترى أنَّهم يعبرون عنه بأنه كالمجنون تارةً، وكالبهيمة أخرى ، و لازم ذلك أنّ الصبى لا إيمان له ولا عقيدة له ولا صوم له و لا صلاة له ، وكذلك لا إعتبار بانشائاته المعاملية .

و ذهب جمع كثير من الفقهاء رضوان الله عليهم إلى نفوذ إنشائاته بامضاء الولىّ ، و ظاهر المحقق في الشرايع حيث قال (فيه تردد) عدم قبوله ذلك ، و جزم فى كتاب البيع بعدم الاعتبار و لو باذن الولى .

والمختار نفوذ معاملاته مع إشراف من الولى كما أنَّ المعارف الحقة الالهية إِنَّما هى موهبة عظيمة قد يهبها الله تعالى للأطفال المميزين ، ويعطيها لهم قبل بلوغ سن المراهقه ، إذ ليس السِّنُّ دخيلاً

ص: 122

في ذلك، بل كثيرًا ترى فى بعض الاطفال الالتزام بالصلاة والصوم و ما شابههما من العبادات و هم أبناء إثنى عشر سنة أو أقل ، ويعلم ذلك بمراجعة حالات بعض العلماء والاولياء والصلحاء من عباد الله .

فالانصاف أنّ المنصف لا يستطيع أنْ يحكم بأنّ الصبى كالمجنون أو كالبهيمة .

وكيف كان فقد إستدل المشهور على قولهم بأمور :

الأوَّل : قوله تعالى ( و ابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فان آنستم منهم رشدًا فادفعوا إليهم أموالهم(1) ) و تقریب الاستدلال إنَّ الأمرَ بالابتلاءِ لا يستفاد منه الوجوب التعبدي ، إذ ليس فيه ملاك نفسى بل هو مسوق لبيان دفع المال وأنَّه لا يكون إلّا الابتلاء ، فيفهم منه الوجوب الغيرى.

و جملة ( إبتلوا اليتامى ) المغياة ببلوغ النكاح إنَّما هي في معنى الشرط و تدلّ عليه فاءُ الجواب في قوله تعالى ( فان آنستم ) و جوابها الشرطية الثانية بجميعها من المقدم والتالى ، فيكون قوله تعالى ( فان آنستم ) متفرعا على الابتلاءٌ، لمكان الفاءِ الدالة على التفريع، و يفهم من الأمر بدفع المال إليهم بعد ايناس الرشد أنَّ الابتلاءَ الاختبار ماليُّ لان الاختبار من الأفعال ذوات الاضافة الّتي لا تتحقق إلّا بالمتعلق فمناسبة دفع المال مع الابتلاء المامور به تدل على أنَّ الابتلاءَ إنَّما أمر به لأجل دفع المال.

فتلخّص أنَّ الآية الشريفة إنّما تدل على الأمر بالابتلاءِ المغيّى ببلوغ النکاح أى البلوغ إلى حد اقتضاء النكاح لا الفعلية، وتفرّع عليه ايناس الرشد بدلالة الفاء وجعل جزاءُ كل ذلك هو قوله تعالى ( إدفعوا ) فيكون معنى الآية الشريفة هكذا : إمتحنوا اليتامى في الماليات فاذا

ص: 123


1- سورة النساء آية 60

رأيتم أنَّه إجمتع فيهم البلوغ والرشد فادفعوا إليهم أموالهم .

ثم إنّ الآية حيث تتركبت من شرطيتين موجبتين فتدل بمفهومها على قضيتين سالبتين فانَّ القضية الشرطية إذا كانت مركبة من شرطيتين (وقلنا بثبوت المفهوم للشرط كما هو الحق و حققناه في محله ) تدل بمفهومها على سالبتين ، فقولنا إذا جائك زيد وسلّم عليك فأكرمه يدل بمفهومه أنَّه إذا لم يجئك زيد فلا تكرمه وإذا جائك ولم يسلِّم عليك فلا تكرمه .

وعليه فاذا كان معنى الآية أنَّ اليتامى إذا بلغوا النكاح و آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم فيكون مفهومها أنَّهم إذا لم يبلغوا النكاح فلا تدفعوا إليهم أموالهم وإذا بلغوا و لم يكونوا رشيدین فلا تدفعوا إلیهم أموالهم، فيكون حدّ الابتلاء هو البلوغ و لكن المال لا يدفع اليهم إلا عند الرشد ، فالبلوغ حدٌّ تعبدى والرشد حدٌّ عقلى، فيوافق مفاد هذه الآية مع سابقتها الحاكمة بعدم جواز اعطاء المال للسفيه لوحدة الغرض و الملاك فيهما وهو الضعف في ناحية الاقتصاد المالى و التدبيرفيه ، فدلت الآية بمجموعها على الولاية المطلقة للولىِّ و أنه لا إعتبار بألفاظ الصبى ، كما تدل أيضاً على تحقق السلطنة الفعلية بالنسبة إلى اليتيم لدى البلوغ والرشد بالمطابقة وعلى إنقطاع السلطنة عن الولى بالالتزام .

ثم إنَّ هنا كلام للمحقق النائيني على ما ذكره تلميذه المحقق الخوانساري في تقريراته، و هو أنَّ السلطنة إضافة بين السلطان والمال كا لملكية فكما لا يمكن إجتماع مالكين مستقلين على مال واحد كذلك لا يمكن إجتماع سلطنتين فى مورد واحد فانَّ السلطنة و إن كانت أمراً إعتباريا لكنها ليست أمراً موهوماً كأنيات الأغوال بل يحتاج إنشائها إلى مصحح للاعتبار ، والاستحالة هنا ليست بمعنى الاستحالة الفلسفية كاجتماع النقيضين كما مر غير مرة ، فلا يرد علينا أنَّ الاعتبار خفيف المؤنة

ص: 124

فيصح إعتبار سلطنتين مستقلتين على مال واحد، إذ لا يوجد فيه المصحّح للاعتبار فالتحفظ على معنى السلطنة و إنشائها يوجب استحالة إجتماع السلطنتين المذكورتين .

و كما يمتنع إجتماع سلطنتين مستقلتين كذلك يمتنع اجتماع سلطنة تامة كسلطنة الولى وسلطنة ناقصة كسلطنة اليتيم الّتي تكون باذن الولى إذا قلنا بتقييدها به ، فاذا امتنع الاجتماع المذكور و دلت الآية على سلطنة الولى مستقلة يفهم منه نفى السلطنة لليتيم مطلقا وإن كان باذن من الولى.

ثم ذكر أنّ السلطنة الممكنة على ثلاثة أقسام :

الأوَّل : أنْ تكون السلطنة طولية كسلطنة العبد على ماله المتأخرة رتبة عن سلطنة المالك بالنسبة إلى هذا المال ، وكملكية العباد لأموالهم التى هى فى طول الملكية القيّومية الثابتة لله تعالى فتكون سلطنة العبد على ماله فى طول سلطنة المولى ، وملكية العباد لأموالهم في طول ملكية الله تعالى.

الثاني : أنْ تكون السلطنة بنحو الاشاعة كسلطنة الشريكين على مال واحد على نحو الاشاعة.

الثالث : أنْ تكون هناك سلطنتان ناقصتان المحدودة كل منهما باعمال السلطنة من الطرف الآخر بحيث لا يكون لأحد هما منع الآخر كسلطنة الأب والجدّ بالنسبة إلى الأولاد فلو زوجه أحد هما صحَّ و ليس للآخر منعه وكسلطنة حكّام الشرع في موارد ولا ياتهم .

و يتلخص الجواب عن الاستدلال المذكور فى أمور ثلاثة :

الأوَّل : أنَّ بلوغ النكاح وإن كان غاية للاختبار و الابتلاء إلّا أنَّ دفع المال لم يتفرع على البلوغ بل تفرع على الابتلاء المغيى بالبلوغ و ايناس الرشد ، ولا تدل الآية على عدم جواز دفع المال قبل البلوغ، و الفرق بين كون دفع المال متفرعاً على الابتلاء المغيى بالبلوغ و بين

ص: 125

كونه متفرعًا على البلوغ بعد الابتلاء واضح ، إذ على الاول يدفع المال إلى اليتيم بعد الابتلاء بمجرد حصول الرشد سواءٌ بلغ أم لم يبلغ . و على الثانى لا يدفع إليه المال إلّا بعد البلوغ و الرشد وهذا ممّا لا تدل عليه الآية.

و بعبارة أوضح : إنَّ اليُتم مقابلٌ للبلوغ فتكون حالة اليُتم منتهياً إلى البلوغ فاذا بلغ لا يطلق عليه اليتيم ومن هنا نقول إنّ اليُتم أمر زماني و لا بدّ من أن تكون غايته أيضا زمانية فتكون جملة ( حتى إذا بلغوا النكاح، الظاهر فى الغاية بواسطة اشتمالها لحرفها ) زمانية تدل على إستمرار الابتلاء إلى زمان البلوغ ، و لذا نقول إنّه لا يمكن أتكون كلمة إذا غير زمانية لكونها واقعة بعد حرف الغاية وغاية الأمر الزماني لا بد أن تكون زمانيّا ، فاذا بلغ اليتيم يرتفع الابتلاء لانتهاء زمانه فيكون موضوع الابتلاء هو من لم يكن بالغاً و موضوع عدم الابتلاءِ هو البالغ ، فالأمر بالابتلاء ناظر إلى جهة القصور الاقتضائي في اليتيم و أنَّه يرتفع و يكمُل إذا وصل إلى حدّ البلوغ كما أنَّ ايناس الرشد المتوقف عليه دفع المال ناظرٌ إلى القصور الفطرى و النقص الذاتي ، فيكون معنى الآية هكذا إختبروا اليتامى ( غير البالغين ) في الأمور الماليّة و استمروا في الاختبار إلى زمان تحقق البلوغ ، ثم إذا رأيتم فيهم رشداً بعد الابتلاء فادفعوا إليهم أموالهم فليس للبلوغ شأنٌ إلّا كونه غايةً للابتلاءِ و أمّا أنَّ دفع المال مقيد به فلا يستفاد من الآية .

إن قلت : إذا لم يكن البلوغ شرطاً لدفع المال فما وجه تقييد الابتلاءِ به و جعله غاية له وما فائدة ذلك .

قلت : إنّ المقصود من تقييد الابتلاءِ به هو الاشارة إلى القصور في الاقتضاءِ كما مَّرت الاشارة إليه و أنَّه يرتفع القصور شيئًا فشيئًا إلى أن يصل إلى حدّ البلوغ على نحو الامكان الاستعدادی ، وربما يرتفع القصور قبل الوصول إلى هذا الحدِّ فانَّ الانسان إذا ولد، يولد

ص: 126

و هو خالٍ عن كل كمال فعلى لكن يكون فيه الاستعداد الفطري المذكور بحيث إذا ترقت مدارك الطفل وتوسّع فى إدراكه يرتفع ذلك القصور تدريجاً فيصل إلى الكمال بأعلى مراتبه، وهذا هو المقصود من الامكان الاستعدادى ، فقصور الصغير أو اليتيم ليس لنقصان فطری ، بل القصور فيه يكون على نحو الاستعداد الامكاني القابل للاشتداد إلى أن يصل إلى الكمال و هو البلوغ و أمّا أنَّ الكمال المقصود فيما نحن فيه يحصل بأيِّ شيئٍ وأنَّ اليُتم ينقطع فى أىِّ وقت فسيأتى عن قريب . وأمّا إذا بلغ ولم يصل إلى الكمال فيكشف ذلك عن النقص الذاتى كمافى السفيه لا القصور الاقتضائى كما في اليتيم ،

الثاني : أنّه وإن سلَّمنا أنَّ دفع المال يتوقف على البلوغ إلّا أنَّ الابتلاء لليتامى إنَّما يكون في حالُ يتمهم وهذا الابتلاءُ ماليٌّ قطعًا كما تقدم وحيث أنّ الامتحان المالى لا يكون إلّا بالمعاملة فلاجرم يصدر عنه المعاملة في حال اليُتم بواسطة الأمر بالابتلاء و لما كان إشراف الولى مما لا بد منه في المعاملة الامتحانية فلا محالة تكون معامله اليتيم صحيحة إذا كانت باشراف من الولى.

و بعبارة أخرى : الامتحان لا بد فيه من أمور ثلاثة : الممتحِن و الممتحَن و الممتحَن به ، أمّا الممتحَن به فهو المعاملة حيث فرضنا الامتحان مالياً و أما الممتحن فهو الولىُّ فلابد من نظارته وإشرافه وإلّا فلا يتحقق الابتلاءُ، فيستفاد من الآية الشريفة صحة معاملات الصبي إذا كانت باشرافٍ و نظارةٍ من الولىِّ ، و من المعلوم أنَّ المعاملة الحقيقية الجدية أوفق بالاعتبار في باب الامتحان فانَّ الصبي إذا علم بانه هو الذى يعامِل وأنّ الربح له والخسارة فى المعاملة إنّما تجعل على عاتقه وأنَّ كل ما فيها ينسب اليه يكون فى المعاملة أكثر دقة ويسعى و يدبِّر فى كيفيتها ، فلا يرد على ما قلناه ما قاله صاحب الجواهر ( رحمه الله ) من أنَّ الامتحان لا يلزم أنْ يتعلق بالمعاملة الجدّية بل يمكن أن يكون

ص: 127

الامتحان فى المساومة أو المقاولة أو غيرهما من مقدمات البيع ثم يصدر إنشاءُ المعاملة من الولى .

هذا مضافاً إلى عدم دلالة الآية على كون الصبى مسلوب العبارة حتى نضطر إلى حمل الابتلاء على المعاملات غير الحقيقية.

الثالث : أنَّ قوله تعالى ( إدفعوا ) لا يدل على وجود المطلقة للولىِّ بحيث لا تكون لليتيم سلطنة أصلاً حتى الناقصة ، فان غاية ما يدل عليه ( إدفعوا ) أمور ثلاثة :

الأول : دفع المال إلى اليتيم وسلطنته عليه بعد الابتلاءٌ و ايناس الرشد ، و هذا مدلول له بالمطابقة.

الثاني : إنقطاع السلطنة عن الولى المدلول عليه بالالتزام .

الثالث : أنَّ المال إنَّما كان قبل الابتلاءُ و الرشد بيد الولى وهذا أيضًا مدلول للآية بالالتزام.

و أمّا ثبوت السلطنة المطلقة للولىِّ بحيث لا يجوز تصرف الصبي في المال ولو باذن من الولى أو إجازته أو إشرافه فلاتدل عليه الآية.

فما قاله المحقق النائيني من أنَّ ثبوت السلطنة المطلقة لأ مانعة عن سلطنة أخرى مستقلة أو ناقصة لآخر مخدوشٌ، بعدم دلالة الآية على مثل تلك السلطنة للولى .

إن قلت : يمكن أن تكون كلمة حتى فى الآية للاستيناف ، وبالنتيجة لا يكون ما بعدها من متعلقات الجملة السابقة بل يكون مستأنفًا ، فلاجرم تكون إذا للشرط وما بعدها فعله و جوابه جملة فان آنستم و قد قلنا فيما سبق بامكان كون الجزاء بنفسه مشتملاً على شرطٍ و جزاء وعليه يكون معنى الآية إِنَّ اليتيم إذا لم يكن بالغاً ورشيداً لا يدفع إليه المال فتدل على سلب عبارة الصبي كما تقدم.

قلت : لا يمكن أن تكون حتى فى الآية للاستيناف و يتضح ذلك بيان معنى هذه الكلمة وتفسيرها ، فنقول : إنّه يستفاد من الجمع بين

ص: 128

كلمات النحويين أنّ حتى ترد على ثلاثة أنحاءٌ .

الأول : أنْ تكون جارة لمدخولها كما هو الأصل والغالب فيها و إذا دخلت على الجملة الفعلية بناءً على القول بدخولها عليها فلا بد أنْ يأوّل الفعل بالمصدر ليصح دخول الجار عليه ، ويكون الناصب للمضارع ح هو ( أن ) المقدرة لا حتى ، فحتى هذه تدخل على الجملة الاسمية في الأغلب ، وقد تدخل على الجملة الفعلية بناءً على كون النصب بأن المقدرة كما قلنا وأمّا لو قلنا بأنّ الناصبة للمضارع هى حتى و لذا يذكرونها في عداد نواصب المضارع فلا تكون حتى الداخلة على الفعل جارة .

و كيف كان فيشترط فيها الارتباط بين ما قبلها وما بعدها إذ تكون ح إمّا بمعنى ( كى ) المفيدة للعلية أى علية ما قبلها لما بعدها وإمّا بمعنى إلى المفيدة للانتهاء فيكون ما بعدها غاية لما قبلها ولذا قالوا إنّ حتى للغاية أو للانتهاء كالى ومن هنا حاول بعض النحاة إلى ايجاد الفرق بينهما ، ولسنا نحن في هذا المقام.

الثاني : أنْ تكون عاطفة ولا بد فيها أيضاً من وجود الارتباط بين ما قبلها و ما بعدها قضية لمفهوم العطف فانه لا يكون إلّا بين شيئين مرتبطين و الرابط بينهما في الكلام هو العاطف، و أمّا كيفية الربط و سنخ الارتباط والاتصال و أنَّ حتى هذه للتعظيم أو للتحقير فخارج عن محل كلامنا ولا بد للتكلم فيه من محل آخر .

الثالث : حتى الاستينافية وقد يطلق عليها الابتدائية أيضًا و ليس المقصود من إبتدائيتها أنْ يكون ما بعدها مبتدأً و خبرًا بل المقصود أنَّ مدخولها منفصل عما قبلها بحسب ظاهر اللفظ كقوله تعالى ( زُلزلوا حتى يقول الرسول (1) ) وقد صرح بما قلناه السيد

ص: 129


1- بالرفع فى قرائة نافع الآية 210 سورة البقرة ، راجع الاتقان للسيوطى

الجليل المحقق الأريب السيد عليخان .

و ليعلم أنَّ مجيىءَ حتى للاستيناف نادر جدًّا و يكشف عن ذلك قلة الأمثلة لها في أغلب الكتب النحوية .

ثم إنَّ وجود الارتباط بین ما قبلها و ما بعدها لازم هنا أيضًا بل قالوا بلزوم العلية هنا أى علية ما قبلها لما بعدها و إنْ لم نقل بلزومها في القسمين الأوَّلين .

و السِّرُّ فى ذلك أنَّ حتى إنَّما وضعت للارتباط والاتصال فاذا، إنقطع الارتباط و حصل الانفصال بين الجملتين فى ظاهر اللف- بواسطة الاستيناف فلابد أن يكون ما قبلها سببًا وعلة لما بعدها حفظاً لمعنى حتى و لئلّا ينقطع الارتباط بالكلية هذا.

و يشترط فى حتى الاستينافية أن يكون ما بعدها حالاً بان يكون متحققاً بالفعل، ولا أقلّ من أن يكون حاكياً عن الحال وإن كان مدخوله ماضيًا فى الحقيقة فلا تدخل على المستقبل أو الماضى.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنَّ حتى فى قوله تعالى (حتى إذا بلغوا ) لا يمكن أنْ تكون إستينافية لعدم وجود الشرطين المذكورين فيها ، إذ ليس إبتلاءٌ اليتامى علة لتحقق البلوغ فضلاً عن أن يكون علة لفعلية البلوغ ، الّلهم إلّا أن يكون المراد من الابتلاءِ إمتحان اليتامى بسبب أمارات البلوغ لكشف بلوغهم ، كما يظهر مما ورد في تفسير على بن إبراهيم، بأن يكون المعنى إختبروا بلوغ اليتامى بسبب وجود علامات البلوغ وعدمها حتى يظهر بلوغهم و ح فادفعوا إليهم أموالهم بشرط الرشد ، ولكنه خلاف الظاهر، وما في التفسير المذكور لم يعلم إستناده الى المعصوم (علیه السّلام).

و بالجملة بناءً على ما هو الظاهر من الآية ليس ما قبلها علة لما بعدها ولا ما بعدها متحققا بالفعل .

الدليل الثاني للمشهور : الروايات الدالة على أنَّ الصبى مالم

ص: 130

يجتمع فيه الرشد و البلوغ لا يدفع إليه المال .

فمنها (1): ما عن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن عبد العزيز العبدي ، عن حمزة بن حمران ، عن أبي جعفر عليه السلام أنَّه قال : الجارية إذا تزوجت و دخل بها و لها تسع سنين ذهب عنها اليتم ودفع إليها مالها وجاز أمرها فى الشراء والبيع ، قال : والغلام لا يجوزاً أمره في الشراءِ والبيع ولا يخرج من اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك. و رواه إبن إدريس في آخر السرائر نقلاً من كتاب المشيخة للحسن ابن محبوب مثله .

الأخبار الواردة في البلوغ و معني رفع القسم عن الصَّبيِّ و أنَّ عمدة الخطاءُ

و ينبغى أوَّلاً التعرض لسند الرواية إختصاراً فنقول :

أما محمد بن یحیی فهو شیخ الکلینی ( رحمه الله ) و له مقام عظيم ، ويُعدُّ من أحد مشايخ النشر .

و أماًّ احمد بن محمد فكثير في هذه الطبقة إلّا أنَّ رواية العطار عنه قرينة على أنَّه هو إبن عيسى الأشعرى و هو جليل ثقة من مشايخ النشر .

و إبن محبوب هنا هو حسن بن محبوب و يقال له الصرّاد أو الزرّاد لا محمد بن علی بن محبوب الذى هو بعد الطوسى ، و هو ثقة عين و كان جليل القدر و من أصحاب الاجماع و المقصود منه أنّه لا يروى إلّا عن ثقة كما تقدم معناه مشروحاً وقلنا إنَّ المقصود من الاجماع هنا ليس هو الاجماع التعبدى المصطلح الكاشف عن قول المعصوم (علیه السّلام) بل المقصود من أصحاب الاجماع أنَّ العلماءَ إستكشفوا من سيرة هؤُلاءِ في الرواية أنَّهم ملتزمون بنقل الرواية عن الثقة فقط، و نقل هؤُلاءّ كاشفٌ عن إحراز هم لمثل هذا البناء العملى ، ومن المعلوم أنَّ الالتزام العملى

ص: 131


1- الوسائل، باب 14 من أبواب عقد البيع حديث1

بشییءِ کاشف عنه كالاخبار عنه فلا فرق فی کشف وثاقة شخص بين قولك بأنَّ فلان عادلٌ و بين معلومية بناءك على عدم الاقتداء إلّا بالعادل ثم صلاتك خلفه .

وأما النقض بأنَّه قد علم فى موارد عديدة ( كالخبر المذكور) بأنهم يروون عن الضعفاء ، ففيه أوَّلاً أنَّ الضعف فى غالب تضعيفات الرجاليين يكون مبنيًّا على الخلل في الاعتقاد و إن كان ذلك في نظر الجارح كالغلُوِّ حيث أنَّ الغلوُّ بحسب . معتقد القدماء يشمل نقل مناقب المعصومين ( علیهم السّلام ) التي يقصر إدراك جملة من الناس عن فهم مغزاها و درك واقعها ، و مثل هذا الضعف لا يضرُّ بحجية قول الراوى بناءً على المختار في باب حجية الخبر من أنّ الحجية إرائة للواقع و هي أمر خارجى لا يرتبط بالجعل التعبدي، بل قد ذكرنا في محله أنَّه لا يعقل جعل ماليس بطريق طريقاً بالتعبد إذ الملحوظ في الطريق جهة الارائة عن الواقع كما قلنا والارائة ليست قابلة للتعبد ، وكذا لا يعقل جعل الطريق طريقاً إذ هو لغوٌصرف لانه تحصيل للحاصل، هذا بالنسبة إلى مورد التضعيف الذى لم يعلم كونه بسبب كذب الراوى .

وأمّا إذا كان التضعيف بسببه ، فالجواب عن هذا الاشكال أنّه لم يعلم نقل أصحاب الاجماع الرواية عن الضعفاء حال ضعفهم ، إذ نرى في تاريخ جماعة من الضعفاء أنَّه كانت لهم حالتان ، حالة إستقامة، و حالة ضعف فمن الجائز بل الواقع نقل اصحاب الاجماع عنهم حالة استقامتهم، فراجع ترجمة على ابن حمزة البطائنى و من شاكله فى تدرُّجه من حالة الاستقامة، إلى حالة الضعف ، وتدبُّر فيما ذكرناه تجده موافقاً للوجدان . فلايرد عليه ما عن بعض من أن الاجماع هناليس فيه الكشف عن قول المعصوم فكيف يكون حجة ، كما لا يرد أيضًا ما عن بعض من أن عبد العزيز العبدي ضعيف ، فانّ الضعف إذا أحتمل كونه

ص: 132

مستندًا إلى فساد المذهب لا يوجب ضعفًا في الرواية وإنَّما الموجب للضعف ما يكون مستندًا إلى الكذب وعدم الوثاقة في القول ، فاذا علمنا أنَّ فلاناً لا يروى إلّاعن الثقة لا بد لنا من قبول رواياته و إن قالوا بالضعف في حقه لاحتمال كون تضعيفهم للخلل فى مذهبه وإن كان ذلك لاجل الغلوّ بنظر المضعف .

و حمزة بن حمران من طائفة أكثرهم رواة الاحاديث و فيهم زرارة و إخوانه وكثير من أقربائه و هو وإن لم يوثق إلا بماورد في مجموع هده الطائفة من المدح إلّا أنَّ بعضًا من أصحاب الاجماع نقل عنه الرواية مع إلتزامه بعدم النقل إلّا عن الثقة وهذا يدل على وثاقته ، وفى بعض النسخ ذكر بعد حمزة بن حمران حمران و هو أيضًا ثقة للروايات القريبة إلى التواتر عن الصادق ( علیه السّلام ) الدالة على جلالة قدره و وثاقته ، وفى بعضها أنَّه (علیه السّلام) ضمن له الجنة و عده بعضهم من المشايخ المفضلين ، فلا إشكال فيها من جهة السند .

و أمّا متنها و تقريب الاستدلال بها يتضح ببيان بعض مفردات الرواية فنقول : إنَّ اللّام في قوله ( علیه السّلام ) ( لها تسع سنين ) تدل على أنَّ إنقطاع اليتم إنَّما يكون بعد تمامية التسع لا بمجرد الشروع فيه، و معنى دفع المال إليها هو إنقطاع السلطنة عن الغير وثبوتها لها ، وجاز أمرها أى نفذ وذكر الشراء و البيع إنَّما يكون من باب المثال لا أنَّ نفوذ أمرها يختصُّ بهما حتى لا ينفذ في الاجارة و نحوها ، و الشاهد على ذلك أنَّ الرواية مسوقة لبيان غاية اليتم و وقت انقطاعه و ليست فى بيان نفوذ أمرها ، هذا هو العقد الايجابي .

وأمّا العقد السلبي فقد ذكره الامام عليه السلام في ناحية الغلام و المقصود من الأمر فى قوله ( لا يجوز أمره ) هو الأمر الوضعى أى الصحة و الفساد ، و ظاهر الرواية هو ذهاب اليُتم بمجرد البلوغ إلى خمس عشرة سنة ، ولكن ظاهر الفقهاء هو الاتمام و الروايات الواردة

ص: 133

في حدّ إنقطاع اليُتم أيضًا مختلفة بين التسع وغيره ، و لذا ذهب المحقق الأرد بيلى إلى ضعف الرواية المذكورة ، وعلَّله بأنَّ فيه حمران و هو ضعيفٌ و المقصود من قوله ( يُشعر ) هو الانبات فيكون العطف تفسيريًا و إن كان بأو، الظاهر فى الترديد و التنويع و المشهور إنبات الشعر في العانة لافي الوجه وغيره من أعضاء البدن.

و كيف كان فتدل الرواية على أنَّ الصبى مسلوب العبارة وأنَّه لا يدفع إليه المال إلا بعد البلوغ .

ومنها : ما عن محمد بن يحيى عن أحمد بن بن محمد بن عيسى عن محمد بن عيسى عن منصور عن هشام عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إنقطاع يُتم اليتيم بالاحتلام و هو أشدّه و إن إحتلم و لم يونس منه رشده وكان سفيهًا أو ضعيفًا فليمسك عنه وليّه ماله .

محمد بن عيسى ثقة سواءٌ كان هو الأشعرى أو محمد بن عيس اليقطينى ، نان اليقطينى أيضًا ثقة إلّا أنَّه بواسطة نقله عن يونس بن عبد الرحمن وتتلمذه عنده ضعّفه الشيخ الطوسى ( رحمه الله ) ، و لكن قد تقدم أنَّ ضعف المذهب لا يوجب ضعف الراوى إذا كان موثوقًا في قوله.

و منصور هو إبن حازم و هو ثقة ، كما أنَّ هشام وهو ابن سالم ثقة أيضًا. فتدل الرواية على أنَّ أمر المال يكون قبل البلوغ والرشد بید الولىِّ فيكون الصبي مسلوب العبارة .

و لكن الانصاف أنّ الرواية لا تدل على أكثر من أنَّ الولى كصندوق حفظ لليتيم و ليس شأنه إلا صيانة ماله لانه الظاهر من قوله فليمسك.

و هناك روايات أخرى تدل على صحة بيع الصبى إذا كان بنظارة من الولىِّ .

منها (1) : ما عن محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن

ص: 134


1- الوسائل ، باب 15 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث 1

سهل بن زياد عن إبن محبوب عن إبن رئاب قال سئلت أبا الحسن موسى عليه السلام عن رجل بيني وبينه قرابة مات و ترك أولاداً صغاراً و ترك مما ليك غلماناً وجوارى و لم يوص فما ترى فيمن يشترى منهم الجارية فيتخذها أم ولد ؟ ما ترى فى بيعهم؟ قال فقال : إن كان لهم ولىٌّ يقوم بأمرهم باع عليهم و نظر و كان مأجورًا فيهم ، قلت : ماتری فيمن يشترى منهم الجارية فيتخذها أم ولد ؟ فقال لا بأس بذلك إذا باع عليهم القيِّم لهم النّاظر فيما يصلحهم فليس لهم أن يرجعوا فيما صنع القيِّم لهم النّاظر فيما يصلحهم .

رجال السند كلهم ثقات غير أنَّه لم يرد في مورد سهل توثيقٌ إلا أّن الدقة في تاريخه تشهد بوثاقته، قال شيخنا البهائى أنا أستحى أن أردَّ روايات سهل . و المقصود من ( الناظر ) المذكور في الرواية مرتين هو نظارة الولى ، و إستدل صاحب المستند بمفهوم هذه الرواية على عدم نفوذ بيع اليتيم ، و لكن فى صحيحة (1) عيص ابن القاسم عن أبي عبد الله عليه السلام سألته عن اليتيمة متى يدفع إليها مالها ؟ قال : إذا علمت أنها لا تفسد و لا تضيع ، وليس فيه ذكر البلوغ.

ومنها (2) : عن السكونى عن أبي عبد الله عليه السلام قال : نهى رسول الله صلى الله عليه و آله عن كسب الاماء فانّها إن لم تجد زنت إلّا أمة قد عرفت بصنعة يد و نهى عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعة بيده فانه إن لم يجد سرق. فلوکان الصبى مسلوب العبارة وكالبهيمة فلا معنى لتعليل عدم جواز كسبه بعلة خارجة عن ذاته و هى السرقة بل لا بد من التعليل بسلب عبارته

ص: 135


1- الوسائل باب 1 من ابواب الحجر حديث 3
2- الوسائل باب 33 من ابواب - ما يكتسب به حدیث 1

و يستفاد من قوله ( علیه السّلام ) إن لم يجد سرق أنَّ النهي عن معاملة الصبى إرشادى لا مولوىٌّ فليس النهى ناظراً إلى حرمة معاملة الصبى أو فسادها بل هو إرشاد إلى أنّه لو لم يجد يسرق ، و بعبارة أخرى : إنَّ المنع عن معاملة الصبي قد يكون لعدم المقتضى بأن تكون عبارته مسلوبة و قد يكون لعدم الشرط بأن يكون البلوغ شرطاً في معاملاته، وثالثة يكون لطروِّ مانع ذاتى بأن يكون الصباءُ مانعًا عنها و لكن كل ذلك لم يصح لكون المانع المذكور فى الرواية مانعًا إتفاقيًا و هو إمكان السرقة .

و أمّا الاشكال على سندها بوجود السكونى فيه و هو ضعيف على ما هو المشهور ، فيندفع بما قاله المحقق ( میرداماد ) من أنَّه من المشهورات التى لا أصل لها ، وبما قاله الشيخ الطوسى في العدّة من عدم الاحتياج في العمل بالرواية إلى كون راويها إ اميًا بل قد عملت الطائفة بأخبار جماعة غير إمامى وعدَّ منهم السَّكونى ، وشيخ السكون نشرًا و أصله في الرواية عنه هو النوفلى و هو بالنسبة إليه بمثابة إسماعيل بن مرار بالنسبه إلى أصل يونس بن عبد الرحمن .

وكيف كان فالرواية معتبرة عندهم ولا إشكال فيها سندًاو دلالة .

ثم إنّهم إستدلوا على مسلوبية عبارة الصبى بصحيحة (1) محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام : عمد الصبي و خطأه واحد . وقد ورد في رواية أخرى عن على عليه السلام إنّه كان يقول في المجنون و المعتوه الذى لا يفيق و الصبِّى الذى لم يبلغ عمد هما خطأ تحمله العاقلة ، وقد رفع عنهما القلم .

و ليس في الرواية الأولى إسم من الجناية وإن كانوا يذكرونها في الوسائل و غيره فى باب الديات، وتقريب الاستدلال أنَّ الصحيحة تدل على وحدة الخطأو العمد في الصبى . و من المعلوم الواضح لكل

ص: 136


1- الوسائل باب 11 من ابواب المعاملات حدیث 2

أحد أنَّ عمد الصبى ليس كخطأه تكوينا إذا الفرق بينهما ظاهرٌ واضحٌ فكيف يحكم الشارع بوحدتهما ، فلابد أن يكون ذلك من باب التنزيل بمعنى أنَّه يكون عمد الصبى خطأ حكماً وفى نظر الشارع ، فيدل على مسلوبية عبارة الصبى كالرواية المتقدمة عن حمزة بن حمران و كمفهوم رواية ابن جالون لا رئاب .

وبتقريب أوضح : إنّ التنزيل الشرعى فى باب الموضوع يرجع إلى التسوية فى الحكم إذ لا معنى لادراج أحد الموضوعين المتباينين تحت الآخر فاذا نزَّل الشارع عمدَ الصبى بمنزلة خطائه فلا محالة يكون هذا التنزيل في ناحية الحكم .

ثم إذا لم يكن فى لسان الدليل وجه ظاهر للتنزيل يحمل على جمیع الآثار ويؤخذ باطلاق التنزيل ، فيكون معنى الرواية أنَّ عمد الصبي كخطائه في جميع الأحكام فكما لا حكم للخطأ كذلك لا حكم للعمد فيه فيستفاد منه أنَّه مسلوب العبارة و أنّه لا إعتداد بقصده في جميع الأحكام ، هذا كله بالنسبة إلى صحيحة إبن مسلم.

و أمّا الرواية الأخرى المروية عن أبى البختری عن علی (علیه السّلام) فهی قد وردت في باب الجنايات وأنّ ديتها تكون على العاقلة ، والمعتوه بمعنى المجنون بقرينة ضمير التثنية الراجع إلى الصبي و المجنون و المعتوه و بقرينة جملة ( الذى لا يفيق ) الراجعة إلى المجنون و المعتوه معًا.

ثم لا بد أن يكون ذيل الحديث مرتبطاً بما قبله فلا يكون الواو فى قوله ( وقد رفع عنهما ) للاستيناف كما صرح بذلك الشيخ في المكاسب فرفع القلم عن الصبى إمّا أن يكون علة لكون العمد خطأ و لكون الدية على العاقلة و إمّا أن يكون معلولاً لكون العمد خطأ فيكون هذا سببًا لرفع القلم ، وعلى كل تقدير يستفاد من الحديث مسلوبية عبارة الصبى.

و لتوضيح الجواب عن الاستدلال المذكور نقدَّم مقدمة فنقول :

ص: 137

إنَّ تصرّف دليل في دليل آخر قد يكون في ناحية المحمول بمعنى أنَّ الدليل الثانى ينظر إلى حكم الدليل الأوَّل و يتصرف فيه و هذا كما في التخصيص، فانَّ المخصص إنَّما يُخرج الأفراد عن العام إخراجًا حكمياً لا موضوعيًا . و قد يكون لسان الدليل الثانى هو التصرف في الموضوع وإن كان مآله إلى الحكم أيضًا ، وهذا نسمّيه بالحكومة و هذا أيضًا على نحوين : ألأوَّل أنْ يكون مفاد دليل الحاكم هو التوسعة في دائرة الموضوع باضافة فرد إليه كما في قوله ( علیه السّلام ) ( الطَّواف بالبيت صلاة) وهذا القسم نسمّيه بالحكومة التعميمية ، الثاني : أنْ يكون مفاده التضييق في ناحية الموضوع كما في قوله ( علیه السّلام ) لا شك لكثير الشك ، وهذا ما نسمّيه بالحكومة التضييقية ، ونتيجتها هو التخصيص بمعنى التخصيص بمعنى أنَّ الحاكم أنَّ الحاكم بالتضييق كالحاكم بالتخصيص إلّا أنَّ الاول ناظرٌ إلى عقد الحمل والثاني إلى عقد الوضع .

إذا عرفت ذلك فاعلم أنَّ الظاهر فى تنزيل الشارع عمد الصبى بمنزلة خطائه بحسب المنطوق هو الحكومة التعميمية بمعنى أنّ هذا الدليل يوسع دائرةَ الخطاءِ و يلحق به حكمًا مّا ليس منه تكويناً وهو العمد ، و ح فلو لم يكن للخطاء حكم فى عالم التشريع أصلاً كنا نقول بدلالة الاقتضاء بعدم الحكم للعمد ، وكانت الرواية دليلاً لقول المشهور و لكن نحن نرى أنَّ للخطأ حكماً في باب الجنايات فانَّ القتل إذا صدر خطأً تجب فيه الدية على العاقلة بخلاف العمد الواجب فيه القصاص، فيكون مقتضى التنزيل ح أنَّ حكم الخطاء و هو كون الدّية على العاقلة ثابت للعمد في الصبى أى إنَّ قتله يوجب الدية على العاقلة وإن كان عن عمدٍ ، هذا ما تدل عليه الرواية بالمطابقة و تدل بالالتزم على نفى القصاص عن الصبى ، فيكون مدلوله المطابقى هو أنَّ عمده خطأٌ حيث الحكم و هو كون ديته على عاقلته ومدلوله الالتزامي هو نفى القصاص عنه فأين هذا من مسلوبية عبارته وكيف تدل الرواية على أنّه كالبهيمة .

ص: 138

إن قلت : لم لا يجوز أنْ تكون الرواية دالة على أمرين أحدهما كون عمده خطأ في باب الدية وثانيهما أن يكون العمد في عدم الأثر كالخطأ و أنَّه لا حكم لعمده ليكون كلام المشهور صحيحًا .

قلنا : يستلزم ذلك إستعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد و الجمع بين اللحاظين ممّا لا يساعده المتفاهم العرفي ، فانَّ الخطأ هو عدم تطابق القصد مع المقصود و يعبَّر عنه بالاشتباه بمعنى أنَّ القصد موجود في الخطأ لكنه لا ينطبق مع المقصود ، و تنزيل العمد بالخطأ يدل على وجود القصد في العمد كوجوده في الخطأ ، و الشارع جعل قصد الصبى العمدى كقصده الخطائي من حيث الحكم الشرعى المترتب على الخطأ و هو الدية و أين هذا من جعل قصده کلا قصد و لحاظه كالمجنون و النائم ، فالرواية تدل على أنَّ عمد الصبى له الأثر إلّا أنَّه أثر خطائى لا أثر عمدى ، و لا جامع بين المصداقين حتى يقال باستعمال اللفظ في الجامع، فالرواية متعرضة لجهة الاثبات أى إثبات أثر الخطاء لعمد الصبى لا أنّها تنفى كل أثر عن عمده .

ويؤيد ذلك ما فى ذيل رواية أبى البخترى من قوله ( علیه السّلام ) تحمله العاقلة فإنَّها أثبتت لعمده أثر الخطأ ( وهو حمل العاقلة الدية ) و نظير ذلك ما ورد فى موثقة أبي عبيدة الواردة فى الأعمى الحاكمة بأنَّ عمد الأعمى كخطائه في ثبوت حكم الخطاء لعمده لا أنَّه ينفى الحكم عن العمد مطلقاً ، نعم لو لم يكن للخطاء أثر فى الشرع لدلت الرواية على أنَّ العمد كالخطأ لا أثر له بدلالة الاقتضاء أى صونًا لكلام الحكيم عن اللغوية و لكن الأمر ليس كذلك لترتب الأثر على الخطأ و هو كون الدية على العاقلة إذا صدر القتل منه عن خطأ كما تقدم .

ثم إنَّ رفع القلم عن الصبى ليس علة لكون الدية على العاقلة فانَّ مفاد حديث الرفع ولسانه هو النفى لا الاثبات ، و لذا قلنا في الأصول بانَّ حديث الرفع إنّما يرفع الحكم المشكوك ثبوته في الأجزاء والشرائط

ص: 139

و أمّا بقاءُ الحكم في بقية الاجزاء و الشرائط فليس من جهة حديث الرفع بل بواسطة إطلاق الدليل الأوَّلى وليس هذا إلّا من جهة أنَّ حديث الرفع رافع لا مثبت ، والشيخ ( رحمه الله ) مع إعترافه بذلك إحتمل في المقام أن يكون رفع القلم علة لثبوت الدية على العاقلة .

كما أنَّ الرفع ليس معلولاً لكون عمد الصبى خطأ إذ لا مناسبة بينهما توجب العلية بل الرفع إنَّما يكون لملاك ثابت لنفسه و هو الامتنان و لا يحتاج إلى علة أخرى غير مناسبة معه .

و بالجملة نحن نختار أنَّ رفع القلم علة لرفع الحكم الالزامي و هو القصاص إمتناناً ، و بهذا نتحفظ على ظاهر الرواية غير الدالِّ على إلغاء قصد الصبى و أنَّه كلا قصد ، وإنَّما لم نقل نحن في ردّ الاستدلال على قول المشهور إنَّ هذه الرواية إنَّما وردت في باب الجنايات و لذا يذكرونها فيها و ليست فى مقام بيان مسلوبية عبارة الصبى كما قاله المحقق النائيني لانه يرد عليه أوَّلاً أنَّ صحيحة إبن مسلم مطلقٌ ليس فيها ذكر عن الجنايه أصلاً ، وثانياً أنَّ مجرد ذكرهم هذه الرواية فى باب الجنايه لا يدل على أنّ المقصود منها ذلك أيضًا .

ثم إنّه يمكن أن يكون رفع القلم علة للتنزيلين معًا، و بيان ذلك : إنَّ الضدين إذا كان لكل منهما أثر فى الشرع ودخل أحد هما في الآخر بالتنزيل يتحقق هناك إخراج و إدخال أى اخراجه عن الضد الأول و إدخاله تحت الضّد الثّاني ، فمثلًا قولنا ( فى قتل العمد قصاص ) كبرى شرعية و قولنا ( في القتل الصادر عن خطأ تكون الدية على العاقلة ) كبرى أخرى . فاذا حكم الشارع أنَّ عمد الصبى خطأٌ قد أتى هنا بجعلين أحد هما أنَّه أخرج العمد عن الدليل الأوَّل و يلزمه نفى القصاص و أدخله فى الدليل الثانى ويلزمه ثبوت الدية على العاقلة .

إن شئت فقل : إنَّ الحكومة تعميميةٌ بالنسبة إلى الخطأ حيث أضاف الشارع إليه فردًا آخر و تضييقية بالنسبة إلى دليل العمد حيث

ص: 140

أخرج عنه فردًا من العمد و هو عمد الصبى ، فتحقق هناك تنزيلان متلازمان تنزيلٌ إدراجىٌّ و هو إدراج العمد في الخطأ و تنزيل تضييقىٌّ و هو إخراج عمد الصبي عن مطلق العمد ، والأول يدُّل عليه اللفظ بالمطابقة ، والثانى بالالتزام و يكون رفع القلم علة لهذين التتزيلين.

وقد إستدلوا أيضًا بحديث الرفع المروىِّ عن على عليه السلام (1) ( أما علمت أنَّ القلم يرفع عن ثلاثة عن الصبى حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ ) .

و تقريب الاستدلال على نحوين الأوَّل : أنَّ من الواضح أنَّ المقصود من القلم هو المعنى الكنائى و أنَّ رفعه يحتاج إلى المتعلق ، وحيث أنَّ حذفه يفيد العموم فيستفاد منه رفع القلم عن كل تكليف فيكون الصبي ممن لا تشريع في حقه مطلقاً بل يستفاد من ذكر المجنون معه عدم المقتضى لوضع القلم عليه وأنَّه لا يعقل تشريع التكليف في حقه لقصوره الذّاتى كما في المجنون ، و عليه تكون عبادات الصبى غير صحيحة و لا شرعية و كانها لم تكن موجوداً من أول الأمر، بل تكون إعتقاداته بالمعارف الحقة الالهية و بأصول الدين مرفوعة و غير شرعية فيكون الصبى كالبهيمة .

الثاني : أنَّ الرفع إنّما يناسب الأمر الثقيل ، فنستكشف من المناسبة بين الحكم و الموضوع أنَّ المرفوع لا بدَّو أن يكون أمراً ثقيلاً عليه يكون المرفوع عن الصبى هو الحكم الالزامي فقط سواءٌ كان تكليفيًا أو وضعيًا ولا يشمل العبادات المستحبة و المعارف الحقة مما ليس فيه ثقل ، ولا يشمل الأحكام الوضعية التي ليست منوطة بارادة و إختيار كالضمان في باب الاتلاف مثلا فانَّ الضمان وهو اشتغال العُهدة فيمن أُتلف مال الغير لا يتوقف على كون الاتلاف عن إرادة و شعور

ص: 141


1- الوسائل باب 4 من ابواب مقدمة العبادات حديث 10

فالنائم أو غير الملتفت إذا أتلف مال الغير يكون ضامنًا كضمان المستيقظ و الملتفت بلا فرق .

و بالجملة فترفع عن الصبى الاحكام الالزامية لانَّ فيها ثقل على المكلف سواءٌ كانت تكليفية أم وضعية وأمّا العبادات المستحبة و المعارف الدينية الالهية فليست مرفوعة عنه كما لا ترفع الوضعيات غير المتوقفة على الارادة و الاختيار .

و التحقيق عدم صحة كلا التفسيرين المتقدمين للحديث إذ الظاهر من رفع القلم عن الصبى هو رفع الوزر بمعنى العقوبة فالمقصود من المرفوع هو الثقل الخاص وهو الثقل العملي فتكون الذنوب و التبعات العمليّة مرفوعة عن الصبي ، فلا ربط للحديث برفع الأحكام لانَّ هذا الحديث إنَّما صدر للإمتنان على الصبى و أىُّ إمتنان له في رفع كل الأحكام حتى النَّدبي منها عنه ، وهل يصح لأحدٍ أن يقول إنَّ إعتبار الشارع الصبي مسلوب العبارة و حكمه عليه بأنّ صلاته لا صلاة و قصده لا قصد و اعتقاداته و معارفه الالهية غير معتبرة ، إمتنانٌ من الشارع بالنسبة إلى الصبى ، فانَّ رفع جميع الأحكام بالحديث المذكور مناقض للامتنان الذّى لأجله صدر هذا الحديث .

هذا مضافًا إلى أنَّ الرَّفع لا يقبل التطبيق على بعض الموارد كالمعارف الالهية و الاعتقادات الحقة، فاذا قطع الصبى بوجود الحق تعالى و نبيّه وخلافة علىٌّ (علیه السّلام ) فهل يصحّ للشارع أن يقول له : أنت لست بقاطع لأنى رفعت عنك القلم ، وذلك لانَّ القطع و اليقين صفة نفسانية موجودة فى موطنها بالوجدان و لا يقبل الرفع، فرفع جميع الأحكام عن الصبى مع مخالفته للامتنان لا يمكن في جميع الموارد .

و يؤيِّده سياق الحديث فانه و إن ذكر فيه المجنون إلّا أنَّ النائم أيضاً قد ذكر فيه وليس هو خارجاً عن التكليف بالاتفاق فانَّ وجوب القضاء على النائم كالجاهل من ضروريات مذهب الشيعة فليكن الصبى مثل النائم .

ص: 142

و أما كيفية تفسير الخطاب وتوجيهه بحيث يعم الجاهل و النائم فموكولة إلى محل آخر . فتلخص أنَّ الرواية المذكورة لا تدل على رفع جميع الأحكام عن الصبى حتى يستفاد منها مسلوبية عبارته و الدليل على ذلك هو مساق الحديث وسياقه .

مضافاً إلى الروايات الخاصة الواردة فى صحة عتق الصبى وتدبيره و وصيته و نفوذ عقده .

فمنها (1) ما عن محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن سلمة بن الخطاب عن الحسن بن على بن يقطين عن عاصم بن حميد عن إبراهيم بن أبي يحيى عن أبي عبد الله عليه السلام قال : تزوج رسول الل- صلى الله عليه و آله أمَّ سلمة زوَّجها اياه عمر بن أبي سلمة و هو صغير لم يبلغ الحكم .

و أضف إلى ذلك الروايات الكثيرة الدالة على كتابة الحسنات للصبى و أنَّه لا تكتب له السيئات وإطلاقها يشمل العبادات المستحبة و الواجبة التعبدية والتوصلية و الأخلاقيات الحسنة خلافاً لمن قال إنَّ الحسنات إنمَّا هى المستحبات وعليه يكون تدبير الصبى و عتقه و وصيته على وفق القاعدة.

بقى علينا الجواب عن خبر حمزة بن حمران الحاكم بعدم جواز أمر الغلام إلى أن يبلغ فقد أجاب عنه المحقق النائيني بأنَّ الروايات التي دلت على عدم جواز أمر الصبى إنَّما هي مسوقة لبيان إستقلال الصبى لدى البلوغ و أنه إذا بلغ يستقل بأمره ومعاملاته وليست مسوقة لبيان مسلوبية عبارته وعدم الاعتداد بقصده .

وقد أجاب عنها شيخنا الأعظم بنحو آخر وهو أنَّ معنى جواز الأمر هو مضيّة و نفوذ ، و المضيُّ عبارة عن عدم الموقوفية على شيءٌ آخر ،

ص: 143


1- الوسائل باب 16 من ابواب عقد النكاح حديث 1

فاذا قال الشارع إنَّ الصبى لا يجوز أمره ، يكون معناه أنَّ بيعه وشرائه و سائر معاملاته موقوفة ، ولا دلالة له على ان قصد ، كلا قصد ، فالرواية لا تدل على اكثر من ان معاملاته موقوفة . هذا .

وردَّه المحقق الاصفهاني بأنَّ عدم الجواز و إن كان مساوقاً لعدم المضىِّ و النفوذ كما قلتم فانّ هذه الألفاظ الثلاثة . أى الجواز و المضىّ و النفوذ، متقاربة المعنى و هذا صحيح ولكن نحن نقول إنَّ قوله لا يجوز أمر الغلام ناظر إلى عدم النفوذ الفعلى و أنَّه لا يترتب الأثر على معاملته بالفعل وحيث أنَّ عدم المعلول و الأثر لابد وأن يستند إلى عدم تمامية العلة التامة وأنَّ عدم تماميتها قد يكون لعدم المقتضى وقد يكون لعدم وجود الشرط ، وثالثة لوجود المانع فلاجرم يكون عدم النفوذ الفعلى ( وهو المعلول ) مستندًا إلى واحد من المذكورات فيمكن أن يستند إلى عدم المقتضى وهو القصور في ناحية الاقتضاء فيدل ح على مسلوبية عبارة الصبى وأن يستند إلى عدم الشرط و هو البلوغ أو إشراف الولى و نظارته وأن يستند إلى وجود المانع و هو الصباءُ والصغر

ولا فرق فيما نحن فيه بين القول بأنَّ العدم أى عدم المانع شرطٌ وقيد لوجود المعلول كما هو المشهور أو أنَّ المانع مخلٌّ كماهو المختار .

وكيف كان فلا تدلُّ الرواية على الموقوفية بل المقصود من عدم الجواز هو عدم النفوذ الفعلى وحيث أطلق في الرواية عدم الجواز يشمل الاطلاق مورد إذن الولى أيضًا إنتهى كلامه .

و یرد عليه أنَّ مجرد إحتمال إستناد عدم المعلول إلى عدم المقتضى ثبوتاً لا ينتج أنَّه مستند إليه فقط لا إلى عدم الشرط أو وجود المانع . توضيح ذلك : أنَّ عدم المعلول لازم أعم لكل من عدم المقتضى أو الشرط أو وجود المانع فيصح إستناده إلى كل منها ثبوتاً لكنَّ الاطلاق إنَّما يتصور فيما إذا كان له قابلية التطبيق على الأفراد على نحو التساوى بأن لا يكون فرق بين إنطباق المطلق على فرد و بین

ص: 144

انطباقه علی فرد آخر سواءٌ كان صدق الحقيقة المطلقة على الأفراد على نحو التواطى أو على نحو التشكيك فانَّ الفرق بين الأفراد بالأولوية و الأوَّلية لا يضر فيما نحن بصدده وهذا كالماء في قوله ( أعطنى ماءً ) فانَّه مطلق ينطبق على أفراده بالتساوى و إطلاقه يشمل كل فرد و هكذا في الكليات المشككة كالنور والبياض وغيرهما .

و أمّا إذا كان إنطباق المطلق على أفراد ، على نحو الترتُّب كما فيما نحن فيه فلايؤخذ فيه باطلاق المطلق ، فانَّ عدم المعلول لا يستند إلى عدم الشرط أو إلى وجود المانع مادام لم يكن المقتضى موجودًا فانّه مقدم عليهما رتبةً فاذا لم يكن النار موجوداً لا يستند عدم الاحراق إلى وجود الرطوبة أو عدم المجاورة ، والسرُّ فى ذلك هو التقدم الرتبى الثابت للمقتضى فعند عدم وجود المقتضى لا نحتاج فى عدم المعلول إلى عدم وجود الشرط بل يكون هو من قبيل ضمّ الحجر في جنب الانسان فاذا قال الشارع لا يجوز أمر الغلام، فعدم الجواز هذا وإن كان يمكن إستناد إلى عدم المقتضى و هو سلب عبارته ، أو إلى عدم وجود الشرط و هو البلوغ أو إشراف الولى أو إلى وجود المانع كالصباءٍ، لكن هذا مجرد إمكان ثبوتى ليس إلّا ، ولا يستكشف منه إنَّا أَنَّه مستندٌ إلى عدم المقتضى ، و لا تدل الرواية على عدم جواز أمره و معاملاته حتى مع إذن الولى إذ ليس هذا العدم قابلًا للاطلاق بالنسبة إلى إذن الولى . نعم يكون العدم مستندًا إلى واحد من الأمور الثلاثة على البدل ثبوتاً و أمّا إثباتاً فلا تدل الاطلاق على تعيين أحدها، إن شئت فقل إنّ الاطلاق إنّما يصح إذا كانت الأفراد متساوية الأقدام بالنسبة إلى شمول المطلق وكانت الحقيقة بحدودها قابلة للانطباق على جميع الأفراد على التساوى في آنٍ واحد ، و ليس الأمر كذ لك فيما نحن فيه إذ المقتضى مؤثرٌ فى المعلول و الشرط موصلٌ للأثر و بديهى أنَّ الأوَّل مقدم على الثانى رتبة لكن الدليل مهماً من حيث النظر إلى أحد أحد هذه

ص: 145

الأمور المترتبة . هذا .

و نجيب عن الرواية ثانيًا بانَّ الظاهر من الأمر في قوله ( علیه السّلام ) ( لا يجوز أمر الغلام ) هو الأمر المستند إلى الصَّبى والمتعلق به تماماً ، وهذا لا يتم إلّا إذا كان الصبى مستقلاً في الأمر من دون دخالة شخص آخر فى أمره حتى بالاشراف، أو فقل إنّ الأمر إنما أضيف إلى الغلام و الاضافة تدل على الحصر أى انحصار الأمر فى الغلام وعليه إذا كان الوليُّ مُشْرفًا وناظراً فى أمره لا يقال إنَّه أمرٌ للصبى ، فاذا توقف أمر الصبى إلى إذن الولى لا يرتبط إليه تماماً فلا تصدق الاضافة إلا بالاستقلال فيكون معنى الرواية أنَّه لا ينفذ ولا يمضى أمر الصبى إذا كان مستقلاً فى أمره فلا تدل على مسلوبية عبارة الصبى أبدًا .

وثالثاً نقول إنَّ إطلاق قوله ( علیه السّلام ) ( القيم لهم النَّاظر فيما يصلحهم) في صحيحة على بن رئاب حاكم على هذه الرواية ، و توضيح ذلك : أنّ النظر فيما يصلح يكون على نحوين الأوَّل : أنْ يكون الولىُّ هو الناظر بالمباشرة فينظر في مال اليتيم بنفسه . والثّاني : أنْ يكون الناظر غير . الولئ بأن يفوض الولىُّ النظر إلى غيره فيكون الولى ح ناظراً بالتسبيب وعلى كلا التقديرين إمّا أن يكون مورد تطبيق النظر كالبيع والشراء مثلاً موكولاً إليه بالمباشرة بأن يبيع مال اليتيم بنفسه ، وإمّا أن يكون مورد التطبيق موكولاً إليه بالتسبيب بأن يبيع المال غيره مع نظر الولى و إشرافه فالتسبيب كما يكون فى النظر كذلك يكون فى العمل ، فكلٌ من نظر الولى و تطبيقه على الخارج قد يكون بالمباشرة وقد يكون بالتسبيب وعليه تكون معاملة الصبى مع إشراف الولى معاملة مستندة إلى الولى بالتسبيب فعمل الصبى عمل للولى غاية الأمر أنه عمل له بالتسبيب لا بالمباشرة فاطلاق قوله ( الناظر لهم الخ ) يضيف إلى عمل الولى وفعله فعلاً آخر و هو فعل الصبى فيوجب التوسع فى دائرة الموضوع و يجعل عمل الصبى عملاً للولى و يخرج أمر الغلام حينئذٍ عن كونه أمراً له فيكون

ص: 146

حاكماً على قوله ( لا يجوز أمر الغلام ) فيصبح معنى الرواية هكذا لا يجوز أمر الغلام إذا كان أمراً له لكن نظر الولى يخرج أمره عن كونه أمراً له فتصحَّ معاملة الصبى إذا كانت باشراف من الولى و هذا ليس من باب الوكالة بل من جهة أنَّ إطلاق الناظر الشامل للمباشرة و التسبيب في النظر والعمل يكون حاكماً على قوله لا يجوز أمر الغلام بل لنا أنْ نأخذ باطلاق ما يصلحهم الشامل لما إذا كان النظر. الولى و ما يصلح صادرًا من الصبى .

إذا عرفت ما قلناه تعرف أنَّه من العجيب أنَّ المحقق النراقى إستدل بمفهوم الرواية على بطلان أمر الصبى و سلب قصده ، و التحقيق ما ذكرناه فتأمل فيه تجده موافقاً للوجدان .

ثم إنه لا ينبغى الاصغاءُ إلى الاجماع المدعى في المقام على سلب عبارة الصبى و إن كان هو عمدة أدلتهم إذا المنقول منه ليس بحجة و المحصّل غير حاصل كيف و قد نرى مخالفة جمع كثير من المتقدمين و المتأخرين بل نرى وجود استثناءات كثيرة فى كلمات الأصحاب مضافًا إلى وجود السيرة المستمرة في عرف العالم حتى في عرف المتشرعة على خلاف الاجماع فانَّ السيرة قائمة على اعتبار قول الصبى و تولية بعض الأمور إليه و ليست السيرة لغير المتدينين بالشرع فقط، بل هي كما قلنا مستمرة في عرف المتدينين أيضًا و لذا إعترف بها المحقق النائيني القائل بسلب عبارة الصبى حيث قال إنّ التمسك بالسيرة مشكل لوجود الاجماع على سلب عبارته ورفع اليد عنها أشكل .

و العلامة المحقق كاشف الغطاء ( رحمه الله ) بعدما إعترف بوجود السيرة حاول تفسيرها على نحو يلائم سلب عبارته فاحتمل فيها إحتمالين أحدهما : أن يكون البايع من الصبى وكيلاً من طرف الولى في إنشاء الايجاب والقبول معًا و المبرز للوكالة هذه هو الصبى وفيه أنَّ هذا خلاف الظاهر والواقع جداً فانّ الوكالة المذكورة لا توجد في ذهن

ص: 147

الأولياء ولا في إرتكاز البايعين .

وثانيهما : أن يكون المشترى مثلاً هو الولىّ و البايع هو الطرف المقابل للصبى و هو آلة فى الايصال ليس إلّا . وفيه أنَّه مخالف للواقع فانّ السيرة على خلاف ذلك ولا يسمّى هذا أخذاً بالسيرة بل هو قلب لها .

و من هنا لم يقبل المحقق النائيني هذين الاحتمالين وقال إنَّه لا يجوز الفصل بين الايجاب والقبول لاشتراط الموالاة فيهما فكيف يكون الولىُّ موجبًا والطرف الآخر قابلاً أو بالعكس مع وجود الفصل بينو بين من يكون بايعًا أو مشتريًا ولهذا تكلف في توجيه معاملة الصبى و إعتقد أنهَّا معاطاة بمعنى كفاية وصول كل من العوض والمعوض إلى الطرف الآخر ، و يكفى فى صحتها الرضا الباطني من الطرفين، ثم قال بعد هذا التوجيه لو لم نقل بكونه بيعًا نقول إنَّها معاملة برأسها و دليلها السيرة و يكون الصبى آلة للارسال ، ولا يخفى أنَّ كل ذل ، ذلك لاعتقاده سلب عبارة الصبى .

و الانصاف أنَّه إلتزام بما لا يلزم و بما لا دليل عليه و ظهر ذلك مما قدمنا لك فلا نعيده ثانيًا .

الكلام فى إشتراط معلومية الأجرة فى الاجارة :

و من شرائط الاجارة أن تكون الأجرة معلومة بالوزن أو الكيل فيما يكال أو يوزن ، وقد علَّله في الشرايع بوجود الغرر مع الجهل بها ثم إستحسن الاكتفاءَ بالمشاهدة هنا مع عدم إكتفائه بها في باب البيع .

وقد أضاف صاحب الجواهر إلى الوزن و الكيل و المشاهدة العدَّ في المعدودات ، وسنشير قريباً إلى إختلاف عرف البلاد في ذلك فانَّ الشيئٍ قد يكون من المعدودات في بلد و هو بعينه يكون من الموزونات في بلد آخر .

ص: 148

وكيف كان فيشترط في صحة الاجارة العلم بالأجرة وأمّا حصول العلم وسبيه فيختلف غالباً فيحصل بالوزن فيما يوزن وبالكيل في المكيل، و بالعدّ فيما يُعَدُّ وقد يحصل بالمشاهدة كما إستحسنه المحقق في الشرايع .

و الدليل على اشتراط معلومية الأجرة أمور أربعة :

الأوَّل : ألاجماع المتكرر فى كلمات الاصحاب الدالّ على إشتراط العلم بمقدار الأجرة قال في الحدائق ( لاخلاف ولا إشكال في إشتراط كون الأجرة معلومة في الجملة) و يظهر عن الشهيد ( رحمه الله ) في اللمعة أيضًا عدم الخلاف في ذلك كما نفى الخلاف فيه في التذكرة . لكن الاجماع كما سمعت مراراً إنَّما يكون حجة إذا كان فيه جهة كشف عن حكم الله تعالى بمعنى أنْ يكون هناك علم قطعى بكشفه عن قول المعصوم (علیه السّلام) أو فعله أو تقريره و لهذا لا نقول نحن بحجية الاجماع المنقول لعدم وجود الكشف فيه فاذا احتملنا كون الاجماع مستندًا إلى مدرك باحتمال عقلائی فلايكون كاشفًا قطعيًا عن حكم الله تعالى فيسقط عن الحجية.

الثاني : ما ذكره الشهيد الأول ( رحمه الله ) في القواعد و الثاني في المسالك من أنّه نهى النبي ( صلّی الله علیه و آله ) عن الغرر ) و هذه هي المرسلة المشهورة المتداولة فى ألسنتهم وقد تمسكوابها في موارد مختلفة منها المقام، ، والنهى فيها و إن أمكن حمله على التكليفى فيستفاد منها حرمة الغرر مطلقاً لكنه يحمل على الحكم الوضعى بقرينة المرسلة المشهورة الأخرى المذكورة فيها لفظ البيع وهى ما عن النبي صلّى الله عليه وآله أنّه نهى عن بيع الغرر ، فانَّ الأمر أو النهى إذا تعلق بفعل من أفعال المكلف يستفاد منه الحكم التكليفى وإذا تعلق بمعاملة من المعاملات فيستفاد منه الحكم الوضعى فيكون معنى الرواية أنَّ الغرر في أيَّة معاملة كان يوجب فساد تلك المعاملة فيكون النهى إرشاداً إلى الفساد فتلخص أنَّ المرسلة وإن لم يكن فيها إسم من المعاملة لكن النهى فيها

ص: 149

يحمل على الارشاد إلى الفساد بقرينة المرسلة الثانية فتدل على إشتراط الاجارة بمعلومية الأجرة حذراً من الغرر الموجب للبطلان.

و فيه أنَّ النبويات مرسلاتٌ فى الأغلب و ليس فيها سندٌ قابلٌ للاعتماد كما يكشف عن ذلك لفظ النبوى فانه في إصطلاحنا يطلق على الرواية التى لا تكون عن طرقنا المتعارفة بأن لا يكون فيها سندٌ أصلاً أو كان من طريق العامة فهذا النوع من الروايات لا تكون حجة عندنا ، نعم إذا كان النبوى مستندًا إلى حكم الفقهاءِ من أوَّلِ أزمنة وجود وجود الفقه كأزمنة الغيبة الصغرى مثلاً يكون ضعفه منجبرًا يمكن الاعتماد عليه .

و بعبارة أخرى : إذا كانت الرواية مما إشتهرت بينهم وكانت قد وصلت إلى الأصحاب من أول زمان الفقه وعملوا بها بعنوان كونها سندًا للحكم ودليلاً عليه فيكون ح ضعف الرواية منجبرًا بعمل الأصحاب وأمّا مجرد ذكرهم لها في كتبهم من دون عنوان الاستناد إليها في الحكم فلايكون ضعفها منجبراً بالعمل . ومن المعلوم أنّ النبوى المتقدم مرسل غير معلوم الانجبار بالشهرة القدمائية فلايكون حجة .

الثالث : ما ورد عن النبي ( صلّی الله علیه و آله ) من أنَّه ( نهى النبي ( صلّی الله علیه و آله ) عن بيع الغرر ) و نتعدى عن البيع إلى الاجارة بتنقيح المناط القطعي، بيان ذلك ، أنَّ العنوان أو الوصف بطبعه يكون كاشفاً عن الملاك فانَّ تعليق وجوب الاكرام على العالم يشهد على أنَّ ملاك الوجوب هو العلم و هذا معنى قولهم إنَّ تعليق الحكم بالوصف يشعر بالعلية ، ثم إنَّ هذا الاشعار والكشف عن الملاك قد يتقوى إلى أنْ يصل إلى حدّ القطع بالملاك كما فيما نحن فيه فانّا نقطع بأنَّ النهي عن بيع الغرر ليس إلا لوجود الغرر، ومن المعلوم أنَّه لا خصوصية للبيع في ذلك فنتعدى إلى الاجارة ونقول ببطلان كل إجارة غررية.

و توضيح ذلك : أنَّ الغرر هو الخطر المعاملى و هو بنفسه أمر مرغوب عنه في عرف العالم ومعاملاتهم ، فانَّ المعاملات إنما هي مبنية

ص: 150

على المكايسة و المغابنة، كما قاله ابن ادريس فى السرائر و الشهيد الثاني في المسالك ، وقد تقدم منا بيانه في الأبحاث السالفة و نزيد هنا توضيحًا فنقول :

إنّ المبادلة هو التبديل و هو فى الأمور الماليّة عبارة عن كون أحد الشيئين بدلاً عن الآخر، و منشأ هذه القابلية هو تساويهما في المالية و لذا لا ينظر في المعاملات إلى حجم العوض والمعوض ، بل يعتبر فى البدلية التساوى فى المالية بين العوض والمعوض إذا كان الغرض من المعاملة غرضاً معامليًا ، وأمّا إذا لم يكن كذلك بل إجتمع الغرض المعاملى مع غرض آخر فلايعتبر فيها التساوى بينهما فى المالية و هذا كما في البيع و الصلح المحاباتيين كأن يبيع المتاع الذى يساوى عشرين درهمًا بعشرة دراهم من عالم أو من مجتهد ، و هذ اليس هبة لوجود العوض فيه لكن المفروض أنهما ليسا بمتساويين في المالية .

و بالجملة إنَّ الشرط فى المعاملات التى تكون فيها الغرض غرضًا معامليّاً كما هو الغالب هو التساوى فى المالية بين العوضين و معناه لزوم مراعات النفع و عدم الغرر و هو المراد من المكايسة والمغابنة .

ثم إنَّه لما لم تكن المالية أمراً محسوساً خارجيًا فلاجرم يكون التساوى عرفياً تقريباً ومن هنا نقول إنَّ الغبن الموجب للخيار إنّما هو فيما لا يتحمل عرفًا و أمّا إذا كان الغبن مما يتحمل عرفاً فلايوجب الخيار و هذا ليس إلّا لأنَّ المالية ليست شيئًا محسوسًا خارجيًا وليس له میزان دقی عقلی ، فتلخص أنَّ الرواية المتقدمة بعد إنجبارها بعمل القدماء تدل على بطلان كل معاملة يكون فيها الغرر و الخطر المعاملى بتنقيح المناط ، و منها الاجارة و ليس هذا من القياس الباطل بعد إستكشاف الملاك كشفًا قطعيًّا ووجوده فى الاجارة .

الرابع : و هو البناءُ العرفى على نحو الالتزام في ضمن المعاملة ببطلان كل معاملة إنتفى فيه التساوى بين البدل و المبدل في المالية

ص: 151

بمعنى أنَّ المتعاملين إلتزموا على وجود التسارى بينهما ، و هذا أمر إرتكازى فى أذهان المتعاملين في العالم ، و من المعلوم أنَّ هذا التساوى يحتاج إلى محرز و هو العلم بكمية العوضين و أوصافهما والمحرز للكمية يكون بالوزن تارةً و هو الأصل فى الاحراز و بالكيل أخرى و هو يرجع إلى الوزن، وثالثة يكون الاحراز بالعدد ، و هذا يكون غالباً في موارد قلة الوجود وعزته ، وقد أشرنا فيما سبق إلى أنَّ العلم بالشيئ يختلف باختلاف البلاد فيكون بالوزن في بلد، و بالكيل أو العد في بلد آخر.

نعم أحسن ما يفهم به الكمية وأدقُّه هو الوزن و هو الذي يفهم به الكمية على ما هي عليها من دون مسامحه . وأما الأوصاف فقد تكون الأوصاف الظاهرية كافية في العلم وقد تحتاج إضافة إلى ذلك إلى إحراز الأوصاف الباطنية كما في القيميّات و من هنا جَعَل الشارع الخيار فى الحيوان ثلاثة أيام للمشترى و ليس هذا إلّا لأجل تحصيل العلم بالأوصاف الباطنية في تلك المدة .

إن قلت إنَّ قوله تعالى ( أوفوا بالعقود ) مطلق يشمل ما إذا لم تكن الأجرة معلومة فاذا شككنا فى إشتراط معلوميتها في صحة الاجارة نرجع إلى إطلاق الآية و نحكم بعدم الاشتراط .

قلت : إنَّ ( أوفوا ) إذا كان منزّلاً على ما في الخارج بماله من الالتزام بالتساوى المتقدم فلا يكون مطلقاً فانّ الامضاءَ تابع للممضى فامضائه للعقود إنَّما يكون مع ملاحظة كل ما فيها من الالتزامات و منها الالتزام بتساوى البدلين في المالية .

وقد ظهر مما تقدم قوة إستحسان المحقق في الشرايع الاكتفاءَ بالمشاهدة لكنه لا ينبغى عليه الفرق بين البيع و الاجارة فاذا كفت المشاهدة فى الثانى فلا بد وأن يكتفى بها في الأوَّل ، نعم لا بد أنْ لا تكون المشاهدة جزافية لا عن دقة و إختبار بل لا بد أن تكون عن

ص: 152

إختبار وإحراز لكى يحصل العلم الرافع للغرر .

تملك الاجرة بنفس العقد :

إعلم أنَّ الأجرة إنَّما تصير مملوكة للمؤجر بمجرد العقد ولا تتوقف الملكية على أيّ شيء آخر و يدل عليه ما تقدم فى تعريف الاجارة من أنَّها مبادلة إعتبارية بين المال و المنفعة بحيث يقع كل منهما في مكان الآخر وقد قلنا إنَّها لا تتوقف على التمليك والتملك وإنَّهما لا زمان غالبيان للاجارة وإلّا فحقيقتها أوسع من ذلك وهي المبادلة بين الأجرة و المنفعة و هذا بطبعه يستلزم وقوع كل منهما مكان الآخر لا نعنى بملكية الأجرة بالعقد إلّا ذلك .

نعم قد قد نقلنا عن المبسوط للسرخسى عن بعض العامة القول بعدم قابلية المنفعة للمعاوضة و لما توهموا بأنَّ المنفعة معدومة لا تقبل الملكية إلتجأوا إلى القول بانَّها إنّما تقع مقابلاً للأجرة بعد ما توجد في الخارج ، فتكون مملوكة بعد وجودها لا بمجرد العقد .

وفيه : إنَّ ذلك غير معقول في عالم المبادلة العرضية و قد أجبنا عنه سابقًا ونقول هنا أيضًا إنَّ المنفعة إذا وجدت تنعدم و ليست هي في عرض الأجرة فكيف تكون بعد وجودها قابلة للمبادلة العرضية فعليه لا يوجد زمان تقع المبادلة بين المنفعة و الأجرة .

وقد تقدم أنَّ الأمور الاعتبارية قد تكون محمولات الموضوعات اعتبارية ألا ترى أنَّ الموضوع و المحمول في بيع السَّلم كلاهما أمر ان إعتباريان وليس منهما في الخارج شيىءٌ فعشرة أمنان من الحنطة في الذمة قد وقعت موضوعًا للملكية الاعتبارية ، و ليس ذلك إلّا لأجل أنّ العقلاء قد يعتبرون الأمر الاعتبارى بمنزلة الموجود الخارجي ويجرون عليه أحكامه ، و هكذا نقول فى المنفعة فانَّها موضوع إعتبارى قد حملت عليها الملكية ، وإن لم يك لها وجود خارجی ، فالوجود الاعتباري العقلائي

ص: 153

يكفي في أن تقع المنفعة مقابلاً للأجرة .

و لكى يتضح معنى المقابلة العَرْضية نفرِّق بين الاجارة في الأعيان و الاباحة بالعوض فيها فنقول : إنَّ المنفعة والأجرة إنَّما يقعان كلٌ منهما في باب الاجارة فى عرض الآخر يعنى أنَّ الموجب يلاحظهما فى رتبة واحدة وينشىءُ التمليك فيقع كلٌ منهما مقابلاً للآخر كما تكشف عن ذلك لفظة ( الباء ) فى قوله آجرتك الدار بدرهم ، و القبول أيضًا إنّما يتعلق بهذه المبادلة العَرضية . و تقابله الاباحة بالعوض على صاحب العروة ( رحمه الله ) و قبول كثير من أرباب الحواشي لهذا التعبير و نحن نعبِّر عن ذلك بالاذن في الاستيفاءِ بالعوض و معناه أنْ يتحقق إستيفاءُ المنفعة أوَّلاً ثم يكون الاستيفاءُ المذكور موجباً لضمان الأجرة كانت أجرة المثل أو المسماه فيقع الضمان فى طول الاستيفاءِ لا في عرضه كما في الاجارة ، ونظير هذا الفرق بين البيع و القرض فانَّ الأوَّل عبارة عن مبادلة العين بالمال و وقوع كل منهما مقابلاً للآخر عَرضًا وأمّا الثانى فانَّه تمليكُ مالي لكن لا مجّاناً بل لأن يتعلق بذمته مثل ذلك المال، وهكذا نقول في الفرق بين إجارة الأعمال و الجعالة فان الأول مبادلة عمل بالعوض بمبادلة عرضية و الثاني عبارة عن إستيفاءِ عمل الغير بالعوض ، فأخذ العوض يقع في طول الاستيفاء وبعده ، فتلخص ان المنفعة تقع مقابلاً للأجرة وتملك الأجرة بنفس العقد قضية لمفهوم المبادلة .

ثم إنَّ صاحب العروة قد ذهب إلى كون الأجرة مملوكة بنفس العقد لكنه قال إنَّ هذا الملك لا يستقر إلا بعد إستيفاء المنفعة وعبَّر عن ذلك بالملك المتزلزل .

وفيه : أنَّ الملك إضافة بين المملوك و مالكه و هو أمر بسيط لا معنى لتزلزله لانه إمّا أن يكون موجودًا وإمّا أن يكون معدومًا ولا يصح التزلزل فيه.

ص: 154

ان قلت : على قولكم من حصول ملكية الأجرة بمجرد العقد فكيف يجمع بينه و بين إنتفاءِ الملك إذا انعدمت المنفعة أو تعذر الاستيفاءُ لها .

قلت : لا نقول نحن حينئذٍ بانتفاءِ الملك الموجود بل نكشف إنَّا عدم وجود الملك من أوَّل الأمر بمعنى أنَّه ينفسخ العقد من أصله ، لا أنَّ الأجرة تملك بالعقد و الملكية متزلزلة ، وهكذا نقول فى موارد الفسخ بالخيار حينما لم يسلّم المؤجر المنفعه فان الفسخ قد يكون لأجل حق متعلق بالعلقه البدلية بمعنى أنْ تكون العلقة البدلية محقوقةً بحق كأن يقول اجرت هذه الدار و جعلت لنفسى الخيار، وقد تكون لأجل إرتفاع اللزوم بقاعدة ( لا ضرر ) ، وبالجملة إنَّ إنتفاءَ الملك في كل تلك المواد ليس لأجل تزلزله بل إمّا للكشف الانىّ من عدم وجوده من أول الأمر و اما لتعلق الحق بالعلقة البدلية او بحكومة قاعدة لا ضرر على لزوم المعاملة ، وأّما الملك فان وجد ، كان مستقّراً ثابتاً دائماً إلى أن يتحقق المزيل .

في وجوب التَّسليم و عدمه :

وإذا قلنا بحصول الملكية بمجرد العقد هل يكون التسليم واجبًا على كل من المؤجر و المستأجر أم لا ؟ نقول : إنَّ مقتضى قوله تعالى ( أوفوا بالعقود ) هو وجوب التسليم لأنه كما تقدم دليل إنحلالي بمقتضى مقابلة الجمع بالجمع ، ومعناه أن َّكل واحد من الموجب والقابل مكلف بالوفاء بعقده ويجب عليه ذلك ويثبت لكل منهما حق المطالبة و لو فى حال امتناع الطرف الاخر فانَّ مقتضى إنحلال حكم عام على نحو مقابلة الجمع بالجمع هو أن يكون كلٌّ من خوطب بالحكم مكلفاً به بالاستقلال، فلابد لكل منهما التسليم و لو إمتنع الآخر.

لكن الانصاف أنَّ الآية لا تثبت وجوب التسليم في حالة إمتناع الآخر

ص: 155

إذ قد تقدم أن وجوب الوفاءِ إنَّما يتعلق بالعقد مع كل ما فيه من الالتزامات و الشرائط الضمنية ، و من المعلوم أنَّ التسليم في العقود المعاملية مشروطة بكونه مقابلاً لتسليم الآخرفانُّ المتعاملين في أيَّة معاملة كانت إنّما التزما بذلك واقعاً ولبّاً وبَنَياً على أنفسهم التسليم على أن لا يكون التسليم إلّا إذا وقع التسليم من الطرف الآخر وإن ا يتلفظا بذلك لدى العقد و لذا قلنا إنَّه بناءٌ عامٌّ عرفیٌّ لُبّيٌّ.

و لا بأس بتغيير منهج البحث إلى عنوان آخر ، فنقول : إنَّه يتفرع على مملوكية الأجرة بالعقد أمور ثلاثة :

الأوَّل : أنَّ إطلاق العقد التعجيل و الوجه في ذلك أمران : الأوَّل : ما دل على تسلط الناس على أموالهم مع ملاحظه الكبرى القائلة بأنّ كل مال مملوك لمالكه ، فاذا كانت الأجرة مملوكة للموجر يكون بقائه تحت يد المستأجر على خلاف قاعدة سلطنة كل مالك على ماله.

لكن هذا الدليل لا يقتضى اكثر من وجوب الأداءِ فيما إذا طالب المالك الأجرة ولا يقتضى وجوب التسليم مطلقاً ، وقد تقدم منا أنَّ قاعدة سلطنة المالك على ماله و حرمة التصرف في مال الغير لا يقتضى أزيد من وجوب التخلية ومعناه و رفع المانع بين المال ومالكه ، نعم إذا أبعده عنه فيجب عليه إرجاعه و ايصاله إلى المكان الأوَّل ، وبالجملة فوجوب الاداء و الردّ لا يستفاد منه حرمة التصرف في مال الغير إلّا حین المطالبة .

الثاني : ما عن المحقق الاصفهاني و هو ما أشرنا إليه من الالتزام الضمني الموجود في باب المعاملات من أنَّ التسليم إنَّما يقع في مقابل تسليم الطرف الآخر و إن لم يتلفظا بهذا الالتزام . و لكن تفسیر الالتزام المذكور بما ذكر غير صحيح ولا أقول بعدم وجود هذا الالتزام فى المعاملات بل أقول إنّ الالتزام به بالمعنى الذي ذكره التزام بما لا يلزم إذ ليس فى المعاملة علاوة على المبادلة بين العوض والمعوض

ص: 156

و الالتزام بها التزام آخر تعلق بالتسليم في مقابل التسليم ، فان هذا الالتزام لغو زائد لا يحتاج إليه إذ لا بد من اعطاء كل مال إلى مالكه بلا منع بينها و هذا ما يقتضيه طبيعة المعاملة فانّ كل بايع موظف باعطاء المبيع إلى المشترى و هو أيضًا مكلف بردّ الثمن إلى البايع و هذا أمر قهرى طبعي في كل معاملة ولا نحتاج إلى الالتزام بهذا الأمر القهرى.

نعم لهذا الالتزام معنى آخر صحيحٌ عندنا و هو الالتزام بثبوت حق الامتناع لكل من الموجب و القابل عند إمتناع الآخر فهذا الالتزام إنَّما هو تقييد للتسليم بتسليم الآخر بحيث لو لم يكن تسليم من أحدهما لم يكن التسليم من الآخر، بل لا بد من وقوع كل منهما مقابلاً للآخر فجملة ( الالتزام بالتسليم فى مقابل التسليم ) ليست إلّا جملة واحدة فان فسرناها بالمعنى الأوَّل يكون لغواً زائداً غير محتاج إليه و إن فسرناها بالمعنى الثاني الذي ذكرناه نحن يكون حقًا صحيحًا لا غبار عليه ، وكيف كان فالعمدة فى المسئلة هو الدليل الأوَّل .

الأمر الثاني من الأمور المتفرعة على مملوكية الأجرة بمجرد العقد : هو جواز إشتراط التعجيل و هو على أنحاء ، الأوَّل : أنْ يشترط كل من الموجر و المستأجر على الآخر التعجيل في الاداءِ والاسراع فيه وعدم الاهمال فيه عند المطالبة ، ومن المعلوم أنَّ هذا الشرط مؤكِّد لما يقتضى العقد من التعجيل على ما تقدم لا مؤسِّسٌ.

الثاني : أن يشترط الموجر على المستأجر اعطاء الأجرة سواءٌ طالبها الموجر أم لم يطالبها و هذا الشرط إنَّما هو إشتراط لأمر زائد عن مقتضى إطلاق العقد لانه يقتضى التعجيل فى الاداءِ عند مطالب الموجر و الشرط المذكور مؤسّسٌ لأمر زائد وهو الاداءُ في صورة عد المطالبة نعم يمكن أن يقال إن نفس الاشتراط مطالبة لبًّا.

الثالث : أن يشترط حق التعجيل لمين له الأجرة على نحو شرط

ص: 157

النتيجة، وقد أوضحنا سابقا في فصل إشتراط الضمان في المستأجرة معنى شرط الفعل و شرط النتيجة، والمقصود هنا هو تعلق حكم وضعى على المعاملة ونعبِّر عنه ب_ ( حق التعجيل ) .

و بعبارة أخرى : الشرط إذا كان بنحو إشتراط الفعل يكون موجبًا لتعلق الحق المذكور على المعاملة وأمّا إذا كان بنحو شرط النتيجة يكون الحق المذكور حاصلاً بنفس الاشتراط من دون وساطة شيىء آخر، ولا شك أنَّ هذا النوع من الاشتراط صحيحٌ لا إشكال فيه لأنَّه ليس مخالفًا للكتاب والسنّة ويشمله عموم المسلمون عند شروطهم.

الرابع : أنْ يشترط عدم حقِّ التأخير ، قال بعض الأعاظم إنَّ هذا الحق أمر عد مى و ليس حكماً وضعيًا فلا معنى لهذا الاشتراط و هذا حق صحيح إذ الأعدام بما هي إذ الأعدام بما هى أعدام لا تكون متعلقة للجعل و يكفي فيها عدم العلَّة ولا تحتاج إلى علّة غيره كما مرَّ غير مرَّة ، إلّا أنَّ المحقق الاصفهاني يرى أنَّه إذا كان هناك مقتضٍ لثبوت الحكم يكون معنى جعل إشتراط العدم هو المنع عن تأثير المقتضى كما في إشتراط عدم الخيار في العقد المقتضى له.

و لعلَّ مقصود، أنَّ إشتراط العدم إنَّما يرجع إلى الاسقاط فمثلاً إذا كان المشترى جاهلاً بالسِّعر فالمقتضى لخيار الغبن و هو كثرة السعر عن المتعارف موجود فاذا اشترط البايع عدم الخيار على المشترى يكون معناه إسقاط الخيار أو المنع عن تأثير المقتضى ، وفيما نحن فيه يرجع إشتراط عدمَ حق التأخير إلى إسقاط المقتضى فلا يكون له حق الامتناع عن التسليم و تظهر الثمرة فيما إذا لم يسلّم المؤجر المنفعة فليس للمستأجر ح حق التأخير و الامتناع عن الأجرة بمقتضي الاشتراط المذكور، وكيف كان فكلُّ هذه الشرائط المتقدمة صحيحة جايزة إمّا لكونه مؤكِّدا لاطلاق العقد وإمّا لكونه شرطاً جايزاً لا يخالف الكتاب والسُّنة .

ص: 158

الثالث : من الامور المتفرعه على ملك الأجرة بالعقد ، هو إشتراط التأجيل المقابل للتعجيل ولا خلاف بينهم في صحة هذا الاشتراط و الوجه فيه أنَّه لا ينافي مضمون العقد فانَّ مالا يجوز من الشرط هو المنافي لمضمون العقد و هو الذى يستلزم إجتماع المتنافيين كما سيجيى ءُالتعرض له فيما لو قال بعتك بلا ثمن أو آجرتك بلا أجرة ، و أمّا ما لا ينافي مضمون العقد كما فيما نحن فيه فجايزٌ بلا إشكال .

إن قلت : إنَّ الشرط المذكور وإنْ لم يكن منافياً لمضمون العقد لكنه مناف لاطلاقه قطعاً فانَّ مقتضى العقد على ما سبق إنَّما هو التعجيل المنافي للتأجيل .

قلت : هذا صحيح لا ينكر ، لكنا نقول إنَّه ليس كل ما خالف إطلاق العقد غير جايز بل المناط فى عدم الجواز هو المخالفة للكتاب و السُّنة ليس إلّا ، وإشتراط التأجيل ليس مخالفاً لشيئٍ منهما .

بيان ذلك : إنَّ لوازم العقود على نحوين :

الأوَّل : ما يكون لازماً للعقد على نحو لا ينفك عنه أو لا يقبل التغيير على تعبير شيخنا الأعظم (رحمه الله ) كحق الطلاق اللازم للنكاح مثلاً فانَّه لا ينفك عنه وهو إنَّما يكون بيد من أخذ بالساق فقط ولا يقدر عليه غيره و أمّا ما سمعت من قبوله للوكالة فليس من جهة أنَّه لازم مفارق بل لأنَّ الوكيل وکیلٌ فى الاجراءِ فقط، أىْ فى اجراءِ صيغة الطلاق و معناه أنَّ فعل الوكيلُ يُنَزِّلُ بمنزلة فعل الموكل بحيث يعدُّ فعله كانه فعل لنفس الموكل.

الثاني : ما يكون لازماً للعقد و ينفك عنه ويقبل التغيير كحق القَسْم بالنسبة إلى الزوجة الثانية أو الثالثة أو الرابعة لمن تكون له زوجات متعددة، وما نحن فيه من قبيل القسم الثاني فانَّ رضى الموجر بالتأخير و التأجيل في اداءِ الاجرة إنّما يكون بطيب نفسه و رضى منه فلا مانع من الاشتراط ، لمكان إنفكاكه عن العقد و قبوله للتغيير .

ص: 159

ثم إنَّ المشهور بينهم هو لزوم تعيين الأجل بمعنى أنَّه لو اشترط تأخير الأجرة فلابد أن تكون مدة التأخير معينة، ودليلهم على ذلك أمور:

الأوَّل : ما ذهب إليه المحقق الخراساني (رحمه الله) من أنَّ الأجل مقيِّد للعقد فلوكان القيد مجهولاً يسرى الجهل إلى نفس العقد ، ومن المعلوم أنَّ العقد إذا كان مجهولاً مبهمًا يكون فاسدًا باطلًا ، فلابد من تعيين الأجل حذرا من إبهامه و تحصيلاً للعلم به.

وفيه : أنَّه إن كان المقصود من التقييد هو تقييد نفس الأجرة بالزمان كأنْ يقال إنّ الدرهم في شهر رجب مثلاً هو حصة من الدرهم مغاير لنفس الدرهم الذى يكون في شهر شعبان فيكون معنى التأجيل هو التقييد في نفس الأجرة فكما لا بد من معلومية أوصاف الأجرة فكذ لك لا بدفيه من تعيين الزمان و إلّافلم يعلم بحصة الأجرة فيكون أحد العوضين مجهولاً موجباً لبطلان العقد .

فيرد عليه أنَّ الزمان ليس قابلاً لتقييده الأعيان الخارجية فهو لا يحصص الشيئ و لا يوجب تفصله بفصول مختلفة أو مفردات عديدة فان الظرف سواء كان مكاناً أو زماناً لا يقبل اللحوق بالأعيان فانه ليس الا وعاء و ظرفا لا يمكنه التقييد

وإنْ كان المقصود منه هو التقييد في ناحية الملك كأن يقول المستأجر للمؤجر إنّى ملكتك الأجرة بعد شهرين مثلاً ولا يقول إنّى ملكتك فعلاً الأجرة التى تكون بعد شهرين حتى يكون التمليك فعلياً بل يقول إنَّ الاجرة تكون مملوكة لك في ذلك الزمان .

فيرد عليه أنَّ هذا يرجع إلى التعليق في العقد و هو باطل بالاجماع لاشتراطهم التنجيز فى صحة كل معاملة ، إن شئت فقل : إنَّ أحد العوضين إذا كان تعليقيًا يكون موجبًا لتعليق المعاملة وإن كان الآخر فعليًّا ، لما تقدم من أنَّ البدلية أو المبادلة تقتضى العَرْضية

ص: 160

في كل المعاملات حتى فى النكاح فلا يمكن كون هند مثلاً زوجة زيد فعلاً وكون زيد زوجاً لها في المستقبل، وهكذا لا يمكن فعلية المنفعة و إستقبالية الأجرة قضية للزوم إتحاد الرتبة فى العوضين وكونهما مبادلة عرضية كما تقدم.

الدليل ألثاني : ماقيل من أنَّ للشرط قسطٌ من الثمن واشتراط التأجيل شرطٌ بلا كلام فاذا كان الشرط مجهولاً و له قسط من الثمن يسرى الجهل بالأخرة إلى العقد .

وفيه ما تقدم من أنّ قولهم ( للشرط قسط من الثمن ) ليس معناه أنَّ الشرط يقع طرفًا للمبادلة بحيث تكون المنفعة مقابلاً للأجرة و الشرط ، بل المقصود منه أنَّ المتعاملين إنّما يلاحظان الشرط قبل إنشاءِ المعاملة و أنَّه يكون داعياً لزيادة الثمن أو نقصانه في عالم الثبوت و الداعوية ، وأمّا في عالم المبادلة فلا يكون هناك ثمن و شرط ، أو أجرة و شرط ، بل الشرط ليس إلّا التزاماً في إلتزام يلاحظونه في عالم اللُبّ والواقع.

الدليل الثالث : هو المرسلة المنقولة عن الشهيدين من أنَّه ( نهى النبي ( صلّی الله علیه و آله ) عن الغرر ) فتدل على فساد المعاملة الغررية سواءٌ كان الغرر فى المعاملة أو فى شأن من شوؤن أحد العوضين ، ومعلوم أنّ عدم تعيين الأجل موجب لثبوت الغرر فى شرط الأجرة .

وفيه : ما تقدم من عدم ثبوت المرسلة المذكورة و عدم معلومية إنجبار ضعفها بالشهرة القدمائية.

نعم يمكن إقامة دليل رابع على نحو الاحتمال ، و هو كون البناء العرفى على إلتزام تعيين المدة في ناحية الأجل لكن هذا مجرد احتمال فاشتراط العلم بالاجل و تعيين المدة لا دليل عليه .

حكم ما إذا كانت الأجرة معيوبة

والتحقيق في المقام يتوقف على ذكر صور المسئله و بيان أقسامها

ص: 161

فنقول : إنَّها تتصور على أقسام .

الأوَّل : أن تكون الأجرة كلية ففرّغ المستأجر ذمته عنها باعطاء فرد خاص معيوب وكان الإبدال ممكناً .

الثاني : نفس الصورة مع تعذر الإبدال .

الثالث : أنْ تكون الأجرة شخصية و كانت معيوباً وكان العيب فيها قبل العقد أى وقع العقد على الأجرة المعيوبة .

الرابع : أنْ تكون الأجرة شخصية وكان العيب فيها حادثاً بعد العقد وقبل القبض بأن أنشاءَ الموجر فحدث العيب ثم أقبض الأجرة .

الخامس : أن تكون الأجرة شخصية و كان حدوث العيب بعد العقد و القبض كليهما ، فكانت الأجرة حال العقد سليمة عن العيب و أقبضها كذلك فحدث فيها بعد القبض عيب.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنَّ الحكم فى الصورة الأولى هو لزوم الإبدال ولا يثبت فيها خيارٌ ولا أرشٌ إذ يكون تطبيق المستأجر الكلى الثابت في ذمته على المصداق المعيوب كلا تطبيق ، والدليل على ذلك أمران .

الأول : أنَّ الصبر على المصداق المعيوب ضرر على الموجرو قاعدة لا ضرر يرفع لزوم الصبر .

الثاني : هو الالتزام الضمني العرفى على لزوم تطبيق الكلى على الفرد السالم عن العيب و هذا الالتزام الضمنى ثابت في جميع المعاملات الذمية فلا يمكن تسليم الحنطة المعيوبة و تطبيق الكلى عليها في باب السَّلم ، فانَّ المتعاملين ملتزمون على أنْ يكون الثمن و المثمن أو المنفعة والأجرة صحيحًا و سالمًا عن العيب ، وأنَّ المصداق المعيوب كلا مصداق والصبر علیه ضررى . نعم إذا رضى من له الحق بالمعيوب فلامانع من قبوله ذلك .

و هنا إشكالان، الأوّل : أنَّ الكلى إذا إنطبق على ما فى الخارج و طبَّقه من عليه الحق على هذا المصداق المعيوب فيحتاج

ص: 162

الحكم بالابدال إلى نسخ المعاملة الأولى وكأنّ التبديل ثانياً يكون بمعاملة ثانية، فيصبح القول بصحة الاجارة الأولى مع الحكم بالتبديل كالجمع بين المتنافيين .

الثاني : أنَّ المستأجر بتطبيقه الكلى على المصداق المعيوب فقد فرّغ ذمته عنه ، وعند التبديل لا بد من عود الكلى إلى ذمته ثانيًا فالعود إليها بعد الفراغ عنها يحتاج إلى سبب جديد .

و الجواب عنهما قد ظهر مما سبق ونقول ثانيًا : إنَّه وإن كانت الأجرة الكلية صادقة على الفرد المعيب فى الخارج إلا أنَّه لما كان الخيار ثابتًا للموجر بقاعدة لا ضرر و بتخلف الشرط الضمني وكان له أن لا يقبل الفرد المعيب فلاجرم أصبح تطبيق الكلى مع الفرد المعيب كلا تطبيق ، و معناه أنّ التطبيق المذكور كأنَّه لم يوجد من أوَّل الأمر فيعود الكلى إلى الذمة تشبثاً بالاجارة القديمة لا أن تكون هذه إجارة جديدة ، و نظير ذلك ما يقال في الرجوع في العدَّة فانَّ الزوجية و إن إنقطعت بالطلاق لكن الرجوع إليها في أيّام العدَّة هو التشبت بالزوجية الأولى لا أنّها زوجية جديدة حتى يسئل عن سببها .

و توهم أنَّ الاجارة إذا تعلقت بالكلى فما سبب الملك بالنسبة إلى العين الخارجي و المفروض أنَّ المعامله لم تتعلق بنفس الأعيان الخارجية ، وعليه فلابد أن لا تكون العين مملوكة.

مدفوع بأنَّ الذمة إذا كانت مشغولة بأمر كلى لا بشيىءٍ خاصٍّ كالضمان في ( على اليد ) يكون الطالب لما فى الذمة طالباً للكل لا مالكاً للخصوصيات العينية للأفراد كما يشاهد ذلك في باب السَّلم و فى جميع الذميات، فانَّ بيع عشرة أمنانٍ من الحنطة في الذمة معناه إلغاءُ الخصوصيات العينية الخارجية فليست هى مملوكة للمشترى و لكن الكلى فى الذمة بما هو كذلك و مع قطع النظر عن قابلية تطبيقه على الخارج لا مصحح لاعتباره، ولذا لا يصح بيع كلى جبل من ياقوت إذ

ص: 163

المصحح لاعتبار ما في الذمة فيها إنما ينحصر فيما إذا أمكن تطبيقه على الخارج بأن يكون له خارج يطابقه وعليه فمن له الكلى له مطالبة الاداء و من عليه الكلى إنَّما يوظَّف بالتطبيق مع كون ولاية التطبيق على الخارج بيده و السرُّ فى ذلك هو ما قلناه من عدم كون الخصوصيات مملوكة لمن له الكلى و لکن لا منافاة بين كون الاجارة متعلقة بالكلى و بين خيار ردّ الفرد المعيوب من الموجر ، وحينئذ يبقى الكلى في ذمة المستأجر لبطلان مقرّه الثانوى باعمال خيار الشرط و قاعدة لا ضرر على هذا التطبيق .

و من هنا ظهر أنَّ تبديل الفرد في الكليات الذمية كالصدقات و الزكوات بعد تعيينه مشكل جدّاً لكونه بعد التعيين مملوكاً للفقراء إلّا أن يقال بأنَّه مالم يصل إلى الفقير كان لمن عليه الحق حقُّ التبديل. نعم إذا أفرزه بعنوان المالية لا بعنوان الشخص فيصح له التبديل جزمًا .

ثم إنَّ ظاهر المحقق ( رحمه الله ) فى الشرايع جواز الفسخ في المقام، ولا وجه له لأنّ الفسخ يحتاج إلى سبب مفقود في المقام لأنَّ العقد إنَّما تعلق بالأجرة الكلية و لا يستلزم ذلك وجوب تطبيقها على فرد خاص مع إمكان الابدال على ما هو المفروض بل له تبديل الفرد بفرد آخر فلا يكون العقد خيار يّأحتى يقال بجواز الفسخ.

نعم يمكن تصحيحه بوجهين الأوَّل : أنَّ الاجرة و إن كانت كليًّا إلا أنَّه إذا إنطبق على الفرد في الخارج تكون الأجرة هو الفرد الخارجي على نحو الواسطة في العروض ، وهى ما يكون الوصف عارضًا للواسطة حقيقة ثم يتصف به ذو الواسطة مجازاً وبالعرض كالحركة العارضة للسفينة أوَّلاً وبالذات ثم إلى جالسها ثانياً وبالعرض، ففيما نحن فيه وإن كانت الاجرة هى الكلى إلّا أنّه بانطباقه على الفرد يتصف الفرد بكونه أجرة ويكون العقد واقعاً عليه بالعرض فيثبت له خيار الفسخ.

ص: 164

الثاني: أن يقال إنّ الكلى بواسطة إنطباقه على الفرد يكون سببًا لكون الاجارة متعلقة بالفرد على نحو الواسطه في الثبوت، فاذا طلع معيبًا يجرى فيه خيار العيب .

لكن الانصاف عدم صحة كلا الاحتمالين :

أمّا الأوّل فلأنّ الأحكام انما تتعلق بالعناوين الحقيقية وأمّا العناوين المسامحيّة والمجازية و ما كان من قبيل الواسطة في العروض فلا تدخل تحت أدلة العناوين الشرعيّة .

و أمّا الثانى فلأنَّ العناوين القصدية ليست قهرية فلايصح أنْ يقال إنَّ الاجارة إنَّما تعلقت بالكلى لكنه بعد الانطباق يكون متعلقة بالفرد قهرًا و لا معنى للواسطة في الثبوت فى القصديات إذ كل أمر قصدى يكون وجوده بالقصد ليس إلّا. وكيف كان فالدليل لا يساعد جواز الفسخ.

إلّا أن يقال إنّ الابدال في عبارة صاحب الشرايع عطف بيان للفسخ و معناه فسخ الفرد بابداله . لكنه خلاف للظاهر جدًّا .

ثم إنَّ هنا كلاما لصاحب الجواهر لا بأس بذكره و هو أنَّ الردَّ في الفرد المعيوب في جميع موارد، إنَّما يصحّ من جهة التمسك بأخبار العيب المثبت لخياره بمعنى أنَّ الفرد المعيب سواءٌ كان مبيعا او ثمنّا أم كان أجرة يُردُّ إلى صاحبه بواسطة أخبار العيب فهى كما تشمل العين الخارجى المعيب و يكون مقتضیی شمولها له خیار فسخ المبادلة كذلك تشمل الكلى المنطبق مع المعيب ويكون مقتضاه ردُّ الفرد وإبداله .

وفيه : أنَّ ألاخبار المذكورة لا إطلاق لها بالنسبة إلى التطبيق الخارجى ولا سيّما مع اشتمالها على الضمير المختص بالاعيان . هذا تمام الكلام فى الصورة الأولى .

و أمّا الصورة الثانيه وهو ما إذا كانت الأجرة كلياًّ منطبقاً مع الفرد المعيوب مع عدم إمكان الابدال كما إذا لم يوجد فرد غيره.

فالمختار هنا هو ثبوت خيار الفسخ للموجر من جهات ثلاث.

ص: 165

الأولى : من جهة خيار تعذر التسليم حيث تعذر للمستاجر تسليم الصحيح .

الثانية : من جهة خيار تخلف الشرط و هو الالتزام الضمني العرفى باعطاء الصحيح و المفروض عدم وجوده .

الثالثة : من جهة قاعدة لا ضرر حيث أنَّ الصبر على المعاملة و الحال هذه ضررى ثم إنَّ المحقق الاصفهاني (ره ) بعد ما إعترف بكون المشهور هو ثبوت خيار الفسخ ذهب إلى عدم ثبوته في المقام مستدلاً عليه بأنَّ المتيقن من ثبوت الخيار ماإذا تعلقت المعاملة بالشخص فان الصبر على الأجرة المعيبة يكون ضرراً على المسوجر ح لأنَّ المعاملة إذا تعلقت بالشخص لا تكون المالية هناك على عهدة المستأجر فيثبت للموجر خيار تعذر التسليم وأمّا إذا تعلقت بالكلى فلابدَّ من الصبر و وزانه وزان الدّيون فيجرى فيه قوله تعالى ( فنظرة إلى ميسرة ) فترى أنَّه لا يقول بتعذر الكلى أصلاً.

و لكنَّ الحقِّ هو المشهور و لا معنى لأخذ المتيقن بعد مانرى صدق التعذر على المقام فانَّ التعذركما يكون في الفرد بعدم وجوده كذلك يكون في الكلى بعدم إمكان التطبيق و العرف لا يرى فرقاً بينهما فى التعذُّر. إن شئت فقل إنَّ الكلى إذا لم يكن قابلاً للتطبيق لا معنى لاعتباره فى العهدة ويكون تعذره بتعذر الفرد .

و بالجملة إنَّ متعلق المعاملة يتصور على أنحاء ثلاثة :

الأوَّل، العين الشخصى و يكون التعذُّر فيه بمعنى عدم وجوده.

الثّاني، الكلى في الذمة و يكون تعذره بعدم كونه قابلاً للتطبيق على أيّ فرد من الافراد.

الثالث، الكلى في المعين و هو برزخ بينهما يشبه الفرد من جهة وجود أفراده في الخارج و يشبه الكلى في الذمة من جهة عدم إعتبار خصوصية الأعيان الخارجية فيه و يكون التعذر فيه بفقدان جميع أفراده .

ص: 166

و نحن لا نقول يكون الصبر على الكلى ضرريًا بل نقول إنَّ الضرر إنما هو فى الصبر على نفس المعاملة .

وأمّا قياس ما نحن فيه على الدين فهو قياسٌ مع الفارق وفى غير محلِّه إذ الدين المصطلح المعروف إنّما يكون في النقود و إذا تعذرت لا مناص للدائن من الصبر فانَّ الشخص أو المثلى أيضًا يرجع لدى الفقدان إلى القيمة بل كل أمر تقويمى يرجع بالاخرة إليها وإذا تعذرت فأيُّ شيئٍ يعطى للدائن فيكون الصبر على وجود النقدين من باب اللابدّيّة . بخلاف ما نحن فيه فانه إذا تعذر الكلى فيرجع إلى الأقرب إليه وهو المبدل أى البدل الجعلى ولذا يكون للموجر خيار الفسخ.

وأمّا الصورة الثالثة : وهى ما إذا تعلقت الاجارة على الأجرة الشخصية و طلعت معيوبًا قبل وقوع المعاملة عليها . فالمشهور بل المتسالم عليه في كلماتهم هو التخييربين الفسخ و الامساك بالأرش . و لا خلاف في ذلك بينهم كما لا إشكال فى وجه الخيارفانه ثابت في المقام إمّا بقاعدة لا ضرر و إمّا بواسطة الالتزام و الاشتراط الضمني على كون الثمن والمثمن و المنفعة والأجر صحيحة ويحتمل قوياً مجيئ خيار العيب هنا أيضاً و إن وردت أخباره فى البيع ولو بتقريب أنَّ الأخبار الواردة فى أبواب المعاملات تقريرٌ لما عليه طريقة العرف ولم تؤسِّس شيئًا جديدًا في العالب فيثبت في المقام خيار العيب لوجود ملاكه و هو الامتنان والارفاق للمتعاملين كما تقدم في التعدى عن بطلان البيع الغررى إلى بطلان الاجارة الغررية.

في ثبوت الأرش في المقام و عدمه

وأمّا ثبوت الأرش في المقام فقد إستصعبه جماعة و منهم المحقق الاصفهاني لأنَّ دليله إنما ورد فى المبيع فقط و ألحقوا به الثمن بواسطة الاجماع مع إستشكال فيه فكيف بالأجرة فى باب الاجارة .

لكن التحقيق إمكان الخدشة في دليل الأرش إن قلنا بكونه للنص لا القاعدة و ذلك لأنّ الدليل السمعي منحصر بما فى الفقه

ص: 167

الرضوى و لم يحرز إستناده إلى الامام (علیه السّلام) إذ لم يكن ذلك متداولاً بین القدماءِ وإنما وصل إلينا في الأزمنة المتأخرة و القرائن التي ذكروها الصحة الاستناد كما ذكر جملة منها المحدث النورى ( ره ) في خاتمة المستدرك إنما هى حدسيات صرفة و ليست بقطعيّات .

هذا من ناحية .

و من ناحية أخرى إنَّ الرواية المذكورة فيه ليست منجبرًا بعمل الأصحاب المتقدمين إذ قد تقدم معنى الانجبار و قلنا إنّه مادام لم يعمل العلماءُ على رواية بعنوان الاستناد إليها في الحكم لم تكن الرواية منجرة ومن المعلوم أنَّ فقه الرضا لم يكن موجوداً بين قدماء الأصحاب و إنَّما وصل إلينا بعد مضى أحد عشر قرن من أوَّل أزمنة الفقه . و لذا قد يستشكل ثبوت الأرش فى المبيع أيضًا لو لا الاجماع على ثبوته فيه.

و لكن ألتحقيق أنَّ الأرش ليس على خلاف القاعدة حتى يستشكل فى دليله و الوجه فى ذلك هو ما تقدم من تفسير وصف الصحة و نكرِّر هنا ثانيا بالاجمال فنقول إنَّ وصف الصحة إنَّما هو برزخ بين الجزء و الشرط فمن جهه أنَّ البناء العرفى في المعاملات هو الالتزام بكون العوض و المعوض مشتملين على وصف الصحة يشبه الشرط فانهم إلتزموا بالالتزام الضمنى النوعى أن لا يبيعوا و لا يشتروا إلّا ما كان صحيحا وقد أشرنا فيما تقدم إلى أنَّ الثمن إنَّما يقع فى مقابل الموصوف لا الوصف و أنّ الثمن إنّما يقسط على الاجزاء و أمّا الوصف فهو شرط فى المعاملة بالشرط اللبّى الارتكازي.

و من جهة أنّ إزدياد الثمن إنَّما يكون بالأوصاف و هي الموجبة لزيادة الرغبة و ألمالية وكذلك نقصان الثمن إنَّما يكون بفقدان الأوصاف وفسادها فهى تشبه الجزءَ و لذلك نرى أنَّ العقلاءَ يتنافسون فى الواجد للوصف و لا سيّما إذا كان الموصوف بطبعه مشتملاً على الوصف

ص: 168

و مقتضياً له وكان الوصف مقوّماً للنوع و ح يكون فقدانه موجباً للنقص لاعدم الكمال و لذا وردت فى الرواية أيضا كلمة ( العيب و العوار ) .

و بالجملة فوصف الصحة من جهة كونه كالشرط يوجب فقده خيار تخلف الشرط . و من جهة كونه كا لجزء يثبت فيه الأرش .

إن قلت : ما الفرق بين هذا الشرط وسائر الشروط ، التى لا يوجب تخلفها إلّا الخيار .

قلت : الفرق أنَّ الوصف و الموصوف إنَّما يوجد ان في الخارج بوجو واحد و ليس أحد هما مفارقاً عن الآخر وليس وصف الصحة كا شتراط الخياطة في أنّها أمر إنضمامى ينضمُّ إلى المشروط بل الوصف أمر يشتمل عليه الموصوف على نحو الاحتواء والاشتمال فيصح فيه الأرش بما أنَّه داخل في الموصوف و الخيار بما أنَّه يشبه الشرط من جهة الالتزام الضمني .

وأمّا الصورة الثالثة : وهى ما كانت الأجرة الشخصيّة صحيحة في حال العقد وحدث العيب بعد العقد وقبل الاقباض . فهنا أقوال ثلثة :

1- ثبوت الخيار دون الأرش.

2- ثبوت الأرش دون الخيار يظهر من الشهيد الثاني .

3- ألتخيير بين الفسخ بالخيار و بين الأرش كما هو المشهور.

و التحقيق في المقام أنَّ قاعدة لا ضرر لا تجرى هنا بحسب طبعها، إذ المفروض أنَّ العيب إنَّما حدث فى ملك الموجر بناءً على ما تقدم من ملك الاجرة بمجرد العقد. وقاعدة لا ضرر لا تثبت حكماً بل ليس مفادها إلّا الرفع.

و أمّا أخبار العيب فهى إنّما تجرى إذا وقع العقد على المعيب كما يدل عليه جملة ( وبه عيب ) فى قوله من إشترى شيئًا وبه عيب أو عُوار الظاهرة فى الحالية أى كان العيب في حال العقد .

ص: 169

وأمّا حدوث العيب بعد العقد فخارج عن مدلول الأخبار .

نعم لنا كبرى نبوية و هى المستفادة من النصوص الخاصة و هي (كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بایعه ) وقد تمسّك بها العلماءُ من القديم إلى الآن . و ليس من طريقنا عين هذا النَّص وإنّما يمكن إصطياد الكبرى من الروايات المختلفة الواردة فى باب البيع فى موارد متعددة .

غاية الأمرقد يتوهَّم أنّها وردت فى البيع ويكون التعدّى فيه إلى باب الاجارة من القياس الباطل.

لكنّه مدفوع بأن الأحكام الّتى علم مناطها و ملاكها قطعًا يجوز التعدّى منها إلى كلِّ ما وجد فيه ذلك المناط فالتعدى عن البيع إلى الاجارة من هذا القبيل وكيف كان فصدر الرواية وذيلها متناقضان بحسب الظاهر لأنَّ التلف إنَّما استند في صدرها إلى المبيع والظاهر فى إستناد كل مسند إلى الموضوف بوصف أن يكون الموصوف متصفاً بوصفه العنوانی. حال إسناد المبدءِ اليه بناءً على كون المشتق حقيقةً فيما تلبَّس بالمبدءِ و لازم ذلك . أن يكون المبيع موصوفًا بعنوان المبيعية حال التلف المستلزم لكون التلف فى ملك المشترى لأنَّ المبيع لا يكون مبيعًا إلّا إذا إنتقل إلى المشترى فاذا وقع التلف على المبيع حالكونه مبيعاً فلا محالة يكون في مال المشترى .

مع أنَّ ذيل الرواية حاكم على كون التلف من مال بایعه و يلزمه أن يكون التلف متعلقاً على ملك المشترى والبايع كليهما و لازمه تعدد المالكين المستقلين على مملوك واحد و هو مستحيل و قد تقدم معنى الاستحالة في الأمور الاعتبارية.

وإذا كان السند صحيحًا و متيقن الصدور عن المعصوم فلا بد من الجمع بين الصدر و الذيل بدلالة الاقتضاء صونًا لكلام الحكيم عن التناقض و اللغوية .

ص: 170

و للجمع بينهما طريقان مشهوران ذكر هما الشيخ في خيار العيب من المكاسب .

الأول : أنّ التلف و إن وقع فى ملك المشترى إلّا أنَّ الشارع أوجب دركه على البايع إمتناناً على المشترى وإن كان ذلك على خلاف القاعدة . إلّا أن يقال إذا كان هناك دليل يدلُّ على كون الدَّرك على البايع حين وقوع التلف فى ملك المشترى يكون هذا كقاعدتى اليد و الاتلاف قاعدة مستقلة برأسها .

وعلى هذا الاحتمال لا بد أن يلاحظ مقدار التلف فان كان التالف كل المبيع لابد على البايع خسارة كله وإن كان البعض فالبعض وإن كان التالف وصف الصحة فقط فللمشترى أخذ ما به التفاوت و هو الأرش . ذهب إلى ذلك الشهيد الثاني .

وأمّا إنفساخ المعاملة فلا دليل عليه و لا شيىءَ من موجبات الخيار من الضرر و الشرط وغيرهما حتى يقال بصيرورة العقد خياريّاً

ألثاني : هو احتمال إنفساخ المعاملة إنفساخا حقيقيًا كما ذهب إليه ألشيخ الأنصارى ( رحمه الله ) فكانَّه لم يوجد عقد في الخارج فان كان التالف الكلّ يرجع المشترى على البايع بتمام العوض و تنفسخ المعاملة كليّاً . وإن كان التالف البعض تنفسخ المعاملة بالنسبة إلى ذلك البعض . غاية الأمر ثبوت خيار تبعضّ الصفقة ح لمن إنتقل إليه ألما ل كما في بيع ما يملك و مالا يملك .

و لازم الانفساخ النَّسبى فيما إذا تلف وصف الصحة كما في المقام هو الانفساخ بالنسبة إلى الوصف فقط فكانَّ العقد وقع على المعيب و مقتضى ذلك ثبوت خيار العيب و عليه فلابد أن يثبت التخيير بين الفسخ و الأرش .

ففى المقام وإن لم يكن عيب فى الأجرة حال العقد وكانت في ذلك مال سليمة عن العيب إلّا أنَّ الشارع حكم بقوله ( كل مبيع ) بناءً على

ص: 171

شموله للوصف والتعدّى عن المبيع إلى الأجرة بكون العقد واقعاً على المعيب بالتعبد و بالحكومة التعميمية فكانَّ الشارع يضيف فردًا إلى المعيب تنزيلاً بعد ما لم يكن فيه العيب حقيقةً حال العقد فتشمله أخبار العيب و يثبت فيه التخيير بين الفسخ و الامضاء .

و لكن المحقق الاصفهاني إستشكل عليه في إجارته إجمالاً وفي تعليقته على خيار العيب تفضيلاً ثبوتاً وإثباتاً .

أمّا ثبوتًا ففيه إشكالان .

الأوَّل : أنَّ الانفساخ لا معنى له فى الوصف لأنَّ العقد لم يتعلق بالوصف و مالا عقد عليه لاحلَّ له .

ثم قال المملوك بالذات هو ذات المبيع و الوصف إنَّما يكون مملوكًا بالعرض و مبيعية الوصف لا بد وأنْ ينتهى إلى مبيعية الذات لأنّ ما بالعرض ينتهى إلى ما بالذات فاذا فرض إنفساخ العقد بالنسبة إلى الوصف فلابد و أن يرجع إلى إنفساخ أصل المعاملة .

الثاني : أنه وإنْ سلمنا الانفساخ بالنسبة إلى الوصف لكن معنى الانفساخ ألحقيقى هو وقوع العقد على المعيب بقاءً و ليس معناه وقوع العقد عليه حدوثاً .

نعم لو قلنا بتنزيل بقاءِ العقد على المعيب منزلة حدوثه عليه بان يكون العيب البقائى بمنزلة العيب الحدوثى بحكم الشارع صحَّ القول بالانفساخ النسبى حينئذٍ و لكن المفروض عدم وجود التنزيل هنا لوجود الانفساخ الحقيقى على قول الشيخ ( رحمه الله ).

وأمّا الاشكال إثباتا فهو أنَّ الظاهر من المبيع في قوله ( كل مبیع ) مايكون مبيعًا بالحمل الشايع الصناعى و هو عبارة عن نفس العوض بماله من الأجزاء لا ألوصف فيتعين الأرش كما ذهب إليه الشهيد الثاني.

وفيه أوَّلاً أنَّ لازم ذلك هو عدم ثبوت الأرش أيضًا لانه لا يأتي في

ص: 172

المقام خيار العيب لوقوع العقد على الصحيح حسب الفرض ولا قاعدة لا ضرر لانها ليست إلّا رافعاً ولا يثبت حكمًا على ما تقدم ولا تقتضى قاعدة لا ضرر أن يكون الضرر الوارد على الموجر بمقتضى ملكه للأجرة بمجرد العقد على عهدة المستأجر ولا خيار تخلف الشرط إذ الشرط و هو وصف الصحة كان موجودًا حال العقد .

و ليس في البين إلّا قوله ( كل مبيع ) و إذ قلنا بالاشكال فيه بما قلتم من كونه مبيعًا بالحمل الشايع الصناعى و أنَّ الوصف لم يقع مورداً للمعاملة فمن أين يثبت الأرش ؟ .

و ثانيًا أنَّ الانفساخ الحقيقى غير معقول لأنَّ العقد قبل التلف كان تامّاً صحيحًا جامعاً للشرائط فلم يكن له ح موجب للانفساخ وحين التلف كان المبيع ملكاً للمشترى و الأجرة ملكًا للموجر فليس بعده شيئ قابل للانفساخ . فلا بد وأن يقال بالانفساخ التنزيلى جمعًا بین صدر الرواية وذيلها وصونًا لكلام الحكيم عن التناقض و الشيخ أيضًا لا يقول بالانفساخ الحقيقى بل قوله ( كأن لم يكن العقد موجودا ) صريح في الانفساخ التنزيلى ومعناه أن الشارع حكم بوقوع العقد على المعي تنزيلاً فيأتى فيه خيار العيب . كأنَّه قال العيب الحادث بعد العق كالعيب الموجود قبله فيدخل في قوله ( علیه السّلام ) و من إشترى شيئًا و به عیب : فيصح كلام المشهور من التخيير بين الفسخ و الأرش

الصّورة الخامسة : ما إذا حدث العيب في الأجرة الشخصية بعد العقد و القبض كليهما . فظاهر أنَّ التلف ع يكون من مال الموجر .

الإجارة العين المستاجرة باكثر مما استأجره :

قال في الشرايع : ( ولا يجوز أن يؤجّر المسكن ولا الخان و لا الأجير باكثر مما استأجره الخ ) لو إستأجر دارًا مثلا فهل يجوز له أن يوجره باكثر مما إستأجره أم لا ففيه أقوال .

ص: 173

الأول : عدم الجواز مطلقاً سواءٌ كان ما إستأجره أوَّلا دارًا أو ارضاً أو أجيرًا أوخانَاً أو غير ذلك وسواءٌ كان على نحو الاجارة أو المزارعة بغير الجنس أو به مع إحداث أمر فى العين المستأجرة أو بلا إحداث أمر فيه فيكون فضل الأجرة فى كل ذلك حراماً و هذا القول منسوب إلى جماعة من القدماء كالمفيد و الطوسى والصدوق والسَّلار و السيد المرتضى رضوان الله عليهم على ما نَسب إليهم فى المختلف و إن كان الاستناد مشكوكاً عندنا بالنسبة إلى بعضهم مع إحتمال تبدل رأيهم فيه كما إتفق ذلك كثيرً الكثير من المتقدمين على ما يشاهد في كتبهم.

الثاني : ألجواز مطلقاً وهو مختار جماعة من المتأخرين .

الثالث : ألتفصيل بعدم الجواز فى المسكن و الخان والأجير و الجواز في غيرها .

و هذا هو ظاهر المحقق في الشرايع و يظهر منه تفصيل آخر و هو الجواز إذا كان الايجار الثانى بغير جنس الأجره أو أحدث فيه ما يقابل التفاوت و عدم الجواز فى غيره . و قبل الشروع في المقام لابد من تقديم أمور .

ألاول : أنَّ النهى إذا تعلق بفعل من الافعال يكون ظاهرًا في وجود مفسدة في الفعل و يستفاد منه الحرمة التكليفية . و لذا نقول إنَّ الأمر بترك البيع وقت النداءِ ليس إلَّا متعلقا بالفعل بقرينة ( فاسعوا ) و تفريعه على ( إذا نودى ) وليس معناه لا تبيعوا حتى يبحث عن أنَّ النهى فيه هل هو عن السبب أو المسبب بل ليس المقصود من النهى عن البيع إلّا السَّعى إلى ذكر الله تعالى و ترك المبيع لاجل الوصول إلى التذكر وهذا نظير ما يقال ( دع الكتابة فانَّ الضيف ينتظرك ) إذ ليس معناه انَّ الكتابه غلط و حرام بل المقصود منه إنما هو تهيئة مقدمات الضيافة و ملاقات الضيف وليس نظير ما يقال ( دع الكتابة فانَّها غلط مثلاً).

ص: 174

وأمّا إذا تعلق النهى بالمعاملة بما هي أمر إنشائي إعتبارى لا بما هي فعل و حركة فاعلية . فيستفاد منه عدم الصحة وعدم النفوذ و لهذا قالوا إنّ النهى فى المعاملات له ظهور ثانوى في الفساد بمعنى عدم النفوذ و لكن نحن لا نقول بالظهور الثانوى حيث نرى أنَّ النهي ظاهر في الزجر عن متعلقه ليس له إلّا مدلول واحد و الاختلاف إنَّما يكون باعتبار المتعلق فانْ تعلق النهى بالفعل يكون معناه هو المبغوضيّة في نفس الفعل وإن تعلق بالأمر الاعتبارى يكون معناه الايقاف والمنع عن السَّريان فى وعاءِ الاعتبار ولذا لا نقول بدلالة قوله تعالى وحرَّم الربوا على الحرمة التكليفية . إذ لا تدلّ الآية على أنَّ عملية الربوا حرام كحرمة عملية القمار مثلاً وأنَّها مبغوضة من حيث هي فعل فاعل بل ليست حرمته إلّا بمعنى الايقاف وعدم الصحة وأنَّ التفاضل ممنوع و الفضل مملوك للغير لا يجوز التصرف فيه . وبالجملة لا يستفاد من الآية إلّا الحكم الوضعى فكما أنَّ قوله تعالى ( أحلَّ ) تعلق بالبيع بماله من المعنى الاعتباري و نستفيد منه الحلية الوضعية كذلك قوله تعالى ( حرَّم ) تعلق بالربوا بماله من المعنى الاعتبارى فيستفاد منه المنع الوضعى .

الثاني : من المعلوم أنَّ العوض فى باب المعاملات لا ينحلُّ و لا ينقسم على أجزاءِ المعوض فان الثمن إنَّما يقابل مجموع المثمن من حيث المجموع كما أنّ الأجرة بمجموعها يقابل مجموع المنفعة و هكذا في كل معاملة فانَّ العوض لا يقسط على اجزاء المعوض بل تفرض الاجزاءُ بأسرها أمراً واحدًا ويبادل أحدهما بالآخر.

نعم إذا كان المعوض ذا أجزاءِ متمايزة منفصلة بعضها عن الآخر كما في بيع ما يَملك و مالا يَملك او ما يُملك و ما لا يُملك فينحلُّ العوض ح ببركة إنحلال المعوض وصحَّ تقسيط الثمن على المثمن و تبطل المعاملة بالنسبة إلى مالا يملك و يرجع الثمن وتصح بالنسبة إلى ما يملك وكل من الأجزاء يأخذ سهمه من الثمن .

ص: 175

فتلخص أنّ العوض لا ينحل ولا يقسط على أجزاء المعوض إلّا ببركة إنحلال المعوض فيما إذا كان ذا أجزاءٍ متمايزة عرفًا.

ومن هنا تعرف أنَّه إذا حكم الشارع بحرمة الأجرة الفاضلة ليس معناه أنَّ ما هو الحرام هو هذه الزيادة فقط و أمَّا أصل المعاملة فليس فيها إشكال إذ المفروض عدم إنحلال الأجرة فاذا حرم جزءٌ منها نستكشف منه حرمة كلها و يلزمه بطلان المعاملة بأجمعها .

الثالث : أنَّ مقتضى الاجارة المطلقة أن تكون المنفعة ملكاً للمستاجر مطلقاً وعليه لا بد و أن تخرج عن ملك الموجر إذ يستحيل إجتماع ما لكين مستقلين على مملوك واحد ونتيجة ذلك هو أن يكون إختيار المنفعة بيد المستأجر فله هبتها وعاريتها وإصداقها ونحو ذلك من التصرفات كما أنَّ له إجارتها بأكثر مما إستاجر قضية لتسلط الناس على أموالهم فكما أنّ المال المشترى بثمن يجوز بيعه بأكثر من الثمن الأوَّل فكذلك العين المستأجرة تجوز إجارتها بأكثر من أجرتها الأولى . وعليه .

إذا لم يكن هناك نصٌّ تعبدى دالٌّ على المنع من فضل الأجرة أو كان وسقط بالتعارض أو لم يمكن الجمع الدلالى أو قصر عن شموله على موضوع من المواضيع فمقتضى القاعدة فى كل ذلك هو جواز فضل الأجرة .

الرابع : أنَّ الجمع الدلالي بين المتعارضين المقدم على الطرح و الترجيح إنَّما يكون على نحوين :

ألاوَّل: ألجمع من ناحية الموضوع .

ألثاني : ألجمع من ناحية المحمول .

و من المعلوم أنّ الأول مقدم على الثانى لتقدم الموضوع على المحمول رتبةً . فاذا قيل أكرم العلماءَ ثم قال لا تكرم الفساق منهم يدور الأمر بين أنْ نجمع بينهما من ناحية المحمول بأن نحمل النهي على الكراهة فيرتفع التعارض بالتصرف فى هيئة ألنهى وبين أنْ نجمع

ص: 176

بينهما من ناحية الموضوع مع حفظ ظهور الدليلين في مفادهما الأولى من الوجوب و الحرمة بأن نقول إنَّ دليل النهى له نظر إلى موضوع دليل الوجوب وإخراج موضوعى عنه فهو يخرج الفاسق عن موضوع العالم بالتعبد من أن التعبّد.

و من الواضح أنَّ الجمع على هذا النحو مقدم عليه على النحو الآخر .

وقد تمت المقدمات التى أردنا ذكرها قبل المقصود ولا بأس أن تنکر روایات الباب و تطبق المقدمات فى البحث عنها . فنقول :

إنَّ الروايات الواردة في المقام على طوائف .

ألطائفة الأولى : ما فصّل بين ما أحدث في الارض شيئًامن الانفاق و الترميم فيجوز الاجارة بأكثر مما إستأجره و بين ما لم يحدث فيها شيىء فلا تجوز . و مما دلت على ذلك ما ورد (1) عن أبى عبد الله عليه السلام قال سئلته عن الرَّجل إستأجر من السلطان أرض الخراج إلى أن قال : فقال له : إذا استأجرت أرضًا فأنفق فيها شيئًا أو رممت فيها فلا بأس بما ذكرت . و ما ورد عن الصفّار عن الحسن بن موسى الخشاب عن غياث بن كلوب عن إسحاق بن عمار عن جعفر (2) عن أبيه عليهما السلام إنَّ اباه كان يقول لا بأس أن يستاجر الرجل الدار أو الأرض أو السفينة ثم يواجرها باكثر مما إستأجرها به اذا أصلح فيها شيئًا . وبهذا المضمون روايات أخرى تدل بمفهومها على عدم الجواز إذا لم يحدث فيها شيئ.

الطائفة الثانية : ما دلّ على الفرق بين المزارعة و الاجارة بالجواز في الأولى و بعدم الجواز في الثانية.

ص: 177


1- الوسائل باب 21 من أبواب أحكام الاجارة حديث 3 و 4
2- الوسائل باب 22 من أبواب أحكام الاجارة حديث 2

و قد ورد (1) من إسحق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا تقبلت أرضاً بذهب أو فضة فلا تقبلها بأكثر مما تقبلتها به وإن تقبلتها بالنصف والثلث فلك أن تقبلها بأكثر مما تقبلتها به لأنَّ الذهب و الفضة مضمونان و في رواية (2) أبى بصير ( مصمتان أعلا يزيدان ) و نحوه غیره.

الطائفة الثالثة : مادلّ على جواز الفضل في الأجرة بالنسبة إلى الأرض مطلقا سواءٌ كان على نحو الاجارة أو المزارعة . وفَصَّل في بعضها بينها وبين الحانوت و الأجير كما في رواية(3) إبن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يواجر الأرض ثم يواجرها بأكثر مما إستأجرها قال لا بأس إنَّ هذا ليس كالحانوت ولا الأجير إنَّ فضل الحانوت و الأجير حرام . وفي بعضها الآخر فصَّل بينها و بين البيت و الأجير . كما في رواية (4) سهل بن زياد عن إبن فضال عن أبى المغراء عن إبراهيم بن ميمون ، إنَّ إبراهيم بن المثنى سئل أبا عبد الله عليه السلام و هو يسمع عن الأرض يستأجرها الرجل ثم يؤاجرها باكثر من ذلك . قال ليس به بأس إنّ الأرض ليست بمنزلة الأجير و البيت إنَّ فضل البيت حرام وفضل الأجير حرام . ألبيت عبارة عن المسكن على أى نحو كان و الحانوت عبارة عن محل الاتجار .

و في رواية (5) أبى الربيع الشامى أيضاً عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الرجل يتقبل الأرض من الدهاقين ثم يؤاجرها

ص: 178


1- الوسائل باب 21 من أبواب أحكام الاجارة ، حديث 2
2- الوسائل، باب 21 من أبواب أحكام الاجارة ، حديث 6
3- الوسائل، باب 20 ، من أبواب أحكام الاجارة ، حدیث 4
4- الوسائل ، باب 20 ، من أبواب أحكام الاجارة ، حديث 5
5- الوسائل، باب 20 ، من أبواب أحكام الاجارة ، حديث 2

بأكثر ممّا تقبلها به ويقوم فيها بحظّ السلطان فقال لا بأس به إنَّ الارض ليست مثل الأجير ولا مثل البيت إنَّ فضل الأجير و ألبيت حرام .

و بهذا المضمون روايات أخرى تدل على كبرى كلية و هي إنَّ فضل الأجير و ألبيت و الحانوت حرام والفضل فى الأرض حلال و هذه الكبرى تستفاد بعد التنويع الموضوعى وإخراج الأرض عن موضوع الحرمة وإنَّها لیست كالبيت والأجير موضوعاً.

الطائفة الرابعة : ما ورد في الرُّحى كما في رواية سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام قال إنّى لأكره أن أستأجر الرُّحى وحدها ثم أو اجرها بأكثر مما إستأجرتها إلّا أن أحدث فيها حدثًا أو أغرم فيها غرمًا .

الموضوع فى هذه الرواية خاصٌّ وهو الرُّحى كما أنَّ المحمول هو الكراهة التى هم أعم من الحرمة المصطلحة .

ألطائفة الخامسة : ما إشتمل على السفينة كما تقدم في رواية إسحق بن عمّار المقيدة جواز الفضل فيها بالاصلاح و باحداث شيئ فيها .

الطائفة السادسة : مادلَّ على جواز فضل الأجرة فى الأرض مطلقاً كما مرّفى صدر رواية أبي الربيع الشامى و رواية سهل بن زياد عن أبي المغرا.

هذا ما ورد من الروايات الواردة في المقام و قد تصرفوا فيها بالتصرفات التالية .

الأول : إلغاءُ الخصوصيات بالنسبة إلى الموضوعات المذكورة فيها سواءٌ فى الأخبار المجوزة أو الناهية وتقديم الثانى و ألحک بعدم ألجحازفي جميع الموارد إمّا لكونه موافقاً لفتوى المشهور بل معظم القدماءِ وإمّا لتساقطها و الرجوع إلى أصالة الفساد فى المعاملات .

الثاني : الجمع بينهما بالجمع الدلالي في ناحية المحمول بحمل الأخبار المانعة على الكراهة فيحكم بالجواز فى جميع الموارد بعد الغاءِ

ص: 179

الخصوصيات كما تقدم .

و بعبارة أخرى : لمّا رأينا أنَّ الشارع حكم بعدم الجواز تارة و و بالجواز مع الاصلاح أخرى وثالثه مقيّدة باحداث شيئ و رابعة بالترميم أو بالانفاق أو بالغرامة و خامسةً فرَّق بين الأرض وغيرها أو بين المزارعة والاجارة نفهم من كل ذلك الكراهة في جميع الموارد ولا تدل الروايات على أكثر منها . غاية الأمر إختلاف مراتب الكراهة بالشدة و الضعف فمثلاً تكون كراهة الفصل فيما إذا كانت الاجارة بلا إحداث شيئ أشدّمما إذا أحدث فيها شيئاً . وفى الموضوعات تكون الكراهة في البيت و الأجير أشدّ من الأرض وفى المعاملات تكون الكراهة في الاجارة أشدّ من المزارعة و هكذا . و يؤيِّد ذلك قوله ( علیه السّلام ) ( لا يصلح ) الوارد في صحيحة الحلبى ألظاهر فى الكراهة كما يؤيِّده أيضاً الارتكاز العرفى بمعنى أنَّ العرف لا يفرق بين الارض و بين البيت أو الحانوت أو الاجير فيكون التفاوت بينها منافياً للارتكاز العرفى .

الثالث : ألتفصيل الموضوعى بالنسبة إلى الموضوعات المذكورة فيها بحمل الروايات الناهية على البيت و ألحانوت و الأجير فيحكم بعدم الجواز فيها و تحمل الرواية المجوزة على غير الثلثة .

و يرد على الأوَّل اوّلاً أنَّ الجمع الدلالي من ناحية الموضوع إذاكان ممكنًا يكون مقدّماً على الجمع الحكمي و بعبارة أخرى : إنَّ الجمع ناحية المادة مقدم عليه من ناحية الهيئة .

و نرى فى المقام إهتمام الشارع بالموضوعات و التفصيل بينها فاذا نوَّع الشارع الموضوعات و قسَّمها إلى قسمين وقال إنَّ الأرض ليست كالأجير و ألبيت أو الحانوت ثم عقب الحكم بكبرى كليّة فقال إنّ فضل الأجير حرام وفضل البيت حرام فمع هذا التصريح الواضح الفارق بين الأرض وغيرها فكيف يمكن القول بالغاءِ الخصوصية بين الأرض وغيرها و إستفادة حكم كلى أى الجواز أو الحرمة في جميع الموارد .

ص: 180

فهل هذا إلّا إجتهاداً في مقابل النصّ ؟ .

و هل يصحُّ لنا أن نقول إنّ الأرض مثل البيت و الأجير بعد الغاءِ الخصوصيات ؟ مع أنَّ الشارع صرَّح بأنَّها ليست مثلها .

و ثانياً : إنَّه ليس فتوى المشهور هو المتَّبع حتى يكون ذلك مرجحا لأخبار المنع بل المسئلة إخلافية بين القدماءِ أيضًا كما يظهر ذلك لمن راجع كلماتهم .

نعم غاية ما يستكشف من فتوى المشهور على تقدير ثبوتها هو وجود الخلل في صدور الرواية المخالفة لفتوى المشهور و به تسقط أصالة الجهة عن الحجية بمعنى أنَّ صدور الكلام عن الامام (علیه السّلام) لم يكن لجهة بيان حكم الله الواقعي و هو المقصود من أصالة الجهة بل كانت جهة الصدور هى التقية و الخوف عن الأعداءِ . وحيث لا تقية في المقام لاختلاف العامة أيضًا فيه فيكون القول بالمنع فى جميع الموارد باطلاً .

و يرد على الجمع الثانى ما تقدم من عدم جواز الغاء الخصوصية عن الموضوعات بعد ما حكم الشارع بالخصوصية فيها .

وإلغاءُ الخصوصيات إنَّما يصحُّ إذا كان الارتكاز العرفى مقروناً بعلم قطعى بعدم دخالة الخصوصيات فى الحكم و ما إذا لم يعلم ذلك بل علمنا أنَّ الشارع أعمل الخصوصية على ما تقدم فلا يحسن منّا الالغاءُ .

وأمّا تأئيد ذلك بأنّ الارتكاز العرفى يستبعد الفرق بين الموارد ، فيرد عليه أنَّ الارتكاز ليس إلّا مرآةً لفهم المعاني والمفاهيم لا أنَّه يخلق حكماً غير ما حكم به الشارع. مع أنَّه لوسلم وجود الارتكاز فنقول إنَّه رد ع عنه الشارع فيما نحن فيه بواسطة تفصيله الصَّريح بين الموضوعات .

وأمّا كلمة ( لا يصلح ) أو ( لأكره ) المتقدمة في رواية الرُّحى فلا تكون دليلاً على الكراهة المصطلحة فانَّ كلمة لا يصلح مثل كلمة الكراهة فى لسان الحديث وإن لم تدل على الحرمة الاصطلاحية أيضًا بل هى أعم منهما ، فاللفظ الظاهر فى الحرمة يكون حاكماً عليها ، بالحكومة

ص: 181

التفسيرية .

وإذا بطل الجمعان الأوَّلان يتعين الثّالث وهو التفصيل بين الموضوعات كما فى الشرايع فنذهب إلى حرمة فضل الأجرة في الخان أو الحانوت و البيت والأجير و جوازه في غيرها على كراهة .

ثم نلفت النظر بعد ذلك إلى التفصيلات الأخرى الواردة في الروايات فنرى أنَّ إجارة الارض وكذ إجارة الدار و الحانوت إنَّما قيدت بالاصلاح أو الانفاق أو الترميم . فنذهب إلى أنَّ تلك الأمور رافعة للحرمة أو الكراهة بمعنى أنَّ حرمة إجارة البيت والأجير مثلاً مقيدة بعدم الانفاق و الاصلاح وكذلك كراهة إجارة الأرض مقيدة بعدم الاصلاح و الترميم .

و يتصور الاصلاح في الأجير بأن يستأجره ثم يعلّمه العمل الذى إستأجره لأجله كالخياطة مثلاً فيكون إحداث الأمر في الأجير بمعنى تعليم العمل له . على إشكال فيه إذ لا يصدق الاصلاح أو إحداث الأمر على مثل ذلك و لذا لم يرد في الروايات إسناد الاصلاح إلى الأجير ثم إنَّه ينبغى التنبيه على أمور .

الأوَّل : إنَّ النهى التحريمى فى المعاملات إنَّما يكون بمعنى الفساد كما تقدم و أمّا النهى النزيهى أى الكراهة في المعاملات فلا يمكن تفسيرها بالكراهة الوضعية إذ المعاملة وهى الأمر الاعتبارى لا معنى للكراهة فيها بالمعنى الذى تقدم في الحرمة . بل الكراهة تطلق على المعاملات بلحاظين .

الاوَّل : إنطباق عنوان مكروه على المعاملة كانطباق عنوان حبِّ موت النّاس مثلاً على بيع الأكفان.

الثاني : إحتمال ترتب الفساد على المعاملة بمعنى كونها معرضاً للوقوع في الحرام ومشرفاً له كالصيرفة مثلاً فانَّ الصراف يكون دائماً فى معرض الوقوع فى الرّبا و لذا حكم الشارع بكراهتها.

الثاني : إنَّ الظاهر من الروايات الدالة على حرمة فضل الأجرة

ص: 182

هو وحدة الجنس بين الأجرة الأولى والثانية .

نعم الظاهر أنَّ النقود المتعارفة تعدُّ جنساً واحدًا بنظر العرف وإن لم تكن ذهبًا أو فضة . فيصدق فيها فضل الأجرة و تفاوت النقود الرائجة و إختلافها بحسب البلدان والممالك لا يوجب التفاوت في أصل النقود وذلك لا يصيّرها كالحنطة والشعير فى الاختلاف.

و السِّرُّ فى ذلك هو وجود وحدة جامعة بين النقود على إختلافها و هي كونها مقدرة للماليّات وهذه الوحدة الجامعة موجود فيها من أيَّة دولة كانت.

و بالجملة إنَّ الحكم بحرمة فضل الأجرة تعبُّدى غير معلوم الملاك فيقتصر فيه على مورد الرواية . وهو مورد إتحاد الجنس فقط ولاتشمل مورد الاختلاف .

و توهّم معلومية الملاك بلزوم الرّبا من التفاضل في الأجرة مدفوع بانّ الرّبا المحرَّم لا يتحقق إلّا في معاملة واحدة لافي معاملتين كمافي المقام.

الثالث : إنَّ مقتضى القاعدة هو عدم الجواز بالنسبة إلى مجموع المنفعة وأمّا إذا إستوفى بعضها و آجر بعضها الآخر بأكثرمما إستأجره أوَّلاً فلابد و أن يكون جائزًا بحسب القاعدة .

فاذا إستأجر داراً بعشرة دراهم و سكن نصفها و آجر نصفها الآخر بمأة درهم مثلاً فمقتضى القاعدة هو الجواز إلّا أنَّ هناك رواية (1) تدل على عدم الصحة بالنسبة إلى ما إذا كانت الأجرة الثانية أزيد من الأجرة المسماة فى الاجارة الأولى وهى رواية الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السّلام) قال : لو أنَّ رجلاً إستأجر دارًا بعشرة دراهم فسكن ثلثيها و آجر ثلثها بعشرة دراهم لم يكن به بأس ولا يؤاجرها بأكثر مما إستأجرها

ص: 183


1- الوسائل، باب 22 ، من أبواب أحكام الاجارة ، حديث 3

به إلّا أن يحدث فيها شيئًا .

وعليه فان وافقت الثانية مع المسماة الأولى تكون الاجارة الثانية صحيحة فضلاً عما إذا كانت أقل .

إشتراط تنقيص الأجرة :

إذا استأجر شخصاً لا يصال متاع إلى مكان معيَّن وإشترط أن یحمله إلى ذلك المكان في وقت خاص و أن ينقص من الأجرة بمقدار التأخير هل يصح هذا الاشتراط أم لا .

اقول : إنَّ اشتراط وقت خاص قد يكون مقوماً لموضوع الاجارة كأن يستأجر شخصًا لصوم يوم عرفة أو الغدير مثلاً و ح فاذا عمله العامل بالاجارة في غير ذلك الوقت كأن صام في غيريومى الحرفة و الغدير لا يستحق شيئاً من الأجرة لأنَّه لم يعمل بالاجارة وسيأتي تفصيل ذلك وعليه فان إشترط عليه ايصال المتاع فى يوم معيَّن على نحو التقييد و لم يوصله في ذلك الوقت تبطل الاجارة لأن إنتفاءَ القيد موجب لانتفاء المقيّد .

وقد يكون الاشتراط على نحو الالتزام في الالتزام كأن يستأجره للصوم و يقول له ( وليكن صومك فى يوم الجمعة ) وعدم العمل بهذا الشرط لا يوجب إلّا الخيار أى خيار تخلف الشرط للمستأجر ولا يكون موجبًا للبطلان . و ما نحن فيه يرجع عند التحليل إلى ثلاثة أمور .

الأوَّل : أصل المعاملة و هو استيجار شخص ليحمل متاعاً إلى مكان معين.

الثانى : إشتراط كون الايصال في وقت معين

الثالث : نقص الأجرة على تقدير عدم ايصاله في ذلك الوقت بمقدار التأخير كأن يقول له مثلاً . ( إن لم يصل متاعي في ذلك الوقت أنقص من الأجرة كل يوم درهمًا ) .

وأمّا صحة الشرط الأوَّل فبديهى لأنَّه ليس مخالفًا لمقتضى العقد و

ص: 184

يشمله عموم ( المؤمنون عند شروطهم ).

وأما صحة الاشتراط الثاني فلانَّ غاية ما يمكن أن يقال فساده هو كون نقص الأجرة و حطها مخالفاً لمقتضى الاجارة .

لكنَّ التحقيق خلاف ذلك وأنّ الحطّ إنّما يكون بعد الانعقاد فهو مؤكد للأجرة لا أنه مناف له . فهو نظير الابراء المؤكد لثبوت الدين إذ هو في طوله .

و بعبارة أخرى : إنَّ العقد إنَّما أثّر أثره و هو تمليك المنفعة بعوض إلّا أنَّه إشترط بعد ثبوت الأجرة سقوطها و هذا ليس مخالفاً للكتاب و السنة ولا لمقتضى العقد .

نعم لا بد وأن لا يكون الحطّ إلى حد يصل إلى سقوط الأجرة بالمرّة لما ورد في ذيل صحيحة الحلبى : ( شرطه هذا جائز مالم يحط بجميع كراه ) . و لكنه تعبد محض و لا يمكن تطبيقه على القواعد كما يأتي الاشارة إلى ذلك .

و ينبغى التنبيه على أمور :

الأوَّل : إنَّ حطَّ الكراءِ إنَّما هو من جهة الاشتراط كما هو الظاهر من الرواية وأمّا ما ذهب إليه الشيخ من كونه من جهة الأرش أى التفاوت بین ایصال المتاع فى يوم معين وبين غيره و لذا حمل عدم صحة إشتراط حطّ الأجرة بكاملها على أنَّ الأرش لا يعقل أن يكون مستوعبًا فمدفوع ثبوتاً و إثباتاً .

أمّا الأوَّل فلانَّ الأرش إنَّما يتصور فى شيىء واحد من حيث تمامية أوصافه الطبيعية وعدمها .

و بعبارة أخرى : إنَّما يثبت الأرش بين الصحيح و المعيب وفيما إذا كان المعيب معيبًا لذاك الصحيح. وأمّا النَّقص فى فرد بالنسبة إلى الكمال في فرد آخر فلايكون عيباً بالنسبة إلى الفرد الأوَّل و عليه فالايصال في يوم غير رابح لا يعدُّ معيباً بالنسبة إلى الايصال في يوم

ص: 185

رابح وإن كان الثاني مطلوباً للمستأجر حيث يكون ربحه فيه أكثر من الأول لأنهما يومان متغايران متقابلان لا يعدُّ أحدهما معيبًا بالاضافة إلى الآخر .

وأمّا الثانى فلانَّ الظاهر من النص بل صريحه إنّ حطّ الكراء إنَّما يكون من ناحية جعل المتعاملين و الأرش أمر واقعى يعرفه أهل الخبرة و لا دخل للمتعاملين فيه قلة وكثرة .

وقد ذهب المحقق الاصفهاني إلى كون الحطّ من باب التغريم و جبران الخسارة وبه أراد أن يجيب عن الشيخ و يرد عليه ثبوتًا أنَّ الغرامة إنما هى درك الخسارة الواقعة لاجبر المنفعة المتوقعة . فان النفع ليس بضرر وعدم الربح لا يسمى بالخسران لأنَّ عدم أحد الضدين لا يستلزم الضد الآخر فيما إذا كان هناك ضد ثالث . وإثباتاً إنَّ التغريمات لا تتحقق بواسطة جعل المتعاملين بل هي موكولة إلى نظر العرف فى عالم التغريم فلا دليل على وجود التغريم فيما نحن فيه .

التنبيه الثاني : إنَّه قد إستشكلوا على صحة حطّ الكراءِ و موافقته للقاعدة باشكالين :

الأول : إنَّ الاسقاط قبل حصول زمان إستحقاق الأجرة يكون إسقاطاً لما لم يجب وهو أمر محال أى لا مصحح له وقد تقدم فى إستحالة ضمان مالم يجب توضيح ذلك.

و فيه أنَّ الأجرة إنَّما تملك بمجرد العقد وإنَّ الاجارة مساهقة لتملك الأجرة وقد تقدم أنَّ إشتراط حطّ الكراء إنَّما يكون في طول ثبوت الأجرة و بعده فليس المقام من قبيل إسقاط مالم يجب .

الاشكال الثاني : إنَّه يلزم من إشتراط الحطّ في يوم كذا ألتعليق في الانشاء ( إنشاء الحطّ ) فانَّ التعليق في الشرائط باطل كالتعليق في أصل المعاملات وفيه أنَّ بطلان التعليق لا دليل عليه إلّا الاجماع المدعى في كلماتهم وليس هو إلّا في أصل المعامله و أمّا التعليق فى

ص: 186

الشرائط فلا يشمله الاجماع الذي هو دليل لبّي .

التنبيه الثالث : إنَّه قد ذهب بعض إلى أنَّ الرواية لا تعرّض لها لحكم ما إذا إشترط سقوط جميع الأجرة إبتداءً على تقدير تخلف الشرط لأنَّ قوله ( علیه السّلام ) ( من الكراء ) يدلّ على إشتراط تنقيص الأجرة بمقدار التأخير و سقوط بعضها لمكان لفظة ( من ) ألّتي هي للتبعيض .

وفيه أنّ الضمير في قوله ( علیه السّلام ) ( مالم يحط بجميع كراه ) إمّا أن يرجع إلى الشرط المعهود و هو إشتراط سقوط البعض بنسبة التأخير و إمّا أن يرجع إلى جنس الشرط سواءٌ كان إشتراط سقوط الجميع أو البعض . وعلى كلا التقديرين ينتج بطلان إشتراط سقوط الجميع إبتداً .

أمّا على الاوّل فلما تقدم من أنَّ إشتراط سقوط البعض إذا كان بمقدار التأخير و بنسبته فقد يستلزم الاستيعاب و سقوط الجميع فى عالم التطبيق كما إذا إستأجر أجيرًا ليحمل متاعه في يوم معين بعشرة دراهم و إشترط عليه أن ينقص من الأجرة لكل يوم يؤخر عنه درهمًا واحدًا وفرضنا أنّ الأجير أخَّره إلى عشرة أيّام من ذلك اليوم المعيَّن فيسقط ح جميع الأجرة بالاستلزام التطبيقى . ثم نقول إذا كان سقوط الجميع اللازم لسقوط البعض بالتدريج باطلاً فيكون بطلان إشتراط سقوط الجميع ابتدااً و من أوَّل الأمر أولى ولا أقلَّ من التساوى قطعاً .

و أمّا على الثانى فلانه يدلّ على أنَّ مطلق الاشتراط إذا صادف مع حطّ جميع الأجرة باطل سواءٌ كان ابتداءً أو استلزاماً .

وقد تقدم أنَّ القاعدة تقتضى الصحة فالقول بالبطلان ليس إلّا من جهة التعبُّد المحض .

التنبيه الرابع : إنَّ الشرط المقيد به المعاملة قد يكون مقوّمًا لها ونسميه ب_ ( القيد ) و قد يكون غير مقوِّم على نحو الالتزام في الالتزام و تعبر عنه بالشرط و يكون الأولى على نحو وحدة المطلوب و الثاني على

ص: 187

نحو التعدد . و ح نقول إنَّ عدم الاتيان بالاجارة المقيدة ( العمل الخاص) يتصور على ثلاثة انحاءٍ.

الأوَّل : أن يكون التخلف عن القيد مسببًا عن مانع ذاتى بحيث لم يكن العمل المستأجر علیه ممكن التحقُّق بسبب هذا المانع كما اذا إستأجر إمرئة للصلوة في يوم معين و حاضت في ذلك اليوم.

و من المعلوم أنّ التعذر هنا يكشف إنًّا عن لغوية إنشاء الاجارة لعدم قابليتها لترتب الأثر و هذا نظير ما إذا قال بعتك هذا مشيرًا إلى مال الغير أو الخنزيز مثلاً فتنفسخ الاجارة في مثله من أصله .

الثانى : أن يكون التخلف ناشئًا عن التعذر الطارى على العمل بعد وجود القدرة عليه بمعنى أنَّه كان با مكانه أن يفعل فلم يفعل إلى أن حصل العجز بطروّ التعذر على العمل كما إذا استأجر شخصًا لكتابة شيئ في يوم معين و لم يكتب فى أوَّل أزمنة الامكان فتعذرت الكتابة بعد ذلك. ففى هذه الصورة لا تبطل المعاملة بل يثبت للمستأجر خيار تعذر التسليم.

أمّا عدم البطلان فلوجود المقتضى وعدم المانع عن صحة الاجارةلانّ موضوع الاجارة موجود والمحل تامُّ القابلية و العمل المستأجر عليه قابل للتطبيق إبتداءً و أماً ثبوت الخيار للمستاجر فلانَّ الصبر على المعاملة و الحال هذه ضررى عليه فيرتفع اللزوم بقاعدة لا ضرر.

وقد ذهب المحقق الاصفهاني إلى عدم ثبوت الخيار هنا وإستدلَّ على مذهبه بأنَّ قاعدة لا ضرر إنَّما تجرى وترفع اللزوم فيما إذا كان الضرر قابلاً للجبران كما إذا كان أحد العوضين معيبًا قابلاً لا بدال بالصحيح مثلاً فتحكم القاعدة حينئذٍ بعدم تحمل هذا الضرر القابل للجبران وأمّا إذا كان الضرر حتميًا لا مناص منه و الضرر متوجهًا مندون إمكان رفعه فلا تجرى القاعدة والمقام من هذا القبيل لأنَّ الضرر إن كان في فوات الغرض المعاملى فالمفروض عدم قابليته للجبران حيث فرضنا

ص: 188

طرو التعذر على تسليم العمل . وان كان الضرر هو الصبر على تسليم العمل فالمفروض أنه غير متوقع الحصول لأنّه صار ممتنع الوجود .

ثم قال فلابد من إعطاء الأجرة للأجير ويبقى العمل على عدة الأجير و للمستأجر الرجوع إلى قيمة العمل سواءٌ كانت أقل من المسمى أو أكثر .

و فيه أنَّ الغرض الانشائى إنَّما تعلق على عمل خاص ومادام لم يكن تسليمه ممكناً يثبت للمستأجر حق الممانعة عن الأجرة إذ قلنا إنَّ الثابت من طريقة العرف و العقلاء أن يكون التسليم في مقابل التسليم. و بذلك نقول إنَّ لزوم المعاملة على المستأجر باداءِ الأجرة وعدم إستيفاءِ العمل المستأجر عليه ضرری فمورد تطبيق قاعدة الضرر هو نفى لزوم المعاملة و مجرد إمكان الرجوع إلى قيمة العمل لا يرفع هذا الضرر إذ كيف يلزم المستأجر باداءِ الاجرة و الرجوع إلى قيمة العمل مع إمكان إرجاع الأجرة باعمال الخيار .

و بعبارة أخرى : مادام يمكن الوصول إلى البدل الجعلي لا تصل النَّوبة إلى البدل التغريمى و هو البدل الطولى و نوضح ما ذکر ببیان إشكال و جواب فنقول :

إن قلت : إذا قلنا برجوع المستأجر إلى مالية العمل و أخذ قيمته فأىُّ مانع عن أدائه الأجرة و رجوعه إلى القيمة .

قلت : ألبدل الجعلى مقدم على البدل التغريمي بلا إشكال فانَّ الثاني إنما يكون فى طول الأوَّل بحيث إذا لم يمكن الجعلى يرجع إلى التغريمي . و البدل الجعلى و هو الأجرة موجودٌ في المقام ولا موجب للرجوع إلى البدل التغريمي.

الثالث : أن يكون التخلف ناشئًا من المسامحة في تسليم العمل بأن يتسامح فيه إلى أن ينقضى وقته .

و ينطبق على هذه الصورة قواعد ثلاث في رتبة واحدة بلا حكومة

ص: 189

لا حديها على الأخرى و إن كانت بالحكومة القهرية .

الأوَّل : ألتلف قبل القبض بنااً على جريان قاعدة ( كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه ) فى الاجارة أيضًا .

الثاني : قاعدة الاتلاف . فانَّ الأجير أتلف على المستأجر مملوكه و هو العمل المستأجر عليه فيكون المورد مشمولاً لقاعدة الاتلاف .

الثالث : قاعدة لا ضرر . فانَّ لزوم المعاملة في مورد تسامح الأجير المنجرِّ إلى عدم تسليم العمل في وقته الخاص ضرر على المستأجر.

و من المعلوم أنَّ كل شيىءٍ إذا كان موضوعاً لدليلين أو أكثر و لم يكن أحد هما حاكماً على الآخر ولو بالحكومة القهرية و لم يكن في البين مرجح لتقديم أحدهما فمقتضى القاعدة التخيير . وبالنتيجة يكون مقتضى القاعدة الأولى الانفساخ ومقتضى الثانية الضّمان .

والثالثة : ألخيار . و هذا التخيير إنما هو بنظر العرف بعد ملاحظته إنطباق الاطلاقين أو أكثر على موردٍ واحد . فظهور كل إطلاق في التعيين يتقيد باطلاق الآخر و ينتج التخيير.

التنبيه الخامس : إنَّه إذا أتى الأجير العمل المقيد بيوم خاص على نحو وحدة المطلوب فى غيرذ لك اليوم بعنوان الوفاء بالاجارة فهل يستحق أجرة المثل بعد القطع بعدم إستحقاقه الأجرة المسماة أم لا . ألحق هو الثاني كما ،

ذهب إليه الشهيد الأوَّل ( رحمه الله ) و ذلك لأنَّ إشتغال ذمة المستأجر بأجرة المثل يحتاج إلى سبب و هو إمّا العمل الخاص والمفروض أنَّه لم يأت به وإمّا تحقق الاتلاف من المستأجر و المفروض عدمه فلا موجب في المقام لاستحقاق الأجرة .

و بعبارة أخرى : إنّ العمل المستأجر عليه لم يوجد في الخارج و ما أوجده الأجير ليس ما استوجر عليه .

و ذهب المحقق الاصفهاني إلى الأول مستدلًّا عليه بانَّ قاعدة

ص: 190

(حرمة عمل المسلم ) تقتضى الضمان بأجرة المثل لأنه أتى بالعمل وفاأً و إن لم يتعنون بعنوان الوفاء.

وفيه ما حققناه فيما تقدم من أنّ القاعدة المذكورة ليست بنفسها مضمنة بل هي منقحة لموضوع الضمان من اليد والاتلاف . والمال أو العمل إنَّما يكون محترمًا إذا لم يوجد هناك إهدار لما ليتهما من قبل الشارع أو من صاحبهما أو تلف سماوى و إلّافلا إحترام لهما . و ليس فيهما الضمان على نحو السالبة بانتفاء الموضوع .

إن شئت فقل : إنَّ المال إذا كان محترمًا يكون موضوعًا لأحد أمور أربعة على سبيل منع الخلو فيوجب الضمان حينئذٍ.

الأوَّل : أليد فانَّ الاستيلاءَ على مال الغير إنَّما يوجب الضمان إذا كان المال محترمًا.

الثاني : إلاتلاف .

الثالث : الاستيفاءُ المعاوضى فى صورة فساد المعاملة سواءٌ كان في بيع أو صلح أو إجارة أو غير ذلك .

فانّ أخذ العوض أو المعوض لما كان مبينًا على الضمان المعاوضى و المفروض عدم تأثيره فيؤثر اليد أو الاتلاف و ينتج الضمان ولذا قلنا برجوع قاعدة ( كل ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده و عکسها ) إليهما وأنَّها ليست قاعدة برأسها .

الرابع : الاستيفاء بالضمان كما في الجعالة .

فتلخص أنَّ الموجب للضمان أحد هذه الأمور المتقدمه وليست قاعدة إحترام مال المسلم وعمله منها .

نعم تكون هذه القاعدة محققة لموضوع الضمان بحيث إذا لم يكن المال محترماً بسبب إهدار صاحبها مالية ماله فلا موجب للضمان حينئذ .

وهم و دفع في أنّ المنفعة الخاصة قابلة للتقیید أم لا؟

أمّا الوهم فهو أنَّ المنفعه الخاصة أو العمل الخاص لا يقبل التقييد

ص: 191

بل كلما يشاهد بصورة التقييد فهو يرجع إلى الشرط كما هو صريح الرواية المتقدمة.

والسّرُّ فى ذلك : أنّ الخاص لا يقيَّد ولا يتشخص بعد كونه خاصًا لما ثبت في محله أنَّ المتشخّص لا يتشخّص ثانياً .

و قد توهموا عكس ذلك فى الكلى أيضًا بتقريب أنَّ المنفعة إذا كانت كلية لا يتصور فيها الاشتراط وكل ما يرى بصورةٍ الاشتراط فهو يرجع إلى التقييد لأنَّ كلّ شرط يتعلق بالكلّى يكون من مشخصاته إذ هوموجب لتضييقه .

و بالجملة : ألخاصّ مورد للاشتراط لا التقييد و الكلّى بالعكس .

وأمّا الدَّفع فهو أنَّ الخاص الذى لا يقبل التقييد أو التشخص الثانوى إنَّما هو الخاص المشتمل على جميع التشخصات و هو المساوق للموجود الخارجي المعبَّر عنه بالجزئى الحقيقى . حيث أنَّ الخاص إذا وجد و تشخص لا يمكن أن يكون متشخصًا بتشخص آخر فانَّ الوجود الواحد ليس قابلاً لوجودين ولا لتشخصين .

وأمّا إذا كان الخاص خاصاً من جهة وعاماً من جهة أخرى كما في المقام فهو قابل للتقييد فانَّ الخياطة مثلاً و إن كانت خاصاً يخرج عنها ما عداها ولا تشمل النّجارة و الكتابة وغيرهما من الماهيّات المختلف لكنها عام تشمل جميع أنواع الخياطة على إختلافها من حيث الزمان و المكان و المباشرلها وغير ذلك من العناوين الموجبة لاختلافها .

و بالجملة ليس المقصود من التشخُّص هنا هو التشخُّص الخارجى أو الخاص المصطلح الفلسفى حتى يمتنع التقييد، ثانيا بل المقصود هو الخاص الاضافى الذى هو كلى إضافى فمادام يكون في الذمة يقبل الاشتراط و التقييد كليهما .

أمّا بالنسبة إلى الكلّى فهو أيضًا قابل للاشتراط كقبوله للتقييد . لأنَّ الغرض المعاملى قد يتعلق بالكلى بأيِّ نحو كان فليس فيه تقييد

ص: 192

ولا إشتراط كأن يتعلق غرض المستأجر بالخياطة بأىِّ نحو إتَّفق .

وقد يتعلق الغرض المعاملى على خياطة خاصة على نحو التقييد ووحدة المطلوب بمعنى أنَّه يريد الخياطة لكن لا مطلقا بل إذا صدرت على كيفية مخصوصة بحيث إذا لم تصدر على تلك الليفية لم يتعلق الغرض المعاملی بها. ففى هذه الصورة يكون العمل مقيدًا وَ إذا لم يأت به الأجير تأتى فيه الصور المتقدمة. وثالثه يكون هناك غرضان أحد هما تعلق بأصل الخياطة وثانيهما بالخياطة على نحو خاص و على أسلوب معيّن · فيكون حينئذٍ غرضه الأصلى هو الخياطه و لكن إشترط ثانيًا الشرط المذكور . وهذا أىّ تعدد الغرض هو المراد من تعدد المطلوب . ففي هذه الصورة ليست المعاملة على نحو الاطلاق كالأولى و لا على نحو التقييد كالثانية بل تكون مشروطة بشرط في ضمنها .

التنبيه السادس : إنَّه بعد ما عرفت صحة إشتراط حطِّ الاجرة هل يصحّ إشتراط عدم إستحقاق الأجرة على تقدير عدم ايصال المتاع فى الزمان المعين أم لا يصحُّ.

المشهور بينهم عدم الصحة لرجوع ذلك إلى إشتراط عدم الأجرة و هو مخالف لمقتضى العقد .

لكن التحقيق عدم صحة الاستدلال المذكور و إن كانوا صادقين في مدعاهم . لأنّ شرط عدم الاستحقاق ليس كالاجارة بلا أجرة مخالفًا لمقتضى بدلية الأجرة عن المنفعة . بل هو مخالف لاقتضاء العقد .بيان ذلك.

إنَّ العقد إنّما تعلق على المعاملة لكى يؤثر أثره و لأن يقتضى إستحقاق الأجرة لكن عدم الايصال في اليوم المعيَّن صار سببًا لتأثير العقد على خلاف اقتضائه أو فقل إنَّه صار موجبًا لعدم تأثير العقد أصلاً ، وهذا نظير ما يقال في إشتراط التفاضل بين الحصص في باب المزارعة و المضاربة و الشركة . فانَّ إشتراط إستحقاق ربح أكثر لأحد

ص: 193

الشريكين دون الآخر مع تساوى الحصتين مخالف لاقتضاء عقد الشركة فانَّه يقتضى أن يكون النماءُ والربح تابعان للمال ويلاحظان بالنسبة إلى الأسهام كما أنَّه يقتضى أن تكون الخسارة الواردة للمال المشترك واقعة على المال المشترك بالنسبة فاشتراط كون الخسارة على عهدة أحد الشريكين مخالف لاقتضاء عقد الشركة .

نعم لو اشترطوا في عقد الشركة أن يكون الربح بعد حصوله لأحد الشريكين دون الآخر على نحو شرط النتيجة صحَّ لرجوع ذلك إلى التمليك المجّاني في الحقيقة .

وهكذا يصحُّ أن يشترط كون الخسارة على أحد هما بعد وقوعها على نحو شرط النتيجة . وبالجملة إن كان شرط التفاضل في الربح على خلاف طبع تبعية الربح للمال واقتضاء عقد الشركة يكون فاسدًا و إن كان على النَّحو الذي قلناه نحن فيكون صحيحًا و هكذا نقول بالنسبة إلى شرط إستحقاق الأجرة بانَّه لا يصحُّ إذا كان المراد منه جعل الشرط مانعاً عن تأثير العقد في الاستحقاق بل الاستحقاق ليس أمراً وراءَ ملكية الأجرة فهذا الشرط مخالف لمقتضى الاجارة وحقيقتها وبالجملة لافرق بين التعبيرين لانَّ الثاني فرع للاول .

فروعٌ، في إشتراط ایصال ألمتاع في مکان معیَّن

الأول : إنَّه لو إستأجره ليحمل المتاع إلى مكان معيَّن وقيَّد ملك الأجير للاجرة بالايصال الخارجى بمعنى أنَّه قيَّد التمليك بالايصال . فهذا لا يصحُّ قطعًا .. لأنَّ الأجرة إنَّما تكون في مقابل المنفعة المقيدة بالا يصال الخارجى حسب الفرض فهى مالم توجد في الخارج لم تكن الأجرة مملوكة للأجير و حين وجودها في الخارج لم تكن قابلة للتَّمليك فلايصحُّ جعل الأجرة في مقابلها لأنَّ زمان الايصال الخارجي، هو زمان إنعدام العمل وان رجع التقييد بالايصال الخارجى إلى تقدير العمل

ص: 194

يكونه في زمان خاص رجع ذلك إلى تحديد الموضوع على نحو وحدة المطلوب و قد مضى صحة هذا النَّحو من الاجارة و إقتضائها عدم إستحقاق الأجرة في صورة التَّخلف و إن رجع إلى الالتزام بالايصال فى زمانٍ خاصٍ فى ضمن الالتزام المعاملى كان تخلفه موجبًا للخيار حسب فرض كون تلك الاجارة على نحو تعدد المطلوب .

الثاني : إنَّه لو قال آجرتك لتحمل متاعى إلى مكان معيَّن في يوم الجمعة مثلاً بدرهمين وإن لم توصله في ذلك اليوم آجرتك بدرهم واحد لحمل المتاع في يوم السبت مثلاً صحَّ لأنَّ ذلك إجارتان يترتب الثّاني منهما على عدم الوفاء بالأولى أى أنَّ الاجارة الثانية مشروطة بعدم وقوع الاولى : و المقتضى للصحة موجود و المانع مفقود و تشمله عمومات الصحة وإطلاقاتها .

و من المعلوم أنَّ الأجير إذا عمل بالاجارة الأولى تنفسخ الثانية لانتفاء المشروط عند إنتفاءِ شرطه و هكذا هكذا يصحُّ لو قال آجرتك لحمل المتاع فى يوم الجمعة بدرهمين وآجرتك بدرهم واحد للايصال في يوم السبت على تقدير عدم الايصال يوم الجمعة . على نحو التعليق . حيث علَّق الاجارة الثانية على عدم الوفاء بالأولى فالصورة الاولى كانت بنحو الشرط و الثانية بنحو التعليق.

ثم إنَّه لو عمل الأجير بالاجارة الأولى هل تنفسخ الثانية في الصورة الثانية أيضا أم لا . ذهب المحقق الاصفهاني إلى عدم الانفساخ و الأجير لما لم يقدر على إعطاء العمل فالمستأجر يملك مالية العمل فہی فی عهدة الأجير و يرجع المستأجر إلى قيمة العمل .

لكنَّ التحقيق أنَّ الوفاءَ بالاجارة الأولى يستلزم عدم بقاءِ الموضوع للثانية لأنَّ الثانية إمّا مشروط بعدم العمل بالأولى أو معلق عليه كما هو مفروض المسئلة .

فاذا لم يحصل الشرط أو المعلق عليه لم يحصل المشروط و المعلق

ص: 195

قطعاً .

و بالجملة : فالصحيح هو إنفساخ الاجارة الثانية على تقدير العمل بالأولى في كلتا الصورتين .

الثالث : إنَّه لو قال آجرتك الدار كل شهر بكذا هل تصح الاجارة أم لا ففيه أقوال .

لو قال آجرتك الدّار کلَّ شهرٍ بکذا

الأوَّل : إنَّه صحيح بالنسبة إلى الشهر الأوَّل و تثبت الأجرة المسماة و أما الزائد عن الشهر الاول فتثبت أجرة المثل إن سكن فيها . و هو مختار المفيد ( رحمه الله ) فى المقنعة و الطوسى (ره) في النهاية و إختاره المحقق في الشرايع .

ألثاني : إنَّه باطلٌ مطلقًا و نسبه فى الجواهر إلى جماعة بل إلى المشهور .

الثالث : إنَّه صحيحٌ مطلقاً فما دام يسكن المستأجر في الدار لا بد من إعطائه كل شهر الأجرة المسماه بعنوان الاجارة .

و أمّا أدلة الأقوال فما يمكن أن يستدل به على القول بالبطلان أمور.

الأوَّل : أنّ عدم معلومية المنفعة مستلزم للجهل بالأجرة و حيث لم تكن المنفعه محدودة فلاعلم بالعوضين وهو مبطل للعقد بالاجماع .

الثاني : أنَّ مالية المنفعة إنَّما هي لوقوعها مقابلاً للأجرة و إلّا فهى بنفسها ليست لها مالية كالأعيان المتمولة الموجودة في الخارج ومن المعلوم أنَّ الشيئَ إذا كان مجهولاً غير محدود لا يقع مقابلاً للأجرة .

و بعبارة أخرى : ما لم تحدَّد المنفعة لا تقابل بالمال و مالم تقابل به لا تكون مالاً و يلزم منه بطلان الاجارة .

الثالث : إنَّ المقصود من قوله ( آجرتك كلَّ شهر بكذا ) إمّا أن يكون ايكال أمر المنفعة إلى المستأجر بحيث يكون المستأجر هو المختار فى إختيار الشهر أو شهرين أو ازيد فهذا باطل إجماعا لأنَّ تمليك المنفعة و ايجاب الاجارة لابد وأن يكون من جانب المؤجر ولا معنى لا يكال أمر

ص: 196

المنفعة إلى القابل .

و إمّا أن يكون المقصود هو الكلى الاستيعابي الدائمي بمعنى أنَّه يؤجر الدار إلى الأبد ومعلوم أنَّ هذا مستحيل عادة و نعلم قطعاً أنَّ المتعاملين لم يقصدا كذلك .

فلامحالة يكون المقصود هو الاجارة البدلية أى بدلية مهمة و لما لم يكن للمبهم وجود خارجى و لم يكن قابلاً للتمليك فلاجرم تكون الاجارة باطلة لكونها مبهمة .

و توضيح ذلك : أنَّ المبهم على ثلاثة أقسام :

المبهم على ثلاثة أقسام

الأوَّل : ما يكون النظر فى الماهية إلى الذات و الذاتيات فقط ولا ينظر إلى ما يكون خارجًا عنها ولا تحمل على الماهيه في هذا اللحاظ إلا ذاتياتها و لذا قالوا إنَّ الماهيّة من حيث هي ليست إلّا هى و أرادوا به هذه المرحلة ويعبّر عنها باللا بشرط المقسمى .

ألثاني : ما يكون النظر في ألماهية إلى الخارج عن ذاتها بالنسبة إلى قيد من القيود لكن لا يلاحظ وجود القيد ولاعدمه فيها بل تطلق من ناحيتهما معاً كما إذا لاحظنا الانسان والكتابة من دون تقييد بوجودها أو عدمها وهذا ما يسمى باللّابشرط القسمى والمطلق في صناعة علم الأصول ولا يخفى أنَّ الماهيه على هذا المعنى لا تكون مبهمة وإنما تعنون بهذا العنوان بلحاظ عدم تبيّن وجدانها للقيد خارجًا و عدمه .

الثالث : ما تكون الماهية مرددة فى الخارج بين فردين أو اكثر كما إذا علمنا بوجود الماهية الانسانية في الغرفة مثلاً و لكن لا نعلم أنَّها تحققت في ضمن زيد أو في ضمن عمر . و من الواضح أنَّ هذا الابهام لا يوجد إلّا في الذهن و أمّا الواقع فلاترد يدفيه فانَّ الموجود فى الغرفة واقعاً إمّا زيد وإما عمرو وعدم العلم به والترديد الذهني لا يغيّر الواقع ، وبالجملة المردَّد و المبهم ليس لهما مصداق خارجى لأنَّهما

ص: 197

مخالفان للتشخُّص و التفرد والتعين و هى من لوازم الوجود فالوجود عين التشخَّص و التشخَّص مناقضٌ للابهام . و من هنا ظهر بطلان الاجارة فيما نحن فيه لانَّها لما كانت مرددة بين الشهور و المردد لا يوجد فى الخارج فتكون الاجارة لابهامها لا وجود لموضوعها فتبطل .

والجواب عن الأوَّل : إنَّ الاجماع مدركي في المقام إذ يحتمل قويًّا أن تكون المستند فيه قاعدة الغرر فننقل الكلام إليها و نقول إنَّ النهى لم يرد عن مطلق الغرر بل ليس عندنا إلّا ما ورد من أنَّه ( نهى النّبى عن بيع الغرر ) فالغرر إذا كان فى غير البيع لا دليل على بطلان المعاملة به .

ولو سلَّمنا بطلان كل معاملة غررية سواءٌ كان بواسطة ورود الرواية بذلك كما تقدم من نقل الشهيد أنَّه( نهى النبي عن الغرر ) أم كان من جهة بناء العقلاء على بطلان المعاملة الغررية كما هو المختار عندنا . فنمنع وجود الغرر فيما نحن فيه لأنَّه كما تقدم عبارة عن الخطر المعاملي وأىُّ خطر أو أىُّ خسران في قوله ( آجرتك كل شهر بدينار مثلاً ) .

وألجواب عن الثاني : إنَّه لا ريب أنَّ المنفعة ما لم تكن مالاً لا يبذل بازائها المال ولا تقع موردًا للاجارة ولا مقابلاً للأجرة و إذا صحَّ قولكم إنَّ مالية المنفعة موقوفة على وقوعها مقابلاً للأجرة يلزم الدور و الخلف . و التحقيق أنَّ مالية المنفعة إنَّما هي ملاحظه الحيثيات الوجودية القائمة بالأعيان وقد تقدم ذلك تفصيلاً فلا نعيده .

و للجواب عن الثالث : لا بدّ أن نفرق بين الفرد المردّد و بين الفرد البدلى أو الفرد المنتشر . فنقول : إنَّ المفهوم المرد د قد يكون طريقًا و مرآة للخارج وليس له إلّا الاشارة إليه كقولنا مشيرًا إلى الكأسين ( أحد هما لا بعينه نجس ) وهذا لا مصداق له حقيقة ولا يوجد إلّا في وعاءِ الذهن و هذا هو المقصود من المفهوم المردد الذي لا يصدق على الخارج فلا يمكن لأحدٍ أن يجعل هذا المفهوم بما هو مردَّدٌ ، غير

ص: 198

معيَّن موضوعًا لحكم من الأحكام بل ليس له إلّا جنبتها الطريقية .

و قد يكون المفهوم المردد بنفسه موضوعًا للحكم كأن يقال أعطنى درهما أو ايتبنى برجل مثلاً . و هذا ليس مرددًا في الخارج حتی يقال بعدم وجوده إذ من المعلوم أنَّ المتكلم بذلك لا يريد الدِّرهم أو الرجل المردد الذى قلناه باستحالة تحققه في الخارج بل ليس هذا إلا من قبيل الفرد المنتشر أو الكلى البدلى ولذا قد يكون معينًا عن المتكلم فى مقام التطبيق غير معين عند المخاطب كما في قوله تعالى (وجاء رجل من أقصى المدينة ) و من هنا نقول بصحة الوصية على نحو شرط النتيجة كقوله أحد عبيد ى حر بعد وفاتى وهكذا فى الوصية التمليكية كقوله أحد عبيدى ملك فلان بعد وفاتى وفى الوصية العهدية كقوله اعطو الفلان أحد عبيدى . وكل ذلك صحيحٌ لا إشكال فيه لعدم كونه من المفهوم المردد الذى لا مصداق له فى الخارج بل يكون من قبيل الكلى البدلى يصلح للانطباق في الخارج كانطباق الكلي في المعين على الخارج وتعطى ولاية التطبيق فى كل ذلك للوصىّ و نحمل روايات القرعة على الاستحباب من جهة جبر كسر القلوب و من هنا ظهر أنَّ قوله آجرتك كل شهر بكذا من قبيل القسم الثاني وليس مفهومًا مرددًا بالمعنى الأوَّل فلا مانع من صحة هذه الاجارة من هذه الجهة .

نعم يمكن تقريب البطلان بوجه آخر وهو أنَّ الملكية إنَّما هي من الأعراض فيحتاج إلى موضوع معيّن محدود . ولا يمكن ايكال ذلك إلى إختيار المستأجر لأنَّ الاستيفاءَ الخارجى من المستأجر إنَّما هو إستيفاءٌ لما تملكه بالاجارة فتكون رتبة الاستيفاء متأخرة عن رتبه التملك فلا يمكن حصوله بالاستيفاءِ ، ثم إنَّ تعيين المملوك لا بدَّ أن يكون من قبل منشيء عقد التمليك و هو الموجر فهو الذي يعين حدود ما ملَّكه بعقد الاجارة فكيف يحوِّل ذلك إلى المستأجر المستوفى لما ملكه . اللّهمّ إلّا أن يقال إنّ الاستيفاءَ الخارجى كاشف عن تحقق الملكية بالاجارة و منجز لها .

ص: 199

لكنه كما ترى خلاف واقع هذا النحو من الاجارة التى مقتضاها سببيّة إختيار المستأجر لأصل الملك . هذا مضافاً الى أنَّ باب المبادلة يقتضى وقوع بدل محدود فى مقابل بدل محدود فى عالم إنشاء المبادلة و هو مفقود في هذه الاجارة فتكون باطلة .

وقد حاول صاحب الجواهر رحمه الله لتصحيح هذه المعاملة تارة بجعلها بمنزلة الجعالة و أخرى بجعلها من الاباحة بالعوض . أمّا الوجه الأوّل فنوقش فيه بأنَّ الجعالة إنَّما هى أجر على عمل وفيما نحن فيه ليس العمل من الموجر بل من المستأجر فلايكون ذلك من باب الجعالة وردّه بعضهم بأنّ الأجرة إنَّما هى على إسكان الموجر المستأجر الدار إذ السكون عمل للمستأجر ولاجعل على عمل نفسه لغيره و أمّا عمل الموجر و هو الاسكان فيصح جعل الأجر علیه فالجعالة صحيحة . و يندفع بأنَّ الاسكان من حيث هو ليس عملاً إذ ليس الصادر منه إلا إنشاء المبادلة أو مع تخلية العين تمهيدًا لسكون المستأجر فيها وعلى فرض كون الاسكان عملاً منه فليس له مالية بنفسه وعليه فجعل المقام من الجعالة مشكل جدًّا إلّا أن لا يريد صاحب الجواهر ( رحمه الله ) من الجعالة معناها المصطلح بل معاملة برأسها شبيهة بالجعالة وهى عبارة عن تعهد المستوفى العوض بالاستيفاء فتكون تعهدًا بالضمان و تشبه الجعالة من جهة أنّ التعهد بالعوض و استحقاق الأجرة باستيفاءِ المنفعة موجود في كليهما . أمّا قوله آجرتك كل شهر بدرهم فهو إلزام على الضمان كما أنَّ لها جهة شباهة بالقرض من حيث أنَّ القرض تمليك بالضمان . و لمّا لم يكن دليل على عمومات الصحة . و دعوى أنَّ مثل أوفوا بالعقود منصرف إلی المعاوضات المتعارفة فلا يشمل المقام مندفعة بعدم موجب للانصراف .

في بیان حقیقة الاباحة بالعوض

و أمّا الوجه الثاني : أى الاباحة بالعوض فهي صحيحة وعبارة

ص: 200

عن إباحة صاحب المنفعة لها بعوض خاص و هي تشبه القرض من جهة كون البدل طوليًا فيهما بخلاف البيع والاجارة فانَّ البدل فيهما عرضى . و ألدليل على صحة هذه الاباحة عمومات الصحة بعد عدم موجب لا نصرافها عنها . بل ألقول بتعارف ذلك في جميع الأزمان سديدٌ جدًّا و لكن تلك المعاملة ليست بلازمة لكونها إباحة و إن كانت بالعوض . ثم إنّه قد أورد على قول صاحب الجواهر ایرادات أخرى على مايلى.

الأوَّل : أنَّ ما ذكره خلاف ظاهر قول المستأجر ( آجرتك كل شهر بكذا ) . و يندفع مضافاً إلى أنَّ القرينة تكشف عن المراد إنَّ المدار إنّما هو على عالم الثبوت و أنَّه هل يصحُّ على نحو الجعالة أو الاباحة بالعوض أم لا، بعد فرض عدم تطبيق عنوان الاجارة . وإذا أمكن ذلك ثبوتاً يمكن الاتيان بعبارة أخرى في عالم الاثبات مثل ( أبحتك منفعة الدار كل شهر بكذا ).

الثاني : أنَّه يأتى الغرر فى هذه المعاملة ويتدفع بأنَّ إباحة المنفعة بالعوض ليس فيها غرر لتقدير الضمان بقدر الاستيفاء .

الثالث : أنَّ أدلّة صحة المعاملات مُنَّزلة على العقود والمعاملات المتعارفة المعهودة و يندفع بسما عرفت من أنَّ هذه دعوى غير ثابتة .

نعم إنطباق إطلاقها على المتعارف واضحٌ و لكن لا موجب لحصرها فيه .

الرابع : أنَّه يشترط فى الاباحة بالعوض ما يشترط في مطلق المعاوضات من العلم وغيره . و يندفع بأنّا نلتزم باعتبار الشروط العامة فيها. وأما الشروط الخاصة فتدور مدار أدلتها سعة وضيقًا فاذا كانت خاصة ببعض المعاوضات كما في العلم و نحوه فلا موجب للتعدّى إلى غيرها:

الخامس : أنَّه يلزم الجهل من هذه المعاوضة و يندفع بما عرفت من أنّ الجهل لا يضرُّ فى المقام لعدم وجود الغرر في الاباحة بالعوض

ص: 201

لأنَّ الضمان الطولى حافظ للغرر .

السادس : إنَّ الاباحة لا تتعلق بالكلّيّات والمفروض فيما نحن فيه كلية الأجرة والمنفعة ويندفع بأنّ الاجرة مضمونة في طول الاستيفاء بالضمان الطولى فليست كلية وأمّا المنفعة فهى كلي في المعين ولا مانع من تعلق الاباحة به لانّه كالشخصي .

و ربما يقال بصحة الاجارة فى الشهر الأوَّل دون غيره بدعوى إنصراف إطلاق آجرتك كل شهر بكذا . إلى المتصل . وفيه أنّه كذلك لولم نقل إنَّ الاختيار بيد المستاجر فيعود إشكال أنَّ العقد لابد أن يكون مملكاً و لكن الأظهر كما في الشرايع صحة الاجارة بالنسبة إلى الشهر الأوَّل لانَّه المتيقن من إطلاق هذه العبارة ويرجع في غيره إلى أجرة المثل إن سكن المستأجر لأنَّ بناءَ المتعاملين على عدم مهدورية المنفعة. هذا و لكن التحقيق أنّه من الاستيفاء بالعوض فلافرق بين الشهر الأوَّل وغيره إلّا أنْ يقال كما في الجواهر بعدم تحقق المبادلة ولو بالنسبة إلى الشهر الأوَّل لسريان البطلان إليه ولو من ناحية الجهل وفيه تأمل واضحٌ و الاحتياط مطلوب . هذا كله لو كانت العبارة ( آجرتك كل شهر بكذا ) .

لو قال آجرتك شهراً بكذا وإن زاد فبالنسبة

و أمّا لو قال آجرتك شهراً بكذا وإن زاد فبالنسبة أى يؤخذ الأجرة بنسبة الشهر الأوّل . فالمراد منه يتصور ثبوتاً على وجوه . أحدها أن يكون مورد الاجارة هو الشهر الأول و يكون غيره من قبيل الا باحة بالعوض و قد عرفت صحة ذلك و أنَّه لا موجب للبطلان بالنسبة إلى الشهر الأوَّل و أنَّ الاباحة بالعوض يقتضى الضمان الطولى ولا يشترط فيه معلومية مقدار ما يستوفيه الضامن . ألثاني : أن يكون في الجميع بعنوان الاجارة و هذا يصح فى الشهر الأوَّل كما في القواعد و يفسد في الباقي فيرجع إلى أجرة المثل لبناء المتعاملين على عدم مهد وريا المنفعة كما عرفت .

ص: 202

أمّا الصحة فى الشهر الأوّل فلانَّه لا موجب للبطلان بعد كون التمليك فيه تنجيزيًا وأمّا الفساد فى الباقى فلانَّه يشترط في الاجارة التمليك الفعلى و هو مفقودٌ فى الزائد إذ المفروض أنَّ الأمر فيه موكول إلى إختيار المستأجر فلا تصح الاجارة والحاصل أنَّ البطلان في الزائد عن الشهر الأول إنَّما هو من جهة أنَّ حقيقة الاجارة و هو المبادلة بين محدود و محدود غير متحققة وليس البطلان من جهة الجهل المستلزم للغرر كما تقدم بيانه .

ثم إنَّه على تقدير كون الفساد في الزائد للجهل فلاريب في عدم سريانه إلى الشهر الأوَّل فما فى الجواهر من السَّريان في غير محله لأنَّ الأوّل ليس فيه جهل حسب الفرض لمعلومية المدة والأجرة والجهل بالمجموع لا يوجب البطلان في الأوَّل بعد ما تبيَّن عدم وجود الجهل فيه بخصوصه .

الثالث : أن يكون فى الجميع بعنوان الشرط و هذا صحيح فى الشهر الأوَّل كما هو واضح وكذا في الباقي لصحة مثل هذا الشرط بعد شمول المطلقات له بلامانع عرفى أو شرعى و توهم الفساد لأجل التعليق مندفعٌ بعدم الدليل على فساد التعليق في الشروط الضمنية بل الشروط طبعها التعليق ولا يضر الجهل في باب الشروط لمعلومية المنفعة و الأجرة على نحو الانحلال و التطبيق .

و يدل على صحة ذلك صحيح (1) أبى حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته عن الرجل يكترى الدابة فيقول إكتريتك منك إلى مكان كذا وكذا فان جاوزته فلك كذا وكذا زيادة و يسمى ذلك قال لا بأس به کله . و دعوى أن مورد الرواية أجنبيٌّ عن مقامنا إذ الاجرة و المنفعة فى مقامنا مأخوذتان بشرط الشيىءِ لكون كل واحدٍ منهما

ص: 203


1- الوسائل باب 8 من أبواب الاجارة

محدودة بخلاف مورد الرواية فانّ المنفعة الزائدة مأخوذة فيه لا بشرط إذ ظاهره جعل الأجرة المسماة بالنسبةٍ إلى التجاوز عن المكان بلغ ما بلغ فالأجرة مأخوذة فيه بشرط شيىءٍ لأنَّها معينة بخلاف المنفعة مدفوعة بأنَّ الظاهر من قول السائل ذلك هو النظر إلى الأجرة و التجاوز معًا وإن أبيت إلّا عن ظهوره في معلومية الأجرة دون المنفعة و لعله الأظهر فهذا الفرق ليس بفارق بل يؤكّد الصحة فيما نحن فيه بطريق أولى . نعم لابد من تصحيح مورد الصحيح بأن الشرط يحتمل الجهل أكثر من أصل المبادلة .

فرعان یناسبان المقام

ثم إنه قد ذكر فى الشرايع في هذا المقام فرعين :

الأوَّل : إنّه لوقال إن خطته فارسيًا ذادرز واحد فلك درهم و إن خطته روميًّا أى ذاد رزين فلك درهمان صح .

ألثاني : إنَّه لو قال : إن عملت هذا العمل في اليوم فلك درهمان و في عذ درهم فيه تردد أظهره ألجواز، إنّ الظاهر من تفريع هذين الفرعين على أحكام معلومية الأجرة كون صحتهما بعنوان الاجارة و إن ذهب بعض إلى كون هذا العنوان جُعالة وفصَّل جماعة بين كونه إجارة و بین کونه جعالة أو اجارة مع الشرط فصحيحة . وكيف كان فالقائل بالصحة بعنوان الاجارة قد إستدل باطلاق أوفوا بالعقود بعد دفع موجبات البطلان من الغرر و الجهل و الابهام بانَّه ليس هناك غرر معاملى ، لأنّ العمل و الأجرة معلومان فليس في البين مايوجب الغرر المعاملى وحيث أنَّ إخلال الجهل إنّما هو لاجل الغرر لا بما هو جهل فلاجهل هناك أيضًا كما أنَّ مورد الاجارة ليس هو الماهية اللّامتعينة البحتة غاية الأمر وجود الترديد والدوران فيه فلا معنى لتطرق اللّاتعين إلى هذه الاجارة فانّ المراد بالمبهم هو اللامتعينو الخياطة بالفارسيته متعينة فى حد ذاتها وكذا الرومية غاية الأمر التخيير بين النحوين الراجع إلى الاجارة التخييرية البدلية .

ص: 204

هذا مضافاً إلى أنَّ قصة شعيب مع موسى (علیه السّلام) : أيّما الأجلين قضيت فلا عدوان علىَّ : شاهدة على صحتها وكذا صحيح أبي حمزة المتقدم . وأمّا القائلون بالبطلان فاستدلوا تارة بوجود الجهل و أنَّ الخياطة الفارسية و الرّومية وإن كانت متعينة في حد ذاتها إلّا أنَّ ايكال الأمر إلى إختيار المستأجر موجب للجهل و يندفع بما قربنا به وجه الصحة من أنَّ الجهل بما هو لا يوجب فساد المعاملة مالم يستلزم الغرر المعاملى .

وأخرى بوجود الابهام و الترديد و يندفع بما عرفت من أنَّه لا ترديد و لا إبهام في البين . توضيح ذلك أنّ الابهام الذى يوجب بطلان المعاملة إنَّما هو فيما يكون النظر إلى العنوان الابهامى نظراً آليّاً بأن يكون مورد المعاملة ما له المطابَق أى المعنون فى الخارج. إذ يصح حينئذ أن يقال بأنّ المبهم لا خارج له . و السِّرُّ فيه أنَّ المبهم لا يكون طريقاً تفصيليا إلى الخارج أى المتعين .

نعم له جهة كشف إجمالى و لكنَّه لا يكفي في إرتفاع الجهل وصيرورة أحد المتعينين لا بعينه عند المتعاملين المتعين في حد ذاته مورداً للمعاملة . وأمّا إذا كان العنوان الابهامي بنفسه موضوعاً لانشاء المعاملة بأن يكون تطبيقه على الخارج تطبيقًا للكلى على مصاديقه قلَّت تلك المصاديق أم كثرت فلا يوجب بطلان المعاملة كما في أكرم أحد العلماء إذا أريد به الكلى البدلى نظير جئنى برجلٍ وكما في قول القائل أحد عبیدی بعد وفاتى أو قوله إحدى زوجاتی طالق فالابهام في هذه الأمثلة ليس إلّا سلبًا للخصوصيات المفرِّدة وبياناً للبدلية و إلّا هو الموضوع نفس هذا العنوان الكلى فالانشاءٌ المتعلق به صحيح ما لم يدل على بطلانه دليلٌ خاص كما فى باب الطلاق على خلاف فيه .

و لذا قلنا إنَّ إختيار التطبيق فى تلك الأمثلة يكون بيد من له التطبيق . وأمّا ما ورد في باب الوصية من القرعة فهو محمول على

ص: 205

الاستحباب كما أشرنا إليه سابقًا وإنَّما كررنا القول لبيان فساد ما ذهب إليه المحقق الاصفهاني ( رحمه الله ) من أنَّ متعلق الايصاء في مثال أعتقوا أحد عبيدى بعد موتى متعيَّنٌ فى الواقع وهو ما يقع عليه القرعة . توضيح الفساد مضافاً إلى ما مَرَّ أنَّ صحة القرعة فرع لصحة مثل هذا الانشاء فكيف تكون القرعة من مقومات صحة هذا الانشاء وبالجملة إذا قلنا بأنَّ المبهم لا واقع له لا يتصور هناك موضوعٌ للايصاءِ فكيف يقال بتعينه بما يقع عليه القرعة . وهل يكون الانشاءُ معلقاً بلا موضوع إلى زمان القرعة. هذا مضافاً إلى أنَّ مقامنا هذا ليس مقام الابهام بل لو جعلناه من الاجارة فهى إجارة تخييرية بداهة عدم تعلق الانشاء على نحو الترديد بعد كون المتعلق فى كلاشقَّى الترديد متعينًا بجميع حدوده مأخوذاً في عالم الانشاء على ما هو عليه من التعيُّن . وإن شئت التوضيح فانظر إلى قولك : أبحتك سكنى هذه الدار أو تلك : فهل ترى من نفسك أنّك أنشأت مالا واقع له أو أنَّه إنشاءٌ لاباحة السكون فى هذه أو تلك مع جعل الاختيار بيد الساكن .

التحقيق في الاجارة التخييريّة

فالتحقيق أنَّ إنشاءَ الاجارة التخييرية إنشاءٌ لاجارتين فالابهام أو ما فوقه من الفرض والخيال ليس بمضرٍّ له بل الوجه في بطلان الاجارة التخييرية هو أنَّ المبادلة بمالها من الحقيقة لا تتم إلا بايجاب و قبول يتعلقان بالبدلين بشرط معلومية حدود هما فجعل الاختيار بيد المستاجر بالنسبة إلى أحد الانشائين خارجًا وفى عالم الاستيفاء أو بيد الأجير في عالم الأداءِ خروجٌ عن حقيقة المباد لقبل لا يصح ذلك إلّا بعنوان الجعالة إذ هى تعهد على الجُعل في مورد العمل فما هو المقدم هو العمل خارجًا و ما يتفرع عليه هو الجُعل فالتفصيل بين ما إذا كان بعنوان الاجارة فتبطل و بين ما إذا كان بعنوان الجُعالة فتصحُّ موافق للقاعدة و من هنا ظهر عدم الفرق بين الفرعين فما ذهب إليه في الشرايع من الجزم بالصحة فى الأوّل والترديد فى الثّانى فيمكن توجيهه بأنّ

ص: 206

الجامع بين العملين وهو الخياطة معلوم في الفرع الأوَّل بخلافه فى الفرع الثانى فانَّه لا جامع بين العمل فى يوم وبين العمل في يوم آخر بل هما متضادان . ولكن يدفعه أنَّ الكيفية فى الأوَّل كالزمان في الثاني من حيث السببية للتضاد وعليه يكون فرض الجامع فى الفرع الثانى ممكنًا كالأوَّل فهذا التوجيه غير وجيه . وأمّا توجيه المحقق الاصفهانی (رحمه الله) بانَّ ترديد المحقق فى الصحة فى الفرع الثاني من جهة كونه نظير ما قالوا في باب البيع من أنَّ قوله إنْ كان حالا فبكذا، باطل لاستلزامه جعل قسط من الثمن في مقابل الزمان فيلزم الرّبا . وإختياره الصحة بملاحظة أنَّ الاجارة غير البيع فيندفع بأنَّ جهة البطلان ما قلناه من لزوم معلومية حدود البدل و المبدل فى عالم التمليك و التملك وإلا فالبيع نسيئة بأكثر من ثمن البيع نقدًا منصوص على صحته وليس فيه شائبة الرِّبا، وكذا تصحُّ هذه المعاملة إذا كانت إجارة وشرطاً كما هو مورد صحيح أبي حمزة المتقدم . وأمّا آية شعيب و موسى (علیه السّلام) فهى محمولة على الجعالة التي عرفت صحتها .

إستحقاق الأجير الأجرة بنفس العمل :

المشهور بين الاصحاب كما قيل إنَّ الاجير يستحق الأجرة بنفس العمل بل لعل المشهور أنَّه يستحق الأجرة بنفس العقد كما يملكها به . و فصَّل بعض بين كون العمل فى ملك المستأجر فيستحق به الأجرة وبين كونه في ملك الصانع فلا يستحق الأجرة حتى يسلّمه كما عن المبسوط . و تحقيق المقام أنَّك عرفت فيما سلف أنَّ مقتضى صحة عقد المعاوضة تحقق مقتضاه بنفس تحققه لانَّ إنشاءَ المعاوضة هى جعل علقة بدلية بين شيئين والمنشأ بهذا الانشاء حسب فرض فعليته هو تلك العلقة الموجبة للتمليك والتملك من الطرفين للبدلين إلّا أنْ يدل دليل خاص تعبدى على إشتراط أمر آخر وراءَ عقد المعاوضة فى تحقق مقتضاه كالقبض في

ص: 207

الصَّرف و السَّلم . وعليه فمعنى الاستحقاق بالعمل ليس إلّا لزوم تسليم مال الغير إليه بمقتضى البناء المعاملى ثم إنَّه يثبت لكل من المتعاقدين حق الامتناع عن التسليم حين إمتناع الآخر عنه و لكن ذلك ليس لأجل إقتضاء أوفوا بالعقود هذا الحق ولا لقاعدة السلطنة لانَّ الأوَّل ناظر إلى العقد بماله من المغاد الذى ليس هو التسليم و التسليم إلّا بعد ضَمّ الالتزام الضمني بحسب البناء المعاملى و الثاني وهو قاعدة السلطنة يقتضى سلطان من له المال على ماله و ليست بمضمنة فلو امتنع أحد هما عن تسليم مال الآخر إليه وعصى، لم يصحح ذلك عصيان الآخر و إمتناعه . بل لاجل البناءِ المعاملى على الالتزام الضمني كما قلناه فهو دليل على هذا الحق ولانَّ لزوم التسليم على أحد هما مع عدم تسليم الآخر ضرر عليه وهو منفى فى الشريعة بقاعدة لا ضرر وعليه فيصح للمستا الامتناع عن أداء الأجرة قبل عمل الأجير . وحيث أنَّ الحق حكم وضعى مخالف للملك أو أنَّه مرتبة ضعيفة من الملك على حدِّ تعبير بعضهم فاذا كان الأجير يملك الأجرة بنفس العقد فلا معنى لأنْ يكون له الاستحقاق أيضًا إذ العقد مملك للأجرة و ليس وراءَ الملك حقٌ حتى يقال بتعلقه بالأجرة .

نعم لكل منهما حق الامتناع لدى إمتناع الآخر بمقتضى البناء المعاملى وقاعدة لا ضرر كما عرفت . فبهذا اللحاظ يصحُّ أنْ يقال إنَّ أداءَ كل عوض مرهون باداءِ الآخر ، فما قاله بعض من أنَّ الأجير يستحق الأجرة بالعقد كما يملكها به إن أراد به ما قلناه من عدم حالة منتظرة لتملك الأجرة بعد العقد وأنَّه ليس لأحدهما إلّا الامتناع فى صورة إمتناع الآخر فهو صحيح وإنْ أراد غير ذلك فلا نعرف له وجهًا إذ ليس وراءَ الملك شيئٌ يعبَّر عنه بالحق كما أنَّ ما نسب إلى ألمشهور من أنَّ الأجير لا يملك الأجرة إلّا بالعمل إنّ أريد منه أنَّ العمل جزءٌمتمم لملكية الأجير أو شرط لها ليكون من قبيل القبض في الصرف الذى

ص: 208

هو متمم للتمليك جزءًا أو شرطاً وكالقبض فى الوقف الذي هو متم لتنجزه ففيه أنَّه خلاف مقتضى المعاوضة كما ذكرنا .

التفاوت في حقیقة إتمام العمل في الموارد

نعم فيما تقدم من فرعى الخياطة لا أجرة قبل العمل لأنهما كما عرفت صحيحان على نحو الجعالة لا الاجارة .

ثم إنه لا إشكال لدى القوم فى أنَّ العمل إذا لم يتعلق بموضوع خارجى من حيث الأثر أى لم يكن له أثر محسوس في موضوعه كالصلوة على الميت أو كان ولكن الموضوع كان تحت سلطنة المستأجر كبناءِ داره التي تكون تحت يده يكون إتمام العمل تسليمه فاستحقاق الأجير للأجرة يكون بالفراغ عن العمل الذى هو تسليمه وأمّا إذا كان العمل متعلقًا بموضوع خارجى يكون تحت يد الأجير فقد اختلفوا في أنَّ تسليمه هل يكون بالفراغ منه أم بتسليم موضوعه فلا يستحق الأجرة إلا بتسليم الموضوع و بعبارة أخرى : إنَّ ملك الاجرة أو إستحقاقها هل يتحقق بمجرد الفراغ من العمل أم لا بدَّ من تسليم العين ألتي تعلق بها العمل أى فيها أثره . وعلى المختار من ثبوت حق الامتناع فهل يرتفع هذا الحق عن المستأجر بمجرد فراغ الأجير من العمل أو لا بدَّ من تسليم العين و تظهر الثمرة فى الضِّمان كما سيأتى . وكيف كان فذهب المشهور إلى أنَّ الفراغ من العمل تسليمه وذهب الشيخ في المبسوط وتبعه بعض المتاخرين إلى أنَّ التسليم إنَّما هو بتسليم الموضوع الذي تعلق به أثر العمل : يدل على المشهور أنَّ مورد الاجارة هو الحركة الفاعلية للأجير أى نفس الفعل بمعناه المصدرى كالخياطة مثلاً والمفروض حصول ما هو متعلق الاجارة بنفس ايجاد الخياطة خارجًا ولا ريب في تحقق التسليم بذلك لأنّ تسليم العمل بما هو حركة فاعلية تصرمية ليس إلا ايقاعه .

نعم : الأثر المرغوب من العمل الذى يوجب ماليَّة العمل و قابليته لجعل البدل في مقابله و بهذا اللحاظ أيضًا يتعلق به عقد الاجارة،

ص: 209

على ضربين فتارة محسوس في الأعيان و أخرى غير محسوس. لأنَّ أفعال العمال التي تتعلق بها الاجارة على أنحاء ثلثة :

الأوَّل : أن يكون لها تعلق بالموضوع و لم يكن لها أثر محسوس فيه كما في الصلوة على الميت فانَّها تتعلق بالميت و لكن لا توجب حدوث أثر محسوس فيه.

ألثاني : أنْ لا يكون لها تعلق بالموضوع كما أنَّه ليس لها أثر محسوس كما في الصلوة عن الميت .

الثالث : أن يكون لها تعلق بالموضوع و يكون لها أثر كما في خياطة الثوب . و ما هو مورد الاجارة في جميع هذه الانحاء ليس إلّا الحركة الفاعلية دون شییء آخر فتسليم العمل ليس إلّا ايقاعه فيستحق به الأجرة على المشهور ويرتفع به حق الامتناع عن المستأجر علی المختار .

و قد وجَّه بعض المتاخرين تفصيل الشيخ ( رحمه الله ) بأنَّ مالية الأعمال مختلفة ففي بعضها ليست المالية بلحاظ الآثار المحسوسة كالحج و الصوم عن الميت وفى بعضها تكون بلحاظ الآثار المحسوسة كالصباغة و الخياطة ونحو هما ففى القسم الأوَّل يكون نفس الاتيان بالعمل تسليمًا له وفى الثّانى يكون تسليم العمل بتسليم الموضوع ألذى فيه الأثر لأنَّ مورد الاجارة فيه هو الأثر بل ربما يلتزم هذا القائل بعدم كون الأثر موردًا للاجارة و مع ذلك يلتزم بوجوب تسليم الموضوع ألذي فيه الاثر بدعوى أنَّ الأثر مملوكٌ بتبع ملك العمل كمملوكية وصف المخيطية ملك الخياطة و المصبوغية بتبع ملك الصباغة و يندفع أوَّلاً بأنَّ مصحح مالية الشيئ عينًا أم عملاً غير دخيلٍ في كونه موردًا للعقد بيعًا أم إجارة لأنَّ كون الأثر مصحِّحًا للماليه لا يلازم صحة وقوعه مورد العقد فانَّ الوقاية عن الحر والبرد أثر مرغوب من ألفراء و بلحاظه تكون لها مالية يبذل بازائها الثمن في عقد البيع ومع ذلك لا يكون موردًا للبيع

ص: 210

و بالجملة كون الأثر واسطة فى ثبوت المالية غير وقوعه موردًا للاجارة و لذا ترى صحة الاجارة للصلوة عن الميت مع إنتفاء أثر لها قابل للتسليم و التسلم . ويشهد لذلك تصريحهم بأنّ الأجير على العبادة ليس أجيرًا على إبراء ذمة الميت و ثانيًا إنَّ كون هيئة الخياطة مملوكة بالتبع فاسد صغرى و كبرى أمّا الصغرى فلأنَّ مصحح ملكية التبعية إنما هو إمكان الملكية الاستقلالية فانَّ الشيىءَ الذى لا يمكن أنْ يصير مملوكًا بالاستقلال كمفتاح الدار لا يمكن أنْ يكون مملوكاً بالتبع و وصف المخيطية من هذا القبيل لانه و إنْ أوجب زيادة الماليه لكن كونه واسطة في ثبوت المالية لا يوجب إمكان المملوكية بالاستقلال فلايكون مملوكا بالتبع أيضًا فلو قيل بأن هذا الوصف مملوك فهو بنحو من الاعتبار و وصف بحال متعلق الموصوف. و أمّا الكبرى فلأنَّه لو سلَّمنا أنَّ الأثر مملوك لكنه لم يدل دليل على وجوب تسليمه بعد كون متعلق الاجارة هو العمل قطعًا كما عرفت .

وإذا تبين أنَّ مورد الاجارة هو العمل و الأثر مقوّم لمالية العمل تعرف فساد ما ذهب إليه المحقق الاصفهاني من أنَّ العامل له عملان أحدهما عمل إعدادى توليدى و هو الحركة المتعلقة بالجوارح والآلات وثانيهما عمل يتولد من ذلك العمل يعبَّر عنه بالصياغة أو الخياطة و نحوهما . فمورد الاجارة هو الثاني وألأوَّل مقدمة إعدادية له، توضيح الفساد أنَّ الايجاد و الوجود حسب اعترافه ( رحمه الله ) واحد و تغایر هما بالاعتبار فايجاد الخياطة مصدريًّا هو نفس وجودها بالمعنى الاسم المصدرى غاية الأمر أنَّ الايجاد يرتبط بالفاعل من حيث الصدور والوجود يرتبط بالمحل من حيث الحلول ، أمّا هيئة الخياطة الباقية كهيئة البناء وما شابهها فهى معلولة لعلة أخرى لا يرتبط بالعامل ، وأمّا الحركة القائمة بالالات فهى نفس الفعل الذي صدر من الفاعل أى الحركة الفاعلية . إذ من الواضح أنَّ ما يصدر عن الفاعل هو ما يعبُرُ عن

ص: 211

الآلة وهو الذى يتعلق بالمحل كالثوب و ليس إلّا عملاً واحدًا لاعملين متمايزين حتى يقال إنَّ أحدهما مولِّد والآخر متولِّد . أمّا تعنون الحركة الفاعلية بعنوان الخياطة تارة والصياغة أخرى وغيرهما ثالثة و هكذا فالسّرَ فيه أنَّ الحركة الفاعلية بما هي فعل نحوى لا تكون داخلة تحت مقوله من المقولات الخارجيه و لذا تكون أشدّ بساطة من البسائط الخارجية . و هى بمنزلة الاعتباريات التى ليس لها جنس ولافصل بحسب الحقيقة ووجود العمل فى كل مرحلة وجود واحد غير متعدد من حيث الماهية ، أى كونه حركة فاعلية . وأمّا التميز و التعنون بالعناوين المختلفة فانّما هو بحسب الاعتبارات الطارئة عليها إضافاتها المتشتتة غير المحصورة من صدورها عن عضو خاص أو كونها مصاحبًا لشيئٍ أو عابرًا عن مَعْبَرٍ أىْ ألآلة أو حالّاً في محل خاص أوواقعًا فى مكان أو زمان مخصوص أو محصِّلاً لأثر كذا ، فهذه الحركة أى الفعل المبدئى النحوى إذا صدر عن أليد بواسطة القلم يتعنون بعنوان الكتابة أو فى لوح مع ريشة يتعنون بعنوان الرسم أو عن ألغم متعلقاً بالماء مثلا يتعنون بعنوان الشرب و هكذا ، فالحركة القائمة باليد فيما نحن فيه صدورًا و العابرة عن الأبرة عبوراً و المتعلقة بالثوب حلولاً بالكيفية الخاصة هى الخياطة و ليس ورائها بمالها من الشئون شيىءٌ آخريسمى بالمتولد . و المراد من كل ما تقدم أنَّ مورد الاجارة إنَّما هو نفس الحركة الفاعلية فتتعلق بها الاجارة فافهم جيّدًا .

الحاجة العمل إلى المئون :

لو كان العمل الذى وقع مورداً للاجارة محتاجا في تحقه فى الخارج إلى صرف مال فهل يجب على المستأجر أداءُ مقدار من الأجرة مقدمة لاتيان العمل في الخارج أم لا ؟.

التحقيق عدم الوجوب لأنَّ مقتضى عقد الاجارة ليس إلّا تمليك

ص: 212

العمل بالعوض وعليه فلا يستحق الأجير الأجرة إلّا بعد الفراغ عن العمل بل بعد تسليمه بناءً على ما مر من أنَّ بناءَ المعاملى إنَّما هو التسليم في مقابل التسليم . لا فرق فى مقتضى الاجارة بين كون العمل محتاجاً إلى صرف مال و عدمه فيكون للمستأجر حق الامتناع عن الأجرة قبل فراغ الأجير عن العمل.

أللّهم إلّا أن تكون هناك عادة جارية على أراء الاجرة قبل العمل إمّا بالتمام أو التنصيف أو التثليث على إختلاف العادات فتكون هذه العادة موجبه لتحقق بناء معاملى آخر حاكم على الأوَّل فيرجع إلى الشرط الضمني ويجب الوفاءُ به كما لو إشترط ذلك صريحاً .

ثم إنّه لو إمتنع المستأجر عن أداءِ مقدار من الاجرة قبل العمل وكان الأجير متمكنًا من تحصيل المال ولو بالاستقراض فمقتضى قوله تعالى ( أوفوا بالعقود ) هو وجوب العمل بمقتضى الاجارة و هذا واضحٌ.

و أمّا إذا لم يكن الأجير متمكناً من تحصيل المال ولم يتيسر له ما به يتحقق العمل فعن الروضة على ما في الجواهر ثبوت حق الفسخ للأجير لكون لزوم المعاملة ضرريًا عليه و ذهب المحقق الاصفهاني إلى إنفساخ الاجارة حينئذ و يظهر ذلك من الجواهر أيضًا: التَّحقيق في المقام هو ألتفصيل بين ما كان تحصيل المال ضرريًا للأجير بحيث يتوقف على تحمّل المشقة الّتى لا تتحمل عادة فتصح الاجارة ويثبت له الخيار و بين ما لو كان تحصيل المال ممتنعًا ولا يقدر عليه حتى بالاستقراض فتكون الاجارة منبطلة لانتفاء موضوعها فانَّ العمل إنَّما يكون مرغوباً للعقلاء باعتبار وجوده الخارجي فلو امتنع و لم يمكن أن يتحقق العمل في الخارج ينتفى الموضوع فتنبطل الاجارة قهرًا لأنّها عرض لا يتحقق بدون معروضها و هو العمل الخارجى والممتنع بالعرض كالممتنع بالذات في أنَّه لا يقع متعلقاً لايَّةٍ معاملة ولا يعتبرون العقلاء هذه الاجارة نافذة

ص: 213

فيكون الانشاءُ فيما إذا امتنع تحصيل المال لغوًا هذا و نحن نفصِّل أيضًا بين ما إذا كان وقت العمل المستأجر عليه محدودًا موقتًافتنبطل الاجارة مع تعذر العمل بالفعل وبين ما إذا لم يكن العمل محدودًا بوقت خاص فلاتبطل الاجارة حينئذٍ لأنّ المدة طويلة وليس في العمل إمتناع ذاتى بل فيه رجاءُ الحصول فلا موجب للانبطال .

الحکم بالاستحقاق التَّدریجي للاجرة في الاعمال التَّدریجیَّه

نعم يثبت للأجير خيار الفسخ لكون الصبر على حصول المال ضرريًا و هو يريد تفريغ عهدته عن مورد الاجارة .

هل يصحُّ إستحقاق الأجرة في الاعمال التدريجية أم لا؟. ألتحقيق فى المقام أنْ يقال إنَّ البساطة في الأمور الاعتباریة ليست معناها عدم الانحلال بل المقصود من البسيط هو عدم التجزئ ليس لا فحينما نقول إنّ الملكية بسيطة نقصد منه أنَّها لا جنس لها ولافصل أى لاجزءَ لها وأمّا الانحلال فلا يمكن إنكاره فى البسيط . لا أقول إنَّ كل بسيط لا بد أن ينحل بل أقول إنَّ الاعتباريات البسيطة قابلة للانحلال كمافي الأحكام الكليّة وكما في بيع ما يملك ومالا يملك . إذا عرفت ذلك فنقول إنّ العمل على نحوين قسم لا يكون الأثر مترتباً عليه إلّا بعد تمامه فيكون مورد الاجارة حينئذ المجموع من حيث المجموع ولا معنى لاستحقاق الأجير الأجرة قبل إتمام العمل في هذه الصورة . و قسم يكون الأثر متفرعًا على الأبعاض فيكون للأجير الاستحقاق التدريجي و لا يلزم له الصبر إلى آخر العمل لأنَّ الاجماع على عدم إستحقاق الأجرة ما لم يسلم العمل لو كان فليس فيما نحن فيه والبناء المعاملى أيضًا موافق لتدريجية الاستحقاق ولا يلزم من تأدية الأجرة تدريجيًا ضرر على المستأجر . فالحكم بالاستحقاق التدريجي قوىٌّ.

وظهر مما تقدم أن هناك إلتزام ضمنى و هو أن يكون التسليم فى مقابل التسليم كما أنّ التمليك يكون فى مقابل التمليك و لذلك يثبت لكل من المتعاملين حق الامتناع عن التسليم مالم يسلم الآخر .

ص: 214

و يشكل ذلك فيما إذا كان العوض والمعوض كلاهما عملاً كما إذا آجر الخيّاط نجّاراً ليصُخ له كرسيّاً في مقابل أن يخيط له ثوبًا مثلاً فانَّ المبادرة إلى العمل من كل منهما يحتاج إلى مرجح فيكون لكل منهما حق الامتناع إلى أنْ يسلم الآخر .

و إحتمل صاحب الجواهر في المقام إحتمالين الأوَّل، أن يكون أحدهما مبادرًا إلى العمل ثم يأخذ الكفيل عن الآخر حتى يطمئن بكونه عاملاً للعمل .

الثاني، القرعة فيعين المبادر إلى العمل بها .

و من المعلوم أنَّه لا دليل على لزوم هذين الاحتمالين لا أقول إنَّه لا تجوز الكفالة أو القرعة بل أقول إنّ الالتزام بهما لا ملزم له و لا دليل يساعده .

و كيف كان فلو امتنع أحدهما بعد عمل الآخر أجبر الممتنع من جانب الحاكم الشرعى و لو إمتنعا معًا أجبرا على العمل دفعة واحدة وإذا صبرا وَ لم يعملا إلى أن مضت مدة الاجارة تنفسخ الاجارة قهرًا و إحتمال ثبوت أجرة المثل معلّلاً بأنَّ كلاً منهما متلف لمملوك الآخر بواسطة إمتناعه عن العمل مدفوعٌ بانَّ الامتناع إنما كان عن حق بمقتضى الالتزام الضمني على أنَّ التسليم لابد و أنْ يكون فى مقابل التسليم و لم يكن الامتناع عن إتلاف ولا يصدق عليه الاتلاف فيكون المقام كانّة وجد التعذر الطارى المانع عن إستيفاء العمل.

و ظهر مما ذكرناه عدم جريان القرعة فيما نحن فيه لأنَّ مرتبه القرعة إنما هي (1) بعد الامارات و الأصول فكلما كان هناك حجة من أمارة أو أصل موضوعى أو حكمى لا تجرى فيه القرعة و امّا في المقام فقد

ص: 215


1- لأنّ القرعة تمسك بالغيب وهذا إنما هو بعد ألحج والأصول فمعها لاتصل الرتبة إلى القرعة

عرفت انّا نعالج المشكلة بطريق آخر من إنَّه إذا لم يمتنع أحد هما فهو و إلّا فيكون من موارد التعذر الطارى فلا نحتاج إلى القرعة ثم إنَّه إذا كان العمل مؤجّلاً و أشترط التأجيل في الأجرة أو التعجيل فالشرط هو المتبع و أما إذا أطلق ولم يشترط أياً منهما فهل يكون للأجير حق التعجيل و ألمطالبة عن المستأجر بالفعل أم لا ذهب بعض إلى الأوَّل باعتبار أنّ الصبر ضرر على الأجير فيسقط الالتزام الضمني لكن الحق هو ألثاني لأنَّ المفروض أنَّ العمل مؤجّل و لم يعمل الأجير شيئًا حتى يكون الصبر ضررًا عليه فكانَّه لا إنشاءَ هنا من أوَّل الأمر . و لو سُلّم فضرر الاجير معارض مع ضرر المستأجر لأنَّ التعجيل فى الأجرة مع عدم إستيفاءِ العمل ضرر عليه .

و كل موضع يبطل فيه عقد الاجارة تجب أجرة المثل :

إذا كانت الاجارة باطلة لفقد شرط من شرائطها وكان المستأجر مستوفيًا لجميع المنفعة أو بعضها يكون ضامناً لأجرة المثل على ما في الشرايع سواءٌ كانت أقل من المسمى أو أكثر . و إدعى صاحب الجواهر عدم الخلاف فيه بل قال إنّه يفهم من إرسالهم له إرسال المسلمات أنَّه من القطعيات و حكم العلّامة ( رحمه الله ) بضمان أجرة المثل و لم يقيده باستيفاء المنفعة .

و الشهيد الأوّل ( رحمه الله ) إستثنى عن الضمان ما إذا كان وجه بطلان الاجارة هو كونها بلا أجرة وزاد بعضهم ما إذا كان وجهه كون أحد العوضين مما لا يملك أو مما لا يتمول شرعًا أو عرفاً .

في بیان وجوب أجرة المثل إذا بطل عقد الاجارة

والمحقق الأردبيلى ( رحمه الله ) و من تبعه إستثنوا عن الضمان صورة العلم فاذا كانا عالمين بفساد الاجارة كان المؤجر مهدرًا لماليه ماله و العامل لعمله فلا ضمان حينئذ .

و كيف كان فالمشهور ما ذكرناه و إستدلوا عليه بالأمور التالية .

الأوّل : الاجماع وقد مرَّ ما إدعاء صاحب الجواهر من أنَّ الضمان

ص: 216

بأجرة المثل في صورة بطلان الاجارة و إستيفاء المستأجر من القطعيات و مما تسالم عليه الفقهاءَ و أنَّهم أرسلوه إرسال المسلمات .

و فيه أوّلاً أنه إجماع منقول مع مارأيت من الاختلافات في القيود و الشرائط و التفصيلات وثانيًا أنَّ الاجماع هنا محتمل المدركية بل مقطوعها إذ يحتمل قويًا أن يكون مستند المجمعين بعض الأدلة الآتية أو جميعها وقد مرَّغير مرَّة أنَّ الاجماع مالم يكشف عن رأى المعصوم كشفًا قطعيًا لا يكون حجة .

الثاني : قوله تعالى ( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أنْ تكون تجارة عن تراض ) و تقريب الاستدلال أنَّ الآية تدل بالمطابقه على حرمة التصرف في مال الغير من دون سبب شرعى بالحرمة التكليفية و تدل بالالتزام على لزوم السبب فى التصرف في مال الغير فلابد من الحكم بضمان المستوفى لمنفعة مال الغير لئلّا يكون أكله مال الغير أكلاً بالباطل .

وفيه أنَّ الآية إمّا أنْ تكون ناظرة إلى حرمة التصرف في مال الغير من دون سبب فتدل بالالتزام على لزوم السبب و إمّا أن تكون إرشادًا إلى لزوم السبب و ليست فى مقام إنشاء حكم تأسيسى و هو حرمة التصرف فى مال الغير .

وإمّا أنْ تكون كناية عن لزوم السبب وأيًّا ما كان لا تدل الآية على ثبوت الضمان في المقام ، والسّرُّ فى ذلك أنَّ الضمان إنَّما يكون في مرتبة متأخرة عن التصرف لأنّه إنَّما يأتى بعد مخالفة النهى الشرعى سواءٌ كان النهى تشريعيًّا أو إرشاديًا أو كنائيّاً فلا تدل الآية على ما هو متأخر عن مدلولها رتبة .

ففايه ما تدل عليه الآية هو حرمة التصرف في مال الغير و أمّا من خالف هذا النهى و تصرف في مال الغير هل يكون ضامنًا أملا فالآية ساكته عنه .

ص: 217

الثالث : قاعدة لا ضرر و للاستدلال بها تقریبان .

في الاستدلال بقاعدة لاضرر في المقام

الأوّل : أنَّ الظاهر من كلمة لاءِ النافية هو نفى الحقيقة الخارجية فيكون معناها أنَّ الشارع أخبر عن عدم وجود حقيقة الضرر في الخارج و لما كان هذا الخبر بظاهره كاذباً لما نشاهد من وجود الضرر فى الخارج فلابد من تقدير كلمة بها تكون الجملة . صادقة حذرًا من صدور الكذب عن الحكيم وصونًا لكلامه عن الّلغوية فنقدر كلمة (غير متدارك) فيكون معنى لا ضرر إنَّه لا ضرر غير متدارك ؟. فيكون التدارك لازماً في كل ضرر و هو معنى الضمان .

ألثاني : أنَّ لا ضرر ينفى الحكم الضررى في الاسلام و من المعلوم أنَّ الحكم بعدم الضمان في صورة إستيفاءِ المستأجر المنفعة ضرر على المؤجر فلم يحكم الشارع بعدم الضمان وهذا يدل بالالتزام على الحكم بالضمان لانّ الضمان و عدمه متناقضان لا يرتفعان معًا فاذا لم يكن جعل بالنسبة إلى عدم الضمان لا بد وأنْ يكون الجعل متعلقاً بالضمان و ألقول بأنَّ عدم الضمان أمر عد مى لا يصلح لأن يتعلق به الجعل مدفوعٌ بأن الفعل الصادر عن الفاعل المختار لابد و أنْ يكون طرفاه تحت إختياره و بيده فكما يتعلق الجعل بالضمان كذلك يتعلق بعدمه .

و ألجواب عن ذلك أنَّ جملة ( لا ضرر ) جملة ناقصة لا تتم إلا بتقدير خبر لكلمة لاءِ النافية وما يقال من أنّ هذه الجملة مسوقة لبيان نفى تشريع الضرر ولا يحتاج إلى تقدير الخبر مدفوعٌ بانه مخالف لقواعد النحو فان كلمة لاءِ النافية محتاجةٌ إلى الخبر دائماً . كيف فانَّ الجملة لا تتشكل من حرف و إسم ولا يختص هذا باللغة العربية بل يحكم بذلك فطرة البشر وجبلتهم الغريزية و تقتضيه محاورات كل العالم فان الاسناد لا يتحقق إلّا بين أمرين وعقد القضية لا يكون إلا من ركنين و الحرف لا يكون ركناً للكلام و إلا فيخرج عن كونه حرفًا .

نعم قد يكون حذف الخبر جائزاً إذا كانت هناك قرينة على ذلك

ص: 218

بل قد يكون الخذف واجبًا بحسب قوانين البلاغه لكن الخبر المحذوف في المقام ليس كلمه غير متدارك كما في الاستدلال بل الخبر ليس الا الوجود باعتبار أنّ نفى الحقيقة غالبًا يكون بلحاظ الوجود إلا أنَّ يكون النظر بغير الوجود كمافي مثل قوله ( لا صلوة لجار المسجد إلا فى المسجد ) ( أى كاملة ) و من المعلوم أنَّ النظر إلى التكوين والخارج و الاخبار عنه ينافى مقام الشَّارعية فالقول بأنَّ ( لاضرر ) ناظر إلى الخارج فلابد من تقدير كلمة ( غير متدارك ) صونًا لكلام الحكيم عن الكذب التزام بما لا يلزم . إذ ليس من شأن الشارع و هو في مقام الشارعية الاخبار عن عدم الضرر فى الخارج حتى نحتاج إلى التقدير المذكور فمقام الشارعية بنفسه قرينة على كون الخبر كلمة مشروعٌ أو موجود مع إرادة الوجود الشرعى في وعاء التشريع .

ثم إنَّ قاعدة لا ضرر حاكمة على الأدلة الأوَّلية وإذا دَقَّقنا النظر في معنى الحكومة و أنَّها كيف تكون حاكمة على الأدلة نجد أنَّ هذه القاعدة لا يمكن أن تكون مضمنة فانَّ حكومة دليل على دليل آخر إنَّما يتصور فيما إذا كان دليل الحاكم عقيب دليل المحكوم و تلوه بحيث يكون الحاكم ناظرًا إلى المحكوم ومفسّرا له فلو فرض عدم وجود دليل أوَّلىٍّ محكوم يكون الحاكم لغواً، لا معنى له فلولم يكن للشك حكم في باب الصلوة لا يكون معنى لقوله ( علیه السّلام ) لا شك لكثير ألشك إذ المفروض عدم وجود حكم للشك لا لقليه ولا لكثيره و هكذا قاعدة لا ضرر فلو لم تكن في الشرع أحكام مطلقة أوَّلية لا يكون معنى لقوله ( علیه السّلام ) لا ضرر في الاسلام إذ المفروض عدم وجود حكم فى الشريعة سواءٌ كان ضرريًّا أم لا و بالجملة الدليل الحاكم يكون ناظراً إلى الأدلة الأوَّلية و يكون نتيجة الحكومة التخصيص و هذا هو مقصود الشيخ ( رحمه الله ) أعلى الله مقامه و ما قاله صاحب الكفاية من ألجمع الدلالى يرجع إلى مقالة الشيخ أيضًا لأنَّ الدليلين إذا كان أحدهما مطلقاً والآخر مقيّدا يكون جمعه العرفى هو تضييق الحاكم

ص: 219

لدليل المحكوم و هذا هو معنى الحكومة و من هنا تعرف أنَّ كون لا ضرر مضمّناً يتوقف على أنْ يكون هناك دليل عام يدل على عدم الضمان بالنسبة إلى الأموال والأعمال وغيرها ويكون هذا كدليل أوَّلى بالنسبة إلى لا ضرر ثم تأتى قاعدة لا ضرر و تكون حاكمة على ذلك الدليل و يقلب عدم الضمان إلى وجوده و من المعلوم عدم وجود مثل هذا الدليل.

ما هي قاعدة الاقدام و هل هي مُضَمِّنة أم لا؟

هذا كله مضافاً إلى أن لسان لاضرر لسان نفى لا إثبات بل هذا شأن جميع الأدلة الحاكمة النافية فان الدليل الحاكم النافي لا يكون فيه جهة إثبات و من هنا نقول إنّ الموضوع لو كان مركباً كالصلوة مثلاً وإرتفع حكم بعض الاجزاء بقاعدة لا ضرر لا يثبت الحكم بالنسبة إلى بقية الاجزاء بهذه القاعدة بل بقاء حكم ألاجزاء الباقية إنما يكون بواسطة إطلاق الدليل الأوَّل .

الرابع: قاعدة لاضرار لما ورد من أنَّه ( لاضرار في الاسلام وكلمة ( ضرار ) إذا استعملت بمعنى المجرد يكون معناه الضرر و لما كان عدم الحكم بالضمان ضرريًا فلابد أن يكون مرفوعاً بمقتضي قاعدة ( لاضرار ) فيدل بالالتزام على الضمان بعين ما قلناه في قاعدة لا ضرر .

و فيه أوّلاً إنَّ هذا الحديث لم يوجد في الروايات الصحيحة و ثانياً إنَّ هيئة المفاعلة مع إقتزانها بمقابلتها مع لا ضرر يدل على عدم كونها بمعنى الضرر فيحمل على معناه الأصلى و هو المضارة ويستفاد من نفسى هذه الحقيقة فى وعاءِ التشريع حرمة التكالب والمضارَّة و ليس لنا دليل عام مجوز للتكالب ليكون هذا حاكماً عليه وبالجملة الجواب عن ذلك هو نفس الجواب عن الاستدلال بقاعدة لا ضرر فلا نعيده ثانياً .

الخامس : قاعدة الاقدام وقد ذكرها الشيخ الطوسى (رحمه الله ) فى المبسوط وإختارها الشهيدان وجعلوها دليلاً على ضمان الأعمال و المنافع المستوفاه في الاجارة الباطلة .

و تقريب الاستدلال أنَّه قد أقدم كل من المتعاملين على تضمين ماله

ص: 220

بالعوض أى عوض المسمى و لم يقدما على المجّانية و يكشف عن ذلك نفس المبادلة و المعاملة و هذا الاقدام من المتعاملين ينحل فى ألحقيقة إلى إقدامين .

الأوَّل : الاقدام على الضمان و أنَّ مالية المال ليست مدورة و بلا عوض .

الثاني : الاقدام على أن يكون الضمان هو الضمان المعاوضي أى بالمسمى وكيف كان فيدل الاقدام على ثبوت الضمان فيما نحن فيه .

وقد أجاب عنه جماعة بأنَّ الضمان الذى أقدم عليه المتعاملان إنَّما هو ضمان مقيَّدٌ بالمسمى فاذا إنتفى القيد من ناحية الشارع بواسطة بطلان الاجارة ينتفى المقيد قهرًا لعدم بقاءِ الجنس عند إرتفاع الفصل فانَّ الجنس متوغل فى الابهام و اللّا بشرطية ولا بد في تحصُّله من وجود الفصل فاذا لم ينفذ المسمى و هو القيد يرتفع الضمان وهو المقيد طبعًا .

وقال المحقق الخراساني في تصحيح قاعدة الاقدام إنَّ الالتزام بالضمان المسمى له مدلولان يدّل على أحد هما بالمطابقة و هو الالتزام بالمسمى و أنّ هذا العمل أو المنفعة يقع في مقابل ذاك العوض وعلى الآخر بالالتزام و هو الالتزام بعدم كون مالية العمل أو المنفعة مهدورة بمعنى أنَّه إذا لم ينفذ ضمان المسمى فلابد من ثبوت الضمان بالبدل و هو أجرة المثل فانَّ الدلالة الالتزامية و إن كانت تابعة للدلالة المطابقية إلّا أنَّ التبعية ليست إلّا حدوثاً وأمّا بقاءً فيمكن بقاءُ الدلالة الالتزامية دون المطابقية .

أو فقل : إنَّ الاقدام بالمبادلة من المتعاملين ينحل إلى إقدامين مستقلين و ليس أحدهما تابعاً للآخر حتى يقال إنَّ الدلالة الالتزامية تابعة للمطابقة فلا توجد بدونها بل هنا إقدامان مستقلّان أحدهما الاقدام بالمسمى و ألثاني الاقدام على عدم ذهاب ماله هدرًا فاذا بطل الأوَّل بحكم الشارع من ناحية بطلان الاجارة يبقى ألثاني فيكون

ص: 221

الاقدام مضمناً .

و التحقيق فى الجواب أنَّ كل عنوان إنشائى لابدّ و أن يكون متعلقاً للقصد لأنَّ الأمر الانشائى دائماً مسبوق بالعدم ولا يتحقق ولا يوجد إلّا بالقصد .

ثم إنّ القصد أمر وجدانى و ليس تحميليًا فلابد فيه من الاستعلام عن القاصد و أنَّ قصده تعلّق بأيِّ شيىءٍ .

و من المعلوم أنَّ إنشاءَ المعاوضة ليس فيه ضمان و لم يقصده المتعاملان بل إنَّما هو مبادلة محضة أعنى التمليك وألتملك وإنَّما سمَّيناه نحن بالضمان المعاوضى في عالم التسمية و اللفظ .

و بعبارة أخرى : ليس لدينا إلّا حقيقة الاجارة وهى تمليك المنفعة بالعوض ولا يتولد منه الضمان المعاوضى فضلاً عن تولد الضمان التغريمي عن المعاوضى بل هذه أسماءً جعلناها نحن في عالم التسمية و ليس وراءَ حقيقة الاجارة شيىءٌ .

في بیان قاعدة إحترام مال المسلم

هذا كله مضافاً إلى أنّا نقول إنَّ الشارع كما لم يمض الاقدام ألاوَّل كذلك لم يمض الاقدام الثانى أيضًا ولا دليل يدل على الضمان ولا قاعدة لنا باسم قاعدة الضمان مع أنَّه يحتاج إلى سبب شرعی مفقود في المقام .

السادس : قاعدة إحترام مال المسلم و عمله وقد تمسُّك بها جماعة كثيرة على ضمان مال المسلم وعمله في موارد عديدة وتقريب الاستدلال في المقام يكون على أنحاءٍ .

الأوَّل : إنَّ المال له حيثيتان و نحوان من الوجود أحدهما حيثية وجوده الشخصى و هو وجوده العينى الخارجى و معنى الاحترام فيه هو عدم جواز التصرف فيه من دون رضى المالك وثانيهما حيثية المالية التي هي وصف اعتبارى تعرض للاموال باعتبار بذل المال في مقابلها و معنى الاحترام فيها هو عدم ذهابها هدرًا إذا تلف أو أتلف و هو معنى الضمان الذى أردنا إثباته في المقام .

ص: 222

وفيه : أنَّ الضمان عبارة عن ثبوت المالية في عهدة الضامن و مجرد وجود الحيثيتين ، المذكورتين فى الاموال لا يدل على الضمان مالم يدل عليه دليل آخر إذ لا يوجب ذلك ثبوت المالية في العهدة .

الثانى : إنَّ المال يكون محترمًا وجُوداً وعدمًا و الاحترام في حال الوجود أن لا يكون هناك مزاحمة في التصرف بأن يتصرف فيه أحد من دون رضى المالك و الاحترام فى حال العدم هو إعتبار البدل للمال التالف و هو معنى الضمان.

وفيه : أنَّ المال إذا تلف وإنعدم لا يكون له وجود حتى يحترم فانّ الاحترام حينئذ يكون سالبة بانتفاء الموضوع مع ملاحظة أنَّ الحرمة عرض لا يتحقق بدون موضوعه و المفروض عدم وجود الموضوع بعد التلف .

الثالث : إنَّ قاعدة الاحترام قاعدة عقلائية بنى عليها عرف العالم و تحكم بها الفطرة البشرية بل هى معتبرة بين الحيوانات أيضاً و هذه القاعدة تنظر إلى جهتين، جهة التكليف وهو عدم جواز التصرف فى مال الغير من دون رضاه ، وجهة الوضع و هو أن لا يكون تلفه هدرًا و المقصود منه أن لا يذهب هدرًا حين التلف بأن يتدارك الفائت و يجعل تلفه كأن لم يتلف و ليس المقصود أنَّه محترم بعد التلف حتى يرد عليه ما ورد على التقريب الاخير من إنتفاءِ موضوع الحرمة بعد التلف .

وفيه: أنَّ هذا البيان يرد عليه أنَّ غاية ما يستفاد من قاعدة الاحترام هو أن لا يكون المال بلا عوض عند التلف ، و أمّا الوقوع فى ذمة الضامن واستناد تلفه إليه فلا يثبت بذلك بيان ذلك : إنَّ المال ينقسم من حيث الحرمة وعدمها إلى قسمين :

الأوّل : المال غير المحترم كمال و المحارب .

ألثاني : ألمال المحترم، وفى هذا القسم قد يكون صاحب المال موجبًالذهاب إحترام ماله كما إذا أباح جميع التصرفات في ماله حتى التصرفات المتلفة وهكذا في العارية و الهبة وغيرهما فأرباب الاباحات

ص: 223

و العاريات و الصلات والهبات كلهم يهدرون مالية أموالهم ، وقد لا يكون صاحب المال مهدرًا لمالية ماله والمال إنَّما يكون محترمًا في القسم الثاني ، و أمّا في القسم الاول فلا إحترام له كما لا يكون محترماً إذا تلف عند مالكه بآفة سماوية أو باتلاف منه ، وعليه فقاعدة الاحترام ليست بنفسها مضمّنة بل هى كما مرَّ مراراً منقّحة لموضوع قاعدة الضمان بمعنى أنَّ المال إذا كان محترماً في نفسه ذاتاً وعرضًا يكون قابلاً لصيرورته مضمونًا وذلك بارتباطه إلى شخص ليكون ضامنًا ، و الموجب لارتباطه بالضامن والاستناد إليه إنَّما هو قاعدتا اليد والاتلاف ، فالمضمِّن في الحقيقة ليس إلا قاعدتى اليد والاتلاف فيما إذا كان المال محترمًا و أمّا قاعدة الاحترام فليست من موجبات الضمان.

ألتقريب الرابع لهذه القاعدة هو أن يقال إنَّها قاعدة تعبدية اصطيدت من الاخبار المتعددة الواردة فى الموارد المختلفة مضافًا إلى ما هو بمنزلة المدرك فى المقام و هو ما نقله الصدوق (رحمه الله ) من إنَّ سباب المؤمن فسوق و قتاله كفر و أكل لحمه معصية و حرمة ماله كحرمة دمه ، و من المعلوم أنَّ الحرمة فى الرواية إنّما تكون بمعناها اللغوى و هى الممنوعيّة وإطلاقها يدل على الممنوعيه المطلقة الشاملة للوضع والتكليف لانَّه لما كان التنزيل في المقام مطلقاً ولم يذكر فيه وجه التشبيه فلابد و أن يحمل على ترتيب جميع آثار الدم على المال و حيث كان للدم أثران ، ألحرمة التكليفية و هي حرمة إراقة دم المسلم ، و الحرمة الوضعية و هى عدم ذها به هدرًا فلاجرم يكون المال أيضًا كالدم فيكون ألتنزيل موجبًا للضمان ، وقد أورد على التقريب المذكور بایرادات :

الأوَّل : إنَّ القدر المتيقن هو كون المال بمنزلة الدم بالنسبة إلى الحكم التكليفى و هذا لا يقتضى الأحرمة التصرف في مال الغير و أمّا ثبوت البدل عند التلف فلا يقتضيه التنزيل ، وفيه : أنّه لا معنى للأخذ

ص: 224

بالقدر المتيقن فيما إذا كان المطلق ظاهرًا فى الاطلاق فانَّ أصالة الاطلاق محكمة في جميع المطلقات و إلّا فلو أخذ بالقدر المتيقن في كل إطلاق ينهدم أساس أصالة الظهور الاطلاقي بالمرة .

الثانى : إنَّ سياق الرواية يدل على أنّ مورد التشبيه هو الحكم التكليفى ليس إلّا فانّ الحكم فى الجملات السابقة و هي سباب المؤمن و قتله و أكل لحمه ليس إلّا الحكم التكليفى فيكون المقصود من حرمة المال أيضًا هو ألحرمة بالنسبة إلى التكليف ، أو فقل إنَّ السياق يصلح لان يكون قرينة على أنَّ المراد من الجملة الاخيرة هو التكليف فقط فلا ينعقد لها ظهور إطلاقي ، مضافاً إلى أنَّ كلمة ( الحرمة ) ظاهرة في الحرمة التكليفية ، وفيه : إنَّ السياق إنّما يصلح للقرينية إذا كان المطلق والمقيد متخالفين فى الحكم كما فى المستثنى منه و الاستثناء و العام والخاص وغيرهما وأمّا إذا كانا مثبتين للحكم ولا سيما فى موضوعين مختلفين لم يكن ربط لأحدهما بالآخر فلا يصلح السياق للقرينية حينئذ فأىُّ مانع من أن يكون صدر الرواية دالًّا على الحکم التكليفي و ذيلها دالًّا عليه وعلى الحكم الوضعى معًا .

و أمّا إشكال أنَّ لفظة الحرمة ظاهرة فى الحرمة التكليفية ، فجوابه أنَّه ليس للشارع إصطلاح جديد فى اللّغات مغاير لما عليه اللغة و العرف ، إذ التحقيق عدم ثبوت الحقيقة الشرعية ، وقد قلنا إنّ الحرمة فى اللّغة إنَّما هو بمعنى الممنوعية الشاملة للتكليف و الوضع ، بل نقول إنَّ هذه المادة في أَيَّةٍ هيئةٍ تحققت و بأيِّ شيىءٍ أسندت ليست إلّا بمعنى المنع ، نعم يختلف ما تسند إليه هذه اللفظة فقد تستند الحرمة إلى الشَّهر فيقال الشَّهر الحرام و يراد منه ممنوعيّة القتال فيه ، وقد تستند إلى الحيوان فيراد منه ممنوعيه أكل لحمه ، وقد تستند إلى الخمر فيراد منه ممنوعيّة شربه وقد تستند إلى العمل فيراد منه الممنوعية عن إرتكابه، و قد تستند إلى الماهيات الشرعية فيراد منه البطلان و الممنوعيّة عن

ص: 225

التصرف والنفوذ . ونحو ذلك وفى كل تلك الموارد لم تستعمل لفظة الحرمة إلّا في معنى جامع واحد ، و الاختلاف إنمَّا هو من جهة إختلاف المسند إليه حسب الموارد المختلفه وإذا كان مطلقاً قابلاً لارادة الحرمة التكليفية والوضعية فلامانع من إرادتها من اللفظ والأخذ باطلاقه.

هل عمل الحرّ مالٌ أم لا؟

الثالث : إنَّ الرواية المذكورة لا تشمل عمل الحرّ فانَّ عمل الحرليس بمال ، و ما يرى من معرضية عمله للاجارة وصحة الذمة والعهدة فيه فليس لأجل كون عمله مالاً و محترماً بل من جهة سلطانه على نفسه فكما أنَّ الضامن له سلطنة على نفسه وعلى عهدته و لذا ينتقل إلى ذمته ما في ذمة المضمون له فكذلك الحرفانه سلطان على نفسه ويجعل في عهد ته الكلى كما في بيع السَّلم ، فعمل الحرّ بما هو عمله لا يكون مشمولاً لقوله (علیه السّلام) ( حرمة ماله كحرمة دمه ) وفيه : إنَّ عمل الحرّ بما هو عمل وإن كان لا يأتى فيه الضمان إلّا أنَّه إذا دخل تحت قاعدة الاتلاف يص فيه الضمان وقد مرَّ غير مرَّة أنَّ قاعدة الاحترام بنفسها ليست مضمّنة بل لا بدّ فى الضمان من كون العمل أو المنفعة مرتبطاً بشخص ربطًا إتلافيًّا أو استيلائيًّا حتى يأتى فيه الضمان فانَّ عمل الحرّ إذا صدر عنه من دون إجارة و من دون إرتباطه لاحدٍ لا يكون أحدٌ ضامنًا لعمله ، وأمّا إذا وقع العمل موردًا للاجارة فيكون مملوكاً للمستأجر و مرتبطاً به فيكون إتلافه أو الاستيلاءٌ عليه مضمِّناً حينئذٍ وهكذا إذا لم يكن أجيراً لكن أخذه الغاصب و أجبره على العمل وإستوفى عمله عدواناً ، وحينئذ يكون الغاصب ضامنًا لانَّ العمل إذا وقع فى الخارج تكون له مالية يبذل بازائه المال ، نعم الحر مادام لم يعمل ألعمل و لم يؤجر نفسه لا يعتبرون عمله مالاً لكنه تكون فيه الحيثيات الوجودية القائمة بالاعيان ألتى هى الموجبة لكون الشيئ مالاً كحيثيات الخياطة و النجارة و الترسيم و غير ذلك من الحيثيات التى تكون منشأ لمالية العمل غاية الامر أنَّه مادام لم يعمل لا يبذل بازاء عمله مالٌ بل لا بد إمّا من إجارته نفسه أو إستيفاء

ص: 226

الغير عمله و نحن إنَّما نقول بالضمان فيما نحن فيه فى صورة الاستيفاء لا بدونه .

هل قاعدة الاحترام شاملة للمنافع الفائتة؟

وقد إستشكل الشيخ ( رحمه الله ) على قاعدة الاحترام بأنَّها لا تكون سببًا للضمان في المنافع الفائته تحت إستيلاءِ الغير من دون إستيفائها لان المنافع الفائتة ليست قابلة للضمان لعدم وجودها بالاصالة و ليس الاشكال من جهة أنّ الاخذ فى قوله على اليد ما أخذت لا يشمل عليها حتى يقال إنَّ اليد ليست اليد الجارحية بل المقصود منها اليد الاستيلائية و هو التصرف العدوانى الشامل للمنافع الفائتة والاشكال إنَّما يكون من جهة أن وجودٌ ألمنفعة وجود بالعرض و ليس ذلك قابلاً للضمان.

وفيه : إنَّ وجود المنفعة ليس وجوداً عرضياً بل هي موجودة بالاصالة ، نعم ليس لها وجود استقلالى لأنَّ وجودها تابعة لوجود ألعين ، و فرق واضح بين الوجود العرضی کمافی وجود الحركة لجالس السفينة أو وجود الجريان للميزاب ، و بين الوجود التبعى كما في المقام وقد تقدم أنَّ المنفعة تنشأ عن الحيثيات الوجودية القائمة بالاعيان فيكون الاستيلاءُ على العين إستيلاأً على المنفعة بالتبع.

وقد أورد المحقق الاصفهاني على القاعدة بأنَّ المنافع لا أداءَلها فلاتكون مشمولة للقاعدة فانَّ مالا أداءَ له لاضمان له فحيث كانت غاية الضمان هو الاداء فى قوله ( علیه السّلام ) ( حتى تؤدى ) فمالم يكن فيه اداءٌ لم يكن فيه الضمان ، لانّ المنفعة الفائته تحت يد الاستيلاء لا يمكن أدائها و المنفعة المستقبلة بعد تخلية العين غيرفائتة فلا ضمان لها .

وفيه : إنّ الاداءَ يتصور في المنافع على نحو الاستيلاءِ عليها فكما أنَّ الاستيلاءَ على المنفعة إنَّما يكون بالاستيلاء على العين فكذل أداءُ المنفعة إنَّما يكون باداءِ العين، أليس قلتم إنَّ الموجر لا بد له من تسليم المنفعة للمستأجر فأىُّ فرق بين تسليمها وأدائها فكما

ص: 227

يكون التسليم فى المنفعة بتسليم العين، فكذلك ردُّ الغاصب المنفعة إنَّما يكون بردِّ العين فلا فرق فى الحقيقة بين التسليم و الردّ والاداء. نعم ما فات منها يجب ردُّ مثلها أو قيمتها .

في قاعدة الاتلاف و الید و ما یضمن... الخ و غیرها

الدليل السّابع : قاعدة الاتلاف المستفادة من النبوى المعروف و هو قوله ( علیه السّلام ) من أتلف مال الغير فهو له ضامن ، و هذا الحديث متداول في الالسنه و مذكور فى الكتب الفقهية وإستدلوا بها على الضمان منذ بدو الفقه إلى زماننا هذا وتسالموا عليه وعدوّه من الضروريات القطعية، فلا يمكن بعد ذلك الاشكال في سند الحديث ، بل وقد تقدم منا أنَّ قاعدتى الاتلاف واليد ليستا تأسيسيتين من الشارع بل الشارع قد قرر ما فى الطريقة العرفية من ضمان اليد والاتلاف و هذه الطريقة فى الضمان كانت في عرف العالم منذ نشو البشريّة إلى الآن .

الثامن : قوله ( علیه السّلام ) ( على اليد ما أخذت حتى تؤدى ) وهذا أيضاً نبوى معمول به ومسلّم عند الكل ومفاده قاعدة عرفية أمضاها الشارع كقاعدة الاتلاف .

ألتاسع : قاعدة ( ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده و بالعكس) و هذه القاعدة متداولة في السنة الفقهاءِ وقد ذكروها من أسباب الضمان مع ما فيه من النقض والا برام ولكن قد تقدم أنَّ هذه القاعدة بنفسها ليست دليلاً على شيئِ وإنَّما هي داخلة تحت قاعدة أليد أو الاتلاف .

ألعاشر : قوله تعالى ( فمن إعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما إعتدى عليكم ) و إستدل بهذه الآية صاحب الجواهر على الضمان ، و أنت خبير بأنَّها وردت في الجرائم و التغريمات غير المالية ولا ربط لها بالماليات .

ألحاد يعشر : قوله تعالى ( الحرمات قصاص ) على حذو ما تقدم في قوله تعالى ( فمن إعتدى الخ ) إستدلالًا وجواباً .

هذه هي الأمور التي إستدل بها على الضمان في المنافع المستوفاة

ص: 228

وغيرها في الاجارة الباطلة وعيرها و ألصحيح الخالي عن الاشكال من هذه الادلة إنَّما هما قاعدتى أليد و الاتلاف .

و ينبغى التنبيه على أمور، الأوّل، قال الشّهید بعدم الضَّمان في الاجارة بلا أجرة إذا بطلت لکونها بلا أجرة

الأول : إنَّه قد تقدم أنَّ الشهيد الأوَّل إستثنى عن ضمان المنفعة أو العمل في الاجارة الباطلة ما إذا كان وجه البطلان هو كون الاجارة بلا أجرة وقال بعدم الضمان فيها ، و إختاره الشهيد الثاني وإستدل عليه بانَّ العامل في هذه الصورة متبرع لعمله و المؤجر متبرع بالمنفعة فلابد من إنتفاء الضمان.

و إستشكل المحقق الكركي على إطلاق كلام الشهيد الاول ( رحمه الله ) بوجود الفرق بين المنفعة والعمل فانَّ العامل لما كان له السُّلطان على عمله و أتى بالعمل مع بطلان الاجارة ، فقد أهدد مالية عمله لانَّ الاجارة لم تكن موجبًا للزوم إتيان العمل إذ المفروض بطلانها فيصح القول بعدم الضمان ، و أمّا ألمنفعة فالمستأجر هو الذى إستوفاها و أخذها بالاختيار فيصدق عليه الاتلاف فلابدّ من القول بالضمان، وقال الشهيد الثاني (ره ) ردّاً على المحقق الثاني ومؤيداً لعدم الفرق المنفعة و العمل في عدم الضمان إنَّ التسليط المجّاني موجود فى منفعة الاعيان أيضًا إذ المفروض أنَّ المؤجر قال آجرتك بلا أجرة فصريح كلامه يدل على المجّانيه.

و بعبارة أخرى : صدر الكلام و هو قوله آجرتك ظاهر في وجود العوض وعدم المجّانية وذيله وهو قوله بلااجرة نص فى التبرُّع وعدم الأجرة و الذيل من حيث كونه نصًا مقدم على الصَّدر ، فتكون الاجارة عارية فى الحقيقة لانَّها لا تحتاج إلى لفظ مخصوص بل يكفي فيها كل لفظ دال على التسليط المجانى فأىُّ فرق بين عمل العامل و منفعة ألعين .

ص: 229

قال صاحب الرياض هذا إنَّما يصح فيما إذا قال آجرتك بلا أجرة و أمّا إذا قال آجرتك و سكت و لم يقل بلا أجرة أى لم يذكر الأجرة لا أنَّه ذكر عدمها فلابد من القول بالضمان لانَّ السكوت أعمّ من الرضا بالتبرّع فانه قد يكون عن غفلة ونسيان عن ذكر الاجرة فلايدل السكوت على عدم قصد الأجرة .

وردَّه صاحب الجواهر بانَّ هذا خروج عن محل النزاع لأنَّ كلامهم إنّما هو فيما إذا صرَّح بعدم الأجرة أو كان سكوته كالتصریح به بان يفهم عدم الأجرة من القرائن الحالية أو المقامية ونحوهما.

و ليعلم أنَّ مسئلة كون الاجارة بلا أجرة إنَّما يتصور على أنحاءٍ ثلاثة :

الأوّل : أن يكون العقد مشتملًا على الاجارة بلا أجرة على نحو الصراحة بان يكون اللفظ المنشأ به الاجارة هو قوله آجرتك بلا أجرة.

ألثاني : أن يقول آجرتك سنةً واشترطت على نفسي أن تكون الاجارة بلا أجرة على نحو الالتزام ألثانوى.

الثالث : أن يقول آجرتك ثم يقول وإشترطت على نفسى إسقاط الأجرة ، أمّا الحكم فى الصورة الأولى فهو عدم ضمان المستأجر فيما إذا كان الموجر ملتفتاً إلى مفاد ما يتلفظ به وكان في مقام الجدِّ وإن كان ذلك مستندا إلى الاصل المقامى فى باب المحاورة ، لان اصالة ، عدم الغفلة و اصالة كون المتكلم فى مقام بيان المراد الجدّي يقتضى ذلك فانَّهما أصلان بنى عليهما العقلاءُ في باب المحاورات ، يعمل بمقتضاهما إلى أن يعلم خلافهما وهذا شأن جميع الاصول العقلائية الموجودة في باب المحاورات كاصالة عدم الخطأ والنسيان و غيرهما فلابد من حمل قوله ( آجرتك بلا أجرة ) على تمليك المنفعة مجّاناً كما هو المختار ، أو على تسليط المنفعة مجّاناً على تعبيرهم .

و ألوجه في عدولنا عن تعبير هم أنَّ قوله آجرتك ظاهر في أمرين

ص: 230

أحدهما تمليك المنفعة، وثانيهما وجود العوض و لما كان قوله بلا أجرة حاكماً على قوله آجرتك بالحكومه التفسيرية و مقدمًا عليه لكونه نصًّا فى المقصود فيرتفع العوض ويبقى التمليك فيكون معنى قوله آجرتك بلا أجرة تمليكاً مجّانيّاً بلا عوض ، فتلخص أنَّ ذيل الكلام و هو قوله بلا أجرة يفسّر الصدر و يبين لنا أنَّ المقصود من الصدر و هو قوله آجرتك ليس معناه الحقيقى بل إستعملت الاجارة في المعنى المجازى و هو إمّا تمليك مجّانٍ أو تسليط كذلك ، و الأوّل عبارة عن الهبة والثانى عبارة عن العارية ولكن لا فرق بينهما فى النتيجة إذا كانت الهبة بغير ذى رحم فانّها جائزة كالعارية فلا يفرق بين تعبيرنا و تعبيرهم و كيف كان فألامر سهل بعد البناءِ على عدم الاحتياج إلى لفظ خاصف المعاملات إلّا فى موارد خاصة دل الشَّرع على لزوم اللفظ فيها .

و أمّا الحكم فى الصورة الثانية : فهو بطلان الاجارة وعدم الضمان أمّا البطلان فلوجهين :

الاوّل : ألجهل بالاجرة لعدم ذكرها فى العقد.

ألثانى : كون إشتراط عدم الأجرة مخالفًا لمقتضى العقد إذ المبادله لا تتحقق إلا من ركنين وهما العوض والمعوض فاشتراط عدم العوض مخالف لمقتضاها.

نعم قد يقال إنَّ الشرط الفاسد لا يكون موجبًا لفساد العقد بنااً على ما هو الحق من كونه إلتزاماً فى ضمن الالتزام فيبقى الجهل بالاجرة فقط وجهًا للبطلان .

و أمّاً عدم الضمان فلانَّ إشتراط عدم الأجرة من الموجر إهدار لمالية ماله و مانع عن جريان قاعدتى اليد أو الاتلاف و موجب لعدم بقاء حرمة المال و من هنا ظهر أنَّ الحكم فى الصورة الثالثة أيضًا عدم الضمان لكشف إشتراط إسقاط الأجرة عن الاهدار.

ينبغى التَّنبيه على أمور الاوَّل، قال الشَّهيد بعدم ألضَّمان فى ألاجاره بلا أجرة إذا بطلت لكونها بلا أجرة

التنبيه الثاني : إنَّ المحقق الاردبيلى ( رحمه الله ) فصَّل في الضِّمان

ص: 231

بين ما إذا كان المتعاملان عالمين بفساد الاجارة وبين ما إذا كانا جاهلین به .

فذهب إلى عدم الضمان فى الصورة الأولى مستدلاً بأنَّ الموجر إذا سلَّم العين المستأجرة إلى المستأجر مع علمه بفساد الاجارة وعدم سلامة العوض له فيكون مهدرًا لمالية ماله فكانّه سلَّم العين لاستيفاء المنفعة منها مجّاناً فلا يتوجه الضمان للسمتوفى إذ المفروض أنَّ إستيفائه إنّما كان عن تسليم مجّانٍ فلا تشمله قاعدتا اليد أو الاتلاف ، وهذا بخلاف صورة جهلهما بالفساد إد لا يأتي فيها إحتمال إهدار المالية فضلاً عن الدلالة ، و هكذا يُقال بالنسبة إلى عَمل الأجير ، واختار هذا ألقول جماعة من العلماءِ.

ثم انَّ المحقق الكركى إستحسن عدم الضمان في صورة العلم بالفساد إلا أنَّه قال به في عمل الأجير لافی منافع ألاعيان ، وقد تقدم وجهه تفصيلاً و الجواب عن كل ذلك أنَّ تسليم المنفعة أو العمل فى الاجارة الفاسدة لم يكن مبنيًا على المجّانية حتى يقال إنّه عارية فى المنفعة ومتبرع في العمل بل كان التسليم بعنوان الوفاءِ بالاجارة وإن كانت باطلة إذ بطلان الاجارة في الشّرع لا يستلزم أنْ يكون التسليم مجّانياً من قبل الموجر ، أو فقل إن التشريع في السبب لا يقلّب الفاسد إلى الصحيح إلّا أنَّه كاشف عن عدم المجّانية .

و هكذا نقول في العمل أيضًا فانه إنما يستند إلى الأمر المعاملى فانَّ الاجير إذا قال آجرتك نفسى لعمل كذا وكانت الاجارة باط بجهة من الجهات لا يكون البطلان موجبًا لاهدار المالية للعمل بل لها سببية عرفية تشريعية للضمان و لذا لا يرى العرف فرقا فيه بين العلم بالفساد والجهل به .

فتلخص ان تسليم العمل او المنفعة انما يستند الى تسليم وفائى و هو موجب للضمان وإن كان السَّبب غير شرعى بل كان عن التشريع في

ص: 232

السبب . نعم لو كان وجه الفساد ما تقدم من الصور الناظرة إلى عدم الأجرة لم يكن ضمانٌ فلاحظ ولا تغفل.

ذهب صاحب الشّرايع إلى عدم ضَمان المستأجر المنافع ألفائتة تحت يده في الاجاره ألباطلة

التنبيه الثالث : إنَّ صاحب الشرايع ذهب إلى ضمان المستأجر فيما إذا إستوفى المنفعة و أمّا إذا إستولى عليها وفاتت تحت يده فلم يذكره و ألحق كونه ضامناً للمنافع الفائتة تحت إستيلائه لانَّ اليد في قوله (علیه السّلام) على اليد ما أخذت الخ أعمٌّ من الاستيفاءِ والاستيلاءِ كما ذهب إليه العلامة ( رحمه الله ) وقد تقدم أنّ الموجب للضمان أمران اليد والاتلاف، فقاعدة اليد تشمل ألمقام بلا إشكال.

إلى هنا قد تمَّ البحث في جوانب الضمان في الاجارة الفاسدة عملاً و منفعة ولا باس بأن نكرِّر البحث ثانيًا عن عمل الحرِّ لكى يتَّضح جيّدًا معنى الضمان فيه فنقول :

لا ريب في ضمان عمل الحر فيما إذا إستوفاه الغير سواءٌ كان الاستيفاءٌ بالغصب كما إذا أجبره على العمل فوقع العمل من العامل إضطرارا أو بالمعاوضة كما إذا وقع العمل موردًا للاجارة .

هل یصحُّ جعل عمل الحرِّ عوضاً؟

أماً ألوهم فهو إنه قد استشكل في جعل عمل الحر عوضاً في البيع بما تقدم في الاستدلال على عدم ضمان عمل الحر من أنَّ عمل الحر ليس بمال والبيع مبادلة مال بمال نعم ، بعد وقوع الاجارة عليه يصب- مالاً و مملوكاً فيصح حينئذٍ جعله عوضاً فى البيع.

و الجواب عنه أوَّلاً : إنَّ عدم كونه مالاً مستلزم لعدم صحة إجارته أيضا إذ لا فرق بين البيع والاجارة فى لزوم ماّلية العوض و المعوض ، فيهما ، .

وثانيًا : إنّ المالية ليست عرضًا خارجيًا بل إنما هي أمر إعتبارى ليس إلّا و من المعلوم أنَّ كل أمر إعتبارى يحتاج إلى مصحِّح للاعتبار

ص: 233

و المصحح لاعتبار الماليه في شيىء ليس إلّا وجود رغبة الناس في ذلك الشيئ ، والمنشأ لهذه الرغبة ليس إلّا الأثر المرغوب فيه و هو إمّا أن يكون لحيثية وجوديّة قائمة بالاعيان كما في المنافع كحيثية الاستقاء من البئر و الارتضاع من المرضعة الكامنتين فيهما وقد تقدم بيان ذلك فقولكم عمل الحر ليس بمال إن أردتم به عدم وجود الحيثية الوجودية المؤثرة للأثر الموجب لرغبة الناس إليه في عمل الحر فهذا كذب قطعًا و إن أردتم به عدم كونه مالاً مع وجود تلك الحيثية فهو باطل جزمًا .

فتلخص أنَّ عمل الحر يكون مالاً بلا إشكال ولا فرق فى المالية بينه و بين سائر الابدال ألاخرى .

نعم قد يفرق بينهما من جهة أخرى و هى أنَّ العمل قد لا يكون له وجود خارجى حين المعاوضة كساير الاموال وقد تقدم الاستشكال عن بعض في المنفعة بعدم الوجود لها فى الخارج ولاجل هذا التوهم حكم بعدم كونها قابلاً للمعاوضة و لكن قد أجبنا عنه فيما تقدم و نزيد هنا توضيحًا ونقول إنَّ الأمر المعاملى إذا تعلق بالمنفعة أو العمل يكون سببًا لاعتبار الوجود فيهما و إنَّ الحيثيات الوجودية القائمة بالمنافع والأعمال هى التى تكون موجبة لاعتبار الوجود لهما في مقام المعاوضة و إنَّ العقلاءَ ينزلون الوجود الاعتبارى منزلة الوجود الخارجي و يجرون عليه أحكامه ، ألا ترى أنَّ الكلى في الذمة غير موجود في الخارج فى باب السَّلم في زمان إنشاءِ الصيغة و هل يوجد فرق بين عمل الحر بایجاره نفسه على الخياطة وبين بيع الكلى في الذمة في عدم وجود الخارجى فيهما واعتبار الوجود لهما.

و بالجملة إنَّ عمل الحر مضمون في موردين، أحدهما ما إذا وقع العمل موردًا للمعاوضة بأن يكون العامل أجيراً ، وثانيهما ما إذا صدر العمل منه باجبار من الغير وعلَّة الضمان في الاوَّل إنّما هو وجود العمل إعتباراً حين المعاوضة وخارجًا فى الثّانى حيث أنَّ العمل إذا صدر

ص: 234

منه و لو باجبار من الغير يكون موجوداً بالحمل الشايع و تجرى فيه قاعدة الاتلاف و يكون من أتلفه ضامنًا ، هذا كله إذا صدر العمل منه ببناء معاوضى أو باكراهٍ من الغير و أمّا إذا فات العمل تحت استيلاءِ الغير من دون إستيفاءٍ منه كما إذا حبسه غاصب وصار سببًا لتفويت عمله فهل يكون هذا العمل الفائت مضمونًا أم لا ففيه أقوال ثلاثة :

الأوَّل : عدم الضمان مط كما هو المشهور بين القدماءِ قال المحقق (رحمه الله ) فى باب الغصب من الشرايع لو حبس صانعا لم يضمن أجرتهما لم ينتفع به لانَّ منافعني قبضته وذلك لانه لهيوجر نفسه والانتفاع ناظر إلى جهة الاستيفاءِ ، وهذا التعبير أحسن من تعبير العلامه ( رحمه الله ) بالفوات و التفويت المقصود من التفويت ما يقابل ذلك وهوا الاستیفاءُ ألذي هو إتلاف منه لعمل الحر .

ألثاني : ألضمان مط و هو مختار المحقق الاردبيلي و الوحيد البهبهانی (رحمه الله ) في حاشيته على مجمع الفائدة وتبعهما في ذلك جماعة كصاحب الرياض ( رحمه الله ) .

الثالث : ألتفصيل بين الكسوب أى من له حرفة و صنعة مستمرًا فيهما عملاً ، ففى عمله الضمان، و بین غیره فلاضمان فيه ونحن نختار عدم الضمان مط وفاقاً للمشهور و دليلنا على ذلك هو أنَّ العمل حينئذ لاجود له بالاعتبار كما في الاجارة ولا فى الخارج كما في الاستيفاء العدواني .

إن قلت : لما كان العامل مختاراً في فعله و له أن يفعل و أن لا يفعل فيكون له السلطنة على نفسه والقدرة على عمله وهذا هو الوجود بالقوة فكأنّ العمل موجود لكن لا بالفعل بل بالقوة فلماذا لا يكتفى بهذا الوجود في الضمان حتى لا نحتاج إلى الوجود الاعتبارى أو الخارجي المفقود في المقام مع أنَّ الوجود بالقوة له أهمية كبيره بين العقلاء و في عرف العالم فانّا إذا نظرنا إلى الفاعل بنظره عقلائية و رأينا قدرته الطبيعية الفاعلية نرى له العمل كأنّه موجود و نسمى هذا

ص: 235

الوجود بالوجود بالقوة .

قلت : إنَّ ذلك لا يعتبر وجودًا عند العقلاء لأنَّ نسبة الاختيار بالنسبة إلى الفعل و الترك على نحو سواءِ ، فمع وجود هذه الصفة في العامل لا يعتبر العقلاءُ له وجود العمل لمجرد قدرته الطَّبعية على العمل ، و إن شئت فقل إنّ القدرة على العمل بنفسها لا مالية لها وليست موجبة لاعتبار العمل له ولو في وعاء الاعتبار .

هذا مضافا إلى أنَّ فرض وجود العمل دائماً مساوق مع صدق عدم العمل الفعلى وملازم له و من المعلوم أنَّ عدم العمل الفعلى مقدم على فرضه لأنّ الأوَّل فعلى و الثّاني فرضى .

ما قاله الاردبیلي في ضَمان عمل ألحر

إن قلت : إذا إنحصر الوجود بالخارجى والاعتباري و لم يعتبروا الوجود بالقوة وجوداً فما تقول في ضمان عمل العبد فانَّ عمله مضمون تفويتًا وفواتاً بالاتفاق فيما إذا حبسه الغير.

قلت : إنَّ العبد لا يعتبر فيه صفة الاختيار لأنَّه مقهور في إختياره شرعًا و عرفًا فلا سلطان له على نفسه ولا على عمله فهو مملوك للغير بتمام معنى كلمة الملكية ولذا يعاملون معه في آثار الملكية معاملة الحيوان و يذكرون الفقهاءُ بيعه في ضمن بيع الحيوان ، وأمّا القائلون بضمان عمل الحر فاكثرهم قد فصَّلوا بين الكسوب و غيره ، و هؤلاء يعتقدون أنَّ الضمان إنّما يكون فيمن كان معتادًا على العمل وكان ذا حرفة وصنعة ، وأمّا من لم يكن كذلك فلاضمان لعمله فالقول به فى غير الكسوب إفراط في القول في الضمان.

وكيف كان فالمحقق الاردبيلى لم يتمسك في المقام بالأدلة المضمنة كاليد والاتلاف و غيرهما كما صرَّح به صاحب الجواهر بل تمسك بقاعدة الضرر و أنَّ عدم الضمان ظلم فى حق الحرِّ، ثم ذكر قوله تعالى ( فمن إعتدى ) المتقدم في جملة أدلة الضمان و لكنك خبير بان قاعدة الضرر لا تثبت الضمان وقد مرَّ غير مرّة أنّ لسان لا ضرر إنّما هو نفى

ص: 236

الحكم الضررى لأنَّ الحكومة على العناوين الأولية إنَّما هى بالنفة لا بالاثبات في أمثال لاضرر و لا حرج و نحوهما و أّما أدلة حرمة الضرر فهى ناظرة إلى حرمته تكليفاً ، وأمّا إثبات الضمان وتعلق العهدة على الضار فلا . وقد تقدم أيضًا أنَّ آيتى الاعتداء و القصاص إنَّما وردتا فى الجرائم غير المالية .

وقد تمسك السيد اليزدى ( رحمه الله ) لاثبات الضمان لعمل الحر بأنَّ الحابس للحر قد أتلف عمله إذ المفروض أنَّه أُعدَّ نفسه للعمل فيكون العمل موجوداً بالقوة .

و فيه ما تقدم من أنَّ فرض العمل لا يكون موجباً لوجود العمل في وعاء الاعتبار أو الخارج و المفروض عدم وجود العمل في المقام .

و ربما تمسك بعضهم بالسيرة لكنه سخيف جدًّا لعدم إتصالها بزمان المعصوم (علیه السّلام ) وإنّما وجد الحكم بضمان عمل الحر في الطبقة الثالثة من المتأخرين ، هذا إذا كان المقصود من السيرة سيرة المتشرعة و أمّا إذا كان المقصود منها السيرة العقلائية بتقريب أنَّ بناءَ عرف العالم على تضمين عمل الصانع ففيه أنَّه فرق واضح بين البناء العقلائي و القوانين المحلّية، فانّ الأوّل عبارة عن القوانين التى تعُمّ كل ملة و نحلة وتجرى فى كل زمان و مكان كقاعدة اليد والاتلاف و حجية الظواهر فانَّها لا تختص بلغة دون لغة ولا بملة دون أخرى بل هي كلية عالمية يحكم بها ألناس بل تقتضيها جبلتهم الغريزية في غالب القواعد السّارية بين البشر ، و ألثاني عبارة عن قواعد محلية تختص بملة خاصة وليست تجرى فى كل زمان و مكان . و السيرة فيما نحن فيه لو كانت فانما هي من قبيل الثانى لا الاوَّل فلايكون دليلاً على شيئ .

إستدلال القائلين بعدم ضمان عمل الحرّ

ثم إنَّ القائلين بعدم الضمان إستدلوا بوجوه مختلفة ، فاستدل جماعة منهم ألشيخ الهادى الطهراني (ره) بأنَّ عمل الحر ليس بمال إمّا لانَّ ماليته مشووطة بوقوعه مورداً للاجارة وإمّا لانَّه معدوم لا يقبل

ص: 237

المعاوضة .

وإستدل المحقق الخراساني (رحمه الله ) بأنَّ عمل الحر لا يكون مملوكًا و إن صدق عليه تعريف المال و هو ما يبذل بازائه المال ، و أوضحه تلميذه المحقق الاصفهاني في تعليقته على قول الشيخ فى المكاسب وأمّا الحر إلخ بأنَّ نسبة العمل إلى العامل نسبة العرض إلى معروضه لا نسبة المملوك الى مالكه . أقول : تقريب ذلك أنَّ النسبة فى الأولى تكوينيّة ذاتية فانَّ العمل إذا صدر عن العامل يكون ربط العمل إليه بربط واقعی ذاتی بخلاف نسبة المملوك إلى المالك فانَّ هذه النسبة إعتبارية لانّ ربط المملوك إلى المالك إنَّما هو ربط إعتبارى عقلائی .

و إستدل المحقق الرشتى ( رحمه الله ) و تبعه العلامة النائيني (رحمه الله) و جماعة بأنَّ عمل الحر وإن كان مالاً ومملوكاً لكن لا تصدق عليه قاعدة اليد حتى يوجب الضمان إذ لا معنى للاستيلاءِ على الحرّ و من المعلوم أنّ الاستيلاءَ على المنافع إنَّما يكون بواسطة الاستيلاء على الأعيان و إذا إنتفى ألثاني إنتفى الاوَّل .

و يعلم الجواب عن كل ذلك بمقدمة قصيرة، و هى أنَّ الشرايط فى باب المعاوضات إنَّما تكون مترتبة وليست إحداها في عرض ألاخرى بل يقع كل واحدة في طول الاخرى و أنَّ الشرائط بعضها تعبّدی فلابد من الدقة والتأمل فى أنَّ أىّ شرطٍ عقلی و مقدم على ساير الشرائط و إذا دققنا النظر فيها نجد أن الوجود مقدم على جميع الشرائط البطلان بيع المعدوم على نحو السالبة بانتفاءِ الموضوع ، ثم إنّه بعد الوجود يشترط كون الموجود مالاً وأن يكون ملكاً للبايع بعد كونه مالاً وأن يكون المملوك معلومًا وهكذا وبالجملة فمعنى الترتب أنَّه لو لم يوجد المتقدم لم يكن معنى لاشتراط المتأخر فأصل وجود العوضين في رتبة متقدمة على سائر الشرائط فاذا لم يكن العمل موجودًا لاخارجًا

ص: 238

ولا إعتباراً كما هو المفروض فلا تصل النوبة إلى القول بأنَّه ليس بمال أو ليس بمملوك فانها فرع الوجود وبهذا يبطل كل ما قيل في المقام ، نعم قولهم إنّ عمل الحر معدوم كلام صحيح لو لا مقالة الشيخ هادى ( رحمه الله ) بتعميم العدم بالنسبة إلى جميع المنافع وعدم القول بالوجود الاعتباري .

و أمّا ما قاله المحقق الاصفہانی (رحمه الله ) في تعليل كلام المحقق الخراساني ( رحمه الله ) من أنَّ نسبة العمل إلى العامل كنسبة العرض إلى المعروض فمدفوع بعدم المنافاة بين النسبة الذاتيه والاعتبارية، ألا ترى أنَّ وجدان الذات للذات ذاتى ومع ذلك يتصور فيه النسبة الاعتبارية أيضًا كالمعلومية تقول أنا أعلم بذاتى من غيرى فأىُّ منافاة بين النسبة الذاتية بين العمل والعامل و بين النسبة الاعتباري كالملكية مثلاً .

و أمّا القول بعدم شمول قاعدة اليد بالنسبة إلى الحر وعدم صدق الاستيلاء عليه، ففيه أنَّ الاستيلاءَ على الحر موجود غاية الأمر عدم حكم الشارع فيه إلّا بالضمان التعبدي و هو القود و الدية والأرش ، فليس عدم الضمان في الحر لعدم صدق الاستيلاء عليه بل لانَّ عمله لا يعتبر له الوجود قبل الاستيفاء أو الوقوع تحت المعاوضة مثلاً و أمّا نفسه أو طرفه ففيهما ما قرره الشارع من القود او الدية او الأرش فتدبّر .

کراهة إستعمال الاجير قبل مقاطعة الأجرة:

قد حكموا بكراهة استعمال الاجير قبل مقاطعة الأجرة و إستدلوا على ذلك بأمور ، :

الاوَّل : الاجماع المدعى فى كلمات الاكثر و لما كان المدرك معلوماً فيه ولا أقل من إحتماله فيسقط عن الحجية إذ من المظنون قويّاً أن تكون فتاواهم مستندة إلى النّصوص الخاصة .

الثاني : الروايات الدالة على الكراهة وهي العمدة في المقام .

ص: 239

فمنها : ما (1) عن سليمان بن جعفر الجعفرى قال كنت مع الرضا ( علیه السّلام) في بعض الحاجة فاردت أن أنصرف إلى منزلى إلى أن قال ، قال (علیه السّلام) ما من أحد يعمل لك شيئًا بغير مقاطعة ثم زد ته لذلك الشبى ثلاثة أضعاف على أجرته إلّا ظنَّ أنَّك قد نقصته أجرته، إلى آخر الحديث .

و منها (2) ما عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (علیه السّلام) قال من كان يؤمن بالله و أليوم الآخر فلا يستعملن أجيراً حتى يعلم ما آجره الحديث.

و منها (3) ما في حديث المناهى قال : نهى رسول الله أن يستعمل أجيراً حتى يعلم ما أجرته .

وكيف كان فدلالة الروايات على كراهة استعمال الاجير قبل المقاطعة واضحة جدًّا .

ثم إنَّ بعضهم حكم باستحباب المقاطعة قبل إستعمال الأجير مضافاً إلى كراهة عدم المقاطعة قبله ، وإستدل على ذلك بأمرين.

الاوّل : أنَّ الحكم بكراهة شيءٍ يستلزم الحكم باستحباب ضد بالدلالة الالتزامية العرفية فاذا كان عدم المقاطعة مكروهًا يكون ضده و هو المقاطعة مستحبًا .

و فيه : أوَّلاً أنّ ذلك مما يحكم به العقل لا الشرع فلايكون الضد محكوماً بحكم شرعى ، وثانيًا أنَّ جعل الحكم فى شيئ يكفي في تحريك العبد نحوه أو زجره عنه ولا يحتاج إلى جعل الحكم في ضده فوجوب الصلاة مثلاً كاف في ألبعث نحوها ولا معنى لحرمة نقيضها .

ألثاني : أنَّ قوله حتى يعلم في حديث المناهى غاية للكراهة

ص: 240


1- الوسائل ، باب 3 ، من أبواب الاجارة ، حديث 1 و 2 و 3
2- الوسائل ، باب 3 ، من أبواب الاجارة ، حديث 1 و 2 و 3
3- الوسائل ، باب 3 ، من أبواب الاجارة ، حديث 1 و 2 و 3

و الغاية تدل على أنَّ ما بعدها محكوم بالاستحباب .

وفيه أنَّ الغاية إنَّما تدل على إنتهاءِ أمد الحكم الاول ليس إلّا ولا نظر لها إلى حكم ما بعدها فتلخص أنَّ إستحباب المقاطعة قبل إستعمال الاجير لا دليل عليه .

ثم إنَّهم إختلفوا في نوع هذه المعاملة أى ما إذا إشتغل ألعامل من دون تعيين الاجرة له ثم أعطى مقداراً يرضى به ، فذهب الشيخ هادی الطهرانی (رحمه الله ) إلى كونها جعالة نظراً إلى عدم تعيين الاجرة فيها ، و يرد عليه أنَّ الجعالة أيضًا لا بد فيها من تعيين ألبدل غاية ألامر أنَّها تتحمل من الجهالة مالا يتحملها سائر المعاملات.

وقال المحقق الاصفهاني ( رحمه الله ) أنَّه لو كانت هناك عادة جارية على الاجرة ألمعينة بأن تكون أجرة العمل الفلاني معينة عند العرف كحلق الرأس مثلاً ، فحينئذ إن تعلقت ألمعاملة على العمل فيمكن كونها جعالة بأن يكون البدل على نحو الطولية و يمكن كونها أجارة بمعنى فرض البدل على نحو العرضية، وإن تعلقت المعاملة على المنفعة کسکنی الدار مثلاً فلا يمكن كونها جعالة و نزيد نحن أنَّ العادة الجارية لابد و أن تكون عادة معلومة متبعة بحيث تصلح لكونها قرينة عامة على ألاجرة المعينة بأن تكون أمارة عليها وإلّا فلا تفيد العادة لانه لا سببية لها فليست ألعادة إلّا طريقًا إلى ألاجرة في بعض الموارد.

في بيان حقيقة المعاملة بلاتعيين الاجرة

ثم قال إنَّه لو لم تكن هناك عادة جارية متبعة و لم تعين الاجرة فلانسمى هذه بمعاملة وإن كانت السيرة جارية على طبقها إذ السيرة هذه لا تكشف عن مشروعية المعاملة المذكورة بل نقول إنّ ذلك ليسر إلّا أمرًا من ناحية المستعمل للأجير أو الموجر و العمل من جانب ألعامل ، وحيث أنَّ الأمر لم يأمر بالعمل مجّاناً و لم يكن العمل من ألعامل على نحو ألمجانية أيضًا فلاجرم يكون المستأجر ضامنًا للعمل بقاعدة إحترام مال المسلم.

ص: 241

و فيه : أوَّلاً أنَّ قاعدة الاحترام لا تكون مضمنة بل هي منقحة لموضوع ألضمان كما مرَّ غير مرَّة . وثانيًا أنَّ المعاملة لا تتشكل عن شيئين مستقلين بل لا بد من قيامها بالطرفين فهى لا تتشكل عن إذن مستقل من الآمر وعمل مستقل من العامل .

فالحق ما ذهب إليه صاحب الجواهر و المحقق السيد اليزدي ( رحمه الله ) من أنَّ ألمعاملة المذكورة إستيفاءُ للعمل بالعوض أو إباحة بالعوض .

نعم قد تقدم منَّا أنَّ التعبير بالاباحة من حيث ظهورها في الترخيص المجانى غير جَيِّد ، ونحن نعبر عنها بالاستيفاء بالعوض فى كلا الموردين الاعيان والاعمال، و ألامر سهل ، فالضمان إنَّما يكون اسطة الاستيفاء بالعوض وهذه معاملة جارية لدى العرف ، وصحيحة الجعفرى أيضًا تدل على جريان العادة عندهم على الاستيفاءِ بالعوض و أنهم كانوا يعطون الاجرة على العامل الذى لم يقاطعوا معه ، غاية الأمر أنَّهم لا يعطونه أجرة مثل عمله بل يعطون مقدارًا يرضى به و يفهم ذلك من قوله ( قالوا يعاوننا ونعطيه شيئًا ) و قوله هو يرضى منا بما تعطيه .

يكره تضمين ألاجير إلا مع التهمة :

و الاحتمالات في تفسير هذه العبارة على مافى المسالك ، سبعة :

الأوّل : أن يكون تضمين الاجير مكروهًا و إن قامت ألبينة على تفريطه إلا إذا كان متَّهماً في التفريط .

ألثاني : أن يكون المكروه هو التسبب لا خلاف الاجير المنكر للتفريط فيما إذا لم تكن للمدعى للتفريط بينة .

الثالث : أن يكون المكروه هو القضاءُ بالتضمين بواسطة ألنكول عن اليمين بناءً على جواز القضاء به و عدم وجوب ردِّ اليمين على

ص: 242

المدعى حين نكول المنكر عنه .

الرابع : أن يكون المكروه هو ألضمان الواقعي وغرامة بدل ما أتلفه ألاجير بناءً على ضمان الصّانع ما أتلفه بيده .

الخامس : أن یکون المكروه إنّما هو إشتراط ضمان العين على الأجير و إن لم يكن لما تلف بيد الصانع ضمان .

السادس : أن يكون ألمكروه هو تحليف الأجير منضماً إلى الشاهد ألواحد .

السابع : أن يكون المكروه هو اليمين المردودة من الأجير بعد عدم وجود ألبينة عند المدعى ونكول المنكر عن اليمين بناأً على عدم القضاءِ بمجرد ألنكول .

قال المحقق الاصفهانی (رحمه الله ) ما ملخصه : إنَّه يفهم من العبارة المذكورة (يكره أن يضمن الاجير إلّامع التهمة ) أمران :

الاوّل : أن يكون هناك سبب موجب للضمان و إلّا فمع عدم ألسبب للضمان فالتضمين محرم لا مكروه ، فانّ التلف ألسماوى لا يوجب الضمان سواءٌ فيه المتهم وغيره .

الثاني : أن لا يكون علم بموجب ألضمان حيث لا فرق بين المتهم وغيره إذا علم بالسبب فكلام الاصحاب إنّما هو فيما إذا كانت موازين القضاءِ من ألبينة و اليمين و النكول مقتضية للضمان من دون علم بموجبه . هذا كله في تعيين محل ألكلام عند الاصحاب ، وأما ما يفهم روايات الباب فامران :

أحدهما : أنَّ القاعدة الاوّلية فى تلف الاموال هي ألضمان إلّا إذا ثبت خلافه و سیاتی ما تدل على هذه القاعدة وما تثبت به الخلاف .

وثانيهما : أنَّ المستفاد من الروايات إنَّما هو كراهة التسب بالتضمين أى مطالبه المدعى للتلف السماوى ألبينة أو اليمين إلّا أن يكون متَّهمًا ، وبالجملة المستفاد من النصوص غير ما يستفاد من كلمات ألقوم

ص: 243

انتهى كلامه ( رحمه الله ) أقول ولا بد في المقام من ألتكلم فى أمرين:

الأوّل : ألبحث عن ألقواعد العامة الموجبة للضمان ثبوتًا وإثباتاً .

الثاني : ألبحث عن كيفية الجمع ألد لالى بين روايات ألباب.

هل القواعد العامة تقتضى الضَمان ؟ والجمع الدَّلالى بين الاخبار الواردة في ضَمان الاجير

أمّا الأول : فانَّ القاعدة الاوَّلية الموجب لثبوت الضمان واقعًا وفي نفس الامر ، أمران :

الأوّل : قاعدة أليد ألحاكمه بوجوب أداء مال ألغير على المستولى عليه عدواناً والأداءُ له ثلاث مراتب مترتبة ، ألأوَّل تسليم ألعين إلى مالكه بخصوصياته ألشخصية و هو الذى نعبِّر عنه بالأداءِ الخارجي .

الثاني : تسليم ما يماثل العين إذا تعذر تسلیم نفسها فانَّ أداءَ ما يماثل الشيئَ اداءٌ لذلك الشيئِ عرفاً بمرتبة و إن لم يكن أداءٌ له عقلاً و بجميع المراتب .

الثالث : تسليم ما يعادل العين فى ألقيمه إذا تعذر ما يماثله . ألقاعدة الثانية الموجبة للضمان ، هي قاعدة الاتلاف و هي إنَّما تكون موجبة له إذا لم يكن ألتلف مستندًا إلى ألمالك وإلّا فلو فرض إذنٌ صريح أو ضمنى من المالك بالاتلاف أو كان هناك إستلزام غالبى بين ألتلف و الاذن في تصرف من التصرفات فلا يكون المتلف ضامنًا لعدم إستناد ألتلف إليه بل إلى ألمالك.

هذا كله بحسب مقام الثبوت ، وأمّا مقام الاثبات فهو راجع إلى باب القضاءِ وفصل الخصومة ومن المعلوم أنَّ الحكم القضائى محكَّمٌ على نحو السببية و إن علم ألمحكوم عليه أو المحكوم له بمخالفته للواقع ، نظير ذلك ما إذا كان لأحدٍ درهمٌ و للآخر درهمان فتلف أحد ألدراهم من عند الودعى فانَّ لصاحب الدرهمين واحداً ونصفًا ولصاحب الدرهم نصفاً و هذا ألحكم مخالف للواقع يقينًا ، وكذا الحكم فيما لوأقَّر بعين لشخص ثم أقرَّبها للآخر فانَّه يحكم عليه بدفع العين إلى الاوّل وتغريمها للثاني قيمة العين ، ونظير ذلك كثير في باب القضاءِ ، وقد ذكر

ص: 244

الشيخ الانصارى ( رحمه الله ) جملة منها في فرائده ، وكل ذلك لأجل أنَّ القضاءَ بين الناس إِنَّما بنى على نحو ألموضوعية ، و مع ذلك يبقى ألواقع على ما هو عليه ولا ينقلب بواسطة ألحكم القضائي ، فلابد على كل من المدعى و ألمنكر من مراعاة الواقع بينهما وبين الله مع قطع النظر عن القضاءِ ، و ذلك لانَّ القضاءَ له ألموضوعية لفصل الخصومات و ليس مغير للواقع فقد ورد عن النبي ( صلّی الله علیه و آله ) أنَّه عبر عن القضاءِ للمحكوم له حسب موازينه في مورد ألمخالفة... باقتطاع قطعة من النار ... و التفصيل في محله .

ثم انَّ الاصل ألاوَّلى فى موازين القضاءِ هو كون البينة على المدعى و أليمين على ألمنكر على إختلاف بين الفقهاءِ (قدهم ) في تعريف المدعى والمنكر و فى قبول ألبينة من ألمنكر .

و ألحق عندنا قبول بينة ألمنكر ألمسمّى ببينة ألداخل وذلك لان لزوم ألبينة إنّما هو على المدعى وأمّا قبولها فهو شامل للمنكر أيضًا .

و أما أليمين فهو للمنكر أوَّلاً وبالذات إلّا أن يردَّه على المدعى بواسطة نكوله عنه و أمّا ألنُّكول فهل هو بمجرده يكون سببا للقضاء أم لا ؟ فذهب جماعة إلى ألاوَّل باعتبار أنَّ الردَّ سبب للقضاءِ ولا يحتاج إلى يمين المدعى ، وذهب آخرون إلى ألثّانى باعتبار أنَّه أمر عد مى لا يكون ميزاناً في باب القضاءِ فلابد من حلف المدعى بعدردّ المنكر أليمين و يسمى ب_( أليمين ألمردودة ) .

إذا عرفت ذلك فاعلم بانَّ الاجير إذا إدَّعى تلف المال يكون إستصحاب بقاء ألمال موافقاً لقول من له المال و هو المستأج فلا يقبل قول الاجير المدعى للتلف .

إلا أنَّ هناك أمرين موجبين لقبول قول الاجير و إنْ لم يكن قوله موافقاً للأصل . أحدهما : كونه أمينًا و ليس على الامين إلّا اليمين و نستفيد ذلك من الروايات الآتية .

ص: 245

وثانيهما : إنَّ الظاهر يوافق قول المدعى للتلف لانَّ ألتلف و عدمه لا يعلم إلّا من قبله فيكون الظاهر مع الأجير و ألاصل مع المستاجر و من المعلوم تقدم الأوَّل على ألثاني فيما لا يعلم إلّا من قبله، هنا ظهر أنّه لو إدَّعى أنَّ التلف المحقق لم يكن عن تعدٍّ و تفريط و إدّعى المستأجر خلافه يقدم قول الاجير أيضًا لكونه أمينًا وليس عليه إلّا أليمين وإنَّه أمرٌ لا يعلم إلّا من قبله ، وأمّا إستصحاب عدم كون ألتلف سماويًا فهو مع معارضته باستصحاب عدم كونه عن تعد وتفريط لاحجية في- لأنَّ الاستصحاب المذكور لا يثبت أنّ التلف كان عن تعذّ و تفريطٍ ليثبت ضمان الأجير . هذا كله مضافًا إلى أنَّ ألجمع بين الروايات أيضًا يقتضى ذلك ، فنحن نذكر ألروايات الواردة في المقام على إختلاف ألسنتها ، ثم نتكلم فى الجمع بينها فنقول إنّها على طوائف ثمانٍ .

الطائفة ألاولى : ما دلت على ضمان الاجير مطلقًا تلفاً و إتلافًا كرواية الحلبي (1) عن أبي عبد الله عليه السّلام قال كان أمير المؤمنين عليه السّلام يضمِّن القصّار و الصّائغ احتياطاً للناس وكان أبي يتطوَّل عليه إذا كان مأموناً ، ورواية يونس (2) قال سئلت الرِّضا عليه السّلام عن القصّار و الصّائغ أيضمنون قال لا يصلح إلّا أن يضمنوا ، ألحديث و رواية أبي بصير (3) عن أبي عبد الله عليه السّلام قال كان على عليه السلام يضمن القصّار و الصّائغ يحتاط به على أموال الناس وكان أبوجعفر عليه السّلام يتفضَّل عليه إذا كان مأمونًا .

ألطائفة الثانية : ما دلت على عدم الضمان مطلقاً كرواية (4) معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن الصبّاغ و القّصار، فقال ليس يضمنان .

ص: 246


1- الوسائل، باب 29 ، من أبواب الاجارة ، الحديث : 4 و 9 و 12 و 14
2- الوسائل، باب 29 ، من أبواب الاجارة ، الحديث : 4 و 9 و 12 و 14
3- الوسائل، باب 29 ، من أبواب الاجارة ، الحديث : 4 و 9 و 12 و 14
4- الوسائل، باب 29 ، من أبواب الاجارة ، الحديث : 4 و 9 و 12 و 14

الطائفة الثالثة : ما دلت على ضمان الاجير في مورد الاتلاف كرواية (1) ألحلبى عن أبي عبد الله عليه السّلام في الرَّجل يعطى الثّوب ليصبغه فيفسده ، فقال كل عامل أعطيته أجراً على أن يصلح فأفسد فهو ضامن وفى رواية (2) أبى ألصباح كل من يعطى الاجر ليصلح فيفسد فهو ضامن ، و روى (3) السّكونى عن أبي عبد الله عليه السَّلام أن أمير المؤمنين عليه السّلام رفع إليه رجل إستأجر رجلاً يصلح، با به فضرب المسمار فانصدع ألباب ، فضمنه أميراً لمؤمنين عليه السّلام . و عن داود بن سرحان (4) عن أبي عبد الله عليه السّلام في رجل حمل متاعاً على رأسه فأصاب إنسانًا فمات إو إنكسر منه شيئٌ فهو ضامن .

ألطائفة الرابعة : ما دلت على عدم ضمان ألعامل في مورد الاتلاف كما في قوله عليه السّلام (5) كان أبي يضمَّن الصّائغ والقصّار ما أفسدا ، وكان على إبن الحسين عليهما السّلام يتفضل عليهم .

الطائفة الخامسة : ما دلت على ألضمان بالسرقة و نحوها إلّا إذا قام ألبينة على كون التلف سماويًا كما في رواية (6) أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السّلام) قال سئلته عن قصّارٍ دفعت إليه ثوباً فزعم أنّه سرق من بین متاعه قال فعليه أن يقيم ألبينة الحديث . ورواية (7)

ص: 247


1- الوسائل : باب 29 من أبواب الاجارة . الحديث 19 و 13 و 10
2- الوسائل : باب 29 من أبواب الاجارة . الحديث 19 و 13 و 10
3- الوسائل : باب 29 من أبواب الاجارة . الحديث 19 و 13 و 10
4- ألوسائل ، باب 30 ، من أبواب الاجارة ، ألحديث 11
5- ألوسائل ، باب 29 ، من أبواب الاجارة ، ألحديث 20
6- الوسائل، باب 29 ، من أبواب الاجارة ، الحديث 5 . و هذا الحديث و إن كان مرسلا بالمعنى ألاعم من طريق الكليني إلا أنَّه صحيح من طريق الصدوق و الشيخ فراجع
7- ألوسائل ، باب 29 ، من أبواب الاجارة ، ألحديث 3

الحلبي عن أبي عبد الله عليه السّلام وإن لم يقم ألبينة و زعم أنّه قد ذهب ألذى إدَّعى عليه فقد ضمنه إن لم يكن له بينة على قوله .

ونظيره رواية (1) ألحلبى عن أبي عبد الله عليه السّلام ولكنه لا يصدق إلّا ببينة عادلة .

الطائفة السادسة : ما دلت على قبول قول مدعى ألتلف ألسَّماوى بالحلف كرواية(2) أبى بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا يضمن الصّائغ ولا ألقصّار ولا ألحائك إلّا أن يكونوا متهمين فيخوف بالبينة و يستحلف لعله يستخرج منه شيئًا ، وفي رواية (3) منصور بن حازم إن إتَّهمته إستحلفته .

ألطائفة السّابعة : ما دلت على التفصيل بين المأمون و المتهم كرواية (4) ألحلبى عن أبي عبد الله عليه السّلام كان أبي يتطوَّل عليه إذا كان مأموناً ورواية (5) أبى بصير عن أبي عبد الله عليه السّلام إن كان مأمونًا فليس عليه شيىء الحديث . ورواية (6) أبي بصير أيضًا عن أبي عبد الله عليه السّلام وكان أبوجعفر عليه السّلام يتفضل عليه إذا كان مأمونا و بهذا المضمون روايات أخرى أوردها في ألوسائل باب 29 و 30 من أبواب احكام الاجارة . وليعلم أنَّ التفصيل بين ألمأمون والمتهم في الروايات إنَّما وقع في موردين أحد هما فى مورد الاصل الاحتياطي للضمان الذي أسَّسه أمير المؤمنين عليه السلام و ثانيهما فيما إذا كان الاتلاف معلوماً ، ثم إنَّ ألامانه بحسب المفهوم مقابل للخيانة وكما تتصور الامانة في القول بعدم الكذب فيه كذلك تتصور فى العمل بصحة ألفعل والمبالات فيه على نحو جرت عليه العادة.

ص: 248


1- الوسائل، باب 30 ، من ابواب الاجارة ، الحديث 1
2- الوسائل، باب 29 باب 29 ، من ابواب الاجارة ، الحدیث 11 و 16
3- الوسائل، باب 29 باب 29 ، من ابواب الاجارة ، الحدیث 11 و 16
4- 4 و 5 و 6 الوسائل، باب 29 ، الحدیث 4 و 11 و 12
5- 4 و 5 و 6 الوسائل، باب 29 ، الحدیث 4 و 11 و 12
6- 4 و 5 و 6 الوسائل، باب 29 ، الحدیث 4 و 11 و 12

الطائفة الثامنة : ما دلت على عدم الضمان في مورد غلبة التلف أى ألتلف السماوى كادعاء الغرق في السفينة و الحرق في المخزن و السّرقة في ألمتاع ونحو ذلك مما تكون أمارة غالبية على ألتلف بحيثتصدق دعوى ألاجير و قد ورد (1) في رواية السكوني إنَّ اميرالمؤمنين عليه السلام كان لا يضمن من الغرق و الحرق والشيىءِ الغالب الحديث. هذا ما عثرت عليه من ألاخبار، وأمّا ألجمع بينها فنقول إنَّه لا ريب فى عدم إمكان الأخذ بالمطلقات بعد وجود مقيدات كثيرة سواءٌ كانت مثبته للضمان أم نافية له ، وأما المقيدات فهى الروايات ألتي قيد ألضمان فيها وجودًا وعدمًا بالبينة تارة وبالحلف أخرى بمعنى أنَّه إذا وجد ألحلف أو البينة لا يضمن وإذا لم يوجد أحد هما يضمن . لكنهما متعارضان لانَّ الظاهر الاطلاقى فى رواية ألبينة إنَّما هو تعيُّن ألبينة و عدم الاكتفاءِ بغيرها كما أنَّ ظاهر رواية ألحلف هو تعيُّن الحلف و تتعارض رواية ألبينة مع القاعدة الاوَّلية أيضاً القائلة بأنَّه ليس على الامين إلّا أليمين فكل من رواية ألبينة والحلف ظاهر في تعيُّن الوظيفة فى أحد هما معينّاً، هذا ، و طريق الجمع بينهما أن يقال إنَّ كلّاً منهما نصَّ في الاكتفاءِ به وظاهر فى التَّعيُّن ويقدم النصَّ على ألظاهر فينتج التخيير فيكون ألاجير مخيَّراً بين إقامة ألبينة على ألتلف و بين ألحلف عليه ومن هنا ظهر أنَّ ألبينه تقبل من ألمنكر في باب القضاء و أنَّ قولهم اليمين على المنكر ، ليس معناه تعيُّن ألحلف عليه وعدم قبول ألبينة عنه بل ليس ذلك إلّا لأجل تسهيل الأمر على ألمنكر ولم : الشارع بقوله ليس على الامين إلّا أليمين سدُّ باب ألبينة عليه بل أراد به تسهيل ألامر عليه بجعل ألحلف له لأنّه لا يقدر على ألبينة غالبًا .

فتلخص أنَّ الاصل الاحتياطى فى المقام هو ألضمان أوَّلاً وبالذات

ص: 249


1- الوسائل ، باب 29 ، من ابواب الاجارة ، الحديث 6

و لكن للأجير أن يخلّص نفسه باقامة ألبينة على ألتلف السماوى أو الحلف عليه ، و من المعلوم أنَّ الحلف أمر ميسور ، و معذلك ففى هذا ألمورد يكره التضمين بشهادة ذيل بعض الروايات المشتملة على التفضُّل عليهم ورد في ذيل رواية الحلبى المتقدمة وكان أبي يتطوّل عليه ، وفى رواية أبى بصير المتقدمة كان أبو جعفر عليه السَّلام يتفضّل عليه إذا كان مأمونًا ، فيستفاد منها جواز التضمين على كراهةٍ، و معناه كراهة التسبب باقامة ألبينة و ألحلف .

ثم إنَّ ما ذكرنا من كراهة التضمين بالتسبب إلى الضمان مقيد بما إذا كان الاجير مأمونًا و تشهد لذلك ألطائفة السّابعة من الاخبار ألمفضّلة بين المأمون و المتهم فينتج أنّ المتهم ضامن إلّا أن يقم البينة أو يحلف.

فأصل ألضمان ألاحتياطى قد خصِّص إلى الآن بأمرين ، أحدهما : بما اذا كان هناك بينة على التلف او الحلف عليه على نحو التخيير، وثانيهما : بما إذاكان مأمونًا فى ألقول و أنَّه لا يكذب في دعواه ألتلف. و يخصص ألضمان ألضمان ألكلى بمخصص ثالث وهو فيما إذا كان هناك أمارة غالبية بحيث تصدق دعوى ألتلف كما تقدم ذلك في رواية السكوني المتقدمة .

ثم إنَّه يستفاد من قوله ( علیه السّلام ) كان أبي يضمن القصّار و الصّائغ و كان على بن الحسين يتفضَّل عليهم كراهة تضمين الاجير الذى علم منه الاتلاف و إن كانت القاعدة ألاوّلية ألضّمان لشمول قاعدة الاتلاف و لدلالة الروايات التي ذكرنا في الطّائفة الثالثة على الضمان .

و بعبارة أخرى إنَّ الروايات الدّالة على الضمان في مورد الاتلاف المتقدمة في الطائفة الثالثة معارضة مع الرواية الدّالة على عدمه المتقدمة فى ألطائفة الرابعة، والجامع بينهما هو قوله ( علیه السّلام) كان على إبن الحسين عليهما السَّلام يتفضّل عليه ، حيث يستفاد من كلمة التفضُّل

ص: 250

كراهة التضمين ، و من هنا ظهر ضعف ما ذهب إليه المحقق الاصفهاني من أنَّ المستفاد من ألروايات إنَّما هو كراهة التسبُّب بالضمان و أمّا كراهة التضمين فيما إذا علم الاتلاف فلا يستفاد منها ، و وجه ألضعف قد ظهر مما تقدم .

نعم ربما يفرق بين إستحباب عدم التضمين بالتفضّل عليه و بين كراهة التضمين بمعناها المصطلح الشَّرعى إذ المستفاد من الرواية هو الاوّل لا ألثّانى .

وقد نلخص جميع ما إستفدناه من الروايات المتقدمة في ألامور التالية:

1-ألضمان الاحتياطى الذى أسَّسه على عليه السلام كتأسيس أصل عملي في أموال الناس معلّقاً على عدم وجود ألبينة و ألحلف و نعبِّر عنه بالضمان التعليقى.

2- عدم ألضمان في صورة وجود ألبينة أو ألحلف على التَّلف أو وجود الامارة ألغالبية المصدقة لدعوى ألتلف .

3- عدم مطالبة ألحلف أو البينة من ألمأمون فيحكم بعدم ضمانه تفضُّلًا عليه .

4- ثبوت ألضمان المنجز إذا علم منه الاتلاف

5- إستحباب التفضّل عليه في هذه الصورة إذا كان مأمونًا في ألعمل ، وليعلم أنَّ المقصود من المأمون في الأمر ألثالث هو من كان مأموناً فى قوله أى فيما إدَّعاه من ألتَّلف و ألمقصود منه في الأخير هو الأمانة ألعملية أى من كان مأموناً فى عمله و متقنًا فيما .

الثالث : يشترط أن تكون ألمنفعة مملوكة

المشهور أنَّه يشترط فى صحة الاجارة كون المنفعة مملوكة للموجر و قد رتَّبوا عليه عدم صحة إجارة المباحات باعتبار أنَّ نسبة المباحات إلى الموجر و المستأجر على حدٍّ سواء فلامعنى لوقوع الاجارة عليها . وقد

ص: 251

أخرجوا بالشرط المذكور إجارة الفضولى أيضًا لانَّ الموجر فيها ليس مالكاً للمنفعة و من ألمعلوم أنَّ المقصود من عدم الصحة في إجارة ألفضولى إنَّما هو عدم ألصحة الفعلية بناءً على قابلية المعاملة الفضولية للتصحيح، و ثبوت ألصحة التأهُّلية لها كما هو التحقيق.

إجارة الاعيان الموقوفة

إن قلت : أليس إشترطهم في صحة الاجارة أنْ يكون ألموجر ممن له السَّلطنة على ألمنفعة و ممن يملك التصرف فيها وعليه تخرج إجارة الفضولى بهذا الشرط و لا نحتاج فى إخراجها إلى شرط آخر .

قلت : إنَّ ما ذكرتم صحيح ولكن ربما تتصادق الشرائط المتعددة فی موردٍ واحدٍ و يكون خروج ألمورد عن تحت المشروط بواسطة شرطين أو أكثرو لا مانع من ذلك كما يخرجون إجارة الصَّبى بواسطةِ إشتراط ألكمال و جواز التصرف باعتبارين .

وقد يقال بانَّ لزوم ملكية ألمنفعة ليس شرطاً لازمًا لا ينفك عن الاجارة لا نتقاضه بمثل عمل الحرّ فانّه وإن كان مالاً لكنه ليس بملك لانَّ الشخص لا يكون مالكاً لعمل نفسه فانّ نسبة العمل إلى العامل كنسبة العرض إلى المعروض لا نسبة المملوك إلى ألمالك وقد تقدم ذلك عن المحقق الاصفهاني .

و فيه ما تقدم من أنَّ الحر لما كان له السلطنة التكوينية و القدرة الطبعية على عمله صار قابلاً لاعتبار ألملك حين ألمبادلة فالعرف كما يعتبر ألمالية لعمل الحرِّ فكذلك يعتبر ألملكية له أيضًا.

و ربما يقال بانتقاض ألشرط المذكور باجارة ألاعيان الموقوفة على الجهات العامَّة كما إذا وقف شيئًا لان يصرف منفعة في مصالح ألمسلمين و الجهات العامّة كبناء القنطرة و طبع الكتب النّافعة ونحو ذلك. إذ من المعلوم أنَّ المنفعة فى مثل هذا الوقف ليست مملوكة ، إذ ألجهة لها وجود لحاظى أوَّلاً ولا تكون الجهة مالكة ثانيًا، بل التحقيق أنّه ليس فى الوقف تمليك للمنفعة مطلقًا لانّ حقيقة ألوقف ليست إلّا

ص: 252

ايقافاً للعين و تسبيلاً للمنفعة ، و ليس فيه تمليك لا في العين ولا في المنفعة . و بعبارة أخرى : لا يمكن أنْ تكون الجهة في ألاعيان الموقوفة على الجهات العامة مالكاً للمنفعة لعدم وجود لها وعدم قابليتها للتَّملُّك و مع ذلك نرى أنَّهم يقولون بصحة إجارة العين ألموقوفة على ألمصالح العامَّة، نعم بعد وقوع الاجارة يكون ألمستأجر مالكًا للمنفعة لكنَّ المتولى للوقف لم يؤجره عن ملك فيستكشف من ذلك تحقق الاجارة من دون ملك المنفعة .

وقد أجاب عن ذلك بعض بأنَّه يمكن أن تكون الجهة مالكة بمعنى أنَّ ألواقف بوقفه يملّك المنفعة للجهة ، وهذه دعوى بلا دليل بل الدليل على خلافه و هو ما تقدَّم من عدم وجود للجهة وعدم قابليتها للتملُّك .

و أجاب عنه بعض آخر بأنَّ المنفعة و ألعين يبقيان في ملك المالك الأوَّل أى الواقف ، وأمّا التَّسبيل و ألوقف فانَّما يتعلقان بثمن ألمنفعة فالتمليك للمنفعة موجود لكن هذا الجواب لم يقبله ألاكثر بشهادة أنَّهم يبحثون في منقطع الآخر عن ألمالك و أنَّه هل ألعن يرجع إلى ملك ألواقف أو إلى ملك الورثه أو لا بدَّ من صرفه في سبيل الله .

و التَّحقيق صحة هذا الجواب لانَّ العين يبقى في ملك المالك الأوَّل لكنَّه لا يصح ذلك في ألمنفعة إذ ألمنفعة لا تبقى على ملك الواقف بل هي مُسبَّلة للجهات و الموارد والاشخاص التي سبَّلها لها ألواقف. نعم ربما لا يمكن إعتبار بقاءُ العين الموقوفة في ملك الواقف و ذلك كوقف رقبة مسجدًا لانَّ جعلها بيتًا لله يستلزم أحكاماً خاصة تنافي بقاءِ المسجد فى ملك ألواقف و يكفى منها أنَّ المسجد بيتٌ لله أبدًا بحيث لو خرب البناءُ لم تخرج الارض عن المسجديّة، ومع هذا التأبيد يكون إعتبار الملك للواقف لغوًا و لا يساعده العرف .

ولا وكيف كان فالمنفعة في هذه الموارد ليست ملكًا للواقف و لا للجهة

ص: 253

فيلزم تحقق الاجارة من دون كون المنفعة مملوكة.

و التَّحقيق ما تقدم من أنّ لزوم أخذ التمليك في حقيقة الاجارة أو فى صحتها إلتزام بما لا يلزم لانَّ حقيقة الاجارة ليست إلّا مبادلة ألمنفعة بالعوض و المملوكية لازم غالبى لها و ألتمليك محقق لهالا أنَّها داخل في حقيقتها ، هذا كله فى الوقف على الجهات العامّة.

و أمّا الوقف على العناوين العامَّة كالوقف على العلماءِ أو السادة أو زوار الحسين عليه السّلام فقد ذهب فيه بعض إلى تمليك المنفعة للعناوين، و قال بعض آخر بانَّ الوقف على العناوين قد تكون على نحو ألتمليك كما فى الوقف على العلماءِ وقد لا يكون كذلك بل على نحو الانتفاع كوقف المدارس لسكنى الطُّلاب مثلاً فانه ليس فيه تمليك و لذا لا تصح إجارة غرفة المدرسة وكيف كان فالمختار عندنا عدم كون ألوقف على نحو ألتمليك في كلا القسمين وسيأتي توضيحه عن قريب .

و هل تصح الاجارة فى ألقسم الاوَّل فيما إذا كان المستأجر أحد الموقوف عليهم أم لا ، ذهب صاحب الجواهر إلى الصِّحَّة و أورد عليه باستلزامه تمليك ألمالك بناءً على ملك الموقوف عليهم للمنفعة إذ لا تصح إجارة الانسان مال نفسه ، و أجيب عنه بانّ الموقوف عليه مصرف للوقف لا مالك له .

و إستشكل عليه المحقق الاصفهاني بأنَّ التعبير عن بعض أهل ألوقف بالمصرف غير جيد لانه يوهم عدم كونه مالكاً للمنفعة ولو بعد الاقباض، فالأولى فى الجواب أنْ يقال إنَّ المالك إنَّما هو الطبيعي، و أمّا الشخص فلايكون مالكاً إلّا بعد الاجارة أو بعد اقباض المتولى، و المختار عندنا هو عدم التمليك فى الوقف على العناوين العامَّة لان حقيقه ألوقف المتسالم عليها لدى كافَّة العقلاءِ ويساعده الاعتبار ألعرفى ألعالمى عند أرباب الملل كافَّةً و الاسلام خاصة عبارة عن ايقاف العين وإسكانه في عالم الاعتبار و تسبيل المنفعة وذلك هو المفهوم من معناه

ص: 254

اللغوى أيضًا ولذا لامانع من بقاءِ العين الموقوفة في ملك الواقف إلّا إذا وجدت هناك منافاة بين ألبقاء و بين ألوقف فى مورد بخصوصه كما تقدم في مثل المسجد ، وأمّا المنفعة فهى مسبَّلة لا مملوكة إلّا أنَّ ألحق عندنا صحة الاجارة فيما إذا كان ألوقف على العناوين العامَّة لعدم لزوم ألتمليك في الاجارة حيث أنَّها مبادلة منفعة بمال ، هذا كله على مسلكنا و أمّا على مسلك القوم من صحة تمليك ألمنفعة على العنوان فنقول إنَّه يتصور على أنحاء و يختلف ألحكم فيها من حيث صحة الاجارة و عدمها .

بیان تمليك المنفعة على العنوان ومعنى الوجود السِّعىِّ

الأوَّل : أنْ يكون التَّمليك على نحو ألعام الاستغراقي بأن يكون العنوان مرآة لكل فرد فرد على سبيل الانحلال و لازم ذلك هو أنَّ تقسّم منفعة ألعين الموقوفة بين أفراد العام على السّويّة ، وفي هذه الصورة لا يمكن إجارة حصة بعض ألافراد له إذ لا معنى لتمليك ألمالك ، كيف و هو تحصيل للحاصل، نعم تصح إجارة حصص السّائرين لغيرهم و هو و إنْ كان أحدهم لكن لا فى حصته إن قلنا بأنَّ العين الموقوفة أيضًا قابلة للتقسيم فى هذه الصورة بحسب الاشخاص .

ألثاني : أن يكون التَّمليك على نحو الكلى في المعيَّن كما إذا قال وقفت هذه الارض لعلماءِ بلدة فلان مثلاً وهو معيّنٌ من جهة كونه معيِّنًا و محصورًا في بلدة خاصة وكلى من جهة صدقه على كثيرين ، وقد تقدم أنَّ الكلى في ألمعيَّن إنَّما هو برزخ بين الخارج وألذهن ، فهذا النوع من ألملك نوع خاص متوسط بين ألكلى و الشخصي ، وألحكم فى هذه الصورة أيضًا عدم جواز الاجارة فى حصة المستأجر من الوقف .

الثّالث : أنْ يكون مورد التمليك هو العنوان على نحو الوجود السِّعى بانْ لا تكون الافراد ملحوظة بل يطبق مفهوم الطبيعى على الخارج مع عدم ملاحظة خصوصية فى ألافراد الخارجية كما في ملك ألا راضى ألمفتوحه عنوةً بالنسبة إلى عنوان المسلم الشّامل لكل مسلم فالمقصود من

ص: 255

الوجود ألسِّعى هو العنوان المنطبق على الخارج من دون ملاحظة خصوصيات الافراد الخارجية نظير العهد الذِّهني يكون الوجود الخارجى على نحو ألسِّعة ملحوظاً بلاخصوصية للفرد أو ألافراد ولذا نقول إنَّه لو أخذ ألارض ألمفتوحة عنوة مسلم من مسلم آخر ظلمًا لم يكن غاصبًا و ذلك لأجل عدم إعتبار الخصوصية في الوجود السِّعى ، وهكذا نقول في المساجد والمشاهد و نذهب إلى صحة صلوة من أخذ مكان الآخر جبرًا وإن كان هذا ظلمًا من الآخذ بالنسبة إلى من سبق في مكان لاجل ألصّلوة لكنه لا يعدُّ غاصبًا وليس ذلك إلّا من جهة أنَّ الملحوظ فى وقفت المشتركات هو الوجود السِّعى من دون ملاحظة الخصوصيات ألفرديّة ، ونظير ذلك : ملك الهيئة الحاكمة حيث نعتقد بأنَّ الحكومة مالكة لكن لا نريد بذلك كون الاشخاص ملاكاً حتى يستشكل علينا بتبدل ألاشخاص دائمًا فكيف يكون الشخص مالكًا ، ولا نقول إنّ الهيئة الحاكمة تكون مالكة بماهي هيئة وعنوان ذهنى حتى يقال بعدم قابلية ألعنوان للملكية.

إن قلت : كيف يعقل تحقق ألوجود ألسِّعى في الخارج مع عدم إكتنافه بالخصوصيات الفردية لأنَّ الشيئ مالم يتشخص لم يوجد.

قلت : إنَّ الوجود ألسّعى بما هو كذلك وإن لم يكن له وجود فى الخارج لكنَّه قابلٌ لأنْ يلاحظ بما هو كذلك موضوعًا لأمر إنشائى ، وفرق واضح بين ألحكم على ألموجود الخارجى بما هو موجود و بين ألحكم عليه بما هو موجود مخصوص .

الرابع : أن يكون ألتمليك على الطبيعى بما هو طبيعي مع قط-ع النظر عن كونه عنوانًا مشيرًا إلى الخارج وحاكياً عنه ، و من المعلوم أنَّ الطبيعى بهذا المعنى لا يمكن أن يكون مالكًا و ليس قابلاً للملكية فلايصح فلا يصح أن يقال إنَّ ألمالك للزكوة مثلاً هو كلى الفقراء بما هو كلى من دون النظر إلى حكايته عن الخارج لانَّه اعتبار جزاف و أمر لغو ، و من

ص: 256

هنا ظهر أنَّ تصحيح المحقق الاصفهاني إجارة الوقف على أحد الموقوف عليهم بأنّ ألمالك للعين الموقوفة إنَّما هو ألطبيعى بما هو طبيعى و الفرد إنّما يملك بالاقباض ، ضعيف جدًّا لانَّ الطبيعي بالمعنى ألذي ذكره لا يقبل الملك مع أنَّه لو سُلّم يستلزم إجتماع مالكين على مال واحد أحد هما الشخص المستأجر بسبب الاجارة و ألثاني بواسطة إنطباق الانشاء الكلى ألوقفى عليه بعد الاقباض ، فالصحيح في تصحيح الاجارة المذكورة هو ألقول بكون الشَّخص مصرفًا للوقف كمصرفية ألفقير للزكوة كما ذهب إليه صاحب الجواهر ، و هذا موافق لتسبيل ألثمرة المأخوذة في حقيقة ألوقف لانَّ التَّسبيل معناه الاطلاق و الارسال و عدم الملكية لأحد.

( تصح إجارة المستأجر ما استأجره فى الاجارة المطلقة ) .

إعلم أنَّ الاجارة من حيث الاطلاق وعدمه تنقسم إلى ثلاثة أقسام :

الأوَّل : أن يؤجر العين مطلقاً أى من دون تقييد باستيفاءِ المستأجر المنفعة بشخصه و لم يشترط ذلك في ضمن العقد.

الثّاني : أنْ يؤجر على أنْ تكون المنفعة مختصة بالمستأجر بمعنى أنَّ الموجر يلاحظ أوَّلاً تلك الحصة من المنفعة التي يستوفيها المستأجر بعد الاجارة فيوقع العقد على تلك الحصة ، فتكون الاجارة خاصة و المنفعة .

الثالث : أن يؤجر بنحو الاطلاق أوَّلاً لكنه يشترط ثانيًا في ضمن العقد أن يستوفى المستأجر ألمنفعة بنفسه .

أمّا القسم الأوَّل فلاريب ولا شبهة فى أنّه يجوز للمستأجر الأوَّل أن يوجر ألعين المستأجرة ثانيًا من مستأجر آخر لانه مضافاً إلى موافقته للاجماع و للروايات القريبة إلى التواتر، مقتضى قوله (علیه السّلام) النّاس مسلطون على أموالهم ، وإنّما إختلفوا في أنّه لو سلَّم ألعين إلى المستاجر ألثّاني من دون إذن المالك فيما إذا كان استيفاءُ المنفعة موقوفًا على

ص: 257

تسليم ألعين والاستيلاءِ عليه كما هو الغالب هل يثبت فيه ألضمان أم لا ؟.

ذهب ألمحقق و الشهيد الثانيان إلى الضمان والظاهر على هذا ألقول ضمان المستأجر الاوَّل والثّانى كليهما على نحو تعاقب ألا يادى و معناه أنَّ للمالك أن يرجع إلى كل منهما و إن كان ألضمان إنّما يستقر على من تلف بيده . وعلَّلوا ضمان الاوَّل بانقلاب يده إلى ألعدوان بواسطة تسليمه العين إلى المستأجر ألثّانى من دون إذن ألمالك و أمّا ضمان المستأجر الثّانى فلاستيلائه على مال ألغير بلا إذن منه ، ومن ألمعلوم أنَّه لا ملازمة بين كون المنفعة مطلقة و بين رضى و بین رضى المالك بتسليم ألعين إلى ألغير ، و أمّا قولهم ألاذن فى الشيئ إذنٌ في لوازمه ، فلو سلّم صحة ذلك نقول إنَّ تسليم العين ليس لازماً للاجارة بحيث لا ينفك عنه دائما إذ ربما يؤجر شيئًا ولاحاجة فيه إلى تسليمه إلى المستأجر كما في إجارة الدابة لحمل كتب المستأجر هذا .

و المشهور عدم ألضّمان وتكلَّموا فيه تارة من حيث اقتضاء القاعدة له ، و أخرى من جهة ألاخبار الدالَّة عليه ، أما القاعدة فهى أنَّ لازم الاطلاق كما هو المفروض هو رضى ألمالك بالاجارة الثانية و صحت الثانيه يكون إستيفاءُ المستأجر الثّانى ألمنفعة موقوفًا على تسلطه و إستيلائه على ألعين كما كان لازم الاجارة الاولى ذلك بالنسبة إلى المستاجر الاوَّل فالاجاره الثانية كأنَّها وقعت عن رضاية المالك و إذنه فلا مقتضى للضِّمان حينئذ .

و قد ذهب المحقق الاصفهاني ( رحمه الله ) إلى ثبوت ألضّمان للمستأجر الثاني حسب القاعدة إلّا أن يأذن المالك صريحاً ، وقال في بيانه بتوضيح منّا أنَّ التسليم على ثلاثة أقسام :

الأوَّل : التسليم الانتفاعى و هو تمكين المستأجر عن الانتفاع بالعين و هو واجب فى الاجارة المطلقة لعدم جواز منع ألمستأجرعن الانتفاع ممّا إستأجره لكن لا ربط له بضمان العين وعدمه إذ الانتفاع قد

ص: 258

لا يستلزم التسليم فيتحقق بدونه كما إذا اجر ألدابَّة وكان زمامها بيده فالتمكين عن الانتفاع لا يستلزم الاستيلاء على ألعين .

ألثانى : التّسليم الاستيلائي، ومعناه إعطاءُ العين المستأجرة للمستأجر لأن يستولى عليها فيستوفى منفعتها و هذا النَّوع من التسليم أيضًا لازم فى بعض الموارد أىْ فيما إذا كان الاستيفاءُ مستلزم للاستيلاء على العين فيجب على ألمالك التسليم الاستيلائي مقدمةً للاستيفاء لكن الاستيلاءَ على ألعين لا يلازم عدم الضمان ولا ينافي ألضّمان كما نرى ذلك في ألعين المستعارة المشروطة فيها الضمان .

الثالث : التسليم الاستيمانى و هو تسليط الغير على ماله برضى منه وكلَّما كان كذلك لا يأتى فيه الضمان لعدم شمول قاعدة ألید ألمقتضيه للضّمان له وهذا النَّوع من التسليم ليس مستحقًا عليه على ألمالك بالنسبة إلى المستأجر الثّانى فلابد من القول بضمانه ، وبالجملة التسليم الايتمانى ليس مقدمة للاستيفاءِ فلا يستحقه المستأجر على الموجر .

و ملخص ما أفاده ( قدّس سرّه ) أنَّ المالك لم يأذن لكل شخص أن يتصرف في ملكه .

و أمّا ألقول بانّ الاجارة مطلقة والاذن في شيىء إذن في لوازمه فمدفوع بانَّ غاية ما تستلزم الاجارة المطلقة هو جواز الاجارة الثانية و اما إذن ألمالك بتسليم العين إلى المستأجر الثاني فلايستلزمه الاطلاق والأوَّل هو الحكم الشرعى للاجارة المطلقه فليس جواز الاجارة الثانية برضًا من المالك فالاجارة المطلقه شيئٌ و ألاذن المطلق شيئٌ آخر . و يرد عليه أمور :

الاوَّل : أنَّ الاقدام من ألمالك على ألاجارة المطلقه يستلزم ألاذن في تسليم ألعين المستأجرة إلى ألثانى بالبناءِ المعاملى العرفي ، بيان ذلك : أنَّ مقتضى تمليك المنفعة المطلقة هو إلغاءُ خصوصية الاستيفاء

ص: 259

من ألمستأجر الأوَّل بالنسبة إلى المنفعة لعدم تقييد الاستيفاء به و إذا ضممنا إلى ذلك ألتَّلازم ألغالبي ألموجود بين إستيفاء والاستيلاء على ألعين أنتج ألاذن في تسليم العين إلى الثاني ، ولا أقصد بذلك ألاذن الصَّريح أو الضّمنى ولا أقول إنَّه من مقتضيات الاجارة و لا أنَّ عقد الاجارة يدل على ألاذن باحدى الدلالات الثلاث، بل أقول إنَّ إقدامه على الاجارة المطلقة مع تلازم الاستيفاء للاستيلاء غالباً بل و مع عينيتهما و إتحاد هما بحسب الوجود خارجاً يدل على رضى ألمالك بتسليم ألعين إلى ألغير .

و من هنا ظهر أيضًا أنَّ ماذهب إليه من ضمان ألثّاني باعتبار عدم وجود التَّسليم الائتمانى ألرافع للضمان ضعيف جدَّا لانَّه وإن كان ألمستأجر لا يستحق من الموجر التَّسليم الائتماني و لا يجب على ألمالك ان يسلّم ألعين على نحو الائتمان لكنّا نقول إنّا لا نحتاج في رفع الضمان بل في دفعه إلى التسليم الائتماني بل يكفي فيه رضى ألمالك و إذنه المستكشف عن إطلاق الاجارة وعن تلازم الاستيلاء للاستيفاء بل الاستيلاء الائتمانى ليس إلا ما ذكر من رضى ألمالك باستيفاءِ غير المستأجرأ لمنفعة فالتوسعة في المنفعة تستلزم التوسعة فى الاستيلاء و قد عرفت بأنَّ الاستيلاءَ والاستيفاءَ متَّحدان خارجًا بحسب الوجود في جملة من موارد الاجارة .

الثّاني : ما تقدم من أنَّ إستيفاءَ المنفعة ملازمٌ غالبًا مع الاستيلاء على ألعين بل قلنا إنَّه عينه وإنَّما التَّغاير بينهما في ألمفهوم و إلا فالمصداق واحد .

الثالث : أنّ قوله إنّ التسليم الاستيلائى لا ينافي الضمان فهو مسلّمٌ و لذا قلنا بصحة إشتراط ألضمان فى الاجارة لكن كل ذلك إنَّما كان فى مقام الثبوت و أنّه يمكن ثبوت الضمان في التسليم الاستيلائى و ليس كلامنا الآن فيه بل نبحث عن الاثبات و ألحكم

ص: 260

بالضمان وعدمه و فرق واضح بين الامكان الثبوتى للضّمان و بين إثباته خارجًا فالتسليم الاستيلائى و إن كان غير مناف للضمان لكن الرضى الباطنى و الاذن المستكشف على النَّحو المذكور موجب لعدم الضمان هذا كله بحسب القواعد .

ألبحث عن الضمان وعدمه على ضوءّ ألاخبار

و أمَّا ألبحث عن الضمان وعدمه على ضوءّ ألاخبار فاستدل المشهور على عدم الضمان برواية (1) على بن جعفر عن أخيه أبى الحسن عليه السَّلام قال سئلته عن رجل إستأجر دابة فاعطاها غيره فنفقت ماعليه؟ قال إن كان شرطَ أن لا يركبها غيره فهو ضامن لها و إن لم يسمِّ فليس عليه شيىءٌ . و دلالة الشرطية الثانية على عدم ألضمان فيما إذا كانت الاجارة مطلقة ظاهرة كما أنَّ الشرطية ألاولى تدل على ألضمان فى الاجارة المشروطة بالمنطوق و هى القسم الثّالث و فى الاجارة المخصوصة وهى ألقسم ألثانى أى فيما إذا وقعت الاجارة على المنفعة الخاصة بالاولويّة.

وقد إستشكل في الاستدلال بها على عدم الضمان صاحب الجواهر بانَّ الرواية إنَّما تدل على عدم ألضمان من جهة عدم الاشتراط و هذا لا ينافي ثبوته من جهة قاعدة أليد ، أو فقل إنَّ عدم ألضمان الذى تدل عليه ألرواية حيثّى يختص بحيثية الاشتراط فيمكن ثبوت الضمان من ناحية أليد .

وفيه : أنَّ الشرط و عدمه بمجرد هما لا دخل لهما في الضمان لانَّ الموجب للضمان ليس صرف الاشتراط بل يحتاج إلى اليد أو الاتلاف فلا معنى لقولنا الشَّرط موجبٌ للضمان و عدمه موجب لعدمه إلّا بوجود أليد والاتلاف وعد مهما فمجرد الشَّرط لا يوجب الضّمان ولاعدمه يرفعه . نعم عدم الاشتراط يكشف عن رضى ألمالك بتسليم

ص: 261


1- الوسائل، باب 16 ، من ابواب الاجارة ، حدیث 1

العين و عن عدم وجود أليد عن عدوان . هذا مضافاً إلى أنّ قوله ( فاعطاها ) ظاهر فى أنَّ الثانى إنَّما تصرف في الدابّة بالاستقلال و لا أقل من كونه حصة غالبية للاعطاءِ لا أنَّه إستوفى منفعة ألدابة فقط من دون أن يتسلَّم العين بأن كان زمام الدابة بيد المستأجر الاوَّل .

و أمّا ما ذهب إليه فى جامع المقاصد من أنَّ المقصود من قوله ( علیه السّلام)) إن لم ُيسمِّ فليس عليه شيءٌ ) إنَّما هو عدم الضّمان فيما إذا إذن المالك صريحًا لا مطلقاً ، فضعيف جدًّا لانَّه خلاف إطلاق الدليل فلا يصار إليه إلّا بدليل .

فالتحقيق أنَّ الرواية لا إشكال في دلالتها على المطلوب .

و قد يستدل على ذلك بالروايات الواردة في باب تقبُّل الاراضى من السلطان إجارة أو مزارعة و إجارتها من ألغير ثانيا . فمنها : (1) ما عن إسماعيل بن الفضل الهاشمى سئلته عن الرجل إستأجر أرضًا إلى أن قال : إذا إستأجرت أرضاً فأنفقت فيها شيئًا أورممت فيها فلابأس بما ذكرت .

ومنها : (2) ما عن محمد بن مسلم عن أحد هما ( علیه السّلام ) قال سئلته عن رجل إستأجر أرضًا بألف درهم ثم آجر بعضها بمأتى درهم إلى أن قال لا بأس بذلك . وفي رواية أخرى (3) وردت فيمن يتقبل ألارض من السلطان ثم يواجرها قال لا بأس به كذلك أعامل أكرتي .

وفي رواية (4) أبي الربيع الشّامى أيضًا الحكم بعدم البأس في تقبل الارض من الدهاقين وإجارتها بأكثر مما إستأجرها وفي المقام روايات أخرى و قد تقدم بعضها في حكم إجارة العين المستأجرة باكثر

ص: 262


1- الوسائل ، باب 21 ، من ابواب الاجارة ، حديث 4
2- الوسائل ، باب 15 ، من ابواب المزارعة ، حدیث 2 و 3
3- الوسائل ، باب 15 ، من ابواب المزارعة ، حدیث 2 و 3
4- الوسائل، باب 20 ، من ابواب الاجارة ، حديث 2 و 3

مما إستأجره أولاً ، وكل ذلك يدل باطلاقه على عدم ألضمان في الاجارة المطلقه ، إذ ليس من الحكم بالضمان في هذه الروايات عين ولا أثرٌ، و ألقول بانَّ الروايات المذكورة إنَّما هى مسوقة لبيان أنَّ ألاجارة باكثر مما إستأجره أوَّلاً جايزة فى ألارض و حرام في غيرها ، وليست مسوقة لبيان ألضمان وعدمه حتى يؤخذ بإطلاقه كما عن صاحب الجواهر مدفوع أوَّلاً بانَّها مسوقة لبيان الوظيفة الفعلية فلو كان تصريح ألمالك بالاذن في التسليم إلى الغير شرطاً في رفع الضمان كان بيانه لازماً على ألامام عليه السَّلام للاغراءِ بالجهل . ولو سلّم فنكشف عدم الضمان فى الاجارات المطلقة بالاطلاق المقامى و يدل على المطلوب أيضا ما ورد (1) فى أنَّ من تقبَّل بعمل يجوز أن يُقبل غيره إذا عمل فيه شيئًا .

و مما تدل على عدم الضمان فى الاجارة المطلقة مكاتبة(2) محمد بن الحسن الصَّفّار قال : كتبت إلى الفقيه ( علیه السّلام ) في رجل دفع ثوباً إلى ألقصّار ليقصره فدفعه القصّار إلى قّصار غيره ليقصره فضاع الثوب . هل يجب على القصّار أن يرده إذا دفعه إلى غيره وإن كان القصّار مأموناً فوقع ( علیه السّلام ) هو ضامن له إلّا أن يكون ثقه مأموناً إنشاء الله . ومرجع الضَّمير في قوله ( هو ضامن له ) إنَّما هو القصّار الاوَّل لانَّه هو الذى دفع الثوب إلى الغير و ألسُّئوال فى الرواية إنَّما وقع عنه فيستفاد من ألرواية عدم الضّمان إذا كان مأمونا فان كانت الامانة قولية يكون معناها تصديق قوله في إدِّعائه ألتَّلف ألسّماوى وعدم إجباره باتيان ألبيِّنة أو ألحلف ، و إن كانت ألامانة عملية فمعناها أنَّ القصّار الاوَّل كان مباليًا في حفظ الثوب و مواظباً عليه و من حيث عدم دفع الثَّوب إلّا لمن يطمئن

ص: 263


1- راجع الوسائل، باب 23 ، من أبواب الاجارة
2- ألوسائل ، باب 29 من ابواب أحكام ألاجارة ، حديث 18

منه في حفظه و مبالاته فى العمل، وعلى كلا التَّقديرين ينتج عدم الضمان في الاجارة المطلقة إذا كان المستأجر مأموناً ، فتفصيل إبن الجنيد و من تبعه في الضّمان بين ألمأمون و غيره إنَّما يحسن إذا كان المراد ألضّمان ألفعلى و لكن ليس ألبحث فيه بل ألرواية ناظرة إلى ألضّمان التعليقى و أنَّه مرفوع بالامانة .

و أما القسم الثاني : وهو ما إذا كان متعلق ألاجارة المنفعة الخاصة بالمستأجر بان يلاحظ ألمؤجر تلك الحصَّة من ألمنفعة و هى المضافة إلى المستأجر ويوقع الاجارة عليها فنقول :

إنَّ الاجارة الثانية باطلة هنا جزمًا لعدم وجود الموضوع لها لانَّ المنفعة المضافة إلى المستأجر مملوكة له وهي غير قابلة للتمليك إلى ألغير للاختصاص المذكور . و ربما يتوهم أنَّ ألمنفعة لا يمكن أن تقيد بخصوصية المستوفى الأمرين:

في إجارة المستأجر ما إستأجره إذا كانت المنفعة الخاصة موردًا للاجارة

الأوَّل : أنَّ المنقعة كما تقدم هي ألحيثية الوجودية القائمة بالعين و لما كانت ألعين واحدة بالوحدة ألشخصية تكون ألحيثية القائمة بها و المنفعة المعتبرة بلحاظها واحدة لا محالة للتبعيَّة ، و عليه فلا معنى لتقييد ألمنفعة بخصوصية المستأجر لكونها واحدة بالوحدة ألشخصية من أوّل الامر تبعًا لوحدة ألعين .

الثّاني : أنَّ ملاحظة إستيفاء المستأجر المنفعة و تقييدها بكونها خاصة بالمستأجر ثم ايقاع عقد الاجارة عليها إنّما يكون تمليك فعل ألغير له لأنَّ سكنى ألمستأجر فى الدار فعل له ولا معنى لان يلاحظه ألموجر قيدًا مملوكاً لممملوكه ويوقع الاجارة عليه ، أو فقل إنَّه تمليك للمملوك وغير المملوك معاً ، فانَّ المنفعة و إن كانت ملكاً للموجر إلّا أنَّ إضافتها إلى ألمستأجر و تقييدها بان يستوفيها ألمستأجر ألخاص ليس ملكاً له لأنَّ السكنى فى ألدار فعل للمستأجر و هو السّاكن في الدّار ، وكيف كان فلا يمكن ملاحظة المنفعة الخاصة بالمستأجر فى الاجارة . و يرد على

ص: 264

الوجه الأول : أنَّ الحيثية الوجودية القائمة بالعين و إن كانت واحدة بالوحدة الشخصية من حيث قياسها بالعين الواحدة الشخصية إلّا أنَّها تتعدد بحسب تعدد الاضافات و الاعتبارات بالبداهة ، بيان ذلك: أنَّ ألكون الدّارى حيثية وجودية واحدة تبعًا لوحدة العين و هي الدار ، و لكن يوجد في الدار مقولات ثلاث :

ألاولى : مقولة الجوهر فانَّ الدّار لها وجود جوهری بمعنى أنَّها وجدت لا في الموضوع .

الثانية : مقولة ألاين لأنَّ فيها حيث ألظرفيه للغير .

الثّالثة : مقولة ( متى ) و هو الزّمان لانَّها زمانية ، ثم إنَّ مقولة الأين من المقولات ذات الاضافة بمعنى أنَّها لا توجد إلا مضافاً إلى شيئِ ولذا يُعبّر عنها بالمقولة النسبية بل جعلها بعضهم متممة للمقولة و ليس المقصود منه أنَّها ليست بمقولة بل ألمقصود أنَّ الأين تتعدد بحسب الاضافات المختلفة ولا تنافى ذلك هذه المقولة الشخصية فتعد الأين بالاضافة إلى ألمنافع المختلفة وبالاضافة إلى المستوفين ، أمر واضح فانَّ سكنى ألدّار قد يضاف إلى زيد وقد يضاف إلى عمرو و هكذا و أيضًا قد تكون منفعة الدّار هو السكنى فيها وقد تكون الاتّجار فيها وقد تكون جعلها معملاً وهكذا وفي كل ذلك الظرفية واحدة والعين واحدة و الانكار مكابرة فتكون ألدّار ألواحدة قابلة لكونها مسكناً و متجرًا و معملاً وهكذا . وبالجملة إنَّ الأين تتعدد بتعدد الاضافات و لا ينافي ذلك الوحدة الشخصية لها ، فاضافة ألكون الدّارى إلى سنخ ألاشياءِ المتعدده هى الموجبه لتعدد الأين.

و إن شئت تنظير ذلك بشيىء فاقول إنَّه يشبه بالكسر المشاع و هو الكلى المضاف إلى الواحد الشخصى فانَّ الدّار واحدة بوحدة عددية لكنك تكسرها ذلك و تقول ثلث الدّار و يصدق عنوان الثلث على كل جزء فرض منها و له مصاديق لا نهائية من حيث اللّايقفيه بناأً على ما هو

ص: 265

الحق من عدم وجود جزء لا يتجزى ، إنَّ الثلث أو الربع أو السدس و نحو ذلك عناوين كليَّة تضاف إلى الشخص الواحد ولا تنافي وحدته العدديّة ، و هكذا نقول في المنفعة فانَّها وإن كانت واحدة باعتبار الحيثية القائمة بالواحد العددى لكنَّها قابلة لأن تتصور كليًّا بالاضافة إلى ألاشخاص و الاشياء ، وبالجملة إنَّ الوحدة العددية غيرمناف للتَّعدد ألاضافي.

و يرد على الوجه الثاني : إنّا لا نقول إنَّ الموجر إذا آجر تلك الحصة من ألمنفعة أى الحصة التى قيدت بكون المستأجر مستوفيًا لها يقصد من ذلك إجارة أمرين أحد هما سكنى المستأجر في الدَّار بما هي فعله ، وثانيهما ألكون ألدّارى حتى يقال بأنَّه تمليك لفعل المستأجر له ، بل نقول إنَّ المنفعة التى هى مملوكة للموجر تتعدد بتعد إضافتها إلى المستأجر وغيره ، وألمالك إنَّما يؤجر تلك الحصة المضافة إلى المستأجر فيكون الاستيفاءُ مقيدًا بكونه بمباشرة المستأجر بنفسه .

وأمّا القسم الثّالث و هو ما إذا كانت الاجارة مطلقةٌ و إشتط ألمؤجر على المستأجر أن يستوفى المنفعة بنفسه فهذا يتصور على أنحاء:

فيما إذا كانت الاجاره ألمطلقة أشترط فيها إستيفاءُ المنفعة من المستأجر و آجرما إستأجره

الأوَّل : أن يكون قد إشترط عليه عدم الاجارة إلى الغير، وأمّا الاستيفاءُ فاعمٌّ من أن يكون من المستأجر أم غيره فلوجاءَ آخر بعنوان ألضيف و إستوفى شيئًا من منفعة ألعين لم يُعدّ ذلك تخلفاً للشرط.

ألثّانى : أن يشترط عليه إستيفاءَ المنفعة بنفسه لنفسه بان يكون ألمستأجر هو المباشر للاستيفاء والمنفعة مصروفة في شخصه .

الثّالث : أن يشترط عليه إستيفاءَ المنفعة بنفسه وإن كان للغير فلوحمل متاع الغير على ألدابّة المستأجرة بنفسه ، أو أركب عليها ألغير مع كون زمام الدابّة بيده لم يكن هذا تخلفًا للشرط . وكيف كان إنَّهم قد اختلفوا فى أنَّه لو اشترط عليه المباشرة بنفسه و لم يف المستأجر بالشرط فاجرها ثانيًا هل تكون الاجارة باطلة كما هو المشهور بل

ص: 266

ادّعى عليه الاجماع، أو صحيحة فعلية كما عن جمع ، أو تكون لها صحة تأهُّليّة بمعنى قابليتها للحوق الاجازة ، على وجوه .

و قبل كل شيىء لابد أنّ يعلم أدنَّ الاشتراط كما سبق في بعض المباحث المتقدمة يقع على نحوين :

الأوَّل : أن يكون على نحو شرط النتيجة وهوا الالتزام بنتيجة ألفعل كالملكية التى هي نتيجة للتمليك و من المعلوم أنَّ ألتمليك أيضًا لا يكون بلاسبب، و السبب للتمليك المولّد للملكية قد يكون بيعًا وقد يكون إجارة أو هبة و نحو ذلك ، فالمقصود من إشتراط الملكية على نحو شرط النتيجة هو حصول الملكية بنفس الاشتراط لا بسبب آخر .

ألثّاني : أنّ يكون الشرط على نحو شرط الفعل كما إذا قال بعتك ألدّار مثلاً و إشترطت عليك أن تملكني ألكتاب مثلاً لا أن تتحقق الملكية بنفس الاشتراط فاذا تخلف و لم يف بالشرط بان لم يملكه لم تحصل ألملكية بخلاف الاشتراط على النَّحو الاوَّل فانَّ التخلف فيه غیر معقول .

ثم إنَّه ربما يقال بعدم صحة الاشتراط على النَّحو الاوَّل من جهة أنَّ النتيجة مسبب يحتاج إلى سبب ولا دليل على كون نفس الاشتراط سببًا لحصولها مع إنحصار الاسباب الشرعية ، أو فقل إنَّ الشرط ليس بشارع ، وكيف كان فلسنا نحن في هذا المقام بصدد البحث عنه وإنَّما نتكلم على تقدير صحة شرط النتيجة ، فنقول :

فی بیان شرط النتيجة

إنَّ صاحب الكفاية ( رحمه الله ) حكم بصحة إشتراط عدم الاجارة م الغير بنحو شرط النتيجة معلِّلاً بأن معنى نتيجة الشرط هو كون المستأجر الأوَّل ممنوعاً عن التصرف إلّا عن الاستيفاء بنفسه ، فكما أنَّ الرَّهن يوجب ممنوعية الرّاهن والمرتهن عن التَّصرف فى العين المرهونة فكذ لك شرط النتيجة أيضًا موجب لمحجورية المستأجر عن الاجارة من الغير فكأن الشرط يقصر سلطنة المستأجر إلّا عن الاستيفاء بنفسه .

ص: 267

و أورد عليه المحقق الاصفهاني بانَّ شرط قصر السلطنة و ألممنوعية عن التصرف لا يعقل إذا كانت شرائط السلطنة موجودة إذ كيف يمكن تصور كون المستأجر مالكاً كاملاً مختاراً ومع ذلك يكون محجورًا عن التصرف فانّ السلطنة على البيع و ألهبة و الاجارة و نحوها من آثار ألملكية غير المنفكة عنها ويقتضيها قوله ( علیه السّلام ) ( ألناس مسلطون على أموالهم )

و بالجملة إذا اجتمعت الشرائط من ألملكية وألعقل و البلوغ وغيرها تتبعها السلطنة قهرًا وبعد ذلك كيف يكون شرط النتيجة موجبًا للممنوعية .

و التحقيق ورود هذا الاشكال على المحقق الخراساني فانَّ المحجوريه ألتي جعلها مسبّبًا عن شرط النتيجة ليست أمراً جعليًّا عن سبب بل هى أمر إنتزاعى منتزع عن السَّفاهة وَ الصباء وغيرهما ألامور المانعة عن البيع مثلاً و لذا نحن نعتقد أنَّ طلقَّية ألعوض و ألمعوض ليست من إحدى شرائط البيع لأنَّ عدم صحة بيع العير المرهونة و الموقوفة ليس لاجل عدم كونهما طلقاً بل لأجل وجود جهة مقتضية للمنع المذكور لانَّ بعض الحقوق مانع عن ألتمليك كحق الرهانة مثلاً و بعضها غيرمانع عنه كحق الجناية و لذا جعل المقياس لمنع ألحق أو عدم منعه للبيع وسائر ألتصرفات النّاقلة حق الرِّهانة و حق الجناية ، و أمّا شرط الفعل كما إذا إشترط عليه أن لا يوجر ألدّار من ألغير فهل تبطل الاجارة الثّانية إذا آجرها أم لا، المشهور البطلان و استدلوا عليه بامور .

الأوَّل : ما عن الجواهر و هو أنَّ دليل وجوب الوفاء بالشرط يقتضى عدم الاجارة الثّانية ، ودليل وجوب الوفاء بالعقد يقتضى ألوفاءَ بالاجارة الثّانية ، ولازم الوفاء بالثّانية هو صحتها ولازم الوفاءِ بالأولى هو عدم صحة الاجارة الثّانية فهما متمانعان لا يمكن العمل بهما و لما كانت الاجارة الاولى متقدمة في الوجود فيحكم بوجوب الوفاء بها

ص: 268

و ينتج بطلان الثّانية .

وفيه : أنّ غايه ما يلزم من شرط الفعل هو الوجوب التكليفى و لازم ذلك أنْ تكون رتبة تخلف الشّرط هو رتبة سقوط الموضوع لوجوب الوفاء بالشرط ، و إذ اسقط موضوعه فى الاجارة الاولى صحت ألثّانية ، و بعبارة أخرى : إنَّ الوفاءَ بالشرط و إن وجب على المستأجر الأوّل تكليفًا لكنه إذا عصى و لم يعمل بالشرط يسقط موضوع وجوب الوفاءِ به فيبقى وجوب الوفاء بالاجارة الثّانية بلامعارض .

الثّاني : ما عن الشيخ الاعظم ( رحمه الله ) و هو أنَّ إطلاق الامر بالوفاءِ بالشرط في الاجارة الاولى بعد الاجارة الثّانية يقتضى بطلان الإجارة الثّانيه و ذلك لانه بعد إنشاء الاجارة الثّانية نشك في سقوط الشرط ، و باطلاق دليل وجوب العمل به نستكشف بقائه .

وفيه : أنَّ هذا ليس إلا تمسكاً بالعام في الشبهات المصداقية و هو غير جايز ، فانَّه بعد ما عصى و تخلف عن الشرط و آجر ألدّار لا يبقى موضوع لوجوب الوفاء بالشرط.

الثّالث : أنَّ مقتضى وجوب الوفاءِ بالشرط هو حرمة الاجارة الثّانية تعبُّدًا لاقتضاء ألامر بالشيىء النَّهى عن ضده ، و ذلك يقتضى سلب الاختيار و ألسلطنة بالنسبة إلى ألاجارة الثّانية وإذا حرم ألتَّصرف وإنتفت السلطنة تبطل الاجارة قهرًا لانَّ كل معاملة يشترط فيها وجود ألسلطنة والاختيار .

وفيه : أوَّلاً أنَّ التحقيق ألثابت فى محله هو عدم إقتضاءِ الامر بالشيئِ النَّهى عن ضده ألعام فضلاً عن ألخاصِّ ولو سُلَّم فنقول إنَّ النّهى في ألمعاملة لا تدل على فسادها إلّا إذا كان ارشاداً إليه وقد تقدم توضيح ذلك في المباحث المتقدمة و تكلمنا عن قوله تعالى ( وذروا البيع ) تفصيلاً فلا نعيده .

الرّابع : أنَّ الشرط فى مثل ألمورد حق لا حكم وكل تصرف مناف

ص: 269

للحق باطل مبطل ، فتكون الاجارة الثّانية باطلة . أمّا الدليل على الصغرى فالامور التّالية :

الأوَّل : أنَّ اللّام في قوله لى عليك أو لك علىَّ شيىءٌ إذا كان متعلقها من الامور الوضعية كالمعاملات إنَّما تفيد كون المتعلق محقوقاً بحقٍ ، بيان ذلك أنَّ اللّام تارة تكون صلةً و ربطاً وهو فيما إذا كان فعل ألفاعل بما هو كذلك متعلقاً للشرط و لم يلحظ فيه جهة الوضع و هذا كأكثر موارد إستعمالاتها فانَّ الاختصاص و ألملكية وغيرهما من معانى اللّام إنَّما يرجع إلى هذا المعنى إذ التحقيق أنَّها ليست مشتركاً لفظيَّاً بين ألمعانى المتعددة و ألتعدد إنَّما يوجد من موارد التَّطبيق و إلّا فالموضوع له اللّام ليس إلّا معنى واحدًا و هذا ما نسميها بلام الصِّلة، وقد تكون أللّام للحق وهو فيما إذا كان متعلق الشرط من ألامور الوضعية و ألحكم الوضعى يناسب الحق ، فاذا كان قوله لي عليك أن لا تستأجر الدّار ثانيًا مستلزمًا لثبوت ألحق فقوله إشترطت عليك أن تكون محجورًا عن التَّصرف يفيد ، بطريق أولى ، هذا مضافاً إلى أنَّ لام الصّلة لابد أن يكون النّهى فيه عائداً إلى الشّارط وهنا ليس كذلك فيستكشف عدم كونه للصِّلة بل للحق .

الثّانى : لا ريب فى أنَّ ألموجر يستطيع على إسقاط شرطه إتفاقاً فلو كان حكماً لم يكن قابلاً للاسقاط فيستكشف من إمكان السُّقوط أنَّه حق ليس إلّا .

الثّالث : أنَّ قوله ( علیه السّلام ) ( المؤمنون عند شروطهم ) ظاهر فی كون الشّرط حقًّا ، فانَّ كلمة (عند ) تدل على أنَّ المؤمن لا يرُدُّ شرطه ويقف عنده فيفهم منه تنفيذ الشرط وكونه حقًّا ، اللّهم إلّا أن يكون المورد مما لا ينافي التكليف و إلّا فظاهره هو الحق .

وأمّا الدّليل على الكبرى فواضح لانَّ الحقَّ المذكور إنَّما هو من سنخ حق الرهن ألمانع عن وقوع المعاملة على العين المرهونة لا من سنخ

ص: 270

حق الجناية غيراً لمانع عنه.

هذا كله إذا كان الشَّرط على نحو شرط النتيجة وكان موجبًا لثبوت الحق و أمّا إذا كان على نحو شرط الفعل و لم يوجب ثبوت الحق هل تكون الاجارة الثاّنية باطلة أم لا ؟.

ربما قيل بالبطلان معلِّلاً بانَّ الاجارة الثّانية مفوت للالتزام الموجود فى الاجارة الاولى و موجب للتخلف عن الشرط و هو محرم تكليفًا فيوجب البطلان ، و لكنه قد تقدم أنَّ ألحرمة التكليفية لا تستلزم ألحرمة الوضعية أى البطلان و أنَّ ألامر بالشيئ لا يقتضى النَّهى عن ضده فوجوب العمل بالشرط لا يستلزم حرمة العمل على خلافه .

الدَّليل ألخامس : للبطلان هو أنَّ المستأجر الأوَّل غير قادر على العين إلی الثّاني حيث إشترط عليه عدم التسليم إليه ومن المعلوم أنَّ ألقدرة على التسليم من الشرائط العامة للمعاملة و بدونها تبطل.

وفيه : أنّ أشتراط القدرة على التسليم إنَّما هو لاجل لزوم ألغرر عن عدمها وإنْ تمسك بعضهم فيه بالاجماع لكن المدرك معلومٌ فيه فلا يثبت به وجوب ألقدرة على التَّسليم تعبُّداً فاذا كان وجه هذا الشرط هو لزوم ألغرر من ناحية عدم القدرة على التسليم فلابد في المعاملة من شيىءٍ رافع لهذا الغرر و هو موجود فيما نحن فيه لوجود ألقدرة خارجاً أو فقل إنَّ القدرة الشرعية ليست بشرط و الشرط و هو ألقدرة الخارجية موجود هنا.

السّادس : أنَّ المنفعة فيما إذا إشترط عدم الايجار إلى الغير على نحو شرط ألفعل حرام قطعاً وكلما كان كذلك تحرم ألاجارة فيه فتكون باطلة، أمّا الكبرى فواضح لانَّه إذا حرَّم الله شيئًا حرم ثمنه و أنَّ الشّارع إذاحرم المنفعة في وعاءِ التشريع تكون ألعين مسلوبة ألمنفعة فكأنَّها لا مالية لها في نظر الشارع فتبطل الاجارة قهرًا .

في بيان شرط ألفعل

و أمّا ألصغرى و هى حرمة المنفعة في ألمقام لانه إذا إشترط

ص: 271

الموجر على المستأجر عدم إسكان الغير في الدّار مثلاً يحرم تسليم ألعين إلى ألغير و يلزمه حرمة سكونة المستأجر ألثاني في ألدار حرمة تكليفية قضاءً لحق الملازمة بين حرمة الاسكان و حرمة السكونة .

وفيه : أوّلاً بعد ما عرفت من عدم استلزام ألحرمة التكليفية للبطلان أنَّ الواجب إنَّما هو العمل على وفق الشرط -الالتزام الشرطي - وهذا لا يقتضى حرمة إسكان الغير إلّا إذا قلنا إنَّ ألامر بالشيئ يقتضى النَّهى عن ضده وقد تقدم أنَّ التحقيق عدم الاقتضاء فلايكون تسليم ألعين إلى ألثانى حراماً شرعيًا تعبُّديًّا ثبت بخطاب الشارع ، و لوسُلّم ثبوت حرمة ألاسكان بواسطة وجوب العمل بالشرط فنقول إنَّه لا ملازمة بين حرمة ألاسكان و حرمة السكونة مضافاً إلى أنَّه لا ملازمة بين حرمة الأوَّل ألتكليفية وبين حرمة ألثاني الوضعية ، هذا مع أنَّه لا يستحيل في عالم الثبوت أن يكون الاسكان حراماً والسكونة جائزا بالاعتبارين و لملاكين مختلفين وإذ لا يستحيل ألثبوت فكيف نحكم بحر متهما معًا بالحكم القطعي .

و لو سلمت الملازمة بين حرمة الاسكان والسكونة فانّ هذا إنَّما يصح لو كان الاسكان محرمًا بعنوانه الأوَّلى و ليس كذلك فانَّه إِنَّما بعنوان ثانوی و هو مخالفة الشرط و إلّا فالاسكان مع قطع النظر عن الشرط ليس بحرام فالحرمة لا تسرى إلى ألمعنون فضلاً عن السِّراية إلى ما يلازمه .

وقد يقال باستفادة البطلان من قوله ( علیه السّلام ) في رواية على بن شوط جعفر المتقدمة ( إن كان شرط أن لا يركبها غيره فهو لها ضامن ) بادعاء الملازمة بين الضّمان وحرمة السكونة .

وفيه : أنَّ الضمان لا ينافى مع إباحة المنفعة إذ ربما يكون الشخص مالكاً للمنفعة وفى نفس الوقت يكون ضامناً بواسطة ألشرط الخارجى فانَّه قد تقدم أنَّ التحقيق صحة إشتراط الضِّمان ألا ترى أنَّ العارية

ص: 272

يصح فيها التصرف فى العين ومع ذلك يجوز فيها إشتراط الضمان فالضمان لا يستلزم حرمة التصرف .

وقد يستدل أيضًا على البطلان برواية (1) سلیمان بن خالد عن أبي عبدالله (علیه السّلام) قال سئلته عن رجل كان له أب مملوك و كانت لابيه امرأة مكاتبة قد أدّت بعض ما عليها فقال لها إبن ألعبد هل لك أن أعينك في مكاتبتك حتى تؤدى ما عليك بشرط أنْ لا يكون لك ألخيار على أبى إذا أنت ملكت نفسك ؟ قالت نعم ، إلى أن قال لا يكون لها ألخيار ، المسلمون عند شروطهم . فيقال إنَّه إذا كان شرط عدم فسا النكاح نافذاً عند الشارع و موجبًا لبقاء النكاح يكون إشتراط عدم ألا جارة إلى ألغير أيضًا نافذاً .

وفيه : أنّ علمائنا لم يعملوا بهذه الرواية لانَّ المشهور عدم وجوب ألوفاءِ فى الشرائط الابتدائية ، وعلى فرض فبول نقوذ الشرط فيما نحن فيه باعتبار كونه في ضمن العقد نقول إنَّها وردت في مورد خاص ولا يقاس عليه غيره .

فتلخّص أنَّ أحسن الطّرق للبطلان و لعله ألظاهر من المشهور هو أن يكون إشتراط عدم الاجارة إلى ألغير موجبًا لثبوت الحق من سنخ حق الرهانة ألمانعة عن التصرف .

ثم إنَّه على تقدير صحة الاجارة الثانيةو عدم البطلان هل يكون للموجر خيار تخلف ألشرط أم لا ؟ فنقول : إن قلنا إنَّ خيار تخلف الشرط إنَّما ثبت ببناءِ عقلائى يكون تخلف الشرط موجبًا لثبوت الخيار في أصل ألمعاملة و إذا إختار ألفسخ لا بد من رجوع ألمالك إلى أجرة المثل إذ المفروض أنَّ الاجارة وقعت تامة الاجزاءِ والشرايط غير أنَّ المستأجر لم يعمل بالشرط فاذا بطل المسمى لابد للمالك من الرجوع إلى البدل .

وإن قلنا إنَّ الخيار إنَّما مثبت من جهة ألضَّرر فلايكون هنا خيار

ص: 273


1- الوسائل الباب – 11- الحديث -1- المكاتبة

لعدم تضرر ألمالك لان الغرض من الاجارة هو الوصول إلى عوض المنفعة و المفروض حصوله سواءٌ كان عن المستأجر الأول أو الثّاني فلا فرق له في هذه الجهة و إعمال الخيار في هذا الفرض ليس جابرًا للضرر .

ثم إنَّه لو أسقط ألمالك حقه الثابت من ناحية الاشتراط هل تصح الاجارة الثّانية أم لا ؟ المشهور الأوَّل وعلَّلوا ذلك بانَّ الاجارة إنَّما وقعت تامة الاجزاء و الشرائط إذ المفروض أنَّ مقتضى الصحة موجود و ألمانع عنها مفقود سوى ألحق ألثابت من قبل الشرط فاذا ارتفع المانع المذكور بواسطة الاسقاط صحت الاجارة بلا كلام . و أورد عليه المحقق الاصفهانی بایرادین .

إذا أسقط ألمالك حقَّه الثابت من ناحية الاشتراط هل تصحُّ الاجارة الثّانية أم لا و فيه أنَّ التَّخصيص غير منوِّع

الايراد الاوَّل : إنَّه لو كان بطلان الاجارة الثّانية مستندًا إلى ألحق ألشَّرطى لأمكن القول بالصحة بعد إسقاط ذلك ألحق وأمّا لو استند البطلان إلى الأدلّة الاخرى فلا يصححها إلاسقاط .

وفيه : أنَّ ألمانع عن النفوذ ألفعلى للمعاملة ليس إلا الشرط فاذا رفع ألمالك يده يده عن الشرط بالاسقاط يرتفع ألمانع فتصح الاجارة ولا فرق في ذلك بين ما إذا كان وجه البطلان ما ذهب إليه فى الجواهر من التمانع من وجوب الوفاءِ بالاجارة الاولى و بينه بالثانية وتقدم الاول من جهة ألسبق الوجود ى كما تقدم ، و بين ما إذا كان وجه البطلان ما قاله الشيخ ( رحمه الله ) من أنَّ إطلاق الامر بالوفاءِ يقتضى وجوب الوفاءِ بالشرط حتى بعد الاجارة الثانية فتبطل الثانية ، و ألوجه فى عدم ألفرق أنَّه بعد سقوط الشرط بالاسقاط لا يبقى موضوع لوجوب ألوفاءِ فيرتفع التمانع ولا يشمله إطلاق الامر بالوفاءِ على نحو السّالبة بانتفاء الموضوع .

ألا يراد الثّاني : إنَّ ألمانع لو كان شرعيَّا فبارتفاعه يحكم بالصحة و أمّا إذا كان ألمانع عقليّاً فلا يحكم بالصحة بعد الارتفاع و نوضح ذلك

ص: 274

بالمثال فنقول إذا حكم الشارع باكرام ألعلماء ثم قال إلّا ألفسّاق مثلاً يكون هذا المخصص منَوعاً للعام إلى نوعين عالم فاسق فيكون ألفسق فيه مانعًا عن وجوب ألاكرام، وعالم غير فاسق فيجب إكرامه و لازم هذا ألتنويع أنَّ القيد المنوّع إذا إنتفى عن نوع يكون ذلك النوع داخلًا تحت ألعام و من أفراده فزيد إذا كان فاسقًا يكون فسقه مانعاً عن وجوب ألاكرام لكنَّه إذا تاب وصار عادلاً يكون من أفراد العالم العادل الذى يجب إكرامه .

هذا في ألمانع الشرعى وأمّا المانع ألعقلى فلايشمله الحكم بمجرد إرتفاع ألمانع و المانع في المقام عقلى لا شرعى فانَّ العقل هو الذى يحكم بكون الاشتراط موجبًا لتعلق حق ألغير بالعين فلايدخل تحت عموم الامر بالوفاءِ بارتفاع الاشتراط .

وفيه : أنَّ ألعام ما لم يخصص بنفسه بتخصيص أنواعى ، فنفس التخصيص لا يدل على التنويع لانَّ نقيض الخاص بما هو أمر عدمى يكون قيدًا لشيئٌ إذ لا معنى لقولنا العالم غير الفاسق لعدم ترتب الاثر على الاعدام ، والآثار كلها إنَّما تكون للوجود ، و ألعدم بما هو عدم لا معنون له .

فتلخص أنَّ التخصيصات الشرعيه ليست تنويعات . هذا مضافاً إلى أنَّه لا فرق بين ألمانع ألعقلى و الشرعى فى أنَّ ارتفاعه موجب للصحة لانَّ الاحكام العقليه إنَّما تعلقت بالحيثيات فانَّ الاكرام إنَّما تعلق بحيثية ألعلم فى قولنا ( أكرم ألعالم ) و ألحيثيات في الاحكام العقلية إنَّما هى تمام الموضوع ، و الحكم يدور مدارها ، و من هنا نقول بعدم وجود التخصيص بل وبعدم جوازه فى الاحكام العقلية ، فاذا حكم ألعقل بعدم صحة الاجارة الثّانية بواسطة كونه محقوقاً بحق ألغير فنفس العقل يحكم ثانيًا بصحة الاجارة عند إرتفاع ذلك ألحق بواسطةالاسقاط ، فاذن المشهور هو المنصور .

ص: 275

إذا قلنا ببطلان الاجاره ألثّانية وإستوفى المستاجر الثّاني المنفعة

ثم إنَّه لو فرضنا بطلان الاجارة الثانية و إستوفى المنفعة المستأجر الثّانى فسكن ألدّار مثلاً فهل يكون ضامناً لاجرة المثل أم لا ؟ ففيه أقوال:

الأوَّل : عدم الضمان لا للمالك و لا للمستأجر، أمّا الأوّل فلانَّ المفروض أنَّ ألمالك أخذ الاجرة من المستأجر ألأوَّل والمستأجر الثّاني لم يستوفيه منفعة ألمالك ، ولا تكون للعين ألواحدة إلّا منفعة واحدة ، وأمّا ألثّانى أى عدم الضمان بالنسبة إلى المستأجر الاوَّل فلأنَّ ألثاني لم يستوف ألمنفعة المضافة إلى ألاوَّل ، إذ ألمنفعة المقيدة بشخص خاص لا تكون قابلاً لاستيفائها لشخص آخر .

ألثاني : ألضّمان للمالك والمستأجر كليهما ، أمّا ألأوّل فلأنَّه إستوفى المنفعة من العين المملوكة لمالكها و المربوطة به ، وأمّا ألثّانى فلانَّه فوَّت عليه ألمنفعة فانَّه بعدما إستوفاها الثاني لا يمكن ألاستيفاء للأوّل.

الثّالث : ألضّمان للمالك وعدمه للمستأجر ، أمّا الأوَّل فلما تقدم و أمّا الثّانى فلما قلناه من أنَّ المستأجر الاوَّل إنَّما هو مالك للمنفعة المضافة إلى نفسه أى ألتي يكون مباشراً في إستيفائها لا مطلق المنفعة وعليه فالمالك يأخذ الاجرة المسماة من المستأجر الاوَّل و أجرة المثل من الثّاني .

الرابع : عكس الثّالث ، أمّا ألضّمان للمستأجر فلأنَّه فوَّت عليه المنفعة ألمملوكة له و أمّا عدم الضّمان للمالك فلانَّ العين الواحدة ليست لها إلّا منفعة واحدة فلا وجه لأخذ ألمالك الأجرتين ( المسمى و ألمثل ) وحيث أخذ الاجرة المسماة عن المستأجر الأول يكون أجنبيًا عن المنفعة فترجع أجرة المثل إلى المستأجر الأوَّل .

الخامس : ألضمان للمستأجر بما يقابل ألفائت أى مافوقه على المستأجر ، ويضمن مازاد منه للمالك ، وقد ظهر وجه ذلك مما تقدم

ص: 276

و سيأتى مزيد توضيح لذلك .

في تحقيق المنافع المتضادَّة

و ينبغي لنا ألتكلم فى معنى المنافع المتضادة قبل التحقيق فى الاقوال فنقول : الدالة علية المعقالي قد تقدم أنَّ المنفعة عبارة عن الخصوصيات و الحيثيات الوجودية القائمة بالاعيان فتكون قابلة للاستيفاء بلحاظ تلك الخصوصيات و ألحيثيات ، ثم إنَّ خصوصية من الخصوصيات ربما تكون منشأ للمنافع المختلفة ، وقد أوضحنا ذلك سابقاً وقلنا إنَّ الدّار مثلاً لها منافع متعددة بواسطة الاضافات المتعددة المتعلقة بحيثية وجودية واحدة -هي ألكون - فيها ، فالجامع و هو ألكون في الدّار يتعدد بحم الخصوصيات التى يضاف إليها ، فانَّ الدّار قد تكون مسكناً وقد تكون متجرًا و هكذا فاذا قلنا بأنَّ للدار منافع متعددة نريد بذلك أنَّ ما يمكن أن يستوفى من هذا الجامع متعددة حسب قابلية الجامع للسير في تلك الخصوصيات فوزان المنافع بالنسبة إلى الجامع وزان الافعال المتعددة بالنسبة إلى الحركة الفاعلية التى هى مبدءُ المبادى فى الافعال البشريّة فكما أنَّ الحركة الفاعلية تتعدد بتعدد الاضافات والخصوصيات وتتعنون بهذه الملاحظة بعناوين شتّى، فكذ لك ألحيث ألوجودى فى الدّار - مثلاً - و هو ألكون كما قلنا يتعدد بتعدد ألاضافات ألتي تطرء على ألجامع أو قل بتعدد سير الجامع في الخصوصيات ، وبعبارة أخرى : ألحيث الجامع الوجودى كالوجود السِّعى و الخصوصيات كالافراد له ، ثم إعلم أنَّ المنافع إذا كانت بعضها في عرض الاخر لا تكون بينها أية منافاة و تضاد ، فيمكن سكونة شخصين أو أكثر فى دار واحدة إلّا أنَّ هذه إنَّما يتصور فى المنافع العرضية ، وأمّا لو كانت المنافع طولية لا يتحقق فى الخارج إلّا أحدها فلا يمكن كون الدّار مسكنًا و معملاً في آن واحد و بالاستقلال .

و من هنا ظهر أنَّ ما توهمه القائل بالضمان في المنافع المتضادة

ص: 277

نشأله بما رأى أنَّ ألمنافع المتضادة قابلة للاستيفاءِ فتخيَّل أنَّ من كان مستولياً على عين كان مستوليًا على جميع المنافع المتضادة لها بالفعل فيكون ضامناً لجميعها و لكن ألقائل بعدم ألضمان لما يرى بانَّها وإن كانت قابلةً للاستيفاءِ لكنّه لا تتحقق بأجمعها في الخارج دفعة واحدة ولا معنى لضمان ما بالقوة إذا كان لا يوجد منه إلّا منفعة واحدة في زمان واحد ، فالمنافع المتضادة وإنْ كانت قابلة للاستيفاءِ و ممكنة التحقق بالامكان الاستعدادى، إلّا أنَّ وجود المنفعة خارجًا أو بالاعتبار سبب للضمان ليس إلّا و مجرد إمكان وجود الضمان لانَّه وجود فرضی وقد تقدم أنَّ موضوع الضِّمان احد أمرين على سبيل منع الخلوِّ، الوجود الحقيقى الحاصل بالاستيفاء الخارجي و ألوجود الاعتباري الحاصل في وعاءِ الاعتبار بعد تحقق مصحح لاعتباره فالوجود ألفرضى لمنافع متضادة للدّار لا تكون منشأ لماليّتها ، فالكون الدّارى مالم يكن موجوداً بأحد الوجودات ألبدليّة خارجًا أو إعتبارًا لا يكون موجباً للمالية .

وخلاصة القول في المقام أنَّ غاية ما يمكن أن يقال في وجه ألضمان فى ألمنافع المتضادة أنّ منافع الدّار مثلاً مملوكة للمالك بتبع ملكيته للعين و يشهد لذلك أنَّه لذلك أنه يستطيع أن يؤجرها لكل تلك ألمنافع و إذا كانت المنافع مملوكة له بالفعل يكون كلها مضموناً فكانَّه أعطى منفعة للمستأجر الاوَّل وإستوفى منفعة أخرى ألمستأجر الثاني فللمالك أن يأخذ الاجرة من كل منهما ، غاية ألامر إنَّ ألضمان فى الاوّل معاوضى وفى الثانى تغريمي يثبت بالاتلاف هذا .

و لكن التحقيق أنَّ المنافع المتضادة ليست قابلة لوقوعها في مقابل عوضين سواءٌ كان ألعوضان معاوضيين أو تغريميين أو أحد هما معاوضيًا و الآخر تغريميًا كما في المقام ، لانَّ المنافع المتعددة وإن كانت قابلة للتصور في العين الواحدة إلا أنَّها ليست لها بأجمعها وفي زمان

ص: 278

واحد آثار مرغوبة موجبة للمالية ، لانَّ ألاثر للشيئ إنَّما يكون بلحاظ وجوده بالفعل ولا ينفع فيه الوجود الشأنى ولا ملازمة بين ألملكية و ألمالية حتى يقال إنَّ المنافع كلها مملوكة فلم لا تكون كلها مالاً بالفعل فالمالك إذا إستوفى منفعة ماله بالايجار و أخذ بدله المعاوضي و صارت المنفعة مملوكة للمستأجر الاوَّل لم يبق مجال لاعتبار منفعة أخرى لماله إذا كانت مضادة لما آجره ، و أمّا الشخص الثّاني إذا إستوفى منفعة أخرى غير المنفعة المستأجرة عليها، فقد إستوفى ما هو بدل وجودى للمنفعة التى لها بدل جعلى فهذه المستوفاة بدل عن غير المستوفاة من حيث الوجود و حيث أنَّ غير المستوفاة مضمونة بالبدل الجعلى أى الاجرة المسماة فلا يمكن أن يجعل بدل تغريمى للمستوفاة مستقلاً وزائدًا عن البدل الجعلى و ذلك لما بيَّنّا من عدم إمكان اعتبار بدلين أحدهما المسمى و ألثانى الغرامة للمنفعتين المتضادتين في ألوجود العدم مساعدة ألعرف و الاعتبار على ذلك و لمّا إستوفى ألمالك بدل مالية منفعة خاصة من عين ماله فليس له أن يأخذ بدلاً آخر بعنوان الغرامة عمّا وجد في الخارج باستيفاءِ من المستأجر الثّانى.

و بتقريب آخر : المستوفى صار بدلاً وجودياً للمنفعة المملوكة للمستأجر بمعنى أنَّ المنفعة المملوكة له لم يجيء إلى الخارج وإنَّما إستوفى غيرها ألثّانى بسكونته فى الدّار ، ولذا نقول إنَّ المستأجر الأوَّل يرجع إلى الثّانى فى أخذ ما يقابل المنفعة، وأمّا ألمالك فليس له ألمطالبة لاكثر من بدل واحد جعلى أو الزائد التغريمى لو زادت أجرة ألمثل للمستوفى عن ألمسمى فيرجع الزائد التغريمي إلى ألمالك و ما يقابل المنفعة المملوكة للمستأجر الأوّل إليه .

فالمختار عندنا هو ألقول الخامس و قد علمت أنَّنا أثبتنا عدم الضمان للمالك في جميع المنافع المتضادة المتصورة للعين لعدم إمكان إعتبار ألمالية لها بأجمعها في عرض واحد .

ص: 279

وقد أتعب نفسه ألمحقق الاصفهاني في إثبات عدم ألضِّمان للمالك من ناحية عدم وجود ألملكية الفعلية له بالنسبة إلى جميع المنافع المتضادة وقد بيِّن لاثبات ذلك مقدمات .

الأوّلى : أنّ المنافع المتضادة إنَّما توجد بتبع العين و ليست من قبيل الاعراض الخارجية التى يكون لها الوجود ألفعلى بل ليس الموجود بالفعل إلّا ألدّار مثلاً وأمّا المنافع فهي موجودة بالقوة بوجود تبعی .

الثانية : أنَّ ألتضاد إنَّما يكون فى المنافع إذا كان وجودها فعليًّا و أمّا الوجودات التبعية غير الفعلية فلاتضاد بينها .

الثّالثة : أنَّ المنفعة ما لم توجد فى الخارج لم تتعيَّن فانَّ الوجود بالقوة لا يقبل التعيُّن أو فقل إنَّ التعيَّن يحتاج إلى أحد أمرين أحد هما الوجود الخارجى وثانيهما الوجود الاعتباري بالاجارة ونحوها.

الرّابع : أنَّ المتعيَّن فى الخارج لا يقبل التعيَّن ثانيا لانَّ الشيئَ إذا وجد تعيَّن و لا يوجد بعده بوجود آخر، وأمّا المتعيِّن بالتعيُّن الاعتباري كما في الاجارة فقابل للجمع مع ألتعيُّن الخارجي .

ثم قال بعد ذكر هذه المقدمات إنَّ المنافع المتضادة و إن كانت ملكاً للمالك بالقوة لكنه لا يمكن له أن يملُّك المنفعة مرتين بتمليكين لانَّ المنفعة وهى سكون الدار مثلاً إذا تعيَّنت بالاعتبار أى بالاجارة إلى المستأجر ألاوَّل لا يمكن أن تتعيَّن ثانيًا فى ضمن إعتبار آخر ، نعم هي قابلة للتعيّن الخارجى ألمخالف للتعيُّن الاعتباري و هو المتحقق بسكونة ألشخص الثّانى إجارة او غصْبًا فى الدار و تشهد لذلك ألاجماع على عدم ضمان الغاصب جميع منافع العين المغصوبة إن لم يستوف إلّا بعضها ، فالمالك مالك لجميع المنافع المتضادة الموجودة بالقوة و لكن ليس له في عالم الاعتبار أن يملك أكثر من تمليك منفعة واحدة. انتهى كلامه ملخَّصاً.

ص: 280

و التحقيق هو ما تقدَّم من أنَّ ألمالية تحتاج إلى مصحح و هو ليس إلّا الأثر المرغوب من العين المسمى بالمنفعة ، و ذلك لا يكون إلّا إذا أمكن له الوجود الفعلى ولا يكفى في إعتبار المالية الاثر الفرضى و ألخيالى و لذا يشترطون فى المبادلة ألقدرة على التسليم و نقول نحن ببطلان الاجارة فيما إذا وجد مانع عامٌّ عن إستيفاءِ المنفعة كما سيأتى.

و بالجملة لا بد وأن يكون ألاثر الموجب لمالية المنفعة قابلاً للوجود ألفعلى و لما لم تكن للمنافع المتضادة وجودات فعليّةٌ في عرض واحد و زمان فارد فلامالية إلّا لمنفعة واحدة منها ، و بالنتيجة يكون في ألمقام ضمان واحد على التفصيل المتقدم .

يشترط في المنفعة ان تكون معلومة

و قبل الخوض فى المقصود لا بأس بالتَّكلُّم في أقسام الجهل الذى يتعلق بالمنفعة ، فنقول إنَّه على أقسام :

الاوّل : أن يكون العين المستأجرة مجهولاً بمعنى أن يكون الجهل في متعلق الاجارة كقوله آجرتك إحدى بيوت هذه الدّار على نحو ألا بهام و الترديد.

الثّاني : أن يكون المجهول المنفعة مع قطع النَّظر عن موضوعها كقوله آجرت نفسي إمّا على الخياطة أو على التجارة .

الثّالث : أن يكون الجهل في كيفية ألمنفعة و هذا قد يكون موجبًا للغرر لاختلاف المالية باختلاف الكيفية كخياطة العباءِ فارسية أورومية ، و قد لا يكون كذلك كالخياطة باليد أو بالماكنة ، إذ من المعلوم أنَّ هذا الاختلاف لا أثر له فى كيفية المنفعة ولا يوجب تفاوتًا فى ألمالية .

إذا عرفت ذلك فاعلم أنَّه لا بد لنا من البحث في مقامين ليتضح

ص: 281

جميع جوانب ألمسئلة .

الاوّل : ما هى أدلة إشتراط المعلومية في المنفعة ؟ .

الثّانى : ما هى الطرق التي يتعين بها ألمنفعة وتكون بسببها معلومة ؟ .

أمّا المقام الاول : فنقول إنَّهم إستدلوا على إشتراط ألمعلومية بامور ، :

الأوّل : ألبناءُ المعاملى العرفى فانَّ المعاملات بُنيت على التساوى بين العوض والمعوض في ألمالية ، و لذا قال إبن ادريس: بُنيت المعاملات على المكايسة ، و إستدلوا به على إشتراط المعلومية في باب البيع أيضًا ، نعم قد لا يعتنى بهذا البناء ألمعاملى لاغراض أخرى غير معاملية و ليس ذلك من المستحيل كما في ألبيع المحاباتى ، و بالجملة الدليل المذكور صحيح موافق للوجدان.

الثّاني : أنَّ طبع المعاملة يقتضى تعيين حدود العوض والمعوض و هذا الدليل عقلىٌّ و صحيح أيضًا إلّا أنّه أخصٌ من ألمدعى لجريانه فى القسم الاوّل من أقسام الجهل فقط، و هو ما إذا كان الموضوع أو ألمنفعة مجهولاً على نحو ألا بهام و ألترديد.

ولابد و أن يفرَّق بين الاجارة على نحو ألترديد وبينها على نحو ألكلىِّ البدلى فانّ الاول بما هو مردَّد لا وجود له في الخارج ولا قابلية فيه لتعلق ألعلقة المبادلية به، وأمّا الثّانى فهو الكلىُّ ألقابل لتطبيقه مع أيِّ فرد من أفراده ، نعم لا بد فيه أيضًا من ذكر أوصاف يرتفع بها ألغرر و هي تختلف باختلاف الموضوعات و ألا زمنة و ألبلدان والاغراض وغيرها ، و بالجملة الجهل بمعنى الترديد مبطل للمعاملة لعدم المقتضى ودليله ألعقل و العرف معًا ، والجهل بالكيفية مبطل لها لوجود ألمانع و هو الغرر ودليله ألبناءُ المعاملي وعليهذا فاذا إرتفع الغرر بذكر ألا وصاف يرتفع المانع فتصح ألمعاملة .

ص: 282

الثّالث : ألاجماع المدعى فى كلمات الاكثر بل قد يقال إنَّ إشتراط معلومية المنفعة هو مذهب علماء الاسلام كافَّة .

لكنك قد عرفت أنَّ الاجماع لا يكشف عن قول المعصوم (علیه السّلام) إذا كان محتمل ألمدركية فضلاً عن مقطوعها هذا مضافاً إلى أنَّ الاجماع دليل لبّىٌ فلابد و أن يؤخذ بالقدر المتيقن منه و هو ما إذا كان الجهل موجبًا للغرر و لا يثبت به الاطلاق المدعى فى كلماتهم.

الرابع : ما نقلناه عن الشهيدين في القواعد والمسالك من أنَّه ) نهى النبيُّ (صلّی الله علیه و آله) عن الغرر ) و لكن قد تقدم أنَّها ضعيفة من حي ألسَّند و لم يستندوا قدماءُ الاصحاب في فتاواهم إلى هذه الرواية ، و من المعلوم أنَّ الشهرة مالم تكن إستنادية لم تكن جابرة للسند ، هذا تمام الكلام في المقام الاوَّل .

في بيان ألطرق المعيِّنه للمنفعة

و أمّا المقام الثّانى و هى الطرق المعيِّنة للمنفعة فنقول : إنَّ تعيين العمل إمّا أن يكون بتعيين محلّ ألعمل كقوله خط لى هذا الثوب و أكتب فى هذه الورقة، وإمّا أنْ يكون بتعيين الزَّمان كالكتابة في يوم الجمعة و السّكونة فى الدار فى الشهر الفلانى وإمّا أن يكون بتعيين محلّ العمل و زمانه ، و ربما يكون التعيين بالعدد كقوله آجرتك نفسى على صوم عشرة أيّام، ثم إنَّ التعيين بالزمان ينقسم إلى قسمين:

الاوّل : ما يكون ألزّمان ظرفاً للعمل لاعلى نحو التطبيق بل مطلقًا كقوله خط لى هذا الثوب في ظرف أربعة أيّام ، ولا يقصد منه أن يقع العمل في أوّل الزمان أو وسطه أو آخره بل ليس الزّمان إلّا ظرفًا للعمل و لا يفرق فيه خياطته في أليوم الأوّل أو الثّاني.

ألثّاني : ما يكون الزّمان ظرفاً للعمل لكن بنحو التطبيق بان يُطبَّق أول جزء من العمل على أوّل جزء من الوقت و الاخير من العمل على ألاخير من ألوقت كما في الصّوم فانَّ أوّل جزءٍ منه ينطبق على أوَّل الوقت و آخره على آخره، ثم على كلا التقديرين إمّا أنْ تكون الاجارة

ص: 283

مقيدة بالزمان على نحو وحدة المطلوب أو مشروطة به على نحو تعدده ، و الفرق بين كون الزمان قيدًا و بين كونه شرطاً هو أنَّ ألاوَّل موجب لتضييق دائرة الموضوع و ألثّانى لا يوجب ذلك ، وكيف كان فاذا علم بامكان إتيان العمل في ألزّمان الذى أشترط وقوع ألعمل فيه فتصحُّ الاجارة بلا كلام إذ المفروض إمكان المطابقة بين ألعمل المستأجر عليه و بین زمانه سواءٌ كان ألزّمان قيدًا أو شرطا وكان على نحو وحدة المطلوب أو تعدده وسواءً أخذ الزّمان بنحو الظرفية أم بنحو التطبيق .

و إذا علم بعدم وفاءِ ألزَّمان للعمل كانت الاجارة باطلة يقينًا فيما إذا كان ألزّمان قيدًا للعمل على نحو وحدة ألمطلوب لا نتفاءِ الموضوع حينئذٍ فانَّ إجارة الاجير لختم القرآن في دقيقة واحدة مثلاً باطلة غير صحيحة و يكون من قبيل السالبة بانتفاءِ الموضوع ، وأمّا إذا كان ألزّمان قد أخذ على نحو تعدد المطلوب كما إذا قال خطّ لى هذا الثوب و أشترطت عليك أن تكون الخياطة في دقيقة واحدة فلا تكون الاجارة باطلة فى هذه الصورة لان الغرر في الشرط لا يسرى إلی المشروط، أو فقل إنَّ الشرط الفاسد ليس بمفسد . و ألقول بانَّ الشرط له دخل في ألغرض المعاملي وإلّا لما أقحم ألشَّرط في ألمعاملة فيكون ألغرر فيه موجبًا للغرر فى أصل المعاملة . فمدفوع بانَّ الغرر المعاملى ما كان موجباً للخطر و ألغرر فى مالية العوضين ، والشرط ليس كذلك فانّه أجنبى عن المعاملة و في رتبة متأخرة عنها.

فتلَّخص أنَّه تصح الاجارة فى صورة العلم بوفاءِ ألزمان للعمل و هكذا تصح فيما إذا علم بعدم وفاءِ الزمان له و لكن قد أخذ على نحو تعدد المطلوب و تبطل إذا أخذ على نحو وحدته ، هذا كله في صورة العلم ، وأمّا إذا شككنا فى وفاءِ الزّمان وأنّه هل يمكن إتيان العمل فيه أم لا هل تكون الاجارة باطلة حينئذِ أم تقع مراعى فان أمكن العمل

ص: 284

بالاجارة فى ذلك الزَّمان صحت و إلّا فلا ؟ ففيه قولان ، التَّحقيق الثّاني وقد إستدل القائل بالبطلان بامور :

الاوّل : الاجماع على إشتراط ألعلم بالمنفعة مطلقاً و هو ينافي ألشكّ وفيه : مضافاً إلى كونه مدركياً غير قابل للاستدلال به ، إنَّ ألقدر المتيقن منه فيما إذا لم يحصل العمل في الزّمان المفروض واقعًا ، و أمّا إذا كان العمل قابلاً لوقوعه فى ذلك الزّمان في متن الواقع و شككنا فيه فليس فيه إجماعٌ محصّلٌ على البطلان .

ألثاني: ما ورد عن النبي (صلّی الله علیه و آله) إنَّه نهى عن الغرر، و ألغرر موجودٌ مع الشكّ .

و فيه مضافاً إلى ضعف سنده، و عدم انجباره بالشهرة ألقدمائية الاستنادية ، إنَّ النّهى عن ألغرر ليس إلّا بملاك وجود الغرر فى المالية و المفروض عدم وجود غرر معلوم في المقام لانَّ الغرر في المعاملة إنّما يكون إذا إنتفى التَّساوى بين العوضين في ألمالية أو عدم الوصول إلى العوض، وأمّا مع وجود التَّساوى و الوصول الواقعى إليه فمجرد الشك لا يوجب ألغرر .

الثَّالث : إنَّ الشكّ فى القدرة على التسليم موجب لبطلان الاجارة ، وبيان ذلك : إنَّ الشكَّ بما هو شكُّ وصفةٌ ترديدية نفسانية لا يكون طريقاً إلى الواقع كما أنَّه لا يمكن أن يكون موضوعا لحكم ، إلّا أنَّ الشارع قد يجعل له ألاثر ، فتارة يحكم باستصحاب عدَمه ، و أخرى يقول إبن فيه على الاكثر ، وثالثةً يجعل الشكَّ مبطلاً للعمل رأسًا ، ورابعة يجعله تمام ألموضوع للحرمة كما إتَّفق ذلك في حرمة الافتاءِ مع ألشكّ في ألحكم الشرعى و انَّه تشریع حرامٌ و علیه فلامانع من أن يجعل الشّارع الشّك في القدرة على التسليم تمام الموضوع لبطلان الاجارة ، وفيه : أنَّه مصادرة محضة ولا يساعده دليل من ألعرف و الشّرع ، فمجرد الشّك فى ألقدرة لا يكون موجبًا لبطلان الاجارة .

ص: 285

ألخامس : إنّ المعاملة مع ألشكٍّ فى ألقدرة على التسليم معاملة سفهية لا يقدم العقلاءُ عليها والسَّفاهة موجب لبطلان المعاملة إمّا من جهة أنها موجب لانتفاء الطّيب المعاملى فيكون السَّفيه كالمكره والسَّكران وإمّا من جهة أنَّ السَّفيه لا يعتنى بتساوى العوضين فيكون كالصبي في عدم تشخيص التّساوى في ألمالية أو عدم الاعتناء به على فرض وجود التَّشخيص . وفيه : إنَّ السَّفيه ليس كالمكره و السكران لوجود العقل فيه فلا إشكال فيه من ناحية الطّيب المعاملى، هذا . ونحن نعتقد أنَّ السفاهة بما هي ليست مانعًا عن المعاملة ولاعدمه شرط فيها بل لیست هى إلّا طريقاً إلى وجود ألضَّرر و الخطر المعاملي معها وإلّا فبطلان المعاملة دائرة مدار الواقع فان كان فيها غرر تبطل وإلّا فلا و ليست للسَّفاهة موضوعية فى باب المعاملات فربما يكون الشّخص عاقلًا مع كون معاملته سفهية ، و ربما يكون سفيهًا و ألمعاملة غير سفیه فالسَّفاهة لا موضوعية لها ولذا نقول بصحة معاملته مع إشراف الولى كالصبي فان القصور فيهما إنَّما يكون من ناحية ألاقتضاءِ و يكمل هذا ألقصور باشراف من الولىِّ و قد تقدم ذلك تفصيلاً . نعم لابد من تعريض معاملات السَّفيه على أهل الخبرة فان كان فيها ألضرر وعدم الاعتناء بتساوى العوضين في ألمالية فتبطل وإلّا فتصح وهذا هو معنى تعليق المعاملة على الواقع فيما نحن فيه .

فتلخّص أنَّ المختار صحة ألاجارة فيما لو أمكن العمل بها فى الزمان المحدَّد لها في الواقع والشَّك في ذلك لا يوجب ألبطلان .

في الاجير ألخاصِّ

ولأنْ نستوفى المباحث المتعلقة بالاجير ألخاص نتكلم في مقامات ثلاثة :

الأوّل : في أقسام الاجير ألخاصِّ.

ص: 286

الثّاني : في حكم ما إذا اجر الاجير نفسه ثانياً إلى المستأجر الثّاني

الثّالث : في حكم المنفعة المستوفاة بالنسبة إلى المستأجر الثّاني ضماناً و تكليفاً

أمّا المقام الاوّل : فاقسام الاجير ألخاص أربعة :

الاوّل : أن يكون أجيراً بالنسبة إلى جميع منافعة.

الثّاني : أن يكون أجيراً بالنسبة إلى منفعة خاصة كالخياطة مثلاً .

الثالث : أن يكون أجيرًا مع تقييد العمل بزمان محدود على نحو وحدة المطلوب فيكون الزّمان قيدا للموضوع .

الرّابع : نفس الصّورة مع كون الزمان شرطاً لا قيدًا أى كان التقييد بالزّمان على نحو تعدد المطلوب .

أمّا القسم الاوّل : فقد يتوهم عدم صحة الاجارة فيه إمّا لأنّ الشّخص لا يكون مالكاً للمنافع المتضادّة لعدم وجودها و تبعية المملكوكية للوجود، و إمّا لانَّ ألمنافع المتضادّة قبل ملاحظتها في عالم الاعتبار أو وجودها فى الخارج لا تعيَّن لها فيكون وجود ألمنفعة في ألعين من سنخ وجود المقبول بالنسبة إلى ألقابل الّذى هو ألعين لا من سنخ وجود العرض بالنسبة إلى المعروض فانّ لهما وجودين ، و إنْ كان وجود الاوّل عرضيّاً و تابعًا لوجود الثّانى بخلاف المنفعة التّى لا وجود لها إلّا بالقوَّة و بمعنى قابليّة ألعين لانْ توجد فيها ألمنفعة و إذا لم تكن المنافع المتضادّة موجودة لا تكون قابلةً للتَّسليم فلا تصحَّ الاجارة بالنسبة إلى جميع المنافع .

والجواب : إنَّ فى تصوير إجارة المنافع المتضادّة وجوه ثلاثة أقواها الاخير كما سنبيّنه :

الأوّل : أنَّ المستأجر عليه في إجارة المنافع المتضادّة هو ألكلى البدلى الجامع في جميع المنافع و القابل لتطبيقه على كل واحدة

ص: 287

منها و هو يشبه إجارة الكلى في ألمعيَّن ألذي قلنا بكونه برزخًا بين الكلّى في الذِّمة و الشّخصي .

ألثّانى : أنَّ المستأجر عليه إنّما هو وجود جميع المنافع بالقوّة لا متعيّنة فكأنّه يوجر الحيثية الوجودية ألكامنة في ذاته ألتي هي مبدء الحركة الفاعلية نحو أيّ فعل كان من دون تعين لتلك المنافع وإنَّما تتعين تلك ألمنافع بالاستيفاءِ أو فقل إنّ التضادَّ إنَّما يكون فى الموجودات الخارجية الفعلية لا في الموجودات بالقوة والمفروض أنَّ الاجارة لم تتعلق بالمنافع من حيث وجودها الخارجي .

الثّالث : إنَّ المستأجر عليه هو ألحيث الوجودى على نحو ألوجود ألسِّعى ألسّارى فى ألاضافات المحصّلة للتعدد في المنافع وليس مقصود نا منه ألوجود ألسّعى مع فرض السّعة حتى يقال بعدم تحققه فى الخارج وإنَّ ألوجود السِّعى بما هو سعىٌّ لا معنى لوجوده إذ الشيئ ما لم يتشخص لم يوجد ، بل المقصود منه هو عدم ملاحظة الخصوصيات الفردية في ألحكم و ترتيب الاثر عليه فنحن نعترف أنَّ الوجود السِّعى بما هو سعىٌّ كوجود الكلى بما هو كلى لا يوجد في الخارج فانَّ الوجود مساوق للتشخص لكن نقول إنّا نحكم على الوجود ألسِّعى بمعنى أنَّه نراه في الخارج في ضمن أفراده ثم نصرف النَّظر عن خصوصيات أفراده و نحكم على الجامع باسم السِّعى و نحكم على الخارج السِّعى ونجعله موضوع حكمنا ، غاية ألامر أنَّه لا نلاحظ الخصوصيات الفردية و هذا أىْ عدم الملاحظة صار موجبًا لتسميه بالوجود السعى وقد مرّأنّا قلنا إنَّهَ يُشبه ألعهد الذهنى فى أنَّ الحكم فيه لم يتعلق بالطبيعة بماهى هى بل تعلق بالوجود الخارجى كما في إشترا لَّلحم لكن لم يرد منه اللَّحم المخصوص و لم يلحظ فيه الخصوصيات الفرديّة للّحم وإليه یرجع أيضًا قول أهل البيان من أنَّ العهد الذّهنى فى حكم النّكرة أو هو هي ، وبالجملة فالمستأجر عليه فى المنافع المتضادّة هو الحيث

ص: 288

الوجودى على نحو ألوجود السِّعى السّارى في جميع الخصوصيّات لا بشرط الاجتماع .

و أمّا ألكلام في ألمقام الثّانى : وهو ما إذا اجر الا جير نفسه ثانيًا إلى المستأجر الثّانى بعد إجارة نفسه بجميع منافعها إلى المستأجر ألاوَّل فنقول فيه إنَّ الاجارة الثّانية ليست له صحة فعلية يقيناً ، وأمّا الصِّحة التَّأهلية بمعنى قابليَّتها للحوق الاجارة فالحق ثبوتها لأنَّ هذه الاجارة إجارة فضولية و المشهور فيها ألصّحة كما إتَّفق عليها ألمتأخرون وعليه فان أجاز المستأجر ألاوَّل نفذت الاجارة الثّانية له فيستحق الاجرة الثّانية و إن زادت عن ألاولى ، ولا يفرق فى ذلك بين ما كانت الاجارة الثّانية في منفعة خاصة أوفى جميع منافع الاجيرإذ المفروض أنَّ المنافع كلها مملوكة للأول .

نعم ، لو أقال ألاوّل الاجارة أو أبرءَ ذمة ألاجير ترجع المنافع إلى ملك الاجير و تتبعها صحة الاجارة الثّانية ويملك الاجير الاجرة الثّانية نعم تتوقف صحة ذلك على صحة مسئلة من باع ثم ملك و حيث نعتق نحن صحتها نقول بصحة الاجارة الثانية ونفوذها للأجير، هذا كله إذا كانت الاجارة الثّانية واقعة على نفس المنفعة التي وقعت عليها الاجارة ألاولى بان تكون المنفعة الثانية مماثلة للأولى ، وأمّا إذا كان بينهما تباين بان تكون ألمنفعة المستأجرة فى ألاولى الخياطة مثلاً وفى ألثانية الكتابة ، ففى هذه الصورة لا يمكن للمستأجر الاوَّل إجازة الثانية لاختلاف الموردين وتباين المنفعتين و لكون الاوَّل أجنبيًّا عن المنفعة الثانية و هى الكتابة في المقام.

و أمّا ألقسم ألثانى فالاجارة الثّانية إن وقعت على نفس ما وقعت عليه ألاولى و هو المنفعة الخاصة كانت فضولية بالنسبة إلى المستأجر الاوّل فان أجازها صحت له وكانت الاجرة الثّانية له وإن زادت عن الاولى ، نعم لو أقال الاوّل أو ابرءَ ذمة ألاجير صحت للأجير بناءً على صحة بيع من باع ثم ملك ، وربما يقال بانّ الاجارة الثانية باطلة

ص: 289

مطلقاً و إن أقال المستأجر الأوَّل أو أبرءَ أو أجاز ألثانية لنفسه و ذلك لانَّ تعذر التسليم مانع عن صحة انشاء الاجارة حيث أنَّ القدرة على التَّسليم شرطٌ إبتدائى لصحة هذا ألانشاء ، والجواب عنه أنَّه لم يدل دليل على ما ذكر و لم يتوهم إنعقاد إجماع عليه و القدرة على التسليم إنَّما هي شرط لدفع الغرر المعاملى أو الالتزام ألضّمنى وعليهذا فهى شرط لحال التَّسليم لا لحال ألانشاءِ.

وإن شئت فقل إنَّ ما كانت مملوكة له لم توجر و ما وقعت عليها الاجارة ليست مملوكة له وهنا أيضًا لو أقال الأوَّل أو أبرءَ ذمة الأجير يبتنى صحة الاجارة الثّانية للاجير على تمامية مسئلة من باع ثم ملك ، وقد تقدم أنَّ ألحق ألصّحة، نعم لا ريب في بطلان الثّانية في صورة عدم الاقالة و ألابراءِ لعدم إعتبار العقلاءٍ ماليّة فعليّة للمنفعتین المتضادّتين وقد يتوهم بطلان الثانية معلّلاً بانّه عاجز عن تسليم الكتابة و ليس له ألقدرة عليه حال الانشاءِ إذ المفروض أنَّه آجر نفسه للخياطة المبانية مع ألكتابة ، والقدرة على التَّسليم حال الانشاءِ شرط فى صحة المعاملة فتبطل الثّانية من أوَّل الأمر ، مدفوع بانَّ القدرة على التَّسليم إنَّما ثبت إشتراطها من باب الالتزام الضِّمني فهو شرط ضمنی لبّى لا يوجب أكثر من خيار تعذر التَّسليم حال ألاداء لاحال ألانشاءِ و ليس عدم القدرة حال إنشاءِ الاجارة مبطلاً لها .

كما أنَّ توهم أنَّ العقلاءِ لا يعتبرون لمنفعة واحدة عوضين لانّ المنافع المتضادَّة لا تجتمع في الوجود، مدفوعٌ بانَّ ألمانع عن إجارته نفسه للكتابة إنَّما هو كونه أجيرًا للخياطه فاذا أقاله أو ابرءَ ذمته المستأجر الاوّل يرتفع ألمانع .

و ربما يقال بابتناءِ صحة الثّانية المبانية منفعتها مع ألاولى فى صورتى ألابراءِ والاقالة على أمرين :

الاوَّل : أنَّ ألامر بالشيءِ هل يقتضى النهي عن ضده أم لا ؟ .

ص: 290

بتقريب أنَّ ألامر بالوفاء بالاجارة الاولى ينهى عن العمل بالثانية بناءً على الاقتضاءِ ، ولا ينهى بناءً على عدمه . وفيه عدم ألابتناءِ لانّه إذا أقال أو أبرءَ لا يبقى أمرٌ بالوفاءِ بالنسبة إلى ألاولى فتصح الثّانية قهرًا قلنا باقتضاءِ الامر بالشيىءِ النَّهى عن ضدّه أم لم نقل .

الثّاني : أنّه هل يصح إعتبار ألمنافع المتضادّة عند العقلاءِ أم لا ؟ وفيه : أنَّ علة بطلان الثّانية إنّما هي عدم وجود ألمنافع المتضادّة كالخياطة والكتابة لعامل واحد فى زمان واحدٍ بالفعل فاذا أقال أو أبرءَ لا تكون ذمة الاجير مشعولة إلّا إلى منفعة واحدة و هى الكتابة فتصح الثّانية ، قلنا باعتبار ألمنافع المتضادة أم لم نقل.

و أمّا القسم الثّالث : و هو ما إذا كانت ألاجارة الاولى وقعت على عمل خاص بالمعنى المصدرى مقيَّداً بزمان خاص لشخص مخصوص على نحو وحدة ألمطلوب ، فبطلان الاجارة الثّانية وعدم صحة الاجازة من المستأجر ألأوّل واضح لعدم تعلق ألثّانية بنفس ما تعلق به الاولى لتباين مورد هما ، نعم لو أبرءَ المستأجر ألأوّل ذمة الأجير أو أقال الاجارة تصح ألثّانية بالفعل لارتفاع ألمانع حينئذٍ و هو التضاد الوجودى بين المنافع المتضادَّة و هكذا لو رضى المستأجر الأوّل بايجاد ألعمل في غيرذ لك ألزّمان المخصوص أو بغير هذا الاجير ألخاص فان إلغاءَ الخصوصية الزّمانية أو ألشَّخصية موجب لارتفاع ألمانع المتقدم و لكنّه من قبيل توفيةِ شيىءٍ مقام شيئٌ آخر.

وأمّا ألقسم الرّابع و هو ما إذا لم يكن الزَّمان قيدًا على نحو وحدة المطلوب بل إذا كان شرطاً على نحو تعدُّد ألمطلوب وعلى نحو الالتزام في ضمن الالتزام فتصح الاجارة الثّانية بلا كلامٍ للمستأجر الاوَّل خيار التَّخلُّف بالشرط كما هو كذلك في كل مورد يحصل التَّخلُّف بالشرط .

ثم إنّه لا يخفى أنَّ مجرد إنشاءِ الاجارة الثّانية لاحرمة فيه من حيث التَّكليف إلّا إذا عمل الاجير للمستأجر الثّاني عملاً منافياً لحقه فيكون

ص: 291

فيه تفويت حقٍّ الاوَّل فيحرم من هذه الجهة .

بیان ما هو المختار عندنا من التّفصيل في الاجير ألخاصِّ إذا إشتغل للمستأجر الثّاني

هذا كله من حيث حكمه التكليفى و أمّا الوضعى و هو ألمقام الثّالث فنقول فيه إنَّ الأجير ضامن قطعًا بقاعدة ( من أتلف ) ففى ألمقام وإن كان المستوفى للمنفعة حقيقةً هو المستأجر الثّاني و هو ألمباشر للاتلاف لكن الأجير أيضًا يكون ضامناً لكونه سببًا للاتلاف الذى هو أعمّ من المباشره والتسبيب فى قاعدة ( من أتلف ) و هذا لا ينافي كون قرار ألضمان على المستأجر ألثّانى من جهة أنَّه هو الذى تلف عنده المال كما أنَّ ألضمان إنَّما يستقر فيما تعاقبت عليه ألا يادى على ألاخير بمقتضى عدم ثبوت ضمانين لمال واحد ووقوع ألتلف لدى الاخير و لكن للمالك الرُّجوع إلى كل من الاجير و المستأجر باعتبار أنَّ ألاوّل مفوِّتٌ لحقه و الثاني مستوف للمنفعة المملوكة له .

و لكنَّ التحقيق و هو المختار عندنا ألتَّفصيل بين ما إذا كان الاجير مشتغلاً بالعمل للمستأجر الثّاني بعنوان التَّبرع أو كان المستأجر جاهلاً بالاجارة الاولى بحيث غرّره ألاجير وخادعه وحينئذٍ لا يكون ألمستأجر ألثّانى ضامنًا وبين ما إذا لم يكن كذلك بان كان عالمًا بالاجارة الاولى و لم يكن عمل الاجير عن تبرُّعٌ و تغريرٌ فيكون قرار الضمان على ألثاني . و ألوجه في ذلك أنَّه إذا كان الاجير متبرِّعاً بالعمل لم يكن العمل بأمرٍ من ألمستأجر فلاوجه لضمانه و إن رجعت فائدة ألعمل إليه وفى صورة التغرير و جهل المستأجر ألثاني ليس عليه إلّا أقلُّ الامرين من المسمى و أجرة المثل ويكون الاجير ضامنًا بالنسبة إلى مازاد لأنَّ المستأجر الثاني إنَّما إستوفى المنفعة لا مجّاناً بل مبنيًا على ضمان ألمسمى وإذا لم يسلم المسمى لفساد ألاجارة يبقى على عهد ته أجرة ألمثل فان كانت أقل من المسمى فهى و إلّا فيكون الزائد على عهدة الأجير

ص: 292

تنبيهاتٌ حول الاجير الخاصّ وفيه بيان الحيازه و فيه التَّنبيه الاوَّل

الأول : لوحاز الأجير الخاص شيئاً من المباحات الأصليّة أو صار أجيرًا للحيازة لأحدٍ فحاز لغيره أو لنفسه بالتبرع أو بغيره فهل يملك المقصود بالحيازة ألمحاز وعلى تقدير عدم ملكه فمن يكون مالكاً للمحاز ؟ .

و هل يكون هناك ضمان أم لا ؟ .

فيقع ألبحث فى ذلك من جهات ثلاث :

ألاولى : الظّاهر أنَّ الحيازة لا بدَّ وأن تكون عملاً إختياريّاً و لا أقلّ من لزوم الاختيارية فى ألبقاءِ و إن كانت حدوث الحيازة و إبتداءُ الاستيلاءِ عن غير إختيار فنفس الاستيلاءِ القهرى غير ألاختيارى لا يكون سببًا للملك و هذا ظاهر من ألعرف و الشّرع.

الثّانية : أنّ الحيازة عنوان قصدى تحتاج إلى قصد التَّملُّك شأن سائر العناوين القصدية و ليست هى سببًا قهريًا للتملك كما يزعمه جماعة و المشهور ، موافقٌ معنا في ذلك ودليلنا على ذلك أنَّ قولهم من حاز ملك إنْ كان كبرى عرفية وقد أمضاها الشّارع فيرى ألعرف بالوجدان أنَّ ألتَّملُّك لا يحصل في الحيازات من دون القصد لأنَّ الملكية من المقولات الاضافية الاعتبارية و ليست من الآثار التكوينيَّة الخارجيَّة والعرف يرى الحيازة سببًا لاعتبار الملكيَّة محتاجاً إلى قصد التَّملُّك .

و إنْ كان كبرى شرعية أسَّسها الشّارع فتكون كمتن الحديث بل هي عينه فكان الشارع تعبَّدنا بكون الحيازة سببًا شرعيًا للملكية لكن العرف يفهم من تلك الجملة بارتكازه لزوم القصد في الحيازة .

. وإن كان هذا القول ثابتًا بالاجماع فنرى إختلاف المجمعين فى إعتبار القصد و عدمه فيكون القدر المتيقَّن منه هو إحتياج الحيازة إلى القصد .

فتلخَّص أنَّ الحيازة إن كانت سببًا عرفيًا فالعرف هو الذى يعتبر

ص: 293

القصد في التَّملُّك بها وإن كانت سببًا شرعياً قهريًا فالظاهر منه إعتبار القصد وإن كانت سببًا إجماعيًا فالقدر المتيقن منه ذلك .

الثّالثة : أنَّ الحيازة على ما عرَّفها بعضهم من أنّها إخراج المباح عن تساوى النّاس فيه، بادخاله تحت إستيلائه. لا تكون قابلاً للنيابة ولا لأن يستأجر الأجير لجهة الحيازة ، لأنّ الحيازة على هذا القول إنّما تكون سببًا للملك إذا كان الشخص مستولياً على الشيئ المحاز بنفسه و يتكلف هذا القائل ويقول فى الأجير ألذى أستوجر للحيازة أنَّه إنّما أستوجر لمقدماتها كاستخراج ألمعدن مثلًا و أمّا ألمحيز الأصلى فهو الموجر و يحصل ألملك له عند قصده بعد حصول المقدمات بواسطة جير و لكن يرد عليه أنَّ حقيقة الحيازة ليست هى الاخراج بل هى أمرُ وجودی يستلزمه خروج المباح عن التَّساوى فالتعريف المتقدم مضافاً إلى عدم الدليل عليه مخالف للعرف و اللُّغة فانَّ الحيازة في اللّغة ألجمع و ألاحتواءِ ويلزمه ألخروج المتقدم فهو تعريف بالشيئ بما يلازمه فتأمل . هذا مضافاً إلى أنَّه يكفى فى صحة إجارة الاجير وجود غرض عقلائي في متعلقها ولا يجب أنْ يكون العمل ملكاً للأجير . ثم إنَّ هذا كان أحد الأقوال فى المسئلة و هناك قولان آخران .

الأوَّل : أنَّها قابلة للاجارة و لكنها لا تقبل النِّيابة . أمّا الاوَّل فلما ذكرناه . وأمّا الثّانى فلأنَّ الأصل الاوَّلى في كل أمر وضعي هو الفساد بمعنى عدم ترتب الأثر عليه وبعبارة أخرى إنَّ قبولها النيابة أمرٌ وجودى يحتاج إلى جعل الشّارع و الاصل عدمه مع انَّ ظاهر جميع الخطابات في باب المحاورات وجميع العبادات حتى التَّوصُّليات و المعاملات هو مباشرة ألشخص فيها فلا يحصل بفعل ألغير وخرج ما خرج و بقى ألباقى.

و فيه أنَّ الاطلاق في قولنا من حاز ملك وإنْ كان مقاميًّا فهو حاكم على إستصحاب عدم ترتب الاثر و حاكم على اقتضاءِ الهيئات

ص: 294

الكلامية المباشرة، إن شئت فقل إنَّ الهيئة الكلامية و إنْ دلت بظاهرها على المباشرة إلّا أنَّه يدفع باطلاق المادة وإن كان ذلك باطلاق مقامى و هو عدم الدليل دليل ألعدم كما تقدم .

الثّاني : أنَّها قابلة للاجارة و النيابة و لكنها لا تقبل التبرع و ذلك لعدم السلطان لاحدٍ على آخر فلا حق للمتبرع على التصرف في سلطان المتبرع له بايجاد الملك القهرى له وما يقع في الخارج من حيازة المتبرع للمتبرع له ليس التمليك منه من باب الحيازة له و ألتمليك القهرى بل ذلك هبة من المتبرع للمتبرع له و لذا نرى أنَّ المحازله له أن يردَّه ولا يقبله .

وفيه : أوَّلاً أنَّ ذلك ليس تصرفاً فى ألسلطنة بل هو توسعة فيها و ثانياً أنَّ ذلك واقع في الشرع كالوصية التمليكية التي يحصل فيها التمليك من دون أن يكون ذلك تصرفاً في سلطنة الموصى له .

وأمّا قبوله للردّ فليس من جهة كونه هبة بل من جهة أنَّ الملك القهرى قد وقع على خلاف النّاس مسلطون على أموالهم فالردُّ رادٌّ هنا كما في الوصية التمليكية ولو سلم عدم كونه رادّاً فنقول إنَّه إعراض هنا و هو أيضًا يزيل ألملك.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنَّهم اختلفوا في أنَّ الأجير الخاص الذى أستوجر للحيازة أو لغيرها من المنافع إذا آجر نفسه ثانياً للحيازة إلى ألغير أو حاز لنفسه فهل يكون المحاز ملكاً للمستاجر الأوَّل أو هو ملك لمن قصد له الحيازة فالمشهور الثّانى و هو كون المحاز للمستأجر الثّاني إذا قصد له و لنفسه إذا قصد نفسه لكنه يضمن للمستأجر الأوَّل أجرة ألمثل و ذهب جماعة إلى كون المحاز ملكاً للمستأجر الأول وإستدلوا عليه بامور .

الاوَّل : أنَّ ملكية ألمحاز أثرٌ للحيازة و لما كانت الحيازة ألواقعة فى الخارج ملكاً للمستأجر الأوَّل والأثر لا ينفك عن مؤثره فلاجرم كان

ص: 295

المحاز ملكاً للأوَّل بتبع ملكية ألحيازة . وهذا نظير المخيطيّة التى هى تابعة للخياطة المملوكة للمستأجر و نظير النقوش و الخطوط التابعة للكتابة .

و فيه أوَّلاً أن قياس الامر ألاعتبارى و هو ألملكية إلى ألامر الخارجى و هو المخيطيّة أو الخطوط والنقوش باطل لانَّه مع فساده من أصله قياس مع الفارق ألعظيم.

و ثانياً قد تقدم أنَّ الملكية للمحاز لا يحصل بلا قصد و أنَّ الفعل غير ألاختيارى لا يكون سببًا للملك و لو سلم وجود القصد فلانسلم كفایة مطلق القصد في الحيازة ألمملكة إذ من الواضح الذى لا يشك فيه أحد أنّ قصد اللعب ونحو ذلك بل قصد الانتفاع مجردًا عن قصد ألملكية لا يكون مملِّكاً .

وثالثاً أنّا وإن قلنا بحصول الملكيّة قهرًا وعدم إحتياجه إلى ألقصد لكن مجرد وقوع الحيازة متعلقاً للاجارة لا يكون سببا قهريًا لكون ما حازه بقصد نفسه أو غيره ملكاً للمستأجر الأوَّل لأنَّ القصد منوِّعٌ للحيازة و مقسِّم لها إلى قسمين قسم يكون له إذا قصده لنفسه و قسم يكون لغيره إذ اقصده لغيره . فلو حاز بقصد نفسه أو غيره لم يأت بالحيازة ألتى هي ملك للأول .

الثّاني ما عن صاحب الجواهر و إختاره السَّيد الاصفهاني في حاشيته على العروة و هو أنَّ الحيازة ألواقعة في الخارج مملوكة للمستأجر الاوَّل فقصد نفسه أو غيره لغو فيكون المحاز أيضًا ملكاً للأول و هذا نظير حيازة العبد بالنسبة إلى غير المولى فان قصد الغير أو النفس يكون لغوًا من ألعبد .

وفيه أوَّلاً أن القياس هنا مع بطلانه في نفسه قياسٌ مع الفارق فأنَّ فانّ العبد مع جميع الحيثيات الكامنة فى وجوده مملوك للمولى و لذا ذهب بعض إلى عدم كون العبد قابلاً للمالكية فقياس الحرِّ بالعبد

ص: 296

لا معنى له .

و ثانياً أنَّ ما ذكرتم إنَّما يصح إذا قلنا بعدم قابلية كون العبد مالكًا وإنَّ السَّيد يستطيع أن ينزع الملكية من العبد.

و أمّا إذا قلنا بكونه مالكاً و ألسَّيد لا يستطيع على نزع الملك منه فلايتم ما ذكرتم لانّا نقول فى العبد مثل الاجير و إنّه لو حاز لنفسه يكون مالكاً .

و ثالثاً أنَّ الحيازة المملوكة للمستأجر ألاوَّل إنَّما هي كلي في ذمة الاجير ولابد للأجير أنْ يطبقِّه على الخارج فيكون متعلق الاجارة هو العمل قبل خروجه من القوة إلى ألفعل على نحو ألكلى في الذُّمة فانَّ ما وقع في الخارج ليس قابلاً للاجارة .

نعم ألمصحح لاعتبار ملك ما في الذِّمة هو إمكان وجوده الخارجي بحيث لو لم يمكن وقوع العمل في الخارج وإنطباق ألكلى عليه لم يكن هناك مصحح للملكية .

فهذا الاجير إذا لم يسلّم الفعل إلى المستأجر الاوَّل يكون ناقضاً لعهدة ومفوِّتاً لحق ألمالك و يلزمه ضمان أجرة ألمثل وأمّا أنَّ المحاز لا يكون ملكاً له أو للمستأجر الثاني فلادليل عليه .

التَّنبيه الثّانى لو أتى الاجير الخاصُّ العمل لنفسه أو لغير المستأجر الاوَّل و فيه بيان إنطباق ألقاعدتين على موردٍ واحد وعدمه

التَّنبيه الثّاني : أنَّه لو أتى ألاجير ألخاص العمل لنفسه أو لغير المستأجر الاوَّل في مدة الاجارة و لم يسلّم العمل له فيصدق هنا عنوانان أحد هما عدم تسليم المنفعة وثانيها تفويتها عليه وحينئذ هل يكون الأجير ضامنًا للمستأجر أجرة ألمثل أو المسمّى أو يكون المستأجر مخيَّرًا بین أخذ الأوّل أو الثّانى ففيه أقوال ثلثة :

الأوّل : أنَّه يستحق المستأجر الاجرة المسمّاة لانَّ ذلك يكون من موارد ألتلف قبل القبض فيكون من مال بايعه فينطبق هنا على الاجير ، و عليه فينفسخ عقد الاجارة وترجع الاجرة المسمّاة إلى صاحبها وألقول بانّ القاعدة المذكورة إنَّما وردت فى باب البيع فلا تجرى فى الاجارة

ص: 297

مدفوعة بان الفقهاءَ ( رحمه الله ) ذكروها في باب الاجارة أيضًا وقد تقدم الوجه في ذلك و هو أنَّ ألعرف لا يرى خصوصية في المبيع فيمكن التعدى إلى غيره بتنقيح المناط وإلغاءِ الخصوصية و ليس ذلك من القياس ألباطل إذ ألقياس إنَّما يتحقق فيما إذا كانت الخصوصية محتمل المدركية فى نظر ألعرف كما أنَّ توهم أنَّ القاعدة إنَّما هى فى مورد ألتلف ولم يتحقق هنا إلّا ألا تلاف و هما متغایران مفهومًا و مصداقاً حيث أنَّ الأوَّل لم يؤخذ في مفهومه ألاستناد إلى شخص ولذا خصَّوه بالتلف ألسماوى بخلاف الثاني المستند إلى الافراد .

مدفوع بانَّهما وإن كانا متغايرين مفهومًا ومصداقًا إلّا أنَّه لا فرق بينهما في الجامع وهو هلاك ألمال قبل التَّسليم فمن مناسبة الحكم و ألموضوع نفهم أنَّ المدار في إنفساخ ألمعاملة إنمَّا هو عدم التَّسليم سواءٌ كان من تلف أو إتلاف.

الثّاني : أن يستحق أجرة المثل لانَّ منفعة الاجير إنَّما صارت مملوكة للمستأجر فاذا لم يسلمها و فوت عليه المنفعة يكون متلفاً لماله فيصبح المورد من موارد قاعدة الاتلاف فتشمله قاعدة من أتلف مال ألغير فهو له ضامن .

القول الثّالث : الحكم بتخيير المستأجر بين تضمينه المسمّى أو المثل ودليله أمران :

الاوَّل : أنَّ المورد من موارد إنطباق القاعد تين فمن حيث أنَّه إتلافٌ تشمله قاعدة ( من أتلف ) اللازم منه أجرة المثل و من حيث أنَّه لافرق بين ألا تلاف و ألتلف فى عدم التسليم كما تقدم تشمله قاعدة التلف قبل القبض اللازم منه إنفساخ عقد الاجارة و الرّجوع إلى الاجرة المسمّاة .

و كل مورد كان مشمولاً لقاعدتين ولم يكن أحد هما حاكماً على الآخر و لم يكن هناك مرجّح لتقديم أحدهما و لم يمكن تطبيقها معًا فاللّازم القهرى حينئذٍ التخيير حيث لا يجوز الاهمال بالنسبة إلى كل منهما .

ص: 298

و أورد عليه بعدم جريان قاعدة الاتلاف في المقام و ليس هنا إلّا ألتلف فيكون من موارد ألتلف قبل القبض فيرجع إلى الاجرة المسمَّاة وإن شئت فقل إنَّ قاعدة التلف قبل القبض تقتضى وقوع ألتلف في مال الأجير و ذلك يمنع عن جريان قاعدة الاتلاف لانتفاء موضوعها و هو كون المال التالف مالاً للغير إذ المفروض عدم كونه للغير .

وفيه أنَّ إنطباق القاعدتين إنَّما يكون في مرتبة واحدة بحيث يكون زمان تفويت المنفعة و هو ألزّمان الذى إشتغل فيه الاجير للغير هوزمان ألتَّلف و هو بعينه زمان ألا تلاف أيضًا فانَّ إنطباق القاعدتين قهرىٌّ ليس باختيارِ منّا ولا بدّ فى التقديم إمّا من الحكومة القهرّية أو التفسيریّة. فان قالوا إنَّه بجريان قاعدة ألتلف ينفسخ العقد وليس هنا مال للغير حتى يصدق ألاتلاف . نقول إنَّه بجريان قاعدة ألاتلاف يرجع إلى أجرة ألمثل فلا يصدق ألتَّلف هنا و ذلك لعدم تقدم أحدهما على الآخر رتبة .

فالحق عندنا هو القول الثالث .

الثّاني : أنه إذا لم يأت بالعمل للمستأجر فلم يسلّم العمل وخالف مع الالتزام الضمني بالتسليم ألموجود فى كل معاملة فيكون للمستأجر خيار تعذر التسليم وعليه فإن رضى المستأجر بالمعاملة يرجع إلى أجرة المثل حيث إنّ الأجير أتلف عليه ألمنفعة و إن لم يرض بالمعاملة وفسخها يرجع إلى أجرة ألمسمّى فله أن يفعل ما هو أنفع بحاله و يأخذ أكثر ألامرين من المسمى و ألمثل فيثبت التخيير المدّعى.

و أورد عليه إنَّ خيار تعذر التسليم إنَّما هو فيما أمكن زوال التَّعذر و أمّا إذا كان ذلك محالاً كما في مورد التَّلف فيكون مما امتنع تسليمه و ليس فيه ألخيار المتقدم .

مع أنّ إعمال الخيار المذكور إمّا لجهة جبران الضّرر ألمالى وإمّا من جهة جبران الغرض المعاملى و الاوَّل ينجبر بردّ الاجرة و الثّانى غير قابل للجبران إذ المفروض تلف المنفعة و هي بعد ألتلف لا تنجبر

ص: 299

فاعمال الخيار لا معنى له في المقام .

و فيه أنَّ ألخيار المذكور ليس من جهة جبران الضّرر حتى يقال بالقول المتقدم بل الخيار يثبت فى المعاملة بمقتضى الالتزام الضمنى ألموجود في كل معاملة على أن يكون التسليم في مقابل التسليم و قد تقدم ذلك تفصيلاً في بعض المباحث المتقدمة .

و لو سلّم فليس الضَّرر ألنّاشى عن عدم التَّسليم ماليًّا دائمًا أو غرضًا معامليّاً بل ألضّرر إنَّما هو الصَّبر على المعاملة ولزومها و هو الذى أوجب خيار تعذُّر التَّسليم و هو موجود في المقام .

فالمختار عندنا صحة ألقول الثّالث كما أنَّ إستدلال الشيخ (رحمه الله) عليه لا إشكال فيه . هذا تمام ألكلام فيما إذا لم يسلّم العمل للمستأجر ألاوَّل في تمام مدة الاجارة . وأمّا إذا أتى بالعمل للغير أو لنفسه فى بعض ألمدة وسلّمه في بعضها الآخر للمستأجر الاوَّل فهذا يتصور على نحوين :

الاوَّل : أن يعمل فى إبتداءِ ألمدة للغير وفي إنتهائها للمستاجر فحينئذ إذا كان موضوع الاجارة على نحو ألوحدة المجموعى وعلى نحو وحدة المطلوب كما في بيع مصراعى باب مثلاً فلا تنحل المعاملة إلی منافع متعددة فكانَّه لم يسلّم من العمل شيئًا وإن سلَّم منه نصفه إذ المفروض أنَّ الوحدات المتعددة قد لوحظت واحدًا و أخذت بنحو المجموعية فيثبت للمستأجر الاوّل خيار تعذُّر التَّسليم وعليه فله أن يرفع اليد عن المعاملة بفسخها و الرُّجوع إلى أجرة المسمى لأنّ الاجير إنَّما أتى بالعمل في أوَّل ألمدة للغير و آخر المدة لم يقع مورداً للاجارة .

مختارنا في ألمسئلة

و أمّا بالنسبة إلى ما مضى من المدّة التى إشتغل فيها لنفسه أوللغير فيجرى فيه الوجوه الثلاثة المتقدمة والمختار فيها التخيير بين ألاخذ بقاعدة ألتلف قبل القبض و من الاخذ بالاتلاف و له خيار تعذر التَّسليم أيضًا .

ص: 300

وإن كان موضوع الاجارة على نحو ألتَّعدد و لم يلحظ على نحو الوحدة المجموعى فتصبح ألمعاملة حينئذٍ قابلة للانحلال كما هو الغالب فى الاجارات فتكون المنفعة حاصلة بالتدريج و تلك المنفعة ألواحدة منافع متعددة لانَّه مقتضى كونها ذات وجود تدرُّجي . و بالنتيجة يثبت له خيار تبعُّض الصفقة فله أن يفسخ المعاملة و يرفع أليد عن بقية ألعمل بالخيار المذكور باعتبار قابلية المنافع للانحلال من حيث ألملك .

الثّاني : أن يأتى بالعمل في أوَّل المدّة للمستأجر ألاوَّل وفى آخرها للغير فيكون قد سلّم العمل في الابتداء لا في الانتهاء .

فیجرى هنا قاعدتى ألتلف و ألا تلاف بلا كلامٍ و هل يثبت له خيار تعذُّر التَّسليم بالنسبة إلى بقية ألمدة أم لا ؟ ذهب الشهيد إلى الأوَّل باعتبار أنَّه لم يسلّم نصف العمل .

و أستشكل عليه صاحب الجواهر بانَّه إذا سلَّم في إبتداء ألمدّة فكانَّه قد سلَّم العمل فليس هنا بالنسبة إلى بقية ألمدة إلّا ألاتلاف فانَّ لزوم التَّسليم إنَّما هو فى إبتداءِ المدة ولا معنى للتسليم في آخرها و لذا لو غصب الاجير غاصبٌ فى نصف المدة الباقية لا يقال إنَّه لم يسلّم نفسه للعمل بل يقال إنَّه سلّم نفسه أوَّلاً ثم غصب ولكن التَّحقيق أنَّ تسليم ألمنفعة و إن كان حاصلاً بتسلُّم العين إلّا أنَّ التَّسليم في المنفعة لا بد و أن يكون إستمراريّاً لا دفعيًّا فلابد من بقاء ألعين ليبقى تسليم المنفعة فاذا قطع الأجير المنفعة في نصف المدة فكانهَّ لم يسلّمها في تلك المدة .

و الفرق بينه و بين الغصب أنَّ هناك أى فى الغصب إنَّما يقع الغصب على المنفعة المتسلّمة و ليس قطع المنفعة من ناحية الاجير و لذا أعطى الاجير إختياره بكل ما فيه من الطّاقات إلى المستأجر فصار مغصوبًا مع وصف تسلُّمه بخلافه فيما نحن فيه فانَّ المنفعة إنَّما انقطعت باختيار من الاجير فله إعمال خيار التبعض وفسخ المعاملة والرُّجوع

ص: 301

إلى أجرة المسمّى .

في الاجير المشترك وأقسامه

قال ( رحمه الله ) فى الشرايع ( والأجير المشترك و هو الذى يستأجره مدة معينة الخ . )

وقد قلنا فيما تقدم إنَّ الاجير ينقسم إلى قسمين الاوَّل : الاجير الخاصُّ والثّانى الاجير ألعامُّ . وعبَّر الفقهاءُ رضوان الله عليهم عن القسم الثّانى بالأجير المشترك كما أنّه فسّر في بعض الاخبار بالذى يعمل لى و لك و هو يرجع إلى الاجير المشترك أيضًا باعتبار كونه جايز الاشتراك بمعنى أنَّه يجوز له قبول العمل من غير المستأجر ألاوَّل كما قبله منه .

و كيف كان فقد ذكروا للأجير المشترك مصاديق ثلاثة :

الأوَّل : أن يكون أجيراً من دون تعيين المدة .

الثّاني : أن لا يقيّد بمباشرة الأجير للعمل بنفسه .

الثّالث: أن تكون الاجارة خالية عن تعيين المدة المباشرة كليهما .

وقد أضاف صاحب الجواهر قسماً رابعاً وهو أن تكون الاجارة مقيدة بالمدة مع كون التقييد بحيث لا ينافي قبول العمل للغير .

إذا عرفت ذلك فنقول في حكم الأقسام.

إنَّ الاجارة إذا كانت خالية عن تعيين ألزمان سواءٌ كانت مقيدة بالمباشرة بنفسه أم لا فيجوز للأجير أن يكون أجيراً للغير بقبول العمل عنه مطلقاً أى مع قيد ألمباشرة وعدمها . و هكذا إذاعُيّن ألزمان ولم يُقيِّد بالمباشرة فلامانع من صحة الاجارة الثانية .

نعم ، حكى عن الشهيد الاوَّل القول بعدم ألجواز حتى في صورة إطلاق الاجارة وإنّه مالم يفرغ ذمته عن الاجارة الاولى لا تجوز له الاجارة الثّانية . و أستدل على ذلك بأمرين :

الاوَّل : أنّ إطلاق العقد يقتضى التَّعجيل إذ قد تقدم أنَّ العقد مملِّكٌ للعوض و المعوض سواءٌ ذلك فى البيع والاجارة فيا العقد يكون

ص: 302

المستأجر مالكاً للعمل في ذمة ألأجير هذا . وإذا لاحظنا دليل السَّلطنة الحاكمة لتسلُّط الناس على أموالهم نستنتج وجوب أداءِ العمل ألذي هو مال للغير على الأجير .

الثّاني : أنّ مقتضى ألامر بالوفاء بالعقود في الآية الشريفة هو الامتثال به فى آن الوجوب وإنشائه لأنَّ الأمر مقتض للفور .

و ألجواب عن الأوَّل أنّ سلطنة ألمالك على مملوكه تابعةٌ في ألسعة و الضّيق للمملوك إذ ليس كل مملوك بحيث يكون ألمالك مسلّطا عليه بجميع تشخصاته وحيثياته لأنَّ المملوك قد يكون كليّاً ولا سلطنة فيه للمالك على جميع تشخصاته إذ ألمفروض أنَّ تعيين الكلى و تطبيق على الخارج إنَّما هو لمن عليه الحق و بيده إذ ليست الخصوصيات الشخصية تحت ملك ألمالك للكلى وحيث أن الاجارة مطلقة من حيث الزَّمان يكون التعيين و التَّطبيق بيد الأجير و هو من عليه الحقُّ.

والجواب عن الثّانى بعد تسليم اقتضاء الأمر للفور هو أنَّ الأمر في الآية لا يمكن أن يكون للفور إذ ألوفاءُ المأمور به إنَّما هو من التوفية و معناه كما تقدم هو العمل بمضمون العقد إن فورًا ففورًا وإنْ مؤجَّلاً فمؤجّلاً و أين هذا من وجوب إتيان العمل على الأجير فورًا مع عدم تقييد الاجارة بزمان خاص.

ثم إنّ فى ألمقام إشكالاً و هو أنّه أوَلستم تقولون في باب القبض يكون إطلاق العقد مقتضياً للتعجيل في الثّمن فلم لا تقولون ذلك فى باب الاجارة مع العلم بعدم الفرق بين البيع والاجارة إلّا في كون الاوَّل متعلقاً بالاعيان والثّانى بالمنافع . و بالجملة إذا كان إطلاق العقد مقتضياً لتعجيل الثَّمن في البيع فليكن كذلك في الاجارة بالنسبة إلى المنفعة .

و المحقق الاصفهانی (رحمه الله ) فرّق بينهما بأنَّ المنفعة لمّا كانت أمرًا زمانيّاً بحسب الطبع وكان ألزمان مقوِّمًا لها فلاجرم صارت المنافع

ص: 303

باجمعها متدرِّجة في الوجود ولهذا أمكن أن يلاحظ على أربعة انحاءٍ.

الأوَّل : لحاظ ذات المنفعة مجرداً عن كل قيد وجود ى أو عدمى. وهذ أما يعبَّر عنه في إصطلاح المعقول ب_ ( أللّا بشرط المقسمى ) .

الثّاني : لحاظها مطلقاً بحيث يكون الاطلاق كجزءٍ لها وهذا ما يسمّى ب_ ( أللّا بشرط ألقسمى ) .

الثّالث : أن تلاحظ المنفعة مقيدة بشيىءٍ وجوديٍ المسمّى بشرط شییءٍ.

الرّابع : أن تلاحظ مقيدة بقيد عدمى .

و بالجملة إذا كانت المنفعة متدرِّجة الوجود و متصورة على الانحاءِ المتقدمة فتكون قابلة لان تقيد بزمان معيَّن كما أنَّها قابلة للاطلاق وعدم ألتعيين .

و أمّا الأعيان في باب البيع فليست قابلة للتقييد والتحدید بالزمان وإن كانت هى فى الزمان لكن ألزمان لا يحدّدها .

و فيه أنَّ العين إن كانت شخصية فالامركما ذكرتم و أنَّها غير قابلة للتحديد والتقييد بالزمان و أمّا ألعين الكلى في الذمة فهى وإن لم تكن قابلة للتحديد بالزمان بما هى عين لكن الكلى بما هو كلى يمكن تطبيقه على ألافراد الزمانية فيكون الزمان مفرِّداً للعين الكلى فهى تتفرد بالزمان باعتبار أنَّها قابلة للانطباق على كل فرد يوجد في أيِّ زمان. فقولكم العقد يقتضى التعجيل في باب البيع إنَّما يصحُّ في العين الشخصية لا كليّة فلا يصحُّ ما فرّق به ألمحقق الاصفهاني بين بابي البيْع و الاجارة والتحقيق أن يقال في وجه الفرق أنَّ البيع ينقسم من حيث تأجيل ألعوض و ألمعوض على أربعة أقسام :

الأوَّل : أن يكون العوض والمعوض كلاهما كليين في الذمة ويسمّى هذا بالبيع ألكالى بالكالى . وهذا باطل بالاجماع وضرورة من ألشيعة .

ص: 304

الثّاني : أن يكون المثمن مؤجِّلاً كلياً والثمن فعليًّا وهذا هو المسمّى بالسَّلم والسّلف .

الثّالث : عكس الثّانى و هو المسمّى بالنسية .

الرّابع : أن يكون العوض والمعوض كلاهما فعليّين و يسمى ذلك بالبيع النقدى.

هل تقتضى الاجارة التعجيل أم لا ؟

ثم نقول إنّ البناءَ المعاملى فى ألقسم الرّابع وفي القسم الثّالث النسبة إلى المثمن وفى الثّانى بالنسبة إلى الثمن هو التعجيل و أمّا الاجارة فان كانت مطلقة غير مقيدة بزمان كما هو المفروض فليس فيها هذا الالتزام العرفي . فيفرق بين ألبابين يوجود الالتزام العرفى على التعجيل في باب البيع و عدمه في باب الاجارة .

إن قلت : إذا آل الامر إلى البناء المعاملى و الالتزام العرفى فلابد أن لا يفرّق بينهما لوجود الالتزامات العرفية فيهما على نحو سواءٍ .

قلت : إنَّ الاجارة إذا تعلقت بمنافع ألاعيان فهى تكون كالبيع والعقد فيها يقتضى ألتعجيل والالتزام ألنوعى المذكور موجود فيها إن لم يصرح بالاطلاق في متن العقد إذ العقد بنفسه يقتضى ذلك حسب ألا لتزام المذكور .

وأمّا إذا تعلقت الاجارة بمنافع الاشخاص كعمل الأجير مثلاً فلا يقتضى العقد فيها التعجيل لانَّ عمل ألاشخاص لا يدخل تحت ضابطة ولا يمكن ضبط الاعمال لاختلافها كثيرًا بالنسبة إلى ألا زمان والأمكنة مضافًا إلى كون بعض الأعمال مبنيًّا على التعجيل وبعضها مبنيًّا على عدمه على إختلاف الأعمال و ألاشخاص والأزمنة والأمكنة .

فما ذكرنا من التفصيل من إقتضاء العقد ألتعجيل في منافع الأعيان وعدم إقتضائه له فى منافع الأشخاص هو الجامع بين الأقوال و الموافق للبرهان .

ص: 305

وقد إستدل بعض على قول الشهيد ( قدّس سرّه ) بعد ألبناءِ على دلالة ألامر بالوفاء على الفور بانَّ الامر بالشيئ يقتضى النهي عن ض-ده الخاص وألنهى يدل على الفساد فتكون الاجارة الثانية فاسدة . ولتوضيح الاستدلال وتطبيق ألكبريات على ما نحن فيه نقول :

إنّه يجب ألعمل بمضمون الاجارة الاولى فورًا قضية لدلالة ألامر بالوفاءِ بالعقود على الفور وإذا تعلق الأمر بالوفاء بالاجارة الاولی يكون الوفاءُ بالاجارة الثانية منهيًا عنه بناءً على اقتضاءِ الامر بالشيئ ألنهى عن ضده الخاص و من المعلوم كون ألعمل بالاجارة الثانية ضدًا للاولى لعدم قدرة ألاجير على العمل بكلا ألاجارتين و إذا قلنا بدلالة النهى على الفساد تكون الثانية باطلة بالبداهة .

و فيه أوَّلاً أنَّ الامر لا يدل على الفور كما تقدم وثانيًا أنَّ الأمر بالشيئٍ لا يقتضى النَّهى عن ألضد الخاص فضلاً عن الضد ألعام بمعنى الترك لأنّ الاستلزامات ألعقلية ليست موضوعًا للحكم الشَّرعى و لانَّ عدم أحد الضدين ليس مقدمة لوجود ألضد الأخر ولا وجوده علة لعدم الآخر بل وجود أحد هما مقارن لعدم الأخرو بالعكس . وثالثًا أنَّ النهى عن الضد على تقدير تسليم دلالة ألامر عليه لا يوجب الحرمة ألتكليفية الموجبة للعقاب لأنَّ القائلين بوجوب المقدمة و حرمة الضد إتفقوا على أنّ الأمر والنهى فيهما طريقىٌّ لا نفسيٌّ وعلى فرض تسليم كون النهي عن الضد تحريميًا فهو لا يدل على الفساد لانَّ النهى التكليفي يجامع الصحة فليس الامرفيه مقرِّباً ولا ألنهى مبعِّداً كما في الامر والنهي الأصليين فالنهى لا يدل على الفساد وإن كان في المعاملات إلّا ما كان من ألامر أو النهى ناظراً إلى شرطية شيىء او جزئيّه أو المانعية أو القاطعية حسب إختلاف الموارد . هذا.

وقد أستدل أيضًا على بطلان الإجارة الثانية بامور الاوَّل أنَّ الأمر بالوفاءِ بالعقود ينحلُّ، و يكون كل عقد موضوعًا لوجوب ألوفاءِ فاذا صارت

ص: 306

ألاولى موضوعًا له ووجب الوفاءٌ بها فورا بناءً على دلالة الامر على ألفور يستحيل أن يتعلق وجوب الوفاءِ بالاجارة الثّانية لانّ ألامر بالضدين في آن واحدٍ محال لعدم القدرة على الثّانية حين ألوفاء بالاولى فتبطل الثّانية قهرًا .

هل السَّبق ألزمانى مرجّحٌ للانيان بأحد الواجبين أم لا ؟

إن قلت : فما وجه ترجيح الاجارة الاولى على الثّانية مع إستواءِ شمول الامر بالوفاءّ باطلاقه عليها.

قلت : إنَّ الاجارة الاولى سابقة زماناً على ألثّانية و هو مستزم للحكومة القهرية بمعنى أنَّه إذا شمل إطلاق الأمر بالوفاء الاجارة الاولى فلايبقى موضوع لوجوب الوفاءِ بالنسبة إلى الاجارة الثانية و هذا نظير حكمهم بوجوب صرف القدرة في الواجب ،

الاوَّل فيما إذا كان هناك واجبان لا يقدر المكلف إلّا على واحد منهما كما إذا لم يكن قادراً على القيام إّلا فى ركعة واحدة فان صلى قائماً فى الركعة الاولى فلابد من الصّلاة قاعداً في الركعة الثّانية وبالعكس فحكموا هناك بصرف القدرة على القيام فى الركعة الاولى لانّه الأسبق .

وفيه بعد تسليم دلالة ألامر على الفور لا نسلم كون السبق الزماني مرجحاً مع كون رتبة الامتثال في كليهما واحدًا فانّ ترجيح الأوَّل إمّا أن يكون بالشرع ولا دليل عليه شرعاً و إمّا بالعقل و هو لا يحكم بترجيح الأسبق إذ ربما يكون المتأخر أهم بالنسبة إلى المتقدم .

الثّاني : أنَّ الاجارة الاولى تكون سببًا لثبوت حق في ذمة الاجير و هو حق إستيفاء العمل من المستأجر الأوَّل فتكون ذمته محقوقة بحق ألغير وذلك يمنع عن الاجارة الثانية كما في حق الرهانة وغيره .

و فيه أنَّ من المعلوم أنَّ ألحق و ألملك ليسا متحدين من السنخ و لكل منهما سبب خاص و دلیل مخصوص فمما يفيد الملكية ألبيع وألصلح والهبة ونحو ذلك ومما يفيد ألحق ألخيار والرهن و نحوهما ومن البديهى أنَّ الاجارة تفيد الملك كما يشير إليه تعريفها

ص: 307

بأنّها تمليك منفعة بعوض و أمّا كون ذمة الاجير مشغولة بالاداءِ موجبًا لثبوت حق مانع عن الاجارة الثّانية المسمّى بحق التعجيل فلاد ليل عليه . وغاية ما يدل عليه ألامر بالوفاءِ هو وجوب الاداء تكليفاً و هو غير ثبوت الحق في ذمة الأجير وضعاً .

الثّالث : و هو الذي يظهر من صاحب الجواهر (رحمه الله ) أنّ الأجير إذا صار أجيراً للمستأجر ألاوّل يجب عليه أداءُ العمل له بمقتضى الامر بالوفاء ودلالته على الفور وعليه فليس للأجير قدرة التسليم على العمل للثاني و هي من شرائط صحة الاجارة و فيه أنّ إشتراط ألقدرة على التسليم ليس إلّا من ناحية رفع الغرر ولا مدخلية فيه للوجوب أو الحرمة التكليفيين والمقصود منه إنَّما هو ألقدرة الخارجية التكوينية و هي موجودة في المقام لكون الاجير قادرًا على تسليم العمل الثانى ولو بعصيان الامر ألاوّل إذ المفروض إطلاق الاجارتين بحسب مدة الاجارة .

فاذا قال الشارع لا تصرف قدرتك فى الاجارة الثّانية فغاية ذلك هو الحرمة التكليفية و هى لا توجب ألبطلان فان خالف الاجير هنا ألحكم ألتكليفى وصَرَف قدرته فى الثانية لم يكن إلّا مخالفًا لحكم الله فق- و لا موجب لبطلان الاجارة و لذا لا نقول نحن ببطلان إجارة ألجنب و ألحائض لكنس المسجد من ناحية عدم القدرة على التسليم باعتبار أنَّ ألجنب لا يقدر على ألمكث فى المسجد شرعاً كما ذهب إليه بعض . و ليس ذلك إلّا لأنَّ المقصود من ألقدرة على التَّسليم هو القدرة الخارجية و هي موجودة في المقامين ولا يضر فى ألصحة مخالفة ألحكم التكليفى .

الرّابع : أنَّ المنفعة فى باب الاجارة لا بدَّ من كونها مباحة و ليس كذلك فيما نحن فيه لأنَّ أداءَ العمل إذا كان واجبًا بالنسبة إلى المستأجر الاوَّل يكون العمل للثّانى حراماً لكونه مفوِّتاً للفور ألواجب. وفيه : أولاً : أنَّ ألحرمة المذكورة ليست إلّا من ناحية أنَّ ألامر بالشيئ مقتض للنهى عن ضده وقد تقدم الكلام في عدم إقتضائه له .

ص: 308

وثانياً : أن المقصود من إشتراط كون المنفعة مباحةً هو أن لا تكون المنفعة حراماً بذاتها أو فقل إنَّ الحرمة الذاتية هي ألتي توجب بطلان ألمعاملة وأمّا إذا لم تكن المنفعة حراماً لذاتها بل كانت مستلزمة لتفويت واجب كالفور مثلاً فلا توجب البطلان .

ينبغى التنبيه على أمور :

الاوَّل : هل للمستأجر حق مطالبة العمل المستأجر عليه الأجير فى الاجارة المطلقة فيجب عليه الاداءُ عند الطلب ام لا؟. وقد حاول بعض لاثبات عدم وجوب ألاداءِ بما تقدم من الفرق بين ألبيع و ألاجارة بانّ ألزَّمان ليس مفرِّداً للأعيان بخلاف المنفعة.

و قد أجبنا عنه فيما تقدم بانَّ ألزمان وإن لم يكن مقيِّداً للأعيان لكنها قابلة للتطبيق على كل فرد يوجد فى أىِّ زمان فهذه الجهة لا تكون فارقة بينهما .

و التحقيق ثبوت حق المطالبة للمستأجر و وجوب ألاداءِ على ألأجير و ذلك إتفاقى فى باب الدُّيون الكلّية وفى بيع السَّلم ونحوهما مما كان - كليّاً في الذمة و دليلهم على ذلك هو أنَّ الذمة إذا كانت مشغولة بالكلى يجب أداؤه عند الطَّلب بوجوب تكليفي بمقتضى تسلّط النّاس على أموالهم .

نعم ، ولاية تطبيق الكلى على ألفرد إنَّما يكون بيد من عليه ألحق كما تقدم . ولا يخفى أنَّ وجوب ألاداءِ وجوب تكليفى لا دخل له بصحة الاجارة وعدمها فلو خالف الأجير و لم يؤدِّ العمل للمستأجر الاوَّل فهو مخالف للشرع لا أنَّ ذلك مبطل للاجارة كما مرَّ غير مرَّة .

الثّاني : أنَّه لو تضيَّق وقت الاجارة الاولى ( فيما كانت الاجارة مطلقة حسب المفروض ). بان يكون أجيرًا لخياطة العباءِ الشَّتوى مثلاً و لم يبق زمان إلى الشتاءِ إلّا بمقدار خياطة العباءِ فهل تصح الاجارة الثانية في ذلك الوقت أم لا . فنقول :

ص: 309

إنَّ سنخ العمل يختلف من حيث الكلية و الجزئية فانه قد يكون على نحو ألكلى فى ألذمة بحيث لا يكون فيه قيد الزمان أصلاً، كخياطة ثوب مثلاً فى أىِّ زمان كانت وهذا قسم عال من الاطلاق يبقى ألعمل فى عهدة ألاجير غير مرتبط بالزمان ولا يضر فيه ألتأخير في الاداءِ و إن مضى عنه سنون . و هذا القسم فى الاجارة يُشبه الكلى فى ألذمة فو باب البيع وقد يكون أجيراً على أن يكون العمل واقعًا في يوم معين كيوم السبت مثلاً و هذا ليس فيه إطلاق بوجه من الوجوه بل هو خاص من جميع الجهات ولا يجوز فيه التأخير . وقد يكون ألعمل كليّاً فى المعيَّن وهو برزخ بين القسمين كما تقدم ذلك في أقسام البيع فيشبه ألخاص الخارجى من جهة إرتباطه مع الخارج وعدم خروجه عن الدائرة المحدودة و لذا يمكن فيه الحصر و ألتَّعذر و ألتلف و لا يمكن ذلك في الكلى في الذمة و يشبه الكلى في الذمة من جهة عدم إرتباطه بفرد خاص لعدم كونه خاصاً من جميع الجهات.

إذا كانت الاجارة على نحو الكلّى فى ألمعيَّن و تضيَّق الوقت بطلت الاجارة الثانيه

ثم إنَّ الاجارة لو كانت على نحو ألكلي في ألمعين فالتضييق فيه مستلزم للتعيُّن القهرى وإذا تضيَّق الوقت فى هذا القسم تبطل الاجارة الثانية لأنَّ العمل فى ذلك ألزمان المضيَّق ملك للمستأجر الاوَّل وقد مرّ أنّ ألشخص لا يكون مالكاً لمنفعتين متضادتين .

وأمّا إذا كانت الاجارة على نحو ألكلى في الذمة و تضيَّق الوقت فيه بان كان بحيث لو لم يعمل في هذا الوقت ألمعين فلم يقدر على ألعمل في غير ذلك الوقت فالاجارة الثانية لا تبطل في هذه الصورة .

و ذهب بعض إلى تعيُّن ما في الذمة بالتضييق وإن كان في ألاصل مطلقاً لانَّ الاجارة الاولى تحلُّ بالتضييق في ألزمان الأخير و يتقيد المطلق به . وهذا نظير دين الميّت فانه إذا مات يحلّ الدين فى التركة كما ورد في الرواية أنّه إذا مات الميّت حلَّ ماله و ما عليه في التركه .

ص: 310

وفيه : أولاً أنَّ تنظير ما نحن فيه بالميت قياس باطل في مذهبنا مع أنَّه مع الفارق و الفرق هو وجود النَّص و الاجماع في مورد ألميت دون ما نحن فيه . وثانيًا أنَّ ذلك لا يتم من حيث ألقاعدة لانّ الميت لا ذمة له ولا إعتبار بذمته شرعًا ولا عرفًا بخلاف ألحىِّ فانّه مادام حيًّا قابل للاعتبار فلا موجب لبطلان الاجارة الثانية .

وقد استدل للقول المذكور بامرين آخرين :

الأوَّل : أنَّه إذا تضيق وقت الاجارة الاولى لا يرى العرف إعتباراً لذمة الاجير فيكون كالذى لا قدرة له على تسليم العمل للثانى فهو كالمعدم وألمفلَّس اللذين لا يقدر ان على الشراء بمافي ذمتهما .

وفيه ما تقدم من أنّ ألقدرة المشترطة في الاجارة هى ألقدرة التكوينية الخارجية و هى موجودة في المقام لا ألقدرة في وعاء الشرع فلو عصى ألامر بالوفاء بالنسبة إلى الاجارة الاولى و صرف قدرته فى ألثانية لا يضر بصحة الاجارة الثّانية .

الثّاني : أنَّ ضيق الوقت موجب لتعيُّن ألزمان فى الاجارة الاولى كما لو أنحصر الفرد في الكلى في المعيَّن .

وفيه ما تقدم من أنَّ أخذ الزمان فى الاجارة يكون بطرق مختلفة. فانه قد لا يلاحظ فيها ألزمان أصلاً و يكون الاحتياج إليه من باب أنَّ ألفاعل الزماني محتاج إلى الزَّمان ولا بد أن يقع عمله فيه وقد يكون ألزَّمان ملحوظاً على نحو ألكلى في ألمعيَّن أى ألمعيَّن بين أفراد محصورة فيلحظ ألزمان بنحو الاضافة إلى المجموع لا بنحو ألاضافة إلى الخاص . و قد يكون ملحوظاً بنحو الخاص الخارجي و هذا يكون على نحو وحدة المطلوب تارة وتعدده أخرى و قد مرَّ توضيح ذلك في بعض المباحث السّابقة . فتبطل الاجارة الثانية فى صورة الخاص بقسميه و في صورة الكلى فى المعين لأخذ التعيين في متن العقد ولعدم الموضوع لها .

ص: 311

و أمّا في صورة إطلاق الاجارة وكون الزمان ظرفاً ليس إلّا فلا وجه لبطلانها.

التنبيه الثّاني : أنَّه إذا بطلت الاجارة الثّانية كما لو كان خاصًّا او كان كليًّا في ألمعين و إنحصر في فرد . ففى هذا الفرض لو إشتغل الأجير للثّانى و لم يسلّم عمله للمستأجر الاوّل فللاوّل أخذ أجرة المثل بقاعدة الاتلاف لا تلاف الاجير العمل المملوك للمستأجر الاوّل عليه فله حق الرجوع إلى كل من الاجير والمستأجر الثّانى وأخذ أجرة المثل عن كل منهما لكن قرار الضمان يكون على الاخير و هو هنا المستأجر الثّاني كما هو كذلك فى كل ما كانت الأيادى متعادب وقد تقدم ذلك مشروحًا .

نعم ، لو كانت أجرة المثل زائدة على المسمّى في الاجارة الثّانية فيرجع المستأجر الثانى على الأجير بالنسبة إلى الزائد إن كان جاهلاً بكونه أجيرًا للغير فلو كان المسمّى فى الاجارة الثانية خمسة دراهم و كانت أجرة المثل عشرة فيرجع المستأجر الاوّل إلى الثّانى ويأخذ عنه أجرة المثل و هى عشرة وحينئذٍ فان كان الثّاني عالماً بفساد الاجارة و أنَّ العمل المستوفى مملوك للغير فلاشيىءً على الأجير لانّ المستأجر الثّاني يكون قد أقدم على ألضمان و أمّا لو كان جاهلاً بالاجارة الاولى فيرجع بالنسبة إلى الزائد عن المسمّى على الأجير بمقتضى قاعدة رجوع المغرور إلى من غَرَّة .

و تملك المنفعة بنفس العقد كما تملك الاجرة به :

لقد تقدم أنَّ الاجرة فى ألاجارة إنّما تملك بنفس إنشاء العقد و هكذا نقول فى المنفعة وإنَّها أيضًا تكون مملوكة بمجرد إنشاءِ ألعقد . و هذا هو مقتضى كون إنشاءِ تمليك ألمنفعة بالعوض ممضى لدى العرف والشَّرع . وعليه إجماع الطائفة الامامية بل وافقنا في ذلك العامَّة

ص: 312

عدى أبى حنيفه القائل بكون المنفعة مملوكة بالاستيفاء من العين المستأجرة . و دليله على ما أدَّعاه هو ما تقدم في أوّل مباحث ألاجارة من أنّ الملكية صفة وجودية تحتاج إلى موصوف موجود إحتياج العرض إلى معروضه و حيث أنَّ المنفعة غير موجودة فى حال العقد فلا يمكن أن تعرضها ألملكية . نعم ، لدى ألاستيفاءِ توجد المنفعة تدريجًا فيصح حينذاك عروض الملكية لها .

في مقال أبي حنيفة بان المنفعه تُملك بالاستيفاء و جوابه من الاجلَّة

و فيه مضافاً إلى أنَّ لازم ذلك هو كون ملك الاجرة أيضاً تدريجيًا أنَّه يلزم من ذلك أن لا يكون للمستأجر الملكية في آن من الآنات لانَّ وجود ألمنفعة تدريجى بالذات ولا ضبط لها في وعاءِ الزمان فهى قبل ألاستيفاء لا وجود لها على ما فرضه أبو حنيفه و في آنِ ألاستيفاء تنعدم فهى توجد بالاستيفاءِ و تنعدم به فليس لنا آنین توجد ألمنفعة فى أوَّلهما و تبقى إلی مجیيءٍ الآن ألثّاني ثم تتعلق بها الملكية في الآن ألثّاني و لذا لا يمكن أن يتصور لها الملكية الاستطراقية التي نقول بها فى بعض ألمقامات : كملك العمودين إذا إشتريهما الولد: فمادام لم تستوف المنفعة لا وجود لها فلا ملك و بالاستيفاءِ تنعدم فلا تكون قابلة للملكية في زمان. هذا وقد أجابوا عن قول أبي حنيفه بوجوه مخدوشة .

الاوّل : إنَّ الأجارة ليست هي تمليك المنفعة بل هي عبارة عن إعطاء حق للتملُّك و هو موجود فعلاً .

وفيه : أوَّلاً أنَّه على خلاف حقيقة الاجارة في العرف وثانيًا أن ألحق أيضًا يحتاج إلى الموضوع و لا موضوع له سوى المنفعة و المفروض أنَّها معدومة .

الثّاني : أنَّ الاجارة هى إعطاءُ السلطنة من الموجر للمستأجر وقد احتمله المحقق اليزدى ( رحمه الله ) وفيه أنَّ السلطنة إنْ كانت على ألا نتفاع فتكون سالبة بانتفاءِ الموضوع لعدم وجود ألمنفعة وإن كانت على ألعين فهو مخالف للحقيقة العرفية للاجارة مضافاً إلى ما تقدم

ص: 313

تفصيلاً من أنَّ السّلطنة ليست ملكاً ولاحقاً بل منتزعة عنهما .

الثّالث : ما ذهب إليه المحقق الشيخ هادي الطّهراني و هو أنَّ الاجارة تمليك في جهة وفيه ما تقدم في تعريف الاجارة من أنّه مخالف لحقيقة ألاجارة العرفية مع أنه لا يرجع إلى معنى محصَّل .

فالتحقيق فى ألجواب أنَّ إحتياج ألصفة إلى الموصوف و العرض إلى ألمعروض حق صحيح لكن ثبوت المحمول للموضوع لابد و أن يكون في وعاءِ مناسب للموضوع فالموضوع الذهنى يكون موضوعه ذهنيًا و الخارجى خارجيًا فثبوت المحمول يكون بتبع ثبوت الموضوع في الوجود و فى كيفية الوجود .

و من المعلوم أن الملكية ليست من الأعراض الخارجية المقولية بل إعتبار مقولى تشبه ألاضافة و من قال بأنَّها من مقولة الجدة لما رأى أنَّها ليست منها حقيقةً إلتجأ إلى ألقول بكونها جدة إعتبارية . وبالجملة فاذا كانت الملكية من ألامور الاعتبارية التي لا مطابق لها في الخارج فایُّ مانع من أن يكون ألامر الاعتباري قائماً بالامر الاعتبارى الآخر. كما هو كذلك في الديون و ألذميات فأىّ مانع من أن تكون الملكية قائمة بالمنفعة و كلاهما أمران اعتباريان .

وقد أجاب صاحب الجواهر ( رحمه الله ) عن قول أبي حنيفه بأنَّ إطلاقات أدلة الصحة تدل على حصول الملذ و بنفس العقد و الأصل عدم إعتبار قيد آخر فى حصول الملكية من ألا تيناء وغيره

وأورد عليه ألمحقق الاصفهاني بانّ إطلاقات لصحة فى باب المعاملات لو كانت مسوقة لبيان إنفاذ السبب و أنَّ كل سبب من أسباب التجارة ممضى عند الشارع و نافذ لديه فيصح حينئذٍ التمسك بالاطلاق في دفع إعتبار قيد يشك في إعتباره . و لكن الامر ليس كذلك لأنّ الأدلة ناظرةً إلى المسببات فمعنى إمضائها هو كون البيع ألواقع في الخارج أو الاجارة الواقعة فيه نافذان عند الشارع . وحينئذ فلا يمكن التمسك

ص: 314

باطلاق المسبب لدفع إعتبار القيد فى السبب إن الاطلاق في المسبب لا نظر له إلى ألسبب وأورد على كلامه الاخير بأنَّ إستصحاب عدم إعتبار قيد الاستيفاءِ لاثبات أنَّ المملك هو العقد المجرد عن الاستيفاءِ أصل مثبت ولا إعتداد بالأصول المثبتة . هذا وفي كلامه نظر . أمّافي ألتمسك بالاطلاقات فلأنَّ المطلقات وإن كانت ناظرة إلى المسببات كما قال و هو الظاهر من قوله تعالى ( إلّا أن تكون تجارة عن تراض ) لكنا نقول إنّ إطلاق المسبب مستلزم لاطلاق السبب فانَّ المسبب تابعٌ للسبب فى ألسعة والضيق فلو كان السبب مضيقًا كما إذا إعتبر نافية العربيّة يتضيق المسبب بتبع ألسبب وبالجملة إطلاق المسبب يدل على إطلاق السبب بالدلالة ألالتزامية .

و أمّا فى التَّمسك باصل ألعدم فلأنّ مقصود ألجواهر ليس هو الأصل العملى حتى لا يكون مثبته حجة بل ألمقصود منه هو الأصل اللفظى وهو أصالة عدم القيد فى ألمطلقات بقرينة ذكره بعد التمسك بالاطلاق فيكون هذا الأصل نظير أصالة عدم القرينة و أصالة عدم التخصيص اصلاً لفظياً ومثبتات الاصول اللفظية حجة بلا كلام .

نعم يمكن ألاستشكال على الجواهر بأنَّ ما قاله لا يكفي في جواب أبى حنيفة لأنَّ كلام أبي حنيفه حول عدم وجود ألمنفعة عقلى لا ربط له باطلاقات الالفاظ والاطلاق اللفظى لا يصيِّر غير المعقول معقولاً فالجواب ما ذكرنا .

هل يشترط إتصال مدة الاجارة بالعقد :

وقد ذهب ألشيخ الطّوسى (رحمه الله) إلى أنَّه يشترط في صحة الاجارة إتّصال مدتها بزمان العقد و عليه لا يصح كون الاجارة فعليّة و ألمنفعة مستقبلة و أستدل عليه بأنَّ القدر المتيقن من الأدلة هو صحة الاجارة إذا كانت مدتها متصلة بالعقد و أمّا صورة ألا نفصال أى

ص: 315

إستقبالية المنفعة فلادليل على صحتها والمعاملات توقيفية فما لم يصل من الشارع دليل على صحتها تكون فاسدة . هذا والمتأخرون أقاموا أدلة ثلثة لما ذكره الشيخ إنتصاراً له .

الأوَّل : أنَّه لا ريب ولا إشكال في إشتراط ألقدرة على التَّسليم في صحة المعاملة و لما لم يكن فى ألمقام قدرة على التسليم حال العقد على ما هو المفروض من إستقبالية المنفعة فلابدّ أن تكون الاجارة باطلة.

الثّاني : أنَّه لا ريب فى أنَّ الانشاءَات علل لوجود ألمنشأت فانَّ قولك ( بعت ) علة لوجود السبيع و ( أنكحت ) علة لوجود ألنكاح و هكذا و من المعلوم عدم إمكان تخلف ألمعلول عن علته فلابد أن تكون ملكية المنفعة في آن إنشاءِ الاجارة فلا تصح الاجارة بالنسبة إلى المنفعة المستقبلة .

الثّالث : أنَّه لا ريب فى أنَّ الصيغة في المعاملات موجبة لاستحقاق التسلَّم لمن ملك فللمشترى حق تسلّم المبيع و للبايع ألثمن وللمستأجر ألمنفعة و للموجر ألعوض و حيث لا تسليم ولا تسلَّم في المنفعة المنفصلة حال العقد فلا تصح الاجارة .

و ألجواب عن الاول أنَّ اشتراط ألقدرة على التسليم إنَّما هو لأجل ألفرار عن الغرر فانَّ العرف و العقلاءَ لا يقدمون على المعاملة ألتي ليست فيها ألقدرة على التسليم وعليه فلا بدَّ وأن يكون إعتبار الشرط المذكور موافقاً لمضمون العقد لا أكثر فلو كانت المنفعة إستقبالية أو كان المبيع سلمًا يعتبر ألقدرة على التسليم وقت الاداء و أمّا إعتبارها حال العقد فلادليل عليه و لا ملزم له و ألذى يقتضيه دليل الغرر هو كون ألموجر قادراً على تسليم المنفعة فى الاستقبال إذا كان مضمون العقد كذلك كما هو ا وأمّا ما أجاب به المحقق ألاصفهاني من أنَّ الزمان لما كان مفرِّداً للمنفعة فيكفي فيها القدرة حال ألاداءِ بخلاف الأعيان فانّها لا تنفرَّد بالزمان و لذا نحتاج فيها إلى القدرة حال العقد ففيه

ص: 316

ما تقدم .

و ألجواب عن الثّانى أنَّ عدم تخلف ألمنشأ عن الانشاء وإن كان حقاً صحيحاً لكن المنشأ من حيث الزمان و من حيث السِّعة والضّيق تابع لنفس الانشاء فاذا كان الانشاءُ متعلقاً بالمنفعة المستقبلة و أردنا أن لا يتخلف ألانشاءُ عن المنشأ فلابدَّ وأن لا تتقدم ألمنفعة من حيث ألزمان و إلّا كان ذلك عين تخلف ألانشاء عن المنشأ كما أشار إلى ذلك المحقق الخراساني في جواب من ذهب إلى عدم صحة التعليق في ألانشاء حذرًا عن التخلف .

هذا . مع أنَّ صحة التدبير و الوصية التمليكية من ضروريات مذهبنا مع كون الانشاءِ فيمها فعليًا وألمنشأ إستقباليّاً .

وأمّا ما أجاب به المحقق الاصفهانی (رحمه الله) من أنَّ ألمنفعة أمر إعتباري يمكن تصور وجودها حال العقد فاجبنى عن كلام المستدل لانَّه لم يقل ببطلان العقد في المنافع المستقبلة من جهة عدم وجود المنفعة كما تقدم ذلك عن أبى حنيفة بل قال به من جهة أنَّ المنشأ لا يمكن تأخره عن الانشاء .

و الجواب عن الثَّالث : أنَّ العقد فى الاجارة والبيع موجب للملك لا للحق كما تقدم فانَّ الموجر و الاجير يملكان العوض و المنفعة فلا يوجد لهما حق بواسطة العقد وراء ألملك كما هو كذلك في ألبيع بالنسبة إلى العوض والمعوض حيث لاحق لهما وراءَ ألملك للعوض و ألمعوض و أمّا أنَّ الشارع إذا أمر باداءِ مال ألغير يكون ألمال محقوقاً بحق ألغير ففيه أنَّه لا يلزم من أمره إلّا ألحكم التكليفي بردّ مملوك ألغير إليه سواءٌ كان مبيعًا أو منفعة أو ثمناً أو ديناً أو نحو ذلك ، فلا يوجد هناك غير ألحكم التكليفى شيىءٌ يسمى بالحقِّ .

وأمّا الالتزام المعاملى بكون التسليم فى مقابل التسليم فهو لا يوجب إلّا حق الامتناع عند إمتناع الآخر عن التسليم مع أنَّ وجوب التسليم إنّما يكون إذا كان المستأجر مالكاً للمنفعة وأمّا إذا كانت

ص: 317

المنفعة استقبالية كما في المقام لا يكون المستأجر مالكاً لها فمن أين يجيئٌ حق التسليم .

لا دليل على إشتراط الاتّصال في صحة ألعقد

وكيف كان فلادليل على إشتراط الاتصال في صحة العقد ولذا يكون عدم الاشتراط هو المعروف والمشهور بين أكثر علمائنا ود ليلنا إطلاقات أدلة ألصحة أى ألاطلاقات اللفظية ولوأ ستشكل فيها فلا أقلَّ من الاطلاق المقامى ويدل على ذلك من النصوص ما دل على جواز أن يعقد على ألمرئة بعقد الانقطاع مع كون زمان التَّمتع متأخرًا عن زمان العقد وإذا كان ذلك جايزاً فى الفروج ففى ألا موال أولى. ثم إنّه إستدل على عدم الاشتراط في ألمختلف وذكره ألشهيد ألثانى ( رحمه الله ) فى ألمسالك بانّه لو أعتبر ألا تصال يلزم من إعتباره عدمه وما يلزم من وجوده عدمه باطل بالبديهة فيكون إعتبار ألا تصال باطلاً . أمّا ألكبرى فبديهى وأمّا ألصُّغرى فلأنّ إعتبار ألاتصال إمّا عقلى أو عرفى وألاوَّل غير معقول لعدم الاتصال الحقيقى بين المنفعة والعقد بناءً على عدم وجود ألجزءِ الذى لا يتجزءُ فانه كلمّا يفرض الاتصال بينهما يكون منقسمًا إلى جزئين إلى مالانهاية له فيستحيل الاتصال ألحقيقى . و ألثّاني و هو الاتصال العرفى فهو غير موجود بالنسبة إلى ألايام المستقبلة فانّ اليوم الاوّل أو الشهر الاوّل أو السّنة الاولى على إختلاف ألمنافع و الاجارات و إن كان متصلاً بالعقد بنظر العرف لكن اليوم الثّاني أو ألشهر الثّانى أو ألسّنة الثّانية غير متصل به في نظره لأنَّ اليوم الثّاني لم يجئى بعد و هكذا الشهر الثانى والسّنة الثّانية . وقد أجاب عنه ألمحقق الاصفهاني بانَّ التقسيم إلى مالانهاية له أمر فرضی و همی و القسمة الممكنة الخارجية متناهية قطعاً و إلّا يلزم إنطباق المتناهي على غير المتناهى و وقوع العقد في زمان لایتناهی و هو محال .

و التّحقيق أنَّ مراد من إشترط الاتصال ما هو المتصل بالفعل فى نظر ألعرف فاذا قال آجرتك داری خمسة أشهر مثلاً فالمشترِط للاتصال يقول لا بد وأن لا يكون بين الشهور الخمسة و العقد فصل زماني

ص: 318

فليس المقصود من الاتصال إلّا الوحدة العرفية الخارجية كما في المثال فانَّ الشهر الخامس متصلٌ بالرّابع و هو بالثّالث وهكذا إلى زمان العقد فالاشكال على من إعتبر الاتصال بانَّة غير معقول على القول بعدم وجود جزء لا يتجزٌ ثم ألجواب بانَّه أمر وهمى كلام شعری فلسفي لا يناسب للجواب بل هو أجنبى عن المقام . فمن إعتبر ألا تصال يدعى عدم الدليل على صحة الاجارة في غير المتصل و لا يدعى عدم إمكانه أو عدم معقوليته حتى يجاب بعدم معقولية عكسه .

و التحقيق في الجواب عنه أن يقال إنَّ إطلاقات الادلة وفحوى النصوص يدل على صحة الاجارة مطلقاً سواءٌ كان زمان المنفعة متَّصلاً بالعقد أم لا .

فالمتصور كما هو المشهور صحة الاجارة في المنافع المستقبلة ثم إنَّه بناءً على القولين لو أطلق ألاجارة من حيث الاتصال والانفصال هل تكون صحيحًا أم لا؟ وعلى تقدير الصحة هل ألا طلاق منزَّل على ألحال ام لا؟ .

أماّ ألاول فالقائل باشتراط الاتصال في صحة الاجارة يذهب إلى بطلان المطلق لانَّ المطلق له فردان متصل و هو الصحيح و منفصل و هو الباطل و الجامع بين الصحيح والفاسد باطل .

تصحّ إجارة المنافع المستقبلة

أمّا على المشهور من صحة المنفصل فربما يقال ببطلان المطلق لأمرين :

الاوَّل : أنَّ المطلق مبهمٌ و حيث أنَّه مردد بين الحال و الاستقبال فيكون مجهولاً مبطلاً للاجارة بل ألمبهم لا مصداق له خارجًا فتبطل الاجارة لعدم الموضوع .

و فيه ألفرق بين المطلق البدلى و المبهم فانَّ الذي لا مصداق له فى الخارج هو ألثّانى و أمّا المعبَّر عنه ب_ ( هذا أو ذاك ) مع حرف ( أو ) ألبدلية . فهو المطلق البدلى و ليس مبهمًا و لا موجبا

ص: 319

للبطلان .

الثاني : أنَّ المطلق قابل للانطباق مع كل فرد و من المعلوم أنّ ألافراد تختلف من جهة ألقيمة فاذا قال آجرتك دارى لمدة ثلاثة أشهر مثلاً فهذا باطلاقه يشمل الصيف و الشتاءِ مع إختلاف ألقيمة بينهما .

و فيه أولاً أنَّ الغرر لا ربط له بالاطلاق وعدمه إذ ربما تكون الاجارة مقيدة بالاتصال مع وجود ألغرر فيها و ربما تكون مطلقة من دون ألغرر . فالغرر دائرٌ مدار الخارج ولا يرتبط بالاطلاق وعدمه. وثانيًا أنَّ ألافراد و إن كانت مختلفة فى ألقيمة فى بعض الاحيان لكن العرف ربما يتسامح فى مثله فلا يكون موجبًا للغرر وثالثًا أنَّ ألمالك لم أقدم على الاجارة المطلقة مع عمليه بتفاوت قيمة ألافراد فقد أقدم على ألغرر بنفسه فالحق صحة الاجارة المطلقة .

و أمّا ألكلام فى الثانى أى فى أنَّ الاطلاق هل هو منزّل على ألحال أم لا؟ فجماعة من المتأخرين على الأوَّل و أنَّ ألتعيين غير محتاج إليه بل الاطلاق بنفسه منَّزل على الحال وإستدلوا على ذلك بوجهين .

الاوَّل : ما عن الجواهر و هو أصالة ألصحة في عمل ألمسلم بان يقال إنَّ ظاهر حاله أن يقصد زمان ألحال أى ألزمان المتصل بالعقد .و أجاب عنه ألمحقق الرشتى ( رحمه الله ) بأنَّ أصالة ألصحة أصل تعبد ولا يفيد في كشف مرادات المتكلم وليست أمارة مفيدة لذلك .

و التَّحقيق فى الجواب أنَّ أصالة ألصحة ليست أصلاً تعبديًا بنائيًّا بل هي ظهور حال المسلم و لذا عبرَّ ألقدماءُ عنه بظاهر الحال ومعناه أنَّ ظاهر حال المسلم هو أن يكون عمله صحيحًا موافقاً للشرع و هذا كما يجرى عند الحامل بالنسبة إلى فعل المسلم كذلك يجرى عند الفاعل لفعل نفسه فاذا فرغ عن عمل و شك في كونه صحيحًا يبنى على صحته بمقتضى هذا الاصل بمعنى أنّ ألظاهر من المسلم أنْ يأتى بالعمل موافقاً لما في ذهنه من الصورة الاجمالية للعمل على ما هو المقرَّر شرعًا

ص: 320

فتكون أصالة الصحة أمارة (1) على الصحيح عند الحامل وألفاعل كليهما . وكيف كان فمن شرائط جريان هذا الأصل كون العمل مرددًا بين ألصحيح و الفاسد فاذا شك في أنه أتى به على الوجه الصحيح أم لا فنحكم بهذا الاصل بأنَّ الفاعل إنَّما أتى بألفعل على وجهه ألصحيح وأمّا إذا لم يكن للفعل إلّا وصف ألصحة كما في المقام فلامعنى لجريان هذا الأصل . فانَّه إذا بنينا على صحة التصريح بعدم الاتصال فضلاً عن الاطلاق كما هو المفروض تكون الاجارة صحيحة لا باطلة فلا تفيد أصالة ألصحة لاثبات الاتصال فى الاجارة المطلقة.

نعم ربما يستفاد من النصوص أنَّ أصالة الصحة مضافاً إلى كونها ظاهر حال المسلم أصل أخلاقى اجتماعى ولا يلزم فيه كون العمل مردَّداً بين الصحيح وغيره كما تشير إليه صيغة أفعل التفضيل في قوله ( علیه السّلام ) ( ضع فعل أخيك على أحسنه ) وكذا قوله ( علیه السّلام) ( إحمله على سبعين محملاً ) ونحو ذلك .

نعم من إشترط ألاتصال في صحة الاجارة يمكن له ألتمسك بأصالة الصحة لاثبات الاتصال وذلك لمكان فساد الانفصال عنده .

الثّاني: أنَّ الاطلاق منزَّل على الحال عرفاً فاذا قال آجرتك دارى لمدة أربعة أشهر يفهم العرف منه الحال فالاستقبال يحتاج إلى القرينة . وقد حاول المحقق الاصفهاني (رحمه الله) أن يعطى لهذا الفهم العرفى صورة دليل فقال إنَّ الاجارة على ثلاثة أقسام:

الأول : أن تكون مقيدة بالاتصال .

ص: 321


1- واعلم أنَّه يعبَّر عن جملة من الامارات لضعفها بالاصل فتراهم يعبِّرون عن أمارية أليد للملكية بانَّ الاصل في أليد يقتضى الملكية كما يُعبَّر عن ظهور الحال بأصالة ألصحة وقد قلنا فى محله بانّ الامارات الضعيفة ربما تصير منشأ لبناء العقلاءِ على مؤداها وباعتبارذ لك ( ألبناء العقلائي) يعبَّر عنها بالاصل

ألثّاني : أن تكون مقيدة بالانفصال .

الثّالث : أن تكون مقيدة بالاعمية من حيث الاتصال و ألانفصال على نحو أللّابشرط القسمى . ثم قال إنَّ القسم الثّاني والثّالث محتاجان إلى البيان والتقييد بخلاف القسم الأوَّل فانَّ ألحال كانَّه ليس قيدًا يحتاج إلى البيان ولانَّ العرف لا يرى ألحال قيدًا و هذا هو المقصود من قولهم ألاطلاق منزَّل على ألحال.

وفيه أنَّ ألفهم العرفى لا بد وأن يكون لمنشاءِ و ربما يكون منشأ تنزيل الاطلاق على الحال هو الغلبة بمعنى كون غالب ألاجارات مبنية على الاتصال فالغلبة تكون قرينة على الحال في جملة من الموارد وإلّا فالا نصاف اختلاف موارد الاجارة فانَّهم يستأجرون المصايف في فصل الشّتاءِ مع العلم بعدم الاستفادة في هذا الفصل منها بل يصبرون إلى أن يجئى ألصيف فيسكنون فيها فليس كل إجارة مطلقة ظاهرة في زمان الحال ولا يكون الاطلاق منزلا على الحال دائمًا بل ذلك دائر مدار القرينه فان وجدت و لو من باب التَّعارف والغلبة فهو وإلّا فلا يحمل على ألحال .

و بالجملة : ألاجارة المطلقة لا تنزّل على ألحال لا باصالة الصحة لعدم فساد الاجارة المستقبلة ولا بسبب ألفهم العرفي لاختلافه في ذلك وعدم وجود القرينة على الحال في جميع ألموارد .

إذا سلّم العين المستأجرة و مضت مدة الاجارة :

يقع البحث هنا من جهات ثلاثة : ألاولى : إحتياج إستقرار الاجرة إلى التسليم . الثّانية : أنَّ التَّسليم بأيِّ شيئٍ يتحقق . الثّالثة : الفرق بين الاجارة الصحيحة و الفاسدة .

أمّا الكلام في الجهة الاولى فنقول إنَّ العقد وإن كان مملِّكًا للأجرة كما تقدم مشروحًا، إلّا أنَّ هناك إلتزام ضمنى آخر و هو الالتزام

ص: 322

بالتسليم في مقابل التسليم فمادام لم يكن تسليم للمنفعة بتسليم العين لا تلزم الاجرة وقد تقدم أنَّ العقود منزَّلة على الالتزامات الضمنية فلزوم الاجرة مضافاً إلى نفس العقد موقوف على تسليم العين .

و أمّا ألكلام فى الجهة الثّانية فانَّ التسليم يختلف باختلاف الموارد فيطلق على ثلاثة أنحاءِ:

الأوَّل : أن يكون التسليم بمعنى ألتمكين من الاستيفاءِ وذلك بالنسبة إلى ألعين المستأجرة فانَّ تسليمها يتحقق بتمكين الموجر للمستأجر بأن يستوفى من ألعين المستأجرة منفعتها ولا يحتاج التسليم هنا باسكانه في الدّار مثلاً بل يكفي فيه إعطائه مفتاح البيت و تسكينه من الكون فيها .

الثّاني : ما يكون معتبرًا فى باب وجود ردّ المال إلى مالكه وتسليمه إليه كما في باب الغصب وهذا المعنى من التسليم أو سع من المعنى الأوَّل لانّ التسليم هنا يتحقق بمجرد رفع اليد عن مال ألمالك بتخلية السبيل له وإزالة ألمانع عن سلطانه .

الثّالث : ما يطلق فى باب الضمان باليد و هو الاستيلاءُ الخارجي على العين . و بالجملة : التسليم في باب الاجارة هو ألتمكين ، وفي باب ردّ ألمال إلى مالكه رفع ألمانع ، وفى باب الضمان باليد الاستيلاءُ الخارجى .

و النتيجة أنَّه إذا سلَّم ألعين أى مكَّن المستأجر من الاستيفاء منها و مضت مدة يمكن فيها الاستيفاءُ و لم يستوفها لزمت الاجرة المسمّاة لو كانت الاجارة صحيحة و أمّا لو كانت الاجارة فاسدة فيحتاج لزوم أجرة المثل علاوة على التمكين إلى الاستيلاء الخارجي و إلّا فلو لم يستوله عليها لم يكن ضامنًا للمنفعة .

و من هنا ظهر الفرق بين الاجارة الصحيحة و الفاسدة وبه يتم ألكلام في الجهة الثّالثة ولمزيد التّوضيح نقول : قد يقال إنَّ الضمان

ص: 323

فى الاجارة الفاسدة يكون إمّا بالعقد كما في الاجارة الصحيحة والمفروض عدم صحة العقد و إمّا بالاتلاف و المفروض عدم إستيفاءِ المنفعة ، وإمّا بقاعدة أليد و هي موقوف على الاستيلاءِ من دون رضى ألمالك والمفروض أنَّ يد المستأجر على العين يدُ أمانيّة و تتبعها المنفعة ولا معنى لضمان المنافع مستقله فتعيَّن أن يكون ألضمان بقاعدة ( ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده . )

اقتضا قاعدة اليد للضَّمان

و فيه أنَّ القاعدة المذكورة ليست مورد نصٍّ بل هى قاعدة إصطيادية مستفادة من الحكم بالضمان فى موارد مختلفة وقد تقدم بيان أنّها ليست دليلًا مستقلاً بل داخل تحت قاعدتى أليد أو الاتلاف فهذه القاعدة فرع لهاتين القاعدتين وإذا لم يفد ألاصل في إثبات ألضمان فكيف بالفرع و هل هو إلّا زيادة ألفرع على الاصل .

والتحقيق في إثبات ألضمان أنْ يقال بجريان قاعدة أليد في ألمقام و قولكم إنَّ المنفعة أمانة مالكية تبعًا للعين ولا معنى لضمان ألمنفعة مستقلاً مدفوعٌ بانَّه لا مانع من ذلك إذ تبعية المنفعة للعين ليست أمرًا دائميًا ألا ترى أنّه يصح بيع الدار مسلوبة ألمنفعة فتنفصل عنها فكذلك يمكن إنفصالها عنها في ألايتمان و بالجملة فقد يكون ألايتمان فى ألعين و ألمنفعة كما في العاريّة وقد يكون ألا يتمان في المنفعة دون ألعين كما في عارية ألذهب و الفضة أو العارية المشروطة بالضمان وقد يكون ألايتمان في العين دون ألمنفعة كما في المقام حيث إنّ المستأجر -بالاجارة الفاسدة - أقدم على ضمان المنفعة فنحن نوافق ألقول بالتبعية ولا ننكرها لكنا نقول إنّها قابلة للانفكاك في موارد و هذا منها و ألمالك لم يسلّط المستأجر على المنفعة مجاناً بل بشرط ضمان المسمّى و هووان لم يصح إلّا أنّه كاف في عدم إهداره ماليَّة منفعته، و من هنا ظهر ضعف قول العلامة ( رحمه الله ) فى التذكرة بعدم ألضمان معلّلاً بانَّ اليد على العين أمانيّة و ألمنفعة لا وجود لها مستقلاً حتى يضمن

ص: 324

و وجه ألضعف ما تقدم من جواز التفكيك و أنَّ أليد على ألعين أمانيّةٌ وعلى المنفعة ضَمانيّة وقد أقام صاحب الجواهر ( رحمه الله ) أدِلَّة أربعة على لزوم الاجرة فى الاجارة الصحيحة فيما إذا لم يستوف المستأجر المنفعة .

الاوَّل : قوله تعالى ( أوفوا بالعقود ) فانَّه يدل على وجوب الوفاءِ و لزوم الاجرة خرج منه ما إذا إمتنع ألمالك عن التسليم و المفروض تحقق التسليم في المقام .

الثّاني : إستصحاب ملكية ألموجر للأجرة فانَّها بعد العقد و تسليم المنفعة صارت مملوكة للموجِر و إذا شككنا فى أنَّ عدم الاستيفاءِ هل صار سببًا لخروج الاجرة عن ملكه أم لا نستصحب بقاءَ الملكّية .

الثّالث : عدم ألمانع عن ألاستيفاءِ من قبل الموجر فانه بتسليمه ألعين رفع ألمانع من قبل نفسه .

الرابع : أنّ المنافع مضمونة على المستأجر بعقد الاجارة ومقصوده أنَّ المنفعة قد يعطى من قبل ألمالك مجّاناً فلاضَمان فيه وقد يعطى مضموناً وألضمان يكون جعليّاً تارةً ويسمى بالضمان المعاوضي و تغريميًّا أخرى و هو في موارد أليد و ألا تلاف و حيث أنَّ المتعاملين لم يقدما على المجانيّه بل تعاملا بالعوض فيستقرُّ الاجرة في عهدة المستأجر إذ المفروض تحقق التسليم من قبل المالك والاستقرار إنّما يأتى من قبل التسليم المتحقق في المقام .

فاشكال المحقق الاصفهاني على الجواهر بأنَّ مضمونية المنافع بالمعنى ألمذكور من عدم الاقدام على المجّانيّة وثبوت ألضمان المعاوضى أمر مسلّمٌ ثبت بالعقد و البحث إنّما هو فى إستقرار الاجرة ولا ربط له بالضمان المعاوضى لا وجه له لأنَّ مقصود ألجواهر ليس كون ذلك دليلاً من دون إشتراط التسليم بل هو يقول إنّ الاستقرار إنَّما جاء بالتسليم .

و ألا نصاف أنّ جميع الادلة الاربعة يرجع إلى أمر واحد و هو أنَّ

ص: 325

التسليم موجب لاستقرار الاجرة في عهدة الاجيرو لا نحتاج إلى تكثير الأدلة و لا سيَّما إلى الاستصحاب مع وجود إطلاقات الصحة المؤيدة بروايات خاصة تدل على لزوم ألاجرة و أنّ إختيار ألكراءِ بيد الموجر سواءٌ إستوفى المستأجر المنفعة أم لا . راجع الوسائل باب 7 و 18 من أبواب الاجارة .

في بيان ما يتحقق به التَّسليم

بقى الكلام فى أنَّ التسليم في باب الاجارة يتحقق باي شيیءٍ فنقول :

إنَّ ألاجارة إمّا أن يتعلق بمنافع ألأعيان أو بعمل ألاشخاص ثمَّ العين ألتي هي مورد المنفعة إمّا شخصیٌّ أو كلىٌّ والكلى إمّا أن يكون كليّاً في ألمعين أو في ألذمة .

أمّا إذا كانت الاجارة متعلقة بعين شخصى فيكون التسليم فيه بالتخلية و ألتمكين و لم يتكلم الاصحاب في الكلى في ألمعين سوى ما قالوا من أنّه لو سلّم فرداً منه يتحقق التسليم و تلفه يكون بتلف جميع أفراده المحصورة والسِّرُّ فى ذلك ما تقدم من أنّ مالك ألكلي في ألمعين ليس مالكًا لخصوصياته المشخصة بل التطبيق يكون لمن عليه ألحق .

و قد وقع الكلام في الكلى في الذمة فى انّه لو سلَّم فردًا و طبَّق الكلى عليه فهل لمن له الحق الامتناع عن تسلُّمه و الحكم بتبديله بفرد آخر أم لا قال جمع من الاصحاب كالشهيد الثّاني ( رحمه الله ) والمحقق الكركى بانَّه لو طرحه عنده و أعلمه وجب عليه الحفظ و لو طرحه ولم يعلمه كان عليه ألضمان . وعليه فلو طبَّق ألكلى على الفرد و وضع عند ه ليأخذه و لم يقبله فلاضمان لمن عليه ألحق لو أعلم من له ألحق . هذا وقد ذهب بعض إلى أنَّ لمن له الحق حق الامتناع و حينئذٍ يرجع ألمديون إلى ألحاكم الشَّرعى إذ هو ولىُّ الممتنع . و لكن التحقيق عدم ثبوت حق الامتناع لانَّ معنى الكلى الذمى أنَّ الخصوصيات الفرديّة ليست مملوكة لمن له الحق و ليست من عليه ألحق مديونًا بالنسبة إليها

ص: 326

وامّا الانطباق عليها والتَّطبيق على فردٍ مّا فهو من باب اللّابديّة بحيث لو فرض وجود الكلى بدون ألفرد لما احتجنا إلى التّطبيق على الفرد .

إن قلت : إذا لم تكن الخصوصيات مملوكة له يكون التطبيق عليها و تمليكها هبة و لا يجب قبول الهبة فله حق ألا متناع عن الخصوصيات الفردية لذلك.

قلت : هذا ليس بهبة كى يحتاج إلى القبول بل ألكلى لابد فى تشخصه الخارجى من وجوده في ضمن الفرد فالتشخص عين ألتفرد و التفرد عين وجود الكلى مع أنَّ الخصوصيات ليست لها مالية فلا تكون قابلة للهبة .

ثم إنّ فى المسئلة تفصيلات نذكر بعضاً منها .

الأوَّل : التَّفصيل بين المنفعة الجزئية والمنفعة الكلية . بان ألاولى متعينة بنفسها و لها ألتعين القهرى فيكون تسليم ألفرد تسليماً لها والثّانية غير متعينة بنفسها ولا يكفي في تسليمها تسلیم الفرد وفيه أنَّ الكلى بما هو كلى غيرُ قابل للتّسليم وتسليمه يكون بتسليم الفرد بالبداهة .

الثّاني : التفصيل بين عمل ألعبد وعمل الحر باستقرار الاجرة فى الأوّل دون ألثانى فانّ مالك ألعبد لو سلَّمه و مضى مدة لم يستوف ألعمل منه يكون المستأجر هو الذى فوَّت ألعمل على نفسه فيستقر الاجرة بخلاف عمل الحرفانه لايد لاحد على ألحر لاستقلاله بالعمل.

و للجواب عن ذلك نقدم مقدمة و هى بيان الفرق بين الجعالة و الاجارة في جهة ألضمان و استقرار الاجرة فانَّ من أمر شخصًا بحلق رأسه على نحو ألجعالة وجاءُ الحلّاق و هيأ نفسه للعمل ثم إنصرف الأمر عن حلق رأسه لا يكون ضامنًا لان العوض في الجعالة طولى يقع بازاءِ نفس العمل الخارجي فمالم يقع عمل منه لم يستحق العوض لانَّ العمل بوجوده الخارجي يكون مورداً للمعاملة ولذا لا يكفي في إستقرار الاجرة

ص: 327

مجرد ألامر المعاملى وإعداد الطرف نفسه للعمل و هذا بخلاف الاجارة فانَّ ملكية الاجرة و المنفعة معا يتحقق للمتعاملين بنفس العقد نعم يختلف التَّسليم بالنسبة إلى ألاعمال فانّه قد لا يحتاج إلى شيئٍ و لا يتعلق بموضوع خارجى كما إذا صار أجيراً لصلاة الميّت مثلاً فالتسليم فيه يتحقق بأن يصلى ويأتى بما أستوجر عليه و لا يكفي فيه مجرد إعداد الاجير نفسه للصلاة إذ لا معنى لحضوره لدى ألمستأجر و إعداد نفسه للصلاة بل عليه أن ياتى بالصلاة وهذا تسليمها ، وقد يكون العمل متعلقاً بموضوع خارجی مربوط بالمستأجر كما إذا صار أحيرًا لحمل المتاع فاذا جاءَ ليحمله و لم يستوف المستأجر العمل منه تكون الاجرة مستقرة على المستأجر ، وبالجملة التسليم في مثل صلاة الميت يكون بالعمل إذ لاترتبط بالمستأجر و أمّا التسليم فى حمل المتاع يكون باعداد نفسه للحمل إذ يرتبط ألحمل بالمستأجر من جهة أنَّ ألمتاع له ولابد عليه من تسليمه للاجير ليحمله فالاستيفاءُ إنَّما يكون بيد المستأجر وليس باختيار ألعامل الاجير . إذا عرفت ذلك يظهر لك ألجواب عن التفصيل بين عمل ألحر و ألعبد و ترى أنَّه لا فرق بينهما من جهة ألضمان فانَّ الأجير حرًا كان أو عبداً إذا جاءَ باعداد و تهيئة للعمل و لم يستوف المستأجر العمل منه ثبتت عليه الاجرة لانَّه هو الذي قوّت ألعمل على نفسه و مملوكية الرقبة وعدمها لا تكون فارقًا و ذلك لانَّ ألحر بعد الاجارة لا إستقلال له في العمل المستأجر عليه لوجوب الوفاءِ عليه باداءِ مافى ذمته و هو العمل إلى المستأجر باتيانه له و مما ذكرنا ظهر أنَّه لو إستأجره لقلع ألضّرس في ساعة معينة وجاءَ ألاجير في الوقت و هيَّأ نفسه للعمل و لم يستوف ألمستأجر ألعمل منه لزمته الاجرة لانَّ تسليم ألعمل في ألمثال هو باعداد نفسه للعمل و بالجمله يشترط في لزوم الأجرة كونها على نحو ألاجارة لا على نحو ألجعالة .

لو زال ألالم بنفسه بعد العقد

ثم إنَّه لو زال ألا لم بنفسه عقيب العقد بأن استأجره لقلع ضرسه فجاءَ

ص: 328

الأجير للعمل فرأى زوال ألا لم وعدم الحاجّة إلى القلع ففي الشرايع أنه سقطت الاجرة و الدليل على ذلك أنَّ الاجارة تكون باطلة لا لعدم الموضوع لها لانّ ما أستوجر عليه هو قلع الضِّرس ألمولم بحيث يكون ألا لم قيدًا للموضوع فاذا فرض زواله يزول الموضوع قطعًا وإذا إنتفى الموضوع تنتفى الاجارة من دون شك و هذا نظير ما إذا إستأجر طبيبًا ليعالجه فبرءَ ألمريض أو إستأجر بنّاءً لبناءِ دار فانخسفت الدار مثلاً و نحو ذلك ففى كل ذلك تبطل الاجارة لزوال الموضوع و لا نحتاج إلى دليل آخر .

و أمّا أدلة القوم على بطلان الاجارة في المقام فاربعة .

الأوَّل : أنَّ الشرط في صحة الاجارة كون المنفعة مباحة و المنفعة هنا ليست بمباحة لانَّ قلع الضّرس السّالم إضرار على ألنفس فيكون حراماً بحكم الشارع.

ألثّاني : أنَّ الشرط فى صحة الاجارة كون المنفعة مملوكة و مع نهى الشارع عن قلع ألضّرس السالم لا تكون المنفعة مملوكة عنده و إنْ كانت مملوكة عند العرف .

الثّالث : أنّ الله إذا حرَّم شيئًا حرَّم ثمنه يعنى ثمنه یعنی كلما كان حرامًا تكليفًا كقلع الضّرس السالم مثلاً يكون ثمنه حرامًا وضعًا فلامالية له عند الشّارع . ولا يخفى أنّ الادلة الثلثة ترجع إلى واحد فانّ عدم إباحة المنفعة . و عدم مملوكيتها وعدم ماليتها أمر واحدٌ ينشأ عن نهى هى الشارع. و الجواب عنها و لو على فرض التعدد أنّ ألبحث عن المحمول متأخر عن ألبحث عن الموضوع وفي المقام لا موضوع للاجارة - و هو الضَّرس المولم - فلا إجارة لا أنَّ الاجارة موجودة و الشارع نهى عنها .

الرّابع : أنَّ الشرط في صحة الاجارة هو القدرة على تسلیم المنفعة و هي مفقودة في المقام لوجود ألمنع الشّرعى كما في كن المسجد بالنسبة إلى ألجنب و ألحائض وفيه ما تقدم من أنّ إشتراط القدرة

ص: 329

على التسليم ليس إلّا من ناحية ألغرر و لاغرر في ألمقام أو فقل إنَّ القدرة على التسليم شرط تكوينى خارجی لا شرعی تعبدی .

ولو إستأجر شيئًا فتلف قبل قبضه بطلت الاجارة :

د ليلنا على بطلان الاجارة فيما إذا تلف ألمستأجر عليه قبل قبضه هو ما تقدم من إنتفاء الموضوع فانَّ ألتلف يكشف عن عدم وجود المنفعة فى الواقع وإذا انتفى الموضوع تبطل الاجارة قهرًا .

توضيح ذلك أنَّ المنفعة وإن كانت أمرًا إعتباريًا ولها وجود إعتباري في مقابل قول أبي حنيفة ألقائل بانعدامها أصلاً لكنها تحتاج إلى مصحح للاعتبار و هو لحاظ قابلية وجودها فالسكونة الخارجية أو قابلية ألدار للسكنى الخارجى هو ألمصحح لاعتبار ألسكونة حين عقد الاجارة . وإذا إنتفى المصحح أىّ إمكان الوجود بانعدام المنفعة لتلف موضوعها نكشف إنّا أنّ متعلق الاجارة كان معدومًا ولا تصح ألاجارة على المعدوم .

و أمّا أدلة ألقوم على البطلان فكما يلي .

ألاوَّل : و هو عن الجواهر أنَّ القبض من متممات العقد وليس عقد الاجارة سببًا تامّاً للملكية فمالم يوجد ألمتممِّ و هو القبض لم يحصل ملك المبيع للمشترى فى البيع و ملك المنفعة للمستأجر في الاجارة . وصحَّحه المحقق الاصفهاني بأنَّ بناءَ المعاوضات العرفية على التسليم و التسلم الخارجى لانَّه إنَّما يسلّط الموجر المستأجر على المنفعة إذا سلَّطه المستأجر على الاجرة فيكون التسليط فى مقابل التسليط وفيه أنَّ العقد إنَّما هو تمام العلَّة عرفًا و شرعًا لحصول ألملك كما تقدم ذلك تفصيلاً .

نعم قد يأخذ الشارع القبض شرطاً تعبُّديًا في بعض الموارد كما فى مورد الصَّرف و الرَّهن و ألوقف . و يرد على كلام المحقق الاصفهاني

ص: 330

أنَّ السلطنة من الاحكام الوضعية للملك كما يقال إنَّ ألمالك يجوز له البيع والشراءُ والهبة فهى عبارة عن الجواز الوضعى مع أنَّ الاجارة كما تقدم في أوّلها ليست سلطنة في مقابل السلطنة بل هي مبادلة بين المنفعة وألعوض.

الثاني : و هو عن المحقق النائيني أنَّ المال المحترم مضمون إمّا بضمان أليد أو بضمان المسمّى فما لم تصل المنفعة إلى المستأجر فهى مضمونة بضمان أليد لأنَّها صارت ملكًا له بمجرد العقد فيد ألموجر عليها يد على ملك الغير و بعد القبض و الاقباض ينتقل ضمان أليد إلى الضمان المعاوضى و هو المسمّى وبالجملة فلو تلف المبيع أو العين المستأجرة قبل القبض فهو مضمون بضمان اليد لماورد من أنَّ كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه فلو تلف بعد القبض فهو مضمون بضمان المسمّى قضية لاحترام المال وأنَّ المال المحترم لا يكون بلاعوض.

نعم ، حيث أنَّ المسمّى جعل بدلاً له فيكون مضمونًا به لا بالبدل الواقعي و هذا معنى إنفساخ ألمعاملة وفيه أنَّ ضمان أليد لا يكون إلّا إذا كانت أليد عدوانّيةٌ و ليس كذلك في المقام لأنَّ يد البايع . أو الموجر أمانّيةٌ إمّا بالايتمان المالكي أو الشّرعى . لأنَّ البايع أو الموجر إنَّما يكون بعد المبيع و الاجارة فى مقام ردّ ألمال إلى المشترى أو المستأجر فانْ كان المشترى أو المستأجر راضيًا بذلك تكون يده أمانيَّةٌ بالايتمان المالكي وإن لم يكن راضيًا به فالائتمان شرعی لانَّه محسن حيث أنَّه يريد ردَّ ألمال إلى مالكه وما على ألمحسنين من سبيل هذا . مضافاً إلى أنَّ ضمان اليد يقتضى البدل الواقعي و لا معنى للبدل الجعلي في الضمان باليد .

الثّالث : ما ورد من أنَّ كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه بناءً على ألتَّعدى من المبيع إلى الثمن و من ألبيع إلى الاجارة وقد تقدم القول في ذلك تفصيلاً وقلنا إنّ هذا ليس من القياس الباطل

ص: 331

لمعلوميّة المناط وإتحاده في ألبيع والإجارة إذ المناط فيه إنَّما هو عدم تضرر من إنتقل إليه المال ألتالف امتناناً عليه ولا يخفى أنَّ هذا الدليل نحتاج إليه في باب البيع من جهة أنَّ ألعين المبيعة قبل قبضه له

من ألامور القارّة بالذّات ويتعلق البيع و الشراءُ بنفس ألعين الخارجيّة . و هذا بخلاف المنفعة التي ليست لها إلّا الوجود التدريجي الخارجى الذى قلنا بانّه ألمصحح للاعتبار بالنسبة إلى إعتبار ألمنفعة فاذا تلف موضوعها وإنعدم نكشف بالكشف ألانّى عدم وجودها في الواقع بالمعنى الذى قلنا ولا نقصد منه عدم الوجود آناً مّا في حال العقد لأنَّ العين كانت موجودة وكان يمكن إستيفاءُ المنفعة منها في زمان العقد بل نقول إنَّ عقد الاجارة إنَّما وقعت على المنفعة باعتبار وجودها التدريجى الاستمرارى حسب مدة الاجارة و لمّا إنعدمت ألعين يستكشف عدم هذا الوجود ألتدريجى .

و من هنا ظهر أنَّه تبطل الاجارة فيما إذا تلف قبل إستيفاءِ المنفعة و إن كان القبض متحققا لعدم بقاءِ موضوعها . هذا كله في ألتلف قبل القبض أو بعده و قبل ألاستيفاءِ.

و أمّا لو تلفت ألعين المستأجرة في أثناء مدة الاجارة كما إذا إستاجر دارًا لمدة سنة و سكن فيها ستة أشهر فتلفت بعدها فحينئذ إمّا أن تكون المنفعة قابلة للتبعيض بأن يكون كل فردِ موردًا للاجارة مترِّتبًا عليه الغرض ألعقلائي . وإمّا أن لا تكون قابلة له بل كانت ألاجارة متعلقة على المجموع من حيث المجموع كما إذا إستأجره للصلوة على ألميت فانّ الأثر و الغرض إنّما يترتَّب على مجموعها من التكبيرة إلی التسليمة بحيث لو فعل بعضها لم يأت بالمطلوب أصلاً ففى الصورة الاولى تصح الاجارة بالنسبة إلى ما مضى من ألمدة و تبطل بالنسبة إلى ما بقى و يرجع من الاجرة بالنسبة لانّ الاجارة وإن كانت منشأً بانشاءٍ واحد لكنها تعلقت بجميع المنفعة بما هي قابلة للتبعيض فتنبسط الاجارة

ص: 332

على الجميع وهذا نظير بيع ما يَملك ومالا يَملك أو ما يُملك و ما لا يُملك .

و بالجملة ألموجر يستحق من الاجرة المسمّاة بالنسبة إلى ما مضى من المدة و تبطل الاجارة بالنسبة إلى ما بقى . و هكذا نقول فيما لو إشترط خيار الفسخ للمستأجر حيث أنَّ ألفسخ لمّا كان من حينه على مختارنا لا من أصله يكون ألفسخ بالخيار كالتلف في الأثناءِ في تبعض الاجرة و ما ذهب إليه بعض من ألفرق بين ألتلف في الأثناءِ و الفسخ بالخيار بتبعيض الاجرة فى ألاوَّل دون الثّاني و رجوع ألمالك فيه إلى أجرة ألمثل معلِّلاً بانَّ الفسخ يكون من أصله و تكون ألاجارة باطلة من الاَّول فمدفوع بما تقدم من أنَّ الفسخ حدث في الاثناءِ و المنفعة قابلة للانحلال ولا موجب للبطلان من الأوَّل والرجوع إلى أجرة المثل .

و أمّا الصورة الثّانية فتبطل الاجارة بالمرة لا نعدام الموضوع إذ المفروض أنَّ الغرض لا يترتَّب على أبعاض المنفعة بل يترتَّب على المجموع ولا أجرة لعمل الاجير حينئذٍ لانه أقدم على العمل مع علمه بكون الغرض مترتبًا على المجموع وأنّه لا أجرة لا بعاضه .

تنبیهان :

الاوَّل : أنَّه لولم يسلّم ألموجر ألعين ألمستأجرة إلى ألمستأجر إلى أن إنتهت المدة هل تنفسخ الاجارة و تبطل بانتهاءِ مدتها أو يكون المستأجر مخيَّراً بين فسخ الاجارة و الرُّجوع إلى أجرة المسمى و بين أخذ أجرة المثل عن الموجر . ربما يقال بالأوَّل معلِّلاً بكون المورد مشمولًا لقاعدة ألتلف قبل القبض الحاكمة بكونه من مال الموجر وفي المورد وإنْ لم يكن ألتلف حقيقيًّا لكنه فى حكم ألتلف باعتبار وحدة ألملاك فيهما و هو عدم الاستيفاءِ للمنفعة و فيه أنَّ العين والمنفعة موجودتان في المقام و لا موجب لبطلان الاجارة و لما امتنع الموجر عن التَّسليم يحدث للمستاجر خیار تعذر التسليم ليس إلّا .

ص: 333

والصّحيح الموافق للبرهان هو الثّانى ، أما إختيار ألفسخ فلانّه يثبت بخيار تعذر التسليم الناشئ من الالتزام الضّمنى وقد تقدم تفصيله و أمّا إختيار أخذ أجرة المثل عن الموجر لانّه إذا منع عن إستيفاءِ المستأجر يكون كمنع الظّالم و ألغاصب فيشمله دليل الاتلاف و هو موجب لاجرة ألمثل و لو نوقش في صدق الاتلاف فلا أقَّل من شمول قاعدة أليد الموجبة لثبوت أجرة المثل .

الثّاني : أنَّه إذا تعلقت الاجارة على الكلى و سلّمه الموجر باعطاءِ فرد منه للمستأجر فتلف ألفرد الخارجى قبل القبض أو بعده و قبل ألاستيفاءِ هل تبطل ألاجارة حينئذٍ لصدق قاعدة ألتلف قبل القبض أو يقال ببطلان الوفاءِ أىّ أنَّه تلف وفائى لا بدَّ من ألوفاءِ ثانيًا ذ صاحب الجواهر ( رحمه الله ) إلى الثّانى وأستشكل عليه المحقق الاصفهاني بانَّه لا وجه لبطلان الاجارة لانَّها تعلقت على الكلى و هو ذو أفراد كثيرة و تلف ألفرد يكشف عن عدم كونه مصداقاً للكلى واقعًا فانّه مال تلف من صاحبه لا يرتبط بالكلى و بهذه الاجارة فلابدَّ للموجر من تسليم فردٍ آخر .

و لكنّ ألا نصاف أنَّ هذا مؤاخذة على ألتعبير لانَّ مقصود ألجواهر من بطلان الوفاءِ ليس إلّا ما ذكره المحقق الاصفهاني من كشفه عن عدم گونه مصداقا له و أنَّ هذا الوفاءُ لاوفاءٌ من ألأوَّل .

تعيين المحمول :

قال في الشرايع

( ولا بدَّ من تعيين ما يحمل على الدّابة إمّا بالمشاهدة إلخ)

وقد نتكلّم هنا في مقامين : الأوَّل في الامارة على التعيين والثاني في مقدار التعيين .

أمّا ألاول فنقول فيه إنّه لا ريب عند الكل أنَّ العلم الوجداني بمتعلق الاجارة كاف فى صحتها و أنَّ البينة تقوم مقامه عرفًا وشرعاً و هكذا يكفي فيها ذكر الاوصاف، نعم يشترط فيه أن يكون الوصف رافعاً

ص: 334

للغرر فلا يكفى فيها ألاوصاف العامّة و أمّا ألمشاهدة فقد إختلفوا فى كفايتها فقال جماعة بعدم كفايتها فى البيع بل لا بدَّ فيه من معلومية المقدار ونحن نرى أنّ المشاهدة لو صارت موجبة لرفع الغرر تكون كافية وقد قال العلامة ( ره ) فى التذكرة إنَّ المشاهدة في ألاجارة أعلى الطُّرق و أمّا الحدس و التخمين فقد ذهب بعض إلى كفايتهما في الاجارة . و ألتَّحقيق أنَّ الجهل و الشك فى ألعين المستأجرة يتصور على أنحاء ثلثة :

الاوَّل : ألشك في الوجود بان يشك فى وجود العين المستأجرة فيكون جهلاً بالموضوع .

الثّاني : ألشك فى مقدار المنفعة كان إستأجره لبناية دارٍ و لم يعلم مقدار ما يبنيه الاجير مثلاً .

الثّالث : الشك فى المنافع الخفيّة الاخرى فيما إذا كانت ألاجارة على جميع المنافع .

أمّا ألشك في الوجود فهو يرجع إلى الشك في موضوع الاجارة و يكون تمام ألموضوع للبطلان لا من جهة ألغرر بل لانَّ المعاملة سفهية لدى ألعرف مع الشك في ألموضوع ونظيره كون ألشك و ألجهل في ألحكم الشرعى تمام الموضوع لحرمة إستناده إلى الله تعالى .

وأمّا ألشك في ألمقدار أو ألمنافع الخفيّة فلهما حكم واحد و هو أنَّهما إن كانا مما يتسامح فيهما ألعقلاءُ والعرفُ فلايضر الجهل بهما في صحة الاجارة . ومعنى التَّسامح فيه أنَّهم لا يعتنون بمقدار التفاوت وإن علموا به كما إذا كانت تفاوت سرعة الفرس مع فرس آخر خمسة كيلو مترات في الساعة الواحدة مثلاً فنرى أنّهم يتسامحون في هذا المقدار من التفاوت و ما قاله الشيخ الانصارى ( رحمه الله ) من أنَّ الشارع لما نهى عن ألغرر منع عن التَّسامح دفعًا للتشاحِّ فمدفوع بانّ التَّسامح الممنوع هو الذى يفرق فيه بين العلم والجهل عند العرف و أمّا الذى

ص: 335

يتساوى فيه العلم والجهل فى التَّسامح فلا يوجب الغرر قطعًا .

وهناك قسم رابع للشك و هو أن يكون الجهل في ألا وصاف التي يتعلق بها الغرض ألعقلائى على نحو الداعى أو الغرض المعاملى .

أمّا الاوَّل فالدواعى هى الاغراض الشخصية الداعية إلى المعاملة و ليست أغراضًا معاملية ولهذا لا يضر التخلف فيها و ألجهل به بالمعاملة كاشتراءِ القماش لللبس و ألدار للسكنى و ألدابة للركوب و نحو ذلك و ألوجه فى ذلك أنَّ تتبع أغراض الافراد خارجاً غير معقول وممتنع عادة لعدم إنضباط دواعى ألاشخاص في المعاملات هذا مضافاً إلى أنَّ العوض إنَّما يقع بازاءِ ألمعوض لا بازاء الدواعى الشخصية .

وأمّا الثّانى فهى الاغراض التى يتعلق بها المعاملات نوعًا عند ألعرف و العقلاءِ كالذكورة وألانوثة فى الحيوان كما إذا آجر ألحيوان للمسابقة فلابد من تعيين أنّه ذكر أو أنثى وإلّا فلا كما إذا آجره للحمل حيث لا فرق بين الذكورة وألا نوثة فى ذلك و الدليل على لزوم ذكر ألاوصاف الدَّخيلة فى الاغراض المعامليّة هو الالتزام الضمني المعاملى لدى عرف ألمعاملة بدخالة تلك الاغراض في المعاملات النَّوعية . ثم إنَّ العلم بالمنفعة هل هو شرط لصحة الاجارة أو الجهل بها مانع عنها فعلى الأوَّل يكون الاحراز لازماً فيلزم ألعلم بجميع خصوصيّات ألمنفعة عند الشك فى كون الجهل بها أو ببعضها موجبًا للغرر كما هو الشَّأن في جميع الشرائط وعلى ألثّاني يكفي في صحة الاجارة أصالة عدم ألمانعية وهذه قاعدة عامة في جميع موارد ألشك في الشروط وأنّ أحد الضدين شرط فيحتاج إلى الاحراز أو الضدُّ الآخر مانع يكفى فى نفيه أصالة ألعدم . ولا يختصُّ ذلك بباب المعاملات بل يجرى فى العبادات أيضاً كما يقال إنَّ كون لباس ألمصلى مما يؤكل لحمه شرط لصحة ألصلوة فيحتاج إلى الاحراز أو إنَّ مالا يؤكل لحمه مانع عن صحتها فيجرى أصل ألعدم لدى الشك و هكذا يقال

ص: 336

بالنسبة إلى الصَّلوة في الميتة فان كانت الصلوة فى المذكّى شرطاً لابدَّ من إحرازه بالعلم وإن كانت الميتة مانعًا عن صحتها تكفى فيا أصالة عدم ألمانع . و هكذا. هذا بحسب ألثبوت و أمّا الاثبات فنقول إنَّ الظاهر من ألنهى عن ألغرر هو كون نفس الغرر مانعاً عن صحة المعاملة لا أنَّه إرشاد إلى لزوم الاحراز بالعلم و لذا تجرى أصالة العدم لدى ألشك حكميَّةً كانت الشبهة أو موضوعيّةً .

لا يكفى إشتراط حمل ألزّاد مالم يعيِّنه وإذا فني ليس له حمل بد له مالم يشترط

نعم يمكن أنْ يقال إن النّهى عن ألغرر ليس تعبُّديًّا غير م الملاك بل هو إرشادىٌّ كما تقدم وإن أبيت إلّا عن كونه تعبُّديًّا فلا أقلَّ من كون ألملاك معلومًا فيه إذ علة ألنهى عن ألغرر هو لزوم التَّساوى في ألمالَّية بين ألعوض والمعوض . وحينئذٍ فلولم تكن ألمنفعة معلومة بجميع خصوصياتها لا يعلم أنَّها وقعت في مقابل ألعوض بالتساوى وإنْ شئت فقل إنه يشترط فى صحة الاجارة العلم بالتَّساوى بين العوضين ولا بدَّ لدى ألشك إحراز ألمنافع الخفيّة وغيرها بالعلم . هذا ولكن التَّحقيق عدم وصول النَّوبة إلى الشك فيها لدى العرف لانَّ لزوم التساوى فى ألماليَّة ليس إلّا التَّساوى المبتنى عليه السّوُق في المعاملات و من المعلوم أنّ هذا المقدار من التّفاوت و ألاختلاف ليس عند ألعرف موجبًا لا زياد القيمة ونقصانها بل لو قلنا بلزوم العلم بجميع الخصوصيات لتوقفت المعاملات و تعطّل ألسّوق .( ولا يكفى إشتراط حمل الزّاد مالم يعيِّنُه وإذا فنى ليس له حمل بد له مالم يشترط ) كما في الشرايع و المقصود منه أنّه لا يجوز له حمل ألزّاد على ألدابة إلّا إذا إشترط ذلك وإذ اخلص ألزاد فى أثناءِ الطريق ليس له إبداله من دون الشَّرط، والتحقيق في المقام أنَّه إمّا أن يكون هناك تعارف وعادة على أنَّ من يستأجر الدابة له ألحمل عليه بكلّما يحتاج إليه في سفره كما هو الغالب في عرف ألعالم فتحقق حينئذ إشتراط الحمل بنحو الالتزام ألضمني ، وإمّا أنْ لا يكون كذلك و لكنه كان حمل جامع ما يحتاج إليه

ص: 337

في سفره من الزاد متعارفًا فهو وكذا لو إشترط جامع الزاد وإن لم يكن هناك تعارف و لم يتحقق إشتراط الجامع فيصح قول صاحب الشرايع من أنّه لا يمكن إشتراط حمل ألزاد مالم يعينه لكن ألا نصاف وجود التعارف والعادة في الاجارات الدارجة في العالم .

إجارة مركوب للرّكوب عليه متناوباً :

و يجوز أن يستأجر إثنان جملا أو غيره للعقبة و يرجع في التناوب إلى العادة . ذهب فى الشرايع ( رحمه الله ) إلى جواز إجارة الحيوان لاثنين بان يركبه هذا و ذاك على التناوب لكن الكلام في كيفية التناوب وأنَّ أيًّا منهما يتقدم في الركوب فنقول إنَّه لوكان هناك تعارف على تقديم أحدهما فيتبع و إلّا فيقرع بينهما . وإستشكل عليه بعض من أنَّ القرعة إنَّما تكون فى مورد الجهل والجهل بالمعاملة غرر مبطل لها ولذا ذهب إلى إشتراط التناوب .

ونحن نقول في جوابه مع توضيح لموارد ألقرعة إنَّها تجرى فى مواضع ثلاثة :

ألاوَّل: فيما كان له واقع محفوظ في نفس 1 و لكن لا تعين له في الخارج كما في الموطوئة فى قطيع من الغنم فهنا واقع محفوظ لوجود الموطوئة يقينًا لكن لا علم لنا تفصيلاً إلى تعيينها فحکم بعض ألقدماء إلى القرعة في مثله .

الثّاني : فيما إذا أردنا تعيين ألكلى في ألفرد فمثلاً إذا كانت ألدّار مشتركة بين نفرين بالاشاعة و أردنا إفراز حصتهما فبعد ألافراز يحتاج إلى القرعة لكن لا لأنَّ حصة كل منهما معلومة في نفس ألامر و نجهل بها و نتوسل إلى القرعة لتعيينها بل لتطبيق حصةِ كل منهما على الخارج وبالجملة كل منهما شريك فى النصفين على نحو سواءِ و الاحتياج إلى ألقرعة إنّما هو لتعيين الحصّة المشاعة و تسمى هذه

ص: 338

بالقرعة اللازمة.

الثّالث : فيما إذا أردنا تطبيق الكلى على الفرد من دون لزوم في التعيين ويسمّى ذلك بالقرعة المستحبة كما إذا أوصى بان يعتق أحد عبيده أو يعطى داره لاحد السّادة مثلاً فللوصى أن يعتق زيدًا أو يعطى ألدار لسيد خاص من دون ألقرعة لكن الشارع جعلها مستحبة جبرًا لكسر القلوب حتى لا يقول أحد لِمَ لَم يعتقني و أعتق غيرى أو لَم يعطنى و أعطى لغيرى و هكذا و منه ظهر الجواب عن الاشكال المتقدم إذ هذا المقدار من الجهل فيما كان له واقع محفوظ لا يضر بالمعاملة بل لان تناوبهما ليس دخيلاً في ما ملَّكه الموجر لهما بالاشاعة و هو المنفعة الرُّكوبية .

موارد ضمان الدابَّة:

وإذا إكترى دابةً فسار عليها زيادة عن ألعادة أو ضربها كذلك أو كبحها باللجام من غير ضرورة ضمن توضيح ذلك أنَّه لو سار على الدابَّة زيادة على ألمتعارف أو كبحها أو ضربها أكثر من ألعادة فهلكت أوحصل نقص فيها فيضمن بلا إشكال فيه نصاً وفتوى فانه يدل عليه مضافاً إلى قاعدة ( من أتلف ) الرّوايات ألخاصة الدالة على أنَّه لو تعدى على ألحيوان و تلف يضمن.

نعم يقع الكلام فى الضرب مثلاً لو كان على النحو المتعارف و توقف عليه إستيفاءٌ المنفعة منها فربما يقال بالضمان لقاعدة من أتلف إلّا أنَّ المتاخرين كافة قد ذهبوا إلى عدم الضمان كما هو مختار الشيخ ( رحمه الله) فى المبسوط و الخلاف والعلامة ( رحمه الله ) فى التذكرة والقواعد و التحرير و المحقق الثّانى ( رحمه الله ) فى شرح القواعد و الشَّهيد الثّاني (ره ) فى المسالك وعلَّل المحقق الكركى ( رحمه الله ) فى جامع المقاصد عدم الضمان بكونه مقتضى ألاصل فانَّ الاصل برائة ذمة المستأجر عن العهدة

ص: 339

و أنَّ هذه ألامور ( الضرب و ألكبح المتوقف عليهما الاستيفاءُ) ونحوهما مقتضى العقد فكانَّه مأذون فى ذلك من قبل المالك صريحًا . هذا و أنت خبير بانّ ألاصل لا يجرى عند وجود الدليل وهو قاعدة من أتلف و لتوضيح مراده و تحقيق أصل ألمطلب نقول : إنَّ تلف العين - والمقصود منه أعم من تلف ألكل و البعض و حصول النقص في بعض أوصافه - يكون على نحوين :

الاوّل : أن يكون ألتلف من لوازم نفس الانتفاع بحيث لا يتحقق الاستيفاءُ بدونه كما فى شرب اللَّبن من المرضعة أو فلول ألماكنة و السَّيارة ونحوهما فانّ إستيفاءَ المنفعة منها بنفسه موجب لاستهلاك شيئٍ من ألعين المستأجرة . فبالطَّبع يكون هذا النوع من ألتلف لازمًا لتمليكه ألمنفعة و لا ينفك عنه بحيث لو لم يأذن ألمالك له يكون مناقضًا لتمليكه ألمنفعة ، و لذا نقول إنّ هذا النوع من التلف خارج عن محل ألبحث و لا يمكن لأحد أن يقول بالضمان هنا لانه تلف قهرى وإستهلاكيّ يلزم من نفس ألا ستيفاءِ.

الثّانى : أن لا يكون ألتلف لازماً للاستيفاءِ دائماً بل يحصل بنحو القضية الحينيّة بأن تكون حصة من ألاستيفاءِ مستلزمة للتلف أو النقص ففى هذا القسم يمكن القول بانَّه أيضًا من مقتضيات العقد ولا يضمن فيه المستأجر بتقريب أن يقال إنَّ العقد له مدلول مطابقى و هو تمليك المنفعة بالعوض و مدلول التزامى بنائى و هو ألا لتزام بتسليم ألعين لجهة ألاستيفاءِ فيما إذا كان - مركز إستيفاءِ المنفعة هو العين - فالاستيفاء من جهة تعلقه بنفس المنفعة التى تكون ملكاً للمستأجر لا يحتاج إلى إذن ألمالك و من جهة تعلقه بالعين و أنَّه لا يمكن بدونها يحتاج إلى إذن ألمالك فله إضافتان إضافة إلى المنفعة و هي مملوكة له و إضافة إلى العين و حيث أنَّ ألاستيفاءَ لا يمكن بدون ألعين فلاجرم يكون ألمالك مجبورًا على تسليم العين بمقتضى الالتزام الضمني

ص: 340

و للمستأجر أنّ يتصرف في العين لجهة إستيفاءِ المنفعة منها سواءٌ توقف ألاستيفاءُ خارجاً على الضرب و ألكبح ونحوهما أم لا ، و لعلَّ إلى ذلك ينظر المحقق الكركى ( رحمه الله ) حيث يقول إنَّ هذه الامور من مقتضيات العقد فكانَّة مأذون فيها صريحاً فيكون مقصوده أنَّه يستكشف من توقف الاستيفاءِ على ألتلف و لزوم تسليم العين بمقتضى الالتزام الضمني رضى ألمالك على هذا النوع من التلف .

و من هنا ظهر أنَّ مجرد توقف الاستيفاء على ألتلف لا يكون برهانًا ألضمان بل لابد من إستكشاف رضى ألمالك إذ لا ملازمة بين توقف الاستيفاء على شيىء وعدم ضمانه كما هو واضح .

و إستدلوا على عدم ألضمان بامور :

الأوّل : أنَّ ضرب الحيوان في المقام جايز شرعًا و إذا جاز تكليفًا إنتفى الضمان وضعًا . وفيه ما تقدم مرارًا من أنَّ ألجواز التكليف لا يلازم عدم ألضمان فانَّ الشارع قد يُجوِّز الشیيءَ بل يوجبه و ألضمان يبقى بحاله كما أنَّ المرأة يجب عليها لإعطاءُ الَّلبن الاوّل للصَّبى ومع ذلك يكون لها حق مطالبة الزوج بقيمة الّلبن وكما فى ألاكل في المخمصة الجائز شرعًا و ألموجب للضمان شرعًا أيضًا من دون منافاة بينهما قطعًا.

نعم إذا أهدر الشّارع ماليةَ شيىءٍ كالخمر فلايكون منه ضمان لو أتلفه شخص كما هو واضح .

الثّاني : وهو أعجب من سابقه و هو أنَّ الضارب للدابّة مثلاً محسن لانَّه يستوفى المنفعة منها وفيه مالا يخفى فانّ إستيفاءَ ألمنفعة لنفسه لا يسمى إحسانا للدّابة.

نعم يحسن هذا الاستدلال بالنسبة إلى رابض ألدابة و معلم الطفل حيث أنَّهما محسنان وليس عليهما ضمان لقوله تعالى فما على المحسنين من سبيل و السبيل هو الوزر ، و ألضمان وزر هذا إذا لم يكن منهما تعَدِّأ و تفريط ولا سيّما إذا كان المعلم للطفل وليّاً كالأب و ألجد

ص: 341

ولذا نعتقد بعدم وجوب ألدّية عليهما أو غيرهما ممن كان معلّمًا و مؤدّباً للطفل فيما إذا ضربه على النحو المتعارف و كان مما يتوقف عليه التأديب و من الغريب ما صدر من بعض من نسبة لزوم ألدية فيه إلى الاصحاب ولعلَّهم إنَّما قالوا بلزومها فيما كان ألضرب خارجًا عن حدِّالمتعارف .

إجارة العقار بالمشاهدة:

و لا يصح إجارة العقار إلّا مع ألتعيين بالمشاهدة. لا إشكال فى جواز إجارة العقار سواءٌ كانت للزراعة أو لمنافع أخرى ولابد من كونها معينة إمّا بالمشاهدة و إمّا بتوصيفها بما يرفع ألغرر .

وقد استشكل صاحب الشرايع في إجارة العقار اذا كانت على نحو الكلى في الذِّمة وعلَّله بانه متضمن للغرر وأورد عليه في المسالك بأنَّ ألوصف إذا كان رافعاً للجهالة فلا يبقى ألغرر فارتفاع ألجهل بالتوصيف و بقاءُ ألغرر ليس إلّا جمعًا بين المتنافيين وأجاب عن ايراد الشهيد ( رحمه الله ) صاحب الجواهر بأنَّ تكثير ألا وصاف موجب لعزَّة الوجود و قلَّته و ذلك موجب للجهل بوجوده و هو غررٌ هذا ، وقد تقدم منا أنَّ كل وصف كان دخيلاً في ألمالية أو الغرض المعاملى لا بد من ذكره و مالا يكون ذكره دخيلاً في مالية ألمنفعة أو ألغرض المعاملي يكون ذكره لغوًا و من المعلوم أنَّ ألا وصاف التي يجب ذكرها ليس بذلك ألحد الموجب لعزَّة الوجود .

و بالجملة قد تقدم أنَّ اللازم هو تساوى ألمالية بين العوضين وإنَّما يجب ذكر ألا وصاف لاجل إحراز التساوى بينهما ومن هنا ظهر أنَّ تعيين الصانع و أوصافه فى النجارة و الخياطة ونحوهما غير لازم إذا لم تكن في الصناعة ألمتعامل عليها خصوصية مرغوب فيها في المعاملة وكانت بحيث لا تتحقق إلا من صانع خاص .

ص: 342

تعيين ألارض لحفر البئر:

( ولو إستاجر لحفر البئر لم يكن بد من تعيين ألارض و قدر نزولها و سعتها ) و ذلك لانَّ المعلوم إختلاف الآبار في الحفر وفى كيفية حسب إختلاف ألأمكنة . فربما يكون الارض يحفر فيها ألبئر بيوم و قد يحفر بيومين و هكذا تختلف آلابار من جهة النُّزول من السّعة و ألضيق ففي كل ذلك يجب رفع الغرر بالمشاهدة أو بالوصف ألرافع له .

و لو إستأجره لحفر البئر و إنفسخت الاجارة في الاثناء إمّا بالخيار أو بتعذَّر ألحفر أو بغيرهما يرجع من الاجرة بالنسبة فاذا آجره لحفره بئراً طوله و عرضه و عمقه عشرة أذرع فحفر بئراً طوله و عرضه و عمقه خمسة أذرع كان له ثمن أجرة المسمّى لان نسبة مضروب ألاخير إلى ألاوَّل نسبة السدس إذ هو 125 و الاول 10000 ( قال في الشرايع يجوز استيجار المرئة للرضاع -مدة معينة باذن الزَّوج الخ ) أمّا صحة إجارة المرئة للرِّضاع فبالادلة الآتية

إستيجار المرأة للرِّضاع

الاوَّل : ألاجماع فعن التذكرة دعوى إجماع أهل العلم بالنِّسبة إلى الرضاع تارة و بالنسبة إلى الحضانة و ألرضاع أخرى وبالجملة لا إشكال في إنعقاد الاجماع على جوازها لكن قد تقدم أنَّ ألاجماع إذا كان محتمل ألمدركية لاحجية فيه بما هو إجماع فضلاً عن مظنون ألمدركية أو مقطوعها ولقد نرى أنَّ المجمعين إستدلوا على ألجواز بأدلة أخرى غیر الاجماع كما يأتي .

ألثّاني : أنَّ الحاجة ألنوعية تقتضى جواز هذه الاجارة فانَّ ألناس غالباً يحتاجون إلى المرضعة مع العلم بانَّها لا ترضع مجاناً .

وفيه أنَّ الاحتياج إلى الارضاع و وقوعه في الخارج مسلَّمٌ لكن لزوم كون ذلك على نحو ألاجارة أو ألصلح أو بهبة معوضة أو بغير ذلك فمعلوم ألعدم أو فقل إنّ الحاجة ليست مشرِّعة ولا تجعل اللّاجارة اجارة .

ص: 343

الثّالث : الآيَة الشريفة و هى قوله تعالى ( فان أرضعن لكم فآتوهن أجورهن ) دلت الآية صريحًا بوجوب إعطاءِ الاجرة في مقابل الارضاع و هو معنى صحة الاجارة .

و قبل الشروع في الاستدلال على صحة إجارة ألمرأة للرضاع لا بأس بالاشارة إجمالاً إلى الاشكالات التي أوردوها على صحتها فنقول قد وقع الاشكال في إجارة المرأة للرضاع و فى نظائرها من إجارة البئر للاستفاءِ و الشجر للثمر و المملحة للملح و ألشاة للبن بعدم وجود المنفعة و ألجهل بمقدارها وأنّ الاجارة لنقل المنافع ، و المذكورات تفيد نقل العين و من هنا إلتجأوا فى إثبات صحة إجارة المرأة للارضاع إلى ألتمسك بالتعبُّد تارة و بالحاجة ألنوعية أخرى فذهب بعض إلى أنَّ الاجرة تقع في مقابل فعل ألمرأة واللَّبن تابع فحدث منه سئوال و هو أنَّه ما هو المملِّك للّبن حينئذٍ وزاد صاحب الجواهر إشكالا آخر و هو أنَّه قد لا يتحقق فعل من ألمرأة كما إذا إرتضع الطِّفل في حال نومها بل المقصود الاعظم من الاجارة هو اللَّبن ليس إلّا و ذهب صاحب المسالك إلى كونها حقيقة مركبة من تمليك العين و العمل و يرد عليه أنَّه ليس لنا حقيقة مركبة فانّ المعاملة إن تعلقت بالعين فهى بيع و إن تعلقت بالمنفعة فهى إجارة و لا معنى لكون شيىءٍ بيعًا و إجارة معًا إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى تحقيق ألمقام و لنقدم لذلك توضيح الآية الشريفة ألتي إستدل ألكل لصحة إجارة المرضعة للرضاع بها و نقول : الارضاع إنَّما هو عبارة عن عملٍ مولِّدٍ للعين إذ هو مأخوذ من مادة ( رض ع ) وهذه ألمادة قد أشرب فيها ألعين الخارجي و هو اللَّبن فالرضاع مصدر حدثى يتضمن ألعين فانَّ المصادر على أقسام ثلاثة :

الأوَّل : ما يكون له معنى حدثى ليس إلّا كالضرب و ألمشى ونحوهما.

الثّاني : ما يكون مادته جامدة محضًا كالتحجر و التبلور و الشَّحّام

ص: 344

و التَّمّار و نحوهما من المصادر الجعلية ولذا لا تشتق منها جم المشتقات .

الثّالث : ما يكون له معنى حدثى لكنه يضاف إلى ألجوهر أى ألعين الخارجي كالتَّدهين و ألاسباغ والاصباغ و التطهير و ألتقطير و العصر و نحو ذلك و هو كثير . و ألارضاع من هذا القبيل فانَّه هذا القبيل فانه معنى حدثى متضمن للعين ولا ينافي ذلك، المعنى الحدثى فانَّ قوله تعالی ( أرضعن ) ليس معناه أن المرأة جعلت التَّدى في فم الطّفل وهو إمتصَّ منه من دون اللبن بل معناه أنَّ الطّفل قد شرب اللَّبن با رضاعها بل هو المقصود الاعظم من ألارضاع كما تقدم عن الجواهر فيكون قوله تعالى ( أرضعن ) بمعنى أشربن اللَّبن من ثديهن و من البديهي أنَّ ألغرض الاصلى من الرضاع ذلك لا الامتصاص من ثدى خال عن الَّلبن كما أنَّ لشرب اللبن على نحو الامتصاص أثر غذائى ليس فى الشرب من ألكاس ولذا يكون الارتضاع من الثدى موجباً لنشر ألحرمة دون شرب اللَّبن بما هو لبن فللارتضاع خاصية أخرى و هي كونه دخيلاً في الاعتداءِ وأنَّه ذو أثر صحّيٍ غذائي ٍأكثر من ألشرب من ألكاس . ثم ليس لارضاع المرأة بما هو فعلها دخل في إرتضاع ألطفل للتغذية فلايشترط كون المرأة متصدّية لا رضاعه بل لو فرضنا أنَّ ألا رتضاع حصل في حال نومها تشمله الآية أيضًا باطلاقها و بالجملة فاطلاق الدليل أوَّلاً و مناسبة ألحكم و ألموضوع ثانيًا وتضمن ألمعنى الحدثي للعين الخارجي ثالثاً یدُلُّ كل ذلك على جواز إجارة المرأة للرضاع أيضًا كالارضاع فلا يمكن الاشكال في صحتها كما أنَّه لا إشكال في صحة إجارة الفح للضّراب للروايات الكثيرة الدالة على صحتها و إن أستفيد من بعضها ألكراهة كما هو المشهور من حيث ألفتوى أيضًا ولا منافاة بين بين صحة الاجارة من جهةٍ وكراهة ذلك ألعمل من جهةٍ أخرى كما في الأكفان فالمعاملة تكون صحيحة نافذة من جهة اشتمالها على الشرائط

ص: 345

الوضعية ألمقتضية للصحة و مع ذلك يمكن كونها مكروهة تكليفاً لبعض المصالح المقتضية للكراهة إذا عرفت ذلك . فاعلم أنَّ ألاجارة من حيث تعلقها بعين من الأعيان الخارجية تنقسم إلى أقسام ثلاثة :

حاجة بعض الاعمال كالخياطة إلى الاعيان كالخيط

الاوَّل : ما كان العمل محتاجًا في تحققه في الخارج إلى عينٍ من الأعيان كالخياطة المحتاجة إلى الخيط والكتابة إلى الحبرو القَلم و الاصباغ إلى الصبغ والتدهين إلى ألدهن و هكذا و لم يستشكل أُحد فى هذا القسم لانَّ الاجارة ليست فيه متعلقة بالعين كالخيط مثلاً بل تعلقت بالعمل بمعناه الحدثى لكن تحققه في الخارج يحتاج إلي ألعين.

ألثّاني : ما كان تلف ألعين مسبَّباً عن إستيفاءِ ألمنفعة فيما كان ألاستيفاءُ مستلزما للاستهلاك و ألتَّلف وقد تقدم عدم ألضمان فيه .

الثّالث : ما تكون الاجارة مستلزمة لملك ألعين أو تلفها مقترنًا بالاستيفاءِ كالاستحمام المستلزم لصرف ألماءِ وقد وقع النزاع في هذا القسم دون ألاولين . و من هذا القبيل إجارة ألمرأة للرضاع و ألفحل للضّراب وقد تقدم عدم الاشكال فيهما فتوى و نصًا ومما وقع ألا شكال فيه هو إجارة ألشاة للَّبن فذهب بعض إلى عدم جوازها بعد الاتفاق على جواز إعارة المنحة وحكمهم بوحدة ألموضوع فيها و في الارضاع فانّ الموضوع فيها و هو ألحلب مساوق للارضاع و ألمقصود ألداعى إلى الاجارة و هو اللَّبن أيضًا مشترك بينهما و لكن التحقيق جوازها لان ألانشاءَ إنَّما تعلق بالمعنى الحدثى وإن كان الغرض من المعاملة هو ألعين أى اللَّبن الخارجى فيتعلق ألانشاءُ على ألحلب و وهو حيث وجودى قائم بثدى ألشاة و تدل على ألجواز الروايات الواردة في جواز إجارة المنحة كرواية محمد بن يعقوب عن أبيه عن إبن أبي عمير عن أبى المغرا عن ابراهيم بن ميمون أنَّه سئل أبا عبد الله (علیه السّلام) فقال نعطى الراعى الغنم بالجبل يرعاها وله أصوافها و ألبانها ويعطينا لكل شاة

ص: 346

دراهم فقال (علیه السّلام) ليس بذلك بأس فقلت إنَّ أهل المسجد يقولون لا يجوز لانَّ منها ماليس له صوف و لا لبن فقال أبوعبد الله (علیه السّلام) و هل يطيبه إلّا ذاك يذهب بعضه و يبقى بعض ، و نحوها مما ذكرها فى الوسائل باب 9 من أبواب عقد البيع و شروطه من كتاب التجارة و بعضها يدل بالصراحة على صحة إجارة الشاة و أنَّها معمول متداول و بعد كونها بهذه الصراحة والنصوصية فلا يلتفت إلى قول من يقول بعدم كونها ظاهرة فى ألجواز هذا مضافاً إلى أنَّ قاعدة ( كلما صحبت إعارته صحت إجارته ) تدل على ألجواز لصحة إعارة الشاة للانتفاع من لبنها بلا إشكال .

ثم إنَّهم ذكروا لتصحيح إجارة المرضعة و نحوها مما ترتبط الاجارة بالعين وجوهًا .

الاوَّل : ما ذكره المحقق أليزدى من أنَّ ألعين تُعَدُّ فى ألعرف منفعة في ألموارد المذكورة و فيه أنَّ ألعين و المنفعة متغايران لدى العرف مفهومًا ومصداقًا فلا يحسب ألعين منفعة ولا العكس .

الثّاني : أنَّ العين إذا كانت فى عين آخر كالحليب في ألثدى تلاحظ بلحاظين .

الاوَّل : ملاحظتها بما هي مندمجة فى عينٍ آخر و مرتبطة بها كربط الثمرة بالشجرة و ألحليب بالثدى فتكون تلك العين بهذه الملاحظة و الاعتبار منفعة تصح إجارتها .

الثّاني : ملاحظتها مستقلة بما هي موجود جوهری وجدت فی الخارج فتكون عيناً فى لحاظ ألعرف و يصح بيعها .

وفيه أنَّ اللحاظ لا يغيّر الواقع ولا يصيّر ألعين منفعة ولذا لو كان مصبُّ المعاملة هو نفس العين ولو مندمجة في عين أخرى يكون بيعًا صحيحًا غاية ألامر يحتاج حينئذ إلى ضمّ ضميمة ليندفع ألغرر كما نرى أنَّهم يبيعون ألف كيلوات من التُّفاح مثلاً من بستان معين مع عدم

ص: 347

وجود ألتفاح إلّا مأة كيلوات مثلاً فيضمون هذه ألمائة ألموجودة إلى تسعمأة مقدّرة التى توجد فى المستقبل و يكون هذا بيعًا لدى العرف و بالجملة فلابد و أن ينظر إلى واقع ما تعلق به ألانشاءُ فان كان عينًا فهو بيع وإن كان منفعة فاجارة و الاندماج في عين أخرى لا يكون فارقاً.

الثّالث : ما عن المحقق ألاصفهاني و هو أنَّ المنفعة عبارة عن الحيثية الكامنة في ذات العين الخارجية و ربما تكون تلك الحيثية مولّدة للعين كالمورد فانّ اللّبن فى ثدى ألشاة فيه حيثية قابلة للاستيفاء و هو حيثية الاحلاب المولّدة للحليب مثلاً فتكون صحة الاجارة من جهة أنَّه إنشأ تمليك حيثية ألا ستيفاء أى أستيفاء اللّبن من الشاة وأستيفاء ألماء من ألبئر وإن كان المستوفى هو ألعين فيرى المحقق الاصفهاني من الموارد الصحيحة إجازة المزئة للرضاع وألفحل للضراب والشاة للَّبن و ألبئر للاستفاءِ ولم يتعد منها إلى إجارة الشجر للثمر والمملحة للملح و ذهب إلى عدم صحة الاجارة فيهما معلّلاً بانَّ حيثية الاثمار في الشجر ليست إستيفائية لانّ الشجرة وإن كانت مثمرة وكانت في ذاتها حيثية مولِّدة للثمرة ولذا يقال أثمرت الشجرة لكنها ليست إستيفائية بل تحصل الثمرة بنفسها فهي حصولى لا تحصيلى والتحقيق في المقام أنَّ المنفعة لا بد وأن تكون متدرجة فى الحصول بحسب أصل ذاتها وأن تكون معنى حدثيًا وإن كان المعنى الحدثى مولّداً للعين ومملِّكاً لها للمستاجر فهذا ألمعنى الحدثى إذا تعلق بالذات وكان متدرجًا في الوجود بان كان مترقباً حصوله على نحو التدرُّج والاستمرار عُدَّ منفعة وصحت إجارتها ففى الشاة حيث تدريجى توليدى وهو حيثية الاحلاب ولماكانت هذه ألحيثية متجددة ومستمرة فى الوجود تصح باعتبارها ألاجارة و هكذا تجدد ألماء واستمراره من البئر وتجدد أللبن واستمراره من ألمرئة و لذا لواستاجر ألمرئة للرضاع عشرة أيّام واتفق عدم شرب ألطفل من لبنها

ص: 348

لمرض ونحوه صحت الاجارة وإستحقت ألمرأة الاجرة والسرُّ فى ذلك هو ما قلناه من أنّ مورد الاجارة إنما هو حيثية ألارضاع وهى معنى تجددى إستمرارى وهكذا نقول فى أرض المملحة فانَّ المنفعة فيها ليست هو الملح بما هو عين خارجي بل هي حيثية أخذ الملح منها وهي أمرحد ثى تجددى إستمرارى و لذا يصح الاشتقاق النحوى من دون تجوز في أمثال أمثالها كالاستقاءِ و ألاسترضاع والاستحلاب وغير هذه الهيئة من سائر الهيئات و من ألمعلوم لزوم وجود معنى حدثي في الاشتقاق النَّحوى و هذا كله فيما إذا أذن ألزوج لاجارة ألمرأة نفسها للرضاع وأمّا مع عدم ألاذن ففى المسئلة أقوال ثلثة :

إذا لم يأذن الزَّوج زوجته للارضاع

الاوَّل : عدم الجواز مطلقاً و إختاره الشيخ فى المبسوط والخلاف و العلامة في أحد قوليه و ألمحقق الكركى فى جامع المقاصد .

الثّاني : ألجواز مطلقاً وذهب إليه جمع منهم المحقق الاصفهاني .

الثّالث : التفصيل بين ما ينافى ألارضاع حق الزوج فلا تصح الاجارة و بين مالا ينافيه فتصح وذهب إليه الفاضلان والعلامة فى قوله الآخر وصاحب الجواهر .

ثم إنَّ للمسئلة صورًا ثلاث. ألاولى أن تكون ألاجارة قبل الزوجية. الثّانية : أن تكون بعدها و لكن قد وقعت الاجارة في حال غيبوبة الزوج أو مرضه فحضر أو برءَ فى ألأثناءِ . الثّالثة : أن تكون في حضور الزوج وصحته. إذا عرفت ذلك فاعلم أنَّ القائل بالبطلان مطلقاً إستدل عليه بأمرين :

الأوَّل : أصالة ألفساد في باب المعاملات فانَّ الاصل عدم ترتب الاثر في صورة ألشّك فى الصحة كصورة عدم إذن الزوج في المقام .

الثّاني : أنَّ جميع منافع الزوجة يكون مملوكاً للزوج فاجارة ألمرأة نفسها بلا إذن من الزوج تكون باطلة .

و ألجواب عن الاوّل أنَّ الاصل إنَّما يجرى فيما لم يكن فيه إطلاق

ص: 349

لفظى أو مقامى والاطلاق موجود في المقام فانَّ قوله تعالى ( أوفوا بالعقود ) و ( تجارة عن تراض ) يشمل باطلاقه كل معاملة صدق عليها عنوان المعاملة عرفًا وإن شك فى شرطية شيىءٍ أو جزئيته أو ما نعيته .

وعن الثاني : أنَّ الزّوجية إنَّما هى ربط إعتباري بين الزوجين و ليست معاملة أو تمليكاً للبضع و لذا تصح الزوجية فيما لو كانت ألمرئة يائسة مريضة لا تقدر على أىِّ عمل . فالزوجة ليست مملوكة للزوج لا بذاتها ولا بمنافعها و القائل بالصحة مطلقاً إستدل عليها كما عن المحقق الاصفهاني بأنَّ الزوج ليس له حق على الزوجة إلّا حق ألاستمتاع يجب على المرئة ألتمكين و هذا ألحق ليس حقًا إستغراقياً يستغرق تمام أوقات المرئة لوضوح أنَّه يجب عليها فعل ألصلوة و الصوم و تحتاج إلى ألاكل والشّرب و ساير الضروريات الحياتية كما أنَّ ألحقَّ المذكور ليس على نحو التَّرديد لعدم وجود ألمبهم فى الخارج و ليس أيضًا متعيّناً فی زمان خاص و نتيجة هذه المقدمات هو أن حق الاستمتاع إنَّما يكون على نحو ألكلى في ألمعين وقال بانَّ ألحق المذكور لا يتعين في ألفرد مالم يوجد في الخارج وليس تعيينه بيد الزوج لاستلزامه أحد الامرين إمّا إنقلاب ألحق المتعلق بالكلى إلى الفرد و هو محال وإمّا زوال ألحق عن ألكلى وحدوثه للفرد وإذا لم يكن للزوج حق التعيين تصح الاجارة ، نعم يحتمل ألبطلان من ناحية أخرى و هى أنَّه إذا وجب على المرأة ألتمكين حرم عليها ألارضاع فتكون منفعة ألارضاع محرمة ، أو يقال إذا وجب عليها ألتمكين فلا قدرة لها على تسليم ألارضاع .

و ألجواب عن الاوَّل أنَّ ألامر بالشيىء لا يقتضى ألنهى عن ضده فالارضاع ليس حرامًا وأنَّ القدرة المشروطة في المعاملات ما تكون رافعة للغرر المعاملى و هذه القدرة خارجية موجودة حسب الفرض لتمكن المرأة من عدم التمكين و إن وجب عليها . هذا ملخَّص ما أفاده .

ص: 350

و يرد عليه اوَّلاً النَّقض بالكلى فى المعين في سائر الموارد فانَّ تطبيق الكلى على الفرد بواسطة من عليه التطبيق هل هو من باب باب الانقلاب أو الزَّوال والحدوث فانَّ البايع مثلاً إذا عين الكلى في الفرد كان ألفرد مملوكًا بالفعل للمشترى فهل معناه أنَّه إنقلب ألملك عن الكلى إلى الفرد أو حدث ملك جديد في ألفرد بعد زواله عن الكلى و من المعلوم أنَّه ليس كذلك لانَّه ليس إلّا إزالة السّريان عن ملك الكلى كما تقدم في إفراز ألمشاع الذى هو إزالة الشيوع لا حدوث جديد بالنسبة إلى الحصة المفروزة بعد زواله عن الحصة المشاعة كما أنّه ليس إنقلاب الملك عن الحصة المشاعة إلى الحصة المفروزة .

و ثانياً و هو الحلُّ أنَّ ألفرد إنَّما هو عين الكلى بناءً على المذهب و وهو ألحق من عينية الكلى و ألفرد فى الحمل الشايع الصناعي لا أنَّ ألفرد مقدمة لوجود الكلى كما عليه ألمحقق ألقمى ( ره ) فحمل ألكلى على ألفرد بالحمل الشايع إنَّما هو بالاتحاد الوجودى و أنَّ أحدهما يكون عين الآخر وعليهذا فاذا أعطى الشارع حق تعيين ألكلى على ألفرد بشخص كان له تطبيقه عليه كما ترى أنَّ المديون إذا امتنع عن أداءِ دين بتطبيق ما في ذمته على الخارج و أجبره ألحاكم على ذلك فلم يطعه كان للحاكم الشرعى تطبيق الكلى على ألفرد كما له ذلك في تطبيق الكلى في ألمعين على ألفرد أيضًا، وفى ما نحن فيه قد أعطى الشارع حق تعيين حق الاستمتاع على زمان خاص بالزوج ولازم ذلك تعينه بتعيينه ولا يلزم منه ألا نقلاب أو حدوث ملك جديد أو فقل إنَّ القاعدة أى قاعدة كون حق التطبيق بيد من عليه ألحق وإن اقتضت كون حق الاستمتاع بيد الزوجة لكن الشارع هنا جعل ولاية التطبيق بيد الزوج ولا يلزم منه شيىءٌ مما ذكر . و تدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السّلام)(1)

ص: 351


1- الوسائل ، باب 79 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه حدیث 1

وفيها لا تمنعه نفسها و إن كانت على ظهر قتبٍ ، نعم صح دفع إحتمال بطلان الاجارة من ناحية استلزام وجوب ألتمكين عليها حرمة ألارضاع من عدم اقتضاءِ الأمر بالشيءٍ النهي عن ضده وعلى فرض تسليمه لا يوجب بطلان المعاملة كما تقدم توضيحه .

وكذا فى جواب عدم القدرة على التسليم من جهة حرمة الارضاع بانَّ المقصود من إشتراط ألقدرة على التسليم هو القدرة الخارجية التكوينية و أن إشترط ذلك في المعاملة انما هو لاجل إرتفاع الغرر.

حق الاستمتاع إستيفائيًّ ..

و ألقدرة الخارجية موجودة في المقام ويرتفع ألغرر بعصيان ألامر بالتمكين بل لنا أن نقول مضافاً إلى أنَّ ألكلى فى ألمعين ما يكون معلومًا في المقدار كصاعٍ من الصبرة مثلاً و ليس المقدار معلوماً في ألمقام كما واضح، يكون حقِّ الاستمتاع حقاً إستغراقيّاً و يستثنى منه ألواجبات الشرعية و الضروريات العرفية و ليس فيه محذور ، نعم ألذي إستقر عليه رأينا هو أنَّ حق ألاستمتاع حقٌّ إستيفائي نظير ألحق ألموجود فى ألاوقاف ألعامَّة بمعنى أنَّ من له الحق إذا تصدّى للاستيفاء يكون الحق قائمًا به . نعم فرق بينهما و هو أنَّ من له ألحق و هو ألموقوف عليهم كلىٌّ فى باب ألاوقاف ألعامة وشخصيٌّ فيما نحن فيه .

و بالجملة كلما تصدَّى الزوج لاستيفاءِ الاستمتاع يصبح فعليًّا وتكون ألمرئة مسلوبة الاختيار و ليس لها حق الامتناع كما دلت عليه ألصحيحة المتقدمة نعم لولم يكن فى صدر الرواية كلمة الحقوق لأمكن أن يقال إنّها وردت فى ألحكم التكليفى و هو حرمة الامتناع عن ألتمكين على الزوجة لكن الصدر باعتبار كلمة ألحقوق ظاهر في ورود الصحيحة مورد الوضع، وجهة الوضع: و هى مسلوبيَّةُ الاختيار عن الامتناع بالنسبة إلى الزوجة: مانعةٌ عن صحة الاجارة فتدل الرواية علی الحرمة الوضعية ، مضافاً إلى الحرمة التكليفية ومن هنا ظهر أنَّ ما يقال بأنّ ثبوت الحق على ما ذكرتم يكون تعليقيّاً مشروطاً بمشية الزوج

ص: 352

مدفوع بانَّ سنخ حق الاستمتاع سنخ حقٌّ إستيفائى فالشارع أعطى الزوج حق الاستمتاع بمعنى أنَّه أعطاه حقّاً إستيفائيّاً لا أنَّه جل ألحقّ في طول مشيته و الفرق واضح بينهما لانّ آن إنطباق ألحق خارجًا ، على ألزوجة هو أن إرادة الزوج الاستمتاع فهذا ألحق يكون فعلیًّا في كل زمان يتصدى الزوج للاستيفاءِ وحينئذٍ تكون الزوجة مسلوبة ألمنفعة ، نعم إذا لم يتصدَّ الزوج للاستيفاءِ فللزوجة كل ما أرادت و يكون منافعها لها ويجوز لها أن تخيط و تطبخ أو تشتغل بشغلٍ آخر من ألارضاع وغيره تبرُّعاً أو بالاجرة لانّها ليست مسلوبة المنافع بان تكون منافعها لزوجها .

إجارة المرأة نفسها للارضاع قبل الزَّوجيَّة

هذا تمام ألكلام فيما إذا اجرت نفسها للارضاع في حال الزوجية و حضور الزوج وصحته وأمّا إذا كان مسافراً فالحكم على مسلكنا واضح لانَّه مادام فى السفر ليس متصدّياً للاستيفاءِ من حقه فتصح الاجارة طبعًا ، نعم إذا اجرت نفسهاثم حضر الزوج فالاجارة بالنسبة إلى بقية ألمدة تكون موقوفة على إذنه فان أذن لها فهو وإلا فتبطل بالنسبة إلى بقية ألمدة إذا كانت منافية لحق الاستمتاع ، و أمّا إذا لم يكن ألارضاع منافياً لحق ألاستمتاع كما إذا كان موكولاً باختيار المرضعة أو كان معيّناً فی زمان خاص لا يصادف تصدّى الزوج للاستمتاع فالاجارة صحيحة لانّها ليست منافية لحقه ، نعم لو صادف ذلك الزمان تصدّى الزوج للاستمتاع بطلت الاجارة بالنسبة إليه فالمشهور و هو التفصيل بين المنافي للاستمتاع وعدم المنافى موافق للصناعة العلميّة .

و أمّا إذا كانت الاجارة قبل الزوجية بأن لم يكن لها زوج فاجرت نفسها إلى سنة ثم تزوجت بعد العدة. فالمشهور فيه صحة الاجارة لكونها سابقة على الزوجية و الشارع أمر بالوفاءِ بها حين ما كانت المرئة خليّة عن الزوج وقول بعض بأنَّ وجوب التمكين مطلق ووجوب الوفاءِ بالاجارة مشروط بالقدرة فيكون الاوَّل مقدَّمًا على ألثاني مدفوع بانَّ

ص: 353

وجوب ألوفاءِ ليس مشروطاً بالقدرة شرعًا كما فى ألحج بالنسبة إلى الاستطاعة بل ألقدرة من الشرائط العامّة للتكليف عقلاً كما في سائر الواجبات ثم إنَّه على القول بصحة إجارة المرئة للارضاع هل يشترط مشاهدة ألصبي أم لا ففى الشرايع نعم . والسِّرُّ في الاشتراط هو إختلاف الاطفال فى ألصغر و ألكبر الموجب للاختلاف في شرب اللَّبن قلة وكثرة فيكون الجهل بخصوصيات ألصبى موجبًا للغرر . نعم يكفى ذكر ألاوصاف الرافعة للغرر كان يقول إنَّ الطفل يشرب في كل مرةٍ من اللبن هذا المقدار مثلاً وقد تقدم أنّه لا دليل لاشتراط ذكر الخصوصيات و لزوم ألمشاهدة إلا ألغرر فلو إرتفع بذكر ألا وصاف ألرافعة له صحت ألمعاملة بلا إشكال وليعلم أن إشتراط ألمشاهدة إنّما يصح فيما إذا كان الارضاع للصبي المعين أو كان ألارضاع بنحو ألكلى ولوحظ فيه الخصوصية فى المرتضع و إلا فلو لم تلحظ خصوصية فيه فلامعني للمشاهدة .

ثم إنَّه هل يعتبر في إجارتها للارضاع تعيين ألموضع أى محل ألارضاع ففى الشرايع فيه تردد و ذهب جمع كثير كالشيخ في المبسوط و العلامة و الشهيدين و المحقق الكركى رضوان الله عليهم إلى لزوم مشاهدة ألمحل لاختلاف الأغراض باختلافه و ألوجه في عدم الاشتراط أنَّ ألجهل بالموضع لا يوجب الغرر .

و التحقيق أنَّه لو ترتب غرض معاملى على تعيين المحل فلابدَّ من تعيينه وإلّا فلا موجب للتعيين .

فى موت المرضعة أو ألمرتضع و أنواع الاجارة حينذاك

ثم إنَّه لو ماتت المرضعة أو مات المرتضع فان كانت الاجارة خاصة من ألطرفين كان اجرت نفسها لارضاع طفل مخصوص بقيد المباشرة فحينئذ تبطل الاجارة قهرًا بموت أحد هما لانّه يكشف عن عدم المنفعة رأسًا كما تقدم نظيره فيما إذا إستأجر شيئًا فتلف قبل قبضه . و ألقول بثبوت خبار تعذر التسليم للمستأجر فى صورة موت المرتضع معلّلاً بوجود

ص: 354

ألمنفعة و قدرة المرضعة على الارضاع و إنَّما أوجب موت من يستوف المنفعة إنتفاءَ القدرة على التسليم ليس إلّا مدفوع بانَّ الرضاع يضاف إلى المرتضع و المرضعة معًا، وهاتان ألاضافتان مقيّدتان للمنفع فليست ألمنفعة مطلق الارضاع حتى يقال بوجودها بعد موت ألمرتضع بل المنفعة عبارة عن إرضاع هذا الطفل المخصوص حسب المفروض .

وإن كانت الاجارة مطلقة تعمُّ المباشرة و التسبيب أي كان مورد الاجارة كلىُّ الارضاع فلا تبطل الاجارة بموت المرضعة لكون المنفعة كليّة غير مقيدة بهذه المرضعة المخصوصة و لا موجب لبطلان الكلى مادام له فرد آخر موجود ثم هل تتعلق قيمة ألارضاع بالتركة أو نفس العمل أى ألارضاع فعلى ألاوَّل يجب على ألورثة أن يحسبوا أجرة ألمثل لبقية المدة و يعطوها للمستأجر من ألتركة وعلى ألثاني لا موجب لانتقال ألقيمة إلى ألتركة بل ينتقل إليها نفس العمل أى الارضاع فلابد لهم أن يستأجروا إمرئةً أخرى للارضاع وإن كانت قيمتها أقلّ من أجرة ألمثل . لانَّ ( ماعليه ) في قوله ( علیه السّلام ) إذا مات ألانسان حلَّ ماله و ما عليه في تركته أعم يشمل ألعين و ألحق و الذِّمّى مالاً أم عملاً ذامالية ثم إنَّه لو تعذرت المرضعة فالتعذر تارة يكون موقتاً وأخرى دائميًّا ففى الاوَّل يثبت للمستأجر خيار تعذُّر التسليم لكون ألصبر على الاجارة الى تيسر المرضعة ضرريّاً مضافاً إلى ثبوت خيار تخلف الشرط أيضًا لكون التسليم شرطاً ضمنيًّا في كل معاملة كما تقدم . و في الصورة الثانية تنفسخ الاجارة قهراً و لكن المحقق ألاصفهاني ذهب إلى عدم ألا نفساخ معلِّلا بانه لا معنى للتعذُّر و ألتلف في ألكلى . وفيه أنَّ ما لا تلف فيه إنما هو المساهيات المتقررة في وعائها و أمّا الكلى فى ألمعيَّن فيتصور فيه ألتعذر و ألتلف بتعذُّر أفراده الخارجية أو تلفها. و أمّا ألكلى الاعتبارى فانَّه لو تعذرت أفراده بالكلية أو تلفت بأجمعها فلامصحح لاعتبار الوجود له في وعد الاعتبار و هذا معنى تعذُّر الكلى

ص: 355

الذِّمى أو تلفه ولا بد أن لا يتوهم متوهم أنّا لا نعقل فرض الكلى في الذِّمة إذ الفرض بل ألا عتبار من دون مصحح خفيف المؤنة و ألمدار فى العرفيات بالنسبة إلى ألامور الاعتبارية إنَّما هو على وجود ألمصحِّح للاعتبار و العرف لا يعتبر الكلى الذى لا فرد له فتراه أنَّه لا يعتبر جبلاً من ألياقوت على نحو ألكلى فى أىِّ ذمة من ألذِّمم . فتدبره فانه نافع لغير المورد.

هذا إذا مات ألصبى أو المرضعة و أمّا إذا مات أبوه فلا تبطل الاجارة و هذا بديهى لا يحتاج إلى ألبرهان لأنَّ طرفى الاجارة إنَّما هما المرتضع و المرضعة ولا دخل لأبيهما في ذلك.

ولو إستأجر شيئًا مدة معينة لم يجب تقسيط الاجرة على أجزائهما و لا يجب بيان ذلك في العقد إذ لا يلزم من عدم ألبيان غررٌ سواءٌ كانت ألمدة قصيرة أم متطاولة و هذا بديهى ذكره في الشرايع لمخالفة بعض ألعامة في ذلك كالفرع السابق.

إستئجارُ ألارض ليعمل مسجدًا

( ويجوز إستئجار ألارض ليعمل مسجداً)

هل تجوز إجارة ألارض لان تجعل محلّاً للصلوة أم لا ؟. فذهب أبوحنيفه إلى ألبطلان معلّلاً بانَّ الصلوة فعل للمصلى وأفعال ألناس لا تكون مملوكة لأحدٍ حتى تقَع مورداً للاجارة لكن هذا ألتوهم بديهى الفساد لانَّ التمليك لم يتعلق بالصلوة التى هى فعل للغير، بل حيثية كون ألارض ممّا يُصلّى فيها ألناس، تكفى فى صحة الاجارة نظير سكنی الدار في إجارة الدار فانَّ السكنى بما هو فعل للساكن ليس مملوكًا لنفسه ولا متعلقاً للاجارة بل ما تعلق به الاجارة إنَّما هو حيثية سكونة السّاكن ( قابلية الدار للسكنى ) وبالجملة لا محذور في إجارة ألارض لتعمل مسجدًا أى محلّاً للصلوة .

ص: 356

إن قلت : وإن أرتفع الاشكال المتقدم بما ذكرتم لكن يأتي في ألمقام إشكال آخر و هو أنَّ الاجارة المذكورة لا يعود فيها غرض إلى المستأجر إذ ليس فيها إستيفاءُ المنفعة من قبله و حيث أنّ العقلاء لا يقدمون على الاجارة التى لا يعود المغرض منها إلى المستأجر تكون الاجارة المذكورة سفهية غير عقلائية و باطلة من هذه الجهة .

قلت : إنّ الاغراض ليست منحصرة بالفوائد الدنيوية بل ألمثوبات الاخروية و الآثار الوضعية من أهمِّ الاغراض عند العقلاء بل يمكن أن يقال إنَّ ألاحسان إلى بنى ألانسان ولا سيّما أهل ألايمان بنفسه غرض عقلائي فان كان ألنفع عائداً إلى المؤمنين كان أكمل بل ترى أنّ العقلاءَ يستأجرون منهلاً لرفية الحيوانات و شربهم من مائه فضلاعن أما يستأجرون لرفاه ألانسان فكيف باهل الايمان . مضافاً إلى أنّ الاجارة تصح بمجرد وجود الصَّلاح وعدم ألفساد فيها كما في رواية تحف العقول، والرواية وإن كانت ضعيفة ألسند، إلّا أنهَّا موافقة فى المضمون لبناءِ العقلاء المعاملى . بقى الكلام فى أنَّ الاحكام والآثار التي تترتب على المسجد هل تترتب على ألارض التى أستوجرت للصلوة أم لا ؟ و التحقيق هو ألثاني لانَّ تلك الاحكام كحرمة تنجيس ألمسجد و حرمة لبث ألحائض و ألجنب فيها و نحوهما إنَّما تترتب على ألعين أى ألرقبة الخارجية التي توقف للمسجدية أى ينشاءُ الواقف بيتمّها لله تعالى ولمّا لم تكن العين مملوكة للمستأجر فى ألمقام حسب المفروض فلاجرم لا يمكن وقف رقبتها ولا تترتب عليها الاحكام المختصة بالمسجد . و توضيح ذلك.

أنَّ حقيقة ألوقف كما يظهر من لفظه هو ايقاف العين و تسبيل المنفعة فحقيقته قائم بمعنى واحد و هو ألا يقاف لغرض تسبيل المنفعة ولا أقلَّ من كونه مركبّاً من أمرين وهما ايقاف العين و تسبيل المنفعة فيكون الايقاف جزاً لحقيقة الوقف و تسبيل المنفعة جزاً آخر وعليه فالمنفعة بما هي منفعة لا يمكن وقفها فانّ التأبيد و الدوام من لوازم

ص: 357

الوقف ولذا يلزم عدم إمكان إعتبار بقاءِ ألملك للمواقف في بعض الموارد مع أنَّه لا يتصور في المنفعة التى هى متدرجة الوجود التخليد والتأبيد و لهذا لا تكون ألارض المستأجرة لصلوة ألنّاس مسجدًا ولا تترتب عليها أحكام المسجدية ألتي تترتب على نفس العين الخارجية نعم للمستأجر أن يبيح التصرف للناس بأن يصلّون فيها . و من هنا ظهر أنَّ قول صاحب العروة تبعًا للأردبيلى بانّ ألمدة لو كانت طويلة كماة سنة تترتب عليها الاحكام المختصة بالمسجد دون ما إذا كانت ألمدة قصيرة كلام لا دليل عليه إذ لا معنى لكون ألارض المستأجرة مسجدًا مادام إختيار الرقبة بيد ألمالك و ألعين مملوكة له مضافاً إلى عدم الفرق بين طول المدة و قصرها إذا أمكن ترتب أحكام المسجد على ألارض المستأجرة .

إن قلت : صحة وقف الارض المفتوحة عنوة للمسجدية أمر إجماعي مع أنَّها أيضًا ليست ملكاً لاحد لعدم دخالة خصوصية ألاشخاص فيها بل هي ملك لكلىِّ المسلم كما يدل على ذلك صريح روايات ألباب كصحيح الحلبى و غيره .

حكم التَّصرف في الاراض المفتوحة عنوة

قلت : إنّ التصرف فى ألارض ألمفتوحة عنوة على نحوين :

الاوّل: التصرفات المبتنية على ملكية شخص خاص فهذا لا يجوز فى الاراضى المفتوحة عنوةً ولذا لا تجعل صداقاً و لا تورث و لا توهب وهكذا .

الثّاني : أن لا تكون التصرف مبتنية على ملكية شخص خاص كالوقف لعموم المسلمين مثلاً فهذا يجوز بلاكلام و لذا يجوز وقف ألارض ألمفتوحة عنوةً لتجعل مسجدًا لانّ ذلك الملكية العامَّة لا تبتنى على شخص خاص و توضیح ذلك أنَّ لسان تمليك ملك الاراضى للمسلم لسان ملكية أ لسِّعى بماهو سعىٌّ لا ألافراد بما هم أفراد فكل أثر يترتب على ملك ألفرد كالبیع و الهبة و الاصداق لا يترتب على الاراضى المفتوحة عنوة ًو أمّا الآثار العامَّة المترتبة على ملك السّعي بما هو سعىٌّ أى كلىِّ ألمسلم فيترتب عليها.

ص: 358

الإجارة الدَّراهم والدَّنانير

(و يجوز إستئجار الدَّراهم والدَّنانير إن تحققت لها منفعة حكمية مع بقاءِ عينها ).

ذكر الدَّنانير و الدَّراهم إنَّما هو من باب المثال و المقصود منه كلما ينتفع منه في بعض الاحيان كالحُلىِّ و الاحجار النَّفيسة واللّافتات و نحوهما مما يستفاد منه للتزئين مثلاً فيستفاد منه في زمان دون آخر . و التَّحقيق جواز إجارة هذه الامور لدلالة إطلاقات أدلَّة الصِّحة على ذلك مضافاً إلى جريان العادة ألعرفية على إجارة ألامور المذكورة من دون إستنكار من ألعرف و لا ردع من الشارع . هذا وقد أوردوا على صحة إجارة ألامور المذكورة ايرادات ثلاثة :

الأوَّل : أنَّه لا مقتضى لصحتها لانَّ ألمنفعة في الاجارة لابدَّ و أن تكون عقلائية معتدًا بها لدى العرف و منفعة الدَّراهم والدَّنانير و الحُليّ ونحوها ليست معتدًا بها عند العقلاِء وعليه فلا موضوع لصحة الاجارة .

و فيه أوَّلاً أنَّ ألمنفعة لا بدَّ من وجودها في الاجارة و أمّا كونها دائمية وفي جميع الاحيان فمما لا دليل عليه والالتزام به لاملزم له فيكفي في صحة الاجارة كون السعين ذات المنفعة في بعض الازمنة وإن لم تكن لها تلك المنفعة في زمان آخر و لذا نرى أنَّ ألعرف يستأجر ألامور المذكورة فى مواقع الضرورة و ألحاجة و هذا نظير المالية ألحينية لبعض ألاعيان المصححة للبيع فيذاك ألحين كالماء في ألمفازة وثانيًا لا نلتزم بلزوم كون المنفعة معتدًا بها إذ ليس على ذلك دليل لما تقدم منا وإتفق عليه ألكل من كفاية كون ألمنفعة متعلقاً للغرض ألعقلائي لئلّا تكون المعاملة سفهية و من أجل ذلك إعتبروا في العوضين ألمالية لئلّا يكون بذل المال بلا عوض . و يؤيد ذلك ما أشرنا إليه من دلالة رواية

ص: 359

تحف العقول على صحة الاجارة فى كلما كان فيه وجه من وجوه ألصلاح و لم يكن فيه وجه من وجوه ألفساد .

الاشكال ألثّاني : أنَّه لوصحت إجارة ألامور المذكورة لصح وقفها و ألتّالى باطل فالمقدم مثله ، وفيه منع بطلان التّالى فان وقف ألا م-ور المذكورة صحيح بلا كلام و أنَّ ألناس يوقفونها من زمن الائمة (علیه السّلام) بل من زمان رسول الله إلى الآن كما نرى وقف الحُليِّ والاحجار الكريمة و الجواهرات و الُّسيوف والظُّروف الذَّهبية ونحوها للمشاهد المشرفة و المساجد .

الثّالث : أنَّه لو صحت إجارة ألامور المذكورة لكان الغاصب لها و المستولى عليها عاديًا ضامنًا مع أنّهم حكموا بعدم ألضمان لمنفعة هذه ألامور و إن شئت فقل : إنَّه إذا كانت لهذه ألمنافع مالیّة كما تدَّعون أنتم و لذا تذهبون إلى صحة الاجارة فيها فلابدَّ أن تكون مضمونة كما إذا غصبها قبل الاجارة فنستكشف من عدم ألضّمان عدم ألمالية و من و منه عدم صحة الاجارة . و فيه أنَّ البدل الواقعى و هو الغرامة إنَّما يكون في هذه ألامور إذا كان لها بدل جعلى فعلى و هو يتحقق بوقوع ألاجارة عليها أو بوجود بازل فعليّ للعوض لها حَتّى يقال إنَّه مما يبذل بازائها ألمال فيكون ألغاصب ضامنًا في هذه الصورة و لا يلزم في صحة الاجارة أن تكون المنفعة مضمونة في جميع الاحوال . و توضيح ذلك . أنَّ المنفعة لمّا لم تكن دائمية لا يكون الضمان فيها أيضاً دائميًا وهذا نظير ألماء فانّه إذا كان في ساحل ألبحر لا يكون غاصبه ضامنًا بخلاف ما إذا كان في ألمفازة إذ تكون له حينئذٍ ألمالية و يضمنه ألغاصب .

و بالجملة : إنَّ ألبدل ألواقعى إنَّما يكون في مورد البدل الجعلى و أمّا إذا لم يكن للشيئٍ بدلٌ جعلىٌّ ولا باذلٌ فعليُّ للبدل فلا يعتبرون ألعقلاءُ له مالية ولا معنى حينئذٍ لاعتبار ألضمان فعدم الضمان ليس من جهة عدم صحة الاجارة بل من جهة عدم دوام المنفعة ولأجله

ص: 360

دوام المالية و لذا يوجد ألضمان فى وقت ألاجارة و ألبذل وقد تقدم نظير ذلك في عمل الحرِّ و أنَّه مضمون إذا وقع مورد المعاملة .

تخلف الشَّرط في ألحمل

بخ ( لو إستأجر لحمل عشرة أقفزة من صبرة فاعتبرها إلخ) . إذا استأجر دابة على أن يحملها عشرة أقفزة مثلاً فحمل عليها أكثر فحكم المسئلة يتوقف على بيان صورها فنقول إنَّها تتصور على أربع صور:

ألاولى : أن يكون حمل الاكثر من قبل المستأجر وبلا أمر من ألموجر وهو على نحوين:

الأوّل : أن تكون الاجارة بالنسبة إلى الحمل الزائد لا بشرط كما هو الغالب فى الاجارات ففيه أقوال ثلثة : الأوَّل و هو للمفيد ( ره ) أنَّ مازاد من ألمعين من الحمل يحسب بحساب أجرة المسمّى وهذا ألقول بدیهی ألفساد إذ المفروض عدم تعلق إنشاء ألاجارة بالزائد وإنَّما جمله ألمستأجر على ألدابَّة وإستوفى هذه المنفعة عدواناً فيكون ضامنًا للبدل الواقعى ولا ربط له باجرة المسمّى . الثّانى و هو للمحقق الاردبيلى ( ره ) أنَّه يرجع فى ألكل إلى أجرة ألمثل لانَّه لم يستوف المنفعة على طبق الاجارة لانَّه بحمل الزائد أصبح مستوفيًا لمنفعة لم تقع الاجارة عليها وهذا كسابقه فى الفساد لانّ المنفعة المستوفاة حصتان حصة تعلقت بها الاجارة و هى حمل العشرة في المثال المَفروض فيرجع فيها إلى أجرة المسمّى وحصة لم تتعلق بها الاجارة و هى الحصة الزّائدة و يرجع فيها إلى أجرة ألمثل فالقول المنصور و هو المشهور هو التفصيل بثبوت أجرة المسمّى فى حمل العشرة التي وقعت عليها الاجارة وثبوت أجرة المثل في حمل الزّائد .

الثّاني : أن تكون الاجارة بالنسبة إلى حمل الزّائد بشرطِ لا أى بشرطِ عدم الزيادة فالحكم فيه هو ضمان المستأجر لاجرة مثل المجموع

ص: 361

أى مجموع حمل ما أستوجر عليه و حمل الزائد لانَّ المستأجر بحمله الزائد صار موجبًا لبطلان الاجارة بالنسبة إلى أجرة ألمسمّى فيستحق ألموجر أجرة ألمثل وليس هذا نظير ما إذا إستأجر داراً للسكنى ثم إستوفى المستأجر منها منفعة أخرى بان جعلها مكتبة أو معملاً أو مطبعة حتى يقال باستحقاق ألموجر أكثر ألامرين من أجرة ألمسمى وأجرة المثل إذ المستأجر فيما نحن فيه إنَّما إستوفى عين المنفعة المستأجرة وإنَّما ضمَّ إليها إستيفاءَ منفعة زائدة لا أنَّه غيَّرت المنفعة بنوع آخر كما في مثال إجارة الدّار للسكنى والسِّرُّ فى ذلك أنَّ تقييد ألاجارة بشرط لا ليس مغيّراً لواقع ألمنفعة أى ألمنفعة الخارجية التي إستوفاها المستأجر بل هو قيد للموضوع و موجب لبطلان ألاجارة الموجبة لاستحقاق أجرة المثل . وبالجملة تثبت فى المقام اجرة المثل لانَّه أتلف مال الغير من دون إذنه و لا تثبت أجرة المسمّى لبطلان الاجارة ولا أكثر ألامرين لانَّ بشرط لا لا يُغيّر ألواقع هذا كله في مقام الثبوت . وأمّا الاثبات فقد قلنا إنَّ الظاهر من الاجارات فى العرف كونها لا يشرط فانَّه إذا قيل آجرتك الدابَّة على أن تحمل عليها عشره أمنان من الحمل لفهم منها أهل المحاورة و ألعرف ذات العشرة لا بشرط وإن قلنا بثبوت مفهوم العدد ، لانَّ العرف لا يلحظ عقد السَّلب فى الاجارة. و هكذا يثبت الضمان فيما إذا كان المستأجر المحمّل جاهلاً بزيادة ألحمل عمّا استوجر عليه لانَّ دليل الضمان وهو ألتلف و ألا تلاف ليس مقيداً بالعلم لانَّ الحكم الوضعى ليس كالحكم التكليفى حتى يرتفع عند ألجهل .

وأمّا ما عن ألمحقق ألارد بيلى من الحكم بعدم ألضمان في صورة ألجهل معلّلاً بانَّه لا يكون غاصبًا عند ألجهل مدفوع بأنّ المقيد للعلم هو حرمة الغصب تكليفاً لا ألضمان المسبب عن مطلق أليد وألاتلاف .

الصورة الثّانية : أن يكون حمل الزائد بأمر من الموجر كان يقول

ص: 362

للمستأجر ( إحمل متاعك مثلاً ) ومن المعلوم أنَّ أمر الموجر بالحمل لا يكون رافعًا للضمان لانَّ الظاهر من الامر هو الترخيص في الاستيفاءِ و رفع المنع عنه من قبله نعم إذا أمره بحمل الزيادة مع علمه بها كان ذلك إهدارًا لمالية ألمنفعة الزائدة و ترخيصًا للاستيفاءِ مجّاناً فلا يكون فيه ضمان هكذا ألحكم إذا كان المستأجر جاهلاً بالزيادة و ألموج أخبره بعد مها و أمره بحملها فانَّ ألتلف هنا غير مستند إلى المستأجر لانَّ المفروض أنَّه جاهل و السبب لحمل ألزايد إنَّما هو ألموجر و السبب هنا أقوى من ألمباشر لعلمه بالزيادة وإخباره بعدمها . ومن هنا ظهر أنَّه لو كان الموجر جاهلاً بالزيادة كالمستأجر يحكم بالضمان لما قلنا من أنَّ سبب ألضمان غير مقيد بالعلم .

و بالجملة : إنَّ متلف مال الغير يكون ضامنًا له إلّا أن يوجد مانع عن ألضمان من إهدار من ألمالك أو إستناد ألا تلاف إليه أو بترخيص منه في ألاستيفاء مجاناً ونحو ذلك من ألموانع للضمان .

الصّورة الثالثة : أن يكون المعتبر أو ألوزّان هو نفس الموجر بان رأى المحمول و قدره فحكم بعدم الزيادة و لم يتحقق ألحمل بأمر من المستأجر فالحكم منه أنَّه لا يضمن المستأجر سواءٌ كان الموجر عالمًا بالزيادة أو جاهلاً بها لانّ إستيفاءَ المنفعة الزائدة ليس مستندًا إلى ألمستأجر و هكذا ألحكم إذا تحقق ألحمل بأمر من المستأجر لانَّ هذا ألامر ليس إلّا توكيلاً له في الاستيفاء وحيث أنَّ المحمِّل وَالمعتبر هو نفس ألموجر فلا يتحقق فيه ألضمان .

نعم لو كان المستاجر عالمًا بالزيادة وكان أمره بالحمل أمرًا معاملياً بأن كانت هناك قرينة على أنَّ أمر المستأجر لم يكن إستيفائيًّا بل أمر بحمل الزائد وعلى أن يزيد فى الاجرة بحسابه فيكون ضامنًا حينئذ .

الصّورة الرّابعة : أن يكون ألموجر جاهلاً بالزيادة و المستأجر عالماً بها فأمر ألمستأجر بالحمل مع حكمه بعدم الزيادة . فهنا يكون

ص: 363

المستأجر ضامنا لانَّه السبب لحمل الزائد و هو أقوى من المباشر .

ثم إنَّه إذا تلفت الدابَّة وكان المستأجر هو المحمِّل للزيادة فالمشهور أنّ المستأجر يكون ضامناً لها وإستدلوا عليه بامرين :

الأوَّل : إنّ تلف الدابَّة إِنَّما يستند هنا إلى حمل الزيادة لانَّ الدابَّة لها قدرة محدودة في الحمل فاذا حمل عليها الزائد عن قدرتها يكون ألموت مستندًا إليه فينحصر ألضامن فى المستأجر و ليس ألمقام نظير ما لو تلفت بالجراحات المتعددة التى وردت عليها من أفراد متعددة حيث حكموا بضمان كل منهم بالنسبة لانَّ الموت في المقام إنَّما حصل بسبب ألحمل الزائد و هو من ألمستأجر حسب المفروض بخلاف ألتلف بالجراحات فانَّ السبب للتلف و المؤثّر له هو الجامع فيضمن كل منهم بنسبة الجراحة الواردة من قبله .

الثّاني : أنَّ المنفعه و إن أخذت لا بشرط إلّا أنَّ إستيفائها يكون بشرط لا فيكون الاستيفاءُ بالنسبة إلى الزائد بلا إذن من ألمالك فيحرم شرعاً فيكون ضامنًا وفيه أنَّ ألاستيفاءَ يتبع المنفعة في الاطلاق و التقييد فلو كانت المنفعة لا بشرط يكون ألاستيفاءُ كذلك و هذا واضح مع أنَّ ألحرمة التكليفية لا يستلزم ألضمان فلابد من إرجاع الدليل إلى أنَّ التأمين ألمالكي إنَّما كان بالنسبة إلى ألمنفعة فاذا حمل ألزائد ينقلب يد ألاستيفاءِ إلى العدوان فيضمن و من هنا أمكن أن يقال بالضمان و إن لم يكن موت ألحيوان مستندًا إلى حمل الزائد لانَّ ألمالك لا يرضى بالتصرف فيه وكانت أليد عادية . نعم لو حملا الموج و المستأجر معاً فمقتضى القاعدة فيه التنصيف فلايضمن ألمستأجر بالنسبة إلى النصف الآخر لانَّ نصف ألتلف إنَّما يستند إلى ألموجر و ما يقال من أنَّ ألتلف واحدٌ ولا يكون إلّا عن سببٍ واحدٍ لعدم تعدد أليد و ألا تلاف فالضامن إن كان هو الموجر يلزم ضمان ألمالك لمال نفسه و هو غير معقول وإن كان المستأجر يلزم الترجيح بلا مرجح فلاجرم يکون

ص: 364

الضمان منتفياً من رأسٍ مدفوع بانَّ تعدد أليد مشاهد محسوس في الخارج غاية ألامر أنَّ ألاثر إنّما هو للجامع واليدان ، أى يد ألموجر و المستأجر يؤثِّران معاً .

إشتراط إباحة المنفعة في الاجارة

و من جملة الشرائط لصحة الاجارة كون المنفعة مباحةً بأن لا تكون حراماً شرعا . و هذا هو المشهور وقد أقاموا عليه الادلة التالية .

الاوّل : إنَّ المنفعة لابد وأن تكون مملوكة كما تقدم ولا يتحقَّق ذلك إلّا إذا كانت مباحة.

الثّاني : إنَّ المنفعة المحرَّمة لا يبذل بازائها مال و ماكان كذلك لا تكون قابلة للتمليك .

الثّالث : إنَّه وإن سلّم قابليتها للملكية والمالية لكن الشارع حكم بعدم إحترام ألمال المذكور فلايكون حينئذٍ له بدل لا ألجعلى و لا ألواقعي .

الرّابع : إنَّ الممنوع شرعاً كالممتنع عقلاً فلايكون هنا قدرة على التسليم .

الخامس : إنَّه لا سلطنة للمالك على المنفعة المحرَّمة فلا يجوز له تمليكها إلى المستأجر.

و قد أورد المحقق الاصفهاني (رحمه الله ) على الدليل الأوَّل بايرادين: ألاوَّل ، إنَّ المنفعة حيثية وجودية قائمة بالعين ولا ربط لها بفعل ألفاعل الذى تعرض عليه ألحرمة فالمنفعة بما هي لا حرمة فيها لانَّ الحرمة من أحكام أفعال المكلفين .

و فيه أوَّلا إنَّ المنفعة وإن كانت حيثية قائمة بالعين لكن ليست متعلقة بالاجارة على نحو ألا بهام بل ألمنفعة إنَّما تقع مورداً للاجارة باعتبار إضافتها إلى الخصوصيات المختلفة فهى تنقسم و تتحصص إلى

ص: 365

حصص مختلفة و لذا تكون الاجارة على نحو ألا طلاق تارةً وعلى نحو التخصيص و التقييد أخرى . وعليه نقول إنَّ تلك الحيثية المضافة إلى فعل الحرام تكون حراماً ولذلك قلنا فيما تقدم إنَّ المستأجر لا يجوز له أن يستوفى من الاجير منفعة أخرى غير ما وقعت عليه الاجارة وليس ذلك إلا لأنَّ متعلق ألاجارة إنَّما هو تلك الحيثية الخاصة و لم تتعلق الاجارة على حيثية أخرى .

و ثانياً إنَّ متعلق ألاجارة فى إجارة الاعمال هو بعينه متعل- الحرمة التكليفية كما إذا إستأجره لكتابة كفرٍ أو ضلال فانَّ فعل ألكتابة حرام و هو بعينه متعلق بالاجارة . فالاشكال على تقدير تسليمه إنمَّا يأتي في إجارة الاعيان لا ألاعمال .

الثّاني : إنَّه لا تقابل بين الحرمة التكليفية و ألملكية أو ألماليَّة فيمكن أن تكون المنفعة محرَّمةً تكليفًا ومع ذلك تكون ملكاً لمالكه و تكون مالا يبذل بازائه المال وفيه أنَّ ألملكية أمر إعتبارى كما تقدم سواءٌ كانت إضافة إعتبارية أو جدة إعتبارية و هذا الاعتبار يحتاج على الاقلّ إلى عدم تحقق رد ع من ألشارع إن لم نقل باحتياجه إلى إمضائه وعليه فكيف يعقل من ألجاعل الواحد أن يُحرِّم منفعة تكليفًا ثم يعتبر ملكيتها و هل يتصور أن ينهى الشارع عن أكل الميتة و لحم الخنزير ثم يعتبر ألملكية فيهما مع أنَّ المحقق ألاصفهاني يعترف بكون الاستيفاءِ عن ألعمل المحرَّم حرامًا فيقول إنَّه لا يمكن إجتماع الحرام ألتكليفى مع وجوب ألوفاءِ في الاعمال المحرَّمة فلم لا يقول ذلك في المنافع المحرَّمة فهل ألامر بتسليم ألدار لاحراز الخمر فيها مع النهى عن إستيفاءِ المستأجر المنفعة المذكورة أو فقل : صحة الاجارة مستلزمة للاتيان بالامر بالوفاءِ و حرمة المنفعة مستلزمة للنهى عن الاستيفاءِ و ألا مروا لنهى لا يجتمعان في أمر واحد شخصى.

ولعل هذا هو المقصود من قوله ( علیه السّلام ) إذا حرم الله شيئًا حرم ثمنه.

ص: 366

ثم إنَّه أورد على الدليل الثانى بانَّ كون شبي مالاً لا ينافي تحريمه فيمكن أن يكون ألشيئُ مالاً ويحرِّمه الشارع فيرجع ذلك إلى ألامر باعدامه كما أمر باعدام ألعبد الجانى أى قتله قصاصاً مع كونه مالاً وبالجملة ألنهى التكليفى لا ينافي ألماليّة . وفيه أنَّه اعترف بأنَّ ألماليَّة ليست وصفاً خارجيًّا بل هي إعتبار إمّا من العقلاءِ وَ الشارع معا أو من الشارع فقط و المصحِّح للاعتبار إنَّما هو الآثار المرغوبة من ألاعيان أى الآثار التى توجب بذل المال بازائها . وعليه فاذا سلب ألشارع الاثر المرغوب عن شيىءٍ و حكم بعدم إعتباره لا يعقل أن يكون ذلك ألشيئُ مما يبذل بازائه ألمال لدى ألشارع أو فقل إنَّ الشيءٍ إذا لم يكن له بدل أى البدل العرضى و لا الطولى بسبب حكم ألشارع بحرمته لا يعقل أن يكون له ماليَّةٌ .

ويمكن أن يقال إنَّ قوله ( علیه السّلام ) إذا حرَّم الله شيئًا حرم ثمنه ناظر إلى ألماليَّة بالمطابقة ويفهم منه ألملكية بالالتزام فيكون معناه أنَّه إذا حرَّم الله شيئًا حرَّم ثمنه أى لا يبذل بازائه الثمن و مالا ثمن له عند الشارع لا يكون ما لاعنده وإن كان مالاً لدى العرف لكن الشّارع يخطِّىءُ العرف في ذلك فيكون ذلك خارجاً بالتخصص فلا يملك .

نعم ربما يقال إنَّ الشيىءَ ظاهر في الاعيان فلا يشمل المنفعة لكنه مدفوع بالعلم بعدم الخصوصية و أنَّ المنفعة و ألعين متساويان في ألحكم المذكور .

وقد ظهر مما تقدم أنّا لا نحتاج فى إثبات شرطية إباحة المنفعة إلى الدَّليل الثالث حتى يستشكل فيه بأنَّ إهدار ماليةِ شييءٍ من جانب الشارع لا يستلزم بطلان إجارته . و هكذ الانحتاج إلى الدليل الرّابع حتى يقال إنَّ ألقدرة على التسليم إنما أشترطت لرفع الغرر و تكفى في ذلك القدرة الخارجية كما تقدم مرارًا وأمّا ما أورده المحقق الاصفهاني على الدليل ألخامس من أنَّ السَّلطنة الوضعية إنمَّا هي من آثار الملكية

ص: 367

و السلطنة التكليفية ليست من شرائط صحة الاجارة فمدفوع بما تقدم من أنَّه لا يعقل أن يكون الشيءُ المحرَّم ملكاً لدى الشارع فالمنفعة المحرمة لا تكون مالاً ولا مملوكة عنده وإن كان كذلك عند العرف .

هذا كله بحسب القواعد و قد رأيت أنَّها مقتضية للبطلان و أمّا الروايات الدالة على البطلان فهى ثلاثة .

الاولى : ما أشرنا إليه من قوله ( علیه السّلام ) إنَّ الله إذا حرَّم شيئًا حرَّم ثمنه بتقريب أنَّ الشيئَ عنوان عام عرضى يشمل باطلاقه العين و ألمنفعة و العمل وإن أبيت إلّا عن ظهور الشيئِ في ألعين الخارجي ليختص ذلك بالبيع نحكم ببطلان الاجارة بتنقيح المناط للعلم بأنَّ ألعلَّة فى ألبطلان إنَّما هو الحرمة ولا خصوصية للبيع في ذلك .

ألثّانية : الفقرة الواردة فى رواية تحف العقول و هي ( كل أمر منهى عنه من جهة من الجهات فمحرم على الانسان إجارة نفسه فيه الخ ) و وجه الاستدلال بها واضح و أمّا وجه ألحجية سندًا فاما من جهة إنجبار تلك الرواية باجمعها بعمل ألاصحاب أو من جهة إنجبار بعض فقراتها من جهة أنَّ كل قطعة من هذه الرواية بمنزلة رواية مستقلة و أنَّ هذه الفقرة منجبرة بعمل الاصحاب . و لكن فيه أنَّ تقطيع الرواية الواحدة ليس موافقاً للصناعه إذ لا معنى للتقطيع في الحجية لانَّ الرواية الواحدة إن كانت صادرة عن ألامام (علیه السّلام) فتكون حجة باجمعها و إن لم تكن صادرة عنه فلا تكون حجة لاكلها ولا بعضها .

و أمّا إنجبار مجموع هذه الرواية بعمل ألاصحاب فقد تقدم أنَّ من وأما شرائط ألانجبار هو العلم بانَّ القدماءَ من الفقهاءِ قد إستندوا فى حكمهم إلى هذه الرواية وإعتمدوا عليها فى عالم الحكم الشرعى وإلّا فلو إحتملنا أن يكون إستنادهم في الحكم إلى دليل آخر من عقل أو نقل لا تكون ألرواية الضعيفة منجيرة بالعمل والانصاف عدم وجود هذا الشرط فى رواية تحف العقول لانَّ مضمونها يوافق القاعدة والعقل

ص: 368

فالمظنون بل المقطوع هو الاستناد إليهما في الحكم لا إلى هذه الرواية و هذا الاشكال السَّندى يرد على النبوى ( صلّی الله علیه و آله ) أي الرواية الاولى أيضاً .

الثّالثة : صحيحة جابر عن ألرجل يواجر بيته ليباع فيه ألخمر قال حرام أجرته و هذه الرواية عمدة ما فى ألباب و هي تدل على حرمة الاجرة إذا وقعت بازاءِ المنفعة المحرمة و ذكر الخمر في الرواية لا يدل على وجود خصوصيّة فيه للقطع بعدمها وأنَّ المنافع المحرمة كلها متساوية في حرمة أجرتها . و أمّا إستفادة بطلان الاجارة من ألروايات الدّالة على النهى عن بيع العنب ليعمل خمراً فغير صحيح لان بطلان البيع في العنب ليس موافقاً للقاعدة إذ ألقاعدة تقتضى صحته لان المعاملة إنَّما وقعت بازاءِ العنب و هو ألعين الخارجي و هو ليس بحرام فلا وجه لبطلانه بمجرد أنَّ ألغاية من ألبيع هو عمل الخمر فاذا كان ألبطلان من جهة التَّعبد ليس إلّا لا يمكن لنا بعدئذٍ التعدى منه إلى باب الاجارة .

إشتراط القدرة على تسليم المنفعة

( ألسّادس أن تكون ألمنفعة مقدورًا على تسليمها ) و قبل الشروع في الاستدلال على لزوم هذا الشرط نقسِّم الشرائط في باب الاجارة بل في مطلق المعاملات إلى أربعة أقسام :

الاوّل : ما يكون الشرط مقوِّماً للمعاملة نظير الوجود وألملكية فانَّ العقل يحكم إلى إحتياج المحمول إلى الموضوع و أنَّ الشَّيئَ المعدوم لا يُملَك ولا يُمَلَّك وهذا ما نسمّيه بالشرائط المقوِّمة للمعاملة و ألحاكم بذلك ألعقل والوجدان ولا يحتاج إلى برهان آخر .

الثّاني : ما يكون شرطاً إنتزاعيّاً و هذا ليس شرطاً في ألحقيقة بل ناظرٌ إلى عدم ألمانع كالطِّلقية الراجعة إلى مانعيَّة كون الشيئِ

ص: 369

محقوقاً بحق كالرهن و ألوقف و نحوهما .

الثّالث : ما يكون شرطًا لنفوذ المعاملة وهو إمّا عرفى كالعلم بالعوضين و العلم بتساوى الماليّة فيهما وألقدرة على التسليم ونحوها فلو لم تجتمع هذه الشرائط فى معاملة تكون تلك المعاملة سفهية وإمّا شرعى كاعتبار الماضوية و العربية و الموالاة و نحوها إن إعتبرناها تعبُّداً.

الرّابع : ما يكون شرطاً ضمنيًّا وهو إمّا صريح يذكر في متن العقد أو يصدر العقد مبنيًّا عليه كما إذا ذكر الشرط فى المقاولة قبل العقد وصدر العقد مبنيّاً على ذلك الشرط وإمّا ضمنى لبّى كلزوم التسليم والتَسلَّم ويسمى ذلك ب_ ( الالتزام النَّوعى اللُّبّى ) وقد تقدم ذلك مشروحاً في بعض المباحث المتقدمة .

ثم إنّه قد يكون الشيىءُ ألواحد بحيث ينطبق عليه قسمان مر ألاقسام المذكورة كالقدرة على التَّسليم فانّه من حيث أنَّ عدمها مستلزم للغرر و تكون المعاملة مع إنتفائها سفهية ينطبق عليها القسم الثالث و هو شرائط ألنفوذ و من حيث أنَّ المعاملات إنّما بنيت على التَّسلیم والتَسلُّم و أنَّ ألعرف العام يرون ألقدرة على التَّسليم لازمًا في كل معاملة ينطبق عليها القسم الرّابع و هو ألشرائط الضمنية ونتيجة ذلك أنَّه لابد فى صحة العق- د من إحراز القدرة على التسليم من أوَّل العقد وإلّا لم ينعقد و لو طرءَ ألعجز بعد العقد فيتحقق خيار تعذر التسليم و من هنا ظهر أن َّدليلنا على إشتراط ألقدرة على التسليم بالنسبة إلى نفوذ المعاملة إنَّما هو لزوم الغرر وألسِّفه من الجهل بها و أنَّ ألعجز بعد القدرة موجب لتحقق خيار تعذر التسليم بمقتضى إشتراط لزوم التسليم والتسلُّم في كل معاملة لبّاً و إن لم يكن ذلك باللفظ .

و للفقهاءِ رضوان الله عليهم أدلة أخرى على إشتراط ألقدرة على التسليم نذكر جملة منها مع جوابها .

ص: 370

الاوَّل : الاجماع فانَّ هذا الاشتراط ممَّا أجمع عليه علماءُ الاسلام وفيه ما مرَّ مرارًا أنَّ الاجماع إذا كان محتمل ألمدركية كما في المقام يسقط عن الحجية .

الثّاني : إنَّه يلزم من الجهل بالقدرة السَّفه وأنَّ ألاقدام بهذه المعاملة يكون غرريًّا بلا إشكال . ولهذا حكموا بعدم صحة إجارة العبد الآبق . لانّها سفهية من جهة عدم العلم بالقدرة على التسليم فيها. و أمّا وجه تردد بعض في صحتها كما في الشرايع فهو قياس الاجارة بالبيع فانَّ بيع ألعبد الآبق صحيح للرواية و أنَّ الاجارة تتحمل من الغرر ما لا يتحمله البيع فلو صح ألبيع فيه لصحت الاجارة بطريق أولى. و فيه أوَّلاً الفرق ولاً الفرق بين بيع ألعبد وإجارته فانَّ ألمشترى يمكن أن ينتفع من ألعبد الآبق بعتقه فى كفارة أو غيرها فانَّ العتق لا يحتاج إلى إستيلاءٍ خارجي بل يصح بمجرد كون المعتِق مالكاً له و ألملك يحصل بالشراءِ فيصح ألبيع وأمّا ألاجارة فلا تصح لانَّ العبد غير قابل للانتفاع حال ألاباق وثانياً إنَّه لا يجوز ألتعدّى من ألبيع إلى الاجارة فيما لم يكن المناط منقَّحاً كما في المقام .

الثّالث : إنَّ الشيئَ اذا لم يكن مقدور التسليم لم يكن مالاً وفيه أنَّ ألقدرة على التسليم إنَّما تكون فى طول ألمالية وبعدها . و ألمالية إنَّما تكون في ألشيئ بسبب رغبات ألعقلاءِ الناشئة من الآثار الموجودة فيه و لا ربط لها بالقدرة على التَّسليم فلا يكون عدم القدرة كاشفًا عن عدم ألماليَّة.

الرّابع : إنَّه قد ورد في الرواية أنَّه لا ينبغي أن يبيع ماليس موجودًا في الحال وفيه أنَّ الرِّواية ناظرةٌ إلى عدم الوجود ولا نظر لها إلى القدرة على التسليم .

الخامس : إنَّه قد ورد ألنهى عن بيع ما ليس عنده بقوله ( علیه السّلام ) ( لا تبع ما ليس عندك ) بتقريب أنَّ كلمة ( عند ) ظاهرة في الحضور

ص: 371

الخارجي فما لم يكن حاضرًا فى الخارج و لم تكن قدرة على تسليمه لا يجوز بيعه.

و فيه أوَّلاً أنَّ مفهوم لفظة ( عند ) من ألمفاهيم ألعامَّة وليس مفادها منحصرًا فى المصداق الخارجى العيني و ثانيًا أنَّ جواز بيع الشيىءِ ألغايب كما في السَّلم و نحوه مما تحكم به ضرورة فقه الشيعة وتدلُّ عليه النصوص المتواترة .

ثم إنَّه قد ذهب صاحب الجواهر ( رحمه الله ) إلى أنَّ الشرط ليس هو ألقدرة على التسليم بل ألعجز عنه مانع عن صحة المعاملة .

و أورد عليه الشيخ الانصارى (رحمه الله) بأنَّ العجز أمر عد مى وألمانع لا بدر أن يكون وجوديًّا لانَّ الاخلال أثر للمانع ولابدّ وأن يستند الاثر إلى مؤثر موجود .

وقد أجاب عنه المحقق الاصفهاني بعد الاعتراف بعدم إحتياج ألعدم إلى المقتضى و الشرط بانَّ عدم العجز يمكن أن يكون شرطًا لتأثير العقد فى الملكية فانَّ عدم شييءٍ كعدم الرطوبة مثلاً له قابلية التأثير في إحراق النّار .

والانصاف عدم صحة هذا الكلام لانَّه قد تقدم منا مراراً أنَّ العدم ليس شيئًا يكون له التأثير فانَّ الآثار كلها للوجود و لذا أرجعنا نحن قولهم إنَّ عدم ألمانع شرط إلى أنَّ وجوده مؤثر و مخلٌّ و قلنا إِنَّ المحقوقية بحق ألغير مانع عن صحة ألمعاملة لا أنَّ عدمها شرط.

و لعل مقصود صاحب الجواهر من ما نعية ألعجز عن التسليم أنَّه موجب للغرر و ألسَّفه و لكنه لا ينافى مع إشتراط ألقدرة أيضًا لا مكان كون أحد ألضدين شرطًا من جهة وألضد الآخر مانعا من جهة أخرى و لما لم يكن دليل على إشتراط ألقدرة و ما نعية ألعجز كليهما يكون هذا تصورًا محضًا .

فا لتحقيق أنَّ ألعرف ما لم يطمئن بالتسليم و مالم يحرز إنتفاءَ الغرر

ص: 372

لا يقدم على المعاملة فما هو المشهور من إشتراط ألقدرة على التَّسليم موافق للبرهان فلاتأتى عمومات الصحة فيما إذا أحتمل عدم القدرة عليه بل لا بد من إحرازها . فيكون الدليل الوحيد الذى نعتمد عليه على إشتراط ألقدرة على التسليم هو الغرر.

نعم يمكن علاج المشكلة في مورد الجهل بالقدرة بطريق آخر و هو أن يشترط ألمشترى أو المستأجر أن يرد عليه ألثمن أو الاجرة كلما تحقق ألعجز و هذا الشرط صحيح موجب للاطمئنان و حافظ الماليَّة ألمال .

و قد أورد على صحة ألشرط المذكور ايرادان .

الاوَّل : إنَّ المعاملة لا تكون صحيحة مالم يصح الشرط و المفروض أنَّ الشرط إنَّما يكون صحيحًا إذا وقع في ضمن معاملة صحيحة فمال يحرز ألقدرة لم يصح العقد وحينئذ فلامعنى للشرط في عقد غير صحيح و فيه أنَّ الدّور هنا معىُّ لا إشكال فيه لانَّه بالشرط يرتفع الغرر فيصح ألعقد . أو فقل إنَّ أن الشرطِ هو بنفسه يكون آن صحة العقد و زوال ألغرر .

الثاني : إنَّه أو لستم تقولون إنَّ لزوم التسليم والتسلُّم إلتزام ضمنى نوعى وعليه بناءُ المعلات العرفية وعليه فاذا تحقق ألعجز يحدث هناك خيار تعذر التَّسليم ولا نحتاج إلى الاشتراط الصَّريح في ضمن العقد .

وفيه : أنَّ الغرض ربما يتعلق بنفس العين أو المنفعة والاشتراط الصَّريح يوجب الاطمئنان على تسلُّمه و الاشتراط ألضمني لا يحكم بازيد من رجوع ألثمن عند تحقق ألعجز و ليس موجبًا للاطمئنان و مزيلًا للغرر عند الشك .

منع ألموجر عن الاستيفاءِ

( ولو منعه ألموجر منه سقطت الاجرة ) . إذا منع الموجر

ص: 373

المستأجر عن الاستيفاءِ بعد الاجارة فهذا أامنع إمّا أن يكون قبل ألقبض أو بعده وعلى التقديرين ففى الشرايع حكم ببطلان الاجرة و أخذ التفاوت بعد تردُّده في ذلك .

و كيف كان ففى المسئلة أقوال ثلثة :

الاوَّل : إنَّهُ تنفسخ المعاملة لانَّه فى حكم التَّلف فانَّه تلف إختيارى مستندٌ إلى منع الموجر .

ألثّانى : إنَّه يجب على ألموجر إعطائه أجرة المثل لشمول قاعدة الاتلاف للمورد وليس هذا تلفاً في الحقيقة لانَّ المنفعة موجودة ولم يتحقق تلف سماوى بل ألموجر إنَّما منعه عن ألاستيفاءِ بسوء إختياره على خلاف مقتضى المعاملة و هو الالتزام الضّمنى فيكون ضامنًا لاجرة المثل.

الثّالث : وهو المشهور التخيير بمعنى أنَّ المستأجر يتخير بين ألمعاملة و أخذ أجرة المثل لانَّه قد تقدم أنَّه إذا كان هناك دليلان ولم يكن أحد هما حاكماً على الآخر و لم يمكن العمل بهما معًا يتخير بينهما لانَّ تقديم أحد هما يكون ترجيحًا بلامرجح . وفيما نحن فيه يحكم بالانفساخ من جهة دليل التلف قبل القبض ولا أقلَّ من خيار تعذر التسليم و يحكم بضمان أجرة ألمثل من جهة دليل من أتلف مال الغير فهو له ضامن وحيث لا ترجيح لاحدهما على الآخر يحكم بالتخيير كما هو المشهور .

ثم إنَّه أورد على قول المشهور ايرادات نذكرها مع ألجواب عنها .

الأوَّل : إنّ ألمقام ليس فيه إتلاف حتى يقال بكونه مشمولاً لقاعدته إذ المفروض أنَّ ألموجر لم يتلف المنفعة و لم يستوفها وإنَّما امتنع عن التسليم فيكون من قبيل التلف قبل القبض لا ألا تلاف الموجب لثبوت أجرة ألمثل . و فيه أنَّ قاعدة ( من أتلف مال الغير فهو له ضامن ) قاعدة عرفية فيصدق ألا تلاف على ألمنع من ألاستيفاءِ عرفاً ألا ترى أنَّه لو فتح القفص وطار الطائر منه يصدق عليه ألا تلاف عرفًا و إن لم يكن

ص: 374

متلفاً له في الحقيقة.

الثّاني : إنَّ منع المالك عن الاستيفاءِ لا يوجب ثبوت خيار تعذر التَّسليم لانَّ ألخيار إنَّما شُرّع لجبران الضرر و هذا غير حاصل في المقام لانَّ الضرر إن كان ناشئًا عن فوات الغرض المعاملى فلا ينجبر ذلك باعمال الخيار لانَّ الغرض ألفائت لا يرجع ثانياً باعماله ، وإن كان الضرر ناشئًا عن قوات المالية فالمالية غير فائتة لانَّ إنفساخ المعاملة حسب طبعها و رجوع ألاجرة المسمّاة إلى يد المستأجر يرفع الضرر ولا يحتاج إلى إعمال الخيار . وفيه أنَّ الخيار ليس لاجل الضرر حتى يقال بعدم جبرانه بل ألخيار إنَّما يثبت من ناحية الشرط الضمني و هو لزوم التَّسليم و التسلَّم فيستند الخيار إلى تخلف الشرط مضافاً إلى أنَّ الضَّرر هو لزوم المعاملة على المستأجر من جهة أنَّ الاجرة المسمّاة الناشئة من ألا نفساخ قد يكون أكثر من أجرة المثل المسبَّب عن بقاءَ المعاملة و لزومها فيكون اللزوم ضرريًا فيرتفع هذا الضرر بخيار تخلف الشرط .

الثّالث : إنَّ ما نحن فيه ليس من موارد قاعدة الاتلاف لحكم الشّارع في مثله بحكم ألتلف قبل القبض ويدل عليه (1) رواية عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليه السّلام فى رجل إشترى متاعاً من رجل و أوجبه غير أنَّه ترك المتاع عنده و لم يقبضه قال آتيك غداً إنشاء الله فسُرق ألمتاع . من مال من يكون ؟. قال من مال صاحب المتاع ألذى هو فى بيته حتى يقبض المتاع و يخرجه من بيته فاذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد ماله إليه . فحكم ألامام (علیه السّلام) في ألمال المسروق بحكم ألتلف قبل القبض فيكون البايع ضامنًا بالضمان المعاوضى و ليس فيها إسم عن ضمان السّارق للمشترى فيعلم من ذلك عدم ثبوت

ص: 375


1- الوسائل، باب 10 من أبواب الخيار حدیث 1

التخيير للمشترى أو ألمستأجر فيما نحن فيه .

و فيه أوَّلاً أنَّ الرواية ضعيفة لانَّ ألراوى عن عقبة هو محمد بن عبد الله بن هلال و هو ضعيف . وثانيًا أنَّها مسوقة لبيان أحد عدلى التخيير. هذا كله إذا منعه قبل القبض و أمّا إذا منعه عن ألاستيفاءِ بعد القبض فحكمه حكم ما تقدم بلا فرق بينهما .

إن قلت : أليس حصول ألقبض هنا موجباً للفرق بينه و بين ما تقدم .

قلت : لما كانت المنفعة متدرجة فى الوجود . ليست موجودًا قاراً بالذات يصدق فيما لو منعه عن الاستيفاءِ بعد القبض أنّه لم يحصل قبضُ و أنّه لم يسلّم المنفعة إلى المستأجر ، و هذا بخلاف العين فانَّها من ألموجودات القارَّة يحصل التَّسليم فيها بالتَّسليم مرَّةً واحدةً . هذا كله إذا كان ألمنع من قبل الموجر و أمّا إذا كان ذلك من قبل ظالم آخر وكان ألمنع قبل القبض فهل تجرى فيه قاعدة ( من أتلف ) أو لا تجرى إلّا قاعدة ألتلف قبل القبض فذهب بعض إلى عدم جريان ألاولى و قال بجريان الثانية متعيّنًا فتنفسخ المعاملة وترجع الاجرة المسمّاة . و إستدلوا عليه برواية عقبة بن خالد المتقدمة إذ مع صدق ألتلف على ألمال المسروق مع إمكان رجوعه و رجاءِ عوده من السارق يصدق في المقام بطريق أولى لانَّ المفروض فيه إمتناع ألعود لتحقق المنع من ألظالم فالمستفاد من رواية عقبة أمران :

الاوّل : إنَّ المستأجر ليس له ألرجوع إلى ألظالم فى أخذ ألغراًمة عنه بل تكون المنفعة هنا مضمونة بالضمان المعاوضى ليس إلّا.

الثّانى : إنّ الظاهر منها إنفساخ ألمعاملة بنفسها وليس له إعمال الخيار ولاحق له في إبرام العقد .

والتحقيق أنَّه كما يصدق عنوان ألتلف كذلك يصدق عنوان لا تلاف أيضًا إذ قد تقدم أنَّه عنوان عرفى يقصد به تلف المالية في وعاءِ الاعتبار و ليس

ص: 376

المقصود منه ألتلف ألحقيقى التَّكوينى و لذا قلنا إنَّه يصدق على من فتح القفص وطار الطائر إنَّه أتلفه وأمّا القول بانَّه لو منعه ألموجر عن ألاستيفاءِ فاتلاف إذ ليس هناك تلف سماوى و أمّا إذا منعه ألظّالم فلا يصدق ألا تلاف بل يصدق عليه ألتلف .

فمدفوع بانَّه إذا كان المناط فى صدق الاتلاف هو عدم وصول ألمال إلى المستأجر فاىُّ فرق فى ذلك بين أن يمنعه الموجر و المستأجر وأمّا خبر عقبة فقد تقدم ألجواب عنه ولا نعيده .

و أمّا لو كان منع الظالم بعد القبض فلا تجرى فيه قاعدة ألتلف قبل القبض بل ينحصر الدليل في قاعدة ألاتلاف و يكون الظّالم ضامنًا لاجرة المثل و ليس هذا كمنع ألموجر الذى قلنا فيه بجريان قاعدة ألتلف قبل القبض أيضًا من باب تدرُّجية المنفعة فى الوجود لانَّ الموجر هنا إذا سلَّم ألعين فكانَّه سلَّم منفعتها الاستمرارية فتجرى فيه قاعدة ألاتلاف وحدها .

انهدام المسكن في الاجارة

إذا إنهدم المسكن بحيث لم يكن قابلاً للانتفاع فهل للمستأجر فسخ الاجارة أم لا؟ . توضيح الكلام فى المقام أنَّ انهدام المسكن إنَّما يقع على وجوه . الاوَّل : أن يكون ألانهدام بحيث لا يمكن إعادة المسكن وعمرانه ثانياً . ألثّانى : ان تكون الاعادة ممكنًا لكنَّها تحتاج إلى زمان طويل يفوت فيه مقدارٌ معتدٌّ به من ألمنفعة . الثّالث : أن يكون ذلك في زمان قصير لا يفوت من المنفعة ما يعتدّ به عرفًا. وعلى كلا التَقديرين إمّا أن يعيده الموجز أم لا . لاريب ولا إشكال في إنفساخ الاجارة فى الصورة الاولى أى فى صورة عدم إمكان الاعادة لانتفاءِ موضوع الاجارة رأسًا من دون فرق بين إنهدامه في أوَّل ألمدة أو فى الأثناءِ غاية ألامر أنَّ ألا نهدام في الاثناء يوجب بطلان الاجارة فى

ص: 377

الأثناءِ.

أمّا ألصورة الثانية فينفسخ العقد فيها بالنسبة إلى ماتلف من ألمنفعة و يثبت للمستأجر خيار التبعض بالنسبة إلى ألباقى .

و أمّا الصورة الثالثة فيبقى العقد على حاله . إذ المفروض إمكان الاعادة في زمانٍ قصيرٍ بحيث لا يفوت من المنفعة ما يعتدُّ به عرفًا . و توهم إنفساخ ألعقد بالنسبة إلى ما مضى أو ثبوت ألخيار للمستأجر من جهة أنَّ إعادة المسكن إمّا أن يكون بإحداثه عن جديد فيلزمه ألانفساخ و إمّا أن يكون من باب التَّخلف لوصف سابق فيثبت للمستأجرخيا رتخلف ألوصف. مندفع بانَّ المدار في ألمقام ليس إلّا على النَّظر العرفى . و من المعلوم أنَّ الاعادة على النَّحو المذكور ليس ايجاداً للمعدوم في نظر ألعرف بل هو إستمرار للموجود السّابق وأنَّ ألمنفعة وإن كانت حيثية قائمة بالعين بما هي موصوفة بكذا و لكنَّ ألعرف لا يرى ألمباينة بين الوصف الحادث و الزائل . هذا كله إذا أعاد الموجر المسكن . وأمّا إذا لم يعده مع إمكان إعادته فلا تجرى فيه قاعدة ألتلف قبل القبض لوجود المنفعة بواسطة وجود ألقدرة على ايجادها بل يثبت فى ألمورد خيار تعذر التّسليم إلّا أن تمضى مدة الاجارة بحيث يصدق عليها فوت المنفعة فتصدق حينئذٍ قاعدة ألتلف قبل القبض لما تقدم من أنَّ ألمدار فيها على عدم ألوصول إلى المستأجر . نعم يشترط فيه أن يكون الدّار المنهدمة تحت يد الموجر و إلّا فلوكانت تحت يد ألمستأجر فليس هناك إلّا خيار نعذُّر التَّسليم لثبوت التَّخلف عن الشرط الضمنى وهو الالتزام بالتَّسليم. وأمّا ما ذهب إليه فى الشّرايع من ألخيار فلعلَّه منزَّل على ألغالب من تمكن الموجر من إعادة الدّار ويكون عدم الاعادة إمتناعا من التَّسليم بالنسبة إلى ألبقيَّة . وعليه فلو تمادى ألموجر في إعادته فأعادها بعد مدة تُصبح ألاجارة خياريَّة بخيار التَّعذر بالنسبة إلى ما مضى وبخياراً لتبعض بالنسبة إلى ما بقى فلو أخذ المستأجر بالخيار يرجع بنسبة ما تخلف من

ص: 378

الاجرة .

ثم إنَّ في المقام مسئلتين لا بدَّ من التعرُّض لهما.

ألاولى : إنَّه لو إستأجر رجلاً لكنس المسجد فأجنب أو امرأة فحاضت فقد يقال بكون ذلك نظير انهدام ألمسكن فتجرى فيه الوجوه المتقدمة من جهة أنَّ ألمانع الشَّرعى كالعقلى و ربما يقال في تقريب ذلك وجوه:

الأوَّل : أنَّ صحة الاجارة مشروطة باباحة المنفعة كما تقدَّم والمنفعة هنا ليست مباحة . وفيه أنَّ المحرَّم إنَّما هو أللبث في المسجد و مورد الاجارة هو الكنس و هو غير محرَّم . نعم هما متلا زمان و لكن ليس التَّلازم بينهما دائميّاً أو غالبيّاً حتى يقال بعدم جواز إجتماع ألحكمين المتضادين فيهما بل ألتلازم فيما نحن فيه إتّفاقى و ألجمع بينهما ليس من ناحية الشّارع بل من قبل المكلف فلا يدل ألنهى عن أللبث على عدم الامر بالوفاءِ بالاجارة .

الثّانى : إنَّ الجنب أو ألحائض لمّا كان غير قادر على التّسلیم من جهة حرمة اللبث عليه تكون الاجارة غرريَّة . و فيه أنّ ألقدرة على التَّسليم إنَّما يعتبر فى الاجارة حدوثاً وهذا يكفى لرفع الغرر ألمانع عن صحة العقد . و ألقدرة الرافعة للغرر أعمّ من القدرة الشرعية العرفية . و ألقادر بالقدرة التكوينية لا يعدُّ عاجزاً في نظر ألعرف و ليست ألمعاملة معه معاملة سفهية .

الثّالث : إنَّ أكل ألمال في مقابل هذه المنفعة أكلٌ للمال بالباطل من جهة أنَّ كنس المسجد يتوقف على أللبث المحرَّم و حرمة المقدمة تقتضى حرمة ذيها فيكون أكل ألمال في مقابله أكلاً للمال بالباطل . وفيه أوَّلاً إنَّ الظاهر من الباطل فى الآية الشَّريفة ما يكون باطلاً عرفًا فلايشمل ألباطل الشَّرعى أى ما كان متعلقاً للنهى الشَّرعى كما أنَّ ألظاهر منها هو كون المأكول باطلاً

ص: 379

بنفسه أي نفس العوضين فلايشمل ألمقدمات أو الملازمات للشيىء الباطل فانَّ ألباءَ فى قوله تعالى بالباطل إنما هو للصّلة لا للسببيَّة . وثانيًا على تقدير تسليم كون ألباء للسببيّة و أنَّ ألباطل يشمل الممنوع الشَّرعى أيضا لا تشمل الآية ما نحن فيه . لانَّ معنى الآية حينئذٍ هو حرمة التسبُّب إلى ألتملُّك بسببٍ باطلٍ شرعاً أى بالسبب ألمنهى عنه . والمفروض عدم ثبوت الحرمة والبطلان للسبب في ما نحن فيه فلا وجه لفساد الاجارة فيه . نعم ألاحوط ما ذهب إليه المشهور من البطلان ولا سيّما إذا وقعت الاجارة في حال الحدث لوجود الظن القوىِّ بعدم إمضاءِ الشارع ملكية المنفعة التى يكون وجودها ألفعلى و خروجها من القوة إلى ألفعل مقرونًا بما هو مبغوض لدى الشارع .

المسئلة الثّانية : إنّه لو أستوجر على عمل محرَّم في نفسه كهجاءِ المؤمن مثلاً فلا ريب في بطلان هذا النَّوع من الاجارة لانَّ مقتضى حرمة العمل أنَّ الشّارع لا يرضى بوقوعه فى الخارج و عليه فلا يصح شرعًا أن يقع موردًا للاجارة . و هذا واضح لا إشكال فيه .

تتميمٌ للبحث:

إعلم أنَّ ألموانع عن ألاستيفاء إمّا تكوينية أو تشريعية وعلى كلا التقديرين إمّا أن يكون ألمانع عامّاً بالنسبة إلى المستأجر وغيره وإمّا أن يكون مختصة بالمستأجر وحينئذٍ فامّا أن تكون المنفعة الموجرة مقيدة بمباشرة ألمستأجر أو تكون مطلقة من حيث ألاستيفاءِ . هذا من ناحيةٍ . و من ناحية أخرى أنَّ الأعذار ألعامَّة تنقسم إلى قسمين :

الاوّل : أن يكون ألعذر موجبًا لسلب المنفعة وإنتفائها وكاشفًا عن عدمها ألواقعى كما لو إستأجر دابَّة لسلوك طريق مثلاً فحدث ما يوجب قطع الطَّريق كالثلج و نحوه . ففى هذا القسم تنفسخ الاجارة بلا إشكال لانتفاء المنفعة ولانَّ العرف لا يعتبر لها وجودًا في هذه

ص: 380

الصّورة .

ألثّانى : أن لا يكون موجباً لانتفاء المنفعة ولا كاشفًا عن عدمها ألواقعى . بل يكون مانعًا عن ألاستيفاء فقط بحيث تكون المنفعة موجودة فى وعائها الخارجي و الاعتبارى و ألعذر إنَّما منعه عن الاستيفاءِ أى أوجب حرمته و ذلك كالخوف ألعام ألمانع شرعًا و عرفا من الاستيفاء من دون إستلزام لانعدام المنفعة فى وعائها و لذا ترى أنَّه لو تحمّل الخوف أمكن له سلوك الطريق بالدّابَّة وإستيفاءِ المنفعة منها إلّا أنَّه منه شرعًا وعقلًا و المشهور في هذا القسم هو بطلان الاجارة و فسادها. و ربما يقال في وجه الفساد إنَّ ألمالية منتفية هنا باعتبار أنَّ ألقدرة على التَّسليم شرط للمالية و لكن ألحق أنَّ ألمالية لا تتوقف على ألقدرة على التَّسليم . نعم ألبذل ألفعلى بازاء هذا المال مشروط بوجود القدرة على الاستيفاء عند العقلاءِ حيث يعتبرون المعاملة على شيئ غير مقدور التسليم معاملة سفهية . و لكن عدم ألبذل ألفعلى لا يكشف عن عدم إعتبار ألعرف ألماليَّة لمثل هذا المال ألا ترى أنَّهم يعتبرون الذَّهب ألمُلفى فى البحر مالاً يبذل بازائه ألمال . فالتَّحقيق أنَّ ألحكم بفساد المعاملة فى ألمقام ليس إلّا لكونها سفهية في نظر العرف .

وأمّا ألاعذار الخاصة فهى إمّا تكوينية أو تشريعية وعلى كلا التقديرين إمّا أن تكون المنفعة مقيدة بالمباشرة من حيث الاستيفاءِ وإمّا أن تكون مطلقة . فعلى ألثّانى لا إشكال في صحة الاجارة لثبوت الماليَّة للمنفعة وعدم كون العجز مانعًا عن ماليتها لما تقدم من أنَّ ألقدرة على التَّسليم لا يكون شرطاً لمالية الاشياءِ . و المفروض إنتقاءُ السَّفاهة أيضاً فى هذا القسم إذ المفروض عدم تقييد ألاستيفاءِ بالمباشرة فله إستيفائها بالتَّسبيب و ايجادها للغير أو جعل ألغير نائباً عنه فى ألاستيفاءِ من دون فرق فى ذلك بين ألمانع التكوينى والتشريعي . وأمّا على الأوّل أى إذا كانت المنفعة مقيدة بالمباشرة فالحق إنفساخ ألاجارة

ص: 381

فيما إذا كان ألمانع مانعًا تكوينيًّا . وهذا هو المشهور أيضًا . لانَّ مرجع ذلك هو عدم وجود هذه الحصّة ألخاصَّة المستأجرة فى وعائها المختصّ بها . كما إذا منعه عن الاستيفاءِ مرض أو موت . فهذه الحصَّة من ألمنفعة ألمقيدة بمباشرة ألاستيفاء من هذا الشخص الخاصِّ غير موجودة فتبطل الاجارة قهرًا لعدم الموضوع . إن شئت فقل إنَّ المنفعة لها إضافتان، ألاولى إضافتها إلى الدابَّة والثّانية إضافتها إلى المستأجر و إن كانت المنفعة كليّة فانَّ الكلىَّ فى ألمعيَّن أيضًا يتحصَّصُ بهاتين ألاضافتين . وإذا فرض إنتفاءُ الاضافة الثّانية من جهة وجود ألمانع يصبح بطلان الاجارة مستندًا إلى عدم وجود ألموضوع . وعليه فما ذهب إليه ألمحقق الكركى ( رحمه الله ) من صحة الاجارة فيما إذا إختصَّ ألعذر بالمستأجر معلِّلاً بفقدان ألمانع من قبل الموجر و أنَّ ألا نفساخ يكون ضررًا على المستأجر بلا موجب مندفع بما تقدم من أنَّ تقييد ألمنفعة بمباشرة ألاستيفاءِ من المستأجر يخرجها عن ألا طلاق و يجعل وجودها وعدمها دائراً مدار إمكان ألاستيفاء من شخص المستأجر وعدمه و هذا ألفارق بين هذه الصّورة و بين ما إذا كانت المنفعة مطلقة من جهة المباشره و التَّسيب مع إختصاص العذر بالمستأجر في كلتا الصّورتين .

و أمّا إذا كان ألمانع شرعيًّا مع تقيُّد ألمنفعة بالمباشرة فالاجارة حينئذٍ باطلة لانَّ أكل ألمال بازاءِ هذه ألمنفعة أكلٌ له بالباطل . نعم ربما يقال إنَّ حرمة الاستيفاء حرمة ملازمة مع ألمنفعة و هي بطبعها قابلة للاستيفاء وذلك لا يوجب إنسلاب المنفعة و إنتفائها رأسًا و لكنَّه يمكن ألجواب عنه بانّ الشارع إذا حرَّم ايجادها في الخارج يكون أكل ألمال بازائها أكلاً له بالباطل فالاحوط لو لم يكن ألا قوى هو البطلان .

الفصل الثالث: مسائل في أحكام الاجارة:

ألاولى : أن يكون المستأجر قد وجد عيباً في العين المستأجرة .

ص: 382

فالظّاهر عدم الخلاف بينهم في ثبوت ألخيار للمستأجر في الجملة وإن إختلفوا في نوعه فانَّ الظَّاهر من جماعة بل المصرَّح به عند بعض أنَّه خيار العيب مع ألقول بالأرش أو لا معه و يظهر من بعض آخر أنَّه خيار الوصف و عن ثالث أنَّه خيار الشرط وسيأتى ألكلام فيه . وينبغي لنا قبل التَّحقيق فى ألمسئلة ذكر صورها للتّوضيح فنقول : إنَّ العيب إمّا أن يكون حاصلاً قبل وقوع العقد على ألعين أو بعده وعلى ألثّاني إمّا أن يكون ذلك قبل القبض أو بعده . و الحاصل بعد القبض إمّا أن يكون قبل التَّصرف أو بعده . ثم إنَّ العيب المذكور إمّا أن يكون موجبًا لنقصان بعض المنفعة كما في إنهدام بعض بيوت ألدّار أو لا يكون كذلك . وعلى الثّانى إمّا أن ينقص كميَّتها على نحو يوجب تفاوتًا فى الاجرة بينها و بين غيرها كما في السِّكّين غير القاطعة بالنسبة إلى القاطعة أولا ينقص كميَّتها كذلك . و ألعيب غير المنقِّص تارة يكون بنظر نوع العقلاءِ عيبًا كما إذا كانت ألدّابة حرونًا و أخرى ليس كذلك بل يدور مدار الرَّغبات الشَّخصية كما إذا لم تكن ألدّابَّة سليمة ألاذن أو ألذنب . والتَّحقيق أنَّ ألعيب إذا كان حاصلاً في العين قبل ورود العقد عليها وكان موجبًا لنقص مقدار من المنفعة خارجًا كما في الدّار ألتى إنهدم بعض بيوتها فلا إشكال في إنفساخ ألعقد بالنسبة إلى ما تلف من ألعين وثبوت ألخيار بالنسبة إلى مابقى بين فسخ العقد و بين إبقائه وأخذ ما به التَّفاوت . و ألخيار هنا خيار تبعض . الصَّفقة لانَّ عقد الاجارة كما ينحلُّ بالنسبة إلى الازمنة كذلك ينحلُّ بالنسب- إلى الابعاض بشرط أن تكون أبعاضًا لدى ألعرف كما فيما نحن فيه. وعليه يكون إنفساخ ألعقد بالنسبة إلى المعيب على القاعدة لانَّ إنتفاءُ موضوع العقد يقتضى ألانفساخ قهرًا . فيكون بطلان العقد مستندًا إلى عدم المحلِّ له . و لعلَّ نظر من نسب إليه الذِّهاب إلى ثبوت الارش في المقام كالمحقق الكركي (قدّس سرّه ) إلى هذه الصّورة و إن كان ذلك

ص: 383

لا يخلو عن إشكال فانَّ الثّابت هنا ليس هو ألارش المصطلح وإنَّما هو تقسيط للاجرة على ألا بعاض و ردُّ لما يقابل ألتّالف منها.

و أمّا إذا كان العيب موجبًا لنقصان المنفعة خارجًا لا من حيث الكميَّة بل من حيث الصِّفة وأوجب ذلك التَّفاوت فى الاجرة كما إذا إستأجر سكيناً فبانت أنَّها غير قاطعة من دون أن يكون نقصان ألمنفعة ناشئا عن ذهاب أبعاض ألعين ففى هذه الصورة يثبت للمستأجر الخيار بلا إشكال و يلحق به ما إذا لم يكن العيب موجبًا لنقصان ألمنفعة كميَّة ولا صفة صحة وإنَّما أوجب فقد كمالها كما إذا إستأجر دابَّة فبانت بطيئة السِّير أو حرونًا مع وفائها بتمام المنفعة ثم إنَّ ما يوجب فقد ألكمال إمّا أن يتبعه التَّفاوت فى الاجرة أو لا يتبعه ومع عدم التَّفاوت فامّا أن يكون ألكمال ألمرغوب فيه نوعيّاً كما فى الامثلة التي ذكرناها و إمّا أن يكون شخصيًّا ككون الدّابّة سليمة ألاذن والذّيل مثلاً ، وكيف كان فاذا كان ألعيب موجبًا لنقصان كميَّة المنفعة أو نقصان كمالها وكان مما يرغب إليه العقلاءُ نوعًا فهو موجب للخيار بلا إشكال و ذلك لبناءِ العرف على إشتراط كون ألعين الموجرة صحيحة كاملة على نحو الاشتراط الضمني فلو إنكشف كونها معيبة باحد هذه العيوب يثبت للمستأجر خيار تخلف الشرط . لا نقول : إنَّ مصبّ ألاجارة هو ألعين حتى يستشكل بانَّ الاجرة إنّما ترد على ألمنفعة و ألعين أجنبية عنها بل نقول إنَّ ألعين وإن لم تكن مصباًّ للاجارة إلّا أنَّ لها تمام ألدَّخل في المنفعة ألتي هي أحد العوضين من جهة أنَّ ألمنفعة إنَّما تقوم بالعين وتصدر عنها و أنَّ ألارتكاز المعاملى ثابت بالنسبة إلى ما قلنا وعليه فالمستأجر إذا وجد ألعين معيبة بمثل ما ذكر يرجع على ألموجر ولا بدَّ من حمل كلام من قال بانصراف العقد إلى ألعين الصحيحة على ما ذكرنا من ألا لتزام الضمني بين المتعاملين . هذا و أنت خبير بانَّ ألعيب لا يتصور فى المنفعة لانَّه ليس إلا عبارة عن النَّقص فى ألخلقة الاصليّة كما حدّد

ص: 384

به في لسان الاخبار و هذا المعنى لا يتصور إلا في المركّبات وأمّا ألبسائط ومنها المنفعة فأمرها دائر بين الوجود والعدم أى أنَّها إمّا أن توجد وإمّا أن لا توجد أصلاً لا أنها توجد ناقصة إلّا أنَّ العيب في العين دخيل في المنفعة كما قلنافتد بر وأمّا إذا لم يكن العيب ممّا يعدُّ عيبًا عند غالب المتعاملين بل كان دائرًا مدار بعض الرغبات الخاصّة فهو لا يوجب ألخيار ولا ألارش.

أمّا الاوَّل فلانَّ خيار تخلف الشّرط ألضمني لا يتصور هنا لما هو المفروض من أنَّ ألعيب في المقام ليس عيبًا عرفًا و نوعًا حتى يكون عدمه شرطاً يوجب تخلفه ألخيار ولاجل ذلك لا يتصور فيه خيار العيب أيضًا بل لا يصدق عليه العيب عرفًا و أمّا توهم ثبوت ألخيار من ناحية قاعدة نفى ألضرر فمندفع بانَّ القاعدة إنّما تجرى فيما إذا كان منشأ ألضرر هو نفس ألعقد وقد عرفت أنَّ العقد هنا لا يوجب الضَّرر نوعًا .

و أمّا ألثّانى فعدم تفاوت في الاجرة بين ألعين ألواجدة وألعين ألفاقدة كما هو المفروض فلا موجب لاستحقاق الارش.

نعم يمكن أن يقال بثبوت ألارش فى ألا وصاف الَّتي يكون تخلفا موجباً لنقصان فى ألماليَّة وتكون مورداً للرغبات النَّوعية · بيان ذلك: إنَّ ألاوصاف المذكورة لها برزخية بين الجزءِ و هو الذى يوجب تخلفه نقصًا في ألماليَّة ويكون مورداً للرغبات النوعية . و بين الشرط السّاذج و هو ألذ ى لا يكون كذلك .

و ليس المقصود من ألبرزخيَّة بينهما أنَّها شق ثالث . بل نريد بذلك أنَّها داخلة في المعاملة من دون أن يقع عليها ألانشاءُ المبادلى و ذلك لانَّ ألانشاءَ لا يكون منصبًّا على هذه ألا وصاف وإنَّما ينصبُّ على نفس ألعين الموصوفة فلا تقول في معاملة ألعبد ألكاتب إشتريت عبداً و كتابةً فيما إذا لم يكن التّوصيف تقييدًا لموضوع المعاملة كما هو واضح فيكون شرط الكتابة داخلاً في المعاملة بالتزام آخر قائم بين المتعاملين

ص: 385

وأجبنى عن العقد المنشأ وحينئذ فباعتبار أنَّ لحاظه يوجب زيادة ألمالية فى الموصوف يكون شبيهًا بالجزء وباعتبار أنَّه ليس مصبًّا للانشاء كبقيه ألاجزاءِ الواقعية وإنّما هود خيل في ألمعاملة بسبب ألا لتزام الضمني بين المتعاملين يكون شبيهًا بالشرط الساذج. فاذا تخلف هذا الشرط فباعتباركونه شرطاً فى المعامله يوجب ألخيا ركبقية الشروط وباعتبار أنَّ لحاظه في ألموصوف أوجب زيادة فى ألمالية وليس له بدل واقعى يثبت ألارش إذ المفروض أنَّ لحاظه موجب لزيادة الثّمن ولا يمكن أن يقسَّط عليه وعلى غيره من الاجزاء حيث لم يلحظ ذلك في مقام ألانشاءِ ألمباد لى ويترتب على ذلك ثبوت ألارش وهو ملاحظة تفاوت القيمة بين الصحيح والمعيب وردّ الزائد عن قيمة المعيب إلى المشترى والمستأجر كما في المقام . وعليم يكون ثبوت ألارش على القاعد قولذا ترى أنَّ الفقهاء، لا يرون مانعًا من ثبوت ألارش فى الاجارة إذا كانت ألاجرة معيبة مع أنَّ الدليل إنَّما ورد في البيع ومن هنا نقول إنَّ من إستشكل في ثبوت ألارشفى جانب ألمنفعة فليس من ناحية ثبوت ألارش بالتعبد وأنَّ إسرائَه إلى مورد آخر يكون قياساً . بل إنَّما هو لعدم تصوراً لمعيب في المنفعة عندهم فالاشكال في نظرهم ليس في جريان الارش بل في عدم تعقل موضوعه . وألقول بتعبدية ألا رش بحديث (1) ورد فى ألفقه الرضوى بدعوى جبر ضعفه بالعمل مندفع بانَّ هذا الكتاب لم يكن موجودًا فى أيدى ألقدماءِ حتى يكون كمهم بالارش مستندًا إليه ويكون عملهم جابرًا للضعف ودعوى أنَّ حكمهم بالارش كان لدليل تعبُّدی آخر مدفوع بعدم وجود الدليل فيما بايدينا

ص: 386


1- ففي باب التجارات وألبيوع والمكاسب إعلم يرحمك الله إلى قوله و روى في الرجل يشترى المتاع فيجد به عيبا يوجب الردَّ فان كان ألمتاع قائمًا بعينه ردّ على صاحبه وإن كان قد قطع أوخيط أو حدثت فيه حادثة رجع فيه بنقصان ألعيب على سبيل ألارش انتهى ما اردنا ایراده . ومن الغريب ما نَسب إلى النائيني بعض تلامذته من التفصيل في حجية ألفقه ألرضوى بينما إذا كان فيه و روى أو روى أو أروى أو نحو ذلك فهو حجة وبين غير مغليس بحجة إذ مضافاً إلى أنَّه مصادرة محضة أنَّ المرسل مرسل ولوفي غير هذا الكتاب والمرسل ليس بحجة ولا سيّما في هذا ألكتاب

من الاخبار و أنَّه لوكان لبان وإحتمال فقده بعد وجوده ضعيف لا يعباً به . فيتعين أن يكون مستند هم في الحكم بالارش كونه على مقتضى القاعدة وعليه فلامانع من إسرائه إلى باب المعاملات طرًّا.

و يمكن تقرير الاشكال في المقام بنحو آخر بان يقال بعد تسليم كون ألارش على وفق القاعدة أنَّ ألارش لا يمكن إجرائه في المقام لانه لا يجرى إلّا فيما يتصور فيه ألعيب وقد تقدم أنَّ ألعيب لا يتصور في المنفعة لانَّها ليست من الموجودات المتحيزة في الخارج حتى يتصور فيها خلقة أصلية تطرءُ عليها الزيادة والنقيصة . والجواب عنه أمّا على ما بيَّنا عليه في تقريب وجوب ألارش من برزخية الوصف المحمول بين الجزء و الشرط السّاذج فواضح إذ حينئذٍ لا يتوقف ألا رش على تصور ألعيب بل يكفي فيه فقد ألوصف الموجب لنقص ماليّة العين . وأمّا بناءً على تبعية ألارش للعين و تعريف العيب بما ذكر فنقول إنَّ النقص إنَّما يتصور في كل شيىءٍ بحسبه و لا يختص ذلك بنقص العين فقط بل يشمل كلما يتصور فيه ألنقص من العين وغيرها وضابطه عدم كون الشيىءِ على مجرى عادته كالارض التي كثر فيها الخراج أو الدار التي وقعت في جوارِ نزّ ألماءِ ونحوهما و هكذا ما نحن فيه فان ألعبد مع فقد ألكتابه إذا اشترى مع دخالتها يعدّ معيبًا لدى العرف .

نعم هنا إشكال آخر و هو أنَّ دخالة وصف الصحة و ما بمنزلته في المعاملة إنما هي بالتزام واقع فى طول الالتزام المعاملى فيكون من قبيل ألالتزام فى ضمن الالتزام و من المعلوم أنَّ تخلف هذا النوع من الوصف لا يوجب إلّا الخيار و أمّا ألارش فلا يمكن الالتزام به وإلّا للزم الالتزام به في كل شرط داخل في المعاملة بالتزام طولى وإن لم يكن موجباً لزيادة المالية في أحد العوضين كما لو باع شيئًا وإشترط خياطة ثوب مع أنَّ الاجماع قائم على أنَّ التخلف فيما لا يوجب زيادة فى المالية لا يستلزم الارش . و ألجواب عن هذا الاشكال أنَّ ألشرط

ص: 387

المعاملى على قسمين :

الاوَّل : ما يكون أجنبيًّا عن العوضين بحيث لا يوجب زيادة ألمالية في أحد العوضين و يكون مدلولاً عليه في المعاملة بدال آخر غير الانشاءِ المعاملى كما مثلنا له بخياطة الثوب التى لا توجب زيادة فى مالية أحد العوضين وإن كانت مالاً في حد نفسها .

الثّاني : ما يكون دخله فى المعاملة موجبًا لزيادة ألمالية فى أحد العوضين و هو وإن كان ثابتاً فى المعاملة بالتزام آخر غير الانشاء المعاملى إلّا أنَّه محدِّدٌ لموضوع الانشاء بواجد الوصف مثلاً فيك الاتصاف به دخيلاً في موضوع المعاملة . إذا عرفت ذلك فاعلم أنَّ ما يوجب ألخيار فقط هو القسم الاوَّل لما عرفت من أنَّ دخالته فى المعاملة لا توجب نقصاناً فى مالية أحد العوضين و لذا لا يكون فن مستلزماً للارش نعم يكون وجوده داعيًا لبذل الزائد .

وأمّا القسم الثّانى فلابد فيه من الحكم بالخيار ثم ألفسخ لتخلف الشرط أو أخذ ألارش مع إختيار ألبقاءِ . لما تقدم من أنَّ وجوده يستلزم زيادة ألمالية وفقده يوجب نقصاناً فيها . إن قلت إنّه يلزم مما ذكرتم تقسيط الثمن قلنا لا يلزم ذلك لانَّ إنصاف العين به إنَّما يوجب زيادة المالية في نفس العين لا أنَّه يبذل بازائه قسمٌ من الثمن فهو من قبيل الجزء العقلى فلا يلزم التقسيط بل يتعين الارش .

ثم إنّه قد أورد المحقق الرشتى ( رحمه الله ) على ما ذكرنا ایرادات قد علم جوابها مما سبق.

الأوّل : أنَّ الخيار لو كان خيار العيب لتعين الالتزام بالارش. ويندفع بما تقدم من الالتزام بتعين ألارش كما إلتزم به جماعة .

الثّاني : أنَّ العيب لا يتصور فى المنفعة. وقد عرفت الجواب عنه بما تقدم من تصور ألعيب فى المنفعة و أنَّ عيب كل شيئ بحسبه .

الثّالث : أنَّ ألخيار لو كان خيار العيب لسقط بالتصرف فى

ص: 388

العين كما هو الشأن في خيار العيب . و ألجواب عنه أنَّ ما ذكرتم صحيح لكن لا بدَّ من ملاحظة الفرق بين ما نحن فيه و بين ألبيع فانَّ التَّصرف ألمسقط لخيار العيب هو التَّصرف فى جميع العين و لا يمكن ذلك فى ألمنفعة لانَّها تدريجية الوجود ولا يتصور ألتصرف فيما لم يأت بعد فيبقى الخيار بالنسبة إلى ما يأتى وستعرف زيادة توضيح للمسئلة . هذا كله إذا كان العيب قبل العقد و أمّا إذا كان بعده و قبل القبض فهل يثبت للمستأجر ألخيار أم لا فنقول لا ريب في ثبوت خيار الشرط في ألمقام مطلقًا أى قبل القبض و بعده لانَّ الموجر قد التزم بتسليم المنفعة الصحيحة فكل جزء منها لا بدَّ أن يكون صحيحًا فاذا لم يقع على ألوجه الصحيح يحدث للمستأجر ألخيار و أمّا خيار العيب فقد يقال بانتفائه من جهة أنَّه قد وقع فى ملك المستأجر فلاوجه لثبوت الخيار أو ألارش . و لكن ربما يقال إنّ : كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال البايع . و مقتضى ذلك بعد إلحاق الاجارة بالبيع هو أن يكون ألتلف أو ألعيب الوارد على العين موجباً لانفساخ ألمعاملة إذ المفروض وقوع العقد على الموصوف ألمعين ومع عدم ألوصف يستكشف أنّ ما وقع عليه العقد غير موجود و ما هو موجود لم يقع عليه العقد . هذا و لكن يمكن أن يقال إنَّ قاعدة كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال البائع إنَّما هي بالعين الخارجية ولا يصح ألتعدّى عنها إلى ألا وصاف . وأمّا ألقول بعدم الخيار للمستأجر من جهة أنَّ ألتلف إنَّما وقع فى ملكه مندفعة بما تقدم من أنَّ قبض المنفعة ليس إلّا إستيفائها فتكون المنافع غير المستوفاة غير مقبوضةً و ذلك لما عرفت من تدريجية وجود ألمنافع فاذا حصل الموصوف فاقدًا للوصف يستكشف تخلف الشرط بالنسبة إلى المنافع المستقبلة فيثبت الخيار للمستأجر .

و مما ذكرنا من أنَّ تدرُّج المنفعة فى الوجود يجعل المنافع غير المستوفاة غير مقبوضة يعلم عدم ألفرق بين ما قبل القبض و ما بعده

ص: 389

و ما قبل التصرف و ما بعده هذا كله إذا كانت ألعين ألموجرة شخصية . و أمّا إذا كانت كلية وقد سلّمها ألموجر فى ضمن الفرد المعي- فللمستأجر تبدیله بالفرد الصحيح و يثبت له خيار تعذرأ لتسليم فى صورة إمتناع الموجر عن التبديل . و لا وجه لثبوت ألارش حينئذ لان العين الموجرة الكلية غير معيبة فلاوجه لاستحقاق الارش كما هو واضح .

ألثّانية، ألعين أمانة في يد المستأجر يضمنها بالتعدّى أو التَّفريط

المسئلة ألثانية : إنَّه لا اشكال في أنَّ العين أمانة في ید المستأجر فليس عليه ضمان ما لم يقع منه ألتعدى أو التفريط . و أمّا إذا تعدّى فيها حتى تلفت ألعين فيضمن مثلها إن كانت مثلية و قيمتها إن كانت قيمية مع إختلافهم فى كون المدار على أسيمة يوم ألغصب و العدوان أو يوم ألتلف أو يوم ألاداء أو أعلى القيم من يوم ألتلف أو إلى يوم ألاداءِ و منشأ ألخلاف هو إختلاف آرائهم و أنظارهم في صحيحة أبن ولاد، و لتحقيق الحال و بيان الحق في المسئلة لابد من توضيح الحال في صحيحة أبي ولاد . و في قوله صلّى الله عليه و آله على أليد ما أخذت حتى تؤدّى أمّا الصحيحة فهى ما رواه ألشيخ فى التهذيب قال إكتريت بغلاً إلى قصر بنى هبيرة ذاهبًا وجائيًا بكذا و كذا و خرجت فى طلب غريم لى فلما صرت قرب قنطرة الكوفة خّبرت أنّ صاحبي توجه إلى نحو ألنيل فتوجهت إلى نحو ألنيل فلما أتيت النيل خبّرت أنه توجه إلى البغداد فاتبعته وظفرت به و فرغت مما بینی و بینه و رجعت إلى الكوفه وكان ذهابی و مجيئى خمسة عشر يومًا فاخبرت صاحب ألبغل بعذرى وأردت أن أتحلّل منه فيما صنعت فبذلت له أحد عشر درهما فابي أن يقبل فتراضينا بابي حنيفة و أخبرته بالقصة و أخبره الرجل فقال ما صنعت بالبغلة قلت رجعت سليمًا قال نعم بعد خمسة عشر يومًا قال فما تريد من الرجل قال أريد كرائتي فقد حبسه على خمسة عشر يوما فقال إنّى ما أرى لك حقّا لانه اكتراه إلى قصر بنى هبيرة مخالف فركبه إلى النيل و إلى بغداد فيضمن فيه البغل و سقط الكراء

ص: 390

فلما ردَّ ألبغل سليمًا و قبضته لم يلزمه ألكراءُ قال فخرجنا من عنده ه وأخذ صاحب البغل يسترجع فرحمته ممّا أفتى به أبو حنيفة و أعطيته نيئًا وتحللَّت منه وحججت تلك السنة فأخبرت أباعبد الله عليه الّسلام بما أنتى به أبو حنيفة فقال عليه السّلام في مثل هذا ألقضاءِ وشبهه يحبس السَّماءُ مائها وتمنع ألارض بركاتها فقلت لابي عبد الله عليه السلام ما ترى أنت جعلت فداك قال أرى له عليك مثل كرى ألبغل ذاهبًا من الكوفة إلى النيل و ذاهبًا من النيل إلى بغداد و مثل كرى البغل من بغداد إلى الكوفة وتوفيه ايّاه قال قلت جعلت فداك قد علقته بدراهم فلى عله علفه قال لا لأنّك غاصب قلت أرأيت لو عطب البغل أونفق أليس كان يلزمنى قال نعم قيمة بغل يوم خالفته قلت فان أصاب البغل عقر أو كسر أو دبر قال عليك قيمة ما بين الصحة و العيب يوم ترد عليه قلت فمن يعرف ذلك قال أنت و هو إمّا أن يحلف هو فيلزمك وإن ردَّ عليك أليمين فحلفت على القيمة لزمك ذلك أو يأتى صاحب البغل بشهود يشهدون أنَّ قيمة ألبغل حين ألكراء كذا وكذا فيلزمك . ألخبر.

وقد استدل القائل باعتبار ألضَّمان بقيمة یوم التَّعدى بقوله علىه السلام نعم قيمة بغل يوم خالفته . و تقريب استفادة ذلك منها بوجوه .

الأوّل : أنّ إضافة القيمة إلى البغل أوجب إختصاصها به و يكون الظرف متعلقاً بهذا الاختصاص المتصيَّد من الاضافة و عليه فيصبح ألمعنى هكذا، أنت ضامن للقيمة المختصة بالبغل يوم ألمخالفة وبالنتيجة تكون القيمة المضمونة هي قيمة يوم المخالفة . و ألاشكال عليه بان الاختصاص معنى إصطيادى غير ملحوظ بالاستقلال و متعلق ألظرف لابد أن يكون ملحوظاً إستقلالاً مندفع بانّ الاختصاص و إن كان معنى حرفيًّا إلّا أنَّ المعنى الحرفى بعد وجوده يمكن أن يلاحظ إستقلالاً و يجعل متعلقاً لغيره حال وجوده . إن شئت فقل إنَّ اللحاظ الآلى و الاستقلالي لحاظان طوليّان فلايرد عليه ماذكر نعم يصح الايراد عليه

ص: 391

بانه خلاف الظاهر و أنَّ العرف لا يفهم هذا المعنى من ألعبارة المتقدمة .

ألثاني : أن يجعل لفظ القيمة مضافاً إلى ألبغل و لفظ البغل مضافاً إلى يوم ألمخالفة ويصير ألمعنى هكذا . قيمة بغل يوم أى أنَّ ألقيمة المضمونة هي قيمة بغل يوم المخالفة لاقيمة بغل يوم آخر كيوم ألقبض أو ألردّ أو نحوهما . وعليه يكون هذا دليلاً على القول بانَّ ألعين تضمن بمثلها ومع ألتعذر ينتقل إلى قيمة المثل لا إلى قيمة العين . وقد أورد عليه بان تتابع ألاضافات و إن كان واقعًا في كلام أهل المحاورة كثيرًا لكنّه لا يصح في المقام قطعًا . لانّ ألبغل الموجودات العينيّة القارَّة وألزمان موجود غیر قارّ ولا يعقل تحديد ألقارّ بغير ألقارّ أو فقل إن بغل يوم ألمخالفة هو نفس بغل غيره من ألايام لا أنهما موجودان متميّزان . و ألجواب عنه أنَّه إن أريد من ألمنع أنَّ غير القارِّ لا يوجب تفريد ألقاز و تجزئته بحسب أفراد ألزمان تكوينًا فهو مسلَّم لكنَّه غير مراد هنا . وإن أريد أنَّ غير القارِّ لا يوجب تقييد ألقارِّ و لو بحسب ألجعل و الاعتبار و لحاظه موضوعاً لحكم من الاحكام فهو معلوم ألبطلان إذ لا مانع عقلاً من إعتبار الشّارع الرُمّان يوم الجمعة أو شاة يوم ألاضحى مثلاً حكماً خاصاً كاستحباب أكل ألاوَّل و وجوب ذبح الثّانية.

الثّالث : أن يجعل لفظ القيمة مضافاً مرتين مرةً إلى ألبغل و مرة إلى يوم و تكون ألجملة حينئذٍ مسوقة لبيان المقدار و أنَّه قيمة يوم المخالفة و أنَّ المضمون إنّما هو القيمة و ليس مثل العين ألتالفة . والاشكال عليه بأنّ إضافة شيئ واحد إلی شيئين في مرتبة واحدة يستلزم ألجمع بين اللحاظين و هو أمر مستحيل . مندفع بان للقائل بهذا القول أن يلتزم بامكان الجمع بين اللحاظين .

نعم يرد عليه أنَّه مخالف لاستعمالات ألعرف و لذا ترى أنَّ ألعرف

ص: 392

لا يفهم هذا المعنى من تلك الجملة

الرّابع : أن يجعل يوم المخالفة متعلَّقاً بلفظ القيمة فيكون المعنى هكذا عليك قيمة يوم ألمخالفة . وقد أورد عليه بانَّ لفظ القيمة وإن كان مشتملاً على معنى حدثى إلا أنَّ المراد منه فى هذه الجملة هو المعنى أعنى ثمن ألعين التغريمى وعليه فلايصح تعلق الظرف بها. و لكن الانصاف أنَّ هذا الاحتمال هو أظهر الاحتمالات في المقام إذ لا نسلّم عدم صلاحية لفظ القيمة لتعليق الظرف به فان المعنى ألا سمى إذا أشرب فيه المعنى الحدثى تعلق الظرف به كما في ألمقام . و له نظائر كثيرة لا يخفى على ألمتتبع في كلمات العرب .

و هناك احتمال خامس و هو أن يتعلق الظرف بلفظ يلزمك المستفاد من لفظة نعم، أو بلفظة نعم، نفسها باعتبار إشرابها لمعنى الفعل لقيامه مقامه و يصبح ألمعنى حينئذٍ : يلزم يوم المخالفة قيمة بغل فتكون الجملة مسوقه لبيان وقت الضّمان ويبقى وقت إعتبار ألقيمة مجملاً. وقد ناقش فى ذلك الشيخ الانصاری (رحمه الله ) بانّ ألسائل إنَّما سأل عمّا يلزمه بعد ارتكاز ذهنه بالضَّمان حين ألمخالفة و لم يكن سئواله عن أصل الضَّمان وهذا غريب منه قدس سره لان المسئول عنه يكون دائماً هو الواقع بعد أداة الاستفهام من قوله أو ليس يلزمنى أى أتلزمنى المنافع بعد أنّى ضامن للعين فيكون سئواله عن أصل اللُّزوم لا استغرابه للحكم بضمان المنافع الشبهة حصلت في ذهنه من فتوى أبى حنيفة من أنَّ الخراج بالضمان . وعليه فيبقى القيمة مجملة من حيث المقدار .

الفقرة الثانية من الرواية المتقدمة هي قوله عليه السَّلام عليك قيمة ما بين الصحيح و المعيب يوم ترده . و لا يمكن تعلق ألظرف بكلمة ( عليك ) لانَّ هذه الكلمة إمّا تفيد حكمًا وضعيًّا و هو الضّمان أو حكماً تكليفيًّا و هو وجوب ردّ التفاوت . وعلى كلا التقديرين لا يصح تعلق

ص: 393

الظرف بها .

أمّا على ألاوَّل فلانَّ ألضَّمان إنّما هو يثبت من حين المخالفة لا يوم ألردِّ .

و أمّا على الثانى فلانَّ الحكم التكليفى يثبت عند ألضمان وأنّ ثبوته تابع لثبوته كما أنَّه لا يصح تعلق ألظرف بلفظ المعيب لانَّ المراد منه هو المعنى الاسمى و تأويله إلى المعنى الحدثي و إن كان ممكناً لكنه يحتاج إلى قرينة مفقودة في المقام فيتعين رجوع الظرف إلى لفظ القيمة و مقتضاه كون ألضّمان بقيمة يوم ألرد و ما إدعى من الاجماع على عدم كون الضّمان بقيمة يوم ألرد لا يعتنى به لمخالفة جماعة في ذلك وعلى تقدير تمامية ألاجماع فهو مدرکی و لو بالاحتمال فلايكون موجبًا للاعراض عن ظهور هذه الفقرة و يكون هذا الظهور حاكمًا على ظهور الفقرة السّابقة لو كان لها ظهور في قيمة يوم ألمخالفة .

الفقرة الثّالثة، من الرواية قوله عليه السلام أو يأتى صاحب ألبغل بشهود يشهدون أنَّ قيمة البغل يوم إكترى كذا وكذا . وتدل هذه على أنَّ الضَّمان إنَّما يعتبر بقيمة يوم القبض . وقد جعل ذلك الشيخ ألا نصاری (رحمه الله ) دليلاً على أنَّ ألمراد من الفقرة ألا ولى قيمة يوم المخالفة بتقريب أنّ قيمة يوم الاكتراء من حيث هى لا جدوى في إثباتها لعدم الاعتبار بها لانَّ اليد حينئذ لا تكون ضمانية . فلابد أن يكون الغرض منه إثبات قيمة يوم المخالفة بناءً على أنّه هو يوم الاكتراء فان الظاهر من صدر الرواية أنّه خالف ألمالك بمجرد خروجه من ألكوفة . و من المعلوم أنّ اكتراءَ البغل لمثل تلك المسافة القليلة إنَّما يكون یوم الخروج أو فى عصر اليوم السّابق ومعلوم أيضًا عدم إختلاف القيمة في هذه المدة القليلة . ثم جعل الشيخ ( رحمه الله ) ألظرف فى ألفقرة الثّانية متعلقًا بكلمة عليك و جعل ظهور ألاولى و الثالثة حسب تقريبه في قيمة يوم قرينة على أنّ المراد من التفاوت هو التفاوت الثّابت في يوم ألمخالفة .

ص: 394

وفيه : أنَّ القضية فى الفقرة الثالثة إمّا قضية خارجية أو حقيقية وعلى الأوَّل فكما يمكن أن لا تتغير ألقيمة فى يوم وأحد كذلك يمكن أن لا تتغير في خمسة عشر يومًا بل ألغالب في قيمة الحيوان عدم التغيير في مثل تلك المدة ولا سيَّما في تلك ألازمنة فلافرق فى هذه الجهة بين اليوم الاوّل و بين سائر أيام المخالفة . وعليه فلا يمكن إستفادة تعيين ألقيمة المضمونة . وعلى ألثّاني فيمكن أن يحصل تغيير ألقيمة حتى فى يوم واحد بل في ساعة واحدة فيقع التعارض بين الفقرة الاولى والاخيرة بالنسبة إلى هذا ألفرد.

فالحق أنَّ الصحيح إمّا مسوق لبيان أصل ضمان ألعين مع ضمان المنافع و إما مجمل لا يدل على شيىءِ.

فتلخص أنَّ في الصحيح فقرات ثلاث يعارض ظهور كل فقرة مع ظهور . ألفقرتين الاخريين و هى قيمة يوم ألمخالفة وقيمة يوم الرد و قيمة يوم الاكتراءِ . و لذا قلنا بتدافع الظهورات بل إجمالها على الاصحّ من حيث تعيين القيمة المضمونة من جهة المقدار .

و أمّا قوله صلّى الله عليه وآله على اليد ما أخذت حتى تؤدّى فهو لاشتهاره بين الفريقين وعملهم به لا يحتاج إلى ألبحث عن سنده فلنصرف الكلام إلى البحث عن دلالته فنقول و التّوفيق من الله تعالى أنَّ ألبحث فيها يقع من جهات ثلاث، ألاولى في كلمة على، الثانية فى كلمة ما، ألثالثة في جملة حتى تؤدّى . أمّا كلمة على فقد يقال إنَّها تستعمل في ألعهدة و لكنها لا تدل على العهدة بمعنى ألضَّمان فى جميع الاستعمالات لانّها قد أستعملت فى الاحكام التكليفية كاستعمالها في الاحكام الوضعية . و من ألبيِّن عدم وجود ألعهدة بمعنى ألضَّمان فى التكليف فانَّ العهدة فيه بمعنى الالتزام .

نعم يستظهر الضَّمان في المقام من جهة إسنادها إلى أليد فان أليد تستعمل في ألانسان مجازاً و يراد بها الاستيلاء كما يقال اللّسان

ص: 395

للترجمان و ألاذن للجاسوس و ألعين للرقيب . مضافًا إلى أنَّ ألعهدة وألضَّمان أولّاً وبالذات يجعل فى الوضعيات فقط ، و ألمجعول فى التكليف أوَّلاً إنّما هو الحكم والعهدة تنتزع منه في مرتبة متأخرة عن الجعل وبهذا الاعتبار تستعمل كلمة ألاستعلاء في مورد التكليف. ولذا تكون الكلمة بطبعها أظهر في الوضع من ألتكليف .

فظاهر ألجملة في المقام هو جعل العهدة لاجعل الحكم . وأضف إلى ذلك أنَّ كلمة ما . الموصولة توجب ظهور كلمة -على- فى ألعهدة و ألضّمان فانّ ألظاهر من مجموع الجملة هو أنَّ على أليد نفس ما أخذت لاوجوب ألرد اللازم تقديره على تقدير إستفادة ألتكليف هذا كله مما يقتضى كون الجملة ناظرة إلى الوضع و أمّا ما يمنع من كونها ناظرة إلى التكليف فهو تحديد ألعهدة بالاداءِ و ظهور الجملة فيكون المؤدى و هو المستولى عليه فانّه يكشف عن عدم إمكان إستظهار معنى غير الوضع إذ ألحكم التكليفى إمّا وجوب ألاداءِ فهو مضافاً إلى إستلزامه ألاضمار ألمخالف للاصل يستلزم الاستهجان فى الكلام . فانَّ المعنى حينئذ يكون هكذا يجب أداءُ ألعين إلى حين أدائها . و هو من بيان ألواضحات . و إمّا وجوب الحفظ و هو أيضًا غير تام إذ التقدير يكون حينئذٍ يجب حفظ المأخوذ إلى حين أدائه وهذا توضيح للواضحات لان عدم وجوب الحفظ بعد الرد و وجوبه قبله لا يحتاج إلى البيان بعد كونه عقليًّا بلحاظ لزوم ردّ ألمال إلى صاحبه على ما هو عليه مضافاً إلى استلزامه الاضمار المخالف للأصل .

وإمّا وجوب رد البدل فهو أيضًا مستحيل إذ ألغايه هى أداء العين ومعها يكون مفاد الجملة : يجب ردّ بدل ألعين إلى أن تؤدى ألعين وكيف كان فالحق عدم إمكان إرادة التكليف من هذه الجملة .

وأمّا كلمة ما الموصولة فيتضح ألمراد منها بملاحظة الصِّلة فانَّها هى التى تعيِّن المراد من الموصول . و ألصِّلة هنا قوله أخذت و هى

ص: 396

ظاهرة فى أنَّ المضمون و ما هو على العهدة إنّما هو نفس المأخوذ و هى نفس ألعين الخارجية . و لما لم يكن لدينا قرينة على عدم ضمان العين الخارجية وعلى صرف هذه الجملة عن ظاهرها . فلابدَّ المصير إلى ما هو ألظاهر و لا مانع من الالتزام بذلك إذ ألاعتبار كثيرًا مّا يتعلق بالاعيان الخارجية مثل هند زوجةً ، و ألدار مملوكةٌ ، والمسجد موقوفٌ و نحوها . و منه ما نحن فيه . وقد اتَّضح مما ذكرنا أنَّ ما قيل من عدم قابلية ألعين للضمان في غير محله . فانّا لا نقول إنَّ الموجود العينى يصير إعتباريًّا بل نقول إنَّ الامر ألاعتباري يتعلق بالعين أو نقول إنَّ الوجود العنواني من ألعين يقع في العهدة و ألعدة مشغولة به كما ذهب إليه بعض المحققين من أنَّ متعلق ألضَّمان ليس هو الاعيان الخارجية بل إنّما هو الموجود العنواني الانتزاعى الفاني فيما هو عين بالحمل الشايع و إن كان الالتزام به بلاموجب و لاحاجة إليه لانَّ ذلك تكلُّفٌ بلا موجب بعد مساعدة العرف على ما قلنا .

و قد يورد على ما قلناه بالفرق بينه و بين القول بانَّ ما فى العهدة هو الموجود ألعنوانى إذ على هذا القول يمكن أن يقال بعدم تبدل ضمان العين إلى ألمثل أو ألقيمة حين تلفها لا مكان إعتبار بقاءِ ألوجود العنوانى دائماً بخلاف ما إذا جعلنا متعلق ألعهدة نفس العين فانها إذا إنتفت تنتفى العهدة .

و فيه عدم صحة هذا الفرق بينهما لانَّ إعتبار بقاءِ الوجود العنواني في الذمة بعد تلف العين يحتاج إلى مصحح بحيث لا يمكن بقائه مع قطع النظر عن ألمصحح من جهة أنَّ العنوان يتبع ألمعنون في الوجود والعدم و هذا المصحح ليس إلّا بدليَّة المثل والقمية و هو يجرى على كلا القولين .

و أمّا جملة حتى تؤدّى : فالظاهر أنَّها غاية لما يستفاد من الجملة ألتي قبلها و هي قوله ( علیه السّلام ) على اليد ما أخذت : و الظاهر أنَّ المراد

ص: 397

من مفعول تؤدّى هو نفس ما أريد من الموصول في الجملة السابقة أي نفس ألعين و يشهد لذلك ذكر الرواية في مسند أحمد بالضمير أى حتى تؤدّيه . وإطلاق ألغاية يدل على عدم الفرق في بقاء عهدة ألعين إلى حين الاداء الاداء بين تلف ألعين و بقائها .

إن قلت : لا بدّ في بقاءِ العهدة من القدرة على الاداءِ كما هو ألظاهر من ملاحظة ألغاية فانَّ كل فعل من الأفعال إذا جعل غاية لأمر من ألامور لابد أن يفرض ذلك الفعل مقدورًا ليصح جعله غاية . و مع تلف ألعين لا يعقل ألا لتزام ببقاءِ عهدتها إذ لا يمكن للمكفإمتثال ألغاية التى هى الخروج عن عهدة ألعين في فرض تلفها . فحينئذٍ لا بد من الالتزام باحد ألامرين إمّا أن يفرض عدم كون الدليل ناظرًا إلى العهدة أصلاً و إمّا إرادة معنى مقدور للمكلف من ألغاية حتى في فرض تلف ألعين وحيث لا يمكن المصير إلى الفرض الأوَّل لما تقدم من عدم إمكان إرادة غير العهدة من الدليل بحسب ظاهر اللفظ فلابدَّ من ألمصير إلى ألثانى وتقريبه أن يقال إنَّ الموصول ناظر إلى ألاموال . و لها شئوون ثلثة شخصية و نوعية و مالية وجميعها يقع تحت العهدة . ففي ظرف وجود ألعين تكون الذمة مشغولة بها وإذا تلفت العين تنقلب العهدة إلى المثل و هو ألعين بوجودها ألنوعي و إذا تعذر ألمثل تنقلب العهدة إلى ألقيمة و هى ألعين بوجودها ألمالي و بهذا يتخلص عن إشكال القدرة وعليه يتبيَّن أيضًا ألقول بالضمان بقيمة يوم ألتلف لانَّ هذا هو وقت انقلاب ألذمة من العين بما لها من الخصوصية إلى ألقيمة .

قلت : إنَّ ما ذكر من إعتبار ألقدرة لا يستلزم إنقلاب العهدة عند تلف ألعين لانَّ الغاية وإن كان لها ظهور في أنَّ المؤدّى هو نفس المأخوذ إلّا أنَّ مراتب الاداءِ يختلف في نظراً لعرف طوليًّا . فأداءُ ألمأخوذ تارة يكون بنفسه، إن كان موجودًا و أخرى يكون باداءِ بدله

ص: 398

المثلى إن كان تالفاً وثالثه يكون باداء قيمته إذا تعذر ألمثل ولذا ترى أنّ للمالك أن يصالح من بيده ألعين على شيىءٍ بجعله أداءً ووفاءً للعين . فكون ألعين لها شئوونًا ثلثة ممّا لا ينكر و لكنه لا يستلزم إنقلاب العهدة عند كل مرتبة إلى المرتبة التي تليها و ذلك لانَّ مقتضى ذلك كون الموصول منحلّاً إلى الابعاض وأن يكون هذا الانحلال على نحو التُّرتب فيصبح مفاد الموصول : عليك ضمان ألعين فان تلفت فالمل و إن تعذَّر فالقيمة . و من ألبيّن أنَّ هذه الثلثة خصوصيات لمضمون واحد و هذا بعيد جدًّا بل غير مراد من الدليل قطعاً . فانَّ غاية ما يدل عليه الدليل هو أنَّ كل من أخذ شيئًا فعليه أن يرد ذلك الشيءٍ بنفسه و أمّا وجوب ردّ مثله عند ألتلف وردِّ قيمته عند تعذراً المثل فامر أجنبي عن ظاهر الدليل بالكلية . إن شئت فقل إنّ الدليل باطلاقه يدلّ على تعدد العهدة لضامنين متعددين لا لضامن واحد تحصل بالترتُّب حسب وجودات العين التنزلية . فعلى الآخذ عهدة ألعين بنفسها سواءٌ كانت ألعين موجودة أو معدومة و الخروج عن عهدة ألعين تارة يكون باداءِ نفسها عند وجودها و أخرى باداءِ بدلها أو قيمتها عند فقدانها فالقدرة موجودة حتى في ظرف فقدان العين.

و ألعجب ممن يذهب إلى إنقلاب العهدة من جهة إشتراط القدرة عند ألاداءِ و لا يلتزم بانقلاب العهدة إلى ألقيمة فيما لوكان مثليًّا وتعذر مثله إبتدااً ثم وجد له ألمثل قبل أداء ألقيمة مع أنَّ مقتضى المبنى هو إنقلاب العهدة إلى القيمة بمجرد تعذرالمثل .

فعلى ما أوضحنا تكون العين باقية فى العهدة إلى زمان تفريغ الذمة فمع عدم وجود ألعين لا بدَّ من أداء مثلها إن كانت مثليةً وقيمتها بحسب يوم الدفع لا يوم ألتلف ولا يوم القبض لعدم الانقلاب في الاوَّل و لوجود ألعين فى الثانى فى العهدة إلى زمان تفريغ الذمة و هوزمان الدفع .

ص: 399

و لو سلمنا إنقلاب العهدة إلى ألقيمة عند تلف ألعين فلا نسلم أنَّ قيمة يوم التلف بل نقول إنَّها قيمة يوم الدفع ليس إلّا . بيان ذلك أنَّه إذا تلفت ألعين تشتغل ألذمة بماليتها ألتي هي أمر إعتباري يقوَّم بالمال وهى إنَّما تتقدر بلحاظ المبادلة تارة و بلحاظ التفريغ أخرى . فالثمن الخارجى إنَّما هو مقدِّرٌ للمالية ومقياسٌ لها حينما تحتاج ألمالية إلى مقياس . فاذا تلفت ألعين تشتغل ألذمة بالمالية إلى حين الدفع فيقدَّر ألمالية حينه و يدفع ألمقدار المقوَّم . فيكون المدار على قيمة يوم الدفع ولو على هذا المبنى .

ألثالثة، هل يجوز للاجير الّذى تقبَّل عملاً أن يقبِّله غيره بنقيصةٍ أم لا ؟

المسئله الثالثة : هل يجوز للأجير الذى تقبّل عملاً أن يُقبّله غيره بنقيصة أم لا . ذهب المشهور إلى عدم الجواز و ذهب العلامة و ثانى الشهيدين و من تبعهما إلى الكراهة . و من ألمعلوم أنَّ ألحكم ببطلان الاجارة الثانية على تقدير القول به تعبدى على خلاف القاعدة لانَّ ألقاعدة تقتضى صحة الاجارة إذ ألعمل مطلق لم يشترط فيه المباشره فله أن يتملكه من الغير ويسلّمه إلى الآخر . و ألقائل بفساد الاجارة الثانية إستدل عليه مضافاً إلى إطلاق مادل على حرمة فضل الاجير بنااً على كون المراد منها أخذ الزيادة في الاجارة الثّانية (1) أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السّلام أنّه سئل عن الرجل بصحيح يتقبل العمل فلا يعمل فيه و يدفعه إلى آخر فيربح فيه قال عليه السّلام لا، و كلمة لا، في الوضعيات تدل على الفساد . و ما عن إبن إدريس ( رحمه الله ) من أنَّ ألجواب في الرواية ( لا بأس ) و هو يدل على الصحة ففيه أنّه ليس من هذه ألكلمة : أى كلمة بأس : عين و لا أثرفيما بايدينا من كتب الحديث . وعثوره على الرواية بهذه الصورة في بعض ألمجامع و إن كان أمرًا ممكناً إلا أنه لا يكون دليلاً على الصحة لدينا . نعم فى

ص: 400


1- الوسائل ، ج 13 ص 265 ، الحدیث 4

مقابل هذه الرواية مصحح يدل على الجواز و هو رواية الحكم الخياط (1) . وهذا ألشخص وإن لم يرد فيه مدح يوجب توثيقه إلّا أنَّ رواية صفوان بن يحيى و هو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه و أنّه لا يروى إلّا عن ثقة يوجب إعتبار هذه الرواية و هى : قلت لا بي عبد الله عليه السّلام إنّى أتقبل الثوب بدراهم و أسلّمه بأقلّ من ذلك لا أزيد على أن أشقَّه قال لا بأس به ثم قال لا بأس فيما تقبلته من عمل قد إستفضلت فيه . وذيل الرواية و هو وارد مورد ألكبرى الكلية ظاهر فى نفى ألبأس عن الاسترباح والاستفضال في نفس المعاملة حتى مع عدم إحداثه شيئًا فى العمل . فالقول بأنَّ صدر الرواية و هو أن أشقَّه يكون قرينه على الذيل فيختص بما لو أحدث في أنعمل شيئًا لا يصغى إليه بعد كون ذلك في كلام السائل وعدم إشعار في ألكبرى إلى هذا القيد . و هناك طائفة ثالثة من ألاخبار تفصل بين ما إذا لم يحدث في العمل شيئاً فلايجوزُ بين ما إذا أحدث فيه شيئًا فيجوز مثل (2) صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما ( علیه السّلام) أنَّه سئل عن الرجل يتقبل بالعمل فلا يعمل فيه ويدفعه إلى آخر فيربح فيه قال (علیه السّلام) لا، إلّا أن يكون قد عمل فيه شيئًا . و مقتضى الجمع بين هذه الطوائف الثلثة و إن كان تقييد مصحح ألخياط بما إذا أحدث في ألعمل شيئًا إلّا أنَّ قوة ظهور مصحح ألخياط في جواز الاستفضال بنفس العمل المأجور عليه لا بامر آخر أحدث فيه مضافاً إلى بعد التعبُّد في المعاملات واقتضاءِ القاعدة جواز الاستفصال من جهة صيرورة العمل ملكاً له بالاجارة يستلزم حمل ما كان ظاهراً فى التحريم و هو ألطائفة ألا ولى على ألكراهة إذا لم يعمل فيه شيئًا و أما إذا عمل فيه شيئًا فلا كراهة فى الاستفضال ولكن

ص: 401


1- المصدر ، الحديث 2
2- الوسائل ، ج 13، ص 265 ، الحدیث 1

الاحوط مع ذلك كله عدم الايجار ثانيًا إلّا بعد إحداث عمل فيه قضاءً لتأخر رتبة الجمع بمفاد الهيئة .

ثم إنَّ الظاهر من النصوص المتقدمة كون موردها هو العمل القائم بالاعيان من جهة أنَّ كلمة فيه و يدفعه وجملة إلّا أن يعمل فيه تناسبها ألاعيان فلا تشمل ما كان عملاً خالصاً لا موضوع له خارجا كالصلوة و الصوم و نحوهما .

هذا مضافاً إلى أنَّ الحكم لمّا كان على خلاف ألقاعدة لزم الاقتصار فيه على ألقدر المتيقن من الدليل ولو ببركة وجود ما يصلح للقرينية فيه . إلّا أن يقال إنّ هذه الخصوصية لا يلتفت إليها عند العرف . وهذه ألالفاظ تستعمل فيما كان له موضوع خارجًا و فيما لم يكن كذلك و لو توسُّعاً . فالاحوط ترك الاستيجار ثانياً باقلّ مما آجر به نفسه .

ولا يخفى أنَّ ألعمل ألرافع للمنع التعبدى تحريمًا أو تنزيهًا ليس له مقدار معين فيكفي فى رفع الكراهة أو التحريم صرف وجود العمل قليلاً كان أو كثيراً وهل يكتفى فى جواز دفع العمل إلى غيره باقلَّ مما تقبَّله به ضمُّ بعض ما يحتاج إليه ألعمل وإن لم يحدث في نفس العمل شيئاً كان يدفع إلى الاجير مع الثوب الخيوط اللازمة في ألخياطة أو لا بدَّ من إحداث العمل في نفس الموضوع .

وقد ذهب بعض المحققين من الاساتذه إلى الاكتفاءِ بالاوَّل نظراً إلى ما ورد في (1) خبر أبي محمد الخّياط عن مجمع من أنَّه كان يقطع الثوب ويشترى الخيوط ويدفعه إلى ألغلمان فانّة يفيد ألجواز بعد تقرير ألمعصوم عليه السلام لعمله مضافاً إلى كون إشتراءِ ألابرة أو الخيوط من لوازم الخياطة فكما لا إشكال فى كفاية التقطي وحده فليكف إعطاءُ ألخيوط وحده أيضا . هذا و يمكن أن يقال بعدم

ص: 402


1- الوسائل، ج 13 ، ص 266 ، الحدیث 6

صدق إحداث العمل على هذه الامور .

ثم إنّه هل يجوز دفع ألعين للعمل إلى ألاجير ألثاني بلا إذنٍ من ألمالك أو يتوقف ذلك على إذنه . المشهور هو ألثاني إذ لا ملازمة بين الاجارة مطلقة و بين ألاذن في التسليم إلى ألغير وإليه ذهب ثاًني الشهيدين فى المسالك . معلّلاً بانَّ فيه جمعًا بين حق ألمالك و حق الاجير . و لكن صحيحة (1) على بن جعفر الدالة على عدم الضمان إذا تلفت ألدابة فى يد من أعطاه المستأجر الدابة إذا لم يشترط ألمالك على المستأجر ألاستيفاءَ بنفسه تدل على عدم إعتبار إذ نه هنا أيضًا . بل يمكن تقريب الجواز هنا مع قطع النظر عن الصحيحة المذكورة بأنَّ الاجارة المطلقة تقتضى صحة ألايفاءِ المباشرى و التسبيبى معاً وإقدام ألمالك على التسليم مع كون الاجارة مطلقة إذنٌ في تسليم ألعين للاجير الآخر لانَّ الاذن فى شيىءِ إذنٌ في لوازمه بل يمكن ألقول بانَّ جواز التسليم هنا أولى منه فى العين المستأجرة لانَّ التسليم فى مثل إجارة الدابة أو الدَّار إستيفائى و هو ممحض في مصلحة المستأجر و فيما نحن فيه وفائى يكون التسليم لمصلحة المالك . بل يمكن دعوى السيرة القطعية على ذلك . و ما فى الجواهر من حمل الصحيحة على ما إذا كانت ألدابة فى يد المستأجر حملٌ بلا موجب و تقیید للاطلاق بلا شاهد و تخصيص للمطلق بالفرد ألنادر . فالحق بناءً على ألجواز عدم إشتراط إستيذان ألمالك في تسليم العين . و هل يشترط كون ألاجير الثانى ثقة أم لا؟ ألحق عدم الاشتراط لعدم الدليل .

نعم إشتراط الثقة حسن وجيه إلّا أنّ الوثوق لا دخل له فى ألضَّمان باليد أو ألتعدّى لثبوت ألضمان عند التعدى و التفريط فى ألحالين . فالا ظهر عدم الاشتراط .

ص: 403


1- المصدر السابق، ص 255 ، الحدیث 1

الرّابعة، يجب على المستأجر سقى الدابَّة وعلفها

المسئلة الرّابعة : إنَّه يجب على المستأجر سقى الدّابَّة و علفها وعلى تقدير عدم ألقيام بذلك يكون ضامناً لها . فهنا حكمان : ألحكم الاوّل وجوب حفظ الدّابَّة بسقيها و علفها و ألثاني ضمانها علی تقدير عدم الحفظ .

أمّا الحكم ألاوّل فالظاهر أنَّه وجوب تكليفي بمعنى أنَّه يجب على المستأجر حفظ الدّابّة من الهلكة و وجوب وضعىٌّ أيضًا بمعنى أنَّ النفقة على المستأجر و لذا أنكر جماعة كالعلّامة و الشهيدين و ألمحقق الثّاني وصاحبي ألبرهان و ألكفايه وبعض من ألقدماءِ فقالوا بعدم ألوجوب من جهة أنَّ عقد الاجارة لا يقتضى ذلك إلّا مع وجود عادة تقتضيه على نحو الشَّرط الضمنى وعليه يكون بذل المستأجر بعد مراجعة ألحاكم و يكون المال المبذول فى علف الدّابَّة وسقيها على عهدة المالك .

والتحقيق : أنَّه لا يجب حفظ مال ألغير صامتاً كان أو حيوانًا بالوجوب التكليفى إلّا ألنفس المحترمة و هى ألانسان وعليه فلو رأى مال الغير فى خطر السرقة أو الاحتراق أو ألغرق أو غير ذلك لا يجب عليه ألحفظ لعدم الدليل علی وجوب الحفظ . و هكذا ألحال لو كان حيوانًا لعدم الدليل على ذلك إلّا إذا كان مملوكاً فيجب على ألمالك علف و سقيه لكون ذلك من ألحقوق الشرعية المجعولة على عهدة مالكه .

نعم لوكان إنساناً يجب على كل مكلف بالوجوب ألكفائي حفظه من باب أنَّه نفس محترمة سواءٌ كان المكلف مستأجرًا أو غيره وسواءٌ كان تحت يده أولا . و أمّا إذا لم يكن مال الغير إنساناً وحصل بيده إمّا بالالتقاط و نحوه فيكون أمانة شرعية أو بالاستيجار فيكون أمانة مالكية فهل يجب عليه ألحفظ حينئذٍ أم لا ؟ . فنقنول : أمّا في مورد ألامانة الشرعية كالالتقاط فيجب الحفظ و لكن لمّا كان وجوب الحفظ لا يقتضى وجوب ألانفاق على ألعين من ماله لا مكان الانفكاك بين الوضع و ألتكليف

ص: 404

ثبوتاً وكان الدليل مختصاً بالتكليف الذى هو وجوب الحفظ فلاجرم يكون المال الذى أنفقه فى سبيل حفظ العين مضموناً على مالك العين .

لانَّ الانفاق هنا كان بأمر من الشارع لجهة حفظ العين لمالكها فيثبت ألضَّمان على مالك ألعين و تدل عليه ألروايات الواردة فى أللقطة حيث حكم ألامام (علیه السّلام ) بضمان ألمالك لما أنفقه الملتقط علی أللقيط و أنَّه يستخدمه إن كان حرًّا ويبيعه إن كان مملوكاً ، هذا فى مورد ألامانة الشرعية . وأمّا فى مورد ألامانه ألمالكية . فان كان ألا ستيمان مدلولاً مطابقيًا للعقد اللفظى أو المعاطاتي كما في الوديعة فان مقتضاها جعل المال تحت حفظ الغير و إستنابة ألغير في حفظ ألمال بمنزلة ألمالك له فهذا المعنى يستلزم وجوب الحفظ في صورة قبول الودعىِّ . لكن متعلق هذا الالتزام هو نفس الحفظ بما أنَّه مالٌ و ليس مفاده صرف المال على ألعين نعم لو احتاج ألحفظ إلى صرف ألمال وجب ألصرف حينئذٍ من باب ألوجوب العقلى المقدمى لا أنّ بذل المال على العين ملحوظ فى عقد الوديعة بحيث يكون بذل ألمال حقًّا للمستودع وحيث أنَّ مال المؤمن محترم و قد صرفه في سبيل حفظ مال المستودع يكون المستودع مستوفيًا لهذا المال ويكون لسان إحفظ متاعى لسان إحلق رأسى أو ألق متاعك في البحر فكما أنَّ ألامر في ألاخيرين مضمّن فكذلك فى الاول . والسر في ذلك أنه أمر معاملى و ألامر ألمعاملى إنَّما يكون مضمّناً لكونه موجباً لاستناد ألصرف إلى الآمر لا أنَّ ألامر ألمعاملي بنفسه مضمّن كما حققناه في محله و إن كان الاستيمان لا يدل بالمطابقه على ألاستنابة فى الحفظ كالأمانات ألمالكية التى لا يكون ألاستيمان فيها مضموناً لعقد مّا معاوضيَّا كان أو غيره . بل كان الاستيمان ثابتاً بالاشتراط الصريح أو الضمني أو كان من تبعات العقد واستلزاماته و ذلك كالاجارة حيث أنَّها تقتضى بمدلولها المطابقى تمليك ألمنفعة بعوض و لكنها من حيث الشرط ألضمني تقتضى التَّسليم

ص: 405

ألذى هو عبارة عن ألتسليط على ألعين من قبل ألمالك . فحينئذٍ نقول: إنَّ الذى يقتضيه نفس الاشتراط هو ألتسليط للاستيفاء أي إستيفاءُ ألمنفعة المملوكة من العين لا ألتسليط المطلق مثلاً إجارة الدابَّة لا تقتضى أكثر من ألتمكين فى الركوب و أمّا جعل زمامها و جميع شئونها بید المستأجر بحيث تنقطع عنها صلة مالكها . فأمر لا يقتضيه شرط التسليم ألضمني ولكن عدم اقتضاءِ الشرط الضمنى تسليم ألزائد عما يلزم الاستيفاءٌ لا يقتضى عدم إمكان وقوع ذلك خارجًا بل الشرط الضمني لا اقتضاءٌ بالنسبة إلى التسليم الزائد وعليه فلو سلط ألمالك المستأجر على ألعين مطلقاً وجعل إليه جميع شئوونها و قبص المستأجر ألعين مطاوعًا لهذا التسليم تكون ألعين باعتبار هذا ألتسليط الزائد عمّا يلزم من الشرط الضمني في العقد أمانة مالكية وبناءً على هذا فاذا سلَّم ألمالك ألمستأجر ألعين بمقدار ما يلزم لاستيفاءِ المنفعة فقط بان مكَّنه في الركوب وسار معه أو أرسل معه وكيله أو نائبه أو عامله فلايجب على المستأجر إلّا الحفظ من هذه الجهة فقط بأن لا يتعدّى ولا يفرط فى الركوب كاحداث الجُرح و نحوه و أمّا ماعدى ذلك من وجوه الحفظ كسقيها و علفها وحفظها من السِّباع فلايجب عليه شيىءٌ من ذلك و لا يضمن لو تلفت لانه لم يتسلط عليها من هذه الجهة فهى بهذا الاعتبار ليست على عهدته . وأمّا لو سلّمه اياها بجميع شئوونها ورضى المستأجر بذلك فيحصل هنا إلتزامان أحدهما منشأ من ألعق الايجاري والآخر ما حصل من التسليط المطلق الزائد عمّا يلزم یلزم من العقد فيجب على المستأجر حينئذٍ الحفظ من من جميع الجهات لان ألعين بجميع شئوونها قد صارت تحت سلطانه برضى منه فيلزمه ألعلف و السّقى ونحوهما ويضمن ألمالك النفقة بمقتضى الاستيداع ألمالكي ألملزوم لاستيفاءِ مال محترم من ألغير المفروض عدم كونه متبرّعا بالانفاق و يكون وزانه وزان الامر ألمعاملى على ما تقدم فى الوديعة آنفًا . و لو

ص: 406

أهمل المستأجر ذلك فتلفت العين ضمن لان ألتلف إن كان بالتعدى تكون يده يد عدوان وضمان وإن كان بالاتلاف فتشمله قاعدة من أتلف .

الخامسة ،اذا أفسد الصّانع ضمن

ألمسألة الخامسة : في ضمان الصّانع . و قبل الخوض في المسئلة لا بد من تقديم مقدمة و هى : أنّه لا ريب ولا إشكال في أنَّ قاعدة ألا تلاف تقتضى الضمان بالتلف المستند إلى ألضّا من سواءٌ كان ألتلف ألمستند إليه إختياريّاً أو إضطراريّاً لان مادة ألتلف لا تدل على التقييد بالاختيار أو غيره من ألعلم والعمد و نحوهما فان ألتلف من ألمبادى التي تصدق على أفرادها الموجودة فى الخارج ولا يتوقف في ذلك على ألقصد كما أنَّه يصدق على ألتلف ألصّادر من النائم بل و من متلف غير شاعر كالجماد . نعم إسناد ألتلف إلى غير المتلف الذى عبَّروا عنه بالسبب وإشترطوا فيه كونه أقوى من مباشر ألتلف توسُّعٌ عرفىٌّ فى باب التغريمات منشأه كفاية ربط ألتلف إلى ألضامن في ألضمان بعد معلومية حرمة المال والنفس من حيث المالية . كما أنَّه لا إشكال عرفًا و إجماعاً فى أنَّ ألاذن بالاتلاف من قبل ألمالك أو ألولىِّ رافع للضمان لانَّ حرمة ألمال تزول باهدارها من قبل ألمالك فانَّ ألاذن من ألمالك بالاتلاف موجب لاهدار المال بل يوجب إستناد ألتلف إليه وكيف كان فلا ضمان في صورة ألاذن . إذا عرفت ذلك فاعلم أنَّ ألتلف ألجائى من قبل الاجير إمّا أن يحصل بفعل غير مأذون فيه بسبب عقد الاجارة أو بفعل مأذون فيه . فان حصل ألتلف بفعل غير مأذون فيه ضمن إذ لا معارض حينئذٍ لجريان قاعدة ألا تلاف بل ألقدر المتيقن من الاطلاقات الآتية فى ألضمان هو هذا المورد من غير فرق بين كون هذا العمل غير ألمأذون فيه من لوازم ألعمل الاجارى المتعارفة كضرب المسمار فى ألباب الذى هو من مقدمات التَّصليح الذى يفرض كونه موردًا للعقد .

ص: 407

فلو ضرب المسمار بغير ما هو ألمتعارف من ألشِّدة وحصل ألتلف كان مستندًا إلى مالم يؤذن فيه فيكون ألا تلاف مضمِّنًا في هذه الصورة و له أمثلة كثيرة كتعدية الموسى عن محل الختان وقطع الحشفة وكالاشتباه في إعطاءِ الدَّواءِ للمريض أو الاشتباه في قطع ألعضو أو الاشتباه فى اللّون المناسب لصبغ الثوب من غير فرق فى جميع ذلك بين صدوره عن علم أو جهل وعن عمدٍ أو خطأٍ لما عرفت فى ألمقدمة من صدق ألا تلاف على جميع ذلك بلا دخل شيئٍ من هذه الامور و على هذا ينزل خبر السكونى (1) إنَّ أمير المؤمنين (علیه السّلام) رفع إليه رجل إستأجر رجلاً يصلح با به فضرب المسمار فانصدع ألباب فضمنه أمير المؤمنين (علیه السّلام) و ألقول بانَّ ألرواية مطلقة تشمل ما إذا حصل ألصَّدع بالمتعارف مندفع بانَّ ما تضمنته الرواية قضية خارجية لا إطلاق لها من هذه الجهة فتأمل بل لنا أن نقول بأنَّ المتعارف فى أمثال تلك المرافعات ما كان الامر على خلاف ألمتعارف . هذا اذا حصل ألتلف بفعل غير مأذون فيه و أمّا إذا حصل ألتلف بالفعل ألمأذون فيه بمقتضى العقد الايجاري فهو يقع على نحوين:

الاوَّل : أن يكون مورد الاجارة هو نفس الفعل بالمعنى المصدرى أو يكون الفعل التوليدى كالطبابة مثلاً موردًا للاجارة وكان ألتلف من أللوازم بالنسبة إلى أفراد الفعل بل و إن كان من غير أللّوازم بان حصل ألتلف صدفة و لم يكن من لوازم ألفعل عادة على إشكال من بعضهم في الأخير وكيف كان ففى هذه الصورة تقتضى القاعدة عدم الضمان لعدم جريان قاعدة ألاتلاف في المقام . وقد نصّ على ذلك جماعة من ألاعاظم منهم العلامة فى التحرير . و مثاله ما لوأستوجر على ختان صبى فلم يتعدَّ محل ألختان و لا آلته ولا حدَّه ومع ذلك مات ألصبى بسبب عدم قابليّة جسمه لحصول الجرح فيه فالقاعده تقتضي

ص: 408


1- الوسائل ، ج 13 ، ص 274 ، الحدیث 10

عدم الضمان إذ قد تقدم أنَّ إذن ألولىّ أو ألمالك في العمل المؤدي إلى ألا تلاف رافع للضَّمان ولذا ذهب الحلّى ( رحمه الله ) إلى عدم ضمان الطبيب معلّلاً بالاذن . ولكن هذا الحكم مخالف لمشهور ألقدماءِ بل مطلقات ضمان الطبيب بل مطلق الاجير (1). وفى خبر السكونى ألامر بطلب الطبيب ألبرائة و إلا فهو ضامن وظاهره كون المورد مقتضيًا للضمان إلّا أن يقال بانَّ ألطبابة وإن كانت عبارة عن نفس ما يصدر من الطبيب إلّا أنَّ ألنظر إليها آلىٌّ و النظر الاستقلالى إلى العلاج فيدخل في القسم الثانى وهو ما كان ألفعل بالمعنى الاسم ألمصدرى موردًا للاجارة فيقال في المقام إنّ مورد الاجارة هو الطبابة من حيث العلاج . وإن شئت قلت إنَّ الحصة من ألطبابة الملازمة للعلاج مأذون فيه . فتكون ألطبابة فى ألحقيقة عبارة عن العلاج و هو نتيجة فعل ألطبيب وإن لم تكن كسائر النتايج للأفعال الاختيارية وحينئذٍ يبكون معنى أخذ ألبرائة جعل ألاجرة بالتنصيص في مقابل نفس الفحص و ألوصف وعليه فلو لم يتبرء يكون ألتلف مستندًا إلى مالم يلاحظ في عالم الايجار بل كان ما أتى به ألطبيب و سبّب ألتلف غير مأذون فيه وحيث أنَّه مقدم على المستأجر عليه ألواقعى و هو العلاج فلايكون ألتلف من أللوازم غير المفارقة للعمل ألمأذون فيمولو غالبًا فيكون ضمان ألطبيب في غير مورد البرائة على وفق القاعدة فلايرد على أدلة عدم ضمان ألطبيب بالبرائة أنَّه إسقاط لما لم يجب . و لكن ألانصاف أنَّ هذا المعنى الذي ذكرناه للروايات و إن كان فى نفسه موافقاً للاعتبار و يساعده بناءُ ألعرف في مثل ألطبابة و يكون موافقاً لقاعدة ألاذن فى الاتلاف الموجب لعدم كون طلب ألبرائة على خلاف القاعدة إلّا أنَّه حمل لمطلقات ألباب الظاهرة فى كون الفعل بالمعنى المصدرى موردًا للايجار على خلاف ظاهرها

ص: 409


1- الوسائل، ج 19، ص 195 ، الحدیث 1

ولا سيّما مع إمكان دعوى أنَّ مورد ألاجرة في ألطبابة و نحوها على ما هو عليه ألعرف ليس إلّا ما يصدر عن الطبيب . و أمّا العلاج فهو يكون داعيًا في العرف على بذل البدل للعمل مضافاً إلى إستلزام ذلك ألمعنى للتأويل في معنى ألبرائة . وحينئذٍ فالا وجود في مقام الجواب عن كون الحكم على خلاف ألقاعدة أن يقال أوَّلاً بالتخصيص وثانيًا بأنَّ ألعمل ألذى أريد منه العلاج إذا لم يترتب عليه ألعلاج لا يكون مأذونًا فيه و ذلك بجعل النتيجة التى هى الداعي في الحقيقة قيدًا للمأذون فيه فيقال إنّ العمل المستأجر عليه هو الحصة من ألطبابة الملازمة مع العلاج .

و أمّا ألجواب عن كون البرائة إسقاطاً لما لم يجب فهو أنَّه يمكن جعلها شرطاً في عقد الاجارة على نحو شرط النتيجة . وكيف كان فالاحوط ما عليه مشهور ألقدماءِ و إن كان الأظهر ما عليه المتأخرون من عدم ألضمان إلّا مع ألتّعدى ولا سيَّما بملاحظة انصباب المطلقات على مورد قاعدة ألا تلاف ألتي هي قاعدة تغريمية عقلائية و أنَّ ألغالب في ألتلف كونه حاصلاً من الاشتباه في الفحص و ألوصف . و من المعلوم أنَّ الاشتباه في موضوع ألفعل المستأجر عليه ليس من لوازم ألفعل المستأجر عليه . و أمّا ألتفصيل بين مباشرة الطبيب بنفسه للعلاج وبين الطبابة ألمتعارفة ألتي عبرنا عنها بالفحص و الوصف و إعطاءِ التذكرة ( ألوصفة ) فضلاً عن ألامر أو وصف الدواءِ أو بيان أنّ دوائك كذا وكذا بالمصير إلى الضمان في القسم الاوَّل وعدمه في ألاقسام الاخيرة و تنزيل الاخبار المطلقة بقرينة المقارنة مع ألبيطرة التي تكون بالمباشرة عليه ، ضعيف و إن ذهب إليه جماعة بدعوى صدق الاتلاف فى ألاوّل وعدمه في الاقسام الاخيرة . و ذلك لانَّ المباشره إذا كانت مأذونة و حصل ألتلف منها فهى كالتسبيب بالفحص و بالتوصيف في كونه أيضًا مأذونا فيه فلابدّ من ألقول بعدم ألضمان فى ألجميع أو ألقول بالضمان

ص: 410

إلّا فى مورد الامر الارشادى أو الوصف الكبروى . و ليعلم أنَّ ألامر ألا رشادى و ألوصف ألكبروى خارجان موضوعًا عن مورد بحثنا وهو ما كان ألفعل مأذونًا فيه وحينئذٍ فالاظهر الضّمان في موارد الاجارة بأقسامها بالتقريب المتقدم من أنَّ مورد ألتلف مورد ألخطأ في ألموضوع و خروجه عن مصبّ ألاذن الاجارى بديهىٌّ فتأمل في ألمقام جيّدًا لئلّا يختلط عليك ألامر .

ألثانى أن يكون مورد الاجارة نتيجة ألفعل أى ألفعل بالمعنى الاسم ألمصدرى كالطبابة بمعنى العلاج فحصل ألتلف فحيث أنَّ ألتلف مضاد مع متعلق و لايجار المفروض كونه ألطبابة بالمعنى الاسم المصدرى أعنى العلاج فيكون موجباً للضّمان لأنَّه أتى بما يضاد ما أستوجر عليه فيشمله عموم (1) قوله عليه السلام في صحيح الحلبي كل عامل أعطيته أجرًا على أن يصلح فأفسد فهو ضامن وعليه فلابد من ألاخذ باطلاق ما دل على ضمان ألطبيب و إن كان حاذقاً و ينزل ما دل على أن ألبرائة مسقط للضمان عنه على ما إذا كان مورد العقد خصوص وصف الدواءِ و تشخيص ألداءِ إلّا أن يقال بانَّ طلب ألبرائة إنما في مورد اقتضاءِ الضمان، فالبرائة مسقطٌ للضمان عنه. لا ما إذا كان مورد العقد خصوص وصف الدواءِ و تشخيص ألداءِ .

ثم إن ألاخبار المتضمنة للضمان مستفيضة وفيها ألصحاح وقد نصت على ألضمان فى مورد الاتلاف مع جعل كبرى ألضمان فيها قوله عليه السلام (2) كل عامل أعطيته أجرًا على أن يصلح و في بعضها ليصلح فيفسد فهو ضامن و الظهور الاوّلى لهذه الجملة هو أنَّ مصبَّ العقد هو نفس ألاصلاح أى نتيجة العمل و أنَّ الاجر قد وقع بازائه .

ص: 411


1- الوسائل، ج 13، ص 275 ، الحدیث 19
2- الباب 29 من كتاب الاجارة

و لكننا نلاحظ من ناحية أخرى أنَّ مورد جملة من الروايات هو إعطاءُ الثوب للقصار و من ألمعلوم أنَّ عمل القصّار المستأجر عليه ليس نفس النتيجة وإنَّما هو العمل الخارجي فلا يصح إذن دعوى أنَّ كبرى الضَّمان هو جعل الاجرة مقابل الأثر و النتيجة بل الروايات شاملة لما جعل الاجرة في قبال نفس العمل الخارجى بلحاظ ماله من ألأثر و حينئذٍ فنقول إنّ قولهم عليهم السّلام في الروايات ( على أن يصلح ) إمّا أن يكون المراد منه أنَّ ألاصلاح كان داعيًا للاستيجار على نفس العمل و بذل ألمال بازاءِ نفس العمل فيكون الاصلاح داعيًا أى أعطى ألعامل أجرًا لداعى الصَّلاح ويؤيِّد ذلك ما عرفت من أنَّ بعض الرِّوايات قد ورد فيها ، ليصلح، بدل على أن يصلح، فتكون اللّام وعلى، مستعملة فى معنى واحد . و حينئذٍ فحاصل الروايات أنَّ العمل المستأجر عليه بداعى ألاصلاح إذا ترتب عليه الفساد يكون سببًا للضَّمان . هذا ولكن لا يخفى أنَّ هذه الاستفادة مخالفة لقاعدة سقوط ألضَّمان بالاذن بالا تلاف مع فرض ترتب ألفساد على نفس العمل المستأجر عليه بلاتعدّ ولا خطأ . و يمكن أن يكون على واللام، ناظرين إلى تقييد العمل المستأجر عليه بهذا الشرط وعليه يكون العمل ألمأذون فيه هو خصوص الحصة ألتي يترتب عليها الصَّلاح وأمّا ما لا يترتب عليه الصَّلاح فلا يكون مأذونًا فيه . وعليه تكون البرائة من الضَّمان الواردةِ و فى خبر ألسّكونى بالنسبة إلى الطبيب و البيطار موافقاً للقاعدة و أمّا قضية أنَّ طلب ألبرائة إسقاط لمالم يجب فلا يصح ما ذكر فيمكن ألجواب عنه بانَّ اقتضاءَ ألضَّمان إذا كان موجودًا فاشتراط ما يمنع من تأثير المقتضى في المقتضى لا يكون من إسقاط مالم يجب لان الاقتضاءَ فعلىٌّ وليس إستقباليًّا . هذا مضافاً إلى ما حققناه من صحة شرط النتيجة وأنَّه على طبق القاعدة فمرجع الاشتراط على هذا إلى إشتراط ألطبيب أو ألبيطار عدم كونه ضامناً . وكيف كان فقد تحصل أنَّ ألظاهر من إطلاق

ص: 412

الاخبار هو ألحكم بالضّمان إذا ترتَّب ألتلف على عمل ألعامل مطلقًا سواءٌ كان العمل بما هو موردًا للاجارة كما هو الغالب عرفًا أو كانت نتيجة ألعمل مورد العقد الايجاري و سواءٌ تعدّى فيه أم لا و سواءٌ أخطأ فيه أم لا . و هذا هو المشهور بين ألقدماءِ و جماعة من المتأخرين و قد تقدم أنه أحوط فى مقام العمل إلّا أنَّ ألذي يوجب التوقف عن ألجزم به أمران :

الاوَّل : قوة ما تقدم من عدم إقتضاء ألا تلاف المستند إلى إذن ألمالك للضَّمان.

ألثّاني : قوة إحتمال انصباب مطلقات ألباب على القاعدة المفروغ عنها في باب الغرامات و هي ضمان من أتلف مال ألغير إلّا إذا كان مستندًا إلى إذن ألمالك مضافاً إلى بعد ترتُّب ألفساد و ألتلف على نفس ألعمل المستأجر عليه مع عدم التعدّى و ألخطأ غالبًا . ويشهد لهذا المعنى (1) ما في صحيح الكناني : أدفعه إلى القصّار فيُخرقه : مع أنَّ ألخرق ليس من شئون القصارة . و يستفاد منه أنَّ مورد الروايات هو الخروج عن مورد إذن ألمالك ولا شبهة في أنَّه مستلزم للضَّمان ولكن مع ذلك فلا محيص عن الأخذ باطلاقات الاخبار كما أفتينا بذلك.

ثم إنَّه لا فرق في ألضَّمان بالاتلاف بين أنحاء ألتلف إذا صح إستناده إلى من أريد تضمينه سواءٌ تحقق منه بارادته أم لا و سواءٌ صدرمنه تمام سببه أو جزئه بل لو تلف ألشيىءُ بتغريرٍ منه كان هو المتلف له إذ ألتحقيق أنَّ قاعدة، المغرور، ترجع إلى قاعدة ألاتلاف بتقريب أنَّ موضوع قاعدة ألا تلاف أعمُّ من المباشرة و التسبيب كما أنَّ المراد من التسبيب فى ألمقام أعمٌّ من التسبيب بالمصطلح الفلسفي فيشمل ما فعله وإن كان

ص: 413


1- الوسائل ، ج 13، ص 273 ، الحدیث 8

عقدًا فاسدا أو أمراً صادرًا منه له دخل فى حصول ألتلف كما أنّه ليس المراد من التسبيب مطلق المقدّمات الاعدادية كما هو المصطلح في الفلسفة أيضًا بل ألمراد منه ما يكون مصححاً لاستناد ألتلف إليه عرفًا وعليه فلو حمل الآنية فعثر وإنكسرت كان ضامنًا لاستناد الكسر إليه و أمّا لو حملها فهبَّت الريح فوقعت الآنية وإنكسرت ففى الضّمان إشكال لا مكان ألقول بعدم إستناد الكسر إلى حمله بنظر العرف . و لكن يمكن أن يستأنس للضّمان هنا بالرواية الواردة (1) في ألضَّمان باستبراك البعير بل يمكن أن يقال لولا حمله للآنية لما كان هبوب الريح موجبًا للسقوط و ألانكسار . وأمّا لو كان التسبيب بالأمركما إذا أمر ألطبيب بشرب آلدواءِ فشربه و تلف فهل يضمن ألطبيب أم لا ففيه إشكال لانَّ صرف ألامر ولا سيَّما ألارشادي منه كما في مقامنا لا يكون موجبًا لصحة إستناد فعل فاعل مختار إلى فاعل مختار آخر إذ يشترط فى الاستناد إندكاك إرادة المباشر فى إرادة السبب هذا ، و لكن يمكن أن يقال هنا بالضَّمان بتقريب أنَّ المفروض كون العلاج واجباً و أنَّ طريق التشخيص هو ألطبيب و قوله حجة على المريض و هو جاهل بما يصلحه و يضرّه فيكون ألظاهر هو إستناد ألتلف إلى الطبيب . و ألعرف شاهد على ذلك . اللهم إلّا أن يقال إنَّ الخبر إذ الم يكن عن حسٍّ لا دليل علی حجيته وهو مدفوع بانَّ الطبيب من أهل الخبره وقوله معتبرٌ وإن كان عن حد س كما هو الحال في ألمجتهد والمقوِّم ونحوهما. وكيف كان فما ذهب إليه جماعه من ألضَّمان في مورد أمر الطبيب يمكن ألموافقه معه . نعم لو أنَّ الطبيب إحتمل صلاحية الدَّواء و لم يجزم به بل أرجع ألامر إلى المريض وإختياره فلاضمان بلا إشكال.

السّادسة، لو تلفت ألعين فى يد الصّانع لا بسببه ولا بتعدٍّ ولا بتفريطٍ

المسئلة السّادسة : فى أنَّ ألعين لو تلفت في يد الصّانع لكن لا بسببه و لم يحصل منه تفريط ولا تعدِّ فهل يضمن الصانع أم لا فنقول

ص: 414


1- الوسائل ، ج 13، ص 279 ، الحدیث 9

إنَّ الكلام هنا يقع في مقامين : ألاوّل مقام ألثبوت و ألثاني مقام الاثبات أى بحسب موازين القضاء .

أمّا الأوَّل فملخص الكلام فيه أنَّ أليد لما كانت أمانية لم تكن مضمنة حسبما تقدم. و من الواضح أنّ يد ألاجير هنا أمانية قد وقع ألمال في يده باذن من ألمالك و ايتمان منه فلا يكون ضامنًا لو تلفت ألعين و المفروض وقوع ألتلف لا بسببه من غير تفريط و لا تعدٍّ . كما أنّه لا إشكال في أنَّ الصّانع لو تعدّى وفرَّط يكون ضامنًا وعليه ينزّل ما ورد في بعض روايات ألباب من أنَّه لو كانت الاجارة إلى وقت معين يضمن المستأجر ألعين إذا ضاعت بعد أل العين إذا ضاعت بعد الوقت فانّه لابد من تنزيله على ما إذا كان الضياع بعد مطالبة ألمالك بالعين . ووجه ألتنزيل أنَّه بعد معرفة أنَّ أليد تكون ضامنة تارةً وغير ضامنة أخرى لا يمكن ألتمسك بالاطلاق لانَّ هذا الاختلاف في ألحكم يكون قرينة على إرادة المقيد من ألمطلق .

وأمّا الثانى وهو مقام الاثبات فلابدَّ من التكلم فيه عما تقتضيه قواعد باب القضاءِ فنقول إنَّ النزاع بين الاجير و المستأجر إمّا أن يكون في أصل ألتلف و أنَّ ألعين هل تلفت أم لا ؟ بعد إتفاقهما على عدم ألضمان في صورة ألتلف ففى هذه الصورة يكون الاصل مع ألمالك المنكر للتلف و ذلك لانَّ إستصحاب عدم ألتلف محكَّمٌ وكون أليد أمانية لا يوجب التحكيم على الاستصحاب لانَّ عدم إنقلاب أليد ألاماني إلی ألعدواني لا يثبت ألتلف و ليس ألمالك مدّعيًا لخيانة ألاجير حتى تكون عليه ألبينة فعلى الاجير إثبات ألتلف بالبيِّنة أو ردِّ العين إلى مالكها .

نعم لو دل دليل على قبول قول ألامين بيمينه و لو بالنسبة إلى دعوى ألتلف كان ذلك وارداً على ألاستصحاب كما هو واضح ، و أمّا لو إتفقا على ألتلف وإختلفا في ألاتلاف وعدمه فلا إشكال في أنَّ القول قول منكر ألاتلاف مع يمينه لموافقة قوله للاصل الذى هو عدم ألاتلاف و هو

ص: 415

ناف للضَّمان و أمّا أصالة عدم ألتلف ألذى هو في جانب ألمالك فلا يجرى لانَّ ألتلف ألسَّماوى ليس بمضمِّن و إستصحاب عدمه لعدم الاثر له بنفسه لا يثبت موضوع الاثر و هو التعدّى لانّ عدم أحد الضدين لا يثبت الضدَّ الآخر . هذا هو مقتضى القواعد بحسب مقام الثبوت و الاثبات . وأمّا الروايات الواردة في المقام فهى على طوائف .

منها ما يدل على عدم الضَّمان مطلقاً سواء ألتلف و ألا تلاف و سواء أحرز أو لم يحرز شيئٌ منها وهى صحیحة معاويه بن عمار (1) عن أبيعبد الله (علیه السّلام) قال سالته عليه السلام عن ألصّباغ و القصّار قال عليه السّلام يضمّنان . ومنها ما يدل على الضَّمان مطلقاً ففي الصحيح عن ألحلبي أن (2) قال أبوجعفر عليه السّلام كان أمير المؤمنين عليه السّلام يضمِّن ألقّصار و ألصائغ إحتياطاً للناس وكان أبي يتطوَّل عليه إذا كان مأمونًا . و هذا أيضاً مطلق من حيث ألا تلاف و ألتلف و الاحراز و عدمه.

إن قلت إنَّ التضمين هنا على خلاف ألقاعدة المتبعة بالنسبة إلى الامناءِ.

قلنا إنَّ الملاك في الحكم المخالف للقاعدة هنا هو الاحتياط على أموال النّاس لسهولة دعوى ألتلف وعدم المؤونة فيها ولا ينافى ذيل ألرواية صدرها وذلك لان التطُّول بمادته دالٌّ على أنَّه، إنما يكون في مورد وجود المقتضى للتضمين و إلّا فالتطوُّل يكون سالبة بانتفاءِ موضوعه .

ومنها ما دل على التضمين في مورد عدم وجود أمارة غالبة علی ألتلف كما في رواية السكونى (3) المتضمنة . للكبرى المتقدمة عن

ص: 416


1- الوسائل، ج 13، ص 274 ، الحدیث 14
2- المصدر ، ص 272 ، الحدیث 4
3- الوسائل، ج 13، ص 272 ، الحدیث 6

أمير المؤمنين عليه السّلام وفي ذيلها : وكان لا يضمِّن في الغرق والحرق و الشيئ الغالب ، فهذا الاستثناء يدل على أمرين :

ألاول، أنَّ مورد عدم التضمين هو ألتلف لان الحرق و الغرق و ألغرق من ألتلف لا من ألا تلاف كما هو ظاهر.

الثّاني، أنَّ مورد التضمين هو مورد عدم كون ألتلف ثابتاً و لو بامارة غالبية و ذلك لان إستثناءَ ما يغلب الظنّ بوقوع ما يوجب ألتلف و ألحكم بعدم ألضمان فيه دليل على ثبوت ألضمان في غير هذا المورد وحينئذٍ فلو إدعى ألأجير التلف بما لا يغلب وقوعه و أقام بينة على ذلك لم يضمن وكذا لو حصل ألعلم بصدقه . و أمّا لولم تكن أمارة غالبية ولايينة على ألتلف يضمن وعلى هذا فيجعل هذه الرواية شاهدة للجمع بين ألطائفتين ألا وليين فتنزل الطائفة ألا ولى النافية للضمان مطلقاً على ما إذا أقام بينه أو حصل العلم بصدقه وتنزل الطائفة ألثانية المثبة للضّمان مطلقًا على ما إذا لم يقم بينة و لم يحصل العلم بصدقه هذا ولا يخفى أنَّ ذلك مخالف لقاعدة تصديق ألامين في دعواه وعدم طلب أزيد من أليمين منه و ذلك من جهة أنَّ ألامين يتعسر عليه إقامة ألبينة على التلف و لذا لم يطالبه الشّارع بها تسهيلاً عليه مضافاً إلى ما عرفت من أنَّ أليد ألامانية لا تقتضى الضَّمان و لم يثبت منه ألتعدى أو التفريط فلا موجب للضَّمان حينئذٍ . وعليه تكون هذه الروايات مخصصة لأدلة ألامانة ومخرجة للأجير عن ألحكم الثانوى الثابت للامين و موجب لدخوله في أحكام باب القضاءِ بين المتخاصمين هذا و لكن في ألمقام روايات تدل على أنّه ليس للمالك مع الاتهام سوى الاستحلاف وفي بعضى الروايات وهي صحيحة (1) أبى بصير الواردة في ألتلف جمع ألامام ( علیه السّلام ) بين التخويف بمطالبة البينة و ألحلف و لكن لا بدّ من حمل ألواو

ص: 417


1- المصدر ، ص 274 ، الحدیث 11

على معنى أو بعد العلم بكفاية البينة وحدها وعليه يكون حكم الأجير كحكم غيره من الامناءِ في سماع وعواه ألتلف وعدم تكليفه بأكثر من أليمين فتحصل من جميع ما تقدم أنَّ ألاتلاف مضمِّنُ وأمّا ألتلف فلابد من سماع دعوى ألامين مع حلفه أو إقامة البينة مخيّراً بينهما .

و من هنا يعلم أنّ المكارى و الملاح إذا لم يقع منهما تعدّ ولا تفريط لا يضمنان بلاخلاف كما يظهر من جماعة من العلماءِ و ذلك لانَّ يدهما يد أمانية و هي تقتضى عدم الضَّمان .

نعم لو كان ألتلف مستندًا إليه كان إنقطع الحبل بسبب شدِّه فسقط المتاع فتلف أو غرقت السفينة أو غرق ما فيها فظاهر إطلاق كلمات الاصحاب كاطلاق النصوص أنَّه إتلاف فيشمله عموم من أتلف مال ألغير إلّا أنَّك قد عرفت أنَّ هذا العموم مخصصَّ بما إذا كان الفعل الذى حصل ألتلف بسببه مأذوناً فيه لانَّ الاذن من قبل المالك فى فعل ما يستلزم ألتلف مسقطٌ للضَّمان إجماعًا و ألقاعدة أيضًا تقتضى ذلك فانَّ ألاذن من قبل ألمالك إهدار منه لحرمة المال كما لا يخفى هذا ولكن قد يتأمل في صدق ألاذن من ألمالك هنا فانَّ ألتلف المستند إلی إنقطاع الحبل بشدّه ليس من لوازم ألفعل ألمأذون فيه لانَّ الفعل المأذون فيه هو ألحمل لاغير و الشدُّ من اللوازم المفارقة لا مكان الحمل بغير الشدّ كالحمل بالجوالق مثلاً ولانّ شده ألحبل لا يستلزم عادة إنحلاله أو إنقطاعه .

نعم لو كان ألحبل من عند المالك و أعطاه للمكارى و أمره بالشدِّ به فانقطع وتلف المال لم يكن الاجير ضامنًا لانَّ ألاذن بالشدِّ في هذا ألحبل إلتزامٌ بما يترتب عليه و أمّا لو لم يكن هناك تلازم على هذا النحو كأن كان ألحبل من ألمكارى فلابدَّ من الضَّمان لانَّ التلف لم يستند إلى فعل ألمالك ولا إلى إذنه وإنَّما استند إلى الأجير فالا ظهر الاحوط ما عليه المشهور من ألضمان و هكذا الحال في الحمّال لو عثر فوقع حمله

ص: 418

و تلف لاستناد ألتلف إليه و ليس الاذن فى الحمل إذنًا في الاتلاف كما هو ظاهر . وقد إستشكل فيه كاشف اللثام ولعله ناظر إلى صورة كون العثور لا لخروجه في ألمشى عن المتعارف بتقريب أنَّ هذا العشور من اللوازم للفعل ألمأذون بها ولا ينافي تحقق حصة أخرى منه فى ألمشى غير المتعارف.

وفيه أنَّ هذا اللازم أيضًا لما كان مفارقاً يكون وزانه وزان الدلالة الالتزامية غير البينة . أو يكون نظره إلى أنَّ ألتلف ليس مما وقع من قصد الحمال .

وفيه أنَّ ألتلف ليس من العناوين القصدية . و ألقواعد و ألاخبار شاملة للمورد إلّا أنّ الاحوط عدم تضمينه والتطوُّل عليه . فتأمل فرعان :

الاوَّل : أنَّه لو قال للخياط إن كفاني فاقطعه فقطعه فلم يكف ضمن و لكن لو قال له : هل يكفى أم لا فقال نعم فقال اقطعه فقطعه فلم يكفه لم يضمن و الفرق بين الصورتين أنَّ الاذن فى الصورة الاولى مقيد بالحصة الخاصة و هى صورة الكفاية و أمّا صورة عدم الكفاية فغير مأذون فيها فيثبت ألضمان بالاتلاف .

و أمّا الصورة الثّانية فالاذن بالقطع فيها مطلق وكون الاذن مسوقاً لبيان ألكفاية لا يوجب تحصص الاذن بعد أنّ إعتقاد الكفاية داع له فى ألاذن و الداعى لا يستلزم تقييد المدعو إليه فتخلفه لا يستلزم إنتفائه و توهم أنّه مغرور ففاسد بانَّ الغرور لا بد وأن يكون مصداقاً للاتلاف و بعد معلومية أن الآذن عالم و ملتفت إلى إذنه لا يصدق ألا تلاف بالنسبة إلى ألخياط وقد إستشكل بعض ألعامة في عدم ألضَّمان فى الصورة الثانية فذهب إلى الضمان لقاعدة الغرور . وفيه منع واضح فان قاعدة الغرور ترجع إلى ألاتلاف و ألتلف هنا مستند إلى ألمالك باذنه كما عرفت . وقد إستشكل في الجواهر في ألضَّمان في الصورة الاولى بانَّ ألخياط إنّما قطع بظن الكفاية فهو مجتهدٌ و المجتهد متعبّد

ص: 419

بظنّه فهو كالمأذون . وفيه أنَّه لا دليل على التّعبد بهذا الظن لان حجيته ليست إلّا من جهة كونه واسطة فى إثبات الواقع فلاجعل فى الطريق ولاكفاية من الواقع له لما في أصل كبرى ألتّعبد بالطريق مطلقًا من ألوهن كما حققناه في محله وأشرنا إليه غير مرة . بل لو قلنا بالجعل و لو بدعوى أنَّ نتيجة ألجعل هى ألعذر فلا تستلزم المعذورية إرتفاع الضَّمان لان لسان التَّعبد بالظن لسان إرتفاع العقاب و هذا لا دخل له بعدم إشتغال الذمة ببدل التالف باتلافه .

الفرع الثّاني : أنَّه لو نسج ثوبًا أو صبغه أو خاطه فتلف قبل تسليمه ففى ألجواهر يتخير بين ألفسخ و أخذ ثمن الثوب بدون ألوصف و لا أجرة للعامل حينئذٍ لانفساخ ألعقد و لعدم تسليمه المنفعة المستأجر عليها و بين إمضاء ألاجارة و إعطاء الاجرة للأجير و تغريم قيمة الثوب مع ألوصف . وفيه ما تقدم من أنَّ قاعدة تلف ألمبيع قبل قبضه تجرى في الاجارة لكن فيما إذا لم تتحقق المنفعة في الخارج و كانت قائمة بعين من الأعيان لا فيما إذا كانت ألمنفعة قائمة بها مع تحققها في الخارج كما في المقام وحينئذ فلاتجرى القاعدة المذكورة و يتعين على ألمالك إعطاءُ الاجرة و أخذ قيمة الثوب مع الوصف ولا موجب للفسخ هنا .

السّابعة، لو إستأجر أجيرًا لينفذه فى حوائجه فعلى من تكون نفقته ؟

المسئلة السّابعة : أنَّه لو إستأجر أجيرًا لينفذه في حوائجه هل تكون النفقة على المستأجر أم لا؟ فذهب جماعة إلى أنَّ ألنفقة تكون على المستأجر إلّا أن يشترط ذلك على الأجير . وذهب أكثر ألمتأخرين بل المشهور بينهم إلى أنَّ نفقة الاجير على نفسه بل قيل إنّ الأول لم يذهب إليه إلّا بعض الفقهاءِ و لبعضهم تفصيل في المقام بين ما إذا كانت أجرة العمل غير كافية لنفقة ألاجير و كان أجيراً بجميع منافعه فتكون نفقته على المستأجر و بين ما إذا كانت أجرة ألعمل كافية لنفقته فلا تكون على المستأجر و إستدلوا له بأمرين :

ص: 420

الاوَّل، قرينة المقام زهى إستيعاب حوائج المستأجر لجميع أوقات الاجير و المعروض أن أجرته غير كافية .

الثّاني : الضَّرورة فانّ الاجير يحتاج إلى المؤونة و ما يقوم به حياته من مأكل و مشرب و ملبس و مسكن و نحوها . فالضرورة تقتضي حينئذٍ أن تكون النفقة على المستأجر . هذا و لكن التحقيق أنَّ نفس الاجارة لا تقتضى ذلك لانَّ الاجارة متقومة بتمليك منفعة بعوض ولا ربط لنفقة الاجير بها . نعم لو كان هناك قرينة عامة على أنَّ نفقه ألاجير على المستأجر كجريان ألعادة بذلك . ففى هذه الصورة تثبت النفقة على المستأجر بلا إشكال لكونه حينئذٍ شرطاً ضمنيًّا في العقد لاقتضاءِ العادة إنصباب الايجاب على موردها ويستلزم الالتزام بالنفقة . و هذا لا إشكال فيه و لكنَّه خارج عن محل ألكلام هذا وقد يتوهم أن َّللشارع تعبُّدٌ خاص فى نفقة الاجير المنفذ فى ألحوائج و سند ذلك (1) خبر سليمان بن سالم (2) سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل إستأجر رجلاً بنفقة و دراهم مسماة على أن يبعثه إلى أرض فلما أن قدم أقبل رجل من أصحابه يدعوه إلى منزله الشهر و ألشهرين فيصيب عنده ما يغنيه عن نفقة المستأجر فنظر الأجير إلى ما كان ينفق عليه في الشهر إذا هو لم يدعه فكافاه به الذى يدعوه فمن مال من تكون تلك المكافأة أمن مال الأجير أو من مال المستأجر فقال عليه السلام إن كان في مصلحة المستأجر فهو من ماله وإلّا فهو على الاجير . وعن رجل إستأجر رجلاً بنفقة مسماة و لم يفسر (یعین سیب) شيئاً على أن يبعثه إلى أرض أخرى فما كان من مؤنة ألاجير من غسل الثياب و الحمام فعلى من ؟ قال عليه السّلام على

ص: 421


1- الوسائل ، ج 13، ص 250 ، الباب 10 : الحديث 1
2- السند الى سليمان بن سالم صحيح الا انه لم يذكر بمدح ولا قدح في كتب الرجال

المستأجر .

و تقريب الاستدلال أنَّه عليه السّلام فَصَّل فى الاوَّل بين أن تكون المكافاة فى مصلحة المستأجر فتكون من ماله وبين أن لا تكون كذلك فتكون من الاجير فهى تدل على أنَّ النفقة على المستأجر حيث يكون ألبذل في مصلحته . و لكن فيه أنَّ هذا الاستدلال غريب لانّ ظاهر الرواية أخذ نفقة ألاجير جزاً من العوض أو شرطاً في العقد وإن كانت الجزئية أظهر بقرينة عطفها بالواو على الدراهم المسماة . وعليه فلا يكون الحكم بالنفقة بعد ذكرها في متن العقد شرطاً أو شطراً أمراً تعبُّديّاً . نعم لقائل أن يقول لا وجه للسئوال عن ضمان النفقة إذا كانت منصوصة في العقد . و أجيب أنَّ الظاهر من التفصيل أنَّ جهة السئوال أنّ ألبقاءَ في ألمكان الخاص لمّا لم يكن على إطلاقه لمصلحة المستأجر صار سببًا لاحتمال كون ألمكافأة على المستأجر ففصَّل عليه السّلام بين ما إذا كان البقاء لمصلحته فلاتكون من ماله . وفيه أن الظاهر أنَّ البقاءَ مطلقاً إنما هو لمصلحة المستأجر ويدل على ذلك قوله فيصيب عنده ما يغنيه عن نفقة المستأجر فانَّ النفقة إذا كانت بمقتضى العقد ثابتة للأجير في زمان العمل . فاذا لم يكن هناك عمل للمستأجر فلا يتصور مقتضٍ للنفقة ولا معنى للسئوال عنها لكونها حينئذ سالبة بانتفاء ألموضوع.

و بالجملة فانَّ الظاهر من السئوال أنَّ ألبقاءَ كان لمصلحة المستأجر في جميع المدة هذا ولكن يمكن أنَّ يكون ألسئوال عن أن ما يستحق ألأجير هو النفقة بما هى أو أنه ألانفاق . و منشأ التوهم أنَّ الاجير لم يستوف ألنفقة لاستغنائه عنها بغيرها مما بذل له فهل له حق مطالبة المستأجر بحيث لو كافاً صاحبه يكون المال من المستأجر بحسب ما جعل له من ألنفقة أو أنه ليس له ألمكافاة من جهة أنه ليس على المستأجر إلّا الانفاق بالمعنى المصدرى وحينئذٍ فلامعنى للمكافأة من مال المستأجر ففصَّل حينئذ بين كون البقاءِ لمصلحة المستأجر فحكم

ص: 422

بالمكافأة مطلقاً وإلّا فلا و هو ظاهر فى أنَّ للأجير حقٌّ مالىٌّ لا مجرد المصرف و ألانفاق . وقد استدل لذلك بذيل الرواية المتقدمة الناظر إلى مؤنة غسل الثياب وأجرة الحمام . و هو غريب لفرض جعل النفقة عوضاً في متن العقد . و بعد هذا فلا معنى للتعبد.

نعم قد وقع ألسئوال فى الخبر عن بعض خصوصيات النفقة و أنها هل تلزم المستأجر بمقتضى العقد أم لا؟ وقد أجاب ألامام عليه السَّلام بنعم و هو دال على أنَّ ذكر النفقة في العقد مع عدم التحديد بحدّ إنَّما ينصرف إلى المتعارف و ليس فى الارجاع إلى المتعارف غرر من ناحية إطلاق النفقة وعدم تعينها .

الثّامنة، صاحب الحمّام لا يضمن إلّا ما أودع وفرَّط في حفظه أو تعدّى فيه

ألمسئلة الثّامنة : فى عدم ضمان صاحب ألحمام بالنسبة إلى الثياب المودعة عنده. ألمشهور أنَّ صاحب الحمام لا يضمن في موردين : ألاوَّل مورد عدم ايداع ألثياب من قبل مالكه عند صاحب الحمام بان يكتفى على وضعها في المحرز ( ألمسلخ ) . ألثاني مورد الايداع مع عدم التَّعدى و التفريط من صاحب الحمام .

أمّا الأوَّل فلعدم الموجب للضمان بعد فرض عدم الايداع المقتضى للحفظ.

وأمّا ألثّانى فلانَّ ألامين لا يضمن ما إئتمنه ألمالك عليه إذا لم يتعدَّو لم يفرط نعم إذا تعدّى وفرَّط يضمن لانَّ التعدى و التفريط في مورد الوديعة يكون على خلاف مقتضى ألامانة الملحوظة في باب الوديعة و به تصبح اليديد ضمان و المفروض عدم وقوع التعدى أو التفريط من ألحمامي. ويظهر ذلك من الروايات أيضًا ففى موثقة (1) إسحاق بن عمار لانَّه إنّما أخذ الجُعل على الحمام و لم يأخذ على الثياب (2) وفى موثقة غياث بن إبراهيم إنَّ أمير المؤمنين عليه

ص: 423


1- الوسائل، ج 13، ص 271 ، الحدیث 3
2- المصدر ، ص 270 ، الحدیث 1 ، الباب 28

السلام أتى بصاحب حمام وضعت عنده الثياب فضاعت فلم يضمنه و قال عليه السلام إنّما هو أمين . و قوله ( علیه السّلام ) في الرواية ألا ولى - ولم يأخذ -يشير إلى عدم تحقق عنوان الوديعة ألمقتضى للزوم الحفظ و يكشف ذلك عن أنَّ ألضّمان لا موجب له إذ لم يتحقق عنوان يكون شرعًا موضوعًا لوجوب الحفظ التكليفي والوضعى معًا.

و لا يخفى عليك أنَّ إطلاق نفى الضَّمان معلّلاً بعدم كونه آخذاً للاجرة على حفظ الثياب شامل لصورة ألتعدى و التفريط في حفظ الثياب و لو بمثل أن يفتح ألباب ويخرج وظاهرهم الاتفاق على ذلك حتى أنَّ ألمحقق ألقمّى صرح بنفى ألضّمان في هذا المورد أى مورد فتح ألباب وخروج ألحمامي عن الحمام و قال بعد ذلك أنَّه لم يظهر لى خلاف فى المسألة فعلاً وحينئذٍ يقع ألكلام فى أنَّ ألحمامي بما هو حمامي هل هو أمين بالنسبة إلى الثياب وتكون ألامانة ( بمعنى تسليط ألمالك على المال عن الرضا ألمالكي ) ذات مراتب من حيث إستلزامها للضمان بالتعدى و التفريط بان يكون بعض مراتبها غير مقتض للضمان بالتعدى و التفريط كما عن بعض المحققين أو لا يكون ألحمامي أمنيا بالنسبة إلى الثياب بما هو حمامي كما ذهب إليه بعض آخر.

و التحقيق أنَّ مراتب ألامانة مختلفة من حيث الشدة و ألضعف وجهات الايتمان لانَّ الايتمان ربما يكون بمعنى تسليط ألمالك ألغير على ماله برضاه من دون النظر إلى جعل زمام حفظه بيده مطلقاً و يرجع هذا الايتمان إلى إهدار حرمة ماله بالنسبة إلى ألغير و هذه المرتبة من الايتمان لا تستبتع الضمان بالبداهة . لأنَّك قد عرفت منّا أنَّ رضى ألمالك بالتصرف والاستيلاء على المال مانع عن تأثير أليد في الضمان و مجرد ألتعدى و التفريط و حصول الضياع بسببهما لا يوجب صدق عنوان الاتلاف حتى يكون ألتلف بهما مشمولاً لقاعدته . وعليه فيمكن أن يقال إنّ الايتمان العامّ الحاصل من ألداخلين في الحمامات بالنسبة

ص: 424

إلى صاحبيها من هذا القبيل و به يصح تطبيق عنوان ألامين عليه كما فى موثقة غياث . و منه يظهر أنَّ نفى عنوان الامين عنه كما عن البعض المذكور إنما هو ناظر إلى نفى ألامانة بالمرتبة الثانية و هي تسليط ألمالك على ألمال عن الرضا لا مطلقاً بل بعنوان ألحفظ إمّا حفظاً عامّاً بمعنى مراقبة المسلخ بما هو محفظة للثياب التي لازمها ألضمان فيما إذا تعدّى فى هذه المرتبة بان فتح ألباب وخرج وعدم الضمان إذا راقب المسلخ بما هو محفظة و لم يراقب هذا ألتالف بخصوصه بمراقبته شخصيًّا وإمّا ناظر إلى نفى ألامانة بالمرتبة الثالثة و هى التسليط على المال لحفظه و هى التى يعبر عنها بالاستنابة على الحفظ ، و لكن الانصاف أنَّه لو لا الاجماع على عدم الضمان ولولا إطلاق ألاخبار الشامل للتعدى و التفريط بالنسبة إلى المرتبة الثانية لكان ألقول بالضمان في صورة ألتعدى و التفريط متَّجها إن قلت لابد في ترتب ألضّمان من حصول عنوان الوديعة و هو من العناوين العقدية المتقومة بالايجاب والقبول اللفظيين قلت لا يشترط أللفظ في جميع ألعناوين العقدية فان قلت و لا أقلَّ من لزوم المبرز و لو كان ذلك فعلاً دالًّا على القبول قلت يكفى جعل المسلخ محرزاً عامّاً للثياب . فان قلت ليس وضع الثوب ايداعا و لو بهذا المعنى إذ ألغالب وضع الثوب مع الغفلة عن طروِّ الضيّاع أو اعتمادًا على عدم حصول موجب للضياع قلت بل ألظاهر أنَّ بناءَ ألعرف على الاعتماد على ألحمامي اللّهمَّ إلا أن يقال بعدم كفاية هذا المقدار فى ألبناءِ على إبراز ألايداع بالنسبة و عدم كفاية صيرورة ألحمامي حماميّاً لابراز ألقبول بالحصة . ويشهد لذلك قوله عليه السلام إنّما أخذ الجعل على الحمام المشير إلی أنّ وظيفة الحمامى ليست هو الحفظ ولو بالنسبة فلامحيص إلّا من حمل جملة ( إنَّما هو أمينٌ ) ى موثق غياث على التسليط الرضائى البحت

ص: 425

فتأمل (1). وليعلم أنّه لو أشترط ألضّمان في مورد الايداع يكون ضمانه بالاشتراط موقوفاً على صحة هذا الاشتراط وعدمه وقد مضى منا تقریب صحته.

التّاسعة، في كيفية، إبراءِ ما في الذّمة

المسئلة التّاسعة فى كيفيه الابراء : إعلم أنَّه يصح ألابراءُ باللفظ أو بما يفيد معناه إجماعاً من العلماءِ وإطباقاً من العرف وإمضاءً من الشّارع . و مصبُّ ألابراءِ الذى هو بمعنى الاسقاط ما يكون قائمًا بالذّمة لانَّ اعتبار السُّقوط الاعتبارى إنَّما يصح فى أمر قابل له و هو لا يكون إلّا أمرًا إعتباريًّا يكون ثبوته وسقوطه دائراً مدار الاعتبار وحينئذ فلابدَّ أن يكون مصبُّ السُّقوط والابراء ما في الذِّمم أجرةً كان أم منفعةً ، فلا يصح إبراءُ الاجرة الشخصية الخارجية كما لا يصح إبراءُ النفقة الشخصي- الخارجية بل لوأرد إنتقالهما إلى شخص لزم تمليكهما من غير فرق فى الاجير بين ألقول بانَّ المنفعة حيثية قائمة بالأجير و إن كانت متعلقة بالعين الخارجية ، و بين القول بانها عرض للمستأجر لان معنى كون فعل الاجير عرضاً للمستأجرأنَّ لاضافة ألحيث ألقائم بالعين من عمل الاجير المملوك للمستأجر إلی المستاجر: فهو عرض راجع إلى المستأجر: دخلٌ قوامي فى لحاظ المنفعة موضوعاً للتمليك وتقديرها بالعوض ، و ذلك لانَّ هذا المعنى وإن لم يوجب لحاظ ألفعل الصادر من الاجير من ألاعراض الصادرة من المستأجر أو ألعارضة عليه كما هو واضح إلّا أنَّه على فرض تسليمه لا ينافي صحة إبراءِ المستأجر ذمة ألاجير عنه وذلك لانَّه من البديهي أنَّ لعمل الاجير على هذا المبنى إضافتان إضافة إلى ألاجي-ر و هي تعلقه بذمته و صدوره عن إرادته ألفاعلية و إضافة إلى المستأجر و هي إعتباره من أعراضه من جهة ألاضافة ألا ولى فيصح إبراء ذمة ألأجير منه كما لا يخفى .

ص: 426


1- اشارة الى اختلاف الحمامات وان الاحتياط مرغوب فيه على كل حال

و خلاصة الكلام أنَّ ألابراءَ و إن أمكن تعلقه بالاعيان الخارجية إلّا أنَّه فيما إذا كان متعلقه أيضًا أمرُ خارجى فيقال أبرءَ المريضَ من المرض أى شفاه منه و لكن إذا تعلق بالامر ألاعتباري وجب أن يكون في وعاءٍ إعتباريٍّ و هو الذمة دون الخارج ، نعم في مثل عمل ألاجير يصح الابراءُ و إن إعتبرناه من أعراض المستأجر .

العاشرة، إذا آجر عبده ثم أعتقه

المسئلة ألعاشرة : أنَّه إذا آجر عبده ثم أعتقه قبل إنتهاء مدة الاجارة فهل تبطل الاجارة أم لا ؟. و ألحق هو الثّاني أي عدم البطلان و ذلك لما عرفت سابقاً من أنّ مالك ألعين مالك لمنافعها الاستمرارية وقد بيَّناً أنَّه لا منافاة بين تمليك ألمنفعة ألاستمرارية و بين تبعية المنفعة للعين لانَّ التبعيه تكفى فى عالم حدوث ألملك الاستمراري للمنفعة وقد كان ألعبد مملوكاً للمولى على ما هو المفروض فكانت منافعه مملوكة للمولى بتبع ملكه له و لما كانت المنفعة ملحوظة للعين بالاستمرار كان المملوك، ألمنفعة ألاستمرارية إنَّ شئت فقل إن الملكية للعين تستلزم ألدَّوام فللمولى أن يستوفى تملَّك المنافع بالاجارة أو غيرها بالاطلاق أو يوجره عشر سنين مثلاً فيكون قد استوفى منفعة هذه المدة و التبعية موجودة في هذه الصورة .

وقد يستشكل بانه لا ملك للمعدوم . والجواب عنه إنَّ هذا الاشكال لو تمَّ ليرد على جميع موارد ألاجارات لعدم وجود حين العقد كما أنّه يرد الاشكال على ما إذا آجر عبده عشر سنين و لم يعتقه . وقد مضى ألجواب عنه في تعريف الاجارة وعليه فاذا صحت الاجارة والعتق معاً يكون العبد قد أعتق مسلوب المنفعة مدة خاصة فلا وجه لرجوع العتيق على مولاه فى أجرة مثل عمله بتوهم أنَّ المولى قد فوَّت عليه عملَه لما عرفت من أنَّ المنفعة ملك للمولى . وأمّا توهم أنّ ألتبعية مستلزمة لا نكشاف أنَّ المولى لم يكن مالكاً لتلك الحصة من ألمنفعة الواقعة بعد العتق فيلزمه بطلان الاجارة بمعنى لزوم إمضاءِ

ص: 427

ألأجير ألاجارة الواقعة على عمله فى ألصحة الفعلية مندفع بانَّ ألتبعية كانت سببًا لصحة إستيفاءِ ما بالتبع بأجمعه و بعد الاستيفاءِ لا معنى لبقاءِ ما بالتبع كى يقال بتوقف نفوذ الاجارة عليه على إمضاءِ الاجير .

نعم لو قلنا بانَّ العتق يكشف عن عدم ملك السيد لهذه الحصة من المنفعة يكون لازم ذلك توقف الاجارة على إمضاءِ ألعبد كما أشرنا إليه بناءً على أنَّ وزان هذه الاجارة وزان بيع ألفضولى مال غيره حيث أن للغير إسناده إلى نفسه بالاجازة أو بطلان الاجارة من رأس بناء على القول بانَّ صحة عقد الفضولى على خلاف ألقاعدة ولا دليل عليها في مثل المورد ولكنّا لا نقول بذلك لعدم الدليل عليه ووضوح أنَّ ألمالك قد إستوفى المنفعة المملوكة له فكيف يكشف العتق عن عدم مالكيته لها و كيف كان فلا وجه للقول بتغريم السيد أجرة مثل عمله بعد العتق بتوهم ألاتلاف إذ لو كانت ألاجارة إتلافاً كان ذلك لمعقولية إستيفاءِ المنفعة الاستمرارية دفعةً . وعليه يكون هذا ألاستيفاءُ المعقول استيفاءً للمنفعة المملوكة له ألموجودة فى ملكه حالكونه مالكاً له فلا موجب للتغريم .

ثم إنَّه يقع ألكلام فى نفقة ألعبد في مدة أدائه للمنفعة التي ملكها المستأجر هل هو على مولاه كما في القواعد أو من بيت ألمال كما فى التذكرة و ألمسالك أو على المسلمين على نحو ألكفاية أو على المستأجر أو في كسب المعتَق وجوهٌ بل اقوال . و قبل التحقيق في المسئلة لا بد من بيان أمور يتوقف عليها فهم ألمراد .

الأوَّل، إنَّ ظاهر العنوان الذى هو مورد النزاع هو ألاطلاق بالنسبة إلى عجز ألعبد عن التكسب ولو فى غير زمان إشتغاله بالعمل المستأجر عليه وكذا الاطلاق من حيث قدرته على الاستدانة وعدمها و من حيث قدرته على التعيُّش بالتبرعات والصدقات وعدمه و هكذا بالنسبة إلى ما إذا كان له مال أم لا . نعم صرَّح بعض الفقهاءِ بان

ص: 428

النزاع مختص بصورة العجز عن المذكورات .

الثّانى : إنَّ وجوب حفظ النفس لا ينافي ملكية العمل للغيرأى لغير من يجب عليه حفظ تلك النفس فلا يجب على المستأجر حفظ نفس ألمعتق لصحة ألا نفكاك وعدم إنحصار سبيل الحفظ بذلك إذ يمكن بالاستدانة و التبرعات و ألاموال الزكوية .

الثّالث : إنه لا ريب فى أنَّ نفقة ألعبد على مولاه كما أنَّ عمله له و من المعلوم أنَّه لا تلازم بين ألامرين لانَّ وجوب النفقة على ألمالك إنما هو لحيثية كونه مالكاً و أنَّ ألانفاق من توابع ملك الرَّقبة وإن كان ألعبد مسلوب المنفعة من جهة ألعجز و بالجملة فوجوب الانفاق ليس لأجل ألانتفاع بل لأجل الملكية .

الرّابع : إنَّ تسليم ألمنفعة ألذى يجب على ألمالك إنَّما هو بتسليم نفس ألعين و هي ألعبد . وقد كان ألعبد قبل إعتاقه تحت تحت يده فيجب عليه تسليم ألعين ألتي تقوم بها ألمنفعة و إذا زال ملك المولى فلا يجب عليه التسليم بل يجب ذلك على ألمعتق لانَّ ذمته مشغولة بمال ألغير و يجب على كل مسلم تسليم مال ألغير إليه باعتبار إشتغال عهدته به .

الخامس : إنَّه إذا توقف ألا نتفاع من ألعبد على ألانفاق وقلنا بعدم وجوب إنفاق ألمالك على عبده من حيث أنَّه عبده وجب حينئذٍ على ألمالك ألانفاق بما هو مالك للعين لانَّ ألانفاق عليه إنَّما هو إعداد له بحيث يتمكن المستأجر من الانتفاع به و ليس وجوب إنفاق ألعبد على ألمالك حينئذٍ إلّا كوجوب ترميم ألدّار ليسكنها المستأجر و لكن غير خفي أنَّ ألاجير إذا لم يكن عبدًا لايقاس بالعين المؤجرة فالمعتق بما حرّ كسائر ألاحرار لا يكون عجزه عن تسليم ألعمل ألمملوك للغير إليه سببًا لوجوب تقديم ألنفقة من شخص آخر مق-دمة لقدرته على أداءِ العمل .

السّادس: إنّه قد عرفت من تضاعيف المباحث السابقة أنَّ إعتبار

ص: 429

ألقدرة على التسليم على نحوين :

الاوَّل ، أن تكون شرطاً عقليًّا محققة لموضوع الاجارة .

ألثانى، أن تكون شرطاً عرفيًّا و هو ما كان فقدانه مستلزمًا للغرر إذا عرفت ذلك فنقول إنَّ التحقيق يستدعى ألبحث في مقامين .

الاوَّل، صحة الاجارة من حيث الاحتياج إلى النفقة .

الثاني، فى أنُّ نفقة هذا الأجير هل هى على ألمالك أو على المستأجر او على الأجير فى ذمته أو في كسبه أو من بيت المال أو على المسلمين .

أمّا المقام الاوَّل فقد يتوهم بطلان الاجارة لوجهين : الأوَّل أنَّه يجب على ألاجير تحصيل النفقة لوجوب حفظ النفس على الشخص و هذا يحتاج إلى ألعمل الواجب وإن كان وجوبه من باب ألمقدمة فلا يكون مملوكاً لمنافاة الوجوب مع ألملك كالصّوم والصلاة الواجبي الخارجين عن ملك الشخص لوجوبهما عليه ولذا لا يعقل ايجار نفس لادائهما للغير وحينئذٍ فلا يمكنه تسليم ألعمل فتبطل الاجارة لكون عمله واجبًا عليه مقدمة لحفظ نفسه.

ورُدَّ بانَّ وجوب نفقته ألعبد على ما لكه لا يقتضى خروج كسبه عن ملك مالكه بل إن إمتنع ألمالك من الانفاق فللعبد أن يستوفى نفقته من كسبه مع كونه مالاً لمولاه كأكل مال الغير إضطرارًا . وفيه أنّه لا ربط للجواب بالدليل لانَّ المستدل لا يبنى إستدلاله على وجوب نفقة ألعبد علی مالكه حتى يقال إنَّ وجوب الكسب لا ينافى المملوكية فللعبد أن يستوفى نفقته من عمله . بل مبنى الاستدلال على أنَّ العبد بعد عنقه يجب عليه تحصیل نفقته بنفسه حفظاً لها و ألعمل مقدمة فلا سلطان له عليه فتبطل الاجارة وكون نفقته على مولاه بعد العتق أوَّل الكلام . ثم إنَّ إستيفاء نفقته من كسبه ليس إلّا من باب التقاصِّ لا من باب أكل مال ألغير فى المخمصة ألذى فيه الضّمان .

ص: 430

فالتحقيق فى ألجواب أن يقال : إنَّ الواجب على الشخص حفظ نفسه و ألكسب مقدمة له لا أنَّ ألتكسُّب بما هو واجب تعبُّدى كالصلوة ولذا لو تبرَّع أحد بنفقة ألاجير أو كان له مال لم يجب عليه ألعمل لحفظ نفسه فهذا الوجوب ألمقدمى ليس سالبًا للملك و السلطان بل ألحق عدم منافاة ألوجوب النفسى لهما كما أَّن حفظ نفسه إنَّما يجب عليه مع القدرة إذ مع عدمها يجب ذلك على كافَّة ألمسلمين من باب ألكفاية .

نعم لو لم يكن عمله مملوكاً للغير لكان هذا الاجير قادرًا على حفظ نفسه بعمله فاخراج العمل عن المملوكية لوجوب حفظ النفس على الاجير ، دورىٌّ بتقريب أنَّ حفظ النفس واجب مع ألقدرة و القدرة موقوفة على عدم كون عمله مملوكاً للغير فاذا أردنا إخراج ألعمل عن ملك الغير بسبب وجوب حفظ النفس لدار .

ألثّاني : إن القدرة على التسليم شرط لصحة الاجارة وحيث يجب عليه ألتكسّب لحفظ نفسه فلا يقدر على تسليم العمل للمستأجروا هذا يكشف عن بطلان الاجارة لفقدان شرطها . وأجيب عنه بانَّ القدرة على التسليم لا تنافى وجوب صرف المتسلم في نفقة نفسه و فيما نحن فيه هو قادر على إتيان العمل إلّا أنَّه يجب عليه صرفه في نفقت كاجارة ألدار ثم ألاضطرار إلى إسكان الغيروا نت خبيرٌ بانَّ هذا ألجواب لا يرتبط بالدليل لانَّ الدليل يبتنى على أنَّ من يجب عليه حفظ نفسه لكسبه لا يمكنه تسليم العمل للمستأجر وتسليم العمل ليس إلّا عبارة عن ايجاد ألعمل و لو لم يسلمه للمستأجر بل هو ايجاد عمل له ربط بالمستأجر ، و لعلّه توهم أنَّ نظر المستدل إلى عجز الاجير عن الاتيان بالعمل لوجوب صرفه فى نفقة نفسه فأجاب بعدم عجزه عن الاتيان و غفل عن أنَّ نظره إنَّما هو إلى تسليمه إلى المستأجر بعد إتيانه ، فالجواب الصحيح أن يقال إنَّه قد عرفت أنَّ ألقدرة المحققة للموضوع و ألتي تبطل الاجارة بانتفائها هى التى تكون شرطاً عقليّاً و موجودة في المقام

ص: 431

بقرينة صرفها للاكتساب لنفسه وهذه هى القدرة التي تتوقف عليها صحة الاجارة و ألقدرة على التسليم بغير هذا المعنى لا دليل على إعتبارها وعليه فالحق صحة الاجارة .

وأمّا المقام الثّاني ، و هو أنَّ نفقة هذا الاجير هل هي على المستأجر أو على ألمالك أو على ألاجير فنقول إنَّه لا دليل على وجوب النفقة على المستأجر إلّا إذا كان شرطاً فى العقد أو تقتضيها ألعادة بالبناء المعاملى . وأمّا وجوبها على ألمالك فله تقريبات أغلبها عن الشّافعى على ما عن التذكرة . و هي على مايلي :

الاوَّل : إنَّ ألمالك لمّا استوفى منافعه كان ألعبد كالباقي فى ملکه فعليه نفقته . و فيه أنَّ المولى بعد العتق يصبح أجنبيًّا عن العبد من جهة ألعتق و عن عمله من جهة الاجارة للغير وعليه فكيف تجب عليه النفقة ولا معنى للتنزيل ألحكمى حتى يجاب بعدم ثبوته في جميع الاحكام بل يكفى في الجواب خروج العبد موضوعًا عن تحت رِّقيَّة المولى

الثّاني : إنَّه يجب على المالك إعداد ألعين للاستيفاءِ حدوثاً و بقاءً فتجب النفقة عليه من جهة أن مقدمات التَّوفية على عهدته وفيه إنَّه إِنَّما يتم فيما إذا كانت العين تحت إستيلاءِ ألمالك كالدّار والدّابّة و العبد و نحوها و بعد العتق لا يكون له يد عليه إذ هو حرٌّ مسلوب الاعمال عاجز، عن التَّعيُّش وقد يقرَّب هذا الوجه بتقريب آخرو هو إنَّه يجب على ألمالك تسليم ألمنفعة المملوكة بالعقد حدوثاً و بقاءً فيجب عليه ألانفاق مقدمة لذلك إذ بدونه لا يمكن التسليم وفيه أنَّ ألوجوب إنَّما كان ثابتاً لكون العبد ملكاً له و ألآن خرج العبد عن ملكه فلايجب عليه المنفعة بقاءً . نعم ألعبد يجب عليه تسليم المنفعة إلى المستأجر من باب تسليم مال ألغير إليه.

الثّالث : إنّه لا يجب على العبد تحصيل تفقته لاستغراق منافعه للمستأجر ولا على المستأجر لعدم الدليل فينحصر الوجوب بالمالك.

ص: 432

و فيه أنَّه لا إستغراق لا مكان ألتكسُّب لحفظ نفسه ليلاً و يظهر من هذا الجواب تسليم الوجوب لو كان العمل مستغرقاً لاوقات الاجير مع أنَّه لا وجه للتسليم و لو مع الاستغراق بهذا المعنى لعدم الحصر بعد إمكان ألانفاق عليه من المسليمن كفائيّاً أو من بيت المال .

ثم إنَّه يمكن أن يقال بعدم وجوب النفقة على ألمالك لكونه أجنبيًّا ولا تجب على الاجير لاستغراق أوقاته فينحصر وجوب الانفاق بالمستاجر أو نقول إنَّه على الأجير لانَّ المستأجر مالك للمنفعة و ملكه لها لا يستلزم وجوب ألا نفاق عليه فهذا التقريب لا وجه له .

الرّابع : إنَّه كما أنَّ للمولى منافعه فعليه نفقته لانَّ الخراج بالضمان و فيه أوَّلاً منع الكبرى وثانياً إنَّ وجوب النفقة على ألمالك وجوب تكليفي لا ربط له بملك النفقة . وقيل إنَّ وجوب النفقة على الأجير في كسبه و أستدل له بوجهين.

الأوَّل : إنّه يجب عليه حفظ نفسه و هو مقدم على جميع الحقوق و ألدّيون فيكتسب لنفسه وعليه أجرة مثل خدمته للمستأجر في ذمته. و فيه إنّه إن كانت جميع منافعه مملوكة للغير كما يظهر من بعض الكلمات ولا سيَّما من التعبير بلفظ الخدمة فلامال له حتى يُقدَّم حفظ نفسه به على أداءِ مال ألغير وإن كانت له منافع أخرى فيجب عليه نفقه نفسه في ماله . ثم إنَّك عرفت أنَّ وجوب حفظ النفس مقيد بالقدرة و مع عدمها يجب على المسلمين من باب ألكفاية فيخرج ألامر حينئذ من الدَّوران.

الثّاني : إنَّه يجب عليه تسليم عمل ألغير له و هو موقوف على النفقة و هي متوقفة على ألكسب فالانفاق على النفس مقدمة الواجب و هو تسليم مال ألغير إليه . و يمكن تقريبه بأنَّ ألامر دائر بين صرف الحصة الفعلية من العمل فى نفقة نفسه كي يتمكن من تسليم حصص أخرى من المنفعة فيما سيأتى إلى المستأجر و بين تسليم الحصة الفعلية إلى المستأجر وعجزه عن الحصص المستقبلة والعقل يحكم جزماً بترجيح

ص: 433

الأوَّل على الثّاني . وبعبارة أخرى : إنَّ الامر يدور بين صرف ألعمل لنفسه بحيث إذا لم يسلّم هذا العمل الفعلى إلى المستأجر يقدر على تسليمه في وقت آخر و بين أن يسلّم إلى المستأجر ألحصة ألفعلية وعجزه عن تسليم الحصص المستقبلة وحينئذٍ فمع مثل هذا الدَّوران يلاحظ ألعقل ألاهمَّ وهو ألانفاق على نفسه فيجب على أن يكسب لنفسه مع تضمينه لمثل أجرة ألعمل المستأجَر علیه.

وردَّ بانَّ المقدمة إذا كانت محرمة فلا يجب بوجوب ذيها . و هذا الردّ غريبٌ لانَّ المقدمة المحرمة قد تجب لأهمية ذيها كالتصرف في ملك ألغير لانقاذ المؤمن . ولكن يرد على هذا القول أوَّلاً عدم الدوران بعد إمكان الوجوب على المسلمين أو بيت المال . و بالجملة ألعبد الأجير بعد عتقه يكون كسائر الأحرار بنااً على ما عرفت من أنّ ألتحقيق عدم إنفساخ إجارة المولى وأنّ إستيفاءَ منافعه لا يقتضى لزوم كون النفقة عليه و المفروض عدم بقاءِ علقة مالكية تقتضى ألانفاق على ألعبد . و بعد هذا إمّا أن يكون العبد قادرًا على تحصيل المعيشة لنفسه من دون مزاحمة ذلك للعمل المستأجر عليه و لو بالاتيان بالعبادة ألاستيجارية فلامجال للاشكال في كون نفقته على نفسه وإمّا أن لا يكون قادراً على ذلك فهو كاحد ألفقراءِ ألعاجزين عن ألكسب فله ألتعيُّش من بيت المال بأخذ الزكوات و ألصدقات وإلّا فيجب على المسلمين كافّةُ ألانفاق عليه فان لم يكن هناك مسلمٌ فعلاً للانفاق عليه أو لم يقم أحد من المسلمين لهذا الواجب فحينئذٍ له أن يصرف مقدارًا من العمل المستأجر عليه في نفقه نفسه ضامنًا له نظيراً كل مال ألغير في المخمصة .

الحادية عشرة، إذا أجر الوصىُّ صبيًّا مدة یعلم ببلوغه فيها

المسئلة الحادية عشرة : قال في الشرايع لو آجر ألوصىُّ صبيّاً مدة يعلم ببلوغه فيها بطلت فى المتيقن وصحت فى ألمحتمل ، ولو إتفق ألبلوغ فيه فهل للصبى ألفسخ بعد بلوغه قيل : نعم - وفيه تردد. انتهى .

ص: 434

و تحقيق المسئلة يقتضى ألبحث عنها في مقامين . مقام ألثبوت مقام الاثبات .

أمّا الأوَّل، فنقول إنَّ ما يمكن أن يكون وجهًا لبطلان الاجارة إذا صادفت أيّام البلوغ أمران . الأوَّل، إنَّ المنافع المستقبلة معدومة ولا ولاية للولىِّ على المعدوم . الثّاني، إنَّ المنافع بعد البلوغ لا تعد منافعًا للصغير فلا تكون تحت ولاية ألولى . هذا وبطلان كلا الوجهين ظاهر . أمّا الأوّل، فلأنّ وجود المنفعة إنّما هو باعتبار ألحيثية القائمة بالعين في كل إجارة و تلك الحيثيات موجودة فالمنافع الفعلية موجودة بوجودها فعلاً و قابلة للحاظها استمراراً كما عرفت سابقًا و أمّا ألثاني فلانَّ الحيثيات الوجودية قائمة بالعين فهى تابعة للعين و المنافع تابعة لتلك الحيثيات و لما كان للولى من جهة ولايته على المولّى عليه ولاية على ما يتصور له من ألاملاك و الاموال صحت إجارته بالنسبة إلى منافعه ألاستيفائية كانت فعلية أم إستقبالية فكما أنّ الكبير تصح إجارته بالنسبة إلى أعماله المستقبلة فكذلك ألولى لكونه قائماً مقام ألصبى كانت له إجارته بالنسبة إلى أعماله المستقبلة وإلّا لبطلت كل إجارة.

و أمّا مقام الاثبات فيمكن أن يقال إنَّ الشارع جعل الولىَّ قائمًا مقام المولّى عليه فكما تصح الاجارة من نفس ألمولى عليه بالنسبة إلى منافعه المستقبلة إن لم يكن محجورًا فكذلك تصح من ألولى الذى يقوم مقام المولّى عليه ولكن يمكن أن يقال إنَّ الملاك لجعل الولاية هو جبر نقص الصغير و هذا إنَّما يكون في حال الصغر لافي زمان ألكبر لعدم الحاجه حينئذٍ إلىَّ الولّى وعليه فلا يفهم من الدليل جعل السلطان له على ما يقع فى زمان الكبر . مضافًا إلى عدم وجود دليل مطلق ناظر إلى هذه الحيثيات .

وقد ذهب صاحب الجواهر إلى التفصيل بين ما إذا كانت الاجارة

ص: 435

بالنسبة إلى ألمدة ألواقعة بعد البلوغ ذات مصلحة فعلية فتصح سواءٌ علم بالمصادفة أو أحتمل وإلّا لم تصح . وفيه أنَّ إشتراط المصلحة في صحة الاجارة كمراعاتها بالنسبة إلى سائر تصرفاته إن كانت شرطا فيكون عدم المصلحة بنفسه موجباً للبطلان من حيث فقدان الاجارة لشرطها و إلا صحت الاجارة . و لمّا كان ألحق عدم إعتبار ألمصلحة بل كفاية عدم المفسدة فهذا التفصيل لا وجه له و لذا قيل بأنّ هذا الوجه أردء الوجوه. نعم يمكن أن يقال بأنَّ صاحب الجواهر إنَّما يذهب إلى هذا التفصيل باعتبار أنَّ الولاية إنَّما جعلت للولى لغبطة الصَّبى بما هو صبىُّ فاذا كانت الاجارة ذات مصلحة بالنسبة إلى حال ألكبر و لم تكن ذات مصلحة فعلية تبطل لا لأجل أنَّ هذا التصرف ليس فيه مصلحة قائمة به حتى يقال إنَّ هذا ليس إلا شرطاً لإعمال الولاية بل لاجل فقدان هذا التصرف للمصلحة الفعلية ألتي هي ملاك الولاية فاذا كانت إجارته بالنسبة إلى أزمنة ألكبر ذات مصلحة فعلية للصبى كانت تلك المصلحة مصححة للاجارة الفعلية . وإن شئت قلت إنَّ ألقدر المتيقن من صحة تصرفاته التي ترتبط بزمان بلوغه ما يكون واجدًا للمصلحة الفعلية للصبى ولكن ذلك مبنى على وجود إطلاق ناظر إلى ولايته عليه بالنسبة إلى ماله ربط بزمان بلوغه حتى يقال بأنَّ ألقدر المتيقن ما كان واجدًا للمصلحة الفعلية . وحينئذٍ لنا تقريب آخر وهو أنَّ الولاية على ألصبى وإن كانت محدودة بزمان الصِّغر إلا أنَّ الولاية عليه لما كانت بلحاظ مصلحته فاذا كان التصرف المربوط بحالة البلوغ ذامصلحة فعليه تشمله أدلة الولاية المقصورة بحال ألصغر و قد يفهم ذلك من قوله عليه السلام : ( لا يضيعوا بحضرتكم ) وهذا الكلام يجرى فى إجارة ألولى للصبى وأعيانه المملوكة إشكالاً و جواباً . فتحصل مما ذكرنا عدم الاشكال ثبوتًا في إجارة أموال الصبى مدة يعلم ببلوغه فيها كما هو الحال في إجارة الصبى نفسه كذلك و أمّا إثباتاً فالدليل

ص: 436

لا يثبت إلّا التفصيل المتقدم من غير فرق بين أمواله و أعماله لانَّ وزان أموال الصّبى من حيث كونه تحت ولاية ألولى وزان أعماله و وزان شمول أدلة الولاية لما يصادف أيّام البلوغ إذا كان ذا مصلحة فعلية للأعمال هو وزان شمولها للأملاك فالتفصيل بينهما لا وجه له .

و أمّا نكاح ألصبى فيجرى ألكلام ألمتقدم فيه من حيث الثبوت و ذلك لانَّ النكاح وإن كان عبارة عن الزَّوجية ألتى هى علقة بدلية بين الزوجين إلّا أنَّ قابليتها للتحديد بحسب مادلّ عليه الدليل شرعًا. جعلتها من حيث قابلية الولاية للتحصُّص بالنسبة إلى ما بعد ألبلوغ و قبله كالاجارة ولكن الدليل الاثباتى ألدالّ على أنَّ للولى الولاية عليه في نكاحه الدائم هو الفارق بين المقامين فما قيل من أنَّ ألنكاح ليس تمليكاً ولذا يكون للولى الولاية على الدائم كالمنقطع مندفع بانه لا خصوصية للتمليك من جهة قصور أدلة الولاية بعد أن كان النكاح كالتمليك من جهة قابلية التحصّص . ثم لا يخفى عليك أنَّ الولاية على أملاك الصغير و أعماله لانقاس بالولاية على الاعيان الموقوفة لانَّ الولاية فى ألوقف إنَّما هى على الاعيان بمالها من ألمنافع فللمتولى أن يوجرها مدة تصادف البطون المتأخرة غير الموجودين فعلا . ولا يمنع عن هذه الولاية عدم كونهم تحت ولايته إذ ليست الولاية عليهم حتى يستشكل بعدم وجود هم بل الولاية إنَّما هى على ألعين . نعم لابد من ألمصلحة في إجارة الاعيان الموقوفة فعلاً . وأمّا الولاية على أملاك الصبى و أعماله فهى ولاية طوليَّة منشأوها الولاية على ألصبي و لذا قلنا بلزوم الاقتصار فيها على مالا يصادف أيام البلوغ، الّلهم إلّا مع مصلحة فعليَّة تدعو ألولى إلى تلك الاجارة تحصيلاً لها فما يظهر من المحقق من عدم بطلان الاجارة مدة يحتمل بلوغ ألصبي فيها في غير محله لانَّ الولاية إذا كانت محدودة بالبلوغ فلافرق فى البطلان بين العلم بالبلوغ وإحتماله وإلّا فلا بطلان حتى مع ألعلم .

ص: 437

الثّانية عشرة، إذا إستأجر أجيرا ليعمل له صنعاً فهلك الاجير فهل هناك ضَمان على المستاجر أم لا ؟

المسئلة الثّانية عشرة : إنَّه إذا إستأجر أجيرًا ليعمل له صنعة فهلك ألأجير لا يكون المستأجر ضامنًا سواءٌ كان الأجير صغيرًا أو كبيرًا وسواءٌ كان حرًا أو عبدًا .

أمّا في الحر فواضح إذ لاضمان بالنسبة إليه لانَّ الضّمان إنَّما يتصور فيما له ألبدل إذ هو عبارة عن إعطاء البدل وجعل خسارة ألمبدل على من هو في ذمته مع كون البدل أعم من البدل العرضى و الطولى و ألحر لا بد ل له فلامعنى للضمان فيه و أمّا ثبوت الغرامة على من أتلف النفس أو شيئاً من ألاطراف فهى غرامة تعبُّدية و هى الدية أو القصاص وليس ذلك من ألضمان المصطلح . و ما ذكرناه هو معنى قولهم إنَّ ألحر لايد عليه أى لايد مضمِّنة موجبة لجعل البدل حين ألتلف على من تلف عنده وأمّا الاستيلاءُ الخارجي فهو موجود قطعاً و لكن المدار في ألضمان ليس عليه وبالجملة فقاعدة ألا تلاف إنَّما هي في مال ألغير و ألحرّ ليس مالاً للغير . و أمّا قاعدة أليد فمن ألواضح أنَّ المأخوذ هو ما له ألاداء إمّا بنفسه أو بمثله أو قيمته و ذلك إنَّما يكون فى الماليّات وليس ألحر مالاً و أمّا وجوب حفظه من باب حفظ النفس المحترمة فهو أمر آخر غير ما نحن فيه وإن أبيت إلّا من كون الحرّ ذا بدل غرامي و لو بجعل الادلة المضمنة لنفسه وطرفه قودًا وديةً كاشفةً عن ذلك فلامجال للاشكال في أنَّ ألحر ليس مستولى عليه بالاستيلاءِ المضمن فتأمل و أمّا لو كان الاجير عبداً و إن كان صبيًا فكذلك لاضمان فيه لانه وإن كانت قاعده أليد تشمله إلّا أنَّ قاعدة ألتأمين المالكى مانعة من التضمين ومخصصة لقاعدة أليد بغير هذه الصورة .

الثّالثة عشرة، في أقسام إستيفاء العمل بالأمر المعاملي

ألمسئلة الثالثة عشرة : في أقسام إستيفاء ألعمل من ألعامل بالامر ألمعاملى أو ما يقوم مقامه ، فنقول : لا ريب في إحترام عمل المسلم و إقتضائه لكونه ذا بدل مسمّى أو بدل مماثل ، و توضيح ذلك أنَّ عمل ألمسلم يُعد مالا و يكون محترمًا كسائر أمواله و من البديهي أنَّ كبرى

ص: 438

ألمال لمالكه، متسالم عليها عند جميع الملل و هي تقتضى أمورًا وإن شئت قلت كون ألمال لمالكه موضوع لاحكام متعددة:

الاوَّل : حرمة إستيفائه منه بدون رضاه تكليفًا ودليل ذلك قوله (علیه السّلام) في موثق سماعة فانه لا يحل دم امرٌ مسلم ولا ما له إلّا بطيبة نفس منه

ألثاني : قبح ذلك عند ألعقلاءِ بل عقلاً حيث قلنا في محله بأنَّ الحكم بقبح ألظلم عقلى لاعقلائى وكون الملكية حدّاً، وكون الحدّ حقًّا. وكون التجاوز عن الحدِّ بالتصرف العدوانى فى ألحق ظلمًا، أمور معلومة عند كل ذى وجدان سليم.

الثّالث : ضمان ألعمل المستوفى منه عرفاً إلّا في موردين: ألاوَّل: تبرُّع العامل بالعمل، الثّاني : عدم ألمالية للعمل، و يتفرع على ذلك أنَّه لو إستوفى ألعمل منه ظلماً يضمن أجرة مثله وكذلك لو إستوفى منه بامر منه ، و هذا هو المراد من قاعدة الاحترام المضمنة ، و من هنا إتضح أنَّه لا منافاة بين الحرمة التكليفية وعدم ألضمان فانَّ النسبة بينهما هو العموم من وجه ، لانَّ العمل إذا كان ذا بدل تغريمى و إستوفاه المستعمل من دون رضا العامل أثم وضمن وإن لم يكن ذا بدل تغريمى أثم و لم يضمن وإن إستوفاه باذن ألعامل لا مجّاناً ضمن و لم يأتم ، و ألمناقشة في قاعدة الاحترام كما عن بعض لا وجه لها بعد ما سبق منا من أنَّ قاعدة الاحترام منقِّحةٌ لموضوع ألضمان و من الغريب ما عن بعض من ألموافقة حكماً مع الاشكال في مبناه و هذا يرجع إلى إنكار الاصل و أخذ النتيجة إذا عرفت ذلك فنقول إنَّه إذا دفع سلعة إلى غيره ليعمل فيها عملاً أو أمره بعمل كامره بحمل المتاع أو الكتابة أو ألحلاقة وما شابه ذلك فالعمل إما أن يكون له ماليّة أم لا . وعلى ألاوَّل إما أن تكون هناك عادة معيِّنةٌ لقيمته أم لا و على ألثّاني إمّا أن يجعل ألعامل لعمله قيمة أم لا وعلى الثّانى إمّا أن يتبرع ألعامل بعمله أولا وعلى ألثاني إمّا أن تكون عادة على التبرع أو لا فاذا كان للعمل

ص: 439

مالية وقيمة مقدرة عرفاً بمعنى العوض المقدر السّوقى فاذا أمر ألمستعمل أو إستدعاه للعمل ولو بالفعل المُبرز للاستدعاءِ ، كأن يجلس في دكان الحلّاق للحلاقة يكون هذا الامر أو ما يقوم مقامه من ألفعل المُبرز له أمراً معامليّاً مضمّناً لانَّ المفروض أنَّ العمل مما يبذل بازائه ألمال و ألعادة ألعرفية معيِّنة لمقدار ماليتها باجرة خاصة وفعل ألحلّاق مشيرٌ إلى قبول الالتزام المعاملى وعدم التبرُّع بالعمل ، فهذا من صغريات ألجعالة بل لنا جعله من باب الاجارة بناءً على الاكتفاءِ بالامر المعاملى أو ما يقوم مقامه من الفعل المُبرز له في باب الاجارة في طرف الايجاب والاكتفاءِ بفعل العامل في طرف القبول بان نجعل الفعل مشيرًا إلى الالتزام بالمعاملة فاذا كانت أجرة الحلّاق درهمًا إستحقها بهذا ألامر و إذا كانت للعمل ماليَّة ولكن لم تكن عادة معينة للاجرة فحيند فلو جعل العامل لعمله أجرةً وعلم المستعمل بهذا ألجعل وطلب ألعمل منه بالامر ألمعاملى أو ما يقوم مقامه فيكون هذا الامر مضمِّناً بالاجرة ألتي عينَّها ألعامل لفرض قبول المستعمل واستيفائه من ألعامل عملاً محترمًا ذابدل ، والمفروض أنّ ألعامل لم يتبرَّع بالعمل ، ولا فرق بين الصورتين من حيث أنَّ ألضّمان طولىٌّ فى كل منهما بمعنى الجعالة مع إمكان كون الضّمان عرضياً بمعنى الاجارة ، وأمّا إذا كان العمل ذا مالية غير متقدَّرة و لكن لم يجعل ألعامل له قيمة ( أجرة معينة ) و تبرع به فلاضمان ، وأمّا إذا كان العمل ذامالية غير متقدَّرة ولم يجعل العامل له أجرة أو جعل له أجرة و لكنه لم يعلم المستعمل بها ولم يقصد العامل التبرُّع بعمله فلابدَّ من ألقول بالضمان و تقدَّر ألاجرة بالمصالحة بينهما، إما بتراض منهما وإما بتعيين ألحاكم الشرعى موافقًا لنظر ألعرف من غير فرق بين ما إذا كانت هناك عادة جارية على التبرُّع بهذا العمل أم لا ، لانَّ العادة الجارية على التبرُّع لا تغير الواقع من كونه ذا مالية و من عدم إهدار ألعامل مالية عمله ومن أنَّ ألماليات

ص: 440

مضمونة مطلقًا و هذا الكلام يجرى فى ما إذا كان للعمل مالية مقدَّرة أيضًا و لكن العادة جرت على التبرع به لانَّ المدار على تبرُّع العامل بعمله وإن كان التبرُّع متعارفاً ، و لو تنازعا فالاصل مع العامل و هو أنَّه أعرف بنيته، و هذا يقتضى الضمان و يكون مقدّمًا على أصالة براءة ذمة ألآمر عن الضّمان ، وأمّا إذا لم تكن للعمل مالية فالامر به لا يقتضى الضمان لانَّ ألامر المعاملى إنَّما یکون مضمِّنا إذا كان الشيءُ ذا بدل تغريميٍّ عرفًا ، نعم إذا صرَّح ألعامل بالاجرة و رضى المستعمل بها فهو ضامن لقبوله ألاستيفاءَ بالضمان ولكنه خارج عن محل ألبحث .

الرّابعة عشرة في ما يتوقف عليه توفية المنفعة

المسئلة الرّابعة عشرة : فيما يتوقف عليه توفية المنفعة : إعلم أنَّ ألفقهاءَ قد إختلفوا فى مقدمات توفية العمل وأنَّها على ألموجر أو على المستأجر بعد إتفاقهم على أنَّه إذا كانت هناك عادة على أحدهما فالعادة هي المتبعة . لانَّ العادة موجبة للالتزام ألضمني فيكون شرطاً ضمنيّاً : وكيف كان ففى المسئلة أقوال :

الاوَّل : ما ذهب إليه ألاكثر بل المشهور من أنَّه إذا لم تكن هناك عادة فعلى ألموجر لوجوب توفية ألعمل أو ألمنفعة فتجب مقدماتها .

ألثّاني : ما عن المسالك من أنَّه على ألمستأجر و ليس على ألموجر إلّا العمل و ألمقدمات خارجة عن الواجب .

الثّالث : إنَّه إذا كانت هناك عادة معينة فتتبع وصحت الاجارة و إلّا بطلت للجهل بمن تجب عليه المقدمات .

الرابع : ما نسب إلى الشيخ الانصارى ( رحمه الله ) من التفصيل بين الآلات فعلى ألموجر و بين غيرها فعلى المستأجر .

و التحقيق في المقام أن يقال : إن المملوك بالاجارة إمّا أن يكون عملاً كالخياطة أو منفعة قائمة بالعين كسكنى الدار . فان كان المملوك عملاً فهو يتوقف على أمور ثلثة . الآلة و ما يتقوم به العمل وما يقع عليه العمل . وأمّا الآلة فتجب على ألموجر لتوقف العمل في عالم

ص: 441

التحقق عليها وأنها بمنزلة أليد الثّانوية للعامل فاصدار العمل وايجاده إنَّما يكون بالآلة كالقلم في الكتابة و ألابرة فى الخياطة وكذا ما يتقوم به ألعمل كالمداد و ألخيط إذا كان المملوك ألحصة المتقومة به لان ألكتابة بما هى هيئة خاصة تتقوم بالمداد خارجًا و المفروض أنَّ المملوك الكتابة بما هي هذه الحصة وإنما قيدنا المملوك بالحصة المتقومة بالمداد في مثل الكتابة إحترازاً عن ألاصباغ في نقش الدار أو غيرها التي لابد من وجود ألعادة أو ألتصريح فى ضمن العقد بانها على ألموجر أو المستأجر و مع عدم العادة أو التصريح فعلى المستأجر لان عملية الصبغ و إن إحتاجت إلى ألاصباغ لكنها ليست هي المداد الذى يتقوم الكتابة به فتأمل ومنه يعلم أنَّ جعل الهودج على ألموجر إنَّما هو لتشبيهها بالآلات و ما قيل من أنَّه ليس على الموجر إلّا منفعة الكون فى ألهودج ليس إلّا مندفع بأنه خلط بين ما يتقوم به ألعمل المستأجر عليه وغيره لانه لابد فى باب الاجارة من ملاحظة المنفعة المملوكة بالاجارة و أنّها هل أخذت على نحو ألتقييد أو الاطلاق فاذا كان المملوك بالاجارة نفس الكون على ألدابَّة فكل شيىءٍ من مقدمات ألتوفية على نحو خاص من كون الركوب مثلاً على مثيرة أو في هودج وأمثال ذلك فعلى المستأجر لأن الكون الركوبى بما هو لا يحتاج في تحققه خارجا إلى هودج ومثيرة مثلاً و هذا بخلاف ما إذا كان ألمأجور عليه كون ركوبی خاص كالركوب على المحمل أو في هودج و حيث أنَّ المنفعة المتبادل عليها عبارة عن ألكون الركوبى المقيَّد بالهودج مثلاً وأنَّ هذا ألكون بما هو مأخوذ في المنفعة ويتقوم فى عالم التحقق و ألخارج بوجود الهودج فعلى ألموجر تسليمه فيكون تهيئة ألهودج على عهدته توفية للمنفعة .

وأمّا ما يقع عليه العمل في الخارج فخارج عن المملوكية في باب الاجارة و ذلك كالحجارة فى ألبناءِ لانَّ حركة البنّاءِ لا تتقوم عليها بل هى

ص: 442

مما يتعلق به ألحركة البنائية . و من هذا القبيل الثوب الذى تقع عليه ألخياطة . و مما ذكرنا علم حال المنافع القائمة بالاعيان وأنَّه لا بد من ملاحظة مصبّ ألاجارة .

و العجب من ألبعض حيث فصَّل بين الحدوث و ألبقاءِ بأنه يجب على ألموجر حدوثاً لابقاءً و ذلك واضح الفساد لأنَّ وجود المفتاح مثلاً مقدمة لتحقق المنفعة المملوكة بالاجارة حدوثاً وبقاءً فيجب على الموجر تهيئة ألمفتاح كما يجب عليه تصليح ألدار لتحقق المنفعة المملوكة . وقد علم مما ذكرنا أنَّ تنقية البالوعة على ألموجر لانَّ ألا نتفاع بها يتوقف على ذلك و لكن إزالة الثَّلج على المستأجر لانَّ رفع ألمانع عن الانتفاع ليس على عهدة الموجر . ولا يقاس ذلك بالبالوعة التى حقيقتها كونها مجمعًا للماء المنافية لتحقق المنفعة .

نعم ذهب في الجواهر إلى أنَّ إزالة الثلج عن ألبيت على الموجر و لكن ذلك يختص بما إذا كانت المنفعة موقوفة على إزالة الثلج .

ثم إنَّه قد ظهر ممّا ذكرنا أنَّ تنقية البالوعة بعد إنتهاءِ الاجارة ليست على المستأجر وأمّا إزالة الرّماد وما يشبهه فعليه لكون جمع الرماد من فعله و ليس تخلية المطبخ عن الرماد من مقدمات التوفية لتكون على ألموجر .

خاتمة في التَّنازع

خاتمة في التَّنازع (1):

وقبل ألبحث عن فروع التنازع نقول :

إتفق علماء ألاسلام على أنَّ القضاءَ الشرعى له موازين و هي، البينة ، و أليمين، و القرعة، و أنَّ البينة على المدعى واليمين على ألمنكر و الدليل

ص: 443


1- هذه الخاتمه إنما هى بقلم سيدنا ألاستاد دام ظله العالى فقد نقلنا نفس عبارته الشريفة

على هذه الكلية .

قول النبي (صلّی الله علیه و آله) إنّما أقضى بينكم بالبينات والايمان .

و إختلفوا في تعريف المدعى و ألمنكر فقد عرِّف المدعى تارة بمن لو ترك الخصومة لترك و أخرى بمن يكون قوله مخالفاً للاصل وثالثةً بمن يدَّعى أمرًا ثبوتيًّا وفى مقابله المنكر إلى غير ذلك و نحن نرى بانَّه ليست للعناوين ألتى عرِّف بها المدعى و ألمنكر موضوعية، بل هي في ألغالب لوازم لوجود هما الخارجى فلها جهة ألاشارة إليهما في باب القضاءِ ، و التعريف باللوازم أمرٌ متعارفٌ فى صناعات أا علوم و دليلنا أنَّه لا حقيقة شرعية للالفاظ .

فلنا أن نقول بأن لفظة – مدعى - له مادة و هي : د ، ع ، و- وهيئة : وهي مفتعل : ألتي هي لمطاوعة المبدءِ ، فالمدعى ، من له الدعوة و من المعلوم أنَّ هذا العنوان بطبعه يستدعى من، منه الدعوة، و ما به الدعوة، و من تتوجه إليه الدعوة فكل من يطلب من غيره أمرًا مّا يكون مدّعيًا ومن يقابله من ينكر ذلك و مما ذكرنا علم أنَّ المدار ليس على ألاغراض فى باب ألقضاءِ لانه لا دليل على لزوم متابعة ألاغراض و ليس الغرض من النزاع قيدًا مقوماً للموضوع ( المدعى ) ولا شرطاً للقضاءِ ، نعم لا بد و أن لا تكون الدعوى لاغية و لذا قالوا لا تسمع إلّا الدعاوى الملزِمة و ألوجه واضح لكنه لا يرتبط بما نحن فيه و هاك الفروع .

الاوَّل : إذا تنازعا في أصل ألاجارة

الاوَّل : إذا تنازعا في أصل ألاجارة قدم قول منكرها مع أليمين فان كان ألمنكر هو ألمالك إستحق أجرة ألمثل دون ما يقوله المدعى و لو زاد عنها لم يستحق تلك الزيادة بحسب ظاهر الدعوى و وجب على المدعى المتصرف ايصالها إلى ألمالك وحرم على ألمالك أخذها .

و إن كان المنكر هو المتصرف فكذلك لم يستحق ألمالك إلا أجرة المثل وإن زادت عن المسمّى لم يستحق ألمالك الزيادة لاعترافه ، بعدم إستحقاقه إلّا ألاجرة المسمّى و يجب على المتصرف ايصال الزيادة

ص: 444

إلى ألمالك لاعترافه باستحقاق ألمالك لها هذا إذا كان النزاع بعد إستيفاء المنفعة و إن كان قبله رجع كل مال إلى صاحبه .

و ما ذكرنا إنَّما هو مقتضى القواعد المقرَّرة في باب القضاءِ- نعم ربما يستثني عمّا قالوا بانه لو زاد المسمى عن أجرة المثل وكان ألمنكر ألمالك حرم عليه أخذ الزيادة موردا يقرُّ ألمالك بالاجارة بعد إنكاره لها و لكنه ضعيف لعدم سماع الاقرار بعد الانكار نعم حيث لا سببية للقضاءِ إلّا في ألحكم القضائي دون تغيير الواقع فله أن يأخذ الزيادة إذا كان كاذباً في إنكاره للاجارة والوجه واضحٌ و هكذا ألامر بالنسبة إلى مورد إنكار المتصرف للاجارة مع كون أجرة ألمثل أزيد من ألمسمى ألذي يدعيه ألمالك .

واعلم أنَّ جريان أحكام القضا من لزوم طلب البيِّنة من المدعى و أليمين ممن أنكر إنما هو في مورد يكون لدعوى ألاجارة أثرٌ وإلّا فلا ملزم للبينة و ألحلف و قد علَّقنا على قول السيد في ألعروة في هذا ألفرع - لم يستحق تلك الزيادة مايلي - .

لو إستوفى المتصرف منفعة العين مقرّاً بانها مضمونة عليه بأجرة عشرين ديناراً مثلاً و أنكر المالك الاجارة فاذا كانت أجرة مثل المنفعة عشرة دينار في المثال لم تكن دعوى المستأجر الاجارة موجبة لاثبات عهدة على ألمالك ألمنكر لها ، إذ المفروض أنَّ ألمالك لا يطلب من المستأجر أجرة زائدة عن ما يقرّ هو به بل أقل منه فلا تحتاج هذ الدعوى إلى فصل و حينئذٍ فعلى المستوفى للمنفعة أداءُ ما يقرُّبه على نفسه و على ألمنكر لاستحقاق الزائد بحسب ظاهر إنكاره عدم أخذه .

نعم ألواقع على ما هو عليه و من هذا البيان ظهر أنَّ عكس المسئلة المذكورة فى ألمتن أيضًا لا يحتاج إلى ألفصل فلايمين في المقام إنتهى .

و لكن ذلك إنَّما يكون بعد الاستيفاءِ وإنتهاءّ مدة الاجارة المتنازع فيها و إعتراف المتصرف بان إستيفائه للمنفعة لم يكن على وجه المجّانية

ص: 445

إذ يأتي حكم دعوى المجّانية في الفرع الآتي.

الثّاني، لو إتفقا في الاذن بالتصرف و قال ألمالك بانه على وجه الاجارة وقال المأذون له كان على وجه العاريَّة

الثّاني : لو إتَّفقا على أنّه أذن للمتصرف في إستيفاءِ المنفعة و لكن ألمالك يدعى أنَّه على وجه الاجارة بكذا أو ألاذن فى التصرف بضمان الاجرة ، و ألمتصرف يدَّعى أنَّه على وجه العاريَّة . ففي عاريّة الخلاف والمبسوط و الغنية و اللمعة و مجمع البرهان و ألكفاية كما في مفتاح الكرامة ، َّأن القول قول مدعى العاريَّة بيمينه .

و ألوجه أصالة براءة ذمة المتصرف بل إستصحاب عدم الاجرة فقوله موافق للاصل ألحكمي بل ألموضوعى .

و التحقيق أنَّ القول قول ألمالك كما إختاره في الشرايع وحكى عن الحلّى و ألمهذب بل في كتاب العاريّة من ألجواهر لعله المشهور و ذلك لانَّ كلاً منهما مدَّعٍ لأمر وجوديٍّ يكون على خلاف ألاصل وكل منهما منكر لما يدعيه الآخر و قد عرفت أنَّ اللّازم في تشخيص المدعى من ألمنكر ملاحظة مصبّ الدعوى وعلى هذا فيتحالفان وعلى المتصرف أجرة المثل لاستيفائه مالَهُ البدل وقال في ألعروة ففى تقديم أيِّهما وجهان بل قولان من أصالة البراءة بعد فرض كون التصرف جائزًا و من أصالة إحترام مال المسلم الّذى لا يحلُّ إلّا بالاباحة و ألاصل عدمها فتثبت أجرة ألمثل بعد ألتَّحالف ولا يبعد ترجيح الثّاني إلخ، وقد علَّقنا على قوله وجهان .

المقام من باب التّداعى لانَّ كل واحد من ألمالك و ألمتصرف يدعيان أمرًا ثبوتيًا على الآخر مخالفاً للاصل، فالمالك يدَّعى الاجارة المخالفة للاصل و هي دعوى ملزِمة لاجرة المسماة على المتصرف فعلى المنكر أليمين ، و ألمتصرف يدعى العارية المخالفة للاصل أيضًا و هى دعوى ملزِمة لملك الانتفاع له من قبل المالك ومن المعلوم أنَّ الاصل الموضوعى مقدَّم على الاصل الحكمى و هو ألبرائة في طرف المتصرف و أصالة إحترام ألمال في طرف المالك وعليهذا فلابد من التحالف ثم

ص: 446

الرجوع إلى أجرة ألمثل بقاعدة ألا تلاف ألتى هى المرجع الاوّل فى باب إستيفاءِ مال ألغير نعم لو كانت أزيد من ألمسماة ألتي يدعيه المالك ليس الزائد على المتصرف .

ألثَّالث ، إذا تنازعا في قدر المستأجر عليه و أنَّه تمام الدّار مثلاً أو نصفها

ألثَّالث ، إذا تنازعا في قدر المستأجر عليه و أنَّه تمام الدّار مثلاً أو نصفها قدّم قول مدعى ألاقلّ لانَّ مورد النزاع هو ألمقدار الزائد عمّا إتفقا عليه و توهم أنَّهما متداعيان ، مدفوع بان الاقل و الاكثر ليسا بمتباينين و إن أشير إليهما بالعدد والمقدار ( ألاوزان و المساحات ) وقلنا بأنَّ أسامى ألمقادير- ألعدد أو غيره - لها مفاهيم مركبة من عقد ايجاب هو ألمفهوم الاثباتي للعدد و شبهه و عقد سلب هو مفهوم نفى ألاقل وَ الاكثر وذلك لانَّ مورد ألانشاءِ إنما هو المقدار من دون لحاظ ألبشرط لائية أو بشرط شيئية و توضيح ذلك أنَّ مفاهيم الاعداد - و ما يشبهها - وإن كانت بسيطة إلّا أنَّها تنحل إلى مفهوم إثباتى كوحدات خمسة في لفظة الخمسة - مثلاً و مفهوم سلبى وهو ليس باربعة ولاستة ، و من هنا جاءَ مجال توهم أنَّ النزاع في قدر المستأجر عليه يكون تنازعاً بين أمرين، وجوديين و يكون المورد مورد ألتداعى باعتبار ، أنَّ مدعى ألاقل إنّما يدعيه بشرط لاعن الزيادة و مدعی الاكثر إنما يدعيه بشرط لاعن النقيصة و هما أمران متباينان و لكنَّ التحقيق أنَّ مورد ألانشاءِ إنَّما هو معنونا ، ألاقل و الاكثر، و هما غير مقيدين بقیدی بشرط لاعن الزيادة و بشرط لاعن النقيصة لانهما قیدان لحاظیان ذهنيّان لم يؤخذا في موضوع الاجارة قطعًا و ألمعنونان إنَّما هما من قسم أللا بشرط ألمقسمى المعرىّ حتّى عن التقيُّد بقيد أللا بشرطية بما هو قيد لحاظى ذهنىٌّ فهو اللّامتعين المحض و تلك القيود لاوعاءَ لها إلّا فى الذِّهن فالنِّزاع في ألمورد إنّما هو فى ألزيادة والاصل مع منكرها .

وهذا ألبيان يجرى فى جميع الفروع المماثلة لهذا الفرع كالنزاع فى مقدار الاجرة و التقييد بالشرط و ألمدة و ألقول في المذكورات

ص: 447

قول منكر الزيادة و منكر الشرط

الرّابع : إذا تنازعا في ردّ العين المستأجرة

الرّابع : إذا تنازعا في ردّ العين المستأجرة قدِّم قول ألمالك لانَّ الاصل عدم ردّه و هذا الاصل وإن كان مخالفًا لما ربما يستفاد من إطلاق ما ورد من أنَّ صاحب الوديعة وصاحب البضاعة مؤتمنان، إلّا أنَّ النَّظر الثاقب يشهد بأنَّ مصبَّ إطلاق هذه الرواية وما وافقها فى المضمون من أنَّ ألامين مؤتمن و نحوه إنَّما هو مورد الاتهام لا مورد عدمه كصورة . دعوى المتصرف ردَّ ألعين المستأجرة لانَّ ألمالك أو وكيله يعلمان الرَّد و عدمه فلامعنى لا مرهما بعدم إتهام من كانت ألعين بيده فالحق مع المشهور ألقائلين بانّ أليمين على ألمالك والقول قوله و هو ألموافق للارتكاز ألعرفى .

ألخامس : إذا تنازعا فى أنَّه آجره بغلاً أو سيارةً مثلاً

ألخامس : إذا تنازعا فى أنَّه آجره بغلاً أو سيارةً مثلاً فالمرجع التحالف لأنَّ كلاً منهما يدعى أمرًا وجوديًّا ملزِمًا على الآخر والآخر بنكره وكلا الدعويين ملزمتان فيتحالفان .

السّادس : إذا إختلفا في الصحة و الفساد

السّادس : إذا إختلفا في الصحة و الفساد ، قُدِّم قول . الصحة لانَّ الاصل ألاوّلى في الافعال المركبة من الاجزاءِ و ألشرائط إتيان الفاعلين لها تامةَ الاجزاء و ألشرائط ، وهذا الاصل بما هو أصل موضوعى منقِّحٌ حاكمٌ بالحكومة القهرية على أصالة بقاءِ كل مال على ملك مالكه وقد بيَّنّا في محلّه أنَّ بعض الامارات لضعفها يعامل معها معاملة ألاصل عند عند ألعقلاءِ ومن تلك الامارات ظاهرُ حال المسلم بل كل فاعل من أنّه يأتى بالعمل صحيحًا و أمّا لو كان مورد النزاع ألفساد من حيث طروّ المفسد فالاصل عدم المفسد ويضاف إلى ظاهر حال المسلم .

السّابع : قال فى العروه : إذ احمل المؤجر متاعه إلى بلد فقال المستأجر إستأجرتك على أن تحمله إلى ألبلد ألفلاني

السّابع : قال فى العروه : إذ احمل المؤجر متاعه إلى بلد فقال المستأجر إستأجرتك على أن تحمله إلى ألبلد ألفلاني غير ذلك ألبلد و تنازعا قدّم قول المستأجر فلا يستحق المؤجر أجرة حمله وإن طلب منه

ص: 448

الردَّ إلى المكان الاوّل وجب عليه وليس له ردُّه إليه إذا لم يرض و يضمن له إن تلف أو عاب لعدم كونه أمينًا حينئذٍ في ظاهر الشَّرع .

و قد علَّقنا عليه بقولنا .

التنازع في ألمقام لا يرجع إلى التَّداعي و ذلك لانَّه بعد ايصال المؤجر ألمتاع إلى بلد يكون هو المدعى للاجارة على هذا ألا يصال الموجبة للاجرة و المفروض أنَّ المستأجر ينكر ذلك فهو المنكر ، و لذا يقدَّم قوله بيمينه ، و أمّا دعوى المستأجر الاجارة لحمل ألمتاع إلى بلد آخر فلا يكون لها جهة الزمام على المؤجر بالفعل لانَّ المفروض أنَّه لم يوصله إليه فدعوى ألمستأجر غير مسموعة، نعم لو أراد إلزام المؤجر بحمل المناع إلى البلد المقصود له فعلاً كان المقام من باب التَّداعى فيتحالفان.

الثّامن، إذا خاط ثوبه قباءً و إدَّعى المستأجر أنَّه أمره بان يخيطه قميصًا

الثّامن : قال فى ألعروة ، إذا خاط ثوبه قباءً و إدَّعى المستأجر أنَّه أمره بان يخيطه قميصاً فالاقوى تقديم قول المستأجر لاصالة عدم ألاذن فى خياطته قباءً وعلى هذا فيضمن له عوض النقص الحاصل من ذلك ولا يجوز له نقضه إذا كان الخيط للمستأجر و إن كان له كان له ، و يضمن النقص الحاصل من ذلك و لا يجب عليه قبول عوضه لو طلبه المستأجر كما ليس عليه قبول عوض الثوب لو طلبه المؤجر هذا. و لو تنازعا في هذه المسئلة و ألمسئلة المتقدمة قبل الحمل و قبل الخياطة فالمرجع التحالف وعلَّقنا على قوله لاصالة عدم الاذن .

قولنا - بل لاصالة عدم الامر المعاملى بخياطته قباءً و دعوی المستأجر أمره بخياطته قميصًا إنَّما هى فى الحقيقة إنكاٌر للامر المعاملى بالخياطة قباءً فليس ألمقام من باب التداعى و يقدَّم قول المستاجر بيمينه كما في ألمتن وعليهذا إذا كان التَّنازع قبل ألخياطة لم يكن وقعٌ لهذا التنازع لأنَّ ألامر المعاملى قبل العمل لم يكن مضمِّنا و تكون الجعالة جائزة من الطرفين قبل العمل . نعم لو كان التنازع على

ص: 449

نحو الاجارة كما في المسئلة السّابقة وكان بعد الايصال إلى محلّ كذا لا مكن الموافقة مع السَّيِّد أيضا فى تقديم قول المستأجر و ذلك لانه مع عدم خياطته قميصًا لم تكن دعوى المستأجر ملزمة إذ لا موضوع لهاو حينئذٍ فيكون الموجر مدّعياً ، ألاجارة على خياطته قبالءًوالاصل مع المستأجر المنكر لذلك . نعم قبل ألخياطة تكون الدعويان ملزمتين وآخر دعوينا أنِ الحمد لله ربِّ ألعالمين.

ص: 450

الفهرس لكتاب الاجارة

الصفحة ... الموضوع

الفضل الاوَّل في تعريف الاجارة ... 3

أدلة التَّعاريف و نقدها ... 5

ايرادات ثلاثة على التعريف المختار وأجوبتها ... 8

نقد كلام المحقق الظّهراني ... 12

الكلام في عقد الاجارة ... 14

شرائط العقود على المشهور ... 16

ما معنى أصالة ألفساد في المعاملات ... 19

إطلاق المسبِّب يستلزم إطلاق السَّبب ... 22

هل يعتبر اللفظ في المعاملات ... 23

هل تعتبر العربية في صيغ العقود ... 27

هل تعتبر الصّراحة فى ألفاظ المعاملات وكذا الحقيقة فيها ... 29

ألكلام في لزوم عقد الاجارة ... 33

بیان مختارنا في متعلق الوفاء ... 39

العهود على ثلاثةِ أقسامٍ ... 42

إشارة إجماليه إلى الخيارات ... 48

تحقيقٌ في الاقالة ... 49

المشايخ على ثلاثة طوايف ... 51

لا تبطل الاجارة بالبيع ... 54

الشرائط على ثلاثة أقسام ... 60

إنفساخ الاجارة بالموت وعدمه ... 62

بطلانها في بعض الموارد ... 66

تنبیهان ... 72

كلُّ ماصحَّ إعارته صحَّ إجارته ... 75

إجارة المشاع جايزة كا لمقسوم ... 77

ألعين المستأجرة أمانة لا يضمنها المستاجر إلَّا بتعدٍّ أو تفريطٍ ... 80

تحقيق في بطلان العمل بالقياس ... 85

صحَّة إشتراط الضَّمان في مورد ألامانة المالكيَّة ... 88

تحقيق استصحاب العدم الازلى ... 92

ما معنى موافقة الشرط لكتاب الله ... 98

جواز شرط النتيجة ... 100

عدم ضمان المستأجر بعد إنتهاء المدة ... 102

كفاية مجرَّد التخلية عن الرَّد ... 108

حكم تلف المال في أثناء الايصال ... 109

حكم الضِّمان في الاجارة الباطلة ... 111

تذييلٌ ... 113

هل يصح خيار المجلس في الاجارة ... 118

الفصل الثاني، فى شرايط الاجارة ... 118

الكلام في إجارُّة الصَّبيِّ ... 122

الاخبار الواردة فى البلوغ ومعنى رفع ألقلم عن الصَّبيِّ و أنَّ عمده الخطاءُ ... 131

ص: 451

الصفحة ... الموضوع

الكلام فى إشتراط معلومية الاجرة في الاجارة ... 148

تملك الاجرة بنفس العقد ... 153

في وجوب التَّسليم وعدمه ... 155

حكم ما إذا كانت الاجرة معيوبة ... 161

فی ثبوت ألارش في المقام وعدمه ... 167

إجارة العين المستأجرة باكثر ممّا إستأجره ... 173

إشتراط التنقيص في الاجرة ... 184

وهم ودفع فى أنّ المنفعة الخاصة قابلة للتقييد أم لا ؟ ... 191

فروعٌ، في إشتراط ايصال المتاع في مكانٍ معيَّن ... 194

لو قال آجرتك الدّار كلَّ شهرٍ بكذا ... 196

المبهم على ثلاثة أقسام ... 197

في بيان حقيقة الاباحة بالعوض ... 200

لو قال آجرتك شهرًا بكذا وإن زاد فبالنسبة ... 202

فرعان يناسبان ألمقام ... 204

التحّقيق في الاجاره التخييريّة ... 206

التفاوت في حقيقة إتمام العمل في ألموارد ... 209

حاجة العمل إلى ألموءن ... 212

الحكم بالاستحقاق التَّدريجي للاجرة في ألاعمال التَّدريجيَّة ... 214

في بيان وجوب أجرة المثل إذ ابطل عقد الاجارة ... 216

في الاستدلال بقاعدة لاضرر في المقام ... 218

ماهي قاعدة الاقدام وهل هي مُضَمِّنة أم لا ؟ ... 220

في بيان قاعدة احترام مال المسلم ... 222

هل عمل الحرِّ مالً أم لا ؟ ... 226

هل قاعدة الاحترام شاملة للمنافع الفائتة ؟ ... 227

في قاعدة ألا تلاف واليد وما يضمن ...الخ وغيرها ... 228

ينبغى التَّنبيه على أمور الاوَّل، قال الشَّهيد بعدم ألضَّمان فى ألاجاره بلا أجرة إذا بطلت لكونها بلا أجرة ... 229

تفصيل الاردبيلي في ضَمان الاجرة وعدمه بين علم المتعاملين بفساد الاجارة وجهلهما به ... 231

ذهب صاحب الشّرايع إلى عدم ضَمان المستأجر المنافع ألفائتة تحت يده في الاجاره ألباطلة ... 233

هل يصحُّ جعل عمل الحرِّ عوضاً ؟ ... 233

ما قاله ألاردبيلي في ضَمان عمل الحر ... 236

إستدلال القائلين بعدم ضمان عمل الحرّ ... 237

كراهة استعمال الاجير قبل مقاطعة الاجرة ... 239

في بيان حقيقة المعاملة بلاتعيين الاجرة ... 241

یکره تضمين الاجير إلّا مع التُّهمة ... 242

هل القواعد العامة تقتضى الضَمان ؟ والجمع الدَّلالى بين الاخبار الواردة في ضَمان الاجير ... 244

ص: 452

الصفحة ... الموضوع

يشترط أن تكون المنفعة مملوكة ... 251

إجارة الاعيان الموقوفة ... 252

بیان تمليك المنفعة على العنوان ومعنى الوجود السِّعىِّ ... 255

تصح إجارة المستأجرما إستأجره في الاجارة المطلقة وعدم ضمانه في تسليم العين ... 257

ألبحث عن الضَّمان و عدمه على ضوء ألاخبار... 261

في إجارة المستأجر ما إستأجره إذا كانت المنفعة الخاصة موردًا للاجارة ... 264

فيما إذا كانت الاجاره ألمطلقة أشترط فيها إستيفاءُ المنفعة من المستأجر و آجرما إستأجره ... 266

فی بیان شرط النتيجة ... 267

في بيان شرط ألفعل ... 271

إذا أسقط ألمالك حقَّه الثابت من ناحية الاشتراط هل تصحُّ الاجارة الثّانية أم لا و فيه أنَّ التَّخصيص غير منوِّع ... 274

إذا قلنا ببطلان الاجاره ألثّانية وإستوفى المستاجر الثّاني المنفعة ... 276

في تحقيق المنافع المتضادَّة ... 277

يشترط فى المنفعة أن تكون معلومة ... 281

في بيان ألطرق المعيِّنه للمنفعة ... 283

في الاجير ألخاصّ ... 286

بیان ما هو المختار عندنا من التّفصيل في الاجير ألخاصِّ إذا إشتغل للمستأجر الثّاني ... 292

تنبيهاتٌ حول الاجير الخاصّ وفيه بيان الحيازه و فيه التَّنبيه الاوَّل ... 293

التَّنبيه الثّانى لو أتى الاجير الخاصُّ العمل لنفسه أو لغير المستأجر الاوَّل و فيه بيان إنطباق ألقاعدتين على موردٍ واحد وعدمه ... 297

مختارنا في ألمسئلة ... 300

في الاجير المشترك وأقسامه ... 302

هل تقتضى الاجارة التعجيل أم لا ؟ ... 305

هل السَّبق ألزمانى مرجّحٌ للانيان بأحد الواجبين أم لا ؟ ... 307

ینبغى التَّنبيه على أمور ... 309

إذا كانت الاجارة على نحو الكلّى فى ألمعيَّن و تضيَّق الوقت بطلت الاجارة الثانيه ... 310

تُملك المنفعة بنفس العقد كما تملك الاجرة به ... 312

في مقال أبي حنيفة بان المنفعه تُملك بالاستيفاء و جوابه من الاجلَّة ... 313

هل يشترط إتصال مدة الاجارة بالعقد ؟ ... 315

لا دليل على إشتراط الاتّصال في صحة ألعقد ... 318

ص: 453

الصفحة ... الموضوع

تصحّ إجارة المنافع المستقبلة ... 319

إذا سلَّم العين المستأجرة ومضيت مدة الاجارة ... 322

اقتضا قاعدة اليد للضَّمان ... 324

في بيان ما يتحقق به التَّسليم ... 326

لو زال الألم بنفسه بعد العقد ... 328

لو آجر شيئًا فتلف قبل قبضه بطلت الاجارة ... 330

في بيان كلِّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه ... 331

لو تلفت العين المستأجرة أثنا مدة الاجارة ... 332

تنبیهان ... 333

تعيين المحمول ... 334

لا يكفى إشتراط حمل ألزّاد مالم يعيِّنه وإذا فني ليس له حمل بد له مالم يشترط ... 337

إجارة مركوب للرُّكوب عليه متناوبًا ... 338

موارد ضَمان الدابَّة ... 339

إجارة العقار بالمشاهدة ... 342

تعيين الارض لحفر البئر ... 343

إستيجار المرأة للرِّضاع ... 343

حاجة بعض الاعمال كالخياطة إلى الاعيان كالخيط ... 346

إذا لم يأذن الزَّوج زوجته للارضاع ... 349

حق الاستمتاع إستيفائيًّ ... 352

إجارة المرأة نفسها للارضاع قبل الزَّوجيَّة ... 353

فى موت المرضعة أو ألمرتضع و أنواع الاجارة حينذاك ... 354

إستيجار الارض ليعمل مسجدًا ... 356

حكم التَّصرف في الاراض المفتوحة عنوة ... 358

إجارة الدَّراهم والدَّنانير ... 359

تخلُّف الشَّرط في الحمل ... 361

تشترط إباحة المنفعة في الاجارة ... 365

تشترط القدرة على تسليم المنفعة ... 369

منع الموجر عن الاستيفاءِ ... 373

انهدام المسكن في الاجارة ... 377

تتميمٌ للبحث ... 380

الفصل الثّالث مسائل تتعلق باحكام الاجارة ... 382

ألاولى، إذا وجد ألمستأجر عيبا فى العين المستأجرة ... 38

ألثّانية، ألعين أمانة في يد المستأجر يضمنها بالتعدّى أو التَّفريط ... 390

ألثالثة، هل يجوز للاجير الّذى تقبَّل عملاً أن يقبِّله غيره بنقيصةٍ أم لا ؟ ... 400

الرّابعة، يجب على المستأجر سقى الدابَّة وعلفها ... 404

الخامسة ،اذا أفسد الصّانع ضمن ... 407

السّادسة، لو تلفت ألعين فى يد الصّانع لا بسببه ولا بتعدٍّ ولا بتفريطٍ ... 414

ص: 454

الصفحة ... الموضوع

السّابعة، لو إستأجر أجيرًا لينفذه فى حوائجه فعلى من تكون نفقته ؟ ... 420

الثّامنة، صاحب الحمّام لا يضمن إلّا ما أودع وفرَّط في حفظه أو تعدّى فيه ... 423

التّاسعة، في كيفية، إبراءِ ما في الذّمة ... 426

العاشرة، إذا آجر عبده ثم أعتقه ... 427

الحادية عشرة، إذا أجر الوصىُّ صبيًّا مدة یعلم ببلوغه فيها ... 434

الثّانية عشرة، إذا إستأجر أجيرا ليعمل له صنعاً فهلك الاجير فهل هناك ضَمان على المستاجر أم لا ؟ ... 438

الثّالثة عشرة، في أقسام إستيفاء العمل بالأمر المعاملي ... 438

الرّابعة عشرة في ما يتوقف عليه توفية المنفعة ... 441

خاتمة في التّنازع ... 443

الأوَّل، إذا تنازعا في أصل الاجارة ... 444

الثّاني، لو إتفقا في الاذن بالتصرف و قال ألمالك بانه على وجه الاجارة وقال المأذون له كان على وجه العاريَّة ... 446

الثّالث، إذا تنازعا في قدر المستاجر عليه و أنَّه تمام الدار مثلاً أو نصفها ... 447

الرابع، إذا تنازعا في رد العين المستأجرة ... 448

الخامس، إذا تنازعا في أنَّه آجره بغلاً أو سيارة مثلاً ... 448

السّادس، إذا اختلفا في الصَّحة والفساد ... 448

السّابع، قال فى العروة، إذا حمل المؤجر متاعه إلى بلد فقال المستأجر آجرتك أن تحمله إلى البلد الفلاني ... 448

الثّامن، إذا خاط ثوبه قباءً و إدَّعى المستأجر أنَّه أمره بان يخيطه قميصًا ... 449

ص: 455

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.