العسس في تفسير سورة عبس

هوية الکتاب

اسم الكتاب : العسس في تفسير سورة عبس

المؤلف : آية الله السيد مصطفى الشريعت الموسوى

الناشر: انتشارات دار التفسير (اسماعيليان)

تاريخ النشر : 1376 ه- . ش - 1417ه- . ق

المطبعة والتجليد : اسماعيليان - قم

الطبعة: الاولى

عدد المطبوع : 2000

القطع و عدد الصفحات : وزیرى - 464 صفحة

حقوق الطبع محفوظة للمؤلف

ایران - قم - خیابان ارم تلفن 741621

من سلسلة تغير المستنير

من الوحى الني

ص: 1

اشارة

العسس

في

تفسير سورة عبس

العلامة المحقق وَالْفَقِيهِ المُدقِّقِ آيَةِ اللهِ

السَّدِ مُصْطَفَى الشريعت الموسوي الإصفهاني

انتشارات دار التفسير

قم - تلفن 741621

ص: 2

اسم الكتاب : العسس في تفسير سورة عبس

المؤلف : آية الله السيد مصطفى الشريعت الموسوى

الناشر: انتشارات دار التفسير (اسماعيليان)

تاريخ النشر : 1376 ه- . ش - 1417ه- . ق

المطبعة والتجليد : اسماعيليان - قم

الطبعة: الاولى

عدد المطبوع : 2000

القطع و عدد الصفحات : وزیرى - 464 صفحة

حقوق الطبع محفوظة للمؤلف

ایران - قم - خیابان ارم تلفن 741621

ص: 3

بسمه تعالى

العَسَس في تفسير سورة عَبَسَ

این کتاب با تحقیق بی سابقه ای به تفسیر سوره «عَبَس» پرداخته و این سوره را از نظر تفسیری مطالبش را منظماً از اول تا آخر (با حفظ روابط تمام جملات و قسمتهای آن) تحقیق و استكشاف نموده و مطالب جامع و جالب راجع به خط زعامت و ولایت اسلامی و سرپرستی مسلمین و کسانی که در خور این مقام هستند و آنهایی که شایستگی آن را ندارند و سرنوشت پیروان آنها را از این سوره مبارکه استفاده کرده است.

اضافه بر آنچه اشاره شد از نظر تفسیری درباره دو چیز دیگر بحث و تحقیق نسبتاًمفصلی کرده است.

1 - درباره سخنان جمعی از نویسندگان معاصر که به طور ناآگاهانه با تلاش بسیار و زحمتهای فراوان کوشش کرده اند مذمّتها و تندیها و عقابهای در اول این سوره را از بنی امیه و شخص عثمان بن عفان دفع کرده و آن را مخصوص پیامبر عظیم الشأن اسلام صلى الله عليه و آله و سلم نمایند و از این راه پیامبر و اسلام و قرآن و همه و همه را خدشه دار و زیر سؤال برده و ناخودآگاه آب به آسیای دشمنان اسلام و مبلغین مسیحیت و سیاستهای ضد اسلامی و سلمان رشدیها بریزند و رونق بیشتر به بازار آنها بدهند.

بررسیهای فراوان در ابعاد گوناگون مربوط به این موضوع انجام گرفته و تحقیق در گفته های محققین علماء و مفسرین از قرن سوم هجری تقریباً تاکنون، و تحقیق در تفسیر و تبیین فصل فصل این سوره، و تحقیق و بررسی در شناخت و هن و ضعف نقلیات ساخته شده ای این خرافات را به بار آورده و از تناسب مذمتهای اول این سوره با روش اخلاقی و سیرت بنی امیه و عثمان (با ذکر اسناد تاریخی) و مغایرت داشتن آن با اخلاق و روش پیامبر صلی الله عليه وآله وسلم وغیر ذلک، تا عاقبت به طور وضوح اشتباه سخنان این نویسندگان اثبات شده است.

2 - درباره شناخت حقیقت عصمت انبیاء و ائمه صلوات الله عليهم

در این فصل پس از ذکر سخنان بسیاری از محققین و قدری توضیح و مناقشات، با استفاده از قرآن مجید و روایات معتبره مقام عصمت را به قدری والا میرساند که از گذرگاه خورده اشکالات متکلمین و اشکال و جوابهای محققین، بسیار گذشته و دور می سازد.

و در عین حال مقام عصمت و تجلی آن در افعال و صفات آن بزرگواران یک اُسوه جامع و سرمشق همه جانبه اسلامی برای سالکان راه انبیاء و ائمه طاهرین صلوات الله عليهم خواهد بود.

ص: 4

اصفهان 9 جمادی الاول سنه 1390

بحال بیچارگان رسیدگی کن

اندرون اجتماع ما بسی پر خار و خس *** ثروت دنیا چو گوئی پیش چوگان هوس

بر مراد خویش روزی چون کسی گردد سوار *** در غرورش غافل او از خستگان بی نفس

کاروانی تند سیر و مرکبابی بس چموش *** بس پیاده در غبار راه بی فریادرس

تا بکی در آسمان آرزو پر می زنی *** یک نظر بر زیردستان تا نرفتی در قفس

چون خزان آمد بهار عمر را پایان دهد *** کیفر اعمال بینی بعد از آن ای بوالهوس

آنچه را اندوختی از مکنت و جاه و مقام *** توشه ای بردار زان بر حال مسکینان برس

طوقی از آتش شود اموال و ثروتهای تو *** بسکه همچون مور کردی احتکار و محتبس

واژگون کردن بود رسمی از این چرخ کبود *** تا یکی بالی بخود بر مال و جاه و خویش و کس

تانگردی مستمند و زار و بیمار و ضعیف *** تا نیافتی خاک ذلت تا نبینی خار و خس

واقف احوال آنان تلخی آن ناشوی *** تا نیابی درد آنان کی شوی فریادرس

چون تو انسانی بیا اوصاف آن در خود بگیر *** حرص بر شیرینی دنیا بود وصف مگس

در امور نیک فرصت را غنیمت دان شتاب *** چونکه پیش آمد برت الان میگوئی سپس

در کنار لطف خود جاده هر آن بیچاره ای *** کو پناهنده نه چون (اَنْ جائَهُ بِه الأَعْمَى عَبَس)

ای شریعت تا توانی دست مضطران بگیر *** خوی خود گردان از اوصاف خدایی مقتبس

ص: 1

العسس

في

تفسير سُورَة عَبَس

ص: 2

بِسْمِ اللَّ-هِ الرَّحْمَ-ٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين الذي جعل العاقبه الحسنى للمتقين ، وهو لبالمرصاد للظالمين ، ربنا اللهم اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين انعمت عليهم، غير المغضوب عليهم ، ولا الضالين، والصلاة والسلام على من ارسله الله رحمة للعالمين سيد السفراء المقربين ، خاتم الانبياء والمرسلين ، حبيب اله العالمين ، ابي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين الغر الميامين واللعن الدائم على الكافرين والمنافقين الذين جعلوا القرآن عضين.

رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل العُقد من لساني وبياني ، ونور قلبي وجناني ، ولا تجعل صدري ضيقاً حَرَجاً كانما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون ، اللهم اجعل النور في بصري، والبصيرة واليقين في قلبي، والاخلاص في عملي ، واكتبني في زمرة من يخرج من بيته مهاجراً الى الله ورسوله ، ولا تجعلني من الذين خرجوا من ديارهم بطراً ورثاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط ، ووفقني لامتثال قولك الحق ،﴿ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا ان الله مع الصابرين﴾.

اللهم اني اخلصت بانقطاعي اليك ، واقبلت بكلّي عليك ، وصرفت وجهي عمن يحتاج الى رفدك ، وقلبت مسألتي عمن لم يستغن عن فضلك ، ورأيت ان طلب المحتاج الى المحتاج سفة من رأيه ، وضلّة من عقله ، فانت يامولاي دون كل مسؤل عنه موضع مسألتي ، ودون كل مطلوب اليه ولي حاجتي ، انت المدعو للمهمات ، وانت الكاشف في المُلمّات، انت الذي ذكرك شرف للذاكرين ، وشكرك فوز للشاكرين ، وطاعتك نجاة للمطيعين ، يا انس كل مستوحش غريب ، ويافرج كل مكروب كئيب ، وياغوث كل

ص: 3

مخذول فريد ، وياعضد كل محتاج طريد ، انت الذي وسعت كل شي رحمةً وعلما ، وانت الذي جعلت لكل مخلوق في نعمك سهماً ، انت الذي ابتدأتني بنصرك ، وشددت آزري بقُوَّتك ، وقلت في كتابك﴿ان الذين امنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا فانما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوماً لدا﴾، انت الذي ربيتني في نعمك واحسانك يتيماً صغيراً ، ونوهت باسمى كبيراً وخلقتني سوياً، و رزقتني مكفيا ، ولم تجعلني جبّار شقياً، وكنت بي حناناً وفيا حقياً وكنتُ انا الجاهل الذي علّمته ، والضال الذي هديته ، والوضيع الذي رفعته والخائف الذي آمنته ، والجايع الذي اشبعته ، والعطشان الذي ارويته ، والعاري الذي كسوته ، والفقير الذي اغنيته ، والضعيف الذي قويته ، والذليل الذي اعززته ، والسقيم الذي شفيته وعافيته ، والسائل الذي اعطيته و منحته ، والمذنب الذي سترته وغفرته، والقليل الذي كثرته ، والمستضعف الذي نصرته ، والطريد الذي آويته ، وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها ،

اللهم اجعلني من الصالحين، واجعلنى من ورثة جنّة النعيم، واجعل لى لسان صدق في الآخرين ،

اللهم اجعلني من العلماء العاملين المتقين ، الزاهدين ومن المروجين للدين ، ومحيي آثار وسنّة سيد المرسلين.

اللهم وحصن ثغور المسلمين بعزتك ، وايد حماتها بقوتك ، واسبغ عطاياهم من جدتك ، اللهم وكثر عدتهم ، واشحذ اسلحتهم ، واحرس حوزتهم ، وامنع حومتهم ، والف جمعهم ودبر امرهم وواتر بين ميرهم وتوحد بكفاية مؤنهم واعضدهم بالنصر واعنهم بالصبر والطف لهم في المكر .

اللهم انا نرغب اليك في دولة كريمة تعز بها الاسلام واهله وتذل بها النفاق واهله وتجعلنا فيها من الدعاة الى طاعتك والقادة الى سبيلك وترزقنا بها كرامة الدنيا والاخرة آمين يارب العالمين.

اما بعد فيقول العبد الضعيف المفتقر الى عفو ربه و رحمته في الدنيا و الآخرة ، مصطفى شريعت الموسوى خلف العلامة الفقيه و استاد الفقهاء السيد محمد مهدى الدرچئی الاصفهانی (اعلی الله مقامه) أنه قد يكون من دواعي الخير واسباب التوفيق من الله سبحانه ، ما بعثتنى الحماسة الدينية الى الدفاع عن ثغور الاسلام في معارفه و الحماية عن

ص: 4

النبي الاعظم الخاتم صلى الله عليه و آله فى عصمته و طهارته ، بعد ان رأيت تسرية دسايس المنافقين من عمّال الاموتين الشجرة الملعونة فى القرآن ، الى طائفة من المعاصرين من علماء الشيعة وكتابهم زلة او غفلة منهم أو جهلا من بعضهم بالنسبة الى مصبّ العتاب المشتمل على الذم الشديد فى مقام الخطاب في سورة (عبس) الى النبي الخاتم صلى الله عليه و آله (مع اجماع الشيعة الامامية على عصمته و عصمة جميع الانبياء و الائمة عليهم الصلوة و السلام) و قد كتب في ذلك بعضهم باسم التفسير اشياء كثيرة يوجب التلبيس مصرّاً على مدعاه المنحط بما ربما يصير آلة بيد ابليس و جنوده للتحامل على نبى الاسلام صلی الله علیه و آله و لست ادرى ما ذاكان له من الدواعي الى الجد والاجتهاد في الاستدلال بكثير من الاوهام على مقصوده المنحط و مدعاه.

الى ان زارني يوماً صديقنا السيد الجليل العالم المجاهد السيد مرتضى الدهكردي الشهير ب- (حاج آقا میرزا) رضوان الله عليه وسئل عن شأن النزول و عمن انزل فيه هذه السورة عتابا فقلت أنها في غير النبي صلى الله عليه و آله ، فقال كنت في مجلس فلان (احد الاعاظم من علماء اصفهان تغمده الله برحمته و غفرانه) و جرى ذكر هذه السورة فقال (ذلك العالم) الانصاف ان ظاهر اياتها تدل على أنها في شأن النبي صلى الله عليه و آله.

فتغيّر حالی و عزمت على التحقيق و التفسير لهذه السورة على قلة البضاعة وكثرة الهموم مستمداً من الله سبحانه الذي هو ملجأى في جميع الامور و مستشفعاً بالنبى الخاتم و آله الاطياب صلوات الله عليهم، فانه ما خاب من تمشک ، فانه ما خاب من تمسک بهم ، فحصل بعون الله تعالى من التأليف ما بين يديك ، وكتبته بالعربية دون الفارسية (على رغم ان اكثر اهل ایران لغتهم فارسيّة) لبعض الجهات الموجودة حين التأليف وان زالت ، و لكن الآن ارى ان الخير فيما وقع ، حيث يصلح الكتاب ليطلع عليه اخواننا العرب من المسلمين و غيرهم ممن يعرف اللغة العربية.

هذا و قد سمّيته ب- (العَسَس) على ضوءٍ مُقتَبَس ، في تفسير سورة العبس، نسئل الله التوفيق والتسديد و ان يجمع شملنا على الهدى والتقوى ، انه بعباده رؤف ودود كريم ، انه حميد مجيد.

ص: 5

تفسیر سورة عبس

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم

عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ (1) آن جائَهُ الأعمى (2) وَما يُدريكَ لَعَلَّهُ يَزَّكى (3) أو يَذَّكَرُ فَتَنفَعهُ الذكرى (2) أَمَّا مَن استَغنى (5) فَأَنتَ لَهُ تَصدى (ء) وَما عَلَيْكَ اَلا يَزِّكى (7) وَأَمَّا مَن جَائَكَ يسعى (8) وَهُوَ يَخشَىٰ (1) فَأَنتَ عَنهُ تَلَهَى (10) كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَة (11) فَمَن شَاءَ ذَكَرَه (12) في صُحُف مُكَرَّمَه (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَّة (14) بِأَيدي سَفَرَة (15) كِرامِ بَرَرَة (16) قُتِلَ الإِنسانُ ما أَكفَرَه (17) مِن أيْ شَيء خَلَقَه (18) مِن نُطْفَة خَلَقَهُ فَقَدَّرَه (11) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَه (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَه (21) ثُمَّ إِذا شَاءَ أَنشَرَه (22) كَلَّا لَمّا يَقضِ مَا أَمَرَه (13) فَليَنظُرِ الإِنسانُ إِلى طَعامِه (2) أَنَا صَبَنَا المَاءَ صَبّ (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (2) فَأَنبَتنا فيها حَبًا (37) وَ عِنَبَاً وَ قَضباً (28) و زيتوناً ونخلاً (21) وحدائق غلباً (30) وَفاكِهَةٍ وَأَبَّاً (31) مَتاعَاً لَكُم وَلِأَنعامِكُم (32) فَإِذا جائَت الصّاحَةُ (33) يَومَ يَفْرُ المَرْءُ مِن أخيه (32) وَأُمِّه وأبيه (35) وَصاحِبَتِهِ وَبَنيه (36) لِكُلِ امرىءٍ مِنهُم يَومَئِذٍ شَأنٌ يُغنيه (37) وُجوهٌ يَومَئِذٍ مُسْفِرَة (38) ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَة (31) وَ وُجوهٌ يَومَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ (20) تَرْهَقُها قَتَرَةٌ (41) اولئِكَ هُمُ الكَفَرَةُ الفَجَرَة (22).

ص: 6

في تفسير البرهان ونور الثقلين عن ثواب الاعمال للصدوق - قدس سره - باسناده عن معاوية بن وهب عن ابي عبدالله - عليه السلام - قال: من قرأ «عبس وتولى» و «اذا الشمس كورت» كان تحت جناح الله من الجنان وفي ظل الله وكرامته وفي جناته ولم يعظم ذلك على الله ان شاء الله.

اقول: لعل المراد من قرائتها التي توجب ذلك الاجر عند الله تعالى قرائتها بنحو يؤثر في نفسه وتعين له سبيله ومشيه كما هو ادب القرائه فيمشي في ظل تعاليم الله سبحانه باكرام الفقراء والضعفاء والعجزه و امثالهم كالاعمى المذكور في الاية ولاسيما اذا كان من دعاة الحق وحملة القرآن وفي سبيل الدعوة الى الحق والايمان والاسلام لا مجرد القرائه غافلا ساهيا او جاهلا بحقائقها.

ويؤيد ماذكرنا ماذكر في اكرام اخيه المؤمن المسلم وتفريج كربته في روايه الكافي بسنده عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال قال رسول (صلى الله عليه وآله وسلم)«من اكرم اخاه المسلم بكلمة يلطفه بها وفرّج عنه كربته لم يزل في ظل الله الممدود عليه الرحمة ما كان في ذلك».

وفي تفسير البرهان بعد الرواية الأولى قال وروى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال «من قرء هذه السورة خرج من قبره يوم القيامه ضاحكاً مستبشراً ومن كتبها في رق غزال وتعلقها لم يره الاخيراً اينما توجّه».

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «من اكثر قرائتها خرج يوم القيامه و وجهه ضاحك مستبشر ومن كتبها في رقّ غزال وعلقها عليه لم يلق الاخير اينما توجه».

وقال الصادق (عليه السلام) «اذا قرء المسافر في طريقه يكفى ما يليه في طريقه في ذلك السفر».

والظاهر ان هذه الروايات الثلاث في البرهان كلها عن الصدوق (قدس سره) وفي مجمع البيان ، ابي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال «من قرء سورة عبس جاء يوم القيامه و وجهه ضاحكة مستبشرة». ثم ذكر رواية معاويه بن وهب عن الصادق (عليه السلام) اقول هذا الذي ذكر في تلك الروايات ايضا يمكن حمله

ص: 7

على ما ذكرناه في الروايه الاولى ، وهذا هو المناسب لما في ذيل هذه السورة من قوله تعالى ﴿وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة﴿، فان هذه الوجوه هي التي لم يعبس على الفقراء والعميان بل تبسم وضحك في وجهه وسيأتي ان شاء الله تعالى عند الكلام في تفسيرها.

وهي من السور المكية ولم نر في ذلك خلافا ، ويدل عليه ماروى في سبب نزولها على ماسيأتي انشأ الله قال في تفسير البرهان انها نزلت بعد النجم وهي اثنان واربعون آيه. قال في مجمع البيان سورة عبس ، و تسمّى سورة السفرة ، مكية ، عدد آياتها اثنان و اربعون آية.

اقول: اما تسميتها بعبس ، فملاحظه ابتدائها بهذه الكلمة ، واما باسم السفرة ، فلعل ذلك من جهة قوله تعالى بايدي سفرة كرام بررة، فالسورة سميت باسم الشخصيتين اللتين هما محور الكلام فيها ، احدهما العابس ، وثانيهما السفرة الكرام البررة ، و هما متقابلان في سبيل الدعوة الى الاسلام ، وسياتي شرحه انشاء الله .

﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أن جائَهُ الأعمى (2) وَما يُدريكَ لَعَلَّهُ يَزَّكي (3) أَو يَذَّكَرُ فَتَنفَعهُ الذكرى (4) أما من استغنى (5) فَأَنتَ لَهُ تَصدى (6) وَما عَلَيْكَ أَلا يَزَّكى (7) وَأَمَّا مَن جَائَكَ يسعى (8) وَهُوَ يَحْشی (9) فانت عنه تَلَهی (10)﴾

قوله تعالى عبس، أي قبض وجهه وتولى ، اي اعرض بوجهه ، ان جائه الاعمى ، اي فعل هكذا ، لأنه جائه الاعمى المعهود وهو ابن ام مکتوم ، على ماذكره المفسرون جميعاً بان المراد بالاعمى هو ، ومايدريك لعلّه يزكّى اي لعلّ هذا الاعمى يزكى ويتطهر ، او يذكر اي يتذكر ، فيتعظ من مواعظ القرآن او من مواعظ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم امّا من استغنى ، فالظاهر ان المراد منه الذي يرى نفسه غنّياً عن مواعظ الله عنادا وتكبّراً ، وقيل معناه من كان عظيماً في قومه واستغنى بالمال ، فانت له تصدّى ، اي تتعرض له وتقبل عليه بوجهك ، وماعليك ان لايزكى ، أي ماذا يلزمك اذا لم يتطهر عما هو فيه بعد عناده وتكبّره عن الحق ، واما من جائك يسعى ، فالظاهر ان المراد انه يجيئك ساعيا الى الحق والى الاسلام وقيل اي يعمل الخير ، فانت عنه تلهى ، اي تتغافل وتشتغل عنه بغيره.

ص: 8

اقوال علماء الامامية في سبب النزول:

اشارة

هذا بيان اجمالي لبعض مافي تلك الايات وتفصيلها يحتاج الى بيان سبب النزول وقد اختلف الكلام بين المفسّرين من الخاصه والعامه في مرجع الضمير من تلك الجملات حسب ما يراه الخاصه اعني الشيعة الامامية الاثني عشريه من تنزيه الانيباء سيما نبينا (صلى الله عليه وعليهم وآله اجمعين) وما ثبت من سيرته بالقرآن والاثارالصحيحة وماظهر بالادلة العقلية والنقلية من عصمته وعصمتهم (صلوات الله عليهم) واما العامة فهم فسحة حسب ما اعتقدوه في اصولهم من عدم لزوم عصمة الانبياء ومن يرى لزومها منهم فليس عنده في جميع ما يراه الشيعه.

قال العلامة اختلف الناس ههنا فجماعة المعتزلة جوزوا الصغائر على الانبياء اما على سبيل السهو كما ذهب اليه بعضهم او على سبيل التأويل كما ذهب اليه قوم منهم اولانها تقع محبطة تكثره ثوابهم وذهب الاشاعره والحشويه الى انه يجوز عليهم الصغائر والكبائر الا الكفر والكذب وقالت الامامية انه يجب عصمتهم عن الذنوب كلّها صغيرة كانت او كبيرة(1).

والظاهر من العامة واهل التسنن عموما ان المراد بالعابس في الايات هو النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وادعى الفخر الرازي في تفسيره اجماعهم على ذلك.

كما ان الظاهر من الشيعة الامامية على ماظهر لنا من كلماتهم اتفاقهم على ان المعنى بتلك الايات غيره (صلى الله عليه وآله وسلم الا ان جمله من كتاب عصرنا

ص: 9


1- شرح التجريد ص 217.

رجحوا رجوع الضمائر اليه (صلى الله عليه وآله وسلم) وانعزال البحث في تلك السورة عن البحث في عصمته صلوات الله عليه بان يوجّه معنى الآيات بنحو غير ضائر بالعصمة فهم مع كونهم من الامامية وقولهم بعصمته ذهبوا الى ذلك وصاروا يوجهون رجوع الضمائر اليه(صلی الله علیه و آله و سلم)من ناحية التفسير واثبات عصمته في ظل تلك الايات وعدم خرقها بمافي تلك الايات في هذه السورة هذا ولكن ليس ذلك مما يرتضيه الطبع السليم لا ما ذكروه في مقام التفسير ولا ماذكروه في الذيّ عن الاشكال بعد ذلك. وحيث راينا انّ هذا الرأي مضافا الى فساده في نفسه، ومخالفته لايات هذه السورة وسائر الايات في شأن شخصيته الكريمه ، والاثار الصحيحه والادلة العقليه ، يوجب الهتك لمقامه الشريف وعصمته ، ولو لم يلتفت اليه القائل به وقد كُتب ذلك وانتشرت طباعته بين المسلمين وكان حقا علينا الدفاع عن حرمة الحق والاسلام والنبي الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) مع قلة البضاعة وكثرة الهموم والموانع فشرعنا في ذلك مستعينا بالله سبحانه ومستشفعاً بعناية النبي الكريم صلوات الله عليه وآله.

قول الشيخ الجليل المحدث علي بن ابراهيم القمي (قدس سره)

*قول الشيخ الجليل المحدث علي بن ابراهيم القمي (قدس سره)(1)

ففي تفسير الشيخ الجليل المحدث علي بن ابراهيم القمي (رضى الله عنه قال: نزلت في عثمان وابن ام مكتوم، وكان ابن أم مكتوم مؤذناً لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان اعمى ، وجاء الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعنده اصحابه ، وعثمان ، فقدمه رسول الله (صلى الله عليه وآله على عثمان ، فعبس عثمان وجهه وتولّى عنه ، فانزل الله عبس وتولى ، يعني ، يعني عثمان ان جائه الاعمى ، وما يدريك لعله يزكي ، اي يكون طاهراً ازكى او يذكر قال يذكره رسول الله (صلى الله عليه وآله) فتنفعه الذكرى ثم خاطب عثمان فقال اما من استغنى فانت له تصدّى قال انت اذا جائك غنّي تتصدى له وترفعه وما عليك الا يزكي اي لاتبالي زكيّاً كان او غير زكي اذا كان غنياً ، واما من جائك

ص: 10


1- المتوفّى بعد سنة 307)

يسعى ، يعني ابن ام مكتوم، وهو يخشى فانت عنه تلهى ، اي تلهو ولا تلتفت اليه.

كلام سيدنا المرتضى علم الهدى (قدس سره) في تنزيه الانبياء

*كلام سيدنا المرتضى علم الهدى (قدس سره)(1)في تنزيه الانبياء

وقال سيدنا المرتضى علم الهدى (قدس روحه الطاهرة) في كتابه تنزيه الانبياء: فان قيل اليس الله قد عاتب تعالى نبيه(صلی الله علیه و آله و سلم)في اعراضه عن ابن أم مكتوم لمّا جائه ، واقبل على غيره ، بقوله عبس وتولّى ان جائه الاعمى وما يدريك لعله يزكى او يذكر فتنفعه الذكرى ، وهذا ايسر ما يكون فيه ان يكون صغيراً.

الجواب قلنا اما ظاهر الايه فغير دال على توجّهها الى النبي (صلى الله عليه وآله) ولا فيها مايدل على انه خطاب له بل هي خبر محض لم يصرح بالمخبر عنه وفيها مايدل عند التأمل على ان المعني بها غير النبي (صلى الله عليه وآله) لأنه وصفه بالعبوس وليس هذا من صفات النبي في قرآن ولاخبر مع الاعداء والمنابذين، فضلاً عن المؤمنين المسترشدين ، ثم وصفه بانه يتصدى للاغنياء ويتلهى عن الفقراء ، وهذا مما لا يوصف به نبينا صلى الله عليه وآله) من يعرفه ، فليس مشبها مع اخلاقه الواسعة وتحننه على قومه وتعطفه ، وكيف يقول له ﴿وما عليك الا تزكى﴾وهو(صلی الله علیه و آله و سلم)مبعوث للدعاء والتنبيه وكيف لا يكون ذلك عليه وكان هذا القول اغراءً بترك الحرص على ایمان قومه.

وقد قيل ان هذه السورة نزلت في رجل من اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان منه هذا الفعل المنعوت فيها.

ونحن وان شككنا في عين من نزلت فيه فلا ينبغي ان نشك الى انها لم يعن بها النبي (صلى الله عليه وآله) واي تنفير ابلغ من العبوس في وجوه المؤمنين والتلقي عنهم ، والاقبال على الاغنياء الكافرين ، والتصدي لهم ، وقد نزّه الله تعالى النبي (صلى الله عليه وآله) عما هو دون هذا التنفير بكثير انتهى كلامه رحمه الله.

ص: 11


1- المتوفّى لخمس بقين من شهر ربيع الاول سنة 436

كلام الشيخ الاجل شيخ الطائفه قده في التبيان

*كلام الشيخ الاجل شيخ الطائفه قده في التبيان(1)

قال شيخ الطائفه الطوسي (قدس الله نفسه الزكيه) في التبيان:

واختلفوا فيمن وصفه الله تعالى بذلك ، فقال كثير من المفسرين واهل الحشو: انّ المراد به النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)كان معه جماعة من اشراف قومه ورؤسائهم قد خلا بهم فاقبل ابن امّ مكتوم ليسلم فاعرض النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)عنه كراهية ان تكره القوم اقباله عليه ، فعاتبه الله على ذلك ،

وقيل ان ابن أم مكتوم كان مسلماً وانما كان يخاطب النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) وهو لا يعلم انّ رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)مشغول بكلام قوم فيقول يارسول الله.

وهذا فاسد ، لان النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) قد اجل الله قدره من هذه الصفات ، وكيف يصفه بالعبوس والتقطيب ، وقد وصفه بأنه على خلق عظيم وانه لو كان فظا غليظ القلب لا نفضوا من حوله وكيف يعرض عمن تقدم وصفه مع قوله تعالى ﴿ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه﴾.

ومن عرف النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)وحسن اخلاقه وماخصه الله تعالى به من مكارم الاخلاق وحسن الصحبه حتى قيل انه لم يصح يصافح احداً قط فنزع يده من يده حتى يكون ذلك الذي ينزع يده من يده ، ومن هذه صفته كيف؟ يقطب في وجه اعمى جاء يطلب الاسلام،

على ان الانبياء منزّهون عن مثل هذه الاخلاق ، وعما هو دونها ، لما في ذلك من التنفير عن قبول قولهم ، والاصغاء الى دعائهم ، ولا يجوز مثل هذا على الانبياء من عرف مقدارهم وتبين نعتهم.

وقال قوم: انّ هذه الايات نزلت في رجل من بني اميه كان واقفاً مع النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)فلما اقبل ابن ام مکتوم تقدر منه وجمع نفسه وعبس في وجهه واعرض بوجهه عنه فحكى

ص: 12


1- المتوفى ليلة الاثنين محرم الحرام سنة 460

الله تعلى ذلك وانكره معاتبة على ذلك. انتهى كلامه رضى الله عنه.

کلام العلّامة الحفظ المفسر ابن شهر آشوب السّروي كان في متشابهات القرآن

*کلام العلّامة الحفظ المفسر ابن شهر آشوب(1)السّروي كان في متشابهات القرآن

وقال العلامة الحافظ المفسّر محمد بن علي بن شهرآشوب السروى (قدس سره) كتابه في تفسير متشابهات القرآن،:

الايات ، ظاهرها لايدلّ على انها خطاب له(صلی الله علیه و آله و سلم)بل هو خبر محض ، لم يصرح بالمخبر عنه ، يدل عليه انه وصفه بالعبوس ، وليس هذا من صفات النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)في قرآن ولاخبر مع الاعداء المباينين ، فضلاً عن المؤمنين المسترشدين ، بل في القرآن انك لعلى خلق عظيم ، ثم انه نفى عنه العبوس ونحوه بقوله ﴿ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك﴾، ثم وصفه بانه يتصدى للاغنياء ويتلهى بالفقراء ، وهذا مما لا يوصف به النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)لانه كان متعطفاً متحنناً، وقد امره الله تعالى بقوله ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه ، وكيف يقول ﴿وماعليك الا يزكي﴾ وهو مبعوث للدعاء والتنبيه ، وكيف يجوز ذلك عليه وكان هذا القول اغراء بترك حرصه على ايمان قومه ، وانما عبس صحابي ذكرنا شرحه في المثالب . انتهى(2).

وفي كتاب مؤتمر بغداد ، الحاكى للحوار الواقع بين الحسين بن علي العلوي احد كبار علماء الشيعه وبين احد علماء أهل السنّة الملقب بالشيخ العباسي بمحضر ملك شاه السلجوقي ووزيره خواجه نظام الملك المتوفّى سنة 485 ، تأليف ختنه اعني الخواجه ابي الهيجاء شبل الدولة مقاتل بن عطية بن مقاتل البكري نسباً والحنفي مذهباً من علماء المأة الخامسة ، نقلنا ذلك عن نسخته من الطبعة الرابعة تكون مع مقدمة مقدمة من الفقيه العلامة آية

الله المرعشي التبريزي نزيل قم (دام ظله).

ص: 13


1- عاش(رحمه الله علیه)مأة سنة الا عشرة اشهر وتوفى في شعبان سنة 588 وقبره خارج حلب على جبل جوشن عند مشهد السقط.
2- متشابهات القرآن ج 2 ص 12.

كلام الحسين بن علي العلوي من علماء القرن الخامس

قال العلوي ، ثم ان السنّه ينسبون الى رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)مالا يجوز حتى على الانسان العادي ، قال العباسي مثل ماذا ، قال العلوي مثل انهم يقولون ان سورة عبس وتولّى نزلت في شأن الرسول ، قال العباسي وما المانع من ذلك ، قال العلوي المانع قول الله تعالى ﴿وانك لعلى خُلُقٍ عظيم﴾ وقوله ﴿وما ارسلناك الا رحمة للعالمين﴾ فهل يعقل ان الرسول الذي يصفه الله تعالى بالخلق العظيم ورحمةً للعالمين ان يفعل بذلك الاعمى المؤمن هذا العمل اللاانساني قال الملك غير معقول ان يصدر هذا العمل من رسول الانسانيه ونبي الرحمة ، فاذن ايها العلوي فيمن نزلت هذه السورة ، قال العلوي الاحاديث الصحيحة الواردة عن اهل بيت النبي الذين نزل القرآن في بيوتهم ، تقول أنها نزلت في عثمان بن عقان ، وذلك لما دخل عليه ابن ام مكتوم فاعرض عنه عثمان وادار ظهره اليه.

وهنا انبرى السيد جمال الدين وهو من علماء الشيعه ، وكان حاضراً في المجلس ، وقال قد وقعت لي قصة مع هذه السورة ، وذلك ان احد علماء النصارى قال ان نبينا عيسى افضل من نبيكم محمد(صلی الله علیه و آله و سلم) ، قلت لماذا قال لأنّ نبيكم كان سيىء الاخلاق يعبس للعميان ويدير اليهم ظهره بينما عيسى(علیه السّلام)كان حسن الاخلاق يبرء الاكمه والابرص ، قلت ايها المسيحي ، اعلم أننا نحن الشيعة نقول ان السورة نزلت في عثمان بن عفان لافي رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)وان نبينا(صلی الله علیه و آله و سلم)كان حسن الاخلاق جميل الصفات حميد الخصال وقد قال تعالى فيه وانك لعلى خلق عظيم وقال وما ارسلناك الا رحمة للعالمين قال المسيحي لقد سمعت هذا الكلام الذي قلته من احد خطباء المسجد في بغداد قال العلوي:

المشهور عندنا ان بعض رواة السوء وبايعي الضمائر نسبوا هذه القصه الى رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)ليبرؤا ساحة عثمان بن عفان فانّهم نسبوا الكذب الى الله والرسول حتى ينزهوا خلفائهم وحكامهم.(1)

ص: 14


1- مؤتمر بغداد ص 30 الی ص 32

کلام شيخنا الطبرسي (قدس) في مجمع البيانية و المال

*کلام شيخنا الطبرسي (قدس)(1)في مجمع البيانية و المال

وقال شيخنا الطبرسي (قدس الله روحه) في مجمع البيان: علم قيل نزلت الايات في عبد الله بن ام مكتوم ، وهو عبد بن ام مكتوم ، وهو عبد الله بن شريح بن مالك بن ربيعة الفهري من بني عامر بن لؤي ، وذلك انه اتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يناجي عتبة بن ربيعه وابا جهل بن هشام والعباس بن عبد المطلب وابيا وامية ابنى خلف ، يدعوهم الى الله ويرجوا اسلامهم، فقال يا رسول الله اقرئنی وعلمني مما علمك الله ، فجعل يناديه ويكرر النداء ولا يدري انه مشتغل مقبل على غيره ، حتى ظهرت الكراهه في وجه رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)، لقطعه كلامه ، وقال في نفسه يقول هؤلاء الصناديد انما اتباعه العميان والعبيد ، فاعرض عنه ، واقبل على القوم الذين يكلّمهم ، فنزلت الايات ، وكان رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)بعد ذلك يكرمه ، واذا رآه قال مرحبا بمن عاتبني فيه ربّي ، ويقول هل لك من حاجة، واستخلفه على المدينه مرتين في غزوتين ، وقال انس بن مالك فرايته يوم القادسية وعليه درع ومعه راية سوداء

قال المرتضى علم الهدى (قدس الله روحه) ليس في ظاهر الاية دلالة على توجهها الى النبي (صلى الله عليه وآله) بل هو خبر محض لم يصرح بالمخبر عنه ، وفيها ما يدل على ان المعنى بها غيره ، لان العبوس ليس من صفات النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)مع الاعداء المباينين ، فضلاً عن المؤمنين المسترشدين ، ثم الوصف بأنه يتصدى للاغنياء ويتلهى عن الفقراء لا يشبه اخلاقه الكريمه(2)

ويؤيد هذا القول، قوله سبحانه في وصفه ﴿وانك لعلى خلق عظيم﴾ وقوله

ص: 15


1- المتوفى سنة 548
2- الى هنا ينتهي مانقله عن السيد ، ثم يأخذ في تأييده وتشييده ، وانه هو الحق ، كما يصرح بذلك بقوله: فالظاهر ان قوله ﴿عبس وتولى﴾ المراد به غيره ، فراجع، عبارة السيد لثلايشتبه عليك كما اشتبه على جملة من المعاصرين.

﴿ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك﴾ ، فالظاهر ان قوله عبس وتولّى المراد به غيره .

وقد روى عن الصادق (عليه السلام) أنها نزلت في رجل من بني امية ، كان عند النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)فجاء ابن ام مكتوم فلما رءاه تقذر منه وجمع نفسه واعرض بوجهه عنه ، فحكى الله سبحانه ذلك وانكره عليه.

فان قيل: فلو صح الخبر الاول هل يكون العبوس ذنباً ام لا(1).

فالجواب ان العبوس والانبساط مع الاعمى سواء ، اذ لا يشق عليه ذلك فلا يكون ذنباً ، فيجوز ان يكون عاتب الله سبحانه بذلك نبيه ، ليأخذه باوفر محاسن الاخلاق وينبهه بذلك على عظم حال المؤمن المسترشد ، ويعرفه ان تأليف المؤمن ليقيم على ايمانه ، اولى من تأليف المشرك طمعا في ايمانه.

وقال الجبائي: في هذا دلالة على ان الفعل يكون معصيته فيما بعد لمكان النهى ، فاما نا في الماضي ، فلا يدل على انه كان معصية قبل ان ينهي عنه ، والله سبحانه لم ينهه الاّ في هذا الوقت.

وقيل انّ ما فعله الاعمى كان نوعا من سوء الادب ، فحسن تأديبه بالاعراض عنه ، الا انه كان يجوز ان يتوهم ، انه انما اعرض عنه لفقره ، واقبل عليهم لرياستهم تعظيما لهم ، فعاتبه الله على ذلك.

وروى عن الامام الصادق (عليه السلام) انه قال : كان رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)اذا راى عبد الله بن ام مکتوم قال مرحباً مرحباً لا والله لا يعاتبني الله فيك ابداً و كان يصنع به من اللطف حتّى كان يكفّ عن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)ممّا يفعل به. انتهى كلام الطبرسي (قدس).

ص: 16


1- من هنا يأخذ في الدفع عن حريم عصمة النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، حتى على القول الاول وانه ليس لأحد التمسك بالخبر الاول في نفي العصمة التي يقول بها الامامية اعلى الله كلمتهم ، وقد اشتبه كثير مما ذكرنا على بعض كتاب العصر كما سيأتي بعضه فانتبه.

كلام العلّامة الفقيه السيد بن طاووس في كتابه سعد السعود

*كلام العلّامة الفقيه السيد بن طاووس(1)في كتابه سعد السعود

وقال السيد العلّامه الفقيه العابد الزاهد، رضى الدين علي بن موسى بن جعفر بن طاووس في كتابه ، سعد السعود:

فصل فيما نذكره من كتاب تعليق معاني القرآن لابي جعفر احمد بن محمد بن اسماعيل النجاشي، ووجدته بصيرا في كثير مما ذكر فمما ذكره من الوجهة الثانية من القائمة الرابعة من الكراس التى قبل اخر كراس من الكتاب بلفظه :

﴿بسم الله الرحمن الرحيم عبس وتولّى ان جائه الاعمى﴾ نزلت في ابن ام مكتوم الى النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)فقال اسيد ، وعند النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)رجل من عظماء الكفار فجعل النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)يعرض عنه ويقبل على المشرك ، فيقول يافلان هل ترى لما اقول بأساً ، فيقول لا فانزلت عبس

يقول علي بن موسى بن طاووس هذا قول كثير من المفسرين ، ولعل المراد معاتبة من كان على الصفة التي تضمنتها السورة ، على معنى اياك اعني واسمعي ياجارة وعلى معنى قوله تعالى في آيات كثيره يخاطب به النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)والمراد بها امته دون ان تكون هذه المعاتبه النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)لأنّ النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)انما كان يدعوا المشرك بامر الله الى طاعة الله ، وانما كان يعبس لاجل ما يمنعه من طاعة الله ، واين تقع المعاتبه على من هذه صفته والا فاين وصف النبي الكامل من قول الله جل جلاله ﴿اما من استغنى فانت له تصدّى ، وما عليك الا يزكى ، واما من جائك يسعى ، وهو يخشى ، فانت عنه تلهى﴾ فهل هذا اقيم عنه تعالى ﴿وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى﴾ وهل كان النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)ابداً يتصدّى للاغنياء ويتلهى عن اهل الخشيه من الفقراء والله تعالى يقول عنه بالمومنين رؤف رحیم»(2).

ص: 17


1- المتوفى يوم الاثنين خامس ذي الملقعده سنة 664
2- (كتاب سعد السعود ص 248)

كلام الشيخ الكبير الاجل المفسر ابى الفتوح الرازي من علماء القرن السادس

وقال شيخنا جمال الدين ابو الفتوح الحسين بن علي بن محمد بن احمد الخزاعي (قدس سره) ، وكان من اكابر المفسّرين والفقهاء في المأة السادسه ومن مشايخ ابن شهر آشوب(1)في تفسيره الكبير المسمّى بروح الجنان او روض الجنان على اختلاف في التسمية، ما ترجمته بالعربيه عن الفارسيه قال:

ان المفسّرين قالوا في سبب نزول الايات ان عبد الله بن ام مكتوم ، وكان رجلاً مكفوفاً ، وهو عبد الله بن شريح بن مالك بن ربيعة الفهري من بني عامر بن لؤي ، جاء الى النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)وهو يتكلم مع عتبة بن ربيعه وابي جهل بن هشام وعباس بن عبد المطلب وابنا امية بنالخلف ، ويدعوهم الى الاسلام، حرصا على ايمانهم، وهذا الرجل كان اعمى ولا يبصر انّ النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)يشتغل بهم فقال يارسول الله اقرئني وعلمني مما علمك الله ، قاله مرة ومرتين و رسول الله يتولى عنه ويكره ان يقطع كلامه ، ولم يحب ان يقول الكفار ان يتبعه العميان والسفلة فلذا ظهر فى وجهه الكراهه فانزل الله تعالى ﴿عبس وتولى ان جائه الاعمى﴾.

وهذا قول عبد الله بن عباس وقتاده والمجاهد والضحاك.(2)

ص: 18


1- المتوفى سنة 588
2- تفسير الشيخ ابي الفتوح الرازي ج 11 ص 394. اما خلاف میان مفسران در آن افتاد که مراد بوصف عبوس و این صفات کیست جماعتی گفتند مراد رسول است. و محققان گفتند مراد رسول نیست برای انکه این صفاتی است مذمومه واگر در حق بعض فقهاء وعلماء گفتند متنفّر باشد فکیف در حق رسول الله (صلى الله عليه وآله) که خدای تعالی او را از این صفات مذمومه تنزیه کرد بقوله - ﴿ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك﴾ واو را بحسن خلق وكرم طبع وصف كرد بقوله - ﴿وانك لعلى خلق عظيم﴾ واخبار متواتر است بر آنکه عادت رسول الله (صلى الله عليه وآله با دشمنان و کافران بر خلاف این بود، فكيف بادوستان ومؤمنان ومحقان ، ودر اخبار آمده است که رسول (صلی الله علیه و آله) دست در دست غلام سیاهی نهادی كريه الخلق و الرائحه ، روا نداشتی که دست از دست او ببرد تا هم او آغاز کردی و دست از دست رسول صلى الله عليه وآله ببردی ، از فرط حیا وکرم خلق دیگر انکه این بلاشک منفّر باشد و رسول (صلى الله علیه و آله) از منفّرات اخلاق منزه است و روایت کردند که این عبوس و اعراض از مردی بود اموی که نزدیک رسول علیه وآله افضل الصلوات حاضر بودی ، چون این مرد نابینا آنجا آمد او خویشتن فراهم گرفت بتعزز وترفع ، روی ترش کرد، وروی بگرانید ، خدای تعالی در حق او این آیه فرستاد، و این قول بصواب نزدیکتر است از قول اوّل ، لدلالة القرآن وتواتر الاخبار على خلافه... تفسير الشيخ ابي الفتوح الرازي ج 11 ص 394.

لكن وقع الخلاف بين المفسرين في المراد بالعبوس وان هذه المذكورات صفات لمن فجماعة قالوا ان المعنى بها هو الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم).

لكن المحققين قالوا: لم يرد بها الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)، فان هذه صفات مذمومة ، ولو نسب الى بعض العلماء والفقهاء لتنفر عنها ، فكيف في حق النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)الذي نزهه الله تعالى عن هذه الصفات المذمومه بقوله تعالى ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك وقد وصفه بحسن الخلق وكرامة الطبع بقوله انك لعلى خلق عظيم وفي الاخبار المتواترة ان سيرته مع اعدائه والكفار كان على خلاف ذلك فكيف مع احبائه و المؤمنين به.

وقد جاء في الروايات أنه صافح عبداً اسود كريه الخلق والرائحه ولم يسوغ ان ينزع يده من يده ، حتى ابتده هو بنزع يده عن يد النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، من فرط حيائه وكرامة خلقه على ان ذلك من المنفّرات بلا شبهة ، والرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)منزّه عن المنفّرات الاخلاقيه.

وقد رووا ان العبوس كان رجلاً من بني امية كان حاضرا لدى النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)فلمّا نفسه تعزّزاً وترفعاً واعرض عنه بوجهه فانزل تلك الآيات.

جائه الاعمى جمع وهذا القول اقرب الى الصواب من القول الاول لدلالة القرآن وتواتر الاخبار على خلافه. انتهى كلامه زيد في علو مقامه .

ص: 19

كلام صاحب منهج الصادقين

واما الشيخ الجليل المفسّر المولى فتح الله الكاشاني صاحب منهج الصادقين بالفارسيه من علماء القرن العاشر (قدس الله روحه)(1)

ص: 20


1- (پس از انکه نظریات مفسّران عامه و روایات آنها را با اصلاحاتی که حمایت از عصمت انحصرت بگردد ذکر میکند سخن را چنین ادامه میدهد): علم الهدی در تنزیه الانبیاء آورده که آیه دلالت ندارد بر عتاب رب الارباب بآن قدوه احباب زیرا که بحسب ظاهر دلالت نمیکند که مراد آن حضرت (صلی الله علیه وآله) باشد ، نه مطابقت ضمنی نه بدلالت مطابقى ونه دلالت التزامى ونه التزاماً ، بلكه ان خبر محض است ، ومخبر عنه مصرح نیست و نزد متامل صادق واضح میشود که ایه دال است بر آن که مراد غیر پیغمبر است زیرا که خلق عظیم او ارفع از این بود که با دشمنان به سوء خلق سلوک نماید وروی خود را برایشان ترش سازد چه جای آن که ابن شیمه با مؤمنان مرعی دارد و هیچ پیغمبری نبود که متصف باشد بتصدی برای اغنیاء و تلقی از فقراء ، پس چگونه او را نسبت توان داد بکسیکه متخلق بجميع اخلاق حسنه باشد و متحسن بر اهل ایمان و متعطّف برایشان. و حضرت عزّت جل ذکره در حق او فرموده باشد که ﴿انك لعلى خلق عظيم - ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك﴾ و در خبر صحیح نیز آمده که آن حضرت فرمود که بعثت لاتمم مکارم الاخلاق و در آثار وارد شده که حسن خلق او بمرتبه ای بود که دست از دست غلامي كريه المنظر وكريه الرائحه نكشیدی تا آنکه غلام بارادهٔ خود دست از دست اوکشیدی وشته ای از اخلاق عظیمه و خصال حميدة نبوى (صلى الله عليه وآله) در كريمة ﴿انك لعلى خلق عظیم﴾ سمت تحریر یافت وکسیکه حسن خلق او باین مرتبه باشد چگونه عقل تجویز این کند که مخبر عنه در این آیه آن حضرت بوده باشد. پس ظاهر آنست که مراد غیر ان حضرت است چنانکه مروی است از صادق (علیه السلام) که آیه در مردی از بني آميه نازل شده که نزد حضرت رسالت نشسته بود و ابن ام مکتوم از در درآمد و چون او را بدید از او تنفّر نموده دامن خود را از او دور کرد تا جامه او با و نرسد وروی ترش کرد واز او اعراض نمود، حق سبحانه این آیه فرستاد و اخبار نمود از کراهت و اعراض او از ابن ام مكتوم. تفسير منهج الصادقین ج 10 ص 151 - 152

فهو (قدس سره) اوّلاً يذكر في سبب النزول ما ذكره العامه بقوله (ذكروا) ثم يدافع عن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)على هذا التقدير بان الخطاء كان من ابن أم مكتوم حيث اعترض وقطع كلامه(صلی الله علیه و آله و سلم)ولم يلتفت الى انه مشتغل بالمكالمه ولا يناسب التكلم معه لكن حيث انه يوهم ان الاعراض عنه لعله لفقره وتوجهه الى صناديد قريش لغناهم فلذا عوتب عليه على ان العبوس والانبساط لمن هو اعمى على السواء فلا يستلزم الذنب فنزول الايات عليه ليتخلّق باوفر المحاسن الاخلاقيه ويتنبه على عظم حال المؤمن المسترشد وليعلم انّ تأليف قلبه ليستقيم على ايمانه اولى من تأليف مشرك طمعا في ايمانه.

وعن الجبائي (ويذكر عنه ماذكره عنه الطبرسي قدس سره).

ثم يذكر كلام السيد المرتضى(قدس سره)في تنزيه الانبياء الى قوله لانة وصفه بالعبوس وليس هذا من صفات النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)في قرآن ولاخبر مع الاعداء المنابذي-ن فضلاً عن المؤمنين المسترشدين).

ثم يأخذ في تأييد هذا القول من غير فصل ومميّز (يحيث لا يعرف انه منه او من السيد الا من قابله مع كلام السيد وقد مضى كلام السيد فقابلها) فيقول ما ترجمته بالعربية: ولم يكن احد من الانبياء من يتصف بالتصدي للاغنياء ، والتلهي عن الفقراء ، فكيف يمكن نسبته الى من كان متخلّقاً بجميع الاخلاق الحسنّه ، وكان محسنا باهل الايمان ومتعطفاً عليهم ، والله جل ذكره يقول في حقه ﴿انك لعلى خلق عظيم﴾ و ﴿ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك﴾ وفي الخبر الصحيح انه قال بعثت لاتمم مكارم الاخلاق ، وروى في الاثار ان حسن خلقه كان بمرتبة ، اذا صافح لم يكن ينزع يده من يد عبد كريه المنظر والرائحه حتى كان هو ينزع يده من يده(صلی الله علیه و آله و سلم)، وقد مضت شمّة من خلاقه العظيمه وخصاله الحميدة في ذيل تفسير قوله ﴿انك لعلى خلق عظيم﴾ ومن كان حسن خلقه بهذه المرتبة كيف يجوز العقل ان يكون مصداقاً لتلك الايات ومخبرا عنه بها.

ص: 21

فالظاهر ان المراد بها غيره(صلی الله علیه و آله و سلم)، كما روى عن الصادق (عليه السلام) أنها نزلت في رجل من بني اميه ، كان جالساً عند النبي (صلی الله علیه و آله و سلم)فدخل ابن ام مکتوم فلما راه تنفّر عنه وجمع ذيله ذيله عنه لئلا يمسه ، وعبس واعرض عنه ، فانزل الله تعالى تلك الايات ، واخبر عن کراهته واعراضه عن ابن أم مكتوم. انتهى كلامه رحمه الله تعالى.

وفي تفسير العلامة السيد عبد الله شبر(1)من تلامذة والده العلامة السيد محمد رضا والعلامة السيد محسن الاعرجي والفقيه الكبير الشيخ جعفر كاشف الغطاء والعلامه السيد علي الطباطبائي صاحب الرياض.

قال رحمه الله ﴿بسم الله الرحمن الرحيم عبس - قطب وجهه وتولّى - اعرض- ان - لأن - جائه الاعمى - عنهم (عليه وعليهم السلام) نزلت في رجل من بني امية كان عند النبي فجائه ابن ام مكتوم فلما رآه تقدّر منه وجمع نفسه وعبس واعرض بوجهه عنه فنزلت وما يدريك - ايها العابس - لعلّه يزكى - يكون طاهر الزكى - او يذكر - يتعظ﴾(2).

كلام المحدث الكاشاني (قدس سره) في تفسير الصافي

*كلام المحدث الكاشاني (قدس سره) في تفسير الصافي(3)

وفي تفسير الصافي للمحدث الحكيم الفقيه الفيض الكاشاني (قدس سره): ﴿عبس وتولّى ، ان جائه الاعمى﴾ القمى قال نزلت في عثمان وابن ام مكتوم وكان ابن ام مكتوم مؤذنا لرسول الله وكان اعمى وجاء الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعند اصحابه وعثمان عنده فقدّمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) على عثمان فعبس عثمان وجهه وتولّى عنه فانزل الله عبس وتولّى يعني عثمان ان جائه الاعمى وفي المجمع عن الصادق (عليه السلام) نزلت في رجل من بني امية كان عند النبي (صلى الله عليه وآله) فجاء ابن ام مکتوم فلما راه تقذر منه وجمع نفسه وعبس واعرض بوجهه عنه فحكى

ص: 22


1- المتولد سنة 1188 المتوفى سنة 1242
2- تفسير السيد الشبر ص 548
3- المتوفى سنة 1091

الله سبحانه ذلك وانكره عليه.

﴿وما يدريك لعله يزكى﴾ القمّي قال اي يكون طاهراًزكياً - ﴿او يذكر﴾ قال يذكره رسول الله (صلى الله عليه وآله) ﴿فتنفعه الذكرى﴾ وقرء بالنصب - ﴿اما من استغنى فانت له تصدّى﴾ تتعرض بالاقبال عليه - القمّي ثم خاطب عثمان فقال ﴿اما من استغنى﴾ آلايه قال انت اذا جائك غنّي تتصدى وترفعه ﴿وما عليك الا تزكى﴾ قال اي لاتبالی ازكياً كان او غير زكى اذا كان غنيا ﴿واما من جائك يسعى﴾ قال يعني ابن ام مكتوم - ﴿وهو يخشى فانت عنه تلهى﴾ اي تلهو ولاتلتفت اليه وقرء تصدّى بتشديد الصاء وفي المجمع و قرائة الباقر (عليه السلام) تُصدّى بضم التاء وفتح الصاد وتُلهى بضم التاء ايضاً.

اقول: واما ما اشتهر من تنزيل هذه الايات في النبي (صلى الله عليه وآله) دون عثمان فبأباه سياق مثل هذه المعاتبات الغير اللائقه بمنصبه وكذا ماذكر بعدها الى اخر السورة كما لا يخفى على العارف باساليب الكلام ويشبه ان يكون من مختلقات اهل النفاق خذلهم الله. انتهى كلامه (قدس سره).

ما ذكره شيخنا العلامة البلاغي (قدس سره) في كتابه الهدى الى دين المصطفى

وقال شيخنا المتضلّع في العلوم ، بطل المجاهدة عن حريم الاسلام في اصوله وفروعه وقرآنه ورسوله وائمته ، العلامة الشيخ محمد جواد البلاغي (قدس الله روحه الطاهره) المتولد سنة 1280 ، المتوفى في ليلة 22 من شعبان سنة 1352 في النجف الاشرف ، في كتابه «الهدى الى دين المصطفى» الذى يباحث فيه مع احد المهاجمين على الاسلام من علماء المسيحيه ، أو جماعة متعاضدة منهم، وقد كان (قدس سره) بوحدته جيشاً مرابطاً في ثغور الاسلام يناضل مع اعدائه ببطولته وتضلّعله ، فجزاه الله عن الاسلام خيراً ورفع له ذكراً ، وقد استعار عن المهاجم باسم المتكلف وذكر كلامه ، ثم اردفه بما يليق من رده.

ص: 23

فقال (قدس سره) وبهذا تعرف ما في كلام المتكلّف - يه ج 1 ص 72 وكذا 73 حيث قال: ومع ذلك فقالوا ان الله عاتبه ، ولو كان الاله الحقيقي هنا لعاقبه اشدّ العقاب ، ففي التوراة اخذ عخان بعض الاشياء المحرمه ضرب الله الامة الاسرائيلية بتمامها وسلط عليها من هزمها ، ولما كان احد ملوك بني اسرائيل يُبقي واحدا من الذين امر الله باعدامهم عقاباً لهم على خطاياهم، لكان يضربه ضربة شديدة ، بخلاف الحال هنا ، فاذا اقترف محمد المنكر الذي يستوجب اشدّ عقاب وانكى عذاب ، يعاتبه الله ويلاطفه ويراعي خاطره ، فاين عدل الله وقداسته.

ثم قال في شأن رسول الله ص كان دأبه مراعاة صاحب الجاه والشوكة وعدم الاكتراث بالمسكين والفقير ، فمرة قطب في وجه الاعمى ولم يلتفت اليه ، مع انه كان آتياً ليتعلم منه ديانته ولما عرف ان هذا لايليق ، ادّعى بانّ الله وتخه ، فورد في سورة عبس ﴿1 - عبس وتولّى 2- ان جائه الاعمى 3- وما يدريك لعله يزكّى 4- او يذكر فتنفعه الذكرى 5- اما من استغنى 6- فانت له تصدّى 7- وما عليك الا يزكّى 8- واما من جائك يسعى 9- وهو يخشى 10- فانت عنه تلهى﴾ الخ.

و روی ان ابن أم مكتوم اتى محمداً وهو يتكلم مع عظماء قريش وقال اقرئنى وعلّمني مما علمك الله ، فلم يلتفت اليه ، وقال في نفسه يقول هؤلاء الصناديد ، انما اتبعه الصبيان والسفله ، فعبس في وجهه واعرض عنه.

اقول: قد اقام المتكلف من حيث لا يشعر برهانا على برائة رسول الله ههنا من مخالفه امر الله او فعل مالا يرضاه والا لعاقبه اشد العقاب افتراء يقول ان الاله الحقيقي غير حاضر ههنا وأنّه يشتهى ان يستهزىء بعدل الله وقداسته كما يفترى على قدس رسوله او کما ينسب العهد القديم الى الله القدوس العادل امورا تنافي العدل والقداسة ويمتنع صدورها من الله جل شأنه منها ان عخان سرق من الغنيمة ، فغضب الله على بني اسرائيل وسلّط عليهم الكفرة ، ونسب اليهم السرقه والخيانه مع ان المقام ينادى بانّ عامة بني اسرائيل لم يكن لهم علم بذلك ، ليؤاخدوا بترك النهي عن المنكر، ومع ذلك فأحرق عخان هو وبنيه وبناته وبهائمه وكل ماله بامر الله تعالى الله عن ذلك ، ومقتضى العادة لابد ان يكون في بنيه وبناته من هو طفل غير مكلّف ، او لا يعلم بالسرقه ، او ضعيف لا يقدر

ص: 24

على النهي عن المنكر ، فاي عدل يعاقب هؤلاء بذنب غيرهم ، انظريش ، و(منها) ان صموئيل النبي امر شاول ملك اسرائيل عن امر الله بان يقتل عماليق رجلاً وامراة طفلا ورضيعا عقابا لما فعله اسلافهم قبل اربعمائة سنة تقريبا ، وهب ان الكبار كفرة مستحقون للقتل ، فاين يكون قتل الاطفال والرضعان من العدل و (منها) ان العهد القديم نسب الى داود وحاشاه في شأن اوريا وامراته ماهو من اعظم الخطايا واشنعها فكان عقابه ان سلط عليه ابنه ليزني بنسائه ومع ذلك يقول ناثان النبي لداود الرب ايضا قد نقل عنك خطيئتك لاتموت 2 صم 12 - 13 فهل يقول المتكلف ههنا اين عدل الله في عدم عقابه بالموت و این قداسته بعقابه بالزنا تعالى الله عما يقولون .

اقول(1):اما اوّلاً فان التشبث بهذه الرواية لما يدعيه باطل من وجوه (اوّلها) كون الرواية من روايه الاحاد التي قد عرفت حالها ثانيها) كونها مقطوعة السند ، فان اقرب الرواة في سندها الى الزمان الذي تنسب اليه الحكايه هما ابن عباس وعايشه وهما في ذلك الزمان امّا ان لايكونا مولودين، او انهما طفلان لا يميزان شيئا (ثالثها) كونها مضطربه النقل فانه يروى عن عايشه تارة: ان رسول الله حين جائه ابن ام مکتوم كان عنده رجل من عظماء المشركين ، وتارة: أنه كان في مجلس في ناس من وجوه قريش منهم ابو جهل وعتبة بن ربيعة وتاره ان الذين كانا عنده (عتبه وشيبه) وفي الرواية عن ابن عباس انه لقى (عتبه والعباس) واباجهل و في الرواية عن انس (ابي بن خلف) وفي الرواية عن ابي مالک ، اميّة بن خلف ، و في الرواية عن مجاهد عتبة بن ربيعة و امية بن خلف وفي رواية اخرى عنه ان رسول الله كان مستخليا بصنديد من صناديد قريش وفي الرواية عن الضحاك لقى رجلا من اشراف قريش وان هذا الاضطراب مما يلحق الروايه بالخرافه (رابعها) كونها معارضة بما هو احسن منها طريقاً فقد روى ان الذي عبس في وجه الاعمى ونزلت فيه الايات هو غير رسول الله ويدلّ على ذلك قوله تعالى في السوره ﴿واما من استغنى فانت له تصدّى وماعليك الا يزكّى﴾ فانه لا يصح ان يكون خطابا لرسول الله لأن كل احد يعلم أنه لم يكن من وظيفة رسول الله ولا خلقه ولاعادته ولاهممته في الهدى أنه

ص: 25


1- اخذ(قدس سره)في الرد على رواية تفسير عبس وتولى بالنبي (صلى الله عليه وآله).

لا يبالي بتزكى احد بالاسلام كيف وقد كان اقصى همته الدعوة اليه خصوصا لمن يقوى الدین با سلامهم ، وليس كل خطاب في القرآن هو خطاب لرسول الله ، فانّه فيه مالاشك بكونه خطابا لغيره كقوله تعالى في سورة القيمه المكيه 34﴿اولى لك فاولى 35 ثم اولى لك فاولى﴾(خامسها) ان مافي الروايه من سوء الخلق مع الاعمى ومداهنة قريش ، مناقض لما هو المعروف من خلق رسول الله ، ولاسيما مع المسالم المسترشد ومناقض ايضا لقوله تعالى في سورة القلم المكيه﴿4 وانك لعلى خلق عظيم 9 ودوا لوتدهن فيدهنون﴾وقال تعالى في سورة آل عمران 153﴿فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك﴾.

واما ثانيا(1)فانا لو تنزلنا مع المتكلف ، وفرضنا صحة ما تشبت به من الروايه في نزول الآية لما خرج كلامه عن كونه افتراء على قدس رسول الله ، فان من يفرض انه اعرض مرة عن الاعمى مراعاة لبعض المصالح فادّبه الوحي ، او على زعم المتكلف عرف انّ هذا لا يليق فتداركه هل يسوغ ممن يتقى فضيحة الافتراء ان يقول في شأنه كان دأبه مراعاة صاحب الجاه والشوكة وعدم الاكتراث بالفقير والمسكين ، فمرة قطب في وجه الاعمى ، وليت شعري لم يسمع المتكلف من قطعيات السير والتواريخ هتافها بانّ رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)كان من اوّل امره الى آخر عمره يعد الفقراء والمساكين خير جليس واحسن انیس واخص سمير واقرب بطانة حتى ساء ذلك اهل الشرف وشق عليهم افلم يسمع من القرآن اطرائه بمدح خلق رسول الله ، افلم يسمع اقلا من الروايات التي تثبت بها ههنا ان رسول الله كان شديد الاعتناء بابن ام مکتوم ، لان الله عاتبه فيه ، ومن الظريف ان المتكلف ايد مزاعمه بما ارسل روايته حسب مشتهاه من ان الاقرع وعيينة وجدا رسول الله جالساً مع صهيب وبلال وعمار وخباب ونفر من ضعفاء المؤمنين فحقروهم وقالوا

ص: 26


1- (مراده(قدس سره)انّ ذلك الذي يقوله المتكلف على فرض صحته ايضاً افتراء عليه حيث يقول المتكلف ، انه كان دأبه تقديم ذوى الجاه ، مع انه يسلم انه صدر منه ذلك مرة واحدة اما لبعض المصالح او بما عرف انه لايليق به فتداركه فالمتكلف من جهة يفرض ذلك مرة واحده ثم يفترى عليه يقول كان دابه ذلك)

الرسول الله لو جلست في صدر المجلس ونفيت عنا هؤلاء ورائحة جبابهم وكانت لهم جباب صوف لها رائحة ليس عليهم غيرها لجالسناك واخذنا عنك وان وفود العرب تأتيك فنستحي ان يرانا العرب مع هؤلاء الأعبد فاذا نحن جئناك فاقمهم عنا فاذا نحن فرغنا فاقعدهم حيث شئت قال نعم قالوا فاكتب لنا بذلك عليك كتابا فأتى بصحيفة ودعى علياً ليكتب ، فنزل قوله تعالى في سورة الانعام 52﴿ولا تطرد الذين يدعون ربَّهم بالغداة والعشى يُريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيءٍ وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالين﴾.

فاقول اما اولاً ، كيف يجعل هذه الرواية مؤيدة لما توضح بطلانه فأين هو عن صراحتها بان رسول الله كان يجلس مع هؤلاء كاحدهم ، ولايكون في مجلسه معهم صدر يختص به كعادة الاشراف وانّ انفصالهم عنه واختصاص بعض مجالسه بذوى الجاه كان متعسّراً يتوصل طالبه الى تحصيل قراره بكتابة الصحائف ، فهل هذا شأن من رأيه مراعاة صاحب الجاه والشوكة وعدم الاكتراث بالمسكين فاين الافهام والتمييز.

وأما ثانياً فانّ هذه الرواية بسبب نزول هذه الاية ممّا لا يكاد ان يصح ، لأنها قد رويت مضطربة ، بوجوه متناقضة ، واحوال متفاوته فان ذكر الاقرع وعيينة وطلبهم من رسول الله مجالسته ليأخذوا عنه وذكرهم لوفود العرب عليه يقتضى ان تكون الواقعة في المدينة بعد فتح مكة ، وكذا رواية زبير بن بكار في اخبار المدينة خصوصاً مع ذكر المؤلفة قلوبهم وعن ابن المسعود: ان الذين طلبوا من رسول الله طرد الفقراء ليتبعوه هم الملاء من قريش وعن عكرمة: عد جماعة من قريش واشراف الكفار من عبد مناف وأنّهم توسطوا لطرد رسول الله للمساكين بابي طالب، فاشار عمر بطردهم فنزلت الاية ، فاقبل عمر معتذراً من مقالته وهذا لا يكون الا في مكة قبل الهجرة الى غير ذلك من الروايات المضطربه التي يلزم من ذكر سلمان الفارسي في بعضها كون الواقعة في المدينه ، وايضا فقد روى من طرق كثيرة ان سورة الانعام نزلت بمكة جمله واحدة فيكون ذلك منافياً لما یلزم كون الاية نزلت في المدينة ، كمرسلة المتكلّف ، ومنافيا ايضاً لما يلزمه كون الاية نزلت مستقلة عن السورة لاجل سبب خاص ، بل لعل جميع روايات النزول تذكر ان هذه نزلت في مكة او غير المدينة وأنها نزلت في جملة السورة فلا يبقى في روايات اسباب

ص: 27

النزول مع اضطرابها وهنها في نفسها(1)رواية غير معارضة بما يكذبها بمضمونه.

انظر اقلاً الى الدر المنثور تفسير السيوطى عند أول سورة الانعام وعند تفسير الآية المذكورة فالصواب ان يقال في الاية انه نزلت لحُسن التأديب وتهذيب الاخلاق وخوطب بها النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)ككثير من خطاب القرآن من باب (اياك اعني واسمعي ياجاره) بل ككثير من خطبما يوجب وهنا في نفسها. - ظ - منه.اب التورية .

ثم تعرض المتكلف به ج ص 74 - 75 لذكر آيات توهم صدور الذنب من رسول الله وها نحن نذكرها ونذكر ما ينبغي ان يقال فيها:

الآية الاولى قوله تعالى في سورة الانشراح﴿2 ووضعنا عنك وزرك 3 الذي انقض ظَهْرَكَ﴾.

فنقول: ان الوزر في اللغة هو ما يثقل ويتعب وبهذا الاعتبار استعير للذنب اسم الوزر ، كما حسن ان يستعار للهم المجهد والغم الباهظ ، ولقد كان رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)قبل البعثة في اشدّ ما يكون من الغم والهم واثقله واجهده لاجل مايراه من ضلال الناس واهوائهم المرديه وعوائدهم القبيحه وعباداتهم الباطلة ويتجرع من ذلك غصص النكد حتى انه (صلوات الله عليه) كان لاجل ذلك يحبّ العزله ويلازم غار حراء مدة من السنة ، مستوحشاً من ضلال الناس ، معانيا لاعباء هذا الهم المبرح ، وعسر الحيرة وضيق الصدر ، منتظراً لفرج الله ولطفه ورحمته الواسعة حتى شرح الله صدره ويسر امره وفتح له باب الهدى والرحمة بالوحي ، ووضع عنه اوزار الهم والعناء بالبعثة والرسالة بالدعوة الى الحق فوجد من ذلك انشراح الصدر و روح الهدى و راحة الفرج و مسرة اليسر و يرشد الى ذلك دلالة العقل والنقل على عصمة النبي ، وكذا سوق السورة في طرد الامتنان بقوله تعالى ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدرك﴾ اي بالوحي والنبوة بعد ما كان ضيقا بالهموم ﴿وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ﴾اي ثقل الهم والغم ببركة الامر بالدعوة ﴿ورفعنا لك ذكرك﴾أي بالرسالة وحقائق معارفها ويوضح ذلك تعليله المؤكد بقوله تعالى ﴿5 فان مع العسر يسراً 6 ان مع العسر يسراً﴾فانّ هذا التعليل أنما يناسب الفرج من الضيق وتيسير الامور وازاحة

ص: 28


1- بما یوجب وهنا فی نفسها. - ظ - منه.

ثقل الهم الباهظ ولا مناسبة له مع غفران الذنوب على انه لو كان ماذكرناه احتمالا مساوياً في الآية لكفى في ابطال مزاعم المتكلف.

الآية الثانية – قوله تعالى في خطاب رسول الله في سورة الفتح﴿1 انا فتحنا لك فتحاً مبيناً 2 ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيما 3 وينصرك الله نصراً عزيراً﴾.

بالقتال التعال قالاء وان سوق الآيات يأبى ان يكون المراد من الذنب فيها هو معصية الله ، بل المتعين بمقتضى مناسبة السوق ان يكون المراد من ذنبه عند قريش والعرب من اجل ماجاء به في دعوته الباهظه لاهوائهم، الملاشية لدينهم الفاسد ، وماقام به من الدفاع عن حوزة دين الحق بالحروب التي ارغمت انا فهم ، وحطّتهم عن جبروتهم وطاغوتهم ، فانه لامناسبة بين الفتح المبين وغفران الذنوب التي هي معصية الله ، ليكون الفتح سبباً له ، بل في السوق والمناسبة شهادة قاطعة بانّ هذا الفتح سبب لغفران ذنبه (صلوات الله عليه) عند قريش والعرب لما شاهدوه من عفوه واحسانه ولطفه ، وايقنوا به في صدقه في دعوته ، وأنه على بينة من ربه ، وان غرضه الشريف الحميد وراء دواعي الهوى وحبّ الرياسة والسلطة والهوى في امر الدين ، والالشدّد في الانتقام والتشفي ، وقد رأوه على شدة ماجنوه عليه بضلالهم وطغيانهم وقبح معاملتهم له قد اعرض عن اوتاره وثاراته التي عندهم ، وفداها لكلمة التوحيد ، وملاشاة الاوثان ، فصار بذلك اعدى اعدائه المحاربين له قبل الفتح يسير تحت ركابه ومرفّ لوائه في حومة الحرب ، ولهوات الموت يقيه بنفسه ويجاهد بين يديه ، انظر اقلاً الى سيرة غزوة حنين القريبة من الفتح (فتح مكة) ، فاتم الله نعمته على رسوله بهذا الفتح اذ جمع له من شذ عنه من قريش وغيرهم الذين كانوا عثرة في سبيل التوحيد والاسلام وعقبة دون المسجد الحرام وهداه صراطاً مستقيماً الى اقامة شعائر الحج وسنن ابيه ابراهيم ونشر دين الحق وبثّ الدعوة ونصره الله نصراً عزيراً انقادت به جزيرة العرب للتوحيد وتخطتها الدعوة الى مملكتي فارس والروم.

ويمكن ان ينزل على هذا المعنى قوله تعالى في سورة المؤمن﴿57 فاضبر اِنّ وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربّك بالعشي والابكار﴾وكذا قوله تعالى في سورة محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)و﴿21 انّه لا اله الا الله و استغفر لذنبك و للمؤمنين و

ص: 29

المؤمنات﴾.

ويمكن ان يكون تعليما للامة وان كان الخطاب للرسول كما قدمناه في قوله تعالى في سورة بني اسرائيل﴿24 وبالوالدين احساناً امّا يبلغن عندك الكبر احدهما او كلاهما﴾الاية ، ولو لم يكن في سوق الآيات ما يدل على ما ذكرنا للزم حملها عليه بقرينة دلالة العقل والنقل على عصمة الرّسول ، وهب انّ ما ذكرناه في الايات احتمال محض فانه يكفي في ابطال تكلف المتكلّف يه 1 ج ص 74 و 75 اذ ليس في الايات مثل صراحة العهدين بنسبة القبائح الى الانبياء كما سمعت منه(1).

كلام سيدنا الاستاذ العلامة الحكيم المفسّر السيد الطباطبائي (قدس الله روحه الطاهرة)

وقال سيدنا الاستاذ العلامة الحكيم المفسّر السيد الطباطبائي (قدس الله روحه الطاهرة) في تفسير (الميزان): أنه وردت الروايات من طرق اهل السنة ان الايات نزلت في قصة ابن أم مكتوم الاعمى ، دخل على النبي وعنده قوم من صناديد قريش يناجيهم في امر الاسلام فعبس النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)عنه ، فعاتبه الله تعالى بهذه الايات ، وفي بعض الاخبار من طرق الشيعة اشاره الى ذلك ،

وفي بعض روايات الشيعة ، ان العابس المتولّى رجل من بني امية كان عند النبي (صلى الله عليه وآله) فدخل عليه ابن أم مكتوم فعبس الرجل وقبض وجهه فنزلت الآيات.

وسيوافيك تفصيل البحث عن ذلك في البحث الروائي التالي انشاء الله تعالى.

وكيف كان الامر ، فغرض السورة عتاب من يقدّم الاغنياء المترفين على الضعفاء والمساكين من المؤمنين ، فيرفع أهل الدنيا ويضع اهل الآخرة، ثم ينجر الكلام الى الاشارة الى هوان امر الانسان في خلقه وتناهيه في الحاجة الى تدبير امره وكفره مع ذلك

ص: 30


1- (الهدى الى دين المصطفى ج 1 ص 149 الى ص 157).

بنعم ربه وتدبيره العظيم لأمره وتتخلص الى ذكر بعثه وجزائه انذاراً والسورة مكية بلا کلام(1).

وقال في بحثه الروائي بعد ذكره ماذكره المجمع عن العامة فقط ما لفظه:

المقال اقول روى السيوطي في الدر المنثور القصة عن عائشة وأنس وابن عباس ، على اختلاف يسير ، وما اورده الطبرسى محصل الروايات وليست الآيات ظاهرة الدلاله على انّ المراد بها هو النبي (صلى الله عليه وآله) بل هو خبر محض لم يصرح بالمخبر عنه بل فيها مايدل على ان المعني بها غيره لانّ العبوس ليس من صفات النبي (صلى الله عليه وآله) مع الاعداء المباينين فضلاً عن المؤمنين المسترشدين ثم الوصف بأنه يتصدى للاغنياء ويتلهى عن الفقراء لا يشبه اخلاقه الكريمة كما عن المرتضى (رحمه الله).

وقد عظم الله خلقه (صلى الله عليه وآله) اذ قال – وهو قبل نزول هذه السورة –﴿وانك لعلى خُلُقٍ عظيم﴾ والآية واقعة في سورة «ن» التي اتفقت الروايات المبينة لترتيب نزول السور على أنها نزلت بعد سورة(2)﴿اقرء باسم ربّك﴾ فكيف يعقل ان يعظم الله خلقه في اوّل بعثته ويطلق القول في ذلك ثم يعود فيعاتبه على بعض ماظهر من اعماله الخلقية ويذمه بمثل التصدي للاغنياء وان كفروا والتلهي عن الفقراء وان آمنوا واستر شدوا. وقال تعالى ايضاً - وانذر عشيرتك الأقربين واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين﴾(3)، فامره بخفض الجناح للمؤمنين والسورة من السور المكية والآية في سياق قوله وانذر عشيرتك الاقربين﴾النازل في اوائل الدعوة.

وكذا قوله -﴿لا تمدّن عينيك الى مامتعنا به ازواجاً منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين﴾(4)و في سياق الآية قوله فاصدع بما تؤمر و أعرض عن المشركين﴾(5)، النازل في اول الدعوة العلنية فكيف يتصور منه (صلى الله عليه

ص: 31


1- (الميزان ج 20 ص 301 الی ص 302)
2- هي من اوائل السور المنزله او اول سورة نزلت فلذلك يستدل الاستاذ(قدس سره)به على ان سورة العبس ايضاً من الاوائل.
3- الشعراء 215
4- الحجر 88
5- الحجر 94

وآله) العبوس والاعراض عن المؤمنين وقد امر باحترام ايمانهم وخفض الجناح وان لا يمد عينيه الى دنيا اهل الدنيا. على ان قبح ترجيح غنى الغنّي - وليس ملاكاً لشيء من الفضل - على كمال الفقير وصلاحه بالعبوس والاعراض عن الفقير والاقبال على الغنّي لغناه قبح عقلى مناف لكريم الخلق الانساني لا يحتاج في لزوم التجنّب عنه الى نهى لفظى. وبهذا وما تقدمه يظهر الجواب عما قيل - ان الله سبحانه لم ينهه (صلى الله عليه وآله) عن هذا الفعل الآ في هذا الوقت فلا يكون معصية منه الا بعده واما قبل النهى فلا ،

وذلك أنه تعالى لم ينهه الا في هذا الوقت تحكّم ممنوع ، ولو سلم فالعقل حاكم بقبحه ومعه ينافي صدوره كريم(1)الخلق ، وقد عظم الله خلقه (صلى الله عليه وآله) قبل ذلك اذ قال: وانك لعلى خُلُقٍ عظيم واطلق القول ، والخلق ملكة لاتتخلّف الفعل المناسب له - وعن الصادق ( عليه السلام) على مافي المجمع انها نزلت في رجل امية كان عند النبي (صلى الله عليه وآله) فجاء ابن ام مکتوم فلما رآه تقدر من بني نفسه وعبس واعرض بوجهه عنه ، فحكى الله سبحانه ذلك وانكره عليه.

وفي المجمع - وروى عن الصادق (عليه السلام) أنّه قال كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) اذا راى عبد الله بن ام مکتوم قال مرحباً مرحباً والله لا يعاتبني الله فيك ابداً وكان يصنع به من اللطف حتى كان يكفّ عن النبي (صلى الله عليه وآله) مما يفعل به.

اقول الكلام فيه كالكلام فيما تقدّمه ومعنى قوله حتى أنه كان يكف الخ انه كان يكف عن الحضور عند النبي (صلى الله عليه وآله لكثرة صنيعه (صلى الله عليه وآله) به انفعالاً منه وخجلاً.(2)

اقول سيأتي الكلام في معنى الرواية الاخيرة عن الصادق (عليه السلام) وسنذكر انشاء الله تعالى ماعندنا في الغرض من السورة على ما استظهرنا منها وغير ذلك مما مر من كل واحد من هؤلاء الاعاظم واساطين التفسير وحملة علوم القرآن (قدس الله ارواحهم الطاهرة).

فهذه نبذة من كلمات اكابر علماء الشيعة قديما وحديثا من المعاصرين لاواخر

ص: 32


1- هكذا في الاصل و الظاهر: كرم الخلق.
2- الميزان ج 20 ص 308 الی ص 310 - .

الائمة الطاهرين كالقمي(قدس سره)او المقاربين لعصرهم كالسيد والشيخ العارفين بحدود المذهب وهكذا من بعدهم كالطبرسي وابن شهر آشوب الى زماننا هذا (رضي الله عنهم).

وظاهر كلماتهم انّ الشيعة الامامية متفقون على انّ المعنى بتلك الآيات غير النبي (صلى الله عليه وآله) وانّ القول بتوجّهها اليه(صلی الله علیه و آله و سلم)مردود عندهم.

ص: 33

تمحيص وتلخيص لأقوال الأمامية وادلتهم في سبب النزول

اشارة

والذي يستفاد من جميع مانقلنا عنهم في الاستدلال على ماذهبوا اليه خلافاً لما ذهب اليه العامة عدّة امور:

1 - رواية ان الآيات نزلت في عثمان عفان بن من دون تردید ونقل خلاف (القمي) او الاحاديث الصحيحة عن اهل البيت الذين نزل القرآن في بيوتهم تقول انها نزلت في عثمان بن عفان (السيد العلوي - في مؤتمر (بغداد) او نحن نقول نزلت في عثمان السيد جمال الدين - مؤتمر بغداد وروى عن الصادق(علیه السّلام)انها نزلت في رجل من بني امية (المجمع) وقد قيل انّ هذه السورة نزلت في رجل من اصحاب رسول الله (السيد المرتضى) وقال قوم ان هذه الآيات نزلت في رجل من بني امية (تبيان) وانما عبس صحابي ذكرنا شرحه في المثالب ابن شهر آشوب رابعها ، كونها معارضة بما هو احسن منها طريقا فقد روى انّ الذي عبس في وجه الاعمى ونزلت فيه الآيات ، هو غير رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)(بلاغي) وقد رووا انّ العبوس كان رجلاً من بني أمية ... وهذا اقرب الى الصواب. (تفسير ابو الفتوح)، فالظاهر انّ المراد بها غيره(صلی الله علیه و آله و سلم)كما روى عن الصادق(عليه السلام) أنها نزلت في رجل من بني امية (منهج الصادقين) القمي قال نزلت في عثمان الخ وفي المجمع عن الصادق (عليه السلام) نزلت في رجل من بني امية .... واما ما اشتهر من تنزيل هذه الآيات في النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)دون عثمان فيأباه سياق مثل هذه المعاتبات الخ (تفسیر الصافي)

ويمكن ان يستظهر من كلماتهم انّ نزولها في رجل من بني امية كان متسالماً عليه بينهم ، ولذا ذكره القمي قاطعاً، والشيخ بعنوان قال قوم ولعله اراد بهم الشيعة وابن شهر

ص: 34

آشوب بقوله انما عبس صحابي ذكرنا شرحه في المثالب ، وفي مؤتمر بغداد الاحاديث الصحيحة على أنها نزلت في عثمان ، او نحن الشيعة نقول نزلت في عثمان ، مع أنّهم لا يعملون بخبر الواحد فيما لا يوجب علما ولاعملا يعني غير العملية وفي غير الفروع الفقهية وهنا في مقام تفسير القرآن ذكروا ذلك بنحو القطع ، كتاب المثالب لابن شهر آشوب الذي الف كتاب المناقب لكن نسخ المثالب لا يوجد ويقال: اطلع السيد العلامة حامد حسین (قدس الله نفسه) صاحب العبقات على نسخة منه واستنسخه ولعله موجود في مكتبته في هند ولعله ذكر هذا الحديث فيه بطرق عديدة كما هو ظاهر عبارته هنا وفي عبارة شيخنا البلاغي(قدس سره)قوله كونها معارضة بما هو احسن طريقاً. وظاهره ايضاً كونها غير المرسلة التي في المجمع ما هو احسن طريقاً من روايات العامة ولعله ايضاً عثر اما على كتاب المثالب او غيره مما يكون فيه ذلك

2 - ظاهر الآيات غير دال على توجّهها الى النبي (صلى الله عليه وآله) بل هو خبر محض لم يصرّح بالمخبر عنه (السيد المرتضى وابن شهر آشوب ونقله عن السيد في المجمع ومنهج الصادقين)

وسنذكر انشاء الله في توضيح ذلك فيما بعد مضافا الى عدم الدليل على ان المخبر عنه هو النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)انّ ظاهر نفس الآيات الى قوله تعالى ﴿كلاً انها تذكرة﴾ ان المراد بها غير النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)من جهة أنّها التفات من الغيبة الى الخطاب لا بالعكس على ان قوله تعالى ﴿كلا انها تذكره الى قوله تعالى كرام بررة﴾وكذا قوله تعالى في آخر السورة ﴿وجوه يومئذ مسفره﴾ الى اخر السورة يوجب الصراحة في كون المراد غير النبي (صلى الله عليه وآله) وسيأتي انشاء الله .

هذا مضافا الى ما سنذكره عن السيد المرتضى الان وهو:

3 - بل في نفس السورة ما يدل عند التأمل على انّ المعنى بها غير النبي (صلى الله عليه وآله) من جهات الاولى لأنه وصفه بالعبوس وليس هذا من صفات النبي (صلى الله عليه وآله) مع الاعداء المنابذين فضلاً عن المؤمنين المسترشدين ، - الثانية - وصفه بانه يتصدّى للاغنياء ويتلهى عن الفقراء وليس مشبهاً مع اخلاقه الواسعه وتحننه مع قومه وتعطفه ، - الثالثه - قوله تعالى ﴿وماعليك الا يزكي﴾ وهو(صلی الله علیه و آله و سلم)مبعوث للدعاء والتنبيه

ص: 35

وهذا يوجب الاغراء بترك الحرص على ايمان قومه السيد المرتضى - ابن شهر آشوب السيد الطباطبائي في الاوليين - البلاغي في الاخيرة وكذا في سعد السعود لابن طاووس

4 - ارجاع الضمائر الى النبي (صلى الله عليه وآله) في تلك الآيات التي تصفه بالعبوس والتقطيف فاسد لمخالفة ذلك لآيات اخر:

منها ﴿انك لعلى خلق عظیم﴾تبیان - ابن شهر آشوب – مؤتمر بغداد - مجمع تفسير ابي الفتوح - منهج الصادقين - البلاغي - الطباطبائي - واضاف السيد الطباطبائي انها في سورة ﴿ن﴾ النازلة بعد ﴿اقرء باسم ربك﴾في اول البعثة فكيف يعظم خُلقه ويطلق ثم يعود فيعاتبه بعد ذلك في هذه السورة.

و منها ﴿ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه﴾(1)- تبيان - ابن شهر آشوب

ومنها قوله تعالى فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك﴾(2)- التبيان- ابن شهر آشوب - مجمع الشيخ ابو الفتوح - منهج الصادقين - الشيخ البلاغي.

ومنها ﴿وما ارسلناك الا رحمة للعاليمن﴾(3)- مؤتمر بغداد.

ومنها قوله تعالى ﴿وما ينطق عن الهوى﴾(4)- السيد ابن طاوس.

ومنها قوله تعالى ﴿بالمؤمنین رؤف رحیم﴾(5)- السيد ابن طاووس.

ومنها قوله تعالى ﴿ودوا لوتدهن فيدهنون﴾(6)- الشيخ البلاغي.

ومنها قوله تعالى ﴿وانذر عشيرتك الأقربين - واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين﴾(7)السيد الطباطبائي - واضاف - والاية في سياق قوله ﴿وانذر عشيرتك الاقربين﴾النازل في اوائل الدعوة

ص: 36


1- سورة الانعام 52
2- آل عمران 159
3- سورة الانبياء 107
4- سورة النجم آيه 3
5- سورة التوبه 128
6- سورة ﴿ن﴾ آيه 9
7- سورة الشعراء - 114 - 115

ومنها قوله تعالى ﴿لا تمدن عينيك الى ما متعنا به ازواجاً منهم ولاتحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين﴾(1)، وفي سياق الآية ﴿فاصدع بما تؤمر و أعرض عن المشركين﴾(2)- النازل في اول الدعوة العلنيه فكيف يتصور منه(صلی الله علیه و آله و سلم)العبوس والاعراض عن المؤمنين وقد أمر باحترامهم وخفض الجناح لهم وان لا يمد عينيه الى دنيا اهل الدنيا - السيد الطباطبائي.

5 - النبي لابد ان يكون منزّهاً عما يوجب التنفير ، واي تنفير ابلغ من العبوس في وجوه المؤمنين والتلهي عنهم والاقبال والتصدي على الاغنياء الكافرين ، وقد نزّهه الله عما دون هذا التنفير بكثير - السيد المرتضى - تفسير التبيان الشيخ ابوالفتوح - ولو نسب الى بعض العلماء والفقهاء لتنفّر عنها ، فكيف في حق النبي (صلى الله عليه وآله) الذي نزهه الله عن هذه الصفات المذمومة بقوله ﴿ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك﴾تفسير الشيخ ابو الفتوح.

6 - معارضة هذا التفسير لما ثبت من سيرته الشريفة فانّه هو الذي لم يكن ينزع يده عن يد من يصافحه حتى يكون هو الذي ينزع قبله(صلی الله علیه و آله و سلم)حتى بالنسبة الى عبد كريه المنظر والرائحة تحفظاً على الاخلاق الكريمة - تفسير التبيان - تفسير ابي الفتوح - منهج الصادقين .

7 - قبح ترجيح غنى الغنّي - وليس ملاكاً لشيء من الفضل – على كمال الفقير وصلاحه بالعبوس والاعراض عن الفقير والاقبال على الغني لغناه قبح عقلى مناف لكريم الخلق الانساني لا يحتاج في لزوم التجنّب عنه الى نهى لفظى - السيد الطباطائي.

8 - من قطعيات السير والتواريخ هتافها بان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان من اوّل امره الى آخر عمره يعدّ الفقراء والمساكين خير جليس واحسن انيس واخص سمير واقرب بطانة حتى ساء ذلك اهل الشرف وشق عليهم - بلاغي.

9 - في الخبر الصحيح أنه قال «بعثت لاتمم مكارم الاخلاق» - منهج الصادقين - اقول: تزكية الناس وترفيع الاخلاق الحسنة وتنمية الصفات الحميدة من الغايات للبعثة و

ص: 37


1- الحجر 88
2- الحجر 94

لاسيما بعثة خاتم الانبياء وافضل السفراء وهذا هو الذي اشير اليه في الحديث الصحيح المذكور في كلامه(قدس سره)ولو انه(قدس سره)تمسك فى ذلك بالآيات الكثيرة التي تدل على ذلك كقوله تعالى ﴿هو الذي بعث في الاميين رسولاً منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم﴾(1)وكقوله تعالى ﴿لقد منّ الله على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولاً من انفسهم يتلوا عليهم آياته ويُزكّيهم﴾(2)الى غير ذلك من الآيات الكثيرة لكان احسن سنداً ودلالة وانور طريقاً اذ السلوك الحميد و الاخلاق الحسنة في المعاشرة امس والمس في التزكية واكثر نفوذاً في اعماق الروحيات فمن كان رسول التزكية ومبعوث تتميم مكارم الاخلاق كيف يرجح المميزات المادية من الثروة والغنى وشرف كثرة العشيرة والامكانيات الماديه على شرف الايمان والاسترشاد وكسب الفضائل لفقره وعماه وهل هذا الا الحط عن الفضائل ومكارم الاخلاق والتزكية.

10 - انّ النبي (صلى الله عليه وآله) انما كان يدعو المشرك بالله بامر الله الى طاعة الله ، ولو كان عبس على مازعموه فانّما كان يعبس لاجل ما يمنعه لاجل ما يمنعه من طاعة الله فكيف تقع المعاتبة على من هذه صفته - السيد ابن طاووس.

ولعله قريب منه ماذكره الرازي في تفسيره من علماء العامة

فقال - الظاهر انه (عليه الصلاة والسلام) كان مأذو نافي ان يعامل اصحابه على حسب ما يراه مصلحة وأنّه ( عليه الصلاة والسلام كان كثيراًما يؤدب اصحابه ويزجرهم عن اشياء وكيف لا يكون كذلك وهو (عليه الصلاة والسلام) انما بعث ليؤدبهم وليعلمهم محاسن الآداب واذا كان كذلك كان ذلك التعبيس داخلاً في اذن الله تعالى اياه في تأديب اصحابه واذا كان ماذونا فكيف وقعت المعاتبه عليه انتهى كلامه في تفسيره الكبير المسمّى بمفاتيح الغيب.

هذا مضافا الى وجوه أخر تقتضي المعاتبة على الاعمى لو كانت القضية كما ذكره عامة المفسرين من العامة كما نبه عليها الفخر الرازي ايضاً في تفسيره:

الاول : ان ابن ام مکتوم وان كان لفقد بصره لا يرى القوم لكنه لصحة سمعه كان یسمع

ص: 38


1- سورة الجمعه 2
2- آل عمران 164

مخاطبة الرسول (صلى الله عليه وآله) اولئك الكفّار وكان يسمع اصواتهم ايضاً وكان يعرف بواسطة استماع تلك الكلمات شدة اهتمام النبي (صلى الله عليه وآله) بشأنهم فكان اقدامه على قطع كلام النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)والقاء غرض نفسه في البين قبل تمام غرض النبي (صلى الله عليه وآله) ايذاء للنبي(صلی الله علیه و آله و سلم)وذلك معصية عظيمة.

الثاني : ان الاهم مقدم على المهم وهو كان قد اسلم وتعلم ما كان يحتاج اليه من امر الدين ، اما اولئك الكفّار فما كانوا قد أسلموا وكان اسلامهم سبباً لاسلام جمع عظيم ، فالقاء ابن أم مكتوم ذلك الكلام في البين كالسبب في قطع ذلك الخير العظيم لغرض قليل

وذلك محرم.

الثالث: انه تعالى قال: ﴿ان الذين ينادونك من وراء الحجرات اكثرهم لا يعقلون﴾فنهاهم عن مجرد النداء الا في الوقت ، فههنا هذا النداء الذي صار كالصارف للكفار عن قبول الايمان وكالقاطع على رسول الله اعظم مهماته، اولى ان يكون ذنباً ومعصية فيثبت بهذا انّ الذي فعله ابن ام مكتوم كان ذنباً ومعصية وان الذي فعله الرسول كان هو الواجب وعند هذا يتوجّه السئوال في انه كيف عاتبه الله تعالى على ذلك الفعل.

ما اجابه الفخر الرازي عن الاشكال الواردة على تفسير العامة

وقد اجاب الرازي عن ذلك بوجهين غير وجيهين.

الوجه الاول: ان الامر وان كان على ما ذكرتم الا ان ظاهر الواقعة يوهم تقديم الاغنياء على الفقراء وانكسار قلوب الفقراء فلهذا السبب حصلت المعاتبة ، ونظير قوله تعالى ﴿ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداء والعشي﴾.

الوجه الثاني: لعلّ هذا العتاب لم يقع على ماصدر من الرسول )عليه الصلاة والسلام) من الفعل الظاهر بل على ماكان منه في قلبه وهو ان قلبه (عليه الصلاة والسلام) كان قد مال اليهم بسبب قرابتهم وشرفهم وعلو منصبهم ، وكان ينفر طبعه عن الأعمى بسبب عماه وعدم قرابته وقلة شرفه ، فلما وقع التعبيس والتولّي لهذه الداعية وقعت المعاتبة ، لاعلى التأديب بل على التأديب لاجل هذه الداعية ، انتهى كلامه.

وهذا مما يعد من الغرائب من محقق مثله ويندفع بادنى تأمل.

ص: 39

اما الوجه الاوّل ، فلان الايهام على فرضه غير موجب للعتاب بعد عدم القصد منه (صلى الله عليه وآله) على انّ مثل ابن ام مكتوم المسلم المؤمن الذي هو كسائر المسلمين آنذاك ، مع قلتهم وما اصيبوا من الكفار من انواع الأذى ، وحبّهم لنشر الدعوة الاسلامية ، ونجاتهم عن ايدي الظالمين من الكفار ، كانوا في غاية الاشتياق لهداية الكفار ، وكانوا يتحملون في سبيل ذلك اكثر من هذا من انواع الضغط والاضطهاد ، فكيف ينكسر قلبه عن اشتغال النبي (صلى الله عليه وآله) عنه بدعوة المشركين وهداية الظالمين على أنه على فرض تماميّة هذا التفسير، قد عرفت انه هو الذي خرج عن محور الادب فكيف يواخذ به النبي الكريم (صلى الله عليه وآله) وهذا مقياس غير عادل تعالى الله عن ذلكعلوا كبيرا.

واما الثانية ، ففي غاية السقوط وخارج عن الموازنة الصحيحة ، وتختص بالغيب ، وهتك كبير في حق النبي الاعظم (صلى الله عليه وآله فمن این انکشف له مافی قلب النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)الذي كان قلبه مهبط وحي الله الذي نزل به الروح الامين على قلبه ليكون من المنذرين ، ومن اين استظهر ذلك حتى نسب اليه (صلى الله عليه وآله) هذه التهمة المستهجنة التي يستنكرها كل انسان شريف من ان تنسب اليه ، ام كيف يرضى مسلم ان يقول بالنسبة الى رسول الله ما هو من الحميات الجاهلية والعصبيات القوميه ، وهو رسول التزكيه والتطهير عن اوساخ الكفر و الجاهلية التي وعائها قلوب الكفار لاقلوب المسلمين ، فكيف برسول الاسلام وقد قال تعالى ﴿اذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحميّه حميّة الجاهلية فانزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين والزمهم كلمة التقوى وكانوا احق بها واهلها وكان الله بكل شيء عليما﴾(1)- ام كيف اجترىء ان يخبر عمّا في قلب النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)وعن دواعي افعاله بعدما يسلّم طهارة افعاله ونزاهة سبيله ثم يحرف الكلّم عن مواضعه ويسبب الفعل بغير سببه ، فان الاهتمام لهداية الكفار والتهيأ لأداء الرساله من الله وتضحية نفسه الشريفة في سبيلها ، له منشأ من النفسانيات لا يجتمع الميل الى الكفار بسبب القرابة النسبيه او شرفهم الوهمي القومي ، او علو منصبهم فيما

ص: 40


1- سورة الفتح

بين المشركين والكفار ، ولا يجتمع مع تنافر الطبع عن المسلم المؤمن بسبب عماه او فقره او عدم قرابته او قلة الشرف المصطلح عليه فيما بين الكفار ، بل ذلك يعارض ماقاله تعالى في حق نبيه(صلی الله علیه و آله و سلم)﴿محمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم تريهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوهم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة﴾(1)فان النبي (صلى الله عليه وآله) بل واتباعه فضلاً عنه ، هم الذين تركوا الاقارب بل وحاربوهم في سبيل الدفاع عن الاسلام ، وآخوا بين المؤمنين من الاباعد نسباً وقرابة ، وان نبي الاسلام (صلى الله عليه وآله) هو الذي رفع المميزات القومية عن مستوى اتباعه ، بان لافخر لعربي على عجمي وان كلهم من آدم وهو من طين وان اكرمكم عند الله اتقيكم ، فهو(صلی الله علیه و آله و سلم)مصدر المساواة والعدالة الحقة الاجتماعية ، فكيف يمكن نسبته الى امثال هذه الخرافات الاخلاقيه بمجرد بعض الروايات الضعيفة التي يغلب على الظن انها من المخترعات الامويه وآثار المنافقين في الاسلام.

ص: 41


1- سورة الفتح 29

نظرة عابرة في الروايات المفسّرة

اشارة

وهناك لابد من لفت نظر الى الروايات الواردة في تفسير هذه الآيات:

فمن طرق الشيعه مامضت عن تفسير القمي(قدس سره)، فهو وان لم يذكره بعنوان الرواية الا ان الظاهر منه أنه مضمون الروايات وان لم يصرّح به ، بل ظاهره قطعية ذلك حيث انه في مقام تفسير القرآن مع عدم جوازه بالرأي ولا بروايات الاحاد ، على انّ صاحبي تفسير البرهان ونور الثقلين مع ان وضع كتابيهما على التفسير بالروايات ينقلان عنه ذلك بعنوان الروايه ، وكذا في التفسير الصافي ، هذا مضافاً الى ارسال ذلك في كتب التفسير للامامية ارسال المسلمات ، على انّ الشيخ(قدس سره)في التبيان بعد ما يستدل على ، خلاف ماذكره عامة المفسّرين من العامة بعدم نزولها في حق النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)يقول: وقال قوم انّ هذه الآيات نزلت في رجل من بني امية الخ والظاهر ان مراده الامامية او انهم من هذا القوم ، كما انّ ظاهره تسالمهم عليه ، وهكذا عبارة الشيخ السروى ابن شهر آشوب(قدس سره)حيث انه بعد ما يستدل بادلة على خلاف ماذكروه من نزولها في حقه(صلی الله علیه و آله و سلم)يقول(قدس سره): وانما عبس صحابي ذكرنا شرحه في المثالب انتهى ، فيظهر منه الجزم والتسالم وشهرته بين الامامية وكان له شرح ذكره في كتابه المثالب ، وهكذا ما في كتاب مؤتمر بغداد ففية مرة هكذا قال العلوي: الاحاديث الصحيحة الواردة عن اهل بيت النبي الذين نزل القرآن في بيوتهم تقول أنها نزلت في عثمان بن عفان الخ ومرة أخرى قال: نحن الشيعة نقول انّ السورة نزلت في عثمان بن عفان لافي رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)الخ ، وهكذا ماذكره شيخنا البلاغي(قدس سره)ظاهره وقوفه على روايات هي احسن طريقاً من الروايات التي روتها

ص: 42

العامة تكون بينهما المعارضة ويترجح الاحسن طريقاً على غيره.

مله على الشمال وذكر شيخنا الطبرسي(قدس سره)عن الصادق (عليه السلام) روايتين ، ففي احد الموضعين يقول وقد روى عن الصادق (عليه السلام) انها نزلت في رجل من بني امية كان عند النبي (ص) فجاء ابن ام مكتوم فلما راه تقذر منه وجمع نفسه واعرض بوجهه عنه فحكى الله سبحانه ذلك وانكره عليه.

العالم بالمال وهذه الرواية قريبة المتن مع ما ذكره الشيخ بعنوان (وقال قوم ان هذه الآيات نزلت في رجل الخ) فلعل هذا المتن كان مروياً بطرق كثيرةً عن الصادق (عليه السلام) اوعنه وعن غيره من آبائه (عليهم السلام) او ان مراد الشيخ(قدس سره)من القوم الذين رأيهم ما في هذه الرواية. وفي الموضع الآخر يقول شيخنا الطبرسي(قدس سره)وروى عن الصادق (عليه السلام) انه كان رسول الله اذارى ابن ام مکتوم قال مرحباً مرحباً لا والله لا يعاتبني الله فيك ابداً وكان يصنع به من اللطف حتى كان يكف عن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)مما يفعل به.

ولا يخفى أنه مع اتفاق الامامية على نزول الآيات في غير النبي (صلى الله عليه وآله) لايمكن ان يصدر من الامام الصادق (عليه السلام) مايكون تصديقا لنزولها فيه (صلى الله عليه وآله فما معنى هذه الروايه الاخيرة ، فهل صدرت تقية في زمن خلفاء بني امية والرواية الأولى صادرة في غير تقية كصدورها بعد انقضاء دولتهم لما ادرك الامام الصادق (عليه السلام الدولتين ، أو أنها وان كانت في بادىء النظر كبعض الروايات عن طرق العامة توهم نزولها فيه (صلى الله عليه وآله) كما في: (ويقول اذا اراه مرحباً بمن عاتبني فيه ربّى – تفسير ابى السعود ، تفسير الفخر الرازي) لكنها لو خليت وحدها مع قطع النظر عن تلك الروايات لا يظهر منها ذلك اذ يمكن ان يكون معنى قوله (لا يعاتبنی اللہ فیک ابدا) اني لست ممن يعاتبني الله فيك ابداً ولم اكن كذلك فيما مضى واماكثرة لطفه به الى ان يخجله فمن جهة دلالة الآيات على عناية خاصة من الله به في فقره وعماه وانكسار قلبه عمن عبس في وجهه من رجال بني أمية فاذا كان النبي رسول الرحمة حيث يقول سبحانه ﴿وما أرسلناك الا رحمة للعالمين﴾(1)فمن الطبیعي ان یعقب تلك الآیات

ص: 43


1- الانبياء 107

المشعره بالرأفة عليه من الله برحمة منه (صلى الله عليه وآله).

وبالجمله ، فلو كانت عبارة الروايه هكذا: (لا يعاتبني الله فيك بعد ذلك ابداً) لكانت تصدق بنزولها فيه (صلى الله عليه وآله) لكنها ليست كذلك بل هكذا (مرحباً مرحباً لا والله لا يعاتبني الله فيك ابداً) فهذه العبارة غير دالة على تصديق نزولها فيه (صلى الله عليه وآله) ، واما معنى قوله ( وكان يصنع به من اللطف حتى كان يكف عن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)مما يفعل به) فظاهره انه(صلی الله علیه و آله و سلم)يكثر اللطف والرحمة به لما راى من عناية الله سبحانه به وكان كثرة لطفه الى حدّ ينفعل الاعمى ويستحيى من عظمة النبي وما يفعل به من الاحسان فيمنع النبي (صلى الله عليه وآله) ويسئله الكف عن ذلك وكفّه عنه اي منعه عنه كقوله تعالى ﴿وهو الذي كفّ أيديهم عنكم﴾(1)اي منع ايديهم عنكم.

وعلى هذا فهذه الروايه من الامام الصادق (عليه السلام) مؤكدة لما في روايته الاولى من عدم نزول تلك الآيات في شأن النبي (صلى الله عليه وآله) لا انها معارضة لما في الاولى كما استظهره بعضهم وعلى كل حال فلا شك في ان الامامية تبعاً لائمتهم (صلوات الله عليهم) قائلون بنزولها في غير النبي ، فلو فرض لهذه الروايه ظهور على خلاف ذلك لوجبت معالجتها.

ص: 44


1- سورة الفتح 24

ص: 45

الروايات المفسّرة من طريق العامة

واما الروايات المفسّرة من طريق العامة فهي كثيرة ولعل كلها او اكثرها بين ظاهرة او صريحة في انّ الذي عبس هو رسول الله (صلى الله عليه وآله) وان الاعمى هو ابن ام مكتوم ولكن في ظهور بعضها في توجه الخطاب اليه(صلی الله علیه و آله و سلم)تأمل كرواية ابي مالك رقم 7. قال الامام الرازي في تفسيره ج 8 ص 332 - اجمع المفسرون (يعني المفسّرين من العامة) على ان الذي عبس وتولى هو الرسول (عليه الصلاة والسلام) واجمعوا ان الاعمى هو ابن ام مكتوم.

واليك رواياتهم:

1 - الترمذي والحاكم عن عائشة قالت انزل ﴿عبس وتولّى﴾ في ابن أم مكتوم الاعمى اتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فجعل يقول يارسول الله أرشدني وعند رسول الله (صلى الله عليه وآله) رجل من عظماء المشركين ، فجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعرض عنه ويقبل على الآخر فيقول له اترى بما اقول بأساً ، فيقول لا فنزلت ﴿عبس وتولى أن جائه الاعمى﴾ ابو يعلى مثله عن انس(1).

وعن ابن المنذر وابن حيان وابن مردويه عن عائشة ايضاً - الدر المنثور للسيوطي -

2 - عبس - يقول كلح محمد (عليه السلام) وجهه - ﴿وتولى اعرض بوجهه ﴿ان جائه الاعمى﴾ اذ جائه عبد الله بن ام مكتوم وهو عبد الله بن شريح وام مكتوم كانت ام ابيه وذلك انّ النبي (صلى الله عليه وآله) كان جالساً مع ثلاثه نفر من اشراف قريش

ص: 46


1- اسباب النزول للسيوطي المتوفى 910 المطبوع في هامش تفسیر ابن عباس ص 292

منهم العباس بن عبد المطلب عمه وامية بن خلف الجمهي وصفوان بن اميّة وكانوا كفاراً (صلى الله عليه وآله) يعظمهم ويدعوهم الى الاسلام ، فجاء ابن ام مکتوم ، فقال يارسول الله علّمني مما علمك الله فاعرض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بوجهه

عنه اشتغالاً بهؤلاء النفر فنزل عبس الخ(1).

3- عبس وتولّى أن جائه الاعمى روى ان ابن ام مکتوم واسمه عبد الله شريح بن مالك بن أبي ربيعة الفهري وام مكتوم اسم ام ابيه ، اتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعنده صناديد قريش عتبة وشيبة ابنا ربيعة وابو جهل بن هشام والعباس بن عبد المطلب واميّة بن خلف والوليد بن المغيرة ، يدعوهم الى الاسلام رجاء ان يسلم باسلامهم غيرهم ، فقال يارسول الله اقرئني وعلمني مما علمك الله تعالى وكرر ذلك وهو لا يعلم تشاغله (عليه الصلاة والسلام) بالقوم ، فكره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قطعه لكلامه وعبس واعرض عنه ، فنزلت فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يكرمه ويقول اذا رآه مرحباً بمن عاتبني فيه ربّي ، ويقول له هل لك من حاجة واستخلفه على المدينة مرتين(2).

المالية 4 - ابن المنذر وابن مردويه عن عائشة قالت: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مجلس في ناس من وجوه قريش منهم ابو جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة فيقول لهم اليس حسنا ان جئت بكذا فيقولون بلى والله فجاء ابن ام مکتوم وهو مشتغل بهم فسئله فاعرض عنه فانزل الله ﴿أما من استغنى فأنت له تصدّى وأما من جائك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى﴾ يعني ابن ام مکتوم(3).

5-عبد الرزاق وعبد بن حميد وابو يعلى عن انس قال جاء ابن ام مكتوم الى النبي

ص: 47


1- تنوير المقباس من تفسير ابن عباس ص 381 لابي طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي صاحب القاموس .
2- (تفسير ابي السعود العماري محمد بن محمد بن مصطفى الحنفي القسطنطني المتوفى سنة 982 في هامش تفسير الفخر الرازي ج 8 ص 380 وقريب منه ماذكره الفخر الرازي في تفسيره ص 331.
3- (تفسير الدر المنثورج 6 ص 314 للسيوطي المتوفى سنة 910)

(صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يكلّم أبي بن خلف ، فاعرض عنه فانزل الله عبس وتولى ان جائه الاعمى فكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد ذلك يكرمه(1).

6 - ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس : قال بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يناجي عتبة بن ربيعة والعباس بن عبد المطلب وابا جهل بن هشام ، وكان يتصدى لهم كثيراً ويحرص ان يؤمنوا ، فاقبل اليه رجل اعمى يقال له عبد الله بن ام مكتوم يمشي وهو يناجيهم فجعل عبد الله يستقرىء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) آية من القرآن قال يارسول الله علّمني مما علمك الله فاعرض عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعبس في وجهه وتولّى وكره كلامه واقبل على الآخرين ، فلمّا قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نجواه واخذ ينقلب الى اهله امسك الله ببعض بصره ثم خفق برأسه ثم انزل الله عبس وتولى ان جائه الاعمى فلما نزل فيه مانزل اكرمه نبي الله وكلّمه يقول له ما حاجتك هل تريد من شيء(2).

7 - سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن ابي مالك في قوله عبس وتولى قال جاء عبد الله بن ام مكتوم فعبس في وجهه وتولّى ، وكان يتصدى لامية بن خلف ، فقال الله اما من استغنى فانت له تصدّی(3).

8 - ابن ابي حاتم عن الحكم قال: مارؤى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد هذه الآية متصدياً لغني ولامعرضاً عن فقير(4).

9 - ابن ابي حاتم عن ابن زيد قال لو ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كتم شيئاً من الوحى كتم هذا عن نفسه(5)

10 - الطبراني وابن مردويه عن ابي امامة قال: اقبل ابن ام مکتوم الاعمى و هو الذي نزل فيه عبس وتولى ان جائه الاعمى فقال يارسول كما ترى قد كبر سنّى ورق عظمي وذهب بصري ولي قائد لا يلائمني قياده اياي ، فهل تجد لي من رخصة

ص: 48


1- الدر المنثورج 6 ص 314.
2- (الدر المنثورج 6 ص 315).
3- الدر المنثورج 6 ص 315.
4- (الدر المنثورج 6 ص 315).
5- (الدر المنثورج 6 ص 315).

اصلي الصلوات الخمس في بيتي ؟ قال هل تسمع المؤذن قال نعم مااجدلک من رخصة(1).

11 - ابن مردويه عن كعب بن عجزة: ان الاعمى الذي انزل الله فيه ﴿عبس وتولى﴾ اتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال يارسول الله اني اسمع النداء ولعلّى لا اجد قائداً فقال اذا سمعت النداء فاجب داعي الله(2).

12 - عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد في قوله ﴿ان جائه الاعمى﴾ : قال رجل من بني فهر اسمه عبد الله بن أم مكتوم ﴿اما من استغنى﴾ عتبة وامية بن خلف(3).

13 - ابن سعد وابن المنذر عن الضحاك في قوله ﴿عبس وتولى﴾ قال هو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لقى رجلا من اشراف قريش فدعاه الى الاسلام ، فأتاه عبدالله بن ام مكتوم فجعل يسئله عن اشياء من امر الاسلام ، فعبس في وجهه فعاتبه الله في ذلك فلما نزلت هذه الآية دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ابن ام مکتوم فاكرمه واستخلفه على المدينه مرتين(4).

14 - الحاكم وابن مردويه عن مسروق: دخلت على عائشة وعندها رجل مكفوف تقطع له الاترج وتطعمه اياه بالعسل فقلت من هذا يا ام المؤمنين فقالت هذا ابن أم مكتوم الذي عاتب الله فيه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) قالت اتى نبي الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعنده عتبه وشيبه فاقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليهما فنزلت عبس وتولّى أن جائه الأعمى ابن أم مكتوم(5).

15 - عبد بن حميد عن مجاهد: قال كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مستخليا بصنديد من صناديد قريش ، وهو يدعوه الى الله وهو يرجو ان يسلم ، اذ اقبل عبد الله بن ام مكتوم الاعمى فلما رآه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كره مجيئه وقال في نفسه يقول هذا القرشي انما اتباعه العميان والسفله والعبيد فعبس فنزل الوحي ﴿عبس

ص: 49


1- (الدر المنثورج 6 ص 315).
2- (الدر المنثورج 6 ص 315).
3- (الدر المنثورج 6 ص 315).
4- (الدر المنثورج 6 ص 315).
5- (الدر المنثورج 6 ص 315).

وتولى﴾ الى آخر الايه(1).

16 - ابن أم مكتوم ونزول سورة عبس.

ووقف الوليد بن المغيرة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يكلّمه وقد طمع في اسلامه ، فبينا هو في ذلك اذ مر به ابن ام مكتوم الاعمى فكلّم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وجعل يستقرئه القرآن ، فشق ذلك منه على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى اضجره ، وذلك انه شغله عما كان فيه من امر الوليد وماطمع فيه من اسلامه ، فلما اكثر عليه انصرف عنه عابساً وتركه فانزل الله تعالى فيه ﴿عبس وتولّى أن جائه الأعمى﴾ الى قوله تعالى ﴿في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة﴾ اي انما بعثتك بشيراً ونذيراً - لم اخص بك احداً دون احد فلا تمنعه ممن ابتغاه ولا تصدين به ممن لا يريده. قال ابن هشام(2)ابن ام مكتوم احد بني عامر بن لؤي واسمه عبد الله ويقال عمرو(3).

17 - هشام بن عروة عن ابيه: قال كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جالساً مع رجال من قريش فيهم عتبة بن ربيعة وناس من وجوه قريش وهو يقول لهم أليس حسنا أن جئت بكذا وكذا قال فيقولون بلى والد ماء ، قال فجاء ابن ام مکتوم وهو مشتغل بهم فسئله عن شيء فاعرض عنه فانزل الله تعالى ﴿عبس وتولى أن جائه الأعمى﴾ يعني ابن ام مكتوم ﴿اما من استغنى﴾ يعني عتبه واصحابه ﴿فانت له تصدّى واما من جائك يسعى وهو يخشى فانت عنه تلهى﴾ یعنی ابن ام مکتوم(4).

18 - الضحاك في قوله ﴿عبس وتولّى ان جائه الاعمى﴾ قال كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تصدّى لرجل من قريش يدعوه الى الاسلام ، فاقبل عبد

ص: 50


1- (الدر المنثورج 6 ص 315)
2- ابن هشام المتوفى سنة 150 أو سنة 153 وفي الكني والالقاب للمحدّث القمي سنة 218.
3- (السيرة النبوية لابن هشام ج 1 ص 363 الى ص 364).
4- طبقات محمد بن سعد ج 4 ص 153.

بن ام مكتوم الاعمى فجعل يسئل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعرض عنه ويعبس في وجهه ويقبل على الآخر ، وكلّما سئله عبس في وجهه واعرض عنه فغيّر الله رسوله فقال ﴿عبس وتولى أن جائه الأعمى وما يدريك لعله يزكي﴾ الى قوله ﴿فانت عنه تلهى﴾ فلما نزلت هذه الآية دعاه رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)فاكرمه واستخلفه على المدينة مرتين(1).

ص: 51


1- طبقات محمد بن سعد ج 4 ص 153.

محاكمة مختصرة في الروايات المفسرة

هذه روايات القوم الذين فسّروا أوائل الآيات في سورة العبس في شأن النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) غير مكترثين باثقال اوزارها، ولامنقحين لتلك الروايات سنداً و متناً ودلالة فاجتمعوا واجمعوا على العمل بها من غير رعاية لشرف النبي الاكرم ومكارم اخلاقه ومحاسن صفاته وماكان عليه من عظمة الروح وعلق الهمة وفضائله في المعاشرة المتواضعة.

هذا مضافا الى الغفلة العميقة عن الآثار الخبيثة للشجرة الملعونة في القرآن حيث عاشت الامة الاسلامية الف شهر تحت رئاستهم وما اصيبوا منهم في دينهم ودنياهم ، وقد تبههم الله سبحانه في كتابه فقال ﴿واذ قلنالك ان ربك احاط بالناس وماجعلنا الرويا التي اريناك الافتنة للناس ولشجرة الملعونه في القرآن ونخوفهم فمايزيدهم الا طغيانا كبيرا﴾(1)وقد خوّفهم الله عن هذه الشجرة وارقدهم ونبههم ومع ذلك فقد اصيب الاسلام والقرآن والنبي الاعظم وعترته الطاهرون (صلوات الله عليهم اجمعين) واحاديثهم واحكامهم من هؤلاء بمصائب عظيمة ، سوّدت وجه التاريخ ولو مات منها المسلم اسفاً ما كان ملوما.

وقد استأجروا اقلاماً خبيثه ممن اشتروا الصّلالة بالهدى الذين يكتبون الكتاب بايديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون.

ص: 52


1- سورة الاسراء - 60

وقد خص شيخنا العلامه الاميني (قدس سره) في ج 5 من ص 209 الى ص من كتابه الغدير لذكر سلسلة الكذابين والوضاعين على ترتيب حروف المعجم ، ثم يذكر اصحاب الكنى والالقاب على اختصار واشارة الى مآخذه من كتبهم ذاكراً انّ هؤلاء شرذمة قليلة منهم ، ثم من ص ثم من ص 288 الى ص 290 من ج ه يكتب قائمة مما وضعوه او قلبوه من الاحاديث ويذكر عدد موضوعاتهم ومقلوباتهم عن مآخذها ما يبلغ اربعمأة وثمانية آلاف و ستمأه واربعة وثمانين حديثاً ، ثم يذكر ان ذلك نذر يسير يسير نظراً الى ما اخلقته ايدى الافتعال الاثيمة المتكثرة.

نعم لاغرو في دسيسة الشجرة الملعونة من آل اميّه والحكم بن العاص بعد رئاستهم على كيان المسلمين تحكماً وتجبراً ان يقلبوا الحقايق القرآنية تحريفاً في مقام التفسير بوضع احاديث على ان ماعوتب به رجل من بني أُميه او شخص عثمان عفان مما

بن خوطب به النبي الاكرم الذي نزهه الله تعالى عن اوساخ الصفات ورذائل الملكات وعظم محامد اخلاقه الشريفه مزدوجاً بقسم منه سبحانه بانك لعلى خلق عظيم.

نعم لاغرو في ذلك بعد الامداد والاستمداد بحطام الدنيا واموال بيت المال للمسلمين فانّ الناس عبيد الدنيا والدين لعق على السنتهم يحوطونه مادرت به معايشهم فاذا مخصوا بالبلاء قل الديانون وقد بذلوا من بيت المال اموالاً جسيمة ومن الحكومة الاسلامية مناصب لمن استخدموه في سبيل اهوائهم وهدم احكام القرآن وتحريف الكلم عن مواضعه وضغط المسلمين والمؤمنين ، وقد كانوا ﴿يريدون ليطفئوا نور الله بافواههم والله متم نوره

بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون﴾(1)

ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته﴾(2)

ص: 53


1- سورة الانبياء - 18.
2- سورة الشورى 24.

كلام في سند الروايات المفسّرة فى سند الروايات و بیان انقطاعها وارسالها وضعف بعض رواتها

لابد في اعتبار الرواية وجواز الاخذ بها من تنقيح سندها ليثبت ان سلسلة رواتها مامونون من الكذب والخيانة ، وتطمأن النفس بصدورها وعدم سقوط واسطة فيما بينهم ، وعليه ففي فرض عدم الوثوق ولو باحدى النفرات من السلسلة او بسقط واسطة فيما بينهم الى زمان شهادة الواقعة او الحديث تسقط الرواية عن درجة الاعتبار ، وهذه جملة موجزة في هذا الباب يطلب تفصيلها من كتب تراجم رجال الحديث والدراية وما يرتبط بذلك من كتب اصول الفقه ، فليس كل ما ينسب الى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) او خلفائه واوصيائه وصحبه ممّا يسمّى بالحديث او الرواية ينبغي ان يتلقى بالقبول ولاسيما اذا كان في غير الفروع الفقهية من الموضوعات الشرعية او غير الشرعية من الامور التكوينيه او مما وقع في مقام تفسير القرآن من الحوادث والوقايع مما لا يوجب علماً و لاعملاً ولاسيما اذا كان مرتبطاً بالاصول الاعتقادية الدينية الاسلامية نفياً او اثباتاً وبالاخص اذا كان معارضا لأصل اعتقادي ثبت بالعقل والنقل كما فيما نحن فيه

فهيهنا يجب التنبه والتذكر بانّ القضية بالنسبة الى مقام النبوة الخاتمية الذي هو اصل من اصول الدين وبتزلزله يتزلزل الدين بأركانه واصوله ، وقد تجاسروا في تلك الروايات بعصمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم وعظمته وشخصيته واعتبار اقواله وأفعاله مما هو الاساس في تبليغ الرسالة.

وهذه الروايات خالية عن اقل درجة الاعتبار مما يستفاد منه في المسائل الفقهية فضلاً عن مرتبة تناسب استعمالها في المسائل الاعتقاديه ولاسيما فيما نحن فيه مما هو

ص: 54

من مهمات مسائل النبوة.

وبيان ذلك بنحو الاختصار انّ تلك الروايات ينتهي سندها الى سندها الى جماعة من الرواة فضلاً عمن قبلهم ولها ارسال وانقطاع وضعف في جملة منها.

1 - عايشه ، حيث ينتهى في ثلاث من تلك الروايات اليها مع تعارضها وتضادها واضطرابها متناكما سيجيء وهي ماذكرناها تحت رقم 1 و 4 و 14 فاقل شي في تلك الروايات من ضعف السند انّ عايشة لم تكن داخلة في بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل الهجرة فانّه(صلی الله علیه و آله و سلم)زوّجها قبل الهجرة بسنتين وهي ابنة ست ودخل بها في المدينة وزفّ معها في السنة الاولى من الهجرة وهي ابنة تسع وقال ابن الاثير تزوج عايشة بنت ابي بكر بمكة وبني بها بالمدينة سنة اثنين (اسد الغابة ج 1 ص 33) وقد سبق ان السورة مكية فلم تكن عايشة حاضرة وشاهدة لتلك الواقعة التي ترويها فلا محاله تصير الرواية مقطوعة السند ساقطة عن درجة الاعتبار حتى عن اقل مراتبها.

2 - ابن عباس وينتهى سند اثنتين من تلك الروايات اليه ، وهي ماذكرناها تحت رقم 2 من تنوير المقباس لابي طاهر محمد بن يعقوب الفيروز آبادي وتحت رقم 6 ، فابن عباس ولد قبل الهجرة بثلاث سنين فلم يكن ممن ادرك الواقعة او لم يكن له حينئذ التمييز والتشخيص فلا محالة لم يرو ذلك الا بالواسطة ولم يذكرها فتسقط عن درجة الاعتبار.

3 - انس بن مالك ، فقد كان غلاماً جاءت به امه الى النبي (صلى الله عليه وآلهوسلم) واهدته اليه ليكون له خادماً وذلك في اوائل الهجرة ، فلم يكن قبل الهجرة مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليكون قد شاهد الواقعة فما ينتهي سندها اليه وهي رواية رقم 5 غير معتبرة ، روى الزهري عن انس قال قدم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المدينة وانا ابن عشر سنين وتوفى وانا ابن عشرين سنة.(1)

4 - ضحاك ، وله روايتان ذكرنا احديهما تحت رقم 13 وثانيتهما تحت رقم 18 فهو ابو القاسم بن مزاحم البلخي المفسّر المؤدب وهو مضافاً الى انه لم يدرك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يعد من الصحابة ، انّ فيه ضعفاً ففي ميزان الاعتدال للذهبي انه

ص: 55


1- اسد الغابة ج 1 ص 127.

حملت به امه عامين وفيه ايضاً عن شعبة ومشاش وعبد الملك بن ميسرة انه ما ادرك ابن عباس ومرادهم أنه يروى عنه ولم يلقه وعن يحي بن سعيد انه ضعفه.

5 - مجاهد ، وله روایتان احديهما ذكرت تحت رقم 12 وثانيتهما تحت رقم 15 ، فهو مجاهد بن جبر ومضافاً الى انه من التابعين الذين لم يدركوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فضلاً عما قبل الهجرة والحضور في الواقعة فروايته من المراسيل المقاطيع ، انه ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال المعد لذكره الضعفاء قال: قال ابو بكر بن عياش قلت للاعمش مابال تفسیر مجاهد مخالف او شيء نحوه ، قال اخذها من اهل الكتاب وقال النباتي ذكر مجاهد في كتاب الضعفاء لابن حيان السبتي وقال ابن خراش وغیره: احادیث مجاهد عن علي(علیه السّلام)مراسيل لم يسمع منه شيئا.

6 - ابو مالك ، فلم يذكر في روايته اسم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (في قوله عبس وتولى) قال جاء عبد الله بن أم مكتوم فعبس في وجهه وتولى وكان يتصدى لامية بن خلف فقال الله ﴿أما من استغنى فأنت له تصدّى﴾ فلعل مراده ممن عبس غير رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما عليه اصحابنا الامامية.

والظاهر انه ابو مالك النخعي الكوفي واسمه عبد الملك بن حسين وهو مضافا الى انه ليس من الصحابة فضلاً عن مشاهدته الواقعة فروايته من المقاطيع ، ان فيه ضعفاً ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال وقال قال ابن معين ليس بشيء وقال البخاري ليس بالقوي عندهم وقال ابو زرعة والدار قطني ضعيف.

7 - هشام بن عروة عن أبيه ، فهو وابوه لم يكونا ممن شاهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فضلا عن كونهما شاهدين الواقعة المذكورة في روايتهما ، بل ابوه يروى عن عايشة فروايته ايضاً من المراسيل لعدم ذكره الواسطة مضافاً الى انه ذكره الذهبي في میزان الاعتدال وقال انه في الكبر تناقض حفظه ، وعن ابي الحسن القطان انه اختلط وتغير.

8 - كعب بن عجزة ، وقد سبقت روايته تحت رقم 11 لكن ليس في روايته في سبب النزول ذكر لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بل ذكر فيها الاعمى الذي نزل فيه ﴿عبس وتولى﴾ وهو من الانصار او من حلفائهم على الخلاف فيه ، وتوفى بالمدينة سنة

ص: 56

احدى وخمسين او اثنين او ثلاث وخمسين *** على الخلاف فيه وعمره سبع وسبعون

وقيل خمس وسبعون سنه(1)فقبل الهجرة كان عمره اربع وعشرين لكنه لم يكن مسلماً ولم يكن بمكة فروايته من المقاطيع ، وايضاً ابن مردويه الذي ينقل عنه هذه الرواية وهو احمد بن موسى الاصفهاني المفسّر توفى باسكاف سنة 352 فلا محاله يروى عنه مع الواسطة ولم يذكرها فروايته عنه من المراسيل.

9 - الحكم ، وقد سبق ذكر روايته تحت رقم 8 وحيث لم يميز باسم ابيه او غيره من المميزات فهو مشترك بين جماعة ذكرهم الذهبي في ميزان الاعتدال وضعفهم ، ويمكن ان يكون المراد منه الحكم بن نافع ابو اليمان الحمصي الذي وثقه جماعة ويروى عنه جماعة منهم ابن ابي حاتم الرازي ، ولكن اختلف في حديثه عن شعيب بن ابي حمزه ، وعلى كل حال فهو ممن لقاه وروى عنه ابو حاتم الرازي المتوفى سنة 277 والحكم هذا يروى عن امثال حريز بن حریز بن عثمان وصفوان وابي بكر بن مريم ، فلم يكن ممن ادرك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فضلاً عن حضوره الواقعة فروايته من المقاطيع.

10 - ابو امامة ، وروايته قد مضت تحت رقم 10 لكن ليس فيه ذكر لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في سبب نزول آيات سورة العبس ، وانما المذكور فيها ذكر الاعمى واما العابس وجهه عنه فمن هو فغير مذكور وغير معارض لما ذكره الامامية.

اضطراب الروايات وتضادها من جهات

الاولى - فيمن جاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتصدى له دون الاعمى ، (وعند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رجل من عظماء المشركين - رقم 1

(كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جالساً مع ثلاثة نفر من اشراف قريش منهم العباس بن عبدالمطلب عمه وامية بن خلف الجمهى وصفوان بن اميه وكانوا كفاراً - رقم 2.

ص: 57


1- راجع اسد الغابة ج 4 ص 244

(وعنده صنايد قريش عتبه وشيبه ابنا ربيعه وابو جهل بن هشام والعباس بن المطلب وامية بن خلف والوليد بن المغيرة - رقم 3 - .

(كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مجلس في ناس من وجوه قريش منهم ابو جهل بن هشام وعتبه بن ربيعه - الروايه رقم 4 .

(جاء ابن ام مكتوم الى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يكلم ابي بن خلف - رقم 5.

(بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يناجي عتبه بن ربيعه والعباس بن عبد المطلب وابا جهل بن هشام وكان يتصدى لهم كثيراً - رقم 6 -

(وكان يتصدى لاميه بن خلف - رقم 7.

(اما من استغنى - عتبة بن ربيعه وامية بن خلف - رقم 12-

(لقى رجلاً من اشراف قريش فدعاه الى الاسلام فاتاه عبد الله بن ام مکتوم - رقم 13.

(اتى نبي الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعنده عتبة وشيبة - رقم 14.

(كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مستخليا بصنديد من صناديد قريش وهو يدعوه الى الله وهو يرجو ان يسلم اذ اقبل عبد الله بن ام مکتوم - رقم 15.

(وقف الوليد بن المغيرة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يكلّمه وقد طمع في اسلامه فبينا هو في ذلك اذ مر به ابن ام مكتوم - رقم 16 .

فانظر في تلك الروايات فيمن تصدّى له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكل منها يذكر ما يخالف الاخرى حتى انه لعايشة ثلاث روايات كل منها يخالف الاخرى ، ففي اوليها (رجل من عظماء المشركين) وفي الثانية (كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)في مجلس في ناس من وجوه قريش منهم ابو جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة) وفي الثالثة (وعنده عتبة وشيبة).

ص: 58

اضطراب الروايات في الأعمى اسماً ونسباً

الجهة الثانية في الاعمى في اسمه ونسبه ، فالروايات بعد اتفاقها في ان الاعمى هو ابن أم مكتوم تتعارض وتتضاد في اسمه ونسبه ، بحيث تعرّف لنا شخصين في جميع الجهات الا في العمى والكنيه او تحكي عن جوّ غير سالم عن الكذب والافتراء ، وتدل على جريان سياسة شيطانية حاكمة في خلال تلك الروايات على رواتها ورواياتهم ، واليك الاشارة الى جملة منها:

(اذ جائه عبد الله بن ام مكتوم وهو عبد الله بن شريح وام مكتوم كانت ام ابيه - رقم 2 (واسمه عبد الله بن شريح بن مالك بن أبي ربيعة الفهري وام مكتوم اسم ام ابيه - الرقم 3 من الروايات السابقه.

(ان جائه الاعمى ، قال رجل من بني فهر اسمه عبد الله بن ام مکتوم - رقم 12.

(فاتاه عبد الله بن ام مکتوم - رقم 13 (اذا قبل عبد الله بن ام مكتوم - رقم 15.

وعلى هذه الروايات فابن أم مكتوم هو الذي يذكره عنهم شيخنا الطبرسي وغيره من انه هو عبد الله بن شريح بن مالك بن لؤى.

(اما اهل المدينة فيقولون اسمه عبد الله واما اهل العراق وهشام بن محمد بن السائب فيقولون اسمه عمر و ثم اجتمعوا على نسبه فقالوا: ابن قيس بن زائدة بن الاصم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي وامه عاتكة وهي ام مكتوم بنت عبد الله بن عنكثة بن عامر بن مخزوم بن يقظة(1)

ص: 59


1- الطبقات لابن سعد ج 4 ص 150 .

(عبد الله بن شريح وقيل عمرو وهو ابن أم مكتوم من بني عبد غنم بن عامر بن لؤي نسبه ابو موسى عن ابن شاهين هكذا - اسد الغابه ج 3 ص 183 -

(عمرو بن قيس بن زائدة بن الاصم ، واسم الاصم جندب بن هرم بن رواحة بن حجر بن عدی بن معيص بن عامر بن لؤي القرشي العامري ، وهو ابن ام مكتوم الأعمى المؤذن وامه ام مكتوم اسمها عاتكة بنت عبد الله بن عنكثة بن عامر بن مخزوم ، وهو ابن خال خديجة بنت خويلد فانّ ام خدیجه (رضى الله عنها) فاطمة بنت زائدة بن الاصم وهي اخت قيس -(1)

فهذا الاعمى على مانسبه في الطبقات واسد الغابة قرشي ابا وابن خال خديجة (رضى الله عنها) أماً فهو من بيت الشرف اماً واباً ومع ذلك يذكر في الرواية رقم 15 انه(صلى الله عليه وآله وسلم)قال في نفسه يقول هذا القرشي انما اتباعه العميان والسفلة والعبيد.

فصار الاعمى ملعبة للكتاب والرواة في حكومة آل امية فكل نسبه بنحو غير ما ينسبه الآخر كل ذلك في سبيل تحريف العتاب عن رجل من بني اميه الى النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) لكن التموج في القول الكاذب يوجب افشاء كذبه.

ص: 60


1- اسد الغابة ج 4 ص 127.

الجهة الثالثة ، تعارض الروايات وتضادها في موارد استخلافه

ففي عدة من الروايات انه بعد نزول الآيات كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يستعطفه ويقول له هل لك من حاجة واستخلفه على المدينة مرتين ، كما في الرواية رقم وفي رواية الضحاك رقم 13 (فاكرمه واستخلفه على المدنية مرتين. هذا.

ولكن في الطبقات لابن سعد - وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يستخلفه على المدينة يصلي بالناس في عامة غزوات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) - عن الشعبي قال غزا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاث عشرة غزوة مامنها غزوة الايستخلف ابن ام مكتوم على المدينة وكان يصلى بهم وهو اعمى.(1)

و عن الشعبي ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) استخلف ابن ام مكتوم في غزوة تبوك يأم الناس - عن قتاده استخلف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ابن ام مکتوم مرتين على المدينة وهو اعمى.(2)

وعن الشعبي استخلف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ابن ام مکتوم حين خرج الى بدر فكان يصلي بالناس وهو اعمى.(3)

محمد بن سهل بن ابي حثمه قال استخلف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على المدينة ابن ام مكتوم حين خرج في غزوة قرقرة الكدر الى بني سليم وغطقان وكان يجمع بهم ويخطب الى جنب المنبر يجعل المنبر عن يساره ، واستخلفه ايضاً حين خرج

ص: 61


1- الطبقات ج 4 ص 151
2- الطبقات ج 4 ص 151.
3- الطبقات ج 4 ص 151

في غزوة بني سليم ببحران ناحية القُرع ، واستخلفه حين خرج الى غزوة احد وحين خرج الى حمراء الاسد والى بني النضير والى الخندق والى بني قريظة وفي غزوة بني لحيان وغزوة الغابة وفي غزوة ذي قرد وفي عمرة الحديبية.(1)

ويذكر ابن هشام في سيرته موارد استخلافه في غزوه بني سليم بالكدر - استعمل على المدينة سباع بن عرقطة الغفاري او ابن ام مکتوم(2)، وفي غزوة احد - استعمل ابن ام مكتوم على الصلوة بالناس = ص 64 ، وفي غزوه حمراء الاسد(3)- واستعمل على المدينة ابن ام مکتوم . = ص 102 ، وفي غزوة بني النضير قال استعمل على المدينة ابن ام مكتوم .=190 ، وفيغزوة الخندق استعمل على المدينة ابن أم مكتوم.=ص220،وکذا في غزوة بني قريظة ص 234 ، وغزوة بني لحيان ص 279 ، وفي غزوة ذي قرد ص 274.(4)

وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يستخلفه على المدينة في بعض غزواته.(5)

واستخلفه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على المدينة ثلاث عشر مرة في غزواته منها غزوة الابواء وبواط وذو العشيرة وخروجه الى جهينة في طلب كرز بن جابر وفي غزوة السويق وغطفان واحد وحمراء الاسد وبحران وذات الرقاع واستخلفه حين سار الى بدر ثم ردّ اليها ابا لبابه واستخلفه عليها.(6)

وهذه الروايات مع تضادها وتعارضها في استخلافه على المدينة تتوجه اليها اسئلة:

1 - ما معنى استخلافه وصيرورته خليفة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على المدينة ايام غيبته عنها في تلك الغزوات او الغزوتين ، فهل يكون في خصوص الصلوة واما بالنسبة الى سائر الامور الشرعية والقضائيه والحكومية فغيره كان خليفته ام كان شغل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في المدينة امامة الجماعة في الصلوة فقط فاستخلفه

ص: 62


1- الطبقات ج 4 ص 152.
2- ج 2 ص 46
3- على ثمانية اميال من المدينه
4- السيرة النبوية لابن هشام ج 2.
5- اسد الغابة ج 3 ص 183.
6- اسد الغابه ج 4 ص 127.

فيها فقط وفي الفرض الاول لم يذكروا غير ابن ام مكتوم لساير الامور

2- على فرض ان يكون العتاب في تلك الآيات في سورة عبس الى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاي رابطة بين عتابه على اعراضه عن الاعمى لفقره وعماه وبين استخلافه في الصلوة او مطلقاً في جميع المناصب على المدينة ، فان مقتضي العتاب ان لا يعرض وجهه بعد ذلك عن الفقراء والعميان وبالاخص عن هذا الذي عوتب عليه لا ان يستخلفه على المدينة فانّ للاستخلاف اسباب غير ذلك.

3- الاستخلاف سواء كان في الصلوة او مطلقاً لابد وان يكون الخليفة لايقاً لما استخلف له فى العلم والعدالة والتقوى والمديرية والتدبير وقوة القضاء بين الناس علماً وعملاً وغير ذلك ، ولا يمكن ان يكون ناشئاً عن الاستعطاف فانه يوجب الفشل في امر الحكومة وادارة المملكة حتى فيما بين الحكومات الغير الاسلامية فضلاً عن الاسلام.

ص: 63

الجهة الرابعة - اضطراب الروايات وتعارضها في أذانه

ففي روايات انه كان مؤذناً لرسول الله (صلى الله عليه وآله) مع ان المؤذن له(صلی الله علیه و آله و سلم)كان هو بلال الحبشي واما ابن ام مكتوم فاختلفت الروايات في كيفية اذانه:

(وهو ابن ام مكتوم الاعمى المؤذن -(1)

عن عايشة ان ابن ام مكتوم كان مؤذناً لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو اعمى(2)

(ان بلال يؤذن ويقيم ابن ام مكتوم وربما اذن ابن ام مکتوم واقام بلال)(3).

(قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) انّ بلالاً ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى قال وكان ابن ام مکتوم رجلاً اعمى لا ينادى حتى يقال له اصبحت ينادي ابن ام مکتوم - اصبحت(4)

عن سالم بن عبد الله عن ابيه قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) انّ بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)(5)

عن ابن عمر انّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال ان بلالاً ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم)(6)

عن ابن عمر قال كان يؤذن لرسول الله (صلى الله عليه وآله) بلال بن رباح وابن ام

ص: 64


1- اسد الغابة ج 4 ص 127.
2- الطبقات ج 4 ص 152.
3- الطبقات ج 4 ص 152.
4- الطبقات ج 4 ص152
5- الطبقات ج 4 ص 152.
6- الطبقات ج 4 ص 152.

مكتوم قال فكان بلال يؤذن بليل ويوقظ الناس وكان ابن ام مكتوم يتوخى الفجر فلا يخطئه فكان يقول كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ...)(1)

بها فانظر في تلك الروايات بعين الاعتبار فقد يصير ابن ام مكتوم الاعمى الذي لا يقدر على تشخيص الاوقات الشرعية للصلوات مؤذنا لرسول الله ، وقد يصير المؤذن بلالاً والمقيم ابن ام مكتوم ، وفي بعضها يصيب في اذانه مع عماه ويخطىء بلال مع بصره وكيف يريد الراوي توجيه روايته؟

ثم انظر الى الروايات المعارضة.

(عن زيد بن ثابت قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان ابن ام مکتوم ينادى بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي بلال -(2)

(جاء ابن ام مكتوم الى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال يارسول الله منزلى شاسع وانا مكفوف البصر وانا اسمع الاذان قال فان سمعت الاذان فاجب ولو زحفاً او قال ولو حبوا(3)

(عن ابراهيم قال اتى عمرو بن ام مکتوم رسول الله (صلى الله عليه وآله) فشكاقائده وقال انّ بيني وبين المسجد شجراً فقال له رسول الله تسمع الاقامه قال نعم فلم يرخص له ...(4)

(عن ابي امامة قال اقبل ابن ام مكتوم الاعمى وهو الذي نزل فيه عبس وتولى ان جائه الاعمى فقال يارسول الله كما ترى قد كبر سني ورق عظمي وذهب بصري ولي قائد لا يلائمني قياده اياي فهل تجد لي من رخصة أصلي الصلوات الخمس في بيتي ، قال هل تسمع المؤذن قال نعم قال ما اجد لك من رخصة-(5)

كعب بن عجزه ان الاعمى الذي انزل الله فيه عبس وتولى اتى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال يارسول الله اني اسمع النداء ولعلى لا اجد قائداً فقال اذا سمعت النداء

ص: 65


1- الطبقات ج 4 ص 152.
2- الطبقات ج 4 ص 154.
3- الطبقات ص 154.
4- الطبقات ص 154.
5- الدر المنثورج 6 ص 315.

فاجب داعي الله-(1)

وانظر في تلك المعارضات فاوليها تدل على ان ابن ام مكتوم كان يخطىء في اذانه ، والبقية تدل على عدم قدرته على الحضور للجماعة فضلاً عن الاذان ، وان المؤذن كان غيره حيث يقول اسمع النداء او ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول له هل تسمع المؤذن الخ.

قال ابن الاثير - بلال بن رباح ... وكان مؤذناً لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان يؤذن لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في حياته سفراً وحضر او هو اول من اذن في الاسلام -(2)

(عن القاسم بن عبد الرحمن قال اوّل من اذن بلال -(3)

(عن جابر بن سمرة انّ بلالاً كان يؤذن حين يَدحَضُ الشمس ويؤخّر الاقامة قليلاً او قال وربما اخر الاقامة قليلاً ولكن لا يخرج في الاذان عن الوقت(4)

ص: 66


1- الدر المنثورج 6 ص 315.
2- اسد الغابه ج 1 ص 207.
3- الطبقات ج 3 ص 167.
4- الطبقات ج 3 ص 167.

آثار الوهن في متن الروايات المفسّرة

ثم ان في تلك الروايات متناً ما يوجب الوهن فيها من جهات أخرى.

فمنها ما في بعضها من انّ النبي (صلى الله عليه وآله) کره مجيئه (ابن ام مکتوم) وقال في نفسه يقول هذا القرشي انما اتباعه العميان والسفلة والعبيد فعبس - الروايه رقم 15 ففيه اوّلاً:

من اين اكتشف مافي نفس النبي (صلى الله عليه وآله) ، ومن اخبر الراوي بما في نفس النبي (صلى الله عليه وآله) ، وهل كان ذلك مجرد سوء ظن برسول الله (صلى الله عليه وآله) ، او اتهاماً بمقام قدسه وعصمته.

وثانياً: فهل كان النبي (صلى الله عليه وآله) يرى في اتباعه العميان والسفلة من جهة المال والعشيرة والعبيد عاراً على نفسه ويستحيي من ذلك عند رجل مشرك جاهل يرى نفسه من صناديد قريش ويفتخر به ، افلم يكن هو خاتم الانبياء واشرف المرسلين والسفراء في المكارم والصفات العالية الانسانية ونوح النبي (عليه السلام) الذي كان اقل رتبة منه باجماع الامة لم يكن يتأبى من ذلك كما حكا الله تعالى عنه في القرآن قال تعالى: ﴿فقال الملاء الذين كفروا من قومه مانريك الا بشراً مثلنا ومانريك اتبعك الا الذين هم اراذلنا بادى الرأي ومانرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين - قال ياقوم ... وما انا بطارد الذين امنوا انهم ملاقوا ربهم ولكني اريكم قوماً تجهلون﴾(1).

ص: 67


1- سورة هود 29.

انظر الى موقف نوح (عليه السلام) وما عابه قومه عليه وما اجاب هو (عليه السلام) عنهم فهل كان نبينا اقل رتبة في المكارم والمحامد والصفات النبوية وهو اعظمهم وافضلهم. وثالثاً: ان الظاهر من الروايات ان تلك الواقعة كانت في زمان اعلن النبي (صلى الله عليه وآله) دعوته فخرجت عن الاختفاء في جميع الابعاد ، وبعد ذلك كل مسلم يجتمع معه(صلی الله علیه و آله و سلم)علناً وهو(صلی الله علیه و آله و سلم)كان يدعو الاشراف وغيرهم علناً وبعد ذلك لا معنى لما في هذه الروايه وامثالها ، الم يكن ابن أم مكتوم من قبيلة الاشراف اباً واماً كما سبق ص 49 ثم ألم يعرف قريش وصناديدهم ان ابن ام مکتوم قد اسلم لكي يستخفي النبي (صلى الله عليه وآله)عنهم ذلك.

ومنها: مافي جملة منها من انه (صلى الله عليه وآله) بعد ذلك كان يكرمه ويقول له هل لك من حاجة واستخلفه على المدينة مرتين.

وفيه اوّلاً: ان العتاب على فرض توجّهه اليه(صلی الله علیه و آله و سلم)انما كان من جهة اعراضه عمّن سعى الى نبي الاسلام للاستفاضة من علوم القرآن واحكام الاسلام و آدابه كما اشير اليه في بعضها بانه كان يقول (علمني مما علمك الله - رواية رقم 2 ويارسول الله ارشدني - روايه رقم 1) وامثال ذلك مما في غيرهما من الروايات ، ويتوقع مثله من مثله (صلى الله عليه وآله) ، لا من جهة ان فقيراً اعمى التجأ الى ذي مكنة مالية وجاه ولم يأو ه . ولم يغثه بعد استغاثته ليناسب اصلاحه بقضاء حوائجه ونصبه لمناصب حكومية.

وثانياً: انّ السورة مكيه وقد وقعت في مكة في اوائل البعثة او اواسطها وبينها وبين الهجرة ثم استقرار الحكومة الاسلامية واجتماع المسلمين في الجماعة للصلوة ووقوع الغزوات فاصلة سنوات كثيرة فكيف تقول الروايات أنه(صلی الله علیه و آله و سلم)كان يكرمه ويقوله له هل لك من حاجة واستخلفه على المدينة مرتين.

وثالثاً: استخلاف النبي (صلى الله عليه وآله) هل كان مبنياً على الاستعطاف والرأفة ام على الصلاحية والاهلية فانّ هذا شيء لا يرتكبه عظماء الدنيا فضلاً عن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)الذي ﴿لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى﴾

ص: 68

ومنها مافي بعض تلك الروايات(1)شهد القادسية ومعه راية سوداء وعليه درع- على ماعن المعارف لابن قتيبة - كما حكاه المحدث القمي في الكنى والالقاب ومثله ماعن انس بن مالك كما في الطبقات ج 4 ص 155 وقال ابن الاثير (وشهد فتح القادسية ومعه اللواء وقتل بالقادسية شهيداً وقال الواقدي رجع من القادسية الى المدينة فمات(2).

وفيما قال شيخنا الطبرسي عنهم (وقال انس بن مالك فرايته يوم القادسية وعليه درع ومعه راية سوداء).

وفيه اولاً: ينافي ذلك ما في عدة من الروايات الواردة في تفسير قوله تعالى ﴿لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير اولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله﴾(3)کرواية البراء - قال لما نزلت هذه الآية ﴿لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله﴾ دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) زيدا وامره فجاء بكتف وكتبها فجاء ابن ام مكتوم فشكا ضرارته الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فنزلت ﴿غير اولى الضرر﴾.

ومثلها رواية زيد بن ثابت وفي رواية اخرى عن زيد بن ثابت مثلها وفيها.

(فقام عمرو بن ام مكتوم وكان اعمى لما سمع فضيلة المجاهدين فقال يارسول الله فكيف بمن لا يستطيع الجهاد فما انقضى كلامه حتى غشيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليه السكينه فوقعت فخذه على فخذى - الى ان قال - فقال اقرء يازيد فقرأت لايستوي القاعدون من المؤمنين فقال اكتب غير اولي الضرر - وفي رواية اخرى ايضاً عن زيد مثلها وفيها - فقال - ابن أم مكتوم يارسول الله لو استطيع الجهاد لجاهدت وكان رجلاً اعمى - الحديث(4).

ص: 69


1- و حرب القادسية كان من المسلمين برئاسة سعد بن ابي وقاص وابي عبيدة الثقفي وبين الفرس بالقادسية قريبا من الكوفه سنة 14 هجرية في زمان عمر.
2- اسد الغابه ج 4 ص 127.
3- سورة النساء 95.
4- الطبقات ج 4 ص 155).

فمن كان غير مستطيع للجهاد في زمان الرسول (صلى الله عليه وآله) حتى استثناه الله سبحانه لعذره وضرارته فكيف استطاع يوم القادسية في زمان عمر سنه اربعة عشر من الهجرة ، وماوجه الجمع بينهما.

وثانياً: ينافيها ما في رواية كعب بن عجزة قال ان الاعمى الذي انزل الله فيه عبس وتولى اتى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال يارسول الله اني اسمع النداء ولعلّي لا اجد قائداً فقال اذا سمعت النداء فاجب داعي الله - وكذا رواية ابي امامة قال اقبل ابن ام مكتوم الاعمى وهو الذي نزلت فيه عبس وتولى ان جائه الاعمى فقال يارسول الله كما ترى قد كبر سنّي ورق عظمي وذهب بصري ولي قائد لا يلائمني قياده اياي فهل تجد لي من رخصة اصلي الصلوات الخمس في بيتي قال هل تسمع المؤذن قال نعم قال ما اجد لك من رخصة(1).

فمن كان في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) عاجزاً عن الحضور في المسجد للصلوة جماعة لكبر سنه ورقة عظمه وذهاب بصره وعدم قدرته على المشي من دون قائد فكيف صار بعد سنوات عديدة في حرب القادسية بطلاً فارسا صاحب اللواء - ان هذا لشيء عجاب ماسمعنا بهذا في الملة الآخره ان هذا الا اختلاق.

وثالثاً: ان يوم يوم القادسية لم يكن الا يوم المقاتلة والجهاد مع الكفار افلم يكن امر الجهاد مرفوعاً عن العجزة ومنهم الاعمى وأنه ليس على الأعمى حرج فكيف كان ابن ام مكتوم يحضر المعركة ، ثم ما ذا كان ينفع وجوده في المعركة وهو لا يقدر على المقاتلة بل من لم يكن يقدر على الحضور للصلوة جماعة في المسجد من دون قائد وكان يعتذر لذلك عند النبي (صلى الله عليه وآله) فلماذا حضر ساحة القتال ، ثم كيف صار صاحب الراية وصاحب الراية من قوّاد العسكر الى البراز والحرب بحسب المصالح الحربية والاعمى مضافاً الى عدم قدرته لذلك يحتاج الى القائد فيستوجب اشتغال رجل آخر من المقاتلين بقيادته ويستلزم ضرراً على العسكر بتعطيل محارب مجاهد آخر.

افلم ينظر الرواة والمحدثون في هذه الروايات بعين العبرة والانصاف والتنقيح

ص: 70


1- الدر المنثورج 6 ص 315.

والاحتساب ليخرجوا بذلك عن التكلف والاعتساف ، ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ان لا يقولوا على الله الا الحق؟

فهذه الروايات بعد ما عرفت من الضعف والاضطراب والتضاد والتعارض وآثار الوهن فيها ، فلا تصير لنا حجّة شرعية ولا عقلية لصرف الآيات الى المعنى المشتملة له. بل وجودها تشعر بدسایس شيطانية حصلت عن ايدى الأمويين الذين عاشوا الف شهر فتنة للمسلمين وساسة على عباد الله يحكمون فيهم على ما يشاؤون ويقدرون وقد اشرنا الى ذلك قبلاً فراجع ص 42 - ص 53.

ص: 71

تصوير الجو الحاكم قبال رسالة الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)

اشارة

وهنا راينا ان تصوير الجو الحاكم في الجوّ الحاكم في عصر نزول الآيات في قبال رسالة رسول(صلى الله عليه وآله) مما له اساس اكيد في تقريب الحقيقة الى الاذهان وفي ضوئه ينكشف لنا مخاطب آيات العتاب والا هداف الساميه في تلك السورة وتعاليمها وما فيها من التربية والتزكية وما يميز به بين الحق والباطل في سبيل الدعوة الى الاسلام ، ثم يميز بين من يليق بمقام السفارة والرسالة بحق ، ومن يشتهي ان يجلس مجلسه بغير حق تكلّفاً وتكبراً وتجبراً واتباع الهوى فيصله عن سبيل الله ويضل الناس بغير علم.

بسم الله الرحمن الرحيم

عبس وتولّى 1 ان جائه الاعمى 2 وما يدريك لعلّه يزكي 3 او يذكر فتنفعه الذكرى 4 اما من استغنى 5 فانت له تصدّى 6 وما عليك أَلّا يزكى 7 واما من جائك يسعى 8 وهو يخشى 9 فانت عنه تلهى 10 .

حكاية واقعة يعالجها القرآن بتوجيه ارشادي من الصفات الردية الرذيلة الكاشفة عن ضعف النفس وانحطاطها الى المكارم السامية الاسلامية سيما في سبيل الدعوة الى الله سبحانه والى الحق والى الاسلام ، فيذكر القيم الانسانية فيوازنها بمقياس الحق وميزان الحقيقة بما يميزها عن الموازنة الجاهلية التي لاترى الا المظاهر المادية البحتة مماليس ورائها حقيقة الانسانية وانما هى الماديات واسبابها وجلواتها المتسرعة الى الفناء ، واما الانسانية فهي حقيقة تدور مدار قوة العقل وتراكم المعنويات والصفات العالية والمكارم الحميدة والاداب الحسنة مما تنشأ عن ارتقاء الروح عن مستوى الحيوانات والبهائم والسباع والهوام الموذية فما يرفع الانسان ويكرمه ويرقيه ويسيطره على جميع

ص: 72

الموجودات ويسخّر بيده الاسباب ويتوجه بتاج الملوكية على الارض ومافيها ومافوقها ، ليس هو نعومة جلده وصباحة منظره وحسن عيونه و بیاض اسنانه وثعره ، وامثال ذلك من المحاسن البدنية اذا لم يستتبعها سلامة النفس وصفاء الروح ، فرب صبيح سالم الاعضاء في غاية الحسن والملاحة ساقط عن القيم الانسانية ، لا يعرف له الناس اى منزلة وشرف وشخصية ، وربّ قبيح وجها او مؤف عينه او سمعه او يده او رجله او غير ذلك من اعضائه ، ولكن له عظمة، واكتسب المكانة السامية بالعلم والفضل او بالصفات العالية او غير ذلك مما جعله على رؤوس الناس رفعة وشرفاً وسودداً، وكذلك الثروة المالية والمكانة والجاه عند الجهال وكثرة الاولاد والاقارب والعشيرة والخدم والحشم والسيطرة ، ليس بشاخص لما في باطن الانسان من العلم والكمال والآثار الحميدة والملكات الفاضلة الجيّدة كما انّ الفقر وانحطاط الجاه عند ابناء الدنيا وعدم المكنة ، غير كاشف عن دنائة النفس وقلة العقل واعوجاج الفكر ورذالة الصفات والفقر في المعنويات الانسانية فان للفقر والغنى في المال والرقي والانحطاط عند الناس عللاً واسباباً شتى ربما تكون خارجة عن اختيارات الانسان ، وما باختياره ربما استمد من الحيل والغدر وانواع الظلم والهتك والتعدي وامثال ذلك ، على ان كل ذلك متاع الحياة الدنيا وللآخرة امتعة اخرى فكثير مما يعدّ شرفاً في الدنيا غير موجب للشرف في العقبى ، والقرآن ينظر الى الانسان بما انه انسان وهو اشرف الخلايق واكرمهم واعزّهم عند الله سبحانه وتعالى ، وهو خليفة في ارضه ولقد كرمه الله تعالى وحمله في البر والبحر ورزقه من طيبات الارزاق المادية والمعنوية وسخّر له مافي الارض والسماء ، ليصير فوق مافي الارض والسماء ، ويعرج الى رب الارض والسماء ، لا ليلعب بالتراب وما انتشر عنه ويغرق في هواه ويختار الخلود تحت مكائن الماديات الارضية، ويعبث بنفسه وعقله وكرامته في جوّ عالم وسيع سخر له.

واما الجاهلية سواء كانت تلك الجاهلية الماضية في عصر نزول القرآن او الجاهلية الحاضرة في عصر كشف الذرة وعصر السُّفُن الفضائيه ، فللمظاهر المادية في نظرهم المكانة السامية والعزة والشرف ، وقد كان الفقر عند عندهم مما يوجب نقصاً ونزولاً وانحطاطاً فيتقدّرون عن الفقير ، ويقبضون وجوههم عنه ، ويضيقون عليه من غير ذنب

ص: 73

وجريمة الا الفقر كما قال الشاعر:

اذا قل مال المرء قلّ محبّه *** وضاق عليه ارضه وسمائه

وقد حاربهم القرآن على تلك الخرافات الجاهلية كثيراً، وقال سبحانه ﴿وما اموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى الا من آمن وعمل صالحاً فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون﴾ وقال الله تعالى ﴿ان الله هو الرزاق ذو القوة المتين﴾، وكذلك العمى وفقد البصر ، ولو كان الاعمى بصير القلب غزير العلم محمود الصفات، حتى انهم كانوا يعزّلون الاعمى عن مجالسهم ومآ كلهم ومشاربهم ، فانظر في قوله تعالى ﴿ليس على الاعمى حرج ولا على الاعرج حرج ولا على المريض حرج﴾الايه) وماروى في ، نزوله والرسوم ) آنذاك فانزل الوحي الالهى بعدم الحرج في الاكل مع الاعمى او الاعرج والمريض ، فكأنهم يرون في ذلك حرجاً شرعياً من عند الله تشريعاً جاهلياً من عند انفسهم، فانظر الى ما تصوره الآيه الكريمة من أنّه ليس على الاعمى والأعرج والمريض حرج؛ الحرج الذي تتصوره الجاهلية حتى تجتنب عنهم - المائدة في المؤاكله والمجالسة والحرج الذي يراه لهم حتى من عند الله لينتظر الوحي السماوي بنفي الحرج ، والا فالحرج كان شرعاً ثابتاً بنظرهم ، وهكذا النظر الى الجو الذي تصوره الآية الأولى من انهم كانوا يرون انّ المال والأولاد وكثرتهما يصير ملاكاً كلياً في السعادة في جميع الجهات والابعاد حتى عند الله سبحانه ، فيوجب القرب والزلفى لديه سبحانه فايقظهم الله من هذه النعسة الجاهلية وان القرب والزلفى عند الله من الايمان والعمل الصالح، سواء في ذلك الغنى والفقير وذو الاولاد الكثيرة وصاحب العشيرة والابتر الوحيد الذي لا ناصر له الا الله ، فالميزان العادل والقسطاس المستقيم هو هذا ليس الا.

وقد بارز وحارب القرآن على هذه الاوهام السخيفة حتى الى التضحية في سبيله كما انهم ايضاً حاربوا النبي (صلى الله عليه وآله) على ماهم عليه من الآراء الباطلة ، فلم يكن في الحقيقة اكثر تلك المحاربات ولاسيما مانشئت عن مكة الا على امثال تلك الآراء الجاهلية مع كثرتها وشدتهم في المقاومة عليها.

والنبي الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الذي اراهم المدينة الفاضلة في

ص: 74

تفسه الشريفة من اول الأمر باخلاقه الكريمة ومنهجه القويم ، فلم يكن يكتفي بالقول بل كان على خلق ومشي كريم فجرى بصفاته العالية وملكاته الفاضلة واخلاقه الطاهرة ثم دعاهم الى سبيله الذي هو سبيل ربه وجعل نفسه الشريفة التي هي تلك الخلق الحميدة اسوة للناس ، ثم ارشدهم الله الى ذلك فقال سبحانه ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر﴾ فمن تلك الصفات اجريت البركات على النفوس المنحرفة واطفئت النيران عن روحياتهم المهيجة وصاروا على الأخوة الاسلامية والصفاء.

وكان من تلك الصفات الحميدة مجالسته مع الفقراء والعميان والعبيد والموالي والاعرج على حد مجالسة غيرهم بل ربما كان على حنو زائد ، ويأكل ويشرب معهم كاحدهم من غير مميزات لنفسه في حلقات جلستهم محتسبا نفسه واحداً منهم ، منادياً انه لافخر لآدمي على آخر وان كلكم من آدم و آدم من طين ﴿وان اكرمكم عند الله اتقيكم﴾ الى غير ذلك من انواع التواضع والاخلاق الحسنة.

وقوام الدعوة الاسلامية كثيراً ما كان على اساسين متينين وركنين قوتين:

الاول: المنهج الاخلاقي الرباني والسيرة المرضية التي مجسمتها النفس المحمديه(صلی الله علیه و آله و سلم)والصفات النبوية والآداب الطاهرة الملكوتية التي ترتسم في شخصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولذلك كان اوائل المؤمنين اكثرهم من قسم المحرومين من الفقراء والعميان والموالي والعبيد امثال بلال بن رباح الحبشي وعبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر ووالديه ياسر وسمية وابن أم مكتوم واشباههم ونظائرهم ، فهؤلاء بعدما ذاقوا بانفسهم مرارات الجاهلية بشتى مظاهرها كانوا اسرع الى درك الاسلام وفهمه والوصول الى كنه مناهجه ومعارفه وطريقه ومشيه السامي وشموخ منهجه.

الثاني: المعارف الحقة الساطعة من البراهين القاطعة والمنطق البليغ في تصفية مناهج الافكار عن الأوهام السخيفة الى الحقائق الحقة، وهذا الركن الثاني مع علوه وارتقائه في القرآن الى اوج الكمال والى سماء لا يتصور فوقها سماء ، انما اثر اثره وانتشر في قلوب الناس بعد ما ازدوج مع الركن الاول ولاسيما في بدؤ ظهوره في المحيط الجاهلي في ذلك العصر ، فان صفوة المناهج الاخلاقيه علماً وعملاً والاعمال الصالحة

ص: 75

اكثر لمساً واقرب احساساً واسرع نفوذاً في القلوب، من مناهج العقل والفكر والعلم الجامد و المنطق المجرد وبهذين الركنين يهتف القرآن في كثير من آياته.

وكان اول من آمن بهذين الركنين وصدقه علماً وعملاً هو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كما قال سبحانه تعالى ﴿آمن الرسول بما انزل اليه من ربه والمؤمنون كل آمن﴾ (الايه) بل لم يكن من اول نشوه وتكوّنه وانعقاده الا على هذه السمة المباركة الميمونة ، كما يشهد به تواتر الاخبار والسير ويشهد به شهادة صدق المخالف والمؤالف ولا كلام لاحد في ذلك.

وبعد ذلك فانظر بعين الانصاف انّ من هذه سيرته واخلاقه وآدابه افلم يكن من سخافة القول وسذاجة المنطق والتبعد عن الحقيقة نسبته الى هذه الخرافات السلوكية واعوجاجه عن الطريقة وانه اعرض بوجهه عن الاعمى لعماه اولفقره واقبل الى الاغنياء لثروتهم واموالهم وكثرة عشائرهم، حتى عاتبه الله تعالى على ذلك ووبخه باشد التوبيخ في طى آيات في مبتدأ هذه السورة و غرتها بقوله ﴿عبس وتولى ان جائه الاعمى وما يدريك لعلّه يزكّى او يذكر فتنفعه الذكرى اما من استغنى فانت له تصدّى واما من جائك يسعى وهو يخشى فانت عنه تلهى﴾ فهذه الآيات الكريمة هل تناسب ان يخاطب بها الرسول ورسالته ، ام هل تناسب خَلقه وخُلقه وتربيته ، او تناسب مشيه وطريقته وسيرته ، او تناسب دعوته وقرآنه وحديثه.

﴿قل انما اعظكم بواحدة ان تقوموا الله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنّة ان هو الا نذير لكم بين يدي عذاب شديد﴾(1)

يا لله ولدعايات المنافقين الماكرين المترصدين لاضمحلال الشريعة ثم من ورائهم الحميات الجاهلية والعصبيات القومية ، يحرفون الكلم من بعد مواضعه ، ونسوا حظا مما ذكروا به ثم من وراء ذلك كله الهمج الرعاء اتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح، ولا يلجأون الى ركن وثيق ، وياللاسف يتظاهر ذلك في كتب التفسير وكلام المفسرين وانا اليه راجعون .

ص: 76


1- سبا 46

منافاة ما فسروه مع سائر الآيات في شأنه (صلى الله عليه وآله)

قد تبين تبيّن مما ان مستمسك من فسر آيات العتاب بتوجهها الى النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله تلك الروايات التي عرفت حالها في نفسها ومع قياسها للسيرة القطعية له (صلى الله عليه وآله) و ما ارسل به و آدابه ومشيه وسلوكه واخلاقه الشريفة. ثم ان من عجائب القرآن انه يصدق بعضه بعضه ، ويطرد ما ألصق به بيد الخائنين من التفسير والتأويل، الا أنه يحتاج ذلك الى التدبّر في آياته كما قال سبحانه افلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً)(1).

فما ذكرناه سابقاً فهو مع قطع النظر عن الادلة الصريحة الواضحة في خلال الآيات القرآنية ، مما يدل على خلاف مانسجوه من الروايات الواهية.

مثل قوله تعالى انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)(2)افلم يكن صاحب الرسالة(3)اول معنى ومقصود من هذه الآية ، او لم يكن هو (صلى الله عليه وآله) امام اهل الكساء وقدوتهم في الطهارة من كل رجس علمي وعملي، اخلاقي وادبي في نفسه ومعاشرته مع غيره ، او لم يطهره الله من الاعوجاج السلوكية مع اصحابه واعوانه والمؤمنين به ، او لم يكن الاعراض بوجهه عن الاعمى لكونه

ص: 77


1- النساء 82
2- الاحزاب 33
3- عن ابي سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال نزلت في خمسة في وف-ي ع-ل-ي وحسن وحسين وفاطمه تفسیر جوامع الجامع للطبرسي

اعمى او فقيراً والاقبال على اهل الثروة وذوي نفوذ الكلمة بين المشركين من الارجاس الاخلاقية ، واذا لم يكن فلم عاتبه الله تعالى عليه ، واذا كان فلم لم يطهره الله عنها بنص آية التطهير.

ومن مجازفة الرأي هنا ما ربما يقال ان الاعراض عن الاعمى المؤمن الفقير لعماه وفقره والاقبال الى الاغنياء المعرضين عن الحق المشركين لثروتهم وكثرة اموالهم ، لم يكن من الرجس والمعاصي قبل نزول تلك الآيات العتابية في اول سورة عبس بل صار رجساً بعد نزولها حتى انه لو اعاد مافعل في واقعة أخرى لاضر بالعصمة.

ولا يخفى سخافة هذا القول وما يجري مجراه ، فانّ آية التطهير لم تطهره عن خصوص المنهيات بل عن كل ماهو رجس، فحقيقة هذا القول ترجع الى ان ايذاء المؤمن والظلم والتقذر عن المؤمن الاعمى الفقير لعماه وفقره والاقبال الى ذوي الاموال والثروة والتكبر والسيطرة على الناس لما هم فيه كل ذلك ، لم يكن رجساً قذراً اخلاقياً وعملياً منافياً للايمان بالله واليوم الآخر ، فضلاً عن الرسالة عن الله وفضلاً عن مقام الخاتمية الا بعد نهى الله عنه ، فانّ النهي لا يغير الحقيقة بل كاشف عنها ومرشد الى كونه جساً وقذراً اخلاقيا.

ومثل قوله تعالى ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً﴾(1).

افلم يكن هو (صلى الله عليه وآله اسوة اهل الايمان والتقوى والقدوة الصالحة الذي يجب ان يقتدي به المؤمنون طراً في جميع اقواله وافعاله واخلاقه ومعاشرته وسلوكه بنص القرآن ، فالله سبحانه وتعالى الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات والارض ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وعنده علم الغيب ويعلم ماجرى ومايأتي وكان يعلم الطينة الطاهرة النبويه (صلى الله عليه وآله) ونفسه الشريفة وما يترشح عنها من الفضائل ، جعله أسوة مطلقاً للمؤمنين وقدوة للصالحين واماماً لاهل اليقين ، فهل يتصور في حقه هذه الزلات حتى يسدده الله بالمعاتبة عليه بعد وقوعه ، واذا امكن في حقه ذلك

ص: 78


1- سورة الاحزاب آیه 21

فلم جعله الله اسوة للمؤمنين واطلق القول فيه ، افليس معناه انه أسوة في جميع الازمنة والامكنة والحالات في جميع آثار وجوده وافعاله واقواله ، افليس معناه ان الله سبحانه يعلم أنه أسوة الى الابد فلا يصدر عنه ما ينافي ذلك ولا يصدر عنه ماليس بمرضى عند الله سبحانه ، فكيف ينسب اليه صدور ما يستوجب المعاتبة ، فلا مفرّ عن القول بكذب تلك الروايات التي نسبت خطاب آيات العتاب في سورة عبس اليه (صلى الله عليه وآله).

ومثل قوله تعالى ﴿ولولا ان ثبتناك لقد كدت تركن اليهم شيئاً قليلاً اذاً لاذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيراً﴾(1).

فه افلم يكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو الذي يثبته الله على الطريقة المثلى في جميع احواله واطواره واموره ، وقد تبه الله على ذلك في هذه الآية حيث ثبته في قبال ان يكاد ويدنو الى الركون الى الكفار شيئاً قليلاً يستوجب بذلك ضعف الحياة وضعف الممات. والتثبيت كما يفيده السياق هو العصمة ، قاله في الميزان وقال (قدس سره):

والمعنى ولولا ان ثبتناك بعصمتنا دنوت من ان تميل اليهم قليلاً لكنا ثبتناك فلم تدن من ادنى الميل اليهم فضلاً من أن تجيبهم الى ماسألوا ، فهو (صلى الله عليه وآله) لم يجبهم الى ما سألوا ولا مال اليهم شيئاً قليلاً ولا كاد ان يميل.

فقد كان ( صلى الله عليه وآله) تحت رعاية الله وحفظه وعصمته حتى في اقل قليل من الاشياء عند تهاجم المخاطرات ، فالشيء القليل من الركون الى الكفار اذا كاد فهو مما ثبته الله تعالى عنه فكيف بالكثير منه الذي يوجب المعاتبة عليه.

ومثل قوله تعالى ﴿وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى﴾(2)

فبمقتضى الحصر لم يصدر منه منطق وكلام الا عن وحي من الله ، ولا يصدر منه عن الهوى ، فالوحي من الله هو الذي يبرز منه في منطقه لا الهوى ، فما احاط على نفسه الشريفه ، هو وحي الله لا الهوى فهو الحاكم في افعاله دون الهوى ، فالمنطق مظهر من مطاهر نفسه الشريفة كما ان سائر افعاله ايضاً من مظاهرها ، فاذا احاط بنفسه الوحي بحيث لا ينطق الا عن وحي يوحى ففي سائر افعاله ايضاً كذلك ، فمانسب اليه في تلك

ص: 79


1- الاسراء 75
2- النجم آيه 3-4

الروايات اليه (صلى الله عليه وآله) من الاعراض عن الاعمى الفقير وهو يسعى لفقره وعماه والاقبال على الكفار ان كان عن وحي من الله كما يستفاد من العموم في آيات سورة النجم فلم عاتبه الله في سوره عبس عليه والا فيكذبها تلك الآيات الكريمة ، فيعلم ان العتاب على غيره (ص) وان تلك الروايات موضوعة مختلقة افتراء على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وآله).

عالمة ومثل قوله تعالى ﴿محمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم﴾(1).

ومن كان هو والذين معه هذه صفتهم فكيف يمكن ان يتصدى لأغنياء الكفار لغنائهم وثروتهم، ويعرض بوجهه عن المؤمن الاعمى الذي يسعى وهو يخشى لفقره وعماه .

ومثل قوله تعالى ﴿ولقد جائكم رسول من انفسكم عزيز عليه ماعنتم(2)حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم﴾(3).

لمان فاذا كان في رحمته ورأفته وحرصه بالمؤمنين على حدّ عزّ عليه ما يُعَنّتُهُم ويؤذيهم ويصعب ويشق عليهم ، وكان حريصاً على المؤمنين ورؤفاً ورحيماً بهم ، فهل يصدر منه اعراض عن المؤمن الاعمى لعماه و فقره حتى يتأذى من ذلك ، وينزل الوحي بمعاتبته وانك لماذا اعرضت عمن جائك يسعى وهو يخشى ولماذا تلهيت عنه واقبلت الى الاثرياء والاغنياء لغناهم.

ثم انّ من وصفه في سورة عبس هل يمكن ان يصفه الله تعالى العالم بالحقائق الذي لا يقول الا الحق بقوله ﴿لقد جائكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم﴾ الى آخر الآيه ، اليس هذا من تناقض القول او التشخيص ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً وقد قال سبحانه وتعالى ﴿ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً﴾(4)فما في

ص: 80


1- الفتح 28
2-
3- التوبه 128
4- النساء 82

تلك الروايات من توجّه العتاب اليه يوجب الاختلاف والتضاد المنفى ، فهذه الآيات تنفي وتكذب ما في تلك الروايات.

ومثل قوله تعالى ﴿ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ماعليك من حسابهم من شيء ومامن حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين﴾(1).

وقال تعالى ﴿واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه و لا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان امره فرطاً﴾(2).

وقال تعالى ﴿فاعرض عمن تولّى عن ذكرنا ولم يرد الا الحياة الدنيا﴾(3).

لمال فهذه الآيات تدل على لزوم الصبر مع المؤمنين الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه ، وانه لايجوز ان يجتاز عينه عنهم ولا يجوز طردهم فان طردهم يصير من الظالمين.

وفي قوله تعالى ﴿واذا ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فاتمهن قال انّي جاعلك للناس اماماً قال ومن ذريتي قال لاينال عهدي الظالمين﴾(4).

وفي هذه الآية تصريح بان عهده لا ينال الظالمين فلا يشمل الظالمين ، عهد النبوة والامامة للناس وحيث ان محمداً صلى الله عليه وآله) مصطفى النبيين واشرفهم وخاتمهم وافضلهم فيعلم انه لم يصدر منه ،ظلم ، والا لم يكن يناله عهد الله بالرسالة والامامة مع ان طرد المؤمن والمضايقة في المحاسبة عليه والاعراض بوجهه عنه وعدم الصبر معه ، مع ما علیه ظلم كما في الآية الاولى ، فيستفاد من المجموع انه (صلى الله عليه وآله) لم يعبس على الاعمى بوجهه ولم يعرض عنه ولم يشغل عنه بغيره من الكفار الاغنياء ، والا لكان (نعوذ بالله من الظالمين ولم يشمله عهد الرسالة والامامة فمن اصطفاه الله للرسالة والامامة لا يصدر منه هذه السيره مع المؤمنين ، ولا المماشاة مع

ص: 81


1- الانعام مكته آیه 52
2- الكهف مكته آیه 28
3- النجم 29 مكية
4- البقرة 124

الكافرين الغافلين عن ذكر ربهم المتبعين هو يهم.

فلا محيص عن القول بان الآيات العتابيه في مبتدء سورة عبس وتولى لم تنزل في شأنه (صلى الله عليه وآله) بل المقصود بها غيره الذي تضاد صفاته وسيرته مع صفاته وسيرته (صلى الله عليه وآله) والروايات التي ذكروها في ذلك كلها كذب وافتراء على الله ورسوله صلى الله عليه وآله كيف لا وقد كتب الله سبحانه تعالى لأخلاقه الشريفة تقريظاً فائقاً ومدح لنبيه(صلی الله علیه و آله و سلم)في اخلاقه وخفض جناحه للمؤمنين ، وانه لولا ذلك لتفرّق الناس من حوله ولم يجتمع شمل الهدى ، فقال سبحانه ﴿ولو كنت فظاً غيلظ القلب لانفضوا من حولك﴾(1)ثم بعد آيات صرّح بالامتنان على المؤمنين برسالته مع ان الله تعالى لم يمنّ عليهم في سائر نعمه فقال تعالى ﴿لقد من الله على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولاً من انفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين﴾(2).

مع ان الذي انتخبه واصطفاه الله لتزكية الناس في ضلالهم المبين ، لابد وان يكون كاملا لهذه الرسالة علماً وعملاً واخلاقاً وسيرة ، بحيث لا يصدر منه ما ينافي التزكية عمّا يكون الناس عليه من الضلال فينافي ذلك كونه كسائر النّاس في ضلال بالتقدر من الفقير الاعمى والاعراض عنه وجهاً والاقبال الى ذوي العشيرة وذوي الاموال.

فيعلم من ذلك ان الذي كان على الصفة التي عاتبه الله هو غير نبيه ممن لم يتزك بتزكيته ولم يتأدب بتاديب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يتخلق باخلاقه الشريفة فبقى على ضلاله حتى عاتبه في تلك الآيات ، وان تلك الروايات التي حرفت الكلم عن مواضعه روايات افترائية كاذبة افترت على الله ورسوله (صلى الله عليه وآله).

ومثل قوله تعالى ﴿ن والقلم وما يسطرون ما انت بنعمة ربك بمجنون وان لك لاجراً غير ممنون وانك لعلى خُلُقٍ عظيم﴾(3).

بالله عليك انظر الى ما اطرء على اخلاقه الكريمة بتأكيدات كثيرة وازدوجه بالقسم

ص: 82


1- آل عمران 159
2- آل عمران 164
3-

الذي لا يقسم الله تعالى الا في الامور الهامة ثم وصفها بالعظمة وكم للعظمة عنده من عظمة فان كل شيء في جنب عظمته حقير ، ثم قف وقوف تدبّر وتحقيق عند قوله ﴿وانك لعلى خلق عظيم﴾ وانظر الى ان من كان مستوليا على الاخلاق العظيمة مالكاً لها وملكاً عليها ومسيطراً ومحيطاً عليها وبها واستوى على عرشها مع عظمتها عند الله العظيم ، فهل يزلّ قدمه في صراطها ليعاتبه الله عليه ثم انّ ما يُسلّط عليه انما هو الخُلق العظيم الذي بعظمته لا يشذ عنه مورد واحد يعثر فيه.

ثم انّ هذه المرتبة العظيمة انما هي عند الله الذي لايعزب عنه مثقال ذرة في السموات والارض ، ولا يغفل ولا يتغافل ولا تأخذه سنة ولانوم ، ولا يقول الا الحق الصريح ويقول ﴿وبالحق انزلناه وبالحق نزل﴾ ولا تكون في كلامه تعالى نقطة سوداء من الباطل من غير مسامحة وجزاف. فلو صدر عنه (صلى الله عليه وآله) ماعاتبه في سورة لخالفت وتناقضت مع مافي هذه الآيات من سورة القلم ، فيعلم ان المقصود بما في سورة عبس عتاباً عليه غيره (صلى الله عليه وآله) وان تلك الروايات التي نسبت ذلك الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) كذب وافتراء على الله وعلى رسوله.

هذا مضافاً الى غير ذلك من الآيات الكثيرة الدالة على عصمة الانبياء عموماً وعصمته (صلى الله عليه وآله) خصوصاً مما يطول الكلام بذكر جميعها.

فسبحان ربك ربّ العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

نعم كان مكتب رسول الله (صلى الله عليه وآله) رسول الاسلام علماً وعملاً، مكتب مكارم الاخلاق و محامد الصفات ومداراة الناس واكرام المؤمنين واحترام اهل اليقين والحب في الله والبغض في الله وكظم الغيظ والعفو عن الناس ودفع السئيه بالحسنه والحياء وحسن البشر والابتسام في وجوه الناس وان يلقاهم بوجه منبسط متبسم وان يفرج عن المؤمنين الكربات ويدفع عنهم المصائب والنكبات ومصادقتهم ومصافحتهم . وتوقيرهم وتعظيمهم والمازحة معهم وادخال السرور في قلوبهم وقضاء حاجاتهم وكتمان اسرارهم وستر عيوبهم ومجالستهم كاحدهم وزيارتهم ومحبتهم ورأفتهم .. الى غير ذلك من الآداب الحسنة والمعاشرة الطيبة مما يكشف عن طهارة الذات ونزاهة الصفات

ص: 83

وقداسة النّيات ، ويشهد بذلك قرانه واحاديثه وماتواترت به من سيرته وآثاره وتاريخه من غير فتور وقصور فيه (صلى الله عليه وآله).

فما في هذه الروايات المفسّرة لآيات العتاب في سورة عبس وتولى بتوجه الخطاب اليه(صلی الله علیه و آله و سلم)، فهو مما لا يلصق به ، ولا يناسبه و آثار الكذب فيها موفورة كما سبق شطر منها.

ص: 84

كشف الحقيقة من نفس سورة عبس

اشارة

دع عنك كل ماسبق في كشف الحقيقة ، وانظر في نفس سورة عبس ، وفي متن آیاتها ، في لغاتها ، ومفرداتها ، وتركيب جملاتها هل فيها دلالة ما على ان المخاطب في اوائل آياتها هو النبي (صلى الله عليه وآله او ليس فيها دلالة على ذلك ، او ان فيها دلالة على انه غيره(صلی الله علیه و آله و سلم).

﴿افلا يتدبرون القرآن ام على قلوب اقفالها﴾(1)

﴿عبس وتولى ان جائه الاعمى وما يدريك لعله يزكى او يذكر فتنفعه الذكرى اما ن استغنى فانت له تصدى وماعليك الايزكى واما من جائك يسعى وهو يخشى فانت عنه تلهى﴾.

الذي اعتمد اليه من ارجع الضمائر اليه (صلى الله عليه وآله) شيئان:

احدهما: الروايات الضعيفة المقطوعة المرسلة التي فيها آثار الكذب والافتراء ، وقد تكلمنا فيها بشيء قليل و منها اخذ اهل السنة رأيهم في تفسير تلك الآيات وانعقد عليه اجماعهم من غير تحليل علمي وتدبر عقلي لافي الروايات ولا في الآيات ولافي الادلة العقلية في مباحث النبوة ، كل ذلك تقليداً لسلفهم واعتماداً على رواياتهم مع ان الله سبحانه يقول ﴿افلا يتدبرون القرآن ولوكان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً﴾(2)ويقول ايضاً ﴿الم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ان لا يقولوا على الله الا الحق و درسوا ما فيه﴾(3)

ص: 85


1- سورة محمد - ص - 24.
2- سورة النساء 82.
3- الاعراف 169.

الثاني: الضمائر الخطابية في اكثر تلك الآيات التي توهم انها خطاب الي النبي (صلى الله عليه وآله) من جهة انّ الوحي كان ينزل عليه فلم يكن حين نزول الوحي مخاطباً غيره ، فالخطاب يتوجه اليه ، ثم انّ السعي للهداية والتزكية والرشاد انما كان الى النبي (صلى الله عليه وآله) لا الى غيره فهو الذي كان قطب دائرة الدعوة الى الحق والارشاد الى الاسلام وتزكية الناس ، فالمتكفل لتلك الأمور المذكورة في تلك الآيات انما كان هو هو(صلی الله علیه و آله و سلم)، فيصير ذلك قرينة على انّ العثرة المستعقبه بالمعاتبة عليها من الله تعالى (نعوذ بالله) صدرت منه (صلى الله عليه وآله) فعاتبه الله عليها تأديباً لنبيه(صلی الله علیه و آله و سلم)وتسديداً له فيما بعد ، ليمشي في ظل هذا الادب الالهي في مسير دعوته وطريق ارشاده. نعم هذه قرائن بدوية يتجلّى في بادىء النظر ، يوهم رجوع الضمائر اليه (صلى الله عليه وآله) وتقربها الروايات وكلمات عدّة من المُفسّرين الذين اتبعوا تلك الروايات بحيث لو صرفت وجهك عن تلك الروايات وكلمات هؤلاء المفسرين لم تبق هذه القرآئن بهذه الجلوة.

ص: 86

اشكال على تفسيرهم من حيث البلاغة

ومع ذلك فالآيات الكريمة بهذا النظر ومع هذا التفسير الذي تؤديه الروايات غير خالية عن الغلق والاضطراب وتعقيد في البيان ، فانّ الوجدان والممارسة لاهل البيان وذوقيات الفصحاء والبلغاء يقف هنا وقفة التسائل والاستيضاح في ان القرآن الذي تحدى ببلاغته وفصاحته الجن والانس على ان يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً ، وقد عجر عنه الاوّلون واتبعهم الآخرون ، كيف سلك في تلك الآيات بغير الطريقة المألوفة فتكلم اولاً بنحو الغيبة مع ان مخاطبه حاضر ثم رجع عن الغيبة الى الخطاب ، فان كان المقام مقام التوبيخ والعتاب والتشديد والملامة كما هو كذلك ، فيقتضي ان يكون الامر بعكس ذلك بان يخاطبه اوّلاً ويحدّ النظر اليه ساخطاً غضبان ثم يصرف وجهه عن سال الخطاب الى الغيبة تأكيداً في اشتداد السخط ، كمن يغضّ عينه سَخَطاً وغيظاً وتذكيراً له الى انك غير لايق بالمواجهه والمخاطبة ، فيعاقبه ويوبخه خطاباً باغلظ مما بدء به في ابتداء كلامه من انواع الملامه والعتاب.

ما اجيب به عن الاشكال:

واما ماقيل في الذب عن هذا الاشكال من ان في ذلك لطف عظيم من الله لنبيه (صلى الله عليه وآله) اذ لم يخاطبه في باب العبوس فلم يقل عبست ، فلما جاوز العبوس عاد الى الخطاب فقال ﴿وما يدريك لعله يزكى﴾

ص: 87

بيان الفساد لما اجيب عن الاشكال:

فهذا غير وجيه في الغاية ومن سوء الدراية والتسرّع الى النتيجة والنهاية في مقدمات الاستدلال وانطباع التقليد في القلب عن الروايات الموهونه التي مضت مع كلام مختصر في بيان وهنها وافتعالها وتناقضها

وذلك فأنه لو كان المقام مقام التلطيف من الله سبحانه في تلك الآيات فلم خاطبه فيما بعد بما هو اشد عتاباً ونسبه مخاطبةً بما هو ادنى والوم من العبوس وهو التصدّي للاغنياء والتلهى عمّن يسعى وهو يخشى ايمانا ورشادا الى الحق ، فان العبوس بمجرده ليس من الصفات الذميمة مالم يكن عن داع نفساني ، كما اذا كان سخطا على مخالفة احكام الله واما التصدّي للاغنياء المشعر بان التوجه اليهم لغناهم وثروتهم واموالهم و وجاهتهم فيما بين ابناء الدنيا ، وكذا التلهي والاعراض عن الاعمى الفقير بعد سعيه يه الى الله والى دينه ورسوله وخشيته عنه المشعر بان ذلك من جهة فقره وعماه ولو كان ذو سعي وايمان وخشية ، حيث ان ذكر متعلق الحكم موصوفاً مشعر بدخالة الوصف في القضية فهو من ارذل الصفات والومه واخبثه الذي يشعر بان صاحبها لا يعتني بالايمان والسعي الى الله ، بل محور اهدافه هو الدنيا ومظاهرها ، فيعرض عن الفقير الاعمى ويقبل الى الاشراف والاغنياء ، وهذا مما لا ينتظر من اوساط المؤمنين فضلاً عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ففي ذكر العبوس اوجب اللطف من الله سبحانه ان ذكره بنحو الغيبة ، واما بالنسبة الى هاتين الصفتين المنفورتين فلم يوجب تلطيفا في البيان بذكرهما بنحو الغيبة ، مضافاً الى انه لو كان المقام مقام العتاب والتاديب فما معني التلطيف ولاسيما بهذا النحو الموجب لتشويش المعنى وعدم فهم المخاطب منه.

اشکال آخر على تفسيرهم:

ثم على هذا التفسير ما معنى قوله تعالى وما عليك ألا يزكّى فهل عزله من

ص: 88

منصب الرسالة والدعوة او انّ الرّسول ليس على عهدته تزكية الناس مع ان الله يقول ﴿هو الذي بعث في الاميين رسولاً من انفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم﴾(1)وقد كتر ذلك في في عدّة من الآيات.

وما اعتذروا به من دلالة الآية على اهمية الاعتناء والاهتمام بشأن المؤمنين من التصدي لتزكية غيرهم من الكفار.

فمضافاً الى ان ذلك اوّل الكلام وقد قال الله تعالى ﴿انما انت منذر ولكل قوم هاد﴾ وقال ﴿ما على الرسول الا البلاغ﴾ وقال ﴿يا أيها الرسول بلّغ ما انزل اليك من ربّك﴾ الى غير ذلك مما يدل على ان العمدة في شأن الرسول هو الانذار والبلاغ وادخال الناس في الاسلام ، ولذا قبل الاسلام حتى من المنافقين الذين اضمروا الكفر في قلوبهم وقد اظهره كثير منهم بعد وفاته (صلى الله عليه وآله) وبعضهم حتى في حياته(صلی الله علیه و آله و سلم)عند بطانتهم ، ان الآية لاتدل على ماذكروه فانّها تنفي التزكية عن عهدة النبي (صلى الله عليه وآله) وتقول ﴿وماعليك الا یزکی﴾ ولا تقول (ان التصدي للمؤمن اهم او اولى من الكفّار) ، فما ذكروه غير مطابق ولا مناسب للآية الكريمة ، - هذا على انه لا محصل لهذا الكلام في نفسه اصلا فان النبي (صلى الله عليه وآله) اوّل ما بعث واوّل من يواجه في بعثته(صلی الله علیه و آله و سلم)انما هم الكفار والا فمن اين صار المؤمن مؤمناً وانما كان كل من آمن في بداية امره كافراً فآمن بدعوة النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)وارشاده وتزكبته فصار مسلماً مؤمناً حتى الاكابر من المؤمنين هذا مضافاً الى انه لم يكن تضاد بين ترضية المؤمن وعدم الاعراض عنه ، وبين تزكية الكفار والتصدّي لهم فيمكن جمعهما بتوسّع اخلاقي ، وتقديم الاهم على المهم انما هو فيما كان بينهما التضاد ولم يتمكن من الجمع بينهما كالجمع بين الصلوة في آخر وقتها وانقاذ الغريق المشرف على الهلاك.

ص: 89


1- سورة الجمعه 2

توضيح الحال في الآيات وكشف الحق

ان الحق يعلو ولا يعلى عليه، ويتجلى لذوي البصائر، ويتصادق مع جميع الجوانب ، واما الكذب والافتراء فلا يدوم ، بل ينخفض الى الأفول ويفتضح ولو بعد حين ، لعدم تطابقه بل تضاده و تصادمه يظهر عيوبه وقبحه.

لم يصرح في تلك الآيات الكريمة بالمخبر عنه بل يقول سبحانه ﴿عبس وتولى ان جائه الاعمى﴾ ومرجع الضمائر فيها غير مذكور ، وانما كان معلوماً في ذلك الحين عند الرسول (صلى الله عليه وآله) والمؤمنين ، ثم صار مستوراً ، ثم صار مجهولاً بدسايس المخالفين، ولكن الله تعالى يحفظ ذلك بصورة أخرى لمن طهر قلبه طهر قلبه عن الحميّة الجاهلية والعصبية القوميّة وسنذكره ونوضحه انشاء الله .

ولا اشكال في أن المرجع لتلك الضمائر هو الذي يخاطبه فيما بعد بقوله ﴿وما يدريك﴾ الى آخره الا أنه ذكره بنحو الغيبة ثم رجع عنها الى الخطاب اليه من باب الالتفات من الغيبة الى الخطاب فاما ان يكون المعنى به والمقصود حاضراً ولم يخاطبه أولاً ثم رجع الى الخطاب اليه، وقد عرفت فيما سبق قريباً(1)أنّ ذلك خلاف ما يقتضي في المحاوره في الكلام البليغ، بعد أن المورد هو مورد العتاب والملامة وأما ان يكون غائباً، ثم في مقام تشدید العتاب فرضه كالحاضر وعاتبه خطاباً تصويرياً، وهذا هو الظاهر من تلك الآيات الكريمة، وبحسب ذلك تظهر بلاغتها ورصانتها ومحاسنها الكلامية وتصير على مقتضى الحال من دون غلق وتعقيد واضطراب، فان المتكلم اذا أخذ

ص: 90


1- ص 70

في التعيير على أفعال قبيحة صدرت عن رجل ماكان ينبغي أن يصدر عنه هذه الأفعال ويريد اظهار سخطه وملامته وعتابه عليه وهو غير حاضر عنده، فيتكلم عليه بنحو الغيبة هو كذلك ويمضي على هذا النحو الى أن يشتد سخطه عليه شيئاً فشيئاً، واشتداد الغضب عليه توجب قوة وجوده في نظر المتكلم الى حد كأنه يتجسم عنده في الخارج بشكل حضوره لديه فيلتفت المتكلم من الغيبة حينئذ الى الخطاب معه، فيخاصمه ويعاتبه مخاطبةً ويقول عليه ما يرى أنه يليق به من العتاب والملامة.

وربما كان المتكلم لم يتغير في نفسه بتلك الحالات، الا أنه في مقام البيان يخرج كلامه بهذا النحو لمجرد مفاهمة المقصود، وأن المحكي عنه يليق بذلك، كما لو كان المتكلم ممن لا يأخذه التغيّر واشتداد الغضب وتجسّم الوجود الذهني في نظره، وعلى هذا النحو يجري كلام محاورة القرآن فانه كلام عربي بلسان القوم على مقتضى الأحوال فيتجلى في إفهام المقصود على مجرى محاورة أهل اللغة، وقد عرفت أنه على هذا النحو بل لا اختصاص لذلك بلغة دون اخرى كما هو الظاهر.

مثلاً اذا أهان زيد ولدك أو شتمه أو ضربه، وقد كثر انعامك على زيد من أول نشأته وحياته، ولم تنتظر منه ذلك، فبعد ما فعل وتأثرت عنه سخطاً وغيظاً تقول للحاضرين - زيد أهان ولدي، ثم سبه، ثم ضربه، من غير جرم وتقصير، لماذا أهانه، لماذا شتمه، ثم كيف جرى في لثامته حتى ضربه ضرباً مولماً موجعاً ، ماذا صدر مني في حقه، أو من ولدي، حتى عاداني في ولدي العزيز، يازيد، ألم أكن أكرمتك، ألم أكن أحسنت اليك من أول طفولتك، وأطعمتك في بيتي غدواً وعشيّاً أولست انساناً أهكذا جازيتني، والله لئن وصلت اليك يدي لأفعلن كذا وكذا، وهذا النحو من الالتفات من الغيبة الى الخطاب كما يجري في الذم والعتاب والملامة يجري أيضاً في الثناء والتكريم واظهار الحب مثلاً تقول فلان قد أرسل الى من ماله ألفي دينار وكلّما الأقيه يسئل عن حالي ببشر وجه وخلق كريم بل يجود على جميع الناس كم من الصفات المحمودة فيه ولم أر له نظيراً في كمالاته وانسانيته فديتك بنفسي ما أحسن اخلاقك ما أكرم نفسك جزاك الله خيراً ورفع لك ذكراً ...

والسر في كلا الموردين من الالتفات عن الغيبة الى الخطاب، هو ماذكرناه من اشتداد السخط أو الحبّ الى أن يفرضه ويتصوّره كأنه الحاضر عنده، ثم يخاطبه على هذا

ص: 91

النمط، وقد ورد في القرآن الالتفات من الغيبة الى الخطاب في كلا الموردين أما في مقام الثناء والمدح كما في سورة الحمد من قوله تعالى ﴿الحمد الله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين اياك نعبد واياك نستعين﴾(الى آخر السورة) وأما في مقام التوبيخ والعتاب والدّم كقوله تعالى ﴿واذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتى عشرة عيناً قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين﴾(1)وكقوله تعالى ﴿فلا صدق ولاصلى ولكن كذب وتولّى ثم ذهب الى أهله يتمطى أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى﴾(2)وكقوله تعالى ﴿وعم يتسائلون - عن النبأ العظيم - الذي هم فيه مختلفون - كلاً سيعلمون ثم كلاً سيعلمون - ألم نجعل الارض مهاداً - والجبال أوتاداً - وخلقناكم أزواجاً (وجعلنا نومكم سباتاً﴾(3)وكقوله تعالى ﴿واذا القبور بعثرت علمت نفس ما قدمت واخرت يا ايها الانسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسويك فعدلك في اي صورة ماشاء ركبك﴾(4).

وهذا من محاسن الكلام في فن الفصاحة و البلاغة

وبهدا النحو من الالتفات عن الغيبة الى الخطاب ظاهر سياق آيات العتاب في سورة عبس حيث قال سبحانه :

﴿عبس وتولّى - أن جائه الأعمى - وما يدريك لعله يزكى - او يذكر فتنفعه الذكرى أمّا من استغنى - فأنت له تصدى وماعليك ألاً يزكى وأما من جائك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى﴾.

هذه الآيات تصوّر لنا مجلساً خاصاً من مجالس النبي (صلى الله عليه وآله)، وهو مشتغل بشأن الدعوة الى الاسلام والارشاد اليه على ماهو وظيفته، واهل ذلك المجلس من مسلم قد لبى دعوته واستجاب فقعد يسمع كلامه، ومن مسترشد يتعلم معالم دينه، ومن عدة من الزعماء وسادات العشائر وشيوخ القبائل وأشراف القوم، حملتهم أغراضهم الى الحضور، أو جذبتهم الدعوة النبوية، او عذوبة القرآن مع أنهم يرون أنفسهم مستغنيا عن

ص: 92


1- سورة البقرة 60
2- سورة القيامة 31 - 35
3- سورة النبأ آياتها 1 الی 9
4- سورة الانفطار 4 - 8

الدين الجديد بما عندهم من الثروة والغنى والزعامة والشرف عند عشيرتهم، لكن النبي (صلى الله عليه وآله) يحرص على هذيهم ويجد ويجتهد في ارشادهم مع ماهم عليه من العتق والاستكبار، صبراً وتخشعاً وتواضعاً الله تعالى وحرصاً على ايمان القوم، وأمثال هذه الأندية والمجالس لاتخلوا غالبا من أفراد عطالين بطالين يأخذون لأنفسهم مكاناً حولها ويحاسبون بذلك شرفهم ومنزلتهم، وينظرون الى مستقبل الامور تزوّداً من اليوم للغد، ويتسرعون الى الجواب عمّن يسئل النبي (صلى الله عليه وآله) ولو لم يكن أهلاً لذلك، ويولون وجها عمن يتقذرون منه ولو كان له أعلى درجات الكمال والعلم والصفات الحميدة الانسانية، لاسيما اذا عظمت الثروة والمال والشرف والشخصية الدنيوية في نظرهم، فلا محالة يحقرون من تأخر عن الامكانات المادية، ولا يرون له شرفاً جهلاً عن أن مقياس التقديم والكرامة والشرف عند الله تعالى بغير ذلك، وان الله تعالى بعث نبيه(صلی الله علیه و آله و سلم)لتنمية مكارم الاخلاق واحياء محاسن الصفات، وجهلاً عن أنّ أمثال هذه الأفعال يؤثر اثراً سوءاً عميقاً في تعقيم الدعوة الالهية، فكلّما يُرى من أحد من المسلمين من الزّلّة لا يحسب أنها زلّة من هذا الشخص بخصوصه بل تنسب الى انحراف الدعوة الاسلامية ولاسيما في العصر الجاهلي وابتداء الاسلام حيث لم يظهر للناس معالمه ومعارفه و آدابه فليس من مقتضى حكمة الله سبحانه أن يسامح تلك العثرات الحادثه في هذا النوع من المجالس بل عليه أن يحفظها ويصونها كيفما كان ولو بالتنبيه والتذكير بالزلات، ليعلم أنّ هذه زلّة من شخص هذا المسلم ولا تلصق غباره بذيل قداسة الاسلام،ثم تمضي الدعوة الاسلامية بقداستها وطهارتها ونزاهتها في أرجاء العالم طليقاً عن الانحراف.

هذا هو مجلس الدعوة الاسلامية في محضر النبي (صلى الله عليه وآله) طبعاً، اذ طلع فيه رجل أعمى وقد أسلم فيما قبل و فيه الخشية من الله وقد جرته خشيته الى هذا المجلس ساعياً الى الحق والى المعرفة وتعلم الاسلام وحقايقه، وطبعاً يدخل المجلس ويأتي بالتحية والسلام مقبلاً إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاذا اعترضه بعض الحواشي الذين يقعدون في حاشية مجلس الدعوة من المسلمين، لكنّه من قسم المترفين المنغمسين في حب الجاه والرئاسة والثروة وتجمّع الاموال ونفوذ الكلمة فيما بين الناس

ص: 93

ممن يرى الشرف والعزّة في الزعماء من الكفار وشيوخ عشائر المشركين والوثنيين، ولم يطهر قلبه عن رسوبات الكفر ولم يتصف بعد بالصفات الحسنة الاسلامية والاخوة الدينية فيما بينهم والشدّة على المعاندين من الكفار.

نعم هذا الرجل اعترض بين الأعمى والنبي (صلى الله عليه وآله) وهو بهذه الصفات الرذيلة يرى في الأعمى الشائب الفقير ذلاً وهواناً، ولا يرى المصلحة في حضور الأعمى في ذلك المجلس لانكسار شرف المجلس بزعمه عند هؤلاء الصناديد والشيوخ في نظره، فيشمئز ويسخط من هذا الاجتماع اجتماع الأعمى الفقير في محضر الشيوخ عند النبي (صلى الله عليه وآله) فكيف يمكر ويخادع وكيف يحيل بينه وبين أن يدخل أو يخرج بعد دخوله في المجلس، وحينئذ تنقبض أعصابه ويعبس وجهاً ويعرض اعراضاً مفهما متظاهراً عمّا في قلبه عند القوم، وبالطبع يلتفت الاعمى ويفتهم، ولا يرضى على حريته العربية، وصراحة لهجته القرشيّة أن يمضى ساكتاً عما شاهده من الرجل وسوء ،محاضرته، بعد أن طغى عليه فقره وعماه وكبر سنّه، وعند ذلك لا يملك لسانه عمّا يقول عن القلب الحزين المنكسر، مبتهلاً الى الله الذي يسعى اليه والى دينه والى رسوله، ثم تنتشر سمعه ما أخفى من أقواله فيما بين القوم الحاضرين، الى أن تصل تلك الشمعة الى سمع النبي (صلى الله عليه وآله) النبي الرحيم الرؤف بالمؤمنين، الذي يعلم مايناله المسلمون حينئذ من ناحية الكفار المشركين من أليم العذاب والطعن والتحقير، فهل يأخذ ي عتاب الرجل وملامته، ويذكره بسوء فعاله و هو حديث العهد بالاسلام، أو يجد في ملاطفة الأعمى ليخرج تلك الغموم والأحزان عن قلبه.

اذا ينزل أمين وحي الله بهذه السورة.

﴿بسم الله الرحمن الرحيم - عبس وتولّى أن جائه الأعمى وما يدريك لعله يزكى او يذكر فتنفعه الذكرى أمّا من استغنى فأنت له تصدّى و أما من جائك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى﴾.

نزل الوحي، واسفر عن وجه الحق، وتسلّى قلب الاعمى، وعالج الحادثة وما سيحدث فيما بعد من أمثالها وأشباهها ونظائرها وأضاء الطريق للمسلمين في كيفية محاضرتهم ومعاشرتهم مع الضعفاء والفقراء والعميان ولاسيما في قبال الأعداء وبالأخص

ص: 94

لمن يتصدى للدعوة الى الاسلام ومن يليق بشأن الدعوة ومن لايليق بها، فمن بهذه الصفات المذكورة في تلك الآيات من أول السورة فهو غير لايق بأن يقدّم نفسه لارشاد الناس، ويمضي في سبيل الدعوة الاسلامية و ولاية المسلمين، و على المسلمين أن لا يتخذونه من الدعاة الى الحق والزعماء الدينية لا نفسهم فانّ مثله لايزيد الا فساداً على الاسلام والتفرقة بين المسلمين ﴿أفمن يهدي الى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدّي الاّ أن يُهدى﴾(1)

وبعد أن نزل الوحي وعالج الواقعة، وتبين الأمر من الله سبحانه، كان النبي (صلى الله عليه وآله) في فسحة لأن يعالج أصحابه في كل واقعة يماثلها بما أمره الله و أرشده اليه.

ومن ذلك مارواه في الكافي باسناده عن الامام الصادق (عليه السلام) قال جاء رجل مؤسر الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) نقي الثوب، فجلس الى رسول الله صلى الله عليه وآله فجاء رجل معسر دَرِن ،الثوب فجلس الى جنب المؤسر فقبض المؤسر ثيابه من تحت فخذيه فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخفت أن يمسك من فقره شيء، قال لا، قال فخفت أن يصيبه من غناك شيء، قال لا ، قال فخفت أن توسخ ثيابك، قال لا ، قال فما حملك على ماصنعت، فقال يارسول الله انّ لى قرينا يزين لي كل قبيح ويقبح لي كلّ حسن، و قد جعلت له نصف مالي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) للمعسر أتقبل، قال لا، فقال له الرجل ولم، قال انّي أخاف أن يدخلني مادخلك.(2)

وهكذا كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يؤدّب أصحابه وجلسائه، والداء هو الداء والدواء هو نفس ذاك الدواء والمعالجة هى هي

وفي ضوء ما استظهرناه فلننظر ماذا تقول تلك الآيات الكريمه:

ص: 95


1- يونس 35.
2- الوافي ج 1كتاب الايمان والكفر ص 137،اصول الكافي باب فضل فقراء المسلمين ص 331.

عبس الرجل المعهود المعروف لدى الجماعة الحاضرين الشاهدين، وتولّى معرضاً ، و سبب اعراضه و عبوسه ان جائه الأعمى المعهود المعلوم، ايها الرجل العبوس وجها المعرض عن هذا الأعمى مايدريك و أنت جاهل بما في بواطن روحيات الأشخاص فلعل الأعمى ممن يزكى ويتطهر من الأرجاس الجاهلية والكفر، و أنت لاتدري طهارة قلبه او صار زكيّاً طاهراً، فيستفيد ويتزوّد من مجلس الدعوة والتذكرة والتنبيه، فتنفعه الذكرى، فانّ الذكرى تنفع المؤمنين، كيف تعبس وجهاً وتعرض عن الأعمى وأنت تجعل اقبالك وبشرك وابتسامك وتصدّيك لمن استغنى عنك وعن دينك بما عنده من الأموال و وجهة عند المشركين والكفار، ويرى في ذلك لنفسه غني عن الدين الحنيف الاسلام ويرضى بخباثة كفره ودنائة صفاته، و ما عليك ألا يزكى هذا الكافر المتكبر المستغني بكفره عن الاسلام فان شأن التزكية وتطهير الناس عن أرجاس الكفر أنما هو على من زكى نفسه وطهر قلبه عن صفات الكفر والكافرين لاعليك أيها العبوس المعرض عن المؤمن الأعمى الفقير فان الطاهر الطهور يطهر، و أما المتنجس فيحتاج الى تطهير نفسه، وليس مطهراً لغيره، فلم يجعل الاسلام وظيفة التزكية والتطهير الأ على عهدة الطاهرين المطهرين من هذه الزلات.

وقيل في معناها: أي لاتبالي زكيا كان أو غير زكي اذا كان غنياً.

ولعل المعنى الأول اظهر بحسب سياق الآيات، ولاسيما بملاحظة الآيات التي ستأتي من قوله ﴿بايدي سفرة كرام بررة﴾.

وعلى كل حال فكفاك لؤماً أيها الرجل أنّ فيك اقبالاً الى الكفّار المتكبرين ولكن من جائك ساعياً الى الدّعوة الاسلامية والى صاحب الرسالة فأنت تتغافل وتتلهى عنه للاعراض عنه، كلاكلاً لماذا أعرض عنه وعبس وجهه، فما كان شأنه في هذا المقام وهو لايليق بالمداخلة في أمور الدعوة الاسلامية.

ودليل عدم لياقته، نفس هذه الأفعال الذميمة المتجانبة عن روح الدعوة الاسلامية وعن الاسلام، فمن لم يصطبغ بصبغة الاسلام كيف يدعو اليه بعد عدم حزمه له، و عدم تثبته فيه، ولم ينبت عروقه في قلبه وروحه.

كلا ، كلا ، ليس هذا حقه، ولم يكن ما وقع ممن وقع عنه حقيقاً بذلك، ولم يكن

ص: 96

ينبغي أن يجري الأمركما جرى ممن جرى بيده، بعد أنّ هذه أوصافه، وهذه معاشرته مع المسلم الفقير الأعمى وهذه مجاملته مع الكافر المتمرد الذي استغنى.

الي فية كلا ، ليس الامر كذلك فلم يجعل الله تعالى الاسلام تحت أيدي المتغالبين، بحيث لو قبلوه عن مسلم لقبله الله منه ولو طردوه لصار مطروداً عن دين الله ورحمته، بل هذا الرجل العبوس المعرض المقدّم نفسه في مسير الدعوة، هو وهذا الأعمى وغيرهما على حدٍ سواء في قبال الاسلام ودعوته، بل الله سبحانه جعل الاسلام والقرآن مناراً لمن استنار به و نوراً لمن استضاء به ، و ملجأ لمن التجأ اليه، وتذكرةً لمن تذكربه، و هادياً لمن استهدى به .

كلا انها تذكرة، لمن لمن هي تذكرة، لكل من شاء أن يتذكر به، فمن شاء ذكره ، فقيراً كان أو غنياً بصيراً أو أعمى، عبداً او حراً عربياً أو عجمياً، قرشيّاً أو غير قرشي، نعم هي تذكرة عامة من غير حجاب و سد و حائل، فلماذا صار هذا الرجل العبوس حاجباً، و صداً عنه، ولماذا اختار الكافر المترف الذي استغنى وعبس وأعرض بوجهه عن الاعمى طرداً واضراباً وما جعل الله تعالى أمثال هذا الرجل العبوس بواباً لأبواب رحمته، ولاحارساً لاسلامه، فليطب نفساًكل من يريد أن يدخل في الاسلام، وليعلم أن الدعوة شاملة، وأنّ القرآن تذكرة فمن شاء ذكره، وليعلم الناس، و ليطيبوا نفساً، و ليأخذهم بهجة وسرور، من أن القرآن و شان الدعوة الاسلامية و التزكية و التذكرة، انما هي بأيدي سفرة، الذين هم سفراء الله بينه وبين خلقه، و هو الذي اختارهم واصطفيهم وانتخبهم وطهرهم تطهيراً عن كل رجس علمي وعملي و أخلاقي، فهم كرام كرام عند الله، كرام في الصفات، وكرام في الناس وكرام الى الناس فهم منزّهون ومطهرون عن كل مايضاة ويناقض الكرم على عموم معناه ومن غير نظر الى متعلقه.

بَرَرَة أنّهم بَررَة، أنهم موصوفون بالبر الذي هو فوق الاحسان، ويشتمل على التحنّن والرأفه، ففيهم رحمة ورأفة وبر واحسان.

فسفراء الله سواء كانوا ء كانوا من الملائكة أو من الناس كرام، قال تعالى بالنسبة الى جبرئيل (عليه السلام) ﴿انّه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع

ص: 97

ثَمّ أمين﴾(1)وبالنسبة الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال تعالى ﴿فلا أقسم بما تبصرون ومالا تبصرون - انّه لقول رسول كريم - وماهو بقول شاعر قليلاً ماتؤمنون وماهو بقول كاهن﴾(2)وبالنسبة الى النبي موسى بن عمران (صلوات الله عليه) يقول تعالى ولقد فتنا قوم فرعون وجائهم رسول كريم أن أدوا الي عباد الله﴾(3).

كما أنهم مطهرون بنص آية التطهير بالنسبة الى رسول الله و اهل بيته (صلوات الله عليهم) الحاملين للدعوة الاسلامية.

ومن الأعاجيب أن البخاري صاحب الصحيح قال في تفسيره لهذه السورة مالفظه: مطهرة لا يمسها الا المطهرون و هم الملائكة و هذا مثل قوله ﴿فالمدبّرات أمراً﴾ جعل الملائكة والصحف مطهرة لأن الصحف يقع عليها التطهير فجعل التطهير لمن حملها(4)مع ذلك يتغافل هو وقاطبة العامة عن النبي (صلى الله عليه وآله) المطهر بنص آية التطهير وبقوله تعالى ﴿لا يمسه الا المطهرون﴾(5)مع قوله تعالى ﴿وأنزلنا اليك الذكر لتبين للناس مانزل اليهم﴾(6)ويقولون انّ السفرة في سورة العبس هم الملائكة دون النبي (صلى الله عليه وآله).

وبالجملة فالقرآن والدعوة الاسلامية بأيدي سفرة كرام بررة لانها صحف مكرّمة مرفوعة مطهرة فلا تقع رسالتها الآ بأيدي سفرة كرام بررة.

لم يزل الاسلام والدعوة الحقه الاسلامية والقرآن ان كان عند كريم بار، الى كريم بار، ثم الى كريم بار ثم ... فالله سبحانه کریم بر رحیم رؤف و قد كان القرآن كتاباً ﴿أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير﴾(7)ثمّ أنزلت الى الروح الأمين وهو رسول كريم ثم الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو رسول كريم ومن سفراء الله الكرام البررة وهكذا كل من بعده ممن يتصدى لذلك قال تعالى ﴿قل هذا سبيلي ادعوا

ص: 98


1- التكوير 19
2- الحاقه 40
3- الدخان 17
4- صحيح البخارى ج 6 ص 206
5- الواقعة 79
6- النحل 44
7- هود1

الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله و ما أنا من المشركين﴾(1)وكيف لا يكون كذلك وهى صحف مكرّمة عند الله تعالى مرفوعة الشأن في غاية الرفعة و المنزلة، مطهّرة عن كل باطل، فلابد أن يحملها من هو كذلك، يكون مكرّماً عند الله مرفوع القدر عن سائر الناس، مطهراً نفسه واوصافه عن كل باطل، فالقرآن كريم مكرم

رفيع طاهر من عند الله الكريم البار القدّوس فحملته هم السفرة الكرام البررة.

كلا انها تذكرة فمن شاء ذكره في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدى سفرة كرامٍ بررة

ان كلمة (كلّا) كلمة ردع تردع عما قبلها ، ثم الآيات التي بعدها ترشد الى ما هو الحقيق ، بعد أن كان فيما قبلها المصير للدعوة مصيراً غير صحيح ولم يكن مما ينبغي.

فهذه الآيات الشريفه فيما بعد كلمة (كلّا) ، تهتف وتنادي باعلى صوتها بان الذي ﴿عبس وتولّى أن جائه الأعمى﴾ لم يكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فانه من السفرة الكرام البررة والذي ﴿عبس وتولّى أن جائه الأعمى﴾ كان من اللئام الخسرة ، فما اغفل وما اجهل من ارجع الضمائر في الآيات الاول الى النبي (صلى الله عليه وآله) وحرف الكلم عن مواضعه ثم قال في تفسير ﴿الكرام البررة﴾ انهم هم الملائكة الكتبة. الم يسجد الملائكة لآدم ، او لم يكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) سيد ولد آدم واشرفهم وافضلهم ، او لم يكن هو من السفرة الكرام البررة ، بل اعظم سفراء الله تعالى واكرمهم وابرهم ، ثم افلم يتدبروا في نظم تلك الآيات ، او لم ينظروا في ارتباط بعضها ببعض سيما بعد هذا الترصيف الرصين والتنظيم الحكيم.

هذا الا انّ الله تعالى سيكفي نبيه (صلى الله عليه وآله) عن شرّ المقتسمين ، الذين جعلوا القرآن عضين وقال تعالى ﴿فورتك لنسئلنهم اجمعين عما كانوا يعملون فاصدع بما تؤمر واعرض عن المشركين انا كفيناك المستهزئين﴾(2)فهذه التحريفات من آثار الدولة الاموية والمنافقين قد بقيت اثارها الى زماننا ، ولكن من الطرق البديعه في القرآن الحكيم في دفع كيد المحرفين ما اودع في نفس اياته الكريمة

ص: 99


1- سورة يوسف 108
2- الحجر 12 - 95

من القرآئن المظهرة للمقصود بنحو مرموز يقصر عنها افهام الماكرين ، كما في هذه السورة على مابيناه ، ثم امر الله سبحانه بالتدبر والتفكر فيها ليظهر ويجلو له ، فان التفكر حياة قلب البصير.

والعجب من شيخنا الطبرسي (قدس الله نفسه الطاهرة) انه فسّر كلمة كلّا هنا بقوله اي لا تعد لذلك وانزجر عنه.

مع ان هذه الكلمة تدل على انزجار المتكلم وردعه عما سبق عليها ، لا أنها امر الى المخاطب بالانزجار عما سبقها - قال شيخنا الطوسي (قدس الله روحه) اي ليس الامر ينبغي ان يكون هذا - وعن نجم الائمة الرضي - وعن نجم الائمة الرضي رحمه الله انه قال تقول لشخص فلان يبغضك ، فيقول كلاً ردعا لك اي ليس الأمر كما تقول ، - وبالجملة انّ المتكلم يأتي بكلمة كلاً رادعاً عما سبقها ، حتى ان جماعة قالوا متى سمعت كلاً في سورة فاحكم بانها مكتيّة لأنّ فيها معنى التهديد والوعيد ، واكثر ما نزل ذلك بمكة لان اكثر العتوّكان بها كما ذكره ابن هشام عنهم في المغني في بحثه عن (كلاً).

وعلى هذا فالسورة الى ما قبل كلاً تذكر الحادثة مع العتاب على العبوس على ما وصفناه ، ثم يردع ويزجر بكلمة كلا وان هذا لم يكن على ما ينبغي ، ثم يذكر ما هو حقيق بان يكون ، وما هو حق المقام بعد كلمة كلاً مبتدءاً ب- (انّ) الدالة على الابتداء بالتحقيق واظهار ما هو الحق في هذا السبيل فيقول تعالى ﴿أنّها تذكرة فمن شاء ذكره في صحف مكرّمة مرفوعة مطهرة بايدي سفرة كرام بررة﴾.

تأخذ تلك الآيات في بيان ما هو الحقيق في هذه المرحلة ، مع الاشارة الى الدليل المرشد الى الحق ببيان مستدل منطقي برهاني ، فالدعوة دعوة القرآن ، ودعوة الاسلام ودعوة النبي صلى الله عليه وآله ، دعوة تذكيرية من الله تعالى لارشاد خلقه وهدايتهم ، يريد ان هديهم على الاختيار ، لا على القسر والجبر ، وفي ذلك هم على حدّ سواء عنده ، فليس في هذا الطريق مانع و لادافع ، فمن شاء ذكره ومن اراد توجه الى الله والى هدايته - فهو ومشيته - ، ثم ان هذه الدعوة وسنتها وطريقها ودينها مضبوطة في صحف ونسخ ، فمنها ما هو في لوح محفوظ عند الله تعالى ، ومنها ما هو عند السفراء من الملئكة ، و منها ما هو بايدي السفراء من الناس ، - فان الله يصطفي من الملئكة رسلاً ومن الناس - وفي

ص: 100

جميع تلك المراحل مكرمة معظمة من غير هوان وحقارة، وهي مرفوعة عن ان ينالها ايدي الارجاس الانجاس ، فهي مصونة عنهم - قال تعالى ﴿ساصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الارض بغير الحق﴾. وقال تعالى ﴿واذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالاخرة حجاباً مستوراً﴾، وقال تعالى ﴿يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام﴾- ومطهرة عن كل دنس ، فهي كالماء الطيب الزلال العذب يخرج عن ينابيعه ويطهر ويزكي ويروي كلّ عطشان ، من غير أن يشمئز عنه احد ومن غير أن يتقدّر منه من له استقامة الطبع والمزاج ، وانما يعرض له الاقذار من المجرى القذر الذي منه يسري الى الطالبين كما في العبوس المعرض عن الاعمى المتصدّي للكافر المتكبر الذي استغنى ، لكن الله سبحانه لم يجعلها بايدي امثال هذا الرجل العبوس.

كلاً ، ثم كلاً، ولم يجعل لهم سلطاناً عليها ، بل كما جرت عن ينبوع زكي طاهر ، وكما كانت مكرمة مرفوعة مطهرة ، كذلك جعلت وديعة وامانة بايدي سفرة الذين سفراء الله ورسله وصفوته وخلصائه ، وهم كرام من غير تحديد لكرامتهم ، ومن غير تقييد بزمان ومكان واحدٍ دون احد ، وللكرام نفسية وروحانية فائقة غير منفعلة وغير مغلوبة عن مناظر اصحاب الاموال والاغنياء وذوي الجاه المتكبرين المترفين ، فلا تملأ نفوسهم الكريمة عن هولاء هيبة وعظمة، كما انهم بهذه النفسانية الشريفة لا يتضايقون عن الفقراء والعميان، بل ينظرون الى كل من المستغني المترف والفقير المدقع ، والاعمى والبصير، بالمقدار الذي هم عليه من شرف الانسانية والصفات الحسنة واضدادها ، ويواجهون كلاً بما يستحقه ، فلا يعبسون على اعمى، ولا يتصدون خضوعاً للمتكبّر المترف الذي استغنى، بل هم مضافاً الى انهم كرام ، بررة ايضاً كذلك من غير تقييد لحدود صفتهم هذه بزمان ومكان وتفاوت بين آحاد الناس ، الا ان الفقر والمسكنة والعمى لمما يستجلب البرّ عن البررة اكثر مما يستجلبه ويستجذبه الغنّي المترف ، ومقتضى ذلك ان يشتد تحننهم وعطفهم ورأفتهم الى الاعمى الفقير الساعي الى الحق اكثر منه الى المعافي عن الفقر والمسكنة و العمى والضر، فالدعوة دعوة شريفة زكية رفيعة لا ينالها الا من اصطفاه الله ، وجعل له منصب السفارة والارشاد من المطهرين الكرام البررة الذين اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ، فالله اعلم حيث يجعل رسالته فلا ينالها الظالمون

ص: 101

ممن هو دني طبعاً وخسيس نفساً واوصافاً.

الى هنا وجدت الضمائر في تلك الآيات مرجعها صريحاً واضحاً من غير ان يضل في طريق الرجوع الى مقاصدها، فالمتدبّر في تلك الآيات الكريمة يمضي مستبصراً ومستنيراً فيرى ان الآيات العتابية لم تتوجه الى النبي صلى الله عليه وآله ، بل اخذت طريقها الى رجل آخر ، بل صرّحت الآيات التي بعد كلمة - كلّا - بقداسة النبي الاعظم يوجب عتاباً عليه ، واطرئت عليه مدحاً بليغاً وكتبت تقريظاً على اوصافه ونزاهته عمّا الحميدة.

نعم ، لم تتعرض الآيات العتابية في اول السورة لتسمية الرجل العبوس ، ولم تعرفه لنا باسمه وعنوانه مشخصاً ، وهذا من ادب القرآن وعفاف بيانه من غير ان يفصح احداً بالتسمية

فهل نقتفي على اثر القرآن ونسلك مسلكه ونسكت عما سكت عنه ، او نأخذ في طريق التفتيش عن الرجل العبوس لئلا يختفي بين اصحاب رسول الله (صلى الله عليه و آله) و يستوجب سوء الظن بالابرياء منهم ، على ان القرآن قد اجمل البيان في كثير من الموارد ليبينه النبي (صلى الله عليه وآله ومن بعده خلفائه الراشدون فقال تعالى: ﴿وانزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم﴾ وقال تعالى ﴿ولو ردّوه الى الرسول والى اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم﴾ وقال تعالى ﴿واذ اخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيّنه للنّاس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم و اشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون﴾.

ص: 102

عرض الآيات على التاريخ وكشف العبوس

اشارة

قد تلاعبت ايادى الخونة من الرواة والوضاعين من المحدثين والمحرفين من اصحاب السير والتواريخ بكثير من الحقائق حتى اجهلوه علينا وقد صار كثير منهم في ايدي اصحاب السلطات والحكومات الجائرة المستبدة آلة واداة لرياستهم طمعاً في دنياهم ، واعراضاً عن الله وعن مثوبته في الآخرة ، حتى ان بعضهم قد حرّف الحقائق فجعل موضوع المدح والثناء في الكتاب العزيز والروايات النبوية (ص) المذمومين والمنافقين واطار غبار ذمهم على رؤوس الابرياء والاصفياء ظلماً وعتواً ، نعم والمقام ايضاً من هذا القبيل.

وقد سبق تفصيل اقوال الامامية وان شيخنا الطوسي قدس سره قال انها في رجل من بني امية وروى ذلك عن الامام الصادق عليه السلام ويستظهر ايضاً من شيخنا الطبرسي قدس سره واختاره شيخنا ابوالفتوح الرازي وصاحب المنهج قدس سرهما والرواية الأخرى التي في مجمع البيان عن الصادق عليه السلام مما يوهم خلافه قد ذكرنا توجيهها فراجع(1).

وقال شيخنا علي بن ابراهيم القمي قدس سره انها في عثمان بن عفان وعليه السيد الحسين بن علي العلوي والسيد جمال الدين على ما في مؤتمر بغداد والمحدث القاساني في تفسيره الصافي.

وقال سيدنا المرتضى قده انها في رجل من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله كما ان شيخنا السروي ابن شهر آشوب قدس سره قال انما عبس صحابي ذكرنا شرحه في المثالب.

ص: 103


1- ص 36، ص 37.

شهادة سيرة عثمان على انه المعنى به فى تلك الايات

نعم اذا راجعنا سيرة عثمان بن عفان خصوصاً وبني أمية نوعاً واكثراً نجد فيهم شواهد صدق على رجوع تلك الضمائر اليهم بحسب احوالهم ومشيهم وسيرتهم مع كل من ضعفاء المؤمنين الصالحين الذين ليس لهم قوة مالية ونفوذ كلمة بين الناس ، ومع غير المؤمنين كالكفار والمنافقين اذا كانوا ذوي جاه وثروة، ولنقتصر هنا بعثمان بن عفان منهم فقط، فيكون انموذجاً لهم وهو اصلحهم عندهم واكثرهم في المعروفية بين المسلمين ، ولعلّ غيره من بني امية لم يكن حين نزول السورة داخلاً في زمرة المسلمين مع ان ظواهر الآيات تدل على ان العبوس المعرض عن الاعمى كان احداً من المسلمين فالمسلم اعرض عن مسلم اعمى لعماه وفقره ، واقبل وتصدّى للكافر لاستغنائه وثروته وجاهه.

ترى هذه الصفات في عثمان المسلم الصحابي حتى الى اواخر سنين عمره وشيخوخته وبعد ما صار خليفة للمسلمين و زعيماً على بلادهم فلم يقدر ان يجانب تلك الصفات وان يزيلها عن نفسه فلم يؤثر فيه التأديب الالهي والتزكية القرانية والانفاس الربانية النبوية من اول امره الى آخر دهره حتى اثار السخط في نفوس المسلمين وآل امره الى ان قتلوه تقتيلاً فجيعاً ، فلم يكن يعبأ باسلام مسلم وصلاحه وتقواه وتقدمه في الاسلام وكونه مهاجرياً او بدرياً أو احدياً ، ولم يعتن بما اوصاه رسول الله صلى الله عليه وآله في حقهم ولا رعى اكرام من اكرمه ولا اعظام من عظمه ولا تصديق من صدقه ولا تقديم من قدمه وما جعله صلوات الله عليه اسوة في ذلك.

نعم لم يراع شيئاً من ذلك اذالم يوافق هواه او راه سداً في سبيل رضاه فعبس في

ص: 104

وجوه جمع من اكابر الصحابة وضيق عليهم وطردهم عن حوله وشردهم عن اوطانهم واوكارهم بل وحتى ضربهم ضرباً موجعاً وكاد ان يقتلهم لولا انه يرى نفسه محصورة بين تشديد المؤمنين وتغليظهم عليه وعتابهم وتحديدهم وتهديدهم وارصادهم ولم يكن لهم ذنب الا تأكيدهم على تطبيق قواعد الاسلام بين المسلمين وسعيهم الى الله والى احكامه الله تعالى فوعظوه باوامر الله فلم يتعظ و نصحوه فلم يقبل منهم بل هاج من ذلك سخطه وغيظه وغضبه حتى فعل بهم مافعل وسيأتي لذلك امثلة.

هذا بالنسبة الى المؤمنين ذوي السعي والجد والاجتهاد.

واما بالنسبة الى من تكبر واستغنى عن الله وعن اسلامه وقرانه واحكامه فقربهم الى نفسه وجعلهم من حاشيته ووزرائه واعوانه وامرائه في البلاد وبسط لهم أموالا وايادي مفضالاً واكرمهم واحسن اليهم مالاً وخلقاً وادباً وثناء وتعظيماً الى ان صيرهم على رؤس المسلمين وجعل بيدهم مفاتيح بيوت الاموال الاسلامية يستعملونها كيفما شاءوا..... الى ان انتكث عليه فتله واجهز به عمله وحاصره المسلمون وضيقوا عليه حتى استأصلوه.

فانظر الى ما فعله بعمّار بن ياسر وابي ذر الغفاري وعبدالله بن مسعود وعامر بن قيس التميمي البصري الزاهد الناسك وعبدالرحمن بن حنبل الجمحي وكعب بن عبدة والحارث بن عبدالله الاعور الهمداني وكميل بن زياد النخعي، وعمرو بن الحمق الخزاعي الكعبي، وعدي بن حاتم الطائي، وزيد وصعصعة ابنى صوحان العبدي ومالك بن الحارث الاشتر النخعي وغيرهم من وجوه المؤمنين من الصحابة والتابعين ممن يطول الكلام بذكرهم ، وان شئت تفصيل ذلك فراجع الغدير ج 8 و 9 لشيخنا العلامة الاميني قدس الله روحه ، وشرح النهج لابن ابي الحديد، وتاريخ اليعقوبي ومروج الذهب للمسعودي والامائة والسياسة لابن القتيبة الدينوري والتاريخ الكامل لابن الاثير وتاريخ الطبري وغيرهم.

ما فعله عثمان بعبد الله بن مسعود

فعن البلاذري في انسابه ج 5 ص 36 انّ عبدالله بن مسعود حين القى مفاتيح بيت

ص: 105

المال الى الوليد بن عقبة قال من غير غير الله ما به و من بدل اسخط الله عليه وما ارى صاحبكم الا وقد غيّر وبدل ايعزل مثل سعد بن ابي وقاص ويولّى الوليد فكتب الوليد الى عثمان بذلك ، فكتب عثمان باشخصاصه ، وشيعه اهل الكوفة فاوصاهم بتقوى الله ولزوم القرآن ، فقالوا له ، جزيت خيراً ، فلقد علمت جاهلنا وثبت عالمنا واقراتنا القرآن وفقهتنا في الدين فنعم اخو الاسلام انت ونعم الخليل، ثمّ ودّعوه وانصرفوا ، وقدم ابن المسعود المدينة وعثمان يخطب على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله ، فلما رآه قال ألا انه قد قدمت عليكم دويبة سوء ، من يمشي على طعامه يقيء ويسلح ، فقال ابن مسعود لست كذلك ولكنّى صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله يوم بدر ويوم بیعة الرضوان ونادت عايشة اي عثمان اتقول هذا لصاحب رسول اله صلى الله عليه وآله ، ثم امر عثمان به فاخرج من المسجد اخراجاً عنيفاً وضرب به عبدالله بن زمعة الارض ويقال بل احتمله يحموم غلام عثمان ورجلاه تختلفان على عنقه حتى ضرب به الارض فدق ضلعه ، فقال علي عليه السلام، يا عثمان اتفعل هذا بصاحب رسول الله صلى الله عليه وآله بقول الوليد بن عقبة ، فقال ما بقول الوليد فعلت هذا ولكن وجهت زبيد بن الصلت الكندي الى الكوفة، فقال له ابن مسعود ان دم عثمان حلال فقال علي عليه السلام احلت عن زبيد على غير ثقة(1).

وابن مسعود هو احد كتاب الوحي وحفاظ القرآن والفقهاء المفسرين من اعاظم الصحابة، وقد نزلت في شأنه ايات كثيرة ووردت عن النبي صلى الله عليه وآله لعظمته روايات عديدة، فعن مسلم وابن ماجة من طريق سعد بن ابي وقاص ان قوله تعالى: ﴾ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي﴾(الآية) نزلت في ستة نفر منهم عبدالله بن مسعود. ، وعن الحاكم في مستدركه ان ناساً اتوا عليّاً فاثنوا على عبدالله بن مسعود، فقال اقول فيه مثل ما قالوا وافضل من قرأ القرآن واحل حلاله وحرم حرامه فقيه في الدين عالم بالسنّة ، والآيات والروايات في شأنه وفضله كثيرة اقتصرنا على هذا.

ص: 106


1- الغدير ج 9 ص 4 واختصرناه بقدر الحاجة.

ما فعله عثمان بعمّار بن ياسر

وقال ابن قتيبة في الامامة والسياسة ما لفظه - وذكروا انه اجتمع ناس من اصحاب النبي عليه الصلاة والسلام فكتبوا كتاباً وذكروا فيه ما خالف فيه عثمان من سنة رسول الله وسنة صاحبيه ، وماكان من هبة خمس افريقية لمروان وفيه حق الله ورسوله ومنهم ذوي القربى واليتامى والمساكين ، وما كان من تطاوله في البنيان حتى عدوا سبع سبع دور بناها بالمدينة، دار لنائله، ودار لعائشة وغيرها من اهله وبناته وبنيان مروان القصور بذي خشب وعمارة الاموال بها من الخمس الواجب لله ولرسوله وما كان من افشائه العمل والولايات في اهله وبني عمه من بني امية احداث واغلمة لا صحبة لهم من الرسول ولا تجربة لهم بالامور ، وماكان من الوليد بن عقبة بالكوفة اذ صلى بهم الصبح وهو امير عليها سكران اربع ركعات ثم قال لهم ان شئتم ازيدكم صلاة زدتكم وتعطيله اقامة الحد عليه وتأخيره ذلك عنه وتركه المهاجرين والانصار لا يستعملهم على شيء ولا يستشيرهم واستغنى برأيه عن رأيهم وما كان من الحمى الذي حمى حول المدينة ، وماكان من ادارة القطايع والارزاق والاعطيات على اقوام بالمدينة ليست لهم صحبة من النبي عليه الصلاة والسلام ثم لا يغزون و لايذبون وما كان من مجاوزته الخيزان الى السوط وانه اول من ضرب بالسياط ظهور الناس وانما كان ضرب الخليفتين قبله بالدره والخيزران ، ثم تعاهد القوم ليدفعن الكتاب في يد عثمان ، وكان ممن حضر الكتاب عمار بن ياسر والمقداد بن الاسود وكانوا عشراً ، فلما خرجوا بالكتاب ليدفعوه الى عثمان والكتاب في يد عمار جعلوا يتسللون عن عمار حتى بقي وحده فمضى حتى جاء دار عثمان فاستاذن عليه فاذن له في يوم شات فدخل عليه وعنده مروان بن الحكم واهله من بني امية ، فدفع الكتاب فقرأه فقال له انت كتبت هذا الكتاب قال نعم قال ومن كان معك قال كان معي نفر تفرّقوا فرقاً منك قال من هم من هم قال لا اخبرك بهم قال فلم اجترأت علي من بينهم، ، فقال مروان يا اميرالمؤمنين ان هذا العبد الاسود يعني عمار قد جرّأ عليك الناس وانك ان قتلته نكلت به من روائه ، قال عثمان اضربوه فضربوه وضربه عثمان معهم حتى فتقوا بطنه فغشى عليه

ص: 107

فجروه حتى طرحوه على باب الدار فأمرت به ام السلمة زوج النبي عليه الصلاة والسلام فادخل منزلها وغضب فيه بنو مغيرة ، وكان حليفهم ، فلما خرج عثمان لصلاة الظهر عرض له هشام بن الوليد بن المغيرة فقال اما والله لئن مات عمار من ضربة هذا لاقتلن به رجلاً عظيماً من بني امية، فقال عثمان لست هناك.(1)

وعمار رضي عنه هو الصحابي العظيم العالم الفقيه المفسّر الذي اوذي في سبيل الله هو ووالداه ياسر وسمية واستشهد والداه في سبيل الحق، وقد نزل في شأنهم قوله تعالى الا من اكره وقلبه مطمئن ،بالايمان كما اعترف به جمع من الحفّاظ والمحدثين والمفسرين وغيره من الآيات عموماً او خصوصاً كقوله تعالى ﴿امن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً﴾ (الآية) وكقوله تعالى ﴿ولا تطرد الذين يدعون ربهم﴾ (الآية) وكقوله تعالى ﴿افمن وعدناه وعداً حسناً فهو لاقيه﴾ (الآية) وغيرها من الآيات وقال النبي صلى الله عليه وآله ف- عدة احاديث على اختلاف الفاظها - ابشروا آل ياسر موعدكم الجنة. وقال(صلی الله علیه و آله و سلم)ويح عمّار تقتله الفئة الباغية يدعوهم الى الجنّة ويدعونه الى النار. الى غير ذلك من الروايات الدالة على عظمته في الاسلام وعند الله وعند رسوله صلى الله عليه وآله.

ما فعله عثمان بأبي ذر الغفاري رضي الله عنه.

وقال المسعودي في مروج الذهب ما لفظه - ومن ذلك ما فعل بابي ذر وهو انه حضر مجلسه ذات يوم فقال عثمان ارايتم من زكى ماله هل فيه حق لغيره فقال كعب لا يا اميرالمؤمنين فدفع ابو ذر في صدر كعب و قال له كذبت يابن اليهودي ثم تلا ﴿ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب﴾ (الآية) ، فقال عثمان اترون بأساً أن نأخذ من بيت مال المسلمين فننفقه فيما ينوبنا من امورنا ونعطيكموه فقال كعب لا بأس بذلك فرقع ابوذر العصا فدفع بها في صدر كعب وقال يا ابن اليهودي ما اجراك على القول في

ص: 108


1- الامامة والسياسية ج 1 ص 32 الطبعة الثانية بمصر

ديننا فقال له عثمان ما اكثر اذاك لي غيب وجهك عنّي فقد اذيتنا فخرج ابوذر الى الشام فكتب معاوية الى عثمان ان ابا ذر تجمع له الجموع ولا آمن ان يفسدهم عليك فان كان لك في القوم حاجة فاحمله اليك فكتب عثمان بحمله فحمله على بعير عليه قتب يابس معه خمسة من الصقالبة يطيرون به حتى اتوا به المدينة وقد تسلّخت بواطن افخاذه وكاد ان يتلف فقيل له انك تموت من ذلك فقال هيهات لن اموت حتى أنفى وذكر جوامع ما ينزل به بعد ومن يتولى دفنه فاحسن اليه عثمان في داره اياماً ، ثم دخل اليه ، فجلس على ركبتيه وتكلم باشياء وذكر الخبر في ولد ابي العاص اذا بلغوا ثلاثين رجلاً اتخذوا عباد الله خولاً ، ومرّ الخبر بطوله ، وتكلم بكلام كثير ، وكان في ذلك اليوم قد اتى عثمان بتركة عبدالرحمن بن عوف الزهري من المال فنثرت البدر(1)حتى حالت بین عثمان وبین الرجل القائم ، فقال اني لارجوا لعبد الرحمن خيراً لانه كان يتصدق ويقرى الضيف وترك ماترون ، فقال كعب الاحبار صدقت یا امیرالمؤمنین فشال ابوذر العصا فضرب بها رأس كعب ولم يشغله ماكان فيه من الالم ، وقال يا ابن اليهودي تقول لرجل مات وترك هذا المال ان الله اعطاه خير الدنيا وخير الآخرة وتقطع على الله بذلك وانا سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول - ما يسرني ان اموت وادع ما يزن قيراطاً - فقال له عثمان وار عني وجهك ، فقال اسير الى مكة ، قال لا والله ، قال فتمعني من بيت ربي اعبده فيه حتى اموت قال اي والله ، قال فالى الشام قال لا والله ، قال البصرة قال لا والله فاختر غير هذه البلدان قال لا والله ما اختار غير ما ذكرت لك ولو تركتني في دار هجرتي ما اردت شيئاً من البلدان فسيّرني حيث شئت من البلاد قال فانّي مسيرك الى الربذة، قال الله اكبر صدق رسول الله صلى الله عليه وآله قد اخبرني باني امنع عن مكة والمدينة و اموت بالربذة و يتولى مواراتي نفر ممن يردون من العراق نحو الحجاز و بعث ابوذر الى جمل له فحمل عليه امراته وقيل ابنته ، و امر عثمان ان يتجافاه الناس حتى يسير الى الربذة(2).

وابوذر هو الرابع او الخامس ممن اسلم فكان من اوائل المؤمنين ولم يكن يعبد الاصنام قبل اسلامه بل كان من الموحدين ثم اسلم وصار من اعاظم الصحابة هدياً ونسكاً

ص: 109


1- البَدْرَة جلد السخلة جمع بدر.
2- مروج الذهب ج 2 ص 339 - 341

وتقوى وعلماً وفقهاً وادباً وجهاداً. فعن ابي نعيم الأصبهاني في حلية الاولياء ج 1 ص 156 انه قال العابد الزهيد القانت الوحيد ، رابع الاسلام و رافض الازلام قبل نزول الشرع و الاسلام، تعبّد قبل الدعوة بالشهور والاعوام و اول من حيا الرسول بتحية الاسلام لم يكن تأخذه لائمة اللوام ، ولا تفزعه سطوة الولاة و الحكّام ، اوّل من تكلم في علم البقاء و الفناء وثبت على المشقة و العناء ، و حفظ العهود و الوصايا وصبر على المحن و الرزايا و اعتزل مخالطة البرايا ، الى ان حل بساحة العنايا ، ابوذر الغفاري رضي الله عنه، خدم الرسول و تعلم الاصول و نبذ الفضول.(1)

و الاحاديث في عظمته و علمه و تقواه و صدقه كثيرة جداً منتشرة في كتب الفريقين من كتبهم في التفسير والحديث والسير و انه ما اظلت الخضراء ولا اقلت الغبراء على ذي لهجة اصدق من ابي ذر ، و انه فى الامة على زهد عيسى بن مريم ، و انه هو و ثلاثة اخر ممن يحبّهم الله ، الى غير ذلك من الفضائل المروية له ، و المنافرة بينه و بين عثمان أنما كانت مما يفعله عثمان من ادخاره اموال بیت المال لنفسه و لخاصته فكان ابوذر يسعى لاقامة احكام الله على حدودها و يجاهد في ذلك خشية من الله ، و يذكر عثمان ان الله تعالى يقول ﴿ان كثيراً من الاحبار والرهبان ليأكلون اموال الناس بالباطل والذين يكنزون الذهب و الفضّة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم﴾- مشيراً له الى ان الوالى الحاكم بين المسلمين ليس له ان يدخر اموالهم لنفسه وقد عاتب الله اهل الكتاب على ذلك تذكرة للمسلمين ، لكن عثمان بقى على سيرته و عبس في وجوه من يسعى الى الاسلام و اقامة احكامه و حدوده و تولّى عنهم و نفيهم عنه و عن المدن الاسلامية وشردهم تشريداً.

و هذا شطر يسير من اسائته و عبوسه مع المؤمنين و غلظته على الساعين الى طريق الحق و الاسلام من غير ان ينظر الى مكانتهم و ايمانهم و تقویهم و رأيهم و قولهم و نصحهم و رشادهم.

واما مجاملته مع المتكبرين عن قبول الحق و احكام الاسلام فهي ايضاً ظاهرة في

ص: 110


1- نقله عنه في الغديرج 8 ص 312

ايام خلافته من توليته الولاة و مجالسته مع امثال ابی هریره و کعب الاحبار و ابی سفیان و مروان بن حكم وابيه الحكم بن العاص طريدى رسول الله صلى الله عليه وآله ، وقد ولّى معاوية بن ابي سفيان الشّام و ابن ابی سرح المصر و الوليد بن عقبة الكوفه ، و قد اكتنز جمع من الشيوخ و الاشراف من عطياته كنوزاً ضخمة ، كالزبير بن العوام ، و عبیدالله التیمی ، و عبدالرحمن بن عوف ، وسعد بن ابی وقاص ، و یعلی بن امیه ، و زید بن ثابت ، و عبدالله بن ابی سرح ، و الحكم بن العاص ، و مروان و ابوسفیان ، و غیرهم فكان من الدينار لمروان خمسمأة الف ، و لابن ابى سرح مأة ألف ، ولطلحة مأتى الف ، ولعبد الرحمن بن عوف خمس وستين و مأتى الف ، ولیعلی بن امية خمسمأة ألف و لزيد بن ثابت مأة الف الى غير ذلك مما شهد به كتب السير ، هذا سوى ما لهم من القصور في الامصار و المزارع و العقار و العبيد والاماء و الغنم والبعير و الفرس و غيرها مما يشغل العدادين فى حسابه ويتمطون الفقراء منه فقداً و حسرةً او يرتعشون غيظاً و سخطاً(1).

هذا عثمان بن عفان من بني اميه ، و قد مضى من اسلامه و تزکیته و تأدبه و رشاده من ارشاده النبي صلى الله عليه و آله قريب من نصف قرن و صار شيخاً كبيراً و مع ذلك يحكى مشیه و سیرته و اخلاقه انه هو الذى نزل فيه سورة عبس و انه هو الذي عبس و تولى ان جائه الاعمى، الذى لعلّه يزكى ، او يذكر فتنفعه الذكرى ، وانه هو الذى اذا جائه من يسعى و هو يخشى فعنه كان يتلهى ، و انه الذى كان يتصدى لمن استغنى و انه الذي ردعه الله عما ادخل نفسه فيه مما لا يليق به بقوله سبحانه ﴿كلا﴾، ثم ان الله سبحانه نبه الامة وجميع الناس على ان امر الدعوة الاسلاميه والزعامة الدينية، وتعليم الكتاب والحكمة وتزكية الناس و ارشادهم بايدى سفرة كرام بررة ، فان الله اعلم حيث يجعل رسالته ، و انه لا ينال عهده الظالمين.

نعم ذكرهم الله سبحانه باخلاق الرجل وعبوسه مع المؤمنين وتصديه للمتكبرين و انه هو هذا ولكن لم يرتدع الأمة عن ردع الله سبحانه الى ان ال الامر ان صار خليفة للمسلمين و زعيماً عليهم واجتمع حوله من بصفاته و اخلاقه جماعة من الاحداث و

ص: 111


1- راجع في ذلك الغدير ج 8 ص 254 الى 286.

الاغلمة من بني امية وغيرهم وضاق على المسلمين و اكابر الصحابة والموحدين الذين احيوا الاسلام و القرآن بجهدهم و جهادهم ودمائهم ثم انفجرت من غيظهم وسخطهم و نقماتهم عليه شعلة عظيمة حاصرت الخليفة وضيقت عليه الامور اكثر من اربعين يوماً و قضت على الخليفة وصار عبرةً لاولي الابصار - ﴿من اعرض ذكرى فان له معيشة ضنكا و نحشره يوم القيامة اعمى قال رب لم حشرتني اعمى و قد كنت بصيراً قال كذلك اتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى﴾.

اعداء الاسلام من اهل الكتاب واغتنام الفرصة

الى هنا قد عرفت الحق و انكشف لك الحقيقة في مرجع الضمائر في الآيات العتابية و اسفر عن وجه الحقيقة بطرق شتى وظهر تحريف المنافقين وما صنعوا من توجيه الايات العتابية عن انفسهم الى النبي الاعظم صلى الله عليه وآله.

ولكن اعداء النبي صلى الله عليه وآله من اهل الكتاب لعبوا حول ذلك طرفى الافراط والتفريط.

فتارة تشبثوا بتلك الروايات المختلقة في الحطّ من شأن النبي الاكرم صلى الله عليه و آله و الطعن فيه و صار ذلك بضاعة لجملة من مبشري النصارى ومبلغي المسيحية و غذاء لتبليغاتهم على كرامة الاسلام ونبيه صلى الله عليه وآله.

وانت تعرف ان العدو العنيد اذا حصل بيده سند للطعن كيف يتجول حوله ويترقى من مقدمات ولو سخيفة الى نتائج تطابق مقصوده ، و لا ينتظر منهم الا امثال ذلك ، وقد اخبر الله سبحانه بذلك في غير مورد في كتابه الكريم مثل قوله تعالى ﴿لتبلون في اموالكم وانفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين اشركوا اذي كثيراً﴾(1).

ولله در شيخنا العلامة المجاهد الشيخ محمد جواد البلاغي قدس الله روحه

ص: 112


1- آل عمران.

واسكنه جنته حيث تصدّى لنقد جملة مما نالوا على قداسة لاسلام و القرآن و النبيالاكرم صلى الله عليه وآله في كتابه (الهدى الى دين المصطفى) و قد سبق منه ما يناسب المقام و ما اجابهم به فراجع(1)ونحن نكتفي بذلك.

وتارة أخرى جالوا جولة شيطانية مزوّرة من ناحية اخرى بان امثال هذه الآيات التي بلغها النبي صلى الله عليه و آله في نقد اخلاق نفسه و ادابه اقوی دلیل علی صدق نبوته ورسالته عن الله و انه لا يكتم شيئاً و لو على نفسه و يعلن كلما يوحي اليه من ربه و يبلغه الى الناس كان له او عليه ثم يزينون الحادثة المختلقة بما سياتي في كلام بعض المنخدعين عنهم وانه لم يكن ذلك الا امراً عادياً يقع كثيراً ما ممن يحرص في سبيل

الدعوة الى الحق اذا فوجيء بواحد يصد عنه في دعوته او يقطع كلامه الارشادي.

لكنك ذو معرفة باحوال نبيك رسول الرحمة وصاحب العصمة ومجلى اسماء الله تعالى وصفاته العليا ومن اختاره الله بين عباده الصالحين واصطفاه من خيرة العالمين لما يعلم انه يمشي على صراطه المسقتيم و دينه القويم وانه لا يضلّ ولا يزل في سبله و انه يبلغ رسالات الله علماً وعملاً و اخلاقاً و ادباً في تعليم الأمة و تاديبهم و تزكيتهم و ان كانوا من قبل لفي ضلال مبين ، و آثار صدقه و براهین امانته اكثر من ان يحتاج حتى الاعداء الى امثال ذلك مما يخدش كماله و عصمته صلى الله عليه و آله وسلم.

ص: 113


1- ص 23 الی ص 25

ص: 114

عثرات و زلات و اجوبة عنها

اشارة

و قد عثر جملة من العلماء و الفضلاء من كتاب عصرنا سدد الله خطاهم بتسديده عن الزلات والعثرات وايدهم بتأييده ، فانصفوا بزعمهم فاوقعوا انفسهم في ورطة الخطاء (نعوذ بالله تعالى من امثاله) بالنسبة الى النبي الكريم صلى الله عليه وآله فاستظهروا بزعمهم من الايات العتابية انها في شأن النبي صلى الله عليه وآله ، ثم انهم لما رؤا انفسهم بين الاشكالات الواردة المنبعثة عن عقايدهم الاسلاميه الشيعيه الحتمية اليقينية جالوا في عرصات الدفاع كحركات المذبوح و اعتذروا باعتذارات تافهة.

و نحن نرجوا من سماحة شخصياتهم الكريمة العفو عما لو طغى القلم (لاسمح الله بذلك) في التعابير حينما ندافع عن النبي الاعظم الاشرف خاتم الانبياء صلى الله عليه و آله هذا اولاً ، وثانياً ان يجدّدوا النظر فيما كتبوه ، و ما كتبنا فان كان الحق فيما ذكرناه (والرجاء الوثيق هو ذلك) اصلحوا ماسبق منهم واتقنوا صلاح ما مضى منهم فان الحق احق بان يُبدى سيما في هذه الاعصار العبوسة على الاسلام و المسلمين ، ولعلّهم اعرف منى بتلك الظروف و الشرائط.

ص: 115

ما ذكره صاحب تفسیر مخزن العرفان والجواب عنه:

اشارة

و هولاء الذين ذكرتهم، تفاسيرهم وكتبهم باللغة الفارسية و نحن نترجمها بالعربية مختصراً فبعضهم(1)بعد ان ذكر رأى الجمهور من اهل السنة في نزولها في شأن النبي صلى الله عليه و آله قال ما ترجمته بالعربيه - ان جماعة من المفسرين رأيهم ان ليس المراد بها هو صلى الله عليه وآله ثم ذكر بعض ادلّتهم بالاختصار ، ثم ذكر الرواية التي مضى نقلها في المجمع عن الصادق عليه السلام بأنها في رجل من بني اميه ، الى ان قال:

لكن سياق الاية بانضمام ما بعدها تفيد ان المقصود بها هو النبي صلى الله عليه و آله و سلّم و لاینافی عصمته و حسن اخلاقه حین اهتمامه بما هو اهم من اسلام جماعة يعدون من اشراف العرب و ساداتهم ظناً منه(صلی الله علیه و آله و سلم)انهم لو اسلموا اسلم من تبعهم من عشائرهم ، و عتابه من الله تعالى لعظمة شأن ابن ام مكتوم لتنبيه رسول الله صلى الله عليه وآله لئلا يعود الى عدم الاعتناء بامثاله لفقرهم و عماهم ، والتصدى للاغنياء و احترامهم لثروتهم و رياستهم و ان اكرمهم عندالله اتقاهم.

اجوبة عنها

اقول: اما تمسكها بسياق الايات على توجيهها الى النبي الكريم صلى الله عليه

ص: 116


1- مخزن العرفان الجزء الاخير ص 6-7 للعالمة الفاضلة الاصبهانية السيدة الجليلة حسنة الدهر و مفحخرة نساء العصر دامت بركاتها.

وآله سواء ارادت منها ذلك بحسب كونها خطابية ، او من جهة كيفية الالتفات من الغيبة الى الخطاب فقد عرفت فيما تقدم ص 70 الى ص 79 انها على خلاف ذلك اذل و ان ل ظهور لها اصلا في توجهها الى النبي صلى الله عليه وآله ، وقد عرفت كلام سيدنا المرتضی قدس سره و غیره من عباقرة الادبيات العربية وكلام سيدنا الاستاد العلامة الطباطبائى قدس سرّه وكذا شيخنا العلامة البلاغى قده حيث قال السيد قده اما ظاهر الاية فغير دال على توجّهها الى النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)ولا فيها ما يدل على انه خطاب له بل هي خبر محض لم يصرح بالمخبر عنه وفيها ما يدل عند التأمل على ان المعنى بها غير النبي صلى الله عليه وآله) وقد سبق ايضاً كلام المحدث القاساني في تفسير الصافي حيث قال (و اما ما اشتهر من تنزيل هذه الايات في النبي صلى الله عليه وآله دون عثمان فيأباه سياق مثل هذه المعاتبات الغير اللائقة بمنصبه، وكذا ما ذكر بعدها الى آخر السورة كما لا يخفى على العارف باساليب الكلام ويشبه ان يكون من مختلقات اهل النفاق خذلهم الله وقد ، حكاية كلماتهم.

واما حكم السياق لو انضمت الى الآيات التي بعد كلمة (كلا) الردعية فقد عرفت انها فوق الظهور ولعلها تصريح بمغايرة من انزل اوائل الآيات في شأنه عن النبي الكريم البر الرؤف و ان القرآن والدعوة الاسلامية في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة لا ينالها الاّ السفرة الكرام البررة ، ولا ينال بعهده الظالمون الذين يتقذرون عن الاعمى الفقير عابساً عليه وجهاً ومعرضاً عنه ولو كان يسعى و يخشى مقبلاً إلى الاثرياء حباً في الدنيا واهلها.

واما ما ذكرت اخيراً من تعليل العتاب و انه لابراز شأن ابن ام مکتوم وشخصيته (الى آخر ما ذكرته) فلابد ان يعد ذلك من زلات الاقلام ، ونعوذ بالله من الخط عن شأن النبي الخاتم صلى الله عليه وآله الى هذا الحدّ حتى ينسب اليه الاعراض عن الاعمى الفقير لفقره وعماه والتصدي للاغنياء واحترامهم لثروتهم ورياستهم ، حتى ان واحداً من اوساط العلماء المؤمنين المسلمين لو نسب اليه ذلك لاشمئز روحه وانكسر قلبه و لدافع عن نفسه باشد الدفاع ، و هل بلغ ابن ام مکتوم من ، و هل بلغ ابن ام مكتوم من الشأن عند الله الى هذا الحد ، وانحط العياذ بالله النبي الاعظم صلى الله عليه و آله الى هذا الحد ، حتى انزلت فيهما سورة يعاتب فيها النبي صلى الله عليه وآله و يتذكر امثال ذلك من صفاته وتقرء في الصلوات

ص: 117

وغيرها وقد كان اسوة حسنة لمن كان يرجوا الله و اليوم الآخر ، (اللهم لا تمقتنا).

هذا ، على ان ذلك اشبه شي بالتفسير بالرأي حيث لم يعتمد فيه على ظهور لفظي من القرآن ، ولا على حديث معتبر من الائمة الاطهار الذين هم عدل القرآن ، واما اقوال المفسرين فليست حجّة عقلية ولا شرعية يمكن الاعتماد عليها في تبيين معاني القرآن و تفسير المراد منه ، ولا سيما ان المفسرين الذين ذكروا ذلك بالجزم هم من اهل السنة ، اخذوا هذا الرأي في التفسير من الروايات التي فصلنا القول فيها متناً وسنداً، وتبين انها ضعيفة من جهات مختلفة تكشف عن انها مختلقة.

ص: 118

کلام صاحب (پرتوی از قرآن) و الجواب عنه:

و بعضهم(1)قال - ان مما ذكره الطبرسي في المجمع يعلم ان العلماء المفسرين من صدر الاسلام اتفقوا على رجوع الضمائر اليه صلى الله عليه وآله ولم يظهر الخلاف الآمن السيد المرتضى قدس سرّه ، حتى ان الطبرسي في تفسير الجوامع الجامع الذي صنّفه المجمع و الكافي و الشافي ، و مع اختصاره اجمع و اكمل من اخواتها لم يذكر فيها من الاقوال الا رأي عامة المفسرين من رجوع الضمائر اليه(صلی الله علیه و آله و سلم).

اقول فيه اولاً: ان شيخنا الطبرسي قده انما نسب ذلك الى (قيل) وهو مشعر بضعفه ولم يذكر هنا اقوال المفسرين جميعاً ، لا بعنوان جامع كلفظ الاتفاق او الاجماع ولا نسبته الى المفسرين بصيغة الجمع ، ولا ذكر اقوالهم واحداً واحداً ، بل يذكر اولاً ما ذكره صاحب (قيل) بأنه في شأن النبي صلى الله عليه وآله ثم يعقبه بكلام السيد المرتضى علم الهدى قدس سره ، في ردّ هذا القول، ثم يؤيد كلام السيد بالكتاب و الحديث عن الامام الصادق عليه السلام انها في رجل من بني امية. ثم يأخذ في ان يدافع عن مقام العصمة على فرض صحة ما ذكره (القيل) ثم يؤيد دفاعه بكلام عن الجبائي فراجع كلامه ص 10 يكشف لك ما ذكرناه.

و ثانياً: ان ما استنبطه من كلام المجمع من عدم الاستثناء عن المفسرين غير السيد في غير محله اذ لم يذكر عموماً ثمّ الاستثناء عنه قول السيد و انما ذكر اقوالاً ، 1- بعنوان قيل 2- بعنوان السيد الى آخر ما ذكره قده ، فان استنبط من ذلك راى عموم المفسرين

ص: 119


1- پرتوی از قرآن للعلامة المجاهد المفسر الخبير السيد محمود الطالقاني دام ظله.

فهذا فاسد جداً و ان اقوال المفسرين من الشيعة لم يجمع في كتاب بالنسبة الى هذه السورة

و ثالثاً: ان ما ذكره عن تفسير جوامع الجامع من انه لم يذكر من الاقوال الآ رأى عامة المفسرين ففيه انه لم يذكر فيه الا رأي العامة من المفسرين ومن اهل السنة لا عموم المفسرين من العامة والخاصة وبينهما بون بعيد لا ينبغي لمثله خلطه.

و رابعاً: قد عرفت مما سبق من نقل كلمات المفسّرين من الشيعة ان المخالف لا ينحصر بالسيد المرتضى قده بل المحدث المفسّر الجليل الخبير ناشر آثار الائمة الطاهرين الذي عاصر بعض الائمة عليهم السلام علي بن ابراهيم القمي قدس سره قد سبق السيد في ذلك ذاكراً انها في عثمان بن عفان من دون ترديد ثم شيخ الطائفة ذكر ذلك في التبيان و هكذا بعدهم الشيخ الطبرسي و ابو الفتوح الرازي و ابن شهر آشوب و غيرهم قدس الله ارواحهم و قد مر نقل كلمات اكثر من عشرة شخصية من اساطين الشيعة من القدماء بل لم نر من اكابر علماء الشيعة وزعمائهم من راى خلاف ذلك فكل من رأينا الى الآن قال بان مرجع الضمائر في الآيات العتابية غير النبي صلى الله عليه وآله على ما مرتفصيله و نقلنا عباراتهم بالفاظها فراجع اول الكتاب.

وخامساً: ان كتاب المجمع مقتبس من كتاب التبيان للشيخ الطوسي شيخ الطائفة الامامية على ما صرح به في اول المجمع ، واما كتابه الجوامع الجامع فقد صنفه بعد عثوره على الكشاف للزمخشري واقتباسه منه كتابه المسمى بالكافي الشافي فصنّف الجوامع الجامع بالتماس ولده ابي نصر الحسن ليكون متوسطاً بين كتابيه المجمع و بين الكافي الشافي ففي الحقيقة يكون كتابه هذا مقتبساً من المجمع ومن الكشاف للزمخشري بل لعلّه يغلب عليه كلمات الزمخشري كما قال قدس سره (و هجس بضميري بل القى في روعي محبّة الاستمداد من كلام جار اله العلامة فان لالفاظه لذة الجدة ورونق الحداثة) فراجع اول كتابه ومن المعلوم ان الزمخشري وان كان من المحبين لآل البيت عليهم السلام على ما يظهر من كتابه ربيع الابرار الا انه كان على مذهب العامة وتابعاً لآرائهم وقد عرفت اتفاقهم على رجوع الضمائر اليه(صلی الله علیه و آله و سلم).

على ان اكثر اهل ایران ولا سيما خراسان الذي كان موطن الشيخ الطبرسي كانوا

ص: 120

من اهل السنة في ذلك الزمان ولم يكن الشيعة ممن يتمكنون من اظهار امثال ذلك من دون ستار و ان يصرحوا نظريتهم بانها في عثمان او رجل من بني امية.

«...ثم قال - ان الرأي او الترديد الذي اظهره المرتضى وتبعه في ذلك بعض الشيعة فذلك مورد للنظر ، 1 اما ما ذكره من ان ظاهر الآيات لا دلالة فيها على رجوع الضمائر الى النبي ص الاكرم، ففيه انه كيف لا دلاله فيها على رجوعها اليه مع ان كلها ضمائر خطابية و المخاطب فيها هو الذي عبس وتولى ، وهل يظن ان تلك الخطابات المتوالية تتوجه الى شخص مجهول من بني امية، ومن كان هذا المشرك المخاطب الذي اهتم به القرآن بهذه العناية ، وهل كان المسؤل عن تزكية الناس ذاك المشرك حتى اقبل اليه الاعمى بهذا الداعي ، وهل توجد في الخطابات الابتدائية مورد في القرآن يكون المخاطب فيها غير الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم).

اقول - قد عرفت تفصيل الكلام في رجوع الضمائر ومرجعها وذكرنا ان مرجعها لو كان حاضراً ما كان يحسن ان يؤتى اولاً بصيغة الغائب ثم الالتفات منه الى الخطاب ولذا تصدى من ارجع الضمائر اليه ص من المفسّرين لتوجيه ذلك ، وقلنا ان ذلك من ركيك الكلام بحيث لا يليق بشأن القرآن المتحدّي على الجنّ و الأنس في فصاحته و بلاغته و غيرهما فراجع ما ذكرناه هناك(1).

و اما ما ذكره من توجّه الضمائر الى شخص مجهول - فهذا مما لم يتفوه به احد ، بل كان المرجع معلوماً حين نزول الايات وبعدها ثم اجهله التاريخ والرواة ككثير من امثاله الذى كان مما يوهن الدولة الأموية وحكومتهم ، وهذا شيء ظاهر لم يتوقع ان يستتر لمثل هذا المؤلف الذي كتابه مشتمل على التحقيقات الحسنة في تفسير القرآن.

و اما ما ذكره من انه من ذاك المشرك فهذا من العجائب عن مثله وانه كيف لم يراجع الكتب التفسيرية للشيعة فمن القائل أنه كان من المشركين ، بل بعضهم قال بأنه رجل من بني امية كما في الرّواية عن الامام الصادق عليه السلام أيضاً و بعضهم صرّح بأنه عثمان بن عفان ، وعلى كل حال كان رجلاً مسلماً أراد القرآن تنبيهه بعدم لياقته لشأن الدعوة الاسلامية

ص: 121


1- ص73

و التصدّي لتزكية الناس وتنبيه سائر المسلمين بذلك لئلا يجعلوه زعيماً للدعوة الاسلامية و رئيساً لدولتهم وحكومتهم ، و بالجملة فلم يقل احد بانه كان رجلاً من المشركين.

واما ما ذكره من انه هل يوجد فى الخطابات الابتدائية مورد يكون المخاطب غير النبي ص - ، فهذا اعجب واغرب من سابقه ، فانه اوّلاً ليس خطاباً ابتدائياً بل التفات من الغيبة الى الخطاب فقال تعالى اولا ﴿عبس وتولى ان جائه الاعمى﴾ ثم التفت منه الى الخطاب. وثانياً ليس الخطاب ولو ابتداء في القرآن الا مثل الخطاب في الكتب المصنفة فالمخاطب لا يلزم أن يكون شخصاً خاصاً لو لم يكن قرينة في البين كأن يكون في مقام الرد و المناقشة لاحد فيخاطبه في مناقشاته، وفي تلك الآيات الخطاب الى من اراد القرآن عتابه. و اما من هو فقد اخفاه التاريخ في ايدي الحكومات الجائرة الاموية والرواة المتسأجرة ولم يتسع المجال للشيعة لذكرهم من جهة التقية منهم الا شرذمة قليلة كما نقلنا جملة من كلماتهم. ، وثالثاً: ان الخطابات الابتدائية كثيرة في القرآن ولا دليل لنا على رجوعها الى النبي صلى الله عليه وآله بل عكسه اظهر أو متعين كقوله تعالى الم تركيف فعل ربك باصحاب الفيل - حيث ان النبي ص كان مولده عام الفيل ولم ير ذلك فكيف خاطبه الله به ومثل قوله تعالى - ﴿الم تركيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا﴾ وظاهر الآيات حولها انها في مقام التوبيخ الذي لا يليق بشأن النبي صلى الله عليه وآله وامثال ذلك في القرآن كثيرة.

فانظر في تلك الموارد فمن المخاطب فيها ﴿فترى القوم فيها صرعى كأنهم اعجاز نخل خاوية فهل ترى لهم من باقية﴾(1)، ﴿واذا رأيت ثم رأيت نعيماً و ملكاً(كبيراً﴾(2)، ﴿والمؤتفكة اهوئ فغشيها ماغشى فبأي آلاء ربك تتمارى﴾(3)، ﴿الم تر الى الذين تولوا قوماً غضب الله عليهم ماهم منكم ولا منهم﴾(4)، لو انزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً﴾(5)، ﴿وترى الارض هامدة فاذا انزلنا

ص: 122


1- الحاقة 7 و 8
2- سورة الدهر 20
3- النجم 55
4- المجادلة 14
5- الحشر 21

عليها الماء اهتزت﴾(1)، ﴿وترى الجبال تحسبها جامدة﴾(2)، ﴿الم تر أن الله انزل من السماء ماءً فتصبح الارض مخضرة﴾(3)،﴿الم تر ان الله سخّر لكم ما في الارض﴾(4)،

ولو فرضنا صحة ما ادعاه فى غير هذا الموضع فما الدلالة في ذلك على ان الخطاب فى هذه الايات العتابيه ايضا اليه(صلی الله علیه و آله و سلم)، فلنفرض انها كانت اول سورة نزلت عليه(صلی الله علیه و آله و سلم)، فهل عدم وجود خطاب ابتدائى فيه متوجه الى غيره يدل على تعيين مرجع الضمير او يحتاج ذلك الى قرينة خاصة تدلّنا عليه.

«... 2 - واما ما ذكره السيد من انّ العبوس لم يكن من صفاته و اخلاقه ولاسيما بالنسبة الى المؤمنين ، فالجواب ان هذه تأثرات روحية تظهر لكل احد في كل مقام ولاسيما اذا كان فى مسيره الى اهداف عالية و الدعوة الى الله تعالى تثيرها العواطف فى ظروف و اوضاع خاصة و ليست من قسم الصفات والاخلاق ، على انها اذا لم تكن في سبيل الامال و الاغراض الشخصيه فغير مذموم ، بل اذا كان في سبيل الدعوة الى الله فهى بنفسها حسن و ممدوح ...»

اقول هذا ايضا من الغرائب فان قوله ان تلك التأثرات مما تنبعث في ظروف خاصة لكل احد - لواراد لكل احد عصبي ضعيف غير مالك لنفسه في تلك الظروف فهو صحيح و اما بالنسبة الى رسول ربّ العالمين الذى هو فوق كل احد من الناس في سعة القلب و انشراح الصدر و السكينة الالهيه و العصمة الربانيه فهو مالك زمام نفسه فلا يضل و لا يزل اقدامه فضلاً عن سيّد الانبياء و خاتم السفراء و اعظم رسل الله صلى الله عليه وآله و سلّم ، و اما قوله انه لم يكن من قسم الصفات والاخلاق ، فهذه مناقشة لفظيه ، فلنفرض انها كانت عثرة وزلّة ، لكنّها لا تليق بشأن من يعصم من قبل الله فانه لو لم يكن حصون عصمته قويه متينه(5)لاحتمل في حقه في كل امر من اموره في كل حال بالنسبة

ص: 123


1- نوره
2- النحل 88
3- الحج 63
4- الحج 65
5- که نیم کوهم زحلم و صبر و داد *** کوه راکی در رباید تند باد

اليه العثرات و الزّلات و اذا لم يكن يليق بسفارة الله سبحانه و لا يعتمد عليه في اداء الرسالة و ابلاغها و اذاً لم يكن اصطفائه و اختياره من الله سبحانه بحق و هذا مستلزم لاقوال فاسدة فى صفات الله سبحانه من الجهل فى مقام الاصطفاء او عدم القدرة و امثال ذلك فسبحان الله عما يصفون ، بل بالنسبة الى ملوك الدنيا وحكامها ايضاً لایرون افعاله لايقاً لذلك ، بل امثاله نقص في حكوماتهم.

واما قوله انها حيث لم يصدر منه فى سبيل اغراضه الشخصية بل في سبيل الدعوة الى الله تعالى فهى فى نفسها غير مذمومة بل ممدوح مستحسن ، فهذا ايضا من غرائب الكلام فانه لو تسلّم انه كان كذلك و لم يكن مذموماً فلماذا ذمه الله و عاتبه عليه باشد الذم والعتاب ، ثم انه لوكان الهدف هو الدعوة الى الله من دون اى شائبة نفسانية فكيف اعرض عن المؤمن الذى يتزكّى و هو يسعى الى الله والى دينه و الى رسوله لفقره وعماه ، و يقبل الى الاغنياء لثروتهم و رياستهم (الم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ان لا يقولوا على

آنکه از بادی رود از جا خسیست *** زانکه باد نا موافق خود بسیست

باد خشم و باد شهوت باد آز *** برد او را که نبود اهل نیاز

کوهم و هستی من بنیاد اوست *** ور شوم چون کاه بادم باد اوست

جز به باد او نجنبد میل من *** نسیت جز عشق احد سرخيل من

خشم بر شاهان شه و ما را غلام *** خشم را هم بسته ام زیر لگام

تیغ حلمم گردن خشمم زده است *** خشم حق بر من چو رحمت آمده است

تا احب لل----ه آی-د ن---ام م--ن *** تا که ابغض لل-ه آی-د ک--ام م--ن

تاکه اعطى لله آید جود من *** تا که امسک لله آید بود من

بخل من لله ، عطالله و بس *** جمله لله ام ، نيم من آن كس

و آنچه لل-ه میکنم تقلید نیست نیست *** تخییل و گمان ، جز دیدنیست

زاجتهاد و از تحری رسته ام *** آستین بر دامن حق بسته ام

گرهم-ی پ--رم ه-م-ی ب-ی-ن-م مطار *** ورهمی گردم ه-م-ی ب-ی-ن-م م-دار

ورکشم ب---اری ب-دانم تا کجا *** ماهم و خورشید پیشم پیشوا

مثنوی مولانا جلال الدین مولوى

ص: 124

الله الاّ الحق) ، وبالجملة فصدور هذه التهيجات و التأثرات من ضيق النفس و انقباض الاعصاب ولا يمكن قيادة الملة وزعامة الجماعة وارشاد الناس الا بعد انشراح الصدر و لذا سئله موسى عليه السلام من ربه حين رسالته فقال ربّ اشرح لي صدري و يسر لی امرى وقال سبحانه بالنسبة الى رسوله الخاتم صلى الله عليه وآله ﴿الم نشرح صدرك﴾ فهيجان النفس وانبعاثها في حالاات التأثر عند اوضاع مولمة و ظروف قاسية حتى يصدر عنه افعال ذمية انّما هو شأن النفوس الغير الراقية من سواد الناس لا زعماء الرشاد واركان البلاد والهداة فى سبيل النجاة فضلاً عن ائمة الدين وامناء ربّ العالمين وفوقهم النبي الخاتم صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين.

«... 3 - و أما ما ايد به لنظريته من الرواية عن الصادق عليه السلام ففيه اولاً انها مجهولة السند وثانياً مخالفة للتواريخ المسلمة و رأى عموم المفسرين ، و قبل ذلك مخالفة لرواية اخرى عن الصادق عليه السلام من ان رسول الله صلى الله عليه وآله اذا رأى ابن أم مكتوم يقول مرحباً مرحباً لا والله لا يعاتبني الله فيك ابداً...

اقول اما ما ذكره من ضعف الرواية بانها مجهولة السند فقد سبق الكلام فيها و ان عليها عمل الاصحاب واكابرهم واساطينهم كعلي بن ابراهيم والسيد المرتضى وشيخ الطائفة والطبرسي وابن شهر آشوب وابن طاووس و اضرابهم من دون نقل خلاف عن اصحابنا الكاشف عن اتفاقهم وانما نقلوا الخلاف عن العامة وقد تقدم نقل عباراتهم في اول الكتاب بالفاظها فاصحابنا قاطعون على هذا الرأي مستدلون عليه ببراهين كثيرة من العقل و النقل مضافاً الى ما سبق مما ذكرنا انه يكشف من عباراتهم وجود روايات كثيرة وانه كان راى الامامية والمتهم صلوات الله عليهم غاية الأمر عدم وصول روايتهم بشكل الرواية الا هذه ففي كلام شيخ الطائفة وابن شهر آشوب وعلي بن ابراهيم وغيرهم ما يشعر بذلك مضافاً الى موافقتها للكتاب ومخالفتها للروايات المختلقة مما يوجب قوتها ورجحانها كما هو محرر في محلّه.

واما ما ذكره من مخالفتها للتواريخ المسلّمة و رأي عموم المفسرين فهذا اشبه شيء بالرجم بالغيب بعد ان هذا المؤلف لم يتصفح التاريخ ولم يأت بكلام احد منهم فضلاً عن كونه المسلم عليه في التواريخ ولم يتتبع اقوال المفسرين من الامامية الا قليلاً

ص: 125

ممن كان كتبهم عنده و يشير اليه كمجمع البيان و الجوامع الجامع و الا فكيف يمكن ان يختفي عليه اقوال من ذكرنا عباراتهم بالفاظها مع عدم التيسر لنا المراجعة والتتبع حقه لعدم وجود مكتبة عامرة عندنا.

نعم مخالف لتواريخ جماعة من العامة كابن سعد في طبقاته و السيرة النبوية لابن هشام - حتى ان ابن الاثير في اسدالغابه يذكر ابن ام مكتوم في موضعين تارة باسم عبدالله بن شريح وأخرى باسم عمرو بن قيس ويقول انه ابن ام مكتوم المؤذن ولم يذكر في الموضعين شيئاً من تلك الروايات فمن ذلك يعرف انه ما كانت القضية مسلّمة عند ابن الاثير اوكان ينكرها ، فلو سلمنا كونها مسلمة لتواريخهم ورأى العموم من المفسرين ، فانما ذلك عند العامة ، والمؤلف سيد علوى شيعي امامي محقق في التفسير فلا يليق به رمى القول به الى عموم المفسرين وتسلّم التواريخ.

و قد سبق عن شيخ الطايفة انه قال - وقال قوم انها نزلت في رجل من بني امية - فيعلم منه عدم انحصار القول به بالسيد المرتضى بل عليه قوم و جماعة، و قد نسب السيد ابن طاوس نزوله بالنسبة الى النبي صلى الله عليه وآله الى كثير من المفسرين لا عمومهم و.قال ابن شهر آشوب بعد مناقشاته الكثيرة على القول بكونها في شأن النبي صلى الله عليه و اله قال - و انما عبس صحابي ذكرنا شرحه في المثالب -

فكيف ينسب هذا المؤلف القول بنزولها في شأن النبي صلى الله عليه وآله الى تسلّم التاريخ و عموم المفسرين ، ولا سيما بعد ان لعبت سياسة الحكومات الاموية برواة العامة و مفسّريهم و احاديثهم سيما من زمان معاوية بن ابي سفيان الى زمان مروان الحمار وقد تملكوا زمام المسلمين الف شهر ثم تبعهم بنو العباس، اكثرهم، قروناً كثيرة فهل يبقى بايديهم بعد ذلك حقيقة باكرة تخالف شؤنهم لو بقيت غير ممسوخة الى زماننا الم تتفكر عميقاً فيما عن الائمة عليهم السلام بان الحق في خلافهم - فان ايادي سياسة الخلفاء اوقعتهم في خلاف الحق وهذا شيىء كالدم يجري في عروق كثير مما عندهم مما يخالف سياساتهم وشئوناتهم.

واما مخالفة الرواية لرواية أخرى عن الصادق عليه السلام فقد سبق الكلام في ذلك مفصلاً فراجع ص 36 - 37 و قلنا بعدم ظهور لها في المعارضة و على فرضها فتحمل على

ص: 126

التقية وصدورها في حكومة الأمويين و صدور الآخرى على غير تقية في زمان زوال حكومتهم حيث انه عليه السلام ادرك حكومة الامويين والعباسيين و هذا هو المتعين بعد ما علمنا ان رأى الشيعة على خلافها فانّهم على رأى ائمتهم عليهم السلام، بل الظاهر من علي بن ابراهيم شيخ القميين ان نزولها في عثمان بن عفان كان من المسلمات حيث ذكر ذلك قاطعاً من دون ترديد او اشارة الى الخلاف فيه ولم يظهر منه تمسكه بخصوص هذه الرواية في انها في رجل من بني امية.

«...و اما توهم ان عتاب الله تعالى اياه يدل على انه معصية صدرت منه لينافي مقام عصمته، فهو غير صحيح لأن العبوس و الاعراض لم يعدا من المعاصي، وعتابه من الله سبحانه و تعالى يدل على كمال توجهه اليه و مراقبته اياه، و الايات 73 و 74 و 75 من سورة الاسراء اشدّ عتاباً واقسى تهديداً من تلك الآيات العتابية ﴿وان كادوا ليتفنونك عن الذي أوحينا اليك لتفتري علينا غيره واذاً لا تخذوك خليلاً 73، ولولا ان ثبتناك لقد كدت تركن اليهم شيئاً قليلاً 74 اذاً لاذقناك ضعف الحيوة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيراً 75﴾.(1)

:اقول ، اما ما ذكره من ان العتاب غير دال على صدور المعصية - ففيه انه لو سلمنا ذلك فحكاية الافعال الموجبة للعتاب يكفي في ذلك فان العبوس على الاعمى المؤمن لعماه و فقره والاعراض عنه للتصدي والاقبال الى الكفار لغناهم و ثروتهم و رياستهم من اقبح القبائح عقلاً فضلاً عن الشرع بل ذلك نوع من الظلم بل ربما يكون اشد الماً من الضرب بالسوط فيقرح منه القلب بعد جرحه ولا يلتئم الى زمان بعيد سيما اذا كان عند جماعة من اشراف الدنيا وذوي الجاه والرياسة ولا سيما من رجل لا ينتظر منه امثال هذه الافعال و بالاخص في المجالس الدينية من غير جرم الا العمى و الفقر.

و اما ما ذكره من ان عتابه من الله تعالى يدل على كمال توجهه اليه ومراقبه اياه - ففيه ان كمال المراقبة لحساسية الموقف لا يدلّ على ان هذا الاعراض والعبوس للاعمى لفقره و عماه والتصدي لمن استغنى لثروته و رياسته غير مذموم ، فحساسية الموقف عند

ص: 127


1- سورة الاسراء

اوائل الرسالة بل في جميع ادوار الدعوة الاسلامية في سبيل اداء الرسالة حيث ان الانحراف فيها له خطر عظيم و اثاره المشومة كثيرة من حيث انعكاس السوء في تربية المسلمين مع ان الموقف موقف مدرسة مكارم الاخلاق و محامد الصفات يوجب اشد العتاب على من فعل ذلك واما استنتاج ان الفعل لم يكن معصية و مذموماً او تحميله على صاحب الرسالة فكل ذلك ممنوع والايات تدل على خلافه و قد سبق تفصيله.

و اما ما ذكره في تلك الآيات من سورة الاسراء من انها اشد عتاباً واقسى تهديداً فهو ممنوع اشد منعاً لأن بينهما فرق كثير. اما اولاً فان الايات العتابية في سورة عبس تدل على العتاب و الملامة والتقبيح على افعال صادرة من فاعلها و اما تلك الآيات في سورة الاسراء فتدل على ان المشركين سعوا سعياً بليغاً في سبيل افتنان النبي صلى الله عليه وآله وردفوا اسبابه واحدا بعد واحد ليفتنوه عن بعض ما اوحى اليه بحيث لولا - لولا العناية الالهية و العصمة الغيبة لكاد ان يركن اليهم شيئاً قليلا، لكن ادركته تلك العناية و التثبيت الربانية و الافاضات اللايقة بساحة عصمته، فلم يكد ولم يقترب حتى بمقدار ان يركن اليهم شيئاً قليلاً فلم يقع في طريق ما ارادوا منه ولا تحت تأثيرهم و ليعلم النبي صلى الله عليه وآله حساسية هذا الموقف بانه لو اقترب الى ان يركن اليهم شيئاً قليلاً لاذاقه الله ضعف الحياة وضعف المماة ولن يكن يجد بعده على الله نصيراً و لم يكن الكفار قادرين على نصرته من بأس الله تعالى. فليحمد على تلك العناية من الله تعالى وليعلم ان الله ناصره وكان فضل الله عليه كبيراً ، وثانياً قد ظهر مما ذكرنا الآن في بيان الآيات انه ليس في آيات سورة الاسراء ادنى عتاب وشائبة ملامة اصلاً بل تدل على تعظيم النبي و ان فضل الله عليه كبير و انه في ثباته واستقامته كان على حدّ لم يكن يركن اليهم شيئاً قليلاً ، فليس في تلك الآيات ادنى ملامة وعتاب فضلاً عن ان يكون اقسى تهديداً و اشد عتاباً ، بل بيان لحساسية الموقف كما ذكرنا ، ونظير ذلك قوله تعالى - ﴿وَهَمّ بها لولا ان رأى برهان ربه﴾(1)ولعله ايضاً هى العصمة الالهية بالنسبة الى يوسف الصديق صلوات الله عليه .

ص: 128


1- سورة يوسف 24

وفي ختام استدلالاته على مقصوده قال:

«... الخطاب في تلك الآيات مع العتاب والتهديد الكثير متوجّه الى شخص النبي صلى الله عليه و آله، و مع و آله، و مع ذلك لم يتصدّ احد من العلماء و المفسرين حتى السيد المرتضى رحمه الله لتوجيهه و تأويله انتهى كلامه.

ثم صوّر صورة خيالية للواقعة بحسب بعض ما زعمه من الشواهد و القرائن.

وقد صوّرنا الواقعة بنحو آخر يتوجّه الخطاب الى رجل من بني امية او شخص عثمان بن عفان لا الى النبي الاعظم صلى الله عليه وآله فراجع(1)

اقول اما ما ذكره من عدم تأويل احد من العلماء للايات فهذا غريب منه فان السيد و غيره ممن يرى انها في رجل من بني امية او عثمان بن عفان لا يحتاج الى التأويل و انما يحتاج اليه من يرى نزولها في شأن النبي صلى الله عليه و آله مع منافاتها لما عليه من مقام العصمة وسمو الصفات والاخلاق الحميدة.

نعم يمكن ان يكون نظره الى ما سيجيء من تفسير فارسي آخر ولعله هو الاصل لما مضى من هذا التفسير في هذه السورة وهو أن بعض من جعل الآيات العتابية منصرفة عن النبي صلى الله عليه وآله الى غيره اخذ في منهاج تفسير الآيات طريق من ارجع الضمائر اليه بحيث يوهم ان المراد منها هو ص لا غير وسيجييء ذلك مع رده انشاء الله تعالى.

و لا يخفى ان المؤلف المعظم دامت بركاته كثيراً ما في طي كتابه لهذا التفسير كان تحت ضغط شديد في سجن او اقصاء من فرعون زمانه ولم يكن له مجال لتتبع الكتب ومراجعة المكاتب و قد اشار الى ذلك في مقدمة تفسيره وبذلك اعتذر عما احتمل من وقوعه في العثرات والزلات واوصى الى القراء الاعزاء بتذكره قال في اخر مقدمة تفسيره فى الجزء الاول ما لفظه: (خواننده عزیز اگر در مطالب این مقدمه و قسمتی از کتاب اشتباه یا لغزشی یافتید تذکر فرمائید و معذورم بدارید زیرا در مدتی نگارش یافته که از همه جا منقطع بوده و بمدارک دسترسی ندارم و مانند زنده در میان

ص: 129


1- ص 58 و ص 75

قبر بسر میبرم،

شرح این هجران و این خون جگر *** این زمان بگذار تا وقت دگر

فرج الله عن الاسلام و المسلمين بمنّه و فضله و رحمته ،

ربیع الاول سنه 1383 مرداد ماه سنه 1342 ، سید محمود طالقانی)

ص: 130

کلام صاحب تفسیر (نوین) و الجواب عنها:

وفى تفسير نوين الفارسي الذي اقتصر فيه على الجزء الاخير من القران و ببالى عن بعض مواضعه أنه ذكر انه الفه فى طى عشرين سنة ، و الحق ان مؤلّفه تحمل المشقات في تأليفه و فيه من التحقيقات وجمع المكتشفات ما لا يستهان بها و يليق ان يستفاد منها فلله تعالی اجره و جزاه الله عن الاسلام و القرآن و اهله خير الجزاء.

ولكن مع ذلك لا يخلو عن عثرات نرجو من الله تعالى أن يوفقه لاصلاحها و ان يسدّد خطواته في سبيله.

ومن عثراته العظيمه التي لا يمكن الاغماض عنها ما صدر عنه في هذه السورة حيث اقتفى أهل السنّة مع انه من الشيعة وجعل المخاطب بالايات العتابية في اول السورة النبي الاعظم صلى الله عليه وآله ولم يكتف بما ذكره اهل السنة حتى اجتهد و جد في تمهيد مقدمات كثيرة ليضع ثقل العتاب والملامة في تلك الايات على النبى الخاتم صلى الله عليه وآله ، لكن ببيان يهين وزره و يخفّف ثقله لئلا يصعب عليه ان يحمله على

صاحب النبوّة الخاتمية والعصمة والطهارة.

وما استطعت الى الان ان اتصوّر محملا عقلائياً لهذه التكلّفات وما تحمله في طي هذه الصفحات الكثيرة من الابحاث حول ذلك مما لا اساس لكثير منها حتى في جملة من نقليّاته وما يستفيد منها وسنعرضها عليك.

فذكر عبارة عن الشيخ المحقق المفسر المتقدم ابى الفتوح الرازي قدس سره من ان الجمهور على نزولها فى شأن النبي صلى الله عليه وآله (الى ان يقول) وهو قول ابن عباس و قتاده و المجاهد وضحاك ، ثم يذكر اقوال عدّة من العامة كالزمخشرى والبيضاوى

ص: 131

و النيسابورى و الرازی و المیبدی و الطنطاوى ، و قد ادعى الرازي الاجماع عليه ، ثم يقول ولكن الشيعه اختلفوا فمنهم كابن عباس يرى ما هو رأى الجمهور ، ثم يأخذفي مدح ابن عباس و ترفیع شأنه الى ان يجعله في صف سلمان و ابی ذر و اضرابهما ، و ينقل عن بعض أنه ارفع شأناً من ان يطعن اويعاب عليه بادنى شيء (نعم كل ذلك في سبيل الطعن على النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)و توجيه العتاب عليه و اثباته).

عدم حجية آراء ابن عباس رضي الله عنه في التفسير

اقول قد عرفت سابقاً رأى الجمهور من العامة و رواياتهم وما في ذلك وكذلك قد عرفت ما عليه علماء الامامية وادلتهم فلا نعيدها

واما ابن عباس رضی الله تعالى عنه حبر الامة فعظمته شيء ، ونسبة هذا القول اليه شيء آخر ، وحجية اقواله في التفسير اذا كان عارياً عن الانتساب الى المعصوم شيء آخر اما نسبة هذا القول اليه فقد وردت في جملة من روايات العامة كما مرت و مر الكلام فيها ، وكذا وردت في التفسير المنسوب اليه وعندنا نسخة منه لكنه تأليف من ابى طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي صاحب القاموس الشافعى العامی و لعله ايضا مستند على تلك الروايات و لم يكن اقواله مشهوراً بين علماء الشيعة و رواتهم لاستغنائهم عنها بروايات الأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم.

كلام المحدث القاسانى صاحب الصافی قدس سره

قال المحقق الحكيم المحدّث الفقيه المفسّر القاسانی قدس سره في الصافي ما لفظه - لم يدروا ما صنعوا بالقرآن و عمّن اخذوا التفسير و البيان فعمدوا الى طائفة يزعمون انهم من العلماء فكانوا يفسرونه لهم بالاراء ويروون تفسيره عمن يحسبونه من كبرائهم مثل ابي هريرة وانس وابن عمر ونظرائهم وكانوا يعدون مثل اميرالمؤمنين عليه السلام من جملتهم ويجعلونه كواحد من الناس وكان خير من يستندون اليه بعده ابن

ص: 132

مسعود و ابن عباس ممن ليس على قوله كثير تعويل ولا له الى لباب الحق سبيل(1).

ثم ان الشيخ قده في التبيان لم ينقل ذلك هنا عن ابن عباس و ان نقل عنه في تعيين الاعمى انه ابن أم مكتوم في قول ابن عباس و مجاهد وقتادة والضحاك و ابن زيد و هكذا شيخنا الطبرسي قده في المجمع لم ينقل عنه ذلك. له على انه يظهر من رواية الشيخ الكشي في رجاله انه لم يتعلم ابن عباس تفسير القرآن با جمعه تنزيلاً وتأويلاً عن امير المؤمنين صلوات الله عليه ، و هي ما ذكرها في ترجمة ميثم التمار عن العياشي عن الطيالسي عن الوشا عن المنقري عن علي بن اسماعيل عن فضيل عن حمزة بن ميثم عن ابيه انه خرج الى العمرة فاستأذن ام سلمة رحمة الله عليها (الى ان قال) فخرجت فاذا ابن عباس عليهما الرحمة جالس فقلت يا ابن عباس سلني ما شئت من تفسير القرآن فاني قرأت تنزيله على اميرالمؤمنين عليه السلام و علمني تأويله فقال يا جارية هاتي الدواة و القرطاس فاقبل يكتب.(2)

و بالجملة فابن عباس رضي الله عنه وان كان من اكابر الشيعة حتى ان علماء الرجال والتراجم وقعوا في كلفة التوجيه للمكاتبة الخشنة عن اميرالمؤمنين عليه السلام بالنسبة اليه حين كان والياً عنه في البصرة لما عرفوا له من العظمة والعلم والايمان ولكن الظاهر من مجموع الاثار انه لا يتوازن مع امثال سلمان و ابي ذر و سائر الاربعة وعلى كل حال لا دليل على حجية اقواله في تفسير القرآن ولو ثبتت النسبة فضلاً عن انّ دون اثباتها خرط القتاد، وسيجييء كلام الشيخ قده في ذلك.

و اما امثال قتادة و الضحاك و مجاهد فضعفهم ظاهر مضافاً الى عدم حجية اقوالهم و قد مر الكلام فيهم.

كلام من العلامة البلاغي قدس سره في عدم حجية آراء المفسرين

قال شيخنا العلامة البلاغي قدس سره في مقدمة تفسيرة المسمى بالآء الرحمن -

ص: 133


1- تفسیر الصافی، ج 1، ص 4.
2- رجال الكشي ص 76

و اما الرجوع في التفسير واسباب النزول الى امثال عكرمة و مجاهد و عطاء و ضحاك كما ملئت كتب التفسير باقوالهم المرسلة فهو مما لا يعذر فيه المسلم في امر دينه فيما بينه و بين الله ولا تقوم به الحجّة لان تلك الاقوال ان كانت روايات فهي مراسيل مقطوعة ولا تكون حجة من المسانيد الأ ما ابتنى على قواعد العلم الديني الرصينة ولو لم یكن من الصوارف عنهم الا ما ذكر في كتب الرجال لاهل السنة لكفى، وان الجرح مقدّم على التعديل اذا تعارضا. اما عكرمة فقد كثر فيه الطعن بانه كذاب غير ثقة و يرى رأي الخوارج وغير ذلك. وقيل للاعمش ما بال تفسير مجاهد مخالف او شيء نحوه قال اخذ من اهل الكتاب و مما جاء عن مجاهد من المنكرات في قوله تعالى ﴿عسى ان يبعثك ربك مقاماً محموداً﴾ قال يجلسه معه على العرش. واما عطاء فقد قال احمد ليس في المراسيل اضعف من مراسيل الحسن وعطاء كانا يأخذان عن كل احد. و قال يحيى بن القطان مرسلات مجاهد احب الى من مرسلات عطاء بكثير كان عطاء يأخذ من كل ضرب و روی انه ترکه ابن جریح و قيس بن سعد ، و اما الحسن البصري فقد قيل انه يدلس وسمعت كلام احمد فيه و في عطا و اما الضحاك بن مزاحم المفسر فعن يحيى بن سعيد قول الضحاك ضعيف عندنا وكان يروى عن ابن عباس و انکر ملاقاته له حتى قيل انه ما راه قط. و اما قتادة فقد ذكروا انه مدلس. و اما مقاتل بن سليمان فقد قال فيه وكيع كان كذابا، وقال النسائي كان مقاتل يكذب، وعن يحى قال حديثه ليس بشيء، و قال ابن حيان كان ياخذ من اليهود والنصارى من علم القرآن الذي وافق كتبهم، واما مقاتل بن حيان فعن وكيع انه ينسب الى الكذب و عن ابن معين ضعيف وعن احمد بن حنبل لا يعباً بمقاتل بن حيان ولا بابن سليمان فانظر الى ميزان الاعتدال للذهبي من كتب الرجال اقلاً .(1)

قال رسول الله صلى الله عليه وآله اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا وانهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض.

فاذاً الحجة عندنا اثنان القرآن وعدله وهو اقوال المعصومين الاربعة عشر وهم

ص: 134


1- الاء الرحمن ج 1 ص 45.

النبي وفاطمة والائمة الاثني عشر صلوات الله عليهم اجمعين ، فالقرآن نصوصه وظواهره حجة لابد من اتباعه ، واما المتشابهات منه فيعلم تأويله الله والراسخون في العلم من المعصومين اهل بيت الوحي والعصمة والطهارة الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً حيث ان القرآن العظيم في كتاب مكنون لا يمسه الا المطهرون فهم يفسرون القرآن اذا احتاج الى التبيين و التفسير قال الله تعالى ﴿وانزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم﴾، و قال الله تعالى ﴿ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين﴾.

و اما اقوال غيرهم فلا قيمة لها عندنا الا تأييداً و امثاله سواء كانوا من الطبقة الاولى او الطبقة الاخيرة وسواء كانوا من الصحابة ام من غيرهم وليس المقام يسع لتفصيل القول في ذلك ليظهر الغث من السمين.

و العجب من المؤلف حيث نقل عن الشيخ قدس سره جملة مبتورة الطرفين وجعلها شاهدة لمدعاه في حجيّة اقوال من ذكرهم من المفسرين الاقدمين حيث جعلهم الشيخ ممن حمدت طرائقه ومدحت مذاهبه.

اقول ان هذه الجملة لا تدل على حجية اقوال هؤلاء والشيخ قده ايضاً لا يريدها بذلك ، و الاولى نقل عبارة الشيخ ليظهر الحال قال قده في اول التبيان ما لفظه (ولا ينبغي لاحد أن ينظر في تفسير آية لا ينبيء ظاهرها عن المراد مفصلاً او يقلد احداً من المفسرين الا ان يكون التاويل مجمعاً عليه فيجب اتباعه لمكان الاجماع، لأن من المفسرين (من حمدت طرائقه و مدحت مذاهبه) كابن عباس و الحسن و قتادة و مجاهد و غيرهم و منهم من ذقت مذاهبه كابي صالح والسدّي(1)والكلبي وغيرهم ، هذا في الطبقة الاولى. ، و اما المتأخرون فكل واحد منهم نصر مذهبه و تأوّل على ما يطابق اصله ولا يجوز لاحد أن يقلد احداً منهم، بل ينبغي ان يرجع الى الادلة الصحيحة اما العقلية او الشرعية من اجماع او نقل متواتر به عمن يجب اتباع قوله ولا يقبل في ذلك خبر واحد

ص: 135


1- هو ابو محمد اسماعيل بن عبدالرحمن الكوفي المفسر والسدي بضم السين وتشديد الدال كما في الكنى والالقاب منسوب الى سدة باب مسجد الكوفة وهى ما يبقى من الطاق المسدود.-منه .

خاصة (الأظ) اذا كان مما كان طريقه العلم(1).

ومراد الشيخ ممن حمدت طرائقه الخ على ما يظهر من عبارته ليس هو محمودية المذهب وممدوحية العقائد في مقابل من ذكرهم من الكلبي وامثاله، وذلك اما اولا فانه قال حمدت طرائقه و مدحت مذاهبه ولم يقل طريقه و مذهبه فظاهره انه اراد طرائقه و مذاهبه في كيفية تفسير آيات القرآن

ترجمة مختصرة للسّدى والكلبی هشام و ابوه محمد بن السائب

وثانياً انه جعل الشدّي ممن ذمت مذاهبه مع انه في رجاله جعله من اصحاب السجاد عليه السلام ص 82 والباقر عليه السلام ص 105 والصادق عليه السلام ص 148 واسمه اسماعيل بن عبدالرحمن بن ابي كريمة الكوفي المفسر توفي في حدود سنة 128 على ما في الكنى والالقاب للمحدث القمي قده. وعن ابن حجر انه صدوق متهم رمي بالتشيع وعن السيوطي في الاتقان امثل التفاسير تفسير اسماعيل الشدي روى عنه الائمة مثل الثوري و شعبة انتهى. وعن الترمذي انه وثقه سفيان الثوري و شعبة و يحيى بن سعيد القطان وغيرهم. وكذا الكلبي سواء كان المراد منه هشام بن محمد بن السائب او كان المراد منه ابوه محمد بن السائب فكل منهما صاحب كتاب في التفسير كما ذكره ابن نديم في الفهرست ص 50. اما ا هشام بن محمد بن السائب فذكره النجاشي ص 339 من رجاله، و قال العالم بالايام المشهور بالفضل والعلم وكان يختص بمذهبنا و له الحديث المشهور فال اعتللت علّة عظمية نسيت علمي فجلست الى جعفر بن محمد عليهما السلام فسقاني العلم في كاس فعاد الي علمي وكان ابو عبدالله يقربه و يدنيه و يبسطه انتهى. و اما ابوه محمد بن السائب فذكره الشيخ في رجاله من اصحاب الباقر عليه السلام ص 136 ومن اصحاب الصادق عليه السلام ص 289 فقال محمد بن السائب بن بشر ابو النصر الكلبي

ص: 136


1- تبیان ج 1 ص 2

الكوفي انتهى . و في الكنى والالقاب ج 3 ص 102 ذکر ترجمة الوالد و الولد مفصلاً. وثالثاً قد سبق ما ذكره العلامة البلاغي قدس سره في هؤلاء المفسرين عن علماء الرجال وما عن الاعمش في مجاهد في اخذه عن اهل الكتاب وما قاله في قوله تعالى عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً من انه يجلسه معه على عرشه وما ذكره عنهم في الحسن انه مدلس وكذا في قتادة من تدليسه.

و على هذا فمراد الشيخ قدس سره لابد أن يكون (ممن حمدت طرائقه و مدحت مذاهبه) انه حمدت طرائقه ومدحت مذاهبه في تفسير الآيات عند القوم لا عند نفسه و كذا (من ذمت مذاهبه) يعني مذاهبه في تفسير الآيات عند القوم لا عند نفسه او عند الامامية وليس ذلك لا توثيقاً للاولين و تضعيفاً للاخرين ولا بياناً لحقية مذهب هؤلاء و بطلان مذهب الآخرين و ليس ذلك ايضاً بياناً لاختيار نفسه في التوثيق و التضعيف بل كان مجرد ذكر ما عليه القوم من المدح لاحديهما و الذم للآخرين ولا يمكن الاعتماد على هذه العبارة لشيء آخر و يكون الفعل مجهول في (حمدت ومدحت ودمت).

وعلى كل حال رايت ان الشيخ قد صرّح بانه لا يجوز تقليد احد منهم سواء كان ممن (حمدت طرائقه ومدحت مذاهبه) او كان ممن (ذمت مذاهبه) بل لابد من اتباع دليل صحيح عقلي او شرعي من اجماع او نقل متواتر عمن يجب اتباع قوله وهم المعصومون عليهم السلام لا غيرهم حتى ابن عباس مع علو شأنه رضي الله تعالى عنه.

«...و ايضاً من التفاسير الموجودة (يعني من الشيعة) مجمع الصادقين و الكاشفي على هذه العقيدة - و الشيخ ابو الفتوح مع انه خالف هذا الرأي في بيان شأن النزول لكنه في طي تفسيره للايات سلك هذا المنهج و يجعل المخاطب في قوله - و ما عليك الآ يزكى - هو النبي صلى الله عليه وآله و يقول - و ان ما عليك هو البلاغ والرسالة - فلا يبقى ادنى ريب في ان المخاطب هو النبي صلى الله عليه وآله والذاهبون الى هذا الرأي من الشيعة واهل السنة يروون ايضاً رواية و هي كما في المنهج يقول نقل انه كان كلما تلى عليه جبرائيل هذه الآيات تغيّر لونه(صلی الله علیه و آله و سلم). و بعد تفصيل لبكائه ص يقول ورد في الاخبار ان سيد العالم استعقب ابن ام مکتوم و ارجعه الى المسجد و فرش له ردائه و اجلسه عليه و تلطف في حقه وكان كلما يلقاه يقول له مرحباً بمن عاتبني فيه

ص: 137

ربي. و الشيخ الطبرسي ايضاً ذكر هذ العبارة و ايضاً في طي اجوبته للمخالفين روى عن الصادق عليه السلام ما هو بهذا المضمون بادنى تفاوت في لفظه ...»

اقول اما نسبة القول برجوع الضمائر العتابية خطاباً الى النبي صلى الله عليه وآله الى صاحب مجمع البيان فهذا من اعجب الغرائب بعد تصريح شيخنا الطبرسي بخلافه و ما استدل به عليه فانه بعد ذكره كلام السيد المرتضى قده قال و يؤيد هذا القول قوله سبحانه في وصفه و انك لعلى خلق عظيم وقوله ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فالظاهر ان قوله عبس وتولى المراد به غيره انتهى كلام مجمع البيان. ثم ذكر الرواية عن الصادق عليه السلام انها في رجل من بني امية الى آخر ما نقلنا عنه في اول الكتاب بالفاظه ، فكيف ينسب اليه القول المشهور عن العامة و أعجب من .. من صاحبي (تفسیر پرتوی از قران) و (قاموس قرآن) جعلوا ذلك من تتمة كلام السيد المرتضى قده و لعله نشأ من ( تفسير نوين) و نحن قد نقلنا كلام السيد المرتضى بتمامه عن كتابه تنزيه الانبياء وكلام الشيخ الطبرسي في مجمع البيان لسهولة المراجعة وكشف الحقيقة فراجع و تأمل(1)حتى ترى قلة تأمل هؤلاء المفسرين فيما لابد لهم من لتأمل فيه ، و عدم فرقهم بين كلام السيد و الطبرسي قدهما و لولا ما استهانوا بالتدبّر في تلك الكلمات لامكن ان لا يقعوا في هذا الرأي الركيك في اتهام النبي الخاتم صلى الله عليه وآله.

و اما صاحب منهج الصادقين فقد نقلنا ايضاً كلامه الفارسي مترجماً بالعربية(2)فهو ايضاً ذكر كلام السيد المرتضى قده ثم اردفه بتأييدات وادلة في نصرة ما ذهب اليه السيد -الى ان يقول) فالظاهر ان المراد بها غيره كما روى عن الصادق عليه السلام انها نزلت في رجل من بني امية (الى آخر ما ذكره قده)

و ما ينقضي تعجبي عن قلة تدبر هؤلاء لا في التفاسير العربية ولا الفارسية حتى نشأ عنهم ما نشأ في تشييد هذا الرأي المخالف للمذهب في ما يرتبط بعصمة النبي صلى الله عليه وآله و ما يوجب طعن بعض اهل الكتاب على نبينا صلوات الله عليه.

ص: 138


1- ص 6 - 10
2- في ص 16

واما ما نسبه الى الكاشفي فلم يكن تفسيره موجوداً عندي حتى ارى صحة هذه النسبة وعدمها .

كلام في الكاشفي وكتاب تفسيره.

الآ ان الكاشفي لم يعلم انه شيعي أو سنّي مع كثرة مصنفاته في التفسير و اخلاقه المحسني و انواره السهيلي حتى استدل شيخنا المحدث القمي قدس سره في الكنى و الالقاب على تشيعه بهاتين البيتين :

ذریتی سئوال خلیل خدا بخوان *** واز لاینال عهد جوابش بكن ادا

گردد تو راعیان که امامت نه لایق است *** آنرا که بود بیشتر عمر در خطا

فلو فرضنا تشيعه ايضاً لكفى انه اخفى مذهبه فى تلك المصنفات الكثيرة وجرى فيها على مذهب العامة تقيّة أو لغيره من الدواعى فلا يوجب رأيه في ذلك تكثير القول من الشيعة بنزول تلك الايات العتابيه فى شأن النبى صلى الله عليه واله

و لصاحب منهج الصادقين كلام فى مقدمة تفسيره بالنسبة الى تفسير الكاشفى فنذكر ترجمته هنا بالعربية و نذكر عين عبارته الفارسيه فى الهامش(1)قال: - وتفسير الكاشفى وان كان محلّى بجواهر عبارات بليغة ولآلى الفاظ فصيحة لكنه يوافق منهج المخالفين و يخالف مذهب الائمة الصادقين صلوات الله عليهم اجمعين فقى المنظر بالاعتبار بمثابة حيّة مزيّنة بلون الذهب حيث ان ظاهره مزيّن بنقوش جمیله و باطنه مملوّ من سموم العقائد القاتلة.

انتهى كلام منهج الصادقين.

ص: 139


1- وتفسير کاشفی اگر چه بجواهر عبارات بلیغه و لآلى الفاط فصیحه محلّی بود اما چونکه موافق روش مخالفین و مخالف مذهب ائمه صادقین بود صلوات الله علیهم اجمعین در نظر اعتبار بمثابه مار زرنگار مینمود چه ظاهر آن مزین بود بنقوش جمیله و باطنش مملو از سموم عقائد قاتله. (مقدمه منهج الصادقين)

و اما ما جرى صاحب المجمع والشيخ ابى الفتوح قدّس سرّهما في تفسير هذه الايه ﴿وما عليك الا يزّكى﴾ و ما بعدها على ما هو المشهور بين العامة فهذا غير مناف لما اختاراه اولاً في شأن النزول فهل يزعم صاحب تفسير نوين ان الشيخين الجليلين الطبرسي و الرازي نسيا ما ذكراه في سطور قبله ام رجعا عن قولهما فيما قبل ذلك مع عدم الفاصلة الابسطور قليلة ... فلابد ان يقال انهما ما نسيا ولا رجعا بل تمشيا على المشهور بین العامة تقية او لغير ذلك من الدواعى لئلا يتظاهرا بالاصرار على خلاف المشهور بينهم.

واما ما ذكره من رواية تغير وجه النبي صلى الله عليه و اله عند نزولها و بكائه و تكريمه لابن ام مکتوم (الى اخر ما ذكره عن المنهج)

فهذا كله مما ذكره عن العامة و رواياتهم و ينقله عنهم، ثم يعقبه برده اولاً بما يذكره عن السيد المرتضى قدس سرّه ، ثم يعقبه برده بادلة اخرى من نفسه ثانياً ثم يقول ثالثاً فالظاهر ان المراد غير النبي صلى الله عليه واله كما روى عن الصادق عليه السلام بأنّها في رجل من بنى اميّة (الى اخر ما ذكره).

فصاحب تفسیر نوین یخالط هنا بين النقليات من المنهج والمجمع بنحو يتراى منه انه من مختار هما كما انه ذكر ذلك بعد العبارة السابقة فى جرى صاحب المجمع وابي الفتوح فى تفس اية ﴿وماعليك الا يزّكى﴾ على ما هو المشهور بحيث يؤيد بذلك ان صاحب المنهج ايضاً فى نقله هذه المنقولات تمايل الى رأى العامة مع انه كما عرفت ليس كذلك بل ذكر ذلك فى صدر كلماته فى تفسير الآيات و عقبه برده.

فراجع كلام المنهج و ابى الفتوح والمجمع فيما قدمناه و ما فعله صاحب تفسیر نوين ليظهر لك ما البسه فى طى نقلياته.

وعلى كل حال فهذه من روايات العامة وليس لها اثر في روايات الشيعة و قد تكلّمنا لضعف تلك الروايات سنداً مضافاً الى كونها مقطوعة مرسلة على ان فيها شواهد كذب و افتراء متناً و قد سبق بعض الكلام فيها فراجع(1).

ص: 140


1- ص 37 الی ص 57

واما الرواية المرسلة عن الصادق عليه السلام التي ذكرها في المجمع فقد مضى فيها ايضاً بعض الكلام فراجع(1).

«... و بعض آخر من مفسري الشيعة خالفوا نزولها في شأن النبي صلى الله عليه وآله و قالوا ان ذلك لا يناسب اخلاقه الكريمة و في رأسهم السيد الجليل علم الهدى السيد المرتضیٰ قدس سره و غیره كالتبيان و البرهان و الصافي و النهاوندي. اما اتوا بعين عبارته او بعين استدلاله فلم يأتوا باكثر مما ذكره السيد فنحن نورد عبارة السيد نقلاً عن المجمع...».

ثم ذكر ترجمة عبارة السيد بزعمه نقلاً عن المجمع لكن من دون تمييزيين ما عن السيد وبين ما ذكره صاحب المجمع من تأييد كلام السيد بالايتين والرواية عن الصادق عليه السلام فزعم ان الجميع للسيد و ان صاحب المجمع ينقله عنه فيقول بعد ذلك، ان الطبرسي بعد نقله قول السيد يقول ان العبوس على الاعمى لو كان صادرا عن النبي صلى الله عليه هل هو معصية اولا فالجواب... (الى آخر ما يذكره عنه).

مع ان صاحب المجمع لم يأت بعبارة السيد اصلاً وانما ذكر مراده ملخصاً في سطور ثلاثة تقريبا ثم يقول ويؤيد هذا القول قوله سبحانه في وصفه انك لعلى خلق عظيم... الى ان يختم تأييده بالرواية عن الصادق عليه السلام و قبل ذكر الرواية يقول (فالظاهر ان قوله عبس وتولى المراد به غیره فراجع(2)حتى ترى الفرق بين كلام السيد و ما ذكره الشيخ الطبرسي قده و ان صاحب تفسير نوين لم يميز بينهما.

و هكذا ذكرنا عبارة التبيان(3)فراجع ليظهر لك انه لم يأت بما ذكره السيد بل وافقه في المدعى و ذكر ادلة اخرى، فالمدعى لهؤلاء الاكابر من اساطين الشيعة قدس الله ارواحهم واحد واما في طريق الاستدلال فكل جرى على غير ما جرى غيره الآ في بعض مواد الادلة فراجع(4)و تأمل حتى يظهر لك انه هو قول الشيعة ولم يظهر منهم قول آخر الى زماننا هذا حتى نشأ من هؤلاء هذا القول.

ص: 141


1- ص 36 و ص 37
2- ص 10
3- ص7
4- من ص ؟ الى ص 27

نعم مثل صاحب تفسير البرهان كصاحب تفسير نور الثقلين حيث ان شأن مؤلفه فيها مجرد نقل الاحاديث وما هو بمنزلتها فلم يزد على ما ذكره علي بن ابراهيم وما ذكره الشيخ الطبرسي من الروايتين عن الصادق عليه السلام.

و من ذلك يظهر ان ما ادعاه صاحب تفسير نوين من ان السيد قده اول من رأى هذا الرأي كلام خال عن التحقيق بل نحن لم نعرف من الشيعة قولاً على خلاف ذلك الا ما عن ابن عباس رضي الله عنه و قد عرفت وهن هذه النسبة، و قد رأيت كلام شيخ الطايفة قدس سره المعاصر للسيّد و قد تتلمذ عليه حيث قال في التبيان (و قال قوم ان هذه الآيات نزلت في رجل من بني امية) حيث يعرف منه ان القائل بذلك قوم و جماعة.

و بالجملة فالذي يظهر من كلماتهم كما قدمنا توضيحه اطباق قدماء الشيعة على ذلك و الخلاف انما نشاء من بعض المعاصرين من غير تحقيق حقيق.

و الى هنا ظهر انّ ما تبين لنا من الشيعة ممن صرّح بهذا الرأي، هم: علي ابن ابراهيم القمي و السيد المرتضى، و ابو الفتوح الرازي و ابن شهر آشوب، و شخصان علماء من الشيعة في مؤتمر بغداد الحسين بن علي العلوي والسيد جمال الدين في القرن الخامس و السيد ابن طاووس، وصاحب الصافي، وصاحب منهج الصادقين، والشيخ في التبيان و الطبرسي في المجمع و الشيخ عبد علي الحويزي البحراني معاصر العلامة المجلسى في نور الثقلين، حيث نقل كلام علي بن ابراهيم و الطبرسي المشتمل على كلام السيد و الرواية عن الصادق عليه السلام في انها في رجل من بني أمية ولم يذكر عن المجمع الرواية الأخرى عن الصادق عليه السلام الموهمة خلاف ذلك، فيظهر منه انه على هذا الرأي، والعلامة المجلسي قدس سره حيث يذكر في باب عصمة نبينا صلى الله عليه وآله ما يتعلق بهذه السورة من كلام مجمع البيان ثم كلام السيد المرتضى قدس سره عن تنزيه الانبياء كما قدمناه(1)، ثم يقول بعد ذلك ما لفظه - اقول بعد تسلم نزولها فيه صلى الله عليه وآله كان العتاب على ترك الاولى او المقصود منه ايذاء الكفار وقطع اطماعهم عن موافقة النبي صلى الله عليه وآله لهم و ذمّهم على تحقير المؤمنين كما مر مراراً.(2)

ص: 142


1- ص6
2- بحارج 17 ص 78.

فيظهر من صاحب البحار انه على رأي الشيخ الطبرسي و السيد المرتضى ثم على فرض التسليم للخصم يجيب عن ذلك باجوبة يدافع بها عن عصمة النبي صلى الله عليه وآله مضافاً الى من بعدهم كالسيد الشبّر أو المقاربين لعصرنا كالشيخ البلاغي او المعاصرين كالسيد الاستاذ الطباطبائى صاحب الميزان و غيرهم

ومضافاً الى ما يظهر من كلمات هؤلاء من كثرة القائلين بذلك كما رايت من كلام الشيخ حيث قال (وقال قوم ان هذه الآيات نزلت في رجل من بني امية).

فما يظهر من صاحب تفسير نوين من جده واجتهاده في تقليل القول بذلك وتكثير القول بنزولها في النبي الاعظم صلى الله علیه و آله باطل کسراب بقيعه يحسبه الظمآن ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئاً و وجدا الله عنده فوقاه حسابه.

ثم ان مؤلف (تفسير نوین) صار بصدد تخفیف تقل العتاب في هذه الايات و جعله امراً هيناً لئلا يستوحش عنه المسلم الغيور ...».

فذكر كلام الطبرسي في آخر بحثه عن شأن النزول من انه على فرض القول بنزولها في شأن النبي صلى الله عليه وآله لا يلزم منه خروجه صلّى الله عليه وآله عن العصمة لان الاعمى لا يتفاوت معه العبوس والابتسام لعدم رؤيته فلا يتأذى، ثم نقل ما ذكره العلامة المجلسي قدّس سرّه بعد نقله كلام السيد المرتضى في تنزيه الانبياء، من انه على فرض تسليم نزولها فيه ص يعد هذا من ترك الاولى او أن المقصود منه ايذاء الكفار و قطع رجائهم عن موافقة النبي صلّى الله عليه وآله معهم وذلّتهم على تحقير المؤمنين. (ثم يقول) ان الشيخ الطوسي مع مخالفته لهذا القسم من شأن النزول (نزولها في النبي ص) يصرح بعد آية ﴿كلاً انها تذكرة﴾ بان هذا على فرض صدوره عن النبي صلى الله عليه وآله لا يكون معصية ولا يخالف العصمة فعليه فلو ان احداً كان يعتقد كونه صلى الله عليه وآله مخاطباً في تلك الايات لم يتجاسر (العياذ بالله) بساحة قدسه ص و على هذا فنحن نوضح ذلك على قدر فهمنا واطلاعنا وان استلزم التطويل فوق الحد المعمول لكن حيث ان الموضوع له اهمية كثيرة فلا محيص عنه...»

اقول اما ما ذكره عن الطبرسي وغيره من عدم تفاوت الحال للاعمى بين العبوس وعدمه فهذا مما لا محصل له فانه اولاً ، لو لم يتفاوت الحال له فلماذا نزل العتاب بهذه

ص: 143

الشدة. وثانياً ، ليس الاشكال في العبوس فقط من حيث ايذاء الاعمى و عدمه بل الاشكال يقع ايضاً فى أن العبوس للفقر و العمى و التصدي للرؤساء والاغنياء لثروتهم ورياستهم فيما بين المشركين مضافاً الى انه ظلم قبيح عقلاً كما سبق بيانه يدل ايضاً على غاية انحطاط فاعله في نفسانياته و اخلاقه بحيث لا يليق باوساط المسلمين فضلاً المعصوم و فضلاً عن خاتم الانبياء و افضل السفراء صلوات الله عليهم.

واما القول بان ذلك لتنبيه الكفار ، او لما يتوهم منه انه كان لفقره او لعماء و امثال ذلك، ففيه اولاً انها توجيهات باردة تنافي ظواهر الايات ولا سيما مع ما فسره هؤلاء بانه عبس و تولی و اعرض عن الاعمى لعماه وفقره واقبل الى من استغنى لغناه كما أن الاشارة بالوصف مشعر بالعلية كما لا يخفى على المطلع على المحاورة وقد تقدم ذلك مفصلاً. وثانياً ، ان تنبيه الكفار على عدم تحقير فقراء المؤمنين و عميانهم و ضعفائهم او التشديد في عدم تحقير الفقراء والعميان و امثال ذلك من الدلالات الالتزامية واما المدلول المطابقي الصريح فهو العتاب على من عبس وتولى عن الاعمى المسترشد المستهدي لفقره و عماه و اقبل على من استغنى وتصدى له لاستغنائه ولا يمكن ان يكون المراد المدلول الالتزامي من دون المدلول المطابقي ولا سيما مع عدم القرينة لذلك اصلاً.

و اما التنازل في ذلك على فرض التسليم والقول بانه من باب ترك الاولى كما ارتكبه شيخنا العلامة المجلسي قدس الله نفسه الطاهرة فلا يمكننا المساعدة عليه اذكما ذكرناه سابقاً هذه الافعال المعاتب عليها في تلك الايات تدل على غاية خسة فاعلها بحيث لا يليق بشأن اوساط المؤمنين فضلاً عن عدولهم واكابرهم و فضلاً عن المعصوم و فضلاً عن خاتم الانبياء و اشرف السفراء و افضل اولي الغرم من الرسل صلوات الله عليهم اجمعين ولذا ترى ان السيد المرتضى علم الهدى قدس الله روحه الطاهرة لا يتنازل الى ذلك الى آخر كلماته فيقول قده - و نحن و ان شككنا في عين من نزلت فيه فلا ينبغي ان نشك الى أنها لم يعن بها النبي صلى الله عليه وآله و اي تنفير ابلغ من العبوس في وجوه المؤمنين والتلهي عنهم والاقبال على الاغنياء و الكافرين و التصدّي لهم، وقد نزه الله تعالى النبي صلى الله عليه وآله عما هو دون هذا التنفير بكثير انتهى وأما ما نسبه الى الشيخ الطوسي قدس سره - من انه على فرض صدوره عنه ص

ص: 144

لم يكن معصية. فهذه تهمة على الشيخ قده بل الشيخ قدس سره ينقل ذلك عن قائل مجهول وهذه عبارته - وقيل ان قوله كلاً دال على انه ليس له ان يفعل ذلك فيما يستأنف فاما الماضي فلم يدل على انه معصية لانه لم يتقدم النهي عنه. انتهى، مضافاً الى ان هذا القائل الذي ينقل عنه الشيخ ايضاً لم يقل بانه على فرض صدوره عنه لم يكن معصية بل يريد الدفاع عنه ص بنحو آخر وهو انه حين الصدور حيث لم يرد عليه نهي فلم تكن معصية فمن الآن لو صدر عنه تصير معصيته للنهي عنه ولذا قال تعالى بعد ذلك - كلا - ردعاً على تكرارها وقد سبق ذكر هذا القول ايضاً والجواب عنه ص 63 و 64 و نبه عليه سيدنا الاستاد العلامة الطباطبائي قدس الله روحه(1).

ثم بعد ذلك يبحث عن العصمة وانها لا تنافي القدر على المعصية ويقول

«...ليس معنى العصمة ان النبي او الولي غير قادر على المعصية بل كما يظهر من صریح الايات وتصريح العلماء و يدل عليه لفظ المعصوم لغةً انها بمعنى المحفوظية والممنوعية عن ارتكاب المعصية فالعبد اذا شمله من الله لطفه وعنايته الخاصة يجعله في حمايته حتى اذا اجتمعت له شرائط المعصية و مقتضياتها يكون موفقاً لكف نفسه عنها ا وحفظها ولو اراد ذلك اشتباهاً اخرجه عن الاشتباه و ينبهه على الحقيقة وامتيازالمعصوم عن غيره انه يليق و يستحق ذلك من الله تعالى بخلاف غيره حيث ان الحكيم لا يفعل عبثاً و لا يمنع لطفه عن غيره بلا علة و سبب ولا يتصوّر في ساحة قدسه ظلم او بخل.

ثم ينقل عن الشيخ المفيد، انه يقول: ان العصمة من الله تعالى لحججه (الانبياء والائمة) هى التوفيق واللطف وبهما يكون المعصوم محفوظاً في الدين عن المعصية والخطأ و هي تفضل من ربهم بالنسبة الى من يتمسك بعصمته وقبوله من المعصوم المعتصم والعصمة غير مانع عن القدرة على المعصية ولا تلجأه على المعروف وفعل الحسن.

ثم الشيخ (المفيد) يعقب المطلب بعد استدلاله بآيات من القرآن ويشرح انّ الله كان يعلم ان سائر المكلفين لم يكونوا لائقين بهذا اللطف والا لشملهم.

ص: 145


1- فراجع ص 26 و ص 27

ثم يقول ان السيد المرتضى قدس سره فصل الكلام في هذا المعنى في كتابه الغرر والدرر واوضح هذا المعنى.

والمحقق الطوسي قال في التجريد - العصمة لا تنافي القدرة -

والعلامة في شرحه يفصل القول في شرح كلام المصنف ويقول ان العصمة لطف من الله وهو لاسباب اربعة، (ثم يقتصر صاحب تفسير نوين على ذكر رابعها).

فرابعها هو مواخذته على ترك الاولى بحيث يعلم انه لم يترك مهملاً بل يضيق عليه الامر حتى في غير الواجب ايضاً من الامور الحسنة ، ثم في آخره يقول (العلامة) العصمة لا تنافي القدرة بل المعصوم قادر على فعل المعصية و الا لما استحق المدح على ترك المعصية ولا الثواب ولبطل الثواب والعقاب في حقه ...»

ثم يقول (صاحب تفسير نوين) فعلى هذا فاعتقاد الشيعة في العصمة ان الله تعالى بلطفه وعنايته الخاصة يمنع الانبياء والائمة عن فعل الحرام وترك الواجب ويحفظهم ولكن ترك الاولى يمكن صدوره عنهم وعليه فلا يلزمنا تأويل ما يدل على ترك الاولى من الآيات سواء كان بنحو العتاب ام بغيره ليفتتح باب التأويل للمغرضين والمبتدعين وبعد ان تبين معني العصمة فلا نحتاج في جواز ترك الاولى بالاستشهاد بكلام ولكن تاكيداً لذلك ننقل قول اكبر مدافع عن عصمة الانبياء وهو السيد المرتضى في تنزيه الانبياء في قوله تعالى عفى الله عنك حيث يقول - وقد بينا ان ترك الاولى ليس بذنب... فان الانبياء يجوز أن يتركوا كثيراً من النوافل - باب العصمة من البحار بنقله عن تنزيه الانبياء...».

اقول اما قوله ان العصمة لا تنافي القدرة على المعصية.. وتطويله الكلام في ذلك فهذا اجنبي عن مبحثا بالكلية، فان القدرة لا يستلزم حصول المعصية ولا ارادتها من النبي صلى الله عليه وآله ليعلم انه قادر عليها، والا لخرج عن العصمة، بل القدرة معناها وجود وسائل المعصية و ادواتها لدية مما يرجع الى النفس والبدن بحيث لو ارادها مع قطع النظر عن العصمة لا يستحيل وقوعها منه واما مع العصمة فمحال ارادتها ووقوعها من باب الضرورة بشرط المحمول

ثم لا يخفى ان مانسبه الى العلامة قدس سره مما نقلناه عنه خلاف ما في شرح التجريد فانّ ذلك قول بعض آخر ينقله العلامة بقوله - و آخرون قالوا ... الخ ولم يشر الى

ص: 146

قبوله هذا القول اصلاً، فراجع شرح التجريد في مبحث الامامة، و هذا ايضاً مما يوجب سوء الظن بما ينقله في ( تفسير نوين عن الاعاظم.

كلام السيد المرتضى في تنزيه الأنبياء

واما ما نقله عن السيد المرتضى قده بواسطة البحار في عصمة نبينا صلى الله عليه وآله فنحن نذكره عن تنزيه الانبياء وهذه عبارته.

الجواب قلنا: اما قوله تعالى ﴿عفى الله عنك﴾ فليس يقتضي وقوع معصية ولا غفران عقاب ولا يمنع ان يكون المقصود به التعظيم والملاطفة في المخاطبة لان احدنا قد يقول لغيره اذا خاطبه ارايت رحمك الله وغفر الله لك ، وهو لا يقصد الاستصفاح له عن عقاب ذنوبه بل ربما لم يخطر بباله ان له ذنباً وانما الغرض الاجمال في المخاطبة و استعمال ما قد صار في العادة علماً على تعظيم المخاطب وتوقيره، و اما قوله تعالى ﴿لم اذنت لهم﴾ فظاهره الاستفهام والمراد به التقريع و استخراج ذكر علة اذنه وليس بواجب حمل ذلك على العتاب لان احدنا قد يقول لغيره لم فعلت كذا وكذا تارة معاتباً واخرى مستفهماً وتارة مقرراً فليس هذه اللفظة خاصة للعتاب و الانكار، واكثر ما يقضيه وغاية ما يمكن ان يدعي فيها ان تكون دالة على انه صلى الله عليه وآله ترك الاولى و الافضل و قد بينا ان ترك الاولى ليس بذنب و ان كان الثواب ينقص معه فان الانبياء عليهم السلام يجوز ان يتركوا كثيراً من النوافل و قد يقول احدنا لغيره اذا ترك الندب لم تركت الافضل ولم عدلت عن الاولى ولا يقتضي ذلك انكاراً ولا قبيحاً تنزيه الانبياء(1).

كلام السيد المرتضى في الغرر والدرر

وقال في الغرر والدرر ما لفظه - ما ورد في القرآن من معاتبات الرسول عليه السلام

ص: 147


1- ص 145 - 146 بحارج 1 ج 46

مع عصمته وطهارته وكونه الحجة على الخلق اجمعين.

الجواب: انه اذا ثبت بالدليل عصمة الانبياء عليهم السلام فكل ما ورد في القرآن مما له ظاهر ينافي العصمة ويقتضي وقوع الخطأ منهم فلابد من صرف الكلام عن ظاهره وحمله على ما يليق بادلة العقول، لان الكلام يدخله الحقيقة والمجاز، و يعدل المتكلم به عن ظاهره، و ادلة العقول لا يصح فيها ذلك الا ترى ان القرآن قد ورد بما لا يجوز على الله تعالى من الحركة و الانتقال كقوله تعالى ﴿وجاء ربك والملك صفاً صفاً﴾(1)، و قوله تعالى ﴿هل ينظرون الا ان يأتيهم الله في ظلل من الغمام و الملائكة﴾(2)، ولابد مع وضوح الادلة على ان الله تعالى ليس بجسم واستحالة الانتقال عليه الذي لا يجوز الا على الاجسام من تأويل هذه الظواهر والعدول عما يقتضيه صريح الفاظها قرب التأويل او بعد((((((

((((((ولو جهلنا العلم بالتأويل جملة لم يضر ذلك مع التمسك بالادلة وكان غاية ما فيه الا نعلم قصد المتكلم بما اطلقه من كلامه ونعلم اذا كان حكيماً ان له غرضاً صحيحاره

((((((على ان ظواهر الآيات التي خوطب بها النبي عليه السلام مما ظاهره كالعتاب منها المقصود به امته و الخطاب يتوجه اليه ولهذا روى عن ابن عباس انه قال نزل القرآن باياك اعني واسمعي يا جارة، و يشهد بذلك قوله تعالى: ﴿يا ايها النبي اذا طلقتهم النساء النساء﴾(3)فخاطب النبي عليه السلام والمراد بذلك جميع الأمة ((((((

((((((ومنها ما يظن انه عتاب وليس كذلك بل هو تعليم وتأديب ولا محالة ان تأديب النبي عليه السلام كان صادراً عن الله تعالى.

ثم يذكر جملة من الآيات كقوله ﴿وتخفي في نفسك ما الله مبديه﴾(4). وقوله ﴿ما كان لنبي ان يكون له اسرى﴾(5)- الى ان يقول:

فاما قوله تعالى ﴿عفى الله عنك لم اذنت لهم﴾- فليس يقتضي معصيته وذاك

ص: 148


1- الفجر ، 22
2- البقرة ،210
3- الطلاق 1
4- الاحزاب 37
5- الانفال 67

ان المقصد في الغالب بمثل هذا الخطاب التعظيم للمخاطب واستيضاح ما عنده فيما فعله الا ترى ان الواحد منا يقول لغيره لم كان كذا وكذا رحمك الله وغفر لك وهو لا يقصد الا الملاطفة له وحسن المحاورة ولا يقصد الاستصفاح له عن زلة و انما الغرض الاجمال فی الخطاب وقد صار ذلك عرفا بين الناس و المقصد به التوقير و الاجلال.

فاما قوله ﴿لم اذنت لهم﴾ فليس يجب حمله على العتاب لان هذه اللفظة ليست موضوعة لذلك خاصة بل قد يطلق ويراد به الاستفهام وتارة يراد بها التقرير وتارة العتاب وهي محتملة لجميع المذكور فلِمَ نحملها في حق النبي عليه السلام على العتاب دون بقية الاقسام وغاية ما في ذلك حمله على ترك الاولى حسب ما تقدّم في الآيات واستقصاء ذلك وذكر ما في الايات يطول.(1)

وما احسن كلام السيد قدس سره وما امتنه حيث يجعل الكلام هنا من الدوران بين الادلة القاطعة العقلية والنقلية مما لا يمكن التصرف فيها بتخصيص او تقیید و بین ظواهر الالفاظ والاقوال لو سلّم لها ظهور وحيث دلّنا الدليل القاطع على عصمة الانبياء عموماً ونبينا خصوصاً صلوات الله عليهم فلا محيص عن التصرف في دلالة الالفاظ والاقوال وبعبارة اخرى ان الدليل العقلي والنقلي القطعي يكون قرينة يتكى بها المتكلم لارادة خلاف ظواهر كلامه ويتمسك بها المستمع في صرف كلامه عن ظاهره صوناً لكلام الحكيم عن ارادته خلاف المقطوع به من الادلة العقلية والنقلية.

على انه قدس الله روحه ذكر ان العتاب احد المحتملات من الكلام لو سلمنا امكان الدلالة عليه فكيف يصار اليه.

ثم انه قد سبق انا ذكرنا ان العتاب في آيات سورة عبس مشتمل بما لا يمكن حصوله عن اوساط المؤمنين فضلاً عن اكابرهم وفضلاً عن المعصوم وفوقهم اشرف السفراء و خاتم الانبياء صلوات الله عليهم و هو التلهي عن الاعمى لفقره و عماه و هو يسعى الى الاسلام و الحق و هو يخشى ، والتصدى لمن استغنى لغنائه واستغنائه وهذا ظلم قبيح في حق المؤمن من جهة و من جهة اخرى يدل على ان ملاك التفاضل في نظر من

ص: 149


1- الغرر والدررج 2 ص 400 الى ص 402 طبع بيروت.

عبس تلك المظاهر الدنيوية وهذا لا يليق بشأن مؤمن صادق فضلاً عن الرسول المصطفى المنتجب المنتخب من الله سبحانه.

وأنت ترى ان السيد قدس سره لم يلتزم بورود عتاب في حقه ص وما يوهم ذلك يلتزم بتأويله لما يرى من مخالفته الادلة العقلية على عصمته ص ويقول لابد من تأويل تلك الآيات ويجعل غاية الاقتراح هو الحمل على فعل ما غيره اولى منه مضافاً الى ان الآيات التي يذكرها ليس فيها عتاب صریح بخلاف آیات سورة عبس فانها صريح في العتاب على امور قبيحة عقلاً فضلاً عن الشرع كما سبق ولذا لم يذكرها السيد قده في زمرة تلك الآيات بل تعرّض لها في كتابه تنزيه الانبياء واصر على انها في غير النبي صلى الله عليه وآله من دون تأويل وحمل على ترك الاولى، فما ادري لأي علّة اخذ (صاحب تفسير نوين) بهذا الكلام من السيد قده من مقام آخر وادرجه في خلال هذا المبحث.

وبالجملة ففي نقليات المؤلف تلبيس وخلط في اكثر الموارد التي راجعنا فيها الاصل المنقول عنه بحيث يردفها حسب ما يريد الاستنتاج منها على مقصوده من دون رعاية للامانة في النقل ومن دون رعاية لحق النبي الاعظم صلى الله عليه و آله على كل انسان فضلاً عن المسلمين وان اقل مالابد من رعايته ان يتأمّل ويتدبّر في ان ما نسب اليه مما لا يليق به أحق ام كذب وافتراء.

وقد ظهر ان العبوس والتولي و الاعراض والتلهي عن الاعمى الذي يستهدي ويسعى وهو يخشى لفقره و عماه، والتصدي و الاقبال الى الاغنياء و الاشراف و هم ممن يستغنى سواء عوتب عليه ام لا لايليق بساحة قداسة النبي الخاتم صلّى الله عليه وآله فليس الاشكال العويص عنوان العتاب فقط ليرى المؤلف (صاحب تفسیر نوین) ان العتاب لا بأس به ويستشهد بكلام من الشيخ او المحدث الفيض قدس سرهما في بعض الموارد ذكرا ذلك لو سلمناه بهذا المعنى.

وقد بسط (المؤلف) القول في ذلك طويلاً بما لا يرجع الى محصل ونحن لا نرى لتعرضه كثير فائدة مضافاً الى ان العتاب لا يصح الا مع نقص في المعاتب عليه ولا يمكن ذلك في المعصوم بعد وفور الادلة في عصمته.

ثم ذكر فصلاً في فوائد العتابات في القرآن

ص: 150

1 - خلاصته ان اشقى الشقاء واخسر الخسران بالنسبة الى كل احد ان يكله الله الى نفسه و يسقطه عن عين رعايته ، و العتاب يدل على كمال رعاية الله سبحانه للمعاتب عليه فيدل العتاب في تلك الآيات على كمال لطفه و رعايته و رحمته بالنسبة اليه صلى الله عليه وآله...»

اقول العتاب كما يدلّ على ان الله تعالى لم يسقطه من عين رعايته يدل ايضاً على قبح ما عوتب عليه و نقص فاعله ، و انه صار حقيقاً بالملامة و العتاب و هذا غير لايق بمقام النبي وعصمته صلى الله عليه واله .

«...2 - حاصله ان ذلك يوجب ان يتنبه النبي صلى الله عليه وآله من انه تحت المراقبة الشديدة من الله تعالى و هذا يوجب شدة موظبته على ترك المعاصي كما ذكره العلامة في العبارة المتقدمة ، من ان ذلك من الاسباب القوية للعصمة .

اقول معرفته بالله بالمرتبة الكاملة مع قداسته و طهارته يكفي في عصمته بعد ان طهره الله تطهيراً ، ولا يحتاج الى العتاب ليواظب على نفسه اشد المواظبة فالمعصوم لا يرى شيئاً الا ويرى الله قبله و معه و بعده ولا يرى الخلق الا ظلالاً لوجوده و قدرته و عظمته واسمائه ولا ينسي ولا يغفل عن ذكر الله ، فكيف يتصور فيه المعصية. و عن اميرالمؤمنين صلوات الله عليه انه كان يقول «الهي ما اطعتك طمعاً في جنتك ولا خوفاً من نارك بل وجدتك اهلاً للعبادة» فهل يحتاج امثالهم الى التخويف او التطميع او العتاب في المشي على الصراط المستقيم فالعمدة في ذلك معرفتهم ومعرفة مقام عصمتهم وما خصهم الله تعالى به حيث خلقهم الله انواراً وجعلهم بعرشه محدقين حتى من علينا بهم فجعلهم في بيوت اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه فلا ظلمة فيهم حتى يحتاجوا الى العتاب في مشيهم سوياً على الصراط المستقيم.

على انك عرفت ان نسبة ذلك الى العلامة قدس سره في شرح التجريد في غير محله بل العلامة نقل ذلك قولا عن غيره ولم يشر الى اختياره فراجع شرح التجريدفي مبحث الامامة و عصمته.

«...3- خلاصته ان الطباع البشرية على طرفي الافراط والتفريظ الآ اليسير منهم من يمشي سوياً على صراط مستقيم ولذا يذكر الناس اساطير في حق كبرائهم ، حتى صدر

ص: 151

الغلو من جماعة من الشيعة بالنسبة الى اميرالمؤمنين و الامام الصادق عليهما السلام واما النبي صلى الله عليه وآله فما غلوا فيه اصلاً وعدم الغلق بالنسبة اليه له موجبات اهمها ما ورد من العتاب في حقه في القرآن ....

اقول على راى المؤلف (صاحب تفسير نوين) كان يلزم على الله سبحانه (العياذ بالله) ان يعاتب عليا وصادقاً صلوات الله عليهما لئلا يقع الشيعة في الغلق بالنسبة اليهما فهذا من غرائب القول في هذا الباب.

و الغلو بالنسبة الى الانبياء و الائمة عليهم السلام انما نشأ من نقص الأمة و اتباعهم في معرفتهم و هذا يعالج باشياء عمدتها الارشاد في بيان الحقيقة في معرفة شخصية النبي و الائمة عليهم السلام ، لا العتاب جزافاً في حقهم ، و هذا هو الذي ورد في القرآن بالنسبة الى النصارى و نبيهم عيسى بن مريم عليهما السلام ، قال تعالى ﴿لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله الا الحق ، انّما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته القاها الى مریم و روح منه منه ، فامنوا بالله ورسله، ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم انّما الله اله واحد سبحانه ان يكون له ولد له ما في السموات والارض وكفى بالله وكيلاً﴾(1)

و انت ترى ان الله سبحانه في القرآن لم يأت بما استحسنه هذا المؤلف من العتاب على المسيح عليه السلام و انما بين الحق للنصارى مما عليه المسيح فضلاً و منقبة و سودداً من كونه رسول الله وكلمته القاها الى مريم و روح منه من دون تنقيص لمقامه الشريف و عتابه .

«...4 - حاصله ان هذه العتابات تؤثر في تهذيب اخلاق المسلمين وتربيتهم حيث انهم اذا رؤا ان الله تعالى يضيق على نبيه ص مع محبوبيته وعظمته فكيف حال الأمة ثم استشهد بكلام للطبرسي قدس سره في تفسير قوله تعالى ﴿فلا تدع مع الله الها آخر فتكون من المعذبين﴾(2)، أنه قال وانما افرده بالخطاب ليعلم ان عظيم الشأن اذا اوعد فكيف حال من هو دونه و اذا أحذر فغيره اولى منه بالتحذير ...».

اقول: التحذير شيء ، و العتاب على امر واقع شيء آخر ، فان التحذير للحذر عن

ص: 152


1- النساء 171.
2- الشعراء 213.

شيء عظيم الخطر لو وقع فيه ، و اما العتاب فهو على امر قبيح وقع من المعاتب عليه وهذا لا يليق بشأن النبي الخاتم المعصوم صلى الله عليه وآله.

على ان الشيخ قدس سره في التبيان في تفسير هذه الآية هكذا يقول - ثم نهى نبيه ص و المراد به المكلفين فقال ولا تدع ... و تقديره انك ان دعوت معه الهاً آخر كنت من المعذبين انتهى. و على كل حال ان العتاب ان كان لصدور قبيح (العياذ بالله) من النبي صلى الله عليه وآله فهذا مقطوع العدم لمنافاته للادلة القطعية على طهارته وعصمته وان كان بنحو الجزاف لمجرد تهذيب المسلمين في اعمالهم و اخلاقهم فهذا و ان كان ربما يصدر من الحكام والسلاطين الظلمة لاعلام الرعية بطشهم في تشديد امرهم، الا انه من الله سبحانه و تعالى مخالف لعدله و حکمته و قدرته و رأفته و رحمته فلا يمكن صدوره منه ولا سيما بالنسبة الى النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وكان فضل الله عليه كبيراً. و بالجملة ان كان العتاب في محله فمضافاً الى منا مه لمقام النبي صلى الله عليه و آله فلا يحتاج الى فائدة اخرى عائدة الى المسلمين في تهذيب اخلاقهم و ان لم يكن في محله فصدوره من الله تعالى قبيح.

و هذا بخلاف التحذير فانّه غير مستلزم لنقص في المحذور بل انما هو لاظهار الخطر في المحذور عنه. و لعله لا بأس بتحذير من هو معصوم عن الوقوع فيه لاعلام عظمة خطره بالنسبة الى سائر المكلفين، لما ذكره الشيخ الطبرسي قدس سره يعني بداعي تشديد الامر ليعلم المسلمون ان عظيم الشأن اذا اوعد فكيف حال غيره، او من قبيل اياك اعني واسمعي ياجارة وعلى كل حال فهذا لا ربط له بالعتاب على اعمال قبيحة تنيء عن صفات ذميمة فاجراء كلام الشيخ الطبرسي من آية التحذير الى ما نحن فيه قياس مع الفارق.

«... 5 - و من فوائد تلك العتابات التنبيه على تبعد النبي صلى الله عليه وآله المعاصي طرّاً وان اكبر ذنب صدر عنه امثال هذه الاشياء التي صدرت عنه في سبيل اهدافه السامية حين الدعوه الى الاسلام و تبلیغ الدین و تكثير جمعية المسلمين سيما من ذوي الجاه والثروة والرياسة بين الناس فلذا اعرض عن الفقير الاعمى الذي يحتمل ان يمنع ملابسه الخرقة البالية واعماله الشذوذيّة عن تأثير كلام النبي صلى الله عليه و آله في نفوس هؤلاء الاشراف و مثل ما أجازه لعدة من المنافقين لترك الخروج الى الجهاد. و مثل

ص: 153

تحريمه شرب العسل او المضاجعة مع المارية القبطية الى شهر، الى غير ذلك مما هو من هذا القبيل، فعوتب على امثال ذلك.

حتى ان بعض المفسرين قال ان اشد العتاب ما في اول سورة التحريم ﴿يا ايها النبي لم تحرم ما احل الله لك تبتغي مرضاة ازواجك﴾ فمن هذه الآيات يعلم شده مراقبته لنفسه وتركه المعاصي والاعمال السيئة، و في القرآن الكريم قد تكرر نسبة الذنب والعصيان والغواية الى الانبياء و منه ما نسبه الى نبينا الخاتم صلى الله عليه وآله بتعبير الذنب و امره بالاستغفار و المفسرون ذكروا لذلك توجيهات من كون النظر الى الامة و معصيتهم و ان الخطاب اليه من قبيل اياك اعنيى و اسمعي يا جارة كما عن الصادق عليه السلام من ان القرآن نزل على هذا الوجه، لكن في قوله تعالى ﴿واستغفر لذنبك و للمؤمنين والمؤمنات﴾ حيث لا تستقيم تلك المحامل فلا بد ان يحمل على ترك ما هو اولى فعله فان (حسنات الابرار سيئات المقربين) و ان الله سمّى هنا ترك المندوب ذنباً فانه لم يكن يرتكب ذنباً الا مثل ذلك و لعظمته وجلالة قدره و منزلته قد سمّى ذنباً ما لو فعله غيره لكان مباحاً .

... فيعلم من ذلك انه(صلی الله علیه و آله و سلم)على اي الاعمال كان يعاتب عليه فلو صدر عنه ما هو اكبر منه لنزل العتاب باعظم من ذلك وحيث لم ينزل فيعلم انه لم يفعل الا هذه الاشياء المذكورة...»

اقول العتاب على ما ذكرنا غير مرّة انما يتوجه الى امر قبح صدوره منه و هو غير لايق بمقام العصمة و الطهارة و لذا ترى ان العلماء والمفسّرين يتصدون للدفاع عن ذلك بالنسبة الى الانبياء عليهم السلام فيما ظاهره ذلك او مما يوهمه، و هذا هو الذي حمل السيد المرتضى قدس الله نفسه لتأليفه كتابه تنزيه الانبياء، على انه قد سبق كراراً ان آيات سورة عبس لم تكتف على مجرد العتاب حتى اشارت الى علته من افعال يقبح صدورها عن مسلم فضلاً عن النبى ص. وسيرة النبي صلى الله عليه وآله في الخلوة والعلانية سفراً و حضراً وصلت الينا بالاخبار المتواترة من جهة حرص المسلمين وعلاقتهم بنقلها و ضبطها و التوجه اليها و هي تدل علی کمال نزاهته و قداسته حتى صدقه في ذلك اعدائه من سائر الأمم كاليهود والنصارى و قد كتبوا في ذلك اشياء كثيرة يبتهج منه المسلم من

ص: 154

غير أن يحتاج في ذلك الى امثال ما ذكره هذا المؤلف وقد تنبه وذكر كثيراً منها هذا المولف في مقدمات كتابه .

ثم أنه قد ذكرنا ان ما اشير اليه في تلك الآيات من معاملة الاعمى بالتولي و التلهي و الاعراض عنه لفقره و عماه و الاقبال الى الاثرياً والرؤساء لثروتهم و رياستهم لم يكن امراً هيناً من مسلم فضلاً عن النبي الاعظم صلّى الله عليه و آله ليقال ان العتاب يفيد ان اعظم ذنونه امثال ذلك وليس بعظيم لا بل هو امر عظيم قبيح و لذلك تعرض لتنزيهه عنه في تنزيه الانبياء.

نعم هو امر قبيح ولم يكن فاعله النبي صلّى الله عليه وآله و المولف (صاحب تفسير نوين) لايهينه ليراه هيناً بل ليسهل حمله على النبي صلى الله عليه وآله و يدافع به عن رجل من بني امية او عثمان بن عفان ففي موضع يهينه و يخففه و في موضع آخر يكبره. و نحن نرى ان عصمة النبي ص و عظمته و سيرته و مشيه يدفع عنه ذلك.و من ناحية اخرى نفس السورة بعد التدبر فيها والتعمق في آياتها من اولها الى آخرها ايضاً يدافع عن النبي الاعظم صلى الله عليه وآله، وتبين ان المعاتب عليه غيره وانه صلى الله عليه وآله من السفرة الكرام البررة، وسيأتي انشاء الله تعالى.

من العمل يعلم ان هذا لا يقاس بالموارد التي ذكره من نسبته الذنب و العصيان و الغواية و امثاله الى الانبياء او الذنب مع الاستغفار بالنسبة الى نبينا صلى الله عليه وآله، فان الامر في اطلاق هذه الالفاظ الى الانبياء سهل بعد ان لم يذكر لها سبباً قبيحاً غير لايق بهم. اما لما ذكره من ان حسنات الابرار سيئات المقربين او لغير ذلك مما ذكره العلماء في كتبهم المعدة لذلك واما في المقام فغير قابل لتلك المحامل بعد أن اشير الى الفعل المعاتب عليه والصفة التي كان عليها فاعله وحيث ان التعرض لكل واحد من تلك الموارد المشار اليها يوجب الخروج عن وضع هذه الرسالة فلابد من ان نحيله الى محله المناسب. نعم ما نسب المؤلف (صاحب تفسير نوين) الى السيد المرتضى قدس سره في تنزيه الانبياء فيه خلط و تلبيس وتدليس فان السيد قده ذكر ذلك عن غيره واجاب عنه ثم اختار وجهاً آخر، ولست ادري كيف نسب ذلك الى السيد قده فانه بعد ما يذكر السئوال عن الآية يقول ما لفظه - الجواب - قلنا اما من نفي عنه ص صغائر الذنوب مضافا الى

ص: 155

كبائرها فله عن هذه الآية اجوبة نحن نذكرها ونبين صحيحها عن سقيمها منها ... الى ان يقول و منها أنه سمي ترك الندب ذنباً... الى ان يقول و هذا الوجه يضعفه على بعد هذه التسمية أنه لا يكون معنى لقوله اني اغفر ذنبك ولا وجه في معنى الغفران يليق بالعدول الى الندب (الى ان يقول) و قد كنا ذكرنا في هذه الآية وجهاً اخترناه و هو اشبه بالظاهر مما تقدم ... وحاصل ما يذكره على مختاره ان المراد من الغفران الازالة و ذنبك مصدر اضيف الى المفعول و فاعله المشركون و المراد منه هو صدهم ومنعهم اياه عن مکة و المسجد الحرام، و هذا المعنى هو الذي يليق ان يترتب على فتح مكة لا الوجوه السابقة فيصير المعنى انا فتحنا لك فتح مكة ليزيل عنك الذنب الذي اذنبه المشركون في حقك من منعهم اياك دخول مكة وصدّهم اياك فان المصدر كما يضاف الى الفاعل يضاف الى المفعول ايضاً كما هو محرر هو محرر في محله. انتهى مع اختصار في بعضها(1).

و قد سبق الشرح والتفسير لهذه الآية في كلام شيخنا العلامة البلاغي فراجع(2).

ثم ان آيات سورة التحريم وغيرها مما جعلها المؤلف (صاحب تفسير نوين) مشتملة على العتاب ليس كما ذكره، بل لكل منها بيان وجواب لا يسع المجال لذكره و لعل الله تعالى يوفقنا لتفسير تلك الآيات في محل آخر و الجواب عما ذكره هذا المؤلف و غيره - على انه لو فرض تسميته ذلك عتاباً فهو على تركه المباح اعني ما احل الله له لا على امر قبيح عقلاً وشرعاكما في آيات سورة عبس.

«...6 - هذه العتابات تدل على ان القرآن لم ينشأ من افكار الرسول ص و ليس من مختلقات البشر، اذ كما ذكرنا قبلاً لا يسعى احد في فضاحة نفسه و ابداء مكنوناته و افشاء ضمائره ليعاتب عليه في الملأ العام فهذه العتابات لم يصدر الا من الله سبحانه قطعاً لعدم امكان فرض شق ثالث له، اذ لم يقل احد أن القرآن ليس من الله ولا من محمد صلى الله عليه وآله ..

و اذا نظرنا الى الوحي المفترى من البشر كالبيان لعلي محمد الباب نرى فيه من تزكيته لنفسه و مدحه لشخصه الى ان يوصله الى مقام الالوهية من دون طعن وقدح فيه

ص: 156


1- تنزية الانبياء ص 147 - 150.
2- ص24

بالنسبة الى شخصه.

فمن ذلك نعرف ما يتميز به القرآن عن غيره وأنه حق ووحي الهي بما تضمن من امثال تلك العتابات كما ذكر ذلك انكليزي...».

اقول ان مقام النبوة والسفارة الالهية اجل و اعظم من ان يثبت بهذه الامور التافهة مما يتمكن كل سياسي حيال مكار ان يتوسل بها للنيل الى اثبات دعاويه وليس هذا امراً مستحيلاً من غير الله وغير المنصوب من الله حتى يستدل به على اثبات النبوة و انه سفير الله تعالى، فكم يتواضعون ابناء الدنيا غدراً ومكراً وحيلة للسيطرة على الناس و الاستكبار في الارض ويقولون اقیلونی اقیلونی و لست انا خيرا منكم و انما انا كاحدكم ان عثرت نبهوني او ان اعوجت اقیمونی و امثال ذلك و يستدلون الجهال بذلك على كمال تواضعهم و تذللهم لله سبحانه مع أنه غدر و مكر و رياء و ما استكانوا لربهم و لم يخضعوا لاحكامه و بذلك يستديمون على ظلم العباد وضغط اولياء الله و لكن اكثر الناس لا يعلمون و عدم توجه امثال ميرزا على محمد الباب الى ذلك و عدم استنتاجه من تلك الحيل لا يدل الا على قلّة سياسته الشيطانيه فى هذه الجهة و الا فمن سبقه من الضالين المضلين قد عمل بها و به اخمد و اطفأ انوارا من اولياء الله و عاش تحتها سنين متمادية.

على ان نسبة صدور ما عوتب عليه فى تلك الايات اليه صلى الله عليه و اله وحاشاها و نعوذ بالله منها على عدم لياقة المنسوب اليه للسفارة عن الله سبحانه ادل و اوفق لدلالتها على انه كان عاكفاً على مظاهر الدنيا و زخرفها فيشمئز من الشيخ الاعمى الفقير سيما اذا قبح و اسود وجهه ويترجّح عنده ذوو الثروة و الجاه و الشرف عند ابناء الدنيا و لم يكن له شرح صدر يقدر حتى على اخفاء ضمائره السيئة بحيث يتظاهر بذلك فى مجلس الدعوة الى الاسلام والى المساواة والى العدالة الحقة و يتغاير و يتضاد اقواله اعماله و افکاره و روحیاته حتی یواخذه الله عليه و يعاتبه و يقول ﴿اما من استغنى فانت له تصدّى﴾ فانت تتمايل الى الغنى و الثروة، فكلمة ﴿استغنى﴾ بما فيها من مادة الغنى تدل على انه صار علة لاقباله اليه كما ان فيما قبلها تدل على ان العمى و الفقر صار سببا للاعراض عن الاعمى الذى يسعى و هو يخشى اما العمى فلدلالة كلمة الاعمى و اما الفقر فللمقابلة بينه و بين من استغنى و بالجملة فاوساط المؤمنين لم يكونوا بهذه

ص: 157

الخشة و الدئانة، فكيف ينسب ذلك الى من اصطفاه الله تعالى و اختاره من جميع البشر من لدن آدم الى زمانه بل الى انقضاء الدنيا فجعله خاتم الانبياء صلى الله عليه و اله و سلم.

و اما ما تمسّك به المؤلف من قول انجليزى فى ذلك وانه قال بهذه العتابات تبين انه وحى الهى اكثر تبييناً.

فلايخفى اولاً ان الابتهاج بقول انجليزى ان دل على شيء فانما يدل على المغلوبية الروحية و الفكرية من المستعمرين الذين تسيطروا على الافكار و الاموال في الممالك المستضعفة ولا ينبغى لمسلم فضلا عن المتفكرين والكتاب و الفضلاء منهم ان يخضعوا لما يتراى من المستعمرين ولوقالوا بحق فانّهم لا يؤمن من مكرهم و خدعهم في جمیع الحالات و في جميع مظاهرهم - فانّهم الذين يقولون - ﴿آمنوا بالذي انزل على الذين آمنوا وجه النهار و اكفروا آخره لعلهم يرجعون -- ولا تؤمنوا الا لمن تبع دينكم﴾(1)، وقد عرفت فيما سبق نقله عن العلامة البلاغي قدس سره ما ناقشه بعض هولاء من اهل الكتاب على هذه السورة و ما نالوا فيها على نبينا صلى الله عليه واله وما اجابه العلامة البلاغى فراجع(2)وثانياً ان المؤلف (صاحب تفسير نوين) يسعى في توجيه العتاب الى النبي صلى الله عليه واله ويزعم أنه يفيد شيئين احدهما التقريب بين الشيعة و اهل التسنن ليستوجبوا وحدة في قبال اعدائهم من الكفار كما يظهر منه في ص 61 و ص 62 وغيرهما من الموارد و ثانيهما الاستمداد في تقوية الاسلام عن كتاب الممالك المستعمرة لجلب انظار الطلاب في الجوامع العلمية كما يظهر من تمسكه بكلماتهم و اغتراره بها.

ولكن التقريب وايجاد الوحدة ليس معناه ضغط الحقائق المعتقد بها من الجانبين فانه امر غير ممكن الا أن ينتحل احد الفريقين الى المذهب الآخر؟ بل معناه رفع التباغض و العداوة و الحميات الجاهلية بين الفرق الاسلامية بعد اتحادهم في الاسلام اصولاً و فروعاً و عدم وجود ما يوجب العداوة بينهم فان التفرقة بينهم و ايجاد الشحناء

ص: 158


1- ال عمران 72
2- ص 19 الی 22

فيهم انما كان بايدى اعدائهم من كفرة اهل الكتاب الذي كلما اوقدوا ناراً للحرب اطفئها الله ويسعون في الارض فساداً - و اما تفسير الايات وكشف الحقائق الاسلامية فلابد فيه من اتباع الادلة الصحيحة وكشف الواقعيات من صحاح الادلة و يرتضي ذلك كل انسان حي حرّ له حرية ادراكية مستقلة لم يكن همج الرعاء و اتباع كل ناعق فان النيل الى الحقائق هو امل كل طالب علم.

ثم يقول المؤلف (صاحب تفسير نوين) ما ترجمته مع اختصار:

«... ثم انا نرجع الى ماكنا فيه من آيات اول سورة عبس وقبل ذلك لابد ان يتوجه الى ان النبي الاكرم ص كان حريصاً على ايمان قومه وكان يتحمل في ذلك التعب الشديد سيما من الاغنياء والاقوياء و قد ذكرنا قبلاً ان اشد خصمائه والد اعدائه كان هولاء الاشراف الاغنياء، وكانوا اقوى الموانع في سبيل نشر دعوته فلو آمنوا و اسلموا لقوى الاسلام بايمانهم وانتشر في العالم و استخلص المسلمون من شرهم و مكائدهم فلهذا كان يحق على النبي ص ان يجهد غاية جهده لايمانهم، وان لا يمتنع في سبيل ايمانهم من كل امر ممكن مشروع، لكن الله سبحانه عالم الغيب والشهادة يعلم اسرار كل احد و ما ينتهي اليه خاتمة امره و ان بعضهم لا يؤمن ولو راى كل آية من آيات النبوة وعلى رغمهم فينتشر الاسلام بایمان اقوام آخرين من غيرهم والله ينصر دينه و نبته، فبمقتضی رافته و فضله لنبيه كان يمعنه عن تحمل التعب والمشقة في سبيل ايمان امثال هؤلاء و انه ما عليك الا يزكى احد من هولاء الاشراف، و ربما يعاقبه تلطفاً و رأفة و رحمة بان لاتعتن بثروتهم و قدرتهم فليس هناك قلب عارف ولا عين بصير ولا اذن سمیع ولا هم يذكرون.

فالیک انموذج من تلك الآيات:

1 - ﴿ان تحرص على هديهم ف- فان الله لا يهدي من يضل﴾(1).

2 - ﴿ولقد جائكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم﴾(2).

ص: 159


1- النحل 37
2- التوبة 128

3- ﴿فلعلک باخع نفسك على آثارهم ان لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً﴾(1)

يقول الفيض رحمه الله انّ الله سبحانه كانه شبه النبي ص في ذلك حيث لم يؤمن قریش به واعرضوا عنه بمن اشتد حزنه وراء اعزّته اذا فارقوه حتى يريد ان يقتل نفسه حزنا على مفارقتهم...».

اقول: اما انه صلى الله عليه وآله كان حريصاً على ايمان قومه فهذا مما لا كلام فيه لاقتضاء رسالته العامة الى عموم الناس وكونه رحمه للعالمين على ما قال سبحانه وتعالى ﴿وما ارسلناك الا رحمة للعالمين﴾(2) ، فكان صلى الله عليه وآله مظهراً لرحمة الله سبحانه حريصاً على ان يدخل جميع الناس في الاسلام لكي يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة ويخرجهم من الظلمات الى النور باذن الظلمات الى النور باذن ربهم و يهديهم صراطاً مستقيماً من غير فرق بين احد منهم حتى الخبيث منهم و يغتم و يحزن على تمردهم و يشهد لذلك آيات كثيرة كقوله تعالى ﴿طه ما انزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى﴾(3)، وقوله تعالى ﴿ان تحرص على هدايهم فان الله لا يهدي من يضل﴾(4)، وقوله تعالى ﴿ليس عليك هديهم ولكن الله يهدي من يشاء﴾(5)- وقوله تعالى ﴿انك لا تهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء﴾(6)، الى غير ذلك من الآيات.

واما انه كان حريصاً على ايمان الاغنياء والاقوياء بالخصوص اكثر مما كان عليه بالنسبة الى غيرهم فلم نعثر في ذلك على دليل من القرآن والروايات المعتبرة او السيرة الصحيحة من كتب السير، والآيات التى استشهد بها المؤلف ليس فيها حتى الاشعار بمزيد عطف توجّهه صلى الله عليه وآله الى خصوص الاثرياء فضلاً عن الدلالة على ذلك فان تلك الآيات كقوله تعالى ﴿ان تحرص على هديهم﴾ او قوله تعالى ﴿ولقد جائكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم﴾ او قوله تعالى ﴿و ان كان كبر عليك اعراضهم فان استطعت ان تبتغي نفقاً في الارض او سلماً في السماء

ص: 160


1- كهف 6
2- الانبياء 107
3- طه 1 - 2 .
4- النحل 37
5- البقرة 272
6- القصص 56

فتاتيهم باية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين﴾(1)، تدل على عموم حرصه بایمان الناس و تاثره من تمردهم من غير فرق بين فقرائهم و اغنيائهم نعم ربما كان يتراى ذلك لكن لم يكن في الحقيقة من ناحية النبي صلى الله عليه و آله تقديم للطبقة المترفة و الاشرافية بل هم كانوا يتقدمون و يقدمون انفسهم في المحاضرات حيث ان الضفعاء و الفقراء كثيراً ما بمقتضى انحطاطهم بين المجتمع المادي يكونون اتباعاً لذوي الجاه والثروة وشيوخ العشائر فيترأسون هؤلاء على هؤلاء ويصيرون لسانهم في الامور العامة طوعاً أو كرهاً، و هؤلاء الشيوخ كانوا يخافون من دين الاسلام والتوحيد فانه دين المساواة والعدالة يخاف منه كل متكبر ظالم محتكر متملك لنتائج هود الناس، وكثيراً ما كان شرف هؤلاء الشيوخ و رياستهم من قبل قبضتهم معابد الشرك و مشاهد الاصنام، فمن هذا وذاك، كانوا يصدون عن سبيل الحق والاسلام ويفتنون عن الدين الجديد ويطالبون النبي صلى الله عليه وآله بمعجزات و ايات اقتراحية كما تدل عليه آيات كثيرة كقوله تعالى ﴿ذرني و من خلقت وحيداً و جعلت له مالاً ممدوداً وبنين شهوداً﴾ الى آخر تلك الآيات في سورة المدثر بالنسبه الى الوليد﴾ وكقوله تعالى ﴿وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعاً او تكون لك جنّة من نخيل وعنب فتفجر الانهار خلالها تفجيراً او تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً أو تأتي بالله والملئكة قبيلاً او تكون لك بيت من زخرف او ترقى في السماء﴾(2)

فالشيوخ والاشراف كانوا يتقدمون بالحروب الشديدة على الاسلام بسيوفهم ولسانهم والنبي صلى الله عليه وآله والقرآن يدافع عن اذاهم وآفاتهم.

و ما ذكره في المجمع وابو الفتوح قدس سرهما في شأن نزول قوله تعالى ﴿واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداوة والعشى يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحيوة الدنيا ولا تطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هوايه وكان امره فرطاً﴾(3)، من أنه طلب جماعة من قريش طرده للموالى والعبيد والضعفاء عن

ص: 161


1- الانعام 35
2- الاسراء 90 - 93
3- الكهف 28

حوله حتى يؤمنوا فنزلت الآية - فلا يدل على اكثرية حرصه على ايمان الاغنياء من الفقراء بنحو من انحاء الدلالة بل مجرد طلب منهم من دون اجابة بل ردّهم الله ومنع نبيه عن اجابتهم. هذا – مضافاً الى ان ذلك طلب منهم على تمايز الموالي والعبيد عن الاشراف الاحرار ولا ربط بالغنى و الفقر، بل الآية في الحقيقة كالآيات السابقة في تمردهم عن الايمان والاعتذار عنه بطلب ما لا يناسب شخصية النبي ص ولا دينه الاسلام ولا شفقته العامة و لا أخلاقه الفاضلة ولا تحننّه على الضعفاء و المستضعفين.

والحاصل ان الدعوة الاسلامية قد ابتدء بها النبي ص و شرع فيها شيئاً فشيئاً سرا ثم جهراً من زوجته خديجة رضي الله عنها الى سائر اقربائه فقراء كانوا كابي طالب واولاده ام اغنياء كالعباس وابي لهب كما يدل عليه قوله تعالى ﴿وانذر عشيرتك الاقربين﴾(1)ثم اتسع نطاق الدعوة بامر الله سبحانه جهراً لعموم الناس فقراء كانوا ام اغنياء ضعفاء ام اقوياء احراراً او عبيداً او موالي فقال سبحانه وتعالى ﴿فاصدع بما تؤمر واعرض عن المشركين انا كفيناك المستهزئين﴾(2).

ثم لو فرض ان حرصه على ايمان الاغنياء والاقوياء كان اكثر على ايمان الفقراء والضعفاء، فاما ان نقول انه كان صواباً، لما ذكره هذا المؤلف من العلل من أن ايمانهم كان اكثر نفعاً في تقوية الاسلام ونشره، واما ان نقول انه خطاء صدر منه(صلی الله علیه و آله و سلم)(والعياذ بالله). فان كان صواباً فلماذا عاتبه الله تعالى عليه فان العتاب على امر صواب قبيح وهذا المؤلف يرى أنّه صواب لما ذكره من العلل .

ولو كان خطاء فيرد عليه اشکالات آخر. 1- وقوع الخطأ والزلة بل امكان صدوره منه صلى الله عليه وآله ينافي العصمة في سبيل ابلاغ رسالات الله فان العصمة عندنا تستلزم عدم صدوره الخلاف منه لا عمداً ولا خطاءاً. 2 - ان الخطاء لا يستوجب العتاب بل العتاب عليه قبيح لعدم القصد الى المخالفة فان الخاطيء قد يقصد امراً صواباً فهو كمن قصد سقي لماء للعطشان ولكن صادف أنه كان خمراً فيقبح حينئذٍ عتابه على ذلك الفعل الخطائي. 3 - قد ذكرنا ان الظاهر من الآيات انه لم يكن خطاء وانما تأثر فاعله من

ص: 162


1- الشعراء 213
2- الحجر 95

المظاهر المادية دون المعنوية الانسانية فاشمئز من الفقير الاعمى ولو كان يخشى وهو يسعى مع صفاء باطنه و قصده للتزكية و ابتهج و سرّ بمجالسة الاغنياء و لو مع خباثة بواطنهم و تمردهم عن قبول الاسلام وكان يتكبر و يستغني، فلم يكن هدفه تقوية الإسلام و تیسیر نشره بادخال الاغنياء في الاسلام، بل كان غريقاً في حبّ الدنيا والغنى و الثروة و الجاة و الشرف بين المشركين بحيث لم يقدر على ان يتمالك نفسه لئلا يتظاهر بذلك علانية حتى هناك، وكل ذلك لا يتناسب مقام النبوة والرسالة و العصمة و الطهارة و كونه صفوة الانبياء، فلامحالة يكون المعاتب عليه غير النبي صلى الله عليه وآله وسلّم.

«...و ايضاً بقوله تعالى ﴿واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحيوة الدنيا ولا تطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان امره فرطاً﴾(1)، فقال الطبرسي وابو الفتوح رحمهما الله أنها نزلت في شأن عيينة بن الحصين واقرع بن حابس واصحابهما حيث دخلوا على النبي صلى الله عليه وآله وعنده سلمان وابو ذر وصهيب وعمار وخباب وغيرهم من فقراء الاصحاب فقالوا: يا محمد ، اما تتعيّر من هؤلاء ولا تتنفّر ولا تكره من ريحهم ونحن لا نقدر على مجالستهم ولو ساعة و انا سادات البلد و اشرافها فلو آمنابك لآمن سائر الناس، ولو لم نقبل الايمان لم يؤمن بك ساير الناس، فاجعل لنا مجلساً تجالسنا و وقتاً ولهم مجلساً آخر و زماناً آخر، و يقول الشيخ الطبرسي بعد قوله تعالى ﴿تريد زينة

ص: 163


1- الكهف 28 (النزول - نزلت الاية الأولى فى سلمان و ابی ذر و صهیب و عمار و خباب و غيرهم من فقراء اصحاب النبى ص وذلك ان المؤلّفة قلوبهم جاؤا الى رسول الله ص عيينة بن الحصين و الاقرع بن جابس و ذووهم فقالوا يا رسول الله ان جلست صدر المجلس و يخت عنا هؤلاء و ارواح صنانهم و كانت عليهم حبّات الصوف ، جلسنا نحن الیک و اخذنا عنک فلایمنعنا من الدخول عليك الا هؤلاء فلما نزلت الآية فقام النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)ملتمسهم فاصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله عزوجل فقال الحمد لله الذى لم يمتنى حتى امرنى ان اصبر نفسى مع رجال من امتى معكم المحيا و معكم الممات.) مجمع البيان. - الصنان - نتن الأبط - يخت - يستحيى - حُبّات - جمع الحبة - منه .

الحياة الدينا﴾(يعني حال كونك تريد مجالسة الاشراف والاغنياء) ثم يقول ان النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)كان حريصاً في ايمان عظماء المشركين طمعاً في ايمان اتباعهم وعشائرهم، والا فهو(صلی الله علیه و آله و سلم)لم يكن يتمايل لا الى الدنيا وزينتها ولا الى اهلها ابداً، وانما كان يلين في بعض الاحيان للرؤساء طمعاً في ايمانهم فعوتب بهذه الآية وامر بالاقبال على فقراء المؤمنين وان لا يرفع بصره عنهم مريداً مجالسة الاشراف

«...ونظير هذه الآية آية أخرى في سورة الانعام 57 يقول ﴿ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين﴾ قالوا في سبب نزول الآية ان الاشراف اناطوا حضورهم عند النبي ص بطرده الفقراء وقالوا نحن نستحيي ذلك ممن يدخل من خارج البلد، فلما لم يقبل منهم النبي بان يطردهم كليّاً قالوا فلا اقل من طردهم حينما ندخل عليك. قال ابو الفتوح ان النبي ص اهتم ان يقبل منهم ذلك حرصاً في ايمانهم فلم يقبلوا منه الآ بان يكتب ذلك فاحضر اميرالمؤمنين علياً عليه السلام ليكتب لهم ذلك فانزلت الآية...»

اقول حاصل ماذكره واستعان عليه بما حكاه عن الطبرسي وابي الفتوح رحمها الله تعالى في تفسير الآيتين يرجع الى ان الاشراف طلبوا من النبي صلى الله عليه وآله طرد الفقراء او عدم مشاركتهم في المجالسة معهم فكاد ان يقبله النبي ص حرصاً على ايمانهم فنهاه الله تعالى فلم يفعل ما يستوجب العتاب.

والجواب عنه اما اوّلاً: انه لا ربط له بما نحن فيه حيث ان هذا المؤلف يستدل بهذه الآيات على ان المعنى بهذه الآيات هو النبى وانه عبس وتولى واعرض و تلهى عن الاعمى وهو يسعى و يخشى فاعرض عنه لفقره وعماه واقبل وتصدّى للمتكبر الذي استغنى لكونهم اغنياء لا للحرص في ايمانهم وبينهما بون بعيد وفرق كثير لا يخفى على النافذ البصير وذوى الشعور الحيّة فقياس احدهما بالآخر وتبيين هذه الآيات بالآيتين وتفسيرها بهما مما لا يجوز.

وثانياً ان ما ذكره الشيخ ابو الفتوح و نقله المؤلف (صاحب تفسیر نوین) و قریب منه ما ذكره الشيخ الطبرسي مع تفاوت كثير بينهما كل ذلك مأخوذ من روايات العامة التي هي مع قطع النظر عن سندها مضطربة غايتها، اما بالنسبة الى آية سورة الكهف ففي

ص: 164

بعضها الاغنياء عيينة بن بدر واقرع بن حابس ، و فقراء المسلمين سلمان و ابوذر و في بعضها عن سلمان أنها نزلت في وفي رجل دخل على النبي ص الخ. و في بعضها نزلت على رسول الله وهو في بعض ابياته (و اصبر نفسك الآية) فخرج يلتمسهم فوجد قوماً يذكرون الله ثائر الرأس و جاف الجلود و قال الحمد لله الذي جعل في امتي من امرني ان اصبر معهم. وفي بعضها جاء رجل يقرأ سورة الحجر او سورة الكهف فسكت فقال رسول الله صلى الله عليه وآله هذا المجلس الذي امرت ان اصبر نفسي معهم الى غير ذلك من الاختلاف الكثير والتعارض والتكاذب بين تلك الروايات مما يوجب القطع او الاطمئنان الى أنها كلها او اكثرها موضوعة و معطوفة على الروايات التي مضت في شأن النزول في سورة عبس فراجع(1).

واما بالنسبة الى آية سورة الانعام - ففي بعضها مرّ الملأ من قريش على النبي وعنده صهيب وعمار وبلال وخباب ونحوهم من ضعفاء المسلمين، و في بعضها مشى عبتة بن ربيعة و شيبة بن ربيعة و قرظة بن عبد عمرو بن نوفل و الحارث بن عمار بن نوفل و مطعم بن عدي بن الخيار بن نوفل في اشراف من عبد مناف الى ابي طالب فقالوا لو ان ابن اخيك طرد عنا هؤلاء الاعبد فانّهم عبيدنا الى آخره. و في بعضها جاء الاقرع بن حابس و عيينة بن حصين الفرازي فوجدا النبي ص قاعداً مع بلال و صهيب و عمار و خباب في اناس ضفعاء من المؤمنين (الى ان يقول) فنزل جبرئيل بهذه الآية ولا تطرد الذين (الى آخرها) وفي بعضها (ما حاصله) أنه كان صلى الله عليه وآله بعد صلوة الصبح انصرف الى اسطوانة التوبة (في المسجد) وقد سبق اليها الضعفاء والمساكين و اهل الضر و الضيوف ضيوف النبي ص و المؤلفة قلوبهم و تحلقوا حوله حلقاً ويحدثهم ويحدّثونه الى طلوع الشمس فجائه اهل الطول و الشرف فقالوا له يارسول الله لو طردتهم عنا و نكون نحن جلسائك واخوانك... فانزل الله و اصبر نفسك الآية. وفي بعضها عن سعد بن ابي وقاص أنها نزلت في ستة انا و عبدالله بن مسعود و بلال و رجل من هذيل و اثنين ... فانزل الله ولا تطرد الذين (الى آخر الآية). وفي بعضها عن مجاهد المصلين بلال و ام عبد

ص: 165


1- الدر المنثور للسيوطي ج 4 ص 219

كانا يجالسان محمداً صلى الله عليه وآله فقالت قريش محقرة لهما لولاهما لجالسناه فنهى عن طردهم حتى قوله اليس الله باعلم بالشاكرين. وفي بعضها كان رجال يستبقون الى مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله بلال وصهيب وسلمان فيجييء اشراف قومه ... فقالوا صهيب رومي و سلمان فارسی (آلی آخره).

وثالثاً: ان هذا الروايات بعضها حاكية عن ايام كونه ص بمكة فتذكر قريشاً و اشرافها باسمائهم او بالاشارة اليهم وبعضها حاكية عن المدينة و مسجدها و صلوته فيها و بعضها حاكية عن الجمع بين وقائع مكة و اشرافها و المدينة و من اسلم بها مثل سلمان الفارسي فمن وضع تلك الاحاديث لم يجمع بين متفرقاتها بنحو لا يتكاذب بعضها بعضا، ولكن الظاهر ان جميع هذه الاحاديث وما اختلقوها في سورة عبس كلها صادرة عن منبع واحد و سياسة شيطانية واحدة وهي الايادي الاثيمة من عمال الشجرة الملعونة الأموية ثم جرت وسرت الى الكتب من غير تدبّر وتنقيح(1).

و رابعاً الظاهر من الروايات في الدر المنثور ان سورة الانعام نزلت جملة واحدة بمكة فهي من السور المكية التي انزلت جملة واحدة باتفاق الاراء و الروايات الآثلاث آیات قال السيوطي بعد نقلة تلك الروايات وما ذكره ابن عباس ان سورة الانعام نزلت بمكة جملة واحدة قال - فهي مكية الا ثلاث آيات منها نزل بالمدينة - قل تعالوا أتل - الى تمام الآيات الثلاث - وفي التبيان قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم ان سورة الانعام مكية، وفيه قال شهر بن حوشب هي مكية الا اثنين منها قوله ﴿قل تعالوا أتل ماحرم عليكم﴾ والتي بعدها وروى عن ابن عباس انه قال نزلت سورة الانعام جملة بمكة معها سبعون الف ملك الحديث. وفيه و روى عن ابن عباس أنه قال هي مكية غير ست آيات منها فانها مدنيات قل تعالوا اتل و آیتان بعدها و قوله وما قدروا الله حق قدره الى آخرها والآية التي بعدها ومن اظلم ممن افترى على الله كذباً او قال اوحى اليّ الى آخرها - وفيه عن انس عنه صلى الله عليه وله أنّه قال ما نزل على سورة من القرآن جملة غير سورة الانعام - الحديث.

ص: 166


1- راجع الدر المنثور ج 3 ص 13 وص 14 من سورة الانعام.

والروايات عن ائمة اهل البيت صلوات الله عليهم في نزولها جملة واحدة مستفيضة كما في رواية علي بن ابي حمزة عن الصادق عليه السلام و رواية العياشي مرسلاً عنه ورواية الحسين بن خالد عن الرضا عليه السلام ورواية ابي بصير عن الصادق وفي رواية الطبرسي في الجوامع الجامع عن ابي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وآله و رواه في الدر المنثور بعدة طرق قال صلى الله عليه وآله انزلت علي الانعام جملة واحدة يشيعها سبعون الف ملك (الحديث).

و سياق آياتها و مناسبة بعضها بعضاً ايضاً شاهد على نزولها جملة واحدة وكونها مكية بتمامها.

فمن ذلك ايضاً يستشهد بكذب الروايات التي في شأن النزول لقوله تعالى ﴿ولا تطرد الذين يدعون ربهم﴾(الآية) حيث تدل تلك الروايات على نزول هذه الاية وحدها في هذه الواقعة و على نزولها بالمدينة كما في جملة منها.

ونظير ذلك في سورة الكهف في انها مكية وأنها نزلت جملة واحدة وبذلك روايات من الخاصة والعامة ، وقد وردت روايات كثيرة من الفريقين على أنّ سبب نزولها سؤال بعض المشركين بدلالة بعض علماء اهل الكتاب عن النبي صلى الله عليه وآله عن عدة امور كالروح وذي القرنين واصحاب الكهف فوعدهم جوابها من غير تعليق بمشية الله تعالى فاسبطيء الوحي لعدة ايام حتى قال المشركون ما قالوا ثم نزلت السورة في جوابهم وفيها قوله تعالى ﴿ولا تقولن لشيء اني فاعل ذلك غداً الا ان يشاء الله﴾ هذا. على ان تناسب الآيات دال على نزولها جملة واحدة، كما اعترف به سيدنا الاستاد العلامة الطباطبائي قدس سره، فأنه بعد ذكره بعض الروايات التي نقلها المؤلف (صاحب تفسير نوين) عن الطبرسي وابي الفتوح قدس سرهما قال - ولازم الرواية كون الآيتين - مدنيتين وعليه روايات أخريتضمن نظيرة القصة، لكن سياق الآيات لا يساعد عليه . انتهى الميزان ج 13 ص 328 .

فالذي ظهر من مجموع ما ذكرناه ان الآيات في سورة الانعام وفي سورة الكهف ليس فيهما حكاية عن واقعة بين النبي صلى الله عليه وآله وبين اشراف قريش بالنسبة الى ضعفاء المؤمنين وفقرائهم لتكون سبباً للنزول كما تقتضيه تلك الروايات المتضادة

ص: 167

المشار اليها وعرفت ضعفها من جهات عديدة، بل ليست الا في مقام بيان وظائف اخلاقية للنبي صلى الله عليه وآله بالنسبة الى المؤمنين المخلصين تنبيها لسائر المؤمنين على عظمة مقام من ذكر في هذه الآيات ليعرفوا منازلهم عند الله وكرامتهم لديه و حرمتهم عنده فيعاشر وهم على قدر ذلك وانه يمكن ان يكون بين هؤلاء وبين ربهم اسراراً في عباداتهم و مناجاتهم و غير ذلك ليس على النبي صلى الله عليه وآله محاسبتهم وما من حسابهم عليه من شيء. وبالجملة فالنظر فيما قبلهما وما بعدهما من الآيات يشهد بما ذكرنا فنذكرهما لتتدبر فيها وتعرف صدق ما ذكرناه.

ففي سورة الكهف آية 26 ﴿واتل ما اوحى اليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا 27 واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تُعد عيناك عنهم تريد زينة الحيواة الدنيا (اي لا تكن ممن تَعْدُ عيناك عنهم لارادة زينة الحيوة الدنيا) ولا تطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان امره فرطا 28 وقل الحق من ربّكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر﴾الخ.

وقال تعالى في سورة الانعام آية 50 ﴿قل لا اقول لكم عندي خزائن الله ولا اعلم الغيب ولا اقول لكم اني ملك ان اتبع الأما يوحى الي قل هل يستوي الاعمى و البصير افلا تتفكرون 51 وانذر به الذين يخافون ان يحشروا الى ربّهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون 52 ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين﴾.

فليس من اللازم في الآيات التي في مقام البيان للوظائف و التكاليف و غير ذلك ان يكون لكل مورد منها سبب واقع لشأن نزولها.

و يحتمل ان يراد من الطرد المداقة في حسابهم والتفتيش عن احوالهم والتجسّس عن اسرارهم وما يعد من عوراتهم فاته يوجب الطرد لعدم حبّهم افشاء اسرارهم فلا يجتمعون بعده عند النبي صلى الله عليه وآله ، فلو اغمض عن ذلك وعاشرهم على ظواهر امورهم لاجتذبوا اكثر من ذلك ، ولذا فرع قوله - فتطردهم - على المحاسبة المذكورة قبله.

ص: 168

و بالجملة فترى ان الآيتين بقرينة ما قبلهما وما بعدهما ليستا واردتين للعتاب على اعمال صدرت عنه صلى الله عليه وآله بل مجرد بيان لما يجب عليه في سيرته المؤمنين المخلصين.

«...وفي الخاتمة نذكر اية آخرى تقطع توجّهه صلى الله عليه وآله الذي كان له الى الاشراف و الاغنياء في سبيل نشر دينه و تمنعه عن ذلك و تأمره بالمجالسة مع هؤلاء الفقراء المؤمنين وان يطيب بهم نفساً ولا يحزن على تمرّد الاشراف والاغنياء وبذلك نختم هذا المبحث ﴿ولا تمدن عينيك الى ما متعنا به ازواجاً منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين﴾(1)قال الفيض رحمه الله بعد قوله ﴿ولا تحزن عليهم﴾ يعني لو لم يؤمنوا حتى يقوى الاسلام و المسلمون بهم - وبعد آخر كلمة من الآية يقول - وتواضع لمن معك من المؤمنين و ارفق بهم وطيب نفساً عن ايمان الاغنياء و الاقوياء. .. فمع هذه السابقة الممتدة منه صلى الله عليه وآله في حرصه على ايمان الاشراف من قريش وذوي المقام والثروة وبعضهم من اقربائه ليسعدوا و يستريح ضفعاء المسلمين من بغيهم و ايذائهم ويؤثر في ترويج الاسلام و تقويته مع ماكان الاشراف من ذلك تنفرهم الشديد عن الفقراء ومنعهم من تشرفهم بمحضر النبي ص واستماعهم من كلماته - صلى الله عليه وآله فاي اشكال يحصل من ان يعبس وجها ويكره عن ابن ام مكتوم.

.. و اما قول السيد الجليل علم الهدى اعلى الله مقامه الشريف من (ان العبوس لم يكن من صفاته مع اعدائه فكيف بالمؤمن المسترشد) ففي غاية المتانة والصحة ، الاّ انا نقول ان ذلك قضية فى واقعة صدرت منه(صلی الله علیه و آله و سلم)، لا أنّه كان من اوصافه ، و بينهما فرق واضح فلا يقال لمن ضيف مرة واحدة أنه يقري الضيف ، ولمن غصب مرة واحدة لا يقال انه خشن الخلق ، والنبي صلى الله عليه وآله اذ حرّم على نفسه شرب العسل او المضاجعة مع أمته و اقسم عليه حتى نزل عليه ﴿يا ايها النبي لم تحرّم ما أحل الله لك﴾فلا يقال له انه كان محرم الحلال بعنوان الصفتية (العياذ بالله)

ص: 169


1- الحجر 88.

.. و اما القول بأنه لم يعبس وجهاً على اعدائه فضلاً عن المؤمنين حتى على غير وجه الصفتية فمن البديهي ان هذا يخالف مع المقتلة بامره في الغزوات والسرايا ، واما مع المؤمنين فكان يغضب عليهم فيما اذا اقتضت المصلحة ذلك فكيف بالعبوس.

... و لنذكر لذلك مورداً واحدا.

.. وانّي لا اظن احداً كان احب اليه ص من ابنته الصديقة فاطمة سلام الله عليها حتى ان جماعة من المورخين منهم العلامة المجلسي قدس سره في عاشر البحار ذكروا، ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يبدأ في سفره ذهاباً و آیاباً ببيت الزهراء و زيارتها فمرّة رأى سترة خيبرية علقتها على بابها فظهر آثار الغضب في وجهه و رجع عنها غضبان اسفاً حرصاً عليها ان لا يتلوث قداستها بزخارف الدنيا ، ولكنه بالنسبة الى ابن ام مكتوم کان عبوسه لئلا يعرض الاغنياء عن الاسلام ويبقى الاسلام خلوا عن اتباع اقوياء...

اقول: اما ما ذكره من الآية من سورة الحجر في نهيه ص بقطع توجّهه عن الاغنياء ففيه.

1 - ان النهي لا يدل على انه كان يحرص على الاغنياء وايمانهم وانه كان يقدّمهم على الفقراء في مزيد عنايته وكثير انعطافه للمصالح التي ذكرها هذا المؤلف (صاحب تفسیر نوین) و ما ذكره المحدث الفيض قدس سره ايضاً لا يدل الأعلى بيان الآية وليس في كلامه نسبة مزيد توجه منه ص الى الأغنياء ، بل هي آية في سلك آيات تدل على بيان وظائف النبي صلى الله عليه وآله في سبيل دعوته الى الاسلام ، و تفيد للمسلمين و غيرهم فوائد اخرى حيث يعرفون مسلكه و ممشاه المأمور به من الله سبحانه فيجعلونه قدوة واسوة لانفسهم في معاشرتهم وايضاً لا ينتظرون منه غير ذلك ولا يستدعون منه ص ما يضاده ويناقضه ، فالاحرى ان نذكر تلك الآيات الكريمة من آخر سورة الحجر فانظر فيها و تدبّر ليتضح لك ما ذكرناه.

﴿وما خلقنا السموات والارض وما بينهما الا بالحق وان الساعة لاتية فاصفح الصفح الجميل - ان ربك هو الخلاق العليم - ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم - لا تمدن عينيك الى ما متعنا به ازواجاً منهم ولاتحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين - وقل اني انا النذير المبين﴾الى آخرها.

ص: 170

ونظير هذه الآية قوله تعالى ﴿لا تمدّن عينيك الى ما متعنا به ازواجا منهم زهرة الحيواة الدنيا لنفتنهم فيه و رزق ربك خير و ابقى﴾(1).

ففى تلك الايات الكريمة يبين منهجه و يشجعه على المخالفين

2 - ما ذكره في تفسير الآية مخالف لروايات الشيعة حيث يظهر منها أنه لم يكن سبب النزول شدّة توجّه النبي صلى الله عليه وآله في الهداية الى الاشراف والاغنياء فعن تفسير العياشي عن حماد عن بعض اصحابه عن أحدهما عليهما السلام في قول الله ﴿لا تمدن عينيك الى ما متعنا به ازواجاً منهم﴾ قال ان رسول الله صلى الله عليه وآله نزل به ضيقة فاستسلف(2)، من يهودي فقال اليهودي والله ما لمحمد ثاغية(3)، ولا راغية ، فعلى ما اسلفه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله اني لامين الله في سمائه وارضه ، ولو ائتمنتني على شيء لأديته اليك قال فبعث بِدَرَقةٍ فرهنها عنده ، و انزلت عليه ﴿ولا تمدن عينيك الى ما متعنا به ازواجاً منهم﴾ الخ. و عن تفسير علي بن ابراهيم بسنده عن المفضّل بن عمر عن ابي عبد الله عليه السلام قال لما نزلت هذه الآية ﴿ولا تمدن عينيك الى ما متعنا به ازواجاً منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين﴾ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من لم يتعزّ بعزاء الله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات ، و من رمى ببصره الى مافي يدي غيره كثر همه ولم يشف غيظه ، ومن لم يعلم ان الله عليه نعمة الآ في مطعم او ملبس فقد قصر علمه و دنا عذابه ، و من اصبح على الدنيا حزينا اصبح على الله ساخطاً ومن شكى مصيبة نزلت به فانما يشكو ربّه و من دخل النار من هذه الامة ممّن قرأ القرآن فهو ممن يتخذ آيات الله هزواً ومن اتى ذا ميسرة فتخشع له طلب ما في يده ذهب ثلثا دينه - ونظير هذه الرواية الاخيرة ما نقله في البرهان عن كتاب الزهد للحسين بن سعيد الاهوازي الى قوله و دنا عذابه اختلاف في بعض الالفاظ و تقارب المعنى. و من هذه الرواية الاخيرة يظهر أنّه لم يكن سبب خاص عتابي في حق

ص: 171


1- طه 131
2- استسلفه اى طلب منه السلف اى بيع شيء مؤجّلا في ثمنه او استقرض منه.
3- الثاغية الشاة و الراغية النّاقة و الدرقة الترس من جلود ليس فيها خشب ولاعقب.

النبي صلى الله عليه وآله لنزول الآية و ان المراد منها هو الذي ذكره في هذه الرواية من رمي بصره الى ما في ايدي الناس لا الذي ذكروها في حرص النبي ص في ايمان الاشراف والاغنياء ، بل لعل ظاهر السياق ان الخطاب في الآية عام و افراده الضمير خطاباً اليه ص تشريفي محض.

فالى هنا تبين مما ذكرنا أنه لم توجد آية او رواية تدل على مزيد حرصه ص على ايمان الاشراف والاغنياء ، وعليه فعلى المؤلف (صاحب تفسير نوين) ان يسترد قوله (فمع هذه السابقة الممتدة منه صلى الله على وآله في حرصه على ايمان الاغنياء).

واما ما اجاب به عن كلام السيد المرتضى علم الهدى قدس الله روحه الطاهرة من المناقشة معه بانا لا ندعى كون العبوس من صفاته بل صدر منه مرة واحدة.

ففيه، اولاً بانا لو جمعنا بين ما ذكره هذا المؤلف فليس النتيجة الا ان هذا كان من سيرته و صفاته ، فانّه قال - فمع هذه السابقة الممتدة منه ص في حرصه على ايمان الاغنياء والاشراف ليقوى الاسلام ... فأي اشكال من ان يعبس وجهاً على ابن ام مكتوم - و نتيجة جملته الاخيرة انه اذا اقتضت المصلحة كان يأمر بالقتل كقتل ابن اخطل بامره وهو معلق باستار الكعبة و قتل بني قريظة بامره وكان يغضب ايضاً فضلا عن العبوس - فالسابقة الممتدة في الحرص على ايمان الاغنياء و الاشراف كان مقتضياً على الغضب و العبوس على من يصدّ ذلك عن وكان لذلك سابقة ممتدة فكان هذا سيرته وكان من صفاته لا أنه صدر منه مرّة واحدة فهذا المؤلف كأنه نسى مفاد كلماته السابقة.

وثانياً: ان من البعيد جداً ان يواخذ الله بالمعاتبة الشديدة في قرآن يقرأ آناء الليل و النهار الى آخر الدنيا على عثرة وقعت عن مستقيم الطريقة مرة واحدة بل فيما بين الناس يصفحون عن امثال ذلك و يرون الافشاء والمؤاخذة عليه من سوء الاخلاق حيث ان من كان على استقامة في اخلاقه و معاشرته اذا عثر عثرة في مورد يندم فوراً فمؤاخذته بالمعاتبة الشديدة قبيح فلا محيص عن القول بان من عبس وتولّى وتلهى عن الاعمى الفقير و اقبل و تصدى لمن استغني انما كان يفعل ذلك عن صفات وروحيات ذميمة يجره الى ذلك فعاتبه الله ليصلح نفسه وليعلم المسلمون ما عليه من الصفات وأنه لا يليق بهذا المقام بل اللايق بحمل اعباء رسالة الله هم السفرة الكرام البررة.

ص: 172

وثالثاً انّ الظاهر من كلام السيد قده ان هذه الافعال لا يناسب صفات النبي صلى الله عليه وآله والا فهى افعال لا صفات و لذا عبر عن ذلك تلميذه شيخ الطائفة قده بنحو آخر يقرب ما ذكرنا فقال - لان النبي ص قد اجلّ الله قدره عن هذه الصفات وكيف يصفه بالعبوس والتقطيب وقد وصفه بأنه على خلق عظيم الخ.

ورابعاً: اما ان يقول ان هذا كان عثرة منه ص على خلاف الشرع و الاسلام (العياذ بالله ) حتى عاتبه الله عليه ، و اما ان يقول ان ما فعله بداعي ترويج الاسلام و توسعة نطاقه و نشر دعوته و رفع موانعه كان امراً مطلوباً حقيقاً متيناً على كمال المصلحة للاسلام فالاول ينافي العصمة المعلومة منه الثابتة له و السيرة المرضية التي عرفها منه الموالف و المخالف ، و هذا هو الذي يؤكد عليه السيد قدس سره ، و على الثاني يقبح عتابه من الله سبحانه سيّما بهذا البيان الذي يهجوه و يعيره كما مر توضيحه فيما سبق و قلنا ان قوله ﴿عبس وتولى ان جائه الاعمى﴾ يدل على أنه عبس وجهاً و اعرض مولّياً عنه لكونه اعمى ، و الاعمى عند اهل الجاهلية كان منفوراً كما يدل عليه ما ذكرنا في سبب نزول قوله تعالى ﴿ليس على الاعمى حرج﴾(1)، و بقرينة المقابلة لمن استغنى يستشعر منها ان في الاعمى كان سببان للاعراض والتلهي عنه هما العمى و الفقر ولو كان ذا شخصية اسلامية انسانية حيث انه لعله يزكّى أو يذكر فتنفعه الذكرى وأنه جائك و هو يسعى و هو يخشى و ان من كان غنياً يتصدى له لما فيه من الغنى كما يدل عليه عنوانه الوصفي ، فصار الملاك ملخصاً في الاعراض ، الفقر و العمى وفي الاقبال و التصدى ، الغنى ، ليس الآ لا الحرص على الايمان ولاتقوية الاسلام ، ولا ولا ولا كل شيء مما ذكره ، فان جميع ما ذكره خارج عن مداليل الفاظ آيات السورة ، فقوله فاي اشكال في يعبس(صلی الله علیه و آله و سلم)فى وجه ابن ام مکتوم الخ) ، فالاشكال هذا ، و من كان هذا مشيه وسيرته و هذه ضمائره و مطويات نفسه لا يليق لمقام النبوة ولا الخلافة الالهية بل ولا اي مقام في سبيل الدعوة الى الاسلام (وقد مربيانه)﴿كلاً انّها تذكرة فمن شاء ذكره في صحف مكرّمه مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة﴾

ص: 173


1- سورة النور 61

واما ما اخذ في تكثير القول على السيد المرتضى قدس الله روحه و استشهاده لاثبات عبوس وجهه ص على الاعداء في حروبه او على اخص اقربائه وبضعته الصديقة فاطمة الزهراء سلام الله عليها الى آخر ما نقلنا عنه. فليس لنا مفرّ ، الا ان نحمل ذلك منه على المغالطة او على سوء فهمه لكلام السيد ،قده، فان الغضب منه في مورده او القتل بل اللعن والسب و امثال ذلك اذا كان في محله المناسب له فلا اشكال في جوازه وعدم قبحه بل في حسنه او وجوبه كما فعل النبي صلى الله عليه وآله ، بل الله سبحانه و تعالى يغضب و يلعن و يسبّ من يستحق ذلك و في القرآن من ذلك آيات كثيرة - ﴿انّ الله لعن الكافرين واعد لهم جهنّم ، ﴿ومن قتل مؤمنا متعمداً فجزائه جهنم خالداً فيها و غضب الله عليه ولعنه﴾، ﴿فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم﴾.

واما ما فعله ص بالنسبة الى الزهراء سلام الله عليها فهو انما كان في مقام التأديب لها و التنبيه للعموم بان بنت النبي ص بل و بيته لابد ان يسلك منهجه في الاعراض عن زخارف الدنيا فلم يكن يحبّ لها الا ما يحبّه لنفسه فلذا اعرض عنها لأنها كانت بضعته يؤذيه ما يؤذيها ، على ان لبيت النبي صلّى الله عليه وآله خصائص لابد من رعايتها في مصلحة الامة الاسلامية ، لانه ص كان زعيماً الهيّاً وقدوة و اسوة للامة قال الله تعالى ﴿يا ايها النبي قل لأزواجك ان كنتن تردن الحيواة الدنيا و زينتها فتعالين امتعكن و اسر حكنّ سراحاً جميلاً وان كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فان الله اعد للمحسنات منكن اجراً عظيماً﴾(1)، فلم يكن بيت النبي ص من بناته و ازواجه الأبيت الزهد و التقوى والاعراض عن زخارف الدنيا و هو صلى الله عليه وآله كان مأموراً من الله بتطهير بیته و اصلاحه فلم يكن في اعراضه عنها ما يضاد اخلاقه الحميدة وسيرته المرضية بل كان مما يؤكد في علوّ مشيه و سلوكه. و اما العبوس في هذه الآيات في سورة عبس فلا يجوز نسبته اليه ص ، فان الاعمى الذي يسعى الى الاسلام وهو يخشى و يريد أن يتزكى ، لم يكن له ذنب يستوجب الاعراض و العبوس و التلهي عنه ، الا حضور الغني ، او فقره و عماه، و ان العابس كان غريقاً في حبّ المظاهر الدنيوية و التقذر عما يضادها بحيث

ص: 174


1- الاحزاب 29

يبتهج ويسر لمجالسة الغني و الاشراف و شيوخ المشركين و ينقبض اعصابه بمشاهدة الاعمى الفقير، بالله عليك فهل كان نبينا صلى الله عليه وآله هكذا ولو مرة واحدة ، سبحان ربك ربّ العزة عما يصفون وسلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين.

«...و أما ما يقوله السيّد قدس سره - وبعد فوصف النبي ص بأنّه يتوجه الى الاغنياء و يعرض عن الفقراء الى غيرهم ، فكل من يعرف النبي ص لا يصفه بذلك و هذا لا يشابه اخلاقه الكريمة وايضاً لا يناسبه مع ما له من الرأفة و الرحمة على قومه - فكلامه صحيح متين ، ولكن هنا ايضاً لابد لنا من تكرار قولنا السابق من أنه لم يكن كذلك منحو الوصف الثابت فيه ، بل على شكل عمل و فعل نشأ عن مصلحة في واقعة واحدة اتفاقاً و لا اشكال في ذلك. على أنه في المقام يستفاد منه كاملا ان مقصوده من الاقبال على الاغنياء انما هو التذكير والتزكية وقد طمع في ايمانهم وهم كانوا يستعمون كلامه ، و النبي ص كان يتفكر في ان هذا الاعمى مع هيئته الخاصة وكيفية تكلّمه في خلال وعظه و تبليغه يوجب انضجار الكفار و يمنعهم عن الايمان بدينه فلذلك انضجر عنه و عبس وجهه و اقبل اليهم في تعقيب دعوته و ارشادهم الى الاسلام ، ولكن الله سبحانه حيث يعلم انهم لن يؤمنوا به ، فمنع النبي ص بصورة العتاب تكسيراً لنخوتهم و تكبرهم و تجليلا لاهل الايمان ، كما قاله الطبرسي و غيره من ان اعراضه عن الاعمى لم يكن لفقره و اقباله على الاغنياء ايضاً لم يكن لثروتهم ، بل كان لشدّة علاقته بترويج الاسلام و ابلاغ دينه...».

اقول اما ما كرره في جواب السيد قدس سره فقد اجبنا عنه فلا نكرره فراجعص 147.

ولست ادري انّ هذا المؤلف اذا يقبل متانة كلام السيد وصحته فاي داع له في الاصرار على الصاق غبار هذا العمل بساحة قدس النبي الاعظم صلى الله عليه وآله فترى يسعى غاية جهده من هنا و هناك ان يجمع رطباً و يابساً مما يزعمه انها قرائن يستدل بها على نظريته المشوّهة المشومة التي اختلقتها ايادي الحكومة الاموية و الصولة الجائرة منهم حتى يردّوا ما انزل فيهم من العتاب والملامة الى ساحة عصمة النبي الطاهر الامين صلى الله عليه وآله وسلم، فانّ معنى قوله ان كلام السيد قده صحيح متين تصديق لما

ص: 175

يقوله السيد قده (وان ذلك لايشابه اخلاقه الكريمة ومن يعرفه لا يصفه بذلك ولا يتناسب رأفته و رحمته للمؤمنين) فاذا لا يناسب اخلاقه و صفاته فمن اين لك (ايها المؤلف) ان تستدل بصحة نسبته وهل كنت شاهداً للواقعة او وردت الروايات المتواترة القطعية بصحته مما شاهدتها ولم يشاهدها غيرك ، او نزل عليك الوحي من الله سبحانه ، فما اصرك على هذا القول الشنيع وما اجرأك على التحامل على النبي الطاهر المطهر المنتجب المصطفى صلوات الله عليه وآله. وما ذكره من ان ذلك من جهة طمعه وحرصه في ايمان الاشراف غير مناسب لتلك الآيات الكريمة ولا فيها اشعار بذلك بل فيها ظواهر و نصوص لو تدبّر فيها حق التدبر لذهب عن فكر الناظر كل غبار ويحق الله الحق بكلماته ، وانّما جیمع تلك الوساوس الشيطانية نشأت من الروايات التي دونها العامة في كتبهم في تفسير هذه السورة مما يلوح عنها آثار الوضع من ايادي الامويين الشجرة الخبيثة الملعونة في القرآن ، والا فالآيات تشعر بان الاعراض عن الاعمى كان تنفراً و تقذراً عنه لفقره و عماه وان الاقبال الى الاغنياء و الاشراف لكونهم اغنياء أو استغنى.

وما نسبه الى الشيخ الطبرسي قدس سره افتراء محض وقد نقلنا عبارته بالفاظها في اوّل الكتاب وهي صريحة في مخالفته لهذا الرأي بنحو مستدلّ متين كغيره من اعاظم الشيعة ولم يعرف هذا القول من احد من قدماء علماء الشيعة بطريق معتبر الأ ماعن ابن عباس رضي الله عنه وقد عرفت ضعف هذه النسبة ولا من متأخريهم الا في زماننا ممن في عصرنا من كتاب العصر.

وبالجملة فهذا الرأي المردود يخالف ظاهر الآيات في نفس هذه السورة كما سنبينها انشاء الله تعالى و يخالف سائر الآيات الواردة في شان النبي صلى الله عليه وآله وما ثبت من سيرته كما سبق بيانه ، ويخالف آراء المفسرين من علماء الشيعة و رواياتهم مما وصل الينا بطريق معتبر عنهم كما مضى ذكره ، وليس لهذا الرأي المردود الذي يجد هذا المؤلف فى استحكامها الا الاجماع المدعى من بعض العامة و آراء كثير منهم ، و رواياتهم التي اذا عرضناها علی کتاب الله تعالى يكاذبها و يعارضها و يناقضها ، و قد مرّ بيانه مفصلاً .

«...ولكلام السيد المرتضی قدس سره ، و قد نقلناه عنه بواسطه الشيخ الطبرسي

ص: 176

في المجمع ذيل اظنّ ظنا متأخماً بيقين ان الطبرسى لم يحب ان يذكره و كذا الشيخ ابوالفتوح حيث ذكر كلام السيد من دون استناد اليه فابى ان يذكر هذا الذيل لكنّ ابن شهر آشوب ذكره مع هذا الذيل من دون ان ينسبه الى السيد وكذا العلامة المجلسى ذكره في البحار فى باب عصمة النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)نقلا عن تنزيه الانبياء للسيد و نحن نذكره عن البحار مترجما له (بالفارسيه) - (وكيف يقول سبحانه لنبيه(صلی الله علیه و آله و سلم)وما عليك - اولیس علیک او لابأس عليك ان لا يتزكى هذا المستغنى وكيف ليس عليه تزكيته و هذا القول يمنعه عن حرصه علی ایمان قومه).

والحق ان هذا اللكلام من عالم مثل السيد كلام عجيب ولا مناص لنا الا ان نقول امثال هذه الغفلات من امثاله لان يمتاز مقام المعصوم عن غيره وليعلم ان غير المعصوم كائناً من كان فهو غير مصون عن الاشتباه.

فمن معانى باب التفعل المطاوعة و قبول الفعل فمعنى التزكي قبول التزكية و وظيفة النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)التزكية و التطهير و على الناس التزكي و قبول التزكية - انما انت مذکر ، یعنی تنحصر وظيفتك في التذكير و عليهم ان يتذكروا و يقبلوا منك ، فلو لم يقبلوا منک فلیس علیک بأس ، و القران بشراشره مملوء من هذه التعبيرات من انك عليك لست عليهم بوكيل او حفيظ فمن اهتدى فانّما يهتدى لنفسه ، و وظیفتک الابلاغ و الارشاد وفى سورة قصيرة تكررت هذه الجملة مرات ﴿فهل من مذكر﴾(1)و في سورة الاعلى يقول ﴿سيذكر من يخشى﴾ وكذا يقول ﴿وقد افلح من تزكى﴾، فما الفرق بين قوله هنا ﴿وما عليك ان لايزگی﴾ و بین قوله ﴿لیس علیک هدیهما﴾

وخلاصة الكلام انه ليس عليك مسئولية افعالهم فلاتتعب نفسک و لاتحرص و لاتهتم عليهم فوق حده لايمان الاغنياء ﴿انا ارسلناک بشيراً و نذيراً ولاتسئل عن اصحاب الجحيم﴾(2)قال الفيض رحمه الله في ذيلها - فلاعليك ان اصروا او کابروا. فمع قطع النظر عن المطالب الآخر فللسيّد المرتضى هنا اشتباه مخصوص و غفلة حاصلة له لامفر عنه ، و الشيخ ابوالفتوح من الموافقين له والطبرسي من مخالفيه كلاهما

ص: 177


1- سورة القمر 54
2- سورة البقرة 119

ذكر ا كلامه لكن حيث توجّها الى ما يرد عليه من الاشكال اغمضا عن ايراد هذه الجملة من كلامه...».

اقول انا على عفّة القلم و البيان لانحب ان نذكر شيئا على هذا المؤلف (صاحب تفسير نوين) الذي لم يعرف قدر نفسه فيما بين الناس و تجاسر علی اکابر علماء الاسلام مثل الشيخ الطبرسي و الشيخ ابو الفتوح ولاسيما السيد المرتضى علم الهدى الذى اطرأ عليه كل من ترجم له من العامة و الخاصة وتعجبوا من غزارة علمه في جميع الفنون و العلوم ولاسيما الادبيات العربيه التى كان رحمه الله من كثرة ما حفظ من اخبار العرب و محاسن اشعارهم ولغتهم عد في الرعيل الاول من الحفاظ و الادباء كاستاده في الادبيات ابي عبدالله المرزباني الذي كان اماماً في الادب في عصر ازدهار العلم بحيث قلما يوجد مثله في تاريخ الاسلام في عصر آل بويه في حوزة علمية مثل بغداد الذي كان يقصده روّاد العلم من اقصى البلاد كشيخ الطائفة الطوسي وامثاله من ايران وغيره.

قال المحدث القمي قدس سره في الكنى والالقاب في حقه - متوحد في علوم كثيرة مجمع على فضله مقدّم في العلوم مثل علم الكلام و الفقه والاصول والادب والنحو و الشعر و اللغة و غير ذلك انتهى. و عن ابن الاثير أنه عده من مجددى مذهب الامامية في رأس المأة الرابعة وعن ابن خلكان أنه كان اماماً في علم الكلام والادب والشعر وقال النجاشي الذي تولّى غسله - علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسیٰ بن ابراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب عليهم السلام ابو القاسم المرتضى ، حاز من العلوم ما لم يدانه فيه احد في زمانه و سمع من الحديث فاكثر و كان متكلّماً شاعراً اديباً عظيم المنزلة في العلم والدين والدنيا انتهى. و قال تلميذه شيخ الطائفة الطوسي قدس سره في الفهرست - كنيته ابو القاسم لقبه علم الهدى الاجل المرتضى رضى الله عنه ، متوحد في علوم كثيرة مجمع على فضله مقدّم في العلوم مثل علم الكلام و الفقه و اصول الفقه و الادب و النحو والشعر ومعاني الشعر و اللغة و غير ذلك(1)ثم عد مؤلفاته و اقتصر على اعيان كتبه وكبارها مما يقرب خمساً وثلاثين كتاباً

ص: 178


1- الفهرست 125

في فنون شتى.

وكفاك في تضلّعه و معرفته في الادبيات كتابه غرر الفوائد في مجلدين حيث يغوص في بحار العلوم الادبية والتفسير و غريب القرآن والحديث و يتحفنا من دررها ما يعجز عنه عباقرة الادبية و يصارع فيها مع ائمة الادب ويصرعهم.

على أنه كان عربيّاً قرشياً من طائفة هم افصح طوائف العرب و لسانهم كان عربياً من اول ما نشأ في بيت عربي اما و اباً.

فهل يكون من الانصاف ان ينسب اليه الاشتباه في معاني باب تفعل من دون ان يتدبّر في كلامه لفهم مقصوده و مرامه ، وهل يمكن القول في حقه انه اختفى عليه معاني باب التفعل التي يعرفها اصغر اصاغرة طلاب العلوم العربية اذا قرأ كتاب صرف مير وكتاب التصريف في جامع المقدمات في اول ما يتبدأ بذلك مناقه والمال النصاب الي ثم لم يعرف السيد (على زعمه) ان قوله - ما عليك الا يزكّى - ان كلمة يزكّى - صيغة للغائب يعود الى غير من خوطب به في (عليك) ثم بقي الاشتباه والغفلة الى زمان ابن شهر آشوب حتى تبعه في ذلك من غير أن يتفرس لذلك ، ثم مثل الشيخ الطبرسي وابي الفتوح (على زعم هذا المؤلف صاحب تفسیر نوین) صارا بصدد ستر هذا العيب الفاحش على السيد وابن شهر آشوب.

فهل العلماء و المحققين شغلهم في كتبهم ذلك او النقد والبحث و التحقيق و كشف الحقائق العلمية الاسلامية القرآنية و حفظ الامانة الالهية والوديعة النبوية و ثقلي رسول الله صلى الله عليه وآله الذين ما ان تمسك بهما الأمة لن يضلوا و هما كتاب الله و عترته و نشر احكامهما وعلومهما وحفظهما عن التحريف وايادي المحرفين والمنافقين و هم امناء الرسول وثقات الامة و حجج الائمة على الملة وصفوة النخبة من اهل الخبرة في علوم الاسلام وحفظها، فهل عليهم وهم ثقات الاسلام ان يستروا على السيد قده (بزعم هذا الرجل) عثرته في تفسيره للقرآن او انّ عليهم حفظ كتاب الله على الامة لئلا يضلوا في فهمه و تفسيره و علومه ثم كيف وقف هذا المؤلف (صاحب تفسیر نوین) بعد عشرة قرون على ضمائر هؤلاء وكشف له انهم كانون بصدد ستر العيب على السيد.

دع عنك كل ذلك وان هذا المؤلف يفتري صريحاً على الشيخ الطبرسي وصاحب

ص: 179

منهج الصادقين في موافقته لرايه السخيف على النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وقد ذكرنا في اول الكتاب عبارتهما بعينها لتعرف ان هذا المؤلف على اي موقف في نقلياته انهما صريحاً خالفاً هذا الرأي و استدلا على ذلك بادلة كثيرة وبراهين تيرة.

حل المشكلة:

انا لا اتكلم على شيء من هذه الجهات مما تعرض له هذا المؤلف بل اجعل الحكمية على القراء الكرام حيث ركض في غير ساحته واحل نفسه بغير مكانه.

ولكن اقول في جوابه وحل مشكلته ان التزكي وان كان من باب التفعل ومن معاني باب التفعّل المطاوعة لفعل آخر وقبول التأثير من فعل الفاعل كقولك - كسرت الكوز فتكسر - الا ان حصول الاثر في القابل كما ينسب الى القابل وجوداً او عدماً من حيث قبوله لاثر فعل الفاعل او عدم قبوله كذلك ينسب الى الفاعل من حيث حصول الفعل منه الى القابل او عدمه.

وبعبارة اخرى ان الاثر الحاصل في الخارج من الفعل يتقوم حصوله بالفاعل من حيث الصدور اولاً و بالقابل ثانياً ويكفي في سلبه سلب احدهما.

والتزكية من باب التفعيل عبارة عن تقومه بالفاعل والتزكي من باب التفعّل عبارة عن تقومه بالقابل و قبوله لذلك الاثر الصادر من الفاعل فهناك شيء واحد وهو مادة الاشتقاق فباعتبار انتسابه الى الفاعل صدوراً يكون فعلاً للفاعل و باعتبار انتسابه الى القابل يكون انفعالاً و قبولاً لاثر الفاعل.

فليس للفاعل الا التأثير وليس للقابل الا القبول و الثأثر فلا يمكن انتظار غير الفعل و التأثير من الفاعل و لا غير التأثر و القبول من القابل.

وعلى هذا فلو حمل تكليف التأثر على الفاعل فلابد من حمل كلامه على ارادة لزوم تأثيره و اتمام فاعليته صوناً للكلام عن اللغوية. مثلاً اذا قال مدير المدرسة للمعلم - لماذا نرى في التلاميذ ضعفاً في علومهم الرياضية فمعناه الايراد عليه بضعف التعليم من المعلم فان تعلّمهم ليس بيده الا من طريق التعليم فقط. و اذا قال للمعلم نحن لا نريد من

ص: 180

الصف الثاني الابتدائي من الحساب الضرب و التقسيم او قال ليس عليك ان يعرفوا الضرب و التقسيم - فمعناه - ليس عليك تعليمهم للضرب و التقسيم لا تعلمهم فان تعلّمهم مع قطع النظر عن تعليمه ليس بيده ، ولذا لو كان فيهم ضعفاً في الاستعداد من حيث البلاده و البلاهة فللمعلم رد ايراد المدير عن نفسه باني لم اقصر في تعليمهم وانما القصور في استعدادهم وفهمهم.

ففيما نحن فيه ايضاً كذلك يقول سبحانه ﴿عبس وتولى ان جائه الاعمى وما يدريك لعله يزكى - الى قوله - و ما عليك الا يزكّى﴾ فهذا التزكى وان كان قبولاً للتزكية من القابل وهو الاعمى الا أنه يعاتب على العابس فيه و يظهر بذلك نقطة الضعف فيه بانك لماذا اعرضت عنه ولعل فيه القابلية للتزكي اي كان المناسب الاقبال و الاشتغال لتزكيته - او يذكر فتنفعه الذكرى - وهنا ايضاً يكون التذكر من القابل الا انه على عهدة الفاعل من حيث التذكير والتأثير لا من حيث أنه تأثر و تذكر و قبول من القابل ﴿اما من استغنى فانت له تصدى وما عليك الا يزكّى﴾ فنفي المسؤولية عن الفاعل المخاطب بالنسبة الى تزكي المستغني الذي هو القابل انما هو من حيث فاعليته و تأثيره اي ليس عليك مسؤولية هدایته و ارشاده و تزکیته و تذکیره.

فهنا يتوجه ما اشكله السيد المرتضى قدّس سرّه بأنه لو كان المخاطب هو شخص النبي صلى الله عليه و آله و سلّم فمعناه رفع مسئولية الارشاد و التزكية عن-ه بالنسبة الى المستغني مع انها من وظائف مقام الرّسالة كما قال سبحانه ﴿هو الذي بعث في الاميين رسولاً منهم يتلوا عليهم آياته و يزكيهم و يعلمهم الكتاب والحكمة﴾(1).

وهذا بخلاف ما اذا جعلنا مرجع الضمائر الخطابية العتابية غير النبي صلى الله عليه وآله ممن تصدّى و استقدم نفسه في ذلك مع انه لم يكن ذلك من شأنه كعثمان بن عفان او رجل من بني امية - ولعل كلتى الروايتين ناظرتان الى واحد - فحينئذ يستقيم الكلام حيث يقول ايها العابس وجهه على الاعمى الفقير لفقره وعماه ، المقبل الى المستغني لثروته و

ص: 181


1- الجمعة 2

غناه لتتصدّى لأرشاد الغني و تزكيته ، ليس لك شأن ذلك ، فأنه لا ينبغي التصدي للتزكية و الدعوة الى الاسلام الذي هو دين العدالة و الاخوة والمساواة ممن هو غير متخلّق بالاخلاق الاسلامية و غير متصف بصفاته ، بل متصف بما يضاد الاسلام و ينبأ عن الايمان بالماديات لا بالله واليوم الآخر فهو متنفّر عن الفقير الاعمى لعماه و فقره و مبتهج مقبل متصد للمستغني المترف لثروته او من يستغنى عن الاسلام تكبراً و عناداً لشرفه و سيادته بين المشركين ، فهذا المتصدي ليس له قابلية الدعوة الى الاسلام و تزكية المشركين والكفار ، فان التطهير هو شأن الطاهر لا القذر فان عمله و اوصافه يدعوا الى ما يخالف لسانه ، بل مقام الدعوه والتزكية ﴿بايدي سفرة كرام بررة﴾الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، فهم مطهرون عن الواث القذارات المعنوية الاخلاقية و شرح الله صدورهم للاسلام فهم على نور من ربهم ، وهذا كان من شؤن النبي الطاهر المطهر ، فأنه هو الذي بعثه الله في الامتين يتلوا عليهم آياته و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة ، فلما ذا تصدى لها هذا القذر الذي اظهر مطويات نفسه باعراضه عن الفقير الاعمى ، و اقباله الى من استغنى.

وبالجملة فوقوع جملة ﴿و ما عليك الا يزكّى﴾بعد قوله ﴿اما من استغنى فانت له تصدّى﴾ يدل على انعزال المخاطب عن منصب الدعوة و الوساطة في ابلاغ الاسلام الى المشركين و تزكيتهم ، فلم يكن السيد المرتضى علم الهدى استاد العلماء من اهل التقى ممن لم يعرف معاني باب التفعّل و فرقه عن باب التفعيل ولم يظنّ به احد هذا السوء الظنّ او ظنّه المتاخم للعلم الذي حصل لهذا المؤلف ، وقد كان السيد قدس سره مع كونه من اهل اللسان العربي من ائمة علماء العربية في جميع ادبياتها وكتبه الموجودة اكبر شاهد على ذلك.

هذا وقد مضى على كلام السيد قده هذا الف سنة او اكثر وكتابه (تنزيه الانبياء) بمرئى من اكابر العلماء والادباء ولم يتجاسر عليه احد بمثل هذا الاشكال الفاسد الكاسد. ثم ان ما نسبه الى الشيخ ابي الفتوح و ابن شهر آشوب من انهما ذكر ا كلام السيد من دون استناد اليه ثم اسقطا ذيل كلامه مما اوجب طعن هذا المؤلف عليهم جميعاً (بحسب زعمه) فكل ذلك افتراء محض و رجم بالغيب فانهما لم يذكرا كلام السيد اصلاً بل اتفق

ص: 182

اتحاد كلماتهم في بعض الادله لهذا المدعي فراجع اول الكتاب في نقل عباراتهم.

ثم انه كيف لم يعرف هذا المؤلف ان الكتب العلمية ساحة البحث و النقد و مضمار السبق و التفتيش و التحقيق و ان الحق احق بان يُبدى وليس لاحد في هذا المضمار ستر الهفوات والعثرات فان ذلك لا سيما في تفسير القرآن و تبيين مقاصده يعدّ من كتمان ما انزل الله وقد قال سبحانه ﴿ان الذين يكتمون ما انزلنا من البينات و الهدى من بعد ما بيناه للنّاس في الكتاب اولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون الاّ الذين تابوا واصلحوا وبينوا فاولئك اتوب عليهم وانا التواب الرحيم﴾(1)، وقال تعالى ايضاً ﴿ان الذين يكتمون ما انزل الله من الكتاب و يشترون به ثمناً قليلاً اولئك ما يأكلون في بطونهم الا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم﴾(2).

فلو فرضنا على نحو فرض المحال صحة ما ادعي هذا المؤلف من الاشكال على السيد قده فلا يمكن القول بالنسبة الى مثل ابن شهر آشوب و الطبرسي و امثالهما من اعاظم ثقات العلماء أنهم توجهوا الى هذا الاشكال واغمضوا عنه تحفظاً على مقام السيد و سترا على عيوبه (العياذ بالله) لئلا يفتضح بين امثال صاحب تفسير نوين كيف وكتبهم مملوئة من المباحثات العلمية والمناقشات التحقيقية الفكرية فيما بينهم لكشف الحق والحقيقة و ابطال الباطل من غير فتور و قصور.

وعليكم ايها القرّاء الكرام مراجعة كلمات اساطين الشيعة وعظماء علمائهم الاقدمين في هذا المبحث مما نقلنا عباراتهم بالفاظهم في اول الكتاب ليظهر لكم ما وقع لهذا المؤلف وامثاله من الاشتباه في فهمها و من نسبة متابعة بعضهم لبعض او نسبة موافقته لرأي العامة الى الشيخ الطبرسي او الى اكثر الشيعة وغير ذلك من العثرات والزلات مما نبهنا عليه فيما تقدم.

«...والذي يؤيد باعتقادنا قول قدماء المفسرين مثل ابن عباس وكذا الطبرسي و المولى فتح الله وغيرهم ممن يرى ان المخاطب بهذه الآيات هو النبي صلى الله عليه

ص: 183


1- البقرة 159
2- البقرة 174

وآله يكون كما يلي.

1 - ان عامة المفسرين سواء من جعل المخاطب النبيّ ص ، او من كان مخالفاً لهذا فكلهم يتفقون على ان ابن أم مكتوم جاء الى النبي ص ، فلابد ان يكون الضميران في جائه - وجائك - راجعين اليه ص ، اذ لا معنى لان يقول الله سبحانه لرجل آخر كان هناك ان الاعمى جائك ، وقد جاء الى النبي ص.

2- ان من لحن الخطاب و العتاب يستفاد بنحو واضح ان غرض من اعرض عن واحد و اقبل الى آخر ، انما كان هو التزكية والتذكرة ، وهما مما يثبتهما القرآن أنهما من وظائف النبي ص معينا ، والآ فغني متكبر اذا اعرض عن رجل اعمى الذي لبس ثياباً باليا ، فباي مناسبة يقال له ﴿وما يدريك لعله يزكّى او يذكر فتنفعه الذكرى﴾ على ان الغنيّ الذي يكون معاشرته و مجالسته مع الاغنياء ، كيف يعاتب على اقباله الى الاغنياء ، فلنفرض ان اعراض غني عن فقير غير محبوب ، ولكن لماذا يؤاخذ على اقباله الى امثاله و زملائه ، ولا سيما بهذا التعبير ﴿اما من استغنى فانت له تصدى وما عليك الا يزكّى﴾ فهل يستحسن التكلم من رجل متعارف بهذا النحو ، فكيف بكلام من الله سبحانه يتحدّى باعجازه، هذا ، ولكن اذا جعلنا المخاطب شخص النبي ص فحينئذ ينتظم الكلام كما رأينا نظائره فيما قبل ذلك...».

اقول اما الوجه الاول مما ايدبه مختاره ، ففيه انه ان اراد بذلك ان ابن أم مكتوم جاء النبي ص وحده ، ولم يكن عنده احد ، فهذا خلاف ما اتفق عليه جميع المفسرين من الخاصة و العامة ، فلو اراد المؤلف هذا ومع ذلك نسبه الى اتفاق الفريقين فهذا افتراء محض اذ كما ذكرنا اتفقوا على أنه حين مجييء ابن ام مكتوم كان عنده ص غيره ايضاً. وان اراد انه جاء الى النبي ص مع انه كان عنده جماعة آخرون ، ففيه انه حينئذ كما یصح ان يقال ان ابن ام مكتوم جاء النبي فكذلك يصح ان يقال جائهم وجاء كل فرد منهم فان المجيء الى احد ومجييء احد عبارة عن ملاقاته بعد مشيه اليه فيقال جائه وجائك ، وان اراد انه كان قصده من مجيئه هو النبي صلّى الله عليه وآله فقط ، فنقول ان القصد غير المجييء ولم يقل في الآيات قصده و قصدك بل قال جائه و جائك ، وقد عرفت معنى ذلك.

ص: 184

واما الوجه الثاني فهو مغالطة محضة ، فان غرض العابس (لو فرض) انه كان هو التذكرة والتذكية فلا ربط له بان ذلك من وظائف النبي ص بصراحة القرآن لينتج من المقدمتين ان المعنى بها في تلك الآيات العتابية هو النبي ص بل نقول ان المقدمتين على خلاف مقصوده ادل ، فانّه يثبت بذلك ان العابس تصدى للتذكية و التذكرة مع أنه لم يكن من وظائفه ، ولم يكن له قابلية ذلك ، وقد كان ذلك من وظائف النبي صلى الله عليه وآله ومن شؤنه المناسبة له ، ولكن العابس تصدى لها فضولاً حيث كان حاضراً مع انحطاط اوصافه و اخلاقه و ملكاته ، فلذا عابته الله تعالى لئلا يعود هو ولا امثاله فيما سيأتي من امثال تلك الاندية والمجالس الاسلامية ولا في غيرها ولا يقبله المسلمون لزعامة الاسلام و تزكية المسلمين ولا من يماثله في الاداب و النفسانيات و الافكار ، و لئلايتوهم المسترشدون ان تلك الارجاس و الرذائل الاخلاقية ناشية (العياذ بالله) من تعليمات الاسلام و تربيته وان الاسلام هو الذي تجلى في اوصاف هذا العابس المنحرف المتمرّد المقبل الى الدنيا و اهلها و زخارفها ، بل يتبرأ القرآن في هذه السورة من تلك الاوصاف و الاعمال الردية و يخرجه عن زمرة الدعاة الى الحق.

نعم، اعلن ردعه و انزجاره عن امثال هذا العابس ثم ذكر طهارة الدعوة وما يتضمنها و دعاتها و طهارتهم و کرمهم و کرامتهم و برهم و أنهم هم السفراء المنصوبون الله لذلك و صحف الدعوة بايديهم وتحت نظارتهم فقال سبحانه ﴿كلاً، انها تذكرة ، فمن شاء ذكره في صحف مكرمة ، مرفوعة مطهرة ، بايدي سفرة ، كرام بررة﴾وقد مضى شطر من الكلام في ذلك و سيجيء ضمائمه انشاء الله تعالى.

واما قوله - والا فغني متكبر مغرور اذا اعرض عن رجل اعمى فقير فباي مناسبة يعاتب بهذه العبارات ﴿وما يدريك لعله يزكّى - او يذكر فتنفعه الذكرى﴾.

فنقول - اولاً - لم يذكر في تلك الآيات ان العابس كان غنياً متكبراً مغروراً وان اعراضه عن الاعمى الفقير نشأ عن تكبره او غروره او غناه فيمكن انه كان فقيرا ، مثل الاعمى الا ان حب الدنيا و أبنائها استمكن في قلبه و ازدوج مع ضعف الايمان و امثال ذلك كما هو الظاهر ممن يعمل هذه الاعمال و بالجملة فكلامه هذا خارج عن مدلول الآيات ، نعم على القول بان المراد به هو عثمان عفان لا يبعد ذلك الا انه مع ذلك

ص: 185

توصيفه بالغنى و التكبر والغرور ايضاً غير مفروض في تلك الآيات بل المذكور فيها مجرد صدور هذه الافعال منه ، فمنشائه اي شيء من التكبر و الغنى و الغرور ، او حبه الدنيا و اهلها وعظمة المشركين في عينه وحقارة اهل الايمان و الاسلام في نظره ، او غير ذلك ، فلم يذكر في الآيات ، نعم ظاهر هذه الاعمال عظمة المشركين و سيادتهم فيما بينهم في عينه و اقباله الى الدنيا و ثروتها و حقارة اهل الايمان و الاسلام اذا كان مع الفقر والعمى في نظره وحسابه ، و على كل حال فشيء من ذلك لا يؤيد مقصود هذا المؤلف.

وثانياً: ان العتاب فيها ليس لمجرد المواخذة على مسلم يعظم المشركين لثروتهم و شرفهم و سيادتهم الجاهلية، وان يحقر مؤمناً اعمى فقيراً مقبلاً ساعياً مستر شداً يريد أن يتزكى مع استعداده و قابليته لذلك ، يحقره لكونه فقيراً اعمى ، ليس لمجرد ذلك ، و ان كان ذلك ايضاً بمجرده ذنباً عظيماً لا يخفى على العاقل اللبيب تبعاته وآثاره على الاسلام والمسلمين من حيث أنه يوجب تضعیف الاسلام و المسلمین و تقوية المشركين - لا - بل ظاهر الآيات انّ العمدة في عتابه انه عرض نفسه في سبيل الدعوة الاسلامية و تظاهر بذلك مع هذه الاعمال الردية المردودة في الاسلام الكاشفة عمّا نفسه في من الصفات المذمومة وهذا ذنب عظيم و ايجاد نقص كبير في مقام الزعامة الاسلامية وكثير من الشناعات في سبيل الدعوة الاسلامية وانتشارها انما تنشأ من ذلك حيث ان فاسقاً او دنياً فی الصفات والاخلاق و الاعمال مثل يزيد بن معاوية وامثاله يتجلّون بصورة زعماء المسلمين و خلفاء رسول رب العالمين فيعظمون الفساق والكفار والمشركين ويحقرون المسلمين وصفوة المؤمنين بل يقتلون ويأسرون ويحقرون ويسيئون على الحسين صلوات الله عليه واهل بيته وانصاره من صفوة المؤمنين سلام الله عليهم وعمدة الذنب على المسلمين الذين يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ويتجاهلون ولا يتدبرون القرآن ، والا فكيف استتر الحق في تفسير هذه الآيات من سورة عبس حتى يدعى انعقاد الاجماع من مفسرى اهل السنة بالصاق غبار عتابها بذيل قداسة النبي الخاتم الطاهر المطهر ، مع صراحتها بطهارة السفرة و برهم وكرامتهم بعد العتاب الشديد على العابس المتعرض نفسه في دعوة الاسلام ونشره.

واما قوله فلنفرض ان اعراضه عن الاعمى الفقير كان مذموما ، لكن اقباله على

ص: 186

امثاله و زملائه ليس بمثابة ينزل الوحى فى عتابه بهذه العبارة ﴿اما من استغنى﴾ الخ فنقول ان المؤلف كأنه فرض مورد العتاب في الآيات مجرد تعظيم غني لغني مثله وتصوّر ذلك بصورة ما نرى في زماننا من القاء آداب الاسلام و الغائها فيما بين المسلمين لا سيما بين أهل السوق حيث لا يفرقون بين المسلم و الكافر و المشرك و اليهودي و النصراني وغيرهم و صار ذلك بينهم امراً هيناً وهو عند الله عظيم ، مع ان الاسلام يحكم بنجاستهم ويقول ﴿لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله و رسوله ولو كانوا آبائهم او اخوانهم او عشيرتهم اولئك كتب في قلوبهم الايمان وايديهم بروح منه ويدخلهم جنات﴾(1)، وقال تعالى ﴿يا ايها الذين امنوا لا تتخذوا عدوي وعدوّكم اولياء تلقون اليهم بالمودة وقد كفروا بما جائكم من الحق يخرجون الرسول واياكم ان تؤمنوا بالله ربّكم (الى أن قال) ان يثقفوكم يكونوا لكم اعداء ويبسطوا اليكم ايديهم والسنتهم بالسوء و ودوا لو تكفرون﴾(2)، ثم يوجب ويفرض على المؤمن مودة المؤمنين واخوتهم وتعظيمهم و تكريمهم و ولايتهم و المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض وانما المؤمنون اخوة هذا.

ولكن العمدة في العتاب ما ذكرناه من بروز تلك الافعال على حاشية الدعوة الاسلامية وفي جنبها قاقبل الى الغني متصدياً له ومتواضعاً في قباله مع تحقيره المؤمن الفقير الاعمى فيتصور من ذلك حتى عند هذا المستغني ان الاسلام دعاية لمجلبته الثروة و اهلها و لرئاسة صاحب الدعوة وان صاحب الدعوة ليس له وراء الثروة والرياسة والدنيا في نفسه شي ككثير من احبار النصارى وقسيسيهم وان الدين وسيلة لجلب الغنى و الرياسة الى انفسهم وانه مثل شبكة لاصطياد الماديات كالمكاتيب المادية الا انه بنحو غير مستقيم فيتظاهرون ويتفوهون بشيء و ورائه شي آخر من الاغراض الفاسدة المادية كما يقوله الماديون بالنسبة الى جميع الاديان السماوية ، وليس لهم مستند دعاية الا ما يترائى من بعض من يتلبس بلباس الداعي الى الحق من دون حقيقة في نفسه ، والا فمن يدعوا الى الاسلام عن ايمان واعتقاد فهو قبل دعوته صار مصبوغاً بصبغة الاسلام صبغة الله ومن

ص: 187


1- المجادلة 22
2- الممتحنة2-1

احسن من الله صبغة ، فهو يدعو الى الدين بافعاله ومعاشرته واخلاقه قبل اقواله ﴿آمن الرسول بما انزل اليه من ربّه﴾(1)، ﴿الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون احداً الا الله وكفى بالله حسيبا﴾(2)، ﴿محمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم تريهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله و رضواناً﴾(3)، ﴿افمن يهدي الى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي الا أن يهدى﴾(4)

وبالجملة ، فالذي يمكن ان يستفاد من خلال تلك الآيات الكريمة ان مورد العتاب مضافاً الى صدور تلك الافعال الذميمة عنه ، و مضافاً الى تظاهره بها في سبيل الدعوة الاسلامية ونشرها ، كان ايضاً ممن يحب ان يتصدى لمنصب الدعوه الاسلامية واشتغاله بالزعامة الدينية وكان يجد ويجتهد في ان يصوّر نفسه في انظار الناس بهذه الصورة وينتظر من المسلمين او حتى من شخص النبي صلى الله عليه وآله ان يجعلوه على هذا المقام الشريف.

فلذا نرى ان الله تعالى بعد ان يبين نقاط ضعفه عمّا يتوقعه وبعد أن يبعده عن مقام الدعوة بقوله ﴿وما عليك الا يزكي يذكر منهاج الدعوة الاسلامية بمراتبها المتناسبة المترتبة المتنازلة من الله سبحانه ، الى امین وحیه فالی سفیره و رسوله ، وهكذا فيمن بعده ، من حفاظ دين الله وكتابه و منهاجه ، فيقول ﴿كلا ، انّها تذكرّة ، فمن شاء ذكره، في صحف مكرّمة ، مرفوعة مطهرة ، بايدي سفرة ، كرام بررة﴾.

فراجع لبيان ذلك ص 79- 84.

ولعلك بعد ذلك لا يخفى عليك ان عتاب العابس على تصديه واشتغاله بالمستغني و اقباله اليه بعد عُبوسه و اعراضه و تلهيه عن الفقير الاعمى المسترشد باي مناسبة يكون وان المناسبة باعلى مراتبها محفوظة في كلام الله سبحانه وانه على ايجازه ، له ان يتحدى باعجازه، كيف لا وأنه بعد مضي قرون متطاولة كثيرة و تلاعب ايدي الخونة بالتاريخ ، ولاسيما في مسئلة الخلافة و الزعامة الاسلامية ، يظهر و يوضح لنا الحقيقة و

ص: 188


1- البقرة 285
2- الاحزاب 36
3- الفتح 29
4- یونس 35

يرشدنا الى ما هو الصواب ويزيل الغبار عن وجه الحق فيما مضى و يدلنا الى مصالحنا فيما سيأتي.

3 - ان سياق الآيات التي بعدها يدل على ان المخاطب هو النبي ص حيث ذكرنا في بيان شأن النزول ان النبي ص كان يقرأ القرآن على المشركين و يعظهم و يدعوهم الى الاسلام ويحرص على ايمانهم الى ان جائه الاعمى وقال - علمني واقرئني القرآن - فعبس في وجهه ونزلت الآيات العتابية وفي ذيلها يقول ﴿كلاً انها تذكرة﴾ انته يعني عن هذا العمل فان تلك الآيات تذكرة فمن شاء ذكره ثم بعدها يمجد القرآن وانه مرفوع مطهر يقبله قلوب طاهرة ولو من الفقراء وما انت تتوجه الى الاغنياء فغير وجيه فلا يلقى الكلام الحق على الدني القسي فان قلوبهم لا تتأثر بالموعظة ، ثم يقول في ذمهم ﴿وقتل الانسان ما اكفره﴾، فاذا لو كان الخطاب متوجهاً الى صحابي او اموي فاي تلك الآيات الا ان نقول لا تحتاج الى المناسبة او نتكلف في ايجادها ...».

اقول قد سبق الكلام في مناسبة الآيات التي ذكرها المؤلف وقلنا ان هذه المناسبة هي التي التي تدلّنا الى صواب الرأي وطريق الحق ، وان المستفاد من ظاهر سياقها ان المخاطب فيما قبل كلمة (كلا) غير النبي صلى الله عليه وآله فان النبي ص من السفرة الكرام البررة الذين بايديهم التذكرة التي هي فى صحف مكرمة مرفوعة مطهرة فحيث انها مطهرة فلا ينال بدعوتها الا من طهره الله تطهيراً من كل رجس و دنس ولاينال بعهده الظالمون

وحيث انه قد مر تفصيل ذلك فلا نطيل الكلام باعادته فراجع ص 78 الی 83 و سيأتي انشاء الله تعالى القول في تفسير الآيات الى آخر السورة لترى اعجازها مع ايجازها لكشف الحق ورفع تحريف المنحرفين الذين يحرفون الكلم عن مواضعه وان السورة يعرفنا العبوس باوصافه و مميزاته وكيف كان ماهيته وما جزائه في الآخرة ، وفي قباله الرسول الطاهر الامين افضل سفراء الله تعالى المتشعشع وجهه و سیرته و اخلاقه و منهاجه في الدنيا و الآخرة ، الذي بانوار وجوده و اوصافه و سيرته يستنير المنوّرون وبه يفوز الفائزون ، وعلى ضوء وجهه يمشي المؤمنون في الدنيا و الآخرة و يقال لهم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون يا شمال

ص: 189

واذا راجعت تلك الصفحات التي اشرنا اليها فترى انا ذكرنا ان كلمة (كلا) ردع عما سبقها ، وليس معناها (انته عن هذا العمل) وان المؤلف (صاحب تفسیر نوین) اخذ ذلك عن الشيخ الطبرسي حيث فسر كلمة (كلا) بقوله (لا تعد لذلك و انزجر عنه) وقلنا هنالك أنه غير صحيح و استشهدنا بكلام الشيخ في التبيان ونجم الائمة الشيخ الرضي فعليك بمراجعتها و راجع في ذلك ايضاً كلام ابن هشام في المغني في الباب الاول حرف الكاف من كلمة كلاً وغير ذلك من كلمات القوم وتحقيقها لتعرف الحق في ذلك وراجع ص 3 - 84.

ثم لا يخفى عليك بعد التأمل في كلام هذا المؤلف ههنا عدم رعاية المناسبة في مقدمات استدلاله الثالث وعدم ربط بينها وبين ما يريد من نتيجتها فاستدلاله هذا اشبه شيء بالطفرة.

«...4 - في الموارد المشابهة لها وهي كثيرة قد ذكرنا منها انموذجا ، يكون الخطاب فيها كلاً الى شخص النبي ص حتى في الموارد التي يكون المقصود منها غيره ايضا صار هو المخاطب ، كما في قضية اصحاب الصُّفة (الذين هم باعتقاد بعضهم كابي الفتوح سبعمائة نفرات وعند بعض آخر كمحمد فريد الوجدي في الدائرة المعارف ستمائة نفرات وفيهم من اكابر الصحابة كابي ذر و عمار و سلمان و امثالهم - و المشركون مضافاً الى اعمالهم الموهنة في حقهم كانوا يشتمونهم و يعدونهم السفلة و السقاط و ان ريحهم ريح الغنم و امثال هذه العبارات و طلبوا من النبي ص طردهم فالخطاب و العتاب في ذلك متوجّه الى النبي ص والله سبحانه لم يخاطب المشركين حتى بكلمة واحدة.

فهل كل احد يمكن ان يليق بتشريف الله له بخطابه ولو بصوره العتاب ، واساساً ليس سياق القرآن كذلك ، فلو انزل آيات في مورد صحابي او اموي عبس على الاعمى عتابا عليه ، فبالنسبة الى اضطهاد افراد مثل عمّار و بلال و ابن مسعود يلزم ان ينزل سورة كبيرة كسورة البقرة او اكبر منها وهكذا في قتل ابرياء من المسلمين مثل ياسر و سمية والدي عمّار ، مع ان اعظم انموذج من هذا القبيل في الذم و اللعن على احد ، هو سورة (تبت) مع أنها بصورة الغيبة لا الخطاب ، وكذا بالنسبة الى الوليد الذي كان وحيد عصره من حيث الشخصية و الثروة حيث انتخب من قبل المشركين ليقضي في حق القرآن و

ص: 190

ارتكب اعظم خيانة و جناية ، فعلى خلاف ما كان يعتقده باطناً و تشخيصه الحقيقي حكم انه قول البشر وانّه سحر يؤثر فالله سبحانه في ذلك خاطب نبيه ص و ذم الوليد و اوعده العذاب لكن بشكل الغيبة لا الخطاب فقال - ذرني ومن خلقت وحيداً - وهكذا سائر الموارد و بالاخص الخطابات المفردة في اوائل السور سواء كان المقصود بها النبي ص كقوله ﴿انا اعطيناك الكوثر﴾ و ﴿انا فتحنا لك فتحاً مبيناً﴾ و ﴿الم نشرح لك صدرك﴾ او كان المقصود بها عاماً يشمل جميع المسلمين مثل ﴿ارايت الذي يكذب بالدين﴾ و ﴿الم تر كيف فعل ربك باصحاب الفيل﴾فالمخاطب هو شخص النبي ص ويحتمل ان الشيخ الطوسي قدس سره توجه الى هذا المطلب في هذه السورة حيث قال قبل قوله ﴿وما يدريك﴾ التقدير قل يا محمد - يعني لابد أن يقدر ذلك قبله ليتوجه الخطاب الى شخص النبي ص.

وخلاصة الكلام انه اذا بنينا على ان القرآن يفسّر بعضه بعضا كما هو مبنى العلامة آية الله الطباطبائي متع الله المسلمين بطول عمره الشريف في تفسيره الكبير (الميزان) فنحن نقدر ( بعد التوجه الى الموارد المشابهة الكثيرة المتفق عليها بين العامة والخاصة على ان المخاطب فيها هو النبي ص وكذا بعد التوجه الى ان سبك القرآن في كلامه عموماً عن الشخصيات الاخيار والاشرار ذماً او مدحاً حضوصاً الخطابات المفردة في اوائل السور ان يكون الخطاب متوجّهاً اليه ص). ان نقول ان الخطاب هنا ايضاً متوجه اليه صلى الله عليه وآله...».

تحقيق فيما ذكره من أصحاب الصفة

اقول: في كلماته هنا مواقع كثيرة للنظر حتى في نقلياته مثل قصة اصحاب الصفة وما نقل فيهم ، فنقل عن دائرة المعارف لمحمد فريد الوجدي المصري أنهم كانوا ستمائة مع انه ينسب الى القيل انهم اربعمائة و هذه عبارته - اهل الصفة كانوا قوماً من الفقراء - قيل - كان يبلغ عددهم اربعمأة ، كانوا منقطعين في مسجد النبي صلى الله عليه و سلّم للعباده وكانوا يعطون من مال الزكوة ليأكلوا وكانوا كلما جاء حرب خرجوا يجاهدون

ص: 191

بانفسهم ولما كثر المال في ايدي المسلمين وزاد عددهم اخرجهم عمر ليبحثوا عن ارزاقهم بكدهم(1)

وهكذا ما افتراه على الشيخ ابي الفتوح من أنهم كانوا سبعمائة ايضاً غير صحيح بل الشيخ ابو الفتوح يصرّح بأنّهم كانوا اربعمائة فانّه ذكر في تفسير قوله تعالى ﴿للفقراء الذين احصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الارض يحسبهم الجاهل اغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس الحافاً وما تنفقوا من خير فانّ الله به عليم﴾(2)، ان اهل الصفة كانوا اربعمائة ، وهذه عبارته بالفارسية قال - و ايشان فقراء مهاجرین بودند، بنزدیک چهارصد مرد بودند ، ایشانرا در مدینة سرائی نبود و مسکنی و ملکی و ضیعتی و عشیرتی و مالی و صنعتی همه روز و شب در مسجد بودندی... یشان اصحاب صفه بودند... - تفسير ابي الفتح ج 2 ص 384 -

وقال الشيخ الطبرسي بعذ ذكره الآية - قال ابو جعفر عليه السلام نزلت الآية في اصحاب الصفة وكذلك رواه الكلبي عن ابن عباس و هم نحو من اربعمائة رجل لم يكن لهم مساكن بالمدينة ولا عشائر ياوون اليهم فجعلوا انفسهم في المسجد و قالوا نخرج في كل سرية يبعثها رسول الله صلى الله عليه وآله(3).

وقال الشيخ الطوسي قدس سره قال ابو جعفر عليه السلام نزلت في اصحاب الصفة.

وفي البرهان و نور الثقلين اقتصر على ما رواه الطبرسي عن أبي جعفر عليه السلام والظاهر انه انقضى الفقر عن اصحاب الصفة ولم يبق منهم احد على فقره و مسكنته في حدود السنة الخامسة او الرابعة من الهجرة حيث ان آيات سورة الحشر تدل على انه لم يبق من فقراء المهاجرين على الفقر الا من اقامهم الانصار في بيوتهم فاراد الله تعالى رفع الفقر و ازالته عنهم بان يجري عليهم من فييء بني النضير ما يزيل عنهم الفاقة.

ص: 192


1- دائرة المعارف ج 5 ص 523
2- البقرة 275
3- مجمع البيان ج 1 ص 150 طبع قديم

فعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله يوم بني النضير للانصار ا ن شئتم قسمتم للمهاجرين من اموالكم و دياركم و تشاركونهم في هذه الغنيمة ، وان شئتم كانت لكم دياركم واموالكم ولم يقسم لكم شي من الغنيمة فقال الانصار بل نقسم لهم من دیارنا و اموالنا و تؤثرهم بالغنيمة ولا نشاركهم فيها فنزلت ﴿ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة﴾ الآية مجمع البيان.

فهؤلاء كانوا بقية من فقراء المهاجرين فعالج فقراهم بذلك ، فلو كان اصحاب الصفة وهم اشدّ فقراً ومسكنة و فاقة - باقين على حالهم لكانوا اولى بان يعالج فقرهم مع ان الآية في سورة البقرة بالنسبة الى اصحاب الصفة و الاآية في سورة الحشر بالنسبة الى هؤلاء من فقراء المهاجرين الساكنين في بيوت الانصار قريبتان من حيث اللفظ والمعنى. قال تعالى ﴿للفقراء المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم واموالهم يبتغون فضلاً من الله و رضواناً و ينصرون الله و رسوله اولئك هم الصادقون والذين تبوّوا الدار والايمان من قبلهم يحبون من هاجر اليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما اوتوا و يؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون﴾(1).

و اما ما ذكره هذا المؤلف من تسمية ابي ذر و سلمان و عمار رضى الله عنهم في جملة اصحاب الصفة، فالظاهر أنّه ايضا مما لا اصل له.

فان اباذر رضي الله عنه كان من اوائل من اسلم، رابعهم او خامسهم ، ولما اسلم رجع الى قومه باذنه ص ، ثم لحق النبي صلّى الله عليه بعد غزوة الخندق بالمدينة.

قال ابن الاثير - ابو ذر جندب بن جنادة اسلم و النبي ص بمكة اول الاسلام فكان رابع اربعة وقيل خامس خمسة ... ولما اسلم رجع الى بلاد قومه فاقام بها حتى هاجر النبي ص فاتاه بالمدنية بعد ما ذهبت بدر واحد و خندق و صحبه الى ان مات(2).

واما عمار بن ياسر فكان من المهاجرين من مكة الى ارض الحبشة.

قال ابن هشام فكان جميع من لحق بارض الحبشة و هاجر اليها من المسلمين

ص: 193


1- الحشر9.
2- اسد الغابة ج 1 ص 301.

سوى ابنائهم الذين خرجوا بهم معهم صغاراً و ولدوا بها ثلاثة وثلاثين رجلاً ان كان عمار بن ياسر فيهم وهو يشك فيه(1).

واما سلمان رضي الله عنه فكان بعد اسلامه بالمدينة اول مشاهده مع رسول الله صلى الله عليه وآله الخندق ولم يتخلف عن مشهد بعد الخندق(2)، او ادى تمام مال المكاتبة لمالكه فصار عتيقاً وحراً على ما في السيرة النبوية لابن هشام(3)، قال فشهدت مع رسول الله ص الخندق حراً ثم لم يفتني معه مشهد(4).

كان عطائه خمسة آلاف فاذا خرج عطائه فرقه و اكل من كسب يده وكان يسف الخوص(5).

عاش ثلثماة و خمسين سنة ، يقال انه ادرك عيسى بن مريم و قرأ الكتابين(6).

والظاهر ان المؤلف (صاحب تفسير نوين) اعتمد في ما ذكره من اصحاب الصفة بالنسبة الى هؤلاء من اكابر الصحابة الى الروايات الواردة في تفسير قوله تعالى ﴿ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة﴾(7)، وقوله تعالى ﴿واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة﴾(8)، وطبّق برايه و نظره هذه الروايات الضعيفة على اصحاب الصفة ، مع أنّه لم يذكر ذلك احد من المفسرين من الفريقين فيما رايناه مضافاً الى ما مر من ضعفها من جهات شتى فراجع(9).

هذه نبذة من عثرات هذا المؤلف في ذكره اصحاب الصفة.

وبالجملة ففيما ذكره لنا فيه مناقشات نذكرها فيما يلي.

1 - ان القرآن حيث انه كتاب هداية لعموم البشر الى يوم القيامة فهذه الجهة قرينة على ان الخطاب فيه مفرداً او جمعاً يتوجه الى العموم سواء كان في اوائل السور او في

ص: 194


1- السيرة النبوية ج 1 ص 303.
2- اسدالغابة ، ج 2 ص 330
3- ج 1 ص 221
4- اسد الغابة ج 2 ص 330
5- اسد الغابة : ج 2 ص 331
6- اسد الغابة : ج 2 ص 332
7- الانعام 52
8- الكهف 28
9- ص 138 - 144

اواخرها او في اواسطها كقوله تعالى ﴿الم تر كيف فعل ربك باصحاب الفيل﴾(1)، وقوله تعالى ﴿الم تر الى ربك كيف مد الظل﴾(2)، ﴿واولى لك فاولى ثم اولى لك فاولى﴾(3)، وقوله تعالى ﴿قد افلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى بل تؤثرون الحياة الدنيا﴾(4).

فالخطاب في القرآن نظير الخطاب في الكتب المؤلفة يتوجه الى القراء ، الا اذا دل دليل خاص على الاختصاص فلابد من اتباع هذا الدليل الى مورده الخاص كقوله تعالى ﴿الم نشرح لك صدرك﴾(5)، ﴿انا اعطيانك الكوثر﴾(6)، والا فالعموم اوفق و انسب فيخاطب به كل من يقرأ او يسمع او يبلغه.

2 - كون الخطاب في مورد او موارد خاصة الى شخصه صلى الله عليه وآله ليس دليلاً ولا قرينة يتكئ عليها في محل آخر لصرف الخطاب اليه مع عدم الدليل فيه بالخصوص فان كل قرينة كلامية تتبع في موردها لا في مورد آخر فانه اشبه بالقياس والتفسير بالرأي.

3 - تفسير القرآن بعضه ببعض ليس معناه قیاس بعضه ببعض ولا سيما اذا كان

القياس بالعقول الناقصة من جهة بعض التشابه بينها او مع الفارق البين بل معناه تبيين بعض الآيات بعضاً آخر وكشف الستر عنها ، ولا يمكن ذلك الا مع احراز وحدة الموضوع من جميع الجهات ، مثلاً في آية تقول ﴿وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة﴾(7)، حيث يتوهم منها الابصار بالعين فتفسرها آية اخرى حيث تقول ﴿لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير﴾(8)، الى غير ذلك من الموارد المتشابهة ذكرها في الميزان وغيره في غيره.

والعجب من المؤلف (صاحب تفسير نوين) الذي يستحسن الاساس التفسيري

ص: 195


1- سورة الفيل
2- الفرقان 45
3- القيامة 35
4- الاعلى 16
5- انشراح 1.
6- الكوثر 1
7- القيامة 23
8- الانعام ، 103

الذي بنى عليه سيدنا الاستاد العلامه الطباطبائي في تفسيره حيث لم يراجعه في تفسير سورة عبس ليرى أنه لم يرتكب ما ارتكبه ولم يؤيد نزولها في شأن النبى صلى الله علیه وآله وسلّم بل قال ان هذه الآيات غير ظاهرة على انها في شأن النبي ص بعين ما اختاره السيد المرتضى واستدل عليه بادلة كثيرة وقد نقلنا عبارته فيما سبق فراجع.

4 - ان جملة من الخطابات في القرآن لا يمكن ان يتوجه الى النبي صلى الله عليه وآله بوجه من الوجوه وهي ليس بقليل كقوله تعالى ﴿اولى لك فاولى ثم اولى فاولی﴾(1)والذي يبعد ذلك فيه كقوله تعالى ﴿الم تر كيف فعل ربك باصحاب الفيل﴾(2)، لعدم جهة اختصاص له ص فيه الى غير ذلك من الموارد التي ذكرنا بعضها فيما سبق(3).

5 - ما ذكره من ان الخطاب الى النبي ص في موارد العتاب ولو كان فاعله غيره فيه تشريف للنبي صكلام تخيلي شعري ، فاي تشريف للعتاب على النبي ص فيما فعله غيره من المحرمات او غير المحرمات ممّا لا يرتضيه الاسلام ، فعلى قول هذا المؤلف لابد ان نحمل الخطاب في هذه الموارد الى النبي صلى الله عليه وآله تشريفاً له (العياذ بالله) ﴿يا ايها الانسان ما غرّك بربك الكريم﴾(4)، ﴿بل تكذبون بالدين و انّ عليكم لحافظين كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون﴾(5)، ﴿افنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون ام لكم كتاب فيه تدرسون ان لكم فيه لما تخيرون ام لكم ايمان علينا بالغة الى يوم القيامة ان لكم لما تحكمون﴾(6)، ﴿إمنتم من في السماء ان يخسف بكم الارض فاذا هي تمور﴾(7)، ﴿انا كاشفوا العذاب قليلاً انكم عائدون﴾(8)، الى غير ذلك من الموارد.

6 - قد ذكرنا سابقاً أنه ليس الابتداء في سورة عبس بالخطاب بل بالغيبة ثم

ص: 196


1- القيامة 35
2- الفيل
3- ص 101
4- الانفطار 6
5- الانفطار 12
6- القلم 39
7- الملك 6
8- الدخان 15

الالتفات منها الى الخطاب ، وحيث أنه من المعلوم وحدة المرجع في كليهما فلابد من الفحص اولاً من مرجع الضمير الغائب في قوله ﴿عبس﴾ و﴿تولى﴾ و ﴿ان جائه الاعمى﴾ فاذا تبين هذا الغائب الذي هو مرجع هذا الغائب الذي هو مرجع تلك الضمائر فيتبين المخاطب الذي التفت من الغيبة اليه فليس هنا خطاب ابتدائي ليقال انه لابد وان يكون متوجهاً الى شخص النبي صلى الله عليه وآله.

فمَن هذا الغائب الذي ذمّه القرآن ثم بعد اشتداد الغضب و العتاب عليه صوّره لنا بصورة الخطاب لارائه اشتداد السخط عليه و لياقته بالاهانة عليه بنحو الخطاب من دون ستر و حجاب...

وقد بيننا ذلك مفصلاً في اوائل الكتاب فراجع.

7 - ما ذكره عن الشيخ الطوسي قدس سره لابد أن يعد من الاعاجيب حيث قال عنه (ويحتمل ان الشيخ الطوسي قدّس سرّه توجه الى هذا المطلب في هذه السورة حيث قال قبل قوله ﴿وما يدريك﴾ ان التقدير قل يا محمد ، يعني لابد ان يقدر ذلك قبله ليتوجه الخطاب الى شخص النبي(صلی الله علیه و آله و سلم).

وما ادري كيف يستصلح منه ذالك ، فهل يمكن بعد هذا التقدير ان يتوجه كاف الخطاب في (وما يدريك) الى شخص النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، بان يكون التقدير هكذا(قل يا محمد وما يدريك يا محمد) ، بحيث لم يكن الخطاب ممكنا بدون هذا التقدير ، فاضطر الشيخ اليه ، وهل اشبته الأمر على هذا المؤلف (صاحب تفسير نوين) بهذا الحد ولم يكن يقدران يفهم او اراد شيئاً آخر (نعوذ بالله). فما التفت الى ان الشيخ الذي يرى ان الآيات العتابية نازلة في رجل آخر غير النبي ص ويكون النبي ص واسطة في ابلاغ تلك الآيات الى هذا الرجل ، فانشاء الخطاب الى ذلك الرجل حين نزول الوحي غير ممكن عند الشيخ الا بتقدير (قل يا محمد ، وما يدريك ايها الرجل العابس في وجه الاعمى فلعله يتزكي) ، فعليه فليس كاف الخطاب عند الشيخ متوجّهاً الى شخص النبي صلى الله عليه وآله بل الامر بالعكس وان النبي مامور بان يخاطب الرجل العابس بالعتاب عليه من الله سبحانه. فما ذكره هذا المؤلف في توجيه كلام الشيخ جهلاً او تجاهلاً من قبيل الجمع بين المتضادين فان فاعل الخطاب لا يمكن ان يكون مخاطباً بل هما متغايران.

ص: 197

«...5 - (وخلاصته) ان من اعظم آثار الاسلام العجيبة التي يمكن ان يعد من معجزاته تغييره القيم الاجتماعية و اوزانها ، فهو في مدته القليلة في محيط الجهل والفساد رفع عن المجتمع المميّزات القوميّة واسقطها ، وجعل الكرامة للعلم والايمان والتقوى بحيث لو امعنا النظر في زماننا في المجامع البشرية مع ترقياته العجيبة ، انه لم ترتفع تلك المميزات بين الابيض والاسود حتى في مثل امريكا و اوجب ذلك غائلة الحروب الكثيرة بينهما ، او الحرب بين الحزب النازية ومن يقابلهم من الطوائف ، اليهود وغيرهم في المانيا (الجرمن) فهم مع رقيهم في العلوم لم يقدروا على تغيير هذه الخرافات الجاهلية عن مجتمعهم فعند ذلك نقدر أن ندرك عظمة الاسلام في تربيته المجتمع و ازالة تلك الخرافات عنهم.

لكن النبي صلى الله عليه وآله كان مأموراً بالظاهر وان يسير في رسالته بنحو متعارف ففي حروبه كان يجد في تهيئة اسبابها من العِدّة و العُدّة ، ولم يكن يهمل شيئاً منها وهكذا في سائر أموره ياخذ الاسباب الظاهرية.

فلهذا كان حينما رأى ضعفاً في الاسلام والمسلمين يتحمل المشقة لأن يلحق الاشراف و الاغنياء بالاسلام لتقويته و جبران ضعفه ولأن يأمن المسلمون من ظلمهم و اذاهم و ضغطهم.

لكن الاشكال الذي ينشأ هيهنا أنه يمكن أن يصير عمله هذا منشأ لسوء الظن ولو كان صغيراً ولحسّاسيّة الموقف وخطراته لا يمكن ان يصون فيه الا بلطف و عناية من الله سبحانه بان يحفظه و يعصمه.

ولذا ينقل الشيخ الطبرسي في ذيل هذه الآية ﴿فاستقم كما امرت﴾ عن ابن عباس انه لم ينزل عليه ما هو اشد و اصعب من هذه الآية و لذا حينما قيل له ص ما اسرع شيبك قال(صلی الله علیه و آله و سلم)شيبتني سورة هود و واقعة.

ففي هذا الموقف الحساس كان ربّه الرحيم يحافظ و يراقب نبيه وحيببه فحيث يرى ان ما يوجب اتعاب نفسه غير مؤثر فينبهه ويمنعه عنه كقضية حرث بن نوفل وكلّما يرى أنّ ما يعرضه المشركون عليه يكون تحته خدعة ومكر فيعلمه كما في آية 52 من سورة الانعام ﴿ولا تطرد الذين ...﴾ حيث اتاه جبرئيل واعلمه بان ما عرضه المشركون

ص: 198

عليه من طرد الفقراء حتى يؤمن به هؤلاء انما هو لان يطرد عن نفسه هؤلاء و هم لا يؤمنون بعده.

ففي مورد البحث (من سورة عبس) ما فعله من العبوس على الفقير و اقباله و تصديه للاشراف في قبال اعمى لا يرى شيئاً لينكسر قلبه - فهذا الفعل لو صدر من غيره لم يكن به بأس، لكنه شخص يؤسس مكتباً جديداً ويريد ان يغير القيم و الاوزان الاجتماعية و يقدّم اهل الايمان والتقوى ولو كان فقيراً ويعلن كرامتهم على غيرهم ويحطّ الجهال وغير المومن و يخفض اوزانهم ولو كانوا من الاشراف و الاغنياء ويسقطهم عن درجة الاعتبار في الانظار. فهذه المعاملة مع الاعمى يمكن أن تصير وسيلة بايدي المترصدين لتحقير الفقراء وتجليل الاغنياء المشركين الكافرين، لكن الله اسقط هذا المستمسك عن ايديهم و عاتب به نبيه ص لاعلان عظمة المؤمن المسترشد ولتعيين مسير نبيه ولاسقاط عظمة المشركين عن اعين الناس.

فلو كان هذه العتابات متوجهاً الى غير النبي صلّى الله عليه وآله لم تحصل تلك الفوائد على ان هذا العتاب يدلّ على قداسة النبي ص كما قدمنا ذلك حيث يدل على أن اعظم ذنب صدر منه هو امثال هذا ، فلو صدر منه اعظم منه لذكره في القرآن مع انه لم يكن فيه شيء من امثاله.

(ثم يذكر ما لم افهم تناسبه و ارتباطه وما هو مراده فيقول):

ان المعاتب عليه لو كان له ذنب معتنى به اكبر من ذلك للزم ان يعاتب عليه ايضاً مع أنه لم يذكر في جميع القرآن لهذا الصحابي الاموي شيء.

فلو قيل ان هنا عوتب عليه لاهانته المؤمن ، ولحفظ حرمة المؤمن وكرامته ، لقلنا أنهم قتلوا المؤمنين في صدر الاسلام فلماذا لم يعاتب عليهم خطاباً، بل وحتى من اهان النبى(صلی الله علیه و آله و سلم)وضربه لم يرد عليه خطاب ، حتى ان ابا جهل حينما غضب شديداً على النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)بأنّه لم يعتن بالهتنا ولا يسجد لها فلو اعاد وعبد الله وحده وصلّى لأضغط عنقه برجلي حتى يقطع نفسه ، فالله سبحانه يذكره و وقاحته و يهدده بالعذاب لكنه بضمير الغيبة و يجعل المخاطب نبيه ص - ارايت الذي ينهى عبداً اذا صلى - وسيجيء حديثه في سورة العلق انشاء الله.

ص: 199

فهذا ما كان ذكره ضرورياً بنظرنا لحفظ الآيات الكريمة عن التكلف في تأويلها و بهذا النحو تتحفّظ الفوائد والنتائج الكثيرة للآيات العتابية...».

اقول: والجواب عنه اولاً: ان ما ذكره من سرعة نفوذ الاسلام في تغيير آثار الجاهلية الى ارقى مجتمع متمدن فاضل راق ورفضه الحميات القومية و تبديلها بصفات حميدة انسانية و اخوة و ايثار و ... وان كل ذلك كان بالاسباب الطبيعية و الاخذ بالطرق العادية التربوية الظاهرية و ... انما كان جميع ما ذكره من الرسول الطاهر المطهر الكريم المنتخب المنتجب المصطفى الذي اختاره من جميع البشر حيث علم الله تعالى انه لم تكن فيه نقطة سوداء وعلم انه لايق لان يصطفيه للرسالة الالهية و يجعله اسوة حسنة لمن کان يرجو الله واليوم الآخر ، فكان بما فيه من الكمال والطهارة والقداسة معصوماً مطهراً من كل انحراف ، كما انه كان متصلاً بعصمة الله ومؤيداً من عند الله كان محفوظاً معصوماً من كل زلّة و عثرة ، فلم يكن يمشي في حالة وآن من الآنات خالياً عما ذكرناه حتى يعثر ويزل قدمه وحتى يعاتب عليه ، ثم ينسد عنه بعد ذالك باب الاعتراض عنه بهذا العتاب ليكون العتاب سداً يسدّ به هذه الثلمة الواقعة بما فعله سهواً أو غفلة او جهلاً (العياذ بالله) بل كان صلّى الله عليه وآله في رسالته التشريعية مظهراً للنظام الاكمل الاتم ومجلى اسماء الله الحسنى وصفاته العليا وكان بالمؤمنين رؤفاً رحيماً من غير فتور و قصور و عثور ومن غير زلة و غفلة ، فكلما كان موقفه حساساً خطيراً فلم يكن يضره لنورانيته وكماله الذاتية وان الله تعالى ينصره وكان فضل الله عليه عظيماً و الله سبحانه كان معه ولن يفارقه ليزل قدمه حتى يعاتب عليه.

فكما نحاسب حساسية الموقف وسيره ومسيره فيما بين الاوضاع الطبيعية فكذلك لابد ان نحاسب بنيانه القوي اللايق بذلك المصدّق من الله تعالى وان نحاسب نصرة الله لرسوله و حبیبه و نجیبه و عصمته و حفظه.

وثانياً: ما استعان به لتأييد كلامه بآية 52 من سورة الانعام ﴿ولا تطرد﴾ قد مضى تفسيرها وشرحها وجواب ذلك مفصلاً فراجع(1).

ص: 200


1- ص139

وثالثاً: ان ما ذكره من ان الاموي المعاتب عليه لو كان له ذنب اكبر منه لعوتب عليه مع أنه ليس في القرآن من ذلك اثر ... ففيه مضافاً الى وهن هذا الكلام و وهن منطقه انه كلام خال عن التحقيق ، فان الامويين قد عوتبوا في القرآن ببيانات متفاوتة ولعنت شجرتهم الخبيثة وحذر الله المسلمين من حكومتهم وتسلّطهم على المسلمين بافصح لسان وابلغ بيان في سورة الاسراء في آيات عديدة و وصفوا بالفتنة وتعقبت بذكر ابليس و دسایسه و وساوسه ، واليك ذكر تلك الآيات:

قال الله تعالى ﴿واذ قلنا لك ان ربّك احاط بالناس وما جعلنا الرؤيا التي اريناك الا فتنة للنّاس والشّجره الملعونة في القرآن ونخوّفهم فما يزيدهم الا طغياناً كبيراً -60- واذ قلنا للملئكة اسجدوا لادم فسجدوا الا ابليس قال اءسجد لمن خلقت طيناً -61- قال ارايتك هذا الذي كرّمت عليّ لئن آخرتن الى يوم القيمة لا حتنكنّ ذرّيته الاً قليلاً -62- قال اذهب فمن تبعك منهم فان جهنّم جزائكم جزائاً موفوراً -63-﴾(1)

فالامويون ، هم الشجرة الملعونة في القرآن باتفاق روايات الفريقين ، و هم الذين حذر الله المسلمين فتنتهم فما زادهم الأطغياناً كبيراً على المسلمين ، وهم مظهر ابليس في عداوته على آدم و ذريته و حسده على من كرمه الله من ذرية آدم على ابليس و الابالسة وهم الذين لم يخضعوا للانسانية بل تكبروا و حسدوا على من اصطفاه الله للرسالة وعلى ذريته الذين هم ائمة الرسالة في استدامتها ، فاخذوا جدّهم و اجتهادهم في ضغط الاسلام و المسلمين والطغيان على المؤمنين بعد ان اخذوا من المترفين اعواناً و انصاراً فهجموا على القرآن و الاسلام و المسلمين المؤمنين في مدة الف شهر من ملكهم كما اشار الله سبحانه اليه في سورة القدر .

ففي سورة عبس عاتب علي صحابي اموي من الشجرة الملعونة في القرآن ، ونبه المسلمين على طويات روحياتهم وصفاتهم في العبوس على المؤمن المسترشد الفقير الاعمى، و التولّي عنه و الاقبال على ذوي الجاه والثروة من المشركين و الكفار ، فبهذا

ص: 201


1- سورة الاسراء.

عرقهم الله للمسلمين بل جميع الناس ليعلموا ان الاسلام و نبي الاسلام و رسول الحق و الحقيقة وصاحب الدعوة القرآنية و قرانه و دعوته مرفوعة مكرمة مطهرة عن جميع ذلك ، لئلا يصير هذا الصحابي الاموي او من هو اسمه عثمان بن عفان وصفاته يحكي عن صفات شجرته وعشيرته ، صدا و سداً في سبيل الدعوة الاسلامية.

فلو ساعدهم الدهر الخائن و ابناء الدنيا على حكومتهم على الاسلام والمسلمين في مدة الف شهر ، لعلم اهل الحق حقيقة الامروانهم منحرفون عن الاسلام والقرآن ولا يساعدهم القرآن و الاسلام على حكومتهم و مشيهم و سيرتهم ، ليمشي القرآن و الدعوه الاسلامية بين الناس الى يوم القيامة طليقاً مطهراً مكرّماً مرفوعاً عن قذارات الشجرة الملعونة.

فما ذكره هذا المؤلف (صاحب تفسير نوين) من انه لم يذكر في القرآن لهذا الصحابي الاموي ذنب في غير محله ، وما ادري ما الذي كان داعياً لهذا المؤلّف في الدفاع الاكيد الشديد الطويل عن الاموميين و الشجرة الملعونة في القرآن و تحريف عتاب القرآن عنهم الى النبي الكريم الطاهر المصطفى صلى الله عليه وآله و سلم مع وجود تصريحات في القران و اقوال رسول الله صلى الله عليه وآله من تجانبهم عن الاسلام و صراطه المستقيم ومع ذلك حرصهم على حيازة الحكومة الاسلامية و مناصب رياستها و تقديم انفسهم في الدعوه الاسلامية واخذها بايديهم مع انحرافهم عنها علماً و عملاً و خُلقاً و خَلقاً و منطقاً مع ان الله سبحانه وتعالى قال ﴿- كلاً - أنّها تذكرة .. بايدي سفرة كرام بررة ... قتل الانسان ما اكفره﴾.

ورابعاً ان ما اصر به في مواضع من كلماته من ان الله سبحانه لم يواجه الخطاب في القرآن الى المشركين و الكفار والمنافقين و اعداء النبي صلى الله عليه وآله فقد مرّ جوابه مراراً و انه كلام شعري خيالي خال عن التحقيق ، وقد سبق في نقضه ذكر آيات كثيرة في الخطاب اليهم ، حتى أنه سبحانه في سورة البرائة عنهم يخاطبهم بقوله تعالى ﴿فسيحوا في الارض اربعة اشهر واعلموا انكم غير معجزي الله وانّ الله مخزى الكافرين ... فان تبتم فهو خير لكم و ان توليتم فاعلموا انكم غير معجزي الله ...﴾(1).

ص: 202


1- سورة التوبة 2 - 3.

والخطاب في القرآن الى المشركين و الكفّار غير قليل فراجع و تدبّر فيها

وخامساً: انّ ما ذكره اخيراً من ذلك ماكان بنظره ضرورياً في حفظ الآيات عن التكلف في التأويل - فهذا من العجائب بعد ان تكلّف فى طى عشرين صفحة من صفحات كتابه في تأويل آيات السورة ليحمل العتابات فيها على النبي الاعظم الخاتم صلى الله عليه و اله و به يبرء الاموتين عموماً و عثمان بن عقان خصوصاً عن تلك العتابات و التوبيخات و كان كلّ ذلك تأويلات مع التكلّف عن ظواهر الآيات الى ما يريد من تفسيرها بأرائه و يحرّف الكلم عن مواضعه من غير سند من ظهور آیات او روایات عمن يعوّل باقوالهم من المعصومين عليهم السّلام، بل كان جميع ما لفقه اعتماداً برأيه في تفسير القران و استناداً الى ما ينتهى الى روايات موضوعة مختلقة باسناد ضعيفة مما اشرنا الى بعض ما فيها من آثار وضعها و ضعفها سابقاً فراجع ص 42 و ما بعدها.

مع أنه لم يذكر المخبر عنه في السورة بل بصفاته التي لا يناسب صفات النبي صلى الله عليه و اله بل يناسب صفات عثمان بن عفان و صفات عشيرته و شجرته ، و قد مرّ بيان ذلك ايضاً فراجع(1).

والعجب منه أنه بعد ذلك يقول - وبهذا يحفظ الفوائد و النتائج الكثيرة للآيات العتابية - فما نسجه و لفقه مما يرجع الى التوهين على قداسة صاحب الرسالة الخاتمية يسمّيه بالفوائد فسبحان ربك ربّ العزّة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

ص: 203


1- ص 86 الى ص 93.

کلام صاحب (قاموس (القرآن) و الجواب عنه:

وممن حمل العتاب من هذه السورة (سورة عبس) على عاتق النبى الخاتم صلى الله عليه و اله و سلّم صاحب (قاموس قرآن) من العلماء المعاصرين.

وانى وان لم اعرف شخصه لكن اعجبنى كتابه هذا في نظمه و تنسيقه و آثار الفضل و التحقيق والتفسير و خلوص نيّته فى ذات الله تعالى وحبّه القران و التدبر فى آياته فجزاه الله سبحانه عن الاسلام والمسلمين خيرا.

هذا ولكن (النار قد يخبوا و الجواد قد يكبو) فعثر هنا و زلّ قلمه حيث حمل العتاب من هذه السورة على كاهل افضل ولد آدم سید الانبياء و افضل السفراء و الرسل و خاتمهم محمد صلى الله عليه واله وسلم في موضعين من كتابه.

الموضع الأول في (عبس)

فنقل كلام مجمع البيان ناقصاً من دون نقله لما اختاره و ارتضاه و ادلته ، ثم ذكر ان اهل السنة و احاديثهم و تفاسيرهم متفقة على ان العتاب في تلك الآيات كان بالنسبة الى الرسول صلى الله عليه واله ، ثم ذكر كلام السيد المرتضى ثم كلام على بن ابراهيم ثم كلام المحدّث الفيض فى الصافي قدس الله اسرارهم ، ثم قال:

يقول المؤلف - اولاً - ان دقة النظر تقضى بان المخاطب هو شخصه(صلی الله علیه و آله و سلم)ففى عين حكاية الآيات عن ملامته ص تحكى عن مسئوليته العظيمة ، و ان وجه الكلام مع من يجب عليه حين ارشاده الناس و قبولهم منه و ان يتساوى الناس في نظره ﴿كلاً أنّها تذكرة فمن شاء ذكره﴾ فتأمل فيها مرة ثانية.

وثانياً ان ما رواه في المجمع و البرهان و الصافي و غيرها عن الامام الصادق عليه

ص: 204

السلام مرسلة من غير سند ، و فى المجمع لفظه (روى) و في البرهان لفظه (على بن ابراهيم قال نزلت في عثمان) ولذا لا يتيسر معها التصرف في ظهور الآيات.

وثالثاً - في كثير من الآيات خاطبه ص بلحن اشد من ذلك مثل ﴿لا تجعل مع الله الهاً آخر فتلقى في جهنم ملوماً مدحوراً﴾(1)، ﴿ولئن اتبعت اهوائهم من بعد ما جائك من العلم انك اذاً لمن الظالمين﴾(2)، ﴿ولو تقول علينا بعض الاقاويل لاخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين﴾(3).

والله اعلم والفرق بين هذه الآيات وما في (عبس) ان هذه الآيات مشروطة بما لم يقع ولكن في (عبس) يخبر عن امر تحقق في الخارج.

والطبرسي المرحوم في جوامع الجامع نقل القول المشهور ولم يشر إلى كلام السيد المرتضى على ان هذه الآيات نزلت في اول الرسالة ، و مصونيته من كل ما لا يصلح انما هي بسبب هذه الآيات و نظائرها.

ومن جهة اخرى لم يكن له في ذلك خاطرة سوء بل كان بنفع الدين الا ان تلك الآيات نبهه على شدّة مراقبة الله تعالى له.

وفي (سفر) ذيل آية ﴿بايدي سفرة﴾ توضيحات تناسب المطلب(4).

وما ذكره هذا المؤلف (وفقه الله للاصلاح) لا يزيد عماذکره صاحب تفسیر نوین ومن سبق ذكرهم ، وقد وقفنا عند كل واحدة من ادلتهم و زلاتهم موقف تحقیق و جواب على اختصار فراجع شطراً شطراً.

ولكن نكتفي هنا بما كتبناه على هامش كتابه في هذا المقام - قلنا -

بل دقة النظر في الآيات تقضي بان العتاب فيها في حق غيره صلى الله عليه وآله وهو الذي عرض نفسه فضولة قبال ابن ام مکتوم و اجابه عوضاً عن النبي صلّى الله عليه وآله وعبس في وجهه وذلك.

اما اولاً فان الضمائر تكون في الابتداء بشكل الغيبة وبعدما التفت عن الغيبة الى

ص: 205


1- الاسراء 39
2- البقرة 145
3- الحاقة 46،44
4- (قاموس قرآن) ج 4 ص 285 ص 288).

الخطاب - ينفي المسؤولية عن المخاطب ﴿وما عليك الا يزّكى﴾ (مع أنه ص المبعوث من الله سبحانه للتزكية ﴿هو الذي بعث في الاميين رسولاً منهم يتلوا عليهم آياته ویزگیهم﴾(1).

وثانياً في الجملات التي بعد (كلا) جعل مسؤولية التبليغ و التذكير بايدي السفرة الكرام البررة ، وان القرآن و تبليغه بايدي السفرة ، وذلك تثبت وتظهر ان ما قبل (كلا) خرج عن مجراه الصحيح فيما عومل مع الاعمى (أي لم يكن بايدي السفرة الكرام البررة) و الا فالقرآن و تبلیغ الاسلام و تذكرته الذي على رفعة من الشأن و الطهارة مرفوعة مطهرة جعل من الله سبحانه بايدي السفرة الكرام البررة ، الذين يعاملون مع من يسعى و هو يخشى بالبر و الاحسان و الاكرام - ﴿كلاً انّها تذكرة فمن شاء ذكره في صحف مكرّمة مرفوعة مطهرة بايدي سفرة كرام بررة﴾ ، ولفظ ( كلا ) يردع عمّا قبله مما لم يكن ينبغي ان يتحقق ويوضح فيما بعده ، عما ينبغي من الاسلوب الصحيح بحيث لو جرت هذه الواقعة على هذا النحو لم يكن يصدر الخلاف المعاتب عليه.

وثالثاً حسب التتبع الذي وفقنا الله سبحانه له لم يذهب احد من أكابر مفسّري الشيعة بل ولا من غير اكابرهم الى هذا القول بل كلّهم ممن يبرّؤن النبي صلّى الله عليه وآله عنه و يذكرون لذلك ادلّة قاطعة.

ورابعاً التفرقة بين الغني و بين الاعمى الفقير في الاقبال و التصدّي على الغني و الاعراض و التولّي عن الاعمى الفقير و العبوس عليه امر قبيح يستقبح من عالم مبلغ اسلامي متعارف فكيف يستصلح مع مقام الطهارة و العصمة و الرسالة الالهية الخاتمية التي هي افضل مراتب الرسالة بحيث تستدعى صفات وملكات ارقى من جميع الانبياء و المرسلين ، مع ان نوحاً النبي على نبينا وآله وعليه افضل الصلوات ، اذ لاومه قومه وقالوا: ﴿وما نراك اتبعك الا الذين هم اراذلنا بادي الرأي﴾(2)، اجابهم عليه السلام بقوله ﴿وما انا بطارد الذين آمنوا انّهم ملاقوا ربِّهم ولكني اريكم قوماً تجهلون﴾(3)،

ص: 206


1- الجمعة 2
2- هود 27
3- هود 29

فكيف بخاتم الانبياء وافضلهم واكملهم صلوات الله عليهم اجمعين.

سال الاف وخامساً هناك آيات كثيره لا يسع المقام لذكرها كلها تنافي ما ذكره من مواجهة العتاب اليه صلى الله عليه وآله مثل ﴿اشداء على الكفار رحماء بينهم﴾(1)،﴿عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنین رؤف رحیم﴾(2)، وهذه هي سيرته و اوصافه الثابتة الغير المتغيرة التي حكاها الله عنه وقد علم الله ذلك فيه و راه حقاً بنحو لا يشوبه ما يضاده .

وسادساً : ما ذكره هذا المؤلف من الآيات التي بزعمه يواجهه(صلی الله علیه و آله و سلم)بلحن اشدّ فقد ذكر هو بنفسه جوابها وانها كانت مشروطة و معلّقة بشروط لم يتحقق و بامور لم يقع فلا تفيد الأحسّاسية موقفه الخطير ، واما مافي آيات - عبس - فهو عتاب شديد على امور واقعة فلا يمكن ان يتحمّله ص ولا ان يلصق بذيله غباره مع عصمته و طهارته و صفاته العليا التي مدحه الله سبحانه عليها.

وسابعاً ذكر اكابر مشايخ الشيعة العارفون بالمذهب و انظار ائمتهم عليهم السلام أنها في - عثمان - في رجل من بني امية - واما الروايات التي في كتب اهل السنة فهي ظاهرة الضعف و الوضع و التضاد ، وقد مرّ شطر من الكلام في ذلك فراجع .

هذا ما ذكرناه في حاشية كتابه مع تغيير يسير و تعريبه و تفصيل الجواب ما سبق.

الموضع الثاني في (سفر) فبعد أن ذكر - سفر - بالكسر بمعنى الكتاب وجمعه - اسفار - ثم ذكر - سفير - بمعنى الرسول و الوكيل و جمعه - سفراء - ثم ذكر - سافر - بمعنى الكاتب و جمعه - سفرة - ومثل له بقوله تعالى ﴿بايدي سفرة﴾ ثم بعد سطور قال:

المراد من - سفرة كرام بررة - الكتاب المحترم المطاع - من هم - وما الصحف قالوا المراد الملئكة الكاتبون حيث جاء ﴿وان عليكم لحافظين كراماً كاتبين﴾ (3)وايضاً قالوا- سفراء الوحى و الانبياء.

وايضاً عن قتادة ، أنهم قارؤا القران الذين يقرؤنه و يكتبونه.

ص: 207


1- الفتح 29
2- التوبة 128
3- انفطار 10 و 11

وهكذا بالنسبة الى الصحف ، قالوا - المراد منه اللوح المحفوظ - ويمكن تأييده بآية ﴿انه لقرآن كريم في كتاب مكنون﴾(1).

وايضاً قالوا: المراد منه كتب الانبياء الماضين - ويمكن ايضاً ان يستشهد له بآيات تبين ان هذا القرآن كان في صحف الانبياء مثل ﴿انّ هذا لفي الصحف الاولى صحف ابراهيم وموسى﴾(2)، ونحو ﴿وانه لتنزيل ربّ العالمين ، نزل به الروح الامین ، علی قلبك لتكون من المنذرين ، بلسان عربي مبين، وأنّه لفي زبر الاولين﴾(3)، ولا يبعد ان تكون الصحف من الكتب التي كانوا يكتبون القرآن فيها حيث كان بالطبع طاهراً مكرماً محترماً.

وهنا احتمال آخر بان يراد من الصحف القلوب ومن السفرة المفسرون وكتاب القرآن - توضيحه انه جاء بالنسبة الى القرآن ﴿وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطّه بيمينك اذاً لارتاب المبطلون بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا الا الظالمون﴾(4)، هذه الآية صريحة في ان القرآن في القلوب و مكتوبة فيها فالقلوب صحف مخصوصة وفي موضع آخر جاء ﴿كتب في قلوبهم الايمان﴾(5)، فالقلوب صحف كتابة القرآن.

فالقلوب المكتوبة فيها القرآن محترمة مكرمة - مرفوعة مطهرة - في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة - و اتيان الصحف منكرة - يويد هذا القول.

بايدي من كتب و يكتب القرآن في هذه القلوب ؟ بايدي كتاب مكرم مطاع.

و ليتأمل في متعلّق الباء في بايدي سفرة وانه ماذا ، فيمكن كونه - مرفوعة - او مكتوبة - وكون الباء للسببية ، يعني ان الآيات القرآنية تذكرة ، فمن شاء ذكره و تعلم و هذه التذكرة في قلوب مكرمة مرفوعة مطهرة ، بايدي كتاب محترم مطيع كتبت فيها و هم الذين استداموا بكتابة القرآن و قرائته و تفهيمه على طول القرون وحيث ان الكتابة في

ص: 208


1- الواقعة: 77، 78
2- اعلی ، 18 و 19
3- الشعراء 192 ، 196
4- العنكوت 48 و 49
5- المجادلة 22

القلوب بسبب القرائة و امثالها متيسرة فلذا (بايديى سفرة) يشمل جميع طرق التفهيم كتابة او قرائة او غيرهما.

وفي تفسير البرهان عن الصادق عليه السلام ان (سفرة كرام بررة) هم الائمة عليهم السلام.

ولهم عليهم السلام في تفهيم القرآن وكتابته في القلوب حظ كثير.

فيالها كما ان اميرالمؤمنين عليه السلام كتب القرآن جديداً في محل واحد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله و الروايات عن اهل البيت عليهم السلام في الترغيب بتعلم القرآن فوق الحدّ كما في الكافي و الوسائل.

والاحتمال السابق اكثر ما يقوّيه انما هو من جهة ان اوائل آيات السورة تقول للرسول صلى الله عليه وآله لماذا تعتني بالاغنياء ومن لا يعتني بالقرآن وتعبس وجها وتعرض عمّن يريد ان يتزكى بالقرآن ، فلا تصنع هكذا ، فان القرآن تذكرة ، فمن شاء ذكره كائناً من كان.

قال المفسرون جاء جماعة من ذوي الثروة و الجاه من اهل مكة عنده صلى الله عليه وآله وهو يكلمهم بابتهاج لعلهم يؤمنون فيوجب تقوية الاسلام ، اذ جائه ابن ام مكتوم المسلم الاعمى يريد أن يتعلم القرآن منه(صلی الله علیه و آله و سلم)فعبس في وجهه لئلا يتنفروا عنه فلا يسلمون فنزلت هذه الآيات في منعه عن هذا الفعل.

فمن هذا يفهم أنه صلى الله عليه وآله بالنسبة الى نشر الاسلام كان خائفاً فيريد ان يجذبهم الى الاسلام لنشره فقال الله لتسلية قلبه الشريف ، ان الجميع بالنسبة الى القرآن على حد سواء. على ان القرآن حيث يكتب فى القلوب الطاهرة بايدي كتاب مكرم فلا يمحو بل يتزايد نشراً فكن على منهج سواء بالنسبة الى الجميع قوياً كان او ضعيفاً في مقام ترويج القرآن(1).

وقد كتبنا هنا حاشيتين احدهما على بيانه من حيث اللغة على كلمة (سفر) و

ص: 209


1- قاموس قرآن ج3 ص272 الی ص275

ثانيهما على بيانه من حيث التفسير.

ففي الأولى قلنا - ان بيان المتن يوهم ان (سفرة) تقع جمع (سافر) بمعنى الكاتب فقط، وليس كذلك ، بل يمكن ان تكون جمع (سفير) ويمكن كونه جمع (سافر) بمعنى السفير و الرسول ايضاً كما يظهر من مجمع البيان و مجمع البحرين و التبيان و مصباح المنير و البيضاوي ، ولعلّ كلام المتن كان متكياً على كلام الراغب في مفرداته مع انه ايضاً آخر كلامه ذكر ما يوافق ما ذكرناه و هذه عبارته - فالرسول و الملئكة والكتب مشتركة في كونها سافرة عن القوم ما استبهم عليهم(1).

فعلى هذا فبحسب اللغة يمكن أن تكون (سفرة) بمعنى السفراء اي الرسل واما من حيث التفسير القرآني فلابد من الاستفادة من سياق الآيات و ظواهرها و القرائن و الروايات كما سيأتي توضيحه في الحاشية التالية.

وفي الثانية قلنا - كلمة - كلاً - بمعنى الردع عما قبلها من المطالب مما ذكر من اوّل السورة يعني ما عبس رجل من بني امية او عثمان لمجييء ابن ام مكتوم لتعلم القرآن من النبي الاكرم صلى الله عليه وآله ، مع تصديه و اقباله على الكفار.

كما ذكره علي بن ابراهيم و السيد المرتضى قدّس سرّهما.

وفي روايات العامة وان نسب ذلك الى شخص النبي صلى الله عليه وآله ، ولكن جميع مفسري الشيعة (على ما تتبعنا) اجابوا عنه و ردّوه.

فعلى هذا فالآيات مع كلمة - كلاً - تبتدأ بتخطئة ما سلكه العابس و تبين منهج الدعوة الاسلامية و انها بالقرآن و توضح ان القرآن للتذكرة لمن شاء ان يتذكر وانها في صحف كانت مكرمة من اول نزولها من الله سبحانه ، الى ان بلغ الى الرسول ص وكانت مرفوعة القدر من ان يصل اليها غير ايدي المطهرين ﴿لا يمسه الا المطهرون﴾ و مطهرة عن امثال هذه الانحرفاات التي صدرت من العابس في سيرته وسلوكه مع كل من الاعمى الذي يسعى و هو يخشى ، و من يستغني من الكفار ، بل هذه التذكرة و هذا القرآن انما هي بايدي سفرة يعنى جعله الله بايدي سفرائه الذين انتخبهم من عباده الصالحين

ص: 210


1- مفردات القرآن للراغب.

المطهرين لذلك ، و السفراء كرام بررة فلا يمكن ان يعبس احد منهم مع مثل ابن ام مكتوم (المسلم الفقير الاعمى الذي يسعى وهو يخشى) و يعرض عنه ليصانع و يجامل مع الكفار كلا - ليس الامر كذلك بل سفراء الله طاهرون مطهرون عن ذلك - هم بررة على المؤمنين رؤف رحيم ﴿لقد جائكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم﴾(1).

ثم ان هذا المؤلف ذكر المحتملات لكلمة (سفرة) و (صحف) و ايدها ببعض الآيات بمناسبات بعيدة وبيانات غريبة مما يطول الكلام بذكرها و اجوبتها و يخرج عن بحثنا و لذلك اعرضنا عن ذكرها و سيجييء القول في بيان ما ذكر في تفسير (سفرة) و (صحف) و البحث عنهما انشاء الله تعالى.

818

ص: 211


1- توبة 128

الاضطراب في بعض التفاسير وجعل المعاتب غير النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)ثم ارجاع بعض الضمائر اليه(صلی الله علیه و آله و سلم)

اشارة

وهنا لا بأس بالتذكر على شيء:

وهو ان بعض من صرّح بان العتاب في هذه السورة لغير النبي صلى الله عليه وآله مستدلاً بادلة قوية مشى بعد ذلك في ارجاع بعض الضمائر اليه صلى الله عليه وآله على مذهب من جعل المعاتب النبي صلى الله عليه وآله ، مع ان الضمائر كلّها ترجع الى العابس سواء فى ذلك الضمائر العتابية قبل الالتفات منها الى الخطاب او الضمائر الخطابية بعد الالتفات و الاولى ذكرهم بكلماتهم لتنبه القراء الكرام.

فمنهم شيخنا المتقدم العلامة الفقيه المفسّر الشيخ ابو الفتوح قدّس سرّه. وقد عرفت في اول الكتاب كلامه و ما استدل به على ان المعني بها غير النبي صلّى الله عليه وآله لكنه في تفسير قوله تعالى ﴿وما عليك الا يزكي﴾ يرجع الضمير اليه(صلی الله علیه و آله و سلم)فقال:

﴿وما عليك الا يزكّى﴾ گفت او زکی و پارسا نباشد برتو چیزی نباشد - و - ما - رواست که نفی باشد و رو است که استفهام باشد اما آنچه بر تو است بلاغ ورساندن است(1).

ومنهم شيخنا العلامة امام اهل التفسير الشيخ الطبرسي قدس سره فقال:

﴿وما عليك الا يزكي﴾ اي اي شيء يلزمك ان لم يسلم ولم يتطهر من الكفر فانه ليس عليك الا البلاغ(2).

ص: 212


1- تفسیر شیخ ابو الفتوح ج 11 ص 395.
2- مجمع البيان ج 2 ص 483

وقد سبق في اول الكتاب أنه اختار رجوع العتاب الى غير النبي صلى الله عليه وآله ومنهم شيخنا العلامة المفسّر المولى فتح الله القاساني في منهج الصادقين فقال قده ﴿فانت عنه تلهی﴾ پس از او مشغول میشوی یعنی اعراض مینمائی مراد انکار تصدّى وتلهی است بر آن حضرت یعنی مثل ترا سزاوار نیست که از برای مستغنی متصدی شود و از فقیر متلهی گردد.(1)

ومنهم العلامة صاحب التصانيف النافعة الكثيرة في علوم الاسلام السيد عبدالله الشبر قدس الله روحه المتوفى سنة 1242 فقال في تفسيره:

عبس - قطب وجهه - وتولى - اعرض - ان - لأن - جائه الاعمى - عنهم عليهم السلام. نزلت في رجل من بني امية كان عند النبي صلى الله عليه وآله فجاء ابن ام مکتوم فلما رآه تقدر منه و جمع نفسه و عبس و اعرض بوجهه عنه فنزلت - وما يدريك ايها العابس - لعلّه يزكي - يكون طاهر الزكي ...

وما عليك - بأس او اي بأس عليك في - الايزكى - بالاسلام ان عليك الا البلاغ. تفسير السيد عبدالله الشبر قده.

وهنا لا محيص بص لنا عن ان نقدّس و نقدّر مقام شيخ الطائفة الطوسي قدس الله روحه الطاهرة حيث صرّح بالحق من اوّل كلامه الى آخره و استقام عليه و مااحسن ما ذكره في تفسير هذه الآية - وما عليك الآ يزكى - اى قل له وما عليك الا يتزكي.

يعني يا ايها الرسول قل للعابس و ماعليك الايزكى - فانك ايها العابس ليس لك هذا الشأن و المنزلة فان التزكية شأن الزكي الطاهر و هم السفرة الكرام البررة.

﴿هو الذي بعث في الاميين رسولاً منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلّمهم الكتاب﴾(2).

فاما العابس فلا يقدر ان يتحمّل ثقل الدعوة الاسلامية و التزكية و لذا عبس وتولّى ان جاءه الاعمى الذي يسعى و يخشى و انما تصدّى لمن استغنى.

ص: 213


1- منهج الصادقين ج 10 ص 150.
2- سورة الجمعة 2

ما المحمل الصحيح لهذا التضادّ

ما المحمل الصحيح لتضاد كلمات هولاء الاكابر.

لا اشكال في أنهم ما اعرضوا عما اختاروه قبلاً ، كما لا اشكال في انهم ما ذهلوا ولا نسوا ما ذكروه قبل سطور ، وكذا لا اشكال في ان مختارهم هو الكلام الاول منهم الذي استدلوا عليه بادلة متعددة قاطعة و ابطلوا ما يخالفهم.

فهل القول الثاني كان تقية كما لا يبعد بالنسبة الى الشيخ الطبرسي و الشيخ ابي الفتوح لاظهار عدم الاصرار ، فهما كانا زماناً ومكاناً بين المخالف و المؤالف ، او انه بنحو المداراة للمخالف و اظهار عدم الحمية و العصبية ، أو أنه اتكاء على ادلّتهم بخلافه لم يعبأوا بذلك الى غير ذلك من المحامل و الله سبحانه اعلم.

ص: 214

تأثير العثرات في الترجمة الفارسيه

و في ختام هذا القسم من مبحثنا لا بأس بالاشارة الى بعض من مترجمي القران بالفارسية ممن عثر بتلك العثرة مع علو شأن في بعضهم.

فمنهم الشيخ الحكيم الاديب العارف محى الدين الشيخ مهدى القمشة الاصبهاني قدس الله روحه الطاهرة فقال:

(چرا) عبوس و ترشرو گشت (1) چون آنمرد نابینا حضورش آمد (2) و تو چه میدانی ممکن است او مردی پارسا و پاکیزه صفات باشد (3) یا بیاد خدا آید و ذکر حق او را سودمند افتد (4) اما آنکه دارا است (5) (چرا) تو ای رسول باو توجه کنی (6) در صورتیکه اگر او از کفرش بایمان و پارسائی نپردازد بر تو تکلیفی نیست (7) اما آنکس که بسوی تو میشتابد (8) و او مرد خدا ترس و با تقوائی است (9) تو از توجه باو خودداری میکنی (10) این روا نیست که آیات حق برای پند و تذکر است (11) تا هرکه بخواهد پند گیرد (12) آیات الهی در صفحات مکرم نگاشته است (13) که آن صفحات بسی بلند مرتبه و پاک و منزه است (14) بدست سفیران حق (15) که ملائکه مقرب عالی رتبه باحسن و کرامتند.

ففى هذه الترجمة ترى كلمات خارجة عن تعبير القرآن ملصقة به اما مجرد استنباط و اما مقتفية لما ذكره العامة في رواياتهم التي ذكرنا ما فيها سنداً ودلالة و تضاداً لما في الذكر الحكيم و مخالفا لما في سيرته صلّى الله عليه و آله و سلّم مثل قوله (چرا) فى الآية الأولى كما أنه لم يذكر ترجمة (وتولّى) فيها.

وفي آية (3) فسر (يزكى) بالزكي كما هو احد التفاسير ولم يفسر بمعنى (يتزكي)

ص: 215

و في آية (5) فسّر (استغنى) بالغنى لا بالذى يستغنى بما له من المال والجاه عن الاسلام و التزكية.

و في آية (6) اضاف كلمة (چرا بين الهلالين للتنبيه على خروجه عن مفاد الاية و لم يخرج بهذا النحو كلمة (اى رسول) مع انها كذلك.

وبهذا النحو الصق غبار العتاب بذيل صاحب العصمة النبوية و الرسالة الخاتمية صلى الله عليه و آله.

(الى آخر ما ذكره على سبيل العثرات التي مضت و سبقت مع اجوبتها)

ومنهم العالم الفاضل المفسّر الشيخ رضا سراج دامت برکاته فقال:

روی خود را ترش کرد و روی گردانید (1) برای آنکه نابینا - عبدالله بن ام مکتوم - بنزد او آمد (2) و تو چه دانی شاید که وی بوسیله عمل شایسته – پاک شود (3) یا از مواعظ قران - پند گیرد و پند دادن تو به وی سود دهد (4) واما انکه بمال توانگر است (5) تو به وی اقبال میکنی (6) بر تو گناهی نیست بر انکه وی از کفر - پاک نشود - چه بعهده تو ابلاغ است و بس الى اخره .

فهذا المترجم ايضاً يعين نزول العتاب في حق النبي الاعظم صلى الله عليه وآله في ما اضاف الى الترجمة بين الهلالين (چه بعهده تو ابلاغ است وبس)

مع انه ليس في كلام الله سبحانه هذه الاضافة و لا قرينة عليها الا ما في روايات ضعيفة اموية مشحونة من آثار الضعف والتضاد و المخالفة للتاريخ الصحيح و الاثار المعتمدة والتخالف لكثير من الآيات الكريمة من القرآن المجيد وقد مضت جملة منها مضافاً إلى أنه مخالف لتفسير الامامية و امامهم الصادق صلوات الله عليه(1).

على أنه مخالف للسيرة النبوية صلوات الله وسلامه عليه و آله بل مخالف لعصمته و طهارته التي هي من الاصول الاعتقادية.

ص: 216


1- وقد سبق ذلك عن بعض من صرح بتوجه العتاب الى غير النبي ص ومع ذلك هنا قال انه ليس عليك الا البلاغ كالشيخ الطبرسي و السيد الشبر و الشيخ ابو الفتوح قدس الله اسرارهم و مثلهم صاحب منهج الصادقين وعقبنا ذلك بما يناسبه فراجع ص 184.

مضافاً الى انه مخالف لآيات نفس هذه السورة (سورة عبس) من اولها الى آخرها ﴿افلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً﴾ - وسيأتي التوضيح انشاء الله تعالى.

فاساطين الامامية قاطبة (على ما راينا اقوالهم ومضى ذكرها) اما قالوا بانها عتاب على عثمان بن عفان كما قاله على ابن ابراهيم القمي قدس سره و اما قالوا بانها في رجل من بني امية.

وعثمان بن عفان اعظم رجل من بني امية كان مسلماً في هذا الزمان وكان متخلقاً بتقديم الاغنياء ولا سيما اقربائه الى ان اجهز عليه عمله و عاقبه المسلمون في خلافته و ریاسته و حاصروه و قتلوه تقتيلاً.

ص: 217

امعان النظر مرة اخرى فى تلك الروايات الضعيفة لكشف الحقيقة

اشارة

فلو امعنا النظر في تلك الروايات الضعيفة مع ملاحظة سيرة عثمان فهي ايضاً تدلنا على ذلك.

فانّها ذكرت ان العبوس قدّم الاشراف الاغنياء و الصناديد على الفقير الاعمى الذي كان يسعى وهو يخشى ولعلّه يزكي.

اما الاعمى الفقير فهو عبدالله بن ام مکتوم باتفاق الروايات.

واما من استغنى من الاشراف ففي الرواية 2 هم عباس بن عبدالمطلب و امية بن 2 خلف الجُمحي وصفوان بن امية و في الرواية 3 هم عُتبة و شيبة ابنا ربيعة (بن عبد شمس بن عبد مناف) و ابو جهل بن هشام و العباس بن عبدالمطلب و امية بن خلف و الوليد بن المغيرة (بن عبدالله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لوي) ، و في الرواية 4 هم ابو جهل بن هشام و عتبة بن ربيعة ، وفي الرواية 5 هو ابي بن خلف (بن وهب بن حذافة بن جُمح و هو قتل في غزوة احد قيل قتله رسول الله ص بيده) ، و في الرواية 6 هم عتبة بن ربيعة و العباس بن عبدالمطلب و ابو جهل بن هشام ، وفي الرواية 7 هو امية بن خلف ابن وهب بن حذافة بن جُمح اخو ابي بن خلف ، و في الرواية 14 هو عتبة وشيبة وفي الرواية 16 هو وليد بن مغيرة ، و في الرواية 17 هو عتبة بن ربيعة.

فهذه تسع روايات ذكر فيها اسماء هؤلاء في خمسة منها ذكر عتبه و شيبة من بنى عبد الشمس و غيرهما كانوا من اغنياء قريش او كان له قرابة مع عثمان نسباً او سببا او رضاعاً او لم يكن له قرابة معه.

وكانوا جميعاً من صناديد الكفر و اركان المشركين في هذا الزمان وان اسلم

ص: 218

بعضهم بعد ذلك اما طوعاً كالعباس أو كرهاً وكان من المؤلفة قلوبهم كصفوان بن امية حيث اعطاه النبي ص من غنائم هوازن في غزوة حنين من سهم المؤلفة قلوبهم مأة بعير(1).

و اما غير العباس وصفوان فبقوا على كفرهم و عنادهم حتى اهلكهم الله تعالى.

فقتل عبتة بن ربيعة في غزوة بدر قتله امير المؤمنين علي عليه السلام. وقتل شيبة ايضاً ببدر قتله حمزة ، و قتل ابو جهل بن هشام ايضاً ببدر ، وقتل امية بن خلف ايضاً ببدر و قتل اخوه أبي بن خلف بغزوة احد.

و اما عبدالله بن المغيرة ابو عبدالشمس المخزومي الذي كان من اكبر الكفار المعاندين المستهزئين لرسول الله صلى الله عليه وآله، فقد اصاب كلاً من المستهزئين باشارة النبي صلى الله عليه وآله ما اهلكه ، فاشار(صلی الله علیه و آله و سلم)الى اثر جرح باسفل كعب رجل عبدالله بن المغيرة فانتقض به (اي تجدد بعد ما بريء) فقتله(2)، فهذه حالتهم من الكفر و الاستهزاء و العناد و سوء عاقبتهم.

فهل يعظمهم رسول الله ويقدّمهم ، الرسول الذي كان هو و من معه اشدّاء على الكفّار رحماء بينهم و يحقر ابن ام مكتوم الذي يسعى وهو يخشى.

واما عثمان بن عفان بن ابي العاص بن أمية بن عبد الشمس بن عبد مناف الاموي القرشي فهو كان يعظم و يقدّم جانب اقربائه واصدقائه كيفما كانوا من الفسق والفجور و الكفر و مخالفة الاسلام و الرسول صلى الله عليه وآله و سوء سوابقهم من العناد الاستهزاء بالقرآن والاسلام وايذائهم وتشديدهم على النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)والمسلمين حتى كان هو السبب فيما نقم المهاجرون والانصار عليه فحاصروه وقتلوه .

اعطى عثمان مروان بن الحكم بن ابي العاص ابن عمه و صهره من ابنته ام ابان خمس غنائم افريقية ، و هو خمس ماة الف دينار(3).

ص: 219


1- على ما في السيرة النبوية لابن هشام ج 2 ص 493 وتاريخ يعقوبي ج 2 ص 53 ط نجف.
2- السيرة النبوية ج 1 ، ص 410
3- الغدير ج 8، ص 257

اعطى عثمان الحارث بن الحكم بن أبي العاص اخا مروان و صهر الخليفة من ابنته عائشة ثلاثمائة الف درهم كما في انساب البلاذري(1).

اعطى عثمان سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن امية مأة الف درهم فكلمه علي عليه السلام و الزبير و طلحة وسعد و عبدالرحمن بن عوف في ذلك فقال ان له قرابة و رحماً قالوا افماكان لابي بكر و عمر قرابة و ذو رحم الخ(2).

كان العاص ابو سعيد من جيران رسول الله الذين كانوا يؤذونه و قتله امیرالمؤمنين يوم بدر مشركاً(3).

اعطى عثمان الوليد بن عقبة بن ابي معيط بن عمرو بن امية اخا الخليفة من امه ما استقرض عبدالله بن مسعود من بيت المال و واهبه له(4).

وكان عقبة بن ابي معيط اشدّ الناس على رسول الله في ايذائه من جيرانه(5).

وكان الوليد هذا فاسقاً بلسان الوحي زانياً فاجراً مدمناً الخمر متهتكاً لاحكام الاسلام(6).

اعطى عثمان لعبد الله بن خالد بن أسيد بن ابي العاص بن امية ثلاثمائة الف درهم و لكل رجل من قومه الف درهم(7).

اعطى عثمان ابا سفیان بن حرب بن امية بن عبد شمس مائتي الف من بيت المال

في اليوم الذي امر فيه لمروان بن الحكم بمائة ألف من بيت المال(8).

اعطى عثمان عبدالله بن سعد بن ابي سرح اخاه من الرضاعة الخمس من غنائم

افريقية في غزوها الاول - وكان مأة الف دينار(9).

واطبق المفسرون على ان المراد بقوله تعالى ﴿سانزل مثل ما انزل الله﴾ هو

ص: 220


1- الغدير ج 8 ، ص 267
2- الغدير ج 8 ص 269.
3- الغدير ج 8 ص 269.
4- الغديرج 8 ص 271
5- الغدير ج 8 ص 271
6- الغدير ج 8 ص 274
7- الغدير ج 8 ص 276.
8- الغدير ج 8 ص 277.
9- الغديرج 8 ص 279

عبدالله بن ابي سرح(1).

عمال عثمان

وكان عماله جماعة منهم الوليد بن عقبة بن ابي معيط على الكوفة وهو ممن اخبر النبي صلى الله عليه و آله انه من اهل النار - و عبدالله بن ابي سرح على مصر، ومعاوية بن ابي سفيان على الشام ، و عبدالله بن عامر على البصرة ، و صرف عن الكوفة الوليد بن عقبة و ولاها سعيد بن العاص.

وكان السبب في صرف الوليد بن عقبة و ولاية سعيد على ما روى ان الوليد بن عقبة كان يشرب مع ندمائه و مغنّيه من اوّل الليل الى الصباح فلما آذنه المؤذنون بالصلاة خرج متفضلا(2)في غلائله(3)فتقدم الى المحراب في صلاة الصبح فصلّى بهم اربعاً وقال اتريدون ان ازيدكم الخ(4).

و ولّى الكوفة بعده سعيد بن العاص فلما دخل سعيد الكوفة والياً ابى ان يصعد المنبر حتى يغسل و امر بغسله و قال ان الوليد كان نجساً رجساً فلما اتصلت ايام سعيد بالكوفة ظهرت منه امور منكرة(5).

عزل عثمان سعد بن ابي وقاص عن الكوفة واستعمل عليه وليد بن عقبة بن ابي معيط ابان بن ابي عمر ذكوان بن امية بن عبد الشمس و هو اخو عثمان لأمه(6).

عزل عثمان عمرو بن العاص عن مصر و استعمل عليه عبدالله بن سعد بن ابي سرح وكان اخا عثمان من الرضاعة(7).

ص: 221


1- الغديرج 8 ص 281
2- تفضّل - لبس الفضال ، هو الثوب الذى يبتذل في الشغل او للنوم.
3- والغلائل جمع الغلالة - شعار يلبس تحت الورع او تحت الثوب.
4- مروج الذهب ج 2 ص 234
5- مروج الذهب ج 2 ص 236.
6- تاريخ أبن الاثير ج 3 ص 82.
7- تاريخ ابن الاثير ج 3 ص 88

عزل عن البصرة ابا موسى الاشعري و استعمل عليه عبدالله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبدالشمس و هو ابن خال عثمان(1).

عزل عثمان الوليد بن عقبة عن الكوفة و ولاها سعيد بن العاص(2).

وقيل ان الوليد سكر وصلى الصبح باهل الكوفة اربعاً ثم التفت اليهم و قال ازيدكم فقال له ابن مسعود ما زلنا معك في زيادة منذ اليوم و شهدوا عليه عند عثمان فامر علياً بجلده فامر علي عبدالله بن جعفر فجلده(3).

و اقطع عثمان مروان بن الحكم فدك وهي صدقة رسول الله صلى الله عليه وآله التي طلبتها فاطمة ميراثاً(4).

وقد كانت فاطمة عليها السلام طلبتها بعد وفاة ابيها صلوات الله عليه تارة بالميراث وتارة بالنحلة فدفعت عنها(5).

قال البلاذري رواية عن ابن عباس انه قال كان مما انكروا على عثمان أنه ولى الحكم بن ابي العاص صدقات قضاعة فبلغت ثلاثمائة الف درهم فوهبها له حين اتاه بها(6).

قال ابن قتيبة و ابن عبد ربه و الذهبي و ممّا نقم الناس على عثمان انه آوى طريد النبي صلى الله عليه وآله الحكم ولم يؤوه ابو بكر و عمر و اعطاه مأة الف(7).

قال الواقدي و مات الحكم بن ابي العاص بالمدينة في خلافة عثمان فصلّى عليه و ضرب على قبره فسطاطاً(8).

هذه نبذة من سيرة عثمان بن عفان مع بني امية من اقربائه الشجرة الملعونة في القرآن و اذنابهم و اشباههم من المتجانبين عن الاسلام و رسوله صلى الله عليه وآله.

ص: 222


1- تاريخ ابن الاثير ج 3 ص 99.
2- تاريخ ابن الاثيرج 3 ص 105.
3- تاریخ ابن الاثير ج 3 ص 107.
4- الغدير ج 8 ص 237.
5- الغدير ج 8 ص 237 نقلاً عن ابن ابي الحديد في شرح النهج.
6- الغدير ج 8 ص 242.
7- الغديرج 8 ص 242.
8- الغدير ج 8 ص 243.

وقد مضى ص 1.3 الى ص 112شطر يسير من سيرته مع اكابر المسلمين من المهاجرين والانصار من اضراب ابي ذر و ابن مسعود و عمّار و غيرهم ممن مدحهم الله تعالى في كتابه و بلسان نبيه ص.

واما رسول الله صلى الله عليه وآله فسيرته معروفة مشهورة وقال سبحانه: ﴿محمد رسول الله و الذين معه اشداء على الكفّار رحماء بينهم تريهم ركعاً

سجداً يبتغون فضلاً من ربِّهم و رضوانا﴾.

فهل ما في سوره عبس من العبوس والتولّي عن الفقير المؤمن الاعمى وهو يسعى و يخشى و التصدى لمن استغنى من صناديد الكفر و اركان المشركين المستهزئين على الاسلام و القرآن ، كان مناسباً لسيرة عثمان او رسول الله صلى الله عليه وآله.

ومما يدلنا في نفس سورة عبس ان العبوس كان هو عثمان دونه ص امور سنذكر بعضها و سيأتي تفصيلها انشاء الله.

1 - ابتدء فيها بنحو الغيبة ثم التفت الى الخطاب وقد سبق ذلك مشروحاً(1).

2 - ما ذكره تعالى بعد كلمة كلاً انها تذكرة وسبق ذلك ايضاً(2).

3 - ما ذكره تعالى بعد توصيف سفراء الله بأنهم كرام بررة و ان منصب التذكير بايدي سفرة ، من قوله ﴿تعالى قتل الانسان ما اكفره﴾ حيث ان ظاهره الرجوع الى الرجل العبوس الذي يكفر بالحقايق و يستر بعمله الصفات المحمودة ممن يسعى وهو يخشى تحت العناوين الموهومة من الغنى و شرف القبيلة و العشيرة و امثالها.

4 - ما ذكره تعالى من قوله تعالى ﴿كلاً لما يقض ما امره﴾ فالعبوس لم يؤد ولم يقض ما امره الله بالتأسي برسول الله صلى الله عليه وآله - حيث قال: ﴿لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة﴾ وقال تعالى ﴿محمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم﴾ - مضافاً الى كثير من آيات الامر باخوة المؤمنين و تكريمهم و بغض الكفار والمشركين و البرائة منهم وتحقيرهم.

5 - ما اوعد الله سبحانه في يوم القيامة من فرار الاقرباء بعضهم من بعض و عدم

ص: 223


1- ص 90.
2- ص 99

نفع بعضهم لبعض فما صنعه العبوس على المؤمن من تكريم أقربائه و غيرهم من اشراف قومه لا ينفعه ﴿يوم الصاخة يوم يفرّ المرء من اخيه وأمه و ابيه و صاحبته و بنيه لكل امرء منهم يؤمئذ شأن يغنيه﴾.

6 - ما مثل الله سبحانه من تمثال الوجهين يوم القيمة الوجه المبتسمة المستبشرة على الاعمى الفقير المؤمن، و الوجه العبوس المتلهي عنه .

﴿وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة﴾، ولا تكون الا وجوه سفراء الله تعالى الكرام البررة بالنسبة الى المؤمنين والذين يخشون و يسعون الى الله و رسوله فيلقون الرسول البشير مستبشراً متبسماً في وجوه المؤمنين.

﴿و وجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة﴾ - ولا تكون الا وجوه من عبس على المؤمنين و اذلهم في قبال المشركين.

و هل تلك الوجوه الغبرة التي ترهقها قترة امثال وجوه رسول الله صلى الله عليه و آله الذي هو بالمؤمنين رؤف رحيم، ام وجوه بني امية و الذين عبسوا وجهاً على المؤمنين.

فهذه السورة (سورة عبس) سورة واحدة مترادفة متواصلة متناسقة على نسق واحد تهدي آياتها بعضها الى بعضها و يفسر اولها آخرها و یتین آخرها اولها و اواسطها شاهده على اوائلها و اواخرها لا تضل ضمائر بعضها عن بعض فليجل جال بصره و ليبلغ الصفة نظره ينج من عطب و يخلّص من نشب فانّ التفكر حياة قلب البصير كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور.

وهنا يحسن لنا ان نتذكر مجدداً ما ذكره المحقق المفسّر الفيض صاحب الصافي قدس الله نفسه و ننظر مدی نظره و تدبره حيث قال قدّس سرّه.

واما ما اشتهر من تنزيل هذه الآيات في النبي صلى الله عليه وآله دون عثمان فيأباه سياق مثل هذه العتابات الغير اللائقة بمنصبه ، وكذا ما ذكره بعدها الى آخر السورة ، كما لا يخفي على العارف باساليب الكلام ، و يشبه ان يكون من مختلقات اهل النفاق خذلهم الله.

ص: 224

ص: 225

كلام موجز في معنى العصمة وعصمة الانبياء(صلی الله علیه و آله و سلم)و الائمة عليهم السلام

اشارة

لا يخفى ان سرد الكلام في مبحث العصمة و بيان الخلاف فيها و تحقيق مذهب الحق فيها و ذكر الادلة لها و ذكر ما يترآى منها و ما يضادها وكشف الحقيقة وتفسيرها مضافاً الى نقل الروايات في ذلك و الاستنتاج منها مبحث طويل الذيل يحتاج الى افراد رسالة مخصوصة فيذلك.

وقد كتب في ذلك سيّدنا المرتضى علم الهدى قدس سرّه رسالة مختصرة نافعة اسماها تنزيه الانبياء وتعرّض لكثير من الآيات التي يتظاهر منها المنافاة للعصمة و اجاب عنها وكذا لجملة من الآثار و الروايات في حقهم و في حق بعض الائمة عليهم الصلاة و السلام وكذا في كتابه الغرر و الدرر المعروف بأمالي السيد المرتضى(قدس سره)ايضاً كثير من التحقيقات في هذا المعنى.

ص: 226

الاجماع من الامامية على عصمة الانبياء

والقول بعصمة الانبياء وكذا الائمة عليهم السلام مما اجمع عليه الشيعة الامامية الاثني عشرية كما صرح به جملة من اكابر العلماء كالسيد المرتضى في تنزيه الانبياء والشيخ المفيد في محكى اوائل المقالات والعلامة في الباب الحادي عشر و غيرهم وان كان ظاهر بعضهم الخلاف في دخالة الاعتقاد بها في الايمان و عدمه كما يظهر من الشيخ الانصاري قده في الرسائل وعلى كل حال فهم مجمعون على عصمتهم جميعاً ، فعن الشيخ المفيد فى اوائل المقالات ان جميع الانبياء معصومون عن الكبائر قبل النبوة وبعدها وممّا يستخف فاعله من الصغائر كلّها واما ما كان من صغير لا يستخف فاعله فجائز وقوعه منهم قبل النبوّة و على غير عمد و ممتنع منهم بعدها ، قال ان هذا مذهب جمهور الامامية والمعتزلة باسرها تخالف في ذلك انتهى.

و قال السيد المرتضى في تنزيه الانبياء ، اختلف الناس في الانبياء عليهم السلام فقالت الشيعة الامامية لا يجوز عليهم شيء من المعاصي والذنوب كبيراً كان او صغيراً لا قبل النبوة ولا بعدها ويقولون في الائمة مثل ذلك انتهى.

ونظير ذلك ذكره العلامة قده في شرح التجريد وغيره ثم ذكر اقوال سائر المسلمين سوى الشيعة في ذلك واختلافهم بالنسبة الى ما قبل النبوة او ما بعدها فيما لا يستخف فاعله من الصغائر ، الى غير ذلك مما ذهب اليه بعض الجمهور.

ص: 227

ما ذكره ابو الصلاح الحلبي قده

*ما ذكره ابو الصلاح الحلبي قده(1)

نعم يظهر من الشيخ ابي الصلاح الحلبى قده في الكافي اجماع المسلمين كافة على عصمة الانبياء ع في الاداء قال في الكافي ما لفظه و من حق المبعوث ان يكون معصوماً فيما يؤديه من المصالح والمفاسد من حيث كان تجويز الخطاء عليه في شيء من ذلك عن سهو او عمد ترفع الثقة بشيء مما جاء به ويمنع من امتثاله لوقوف الامتثال على علم المكلف كون ما امر به صلاحاً و ما نهى عنه فساداً و تجويز الخطاء عليه يرفع الثقة بشيء مما اتى به فوجب لذلك القطع على عصمته فيما يؤدّيه و لهذا الاعتبار اجمع المسلمون على عصمة الانبياء عليهم السلام في الاداء لعلمهم بان تجويز الخطاء فيه يسقط فرض الشرائع فعلاً و تركاً.

(ثم قال قدس سره) ومن حقه ان يكون معصوماً من جميع القبائح صغائرها و كبائرها لأن تجويز القبيح عليه يقتضي التنفير عنه لان من علم مواقعاً للقبيح او جوز عليه ذلك تنفّر النفوس عن اتباعه ولا تسكن اليه سكونها الى من لا يجوز منه يجوز منه القبيح اذ كان الغرض في بعثة النبي صلى الله عليهم العمل بما يأتي به وكان ذلك فرعاً لصدقه الموقوف. على النظر في معجزه المتعلق بحصول داع اليه وجب تنزيهه عن كل شيء نفر عنه انتهى. فمن ذلك يظهر ان اختلاف سائر فرق المسلمين في عصمتهم انما هو في غير مقام اداء الرسالة و اما بالنسبة الى مقام اداء الرسالة فهم مجمعون على عصمتهم واختلافهم في العصمة عن المذاهب المنقوله عنهم بالنسبة الى غير ما يؤدّي الرسالة ، و ان تمايلوا اخيراً الى ما اجمع عليه الامامية من عصمتهم مطلقاً على ما ذكره الشيخ محمد جواد المغنية عنهم في كتابه فلسفة التوحيد و الولاية فحكى عن الدكتو احمد شبلي من علماء اهل السنة استاد التاريخ الاسلامي والحضارة الاسلامية بجامعة الازهر في الجزء الثالث من كتابه مقارنة الاديان ما نصه:

ان الشيعة يثبتون عصمة الانبياء و الائمة ايضاً و يرون ان الرسول لو لم يكن

ص: 228


1- المتولد سنة 374 المتوفي سنة 447.

معصوماً من الزلل لقلت الثقة به ولا نتفت فائدة البعثة ، و العجب ان قول الشيعة بعصمة الانبياء تسرب الى اهل السنة و اصبح رای جمهور المسلمين انتهى.

وبالجملة فالقول بعصمة الانبياء و الائمة عليهم السلام مما اطبق عليه جميع علماء الشيعة الامامية الاثني عشرية اعلى الله كلمتهم ورفع درجتهم.

ص: 229

موجز مما ذكروه استدلالاً على لزوم العصمة.

وقد استدل على لزومهمافيهم بوجوه كثيرة و نذكر بعضها موجزاً كما يلي.

الغرض من بعثة الانبياء تصديقهم و اتباعهم و اقتراف الذنوب مما يوهن تصديقهم واتباعهم فان من يعمل بخلاف ما يقول لا يصدق.

ارتكاب الذنوب مما ينفر الناس عن النبي و الامام وهو خلاف غرض البعثة.

لو صدرت منهم الذنوب لحرم إتباعهم فيما يفعلون و الاجماع و النصوص يدلان على وجوب الاتباع في الاقوال والافعال فلابد من عصمتهم ليجوز إتباعهم.

ولو ارتكبوا الذنوب لصاروا من الفساق الذين لا تقبل شهادتهم و من لا تقبل شهادته في امور الدنيا كيف تقبل في امور الدين و الآخرة و الحقايق الغيبية.

لو ارتكبوا الذنوب لوجب ارشادهم و امرهم بالواجب و نهيهم عن المنكر لاقبول الارشاد منهم ﴿منهم افمن يهدي الى الحق احق ان يتبع امن لا يهدي الا ان يُهدى﴾.

ولو ارتكبوا الذنوب لصاروا من الظالمين و قال تعالى- ﴿لاينال عهدی الظالمين﴾.

ان الشيطان قال لاغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين فلا يقرب المخلصين المصطفين فلا يذنبون ولا يرتكبون المعاصي فهم معصومون.

ان مقام النبوة و الامامة مقام عظيم يجب ان يقوم بامرهما من هو مثال لكل من انواع الفضائل ليكون قدوة للناس قولاً وفعلاً ليهتدي به الناس ويكون اسوة حسنة بجذبة من اخلاقه و افعاله و اقواله فكيف يجوز ان يجعل الله للناس علماً للاهتداء من (هو - ظ) غاو تائه خال عن الفضيلة مقبل الى الذنوب.

ص: 230

وقال العلامة المحقق السيد عبد الله شبر و الدليل على وجوب العصمة مضافاً الى النقل المتواترة و اجماع الفرقة المحقة و الطائفة الحقة امور.(1)

الاول أنه لو انتفت العصمة لم يحصل الوثوق بالشرايع والاعتماد عليها فان المبلغ اذا جوزنا عليه الكذب و سائر المعاصي جازان يكذب عمداً و نسياناً أو يترك مما اوحى اليه او يأمر من عنده فكيف يبقى اعتماد على اقواله.

الثاني انه ان فعل المعصية فاما ان يجب علينا اتباعه فيها فيكون قد وجب علينا فعل ما وجب تركه واجتمع الضدّان وان لم يجب انتفت فائدة البعثه.

الثالث انه لو جاز ان يعصي لوجب ايذائه و التبري لوجب ايذائه و التبري منه لأنه من باب الامر بالمعروف و النهي عن المنكر لكن الله تعالى نص على تحريم ايذاء النبي ص فقال - ﴿انّ الذين يؤذون الله و رسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة﴾.

الرابع انّه يلزم بعصيانه سقوط محله و رتبته عند العوام فلا ينقادون الى طاعته فتنفى فائدة البعثة.

الخامس: انه يلزم ان يكون ادون حالاً من آحاد الامة لان درجات الانبياء في غاية الشرف وكل من كان كذلك كان صدور الذنب عنه افحش كما قال تعالى - ﴿يا نساء النبي من يات منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين﴾ - و المحصن يرجم و غيره يحد وحد العبد نصف حد الحر و الاصل فيه ان علمهم بالله اكثر و اتم و هم مهبط وحيه و منازل ملائكته و من المعلوم ان كمال العلم يستلزم كثرة معرفته و الخضوع و الخشوع فينا في صدور الذنب لكن الاجماع دل على ان النبي ص لا يجوز ان يكون اقل حالا من آحاد الأمة.

السادس: انه يلزم ان يكون مردود الشهادة لقوله تعالى ﴿ان جائكم فاسق بنبأ فتبينوا﴾ ، فكيف تقبل عموم شهادته في الوحي و احكام الله تعالى و يلزم ان يكون ادنى حالاً من عدول الامة و هو باطل بالاجماع.

السابع: انه لو صدر عنه الذنب لوجب الاقتداء به لقوله تعالى - ﴿اطیعوا الله و

ص: 231


1- حق اليقين ج 1 ص 91 للسيد عبدالله شبر.

اطيعوا الرسول ، ﴿لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة﴾ ، ﴿ان كنتم تُحِبّون الله فاتبعوني يحببكم الله﴾ ، و التالي باطل بالاجماع والآلاجتمع الوجوب و الحرمة. الثامن: انه لو لم يكن معصوماً لانتفى الوثوق بقوله و وعده و وعيده فلا يطاع في

اقواله و افعاله فيكون ارساله عبثاً.

التاسع: انه لو لم يكن معصوماً لكان محل انكار و مورد عتاب كما في قوله تعالى ﴿اتامرون الناس بالبر و تنسون انفسكم﴾ وقوله تعالى ﴿لم تقولون مالا تفعلون كُبُرَ مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون﴾ فيجب ان يكون مؤتمراً بما يأمر به و منتهياً عما ينهى .

العاشر: انه لو كان يخطىء لاحتاج الى من يسدّده و يمنعه عن خطائه و ينبهه على نسيانه فاما ان يكون ذلك معصوماً فيثبت المطلوب او غير معصوم فيتسلسل.

الحادي عشر: انه يقبح من الحكيم ان يكلف الناس باتباع من يجوز عليه الخطأ فيجب كونه معصوماً و لأنه يجب صدقه اذ لو كذب و الحال ان الله امرنا باطاعته لسقط محله عن القلوب فتنفي فائدة بعثته .انتهى.

ثم وصل(1)كلامه قده في العصمة في الجهة الكلية الى العصمة في قبال السهو او الاسهاء من الله تعالى للرسول ص او الائمة في مقابل ما عن الصدوق و شيخه محمد بن الحسن بن الوليد قدهما اوما في بعض الروايات في نسيان آدم ع او صلاة اميرالمؤمنین ع على غير طهر نسياناً أو نسيان الباقرع في غسل لمعة من ظهره حين اغتساله عن الجنابة. فاجاب عما يدل على السهو منهم من وجوه.

الاول مخالفتها للآيات القرآنية كقوله تعالى ﴿وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى﴾ وقوله تعالى ﴿ما اتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا﴾ و قوله تعالى ﴿سنقرئك فلا تنسى﴾ وقوله تعالى ﴿فويل للمصلين الذين هم عن صلوتهم ساهون﴾ و قوله تعالى ﴿انما يريد الله ليذهب عنکم الرجس اهل البيت و يطهركم تطهيراً﴾ ونحو ذلك.

ص: 232


1- حق اليقين ج 1 ص 93

الثاني: انها مخالفة للاخبار الصحيحة المعتضدة باجماع الامامية الدالة على نفى السهو و الشك و النسيان عنهم (ثم ذكر عدّة من تلك الاخبار الى ان قال قده).

الثالث: أنها مخالفة للادلة العقليه المعتضدة بالنقليه و هي امور:

الاول انه لو جاز شيء من ذلك عليهم لزم التنفّر عنهم و عدم قبول اقوالهم و افعالهم و هو نقض للغرض.

الثاني: انا مأمورون باتباع النبي ص و الامام عليه السلام و ترك الاعتراض عليهم فلو جاز الخطأ و السهو والنسيان لوجب متابعتهم وكنا مأمورين به و الامر باتباع الخطأ قبيح لا يصدر من الحكيم و النقض بالراوي و الشاهد و المفتي مع عدم عموم حكمهم مردود بأنهم ليسوا بحاكمين و انما هم ناقلون ولا يشترط العصمة في الناقل اجماعاً.

الثالث ان من وجه احتياج الخلق الى النبي ص و الامام ع هو جواز الخطاء على الامة فلو جاز عليهما لاحتاج الى نبي او امام لاشتراك العلة و لزوم الترجيح بلا مرجح و الدور او التسلسل.

و الرابع أنه حافظ للشرع فلو جاز عليه الخطأ و السهو و النسيان لأدى الى التضليل و الاغراء بالجهل و التبديل وصار احتمال النسخ مساوياً لاحتمال السهو و احتمال الصحة مقاوماً لاحتمال الفساد و هو نقيض الغرض المطلوب من العصمة.

الخامس انه لو جاز السهو عليه لم يوثق بشي من اقواله و لا افعاله اصلاً و هو نقض للغرض من نصبه.

السادس انه لو جاز السهو والنسيان على المعصوم لجاز تركه للواجبات و فعله للمحرمات سهواً لان فعل الواجب عبادة و ترك المحرم عبادة و اذا جاز السهو في ترك بعضها جاز في ترك الجميع فلا تصدق العصمة التي تستلزم انتفاء المعاصي مطلقاً.

السابع أنه لو جاز السهو والنسيان و الخطأ على المعصوم في العادة دون التبليغ لجازت جميع المعاصي و الكفر عليه قبل كونه نبيا او اماماً و اللازم باطل بالأدلة العقلية و النقلية فكذا الملزوم و بيان الملازمة عدم الاحتياج الى العصمة في الموضعين كما ادعيتموه لان الضرورة الى استحالة الخطاء و السهو والنسيان ان كانت مخصوصة بالتبليغ فلا تبليغ في الحالة السابقة و هو واضح بل ذاك اولى بالجواز مع ظهور بطلانه فكذا هنا.

ص: 233

الثامن انه لو جاز الخطأ و السهو على المعصوم لزم افحامه(1)لان للرعية ان لا تتبعه الا فيما علمت صوابه و لا يعلم صوابه الا منه فيدور.

التاسع أنه لو جاز ذلك لم يحصل العلم بقوله ان هذا الفعل سهو او غير سهو لجواز السهو على ذلك القول ايضاً لانه خارج عن التبليغ الا ترى على قولهم قد نفي السهو عن نفسه لما قال له ذو اليدين اقصرت الصلاة ام نسيت يا رسول الله فقال كل ذلك لم يكن و ذلك على زعمكم غير مطابق للواقع.

العاشر انه لو جاز عليه السهو والنسيان في غير التبليغ لجاز منه الكذب سهواً في غير التبليغ ايضاً فلا يوثق بشيء من اقواله في غيره و بطلانه قطعي.

الحادي عشر: لو جاز ذلك لما امكن الاحتجاج بشيء من افعاله و اقواله لاحتمالها السهو والنسيان وذلك باطل قطعا.

الثاني عشر انه لو جاز ذلك لما قبلت شهادته وحده فضلاً عن دعواه لنفسه و لجاز التوقف في تصديقه وذلك باطل اجماعاً و نصاً و فتوى.

الثالث عشر: أنه لو جاز ذلك عليه لامكن وقوع اتلاف مال الغير منه و غصبه نسياناً و نسيانه للحق الذي في ذمته و اذا ادعاه اصحاب الحقوق بذلك احتاجوا الى نبي آخر و امام اخر يحكم عليهما فيدور او يتسلسل.

الرابع عشر: ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر عبادة واجبة بالضروره من الدين و احق الناس بها النبي و الامام ع و ليس ذلك من قسم التبليغ لاختصاصها بالآحاد و الجزئيات وظهور كون التبليغ بقواعد كلية للاحكام الشرعية سلمنا لكن الامر بالمعروف و النهي عن المنكر باليد من ضرب و غيره خارج عن التبليغ قطعاً و حينئذ يجوز عليهما السهو والنسيان و الخطأ و الغلط فيامران بالمنكر و ينهيان عن المعروف ولا يخفى فساده. الخامس عشر : انه لو جاز السهو والنسان في غير التبليغ كما يزعم الخصم لجاز عليه تعدي حدود الله سهواً و اذا صدر منه ذلك كان ظالماً لقوله تعالى ﴿ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه - ومن يتعد حدود الله فاولئك هم الظالمون﴾ و الظالم لاينال النبوة و

ص: 234


1- افحمه ، اسكته بالحجّة فى خصومة او غيرها - المنجد.

الامامة لقوله تعالى ﴿لا ينال عهدي الظالمين﴾.

السادس عشر : انه يلزم من ذلك حط منزلته من القلوب و سقوط محله من النفوس كما يشهد الوجدان بذلك.

السابع عشر: أنه يلزم احتياجه الى رعيته.

الثامن عشر: عدم كون فعله وقوله حجة مطلقاً و اشتباه التبليغ بغيره غالباً.

التاسع عشر: امكان وقوع المعصية وفعل المحرم و ترك الواجب سهواً و هو باطل وممّا يدلّ على بطلان ما ادعاه الخصم زيادة على ما ذكر ما رواه في الكافي عن الصادق عليه السلام ان الله جعل في النبي خمسة ارواح ، روح الحياة فيه دبّ و درج و روح القوة فيه نهض و جاهد و روح الشهوة فيه اكل وشرب و اتى النساء من الحلال و روح الايمان فيه آمن و عدل و روح القدس فيه حمل النبوّة فاذا قبض النبي ص انتقل روح القدس فصار الى الامام و روح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يزهو والاربعة الارواح تنام و تغفل و تلهو وتزهو ، و نحوه عن الباقر عليه السلام و قال فيه ان هذه الاربعة الارواح يصيبها الحدثان الآ روح القدس فانّها لاتلهو و لا تلعب - ولا يخفى ان النسيان من جملة الحدثان المنفى عنها و الاخبار في ذلك كثيرة يقف عليها المتتبع . انتهى(1).

و قال قدس سره في ذكر شرائط الأمامة و هي امور:

الاول العصمة كما تقدم لانه حافظ للشرع قائم به فحاله كحال النبي ص و لأنّ الحاجة الى الامام انّما هي للانتصاف للمظلوم من الظالم، ورفع الفساد وحسم م مادة الفتن و ان الامام لطف يمنع القاهرين من التعدي و يحمل الناس على فعل الطاعات و اجتناب المحارم ويقيم الحدود و الفرائض و يؤاخذ الفسّاق ويعزّر من يستحق التعزير فلو جازت المعصية او صدرت عنه لانتفت هذه الفوائد و ايضاً العلة المقتضية لوجوب نصبه جواز الخطأ على المكلف فلو جاز الخطاء على الامام لوجب افتقاره الى امام آخر ليكون لطفاً له و للامة ايضاً فيتسلسل و للادلة المتقدمة انتهى(2).

ص: 235


1- حق اليقين ج 1 ص 97.
2- حق اليقين ج 1 ص 140.

ما ذكره هشام بن الحكم في العصمة

وعن محمد بن ابی عمیر قال ما سمعت ولا استفدت من هشام بن الحكم في طول صحبتي اياه شيئاً احسن من هذا الكلام في صفة عصمة الامام فاني سالته يوماً عن الامام اهو معصوم قال نعم قلت له فما صفة العصمة فيه و باي شيء تعرف.

قال ان جميع الذنوب لها اربعة اوجه لا خامس لها الحرص و الحسد و الغضب و الشهوة فهذه منتفية عنه.

ولا يجوز ان يكون حريصاً على هذه الدنيا و هي تحت خاتمه لانه خازن المسلمين فعلى ماذا يحرص

و لايجوز ان يكون حسوداً لأن الانسان انما يحسد من فوقه و ليس فوقه احد فكيف يحسد من هو دونه.

و لا يجوز أن يغضب لشى من امور الدنيا الا أن يكون عضبه لله عزّوجل فانّ الله قد فرض عليه اقامة الحدود و أن لا تأخذه في الله لومة لائم ولا رأفة في دينه حتى يقيم حدود الله عز وجل.

و لا يجوز ان يتبع الشهوات ويؤثر الدنيا على الآخرة لأنّ الله عزّ وجلّ حبّب اليه الآخرة كما حبب الينا الدنيا فهو ينظر الى الآخرة كما ننظر الى الدنيا فهل رأيت احداً ترک وجهاً حسناً لوجه قبيح و طعاماً طيباً لطعام مر و ثوباً ليناً لثوب خشن و نعمة دائمة باقية لدنيا زائله فانية(1).

قال الكراجكي(2)واما الدليل على وجوب عصمة الامام فهو ان علة الحاجة اليه ان يكون لطفاً للرعية في الصلاح ليصدّها عن ارتكاب القبائح و الفساد و يردّها الى فعل الواجب والسداد حسبما تقدم به الذكر في وجوب الحاجة اليه في كل عصر و هذا يقتضي

ص: 236


1- البحارج 25 ص 192 نقلا عن الصدوق فى العيون و الخصال و العلل و الامالی و معانی الاخبار.
2- في كنز الفوائد ص 161

ان لا يكون علة الحاجة اليه موجودة فيه فانّه متى جاز منه القبيح وفعل غير الجميل كان فقيراً محتاجاً الى وجود امام متقدم عليه ويمنعه مما هو جائز منه و يأخذ على يديه و يكون الكلام في امامته كالكلام فيه حتي يؤدي ذلك الى المحال من وجود ائمة لا يتناهون او الى الواجب من وجود امام معصوم فعلم ان علة الحاجة اليه غير موجودة فيه و الحمد لله. دليل آخر على ثبوت عصمة الامام وما يعلم به ثبوت العصمة للائمة: ان الامام قدوة في الدنيا والدين و اتباعه مفترض من ربّ العالمين فوجب ان لا يجوز الخطأ و الزلل عليه و الأكان الله قد امر باتباع من يعصيه و لولا استحقاقه العصمة لكان اذا ارتكب المعصية يتضاد التكليف على الأمة وتصير الطاعة منها معصية و المعصية طاعة، وذلك انها مامورة باتباعه و الاقتداء به فمتى اتبعه في المعصية امتثالاً للمأمور من الاقتداء كانت من حيث قصدت الطاعة عاصية لله سبحانه و متى خالفته و لم تعتد به طلباً لطاعة الله تعالى كانت ايضاً عاصية لمخالفتها لمن امرت بالاقتداء به و اتباعه و في استحالة جميع ذلك دلالة على عصمته.

و ليس لاحد ان يقول ان الاقتداء بالامام واجب على الرعية فيما علمت صوابه فيه لان هذا القول تخرجها من ان تكون مقتدية به اذ كانت انما عرفت الصواب بغيره لا بقوله و بفعله فهي اذا علمت بما عمل لمعرفتها بصوابه فيه انما وافقته في الحقيقة ولم تعتد به و تتبعه ولو جازان يكون اماما لها في شيء عرفت صوابه بغيره كانت اليهود ائمة للأمة في الاقرار بموسى ع لموافقتها لهم في العلم بصحة نبوته و هذا يدل العاقل على ان القدوة المتبع هو من عرف الحق به وبقوله و فعله فقد بان به واتضح ثبوت الاصلين من وجوب الامامة و العصمة وبثبوتهما قد انتظم لنا ما قدمناه من الدليل وفي ذلك كفاية و غنى عن التطويل والحمد لله ربّ العالمين وصلواته على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

ما ذكره الطوسي والعلّامة في العصمة

و قال العلامة المحقق الحكيم محمد بن محمد بن الحسن الطوسي قدس سره في التجريد ويجب في النبي العصمة ليحصل الوثوق فيحصل الغرض و لوجوب متابعته و ضدّها و

ص: 237

الانكار عليه وكمال العقل و الذكاء والفطنة و قوة الرأي و عدم السهو وكلما ينفر عنه من دنائة الاباء وعهر الأمهات و الفظاظة و الابنة و شبهها و الاكل على الطريق و شبهه .انتهى. و قال العلامة قدس سره في شرحه اختلف الناس هاهنا فجماعة المعتزلة جوزوا الصغائر على الانبياء الى ان قال) وقالت الأمامية أنه يجب عصمتهم عن الذنوب كلّها صغيرة كانت او كبيرة و الدليل عليه وجوه.

احدها ان الغرض من بعثة الانبياء ع انّما يحصل بالعصمة فيجب العصمة تحصيلاً للغرض و بيان ذلك ان المبعوث اليهم لو جوزوا الكذب على الانبياء و المعصية جوزوا في امرهم ونهيهم و افعالهم التي امروهم باتباعهم فيها ذلك و حينئذ لا ينقادون الى امتثال اوامرهم وذلك نقض للغرض من البعثة.

الثاني ان النبي ص يجب متابعته فاذا فعل معصية فاما ان يجب متابعته اولا و الثاني باطل لانتفاء فائدة البعثة و الاول باطل لأنّ المعصية لا يجوز فعلها و اشار بقوله لوجوب متابعته وضدها الى هذا الدليل لانه بالنظر الى كونه نبياً يجب متابعته و بالنظر الى كون الفعل معصية لا يجوز اتباعه .

الثالث انه اذا فعل معصية وجب الانكار عليه لعموم وجوب النهي عن المنكر وذلك يستلزم ايذايه و هو منهي عنه وكل ذلك محال انتهى(1).

و اضاف العلامة في كتابه نهج المسترشدين الى ذلك بقوله و لجاز أن لا يؤدي بعض ما امر بادائه فيرتفع الوثوق ببقاء الشرع لجواز نسخه

و من هذا علم أنه لا يجوز ان يقع منه الصغائر ولا الكبائر عمداً و لاسهواً و لا غلطاً التأويل و يجب ان يكون منزّها عن ذلك ذلك من اوّل عمره الى آخره ، انتهى(2).

هذه جملة مما استدلوا به على لزوم العصمة في الانبياء والائمة صلوات الله عليهم و سيأتي في خلال ما سنذكره انشاء الله ما يزيد في ذلك وضوحاً و اقوى سنداً و استدلالاً وامتن واحكم.

ص: 238


1- كشف المراد في شرح التجريد ص 217
2- نهج المسترشدين ص 59.

في تفسير العصمة وجملة مما قيل فيه و ما يرد علیه

اشارة

و لكن العمدة فيما نحن بصدده تفسير العصمة و بيان حقيقتها لكي يتضح فساد ما اعتمد عليه بعضهم في ذلك وكذا يكشف الخلل فيما فسره به هؤلاء تلك الآيات الكريمة في سورة العبس.

الكلام في حقيقة العصمة

وقد عُرفت العصمة بتعاريف و حدّدت بحدود وكثير منها يمثل جانباً منها و يعرف بعض جهاتها او آثارها و لعلها على صعوبة دركها لا ينال بحقيقتها وكنهها الا من ذاق من حلاوتها ولو قليلاً.

كتاب قواعد العقائد وما ذكره المحقق نصير الدين الطوسي قده في معنى العصمة

قال المحقق الحكيم نصير الدين نصیر الدین محمد بن محمد بن الحسن الطوسي قدس سره في كتابه قواعد العقائد ما لفظه: اختلفوا في عصمة الانبياء ، و العصمة هي كون المكلّف بحيث لا يمكن ان يصدر عنه المعاصي من غير اجبار له على ذلك ، وقال بعضهم هو من لا يصدر عنه المعاصي لاكبيرة ولا صغيرة لا بالتعمّد ولا بالسهو من اول العمر الى آخره و قال بعضهم الصغيرة لا تخلّ بالعصمة وقال بعضهم الشرط في عصمة الانبياء اختصاصها

ص: 239

بزمان دعوتهم لا قبل ذلك و يصدق فيه ولا يكذب لا بالعمد ولا بالسهو والنسيان و اما في سائر الازمنة فيجوز عليه جمیع ذلك انتهى كلامه قده.

ما ذكره العلامة قده في كتابه كشف الفوائد في معنى العصمة

وقال العلامة الحلي قدس سره في شرحه المسمّى بكشف الفوائد ما لفظه - اتفق الناس على ان الانبياء معصومون من الكفر و البدعة الا عند قوم من الخوارج يقال لهم الفضيلية جوزوا الكفر عليهم لأنهم يجوزون الذنب عليهم وكل ذنب عندهم كفر.

واختلف الناس في العصمة فقال بعضهم هي هيئة تقتضي كون المكلف بحيث لا يمكن ان يصدر عنه المعاصي من غير اجبار له على ذلك و الآ لما يستحق المدح على ذلك.

و منهم من قال بأنه يكون متمكناً من المعاصي لكن لا يصدر عنه كبيرة و لا صغيرة لا بالعمد و لا بالسهو و لا التأويل من اول عمره الى آخره و الا لجاز الاخلال ببعض الشرائع او بالزيادة عليها وكان(1)معراً عنه و سقط محله من القلوب.

و قال بعض الجمهور ان الصغائر لا يصح في العصمة كما لا يقدح في العداله

و قال بعض الجمهور العصمة انما يثبت بعد البعثة اما قبلها فلا و يصدق في الشرع و لا يكذب فيه لا عمداً و لا سهواً و ان كان الكذب في غيره صغيرة لعدم الوثوق بالشرع حينئذ و اما في باقي الازمان فيجوز عليه كل معصية و قال ابن فورك(2)يجوز بعثة من كان كافراً و قال بعض الحشوية ان نبينا ص كان كذلك لقوله تعالى ﴿و وجدك ضالاً

ص: 240


1- هكذا في نسخة الاصل - و في الحاشية - الظاهر ان في العبارة تصحيفا من الناسخ و اصله - وكان معرضا عنه - اى لو كان صادرا عنه المعاصى و التأويل لكان معرضا عنه و سقط محله من قلوب الناس.
2- بضم الفاء وفتح الراء هو الاستاذ ابو بكر محمد بن الحسن ابن فورك الاصبهاني المتكلم العارف توفي في سنة 446 أو سنة 406 كما في الكنى والالقاب للمحدث القمي قده.

فهدى﴾ و هو غلط و الضلال هنا عدم الرشد فيما يتعلق بالامور الشرعية قبل البعثة. انتهى(1).

اقول اما الاقوال المنقولة في كلامهما في معنى العصمة عن الجمهور من العامة فواضحة البطلان ولا سيما بعد ما سبق مما يدل على لزوم العصمة فانّها اجل قدراً ممّا ذكروه في معناها و تلك الادلة تبطل ما ذكروه فيهم صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين.

و اما ما ذكره المحقق الحكيم الطوسي قدس سره وما في شرحه من العلامة قدس سره فعلى علو قدره في المتانة و الرصانة والبلاغة و الايجاز ففيه جهات من الابهام ، 1 - من حيث كيفية حصوله في ذات المعصوم من جهة الاباء والامهات و من جهة طهارته من بذور الارجاس و الادناس. 2 - من حيث تأثير افعال المعصوم في ذلك وكيفية اتصاله تنزهاً و تقرباً بالله سبحانه. 3 - من حيث الامداد الغيبي و التأييد و التوفيق الالهي الى غير ذلك من الحيثيات التي سنتعرض لها أن شاء الله تعالى.

ما ذكره الشيخ المفيد قده في معنى العصمة

*ما ذكره الشيخ المفيد قده في معنى العصمة(2)

وقال شيخنا المفيد قدس الله روحه الطاهرة - العصمة من الله لحججه هى التوفيق و اللطف والاعتصام من الحجج بهما عن الذنوب والغلط في دين الله ، والعصمة تفضّل الله تعالى على من علم انه يتمسك بعصمته و الاعتصام فعل المعتصم وليست العصمة من القدرة على القبيح ولا مضطرة للمعصوم الى الحسن ولا ملجئة له اليه بل هي الشيء الذي يعلم الله تعالى انه اذا فعله بعبد من عبيده لم يؤثر معه معصية له و ليس كل الخلق يعلم هذا من حاله بل المعلوم منهم ذلك هم الصفوة والاخيار ، قال الله تعالى ﴿ان الذين سبقت لهم منا الحسنى﴾ وقال ﴿ولقد اخترناهم على علم على العالمين﴾ و قال ﴿وانهم عندنا لمن المصطفين الاخيار﴾ و الانبياء و الائمة صلوات الله عليهم من

ص: 241


1- كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد ص 72 - 73.
2- في شرح عقائد الصدوق ص 235

بعدهم معصومون في حال نبوّتهم وامامتهم من الكبائر والصغائر كله و العقل يجوز عليهم ترك مندوب اليه على غير التعمد للتقصير والعصيان ولايجوز عليهم ترك مفترض الا ان نبينا صلى الله عليه وآله و الائمة صلوات الله عليهم من بعده كانوا سالمين من ترك المندوب والمفترض قبل حال امامتهم و بعدها و اما الوصف لهم بالكمال في كل احوالهم فان المقطوع به كمالهم في جميع احوالهم التي كانوا فيها حججاً لله تعالى على خلقه وقد جاء الخبر بان رسول الله صلى الله عليه و آله و الائمة من ذريته كانوا حججاً لله تعالى منذ اكمل عقولهم الى ان قبضهم و لم يكن لهم قبل احوال التكليف احوال نقص و جهل وانهم يجرون مجرى عيسى و يحيى عليهما السلام في حصول الكمال لهم مع صغر السن و قبل بلوغ الحلم ، و هذا امر تجوّزه العقول و لا تنكره ، وليس الى تكذيب الاخبار سبيل و الوجه ان نقطع على كمالهم عليهم السلام في العلم و العصمة في احوال النبوة و الامامة ، ونتوقف في ماقبل ذلك وهل كانت احوال نبوة وامامة ام لا ، و نقطع على ان العصمة لازمة لهم منذ اكمل الله عقولهم الى ان قبضهم عليهم السلام انتهى(1).

بیان بعض ابعاد تحقيقاته وافاداته قده.

وما احسن كلامه قدس سره وامتن في بيان حقيقة العصمة فهو يشتمل على بيان ابعاد وجهات من العصمة 1 - أنّها لطف و تفضل من الله على من علم أنه يتمسك بعصمته ويمشي تحت أظلال تفضله -2- المعصوم معتصم بحبل العصمة ومتمسك بها 3 - ليس كل الخلق قابلاً لهذا التفضل الالهي بل هم الصفوة من الاخيار الذين اصطفاهم الله من الخيرة و علم الله منهم الخير ذاتاً و اوصافاً و اخلاقاً و افعالاً و اقوالاً فاصطفاهم الله فيما بين هؤلاء الاخيار. 4 - ليست العصمة مانعة من القدرة على القبيح و لامضطرة و ملجئة للمعصوم الى الحسن بل معها لا يؤثر المعصية على الطاعة ولا يختار العصيان ابداً و حاله حال العصمة . 5 - ان رسول الله ص و الائمة ع يجرون مجرى يحيى وعيسى في حصول الكمال لهم مع صغر السن وقبل بلوغ الحلم مما يدل عليه الاخبار و ليس الى انكاره من العقل دليل بل يجوزه الى غير ذلك مما يستفاد من كلامه قده.

ص: 242


1- بحار الانوارج 17 ص 96 الى ص 97 شرح القئد ص 235.

بعض ما يرد عليه قده من ابهام كلامه و الايراد عليه.

هذا ولكن فيما ذكره قده ايضاً مناطق ابهام بل في بعضها ما يدل على خلافه من الكتاب و السنة او العقل كما في 1- ان نقطع على كمالهم في العلم و العصمة في احوال النبوة والامامة ونتوقف فيما قبل ذلك فانه سياتي انشاء الله تعالى ان الطهارة و العصمة لهم تمتد من اول وجودهم الى اخره مرتقياً في درجاتها. 2 - ان العصمة فيهم ملازمة 2 لمقام النبوة والامامة او انها شيء و تفويض مقام النبوة والامامة لخلق الله سبحانه من الله تعالى شيء آخر. 3 - كيفية مشيهم وسيرتهم مع العصمة في جنب عبادة الله سبحانه و الخضوع و الانابة اليه و تأثير معرفة الله سبحانه في عصمتهم الى غير ذلك من الجهات التي سنتعرض لبعضها انشا الله و ان اشار الى بعضها موجزاً.

ما ذكره السيد المرتضى قده في الغرر والدرر في معنى العصمة

وقال سيدنا المرتضى علم الهدى قده في كتابه الغرر و الدرر ما حقيقة العصمة التي يعتقد وجوبها للانبياء و الائمة عليهم السلام و هل هي معنى يضطر الى الطاعة و يمتنع من المعصية او معنى يضام الاختيار فان كان معنى يضطر الى الطاعة و يمتنع من المعصية فكيف يجوز الحمد و الذم لفاعلهما وان كان معنى يضام الاختيار فاذكروه و دلوا على صحة مطابقته له و وجوب اختصاص المذکورین به دون من سواهم فقد قال بعض المعتزلة ان الله تعالى عصم انبيائه بالشهادة لهم بالاستعصام كما ضلل قوماً بنفس الشهادة فان يكن ذلك هو المعتمد انعم بذكره و دلّ على صحته و بطلان ما عساه فعله من الطعن عليه و ان يكن باطلاً دلّ على بطلانه وصحة الوجه المعتمد فيه دون ما سواه بالقي اللحم الجواب اعلم ان العصمة هي اللطف الذي يفعله الله تعالى فيختار العبد عنده الامتناع من فعل القبيح فيقال على هذا ان الله عصمه بان فعل له ما اختار عنده العدول عن القبيح ويقال ان العبد معصوم لانه اختار عند هذا الداعي الذي فعل له الامتناع من القبيح

ص: 243

تفسير سورة عَبَسَ

سوء

بهم

واصل العصمة في موضوع اللغة المنع ، يقال عصمت فلاناً من السوء اذا منعت من حلوله به غير ان المتكلمين اجروا هذه اللفظة على من امتنع باختياره عند اللطف الذي يفعله الله تعالی به لانه اذا فعل به ما يعلم أنه يمتنع عنده من فعل القبيح فقد منعه من فعل القبيح فاجروا عليه لفظة المانع قهراً و قسراً و اهل اللغة يتعارفون ذلك ايضاً و يستعملونه لانهم يقولون فيمن اشار على غيره برأي فقبله منه مختاراً و احتمى بذلك من ضرر يلحقه و سوء يناله انه حماه من ذلك الضرر و منعه و عصمه منه وان كان ذلك على سبيل الاختيار.

فان قيل - افتقولون فيمن لطف له بما اختار عنده الامتناع من فعل واحد قبيح - انه قلنا نقول ذلك مضافاً و لا نطلقه. فنقول انه معصوم من كذا ، و لانطلق - فيوهم انه أن

معصوم - معصوم من جميع القبائح و نطلق في الانبياء و الائمة عليهم السلام العصمة بلا تقييد لانهم لا يفعلون شيئاً من القبائح ، بخلاف ما تقوله المعتزلة من نفي الكبائر عنهم دون الصغائر.

فان قيل - فاذا كان تفسير العصمة بما ذكرتم فالاً عصم الله جميع المكلفين وفعل بهم ما يختارون عنده الامتناع من القبائح.

قلنا كل من علم الله ان له لطفاً يختار عنده الامتناع من القبائح فانه لابد ان يفعل به وان لم يكن نبيا و لا اماماً ، لأن التكليف يقتضي فعل اللطف على ما دل عليه في مواضع كثيرة غير أنه يكون في المكلفين من ليس في المعلوم ان شيئاً متى فعل اختار عنده الامتناع من القبيح فيكون هذا المكلف لا عصمة له في المعلوم ، و لا لطف ، وتكليف من لا لطف له يحسن ، ولا يقبح ، و أنما القبيح منع اللطف فيمن له لطف ، مع ثبوت التكليف ، فاما قول بعضهم انّ العصمة هي الشهادة من الله تعالى بالاعتصام فباطل لأن الشهادة لا تجعل الشيء على ما هو به و انما تتعلق به على ما هو عليه لأن الشهادة هي الخبر و الخبر عن كون الشيء على صفة لا يؤثر في كونه عليها فتحتاج اولاً الى ان يتقدم لنا العلم بان زيداً معصوم او معتصم ونوضح عن معنى ذلك ثم تكون الشهادة من بعد مطابقاً لهذا العلم وهذا بمنزلة من سأل عن حدّ المتحرك فقال هو الشهادة بأنه متحرك او المعلوم أنه على هذه الصفة و في هذا البيان كفاية لمن تأمله(1).

ص: 244


1- البحارج 17 ص 94 الى ص 95 نقلاً عن الغرر والدرر الغر والدرر طبع بيروت ج 2 ص 347 الى ص 348.

و بيان السيد قدس الله نفسه يشعر بانه كان بصدد عرض مسئلة العصمة على القول الحق من الاختيار في مقابل الجبر والتفويض مع تحقيقاته في معنى العصمة من حيث نسبتها الى المعصوم و نسبتها الى الله سبحانه فالعصمة من الله سبحانه هو منعه منعه للمعصوم عن وقوعه في القبيح لكن بنحو لا ينافي الاختيار ونسبتها الى المعصوم نسبة الفعل الى الفاعل المختار الذي هو تحت لطف الله سبحانه.

فلم يكن له اهتمام اصيل في تبيين جميع ابعاد العصمة و توضيح حقيقتها الاّ ما يمس بحاجته في ما يبحث عنه

ما ذكره الشيخ الصدوق فى رسالة الاعتقادات.

و قال شيخنا الصدوق عليه الرحمة في رسالة اعتقاداته اعتقادنا في الانبياء و الرسل و الملائكة و الائمة صلوات الله عليهم اجمعين أنّهم معصومون مطهرون من كل دنس و انهم لا يذنبون ذنباً صغيراً و لا كبيراً و لا يعصون الله ما امرهم و يفعلون ما ولا يؤمرون ، و من نفي العصمة عنهم في شيء من احوالهم فقد جهلهم و اعتقادنا فيهم أنهم موصوفون بالكمال و العلم من اوائل امورهم الى اواخرها لا يوصفون في شيء من احوالهم بنقص ولا جهل(1).

ماذكره علی ابن عيسى الأربلى فى كشف الغمة

و قال على بن عيسى الاربلي في كشف الغمة فائدة سنية - كنت ارى الدعاء الذي كان يقوله ابوالحسن عليه السلام في سجدة الشكر و هو - ربّ عصيتك بلساني و لو شئت وعزتك لاخرستني و عصيتك ببصري و لو شئت وعزتك لاكمهتني و عصيتك بسمعي و لو شئت وعزتك لا صممتني وعصيتك بيدي ولو شئت وعزتك لكنعتني(2) و عصيتك

ص: 245


1- البحارج 17 ص 96.
2- كنع يده ، اشلها و ایبسها

بفرجي ولو شئت وعزتك لاعقمتني وعصيتك برجلي و لو شئت و عزتك لجذمتني و عصيتك بجميع جوارحي التي انعمت بها عليَّ و لم يكن هذا جزاك منّي.

بخط عميد الرؤساء - لعقمتني - و المعروف عقمت المرأة و عقمت و اعقهما الله - فكنت افگرفی معناه و اقول - كيف يتنزل على ما تعتقده الشيعة من القول بالعصمة و ما اتضح لي ما يدفع التردد الذي يوجبه.

فاجتمعت بالسيد السعيد النقيب رضي الدين ابي الحسن(1)علي بن موسى بن طاووس العلوي الحسني رحمه الله والحقه بسلفه الطاهر فذكرت له ذلك فقال ان الوزير السعيد مؤيد الدين العلقمي رحمه الله تعالى سألني عنه فقلت كان يقول هذا ليعلم الناس.

ثم اني فكرت بعد ذلك فقلت هذا كان يقوله في سجدته في الليل وليس عنده من يعلمه.

ثم سألني عنه الوزير مؤيد الدين محمد بن العلقمي رحمه الله فاخبرته بالسؤال الاوّل الذي قلت والذي اوردته عليه وقلت ما بقي الا ان يكون يقوله على سبيل التواضع و ما هذا معناه فلم يقع منّي هذه الاقوال بموقع ولاحلت من قلبي بموضع.

ومات السيد رضي الدين رحمه الله فهداني الله الى معناه ووفقني على فحواه فكان الوقوف عليه والعلم به وكشف حجابه بعد السنين المتطاولة والاحوال المجرمة(2)و الادوار المكررة من كرامات الامام موسیٰ بن جعفر علیه السلام و معجزاته و لتصح نسبة العصمة اليه و تصدق على آبائه البررة الكرام و تزول الشبهة التي عرضت من ظاهر هذا الكلام.

وتقريره ان الانبياء و الائمة عليهم السلام تكون اوقاتهم مشغولة بالله تعالى وقلوبهم مملوة به و خواطرهم متعلقة بالملأ الأعلى وهم ابدأ في المراقبة كما قال عليه السلام و اعبد الله كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك.

فهم ابداً متوجّهون اليه ومقبلون بكلّهم عليه فمتى انحطوا عن تلك الرتبة العالية والمنزلة الرفيعة الى الاشتغال بالمأكل والمشرب والتفرغ الى النكاح و غيره من المباحات عدوّه ذنباً و اعتقدوه خطيئة و استغفروا منه.

ص: 246


1- المتوفى سنة 664
2- عام مجرم - اي تام

الا ترى ان بعض عبيد ابناء الدنيا لو قعد و اكل وشرب و نكح و هو يعلم أنه بمرئى من سیده و مسمع لكان ملوماً عند الناس و مقصراً فيما يجب عليه من خدمة سيده و مالكه فما ظنك بسيد السادات و ملك الاملاك والى هذا اشار عليه السلام - انه ليغان(1)على قلبي و اني لاستغفر الله بالنّهار سبعين مرة - ولفظة السبعين انّما هي لعدد الاستغفار لا الى الرين و قوله - حسنات الابرار سيئات المقربين.

و نزيده ايضاحاً من لفظه ليكون ابلغ من التأويل ويظهر من قوله عليه السلام عقمتني و العقيم الذي لا يولد له والذي يولد من السفاح لا يكون ولدا فقد بان بهذا انه كان يعد اشتغاله في وقت ما بما هو ضرورة للابدان معصية ويستغفر الله منها وعلى هذا فقس البواقى وكل ما يرد عليك من امثالها و هذا معنى شريف يكشف بمدلوله حجاب الشبه و يهدي به الله من حسر عن بصره و بصيرته رين العمى والعمه.

وليت السيد رحمه الله كان حيّاً لأهدى هذه العقيلة اليه واجلو عرائسها عليه فما اظن ان هذا المعنى اتضح من لفظ الدعاء لغيري و لا انّ احداً سار في ايضاح مشكله وفتح مقفله مثل سيري و قد ينتج الخاطر العقيم فيأتي بالعجائب و قديماً ما قيل مع الخواطي سهم صائب(2).

وقال العلامة المجلسي رضوان الله تعالى عليه بعد نقله - و ما ذكره رحمه الله وجه حسن في تأويل ما نسبوا الى انفسهم المقدسة من الذنب و الخطاء و العصيان و سياتي تمام القول في ذلك(3).

تمحیص و تذييل على كلام صاحب كشف الغمة

اقول ما ذكره صاحب كشف الغمة رحمه الله و ان كان لا يخلو عن حسن جزاه الله

ص: 247


1- غان على قلبي كذا - غطاه.
2- بحار الانوارج 25 ص 203 الى ص 205 نقلاً عن كشف الغمة
3- المدرك السابق ، ص 205.

خيراً و رفع له ذكراً الا انه غير خال عن الابهام و الغموض. اما اولاً فلأن ما مثل به من الماكل و المشارب والمناكح يكون من سنة الله في خلقه و فطرته التي فطر الله الناس عليها لا تبديل لخلق الله والمشي على سنن الفطرة هو الدين القيم الاسلامي فكيف يمكن ان يعده رسول هذا الدين و ائمته صلوات الله عليهم ذنبا منهم في جنب الخالق و يستغفروا منها. و ثانياً: ان ما عده من المشارب والمآكل و المناكح منهم صلوات اللله عليهم من المباحات الغير الراجحة فعلها غير صحيح فان الاكل و الشرب من ولي الله الذي يريد بهما حفظ نفسه من الهلاك و تكثير قوته في سبيل ما امره الله به من الوظائف الثقيلة الكثيرة لو لم نقل بكونهما واجبين كمالعله الصحيح فلا اقل من الرجحان و الاستحباب وعدهما من الطاعات قال الله تعالى ﴿وما جعلناهم(اي الانبياء) جسداً لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين﴾(1)و هكذا الامر في النكاح المقصود منه بقاء النسل و تكثير الذرية الطاهرة من رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)وتنجيز ما وعده الله لنبيه(صلی الله علیه و آله و سلم)بقوله تعالى ﴿انا اعطيناك الكوثر﴾الخ وثالثاً تطبيق حالات أولياء الله مع ربهم سبحانه بما في العبيد و ساداتهم ، مما ، مما يرجع الى الظلم والجبر والامور الاعتبارية الغير الحقيقيه ، غير مناسب بل بينهما بعد المشرقين، فان ماللاولياء عند ربّهم حالة المخلوق المربوب في عبادته و عروجه الى ربه وخالقه والهه ، فكيف يقاس هذا بذلك ويستعرف منه ، واما رابطة العبيد مع ملّاكهم فهي رابطة من قهر من افراد الانسان على بعض ابناء نوعه وجعله تحت سيطرته وخدمته من دون ان يكون للسيد بما هو مالك له مزية على عبده في الجهات الانسانية ليكون لعبوديته في ترفيع درجات العبد اثراً حقيقياً .

وبالجملة فالاعتراف بالذنوب والتقصير والعصيان والتوبة والاستغفار منها كثير في أدعية النبي الاعظم والائمة الطاهرين من ذريته (صلوات الله عليهم) ، بل هذا النوع من عبوديتهم وادعيتهم من اعلى انواعها و احلى اذکارها و تدل على درجاتهم الرفيعة في الاستكانة و الانابة و التوبة و العبودية و سيرهم الى الله و عروجهم الى اعلى مراتب العبودية وافضل مراحل الانسانية و خلوصهم في قربهم الى الله .

ص: 248


1- سورة الانبياء آية8.

وليس لنا حمل تلك الالفاظ على المعاني التي عندنا فيها ونقيس احوالهم باحوالنا و نفسّر الذنوب و العصيان والخطايا في ادعيتهم بما ينشأ عن افعالنا من العصيان والطغيان و مخالفة الاوامر والنواهي و الجهل و الغفله و النسيان و التمرد .

كما ان هذه التعابير منهم (صلوات الله عليهم) ليست من المجاز والمجازفة في القول والخروج عن الحقيقة وامثال ذلك مما يمكن ان يتوهم ، فانه مقام وقوف العبد الخالص الطاهر عند عبودية ربه العالم القادر القاهر .

كما أن الادعية والمناجاة و الاذكار انما هي ادعيتهم و مناجاتهم مع ربهم واذكارهم و استغفارهم و رجوعهم و توبتهم و عروجهم الى الله مما لانقدر من السير بهذا النحو معهم فضلاً عن أن يكون انشائها لتعليمنا ، نعم هم أئمتنا وقدوتنا ، لكن نمشي و نتعلم من حقيقة مشيهم و سيرهم ، فكان ذلك منهم الحقيقة لا انشاءاً للتعليم وتلقيناً للجاهلين

فهم (صلوات الله عليهم) ، مع انهم لله سبحانه عباد مكرمون لا يعصون الله ما امرهم و يفعلون ما يؤمرون لكنّهم حيث كانوا في اعلى مراتب العلم و المعرفة بالله تعالى و جماله و کماله و جلاله و عظمته، فانه تعالى قد اصطفاهم بعلمه وارتضاهم لغيبه واختارهم لسّره وانتجبهم لنوره و ايدهم بروحه ، فكلما يجدون ويجتهدون في مرضاته يرون ذلك في جنب جماله و جلاله حقيراً ودون ما يليق بعظمته فكأنهم خالفوه وما اطاعوه وعصوه وما وافقوه فيخافون سوء عاقبته وبعد مسافته عما يريدون من عروجهم وقربهم لديه ، فهم يأتون بكل ما ينبغي ولكن قلوبهم وجلة انهم الى ربهم راجعون.

فهذه الحالة مع مالها من الخضوع والخشوع والعبودية والانابة والاستكانة في اعلى درجاتها وافضل مراتبها يستوجب اجتهاداً وجهداً في سرعة السير ومزيد القرب والخلوص والصفا وكثرة جذبهم الى الله سبحانه ، بنحو لا يدركه عقولنا ولا يسع لمعرفة مرتبته افهامنا .

فالمخالفة و العصيان عصيان عما يرون مما ينبغي لعز جلاله وكرم وجهه والذنب والاثم لما يخافون مما يوجب استبطائه في عروجهم وتبعاته من قلة حصادهم في جنب عظمة الله سبحانه.

ص: 249

قال الراغب في مفرداته الذنب في الاصل الاخذ بذَنَبِ الشيء ، ويستعمل في كل فعل يستوخم عُقباه اعتباراً بذَنَبِ الشيء ، ولهذا يسمّى الذنب تبعة اعتباراً لما يحصل من عاقبته انتهى . وقال ايضاً - الاثم والاثام للافعال المبطئة عن الثواب انتهى.

ما ذكره العلامة المجلسي قده في ترفيع العصمة عما يوهم الخلاف من الاخبار والادعية

وقال العلامة المجلسي قدس سره - في مقام الذب عن توهم الاشكال الناشيء عن تلك التعابير الواقعة في الاخبار والادعية - قال - اعلم أن الامامية رضى الله عنهم عنهم اتفقوا على عصمة الائمة (عليهم السلام) من الذنوب صغيرها وكبيرها ، فلا يقع منهم ذنب اصلاً لا عمداً ولا نسياناً ولا لخطاء في التأويل ولا للاسهاء من الله سبحانه ، ولم يُخالف فيه الا الصدوق محمد بن بابويه وشيخه ابن الوليد رحمة الله عليهما ، فانهما جوّزا الاسهاء من الله تعالى لمصلحة في غير ما يتعلق بالتبليغ وبيان الاحكام، لا السهو الذي يكون من الشيطان ، وقد مرت الاخبار والادلة الدالة عليها في المجلد السادس والخامس واكثر ابواب هذا المجلد مشحونة بما يدل عليها .

فاما ما يوهم خلاف ذلك من الاخبار والادعية فهي مأوّلة بوجوه .

الاول : ان ترك المستحب وفعل المكروه قد يُسمّى ذنباً وعصياناً ، بل أرتكاب بعض المباحات أيضاً بالنسبة الى رفعة شأنهم وجلالتهم ربما عبّروا عنه بالذنب لانحطاط ذلك عن سائر احوالهم ، كما مرت الاشارة اليه في كلام الاربليرحمه الله

الثاني : انهم بعد انصرافهم عن بعض الطاعات التي أمروا بها من معاشرة الخلق وتكميلهم وهدايتهم ورجوعهم عنها الى مقام القرب والوصال ومناجاة ذي الجلال ربما وجدوا انفسهم لانحطاط تلك الاحوال عن هذه المرتبة العظمى مقصرين ، فيتضرعون لذلك وان كان بامره تعالى ، كما ان احداً من ملوك الدنيا اذا بعث واحداً من مقربي حضرته الى خدمة من خدماته التي يحرم بها من مجلس الحضور والوصال ، فهو بعد رجوعه يبكي ويتضرّع وينسب نفسه الى الجرم والتقصير لحرمانه عن هذا المقام الخطير .

ص: 250

الثالث : ان كمالاتهم وعلومهم وفضائلهم لما كانت من فضله تعالى ولولا ذلك لامكن ان يصدر منهم انواع المعاصي ، فاذا نظروا الى انفسهم والى تلك الحال اقروا بفضل ربّهم وعجز أنفسهم بهذه العبارات الموهمة لصدور السيئات فمفادها انى اذنبت لولا توفيقك واخطات لولا هدايتك .

الرابع : انهم لما كانوا في مقام الترقي في الكمالات والصعود على مدارج الترقيات في كل آن من الآنات في معرفة الربّ تعالى وما يتبعها من السعادات ، فاذا نظروا الى معرفتهم السابقة وعملهم معها ، اعترفوا بالتقصير وتابوا منه ويمكن ان ينزل عليه قول صلى الله عليه وآله - وانّي لاستغفر الله في كل يوم سبعين مرّة -.

الخامس : انهم عليهم السلام لمّا كانوا في غاية المعرفة لمعبودهم ، فكل ما اتوا به من الاعمال بغاية جهدهم ، ثمّ نظروا الى قصورها عن ان يليق بجناب ربهم عدوا طاعاتهم من المعاصي واستغفروا منها كما يستغفر المذنب العاصي، ومن ذاق من كأس المحبة جرعة شائقة لا يأبي عن قبول تلك الوجوه الرائقة ، والعارف المحب الكامل اذا نظر الى غیر محبوبه او توجه الى غير مطلوبه يرى نفسه من اعظم الخاطئين رزقنا الله الوصول الى درجات المحبين(1). انتهى

تذييل على كلام صاحب البحار و ما يرد عليه

اقول : ما احسن مقام شيخنا العلامة المجلسي رحمه الله في احياء علوم الدين واثار الانبياء والائمة الطاهرين عليهم السلام وما اجل قدره و اغلى ما نستخرج من اللئالي من بحاره ونستضيء من لمعات انواره فجزاه الله عن المعصومين(علیهم السّلام)خير الجزاء ولكن كلامه هنا لا يخلو عن اعضال وشبهة .

اما الوجه الاول : فلان صدور المكروه عنهم أو ترك المستحب او فعل المباح ، غير مسلّم لولم نقل بمنعه ، فان الاستحباب والكراهة والاباحة من الاحكام الخمسة غير

ص: 251


1- بحار الانوارج 25 ص 209 الى ص 211

الالزامية مما يمكن ان تتغير الى احكام الزامية اخرى بسبب طرو عناوين لموضوعاتها مما يوجب ان يصير مثلاً ترك المستحب واجباً أو مستحباً أكد من فعله بعنوان أخر أو فعل المكروه واجباً أو مستحباً بسبب هذا العنوان الطارىء أو فعل المباح واجباً كما ذكرناه في المناقشه على صاحب كشف الغمه(رحمه الله علیه)، فمن أكل أو شرب الماء لحفظ نفسه المشرفة على الهلاك ليقدر على وظائفه الواجبة الاكيدة فليس أكله وشربه بهذا العنوان مباحاً ، بل لو لم نقل بوجوبه فهو من المستحبات المؤكده ، وهكذا الامر في ترك المستحب وفعل المكروه ، وقد ورد في قضيّة أنعقاد نطفة الصديقة الطاهرة(علیه السّلام)عن مائدة الجنّة التي اهدى اليه بعد تركه بيت خديجة(علیه السّلام)اربعين يوماً فبعدما اكل النبي صلى الله عليه وآله من المائدة ، امره جبرئيل عن الله سبحانه بترك الصلوة المستحبة التي كان يصليها حين دخوله البيت.

واما الوجه الثاني ، فهي ايضاً مخدوشه ، فان معاشرتهم للناس لهداية الناس من رسالات الله تعالى وما عليهم صلوات الله عليهم من وظائف السفارة والامامه التي جعلها الله عليهم من اثقل العبادات والوظائف ، قال الله تعالى ﴿واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فاتمهن قال اني جاعلك للناس اماماً﴾ وقال تعالى ﴿فجعلناهم ائمة يهدون بامرنا لما صبروا﴾ ، فلم يكونوا في معاشرتهم وتبليغ رسالاتهم وهدايتهم وجهادهم الا في مقام العبودية والخلوص مع ربهم ، فليست العبادة منحصرة لهم في حال الخلوة ، فكان أمير المؤمنين صلوات الله عليه في حرب صفين يؤدّي ماكان يصليها قبلاً من الف ركعة في كل ليلة حال الحرب مع اعداء الاسلام، فلم يكن يشغلهم وظائف الامامة والهداية عن ذكر الله ، فهم رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله واقام الصلوة وايتاء الزكوة ، فكيف يمكن ان يقال بالنسبة اليهم انهم لانحطاط تلك الوظائف بالنسبة الى مقام القرب والوصال والمناجاة يجدون انفسهم مقصرين فيتضرعون الى الله ويعدونها ذنوبا ويستغفرون منها.

وبالجملة فاجتهادهم و جدهم في اداء وظائف الرسالة والامامة والهداية الله سبحانه من اعظم عباداتهم ومع ذلك كانوا في تلك الاحوال ذاكرين الله ، متقربين اليه تعالى ، فكانوا يعبدون الله على حالات شتى ليلاً ونهاراً وسراً وجهراً في خلواتهم وفي حال معاشرتهم مع الناس ، والا فلو كان عبادتهم منحصرة بمثل الصلوة والمناجاة خالية

ص: 252

عن اعباء الرسالة والامامة ، لكانوا مثل احد عباد الامة.

عطا الله باليمان تينهاا واما الوجه الثالث ، فمما لا يوجب حلّ مشكلة عن البين ، فان كون كمالاتهم و فضلهم و علومهم من فضل الله تعالى كيف يسوّغ اطلاق الذنب والمعصية على الطاعات و العبادات ، بل يوجب ان يحمدوا الله ويشكروه على فضله وتوفيقه .

واما الوجه الرابع والخامس، فمشحون بالحسن والمتانة فرضى الله تعالى عنه وارضاه وسيجيء أنشاء الله من الآيات والاخبار وما سنذكره في شرحه مايستوجب أيضاحاً للمقصود .

ما ذكره المحقق الطوسى فى التجريد و العلامة ب امثال اللعبة في شرحه في توضيح العصمة

وقال المحقق الحكيم نصير الدين الطوسي رضي الله عنه في التجريد في باب عصمة الامام(علیه السّلام)- ولا ينافي العصمة القدرة ، وقال العلامة رحمة الله في شرحه : - اختلف القائلون بالعصمة في ان المعصوم هل يتمكن من فعل المعصية ام لا ؟ فذهب قوم منهم الى عدم تمكنه من ذلك ، وذهب آخرون الى تمكنه منها .

اما الاوّلون ، فمنهم من قال : ان المعصوم مختص في بدنه أو نفسه بخاصة(1)تقتضي امتناع اقدامه على المعصية . ومنهم من قال : أن العصمة هي القدرة على الطاعة وعدم القدرة على المعصية وهو قول ابي الحسن البصري . واما الآخرون الذين لم يسلبوا القدرة ، فمنهم من فسرها بأنّه الامر الذي يفعله الله تعالى بالعبد من الالطاف المقربة الى الطاعات التي يعلم معها انه لا يقدم على المعصية بشرط ان لا ينتهي ذلك(2)الى الالجاء . ومنهم من فسّرها بانها ملكة نفسانية لا يصدر عن صاحبها معها المعاصي . واخرون قالوا العصمة لطف يفعله الله تعالى بصاحبها(3)لا يكون معه داع الى ترك الطاعة وارتكاب

ص: 253


1- بخاصية هكذا في البحار.
2- ذلك الامر هكذا في البحار.
3- لصاحبها هكذا في البحار.

المعصية واسباب هذا اللطف امور أربعة ، احدها : ان يكون لنفسه أو لبدنه خاصة(1)تقتضي ملكة مانعة ملكة مانعة من الفجور وهذه الملكة مغايرة للفعل ، الثاني : أن يحصل له علم بمثالب(2)المعاصي ومناقب الطاعات ، الثالث : تأكيد هذا المعلوم بتتابع الوحي والالهام من الله تعالى ، الرابع : مؤاخذته على ترك الاولى بحيث يعلم أنه لا يترك مهملاً بل يضيق عليه الأمر في غير الواجب من الامور الحسنة ، فاذا اجتمعت هذه الامور كان الانسان معصوماً.

والمصنف(رحمه الله علیه)اختار المذهب الثاني، وهو ان العصمة لاتنافي القدرة بل المعصوم قادر على فعل المعصية و الآلما استحق المدح على ترك المعصية و لا الثواب و لبطل الثواب والعقاب في حقه ، فكان خارجاً عن التكليف. وذلك باطل بالاجماع وبالنقل في قوله تعالى: ﴿قل انما أنا بشر مثلكم يوحى الي﴾(3).انتهى

تمحیص و تذييل على ما ذكره المحقق الطوسى والعلامة قدهما

اقول : كلام المحقق الطوسي وما حكاه العلامة رضوان الله عليهما عن جماعة من المتكلمين يتكفّل لجانب من جوانب حقيقة العصمة ، وكل واحد يرجع الى مافسّرها كل منهم من المعاني ففي الحقيقة اختلافهم هنا يرجع الى اختلافهم في معنى العصمة ، فمنهم من فسّرها بنحو لا تنافي القدرة ومنهم من فسّرها بنحو تنافيها .

ولا ينبغي الاشكال في ان العصمة شيء يستحق لها المعصوم المدح والثواب والمزيّة على سائر المكلفين ، فلابد أن ترتبط بارادته وأختياره وجهده واجتهاده ، وهذا هو الذي يرشد اليه آيات كثيره واخبار متوافرة ، مضافاً الى الادلة العقلية ، كما اشار الى بعضها العلامة في انتصاره للمحقق الطوسي قدس سرهما وسيجيء انشاء الله من الآيات والروايات ما يوضح ذلك .

ص: 254


1- خاصية هكذا في البحار
2- المثالب المعايب
3- شرح التجريد ص 228 البحار - ج 17 ص 93 الى ص 94

فمن ذلك يعرف بطلان المذاهب الآخر مما يرجع الى عدم القدرة على المعصية .

وأما من فسرها بانها ملكة نفسانية لا يصدر عن صاحبها معها المعصية فقد فسّرها بما يرادف العدالة المشترطة في الشهود وامام الجماعة والقاضي ومرجع التقليد من افراد الامة فلم يات بشيء يوجب اصطفاء الله النبي والامام لسفارة الله وخلافته في ارضه وكونه أميناً لسره ومهبطاً لوحيه وقائداً على خلقه جميعاً ، فمن له هذه المناصب من الله لابد أن يكون فوق الجميع ، فمن ارتضى من رسول ، فأنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً ليعلم أن قد ابلغوا رسالات ربهم واحاط بما لديهم واحصى كل شيء عدداً .

واما التفسير بانها لطف يفعله الله بصاحبها لا يكون داع الى ترك الطاعة وارتكاب المعصية، ففيه اولاً : ان هذا اللطف لو كان هو الموجب الوحيد للعصمة كما هو ظاهره فكل من فعل الله به ذلك يصير معصوماً ، فليس للمعصوم مقام شامخ اكتسبه بنفسه و ثانياً : ان ذلك اقل مرتبة من العدالة الناشئة عن الايمان بالله واليوم الآخر بحيث يخاف الله فلا يعصية وله الداعي بمقتضى ايمانه الى الطاعة وترك المعصية ، لاعدم الداعي الى المعصية وترك الطاعة .

واما ما ذكره من الامور الاربعة اسباباً لهذا اللطف ، ففيه : ان اللطف الذي ذكره بفعل الله تعالى لا يناسب ان يكون سببه أيضاً بفعل الله من الاسباب الاربعة المذكورة من وجود خاصة في بدنه أو نفسه ومن حصول علم بمثالب المعاصي ومناقب الطاعات ومن تأكيد هذا العلم لهم بتتابع الوحي من الله سبحانه ومن مؤاخذتهم على ترك الاولى ليعلموا أن لم يتركوا مُهملاً ، بل يضيق عليهم في ترك الامور الحسنه ، بل المناسب ان يقول ان هذا اللطف يجري من الله سبحانه من هذه الطرق الاربعة .

ثم لا يخفى ان هذه الامور الاربعة وان كان لبعضها في اصل العصمة أو بعضها في بعض مراتب العصمة أثر او قوام ، لكن لا بهذا النحو وسيجيء انشاء الله توضيح ذلك .

وقال بعض الاكابر(1)من المعاصرين(قدس سره)في تعريف العصمة مع اختصار في بعض الفاظه : هي التنزه عن الذنوب والمعاصي صغائرها وكبائرها وعن الخطاء والنسيان

ص: 255


1- هو الشيخ العلامة المحقق الشيخ محمد رضال آل المظفر في كتابه (عقائد الامامية).

وان لم يمتنع يصدر منه ذلك .

وكذا يجب ان يتنزه عمّا ينافي المروئه ، كالتبذل بين الناس من الاكل في الطريق أو ضحك عال وكلما يُستهجن في العرف العام .

(واستدل على وجوبها في النبي صلى الله عليه وآله) لانه لو جاز صدور شيء من ذلك وصدر منه فأما أن يجب اتباعه في فعله الصادر منه عصياناً أو خطاء ، أو لا يجب، فان وجب فقد جوزنا فعل المعاصي برخصة من الله تعالى بل أوجبناه وهو باطل بالضرورة عقلاً ونقلاً ، وان لم يجب فذلك ينافي النبوة التي لابد ان تقترن بوجوب الطاعة ابداً، على انه لا يكون مأموناً في اداء الرسالة لاحتمال الخطاء والمعصية في كل مايؤديه فيصبح كسائر الناس لا يكون لعمله ولا لكلامه تلك القيمة العالية ، كما لاتبقى طاعة حتمية لاوامره ولا ثقة مطلقة باقواله وافعاله(1).

ولا يخفى ان التعريف بذلك مع هذا الاستدلال غير خالية عن المناقشات ، سنذكر بعضها وان امكن تطرّق الاصلاح في بعضها وهى:

1 - قد ذكر في تعريفه التنزه من دون ذكر لمنشأه وانه هل لها منشأ لا يتخلف عن التنزه ام لا ، فانه لو لم يكن عن منشأ نفساني وملكة باطنية توجبها ، فهي أقل منزلة من العدالة التي هي معتبرة في امام الجماعة والشهود . وقد جعلها جملة من الفقهاء عبارة عن الملكة على ترك المعاصي و اداء الواجبات و ترك ما ينافي المروئة ، ولو كان لها منشأ باطني فماذا، وهل هو بنحو لايمكن معه صدور المعاصي عمداً ولا خطاءً ولا غفلةً اوليس كذلك ، وبالجملة فلم تفترق في كلامه (قد) بينها وبين العداله .

2 - قد ذكر في تعريفها : التنزه وهي من الافعال وفي مقام الاستدلال يقول انه لو جاز ذلك فالنتيجه أنه لا يجوز خلافه فليست هي التنزه بل وجوب التنزه وملازمته لملكة نفسانية تنبعث عنها .

3 - ذكر انه لو جاز صدورها و صدر منه فالتالي الفاسد للصدور لا للجواز .

4 - قوله وان لم يمتنع عقلاً ....، أن اراد عدم الامتناع حتى مع حصول منشأ التنزه

ص: 256


1- عقائد الامامية.

فهذا ينافي كونه مأمونا ، وان اراد مع عدم حصول منشأ لها، فقد عرفت انه يوجب انحطاطها عن العداله ، اللهم الا ان العداله ، اللهم الا ان يريد به أنه بعد ان المنشأ لها حاصل ، فمع قطع النظر عنه لا يمتنع عقلاً ان يصدر عنه ، بمعنى ان ادوات المعصية من مقدمات الاختيار ، الى آخر ما يمكن ان يصير آله للمعصية موجودة فيه الا انها مقهورة في جنب العصمة .

5 - ان العصمة في هي الحفظ او المنع والاستسمساك ولايناسب تفسيرها بالتنزه ، بل لابد من تفسيرها بنحو يناسب المعنى اللغوي أو الادلة ، والتنزّه لا يناسبالادلة كما عرفت ولا المعنى اللغوي فلابد في تنزه المعصوم من عاصم وحافظ .

قول آخر في تعريف العصمة:

وقيل في تعريفها :

أنها صفة قوية نفسانية تحصل من مشاهدة ملكوت عالم الوجود وباطنه . وهذه القدرة القوية الغيبية اذا حصلت لاحد يُعصم صاحبها ويحفظ عن مطلق الخطاء والذنب وهي ضامنة لصيانة صاحبها من الجهات التالية :

1 - في مقام تلقي الحقايق يدرك ويشعر بحقيقتها من دون خطاء .

2 - في ضبط الاحكام الشرعية وصيانتها لا يسهو ولا يتخلف ولا يشتبه عليه .

3 - في ابلاغ الاحكام لا يخالف ماهو الحق لا عمداً ولا خطاء .

4 - في مقام العمل بالوظائف الشرعيّة لا يرتكب ذنباً لا عمداً ولا خطاء ابداً ولا يحتمل في حقه ذلك اصلاً بعد ملاحظة حصول هذه الصفة فيه .

هذه هى العصمة ، ولكن لا بمعنى عدم امكان المعصية في حق المعصوم بنحو لا يقتدر عليها لكي يكون مجبوراً على الطاعة ، بل هو في اختياره وكونه مالكاً لنفسه کسائر الناس ، الا انه بعدما يرى بواطن عالم الوجود ويشاهد بعين بصيرته حقيقة العالم وله قدرة معنوية غيتية ، فعوامل الذنب لديه مقهورة مغلوبة لا تؤثر فيه شيئاً اصلاً وابداً ، فهو برىء من الذنب دائماً . انتهى

ص: 257

بعض ما يرد على هذا التعريف من الاشكال:

وهذا التعريف على متانته و دقته ايضاً لا يخلو عن غموض واشكال :

1 - انّ العصمة عندنا معاشر الشيعة الامامية الاثني عشريه ، ثابتة للانبياء والائمة عليهم الصلوة والسلام من اول عمرهم الى آخره سواء كان بالنسبة الى ماقبل وصولهم الى هذا المقام أم بعده ، مع ان بعض مارتبه على العصمة لا يلائم لما قبل الوصول الى مقام النبوة والامامة كحفظ الاحكام او ابلاغها بلا خطأ ، الا ان يُقال بحصول القدرة لهم قبل ذلك أيضاً ، ولكن لادليل عليه لو لم يكن الدليل على خلافة كقوله تعالى ﴿سنقرئك فلا تنسى﴾(1)وقوله تعالى ﴿وعلمك مالم تكن تعلم﴾(2)وغير ذلك .

2 - ان العصمة ليست قدرة نفسانية مجرّدة ، بل هي مضافة الى نوع من امداد غيبي الهي كما يدلّ عليه الاعتبار والادلة السمعية كقوله تعالى : ﴿ولولا فضل الله عليك و رحمته لهمت طائفة منهم ان يضلوك﴾(3)وكقوله :﴿ولولا ان ثبتناك لقد كدت تركن اليهم شيئاً قليلاً * اذاً لأذقناك ضعف الحيوة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيراً﴾(4)الى غير ذلك من الآيات مضافاً الى الرويات التي لعلك ستسمع بعضها انشاء الله تعالى .

3 - الظاهر انها ليست محصولة من مجرد مشاهدة ملكوت عالم الوجود ، بل تحتاج ولو في بعض مراتبها الى جد واجتهاد في سبيل مرضاة الله وعبادته والفناء في وجه الله سبحانه وتعالى .

ولعله الى ذلك يشير قوله تعالى : ﴿فجعلناهم أئمةً يهدون بامرنا لما صبروا وكانوا باياتنا يوقنون . فلم يصلوا الى هذه المنزلة الشريفة بمجرد ان كانوا بآياته يوقنون الا بعد ان صبروا على اطلاق معنى كلمة الصبر في كل ما تتحمله من المعاني كالصبر

ص: 258


1- الا على ، 6.
2- النساء 113.
3- النساء 113.
4- الاسراء 74 - 75.

على الطاعة وعلى ترك المعصية وفي جميع ما يرد عليهم من الواردات المانعة عن السلوك الصراط المستقيم .

ما ذكره سيدنا الاستاذ العلامة الطباطبائي في تفسير العصمة:

وقال سيدنا و استاذنا فى الفلسفة و تفسير القرآن العلامة الطباطبائي دام مجده العالي في تفسير الميزان(1)في ذيل قوله تعالى : ﴿وانزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك مالم تكن تعلم﴾قال :

ظاهر الآية ان الامر الذي تتحقق به العصمة نوع من العلم، يمنع صاحبه عن التلبس بالمعصية والخطاء . وبعبارة أخرى علم مانع عن الضلال كما ان سائر الاخلاق كالشجاعة والعفّة والسخاء كل منها صورة علمية راسخة موجبة لتحقق آثارها مانعة عن التلبس باضدادها من آثار الجبن و التهوّر والخمود و الشره و البخل و التبذير.

والعلم النافع والحكمة البالغة وان كانا يوجبان تنزّه صاحبها عن الوقوع في مهالك الرذائل والتلوث باقذار المعاصي كما نشاهد في رجال العلم والحكمة والفضلاء من اهل التقوي والدين ، غير ان ذلك سبب غالب كسائر الاسباب الموجوده في هذا العالم المادي الطبيعي ، فلا تكاد تجد متلبساً بكمال يحجزه كماله متلبساً بكمال يحجزه كماله من النواقص ويصونه عن الخطاء صوناً دائميّاً من غير تخلّف سنة جارية في جميع الاسباب التي نراها ونشاهدها .

و الوجه في ذلك ان القوى الشعورية المختلفة في الانسان يوجب بعضها ذهوله عن حكم البعض الآخر او ضعف التفاته اليه كما ان صاحب ملكة التقوى مادام شاعراً بفضيلة تقواه لايميل الى اتباع الشهوة غير المرضية ويجري على مقتضى تقواه غير ان اشتعال نار الشهوة وانجذاب نفسه الى هذا النحو من الشعور ، ربما حجبه عن تذكر فضيلة التقوى او ضعف شعور التقوى فلا يلبث دون ان يرتكب مالا يرتضيه التقوى ويختار سفساف الشره ، و على هذا السبيل سائر الاسباب الشعورية في الانسان ، والا فالانسان

ص: 259


1- ج 5 ص 80.

لا يحيد عن حكم سبب من هذه الاسباب مادام السبب قائماً على ساق . ولا مانع من تأثيره ، فجميع هذه التخلّفات تستند الى مغالبة التقوى والاسباب وتغلب بعضها على بعض .

ومن هنا يظهر ان هذه القوة المسماة بقوة العصمة ، سبب شعوري علمي غير مغلوب البتة ولو كانت من قبيل مانتعارفه من اقسام الشعور والادراك لتسرب اليها التخلف وخبطت في اثرها احياناً ، فهذا العلم من غير سنخ سائر العلوم والادراكات المتعارفة التي تقبل الاكتساب والتعلّم ، وقد اشار الله تعالى اليه في خطابه الذي خص به نبيه صلى الله عليه وآله بقوله : ﴿وانزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك مالم تكن تعلم﴾ وهو خطاب خاص لانفقهه حقيقة الفقه اذ لاذوق لنا في هذا النحو من العلم والشعور ، غير ان الذي يظهر لنا من سائر كلامه تعالى بعض الظهور ، كقوله تعالى - ﴿قل من كان عدواً لجبريل فانّه نزّله على قلبك﴾(1)وقوله ﴿نزل به الروح الامين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين﴾(2)ان الانزال المذكور من سنخ العلم ، ويظهر من جهة اخرى ان ذلك من جهة الوحي والتكليم كما يظهر من قوله تعالى : - ﴿شرع لكم من الدين ماوصى به نوحاً والذي أوحينا اليك و ما وصینا به ابراهیم و موسی و عيسى (الايه)﴾(3)وقوله ﴿انا أوحينا اليك كما أوحينا الى نوح والنبيين من بعده﴾(4)وقوله ﴿ان اتبع الأ ما يوحى الي﴾(5)وقوله ﴿انما اتبع ما يوحى الي﴾(6)و يستفاد من الآيات على اختلافها ، ان المراد بالانزال هو الوحي وحي الكتاب والحكمة . وهو نوع تعليم الهي لنبيه صلى الله عليه وآله غير ان الذي يشير اليه بقوله - و علمك مالم تكن تعلم ، ليس هو الذي علمه بوحي الكتاب والحكمة فقط فان مورد الآية قضاء النبي صلى الله عليه وآله في الحوادث الواقعة و الدعاوي التي ترفع اليه برأيه الخاص و ليس ذلك من الكتاب والحكمة بشيء و ان كان متوقفاً عليهما بل رأيه و نظره

ص: 260


1- البقرة 97.
2- الشعراء 95.
3- الشورى 13.
4- النساء 193.
5- الانعام 50.
6- الاعراف 203.

الخاص به.

ومن هنا يظهر ان المراد بالانزال والتعليم في قوله : ﴿وانزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك مالم تكن تعلم﴾ ، نوعان اثنان من العلم ، احدهما : التعليم بالوحي ونزول الروح الامين على النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)والآخر : التعليم بنوع من القاء في القلب و الالهام الخفي الالهي من غير انزال الملك وهذا هو الذي تويده الروايات الوارده في علم النبي صلى الله عليه وآله .

و على هذا فالمراد بقوله - ﴿وعلمك مالم تكن تعلم﴾ ، آتاك نوعاً من العلم لولم يؤتك اياه من لدنه لم يكفك في اتيانه الاسباب العادية التي تعلم الانسان ، ما يكتسبه من العلوم .

فقد بان من جميع ما قدمناه ان هذه الموهبة الالهيه التي نسميها قوة العصمة نوع من العلم والشعور يغاير سائر انواع العلوم في أنه غير مغلوب لشيء من القوى الشعورية البته ، بل هي الغالبة القاهرة عليها ، المستخدمة اياها ، ولذلك كانت تصون صاحبها من الضلال والخطيئة مطلقاً ، وقد وردت في الروايات انّ للنبي(صلی الله علیه و آله و سلم)والائمة روحاً تسمى روح القدس تسدّده وتعصمه عن المعصية والخطيئة وهي التي يشير اليها قوله تعالى ﴿وكذلك أوحينا اليك روحاً من امرنا ماكنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا﴾(1)بتنزيل الآية على ظاهرها من القاء كلمة الروح المعلّمة الهادية الى النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، ونظيره قوله تعالى ﴿جعلناهم ائمة يهدون بامرنا وأوحينا اليهم فعل الخيرات واقام الصلوة وانباء الزكوة وكانوا لنا عابدين﴾(2)بناء على ماسيجيء من بيان معنى الآية انشاء الله العزيز ، ان المراد به تسديد روح القدس الامام بفعل الخيرات وعبادة الله سبحانه . انتهى كلامه دام تأييده وجزاه الله عن الاسلام والقرآن خيراً .

وهذا تحقيق دقيق عميق ولكن للنظر والمناقشة فيه مجال .

ص: 261


1- الشورى 52.
2- الانبياء 73.

النظر فيما ذكره دام ظله و المناقشات عليه:

1 - أنّ الآية المبحوث عنها في كلام سيدنا الاستاذ دام ظله صريحة في اعطاء ذلك العلم للنبي(صلی الله علیه و آله و سلم)حين رسالته ولم يكن له قبلاً ، فقال سبحانه ﴿وعلمك مالم تكن تعلم الآيه ، فلو جعلنا ذلك العلم هو العصمة فلازمه عدم تحقق العصمة له قبل ذلك الحين ويصير معنى الآية : وجعلك الله تعالى معصوماً ولم تكن كذلك قبلاً ، مع ان العصمة ثابتة لهم عندنا قبل النبوة والامامة وبعدهما .

نعم يمكن ان يقال ولعله الصحيح : ان للعصمة مراتب مترتبة يرتقي المعصوم من مرتبة الى مرتبة آخرى تدريجاً ، فالمرتبة التي قبل الوصول الى النبوة دون المرتبة التي حين الوحي اليه بمنصب السفارة وهي دون المرتبة التي يصل اليها بعد ان يثقل عليه اعباء الرسالة أو بعد عروجه الى السماء وامثال ذلك ، و على هذا فقوله تعالى ﴿وعلملك مالم تكن تعلم﴾ يراد به مرتبة من العصمة لم يصل اليها قبلاً ولو كان قبل ذلك ايضاً معصوماً ولكن دون هذه المرتبه هذا ، ولكن المفروض ان سيدنا الاستاذ دام ظله فسّر مطلق العصمة بذلك لا مرتبة خاصة منها .

2 - العلم هو انكشاف الشيء وظهوره لدى العالم ظهوراً تاماً خالياً عن شوب الخفاء وهو وان كان مؤثراً في التحفظ والتنزه في قبال ما يسقط عن الصراط المستقيم والطهارة عن القذارات المعنوية والمعاصي و الزلل ، الا انه من الظاهر ان التنزه والقداسة شيء غير العلم ، كما انّ السخاء و الشجاعة و غيرهما من الملكات الفاضلة وكذا الملكات الرذيلة كالحسد و البخل والجبن و امثالها ايضاً كذلك فلا يناسب ان يقال : ان السخاء و الشجاعة والعفّة صور علّمية فقط مانعة عن التلبس باضدادها ، فهل اضدادها صور جهلية تورث التلبس بتلك الملكات الرذيلة ؟ كلاً ، بل هى من صفات النفس أو ملكاتها ولكل منشأ خاص ، وان كان لاتفارق شعور النفس ولكن ليس نفس الشعور كما يظهر على من راجع وجدانه .

وبالجملة ، فالعلم بالحقائق وان كان مما يستلزم كثيراً ما الاجتناب عما يضر

ص: 262

والاقبال الى ما ينفع وماهو الوظيفة الواصلة الى ذلك ، الا انه ليس هو المحرك أو الرادع القاطع بنحو لا يتخلّف ، كما اعترف به السيد الاستاذ دام ظله ، فالعلم بانواعه واقسامه لا يخرج عن كونه ظهور المعلوم وحضوره لدى العالم به ، فلا بد من شيء آخر يكون هو الحافظ العاصم عن العصيان والمحرك نحو الطاعة

3 - انّ منشأ الاثار والافعال من الانسان هو نفسه المدبرة له، الا انها في مدارجها الكمالية لها رشد وارتقاء من المراتب النازلة الى ما فوقها وتتصوّر النفس في كل مرتبة بصورة خاصة ونعبر عما يحكي عن تلك الصور بالملكات ، فهي في كل مرحلة من تلك الصور ، لها آثار وافعال تناسبها في تلك الصور، ولعله لذلك ترى في الروايات التي اشار اليها السيد الاستاذ دام عبّرت عن ذلك بروح القدس كما في رواية المفضل بن عمر المروّية في الكافي عن الصادق عليه السلام - فيها - فقال : «يا مفضّل ان الله تعالى جعل في النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)خمسة ارواح ، روح الحيوة فيه دبّ ودرج - الى ان قال : وروح القدس ، فَبِه حمل النبوة ، فاذا قبض النبي صلى الله عليه وآله انتقل روح القدس فصار الى الامام و روح القدس لاينام ولا يغفل ولا يلهو و لا يزهو و الاربعة ارواح تنام و تغفل و تلهو و تزهو وروح القدس كان يرى به».

نعم ، ظاهر كثير من الروايات في خلال أبواب ما يتعلق بالحجج الطاهرين صلوات الله عليهم اجمعين ان هذا الروح انما ينتقل اليهم بعد مضي من قبله وانتقال الامر اليه كما لعله ظاهر قوله تعالى : ﴿وعلملك مالم تكن تعلم﴾ مع ان العصمة ثابتة لهم قبل ذلك ايضاً ، فلا محالة تكون هذه المرتبة من العصمة المعتضدة بتعليمه ، مالم يكن يعلم مختصة بهم حين السفاره والامامة في مرتبة خاصة تقتضي ذلك .

وبالجملة فالعصمة والتنزه والقداسة والطهارة من اوصاف النفس الانسانية التي تشعر وتدرك ، فافعالها واوصافها كلّها شعورية علمية ، لكن لا يصح ان يقال : انها نفس العلم او المحقق لها هو العلم فقط ، فانظر الى صفة التقوى او العفّة وامثالها ، فانها ترتبط بنوع من شموخ النفس وعلوها وتكرمها ونزاهتها وقداستها ، فالمميز بين المتقي وبين غيره أو العفيف وغيره ليس هو العلم والجهل ، بل ذلك من علو النفس ورقيها مع الوقوف على الحقيقة فاستمساك النفس وتملكها لزمامها في قبال العوامل المردية المسقطه غير

ص: 263

علمها بالحقائق وان كان لا يتحقق نوعاً الا مع نوع من العلم وسيجيء انشاء الله مايزيد به وضوحاً .

ما ذكره الراغب الأصبهاني في مفرداته:

وقال الراغب الأصبهاني في مفرداته ما لفظه : - وعصمة الانبياء حفظه (أي الله تعالى) اياهم أولاً بما خصهم به من صفاء الجوهر ، ثم بما اولاهم من الفضائل الجسمية والنفسية، ثمّ بالنصرة وتثبيت اقدامهم، ثمّ بانزال السكينة عليهم وبحفظ قلوبهم وبالتوفيق انتهى .

تمحیص و تذييل على ما ذكره الراغب:

وفي هذا التعريف على ايجازه مزايا وهي :

1 - التوجه الى وجود المراتب في العصمة من اوّل من اوّل نشأة المعصوم .

2 - التدرّج في العصمة الى مراتب الترقي فيها الى اعلى مراتبها .

3 - اشتراك جميع المراتب في حقيقة الحفظ والعصمة وان التدرّج ليس من غير العصمة الى العصمة ، بل منها واليها الا انه من مرتبة الى مرتبة فوقها .

4 - الجمع في نسبة العصمة الى نفس المعصوم وذاته والى الله سبحانه وتعالى على ماهو مقتضى الحكمة الالهية ، فليست مجرد حفظ الله من من دون مدخلية لنفس المعصوم وذاته ، كما زعمه جماعة من العامة في اقوالهم ورواياتهم حتى قالوا في تفسير قوله تعالى: ﴿ولقد همّت به و هم بها لولا آن رای برهان ربه﴾ ان الله سبحانه أراه يعقوب اباه او الروح الامين أو لامه جبرئيل حتى امسك عنها . كما انها ليست مجرد قدرة نفسانية في المعصوم من دون مدخليّة للامداد الغيبي واتصال رحمة من الله سبحانه ، كما زعمه بعض آخر وقد تقدم ان ذلك مخالف لجملة من الآيات والروايات هذا ولكن مع ذلك لا يخلو عن غموض وخفاء من جهات سنذكر بعضها وكأنه نظر الى كلمة العصمة

ص: 264

بالمعنى المصدري وذكر جميع المراتب بما انها الحفظ لهم من الله سبحانه لا المعنى الاسم المصدري وهو الحالة المتحضّلة لهم وفيهم بعد الصيانة من الله بمراتبها .

وبالجملة فالجهات الغامضة الخفية فيه هي :

1 - لم يذكر السعي والجد والاجتهاد من المعصوم بل جعل جميع مراتبها بامساك من الله لنفوسهم عن الزلة في الصراط المستقيم وذلك مخالف لكثير من الادلة كما سيأتي انشأ الله تعالى .

2 - لم يبين العصمة بنحو يمتاز عن العدالة في مرتبتها الراقية التي توجد في بعض الصلحاء والاوتاد فانّ كثيراً مما ذكره مشترك بين صلحاء المؤمنين والمعصومين قال تعالى : ﴿فانزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين والزمهم كلمة التقوى وكانوا احق بها واهلها﴾(1)وقال تعالى : ﴿ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم﴾(2)وقال تعالى : ﴿يُثبت الله الذين امنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة﴾(3)، وهكذا في غير ذلك من الفاظ التعريف .

3 - لم يصرّح بدخالة العلم فيها ولاسيما ان العصمة تشمل جميع حالات المعصوم بنحو لا يغشاه غفلة وذهول وسهو ونسيان في الصراط المستقيم، وقد رايت ان بعض الاكابر جعلها نفس العلم بنحو خاص لاندركه ، ونحن وان انكرنا ذلك كما الا انه سبق لا يمكن انكار مدخليته فيها ولاسيما في مقام تلقي الوحي واداء الرسالة . هذا .

وللراغب تفسير آخر لطيف ينقله عنه صاحب شرح النهج صاحب شرح النهج السيد الخوئي(قدس سره)سيأتي عمّا قريب انشا الله.

ما ذكره السيد الخوئى قده شارح نهج البلاغه في تفسير العصمة:

*ما ذكره السيد الخوئى قده شارح نهج البلاغه في تفسير العصمة(4):

وقال السيد المحقق الخوئي(قدس سره)في شرح نهج البلاغة : اعلم ان الناس اختلفوا

ص: 265


1- الفتح 26.
2- محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)7.
3- ابراهیم 27.
4- ج 1 ص 166 الطبعة القديمة.

في عصمة الانبياء عليهم السلام على اقوال شتّىء ، وينبغي ان نشير اولاً الى معنى العصمة .

فنقول : العصمة في اللغة اسم من - عمصه من المكروه يعصمه من باب ضرب - اي حفظه ووقاه ومنعه عنه وفي الاصطلاح هي ملكة اجتناب المعاصي مع التمكن منها .

وقال الراغب هي فيض الهي يقوى بها الانسان على تحرّي الخير وتجنّب الشّر حتى يصير كمانع له وان لم يكن منعاً محسوساً .

وقال العلامة في الباب الحادي عشر : العصمة لطف خفّي يفعل الله بالمكلف بحيث لا يكون له داع الى ترك الطاعة وارتكاب المعصية مع قدرته على ذلك .

وقال المرتضى فى كتاب الغرر والدرر - العصمة اللطف يفعله الله تعالى فيختار العبد عند ذلك الامتناع من فعل القبيح ، فيقال على هذا ان الله عصمه بان فعل له ما اختار عنده العدول عن القبيح ، ويقال ان العبد معصوم لأنه اختار عند هذا الداعي الذي فعل له الامتناع من القبيح . واصل العصمة في موضوع اللغة المنع ، يقال عصمت فلاناً من السوء اذا منعت من حلوله به ، غير ان المتكلمين أجروا هذه اللفظة على من امتنع باختيار عند هذا اللطف الذي يفعله الله تعالى به ، لأنه اذا فعل به ما يعلم انه يمتنع عنده من فعل القبيح ، فقد منعه من القبيح فاجروا عليه لفظة المانع قهراً او قسراً ، واهل اللغة يتعارفون ذلك ايضاً ويستعملونه لأنهم يقولون فيمن اشار على غيره برأى فقبله منه مختاراً واحتمى بذلك من ضرر يلحقه وسوء يناله انه حماه من ذلك ومنعه وعصمه منه وان كان على سبيل الاختيار . انتهى

وقد ظهر مما ذكرنا كله ، انّ العصمة ملكة مانعة عن ارتكاب المعاصي وموجبة لاتيان الطاعات على وجه الاختيار ، فما ذهب اليه بعضهم من ان المعصوم مجبول عليها وأنه لا يمكنه الاتيان بالمعاصي باطل جداً والا لما استحق مدحاً كما هو ظاهر . انتهى كلام شارح النهج قدس سره .

وقد اشتمل كلامه على تفاسير عديدة للعصمة عن ثلاثه من الاعاظم .

ص: 266

تنقیح و تمحیص على كلام شارح النهج في تفسير العصمة:

اقول : قد ظهر مما ذكرناه قبلاً ان تفسير العصمة بالملكة المانعة عن المعصية الموجبة للطاعة ، غير مناسب اصلاً فانها تصير حينئذ مرادفاً للعداله ، بل اخفض منها حيث اشترطوا في العدالة اجتناب ما يخالف المروئة ايضاً .

ثم ان الملكة صفة راسخة في النفس تحصل تدريجاً لمن تدرب لشيء حتى اعتاده . و على هذا فبالنسبة الى الانقياد للشرع عبارة عن ملازمة العزم والعمل بطاعة الله وترك معاصيه حتى يصير ذلك صفة راسخة نفسانية غير زائلة عن صاحبها في الاحوال المختلفة . وهذه هي التي اعتبره كثير من الفقهاء في امام الجماعة والشهود ومرجع القضاء والتقليد وامثال ذلك وان كان تتأكد في مرجع التقليد على وجه وجيه .

على انه لم يذكر في شرائطها العلم الخاص الذي معه لا يغفل ولا يخطأ كما سبق وكذا الامداد الغيبي الالهي الذي صرّح به عدة من الاعاظم وفي جملة من الآیات والروايات كقوله تعالى ﴿ولولا فضل الله عليك و رحمته لهمت طائفةٌ يضلوك﴾(1)وقوله تعالى ﴿ولولا ان ثبتناك لقد كدت تركن اليهم شيئاً قليلاً﴾(2) و امثال ذلك.

والعجب منه قدس سره انه يحكي عن الراغب و العلامه والسيد المرتضى رحمهم الله ، عناوين - الفيض الالهي او اللطف الخفي من الله أو اللطف يفعله الله - في تعريفها ومع ذلك يعدل عن ذلك الى عنوان الملكة .

ثم انّ ما حكاه عن بعض من ان المعصوم مجبول عليها و أنه لا يمكنه الاتيان بالمعاصي ، لعل القائل به لم يرد عدم قدرته ذاتاً على فعل المعاصي وترك الطاعة ليشكل عليه بأنّه عليه لما استحق مدحاً ، بل اراد بذلك الضرورة بشرط المحمول بمعنى انه بعد ماكان ذاته من جهة أعتصامه وعصمته وطهارته وقداسته وعلمه وقربه من

ص: 267


1- النساء 113.
2- الاسراء 74

مجبولاً على الطاعات وترك المعصية ، فلا يمكنه وحاله هذه ان يقدم على ترك الطاعة او فعل المعصية

واما المنقول في كلامه عن هؤلاء الاعاظم (قدهم) ، فلا يخلو عن ابهام حيث لم يذكروا مقام العلم الخاص بهم ومراتب العصمة قبل السفارة والامامة وبعدها وغير ذلك مما أشير اليه فيما سبق وقد مرّ توضيحه

نعم ، كلام السيد المرتضى علم الهدى(قدس سره)مشتمل على تحقيق خاص في قبال العامة الذين يذكرون في عصمة الانبياء عن المعاصي من الله سبحانه اسباباً قهريه وقسرية لها ، كما ذكروا في قوله تعالى ولقد همت به و هم بها لولا آن رای برهان ربه انه اتاه جبرئيل ولامه او تصور له يعقوب وغير ذلك حتى امتنع عن الفجور - فذكر السيد المرتضى ان المراد من عصمة الله لهم ومنعه ، ليس بهذه المثابة بل بنحو الامداد الغيبي العلمي والتأييد الروحي من الله سبحانه وتعالى بنحو لا يناقض الاختيار

ما ذكره الشيخ المفيد قده في اوائل المقالات في معنى العصمة:

وقال شيخنا المفيد اعلى الله مقامه في كتابه اوائل المقالات : - القول في عصمة الانبياء(صلی الله علیه و آله و سلم)- اقول ان جميع انبياء الله صلى الله عليهم معصومون من الكبائر قبل النبوة وبعدها و ممّا يستخف فاعله من الصغائر كلّها و اماما كان من صغير لا يستخف فاعله فجائز وقوعه منهم قبل النبوّة وعلى غير تعمّد وممتنع منهم بعدها على كل حال وهذا مذهب جمهور الامامية

والمعتزله باسرها تخالف فيه

القول فى عصمة نبينا محمد صلى الله عليه وآله خاصة :

اقول : ان نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلّم ممن لم يعص الله عزّ وجلّ منذ خلقه الله عزّ وجلّ الى ان قبضه ولا تعمّد له خلافاً ولا اذنب ذنباً على التعمد ولا النسيان وبذلك نطق القرآن وتواتر الخبر عن آل محمّد(صلی الله علیه و آله و سلم)وهو مذهب جمهور الاماميةوالمعتزله باسرها على خلافه

ص: 268

واما ما يتعلق به اهل الخلاف من قول الله تعالى ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر)(1)واشباه ذلك في القرآن ويعتمدونه في الحجة على خلاف ماذكرنا ، فانه تأويل بضد ما توهموه والبرهان يعضده على البيان ، وقد نطق الفرقان بما قد وصفناه فقال جل اسمه : والنجم اذا هوى ماضل صاحبكم وماغوى فنفى بذلك عنه كل معصية ونسيان.(2)

القول في عصمة الائمة عليهم السلام :

اقول : - ان الائمة القائمين مقام الانبياء(صلی الله علیه و آله و سلم)في تنفيذ الاحكام واقامة الحدود وحفظ الشرايع وتأديب الانام ، معصومون كعصمة الانبياء وأنهم لا يجوز منهم صغيرة الاّ ما قدمت ذكر جوازه على الانبياء ، وأنه لا يجوز منهم سهو في شيء في الدين ولا ينسون شيئاً من الاحكام ، وعلى هذا مذهب سائر الامامية الآ من شدّ منهم وتعلق بظاهر روايات لها تأويلات على خلاف ظنّه الفاسد من هذا الباب والمعتزلة باسرها تخالف في ذلك و يجوزون من الائمة وقوع الكبائر والردة عن الاسلام

القول في ولاة الائمة(علیهم السّلام)و عصمتهم و ارتفاعها وهل ولايتهم بالنص أو الاختيار :

اقول : - انه ليس بواجب عصمة ولاة الائمة(علیهم السّلام)وواجب علمهم بجميع ما يتولونه وفضلهم فيه على رعاياهم لاستحالة رئاسة المفضول على الفاضل فيما هو رئيس عليه فيه وليس بواجب في ولايتهم النص على اعيانهم وجائز ان يجعل الله اختيارهم الى الائمة المعصومين(علیهم السّلام)وهذا مذهب جمهور الامامية

وبنو نوبخت رحمهم الله يوجبون النص على اعيان ولاة الائمة ، كما يوجبون في

ص: 269


1- سورة الفتح 2
2- اوائل المقالات ص 68-69.

الائمة عليهم السّلام .(1)

ما ذكره المفيد قده فيما اضاف الى اخر كتابه في معنى العصمة:

وقال المفيد(قدس سره)فيما اضاف الى آخر کتابه اوائل المقالات:

اقول : العصمة في اصل اللغة هي ما اعتصم به الانسان من الشيء كأنه امتنع به عن الوقوع فيما يكره ، وليس هي جنساً من اجناس الفعل ، ومنه قولهم اعتصم فلان بالجبل اذا امتنع به ، ومنه سميت العصم(2)وهي وعول الجبال لامتناعها بها والعصمة من الله تعالى هي التوفيق الذي يسلم به الانسان مما يكره اذا اتى بالطاعة ، وذلك مثل اعطائنا رجلاً غريقاً حبلاً ليشبّث به فيسلم فهو اذا امسكه واعتصم به سمّي ذلك الشيء عصمة له لما تشبث به فسلم به من الغرق ولو لم يعتصم به لم يسم عصمة ، وكذلك سبيل اللطف ان الانسان اذا اطاع سمي توفيقاً وعصمةً وان لم يطع لم يسم توفيقاً وعصمة .

وقد بين الله ذكر هذا المعنى في كتابه بقوله : ﴿واعتصموا بحبل الله جميعاً(3)﴾وحبل الله هو دينه ، الاترى انهم بامتثال امره يسلمون من الوقوع في عقابه فصار تمسكهم بامره اعتصاماً وصار لطف الله لهم في الطاعة عصمة فجميع المؤمنين من الملائكة والنبيين والائمة معصومون ، لانهم متمسكون بطاعة الله تعالى وهذا جملة من القول في العصمة ما اظنّ احداً يخالف في حقيقتها وانما الخلاف في حكمها وكيف تجب وعلى اي وجه تقع وقد مضى ذكر ذلك في باب عصمة الانبياء وعصمة نبينا عليه وعليهم الصلوة والسلام وهي في صدر الكتاب وهذا الباب ينبغي ان يضاف الى الكلام في الجليل انشاء الله تعالى . انتهى(4)

ص: 270


1- اوائل المقالات ص 74 الى ص 75.
2- والاعصم من الظباء والوعول الذي في ذراعيه او احدى يديه بياض (مجمع البحرين).
3- سورة آل عمران آية 104.
4- اوائل المقالات ص 150.

تلخیص و تمحیص و تذييل على ما ذكره شيخنا المفيد قده:

اقول الذي يستفاد من مجموع ماذكره قدس الله روحه الطاهرة :

1 - جميع الانبياء معصومون من الكبائر قبل النبوّة وبعدها وكذا مما يستخف فاعله من الصغائر ايضاً قبل النبوة وبعدها .

وما لا يستخف فاعله ، فلا يجوز منهم على التعمد مطلقاً وكذا بعدها واما قبل النبوة على غير تعمد فيجوز .

2 - أن نبينا صلى الله عليه وآله كان معصوماً قبل النبوة وبعدها من الكبائر والصغائر فما اذنب اصلاً لاعمداً ولا نسياناً لقوله تعالى ﴿ماضل صاحبكم وماغوى﴾ وهذا يختص به وينفي عنه كل ذنب وغواية وضلالة .

3 - الائمة عليهم السلام مثل سائر الانبياء في عصمتهم من الكبائر ومن الصغائر عمداً مطلقاً قبل الامامة وبعدها ويجوز الصغائر قبلها على غير تعمد فيما لا يستخف فاعله

4 - الولاة من قبل الائمة لايجب عصمتهم ، بل يجب علمهم بجميع ما يتولونه وكونهم افضل الرقية فيما هو رئيس عليهم .

5 - العصمة من الله التوفيق الذي يسلم به الانسان عن ترك الطاعه عن الوقوع في المعصية ، وفي المعصوم الاحتماء والاعتصام والامتناع بدين الله عن الوقوع في عقابه فيعمل على دينه فيعتصم عن عقابه وهو قوله تعالى ﴿واعتصموا بحبل الله﴾- والملائكة والنبييون والائمة تمسكوا بامره وصار لطف الله لهم عصمة لهم ، فهم معصومون .

هذه خلاصة ما اختاره في العصمة وما حققه في معناها .

ولابأس بالتذكر في مواقف من كلامه .

1 - مافصله بين الذنوب من الكبائر والصغائر في العصمة يخالف ما اختاره قبلاً من انه ليس في الذنوب صغيرة وانما يكون فيها بالاضافة الى غيره الخ فراجع كتابه ص98.

2 - ماحققه واضاف الى آخر الكتاب من الآية ﴿واعتصموا بحبل الله﴾ تحقيق

ص: 271

لطيف يتضمن اختيارية العصمة - وكونها في المعصوم بجده واجتهاده - وكونها بتأييد من عند الله - وان غير المعصومين لم يعتصموا بدين الله بنحو كامل لتحصل لهم العصمة - وان الدعوة بالاعتصام عام لجميع المكلفين ﴿واعتصموا بحبل الله جميعاً﴾ فمن اعتصم بدين الله عصمه الله وحماه وحفظه من العقاب - ولذا قال هذه جملة من القول في العصمة ما اظن احدا يخالف في حقيقتها .

3 - لا يخفى ان من اختاره الله للسفارة وقدوة الناس وليكون نوراً على الصراط المستقيم ليمشي الامة على ضوئه ، لا يمكن ان يكون فيه ظلمة ولا ظلم ولا انحراف واعوجاج ولذا قال سبحانه ﴿لاينال عهدي الظالمين﴾(1)وقال ﴿لايخاف لدي المرسلون﴾(2)وقال ﴿الا من ارتضى من رسول فانّه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً ليعلم ان قد ابلغوا رسالات ربّهم واحاط بما لديهم واحصى كل شيء عدداً﴾(3)فمن كان فيه اقل ظلم أو ظلمة فلا يختاره الله تعالى على رسالاته ليكون نوراً على صراطه المستقيم ولم يكن مخلصاً عن كل نقص وزلة وذنب لكي لا يغويه الشيطان حتى يصير اميناً على وحي الله ودينه وتبليغ رسالاته.

وعلى هذا فالانبياء والائمة جميعاً ، لابد وان يكونوا معصومين من كل ذنب وزلّة وضلالةٍ صغيرةً أو كبيرةً عمداً أو سهواً و نسياناً وخطأ قبل النبوة والامامة أو بعدهما سواء كان مما يستخف فاعله اولاً فان ذلك على الحقيقة لاما يترائي عند الناس .

وسيأتي انشاء الله تعالى ما يزيد به وضوحاً .

ص: 272


1- البقرة 124.
2- النمل 10.
3- سورة الجنّ 27 - 28.

تلخيص الاقوال في معنى العصمة وتفسيرها:

والى هنا عرفت انموجاً من الاقوال في تعريف حقيقة العصمة وتفسيرها وقد نبهنا

على بعض مافيها من القصور والغموض . ويتلخص من تلك الاقوال ان العصمة :

2 - هي كون المكلف بحيث لا يمكن ان يصدر منه المعاصي من غير اجبار على ذلك .

2- هي كونه متمكناً من المعاصي لكن لا يصدر منه كبيرة ولا صغيرة لا بالعمد ولا بالسهو ولا بالتأويل من أوّل عمره الى آخره .

3 - هي من الله تفضّل وتوفيق ولطف على من علم أنه يتمسك بعصمته ، المعصوم هي الاعتصام بحبل الله .

4 - هي اللطف الذي يفعله الله تعالى بعبده فيختار العبد عنده الامتناع من فعل القبيح .

5 - هي كونهم مطهرون من كل دنس ولا يذنبون ذنباً صغيراً ولا كبيراً ولا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون .

6 - المعصوم مختص في بدنه ونفسه بخاصة تقتضي امتناع اقدامه على المعصية .

7- هي القدرة على الطاعة وعدم القدرة على المعصية .

8 - هي الامر الذي يفعله الله تعالى بالعبد من الالطاف المقربة الى الطاعات التي يعلم معها انه لا يقدم على المعصية بشرط ان لا ينتهي الى الإلجاء .

9 - هي ملكة نفسانية معها لا يصدر عن صاحبها المعاصي .

ص: 273

10 - هي التنزه عن الذنوب والمعاصي صغيراً او كبيراً وعن الخطاء والنسيان وان لم يمتنع عقلاً وكذا يجب ان ينزّه عما يخالف المروئه كالاكل في الطريق والضحك العال وكلما يستهجن في العرف العام .

11 - هي صفة قويه نفسانية تحصل من مشاهدة ملكوت عالم الوجود وباطنه بحيث اذا حصلت تلك القوة تضمن لصيانة صاحبها عن مطلق الذنب والخطاء في مقام تلقي الوحي وفي مقام ضبطه للاحكام الشرعية وفي مقام تبليغها وفي مقام العمل بمقتضى وظائفه .

12 - فيض الهى يقوى بها الانسان على تحري الخير وتجنّب الشر حتى يصير كمانع له وان لم يكن محسوساً .

13 - سبب شعوري علمي يغاير سائر العلوم في أنه غير مغلوب البتة لشيء من القوى الشعورية ، بل غالب عليها ويستخدم اياها بحيث يصون صاحبه عن الضلال والخطيئة .

14 - حفظ الهي للمعصوم بما خصهم الله من صفاء الجوهر ، ثم بما اولاهم من الفضائل الجسمية والنفسية ، ثم بالنصرة وتثبيت القدم ، ثم بانزال السكينة عليهم وحفظ قلوبهم والتوفيق لهم .

15 - لطف خفي يفعل الله بالمكلف بحيث لا يكون له داع الى ترك الطاعة وارتكاب المعصية مع القدرة عليها .

ص: 274

في معرفة العصمة نستمد من القران و اخبار المعصومين(علیهم السّلام)

اقول : ماذكروه نور الله ارواحهم وان كان لكلّ نور يتبين به جانب من جوانب العصمة وجهة من هذه الحقيقة والمزية الالهية في النشأة الانسانية فجزيهم الله تعالى عن الدين واهله خير الجزاء ورفع ذكرهم باحسن ثناء .

من البش الا انّ معرفتها بحقيقتها وحدودها لا يتيسر الا لمن تحلى بحليتها ولو بادنى مراتبها فانها مرتبة نفسانية لا يعرفها الا النفس التي نالت منها ووصلت الى مرتبة منها .

ونحن لو اردنا النظر الى علوها وعظمتها من النواحي المناسبة لها ، فلا بد من اقتباس ذلك من الوحي القرآني واقوال المعصومين صلوات الله عليهم اجمعين وهم عليهم السلام وان قالوا : ان حديثنا صعب مستصعب لا يحمله الآ ملك مقرب أو نبي مرسل أو مؤمن امتحن الله قلبه للايمان، ولكن مالا يدرك كله لا يترك كله ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سُبُلنا وانّ الله لَمَع المحسنين﴾ ، ولعل طرح هذا البحث ممّا يبعث المحققين واهل النظر من الباحثين الى هذا المضمار لاتحاف روّاد العلم وطلاب الحقيقة باحسن وامتن من ذلك والله ولي التوفيق .

فنقول اولاً : ان العصمة ليست كلمة شايعة في الادلة الدالة على هذه الحقيقة في القرآن أو الروايات لنبحث عنها من حيث اللغة وما يتضمنها من المعنى بل هي عنوان اجمالي لما عليه من كان من المعصومين من الانبياء والائمة الطاهرين صلوات الله عليهم اجمعين من الطهارة والقداسة والاعتصام والاحتفاظ في قبال عوامل التمرد والطغيان والعصيان فالبحث عن هذه اللغة كما سبق في كلام عدّة من اكابر علمائنا ليس متضمناً لكثير نفع فيما نحن بصدده .

ص: 275

وثانياً: ان العصمة ليست كالعلم والحلم و السماحة و الشجاعة و امثالها من الملكات الفاضلة مختصة بجانب من جوانب النفس، بل هي عنوان اجمالي لارتقاء النفس وعظمتها وطهارتها وعلوها ومناعتها وسعتها في شتى جوانبها وابعادها .

فليس البحث عنها مما يقتصر به فى ناحية خاصة من النفس وافعالها وصفاتها من المعصوم ، بل للمعصوم قرب خاص من الله سبحانه المستجمع لصفات الجمال والجلال .

فكل صفة من صفاته تعلو وترتقي بهذه القِمَة وتقترب بهذا السماء والاعمال والافعال تصدر عنه على ضوء انواره وكمالاته ونزاهته وقداسته .

فلكل صفة من صفاته وكل فعل من افعاله وكل جلوة من تجليات نفسه الشامخة لون خاص غير سائر الناس وهو لون العصمة وجلوة المقرّب الى الله سبحانه ، فجوده وشجاعته وصبره وعلمه ورحمته ومناعته ومعاشرته وعبادته ونزاهته و قداسته وطهارته وغيرها من صفاته وافعاله مما يبرز شموخ نفسه ونهاية قربه الى الله وعلو ذاته وطهارة اعراقه ونزاهة افكاره وقداسة باطنه وارتقاء روحه ، وليس في جانب من جوانبه ادنى قذارة ليدنو اليه حشرات الاوهام ووساوس الشيطان ، وهذا هو الذي اعترف به ابليس حيث اجترأ بغروره اولاً وقال ﴿لاغوينهم اجمعين﴾ - ثم بعد ذلك قال - ﴿الا عبادك منهم المخلصين﴾.

ان لنفس الانسان لطافة خاصة تنفعل وتتأثر عما يفعله سواء كان من قسم الطاعات والكمالات فتستوجب بها مزية الكمال في ذاتها او كانت من قسم المعاصي والمنهيات فتستوجب بها نقصاً وتنزلاً وسقوطاً .

والنقص موجب لئلا يتهيأ بعد لاستكانة وتواضع و خشوع في قبال اوامر الله تعالى و نواهيه على ماهو حقه، يعني ينقص عما كان عليه في ذلك قبلاً كما ان الكمال يستوجب خلافه وان يزيد في اقبالها الى الله تعالى و اوامره و الاطاعة عما نهى عنه .

وان شئت قلت : ان الافعال آثار لتجليات النفس أو تنزلاتها في مرتبتى الكمال والنقص ، فالافعال الحسنة كاشفة عن ارتقاء النفس الى مرتبة كاملة كما ان الافعال الذميمة تشعر بصفات ذميمة وعن تنزل النفس الانسانية وسقوطها عن الكمال وفي كلتا الحالتين تتصور النفس باحدى الحالتين الكاملة والنازله .

ص: 276

وعلى كل حال ، الكمال يجلب الكمال ويؤيّده ويعين في سبيله ، كما ان النقص يجلب النقص ويستزيده وكلاهما يؤثران فيما سيصدر عن النفس فيما بعد .

ويشير الى ذلك قوله تعالى ﴿بل ران على قلوبهم ماكانوا يكسبون﴾ وقوله تعالى ﴿واشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم﴾ فعبادة العجل اثر في نفوسهم واسقطها عما كان عليه من الكمال وبها اشرب الكفر في قلوبهم وتأثرت نفوسهم به وانطبعت عليه . وقوله تعالى ﴿انّما استزلّهم الشيطان ببعض ماكسبوا يعني ماكسبوا﴾ من السيئات فبذلك اقتدر الشيطان على ان يزلّهم عن صراط الحق واطاعة الله تعالى ورسوله(صلی الله علیه و آله و سلم). ولعله الى ذلك أيضاً يشير في طرف الكمال قوله ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين﴾ والآيات في ذلك كثيرة ربما سيجيء جملة منها انشاء الله تعالى.

بل هذا التأثير ثابت في طرفي الكمال والنقص من نفوس الاباء والامهات الى اولادهم بمادة في النطفة حاملة لصفاتهما وناقلة منهما اليه ولا سيما اذا حصل النقص أو الكمال حين التوليد منهما وانعقاد نطفتهما ، ولذا يكون لولد الزنا نقائص عظيمة الى ان لا تقبل شهادته ولا يصلح لامامة الجمعة والجماعة واشباه ذلك وان كان بحسب الظاهر لامتقياً ، كما ان الولد الذي انعقدت نطفته حال الطهارة من الوالدين الطاهرين حال كمالهما وطاعتهما وذكر اسم الله تعالى وغير ذلك من الاوصاف الحميده أو الحالات المحمودة يكون اقرب الى الانسانية واكثر تهيّئاً واستعداداً لقبول الكمال والافعال الحسنة والصفات الممدوحة الجميلة ، بل على ذلك يحصل التوارث من الاباء والامهات البعيدة .

ولعله يشير الى ذلك ما في الزيارة المأثوره للحسين عليه الصلاة والسلام : - اشهد انك كنت نوراً في الاصلاب الشامخة والارحام المطهرة لم تنجسك الجاهلية بانجاسها الخ .

فالعصمة تنشأ من طهارة الذات اولاً ، فالمعصوم طاهر معصوم معتصم و طهارته من اوّل نشأته ، فهو معصوم من الاول ، الا ان للعصمة مراتب تترقي من اول مراتبها الى نهاية درجاتها في ذات المعصوم الى اخر عمره الشريف.

فالمعصوم يكون من حين انعقاد نطفته تاما من حيث القابلية و الاستعداد لجميع

ص: 277

الكمالات بحيث لم يكن كمال الا و حصلت بذرته فيه و منزّهاً عن بذور جيمع النقائص ومطهراً من كل الادناس و الارجاس الموروثية و المكانية أو الزمانية أو غير ذلك من عدم حلية الرزق وجميع ما يمكن ان يلصق به عيباً ونقصاً.

فهذا الطفل ينمو بهذه المميزات الذاتية من الطهارة و الاستعدادات المتهيئة القريبة والبلد الطيب يخرج نباته باذن ربه وتشمله العنايات الغيتية وهو مع ماعليه من الفطرة السليمه والطهارة والاستعداد التام يقع في صراط الكمال الفعلي سريعاً لعدم الحاجب باسرع مانتصوّره الى ان يُرى فيه كل كمال والطهارة والنزاهة عن كل نقص في الاوصاف والافعال .

وحينما تحصل له فعلية التدرج الى اعلى درجات كماله منزّهاً عن جميع الادناس في الاخلاق والافعال يتصل الى الكمال المطلق الخالق الباريء المصور له الاسماء الحسنى تسبح له السموات و الارض اتصالاً روحياً معنوياً ويرتفع عنه الحجب واحداً بعد واحد .

تعبیر آخر یکشف النقاب عن العصمة:

وبعبارة اخرى ، يمكن ان يقال : ان العصمة المبحوثة عنها هي تنوير غيبي الهي لقلب المعصوم بمقتضى قابليته الذاتية ، ثم مجاهداته في العبودية التي تنشأ من علو الذات والجذبة الروحانية الالهيه بحيث تتجلى له الحقايق ويتنوّر بقربه واتصاله بمقام المقربين الى الله سبحانه .

فلا ينسى ولا يجهل ولا يغفل ولايتباعد بعد هذه الجذبة والزلفى بالمعصية ولا ينفصل عمّا اراده الله تعالى بعد هذا الاتصال ، فان قربه من الله يستوجب ازدیاده العبودية وازديادها يستوجب ازدياد القرب والاتصال ، فلا يتمكن الشيطان ان يقرب اليه بوساوسة و تسويلاته و خیله و رجله و لاتغلب عليه النفس الامارة ، بل هو يفوق على كل شيء بمقتضى اتصاله وقربه لدى الخالق المسيطر المهيمن العزيز الجبار .

فلا يحب المعصوم غير ما يحب الله ولا يبغض غير ما يبغضه الله ولا يريد غير ما اراده

ص: 278

ولا يكره الا ما يكرهه ، وبمقتضى قربه لدى الله سبحانه و زلفته الفائقة لا يخفى عليه شيء من الاحكام الشرعية والعقلية وتتنزّل الملئكة والروح الى قلبه من كل امر سلام ، فان المعصومين هم الذين حصل لهم القرب الى حد يتمكنون من تلقي الوحي في كشف الحقائق عن الملئكة وبعد كمال العلة وتماميتها وقابلية المحل بجميع ابعاده ، فلا راد لفضله يصيب به من يشاء وهو العليم الحكيم .

وفي دعاء الندبة يقول: اللهم لك الحمد على ماجرى به قضائك في أوليائك الذين استخلصتهم لنفسك ودينك اذ اخترت لهم جزيل ما عندك من النعيم المقيم الذي لازوال له ولا اضمحلال بعد أن شرطت عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا الدنية و زخرفها(1)و زبرجها فشرطوا لك ذلك و علمت منهم الوفاء فقبلتهم وقربتهم وقدمت لهم الذكر العلي و الثناء الجليّ و اهبطت عليهم ملائكتك وكرمتهم بوحيك و رفدتهم بعلمك و جعلتهم الذريعة اليك و الوسيلة الى رضوانك .

فقوله اسخلصتهم لنفسك ودينك ، يرشد الى قابليتهم الذاتية وطهارتهم وقداستهم التي تجر الى طاعة الله ورضوانه ، وقوله بعد أن شرطت عليهم الزهد ، هو منتهى التأكيد في رفض الشيطان والتمايلات النفسانية فشر طوا له ذلك ، وقوله - وعلمت منهم الوفاء ، يرشد الى ان نورانيتهم في ذواتهم المقدسة ، تستلزم منهم الوفاء بعهد الله تعالى والعمل على طبق احكامه ، فقبلتهم و قربتهم - فان العمل بعهد الله وشريعته منهم يوجب القبول من الله تعالى ومزيد القرب لديه فيزيد ويزداد ويتجلّى اثار ذلك في ان يقدّمهم بالذكر العلي والثناء الجلي من مبدء الكون وخالقه ويتفوقون ويرتقون الى ان يهبط عليهم الملائكة ويتكرمون بوحي الله تعالى وان يرفدهم بعلمه، فلا يخفى عليهم بعد ذلك شيء ، كما لا يخفى على الله من شيء في الارض ولا في السماء ، فلا ينسون ولا يجهلون ولا يغفلون ولا يتباعدون عن طريق الحق والصراط المستقيم .

وحيث كانوا كذلك ، فجعلهم الذريعة اليه و الوسيلة الى رضوانه وادلاء على

ص: 279


1- الرُّخُرف - الذهب وقال الراغب - الزينة - زبرج - الزينة من وشيء او جوهر ونحو ذلك - اقرب الموارد .

صراطه وحججاً على بريته ومناراً في بلاده وائمةً على عباده .

ولعله الى ذلك و ماذكرناه تشير أو تصرح جمله من الروايات التي رواها في الكافي والوافي(1)كرواية جابر الجعفي عن الصادق عليه السلام - وفيها قال : - «السابقون هم رسل الله عليهم السلام وخاصة الله من خلقه جعل فيهم خمسة ارواح ايدهم بروح القدس فيه عرفوا الاشياء و أيدهم بروح الايمان فيه خافوا الله و أيدهم بروح القوة فيه قدروا على طاعة الله و أيدهم بروح الشهوة فيه اشتهوا طاعة الله تعالى وكرهوا معصيته و جعل فيهم روح المدرج(2)الذي به يذهب الناس ويجيئون » - الحديث .

وكذا يستظهر من جملة من الآيات ، كقوله تعالى ﴿ربّ بما اغويتني لازيننّ لهم في الارض ولاغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين﴾(3)فهؤلاء كانوا مخلّصين بفتح اللام لم يكن فى ذواتهم ولا في أفكارهم ولا في ارواحهم ولا في عقائدهم ولا في صفاتهم بذرة شيطانية و لاتمايل نفساني ولا انحراف في أي جانب من مشيهم - ، وكقوله تعالى : ﴿واذكر عبادنا ابراهيم واسحق ويعقوب اولي الايدي والابصار * انا اخلصناهم بخالصة ذكرى الدار وانّهم عندنا لمن المصطفين الأخيار﴾(4).

والله سبحانه اخصلهم وطهرهم من كل دنس و ظلمة و جهل ، فاذا كانوا كذالك فلايقدر مغريات المعاصي ان يحركهم نحوها ولايتزين في اعينهم مايزين الشيطان في أعين غيرهم لان نفوسهم لم تكن فيها ظلمة يشتبه ويلتبس فيها الامور ، فلا ينظرون الى شيء الا بما له من الحقيقة و الواقعية فلا مطمع فيهم للشيطان ولا يقدر ان يزين لهم ماليس بزين فلا يتمكن من اغوائهم ، فهم عند الله صفوة عباده و خير خلقه ، فالله الذي يرى من الناس من بواطنهم مالا يريه غيره صار عنده هؤلاء ، الصفوة ، فهم المصطفون الاخيار ، اذ هم المخلّصون الذين اخلصهم الله عن كل شيء الى ذكرى الدار.

وفي رواية البحار عن تفسير العياشي عن الحكم بن عيينه(5)قال سألت أبا جعفر

ص: 280


1- الوافي ص 145 من كتاب الحجة.
2- المدرج - من درج دروجا - اذا مشى.
3- سورة الحجر آیه 38 - 39.
4- سورة ص آيه 44 الى 47 .
5- في يط الجديد ذيلاً قال هكذا في النسخ وفي تفسير البرهان وهو وهم والصواب عتيبة

عليه السلام عن قوله الله في الكتاب : اذ قالت الملائكة يامريم انّ الله اصطفاك و طهرك واصطفاك على نساء العالمين ، اصطفاها مرتين، والاصطفاء انما هو مرة واحده . قال فقال لي ياحكم ان لهذا تأويلاً وتفسيراً : فقلت له : ففسّره لنا ابقاك الله .

، قال : يعني اصطفاك اوّلاً من ذرية الانبياء المصطفين المرسلين وطهرها من ان يكون في ولادتها عن آبائها وامهاتها سفاح واصطفاها بهذا في القرآن - يامريم اقنتي لرتك واسجدي واركعي - شكراً الله ثم قال لنبيه محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)يخبره بما غاب عنه من خبر مريم وعيسى يا محمد ذلك من انباء الغيب نوحيه اليك في مريم وابنها وبما خصهما الله به وفضلهما واكرمهما . الحديث.(1)

وبالجملة ففي الآيات والروايات ما يهدي الى ما ذكرناه وستجييء جملة منها انشاء الله ومن ذلك يستنتج :

1 - اذا نفذ في الانسان وذاته نقص أو دنس ، سواء كان من والديه أو غيرهما ، ینکسر درجة من درجات كماله ، فلا يصل الى اعلى درجات الكمال ، وحيث لم يصل الى هذه المرتبة لا يمكن ان يتصل الى الله سبحانه بتلقي الوحي منه فلا يمكن أن يصير نبياً.

2 - انّ النبي ، هو الذي يصل بطهارته وعصمته وعبوديته الى الكمال المطلق ، فيتلقى الوحي من ملكه المقرب وهو جبرئيل ومالم يصل الى الكمال المطلق فهو منفصل ولو بمقدار ذرّة فلا يتمكن من تلقي الوحي .

3 - النبي لا يمكن ان يكون غير معصوم ، فانه كالجمع بين النقيضين أو الضدين وفي قوة ان يقال : انه متصل لنبوته و منفصل لعدم عصمته ، وتدبّر في قوله تعالى خطاباً الموسى عليه السلام : ﴿واصطنعتك لنفسي اذهب انت واخوك بآياتي و لاتنيا في ذكري اذهبا الى فرعون انّه طغى﴾(2)

4 - ان النبوة ليست امراً جزافياً بنحو يمكن ان يعطيها الله سبحانه وتعالى كل واحد من النّاس ليبحث بعد ذلك في مقدار لزوم اعتصام النبي فيما يراد به في امر النبوة ويقع

ص: 281


1- البحارج 14 ص 192.
2- سورة مريم آية 43-42

الاختلاف بين المتكلمين في أن عصمتهم هل هي عن خصوص الكبائر أو مع الصغائر أو ما يوجب الدنائه والاستخفاف عند الطباع العرفية عمداً أو سهواً أو عن خصوص ما يقع في اداء الرسالة و ابلاغها وغير ذلك مما اختلف فيه بينهم .

بل بعد تصوير كيفية النبوة والوساطة بين الله وبين خلقه و انها سير كمالي عروجي خاص بين الله وبين الانسان وانه لا يليق بها كل احد و ان الله سبحانه حكيم يحتمل من خلقه مقام الله وبين فيضه كل احد بقدره و ان مقام الرسالة و السفارة و الوساطة بين الواصلين الى قرب الله سبحانه المتصلين اليه والواجدين لكل كمال غير محجوبين عنه بالجهل والنقص والعصيان ، وهذه المراتب لا يصل اليها الا من طهرت طينته وحسنت اعماله واخلاقه و رفعت منزلته عن حضيض الرذائل الى اوج الفضائل ، كما قال الله تعالى ﴿لا ينال عهدي الظالمين﴾.

ومن هو كذلك لا يأثم ولا يعثر ولا يضلّ ولا يزل ، فانه بعد كمال قربه الى الله سبحانه يتصل الى وحي الله تعالى في علومه وهداه و تتنزّل اليه الملائكة ، فلا يجهل ولا يغفل ولا ينسى ولا يسهو ، فهو معتصم ذاتاً للطهارة و عدم الدنس فيه ، ثم هو معصوم بعلم من الله و وحيه و وجود روح الهي ملكوتي فيه ، وكذلك نرى ابراهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين .

5 - انّ العصمة تحصل من الطهارة، حيث ان الدنس في الذات يفتح ابواب الشر للشيطان كما ان الطهارة تسدّ عليه ، فلا سبيل له فيه ولمّا كانت الطهارة من اوّل نشأته فالعصمة كذلك ، فلا مجال بعد ذلك للبحث عن لزوم العصمه قبل النبوة أو بعدها ، نعم لها مراتب بحسب مراتب النشؤ والارتقاء .

6 - من صدر عنه شيء من المعاصي أو ظهر منه صفة سيئة ذميمة حتى قبل البلوغ لا يكون طاهراً ، فلا يكون معصوماً ، فلا يليق بمنصب السفارة والولاية والامامة من الله سبحانه ، ويتضح ذلك بالتدبّر في قوله تعالى ﴿لاينال عهدي الظالمين﴾ وانه يشمل الظلم من أول نشوه وادراكه حتى قبل البلوغ فضلاً عما قبل اشتغاله بمنصب السفارة .

7 - لا يقتصر في متعلق العصمة بالكبائر ، بل ولاحالة العمد ، بل يشمل جميع الحالات وبالنسبة الى جميع المعاصي ، بل وجميع الصفات الرذيلة .

ص: 282

8 - كما ان المعصوم مخلوق الله سبحانه ، فهو باوصافه ومافيه من بذور المحامد والمكارم طاهراً طيباً مخلوق له تعالى ومن موهباته سبحانه ؟ فطهارته من الله بحسب مراتبها من اول وجوده الى ظهور آثارها في الافعال والصفات ، وكما ان اصل وجوده و بقائه مستمد من الله تعالى ، كذلك طهارته وعصمته . وعلى هذا فالعصمة كسائر الصفات و الاخلاق المحمودة الحسنة لها انتساب الى الله سبحانه ولها انتساب الى نفس المعصوم و لا تخرج عن كونها اختياريه له ، لا ان نفسه يشتقاق الى معصية ولكن الله يعصمه ولا أنه منفصل عن الامداد الاله- الامداد الالهي وعن عصمة الله سبحانه و حفظه .

9 - ان العصمة امر اختياري من اصلها الى آخر مراتبها حصلت بذرتها من الاباء الطاهرين والامهات المطهرات اختياراً ، ثم من المعصوم في افعاله واخلاقه اختياراً الى ان ارتقت واستدرجت في مدارج الكمال بالاختيار ، الا انها مع ذلك بعد طهارته ضروري الحصول، لا أنها اضطراري الحصول، كما ان افعال الله سبحانه اختيارية ومع ذلك لا يمكن ان يصدر عنه القبيح ، لعدم نقص فيه سبحانه وتعالى ليستوجب ذلك .

10 - ان العصمة تنشاء من طهارة تامة كاملة ، فالطاهر معتصم بطهارته حيث لا يجد الشيطان اليه سبيلاً من القذارة والخباثة الذاتية ، كما قال ﴿لاغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين﴾ ، فالمعصوم معصوم من أول نشأته و وجوده و حياته لاشىء يعرض له ، ولكن للعصمة مراحل بحسب مراحل كمال الحياة و الرشد والرقي في مدارج الكمال فتترقى العصمة كمالاً و ظهوراً وفعليّة بحسب مراحل ظهور آثار النفس في مدارج كمالها ، فالمعصوم الصبي معصوم بقدره و الشاب بقدره وعند وصوله الى منصب السفارة والرسالة والنبوّة و الامامة كل بقدره ، و هكذا عند كل موقف يظهر آثار العصمة عظمة بحسب الموقف وكلّما تظهر عظمة المعصوم في موقفه الشديد بالصبر والسكينة والجد والاجتهاد والعبودية والاستكانة الله سبحانه في سبيل السير الى الله سبحانه واطاعته وتبدو منه فعلية كماله ، فيُصطفى لمقام ارقى وكلما أوفى بميثاقه في ذاته الطيبة وصل الى مقام ارفع و اعلى ، قال الله تعالى ﴿واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فاتمهن قال انّي جاعلك للنّاس اماماً﴾ فالبلايا والمحن في سبيل الله تعالى مواقف صعبة شديدة تنفشل فيها نفوس غير الطاهرين المعصومين لكنها للطاهرين المعصومين مظاهر القدسية

ص: 283

والعصمة والفضيلة والشرف ومدارج العروج الى مقام ارفع .

وحيث ان لمراتب البلايا والمحن التي تتظاهر في سبيل سيرهم الى الله سبحانه عظمة و شده و وخامة وصعوبة بحسب عظمة نفس المعصوم المبتلى بها ، فهم يستمدون في نجاحهم وفوزهم و فلاحهم من الله سبحانه و يعوذون و يلتجئون اليه و يستفيضون من رحمته و يستغيثون بعزته و سلطانه و یرون انفسهم تحت مشيّته فيقول احدهم - ﴿ياابت افعل ما تؤمر ستجدني انشاء الله من الصابرين﴾ وكذلك يدعونه رَغَباً ورَهَباً وكانوا له خاشعين .

بيان اية التطهير والاشارة الى دفع بعض الاشكالات:

ويمكن ان تحمل الاحاديث الواردة في تجمع اصحاب الكساء تحته ودعاء النبي صلى الله عليه وآله لهم بانهم اهل بيتي وخاصتي فاذهب اللهم عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً﴾ - فنزلت الآيه الكريمة في شأنهم بقوله تعالى ﴿انما يُريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيراً﴾ فهو صلى الله عليه وآله حيث يعرفهم بانهم اهله حقاً وخاصته في مقامه الخاص وخلفائه بعده ، فهم الذين لهم اللياقة الصالحة في تشييد الدين واستحکامه و استمراره و ابقائه و حفظه و ترویجه و انبساطه على بسيط الارض ، ولذلك اصطفاهم الله تعالى ائمة وسادة وقادة للامة الاسلامية ، ولكن في سبيل ذلك مواقف صعبة شديدة تنفسح فيها العزائم وتفشل لها الهمم العالية لو لم يكن من الله سبحانه امداد ورحمة ، فينظر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الى مواقفهم الصعبة التي سيمر بهم مرّ السحاب واحداً بعد واحد و يدعو لهم بالنجاح وان يعبروا عن جميعها طيبين طاهرين ، كما كانوا كذلك قبلها ، فيستجاب دعوته وتشمله رحمته وينزل اليه امين وحي الله ويبشره بان الله سبحانه ارادلهم العصمة والطهارة في جميع اطوارهم ومواقفهم كما خلقهم طاهرين طيتين وينزل قوله تعالى : ﴿انّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيراً﴾.

و لعل التعبير بلفظ المستقبل - يريد دون الماضي - اراد مشير الى ما ذكرناه من ان

ص: 284

الله تعالى كما ارادبان خلقهم طاهرين طيبين ، كذلك يريد فيما سيأتي لهم من المواقف الصعبة و الاستقبال في المراد، لا في الارادة - ، فهم تحت ظل عنايته ورحمته ولطفه في جميع تلك الموارد كما كان ، والسلام والصلوة عليهم يوم ولدوا وكذلك الى يوم يموتون و يوم يبعثون .

فالنبي صلى الله عليه وآله يدعولهم من الله سبحانه الحفظ والصيانة عن الرجس ، لئلا يلوثم الحوادث الكارثة القاسية وتبقى طهارتهم ، فالدعاء فيدفع الرجس وبقاء الطهارة ، لا في رفع الرجس واحداث الطهارة ، فيذهب عنهم الرجس الذي يكرّ عليهم ويتحامل بهم .

والله سبحانه يضمن لهم ذلك و يتعهد بكلمة الحصر في ارادته لهم ذلك وبعدها ،فکلما يهجم عليهم جنود المصائب والبلايا والمحن ، فلا يقدر أن ينقص من طهارتهم شيئاً بل يزدادون نوراً و عظمةً وكمالا.

و واقعة الطف بكربلا ، يوم من أيام سنة واحدة من سنين عمر الحسين صلوات الله وسلامه عليه وعلى اولاده و اصحابه احد اصحاب الكساء ، وما وقع عليه من المصائب في يوم عاشوراء طوفان و زلزلة تنفسخ منه الجبال، فضلاً عن عزائم الرجال ، ولكنه صلوات الله عليه ماضعف و ما استكان و ماتزلزل وما استهان ولم يظهر منه الا ايمانا وطهارة و عصمة وسداداً و جهاداً و تصلباً في الله وتسليماً لامر الله و قضائه وعظمته في قبال جميع ماوقع و تصغيراً و تحقيراً لجميع تلك المصائب ، فعظمته فوق ما يحوم حومه العبائر و الفاظ الاجلال والاطراء .

فهم يسيرون في سبيل الله ، حتى بكل مافيه من المشاكل الحاصلة من ايادي اعداء الله واعداء دينه ، وبالجملة ، فهم وان خلقهم الله انوارًا بعرش عظمته محدقين لاظلمة فيهم حينما خلقهم الله تعالى لكونهم طاهرين طيبين، لكنّهم في اطوار استمرار بقائهم متكاملين ، فلكل كمال كمال فوقه وهم يجدون ويجتهدون للوصول الى ارقاه ، فان الدنيا مضمار السباق لكل انسان ، قال الله تعالى خطاباً بالنبيه(صلی الله علیه و آله و سلم)﴿وقل رب زدني علماً﴾ و قال النبي صلى الله عليه وآله للحسين عليه السلام : انّ لك لمنزلة لا تنالها الا بالشهادة - ، كما في الحديث(1)الى غير ذلك مما يرشد الى ما ذكرناه .

ص: 285


1- وان لك في الجنة لدرجات لن تنالها الا بالشهادة - مقتل خوارزمی ج 1 ص 187 ط الاولی النجف

والحاصل ان للعصمة و الطهارة منازل و مراتب مشتركة جميعاً في ثبوت اصل العصمة و الطهارة ، لكنّها متفاضلة بعضها فوق بعض ، قال الله تعالى ﴿تلك الرسل فضّلنا بعضهم على بعض منهم من كلّم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى بن البينات وايدناه بروح القدس﴾(1)فلقد كان لبعضهم زهد فوق بعض اخر ولبعضهم تسليم اوصبر او كثرة عبادة خاصة فوق بعض آخر ، هكذا بعد ان شرط الله للجميع الزهد في هذه الدنيا الدنية وزخرفها ، فشرطوا له ذلك ، و علم الله منهم الوفاء ، فقبلهم و قربهم ، و هكذا مراتب الفضل بالنسبة الى شخص واحد منهم في أدوار عمره من اوله الى اخره والترقي من المرتبة العالية الى الاعلى منها ، و يرشد الى ماذكرناه قوله تعالى : ﴿ولما بلغ اشده اتيناه حكماً وعلماً وكذلك نجزي المحسنين﴾(2)، قال الراغب: اى بلغ قدراً من العمر بحيث يتقوّى خلقه الذي كان عليه فلايكاد يزايله بعد ذلك - فبلغ مراتب الكمال في يوسف عليه السلام الى ان آتاه الله الحكم و العلم و النبوة و تدرّج في درجات الفضل و الكمال الى هذه الدرجه --- و قال تعالى في شأن موسى عليه السلام ﴿ولما بلغ اشده و استوی آتيناه حكما و علما و کذلک نجزی المحسنين﴾(3). وقال في شأن داود عليه السلام بعد ان جاهد وقاتل في سبيل الله سبحانه : ﴿فهزموهم باذن الله و قتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء﴾(4)وبالنسبة الى خاتم الانبياء صلى الله عليه وآله يقول سبحانه وتعالى : ﴿وانزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك مالم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظمياً﴾(5)، ﴿وقال سبحانه وقل رب زدني علماً﴾(6)، فهو يأمر بالدعاء وطلب زيادة العلم من ربه الذي يربيه شيئاً فشيئاً فيزداد منه علماً وكمالاً ، وايضاً يأمره بالعياذ واللواذ بالله سبحانه من خطرات همزات الشياطين، ليكون في مستجاره و حصنه ، فقال سبحانه : ﴿وقل ربِّ اعوذُ بك من همزات الشياطين واعوذ بك ربّ ان

ص: 286


1- سورة البقرة 253.
2- سورة يوسف آيه 22.
3- القصص ايه 14.
4- سورة البقرة ايه 251.
5- سورة النساء 113.
6- سورة طه 114.

يحضرون ﴾(1)، وهذا كمال قد ناله قبلاً حسب عصمته ، ويناله بعد دعائه واعاذته ازيد مما ناله قبلاً ، وبالنسبة الى موسى عليه السلام بعد أن ارسله الله سبحانه الى فرعون و توجّه الى شدة مواقفه التي لا يمكن ان يعبرها سليماً ، الا بانشراح الصدر فوق ما كان عليه قبلاً ، فيسئل ربه ان يعطيه ، فيقول سبحانه حكاية عنه : ﴿قال ربّ اشرح لي صدري ويسري لي امري﴾(2)ثم بعد ادعية اخرى عنه يقول سبحانه : ﴿قد اوتيت سؤلك ياموسى﴾.

فالدينا مضمار السبق في مراتب الكمال والفضل والعلم والعبودية والقرب الى الله سبحانه ، وكل الى الله يصيرون والسابقون السابقون اولئك المقربون ثلة من الاولين وقليل من الآخرين وهم الانبياء والمرسلون والائمة الطاهرون صلوات الله عليهم اجمعين ، فكل انسان مسافر متحرك ، كما قال(صلی الله علیه و آله و سلم): انكم على ظهر سفر والسير بكم سريع وقد رأيتم الليل والنهار و الشمس و القمر يبليان كل جديد ويقربان كل بعيد ويأتيان بكل موعود ، فاعدوا الجهاز لبعد المجاز - ، الا ان بعض الافراد سفرهم من الظلمة الى النور وبعض من النور الى الظلمات واما المعصومون فسفرهم من النور الى الانور منه ومن الطهارة الى الكمال والفضيلة متدرجين في درجاتها سريعاً في عروجها .

امان احتمال امكان التدرّج الى العدالة ثم الى العصمة لكن لا يناله النبوة والامامة

11 - بعض افراد الانسان وان لم يكن في ذاته طاهراً بان وجد في طينته وذاته بذور القذارة من الاباء أو الامهات أو سوء التغذية أو غير ذلك ، لكن حيث انه مع ذلك قادر مختار في افعاله، فكان له ان يرتاض في تخلية نفسه عن القذارات و الخبائث وترك المعاصي والاجتهاد في طاعة الله وعبوديته والتحلّي بحلية الصالحين و زينة المتقين والتجنّب عن الاوصاف الرذيلة الى ان يعتاد ذلك وتتهيأ له ملكة راسخة نفسانية طاهرة

وجب ملازمة التقوى وطريق الهدى ويحترق تحتها البذور الخبيثة و القذارات

ص: 287


1- سورة المؤمنين 98.
2- سورة طه 25.

الشيطانية ، حتى لا يرتكب المعاصي ابداً ، ويكون من ايمانه ضمانة عليه ، وهذا هو الذي نعبّر عند بالعداله ولها مراتب، ولعل بعض مراتبها تتلوتلوا العصمة او يتدرج الى درجاتها كما سنذكره فيما بعد ان شاء الله تعالى ، الا انها غير العصمة التي تذكر في الانبياء والائمة(علیهم السّلام).

فان العصمة فيهم تنشأ من الطهارة المطلقة الكاملة التامة ، ثم يعقبها فضل وعناية من الله سبحانه بلحاظ قربه من الله والزلفى لديه ، فلا يمكن في حق المعصوم ان يزل أو يضل ، فلم يكن يصدر منه العصيان ولن يصدر عنه ، وقال تعالى : ﴿لاينال عهدي الظالمين ، فهو مع قربه واتصاله من الله سبحانه لا يصدر منه رذيلة ومعصية صغيرة أو كبيرة لاعمداً ولا جهلاً ولا نسياناً ، وهذا بخلاف العادل الممكن في شأنه هذا ، الى غير ذلك من المميزات بينهما مما يظهر بعد التأمل الدقيق والتدبر في المقامين .

وبذلك يظهر ما في كلام بعضهم حيث عبّروا عن العصمة بالملكة التي ليست الاّ حالة راسخة راسخة في النفس حاصلة من الاعتياد وقلما تتخلّف عن مقتضاها ، ولكن العصمة لها تضمين من حيث الذات ومن حيث التثبيت الالهي والتفضل الرباني ومن حيث المجاهدات الفائقة والعبادات الخالصة من المعصوم، بحيث لا يمكن التخلّف عن مقتضاها من الطهارة المطلقة ابداً دائماً ، فشر طوا لك ذلك وعلمت منهم الوفاء»(1)

نعم ،لعله لامانع في ان يصل غير المعصوم الى حد العصمة والطهارة بالتدرّب والارتياض واحراق رذائل ذاته وصفاته و خبائث نفسه بالتوبة الى الله والتضرع والانابة اليه والعبودية الخالصة له سبحانه وسعيه في التحلي بمحامد الصفات والتخلق بمحاسن الاخلاق والتقرب الى الله كما يظهر مما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله في سلمان الفارسي رضى الله عنه حيث قال: سلمان منا اهل البيت ، مع انه قال الله تعالى في شأنهم - ﴿انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيراً﴾، وسلمان لم يكن في اول امره من المسلمين بل كان خارجاً عن دين النصارى أيضاً على ما يظهر مما ذكر في تاريخه و شرح حاله هذا (ولكن على خلافه روايات عن المعصومين ع)

ص: 288


1- دعاء الندبه

والملة ولكن مع رفعة شأن يحصل من ذلك فلا يصل الى مقام النبوة والسفارة والرسالة والامامة فلهذا المقام شأن فوق العصمة الاكتسابية، قال تعالى: ﴿لاينال عهدي الظالمين﴾.

12 -المعصوم بعد صفاء قلبه وطهارة ذاته لاحجاب بينه وبين الله سبحانه فهو مؤمن بالله وبكلماته وآياته وبراهينه ، قال الله تعالى: ﴿آمن الرسول بما انزل اليه من ربه﴾(1)وقال تعالى ﴿فامنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتّبعوه لعلكم تهتدون﴾(2)، وقال تعالى : ﴿ولقد نعلم أنّهم يقولون انما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون اليه اعجمي وهذا لسان عربي مبين 103 ان الذين لا يؤمنون بايات الله لا يهديهم الله ولهم عذاب اليم 104 انما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بايات الله واولئك هم الكاذبون 105﴾(3)، كيف يمكن ان يأتي بهذا القرآن مفترياً على الله ، وهذا القرآن يهدي الى الحق و حقائق الفطرة و احكامها و دقائق عالم الكون واطوارها ومن لا يؤمن بالله لا يهديه الله وله عذاب اليم و انما يفتري الكذب على الله من لا يؤمن بالله و ربوبيته و علمه بخلقه وسلطانه عليهم و اولئك هم الكاذبون لا ينبطق كلامهم على الحقائق ، فالقرآن الصادق الحق لا يمكن ان يأتي به المفتري الكاذب ، لان كلام المفتري كذب و هذا صدق ، و ان المفتري لا يؤمن بالله و من لا يؤمن بالله لا يهديه الله بل يعذبه الله ، فهذا القرآن صادق من عند الله اوحاه على من يؤمن بالله فهداه بوحيه .

المعا قال له بالغة سابقة وهذا الايمان بالله وكلماته و هو نور محض لا يشوبه الظلمة ، هو العاصم له عن العثرات بامداد من الله سبحانه ، والظاهر انه هو البرهان في قوله تعالى ﴿ولقد همت به و همَّ بها لولا ان راى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء انه من عبادنا المخلصين﴾(4)، فربّه يتجلى في قلبه ، فهو ذاكر لا يغفل عنه ومخلص وقد اخلصه الله

ص: 289


1- سورة البقرة ايه 285.
2- سورة الاعراف 158
3- سورة النحل
4- سورة يوسف ايه 24.

من كل ظلمة و غشاوة ، فلا يقربه الشيطان حيث قال : ﴿الا عبادك منهم المخلصين﴾ ، وقال تعالى فى شأنه : ﴿انه من عبادنا المخلصين﴾ ، وحيث انه مؤمن بالله وكلماته فالله يهديه الى ملكوت السموات و الارض و يريه من آياته ويوحى اليه ، فلا يمكن ان يفتري على الله الكذب ، فهو امين الله في وحيه واسوة لخلقه في جميع افعاله و اخلاقه و ادابه واقواله ، فكل ما يصدر عنه فهو مظهر من مظاهر هذه الشخصية الشامخة الرفيعة ،

فمن اتبعه فقد هدى الى صراط مستقيم ومن تخلف عنه فقد ضل و شقى و غوى .

13 - الرابطة بين صفاء الروح وبين العمل و بين مواهب الله له هي مما نطق به القرآن الكريم، وكذا بين شئيات الاعمال و بين سقوط النفس الى دركات الشقاء و الظلمة الى ان يكذب بايات الله ويستهزء بها .

وتلك الآيات بعضها عامة تشمل جميع الناس وبعضها في خصوص الانبياء والائمة صلوات الله عليهم اجمعين .

فمن قسم العام سواء كانت بالنسبة الى الحسنات او السيئات ، قوله تعالى : ﴿وتمت كلمة ربّك الحسنى على بني اسرائيل بما صبروا﴾ وقوله تعالى : ﴿انما يتذكر اولوا الالباب الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق والذين يصلون (الاية)﴾(1)، وقوله تعالى ﴿ويهدي اليه من اناب الذين أمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله الابذكر الله تطمئن القلوب﴾،(2)وقوله تعالى : ﴿ويزيد الله الذين اهتدوا هدئ و الباقيات الصالحات خير عند ربّك ثواباً وخير مردّاً﴾(3)الى غير ذلك مما تدل على رابطة العمل الصالح والسعادة .

وكقوله تعالى ﴿ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم﴾(4)، وكقوله تعالى ﴿وكذلك حقت كلمة ربّك على الذين فسقوا انّهم لا يؤمنون﴾(5)وقوله تعالى : ﴿انّ الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس انفسهم يظلمون﴾(6)وقوله تعالى : ﴿ان الله

ص: 290


1- سورة الرعد ايه 20.
2- سورة الرعد ايه 28.
3- سورة مريم ايه 77.
4- سورة الرعد ايه 11.
5- سورة يونس ايه 33.
6- سورة يونس 44.

لا يصلح عمل المفسدين ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون﴾(1)وقوله تعالى : ﴿وما يضل به الا الفاسقين﴾(2)وقوله تعالى : ﴿ثم كان عاقبة الذين أساؤا السُّوئ ان كذَّبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزون﴾(3)الى غير ذلك من الايات الكثيرة بهذه المعنى .

وفي خصوص الانبياء والمعصومين عليهم الصلوة والسلام ايضا هذه الرابطة موجوده بجميع مراحل العصمة ، كما في قوله تعالى ﴿ذلكما مما علمني ربي اني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالاخرة هم كافرون واتبعت ملة آبائي ابراهيم و اسحق و يعقوب ماكان لنا ان نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن اكثر الناس لا يشكرون﴾(4)وقوله تعالى : ﴿فاستقم كما امرت ومن تاب معك ولا تطغوا انه بما تعملون بصير ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار ومالكم من دون الله من اولياء ثم لا تنصرون الى قوله تعالى واصبر فانّ الله لا يضيع اجر المحسنين﴾(5)، وقوله تعالى : ﴿ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى ان يبعثك ربّك مقاماً محمودا﴾(6)، وقوله تعالى : ﴿قم الليل الأ قليلاً، نصفه أو انقص منه قليلاً ، أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً ، انا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً ، ان ناشئة الليل هي اشد وطأ واقوم قيلاً﴾(7)، وقوله تعالى : ﴿لئن اشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين﴾(8)، وقوله تعالى ﴿ولو تقول علينا بعض الاقاويل لاخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من احد عنه حاجزين﴾(9)، وقوله تعالى ﴿واذا ابتلى ابراهيم ربِّه بكلمات فاتمهن قال انّي جاعلك للناس اماماً قال ومَن ذرّيتي قال لاينال عهدي الظالمين﴾(10)، وقوله تعالى ﴿واسماعیل و ادریس و

ص: 291


1- یونس ايه 82.
2- سورة البقرة ايه 26.
3- سورة الروم ايه 10.
4- سورة يوسف ايه 38.
5- سورة هود ايه 115.
6- سورة الاسراء ايه 79.
7- سورة المزمل ايه 2-6 .
8- سورة الزمر ايه 65.
9- سورة الحاقة ايه 46.
10- سورة البقرة ايه 124 .

ذا الكفل كلّ من الصابرين و ادخلناهم في رحمتنا أنّهم من الصالحين﴾(1)، وقوله تعالى ﴿و زكريا اذ نادى ربّه ربّ لاتذرني فردا وانت خير الوارثين فاستجبنا له ووهبنا له يحيى واصلحنا له زوجه أنّهم كانوا يسارعون في الخيرات و يدعوننا رَغَباً و رَهَباً وكانوا لنا خاشعين﴾(2)، وقوله تعالى ﴿والتي احصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين﴾(3)، الى غير ذلك من الآيات الكثيرة مما ترشد الى ما ذكرناه من الرابطة بين السعادة و العمل و بين الشقاء والعمل و انّ مقام الانبياء و الائمة وعظمتهم و عصمتهم مربوط ايضاً باعمالهم وانهم باعمالهم صعدوا مدارج الكمال والرفعة والعصمة وبافعالهم الحسنة ونياتهم الطيبة الخالصة لوجه الله تعالى فازوا في الدنيا و الآخرة قال تعالى عينا ﴿يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيراً﴾ (وانما يُفجرونها بالاعمال الصالحة لأنهم) ﴿يوفون بالنذرويخافون يوماً كان شرّه مستطيراً ويطعمون الطعام على حبّه مسكينا ويتيماً واسيراً انّما نطعمكم لوجه الله لانريد منكم جزاءً ولا شكوراً انا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً﴾(4).

هذا طريق التكامل وصراط الانبياء والأولياء ومنهاج الصلحاء فيما وصلوا اليه واعتصموا به فصاروا لغيرهم ائمة ولملّتهم اسوة وقدوة - ﴾لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً﴾(5)، فهذا باب مفتوح لكل انسان ، ﴿فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه احداً﴾(6)،﴿والسابقون السابقون اولئك المقربون﴾ - وهم الانبياء والمرسلون والائمة الطاهرون ﴿ثلثة من الاولين وقليل من الاخرين﴾(7)

«اشهد انكم الائمة الراشدين المهديون المعصومون المكرمون المقرّبون

ص: 292


1- سورة الانبياء ايه 96
2- سورة الانبياء ايه 90.
3- سورة الانبياء ايه 91.
4- سورة الدهر ايه 10.
5- سورة الاحزاب 21.
6- سوره کهف آیه 11.
7- سورة الواقعة ايه 14.

المتقون الصادقون المصطفون المطيعون لله القوامون بامره العاملون بارادته الفائزون بكرامته اصطفا كم بعلمه وارتضاكم لغيبه و اختاركم لسره و اجتبيكم بقدرته و اعزّكم بهداه و خصكم ببرهانه و انتجبكم لنوره وايدكم بروحه و رضیکم خلفاء في ارضه و حججاً على بريته و انصاراً لدينه و حفظة لسره و خزنة لعلمه و مستودعاً لحكمته و تراجمة لوحيه و اركاناً لتوحيده و شهداء على خلقه و اعلاماً لعباده و مناراً في بلاده و ادلاء على صراطه عصمكم الله من الزلل وآمنكم من الفتن وطهركم من الدنس واذهب عنكم الرجس وطهركم تطهيراً﴾(1).

14 - قد ظهر مما ذكرناه : ان العصمة من الذات الى الصفات ، ثم الى العمل كما اشير اليها في رواية سئل فيها عن ابى جعفر عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ: ﴿ان الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين ، قال اصطفاها مرتين والاصطفأ انما هو مرة واحدة(2)الحديث وقد سبق ذكرها .

وبالجملة ، العصمة شجرة طيبة روحانية انسانية تبدو بذرتها من اباء كرام وامهات طاهرين طيبين من الارجاس ، قال تعالى ﴿واسماعيل واليسع ويونس ولوطاً وكلاً فضّلنا على العالمين ومن آبائهم وذرياتهم واخوانهم واجتبناهم وهديناهم الى صراط مستقيم ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده﴾(3)فيتولد من هذه البذرة انسان طيب طاهر ، لم يتوارث من ابائه وامهاته نقطة سوداء لتستعقبها رذيلة من الرذايل و تمايل انحطاطي وانحراف روحي نحو شيء من القبائح والفحشاء ، بل ورث من الطيبين والطيبات طيباً وطهارة ونورانية ذاتية ، ثم بعد هذه المرتبة لا يبرح ولايزال ينبت فيه الكمال اسرع ما يمكن لتمامية القابلية فيه من غير حجاب عن فيوض رحمة الله فيه وتشعشع انواره عليه .

والبلد الطيب يخرج نباته باذن ربه - انزل من السماء ماء فسالت اودية بقدرها - ماءأفسالت - كلاً نمد هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربّك وما كان عطاء ربك محذوراً فهو يتكلم في المهد

ص: 293


1- الزيارة الجامعة الكبيرة المروية عن الامام علي الهادي أو الرضا صلوات الله عليهما على اختلاف الروايات
2- البحارج 14 ص 192.
3- سورة الانعام ايه 88

صبياً ويؤيته الله العلم والحكمة رضيعاً ويربو في القداسة و النزاهة و يستقبح القبائح و يستقذر من الارجاس و الادناس خُلقاً لا متخلقاً وعملاً و وصفاً وفعلاً من اول ما يبدو منه شيء .

ويقبل الى الله سبحانه والى طاعته ومناجاته والأنس به من اول ما يبرز منه شيء ، لكمال قابلیته واشتداد تجلیات انوار عظمة الله سبحانه فيه ، فلا قصور لافي القابل ولا في الفاعل فيتجاز بان ويستجلبان فيقبل الى الله ثم يقبل ... ويقبل الله اليه ، ثم يزيد في اقباله ويتمّ نعمته عليه كما اتمها عليه من قبل ، قال تعالى : ﴿ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما اتمها على أبويك من قبل ابراهيم واسحق ان ربك عليم حكيم﴾(1)

وهكذا يتدرج العصمة في عروجه.

ص: 294


1- سورة يوسف ايه 6.

العصمة في غير الانبياء و الائمة

اشارة

وبعد ذلك نقول : ان العصمة شيء قد تكون معها النبوة و الرسالة و الامامة أو أحدها ، وقد لا تكون معها شيء من ذلك ، فهذه المناصب الثلاث لا تخلو عن العصمة ، ولكن العصمة قد تفارق عنها ، فيمكن ان تكون العصمة موجودة في بعض من دون نبوّة , ورسالة و امامة.

مریم و عصمتها

فمن هؤلاء مريم بنت عمران سلام الله عليها وقد وردت في عصمتها وطهارتها آيات كثيرة ، قال الله تعالى : ﴿ان الله اصطفى آدم ونوحاً وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين، ذرّية بعضها من بعض والله سميع عليم ، اذ قالت امراة عمران ربّ انّي نذرت لك ما في بطني محرّراً فتقبل مني انك انت السميع العليم ، فلما وضعتها ان قالت ربّ اني وضعتها انثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالانثى وانّي سمّيتها مريم واني اعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم فتقبلها ربها بقبول حسن وانبتها نباتاً حسناً وكفّلها زكريا كلّما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً قال يامريم انّي لك هذا قالت هو من عند الله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب(1).

ص: 295


1- سورة آل عمران آیه 37.

وقال تعالى : ﴿واذ قالت الملئكة يامريم ان الله اصطفيك وطهرك واصطفيك على نساء العالمين * يامريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ، ذلك من انباء الغيب نوحيه اليك وما كنت لديهم اذ يلقون اقلامهم ايهم يكفل مريم وماكنت لديهم اذ يختصمون، اذ قالت الملئكة يامريم انّ الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين ، ويكلم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين قالت ربّ انّي يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء اذا قضى امراً فانّما يقول له كن فيكون، ويعلمه الكتاب والحكمة والتورية والانجيل ورسولاً الى بني اسرائيل اني قد جئتكم بآية من ربكم انّى اخلق لكم من الطين كهيئة الطير فانفخ فيه فيكون طيراً باذن الله وابرىء الاكمه والابرص و أحيى الموتى باذن الله وأنبئكم بما تأكلون وماتدخرون في بيوتكم ان في ذلك لآية لكم ان كنت مؤمنين﴾(1)، الى ان قال تعالى: ﴿ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون﴾(2)، وقال تعالى : ﴿انما المسيح عیسیٰ بن مریم رسول الله و كلمته القيها الى مريم﴾(3).

فهذه الآيات تدل على اصطفاء مريم من ابيها وامها اعني عمران وامراته وخلوص امراته في نذرها مافي بطنها محرراً لخدمة الدين واهله وملالتها حينما رات انها انثى وماذكره الله من انه ليس الذكر كالانثى ، ثم ماقبلها الله بقبول حسن وانبتها نباتاً حسناً في جميع ما يريد الله انسان حسن الى ان بلغت الى وحى الله اليها ونزول الملئكه اليها من وبشارتها بانّ الله اصطفيها وطهرها واصطفيها على نساء العالمين، ﴿فاقنتي لربّك واسجدي واركعي مع الراكعين﴾ الى ان وصلت الى مقام ارسل الله اليها من عنده رزقاً غیر متعارف من فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء (كما قيل) مما لا يشك احد انه غير متعارف يسئل عنها خالها زكريا النبي انّى لك هذا قالت هو من عند الله انّ الله يرزق من يشاء بغير حساب - اي حساب زماني أو مكاني أو كمّي أو كيفي -

ص: 296


1- سورة آل عمران ايه 49.
2- سورة آل عمران ايه 59.
3- سورة النساء ايه 171.

وبلغت في طهارتها و نزاهتها و عفافها و حصانتها الى مرتبة صلحت لنفخ روح الله فيها وتوديع كلمته الابداعية فيها التي يقول الله سبحانه له كن فيكون من دون ما يحتاج اليه سائر ولد آدم من التدرج في النشوء والارتقاء ، قال تعالى ﴿والتي احصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلنها وابنها ايةً للعلمين﴾(1)، ﴿قالت انى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر ولم أك بغيًا قال كذلكِ قال رَبِّكِ هو علي هين ولنجعله آية للنّاس ورحمة منا وكان امراً مقضيا﴾(2)، ﴿واذا قضى امراً فانما يقول له كن فيكون﴾(3)، فهذا امر ايجادي و ابداعي يكون الايجاد بوجود ما اوجده لافصل بينهما بالزمان فلا تراخي بينهما ففي ساعة واحدة تمت كلمة الله وتمّ الكلام ، فلذا عطف بالفاء ليدل على الترتيب و الترتب من دون الفصل و التراخي لاب- (ثم)، فقال سبحانه ﴿فحملته فانتبذت به مكاناً قصيا فأجاءها المخاض الى جذع النخلة قالت ياليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسيا فناديها من تحتها الا تحزني قد جعل ربّك تحتك سريًا وهزي اليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنيا فكلي واشربي وقرّي عيناً فإمّا تَرَين من البشر احداً فقولي انّى نذرتُ للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم انسيا﴾(4)، هذه هي مريم العابدة الزاهدة التي اصطفاها الله سبحانه من ذرية ابراهيم عليه السلام حيث قال تعالى : ﴿ووهبنا له اسحق ويعقوب (الى ان قال) ومن ذريته داود وسليمان الى ان قال) وزكريا ويحيى وعيسى والياس كل من الصالحين﴾(5)ثم اصطفى آل عمران فقال ﴿ان الله اصطفى آدم و نوحاً و آل ابراهیم وآل عمران على العالمين﴾(6)، ثم كان من امرها وخلوص تية والديها فيها ومانذرت امها لما في بطنها محرراً ثم ماذكر الله من شأنها وتفوقها على الذكر حيث ترتقي الى مقام القاء كلمة الله اليها وروح الله يلد منها حيث قضى امره وقال له كن ، فيكون ولداً سوياً يُكلمُ النّاس في المهد صبياً ويقول اني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً وجعلني مباركاً اينما كنت

ص: 297


1- سورة الانبياء ايه 91.
2- سورة مريم ايه 20.
3- سورة آل عمران ايه.
4- سورة مريم ايه 26.
5- سورة الانعام ايه 85.
6- سورة آل عمران 33.

وتشمل هذه البركات مشارق الارض ومغاربها ببركتها و برکات كلمة الله ابنها ، فهذه بركات عصمتها وطهارتها من آبائها وامهاتها الى ان تشعشع في نفسها واصطفائها على نساء العالمين .

ص: 298

ومنهم الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام

ومنهم الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء ام الائمة بنت محمد المصطفى خاتم الانبياء صلى الله عليه وآله وسلّم زوجة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما .

مة وفي آيات عديدة و روايات كثيرة متواترة ما يدل على طهارتها وقداستها ونزاهتها وعصمتها وعلو شأنها وقربها و تقربها الى الله ومنزلتها والزلفى لديه وانها سيدة نساء العالمين من لدن آدم الى آخر الزمان ، كما ان مريم عليها السلام كانت سيدة نساء زمانها وعالمها .

ليتمتع لية لفه فقد اصطفاها الله من ذرية ابراهيم وآله في آباء وامهات كرام طيبين طاهرين الى ان وصلت الى اشرف الاباء وافضل السفراء خاتم النبيين محمد المصطفى صلى الله عليه وآله و الى امها خديجة بنت خويلد ، التي هي اول من آمن واسلم وصلت من النساء كانت لها من الفضل و الطهارة و النبالة ما ينبأك عنها تقدّمها على الجميع في الاسلام و المجاهدة بنفسها و مالها و شرفها وشخصيتها في سبيل الله و ترويج الدين و اعلاء كلمة الاسلام و حماية المسلمين و اطعام المؤمنين ، و حسبك في ذلك ما في روايات كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله : افضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد و آسيا بنت مزاحم أمراة فرعون و مريم بنت عمران ،(1)وعنه صلى الله عليه وآله : خير نساء العالمين أربع مريم بنت عمران وآسيا بنت مزاحم وخديجة بنت خويلد وفاطمة

ص: 299


1- الكلمة الغراء ونقلا عن عدة من الصحاح والحفاظ ص 239.

بنت محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)، الى غير ذلك من الفضائل الكثيرة لخديجة سلام الله عليها .

وقد اصطفى الله سبحانه فاطمة مرة آخرى بان امر النبي صلى الله عليه وآله ان يعتزل عن خديجة أربعين يوماً، بجبل حراء على عبادة الله سبحانه بالصلاة والصوم والمناجاة وغيرها حتى انقضت تلك الايام اتاه ميكائيل بطبق فيه العنب والرطب من فاكهة الجنّة ليأكل منها ويدخل بيت خديجة ويترك ما كان يعتاده من نوافل الصلوة ويخلق الله تعالى من تلك الفاكهة حبيته فاطمة سلام الله عليها.(1)

فهي كانت تحدث امها خديجة وتونسها وكانت تكتم ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله ، فدخل رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)يوماً ، فسمع خديجة تحدّث فاطمة عليها السلام فقال ياخديجة ، من تحدثين ؟ قالت : الجنين الذي في بطني يحدّثني ويؤنسني ، قال يا خديجة هذا جبرئيل يخبرني انها انثى وأنّها النسلة الطاهرة الميمونه وانّ الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها وسيجعل من نسلها ائمة ويجعلهم خلفائه في ارضه بعد انقضاء وحيه.(2)

فصارت فاطمة افضل بنت من أفضل والد ووالدة نشأت في الاسلام في طهارتها و عفافها و عضمتها و صلواتها وصومها وعبوديتها و خضوعها لله سبحانه في جميع احكام الله وآدابه وما يحبّ الله تعالى من الصفات الحميدة و الاخلاق الحسنة و السعي في سبيل الله والمجاهدة في اعلاء كلمة الاسلام و الزهد عن الدنيا و زخرفها و الخوف من الله و اليوم الآخر في صلاتها و دعائها و مناجاتها و تقربها الى الله .

فكانت لوالدها رسول الله صلى الله عليه وآله خير بنت وابرها تعينه على الام اسلام في نشره و حفظه علماً و عملاً و جهاداً و استقامةً و حفظاً لرسول الله وكاشفة لهمه و غمه حينما احاط به الكربات و ضيق عليه الابواب ، فكانت مجدّة جهداً بليغاً لصيانة الاسلام عمّا يرد عليه من الآفات حتى كتاها رسول الله صلى الله عليه وآله بام ابيها ، فتحملت الشدائد الواردة على رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى الاسلام والمسلمين في مكة من

ص: 300


1- راجع بيت الاحزان للمحدث القمي(رحمه الله علیه)ص 3.
2- راجع البحارج 43 ص 2.

الكفّار والمشركين في طول السنين في حياة خديجة وبعدها الى ان هاجرت الى المدينة ، وماكان في ذلك من المشاكل والمصائب والنوائب مما روى عنه(صلی الله علیه و آله و سلم)انه(صلی الله علیه و آله و سلم)اشار الى الجبل قائلاً ياجبل لو ان مابي بك لهدمت .

ثم بعد مهاجرتها الى المدينة زوجها رسول الله علياً صلوات الله عليهم زوّجها من هو ، اقدمهم سلماً واكثرهم علماً واعظمهم حلماً(1)و دفع فاطمة الى على وقال(صلی الله علیه و آله و سلم): يا علي نعم الزوجه زوجتك ثم اقبل على فاطمة وقال يا فاطمة نعم البعل بعلك ، ثم خرج من عندهما واخذ بعضادتي الباب ، فقال طهركما الله وطهر نسلكما ، انا سلم لمن سالمكما وحرب لمن حاربكما ، استوعكما الله واستخلفه عليكما(2)، وقال(صلی الله علیه و آله و سلم)اذهب الله عنك الرجس وطهرك تطهيراً ،(3)وقال يابنية ، انّ الله عز وجل اطلع الى الارض اطلاعه فاختار من اهلها رجلين ، فجعل احدهما اباك والآخر بعلك ، يابنية نعم الزوج زوجك لا تعصي له امراً ، ثم قال لعلّي ادخل بيتك والطف بزوجتك وارفق بها فان فاطمة بضعة منّي يؤلمني ما يؤلمها ويسرني ما يسرها استودعكما الله واستخلفه عليكما ، قال علي فو الله ما اغضبتها و لا اكرهتها على امر حتى قبضها الله عزّ وجلّ ولا اغضبتني ولا عصت لي امراً ولقد كنت انظر اليها فتنكشف عني الهموم والغموم(4)، وقال النبي صلى الله عليه وآله لها : يافاطمة ان الله جل ذكره اطلع الى الارض اطلاعه فاختار منها بعلک فاوحی الی فانکحتکه اما علمت يا فاطمة انّ لكرامة الله اياك زوجك اقدمهم سلماً واعظمهم حلماً واكثرهم علماً ، فسرت بذلك فاطمة فاستبشرت بما قال لها رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)، فاراد ان يزيدها ، فقال يافاطمة لعليّ ثمان خصال : ايمانه بالله وبرسوله وعلمه وحكمته و زوجته و سبطاه الحسن والحسين وامره بالمعروف ونهيه عن المنكر وقضائه بكتاب الله(5)، ورُوِيَ انه(صلی الله علیه و آله و سلم)قال : اللهم انهما احب خلقك التي فاحبهما وبارك في ذريتهما واجعل عليهما منك حافظاً واني اعيذهما بك وذريتهما من الشيطان الرجيم ، وروى أنه(صلی الله علیه و آله و سلم)دعالها

ص: 301


1- البحارج 43 ص 133.
2- البحارج 43 ص 132.
3- البحارج 43 ص 133.
4- البحارج 43 ص 134.
5- راجع البحارج 43 ص 98.

فقال : - اذهب الله عنك الرجس وطهرك تطهيراً ، وروى انه قال مرحباً ببحرين يلتقيان ونجمين يقتربان(1)، ثم خرج الى الباب يقول طهركما وطهر نسلكما انا سلم لمن سالمكما وحرب لمن حاربكما استودعكما الله واستخلفه عليكما، ثم اتاهما في صبيحتهما وقال السّلام عليكم أدخل رحمكم الله ففتحت اسماء الباب ، ثم سأل عليّاً كيف وجدت اهلك قال نعم العون على طاعة الله وسأل فاطمة ، فقالت خير بعل ، فقال اللهم اجمع شملهما والف بين قلوبهما واجعلهما وذريتهما من ورثة جنّه النعيم وارزقهما ذرية طاهرة طيبة مباركة واجعل في ذريتهما البركة واجعلهم ائمة يهدون بامرك الى طاعتك ويأمرون بما يرضيك ، ثم امر بخروج اسماء ، وقال جزاك الله خيراً .

وكانت معاشرتها ايام زواجها ذات جهات كثيرة ، كلها اسوة حسنة لكلّ مسلمة مؤمنة ، مع والدها رسول الله صلى الله عليه وآله معاشرة مرأة مزوّجة في قبال حقوق والدها مع كثرة تحنّنها عليه لم تخرج اليه الا باذن زوجها ولم تأت بما يسخط الرسول ولا ما يعصى به الله ورسوله و مع زوجها و زهده و جهاده و عبادته في غاية الحنان و الرأفة ، حتى كانت الحانية من اوصافها لكثرة حنانها لزوجها و لاولادها الى ان ورد في الروايات في انتقال هذه الصفة الى البنات من ذريتها ، ومع ذريتها و اولادها الى يوم القيمة ، ومع كل من المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات لاسيما اقاربها ، ثم من جهة علمها وكمالها ثم تعليمها و تربيتها لاولادها ، ثم لجميع المؤمنين فرداً فرداً أو لجمعية كثيرة في مواعظها وخطبها ، الى غير ذلك من الجهات الكثيرة في بركاتها ومحامد اوصافها وفضائل اخلاقها وعبادتها وتقويها وعصمتها .

خدمت زوجها في بيتها فاستقت بالقربه حتى اثرت في صدرها وطحنت بالرحى حتى مجلت يداها وكسحت البيت و اوقدت تحت القدر فاصابها من ذلك ضرر شديد حتى قال لها علي عليه السلام : لو اتيت اباك فسألتيه خادماً يكفيك ضرر ماانت، فيه ، فاتت النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)فوجدت عنده حداثاً فاستحيت فانصرفت ، فعلم النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)انها جائت لحاجة فغدا عليها ، فاخبر علي بحاجة فاطمة(علیه السّلام)فقال(صلی الله علیه و آله و سلم)الا اعلمكما ماهو

ص: 302


1- البحارج 43 ص 117 عن كتاب ابن مردويه

خير لكما من الخادم، اذا أخذتما منامكما فسبحا ثلاثاً وثلاثين واحمدا ثلاثاً وثلاثين وكبرا اربع وثلاثين ، فقالت رضيت عن الله ورسوله(1).

رأى النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)فاطمة(علیه السّلام)وعليها كساء من اجلة الابل وهي تطحن بيديها وترضع ولدها فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : يابنتاه تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة ، فقالت يارسول الله الحمد لله على نعمائه والشكر الله على الائه فانزل الله : ولسوف يعطيك ربك فترضى)(2)، وتزينت نفسها وبيتها بستر لقدوم والدها وزوجها عن السفر ، فلما راها النبي صلى الله عليه وآله تجاوز عنها (مع انه كان يبدأ ويختم بها في سفره) ، وقد عرف الغضب في وجهه حتى جلس عند المنبر فنزعت قلادتها وقرطيها ومسكتيها ونزعت الستر فبعث به الى ابيها وقالت اجعل هذا في سبيل الله ، فلما آتاه قال عليه السلام : قد فعلت فداها ابوها ثلاث مرآت(3)استأذن اعمى على فاطمة(علیه السّلام)فحجبته فقال رسول الله صلى الله عليه و آله لها لم حجبته و هو لايراك فقالت ان لم يكن يراني فانّي اراه وهو يشم الريح ، فقال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم): اشهد انك بضعة مني(4)وتقاضى علي وفاطمة الى رسول الله صلى الله عليه وآله في الخدمة ، فقضى على فاطمة بخدمته مادون الباب وقضى على عليّ بما خلفه و قال الباقر عليه السلام فقالت فاطمة فلا يعلم ما داخلني من السرور الا الله باكفائي رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)تحمّل رقاب الرجال(5).

ولما اجمع ابوبكر وعمر على منع فاطمة فدكاً وبلغها ذلك لاثت(6)خمارها على رأسها واشتملت بجلبابها(7)اقبلت في لمة(8)من حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها ماتخرم مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وآله حتى دخلت على ابي بكر وهو في حشد من

ص: 303


1- راجع البحارج 43 ص 82
2- راجع البحارج 43 ص 86.
3- راجع البحارج 43 ص 86.
4- راجع البحارج 43 ص 91.
5- راجع البحارج 43 ص 81.
6- لفت المقنعة برأسها.
7- جعلت ردائها محيطة بنفسها.
8- لمه أي جماعة والحفدة بالتحريك الاعوان والخدم تطأ ذيولها اي اثوابها طويلة تستر قدمها فتطأها عند المشي و الحشد الجماعه.

المهاجرين والانصار وغيرهم فنيطت(1)دونها ملائة فجلست ثم انت انة اجهش القوم لها بالبكاء فارتج(2)المجلس(3)الحديث وقالت عايشه مارأيت احداً قط اصدق من فاطمة غير ابيها(4)- وقال الحسن بن علي عليهما السلام رايت امي فاطمة قامت في محرابها ليلة جمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح و سمعتها تدعوا للمؤمنين و المؤمنات و تسميهم و تكثر الدعاء لهم و لاتدعوا لنفسها بشيء فقلت لها يا اماه لم لاتدعين لنفسك كما تدعين لغيرك فقالت يابني الجار ثم الدار(5)- وعن الحسن البصري - ماكان في هذه الامة اعبد من فاطمة كانت تقوم حتى تورّم فاطمة كانت تقوم حتى تورّم قدماها(6)- وفي روايات عن الصادق والرضا عليهما السلام عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال : ان فاطمة احصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار(7)وعن العامة ايضاً رواية ذلك عنه ( ص ) كما عن(8)تاريخ بغداد وكتاب السمعاني واربعين المؤذن ومناقب فاطمة باسانيدهم عن حذيفة وابن مسعود -قال ابن مندة(9)انه خاص بالحسن والحسين ويقال من ولدته بنفسها وهو المروي عن الرضا عليه السلام والا ولي كل مؤمن منهم(10)- وعن الصادق عليه السلام المعتقون من النار هم ولد بطنها الحسن والحسين وزينب وام كلثوم(11)- وفيما اوصت لاميرالمؤمنين عليه السلام - فان تزوّجت امرأة اجعل لها يوماً وليلة و اجعل لاولادي يوماً وليلة يا ابا الحسن ولا تصح في وجوههما فيصبحان يتيمين غريبين منكسرين فانهما بالامس فقدا جدهما واليوم يفقدان امهما فالويل لامة تقتلهما وتبغضهما(12)- عاشت بعد رسول الله

ص: 304


1- اي علقت ما بينها ستراً والملائة الازار.
2- فزعوا و تهيئوا بالبكاء.
3- البحارج 43 ص 82.
4- الاحتجاج للطبرسي ج 1 ص 132
5- البحارج 43 ص 84.
6- البحارج 43 ص 82.
7- البحارج 43 ص 84
8- البحارج 43 ص 231.
9- ابن منده بفتح الميم وسكون النون ابو زكريا يحيى بن عبد الوهاب و هو محدّث بن محدّث الى خمسة آباء من اصفهان توفى سنة 512.
10- البحارج 43 ص 232.
11- البحارج 43 ص 231.
12- البحارج 43 ص 178.

صلى الله عليه وآله خمسة وسبعين يوماً لم تُرَكاً شرةً ولا ضاحكة تأتي قبور الشهداء في كل جمعة مرتين الاثنين والخميس فتقول هيهنا كان رسول الله وهيهنا كان المشركون(1)- دعت عليّاً عليه السلام وقالت يا ابن عمّ ما اراني الآ لما بي وانا اوصيك ان تتزوج بامامة بنت اختى زينب تكون لولدي مثلي واتخد لي نعشا فاني رايت الملئكلة يصفونه لي وان لا يشهد احد اعداء الله من جنازتي ولادفني و لا الصلاة على(2)-وفي رواية روضة الواعظين قالت : - وانا اوصيك باشياء في قلبي ، قال لها عليّ عليه السلام اوصني بما احبت واخرج من كان في البيت، ثم قالت يا ابن عمّ ما عهدتني كاذبة و لاخائنة و لا خالفتك منذ عاشرتني ، فقال عليه السلام ، معاذ الله انت اعلم بالله وابر واتقى واكرم واشدّ خوفاً من الله من أن اوتخك بمخالفتي فقد عزّ على مفارقتك وتفقدك الا انه امر لابد منه والله جدّدت على مصيبة رسول الله صلى الله عليه وآله وقد عظمت وفاتك و فقدك فانا لله وأنا اليه راجعون من مصيبة ما افجعها وآلمها وامضها واحزنها هذه والله مصيبة لاعزاء لها ورزية لاخلف لها - الى اخره(3)، وفي رواية - فكشف علي عليه السلام عن وجهها فاذا برقعة عند رأسها فنظر فيها فاذا فيها - «بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما اوصت به فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله اوصت وهى تشهد ان لا اله الا الله وانّ محمداً عبده ورسوله وان الجنّة حق والنار حق وان الساعة آتية لا ريب فيها وان الله يبعث من في القبور يا علي انا فاطمة بنت محمد زوجني الله منك لاكون لك في الدنيا و الآخرة انت اولى بي من غيري حنطني وغسلني وكفّني بالليل وصلّ عليّ وادفني بالليل ولا تعلم احداً و استودعك الله واقرأ على ولدي السّلام الى يوم القيمة»(4).

اقول تفكرت في قطع ذلك خوفاً من الاطالة الموجبة للملالة فاستخرت بكتاب الله لأدامة البحث في بعض اخر مما تدل وتبين العصمة فيها من حالاتها وكلماتها فجائت هذه الآية - ﴿لمسجد اسس على التقوى من اول يوم احق ان تقوم فيه﴾(5)فأدمت لاول مع الحل لمسلم

ص: 305


1- البحارج 43 ص 195
2- البحارج 43 ص 199
3- البحارج 43 ص 191.
4- البحارج 43 ص 214.
5- سورة التوبة 108.

عن جعفر بن محمد عن ابيه عليهما السلام عن فاطمة عليها السلام انها اوصت لازواج النبي صلى الله عليه وآله لكل واحدة منهنّ باثنتي عشرة اوقية ولنساء بني هاشم مثل ذلك واوصت الأمامة بنت ابي العاص بشيء – وعن زيد بن علي انّ فاطمة عليها السلام تصدّقت بمالها على بنی هاشم و بنی عبدالمطلب و ان عليا عليه السلام تصدق عليهم وادخل معهم غيرهم(1)- وعن الصادق عليه السلام«انما سمّيت فاطمة محدثة ، لانّ الملئكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول يافاطمة ان الله اصطفيك وطهرك واصطفيك على نساء العالمين يا فاطمة اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين - فتحدّثهم ويحدّثونها ، فقالت لهم ذات ليلة : اليست المفضلة على نساء العالمين مريم بنت عمران ؟ فقالوا ان كانت سيدة نساء عالمها وانّ الله عزوجل جعلك سيّدة نساء عالمك وعالمها وسيّدة الاولين و الآخرين»(2)وعن الكافي عن ابي عبيدة انه سال ابا عبد الله عليه السلام بعض اصحابنا عن الجفر ، فقال هو جلد ثور مملوء علماً ، فقال له ما الجامعة ؟ قال تلك صحيفة طولها سبعون ذراعاً في عرض الاديم(3)مثل فخذ الفالج فيها كل ما يحتاج الناس اليه وليس من قضية الا وفيها حتى ارش الخدش ، قال له فمصحف فاطمة فسكت طويلا ثم قال انكم لتبحثون عما تريدون و عمّا لاتريدون ، انّ فاطمة مكث بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله خمسة وسبعين يوماً وقد كان دخلها حزن شديد على ابيها وكان جبرئيل يأيتها فيحسن عزائها على ابيها ويطيب نفسها ويخبر عن ابيها ومكانه ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها ، وكان علي عليه السلام يكتب ذلك فهذا مصحف فاطمة(علیه السّلام)(4)، عن سليمان قال محمد بن أبي بكر لمّا قرأ وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا بنى ولا محدث ، قلت وهل يحدث الملئكة الاّ الانبياء ؟ قال ان مريم لم تكن نبية وكانت محدّثة وام موسى بن عمران كانت محدثة ولم تكن نبية وسارة امراة ابراهيم قد عاينت الملئكة ، فبشّروها باسحاق ومن وراء اسحاق

ص: 306


1- البحارج 43 ص 218.
2- البحارج 43 ص 78.
3- الاديم - الجلد المدبوغ - مصباح المنير.
4- البحار ج 43 ص 79 وص 195.

يعقوب ولم تكن نبية وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله كانت محدثة ولم تكن نبية - قال الصدوق رحمه الله قد أخبر الله عزّ وجلّ في كتابه بانه ما ارسل من النساء أحداً الى الناس في قوله تبارك وتعالى - وما أرسلنا من قبلك الآ رجالاً نوحي اليهم ولم يقل نساء والمحدثون ليسوا برسل ولا انبياء(1).

هذه نبذة من آثار طهارتها وقداستها من ابائها وامها وبذرتها ومانشأت عليه من مكرمات سلوكها وعشرتها وزواجها ومحامد صفاتها مع زوجها ووالدها و اولادها وبرها بهم وحنانها واحسانها بالمسلمين وعطوفتها بهم وتقربها في انواع عبوديتها الله سبحانه وخضوعها لاحكام القرآن وتحفّظها عليها وعفافها وتقواها وعصمتها في شتى نواحيها مما تجلو بها العصمة في اعلى مراتبها في التربية بالقرآن وبيت النبوة والوحي.

ثم في عروجها الى الله سبحانه واتصالها بعلم الله ووحيه وروابط الملئكة المقربين و جبرئيل امين وحي الله معها وما كانوا يحدثونها ويونسون معها لكشف همها وغمها وتعزيتها في مصيبة ابيها سلوةً لها وما أخبرت عمّا سيقع من امر ذريتها وامر المسلمين الى القيمة وغير ذلك مما اشير اليه في مانقلناها تبصرة لمدارج عروجها الى منازل العصمة وسيرها في تكاملها وتقربها الى الله وزلفتها لديه .

لان هلیل کا ان المشهور أنّها عاشت ثمانية عشر سنة وقد بلغت الى ما بلغت من اعلى مراتب الانسانية والكمال في العبودية لله والعلم والمعرفة و جميل الصفات و محامد الملكات في النساء حتى صارت سيدة نساء العالمين من الاولين والآخرين على لسان رسول الوحي وامناء الله في ارضه ، وخطبتها وكلماتها اكبر شاهد على ذلك حيث تحكي عن خطب والدها رسول الله وبعلها اميرالمؤمنين صلوات الله عليهم اجمعين فهي تنطق عن لسان الوحي وعن علم الله سبحانه وتدل على انها علوم غير مكتسبة عن البشر وانها انزل على قلبها بعلم الله تبارك وتعالى وتنبأ عن احاطتها بعلوم القرآن والاسلام بشتى جوانبها و عللها وحكمها وماسيعود الى الجامعة الاسلامية من العمل بها أو الاوزار الشاملة عليهم لو استدبروا عنها و لا عجب في ذلك بعد علوّ عصمتها وصفاء قلبها التي تظل عليها عالم الملكوت فتكشف

ص: 307


1- البحارج 43 ص 79.

لها ما سيقع في عالم الناسوت واليك لمعة من ذلك :

ففي الاحتجاج ، روى عبد الله بن الحسن باسناده عن آبائه (عليهم السلام) انه لما اجمع ابو بكر وعمر على منع فاطمة (عليها السلام) فدكاً وبلغها ذلك لاثت خمارها على رأسها واشتملت بجلبابها واقبلت في أُمّة من حَفَدَتِها ونساء قومها تطأ ذيولها ما تخرم مشيتها مشية رسول الله (صلى الله عليه وآله حتى دخلت على ابي بكر وهو في حشد من المهاجرين والانصار وغيرهم فنيطت دونها ملائة ، فجلست ثم انت انةً اجهش القوم لها بالبكاء ، فارتج المجلس ثم امهلت هنيئة حتى اذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم افتتحت بالكلام بحمد الله والثناء عليه والصلوة على رسوله فعاد القوم في بكائهم فلما امسكوا عادت في كلامها فقالت :

الحمد لله على ما انعم وله الشكر على ما الهم والثناء بما قدم من عموم نعم ابتداها وسبوغ الاء اسداها وتمام منن اولاها جمّ عن الاحصاء عددها ونأى عن الجزاء امدها وتفاوت عن الادراك ابدها وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتصالها واستحمد الى الخلائق باجزالها وثنّى بالندب الى امثالها واشهد ان لا اله الا الله وحده لاشريك له كلمة جعل الاخلاص تأويلها وضمن القلوب موصولها وانار في التفكر معقولها الممتنع من الابصار رؤيته ومن الالسن صفته و من الاوهام كيفيته ابتدع الاشياء لامن شيء كان قبلها وانشأها بلا احتذاء امثلة امتثلها كونها بقدرته وذرأها بمشيته من غير حاجه منه الى تكوينها ولا فائدة له في تصويرها الا تثبيتاً لحكمته وتنبيهاً على طاعته واظهاراً لقدرته ، تعبداً لبريته و اعزازاً لدعوته ، ثم جعل الثواب على طاعته ووضع العقاب على معصيته زيادة لعباده من نقمته وحياشة لهم الى جنّته واشهد ان ابي محمداً عبده ورسوله اختاره قبل ان ارسله وسمّاه قبل أن أجتباه ، واصطفاه قبل ان ابتعثه اذ الخلائق بالغيب مكنونه وبستر الاهاويل مصونة وبنهاية العدم مقرونة علما من الله تعالى بما يلي الامور، واحاطة بحوادث الدهور ، ومعرفة بمواقع الامور ، ابتعثه الله اتماماً لامره وعزيمة على امضاء حكمه وانفاذاً لمقادير حتمه فرأى الامم فرقاً في اديانها ، وعُكفاً علي نيرانها ، عابدة لاوثانها ، منكرةً لله مع عرفانها ، فانار الله بابي محمد صلى الله عليه وآله ظُلَمَها وكشف عن القلوب بُهَمَها وجلى عن الابصار عُمَمَها وقام في الناس بالهداية ، فانقذهم من الغواية وبصرهم من

ص: 308

العماية وهداهم الى الدين القويم و دعاهم الى الطريق المستقيم ، ثم قبضه الله اليه قبض رأفة و اختيار و رغبة و ايثار ، فمحمد صلى الله عليه وآله من تعب هذه الدار في راحة قد حف بالملئكة الابرار و رضوان الربّ الغفّار و مجاورة الملك الجبار صلّى الله على ابي نبيه وامينه وخيرته من الخلق وصفيه والسلام عليه ورحمة الله و بركاته - ثم التفت الى اهل المجلس وقالت :

انتم عباد الله نصب امره ونهيه ، وحملة دينه ووحيه ، وامناء الله على انفسكم، وبلغائه الى الامم ، زعيم حق له فيكم ، وعهد قدمه اليكم ، وبقية استخلفها عليكم ، كتاب الله الناطق ، والقرآن الصادق ، والنور الساطع ، والضياء اللامع ، بينة بصائره ، منكشفة سرائره ، منجلية ظواهره ، مغتبطة به اشياعه ، قائداً الى الرضوان اتباعه ، مؤد الى النجاة استماعه ، به تنال حجج الله المنوّرة ، وعزائمه المفسّرة، ومحارمه المخدّره وبيناته الجالية ، وبراهينه الكافية وفضائله المندوبة ، و رخصه الموهوبة ، و شرايعه المكتوبة ، فجعل الله الايمان تطهيراً لكم من الشرك ، و الصلوة تنزيهاً لكم عن الكبر ، و الزكاة تزكية للنفس ، ونماء في الرزق ، و الصيام تثبيتاً للاخلاص و الحج تشييداً للدين ، و العدل تنسيقاً للقلوب ، وطاعتنا نظاماً للملة ، وامامتنا اماناً للفرقة ، والجهاد عزّاً للاسلام ، والصبر معونة على استيجاب الاجر ، والامر بالمعروف مصلحة للعامة، وبر الوالدين وقاية من السخط ، و صلة الارحام منساة في العمر، ومنماةً للعد في العمر، ومنماةً للعد و القصاص و القصاص حقناً للدماء ، والوفاء بالنذر تعريضاً للمغفرة ، وتوفية المكائيل ، والموازين تغييراً للبخس ، والنهي عن شرب الخمر تنزيها عن الرجس، واجتناب القذف حجاباً عن اللعنة ، وترك السّرقة ، ايجاباً بالعفّة ، وحرّم الله الشرك اخلاصاً له بالربوبية ، فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الاّ وانتم مسلمون و اطيعوا الله فيما أمركم ب-ه ونهاكم عنه فانما يخشى الله من عباده العلماء .

ثم قالت ايها الناس ، اعلموا - أنّي فاطمة ، وابي محمد صلى الله عليه وآله ، اقول عوداً وبدوا ولا اقول مااقول غلطا و لا افعل شططاً ، لقد جائكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم - فان تعزوه وتعرفوه تجدوه ابي ، دون نسائكم واخا ابن عمّى دون رجالكم ولنعم المعزى اليه صلى الله عليه وآله فبلغ الرسالة

ص: 309

صادعا(1)بالنذارة ،(2)مائلاً عن مدرجة(3)المشركين، ضارياً ثبجهم،(4)آخذاً باكظامهم(5)داعياً الي سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ، يجفّ(6)الاصنام وينكث الهام ، حتى انهزم الجمع وولوا الدبر حتى تفرى(7)الليل عن صبحه واسفر الحق عن محضه و نطق زعیم الدین و خرست ، شقاشق(8)الشياطين وطاح(9)وشيظ(10)النفاق وانحلت عقد الكفر والشقاق وفهمتم بكلمة الاخلاص في نفر من البيض(11) الخماص وكنتم على شفا حفرة من النار ، مذقة الشارب ونُهزة(12)الطامع وقبسة(13)العجلان و موطىء.(14)الاقدام تشربون الطرق(15)و تقتاتون القد ، اذلة خاسئين ، تخافون ان يتخطفكم الناس من حولكم ، فانقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد صلى الله عليه وآله بعد اللتيا والتي وبعد ان مني ببهم(16)الرجال و ذوبان العرب ومردة اهل الكتاب كلّما أوقدوا نارا للحرب اطفاها الله أو نجم(17)قرن الشيطان أو فغرت فاغرة(18)من المشركين قذف اخاه في لهواتها فلا ينكفىء(19)حتی يطأ جناحها(20)باخمصه ويخمد لهبها بسيفه مكدوداً في ذات الله ، مجتهداً في امر الله ، قريباً من رسول الله ، سيداً في أولياء الله ، مشعراً ، ناصحاً ، مجداً،

ص: 310


1- الاظهار .
2- الابلاغ على وجه التخويف .
3- المدرجه - المذهب و المسلک.
4- بالتحریک وسط الشيء و معظمه .
5- مخرج النفس من الحلق
6- يكسر .
7- انشق .
8- جمع شقشقه بالكسر وهي ما يخرج البعير عن فيه اذا هاج.
9- هلك .
10- السفلة من الناس .
11- اي اهل البيت(علیهم السّلام).
12- اي محل نهزته ودفعه وضربه.
13- مثل في الاستعجال.
14- مثل مشهور في المذلة
15- المطر اذا بال فيه الابل والبقر ، و تقتانون القد لعلّ معناه - تجعلون قوتكم و رزقكم القديد و هو اللحم الذى يجفّ بالشمس و في كتاب بلاغات النساء - تقتاتون الورق.
16- شجعانهم.
17- فغر فاه فتحه والفاغره الطائفه.
18- ظهر توابع الشيطان.
19- فلا يرجع.
20- يضغطه برجله.

كادحاً ، لا تأخذه في الله لومة لائم وانتم في رفاهية من العيش وادعون(1)فاكهون(2)آمنون تتربصون بنا الدوائر(3)وتتوكفون(4)الاخبار وتنكصون عند النزال وتفرّون عند القتال ، فلما اختار الله لنبيه دار انبيائه ومأوى ،اصفيائه، ظهر فيكم حسكة(5)النفاق وسمل(6)جلباب الدين ونطق كاظم الغاوين ونبغ خامل(7)الاقلين وهدر فنيق المبطلين ،(8)فخطر(9)في عرصاتكم واطلع الشيطان رأسه من مغرزه(10)هاتفاً بكم ، فالفاكم(11)لدعوته مستجيبين وللغرّة فيه ملاحظين ، ثم استنهضكم فوجدكم خفافاً واحشمكم(12)فالفاكم غضاباً فوسمتم غير ابلكم وورد تم غير مشربكم هذا والعهد قريب والكلم والجرح لما يندمل والرسول لما يُقبر ابتداراً(13)زعمتم خوف الفتنة الا في الفتنة سقطوا وان جهنّم لمحيطة بالكافرين، فهيهات منكم وكيف بكم واني تؤفكون وكتاب الله بين أظهركم ، اموره(14)ظاهره واحكامه زاهرة و اعلامه باهرة و زواجره لايحه و اوامره واضحة وقد خلّفتموه وراء ظهوركم ارغبة عنه تريدون ام بغيره تحكمون ، بئس للظالمين بدلاً ومن يبتغ غير الاسلام ديناً فلن يُقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين ، ثمّ لم تلبثوا الأريث ان تسكن نفرتها(15)ويسلس قيادها ، ثم اخذتم تورون(16)وقدتها وتهيجون(17)جمرتها وتستجيبون لهتاف(18)الشيطان الغوى واطفاء انوار الدين الجلي واهمال سنن

ص: 311


1- ساكنون .
2- ناعمون.
3- نزول البلايا.
4- تنتظرون اخبار المصائب.
5- عداوته.
6- سمل الثوب اخلق فصار بالياً.
7- ظهر من خفى ذكره.
8- الفحل من الابل، تردد صوته في حلقه.
9- تحرك ذنبه وخرب به فخذه.
10- مختفاه.
11- وجدكم.
12- اغضبكم.
13- الجرح واسع.
14- مبادراً الى جعل الرئيس بزعم خوف الفتنه.
15- فان كتاب الله فى تعيين الامام اموره ظاهره.
16- اي تسكن عن النفرة.
17- تشيرون وتحرّكون الجمرة.
18- ندائه.

النبي الصفي تشربون(1)حسواً في ارتغاء وتمشون لاهله وولده في الخمرة(2)والضُّراء ويصير منكم على مثل حز(3)المدى و وخز السنان في الحشاء وانتم الآن تزعمون أن لا ارث لنا ، افحكم الجاهلية تبغون ومن احسن من الله حكماً لقوم يوقنون ، افلا تعلمون بلى قد تجلّى لكم كالشمس الضاحية ، أنّي ابنته .

ايها المسلمون أأغلب على ارثي ، يا ابن ابي قحافة أفي كتاب الله ترث اباك ولا أرث ابي ، لقد جئت شيئاً فريا ، افعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم اذ يقول ﴿وورث سليمان داود﴾ وقال فيما اقتص من خبر يحى بن زكريا اذ قال ﴿فهب من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب﴾ وقال : ﴿واولوا الارحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله﴾وقال : ﴿يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الانثيين﴾ وقال : ﴿ان ترك خيراً الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف حقاً على المتقين﴾وزعمتم ان لاخطوة(4)لى ولا أرث من ابي ولا رحم بيننا أفخصكم الله بآية اخرج أبي منها ام هل تقولون ان اهل ملّتين لا يتوارثان أو لست انا وابي من اهل ملة واحدة ام انتم اعلم بخصوص القرآن وعمومه من ابي وابن عمي فدونكها(5)مخطومة مرحولة تلقاك یوم حشرك ، فنعم الحكم الله والزعيم محمد و الموعد القيامة وعند الساعة يخسر المبطلون ولا ينفعكم اذ تندمون ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يُخزيه ويحل عليه عذاب مقيم .

ص: 312


1- الحسو هو الشرب شيئا فشيئاً والارتغاء هو شرب الرغوة اى زيد اللبن - مثل لمن يظهر شيئا و يريد غيره.
2- خَمَر الناس بالتحريك ازدحامهم والضراء المشى في اختفاء فيما يواريك من شجر ، مثل في الختل والخديعة ، و الضراء بالفتح والتخفيف من الضرو - الشجر الملتف.
3- الحز القطع والمدى بتشديد الدال جمع المدية اي الشفرة
4- المنزلة والمكانة وبمعنى الحظ أيضاً.
5- لعل المعنى - فدونك لهذه التأويلات بعير مخطوم عليها رحل تركبه فتلقاك يوم حشرك وخطم البعير جعل فى انفها ما يقودها والمرحولة البعير جعل عليها الرحل كالسرج للفرس فتركبها وتقودها كيفما تريد.

ثم رمت بطرفها نحو الانصار فقالت : يا معشر النقيبة(1)واعضاد(2)الملة وحضنة الاسلام ماهذه الغميزة(3)في حقي والسنة(4)عن ظلامتي ، اما كان رسول الله صلى الله عليه وآلة أبي يقول : - المرء يحفظ في ولده - سرعان ما احدثتم وعجلان(5)ذا اهاله ولكم طاقة بما احاول وقوّة على ما اطلب و از اول ، اتقولون مات محمد صلى الله عليه وآله ، فخطب جليل استوسع وهنه واستنهر(6)فتقه وانفتق رتقه و اظلمت الأرض لغيبته وكسفت الشمس والقمر وانتثرت النجوم لمصيبته واكدت(7)الامال وخشعت الجبال واضيع الحريم وازيلت الحرمة عند مماته. فتلك والله النازلة الكبرى والمصيبة العظمى لامثلها نازلة ولا بائقة عاجلة . اعلن بها كتاب الله جلّ ثنائه في افنيتكم وفي ممساكم ومصبحكم يهتف في افنيتكم هتافاً وصراخاً وتلاوة والحاناً ولقبله ماحل بانبياء الله ورسله حكم فصل وقضاء حتم ﴿وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفأن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومَن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين﴾ ايهاً بني قيلة(8)ءاهضم تراث أبي وانتم بمراى مني ومسمع ومنتدى(9)و مجمع تلبسكم الدعوة وتشملكم الخبرة وانتم ذووا العدد والعُدّة والاداة والقوة وعندكم السلاح والجنّة توافيكم الدعوة فلا تجيبون وتأتيكم الصرخه فلا تغيثون وانتم موصوفون بالكفاح . معروفون بالخير والصلاح والنخبة التي انتخبت والخيرة التي اختيرت لنا أهل البيت، قاتلتم العرب وتحمّلتم الكد والتعب وناطحتم الامم وكافحتم البهم ،(10)

ص: 313


1- الباحث عن احوال الملة والمصلح لشئونهم.
2- العَضُد ما بين المرفق والكتف واستعير للمعين المدافع الناصر جمعه اعضاد الحاضنة التي تقوم على الصغير في تربيته وتجعله في حضنها.
3- الضعفة في العمل.
4- النوم الخفيف.
5- مثل يُضرب لمن يخبر بكينونة الشيء قبل وقته والاهاله الشحم المذاب.
6- اتسع.
7- لم يظفر بحاجته.
8- بنو قيله هم الأوس والخزرج القبيلتان من الانصار.
9- محل الندوة والاجتماع.
10- جمع البهمة الشجاع الذي يستبهم مأتاه على اقرانه، والبهم ايضا مشكلات الامور.

لانبرح(1)أو تبرحون ، نأمركم فتأتمرون حتى اذادارت بنا رحى الاسلام ودر(2)حلب الايام وخضعت ثغرة الشرك وسكنت فورة الافك وخمدت نيران الكفر و هدأت دعوة الهرج واستوسق(3)نظام الدین فانّى حزتم(4)بعد البيان واسررتم(5)بعد الاعلان ونكصتم(6)بعد الاقدام واشركتم بعد الايمان بؤسا لقوم نكثوا ايمانهم من بعد عهدهم وهموا باخراج الرسول وهم بدؤكم أول مرة اتخشونهم فالله احق ان تخشوه ان كنتم مؤمنين - الا - وقد أري ان قد اخلد تم الى الخفض(7)وابعدتم من هو احق بالبسط والقبض وخلوتم(8)بالدعة ونجو تم(9)بالضيق من السعة فمججتم ما وعيتم ودسعتم(10)الذي تسوغتم فان تكفروا انتم ومن في الارض جميعاً فان الله لغني حميد - ، الا وقد قلت ماقلت هذا على معرفة مني بالجذلة(11)التي خامَرَتكُم والغدرة التي استشعرتها قلوبكم ولكنها فيضة النفس و نفثة(12)الغيظ وخور القناة(13)وبثّة(14)الصدر وتقدمة الحجّة فدونكموها فاحتقبوها(15)دبرة(16)الظهر نقبة(17)الخسف(18)، باقية العار موسومة بغضب الجبار وشنار الابد موصولة بنار الله الموقدة التي تطلع على الافئدة فبعين الله ما تفعلون وسيعلم الذين ظلموا

ص: 314


1- لانزال ولا تزالون قبلاً ان تأمركم فتاتمرون الى ان دارت بنا رحى الاسلام.
2- يعني مع انه انقلب علينا الأيام ولكن بالنسبة الى منافع المسلمين كثر خير الايام وخمدت آثار المخالفين من المشركين والمنافقين .
3- اجتمع.
4- الحزو التقدير بالحدس.
5- كتمتم.
6- رجعتم.
7- ضد الرفع.
8- تفرغتم الى السكون.
9- ونجوتم من السعة الى الضيق.
10- ما وعيتم من معارف القرآن ففي أظهاره مججتم من غير تبيين.
11- دسع قاء وتسوّغ الشراب تهنأ في شربه.
12- الفرحة التي حالطتكم من غصب فدك وغيره.
13- نفث البصاق من فمه - لمى به.
14- انکسارها و فتورها.
15- اظهار ما في الصدور و اذاعته.
16- احتملوا ائمه ووزره على ظهوركم.
17- الجرح يظهر على ظهر البعير من الرحل و ثقل ما يحمل عليه.
18- الاذلال

اي منقلب ينقلبون وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد فاعملوا انا عاملون وانتظروا أنا منتظرون(1).

رواها من العامة أيضاً الخوارزمي في مقتله ج 1 ص 77 ، باسناده عن الزهري عن عايشة هذه الخطبة . لكن لابتمامها ، ورواها أيضاً أحمد بن أبي طاهر المولود ببغداد سنة 204 المتوفى 280 في كتابه بلاغات النساء . باسناده عن زيد بن علي بن الحسين عليهما السلام هذه الخطبة وباسناده عن الحسين بن علوان عن عطية العوفي : انه سمع أبا بكر يومئذ يقول لفاطمة(علیه السّلام)يا بنت رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)الخ ص 12 - 19 ، وذكرها ابن ابي الحديد في شرح النهج ج 16 ص 211 ط بيروت نقلاً عن كتاب ابي بكر الجوهري في السقيفة وفدك بسنده عن زينب بنت علي بن أبي طالب عليه السلام وعن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن ابيه عليهم السلام وبسنده عن جابر الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام وبسنده عن عبد الله بن الحسن بن الحسن عليه السلام قالوا جميعاً : لما بلغ فاطمة عليها السلام اجماع أبي بكر على منعها فدك ، لاثت خمارها واقبلت في لمة من حفدتها الخ(2).

ففي هذه الخطبة مع نهاية ايجازها واختصارها فصول كثيرة في ابعاد متنوعة من معارف الاسلام والقرآن اصولاً وفروعاً ، اصول الدين واصول الفقه والفروع العملية و الاخلاقية والاجتماعية والحكم والعلل لقوانين الشرع والمواعظ الاساسية من الترغيب والترهيب الى امور اساسيّة سيولد منها ما سيظل على الامة الاسلامية مما لا يمكن دفعها و رفعها و ازالتها وتفسير كلام الله عزّ وجل وبيان آيات القرآن في الفرائض والمواريث واحكامها ومافي الفتن الناشئة عن تخلف الامة عن امامهم و قائدهم المنصوب من الله ورسوله حقاً ، ثم معرفتها باهل زمانها مما كانوا عليه فيما قبل وما تحولوا اليها من التبعد عن الله وعن الاسلام وتخلفهم عما وعوا من حقائق الاسلام والقرآن ونفاقهم في قبال وظائفهم وتكاليفهم وما استحوذ عليهم الشيطان فانساهم ذكر الله ، وماخدعهم الخليفة من

ص: 315


1- الاحتجاج للطبرسي ط النجف ج 1 ص 131.
2- وفي كتاب سليم بن قيس الكوفي اشارة الى هذه الخطبة راجع ص 253 - منه .

تطميعهم فيما غصبوا عنها ، فسكتوا وفشلوا وستروا وما ابدوا وما اظهروا شيئاً مما علموا من الحق ، حتى استولى الخليفة على مقاصده الغير المشروعة . الى غير ذلك مما يدل على ان مانطقت ، انما انزل على قلبها من علم الله تعالى مما يعجز عن فهمه ودركه اكابر العلماء والعرفاء ، وقد برزت منها هذه الخطبة وهي بنت ثمانية عشر سنة مزوّجة حينما بلغت تسعة واولدت اربعة من الذكور والاناث وربتهم في تلك المدة الباقية من عمرها ، فلا يمكن صدور هذه الخطبة الا ببركة عصمتها وطهارتها واتصالها بعلم الله سبحانه وتعالى و وحيه .

هذا و قد دلت آيات من القرآن الحكيم على كمالها في الطهارة والقداسة وعظمة مقامها عند الله سبحانه .

الاولى قوله تعالى ﴿انّما يُريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً﴾(1).

وقد تواترت الروايات من طريق الشيعة وتظافرت من طرق العامة على ان المعنى به في قوله تعالى «أهل البيت»، هم محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين المجتمعون تحت الكساء .

قال ففي غاية المرام للسيد العلامة البحراني قدّس سرّه ، عن طريق الخاصة في ذلك أربعة وثلثون حديثاً وعن طريق العامة أحد واربعون حديثا . وعن السيوطي في الدر المنثور انه اورد عشرين حديثاً في ان المراد من أهل البيت هم الخمسة لاغير وعن ابن جرير خمس عشرة رواية باسانيد مختلفة وعن الصواعق المحرقة لابن حجر عن الامام الحنبلي عن ابي سعيد الخدري انها في الخمسة وهكذا عن الواحدي والثعلبي وكثيرين من المفسرين والمحدثين(2).

وقد مرّ شطر عن الكلام في تفسيرها في هذا الكتاب فراجع(3).

وقد أخذ في مخالفة ذلك شرذمة شاذة مخالفة ذلك شرذمة شاذة من اهل الخلاف ممن في قلبه مرض ،

ص: 316


1- سورة الاحزاب آية 33.
2- راجع الكلمة الغراء ص 204.
3- ص284.

محتجاً بانها في عداد آيات تخاطب ازواج النبي صلى الله عليه وآله ولاسيما يتصل بها من قوله تعالى ﴿وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى واقمن الصلوة وآتين الزكوة * أنما يُريدُ الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً﴾ فالضمائر فيما قبلها ضمائر تأنيث متوجهة الى نساء النبي صلى الله عليه وآله كما يقول تعالى ﴿يا أيها النبي قل لازواجك﴾ ، ﴿يانساء النبي من يات منكن ، يانساء النبي لستن كاحد من النساء﴾.

وقد كثر الكلام في الجواب عن ذلك بوجوه ، منها : اختلاف الضمائر فيما قبلها بالتأنيث وفيها بالتذكير ، وهذا شاهد على انها ليست فيهن وان اتصلت بتلك الآيات ، صوناً منها عن دسائس ذوي السلطة على الحكومة الاسلامية ، الغاصبين لمناصب أهل البيت عليهم السلام .

الحة التلقاع الله التالي ساله وقد أخذوا في ردّ هذا الجواب تارةً بالنقض بقوله تعالى : ﴿قالت يا ويلتاء ألد و أنا عجوز وهذا بعلي شيخاً انّ هذا لشيء عجيب قالوا أتعجبين من امر الله * رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت انه حميد مجيد﴾(1)وقد خوطبت أمراة أبراهيم عليه السلام في قوله تعالى : عليكم ، بضمير التذكير واخرى بالحل بانّه أريد في آية التطهير الازواج مع النبي صلى الله عليه وآله وجيىء بالضمائر تذكيراً تغليباً وتشريفاً للنبي صلى الله عليه وآله.

و هذا الرد و ان كان مزيفا ، أما اولاً فلأن المخاطب في امراة ابراهيم عليه السلام ابتداءً وان كان هي في قوله تعالى : اتعجبين من أمر الله ، الا انه من الظاهر أنّ رحمة الله وبركاته لاتخصها ، بل على اهل البيت وهم أبراهيم(علیه السّلام)ومن في بيته من زوجته ومن سيولد منه و لذا لم يخصها بل عمّ أهل البيت . وثانياً ان ازواج النبي ونسائه ممن ذكر قبل ذلك في سورة الاحزاب يكون بعنوان الخطاب و الجمع المؤنث و الضمائر المؤنثة و تبديله الى الجمع المذكر المخاطب ، مما لا وجه له بادخال النبي في جماعتهن ، و هذا بخلاف قضية ابراهيم(علیه السّلام)حيث جائت رسل ربه اليه لتبشيره و بالتبع لتبشير

ص: 317


1- سورة هود ايه 74.

زوجته كما يقول تعالى ﴿ولقد جائت رسلنا أبراهيم بالبشرى قالوا سلاماً﴾(1)، هذا.

القرينة القطعية من الكتاب والسنّة على ان المراد من اية التطهير ، هم الخمسة ، دون ازواج النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)

ولكن الاشكال باطل من اصله ، أما اولاً : فمن جهة الروايات المتواترة المتظافرة من الفريقين على نزولها في أصحاب الكساء حتى صار عنوان أهل الكساء والعباء من العناوين المعروفة المشهورة لهم في أدبيات المسلمين نثراً وشعراً في الوف أبيات الى زماننا هذا ، ولعلنا سنذكر بعض تلك الروايات تيمناً انشاء الله تعالى . وثانياً ان ارادة الله سبحانه اذا تعلّق بشيء ، فلا يمكن ان تتخلف عن وجود المراد ، قال سبحانه : ﴿أنما أمره اذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون﴾(2)، وقال تعالى : ﴿أنما قولنا لشيء اذا اردناه أن نقول له كن فيكون﴾(3)، وقال سبحانه ﴿أذا قضى أمراً فانّما يقول له كن فيكون﴾(4)، ثم أن الرجس المفرد المحلّى بالالف واللام الدال على العموم أما أن يكون بمعنى الذنب كما عن الكشاف و غيره أو مطلق القذارة والخباثة ، فيصير معنى الآية حصر اراة الله فيهم بدفع مطلق الذنب والقذارات عنهم وطهارتهم عن جميع الذنوب ، فمفاد الآيه ضمانة العصمة لهؤلاء الخمسة من الله سبحانه بارادته ذلك لهم بحيث لا يمكن صدور اي رجس وذنب وقذارة عنهم عليهم السلام. وهذا المعنى لا يناسب نزولها في شأن نساء النبي وازواجه ، بعد مانص القرآن في سورة التحريم في شأن بعض منهن باشياء وفيها تلويحات وتصريحات الى غاية الانحطاط في اثنتين منهن ، حتى قال سبحانه وتعالى : ﴿ضرب الله مثلاً للذين كفروا أمرأة نوح وأمرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع

ص: 318


1- سورة هود ايه 69.
2- سورة يس أيه 82.
3- سورة النحل ايه 40.
4- سورة مريم ايه 35.

الداخلين﴾(1)وقال سبحانه في أوائل هذه السورة :- ﴿واذ اسر النبي الى بعض ازواجه حديثاً فلما نبئت به واظهره الله عليه عرف بعضه واعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير(2)ان تتوبا الى الله فقد صغت قلوبكما وان تظاهرا عليه فانّ الله هو موليه وجبريل وصالح المؤمنين والملئكه بعد ذلك ظهير﴾(3)فاذا كان في شأن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وآله امثال هذه الايات فكيف يمكن القول بنزول آية التطهير فيهن ﴿والله يقول الحق وهو يهدي السبيل - وقال سبحانه - وبالحق انزلناه وبالحق نزل﴾ فتدبر في آيات سورة التحريم ثم تدبّر في آية التطهير حق التدبر ثم انظر بعين الانصاف انه هل يمكن الجمع بينهما فيهن فاذا لا يمكن فلا يمكن القول بان آيه التطهير نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وآله وازواجه قال سبحانه - افلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه أختلافاً كثيراً -.

هذا، وقد وقعت لى محاورة اتفاقية في الجامع الاموي بدمشق الشام عند رجوعي عن الحج في بعض الاسفار مع أحد علماء العامة في البحث عن آية التطهير لابأس بذكرها لما فيها من المناسبة والفائدة لما نحن فيه .

وهي اني في بعض ايام اقامتي بدمشق ذهبت الى الجامع الاموي صباحاً قبل طلوع الشمس وكان أمام الجامع بعد فراغه عن صلاة الفجر مشتغلاً بالوعظ للمأمومين وفي وسط الجامع كان سرير كبير معداً للجلوس عليه للقرائه وعليه مصاحف كثيرة ، فصعدت عليه ، فرأيت مصحفاً كبيراً ، عتيقاً ، خطياً ، فاخذت في مطالعته وقرائته وقد فرغ هذا الشيخ العالم عن وعظه لهم فقام ومشى للخروج فرآني هناك فجاء حتى وقف جنب السرير وبعد المعارفة والترحيب الى قال : تعرف العربي :قلت شُوى (قليل) ثم قال تعرف تقرء القرآن ؟ قلت شوى . فرحب بي وقال اقرء فقرأت له ما كتبه الكاتب في آخر المصحف ، فاشكل فيما قرئته في الاعراب ، فاجبت عنه ، فنظر الى بعض تلامذته معه وقال لا : فاضل . ثم اراد الانصراف فقلت له : انت تعرف تقرأ القرآن ؟ (مثل ماقال لي) فتغير

ص: 319


1- سورة التحريم.
2- سورة الاسراء ايه 105
3- سورة النساء ايه 82.

وجه بعض تلامذته ممن معه غيظاً وقال هو شيخنا واستاذ الجامعه بالكلية الشرعية ، لكن ما التفت اليه والى كلامه وقال الشيخ برحابة صدره وخلقه : نعم ، اعرف أقرء ، قلت جميع القرآن أو بعضه ؟ قال : جميع القرآن . قلت : تعرف قرائته فقط او مع التفسير ؟ قال : بل مع التفسير . قلت : تفسير الجميع أو بعضه ؟ قال : بل الجميع ، اسئل ماشئت ، قلت له : هذه الآية قد اشكل تفسيرها واحب ان تُبين لي وهي قوله تعالى : ﴿ومَن يشرك بالله فكأنّما خرّ من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق﴾(1)، فقال هذه الاية واردة في شأن عبدة الاصنام والمشركين من الوثنيين فقرأ، ماقبلها ومابعدها وقال انه من يشرك بالله فكأنما خرّ من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق - موضحاً لبعض مفرداتها ، فقلت له هذا المقدار واضح ، فقال فماذا تريد بيانه ؟ قلت بين لي وجه الشبه بين المشبه والمشبه به في تشبيه الشرك بمن خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق ، فوضع رأسه على يده مدة يتفكر ثم رفع رأسه وقال هذا مما لابد فيه من مراجعة كتب التفسير فأنه لا يجوز التفسير بالرأى ، فانه من فسّر القرآن برأية فليتبوء مقعده من النار ، - قلت له : ان الله تعالى يقول : ﴿أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها﴾(2)فصدق كلامي بان التدبر لكشف الحقايق من القرآن جائز وليس هذا من التفسير بالرأي المنهى عنه .

: ثم أراد أن ينصرف ويودّعني ، فقلت له آية آخرى ، أشكل تفسيرها ، وقرأت عليه آية التطهير ، فقال : هذه الآية في شأن ازواج النبي صلى الله عليه وآله ، فقلت له : نعم ماقبلها وما بعدها يشهد لذلك، لكن ما معناها وما المراد منها ؟ فقال أمرهنّ الله سبحانه فيما قبلها باشياء من قرارهن في بيوتهن وان لا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وغير ذلك مما يؤثر في عفافهنّ ثم قال انّما يُريد الله - يعني بما أمرهنّ - ليذهب عنكم الرجس - يعني الزنا - ، فاراد الله بالاوامر المؤثرة في عفافهن لئلا يقعن في الزنا ، فقلت له : الرجس ليس بمعنى الزنا بل بمعنى القذارة، وهو مفرد محلّي بالالف واللام فيفيد الاستغراق واذهاب جميع الارجاس والاقذار وقد قال سبحانه انما قولنا لشيء اذا اردناه ان

ص: 320


1- سورة الحج ايه 31.
2- سورة محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)ايه 24.

نقول له كن فيكون(1)فلا تتخلف ارادة الله سبحانه عن وجود مراده وحصوله ، بل يتحقق المراد بعد الارادة ، فقال : تريد بذلك القول بالعصمة في شأنهن ؟ قلت : لا ، بل نحن بصدد تحقيق مفاد الآية ، فقال : نحن وان لم نقل بالعصمة في غير الانبياء عليهم السلام لكن ماذا يكون لو قلنا بالعصمة في شأن ازواج النبي صلى الله عليه وآله بمقتضى هذه الآية ؟ .

قلت : نعم ، لكن اذا يشكل آيات أخرى في شأنهن حيث تنافي عصمتهن وفتحت المصحف الشريف من سورة التحريم واخذت في قرائتها وقلت له : فماذا مفاد تلك

، الآيات أذا كانت الازواج معصومات ؟ فقال كان في بيت النبي صلى الله عليه وآله اختلاف بين أزواجه وتحزب فيما بينهن وهكذا يكون بين الضُرّات وهو أمر هين . فقلت : اولاً التحزب في قبال نبي الاسلام بحيث كانتا هما في حزب قبال حزب النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، وثانياً اذا كان امراً هيناً فما معنى التغليظ في تلك الآيات وما معنى التوبة ، بل وحتى يقول سبحانه ان تتوبا الى الله فقد صغت قلوبكما وان تظاهرا عليه فانّ الله هو مواليه وجبريل وصالح المؤمنين والملئكة بعد ذلك ظهير ، فما معنى المظاهرة على النبي صلى الله عليه وآله حتى يكون الله سبحانه موليه في هذه المظاهرة عليه وجبريل وصالح المؤمنين والملئكة بعد ذلك ظهير ، ثم بقية الآيات الشريفة في التشديد عليهما والتمثيل لهما بامرأة نوح وامراة لوط .

انتاج الملة فسكت الشيخ متفكّراً، ثم بعد التفكر مدة قال : أراجع التفسير ثم في جلسة أخرى اتينها لك ، ثمّ قال مَن أين جئت ؟ قلت : من النجف فقال : ها ، النجف الاشرف ، النجف الاشرف ، أنا أريد المجيىء الى النجف الاشرف واذا جئت ، اجيىء بزيارتك ثم ودعني وخرج .

والحاصل ان آيات سورة التحريم قرينة قطعية تدلّ على عدم نزول آية التطهير في شأن أزواج النبي صلى الله عليه وآله فاذا لا يبقى مصداق لاهل البيت المذكور في آية التطهير الا الخمسة المسمون في الاحاديث وغيرها باصحاب الكساء وآل العباء .

ص: 321


1- سورة النحل ايه 40.

وقد روى الفريقان أحاديث كثيرة متواترة في نزول آية التطهير في الخمسة فمما روى العامة مافي غاية المرام للسيد هاشم البحراني(قدس سره)عن الجمع بين الصحاح السته باسانيدهم عن عائشة قالت خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليه مرط(1)مرحل(2)من شعر أسود فجاء الحسن فادخله ثم جاء الحسين فادخله ثم جائت فاطمة فادخلها ثم جاء علي فادخله قال انما يُريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا - قال وعن أم سلمه زوج النبي صلى الله عليه وآله ان هذه الآية نزلت في بيتها : ﴿انّما يُريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً﴾ قالت : وانا جالسة عند الباب ، فقلت يارسول الله الست من أهل البيت : فقال أنك الى خير انك من أزواج رسول الله ، قالت وفي البيت رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)وعلي وفاطمة وحسن وحسين فجللهم(3)بكساء و قال«اللهم هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً».

وعن طريق الخاصة ايضاً الروايات كثيرة متواترة متفقة ، فمنها ما في غاية المرام عن الشيخ(قدس سره)في مجالسه بسنده المتصل عن علي بن الحسين عليهما السلام في خطبة الحسن بن علي عليهما السلام بعد صلحه لمعاوية وهي خطبة طويلة وفيها قال عليه السلام : وقد قال الله تعالى : ﴿انّما يُريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً﴾فلما نزلت آية التطهير جمعنا رسول الله أنا واخي وابي وامي فجعلنا ونفسه في كساء لأمّ سلمه خيبري وذلك في حجرتها ويومها فقال اللهم هؤلاء أهل بيتي وهؤلاء اهلي وعترتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ، فقالت أم سلمه انا أدخل معهم يارسول الله ، فقال لها رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم): يرحمك الله أنت على خير والى خير ممّا

أرضاني عنك ولكنها خاصة لي ولهم - الحديث . وفي غاية المرام عن تفسير علي بن أبراهيم قال وفي رواية أبي الجارود عن أبي

ص: 322


1- المرط كساء من صوف ونحوه يؤتزر به.
2- المُرحل من الثياب ما اشتبهت نقوشه . المنجد.
3- أي غطّاهم واشملهم.

جعفر عليه السلام في قوله : انما يُريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ، قال نزلت هذه الآية في رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)وعلي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام في بيت ام سلمة زوج النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)دعا رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين(علیهم السّلام)، فالبسهم كساء له خيبرياً ودخل معهم فيه ، ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي الذين وعدتني فيهم ما وعدتني ، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، فقالت أم سلمة : وأنا معهم يارسول الله ؟ فقال ابشري ياأم سلمة أنك الى خير ، قال أبو الجارود وقال زيد بن علي بن الحسين أن ذلك جهل من الناس الذين يزعمون أنما أراد بهذه الآية أزواج النبي صلى الله عليه وآله وقد كذبوا واثموا وايم الله لوعنى بها أزواج النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)لقال ليذهبن - ليذهب ظ عنكن الرجس ويطهركن تطهيراً ولكان الكلام مؤنثاً كما قال وأذكرن ما يتلى في بيوتكن ولستن كاحد من النساء. هذا .

ثم لا يخفى ان دخول اية التطهير في خلال آيات الخطاب لازواج النبي صلى الله عليه وآله من جهات اوّلاً أن القرآن لم يرتب فى الجمع على حسب ترتيبه في النزول باجماع المسلمين كافة ، كما ذكره سيدنا شرف الدين في الكلمة الغراء ، وعليه فالسياق لا يكافىء الادلة الصحيحة عند تعارضهما . وثانياً ربما يكون ذلك أحرز صوناً عن دسائس المتطاولين على الدين وائمته صلوات الله عليهم ، لكون ذلك نوعاً من الاخفاء عنهم ذلك و نوع من حفظ القرآن عن التحريف ، كما قال سبحانه وتعالى ﴿أنا نحن نزلنا الذكر وأنا له لحافظون﴾ وثالثاً قد ذكرنا القرينة القطعية من الكتاب والسنّة على عدم كون آية التطهير في أزواج النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)فلا يضرها ذلك . و رابعاً في ذلك دلالات على حقايق كثيرة في روابط الازواج معه(صلی الله علیه و آله و سلم)و معاشرته معهن و سيرته و سيرتهن وان المطّهر المعصوم اللايق بالنبي(صلی الله علیه و آله و سلم)و مقامه وتعاونه و اعتضاده به غيرهن الى غير ذلك . الثانية آية المباهله قال الله تعالى ﴿فمن حاجّك فيه من بعدما جائك من العلم فقل تعالوا ندعُ أبنائنا وأبنائكم ونسائنا ونسائكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين﴾(1).

ص: 323


1- آل عمران ايه 61.

اجمع أهل القبلة حتى الخوارج منهم على ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يدع للمباهلة من النساء سوى الزهراء ومن الابناء سوى سبطيه وريحانتيه من الدنيا ومن الانفس الا اخاه الذي كان منه بمنزلة هاورن من موسى ، فهؤلاء اصحاب هذه الاية(1).

واما دلالة الآية الشريفة على طهارة الخمسة وقداستهم وعصمتهم ، فلابأس أن نذكر ما بينه سيّدنا العلامة المجاهد شرف الدين ( قدس الله روحه الطاهرة) في دلالتها على فضيلتهم ، ثم نعقبه بما يدل على طهارتهم وعصمتهم وان لم نر من ذكرها في زمرة ادله عصمتهم صلوات الله عليهم . قال قده : وانت تعلم ان مباهلته صلى الله عليه وآله وسلم بهم والتماسه منهم التأمين على دعائه على دعائه ، بمجرده فضل عظيم وانتخابه اياهم لهذه المهمة العظيمة واختصاصهم بهذا الشأن الكبير وايثارهم فيه على من سواهم من أهل السوابق ، فضل على فضل ، لم يسبقهم سابق ولن يلحقهم فيه لاحق ، ونزول القرآن العزيز آمراً بالمباهلة بهم بالخصوص ، فضل ثالث ، يزيد فضل المباهلة ظهوراً ويضيف الى شرف أختصاصهم بها شرفاً والى نوره نوراً .

وهناك نكتة يعرف كنهها علماء البلاغة ويقدرها الراسخون في العلم ، العارفون باسرار القرآن ، وهي أن الآية الكريمة ظاهرة في عموم الابناء والنساء والانفس كما شهد به علماء البيان ولا يجهله أحد ممن عرف أن الجمع المضاف حقيقة في الاستغراق ، و انما اطلقت هذه العمومات عليهم بالخصوص تبياناً لكونهم ممثلى الاسلام و اعلانا لكونهم اكمل الانام واذانا بكونهم صفوة العالم وبرهاناً على انهم خيرة الخيرة من بني آدم وتنبيها الى ان فيهم من الروحانية الاسلامية والاخلاص الله في العبودية ، ماليس في جميع البرية وان دعوتهم الى المباهلة بحكم دعوة الجميع وحضورهم خاصة فيها ينزل منزلة حضور الامة عامة وتأمينهم على دعائه مغن عن تأمين من عداهم، وبهذا جاز التجوّز باطلاق تلك العمومات عليهم بالخصوص ، ومن غاص على اسرار الكتاب الحكيم وتدبّره ووقف على اغراضه يعلم أن أطلاق هذه العمومات عليهم بالخصوص انما هو على حدّ قول القائل - ليس من الله بمستنكر - ان يجمع العالم في واحد .

ص: 324


1- الكلمة الغراء ص 197.

به ولذا قال الزمخشري في تفسير الآية من كشافه - وفيه دليل لاشيء اقوى منه على فضل اصحاب الكساء عليهم السلام(1).

اقول : ثم أن الامر من الله سبحانه ، العالم بجميع خلقه واحوالهم ، بهذا الانتخاب أنما هو في مقام اثبات حقانية من يستجاب دعوته من جهة دينه و شريعته ، فمعناه انتخاب من يتمثل القرآن والاسلام فيه ، من حيث السلوك والتزكية و العلوم و المعارف، حتى صار وفقاً و منطبقاً عليه ما اراد الله من هذا الدين، بحيث يكون استجابة دعائه دليلاً على حقانية دينه وان دينه وشريعته من عند الله ، فلا يشوبه شيء من غير ما أراده الله تعالى : فهو الاسلام المجسّم يقابل من يخالفه بابتهاله الى الله حتى يجعل لعنة الله على الكاذبين ، فلا ينفك عنه ارادة الله ، لانه طابق في علمه ومعارفه وعمله وادبه واخلاقه ارادة الله من الدين والشرع ، فالله الذي يريد وجود هذه الشريعة بين الناس ، يهلك المعاند المجاهر المبارز في عناده ، لانه لو لم يهلكه بعد هذا الابتهال ، لدلّ ذلك على انه ليس حقاً من عند الله تعالى . أما من اصله أو من جهة انتساب مدعى النبوة والرسالة ، فاستجابة الدعوة يكون في هذا المضمار دالّة على حقانية الدين وصدق ادعاء رسالته لهذا الدين . فعلى النصارى انتخاب من لا يشذ عنه شيء من دينهم انطباقاً عليه ، ليتجسّم فيه دينهم ، بحيث لو كان حقاً لاستجاب دعوته من ابنائهم ونسائهم وانفسهم .

وعلى النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)أيضاً انتخاب من كملت فيه مراتب الرقي في الاسلام تماماً كما اراده الله تعالى من الابناء والنساء وانفسهم ومن هو بمنزلة انفسهم ، فعلى هذا فالمراد من ابنائنا الى آخره يعني أبنائنا بما نحن رسول الاسلام من عند الله وحصل من رسالتنا في التعليم والتزكية أبناء تنطبق عليهم رسالتنا وكذا في نسائنا وانفسنا الشامل لمن هو بمنزلة نفس الرسول يعني اقتدر الرسول أن يربّي في مكتب رسالته من هو كنفسه، وبهذا المعيار (معيار الحقيقة لا الدعاية) صار انتخاب الخمسة الطاهرة من رسول الله صلى الله عليه وآله بامر من الله ولم يتجاوز عنهم .

فهم كانوا صفوة الامة عند الله ومختار الله فيهم الذين اجتبيهم الله من الابرار

ص: 325


1- الكلمة الغراء ص 200.

المقربين عند الله الذين بلغوا الى اعلى مراتب الكمال في الاسلام ولا يختار الله الا من هو معتصم عن مخالفة الله وتصفو ذاته عن غير الله ، فيتجلى فيه نور الله لأن نور الله في بيوت أذن الله أن ترفع ويُذكر فيها اسمه يسبّح له فيها بالغدو والاصال رجال لاتلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر الله وأقام الصلوة وايتاء الزكوة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والابصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا يزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب﴾

بلغنا بهذا الموضع من المبيضة لتفسير سورة عبس في يوم الاثنين سنة 1410 القمريه من الهجرية النبوية على هاجرها الف صلوة وتحية و يتلوه مجلد آخر في بقية الكلام في عصمة الصديقة الطاهرة سلام الله عليها وما في معنى العصمة وعصمة الانبياء والائمة عليهم وبقية القول في تفسير هذه السورة المباركة انشاء الله تعالى نسئل الله تعالى توفيقه للاتمام وان يجعله في صحيفة الحسنات مشفوعاً بشفاعة سيد الكائنات وآله الطاهرين والحمد لله اولاً واخراً وصلى الله على محمد وآله وسلم.

من العبد مصطفى شريعت الموسوى خلف الفقيه العلامة آية الله السيد محمد مهدي الموسوي الدرجه ئى الاصفهاني عفى عنهما .

ص: 326

بسم الله الرحمن الرحيم

ا آيات فضل الزهراء و عصمتها (سلام الله عليها)

الآية الثالثة في فضلها وعظم قدرها قوله تعالى ﴿قل لا أسئلكم عليه أجراً الا المودة في القربى ومَن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً ان الله غفورٌ شكورٌ﴾(1)

اجمع أهل البيت وتصافق أوليائهم في كل خلف على أن القربى هنا أنما هم علي وفاطمة وابناهما ، وان الحسنة في الآية أنما هي مودتهم وان الله غفور شكور لاهل ولايتهم ، وهذا عندنا من الضروريات المفروغ عنها ، وفيه صحاح متواترة عن أئمة العترة الطاهرة(2).

وعبد الماجد خامسة والقه وفي غاية المرام للسيد المحدّث البحراني(قدس سره)عن طريق الخاصة اثنان وعشرون حديثاً وعن طريق العامة سبعة عشر حديثاً . وفي الكلمة الغراء للسيد العلامة شرف الدين (قدس الله روحه) عن أبن حجر ، انه اخرج أحمد والطبراني والحاكم وابن أبي حاتم عن أبن عباس ، قال لما نزلت هذه الآية ، قالوا يارسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم قال(صلی الله علیه و آله و سلم): علي وفاطمة وابناهما - ونقله ايضاً عن النبهاني عن ابن عباس أيضاً فيما اخرجه ابن المنذر وابن مردويه والمقريزي والبغوي والثعلبي في تفاسيرهم والسيوطي في الدر المنثور والحافظ أبو نعيم في حليته والحمويني الشافعي في فرائده وغيرهم من المحدثين والمفسرين ،

ص: 327


1- سورة الشورى ايه 23.
2- الكلمة الغراء.

وارسله الزمخشري في كشافه واستدل عليه بروایات آخر تؤيده .

هذا وقد ورد في القرآن عن الانبياء عليهم السلام انهم لا يسئلون عن أمتهم(1)على رسالتهم اجراً ، ثم أمر الله سبحانه النبي الخاتم صلى الله عليه وآله بالاقتداء بهديهم ، فقال سبحانه : ﴿اولئك الذين اتيناهم الكتاب والحكم والنبوة (الى ان قال) أولئك الذين هدى الله * فبهديهم اقتده * قل لا أسئلكم عليه أجراً أن هو الا ذكرى للعالمين﴾(2)، وقال سبحانه: ﴿قل ماسئلتكم من أجر فهو لكم أن أجري الا على الله وهو على كل شيء شهيد﴾(3)، وقال سبحانه : ﴿وماتسئلهم عليه من اجر أن هو الاً ذكر للعالمين﴾(4)، وقال سبحانه ﴿قل ما اسئلكم عليه من اجر الا من شاء أن يتخذ الى ربه سبيلاً﴾(5)، وقال سبحانه ﴿قل ما اسئلكم عليه من اجر وما انا من المتكلفين ان هو الا ذكر للعالمين و لتعلمن نبأه بعد حين﴾(6)، وقال سبحانه ﴿ام تسئلهم اجراً فهم من مغرم مثقلون(7).

فهذه الآيات في موضوع واحد ، اذا جمعناها جميعاً وتدبرنا فيها (والقرآن يفسّر بعضه بعضاً ) ، دلّتنا على انه(صلی الله علیه و آله و سلم)اقتدى بسائر الانبياء والمرسلين ، كما امره الله فلم يسئل عليه أجراً يعود اليه من مال وغيره ، حتى يثقل على الأمة مغرمه ويتعبون من ثقل تحمله ، وأنما اجره على الله سبحانه وهو الذي يقتدر على اداء اجره ولسوف يعطيه ربه فيرضى وهو الذي يعلم مقدار اجره وعظمة رقيه وعروجه ومدى متاعبه في شدائده وهو على كل شيء شهيد .

ام فاما ماسئلهم من اجر ، على الأمة بامر من الله سبحانه ، فما كان ذلك لأن يتكلفوا بل ذلك الاجر أنما كان لهم ونفعه يعود الى الأمة وانّ هذا النفع من مودة ذوي القربى ، ان

ص: 328


1- راجع سورة الشعراء في نوح وهود وصالح ولوط وشعيب كلهم يقولون - ما اسئلكم عليه من اجز ان اجري الا على ربّ العالمين
2- سورة الانعام ايه 90.
3- سورة سبا ايه 47.
4- سورة يوسف ايه 104.
5- سورة الفرقان ايه 57 .
6- سورة ص ايه 86-88.
7- سورة الطور ايه 40 وكذا سورة القلم آيه 46.

هو الا ذكر للعالمين ، فيكونون كالقرآن والذكر الحكيم وليعلمن نبأه بعد حين ، وان ذوي القربى سيصيرون عدلاً للقرآن الصامت وأنهم هم القرآن الناطق وأنهما لن يفترقا وان القرآن يتمثل في وجودهم ومعارفهم وعلومهم وتقويهم وعباداتهم وان من جعل ذوي القربى أمامه وامامه قاده الى الجنّه ومن جعلهم خلفه ساقه الى النار ، فوجود ذوي القربى وأهل البيت ذكر للعالمين ، فلذا قال صلى الله عليه وآله : اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بیتی ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا وانهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض ، - كما في صحاح معتبرة عن الخاصة والعامة ، ففي غاية المرام(1)عن طريق العامة تسعة وثلثون حديثاً .

وعن طريق الخاصة اثنان وثمانون حديثاً . فاذا كانت العترة وذووا القربى من علي وفاطمة والحسن والحسين والائمة الطاهرين من ولده (كما الحقهم بهم في الروايات المتواترة) شأنهم شأن القرآن ، فهم صاروا علماً لذكر العالمين وهداية لمن شاء ان يستقيم وتبصرة للمستبصرين والقرآن لأياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، وقد قال سبحانه : ﴿وبالحق انزلناه وبالحق نزل﴾ وقال سبحانه: ﴿انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون﴾ قتتضمن آيات الاجر في ذوي القربى على ضمانة ذلك كله في شأن ذوي القربى ، وانهم معصومون من أن يأتيهم الباطل من بين يديهم ومن خلفهم وانهم مع الحق والحق معهم وان الله سبحانه يحفظهم ويعصمهم لأنه سبحانه جعلهم اعلاماً لدينه وتذكرة للعالمين .

فالصديقة الطاهرة التي هي احدى هؤلاء ، تكون لها مالهم ، ومانزل فيهم ، وأنها هي القدوة الكبرى ، والحجة على اهل الدنيا ، وللعالمين ذكرى ، ولها من العصمة والحفظ والصيانة من الله المراتب العليا .

ثم لا يخفى ، انه لامنافات بين كون المصداق لاية المودة ، هم أئمة أهل البيت وفاطمة عليهم السلام ، وبين استظلال سائر الذرية الطاهرة تحت هذه الاية الشريفه بقدر ايمانهم وانتسابهم الى النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)جسما وايماناً وعلماً وعملاً كما في جملة من

ص: 329


1- ص 211.

الروايات ، ويساعده اطلاق لفظ ذي القربى أيضاً، فلكل منهم بقدره والكامل في الانتساب بجميع معنى الكلمة هم الذين ذكرناهم من فاطمة والائمة أهل البيت صلوات الله عليهم .

فالمودة المطلقة الغير المقيّدة بقيد وشرط وحدّ وهي الولاية الكاملة التامة المستلزمة للمتابعة والمشايعة والملازمة المأتمر لامرهم والمنتهي لنهيهم وهي المودة لذوى القربى للنبي صلى الله عليه وآله المتصلون به ، الذين هم بضعة منه ، لحمهم من لحمه ودمهم من دمه وروحهم من روحه والايمان مخالط لحمهم ودمهم كما خالط لحمه و دمه ، فهم القربى له بكل معنى الكلمة ، بحيث لا ينفصلون ولم ينفصلوا ولن ينفصلوا عنه لمحة عين اصلاً وابداً ، فهم أئمة الأمة و ولاة الملة فامرهم أمر النبي ونهيهم نهيه ، ان هم الآذكر للعالمين كالقرآن الذكر الحكيم ، وهم أحد الثقلين كما أن كتاب الله هو الثقل الآخر.

ثم بعدهم من الذرية الطاهرة ، علمائهم ، فقهاء الامة ونواب الائمة الذين يروون احاديثهم وسنتهم ويعلمونها الناس وينفون عن الاسلام تحريف الغالين وبدع المبدعين ولا يأخذهم في الله لومة لائم ، ثم سائر الذرية على حسب مراتبهم في القرابة ، فكما أن هؤلاء لم يشملهم القرابة المطلقة الغير المحدودة لبعض القصور، فكذلك احكام القرابة المطلقه وآثارها ولوازمها من الولاية والعصمة والطهارة فكل يقدر بقدره(1).

وهذا نظير قوله تعالى : ﴿انه لقرآن الكريم في كتاب مكنون، لايمسه الا المطهرون﴾(2)، حيث يستدل به على عدم جواز مش كتابة القرآن بالبدن الا للمتطهرين بالوضوء أو الغسل أو التيمم ومع ذلك يدل على عدم مساس علوم القرآن وحقائقه ، الاّ الرجس وطهرهم تطهيراً ، فلذا فسّر في الروايات (من عنده علم

ص: 330


1- عن الرّيان بن الصلت عن الرضا عليه السلام (فى حديث لانّ الصدقة محرمة على محمد و اله و هی اوساخ ايدى الناس لاتحل لهم لأنهم طهروا من كل دنس و وسخ. وسائل ، كتاب الخمس - ابواب قسمه الخمس باب 1 ، حدیث 10 ، ص 365 ، و هذا يدل على مرتبة من الطهارة لجميع الذرية النبوية العلوية.
2- سورة الواقعه ايه 79.

الكتاب) في قوله تعالى : ﴿قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب﴾(1)، بامير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام ، الذي هو أحد من الخمسة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً .

الرابعة : آيات من سورة الدهر وهي:

بسم الله الرحمن الرحيم

هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً (1) أنا خلقنا الانسان من نطفة امشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً (2) انا هديناه السبيل أما شاكراً واما كفوراً (3) انا اعتدنا للكافرين سلاسل واغلالاً وسَعيراً (4) أن الابرار يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً (5) عيناً يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيراً (6) يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شرّه مستطيراً (7) ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً واسيراً (8) انّما نطعمكم لوجه الله لانريد منكم جزاء ولا شكوراً (9) انا نخافُ من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً (10) فوقيهم الله شرّ ذلك اليوم ولقيهم نضرة وسروراً (11) وجزاهم بما صبروا جنّة وحريراً (12) متكئين فيها على الأرائك لايرون فيها شمساً ولا زمهريراً (13) ودانيةً عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلاً (14) ويطافُ عليهم بآنية من فضّة واكواب كانت قواريرا (15) قوارير من فضة قدروها تقديراً (16) ويُسقون فيها كأساً كان مزاجها زنجبيلاً (17) عيناً فيها تُسمّى سلسبيلاً (18) ويطوف عليهم ولدان مخلدون اذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤاً منثوراً (19) واذا رايت ثَمّ رأيت نعيماً ومُلكاً كبيراً (20) عاليهم ثياب سندس خضر واستبرق وحلّوا أساور من فضة وسقيهم ربهم شراباً طهوراً (21) ان هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكوراً (22)

قال الشيخ الطوسي رحمه الله في التبيان ما لفظه - وقد روت الخاصة والعامة ان

ص: 331


1- سورة الرعد ايه 43

هذه الآيات نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فانهم اثروا المسكين واليتيم والاسير والاسير ثلاث ليال على أفطارهم وطووا هم(علیه السّلام)ولم يفطروا على شيء من الطعام فاثنى الله عليهم هذا الثناء الحسن وانزل فيهم هذه السورة وكفاك بذلك فضيلة جزيلة تتلى الى يوم القيامة وهذا يدل على ان السورة مدنية .

وفي المناقب لابن شهر آشوب وروى أبو صالح ومجاهد والضحاك والحسن وعطاء وقتادة ومقاتل والليث وابن عباس وابن مسعود و ابن جبير وعمرو بن شعيب والحسن بن مهران والنقاش والقشيري والثعلبي والواحدي في تفسيرهم وصاحب اسباب النزول والخطيب المكي في الاربعين وابو بكر الشيرازي في نزول القرآن في أمير المؤمنين(علیه السّلام)والاشنهى في اعتقاد أهل السنة وأبو بكر محمد أحمد بن بن الفضل النحوي في العروس في الزهد وروى أهل البيت عن الاصبغ بن نباته وغيرهم عن الباقر عليه السلام واللفظ له في قوله تعالى هل اتى على الانسان حين من الدهر انه مرض الحسن والحسين عليهما السلام فعادهما رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)في جميع (جمع ظ) اصحابه وقال لعلي يا أبا الحسن لو نذرت في ابنيك نذراً عافاهما الله فقال أصوم ثلاثة أيام الحديث(1).

وفي اسد الغابة لابن الاثير في ترجمة فضة النوبية بسنده المتصل الى مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى يوفون بالنذر الخ روى الحديث الى قوله فانزل الله تعالى - هل أتى على الانسان الى قوله تعالى لانريد منكم جزاءً ولا شكورا(2)،

وفي كتاب فضائل الخمسه من الصحاح السته للفيروز آبادي بعد ذكره ماعن اسد الغابة ذكر ذلك عن الزمخشري وعن الفخر الرازي عن الواحدي من الاشاعرة في ذكره في كتاب البسيط وذكرها ايضاً عن الواحدي في اسباب النزول وعن السيوطي في الدر المنثور عن ابن عباس وعن الشبلنجي في نور الابصار . وقال الطبرسي رحمه الله في مجمع البيان قد روى الخاص والعام أن الآيات من هذه السورة وهي قوله ﴿أن الابرار يشربون - الى قوله - وكان سعيكم مشكوراً﴾،

ص: 332


1- نور الثقلين ج 5 ص 471.
2- اسد الغابة ج 5 ص 530.

نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وجارية لهم تسمّى فضة ، وهو المروي عن ابن عباس ومجاهد وابي صالح.

نادين ايضا بالله يه مد وفي الدرّ المنثور عن ابن مردويه عن ابن عباس في قوله تعالى : ﴿ويطعمون الطعام﴾ ، قال : نزلت في علي بن ابي طالب وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله . وقال سيدنا شرف الدين قدس الله روحه في كلمته الغراء - اجمع أولياء أهل البيت تبعاً لكافة ائمتهم عليهم السلام على نزولها في علي وفاطمة والحسن والحسين وصحاحهم في ذلك متواترة من طريق العترة الطاهرة ، وهذا عندهم من الضروريات التي لا يجهلها أحد ، وقد أخرجه عن ابن عباس ، جماعة من اعلام غيرهم ، كالامام الواحدي في كتابه البسيط والامام أبي اسحق الثعلبي في تفسيره الكبير والامام أبي المؤيد موفق بن أحمد في كتاب الفضائل وغير واحد من الحفظه وأهل الضبط .

واليك ماذكره الزمخشري في تفسير السورة من الكشاف بعين لفظه قال - وعن ابن عباس(رضی الله عنه)ان الحسن والحسين مرضا فعادهما رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)في ناس معه ، فقالوا ، يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما أن برئا مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيام فشفيا وما معهم شيء ، فاستقرض عليّ من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصوع من شعير فطحنت فاطمة صاعاً واختبزت خمسة اقراص على عددهم فوضعوها بين أيديهم ليفطروا فوقف عليهم سائل ، فقال : السلام عليكم أهل بيت محمد مسكين من مساكين المسلمين ، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنّه ، فآثروه وباتوا لم يذوقوا الا الماء واصبحوا صياماً ، فلما أمسوا ووضعوا الطعام بين ايديهم ، وقف عليهم يتيم ، فآثروه ، ووقف عليهم اسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك فلما أصبحوا أخذ عليّ(رضی الله عنه)بيد الحسن والحسين واقبلوا الى رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع ، قال : ما أشدّ ما يسوئني : ماارى بكم ؟ وقام فانطلق معهم ، فرآى فاطمة في محرابها قد التصق بطنها بظهرها وغارت عيناها ، فساءه ذلك ، فنزل جبرئيل عليه السلام وقال : خذ يا محمد هنأك الله في أهل بيتك فاقرأه السورة . انتهى

ونحن لاحاجة بنا الى تضييع الوقت في أخراج اسانيد هذا الحديث وطرقه الى ابن عباس ومجاهد وأبي صالح وعطاء وغيرهم ولا ألى ذكر من أخرجه من حفاظ الحديث

ص: 333

وائمة التفسير ، بعد تواتره عن أئمة الابرار وكونه مما لاريب فيه(1).

وفي مناقب الخوارزمي أبي المؤيد موفق ابن أحمد ، بسنده الى ليث عن مجاهد عن أبن عباس وعن أبي اسحق أحمد بن محمد بن أبراهيم الثعلبي ، وايضاً بسنده عن محمد بن السائب عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى : ﴿يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شرّه مستطيراً﴾، قال مرض الحسن والحسين فعاد هما محمد صلى الله عليه وآله الحديث وبسند آخر عن الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿ويطعمون الطعام على حبّه مسكيناً ويتيماً واسيراً﴾، قال نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب عليه السلام وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله والحسن والحسين وفضة - الحديث لكن بشكل اخر غير ما هو المعروف فراجع(2).

وفي ينابيع المودة للسيد سليمان بن أبراهيم الحسيني البلخي القندروزي عن ابن مسكويه في كتابه (نديم الفريد) ، ان المأمون كتب الى بني العباس (وفيما ذكر فيه من فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه) قال عليه قال وهو صاحب الآية :

﴿ويطعمون الطعام على حبّه مسكينا ويتيماً واسيراً﴾ - الحديث(3)

وفي مطالب السئول لمحمد بن طلحة الشافعي نقلاً عن رواية الامام أبي الحسن ، علي بن أحمد الواحدي وغيره من أئمة التفسير يرفعه بسنده ان هذه الاية ويطعمون الطعام (الى آخر الآيات) في علي وفاطمة والحسن والحسين(4)

و في كتاب الاختصاص للشيخ المفيد قده نقلا عن كتاب ابن دأب ابى الوليد عيسى بن يزيد بن بكر المعاصر لموسى الهادي العباسي في فضائل امير المؤمنين عليه السلام - وفيه ثم قال له (رسول الله ص) فهل عملت شيئا غير هذا فانّ الله قد انزل على سبعة عشر آية يتلو بعضها بعضاً من قوله - انّ الابرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا -

ص: 334


1- الكلمة الغراء ص 230.
2- المناقب للخوارزمي ط نجف ص 188 الى ص194.
3- ينابيع المودة ط بيروت ج 3 ص 157 لسليمان بن أبراهيم الحنفي .
4- مطالب السئول ص 32 المطبوع في ايران سنة 1287 منضما الى كتاب تذكرة خواص الامه.

الى قوله ان هذا كان لكم جزاءً وكان سعيكم مشكورا - قوله - و يطعمون الطعام على حبّه مسكيناً و يتيماً و اسيراً - قال فقال العالم - اما انّ عليّاً لم يقل في موضع - انما نطعمكم لوجه الله لانريد منكم جزاءً ولا شكوراً - و لكن الله علم من قلبه انّما أطعم لله ، فاخبره بما يعلم من قلبه من غير ان ينطق به.

والدة بلاغ قيمة ة لان فيها رية ولا قاله المال وفي تذكره خواص الامه لسبط ابن الجوزي ص 212 ذكر ذلك عن علماء التأويل وايضاً بسنده عن ابن عباس ومجاهد .

ما ذكره الفخر الرازى و الجواب عنها:

ما اقول : قد ذكر الفخر الرازى في كتابه في تفسير القرآن في تفسير هذه الآية ما لفظه : لم يذكر أحد من أكابر المعتزله ، كابي بكر الاصم وابي على الجبائي وابي القاسم الكعبي وابي مسلم الاصفهاني و القاضي عبد الجبار بن أحمد في تفاسيرهم أن هذه الآيات نزلت في حق علي بن أبي طالب عليه السلام . والواحدي من أصحابنا ذكر في كتاب البسيط . انها نزلت في حق علي عليه السلام . وصاحب الكشاف من المعتزلة ذكر هذه القصه فروي عن ابن عباس رضى الله عنهما ان الحسن والحسين عليهما السلام مرضا فعادهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في اناس معه (الى أخر ماسبق نقله عن الكشاف) .

ثم أخذ في تزييف ذلك بوجوه واهية خاسرة خائنة لاتدل على اكثر من أن الرجل كان في قلبه مرض الانحراف والنفاق في الدين وعن أهل بيت العصمة والطهارة ، ولا عجب في ذلك وقد ذكره الذهبي الدمشقي الشافعي في كتابه ميزان الاعتدال المعد لذكر الضعفاء من رجالهم ومع ذلك لم يذكره باسمه محمد بن عمر الرازي في حرف الميم ، بل ذكره في حرف الفاء بهذا النحو و هذا الفظه : - الفخر بن الخطيب صاحب التصانيف راس الذكاء والعقليات لكنه عرى من الآثار ، وله تشكيكات على مسائل من دعائم الدين تورث حيرة، نسئل العافية ان يثبت الايمان في قلوبنا و له كتاب السر المكتوم في

ص: 335

مخاطبة النجوم ، سحر سريح ، فلعله تاب من تأليفه أن شاء الله تعالى(1)انتهى

وعن محي الدين بن العربي صاحب الفتوحات المكية ، كتاب الى الفخر الرازي ، قال فيه : - وقد وقفت على بعض تأليفك وما أيدك الله به من القوة المتخيلة(2)الخ .

واما ماذكره في تضعيف ذلك تصريحاً أو تلويحاً أمور :

1 - عدم ذكر من سمّاهم باكابر المعتزلة لهذا الحديث في شأن النزول .

ج - عدم ذكرهم لا يدل الا على كتمانهم ما أنزل الله في اهل البيت ، قال الله تعالى :

﴿ان الذين يكتمون ما انزلنا من البينات والهدى من بعدما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون * الا الذين تابوا واصلحوا وبينوا فاولئك أتوب عليهم وانا التواب الرحيم﴾(3)، وقال تعالى : ﴿ان الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمناً قليلاً أولئك ما ياكلون في بطونهم الا النار ولا يُكلّمهم الله یوم القيمة ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم * أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار﴾(4)، فالاحاديث في ذلك كثيرة ، فما بال هؤلاء لم يذكروها وما أشاروا ، بل كتموها و ستروها ، كما قال الشاعر في أمير المؤمنين علي صلوات الله عليه .

جائت بتعظيمك الآيات والسور ***فالبعض قد آمنوا والبعض قد كفروا

والبعض قد وقفوا جهلاً وما اختبروا *** وكم اشاروا وكم ابدوا وكم ستروا

والحق يظهر من باد ومستتر(5)

2 - ماحاصله - انه ذكر في اول السورة خلق الانسان للامتحان ، ثم هدى الكل وازاح عللهم ، ثم أنهم انقسموا الى شاكر وكفور ، ثم وعد الشاكرين بقوله تعالى : ﴿أن

ص: 336


1- ميزان الاعتدال ج 3 ص 340.
2- الكنى والالقاب للمحدث القمي(رحمه الله علیه)ج 3 ص 11.
3- البقرة ايه 160.
4- سورة البقرة ايه 175.
5- للشيخ احمد بن محمد الاحسائى من تلامذة ابن المتوج البحراني تخميساً لقصيدة الحافظ البرسي. الغدير ج 7، ص 44 ، و الكنى و الالقاب ج 2، ص 280.

الابرار يشربون من كأس﴾الخ ، كلها بصيغة الجمع ، تتناول جميع الشاكرين ، ومثل ذلك لا يمكن تخصيصه بشخص واحد ، لان نظم السّورة يقتضي كونها بياناً لكل من كان من المطيعين والابرار ، فلو جعلناه مختصاً بشخص واحد لفسد نظم السورة لارادة غير من يفيده النظم.

ج - بل هذا النحو من البيان ابلغ وامتن وانسب بشأن القرآن الدي يكون هدى للمتقين الى يوم القيمة ، فهو ليس بياناً للشخص والا لفني ومات بموته ، بل عظة وهدى للمؤمنين ، الا أن الذين طبقوا هداية القرآن في وجودهم ، ثم ذكرهم القرآن ليكونوا اسوة لغيرهم الى يوم الدين وليكون ذلك تقديراً وتقريظا لهم ، هم هؤلاء أهل البيت ، وليذكر الأمة مدى فضلهم ، ثم ليعلموا كيف صاروا للامة أئمة وقادة بما صبروا في ذات الله ، فجعلهم الله أئمة يهدون بامره لما صبروا وكانوا بآياته موقنين ، وان انتخابهم لذلك من جهة فضلهم واعمالهم وايمانهم ومعرفتهم ، لاعبثاً وباطلاً ، فهذا النظم لهذا الغرض وامثاله من المعاني العالية الفاخرة أبلغ وامتن وانسب وليس فيه فساد نظم اصلاً ، فالنظم تدرّج من الانسان حين (لم يكن شيئاً مذكوراً) الى عروجه الى اعلى مراتب الكمال ، و تمثل ذلك في على وفاطمة والحسن والحسين و فضه كما دل عليه الروايات المتواترة ، ولم يكن في شخص واحد ، والعجب من غفلته أو تغافله عما ذكره هو بنفسه قبل سطور عن الزمخشري انها في هؤلاء ، ثم هنا يذكر عدم مناسبة الجمع لشخص واحد .

3 - ان الموصوفين بهذه الصفات مذكورون بصيغة الجمع ، وتخصيصه بجمع معينين خلاف الظاهر ، ولا ينكر دخول علي بن أبي طالب عليه السلام فيه ولكنه داخل أيضاً في جميع الآيات الدالة على شرح أحوال المطيعين ، وكما انه داخل فيها كذلك غيره من اتقياء الصحابة والتابعين ، اللهم الا أن يقال : أن السورة انما نزلت عند صدور طاعة مخصوصة عنه ولكنه قد ثبت في اصول الفقه أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . ة ج - اولاً : تخصيص الجمع بجمع معين ليس خلاف الظاهر ، بل هو الحال في جميع موارد شأن النزول في موارده من القرآن .

وثانياً : ليس الكلام في دخول علي بن ابي طالب عليه السلام ، بل الآيات نزلت في عمل هؤلاء الخمسة. و بعد ان عملوا ذلك، لا أنه كانت عمومات من الآيات في

ص: 337

الطاعة هو عمل عليها . وثالثاً : كلّ ذلك اجتهادات واستنباطات منحرفة في قبال نصوص متواترة صريحة . ورابعاً : لم ينقل عن سالف زمانهم ولاحقه انه عمل بمثل عملهم احد لا يريد منه شيئاً غير الله والدار الآخرة لامن الانبياء والمرسلين ولامن الائمة الطاهرين ، فضلاً عمن في نظر الفخر الرازي من اتقياء الصحابة والتابعين ، فما عملوا شيء يعجز عنه اتقياء الصحابة والتابعين . وخامساً : ان ماذكره عن اصول الفقه فهو مغالطة ، اذا المراد مما في اصول الفقه ان آيه اذا دلت بعمومها على حكم فالمتبع هو العموم وان كان سبب النزول واقعة خاصة والكلام هنا في ان تلك الآيات نزلت في هؤلاء الخمسة واما حكم تلك الاعمال وحسنها لكل من عمل بها فلا ينكره فهم أئمة الامة فمن تبعهم فاز ونجى ومن تخلف عنهم فقد هلک و غوی.

ونزيد له توضيحاً : ان الحسن والحسين عليهما السلام مرضا فنذرا و علي وفاطمة و فضة ان يصوموا لشفائهما بان تعهدوا - لله علينا ان نصوم ثلاثة أيام متوالية لشفائهما ، ا ففي هذه المرحلة تكشف الواقعة عن معاني كثيرة من الايمان والمعرفة بالله سبحانه وشفائه وانه قائم على كل نفس وان يبتغوا الوسيله اليه وأنه يستجيب لمن دعاه و توسل اليه ، ثم عزمهم و جزمهم في ذلك الى انتهاء العمل هذا مضافاً الى الشفقه العميقة بالنسبة الى سبطي نبي الرحمة وامامي الهدى سيدي شباب أهل الجنة ريحانتي رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)، ثم انهم لتحصيل الفطور أخدوا صوفاً من شمعون اليهودي للغزل واخذوا الاجرة شعيراً وطحنتها الصديقة الزهراء وخبزتها خمسة أقراص ليفطروا على ما حصلوه بكد اليمين وعرق الجبين، مع مالها من كثرة مشاغل البيت والاولاد ، كل ذلك حال الصيام ثم بعد صلوة المغرب قعدوا للافطار ، فاذا دق الباب فمسكين يطلب منهم طعاما فآثروه على انفسهم ولو كان بهم خصاصة وما اكتفوا باعطائه قرصاً أو قرصين وما رضى احدهم الا باعطائه جميعها و الافطار بالماء فباتوا وصاموا اليوم الثاني باشد مما في اليوم الاول من الجوع و التعب و عمل الغزل و الطحن و التخبيز الى المغرب فصلوها و قعدوا للافطار، فاداً يتيم يدق الباب باب الرحمة والبركة و الخير ، فاذا تريهم كل واحد منهم يتهيء للايثار ودفع كل واحد منهم قرصه الى اليتيم حبا الله وشفقة الى اليتيم المحتاج ثم افطروا بالماء وباتوا جياعاً باشد وجه ، وصاموا اليوم الثالث وفاء لنذرهم وامتد صومهم

ص: 338

في جوع وضعف ومع ذلك عليهم متاعب ومشاغل الحياة و الطحن و التخبيز ، ولا يعلم احد مدى جهدهم واتعابهم و مشقاتهم غير الله سبحانه ، فصبروا في غاية الرضا و الحب الله ، من غير أن يشوبه شيء آخر ولو بمقدار مثقال ذرة ، فلو كان ، لعلمه الله وذكره ، وانتهى الصوم في اليوم الثالث فصلّوا واخذو في الافطار ، فاذا اسير مشرك ، كافر يدق باب الرحمة ، فمع انهم كانوا من التعب والضعف و الجوع باشد مما مضى ومع أن السائل لم يكن له من موجبات الرحمة ماللمسكين المسلم و اليتيم المسلم بل امره اخف وانزل فمع ذلك آثروه على انفسهم ولم يرض أحدهم الا بايثار تمام قرصه ، حباً الله سبحانه فافطروا بالماء في غاية ما يتصوّر لهم من ضعف البدن و ارتعاشه جوعاً

كل ذلك صدر عنهم عن صفاء القلب والايمان بالله و حبّه و خضوعاً و خشوعاً له من غير أن يشوبه شيء حتى الاقتباس و الاقتداء بغيرهم وحتى العرض على الله فذكر الله ذلك العالم بجميع الحقائق الدقيقه معبراً بكلمة الحصر ، فقال سبحانه : - ﴿انما نطعمكم لوجه الله لانريد منكم جزاء ولا شكورا انا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً﴾ وهذا بيان من الله لحال عملهم لا لشيء نطقوا بالسنتهم .

وليلة فانظر أيها الفخر الرازي في القرآن والاثار والاخبار في الاولين والآخرين من الانبياء والمرسلين والشهداء والصديقين والصالحين فهل تجد ما يشابه ذلك ؟

كلما نتدبر في تلك الآيات وفيما حكى في الروايات المتواترة من كيفية الواقعة وماعملوا يتشعشع لنا من عظمة انوارهم وايمانهم وعلو ذواتهم وابعاد معارفهم وخلوص نياتهم الله وحبهم له ما يكل الستنا عن بيانه فصلوات الله عليهم .

وهذه الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها الصلوة والسلام احد هؤلاء الخمسة ، ولعلّها كانت أكثرهم تحملاً من اتعاب الواقعة ومشقاتها من خدمة البيت وبعلها وابنيها والتطحين والتخبيز للشعير بعد غزلها للصوف من شمعون اليهودي فتظهر وتزهر وتتنور من لمعات طهارتها واغصان أزهارها وقداستها وخلوص ايمانها ومعارفها في تلك الواقعة الواحدة ما يصدّق بشهادة صدق انها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين.

ثم لا يخفي هنا فضل خادمتها وجاريتها ،فضة ، التي علت وغلت على كل ذهب وبلغت في أدبها وتربيتها على يدي مولاتها الصديقة الطاهرة الى أن ادرجت تحت آيات

ص: 339

فضلهم وعلو مقامهم وشملتها تلك الآيات الكريمة ، فكانت من عباد الله فتشرب من عين يفجرونها تفجيراً بالوفاء بالنذر والخوف من يوم كان شره مستطيراً الى آخر ما ذكره الله تعالى فى ذلك وهذه أيضاً رشحة من رشحات فيض معلمتها ومؤدبتها الصدّيقه الطاهرة صلوات الله عليها .

وبالجملة فهذه الدرة البيضاء الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء ، حيث كانت طاهرة من كل نقص وعيب في مرتبتها الانسانية مقدّسة عما يشوب قداستها ، وفي غاية الصفاء في جوهرتها فكانت تنعكس في نفسها ما اراد الله فيما يرد عليها من الحوادث فكانت تحبّ ما احبه الله تعالى و تبغض ما ابغضه كما انّ الله تعالى يغضب لغضبها و يرضى لرضاها فلاينفك ارادتها عن ارادة الله و انزجارها عن سخط الله ، فتريها في تلك الواقعة ما اخطأت عن ما أحبّه الله فهي كانت مع الله والله سبحانه معها يعينها ويعصمها ويحفظها على صراطه المستقيم ، صراط الذين انعم الله عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين .

فهى المعصومة، وافعالها و اخلاقها و ادابها و اعمالها و علومها و معارفها و عواطفها و صفاتها و محاسن کمالاتها و محامد نفسیاتها تجلیات متنوعة عن بحر عظمتها وحيث بلغت الى تلك القمة العليا ، فلا تنفعل عما سيمر عليها من مشكلات محن الاولياء ولا تتلوث ذيلها عن ارجاس الحياة الدنيا ﴿انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهراً﴾، والسلام عليها يوم ولدت ويوم تموت ويوم تبعث حياً .

والآيات القرآنية والروايات النبوّية، مما تدل بعد تفسيرها وتوضيحها على عصمتها أو على لمعة من لمعات طهارتها و قداستها ، كثيرة ، تريها منتشرة في كتب الفريقين وقد جمعها عدة من الطائفتين ، تبركاً وتوسّلاً لهم بالعترة الهادية الشفعاء في الدنيا والاخرة فنشير الى بعضها في هذا المختصر ذيلاً.

1 - ﴿ان الله وملائكته يصلون على النبي ياايها الذين آمنوا صلوا عليه وسلّموا تسليما﴾.

2 ﴿وات ذا القربى حقه﴾(1).

ص: 340


1- سورة الاسراء - 26

3 - ﴿فتلقى آدم من ربّه كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم﴾.(1)

4 - ﴿مرج البحرين يلتقيان - يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان﴾.(2)

6 - ﴿فاسئلوا أهل الذكر أن كنتم لا تعلمون﴾.(3)

6 - ﴿واعتصموا بحبل الله جميعاً﴾(4)

7 - ﴿اهدنا الصراط المستقيم - الصراط المستقيم هم محمد واهل بيته - ﴾.(5)

8 - ﴿في بيوت اذن الله أن ترفع - بيت على افضلها﴾.(6)

9 - ﴿وان الله اصطفى آدم ونوحاً وأل أبراهيم﴾.(7)

10 - ﴿فاستجاب لهم اني لا اضيع عمل عامل منكم﴾(8)،(9).

11 - ﴿حديث الثقلين - اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي - الخ.

12 -﴿مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق .

13 -﴿أهل بيتي امان لاهل الارض .

14 - ﴿فاطمة بضعة منى .

راجع غاية المرام للمحدّث البحريني و الغدير للعلامة الاميني و فضائل الخمسة من الصحاح الستة و العبقات و غيرها .

ومن كتب أهل السنة : ينابيع المودة ، للشيخ سليمان القندروزي ، وتذكرة خواص الأمة ، لسبط ابن الجوزي الحنفي ، ونظم درر السمطين ، للزرندي الحنفي ، والمناقب ، للخوارزمي ، والخصائص ، للنسائي ، وغيرها .

ص: 341


1- البقره - 37
2- الرحمن - 23
3- الانبياء - 7
4- آل عمران - 103
5- سورة المحمد - 6
6- النور 36
7- آل عمران -33
8- آل عمران 195
9- الاختصاص للمفيد(قدس سره)ص 147 نقلا عن كتاب ابن دأب.

ومن المعصومين من غير الأنبياء والأئمة(علیهم السّلام)زينب بنت فاطمة(علیه السّلام)

وممن تظهر عصمتها من غير نبوة ورسالة و امامة هي : زينب بنت أمير المؤمنين و فاطمة الزهراء صلوات الله عليهم .

ويدل على عصمتها شهادة الامام السجاد زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام في قوله لها : - وانت بحمد الله عالمة غير معلمة وفهمة غير مفهمة(1).

فعلمها كعلم جدّها رسول الله صلى الله عليه و آله حيث قال تعالى : ماكنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك اذاً لارتاب المبطلون * بل هوايات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد باياتنا الا الظالمون(2) وشهادة الامام الرضا علي بن موسى عليهما السلام لها فيما قاله لاخيه زيد بن موسى :

يازيد اغرك قول ناقلي الكوفة ان فاطمة احصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار والله ما ذلك الا الحسن والحسين وولد بطنها خاصة».(3)

أما شهادة الامام السجاد عليه السلام بانها عالمة غير معلمة وفهمة غير مفهمة ، فهي تدل على ان علمها ليس بتعليم من انسان بل من اتصال بعلم الله سبحانه الغير المحدود وافاضة من بحار انواره ، وقد مضى شطر من الكلام في حقيقة العصمة والطهارة وصفائها، وقداستها عن الارجاس والقذارات ، وان المطهر المعصوم يتقرب الى الله ويتصل بعد طهارته الى الله ويستفيض من بحار علومه و يستضيء من انواره ، فهذا ا النوع

ص: 342


1- الاحتجاج للطبرسي ج 2 ص 31.
2- سورة العنكبوت ايه 48 - 49.
3- عيون اخبار الرضا ص 394.

من العلم يدل على الطهارة والعصمة كما ان العصمة تدل على ذلك الارتقاء والاستضائه من علم الله سبحانه .

وسيأتي مزيد بيان من الآيات و الروايات انشاء الله تعالى.

شمالي شملولة واما شهادة الامام الرضا عليه آلاف التحية و الصلاة و الثناء ، فهي أيضاً تدل على العصمة ، فان تحريم الذريّة من بطن فاطمة عليها السلام على النار من جهة ذواتهم وانهم يكونون بحيث لايدنوا منهم الشيطان و لاسبيل له اليهم وانهم مخلصون ، وقد قال الشيطان : ﴿لاغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين﴾، فمادة تحريم الذرية على النار فيهم وهي الطهارة من الدنس والاقذار مكتسباً ممن أحصنت فرجها وكانت في غاية العفاف والعصمة ومن والدهم أمير المؤمنين صلوات الله عليهما .

القالمية با واما بقية الذرية ممن بعدهم ، فهم كما قال الصادق عليه السلام في جواب ولده اسماعيل حيث سئله - ما حال المذنبين منا - قال : ليس بامانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به ولا يجد من دون الله وليا و لا نصيراً -

وفي الحقيقة كل انسان كذلك ، كما قال سبحانه ﴿ولقد أوحي اليك والى الذين من قبلك لئن اشركت ليحبطن عملك﴾، فمن حرم الله جسده على النار فهو من حيث ، انه ممتنع منه المعصية لعصمته وطهارته ، لا أنه يعصي ومع ذلك حرم الله جسده على النار عليه النار وليس فيه شيء يقبل النار و تقبله .

فوجوده وجود يحرم فاولاد فاطمة من بطنها حرم الله اجسادهم الطاهرة على النار ومن ذلك يستكشف طهارة اختها أم كلثوم كما انها تشترك أيضاً في بعض ماسيأتي من ادلة طهارتها .

وقد مضت ص34 الرواية عن الصادق عليه السلام ، ان المعتقون من النار هم ولد بطنها الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم(1).

والرواية مروية من الفريقين ولعلها من المتواترات عن النبي صلى الله عليه وآله وكلمة - فاء - في قوله ﴿فحرّم الله ذريتها على النار﴾ بعد قوله «ان فاطمة أحصنت» تدل على التفريع ، كقوله تعالى ﴿والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا﴾(2)۔

ص: 343


1- ن البحار ج 43 ص 231
2- سورة الانبياء ايه 91 .

فتشابه فاطمة مريم في ذلك ، فصلحت فيما صلحت لمريم من الذرية الطيبة الطاهرة المطهرة . ولعلّ قول النبي صلى الله عليه وآله مشير الى ما تفيده الآية مما ذكرناه فتليق فاطمة بما احصنت فرجها ، أن تكون ذريتها ممن حرمهم الله على النار ولا سبيل اليهم للشيطان فهم معصومون اجمعون .

وبعد عصمتها وانها عالمة غير معلّمة و فهمة غير مفهمة لاغرو في:

1 - أن تكون معلمة لنساء زمانها في تفسير القرآن(1). و

2 - انّ الحسين(2)أوصى الى اخته بنت على في الظاهر فكان ما يخرج من علي بن الحسين عليهما السلام من علم ينسب الى زينب سراً على علي بن الحسين . و

3 - مانقل عنها من الزهد والتقوى والجود والسخاء والايثار على نفسها من الماء و الرغيف لا سيما في سفرها الى كربلاء والكوفة و الشام و عبادتها و تهجدها حتى زمن أسارتها وليلة العاشر وبعده من المحرم في أشد ما كانت من المصائب التي تتزلزل منها الجبال الرواسي وصبرها في تلك الشدائد وجهادها في سبيل احياء الدين وشهادة اخيها الحسين صلوات الله عليه واهل بيته وحفظها عن الانحراف و تداوم اثارها وصيانة ثقل الرسالة واهل بيت الوحي و حفظ الامام الحجّة زين العابدين عليه السلام عن الهلكه و التذكر لحديث أم أيمن والكشف عما سيجري على آثار نهضة الحسين عليه السلام وقبره وزيارته وزواره وبركات شهادته للاسلام وابقاء آثار الدين والقرآن ، حتى انجلى عن قلب الامام السجاد الاحزان المتراكمة المهلكة .

4 - ان صارت علماً للهداية عند ترادف الشبهات على قلوب المسلمين من دعايات المعتدين واضلال جنود الكفر من أتباع آل ابي سفيان وآل مروان في مدينة الكوفة ومركز بقايا الشيعة حينما كان الامام الحجّة زين العابدين(علیه السّلام)محصوراً تحت مقتضيات التقية حقناً لدمه وحفظاً لنفسه الشامخة التي كانت من أعظم ودائع النبوة وآثار الرسالة ، فاتت زينب(علیه السّلام)بكل ما يستوجبه مقام أمام هاد عند حيرة الامة وتراكم موجبات الضلالة بعد شهادة أخيها واضطهاد سلالة جدّها وابيها بنحو يحكي عن موضع

ص: 344


1- رياحين الشريعة ج 3 ص 52.
2- رياحين الشريعة ج 3 ص 58.

والدها أمير المؤمنين صلوات الله عليه ببيان كأنها تنطق عن مافي نفس والدها من العلم والهداية والقداسة والاحاطة بما جاء في القرآن وجاء به النبي صلى الله عليه وآله ومعرفتها في ذلك بموضع أخيها الشهيد و ولايته على الامة و مقامه بينهم و ما يجب عليهم بالنسبة اليه مما خالفوه وضيّعوه.

قال حذيم الاسدي : لم ار والله حفرة قط انطق منها ، كأنها تنطق وتفرغ على لسان عليّ عليه السلام وقد أشارت الى الناس بان أنصتوا فارتدت الانفاس وسكنت الاجراس ، ثم قالت بعد حمد الله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله : أما بعد يا أهل الكوفة - الخطبة(1).

م لسنواع مبله

فقال علي بن الحسين عليهما السلام ياعمة ، اسكتي ففي الباقي من الماضي اعتبار وانت بحمد الله عالمة غير معلّمة ، فهمة غير مُفَهّمة انّ البكاء و الحنين لايردان من قد اباده الدهر(2).

فصدق كلماتها امام زمانها وانها نطقت عن علم غير معلم بتعليم انسان وفهم غير مُفَهم بتفيهم بشر ولم يكن الآ عن معدن الوحي وعن علم يشارك مع ابن اخيه الامام الحجة ، كيف لا وهي المتكفّلة في هذا المسير لامثال هذه الخُطب وتنوير القلوب عن ظلمات الجهل والغواية والضلالة الأموية ، فهي عليها السلام اعطيت من الله ما تمكنت من اداء رسالتها مع صعوبة الموقف وشدائد المصائب من العلم والطهارة والقداسة والحياطة للاسلام وعلو الهمة والحرص على حفظ الاسلام . و

5 - ان عارضت وحاورت وحاربت مع رأس الطغيان والظلم والتمرد يزيد بن معاوية حتى اضغته وأخرسته حين ان رأته يضرب ثنايا اخيها الحسين عليه السلام بمخصرته وخيزرانه متجاهراً بما في صدره من كفره وعناده بشعره -

لیت اشياخي ببدر شهدو *** جزع الخزرج من وقع الاسل له بله

لاهلوا واستهلوا فرحاً *** ثم قالوا يايزيد لاتشل

ص: 345


1- الاحتجاج للطبرسي ج 2 ص 29 الامالي للشيخ المفيد ص 366 و للشيخ الطوسي ج 1 ، ص90.
2- الاحتجاج طبرسى ص 31.

لست من خندف ان لم انتقم *** من بني احمد ماكان فعلي

فمن يقتدر علماً وبياناً وشهامنه على مقابلة من يتمثل بالخلافة لرسول الله صلى الله عليه وآله واقتدر على السلطة على رؤس المسلمين وكيانهم و شئونهم و اموالهم و جنودهم بعنوان خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله و ولي أمر المسلمين الذي يجب طاعته بقوله تعالى ﴿أطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم﴾ ومع ذلك يتظاهر بالكفر وانكار الرسالة وليس له قتل الاسارى والنساء والاطفال بمحضره بالشام اصعب وأكثر مؤنة من وقعة كربلاء وما جنى بها من القتل والهتك والفتك بخامس آل العباء و اهلبيته و اصحابه ولم يكن يكترث بذلك لولا ما حاورته بطلة كربلاء و عقيلة بني هاشم زينب عليها السلام بتلك الخطبة الحاسمة لمادة الفساد والطغيان التي صارت بارقة تنوّر القلوب على الحقائق والدسائس وصاعقة تُزلزل ملك آل أبي سفيان وايقضت العيون النائمة ونبهت المشاعر الغافلة ، وكان يزيد يسمع ويفكر ويقدر ويتحير كيف يصنع قبال هذه البارقة وهذه الصاعقة، التي هى كشعلة جوّالة تصول على قلوب المستمعين من المسلمين وغيرهم ثم تسري وتجري كالبرق الى البلاد والعباد و تجهز الناس على تدمير ملك الشجرة الملعونة ويزيد الطاغية .

أعتُرِض على يزيد لكنه واجه و عارض كلاً بشكل و دفعه

فقال أبو برزة الاسلمي : ويحك يا يزيد ! اتنكت بقضيبك ثغر الحسين بن فاطمة ، اشهد لقد رأيت النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)يرشف ثناياه وثنايا أخيه الحسن و يقول انتما سيدا شباب أهل الجنة ، فقتل الله قاتلكما ولعنه واعد له جهنّم وسائت مصيراً - فغضب يزيد وأمر باخراجه سحباً(1)عنيفاً(2).

وقال علي بن الحسين عليهما السلام : انشدك الله يا يزيد ، ماظنك برسول الله لو رآنا على هذه الحالة، فامر يزيد بالحبال فقطعت .

وقال عليه السلام : ماظنك برسول الله لو رآني في الغل ؟ فقال لمن حوله : حلوه(3)

ص: 346


1- سحبه - جرّه على وجه الارض.
2- بحار الانوار ج 45 ص 133.
3- بحار الانوار ج 45 ص 132.

وقالت فاطمة بنت الحسين : يا يزيد بنات رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)، فبكى الناس وبكى أهل الدار ، حتى علت الاصوات(1).

فاما زينب عليها السلام ، فانها لما رأته(ينكت ثنايا اخيها ) . اهوت الى جيبها نادت بصوت حزين تقرع القلوب ، ياحسيناه يا حبيب رسول الله ، يا ابن مكة فشقته ، ثم ومنى ، يا ابن فاطمة الزهراء سيّدة النساء ، يا ابن بنت المصطفى .

الله فابكت والله كلِّ مَن كان في المجلس ويزيد ساكت .

فقامت فقالت : الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على رسوله وآله اجمعین صدق الله كذلك يقول : - ﴿ثم كان عاقبة الذين أساؤا السوى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهتزؤن﴾ اظننت یا یزید حيث أخذت علينا أقطار الارض وآفاق السّماء فاصبحنا نُساق كما تُساق الأسارى انّ بنا على الله هواناً وبك عليه كرامة و انّ ذلك لعظم خطرك عنده ، فشمخت(2)بأنفك ونظرت في عطفك(3)جذلان(4)مسروراً حين رأيت الدنيا لك مستوسقة(5)و الامور لك متسقة(6)وحين صفالك ملكنا وسلطاننا مهلاً مهلاً ، انسيت قول الله تعالى ﴿ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لانفسهم انّما نملي لهم ليزدادوا اثما ولهم عذاب مهين﴾.

أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك(7)حرائرك و امائك وسوقك بنات رسول الله سبايا ، قد هتكت ستورهن و ابدیت وجوههنّ يحذو(8)بهنّ الاعداء من بلد الى بلد و يستشرفهن(9)اهل المناهل(10)والمناقل(11)و يتصفّح(12)وجوههن القريب والبعيد و

ص: 347


1- بحار الانوارج 45 ص 132.
2- شمخ بانفه - رفعه اعتزازاً و تكبراً.
3- العطف - الجانب - و هو ينظر فى عطفه ای معجب بنفسه.
4- جذل - انتصب و فرح.
5- مستوسقة - اى مجتمعه و امکنک.
6- متسقة اى مستوية.
7- الخدر ستريمة للجارية في ناحية البيت.
8- يحدد بهنّ - في البحار اى يسوقهن سوقاً شديداً.
9- استشرف - يطلب - الاشراف والاطلاع.
10- المنهل - موضع الشرب على الطريق (محل آب خوردن)
11- المنقل الطريق فى الجبل.
12- نگاه با دقت و جستجو.

الدنّي و الشريف ، ليس معهن من رجالهنّ ولي ولا من حماتهنّ حمى وكيف يرتجى(1)مراقبة من لفظ فوه اكباد الازكياء ونبت لحمه بدماء الشهداء وكيف يستبطىء فى بغضنا أهل البيت من نظر الينا بالشنف(2)والشنآن(3)والأحن(4)و الاضغان(5)، ثمّ يقول غير متأثم(6)ولا مستعظم(7).

وأهلوا واستهلوا فرحاً ، ثم قالوا : يا يزيد! الأنشل

منتحياً(8)على ثنايا أبي عبد الله سيد شباب أهل الجنّة ، تنكتها(9)بمخصرتك(10)وكيف لا تقول ذلك وقد نكأت القرحه(11)واستأصلت الشأفة(12)باراقتك دماء ذرية محمد صلى الله عليه وآله ونجوم الارض من آل عبدالمطلب وتهتف(13)باشياخك،زعمت أنك تناديهم،

فلتردّنّ وشيكاً(14)موردهم ولتو دن انك شللت وبكمت(15)ولم يكن قلت ماقلت وفعلت ما فعلت اللهم خذ بحقنا ، وانتقم من ظالمنا، وحلل عضبك بمن سفك دمائنا ، وقتل حماتنا.

فوالله ما فريت(16)الا جلدك ولا جززت(17)الا لحمك ولتردن على رسول الله بما تحملت من سفك دماء ذريته وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته حيث يجمع شملهم(18)ويلمّ(19)شعثهم(20)ويأخذ بحقهم ، ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله

ص: 348


1- وكيف يرتجى الخ یعنی چگونه امید محافظت بود از کسیکه از دهان خود انداخت جگرهای پاکان را اشاره به هند جگرخوار باشد.
2- شنف نگاه با کراهت و اعتراض.
3- شنان - دشمن داشتن
4- احن- کینه و خشم.
5- ضغن- کینههای درونی و پنهانی.
6- غير متأثم - اى لايبالى بالاثم.
7- ولا مستعظم - ای ليس في نظره عظیم.
8- منتحياً - اى قاصداً.
9- نكت بقضيبه ای ضربه بها فائر.
10- المخصرة - ما يأخذ الملک بیده من العصى و نحوه.
11- نكأ القرحة اى قشرها.
12- هتفه - ناداه.
13- بکمت ای -خرست.
14- فرى الشيء قطعه و شقه.
15- جز الشعر او الزرع - قطعه.
16- شملهم ما تفرق من امرهم.
17- لمه - جمعه و ضمه.
18- الشأفة قرحة اذا قطعت مات صاحبها.
19- وشيكاً اى سريعاً.
20- شعثهم - اى تفرق امورهم.

أمواتاً بل احياء عند ربهم يرزقون﴾، حسبك بالله حاكماً وبمحمد خصيماً وبجبرئيل ظهيراً وسيعلم من سوى لك ومكنك من رقاب المسلمين ، بئس للظالمين بدلاً واتكم شر مكاناً واضعف جنداً .

الله ولئن جرت(1)على الدواهي مخاطبتك انى ، لأستصغر قدرك واستعظم تقريعك واستكبر توبيخك ، لكن العيون عبرى والصدور حتى ، ألا فالعجب كل العجب لقتل حزب الله الله النجباء ، بحزب الشيطان الطلقاء ، فهذه الايدي تنطف(2)من دمائنا والافواه تتحلب(3)من لحومنا وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها(4)العواسل وتعفوها امهات الفراعل ولئن اتخذتنا مغنما ، لتجدنا وشيكاً مغرماً حين لا تجد الا ماقدمت وما ربك بظلام للعبيد ، فالى الله المشتكى وعليه المعوّل ، فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك فوالله لا تمحو ذكرنا ولاتميت وحينا و لا تدرك آمدنا و لا ترحض(5)عنك عارها وهل رأيك الاّ فند(6)و ايامك الا عدد و جمعك الآ بدد(7)يوم يناد(8)المناد : الا لعنة الله على الظالمين ، فالحمد لله الذي ختم لاوّلنا بالسعادة ولآخرنا بالشهادة والرحمة ونسئل الله ان يكمل لهم الثواب و يوجب لهم المزيد و يحسن علينا الخلافة أنه رحيم ودود و حسبنا الله و نعم الوكيل(9).

واما يزيد فما استطاع بشيء الا ان قال

يا صيحة تحمد من صوائح *** ما اهون الموت علی النوائح

اقول: هذه الخطبة تشتمل على جهات كثيرة دالة على ابعاد عديدة من علق نفسها و محامدها و صفائها و رقيها و ارتفاعها الى درجات العصمة والطهارة والعلوم النبوية

ص: 349


1- اگر مصائب مرا به مخاطبه تو کشاند لیکن من قدر تو را کوچک میگیرم و کوبیدنت را بزرگ می شمارم و توبیخ تو را بزرگ میدانم لکن چشمان گریان است و سینه ها سوزان.
2- تتلطخ.
3- تتحلب - اى تسيل من فيه من كثرة امتلائه.
4- اتاهم مرةً بعد اخرى و وصلت نوبته اليها.
5- اى لاتغسل.
6- خرافة الرأي.
7- از هم پاشیده.
8- ينادى ض.
9- بحار الانوار ج 45 ص 132 الى ص 135 وقريب منه مافي الاحتجاج ج 2 ص 26.

المكارم العلوية و المناعة الفاطمية ، و أنّها خلاصة تلك الاعراق المطهرة ومن فروع الشجرة الزيتونه المباركة المنوّرة التي يكاد زيتها يضيىء ولو لم تمسسه نار ، بل نور علی نور يهدي الله بنوره من يشاء.

ولا نتعرض لشرح نكاتها ودلائلها على قدر أفهامنا لضيق مجاله في مناسبة هذا الكتاب فنذرها في سنبله ، فليحصد كل ذي فضل على قدره .

ولكن هنا في طيها جملة لا يسعنا الآ أن نقف عندها وقفة العابر وهي - قولها عليها السلام : - وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل و تعفوها امهات الفراعل .

واكتفى العلامة المجلسي(قدس سره)في البحار بشرح هذه الجملة من غير تعرّض لما يستشكل منها فقال :

والعواسل الذئاب السريعة العدو ، قولها وتعفوها أمهات الفراعل ، من قولهم عفت الريح المنزل ، أي درسته ، أو من قولهم فلان تعفوه الأضياف ، أي تأتيه كثيراً . وفي بعض النسخ (تعفرها) اي تلطخها بالتراب عند الاكل ، وفي بعضها بالقاف من (العقر) بمعنى الجرح ، ومنه كلب عقور والفُر عل بالضم ولد الضبع وفي رواية السيد امهات الفراعل وهو أظهر.

اقول : في نسخة الاحتجاج (تعفرها)وفي مقتل الخوارزمي - (وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل وتعفوها الذئاب وتؤمها الفراعل) وفي كتاب بلاغات النساء ، لاحمد بن أبي طاهر المتولد ببغداد سنة 204 و المتوفى سنة 280 هجريه (وتلك الجثث الزواكي يعتامها عسلان الفلوات) ومافي البحار نقله عن السيد ابن طاووس(قدس سره)في كتابه الملهوف ص 161 ص 166 وقد ذكر الشيخ محمد بن جعفر بن نما الحلي أحد مشايخ المحقق وغيره المتوفى سنة 645 في كتابه مثير الاحزان في مقتل الحسين عليه السلام هذه الخطبة مختصراً ولم يذكر هذه الجملات اصلاً .

وعدة من الفريقين ولا سيما من دأبهم الاختصار، لم يتعرضوا لاصل الخطبة كالشيخ المفيد في الارشاد و ابن شهر آشوب السّروي في المناقب وابي الفرج الاصبهاني في مقاتل الطالبيين وسبط ابن الجوزي في تذكرة خواص الامة وعلي بن عيسى الاربلي من علماء الامامية المتوفّى سنة 693 في كشف الغُمّة والشيخ الحافظ الواعظ الشهيد

ص: 350

السعيد محمد بن الحسن الفتال النيسابوري استاذ ابن شهر آشوب السروي من علماء القرن الخامس والسادس المتوفى سنة 508 في كتابه روضة الواعظين ، ولعلّ عدم ذكر هؤلاء هذه الخطبة ليس بمعنى عدم ثبوتها عندهم أو نفيها ، بل من جهة الاختصار أو شيء آخر تركوها ، قال صاحب كشف الغمة رحمه الله ما لفظه : قلت قد تركت اموراً جرت من هؤلاء الطغام لعنهم الله وابعدهم من رحمته عند قتله وما فعلوه من قطع يده ورشقه بالسهام والحراب وذبحه واخذ رأسه وايطاء الخيل جسده الشريف وسبي حريمه وانتزاع ملابسهن الى غير ذلك(1)الخ ، فلا يبعد ان يكون ترك ذكر الخطبة من هذا القبيل.

فالمعتمد بعد نقل الفريقين هو ثبوت اصل الخطبة ولاسيما بعد شهادة مضامينها على صدقها وصدورها ، فاذا فما معنى الجملة التي ذكرنا ، فهل يمكن للسباع والذئاب والضباع افتراس تلك الجثث الزواكي ولا سيما الامام السبط الحجّة خليفة الرسول وثمرة المرتضى وريحانة البتول مصباح الهدى وسفينة النجاة، وهل تكون حماية الله عنهم منقطعة وهل تكون السباع والوحوش عنانها مطلقة في ملك الله وسلطنته حتى على الحجج الطاهرة وحتى على من افنى جميع ما عنده في سبيل الله واحياء دينه ومن ثاره ثار الله ومن أبشر الله بوجوده انبيائه ورسله ومن يكون بقاء آثاره أحياءاً للدين واماتة لبدع المبدعين وامحاءاً لشر الظالمين وقبره الشريف وحرمه مناراً للاسلام والمسلمين وملاذاً للمظلومين والمضطرين ومن شهادته و الشهداء معه و ذکره و خلود مراسمه من أحسن و انفذما احيى به شريعة جده سيد المرسلين وبحيث يكون مصباح هدايته وسفينة نجاته في كل ليل مظلم أو طوفان شديد مما يحتاج اليه رواج دين خاتم النبيين صلوات الله عليه . قال الله تعالى : ﴿انا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد﴾.

وقال تعالى : ﴿وكان حقاً علينا نصر المؤمنين﴾.

وقال تعالى : ﴿ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ان لا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنّة التي كنتم توعدون * نحن أوليائكم في الحياة

ص: 351


1- كشف الغمة ج 2 ص 219.

الدنيا وفي الآخرة﴾.

وعلى هذا فهذه الجملة : «وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل وتعفوها امهات الفراعل»اما ان يقال ان معناها : انكم تركتم تلك الجثث الطواهر من غير أن تدفنوها لتكون طعمة للذئاب والضباع ، يعني غاية فعلكم ذلك ، أو هدفكم هذا ، وان كان من حفظ الله ان يحرسها عن جميع الآفات ، و من تقدير الله سبحانه ان يبعث جماعة من بنى اسد ليلاً ، عند مغادرة الجيش الاموي ، لدفن تلك الجثث الطواهر تحت نظارة حجة الله و وليه الامام السجاد ليتصدي دفن ابيه حيث لا يتيسر كفن الامام و دفنه الأبيد وصيه و خليفته الامام المعصوم ، فهؤلاء الطواغيت الظلمة كان من نياتهم في طريق محو آثار الرسالة ، أن يستاصلوا ذرية النبي ويتركوا اجسادهم على وجه الارض ليفسدو تأكلها الوحوش و جوارح الطيور حتى يمحو آثار هذه الواقعة و آثار صاحب تلک النهضة المقدسة فلا يبقى منها شيء على وجه الارض و حتى قبورهم و من هذا الباب ما امر به عبيد الله بن زياد أمير جيشه ان يوطىء الخيل صدره وظهره وقد نشأ التصريح عن تلك النّية الباطلة في كلماتهم الخاسرة مثل ما تفوه به زحر بن قيس حامل الرأس المطهر الى يزيد مبشراً له و مخاطباً اياه - فوا الله يا أمير المؤمنين ما كان الأكجرز جزور أو كاغفائه القائل حتى اتينا على آخرهم فهاتيك أجسادهم بالعراء مجرّدة وثيابهم بالدماء مرملة وخدودهم بالتراب معفّرة ، تصهرهم الشمس وتسفي عليهم الريح ، زوّارهم الرحم والعقبان والذئب وضبعان(1).

أو يقال : أنّ هذه الجملة، مما أدخلها في هذه الخطبة الشريفة يد الوضاعين المستأجرين ، لتحكيم سلطة الجبارين ، فلو كان معناها غير ماذكرنا واشباهه لكان مردوداً منسوباً الى الوضع والافتراء من الرواة والناقلين ، قال صاحب الاحتجاح : وكان اشدّ الناس في ذلك القراء المراؤن المتصفون الذين يظهرون الخشوع و الورع ، فكذبوا و انتحلوا الاحاديث وولّدوها ، فيحظون بذلك عند الولاة و القضاء(2).

ولولا حفظ الله تعالى اجسادهم الطاهره عن السباع ، ثم حراسة قبورهم عن

ص: 352


1- مقتل الخوارزمي ج 2 ص 56.
2- كتاب الاحتجاج للطبرسي ج 2 ص 18.

الوحوش من الآدميين ، وعن انطماسها ، لما كان للروايات المتواترة في تعظيم قبورهم و زيارتها و اتیان مشاهدهم و الثواب العظيم فيه موقع اصلاً ، فهذه الروايات من صاحب الرسالة الخاتمية واهل بيته المعصومين ، وهم لا ينطقون عن الهوى ان هو الا وحي يوحى ، فهذا عهد من الله لحفظها و حراستها، مضافاً الى غير ذلك مما يدل على أن الذئاب والسباع مؤتمرة تحت اوامرهم ومسخّرون تحت ولايتهم ولا يأكلون لحومهم ، والعجب ممّن يقوّى حديث الشيخ الكليني(قدس سره)في الكافي ، لاتيان فضة بالاسد الحراسة جنّته الزكية الطاهرة حيث قصدوا ان يطوا الخيل صدره و ظهره و لا يحاسب انه لافرق بين الاسد و الذئب و الضبع والرخم و العقبان ، فكل بامر الله وتحت ولاية ولي الله لا يقدر واحد منها على العصيان عمّا خُطّ له ، فلو كان الاسد يعرف مقام الامام و يحرسه عن خيل ابن سعد ، لكان غيره من السباع ايضاً مثله ولا أقل من أن لا يفترسه . وهناك روايات في أبواب مختلفة ، دالّة على ان لحومهم صلوات الله عليهم محرمة على السباع .

ومن ذلك تعرف ، ان الشعر الذي نقل عن السيد الرضى رضى الله عنه في الرثاء عليه صلوات الله عليه أيضا ليس بموضع من القبول و لعله نشأ من ذلك و امثاله وهو.

وتنوش الوحش من اجسادهم *** أرجل السبق و ايمان النَّدا

واماً ماروى عن أبي عبد الله الحسين صلوات الله عليه ، لما عزم على الخروج الى العراق خطيبا ، فقال : الحمد لله ... (الى أن قال:) وخير لي مصرع انا لاقيه ، كأني باوصالي تقطعها عُسلانُ الفلوات بين النواويس وكربلا ، فيملأنّ مني أكراشاً جوفاً واجربة سغباً.(1)

فالظاهر منه : أن مراده العُسلان وذئاب الفلوات من الكوفة ، من جيش ابن سعد ، الذين هم ا م أخسّ من الذئاب ، والدليل عليه قوله - فيملأن مني اكراشاً جوفاً واجربةً - ، فان الاجربة ، جمع الجرأب بالكسر وهي وعاء من الجلد لجمع الدراهم والدنانير فهم ذئاب الناس رسباعهم ، لا من سباع الحيوانات .

ويحتمل قريباً ان يكون المراد مما في خطبة سيدتنا زينب سلام الله عليها ايضا

ص: 353


1- کشف الغمة ج 2 ص 239.

ذلك بقرينة ما قبل تلك الجملات من قولها - فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء . فهذه الايدى تنطف من دمائنا و الافواه تتحلب من لحومنا - و تلك الجثث الطواهر الزواكى تنتابها العواسل (اى العواسل والذئاب من ملوكهم و حكامهم لمحوها و محو آثارها يتناوبون) و تعفوها امهات الفراعل (اى يسعى لاندراسها ومحوها امهات الفراعل و الضباع من جبابرة حكامهم)

وفي الزيارة المنسوبة الى الناحية المقدّسة قوله : - السّلام على الاجسام العارية في الفلوات تنهشها الذئاب العاديات و تختلف اليها السباع الضاريات - .(1)

ولكن يعارضها ماذكر في نفس هذه الزيارة قبل ذلك بسطور من قوله : - السلام على من دفنه أهل القرى ، فانه لا معنى للدفن بعد ان نهشها الذئاب.

نعم يمكن أن يُقال ان قوله(علیه السّلام): السلام على من دفنه أهل القرى ، مخصوص بالامام عليه السلام ولذا افرد بالضمير ، وان قوله(علیه السّلام)السلام على الاجسام العاريه الخ يختص بغيره عليه السلام من الشهداء ، فما نهشته الذئاب والسباع غير الامام(علیه السّلام)، لكن ذلك أيضاً بعيد جداً

ص: 354


1- البحار ج 101 ، ص 319 ، نقلاً عن مزار الشيخ المفيد و عن المزار الكبير لمحمد بن المشهدى ايضاً.

على بن الحسين الاكبر عليهما السّلام و عصمته

و ممن تظهر عصمته و طهارته من غير نبوة ورسالة و امامة هو :

علي بن الحسين الاكبر ، سلام الله عليهما ، الشهيد بكربلاء بين يدي والده ، حيث ورد في شأنه . شأنه ما يشير الى عصمته .

منها ما عن ابيه الحسين عليه السلام عند برازه للشهادة كما قال الخوارزمي في مقتله ج 2 ص 30. ، فتقدم علي بن الحسين .... فلما رءاه الحسين رفع شيبته نحو السماء وقال : اللهم اشهد على هؤلاء القوم فقد برز اليهم غلام اشبه الناس خلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسولك محمد صلى الله عليه وآله وسلّم وكنا اذا اشتقنا الى وجه رسولك ، نظرنا الى وجهه (الى أن قال) ثم صاح الحسين بعمر بن سعد: مالك قطع الله رحمك كما قطعت رحمي ولم تحفظ ق-راب-ت-ي م-ن رس-ول الله ، ثم رفع صوته وقرأ ان الله اصطفى آدم و نوحاً و آل أب-راه-ي-م و آل عمران ع-ل-ى العالمين - ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم (الخ) وذكر ذلك جمع آخ-ر م-ن علماء الشيعة وأهل السنّة ايضاً.(1)

وفي ذلك أشارات أو تصريحات بعصمته كتشبيهه برسول الله خلقا وخلقا ومنطقا ، وكقرائته الآية في الاصطفاء وأنّهم ذرية بعضها من بعض ، الى غير ذلك من الدلالات على ذلك .

ص: 355


1- مقاتل الطالبيين ص 77 البحارج 45 ص 3 وفي المناقب ج 43 ص 257 وكان يشبه برسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)خُلقاً وخلقاً ومنطقاً.

ومنها مافي زيارة الحسين عليه السلام لاوّل شهر رجب ففيها لكيفية السلام على علي بن الحسين عليهما السلام هكذا : - السلام عليك أيها الصديق الطيب الزكي الحبيب المقرب وابن ريحانة رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)، أشهد لقد شكر الله سعيك واجزل ثوابك والحقك بالذروة العالية ، حيث الشرف كل الشرف وفي الغرف السّامية ، كما من عليك من قبل وجعلك من أهل البيت ، الذين أذهب الله الرجس وطهرهم تطهيراً الخ .

وفي ذلك أيضاً دلالات على عصمة ولاسيما مافي شمول آية التطهير له وكونه من هؤلاء .

و منها: ما في زيارة الناحية المقدسة المروية في الاقبال للسيد بن طاووس قوله(علیه السّلام)اشهد انک اولی بالله و برسوله و انک ابن رسوله و حجته و امینه و ابن حجته و امینه الخ(1).

ومنها : مافي زيارته يوم عرفة : السلام عليك يامولاي السلام عليك ياولي الله وابن وليه (الى أخرها) .

وفيها تصريح له بمقام ولاية الله و وصوله الى هذه المرتبة التي لا ينالها الاّ المعصوم .

ومنها : مافي زيارته المعروفة بالوارث من - السلام عليك ياولي الله وابن وليه الخ . قال أبو الفرج الاصبهاني في مقاتل الطالبيين ص 52 : - واياه عنى معاوية في الخبر الذي حدثني به محمد بن محمد ... قال معاوية من أحق الناس بهذا الامر ؟

قالوا أنت . قال لا ، أولى الناس بهذا الامر علي بن الحسين بن علي ، جده رسول الله صلى الله عليه وآله ، وفيه شجاعة بني هاشم وسخاء بني امية وزهو ثقيف .

قال ابو الفرج - و ولد علي بن الحسين(علیه السّلام)في خلافة عثمان و قد روي عن جده علي بن أبي طالب(علیه السّلام)وعن عايشه احاديث كرهت ذكرها في هذا الموضع لأنها ليست من جنس ما قصدت له .

ص: 356


1- البحار، ج 45، ص 65.

فى سلمان الفارسي وعصمته

ومن جملة من تظهر عصمته من غير نبوّة ورسالة وامامة سلمان الفارسي (رضى الله عنه).

قال السيد علي خان المدني (قدس الله روحه) في كتابه الدرجات الرفيعه ص 198 اصله من فارس من رامهرمز وقيل بل من اصبهان من قرية يقال لها جت بفتح الجيم وتشديد الياء المثناة من تحت وكان اسمه روزبه و قيل ماهو وقيل مابه بن بهبودا بن بدخشان من ولد منوچهر الملك الخ .

قال ابن بابويه(رحمه الله علیه)وما سجد قط لمطلع الشمس كما كان يفعل قومه ، وانما كان يسجد لله عزّ وجلّ وكانت القبلة التى امر بالصلوة اليها شرقية وكان ابواه يظنّان انه انما يسجد لمطلع الشمس مثلهم وكان سلمان وصي عيسى(علیه السّلام)في اداء ماحمل الى من انتهت اليه الوصية من المعصومين(1).

وعن زرارة عن أبي جعفر عن جده أمير المؤمنين عليهم السلام قال : ضاقت الارض بسبعة بهم ترزقون وبهم تنصرون وبهم تمطرون منهم سلمان الفارسي والمقداد وأبوذر.(2)

وعن ابي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام اذا كان يوم القيمة نادى مناد أين حواري محمد بن عبد الله رسول الله الذين لم ينقضوا العهد ومضوا عليه فيقوم سلمان والمقداد وابوذر.(3)

ص: 357


1- الدرجات الرفيعه ص 199.
2- رجال الكشي ص 13.
3- رجال الكشي ص 15.

وعن أبي عبد الله(علیه السّلام)قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ان الله أمرني بحب أربعة منهم علي بن أبي طالب عليه السلام وسلمان الفارسي.(1)

وعن أبي جعفر عليه السلام كان علي(علیه السّلام)محدثا وكان سلمان محدثا.(2)

وعنه(علیه السّلام)كان سلمان من المتوسمين.(3)

وعن أبي عبد الله عليه السلام سلمان علم الاسم الاعظم.(4)

وعن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه قال لي : تروې مايروي الناس ، ان عليا(علیه السّلام)قال في سلمان: ادرك علم الاول وعلم الآخر ؟ قلت : نعم . قال : فهل تدري ماعنى ؟ قلت : يعني علم بني اسرائيل وعلم النبي(صلی الله علیه و آله و سلم). فقال : ليس هكذا يعني ولكن علم النبي وعلم عليّ وامر النبي وامر عليّ(5).

عن الحسن بن منصور قلت للصادق علیه السلام : اكان سلمان محدثاً ؟ قال : نعم .

قلت : من يُحِدّثهُ ؟ قال ملك كريم(6)(الخبر).

وهذه الروايات لها دلالات على عصمته ، كما لا يخفى على البصير الخبير ولكن

الذي اصرح منها في العصمة مادلت منها على انه من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً .

منها ماعن أبي جعفر عليه السلام : ان سلمان منا اهل البيت(7).

ومنها عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال : يا أبا ذر ان سلمان باب الله في الارض من عرفه كان مؤمنا ومن أنكره كان كافراً وانّ سلمان منا اهل البيت.(8)

وسُئل علي(علیه السّلام)عن سلمان ، فقال : علم العلم الاول والعلم الآخر وهو بحر لا ينزف و هو منا أهل البيت.(9)

ص: 358


1- رجال الكشي ص 16.
2- رجال الكشي ص 16.
3- رجال الكشي ص 16.
4- رجال الكشي ص 16
5- رجال الكشي ص 21.
6- رجال الكشي ص 23.
7- رجال الكشي ص 22.
8- مجمع الرجال للقهبائي ج 3 ص 144 رجال الكشي ص20.
9- اسد الغابة لابن الاثير ج 2 ص 331

قال رسول صلى الله عليه وآله : سلمان منّا أهل البيت.(1)

قال أهل العلم : عاش سلمان ثلثماة و خمسين سنة - كان سلمان من المعمرين ، يقال انه ادرك عيسى بن مريم (ع ) و قرأ الكتابين وكان له ثلاث بنات باصبهان و زعم جماعة أنهم من ولدها وابنتان بمصر(2).

قال الشيخ محي الدين بن العربي في الفتوحات لما كان النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)عبداً محضاً أي خالصاً ، قد طهره الله تعالى وأهل بيته تطهيراً وأذهب عنهم الرجس وكلما يشينهم ، فانّ الرجس هو القذر عند العرب على ما حكاه الفراء ان(3)قال تعالى انّما يُريدُ الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ، فلا يضاف اليهم الا مطهر ولابد أن يكون كذلك ، فان المضاف اليهم هو الذي يشبههم فما يضيفون لانفسهم الا من له حكم الطهارة والتقديس ، فهذا شهادة من النبي صلى الله عليه وآله لسلمان الفارسي بالطهارة والحفظ الألهي والعصمة، حيث قال فيه رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم): سلمان منا اهل البيت وشهد الله لهم بالتطهير وذهاب الرجس عنهم واذا كان لا يضاف اليهم الأ مطهر مُقدّس وحصلت له العناية الإلهيه بمجرد الاضافة ، فما ظنك باهل البيت في نفوسهم فهم المطهرون بل عين الطهارة.(4)

قال الصادق عليه السلام في حديث، لاتقل الفارسي ولكن قل سلمان المحمدي - اتدري ماكثرة ذكري له ؟ قلت : لا . قال : لثلاث خلال ، احدها ایثاره هوی أمير المؤمنين عليه السلام على هوى نفسه ، والثانية حبّه للفقراء واختياره أياهم على اهل الثروة والعدد ، و الثالثة حبّه للعلم والعلماء ، ان سلمان كان عبداً صالحاً حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين.(5)

ص: 359


1- اسد الغابة لابن الاثير ج 2 ص 331.
2- اسد الغابة لابن الاثير ج 2 ص 332.
3- الفراء هو أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله الكوفي تلميذ الكسائي المتوفى سنة 207 واطلاق الفراء على معاذ بن مسلم النحوي من أصحاب الصادقين عليهما السلام وق-د ق-رأ عليه الكسائي وروى عنه اشتباه بالهراء - فلعل مراده من الفراءان هما الرجلان - منه.
4- الدرجات الرفيعة ص 207 - ص 208.
5- الامالي للشيخ الطوسي ج 1 ص 133.

وعن الاصبغ بن نباته ، قال : سألت أمير المؤمنين علي بن ابيطالب عليه السلام عن سلمان الفارسي رحمة الله عليه ، وقلت : ماتقول فيه ، فقال : مااقول في رجل خلق من طينتنا و روحه مقرونة بروحنا خصه الله تبارك و تعالى من العلوم بأولها و أخرها وظاهرها و باطنها و سرها و علانيتها و لقد حضرت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلمان بين يديه ، فدخل أعرابي ، فتحاه عن مكانه وجلس فيه فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله حتى در العرق بين عينيه واحمرتا عيناه ، ثم قال يا أعرابي اتنحي رجلاً يحبّه الله تبارك وتعالى في السماء ويحبه رسوله في الارض ، يا أعرابي أتنحي رجلاً ماحضرني جبرئيل الا أمرني عن ربي عز وجل أن أقرئه السلام، با اعرابي ان سلمان منّي، من جفاه فقد جفاني ومن آذاه فقد آذاني ومن باعده فقد باعدني ومَن قربه فقد قربني ، يا أعرابي لا تغلظنّ في سلمان ، فان الله تبارك وتعالى قد أمرني أن اطلعه على علم المنايا والبلايا والانساب وفصل الخطاب ، قال فقال الاعرابي يارسول الله ماظننت ان يبلغ من فعل سلمان ماذكرت اليس كان مجوسياً ثم أسلم ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله : يا أعرابي أخاطبك عن ربي وتقاولني ان سلمان ما كان مجوسياً ولكنه كان مظهراً للشرك ، مصمراً(1)للايمان.(2)

و قال الصادق عليه السلام : لا تقولوا سلمان الفارسي ولكن قولوا سلمان المحمدي ، ذلك منا أهل البيت . وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : سلمان منا أهل البيت ، وعن أبي جعفر عليه السلام قال : ذلك سلمان المحمدي، ان سلمان منا أهل البيت(3)، وعن الصادق عليه السلام قال : أدرك سلمان العلم الاول و العلم الآخر و هو بحر لا ينزح وهو منا أهل البيت ، وعن النبي صلى الله عليه و آله انه قال : ياسلمان انت منا أهل البيت وقد أتاك الله العلم الاول والآخر و الكتاب الاول والكتاب الآخر(4)،

لقد رقى(5)سلمان بعد رقة *** منزلة شامخة البنيان

ص: 360


1- مضمراً(ظ).
2- الاختصاص للشيخ المفيد ص 221.
3- نفس الرحمان ص 28.
4- نفس الرحمان ص 31.
5- نفس الرحمان ص 35.

وكيف لا و المصطفى عده *** من أهل بيته عظيم الشأن.

15 - قد أشرنا قبلاً الى ان العصمة تنشأ من ذات المعصوم مع امداد غيبي الهي شيئاً فشيئاً ، فتنمو و تربوا وتترقى الى ان تصل الى اعلى ما يمكن من مدارج الكمال.

فلها مراتب في الكمال الا ان جميع مراتبها حائزة للنزاهة والقداسة والطهارة لكن في حدّ هذه المرتبة .

ولا يخفى ، أن جمعيهم في صراط واحد وكل الى الله سائرون ، فهم متماثلون متشابهون بحيث لو ذلت آية في احدهم على شيء من الطهارة ، فغيرهم أيضاً كذلك ويمكن ان يستظهر ذلك من مثل قوله تعالى : ﴿أنا أوحينا اليك كما أوحينا الى نوح والنّبيين من بعده﴾(1)فسبيل الوحي وشرائطه وظروفه في حقهم واحد .

المرتبة الاولى : الطهارة والقداسة حين انعقاد وجودهم ثم حين تولّدهم، فهم طيبون ، طاهرون في مرتبة ذواتهم من اي قذارة تنشأ عنها قذارة الاعمال والصفات ، والبلد الطيب يخرج نباته باذن ربه والذي خبث لا يخرج الأ نكداً » « وضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء توتي أُكلها كل حين باذن ربها قالت أمرأه عمران في حق بنتها مريم ﴿وانّي أُعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم فتقبلها ربها بقبول حسن وانبتها نباتاً حسناً﴾

فكانت شجرة طيبة وطيبة الثمار في الصفات والاعمال والآثار توتي أكلها كل حين باذن ربها وهكذا ثمرتها وذريتها ولم يكن الآ عيسى سلام الله عليه - وقال تعالى ﴿واذ قالت الملئكة يامريم ان الله اصطفيك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين﴾(2)، وقال تعالى ﴿واذ قالت المئكة يامريم ان الله يبشرك﴾الخ(3)وقال تعالى : في دعاء زكريا - ﴿قال ربّ هب لي من لدنك ذرية طيبة الى أن يقول - ان الله يُبشرك بيحى﴾(4)وقال في شأن يحيى : ﴿وسلام عليه يوم ولد﴾(5)وقال تعالى في

ص: 361


1- سورة النساء ايه 163.
2- آل عمران 43 - 42.
3- آل عمران 44.
4- آل عمران 28 الی 29.
5- سورة مريم 12 الى 15.

شأن موسى : ﴿وحرمنا عليه المراضع من قبل﴾(1)وقال يوسف : ﴿ماكان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون﴾(2)وقال تعالى : ﴿الله أعلم حيث يجعل رسالته﴾.(3)

المرتبة الثانية : الطهارة والقداسة ونزاهة النفس والاعمال والصفات والافكار والمعارف والعلوم في هذا العالم ، ويشهد لذلك من الآيات مايلي :

قال تعالى ﴿والسلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أُبعث حيّاً * ذلك عيسى بن مريم﴾الآية(4)، على أن يكون المراد السلامة من جميع ما يضر بالسلامة ) المطلقة في ثلاث عوالم ، عالم الدنيا من التولد الى أخرها والبرزخ من حين وروده وعالم الاخرة من حين وروده ، يوم يبعث حياً ، فيشمل سلامة الانسان في جيمع ابعاده وجوانبه.

ومثل قوله تعالى ﴿سلام على نوح في العالمين انا كذلك نجزي المحسنين﴾وقوله تعالى ﴿سلام على أبراهيم أنا كذلك نجزي المحسنين﴾ وقوله تعالى : ﴿سلام على موسى وهارون أنا كذلك نجزي المحسنين انهما من عبادنا المؤمنين﴾وقوله تعالى : ﴿سبحان ربّك ربّ العزة عما يصفون وسلام على المرسلين﴾(5)ومثل قوله تعالى ﴿واتيناه الحكم صبيّاً * وحناناً من لدنا وزكوة وكان تقياً * وبراً بوالديه ولم يكن جباراً شقيّاً * وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يُبعث حيّاً﴾(6)﴿قل الحمد لله و سلام على عباده الذين اصطفى الله خير اما يشركون﴾(7)

ومقتضى تلك الآيات ، سلامتهم مطلقاً من كلّ ما يوجب عدم السلامة ولو قليلاً من كل آفة و رذيلة و انحراف فكراً و عقلاً وعملاً و مشياً وسلوكاً و معاشرة من أول بروزهم في عالم الدنيا وقد كان السلام قولاً من ربّ رحيم عليهم قولاً حقاً وصدقاً لا مبدل لكلماته .

المرتبة الثالثة : قد عرفت ان مقتضي طيب ولادتهم وفطرتهم وسلامتهم من كل نقص وعيب ذاتي وكونهم موردا لعناية الله سبحانه وفضله وكرمه ، أن يكون اعمالهم

ص: 362


1- سورة القصص ايه 12.
2- سورة يوسف ايه 29.
3- سوره انعام ، 124.
4- سورة مريم ايه 35.
5- سورة الصافات.
6- سورة مريم الى ايه 15.
7- سورة النمل آیه 59.

وصفاتهم وأفكارهم كلّها حسنة مرضية عند الله ، وان يكونوا مجتنبين من كل رذيلة وكل عمل غير صالح حتى قبل نبوّتهم ورسالتهم وامامتهم ) فمن صحت عروقه اثمرت فروعه (كما عن مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه) واليك جملة من الآيات على ذلك عموماً أو خصوصاً فيهم

﴿وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هوناً واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما*والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً﴾ (الى آخر الايات من سورة الفرقان ) وقال تعالى : ﴿أنما يؤمن بآياتنا الذين اذا ذكروا بها خروا سجداً﴾، و غير ذالک و یدل علی ذالک فی خصوصهم آیات - فهم كانوا على صفة التقوى – قال تعالى ﴿انه من يتق ويصبر فان الله لا يضيع أجر المحسنين﴾(1)، وقال تعالى : ﴿وما أرسلنا قبلك الا رجالاً نوحي اليهم من أهل القُرى أفلم يسيروا في الارض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة خير للذين أتقوا أفلا تعقلون﴾(2) ، وقال تعالى : ﴿أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين (الى أن قال) تلك الجنة التي نورتُ من عبادنا من كان تقياً﴾(3).

وهم كانوا على خوف وخشية من الله سبحانه.

قال تعالى ﴿قل أني أخاف ان عصيت ربي عذاب يوم عظيم﴾(4)، وقال تعالى : ﴿أولئك الذين يدعون يبتغون الى ربّهم الوسيلة ايهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه ان عذاب ربك كان محذوراً﴾(5)بناء على أن المراد من - أولئك - النبيين - المذكور في الآيه السابقة بقوله ﴿ولقد فضلنا بعض النبين﴾ أذ لا يناسب ارادة ماقبل ذلك من الآية فراجع .

وهم كانوا محسنين بقول مطلق ، يصدقهم الله في ذلك ، من غير تحديد لاحسانهم ولذلك شعاع وسيع في المراحل المختلفة ويدل على ذلك آيات :

ص: 363


1- سورة يوسف ايه 90 .
2- سورة يوسف ايه 109.
3- سورة مريم 63.
4- سورة الانعام ايه 15.
5- سورة الاسراة ايه 57.

ففي سورة الصافات بالنسبة الى نوح وابراهيم والياس وموسى وهارون عليهم السلام في عدة آيات يقول سبحانه وتعالى : ﴿انا كذلك نجزي المحسنين وقال تعالى : ﴿نبئنا بتأويله انا نزيك من المحسنين﴾(1)، وقال تعالى ﴿وكذلك نجزي المحسنين﴾(2)، وقال تعالى ﴿انه من يتق ويصبر فانّ الله لا يضيعُ اجر المحسنين﴾(3)، وقال تعالى بالنسبة الى موسى(علیه السّلام)﴿وكذلك نجزي المحسنين﴾(4).

وهم كانوا من أهل البكاء والخشية حال العبادة الله سبحانه ومن أهل قيام الليل والسرعة الى الخيرات

قال تعالى : ﴿ان ابراهيم لحليم اواة منيب﴾(5)، وقال تعالى : ﴿اذا نتلي عليهم آيات الرحمن خرّوا سُجّداً وبُكيّاً﴾(6)، وقال تعالى : ﴿أنّ ربّك ليعلم انك تقوم ادنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثة وطائفة من الذين معك﴾(7)، وقال تعالى : ﴿يا ايها المزّمّل قم الليل الأ قليلاً نصفه أو انقص منه قليلاً اوزد عليه ورتل القرآن ترتيلاً﴾(8)وقال تعالى : ﴿ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً﴾(9)، وقال تعالى : ﴿انّهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رَغَباً ورَهَباً وكانوا لنا خاشعين﴾(10).

وهم كانوا أهل الصلوة والزكوة مرضيين عند ربهم آمرين بالمعروف وناهين عن المنكر .

قال تعالى : ﴿اقم الصلوة لذكري ان الساعة لآتية اكاد أخفيها﴾(11) ، وقال تعالى : ﴿واوصاني بالصلوة والزكوة مادمتُ حيّاً»(12)، وقال تعالى : ﴿فنادته

ص: 364


1- سورة يوسف ايه 26.
2- سورة يوسف ايه 22.
3- سورة يوسف ايه 90.
4- سورة القصص ايه 14.
5- سورة هود 75 . و يعبر بالاواه عمن يظهر خشية الله - مفردات القرآن للراغب.
6- سورة مريم 58.
7- سورة المزمل آخرها.
8- سورة المزمل ايه 1 ، 2 ، 3.
9- سورة الاسراء 79.
10- سورة الانبياء ايه 90.
11- سورة طه ايه 15.
12- سورة مريم ايه 31.

الصلاة

الملئكة وهو قائم يصلي في المحراب ان الله يبشرك بيحى »(1)، وقال تعالى: ﴿كلّما دخل عليها الزكريا المحراب وجد عندها رزقاً قال يامريم أنى لك هذا قالت عند الله﴾(2)وقال تعالى : ﴿ربنا أني اسكنتُ من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلوة»(3)، وقال تعالى : ﴿ربّ اجعلني مقيم ومن ذريتي »(4)، وقال تعالى : ﴿وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيّاً »(5)، وقال تعالى وامر أهلك بالصلوة واصطبر عليها لانسئلك رزقاً نحن نرزقك والعاقبة للتقوى»(6)، وقال تعالى : ﴿الذين ان مكناهم في الارض أقاموا » الصلوة وآتوا الزكوة وامروا بالمعروف ونهوا عن المنكر والله عاقبة الامور»(7)، وقال تعالى : ﴿رجال لا تلهيهم تجارة ولابيع عن ذكر الله وأقام الصلوة وايتاء الزكوة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والابصار»(8)الى غير ذلك من الآيات في ذلك .

وهم لم يكونوا من أول عمرهم ظالمين بقول مطلق باي لون من الوان الظلم واي مظهر من مظاهره ، لاعلى انفسهم ولا على غيرهم، فلم يصدر عنهم شرك ، فان الشرك لظلم عظيم ولا معصية ولا انحراف ولاترك واجب ، لاستلزامه الظلم على انفسهم وكذا لم يتصفوا بصفات الظالمين ولا سكنوا في مساكن الذين ظلموا ولا بغوا و لاطغوا ولا فسدوا و لا أفسدوا و لم يكونوا يريدون علواً في الارض ولا فساداً.

ويدل على ذلك عدة من الآيات:

قال تعالى : ﴿واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فاتمهن قال أني جاعلك للناس أماماً قال ومن ذريتي قال لاينال عهدي الظالمين﴾(9)، وقال تعالى : ﴿اني لايخاف لدي المرسلون الأ من ظلم ثم بدل حسناً بعد سوء فانّي غفور رحيم﴾(10)، والظاهر

ص: 365


1- سورة آل عمران ايه39.
2- سوره آل عمران آیه 37.
3- سورة ابراهيم ايه 37.
4- سورة ابراهيم ايه 40.
5- مريم 55.
6- سورة طه 132.
7- سورة الحج 41
8- سورة النور ايه 37.
9- سورة البقرة ايه 124.
10- سورة النمل ايه11.

ان الاستثناء منقطع ، يعنى لكن من ظلم ثم بدل حسناً بعد سوء فاني غفور رحيم ومعناه أن الظالم الكذائي يخاف ، فالمرسلون ليسوا بظالمين وقال تعالى : ﴿ولم يجعلني جباراً شقياً﴾(1)، وقال تعالى ﴿ولم يكن جباراً شقيا﴾(2)وقال تعالى ﴿وقال موسى ربّي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ومن تكون له عاقبة الدار انه لا يفلح الظالمون﴾(3)وقال تعالى ﴿قال ربّ بما انعمت على فلن أكون ظهيراً للمجرمين﴾(4)، وقال تعالى ﴿تلك الدار الاخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الارض و لافساداً والعاقبةُ للمتقين﴾(5)، وقال تعالى ﴿قلن حاش لله ماعلمنا عليه من سوء﴾(6)، وقال تعالى ﴿قال معاذ الله انّه ربّي احسن مثواي انه لا يفلح الظالمون﴾(7)، وقال تعالى ﴿قال موسى لاخيه هرون أخلفني في قومي واصلح ولا تتبع سبيل المفسدين﴾(8)، وقال تعالى : ﴿ان الله لا يصلح عمل المفسدين﴾(9).

وهم كانوا عرفوا الله تعالى و عبدوه مخلصاً من غير أي شائبة من الشرك بجميع انحائه ومظاهره ، لا في مقام العبادة، ولا فى مقام المعرفة ، بل كانوا موحدين له في جميع المراحل كمال توحيده ، وهذا هو الذي تدل عليه آيات كثيرة ظهوراً أو صراحة في بعضها الآخرى مضافا الى ما تقدم منها .

قال تعالى ﴿واتبعت ملّة آبائي ابراهيم واسحق ويعقوب ماكان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون﴾(10)، وقال تعالى ﴿قل هذه سبيلي ادعوا الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني وسبحان الله وما انا من المشركين﴾(11)، وقال تعالى ﴿ولقد أوحي اليك والى الذين من قبلك لئن اشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين﴾(12)، وقال

ص: 366


1- سورة مريم ايه 32.
2- سورة مريم ايه 14.
3- سورة القصص ايه 37.
4- سورة القصص ايه 17.
5- سورة القصص ايه 83.
6- سورة يوسف ايه 51.
7- سورة يوسف ايه 23.
8- سورة الاعراف ايه 142.
9- سورة يونس ايه 18.
10- سورة يوسف ايه 38.
11- سورة يوسف ايه 108.
12- سورة الزمر ايه 65.

تعالى ﴿واجتبيناهم وهديناهم الى صراط مستقيم ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ولو اشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون﴾(1)، وقوله تعالى ﴿لا تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم﴾(2)، مضافاً الى قوله تعالى: ﴿لا ينال عهدي الظالمين﴾(3).

انهم كانوا يرون الحق والحقيقة في روابط الموجودات كلها بالله سبحانه وسلطانه فيها ، فمجرى الوجود منه تعالى وفيضه الى كل شيء ونفوذ قدرة الله فيها كان منكشفاً مشهوداً في نظرهم ، فيرون الله تعالى في كل شىء وقبله وبعده ومعه فيعرفونه هذا من النوع من المعرفة ، فلهذا كانوا لا تتخطى ارادتهم عن ارادة الله ولا يعصون الله ماامرهم ويفعلون ما يؤمرون .

قال تعالى: ﴿وكذلك نرى أبراهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين﴾(4)، و قال تعالى: ﴿لقد همت به و هم بها لولا أن رأى برهان ربه کذالک لنصرف عنه السوء و الفحشاء انه من عبادنا المخلصين﴾(5)، واخر هذه الاية تدل على انه انما نال تلك المنزلة من طريق العبودية لله سبحانه ، وقال تعالى ﴿قل الله شهيد بيني وبينكم واوحي الى هذا القرآن لانذركم به ومن بلغ﴾(6)، وقال تعالى ﴿بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم﴾(7)، وقال تعالى ﴿قل هذه سبيلي ادعو الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني﴾(8)، وقال تعالى : ﴿ومالنا ان لانتوكل على الله وقد هدينا سبلنا ولنصبرنّ على ما اذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون﴾(9)، وقال تعالى : ﴿لقد راى من آيات ربه الكبرى﴾(10)، فهو صلى الله عليه وآله قد رآى من آيات الله ماهي أكبرها وأعظمها ذاتا و دلالة فكيف باصاغرها .

وقال الامام أبو عبد الله الحسين سيد الشهداء صلوات الله عليه في

ص: 367


1- بصيغة الماضي مع كلمة لو سورة الانعام ايه88.
2- سورة لقمان ايه 13.
3- سورة البقرة ايه 124.
4- سورة يوسف ايه 24.
5- سوره انعام آیه 76.
6- سورة الانعام ايه 19.
7- سورة العنكبوت ايه 47.
8- سورة يوسف ايه 108..
9- سورة ابراهيم ايه 12.
10- سورة النجم ايه 18.

عرفة : «الهي علمت باختلاف الاثار وتنقلات الاطوار ان مرادك مني ان تتعرّف الى في كلّ شيء حتى لا أجهلك في شيء»(وقال ايضاً:) «الهي امرت بالرجوع الى الآثار فارجعني اليك بكسوة الانوار وهداية الاستبصار حتى ارجع اليك منها كما دخلت اليك منها مصون السِّرّ عن النظر اليها و مرفوع الهمة عن الاعتماد اليها انك على كلّ شيء قدير»(1).

انهم كانوا في عبوديتهم ومعرفتهم لله سبحانه بنحو لا يرتضون الا ما يرضي الله ولا يكرهون الا ما يكرهه ولا يحبّون الا ما احبه ولا يبغضون الآ ما ابغضه ، فبهذه الروحية الشريفة ، لهم سعي بليغ في الاجتهاد في سبيل الله ، و احياء دينه و اقامة اوامره و اماتة

مانهى عنه .

قال تعالى : ﴿الذين أن مكناهم في الارض أقاموا الصلوة وآتوا الزكاة وامروا بالمعروف ونهوا عن المنكر والله عاقبة الامور﴾(2)، وقال تعالى ﴿لقد كان لكم أسوة حسنة في أبراهيم و الذين معه اذ قالوا لقومهم انا بُرَاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء ابداً حتى تؤمنوا بالله وحده﴾(3)، وقال تعالى : ﴿أنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين﴾(4)، وقال تعالى : ﴿ولقد اصطفيناه في الدنيا و انه في الآخرة لمن الصالحين اذ قال له ربِّه اسلم قال أسلمتُ لربّ العالمين﴾(5).

انهم كانوا يتعارجون الى معارج الكمال ويرتقون الى معالي الفضائل ولا يقفون في حد مخصوص ، فهم في السير والحركة الى الله سبحانه كغيرهم من أفراد البشر الا أنهم من الطهارة والقداسة الى مراتب الكمال ويشير الى ذلك عدة من الايات :

قال تعالى : ﴿ومن الليل فتهجد به نافلةً لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً وقل رب أدخلني مدخل صدق واخرجني مخرج صدق و اجعل لي من

ص: 368


1- مفاتيح الجنان ص 274 - 275.
2- سورة الحج ايه 41.
3- سورة الممتحنة ايه 4.
4- سورة الانبياء ايه 90.
5- سورة البقرة ايه 131.

لدنك سلطاناً نصيراً﴾(1)، وقال تعالى : ﴿يا أيها المزمل قم الليل الأ قليلاً نصفه أو انقص منه قليلاً أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً انا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً﴾(2)، فيأمره بقيام الليل وترتيل القرآن ليصل الى أن يتهيأ لالقاء قول ثقيل عليه - وقال تعالى : ﴿وقل رب زدني علماً﴾(3)، وقال تعالى : ﴿فوجدا عبداً من عبادنا اتيناه رحمة من عندنا و علمناه من لدنا علماً قال له موسى هل اتبعك على ان تُعلّمن مما عُلمت رشداً﴾(4)، وقال تعالى : ﴿وعلمك مالم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً﴾(5)، وقال تعالى : ﴿واذ ابتلى أبراهيم ربّه بكلمات فاتمهن قال انّي جاعلك للناس اماماً﴾(6)، وقال تعالى : ﴿سبحان الذي اسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا﴾(7)، وقال تعالى : ﴿ثم دنی فتدلّى فكان قاب قوسين أو ادنى﴾(8)، وقال تعالى : ﴿لقد راى من آيات ربه الكبرى﴾(9)، وقال تعالى : ﴿وكذلك نري أبراهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين﴾(10)

انهم كانوا مصونين بعصمة الله ومحفوظين بحفظه ومؤيدين بنصره وتحت عين رعايته في داخل نفوسهم و خارجها في قبال الاعداء والمخالفين فيحرسهم الله سبحانه بسلطانه في جميع ادوارهم واطوارهم، فالله سبحانه هو ملاذهم ومعاذهم في شدائد حملات الاعداء، فهو يعصمهم ويحفظهم ويحرسهم، فلهم النجاح الاعظم والفلاح الاكبر فيما بين جميع البشر وتدل على ذلك آيات :

قال تعالى : ﴿ولقد همت به و هم بها لولا آن رای برهان ربه كذلك لتصرف عنه السوء و الفحشاء انّه من عبادنا المخلصين﴾(11)، وقال تعالى : ﴿ولولا أن

ص: 369


1- سورة الاسراء ايه 79 - 80.
2- سورة المزمل ايه 1 الى ايه 5.
3- سورة طه 114.
4- سورة الكهف ايه 66.
5- سورة النساء ايه 113 .
6- سورة البقرة ايه 124.
7- سورة الاسراء ايه 1.
8- سورة النجم ايه 98.
9- سورة النجم ايه 18.
10- سورة الانعام ايه 76.
11- سورة يوسف ايه 24.

ثبتناك لقد كدت تركن اليهم شيئاً قليلاً اذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيراً﴾(1)، وقال تعالى : ﴿ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منه منهم ان يضلوك وما يضلون الا انفسهم وما يضرونك من شيء وانزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك مالم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً﴾(2)، وقال تعالى : ﴿ولئن شئنا لنذهبنّ بالذي أوحينا اليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلاً الاً رحمة من ربّك ان فضله كان عليك كبيراً﴾(3)، وقال تعالى : ﴿عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احداً الا من أرتضى من رسول فانّه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً ليعلم ان قد أبلغوا رسالات ربهم واحاط بما لديهم﴾(4)، فهو سبحانه مع تأييدهم بغيبه الحافظ عن الغرور بالظواهر ، يسلك رصداً مراقبين لهم من بين ايديهم ومن خلفهم لئلا يتطرق اليهم خلاف ما اراد الله منهم من أبلاغ رسالات الله قولاً و علماً وعملاً وكلّما احاط الله بما لديهم فهم محروسون غايته، وقال تعالى : ﴿الم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي انقض ظهرك﴾(5)، فقد شرح الله صدره لما اراد منه في كل ما يتعلق برسالته و وضع عنه كلّما ثقل عليه ، مما ينقض ظهره وهو معه كذلك الى أخريات آيامه من أيام رسالته ، وقال تعالى : ﴿سنقرئك فلا تنسى الا ماشاء الله انه يعلم الجهر وما يخفى ونيسرك لليسرى﴾(6)، وقال تعالى : ﴿وتلك حجّتنا اتيناها أبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء انّ ربّك حكيم عليم﴾(7)، ﴿وقال تعالى: قال أصحاب موسى انا لمدركون قال كلا انّ معي ربي سيهدين﴾(8)، وقال تعالى : ﴿قالا ربنا اننا نخاف ان يفرط علينا أو أن يطغى قال لاتخافا انني معكما اسمع واری﴾(9)، وقال تعالى : ﴿قال رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري (الى قوله

ص: 370


1- سورة الاسراء ايه 75.
2- سورة النساء ايه 113.
3- سورة الاسراء ايه 87.
4- سورة الجن ايه 27.
5- سورة الانشراح ايه 1 - 3.
6- سورة الاعلى ايه 6 - 8.
7- سورة الانعام ايه 83.
8- سورة الشعراء ايه 62.
9- سورة طه ايه 45 - 46.

تعالى) قال قد أوتيت سئولك يا موسى﴾(1)، وقال تعالى : ﴿واصبر لحكم ربك فانك باعيننا و سبح بحمد ربك حين تقوم﴾(2)، وقال تعالى : ﴿الا تنصروه فقد نصره الله اذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين اذ هما في الغار اذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا فانزل الله سكينته عليه و ايده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم﴾(3).

فهم صلوات الله عليهم حيث كانوا بكل وجودهم واهتمامهم و اجتهادهم وقصدهم ومشيهم لله سبحانه خاشعين له اوّابین عابدين محبّين شائقين مستقرين في امر الله تامين في محبة الله مخلصين في توحيده ومظهرين لامره ونهيه ، لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون ، فالله تبارك وتعالى معهم بنحو الحفظ والحراسة والعصمة ، فلم يتحقق ذلك من الله لهم ، الا مع تحقق ذلك من قبلهم ، فهم يطوفون حول ارادة الله في جميع احوالهم وامورهم ، بل ارادتهم مظهر ارادة الله وغضبهم وكراهتهم مظهر غضبه و کراهته.

ص: 371


1- سورة طه ايه 25 - 36.
2- سورة الطور ايه 48.
3- سورة التوبة ايه 40.

آیات فی عصمة النبي الخاتم(صلی الله علیه و آله و سلم)بالخصوص

16 - نحن وان ذكرنا وبينا العصمة في جميع الانبياء والائمة عليهم السلام بنحو العموم وجملة من آياتها في خصوص نبينا الخاتم صلوات الله عليه وآله وبعضها فيه وفي الائمة خلفائه عليهم السلام، كآية التطهير ، الا ان بحثنا حيث كان فيما ذكروه بالنسبة اليه صلوات الله عليه وآله في آيات أول سورة عبس وقد أجبنا عنه و تينا بطلانه و فساده ، الاّ أنا رأينا ان نذكر جملة من الآيات في عصمته(صلی الله علیه و آله و سلم)خاصة مما تدل عليها بتمام المقصود أو بعضه ، ثم نرد فها ببعض الآيات الاخر في فضائل صفاته و مکارم اخلاقه الطاهرة التي تناقض مانسجوه من الروايات الموضوعة في تطبيق اوائل آيات تلك السورة عليه صلوات الله عليه وآله .

الاوّل الآيات الكثيرة المردفة طاعة الرسول بطاعة الله ومعصيته بمعصيته وامره بامره و نهیه بنهيه وما يقرب هذا المعنى .

كقوله تعالى : ﴿قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم﴾، ﴿قل اطيعوا الله والرسول فان تولوا فان الله لا يحب الكافري﴾(1).

وكقوله تعالى : ﴿من يطع الرسول فقد اطاع الله و من تولّى فما ارسلناك عليهم حفيظاً﴾(2)

وكقوله تعالى: ﴿وان تطيعوا الله و رسوله لايلتكم من اعمالكم شيئاً﴾(3)،

ص: 372


1- سورة آل عمران ايه 31 - 32.
2- سورة النساء ايه 80.
3- سورة الحجرات ، ايه 14.

وكقوله تعالى : ﴿قل اطيعوا الله واطيعوا الرسول فان توليتم فانّما عليه ماحمل وعليكم ما حمّلتم وان تطيعوه تهتدوا وما على الرسول الا البلاغ المبين﴾(1)،

وكقوله تعالى : ﴿تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم 13 ومن يعص الله ورسوله ويتعدّ حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين﴾(2)،

وكقوله تعالى : ﴿يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله واطيعوا الرسول واولى الامر منكم﴾(3)،

وكقوله تعالى : ﴿ومَن يطع الله والرسول فاولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبين والصديقين والشهداء والصالحين وحُسَن أولئك رفيقاً﴾(4)،

وكقوله تعالى : ﴿ومَن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً﴾(5)،

وكقوله تعالى : ﴿واطعن الله ورسوله﴾(6)،

وكقوله تعالى : ﴿واطيعوا الله و رسوله و لا تولّوا عنه﴾(7)،

: وكقوله تعالى : ﴿فاقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واطيعوا الله ورسوله﴾(8)،

وكقوله تعالى : ﴿ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومَن يشاق الله ورسوله فانّ الله شديد العقاب﴾(9)،

وكقوله تعالى : ﴿وما آتاكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنه فانتهوا﴾(10).

وكقوله تعالى : ﴿ورحمتي وسعت كلّ شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والانجيل يأمرهم بالمعروف وينههم عن المنكر ويحلّ

ص: 373


1- سورة النور ايه 54.
2- سورة النساء ايه 14.
3- سورة النساء ايه 59.
4- سورة النساء ايه 69.
5- سورة الاحزاب ايه 71..
6- سورة الاحزاب ايه 33.
7- سورة الانفال ايه 20.
8- سورة المجادلة ايه 13.
9- سورة الحشر ايه 4.
10- سورة الحشر ايه 7.

لهم الطيبات ويحرّم عليهم الخبائث ويضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم فالذین آمنوا به و عزّروه و نصروه و اتبعوا النور الذي انزل معه أولئك هم المفلحون﴾(1)

وكقوله تعالى : ﴿فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون﴾(2)،

وكقوله تعالى : ﴿يومئذ يودّ الذين كفروا وعصوا الرسول لوتسوّى بهم الارض﴾(3).

الى غير ذلك من الآيات الكثيرة في هذا المعنى ، فيتبين من تلك الآيات ان طاعته طاعة الله تعالى ومعصيته معصيته و أمره کامره و نهیه کنهیه و شقاقة كشقاقه و اتباعه كاتباعه ، فهو لا يشذ عن ارادة الله في أرادته ولا عن غضبه و كراهته في غضبه و كراهته ، فلا ينفصل عنه في شيء من آثار وجوده وطور من اطوار حياته فاطلق القول بوجوب اطاعته واتباعه والانتهاء عن نهيه والانزجار عن زجره و الاحتراز عن غضبه و ايذائه ، فلو امكن التخالف في تلك المراحل لم يطلق القول في تلك الآيات البينات ، بل قيد ذلك ببعض القيود الدخيلة في وجوب الطاعة وحرمة المعصية له صلوات الله عليه وآله .

وهذه الآيات الكريمة مضافاً الى دلالتها على عصمته و انه امین الله بجميع حالاته و اقواله و افعاله و اوصفافه و معنویاته و سجایاه و معارفه و علومه ، تدل على شدة اتصاله بجميع جوانبه بالله الواحد سبحانه و تعالی و علو مرتبته عنده وقربه لديه بحيث يجري من نفسه الشريفه امر الله ونهيه وارادته وكراهته وحبّه وبغضه ، فهو مظهر تام لارادة الله ونهيه فليس للنبي صلوات الله عليه وآله ارادة وكراهة شخصية في قبال ارادة الله وكراهته ، بل افنی شخصیته ابعادها في الله سبحانه فينشأ جميع حركاته وتحولاته من ارادة الله وكراهته ، فلذا اطلق الله سبحانه في كتابه القول باطاعته وحدّر عن مخالفته ومعصيته ، وقد علم الله سبحانه منه ذلك ، ومع ذلك فالله مؤيده وناصره وعاصمه وهو بعين الله كما قال

بجميع

ص: 374


1- سورة الاعراف ايه 157.
2- سورة الاعراف ايه 158.
3- سورة النساء ايه 42.

فاصبر لحكم ربك فانك باعيننا(1)- فلا يشدّ منه خلاف ذلك ابداً .

او اي مكة اقوال مشهد الثاني : قوله تعالى : - ﴿والنجم اذا هوى ماضل صاحبكم وماغوى وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى علمه شديد القوى ذو مرّة فاستوى وهو بالافق الأعلى﴾(2).

مالك سلسله شخصا هذه الآيات الكريمة تنبىء عن استقامته وعصمته من أول نشاته وانه ماضل فيما مضى من عمره وحياته عن الصراط المستقيم وما ابتلى بجهل عن اعتقاد فاسد باطل يوجب غوايته في اقواله و افعاله و اوصافه و معاشرته ، فما ظهر و ما يظهر منه في أفعاله و أقواله و مشيه و سلوکه و معاشرته و اخلاقه و آدابه فكل على صراط مستقيم من دون اى ضلالة واى غواية ، فلا ينشأ منطقه عن الهوى النفسانية بل عما اراده الله أو نهاه بوحي اوحاه ، فالله سبحانه الذي هو مبدء كل الوجود وجميع الخيرات و محيط و قيوم على الجميع وعالم لا يعزب عنه شيء في السموات والارض علم النبي وادبه ، اما بواسطه جبرئيل شديد القوى بناء على رجوع ضمير (علمه) اليه ، واما بنفسه تعالى بناء على رجوع الضمير اليه تعالى ، فعلى الاول فجبرئيل هو شديد القوى وذومرة ، أي ذو شدّة في جنب الله و ذو خصافة في عقله و رأيه ، وقيل المراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وانه ذو شدّة في جنب اوامر الله وذو خصافة ، أو ذو مرور وعروج إلى السماوات واستوى جبرئيل واستقام على صورته الاصلية أو النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)استقام واستقر .

علية لنيله فهذا هو النبي الاعظم الخاتم صلى الله عليه وآله ماغشيه ضلال ولا غواية وماكان في وجوده ظلمات ولا جهالة ، بل كان ذا عصمة وقداسة وطهارة من أول النشأة والبداية ، فتعارج في معارج الكمال ومحامد الصفات و عبادة بارئه و خالقه و حبیبه و مقصوده ، الى ان اراد الله تعالى ان يريه ملكوت السموات والارض ومن آياته الكبرى فاسرى به الى السماء ، ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى دنوا واقتراباً من العلي الاعلى وعرج الى سدرة المنتهى عندها جنّة المأوى وما زاغ البصر اذ ابصر مالا يبصر وماطغى ، لقد راى من آيات ربه الكبرى .

ص: 375


1- سورة الطور آيه 48.
2- سورة النجم ايه 1 - 7.

فهذه بداية امره على العصمة ، وذلك عروجه الى الله وقربه اليه .

الثالث ، قوله تعالى : ﴿ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم ان يضلوك وما يضلّون الا انفسهم وما يضرونك من شيء وانزل الله عليك الكتاب و الحكمة وعلمك مالم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً﴾(1).

هذه الآيه تدل على أنه صلى الله عليه وآله كان مشمولاً لفضل الله ورحمته فضلاً عظيماً ورحمة كثيرة بحفظه عن كل ضلال ، فشمله هذا الفضل والرحمة بجميع ابعاد وجوده وشعاع نوره فصار نوراً لاظلمة فيه واستقامة لا أعواج عليه وقويّاً في ذات الله . لا يغلب عليه بحيث لوهمت طائفة ان يضلّونه عن الصراط المستقيم ماقدروا عليه وما يضلون الا انفسهم وما يضرونه في رسالته واستقامته وتوحيده وعبوديته قولاً وعملاً و علماً وسلوكاً ومعاشرة و معرفة و اوصافاً وسجية من شيء.

وليس ذلك الآ لانه معتصم بعصمة الله و منور بنور الله ومعلق بعز الله ومعلّم بعلم الله ومتصل بفضله و رحمته الخاصة وانزل الله عليه الكتاب والحكمة وعلمه مالم يكن يعلم وكان فضل الله عليه عظيماً واى عظمة ما يصفه الله تعالى بالعظمة فهل يحتقر بعد هذا الفضل العظيم منه عليه قبال عوامل التحقير؟

الرابع قوله تعالى : ﴿ولئن شئنا لنذهبنّ بالذي أوحينا اليك ثم لا تجدلك به علينا وكيلاً * الا رحمة من ربّك ان فضله كان عليك كبيراً﴾(2)،

تدل هذه الآية على انه لو شاء الله ان يذهب بالذي أوحاه اليه لفعل ، ثم لا يجد به على الله وكيلاً ومعتمداً يعتمد في ذلك عليه لئلا ينقطع عنه وحي الله تعالى الا رحمة من ربه فهو مشمول لرحمة من ربه رحمة تكون معتمداً له في اتصاله بوحي الله فهذه الرحمة رفعته وقربته الى الله تعالى فصار عبداً صالحاً لوحي الله و متصلاً بنور الله و علمه و حكمته وقد كان فضل الله عليه كبيراً فشمله فيما مضى من عمره الفضل الكبير من الله سبحانه بنحو لا ينقطع عن الله ولا ينفصل عنه في حال من الاحوال ولا ينقطع عنه الوحي لانه معتمد في نفسه ووجوده برحمة وفضل من الله يستوجب بهما هذا المقام .

ص: 376


1- سورة النساء ايه 113.
2- سورة الاسراء ايه 87.

الخامس قوله تعالى : ﴿لقد منّ الله على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولاً من انفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبین﴾(1).

ويشابه هذه الآية قوله تعالى : ﴿هو الذي بعث في الاميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبین﴾(2).

كما يشابهها أيضاً قوله تعالى : كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم يتلو عليكم آياتنا و يزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم مالم تكونوا تعلمون)(3).

فهذه الآية تدل على ان بعثة رسول الله الخاتم صلى الله عليه وآله وسلّم اعظم نعمة حيث من الله بها على المؤمنين فهو(صلی الله علیه و آله و سلم)مع كونه من انفسهم ومن جنسهم كان تحفة الهية و هدية ربانية فيه كل شيء يحتاج اليه المؤمنون في هدايتهم وتزكيتهم وتعلمهم الكتاب والحكمة و ازالة كل ضلال مبين عنهم .

فهو صلى الله عليه وآله كان هادياً مهدياً وزكياً راشداً في جميع ابعاد وجوده منزّها عن كل ضلالة و معصوماً عن الغواية عالماً حكيماً يعلم كتاب الله الذي فيه تبيان كل شيء تكويناً وتشريعاً ، فبماله من تلك الاوصاف يقدربه على اداء رسالته وازالة الضلال عن امته وتهذيب ملّته وتزكية المؤمنين وارشاد المسلمين وتربية وتعليم العلماء والحكماء الراشدين ، فهو منبع الحكمة والعلم و مجمع الحكمة والعلم و مجمع الكمال و الفضل و منبع البركات والخيرات فصار مهبط وحي الله ومجرى فيوضه ومسيل رحمته الى المؤمنين خاصة وعموم الناس بنحو عام بشكل آخر ، فكان أميناً عند الله في تلك المراحل ، حتى استودعه هذه الرسالة العظمى التي منّ الله بها على المؤمنين.

وتمتاز اية سورة الجمعة بأنه سبحانه جعل هذه البعثة من آياته ومن معرفات عظمته فقال سبحانه ﴿هو الذي بعث في الاميين رسولاً﴾(الآيه) وكم في ذلك من

ص: 377


1- سورة آل عمران ايه 164.
2- سورة الجمعة ايه 3.
3- سورة البقرة ايه 151.

تعظيم لشخصية الرسول وتفخيم بعثته ، فليس هذا مجرد بعثة انسان ، بل استنتج من خلق الانسان انتاجاً في أم القرى وقرى الاميين بحيث صار آية من آيات عظمة الله تعالى ، فلم يتأثر عن آثار جاهلية زمانه ومكانه و لم يمسه يد التربية البشرية و لم يتعلم و لم يتأدب من احد ولم يكن احد يؤدبه و يعلمه ، بل كان امياً ولكنه تحت عبودية الله مستنيراً من الاتصال باسماء الله مربيّاً بتربية الله الى ان صار رسول الله الى الناس جميعاً يتلو عليهم آياته و يزكيهم و يعلمهم الكتاب والحكمة و ان كانوا من قبل لفي ضلال مبين .

السادس قوله تعالى : ﴿يا أيها النبي أنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونديراً وداعياً الى الله باذنه و سراجاً منيراً وبشر المؤمنين بانّ لهم من الله فضلاً كبيراً﴾(1).

اصل الشهادة من الحضور لدى المشهود بالبصر معاينة أو مطلق الحسّ فيتحمّل الشاهد ما شاهده من المشهود ، فيقدر على اداء ما تحمله ، فيسمى شاهداً باعتبار الحالتين حالة التحمّل وحالة اداء ما شاهده و يتوقف مرتبة الاداء على مرتبة التحمّل ، فلا يمكن اداء الشهادة من دون تحمّلها ، وقد دلت الآيات والروايات الكثيرة على ان النبي صلى الله عليه وآله وسلّم شاهد بكلتا المرتبتين فمن الآيات الدالة على المرتبة الاولى قوله تعالى : ﴿وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون الى عالم الغيب والشهاده فينبئكم بما كنتم تعملون﴾(2)، ومما تدل على المرتبة الثانية قوله تعالى : ﴿ويوم نبعث في كلّ أمة شهيداً عليهم من انفسهم وجئنابك شهيداً على هؤلاء﴾(3)، والرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)يؤدي شهادته يوم القيمة كما قال تعالى : ﴿وقال الرسول يارب ان قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً﴾(4)، وقال تعالى : ﴿فكيف اذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً 41 يومئذ يود الذين كفرواو عصوا الرسول لو تسوى بهم الارض ولا يكتمون الله حديثاً﴾(5)، وكما ان هذه الشهادة تكون لرسول الله صلى الله عليه وآله ، كذلك تكون لبعض خواص الأمة ، وهم الأئمة الطاهرون ، كما دلت عليه

ص: 378


1- سورة الاحزاب ايه 45 - 47.
2- سورة التوبة ايه 105.
3- سورة النحل ايه 89.
4- سورة الفرقان ايه 30.
5- سورة النساء ايه 42.

الآية السابقة من سورة التوبة على تفسير الروايات ، وقال تعالى أيضاً ، ﴿وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة ابيكم ابراهيم هو سمّاكم المسلمين من قبل ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس﴾(1)، فان قوله - ملة أبيكم - يدل على انهم من ولد ابراهيم لاعموم المسلمين ولو من غيرهم وكذلك اجتبا كم يدل على خروج غيرهم ولا سيما من الظالمين والفساق الذين لا تقبل شهادتهم على ادنى شيء فهم المصطفون من الامة وهم الائمة صلوات الله عليهم وقال تعالى - ﴿وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً﴾(2)،ويمكن ان يكون المراد بكونهم امة وسطاً ، ان المعنيين بها متوسط بين الناس وبين الرسول ، م شهداء على الناس ويكون الرسول شهيدا عليهم وقيل لها معان آخر .

وقال سيدنا الاستاذ ( قدس سره ) في الميزان : - وفي المناقب في هذا المعنى عن الباقر عليه السلام ولا يكون شهداء على الناس الا الائمة والرسل واما الامة فغير جائز ان يستشهدها الله وفيهم من لا تجوز شهادته على حزمة بقل وفي تفسير العياشي عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى : ﴿لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول شهيداً عليكم﴾الايه ، فان ظننت ان الله عنى جميع اهل القبلة من الموحدين ، افترى ، ان من لا تجوز شهادته في الدنيا على صاع من تمر ، يطلب الله شهادته يوم القيمة ، و يقبلها منه بحضرة جميع الامم الماضية ، كلا لم يعن الله مثل هذا من خلقه ، يعني الامة التي وجبت لها دعوة ابراهيم ، كنتم خير امة اخرجت للناس وهم الامة الوسطى وهم خير امة اخرجت للناس(3)

فهولاء الشهداء من الرسول والائمة الطاهرين صلوات الله عليهم قد اجتبهم الله من الناس فهم الصفوة من الناس و هم مسلمون لله حقا كما قال ابراهيم جدهم اذ قال له ربّه: «اسلم» قال: «اسلمت لِرَبّ العالمين» وصاروا شهداء على الناس لحقائق

ص: 379


1- سورة الحج ايه 78.
2- سورة البقرة ايه 143.
3- الميزان ، ج 1 ، ص ، 335.

اعمالهم من ايمانهم وكفرهم و سعادتهم و شقاوتهم و ما يصدر من جوارحهم و قلوبهم وظاهرهم و باطنهم ففى الدنيا يشهدون و يحضرون و يرون و يتحملون و يوم القيمة يشهدون قيؤدون ما تحملوا و على الاعراف رجال يعرفون كلّا بسيماهم.

هذه شهادتهم و قد جعلهم الله سبحانه شهداء، فهم كذلك يكونون شهداء حقا، فلا يضلّون ولا يجهلون ولا يخفى عليهم من ذلك من شيء ولاميزان عندهم الا الحق و الحقيقة دون اى هوى نفسانية او داع غير الله سبحانه و لا تغشاهم ظلمات الجهل و الغواية و الضلالة و الغفلة و السهو والنسيان، كما انهم لا يستر عنهم شيء من خفايا مرجحات اعمال الخير والشر من الناس ولا من جهلهم و عملهم و افعال قلوبهم و درجات ایمانهم او مراتب كفرهم و نفاقهم و شركهم.

فالرسول والائمة صلوات الله عليهم يكونون بالنسبة الى اعمال الناس على هذه السيطرة العلمية و الحضور والتحمّل بمقتضى كونهم شهداء على الناس.

فقد استهم وعلمهم وحضورهم وعصمتهم فوق القداسة والعصمة الشخصية بل تكون بنحو تعلو وتشمل جميع الناس فهم انوار في انفسهم ولجميع الناس وتحت ظل اعمال الناس ظاهرها وباطنها واسرارها وخفاياها ليجزي الله كل نفس ما كسبت .

فهو صلى الله عليه وآله شاهد و مبشر ونذير وداعى الى الله باذنه وسراج منير وبالجملة ، هذه الشهادة حقيقة قرآنية اشارت اليها آيات كثيرة ولها شعب وفروع مذكورة في القرآن ينكشف منها جهات أخر كقوله تعالى : ﴿ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة الا من شهد بالحق وهم يعلمون﴾(1)، فشفاعتهم متفرعة على شهادتهم بالحق وهم يعلمون فهم شهداء دار الفناء وشفعاء دار البقاء ، وكقوله تعالى : ﴿وبينهما حجاب وعلى الاعراف رجال يعرفون كلاً بسيماهم﴾(2)، الى غير ذلك من الآيات وفي تفسيرها روايات عن الحجج الطاهرة صلوات الله عليهم .

السابع قوله تعالى : ﴿انّما يُريدُ الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم

ص: 380


1- سورة الزخرف ايه 86.
2- سورة الاعراف ايه 46.

تطهيراً﴾(1).

حل وقد تواترت الروايات على نزولها في اصحاب الكساء وهم 1 - النبي 2 - علي 3 - فاطمة 4 - الحسن -5 - الحسين صلوات الله عليهم اجمعين ،

وقد تصدّى كثير من العلماء رضوان الله عليهم لجمع تلك الروايات من طريق الشيعة واهل السنّة في كتبهم كصاحب العبقات وغيره وقد عقد المحدّث الخبير السيد هاشم البحراني (قدس سره) في كتابه غاية المرام الباب الاول من المقصد الثاني لذكر تلك الروايات عن طريق العامة ، وذكر فيه احد واربعين حديثاً في نزولها في النبي وعليّ وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم ، وعقد الباب الثاني منه لذكر الروايات عن طريق الخاصة ، وذكر فيه أربعة وثلثين حديثاً عن طريقهم وانها نزلت في الخمسة الطاهرة صلوات الله عليهم وذكر السيوطي في الدر المنثور ايضاً روايات في ذلك وهكذا غيره . وقد أخذ شرذمة شاذة من أهل الخلاف ممن في قلبه مرض في مخالفة ذلك ، محتجاً بانها في عداد آیات تخاطب ازواج النبي صلى الله عليه وآله ولاسيما ما يتصل بها من قوله تعالى : ﴿وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى واقمن الصلاة وآتين الزكاة * انما يريد الله ليذهب عنكم﴾ (الاية) ، فالضمائر فيما قبلها ضمائر التأنيث متوجهة الى نساء النبي صلى الله عليه وآله ، فهذه قرينة على أنهن المراد في آية التطيهر أيضاً وانها في شأنهنّ .

واجيب عن ذلك باجوبة كثيرة ، منها : اختلاف الضمائر فيما قبلها بالتأنيث وفيها بالجمع المذكر ، فهذا شاهد على ان هذه الاية ليست فيهن .

واجابوا عن هذا الجواب تارة بالنقض بقوله تعالى ﴿قالوا اتعجبين من امر رحمة الله وبركاته عليكم اهل البيت انه حميد مجيد﴾(2)، واخرى بالحل بأنه أريد في ايه التطهير هنّ مع انضمام النبي صلى الله عليه وآله وجييء بالضمائر تذكيراً تغليبا وتشريفا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم .

هذا ولكن الاشكال باطل من اصله ، اما اوّلاً : فمن جهة الروايات المتظافره من

ص: 381


1- سورة الاحزاب ايه 33.
2- سورة هود ايه 73.

الفريقين التي تبلغ التواتر ، واكثر ، على نزولها في اصحاب الكساء حتى صار عنوان أهل الكساء والعباء من العناوين المعروفة المشهورة في أدبيات المسلمين نثراً وشعراً من تلك الزمان الى زماننا هذا ، وسنذكر بعض الروايات تيمناً انشاء الله تعالى - وقد قال الله سبحانه : ﴿وانزلنا اليك الذكر لتبين للناس مانزل اليهم﴾(1)، وعن رسول الله صلى الله عليه وآله - من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار .

وثانياً : لاتناسب نزولها في شأن ازواج النبي صلى الله عليه وآله وبيان طهارتهنّ بعد مانص في سورة التحريم باشياء كثيرة مردية مخزية في شأن بعض الازواج صريحاً وفيها تلويحات تارة وتصريحات آخرى الى غاية الانحطاط في اثنتين منهن حتى قال سبحانه : ﴿ضرب الله للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع الداخلين﴾(2)، وقال سبحانه في اوائلها : ﴿واذ اسر النبي الى بعض ازواجه حديثاً فلمّا نبّأت به واظهره الله عليه عرّف بعضه واعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من انبأك هذا قال نبأني العليم الخبير 3 ان تتوبا الى الله فقد صغت قلوبكما وان تظاهرا عليه فان الله هو موليه وجبريل وصالح المؤمنين والملئكة بعد ذلك ظهير﴾(3)، فاذا كان في ازواج النبي صلّى الله عليه وآله امثال هاتين فكيف يمكن القول بنزول آية التطهير فيهنّ، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الاحزاب 4) ، وقال سبحانه : وبالحق انزلناه وبالحق نزل(4)، فتدبّر في آيات سورة التحريم ، ثم في آية التطهير حق التدبر ثم أنظر في أنه هل يمكن الجمع بينهما فيهن - وقد قال سبحانه ﴿افلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً﴾(5)، وقد مضى شطر من الكلام في توضيح اية التطهير فراجع ص 316 الى ص323 و در 284

ص: 382


1- سورة النحل ايه 44.
2- سورة التحريم ايه 10.
3- سورة التحريم ايه 4.
4- سورة الاسراء ايه 105.
5- سورة النساء ايه 82.

هذا وقد روى الفريقان احاديث كثيرة في نزول آية التطهير في الخمسة الطاهرة من أصحاب الكساء وهم النبي و علي وفاطمة والحسن و الحسين صلوات الله عليهم ، و قد مرّ ذكر بعضها فراجع ص .

الثامن ، قوله تعالى :﴿عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احداً 26 الا من ارتضى من رسول فانه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً 27 ليعلم ان قد ابلغوا رسالات ربهم واحاط بما لديهم واحصى كل شيء عدداً 28﴾(1).

هذه الايات تدل على عصمة رسل الله جميعاً ولا سيما اعظمهم واشر فهم وخاتمهم بل واوصيائه الائمة الطاهرين صلوات الله عليهم اجمعين ، حيث انهم جميعاً منصوبون من قبل الله تعالى لإبلاغ رسالات ربهم الى الناس فاذا كانوا منصوبين من قبل الله تعالى فهم مؤيدون بالعصمة ليعلم ان قد ابلغوا رسالات ربهم واحاط بما لديهم واحصى كل شيء عدداً فهم معصومون في جميع مراتب الرسالة وحالاتهم المرتبطه بها من مرتبة تلقي الوحي و اداء الرسالة وافعالهم واخلاقهم واقوالهم ، بل وجيمع ابعاد وجودهم حيث انهم مستمسك الامة لاخذ رسالات الله عنهم، فهم متصلون بعلم الله وغيبه والمرتضون لذلك وامناء سر الله و غيبه و أنّهم كان خلف رسالاتهم وبين يديها متصلين بالله تعالى رصداً ليعلم ان قد ابلغوا رسالات ربهم و انه تعالى احاط بما لديهم واحصى كل شيء مرتبط بذلك فلا يعزب عنه ولا يفوته شيء من ذلك ، فهم المصطفون المرتضون لتلك فلا يمكن في شأنهم جهل و لاغواية و لاضلالة ولازلة و لاسهو و الرسالة والله معهم لانسيان فضلاً عن التمرد والعصيان والطغيان .

وقد احببت هنا أيراد ما ذكره سيدنا واستاذنا العلامة الطباطبائي (قدس الله روحه الطاهرة) مختصراً - قال في تفسير الميزان :

قوله تعالى ﴿عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احداً﴾ أظهار الشيء اعانته وتسليطه عليه ، وعالم الغيب خبر لمبتدأ محذوف والتقدير هو عالم الغيب ومفاد الكلمة باعانة من السياق اختصاص علم الغيب به تعالى مع استيعاب علمه بكل شيء (الى ان

ص: 383


1- سورة الجن.

قال) والمعنى هو عالم كل غيب علماً يختص به فلا يطلع على الغيب وهو مختص به احداً من الناس فالمفاد سلب كلى (الى ان قال) قوله تعالى ﴿الا من ارتضى من رسول﴾ استثناه من قوله احداً ، ومن رسول بيان لقوله من ارتضى ، فيفيد ان الله تعالى يظهر رسله على ماشاء من الغيب المختص به ، فالايه اذ انضمت الى الايات التي تخص علم الغیب به تعالى . كقوله تعالى : ﴿وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو﴾(1) و ...، افاد ذلك معنى الاصاله والتبعية فهو تعالى يعلم الغيب لذاته وغيره يعلمه بتعليم من الله (الى ان قال) قوله تعالى - ﴿فانه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً﴾ الى قوله عدداً - ضمير فانه لله تعالى وضمير يديه وخلفه للرسول، والراصد المراقب للامر الحارس له والرصد الراصد يطلق على الواحد والجماعة وهو في الاصل مصدر والمراد بما بين يدي الرسول مابينه وبين الناس المرسل اليهم و بما خلفه مابينه وبين مصدر الوحي الذي هو الله سبحانه ، وقد أعتبر في هذا التصوير ما يوهمه معنى الرسالة من امتداد متوهم يأخذ من المرسل ، اسم فاعل وينتهي الى المرسل اليه يقطعه الرسول حتى ينتهى الى المرسل اليه ، فيؤدّي رسالته ، والآية تصف طريق بلوغ الغيب الى الرسول وهو الرسالات التي توحى اليه كما يشير الى ذلك قوله تعالى ليعلم ان قد ابغلوا رسالات ربهم . والمعنى فان الله يسلك ما بين الرسول ومن أرسل اليه ، وما بين الرسول ومصدر الوحي ، مراقبين حارسين من الملئكة - ومن المعلوم ان سلوك الرصد من بين يديه ومن خلفه لحفظ الوحي من كلّ تخليط وتغيير بالزيادة والنقصان يقع فيه من ناحية الشياطين بلا واسطه أو معها . وقوله - ليعلم ان قد ابلغوا رسالات ربهم ، ضمير ليعلم الله سبحانه و ضمير قد أبلغوا ورتهم لقوله «من» باعتبار المعنى أو الرسول باعتبار الجنس ، والمراد بعلمه تعالى بابلاغ رسالات ربهم العلم الفعلي وهو تحقق الابلاغ في الخارج على حد قوله ﴿فليعلمنّ الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين﴾(2)

(الى ان قال) فقد تبين مما مر في الايات الثلاث .

ص: 384


1- سورة الانعام ايه 59.
2- سورة العنكبوت ايه 3.

اوّلاً : انّ اختصاصه تعالى بعلم الغيب على نحو الاصالة بالمعنى الذي اوضحناه فهو تعالى يعلم الغيب بذاته وغيره يعلمه بتعليم منه.

صلحيات ما به قبله (الى ان قال) وثانياً : ان عموم قوله ﴿فلا يُظهرُ على غيبه أحداً﴾ لما خصص بقوله - الا من ارتضى من رسول - عاد عاما مخصصاً لا يأبى تخصيصاً بمخصص آخر كما في مورد الانبياء ، فان الآيات القرآنية تدل على انهم يوحى اليهم كقوله ﴿انا اوحينا اليك كما أوحينا الى نوح والنبيين من بعده﴾(1)وتدلّ على ان الوحي من الغيب ، فالنبي ينال من الغيب كما يناله الرسول - هذا على تقدير ان يكون المراد بالرسول في الآية ما يقابل النبي ، واما لو أريد مطلق من أرسله الله الى الناس والنبي ممن ارسله الله اليهم كما يشهد به قوله ﴿و ما ارسلنا من قبلک من رسول و لانبی﴾(2)، قوله ﴿وما ارسلنا في قرية من نبي﴾(3)فالنبي خارج من عموم النفي من غير تخصيص جديد

وكذا في مورد الامام بالمعنى الذي يستعمله فيه القرآن ، فانه تعالى يصفه بالصبر واليقين كما في قوله ﴿وجعلناهم أئمة يهدون بامرنا لما صبروا وكانوا باياتنا يوقنون﴾(4)ويعرفهم بانكشاف الغطاء لهم كما في قوله ﴿وكذلك نرى ابراهيم ملكوت السموات و الارض وليكون من الموقنين﴾(5) وقوله ﴿كلاً لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم﴾(6)، وقد تقدم كلام في ذلك في بعض المباحث السابقه .

(الى ان قال) وثالثاً : ان قوله ﴿فانه يسلك من بين يديه ومن خلفه﴾ الى آخر الآيتين يدل على ان الوحي الالهي محفوظ من لدن صدوره من مصدر الوحي الى حين بلوغه الناس - مصون في طريق نزوله الى ان يصل الى من قصد نزوله اليه . مسمااته اما مصونيته من حين صدوره من مصدره الى ان ينتهي الى الرسول فيكفي في

الدلالة عليه قوله ﴿من خلفه﴾ واما مصونيته حين أخذ الرسول اياه وتلقيه الوحي بحيث يعرفه ولا يغلط في اخذه ومصونيته في حفظه بحيث يعيه كما أوحى اليه من

ص: 385


1- سورة النساء ايه 163.
2- سوره الحج آیه 52.
3- سورة الاعراف ايه 94.
4- سورة الم السجدة 24.
5- سورة الانعام ايه 75.
6- سورة التكاثر ايه 6.

غير ان ينساه أو يغيره أو يبدله ومصونيته في تبليغه الى الناس من غير تصرف الشيطان فيه ، فالدليل عليه قوله ﴿ليعلم ان قد أبلغوا رسالات ربهم﴾ اي ان يتحقق في الخارج ابلاغ الوحي الى الناس و لازمه بلوغه اياهم ، ولولا مصونية الرسول في الجهات الثلاث المذكوره جمعياً لم يتم الغرض الالهي وهو ظاهر - وحيث لم يذكر تعالى للحصول على هذا الغرض طريقاً غير سلوك الرصد - دلّ ذلك على ان الوحي محروس بالملئكة وهو عند الرسول كما انه محروس بهم في طريقه الى الرسول حتى ينتهي اليه ويؤكده قوله بعد ﴿واحاط بما لديهم﴾.

واما مصونية في مسيره من الرسول حتى ينتهي الى الناس فيكفي فيه قوله ﴿من بين يديه﴾ على ما تقدم من معناه .

اضف الى ذلك دلالة قوله ﴿ليعلم ان قد أبلغوا رسالات ربهم﴾ بما تقدم من تقریب دلالته.

وتيفرع على هذا البيان ، ان الرسول مؤيد بالعصمة في اخذ الوحي من ربه وفي حفظه وفي تبليغه الى الناس - مصون من الخطاء في الجهات الثلاث جميعاً ، لما مرّ من دلالة الآية على ان ما نزله الله من دينه على الناس من طريق الرسالة بالوحي ، مصون في جميع مراحله الى ان ينتهي الى الناس - ومن مراحله مرحلة اخذ الرسول للوحي وحفظه له وتبليغه الى الناس .

والتبليغ ، يعمّ القول والفعل فان في الفعل تبليغاً كما في القول فالرسول معصوم من المعصية باقتراف المحرمات وترك الواجبات الدينية ، لان في ذلك تبليغاً لماينا قض الدين ، فهو معصوم من فعل المعصية كما أنه معصوم من الخطاء في أخذ الوحي وحفظه وتبليغه قولاً.(1)

التاسع : قوله تعالى ﴿النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم﴾(2)هذه الاية الكريمة : تثبت للنبي صلى الله عليه وآله الولاية على المؤمنين ولاية اكمل واتم و فوق ولاية

ص: 386


1- الميزان ج 20 ص 129 الى ص 132 مع اختصار من دون تغيير للعبارات .
2- سورة الاحزاب ايه 6.

المؤمنين على انفسهم - وظاهرها هي الولاية التشريعية والا فلا تختص بالمؤمنين ، فالمؤمن مع ماعليه من الايمان وسيره في طريق القرآن يكون للنبي(صلی الله علیه و آله و سلم)عليه ولاية من قبل الله سبحانه الذي يريد هدايته وتزكيته وترفيعه ، فقد فوض الله تعالى امر شريعته ودينه وتطبيق احكامه في المؤمنين بيد النبي صلى الله عليه وآله على الاطلاق ، وهي ولاية انسان كامل لايشذ عن كماله الذي اراد الله من تكميل الانسان شيء على كافة المؤمنين في سبيل الدين الاسلامي الشامل لجميع نواحي السعادة البشرية وابعادها ،

فمعناها كون منشأ الولاية وهو النفس القدسية النبوية اتم مظهر لارادة الله تعالى في تشريعه الاسلام واحسن مجرى لوحي الله لدينه وانواره القرآنية وادابه ومكارمه ومحامده ، فنفسه الشريفة اقدس نفس واطهر شخصية انسانية على ما اراد الله من الطهارة والقداسة والتحلّي بمحاسن الكرامة فهو صلى الله عليه وآله امين الله بتمام ابعاد وجوده علماً وعملاً واخلاقاً وسيرةً ومعتصم بعصمة الله بحيث لا يتخلف عن شرعه ودينه ومنهاجه شيء من ابعاد وجوده فلذا صار من عنده تعالى ولى الله على المؤمنين واولى من انفسهم .

العاشر : قوله تعالى ﴿انما وليكم الله ورسوله والذين امنوا الذين يقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة وهم راكعون 55 ومن يتولّى الله ورسوله والذين امنوا فان حزب الله هم الغالبون﴾(1).

وقد استفاد سيدنا الاستاذ العلامة الطباطبائي اعلى الله درجته في تفسير الميزان من هذه الآية الكريمة الولاية التكوينية والتشريعية وان شئت سمّيتها بالولاية الحقيقية والتشريعية حيث انها ولاية واحدة اضيفت الى الله ورسوله والذين آمنوا - وقد ذكر الله سبحانه الولاية التكوينية كقوله تعالى : ﴿ام اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي﴾(2)وقوله تعالى ﴿مالكم من دونه من ولي ولا شفيع﴾(3)وقوله تعالى : ﴿انت وليّي في الدنيا والآخرة﴾وغير ذلك ، وكذا ذكر سبحانه الولاية لنفسه فيما يرجع الى التشريع في

ص: 387


1- سورة المائدة ايه 56.
2- سورة الشورى ايه 9.
3- سورة السجدة ايه 4.

الدين كقوله تعالى : ﴿الله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور﴾(1)وغير ذلك ولو كانت الولاية مغايرة لما له سبحانه مما فيهما لم يطلق بلفظ واحد ولذا ذكر فيهما منفردا عنه سبحانه فالولاية للجميع تكون تكويناً وتشريعاً بنحو واحد .

هذا ، وقد ناقشنا فيه على حاشيته ، بان ذلك خلاف ظاهر الآيات ، اما اولاً : فمن جهة قوله تعالى : ﴿ومَن يتولى الله﴾(الى آخره) والتولّي هو قبول الولاية وذلك يناسب الولاية بمعنى الحكومة لا الولاية التكوينية فانها نافذة في الجميع لا عن قبولهم واختيارهم . وثانياً : جعلهم سبحانه بقبولهم هذه الولاية من حزب الله والحزب هو الجماعة المرتبطة على مذهب تحت لواء واحد لاحياء مذهبهم ، وهذا أيضاً يناسب الولاية بمعنى الحكومة لا الولاية التكوينية .

وثالثاً : وعدهم بالغلبة لحزبهم لمن يتولّى الله ورسوله والذين آمنوا فان حزب الله هم الغالبون ، وهذا أيضاً يناسب الولاية بمعنى الحكومة ، واما الولاية التكوينية فلها الغلبة على كل شيء فانها من سلطان الله الذي لا يمتنع منه شيء في السموات والارض فهذه الجملة تكون قرينة على ارادة الولاية بمعنى الحكومه . ورابعاً : توصيف من له الولاية في الذين آمنوا - به - الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكوة وهم راكعون ، أيضاً يناسب الولاية بمعنى الحكومة، فالحكومة المفوضة من الله الى رسوله المنتجب المصطفى انما تفوض بعده الى الذين آمنوا - من غير تقييد في متعلقه ليشمل جميع الابعاد المتناسبة في المؤمن وفيما آمن به - الذين يقيمون الصلوة - عماداً للدين - وفي غاية ركوعه وخضوعه الله سبحانه لا يغفل عن ايتاء الزكاة لمن يستحقها ، فهذا المتصل بالخالق والحنين على خلقه في غاية عروجه الى الله تعالى يكون ولي الله سبحانه ، وبالجملة فالظاهر من الآية الكريمة اثبات الولاية بمعنى الحكومة والرياسة الاسلامية في الدين و الدنيا من قبل الله سبحانه - وهذه الولاية هي التي دلّت عليها الروايات المتواترة من الفريقين بالنسبة الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه حينما تصدّق بخاتمه حال ركوع صلوته في المسجد للسائل الفقير ، وفي سورة المائدة آيات كثيرة

ص: 388


1- سورة البقرة ايه 256.

تنظر الى جوانب شتى من هذه الحكومة والولاية ، فتارة في انتصاب الخليفة بعد الرسول في قوله تعالى ﴿يا أيها الرسول بلّغ ما أُنزل اليك من ربّك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ان الله لا يهدي القوم الكافرين﴾(1)، فنصب رسول الله صلّى عليه وآله علي بن ابي طالب عليه السلام بغدير خم عند رجوعه عن حجة الوداع بالخلافة والامارة والامامة على الامة - كما عليه روايات الفريقين متواترةً - واخرى : في اتباعه وشيعته ممن قبلوا ولايته قوله تعالى - ﴿ومن يتول الله و رسوله و الذين آمنوا فانّ حزب الله هم الغالبون﴾(2)، واخرى : تحذيرا على من لم يقبل هذه الولاية أو قبلها ثم أرتد عنها فقال سبحانه ﴿يا أيها الذين آمنوا من يرتدّ منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبّهم ويحبونه اذلّة على المؤمنين اعزّة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله لا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم﴾(3)، وقد روى في غاية المرام للبحريني(قدس سره)في ذلك حديثين عن أهل التسنّن وثلاثة احاديث عن الشيعة فراجع ص 374 . واخرى فيمن يتمايل الى ولاية اليهود والنصارى وحكوماتهم فيحذرهم ويخوّفهم عواقب ذلك في قوله تعالى ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومَن يتولهم منكم فانّه منهم ان الله لا يهدي القوم الظالمين * فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى ان تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح او امر من عنده فيصبحوا على ما اسروا في انفسهم نادمين﴾(4)الى غير ذلك من جوانب هذه الولاية والحكومة مما يظهر لمن انصف بعد ما تدبّر ، في سورة المائدة من اوّلها الى اخرها، ثم بانتصاب علي عليه الصلاة والسلام صاحب هذه الولاية يكمل الدين في اصوله واحكامه التشريعة والتنفيذية فتنزل من الله سبحانه قوله تعالى ﴿اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام ديناً﴾(5)، وقد روى صاحب غاية المرام(قدس سره)عن طريق أهل

ص: 389


1- سورة المائدة ايه 67.
2- سورة المائدة ايه 56.
3- سورة المائدة ايه 54.
4- سورة المائدة ايه 52.
5- سورة المائدة ايه 3.

تفسير سورة عبس السنة في ذلك ستة أحاديث وعن طريق الشيعة خمسة عشر حديثاً وانها نزلت بغدير خم بعد نصب رسول الله صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بالولاية والحكومة والخلافة ، فمقتضاها ان اكمال الدين وتمام النعمة انما هو بولاية علي صلوات الله عليه ، وفي بعض مازواه أهل السنة ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم بعد نزولها قال : ﴿الله اكبر على اكمال الدين وتمام النعمة ورضا الرب برسالتي والولاية لعلي من بعدى﴾»ثم قال ﴿مَن كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله(1).

وبالجملة ، فهاتان الايتان بما فيهما من القرائن كما اشرنا الى بعضها وبماهما محفوفتان بايات أخر في هذا الموضوع على ما اومأنا الى بعضها وبما وردت من الروايات فيهما وفي غيرهما مما هو على حول الولاية كما أشرنا الى بعضها تدل على ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام مترتبة على ولاية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي مترتبة على ولاية الله سبحانه.

وكما انّ هذه الولاية ترتبت على ولاية الله سبحانه على عباده في هذه الآية في اصل تشريعها كذلك تدل الآية الكريمة على نزاهتها و قداستها عن كل دنس ونقص وقذارة وظلم وطغيان في جميع مراتبها المرتبة ففي الله سبحانه حكومة عدل من عادل حکیم علیم رحیم و دود کریم قدوس سبوح منزّهِ من كل نقص و عيب على عباده و خلقه ، لرعايتهم و حیاطتهم و تعليمهم و اقامة العدل فيهم وحفظهم عن الظلم والطغيان على عيش رغيد ، وفي رسول الله صلى الله عليه وآله أيضاً حيث انه رسوله وعبده المأمون على طاعته في هذه الولاية فهو معصوم عن كل زلّة في اجراء هذه الولاية و بعده عليّ بن أبي طالب عليه السلام المنصوب من قبله لم تكن له هذه الولاية الا بعد عصمته وطهارته وامانته ، في اجراء ما تقتضيه هذه الحكومة الالهية وكونه اميناً عند الله و عند رسوله في هذه المنزلة العظمى والخلافة الكبرى.

وبالجملة فهذه حكومة عدل حكيم متين من الله سبحانه على اساس اسمائه

ص: 390


1- غاية المرام ص 337.

الحسنى وصفاته العليا تتنزل منه سبحانه الى اصفيائه من رسوله المجتبى المصطفى ، ثم الى وليه المرتضى وخلفائه المعصومين الطاهرين الطيبين عن كلّ رجس ودتس .

و فالاية الكريمة جعلت هذه الولاية في سلسلة يعرف فرعها من أصلها كما وكيفاً واوصافاً في نفس الولاية ومن له الولاية فلا يتعدّى مما في اصلها الى مالا يناسبه والله سبحانه غالب على امره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .

ص: 391

هذا وقد طال الكلام في تحقيق معنى العصمه و عصمة الأنبياء و الأئمة عليهم السلام و لكن لم نأت بشيء يليق بهذا المقام فيستدعى البسط فيه اكثر من ذلك بالاستمداد من القرآن الحكيم و روايات المعصومين عليهم السلام والتحقيق في شرحها و تفسيرها و استعلام المعنى منها ، ومع ذلك قد استبان مما نقلناه من كلمات الاعاظم و ما ذكرنا حولها و ما عقبناها مما استفدناه من الآيات والروايات و ما فى تفسيرها جوانب كثيرة من هذه اللمعة الألهيه .

الخاتمه لبحث العصمة وموجز القول فيها

اشارة

وفي خاتمة هذا المبحث يمكن ان نفسرها بقول موجز

بان يقال ان العصمة بعد طهارة الذات و الاعراق ، والامداد الرباني الالهي ، و الزلفى و القرب إلى الله و الاستمداد منه تعالى ، نوع من الدرك الحقيقي للاشياء كلها (على عموم - معنى الكلمة) على ما هي عليها من الحقيقة و الربط بينها و ما يستوجبه من التكاليف في قبالها فالمعصوم عارف -1 - بالله سبحانه و تعالى بحيث يراه في كل شيء و - كل حادثة و في روابط جميع العلل و الاسباب الظاهرية وكيفيتة الارتباط وكميته و لا يجهله في شيء و له وجدان و شعور حتى في صحنة هذا العرفان بنحو يعرف ما ، يفعل له في قبال إرادته وعظمته و ما أراد منه أو يغضب عنه و يبغضه -2- و بمصيره و ما إليه المصير وما يحتاج في المصير إليه و ما يرقيه و ما يوجب الانحطاط -3- و بالصفات الحسنة و الملكات الحميدة ، و ما يضادها من الرذائل و ما ينشأ منهما من الأعمال الصالحة أو القبيحة ، ويرى مواضع كل مخلوق وكل إنسان شخصي أو صنفي أو نوعي في حقوقه الشخصي أو الصنفي أو النوعي في كتلة عالم الوجود و قافلته.

و بالجمله العلم قديكون من نوع العلوم الاكتسابية التصويرية و قديكون من نوع العلوم الحضورية بحيث يكون المعلوم حاضرا لدى المدرك العالم و قديكون من نوع الوقوف الحقيقي على المعلوم بحيث يُشرب في النفس ولا يمكن إنفكاكه و زواله عن النفس.

كما ان الصفات الحسنة و الأعمال الصالحة قد تكون لغايات احتياجية مادية أو

ص: 392

معنوية يتحرك النفس لاجتذاب تلك الغاية لتأمين احتياجها و قديكون لعلق النفس و علاقتها بالكمال طبعاً و ذاتاً بعد استغناء النفس عن كل ما ، يرغب إليه سائر النفوس و هذه من شئون المعصومين عليهم السلام .

انما ايما فالمعصوم بمقتضى طهارة ذاته وعروقه اولاً و الامداد له من الله و قربه لديه ثانياً و فنائه في عبادة الله وطاعته و حبّه وكمال شوقه اليه و تضرعه و خشوعه له ثالثاً ورؤيته الخاصه و دركه ملكوت السموات والأرض و سلطان الله في جميع الأشياء و حقايق الأشياء في نفسها و في جنب قدرة الله و تصرفه و نفوذ أمره ونهيه فيها رابعاً و بحقيقة الحسنات و السيئات و آثار الطاعات والمعاصي و بمصيره وكلّ شيء إلى الله و ما يناسبه من الزاد والراحلة و ما يوجب الكمال و النقص خامساً وبما يرتبط بينه و بين الناس و سائر المخلوقات و ما يحبّ الله تعالى في ذلك و ما يبغضه سادساً إلى غير ذلك من الاحساسات الخفية اللطيفة الفطرية السليمة - فبعد ذلك كله لا يعصى الله سبحانه و لا يخالفه فيما أراد أو ابغض لاعمداً ولا جهلاً ولانسياناً و سهواً ، لاقبل السفارة و الامامة و الولاية ولا بعدها ، لاقبل ورود الأمر والنهى ولا بعده ، لاقبل التكليف و لابعده فهو مشمول لفضل الله ورحمته في جميع حالاته و لو لا فضل الله و رحمته بمقتضى قربه و طهارته و عبادته و طاعته و انقياده لغلب عليه العوامل المردية المخزية .

فسبحان ربك ربّ العزّة عما يصفون وسلام على المرسلين و الحمد لله ربّ العالمين ربّ الملائكة و الأنبياء والمرسلين و ربّ الأئمة الطيبين الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين .

التحقيق في بيان نظم آيات السورة و أهدافها

أكثر المفسرين لم يذكروا لتنسيق آيات هذه السورة و نظمها بياناً و تفسيراً يشفى العليل و ما يروى الغليل و يعرف المنشود و يأتى على تفسير الآيات من أوّلها إلى آخر السورة على بيان منسجم يستدل ببعضها على بعض آخر و يرتبط الآيات بعضها ببعض على حسب بلاغة القرآن الحكيم ، رغم انها سورة واحدة نزلت في واقعة واحدة و علاج هذه الحادثة على ضوء يستظل تحتها البيئة الاسلامية على مدى الدهر في أمن وسلام و

ص: 393

طمأنينة وسكينة عن تكرارها .

فالمفسرون من الشيعة (على ما مضت رواياتهم و آرائهم في تفسيرها) حيث ذهبوا إلى ان العابس هو رجل من بنى اميّة أو خصوص عثمان بن عفان طبقوا أوائل آيات السورة أكثراً إلى قوله تعالى : ﴿كلاً إنّها تذكرة﴾ و حتى ان بعضهم اقتصر على ما قبل ذلك (كما مر) و اما ما بعد قوله تعالى (كلا) فلم يفسروه بنحو متناسق يليق ببلاغة القرآن الحكيم بل ذكروا ترجمة لمفرداتها و بعض الاهداف الخاصة لكل جملة منها

كلام العلامة الاستاذ الطباطبائي في ذلك

قال سيدنا الاستاذ العلامة الطباطبائى قدّس الله روحه الطاهرة ما لفظه :

فغرض السورة عتاب من يقدّم الاغنياء والمترفين على الضعفاء والمساكين من المؤمنين فيرفع اهل الدنيا و يضع اهل الآخرة ثم ينجر الكلام إلى الاشارة إلى هو ان امر الانسان في خلقه و تناهيه في الحاجة إلى تدبير امره ، وكفره مع ذلك بنعم ربه و تدبيره العظيم لأمره و تتخلّص إلى ذكر بعثه و جزائه إنذاراً و السورة مكية .(1)

المحقق الفيض القاسانی قده و فراسته في ذلك

نعم ذكر المحدّث المفسّر المحقق الجامع الفيض القاساني قدس سره في تفسيره الصافي ما يدلّ على تنبهه لانتظام آيات السورة على نسق واحد و أهداف متناسبة و لكنه لم يفصل شرحه بل أو كله إلى تأمّل المتأمل على ما هوداً به في هذا الكتاب من الايجاز و الاختصار فقال ما لفظه .

و اماما اشتهر من تنزيل هذه الآيات في النبي صلى الله علیه و آله دون عثمان فیاباه سياق مثل هذه المعاتبات الغير اللائقة بمنصبه ، وكذا ما ذكر بعدها إلى اخر السورة كما لا يخفى على العارف باساليب الكلام و يشبه ان يكون من مختلقات اهل النفاق خذلهم

ص: 394


1- الميزان ج 20 ص 303 إلى ص 304.

الله.(1)

فيعرف منه انه يرى أن السورة إلى اخرها في امر واحد و نسق واحد و يرشد بعض آیاتها إلى حقيقة بعضها الآخر بحيث يدل كلّها جميعاً على ان العابس المعاتب هو غير النبی ص و انّه عثمان بن عفان كما صرح به في اول السورة أو رجل من بني امية كما ذكره غيره .

و اما المفسرون من العامة من أهل التسنّن فاكثرهم حتى ادعى بعضهم اجماعهم تبعاً للروايات المروية في كتبهم ذهبوا إلى ان المراد من العابس هو النبي صلى الله عليه و آله و الاعمى هو ابن ام مکتوم و قد مضى نقد كلماتهم رواية و تفسيراً و ما فيها .

بيان نظم السورة من السيد القطب المصري الية الية في تفسيره (في ظلال ...)

و أما تنسيق الآيات من السورة ونظمها و روابطها فقد ذكر السيد القطب المصري من محققى المعاصرين منهم ما لفظه :

هذه السورة قويّة المقاطع ضخمة الحقايق عميقة اللمسات فريدة الصور و الظلال و الايحاءات موحية الايقاعات الشعورية و الموسيقية على السواء .

يتولّى المقطع الاول منها علاج حادث معين من حوادث السيرة : كان النبي صلى الله عليه و سلّم مشغولاً بأمر جماعة من كبراء قريش يدعوهم إلى الاسلام حينما جائه ابن ام مكتوم الرجل الأعمى الفقير وهو لا يعلم انه مشغول بأمر القوم - يطلب منه ان يعلمه ممّا علّمه الله فكره رسول الله صلى الله عليه و سلّم هذا و عبس وجهه و اعرض فنزل القرآن بصدر هذه السورة يعاتب الرسول صلى الله عليه و سلّم عتاباً شديداً و يقرر القيم في حياة الجماعة المسلمة في اسلوب قوي حاسم، كما يقرّر حقيقة هذه الدعوة و طبيعتها : ﴿عبس و تولى ان جاءه الأعمى ، و ما يدرك لعلّه يزكّى ، أو يذكر فتنفعه الذكرى ، أما من استغنى ، فانت له تصدّى ، و ما عليك إلا يزكّى ، و اما من جاءك

ص: 395


1- تفسير الصافي ج 2 ص 787.

يسعى و هو يخشى ، فأنت عنه تلهى - كلاً إنّها تذكرة ، فمن شاء ذكره، في صحف مكرّمة ، مرفوعة مطهرة ، بأيدى سفرة كرام بررة﴾.

و يعالج المقطع الثاني جحود الانسان وكفره الفاحش لربه ، و هو يذكره بمصدر وجوده ، و اصل نشأته ، و تيسير حياته ، و تولّى ربّه له في موته و نشره ، ثمّ تقصيره بعد ذلك في أمره :

﴿قتل الانسان، ما أكفره من اي شيء خلقه : من نطفة خلقه فقدره، ثم السبيل يسّره ، ثم اماته فاقبره ثم اذا شاء انشره ، كلاً : لمّا يقض ما امره﴾.

و المقطع الثالث يعالج توجيه القلب البشري إلى أمس الأشياء به و هو طعامه و طعام حيوانه ، و ما وراء ذلك الطعام من تدبير الله وتقديره له كتدبيره و تقديره في نشأته :

﴿فلينظر الإنسان إلى طعامه ، انا صببنا الماء صباً، ثمّ شققنا الأرض شقا، فأنبتنا فيها حبّاً ، و عنباً و قضباً ، و زيتوناً و نخلاً ، - و حدائق غلباً ، و فاكهةً و أباً، متاعاً لكم ولأنعامكم ...﴾.

فأما المقطع الأخير فيتولّى عرض (الضاخّة) يوم تجييء بهولها الذي يتجلّى في لفظها ، كما تتجلّى آثارها في القلب البشري الذي يذهل عمّا عداها ، و في الوجوه التي تحدّث عمّا دهاها :

﴿فإذا جائت الصاخّة، يوم يفرّ المرء من أخيه ، و أمه و أبيه ، وصاحبته و بنيه لكلّ امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه، وجوه يومئذ مسفرة ، ضاحكة مستبشرة ، و وجوه يومئذ عليها غبرة، ترهقها قترة اولئك هم الكفرة الفجرة ...﴾.

انّ استعراض مقاطع السورة وآياتها - على هذا النحو السريع يسكب في الحش ايقاعات شديدة التأثير ، فهى من القوة و العمق بحيث تفعل فعلها في القلب بمجرد لمسها له بذاتها و سنحاول ان نكشف عن جوانب من الآماد البعيدة التي تشير إليها بعض مقاطعها مما لا تدركه النظرة الاولى.(1)

ص: 396


1- في ظلال القرآن - الجزء الثلاثون ص 38 إلى ص 39.

بعض المناقشات على السيد القطب

عليهم إنا لا نتكلم على هذا المصنف المحترم فيما كان يذكر في أول كتابه من انه خلاصة تحقيقاته فيما عاش زمناً من عمره (في ظلال القرآن) مع انه هنا صار تحت (ظلال الروايات الضعيفة المختلقة) و اخرج نفسه عن (ظلال القرآن) حيث ان ما نسب إلى الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله من رجوع الضمائر إليه في أول السورة مما لم يدل عليه ظاهر آيات هذه السورة و لا يؤيده سائر الآيات بل يخالفه و يضاده و انما جد و اجتهد نفسه و ابلغ في نسج كلامه بمجرد دلالة تلك الروايات الضعيفة المخالفة لسياق آيات السورة وسائر الآيات المنزلة في شأنه صلى الله عليه و آله .

و لا اريد ، هنا ، أن اتعرض لما ابتلى به من التناقض والتضاد في توجيه هذه النسبة السخيفة إلى رسول الله صلى الله عليه و آله فيؤكد القول اوّلاً ان الحقيقة التي استهدف توجيهها إلى الأمة الإسلامية ان يعيش الناس في الأرض بقيم و موازين سماوية مطلقة عن القيم الأرضيه من كثرة المال و النسب والعشيرة وغيرها مما يوجب ارجحية بعضهم على بعض بل جاء الاسلام ليقول - إنّ أكرمكم عند الله أتقيكم - و يرفض سائر ما عند الناس مما يوازنون به الشرف و العظمة.

ثم يقول - و يجييء الرجل الأعمى الفقير ابن ام مكتوم إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو مشغول بأمر نفر من سادة قريش - عتبة و .... و الرسول صلى الله عليه وسلّم يدعوهم إلى الإسلام ويرجو إسلامهم خيراً للإسلام في عسرته وشدته التي كان فيها بمكة، وهؤلاء النفر يقفون في طريقه بمالهم و جاههم وقوتهم و يصدون الناس و يكيدون له كيداً شديداً ، حتى ليحمدونه في مكة تحميداً ظاهراً.(1)

فلم يكن هنا موازنة القيم السماوية من ان ﴿أكرمكم عند الله أتقيكم﴾مع القيم الارضية من المال والجاه والعظمة في العشيرة و ترجيح النبي الأعظم صلى الله عليه و آله القيم الارضية على السماوية ليعاتب في التنزيل بل كان صلى الله عليه و آله في طريق ما

ص: 397


1- الجزء الثلاثون - في ظلال القرآن - ص 41.

امره الله ان يدعو إلى الإسلام وسبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة و يجادلهم بالتي هي أحسن إلى إرشادهم وتسليمهم للحق و ان يرفع الموانع عن سبيل نشر الإسلام و إخراجه عن محاصرة مكائد الكافرين و المعاندين والظالمين فكيف يصح العتاب من الله الحكيم لنبيه الحبيب المفدى نفسه لرضا ربه حتى قال سبحانه - طه - ﴿ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى﴾- فهل من الانصاف ان يواجه إليه تلك المعاتبات الشديدة - مع انها بلادليل بل مخالف للادلة الصحيحة كما مر بيانه في أوائل الكتاب .

كما أنى هنا لست في مقام ان احاول الملامة عازلا على ما حطّ من شأن النبي الأعظم صلى الله عليه و آله و سلّم من نسبته إلى ما يشمئز من النسبة إليه اوساط الناس من ترفيع الغني لغناه و خفض الفقير الأعمى وكسر قلبه لفقره و عماه ، مع ان الله اصطفاه و اختاره من جميع الناس من جهة وفور مكارمه و علوّ محامده ، و الله أعلم حيث يجعل رسالته بل ، هو خاتم الأنبياء و أشرف السفراء الذين اختارهم لدينه و اصطفاهم لأمر رسالته ، فقد تكلّمنا في ذلك شيئاً يسيراً فلا نعيد بحثه .

بل الغرض من ذكر كلامه انه كغيره لم يتدبّر في كشف روابط الآيات الشريفة و نظمها وكيفية تنسيقها و بيان أهدافها ، مع انها سورة واحدة انزلت في واقعة واحدة لغرض العلاج لها و ما يحومها وبالجملة فما ذكره صاحب (في ظلال القرآن) لم يستخرج من صميم السورة و لم يكن مستمداً له من القرائن المعتبرة من سائر الآيات و

لا متمسكاً له من الروايات الصحيحة عمّن يجوز الإستناد إليه في فهم القرآن و تبيينه نعم قد لعبت أيادى الوضاعين في حكومة الامويين ، بجعل أساطير ، سموها باسم الأحاديث ، ثمّ دوّنها أصحاب كتب الحديث و اودعوها فيها ، إلى ان وصل اليناً فأبهم الموضوع و أظلم الطريق حتى على عالم محقق مثل صاحب (في ظلال القرآن) فلا تثريب عليه .

لامقاطع فيها متقاطعة بل لها موضوع واحد له فصول

وكيف ما كان فما قسم صاحب (في ظلال القرآن) هذه السورة إلى مقاطع أربعة متقاطعة منفصلة وكلّ مقطع في موضوع لهدف غير ما يرشد إليه المقطع الآخر ، و ان

ص: 398

لم يصرح به غيره، لكنه مفاد كلامهم في تفسيره ، فاكثر المفسرون لم يلاحظوا روابط مطالب الآيات و لم يراجعوا التلويحات والإرشادات الواقعة في المأثورات من أئمة أهل البيت صلوات الله عليهم الذين هم أهل بيت الوحى والعصمة و هم أدرى بما في البيت .

فهذه السورة قداودع الله سبحانه و تعالى فيها قرائن جليّة يرشد بعضها إلى بعض بحيث لو تدبرنا فيها كما امر الله سبحانه ﴿أفلا يتدبرون القرآن﴾لانكشف الحق وتزاح الظلام عن وجه الحقيقة لذى عينين ، ثم في ظلال بعض الآيات روايات عن العترة الهادية الذين هم عدل القرآن و أحد ثقلى رسول الله صلى الله عليه و آله الذين تركهما مستمسكاً للأمة و ما ان تمسكوا بهما لن يضلوا - ففي هذه الروايات ما ينوّر الطريق للوصول إلى الحق لمن أظلم عليه الطريق و استبان لنا امور هامة في سياسة الاسلام و تدبير امور المسلمين هى كالأساس في نظم دعوة الإسلام و زعامته .

ليست السورة ذات مقاطع يعالج كل مقطع منها أمراً من الامور غير ما يعالج المقطع الاخر فيعالج مقطعه الأول حادثة من عبس على الاعمى الفقير (و هو ابن ام مكتوم) في قبال التصدّى لأشراف الكفار الأغنياء وسائر المقاطع كل لأمر خاص كما سبق في كلام صاحب (في ظلال القرآن) أو غيره .

تحالف كما انه ليس مقطعها الأول لرفع المميزات المادية عما بين المسلمين و بناء المميزات على الصفات الحميدة و العمل الصالح وإن أكرمكم عند الله أتقيكم - فان ذلك مما هتف به الآيات الكثيرة الصريحة في ذلك كما في قوله تعالى : ﴿إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقيكم﴾(1)و غيره .

كما أنها ليست لتأديب النبي الكريم صلى الله عليه و آله فانه من اوليات صفاته المحمودة من اوّل نشأته ﴿محمّد رسول الله و الذين معه أشداء على الكفّار رحماء بينهم﴾﴿إنك لعلى خلق عظيم﴾﴿لقد جائكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم﴾ و يكفى في ذلك مراجعة سيرته الميمونة في كتب السير فيما قبل رسالته وبعدها في كثرة تحنّنه على الضعفاء والفقراء و

ص: 399


1- الحجرات : 13.

العبيد و العميان وغيرهم .

مضافاً إلى أنه اصطفاه من الخيرة والله أعلم حيث يجعل رسالته فهو بعد ذلك لم يمكن ان يشرك في أمر ربه أحداً و لو اشرك(على فرض المحال )ليحبطن عمله و ليكونن من الخاسرين ﴿و انه ما ضل صاحبكم و ما غوى و ما ينطق عن الهوى﴾ و انه لو تقول علينا بعض الأقاويل ( قولاً أو عملاً - لرسالته في كليهما ) ﴿لأخذناه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين﴾ فلم يكن يحتاج إلى هذا النوع من التأديب في سورة من سور القرآن بعد ان اصطفاه الله للرسالة و علم منه ذلك و انه يليق لها .

كما انه لا يمكن ان يقال انها لمجرد معالجة رجل من أصحابه (عثمان بن عفان أو رجل من بني امية)اهان على رجل فقير أعمى و عبس في وجهه و تولّى عنه في قبال أشراف الكفّار وأغنيائهم وصار ذلك موجباً لانكسار قلب الأعمى ليتعلم منه المسلمون الموازنة الاسلامية في معاشرتهم مع المسلم الفقير الأعمى و أمثاله من الطبقات الضعيفة قبال الأشراف ، من الكفار و أغنيائهم - و إن كان ذلك من الأهداف في هذه السورة أيضاً لكن الظاهر من الآيات انّ المقصود الاصلى شيء أعظم و أفخم من ذلك .

اهداف العابس في إستعراض نفسه و السورة في تعقيبه

ان العابس الذي استعرض نفسه في مجلس الدعوة و الرسالة بما في طبعه من الخلق الجاهلية و العلاقات المادية والحميات و العصبيات المنحطة المضادة للقرآن و الرسالة الإسلاميه المحمدية صلى الله عليه و آله لم يكن أمراً بسيطاً سهلاً و الالكان من المناسب ان يعظه رسول الله صلى الله عليه واله ويعالجه كما في كثير من الموارد لا ان ينزل عليه سورة خاصة خالدة يُقرأ آناء الليل والنهار إلى اخر الدهر ففي سيرته صلّى الله عليه و آله واجه وقايع كثيرة منافرة للإسلام و هو صلّى الله عليه و آله يعلاجها بتوجيهه الطاهر يسيراً أو عنيفاً ، يذكر صاحب (في ظلال القرآن) هنا بعضها مثل ما يذكره عما وقع بين أبي ذر الغفاري و بلال بن رباح بكلمة (يا ابن السوداء) انه غضب لها رسول الله صلى الله عليه و آله غضباً شديداً ، فقال : (يا أباذر طفّ الصاع ، ليس لابن البيضاء على ابن

ص: 400

السوداء فضل)(1)و وصلت الكلمة النبوية بحرارتها إلى قلب أبي ذر الحسّاس فانفعل لها أشدّ الإنفعال و وضع جبهته على الأرض يقسم ان لا يرفعها حتى يطأها بلال . تكفيراً عن قولته الكبيرة .(2)

يلم و فيما طعنوا على إمارة اسامة بن زيد بن الحارثة و هو حدث السن و قد تخلّف بعضهم عن جيشه و لعنهم رسول الله صلى الله عليه و آله ، ففي ذلك يقول عن ابن عمر ، أنه صلى الله عليه و آله قال - ان تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل وايم الله ان كان لخليقا للإمارة وان كان لمن أحب الناس الى وانّ هذا لمن أحب الناس إلى.(3)

و بذلك و نحوه كان صلى الله عليه و آله يؤدب أصحابه إلى مكارم الأخلاق و محامد الصفات قولاً وعملاً و لذا قال الله سبحانه : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر و ذكر الله كثيراً).(4)

فكانت هذه الحادثة أعظم وأعمق من ذلك ، و جوانبه أكثر مما يبدو لاول نظرة و الآثار المترتبة عليها في الحياة الدينية والسياسية الإسلامية كانت آثاراً هائلة مفجعة وسيعة متداومة يستوجب مصائب و نكبات على الإسلام و المسلمين ، فانزلت هذه السورة هداية وإنذاراً و تحذيراً .

للسورة موضوع واحد له فصول

فلهذه السورة فصول و لكل فصل هداية و توبيخ و تحذير لامر وكل هذه الفصول مرتبطة ترجع الى الموضوع الواحد

الفصل الأوّل من السورة

فالفصل الأول منها لبيان الحادثة ، والعتاب على العابس ، و بيان صلاحية الأعمى

ص: 401


1- اخرجه ابن المبارك في البر والصلة.
2- في ظلال القرآن ج 30 ص 47.
3- في ظلال القرآن ج 30 ص 46 اخرجه عن الشخين و الترمدي.
4- الاحزاب : 21.

الفقير للإسلام و الهداية ، و التصدى لهدايته و تزكيته ، مع ان العابس لم يكن ممن يليق بان يدرك ذلك ، بل كان ملاك العظمة و الشرف و الإكرام عنده شرف الغنى و العشيرة ، فلذا تصدى لمن استغنى - و لم يكن ذلك بمجرده بل تصدّى في مجلس الدعوة الإسلامية عند رسول الله صلى الله عليه و آله مؤذنا و مشعرا ان يصير تلو رسول الله صلى الله عليه و آله و يشغل مناصبه فيكون مع فقده خليفته و قائماً مقامه

فهذه الآيات في الفصل الأوّل مع توبيخ العابس في سوء عمله و عبوسه على الأعمى الفقير و تلهيه و توليه و إعراضه عمّن يسترشد إلى حقائق الإسلام و يسعى ، و تحقیره ، في قبال من استغنى بتكبّره عن الإسلام ، و ما نال من الغنى و العشيرة ، حتى استوجب إنكسار قلب الأعمى - فبهذه الصفات الذميمة و الأعمال القبيحة الدالة على روحيات خبيثة ، يستدلّ في القرآن على انه ليس من شأنه تزكية الناس لعدم صلاحيته من حيث الصفات و معارفه - فلذا يقول : - و ما عليك إلاّ يزكى - أى ليس على ذمتك و عهدتك - و الدليل عليه أنه - و اما جائك يسعى (إلى الإسلام - على عموم معنى وسعته) و هو يخشى فانت عنه تلهى - فأنت لا تحرص على هداية الناس ، و لا على نشر حقائق الإسلام ، ولا على تطبيق مواعظ القرآن ، و لاعلى التحنن على المسلمين بما هم مسلمين كما كان رسول الله صلى الله عليه و آله ﴿لقد جائكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم﴾ و مع ذلك ادخلت نفسك في حاشية مقام الرسالة وتصديت لذلك لتدّخر لنفسك عناوين ينفعك في مستقبل أيامك لما تحبّ من قبض ازمة المسلمين و القرآن والدعوة الإسلامية والقيام مقام خلافة رسول الله صلى الله عليه و آله .

و الدليل على ما ذكرناه (في هذه الفصل الأوّل مضافاً إلى ما في بقية الفصول الآتية)

اوّلاً لو كان المراد من تلك الآيات ايجاد الرأفة و التعظيم للطبقة الضعيفة من الفقراء و العميان و غيرهم في قبال الأشراف و الأغنياء او ان ملاك الشرف في الإسلام التزكية والهداية ليكون تعليماً للمسلمين فيما يستقبل من هذه الأمور لذكر ذلك بما يدلّ على إثارة الرحمة على الفقراء والعميان والتمرد و الطغيان و الإعراض عن الأشراف و الأغنياء أو على الأقل - يذكر القيم والموازين الاسلامية في ذلك كقوله : ﴿إنّ أكرمكم

ص: 402

عند الله أتقيكم﴾ بل تلك الآيات يخاطب العابس معاتباً عليه فيما تصدّى له أو تولّى عنه فتصدى لمن استغنى و اعرض و عبس و تلهى عمّن يسعى و هو يخشى لانه كان فقيراً أعمى - فهذه نقطة سوداء في المتصدّى للدعوة الإسلامية و ثانياً يقول و ما عليك أن لا يزكي - فيرفع عن عهدته و عن صلاحيته تزكية الناس فهذا يدل على انه كان يريد أن يجعل نفسه في صراط تزكية الناس - ولا يمكن أن يكون ذلك خطاباً إلى رسول الله صلى الله عليه و آله بعد ما كان رسولاً من الله سبحانه : ﴿يتلو عليهم آياته و يزكيهم و يعلمهم الكتاب والحكمة و إن كانوا من قبل لفي ضلال مبين﴾ و قال سبحانه : ﴿و ما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً و لكن أكثر الناس لا يعلمون﴾(1)و ثالثاً ان آيات هذا الفصل الأوّل على هذا النظر - خلاصتها ، بيان التقديم و الأحقية في التصدّى لتزكيته للفقير الأعمى بما انه يسعى و هو يخشى و لعله يزكي على من استغنى عن الإسلام و يرى نفسه غنيّاً عن الإسلام بما له من الجاه والعشيرة و المال - و ملاحظة ذلك انما هو في سبيل الدعوة والرسالة الإسلامية فهو من مناصب رسول الله صلى الله عليه و آله و من يحاذيه و يجلس مجلسه و يشغل منصبه - فكيف ينفى عنه .

﴿عبس و تولّى 1 أن جائه الأعمى 2 و ما يدريك لعله يزكّى 3 أو يذكر فتنفعه الذكرى 4 أما من استغنى 5 فأنت له تصدّى 6 و ما عليك ألا يزكّى 7 و أمّا من جائك يسعى 8 و هو يخشى 9 فأنت عنه تلهى تلهى 10﴾.

فهذه آيات الفصل الأول فتدبر فيها منصفاً و خلّ نفسك عمّا قيل فيها رواية أو دراية بل عليك بالتعمق في صميم تلك الآيات فهل تجد فيها غير ما ذكرناه - مضافاً إلى ما سبق في أوائل هذا الكتاب من القرائن الداخلية والخارجية - فهذه الآيات ليست لتعديل الأخلاق بين عموم المسلمين من حيث الطبقات الضعيفة و القوية على أساس الموازنات الإسلامية و القرآنية - و تدلّ على أن المعاتب ليس هو النبي الأكرم صلّى الله عليه و آله بل المعاتب هو العابس الذي أراد أن يجلس مجلسه و يتصدّى لما هو من صلاحية رسول الله صلى الله عليه و آله لا من صلاحيته لامن .

ص: 403


1- سباء : 28.

الفصل الثاني

و لذا ذيل ذلك بالفصل الثاني الذي يبين ذلك

﴿كلاً إنّها تذكرة - فمن شاء ذكره - في صحف مكرمة - مرفوعة مطهرة - بأيدى سفرة - كرام بررة﴾.

و هذا الفصل الثاني يعطف النظر إلى الفصل الأوّل مبتدءاً بكلمة (كلا) رادعاً عما سبق أى (ليس الامر ينبغى ان يكون هذا) كما قال في تفسير التبيان - أو كما قال نجم الأئمة الشيخ الرضي - تقول لشخص فلان يبغضك فيقول - كلاً - ردعا لك أى ليس الأمركما تقول - وذكر ابن هشام في المغنى ان جماعة قالوا متى سمعت (كلاً ) في سورة فاحكم بأنّها مكّية لأن فيها معنى التهديد والوعيد ، و أكثر ما نزل ذلك بمكة لأن أكثر العتو

كان بها -.

ففي كلمة (كلاً) على رأس هذا الفصل الثاني دلالة على التهديد و الوعيد على العتق و الاستكبار الواقع في الفصل الأول فيردّ ما عمل و يكف و يردع عنه و انه لم يكن ینبغي ذلك و لا يليق بالدعوة الإسلامية و الرسالة الالهية في هداية الإنسان - فماذا ینبغي ان يكون و ما الطريق الصحيح الذي جعله الله للهداية للطباع البشرية - فبدأ بكلمة (انّ) الدالّة على التحقيق وبيان ما هو الحق الحقيق - لكن ببيان يكون معه دليله فهنا جهات -1- هذه (الدعوة الإسلامية او القرآن)تذكره و وسيلة الذكر و التنبه يحتاج إلى رفق و رأفة و تأليف القلوب و رفع التباغض في كيفية الدعوة - و إلى التهيأ و الاستعداد و الطلب فيمن يُدعى إلى الإسلام - و ان يخليه ونفسه في اختياره لدعوة القرآن فان القبول في الظاهر يتكأ على القبول عن عقيدة وجاذبة لاعن إكراه أو حميات قومية أو اقتصادية أو غيرهما ان هذه تذكرة - فمن شاء ذكره - فالمشية تنشأ عن صفات النفس وحالاتها المعدة لذلك فما عمله العابس لم يكن مناسباً لطبع الدعوة القرآنية .

﴿في صحف مكرمة - مرفوعة مطهرة﴾

و لعل المراد من الصحف المكرّمة المرفوعة المطهرة - ما اشير إليه في قوله سبحانه و تعالى : ﴿حم - و الكتاب المبين - إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون - و

ص: 404

انه في ام الكتاب لدينا لعلى حكيم﴾(1)- فالقرآن في صحف ام الكتاب لدى الله لعلى حكيم مكرمة مرفوعة مطهرة - ولعله يتحد أيضاً مع الكتاب المكنون في قوله تعالى : ﴿إنّه القرآن كريم - في كتاب مكنون - لا يمسه إلا المطهرون﴾(2)و ليس المراد صحف إبراهيم وموسى في قوله تعالى : ﴿إنّ هذا لفى الصحف الأولى - صحف إبراهيم وموسى﴾(3)فان الظاهر منها بعض ما في هذه السورة الخاصة (سورة الأعلى) لا جميع القرآن فانّ القرآن اكمل كتاب فيه تبيان لكلّ شيء - مع أنه قال لالواح موسى(علیه السّلام)و كتابه وكتبنا له في الالواح من كلّ شيء﴾لاكلّ شيء وكيف كان - فالقرآن في صحف مكرمة عند الله لا يجعله بايدى من لايليق به وليس من الكرام -كما في العابس مع أعماله و أوصافه - مرفوعة - فلا يصل إليه من ليس رفيعاً عند الله و مقرباً إليه و - مطهرة - فلا يمسه إلا المطهرون - الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرأفلا يمكن ان يدركه حقه تماماً وكمالاً ولا أن يطبقه فيما بين البشر على إختلاف طبقاتهم إلا المطهرون الذين ادرکوه و عملوا به و اتصفوا بما اوصى به و تنزّهوا عما نهى عنه و ابغضه - و اما العابس الّذي ظهر منه ما ظهر - فلايمكن ان يدركه و يطبقه و يجرى على دعوته و منهاجه .

و حيث ان شأن القرآن هذا - فهو بأيدى سفرة - الذين اختارهم و انتخبهم للسفارة و الرسالة فيما بينه و بين الناس ﴿الله يصطفى من الملائكة رسلاً و من الناس﴾(4)فمن اصطفاه الله فهو أصفى من كل صفي و أطهر الناس من كل رجس و قذارة أخلاقاً و أوصافاً وعملاً و علماً ﴿والله أعلم حيث يجعل رسالته﴾(5)فهؤلاء السفرة في نزول القرآن من الله سبحانه من ملائكة الوحى إلى الرسل والسفراء من الناس كلهم كرام - بررة ﴿انه لقول رسول كريم - ذى قوّة عند ذى العرش مكين - مطاع ثمّ أمين﴾(6)و قال سبحانه و تعالى ﴿و لقد فتنا قبلهم قوم فرعون و جائهم رسول كريم - ان أدوا الى عباد الله انّى لكم رسول أمين﴾(7)و قال سبحانه و تعالى ﴿انه لقول رسول كريم - و ما

ص: 405


1- سورة الزخرف 1 إلى 4.
2- سورة الواقعة 77 إلى 79.
3- سورة الأعلى 18 - 19.
4- سورة الحج : 75.
5- سورة الأنعام : 124.
6- سورة التكوير : 19 إلى 21.
7- سورة الدخان : 17 إلى 18.

هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون﴾(1)فالقرآن كان مبدئه من الله الكريم الاكرم ﴿لا إله إلا هو ربّ العرش الكريم﴾(2)فوقال تعالى ﴿إقرء و ربُّك الأكرم - الذي علّم بالقلم - علم الإنسان ما لم يعلم﴾فانزل القرآن بوحيه نزل به الروح الأمين على قلب رسول الله ليكون من المنذرين - و الروح الأمين رسول كريم - و رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)- رسول کریم فلابد أن يكون حامل رسالات الله السفرة الكرام - لا اللئام - وكذا كان مبدء النزول من عند الله البر ﴿انا كنا ندعوه من قبل انه هو البر الرحيم﴾(3) - فلابد أن يكون حامل هذه الرسالة وسفيره براً رؤفاً ودوداً رحيماً - ﴿لقد جائكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنین رؤف رحيم﴾.

﴿كلاً إنّها تذكرة - فمن شاء ذكره - في صحف مكرمة - مرفوعة مطهرة بأيدى سفرة كرام بررة﴾.

فتبين ان الفصل الثاني كيف يكون تنسيقه بأحسن نظام في البيان رادعاً على ما وقع في الفصل الأوّل ممّا فعله العابس من التصدى لما ليس من شأنه و أوضح في الفصل الثاني منهاج الدعوة و علوّه و رفعته و طهارته و آنها بایدی سفراء الله الطيبين الطاهرين الكرام البررة -.

الفصل الثالث من السورة

ثمّ في الفصل الثالث يقول : ﴿قتل الإنسان ما أكفره - من أي شيء خلقه من نطفة خلقه فقدّره - ثمّ السبيل يسره - ثم أماته فأقبره - ثم إذا شاء أنشره - كلاً لما يقض ما أمره﴾هذه هي آيات الفصل الثالث - و تحتاج إلى التدبّر .

فالذى نحتاج إليه في فهم تلك الآيات في بدو البحث أنه من المراد من الإنسان في قوله : ﴿قتل الإنسان ما أكفره﴾فهل المراد كل الإنسان - أو بعض مجهول من افراده - أو كان شخصاً معيناً لم يذكره المفسرون - أو المراد منه العابس الذي ذكره مع عمله في

ص: 406


1- سورة الحاقة : 40.
2- سورة المؤمنون : 116.
3- سورة الطور : 28

صدر السورة .

لا يناسب ارادة كلّ الإنسان و لاطبيعي الإنسان - إذ هو منقسم إلى شاكر وكفور - قال سبحانه : ﴿انا هديناه السبيل إما شاكراً و إما كفوراً﴾(1)- كيف و من الإنسان الأنبياء والمرسلون و المؤمنون والصالحون و الشهداء و الصديقون و الأئمة الطيبون الطاهرون كما أنه لا يناسب ان يراد به شخص مجهول فانه كلام خال من الفائدة و يصير من لغو الكلام لايليق بالقرآن وكذا لا يناسب ان يكون شخصاً معيناً من دون قرينة في الكلام و لانقل رواية متواترة أو معتبرة - لمنافاته لبلاغة القرآن و لضمانة حفظه من الله سبحانه : ﴿إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾(2)- فلامحالة يكون المراد به من أتى بذكره قبل هذه الآية و يكون (الألف واللام) للعهد الذكرى - ولا يناسب أحداً من المذكورين قبلاً الا العابس ) و هذا أيضاً من القرائن في متن السورة على أنّ المراد من العابس المعاتب عليه انه ، ليس هو النبي (صلى الله عليه و آله) و الظاهر ان المراد من (قتل الإنسان) ليس هو الدعاء عليه بالقتل كما في (تفسير الميزان) إذ لامعنى هنا الله سبحانه بالقتل فانه تعالى عمّن يدعوا و إذا أراد شيئاً ان يقول له كن فيكون) بل الظاهر منه نوع طعن و لعن و شتم كما في بعض الروايات وقوله (ما أكفره) من أفعال التعجب و لعله ليس المراد من كفره عدم اسلامه بل عدم تسليمه لأمر الله و رضاه و عدم اطاعته وانقياده الذي اشار إليه في اخر هذا الفصل الثالث بقوله : ﴿كلاً لما يقض ما أمره﴾ و هذا كفر و جحود عملى في قبال اوامر الله و نواهيه و ستر على البواعث و الدواعي الفطرية إلى الإسلام و هو نوع من الكفر الغير الاصطلاحي .

و ليس التعجب من الله سبحان بل بيان حال من يتعجب منه كل متعجب ﴿و ما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم﴾.

و بالجمله ففي هذا الفصل يعود ثانياً إلى حال العابس و طغیانه و تکبّره و ان-ه لم يتفكر في ذاته و أنّ الله سبحانه خلقه من نطفة ثم قدّره تقديراً في جميع جوانب وجوده و آثاره و حياته بما انه انسان ثم يسر الله سبيله إلى السعادة و القرب من الله في داخل نفسه بما هيأ له من القوى والمشاعر و من خارج نفسه من الأنبياء و الرسل و الكتب

ص: 407


1- سورة الإنسان : 3.
2- سورة الحجر: آية9.

المنزلة والهداة من الله - و انّ له ان يُسعد نفسه في هذه النشأة الدنيا ، و لذلك آمد ينقضى فإذا انقضى - أماته فأقبره - ثم إذا شاء أنشره - ليوم الجزاء - كلاً - لم يأت في أيام حياته بما ينبغى - و لمّا يقض ما أمره - و قدكرّر كلمة (كلاً) فالأول بعد حكاية أفعاله في قبال الأعمى و و عبوسه و تحقيره و في قبال سادات الكفّار و أشرافهم و إنبساطه و تجليله لهم ، يريد ان يكون متصدياً للاشتغال بما هو من وظائف صاحب الدعوة والرسالة من الله سبحانه فردعه بكلمة (كلا) والثاني هنا - بعد بيان ما هو وظيفته و لزوم التوجه إلى خلقته و فطرته و ما يسر الله له من أسباب الهداية إلى سبيل الله تعالى فردعه ثانياً بكلمة (كلاً) و انه لما يقض ما أمره و لم يأت بما يسره الله له من العمل بالإسلام و القرآن .

الفصل الرابع من السورة

ثم في الفصل الرابع يعالج الإنسان عمّا يمكن ان يوجب انحرافه و عثرته و زلّته في هذا المضمار ويستمد من هذه الواقعة، للتوجيه إلى النظر ، و تفكر كل إنسان إلى طعامه الذي يستمد منه في حياته بما هو إنسان مركب من الروح و البدن و النفس و الجسم.

﴿فلينظر الإنسان إلى طعامه - إنا صببنا الماء صباً - ثمّ شققنا الأرض شقا - فأنبتنا فيها حبّاً و عنباً و قضباً و زيتوناً و نخلاً و حدائق غلباً وفاكهة و اباً متاعاً لكم ولأنعامكم﴾.

هذا الفصل الرابع يوجه الإنسان و يأمره بالنظر إلى طعامه من حيث كيفية ايجاده و ما يرتبط بحياته وحياة الأنعام المخلوقة لمنافع حياة الإنسان المسخّرة في يده - ففي إبتداء الأمر صب الماء على الأرض صباً ثمّ شققها شقاً فهياً فيها تراباً ينبت فيه الحب و العنب و القضب و البقول و الزيتون و النخل و حدائق غلباً و بساتين عظيمة ملتفة الأشجار و أنواع الفواكه و الثمار والكلأ و المراتع للأنعام و في الجملة كلها متاعاً لكم أيها الإنسان اما بلا واسطة أو بواسطة الأنعام .

و هنا يذكّر أولاً بدو الأمطار النازلة على الأرض المتحجرة الحارة و حصول الطوفان و الفيضانات الهائلة إلى ان تشققت الأرض وصار قشرها الظاهر تراباً يصلح

ص: 408

للنبات و ثانياً ان النباتات في جميع الأدوار ترتبط بنزول الأمطار فيشقق الأرض و يتخلخل خلالها كما ان يذور النباتات تشقق الأرض و تتخلخل عروقها في أعماق الأرض ولكن تلك الآيات عمقها أكثر و معارفها اعظم بكثير مما يبدو لأول نظرة فيها لمن تدبّر اليه كامله فيها .

فبدء بهذا الفصل الرابع عاطفاً على ما قبله بكلمة (الفاء) لا (الواو) مشعراً باتصالها بموضوع السورة و انها متفرعة على صدرها الحاكي لواقعة الأعمى و العابس ﴿فلينظر الإنسان إلى طعامه﴾ فهذا تفريع على ما قبله لا انها جملات لها معان خاصة مقطوعه مبتورة عما قبلها - أى فحيث كان الأمر (في صدر السورة) كذلك فلابد ان ينظر الإنسان إلى طعامه .

هذا أولاً - و ثانياً - الظاهر من (الإنسان) في (فلينظر الإنسان) طبيعي الإنسان أو عمومهم لاخصوص العابس أو الأعمى - أو شخص خاص اخر - فان تناسب الحكم و الموضوع في إرتباط الطعام بحياة الإنسان ، لا يختص بأحد دون أحد آخر ، مضافاً إلى عدم قرينة للتخصيص - وثالثاً الطعام هو الذي يستمد الإنسان في حياته واستمرار وجوده سواء قلنا باختصاصه بالمأكول (كما قاله كثير) أو شموله لما يشرب (كما يظهر من قوله تعالى : ﴿قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس منى و من لم يطعمه فانّه منى﴾(1)أو قوله تعالى : ﴿فليس له اليوم هيهنا حميم و لاطعام إلا من غسلين﴾(2)و حيث ان الإنسان له حياة جسمي نباتي حيواني - وحياة روحي علمي معنوي - فالظاهر شمول الطعام لما يستمد به لكلتا الحياتين - ولاسيما ان البحث في السورة يختص بحياته المعنوي العلمي ﴿و ما يدريك لعله يزكّى - أو يذكر فتنفعه الذكرى - و ما عليك إلا يزكّى﴾ و ان كان كلتا الحياتين مرتبطتين وجوداً وبقاءاً و استمداداً وترقياً لانه حياة واحد لإنسان واحد فلها وحدة و تعدد بالنظرين - و رابعاً حيث ان مصب الكلام من أول السورة في حياته العلمي والمعنوي - فالظاهر منه ان الأشياء التي صرّح بها من الطعام الجسماني انما هو من جهة ارتباطها بالحياة العلمي والمعنوي - بعد ارتباط الحياة العلمي و المعنوي بالحياة الجسمي في الصحة و السلامة و البقاء وقوتها في الإستمرار فقوله

ص: 409


1- البقرة : 249.
2- سورة الحاقة : 35 - 36.

تعالى ﴿فلينظر الإنسان إلى طعامه﴾ يكون أظهر الطعام له هنا الطعام العلمي و ) المعنوي (كما روى عن الباقر و الصادق عليهما السلام حيث سئل عنهما عن قوله تعالى : ﴿فلينظر الانسان الى طعامه﴾ ما طعامه - قالا - علمه الذى يأخذه عمّن يأخذه(1)و ذكر هذه الأشياء من الطعام الجسمي - حبّاً و عنباً وقضباً و زيتوناً ... الخ) من حيث دخالته كماً وكيفاً - في معنوياته و اخلاقه و روحياته و علومه ثم في أعماله و أفعاله الممدوحة أو المذمومة مضافاً إلى النظر إلى وحدة الإنسان مع جسمه و روحه و عقله و كل جوانبه فلكل مما يستمد في حياته الجسمي أو المعنوي تأثير في الاخر - فليس طعامه الجسمي بلا تأثير في روحياته و معنوياته و بالعکس - و خامساً العلوم المربوطة بحياة الإنسان - و علم النفس في الفلسفة يؤيد و يؤكد ما ذكرنا من استمداد كلتا الحياتين في إرتقائهما من الآخر بنحو - و إن لم يكن ذلك على كليته - و سادساً - الروايات عن النبي و الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم بل و القرآن الكريم أيضاً يؤكد ما ذكرنا من تأثير الأطعمة الحياة المعنوي كما ذكرناه ولعلنا سنذكر بعضها إن شاء الله تعالى - و سابعاً انّ فيما يأكله الإنسان أو يشربه ما يفيده في حياته و يوجب سلامته وصحته أو تقويته و ما يضره و يفسده و يوجب هلاكه أو ضعفه و مرضه - و لكن المقصود من الطعام لكل ان يستمد و يستعين به في حياته لاهلاك نفسه أو تضعيفه و مرضه - وليس تشخیصه و معرفته معلوماً لكل إنسان - و لذا قد يطعم الأغذية المسمومة و يهلك بها نفسه أو يستمرض بها - كل ذلك ينشأ من الجهل أو عدم التوجه الكامل بما استفداه - و هذا أمر واضح لكل إنسان في الأطعمة الجسمانية - و الأطعمة المعنوية الروحيه أيضاً شأنها كذلك لو لم تكن أشدّ تأثيراً و أبعد عن التشخيص و أصعب علاجاً - فكم من طالب علم أو هداية يستجذب إلى من يسوقه إلى الجهل و الغواية و الضلالة - فيكون من الاخسرين أعمالاً - الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون انهم يحسنون صنعاً - فالذي دفعه شوقه إلى هداية الإسلام و رسوله صلى الله علیه و آله و سعى إلى مجلس الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)كالأعمى المذكور في صدر السورة أو جذبته العوامل الاخرى الى منهل الهداية من غير قصد إلى هداية القرآن - لابد ان يعرف ان في هذا المجلس كما يوجد الإسلام و رسوله و قرآنه - كذلك يوجد من

ص: 410


1- تفسير البرهان ج 4 ص 429 نقلا عن الكليني في الكافي و المفيد في الاختصاص . منه.

يستعرض نفسه مكان الرسول و يتكلم عن الإسلام والقرآن بما لا يرتبط بالقرآن و حقائق الإسلام - لعدم صلاحيته علماً وعملاً و أوصافاً .

﴿فلينظر الانسان الى طعامه﴾ الطعام المعنوي العلمي و الجسمي - فاكثر من يهلك انما هو من سوء التغذية و تناوله السموم بدلاً عن الطعام - لأنه لم ينظر إلى طعامه - فلو نظر و تفكر حق النظر إلى طعامه لهداه الله ﴿الذي خلق فسوى - و الذي قدر فهدى﴾ و أكثر من يستجلب إلى الضلالة - من لم ينظر في علومه و معارفه عمّن يأخذه فيأخذ عن الجاهل الضال المضل أشياء من الضلالة و الفساد الأخلاقي و الانحرافات عن الحقائق و هو مع ذلك يحسب انه اكتسب المعارف الحقة و الكمالات الإنسانية و يرى نفسه في أعلى مراتب السعادة ﴿فلينظر الإنسان إلى طعامه - إنا صببنا الماء صباً ثمّ شققنا الأرض شقاً ...﴾.

و كما يمكن انطباق هذا الماء على الأمطار النازلة على الأرض فيتشقق منه الأرض لانبات النبات من أنواع الأطعمة للجسم (حبّاً و عنباً ... الخ) كذلك يمكن إنطباقه على الحقائق النازلة بالوحى من الله إلى أراضى القلوب - من قلب الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)﴿نزل به الروح الأمين على قلبك﴾ - ﴿أنزل من السماء ماءاً فسالت او دية بقدرها فاحتمل السيل زبداً رابياً ... كذلك يضرب الله الحق و الباطل فأما الزبد فيذهب جفاء و اما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال﴾(1)- وقال سبحانه : ﴿ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء - تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها و يضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون﴾(2).

فالكلمة الطيبة التي هي الإسلام(3)و محتوى القرآن و هو الفرقان بين الحق و الباطل ينزّل به على قلب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم (ليقرأه على الناس على مکث و نزلناه تنزيلاً) فهى كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي اكلهاكل

ص: 411


1- سورة الرعد : 17.
2- سورة ابراهيم : 25.
3- و يرشد إلى ذلك الآية التي بعدها (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا و في الآخرة) و قال الشيخ في التبيان انها الايمان منه.

حين بإذن ربها كذلك يضرب الله الأمثال .

قال علي بن إبراهيم القمي قده - قول الله أنزل من السماء ماء - يقول أنزل الحق من السماء فاحتمله القلوب بأهوائها ذواليقين على قدر يقينه و ذوالشك على قدر شكه (إلى أن قال) فالماء هو الحق والاودية هى القلوب(1). و في الاحتجاج للطبرسي عن أمير المؤمنين عليه السّلام في قوله تعالى : ﴿فاما الزبد فيذهب جفاء و اما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض﴾ - فأما الزبد في هذا الموضع - كلام الملحدين الذين اثبتوه في القرآن (إلى أن قال) و الذي ينفع الناس منه فالتنزيل(2)الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه و القلوب تقبله والأرض في هذا الموضع هى محل العلم و قراره.(3)

و في روايتين عن الباقر و الصادق عليهما السلام انه قال رسول الله صلى الله عليه و آله في قوله تعالى : ﴿كشجرة طيّبة أصلها ثابت وفرعها في السماء﴾أنا أصلها و أمير المؤمنين فرعها و الأئمة من ذريتهما - اغصانها و علم الأئمة ثمرتها - الحديث.(4)

و في رواية اخرى عن الصادق عن أبيه الباقر عليهما السلام في قوله تعالى ﴿شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء﴾قال : نحن نعطى شيعتنا ما نشاء من . العلم .(5)والكلمة الطيبة - عن ابن عباس هى كلمة التوحيد - شهادة أن لا إله إلا الله(6)﴿فلينظر الإنسان إلى طعامه - إنا صببنا الماء صباً ثمّ شققنا الأرض شقاً فأنبتنا فيها حبّاً و عنباً ...﴾الخ .

فبملاحظة ما ذكرناه من تناسب آيات هذه السورة و القرائن من سائر الآيات و الروايات التي اشرنا إلى بعضها - فلاتابي هذه الآيات عن الإنطباق في الطعام على كلا

ص: 412


1- تفسير البرهان : ج 2 ص 286.
2- و يرشد إلى ذلك الآيات بعدها - للذين استجابوا لربهم الحُسنى - أفمن يعلم انما انزل إليك من ريك الحق كمن هو أعمى . منه.
3- تفسير البرهان : ص 287 و تفسیر نور الثقلين : ج 2 ص 492.
4- تفسير نور الثقلين : ص 310 ح 2 ص 535.
5- تفسير البرهان : ص 310 و تفسیر نور الثقلين : ج 2 ص 535.
6- تفسير مجمع البيان : ج 2 ص 18 و تفسير الدر المنثور : ج 4 ص 75.

الطعامين (الروحي و الجسمي) و في الماء المنصب على كلا المعنين (الماء النازل من المطر أو من سماء عالم المبدء و الوحى النازل من الله سبحانه) و انشقاق الأرض على(الأرض و أرض القلوب) و ما ينبت به من الحبوب و الثمار و البقول من الأطعمة على (الأطعمة الجسمية من الفواكه والحبوب والثمار وغيرها و الأطعمة الروحية من العلوم و المعارف الحقة) و الإنسان يستمد في حياته من كلتا الجهتين مع سلامتهما وإلا فيهلك أو يمرض بسوء تغذيته ﴿فلينظر الإنسان إلى طعامه﴾.

و قدكان واقعة العابس و الأعمى و من استغنى في صدر السورة في الرابطة بين الأعمى الفقير الذي لعله يتزكى و يسعى إلى الإسلام و رسوله(صلی الله علیه و آله و سلم)و هو يخشی و بین العابس الذي عبس و تولّى أن جائه الأعمى وكان عنه يتلهى مع أنه يسعى و يخشى ، و هذا العابس في حالة اخرى مع من استغنى ، فله يتصدى و هذه العناوين لهؤلاء الثلاثة مشعرة بما في بواطن نفوسهم من السجايا والصفات الحميدة و اخرى ذميمة رذيلة - و هذه السجايا و الأحوال ليست بلارابطة عن الأغذية و الأطعمة التي كانوا يستطعمونه هؤلاء فالأطعمة والأشربة كما تؤثر صحيحها في صحة الأجسام و الأبدان و فاسدها في فسادها - كذلك يؤثر حرامها و حلالها في فساد الأرواح و النفوس أو سلامتها أو رشدها في الكمالات المعنوية - فالعابس على وجه الفقير الأعمى الذي لعله يتزكى و هو يسعى إلى الإسلام و يخشى - و من استغنى عن الإسلام بما له من الثروة والعشيرة قدكان لما اكلوا مما حرمه الله تعالى من المال الحرام تأثيراً كبيراً كثيراً في انبعاث نفوسهم لهذه الصفات الرذيلة - كما أن الأعمى الفقير كان لطعامه الذي لا يتجاوز عن الحلال - نوعاً - و لو لعدم قدرته على الحرام، تأثيراً لسعيه إلى الإسلام - دين الفطرة السليمة دين الفطرة السليمة و دين المساواة و التراحم و ضغط الظلم والطغيان - فالله سبحانه الذي خلق الإنسان و قدر له من الرزق الحلال وحرم عليه أشياءاً من الأطعمة - انما أحل له الحلال من الرزق و حرم عليه الحرام لمصالح نفس الإنسان و ما عليه من المفاسد لاعبثاً و لاهزلاً و لا أن يعود إليه منافعه مضاره - فسبحانه و سبحانه أن يكون شيء من ذلك .

فمنافع الأطعمة في حلالها ومضارها في حرامها انما يعود إلى الإنسان جسماً أو روحاً أو كليهما .

﴿فلينظر الإنسان إلى طعامه﴾.

ص: 413

الروايات في تأثير الأطعمة في الصفات والسجايا والأعمال

فعن المفضل بن عمر قال قلت لأبي عبدالله عليه السلام : لم حرم الله الخمر و الميتة والدم ولحم الخنزير ؟ قال : إن الله تبارك وتعالى لم يحرم ذلك على عباده و احل لهم ما سواه من رغبة منه فيما حرم عليهم ولازهد فيما احلّ لهم ، و لكنه خلق الخلق فعلم ما تقوم به أبدانهم و ما يصلحهم فاحله لهم و اباحه تفضلاً (به) لمصلحتهم و علم ما يضرهم فنهاهم عنه وحرمه عليهم (إلى أن قال) و أمّا الدم فانه ... و يسيّىء الخلق و يورث الكَلفَ و القسوة في القلب وقلة الرأفة والرحمة حتى لا يؤمن أن يقتل ولده و والديه ولا يؤمن على حميمه ولا يؤمن على من يصحبه (إلى أن قال) و أمّا الخمر فإنّ الله حرمها لفعلها و فسادها و قال مدمن الخمر كعابد وثن يورثه الارتعاش و يذهب بنوره و يهدم مروّته ، و يحمله على أن يجسر على المحارم من سفك الدماء و ركوب الزنا و لا يؤمن إذا سكر أن يثب على حرمه و هو لا يعقل ذلك و الخمر لا يزداد شاربها إلا كلّ شر.(1)

و قال رسول الله صلى الله عليه و آله ان الخمر رأس كل اثم.(2)

وقيل لأمير المؤمنين عليه السلام انك تزعم أن شرب الخمر أشدّ من الزنا و السرقة فقال نعم ان صاحب الزنا لعله لا يعدوه إلى غيره و ان شارب الخمر إذا شرب الخمر زنى و سرق و قتل النفس التي حرم الله عزّ و جلّ و ترك الصلوة.(3)

و عن أبي عبدالله عليه السلام قال لما حسر (اى كشف) الماء عن عظام الموتى فرأى ذلك نوح عليه السلام جزع جزعاً شديداً و اغتم لذلك (إلى أن قال) فاوحى الله عزّ و جلّ إليه أن كل العنب الأسود ليهذب غمّك.(4)

ص: 414


1- الوسائل ج 16 ص 477 نقلاً عن الكافي و الفقيه و الأمالي و العلل و المحاسن و تفسير العياشي منه.
2- الكافي ج 6 ص 403.
3- الكافي ج 6 ص 403.
4- الكافي ج 6 ص 350.

و عن أبي عبدالله عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام اكل العدس يرق القلب و يكثر الدمعه.(1)

و عن أبي عبدالله عليه السلام قال قال أمير المؤمين عليه السلام اكل السفرجل(2)

قوة للقلب الضعيف و يطيب المعدة و يزكى الفؤاد و يشجع الجبان.(3)

و عن أبي عبد الله عليه السلام قال كلوا الكمثرى(4)فإنه يجلو القلب و يسكن أوجاع الجوف بإذن الله.(5)

و في رواية عن حنان عن أبي عبدالله عليه السلام قال يا حنان اما علمت ان أمير المؤمنين عليه السلام لم يؤت بطبق الا و عليه بقل قلت و لم جعلت فداك ؟ فقال لانّ قلوب المؤمنين خضرة وهى تحنّ إلى اشكالها.(6)

و عن أبي جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله الزيت دهن الأبرار و ادام الأخيار بورك فيه مقبلاً و بورك فيه مدبراً ، انغمس في القدس مرتين.(7)

و قال سبحانه : ﴿و هزّى إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنيّاً - فكلي و اشربي و قري عيناً﴾(8)

و قال عز و جل : ﴿فنبذناه بالعراء و هو سقيم - و أنبتنا عليه شجرة من یقطین﴾(9)

امه و قال سبحانه : ﴿و نزّلنا من السماء ماءاً مباركاً فأنبتنا به جنّات و حبّ الحصيد - و النخل باسقات لها طلع نضيد - رزقاً للعباد ...﴾.(10)

ليا و قال سبحانه : ﴿و من ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً و رزقاً حسناً إنّ في ذلك لآيةً لقوم يعقلون﴾(11)

ص: 415


1- الكافي ج 6 ص 343.
2- فارسی آن «په» است.
3- الكافي ج 6 ص 357.
4- فارسی آن «گلابی» است.
5- الكافي ج 6 ص 358.
6- الكافي ج 6 ص 362.
7- الكافي ج 6 ص 332.
8- سورة مريم : آیه 26.
9- سورة الصافات : آيه 146.
10- سورة ق : آیه 10.
11- سورة النحل : آیه 67.

و في خطبة الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين صلوات الله عليه يوم عاشورا من المحرم مخاطباً لعسكر عمر بن سعد - قال - وكلكم عاص لامرى غير مستمع قولي فقد ملئت بطونكم من الحرام و طبع على قلوبكم.(1)

كان أميرالمؤمنين عليه السلام إذا أكل الزمان بسط تحته منديلاً فيسأل عن ذلك فيقول ان فيه حبّات من الجنّة.(2)

و عن أبي عبدالله عليه السلام : من أكل الزمان على الريق انارت قلبه أربعين يوماً(3).

اله و عن أبي عبدالله عليه السلام قال خير تموركم البرنى يذهب بالداء و لاداء فيه و يذهب بالاعياء و لاضرر له و يذهب بالبلغم و مع كل تمرة حسنة(4).

و في رواية اخرى يهنىء و يمرىء و يذهب بالاعياء و يشبع.(5)

و عن أبي عبدالله عليه السلام قال اللحم ينبت اللحم و من ترك اللحم أربعين يوماً ساء خُلقه و من ساء خُلقه فاذنوا في أذنه.(6)

هذه جملة مختصرة ممّا في بعض الآيات و الروايات عن الحجج الطاهرة و أهل بيت الوحى من تأثير الأطعمة في الصفات و الأحوال الروحية الحميدة أو الرذيلة ممّا تتبعه الإرادة و العزم في الأفعال و التروك وكيفية الإنفعالات الروحية عن المواعظ و التذكرات أو الإنبساط في قبال الحسنات و الخيرات والمبرات أو الإنقباض و التقطب و العبوس ومعارضتها .

فللطعام أثر عميق في الأفعال والأعمال نفياً وإثباتاً.

فلذا يمكننا أن ندرك جانباً اخر من هذا الفصل الرابع .

﴿كلاً لما يقض ما أمره فلينظر الإنسان إلى طعامه - إنا صببنا الماء صباً - ثمّ شققنا الأرض شقاً - فأنبتنا فيها حباً وعنباً و قضباً و زيتوناً و نخلاً و حدائق غلباً و فاكهة و أباً متاعاً لكم ولأنعامكم﴾.

ص: 416


1- البحار : ج 45 ص 8.
2- الوسائل : ج 16 ص 633.
3- الوسائل : ج 16 ص 637.
4- الوسائل : ج 16 ص 345.
5- الوسائل : ج 16 ص 345.
6- الوسائل : ج 16 ص 309.

فإذا اراد إنسان أن يقضي ما أمره الله فلينظر إلى طعامه فإنّ الله سبحانه اخرج من ما الأرض الحبوب و البقول والفواكه متاعاً لكم ولأنعامكم و لتتمتعوا بها في حياتكم - الحياة الجسمية و الحياة الروحية العلمية - ففيها ما يوجب التمتع لكم ولأنعامكم - الأنعام المخلوقة لكم لتتمتعوا بتلك الأنعام في لحومها وجلودها و اشعارها و اصوافها و اوبارها و ألبانها و ما يشتق من ألبانها - متاعاً لكم - تنتفعون بها لأنفسكم ولأنعامكم - فتنتفع أنعامكم منها - أنعامكم التي هي لكم و أنتم تنتفعون بهذه الأنعام .

هذه نعم من الله سبحانه في حياتكم الدنيا فانتفعوا بها لسعادتكم في كل حياتكم الدنيا و الآخرة - في معيشتكم و راحتكم و رشدکم و سائر المنافع للدنيا - و لتعديل نفوسكم و تهذيب أخلاقكم وحسن معاشرتكم مع الناس و فيما أمر الله تعالى و نهى عنه من الطاعات و ترك المحرمات و تزكية نفوسكم وعبادة ربكم و تقربكم إلى الله سبحانه في هذه الحياة الدنيا - لا أن تنتفعون بها للطغيان والتمرّد عن أحكام دين الله - دين الفطرة السليمة - دين الإسلام دين المساواة و الاخوة - ولا أن تجعلوا نعم الله التي عندكم ، وسيلة للتفاخر و التكاثر ، و في إنحصار أقربائكم من آبائكم و أبنائكم وعشيرتكم ، و تضغطوا الطبقات الضعيفة من الفقراء والعميان و العبيد و من لاناصر و لاعشيرة له تحميه عن الأعداء المنابذين له - وإلا - فليعلم انه قد خسر في ذلك ، و لم ينتفع ، و لم يتمتع بما خلقه الله متاعاً له لدنياه و آخرته فما زعمه من ان جلب رضا عشيرته و الأقوياء من أقربائه ، يحميه عن سخط الله و عذابه إذا أحاط به ، فزعم باطل فاسد و وهم کاسد و هنا يذكر الله سبحانه يوم القيمة ، الذي فيه لا انساب بينهم ، وكل امرء بما كسب رهين و لا ينفع مال ولا بنون ولاعشيرة - و الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقین.

الفصل الخامس من السورة

و هذا هو الفصل الخامس من هذه السورة في جولة اخرى على الواقعة المذكورة في صدرها - فتختتم السورة به ..

﴿يوم يفرّ المرء من أخيه - وامه و أبيه - و صاحبته و بنيه - لكل امرء منهم

ص: 417

يومئذٍ شأن يغنيه - وجوه يومئذ مسفرة - ضاحكة مستبشرة - و وجوه يومئذ عليها غبرة - ترهقها قترة اولئك هم الكفرة الفجرة﴾.

و بهذا الفصل الخامس تختتم السورة في نظم بديع ، و تناسق متراصد متعاضد ، لا يضل المسترشد في طريق هدايتها ، ولا يزل السالك في صراط التدبّر فيها ، لمن تعمق في التفكر فيها ، فان التفكر حياة قلب البصير ، كما يمشيء المستنير في الظلمات بالنور، الظلمات من الطوفان السياسي بالأيادي المستأجرة من الوضاعين للروايات الكاذبة الذين يحرفون الكلم عن مواضعه و يشترون بأيمانهم ودينهم ثمناً قليلاً ، و اولئك لاخلاق في الآخره و لهم عذاب أليم - و الا - فليس في آيات السورة و فصولها ظلمة و ابهام و غلق و اضطراب بل كلّها يهدى إلى الحق و إلى صراط مستقيم .

نعم في الختام يرجع إلى المطلع و يرشد إليه في جوانب كثيرة .

1 - العابس كان يتجامل مع الأشراف من كفّار عشيرته ليستزيد في عظمة شخصيته و عند الحاجة في اعوانه و انصاره - و لا يتذكر - يوم يفر المرء من أخيه و امه و أبيه و صاحبته و بنيه (الذينهم أقرب أقربائه فضلاً عمن يبعد عنه في القرابة) و لكل امرء منهم يومئذٍ شأن يغنيه(ويكفيه عن الذهول عن غيره) .

2- يصوّر تصويراً تمثالياً للوجه العابس الذي عبس و تولّى - أن جائه الأعمى الذي لعله يزكى و هو يسعى إلى الإسلام وإلى رسوله صلى الله عليه و آله و يخشى وكان عنه تلهى ، و أمّا من استغنى فهو له يصدى .

فهذا الوجه العابس و غيره من الوجوه السالكين مسلكه العابسين على المؤمنين - إذا جائت الصاخة - وجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة - فيعلو على وجهه غبار الذل الخفّة و يحيط عليها اليأس و الانقباض و الحزن والحسرة - اولئك هم الكفرة الفجرة - هم الذين ستروا و تلهوا وتغافلوا عمّا علموا من الإسلام و المسلمين و خرجوا عن حدود الإسلام وهتكوا شخصية المسلمين و تمايلوا عن الحق و الصدق و لم ينصفوا بين الحق و الباطل و استعروا بالاقبال إلى الغني الذي استغنى و عبسوا و تلهوا عن الفقير الأعمى و الضعفاء من المؤمنين فبذلك رهقهم الذل و الخفّة والهوان في الآخرة .

و يصوّر الوجه الاخر التي تلقاها الأعمى المسترشد في أول لقاه و كان هو المقصود له في سعيه إليه وكان القرآن الذي فيه التذكرة و التزكية بيديه و هو معلمه

ص: 418

العامل به و مبلّغه و منذره وكان من سفراء الله الكرام البررة باراً رؤفاً رحيماً بالمؤمنين و متخلّقا بالأخلاق الحسنة على خلق عظيم متبسّماً في وجوه المؤمنين و شديداً على الكافرين المستكبرين على الحق المعاندين لهيله رضا جهانسولها

قية و هذه وجوه السفرة الكرام البررة الذين يبلغون رسالات الله و يخشونه و لا يخشون أحداً إلا الله - التي تلقى الأعمى في مجلس الدعوة الإسلامية أحسنها وأكملها أخلاقاً و ابتساماً في وجوه المؤمنين و هي وجه خاتم الأنبياء و أفضل السفراء و أكملهم في مكارم الأخلاق و محامد الصفات وأطهرهم عن رذائل الملكات و الحالات و أنزههم و أقدسهم عن الأعمال الذميمة و الأفعال الركيكة - وقد ذكر الله سبحانه وصف هذه الوجوه يوم القيمة بقوله تعالى ﴿وجوه يومئذٍ مسفرة ضاحكة مستبشرة﴾.

3- كما يبين في صدر السورة أن واقعة العابس قبال الأعمى الفقير و تعريض نفسه في صراط الدعوة الاسلامية و ما فعله لم يكن حقه و لم يكن ينبغي أن يصير الحال على هذا المنوال - و دل على ذلك بكلمة (كلاً) تعقيباً له ، ثم بين ان هذه تذكرة من القرآن و الدعوة الإسلامية ﴿في صحف مكرّمة مرفوعة مطهرة بأيدى سفرة كرام بررة﴾ و هما منهجان يتظاهران في سبيل الدعوة الإسلامية - منهج الباطل و أهل الضلالة و الدعاوي الباطلة - و منهج الحق و الرسالة الإلهية - فمنهج الباطل في الدنيا يتظاهر بأمثال ما في هذه الواقعة (في صدر السورة) و أشباهه و نظائره .... و منهج الحق و الرسالة هو الذي ذكره الله سبحانه : ﴿الذين يبلغون رسالات الله و يخشونه و لا يخشون أحداً إلا الله﴾ في قوله تعالى ﴿في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة - بأيدى سفرة كرام بررة﴾.

كذلك يبين في اخر السورة ظهور صاحب المنهج الباطل و المنهج الحق في الآخرة ﴿وجوه يومئذ مسفرة ... و وجوه يومئذ عليها غبرة﴾ .

4- وكذلك أوضح بذلك ان العابس لم يكن هو صاحب السفارة والرسالة الخاتمية صلى الله عليه و آله فان وجهه يوم القيمة كالشمس تطلع مسفرة مضيئة ضاحكة مستبشرة ولا يمكن لأحد أن ينسبها إلى ما في اخر السورة - فهذه قرينة واضحة على تعيين المراد من العابس في صدر السورة و انه غيره(صلی الله علیه و آله و سلم).

5- يذكر اولا الوجوه المسفرة - من دون بيان صاحب الوجه و أوصافه ثم يذكر

ص: 419

الوجوه التي عليها غبرة وترهقها فترة ثم يقول اولئك هم الكفرة الفجرة فتدل أولاً على ان المقصود للأعمى الفقير وكذا الذي استغنى - هو الوجوه المسفرة الا انه اعترض بينهم العابس من الوجوه التي عليها غبرة و ثانياً على أن اللقاء الاصلى الاولي هو للوجوه المسفرة ثمّ الوجوه التي عليها غبرة و ثالثاً أن الوجوه المسفرة التي يسفر عن وجه الحقيقة و يكشف الستر عنها هي وجوه السفرة الكرام البررة فالوجوه التي عليها غبرة غير قادر على كشف الغبار عن وجه نفسه فكيف بغيره ورابعاً أنّ الشأن في كشف الحقيقة عن تحت ستور الباطل و هو شأن من وجهه مُشرق مسفر ليُشرق و ينوّر غيره - لامن على وجهه الغبار و الظلمة و الخفة النفسانية ليزايلها بإلحاق نفسه إلى الأغنياء والأشراف من الكفار - و لا يمكنه أن يزيلها بذلك .

فبيان الحق و دين الحق و انارة الطريق وإرشاد الناس و تعليمهم و تزكيتهم بأيدى سفراء الله بوحى من الله إلى قلوبهم الزكية الطاهرة المنوّرة الذينهم كرام بررة إلى عباد الله فإنّهم وجوه مسفرة مشرقة مضيئة إذا طلعوا على العوالم الإنسانية يبدلون الليل المظلم بالنهار - كالصبح إذا أسفر - فإن قلوبهم مشكاة أنوار الله و أعمالهم كأخلاقهم و سجاياهم زاكية طيبة طاهرة عن كل رجس و قذارة .

فوجوههم في آخرتهم كالدنيا مسفرة مشرقة مضيئة - وضاحكة - لماذا - لانها لسعيها راضية ، مستبشرة - لما يرى لنفسه من النجاح والفلاح بأحسن ما يمكن أن يتصور بعد العبور عن عقبات كئيبة خطيرة لم ينجح أكثر الناس في أنفسهم - لكنهم في سفارتهم و رسالات الله إلى الناس و هدايتهم و تزكيتهم و إشاعة الإسلام إلى ارجاء العالم و استظلال امتهم تحت لواء التوحيد ناجحون - فيرون آثار أعمالهم الوسيعة إلى غايتها - فوجوههم ضاحكة مستبشرة .

لكن الذين اشتاقوا ان يضعوا أنفسهم مكان سفراء الله ليجتمع الناس حولهم و يترأسون على المسلمين مع إنحطاط أخلاقهم و انحراف أفعالهم عن الإسلام و ظلمة قلوبهم بالجهل و الفساد والطغيان فعبس وتولّى أن جائه الأعمى و عنه تلهى - و من استغنى فله يتصدّى - فهو و أشباهه يوم الصاحه - وجوه يومئذ عليها غبرة - غبرة الذلة و - الخفة - و الجهل و الظلمة - ترهقها قترة - و يغشاها سواد الذل و الإنقباض - اولئك هم الكفرة الفجرة - قال في مجمع البيان - كفرة في أديانهم فجرة في أفعالهم ، فهم لم يؤمنوا

ص: 420

في الحقيقة ، بحقيقة الإسلام - و لم يطبقوا أفعالهم على دين الإسلام فهم في الحقيقة الكفرة الفجرة - أو يقال أنّهم الكفرة - لما ستروا أنوار الإسلام بغشاوة ظلماتهم - وفجرة - لما طغوا على الإسلام و المسلمين - فوجوههم يومئذ عليها غبرة - ترهقها فترة .

و قال في تفسير الصافي ﴿اولئك هم الكفرة الفجرة﴾ الذين جمعوا إلى الكفر الفجور فلذلك يجمع إلى سواد وجوههم سواد و ظلمة .

و قال في تفسير الميزان ﴿اولئك هم الكفرة الفجرة﴾ أى الجامعون بين الكفر اعتقاداً والفجور و هو المعصية الشنيعة عملاً أو الكافرون بنعمة الله الفاجرون.(1)

في أهداف السورة و ما وجهت إليه

قدمضى البحث في شأن نزول السورة و الإختلاف بين الفريقين العظيمين من المسلمين - الشيعة ، و أهل السنّة - فالشيعة اطبقوا على ان المقصود ممن عبس هو رجل من بني اميه وبعضهم صرّح بأنه عثمان بن عفان - و على ذلك رواياتهم المصرحة به أو المشار إليه في كلماتهم ، و أما أهل السنّة فذهبوا ، أو أكثرهم الى ان المقصود ممن عبس (العياذ بالله) هو رسول الله صلى الله عليه و آله - و على ذلك أكثر رواياتهم وكلمات مفسّريهم حتى ان بعضهم ادعى الإجماع منهم على ذلك ولعله ليس كذلك - هذا من جهة . و من جهة اخرى أنا نعلم أن عثمان بن عفان قدقبض رئاسة المسلمين و زمام امورهم بعد رسول الله صلى الله عليه و آله بأنه خليفة الرسول بعد الشيخين أبي بكر و عمر - وكان معه بنو أبيه يحضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع (كما في الخطبة الشقشقية لأمير المؤمنين عليه السلام) إلى أن اجهز عليه عمله و ثار عليه المسلمون و حاصروه في داره و قتلوه تقتيلاً .

و من جهة اخرى انّ آياتاً من سورة الأسراء باتفاق الفريقين (الشيعة و أهل السنة) نزلت في بني اميه بسوء عاقبتهم و نازلتهم وفتنهم على الإسلام والمسلمين و خوفهم الله منهم فما يزيدهم الاطغياناً كبيراً .

ص: 421


1- ج 20 ص 318.

فعن طريق العامة عدّة روايات :

منها ما اخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عمر أنّ النبي صلى الله عليه و سلم قال رأيت ولد الحكم بن العاص على المنابر كأنهم القردة و أنزل الله في ذلك : ﴿و ما جعلنا الرؤيا التي اريناك إلا فتنة للنّاس و الشجرة الملعونة﴾ يعنى الحكم و ولده.(1)و منها ما اخرجه ابن أبي حاتم عن يعلى بن مرّة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلّم أريت بني امية على منابر الأرض وسيملكونكم فتجدونهم أرباب سوء - و اهتم رسول الله صلى الله عليه وسلّم لذلك فأنزل الله : ﴿و ما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس﴾(2).

و منها ما اخرجه ابن مردويه عن الحسين بن علي رضى الله عنهما انّ رسول الله صلى الله عليه و سلّم اصبح و هو مهموم فقيل ما لك يا رسول الله ؟ فقال انى أريت في المنام كأنّ بنيامية يتعاورون منبري هذا فقيل يا رسول الله لا تهتم فإنّها دنيا تنالهم فانزل الله : ﴿و ما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس﴾(3).

و منها ما اخرجه ابن مردويه عن عايشة انها قالت لمروان بن الحكم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول لأبيك و جدك إنّكم الشجرة الملعونة في القرآن.(4)- إلى غير ذلك من الروايات بهذا المعنى .

و عن طريق الشيعة أيضاً عدة روايات :

منها ما عن العياشي عن أبي جعفر عليه السلام )و فيها) و الشجرة الملعونة في القرآن - يعنى بني أمية.(5)

و منها ما عن أبي عبد الله عليه السلام ان عليّاً عليه السلام قال لعمر يا أباحفص ألا اخبرك بما نزل في بني امية ؟ قال بلى قال فانه نزل فيهم - و الشجرة الملعونة في القرآن(6).

و منها ، عن القاسم بن سليمان عن أبي عبد الله عليه السلام قال اصبح رسول الله

ص: 422


1- الدر المنثور : ج 4 ص 191.
2- الدر المنثور : ج 4 ص 191.
3- الدر المنثور : ج 4 ص 191.
4- الدر المنثور : ج 4 ص 191.
5- تفسير البرهان : ج 2 ص 424.
6- تفسير البرهان : ج 2 ص 425.

صلّى الله عليه و آله يوماً حاسراً حزيناً فقيل له ما لك يا رسول الله ؟ فقال إني رأيت الليلة صبيان بني امية يرقون على منبري هذا فقلت يا ربّ معي ؟ فقال لا ولكن بعدك(1).

ومنها ما في رواية عبدالرحيم القصير عن أبي جعفر عليه السلام (و فيها) قلت و الشجرة الملعونة في القرآن ، قال هم بنوامية.(2)

و منها ما عن يونس بن عبدالرحمن الاشل قال سئلته (أبا جعفر(علیه السّلام)) عن قول الله و ما جعلنا الرؤيا التى اريناك الا فتنة للناس) ، الآيات - فقال ان رسول الله صلى الله عليه و آله نام فراى ان بني امية يصعدون المنابر فكلما صعد منهم رجل راى رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)الذلة و المسكنة فاستيقظ جزوعاً من ذلك وكان الذين رآهم اثنا عشر رجلاً من بني امية فاتاه جبرئيل بهذه الآية - الحديث.(3)

و منها ما عن نهج البيان عن أبي عبدالله الصادق(علیه السّلام)أن النبي صلى الله عليه و آله رأى ذات ليلة و هو بالمدينة كان قرودا أربعة عشر قد علو منبره واحداً بعد واحد (إلى أن قال) قال الصادق عليه السلام هم بنو أمية.(4)

لكن بأزاء هذه الروايات روايات اخرى تدلّنا على تسيطر الإختناق و الضغط على أئمة الدين أو الرواة والمحدثين.

فمن روايات الشيعة في ذلك :

رواية سلام الجعفي عن أبي عبدالله عليه السلام قال أنا لانسمى الرجال بأسمائهم و لكن ، رسول الله صلى الله عليه و آله رأى قوماً على منبره يضلّون الناس بعده عن الصراط القهقرى.(5)

و في رواية اخرى عنه عليه السلام أن رسول الله صلى الله علیه و آله قدرای رجالاً من نار على منابر من نار و يردون الناس على أعقابهم القهقرى و لسنا نسمى أحداً.(6)

ففي أمثال هذه الروايات لا يكتم الحق و لكن لا يصرح بأسمائهم حتى يفتش المستمع و يكشف الحقيقة من هنا و من هناك .

ص: 423


1- تفسير البرهان : ج 2 ص 425.
2- تفسير البرهان : ج 2 ص 425
3- تفسير البرهان : ج 2 ص 425.
4- تفسير البرهان : ج 2 ص 425.
5- تفسير البرهان : ج 2 ص 425.
6- تفسير البرهان : ج 2 ص 425.

و أما في روايات أهل التسنّن فجملة اخرى من رواتهم تريهم يحرفون الكلم عن مواضعه ، و يفترون الشجرة الملعونة في القرآن بأشياء لا تلصق غبارها على بني امية خوفاً - أو طمعاً في عطياتهم.

منها ما اخرجه جماعة من المحدثين كالبخارى و أحمد والترمذي والنسائى و الطبراني والحاكم و ابن مردويه (و غيرهم) عن ابن عباس في قوله تعالى وما جعلنا الرؤيا التي اريناك الا فتنة للناس - قال هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة اسری به الی بیت المقدس و ليست برؤيا منام و الشجرة الملعونة في القرآن قال هي شجرة الزقوم.(1)

و على معناها روايات اخرى ففي بعضها كهذه فسرت الرؤيا بليلة الأسراء و الشجرة الملعونة بالزقوم و في بعض اخر اقتصر بتفسير الشجرة الملعونة بالزقوم - مع ان كليهما خلاف ظاهر اللفظ فما رآه صلّى الله عليه و آله في ليلة الأسراء كان في اليقظة لا في النوم كما صرح به في نفس هذه الرواية و الرؤيا انما يقال لما راه في المنام كما انّ شجرة الزقوم طعام الأثيم في الجحيم ولا معنى لكونها ملعونة كأصل الجحيم حيث خلقها الله سبحانه للآثمين و المجرمين عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون و ليست عاصية لتصير ملعونة .

و بالجملة فآثار الوضع و الجعل فيها غير مستورة على المتدبر اللبيب .

مضافاً إلى صراحة نفس الآيات في أن المراد منها جماعة من عصاة الأمة و أتباع إبليس ، تكون فتنة للناس ، و ينصبون أنفسهم أئمة لكن أئمة سوء ، يتبعون الشهوات و يضلون الناس بشتى طرق الضلالة في معارفهم و أعمالهم و أخلاقهم و يردّونهم عن الإسلام على أعقابهم القهقرى و سوقاً إلى الجاهلية - فإليك تلك الآيات .

﴿و إذ قلنا لك انّ ربّك احاط بالنّاس و ما جعلنا الرؤيا التي اريناك إلا فتنةً للناس و الشجرة الملعونة في القرآن و نخوّفهم فما يزيدهم إلا طغياناً كبيراً 60 و إذ قلنا للملئكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس ، قال أسجد لمن خلقت طيناً 61 قال ارءيتك هذا الذي كرّمت على لئن اخرتن إلى يوم القيمة لأحتنكن ذرّيته إلا

ص: 424


1- الدر المنثور : ج 4 ص 191.

قليلاً 62 قال إذهب فمن تبعك منهم فإنّ جهنّم جزائكم جزاء موفوراً 63 و استفزز من استطعت منهم بصوتك و أجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال و الأولاد وعدهم و ما يعدهم الشيطان الا غروراً 64﴾ثم يقول سبحانه بعد ستة آیات :

﴿يوم ندعو كل أناس بإمامهم فمن أوتى كتابه بيمينه فأُولئك يقرؤن كتابهم و لايظلمون فتيلاً 71 و من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى و أضل سبيلاً 72﴾سورة الاسراء .

فمن تدبّر في تلك الآيات الكريمة صدراً و ذيلاً يعرف أنها لا تلاصق بليلة الاسراء و لابشجرة الزقوم و انها تبين ان الرؤيا التي راها النبي صلى الله عليه و آله في المنام انما اراه الله بها الفتنة الكبرى و الامتحان التي ستقع بعده و اراه الشجرة الملعونة في القرآن لافي الجحيم - و الشجرة تطلق على العشيرة التي هي ذات أصل و عروق و اغصان كالشجرة كما فسرت في روايات الفريقين ببني امية أو بني الحكم بن العاص الذينهم من فروع بني امية و هى من الآفات في القرآن لافي الجحيم - ثم يقول - و نخوّفهم - عن ذلك كما في تلك الآيات وغيرها و ما عن قول رسول الله صلى الله عليه و آله في مواضع كثيرة - فما يزيدهم هداية وبصيرة - بل - فما يزيدهم إلا طغياناً كبيراً - كما انّ هذه الجملة ينطبق على أطغى طواغيتهم يزيد الطاغية - لفظاً و معنى - فظهور الآية بعد ملاحظة روايات الفريقين في تفسيرها ببني امية - يكفى في طرد الروايات المخالفة الواردة بان المراد من الرؤيا ، واقعة المعراج في ليلة الاسراء - او ان الشجرة الملعونة هي شجرة الزقوم .

هذا - مضافاً إلى ذكره سبحانه بعدها امره بسجدة الملئكة لآدم فسجدوا - إلا - إبليس - فتمرّد عن السجدة تكبّراً واوعد على ان يحتنكنّ ذريته إلا قليلاً .

فما راه صلى الله عليه و آله في الرؤيا و الشجرة الملعونة في القرآن كان من مصاديق ما اوعد عليه إبليس من الاحتناك والإضلال في القرآن .

وكذا ما تهيأ للشيطان من الفعل و لآدم من امكان القبول و الانفعال عمّا يستفز الشيطان منهم بصوته ويُجلب عليهم بخيله و رجله و يشارك في أموالهم و أولادهم - و يعدهم غروراً - فكل هذه الامور مما يناسب تملك بني امية وسلطتهم على امور المسلمين و لا تناسب لها لقضية المعراج ولاشجرة الزقوم - أصلاً .

ص: 425

و مما يوجب صراحة الآيات في أنّها واردة في إمامة الأمة و الزعامة للإسلام و المسلمين الآيتان 71 و 72 بعد تلك الآيات : يوم ندعو كل اناس بإمامهم - فهناك إمامان - امام من اوتى كتابه بيمينه - فاولئك يقرؤن كتابهم ولا يظلمون فتيلاً - ولا يعذبون شيئاً - لانّ إمامهم كان إمام هدئ و قدهداهم و هم اقتدوا بهداه و اهتدوا به فسلكوا الصراط المستقيم صراط الذین انعم الله عليهم - غير المغضوب عليهم - ولا الضالين - وإمام من كان هذه الدنيا أعمى و لم يتبصر و لم يهتد بهدى الهادين المهديين بل اتبع الذين ظلموا ،الذين جعلوا انفسهم الناس فضلوا و أضلوا كثيراً فقد عمى في الدنيا ان يرى إمام الهدى و يعرفه و يبصره ويتبصر به، فهو في الآخرة أعمى و أضل سبيلاً.

انكشاف أهداف السورة

اشارة

انكشاف أهداف السورة :

و بعد ملاحظة الجهات التي ذكرناها فلا يخفى على المتدبر اللبيب المنصف إذا تدبّر في سورة عبس و الآيات من سورة الاسراء أن أهداف السورة تتلخص في امور :

الأوّل : بيان واقعة حقيقية يتصور فيها منهاجان - منهاج من ليس له اهلية للدعوة الاسلامية مع انه يجتهد ويجد في ان يضع نفسه موضع صاحب الرسالة الإلهيه ، و منهاج صاحب الرسالة و من يتبعه في منهاجه و سبيله .

و الواقعة هي واقعة مجيىء الأعمى الفقير في مجلس صاحب الرسالة وكان فيه رجل من بني امية يتعزّز بهذا المجلس و بانتسابه بالاسلام وبالرسول صلى الله عليه وآله و يريد ان يتصدى لتزكية الناس مع عدم تزكية نفسه فلذا عبس و تولّى أن جائه الفقير الأعمى الذي كان يسعى و هو يخشى و لعله يتزكى - لكن من استغنى عن الإسلام لغناه و شرفه في الكفار وعشيرته - فله يتصدّى - مع انه ما عليه ان لايزكى .

الثاني : بيان عدم لياقة من هذا منهاجه في سبيل الدعوة الاسلامية لدعوة الناس إلى الإسلام و تزكية الامة - فمن يعبس على الأعمى الفقير لعماه و فقره و يتنفّر عنه و ينقبض منه و يتصدّى لشيوخ المشركين و يستريح إليهم لغناهم و سيادتهم بين الكفار - (لالرجاء إسلامهم بل لانه يستغنى عن الإسلام) - ليتعظم و يتعزّز بهم لما يرى فيهم من

ص: 426

العظمة و العزة - مع أنّ العزّة لله ولرسوله و للمؤمنين و لكن المنافقين لا يعلمون - فلا يصلح لزعامة المسلمين ولذا يقول سبحانه - و ما عليك إلاّ يزكى - فليس على عهدتك التزكية لتثثم و تجرم على ألا يزكّى وليس هذا من شغلك و لست منصوباً من الله لذلك الدليل على انك لست لذلك هو ما فشى من عملك في هذه الواقعة و ما برز منك بالنسبة إلى المؤمن الفقير الأعمى و بالنسبة إلى المشركين الذين استغنوا.

الثالث : بيان أنّ الرسالة الإلهية والدعوة الإسلامية بأيدى سفراء الله الذين جعلهم الله سفراء بينه و بين خلقه ، و هم كرام بررة ودعوتهم رفيعة مرفوعة مطهرة عن كل قذارة أخلاقية غير إنسانية .

فسبيله سبيل التذكرة و التزكية والطهارة و الكرم والبر و هذا سبيل خلفائه و من يشتغل بشغلهم وكلهم سفراء الله على خلقه فسفير سفير الله سفير الله - ﴿قل هذه سبيلي ادعو إلى الله على بصيرة انا و من اتبعني و سبحان الله و ما أنا من المشركين﴾(1)لا بأيدى من عبس وتولّى أن جائه الأعمى -.

الرابع: الأمر من الله سبحانه بأن ينظر كل إنسان إلى طعامه و ما يستمد منه في حياته الإنساني في علومه و تزكيته و تربيته و ما يأخذ و ممن يأخذ ليحصل الطعام الطيب الزكي الطاهر من الطيب الزكي الطاهر - لامن غيره - فانّه - الطعام العمدة في طريق هداية الإنسان و تزكيته ، أو ضلالته - فهناك طعامان طعام الجسم من ألوان ما يخرج من الأرض من الحبوب والبقول والفواكه ، وطعام الروح من العلم والتزكية و التربية و المعارف - و كل منهما انما يفيد على فرض سلامته و عدم فساده و عدم إمتزاجه بالسموم و و الآفات - و أكثر ما يفسد ويغش بالسموم - انما هو بأيدي من يصل منه إلى الإنسان الطالب - فلينظر الإنسان إلى طعامه - و إلى من يأخذ منه الطعام الجسمي - و الروحي - فلايكون طليقا في ذلك.

الخامس: انّ المسلم المؤمن عليه أن يتخذ أوليائه و أصدقائه و أحبائه من المسلمين المؤمنين و ان يبذل في ذلك ما عنده من التكريم والتعظيم و البر والصلة فالمسلم المؤمن هو الذي يجذب قلبه إلى المسلم المؤمن ، للمواصلة الحقيقية التي بينهما في العقيدة و الايمان ، و على ذلك يحشر الناس يوم القيمة أفواجاً زُمَراً - لاعلى

ص: 427


1- يوسف : 108.

القرابة في النسب ، إذا لم يكن معها قرابة في العقيدة والايمان ﴿فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم﴾ يعنى بين من يتباعدون عنه في العقيدة و الايمان - وإلا ﴿فالذين

) آمنوا واتبعتهم ذريتهم بايمان الحقنا بهم ذريتهم﴾(1)وكذا الأمر في الصداقة و التحابب ﴿والاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدوّ إلا المتقين﴾.(2)

﴿يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً و لعباً من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم و الكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين - و إذا ناديتم إلى الصلوة اتخذوها هزواً و لعباً ذلك بأنهم قوم لا يعقلون﴾.(3)

فالمسلمون جميعاً و في رأسهم رسول الله صلّى الله عليه و آله مشيهم و سبيلهم هذا ، لاغير - محمّد رسول الله والذين معه أشداء على الكفّار رحماء بينهم - و أما من اتخذ سبيلاً غير سبيل المؤمنين فليعلم أنه سيكون أمامه - يوم يفر المرء من أخيه و أمه و أبيه و صاحبته و بنيه - لكل امرء منهم يومئذٍ شأن يغنيه - فليس أمامة المسلمين و زعامتهم إلا لمن سبيله ومشيه و سيرته ذلك - فمن لم يتخلّق به فلا يصلح للزعامة الاسلامية بل هو من المنافقين في قبال المسلمين - بشر المنافقين بأنّ لهم من الله عذاباً أليماً - الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزّة فإنّ العزّة لله جميعاً(4)- يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا الله عليكم سلطاناً مبيناً(5)- يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض و من يتولهم منكم فأنه منهم إن الله لا يهدى القوم الظالمين - فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتى بالفتح أوامر من عنده فيصبحوا على ما اسروا في أنفسهم نادمين(6)- إنّما وليكم الله و رسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة و هم راكعون - و من يتولّى الله ورسوله و الذين آمنوا فإنّ حزب الله هم الغالبون.(7)

ص: 428


1- سورة الطور : 21.
2- سورة الزخرف : 67.
3- سورة المائدة : 58.
4- سورة النساء : 139.
5- سورة النساء : 144.
6- سورة المائدة : 53.
7- سورة المائدة : 56.

ففي هذه السورة يشير و يؤكد ما عليه ، حكم الإسلام و القرآن في آياته الكثيرة و السيرة النبوية صلى الله عليه و آله من لزوم تكريم المؤمنين و موالاتهم والرأفة و الرحمة بهم و الشدّة على الكافرين وعدم إتخاذهم أولياء من دون المؤمنين فلذا نقطع من آيات نفس السورة ان العابس غير النبي صلى الله عليه و آله .

السادس: أن يعرف المسلمين انّ صلاح الدنيا و الآخرة لهم في أن يجانبوا و يجتنبوا عمّن ليس له دعوة الحق و الإسلام و القرآن في أعماله ومعاشرته وأفعاله وليس عليه من الله سبحانه تزكية الناس و لم ينصب من الله و رسوله لذلك - و من علائمه ان يعبس على فقراء المؤمنين و العميان وضعفائهم و ينقبض عنهم - و ان ينبسط و يفرح و يتعزّز بالكافرين الأغنياء الذين استغنوا عن الإسلام وعن رسول الله صلى الله عليه و آله . فلا يقبلوهم لافي الحكومة على المسلمين ولافي إتخاذهم أسوة و قدوة لهم في معالمهم و تزكيتهم و معارفهم - لأنهم منحرفون عن الإسلام .

و في أن يجتمعوا حول رسول الله صلى الله عليه و آله و من يحذو حذوه و يتبع منهاجه و منصوب من الله مكانه في هداية الناس وإرشادهم و تعليمهم و تزكيتهم .

فهم الهداة المهديون الكرام البررة المعصومون عن الزلل و الإنحراف، فهم بالمؤمنين رؤف رحيم وعلى الكافرين المعاندين غليظ شديد يجاهدون في سبيل الله على الصراط المستقيم ولا يخافون في الله لومة لائم.

فوجوههم في الدنيا للمؤمنين منبسطة مبتسمة ضاحكة مستبشرة كما ان وجوههم و وجوه من اتبعهم في الآخرة مسفرة منيرة مضيئة ضاحكة مستبشرة .

كما أن فريق العابس ومن اتبعه واخذ منهاجه في التقطب على المؤمنين وإذلالهم و تحقيرهم و تضعيفهم ولاسيما ضعفائهم من الفقراء والعميان و المعلولين و أمثالهم من الموالي - و في الإنبساط على الکافرین و تعظیمهم و تکریمهم و ترفيعهم على المؤمنين - ففريقهم فريق لاخير في اتباعهم لافي الدنيا - لعدم هداية و تزكية و تعليم في متابعتهم - و لا في الآخرة - فيوم القيمة - وجوههم ووجوه من اتخذهم أئمة وقادة وزعيماً - وجوه يومئذ عليها غبرة (غبرة الذل و الإنقباض) ترهقها قترة - اولئك هم الكفرة الفجرة.

و هذا هو الذي يُعرف في سورة الاسراء كتاباً وفي ذيلها الروايات (على ما سبق) في مبدء الأمر بقوله تعالى : ﴿وإذ قلنا لك ان ربك احاط بالناس و ما جعلنا الرؤيا

ص: 429

التي اريناك إلا فتنة للناس و الشجرة الملعونة في القرآن و نخوّفهم فما يزيدهم إلا طغياناً كبيراً﴾ و في المعاد يوم القيمة - بقوله سبحانه : ﴿يوم ندعو كل اناس بأمامهم فمن أوتى كتابه بيمينه فأولئك يقرؤن كتابهم ولا يظلمون فتيلاً - و من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى و أضل سبيلاً﴾.

فتارة يعرفهم في سورة - عبس بقوله : ﴿عبس و تولّى أن جائه الأعمى و ما يدريك لعلّه يزكّى أو يذكّر فتنفعه الذكرى و أما من استغنى فأنت له تصدّى و ما وأمّا عليك الا يزكّى و أما من جائك يسعى و هو يخشى فأنت عنه تلهى - كلا﴾

وأخرى في سورة الاسراء بقوله تعالى : ﴿و ما جعلنا الرؤيا التي اريناك إلا فتنة للناس و الشجرة الملعونة في القرآن﴾ .

و ترد الروايات في تفسيرها أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم قال رأيت ولد الحكم بن العاص على المنابر كأنهم القردة و الشجرة الملعونة يعنى الحكم و ولده - او قال صلى الله علیه و آله اريت بني امية على منابر الأرض و سيملكونكم فتجدونهم أرباب سوء - إلى غير ذلك مما سبق من الروايات.(1)

و اخرى يذكر كيفية حشر كل من الفريقين يوم القيمه.

ففى سورة عبس يقول سبحانه - وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة و وجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة و في سورة الاسراء يقول سبحانه - يوم ندعو كل اناس بإمامهم فمن أوتى كتابه بيمينه فاولئك يقرؤن كتابهم و لا يظلمون فتيلاً - و من کان في هذه أعمى فهو الآخرة أعمى و أضل سبيلاً .

الإجمال الكلام و تلخيصه

و إجمال الكلام و تلخيصه في أهداف هذه السورة المباركة أنها ترسم و تبين منهجين و من يتصدّى لكلّ منهما و من يتبعهما و ما يكون عاقبة صاحب كلّ من المنهاجين و من يتبعهما - في يوم القيمة-.

ص: 430


1- ص 479 من هذا الكتاب.

فقد برز أول المنهجين في قبال الأعمى الفقير المسترشد بالعبوس و التحقير و في قبال الأشراف من الكفّار الذين استغنوا عن الإسلام، بالتعظيم و الإستبشار و هذا منهاج من يتعزّز بالكفّار ويريد أن يترأس على المسلمين مكان رسول الله صلّى الله عليه و آله الذي بعثه الله الله في الأمتين يتلو عليهم آياته و يزكيهم و يعلمهم الكتاب والحكمة و يدعوهم إلى أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئاً و يرفضوا جميع الأوثان والأرباب من دون الله.

ثاني المنهجين هو الذي عينه الله و شخصه و من هو قائده و زعیمه و معلمه و مذكره و مزكيه و هو منهج القرآن و دعوة الإسلام - و منهج المنصوب من الله سبحانه لذلك و لزعامته - رسول الله و سفيره و من يتبعونه في منهاجه علماً وعملاً وخلقاً و معاشرة مع الناس من خلفائه الذين نصبهم الله و رسوله لذلك ثمّ من بعدهم من ذكروه و شخصوه قدوة للمسلمين من للمسلمين من العلماء و الفقهاء الراشدين.

مراتب ثلاث لمنهاج الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)

فهناك ثلاث مراتب لتزكية الناس و التعليم والإرشاد والإمامة و الزعامة (و سنذكر إن شاءالله ما في الصحیفة السجادیة).

فالمسلمون مأمورون بالأخذ على المنهاج الثاني - لا الأول - كلاً إنها تذكرة فمن شاء ذكره في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدى سفرة - إلى أن يقول - فلينظر الإنسان إلى طعامه .

و عاقبة كل من المنهاجين وصاحبهما و من يتبعهما يذكرها في اخر السورة ، إلاّ أنه يقدّم منهاج الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)لتقدّمه و عظمته وأنه المقصود الأول من الذكر الحكيم فيقول سبحانه - وجوه يومئذٍ مسفرة ضاحكة مستبشرة - و وجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة اولئك هم الكفرة الفجرة .

ليه زعله لم تلق أية تلك القلف و تاتو قاففه و قد ذكر الإمام السجاد زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام في دعائه (47) من الصحيفة السجادية - ليوم عرفة - هذه الوجوه المسفرة المضيئه المستبشرة في صلواته عليهم على طبقات حلقاتهم من السلسلة المتصلة من رسول الله و سفيره صلوات

ص: 431

الله عليه و آله - إلى خلفائه الأئمة الطاهرين عليهم السلام - إلى الحفاظ الشريعته - إلى أوليائهم المتبعين منهجهم المقتفين آثارهم المتمسكين بولايتهم.

صلواته على رسول الله صلى الله عليه و آله

فقال عليه السلام - ربّ صلّ على محمد و آل محمد المنتجب المصطفى المكرم المقرب أفضل صلواتك وبارك عليه أتم بركاتك و ترحم عليه امتع رحماتك ربّ صلّ على محمّد و آله صلوة زاكية لا تكون صلوة أزكى منها وصلّ عليه صلوةً نامية لا تكون صلوة انمى منها وصلّ عليه صلوةً راضية لا تكون صلوة فوقها ربّ صل على محمد و آله صلوة ترضيه و تزيد على رضاه و صل عليه صلوة تُرضيك و تزيد على رضاك له وصل عليه صلوة لا ترضى له إلا بها و لاترى غيره لها أهلاً - ربّ صلّ على محمّد و آله صلوة تجاوز رضوانك ويتصل اتصالها ببقائك و لا ينفد كما لا تنفد كلماتك - ربّ صلّ على محمّد و آله صلوة تنتظم صلوات ملائكتك و أنبيائك ورسلك و أهل طاعتك و تشتمل على صلوات عبادك من جنّك وإنسك و أهل اجابتك و تجتمع على صلوة كلّ من ذرأت و برأت من أصناف خلقك ربّ صلّ عليه و آله صلوة تحيط بكل صلوة ، سالفة و مستأنفة و صل عليه وعلى آله صلوة مرضيّة لك و لمن دونك و تنشىء مع ذلك صلوة تضاعف معها تلك الصلوات عندها و تزيدها على كرور الأيام زيادة في تضاعيف لا يعدها غيرك .

صلواته على خلفاء رسول الله المعصومين الأئمة الطاهرين(صلی الله علیه و آله و سلم)

ربّ صلّ على اطائب أهل بيته الذين اخترتهم لأمرك و جعلتهم خزنة علمك و حفظة دينك و خلفائك في أرضك و حججك على عبادك و طهرتهم من الرجس و الدنس تطهيراً بأرادتك وجعلتهم الوسيلة إليك و المسلك إلى جنتك ربّ صل على محمد و آله صلوة تجزل لهم بها من نحلك وكرامتك و تكمل لهم الأشياء من عطاياك و نوافلك و توفّر الحظ من عوائدك وفوائدك ربّ صلّ عليه وعليهم صلوةً لاأمد في أوّلها ولاغاية

ص: 432

لأمدها ولانهاية لآخرها ربّ صلّ عليهم زنة عرشك و ما دونه و ملأ سمواتك و ما فوقهنّ و عدد ارضيك و ما تحتهنّ و ما بينهنّ صلوة تقربهم منك زلفى و تكون لك و لهم رضى و متصلة بنظائر هنّ أبداً .

صلواته على حفّاظ الدين في كل أوان

اللهم إنك ايدت دينك في كل آوان بأمام اقمته عَلَماً لعبادك و مناراً في بلادك بعد أن وصلت حبله بحبلك وجعلته الذريعة إلى رضوانك و افترضت طاعته و حذرت معصيته و امرت بامتثال أوامره والأنتهاء عند نهيه وألا يتقدمه متقدم ولا يتأخر عنه متأخر فهو عصمة اللائذين وكهف المؤمنين و عُروة المتمسكين و بهاء العالمين اللهم فاوزع لوليك شكر ما أنعمت به عليه و أوزعنا مثله فيه و آته من لدنك سلطاناً نصيراً و أفتح له فتحاً يسيراً و آعِنْه بِرُكنك الأعزّ و أشدد أزره و قوّ عَضُدَه و راعه بعينك و أحمه بحفظك و انصره بملائكتك و أمدده بجندك الاغلب و آقم به كتابك و حدودك و شرائعك و سنن رسولك صلواتك اللهم عليه و آله و آخي به ما أماته الظالمون من معالم دينك و اجل به صداء الجور عن طريقتك و ابن به الضراء من سبيلك و آزِل به الناكبين عن صراطك و امحق به بُغاةً قصدك عوجاً و اَلنْ جانبه لأوليائك وابسط يده على أعدائك و هب لنا رأفته و رحمته و تعطفه و تحنّنه و اجعلنا له سامعين مطيعين و في رضاه ساعين و إلى نصرته و المدافعة عنه مكنفين وإليك وإلى رسولك صلواتك اللهم عليه و آله بذلك متقربين .

صلواته على المتبعين منهجهم المؤتمين بإمامتهم

اللهم وصل على أوليائهم المعترفين بمقامهم المتبعين منهجهم المقتفين آثارهم المستمسكين بعروتهم المتمسكين بولايتهم المؤتمين بأمامتهم المسلمين لأمرهم المجتهدين في طاعتهم . أيامهم المادين إليهم أعينهم الصلوات المباركات الزاكيات الناميات الغاديات الرائحات و سلّم عليهم و على أرواحهم و اجمع على التقوى أمرهم و أصلح لهم شئونهم وتب عليهم إنك أنت التواب الرحيم و خير الغافرين و اجعلنا

ص: 433

معهم في دار السلام برحمتك يا أرحم الراحمين.(1)

أقول فأولى صلواته على رسول الله سفيره الذي انتجبه و اصطفاه لسفارته و رسالته

المكرم المقرّب الذي يصلّى عليه الله وملائكته : ﴿إن الله و ملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلّوا عليه و سلّموا تسليماً﴾.

و ثانية صلواته على أطائب اهلبيته الذين اختارهم لأمره و جعلهم خزنة علمه و حفظة دينه و خلفاء في أرضه و حججاً على عباده و طهرهم من الرجس و الدنس تطهيراً : ﴿إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً﴾ و جعلهم الوسيلة إليه و المسلك إلى رضوانه .

و ثالثة صلواته على من يؤيد الله به دينه في كلّ أوان و زمان من امام اقامه علماً لعباده و مناراً في بلاده بعد أن وصل حبله بحبله و جعله الذريعة إلى رضوانه و افترض طاعته و حذر معصيته و امر بامتثال أوامره و الانتهاء عند نهيه و ألا يتقدمه متقدم و ألاّ يتأخر عنه متأخر فهو عصمة اللائذين وكهف المؤمنين و عروة المتمسكين و بهاء العالمين.

فهؤلاء الطوائف الثلاثة تشملهم كلمة - بأيدى سفرة كرام بررة و هذه الطائفة الثالثة هم الذين ذكروا في روايات كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه و آله مثل ما عن ابن وهب قال سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول قال رسول الله صلى الله عليه و آله - ان د كل بدعة تكون من بعدي يكاد بها الايمان وليا من أهل بيتي موكلا يدبّ عنه ينطق بالهام من الله و يعلن الحق و ينوّره و يرد كيد الكائدين يعبر عن الضعفاء فاعتبروا يا اولى الأبصار و توكلوا على الله(2)و مثل ما عن اسماعيل بن جابر عن أبي عبدالله عليه السلام . قال قال رسول الله صلّى الله عليه و آله يحمل هذا الدين فى كل قرن عدول ينفون عنه تأويل المبطلين و تحريف الغالين وانتحال الجاهلين كما ينفى الكير خبث الحديد.(3)

و في الوافي هكذا - روى عن النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم انه قال يحمل هذا

ص: 434


1- الصحيفة السجادية دعائه السابع و الأربعون ليوم عرفة.
2- الوافي باب البدع و الرأى ص 45 و ص 56 طبع حاج مهدی.
3- الوسائل : ج 18 ص 109 حديث 43.

العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل يحنا عمله الجاهلين.(1)

و عن أبي عبد الله عليه السلام انه قال ان العلماء ورثة الأنبياء و ذاك أن الأنبياء لم يورثوا درهماً و لا ديناراً و انما اورثوا أحاديث من أحاديثهم فمن أخذ بشيء منها فقد أخذ حظاً وافراً - فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه فانّ فينا اهل البيت في كل خلف عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.(2)

و عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام (في حديث) هم نجوم شيعتي احياءاً و أمواتاً هم الذين احيوا ذكر أبي عليه السلام بهم يكشف الله كل بدعة ينفون عن هذا الدين انتحال المبطلين وتأويل الغالين ثم بكى فقلت من هم فقال من عليهم صلوات رحمته احياءً و أمواتا بريد العجلى و ابوبصير و زرارة و محمد بن مسلم.(3)

فقوله(صلی الله علیه و آله و سلم) - ان عند كل بدعة تكون من بعدي يكاد بها الايمان وليا من أهل يذبّ - بيتي يذب . عنه ينطق بالهام من الله - الخ كما في الرواية الأولى.

منح الطلاق مساامله أو قوله(صلی الله علیه و آله و سلم)- يحمل هذا الدين في كل قرن عدول - الخ كما في الثانية .أو قوله(صلی الله علیه و آله و سلم)- يحمل هذا العلم في كل خلف عدوله - الخ كما في الثالثة .

ملعقة ملها أو قوله(علیه السّلام)- فان فينا أهل في كل خلف عدولاً - الخ كما في الرابعة .

تكون كلمة (في كل قرن - أو عند كل بدعة - أو في كل خلف) وكذا كلمة - عدول - ولاسيما بصيغة الجمع قرينة على ان المراد ليس هو الإمام الأصل المعصوم حتى الإمام الثاني عشر الحجّة الغائب صلوات الله عليه فانه عليه السلام في القرون بعد غيبته يكون واحداً و الرواية الأخيرة صريحة في تطبيق هذا العنوان على أكابر علماء الشيعة مثل الأربعة الذين ذكرهم الإمام الصادق عليه السلام وبكى عليهم.

فيعلم من ذلك و من نفس دعاء الصحيفة ان المراد من القسم الثالث الذين صلى عليهم الإمام السجاد عليه السلام هم هؤلاء.

ص: 435


1- الوافي : ج 1 باب فضل العلماء ص 39.
2- الوافي : ج 1 و 3 باب فضل العلماء ص 39.
3- الوسائل : ج 18 ص 105 حديث 25.

فلينظر الإنسان إلى طعامه . قال الإمام الباقر و الإمام الصادق عليهما السلام - يعنى -

علمه الذي يأخذه عمّن يأخذه.(1)و قال الصادق(علیه السّلام)في الرواية السابقة - ان العلماء ورثة الأنبياء (إلى قوله) فانظروا علمكم هذا عمّن تأخذونه .

فنستفيد أن المراد من قوله تعالى - كلا إنها تذكرة فمن شاء ذكره في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدى سفره كرام بررة - أن علم القرآن و مقام الدعوة إلى الإسلام و تزكية الناس و زعامة المسلمين بأيدى سفراء الله من رسول الله صلّى الله عليه و آله إلى خلفائه المعصومين الأئمة الطاهرين المعصومين من أهل بيته الإثنى عشر ثم إلى من يحذو حذوهم و يقتدى بقدوتهم من فقهاء الدين من عدول المؤمنين المخلصين الذين اتبعوا أئمتهم برضوان فرضي الله عنهم و رضوا عنه .

وفي روايات كثيرة عن الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم ارشاد إلى ما ارشد إليه هذه السورة المباركة في أخذ معالم الدين و عمن يؤخذ منه و من يصلح لتزكية المسلمين و الدعوة الإسلامية و من يكون مرجعاً للمؤمنين في أمور دينهم و منهج إسلامهم.

فهذه نقطة حسّاسة لو إنحرف أحد عنه و لو يسيرا لزل وضل عن الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين و الصالحين فالمتقدم عنهم مارق و المتأخّر زاهق - و اللازم لهم لاحق.

و هذه هي النقطة المركزية لدائرة الإسلام و رحى المسلمين يدور الإسلام وصلاح المسلمين على حول هذه النطقة ولذا ترى القرآن و روايات النبي والأئمّة صلوات الله عليهم يؤكد على المسلمين أن يسيروا و يحفظوا سيرهم حول هذه النقطة - وفي هذه السورة يصرح و يقول : ﴿كلاً إنّها تذكرة فمن شاء ذكره في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة - بأيد سفرة كرام بررة﴾.

ثم يقول : ﴿فلينظر الإنسان إلى طعامه﴾.

ويقول الإمام الباقر و الإمام الصادق عليهما السلام : يعنى علمه الذي يأخذه عمّن يأخذه.(2)

ص: 436


1- تفسير البرهان ج 4 ص 429 نقلاً عن الكليني و المفيد في الإختصاص.
2- تفسير البرهان : ج 4 ص 429.

لها الروايات في تفسير السورة او في ظلالها

وهناك روايات عن المعصومين صلوات الله عليهم في تفسير هذه السورة تشير إلى ما ذكرناه في تفسيرها - و هذه الروايات وإن كانت قليلة ، وحقها أن تكون قليلة ، فإنها بقايا ممّا جد واجتهد عليها الأئمة المعصومون(علیهم السّلام)فى بيان الحقيقة وجاهد شيعتهم على صيانتها عن خيانة الدهر الخوان و - في قبالهم حكام الجور وأيادى الخونة المستغلبة على كيان المسلمين وحكومتهم قد حاربوا كل من يقابلهم ويخالفهم من المسلمين وأئمتهم وحكموا عليهم بالقتل والسجن والتشريد وعلى حياتهم بالغلق والإضطراب والخوف وعدم الأمن في أوطانهم بل وحتى بالنسبة إلى بعضهم في جميع بلاد المسلمين مع سعتها ورحابتها لغيرهم.

نعم هى القليل مما استحفظ من أمواج الفتن الكثيرة حتى وصل إلى أزمنة آمنة و مكالما النية إلى الآن وصل إلينا.

فلايجوز لنا أن نعبر عنها من دون وقفة وتدبّر وتحليل وتعميق النظر فالحكومات الغاصبة التي تريد أن تأخذ على زعامة المسلمين في قبال حكم الله بتعين الزعامة في صاحب الرسالة و أوصيائه المعصومين والتي تحرّف كلم القرآن عن مواضعها و يحوّلون العتاب و الذم والردع في هذه السورة عن أنفسهم و من يماثلهم إلى النبي الأعظم الخاتم صلّى الله عليه وآله و يستأجر أقلام الرواة والمحدثين ممن اشتروا الضلالة بالهدى على وضع الأحاديث الكثيرة وتدوينها في كتبهم - كيف يستريحون عن أئمة الهدى ومصابيح الدجى حتى يعارضوهم ببيان الحق وكشف الحقيقة في تفسير السورة و يفتضح الباطل و أهله - حاشا وكلاً - فما كانت المحاربة و المعارضة بين أئمة الهدى وأتباعهم وشيعتهم و بین الخلفاء الجائرين و حاشيتهم الا على أمثال ذلك من بيان الحق و اعلائه و إمحاق الباطل و اضمحلاله - فقلة ما وصل الينا من الروايات والآثار عن المعصومين عليهم السلام في تفسير هذه السورة ليست على خلاف الإنتظار - بل وجود هذه البقايا من الروايات ممّا يدلّ على انّ الله تعالى أنجز وعده حيث يقول(1)

ص: 437


1- سورة الحجر : آیه 9.

﴿إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾و قد سبق أن ذكرنا أنّا لله سبحانه اودع في نفس السورة قرائن و شواهد كثيرة ترشد إلى الحق والحقيقة في تفسيرها لمن تدبّر فيها - ثم أمر بالتدبّر في القرآن-(1)أفلا يتدبرون القرآن-.

وإلیك بهذه الوایات

1 - عليّ بن إبراهيم - كلا إنها تذكرة - قال القرآن - في صحف مكرمة مرفوعة - قال عند الله - مطهرة - بأيدى سفرة - قال بأيدى الأئمة - كرام بررة .

قوله بأيدى الأئمة - من باب التطبيق على بعض المصاديق فانه انما يصل بأيديهم من أيدى النبي صلى الله عليه و آله - كما أن ايدى العلماء من شيعتهم أيضاً مثلهم كما سيأتي في رواية مجمع البيان .

2- محمد بن العباس عن الحسين بن أحمد المالكي عن محمد بن عيسى عن يونس عن خلف بن حماد عن أبي أيوب الحذاء عن أبي عبدالله عليه السلام - في قوله تعالى - بأيدى سفرة كرام بررة - قال هم الأئمة-.(2)

3- مجمع البيان - قال روى الفضل بن يسار عن الصادق عليه السلام - قال الحافظ للقرآن العالم به مع السفرة الكرام البررة-.(3)

و في هذه الرواية يذكر الإمام الصادق صلوات الله عليه أن الحافظ للقرآن على عموم معنى كلمة الحفظ للقرآن (من حفظه على ظهر القلب و حفظ حدوده و أحكامه و معارفه في نفسه و أعماله وأفعاله و من يحيط به من إنسان و جامعة و غير ذلك) - العالم به (على عموم معناه و شموله بالنسبة إلى جميع معارف القرآن و أحكامه و فنونه و سننه و آدابه و غير ذلك) يكون مع السفرة الكرام البررة - وهذا هو الذي استفدناه من تفسير هذه السورة و من دعاء الإمام زين العابدين صلوات الله عليه في الصحيفة السجادية و أن فقهاء الدين الحافظون لحدود الله و علومه و معارفه هم في إمتداد السفارة الإلهية للدعوة

ص: 438


1- لنساء : 82 ، محمد : 24.
2- تفسير البرهان : ج 4 ص 428.
3- تفسير نور الثقلين : ج 5 ص 510.

القرآنية ﴿قل هذه سبيلي ادعو إلى الله على بصيرة أنا و من اتبعنى و سبحان الله و ما أنا من المشركين﴾.(1)

فالسفرة لا ينحصر في وسائط الوحى من الله سبحانه من الملئكة بل تشمل من أوّل الوسائط من الله سبحانه إلى آخر من يصلح لتبليغ الدعوة الإسلامية الذين جعل الله سبحانه بأيديهم زعامة ذلك - و منهم «من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً على - هواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه».(2)

ففي هذه الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام اشار إلى انهم مع السفرة الكرام البررة مشيراً إلى تفسير الآية من سورة عبس .

4 - في كتاب الاحتجاج عن امير المؤمنين عليه السلام (في حديث قتل الانسان ما اكفره ای لعن الانسان.(3)

وفي ناليها الله بالة ولله و في هذا الحديث دلالة ، اوّلا: على ان هذه الجمله لعن و شتم كما قدمناه و قربناه لا دعا عليه كما زعمه سيّدنا الاستاذ العلامة الطباطبائى قدس سره و ثانياً على استحقاق مورده اللعن عليه من الله سبحانه و هذا مرشد الى ان المراد من - الانسان في - قتل الانسان هو العابس المذكور فى صدر السورة بما أنّه تصدى لمنصب الخلافة عن رسول الله صلى الله عليه و آله و جعل نفسه مكانه في مقام التذكية و الدعوة الاسلامية ليتصدّى خلافته بعده ويستوجب ضلالة النّاس عن الاسلام كما فعل انموذجا مما في نفسه مما ذكر فى صدر السورة و الا فمجرد ما فعله من العبوس على الاعمى الفقير المؤمن لفقره و عماه و التصدّى والاقبال الى الغنى المترف او من استغنى عن الاسلام لا يستوجب اللعن الخالد من الله سبحانه و لاسيما اذا كان العابس مسلما مؤمناً كما هو الظاهر من الايات و الروايات.

5 - محمد بن يعقوب ... عن زيد الشحّام عن ابي عبد عن زيد الشحام عن ابي عبد الله عليه السّلام في قوله تبارک و تعالى ﴿فلينظر الانسان الى طعامه﴾ قلت ما طعامه؟ قال علمه الذى يأخذه

ص: 439


1- سورة يوسف : 108.
2- الإحتجاج : ج 2 ص 40 ، الوسائل : ج 18 ص 94.
3- نور الثقلين ج 5 ص 510.

عمن يأخذه(1)

و في هذه دلالة اوّلاً على ان العمدة في الطعام المذكور (سواء كان المراد خصوص الطعام الروحى و ان ما ذكره تعالى مما يخرج من الارض يمثليها كما اشرنا اليه او المراد الاعم منه و من الطعام الجسمى كما مرّ ذكره) هو العلم و انّ العمدة في صفائه وكدورته هو صفاء من يأخذ عنه وكدورته و ثانيا على ان قضية مطالب السورة من أولها الى اخرها يدور حول العلم ممن يأخذه لا اشياء اخر مما ذكره المفسرون من ملاحظة حال الفقير الاعمى المؤمن في قبال اشراف الكفار و امثال ذلک و ثالثا بهذه الجملة المذكوره في هذا الحديث تنتظم السّوره من اولها الى اخرها كما مر بيانه، و رابعاً على ان اهداف السورة يدور حول العلم والهداية و التذكية و بيان أنه ممن يأخذه عنه و من لا يأخذه عنه و على ظل هذا البيان يفتتح ابواب العلم بمقاصد السورة و اهدافها لمن تدبّر في السورة من اوّلها منضمّا الى اخرها و استضاء بهذه الرواية

6 - الشيخ المفيد فى الاختصاص عن محمد بن الحسن الصفار عن يعقوب بن يزيد عن ابن ابى عمير عن زيد الشحام عن ابى جعفر عليه السّلام في قوله تعالى ﴿فلينظر الانسان الى طعامه﴾ قال علمه الذى يأخذه عمّن يأخذه فلينظر الانسان الى طعامه.(2)

7 - على بن ابراهيم في تفسيره قال - ثم ذكر اعداء آل الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)﴿وجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة﴾ اى فقراء من الخير و الثواب.(3)

و علی بن ابراهیم شیخ اكابر المحدثين كامثال الشيخ الكليني لا ينطق الا عن لسان الاحاديث ولاسيما في تفسير القرآن الذى لا يفسّر بالرأى فهذا يكشف عن وجود الاخبار الدالة على مقاتلته وعلمه بذلك و انّ هذه السورة من اوّلها الى اخرها فى اعداء ا ثمّة الدين من آل الرسول صلوات الله عليهم و انّ العابس في اولها كان يريد ان يقبض زمام الزعامة والخلافة الاسلامية فهو و من كان يحذوا حذوه و يمشى على منهاجه في غصب الخلافة و من يتبعونهم وجوههم هكذا ﴿وجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قتره﴾

ص: 440


1- تفسير البرهان ج 4 ص 429.
2- تفسير البرهان ج 4 ص 429.
3- تفسير البرهان ج 4 ص 429.

فهذا ايضا يؤيّد و يؤكد ما ذكرناه فى تفسير هذه السورة.

8- و من ذلك ما روينا عن شيخنا شيخ الاسلام الشريف عبدالرؤف المناوى عن شيخه الشريف الطباطبي كان بخلوته التى بجامع عمرو بن العاص بمصر العتيقه فتسلّط عليه رجل من امراء الاتراك يقال له قرقماس الشعبانى و اخرجه منها فاصبح السيد يوما فجائه شخص و قال له رأيتك الليلة فى المنام جالسا بين يدى النبى صلى الله عليه و آله و هو ينشد هذين البيتين:

يا بنى الزهراء والنور الذى *** ظنّ موسى انه نار قبس

لا اوالى الدهر من عاداكم *** انه اخر سطر في عبس

ثم اخذ عذبة سوط فعقدها ثلاث عقدات - قال شيخنا المناوى - فكان من تقدير الله عزّوجل ان ضربت رأس قرقماس فلم يضرب الا بثلاث ضربات - فكان ذلك السوط من قبيل فصبّ عليهم ربك سوط عذاب(1).

و هذه الرؤيا الصادقة المشاهدة فى الخارج تعبيرها عن رسول الله صلى الله عليه و آله الذى لا يتمثل الشيطان به فى الرؤيا كما في روايات عن المعصومين عليهم السلام و قد رواها من رايت من كبار علماء العامة تدلّ على انّ السّورة من اوّلها الى اخرها ناظرة الى شرائط تولية الزعامة الاسلامية و القرانية و من لايليق بها و من يليق لها و من يصلح و من لا يصلح بلحن اكيد شديد لايتسامح في بعد من ابعاده.

نعم القضية و ان كانت بالنسبة الى واحد من بنى الزهراء عليها السلام لاخصوص الائمة الطاهرين صلوات الله عليهم اجمعين الا انه اشار صلوات الله عليه الى مطلق اعدائهم الناشئة عداوتهم من المقابلة فى مسئلة الخلافة فلولاها لم تكن هذه العداوة بل كان ابناء الزهراء عليها السلام في قبال الخلفاء كغيرهم بل لعلهم يمتازون بكثرة الحنو و العطوفة و لو رياء عند النّاس.

الى هنا فلنختم الكلام فى تفسير هذه السورة المباركة وقد طال الكلام وكثر المباحث فيها بعد الفراغ عما كان مقصودنا من الأجوبة عن العثرات الواقعة فيها قبل سنين

ص: 441


1- ينابيع المودة ج 2 ص 104 وج 3 ص 45 للشيخ سليمان بن ابراهيم المعروف ب- خواجه کلان البلخي القندوزي.

كثيرة ، ثمّ الحقنا بها مباحث العصمة و ما بعدها لما رأينا من لزوم الحاقها بها و عدم تمامية الكلام في تفسيرها الا بها، كل ذلك رجاءاً ان يكون خدمة للنبي الاكرم الخاتم صلى الله عليه وآله و القرآن و دين الاسلام و ان يكون ذخراً ليوم فقرى و فاقتى يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم و يكتبه الله في ديوان حسناتي و يغفر عن سیئاتی و زلاتی و یجعله وسيلة لشفاعتي و الحمد لله اوّلاً وآخراً وصلى الله على محمد و آله الطيبين الطاهرين - كتبه بيمناه الأئمة الراجي رحمة ربه في الدنيا و الآخرة - مصطفى شريعت الموسوى و هذا هو الخامس و العشرون من شهر ربيع الثاني سنة 1417 القمرية من الهجرة النبوية(صلی الله علیه و آله و سلم).

ص: 442

فهرست كتاب (العَسَس في تفسير سورة عبس)

خطبة الكتاب ... 3

الداعي الى تأليف الكتاب ... 4

السورة والروايات في فضلها ... 6

الورود فى تفسيرها و بيان قسمة من مفرداتها ... 8

اقوال علماء الامامية فى سبب النزول ... 9

قول الشيخ الجليل المتقدّم المحدّث على بن ابراهيم القمّى فى تفسيره ... 10

كلام سيدنا المرتضى علم الهدى فى كتابه تنزيه الانبياء ... 11

كلام الشيخ الاجل شيخ الطائفة الطوسي في التبيان ... 12

كلام العلامة الحافظ المفسر محمد بن علی بن شهر آشوب السروى في متشابهات القرآن ... 13

كلام الحسين بن على العلوى من علماء القرن الخامس ... 14

كلام شيخنا الطبرسي في مجمع البيان البيان ... 15

كلام العلامة الفقيه السيد بن طاوس فى سعد السعود ... 17

كلام الشيخ الكبير المفسّر ابى الفتوح الرازي من القرن السادس ... 18

كلام صاحب منهج الصادقين من القرن العاشر ... 20

كلام العلامة السيد عبدالله الشبل المتوفى سنة 1242...22

سنة 1242 كلام العلامة المحدث القاساني المتوفى سنة 1091 ... 22

كلام العلامه الشيخ محمد جواد البلاغى المتوفى سنة 1352 ... 23

ص: 443

اعتراض من المسیحیین و اعجوبة شیخنا البلاغی عنها ... 24

تحقيقات لشيخنا البلاغي في ردّ قول من قال من العامة بنزول السورة في شأن النبي صلى الله عليه و آله ... 25

مناقضات شيخنا البلاغي على المسيحيين فيما قالوا في الطعن على رسول الله صلى الله عليه وآله في شأن نزول سورة عبس ... 25

بيان شيخنا البلاغى لأضطراب روايات العامة في ذلك ... 27

تشبّث المسيحيين للخدشة في عصمة النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)ببعض الايات ... 28

اجوبة شيخنا البلاغى عمّا ذكره المسيحيون ... 28

كلام سيدنا الاستاذ العلامة المحقق السيد محمد حسين الطباطبائي في (الميزان) ... 30

تمحيص و تلخيص لأدلّة علماء الامامية في نزولها في غير النبي صلى الله عليه و آله ... 34

1- رواية ان الايات نزلت في عثمان عفان ...34

2- ظاهر آيات هذه السورة غير دال على توجّهها الى النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) ... 35

3- بل في نفس السورة مايدل عند التأمل على ان المعنى بها غير النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) ... 35

4- ارجاع الضمائر فى هذه السورة الى النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)فاسد، لمخالفة ذلك لآيات اخر ... 36

5- النبى لابد ان يكون منزّها عما يوجب التنفير واى تنفير ابلغ من العبوس فى وجوه المؤمنين والتلهى عنهم والاقبال على الاغنياء الكافرين ... معارضة هذا التفسير لما ثبت من سيرته(صلی الله علیه و آله و سلم) ... 37

قبح ترجیح غنى الغنى (وليس ملاكاً لشيء من الفضل) على كمال الفقير وصلاحه ... 37

8 - معارضة ذلك لما ثبت من قطعیات سیرته و تاریخه(صلی الله علیه و آله و سلم)... 37

9 انه مبعوث ليتمم مكارم الاخلاق علماً وعملاً ... 37

10- على ما ذكره روايات العامة، الذى يستحق المعاتبة هو الاعمى لا ...

ص: 444

النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)... 38

اعتراف الفخر الرازى باستحقاق الاعمى للمعاتبه و عذره له ... 38

و الجواب عن اعذاره ... 39

نظرة عابرة في الروايات المفسّره ... 42

الروايات المفسرة عن طريق الشيعة وتوضيحها ... 42

الروايات المفسرة عن طريق العامه ... 52

محاكمة مختصرة للروايات المفسّرة عن العامة ... 52

كلام فى سند الروايات و بیان انقطاعها و ارسالها و بیان ضعف بعض رواتها ... 54

اضطراب الروايات و تضادها من جهات ... 57

الاولى فيمن جاء النبي و تصدّى له ... 57

الثانية الاعمى و اسمه و نسبه ... 59

الثالثة فى استخلافه على المدينة و اضطراب الروايات فيه ... 61

مناقضات على استخلافه ... 62

الرابعة فى اذانه و اضطراب الروايات فيه .... 64

موجبات الوهن فى متن هذه الروايات و آثاره ... 67

آثار الوهن في متن الروايات و جمله اللواء يوم القادسية ... 69

تصوير الجو الحاكم قبال رسالة الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) ... 72

الاستدلال بالآيات على كذب تلك الروايات، وتلك الآيات كثيرة ... 77

1- آية التطهير ... 77

2- لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنه (الايه) ... 79

3- ولولا ان ثبتناك لقد كدت تركن اليهم (الايه) ... 79

4- ما ضل صاحبكم و ما غوى وما ينطق عن الهوى ... 79

5- محمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم ... 80

6- لقد جائكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم ...80

7و- لا تطرد الذين يدعون ربهم الى قوله - فتطردهم ... 81

ص: 445

8و- لو كنت - ولوكنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ...

9- و انك لعلى خُلُقٍ عظيم ...

كشف الحقيقة من نفس سورة عبس ...

اشكال على تفسيرهم من حيث البلاغة ...

ما اجيب به عن الاشكال ...

بيان فساد ما أجابوا به عن الاشكال ...

توضيح الحال في الايات وكشف الحق ...

التوضيح للالتفات من الغيبة الى الخطاب و من الخطاب الى الغيبة و بيان مواردهما من حيث مقتضى الحال والبلاغة ...

تطبيق الايات من الغيبه الى الخطاب في السورة ونتيجته ...

ما تصوّره تلك الايات من مجلس النبي (ص) و من عبس حتى نزل في شأنه تلك الايات ...

هذه الايات تسفر عن وجه الحقيقة و انه من يليق لشأن الدعوة والزعامة الاسلامية و من لا يليق بها ...

فى ضوء ما استظهرناه فلننظر ماذا تقول تلك الايات الكريمة ...

الدعوة و الزعامة الاسلامية بأيدى سفراء الله و هم كرام بررة و لاشأن في ذلك لمن عبس و تولى ان جائه الاعمى و تصدى لمن استغنى ...

كلام للبخارى صاحب الصحيح و الاعتراض عليه ...

تحقيق في كلمة كلا والاستمداد فيه من كلام شيخنا الطوسي و نجم ...

الائمه الرضى و الاعتراض على شيخنا الطبرسي في مجمع البیان ...

الايات تنادى باعلى صوتها بان الدعوة القرانية مرفوعة مطهرة ...

عن كل ما ينافيها و بأيدى سفرة كرام بررة مطهرين لابيدى ...

من هو مغلوب تحت مناظر اصحاب الاموال والعشائر و يتقدّر عن ...

المؤمن الفقير الاعمى لفقره و عماه ...

عرض الآيات على التاريخ يكشف العبوس ...

ص: 446

شهادة سيرة عثمان بن عفان خصوصاً و بني امية نوعا و اكثراً على ان العبوس هو أو منهم شهادة سيرة عثمان بن عفان على انه المعنى به ... 104

ما فعله عثمان بعبدالله بن مسعود ... 105

ما فعله عثمان بعمّار بن ياسر ... 107

ما فعله عثمان بأبي ذر ... 108

اعداء النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)من اهل الكتاب و ما لعبوا به وطعنوا حول هذه السورة ... 112

عثرات و زلات و اجوبة عنها ... 115

1- كتاب مخزن العرفان للسيدة الجليلة حسنة الدهر و مفخرة نساء العصر دامت بركاتها - كلامها ... 116

الجواب عنها ... 116

2- کتاب (پرتوی از قرآن) للعلامة المجاهد المفسّر الخبير السيد محمود الطالقاني دام ظله - كلامه ... 119

الجواب عنه ... 119

کلامه ... 121

الجواب عنه ... 121

كلامه .... 123

الجواب عنه ... 123

کلامه ... 125

الجواب عنه ... 125

كلامه ... 127

الجواب عنه ... 127

ما ذكره صاحب کتاب (تفسیر نوین) ... 131

الجواب عنه ... 132

كلام المحدث القاسانى فى عدم تعويل على اقوال غير المعصومين من المفسرين ... 132

ص: 447

كلام العلامة البلاغى فى عدم حجية آراء المفسرين ... 133

ترجمة مختصرة للسدّى و الكلبى (هشام و ابوه محمد بن السائب)... 136

تفسير كلام الشيخ الطوسى (ممن حمدت طرائقه ومدحت مذاهبه)... 137

کلام (تفسیر نوین) ...137

الجواب عنه ... 138

كلام فى الكاشفى وكتاب تفسيره... 139

کلام (تفسیر نوین) ... 141

الجواب عنه ... 141

کلام (تفسیر نوین) ... 143

الجواب عنه ... 143

كلام (تفسیر نوین) و ما نسبه الى العلامه مما لم يقل به... 145

ما يوجب سوء الظن بنقليات (تفسیر نوین) ... 146

كلام السيد المرتضى في تنزيه الانبياء - و الغرر و الدرر... 147

كلام (تفسير نوين) في فوائد العتابات في القرآن الاولى ... 150

الجواب عنه ... 151

الثانية - و الجواب عنه ... 151

الثالثة - و الجواب عنه ... 151

الرابعة - و الجواب عنه ... 152

الخامسة - و الجواب عنه ... 153

السادسة - و الجواب عنه ... 156

کلام (تفسیرنوین) ... 159

الجواب عنه ... 160

کلام (تفسیرنوین) ... 164

الجواب عنه ... 164

کلام (تفسير نوين) في الخاتمة ... 169

ص: 448

الجواب عنه ... 170

کلام (تفسیرنوین) و اعتراضه على السيد المرتضى ... 175

الجواب عنه و بیان ما افترى على الشيخ الطبرسي ... 175

کلام (تفسیرنوین) و تجاسره على السيد المرتضى فيما يعرفه اصاغر الطلبة ... 176

الجواب عنه و عما طعن به على السيد و الشيخ ابى الفتوح والسروى ... 178

کلام (تفسیر نوین) و ذکره المؤيدات لمختاره 1 و 2... 183

الجواب عنه ... 184

المؤيد 3 ... 189

الجواب عنه ... 189

المؤيد 4 ... 190

الجواب عنه و توضیح مفترياته في نقلياته ... 191

المؤيد5 ...198

الجواب عنه .... 200

صاحب (قاموس قرآن) من العلماء المعاصرين دامت بركاته ... 204

كلامه في كلمة (عبس) ... 204

الجواب عنه ... 205

كلامه في كلمة (سفر) ... 207

الجواب عنه ... 209

الاضطراب في بعض التفاسير وجعل المعاتب غير النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)ثم ارجاع بعض الضمائر اليه(صلی الله علیه و آله و سلم) ... 212

ما المحمل الصحيح لهذا الاضطراب و التضاد ... 214

تأثير العثرات في بعض التراجم الفارسية ... 215

امعان النظر مرة اخرى فى تلك الروايات لكشف الحقيقة ... 218

دلالة مجاملة عثمان بعد رياسته مع بعض من في الروايات انه ممن تصدى له او ابنائهم او امثالهم من اشراف المشركين ... 219

ص: 449

مجاملة عثمان ايام رياسته مع اشراف المشركين و ترفیع درجاتهم بين المسلمين ... 220

امارات و قرائن في نفس سورة عبس تدل على رجوع الضمائر الى عثمان دون النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) ... 223

کلام موجز في معنى العصمة و عصمة الانبياء و الائمة عليهم السلام ... 226

الاجماع من الامامية على عصمة الانبياء و الائمه ... 227

ما ذكره الشيخ الجليل ابوالصلاح الحلبي ... 228

موجز مما ذكروه استدلا لا على لزوم العصمة... 230

ما ذكره العلامه السيد عبدالله شبّر ... 231

ما ذكره هشام بن الحكم في العصمة ... 236

ما ذكره المحقق الكراجكى فى كنز الفوائد ... 236

ما ذكره المحقق الطوسى و العلامة فى العصمة في التجريد وشرحه ... 237

ما ذكره العلامة في نهج المسترشدين في تفسير العصمة و جملة مما قيل فيه و ما يرد عليه ... 239

ما ذكره المحقق الطوسى فى كتابه (قواعد العقائد) في معنى العصمة ... 239

ما ذكره العلامة في كتابه (كشف الفوائد)في معنى العصمة ... 240

تذييل لكلام المحقق الطوسي و التحقيق فيه ... 241

ما ذكره الشيخ المفيد فى معنى العصمة في شرح عقائد الصدوق ... 241

بیان بعض ابعاد تحقيقاته و افاداته ... 242

بعض ما يرد عليه من الابهام او الاشكال عليه ... 243

ما ذكره السيد المرتضى فى (الغرر و الدرر) في معنى العصمة ... 243

ما ذكره الشيخ الصدوق في رسالة الاعتقادات ... 245

ما ذكره على بن عيسى الاربلى في كشف الغمّة ... 245

تمحیص و تذييل على كلام كشف الغمة ... 247

ص: 450

الادعية ... 250

تذييل كلام صاحب البحار و ما يرد عليه ... 251

ما ذكره المحقق الطوسى و العلامة فى التجريد وشرحه فى توضيح العصمة ... 253

تمحيص و تذييل على ما ذكره المحقق الطوسى والعلامة قدهما ... 254

ما ذكره العلامه الشيخ محمد رضا المظفر ... 255

ذكر ما يرد عليه من المناقشات ... 256

قول آخر في تعريف العصمة ... 257

بعض ما يرد على هذا التعريف من الاشكال ... 258

ما ذكره سيدنا الاستاد العلّامة الطباطبائی قدس سره ... 259

النظر فيما ذكره دام ظله و المناقشات عليه ....263

ما ذكره الراغب الأصفهاني في مقرداته تمحيص و تذييل على ما ذكره الراغب ...264

ما ذكره السيد الخوئى شارح نهج البلاغه في تفسير العصمة... 265

تنقیح و تمحيص على كلام شارح النهج في تفسير العصمة... 267

ما ذكره الشيخ المفيد قده في اوائل المقالات في معنى العصمة ... 268

القول في عصمة الائمة(علیهم السّلام)- القول فى ولاة الائمة وهل ولايتهم بالنص اوالاختيار ... 269

ما ذكره الشيح المفيد فيما اضاف الى اخر كتابه في معنى العصمة ... 270

تلخیص و تمحيص على ما ذكره شيخنا المفيد قده ... 271

تلخيص الاقوال فى معنى العصمة و تفسيرها ... 273

فى معرفة العصمه لابد أن يستمد لها من القرآن و اخبار المعصومين عليهم السلام ... 275

تحقيقات حول حقيقة العصمة ... 275

انّ العصمة ليست كلمة شائعة فى الادله الداله على هذه الحقيقه في القرآن و الروايات ليبحث عنها من حيث اللغة ... 275

ان العصمة ليست كالعلم والحلم والشجاعة مختصه بجانب من جوانب النفس بلى هي عنوان اجمالی لارتقاء النفس وعظمتها فى شتى جوانبها ... 276

ص: 451

تعبیر آخر یکشف النقاب عن العصمة ... 278

ذلك (التحقيق) يستنج امور ... 281

1- اذا نفذ في الانسان نقص تنكسر درجة من درجات كماله فلا يصل الى الله ليتلقى الوحى منه فلا يمكن ان بصير نبياً ... 281

2- انّ النّبى هو الذى يصل بطهارته و عصمته و عبوديته الى الكمال المطلق فيتلقى الوحى من ملكه المقرب و مالم يصل الى الكمال فهو منفصل ...281

3- ان النبي لا يمكن ان يكون غير معصوم فانه في قوة ان يقال انه متصل لنبوّته و منفصل لعدم عصمته ... 281

4 - ان النبوة ليست امرا جزا فيا يمكن ان يعطيها الله كل احد من الناس .... 281

5- ان العصمة تحصل من الطهارة... 282

6- من صدر عنه شيء من المعاصى او ظهر منه سيئة حتى قبل البلوغ لايك-ون طاهراً فلا يكون معصوماً فلايليق بمنصب السفاره من الله... 282

7- لا يقتصر في متعلق العصمة بالكبائر و لاحاله العمد بل يشمل جميع الحالات الى جميع المعاصى والصفات الرذيلة ... 282

8- كما ان المعصوم مستمد في وجوده من الله كذالك في جميع ما فيه و ما يصدر منه ...283

9 - ان العصمة امر اختيارى و لو كانت ضرورية الحصول بشرط المحمول... 283

10 - انّ العصمة تنشاء من الطهارة الكاملة و لكن للمعصوم مراحل بحسب مراحل الحياة فيرتقى من الكمال الى كمال فوقه ... 283

بيان لآية التطهير و انه لدفع الرجس في المستقبل لا الرفع ... 284

11 - احتمال امكان التدرّج الى العدالة ثم العصمة لكن لا يناله الامامة و النبوة ... 287

12- المعصوم بعد طهارة ذاته وصفاء قلبه لاحجاب بينه و بين الله سبحانه فهو مؤمن بالله و بكلماته ... 289

13 - الرابطه بين صفاء الروح و بين العمل الصالح و بين مواهب الله هي مما نطق به

ص: 452

القرآن وكذا بين سيئات الاعمال وسقوط النفس الى الشقا ... 290

14 - قد ظهر مما ذكرنا ان العصمة من الذات الى الصفات ثم الى العمل ... 293

العصمة في غير الانبياء و الائمة(علیهم السّلام)... 295

مريم عليها السلام و عصمتها ... 295

فاطمة الزهراء عليها السلام و عصمتها ... 299

جوانب حياتها وكمالها و اوصافها مما برزت منها في سلوكها و عبادتها و معاشرتها و كلماتها ... 300

آثار علمها واتصالها بملائكة الوحى من الله وما كتب عنها من مصحف فاطمة(علیه السّلام)...

خطبتها في محتشد من المهاجرين والانصار و المحاجة على ابی بکر ...306

ذكر عدة ممن ذكر الخطبة في كتابه او اشار اليها... 308

توضيح موجز لبعض جوانب ما يدلّ عليه الخطبة من علمها وكمالها ... 315

قد دلت من القرآن الحكيم آيات على كمالها وطهارتها وعظمة مقامهاعندالله سبحانه ... 316

الاولى - آية التطهير ... 316

المناقشة فيها بانها فى ازواج النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)و الجواب عنها ... 317

القرينة القطعية من الكتاب والسنّه على أن المراد من اية التطهير هم الخمسة ... 318

دون الازواج... 318

حكاية محاورة بين المؤلّف و بين احد من علماء العامة في الجامع الأموي بدمشق الشام الى ان وصل البحث عن آية التطهير ... 319

الآيات من سورة التحريم و روايات الفريقين دلّت على ان آية التطهير لم تكن في شأن ازواج النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)بل المراد منها هم الخمسة من اصحاب الكساء فقط اصحاب الكساء فقط ... 321

الثانيه - آية المباهلة ... 323

اجماع اهل القبلة على انها فى النبى و علی و فاطمه و الحسن و الحسين صلوات الله عليهم ... 324

دلالة الآية على فضيلتهم و قداستهم و عصمتهم ...325

اخر الجزء الاول و تاریخ اتمامه من المسودة الى المبيضة ... 326

ص: 453

الجزء الثانى من الكتاب

آيات فضل الزهراء و عصمتها

الثالثه - آيه مودة ذوى القربى ... 327

روايات الفريقين على ان القُربى هنا على وفاطمة وابناهما عليهم السلام ... 327

البحث التفسيرى عن آيات اجر الرسالة ومودة ذوى القُربى ... 328

لا منافاة بين كون المصداق للآية هم المعصومين(علیه السّلام)و بين استظلال سائر الذرية تحت هذه الاية ... 329

الرابعة - آيات من سورة الدهر ... 331

ذكر كثير من علماء الفريقين و مفسريهم ممن قال ان الآيات في علی و فاطمه و الحسن و الحسين و فضة عليهم السلام ... 332

ما ناقشه الفخر الرازى فى اختصاص الايات بهولاء ... 335

تضعيف الفخر الرازى فى كتب الرجال من العامة ... 335

الجواب عن مناقشات الفخر الرازي ... 336

مافعله هولاء من الصيام و الصدقة ثلاثة ايام كان بنجو من صعوبة العمل و خلوص النية مما لم يسبقهم و لم يلحقهم احد حتى من الرسل ... 338

و لعل فاطمة الزهراء كانت اكثرهم تحملاً من مشقات الواقعة وصعوباتها و عبوديتها ... 339

اشارة الى اربعة عشر من الآيات و الروايات الدالة على طهارتها و عصمتها من دون توضیح ... 340

و ممن تظهر عصمتها من غير رسالة و امامة و نبوّة زينب بنت امیرالمؤمنین و فاطمة عليهم السلام ... 342

ما يدل على عصمتها من كلمات الائمة عليهم السلام ... 342

ص: 454

بعض تلك الادلة تشتمل اختها ام كلثوم ... 343

آثار عصمتها و انها عالمة غير معلمة و فَهَمَةٌ غير مفهمة كثيرة ... 344

1- كانت معلمة لنساء زمانها ... 344

2- ان الحسين عليه السلام اوصى الى اخته في الظاهر ... 3444

3- و ما نقل عنها من الزهد والتقوى والايثار و عبادتها و تهجدها و صبرها و حفظها لثقل اخيها في سفرها الى الكوفة ثم الى الشام ... 344

4- صارت علماً للهداية عند ترادف المصائب و الشبهات على الاسلام و المسلمين ... 344

5 - معارضتها و محاورتها مع يزيد رأس الظلم والطغيان المدعى للخلافة حتى ان يزيد لم يستطع مقابلتها ... 345

خطبتها و ما اشتملت عليه من الدلاله على ابعاد كثيره من علو نفسها و علمها و مکارمها و ارتقائها و ارتفاعها الى درجات الطهاره والعصمة والعلوم النبوية... 347

بعض ما فى هذه الخطبة مما يحتاج الى تحقيق و لم نر من تعرض له ... 349

ذكر بعض الوجوه لحل ما يشكل ... 352

و ممن تظهر عصمته من غير نبوّة ورسالة و امامة على بن الحسين الاكبر عليه السلام ... 355

ما يدل على عصمته من كلمات والده عليه السلام ... 355

ما يدل على عصمته من الزيارات ولاسيما الزيارة من الناحية المقدسة ... 356

و ممن تظهر عصمته من غير نبوة و رساله و امامه سلمان الفارسی رضی الله عنه ... 357

الروايات فى فضله و علمه و انه مُحدّث ... 358

الرواية من الفريقين عن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) - سلمان منا اهل البيت... 358

کلام محى الدين بن العربي في استظهاره العصمة لسلمان من تلك الرواية ...359

علمه بالمنايا و البلايا و الانساب على ما هو عليه واقعاً ... 360

انه ادرك علم الاول و الاخر و انه بحر لا ينزف ... 360

ص: 455

15 - ان للعصمة مراتب متراقية مع اشتراك جميعها في اصل العصمة ... 361

المرتبة الاولى طهارتهم من حين انعقاد وجود ثم تولدهم ...361

ل المرتبة الثانية الطهارة واقداسة في مرتبة النفس ثم الاعمال والصفات والافكار والمعارف والعلوم في هذا العالم ... 362

المرتبة الثالثة ان يكونوا باعمالهم وصفاتهم و افكارهم و معارفهم مرضیون عند الله سبحانه ... 362

فهم كانوا على صفة التقوى من الله سبحانه ... 363

و هم كانوا على خوف وخشية من الله سبحانه ... 363

و هم كانوا محسنين على اطلاق معنى الكلمة فيصدقهم الله على ذلك ... 363

و هم كانوا من اهل البكاء و الخشية حال عباداتهم و السرعة الى الخيرات ...... 364

و هم كانوا ممن اقام الصلوة و آتى الزكوة مرضيّون عند ربهم آمرون بالمعروف و ناهون عن المنكر ... 364

و هم لم يكونوا ظالمين بكل معنى الكلمة من اول امرهم الى آخره ... 365

و هم عرفوا الله تعالى و عبدوه مخلصاً من غير اى شائبه م-ن الش-رك بجميع انحائه و مظاهره ... 366

أنّهم كانوا يرون الحق والحقيقه في روابط الموجودات كلها بالله سبحانه و سلطانه فيها و مجرى فيض الوجود منه سبحانه الى كل شيء ... 367

أنهم فى عباداتهم ومعارفهم كانوا بنحو لا يرتضون الا ما يرضى الله ولا يكرهون الا ما كرهه ولا يحبون الا ما احبه ... 368

انهم كانوا يسيرون الى معارج الكمال و معالى الفضائل الا ان سيرهم من الطهارة الى مراتب الكمال ... 368

انهم كانوا مصونين بعصمة الله و مؤيدين بنصره و تحت عین رعايته في جميع احوالهم ... 369

16 - ادلة خاصة في عصمة نبينا الخاتم صلى الله عليه و آله مضافا الى ما سبق مما يدل عليها من الذكر الحكيم و هي امور ... 372

ص: 456

الأول الآيات التى اردفت طاعة الرسول بطاعة الله و معصيته بمعصيته و ما في معنی ذلك ... 373

الثاني قوله تعالى - والنجم اذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى - الايات ... 375

الثالث ثوله تعالى - ولولا فضل الله علیک و رحمته لهمت طائفة منهم ان الرابع قوله تعالى - و لئن شئنا لنذهبنّ بالذى أوحينا اليك (الى اخره)... 376

الخامس قوله تعالى - لقد منّ الله على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولا (الى اخره و آیتان غيره مثله) .... 377

السادس قوله تعالى - يا ايها النّبي انا ارسلناك شاهدا و مبشرا (الى اخره ...378

السابع قوله تعالى - انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس (الى اخره) ... 380

الثامن قوله تعالى - عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احداً (الی آیتین بعده) ... 383

التاسع قوله - النبى اولى بالمؤمنين من انفسهم العاشر قوله تعالى - انما وليكم الله و رسوله و الذين آمنوا (الی ایه بعده) ... 387

خاتمة لبحث العصمة و موجز القول فيه ...392

التحقيق في بيان نظم آيات السورة و اهدافها ... 393

كلام الاستاذ العلّامة الطباطبائى فى ذلك ... 394

المحقق الفيض القاسانی و فراسته فى ذلك ... 394

بيان نظم السورة من السيد القطب المصرى فى تفسيره (فى ظلال القرآن) ... 395

بعض المناقشات على السيد القطب ... 397

الامقاطع فيها متقاطعة بل لها موضوع واحد له فصول... 397

اهداف العابس فى تعريض نفسه و السورة في تعقيبه ... 400

للسورة موضوع واحد له فصول ... 401

الفصل الأوّل من السورة ... 401

الفصل الثانى من السورة ... 404

الفصل الثالث من السورة ... 406

ص: 457

الفصل الرابع من السوره ... 408

التحقيق فى تفسير الطعام (فلينظر الانسان الى طعامه) ... 410

طعام الانسان - المعنوى و الجسمي ... 411

جولة حول الانسان وما يرتبط به من التغذية ... 412

آیات و روايات فى تأثير الاطعمة فى الأعمال و الصفات و السجايا ... 414

الفصل الخامس من السورة وخاتمة السورة ... 417

الي رجوع الخاتمة مطلع السورة في جوانب كثيرة ...418

فى اهداف السورة و ما وجهت اليه ... 421

التقارن بين ما في سورة عبس و بين ما فى سورة الاسراء من رؤياء النبي صلى الله عليه و آله الفتنة الكبرى والشجرة الملعونة ... 422

التحريف فى بعض الروايات وما فيها من المناقشة ... 423

انكشاف اهداف السورة في امور - الأول - الثاني ... 426

الثالث - الرابع - الخامس ... 427

السادس من اهداف السورة ... 429

اجمال الكلام و تلخیصه ... 430

مراتب ثلاث لمنهاج الرسول صلى الله عليه و آله ... 431

الصلوات في الصحيفة السجادية لاصحاب المراتب الثلاث ومن تبعهم - صلواته على رسول الله صلى الله عليه و آله ... 432

صلواته على خلفاء رسول الله الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم ... 432

صلواته على حفاظ الدين فى كلّ آوان و زمان ... 433

صلواته على المتبعين منهجهم المؤتمين بأمامتهم ... 433

الرجوع من دعاء الصحيفة الى سورة عبس

تفسير كلام الامام السجاد من روايات أخرى عن المعصومين ع ... 435

الروايات فى تفسير السورة او فى ظلالها مما يؤيد ما فسرناه ... 437

ص: 458

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.